حرب الجمل
الجذور .. التداعيات .. الشبهات
نجم الدين الطبسي
الترجمة والتدقيق : كاظم الخاقاني وأحمد كاظم سلمان
الجزء الثاني
الطبعة الأولى كربلاء، العراق: العتبة الحسينية المقدسة قسم الشؤون الدينية، 2023 / 1444 للهجرة.
2 مجلد؛ 24 سم. (العتبة الحسينية المقدسة ؛ 1274) ، ( قسم الشؤون الدينية؛) يتضمن ارجاعات ببليوجرافية.
1. علي بن أبي طالب (عليه السلام) الامام الاول، 23 قبل الهجرة- 40 للهجرة - معركة الجمل، 36 للهجرة. 2. معركة الجمل، 36 للهجرة. .3 . التاريخ الإسلامي --عصر صدر الإسلام، 610-661. 4. المعارك الحربية الإسلامية - عصر صدر الإسلام، 610-661.
أ. العنوان.
DS38.1.T337 2023
تمت الفهرسة قبل النشر في شعبة نظم المعلومات التابعة لقسم الشؤون الفكرية والثقافية في العتبة
الحسينية المقدسة.
التصميم والاخراج الفني محمد صاحب المعمار
محرر الرقمي: هاجر صداقت
ص: 1
الطبسي، نجم الدين، 1355 للهجرة - مؤلف.
حرب الجمل / نجم الدين الطبسي -
الطبعة الأولى كربلاء، العراق: العتبة الحسينية المقدسة قسم الشؤون الدينية، 2023 / 1444 للهجرة.
2 مجلد؛ 24 سم. (العتبة الحسينية المقدسة ؛ 1274) ، ( قسم الشؤون الدينية؛) يتضمن ارجاعات ببليوجرافية.
1. علي بن أبي طالب (عليه السلام) الامام الاول، 23 قبل الهجرة- 40 للهجرة - معركة الجمل، 36 للهجرة. 2. معركة الجمل، 36 للهجرة. .3 . التاريخ الإسلامي --عصر صدر الإسلام، 610-661. 4. المعارك الحربية الإسلامية - عصر صدر الإسلام، 610-661.
أ. العنوان.
DS38.1.T337 2023
تمت الفهرسة قبل النشر في شعبة نظم المعلومات التابعة لقسم الشؤون الفكرية والثقافية في العتبة
الحسينية المقدسة.
التصميم والاخراج الفني محمد صاحب المعمار
ص: 2
بِسْمِ اللَّهِ الرَّحْمَنِ الرَّحِيمِ
ص: 3
ص: 4
ص: 5
ص: 6
بعد وصوله إلى البصرة، انتظر الإمام (علیه السّلام) ثلاثة أيام قبل أن يشرع بإرسال مبعوثيه إلى أهل البصرة يدعونهم إلى العودة إلى طاعته والانضمام إلى سائر المسلمين. ولكنه لم يتلق منهم جواباً (1).
حين عاد رُسل الإمام(علیه السّلام) من سفارتهم إلى طلحة والزبير وعائشة، قام (علیه السّلام) وخطب في الناس مبتدئاً بالحمدلله والثناء عليه والصلاة والسلام على محمد (صلّی اللَّهِ علیه وَ آلِهِ وَ سَلَّمَ ) ثم قال: يا أيها الناس! إني قد راقبت هؤلاء القوم كيما يرعووا أو يرجعوا. وقد وبختهم بنكثهم وعرفتهم ،بغيهم، فليسوا يستجيبون (اعلموا أنهم دعوني إلى الاستعداد للحرب وقالوا أني وعدت نفسي بالنصر على أبنائهم الأبطال. فلتبك النساء على أولادهن الذين ليس لهن سواهم!) قد كنت وما أهدَد بالحرب ولا أرهَب بالضرب، وأنا على ما وعدني ربي من النصر والتأييد والظفر. وإني لعلى يقين من ربي وفي غير شبهة من أمري. أيها الناس! إن الموت لا يفوته المقيم ولا يعجزه الهارب. ليس عن الموت محيص. من لم يمت يُقتل. إن أفضل الموت القتل. والذي نفس ابن أبي طالب بيده، لألف ضربة بالسيف أهون عليّ من موت على فراش يا عجباً لطلحة! ألّب على ابن عفان حتى إذا قُتل أعطاني صفقة يمينه طائعاً. ثم نكث بيعتي وطفق ينعى ابن عفان ظالماً وجاء يطلبني يزعم بدمه. والله ما صنع في أمر عثمان واحدة من ثلاث؛ لئن كان ابن عفان ظالماً كما كان يزعم حين حصره وألّب عليه، إنه لينبغي أن
ص: 7
يؤازر قاتليه وأن ينابذ ناصريه. وإن كان في تلك الحال مظلوماً، إنه لينبغي أن يكون معه. وإن كان في شك من الخصلتين، لقد كان ينبغي أن يعتزله ويلزم بيته ويدع الناس جانباً. فما فعل من هذه الخصال واحدة، وها هو ذا قد أعطاني صفقة يمينه غير مرة ثم نكث بيعته. اللّٰهُمَّ فخذه ولا تمهله! ألا وإن الزبير قطع رحمي وقرابتي ونكث بيعتي ونصب لي الحرب وهو يعلم أنه ظالم لي. اللّٰهُمَّ فاكفنيه بما شئت(1) !
يحدد أكثر المصادر التاريخية بدء حرب الجمل بالعاشر من جمادى الأُولى أو جمادى الآخرة من سنة ست وثلاثين للهجرة. ولكن يبدو أن العاشر كان يوم وصول الإمام(علیه السّلام) إلى البصرة ثم أمهلهم الإمام(علیه السّلام) بضعة أيام ليرجعوا إلى البيعة. إذن، فاليوم الدقيق لبدء حرب الجمل كان الخميس الخامس عشر من جمادى الآخرة كما أشار إليه أميرالمؤمنين(علیه السّلام) نفسه في كتابه الذي أرسله إلى عامله على الكوفة يخبره فيه بانتصاره على جيش الجمل، وهو ما ورد في الكثير من المصادر التاريخية كذلك (2).
ص: 8
من الأدلة الأُخرى على عدم بداية الحرب في العاشر من جمادى الأُولى أو العاشر من جمادى الآخرة أنه حسب التوقيت الهجري لا يتوافق أي من هذين التاريخين مع يوم الخميس. في حين يتوافق معه الخامس عشر من سنة 36 الهجرية. إذن، فالحرب بدأت يوم الخميس الخامس عشر من جمادى الآخرة واستمرت حتى يوم الخميس التالي له. وبعد انتهاء الحرب مكث الإمام (علیه السّلام) في ساحة القتال ثلاثة أيام (1) قبل أن يدخل البصرة يوم الاثنين الخامس والعشرين من جمادى الآخرة (2) . وأقام اثنين وسبعين يوماً في دار زوجته ليلى بنت مسعود النهشلية ثم توجه إلى الكوفة (3).
ص: 9
حسب تقرير الطبري فإن قادة فتنة الجمل حفروا خندقاً خشية أن يدخل جيش الإمام علي (علیه السّلام) البصرة (1) . فتقابل الجيشان لأول مرة في منطقة قصر عبیدالله بن زياد قرب الزاوية شمال البصرة (2). وتفيد الروايات بأن المواجهة الرئيسة وقعت في منطقة مفتوحة مناسبة للقتال (3). تقع الخريبة شمال غرب البصرة أعلى من المربد. ويظهر أن كلا الجيشين توجها إليها من منطقة قصر عبیدالله(4).
ص: 10
لا يتفق المؤرخون على الفترة التي استغرقتها الحرب. فبعضهم يحددها بيومين وآخرون بثلاثة أيام (1) ، فيما قال غيرهم إنها استمرت سبعة أيام(2). وأشار بعض النصوص التاريخية إلى وقائع بعض تلك الأيام؛ فالطبري، مثلاً، يشير إلى أن مقتل طلحة وخروجه من ساحة القتال حدث في اليوم الأول(3). وينسب ابن أبي الحديد بعض الحوادث إلى اليوم الثاني (4) واليوم الثالث (5) .
ص: 11
كذلك فإن ابن حاتم الشامي من الذين تحدثوا في وصف حروب أميرالمؤمنين (علیه السّلام)عن حوادث اليوم الرابع (1) واليوم الخامس (2).
كما أن هناك تقارير أخرى تفيد بأن حرب الجمل بدأت بعد الظهر وانتهت في عصر اليوم نفسه بانتصار ساحق لجيش الإمام (علیه السّلام) وهزيمة ماحقة لجيش أصحاب الجمل.
يبدو أنه لا تناقض بين مجموعتي التقارير وأنه يمكن الجمع بينهما.
فتقارير المجموعة الأولى ناظرة لأيام التمهيد للقتال التي شهدت اشتباكات صغيرة متفرقة بحيث أنه قد يشارك في القتال أحياناً ميسرة الجيش أو قلبه فقط. هذا وقد شهد اليوم الأول للمواجهة لقاءات بين أميرالمؤمنين (علیه السّلام) وكلّ من طلحة والزبير أسدى إليهما فيها النصح والتذكير بأقوال رسول الله(صلّی اللَّهِ علیه وَ آلِهِ وَ سَلَّمَ ) .
وربما حدث إرسال عبدالله بن عباس ومسلم المجاشعي وأشخاص آخرين واحتجاجهم على القوم بالقرآن كلّ في يوم منفصل. أما تقارير المجموعة الثانية فناظرة في المعركة الرئيسة التي ساهمت فيها جميع فصائل الجيشين
ص: 12
وبدأت بعد الظهر وانتهت عصر اليوم نفسه بانتصار الإمام علي (علیه السّلام) وتكبد أصحاب الجمل هزيمة منكرة.
بعد أن رفض قادة الجمل التراجع عن خيار الحرب، قام الإمام (علیه السّلام) بتنظيم قطعات جيشه وصف صفوفه. وكان مجموع فرسان جيشه ومشاته ستة عشر ألف رجل (1).
وضع الإمام علي (علیه السّلام) ابن عباس على مقدمة الجيش، وجعل هند المرادي الجملي على ساقته، وعمار بن ياسر على خيالته ومحمد بن أبي بكر على مشاته.
ثم قسّم الرايات والبنود على مختلف القبائل، وعيّن أمراء الفصائل على النحو التالي:
1- هند الجملي على خيالة قبيلة مذحج، وشريح بن هاني الحارثي على مشاتها.
2- سعيد بن زيد على خيالة همدان، وزياد بن كعب بن مرة على مشاتها.
3-حجر بن عدي على خيالة كندة.
4- رفاعة بن شداد على خيالة بجيلة ومشاتها.
ص: 13
5- عدي بن حاتم على خيالة قضاعة ومشاتها.
6- عبدالله بن زيد على خيالة خزاعة وسائر اليمنيين، وعمرو بن الحمق الخزاعي على مشاتها.
7-جندب بن زهير على خيالة الأزد، وأبا زينب على مشاتها.
8-عبدالله بن هاشم السدوسي على خيالة بكر بن وائل، وحسان بن مخدوع الذهلي على مشاتها
9- زيد بن صوحان العبدي على خيالة قبيلة عبد القيس الكوفة، والحارث بن مرة العبدي على مشاتها.
10- سفيان بن ثور السدوسي على خيالة بكر بن وائل البصرة، وحصين بن المنذر على مشاتها.
11- جوهر بن جابر على مقاتلي قبيلة لهازم.
12- خالد بن معمر السدوسي على السدوسي على الذهليين.
13 - المنذر بن الجارود العبدي على خيالة قبيلة عبد القيس البصرة.
14 - قبيصة بن جابر الأسدي على خيالة قبيلة أسد، وعكبر بن وائل الأسدي على مشاتها.
15- عمير بن عطارد على خيالة تميم الكوفة، ومعقل بن قيس على مشاتها.
16- عبدالله بن الطفيل البكالي على خيالة قيس غيلان الكوفة، وقرة بن نوفل الأشجعي على مشاتها.
17- هاشم بن عتبة بن أبي وقاص على خيالة قريش وكنانة، وهاشم بن هاشم على مشاتها.
ص: 14
18- جارية بن قدامة السعدي على خيالة تميم البصرة، وأعين بن ضبيعة على مشاتها (1).
لما بلغ طلحة والزبيرَ تنظيمُ أميرالمؤمنين (علیه السّلام) قواته وَصَفُه صفوفها وتيقنا من عزمه على القتال ،شرعا بالاستعداد للحرب. غير أن الأحنف بن قيس ومعه قبيلة بني سعد اعتزل طلحة والزبير وكانا يظنان أنه وقبيلته سيقفون إلى جانبهم. كذلك اعتزلهما قاضي البصرة كعب بن سور الأزدي ومعه قبيلة أزد لأنه كان كبير الأزد وسائر اليمنيين في البصرة.
عند ذاك، بعث طلحة والزبير مبعوثاً إلى كعب بن سور يدعوانه إلى نصرتهما في الحرب، فأبى عليهما وقال: أنا أعتزل الفريقين. فقالا : لئن قعد عنا كعب خذلنا الأزد بأسرها ولا غنى لنا عنه. فصارا إليه واستأذنا عليه فلم يأذن لهما وحجبهما. فصارا إلى عائشة فخبراها خبره وسألاها أن تسير إليه، فأبت وراسلته تدعوه إلى الحضور عندها فاستعفاها من ذلك. فقال طلحة والزبير: يا أُم! إن قعد عنا كعب قعدت عنا الأزد كلها وهي حي البصرة، فاركبي إليه فإنك إن فعلت لم يخالفك وانقاد لرأيك فركبت بغلاً وأحاط بها نفر من أهل البصرة وصارت إلى كعب بن سور فاستأذنت عليه فأذن لها
ص: 15
ورحب بها. فقالت: يا بني! أرسلت إليك لتنصر الله عزّ وجلّ، فما الذي أخرك عني؟ فقال: يا أُماه لا حاجة لي في خوض هذه الفتنة. فقالت: يا بني! اخرج معي وخذ بخطام جملي فإني أرجو أن يقربك بي إلى الجنة. واستعبرت باكية، فرقّ لها كعب بن سور وأجابها وعلّق المصحف في عنقه وخرج معها(1).
يقول أبو مخنف إن عائشة لما دخلت دار كعب قال كعب: لِمَ أتيتني وما جاء بك؟ قالت: أتيتك لتنصر الخليفة المظلوم وتطلب بدمه. قال: سبحان الله! أفنسيت ما كان منك!؟ والله لأنت رفعت لنا عيوبه وأمرتنا بقتله
وقلت: اقتلوه فما بدا لك (2)؟
بعد أن انضم كعب بن سور والأزد إلى عائشة، بدأ طلحة والزبير الاستعداد لتنظيم صفوف جيشهما. واتفقا على أن يتولى الزبير القيادة العامة للجيش
ص: 16
ويتولى طلحة قيادة القلب منه، وأن تكون راية الجيش الكبرى بيد عبدالله بن حزام بن خويلد، وأن يتولى عبدالله بن الزبير قيادة المشاة(1) وكعب بن سورة إمرة قبيلة الأزد.
وكان مروان بن الحكم على خيالة الميمنة، وعبدالرحمن بن عتاب بن أُسيد على رجالتها، وهلال بن وكيع الدارمي على خيالة الميسرة وكانت من تميم وقضاعة وهوازن، وعبد الرحمن بن الحارث بن هشام وحباب بن يزيد على رجالتها، ومجاشع بن مسعود على خيالة قبيلة قيس غيلان، وجابر بن نعمان الباهلي على رجالتها، وعمرو بن ثيري على خيالة قبيلة الرباب، وخرشنة بن عمرو على رجالتها، وعبدالله بن عامر بن كريز على مقاتلي قبيلة ثقيف، وعبدالله بن خلف الخزاعي على مقاتلي المدينة الذين رافقوهم، وربيع بن زياد الحارثي على رجالة قبيلة مذحج وعبدالله بن جابر الراسبي على رجالة قضاعة، ومالك بن مسمع على مقاتلي ربيعة الذين انضموا إليهم (2) .
ص: 17
بعد استعداد الجيشين وتنظيم صفوفهما، قام خطباء كل عسكر بإلقاء الكلمات التحفيزية على المقاتلين لشحذ هممهم بتذكيرهم ببطولات قبائلهم وكذلك لتشجيع الآخرين على المشاركة في الحرب. ومن أُولئك عبدالله بن الزبير الذي قام خطيباً في معسكرهم فحمدالله وأثنى عليه وقال: أيها الناس! إن هذا الرعث والوعث قتل عثمان بالمدينة ثم جاءكم ينشر أُموركم بالبصرة وقد غضب الناس أنفسهم ألا تنصرون خليفتكم المظلوم؟ ألا تمنعون حريمكم المباح؟ ألا تتقون الله في عطيتكم من أنفسكم؟ أترضون أن يتوردكم أهل الكوفة في بلادكم؟ اغضبوا فقد غوضبتم، وقاتلوا فقد قوتلتم. إن علياً لا يرى أن معه في هذا الأمر أحد سواه. والله لئن ظفر بكم ليهلكن دينكم ودنياكم. وأكثر من نحو هذا القول وشبهه(1).
ص: 18
لما بلغ الإمامَ علياً (علیه السّلام) قبيح ما تفوه عبدالله بن الزبير، قال لابنه الإمام الحسن (علیه السّلام): فقم يا بني فاخطب لنا خطبة بليغة موجزة ولا تشتمن أحداً من الناس (1) !
فقام الإمام الحسن (علیه السّلام) فحمد الله وأثنى عليه ثم قال: أيها الناس! قد بلغتنا مقالة ابن الزبير وقد كان والله يتجنى على عثمان الذنوب وقد ضيّق عليه البلاد حتى قُتل، وإن طلحة راكز رايته على بيت ماله وهو حي. وأما قوله إن علياً ابتز الناس أمرهم، فإن أعظم حجة لأبيه زعم أنه بايعه بيده ولم يبايعه بقلبه. فقد أقر بالبيعة وادعى الوليجة. فليأتي (هكذا ، وربما فليأت: م) على ما ادعاه ببرهان وأنى له ذلك. وأما تعجبه من تورد أهل الكوفة على أهل البصرة فما عجبه من أهل حق توردوا على أهل باطل؟ (فوالذي نفسي بيده، السرعان ما سيعلم أهل البصرة هذا الأمر، وموعدنا وإياهم اليوم. وسيحكم الله بيننا وبينهم ويقضي بيننا بالحق وهو خير الحاكمين)(2).
ص: 19
لما بلغ طلحة والزبيرَ كلام الإمام الحسن (علیه السّلام) ، قام طلحة وخطب في أنصاره قائلاً: يا أهل البصرة قد ساق الله إليكم خير ما ساقه إلى قوم قط؛ أُمكم وحرمة نبيكم وحواري رسول الله وابن عمته ومن وقاه بيده. إن علياً غصب الناس أنفسهم بالحجاز وتهيأ للشام يريد سفك دماء المسلمين والتغلب على بلادهم. فلما بلغه مسيرنا إليكم وقصدنا قصدكم وقد اجتمع معه منافقو مضر وأنصار ربيعة ورجالة اليمن. فإذا رأيتم القوم فاقصدوا قصدهم ولا ترعووا عنهم وتقولوا ابن عم رسول الله وهذه معكم زوجة الرسول وأحب الناس إليه وابنة الصديق الذي كان أحب الخلق إلى رسول الله (صلّی اللَّهِ علیه وَ آلِهِ وَ سَلَّمَ ) (1) .
لقد ضمّن طلحة خطبته أكاذيب صريحة لغرض قلب الحقائق وإيهام أهل البصرة واجتذابهم لتقوية جيش الفتنة. فقد أورد في خطبته الكثير من الأكاذيب التي لا تخفى على المخاطَب. وهنا نتناول بالنقد والتحليل ثلاثاً من
ص: 20
الأكاذيب التي جاءت في خطبة طلحة لكي يطلع عليها الرأي العام ويستنير بنقدها.
ادعى طلحة في خطبته أن الله حبا أهل البصرة بثلاثة خيرات هي:
الأول: عائشة أُم المؤمنين، والثاني: الزبير حواري رسول الله وابن عمته، والثالث: طلحة حامي رسول الله.
فهل حقاً كان هؤلاء الثلاثة خيراً لأهل البصرة؟
ألم يمنّ الله تعالى على الناس بأم سلمة وسائر زوجات النبي؟
ألم يمنّ الله على الناس بالنبي ووصيه وأهل بيته؟
هل اختص الله تعالى أهل البصرة بالخيرات وحرم من سواهم منها؟
ما وجه الخير في عائشة لأهل البصرة؟
أغير أن دعتهم إلى نكث بيعتهم ونقض عهدهم وقتل وصي النبي والخروج على خليفته ومخالفة أحكام الشرع؟
لماذا لم يكن، من بين جميع الصحابة، إلاّ الزبير حواري رسول الله، ولم يشمل هذا الشرف أحداً سواه؟ والحال أن يعقوب بن سفيان الفسوي يضيف أسماءً أُخرى إلى حواري رسول الله(1).
ص: 21
ألا ينبغي الحواري رسول الله أن يحفظ عهد النبي ويستقيم على نهجه؟ في حين نرى الزبير يظلم الإمام علياً (علیه السّلام) ويشهر سيفه بوجهه!
يا طلحة! إذا كان الزبير ابن عمة النبي فإن الإمام علياً (علیه السّلام) ابن عمه.
فضلاً عن أن النبي عاش في كنف والد الإمام علي(علیه السّلام) ، أبي طالب، وتحت جنح رعايته وحمايته. فيما عاش الإمام نفسه في كنف النبي(صلّی اللَّهِ علیه وَ آلِهِ وَ سَلَّمَ ) وتحت جنح رعايته وحمايته.
يا طلحة! هل يكفي كونك أبن عمة النبي معياراً لتفاضل؟ أنسيت أن أبا لهب كان عم النبي؟ أم هل نسيت المصير الذي آل إليه ابن نبي الله نوح؟
هل قدم الزبير لأهل البصرة خدمة غير قتل المسلمين والسبابجة وتعذيب عامل الإمام (علیه السّلام) الشرعي في البصرة عثمان بن حنيف (1)؟
يا طلحة عليك الإجابة على بضعة أسئلة حول كونك حامي النبي (صلّی اللَّهِ علیه وَ آلِهِ وَ سَلَّمَ ) في أُحد.
بإصبعك!
يُنقل أن طلحة أصيب بجراح كثيرة في غزوة أُحد فمسح النبي على جسمه ودعا الله فشُفي طلحة وعاد إلى ميدان القتال. والسؤال هنا: هل أدى دعاء النبي إلى شفائه من جراحاته فقط وبقيت يده مشلولة حتى وفاته (2)!؟
ص: 22
لماذا تتعارض روايات تضحية طلحة؟ فبعضها يتحدث عن شلل يده وبعضها عن شلل إصبعه، وتقول أُخرى إن إصبعين من أصابعه أُصيبا بالشلل. فيما تدّعي روايات أن إصبعه قد قُطعت (1).
ثم، ألم يكن طلحة في الفارين يوم أحد؟ ألم يكن علي ا(علیه السّلام) الوحيد الذي ثبت للقتال إلى جانب النبي (صلّی اللَّهِ علیه وَ آلِهِ وَ سَلَّمَ ) و ودافع عنه (2)؟
ألم يُرو عن عبدالله بن عباس أنه قال: لعلي أربع خصال ليست لأحد؛ هو أول عربي وأعجمي صلى مع رسول الله(صلّی اللَّهِ علیه وَ آلِهِ وَ سَلَّمَ ) ، وهو الذي كان لواؤه معه في كل زحف، والذي صبر معه يوم المهراس (أُحد)، وهو الذي غسله وأدخله القبر (3)؟
ألا يعني هذا أن طلحة أيضاً فرّ في أحد مع الفارين؟
ص: 23
ألم يقل أنس بن النضر يوم أُحد لعمر بن الخطاب وطلحة وعبيدالله وجماعة آخرين من المهاجرين والأنصار ألقوا سيوفهم وأوشكوا على الاستسلام للمشركين على أثر انتشار شائعة مقتل النبي: ما يُجلسكم؟ قالوا: قتل محمد رسول الله. قال: فما تصنعون بالحياة بعده؟ قوموا فموتوا على ما مات عليه رسول الله (صلّی اللَّهِ علیه وَ آلِهِ وَ سَلَّمَ )(1) !
ألم يكن عثمان وطلحة اللذين حاولا اللجوء إلى اليهود والنصارى من الخوف الذي استبد بهما ليحصلا على بطاقة اللجوء - كما يقال اليوم - منهم (2)؟
أما كان أبو بكر يقول: كنت أول من فاء (رجع من الفرار: م) يوم أحد.
ألا يعني كلام أبي بكر هذا أن الصحابة جميعهم فروا بما فيهم طلحة(3)؟
ص: 24
ألم يبدأ ابن أبي شيبة كلامه عن دفاع طلحة عن النبي وشلل يده بعبارة "زعم" مما يدل على أن ادّعاء تضحيته في سبيل النبي ليس مؤكداً (1)؟
أليس من العجيب أن يتحدث النبي (صلّی اللَّهِ علیه وَ آلِهِ وَ سَلَّمَ ) بفضائل طلحة وينعته بأنه شهيد يمشي على الأرض، في معركة كان فيها من الفارين من الزحف وكاد ان يتسبب فرارهم بمقتل نبي الإسلام (2)؟
ولو فرضنا أن يد طلحة أو إصبعه أُصيبت في غزوة أُحد، فما الذي يؤكد لنا أنه أصيب وهو يُضحي من أجل النبي؟
تبين مما سلف أن غاية طلحة من مبايعة على (علیه السّلام) كانت الوصول إلى السلطة، فلما يئس منها نكث بيعته. وقد اعترف بنفسه أن مجيئه إلى البصرة كان لإصابة أموالها والوصول إلى الحكم. إذا كان الأمر كذلك، فما الذي يمنع من أن يكون ما فعله في أُحد مدفوعاً بالرياء والرغبة في الحصول على المال؟
ص: 25
على أن غايتنا ليست التشكيك في إصابة طلحة بجرح طفيف في أُحد، ولكننا نرى أن لا تعارض بين إصابته وفراره من القتال في أُحد ونكثه البيعة اليوم وإعلانه الحرب على خليفة المسلمين (1).
بعد الخطبة التي ألقاها طلحة وأساء فيها إلى قبائل ربيعة ومضر وغيرهما، ونظراً لوجود رجال من تلك القبائل في صفوف جيش الجمل، تصاعدت احتجاجات جماعة منهم على إساءات طلحة لقبائلهم. حتى أن بعضهم ترك الجيش وتخلى عن طلحة والزبير. جاء في بعض التقارير التاريخية أنه: فقام إلى طلحة رجل يقال له خيران بن عبدالله من أهل الحجاز كان قدم البصرة وهو غلام فقال : يا طلحة! والله ما تركت جنباً صحيحاً عليه بشتمك ربيعة ومضر واليمن. وإن كان القول كما تقول فإنا لمثلهم وهم منا ونحن منهم وما يفرق بيننا وبينهم غيرك وغير صاحبك. ولقد سبقت إلينا من علي (علیه السّلام) بيعة ما ينبغي لنا أن ننقضها. وإنا لنعلم حالكم اليوم وحالكم أمس. فهم القوم
ص: 26
به فمنعهم بنو أسد، فخرج منهم ولحق بمنزل ابن صبهان مستخفياً إشفاقاً على دمه منهم (1).
كذلك، لما سمع الأسود بن عوف، وكان في عسكر أصحاب فتنة الجمل ، شتم طلحة لربيعة ومضر واليمن قال: يا هذا! إن الله لا يفرق بيننا وبين مضر وإن أهل الكوفة منكم شهد الأخ إلى الأخ. وإنما خالفنا القوم في هوان فاعفنا مما ترى ثم خرج فلحق بعمان ولم يشهد الجمل ولا صفين (2).
لما بلغ أميرالمؤمنين (علیه السّلام) صخب عسكر الجمل وعزمهم القاطع على الحرب، قام فخطب الناس قائلاً: أيها الناس! إن طلحة والزبير قدما البصرة وقد اجتمع أهلها على طاعة الله وبيعتي فدعواهم إلى معصية الله تعالى وخلافي؛ فمن أطاعهم منهم فتنوه ومن عصاهم قتلوه. وقد كان من قتلِهم حكيم بن جبلة ما بلغكم وقتلهم السبابجة وفعلهما بعثمان بن حنيف ما لم يخف عليكم. وقد كشفوا الآن القناع وأذنوا بالحرب وقام طلحة بالشتم والقدح في أديانكم. وقد أرعد وصاحبه وأبرقا وهذان امرؤان معهما الفشل ... ولسنا نرعد حتى نوقع ولا نسيل حتى نمطر، وقد خرجوا من هدى إلى ضلال.
ص: 27
ودعوناكم إلى الرضا ودعونا إلى السخط، فحلّ لنا ولكم ردهم إلى الحق والقتال وحلّ لهم بقصاصهم القتل. وقد والله مشوا إليكم ضراراً(1). (2)
ثم قام حكيم بن مناف فوقف أمام أميرالمؤمنين (علیه السّلام) فأنشد أبياتاً في تأييد أقواله، فقال:
أبا حسن أيقظت من كان*** وماكل من يُدعى إلى الحق
وما كل من يُعطى الرضا يقبل*** وما كل من أعطيته الحق يقنع
وأنت امرؤٌ أعطيت من كل*** محاسنها والله يعطي ويمنع
وما منك بالأمر المؤلم غلطة*** وما فيك للمرء المخالف مطمع
وإن رجالاً بايعوك وخالفوا*** هداك وأجروا في الضلال
لأهلٌ لتجريد الصوارم فيهم*** وسمر العوالي والقنا تتزعزع
فإني لأرجو أن تدور عليهم*** رحى الموت حتى يسكنوا
وطلحة فيها والزبير قرينه*** وليس لما لا يدفع الله مدفع
فإن يمضيا فالحرب أضيق*** وإن يرجعا عن تلك فالسلم
وما بايعوه كارهين لبيعة*** وما بسطت منهم إلى الكره
خروج بأُم المؤمنين وغدرهم*** وعيب على من كان في القلب
وذكرهم قتل ابن عفان*** وهم قتلوه والمخادع يخدع
فعود على نبعة هاشمية*** وعودهما فيما هما فيه
ص: 28
وفي خطبة أُخرى، قال أميرالمؤمنين(علیه السّلام) : عبادالله! انهدوا إلى هؤلاء القوم منشرحةً صدوركم. فإنهم نكثوا بيعتي وقتلوا شيعتي ونكلوا بعاملي وأخرجوه من البصرة بعد أن آلموه بالضرب المبرح والعقوبة الشديدة وهو شيخ من وجوه الأنصار والفضلاء ولم يرعوا له حرمة، وقتلوا السبابة رجالاً صالحين، وقتلوا حكيم بن جبلة ظلماً وعدواناً لغضبه الله تعالى، ثم تتبعوا شيعتي بعد أن ضربوهم وأخذوهم في كل عايبة وتحت كل رابية يضربون أعناقهم صبراً. ما لهم قاتلهم الله أنى يؤفكون! فانهدوا إليهم عبادالله وكونوا أُسوداً عليهم فإنهم شرار ومساعدوهم على الباطل شرار. فالقوهم صابرين محتسبين موطنين أنفسكم إنكم منازلون ومقاتلون قد وطنتم أنفسكم على الضرب والطعن منازلة الأقران. فأي امرئ أحس من نفسه رباطة جأش عند الفزع وشجاعة عند اللقاء ورأى من أخيه فشلاً أو وهناً فليذب عنه أي عن أخيه الذي فضله الله عليه كما يذب عن نفسه. فلو شاء الله لجعله مثله .(1)
ص: 29
في إطار استعداداته، قام الإمام (علیه السّلام) بمجموعة إجراءات غاية في الأهمية لتهيئة جيشه. وهنا نشير إلى بعض ما قام به الإمام:
قبل نشوب القتال، وكذلك قبل هزيمة العدو، أصدر الإمام (علیه السّلام) مجموعة من الأوامر طلب من جنوده جميعاً التقيد بها. وكانت تلك الأوامر في إطار العمل بسيرة النبي الأكرم (صلّی اللَّهِ علیه وَ آلِهِ وَ سَلَّمَ ) اليوم فتح مكة.
قال أبوحمزة الثمالي: قلت لعلي بن الحسين(علیه السّلام) : إن علياً(علیه السّلام) سار في أهل القبلة بخلاف سيرة رسول الله(صلّی اللَّهِ علیه وَ آلِهِ وَ سَلَّمَ ) في أهل الشرك. قال: فغضب ثم جلس ثم قال: سار والله فيهم بسيرة رسول الله(صلّی اللَّهِ علیه وَ آلِهِ وَ سَلَّمَ ) يوم الفتح. إن عليا(علیه السّلام) كتب إلى مالك وهو على مقدمته يوم البصرة بأن لا يطعن في غير مقبل ولا يقتل مدبراً ولا يجيز ( هكذا، وربما يجهز: م) على جريح ومن أغلق بابه فهو آمن(1).
كانت أوامر الإمام علي (علیه السّلام) التي أمر بها رجاله في معاملة أصحاب الجمل، التي سنشير إليها، هي الأوامر نفسها التي أمر بها رسول الله(صلّی اللَّهِ علیه وَ آلِهِ وَ سَلَّمَ ) المسلمين يوم فتح مكة. ولا غرو أن تتطابق سيرة الإمام (علیه السّلام) مع سيرة النبي(صلّی اللَّهِ علیه وَ آلِهِ وَ سَلَّمَ ) وهو نفسه بنص آية المباهلة.
ص: 30
تلخصت أوامر الإمام (علیه السّلام) بالنقاط التالية التي تعكس عظمته ومروءته:
1- تجنب ملاحقة الفارين
2- تجنب الإجهاز على الجرحى
3- تجنب قتل الأسرى
4- تجنب المساس بالأموال الخاصة
5- تجنب اغتنام أموال أصحاب الجمل
6- ضمان الأمان لمن يلقي السلاح
7- ضمان الأمان لمن يدخل داره ويغلق بابه
8-عدم دخول البيوت إلا بإذن أهلها
9- عدم تجريد القتلى من ثيابهم
10- تجنب الرمي قبل بدء القتال
11- تجنب رمي النبال قبل بدء القتال
12- مخاطبة الأعداء بالقول الليّن
13- تجنب التمثيل بأجساد القتلى
14- تجنب الاستيلاء على أموال الناس إلّا ما كان في معسكر الأعداء
15- تجنب إيذاء الناس وإثارة حفائظهن (1).
ص: 31
ولنا على هذه الرواية بعض الملاحظات، منها:
الملاحظة الأُولى: يكشف الإمعان في مضامين هذه الأوامر عن أنها كانت في غاية الرفق واللطف والعطف على أصحاب الفتنة، في الوقت الذي كان الطرف المقابل يعامل أنصار أميرالمؤمنين (علیه السّلام) بمنتهى القسوة ومنهم حكيم بن جبلة وعثمان بن حنيف وحراس بيت المال وقتل منهم نحو ألف شخص.
الملاحظة الثانية: لقد بلّغ الإمام (علیه السّلام) تعليماته جنودَه شفهياً وتحريرياً وبيّنها لشخص بمستوى مالك الأشتر لكيلا يظن الجنود أنها مجرد كلام غير ملزم.
يفيد تقرير الطبري بأنه بعد انتهاء حرب الجمل، سمع رجل صفية بنت الحارث تشتم عليا (علیه السّلام) فقال للإمام (علیه السّلام) والله لا ينبغي أن تفر هذه المرأة بجلدها منا. فاستاء الإمام وقال: صه! لا يضرب رجل امرأةً ولا يؤذيها إلّا كان
ص: 32
عاراً عليه وعلى عقبه من بعده. إن بلغني مثل هذا عن أحدكم عاقبته عقاباً أليماً.
ثم بلغ أميرالمؤمنين(علیه السّلام) أن عجلاً وسعداً ابني عبدالله شتما امرأة لأنها سبت الإمام(علیه السّلام) ، فبعث بالقعقاع إليهما فأحضرهما فخلع عنهما ثيابهما وجلد كل واحد منهما مائة جلدة (1). وفيه نظر بيّن.
الملاحظة الثالثة: نستنتج من خلاصة التقارير المختلفة أن تلك التعليمات صدرت في بداية الحرب كما في أثنائها وفي نهايتها، وكان الجيش يوصى بها باستمرار.
الملاحظة الرابعة: يمكن اعتبار هذه الفئة من الأوامر إتماماً للحجة من قبله (علیه السّلام) على أعدائه. كما كان امتناعه (علیه السّلام) من البدء بالقتال حجة أُخرى على أصحاب الجمل.
الملاحظة الخامسة: في تقرير طويل يرويه الطبري والمسعودي وابن أبي الحديد، أن الإمام علياً (علیه السّلام) كان يكرر هذه التوصيات طول حرب صفين أيضاً (2).
ص: 33
لقد أصدر أميرالمؤمنين (علیه السّلام) أوامره بالحفاظ على حقوق أشخاص نزلوا ساحة الحرب لقتله هو وأنصاره، ولكن الإمام (علیه السّلام) اعتبر نفسه مسؤولاً عن صيانة حقوقهم ولم يعاملهم بالمثل أبداً ولم يرد على الذنب بالذنب، ولم يسمح لتجاوزاتهم وأفعالهم الشنيعة بأن تُخرجه عن جادة العدل. لقد كان هناك بونٌ شاسع بين التشويهات والأكاذيب التي كان يبثها طلحة والزبير بين الناس بحق أميرالمؤمنين(علیه السّلام) وبين ما وجده الناس بأنفسهم منه(علیه السّلام) . يقول المدائني والواقدي عن الافتراءات والتشويهات التي كان يقوم بها طلحة والزبير بحق الإمام علي(علیه السّلام) : أن الزبير وطلحة قاما في الناس فقالا: إن علياً إن يظفر فهو فناؤكم يا أهل البصرة. فاحموا حقيقتكم، فإنه لا يبقي حرمة إلّا انتهكها ولا حريماً إلّا هتكه ولا ذرية إلّا قتلها ولا ذوات خدر إلّا سباهن. فقاتلوا مقاتلة من يحمي عن حريمه ويختار الموت على الفضيحة يراها في أهله(1)!
ص: 34
لغرض تهيئة رجاله من الناحية القتالية والمعنوية، أصدر الإمام (علیه السّلام)
وصايا في غاية الأهمية. يمكن تلخيص هذه الوصايا بما يلي:
1- غض الأبصار
2- العض على النواجذ
3- ذكر الله كثيراً
4- تجنب كثرة الكلام
5- الصبر على وقع السيوف
6 - اعتبار الدفاع عن رفاق السلاح كالدفاع عن النفس(1).
من مقومات النصر التي لابد لأي قائد عسكري منها، فضلاً عن وجود الجنود الأقوياء المحاربين خفيفي الحركة والإدارة القوية لتنظيم صفوف
ص: 35
الجيش، أن ينجح في رفع الروح المعنوي لجنوده وتقوية قناعاتهم القلبية. وعلى القائد العسكري أن لا يكتفي برفع معنويات مقاتليه، بل أن يعمل على إضعاف معنويات أعدائه وقدراتهم القتالية من خلال شن حرب نفسية
متقنة عليهم.
وقد أشرنا فيما سبق إلى الهيأة المهيبة التي دخل فيها الإمام (علیه السّلام) بجيشه البصرة من خلال التنظيم الدقيق للقطعات والحرص على مراعاة ألوان اللباس الذي يرتديه الجنود. فوصل الدور بعد ذلك إلى اتخاذ بعض الإجراءات التي من شأنها أن ترفع الروح المعنوي لدى مقاتليه وتخفض معنويات أعدائه. تلك الإجراءات تمثلت فيما يلي:
لما رأى أميرالمؤمنين (علیه السّلام) عداوة خصومه، رفع يديه إلى السماء وقال: يا خير من أفضت إليه القلوب ودُعي بالألسن، يا حسن البلايا، يا جزيل العطاء، احكم بيننا وبين قومنا بالحق وأنت خير الحاكمين.
وهناك دعاء آخر قصير مروي عن الإمام الصادق(علیه السّلام) (1) ودعاء طويل جداً منقول عن أميرالمؤمنين (علیه السّلام) نفسه (2) .
ص: 36
من أهم عوامل رفع معنويات جيش الإمام (علیه السّلام) الهدوء والسكينة اللتين حافظ عليهما الإمام (علیه السّلام). ففي الوقت الذي كان الجميع فريسة التوتر والهمّ جراء استعار الحرب، وحين كان الأعداء يمطرون جيش الإمام(علیه السّلام) بوابل من سهامهم المميتة، فوجئ الجنود بالإمام (علیه السّلام) وهو ينام القيلولة باطمئنان كأنه ينام في بيته. ولا شك أن تلك الطمأنينة العلوية سرت في نفوس جنوده، وفي الوقت نفسه، أدخلت الذعر في قلوب أعدائهم.
بعد أن سلّم الإمام(علیه السّلام) الراية إلى ابنه محمد بن الحنفية، أوصاه بأن لا يبدأ العدو بالقتال، ثم نام يقول محمد بن الحنفية: لما نزلنا البصرة وعسكرنا بها وصففنا صفوفنا دفع أبي علي (علیه السّلام) إليّ باللواء وقال: لا تحدثن شيئاً حتى يحدث فيكم! ثم نام فنالنا نبل القوم فأفزعته ففزع وهو يمسح عينيه من النوم وأصحاب الجمل يصيحون: يا لثارات عثمان(1).
يقول المسعودي عن قيلولة الإمام(علیه السّلام) في يوم الحرب: وقد كان أصحاب الجمل حملوا على ميمنة علي وميسرته فكشفوها، فأتاه بعض ولد عقيل وعلي يخفق نعاسا على قرَبوس سرجه، فقال له: يا عم! قد بلغت ميمنتك وميسرتك
ص: 37
حيث ترى وأنت تخفق نعاساً؟ قال: اسكت يا ابن أخي! فإن لعمك يوماً لا يعدوه. والله ما يبالي عمك وقع على الموت أو وقع الموت عليه(1).
من أهم ما قام به الإمام (علیه السّلام) و رفع به معنويات جنده أضعافاً مضاعفة وخفض معنويات جند الجمل إلى أدنى الدرجات، أنه نشر راية رسول الله(صلّی اللَّهِ علیه وَ آلِهِ وَ سَلَّمَ )، وهي الراية التي رُفعت في بدر وأُحد وسائر حروب النبي على جيوش الكفر والشرك والنفاق ولم تهزم قط.
يقول الإمام الصادق(علیه السّلام) علم (ما هكذا ، وربما لما: م) التقى أميرالمؤمنين (علیه السّلام) وأهل البصرة نشر الراية راية رسول الله(صلّی اللَّهِ علیه وَ آلِهِ وَ سَلَّمَ ) فزلزلت أقدامهم. فما اصفرت الشمس حتى قالوا: آمنا يا ابن أبي طالب ... لما كان يوم صفين سألوه نشر الراية فأبى عليهم فتحملوا عليه بالحسن والحسين(علیهما السّلام) وعمار بن ياسر فقال للحسن: يا بني ! إن للقوم مدة يبلغونها وإن هذه راية لا ينشرها بعدي إلّا القائم (2) (علیه السّلام).
يقول الإمام الصادق (علیه السّلام) لأبي بصير عن هذه الراية: لا يخرج القائم (علیه السّلام) حتى يكون تكملة الخلقة. قلت (أبو بصير) : وكم تكملة الخلقة؟ قال: عشرة آلاف؛ جبرئيل عن يمينه وميكائيل عن يساره، ثم يهز الراية ويسير بها
ص: 38
فلا يبقى أحد في المشرق ولا في المغرب إلاّ لعنها، وهي راية رسول الله (صلّی اللَّهِ علیه وَ آلِهِ وَ سَلَّمَ ) نزل
بها جبرئيل يوم بدر. ثم قال: يا أبا محمد! ما هي والله قطن ولا كتان ولا قز ولا حرير. قلت (أبو بصير): فمن أي شيء هي؟ قال: من ورق الجنة، نشرها رسول الله(صلّی اللَّهِ علیه وَ آلِهِ وَ سَلَّمَ ) يوم بدر، ثم لفها ودفعها إلى علي(علیه السّلام) . فلم تزل عند علي (علیه السّلام) حتى إذا كان يوم البصرة نشرها أميرالمؤمنين (علیه السّلام) ففتح الله عليه. ثم لفها وهي عندنا هناك لا ينشرها أحد حتى يقوم القائم(علیه السّلام) . فإذا هو قام نشرها فلم يبق أحد في المشرق والمغرب إلاّ لعنها (1).
يقول أبو حمزة الثمالي عن الإمام الباقر (علیه السّلام): قال لي أبو جعفر(علیه السّلام) : يا ثابت! كأني بقائم أهل بيتي قد أشرف على نجفكم هذا، وأومأ بيده إلى ناحية الكوفة. فإذا هو أشرف على نجفكم نشر راية رسول الله(صلّی اللَّهِ علیه وَ آلِهِ وَ سَلَّمَ ) . فإذا هو نشرها انحطت عليه ملائكة بدر. قلت : وما راية رسول الله (صلّی اللَّهِ علیه وَ آلِهِ وَ سَلَّمَ )؟ قال : عمودها من عمد عرش الله ورحمته وسائرها من نصر الله لا يهوي بها إلى شيء إلّا أهلكه الله. قلت: فمخبوءة عندكم حتى يقوم القائم(عجّل الله تعالی فرجه الشریف) فيجدها أم يؤتى بها؟ قال: لا بل يؤتى بها قلت من يأتيه بها؟ قال: جبرئيل (علیه السّلام) (2) .
ص: 39
في الجانب الآخر، كانت راية أصحاب الفتنة جمل عائشة (1).
من الأساليب التي اتبعها أميرالمؤمنين (علیه السّلام) في حرب الجمل رفع شعارات النبي (صلّی اللَّهِ علیه وَ آلِهِ وَ سَلَّمَ )ويشهد التاريخ أن علياً (علیه السّلام) كان يهتف في ميدان القتال: "يا منصور أمت" الأمر الذي ارتعدت له فرائص جيش أعدائه (2) .
جاء في تقارير أخرى أن شعار جيش أميرالمؤمنين (علیه السّلام) في حرب الجمل كان "يا محمد" (3) و"حم لا ينصرون اللّٰهُمَّ انصرنا على القوم الناكثين" (4) بينما كان شعار أهل الجمل "يا لثارات عثمان" (5) و"أُمكم أُمكم" (6).
ص: 40
ومما قام به الإمام علي(علیه السّلام) وأدى إلى تدهور معنويات أصحاب الجمل أنه صاح، بينما كان الجيشان يتقدمان صوب بعضهما: يا محمد بن أبي بكر! إن صرعت عائشة فوارها وتولّ أمرها فتضعضع القوم حين سمعوا ذلك واضطربوا وأميرالمؤمنين واقف في موضعه(1).
سلّم الإمام (علیه السّلام) الراية إلى ابنه محمد بن الحنفية وقال له: يا بني! تزول الجبال ولا تزل، عض ناجذك، أعر الله جمجمتك، تد في الأرض قدميك، ارم ببصرك أقصى القوم وغض بصرك واعلم أن النصر من الله (2) .
يقول آية الله مكارم الشيرازي في توضيح هذه الخطبة: يشتمل هذا الكلام على سبع جمل؛ في الجملة الأُولى أمر عمومي بالثبات في ساحة القتال. ثم يدخل الإمام في الجمل الخمس التالية في التفاصيل المؤثرة على الثبات وتحقيق النصر. وفي الجملة السابعة يتوجه الإمام (علیه السّلام)إلى الله بالتوكل على ذاته المقدسة، إذ النصر في كل الأحوال بيده. ذلك ليجعل من التوكل على الله دافعاً لتحمل مصاعب الحرب ورافعاً للروح المعنوي في مواجهة العدو إلى أعلى الدرجات.
أول ما أوصى به الإمام ابنه أن يثبت للقتال. هذه الوصية هي مضمون حديث معروف في وصف المؤمن وهو قول الإمام الباقر(علیه السّلام) : المؤمن أشد في
ص: 41
دينه من الجبال الراسية وذلك أن الجبل قد ينحت منه والمؤمن لا يقدر أحد على أن ينحت من دينه شيئاً وذلك لضنه بدينه وشحه عليه(1) .
لعض النواجذ فائدتان؛ الأُولى أنه يزيل الخوف والوحشة. لذا نرى الإنسان إذا رجف من الخوف وعض على ناجذه وضغط على أسنانه بقوة سكن وتوقف ارتجافه. أما الثانية فهي أنه يحافظ على ثبات عظام رأسه ويقلل من
تأثير ضربات العدو عليه.
كناية عن الاستعداد للتضحية والشهادة في سبيل الله، الأمر الذي يعزز الشجاعة والثبات.
كناية عن طرد أي تفكير بالتراجع والفرار من الميدان والثبات في مواجهة العدو. وفي هذا يخاطب القرآن المؤمنين بقول الله تعالى: «يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا إِذَا لَقِيتُمْ فِئَةً فَاثْبُتُوا وَاذْكُرُوا اللَّهَ كَثِيرًا لَعَلَّكُمْ تُفْلِحُونَ »(2).
ص: 42
هذه النظرة تمكّن الناظر من الإحاطة بالميدان كله وبجيش العدو وتشكيلاته الحربية في عموم معسكره ومعرفة أعداده ونوعياته، وتمنحه القدرة على إجراء المحاسبات الهجومية والدفاعية بشكل دقيق وراسخ.
ما قصده أميرالمؤمنين (علیه السّلام) بهذه الوصية أن ينظر المحارب إلى الأسفل ليكون بمقدوره إجالة نظره في كل ناحية ورؤية الجيش المقابل بأكمله بما فيه من قوات وتجهيزات هذه النظرة من شأنها أن تُدخل الرعب في قلب الطرف المقابل، فلابد من التحكم بها وتقييدها. لذا نجد أميرالمؤمنين(علیه السّلام) يقول لجنوده في حرب صفين: غضوا الأبصار فإنه أربط للجأش وأسكن للقلوب(1).
في سابع جملة، وهي الأخيرة من كلامه، يشير الإمام(علیه السّلام) إلى نقطة غاية في الأهمية من حيث رفع الروح المعنوي للمقاتل وتعزيز قدراته النفسية وتسكين خاطره، فيقول: واعلم أن النصر من الله (2).
ص: 43
ما يرويه أبو مخنف، فإن الناس بمجرد أن اصطفوا وأخذوا مواقعهم القتالية ووقفوا قبالة بعضهم، قال الإمام علي (علیه السّلام) لأصحابه: لا يرمين رجل منكم بسهم ولا يطعن أحدكم فيهم برمح حتى أُحدث إليكم وحتى يبدأ وكم بالقتال وبالقتل. فرمى أصحاب الجمل عسكر على (علیه السّلام) بالنبل رمياً شديداً متتابعاً. فضج إليه أصحابه وقالوا: عقرتنا سهامهم يا أميرالمؤمنين. وجيء برجل إليه وإنه لفي فسطاط له صغير، فقيل له: هذا فلان قد قتل. فقال: اللَّهُمَّ اشهد. ثم قال: أعذروا إلى القوم. فأتي برجل آخر فقيل: وهذا قد قتل. فقال: اللّٰهُمَّ اشهد أعذروا إلى القوم . ثم أقبل عبدالله بن بديل بن ورقاء الخزاعي وهو من أصحاب رسول الله (صلّی اللَّهِ علیه وَ آلِهِ وَ سَلَّمَ ) يحمل أخاه عبدة الرحمن بن بديل قد أصابه سهم فقتله فوضعه بين يدي علي(علیه السّلام) وقال: يا أميرالمؤمنين! هذا أخي قد قتل. فعند ذلك استرجع علي (علیه السّلام) ودعا بدرع رسول الله (صلّی اللَّهِ علیه وَ آلِهِ وَ سَلَّمَ ) ذات الفضول فلبسها فجعل آخر الدرع في أعلى بطنه فرفعها بيده وقال لبعض أهله: [.......] فحزم وسطه بعمامة وتقلد ذا الفقار ودفع إلى ابنه محمد راية رسول الله(صلّی اللَّهِ علیه وَ آلِهِ وَ سَلَّمَ ) السوداء وتعرف بالعقاب(1).
ص: 44
ودعا ببغلته الشهباء وهي بغلة رسول الله(صلّی اللَّهِ علیه وَ آلِهِ وَ سَلَّمَ ) فاستوى على ظهرها ووقف أمام صفوف أصحابه فوقفت بين يديه باللواء وهو للحرب(1).
يقول صعصعة بن صوحان: لما عقد علي بن أبي طالب الألوية، أخرج لواء رسول الله (صلّی اللَّهِ علیه وَ آلِهِ وَ سَلَّمَ ) ولم يُر ذلك اللواء منذ قبض رسول الله (صلّی اللَّهِ علیه وَ آلِهِ وَ سَلَّمَ ) فعقده ودعا قيس بن سعد بن عبادة فرفعه إليه، فاجتمعت الأنصار وأهل بدر. فلما نظروا إلى لواء رسول الله (صلّی اللَّهِ علیه وَ آلِهِ وَ سَلَّمَ ) بكوا(2).
بعد نشر لواء رسول الله (صلّی اللَّهِ علیه وَ آلِهِ وَ سَلَّمَ ) و استعداد الإمام (علیه السّلام) للقتال، أنشد قيس بن سعد بن عبادة شعراً يقطر مروءة ومعرفة دقيقة بالعدو. قال فيما قال:
هذا اللواء الذي كنا نحف به ... مع النبي وجبريل لنا مددا
ما ضر من كانت الأنصار عيبته ... أن لا يكون له من غيرها أحدا
قوم إذا حاربوا طالت أكفهم ... بالمشرفية حتى يفتحوا البلدا(3)
ص: 45
لما نشر أميرالمؤمنين لواء رسول الله(صلّی اللَّهِ علیه وَ آلِهِ وَ سَلَّمَ ) ، قام أنصار عائشة بتنظيم صفوفهم. فقدموا الجمل الذي كانت تركبه عائشة ولجامه بيد كعب بن سور وكان يعلق مصحفاً على رقبته. وكانت الأزد وضبة يحفون بالجمل. وكان عبدالله بن الزبير يسير أمام الجمل ومروان بن الحكم على يمين عائشة. وكان
الزبير يتكفل بتنسيق حركة الجيش، فيما كان طلحة يقود الخيالة وابنه محمد يقود المشاة(1).
صمم أصحاب الجمل هودج عائشة بحيث يكون محمياً من السهام والسيوف ولا تصاب عائشة بضرر. جاء في بعض التقارير التاريخية: وعائشة على جمل في هودج من دفوف الخشب قد ألبسوه المسوح وجلود البقر وجعلوا دونه اللبود وقد غشي على ذلك بالدروع(2).
ص: 46
يقول أبو علقمة بن أبي علقمة جعلنا الهودج من خشب فيه مفاتيح الحديد وفوقه دروع من حديد وفوقها طيالسة من خز أخضر وفوق ذلك أدم أحمر وجعلنا لعائشة منه منظر العين فما أغنى ذلك عنها من القوم(1).
حسب تقرير البلاذري، فقد بلغت الصفائح الحديدية التي وضعت على هودج عائشة من الكثرة بحيث بدا الهودج كأنه أُلبس درعاً كاملاً (2).
ويقول ابن قتيبة الدينوري عن هودج عائشة : فلما أتى عائشة خبر أهل الشام أنهم ردوا بيعة علي وأبوا أن يبايعوه، أمرت فعُمل لها هودج من حديد وجعل فيه موضع عينيها. ثم خرجت ومعها الزبير وطلحة وعبدالله بن الزبير ومحمد بن طلحة" (3).
ويقول ابن عبدربه الأندلسي: ابن منية وهبه (الجمل الذي كان يحمل عائشة) لعائشة وجعل له هودجاً من حديد (4).
الملاحظة اللافتة للنظر هنا هي أن أصحاب عائشة كانوا يظنون أنهم إنما جاؤوا إلى البصرة للإصلاح في الأُمة وأنهم لم يكونوا يبيّتون محاربة الإمام علي(علیه السّلام) . ولكن هذا الادعاء لا يتوافق مع الهيأة التي صنعوا عليها الهودج.
ص: 47
لأنه لو كانت نية عائشة الإصلاح حقاً لما كانت تعد العدة من البداية لقتال أميرالمؤمنين (علیه السّلام). فما الداعي لكل هذه التحصينات وصناعة الهودج من حديد!؟
لا يوجد أدنى شك في أن عائشة كانت على رأس الأُمور في فتنة الجمل(1)، وأنه لولا مرافقتها لطلحة والزبير لما نجحا ذلك النجاح في تعبئة الناس وإشعال الحرب. وكان طلحة والزبير يدركان هذه الحقيقة، لذا كلفا عبدالله بن الزبير بالتواصل معها لإقناعها بالخروج على أميرالمؤمنين (علیه السّلام) منتهزاً حبها الشديد له.
اتخذ طلحة والزبير من مرافقة عائشة لهما دليلاً إعلامياً على صدق دعوتهما وأحقيتهما في محاربة الإمام علي (علیه السّلام). وبهذا تمكنا من خداع الناس واستقطابهم (2).
ص: 48
قال طلحة في إحدى خطبه في أهل البصرة: يا معشر المسلمين! إن الله قد منحكم (هكذا: م) بأُم المؤمنين وقد عرفتم حقها ومكانتها من رسول الله (صلّی اللَّهِ علیه وَ آلِهِ وَ سَلَّمَ ) ومكان أبيها من الإسلام(1).
وقال عندما اندلع القتال: أيها الناس! لقد جاء علي بن أبي طالب ليسفك دماء المسلمين. فلا تغرنكم قرابته من النبي ولا تتركوا القتال فإن زوجة رسول الله (صلّی اللَّهِ علیه وَ آلِهِ وَ سَلَّمَ ) وابنة أبي بكر معكم وفي عسكركم(2).
تفيد التقارير التاريخية بأن الكثير من الناس انخدعوا عائشة وشاركوا في الحرب. بل إن بعض الشخصيات البارزة مثل كعب بن سور لم يشاركوا في الحرب. إلاّ بعد أن دعتهم عائشة إليها. ولم يرافق أهل البصرة طلحة والزبير ولم يقاتلوا الإمام علياً (علیه السّلام) إلّا لوجود عائشة معهما.
وقد أشار أميرالمؤمنين إلى الدور الرئيس الذي لعبته عائشة في الحرب بقوله مخاطباً إياها: استفززت الناس وقد فزوا حتى قتل بعضهم بعضاً بتأليبك(3).
كما تفيد تقارير ابن كثير الدمشقي السلفي(4) والذهبي(5) بأن عائشة كانت تحرض الناس وتشجعهم على القتال.
ص: 49
أليست عائشة هي التي خطبت خطبة تحريضية في حجر إسماعيل دفاعاً عن عثمان وأفعاله!؟
ألم ينعقد الاجتماع التشاوري حول تعيين المدينة التي ينبغي التوجه إليها، في مقر إقامة عائشة بمكة!؟
ألم تكن عائشة هي التي عينت عبدالله بن الزبير إماماً للجماعة في الصلاة؟
وهي التي أصدرت الأمر بتعذيب عثمان بن حنيف، والي البصرة من قبل الإمام على (علیه السّلام)، وقتله؟
وهي التي أمرت بقتل سبعين من حراس بيت المال على يد الزبير بمساعدة ابنه عبدالله ؟
ألم يقل أميرالمؤمنين (علیه السّلام): بُليت بأطوع الناس لهم يعني عائشة؟
ألم يكن جملها وهودجها بمثابة الراية لجيشها؟
ألم تكن هي من أصدرت الأمر بإعدام حَمَلَةِ القرآن من جانب أميرالمؤمنين (علیه السّلام) وأوامر مشابهة؟
ألم يكن أكثر الأراجيز التي قيلت في الحرب من الجانبين موجهة إليها بالاسم؟
ألم يتم بأمرها الكتابة إلى أهل الشام والكوفة والمدينة واليمامة والإخبار باحتلال البصرة؟
ص: 50
يقول الإمام الصادق(علیه السّلام) : درع رسول الله (صلّی اللَّهِ علیه وَ آلِهِ وَ سَلَّمَ ) ذات الفضول لها حلقتان من ورق (فضة) في مقدمها وحلقتان من ورق في مؤخرها. وقال: لبسها علي (علیه السّلام) يوم الجمل (1).
ويقول يعقوب بن شعيب نقلاً عن الإمام الصادق (علیه السّلام) عن النطاق الذي تمنطق به الإمام علي (علیه السّلام) في حرب الجمل: شدّ علي(علیه السّلام) على بطنه يوم الجمل بعقال أبرق نزل به جبرئيل(علیه السّلام) من السماء وكان رسول الله (صلّی اللَّهِ علیه وَ آلِهِ وَ سَلَّمَ ) يشد به على بطنه إذا لبس الدرع(2).
وجاء في تقارير أخرى أن درع الإمام(علیه السّلام) لم يكن له ما يغطي العاتق ولا الظهر وكان يربط جانبيه برباط النعل حتى اعترض عليه عبدالله بن عباس(3).
ص: 51
حسب بعض الروايات، كان السبب في أن الإمام (علیه السّلام) لم يبدأ القتال، رغم قيام الحجة والحاح جنوده عليه، أنه كان ينتظر نزول الملائكة.
يقول أبو عبدالله العنزي: إنا لجلوس مع علي بن أبي طالب(علیه السّلام) يوم الجمل إذ جاءه الناس يهتفون به: يا أميرالمؤمنين لقد نالنا النبل والنشاب، فسكت. ثم جاء آخرون فذكروا مثل ذلك فقالوا: قد جرحنا. فقال علي(علیه السّلام) : يا قوم! من يعذرني من قوم يأمروني بالقتال ولم تنزل بعدُ الملائكة. فقال: إنا لجلوس ما نرى ريحاً ولا نحسها إذ هبت ريح طيبة من خلفنا، والله لوجدت بردها بين كتفي من تحت الدرع والثياب. قال: فلما هبت صب أميرالمؤمنين (علیه السّلام) درعه، ثم قام إلى القوم، فما رأيت فتحاً كان أسرع منه(1).
إن مشاركة الملائكة في حرب الجمل ومعاونتهم لأميرالمؤمنين (علیه السّلام) كان من أخبار الغيب التي أخبر بها رسول الله (صلّی اللَّهِ علیه وَ آلِهِ وَ سَلَّمَ ) الإمامَ علياً(علیه السّلام) . يقول الإمام الباقر(علیه السّلام) : فقال علي(علیه السّلام) : لقد أنبأني رسول الله (صلّی اللَّهِ علیه وَ آلِهِ وَ سَلَّمَ ) بنبأ فقال: إن الله تعالى
يمدك يا علي يوم الجمل بخمسة آلاف من الملائكة مسومين(2).
على أن صفة المسومين" للملائكة تدل على أنها ذات الملائكة التي نزلت لتنصر النبي (صلّی اللَّهِ علیه وَ آلِهِ وَ سَلَّمَ ) في بدر على المشركين، نزلت على أميرالمؤمنين (علیه السّلام) في
ص: 52
الجمل لتنصره على الناكثين. وهذا مؤشر على أهمية حرب الجمل، فالناكثون في هذه الحرب على قدم سواء مع المشركين في بدر.
يقول الشيخ المفيد نقلاً عن الواقدي عن محمد بن الحنفية: لما سمع أبي (الإمام علي(علیه السّلام)) أصواب ( هكذا ، وربما أصوات: م) الناس يوم الجمل وقد ارتفعت فقال لابنه محمد: ما يقولون؟ قال: يقولون : يا لثارات عثمان قال: فشد عليهم وأصحابه يهشون في وجهه يقولون: ارتفعت الشمس، وهو يقول: الصبر أبلغ حجة. قال: فأمهل حتى زالت الشمس وصلى ركعتين ثم قال: ادعوا ابني محمداً! فدعي له محمد بن الحنفية فجاء وهو يومئذٍ ابن تسع عشرة سنة فوقف بين يديه، ودعا بالراية فنصبت فحمدالله وأثنى عليه وقال: أما هذه الراية لم ترد قط ولا ترد أبداً وإني واضعها اليوم في أهلها. ودفعها إلى ولده محمداً (هكذا، والأرجح محمدٍ: م) وقال: تقدم يا بني! فلما رآه القوم قد أقبل والراية بين يديه فتضعضعوا. فما هو إلّا أن الناس التقوا ونظروا إلى غرة أميرالمؤمنين ووجدوا مس السلاح(1).
بالرغم من مشاركة الإمامين الحسن والحسين (علیهما السّلام) في حرب الجمل، إلّا أن أميرالمؤمنين(علیه السّلام) كان حريصاً على تجنيبهما المهام الخطيرة، ومنها حمل الراية،
ص: 53
حماية لهما وحفاظاً عليهما. وكان يقول لهما ، دفعاً للشبهة في أذهان الناس: إنما دفعت الراية إلى أخيكما وتركتكما لمكانتكما من رسول الله (صلّی اللَّهِ علیه وَ آلِهِ وَ سَلَّمَ ).(1)
يقول ابن أبي الحديد قيل لمحمد (بن الحنفية): لِمَ يغرر بك أبوك ولا يغرر بالحسن والحسين (علیهما السّلام) فقال : إنهما عيناه وأنا يمينه فهو يدفع عن عينيه بیمینه(2).
كان الإمام (علیه السّلام) يقول في صفين: املكوا عني هذين الفتيين، أخاف أن ينقطع بهما نسل رسول الله(صلّی اللَّهِ علیه وَ آلِهِ وَ سَلَّمَ ) (3).
ورغم أن الإمام(علیه السّلام) علم كان يجنّب الحسنين (علیهما السّلام) المهام الخطيرة حفاظاً عليهما كما فعل في حرب الجمل وغيرها، إلّا أنه كان يوضح أن ذلك لم يكن تفضيلاً لمحمد بن الحنفية عليهما.
يقول ابن أبي الحديد (بعد أن نجح محمد بن الحنفية في بعض مراحل الحرب) قالت الأنصار: يا أميرالمؤمنين! لولا ما جعل الله تعالى للحسن والحسين(علیهما السّلام) لما قدمنا على محمد أحداً من العرب. فقال علي(علیه السّلام) : أين النجم من الشمس والقمر؟ أما إنه قد أغنى وأبلى وله فضله ولا ينقص فضل
ص: 54
صاحبيه عليه. وحسب صاحبكم ما انتهت به نعمة الله تعالى إليه. فقالوا: يا أميرالمؤمنين! إنا والله لا نجعله كالحسن والحسين ولا نظلمهما له ولا نظلمه لفضلهما عليه حقه. فقال علي(علیه السّلام) : أين يقع ابني من ابني بنت رسول الله (صلّی اللَّهِ علیه وَ آلِهِ وَ سَلَّمَ )(1) !
نُقل عن أبي بكرة أنه قال: لما كان يوم الجمل أردت أن آتيهم وأقاتل معهم (يعني أصحاب الجمل ) حتى ذكرت حديثاً سمعته من رسول الله(صلّی اللَّهِ علیه وَ آلِهِ وَ سَلَّمَ ) أنه بلغه أن كسرى أو بعض ملوك الأعاجم مات فولوا أمرهم امرأة، فقال رسول الله(صلّی اللَّهِ علیه وَ آلِهِ وَ سَلَّمَ ) لا يفلح قوم تملكهم امرأة (2) .
يقول أبو ثابت وهو من موالي أبي ذر: شهدت مع أميرالمؤمنين(علیه السّلام) الجمل فلما رأيت عائشة واقفة بين الصفين ومعها طلحة والزبير قلت: أُم المؤمنين وزوجة الرسول وحواري الرسول وصاحبيه (هكذا: م) بأُحد، فدخلني ما يدخل الناس من الشك. حتى كان عند صلاة الظهر كشف الله ذلك عن قلبي وقلت: علي أميرالمؤمنين وأخو سيد المرسلين وأولهم إسلاماً لم يكن
ص: 55
بالذي يقدم على شبهة. فقاتلت معه قتالاً شديداً. فلما انقضى الحرب أتيت المدينة فسرت إلى بيت أُم سلمة فاستأذنت عليها فقيل: من هذا؟ فقلت: سائل. فقالت: أطعموا السائل. فقلت: إني والله لم أسأل طعاماً، ولكني مولى أبي ذر رجعت أسأل عن ديني. فقالت: مرحباً بك. فقصصت عليها، فقالت: أين كنت حين طارت القلوب مطايرها؟ فقلت: إني بينما أُحس ذلك إذ كشف الله عن قلبي فقاتلت مع أميرالمؤمنين (علیه السّلام) حتى فرغ. فقالت: أحسنت! إني سمعت رسول الله يقول: إن علياً مع القرآن والقرآن مع علي لا يفترقا (هكذا، والأرجح لا يفترقان: م) حتى يردا الحوض(1).
كذلك، فإن باقي زوجات النبي، كأُم سلمة، لما رأين تراخي الناس في تولي أميرالمؤمنين (علیه السّلام)، قمن بتذكيرهم بأحاديث النبي(صلّی اللَّهِ علیه وَ آلِهِ وَ سَلَّمَ ) ودعوتهم إلى طاعته ومرافقته.
كتب الشيخ الطوسي: قدم شقير بن شجرة العامري المدينة فاستأذن على خالتي ميمونة بنت الحارث زوج النبي (صلّی اللَّهِ علیه وَ آلِهِ وَ سَلَّمَ ) وكنت عندها فقالت: ائذن للرجل فدخل فقالت: من أين أقبل الرجل؟ قال: من الكوفة. قالت: فمن أي
ص: 56
القبائل أنت؟ قال: من بني عامر قالت: حييت، ازدد قرباً! فما أقدمك؟ قال: يا أُم المؤمنين! رهبت أن تكبسني الفتنة لما رأيت من اختلاف الناس فخرجت. قالت: فهل كنت بايعت علياً (علیه السّلام)؟ قال : نعم. قالت: فارجع فلا تزولن عن صَفِهِ! فوالله ما ضل ولا ضُل به. قال: يا أماه! فهل أنت محدثتي في علي بحديث سمعته من رسول الله(صلّی اللَّهِ علیه وَ آلِهِ وَ سَلَّمَ ) ؟ قالت: اللّٰهُمَّ نعم، سمعت رسول الله (صلّی اللَّهِ علیه وَ آلِهِ وَ سَلَّمَ ) يقول: علي آية الحق وراية الهدى، علي سيف الله يسله على الكفار والمنافقين، فمن أحبه فبحبي أُحبه، ومن أبغضه فببغضي أبغضه، ومن أبغضني أو أبغض علياً لقي الله عزّ وجلّ ولا حجة له(1).
على أن رواية أُخرى شبيهة لهذه الرواية نُقلت عن شداد بن أوس، ستأتي الإشارة إليها في البحث الخاص بشخصية أُم سلمة(2).
بعد اندلاع القتال، تقدم رجل من بني عدي أمام الجمل وبيده السيف وهو يقول: أضربكم ولا أرى عليا ... عممته أبيض مشرفيا (أُعمم رأسه
ص: 57
بالسيف أُريح منه قومنا عديا فشد عليه رجل من أصحاب أميرالمؤمنين (علیه السّلام) يقال له أُمية العبدي وهو يقول:
هذا علي والهدى سبيله*** والرشد فيه والتقى دليله
من يتبع الحق يكن خليله
ثم اختلف بينهما ضربتان فأخطأه العدوي وضربه العبدي فقتله(1).
فقام مقامه رجل يقال له أبو الحرباء عاصم بن مرة من أصحاب الجمل وهو يقول:
أنا أبو الحرباء واسمى عاصم*** وأُمنا أُم لها محارم
فشد عليه رجل من أصحاب أميرالمؤمنين وهو يقول:
إليك إني تابع عليا*** وتارك أُمكم مليا
إذ عصت الكتاب والنبيا*** وارتكبت من أمرها فريا
وضربه فقتله (2) .
فقام مقامه رجل من أصحاب الجمل يقال له الهيثم بن كليب الأزدي وهو يقول:
نحن نوالي أُمنا الرضية*** وننصر الصحابة المرضية
فشد عليه رجل من أصحاب أميرالمؤمنين وهو يقول:
دليلكم عجل بني أُمية*** وأُمكم خاسرة شقية
هاوية في فتنة عمية
ص: 58
وضربه ففلق هامته وخر صريعاً إلى الأرض (1).
جاء في بعض أخبار الحرب نقلاً عن أبي مخنف: فخرج عوف بن قطن الضبي وهو ينادي: ليس لعثمان ثأر إلّا علي بن أبي طالب وولده. فأخذ خطام الجمل وقال:
يا أم يا أُم خلا مني الوطن*** لا أبتغي القبر ولا أبغي الكفن
هاهنا محشر عوف بن قطن*** إن فاتنا اليوم علي فالغبن
أو فاتنا ابناه حسين وحسن*** إذن أمت بطول هم وحزن
ثم تقدم فضرب بسيفه حتى قُتل. وتناول عبدالله بن أبزى (ربما أبزي: م) خطام الجمل، وكان كل من أراد الجد في الحرب وقاتل قتال مستميت يتقدم إلى الجمل فيأخذ بخطامه. ثم شد على عسكر علي(علیه السّلام) وقال: أضربهم ولا أرى أبا حسن ... ها إن هذا حزن من الحزن
فشد عليه على أميرالمؤمنين(علیه السّلام) بالرمح فطعنه فقتله وقال: قد رأيت أبا حسن، فكيف رأيته؟ وترك الرمح فيه (2).
ص: 59
يقول ابن أعثم في جانب من تقريره عن حرب الجمل: ثم تقدم رجل من أصحاب الجمل يقال له عبدالله بن سري (بن بشر) فجعل يرتجز ويقول:
يا رب إني طالب أبا الحسن ... ذاك الذي يُعرف حقاً بالفتن
ذاك الذي يطلبه (هكذا، وربما أطلبه: م) على الإحن ... وبغضه شريعة من السنن
(قال): فخرج إليه علي... ثم شد عليه علي بالسيف فضربه ضربة هتك بها عاتقه فسقط قتيلاً. فوقف علي(علیه السّلام) (على رأسه) ثم قال: قد رأيت أبا الحسن، فكيف وجدته (1)؟
جاء في جانب من أخبار الحرب عن استشهاد ثلاثة أصحاب أميرالمؤمنين(علیه السّلام) الأوفياء: ثم قُتل عمرو بن يثربي الضبي وكان فارس أصحاب الجمل وشجاعهم.... قالوا: كان عمر و أخذ بخطام الجمل فدفعه إلى ابنه، ثم دعا إلى البراز، فخرج إليه علباء بن الهيثم السدوسي فقتله عمرو. ثم دعا إلى البراز فخرج إليه هند بن عمرو الجملي فقتله عمرو. ثم دعا إلى البراز فقال زيد بن صوحان العبدي لعلي(علیه السّلام) : يا أميرالمؤمنين! إني رأيت يداً أشرفت عليّ من السماء وهي تقول: هلم إلينا! وأنا خارج إلى ابن يثربي، فإذا قتلني
ص: 60
فادفني بدمي ولا تغسلني، فإني مخاصم عند ربي. ثم خرج فقتله عمرو. ثم رجع إلى خطام الجمل مرتجزاً يقول:
أرديت علباء وهنداً في طلق*** ثم ابن صوحان خضيباً في علق
قد سبق اليوم لنا ما قد سبق (حققنا تقدماً) ... والوتر منا في عدي (بن حاتم) ذي الفرق (الجبان)
والأشتر الغاوي وعمرو بن الحمق*** والفارس المعلم في الحرب الحنق
ذاك الذي في الحادثات لم يطق*** أعني علياً ليته فينا مزق
ثم ترك ابن يثربي الخطام وخرج يطلب المبارزة ... فقال قوم: إن عمار بن ياسر خرج إليه والناس يسترجعون له، لأنه كان أضعف من برز إليه يومئذٍ؛ أقصرهم سيفاً وأقصفهم رمحاً وأحمشهم ساقاً، حمالة سيفه من نسعة الرحل (من الجلد الذي تُربط به الأحمال) وذباب سيفه (مقبضه) قريب من إبطه.
فاختلفا ضربتين فنشب سيف ابن يثربي في حجفة عمار فضربه عمار على رأسه فصرعه. ثم أخذ برجله يسحبه حتى انتهى به إلى علي (علیه السّلام) فقال: يا أميرالمؤمنين استبقني أُجاهد بين يديك وأقتل منهم مثل ما قتلت منكم. فقال له علي(علیه السّلام): أبعد زيد وهند وعلباء أستبقيك؟ لاها الله إذن! قال: فأدنني منك أُسارك! قال له: أنت متمرد، وقد أخبرني رسول الله(صلّی اللَّهِ علیه وَ آلِهِ وَ سَلَّمَ ) بالمتمردين
ص: 61
وذكرك فيهم. فقال: أما والله لو وصلت إليك لعضضت أنفك عضة أبنته منك. فأمر به (علیه السّلام) فضربت عنقه (1).
على أن بعض التقارير التاريخية تقول إن عمرو بن يثربي قُتل على يد مالك الأشتر أو عبد الرحمن بن طود البكري أو على يديهما معاً (2).
وذكرت بعض التقارير أن عمرو بن يثربي لم ينجح في قتل هند المرادي إلّا بمساعدة عبدالله بن الزبير، فقاتلاه معاً وقتلاه.
وعن مبارزة زيد بن صوحان لعمرو بن يثربي ذُكر أن فارساً آخر ساعد عمرواً عليه فانشغل به زید وطعنه برمحه فطعن عمرو زيداً طعنة أردته شهيداً (3).
بعد هلاك عمرو بن يثربي خرج أخوه عميرة فجعل يرتجز ويقول شعراً فخرج علي(علیه السّلام) وأجابه إلى شعره، ثم حمل عليه علي فضربه ضربة على وجهه فرمى بنصف رأسه (4) وسقط على الأرض.
ص: 62
كان عمار أول من بايع الإمام علياً(علیه السّلام) بعد مقتل عثمان وكان له دور حاسم في حرب الجمل.
لقد لعب دوراً بارزاً في مختلف مراحل الحرب ولم يتخل عن أميرالمؤمنين (علیه السّلام) منذ البيعة العمومية له حتى نهاية حرب الجمل. كان عمار من الذين لم يترددوا في مبايعة الإمام علي (علیه السّلام) بعد مقتل عثمان مباشرة. وكان يحتج على أمثال سعد بن أبي وقاص الذين لم يبايعوا الإمام أو الذين رفضوا القتال إلى
جانبه.
كان عمار من الذين ذهبوا إلى محمد بن مسلمة وحاولوا إقناعه بمبايعة الإمام(علیه السّلام) أو نصرته في حربه، رغم أنه لم ينجح في محاولته ولم يؤثر على موقف محمد بن مسلمة. ولما سمع بالكلام الذي كان من شأنه أن يزرع الخلاف والفرقة بين الناس، طلب من الإمام (علیه السّلام) أن يرتقي المنبر ويوجه النصح للمخالفين.
من المواقف التي خرج منها عمار مرفوع الرأس مفلحاً، تعبئة أهل الكوفة لنصرة أميرالمؤمنين (علیه السّلام). فقد أوضح في الكوفة أن خروج عائشة امتحان إلهي يعلم الله فيه من يطيعه ممن يطيع عائشة. ولما رأى أباموسى الأشعري يلفق الأحاديث النبوية لتخذيل الناس عن نصرة الإمام (علیه السّلام)، ردّ عليه بحضور الناس بأجوبة قاطعة مُسكتة. وهكذا، وبتوجيه من الإمام الحسن
ص: 63
(علیه السّلام)، نجح في تجنيد عدد كبير من المقاتلين لمرافقة الإمام(علیه السّلام) في حربه وإفشال مؤامرة المنافقين.
ومما امتاز به عمار من صفات توعية الناس ونشر البصيرة فيهم. فقد بيّن لأهل الكوفة موقف أميرالمؤمنين (علیه السّلام) من خلال الخطب التي ألقاها على مسامعهم وعرّفهم بأوضاع المدينة، ونجح في إزالة الكثير من الشبهات الدائرة حينئذٍ حول دور الإمام (علیه السّلام) في مقتل عثمان وكذلك في الحرب على عائشة وطلحة والزبير.
كان عمار من الذين بيّنوا للناس أحاديث النبي(صلّی اللَّهِ علیه وَ آلِهِ وَ سَلَّمَ ) عن قتال الناكثين والمارقين والقاسطين. ونظراً لأن النبي كان قد قال في عمار: (إذا اختلف الناس كان ابن سمية مع الحق) (1) فقد أولى الناسُ اهتماماً بالغاً بأقواله وخطبه.
ولما وصل عمار إلى البصرة أخذ ينصح عائشة وطلحة والزبير ويبين لهم منزلة أميرالمؤمنين (علیه السّلام)، وطلب منهم الرضوخ لبيعته(علیه السّلام) والتوبة من نكثها.
ص: 64
ونظراً للأحاديث النبوية الصادرة بحق عمار ، كقوله(صلّی اللَّهِ علیه وَ آلِهِ وَ سَلَّمَ ) له: (لن تموت حتى تقتلك الفئة الباغية ) (1) فقد كانت الأنظار في حرب الجمل أيضاً تصبو إليه لترى موقعها من الحق. وشملت هذه القاعدة طلحة والزبير نفسهما بحيث كان وجود عمار في جيش الإمام (علیه السّلام) مصدر قلق لهما.
عن عجوز من عبد القيس كانت تداوي الجرحى مع علي بن أبي طالب أنها قالت: ألا ذات شاهدة يوم الجمل إذ جاء راكب على فرس ينادي: ألا فيكم عمار؟ فقال عمار: هذا رسول طلحة والزبير أرسلا لينظران (هكذا، وربما لينظر أن: م) فيكم أنا. فقال عمار: نعم أنا عمار. فنزل الرجل فقال: احسر لي عن رأسك! فحسر عمار عن رأسه فلمس الرجل أُذن عمار. قال: كانت لعمار زنمة في أذنه، فلمسها ثم ركب راجعاً فأخبر (طلحة و) الزبير بذلك فرجع الزبير (2).
يقول جون بن قتادة: (كنت مع الزبير فجاء رجل و) قال: هؤلاء القوم قد أتوك. فلقيت عماراً فقلت له وقال لي. فقال الزبير: إنه ليس فيهم. فقال: بلى والله إنه لفيهم. قال ( الزبير ) : والله ما جعله الله فيهم. فقال: والله لقد جعله فيهم . فلما رأى ( الزبير) الرجلَ يخالفه قال لبعض أهله: اركب فانظر أحقُّ ما يقول! فركب معه فانطلقا وأنا أنظر إليهما حتى وقفا في جانب الخيل قليلاً
ص: 65
ثم رجعا إلينا فقال الزبير لصاحبه ما عندك؟ قال: صدق الرجل. قال الزبير : يا جدع أنفاه أو يا قطع ظهراه! فقال جون: ثكلتني أُمي! هذا الذي كنت أُريد أن أموت معه أو أعيش معه. والذي نفسي بيده ما أخذ هذا ما أرى إلّا لشيء قد سمعه أو رآه من رسول الله (1).
حسب تقرير أبي مخنف فإن الذي أرسله الزبير للتثبت من وجود عمار كان رجلاً من بني ضبة. فلما لاحظ الرجل اضطراب الزبير بعد تأكده من وجود عمار في معسكر الإمام علي (علیه السّلام) قال للزبير : ماذا يا أباعبدالله؟ قال (الزبير): لا شيء. قال: سبحان الله! إن لي عليك حقاً واجبة، بعثتني مرتين فأطعتك ولهو في محبتك ولطاعتي إياك وحرمتي لك، فأخبرني! فأبى أن يخبره. فقال: أسألك بالله ورسوله لما أخبرتني. فقال: سمعت رسول الله (صلّی اللَّهِ علیه وَ آلِهِ وَ سَلَّمَ ) يقول: ما لهم ولعمار بن ياسر، يدعوه (هكذا، وربما يدعوهم: م) إلى الجنة ويدعونه إلى النار. ستره (هكذا، وربما استره أي أخف الخبر: م) والله! فلما سمع ذلك الضبي منه قلب رأسه ولحق بعلي فأخبره بما قال الزبير ... وأمره(علیه السّلام) أن يخبر الناس بما قال الزبير، فأخبرهم . وقاتل الضبي أصحاب الجمل قتالاً شديداً (2).
ص: 66
ويفيد بعض التقارير والروايات بأن الزبير لما علم بوجود عمار في جيش الإمام علي (علیه السّلام) داخله الشك في أحقية محاربة الإمام(علیه السّلام) ، وذلك لعلمه بقول رسول الله لعمار: (الحق مع عمار، وتقتلك (هكذا: م) الفئة الباغية) (1).
كما أن الزبير لما تقابل مع عمار أثناء القتال انصرف عن مبارزته لما روي عن النبي(2).
على أن إنكار الزبير في هذا التقرير التاريخي يبدو شكلياً، لأن من يسوّغ محاربة الإمام علي (علیه السّلام) كيف له أن يقلق لوجود عمار في جيشه ويداخله الشك ويرتاب في موقفه!؟
هل من المعقول أن يشك الزبير في أحقية محاربة الإمام علي(علیه السّلام) لوجود عمار في جيشه ولا يشك لوجود الإمام نفسه!؟
ص: 67
يظهر أن انزعاج الزبير وتألمه من وجود عمار مع علي(علیه السّلام) يعود إلى خشيته من افتضاح بطلان دعوته وميل جنود جيش الجمل إلى علي (علیه السّلام)، لأن الجميع كان يعلم بقول النبي(صلّی اللَّهِ علیه وَ آلِهِ وَ سَلَّمَ ) : ( عمار مع الحق وتقتله الفئة الباغية).
كما أسلفنا، كان عمار ممن يعرف الناسُ بهم طريق الحق. وقد عرف كثير من الناس بواسطته أن الحق مع أميرالمؤمنين(علیه السّلام) . ولكن يبقى السؤال: أين عمار من علي!؟
لماذا كان الناس يتخذون من موقف عمار مؤشراً على أحقية أميرالمؤمنين (علیه السّلام) ؟
لماذا لم يكن تاريخ الإمام (علیه السّلام)اللامع والروايات المتواترة عن النبي (صلّی اللَّهِ علیه وَ آلِهِ وَ سَلَّمَ )
في فضائله ومنزلته سبباً في رفع الحيرة عن الناس في أمر أحقيته؟
يقول ابن أبي الحديد في الإجابة على هذا السؤال: قلت: واعجباً من قوم يعتريهم الشك في أمرهم لمكان عمار ولا يعتريهم الشك لمكان علي (علیه السّلام)! ويستدلون على أن الحق مع أهل العراق يكون عمار بين أظهرهم ولا يعبأون بمكان علي(علیه السّلام) ! ويحذرون من قول النبي (صلّی اللَّهِ علیه وَ آلِهِ وَ سَلَّمَ ) تقتلك الفئة الباغية ويرتاعون لذلك ولا يرتاعون لقوله(صلّی اللَّهِ علیه وَ آلِهِ وَ سَلَّمَ ) في علي(علیه السّلام) : اللّٰهُمَّ وال من والاه وعاد من عاداه، ولا لقوله لا يحبك إلّا مؤمن ولا يبغضك إلّا منافق. وهذا يدلك على أن علياً
ص: 68
(علیه السّلام) اجتهدت قريش كلها من مبدأ الأمر في إخمال ذكره وستر فضائله وتغطية خصائصه، حتى مُحي فضله ومرتبته من صدور الناس كافة إلّا قليلاً منهم(1).
شهدت حرب الجمل، كما غيرها من الحروب، الكثير من الرجز من جانبيها. ونكتفي هنا بعرض قليل من الأراجيز ذات المضامين الجديرة بالاهتمام تاركين دراسة باقي الأراجيز إلى القارئ اللبيب (2).
من الأراجيز التي أُنشدت في حرب الجمل:
نحن بنو ضبة أصحاب الجمل*** ننازل الموت إذا الموت نزل
ننعى ابن عفان بأطراف الأسل*** ردوا علينا شيخنا ثم بجل (ثم لا كلام)
الموت أحلى عندنا من العسل*** لا عار في الموت إذا خان الأجل
إن علياً هو من شر البدل*** إن تعدلوا بشيخنا لا يعتدل
أين الوهاد وشماريخ القلل ؟ (لا تقاس السهول بالقمم العالية)(3)
فأجابه رجل من عساكر الكوفة من أصحاب أميرالمؤمنين (علیه السّلام):
ص: 69
نحن قتلنا نعثلاً فيمن قُتل ... أكثرَ مَن أكثرَ فيه أو أقل (سواء أكثرَ الكلام فيه قائله أو أقلَّ)
أنى يُرد نعثل وقد قحل (كيف يُرجع عثمان بعد أن قُتل ويبس جلده ) ... نحن ضربنا وسطه حتى انجدل
لحكمه حكم الطواغيت الأوّل*** آثر بالفيء وجافى في العمل
فأبدل الله به خير بدل*** إني امرؤ مستقدم غير وكل (غير متخاذل)(1)
وهذه أرجوزة أُخرى لرجل من أصحاب الجمل:
يا أيها الجند الصليب الإيمان*** قوموا قياماً واستغيثوا الرحمن
إني أتاني خبر ذو ألوان (أخبار*** أن علياً قتل ابن عفان
ردوا إلينا شيخنا كما كان*** يارب وابعث ناصراً لعثمان
يقتلهم بقوة وسلطان (2)
فأجابه رجل من معسكر الكوفة:
أبت سيوف مذحج وهمدان*** بأن ترد نعثلاً كما كان
خلقاً سوياً بعد خلق الرحمن*** وقد قضى بالحكم حكم الشيطان
وفارق الحق ونور الفرقان*** فذاق كأس الموت شرب الظمآن (3)
ص: 70
وخرج من أهل البصرة شيخ صبيح الوجه، نبيل، عليه جبة وشي يحض الناس على الحرب ويقول:
يا معشر الأزد عليكم أُمكم*** فإنها صلاتكم وصومكم
والحرمة العظمى التي تعمكم*** فأحضروها جدكم وحزمكم
لا يغلبن سم العدو سمكم*** إن العدو إن علاكم زمكم
وخصكم بجوره وعمكم*** لا تفضحوا اليوم فداكم (1)
كانت أراجيز أصحاب الجمل تدور حول الدفاع المستميت عن عائشة، والتأكيد على الثأر لعثمان من قاتليه، وإظهار البغض لأميرالمؤمنين (علیه السّلام)، وشتم الإمام (علیه السّلام) ، وسبه ، وإلصاق تهمة قتل عثمان به، والشدة والقسوة التي سيعاملهم بها إذا انتصر عليهم. أما مضامين أراجيز أصحاب الإمام (علیه السّلام) فكانت تركز على إظهار خطأ عائشة وكونها مذنبة، وعلى المظالم التي ارتكبها عثمان وتفريطه بحقوق الناس، وإظهار فضائل الإمام (علیه السّلام) ومناقبه.
ص: 71
يقول الشيخ المفيد وابن أبي الحديد إن عائشة طلبت قبضة من الرمل والتراب فرمتها صوب أميرالمؤمنين وقالت: شاهت الوجوه! كما فعل رسول الله بأهل بدر(1).
ولما فعلت عائشة من السب المبرح وحصب أصحاب أميرالمؤمنين، قال (علیه السّلام) وما رميتِ إذ رميتِ ولكن الشيطان رمى وليعودن وبالك عليك إن شاء الله. وأنشدت أم ذريح العبدية من شيعة أميرالمؤمنين(علیه السّلام) :
عائش إن جئت لتهزمينا*** وتنشري البر لتغلبينا
وتقذفي بالحصبات فينا*** تصادفي ضرباً وتنكرينا
بالمشرفيات إذا غزینا*** نسفك من دمائكم ما شينا(2)
فما الذي كانت تبتغيه عائشة مما فعلت؟ هل كانت غايتها رفع الروح المعنوي لجنودها وتقوي إرادة القتال لديهم؟
ص: 72
هل أرادت أن تُظهر جيش الإمام (علیه السّلام) بأنه شبيه بجيش المشركين في أيام النبي؟
هل أرادت أن تُظهر للناس أن لها معاجز وكرامات كما كان للنبي؟ أم أنها سعت إلى إقناع الناس بأنها شجاعة؟
يبدو أن عائشة، لما رأت كثرة القتلى في صفوف جيشها، حاولت أن ترفع معنويات جنودها فقامت بهذه الحركة العجيبة. ولا يبعد تصديق تظاهرها بامتلاك قوى غيبية وقدرة على القضاء على جيش الإمام (علیه السّلام) برمشة عين من قبل أُولئك الذين كانوا يتبركون ببعر جملها(1)!
اللافت للنظر في الحروب مشاركة بعض الإخوان في جيش واحد أو في مواجهة بعضهم بعضاً، بحيث كان يُقتل الإخوان إلى جانب بعضهم، أو يُجرح بعضهم ويُقتل آخرون. ولم تكن حرب الجمل مستثناة من هذه الظاهرة، فقد
ص: 73
شهدت أكثر من حالة من هذا القبيل. حيث شارك الأخوان والثلاثة وكانوا جميعاً في جيش أميرالمؤمنين(علیه السّلام) .
يقول ابن أعثم الكوفي إن الأخوين الصعب بن سليم الأزدي وعبيدالله بن سليم الأزدي استشهدا في حرب الجمل إلى جانب أميرالمؤمنين (علیه السّلام) وجُرح أخوهما الثالث مخنف بن سليم الأزدي(1).
ومن الإخوة الذين قاتلوا في حرب الجمل صعصعة وزيد وسيحان (2) أبناء صوحان العبدي. فقد استشهد زيد وسيحان ودُفنا في قبر واحد (3). أما صعصعة فجُرح وعولج وعاد إلى القتال(4)
ص: 74
بعد أن قتل جميع من كان يمسك بلجام جمل عائشة، فلاذ بالجمل عبدالله بن الزبير وتناول خطامه بيده فقالت عائشة: من هذا الذي أخذ بخطام جملي؟ قال: أنا عبدالله ابن أُختك. فقالت: واثكل أسماء! ثم برز الأشتر إليه فخلى الخطام من يده وأقبل نحوه فقام مقامه في الخطام عبد أسود. واصطرع عبدالله والأشتر فسقطا إلى الأرض فجعل ابن الزبير يقول وقد أخذ الأشتر بعنقه ينادي: اقتلوني ومالكاً واقتلوا مالكاً معي!
قال الأشتر: فما سرني إلّا قوله مالكاً. ولو قال الأشتر لقتلوني. فوالله لقد تعجبت من حمق عبدالله إذ ينادي بقتله وقتلي وما كان ينفعه المشوم إن قتلت وقتل هو معي (1).
يُنقل عن عبدالله بن الزبير أنه قال: لاقيت الأشتر النخعي يوم الجمل فما ضربته ضربة حتى ضربني ستاً أو سبعاً. ثم أخذ برجلي فألقاني في الخندق وقال: والله لولا قرابتك من رسول الله(صلّی اللَّهِ علیه وَ آلِهِ وَ سَلَّمَ ) ما اجتمع منك عضو إلى عضو أبداً (2).
ص: 75
ظلت آثار ضربات مالك الأشتر باقية على جسم عبدالله بن الزبير سنوات، حتى كان كلما سُئل عن مواضع الخسف في رأسه كان يقول إنها ضربات الأشتر في حرب الجمل (1).
عن عبدالله بن الزبير قال أمسيت يوم الجمل وبي سبعة وثلاثون جرحاً من ضربة وطعنة ورمية. وما رأيت مثل يوم الجمل قط (2).
يقول الشيخ المفيد نقلاً عن عبدالله بن الزبير: فأثقلتني الجراح حتى سقطت وأنا مجروح مطروح في القتلى. فأتاني الأسود بن أبي البختري فوجدني صريعاً فأخذني بالعرض على فرسه وسار بي فجعل إذا أبصر إنساناً من أصحاب علي ألقاني، وإذا لم ير أحداً حملني حتى مر به رجل يعرفني فحمل عليه فأخطأه وأصاب رجل فرسه. ثم حملني فانطلق بي حتى أنزلني على رجل من بني ضبة له امرأتان؛ تميمية وبكرية من شيعة عثمان، فغسلت جراحتي وحشتها كافوراً . فوالله ما فاح منها شيء. وجعلت عائشة تسأل عني فلا تخبر عني بشيء. حتى إذا برأت جراحتي قلت لصاحب منزلي: انطلق إلى عائشة وأخبرها بي، وإياك أن يراك محمد بن أبي بكر. وقلت له: إنه قصير ووصفته له. فانطلق فأخبرها وقال لها: إنه قد أمرني أن لا يراني محمد بن أبي بكر. قالت: كلا، فانطلق إلى محمد بن أبي بكر (وائتني به! قال: فذهبت إليه فجئنا
ص: 76
إلى عائشة فقالت له: لا أظنك تفعل ما أطلبه منك. فقال لها محمد : وما طلبك؟ قالت: اذهب إلى عبدالله بن الزبير وائتني به. فجاءني الرجل ومعه محمد بن أبي بكر فأخذني محمد بن أبي بكر ) حتى أتينا عائشة، فسمعت سب عثمان علانية فبكيت وقلت: لا أقيم ببلد يُسب فيه عثمان علانية(1).
لما سمعت عائشة بسلامة عبدالله بن الزبير أعطت مبشرها عشرة آلاف درهم (2) أو أربعة آلاف درهم (3). ولما قابلت مالك الأشتر لأول مرة وبخته على ضربه لعبدالله بن الزبير وقالت له: أما والله لو قتلته لدخلت النار(4).
يقول الأصبغ بن نباتة: دخل عمار بن ياسر ومالك بن الحارث الأشتر على عائشة بعد انقضاء أمر الجمل، فقالت عائشة: يا عمار، من معك؟ قال: الأشتر. فقالت: يا مالك! أنت الذي صنعت بابن أُختي ما صنعت؟ قال: نعم، ولولا أني كنت طاوياً ثلاثة أيام لأرحت أُمة محمد منه. فقالت: أما علمت أن
ص: 77
رسول الله قال: لا يحل دم مسلم إلّا بأحد أمور ثلاث (هكذا، وربما ثلاثة: م)؛ كفر بعد الإيمان، أو زنا بعد إحصان، أو قتل نفس بغير حق؟ قال الأشتر : على بعض هذه الثلاثة قاتلناه يا أُم المؤمنين (1).
كان رد مالك الأشتر ذكياً ودقيقاً، لأن عبدالله بن الزبير، وإن لم يكن مرتداً ولا زانياً بعد إحصان فيستحق القتل، إلّا أنه قتل أنفساً بريئة كثيرة في البصرة بغير حق. ألم يتم قطع رؤوس سبعين رجلاً من السبابجة بأمر الزبير وبمساعدة عبدالله ابنه (2)؟
هذا التفصيل التوضيحي من جانب مالك الأشتر يبين السبب في بتر الرواية من قبل أحمد بن حنبل وابن عساكر الدمشقي(3).
والعجيب من أمر عائشة اعتراضها على تعرض عبدالله بن الزبير للخطر وعدم اكتراثها بآلاف القتلى الذين أُريقت دماؤهم بسببه ومن أجله!
إنها تقلق بشأن ابن الزبير، ولا يهمها أمر الذين فقدوا أطرافهم وجرحوا وأُعيقوا. بل إنها تشجع الفاعلين على فعلهم!
ص: 78
يا عائشة! ألم يكن عبدالله بن الزبير ينوي قتل أميرالمؤمنين، فانبرى له مالك الأشتر يقاتله دفاعاً عن إمامه وأميره؟ فلماذا تعترضين على مالك الأشتر وتتركين عبدالله بن الزبير؟
كان عبدالله بن الزبير من الذين لعبوا دوراً حاسماً في إيجاد فتنة الجمل. ويكفي، للتعرف على دوره في حرب الجمل، الرجوع إلى ما قاله أميرالمؤمنين (علیه السّلام) بجملة واحدة. كان علي (علیه السّلام) يقول: مازال الزبير منا أهل البيت حتى نشأ ابنه عبدالله فأفسده (1).
في هذه الجملة الموجزة الصغيرة، أودع الإمام (علیه السّلام) عالماً من المطالب لابد من فهمها من خلال التدقيق في تفاصيل سيرة عبدالله بن الزبير والتعرف على القبائح التي ارتكبها بحيث دفعت الإمام (علیه السّلام) إلى قوله هذا فيه.
كم بلغ دور عبدالله بن الزبير التخريبي في إيقاد نار الحرب بحيث لما بعث الإمام(علیه السّلام) عبدالله بن عباس إلى الزبير لتكليمه وإرشاده أمره بأن لا يكلمه بحضوره!
ص: 79
يقول ابن أبي الحديد والطبري إن عبدالله بن الزبير كان يحث أباه وعائشة على قتال علي (علیه السّلام)(1) وهو الذي دفع عائشة إلى الخروج(2).
كان الزبير يقول لابنه عبدالله يوم الجمل: ويلك لا تدعُنا على حال. أنت والله، قطعت بيننا وفرقت اُلفتنا بما بليت به من هذا المسير (3).
وللاطلاع على الدور الذي اضطلع به عبدالله بن الزبير في حرب الجمل، نمر بعجل على بعض ما فعله مما أدى إلى اتقاد نار الحرب واضطرامها:
• تحريضه عائشة على المشاركة في محاربة الإمام علي (علیه السّلام).
•ادعاؤه بأن الناس على استعداد للوقوف مع عائشة، وسعيه لإقناعها.
•لعبه دور الوسيط لطلحة والزبير لدى عائشة وتنسيق لقائهما بها.
•تزويده عائشة بأخبار خاطئة عن مقتل عثمان.
•معارضته لاُم سلمة وشجاره معها بسبب روايتها لفضائل الإمام علي (علیه السّلام)
• تكذيبه الأحاديث التي روتها أُم سلمة سماعاً عن رسول الله (صلّی اللَّهِ علیه وَ آلِهِ وَ سَلَّمَ )
• كذبه على عائشة بخصوص ماء الحوأب وقسمه على الكذب.
•جلبه شهود زور إلى عائشة على ماء الحوأب.
ص: 80
• كذبه على عائشة بالقول إن علياً قادم، ودفعه إياها إلى التحرك.
• منعه الحوار بين عبدالله بن عباس والزبير.
• تحريكه الحس القبلي في أهل البصرة ضد أهل الكوفة وتوجيه التهم لعلي (علیه السّلام).
• تحريكه الحس القبلي لدى الزبير ووضعه في مواجهة أميرالمؤمنين (علیه السّلام).
•مشاركته في قتل سبعين رجلاً من السبابكة.
•إعانته عمرو بن اليثربي في قتل هند المرادي.
• تولّيه قيادة الرجالة.
•تآمره على الإمام (علیه السّلام) ومحاولته اغتياله.
• أخذه بخطام جمل عائشة وإثارته نار الحرب.
يقول ابن عبد ربه الأندلسي: انتهى عبدالله بن بديل إلى عائشة وهي في الهودج فقال: يا أُم المؤمنين! أنشدك بالله، أتعلمين أني أتيتك يوم قتل عثمان فقلت لك: إن عثمان قد قُتل فما تأمرينني؟ فقلتِ لي: الزم علياً! فوالله ما غَيّرَ ولا بدل؟ فسكتت ثم أعاد عليها، فسكتت ثلاث مرات (1).
1- قالت ليلى الغفارية: كنت أخرج مع رسول الله (صلّی اللَّهِ علیه وَ آلِهِ وَ سَلَّمَ ) في مغازيه أداوي الجرحى وأقوم على المرضى. فلما خرج علي بالبصرة خرجت معه. فلما رأيت
ص: 81
عائشة واقفة دخلني شك، فأتيتها فقلت: هل سمعت من رسول الله (صلّی اللَّهِ علیه وَ آلِهِ وَ سَلَّمَ )فضيلة في علي؟ قالت: نعم، دخل علي على رسول الله (صلّی اللَّهِ علیه وَ آلِهِ وَ سَلَّمَ ) وهو على فراشي وعليه
جرد قطيفة، فجلس علي بيننا. (قال): فقالت عائشة: أما وجدت مكاناً هو أوسع لك من هذا؟ فقال النبي(صلّی اللَّهِ علیه وَ آلِهِ وَ سَلَّمَ ) : يا عائشة! دعي أخي فإنه أول الناس إسلاماً وآخر الناس بي عهداً عند الموت وأول الناس [لي لقيا] يوم القيامة(1).
2- فلما كان حرب الجمل أقبلت (عائشة) في هودج من حديد وهي تنظر من منظر قد صير لها في هودجها، فقالت لرجل من ضبة وهو آخذ بخطام جملها أو بعيرها: أين ترى علي بن أبي طالب؟ قال: ها هو ذا واقف رافع يده إلى السماء.
فنظرت فقالت ما أشبهه بأخيه قال الضبي: ومن أخوه؟ قالت: رسول الله(صلّی اللَّهِ علیه وَ آلِهِ وَ سَلَّمَ ) قال: فلا أراني أُقاتل رجلاً هو أخو رسول الله(صلّی اللَّهِ علیه وَ آلِهِ وَ سَلَّمَ ) . فنبذ خطام راحلتها من يده ومال إليه (إلى على)(2).
العجيب أن الضبي ثاب إلى رشده وسار في جادة الحق والتحق بالإمام (علیه السّلام)، ولكن صاحبة القول أصرت على البقاء في موضع المخالفة للحق.
يقول ابن أعثم الكوفي : ونظرت إليه (إلى علي) عائشة وهو يجول بين الصفوف فقالت: انظروا إليه كأن فعله فعل رسول الله (صلّی اللَّهِ علیه وَ آلِهِ وَ سَلَّمَ ) يوم بدر. أما والله،
ص: 82
ما ينتظر بكم إلّا زوال الشمس. فقال علي (علیه السّلام): يا عائشة! (قال عمّا قليل ليصبحن نادمين(1) .
من أهم النقاط التي تضمنتها أراجيز حرب الجمل، الإشارة الواسعة والكثيرة للوصية بخلافة أميرالمؤمنين (علیه السّلام) بعد النبي. وهنا نشير إلى بعض الأراجيز التي تضمنت هذا المعنى.
1- قال أبو الهيثم بن التيهان وهو من الأنصار الذين شهدوا بدراً، قال مرتجزاً: نحن الذين رأت قريش فعلنا ... يوم القليب أُولئك الكفار
إن الوصي إمامنا وولينا ... برح الخفاء وباحت الأسرار (2)
2- لما لام الإمام(علیه السّلام) ابنه محمداً بن الحنفية على تراخيه في الهجوم، قال عمر بن حارثة الأنصاري وكان مع محمد يوم الجمل:
أبا حسن أنت فصل الأُمور*** يبين بك الحل والمحرم
جمعت الرجال على راية*** بها ابنك يوم الوغى مقحم
سمي النبي وشبه الوصي*** ورايته لونها العندم ( حمراء) (3)
ص: 83
3- وقال رجل من الأزد يوم الجمل:
هذا علي وهو الوصي*** آخاه يوم النجمة النبي
وقال: هذا بعدي الولي*** وعاه واع ونسي الشقي (1)
4- وخرج يوم الجمل غلام من بني ضبة شاب معلم من عسكر عائشة وهو يقول:
نحن بنوضبة أعداء علي*** ذاك الذي يعرف قدماً بالوصي
وفارس الخيل على عهد النبي*** ما أنا عن فضل علي بالعمي
لكنني أنعى ابن عفان التقي ... إن الولي طالب ثأر الولي (على هذا الولي أن يطلب بدم ذاك الولي)(2)
5- وقال سعيد بن قيس الهمداني يوم الجمل وكان في عسكر علي (علیه السّلام) (من قادته) :
أية حرب أضرمت نيرانها*** وكسرت يوم الوغى مرانها (رماحها)
قل للوصي أقبلت قحطانها*** فادع بها تكفيكها همدانها (تكفيك همدان شر قحطان)(3)
ص: 84
6- وقال زياد بن لبيد الأنصاري يوم الجمل وكان من أصحاب علي (علیه السّلام):
ولا نبالي في الوصي مَن غضِب ... وإنما الأنصار جد لا لعب (1)
7- وقال حجر بن عدي الكندي في ذلك اليوم أيضاً:
يا ربنا سلّم لنا عليا*** سلّم لنا المبارك المضيا
المؤمن الموحد التقيا*** لا خطل الرأي ولا غويا
بل هادياً موفقاً مهديا*** واحفظه ربي واحفظ النبيا
فيه فقد كان له وليا*** ثم ارتضاه بعده وصيا (2)
8- وقال خزيمة بن ثابت الأنصاري ذو الشهادتين وكان بدرياً، في يوم الجمل أيضاً:
يا وصي النبي قد أجلت الحرب*** الأعادي وسارت الأظعان (3)
9- وقال خزيمة أيضاً في يوم الجمل :
أعائش خلى عن علي وعيبه *** بما ليس فيه إنما أنت والده
وصي رسول الله من دون أهله*** وأنت على ما كان من ذاك شاهدة (4)
ص: 85
10- وقال (عبدالله) بن بدیل بن ورقاء الخزاعي يوم الجمل أيضاً:
يا قوم للخطة العظمى التي حدثت ... حرب الوصي وما للحرب من آسي (هكذا، وربما آس: م) (1)
11- وقال عمرو بن أُحيحة يوم الجمل في خطبة الحسن بن علي(علیه السّلام)بعد خطبة عبدالله بن الزبير :
وأبى الله أن يقوم بما قام *** به الوصي وابن النجيب
إن شخصاً بين النبي لك الخير*** وبين الوصي غير مشوب (2)
12- وقال زجر بن قيس الجعفي يوم الجمل أيضاً:
أضربكم حتى تقروا لعلي*** خير قريش كلها بعد النبي
من زانه الله وسماه الوصي*** إن الولي حافظ ظهر الولي
كما الغوي تابع أمر الغوي(3)
تدل هذه النصوص على أن كون أميرالمؤمنين (علیه السّلام) وصي النبي (صلّی اللَّهِ علیه وَ آلِهِ وَ سَلَّمَ )
وخليفته كان أمراً دارجاً بين المسلمين ومعروفاً لديهم.
ص: 86
لقد تضمنت الحوارات والأقوال والخطب التي قام بها رجال العسكريين إشارات جديرة بالعناية إلى دور بعض الأفراد في مقتل عثمان وإلى قاتليه. تشير هذه التقارير إلى أن قتلة عثمان كانوا في معسكر عائشة لا معسكر الإمام علي (علیه السّلام). ونشير هنا إلى ثلاثة تقارير هامة:
يقول ابن قتيبة الدينوري: وأقبل غلام من جهينة إلى محمد بن طلحة فقال له: حدثني عن قتلة عثمان! قال: نعم، دم عثمان على ثلاثة أثلاث؛ ثلث على صاحبة الهودج، وثلث على صاحب الجمل الأحمر (يعني طلحة)، وثلث على علي بن أبي طالب. فضحك الجهيني ولحق بعلي بن أبي طالب. وبلغ طلحة قول ابنه محمد، وكان محمد من عبّاد الناس، فقال له: يا محمد! أتزعم عنا قولك إني قاتل عثمان، كذلك تشهد على أبيك ؟ كن كعبدالله بن الزبير! فوالله ما أنت بخير منه ولا أبوك بدون أبيه. كف عن قولك وإلّا فارجع فإن نصرتك نصرة رجل واحد وفسادك فساد عامة. فقال محمد: ما قلت إلاّ حقاً ولن أعود.
(أي: لن أعود لمثلها) (1)
ص: 87
أما الغلام فقد أنشد بعد أن التحق إلى معسكر الإمام علي (علیه السّلام)
سألت ابن طلحة عن هالك*** بجوف المدينة لم يُقبر
فقال ثلاثة رهط هم*** أماتوا ابن عفان واستعبر
فثلث على تلك في خدرها*** وثلث على راكب الأحمر
وثلث على ابن أبي طالب*** ونحن بدوية قرقر
فقلت: صدقت على الأولين*** وأخطأت في الثالث الأزهر(1)
نقل ابن أبي سبرة عن أمه أنها سمعت عائشة تقول: لقد رأيتني يوم الجمل وإن على هودجي الدروع الحديدية والنبل يخلص إليّ منها وأنا في الهودج فهوّن عليّ ذلك ما صنعته بعثمان؛ ألّبنا عليه حتى قتلناه وجرينا عليه الغوغاء(2).
وفي اعتراف صريح آخر، قالت عائشة وهي تتحدث لجماعة من أنصار عثمان عما جرى في حرب الجمل، عن دورها في قتل عثمان ولقد كنت ألّبت على عثمان حتى نيل منه ما نيل. فلما قتل ندمت وعلمت أن المسلمين لا
ص: 88
يستخلفون مثله أبداً. كان والله أجلّهم حلماً وأعبدهم عبادة وأبذلهم عند النائبة وأوصلهم للرحم(1).
يقول الشيخ المفيد نقلاً عن سليمان بن عبدالله بن عويمر بن عويمر الأسلمي: قال: قال ابن الزبير: إني لواقف في يمين رجل من قريش إذ صاح صائح: يا معاشر قريش، أُحذركم الرجلين؛ جندب العامري والأشتر النخعي. قال: وسمعت عماراً يقول لأصحابنا ما تريدون وما تطلبون؟ فناديناه: نطلب بدم عثمان، فإن خليتم بيننا وبين قتلته رجعنا عنكم. فقال عمار: لو سألتمونا أن ترجعوا عنا بئس الفخار فإنه ألأم الغنم فحلاً وشرها لحماً ما أعطيناكموه. ثم التحم القتال وناديناهم: مكنونا من قتلة عثمان ونرجع عنكم. فنادانا عمار: قد فعلنا، هذه عائشة وطلحة والزبير قتلوه عطشاً فابدأوا بهم. فإذا فرغتم منهم تعالوا إلينا نبذل لكم الحق. فأمسك، والله أصحاب الجمل كلهم ( عن المحاولة والقتال) (2).
عن الأصبغ بن نباتة قال: كنا مع علي(علیه السّلام) بالبصرة وهو على بغلة رسول الله(صلّی اللَّهِ علیه وَ آلِهِ وَ سَلَّمَ ) وقد اجتمع حوله أصحاب محمد(صلّی اللَّهِ علیه وَ آلِهِ وَ سَلَّمَ ) ، فقال : ألا أُخبركم بأفضل خلق
ص: 89
الله عندالله يوم يجمع الرسل؟ قلنا: بلى يا أميرالمؤمنين. قال: أفضل الرسل محمد، وإن أفضل الخلق بعدهم الأوصياء، وأفضل الأوصياء أنا، وأفضل الناس بعد الرسل والأوصياء ،الأسباط، وإن خير الأسباط سبطا نبيكم يعني الحسن والحسين وإن أفضل الخلق بعد الأسباط الشهداء، وإن أفضل الشهداء حمزة بن عبدالمطلب، قال ذلك النبي (صلّی اللَّهِ علیه وَ آلِهِ وَ سَلَّمَ ) وجعفر بن أبي طالب ذو الجناحين مختصان بكرامة خص الله عزّ وجلّ بها نبيكم، والمهدي منا في آخر الزمان، لم يكن في أمة من الأمم مهدياً (هكذا: م) ينتظر غيره(1).
وفي رواية أخرى عن الأصبغ بن نباتة قال: لما هزمنا أهل البصرة جاء علي بن أبي طالب(علیه السّلام) فقام إليه ناس من أصحاب النبي (صلّی اللَّهِ علیه وَ آلِهِ وَ سَلَّمَ ) منهم أبو أيوب الأنصاري وقيس بن سعد وعمار بن ياسر وزيد بن حارثة وأبو ليلى، فقال: ألا أخبركم بسبعة من أفضل الخلق يوم يجمعهم الله [تعالى]؟ قال أبو أيوب: بلى والله، فأخبرنا يا أميرالمؤمنين فإنك كنت تشهد ونغيب. قال: أفضل الخلق يوم يجمعهم الله سبعة من بني عبدالمطلب لا ينكر فضلهم إلّا كافر ولا يجحد إلّا جاحد قال عمار بن ياسر: سمهم يا أميرالمؤمنين لنعرفهم !قال: إن أفضل الخلق يوم يجمع الله الرسل، وإن من أفضل الرسل محمداً (صلّی اللَّهِ علیه وَ آلِهِ وَ سَلَّمَ )
ثم إن أفضل كل أُمة بعد نبيها وصي نبيها حتى يدركه نبي، وإن أفضل الأوصياء ووصايا محمد (صلّی اللَّهِ علیه وَ آلِهِ وَ سَلَّمَ ) ، ثم إن أفضل الناس بعدد الأوصياء الشهداء، وإن
ص: 90
أفضل الشهداء حمزة سيدالشهداء وجعفر بن أبي طالب رحمه الله ذو الجناحين يطير بهما مع الملائكة لم يحل بحليته أحد من الآدميين في الجنة شيء شرفه الله به والسبطان الحسن والحسين سيدا شباب أهل الجنة ولدت إياهما والمهدي يجعل الله من أحب منا أهل البيت(1).
من المشاهد النادرة التي سجلتها حرب الجمل مشاهد البطولة الفذة التي سجلها أميرالمؤمنين (علیه السّلام). فقد اقتحم قلب معسكر الأعداء جنباً إلى جنب سائر جنوده وسطر ملاحم بطولية كثيرة.
في بعض ساعات القتال، قاد الإمام (علیه السّلام) مجموعة من مقاتليه من المهاجرين والأنصار ومعه أبناؤه الحسنان ومحمد(علیهم السّلام) هجوماً على جمل عائشة ودفع الراية إلى محمد وقال: أقدم بها حتى تركزها في عين الجمل ولا تقفن دونه. فتقدم محمد فرشقته السهام، فقال لأصحابه: رويداً حتى تنفد سهامهم فلم يبق لهم إلّا رشقة أو رشقتان فأنفذ إليه علي (علیه السّلام) يستحثه ويأمره بالمناجزة. فلما أبطأ عليه جاء بنفسه من خلفه فوضع يده اليسرى على منكبه الأيمن وقال له: أقدم لا أم لك فكان محمد إذا ذكر ذلك بعد يبكي ويقول: لكأني أجد ريح نفسه في قفاي. والله لا أنسى ذلك أبداً. ثم أدركت علياً (علیه السّلام) مرقة على ولده فتناول الراية منه بيده اليسرى وذوالفقار مشهور في يمنى يديه، ثم حمل فغاص في عسكر الجمل، ثم رجع وقد انحنى سيفه فأقامه
ص: 91
بركبته، فقال له أصحابه وبنوه والأشتر وعمار: نحن نكفيك يا أميرالمؤمنين. فلم يجب أحداً منهم ولا ردّ إليهم بصره. وظل ينحط ويزأر زئير الأسد حتى فرّق من حوله وتبادروه. وإنه لطامح ببصره نحو عسكر البصرة لا يبصر من حوله ولا يردّ حواراً. ثم دفع الراية إلى ابنه محمد، ثم حمل حملة ثانية وحده، فدخل وسطهم فضربهم بالسيف قدماً قدماً والرجال تفر من بين يديه وتنحاز عنه يمنة ويسرة حتى خضب الأرض بدماء القتلى. ثم رجع وقد انحنى سيفه فأقامه بركبته فاعصوصب به أصحابه وناشدوه الله في نفسه وفي الإسلام وقالوا إنك إن تُصب يذهب الدين، فأمسك ونحن نكفيك. فقال: ما أُريد بما ترون إلّا وجه الله والدار الآخرة. ثم قال لمحمد ابنه: هكذا تصنع يا ابن الحنفية. فقال الناس من الذي يستطيع ما تستطيعه يا أميرالمؤمنين (1)! ؟
والعجيب أنه(علیه السّلام) كان كلما عاد من القتال قال لأصحابه: لا تلوموني ولوموا هذا (السيف) ثم يعود فيقومه (2).
ص: 92
جاء في بعض أخبار الحرب أن أميرالمؤمنين حين كان يهاجم بني ضبة، كانوا يتناثرون فارين من بين يديه كالرماد في يوم عاصف(1).
وإذا تركنا شجاعة الإمام (علیه السّلام) وملاحمه البطولية وألقينا نظرة على نوع اللباس الذي كان يرتديه والدرع الذي كان يتدرع به في حرب الجمل لوجدناها من المؤشرات البارزة على شجاعته. يقول الواقدي نقلاً عن محمد بن الحنفية: فبرز (علیه السّلام) وليس عليه إلّا قميص واحد ثم قال (لابنه محمد):
تقدم باللواء! (يقول محمد) فتقدمت وقلت: يا أبها في مثل هذا اليوم بقميص واحد؟ قال: أحرز امرءاً أجله، والله قاتلت مع النبي(صلّی اللَّهِ علیه وَ آلِهِ وَ سَلَّمَ ) وأنا حاسر أكثر مما قاتلت وأنا دارع. ثم دنا كل من طلحة والزبير فكلمهما ورجع (2) .
لم يكن لدرع الإمام ظهر ولا أكتاف وكان يشد طرفيه بشسع نعله فقال له (عبدالله) بن عباس: ما تريد بهذا الشسع يا أميرالمؤمنين؟ فقال(علیه السّلام) : أربط بها ما قد توهى من هذا الدرع من خلفي. فقال له ابن عباس: أفي مثل هذا اليوم تلبس مثل هذا ؟ فقال(علیه السّلام) : لم؟ قال : أخاف عليك. قال (علیه السّلام) : لا
ص: 93
تخف إن أُوتي ( هكذا ، وربما أن أُوتى: م) من ورائي! والله يا ابن عباس، ما وليت في زحف قط (1).
يقول الشيخ المفيد في صفة درع الإمام: لم يكن لدرع علي (علیه السّلام) ظهر. قيل له : إن درعك صدر لا ظهر لها، إنا نخاف أن تؤتى من قبل ظهرك. فقال: إذا وَليتُ فلا واءلت (لا حاجة بي إلى النجاة ) (2).
ويقول (علیه السّلام) في موضع آخر: إذا أمكنت عدوي من ظهري فلا أبقى الله عليه إن أبقى عليّ (3).
وقال (علیه السّلام) لابنه محمد بن الحنفية وهو يحثه على القتال: يا بني! لا يستفزنك ما ترى قد حملت الراية وأنا أصغر منك فما استفزني عدوي وذلك أني لم أبارز أحداً إلّا حدثتني نفسي بقتله. فحدث نفسك بعون الله تعافى (هكذا،
ص: 94
وربما تعاف: م) بظهورك عليهم ولا يخذلك ضعف النفس من اليقين فإن ذلك أشد الخذلان (1).
يقول محمد بن الحنفية عن ضربات سيف علي (علیه السّلام) : ثم تقدم بين يدي وجرد سيفه وجعل يضرب به ورأيته قد ضرب رجلاً فأبان زنده وقال: الزم رايتك يا بني فإن هذا ستكفاه. فرمقت لضرب أبي ولحظته وإذا هو يورد السيف ويصدره ولا أرى فيه دماً، وإذا هو يسرع إصداره فيسبق الدم(2).
قدم معاوية المدينة راجعاً من حجة حجها، فكثر الناس عليه في حوائجهم، فقال لصاحب إبله: قدّم إبلك ليلاً حتى أرتحل! ففعل ذلك وسار ولم يعلم بأمره إلّا عبدالله بن الزبير فإنه ركب فرسه وقفا أثره ومعاوية نائم في هودجه، فجعل يسير إلى جانبه فانتبه معاوية وقد سمع وقع حافر الفرس فقال: من صاحب الفرس؟ قال: أنا أبو خبيب لو قد قتلتك منذ البارحة، يمازحه. فقال معاوية: كلا، لست من قتلة الملوك، إنما يصيد كل طائر قدره. فقال ابن الزبير: إلي تقول هذا وقد وقفت في الصف بإزاء علي بن أبي طالب وهو من تعلم؟ فقال معاوية : لا جرم! إنه قتلك وأباك بيسرى يديه وبقيت يده اليمنى فارغة يطلب من يقتله بها. فقال ابن الزبير : أما والله ما كان ذاك
ص: 95
إلّا في نصر عثمان فلم نجز به. فقال معاوية خل هذا عنك! فوالله لولا شدة بغضك لا بن أبي طالب لجررت برجل عثمان مع الضبع (1).
لقد كانت شجاعة علي بن أبي طالب حديث الناس بما فيهم أصحاب الجمل أنفسهم، ولم يكن الكلام عنها مقتصراً على أصحابه وأنصاره. وهذا ابن أعثم الكوفي يروي عن شجاعة الإمام (علیه السّلام) فيقول: ودنا علي في أصحابه من البصرة فقال طلحة بن عبيدالله لأصحابه: اعلموا أيها الناس أن علياً وأصحابه قد أضر بهم السفر وتعب الطريق، فهل لكم أن نأتيهم الليلة فنضع فيهم السيف؟ فقال مروان بن الحكم: والله لقد استبطأت هذه منك أبا محمد! وليس الرأي إلّا ما رأيت . قال :(الراوي): فضحك الزبير من ذلك ثم قال: أمن علي تُصاب الفرصة وهو من قد عرفتم؟ أما علمتم أنه رجل ما لقيه أحد قط إلّا ثكلته أُمه؟ فسكت طلحة ولم يرد إلى الزبير شيئاً (2).
تلخيصاً لما يتعلق بشجاعة أميرالمؤمنين (علیه السّلام)، نشير إلى ما كتبه ابن أبي الحديد: وأما الشجاعة: فإنه أنسى الناس فيها ذكر من كان قبله ومحا اسم من يأتي بعده. ومقاماته في الحرب مشهورة يضرب بها الأمثال إلى يوم القيامة.
وهو الشجاع الذي ما فرّ قط ولا ارتاع من كتيبة ولا بارز أحداً إلّا قتله، ولا ضرب ضربة قط فاحتاجت الأُولى إلى ثانية. وفي الحديث كانت ضرباته وتراً. ولما دعا معاوية إلى المبارزة ليستريح الناس من الحرب بقتل أحدهما، قال له عمرو: لقد أنصفك. فقال معاوية: ما غششتني منذ نصحتني إلّا اليوم
ص: 96
أتأمرني بمبارزة أبي الحسن وأنت تعلم أنه الشجاع المطرق؟ أراك طمعت في إمارة الشام بعدي! وكانت العرب تفتخر بوقوفها في الحرب في مقابلته. فأما قتلاه فافتخار رهطهم بأنه (علیه السّلام) قتلهم أظهر وأكثر. قالت أُخت عمرو بن عبدودّ ترثيه :
لو كان قاتل عمرو غير قاتله*** بكيته أبداً مادمت في الأبد
لكن قاتله من لا نظير له*** وكان يُدعى أبوه بيضة البلد (1)
سبق أن ذكرنا أن الإمام علياً(علیه السّلام) حاور الزبير ليتم الحجة عليه عسى أن يثنيه عن المضي قدماً في الحرب. وبعد حديثه مع الإمام(علیه السّلام) ، أقسم الزبير أن لا يعود إلى الحرب. ثم ذهب إلى عائشة وحدّثها عما انتابه من شك في موقفه وترديد في دخول الحرب. قالت: فما تريد أن تصنع؟ قال: أُريد أن أدعهم وأذهب . قال له ابنه عبدالله: جمعت بين هذين الفئتين حتى إذا حدد بعضهم لبعضهم أردت أن تتركهم وتذهب؟ لكنك خشيت رايات ابن أبي طالب وعلمت أنها تحملها فتية أنجاد وأن تحتها الموت الأحمر فجبنت. فأحفظه ذلك
ص: 97
وقال: إني حلفت أن لا أُقاتله. قال: كفّر عن يمينك وقاتله! فأعتق غلامه مكحولاً وقيل سرجس (1). وعاد إلى صفوف القتال.
لم يوفّر عبدالله بن الزبير وعائشة وسيلة لاستفزاز الزبير وإعادة روح القتال إليه، وذلك بتعييره بالخوف من علي (علیه السّلام) وراياته، والخوف من سيوف بني عبدالمطلب، وتخويفه من لحوق العار الأبدي به(2)، ومن كلام رجال قريش ونسائها عن خوفه من أنصار علي (علیه السّلام)، ومن شماتة عدوه بأصحاب الجمل وبأبنائه، وباستفزاز روح القبلية الجاهلية لديه. ومازالا به حتى أعتق غلامه كفارة لحنثه اليمين وعاد إلى صفوف القتال.
يقول ابن أعثم الكوفي عن رجوع الزبير من لقاء أميرالمؤمنين (علیه السّلام): (قال) ثم رجع الزبير إلى عائشة وهي واقفة في هودجها فقالت: ما وراءك يا أبا عبدالله؟ فقال الزبير ورائي والله ما وقفت موقفاً قط ولا شهدت مشهداً من شرك ولا إسلام إلّا ولي فيه بصيرة. وإني اليوم لعلي في شك من أمرك، وما أكاد أبصر موضع قدمي. فقالت عائشة: لا والله! لكنك خفت سيوف ابن أبي طالب. أما إنها طوال حداد تحملها سواعد أنجاد. ولئن خفتها لقد خافها الرجال من قبلك. (قال) : ثم أقبل عليه ابنه عبدالله فقال: لا والله! ولكنك
ص: 98
رأيت الموت الأحمر تحت رايات ابن أبي طالب. فقال له الزبير: والله يا بني إنك لمشؤوم قد عرفتك. فقال عبدالله: ما أنا بمشؤوم ولكنك فضحتنا في العرب فضيحة لا تغسل منها رؤوسنا أبداً. (قال): فغضب الزبير من ذلك ثم صاح بفرسه وحمل على أصحاب علي حملة منكرة. فقال علي (علیه السّلام): أفرجوا له فإنه محرج! فأوسعوا له حتى شق الصفوف وخرج منها. ثم رجع فشقها ثانية ولم يطعن أحداً ولم يضرب. ثم رجع إلى ابنه فقال: يا بني! هذه حملة جبان!؟ فقال له ابنه عبدالله : فلمَ تنصرفُ عنا وقد التقت حلقتا البطان؟ فقال الزبير:
بني! أرجع والله لأخبار قد كان النبي(صلّی اللَّهِ علیه وَ آلِهِ وَ سَلَّمَ ) عهدها إلى فنسيتها حتى أذكرنيها
علي بن أبي طالب فعرفتها (1).
أما عن وقت اعتزال الزبير الحرب، فهناك مجموعتان من التقارير.
حسب بعض التقارير، فإن الزبير بعد رجوعه من لقاء الإمام علي (علیه السّلام) اعتزل الحرب من فوره ولم يشارك فيها أبداً، ثم قتل على يد ابن جرموز (2).
فيما تفيد تقارير أُخرى بأنه لما رجع من لقاء الإمام علي قرر مغادرة ساحة القتال واعتزال الحرب، غير أن عائشة وطلحة وعبدالله بن الزبير أعادوه إليها باستفزاز الروح القبلي لديه وبالاستهزاء منه. وعاد إلى ساحة القتال بعد أن
ص: 99
أعتق غلامه سرجس أو مكحولاً كفارة لحنثه باليمين. ثم ترك ميدان القتال بعد أن قاتل الإمام علياً وتيقن من الهزيمة، والصحيح هو القول الثاني الذي تؤكده تقارير وشواهد كثيرة، منها:
1- أن النبي (صلّی اللَّهِ علیه وَ آلِهِ وَ سَلَّمَ ) قال له : ستقاتل علياً وأنت له ظالم(1). إذن فمن المستبعد أن يترك الزبير ساحة القتال دون أن يقاتل الإمام(علیه السّلام) ، لأن ذلك يلزم عدم صدق إخبار النبي بالغيب(2).
2- وجود أشعار أُنشدت عن إعتاق سرجس أو مكحول من قبل الزبير كفارةً لحنثه باليمين (3).
3- وجود تقارير تاريخية تتحدث عن تقاتل عمار والزبير (4).
ص: 100
4- ما تضمنته رسالة أميرالمؤمنين(علیه السّلام) إلى أهل الكوفة من ذم وعتب على طلحة والزبير وتصريح بعدم توبتهما (1) .
ه التأكيد على فرار الزبير من ساحة المعركة بعد اندلاع نار الحرب(2).
6- الأمر الذي أصدره الزبير لمن حوله بإمطار جيش الإمام(علیه السّلام) بالنبل ونشوب القتال بأمره (3).
7-دعوته للجنود الفارين من القتال بالالتفاف حوله (4).
8- ورود كلمة "هرب" في بعض التقارير للتعبير عن فراره من ميدان القتال (5) .
وهكذا، لاذ الزبير بالفرار من وسط القتال لما تراءت له الهزيمة. وربما جاء هروبه لغرض الانضمام إلى معاوية وبسبب شجاره مع طلحة. يقول البلاذري
ص: 101
عن هذا الشجار: كتب معاوية إلى الزبير أن: أقبل إلي أُبايعك ومن يحضرني! فكتم ( الزبير) ذلك (عن) طلحة وعائشة. ثم بلغها فكبر ذلك عليها، وأخبرت عائشة به ابن الزبير فقال لأبيه: أتريد أن تلحق بمعاوية؟ فقال: نعم، ولم لا أفعل وابن الحضرمية ( يعني طلحة) ينازعني في الأمر؟ ثم بدا له في ذلك وأحسبه كان حلف ليفعلنّ فدعا غلاماً له فأعتقه وعاد إلى الحرب (1).
أما عن كيفية مقتل الزبير بعد تركه ساحة القتال، فهناك عدد من التقارير المختلفة المتقاربة جداً في المضمون. جاء في هذه التقارير قال : ثم مضى الزبير وتبعه خمسة من الفرسان فحمل عليهم وفرّق جمعهم ومضى حتى صار إلى وادي السباع فنزل على قوم من بني تميم (والأحنف بن قيس الذي كان قد اعتزل الحرب بالاتفاق مع الإمام(علیه السّلام) . فلما رأى الأحنفُ الزبيرَ قال: ما أصنع بالزبير وقد أوقع بين الجيشين ثم هرب ليكون مع عياله؟ فلما سمع ابن جرموز هذا الكلام سار مع رجل من مجاشع في أثر الزبير حتى أدركاه. فقال ابن جرموز للزبير: جئت لأسألك بضعة أسئلة. قال الزبير : سل ما بدا لك! قال ابن جرموز: كلمني عن عدم عونك لعثمان، ومبايعتك لعلي (علیه السّلام) ثم نكثك البيعة، وجرّ عائشة إلى الحرب، وصلاتك خلف ابنك عبدالله، وإشعالك الحرب ثم تركها والعودة إلى المدينة! قال الزبير: أما عدم عوني لعثمان فقد أخطأت فيه ثم تبت منه. وأما بيعتي لعلي فقد كنت مضطراً بعد أن بايع جميع المهاجرين والأنصار. وأما نكثي لبيعته فإني كنت بايعته بيدي لا بقلبي. أما إخراج عائشة فلابد لي أن أقول إننا أردنا أمراً وأراد الله أمراً.
ص: 102
أما صلاتي خلف ابني عبدالله فذلك لأن خالته عائشة هي التي جعلته إماماً للجماعة. فقال ابن جرموز قتلني الله إن لم أقتلك). فقام إليه عمرو بن جرموز المجاشعي فقال: أبا عبدالله! كيف تركت الناس؟ فقال الزبير: تركتهم قد عزموا على القتال ولاشك قد التقوا. قال: فسكت عنه عمرو بن جرموز وأمر له بطعام وشيء من لبن، فأكل الزبير وشرب. ثم قام فصلى وأخذ مضجعه، فلما علم ابن جرموز أن الزبير قد نام وثب إليه وضربه بسيفه ضربة على أُم رأسه فقتله. ثم احتز رأسه وأخذ سلاحه وفرسه وخاتمه. (وذهب بها إلى الأحنف بن قيس. فقال الأحنف: لا أدري إن كنت أحسنت صنعاً أم أسأت. ثم أمره بأن يأخذ الرأس والسيف والخاتم إلى الإمام علي(علیه السّلام)) (1).
وجاء في تقارير أُخرى أن ابن جرموز سار مع الزبير وكان كل واحد منهما يتوجس من الآخر ويراقبه حتى صار وقت الصلاة، فقال الزبير لابن جرموز: نريد أن نصلي يا رجل! فقال: أنا أيضاً أُريد أن أُصلي. فقال الزبير: فليؤمن بعضنا بعضاً ولا يتعرض له!
فوافق ابن جرموز، ولكنه لم يلبث أن حمل على الزبير في أثناء الصلاة وقتله (2).
ص: 103
لما دخل ابن جرموز على علي (علیه السّلام)، لامه (علیه السّلام) على قتل الزبير وقال له: لمَ قتلته؟ قال ابن جرموز: لو كنت أعلم أن ذلك لا يرضيك لما قتلته. فقال الإمام: ويحك! إني سمعت رسول الله يقول: قاتل ابن صفية في نار جهنم.
ولما رأى الإمام علي (علیه السّلام) رأس الزبير وسيفه قال: سيفٌ طالما جلا الكرب عن وجه رسول الله(صلّی اللَّهِ علیه وَ آلِهِ وَ سَلَّمَ ) لكن الحينُ ومصارع السوء (1).
ثم تفرس في وجه الزبير وقال: لقد كان لك برسول الله(صلّی اللَّهِ علیه وَ آلِهِ وَ سَلَّمَ ) صحبة ومنه قرابة ولكن الشيطان دخل منخريك فأوردك هذا المورد (2).
ص: 104
تفيد التقارير بأن علياً (علیه السّلام) لما رأى رأس الزبير أمر بأخذه إلى وادي السباع ودفنه مع جسده (1) . غير أن الطبري يقول إنه أمر بأن يُرسل الرأس إلى عائشة (2).
أما ابن أبي الحديد فيرى أن الكثير من الروايات تقول إن ابن جرموز لم يجلب إلى الإمام علي (علیه السّلام) إلّا سيف الزبير ولم يرد كلام عن جلب رأسه(3).
أما العلامة السيد جعفر مرتضى العاملى فيردّ عبارة "سيف طالما جلا الكرب عن وجه رسول الله" ويقول:
أما نحن فنتوقف عند نسبة هذا الكلام إلى الإمام علي (علیه السّلام). فقد ورد في روايات أُخرى هكذا: ""سيف طالما قاتل به (الكفار والمشركين) بين يدي رسول رسول الله(صلّی اللَّهِ علیه وَ آلِهِ وَ سَلَّمَ )(4) ، وليس فيها أنه جلا الكرب عن رسول الله(صلّی اللَّهِ علیه وَ آلِهِ وَ سَلَّمَ ) . فالزبير كان من الفارين من الزحف يوم أُحد وخيبر وحنين. أما الذي جلا الكرب عن وجه رسول الله (صلّی اللَّهِ علیه وَ آلِهِ وَ سَلَّمَ ) في جميع الحروب فكان الإمام (علیه السّلام) نفسه. لذا فلا وجه
ص: 105
لنسبة هذا الكلام للإمام (علیه السّلام) ، ثم ، ليت أحداً يدلنا على معركة جلا فيها الزبير الكرب عن وجه رسول الله (1) !
حسب رواية الطبري وابن أعثم، فإن ابن جرموز لما جاء برأس الزبير وسيفه إلى الإمام علي (علیه السّلام)، لامه الإمام على قتله وقال له: ويحك! لم قتلته؟
فقال: قتلته والله وأنا أعلم أن ذلك مما يرضيك. ولولا ذلك لما قدمت عليه.
فقال علي (علیه السّلام): ويحك! فإني سمعت رسول الله (صلّی اللَّهِ علیه وَ آلِهِ وَ سَلَّمَ ) يقول: بشّر قاتل ابن صفية بالنار (2).
إن خبر تبشير الإمام علي (علیه السّلام) قاتل الزبير بالنار ورد في مصادر أهل السنة.
فهل يعني هذا دفاعاً من الإمام (علیه السّلام) عن الزبير ودليلاً على أنه من أهل الجنة؟
حاول بعض المؤرخين حمل كلام الإمام (علیه السّلام) على توبة الزبير من إشعال حرب الجمل ودفاع الإمام عنه وكونها فضيلة للزبير، من أجل إخفاء قبح نقضه لبيعته ومحاربته له. فالذهبي، مثلاً، يقول: استأذن ابن جرموز على علي
ص: 106
وأنا (الراوي زر) عنده، فقال علي: بشّر قاتل ابن صفية بالنار، سمعت رسول الله (صلّی اللَّهِ علیه وَ آلِهِ وَ سَلَّمَ ) يقول : لكل نبي حواري وحواري الزبير (1) .
حاول شمس الدين الذهبي، بمهارة خاصة أن يضع تبشير الإمام علي (علیه السّلام) قاتل الزبير بالنار إلى جانب كون الزبير حواري رسول الله، لكي يوحي بأن مصير قاتل الزبير إلى النار سببه ما يتمتع به الزبير من فضائل .
يقول أحمد بن سهل البلخي: فقال علي(علیه السّلام) : بشر قاتل ابن صفية بالنار.
وإنما قال ذلك والله أعلم لأن الزبير كان راجع وتاب. والباغي إذا ولّى حرم دمه. وأيضاً فإنه غدر به حيث آمنه ثم قتله(2).
أما ابن أبي الحديد، فبالرغم من أنه يشك في أصل أنه يشك في أصل ورود هذا الكلام عن الإمام(علیه السّلام) ، فإنه يؤيد كون قاتل الزبير من أهل النار. ويوضح رأيه بقوله: وقوله: بشّر قاتل ابن صفية بالنار، فهو حق، لأن ابن جرموز قتله مولياً خارجاً من الصف مفارقاً للحرب. فقد قتله على توبة وإنابة ورجوع من الباطل. وقاتل من هذه حاله فاسق مستحق للنار (3).
ص: 107
رداً لهذه الشبهة، لابد من القول:
أولاً : إن كون القاتل من أهل النار ليس دليلاً دائماً على أن القتيل من أهل الجنة. فمثلاً، قتل الكتابي الذمي وقتل الكافر رياءً أو لثأر شخصي يودي بالقاتل إلى النار في الوقت الذي يكون المقتول من أهل النار أيضاً (1) .
ثانياً: كان ابن جرموز مع قبيلة بني سعد في حرب الجمل في صف عائشة، هرب من الميدان، بعد أن قتل جماعة من أصحاب أميرالمؤمنين (علیه السّلام)، وذهب إلى الأحنف بن قيس. ولما لاحظ رغبة الأحنف بن قيس بقتل الزبير بادر إلى قتله. ثم أراد أن يتقرب إلى أميرالمؤمنين (علیه السّلام) ويتخلص من عواقب محاربته وقتل أصحابه، فحمل إليه رأس الزبير. وهو بفعله هذا، لم يصدر من بصيرة ولا من دين. وكان ذلك معلوماً وواضحاً للإمام(علیه السّلام) (2).
ص: 108
ثالثاً: تفيد بعض التقارير بأنه لما قام الزبير وابن جرموز إلى الصلاة، أعطى كل واحد منهما الأمان للآخر. غير أن ابن جرموز نقض أمانه وقتل الزبير.
وهذا ما يوجب له النار (1).
رابعاً: تفيد بعض الروايات بأن سبب كون ابن جرموز من أهل النار هو أنه كان خارجياً. وهذه الرواية يؤيدها أهل البيت (علیهم السّلام) ، كما يشير إليها الإمام الجواد (علیه السّلام) في إجابته على أسئلة يحيى بن أكثم (2). وقد كان النبي(صلّی اللَّهِ علیه وَ آلِهِ وَ سَلَّمَ ) قد أخبر الإمام علياً (علیه السّلام) بهذا الخبر قبل ذلك بسنوات وأخبر به الإمامُ عليّ الناسَ في حرب الجمل. بل إنه أصبح في النهاية من الخوارج وهلك في حرب النهروان.
وهكذا استحق أن يكون من أصحاب النار ولو لم يقتل الزبير ) (3). أما السبب في إخبار النبي (صلّی اللَّهِ علیه وَ آلِهِ وَ سَلَّمَ ) بكون قاتل الزبير في النار هو لكي لا يشتبه حاله على المسلمين فيظنوا أنه استحق الجنة لقتله الزبير. إن حال ابن جرموز في هذه
ص: 109
القضية يشبه حال قُزمان بن الحارث (1) الذي شهد غزوة أُحد وقتل ستة من المشركين. إلّا أنه لما سمع النبي بذلك قال(صلّی اللَّهِ علیه وَ آلِهِ وَ سَلَّمَ ) : إنه من أهل النار. ثم تبين لاحقاً أنه إنما شارك في القتال وقتل المشركين لأسباب عشائرية. وانتهى به الأمر منتحراً (2) !
خامساً: ربما كان سبب وصف الإمام (علیه السّلام) ابن جرموز بأنه من أهل النار عدم امتثاله لأوامره (علیه السّلام) بعدم ملاحقة الفارين من القتال وعدم الإجهاز على الجرحى. فقد عمل ابن جرموز في هذه القضية برأيه فقتل الزبير خارج ساحة الحرب، ولم تكن غايته مما فعل معلومة. فربما كانت بينهما مشكلة خاصة،
ص: 110
أو أنه كان أجيراً من قبل شخص ثالث كمروان. لذا قال عنه الإمام (علیه السّلام) إنه من أهل النار(1).
سادسا: حسب نقل ابن أبي الحديد، فإن كُتاب السير يشكون في صحة نسبة هذا القول للإمام (علیه السّلام) ولا يقطعون بصحة صدوره عنه.
سابعاً: ما كان توبيخ الإمام(علیه السّلام) ابن جرموز بسبب كون الزبير من أهل الجنة. كما لم يكن دليلاً على توبته من إشعال نار الحرب. بل لأن الإمام (علیه السّلام) كان قد أعطاه الأمان فى نفسه، فجاء قتله خلافاً لهذا الأمان.(2).
ثامناً: لو كان الزبير قد تاب، فلماذا لم يصرح الإمام (علیه السّلام) بأن توبته هي سبب استحقاق ابن جرموز النار؟
ص: 111
من الشواهد التي تؤكد فرار الزبير من ساحة القتال في حرب الجمل، ما أُشير إليه في المناظرات والحوارات التي جرت فيما بعد وفي أزمنة لاحقة من فراره. بل إن شخصاً كمعاوية اعتبر فراره وصمة عار في جبين آل الزبير. وكانت القضية من الوضوح والقطعية ما أعجز عبدالله بن الزبير عن إنكارها.
وهنا نشير إلى أربع من تلك المناظرات:
كتب ابن عبدربه الأندلسي: دخل الحسن بن علي على معاوية وعنده ابن الزبير وأبي (هكذا، وربما أبو: م) سعيد بن عقيل بن أبي طالب. فلما جلس الحسن قال معاوية: يا أبا محمد! أيهما كان أكبر، علي أم الزبير؟ قال: فقال: ما أقرب ما بينهما، علي كان أسنّ من الزبير، رحم الله علياً. فقال ابن الزبير: رحم الله الزبير. فتبسم الحسن فقال أبو سعيد بن عقيل بن أبي طالب: دع عنك علياً والزبير (إن منزلة علي (علیه السّلام) في قريش وقرابته من رسول الله (صلّی اللَّهِ علیه وَ آلِهِ وَ سَلَّمَ ) هي كما تعلم)، إن علياً دعا إلى أمر فاتبع وكان فيه رأساً، ودعا الزبير إلى أمر كان فيه الرأس امرأة. فلما تراءت الفئتان والتقى الجمعان نكص الزبير على عقبيه وأدبر منهزماً قبل أن يظهر الحق فيأخذه أو يدحض الباطل فيتركه، فأدركه رجل لو قيس ببعض أُعضائه لكان أصغر فضرب عنقه وأخذ سلبه وجاء برأسه. ومضى علي قدماً كعادته مع ابن عمه ونبيه(صلّی اللَّهِ علیه وَ آلِهِ وَ سَلَّمَ ) . فرحم الله علياً ولا رحم الزبير. فقال ابن الزبير: أما والله، لو أن غيرك تكلم بهذا يا أبا سعيد لعلم (بما كنت سأفعله به). قال: إن الذي تعرض به يرغب عنك. وأُخبرت
ص: 112
عائشة بمقالتهما، فمر أبو سعيد بفنائها فنادته: يا أحول! يا خبيث! أنت القائل لابن أُختي كذا وكذا؟ فالتفت أبو سعيد فلم ير شيئاً، فقال: إن الشيطان ليراك من حيث لا تراه. فضحكت عائشة وقالت: لله أبوك، ما أخبث
لسانك (1) !
يقول ابن عبدالبر القرطبي عن المناظرة التي جرت بين عبدالله بن عباس و عبدالله بن الزبير : قال ابن الزبير لعبدالله بن عباس: قاتلت أُم المؤمنين وحواري رسول الله (صلّی اللَّهِ علیه وَ آلِهِ وَ سَلَّمَ ) وأفتيت بتزويج المتعة! فقال: أما أُم المؤمنين فأنت أخرجتها وأبوك وخالك وبنا سميت أُم المؤمنين، وكنا لها خير بنين، فتجاوز الله عنها ( ليتجاوز). وقاتلت أنت وأبوك علياً، فإن كان علياً (هكذا، وربما عليٌ: م) مؤمناً فقد ضللتم بقتالكم المؤمنين. وإن كان علىٌ كافراً فقد بؤتم بسخط من الله بفراركم من الزحف. وأما المتعة فإن علياً (علیه السّلام) قال: سمعت رسول الله(صلّی اللَّهِ علیه وَ آلِهِ وَ سَلَّمَ ) رخص فيها فأفتيت بها، وأول مجمر سطع في المتعة مجمر آل الزبير (2) .
ص: 113
في مناظرة بين معاوية وعبدالله بن الزبير لما تفاخر وأخذ يعدد أمجاده، قال له معاوية بحضور الإمام الحسين (علیه السّلام) مفنداً مزاعمه وخدعتم أم المؤمنين ولم تراقبوا رسول الله(صلّی اللَّهِ علیه وَ آلِهِ وَ سَلَّمَ ) إذا مددتم على نسائكم السجوف وأبرزتم زوجته للحتوف ومقارعة السيوف، فلما التقى الجمعان نكص أبوك هارباً (1).
في مناظرة أخرى جرت بين عبدالله بن عباس وعبدالله بن الزبير، قال عبدالله بن عباس، ولم تكن المرة الأُولى، لعبدالله بن الزبير راداً عليه تفاخره: والله إني لا أعلم إلّا أنه فرّ وما كرّ وحارب فما صبر وبايع فما تمم(2).
كان عدي بن حاتم من خواص أصحاب أميرالمؤمنين (علیه السّلام) شهد جميع حروبه. وكان في الجمل وصفين من قادة جيشه (علیه السّلام). فقد إحدى عينيه في حرب الجمل.
...حضر جماعة من قريش عند معاوية وعنده عدي بن حاتم وكان فيهم عبدالله بن الزبير فقالوا: يا أميرالمؤمنين! ذرنا نكلم عدياً فقد زعموا أن عنده جواباً. فقال: إني أحذركموه. فقالوا: لا عليك، دعنا وإياه. فقال له ابن الزبير:
ص: 114
يا أباطريف متى فُقئت عينك؟ قال: يوم فرّ أبوك وقتل شرّ قتلة وضربك الأشتر على أُستك فوقعت هارباً من الزحف. فقال معاوية: قد كنت حذرتكموه فأبيتم (1).
هذا وقد أجاب الإمام الباقر، أو الصادق (علیهما السّلام) على سؤال زرارة عن مشاركة الزبير في معركة بدر، مع الإشارة إلى مشاركته في حرب الجمل وفراره من ساحة القتال وأدانه لمشاركته فيها وهروبه منها . ورأى أن قضية الزبير في حرب الجمل لا تعدو حالتين: فإن كان قاتل المؤمنين فقد هلك، وإن كان قاتل كفاراً فقد باء بغضب من الله حين ولّاهم دبره(2).
كان طلحة من أوائل من قُتلوا في حرب الجمل(3). كتب ابن أعثم الكوفي عن مقتل طلحة في الجمل: قال: وجعل طلحة ينادي بأعلى صوته: عبادالله! الصبر الصبر! إن بعد الصبر النصر والأجر. قال: فنظر إليه مروان بن الحكم فقال لغلام له: ويلك يا غلام! والله إني لأعلم أنه ما حرّض على قتل عثمان يوم الدار أحد كتحريض طلحة، ولا قتله سواه، ولكن استرني فأنت حر.
ص: 115
قال: فستره الغلام ورمی مروان بسهم مسموم لطلحة بن عبيدالله فأصابه به، فسقط طلحة لما به وقد غمي عليه. ثم أفاق فنظر إلى الدم يسيل منه فقال: إنا لله وإنا إليه راجعون، أظن والله أننا عنينا بهذه الآية من كتاب الله عزّ وجلّ إذ يقول: «وَاتَّقُوا فِتْنَةً لَا تُصِيبَنَّ الَّذِينَ ظَلَمُوا مِنْكُمْ خَاصَّةً » (بل شملت الذين سكتوا أيضاً لسكوتهم) « وَاعْلَمُوا أَنَّ اللَّهَ شَدِيدُ الْعِقَابِ ». قال: ثم أقبل على غلامه وقد بلغ منه الجهد، قال: ويحك يا غلام، اطلب لي مكاناً أدخله فأكون فيه. فقال الغلام: لا والله ما أدري أين أنطلق بك. فقال طلحة: يا سبحان الله! والله ما رأيت كاليوم قط دم قرشي أضيع من دمي وما أظن هذا السهم إلّا سهماً أرسله الله وكان أمر الله قدراً مقدوراً. فلم يزل طلحة يقول ذلك حتى فات ومات ودُفن. ثم وضع في مكان يقال له السَبَخة (1). (2) .
وفي رواية أُخرى ينقل الشيخ المفيد أن الإمام زين العابدين(علیه السّلام) قال: قال لي مروان بن الحكم: لما رأيت الناس يوم الجمل قد انكشفوا قلت: والله لأُدركن ثاري ولأفوزن به الآن، فرميت طلحة فأصبت نساه (عِرق في رجله) فجعل الدم لا يرقاً. فرميت ثانية فجاءت به فأخذوه حتى وضعوه تحت شجرة فبقي تحتها ينزف الدم حتى مات (3).
ص: 116
وينقل الشيخ المفيد كذلك في رواية أُخرى: قال عبدالملك بن مروان يوماً وقد ذكر عثمان وقتلته وطلحة: ولولا أن أبي قتله لم يزل في قلبي جرح منه إلى اليوم. وقال عبدالملك: سمعت أبي يقول: نظرت إلى طلحة يوم الجمل وعليه درع ومغفر لم أر منه إلّا عينيه فقلت كيف لي به؟ فنظرت إلى فتق في درعه فرميته فأصبت نساه فقطعته (1).
كان عبدالملك بن مروان يقول دائماً: لولا أن أميرالمؤمنين مروان أخبرني أنه هو الذي قتل طلحة ما تركت من ولد طلحة أحداً إلّا قتلته بعثمان بن عفان (2).
لما بلغ بلغ طلحةَ اعتزال الزبير القتال وبان الانكسار في صفوف أصحاب فتنة الجمل، أدرك مروان أنه إن لم ينتهز الفرصة في قتل طلحة فلن يستطيع قتله انتقاماً لعثمان منه أبداً (3) . وبعد أن قتله قال لأبان بن عثمان: قد كفيناك بعض قتلة أبيك (4).
ص: 117
يتفق جميع المؤرخين تقريباً على أن مروان بن الحكم لما رأى تفرق جيش الجمل، عزم على قتل طلحة فرماه بسهم فقتله (1) لأنه كان يراه المسؤول الأكبر عن دم عثمان وأشد المؤلبين عليه(2).
يتضح، من مجموع الروايات المروية عن كيفية مقتل طلحة، أن طلحة كان أحد قتلة عثمان وكان له الدور الأبرز في قتله، وأن مروان قتله لهذا السبب، وأن دعوى الثأر من قتلة عثمان لم تكن إلّا كذبة أريد بها خداع الرأي العام، وأن مقتل عثمان لم يكن إلّا موجة خادعة ركبها أصحابها. وهكذا، أسقط قتل مروان طلحة ورقة التوت عن كذب ادّعاء الناكثين ولم يبق لهم كرامة.
ومن النقاط المهمة الأُخرى التي كشفت عنها الوثائق المطروحة أن طلحة كان يقاتل أميرالمؤمنين (علیه السّلام) حتى آخر نفس.
ص: 118
من العناصر البارزة في جيش الفتنة الذين قتلوا في حرب الجمل، كعب بن سور. كان يمسك بخطام جمل عائشة ويهتف: يا معشر الناس (الأزد) عليكم أُمكم ... فإنها صلاتكم وصومكم(1)
ويقول: إلهي ! إن كنت تريد حقن الدماء وإطفاء نار الفتنة فاقتل علياً (2) !
إلى أن قُطعت يده اليمنى التي كان يمسك بالخطام بها، فأخذ الخطام بيده اليسرى. ثم قتل هو وأخوه وابناه. كان كعب بن سور أول من قُتل من أهل البصرة (3).
كان عبدالله بن خلف الخزاعي من زعماء البصرة وأثريائها، وهو الذي تكفل باستضافة عائشة. تقدم في يوم الجمل فطلب البراز وزعم أنه ليس له
ص: 119
كفؤ غير علي(علیه السّلام) . ثم ارتجز يقول : أباتراب ادنُ مني فترا ... فإنني دانٍ إليك شبرا ... وإن في صدري عليك غمرا
فتقدم إليه الإمام(علیه السّلام) لم فعاجله بضربة فلقت مفرقه(1).
ويقول ابن أعثم الكوفي أيضاً عن المبارزة التي جرت بينه وبين الإمام علي (علیه السّلام): (سمع علي (علیه السّلام) صوتاً في أثناء القتال) فالتفت وإذا بعبدالله بن خلف الخزاعي وهو صاحب منزل عائشة بالبصرة. فلما رآه علي عرفه فناداه: ما تشاء یا ابن خلف؟ قال: هل لك في المبارزة؟ قال علي: ما أكره ذلك، ولكن ويحك يا ابن خلف! ما راحتك في القتل وقد علمت من أنا؟فقال عبدالله بن خلف: دعني من مدحك يا ابن أبي طالب، وادن مني لترى أينا يقتل صاحبه! ثم أنشد شعراً، فأجابه علي عليه. والتقوا للضرب، فبادره عبدالله بن خلف بضربة دفعها علي بحجفته. ثم انحرف عنه علي فضربه ضربة رمى بيمينه. ثم ضربه أُخرى فأطار قحف رأسه(2).
ص: 120
لعب بنوضبة وبنوعدي دوراً مهماً في صفوف جيش الفتنة في حرب الجمل، حتى قالت عائشة: مازال جملي معتدلاً حتى فقدت أصوات بني ضبة(1).
بلغ عدد القتلى من بني ضبة في حرب الجمل ثمانمائة(2). أما قتلى بني عدي فقد بلغ عدد الشيوخ قرّاء القرآن منهم فقط سبعين رجلاً عدا الشبان وسائر القتلى (3).
يقول ابن أبي الحديد نقلاً عن حرب بن جيهان الجعفي عن شدة القتال في حرب الجمل: لقد رأيت الرماح يوم الجمل قد أشرعها الرجال بعضها في صدور بعض كأنها أجام القصب، لو شاءت الرجال أن تمشي عليها لمشت. ولقد صدقونا (يعني أهل البصرة) القتال حتى ما ظننت أن ينهزموا. وما رأيت يوماً قط أشبه بيوم الجمل من يوم جلولاء (4).
ص: 121
نُقلت روايات عما وقع حول جمل عائشة من وقائع. فهناك تقارير تفيد بأن القبائل التي قاتلت إلى جانب عائشة في حرب الجمل كانوا يعبدون جملها كالصنم وكانوا يحرصون على حمايته، إذ كان بمثابة الراية السوداء لأصحاب
الفتنة.
كان أنصار عائشة يعتبرونها بمنزلة صلاتهم وصومهم، ويعتبرون نصرتها ديناً والتقصير في حمايتها ذنباً لا يُغتفر (1) . حتى شبّه الإمام علي (علیه السّلام) جمل عائشة بعجل بني إسرائيل فتلا (وانظر إلى إلهك الذي ظلت عليه عاكفاً لنُحرقنّه ثم لننسفنّه في اليمّ نسفاً) وأمر بعقره والقضاء عليه(2) لأن جيش الجمل كان يعتبره قبلة وإلهاً (3).
ص: 122
بل إن الأمر بلغ بجنود عائشة أنهم كانوا يتبركون ببعر جملها ويتطيبون به.
يقول الطبري وابن أعثم الكوفي عن استعمال أصحاب الجمل لبعر جمل عائشة: وجعلت بنو ضبة يأخذون بعر الجمل فيشمونه ويقول بعضهم لبعض: ألا ترون إلى بعر جمل أُمنا كأنه المسك الأذف(1).
جاء في دفاع جيش الفتنة عن عائشة وجملها أن الرجال كانوا يتناوبون على الأخذ بخطام الجمل فلا يتركونه حتى يُقتلوا. وكلما قُتل رجل حلّ محله آخر في الأخذ بالخطام. وهكذا حتى قُتل حول عائشة ثمانمائة رجل(2). وتفيد بعض التقارير بأن ثمانية وتسعين ساقاً بترت لهذا السبب (3).
وعن هودج عائشة ، روي أنه في يوم الجمل أصبح كالقنفذ من كثرة ما نبت عليه من سهام ونبال(4).
ص: 123
ومن الطريف أن نعلم أنه لم يُنقل عن أية حرب من الأراجيز بمقدار ما نُقل من الأراجيز التي قيلت في حرب الجمل. وكان أكثر تلك الأراجيز على لسان بني ضبة والأزد الذين كانوا يحفون بالجمل ويدافعون عنه(1).
كانت كلمات عائشة التحريضية من أسباب وقوع حرب الجمل وما نجم عنها من قتل عشرات الألوف من المسلمين. فرغم إحساسها بهزيمة جيشها فقد أصرت من بداية القتال حتى اشتداده على التحريض المستمر على مواصلة القتال، فكانت سبب قتل المسلمين.
يقول الطبري في شرح وقائع اليوم الأول للقتال: كان القتال الأول يستحر إلى انتصاف النهار، وأُصيب فيه طلحة وذهب فيه الزبير ... فاقتتلوا صدر النهار مع طلحة والزبير، وفي وسطه مع عائشة (2).
ويقول الشيخ المفيد ونادت عائشة : يا بني الكرة الكرة! اصبروا فإني ضامنة لكم الجنة! فحفوا بها من كل جانب واستقدموا حتى دنوا من عسكر أميرالمؤمنين(3).
ص: 124
ولغرض حث القبائل التي كانت تقاتل حول الجمل على القتال، نظرت إلى يسارها وسألت من القوم عن يساري؟ قال صبرة بن شيمان: بنوك الأزد.
فقالت: يا آل غسان! حافظوا اليوم [على] جلادكم الذي كنا نسمع به ...
وقالت لمن عن يمينها: من القوم عن يميني ؟ قال بكر بن وائل ... إنما بإزائكم عبدالقيس. فاقتتلوا أشد من قتالهم قبل ذلك. وأقبلت على كتيبة بين يديها فقالت: من القوم؟ قالوا: بنو ناجية قالت: بخ بخ، سيوف أبطحية
قرشية! فجالدوا جلاداً يتفادى منه. ثم أطافت بها بنو ضبة، قالت: ويها جمرة الجمرات (1) !
لماذا أصرت عائشة على مواصلة الحرب حتى بعد مقتل طلحة والزبير وجرح عدد كبير من أنصارها أمثال عبدالله بن عامر (2)؟
هل كانت تضع ثقتها بمروان وعبدالله بن الزبير؟ أم كانت تعول على دعم معاوية لها؟
ص: 125
هل منعها حب الرياسة من أن تعترف بالهزيمة وتجنح للسلم؟ أم أنها كانت تدرك أنها بالاعتراف بالهزيمة ستفقد سلطتها على الأمة؟
لماذا كانت تحفز الناس على القتال رغم رؤيتها للجرحى وقد قطعت أيديهم وأرجلهم؟
لقد خالفت عائشة الواقع، فوصفت بني ناجية بالقرشيين لكي تتمكن من استغلالهم، بالرغم من وجود شك كبير في انتسابهم إلى قريش.
يقول ابن أبي الحديد في هذا: ولم يكن يأخذ الخطام أحد إلّا سألت عائشة : من هذا ؟ فسألت عنهم فقيل: بنوناجية. فقالت عائشة: صبراً يا بني ناجية، فإني أعرف فيكم شمائل قريش. قالوا: وبنو ناجية مطعون في نسبهم إلى قريش. فقتلوا حولها جميعاً(1).
ويقول أبو الفرج الإصفهاني عن نسب بني ناجية: فأما القول في نسب بني ناجية، فإنهم ينسبون أنفسهم إلى سامة بن لؤي بن غالب بن فهر بن مالك بن النضر بن كنانة بن خزيمة بن مدركة بن إلياس بن مضر بن نزار بن معد بن عدنان، وقريش تدفعهم عن هذا النسب ويسمونهم بني ناجية وهي أُمهم وهي امرأة سامة بن لؤي بن غالب، ويقولون: إن سامة خرج إلى ناحية البحرين مغاضباً لأخيه كعب بن لؤي في مماظة كانت بينهما ... حتى نهش ساق سامة فقتله ... قالوا وكانت معه امرأته ناجية، فلما مات تزوجت رجلاً من البحرين فولدت منه الحارث ، ومات أبوه وهو صغير. فلما ترعرع طمعت
ص: 126
أُمه أن تلحقه بقريش فأخبرته أنه ابن سامة بن لؤي بن غالب. فرحل من البحرين إلى مكة ومعه أُمه، فأخبر كعب بن لؤي أنه ابن أخيه سامة، فعرف كعب أُمه ناجية، فظن أنه صادق في دعواه فقبله ومكث عنده مدة حتى قدم مكة ركب من البحرين فرأوا الحارث فسلموا عليه وحادثوه فسألهم كعب بن لؤي من أين يعرفونه؟ فقالوا: هذا ابن رجل من بلدنا يُعرف بفلان. وشرحوا له خبره، فنفاه كعب عن مكة ونفى أمه فرجعا إلى البحرين، فكانا هناك وتزوج الحارث فأعقب هذا العقب. قال أبو الفرج الإصفهاني: أما الزبير بن بكار فإنه أدخلهم في قريش ... وللزبير بن بكار في إدخالهم في قريش مذهب وهو مخالفة أميرالمؤمنين(علیه السّلام) وميله إليهم لإجماعهم على بغضه (علیه السّلام) حسب المشهور المأثور من مذهب الزبير في ذلك(1).
بما أن جمل عائشة كان بمثابة قلب جيشها، وأن المدافعين عن عائشة كانوا يلتفون حوله ويحمونه بكل قوتهم، فقد أمر الإمام(علیه السّلام) بالقضاء عليه لإنهاء الفتنة.
يقول ابن أبي الحديد في تقريره: ولقد كانت الرؤوس تندر عن الكواهل والأيدي تطيح من المعاصم وأقتاب البطن تندلق من الأجواف وهم حول الجمل كالجراد الثابتة لا تتحلحل ولا تتزلزل حتى لقد صرخ(علیه السّلام) بأعلى
ص: 127
صوته: ويلكم اعقروا الجمل فإنه شيطان ثم قال: اعقروه، وإلّا فنيت العرب. لايزال السيف قائماً وراكعاً حتى يهوى هذا البعير إلى الأرض.
فصمدوا له حتى عقروه فسقط وله رغاء شديد، فلما برك كانت الهزيمة (1).
وبسقوط هودج عائشة تفرق عنها من كان يحف به ووضعت الحرب أوزارها.
أما عن مَن الذي باشر عقر جمل عائشة، فهناك اختلاف كبير في الآراء تشير من خلالها التقارير إلى أسماء مختلفة (2).
بعد عقر الجمل على يد رجال الإمام علي(علیه السّلام) ، أمر الإمام بأن يحرق جسده ويذرى في الهواء. ثم قال(علیه السّلام) : لعنه الله من دابة! فما أشبهه بعجل بني إسرائيل ثم قرأ: ( وانظر إلى إلهك الذي ظلت عليه عاكفاً لنحرقنه ثم لننسفنه في اليمّ نسفاً) (3).
مع سقوط هودج عائشة تفرق الجميع عن الجمل وهربوا وانتهت الحرب.
رُوي عن الإمام الباقر (علیه السّلام) أنه قال: لما كان يوم الجمل وقد رشق هودج عائشة بالنبل، قال أميرالمؤمنين(علیه السّلام) : والله ما أراني إلّا مطلقها، فأنشدالله
ص: 128
رجلاً سمع من رسول الله (صلّی اللَّهِ علیه وَ آلِهِ وَ سَلَّمَ ) يقول : يا علي، أمر نسائي بيدك من بعدي، لما قام
فشهد. فقال: فقام ثلاثة عشر رجلاً فيهم بدريان فشهدوا أنهم سمعوا رسول لله(صلّی اللَّهِ علیه وَ آلِهِ وَ سَلَّمَ ) يقول لعلي بن أبي طالب: يا علي، أمر نسائي بيدك من بعدي. قال: فبكت عائشة عند ذلك حتى سمعوا بكاءها (1).
على أن هذا الخلع ليس بجديد، ولا ينبغي لمتعجب أن يتعجب من أن علياً (علیه السّلام) كيف خلع زوجة النبي من هذا المقام. فقد سبق لعمر بن الخطاب أن فعل نظير ذلك مع قتيلة الزوجة النبي (صلّی اللَّهِ علیه وَ آلِهِ وَ سَلَّمَ )(2).
هناك اختلاف كبير حول عدد جنود جيش أميرالمؤمنين (علیه السّلام) في حرب الجمل؛ فالشيخ المفيد يذكر أنهم كانوا ستة عشر ألفاً. غير أن هناك تقارير
ص: 129
أخرى ذكرت أنهم كانوا عشرين ألفاً، واثني عشر ألفاً، وأحد عشر ألفاً وتسعمائة مقاتل، وأكثر من عشرة آلاف (1).
على أن العدد 12000 يبدو أقرب للواقع، لأنه رُوي أن الإمام(علیه السّلام) أمر، بعد انتهاء الحرب، أن يُوزع ما في بيت المال على أنصاره، فكان حصة كل واحد منهم 500 درهم. ولما تم تقسيم المال على هذا الأساس لم يزد من الموجودات درهم ولم ينقص درهم. وكان مجموع المبلغ الموزع على الجنود 6000000 (6 مليون) درهم. وهذا يعني أن عددهم كان 12000 شخصا(2).
ص: 130
كان بين أصحاب الإمام (علیه السّلام) عدد كبير من صحابة النبي والبدريين ممن شهدوا بيعة الرضوان. فقيل إن عدد البدريين الذين كانوا في جيش الإمام(علیه السّلام) في الجمل بلغ 70 وقيل 80 وقيل 130 وقيل 180 رجلاً. فيما بلغ عدد الرضوانيين في جيشه (علیه السّلام) يوم الجمل 205 أو 4000 (هكذا، وربما 400: م) أو 700 شخصاً (1).
وهناك اختلاف حول العدد الإجمالي للصحابة الذين شهدوا الجمل مع الإمام على (علیه السّلام). فقد أشارت بعض التقارير إلى أن عددهم كان 1500 وذكرت تقارير أخرى أنهم كانوا 4000 من المدينة، وأشارت أخرى إلى وجود 100 من الأنصار، وقالت تقارير إنهم كانوا 400(2).
هناك رأيان في عدد مقاتلي عدد مقاتلي جيش عائشة:
ص: 131
1- أكثر من 120000 رجل (1) .
2- 30000 رجل وأكثر (2).
ولابد من الإشارة إلى أن القول الثاني يتعارض من حيث العدد مع عدد القتلى الذي سنورده لاحقاً. فأغلب التقارير تؤكد أن ثُلث مقاتلي جيش عائشة في حرب الجمل قتلوا وأن عددهم بلغ 20000 شخصاً.
وهناك اختلاف كبير أيضاً حول عدد القتلى من الفريقين. ويبدو أن هناك أيادٍ من الناكثين تلاعبت في الأرقام لتقليل عدد خسائرهم وتخفيف فضيحة هزيمتهم المنكرة.
يقول الشيخ المفيد في عدد قتلى أصحاب الفتنة: وقد اختلفت الروايات في عدد القتلى بالبصرة؛ فقد جاء في بعضها أنهم خمسة وعشرون ألفاً. وروي عن عبدالله بن الزبير رواية شاذة أنهم خمسة عشر ألف قتيل. ويوشك أن
ص: 132
يكون ابن الزبير أثبت. ولكن القول في ذلك باطل لبعده عن جميع ما قاله أهل العلم. فأما الأخبار عن عدد من قطعت يده يومئذٍ ورجله ثم قتل بعد ذلك فهي مشهورة أنهم كانوا نحو (هكذا، وربما نحواً: م) من أربعة عشر ألف رجل (1)
مجموع قتلى الفريقين، حسب الوثائق المتوفرة، بلغ نحو 7000 أو 20000 أو 25000 أو أكثر من 30000 و 40000 شخصاً (2) .
كما جاء في التقارير أن عدد القتلى في صفوف جيش عائشة كان 2500، و13000، و 20000(3).
ص: 133
أما عن عدد شهداء جيش الإمام (علیه السّلام) فذُكر أنه بين 400 و500، و500، و1000، و1000 من الرجالة و 70 من الفرسان(1).
وتشير بعض التقارير إلى أعداد القتلى حسب قبائلهم وإلى أسمائهم.
فخليفة بن خياط وابن عبدربه الأندلسي، مثلاً، يذكران أن عدد قتلى الأزد بلغ 500 وقتلى بني ضبة 800(2).
وتذكر بعض التقارير أن عدد قتلى الأزد بلغ 1350 أو 4000 قتيلاً وقتلى بني ضبة 800 وبني ناحية 400 ومن بني عدي 70 قارئ قرآن ومن بني عقيل 70قتيلاً ومن باقي الناس 350 ومن أهل البصرة 2500(3).
ص: 134
كما قتل من بني بكر بن وائل في هذه الحرب 800 ومن بني حنظلة 700 (1) .
يقول الطبري في قتلى حرب الجمل: كان قتلى الجمل حول الجمل عشرة آلاف نصفهم من أصحاب علي ونصفهم من أصحاب عائشة؛ من الأزد ألفان ومن سائر اليمن خمسمائة ومن مضر ألفان، وخمسمائة من قيس وخمسمائة من تميم وألف من بني ضبة وخمسمائة من بكر بن وائل ... قالا: وقتل من بني عدي يومئذٍ سبعون شيخاً كلهم قد قرأ القرآن سوى الشباب ومن لم يقرأ القرآن(2).
مما تجدر الإشارة إليه أن هذه الأرقام التي ذكرنا حتى الآن تخص الجمل الكبرى، أما الجمل الصغرى فقد شهدت مقتل 5000 رجلاً هي الأخرى (3).
ص: 135
ص: 136
ص: 137
ص: 138
بسقوط جمل عائشة، وضعت الحرب أوزارها بشكل رسمي بعد أن تكبد أصحاب الفتنة هزيمة ثقيلة. في هذا الفصل سنتناول الحوادث التي تلت الحرب.
أشارت التقارير التاريخية إلى حديث محمد بن أبي بكر والإمام علي (علیه السّلام) وعمار بن ياسر ومالك الأشتر. وهذا ما سنشير إليه بالتفصيل في الصفحات القادمة.
بعد عقر الجمل وسقوط الهودج، هتف الإمام علي (علیه السّلام) أن: اقطعوا البطان! فأسرع محمد بن أبي بكر فقطعه وأطلع الهودج. فقالت عائشة: من أنت؟ قال: أبغض أهلك إليك. قالت ابن الخثعمية؟ قال: نعم ولم تكن دون أُمهاتك. قالت: لعمري بل هي شريفة، دع عنك هذا! الحمدلله الذي سلمك. قال: قد كان ذلك ما تكرهين. قالت: يا أخي! لو كرهته ما قلت. قال: كنت تحبين الظفر وأني قتلت. قالت: قد كنت أُحب ذلك لكنه ما صرنا إلى ما
ص: 139
صرنا أحببت سلامتك لقرابتي منك فاكفف ولا تعقب الأُمور وخذ الظاهر ولا تكن لومة ولا عذلة فإن أباك لم يكن لومة ولا عذلة (1).
ويقول ابن أعثم الكوفي أيضاً: فقال علي (علیه السّلام) لمحمد بن أبي بكر: شأنك بأُختك، فلا يدنو منها أحد سواك. فأدخل محمد يده إلى عائشة فاحتضنها ثم قال: أصابك شيء؟ فقالت: لا، ما أصابني شيء، ولكن من أنت ويحك فقد مسست مني ما لا يحل لك؟ فقال محمد: اسكتي! فأنا أخوك محمد، فعلت بنفسك ما فعلت وعصيت ربك وهتكت سترك وأبحت حرمتك وتعرضت للقتل (2).
بعد أن سقط هودج عائشة ضرب أميرالمؤمنين (علیه السّلام) طرف الهودج برمحه وقال: يا شقيراء! بهذا وصاك رسول الله(صلّی اللَّهِ علیه وَ آلِهِ وَ سَلَّمَ ) ؟ قالت: يا ابن أبي طالب! قد ملکت فاسجح (اعف واصفح ) (3)
وذكرت بعض التقارير أنه لما وصل الإمام (علیه السّلام) إلى هودج عائشة، قرعه بعصاه أو برمحه وقال لعائشة : هيه يا حميراء أردت أن تقتلني (هكذا، وربما
ص: 140
تقتليني: م) كما قتلت ابن عفان؟ أبهذا أمرك الله أو عهد به إليك رسول الله (1) ؟
عن أصبغ بن نباتة قال: لما عقر الجمل وقف علي (علیه السّلام) على عائشة فقال: ما حملك على ما صنعت؟ قالت: ذيت وذيت (كذا وكذا). فقال: أما والذي فلق الحبة وبرأ النسمة لقد ملأت أُذنيك من رسول الله (صلّی اللَّهِ علیه وَ آلِهِ وَ سَلَّمَ ) وهو يلعن أصحاب الجمل وأصحاب النهروان؛ أما أحياؤهم فيقتلون في الفتنة، وأما أمواتهم ففى النار على ملة اليهود (2).
حسب تقرير الشيخ المفيد، فإن الإمام علياً (علیه السّلام) قرع بعصاه أو برمحه هودج عائشة وقال: هيه يا حميراء! أردت أن تقتليني كما قتلت ابن عفان؟ أبهذا أمرك الله أو عهد به إليك رسول الله (3)؟
على أن النصوص الآنفة تتضمن نقاطاً جديرة بالتأمل. منها:
النقطة الأولى: أن أميرالمؤمنين (علیه السّلام) وصف عائشة بقاتلة عثمان، فلم تُنكر عائشة عليه ذلك، بل لم تطالبه بدليل على وصفه إياها. إن سكوت
ص: 141
عائشة وعدم مطالبتها الإمام بالدليل يكمن فيه عالَم من الأسرار ويحسم الجدال حول دورها في قتل عثمان.
النقطة الثانية: أن الإمام لم يقصر دور عائشة في قتل عثمان على التحريض، بل يصرّح بأنها قاتلته. وهذا ما لم ترفضه عائشة وترده.
النقطة الثالثة: أن الوقوف بوجه خليفة المسلمين لابد له من أمر مباشر من الله أو وصية من رسوله (صلّی اللَّهِ علیه وَ آلِهِ وَ سَلَّمَ ) ، و لم يكن لعائشة أيٌ من الأمرين. إذن لا مفرّ لها من الإذعان لكونها موضع لعن النبي (صلّی اللَّهِ علیه وَ آلِهِ وَ سَلَّمَ ) ونبذه.
النقطة الرابعة: أنه بالنظر للمشاكل الكثيرة التي تسببت في وقوعها عائشة، فقد كان حديث الإمام (علیه السّلام) معها موجزاً مقصوراً على بضع جمل. ولكن تلك الجمل القليلة كانت كافية للتعبير عن إدانة عائشة التي لم تحر جواباً عليها.
النقطة الخامسة: أن عائشة كانت عارفة بالإمام (علیه السّلام) جيداً، لذلك تقدمت إليه بطلبها الأول في منتهى الدهاء فسألته العفو والصفح. وما كان من علي (علیه السّلام) إلّا أن يعفو عنها.
النقطة السادسة: أن عائشة سألت الإمام(علیه السّلام) أن يعفو عنها نظير ما سببته سفك دماء آلاف المسلمين. فهي اعتبرته (علیه السّلام) محقاً في العفو وعدمه، ولكنها لم تمنحه هذا الحق في العفو عن قتلة عثمان واتخاذ أي موقف يراه مناسباً. إن هذه الازدواجية في التفكير قمينة بالتأمل!
ص: 142
بعد سقوط جمل عائشة، جاء إليها عمار وقال لها : يا أماه كيف رأيت ضرب بنيك اليوم دون دينهم بالسيف؟ فصمتت ولم تجبه (1).
حسب نقل الشيخ الطوسي، فإنه بعد أن هُزم أهل البصرة، أمر على بن أبي طالب (علیه السّلام) أن تُسكن عائشة في بيت أبي خلف. فجاءها عمار بن ياسر فقال لها: يا أمت! كيف رأيت ضرب بنيك دون دينهم بالسيف؟ فقالت: استبصرت يا عمار من أجل أنك غلبت؟ قال: أنا أشد استبصاراً من ذلك. أما والله لو ضربتمونا حتى تبلغونا سعفات هجر (2) لعلمنا أنا على الحق وأنكم على الباطل. فقالت له عائشة: هكذا يخيل إليك اتق الله يا عمار! فإن سنك قد كبرت ودق عظمك وفني أجلك وأذهبت دينك لابن أبي طالب. فقال عمار: إني والله قد اخترت لنفسي في أصحاب رسول الله (صلّی اللَّهِ علیه وَ آلِهِ وَ سَلَّمَ ) فرأيت علياً أقرأهم لكتاب الله عزّ وجلّ وأعلمهم بتأويله وأشدهم تعظيماً لحرمته وأعرفهم بالسنة مع قرابته من رسول الله(صلّی اللَّهِ علیه وَ آلِهِ وَ سَلَّمَ ) وعظم عنائه وبلائه في الإسلام.
فسكتت (3).
ص: 143
وجاءها مالك الأشتر رحمه الله (بعد أن وضعت الحرب أوزارها) وقال لها: الحمد لله الذي نصر وليه وكبت عدوه. كيف رأيت صنع الله بك يا عائشة؟ فقالت: من أنت ثكلتك أمك؟ فقال: أنا ابنك الأشتر. قالت: كذبت، لست بأمك. قال: بلى وإن كرهت. فقالت: أنت الذي أردت أن تشكل أختي أسماء بابنها. فقال: المعذرة إلى الله وإليك. والله لولا أننى كنت طاوياً ثلاثاً لأرحتك منه (1). وقالت: فخرتم وغلبتم وكان أمر الله قدراً مقدوراً.
بعد سقوط جمل عائشة دعا أميرالمؤمنين (علیه السّلام) محمد بن أبي بكر وقال له: سلها، هل وصل إليها شيء من الرماح والسهام؟ قالت: نعم وصل إليّ سهم خدش رأسي وسلمت من غيره. الله بيني وبينكم. فقال محمد: والله ليحكمن عليك يوم القيامة ما كان بينك وبين أميرالمؤمنين (علیه السّلام) حتى تخرجين (هكذا، وربما تخرجي: م ) عليه وتؤلبين ( هكذا، وربما تؤلبي: م) الناس على قتاله وتنبذي كتاب الله وراء ظهرك. فقالت: دعنا يا محمد وقل لصاحبك يحرسني! (قال محمد بن أبي بكر): وكان الهودج كالقنفذ من النبل فرجعت إلى أميرالمؤمنين(علیه السّلام) وأخبرته بما جرى بيني وبينها وما قلت وما قالت.
فقال(علیه السّلام) : هي امرأة والنساء ضعاف العقول. فتولّ أمرها واحملها إلى دار عبد
(1)
ص: 144
الله بن خلف حتى ننظر في أمرها فحملتها إلى الموضع وإن لسانها لا يفتر من السبّ لي ولعلى والترحم على أصحاب الجمل (1).
إن عائشة، حتى بعد هزيمتها، لم تعترف ببطلان موقف أصحابها بل كانت تعتبرهم مهديين(2).
من العجيب أن عائشة لم تتورع وتخش الله بإصرارها على سب الإمام علي (علیه السّلام) وأصحابه حتى بعد هزيمتها!
أفلم تعلم عائشة بأن رسول الله (صلّی اللَّهِ علیه وَ آلِهِ وَ سَلَّمَ ) قال : من سبّ علياً فقد سبني (3).
ص: 145
لماذا عاتبت أُم سلمة بعض الصحابة الذين سبّوا الإمام علياً(علیه السّلام) ، أما عائشة فإنها لم تكتف بعدم معاتبتهم على ذلك بل كانت على رأسهم في سب الإمام (علیه السّلام) !؟
يقول الحاكم النيسابوري بعد نقل هذا الحديث: هذا حديث صحيح الإسناد ولم يخرجاه. (لم يروه البخاري ومسلم)(1)
كذلك الهيثمي، يقول بعد أن ينقل هذا الحديث: رواه أحمد ورجاله رجال (الصحيح البخاري) غير أبي عبدالله الجدلي وهو ثقة (2).
ألا يؤذي سب علي(علیه السّلام) الرسول(صلّی اللَّهِ علیه وَ آلِهِ وَ سَلَّمَ ) ألم يُروَ عن سعد بن أبي وقاص أنه
قال: كنت جالساً في المسجد أنا ورجلين معي، فنلنا من علي، فأقبل رسول الله(صلّی اللَّهِ علیه وَ آلِهِ وَ سَلَّمَ ) غضبان يعرف في وجهه الغضب، فتعوذت بالله من غضبه، فقال: ما لكم وما لي؟ من آذى علياً فقد آذاني(3).
أيتها السيدة عائشة! ألم يقل رسول الله(صلّی اللَّهِ علیه وَ آلِهِ وَ سَلَّمَ ) : من سبّ علياً فقد سبني، ومن
سبني فقد سبّ الله تعالى(4)؟
ص: 146
فضلاً عن أم سلمة، كان عبدالله بن عباس هو الآخر ينبّه من يسب علياً (علیه السّلام) ويسعى إلى أن يمنعهم من ذلك بنقل أحاديث رسول الله(صلّی اللَّهِ علیه وَ آلِهِ وَ سَلَّمَ ) فيه.
يقول ابن مردويه عن ابن عباس أنه مرّ بعد ما كف بصره بمجلس من مجالس قريش وهم يسبّون علياً(صلّی اللَّهِ علیه وَ آلِهِ وَ سَلَّمَ ) فقال القائده: ما سمعت هؤلاء يقولون؟ قال: سمعتهم يسبون علياً. قال: فردني إليهم! فردّه، فوقف عليهم فقال: أيكم السابّ الله تبارك وتعالى؟ قالوا: سبحان الله! من سبّ الله فقد أشرك. فقال: أيكم السابّ رسول الله(صلّی اللَّهِ علیه وَ آلِهِ وَ سَلَّمَ ) ؟ قالوا: سبحان الله! من سبّ رسول الله كفر.
قال: فأيكم السابّ علي بن أبي طالب؟ قالوا: أما هذا، فقد كان. قال ابن عباس فأنا أشهد بالله لقد سمعت رسول الله(صلّی اللَّهِ علیه وَ آلِهِ وَ سَلَّمَ ) يقول : من سبّ علياً فقد سبني، ومن سبني فقد سبّ الله عزّوجلّ. ثم تولى عنهم (1) .
كم الفرق شاسع بين سعد بن أبي وقاص الذي قال: معاذ الله! والذي نفسي بيده، رسول لقد سمعت رسول الله (صلّی اللَّهِ علیه وَ آلِهِ وَ سَلَّمَ ) يقول في علي(علیه السّلام) شيئاً لو وضع المنشار على مفرقي على أن أسبّه ما سببته أبداً (2) . وبين عائشة التي أصرت على سب الإمام (علیه السّلام) حتى بعد أن عفا عنها وأكرمها!
ألم يرو أهل السنة عن الرسول(صلّی اللَّهِ علیه وَ آلِهِ وَ سَلَّمَ ) مع روايات كثيرة عن الصحابة ولعنهم(3)؟ وعلى هذا الأساس وبناءً على هذه الروايات، اعتبروا من يشتم الصحابة أو
ص: 147
يسبهم أو يلعنهم كافراً وزنديقاً ودجالاً وكذاباً وفاسقاً، وأفتوا بقتله أو ضربه أو حيسه (1)؟
ألم يُصدر علماء أهل السنة، استناداً على هذه الروايات، فتاوى تدين من يسبّ الصحابة ويشتمهم؟ يقول ابن عبدالرحمن بن أبزي: إن من يسب أبا بكر وعمر، يقتل (2).
كيف تسب عائشة الإمام علياً(علیه السّلام)، في حين أن علماء السنة لا يروون عن من يسب الصحابة، حفاظاً على منزلتهم؟ يقول عبد الملك: سألت ابن مبارك قلت: عمرو بن ثابت لمَ تركت حديثه؟ قال: كان يشتم (الصحابة و) السلف (3).
ص: 148
وهذا محمد بن عبد العزيز التيمي الكوفي يرحل عن الكوفة لأن أصحاب رسول الله(صلّی اللَّهِ علیه وَ آلِهِ وَ سَلَّمَ ) يُشتمون فيها (1).
يقول مالك بن أنس إمام المذهب المالكي، وهو من المذاهب السنية الأربعة، عن شتم الصحابة (وسبهم ولعنهم) من شتم أحداً من أصحاب النبي (صلّی اللَّهِ علیه وَ آلِهِ وَ سَلَّمَ ) أبا بكر أو عمر أو عثمان أو معاوية أو عمرو بن العاص، فإن قال: كانوا على ضلالٍ وكفر، قُتل. وإن شتمهم بغير هذا من مشاتمة الناس نُكّل نكالاً شديداً (2) .
ويقول ابن حبيب من غلا من الشيعة إلى بغض عثمان والبراءة منه أُدّب أدباً شديداً. ومن زاد إلى بغض أبي بكر وعمر فالعقوبة عليه أشدّ ويكرر ضربه ويطال سجنه حتى يموت (3).
مع تشدد علماء أهل السنة على من يسب الصحابة، يشتد العجب من تركهم أصحاب الجمل يسبون الإمام علياً(علیه السّلام) وعدم إدانتهم.
ص: 149
فكيف يستفزهم سب أبي بكر وعمر إلى هذه الدرجة من التشدد ولا يثير فيهم سب الإمام (علیه السّلام) حميتهم فيسكتون عنه سكوتاً مطبقاً؟؟ أفلم يكن الإمام علي(علیه السّلام) خليفة من خلفاء المسلمين على أقل تقدير؟
أم لم يكن الإمام (علیه السّلام) حتى بدرجة صحابي عادي بناءً على ما ذهب إليه الذهبي من أن حب الصحابة وبغضهم كحب رسول الله كحب رسول الله(صلّی اللَّهِ علیه وَ آلِهِ وَ سَلَّمَ ) وبغضه، وأن سب أحدهم من الكبائر وأن سابهم كافر خارج من ملة الإسلام(1)!؟
يقول ابن مردويه نقلاً عن عائشة،عن عائشة: أنها لما عُقر جملها ودخلت داراً بالبصرة فقال لها أخوها محمد: أنشدك الله، أتذكرين يوم حدثتني عن النبي(صلّی اللَّهِ علیه وَ آلِهِ وَ سَلَّمَ ) أنه قال: الحق لن يزال مع علي وعلي مع الحق لن يختلفا ولن يفترقا؟
قالت نعم(2).
ص: 150
يُنقل أن جماعة من أصحاب الجمل ومنهم خالد بن الواشمة وكان من قادة أصحاب الجمل، دخلوا على عائشة. فقالت عائشة لخالد بن الواشمة: يا خالد! ما فعل طلحة؟ قال: قُتل. قالت: ما فعل الزبير؟ قال: قتل أول النهار وقتل طلحة آخره. قالت إنا لله وإنا إليه راجعون. قالت ما فعل عبد الرحمن بن عتاب بن أُسيد؟ قال: قتل. قالت: ما فعل زيد بن صوحان؟ قال: قتل. قالت: رحمه الله، أما والله إن كان ليحب الله ورسوله. قال خالد: يا أُم المؤمنين هذا والله التخليط؛ رحم الله ،طلحة، رحم الله زيداً! والله لا يجتمعان أبداً في مكان واحد. قالت: لا تدري. قال: لا دريت أبداً رأي امرأة ورب الكعبة. فرجع إلى رحله محزوناً وكان صديقه (هكذا، وربما صديقاً: م) لزيد بن صوحان، فأظهر البراءة من طلحة وأصحابه (والتحق بالإمام (علیه السّلام)) وشهد صفين مع علي(1).
يقول أبو رجاء: رأيت رجلاً قد اصطلمت أُذنه، قلت: أخلقة أم شيء أصابك؟ قال: أُحدثك بينا أنا أمشي بين القتلى يوم الجمل فإذا رجل يفحص برجله وهو يقول:
ص: 151
لقد أوردتنا حومة الموت أُمنا ... فلم ننصرف إلّا ونحن رواء (من الموت)
أطعنا قريشاً ضلة من حلومنا (أطعنا بني تيم لسوء حظنا. ولم يكن تيم إلا مجموعة من العبيد والإماء ) ... ونصرتنا أهل الحجاز عناء
قلت: يا عبدالله لا إله إلّا الله. قال: ادنُ مني ولقنّي فإن في أُذني وقراً! فدنوت منه فقال لي: ممن أنت؟ قلت: رجل من الكوفة. فوثب علي فاصطلم أُذني كما ترى، ثم قال: إذا لقيت أُمك (عائشة) فأخبرها أن عمير بن الأهلب الضبي فعل بك هذا (1).
فور انتهاء الحرب بهزيمة الناكثين، خطب الإمام (علیه السّلام) في الناس وأعلن عفواً عاماً. قال (علیه السّلام) مخاطباً الناس أما بعد فإن الله ذو رحمة واسعة ومغفرة دائمة وعفو جم وعقاب أليم. قضى أن رحمته ومغفرته وعفوه لأهل طاعته خلقه، وبرحمته اهتدى المهتدون. وقضى أن نقمته وسطواته وعقابه على أهل معصيته من خلقه، وبعد الهدى والبينات ما ضلّ الضالون. فما ظنكم يا أهل البصرة وقد نكثتم بيعتي وظاهرتم علىّ عدوي؟ فقام إليه رجل فقال: نظن خيراً ونراك قد ظفرت وقدرت، فإن عاقبت فقد اجترمنا ذلك وإن عفوت
ص: 152
فالعفو أحب إلى الله. قال: قد عفوت عنكم، فإياكم والفتنة فإنكم أول الرعية نكث البيعة وشق عصا هذه الأُمة. قال: ثم جلس للناس فبايعوه(1).
بل إن الإمام (علیه السّلام) عفا عن جماعة من شبان قريش طلبوا منه الأمان بعد انتهاء الحرب.
يقول الشيخ المفيد نقلاً عن الواقدي: ولما فرغ أميرالمؤمنين (علیه السّلام) من أهل الجمل جاءه قوم من فتيان قريش يسألونه الأمان وأن يقبل منهم البيعة، فاستشفعوا إليه بعبدالله بن عباس فشفعه، وأمر لهم في الدخول عليه. فلما مثلوا بين يديه قال لهم: ويلكم يا معشر قريش، علام تقاتلونني؛ على أن حكمت فيكم بغير عدل، أو قسمت بينكم بغير سوية، أو استأثرت عليكم، أو لبعدي عن رسول الله، أو لقلة بلاء مني في الإسلام؟ فقالوا: يا أميرالمؤمنين! نحن إخوة يوسف، فاعف عنا واستغفر لنا! فنظر إلى أحدهم فقال له: من أنت؟ قال: أنا مساحق بن مخرمة، معترف بالزلة مقرٌ بالخطيئة تائب من ذنبي. فقال (علیه السّلام): قد صفحت عنكم. وأيم الله إن فيكم من لا أُبالي بايعني بكفه أو بإسته، ولئن بايعني لينكثن(2).
ص: 153
بل عفا الإمام (علیه السّلام) حتى عن أبناء عثمان، فجددوا البيعة له. يقول حبة بن جوين العربي: ورأيت يومئذٍ سعيد وأبان ابنا (هكذا، وربما ابني: م) عثمان فجيء بهما إلى علي بن أبي طالب(علیه السّلام) . فلما وقفا بين يديه قال بعض من حضر: اقتلهما يا أميرالمؤمنين! فقال: بئس ما قلتم! آمنت الناس كلهم وأقتل هذين؟ ثم أقبل عليهما وقال لهما: ارجعا عن غيكما وانزعا وانطلقا حيث شئتما! وإن أحببتما فأقيما عندي حتى أصل أرحامكما. فقالا: يا أميرالمؤمنين نحن نبايع. فبايعاه وانصرف (1).
يقول الإمام زين العابدين (علیه السّلام): دخلت على مروان بن الحكم فقال: ما رأيت أحداً أكرم غلبة من أبيك ما هو إلّا أن ولينا يوم الجمل فنادى مناديه: لا يُقتل مدبر ولا يُذفف على جريح(2).
يقول الكلبي: قلت لأبي صالح: كيف لم يضع علي(علیه السّلام) السيف في أهل البصرة يوم الجمل بعد ظفره؟ قال: سار فيهم بالصفح والمنّ الذي سار به رسول الله(صلّی اللَّهِ علیه وَ آلِهِ وَ سَلَّمَ ) في أهل مكة يوم الفتح. فإنه أراد أن يستعرضهم بالسيف، ثم منّ عليهم. وكان يحب أن يهديهم الله (3).
حتى أن عائشة نفسها اعترفت بنبل أميرالمؤمنين (علیه السّلام) وكرمه.
ص: 154
كتب سبط بن الجوزي نقلاً عن هشام بن محمد: قال هشام بن محمد: فجهزها علي(علیه السّلام) أحسن الجهاز ودفع لها مالاً كثيراً ... فلما وصلت إلى المدينة قيل لها: كيف كان مسيرك؟ فقالت: بخير والله. لقد أعطى فأكثر ... والله يا ابن أبي طالب ما ازددت إلاّ كرماً (1) .
أما الطبري فيتحدث في تقريره عن اثني عشر ألف دينار أو درهم أعطاها الإمام (علیه السّلام) عائشة (2) .
ويقول ابن أبي الحديد عن نبل الإمام (علیه السّلام) وعفوه مع عائشة بعد الحرب: على أن أميرالمؤمنين (علیه السّلام) أكرمها وصانها وعظم من شأنها. ومن أحب أن يقف على ما فعله معها فليطالع كتب السيرة . ولو كانت فعلت بعمر ما فعلت به وشقت عصا الأُمة عليه، ثم ظفر بها، لقتلها ومزقها إربا إرباً. ولكن علياً كان حليماً كريماً (3).
كما إن الإمام (علیه السّلام) أجابها إلى طلبها إعطاء الأمان لعبدالله بن الزبير، وقبل شفاعة الإمامين الحسنين(علیهما السّلام) المروان وأعطى الأمان للوليد بن عقبة
ص: 155
وأبناء عثمان وجماعة آخرين من بني أُمية. بل إنه أصدر عفواً عاماً لجميع الناس (1).
يقارن ابن أبي الحديد بين عفو أميرالمؤمنين (علیه السّلام) و عفو النبي(صلّی اللَّهِ علیه وَ آلِهِ وَ سَلَّمَ ) في فتح مكة ويعتقد أن عفو الإمام(علیه السّلام) لام أكبر من عفو النبي. يقول: هذه كانت شيمة رسول الله (صلّی اللَّهِ علیه وَ آلِهِ وَ سَلَّمَ ) وشيمة علي (علیه السّلام)؛ أما شيمة رسول الله (صلّی اللَّهِ علیه وَ آلِهِ وَ سَلَّمَ ) فظفر بمشركي مكة وعفا عنهم، كما سبق القول فيه في عام الفتح. وأما علي (علیه السّلام) فظفر بأصحاب الجمل وقد شقوا عصا الإسلام عليه وطعنوا فيه وفي خلافته، فعفا عنهم مع علمه بأنهم يفسدون عليه أمره فيما بعد ويصيرون إلى معاوية إما بأنفسهم أو بآرائهم ومكتوباتهم. وهذا أعظم من الصفح عن أهل مكة. لأن أهل مكة لم يبق لهم لما فتحت فئة يتحيزون إليها ويُفسدون الدين عندها (2).
لما انتهت الحرب، ركب الإمام علي (علیه السّلام) بغلة رسول الله (صلّی اللَّهِ علیه وَ آلِهِ وَ سَلَّمَ ) الشهباء وتوجه مع جماعة من أنصاره إلى قتلى الجمل فخاطب كبارهم.
ص: 156
بعد أن قتل طلحة على يد مروان، وقف الإمام (علیه السّلام) على جسده وأمر أنصاره بأن يُجلسوه. ثم خاطبه قائلاً: ويل أُمك طلحة! لقد كان لك قدم لو نفعك! ولكن الشيطان أضلك فأزلك فعجلك إلى النار (1).
ويقول الشيخ المفيد في تقريره: مرّ على طلحة بن عبيدالله فقال: هذا الناكث بيعتي والمنشئ الفتنة في الأُمة والمجلب على الداعي إلى قتلي وقتل عترتي. أجلسوا طلحة! فأجلس، فقال أميرالمؤمنين(علیه السّلام) : يا طلحة بن عبيدالله! قد وجدت ما وعدني ربي حقاً، فهل وجدت ما وعد ربك حقا!؟ ثم قال: أضجعوا طلحة! وسار. فقال له بعض من كان معه يا أميرالمؤمنين! أتكلم كعباً وطلحة بعد قتلهما!؟ قال: أم والله، إنهما لقد سمعا كلامي كما سمع أهل القليب كلام رسول الله(صلّی اللَّهِ علیه وَ آلِهِ وَ سَلَّمَ ) يوم بدر(2).
ولعل معنىً عميقاً يكمن في هذا التشابه، وهو أن قتلى الجمل كانوا يسمعون كلام أميرالمؤمنين (علیه السّلام) كما كان قتلى بدر يسمعون كلام رسول الله (صلّی اللَّهِ علیه وَ آلِهِ وَ سَلَّمَ ) فقد قاتل أولئك التنزيل وقاتل هؤلاء التأويل.
ص: 157
يقول ابن أبي الحديد (كان) أميرالمؤمنين يركب بغلة رسول الله(صلّی اللَّهِ علیه وَ آلِهِ وَ سَلَّمَ ) الشهباء ويتجول بين القتلى بعد هزيمة جيش البصرة) فمر بكعب بن سور القاضي، قاضي البصرة، وهو قتيل فقال: أجلسوه! فأُجلس ، فقال له: ويل أُمك يا كعب بن سور، لقد كان لك علم لو نفعك! ولكن الشيطان أضلك فأزلك فعجلك إلى النار (1).
أما الشيخ المفيد فينقل أن الإمام (علیه السّلام) قال لأصحابه عند جسد كعب بن سور: هذا الذي خرج علينا في عنقه مصحف يزعم أنه ناصر أُمه يدعو الناس إلى ما فيه، وهو لا يعلم ما فيه، ثم استفتح وخاب كل جبار عنيد. أما إنه دعا الله أن يقتلني فقتله الله (ثم قال): أجلسوا كعب بن سور! فأجلس. فقال له أميرالمؤمنين(علیه السّلام) : يا كعب قد وجدت ما وعدني ربي حقاً، فهل وجدت ما وعد ربك حقاً؟؟ (ثم قال): أضجعوا كعباً (2) !
لما مرّ أميرالمؤمنين (علیه السّلام): بجسد ابن المقداد وهو في الصرعى قال : رحم الله أبا هذا. إنما كان رأيه فينا أحسن من رأي هذا. فقال عمار: الحمد لله الذي
ص: 158
أوقعه وجعل خده الأسفل. إنا والله يا أميرالمؤمنين لا نبالي لمن عَنَد عن الحق من ولد ووالد. (كائناً مَن كان) (1) فقال له الإمام (علیه السّلام): رحمك الله وآجرك!
ولما مرّ (علیه السّلام) بجسد عبدالله بن ربيعة وكان بين القتلى، قال هذا البائس ما كان أخرجه نصر عثمان. والله ما كان رأي عثمان فيه ولا في أبيه بحسن(2).
ومرّ (علیه السّلام) بمعبد بن زهير وهو قتيل، قال: لو كانت الفتنة برأس الثريا لتناولها هذا الغلام. والله ما كان فيها بذي نخيرة (لا يفهم شيئاً). ولقد أخبرني من أدركه أنه يلوذ خوفاً من السيف حتى قتل البائس ضياعاً(3).
ص: 159
ومر (الإمام(علیه السّلام) ) بمسلم بن قرظة فقال: البر أخرج هذا. ولقد سألني أن أُكلم عثمان في شيء يدعيه عليه بمكة فلم أزل به حتى أعطاه. ثم جاء لحينه ينصر عثمان (ويقاتلني من أجله)(1).
ثم مرّ بعبدالله بن حميد بن زهیر، قال: هذا أيضاً ممن أوضع في قتلانا يطلب بزعمه دم عثمان ولقد كتب إلي كتباً أوذي عثمان منها، فأعطاه شيئاً فرضي عنه (2).
ص: 160
ومرّ (علیه السّلام) بعبدالله بن حكيم بن حزام فقال: هذا خالف أباه في الخروج علي وإن أباه حيث لم ينصرنا بايع وجلس في بيته. ما ألوم أحداً إذا كفّ عنا وعن غيرنا، ولكن الملوم الذي يقاتلنا (1).
ومرّ (علیه السّلام) بعبدالله بن المغيرة بن الأخنس فقال: أما هذا فقتل أبوه يوم قتل عثمان ( مدافعاً عن الخليفة) في الدار فخرج غضباً لمقتل أبيه وهو غلام لا علم له بعواقب الأُمور (2).
ومرّ بعبدالله بن عثمان بن الأخنس بن شريق فقال: أما هذا فإني أنظر إليه وقد أخذ القوم السيوف وإنه لهارب يعدو من السيف فنهيت عنه فلم
ص: 161
يُسمع نهي حتى قتل. وكان هذا ممن مقت عليّ. وإنه من فتيان قريش أغمار لا علم لهم بالحرب، خُدعوا واستنزلوا، فلما وقعوا ألحجوا فقتلوا (1).
كتب ابن أبي الحديد: ثم مر(علیه السّلام) بعبدالله بن خلف الخزاعي وكان (علیه السّلام) قتله بيده مبارزة كان رئيس أهل البصرة، فقال: أجلسوه فأجلس فقال الويل لك يا ابن خلف! لقد عانيت أمراً عظيماً (2).
ومرّ (علیه السّلام) بعبد الرحمن بن عتاب بن أُسيد، فقال: أجلسوه فأجلس، فقال: هذا يعسوب قريش هذا اللباب المحض من بني عبد مناف(3).
ص: 162
حسب ما ينقله الشيخ المفيد، فإن الإمام علياً(علیه السّلام) ، بعد أن وضعت الحرب أوزارها، أمر بأن ينادى بأنّ من أراد أن يدفن قتلاه فليفعل. ثم أمر أصحابه بأن يلفوا الشهداء بالثياب التي استشهدوا فيها. ثم قال : واروا قتلانا في ثيابهم التي قتلوا فيها فإنهم يُحشرون على الشهادة، وإني لشاهد لهم بالوفاء (1).
ويقول الطبري وابن الأثير أيضاً إن علياً (علیه السّلام) مكث خارج البصرة ثلاثة أيام بعد انتهاء الحرب وأذن للناس في دفن موتاهم فخرجوا إليهم فدفنوهم(2).
ويقولان في تقرير آخر: وصلى علي على القتلى من أهل البصرة والكوفة وصلى على قريش من هؤلاء وهؤلاء، وأمر فدفنت الأطراف في قبر عظيم(3).
لا ريب أن تقريري الطبري وابن الأثير غير صحيحين، ولا أقل من وجوب النظر إليهما بعين الشك والترديد. لأن الأحاديث كثيرة في كفر من يخرج
ص: 163
على الإمام ومن ينكث بيعته. فكيف يعقل أن يصلي الإمام علي (علیه السّلام) على قتلة أصحاب فتنة حرب الجمل ويدفنهم؟
من المؤكد أن غاية الطبري وابن الأثير من الإتيان بهذه القصة أن يختلقا للناكثين منزلة واحتراماً وأن يبرئا ساحتهم من تداعيات جريمتهم الجسيمة.
على أن من الأدلة الهامة على عدم اعتبار تقرير هذين الرجلين، فتوى فقهاء أهل السنة بعدم تغسيل الباغين والخارجين على الإمام وعدم الصلاة على أجسادهم. ومن الواضح أنه لابد للفقهاء من وثيقة قرآنية أو روائية لإصدار مثل هذه الفتوى. ولقد استند الفقهاء في فتواهم هذه على سيرة أميرالمؤمنين (علیه السّلام) في حرب الجمل. ومن هنا يتبين أن تقريري الطبري وابن الأثير لا وجه لهما ولا يستحقان العناية.
تتكون فتوى أهل السنة من صغرى واحدة وكبرى واحدة.
الصغرى: أن كل من يقاتل الإمام علياً (علیه السّلام) باغ وخارجي (1).
الكبرى: حسب سيرة الإمام علي(علیه السّلام) ، فليس للباغي غسل ولا تكفين.
ص: 164
النتيجة: أهل الجمل بغاة لمحاربتهم الإمام علياً(علیه السّلام) ، فلا غسل لهم ولا تكفين.
يقول برهان الدين المرغيناني (المتوفى 591 ه-) وجمال الدين البابرتي (المتوفى 786ه) وابن همام الحنفي (المتوفى 861 ه) وابن نجيم المصري (المتوفى 970 ه): لا غسل ولا صلاة على من قتل خارجاً على إمامه، لأن علياً (علیه السّلام) لم يصل عليهم ولم يغسلهم(1) .
روي عن الإمام علي (علیه السّلام) خطب قصيرة وطويلة ألقاها بعد حرب الجمل، نشير إليها بإيجاز . حيث ينقل ابن ميثم البحراني بدون سند، خطبة للإمام (علیه السّلام) بعد حرب الجمل، فيقول: لما فرغ أميرالمؤمنين (علیه السّلام) من حرب الجمل أمر فنودي في البصرة بأن يجتمع الناس في المسجد الجامع خلال ثلاثة أيام فلا يتخلف أحد منهم إلا ذو عذر أو علة. فاجتمع الناس في صباح اليوم التالي. وبعد أن فرغ الإمام (علیه السّلام) من الصلاة التفت إلى الناس وحمدالله وأثنى عليه وصلى على النبي (صلّی اللَّهِ علیه وَ آلِهِ وَ سَلَّمَ ) ثم قال موبخاً أهل البصرة على وقوفهم في الفتنة في صف الناكثين: يا أهل البصرة! (يا أهل المصر الذي انقلب ثلاث مرات فهلك
ص: 165
أهله، وعلى الله أن يقلبه مرة رابعة!) ... يا جند المرأة وأعوان البهيمة، رغا فأجبتم وعُقر فانهزمتم أخلاقكم دقاق (منحطة) ودينكم نفاق وماؤكم زعاق. بلادكم أنتن بلاد الله وأبعدها من السماء، بها تسعة أعشار الشر، المحتبس فيها بذنبه والخارج منها بعفو الله. كأني أنظر إلى قريتكم هذه وقد طبقها الماء حتى ما يرى منها إلّا شرف المسجد كأنه جؤجؤ طير في لجة بحر (هنا قام الأحنف بن قيس وسأل الإمام (علیه السّلام): متى سيقع ما ذكرت؟ فقال له الإمام (علیه السّلام): لن تدرك ذلك الزمان، فبينك وبينه قرون. ولكن ليبلغ الشاهد الغائب، حتى يبلغ إخوانكم زماناً يرون فيه البصرة وقد تحولت إلى حقول من القصب وتحولت أجامها إلى قصور فارهة. فليهرب من يدرك ذلك الزمان... ففرّوا فلا بصيرة لكم) والذي فلق الحبة وبرأ النسمة، لو أشاء لأخبرتكم بخراب العرصات عرصة عرصة متى تخرب ومتى تعمر بعد خرابها إلى يوم القيامة. وإن عندي من ذلك علماً جماً. وإن تسألوني تجدوني به عالماً لا أُخطئ منه علماً ولا دافئاً. ولقد استودعت علم القرون الأُولى وما هو كائن إلى يوم القيامة. ثم قال (علیه السّلام) مادحاً البصرة: يا أهل البصرة! إن الله لم يجعل لأحد من أمصار المسلمين خطة شرف ولا كرم إلّا وقد جعل فيكم أفضل ذلك وزاد ... قارئكم أقرأ الناس وزاهدكم أزهد الناس وعابدكم أعبد الناس وتاجركم أتجر الناس وأصدقهم في تجارته ومتصدقكم أكرم الناس صدقة وغنيكم أشد الناس بذلاً وتواضعاً ... أحرصهم على الصلاة ... صغاركم أكيس الأولاد ونساؤكم أقنع النساء ... يا أهل البصرة! ما الذي ابتدأتكم به من التوبيخ إلّا تذكير وموعظة لما بعد، لكي لا تسرعوا إلى الوثوب في مثل الذي وثبتم ... ولا الذي ذكرت فيكم من المدح والتطرية بعد التذكير
ص: 166
والموعظة رهبة مني لكم ولا رغبة في شيء مما قبلكم، فإني لا أُريد المقام بين أظهركم إن شاء الله لأُمور تحضرني قد يلزمني القيام بها فيما بيني وبين الله لا عذر لي في تركها (1)
ثم سأل رجلٌ الإمامَ (علیه السّلام) عن أهل الجماعة وأهل الفرقة وأهل السنة وأهل البدعة، فقال (علیه السّلام) أهل الجماعة أنا ومن أطاعني وإن كنا قلة. وأهل الفرقة من خالفني وخالف شيعتي وإن كانوا كثرة. إن أهل السنة هم العاملون بما أمرهم الله ورسوله به وإن قلّوا. وأهل البدعة هم من خالف أمرالله ورسوله والقرآن، الذين يعملون برأيهم، وإن كثروا(2).
وفي خطبة له أخرى ينقلها الشيخ المفيد، قال(علیه السّلام) : بنا تسنمتم الشرفاء وبنا انفجرتم عن السرار وبنا اهتديتم في الظلماء. وقر سمع لم يفقه الواعية! كيف يراع للنبأة من أصمته الصيحة؟ (كيف يسمع الصوت الخفيض من أفقدته الصيحةُ السمعَ) ربط جنان لم يفارقه الخفقان. مازلت أتوقع بكم عواقب الغدر وأتوسمكم بحلية المغترين. سترني عنكم جلباب الدين، وبصرنيكم صدق النية. أقمت لكم الحق حيث تعرفون ولا دليل،
ص: 167
وتحتفرون ولا تميهون (تحفرون بئراً لا تشربون منه) ... ما شككت في الحق منذ رأيته (1).
ونقل المرحوم الكليني عن الإمام الباقر (علیه السّلام) خطبة أخرى للإمام (علیه السّلام) ذات مضامين أخلاقية تبين عدم اكتراثه (علیه السّلام) بالدنيا. قال: إن أميرالمؤمنين (علیه السّلام) لما انقضت القصة فيما بينه وبين طلحة والزبير وعائشة بالبصرة، صعد المنبر فحمدالله وأثنى عليه وصلى على رسوله (صلّی اللَّهِ علیه وَ آلِهِ وَ سَلَّمَ ) ثم قال: يا أبها الناس! إن الدنيا حلوة خضرة تفتن الناس بالشهوات وتزين لهم بعاجلها. وأيم الله، إنها لتغر من أملها وتخلف من رجاها، وستورث أقواماً الندامة والحسرة بإقبالهم عليها وتنافسهم فيها وحسدهم وبغيهم على أهل الدين والفضل فيها ظلماً وعدواناً وبغياً وأشراً وبطراً (ثم بيّن (علیه السّلام) أن أفعال الناس هي أسباب زوال النعمة، قال: ) ولو أن أهل المعاصي وكسبة الذنوب إذا هم حذروا زوال نعم الله وحلول نقمه وتحويل عافيته أيقنوا أن ذلك من الله جلّ ذكره بما كسبت أيديهم، فأقلعوا وتابوا وفزعوا إلى الله جلّ ذكره بصدق من نياتهم وإقرار منهم بذنوبهم وإساءتهم، لصفح لهم عن كل ذنب. وإذن لأقالهم كل عثرة ولردّ عليهم كل كرامة نعمة، ثم أعاد لهم من صلاح أمرهم ومما كان أنعم به عليهم كل ما زال عنهم وأفسد عليهم. فاتقوا الله أيها الناس حق تقاته واستشعروا خوف الله جلّ ذكره، وأخلصوا اليقين وتوبوا إليه من قبيح ما استفزكم الشيطان من
ص: 168
قتال ولي الأمر وأهل العلم بعد رسول الله (صلّی اللَّهِ علیه وَ آلِهِ وَ سَلَّمَ ) وما تعاونتم عليه من تفريق
الجماعة وتشتت الأمر وفساد صلاح ذات البين(1).
بعد انتهاء الحرب، قام ،رجلُ، والإمام (علیه السّلام) يخطب، فقال: يا أميرالمؤمنين! أخبرنا عن الفتنة، وهل سألت رسول الله (صلّی اللَّهِ علیه وَ آلِهِ وَ سَلَّمَ ) عنها؟ فقال (علیه السّلام): لما أنزل الله سبحانه وتعالى قوله «أَحَسِبَ النَّاسُ أَنْ يُتْرَكُوا أَنْ يَقُولُوا آمَنَّا وَهُمْ لَا يُفْتَنُونَ » علمت أن الفتنة لا تنزل بنا ورسول الله (صلّی اللَّهِ علیه وَ آلِهِ وَ سَلَّمَ ) بين أظهرنا، فقلت: يا رسول الله! ما هذه الفتنة التي أخبرك الله تعالى بها؟ فقال: يا علي! إن أُمتي سيفتنون من بعدي. فقلت يا رسول الله! أوليس قد قلت لي يوم أُحد حيث استشهد من استشهد من المسلمين وحيزت عني الشهادة فشق ذلك عليّ فقلت لي: أبشر فإن الشهادة من ورائك فقال لي: إن ذلك لكذلك، فكيف صبرك إذن؟ فقلت يا رسول الله! ليس هذا من مواطن الصبر (لأن الصبر يكون على المصائب) ولكن من مواطن البشرى والشكر. فقال: يا علي! إن القوم سيفتنون بأموالهم ويمنون بدينهم على ربهم ويتمنون رحمته ويأمنون سطوته ويستحلون حرامه بالشبهات الكاذبة والأهواء الساهية فيستحلون الخمر بالنبيذ والسحت بالهدية والربا بالبيع. قلت: يا رسول الله! بأي المنازل أُنزلهم
ص: 169
عند ذلك، أبمنزلة ردة أم بمنزلة فتنة؟ فقال: بمنزلة فتنة. (وعاملهم معاملة المسلم الخاطئ) (1)
أما الشيخ المفيد والشيخ الطوسي فينقلان الرواية بمزيد من التفصيل، فيقولان: قال الإمام علي (علیه السّلام): لما نزلت على النبي(صلّی اللَّهِ علیه وَ آلِهِ وَ سَلَّمَ ) «إِذَا جَاءَ نَصْرُ اللَّهِ وَالْفَتْحُ » قال لي: يا علي إنه قد جاء نصرالله والفتح، فإذا رأيت الناس يدخلون في دين الله أفواجاً فسبح بحمد ربك واستغفره إنه كان توابا! يا علي، إن الله قد كتب على المؤمنين الجهاد في الفتنة من بعدي كما كتب عليهم جهاد المشركين معي. فقلت: يا رسول الله وما الفتنة التي كتب علينا في الجهاد؟ قال: فتنة قوم يشهدون أن لا إله إلّا الله وأني رسول الله [وهم] مخالفون لسنتي وطاعنون في ديني. فقلت: فعلام نقاتلهم يا رسول الله وهم يشهدون أن لا إله إلّا الله وأنك رسول الله؟ فقال: على إحداثهم في دينهم وفراقهم لأمري واستحلالهم دماء عترتي. قال: فقلت: يا رسول الله! إنك كنت وعدتني الشهادة، فسل الله تعالى أن يعجلها لي! فقال: أجل، قد كنت وعدتك الشهادة، فكيف صبرك إذا خضبت هذه من هذا؟ وأومى إلى رأسي ولحيتي. فقلت: يا رسول الله! أما إذ بيّنت لي ما بينت فليس بموطن صبر [و] لكنه موطن بشرى وشكر. فقال: أجل، فأعد للخصومة فإنك مخاصم أُمتي. قلت: يا رسول الله! أرشدني الفلج. قال: إذا رأيت قوماً قد عدلوا عن الهدى إلى الضلال فخاصمهم، فإن الهدى من الله والضلال من الشيطان. يا علي! إن الهدى هو اتباع أمر الله دون الهوى والرأي. وكأنك بقوم قد تأولوا القرآن
ص: 170
وأخذوا بالشبهات واستحلوا الخمر والنبيذ والبخس بالزكاة والسحت بالهدية. قلت: يا رسول الله! فما هم إذا فعلوا ذلك، أهم أهل ردة أم أهل فتنة؟ قال: هم أهل فتنة. ( ويأمر النبي (صلّی اللَّهِ علیه وَ آلِهِ وَ سَلَّمَ ) الإمام (علیه السّلام) بمعاملتهم معاملة الإنسان الحائر المفتون) (1).
قال أبو الأسود الدؤلي : لما ظهر علي (علیه السّلام) يوم الجمل، دخل بيت المال بالبصرة في ناس من المهاجرين والأنصار وأنا معه فلما رأى كثرة ما فيه قال: غرّي غيري! مراراً. ثم نظر إلى المال وصعد فيه بصرَه وصوب وقال: اقسموه بين أصحابي خمسمائة! فقسم بينهم، فلا والذي بعث محمداً بالحق ما نقص درهماً ولا زاد درهماً. كأنه كان يعرف مبلغه ومقداره، وكان ستة آلاف ألف درهم والناس اثنا عشر ألفاً (2).
كما يقول حبة بن جوين العربي: قسم علي (علیه السّلام) بيت مال البصرة على أصحابه خمسمائة خمسمائة وأخذ خمسمائة درهم كواحد منهم. فجاءه إنسان لم يحضر الوقعة فقال: يا أميرالمؤمنين! كنت شاهداً معك بقلبي وإن غاب
ص: 171
عنك جسمي، فأعطني من الفيء شيئاً. فدفع إليه الذي أخذه لنفسه وهو خمسمائة درهم، ولم يصب من الفيء شيئاً (1).
من النقاط الهامة في تقسيم بيت المال أن أميرالمؤمنين (علیه السّلام) وزّع الأموال على الجميع بالتساوي ولم يفضل أحداً على أحد(2).
يقول ابن أبي الحديد في هذا المجال: اتفقت الرواة كلها على أنه (علیه السّلام) قبض ما وجد في عسكر الجمل من سلاح ودابة ومملوك ومتاع وعروض، فقسمه بين أصحابه، وأنهم قالوا: اقسم بيننا أهل البصرة فاجعلهم رقيقاً! فقال: لا. فقالوا: فكيف تحل لنا دماءهم وتحرم علينا سبيهم؟ فقال: كيف يحل لكم ذرية ضعيفة في دار هجرة وإسلام ؟ أما ما أجلب به القوم في معسكرهم عليكم فهو لكم مغنم. وأما ما وارت الدور وأُغلقت عليه الأبواب فهو لأهله ولا نصيب لكم في شيء منه. فلما أكثروا عليه قال: فاقرعوا على عائشة لأدفعها إلى من تصيبه القرعة! فقالوا: نستغفر الله يا أميرالمؤمنين. ثم انصرفوا (3).
ص: 172
وفي رواية أخرى أنه لما كان الإمام(علیه السّلام) في البصرة اجتمع عليه الناس ذات يوم يسألونه فيجيبهم، فقام إليه عمار فقال: يا أميرالمؤمنين! إن الناس يذكرون الفيء ويزعمون أن من قاتلنا فهو وماله وولده فيء لنا. فقام إليه رجل من بكر بن وائل فقال: يا أميرالمؤمنين! والله ما قسمت بالسوية ولا عدلت بالرعية. فقال: ولم ويحك؟ فقال: لأنك قسمت ما في العسكر وتركت الأموال والنساء والذرية. قال: يا أخا بكر! أنت امرؤ ضعيف الرأي. أوما علمت أنا لا نأخذ الصغير بذنب الكبير، وأن الأموال كانت لهم قبل الفرقة وتزوجوا على رشدة وولدوا على فطرة؟ وإنما لكم ما حوى عسكركم، وما كان في دورهم فهو ميراث. يا أخا بكر! لقد حكمت فيكم بحكم رسول الله (صلّی اللَّهِ علیه وَ آلِهِ وَ سَلَّمَ ) في أهل مكة، فقسم ما حوى العسكر ولم يتعرض لما سوى ذلك. وإنما اتبعت أثره حذو النعل بالنعل. فقام عباد فقال: أيها الناس! إنكم والله لو اتبعتموه وأطعتموه لن يضل بكم عن منهل نبيكم حتى قيس شعرة. وكيف لا يكون ذلك وقد استودعه رسول الله(صلّی اللَّهِ علیه وَ آلِهِ وَ سَلَّمَ ) علم المنايا والقضايا وفصل الخطاب على منهاج هارون وقال له: أنت مني بمنزلة هارون من موسى إلّا أنه لا نبي بعدي، فضلاً خصه الله به وإكراماً منه لنبيه(صلّی اللَّهِ علیه وَ آلِهِ وَ سَلَّمَ ) حيث أعطاه ما لم يعط أحداً من خلقه(1).
ص: 173
بعد أن نصرالله الإمام (علیه السّلام) في الجمل، بعث (علیه السّلام) برسائل إلى الحواضر الرئيسة كالكوفة والمدينة يشرح فيها لأهلها نتائج الحرب.
بعد أن تحقق للإمام (علیه السّلام) النصر على أهل البصرة في حرب الجمل، كتب إلى أهل الكوفة يشرح لهم الأوضاع. وبيّن (علیه السّلام) في الرسالة أن سبب توجهه إلى البصرة كان توجه أهل الفتنة المخالفين إليها. ثم أعرب عن شكره لأهل الكوفة عن حسن تعاونهم وسرعة استجابتهم إلى دعوته لنصرته مع ابنه الحسن بن علي وعمار بن ياسر وقيس بن سعد. قال (علیه السّلام) في رسالته: (ولما وصلت البصرة دعوت أصحاب الجمل) فأعذرت بالدعاء وقمت بالحجة وأقلت العثرة والزلة من أهل الردة من قريش وغيرهم واستتبتهم من نكثهم بيعتي وعهدالله عليهم، فأبوا إلّا قتالي وقتال من معي والتمادي في الغي. فناهضتهم بالجهاد ... وقتل طلحة والزبير على نكثهما وشقاقهما (وفرّ آخرون). وكانت المرأة (عائشة ) عليهم أشأم من ناقة الحجر (ناقة صالح لقوم ثمود) (1).
ص: 174
من النقاط المحورية في رسالة الإمام (علیه السّلام) إلى أهل الكوفة، نكث أصحاب الجمل وارتدادهم وإصرارهم على الانحراف وجنوحهم إلى الحرب وإتمام الإمام (علیه السّلام) الحجة عليهم.
كما كتب(علیه السّلام) رسالة إلى أهل المدينة يخبرهم فيها عن مجريات الأوضاع والحرب. ونظراً إلى التشابه الكبير بين مضامين الرسالتين فإننا نكتفي بهذه الإشارة إليها(1).
كما كتب الإمام (علیه السّلام) ،رسالة بعد معركة الجمل، إلى الأشعث بن قيس جاء فيها: فلولا هنات كن منك لكنت أنت المقدم في هذا الأمر قبل الناس.
ولعل أمرك يحمل بعضه بعضاً إن اتقيت الله. وقد كان من بيعة الناس إياي ما قد بلغك، وقد كان طلحة والزبير أول من بايعني ثم نكثا بيعتي من غير
ص: 175
حدث ولا سبب، وأخرجا أُم المؤمنين فساروا إلى البصرة وسرت إليهم فيمن با يعني من المهاجرين والأنصار ، فالتقينا فدعوتهم إلى أن يرجعوا إلى ما خرجوا منه فأبوا (أما أنا فثبت على موقفي) واعلم أن عملك ليس لك بطعمة، إنما هو أمانة في عنقك وهو مال من مال الله وأنت خزاني عليه حتى تؤديه. فلما بلغ الأشعث كتاب علي قام فقال: أيها الناس! إن عثمان بن عفان ولاّني آذربایجان، فهلك وقد بقيت في يدي. وقد بايع الناس علياً وطاعتنا له واجبة وقد كان من أمره وأمر عدوه ( طلحة والزبير وعائشة) ما كان وهو المأمون على ما غاب عن ذلك المجلس . ثم جلس (1) .
ثم ذهب الأشعث بن قيس إلى داره ودعا جماعة من قومه وقال لهم: إن كتاب عليٍّ جاءني وقد أوحشنى وهو آخذي بمال آذربايجان وأنا لاحق بمعاوية. فقال القوم: الموت خير لك من ذلك. أتدع مصرك وجماعة قومك وتكون ذنباً لأهل الشام (2)؟
وبعث الإمام (علیه السّلام) برسالة إلى أُخته أُم هاني يبشرها فيها ببشرى النصر على أهل الفتنة. وجاء في بعض الرسالة: أما بعد فإنا التقينا مع البغاة والظلمة في
ص: 176
البصرة فأعطانا الله تعالى النصر عليهم بحوله وقوته وأعطاهم سنة الظالمين، فقتل كل من طلحة والزبير وعبدالرحمن بن عتاب وجمع لا يحصى. وقتل منا بنو مخدوع وابنا صوحان وعلياً وهنداً ( هكذا: م) وثمامة فيمن يعد من المسلمين رحمهم الله(1).
بعد أن أنجز الإمام علي (علیه السّلام) شؤون القتلى، دخل البصرة يوم الاثنين وتوجه إلى مسجدها فصلى فيه ركعتين ثم ذهب إلى عائشة في دار عبدالله بن خلف.
ولما دخل(علیه السّلام) أكبر بيت في البصرة رأى نسوة يندبن عبدالله وأخاه عثمان ابني خلف اللذين قتلا في الحرب. ورأى صفية زوجة عبدالله بن خلف وكانت تبكي بحرقة. فلما رأت الإمام (علیه السّلام) قالت له: يا علي! يا قاتل الأحبة! يا مفرق الجمع! أيتم الله بنيك منك كما أيتمت ولد عبدالله منه! فلم يرد عليها شيئاً. ولم يزل على حاله حتى دخل على عائشة. فلما خرج علي أقبلت عليه فأعادت عليه الكلام، فكف بغلته وقال: أما لهممت، وأشار إلى الأبواب الدار، أن أفتح هذا الباب وأقتل من فيه، ثم هذا فأقتل من فيه، ثم هذا فأقتل من فيه. وكان أُناس من الجرحى (كمروان بن الحكم وعبدالله بن
ص: 177
الزبير وعبدالله بن عامر وغيرهم)(1) قد لجأوا إلى عائشة فأُخبر علي بمكانهم عندها فتغافل عنهم، فسكتت (2) .
وفي تقرير آخر: وأقبل إلى منزل عائشة ثم استأذن ودخل، فإذا عائشة جالسة وحولها نسوة من نساء أهل البصرة وهي تبكي وهنّ يبكين معها. قال: ونظرت صفية بنت الحارث الثقفية امرأة عبدالله بن خلف الخزاعي إلى علي، فصاحت هي ومن كان معها هناك من النسوة وقلن بأجمعهن يا قاتل الأحبة! یا مفرق بين الجميع! أيتم الله منك بنيك كما أيتمت ولد عبدالله بن خلف! فنظر إليها علي فعرفها فقال: أما أني لا ألومك أن تبغضيني وقد قتلت جدك في يوم بدر، فقتلت عمك يوم أُحد، وقتلت زوجك الآن. ولو كنت قاتل الأحبة كما تقولين، لقتلت من في هذا البيت ومن في هذه الدار. قال: فأقبل علي على عائشة فقال: ألا تنحين كلابك هؤلاء عني (3)! ؟
من النقاط التي أشار إليها الإمام علي (علیه السّلام) في هذا التقرير، قتل عم صفية في غزوة أحد. ويشير علي بن إبراهيم في تفسيره إلى هذه القصة مبيناً جانباً
ص: 178
من شجاعته. يقول: وقد كانت راية قريش مع طلحة بن أبي طلحة العدوي من بني عبدالدار فبرز ونادى: يا محمد! تزعمون أنكم تجهزونا بأسيافكم إلى النار ونجهزكم بأسيافنا إلى الجنة، فمن شاء أن يلحق بجنته فليبرز إليّ! فبرز إليه أميرالمؤمنين(علیه السّلام) . يقول : فقال طلحة: من أنت يا غلام؟ قال: أنا علي بن أبي طالب . قال : قد علمت يا قضيم (1) أنه لا يجسر علي أحد غيرك. فشد عليه طلحة فضربه فاتقاه أميرالمؤمنين (علیه السّلام) بالجحفة. ثم ضربه أميرالمؤمنين (علیه السّلام) على فخذيه فقطعهما جميعا فسقط على ظهره وسقطت الراية.
فذهب علي (علیه السّلام) ليجهز عليه فحلفه بالرحم فانصرف عنه فقال المسلمون: ألا أجهزت عليه؟ قال: قد ضربته ضربة لا يعيش منها أبداً. (ثم توالى على الراية بعد طلحة، إخوته أبو سعيد ثم عثمان ثم مسافع ثم الحارث أبو صفية فقتلهم الإمام (علیه السّلام) الواحد بعد الآخر) (2).
ص: 179
حسب هذه الرواية فإن الحارث أبا صفية وأربعة من أعمامها قتلهم الإمام علي (علیه السّلام)، وهذا ما أورثها بغضاً عميقاً له.
كان مروان من الذين طالبوا الإمام (علیه السّلام) بتجديد البيعة له بعد انتهاء حرب الجمل. فبعد أن وضعت الحرب أوزارها، اتفق جماعة من قريش وفيهم مروان على أن يأتوا الإمام علياً (علیه السّلام) ويقدموا الاعتذار إليه ويجددوا بيعته. فقال بعضهم لبعض: والله لقد ظلمنا هذا الرجل، يعنون أميرالمؤمنين (علیه السّلام)، ونكثنا بيعته من غير حدث. والله لقد ظهر علينا فما رأينا قط أكرم سيرة منه ولا أحسن عفواً بعد رسول الله(صلّی اللَّهِ علیه وَ آلِهِ وَ سَلَّمَ ). تعالوا حتى ندخل عليه ونعتذر إليه فيما صنعناه. قال: فصرنا إلى بابه فاستأذناه فأذن لنا. فلما مثلنا بين يديه جعل متكلمنا يتكلم، فقال(علیه السّلام) : أنصتوا أكفكم! إنما أنا بشر مثلكم، فإن قلت حقاً فصدقوني وإن قلت باطلاً فردوا عليّ! أنشدكم الله، أتعلمون أن رسول الله (صلّی اللَّهِ علیه وَ آلِهِ وَ سَلَّمَ ) قبض وأنا أولى الناس به وبالناس من بعده؟ قلنا: اللّٰهُمَّ نعم. قال: فعدلتم عني وبايعتم أبابكر، فأمسكت ولم أحب أن أشق عصا
ص: 180
المسلمين وأفرق بين جماعاتهم. ثم إن أبابكر جعلها لعمر من بعده،فكففت ولم أهج الناس وقد علمت أني كنت أولى الناس بالله وبرسوله وبمقامه، فصبرت حتى قتل. وجعلني سادس ستة، فكففت ولم أحب أن أفرق بين المسلمين. ثم بايعتم عثمان فطغيتم عليه وقتلتموه وأنا جالس في بيتي. وأتيتموني وبايعتموني كما بايعتم أبا بكر وعمر؛ وفيتم لهما ولم تفوا لي. وما الذي منعكم من نكث بيعتهما ودعاكم إلى نكث بيعتي؟ فقلنا له: كن يا أميرالمؤمنين كالعبد الصالح يوسف إذ قال: « لَا تَثْرِيبَ عَلَيْكُمُ الْيَوْمَ يَغْفِرُ اللَّهُ لَكُمْ وَهُوَ أَرْحَمُ الرَّاحِمِينَ » فقال(علیه السّلام) : لا تثريب عليكم اليوم، وإن فيكم رجلاً لو بايعني بيده لنكث بأسته، يعني مروان بن الحكم(1).
لم يكن الإمام (علیه السّلام) يطمئن لبيعة مروان وثباته عليها. لذلك، لما وقع مروان في الأسر وجاء الحسنان (علیهما السّلام) يشفعان له عند أبيهما (علیه السّلام)، قال لهما: أو لم يبايعني بعد قتل عثمان؟ لا حاجة لي في بيعته. إنها كف يهودية، لو بايعني
ص: 181
بكفه لغدر بسبّته. أما إن له إمرة كلعقة الكلب أنفه (1)، وهو أبو الأكبش الأربعة (2) وستلقى الأُمة منه ومن وُلده يوماً أحمر (3).
جدد مروان بيعته للإمام ولكنه لم يلبث أن نكث بيعته بعد عودته من البصرة، كما أخبر الإمامُ (علیه السّلام)، والتحق بمعاوية (4).
بعد انتهاء الحرب مرض أميرالمؤمنين (علیه السّلام) مع حلول يوم الجمعة. فأمر الإمام الحسن (علیه السّلام) بإقامة صلاة الجمعة. فقام الإمام الحسن (علیه السّلام) فخطب خطبة الجمعة فحمد الله وأثنى عليه وصلى على محمد وآل محمد، ثم قال: لقد جعل الله النبوة والرسالة فينا وفضلنا على سائر القبائل وأنزل الوحي والقرآن علينا. والله! من انتقص منا، أهل البيت، انتقصه الله في الدنيا والآخرة، ومن خرج علينا هُزم.
ص: 182
بعد الصلاة، لما سمع أميرپالمؤمنين (علیه السّلام) بمضمون خطبة الإمام الحسن (علیه السّلام)، بكى شوقاً وقبّله ثم تلا (ذريةً بعضُها من بعض)(1). آل عمران، الآية 34 .
لما هزم علي بن أبي طالب (علیه السّلام) أصحابَ الجمل، بعث أميرالمؤمنين (علیه السّلام) عبدالله بنَ عباس إلى عائشة يأمرها بتعجيل الرحيل وقلة العرجة (الإسراع في مغادرة البصرة والعودة إلى المدينة). يقول عبدالله بن عباس: فأتيتها وهي في قصر بني خلف في جانب البصرة قال: فطلبت الإذن عليها، فلم تأذن. فدخلت عليها من غير إذنها فإذا بيت قفار لم يعد لي فيه مجلس، فإذا هي من وراء سترين. قال فضربت ببصري فإذا في جانب البيت رحل عليه طنفسة. قال فمددت الطنفسة فجلست عليها. فقالت من وراء الستر: يا ابن عباس! أخطأت السنة، دخلت بيتنا بغير إذننا وجلست على متاعنا بغير إذننا. فقال لها ابن عباس: نحن أولى بالسنة منك، ونحن علمناك السنة، وإنما بيتك الذي خلفك فيه رسول الله(صلّی اللَّهِ علیه وَ آلِهِ وَ سَلَّمَ ) فخرجت منه ظالمة لنفسك غاشة لدينك عاتية على ربك عاصية لرسول الله(صلّی اللَّهِ علیه وَ آلِهِ وَ سَلَّمَ ) . فإذا رجعت إلى بيتك لم ندخله إلّا بإذنك ولم نجلس على متاعك إلّا بأمرك. إن أميرالمؤمنين علي بن أبي طالب (علیه السّلام) بعث إليك يأمرك بالرحيل إلى المدينة وقلة العرجة. فقالت: رحم
ص: 183
الله أميرالمؤمنين، ذلك عمر بن الخطاب. فقال ابن عباس: هذا والله أميرالمؤمنين، وإن تزيدت فيه وجوه ورغمت فيه معاطس. أما والله، لهو أميرالمؤمنين وأمسّ برسول الله رحماً وأقرب قرابة وأقدم سبقاً وأكثر علماً وأعلى مناراً وأكثر آثاراً من أبيك ومن عمر. فقالت: أبيت ذلك. فقال: أما والله، إن كان آباؤك (هكذا، والأرجح إباؤك: م) لقصير المدة عظيم التبعة ظاهر الشؤم بين النكل. وما كان آباؤك فيه إلاّ حلب شاة حتى صرت لا تأمرين ولا تنهين ولا ترفعين ولا تضعين ... فأراقت دمعتها وأبدت عويلها وتبدى نشيجها، ثم :قالت أخرج والله عنكم ، فما في الأرض بلد أبغض إليّ من بلد تكونون فيه. فقال ابن عباس فو الله ماذا بلاءنا (هكذا: م ) عندك ولا بضيعتنا (هكذا: م) إليك. إنا جعلناك للمؤمنين أماً وأنت بنت أم رومان وجعلنا أباك صديقاً وهو ابن أبي قحافة. فقالت: يا ابن عباس! تمنون عليّ برسول الله؟ فقال: ولم (هكذا، وربما ولم لا : م) نمن عليك بمن لو كان منك قلامة منه مننتنا به، ونحن لحمه ودمه ومنه وإليه، وما أنت إلّا حشية من تسع حشايا خلفهن بعده، لست بأبيضهن لوناً ولا بأحسنهن وجهاً ولا بأرشحهن عرقاً ولا بأنضرهن ورقاً ولا بأطرأهن أصلاً. فصرت تأمرين فتطاعين وتدعين فتجابين ... قال: ثم نهضت وأتيت أميرالمؤمنين (علیه السّلام) فأخبرته بمقالتها وما رددت عليها، فقال: أنا كنت أعلم بك حيث بعثتك (1).
ص: 184
بعد أن رفضت عائشة مغادرة البصرة والعودة إلى المدينة، عاد الإمام (علیه السّلام) فبعث إليها عبدالله بن عباس وقال: قل لها إن أميرالمؤمنين عزم على أن تعودي إلى المدينة (1).
وطلبت عائشة من الإمام(علیه السّلام) أن يسمح لها بالبقاء إلى جانبه لمحاربة أعدائه في صفه. فرفض الإمام (علیه السّلام) طلبها وأمرها بالعودة إلى البيت الذي أقرها فيه رسول الله(صلّی اللَّهِ علیه وَ آلِهِ وَ سَلَّمَ ) (2). لما فشل عبدالله بن عباس في إقناع عائشة بالعودة إلى المدينة، ركب أميرالمؤمنين (علیه السّلام) بغلة رسول الله (صلّی اللَّهِ علیه وَ آلِهِ وَ سَلَّمَ ) وذهب إلى منزلها في دار عبدالله بن خلف وقال لها موبخاً: أمرك الله أن تقري في بيتك وتحتجبي بسترك ولا تبرجي، فعصيته وخضت الدماء تقاتلينني ظالمة وتحرضين عليّ الناس. وبما شرفك الله وشرف أباءك من قبلك وسماك أُم المؤمنين وضرب عليك الحجاب، قومي الآن فارحلي واختفي في الموضع الذي خلفك فيه رسول الله (صلّی اللَّهِ علیه وَ آلِهِ وَ سَلَّمَ ) إلى أن يأتيك فيه أجلك (3).
ص: 185
وفي اليوم التالي بعث الإمام (علیه السّلام) إليها بابنه الإمام الحسن (علیه السّلام)، فقال لها: يقول لك أميرالمؤمنين أما والذي خلق ( هكذا ، وربما فلق: م) الحبة وبرأ النسمة، لئن لم ترحلي الساعة لأبعثن عليك بما تعلمين. قال: وعائشة في وقتها ذلك قد ضفرت قرنها الأيمن وهي تريد أن تضفر الأيسر. فلما قال لها الحسن ما قال، وثبت من ساعتها وقالت رحلوني! فقالت لها امرأة من المهالبة: يا أُم المؤمنين! جاءك عبدالله بن عباس فسمعناك وأنت تجاوبيه (هكذا وربما تجاوبينه : م) حتى علا صوتك، ثم خرج من عندك وهو مغضب. ثم جاءك الآن هذا الغلام برسالة أبيه فأقلقك وقد كان أبوه جاءك فلم نر منك هذا القلق والجزع! فقالت عائشة: إنما أقلقني لأنه ابن بنت رسول الله(صلّی اللَّهِ علیه وَ آلِهِ وَ سَلَّمَ ) فمن أحب أن ينظر إلى رسول الله (صلّی اللَّهِ علیه وَ آلِهِ وَ سَلَّمَ ) فلينظر إلى هذا الغلام. وبعد، فقد بعث إلي أبوه بما قد علمت ولابد من الرحيل فقالت لها المرأة: سألتك بالله وبمحمد(صلّی اللَّهِ علیه وَ آلِهِ وَ سَلَّمَ ) إلّا أخبرتني بماذا بعث إليك علي(علیه السّلام) ! فقالت عائشة: ويحك! إن رسول الله(صلّی اللَّهِ علیه وَ آلِهِ وَ سَلَّمَ ) أصاب من مغازيه نفلاً فجعل يقسم ذلك في أصحابه، فسألناه أن يعطينا منه شيئاً، وألححنا عليه في ذلك، فلامنا علي (علیه السّلام) وقال: حسبكن! أضجر تن رسول الله (صلّی اللَّهِ علیه وَ آلِهِ وَ سَلَّمَ ) فتهجمناه وأغلظنا له في القول، فقال: (عسى ربه إن طلقكن أن يبدله أزواجاً خيراً منكن) فأغلظنا له أيضاً في القول وتهجمناه. فغضب النبي(صلّی اللَّهِ علیه وَ آلِهِ وَ سَلَّمَ ) من ذلك وما استقبلنا به علياً، فأقبل
ص: 186
عليه ثم قال: يا علي! إني قد جعلت طلاقهن إليك. فمن طلقتها منهن فهي بائنة. ولم يوقت النبي (صلّی اللَّهِ علیه وَ آلِهِ وَ سَلَّمَ ) في ذلك وقتاً في حياة ولا موت. فهي تلك الكلمة (1).
توضح التقارير أن عائشة لم تترك البصرة ولم تتوجه إلى المدينة راغبةً، بل حتى شجر بينها وبين أميرالمؤمنين (علیه السّلام)، وحتى أفادت بعض التقارير بأنه هددها بتطليقها من رسول الله(صلّی اللَّهِ علیه وَ آلِهِ وَ سَلَّمَ ) ، فغادرت البصرة راغمة(2).
في النهاية، انطلقت قافلة عائشة ومعها جماعة من الرجال والنساء مزودة بمساعدة مالية من جانب الإمام (علیه السّلام)بلغت اثني عشر ألف درهم ودينار (3).
ص: 187
وقال لها عمار حين ودعها (لما انطلقت صوب المدينة): ما أبعد هذا المسير من العهد الذي عهد إليك! قالت: والله إنك ما علمت لقوال الحق. قال: الحمدلله الذي قضى على لسانك لي(1).
لما استعدت عائشة للرحيل، قام الإمام علي (علیه السّلام) بتجهيز أربعين وقيل سبعين امرأة(2) من عبد القيس وألبسهن العمائم والقلانس وزودهن بالسيوف وأمرهن بمرافقة عائشة طول الطريق من يمينها وشمالها وخلفها.
وكانت عائشة تشتكي وتقول في الطريق اللّهُمَّ افعل بعلي بن أبي طالب وافعل! بعث معي الرجال ولم يحفظ بي حرمة رسول الله. فلما قدمن المدينة معها ألقين العمائم والسيوف ودخلن معها. فلما رأتهن ندمت على ما فرطت بذم أميرالمؤمنين (علیه السّلام) وسبه وقالت: جزى الله ابن أبي طالب خيراً، فقد حفظ في حرمة رسول الله(صلّی اللَّهِ علیه وَ آلِهِ وَ سَلَّمَ ) (3).
يقول المسعودي نقلاً عن هشام بن محمد: فجهزها علي (علیه السّلام) أحسن الجهازو دفع لها مالاً كثيراً ... فلما وصلت إلى المدينة (برفقة النسوة المؤمنات من
ص: 188
أشراف البصرة) قيل لها : كيف كان مسيرك؟ فقالت: بخير والله لقد أعطى فأكثر ... والله يا ابن أبي طالب ما ازددت إلّا كرماً(1).
فضلاً عن رواية ابن أعثم الكوفي، هناك روايات أُخرى تصرح بأن النبي (صلّی اللَّهِ علیه وَ آلِهِ وَ سَلَّمَ ) خوّل الإمام علياً (علیه السّلام) صلاحية تطليق زوجاته.
حسب الرواية التي ينقلها الشيخ الطوسي فإن النبي (صلّی اللَّهِ علیه وَ آلِهِ وَ سَلَّمَ ) قال في وصيته التي أملاها على علي(علیه السّلام) ليلة وفاته: يا أبا الحسن، أحضر صحيفة ودواة! يا علي! أنت وصبي على أهل بيتي حيهم وميتهم، وعلى نسائي؛ فمن ثبّتها لقيتني غداً ومن طلقتها فأنا بريء منها ولم ترني ولم أرها في عرصة القيامة، وأنت خليفتي على أُمتي من بعدي(2).
يؤكد الشيخ المفيد على أن عائشة كانت مصرة على عدم مغادرة البصرة والعودة إلى المدينة، الأمر الذي دفع بالإمام علي (علیه السّلام) إلى تهديدها بأن يفعل بها ما يسقط عنها لقب أُم المؤمنين. ولما سئلت عائشة عن ذلك قالت: إن
ص: 189
رسول الله(صلّی اللَّهِ علیه وَ آلِهِ وَ سَلَّمَ ) قد جعل طلاق نسائه إليه ( تعني علياً(علیه السّلام) ) وقطع عصمتهن منه حياً وميتاً وأنا أخاف أن يفعل ذلك إن خالفته، فارتحلت (1).
لقد وردت الإشارة إلى تحويل النبي(صلّی اللَّهِ علیه وَ آلِهِ وَ سَلَّمَ ) عليا (علیه السّلام) صلاحية تطليق زوجاته
منه في اللقاء الذي جرى في الشام بين معاذ بن جبل ومعاوية. فقد ردّ معاذ على معاوية قائلاً: قال النبي(صلّی اللَّهِ علیه وَ آلِهِ وَ سَلَّمَ ) : أنت يا علي خليفتي على نسواني وأهلي وطلاقهن بيدك (2).
يقول الإمام الصادق(علیه السّلام) : قال رسول الله(صلّی اللَّهِ علیه وَ آلِهِ وَ سَلَّمَ ) في وصيته لعلي(علیه السّلام): يا علي ! إن فلانة وفلانة ستشاقانك وتبغضانك بعدي وتخرج فلانة عليك في عساكر الحديد وتخلف الأُخرى تجمع إليها الجموع. هما في الأمر سواء، فما أنت صانع يا علي؟ قال: يا رسول الله! إن فعلتا ذلك تلوت عليهما كتاب الله وهو الحجة فيما بيني وبينهما. فإن قبلتا، وإلّا خبرتهما بالسنة وما يجب عليهما من طاعتي وحقي المفروض عليهما. فإن قبلتاه، وإلّا أشهدت الله وأشهدتك عليهما ورأيت قتالهما على ضلالتهما. قال: وتعقر الجمل؟ قال:
ص: 190
وقلت: وعقر الجمل. قال: وقلت: وإن وقع في النار؟ قلت: نعم. قال: اللّهُمَّ اشهد! ثم قال: يا علي! إذا فعلتا ما شهد عليهما القرآن فأبنهما مني فإنهما بائنتان وأبواهما شريكان لهما فيما عملتا وفعلتا (1).
إن الروايات المذكورة تؤكد أن الإمام(علیه السّلام) كانت له ولاية على نساء النبي(صلّی اللَّهِ علیه وَ آلِهِ وَ سَلَّمَ ) و أن النبي(صلّی اللَّهِ علیه وَ آلِهِ وَ سَلَّمَ ) كان قد كلّفه بشكل خاص بأن يطرد من يخرج من نسائه عليه من دائرة أُمهات المؤمنين.
لقد خرجت عائشة بيتها خلافاً لأمر رسول الله(صلّی اللَّهِ علیه وَ آلِهِ وَ سَلَّمَ ) و أشعلت حرباً على وصيه. فكان، بمقتضى الروايات المنقولة، بمقدور الإمام علي (علیه السّلام) أن يجردها من لقب أُم المؤمنين ويطيح بحرمتها في الإسلام. ويبدو أنه (علیه السّلام) نفّذ وصية رسول الله(صلّی اللَّهِ علیه وَ آلِهِ وَ سَلَّمَ ) ، ولكن الظروف واحتمال وقوع الفتنة بين المسلمين، ثم وقوع ثلاث حروب متتالية، أجّل الإعلان عن ذلك إلى زمن الإمام الحسين (علیه السّلام). لذا فإنه يمكن حمل الروايات التي تحدثت عن تطليق عائشة من قبل الإمام الحسين (علیه السّلام) على إعلانه فحسب.
يقول المسعودي: عزم الإمام الحسين(علیه السّلام) على أن يدفن أخاه الإمام الحسن(علیه السّلام) إلى جوار قبر رسول الله(صلّی اللَّهِ علیه وَ آلِهِ وَ سَلَّمَ ) . فخرجت عائشة من بيتها على حمار لها وأخذت تحرض الناس على الحسين(علیه السّلام).
ص: 191
روي أنه لما فعلت عائشة ذلك، قام الإمام الحسين (علیه السّلام) بتطليقها. فقد كان حق تطليق أزواج النبي (صلّی اللَّهِ علیه وَ آلِهِ وَ سَلَّمَ ) بيد علي (علیه السّلام)، فخوّل به ابنه الإمام الحسن (علیه السّلام)الذي قام بدوره بتخويل الإمام الحسين (علیه السّلام) به من بعده. قال رسول الله(صلّی اللَّهِ علیه وَ آلِهِ وَ سَلَّمَ ) :
من أزواجي من لا أراهن يوم القيامة وهنّ اللواتي يطلقهن أوصيائي من بعدي (1).
النقطة الهامة الأخرى التي لابد من ذكرها تتعلق بمعنى الطلاق في هذه الروايات. فالعلاقة الزوجية تنتهي بموت أحد الزوجين، فماذا يعني تطليق زوجات النبي (صلّی اللَّهِ علیه وَ آلِهِ وَ سَلَّمَ ) بعد وفاته؟
يقول الشيخ الصدوق نقلاً عن سعد بن عبدالله الأشعري: سألت الإمام صاحب الزمان(عجّل الله تعالی فرجه الشریف) فقلت له: مولانا وابن مولانا! إنا روينا عنكم أن رسول الله(صلّی اللَّهِ علیه وَ آلِهِ وَ سَلَّمَ ) جعل طلاق نسائه بيد أميرالمؤمنين (علیه السّلام) حتى أرسل يوم الجمل إلى عائشة أنك قد أرهجت على الإسلام وأهله بفتنتك وأوردت بنيك حياض الهلاك بجهلك، فإن كففت عني غربك الحدة وإلّا طلقتك، ونساء رسول الله(صلّی اللَّهِ علیه وَ آلِهِ وَ سَلَّمَ ) قد كان طلاقهن وفاته؟ قال ما الطلاق؟ قلت تخلية السبيل. قال: فإذا كان طلاقهن وفاة رسول الله(صلّی اللَّهِ علیه وَ آلِهِ وَ سَلَّمَ ) قد خليت لهن السبيل، فلم لا يحل لهن الأزواج؟ قلت: لأن الله تبارك وتعالى حرّم الأزواج عليهن. قال: كيف وقد
ص: 192
خلّى الموت سبيلهن؟ قلت: فأخبرني يا ابن مولاي عن معنى الطلاق الذي فوّض رسول الله(صلّی اللَّهِ علیه وَ آلِهِ وَ سَلَّمَ ) حكومه إلى أميرالمؤمنين (علیه السّلام)؟ قال: إن الله تقدس اسمه عظم شأن نساء النبي (صلّی اللَّهِ علیه وَ آلِهِ وَ سَلَّمَ ) فخصهن بشرف الأمهات، فقال رسول الله : يا أبا الحسن! إن هذا الشرف باق لهن ما دمن الله على الطاعة. فأيتهن عصت الله بعدي بالخروج عليك فأطلق لها في الأزواج وأسقطها من شرف أمومة المؤمنين(1).
إذن، حسب هذه الروايات، يكون معنى طلاق أزواج النبي (صلّی اللَّهِ علیه وَ آلِهِ وَ سَلَّمَ ) إسقاط شرف أمومة المؤمنين وهو حلية الزواج بهن؛ وهكذا يجوز الطليقة النبي (صلّی اللَّهِ علیه وَ آلِهِ وَ سَلَّمَ )أن يتزوجها غيره.
إن التبعات الثقيلة التي خلفتها حرب الجمل وما تركته من كثرة قتلى في المسلمين، جعلت الناس يتذكرونها ولا ينسونها. فكانوا، بمناسبة وبدون مناسبة، يعرّضون بعائشة تصريحاً وتلميحاً محمّلين إياها مسؤوليتها.
أ - دخلت أم أو فى العبادية على عائشة بعد وقعة الجمل فقالت لها: يا أُم المؤمنين! ما تقولين في امرأة قتلت ابناً لها صغيراً؟ قالت: وجبت لها النار.
ص: 193
قالت: فما تقولين في امرأة قتلت من أولادها الأكابر عشرين ألفاً في صعيد واحد؟ قالت: خذوا بيد عدوة الله (1).
ب - يقول عبدالله بن عبدالرحمن بن أبي بكر المعروف بابن أبي عتيق، وهو من التابعين ومن أحفاد أبي بكر ، عن الوساطة التي قامت بها عائشة في الشجار الذي حدث بين غلمانها وغلمان عبدالله بن عباس قال: اقتتل غلمان عبدالله بن عباس وغلمان عائشة، فأُخبرت عائشة بذلك فخرجت في هودج لها على بغلة لها، فلقيها ابن أبي عتيق، فقال: أي أمي! جعلني الله فداك، أين تريدين؟ قالت: بلغني أن غلماني وغلمان ابن عباس اقتتلوا فركبت لأصلح بينهم. فقال: يُعتق ما يملك إن لم ترجعي. (إن لم ترجعي أعتقت ما أملك!) فقالت: ما حملك على هذا؟ قال: ما انقضى عنا يوم الجمل حتى تريدين أن تأتينا بيوم البغلة(2).
أما البلاذري فينقل الحادثة بقوله: بعثت عائشة إلى ابن أبي عتيق تسأله أن يعيرها بغلة له لترسل عليها رسولاً في حاجة لها، فقال لرسولها : قل لها : والله ما غسلنا رؤوسنا من عار يوم الجمل، أفمن رأيك أن تأتينا بيوم البغلة (3) !؟
ص: 194
يقول الشيخ المفيد عن سبب بغض عائشة للإمام علي (علیه السّلام)، نقلاً عن عمر بن أبان: لما ظهر أميرالمؤمنين(علیه السّلام) على أهل البصرة جاءه رجال منهم فقالوا: يا أميرالمؤمنين! ما السبب الذي دعا عائشة بالمظاهرة عليك حتى بلغت من خلافك وشقاقك ما بلغت؟ فقال(علیه السّلام) : سأذكر لكم أشياء مما حقدتها عليّ ليس في واحد منها ذنب إليها ( ولكنها اعتبرتها خطايا فحقدت عليّ بسببها):
أحدها تفضيل رسول الله (صلّی اللَّهِ علیه وَ آلِهِ وَ سَلَّمَ ) لي على أبيها وتقديمه إياي في مواطن الخير عليه، فكانت تضطغن ذلك عليّ فتعرفه منه (ترى الضغن في أبيها للسبب نفسه) فتتبع رأيه فيه.
وثانيها: لما آخى ( رسول الله(صلّی اللَّهِ علیه وَ آلِهِ وَ سَلَّمَ ) ) بين أصحابه، آخى بين أبيها وبين عمر بن الخطاب واختصني بأُخوته، فغلظ ذلك عليها وحسدتني منه.
ثالثها: وأوحى الله تعالى إليه(صلّی اللَّهِ علیه وَ آلِهِ وَ سَلَّمَ ) بسد أبواب كانت في المسجد لجميع أصحابه إلاّ بابي. فلما سد باب أبيها وصاحبه وترك بابي مفتوحاً في المسجد (فكلمه أحد أقربائه (صلّی اللَّهِ علیه وَ آلِهِ وَ سَلَّمَ ) في ذلك فقال أنه لم يسد الأبواب كلها إلّا باب علي بأمره هو بل إن الله هو الذي سد أبوابكم) فغضب لذلك أبو بكر وعظم عليه وتكلم في أهله بشيء سمعته منه ابنته فاضطغنته عليّ.
رابعها: وكان رسول الله(صلّی اللَّهِ علیه وَ آلِهِ وَ سَلَّمَ ) أعطى أباها الراية يوم خيبر وأمره أن لا يرجع حتى يفتح أو يقتل، فلم يلبث لذلك وانهزم ولم يثبت. (أعطاها أبابكر ثم عمر وأمرهما بأن لا يعودا حتى يفتحا أو يقتلا، فلم يثبتا وفرّا). فساء ذلك
ص: 195
رسول الله(صلّی اللَّهِ علیه وَ آلِهِ وَ سَلَّمَ ) فقال لهم ظاهراً معلناً: لأُعطين الراية غداً رجلاً يحب الله ورسوله ويحبه الله ورسوله كرّاراً غير فرّار لا يرجع حتى يفتح الله على يديه، فأعطاني الراية فصبرت حتى فتح الله تعالى على يدي. فغمّ ذلك أباها وأحزنه، فاضطغنته عليّ وما لي إليها من ذنب في ذلك، فحقدت الحقد أبيها.
خامسها: وبعث رسول الله (صلّی اللَّهِ علیه وَ آلِهِ وَ سَلَّمَ ) أباها (إلى مكة) بسورة براء (وأمره بأن يُلغي المعاهدة مع المشركين) فأوحى الله تعالى إلى نبيه(صلّی اللَّهِ علیه وَ آلِهِ وَ سَلَّمَ ) أن يرده ويأخذ الآيات فيسلمها إليّ، فسلمها إليّ (لأني منه وهو مني) فصرف أباها بإذن الله عزّ وجلّ فاضطغن لذلك عليّ أيضاً واتبعته ابنته عائشة في رأيه.
سادسها: وكانت عائشة تمقت خديجة بنت خويلد وتشنؤها شنآن الضرائر وكانت تعرف مكانها من رسول الله (صلّی اللَّهِ علیه وَ آلِهِ وَ سَلَّمَ ) فيثقل ذلك عليها. وتعدى مقتها إلى ابنتها فاطمة فتمقتني وتمقت فاطمة وخديجة، وهذا معروف في الضرائر.
سابعها: ولقد دخلتُ على رسول الله (صلّی اللَّهِ علیه وَ آلِهِ وَ سَلَّمَ ) ذات يوم قبل أن يضرب الحجاب على أزواجه، وكانت عائشة بقرب رسول الله، فلما رآني رحبّ بي وقال: ادنُ مني يا علي! ولم يزل يدنيني حتى أجلسني بينه وبينها، فغلظ ذلك عليها فأقبلت إليّ وقالت بسوء رأي النساء وتسرعهن إلى الخطاب: ما وجدت لأُستك يا علي موضعاً غير موضع فخذي؟ فزجرها النبي(صلّی اللَّهِ علیه وَ آلِهِ وَ سَلَّمَ ) وقال لها: ألعلي تقولين هذا؟ إنه والله أول من آمن بي وصدّقني، وأول الخلق وروداً عليّ الحوض، وهو أحق الناس عهداً إليّ لا يُبغضه أحد إلّا أكبه الله على منخره في النار. فازدادت بذلك غيضاً (هكذا، وربما غيظاً: م) علي.
ص: 196
ثامنها: ولما رُمِيَتْ بما رميت (في حادثة الإفك ) (1) اشتد ذلك على النبي (صلّی اللَّهِ علیه وَ آلِهِ وَ سَلَّمَ ) واستشارني في أمرها فقلت: يا رسول الله! سل جاريتها بربرة واستبرئ حالها منها. فإن وجدت عليها شيئاً فخلّ سبيلها. فإن النساء كثيرة. فأمرني رسول الله أن أتولى مسألة بربرة وأستبرئ الحال منها. ففعلت ذلك فحقدت عليّ. و والله ما أردت بها سوءً، لكني نصحت الله ولرسوله(صلّی اللَّهِ علیه وَ آلِهِ وَ سَلَّمَ ) ، وأمثال ذلك. فإن شئتم فاسألوها ما الذي نقمت عليّ حتى خرجت مع الناكثين لبيعتي وسفك دماء شيعتي (2)؟
من خلال النظر في التقارير التاريخية، نجد أن عائشة قدّمت تبريرات غريبة لزحفها بجيشها إلى البصرة وإشعال الحرب على وصي رسول الله (صلّی اللَّهِ علیه وَ آلِهِ وَ سَلَّمَ ).
من أهم التبريرات التي تذرعت بها عائشة لإيقادها حرب الجمل، القضاء والقدر الإلهيين! فلما لم تجد جواباً مقنعاً لمن يسألها عن سبب إشعالها الحرب التي حصدت أرواح آلاف المسلمين، لجأت إلى فكرة القضاء والقدر للتغطية على خطئها.
ص: 197
جاء في روايةٍ أن عبدالله بن عباس سألها معاتباً: ألسنا ولاة بعلك؟ (ألسنا خلفاء زوجك؟) أوليس قد ضرب الله الحجاب عليك؟ أوليس قد أوتيتِ أجرك مرتين؟ قالت: بلى. قال: فما أخرجك علينا مع منافقي قريش؟ قالت: كان قدراً يا ابن عباس قال: وكانت أُمنا تؤمن بالقدر (القدر الإلهي)(1).
عن يزيد بن أبي زياد قال: قال رجل لعائشة: يا أم المؤمنين! لمَ خرجتِ على علي ؟ قالت له: أبوك لمَ تزوج بأُمك؟ قدر الله عزّ وجلّ (2).
عن أبي إسحاق قال: كانت عائشة إذا سئلت عن خروجها على أميرالمؤمنين قالت: كان شيء (هكذا، وربما شيئاً: م) قدره الله علي(3).
وربما ألقت عائشة باللوم على طلحة والزبير وادّعت أنهما أجبراها على المشاركة في الحرب. يقول عطية نقلاً عن عائشة : قال رسول الله: عليٌ خير البشر فمن أبى فقد كفر ... عن جميع التيمي كليهما عن عائشة أنها لما روت
ص: 198
هذا الخبر، قيل لها فلم حاربتيه؟ قالت: ما حاربته من ذات نفسي إلّا حملني طلحة والزبير(1).
لم يتضح السبب والدافع لسفك دماء كل هؤلاء المسلمين! هل كان طلب الإصلاح، أم إجبار طلحة والزبير، أم القدر الإلهي؟ ربما كان أسهل الطرق لعائشة ومن يفكر على طريقتها، أن يحمّلوا الله والتقدير الإلهي مسؤولية ما وقع ليتنصلوا هم عنها. غير أن هناك إشكالاً في الطرح وهو أن مشركي قريش والذين شاركوا في غزوة بدر وأُحد وتسببوا في استشهاد شخصيات أمثال حمزة سيد الشهداء وغيره أو الذين ساهموا في قتل الخليفة الثالث، بمقدورهم أن يلجأوا إلى التقدير الإلهي ويبرئوا أنفسهم من المسؤولية! على أن قتلة المسلمين في بدر وأحد، وحتى قتلة عثمان، لم يتشبثوا بهذا الطرح.
نظراً إلى أن حرب الجمل كانت حرباً بين المسلمين أنفسهم، فقد كان لها تداعيات كثيرة. وكان من آثارها الخطيرة جرأة معاوية التي أفضت إلى وقوع حرب صفين ثم حرب الخوارج (النهروان). وقد حصدت تلك الحروب أرواح مئات الألوف من المسلمين وزرعت البغضاء المتجذرة بينهم في المدن المختلفة.
ص: 199
ومن آثارها أيضاً زوال قبح نكث بيعة إمام المسلمين وحمل السلاح عليه ومحاربته. كما فتحت حرب الجمل الباب بوجه معاوية لأن يستغل أفظع استغلال الحربَ التي نشبت بين زوج النبي وبعض صحابته وبين الإمام علي (علیه السّلام) ويبث الإعلام المضاد في هذا المجال (1) . فقد حرص معاوية على الإبقاء على أخبار الحرب حيةً في ذاكرة الأمة. يقول ابن عبدربه الأندلسي: قدم زيد بن منية من البصرة على معاوية وهو أخو يعلي بن منية صاحب الجمل، جمل عائشة ومتولي تلك الحروب ورأس أهل البصرة وكانت ابنة يعلى عند عتبة بن أبي سفيان، فلما دخل على معاوية شكا دَينه. فقال: يا كعب، أعطه ثلاثين ألفاً! فلما ولّى قال: وليوم الجمل ثلاثين ألفاً أُخرى(2).
ويقول العلّامة شرف الدين عن ا حرب الجمل: ولولا عناية أميرالمؤمنين ساعتئذٍ في حفظها (يعني عائشة ) ووقوفه بنفسه على صونها، لكان ما كان مما أعاذها الله منه في هذه الفتنة العمياء التي شقت عصا المسلمين إلى يوم الدين وعلى أسسها كانت صفين والنهروان ومأساة كربلاء وما بعدها، حتى نكبة فلسطين في عصرنا هذا (3).
ص: 200
أما العلّامة الشيخ باقر القرشي فيعدد ستة آثار هامة نجمت عن حرب الجمل. كتب يقول:
1- لقد مهدت حرب الجمل الطريق لمعاوية لمواجهة الإمام علي (علیه السّلام). فقد رفع معاوية شعار الأخذ بثأر عثمان. ولولا حرب الجمل لم يكن ليجرؤ على المجاهرة في معارضة الخليفة والتمرد العلني عليه(1).
2- كرّست حرب الجمل الانقسام والخلاف بين المسلمين بعد أن كانت أجواء الأُلفة والمودة هي السائدة بينهم، فشحنت القبائل المختلفة بالبغضاء والأحقاد. فحملت ربيعة واليمن بالبصرة البغض لأبناء عمومتها من القبائل نفسها بالكوفة وجعلت تطالبهم بدماء أبنائها. بل إن الأحقاد والضغائن وصلت حتى إلى مستوى البيت الواحد والأُسرة الواحدة بعد أن انقسم أفرادها بين مناصر للإمام علي (علیه السّلام) ومؤيد لعائشة.
3-أفقدت الحرب خلافة المسلمين هيبتها وهتكت حرمتها فأصبح الناس لا يتهيبون الخروج على الخليفة، فتشكلت فصائل مختلفة، خلال ذلك، يحدوها الطمع في التآمر على المسلمين والاستحواذ على خلافتهم.
4- فتحت حرب الجمل الباب على مصراعيه لتَقاتُل المسلمين والتحارب فيما بينهم. وقد أضفت مشاركة عائشة في الحرب المشروعية على سفك دماء المسلمين، بعد أن كان الناس يتورعون في قتال بعضهم بعض.
ص: 201
5- أوقفت الحرب عجلة تقدم الإسلام ونموه. يقول الفيلسوف البريطاني المعروف باسم "ولز" في كتابه "تجربة في التاريخ العام في مبحث الإسلام": لو كان قُدر للإسلام أن يواصل سيره الطبيعي السابق لأوشك أن يبسط سيطرته على العالم كله. غير أن الحرب الداخلية التي طرأت عليه وضعت العصا في عجلة تقدمه. لقد كان همّ عائشة الأول والأخير أن تهزم علياً (علیه السّلام) وتغلبه.
6- هتكت حرب الجمل حرمة أهل بيت النبي(صلّی اللَّهِ علیه وَ آلِهِ وَ سَلَّمَ ) الذين جعلهم عدلاً للقرآن. فقد شهدت الحرب إشهار السيف بوجههم واستباحة دمائهم واستحلال أسرهم. وهذا ما سوّغ لأعدائهم أن يتفننوا في هتك حرمتهم في کربلاء (1).
ص: 202
ص: 203
ص: 204
من المواضيع المهمة في حرب الجمل حقانية الإمام علي (علیه السّلام) فيها. وسوف نستعرض في هذا الفصل الأدلة القاطعة على إثبات حقانيته (علیه السّلام) في هذه الحرب، وذلك في إطار عدد من المقولات.
من الأدلة على حقانية الإمام علي (علیه السّلام) في حرب الجمل، الاعتراف القريب من الاتفاق عليها من جانب كبار أهل السنة وعلمائهم. حتى أنهم يشيرون في كلماتهم إلى الإجماع على هذه النقطة.
يعتقد أبو حنيفة أنه لم يقاتل أحدٌ علياً(علیه السّلام) إلّا وكان عليٌ أقرب منه إلى الحق(1) .
يقول أحمد بن حنبل: لم يزل علي بن أبي طالب مع الحق والحق معه حيث كان(2).
ص: 205
يرى محمد بن إسحاق بن خزيمة أن كل من نازع أميرالمؤمنين (علیه السّلام) الحكم كان باغياً متمرداً عليه. وهو يحتفظ بهذه الفكرة عن مشايخه. ويقول إن ابن إدريس الشافعي يرى ذلك أيضاً (1) .
يقول أبو منصور الماتريدي: وأجمعوا أن علياً كان مصيباً في قتال أهل الجمل، أعني طلحة والزبير وعائشة بالبصرة، وأهل صفين أعني معاوية وعسكره (2)
يقول أبو بكر بن العربي المالكي: وثبت بدليل الدين أن علياً كان إماماً وأن كل من خرج عليه باغ وأن قتاله واجب حتى يفيء إلى الحق وينقاد إلى الصلح ... والذي قاتل عليٌ طائفة أبوا الدخول في بيعته، وهم أهل الشام وطائفة خلعته وهم أهل النهروان. وأما أصحاب الجمل فإنما خرجوا يطلبون الإصلاح بين الفرقتين وكان من حق الجميع أن يصلوا إليه ويجلسوا بين يديه
ص: 206
ويطالبوه بما رأوا أنه عليه. فلما تركوا ذلك بأجمعهم صاروا بغاة بجملتهم (الفرق الثلاث) (1).
كتب عبد القاهر الجرجاني يقول: وأجمع فقهاء الحجاز والعراق من فريقي الحديث والرأي، منهم مالك والشافعي وأبو حنيفة والأوزاعي والجمهور الأعظم من المتكلمين إلى أن علياً مصيب في قتاله لأهل صفين. كما قالوا بإصابته في قتل أصحاب الجمل. وقالوا أيضاً بأن الذين قاتلوه بغاة ظالمون له ولكن لا يجوز تكفيرهم ببغيهم (2).
وكتب ابن أبي الحديد يقول: أما أصحاب الجمل، فهم عند أصحابنا هالكون كلهم إلاّ عائشة وطلحة والزبير فإنهم تابوا. ولولا التوبة لحكم لهم بالنار لإصرارهم على البغي. وأما عسكر الشام بصفين فإنهم هالكون كلهم عند أصحابنا لا يحكم لأحد منهم إلّا بالنار لإصرارهم على البغي وموتهم عليه، رؤساؤهم والأتباع جميعاً. وأما الخوارج فإنهم مرقوا عن الدين بالخبر النبوي المجمع عليه، ولا يختلف أصحابنا في أنهم من أهل النار. وجملة الأمر أن أصحابنا يحكمون بالنار لكل فاسق مات على فسقه. ولا ريب في أن الباغي على الإمام الحق والخارج عليه بشبهة أو بغير شبهة فاسق. وليس هذا مما يخصون به علياً(علیه السّلام) . فلو خرج قوم من المسلمين على غيره من أئمة الإسلام العدول، لكان حكمهم حكم من خرج على علي(علیه السّلام)(1) .
يعتقد القرطبي أن علياً (علیه السّلام) كان إمام المسلمين وخليفتهم بتصريح من علماء الإسلام، وأن من قاتله باغ ومتمرد عليه(2).
ص: 208
يقول النووي: وكان علي(علیه السّلام) هو المحق المصيب في تلك الحروب. هذا مذهب أهل السنة(1).
يطرح شارح صحيح مسلم حديث النبي(صلّی اللَّهِ علیه وَ آلِهِ وَ سَلَّمَ ) العمار بن ياسر دليلا على حقانية أميرالمؤمنين (علیه السّلام) في حروبه. يقول : قال العلماء: هذا الحديث حجة ظاهرة في أن علياً كان محقاً مصيباً(2).
يقول ابن تيمية، بعد أن يورد حديث "عمار تقتله الفئة الباغية" : وهذا أيضاً يدل على صحة إمامة علي ووجوب طاعته وأن الداعي إلى طاعته داع إلى الجنة والداعي إلى مقاتلته داع إلى النار وإن كان متأولاً. وهو دليل على أنه لم يكن يجوز قتال علي. وعلى هذا فمقاتلته مخطئ وإن كان متأولاً أو باغ بلا تأويل، وهو أصح القولين لأصحابنا وهو الحكم بتخطئة من قاتل علياً، وهو مذهب أئمة الفقهاء الذين فرعوا على ذلك قتال البغاة المتأولين(3).
ص: 209
يقول الذهبي: ولا نرتاب أن علياً أفضل ممن حاربه وأنه أولى بالحق(1).
بعد أن ينقل حديث النبي (صلّی اللَّهِ علیه وَ آلِهِ وَ سَلَّمَ ) في عمار بن ياسر، يقول ابن حجر العسقلاني: وفي هذا الحديث علم من أعلام النبوة وفضيلة ظاهرة لعلي ولعمار وردّ على النواصب الزاعمين أن علياً لم يكن مصيباً في حروبه(2).
وللعيني الحنفي (المتوفى سنة 855ه) رأي مشابه لرأي ابن حجر العسقلاني (3).
وبالرغم من أن أكثر أهل السنة يعتبرون الإمام علياً (علیه السّلام) محقاً في حرب الجمل، فإن هناك آراءً أخرى تطرح أيضاً. وقد قام الشيخ المفيد بتصنيف هذه الآراء في بداية كتابه. وننقل هنا خلاصةً لكلام الشيخ المفيد:
ص: 210
يعتقد سعد بن أبي وقاص وجماعة من المعتزلة بأن كلا الفريقين، فريق الإمام علي (علیه السّلام) وأبنائه وأنصاره وفريق الناكثين جميعاً على خطأ، وأنه ما كان ينبغي أن يتقاتلوا. ولكنهم لا يحكمون عليهم بالعقاب والعذاب، بل يرجون لهم عفو الله ورحمته(1).
هناك جماعة ترى رأي الفريق الأول القائل بتخطئة الفريقين، ولكنها تقصر العفو على الصحابة من الفريقين وتوجب العقاب الأخروي لغير الصحابة. ويبررون ذلك بسابقتهم وجهادهم ومرافقتهم لرسول (صلّی اللَّهِ علیه وَ آلِهِ وَ سَلَّمَ ) ويستندون في رأيهم إلى روايات ينقلونها (2).
ص: 211
العجيب أن قادة الحرب ومشعليها الأساسيين يكونون من أهل النجاة، بينما يكون مصير أتباعهم الذين أطاعوهم النار!
يذهب بعض أهل السنة إلى أن التوقف عن الخوض في الخلافات التي سادت علاقات الصحابة والسكوت عنها أفضل من عكسه، وأن الخير في عدم اتخاذ موقف مؤيد ولا مضاد من الصحابة المتخاصمين. هؤلاء لا يجيزون حتى نقل الروايات المتعلقة بأخبار حرب الجمل وحرب صفين والتأمل فيها وتحليلها (1).
هذا التوجه، هو الآخر، وليد الإفراط في التعصب والضعف في التحليل وفهم الروايات والآيات الشريفة.
وهناك فريق يرى أن لكل من الفريقين حججه وبراهينه، وأن كليهما محق.
هؤلاء يظنون أن الفريقين المتقاتلين في حرب الجمل، بالرغم من الجمل، بالرغم من أنهما تسببا في سفك دماء غزيرة وتشريد أُناس كثيرين وإهدار أموال طائلة، فقد كانوا يتمتعون بكمال الصفاء والمودة والموالاة وخلوص النيات وسلامة التوجه.
ص: 212
إنهم يعتقدون أن لكل من الفريقين حججاً ومبررات لموقفه، وأنه لم يختر موقفه إلاّ بموجبها. فالإمام على (علیه السّلام) لم يكن يرى وجوب الاقتصاص من قتلة عثمان. بالمقابل، كان قادة الناكثين يرون العكس. وهذا الاختلاف في التفكير هو الذي وضع المعسكرين في مواجهة بعضهما، فكان كلاهما معذوراً في قتال الآخر (1).
يذهب بعض المعتزلة، كواصل بن عطاء وعمرو بن عبيد، إلى أن فريقاً واحداً من الفريقين المتخاصمين محق. ولكنهم يقولون أنهم عاجزون عن تحديد الفريق المحق. إنهم يعتقدون بأن أحد فريقي حرب الجمل كان بلا شك ضالاً مضلاً باغياً خارجاً من ربقة الإسلام والإيمان، وهو ملعون مستحق للخلود في جهنم. وأن الفريق الآخر هادٍ مهدي مستحق للخلود في الجنة، غير
ص: 213
أنه لا دليل قاطعاً لديهم ولا شاهداً صحيحاً عندهم يميز لهم الفريق الضال الظالم من الفريق المهتدي (1).
ويستثني جماعة آخرون من المعتزلة، كشبير (هكذا، وربما بشر: م) بن المعتمر وأبي موسى المراد وجعفر بن شبر (هكذا، وربما بشر: م) والإسكافي والخياط والشحام وابن مجالد البلخي والجبّائي، قادة حرب الجمل الأساسيين (طلحة والزبير وعائشة) من الضلال رغم إقرارهم بحقانية جبهة أميرالمؤمنين (علیه السّلام) وضلالة خصومه واستحقاقهم للنار، بدعوى أنهم تابوا وندموا، وأعفوهم من عقاب الآخرة تماماً (2).
ص: 214
يتبين من نقل الأقوال أن أهل السنة منقسمون، بشأن حرب الجمل وصفين والنهروان، إلى أقسام:
1- قسم يتوقف عند حرب الجمل فلا يبدي رأياً فيها
2 - قسم يقدم رأياً بشكل مجهول
3- قسم يرى إعطاء الرأي في هذه الحرب بدعة في الدين
4- قسم يضع فريقي الصراع على قدم المساواة من حيث الإصابة واستحقاق الأجر، على مبنى اجتهاد الصحابة.
5- قسم يدين الناكثين وناقضي العهد في الجمل، ولكنه يسكت عن استحقاقهم للعقاب والعذاب الأخروي ويرجو لهم العفو والمغفرة من الله.
6- قسم يرى استحقاق جميع الصحابة المشاركين في القتال للجنة ووجوب النار لغيرهم.
7- قسم يحكم على جميع أصحاب الجمل بالنار حتى الصحابة منهم عدا طلحة والزبير وعائشة فهم مستحقون للجنة.
خلاصة جميع هذه الآراء هي أن طلحة والزبير وعائشة ناجون مستحقون للجنة. وهذا الاعتقاد جفاء عظيم بحق الإمام علي (علیه السّلام). وهو جفاء يرفضه حتى ابن أبي الحديد المعتزلي، حيث يقول: على أن أميرالمؤمنين (علیه السّلام) أكرمها (يعني عائشة) وصانها وعظم من شأنها. ومن أحب أن يقف على ما فعله معها
ص: 215
فليطالع كتب السيرة. ولو كانت فعلت بعمر ما فعلت به وشقت عصا الأُمة عليه ثم ظفر بها لقتلها ومزّقها إرباً إرباً. ولكن علياً كان حليماً كريماً(1).
ربما كانت هذه المواقف المبهمة وغير الصريحة والمتحيزة لأصحاب الفتنة هي السبب في ظهور النصب والعداء لأهل البيت وأتباعهم ونموهما، الأمر الذي لازال المسلمون يعانون منه.
حاول أعداء أميرالمؤمنين(علیه السّلام) ، منذ بداية حرب الجمل، بشتى الطرق أن يُظهروه (علیه السّلام) مقصراً في هذه الواقعة. وقد تصاعدت تلك الحملات خاصة بعد حرب الجمل وهزيمة الناكثين لأن الإمام (علیه السّلام) لقّنهم درساً بليغاً فتدفقت عليهم سيول الانتقادات. لذا شمر هؤلاء سواعدهم وولجوا ميداناً جديداً اتسم بتحريف حقائق الحرب وإثارة الشبهات حولها.
بالمقابل، سعى أصحاب الإمام علي (علیه السّلام) وأنصاره، منذ ذلك الوقت، إلى تنوير الناس برد الشبهات المثارة من خلال بيان فضائله (علیه السّلام) ونشر مناقبه.
يقول سعيد بن جبير: كان عبدالله بن عباس بمكة يُحدث على شفير زمزم ونحن عنده، فلما قضى حديثه قام إليه رجل فقال: يا ابن عباس! إني امرؤ من أهل الشام من أهل حمص. إنهم يتبرأون من علي بن أبي طالب ويلعنونه.
فقال: بل لعنهم الله في الدنيا والآخرة وأعدّ لهم عذاباً مهيناً. ألبعد قرابته من رسول الله (صلّی اللَّهِ علیه وَ آلِهِ وَ سَلَّمَ ) وأنه لم يكن أول ذكران العالمين إيماناً بالله ورسوله وأول من صلى وركع وعمل بأعمال البر؟ قال الشامي: إنهم والله ما ينكرون قرابته
ص: 216
وسابقته غير أنهم يزعمون أنه قتل الناس. فقال ابن عباس: ثكلتهم أمهاتهم! إن علياً أعرف بالله عزّ وجلّ وبرسوله وبحكمهما منهم، فلم يقتل إلّا من استحق القتل. قال: يا ابن عباس! إن قومي جمعوا لي نفقة وأنا رسولهم إليك وأمينهم، ولا يسعك أن تردني بغير حاجتي. فإن القوم هالكون في أمره، ففرج عنهم فرّج الله عنك! فقال ابن عباس: يا أخا أهل الشام! إنما مثل علي في هذه الأُمة في فضله وعلمه كمثل العبد الصالح الذي لقيه موسى (علیه السّلام) لما انتهى إلى ساحل البحر شرط الخضر على موسى أن لا يسأله عن شيء مما سيقع ولا يعترض عليه. ولما لم يكن النبي موسى(علیه السّلام) عالماً بالأمور رغم كونه من أولي العزم فقد اعترض على أفعال الخضر أكثر من مرة. لم يقتل علي إلاّ استحق القتل. ألا أخبرك بأمر؟ كان النبي عند أم سلمة، فجاء علي (علیه السّلام) وأراد أن يدخل على النبي فدق الباب برفق. فعرف النبي، من دقته، أنه علي(علیه السّلام)، فقال لأم سلمة: يا أم سلمة! فإن بالباب رجلاً ليس بالخرق ولا النزق ولا بالعجل في أمره، يحب الله ورسوله ويحبه الله ورسوله. يا أم سلمة! إن تفتحي الباب له فلن يدخل حتى يخفى عليه الوطء (تختفي - أنظاره ولا يسمع صوت خطاك). فلم يدخل حتى غابت عنه وخفي عليه الوطء. فلما لم يحس لها حركة دفع الباب ودخل فسلم على النبي(صلّی اللَّهِ علیه وَ آلِهِ وَ سَلَّمَ ) فرد (علیه السّلام) وقال : يا أم سلمة! هل تعرفين هذا؟ قالت: نعم، هذا علي بن أبي طالب. فقال رسول الله(صلّی اللَّهِ علیه وَ آلِهِ وَ سَلَّمَ ) : نعم، هذا علي، سيط لحمه بلحمي ودمه بدمي وهو مني بمنزلة هارون من موسى إلاّ أنه لا نبي بعدي . يا أم سلمة! (عليٌ هذا عظيم، هو أمل المسلمين وقائد المؤمنين ومخزن أسراري وعلومي. إنه بابي الذي يأوي إليه الناس. هو وصي على أهل بيتي وأخي في الدنيا والآخرة وهو معي يوم القيامة في الدرجات العليا.
ص: 217
اشهدي يا أم سلمة أن علياً قاتل الناكثين والقاسطين والمارقين) قال الشامي: يا ابن عباس! من الناكثون؟ قال: الذين بايعوا علياً بالمدينة ثم نكثوا فقاتلهم بالبصرة، أصحاب الجمل. والقاسطون معاوية وأصحابه، والمارقون أهل النهروان ومن معهم. فقال الشامي: يا ابن عباس! ملأت صدري نوراً وحكمة وفرّجت عني فرّج الله عنك! أشهد أن علياً مولاي ومولى كل مؤمن ومؤمنة (1).
ولعل الأهم من كل هذا وما يستحق النظر أكثر في هذه الأثناء، ما دافع به أهل البيت (علیهم السّلام) عن سياسة الإمام علي (علیه السّلام) وأحقيته في حرب الجمل وإدانة أعدائه. إن مواقف أهل البيت(علیهم السّلام) ، و في الحقيقة، ردّ قاطع على التشويهات الكبيرة والكثيرة التي بثها أعداء أميرالمؤمنين (علیه السّلام) ضده للنيل منه.
1- جرى الحديث يوماً، في حضرة الإمام الباقر(علیه السّلام) ، عن الذين قاتلوا الإمام علياً(علیه السّلام) ، فقال (علیه السّلام) : أما إنهم أعظم جرماً ممن حارب رسول الله (صلّی اللَّهِ علیه وَ آلِهِ وَ سَلَّمَ ) قيل له: وكيف ذلك يا ابن رسول الله ؟ قال : أُولئك كانوا أهل جاهلية وهؤلاء قرأوا القرآن وعرفوا أهل الفضل فأتوا ما أتوا بعد البصيرة (2).
2- يقول ضريس: تمارى الناس عند أبي جعفر (علیه السّلام) فقال بعضهم: حرب (ربما المقصود من حاربه: م) علي (علیه السّلام) شر من حرب رسول الله(صلّی اللَّهِ علیه وَ آلِهِ وَ سَلَّمَ ) . وقال بعضهم: حرب رسول الله(صلّی اللَّهِ علیه وَ آلِهِ وَ سَلَّمَ ) شر من حرب علي(علیه السّلام) . قال: فسمعهم أبو جعفر
ص: 218
(علیه السّلام) فقال: ما تقولون؟ فقالوا: أصلحك الله، تمارينا في حرب رسول الله (صلّی اللَّهِ علیه وَ آلِهِ وَ سَلَّمَ )وفي حرب علي(علیه السّلام) . فقال بعضنا: حرب علي (علیه السّلام) شر من حرب رسول الله (صلّی اللَّهِ علیه وَ آلِهِ وَ سَلَّمَ )، وقال بعضنا: حرب رسول الله (صلّی اللَّهِ علیه وَ آلِهِ وَ سَلَّمَ ) شر من حرب علي(علیه السّلام) . فقال أبو جعفر (علیه السّلام): لا بل حرب علي(علیه السّلام) شر من حرب رسول الله(صلّی اللَّهِ علیه وَ آلِهِ وَ سَلَّمَ ) . فقلت: جعلت فداك، أحرب علي (علیه السّلام) شر من حرب رسول الله(صلّی اللَّهِ علیه وَ آلِهِ وَ سَلَّمَ ) ؟ قال: نعم، وسأُخبرك عن ذلك؛ إن حرب رسول الله(صلّی اللَّهِ علیه وَ آلِهِ وَ سَلَّمَ ) لم يقروا بالإسلام وإن حرب علي(علیه السّلام) أقروا بالإسلام ثم جحدوه (1).
3- قال الإمام الصادق(علیه السّلام) : دخل عليّ أناس من أهل البصرة فسألوني عن طلحة والزبير، فقلت لهم: كانا إمامين من أئمة الكفر؛ إن علياً (علیه السّلام) يوم البصرة لما صفّ الخيول قال لأصحابه : لا تعجلوا على القوم حتى أعذر فيما بيني وبين الله تعالى وبينهم. فقام إليهم فقال لأهل البصرة: هل تجدون عليّ جوراً في الحكم؟ قالوا: لا ... فقال: إن الله يقول في كتابه: (وإن نكثوا أيمانهم من بعد عهدهم وطعنوا في دينكم فقاتلوا أئمة الكفر إنهم لا أيمان لهم لعلهم ينتهون) فقال أميرالمؤمنين(علیه السّلام) : والذي فلق الحبة وبرأ النسمة واصطفى محمداً (صلّی اللَّهِ علیه وَ آلِهِ وَ سَلَّمَ ) بالنبوة إنكم لأصحاب هذه الآية وما قوتلوا منذ نزلت (2) .
ص: 219
4- يقول سليمان بن خالد: كنت عند أبي عبدالله (علیه السّلام) جالساً إذ دخل آذنه فقال: قوم من البصرة يستأذنون عليك (فسأله الإمام عن عددهم فقال: لا أدري فأمره الإمام (علیه السّلام) بأن يعود فيعدّهم ثم يخبره بعددهم. فلما ذهب الحاجب قال الإمام(علیه السّلام) : إنهم اثنا عشر رجلاً جاؤوا يسألون عن حرب طلحة والزبير على علي (علیه السّلام). فجاء البواب فقال: إنهم اثنا عشر. فدخلوا على الإمام (علیه السّلام) ) وقالوا: ما تقول في حرب علي وطلحة والزبير وعائشة؟ قال: ما تريدون بذلك؟ قالوا: نريد أن نعلم ذلك. قال: إذن تكفرون يا أهل البصرة. فقالوا: لا نكفر. قال: كان علي(علیه السّلام) مؤمناً منذ بعث الله نبيه إلى أن قبضه الله إليه، ام لم يؤمر عليه النبي (صلّی اللَّهِ علیه وَ آلِهِ وَ سَلَّمَ ) أحداً قط، ولم يكن في سرية إلّا كان أميرها. وإن طلحة والزبير أتياه لما قتل عثمان فبايعاه أول الناس طائعين غير كارهين.
وهما أول من غدر به ونكثا عليه ونقضا بيعته وهمّا به كما همّ به من كان قبلهما، وخرجا بعائشة معهما يستعطفانها الناس. وكان من أمرهما وأمره ما قد بلغكم. قالوا: فإن طلحة والزبير صنعا ما صنعا، فما حال عائشة؟ قال: عائشة كبيرٌ جرمها عظيم إثمها، ما أهرقت محجمة من دم إلّا وإثم ذلك في عنقها وعنق صاحبيها. لقد عهد إليه النبي(صلّی اللَّهِ علیه وَ آلِهِ وَ سَلَّمَ ) وقال: لابد من أن تقاتل الناكثين وهم أهل البصرة، والقاسطين وهم أهل الشام، والمارقين وهم أهل النهروان. فقاتلهم علي (علیه السّلام) جميعاً. قال القوم: إن كان هذا قاله النبي فقد دخل القوم جميعاً في أمر عظيم. قال أبو عبدالله(علیه السّلام) : إنكم ستنكرون. قالوا: إنك جئتنا بأمر عظيم لا نحتمله. قال: وما طويت عنكم أكثر . أما إنكم
ص: 220
سترجعون إلى أصحابكم وتخبرونهم بما أخبرتكم، فتكفرون (تنكرون الحقائق) أعظم من كفرهم (1).
تكشف هذه الروايات بوضوح أن أهل البيت(علیهم السّلام) أشاروا بصريح العبارة إلى كون طلحة والزبير وعائشة مذنبين، ودافعوا عن الإمام علي (علیه السّلام). لقد حمّل أهل البيت (علیهم السّلام) هؤلاء الثلاثة دماء نحو عشرين ألف قتيل من المسلمين، واعتبروهم أئمة كفر استناداً إلى كلام الله في القرآن.
كما أشار أهل البيت (علیهم السّلام) في هذه الروايات، إلى نقاط مهمة مثل البيعة الاختيارية التي بايع بها طلحة والزبير الإمامَ علياً (علیه السّلام) فكانا أول المبايعين قبل أن يصبحا أول الناكثين للبيعة، وإنكار الإسلام، وإخبار النبي (صلّی اللَّهِ علیه وَ آلِهِ وَ سَلَّمَ ) بالغيب عن حروب أميرالمؤمنين (علیه السّلام) على الناكثين والقاسطين والمارقين.
من الأدلة القاطعة على حقانية الإمام علي (علیه السّلام) في حرب الجمل، ما أمره به من قتال الناكثين. فبواسطة العلم الذي كان لدى النبي من لدن الله،أخبر(صلّی اللَّهِ علیه وَ آلِهِ وَ سَلَّمَ ) أميرالمؤمنين(علیه السّلام) بوقوع تلك الحروب في زمانه، وأمره بالوقوف بوجه الناكثين والقاسطين والمارقين ومحاربتهم.
ص: 221
يرى ابن عبدالبر القرطبي صحة الروايات المتعلقة بتنبؤ النبي بحروب أميرالمؤمنين، من حيث السند. يقول : ولهذه الأخبار طرق صحاح قد ذكرناها في موضعها. وروي من حديث علي ومن حديث ابن مسعود ومن حديث أبي أيوب الأنصاري أنه أمر بقتال الناكثين والقاسطين والمارقين. وروي عنه أنه قال: ما وجدت إلّا القتال أو الكفر بما أنزل الله، يعني - والله أعلم - قوله تعالى: «وَجَاهِدُوا فِي اللَّهِ حَقَّ جِهَادِهِ »(1).
لقد اعتبر أميرالمؤمنين (علیه السّلام) قتال عائشة وطلحة والزبير ومعاوية والخوارج واجباً فرضه عليه رسول الله، كما اعتبر عدم قتالهم كفراً بالله.
تفيد هذه الروايات بأن النبي كان تارة يأمر الإمام علياً (علیه السّلام) بقتال عائشة وطلحة والزبير ومعاوية، وتارة يأمر أصحابه بقتال الناكثين والقاسطين والمارقين، وتارة يكشف لزوجاته النقاب عن وقوع حروب الجمل وصفين ويحذرهن من التورط فيها. وهذه الروايات تدفع المرء للتعجب من أفعال أمثال ابن تيمية وأقوالهم، حيث سعوا إلى غسل أدمغة الناس بأكاذيبهم وافتراءاتهم القاضية بأن الإمام علياً (علیه السّلام) تصرّف باجتهاده الشخصي وأنه لم يكن مأموراً أبداً من رسول الله في هذا الأمر. ذلك من أجل تخفيف العبء عن عائشة وطلحة والزبير ومعاوية من حيث الكوارث التي تسببوا بها للمسلمين. وقد يكون ابن تيمية وأتباعه لم يطلعوا على هذه الأحاديث!
ص: 222
من أجل تنوير أذهان القرّاء، نشير بالتفصيل إلى هذه الروايات لكي يعلم الجميع أن الإمام(علیه السّلام) لم يقاتل الناكثين والقاسطين والمارقين من تلقاء نفسه بل بأمر من رسول الله(صلّی اللَّهِ علیه وَ آلِهِ وَ سَلَّمَ ) . كذلك، من جانب آخر، لكي يجيب أهلُ السنة الناسَ عن سؤال: كيف جاز لصحابةٍ عدول! كطلحة والزبير وعائشة أن يعارضوا أمر رسول الله ويعملوا باجتهادهم خلافاً لأمره (صلّی اللَّهِ علیه وَ آلِهِ وَ سَلَّمَ )؟
هل نسي هؤلاء أمر النبي (صلّی اللَّهِ علیه وَ آلِهِ وَ سَلَّمَ ) الإمام علياً (علیه السّلام) بقتال الناكثين والقاسطين والمارقين، فرفضوا الانصياع للإمام(علیه السّلام) ؟ أم أن آذانهم ملئت بهذا الكلام ولكنهم أرادوا معارضة أوامر النبي(صلّی اللَّهِ علیه وَ آلِهِ وَ سَلَّمَ ) ، كما قال الإمام (علیه السّلام) ؟
يقول البزار والطبراني عن علي بن ربيعة عن علي قال: عهد إليّ رسول الله (صلّی اللَّهِ علیه وَ آلِهِ وَ سَلَّمَ )
في قتال الناكثين والقاسطين والمارقين (1).
يقول الهيثمي، بعد أن ينقل هذه الرواية : رواه البزار والطبراني في الأوسط وأحد إسنادَي البزار رجاله رجال الصحيح ( صحيح البخاري) غير الربيع بن سعيد ووثقه ابن حبان (2).
ص: 223
وكتب الخطيب البغدادي يقول: عن خليد العصري قال: سمعت أميرالمؤمنين علياً يقول يوم النهروان: أمرني رسول الله(صلّی اللَّهِ علیه وَ آلِهِ وَ سَلَّمَ ) بقتال الناكثين والمارقين والقاسطين (1).
وقال البلاذري والمقدسي وابن عساكر: فقال علي (علیه السّلام) وكان يقول: أمرني رسول الله(صلّی اللَّهِ علیه وَ آلِهِ وَ سَلَّمَ ) بقتال الناكثين والقاسطين والمارقين، فالناكثون أصحاب الجمل والقاسطون أصحاب صفين والمارقون الخوارج(2).
يقول أبو يعلى الموصلي (المتوفى سنة 307ه): قال: سمعت عمار بن ياسر يقول: أمرت أن أقاتل الناكثين والقاسطين والمارقين(3).
ص: 224
كتب ابن كثير الدمشقي يقول: عن عبدالله (بن مسعود) قال: أمر رسول الله (صلّی اللَّهِ علیه وَ آلِهِ وَ سَلَّمَ ) علياً أن يقاتل الناكثين والقاسطين والمارقين(1).
قال الحاكم النيسابوري (المتوفى سنة 405 ه) : حدثني أبو أيوب الأنصاري في خلافة عمر بن الخطاب قال: أمر رسول الله (صلّی اللَّهِ علیه وَ آلِهِ وَ سَلَّمَ ) علي بن أبي طالب بقتال الناكثين والقاسطين والمارقين (2).
وقال الطبراني وابن عساكر وابن كثير نقلاً عن محنف بن سليم: أتينا أبا أيوب الأنصاري وهو يعلف خيلاً له بصعنبى (صنعاء اليمن) فقلنا عنده: فقلت له: أبا أيوب! قاتلت المشركين مع رسول الله (صلّی اللَّهِ علیه وَ آلِهِ وَ سَلَّمَ ) ثم جئت تقاتل المسلمين؟ قال: إن رسول الله (صلّی اللَّهِ علیه وَ آلِهِ وَ سَلَّمَ ) أمرني بقتال ثلاثة؛ الناكثين والقاسطين
ص: 225
والمارقين. فقد قاتلت الناكثين وقاتلت القاسطين وأنا مقاتل إن شاء الله المارقين بالشعفات بالطرقات بالنهروانات، وما أدري ما هم (1).
يقول إبراهيم النخعي نقلا عن علقمة والأسود: أتينا أبا أيوب الأنصاري ، عند منصرفه من صفين، فقلنا له: يا أبا أيوب! إن الله أكرمك بنزول محمد (صلّی اللَّهِ علیه وَ آلِهِ وَ سَلَّمَ ) وبمجيء ناقته تفضلاً من الله وإكراماً لك حتى أناخت ببابك دون الناس، ثم جئت بسيفك على عاتقك تضرب به أهل لا إله إلّا الله؟ فقال: يا هذان! إن الرائد لا يكذب أهله، وإن رسول الله (صلّی اللَّهِ علیه وَ آلِهِ وَ سَلَّمَ ) أمرنا بقتال ثلاثة مع علي ؛ بقتال الناكثين والقاسطين والمارقين. فأما الناكثون فقد قابلناهم أهل الجمل طلحة والزبير. وأما القاسطون فهذا منصرفنا من عندهم - يعني معاوية وعمرواً - وأما المارقون فهم أهل الطرفاوات وأهل السعيفات وأهل النخيلات وأهل النهروانات، والله ما أدري أين هم ولكن لابد من قتالهم إن شاء الله (2).
نقلاً عن أبي سعيد الخدري، يقول ابن عساكر وابن الأثير وابن كثير: أمرنا رسول الله (صلّی اللَّهِ علیه وَ آلِهِ وَ سَلَّمَ ) و بقتال الناكثين والقاسطين والمارقين، فقلنا: يا رسول الله!
ص: 226
أمرتنا بقتال هؤلاء، فمع من؟ فقال: مع علي بن أبي طالب معه يُقتل عمار بن ياسر (1).
نستنتج من مجموع هذه الروايات، التي بلغت التواتر، أن حروب علي (علیه السّلام) على الناكثين والقاسطين والمارقين قامت امتثالاً لأمر رسول الله(صلّی اللَّهِ علیه وَ آلِهِ وَ سَلَّمَ ) ، وأنه كان محقاً فيها والآخرون مخطئين. ومع هذا، يدعي ابن تيمية، أن النبي (صلّی اللَّهِ علیه وَ آلِهِ وَ سَلَّمَ ) لم يأمر الإمام علياً (علیه السّلام) أبداً بقتال الناكثين والقاسطين، وأن حروب الإمام (علیه السّلام) على أصحاب فتنة الجمل وصفين قام بها مجتهداً رأيه الشخصي(2)، مع أنه يرى في الوقت نفسه مشروعية حربه على الخوارج لورود نص من النبي فيها.
ومن الأدلة على مشروعية حرب الإمام (علیه السّلام) على أهل الجمل، حرمة نقض البيعة والخروج على حاكم المجتمع الإسلامي، من وجهة نظر أهل السنة. فأهل السنة يوجبون على كل مسلم أن يعرف إمام زمانه ويلتزم ببيعته. وقد
ص: 227
بلغ هذا الأمر من الأهمية بحيث اعتبر نقض البيعة ومفارقة جماعة المسلمين من الكبائر وخروجاً من الإسلام.
ذكر البخاري ومسلم في صحيحيهما أن من فارق الجماعة شبراً ومات مات ميتة جاهلية (1).
وفي رواية أخرى أن: من خرج من السلطان شبراً مات ميتة جاهلية(2).
وفي رواية أخرى أن: من خلع يداً من طاعة لقي الله يوم القيامة لا حجة له. ومن مات وليس في عنقه بيعة، مات ميتة جاهلية (3).
يقول أحمد بن حنبل والترمذي إن: من فارق الجماعة وخرج من الطاعة فمات فميتته جاهلية (4).
ص: 228
ويقول الحاكم النيسابوري: هذا حديث صحيح على شرط الشيخين ولم يخرجاه (1) .
يقول الطبراني عن مفارقة الجماعة: فمن فارق الجماعة في قوس (بمقدار وتر القوس) لم تقبل منه صلاة ولا صيام وأُولئك هم وقود النار (2).
ويقول الهيثمي، بعد أن ينقل هذه الرواية: رواه أحمد ورجاله ثقات رجال الصحيح خلا علي بن إسحق السلمي وهو ثقة(3).
لقد بلغ التأكيد على وجوب اتباع الجماعة وعدم نقض البيعة درجة بحيث أنه حتى إذا سخط المرء على أميره أو حاكمه وجب عليه أن يصبر وما جاز له أن يترك الجماعة وينقض البيعة(4). ولما رجع أهل المدينة عن بيعتهم ليزيد وخلعوه عن الخلافة، غضب عبدالله بن عمر، حسب هذه الروايات، فجمع أهل بيته وقومه وقال : إني سمعت النبي (صلّی اللَّهِ علیه وَ آلِهِ وَ سَلَّمَ ) يقول: ينصب لكل غادر لواء يوم القيامة، وإنا قد بايعنا هذا الرجل على بيع الله ورسوله، وإني لا أعلم غدراً أعظم من أن يبايع رجل على بيع الله ورسوله ثم ينصب له القتال. وإني لا
ص: 229
أعلم أحداً منكم خلعه ولا بايع في هذا الأمر إلا كانت الفيصل بيني وبيته (1).
من أجل ألا يبقى ليلة واحدة بدون إمام، ذهب عبدالله بن عمر إلى بيت الحجاج بن يوسف الثقفي ليلاً ليبايع عبد الملك بن مروان، عملاً بقول النبي (صلّی اللَّهِ علیه وَ آلِهِ وَ سَلَّمَ )(من مات ولا إمام له مات ميتة جاهلية) (2). انتهى.(3).
بالنظر في الروايات المتقدمة، فإن عدم جواز الخروج على الحاكم تزخر به كتب العقائد والفقه والحديث لأهل السنة. فالصابوني، مثلاً، في كتابه عقائد السلف وأهل الحديث" (4) والبربهاري في شرح السنة" (5) يطرحان هذا العنوان ضمن معتقدات أهل السنة.
ص: 230
فضلاً عن تأكيدهم على حرمة نقض البيعة والخروج على حاكم المجتمع الإسلامي، يؤكد أهل السنة كذلك على أن الخروج على الحاكم الظالم أيضاً معصية وأنه لا حلّ إلاّ الصبر على ظلمه. فابن عبد البر القرطبي، وهو من كبار علماء المذهب المالكي، يقول في معرض نقده لرأي المعتزلة في جواز الخروج على الحاكم الظالم:
وأما جماعة أهل السنة وأئمتهم فقالوا: هذا هو الاختيار أن يكون الإمام فاضلاً عالماً عدلاً محسناً قوياً على القيام كما يلزمه في الإمامة. فإن لم يكن، فالصبر على طاعة الإمام الجائر أولى من الخروج عليه لأن في منازعته والخروج عليه استبدال الأمن بالخوف وإراقة الدماء وانطلاق أيدي الدهماء وتبييت الغارات على المسلمين والفساد في الأرض، وهذا أعظم من الصبر على جور الجائر (1).
أما النووي، فيقول عن حرمة الخروج على الحاكم الفاسق والظالم: وأجمع أهل السنة أنه لا ينعزل السلطان بالفسق(2).
على هذه الروايات والأقوال من علماء السنة في حرمة نقض البيع، أفلا تكون طاعة الإمام علي (علیه السّلام) الذي اختاره المسلمون خليفة لهم ملزمة لطلحة والزبير وعائشة؟
ص: 231
ألا يعتبر عائشة وطلحة والزبير آثمين ظالمين لنقضهم بيعة الإمام علي (علیه السّلام)؟
ألا تكون ميتتهم ميتة جاهلية؟
ألا يكون الإمام علي (علیه السّلام) محقاً في قتال أهل الجمل حسب الروايات العديدة المنقولة؟
لاشك أن أصحاب الفتنة وناقضي العهد والمنحرفين عن الحق مدانون وأن مصيراً مظلماً وعاقبة مخزية بانتظارهم.
ص: 232
ص: 233
ص: 234
في هذا الفصل، سنقدم تعريفاً تحليلياً لقادة الناكثين أمثال عائشة وطلحة والزبير ومروان وعبدالله بن الزبير وعبدالله بن عامر ويعلى بن أمية.
هي عائشة بنت أبي بكر وإحدى زوجات النبي الأكرم (صلّی اللَّهِ علیه وَ آلِهِ وَ سَلَّمَ ).اُمها اُم رومان. تزوج بها النبي بعد الهجرة بعامين وبعد وفاة خديجة بثلاثة أعوام.
كنيتها التي عرفت بها أم عبدالله وذلك لشدة حبها لابن أُختها عبدالله بن الزبير. توفيت ليلة الثلاثاء السابع عشر من شهر رمضان المبارك عام 58 الهجري ودفنت في البقيع(1).
يذكر علماء التراجم أن عمر عائشة عندما عقد عليها رسول الله كان ست سنوات، وعندما انتقلت إلى بيته كانت باكراً في التاسعة من عمرها. في حين يتبين من النظر في المصادر السنية أنها لما تزوجت من النبي الأكرم كانت في السابعة عشرة أو الثامنة عشرة، وأنها كانت قد تزوجت قبله برجل يدعى جبير.
ص: 235
روي عنها أنها قالت: تزوجني (رسول الله بعدها (بعد خديجة) بثلاث سنين(1). فيما يرى بعضهم، كابن عبد البر، أن المدة كانت أربع سنوات لأن النبي عاش مع سودة (2) أربع سنوات بعد خديجة قبل أن يتزوج بعائشة. فتكون النتيجة من هذين القولين أن النبي تزوج بعائشة في السنة الأولى أو الثانية للهجرة.
من جانب آخر، تفيد منقولات أهل السنة بأن أسماء، أخت عائشة، كان لها من العمر في السنة الأولى من الهجرة سبع وعشرون سنة وكانت تكبر عائشة بعشر سنوات. وهكذا، يكون عمر عائشة في السنة الأولى من الهجرة حين تزوجت من رسول الله نحو سبع عشرة سنة أو ثماني عشرة سنة(3).
ص: 236
أما عن زواج عائشة من جبير قبل زواجها من النبي، فلابد من القول بأن عائشة كانت، قبل أن يخطبها النبي، مخطوبة لرجل اسمه جبير بن مطعم، ولكن أبابكر طلقها منه ثم تزوجت من النبي.
وهذا يفيد، بوضوح، أن عائشة كانت مستعدة للزواج قبل أن يتزوجها النبي لأن عمرها كان أكبر مما ذكرته بعض التقارير التاريخية (1).
يبدو أن الزعم بصغر سن عائشة وبكارتها، عند زواجها من النبي(صلّی اللَّهِ علیه وَ آلِهِ وَ سَلَّمَ )، كان من السياسات الدعائية التي انتهجتها عائشة نفسها لتمييز نفسها من سائر نساء النبي. خاصة مع كون ناقل هذه النصوص والتقارير هي نفسها أو القريبين منها كعروة بن الزبير.
ولكن التدقيق في الروايات والتقارير التاريخية، يمكننا من الوقوف على جانب من شخصية عائشة. وبالاستطراد في التعرف على شخصيتها، نستطيع أن نتعرف على نقاط هامة تتعلق بها منها:
يقول الخطيب البغدادي، نقلاً عن عائشة: كان بيني وبين رسول الله(صلّی اللَّهِ علیه وَ آلِهِ وَ سَلَّمَ ) كلام، فقال: بمن ترضين أن يكون بيني وبينك؟ أترضين بأبي عبيدة بن
ص: 237
الجرّاح؟ قلت: لا، ذاك رجل ليّن يقضي لك عليّ. قال: أترضين بعمر بن الخطاب؟ قلت: لا، إني لأفرق من عمر. فقال رسول الله(صلّی اللَّهِ علیه وَ آلِهِ وَ سَلَّمَ ) : والشيطان يفرق منه فقال: أترضين بأبي بكر؟ قلت: نعم. فبعث إليه فجاء فقال (رسول الله(صلّی اللَّهِ علیه وَ آلِهِ وَ سَلَّمَ )) اقض بيني وبين هذه قال: أنا يا رسول الله؟ قال: نعم. فتكلم رسول الله(صلّی اللَّهِ علیه وَ آلِهِ وَ سَلَّمَ ) فقلت له: اقصد (اعدل) یا رسول الله! قالت: فرفع أبو بكر يده فلطم وجهي لطمة بدر منها أنفي ومنخراي دماً، وقال: لا أُم لك! فمن يقصد إذا لم يقصد رسول الله(صلّی اللَّهِ علیه وَ آلِهِ وَ سَلَّمَ ) ؟ فقال(صلّی اللَّهِ علیه وَ آلِهِ وَ سَلَّمَ ) : ما أردنا هذا. فغسل الدم عن وجهي وثوبي بیده (1) .
ويقول ابن سعد، عن أذية زوجات النبي (صلّی اللَّهِ علیه وَ آلِهِ وَ سَلَّمَ ) له: استبت عائشة وصفية (سب بعضهما بعضاً) فقال رسول الله لصفية: ألا قلت أبي هارون وعمي موسى؟ وذلك أن عائشة فخرت عليها (2) .
ويقول الحاكم النيسابوري نقلاً عن صفية: دخل عليّ رسول الله (صلّی اللَّهِ علیه وَ آلِهِ وَ سَلَّمَ ) وأنا أبكي فقالت ( هكذا، وربما فقال: م): يا بنت حبي، ما يبكيك؟ قلت: بلغني أن حفصة وعائشة ينالان مني ويقولان: نحن خير منها، نحن بنات عم رسول الله (صلّی اللَّهِ علیه وَ آلِهِ وَ سَلَّمَ ) وأزواجه. قال: ألا قلت: كيف تكونون خيراً مني وأبي هارون وعمي موسى وزوجي محمد(صلّی اللَّهِ علیه وَ آلِهِ وَ سَلَّمَ ) (3) ؟
ص: 238
من زوجات النبي اللائي كنّ يتعرضن للأذى من قبل عائشة، اللاتي وهبن أنفسهن للنبي يتزوجهن بدون مهر. يقول البخاري ومسلم في صحيحيهما نقلاً عن عائشة: قالت: كنت أغار على اللاتي وهبن أنفسهن الرسول الله(صلّی اللَّهِ علیه وَ آلِهِ وَ سَلَّمَ ) وأقول: أتهب امرأة نفسها؟ فلما أنزل الله تعالى (تُرجي من تشاء منهن وتؤوي إليك من تشاء ومن ابتغيت ممن عزلت فلا جناح عليك) قلت: ما أرى ربّك إلّا يسارع في هواك (1).
ربما بسبب هذه الأذية كان النبي يرجو أن يسرع الأجل في موت عائشة، كما تورد بعض مصادر السنة المعتبرة. عن عائشة قالت: رجع رسول الله من البقيع فوجدني وأنا أجد صداعاً في رأسي وأنا أقول: وا رأساه! فقال: بل أنا يا عائشة وا رأساه! ثم قال: ما ضرك لو مت قبلي، فقمت عليك فغسلتك وكفنتك وصليت عليك ودفنتك (2) ؟
كذلك، ينقل محمد بن إسماعيل البخاري الواقعة، فيقول: قالت عائشة: وا رأساه! فقال رسول الله(صلّی اللَّهِ علیه وَ آلِهِ وَ سَلَّمَ ) : ذالك لو كان (موتك) وأنا حي فأستغفر لك وأدعو لك. فقالت عائشة: وا ثكلياه! والله إني لأظنك تحب موتي. ولو كان ذاك،
ص: 239
لظللت آخر يومك معرساً ببعض أزواجك. (إنك تحب أن أموت لتذهب إلى نسائك الأخريات)(1)
فلو كان النبي(صلّی اللَّهِ علیه وَ آلِهِ وَ سَلَّمَ ) يحب بل عائشة، أفما كان يدعو لها بالشفاء من الصداع بدلاً من أن يرجو لها الموت؟
هل يتكلم الزوج المحب لزوجته وهي مريضة عن الموت والغسل والتكفين والدفن، بدل أن يواسيها ويخفف عنها؟
ألم يكن ما تمناه رسول الله لعائشة نابعاً من قلقه من مستقبلها؟ لأنه كان يعلم أنها ستركب الجمل وتخرج لحرب وصيه وتتسبب في سفك دماء آلاف المسلمين.
في معرض شرحه للآيات الخمس الأوَل من سورة التحريم، ينقل البخاري في صحيحه، عن عائشة: سمعت عائشة أن النبي(صلّی اللَّهِ علیه وَ آلِهِ وَ سَلَّمَ ) كان يمكث عند زينب ابنة جحش ويشرب عندها عسلاً، فتواصيت أنا وحفصة أن ائتنا (هكذا والأرجح أيتنا: م) دخل عليها النبي (صلّی اللَّهِ علیه وَ آلِهِ وَ سَلَّمَ ) فلتقل: إني أجد منك ريح مغافير (2)
ص: 240
أكلت مغافير. فدخل على إحداهما فقالت له ذلك فقال: لا بل شربت عسلاً عند زينب بنت جحش ولن أعود له. فنزلت: «يَا أَيُّهَا النَّبِيُّ لِمَ تُحَرِّمُ مَا أَحَلَّ اللَّهُ لَكَ » إلى «إِنْ تَتُوبَا إِلَى اللَّهِ فَقَدْ صَغَتْ قُلُوبُكُمَا » لعائشة وحفصة (1).
جاء في بعض الروايات أن الشيء الذي حرّم النبي على نفسه كان مقاربة الجواري. يقول الطبري في تفسيره: عن ابن عباس قال: كانت حفصة وعائشة متحابتين وكانتا زوجتي النبي(صلّی اللَّهِ علیه وَ آلِهِ وَ سَلَّمَ ) ، فذهبت حفصة إلى أبيها فتحدثت عنده، فأرسل النبي(صلّی اللَّهِ علیه وَ آلِهِ وَ سَلَّمَ ) إلى جاريته فظلت معه في بيت حفصة وكان اليوم الذي يأتي فيه عائشة. فرجعت حفصة فوجدتهما في بيتها، فجعلت تنتظر خروجها وغارت غيرة شديدة. فأخرج رسول الله (صلّی اللَّهِ علیه وَ آلِهِ وَ سَلَّمَ ) جاريته ودخلت حفصة فقالت: قد رأيت من كان عندك، والله لقد سئتني. فقال النبي(صلّی اللَّهِ علیه وَ آلِهِ وَ سَلَّمَ ) : والله لأرضينك، فإني مسرٌ إليك سراً فاحفظيه! قالت: ما هو؟ قال: إني أشهدك أن سريتي هذه عليّ حرام رضا لك. وكانت حفصة وعائشة تظاهران على نساء النبي(صلّی اللَّهِ علیه وَ آلِهِ وَ سَلَّمَ ) فانطلقت حفصة إلى عائشة فأسرت إليها أن: أبشري! إن النبي (صلّی اللَّهِ علیه وَ آلِهِ وَ سَلَّمَ ) قد حرّم عليه فتاته. فلما أخبرت بسر النبي(صلّی اللَّهِ علیه وَ آلِهِ وَ سَلَّمَ ) أظهر الله عزّ وجلّ النبي(صلّی اللَّهِ علیه وَ آلِهِ وَ سَلَّمَ ) ، فأنزل الله على رسوله لما تظاهرتا عليه ( يا أيها النبي لم تحرم ما أحل الله لك)(2).
ص: 241
يصرح القرآن في سورة التحريم بأن اثنتين من زوجات النبي(صلّی اللَّهِ علیه وَ آلِهِ وَ سَلَّمَ ) تتآمران عليه، وأن الله وجبرائيل وصالح المؤمنين والملائكة للنبي ظهير. يقول البخاري ومسلم في تفسير هذه الآيات والتعريف بتلكما المرأتين، نقلاً عن ابن عباس أنه قال: لم أزل حريصاً أن أسأل عمر عن المرأتين من أزواج النبي اللتين قال الله تعالى: («إِنْ تَتُوبَا إِلَى اللَّهِ فَقَدْ صَغَتْ قُلُوبُكُمَا ...." حتى حج عمر وحججت معه. فلما كنا ببعض الطريق عدل عمر وعدلت معه بالإدارة. فتبرز ثم أتاني فسكبت على يديه فتوضأ فقلت: يا أميرالمؤمنين من المرأتان من أزواج النبي(صلّی اللَّهِ علیه وَ آلِهِ وَ سَلَّمَ ) اللتان قال الله عزّ وجلّ لهما: «إِنْ تَتُوبَا إِلَى اللَّهِ فَقَدْ صَغَتْ قُلُوبُكُمَا) قال عمر: واعجبا لك يا ابن عباس قال: هي حفصة وعائشة(1).
من النقاط المهمة في شخصية عائشة حسدها لسائر زوجات النبي. وكان لهذه الخصوصية عندها انعكاس واسع في الروايات والتقارير التاريخية. وهنا نستعرض مع التصنيف بعضاً من تلك الروايات.
ص: 242
يقول محمد بن إسماعيل البخاري ومسلم بن الحجاج النيسابوري، وابن ماجة القزويني والترمذي، نقلاً عن عائشة قالت: ما غرت على امرأة للنبي (صلّی اللَّهِ علیه وَ آلِهِ وَ سَلَّمَ ) ما غرت على خديجة من كثرة ذكر رسول الله(صلّی اللَّهِ علیه وَ آلِهِ وَ سَلَّمَ ) إياها. قالت: وتزوجني بعدها (بعد وفاتها) بثلاث سنين، وأمره ربه أو جبريل أن يبشرها ببيت في الجنة من قصب (1).
كما يقول أحمد بن حنبل نقلاً عن عائشة قالت: كان النبي إذا ذكر خديجة أثنى عليها فأحسن الثناء. قالت: فغرت يوماً فقلت ما أكثر ما تذكرها حمراء الشدق قد أبدلك الله عزّ وجلّ بها خيراً منها؟ قال: ما أبدلني الله عزّ وجلّ بها خيراً منها؛ قد آمنت بي إذ كفر بي الناس، وصدّقتني إذ كذّبني الناس ،وواستني بمالها إذ حرمني الناس، ورزقني الله عزّ وجلّ ولدها إذ حرمني أولاد النساء (2).
ص: 243
وتقول عائشة، في رواية أخرى فغضب (النبي(صلّی اللَّهِ علیه وَ آلِهِ وَ سَلَّمَ )) حتى اهتز مقدم شعره من الغضب (1). ... فغضب رسول الله (صلّی اللَّهِ علیه وَ آلِهِ وَ سَلَّمَ ) غضباً ما رأيته غضب مثله قط (فقلت له:) يا رسول الله! اعف عني عفا الله عنك. والله لا تسمعني أذكر خديجة بعد هذا اليوم بشيء تكرهه (2).
يقول البخاري ومسلم نقلاً عائشة: استأذنت هالة بنت خويلد أخت عن خديجة على رسول الله(صلّی اللَّهِ علیه وَ آلِهِ وَ سَلَّمَ ) فعرف استئذان خديجة (تذكّره) فارتاع لذلك، فقال (فرحاً بقدومها): اللّهُمَّ هالة. قالت (عائشة): فغرت فقلت: ما تذكر من عجوز من عجائز قريش، حمراء الشدقين هلكت في الدهر قد أبدلك الله خيراً منها(3) .
ولم تكن عائشة تغار من خديجة وحدها وتوجه الإهانات إليها، بل كانت تحمل الشعور نفسه تجاه سائر أزواج النبي.
يقول ابن سعد نقلاً عن عائشة: لما تزوج رسول الله (صلّی اللَّهِ علیه وَ آلِهِ وَ سَلَّمَ ) أم سلمة حزنتُ حزناً شديداً لِما ذكروا لنا من جمالها قالت: فتلطفت لها حتى رأيتها فرأيتها
ص: 244
والله أضعاف ما وصفت في الحسن والجمال. قالت: فذكرت ذلك لحفصة فقالت: لا والله إن هذه إلّا الغيرة، ما هي كما يقولون. فتلطفت لها حفصة حتى رأتها فقالت: قد رأيتها، ولا والله ما هي كما تقولين ولا قريب، وإنها لجميلة. قالت: فرأيتها بعد فكانت لعمري، كما قالت حفصة ولكني كنت غيري (هكذا ، وربما غيرى: م) (1) .
يقول ابن سعد نقلا عن عائشة: ما غرت على امرأة إلّا دون ما غرت على مارية وذلك أنها كانت جميلة من النساء جعدة وأُعجب بها رسول الله(صلّی اللَّهِ علیه وَ آلِهِ وَ سَلَّمَ ) وكان أنزلها أول ما قدم بها في بيت لحارثة بن النعمان فكانت جارتنا فكان رسول الله عامة النهار والليل عندها حتى فرغنا لها (عملنا ضدها) فجزعت فحولها إلى العالية. فكان يختلف إليها هناك، فكان ذلك أشد علينا. ثم رزق الله منها الولد وحرمنا منه(2).
أما الحاكم النيسابوري فيتناول موضوع مارية بالتفصيل. يقول: أُهديت مارية إلى رسول الله (صلّی اللَّهِ علیه وَ آلِهِ وَ سَلَّمَ ) و معها ابن عم لها. قالت: فوقع عليها وقعة فاستمرت حاملاً. قالت: فعزلها عند ابن عمها. قالت: فقال أهل الإفك والزور: من حاجته إلى الولد ادّعى ولد غيره وكانت أمة قليلة اللبن فابتاعت له ضائنة
ص: 245
لبون فكان يغذى لبنها فحسن عليه لحمه (سمن) . قال عائشة: فدخل به (فدخلتُ) على النبي(صلّی اللَّهِ علیه وَ آلِهِ وَ سَلَّمَ ) و ذات يوم فقال : كيف ترين (ابني)؟ فقلت: من غُذي بلحم الضأن يحسن لحمه قال: ولا الشبه؟ قالت: فحملني ما يحمل النساء من الغيرة أن قلت: ما أرى شبهاً. قالت: وبلغ رسول الله (صلّی اللَّهِ علیه وَ آلِهِ وَ سَلَّمَ ) ما يقول الناس ( عن علاقة مارية وابن عمها)، فقال لعلي: خذ هذا السيف فانطلق واضرب عنق ابن عم مارية حيث وجدته. قالت: فانطلق فإذا هو في حائط على نخلة يخترف رطباً. قال: فلما نظر إلى علي ومعه السيف استقبلته رعدة. قال: فسقطت الخرقة، فإذا هو لم يخلق الله عزّ وجلّ له ما للرجال شيء ممسوح (1).
الأهم في هذه الحادثة أن عائشة أبت أن تعترف بصحة انتساب ابن مارية إلى النبي، بل أنكرت شبهه بالنبي بدافع الحسد منها لمارية؛ وهذا يعني اتهامها والطعن بعفتها.
يقول حمزة بن أبي أسيد الساعدي نقلاً عن أبيه وكان من أصحاب بدر: تزوج رسول الله (صلّی اللَّهِ علیه وَ آلِهِ وَ سَلَّمَ ) أسماء بنت النعمان الجونية فأرسلني فجئت بها، فقالت حفصة لعائشة أخضبيها أنت وأنا أمشطها. ففعلتا، ثم قالت لها إحداهما: إن
ص: 246
النبي (صلّی اللَّهِ علیه وَ آلِهِ وَ سَلَّمَ ) يعجبه من المرأة إذا دخلت عليه أن تقول: أعوذ بالله منك. فلما دخلت عليه وأغلق الباب وأرخى الستر مد يده إليها فقالت: أعوذ بالله منك (قال النبي ثلاث مرات عذت بالله) قال أبو أسيد: ثم خرج إلي فقال: يا أبا أسيد! ألحقها بأهلها ومتعها برازقيين يعني بكرباسين (قميصين من الكرباس) وطلقها. فكانت تقول : ادعوني الشقية! (وكانت تقول: خدعتني ذات القلب القاسي) أنها ماتت كمداً(1).
كانت عائشة تعبر عن حسدها بطرائق مختلفة؛ فتارة تحسد زوجات النبي الأخريات، وتارة تقوم بتحطيم الأطباق التي يبعث الناس الطعام إليه بها.
ينقل أحمد بن حنبل أن عائشة كانت أمرت جاريتها أن ترمي الطعام الذي ترسله حفصة إلى النبي، إن هي أرسلته قبلها. ففعلت الجارية ما أمرتها به وكسرت إناء حفصة فاضطرت عائشة إلى أن تبدلها بإناء من أوانيها (2) .
كما ينقل أحمد بن حبل عن عائشة خبر رميها طعاماً صنعته صفية وكسرها الإناء. يقول: عن عائشة قالت: بعثت صفية إلى رسول الله(صلّی اللَّهِ علیه وَ آلِهِ وَ سَلَّمَ ) بطعام
ص: 247
قد صنعته له وهو عندي، فلما رأيت الجارية أخذتني رعدة حتى استقلني أفكل (فقدت السيطرة على نفسي) فضربت القصعة فرميت بها. قالت: فنظر إليّ رسول الله(صلّی اللَّهِ علیه وَ آلِهِ وَ سَلَّمَ ) فعرفت الغضب في وجهه، فقلت: أعوذ برسول الله أن يلعني اليوم. قالت قال أولي! (توبي) قلت وما كفارته يا رسول الله؟ طعام كطعامها وإناء كإنائها (ترسلينه إليها) (1)
بلغ حسد عائشة أنها كانت تقتفي آثار النبي في بعض الليالي حين كان يخرج للتعبد في البقيع أو في المسجد، لكي ترى إن كان يذهب إلى إحدى زوجاته. وقد نقل أحمد بن حنبل روايات في هذا. فنقل عن عائشة أنها قالت: فقدت رسول الله(صلّی اللَّهِ علیه وَ آلِهِ وَ سَلَّمَ ) فظننت أنه أتى بعض جواريه فطلبته فإذا هو ساجد يقول: رب اغفر لي ما أسررت وما أعلنت(2).
وينقل عن عائشة في موضع آخر من كتابه أنها قالت: لما كانت ليلتي التي النبي (صلّی اللَّهِ علیه وَ آلِهِ وَ سَلَّمَ ) فيها عندي انقلب فوضع ردائه وخلع نعليه فوضعهما عند رجليه وبسط طرف إزاره على فراشه فاضطجع. فلم يلبث إلّا ريثما ظن أني قد رقدت فأخذ رداءه رويداً وانتعل رويداً وفتح الباب فخرج ثم أجافه رويداً. فجعلت درعي في رأسي واختمرت وتقنعت إزاري ثم انطلقت على أثره حتى جاء البقيع
ص: 248
فقام فأطال القيام ثم رفع يديه ثلاث مرات. ثم انحرف فانحرفت، فأسرع فأسرعت فهرول فهرولت، فأحضر فأحضرت فسبق فسبقته، فدخلت فليس إلّا أن اضطجعت فدخل فقال: ما لك يا عائش حشياء راتبة؟ قالت: قلت: لا شيء يا رسول الله. قال: لتخبرنني أو ليخبرني اللطيف الخبير! قالت: قلت: يا رسول الله بأبي أنت وأمي، فأخبرته قال: فأنت السواد الذي رأيت أمامي. قلت: نعم. فلهزني في ظهري لهزة فأوجعني وقال: أظننت أن يحيف عليك الله ورسوله (1)؟
من أبرز مؤشرات العداوة التي كانت تكنها عائشة للإمام علي (علیه السّلام)، مواجهتها للإمام(علیه السّلام) بذريعة الطلب بدم عثمان؛ الدم الذي كان لها المساهمة الأكبر في إراقته، في حرب الجمل التي أدت إلى قتل نحو عشرين ألفاً من الفريقين.
ولقد كشفت عائشة عن بغضها للإمام (علیه السّلام) في مواقف عديدة، فضلاً عن إشعالها لحرب الجمل.
فهذا ابن سعد وأحمد بن بن حنبل ومحمد بن إسماعيل البخاري ومسلم بن الحجاج النيسابوري والبلاذري وأحمد بن شعيب النسائي يروون عن عائشة أن الفضل بن عباس ورجلاً آخر كانا يسندان النبي(صلّی اللَّهِ علیه وَ آلِهِ وَ سَلَّمَ ) ويخرجانه من البيت
ص: 249
ورجلاه تخطان الأرض. يقول الراوي: فأخبرت عبدالله بن عباس بالخبر فقال: فهل تدري من الرجل الآخر الذي لم تسمّ عائشة؟ قال: قلت: لا. قال ابن عباس: هو علي، إنّ عائشة لا تطيب له نفساً بخير (1).
أما أبو الفرج الإصبهاني فيشير إلى حادثة أخرى تُظهر عداء عائشة للإمام (علیه السّلام). يقول : لما بلغ عائشة خبر مقتل الإمام علي (علیه السّلام) فرحت وسجدت شكراً.
تقول زينب بنت أم سلمة: لما أتى عائشة نعي أميرالمؤمنين (وكنت عندها) تمثلت: فألقت عصاها واستقر بها النوى ... كما قرّ عيناً بالإياب المسافر (أفرحني خبر مقتله وقرت عيني به) ثم قالت من قتله؟ قيل: رجل من مراد.
فقالت:
ص: 250
فإن يك نائباً فلقد بغاه ... غلام ليس في فيه التراب (لئن كان بعيداً عنا حين قتله فبورك الفتى الذي أدخل السرور علينا بخبر قتله) فقالت لها زينب بنت أم سلمة: ألعلي تقولين هذا؟ فقالت: إذا نسيت فذكروني ثم تمثلت :
مازال إهداء القصائد بيننا ... باسم الصديق وكثرة الألقاب
حتى تركت كأن قولك فيهم ... في كل مجتمع طنين ذباب (1).
(لقد ولّى زمان المدح والإطراء، وإن مدحك لهم لا يساوي طنين ذبابة).
يقول محمد بن إسحاق: إن عائشة لما وصلت إلى المدينة راجعة من البصرة (بعد هزيمتها في حرب الجمل) لم تزل تحرّض الناس على أميرالمؤمنين(علیه السّلام) . وكتبت إلى معاوية وإلى أهل الشام مع الأسود بن أبي البختري لتحرضهم عليه(2) .
وروي عن مسروق بن أجدع (3) أنه قال: دخلت على عائشة فجلست إليها، فحدثتني واستدعت غلاماً لها أسود يقال له عبد الرحمن حتى وقف، فقالت:
ص: 251
يا مسروق! أتدري لما سميته عبد الرحمن؟ فقلت: لا. فقالت: حباً مني لعبد الرحمن بن ملجم(1).
لم تقتصر عداوة عائشة وبغضها على الإمام علي (علیه السّلام) وحده، بل كانت أوسع وأعمق بحيث شملت عترته وأقاربه. يقول ابن سعد: كانت عائشة تحتجب من حسن وحسين. قال: فقال ابن عباس: إنّ دخولهما عليها لحل. وقد قال أبو حنيفة ومالك بن أنس: الرجل يتزوج المرأة فلا تحل لولده ولا لولد ولده من الذكور أن يتزوجها أبداً لا هم ولا أولادهم ولا أولاد بناتهم. وهذا مجمع عليه(2).
وكان بغضها وعداؤها للإمام الحسن (علیه السّلام) أبرز وأوضح. فبعد شهادته (علیه السّلام) أرادوا أن يدفنوه إلى جوار قبر رسول الله(صلّی اللَّهِ علیه وَ آلِهِ وَ سَلَّمَ ) حسب وصيته (علیه السّلام)، فمنعتهم عائشة ومعها مروان وبنو أمية.
يقول اليعقوبي في هذا: ثم أخرج نعشه يراد به قبر رسول الله(صلّی اللَّهِ علیه وَ آلِهِ وَ سَلَّمَ ) ، فركب مروان بن الحكم وسعيد بن العاص فمنعا من ذلك، حتى كادت تقع فتنة. وقيل إن عائشة ركبت بغلة شهباء وقالت بيتي، لا آذن فيه لأحد. فأتاها
ص: 252
القاسم بن محمد بن أبي بكر فقال لها : يا عمة! ما غسلنا رؤوسنا من يوم الجمل الأحمر، أتريدين أن يقال يوم البغلة الشهباء (1)
كذلك يروي ابن عساكر عن منع عائشة دفن الإمام الحسن(علیه السّلام) بجوار قبر رسول الله (صلّی اللَّهِ علیه وَ آلِهِ وَ سَلَّمَ ): سمعت عائشة تقول يومئذ: هذا الأمر لا يكون أبداً، يدفن ببقيع الغرقد ولا يكون لهم رابعاً. والله إنه لبيتي أعطانيه رسول الله(صلّی اللَّهِ علیه وَ آلِهِ وَ سَلَّمَ ) في حياته وما دفن فيه عمر وهو خليفة إلّا بأمري وما آثر علي عندنا بحسن (2) .
من الأمور الهامة في حياة عائشة علاقتها بدولة معاوية. وهذا ما يُتحقق منه من خلال النظر الثاقب في التقارير التاريخية. فمن الأدلة على تعلّق عائشة بحكم معاوية، ما كان يغدقه عليها معاوية من بذل وهبات. يقول أبو نعيم الإصبهاني: أهدى معاوية لعائشة ثياباً ( نقوداً) وورقاً وأشياء ثمينة)(3).
ص: 253
وينقل عن عروة بن الزبير أن معاوية بعث إلى عائشة بمائة ألف درهم أو دينار(1) .
ويقول ابن كثير أيضاً في هذا المجال: إن معاوية بعث إلى عائشة (بمكة) بقلادة بمائة ألف(2).
وفي تقرير آخر له، يقول ابن كثير أيضاً : قضى معاوية عن عائشة ثمانية عشر ألف دينار (3).
وليس هذا إلاّ جانباً مما بذله معاوية نفسه لعائشة. وإلّا فإن أمراء آخرين، أمثال عبدالله بن عامر والي البصرة، كانوا يغدقون عليها بهداياهم وهباتهم التي شملت فيما شملت النقود والثياب (4).
هذا وكانت عائشة تتمتع بنفوذ في دولة بني اُمیة، وكانت تستغله. يقول ابن سعد: أن مرة صاحب نهر مرة أتى عبد الرحمن بن أبي بكر، وكان مولاهم، فسأله أن يكتب له إلى زياد في حاجة له، فكتب من عبد الرحمن إلى زياد، ونسبه إلى غير أبي سفيان. فقال: لا أذهب بكتابك هذا فيضرني. قال: فأتى
ص: 254
عائشة فكتبت له: من عائشة أم المؤمنين إلى زياد بن أبي سفيان(1). قال: فلما جاءه بالكتاب قال له: إذا كان غداً فجئني بكتابك. قال: وجمع الناس، فقال: يا غلام اقرأه قال: فقرأه من عائشة أم المؤمنين إلى زياد بن أبي سفيان. قال: فقضى له حاجته(2).
يقول ياقوت الحموي، بعد أن ينقل هذه القصة: لما رأى زياد أنها قدمته ونسبته إلى أبي سفيان، سُر بذلك وأكرم مرة وألطفه وقال للناس: هذا كتاب أم المؤمنين إليّ وفيه كذا، وعرضه ليقرأ عنوانه ثم أقطعه مائة جريب على نهر الأبلة وأمر أن يحفر لها نهر فنسب إليه(3).
وكتبت عائشة رسالة أخرى إلى زياد طلبت منه فيها أن يهتم بحاملها.
فكتب زياد في ذيل الرسالة هو بين أبويه (أي إنني سأهتم به كما لو أنه بين والديه) (4)
بالرغم من أن بغض علي(علیه السّلام) كان العامل المشترك بين عائشة ومعاوية، وهو الذي جمعهما في صف واحد في مواجهته، فإن خلافات وقعت بين بني
ص: 255
أمية وعائشة بسبب قتل معاوية لحجر بن عدي وأصحابه وقتله أخويها محمداً وعبدالرحمن ابني أبي بكر، ولكن عائشة كانت عاجزة عن مواجهتهم (1) .
هو الزبير بن العوام بن خويلد ابن عمة رسول الله(صلّی اللَّهِ علیه وَ آلِهِ وَ سَلَّمَ ) والإمام علي (علیه السّلام)، لأن أمه صفية بنت عبدالمطلب. وهو، من جهة أخرى، ابن أخ السيدة خديجة وابن خال السيدة الزهراء (علیها السّلام). وكان كذلك، صهر الخليفة الأول وعديل النبي.
قيل إن الزبير بن العوام والإمام علياً (علیه السّلام) وطلحة وسعد بن أبي وقاص وُلدوا جميعاً في سنة واحدة. آمن الزبير بالنبي وكان عمره عشر سنوات أو اثنتي عشرة سنة أو خمس عشرة سنة وكان من أوائل من آمنوا. ويُدّعى أنه في بداية إسلامه كان عمه يلفه بحصير ويعلقه فوق النار ليعيده إلى الكفر، فكان يقول: لن أكفر. هاجر ثلاث هجرات (هجرتين إلى الحبشة والثالثة إلى المدينة)
ص: 256
عندما كانوا في مكة، آخى النبي (صلّی اللَّهِ علیه وَ آلِهِ وَ سَلَّمَ ) بينه وبين عبدالله بن مسعود. ولما آخى النبي بعد الهجرة إلى المدينة بين المهاجرين والأنصار، آخى بينه وبين سلمة بن سلامة بن وَقش. وفي رواية، آخى بينه وبين طلحة أو كعب بن مالك.
يعُد أهل السنة الزبير من العشرة المبشرة بالجنة، إذ يعتقدون أن النبي (صلّی اللَّهِ علیه وَ آلِهِ وَ سَلَّمَ ) بشّر الإمام علياً (علیه السّلام) وأبا بكر وعمر وعثمان وطلحة والزبير وسعد بن أبي وقاص وسعيد بن زيد وعبدالرحمن بن عوف وأبا عبيدة الجرّاح بالجنة. كان للزبير نحو عشرة أبناء ذكور أشهرهم عبدالله وعروة(1).
تفيد روايات أهل السنة بأن الزبير كان من الصحابة الشجعان، وأنه شهد جميع حروب النبي(صلّی اللَّهِ علیه وَ آلِهِ وَ سَلَّمَ ) من بدر حتى حنين والطائف وتحمل على إثرها جراحات أصابت بدنه وتركت آثارها عليه سنوات (2) .
ص: 257
ويدّعي أهل السنة أن الزبير هو أول من سلّ سيفه في الإسلام. فقد سمع وهو بمكة أن المشركين قبضوا على النبي، فاستل الزبير سيفه واخترق الناس حتى بلغ النبي (صلّی اللَّهِ علیه وَ آلِهِ وَ سَلَّمَ ) في أعلى مكة. فقال له النبي: ما لك يا زبير؟ قال: يا رسول الله! سمعت أنهم قبضوا عليك. فحمده النبي ودعا له ولسيفه(1).
ويُدّعى أيضاً أن النبي لما أراد أن يتقصى أخبار المشركين في معركة خيبر (في الهامش يوم الأحزاب: م)، قال(صلّی اللَّهِ علیه وَ آلِهِ وَ سَلَّمَ ) : من يأتينا بخبر القوم؟ قال الزبير: أنا.
قالها ثلاثاً، والزبير يقول أنا. (ثم ذهب وأتى بالخبر) (2)
يُجمع المؤرخون على أن الزبير كان مخالفاً للسقيفة منذ البداية. وقد ورد التعبير عن هذه المخالفة بعبارات مختلفة عند البخاري وابن الأثير واليعقوبي
ص: 258
وابن عبدربه (1). وكان يسعى إلى بيعة الإمام علي(علیه السّلام) وكان داعماً له (2). وكان يستل سيفه ويقول: لا أغمده حتى يبايَع علي (3).
وكان ممن تحصن في بيت الزهراء(علیها السّلام) ، ولكنه أجبر في النهاية على مبايعة أبي بكر. ولما توجّه عمر وجماعة معه إلى بيت الإمام علي (علیه السّلام) لأخذ البيعة منه وأخرجوه من بيته بالقوة، حمل الزبير على عمر شاهراً سيفه وقال لبني هاشم: يا معشر بني عبدالمطلب! أيُفعل هذا بعلي وأنتم أحياء؟ وشدّ على عمر ليضربه بالسيف فرماه خالد بن الوليد بصخرة فأصابت قفاه وسقط السيف من يده فأخذه عمر وضربه على صخرة فانكسر(4).
ص: 259
فقال الزبير وعمر على صدره: يا ابن صهاك، أما والله لو أن سيفي في يدي عني. قال سلمان: لم يكن أحد منا أشد قولاً من الزبير. فلما بايع (مكرهاً) قال: يا ابن صهاك، أما والله لولا هؤلاء الطلقاء الذين أعانوك ما كنت لتقدم عليّ ومعي السيف لما قد علمتُ من جبنك ولؤمك، ولكنك وجدت من تقوى بهم (1) .
يقول سلمان: فلما كان الليل حمل علي فاطمة على حمار وأخذ بيد ابنيه الحسن والحسين فلم يدع أحداً من أهل بدر من المهاجرين ولا من الأنصار إلّا أتى منزله وذكر حقه ودعاه إلى نصرته. فما استجاب له من جميعهم إلاّ أربعة وأربعون رجلاً . فأمرهم أن يصبحوا بكرة محلقين رؤوسهم معهم سلاحهم وقد بايعوه على الموت. فأصبح ولم يوافه منهم أحد غير أربعة. قلت لسلمان: من الأربعة؟ قال: أنا وأبو ذر والمقداد والزبير بن العوّام. ثم أتاهم من الليلة الثانية فناشدهم الله فقالوا: نصحبك بكرة. فما منهم أحد وفي غيرنا. ثم الليلة الثالثة فما وفى أحد غيرنا (2) .
ص: 260
تفيد بعض الروايات بأن الزبير كان ممن شهد وصية الزهراء (علیها السّلام) (1) وحضر تشییع جنازتها والصلاة عليها (2).
في حادثة السقيفة والبيعة الإجبارية لأبي بكر، لما سأل عثمان الإمام علياً (علیه السّلام): هل جاء عن النبي شيء فيَّ ؟ قال (علیه السّلام) : بلى، قد سمعت رسول الله(صلّی اللَّهِ علیه وَ آلِهِ وَ سَلَّمَ ) يلعنك ثم لم يستغفر الله لك مذ لعنك. فغضب عثمان فقال: ما لي ولك؟ أما تدعني على حالي على عهد رسول الله ولا بعده؟ فقال الزبير: نعم، فأرغم الله أنفك فقال عثمان : فو الله لقد سمعت رسول الله (صلّی اللَّهِ علیه وَ آلِهِ وَ سَلَّمَ ) يقول : إن الزبير يُقتل مرتداً عن الإسلام! قال سلمان: فقال لي علي (علیه السّلام) فيما بيني وبينه: صدق عثمان، وذلك أنه يبايعني بعد قتل عثمان ثم ينكث بيعتي فيقتل مرتداً عن الإسلام (3).
ص: 261
لم تذكر التقارير التاريخية أن علاقة الزبير كانت طيبة مع الخلفاء الثلاثة.
لقد سعی الخلفاء الثلاثة إبعاد الزبير، قدر الإمكان عن التدخل في شؤون الدولة. لذلك لم يحتل أي منصب في خلافتهم. بل إن عمر منعه من المشاركة في المعارك. يقال إنه في إحدى المعارك، استأذن الزبيرُ عمرَ في أن يشهد المعركة فلم يأذن له. وقال له في المرة الأخيرة: اقعد في بيتك! فو الله إني لأجد بطرف المدينة منك ومن أصحابك أن تخرجوا فتفسدوا على أصحاب محمد(صلّی اللَّهِ علیه وَ آلِهِ وَ سَلَّمَ )(1) .
في رواية أخرى أن عمر بعد أن رفض طلب الزبير ورأى منه السخط الشديد قال لأصحابه : من يعذرني من أصحاب محمد(صلّی اللَّهِ علیه وَ آلِهِ وَ سَلَّمَ ) ؟ لولا أني أُمسك بفم هذا الشعبي الأهدموا أمة محمد (صلّی اللَّهِ علیه وَ آلِهِ وَ سَلَّمَ ) (2).
بالرغم من أن العلاقة بين عمر والزبير لم تكن طيبة، إلّا أن ذلك لم يمنع عمر من أن يجعل الزبير ضمن الشورى لتعيين الخليفة من بعده. وفي اجتماع الشورى، انحاز الزبير انحيازاً عائلياً إلى الإمام علي (علیه السّلام) فأعطاه صوته وانسحب من المنافسة.
ص: 262
يقول ابن أبي الحديد محللاً انحياز الزبير للإمام علي (علیه السّلام) في الشورى السداسية: وإنما فعل ذلك لأنه لما رأى علياً قد ضعف (بعد أن أعطى طلحة رأيه لعثمان) دخلته حمية النسب لأنه ابن عمة أميرالمؤمنين (علیه السّلام) وهي صفية بنت عبدالمطلب وأبو طالب خاله(1) .
كان الزبير، شأنه شأن أغلب أصحاب رسول الله(صلّی اللَّهِ علیه وَ آلِهِ وَ سَلَّمَ ) ، معترضاً على ما كان يفعله عثمان. وكان يحرض الناس عليه، حتى أصبح سبباً في قتله. وتفيد التقارير التاريخية بأن أكثر من كان يحرض الناس على عثمان، طلحة والزبير وعائشة (2).
وكان الزبير هو القائل: اقتلوه، فقد بدّل دينكم. فقالوا (له): إن ابنك يحامي عنه بالباب. فقال: ما أكره أن يقتل عثمان ولو بدئ بابني. إن عثمان لجيفة على الصراط (الطريق) غداً (3).
ص: 263
وأشار محمد بن أبي حذيفة في مناظرته لمعاوية إلى دور الزبير في قتل عثمان. قال: فوالله الذي لا إلٰه غيره (يا معاوية!) ما أعلم أحداً شرك في دم عثمان وألّب الناس عليه غيرك، لما استعملك ومن كان مثلك، فسأله المهاجرون والأنصار أن يعزلك، فأبى، ففعلوا به ما بلغك. (ولو كان عزلك لما قتل). والله ما أحد اشترك في قتله بدءاً وأخيراً إلّا طلحة والزبير وعائشة. فهم الذين شهدوا عليه بالعظيمة وألّبوا عليه الناس (1).
هذا وكان عثمان قد منح في عهده، الزبير أموالاً وسمح له بأن يأخذ من بيت المال ستمائة ألف درهم أو دينار. فنزل على أخواله بني كاهل فقال: أي المال أجود؟ قالوا: مال إصبهان. قال: أعطوني من مال إصبهان(2).
بعد مقتل عثمان على يد الصحابة ومبايعة المسلمين الإمام علياً(علیه السّلام) ، كان الزبير من أوائل من بايع. ولكنه لم يلبث أن أصبح من أوائل من نقض البيعة، ورافق عائشة وطلحة فأشعلوا حرب الجمل سنة 36 الهجرية بحجة الطلب بدم عثمان الذي كان هو سهيماً كبيراً في سفكه، ووقف في مواجهة خليفة المسلمين الإمام علي(علیه السّلام) . تفيد بعض التقارير بأن الزبير وقف، في يوم الجمل، أمام الإمام (علیه السّلام) لحظات وقاتله. ولكنه انصرف عن مقاتلته بعد أن ذكّره بكلام رسول الله (صلّی اللَّهِ علیه وَ آلِهِ وَ سَلَّمَ ) إذا قال : لتقاتلنه ( يا زبير) وأنت له ظالم. فندم وترك الميدان وتوجه إلى المدينة. فرآه أحد جنود جيش الجمل فلاحقه وقتله في
ص: 264
موضع يقال له وادي السباع. غير أن تقارير أخرى، أشرنا إلى مصادرها، ذكرت أن الزبير أعتق غلامه مكحولاً كفارةً لحنثه بقسمه وعاد إلى القتال، ولما بانت علائم الانكسار على جبهته، ولّى هارباً صوب المدينة، فقتله ابن جرموز في الطريق.
على أن أسباباً مختلفة ذُكرت لنكث طلحة والزبير لبيعتهما ووقوع حرب الجمل، مع أنها تتفاوت من حيث قوة دورها في تسبيب الحرب. هذا ويمكن تقسيم تلك الأسباب إلى مجموعتين؛ "أسباب خارجية" و"أسباب داخلية".
الأسباب الخارجية: مع بداية حكم الإمام علي(علیه السّلام) ، أدرك طلحة والزبير إفلاسهما من امتيازات دولته، بعد أن رفض (علیه السّلام) أن يسند إليهما ولايتي الكوفة والبصرة. بل إن الإمام (علیه السّلام) أعاد حصتهما من بيت المال إلى ما يساوي حصص غيرهم رافضاً مطالباتهما الباطلة بالمزيد.
ومن العوامل الخارجية، التحريضات التي كان يقوم بها معاوية ورسائله التي كان ينثرها على طلحة والزبير. فقد عمل، بمنتهى المكر، على المبالغة في مدحهما والتمجيد بهما ودعوتهما إلى التصدي إلى خلافة المسلمين لإنقاذهم من الهلاك. بل إنه ضمن لهما تأييد أهل الشام لتولي أحدهما الأمر. وهكذا هيّج فيهما حب السلطة والتأمر حتى ظنّا أنهما قادران، بحركة بسيطة، على الاستحواذ على الخلافة.
ص: 265
1 - حب السلطة من الآثار السيئة التي تركتها شورى الخلافة التي سنّها عمر أنها أيقظت شهوة الخلافة في نفس طلحة والزبير. فلما وجدا نفسيهما عضوين في الشورى، أحسّا بأنهما كفؤ خلافة رسول الله (صلّی اللَّهِ علیه وَ آلِهِ وَ سَلَّمَ ). لذا حاولا، بإشعال حرب الجمل، أن يعيدا أمر الخلافة إلى الشورى ليلتقطا من صندوقها من يناسب هواهما. لذا كان شعار إعادة الخلافة شورى بين المسلمين، على الطريقة العمرية، ملازماً لحرب الجمل من أولها إلى آخرها. وبموت عثمان وعبد الرحمن بن عوف، لم يبق منافس للإمام علي (علیه السّلام) إلّا طلحة والزبير وسعد بن أبي وقاص، وكلهم مخالف للإمام. وهكذا كان لا بد أن تؤدي الشورى، التي كان طلحة والزبير يتشبثان بها، إلى إسقاط أميرالمؤمنين (علیه السّلام).
2- السبب الداخلي الآخر في وقوع حرب الجمل، كان البغض والحسد الذي اعتمل في قلب طلحة والزبير، بالإضافة إلى الولع بالحكم. وهذا ما أشار إليه الإمام (علیه السّلام)، ضمن تعداده لأسباب الحرب، في الخطب التي خطب بها عندما توجه الأصحاب إلى البصرة (1).
على أن دراسة التاريخ والنظر في الروايات تكشف لنا دوافع أخرى أدت إلى وقوع هذه الحرب، نسميها "العلل الواهية"؛ وهي التي حملت عناوين
ص: 266
الطلب بدم عثمان، وإصلاح أمة محمد، والأمر بالمعروف والنهي عن المنكر، وغايتها الشغب على خليفة المسلمين. فلم تكن هذه العناوين إلاّ أغطية إعلامية تضمنتها الخطب النارية التي استهدفت تعبئة الناس ضد أميرالمؤمنين (علیه السّلام).
كان الزبير أحد أثرى أثرياء زمانه. وقد جاء في ثروته: أن النبي(صلّی اللَّهِ علیه وَ آلِهِ وَ سَلَّمَ ) أقطع الزبير أرضاً فيها نخل كانت من أموال بني النضير، وأن أبابكر أقطع الزبير الجرف، وأن عمر أقطع الزبير العقيق أجمع(1).
يقول البخاري: فقتل الزبير ولم يدع ديناراً ولا درهماً إلّا أرضين منها (التي كانت تسمى) الغابة وإحدى عشرة داراً بالمدينة ودارين بالبصرة وداراً بالكوفة وداراً بمصر ... كان الزبير اشترى الغابة بسبعين ومائة ألف فباعها عبدالله بألف ألف وستمائة ألف. قال: فكان للزبير أربع نسوة، ورفع الثلث فأصاب كل امرأة ألف ألف ومائتا ألف (درهم أو دينار). فجميع ماله خمسون ألف ألف ومائتا ألف(2).
ص: 267
حسب ما ينقله ابن سعد، فإن الزبير ترك واحداً أو اثنين وخمسين مليون(1).
يقول المسعودي: بنى داره بالبصرة ... وابتنى أيضاً دوراً بمصر والكوفة والإسكندرية ... وبلغ مال الزبير بعد وفاته خمسين ألف دينار. وخلّف الزبير ألف فرس وألف عبد وأمة (2).
يرى علماء الشيعة أن نقض الزبير بيعة الإمام علي (علیه السّلام) وإجبار عائشة على الحرب يكفي للحكم بارتداده (3). وكما رفض أهل الردّة دفع الزكاة إلى أبي بكر لِما رأوا من مخالفة اختياره لرأي النبي (صلّی اللَّهِ علیه وَ آلِهِ وَ سَلَّمَ ) الذي صرّح به في يوم الغدير، فانبرى أبو بكر لمقاتلتهم وقضى عليهم، رغم أنهم لم يبادروا إلى قتال ولم
ص: 268
يجيشوا الحرب جيشاً. أما الزبير فقد أشعل على حاكم المسلمين حرباً بكل ما للكلمة من معنى (1) !
إنهم (علماء الشيعة) يعتقدون بأن الروايات التي يتداولها أهل السنة بحق الزبير وفضائله، كتبشير النبي له بالجنة (ضمن العشرة المبشرة)، وأن النبي مات وهو راض عن أصحاب الشورى، وكون الزبير حواري النبي، كلها موضوعة (2).
يقولون إن من دواعي وضع حديث العشرة المبشرة تلميع صورة الزبير وشكره على خروجه على الإمام علي (علیه السّلام) وإضعاف حكمه. كما أن بعض
ص: 269
علماء أهل السنة يعتبر الزبير شهيداً صوناً لأجره من الضياع بسبب إخلاله بالأمن العام ومحاربته للإمام(علیه السّلام) (1).
هؤلاء هم أنفسهم الذين منحوا وسام الشرف لحريز بن عثمان، وهو من أشهر النواصب وأعداء أهل البيت (علیهم السّلام) الله وكان يلعن الإمام عليا (علیه السّلام) في اليوم مائة وأربعين مرة، ووثقوه وصححوا عنه نحواً من 300 رواية نقلوها في كتبهم (2).
ص: 270
وهم أنفسهم الذين وثقوا عمران بن حطان ونقل عنه البخاري روايات في صحيحه، في حين أنه كان من شعراء الخوارج، وقد مدح ابن ملجم قاتل الإمام علي(علیه السّلام) وأثنى عليه(1).
هل كان الزبير أفضل من سائر الصحابة وأقرب إلى رسول الله(صلّی اللَّهِ علیه وَ آلِهِ وَ سَلَّمَ ) منهم ؟ فلماذا اختير، إذن، هو دوناً عنهم ليكون حواري رسول الله ولم يحظ غيره بهذا الشرف؟ والحال أن يعقوب بن سفيان الفسوي يرى، في كتابه المعرفة والتاريخ، أن حواري رسول الله كانوا اثني عشرة هم: حمزة وجعفر وعلي وأبو بكر وعمر وأبو عبيدة الجرّاح وعثمان بن عفان وعثمان بن مظعون وعبدالرحمن بن عوف وسعد بن أبي وقاص وطلحة والزبير (2) .
ألا ينبغي على حواري النبي أن يحفظ عهد النبي ويتصرف وفق منهجه؟
فهذا الزبير يظلم الإمام علي (علیه السّلام) ويرفع السيف بوجهه ويسمح لنفسه أن يفر من ساحة القتال!
فعندما عاتب عبدالله بن الزبير عبدالله بن عباس على ذكره حواري بسوء وانتقاده، قال عبدالله بن عباس: وأما قولك حواريَ رسول
ص: 271
الله(صلّی اللَّهِ علیه وَ آلِهِ وَ سَلَّمَ ) ، فقد لقيتُ أباك في الزحف وأنا مع إمام هدى، فإن يكن على ما أقول فقد كفر بقتالنا. وإن يكن على ما تقول فقد كفر بهربه عنا(1).
هنا، لابد من سؤال عبدالله بن الزبير : هل إن الانتقاص من الزبير وذكره وحواريي النبي وحدهم بالسوء يُعتبر قبيحاً؟ هل ينبغي الانزعاج والرفض لانتقاص الزبير وحده؟
ألم يتأذ النبي (صلّی اللَّهِ علیه وَ آلِهِ وَ سَلَّمَ ) من انتقاص الإمام علي (علیه السّلام) حتى قال: ما بال أقوام ينتقصون علياً؟ من ينتقص علياً فقد انتقصني، ومن فارق علياً فقد فارقني (2).
إن الزبير هو من رشا شهود زور في حادثة كلاب الحوأب التي نبحت ركب عائشة فأقسموا لها كذباً بأن المكان لم يكن الحوأب، ودفعها إلى الوقوع في الخطأ الجسيم، بعد أن تذكرت قول النبي (صلّی اللَّهِ علیه وَ آلِهِ وَ سَلَّمَ ) لها بمجرد أن سمعت نباح الكلاب وقررت التراجع والعودة.
كما تفيد منقولات أهل السنة بأن من فضائل الزبير أن النبي الأكرم مات وهو راضٍ عنه وعن خمسة آخرين ( أعضاء شورى عمر) معه. وقد وردت هذه
ص: 272
الرواية بصيغ مختلفة في الكثير من كتب أهل السنة منقولة عن عمر بن الخطاب.
يقول ابن أبي الحديد عن اختيار أعضاء الشورى الستة: وصورة هذه الواقعة أن عمر لما طعنه أبو لؤلؤة وعلم أنه ميت استشار فيمن يوليه الأمر بعده. (قال: لا أرجو أن يصير الأمر إلى أحد من ولدي. حسبي ما تحملته منه. لا أريد أن أتحمل أعباءه في حياتي وبعد مماتي) ثم قال: إن رسول الله مات وهو راض عن هذه الستة من قريش: علي وعثمان وطلحة والزبير وسعد وعبدالرحمن بن عوف، وقد رأيت أن أجعلها شورى بينهم ليختاروا لأنفسهم. (وقال: إن عيّنت أحداً من بعدي فقد سرت بسيرة أبي بكر وهو خيرٌ مني، وإن لم أعيّن فقد سرت بسيرة رسول الله وهو خيرٌ مني). ثم قال: ادعوهم لي! فدعوهم، فدخلوا عليه وهو ملقى على فراشه يجود بنفسه. فنظر إليهم فقال: أكلكم يطمع في الخلافة بعدي فوجموا، فقال لهم ثانية، فأجابه الزبير: (ما يُبعدنا عن جدارة الخلافة بعد أن صارت إليك؟ فلسنا أقل منك في المنزلة في قريش وفي السبق إلى الإسلام والقرابة من رسول الله) فقال عمر: أفلا أخبركم عن أنفسكم؟ قال: قل! فإنا لو استعفيناك لم تعفنا (ستخبرنا حتى وإن طلبنا منك أن لا تخبرنا). فقال: أما أنت يا زبير فوعق لقس (نافذ الصبر متلون)، مؤمن الرضا كافر الغضب، يوماً إنسان ويوماً شيطان. ولعلها لو أفضت إليك ظلت يومك تلاطم بالبطحاء على مد من شعير! أفرأيت إن أفضت إليك فليت
ص: 273
شعري من يكون للناس يوم تكون شيطاناً ومن يكون يوم تغضب؟ وما كان الله ليجمع لك أمر هذه الأمة وأنت على هذه الصفة(1).
في هذه الرواية يوجه عمر إلى الزبير انتقاداً وينعته بأقبح النعوت. وثمة روايات تتضمن نعوتاً أخرى وصف بها عمرُ الزبيرَ، كالبخل وعدم لين القلب (2).
عموماً، فإن هذه الرواية تضمنت نقاطاً جديرة بالإشارة، منها:
1 - أن الزبير كان سيئ الخلق متشدداً حريصاً يتقحم الأمور عن جهل وعدم ترو (3) .
ص: 274
2 - أنه كان مؤمناً في حال الرضا فقط. وفي رواية أخرى أنه قلّما كان راضياً (1).
3- أنه كان كافراً عند الغضب. وفي رواية أُخرى أنه كان غالب الغضب والسخط.
4 - أنه كان يوماً إنساناً ويوماً شيطاناً.
5 - أنه كان في الإنفاق بخيلاً، بل شحيحاً؛ أي أنه لا ينفق ولا يدع غيره ينفق ويبذل. لقد بلغ به شحه أن يُضيع يوماً من عمره من أجل الحصول على رطل من القمح والشعير ويستمر في المعاملة حتى فوّت صلاته. كان يشتبك مع الناس من أجل قبضة من القمح والشعير الرديء، فيصفعهم ويصل الأمر إلى امتشاق السيف(2).
ص: 275
6 - أنه في يوم كونه شيطاناً، فمن يكون خليفة للمسلمين؟!
7 - أنه لن ينال الخلافة من الله بوجود هذه الصفات فيه!
فضلاً عن نكثه عهد الإمام علي (علیه السّلام) (خليفة المسلمين حينئذٍ ) ، ثَم روايات في كتب الشيعة تدل على نصب الزبير وعداوته لأهل البيت(علیهم السّلام) .
بعدّ أبو الصلاح الحلبي والعلامة المجلسي الزبيرَ بن العوّام في أصحاب العقبة والذين خططوا في غزوة تبوك ، الاغتيال النبي (صلّی اللَّهِ علیه وَ آلِهِ وَ سَلَّمَ ) فزاع ناقته والإلقاء به في الوادي (1).
حسب الروايات التي ينقلها سليم بن قيس الهلالي والعلامة المجلسي عن أبي ذر والإمام علي(علیه السّلام) ، فإن الزبير كان من الذين أيدوا خلافة الإمام علي (علیه السّلام)، في عهد رسول الله وبأمره (صلّی اللَّهِ علیه وَ آلِهِ وَ سَلَّمَ )، وسلم عليه بإمرة المؤمنين، ولكنه لم يلبث أن نقض عهده بعد وفاة النبي (صلّی اللَّهِ علیه وَ آلِهِ وَ سَلَّمَ )(2).
ص: 276
يَعد الأمامُ الباقر (علیه السّلام) أيضاً الزبير من المنافقين والمفسدين في الأرض.
يقول(علیه السّلام) : لما كثر قول المنافقين وحساد أميرالمؤمنين (علیه السّلام) فيما يظهره رسول الله(صلّی اللَّهِ علیه وَ آلِهِ وَ سَلَّمَ ) من فضل علي(علیه السّلام) وينص عليه ويأمر بطاعته ويأخذ البيعة له ... قال المنافقون: لقد ضل محمد(صلّی اللَّهِ علیه وَ آلِهِ وَ سَلَّمَ ) في ابن عمه علي (علیه السّلام) وغوى وجن
(وامتلأت قلوبهم بغضاً له)(1).
في الرواية التي ينقلها عن عكرمة، يدرج السيوطي طلحة والزبير وكثيراً من أصحاب الرسول الله (صلّی اللَّهِ علیه وَ آلِهِ وَ سَلَّمَ ) ضمن الذين كانوا يكاتبون اليهود والنصارى في الشام ويسربون إليهم الأخبار السرية المتعلقة بالنبي(صلّی اللَّهِ علیه وَ آلِهِ وَ سَلَّمَ ) ، ليحصلوا منهم على المال، لأنهم كانوا يخافون الفقر والفاقة. فنزلت الآية 51 من سورة المائدة تمنعهم من الركون إلى اليهود والنصارى (2).
ص: 277
لعل أجمع تعبير يصف سيرة الزبير التي امتدت على مدى ست وثلاثين سنة، ما قاله أميرالمؤمنين (علیه السّلام) في حقه. قال الإمام (علیه السّلام): كنا نعدك من بني عبدالمطلب حتى بلغ ابنك ابن السوء عبدالله، ففرق بيننا وبينك(1).
لما جيء لعلي (علیه السّلام) بسيف الزبير بعد مقتله، أخذه الإمام (علیه السّلام) ونظر إليه طويلاً ثم قال: سيف طالما جلا الكرب عن وجه رسول الله(صلّی اللَّهِ علیه وَ آلِهِ وَ سَلَّمَ ) ، لكنه الحين ومصارع السوء (2) . ثم تفرس في وجه الزبير وقال : لقد كان لكل عبر رسول الله (صلّی اللَّهِ علیه وَ آلِهِ وَ سَلَّمَ ) صحبة ومنه قرابة، ولكن الشيطان دخل منخريك فأوردك هذا المورد(3) .
والزبير نفسه يقر بأن ابنه عبدالله هو الذي فرّق بينه وبين علي (علیه السّلام). فقال له يوم الجمل: ويلك لا تدعنا على حال أنت! والله قطعت بيننا وفرقت
ص: 278
الفتنا بما بليت به من هذا المسير وما كنتُ مبالياً من ولي هذا الأمر وقام به (1) .
آمن الزبير بالنبي وهو غلام وشهد حروبه على المشركين والكفار وأظهر شجاعة فائقة وتحمل جراحات كثيرة. وبعد أن توفي النبي(صلّی اللَّهِ علیه وَ آلِهِ وَ سَلَّمَ ) وخذل الكثير من المهاجرين والأنصار الإمام علياً(علیه السّلام) ، وقف الزبير في صف أميرالمؤمنين ولم يرضخ للسقيفة. وكان من الشهود على وصية الزهراء (علیها السّلام) وممن حضروا جنازتها حين شيعت ليلاً. غير أنه نقض عهده للإمام بشكل مفاجئ بعد مبايعته، في وقت كان عليه أن ينبري لدعم حكومته الفتية، ثم أشعل حرب الجمل. وقد اختصر الإمام سيرة الزبير كلها بهذه العبارة البليغة الموجزة. لقد كان ضحية فتنة أودت به.
يقول الإمام الباقر (علیه السّلام) في معرض استدلاله بالآية «وَهُوَ الَّذِي أَنْشَأَكُمْ مِنْ نَفْسٍ وَاحِدَةٍ فَمُسْتَقَرٌّ وَمُسْتَوْدَعٌ قَدْ فَصَّلْنَا الْآيَاتِ لِقَوْمٍ يَفْقَهُونَ » (2) شارحاً معنى المستقر والمستودع في الآية: المستقر ما استقر الإيمان في قلبه فلا ينزع
ص: 279
منه أبداً، والمستودع الذي يستودع الإيمان زماناً ثم يسلبه. وقد كان الزبير منهم(1).
ويشير الإمام الصادق(علیه السّلام) ، في معرض تفسيره لهذه الآية، إلى سيرة الزبير فيقول : ولقد مشى الزبير في ضوء الإيمان ونوره حين قبض رسول الله(صلّی اللَّهِ علیه وَ آلِهِ وَ سَلَّمَ ) حتى مشى بالسيف وهو يقول: لا نبايع إلّا عليا(2).
لقد شهر الزبير سيفه يوماً دفاعاً عن علي بن أبي طالب(علیه السّلام) ، وشهره يوماً آخر حرباً عليه!
ولد طلحة بن عبيدالله قبل الهجرة بنحو ثمانٍ وعشرين سنة. أبوه عبيدالله وأمه صعبة بنت الحضرمي. كان عبيد الله، أبو طلحة، عبداً يرعى الغنم ويعيش خارج مكة. ثم جاء إلى مكة وتبناه عثمان بن عمرو ابناً له(3). وكان
ص: 280
عبيدالله من الذين مورس بهم الشذوذ الجنسي مفعولاً به (1). وكان أبو طلحة ابن عم أبي بكر وكلاهما من تيم (2).
كما يقول هشام بن محمد الكلبي عن أم طلحة: وأما صعبة فهي بنت الحضرمية كانت لها راية بمكة ( في الجاهلية) واستبضعت بأبي سفيان فوقع عليها أبو سفيان وتزوجها عبيدالله بن عثمان فجاءت بطلحة بن عبيدالله لستة أشهر فاختصم أبو سفيان وعبيدالله في طلحة فجعلا أمرهما إلى صعبة فألحقته بعبيدالله فقيل لها: كيف تركت أبا سفيان؟ فقالت يد عبيدالله طلقة (كريم) ويد أبي سفيان كرة (بخيل) (3).
ص: 281
أما الإمام علي (علیه السّلام) فيصف طلحة بأنه أنطق الناس(1) وأدهى الناس وأسخاهم (2) وأخدع الناس (3) وأخصم الناس (4) له.
يرى أهل السنة أن طلحة بن عبيد الله كان ضمن أول ثمانية دخلوا الإسلام، وهذا ما جعله عرضة لأذى قريش رأى نوفل بن الحارث (5)، وكان من زعماء قريش، يوماً طلحة وأبا بكر خارجين من عند رسول الله(صلّی اللَّهِ علیه وَ آلِهِ وَ سَلَّمَ ) . فأمسك بهما وربطهما معاً بحبل واحد. لذلك كانا يعتبران قرينين(6).
ص: 282
عندما كان النبي (صلّی اللَّهِ علیه وَ آلِهِ وَ سَلَّمَ ) في مكة، عقد عقد الأُخوة بين طلحة والزبير. ثم آخى بينه وبين أبي أيوب الأنصاري في المؤاخاة بين المهاجرين والأنصار التي قام بها بعد الهجرة إلى المدينة (1) .
ذُكر طلحة في أصحاب النبي (صلّی اللَّهِ علیه وَ آلِهِ وَ سَلَّمَ ) الشجعان. شهد جميع مغازي النبي عدا بدراً، فشهد أحداً والخندق وصلح الحديبية. وفقد أحد أصابعه في معركة أحد حيث كان يدافع عن النبي (صلّی اللَّهِ علیه وَ آلِهِ وَ سَلَّمَ ) و أصيبوا بجراحات كثيرة (2).
أما عن عدم مشاركته في غزوة بدر، فثم رأيان؛ فبعض يرى أنه عند وقوعها كان طلحة في الشام في تجارة (3). ويرى بعضٌ أن رسول الله(صلّی اللَّهِ علیه وَ آلِهِ وَ سَلَّمَ ) كان قد بعث بطلحة وسعيد بن زيد، قبل وقوع معركة بدر، إلى منطقة حوران
ص: 283
للاستطلاع والتجسس على قافلة قريش، وأن هذين الرجلين حين عادا كانت المعركة قد انتهت (1).
كان طلحة، حسب اعتقاد أهل السنة ووفق الحديث الموضوع من العشرة المبشرة الذين بشرهم رسول الله(صلّی اللَّهِ علیه وَ آلِهِ وَ سَلَّمَ ) بالجنة. وكان، كما ادّعى عمر بن الخطّاب، من الستة الذين مات رسول الله (صلّی اللَّهِ علیه وَ آلِهِ وَ سَلَّمَ ) وهو عنهم راض. كان من أعضاء الشورى من الستة الذين عيّنهم عمر بن
الخطاب(2).
تفيد مصادر الحديث والتراجم والرجال السنية بأن النبي الأكرم(صلّی اللَّهِ علیه وَ آلِهِ وَ سَلَّمَ ) سمّى طلحة في غزوة حنين "طلحة الجود" وفي أحد "طلحة الخير" وفي تبوك "طلحة الفياض"(3). غير أن الذهبي يرى أن "إسناده ليّن"(4). ويضعفه شعيب الأرنؤوط، محقق كتاب سير أعلام النبلاء (5) .
ص: 284
تزوج طلحة من أخوات أربع من زوجات النبي(صلّی اللَّهِ علیه وَ آلِهِ وَ سَلَّمَ ) ، أم كلثوم بنت أبي بكر وأخت عائشة، وحمنة بنت جحش وأخت زينب بنت جحش، وفارعة بنت أبي سفيان وأخت أم حبيبة ورقية بنت أبي أمية وأخت أم سلمة، فكان عديلاً للنبي (1).
في موقف طلحة من السقيفة وخلافة أبي بكر، هناك مجموعتان من التقارير:
المجموعة الأولى: تضم آراء مؤرخين من أمثال ابن الأثير الجزري ومحب الدين الطبري الذاهبة إلى عدّ طلحة من المعارضين للسقيفة ومن الذين لم يبايعوا أبا بكر (2).
كما عدّ البلاذري والطبري طلحة في الذين اعترضوا على السقيفة وتحصنوا في دار فاطمة (علیها السّلام) (3). ومع أن هذه المصادر اكتفت بذكر اسمه مع
ص: 285
المعارضين ولم تذكر له موقفاً عملياً، فإنها أثبتت للزبير موقفاً دفاعياً عن الإمام علي (علیه السّلام) حتى عدّه ابن أبي الحديد علوياً كاملاً كان يحب الإمام علياً (علیه السّلام) حباً جماً (1).
المجموعة الثانية: من جانب آخر، لا تورد مصادر أخرى أي ذكر له في معارضي السقيفة. فاليعقوبي، مثلاً، لا يشير إلى طلحة أبداً حين يعدد معارضي خلافة أبي بكر (2).
أما المرحوم الشيخ الصدوق والعلّامة المجلسي فيتطرقان إلى جانب من حوادث السقيفة، في رواية يرويانها، والحوادث التي تلت وفاة النبي (صلّی اللَّهِ علیه وَ آلِهِ وَ سَلَّمَ ) و ودور طلحة في تقوية السقيفة، فيشيران إلى ذلك بالقول: اعتكف أبو بكر في منزله ثلاثة أيام فلما كان اليوم الثالث أتاه ( عثمان بن عفان و) عمر بن الخطاب وطلحة ( وعبدالرحمن بن عوف وسعد بن أبي وقاص وأبو عبيدة الجرّاح مع) كل واحد منهم عشرة رجال من عشائرهم شاهرين سيوفهم
ص: 286
فأخرجوه من منزله (وأخذوه إلى المسجد) وعلا المنبر (أجلسوه على منبر رسول الله(صلّی اللَّهِ علیه وَ آلِهِ وَ سَلَّمَ ) (1) .
ربما جاز افتراض تأييد طلحة لأبي بكر في السقيفة، بالنظر إلى المواقف التي اتخذها فيما بعد كتصويته لصالح عثمان في الشورى. فالمرحوم الطبرسي، مثلاً، يقول في الاحتجاج: اجتمع نحو مائتي رجل في المسجد في زمن عثمان يتحدثون عن فضائل القبائل والأشخاص ومناقبها، حتى طلبوا من الإمام علي (علیه السّلام) أن يقول شيئاً. فجعل (علیه السّلام) يعدد مناقبه وطلب منهم أن يعترفوا بصحتها فقال طلحة بن عبيدالله، وكان يقال له داهية قريش: فكيف نصنع بما ادّعى أبو بكر وأصحابه الذين صدقوه وشهدوا على مقالته يوم أتوه بك بعتل وفي عنقك حبل، فقالوا لك بايع فاحتججت بما احتججت به فصدقوك جميعاً.
ثم ادّعى (أبو بكر) أنه سمع رسول الله يقول: أبى الله أن يجمع لنا، أهل البيت، النبوة والخلافة، فصدقه بذلك عمر وأبو عبيدة وسالم ومعاذ؟ ثم قال طلحة: كل الذي قلت وادّعيت واحتججت به من السابقة والفضل نقر به ونعرفه، وأما الخلافة فقد شهد أولئك الأربعة بما سمعت. فقام علي (علیه السّلام) عند ذلك وغضب من مقالته فأخرج شيئاً كان يكتمه وفسر شيئاً قال له عمر يوم مات لم يدر ما عنى به. فأقبل على طلحة والناس يسمعون فقال: أما والله يا طلحة، ما صحيفة ألقى الله بها يوم القيامة أحب إلي من صحيفة الأربعة
ص: 287
الذين تعاهدوا على الوفاء بها في الكعبة إن قتل الله محمداً أو توفاه أن يتوازروا دون علي ويتظاهروا فلا تصل إليّ الخلافة. والدليل، والله، على باطل ما شهدوا وما قلت يا طلحة قول نبي الله يوم غدير خم: من كنت أولى به من نفسه فعليٌ أولى به من نفسه. فكيف أكون أولى بهم من أنفسهم وهم أمراء عليّ (1)؟
واضح جداً، من كلام طلحة، أنه كان يصدق الحديث الموضوع في السقيفة.
واستناداً لهذا الحديث، سعى إلى إزاحة أميرالمؤمنين (علیه السّلام) وغصب الخلافة منه
وهنا نسأل طلحة: هل سمعت من الإمام علي (علیه السّلام) قولاً مخالفاً للواقع قط ؟
ألا تحظى شهادة الإمام (علیه السّلام) بتعيين النبي له خليفة للمسلمين من بعده بمصداقية مساوية لشهادة أمثال سالم وأبي عبيدة الجرّاح ومعاذ بن جبل؟
حقاً، لماذا يهتم بعض بحديث "لا تجتمع النبوة والخلافة" كل هذا الاهتمام حتى يعقدوا عليه مصير المسلمين، في حين أنه لا يشهد عليه إلّا أربعة من أنصار الحكم ولم يسمعه أحد غيرهم من النبي، ويركنون جانباً مئات الأحاديث في مناقب الإمام علي (علیه السّلام) يرويها مئات الرواة وقد سمعها الجميع من النبي مرات ومرات!؟
ص: 288
لماذا لم يعترض على عمر حين جعل الإمام علياً (علیه السّلام) في الشورى السداسية ولم يذكّره بحديث "عدم اجتماع النبوة والخلافة في بيت واحد" الذي شهد عليه عمر نفسه؟
يا طلحة! لماذا كنت أول الناس مبايعة للإمام (علیه السّلام) بعد مقتل عثمان على يد الصحابة؟ هل كنت ناسياً الحديث ساعتها؟
حقاً، لم لم تحتج بهذا الحديث الموضوع على علي(علیه السّلام) حين كنت تعارضه في الجمل لكي تتمكن من تعبئة الناس وتأليبهم عليه بشكل أفضل؟
من النقاط المهمة فيما يخص طلحة، اعتراضه على تعيين أبي بكر عمرَ بن الخطاب خليفة من بعده. فعندما عيّن أبو بكر عمر خليفة له في أواخر أيامه، اعترض عليه جماعة من الصحابة، وكان طلحة من المعارضين لهذا
الاختيار. وكان دافعه للاعتراض غلظة عمر وحدته وخشونة تعامله مع المسلمين، والاعتقاد بجدارته هو بخلافة أبي بكر.
يقول ابن أبي الحديد : فلما فرغ (أبو بكر) من الكتاب (كتاب تعيين عمر) دخل عليه قوم من الصحابة منهم طلحة، فقال له (طلحة): ما أنت
ص: 289
قائل لربك غداً وقد وليت عليناً فظاً غليظاً تفرق منه النفوس وتنفض عنه القلوب (1)؟
ويقول في نقل آخر : ودخل طلحة بن عبيدالله على أبي بكر فقال: إنه بلغني أنك، يا خليفة رسول الله، استخلفت على الناس عمر. وقد رأيت ما يلقى الناس منه وأنت معه، فكيف به إذا معه، فكيف به إذا خلا بهم. وأنت غداً ملاقٍ ربك فيسألك عن رعيتك! فقال أبو بكر: أجلسوني! ثم قال: أبالله تخوفني!؟ إذا لقيت ربي فسألني، قلت: استخلفت عليهم خير أهلك. فقال طلحة: أعمر خير الناس يا خليفة رسول الله؟ فاشتد غضبه وقال: إي والله، هو خيرهم وأنت شرهم. أما والله، لو وليتك لجعلت أنفك في قفاك ولرفعت نفسك فوق قدرها حتى يكون الله هو الذي يضعها. أتيتني وقد دلكت عينك تريد أن تفتنني عن ديني وتزيلني عن رأيي. قم، لا أقام الله رجليك(2) !
يقول ابن أبي الحديد: ولاسيما طلحة، قد كان يحدث بها (بالخلافة) نفسه وأبو بكر حي ويروم أن يجعلها فيه بشبهة أنه ابن عمه وسخط خلافة عمر (3).
ص: 290
رغم موقفه السلبي من الخليفة الثاني وخلافته، حظي طلحة باحترام الخليفة وتمجيده. وحين توجه الخليفة الثاني إلى الشام أسند إليه قيادة المهاجرين (1). كما جعله في الشورى السداسية لتعيين الخليفة(2).
يقول ابن أبي الحديد عن اختيار أعضاء شورى الخلافة: لما أصيب عمر على يد أبي لؤلؤة وعلم أنه ميت جعل يتشاور مع الآخرين حول من يخلفه.
فرُشح له ابنه عبدالله فرفض وقال: لا جعل الله أحداً من ابنيّ خليفة، حسب عمر ما تحمل من وزر الخلافة. لا أحب أن أتحمل وزرها في حياتي وبعد موتي.
ثم قال: مات رسول الله وهو راض عن ستة؛ علي وعثمان وطلحة والزبير وسعد بن أبي وقاص وعبدالرحمن بن عوف، وقد رأيت أن أجعل الأمر شورى بينهم يختارون واحداً منهم. فلما أحضر الستة قال لهم: هل تطمعون جميعكم في الخلافة من بعدي؟ فسكتوا ولم يجيبوا. فأعاد عمر كلامه. فقال الزبير : ما الذي يبعدنا عن الجدارة بالخلافة بعد أن نلتها أنت؟ قال عمر: أتريدون أن
ص: 291
أعلمكم بخصوصيات كل واحد منكم؟ فقال الزبير: قل، فإنك تقول وإن سألناك أن لا تقول!
وبعد أن أعطى عمر رأيه في الزبير، التفت إلى طلحة فقال له: أقول أم أسكت؟ قال: قل، فإنك لا تقول من الخير شيئاً. قال: أما إني أعرفك منذ أصيبت إصبعك يوم أحد وائياً (ساخطاً) بالذي حدث لك. ولقد مات رسول الله (صلّی اللَّهِ علیه وَ آلِهِ وَ سَلَّمَ ) ساخطاً عليك بالكلمة التي قلتها يوم أنزلت آية الحجاب(1).
في هذه الرواية، يوبخ عمرُ طلحة على صفتين فيه؛ سخطه وغضبه على قطع إصبعه يوم أحد والحال أنه كان عليه أن يفخر بالتضحية في سبيل الله، وسخط النبي عليه بسبب ما تكلم به عن زوجاته وهو قوله "لئن مات رسول الله لأنكحن نساءه". وقد آذى النبي بكلامه هذا.
وفي روايات أخرى جاءت في كتب أهل السنة الروائية والرجالية بالمضمون نفسه، أن عمر عاب على طلحة كبره وغروره وعُجبه بالتضحية في سبيل الله
ص: 292
وبتر إصبعه في معركة أحد (1) ، وأنه لو وليها (الخلافة) وضع خاتمه في إصبع امرأته (2).
كان الخليفة الثاني يعتقد أن الله لا يريد أن يتولى أمر الأمة من فيه كبر وغرور (3). كان يقول لابن عباس: ما كان الله ليراني اوليه أمر أمة محمد هلال (صلّی اللَّهِ علیه وَ آلِهِ وَ سَلَّمَ ) وهو على ما هو عليه من الزهو (4) .
فهل كان النبي راضياً عن طلحة أم لا!؟ يقول الجاحظ: ليت أحداً قال لعمر تقول إن النبي مات وهو راض عن هؤلاء الستة، فكيف تقول لطلحة: مات رسول الله وهو ساخط عليك لما قلته، وتتهمه بهذه التهمة الشنيعة (5)؟
ص: 293
كيف لمن يملك هذه الجرأة على عرض نبيه أن يكون جديراً بولاية أمته ويحمي شرفها!؟ هل يملك القدرة على حفظ أخلاق الأمة الإسلامية وإنضاجها !؟
هل يليق بالخلافة من نزلت فيه آيات قرآنية بسبب إيذائه للنبي الأكرم (صلّی اللَّهِ علیه وَ آلِهِ وَ سَلَّمَ )!؟
!؟
في اجتماع الشورى لتعيين الخليفة، بعد موت الخليفة الثاني، لما أدرك طلحة أن لا حظ له في الفوز بالخلافة وأن الأمر محصور في عثمان والإمام (علیه السّلام)، انسحب لصالح عثمان من أجل ترجيح كفته وإضعاف فرصة الإمام (علیه السّلام) (1) . على أن هناك من يرى أن طلحة لم يكن في المدينة عند
ص: 294
وفاة الخليفة الثاني وانعقاد اجتماع الشورى، وأنه عاد إلى المدينة بعد أن تم اختیار عثمان(1).
يقول ابن أبي الحديد: وإنما مال طلحة إلى عثمان لانحرافه عن علي (علیه السّلام) باعتبار أنه تيمي وابن عم أبي بكر الصديق. وقد كان حصل في نفوس بني هاشم من بني تيم حنق شديد لأجل الخلافة. وكذلك صار في صدور تيم على بني هاشم. وهذا أمر مركوز في طبيعة البشر وخصوصاً طينة العرب وطباعها، والتجربة إلى الآن تحقق ذلك (2) .
بعد اختيار عثمان خليفة ثالثاً وبدء الاحتجاجات على أعماله وتصرفاته، كان طلحة من أشد المعترضين عليه. وكان يتزعم المعارضين له(3). وكان طلحة
ص: 295
هو الذي يصلي بالناس خلال فترة حصار عثمان التي دامت أربعين يوماً(1). وكان مفتاح بيت المال بيده (2) . الحقيقة أنه هو من كان يقود الثوار (3).
يقول العلّامة المجلسي نقلاً عن الواقدي: ما كان أحد من أصحاب محمد(صلّی اللَّهِ علیه وَ آلِهِ وَ سَلَّمَ ) أشدّ على عثمان من عبدالرحمن بن عوف ... ومن سعد بن أبي وقاص .... ومن طلحة وكان أشدهم. فإنه لم يزل كهف المصريين وغيرهم، يأتونه بالليل يتحدثون عنده إلى أن جاهدوا. فكان ولي الحرب والقتال وعمل مفاتيح على بيت المال وتولى الصلاة بالناس ومنعه ومن معه من الماء وردّ شفاعة علي (علیه السّلام) في حمل الماء إليهم(4).
في مناظرته لمعاوية، يشير محمد بن أبي حذيفة إلى أبي حذيفة إلى دور طلحة في قتل عثمان. قال: (يا معاوية) فوالله الذي لا إلٰه غيره، ما أعلم أحداً شرك في دم عثمان وألّب الناس عليه غيرك، لما استعملك ومن كان مثلك، فسأله
ص: 296
المهاجرون والأنصار أن يعزلك، فأبى، ففعلوا به ما بلغك (ولو أنه أجابهم إلى عزلك لما قُتل ) (1).
هذا وقد أشار الإمام علي (علیه السّلام) إلى دور طلحة والزبير في قتل عثمان، عندما تحرك صوب البصرة إلى حرب الجمل. قال(علیه السّلام) : وإنهم ليطلبون حقاً تركوه ودماً سفكوه.... والله إن طلحة والزبير وعائشة ليعلمون أني على الحق وأنهم مبطلون(2).
وفي موضع آخر من خطبه يشير الإمام (علیه السّلام) إلى دور طلحة في قتل عثمان ويبين دوافعه إلى ذلك. قال (علیه السّلام): والله ما استعجل متجرداً للطلب بدم عثمان إلاّ خوفاً من أن يطالَب بدمه؛ لأنه كان مظنته، ولم يكن في القوم أحرص عليه منه. فأراد أن يغالط بما أجلب فيه ليلتبس الأمر ( على الناس) ويقع الشك ( في نفوسهم) (3).
يقول ابن أبي الحديد شارحاً قول الإمام(علیه السّلام) : وقد كان طلحة أجهد نفسه في أمر عثمان والإجلاب عليه والحصر له والإغراء به، ومنّته نفسه الخلافة. بل تلبّس بها وتسلّم بيوت الأموال وأخذ مفاتيحها وقاتل الناس (الذين كانوا
ص: 297
يوافقون عثمان ويدافعون عنه) وأحدقوا به ولم يبق إلّا أن يُصفق بالخلافة على يده (1).
ثم يقول، نقلاً عن المدائني: أن طلحة منع من دفنه ثلاثة أيام ... فأقعد طلحة لهم في الطريق ناساً بالحجارة، فخرج به نفر يسير من أهله وهم يريدون حائطاً بالمدينة يعرف بحش كوكب كانت اليهود تدفن فيه موتاهم.
فلما صار هناك رجم سريره وهموا بطرحه(2).
وعلى هذا لا يبقى أي شك في أن طلحة كان ممن لعبوا دوراً أساسياً في قتل عثمان.
بعد مقتل عثمان، كان طلحة أول من بايع أميرالمؤمنين(علیه السّلام) (3). كان يظن أنه سيشارك الإمامَ (علیه السّلام) الخلافة، أو أن يحظى، على أقل تقدير، بولاية إحدى الولايات المهمة كالشام أو البصرة أو الكوفة. ولكنه لم يلبث أن خاب ظنه بمجرد أن بدأ حكم الإمام (علیه السّلام). وقد أجاب الإمام(علیه السّلام) طلحة والزبير على
ص: 298
اعتراضهما وسخطهما بعد أن بايعاه طمعاً بمشاركته الحكم، فقال لهما:... واعلما أني لا أشرك في أمانتي إلّا من أرضى بدينه وأمانته من أصحابي ومن قد عرفت دخيلته(1).
ولما سألاه ولايتي الكوفة والبصرة، قال لهما راداً لطلبهما : لاها الله، إذن يحلم الأديم ويستشري الفساد وتنتقض على (هكذا، وربما عليّ: م) البلاد من أقطارها (2).
بعد أن عيّن الإمام (علیه السّلام) عماله على الولايات الإسلامية، وتيقن طلحة من الإفلاس منها ومن أن حصته من بيت المال عادت مساوية لحصص غيره، وأدرك أن الإمام(علیه السّلام) سائر بالأمة سيرة مغايرة لما سار عليه الخلفاء الثلاثة الذين سبقوه، وأن نهجه (علیه السّلام) قائم على العدل، توجه إلى مكة بصحبة الزبير.
و من هناك توجه الاثنان مصطحبين معهما عائشة إلى البصرة ليشعلوا نار حرب الجمل. وكان طلحة، في حرب الجمل، قائداً للخيالة.
ص: 299
هذا وقد سبق لنا أن فصّلنا الكلام في دوافع طلحة إلى نقض البيعة وإيقاد نار الحرب، في معرض تحليلنا لشخصية الزبير بن العوّام، ولا نرى ضرورة للإعادة.
لقد قال الإمام علي (علیه السّلام) لعبدالله بن عباس، عندما كان يبعثه إلى الزبير ناصحاً له قبل اندلاع القتال في حرب الجمل: لا تلقين طلحة، فإنك إن تلقه تجده كالثور عاقصاً قرنه يركب الصعب ويقول: هو الذلول(1).
حسب بعض التقارير التاريخية، فإن الإمام (علیه السّلام) كلّم طلحة وذكره ببعض الحوادث التي وقعت في حياة رسول الله (صلّی اللَّهِ علیه وَ آلِهِ وَ سَلَّمَ ) الواقعة الغدير، ونبّهه على الخطأ الذي هو عليه، وأنه انصرف عن القتال كما فعل الزبير (2). فيما تتحدث بعض النصوص عن بقائه في ساحة القتال حتى نهاية الحرب مقاتلاً لأميرالمؤمنين (علیه السّلام) ومحرضاً على قتاله.
يقول ابن أعثم الكوفي: وجعل طلحة ينادي بأعلى صوته: عبادالله! الصبر الصبر! إن بعد الصبر النصر والأجر (3).
ص: 300
يعتقد جميع المؤرخين تقريباً أن مروان بن الحكم لما رأى انكسار جيش الجمل وفرار طلحة رماه بسهم فقتله(1) وقال لأبان بن عثمان بن عفان قد كفيناك بعض قتلة أبيك(2).
يقول عبدالملك بن مروان: لولا أن أميرالمؤمنين مروان أخبرني أنه هو الذي قتل طلحة ما تركت من ولد طلحة أحداً إلّا قتلته بعثمان بن عفان (3).
في حرب الجمل، كان طلحة من أوائل القتلى (4). وقد وقف الإمام (علیه السّلام)، بعد انتهاء الحرب، على جثته وقال : هذا الناكث بيعتي والمنشئ للفتنة في الأمة والمُجلب عليّ والداعي إلى قتلي وقتل عترتي(5).
ص: 301
يتبين من الوثائق والمواضيع المذكورة أن طلحة بن عبيدالله كان من أبرز المخططين لحرب الجمل وموقدي نارها. وقد أسفر عن بغضه وعداوته للإمام علي(علیه السّلام) من خلال مرافقته لعائشة والزبير والمشاركة في قتال الإمام (علیه السّلام).
قُتل طلحة في حرب الجمل سنة 36 الهجرية ودفن بالبصرة وكان عمره أربعاً وستين سنة.
يقول المسعودي عن ثروة طلحة: ابتنى داره بالكوفة المشهورة به هذا الوقت المعروفة بالكناسة بدار الطلحيين. وكان غلته من العراق كل يوم ألف دينار وقيل أكثر من ذلك، وبناحية الشراة أكثر مما ذكرنا. وشيّد داره بالمدينة وبناها بالآجر والجص والساج(1).
حسب ما ينقله ابن سعد، فإن عائدات طلحة من غلات العراق كانت نحو أربعمائة إلى خمسمائة ألف دينار، ومن منطقة الشراة تجاوزت العشرات الآلاف من الدنانير. فقد كان يتكفل نفقات أي رب أسرة من بني تيم،
ص: 302
ويساعد غير المتزوجين على الزواج، ويسدد ديون المدينين، ويبعث إلى عائشة عشرة آلاف سنوياً(1).
لما سأل معاوية موسى بن طلحة عن الأموال التي تركها أبوه، قال: ترك ألفي ألف درهم ومائتي ألف دينار وكان ماله قد اغتيل (نُهب). كان يغل كل سنة من العراق مائة ألف سوى غلاته من السراة وغيرها. ولقد كان يدخل قوت أهله بالمدينة سنتهم من مزرعة بقناة كان يزرع على عشرين ناضحاً. فقال معاوية: عاش حميداً سخياً وقُتل فقيراً رحمه الله (2).
يقول إبراهيم بن محمد بن طلحة: كان قيمة ما ترك طلحة بن عبيدالله من العقار والأموال وما ترك من الناض ثلاثين ألف ألف درهم، ترك من العين ألفي ألف ومائتي ألف درهم ومائتي ألف دينار والباقي عُروض (لا تقاس بميزان ولا مكيال) (3).
ص: 303
تقول سعدى زوجة طلحة: قتل طلحة بن عبيدالله وفي يد خازنه ألفا ألف درهم ومائتا ألف درهم وقُومت أصوله وعقاره ثلاثين ألف ألف درهم(1).
قال عمرو بن العاص : حدثت أن طلحة بن عبيدالله ترك مائة بُهار (2) في كل بُهار ثلاثة قناطر ذهب. وسمعت أن البهار جلد ثور (3).
جدير بالذكر أن بعض تلك الأموال كان مما منحه عثمان إياه، منها ما قيل إن عثمان وهب طلحة في خلافته مائتي ألف دينار (4).
يقول الشيخ محي الدين المامقاني، بعد التعريف بطلحة : له مواقف (هكذا، وربما مواقفه: م) المشرفة في أول الدعوة الإسلامية. لكن بعد وفاة النبي الكريم (صلّی اللَّهِ علیه وَ آلِهِ وَ سَلَّمَ ) ومهزلة الشورى وتنصيب الخلافة ودفع الخليفة الذي نصبه
ص: 304
النبي(صلّی اللَّهِ علیه وَ آلِهِ وَ سَلَّمَ ) بأمر من الله العلي القدير عن مقامه، انحرف المترجم له ومال إلى الدنيا وبذل مساعيه إلى في (هكذا: م) نيل الخلافة. ولهذا الهدف اشترك في قتل عثمان بن عفان بغية تسنم دست الخلافة. ولما حرم منه ناصب العداء الأميرالمؤمنين وحاربه حتى نال حتفه. فهو ممن لا ريب في سوء عاقبته (1).
يستأنف العلامة المامقاني، والنمازي قائلين: ولما توفى الله سبحانه نبيه إليه دخل فيما دخل فيه الناس وعمته الفتنة. ولما استخلف علي(علیه السّلام) كان أول من بايعه. ثم كان أول من نكث بيعته. ولولاه والزبير ما خرجت عائشة من خدرها ولا ركبت جملاً ولا شهدت حرباً ولا آذت علياً (علیه السّلام)... فهو عندنا من أضعف الضعفاء لكونه بنكثه بيعة أميرالمؤمنين (علیه السّلام) وخروجه عليه بحكم المرتد على أصول مذهبنا(2).
يرد العلامة المامقاني جميع الروايات التي تمدح طلحة بشكل من الأشكال أو تشير إلى ندمه وتوبته وينكرها.
ص: 305
كما يعده الشيخ عباس القمي من المنحرفين والمعادين للإمام علي (علیه السّلام) وذلك بالتنويه ببعض الروايات والمواضيع المذكورة عنه (1).
وكذلك، يعتبر العلامة التستري الروايات المنقولة عن رسول الله (صلّی اللَّهِ علیه وَ آلِهِ وَ سَلَّمَ ) والإمام علي (علیه السّلام) في مدح طلحة موضوعة ومكذوبة. ويشير إلى بعض المباني المتناقضة لأهل السنة حول طلحة بن عبيدالله فيقول: وأغرب من ذلك أن مع كون طلحة مقاتلاً لأميرالمؤمنين(علیه السّلام) كان من قتلة عثمان وإن حاربه(علیه السّلام) باسم الطلب بدم عثمان؛ ويقول إخواننا مع ذلك كلهم من العشرة المبشرة ... فكيف يجوز أن يكون قاتل عثمان ومقاتل علي في الجنة معهما كما يقولون(2)؟
وفقاً للروايات التي نقلها سليم بن قيس الهلالي والعلامة المجلسي، فإن طلحة كان من الذين اعترفوا في حياة رسول الله (صلّی اللَّهِ علیه وَ آلِهِ وَ سَلَّمَ ) بولاية الإمام (علیه السّلام)
ص: 306
وخلافته لرسول الله، وأنه سلّم على الإمام (علیه السّلام) بإمرة المؤمنين. ولكنه نقض عهده بعد وفاة النبي(صلّی اللَّهِ علیه وَ آلِهِ وَ سَلَّمَ ) (1) .
كان طلحة ممن كان يقول: لقد أكثر محمد في حق علي، حتى لو أمكنه أن يقول لنا اعبدوه، لقال(2).
لقد وصف الإمامُ الباقر (علیه السّلام) طلحةَ بأنه من المنافقين المفسدين في الأرض. قال (علیه السّلام): لما كثر قول المنافقين وحسّاد أميرالمؤمنين (علیه السّلام) فيما يظهره رسول الله (صلّی اللَّهِ علیه وَ آلِهِ وَ سَلَّمَ ) من فضل علي (علیه السّلام) وينص عليه ويأمر بطاعته ويأخذ البيعة له ... قال المنافقون: لقد ضلّ محمد في ابن عمه علي وغوى وجُنّ (وأضمروا البغض لعلي (علیه السّلام) (3).
ص: 307
بعد مقتل طلحة على يد مروان، وقف الإمام علي (علیه السّلام) على جسده وقال: ويل أمك طلحة! لقد كان لك قدم لو نفعك! ولكن الشيطان أضلك فأزلك فعجلك إلى النار (1).
كتب الشيخ المفيد يقول : مرّ (الإمام(علیه السّلام) ) على طلحة بن عبیدالله فقال: هذا الناكث بيعتى والمنشئ الفتنة في الأُمة والمُجلب عليّ الداعي إلى قتلي وقتل عترتي أجلسوه فأجلس. فقال أميرالمؤمنين(علیه السّلام) : يا طلحة بن عبيدالله! قد وجدتُ ما وعدني ربي حقاً فهل وجدت ما وعد ربُّك حقاً؟ ثم قال: أضجعوا طلحة! وسار فقال له بعض من كان معه: يا أميرالمؤمنين! أتكلم كعباً وطلحة بعد قتلهما؟ قال: أم والله، إنهما لقد سمعا كلامي كما سمع أهل القليب (الكفار) كلام رسول الله (صلّی اللَّهِ علیه وَ آلِهِ وَ سَلَّمَ )يوم بدر (2).
يكشف كلام أميرالمؤمنين (علیه السّلام) عند جسد طلحة عن أن طلحة أضله الشيطان وقاده إلى جهنم لأنه كان رأس الفتنة. وقد اعتبره الإمام (علیه السّلام) السبب الأساسي الوحيد في إيجاد الفتنة وليس واحداً ممن أوجدوها. لذا سقط في الفتنة ولم يخرج منها مرفوع الرأس. على أن الآية 25 من سورة الأنفال، إضافة إلى كلام أميرالمؤمنين (علیه السّلام) ، فُسرت أيضاً بأصحاب الجمل. يقول الله تعالى:
ص: 308
«وَاتَّقُوا فِتْنَةً لَا تُصِيبَنَّ الَّذِينَ ظَلَمُوا مِنْكُمْ خَاصَّةً »(1). لذا، حين سُئل الزبير: يا أبا عبدالله! ما جاء بكم، ضيعتم الخليفة حتى قُتل ثم جئتم تطلبون بدمه؟ فقال الزبير: إنا قرأناها على عهد رسول الله(صلّی اللَّهِ علیه وَ آلِهِ وَ سَلَّمَ ) وأبي بكر وعمر وعثمان «وَاتَّقُوا فِتْنَةً لَا تُصِيبَنَّ الَّذِينَ ظَلَمُوا مِنْكُمْ خَاصَّةً » لم نكن نحسب أنا أهلها حتى وقعت(2).
كان طلحة ممن آذى النبي (صلّی اللَّهِ علیه وَ آلِهِ وَ سَلَّمَ ) وقال في أزواجه كلاماً قبيحاً.
قال ابن سعد البصري في تفسير الآية «وَمَا كَانَ لَكُمْ أَنْ تُؤْذُوا رَسُولَ اللَّهِ وَلَا أَنْ تَنْكِحُوا أَزْوَاجَهُ مِنْ بَعْدِهِ أَبَدًا » (3) إنها نزلت في طلحة بن عبيدالله قال: إذا توفي رسول الله تزوجت عائشة (4).
يقول السدّي وهو من مفسري أهل السنة أنه: بلغنا أن طلحة بن عبيدالله قال: أيحجبنا محمد عن بنات عمنا ويتزوج نساءنا من بعدنا؟ لئن حدث به حدث لنتزوجن نساءه من بعده (5).
ص: 309
كما يرى قتادة(1) ومقاتل بن حيّان، وهما من مفسري العامة، أن هذه الآية نزلت في طلحة بن عبيدالله وكلامه في عائشة (2) . ويطرح ابن عباس أيضاً التفسير نفسه دون الإشارة إلى اسم طلحة. يقول: كان رجل من أصحاب رسول الله(صلّی اللَّهِ علیه وَ آلِهِ وَ سَلَّمَ ) قال : لو توفي رسول الله تزوجت عائشة (3).
في مصادر الشيعة، يُعَد طلحة ضمن الأشخاص الذين شاركوا في المحاولة الفاشلة لاغتيال النبي (صلّی اللَّهِ علیه وَ آلِهِ وَ سَلَّمَ )(4). أما المصادر السنية فتكتفي بالإشارة إلى خطة
ص: 310
الاغتيال الذي تعرض له النبي لدى عودته من غزوة تبوك ذكر أسماء المشاركين في محاولة الاغتيال (1) .
أما ابن حزم الأندلسي فيقر بوجود روايات تحمل أسماء عدد من صحابة النبي (صلّی اللَّهِ علیه وَ آلِهِ وَ سَلَّمَ ) نفذوا محاولة فاشلة لاغتياله، ولكنه يرى أنها روايات موضوعة كاذبة(2).
وفي رواية ينقلها عن عكرمة يَعد السيوطي طلحة والزبير وكثيراً من أصحاب رسول الله (صلّی اللَّهِ علیه وَ آلِهِ وَ سَلَّمَ ) مع الذين كانوا يكاتبون اليهود والنصارى في الشام ويسربون إليهم أخبار النبي (صلّی اللَّهِ علیه وَ آلِهِ وَ سَلَّمَ ) السرية ، وذلك للحصول على أموال منهم، إذ كانوا هلعين من الفقر والفاقة. فنزلت الآية 51 من سورة المائدة تنهاهم عن موالاة اليهود والنصارى (3).
ص: 311
في تفسيره، يتحدث السدي عن العلاقة بين بعض الصحابة وبين اليهود والنصارى، وينقل واقعة غاية في الأهمية. يقول: لما أصيب أصحاب النبي(صلّی اللَّهِ علیه وَ آلِهِ وَ سَلَّمَ ) بأحد قال عثمان : لألحقن بالشام فإن لي به صديقاً من اليهود يقال له دهلك، فلآخذن منه أماناً فإني أخاف أن يدال علينا اليهود. وقال طلحة بن عبيدالله : لأخرجن الشام (هكذا: م) فإن لي صديقاً من النصارى، فلآخذن منه أماناً، فإني أخاف أن يدال علينا النصارى. قال السدي: فأراد أحدهما أن يتهود والآخر أن يتنصر. قال: فأقبل طلحة على النبي(صلّی اللَّهِ علیه وَ آلِهِ وَ سَلَّمَ ) وعنده علي بن أبي طالب (علیه السّلام) فاستأذنه طلحة في المسير إلى الشام وقال: إن لي بها مالاً آخذه. ثم انصرف فقال له النبي(صلّی اللَّهِ علیه وَ آلِهِ وَ سَلَّمَ ) : عن مثل هذه الحال تخذلنا وتخرج وتدعنا؟ فأكثر على النبي (صلّی اللَّهِ علیه وَ آلِهِ وَ سَلَّمَ ) من الاستيذان، فغضب علي فقال: يا رسول الله! ائذن لابن الحضرمية فوالله ما عز من نصر ولا ذل من خذل. فكف طلحة عن الاستيذان عند ذلك، فأنزل الله عزّ وجلّ فيهم «يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا لَا تَتَّخِذُوا الْيَهُودَ وَالنَّصَارَى أَوْلِيَاءَ بَعْضُهُمْ أَوْلِيَاءُ بَعْضٍ »(1) .
يقول الإمام علي (علیه السّلام) عن فتنة طلحة والزبير: وأي خطيئة أعظم مما أتيا؛أخرجا زوجة رسول الله (صلّی اللَّهِ علیه وَ آلِهِ وَ سَلَّمَ ) من بيتها وكشفا عنها حجاباً ستره الله عليها، وصانا حلائلهما في بيوتهما. ما أنصفا، لا لله ولا لرسوله من أنفسهما ثلاث خصال مرجعها على الناس في كتاب الله؛ البغي والمكر والنكث. قال الله: «يَا
ص: 312
أَيُّهَا النَّاسُ إِنَّمَا بَغْيُكُمْ عَلَى أَنْفُسِكُمْ » (1) وقال: «فَمَنْ نَكَثَ فَإِنَّمَا يَنْكُثُ عَلَى نَفْسِهِ» (2) وقال: « وَلَا يَحِيقُ الْمَكْرُ السَّيِّئُ إِلَّا بِأَهْلِهِ » (3) وقد بغيا علينا ونكثا بيعتي ومكرا بي(4).
في ذيل رواية الكافي، وفي شرحه لقول طلحة والزبير بأنهما إخوة علي (علیه السّلام) في الدين، يقول العلامة محمد باقر المجلسي: المؤمن أخو المؤمن في الإسلام، إلّا أنهما (يعني طلحة والزبير) لما خرجا على إمامهما خرجا من الدين ودخلا في الكفر(5).
لم يخرج طلحة والزبير من الدين ويدخلا في الكفر فحسب، بل إنهما من أئمة الكفر، حسب رواية الإمام الصادق(علیه السّلام) . فقد صرّح القرآن بالقول: «وَإِنْ نَكَثُوا أَيْمَانَهُمْ مِنْ بَعْدِ عَهْدِهِمْ وَطَعَنُوا فِي دِينِكُمْ فَقَاتِلُوا أَئِمَّةَ الْكُفْرِ إِنَّهُمْ لَا أَيْمَانَ لَهُمْ لَعَلَّهُمْ يَنْتَهُونَ »
قال الإمام الصادق(علیه السّلام) : دخل علىَّ أناس من أهل البصرة فسألوني عن طلحة والزبير فقلت لهم: كانا من أئمة الكفر؛ إن علياً (علیه السّلام) يوم البصرة لما صفّ الخيول قال لأصحابه : لا تعجلوا على القوم حتى أعذر فيما بيني وبين
ص: 313
الله عزّ وجلّ وبينهم. فقام إليهم فقال: يا أهل البصرة! هل تجدون عليَّ جوراً في حكم؟ قالوا: لا. قال: فحيفاً في قسم؟ قالوا: لا. قال: فرغبة في دنيا أخذتها لي ولأهل بيتي دونكم فنقمتم عليّ فنكثتم بيعتي؟ قالوا: لا. قال: فأقمت فيكم الحدود وعطلتها عن غيركم؟ قالوا: لا. قال: فما بال بيعتي تنكث وبيعة غيري لا تنكث؟ إني ضربت الأمر أنفه وعينه فلم أجد إلّا الكفر أو السيف. ثم ثنى إلى صاحبه فقال: إن الله تبارك وتعالى يقول في كتابه: «وَإِنْ نَكَثُوا أَيْمَانَهُمْ مِنْ بَعْدِ عَهْدِهِمْ وَطَعَنُوا فِي دِينِكُمْ فَقَاتِلُوا أَئِمَّةَ الْكُفْرِ إِنَّهُمْ لَا أَيْمَانَ لَهُمْ لَعَلَّهُمْ يَنْتَهُونَ » فقال أميرالمؤمنين(علیه السّلام) : والذي فلق الحبة وبرأ النسمة واصطفى محمداً بالنبوة، إنهم لأصحاب هذه الآية وما قوتلوا منذ نزلت(1).
جرى حديث صريح وشفاف بين صاحب شرطة الكوفة القاسم بن محمد بن يحيى بن طلحة بن عبيدالله الملقب بأبي بعرة وبين إسماعيل ابن الإمام الصادق(علیه السّلام) انتهى بفضح أفعال السلف. فقال القاسم لمحمد بن إسماعيل: لم يزل فضلنا وإحساننا سابغاً عليكم يا بني هاشم وعلى بني عبد مناف كافة. فقال إسماعيل: أي فضل وإحسان أسديتموه إلى بني عبد مناف؟ أغضب أبوك جدي بقوله : ليموتن محمد ولنجولن بين خلاخيل نسائه كما
ص: 314
جال بين خلاخيل نسائنا. فأنزل الله تعالى مراغمة لأبيك: «وَمَا كَانَ لَكُمْ أَنْ تُؤْذُوا رَسُولَ اللَّهِ وَلَا أَنْ تَنْكِحُوا أَزْوَاجَهُ مِنْ بَعْدِهِ أَبَدًا إِنَّ ذَلِكُمْ كَانَ عِنْدَاللَّهِ عَظِيمًا »، ومنع ابنُ عمك أمي حقها من فدك وغيرها من ميراث أبيها، وأجلب أبوك على عثمان وحصره حتى قتل ونكث بيعة علي وشام السيف في وجهه وأفسد قلوب المسلمين عليه. فإن كان لبني عبد مناف قوم غير هؤلاء أسديتم إليهم إحساناً فعرِّفني من هم جعلت فداك(1).
ولد مروان بن الحكم بن أبي العاص الأموي في مكة في السنة الثانية أو الثالثة أو الخامسة للهجرة. وكان عمره، حين توفي رسول الله(صلّی اللَّهِ علیه وَ آلِهِ وَ سَلَّمَ )، نحو ثماني سنوات.
لم ير مروان النبي (صلّی اللَّهِ علیه وَ آلِهِ وَ سَلَّمَ ) (2) لأن أباه الحكم بن أبي العاص كان قد نفاه النبي(صلّی اللَّهِ علیه وَ آلِهِ وَ سَلَّمَ ) إلى الطائف فأخذه معه صغيراً. لذا فلا يُعد من الصحابة.
ص: 315
أما سبب نفي النبي (صلّی اللَّهِ علیه وَ آلِهِ وَ سَلَّمَ ) الحكمَ بن أبي العاص إلى الطائف، فيعزوه المؤرخون إلى هزئه بالنبي (صلّی اللَّهِ علیه وَ آلِهِ وَ سَلَّمَ ) و محاكاة حركاته باليد والأنف والعين، واستراق السمع سراً لكلام رسول الله (صلّی اللَّهِ علیه وَ آلِهِ وَ سَلَّمَ ) عن المشركين والبوح به، والتلصص على داخل بيت النبي (صلّی اللَّهِ علیه وَ آلِهِ وَ سَلَّمَ ) من خرم الباب. فتأذى النبي من مجموع ما كان يفعله الحكم بن أبي العاص من قبائح حتى قام بنفيه في نهاية المطاف. ومنذ أن نفاه النبي (صلّی اللَّهِ علیه وَ آلِهِ وَ سَلَّمَ ) عُرف بطريد رسول الله (1) .
كان الحكم بن أبي العاص هو الذي حين دخل على رسول الله(صلّی اللَّهِ علیه وَ آلِهِ وَ سَلَّمَ ) لعنه النبي(صلّی اللَّهِ علیه وَ آلِهِ وَ سَلَّمَ ) ثلاث مرات وقال: ها إن هذا سيخالف كتاب الله وسنة نبيه (صلّی اللَّهِ علیه وَ آلِهِ وَ سَلَّمَ ) ويخرج من صلبه فتن يبلغ دخانها السماء. فقال رجل من المسلمين: صدق ورسوله، هو أقل وأذل من أن يكون منه ذلك. قال: بلى، وبعضكم وبعضهم يومئذٍ شيعته(2).
يقول ابن أبي الحديد المعتزلي الشافعي عن مروان وأبيه: فأما مروان بن الحكم فأحقر وأقل من أن يُذكر في الصحابة، لأنه كان مجاهراً بالإلحاد هو
ص: 316
وأبوه الحكم بن أبي العاص وهما الطريدان اللعينان. كان أبوه عدوّ رسول الله(صلّی اللَّهِ علیه وَ آلِهِ وَ سَلَّمَ ) يحكيه في مشيه ويغمز عليه عينه ويدلع له لسانه ويتهكم به ويتهافت عليه ... وأما مروان ابنه، فأخبث عقيدة وأعظم الحاداً وكفراً(1).
حاول عثمان بن عفان أن يعيد الحكم بن أبي العاص إلى المدينة في عهد أبي بكر وعمر، ولكنهما قالا له: لا نملك أن نردّ لطريد رسول الله(صلّی اللَّهِ علیه وَ آلِهِ وَ سَلَّمَ ) (2).
ولكن ما إن تولّى عثمان الحكم حتى أمر بردّ مروان وأبيه من الطائف، فعادا إلى المدينة. وكان ذلك من دواعي احتجاجات الناس على عثمان (3).
لقد تمكن مروان من تقوية مركزه في دولة عثمان بالزواج من ابنته.
وقام، إبّان الثورة عليه، بأعمال كان من شأنها تأجيج ثورة الناس عليه أكثر حتى قتلوه. من ذلك مثلاً، أنه لما توسط الإمام علي (علیه السّلام) بين عثمان وبين ثوار مصر لحل الأزمة ووافق عثمان على ما اقترحه الإمام (علیه السّلام) عليه وارتقى المنبر
ص: 317
وأعلن توبته، في خطبة طويلة، مما سلف منه، ثم عاد إلى منزله، استقبله مروان باللوم والتقريع(1).
وكان من تصرفات مروان مما مهّد لقتل عثمان، استغلاله لختم الخليفة وتوقيعه وإرسال رسالة باسم عثمان إلى والي مصر الله عبدالله بن سعد، رغم أن عثمان كان قد عزل عبدالله بن سعد عن الولاية استجابة لمطاليب ثوار مصر
الذين كانوا قد زحفوا على المدينة، وعيّن بدلاً منه محمدَ بن أبي بكر والياً على مصر. وكان مروان قد أمر والي مصر في الرسالة بأن يقتل ثوار مصر العائدين من المدينة إلى مصر بأشنع طريقة (2).
ص: 318
بعد مقتل عثمان، انضم مروان إلى جبهة طلحة والزبير ليوقدوا نار حرب الجمل بحجة الطلب بدم عثمان. وقد قاتل مروان في الجمل بكل ما أوتي من قوة. ولكنه، ما إن أحس بانكسار جيشهم، قام بقتل طلحة(1).
في يوم الحرّة، حين هجم جنود الشام على المدينة، وقف مروان إلى جانب مسلم بن عقبة الذي كان بعثه يزيد للهجوم على مدينة النبي(صلّی اللَّهِ علیه وَ آلِهِ وَ سَلَّمَ ) وتقتيل أهلها، وكان يحثه ويشجعه على مقاتلة الناس(2).
بعد معاوية بن يزيد في سنة 64 الهجرية، ادّعى مروان الخلافة في الشام فالتف حوله الأُمويون وساندوه وقاتل الضحاك الفهري وقتله واستولى على دمشق ومصر وسمّى نفسه خليفة المسلمين (3).
ص: 319
توفي مروان بدمشق في أوائل شهر رمضان من سنة 65 الهجرية عن 62 سنة. وقيل في سبب موته بعد موت يزيد، تزوج مروان زوجته. وعندما استولى على كرسي الحكم وعد بأن تكون الخلافة من بعده لخالد بن یزید. ولكن، حين استوسق له الحكم، جفا خالداً ومهّد لتولية ابنه عبد الملك.
وحدث أن أهان مروان خالداً وأمه وشتمهما، فأضمرت أم خالد شتيمته في قلبها، فتواطأت مع جواريها فقامت بخنقه حتى الموت بوضع وسادة على وجهه بينما كان يستريح مضطجعاً(1).
لم يكن مروان يقيم أدنى وزن لأحكام الدين. لذا لم يتورع في تبديلها وتعطيلها. يروي أحمد بن حنبل بسنده عن عباد: لما قدم علينا معاوية حاجاً قدمنا معه مكة. قال : فصلى بنا الظهر ركعتين ثم انصرف إلى دار الندوة. قال: وكان عثمان حين أتم الصلاة إذا قدم مكة صلى بها الظهر والعصر والعشاء
ص: 320
الآخرة أربعاً أربعاً، فإذا خرج إلى منى وعرفات قصر الصلاة، فإذا فرغ من الحج وأقام بمنى أتم الصلاة حتى يخرج من مكة. فلما صلى بنا الظهر ركعتين نهض إليه مروان بن الحكم وعمرو بن عثمان فقالا له: ما عاب أحد ابن عمك بأقبح ما عبته به. فقال لهما وما ذاك؟ قال: فقالا له: ألم تعلم أنه أتم الصلاة بمكة؟ قال: فقال لهما: ويحكما، وهل كان غير ما صنعت؟ قد صليتهما مع رسول الله (صلّی اللَّهِ علیه وَ آلِهِ وَ سَلَّمَ ) ومع أبي بكر وعمر. قالا: فإن ابن عمك قد كان أتمها، وإن خلافك إياه عيب له. قال: فخرج معاوية إلى العصر فصلاها بنا
أربعاً(1) .
هذه الرواية تشتمل على نقاط مهمة تتعلق بنظرة مروان لأحكام نبي الإسلام وشخصيته. فإذا كان يستهين بالصلاة، وهي عمود الدين، ويهزأ بها ويغيرها على هذا النحو، فما بالك بما يفعله مع باقي الأحكام؟ إضافة إلى أنه يسب علياً (علیه السّلام) ويلعنه في خطبه، ويقدم الخطبة على الصلاة في عيدي الفطر والأضحى. وكان إذا اعترض الصحابة على بدعته، يقول: لقد تُركت السنن التي عرفتموها وذهبت (2) .
كان مروان بن الحكم يرى زيارة قبر النبي مثل زيارة صخرة، وكان يمنع الناس من زيارة القبر الشريف والتبرك به. يقول أحمد بن حنبل نقلاً عن داود
ص: 321
بن أبي صالح: أقبل مروان يوماً فوجد رجلاً واضعاً وجهه على القبر (قبر رسول الله(صلّی اللَّهِ علیه وَ آلِهِ وَ سَلَّمَ ))، فأخذ برقبته وقال: أتدري ما تصنع؟ قال: نعم. قال: فأقبل عليه فإذا هو أبو أيوب الأنصاري، فقال: جئت رسول الله ولم آت الحجر. سمعت رسول الله(صلّی اللَّهِ علیه وَ آلِهِ وَ سَلَّمَ ) يقول: لا تبكوا على الدين إذا وليه أهله، ولكن ابكوا عليه إذا وليه غير أهله (1).
استناداً إلى هذه الرواية، يقول العلّامة الأميني: إن هذا الحديث يعطينا خبراً بأن المنع عن التوسل بالقبور الطاهرة إنما هو من بدع الأمويين وضلالاتهم منذ عهد الصحابة. ولم تسمع أذن الدنيا قط صحابياً ينكر ذلك غير وليد بيت أمية بن مروان الغاشم(2).
ويشير ابن حبان البستي الشافعي إلى حادثة أخرى تفيد بمنع مروان أسامةَ بن زيد من الصلاة عند قبر النبي(صلّی اللَّهِ علیه وَ آلِهِ وَ سَلَّمَ ) . يقول نقلاً عن عبيد الله بن عبدالله: عن عبيدالله بن عبدالله قال: رأيت أسامة بن زيد يصلي عند قبر رسول الله(صلّی اللَّهِ علیه وَ آلِهِ وَ سَلَّمَ )فخرج مروان بن الحكم فقال: تصلي إلى قبره؟ فقال: إني أحبه. فقال له قولاً قبيحاً ثم أدبر. فانصرف أسامة فقال: يا مروان! إنك آذيتني، وإني
ص: 322
سمعت رسول الله (صلّی اللَّهِ علیه وَ آلِهِ وَ سَلَّمَ ) يقول : إن الله يبغض الفاحش المتفحش، وإنك فاحش
متفحش (1).
عن عبدالرحمن بن عوف قال : كان لا يولد لأحد المولود إلّا أتى به النبي (صلّی اللَّهِ علیه وَ آلِهِ وَ سَلَّمَ ) فدعا له. فأدخل عليه مروان بن الحكم فقال: هو الوزغ (الضفدع) ابن الوزغ (2) الملعون ابن الملعون (3).
كما كانت عائشة تقول: ولكن رسول الله (صلّی اللَّهِ علیه وَ آلِهِ وَ سَلَّمَ ) لعن أبا مروان (ومروان) ومروان في صلبه(4).
ص: 323
هذا وقد بلغت هذه الحادثة من الاشتهار بحيث أن أهل المدينة كانوا في واقعة الحرة التي لعب فيها مروان دوراً، ينادونه الوزغ ابن الوزغ (1).
يقول النبي الأكرم(صلّی اللَّهِ علیه وَ آلِهِ وَ سَلَّمَ ) عن خصوصيات آل الحكم التي امتازوا بها: لعنه الله وكل من خرج من صلبه إلاّ المؤمنون منهم وقليلٌ ما هم، يُشرفون في الدنيا ويوضعون في الآخرة وذوو مكر وخديعة يعظّمون في الدنيا وما لهم في الآخرة من خلاق(2).
أما الحاكم النيسابوري فينقل عن أبي هريرة أن رسول الله قال : إني أريت في منامي كأن بني الحكم بن أبي العاص ينزون على منبري كما تنزو القردة.
فما رئي النبي مستجمعاً ضاحكاً حتى توفي(3).
ص: 324
بعد مقتل عثمان على يد الصحابة، قال الإمام علي (علیه السّلام) لمروان: ويلك وويل أمة محمد منك ومن بنيك إذا ساءت درعك. (إذا توليتم ) (1)
وحين وقع في الأسر في حرب الجمل وتشفع له الحسنان(علیهما السّلام) عند أميرالمؤمنين في أن يقبل بيعته، قال الإمام(علیه السّلام) : أولم يبايعني بعد قتل عثمان؟ لا حاجة لي في بيعته. إنها كف يهودية، لو بايعني بكفه لغدر بسبّته. أما إن له إمرة كلعقة الكلب أنفه ( من حيث الكيفية دنيئة ومن حيث المدة قصيرة) (2).
وهو أبو الأكبش الأربعة (3) وستلقى الأمة منه ومن وُلده يوماً أحمر (4).
كتب المرحوم الطبرسي يقول: قال مروان بن الحكم يوماً للحسين بن علي(علیهما السّلام): لولا فخركم بفاطمة، بمَ كنتم تفتخرون علينا؟ فوثب الحسين (علیه السّلام)، وكان شديد القبضة، فقبض على حلقه فعصره ولوى عمامته على عنقه حتى غُشي عليه. ثم تركه وأقبل الحسين (علیه السّلام) على جماعة من قريش فقال: أنشدكم بالله إلّا صدقتموني إن صدقت، أتعلمون أن في الأرض حبيبين كانا
ص: 325
أحبّ إلى رسول الله (صلّی اللَّهِ علیه وَ آلِهِ وَ سَلَّمَ ) مني ومن أخي؟ أو على ظهر الأرض ابن بنت نبي غيري وغير أخي؟ قالوا: اللّهُمّ لا. قال: وإني لا أعلم أن في الأرض ملعون ابن ملعون غير هذا وأبيه طريدي رسول الله . والله ما بين جابرس وجابلق، أحدهما بباب المشرق والآخر بباب المغرب، رجلان ممن ينتحل الإسلام أعدى لله ولرسوله ولأهل بيته منك ومن أبيك إذا كان. وعلامة قولي فيك أنك إذا غضبت سقط رداؤك عن منكبك! قال :(الراوي): فوالله ما قام مروان من مجلسه حتى غضب فانتفض وسقط رداؤه عن عاتقه (1).
يعتبر مروان بن الحكم من النواصب ومن أعداء أهل البيت(علیهم السّلام) . وتزخر مصادر أهل السنة بالإهانات التي كان يوجهها للإمام علي وللإمامين الحسنين (علیهم السّلام)،بل وللنبي(صلّی اللَّهِ علیه وَ آلِهِ وَ سَلَّمَ ).
ينقل أحمد بن حنبل عن عمير بن إسحق قوله : كان مروان أميراً علينا ست سنين. فكان يسبّ علياً كل جمعة. ثم عُزل، ثم استعمل سعيد بن العاص سنتين، فكان لا يسبه. ثم أعيد مروان فكان سبّه (هكذا، وربما يسبه: م)(2).
ص: 326
أما ابن عساكر فينقل الحادثة بتفصيل أكمل فيضيف على لسان عمير بن إسحق: فقيل للحسن: ألا تسمع ما يقول؟ فجعل لا يرد شيئاً. قال: وكان حسن يجيء يوم الجمعة فيدخل في حجرة النبي(صلّی اللَّهِ علیه وَ آلِهِ وَ سَلَّمَ ) فيقعد فيها. فإذا قضيت الخطبة خرج وصلى ثم رجع إلى أهله(1).
كما كان الناس يرفضون الاستماع إلى خطبه في صلاتي العيدين بسبب سبه لأميرالمؤمنين(علیه السّلام) ولعنه فيهما، فكانوا يغادرون المصلى بمجرد أن تنتهي الصلاة(2). لذا كان مروان وسائر الحكام الأمويين يعمدون إلى تقديم الخطبة على الصلاة لإجبار الناس على الاستماع إليها. وهكذا تعمدوا تغيير سنة النبي الأكرم (علیه السّلام) وأحكام دينه بتقديم الخطبة في صلاتي الفطر والأضحى على الصلاة نفسها (3).
ص: 327
يقول عمير بن إسحق : كان مروان أميراً علينا، فكان يسبّ علياً كل جمعة على المنبر وحسن يسمع فلا يردّ شيئاً. ثم أرسل إليه رجلاً يقول له: بعلي وبعلي وبعلي وبعلي وبك وبك وما وجدت مثلك إلاّ مثل البغلة يقال لها : من أبوك؟ فتقول: أمي الفرس ( يعني أنكم تتفاخرون بأمكم فاطمة بنت النبي وليس لكم من أبيكم نسب تفتخرون به)(1).
وكتب ابن أبي الحديد: وكان علي (علیه السّلام) يقنت في صلاة الفجر وفي صلاة المغرب ويلعن معاوية وعمرواً والمغيرة والوليد بن عقبة وأبا الأعور والضحاك بن قيس وبسر بن أرطاة وحبيب بن مسلمة وأبا موسى الأشعري ومروان بن الحكم. وكان هؤلاء يقنتون عليه ويلعنونه(2).
من المواقف التي أظهرت عداء مروان لأهل البيت(علیهم السّلام) حادثة وفاة الإمام الحسن (علیه السّلام). فقد منع من تنفيذ وصيته (علیه السّلام) بأن يدفن إلى جوار جده(صلّی اللَّهِ علیه وَ آلِهِ وَ سَلَّمَ ) ، وذلك إرضاءً لمعاوية (3)، وقال: أيُدفن عثمان في أقصى البقيع ويُدفن الحسن
ص: 328
في بيت رسول الله؟ والله لا يكون ذلك أبداً وأنا أحمل سيفي(1). فقال له أبو سعيد الخدري وأبو هريرة: أتمنع الحسن من أن يُدفن مع جده رسول الله (صلّی اللَّهِ علیه وَ آلِهِ وَ سَلَّمَ ) وقد قال رسول الله(صلّی اللَّهِ علیه وَ آلِهِ وَ سَلَّمَ ) : الحسن والحسين سيدا شباب أهل الجنة؟ فلم يعبأ مروان بالحديث النبوي وجعل يهين أبا هريرة (2). ثم صار سبباً في رمي جنازة الإمام الحسن (علیه السّلام) بالنبال (3).
لقد بلغت عداوة مروان لأهل البيت (علیهم السّلام) أن كان مستعداً لقتل الإمام الحسين (علیه السّلام) لعدم مبايعته ليزيد. فحين أحضر الوليد بن عتبة، والي المدينة، الإمام الحسين (علیه السّلام) ليأخذ منه البيعة ليزيد بعد هلاك معاوية فرفض الإمام (علیه السّلام) أن يبايع، التفت مروان للوليد عند خروج الإمام الحسين ام من دار
، الإمارة وقال له: احبسه ولا تدعه يخرج قبل أن يبايع فإن لم يفعل فاضرب عنقه. ولما خرج الحسين (علیه السّلام) قال مروان للوليد : والله لن تأتيك هذه الفرصة مرة أخرى (4).
ص: 329
ولئن خاب ظن مروان في النيل من الإمام الحسين (علیه السّلام) في اجتماع أخذ البيعة ليزيد، فقد شفي غليله منه بالنظر إلى رأسه (علیه السّلام) بعد مقتله. يقول ابن أبي الحديد المعتزلي الشافعي: هو الذي خطب يوم وصل رأس الحسين (علیه السّلام) إلى المدينة وهو يومئذٍ أميرها وقد حمل الرأس على يديه فقال: يا حبذا بردك في اليدين ... وحمرة تجري على الخدين (ثم رمى الرأس صوب قبر النبي بكل وقاحة وقال: يا محمد! يوم بيوم بدر) (1) .
كان مروان سليط اللسان أعمله في سب أهل البيت(علیهم السّلام) ولعنهم. بل إنه كان يتجرأ على الإمامين الحسنين(علیهما السّلام) في حضرتهما.
يقول الطبرسي: قال: وسمع مروان بن الحكم بما لقي معاوية وأصحابه المذكورون من الحسن بن علي(علیهما السّلام) (كان ستة من أعداء أهل البيت الألداء قد جاؤوا بالإمام الحسن(علیه السّلام) وأقذعوا عليه بالسب والشتم في محضر معاوية. فما كان من الإمام (علیه السّلام) إلّا أن قام ومرغ أنوفهم بالأرض وأهانهم، ومعاوية ينظر) فأتاهم فوجدهم عند معاوية في البيت فسألهم: ما الذي بلغني عن الحسن وزعله؟ قال: قد كان كذلك! فقال لهم مروان: أفلا أحضر تموني ذلك؟ فوالله لأسبنه ولأسبن آباءه وأهل البيت سباً تتغنى به الإماء والعبيد! فقال
ص: 330
معاوية والقوم : لم يفتك شيء، وهم يعلمون من مروان بذو لسان وفحش! فقال :مروان فأرسل إليه يا معاوية! فأرسل معاوية إلى الحسن بن علي. فلما جاء الرسول قال له الحسن (علیه السّلام): ما يريد هذا الطاغية مني؟ فمشى الحسن(علیه السّلام) حتى جلس على السرير مع معاوية وعمرو بن العاص. ثم قال الحسن لمعاوية : لمَ أرسلت إليّ؟ قال: لست أنا أرسلت إليك ولكن مروان الذي أرسل إليك. فقال له مروان: أنت يا حسن السباب لرجال قريش؟ فقال له الحسن: وما الذي أردت؟ فقال مروان : والله لأسبنك وأباك وأهل بيتك سباً تتغنى به الإماء والعبيد. فقال الحسن: أما أنت يا مروان فلست سبيتك ولا سبيت أباك! ولكن الله عزّ وجلّ لعنك ولعن أباك وأهل بيتك وذريتك وما خرج من صلب أبيك إلى يوم القيامة على لسان نبيه محمد! والله يا مروان ما تنكر أنت ولا أحد ممن حضر هذه اللعنة من رسول الله(صلّی اللَّهِ علیه وَ آلِهِ وَ سَلَّمَ ) لك ولأبيك من قبلك.
وما زادك الله يا مروان بما خوفك إلّا طغياناً كبيراً. وصدق الله وصدق رسوله، يقول الله تبارك وتعالى: «وَالشَّجَرَةَ الْمَلْعُونَةَ فِي الْقُرْآنِ وَنُخَوِّفُهُمْ فَمَا يَزِيدُهُمْ إِلَّا طُغْيَانًا كَبِيرًا ». وأنت يا مروان وذريتك الشجرة الملعونة في القرآن، وذلك عن رسول الله(صلّی اللَّهِ علیه وَ آلِهِ وَ سَلَّمَ ) عن جبرئيل عن الله عزّ وجلّ (1).
لم يكن مروان يتحمل سماع ذرة من فضائل أهل البيت(علیهم السّلام) . يقول الطبرسي: وفد الحسن بن علي (علیهما السّلام) معاوية فحضر مجلسه وإذا عنده هؤلاء القوم. ففخر كل رجل منهم على بني هاشم ووضعوا منهم وذكروا أشياء ساءت
ص: 331
الحسن بن علي (علیهما السّلام) و وبلغت منه . فقال الحسن بن علي(علیهما السّلام) : أنا شعبة من خير
الشعب، وآبائي أكرم العرب لنا الفخر والنسب، والسماحة عند الحسب.
ونحن من خير شجرة أنبتت فروعاً نامية وأثماراً زاكية وأبداناً قائمة فيها أصل الإسلام وعلم النبوة. فعلونا حين شمخ بنا الفخر، واستطلنا حين امتنع بنا العز. ونحن بحور زاخرة لا تنزف وجبال شامخة لا تقهر. فقال مروان بن الحكم: مدحت نفسك وشمخت بأنفك، هيهات هيهات يا حسن! نحن والله الملوك السادة والأعزة القادة. لا تبجحن، فليس لك عز مثل عزنا ولا فخر كفخرنا فتكلم الحسن(علیه السّلام) فقال: يا مروان أجُبناً وخوراً وضعفاً وعجزاً (أتظن أني سكت على كلامك جبناً وضعفاً)؟ زعمت أني مدحت نفسي وأنا ابن رسول الله! وشمخت بأنفي وأنا سيد شباب أهل الجنة! فأما إيابك بالنهاب والملوك، أفي اليوم الذي وليت فيه مهزوماً وانخرجت مذعوراً؟ فكانت غنيمتك هزيمتك، وغدرك بطلحة حين غدرت به فقتلته قبحاً لك ما أغلظ جلدة وجهك! فنكس مروان رأسه (وبهت المغيرة) (1)
ص: 332
هو عبدالله بن الزبير بن العوّام، أمه أسماء بنت أبي بكر بن أبي قحافة وأخت عائشة. جدته صفية بنت عبد المطلب والسيدة خديجة (علیها السّلام) أبيه وعائشة خالته.
ولد بالمدينة في السنة الأولى أو الثانية للهجرة وكان أول ابنٍ ولد بالمدينة بعد هجرة المسلمين إليها. وحين وُلد، كبّر الناس فرحاً لأنه كان قد شاع بين الناس أن اليهود سحروا المسلمين فلا يولد لهم مولود. كان من أشهر كناه "أبو خبيب" و"أبو بكر (1).
تفيد بعض الروايات بأن عبدالله بن الزبير كان أول مولود من زواج مؤقت. ينقل أبو جعفر الطحاوي عن سعيد بن جبير أنه قال: قام عبدالله بن الزبير خطيباً فغمز عبدالله بن عباس في رضاه بالزواج المؤقت ونال منه.
فقال ابن عباس يسأل أمه إن كان صادقاً. فسألها فقالت: صدق ابن عباس قد كان ذلك. فقال ابن عباس: لو شئت لسميت رجالاً من قريش ولدوا فيه (2).
ص: 333
كما ينقل عبدربه الأندلسي عن الشعبي: وأول مجمر سطع في المتعة مجمر آل الزبير(1).
لم يبايع عبدالله بن الزبير يزيدَ بعد موت معاوية. وبعد أن مات يزيد بايعه أهل المدينة خليفة للمسلمين. ومكث نحو تسع سنوات يدعو نفسه خليفة المسلمين وكان يبسط سلطانه على الحجاز والعراق واليمن ومصر وأغلب مناطق الشام. قتله الحجاج بن يوسف الثقفي سنة 73 الهجرية في أيام عبدالملك بن مروان(2).
أتى (عبدالله بن الزبير) النبي (صلّی اللَّهِ علیه وَ آلِهِ وَ سَلَّمَ ) وهو يحتجم. فلما فرغ قال: يا عبدالله اذهب بهذا الدم فأهرقه حتى لا يراه أحد فلما برز عن النبي(صلّی اللَّهِ علیه وَ آلِهِ وَ سَلَّمَ ) عمد إلى الدم فشربه. فقال (النبي): يا عبدالله ما صنعت؟ قال: جعلته في أخفى مكان ظننت أنه يخفى على الناس. قال (النبي): لعلك شربته؟ قال: نعم. قال (النبي) :ولمَ شربت الدم؟ ويل للناس منك وويل لك من الناس(3)!
ص: 334
يقول علي بن زيد الجدعاني: كانت فيه خلال لا تصلح معها الخلافة، لأنه كان بخيلاً ضيّق العطاء سيئ الخلق حسوداً كثير الخلاف. أخرج محمد بن الحنفية ونفى عبدالله بن عباس إلى الطائف (1).
قال له معاوية (بن أبي سفيان): إنك لمخالف (للشريعة)، لاتزال تحب الخلاف ما بقيت (2).
لهذا السبب، كان يخالف سنة رسول الله (صلّی اللَّهِ علیه وَ آلِهِ وَ سَلَّمَ ) فيجعل صيام سبعة أيام متصلة ببعضها(3)، ويطيل في صلاة الجماعة خلافاً لنهي النبي (صلّی اللَّهِ علیه وَ آلِهِ وَ سَلَّمَ ) فيقرأ فيها سورة البقرة وآل عمران والنساء والمائدة(4). مع هذا حاول شمس الدين الذهبي تبرير مخالفات عبدالله بن الزبير فقال: لعله ما بلغه النهي عن الوصال (5).
ص: 335
قال عبدالله بن المساور: سمعت ابن عباس وهو يبخل ابن الزبير يقول: سمعت رسول الله (صلّی اللَّهِ علیه وَ آلِهِ وَ سَلَّمَ ) يقول : ليس المؤمن الذي يشبع وجاره جائع إلى جنبه جائع(1).
يقول ابن عبدربه الأندلسي عن بخل عبدالله بن الزبير: ومن البخلاء عبدالله بن الزبير ... وأقبل إليه أعرابي فقال: أعطني وأقاتل عنك أهل الشام. فقال له: اذهب فقاتل، فإن أغنيت (أبليت حسناً) أعطيناك. قال: أراك تجعل روحي نقداً نسيئة (تريدني أن أعطيك روحي نقداً وتعطيني نسيئة) (2) !
وكان من صفات عبدالله بن الزبير القبيحة حبه للرئاسة. فلما ادّعى الخلافة في مكة أمر يزيد، والي المدينة الوليدَ بن عتبة أن يجهز جيشاً إلى مكة لمواجهته. فأرسل والي المدينة جيشاً بقيادة عمرو بن الزبير أخي عبدالله بن
ص: 336
الزبير، ولكن عمرواً هُزم في المعركة وأسر. فأمر عبدالله بن الزبير بأن يوضع عند باب المسجد الحرام عارياً. ثم أخذ يجلده بالسوط حتى مات (1).
ومن المؤشرات على حبه للرئاسة انزعاجه من وجود الإمام الحسين (علیه السّلام) بمكة. يتبين هذا من حواره مع الحسين (علیه السّلام) عندما توجه إلى مكة.
لما دخل الإمام الحسين(علیه السّلام) مكة تجمع الناس حوله من كل حدب وصوب.
فأزعج ذلك عبدالله بن الزبير شديداً، لأنه رأى الناس لا يلتفتون إليه بوجود الإمام(علیه السّلام) ، وكان يطمع ببيعة أهل مكة له (2). فقال للحسين (علیه السّلام) بمكة: لو كان لي ما لك من الأنصار في الكوفة ما قصدت غيرها. ثم حاول أن يُبعد التهمة عن نفسه فأضاف: مع أنك لو اخترت البقاء في مكة فلن يخالفك أحد.
ص: 337
قال الإمام الحسين (علیه السّلام) وهو يغادر مكة: لا شيء أحب إلى عبدالله بن الزبير من أن أخرج من مكة، لأنه يعلم أنه لن يصله شيء مادمت فيها وأن لا أحد يفضله عليّ. فهو يحب أن أغادر مكة ليخلو له جو الخلافة.
وقال عبدالله بن عباس لعبدالله بن الزبير بعد أن خرج الحسين (علیه السّلام) من مكة: قرت عينك يا ابن الزبير ... هذا حسين يخرج إلى العراق وعليك بالحجاز. ثم أنشد: يالك من قبّرة بمعمر ... خلا لك الجو فبيضي واصفري(1).
وكان من صفاته الذميمة حبه الشديد للدنيا. يقول أبو برزة الأسلمي: إن ذلك الذي بالشام، يعني مروان، والله إن يقاتل إلّا على الدنيا. وإن ذلك الذي بمكة، يعني ابن الزبير، إن يقاتل إلّا على الدنيا (2).
ص: 338
أما تظاهره بالتقوى والورع فما كان إلّا من أجل كسب الدنيا وخداع البسطاء من الناس. فقد جاء في رواية أن زوجة عبدالله بن عمر لما رأت طاعة عبدالله بن الزبير وتقواه الظاهريين ألحت على زوجها في أن يبايعه، فقال لها: أما رأيت بغلات معاوية التي كان يحج عليها الشهباء؟ فإن ابن الزبير ما يريد غيرهن (1) .
ويصفه أميرالمؤمنين (علیه السّلام) بأنه محتال ماكر يروم أمراً ولا يدركه، ينصب حبالة الدين لاصطياد الدنيا (2).
أما ابن أبي الحديد فيقول عن بغض عبدالله بن الزبير وعداوته: ومن المنحرفين عنه المبغضين له عبدالله بن الزبير وقد ذكرنا آنفاً كان علي (علیه السّلام) يقول: مازال الزبير منا أهل البيت حتى نشأ ابنه عبدالله فأفسده. وعبدالله هو الذي حمل الزبير على الحرب وهو الذي زيّن لعائشة مسيرها إلى البصرة وكان سبّاباً فاحشاً يبغض بني هاشم ويلعن ويسب علي بن أبي طالب(علیه السّلام) (1).
كان عبدالله بن الزبير لا يفوت فرصة للنيل من الإمام علي(علیه السّلام) . وفي أيام خلافته، لم يصلّ على محمد في أربعين صلاة جمعة. وحين اعترض عليه الناس قال: إني لا أرغب عن ذكره ولكن له أهيل سوء إذا ذكرتُه أتلعوا أعناقهم. فأنا أحب أن أكبتهم (2).
من أعظم المؤاخذات التي كان يؤاخذ عليها عبدالله بن الزبير ترك ذكر رسول الله في خطبه(3).
لذا قال له عبدالله بن عباس: بغضي والله ضرك وأثمك إذ دعاك إلى ترك الصلاة على النبي (صلّی اللَّهِ علیه وَ آلِهِ وَ سَلَّمَ ) في الخطبك (4) .
ص: 340
وتفيد بعض التقارير بأن عبدالله بن الزبير كان يبغض بني هاشم وكان يجاهر بمعاداتهم(1) . كان يقول لعبدالله بن عباس : لقد كتمت بغضك وبغض أهل أبيك مذ أربعون سنة (2).
يقول المسعودي واليعقوبي: خطب الزبير فنال من الإمام علي، فبلغ ذلك ابنه محمد بن الحنفية، فأقبل حتى وضع له كرسي قدامه فعلاه وقال: يا معشر قريش! شاهت الوجوه أينتقص علي وأنتم حضور (3)!؟
بل إنه كان يبلغ من الإسراف في معاداة الإمام علي (علیه السّلام) أن يلجأ أبوه الزبير إلى تقريعه وضربه.
يقول الهيثمي نقلاً عن عروة بن الزبير: أن علي بن أبي طالب لقي الزبير في السوق فتعاتبا في شيء من أمر عثمان. ثم أغلظ له الله عبدالله بن الزبير فقال له علي: ألا تسمع ما يقول لي؟ فضربه الزبير حتى وقع (مغشياً عليه)(4).
ص: 341
وكتب ابن أبي الحديد يقول: خطب عبدالله بن الزبير يوماً فقال: لقد هممت أن أحظر لبني هاشم حظيرة ثم أضرمها ناراً عليهم(1).
قام عبدالله بن الزبير باعتقال محمد بن الحنفية وعبدالله بن عباس وأربعة وعشرين رجلاً من بني هاشم ليأخذ البيعة لنفسه منهم، فرفضوا، فحبسهم في حجرة زمزم وأقسم أن يحرقهم إن لم يبايعوا! فكتب محمد بن الحنفية رسالة إلى المختار قال فيها: أما بعد، فإن عبدالله بن الزبير أخذنا فحبسنا في حجرة زمزم وحلف بالله الذي لا إله إلّا هو لنبايعه، أو ليضر منها علينا بالنار. فيا غوثا فوجّه إليهم المختار بن أبي عبيد بأبي عبدالله الجدلي في أربعة آلاف راكب، فقدم مكة فكسر الحجرة. (وقيل لمحمد بن الحنفية: خلّ بيننا بيننا وبين عبدالله بن الزبير! فقال محمد بن الحنفية: لا أقطع الرحم كما يقطعها ((2).
ثم قام عبدالله بن الزبير بنفي بني هاشم ومحمد بن الحنفية وعبدالله بن عباس. يقول اليعقوبي في هذا: ولما لم يكن بابن الزبير قوة على بني هاشم
ص: 342
وعجز عما دبره فيهم أخرجهم عن مكة وأخرج محمد بن الحنفية إلى ناحية رضوى وأخرج عبدالله بن عباس إلى الطائف إخراجاً قبيحاً (1).
ولقد كان عبدالله بن الزبير من المسببين الأساسيين لحرب الجمل وموقدي نارها، وذلك بتحريض أبيه وعائشة على المشاركة فيها ومواجهة الإمام علي (علیه السّلام).
وحين قرر الزبير الانصراف عن القتال بعد الحديث الذي دار بينه وبين الإمام علي (علیه السّلام) قبيل اندلاع الحرب، استهزأ ابنه عبدالله به واتهمه بالجبن والخوف من رجال الإمام (علیه السّلام) فدفعه إلى الرجوع عن قراره والعودة إلى القتال (2).
كما كان عبدالله بن الزبير السبب الرئيس في مشاركة عائشة في حرب الجمل. وهذا ما اعترف به عبدالله بن عمر. إذ لما عاتبت عائشة عبدالله بن الزبير (هكذا، والأرجح بن عمر: م) على عدم منعها من محاربة علي بن أبي
ص: 343
طالب، قال لها عبدالله بن عمر: قد رأيت رجلاً قد غلب عليك وظننت أن لا تخالفيه (يعني ابن الزبير)(1).
حسب تقرير السمعاني، إن الذي كذب على عائشة وأقسم أن ماء الحوأب لم يكن ماء الحوأب كان عبدالله بن الزبير لا غيره، وأنه بعد ذلك كفّر عن قبيح عمله(2). كما تفيد تقارير أخرى بأن عبدالله بن الزبير هو الذي جلب لعائشة شهوداً يحلفون كذباً بأن المنطقة لم تكن الحوأب(3).
ص: 344
وهكذا، حلف عبدالله بن الزبير على الكذب لإيهام عائشة بأن المنطقة لم تكن هي الحوأب، ثم استأجر خمسين شخصاً ليشهدوا معه على الكذب بأنهم كانوا قد اجتازوا الحوأب(1).
لا شك في أن عبدالله بن الزبير خرج على إمام المسلمين وحارب الإمام علياً (علیه السّلام)، وهذا من أعظم الذنوب. فقد جاء في الروايات أن محاربة المؤمن كفر، فكيف بمحاربة ولي أمر المسلمين!؟ يقول محمد بن إسماعيل البخاري: إن النبي (صلّی اللَّهِ علیه وَ آلِهِ وَ سَلَّمَ ) قال : سباب المسلم فسوق وقتاله كفر (2).
هو عبدالله بن عامر بن كريز، ولد في السنة الرابعة للهجرة بمكة. هو ابن خال عثمان. أمه دجاجة بنت أسماء بن صلت (هكذا: م).
ص: 345
كنيته أبو عبدالرحمن زعم بعض أن النبي (صلّی اللَّهِ علیه وَ آلِهِ وَ سَلَّمَ ) دعا له فكان يخرج له الماء حيثما حفر، وهكذا جمع ثروة طائلة. كان له اثنا عشر ولداً وست بنات. قُتل ابنه البكر، عبدالرحمن، في حرب الجمل (1) .
زُعم أن عبدالله بن عامر صنع أحواضاً في صحراء عرفات ملأها بالماء ليستفيد منه الحجاج. كما اشترى دوراً في البصرة فهدمها وبنى فوق أرضها سوقاً كبيرة (2).
كان عبدالله بن عامر والياً على البصرة إلى أن قُتل عثمان(3). وكان الخليفة الثالث قد عزل عثمان بن أبي العاص عن فارس وجعل عبدالله بن عامر عليها (4).
ص: 346
لما سمع عبدالله بن عامر بمحاصرة الصحابة وأهل مصر والكوفة وباقي المدن دار عثمان، أرسل جيشاً من البصرة إلى المدينة بقيادة مجاشع بن مسعود.
ولكن عثمان كان قد قتل قبل وصوله إلى المدينة فعاد إلى البصرة. فلما بلغ عبدالله بن عامر الخبر قام بالاستيلاء على جميع ما في بيت مال البصرة وفرّ به هارباً إلى مكة (1).
مع بداية خلافة أميرالمؤمنين(علیه السّلام) ، تم عزل عبدالله بن عامر عن ولاية البصرة وإبداله بعثمان بن حنيف (2).
تزامناً مع مقتل عثمان بن عفان، بعث معاوية برسالة إلى عبدالله بن عامر محرضاً له على أميرالمؤمنين (علیه السّلام) مستغلاً إمكانياته، ودعاه إلى الثورة وأوصاه بأن يكون كالذئب يرصد كل شيء وأن لا يدخر وسعاً في تحريض الناس(3).
ص: 347
فرد عبدالله بن عامر على رسالة معاوية برسالة جوابية وصفه فيها بالسند وأنه رجل الحروب كلها والمختار من بني عبد شمس. وقال له: إن تسعة من عشرة رجال معك وواحداً عليك. ثم ختم بإعلان الطاعة له(1).
كان عبدالله بن عامر من أوائل من استجاب إلى دعوة الفتنة التي أطلقتها عائشة في مواجهة الإمام على (علیه السّلام) وحربه (2). فقد احتال في إقناع طلحة والزبير وعائشة بالتوجه إلى البصرة بحجة ما له فيها من نفوذ (3).
ص: 348
وضع عبدالله بن عامر تحت تصرف الناكثين مليون درهم ومائة بعير من الأموال التي كان نهبها من بيت مال البصرة (1). كان يزعم أن له في البصرة أعواناً كثراً وأن بمقدوره إمداد طلحة والزبير بعشرة آلاف مقاتل (2). وكان في حرب الجمل أميراً على قيس والأنصار وثقيف (3).
الحسن (علیه السّلام) أن الحسن قبل بالصلح، الأمر الذي أدى إلى تفرّق جيش الإمام (علیه السّلام) ومحاصرته من قبل جيش عبدالله بن عامر. وهذا ما دفع بالإمام الحسن (علیه السّلام)لقبول الصلح (1).
بعد عقد الصلح مع الإمام الحسن (علیه السّلام)، أرسل معاوية بسرَ بن أرطاة إلى البصرة ليكون والياً عليها، ثم قام بعزله. فقال عبدالله بن عامر لمعاوية: إن لي أموالاً عند جماعة من أهل البصرة، فإن لم تولني على البصرة فإن أموالي ستضيع. وهكذا ولاه معاوية البصرة(2).
هلك عبدالله بن عامر بمكة سنة 57 أو 58 للهجرة ودفن في عرفات.
وكان قد جعل عبدالله بن الزبير وصيه قبل موته(3).
ص: 350
هو يعلى بن أمية التميمي الحنظلي وكان من أبناء الطلقاء أسلم يوم فتح مكة وشهد حنيناً والطائف وتبوك.
وكان يسمى أيضاً يعلى بن منية. كانت منية أمه وكان أمية أباه؛ لذا كان ينسب إلى أبيه مرة وإلى أمه أخرى.
تزوج يعلى ابنة الزبير وابنة أبي لهب. وذُكر أنه كان يكنى بأبي صفوان وأبي خالد وأبي خلف.
روى عن النبي(صلّی اللَّهِ علیه وَ آلِهِ وَ سَلَّمَ ) ثمانية وعشرين حديثاً، يتفق البخاري ومسلم على ثلاثة منها (1).
يقول ابن هشام وابن الأثير نقلاً عن موسى بن عقبة: إن يعلى بن أمية قدم على رسول الله(صلّی اللَّهِ علیه وَ آلِهِ وَ سَلَّمَ ) بخبر أهل مؤتة، فقال له رسول الله(صلّی اللَّهِ علیه وَ آلِهِ وَ سَلَّمَ ) : إن شئت فأخبرني وإن شئت أخبرك. قال: أخبرني يا رسول الله ! قال: فأخبرهم رسول الله خبرهم كله ووصفه لهم، فقال: والذي بعثك بالحق ما تركت من
ص: 351
حديثهم حرفاً لم تذكره وإن أمرهم لكما ذكرت فقال رسول الله(صلّی اللَّهِ علیه وَ آلِهِ وَ سَلَّمَ ) : إن الله رفع لي الأرض حتى رأيت معتركهم (1).
من الأحاديث التي رواها يعلى بن أمية عن رسول الله (صلّی اللَّهِ علیه وَ آلِهِ وَ سَلَّمَ ) حديثه عن الإمامين الحسن والحسين(علیهما السّلام) . قال يعلى بن أمية: خرجنا مع رسول الله (صلّی اللَّهِ علیه وَ آلِهِ وَ سَلَّمَ )
فدُعينا إلى طعام، فإذا الحسين يلعب في الطريق ، فأسرع النبي (صلّی اللَّهِ علیه وَ آلِهِ وَ سَلَّمَ ) أمام القوم
ثم بسط يديه فجعل الحسين يمر مرة هاهنا ومرة هاهنا يضاحكه حتى أخذه، فجعل إحدى يديه في ذقنه والأخرى بين رأسه وأذنيه، ثم اعتنقه فقبله. ثم قال رسول الله(صلّی اللَّهِ علیه وَ آلِهِ وَ سَلَّمَ ) . حسين مني وأنا منه، أحب الله من أحبه، الحسن والحسين سبطان من الأسباط (2).
في ما يسمى حروب الردّة، جعل أبو بكر يعلى بن أمية على بلاد حلوان.
كما عهد إليه بكرسي قضاء اليمن وجباية أموالها، ولكن قوماً من حضرموت خرجوا عليه. فأرسل إليهم جيشاً فقام جنوده بقتل جماعة من أهل حضرموت وأسر أكثر من 300 من رجالها ونسائها، وأرسلهم إلى أبي بكر فقام ببيعهم. بعد ذلك ذهب جماعة من أهل اليمن إلى أبي بكر وشهدوا على إسلام الأسرى وظلم يعلى لهم. على إثر ذلك سقط يعلى من عين أبي بكر. واستشار
ص: 352
أبو بكر المسلمين فأعتق الأسرى بعد أن كانوا قد تزوجوا ومات بعض النساء منهم في تلك الظروف.
وحين تولى عمر بن الخطاب الخلافة ولّى يعلى بعض اليمن. وجاء في بعض المصادر أن يعلى كان عامل عمر على نجران. وقد استولى في اليمن على بعض الأراضي، فلما سمع عمر عمر بذلك أمره بأن يعود إلى المدينة ماشياً. فسار يعلى خمسة أيام أو ستة حتى وصل إلى صعدة فسمع بموت عمر فأكمل باقي المسافة راكباً حتى ذهب إلى عثمان.
قام عثمان أيضاً بتأمير يعلى على صنعاء. لقد كان له حظوة عند عثمان! فلما سمع بحصار عثمان انطلق نحو المدينة ليعينه ولكنه سقط من ظهر ناقته في الطريق فكسرت رجله (1).
تزامناً مع مقتل عثمان، بعث معاوية رسالة إلى يعلى قال فيها إن أحد أسباب مقتل عثمان ولاية يعلى على اليمن، وإن الطلب بدم عثمان واجب، وطلب منه أن يثور في العراق انتقاماً لعثمان. ثم قال: فأما الشام فقد كفيتك
ص: 353
أهلها وأحكمت أمرها، وقد كتبت إلى طلحة بن عبيدالله أن يلقاك بمكة حتى يجتمع رأيكما على إظهار الدعوة والطلب بدم عثمان أميرالمؤمنين المظلوم، وكتبت إلى عبدالله بن عامر يمهد لكم العراق ويسهل لكم حزونة عقابها. واعلم يا ابن أمية أن القوم قاصدوك بادئ بدء لاستنطاف ما حوته يداك من المال (ليستردوه منك) فاعلم ذلك واعمل على حسبه إن شاء الله (1).
في جوابه عليها، أيّد يعلى بن منية ما جاء في رسالة معاوية وتطرق إلى أخذ الثأر لعثمان من قتلته ووعد معاوية بذلك. وذكر أن لا قيمة للمال في قبال تسليم قتلة عثمان، وهدّد بأن يوظف كل ما يملك في محاربة القتلة (2).
ص: 354
لقد نعته أميرالمؤمنين في عبارة واحدة بالفاسق والفاجر الذي وظّف طلحةُ والزبير أمواله التي جلبها من العراق وبلاد فارس إلى مكة، في تثوير الناس عليه(1).
كان يعلى بن أمية من أوائل الذين أجابوا عائشة إلى حرب الإمام علي(علیه السّلام) . وهو الذي كان يصيح في الناس: أيها الناس! من خرج بطلب دم عثمان فعليَّ جهازه(2).
لقد استثمر يعلى بن أمية، حسب تقرير شمس الدين الذهبي، مالاً كثيراً على جيش الجمل، كما يفعل الملوك (3).
ص: 355
وقد دفع ثمن جمل عائشة "عسكر" الذي بلغ ثمانين أو مائتي دينار(1)، وأقرض طلحة ستين ألف دينار (2) ، وجهّز خمسمائة مقاتل مع سلاحهم عدة حربهم (3).
أما الطبري، فيذكر في تقريره أن يعلى بن منية سلّم أصحاب الجمل ستمائة ألف درهم وستمائة بعير لمحاربة الإمام على (علیه السّلام)(4). وتحدثت تقارير أخرى عن تبرعات له
ص: 356
شملت شراء أربعمائة بعير ومساعدات نقدية بلغت أربعمائة ألف درهم، واستئجار سبعين رجلاً من قريش لنصرة أصحاب الجمل في الحرب، والتبرع بالأبقار والشياه والسلاح(1).
لما سمع الإمام علي (علیه السّلام) ببذل يعلى بن أمية، قال: من أين له عشرة آلاف دينار؟ سرقها من اليمن ثم جاء بها. لئن وجدته (وابن أبي ربيعة) لآخذنه بما أقر به (2).
ص: 357
ص: 358
ص: 359
ص: 360
سنتناول، في هذا الفصل، بالترجمة أبرز أنصار أميرالمؤمنين (علیه السّلام). وسيشمل التناول زيد بن صوحان وعبدالله بن عباس وعمار بن ياسر ومالك الأشتر ومحمد بن الحنفية وعثمان بن حنيف ومحمد بن أبي بكر وأم سلمة.
هو زيد بن صوحان العبدي أخو صعصعة وسيحان، أسلم في حياة رسول الله وأصبح في زمرة أصحابه(صلّی اللَّهِ علیه وَ آلِهِ وَ سَلَّمَ ) . وقد صاحبه. كُنّي بأبي سلمان، وفي روايات أخرى بأبي سليمان، لشدة حبه لسلمان (1). كما كان يكنى أبا عائشة وأبا عبدالله.
قال الرسول(صلّی اللَّهِ علیه وَ آلِهِ وَ سَلَّمَ ) عنه : جندب وما جندب! فسئل عن ذلك فقال: رجلان من أمتي؛ أما أحدهما فتسبقه يده أو قال: بعض جسده إلى الجنة، ثم يتبعه سائر جسده.
جندب هذا هو الذي قتل الساحر الذي كان جلبه الوليد بن عقبة إلى مسجد الكوفة. وزيد بن صوحان هو الذي قطعت يده في جلولاء واستشهد في الجمل (2).
ص: 361
كان يقوم الليل ويصوم النهار ويحيي ليالي الجمعة بالعبادة. كان ديناً فاضلاً سيداً في قومه (1).
وحسبُه من فضائله قول النبي(صلّی اللَّهِ علیه وَ آلِهِ وَ سَلَّمَ ) فيه: من سره أن ينظر إلى من يسبقه بعض أعضائه إلى الجنة فلينظر إلى زيد بن صوحان (2).
بلغت رفعة منزلة زيد أن سلمان جعله إماماً للجماعة وخطيباً فيهم في الجيش الذي كان يقوده سلمان(3).
ص: 362
يستفاد من التقارير التاريخية أن عمر بن الخطاب كان يُكن لزيد بن صوحان احتراماً كبيراً. حتى أنه عندما همّ زيد بامتطاء صهوة جواد قام عمر وأمسك بركابه له وقال لمن كان معه : هكذا فاصنعوا بزيد (وإخوته وأصحابه). وجاء في تقرير آخر أن عمر بن الخطاب أركب زيداً وقال: يا أهل الكوفة! هكذا فاصنعوا بزيد وإلّا عاقبتكم(1)!
هذا، وقد أدت اعتراضاته على عثمان بن عفان إلى نفيه إلى الشام(2).
كان زيد بن صوحان من أصحاب أميرالمؤمنين (علیه السّلام) الأوفياء. شهد معه الجمل وكان يحمل راية عبد القيس (3). وكان قد رفض دعوة عائشة له بالتخلي عن الانضمام إلى أصحاب الجمل ومنع الناس من الالتحاق بالإمام علي بن
ص: 363
أبي طالب(علیه السّلام) ، وقال لها : إن اعتزلت ورجعت إلى بيتك وإلّا فأنا أول من نابذك(1).
يقول الجاحظ في وصف أحوال زيد بن صوحان: زيد بن صوحان الخطيب الفارس القائد. وزيد هو الذي قال لعلي بن أبي طالب: إني مقتول غداً. قال: ولم؟ قال: رأيت يدي في المنام حتى نزلت من السماء، فاستشلت يدي (أخذتها إليها) (2).
يقول الإمام الصادق(علیه السّلام) لما صرع زید بن صوحان يوم الجمل جاء أميرالمؤمنين (علیه السّلام) حتى جلس عند رأسه فقال: يرحمك الله يا زيد، فقد كنت خفيف المئونة عظيم المعونة. قال: فرفع زيد رأسه إليه ثم قال: وأنت فجزاك الله خيراً يا أميرالمؤمنين! ما علمتك إلّا بالله عليماً وفي أم الكتاب علياً حكيماً، وإن الله في صدرك لعظيم. والله ما قاتلت معك على جهالة ولكني سمعت أم سلمة زوجة رسول الله(صلّی اللَّهِ علیه وَ آلِهِ وَ سَلَّمَ ) تقول : سمعت رسول الله (صلّی اللَّهِ علیه وَ آلِهِ وَ سَلَّمَ ) يقول: من كنت مولاه فعلي مولاه، اللّهُمَّ وال من والاه وعاد من عاداه وانصر من نصره واخذل من خذله، وكرهت والله أن أخذلك فيخذلني الله (3).
ص: 364
أوصى زيد بن صوحان في تلك المعركة، وهو في اللحظات الأخيرة من حياته بأن لا يجرد من ثيابه الملطخة بدمه ولا يغسلوا الدم من بدنه وأن يدفنوه بثيابه ويدفنوا مصحفه معه(1) ليحاج خصومه يوم القيامة(2).
كان يكنى أبا عمرو وأبا عبدالله، شهد أحداً والغزوات التي بعدها. وكان في عهد عمر بن الخطاب مسؤولاً عن قياس مساحات الأراضي وتعيين ضرائبها. أما في عهد الإمام علي(علیه السّلام) فأصبح والياً على البصرة(1).
يقال إن عمر بن الخطاب شاور الصحابة حول إرسال رجل إلى العراق فأجمع الصحابة على عثمان بن حنيف، وقالوا: إن تبعته (هكذا، وربما تبعثه: م ) على أهم من ذلك بصراً وعقلاً ومعرفة وتجربة فهو أهل(2).
كان عثمان بن حنيف أحد أفراد شرطة الخميس(3)، ومن الاثني عشر شخصاً الذين اعترضوا على حرف الخلافة عن مسارها. يقول الإمام الصادق
ص: 366
(علیه السّلام) عن معارضة عثمان بن حنيف وقام معه (مع سهل بن حنيف) أخوه عثمان بن حنيف وقال: سمعنا رسول الله (صلّی اللَّهِ علیه وَ آلِهِ وَ سَلَّمَ ) يقول: أهل بيتي نجوم الأرض فلا تتقدموهم وقدموهم فهم الولاة من بعدي، فقام إليه رجل فقال يا رسول الله! وأي أهل بيتك؟ فقال: عليٌ والطاهرون من ولده، وقد بيّن . (صلّی اللَّهِ علیه وَ آلِهِ وَ سَلَّمَ ) فلا تكن يا أبابكر أول كافر به! « لَا تَخُونُوا اللَّهَ وَالرَّسُولَ وَتَخُونُوا أَمَانَاتِكُمْ وَأَنْتُمْ تَعْلَمُونَ » (أن هذا ذنبٌ عظيم )(1) .
هي هند بنت أبي أمية بن المغيرة، إحدى زوجات النبي(صلّی اللَّهِ علیه وَ آلِهِ وَ سَلَّمَ ) ، سميت أم سلمة
نسبة لابنها سلمة. أنجبت لزوجها الأول، أبي سلمة، أربعة أبناء؛ سلمة وعمرو (هكذا، وفي الهامش عمر: م) ودرّة وزينب. وكانت من النساء اللاتي هاجرن الهجرتين؛ إلى الحبشة وإلى المدينة (2) .
ص: 367
تزوج النبي(صلّی اللَّهِ علیه وَ آلِهِ وَ سَلَّمَ ) السيدة أم سلمة في شهر جمادى الآخرة من السنة الرابعة للهجرة بعد وفاة زوجها (1)، وتعتبر من أفضل زوجات النبي (صلّی اللَّهِ علیه وَ آلِهِ وَ سَلَّمَ ) بعد خديجة (2).
تقول عائشة: لما تزوج رسول الله(صلّی اللَّهِ علیه وَ آلِهِ وَ سَلَّمَ ) أم سلمة حزنت حزناً شديداً لما ذكر
لنا من جمالها. فتلطفت حتى رأيتها فرأيتها والله أضعاف ما وصفت، ولكني كنت غيري. (هكذا، وربما غيرى: م)(3)
يقول شمس الدين الذهبي في وصفها: أم سلمة أم المؤمنين السيدة المحجبة وكانت من أجمل النساء وأشرفهن نسباً (بعد خديجة الكبرى)(4).
ويقول عروة بن الزبير : قلت :(لعائشة) يا خالة! أي نساء رسول الله (صلّی اللَّهِ علیه وَ آلِهِ وَ سَلَّمَ ) كانت آثر عنده؟ فقالت: ما كنت أستكثره، ولقد كانت زينب بنت جحش وأم سلمة لهما عنده مكان وكانتا أحب نسائه إليه فيما أحسب بعدي(5).
ص: 368
كانت أم سلمة من النساء اللائي ثبتن على الصراط المستقيم بعد وفاة رسول الله(صلّی اللَّهِ علیه وَ آلِهِ وَ سَلَّمَ ) حتى وفاتها، ولم تخدش حوادث الزمان إيمانها واعتقادها الراسخ. كانت تتمتع بمواصفات قلما توفرت في غيرها. وهنا نشير إلى بعض تلك المواصفات.
بعد زواجها مع النبي (صلّی اللَّهِ علیه وَ آلِهِ وَ سَلَّمَ ) حرصت أم سلمة على البقاء إلى جانبه في مختلف الظروف. فقد رافقته في أغلب مغازيه كالخندق والمريسيع وصلح الحديبية وخيبر وفتح مكة وحنين التي شهدت قتالاً عنيفاً وخوفاً شديداً(1).
من أهم مزايا السيدة أم سلمة دفاعها الدائم عن أهل البيت (علیهم السّلام) وسعيها الحثيث في بيان وصايا النبي(صلّی اللَّهِ علیه وَ آلِهِ وَ سَلَّمَ ) بهم .
فلما طالبت الزهراء (علیها السّلام) بفدك وأنكر عمر وأبو بكر حقها فيها، ورأت أم سلمة أصحاب السقيفة ينالون من الزهراء(علیها السّلام) من فوق المنبر ويحرمونها
ص: 369
حقها في فدك، أخرجت رأسها من بابها وقالت المثل فاطمة بنت رسول الله يقال هذا وهي الحوراء بين الإنس والأنس للنفس، ربيت في حجور الأنبياء وتداولتها أيدي الملائكة ونمت في حجور الطاهرات ونشأت خير منشأ وربيت خير مربى!؟ أتزعمون أن رسول الله حرّم عليها ميراثه ولم يعلمها، وقد قال الله له: وَأَنْذِرْ عَشِيرَتَكَ الْأَقْرَبِينَ »؟ أفأنذرها وجاءت تطلبه وهي خيرة النسوان وأم سادة الشبان وعديلة مريم ابنة عمران وحليلة ليث الأقران، تمت بأبيها رسالات ربه. فوالله لقد كان يشفق عليها من الحر والقر فيوسدها يمينه ويلحفها بشماله. رويداً! فرسول الله بمرأى لغيكم وعلى الله تردون.
فواها لكم وسوف تعلمون. (قال: فحرمت أم سلمة تلك السنة عطاءها). (وفي رواية ابن كثير الإضافة التالية): أنسيتم قول رسول الله(صلّی اللَّهِ علیه وَ آلِهِ وَ سَلَّمَ ) وبدأ بالولاية: أنت مني بمنزلة هارون من موسى، وقوله: إني تارك فيكم الثقلين (كتاب الله وعترتي أهل بيتي) ما أسرع ما أحدثتم وأعجل ما نكصتم (1) !
من الخصائص التي انفردت بها السيدة أم سلمة دفاعها المستمر عن الإمام علي(علیه السّلام) بعد وفاة النبي(صلّی اللَّهِ علیه وَ آلِهِ وَ سَلَّمَ ) . وكان أبرز موقف لها في مؤازرته(علیه السّلام) وقوفها ضد السقيفة وتواطؤ أصحابها على قتل الإمام (علیه السّلام) في حالة امتناعه عن البيعة.
ص: 370
بعد أن اقتاد أصحاب السقيفة أميرالمؤمنين (علیه السّلام) إلى المسجد بتلك الطريقة المهينة طلبوا منه أن يبايع أبابكر، وهددوه بالقتل إن لم يبايع.
يقول سليم بن قيس: فقال عمر لأبي بكر وهو جالس فوق المنبر: ما يُجلسك فوق المنبر وهذا جالس محارب لا يقوم فينا فيبايعك، أو تأمر به فيضرب عنقه؟ والحسن والحسين(علیهما السّلام) قائمان على رأس علي(علیه السّلام). فلما سمعا مقالة عمر بكيا ورفعا أصواتهما: يا جداه يا رسول الله! فضمهما علي إلى صدره وقال: لا تبكيا! فوالله لا يقدران على قتل أبيكما . هما [أقل و] وأدخر من أذل ذلك. (فقام بريدة الأسلمي وسلمان وأبو ذر والمقداد وعمار) وأقبلت أم أيمن النوبية حاضنة رسول الله (صلّی اللَّهِ علیه وَ آلِهِ وَ سَلَّمَ ) و أم سلمة فقالت : يا عتيق! ما أسرع ما أبديتم حسدكم لآل محمد! فأمر بهما عمر أن تخرجا من المسجد وقال ما لنا وللنساء (1)!
من المواقف الهامة التي وقفتها السيدة أم سلمة دفاعها عن الإمام علي (علیه السّلام) في حرب الجمل. فقد قامت بدور كبير في الدفاع عن ولاية أميرالمؤمنين (علیه السّلام) وإمامته. وقد سبق الحديث عن دفاعها بالتفصيل في الصفحات السابقة.
الخطوة الأولى: بدأت نشاطها الدفاعي باجتماع ثنائي مع عائشة كرّسته لتقديم النصح لها وتذكيرها بفضائل أميرالمؤمنين (علیه السّلام) ومناقبه. كان ذلك منها سعياً لمنع عائشة من الدخول في تلك المعركة.
ص: 371
الخطوة الثانية: في الخطوة التالية، بادرت السيدة أم سلمة إلى إرسال رسالتين شفهيتين إلى عائشة تحذرها فيهما من عذاب الله. فقد قالت في آخر رسالة شفهية لها: لقد بذلت ما في وسعي لأمنع وقوع الفتنة. ووالله، إني لأخشى أن تهلكي ويكون مصيرك جهنم.
الخطوة الثالثة: بعد أن تيقنت من خروج عائشة على الإمام علي(علیه السّلام)، كتبت أم سلمة رسالة إليها تحذرها فيها من مغبة ما كانت مقدمة عليه وتوقعت لها مصيراً سيئاً. ولكنها لم تنجح، هذه المرة أيضاً، في منعها من المضي في مشروعها التمردي على إمام زمانها قدماً.
الخطوة الرابعة: بعد ذلك أرسلت أم سلمة رسالة شفهية إلى كبار المهاجرين والأنصار في مكة بينت لهم فيها نتائج الشؤم التي ينطوي عليها نكث البيعة وإيجاد الفتنة. قالت: إن كانت عائشة مصرة على الخروج فلابد لها من إظهار دليل من الرسول الله (صلّی اللَّهِ علیه وَ آلِهِ وَ سَلَّمَ ).
الخطوة الخامسة: وبعد أن لاحظت اصطفاف أصحاب الجمل في مواجهة الإمام علي (علیه السّلام)، أرسلت إليه رسالة وبعثت إليه بابنيها عمر (1) وسلمة تعبيراً عن دعمها له.
ص: 372
فقالت (لعلي(علیه السّلام)) : هما عليك صدقة، فلو حسن بي أن أخرج لخرجت معك (1).
هذا وقالت لابنها عمر بن أبي سلمة توصيه بالتمسك بعلي(علیه السّلام) : يا بني الزمه، فلا ،والله ما رأيت بعد نبيك إماماً غيره (2) .
الخطوة السادسة: إظهاراً لسخطها على عائشة وانزجارها مما فعلت بولي الله، لم تكلم أمُ سلمة عائشةَ حتى ماتت. ذلك يعني أنها قاطعتها نحو عشرين سنة. وكانت تكره ذكر اسمها. فعندما عادت عائشة من الحرب كانت تسميها جداراً لا أم المؤمنين عائشة(3) !
الخطوة السابعة: في خطوتها السابعة بيّنت أم سلمة أن علياً مع الحق والحق مع علي، وذلك بالرواية عن رسول الله(صلّی اللَّهِ علیه وَ آلِهِ وَ سَلَّمَ ) . وكانت غايتها أن تشجع الناس على الوقوف مع الإمام(علیه السّلام) . واستمرت في طريقتها هذه حتى بعد انتهاء حرب الجمل، من أجل إزالة الشك عن من في قلبه ترديد.
ص: 373
عن شداد بن أوس قال: لما كان يوم الجمل، قلت: لا أكون مع علي ولا أكون عليه، وتوقفت عن القتال إلى انتصاف النهار. فلما كان قرب الليل، ألقى الله في قلبي أن أقاتل مع علي(علیه السّلام) ، فقاتلت معه حتى كان من أمره ما كان. ثم أتيت المدينة فدخلت على أم سلمة، قالت: من أين أقبلت؟ قلت: من البصرة. قالت: مع أي الفريقين كنت؟ قلت: يا أم المؤمنين إني توقفت عن القتال إلى انتصاف النهار وألقى الله عزّ وجلّ [في قلبي] أن أقاتل مع علي. قالت: نعم ما عملت لقد سمعت رسول الله(صلّی اللَّهِ علیه وَ آلِهِ وَ سَلَّمَ ) يقول: من حارب علياً فقد حاربني ومن حاربني فقد حارب الله! قلت: فترين أن الحق مع علي؟ قالت: إي والله، علي مع الحق والحق معه. والله ما أنصف أمة محمد نبيهم إذ قدّموا من أخّر اللهُ عزّ وجلّ ورسولُه وأخّروا من قدّمه الله تعالى ورسوله. وإنهم صانوا حلائلهم في بيوتهم وأبرزوا حليلة رسول الله(صلّی اللَّهِ علیه وَ آلِهِ وَ سَلَّمَ ) إلى الفناء! والله، لقد سمعت رسول الله(صلّی اللَّهِ علیه وَ آلِهِ وَ سَلَّمَ ) يقول: لأمتي فرقة وجعلة [خلعة] فجامعوها إذا اجتمعت، وإذا افترقت فكونوا من النمط الأوسط، ثم ارقبوا أهل بيتي، فإن حاربوا فحاربوا وإن سالموا فسالموا وإن زالوا فزالوا معهم، فإن الحق معهم حيث كانوا. قلت: فمن أهل بيته؟ قالت: أهل بيته الذين أمرنا الله بالتمسك بهم.
قالت: هم الأئمة بعده كما قال عدد نقباء بني إسرائيل؛ علي وسبطاه وتسعة
ص: 374
من صلب الحسين هم أهل بيته، هم المطهرون والأئمة المعصومون (قلت: إذن هلك الناس إذ فرحوا بما معهم وظنوا أنه هو السبيل الصحيح) (1) .
نعم، لا عجب أن قال لها النبي في المدينة يوماً: يا أم سلمة! اسمعي واشهدي، هذا علي بن أبي طالب سيد المسلمين وإمام المتقين وقائد الغر المحجلين وقاتل الناكثين والمارقين والقاسطين. قلت (قالت أم سلمة): يا رسول الله! من الناكثون؟ قال: الذين يبايعونه بالمدينة وينكثونه بالبصرة.
قلت (قالت) من القاسطون؟ قال: معاوية وأصحابه من أهل الشام. ثم قلت (قالت): من المارقون؟ قال: أصحاب النهروان (2).
لا شك أن النبي كان يتطلع إلى يوم تقف فيه أم سلمة كالسد المنيع مدافعة عن إمامها علي (علیه السّلام) مُزيلة الغمام عن عيون الشاكّين.
قال الإمام الصادق(علیه السّلام) : كانت امرأة من الأنصار تودنا أهل البيت وتكثر التعاهد لنا، وإن عمر بن الخطاب لقيها ذات يوم وهي تريدنا، فقال لها: أين تذهبين يا عجوز الأنصار؟ فقالت: أذهب إلى آل محمد أسلم عليهم وأجدد بهم عهداً وأقضي حقهم. فقال لها عمر: ويلك! ليس لهم اليوم حق عليك ولا علينا إنما كان لهم حق على عهد رسول الله(صلّی اللَّهِ علیه وَ آلِهِ وَ سَلَّمَ ) فأما اليوم فليس لهم حق ،
ص: 375
فانصر في فانصرفت حتى أتت أم سلمة فقالت لها أم سلمة: ماذا أبطأ بك عنا؟ فقالت: لقيت عمر بن الخطاب، وأخبرتها بما قالت لعمر وما قال لها عمر.
فقالت لها أم سلمة كذب! لا يزال حق آل محمد (صلّی اللَّهِ علیه وَ آلِهِ وَ سَلَّمَ ) واجباً على المسلمين إلى
يوم القيامة (1).
من المبادرات التي واظبت عليها أم سلمة، منع لعن الإمام علي (علیه السّلام) وسبه. يقول أبو عبدالله الجدلي: دخلت على أم سلمة فقالت لي : أيُسبّ رسولُ الله(صلّی اللَّهِ علیه وَ آلِهِ وَ سَلَّمَ ) فيكم ؟ فقلت: معاذ الله أو، سبحان الله أو كلمة نحوها. فقالت: سمعت رسول الله (صلّی اللَّهِ علیه وَ آلِهِ وَ سَلَّمَ ) يقول: من سبّ علياً فقد سبّني(2).
ينقل الحاكم النيسابوري هذه الرواية بالتفصيل. كتب يقول نقلاً عن أبي إسحق التميمي: سمعت أبا عبدالله الجدلي يقول: حججت وأنا غلام فمررت بالمدينة وإذا الناس عنق واحد ، فاتبعتهم فدخلوا على أم سلمة زوج النبي (صلّی اللَّهِ علیه وَ آلِهِ وَ سَلَّمَ ) فسمعتها تقول: يا شبيب بن ربعي! فأجابها رجل جلف جاف: لبيك يا أمتاه! قالت: يُسبّ رسولُ الله (صلّی اللَّهِ علیه وَ آلِهِ وَ سَلَّمَ ) في ناديكم؟ قال: وأنى ذلك؟ قالت: فعلي
ص: 376
بن أبي طالب؟ قال: إنا لنقول أشياء نريد عرض الدنيا. قالت: فإني سمعت رسول الله (صلّی اللَّهِ علیه وَ آلِهِ وَ سَلَّمَ ) يقول: من سبّ علياً فقد سبني، ومن سبّني فقد سبّ الله تعالى(1) .
كانت غاية السيدة أم سلمة من طرح هذه الروايات، منع سبّ الإمام علي (علیه السّلام) ولعنه وبيان منزلته عند النبي (صلّی اللَّهِ علیه وَ آلِهِ وَ سَلَّمَ ).
فلما سمعت أن معاوية يلعن الإمام علياً (علیه السّلام) على المنبر ويأمر عمّاله بأن يلعنوه على المنابر الرسمية، بعثت برسالة إليه جاء فيها: إنكم تلعنون الله ورسوله على منابركم وذلك أنكم تلعنون علي بن أبي طالب ومن أحبه، وأنا أشهد أن الله أحبه ورسوله. فلم يلتفت إلى كلامها (2).
في رواية أخرى تنم عن دفاع السيدة أم سلمة عن الإمام علي (علیه السّلام) والتصدي لسبه ولعنه، جاء أنه بلغ أم سلمة زوج النبي(صلّی اللَّهِ علیه وَ آلِهِ وَ سَلَّمَ ) أن مولىً لها يتنقص [ ينتقص علياً (علیه السّلام) ويتناوله، فأرسلت إليه. فلما أن صار إليها قالت له: يا بني! بلغني أنك تتنقص [تنتقص] علياً وتتناوله! قال لها: نعم يا أماه.
قالت: اقعد ثكلتك أمك حتى أحدثك بحديث سمعته من رسول الله (صلّی اللَّهِ علیه وَ آلِهِ وَ سَلَّمَ ) ثم
ص: 377
اختر لنفسك. إنا كنا عند رسول الله (صلّی اللَّهِ علیه وَ آلِهِ وَ سَلَّمَ ) تسع نسوة، وكانت ليلتي ويومي من رسول الله(صلّی اللَّهِ علیه وَ آلِهِ وَ سَلَّمَ ) . فدخل النبي وهو متهلل أصابعه في أصابع علي واضعاً يده عليه، فقال: يا أم سلمة اخرجي من البيت وأخليه لنا! فخرجت وأقبلا يتناجيان أسمع الكلام وما أدري ما يقولان حتى إذا قلت قد انتصف النهار فأتيت الباب فقلت: أدخل يا رسول الله؟ قال: لا. فكبوت كبوة شديدة مخافة أن يكون ردّني من سخطة [سخطه] أو نزل فيّ شيء من السماء. ثم لم ألبث أن أتيت الباب الثانية فقلت: أدخل يا رسول الله؟ قال: لا. فكبوت كبوة أشد من الأولى. ثم لم ألبث حتى أتيت الباب الثالثة، فقلت: أدخل يا رسول الله ؟ فقال: ادخل (هكذا : م) يا أم سلمة! فدخلت وعلي (علیه السّلام) جاث بين يديه وهو يقول: فداك أبي وأمي يا رسول الله! إذا كان كذا وكذا فما تأمرني؟ قال: آمرك بالصبر. ثم أعاد عليه القول الثانية، فأمره بالصبر. فأعاد عليه القول الثالثة، فقال له: يا علي، يا أخي! إذا كان ذاك منهم فسلّ سيفك وضعه على عاتقك واضرب به قدماً قدماً حتى تلقاني وسيفك شاهر يقطر من دمائهم. ثم التفت إليّ فقال لي: والله ما هذه الكتابة يا أم سلمة؟ قلت: للذي كان من ردّك لي يا رسول الله. فقال لي: والله ما رددتك من موجدة، وإنك لعلى خير من الله ورسوله، ولكن أتيتني وجبرئيل عن يميني وعليّ عن يساري وجبرئيل يخبرني بالأحداث التي تكون من بعدي، وأمرني أن أوصي بذلك علياً. يا أم سلمة، اسمعي واشهدي، هذا علي بن أبي طالب (علیه السّلام) أخي في الدنيا وأخي في الآخرة. يا أم سلمة، اسمعي واشهدي، هذا علي بن أبي طالب وزيري في الدنيا ووزيري في الآخرة. يا أم سلمة، اسمعي واشهدي هذا علي بن أبي طالب حامل لوائي في الدنيا وحامل لوائي غداً في القيامة. يا أم سلمة، اسمعي واشهدي، هذا علي بن
ص: 378
أبي طالب وصي وخليفتي من بعدي وقاضي عداتي والذائد عن حوضي. يا أم سلمة، اسمعي واشهدي، هذا علي بن أبي طالب سيد المسلمين وإمام المتقين وقائد الغرّ المحجلين وقاتل الناكثين والقاسطين والمارقين. قلت يا رسول الله من الناكثون؟ قال: الذين يبايعونه بالمدينة وينكثون بالبصرة. قلت من القاسطون؟ قال: معاوية وأصحابه من أهل الشام. قلت: من المارقون؟ قال: أصحاب النهروان. فقال مولى أم سلمة فرّجت عني فرّج الله عنك والله لا سببت علياً أبداً (1).
من أبرز ما في حياة السيدة أم سلمة أنها كانت موضع ثقة رسول الله (صلّی اللَّهِ علیه وَ آلِهِ وَ سَلَّمَ )وأهل البيت(علیه السّلام) في حياة رسول الله وبعد وفاته(صلّی اللَّهِ علیه وَ آلِهِ وَ سَلَّمَ ). فكانوا يستودعونها
أسرارهم وودائع الإمامة. ونشير هنا إلى بعض الأمثلة المفيدة بذلك.
1- عن عمر بن أم سلمة عن أمه قال: قالت: أقعد رسول الله (صلّی اللَّهِ علیه وَ آلِهِ وَ سَلَّمَ ) علياً (علیه السّلام) في بيتي ثم دعا بجلد شاة فكتب فيه حتى ملأ أكارعه ثم دفعه إليّ وقال: من جاءك من بعدي بآية كذا وكذا فادفعيه إليه. فأقامت أم سلمة حتى توفي رسول الله(صلّی اللَّهِ علیه وَ آلِهِ وَ سَلَّمَ ) وولي أبو بكر أمر الناس بعثتني فقالت : اذهب وانظر ما صنع هذا الرجل! فجئت وجلست في الناس حتى خطب أبو بكر ثم نزل فدخل بيته، فجئتها فأخبرتها. فأقامت حتى ولي عمر، بعثتني، فصنع ما صنع
ص: 379
صاحبه، فجئت فأخبرتها. ثم أقامت حتى ولي عثمان، فبعثتني فصنع مثل ما صنع صاحباه، فأخبرتها. ثم أقامت حتى ولي علي فأرسلتني فقالت: انظر ماذا يصنع هذا الرجل! فجئت فجلست في المسجد. فلما خطب عليّ نزل فرآني في الناس فقال: اذهب فاستأذن على أمك! قال: فخرجت حتى جئتها فأخبرتها وقلت: قال لي: استأذن لي على أمك وهو خلفي يريدك. قالت: وأنا والله أريده. فاستأذن عليّ فدخل فقال لها : أعطيني الكتاب الذي دفع إليك بآية كذا وكذا.
كأني أنظر إلى أمي حتى قامت إلى تابوت لها في جوفها تابوت صغير، فاستخرجت من جوفه كتاباً فدفعته إلى عليّ ثم قالت لي أمي: يا بني الزمه، فلا والله ما رأيت بعد نبيك إماماً غيره (1).
تفيد روايات أخرى بأن هذا الكتاب هو الذي كان يتداوله أهل البيت (علیهم السّلام). ويعتبر من ودائع الإمامة. فكم كانت أم سلمة موثوقاً بها من قبل أهل البيت (علیهم السّلام) ليستودعوها كتاباً على هذه الدرجة العالية من الأهمية!
2- قال المعلى بن خنيس : عن أبي عبدالله (الصادق) (علیه السّلام) قال: إن الكتب كانت عند علي(علیه السّلام) . فلما سار إلى العراق استودع الكتب أم سلمة. فلما مضى عليٌ كانت عند الحسن(علیه السّلام) . فلما مضى الحسن (علیه السّلام) كانت عند الحسين (علیه السّلام). فلما مضى الحسين (علیه السّلام)كانت عند علي بن الحسين (علیه السّلام) ثم كانت عند أبي (2) .
ص: 380
3-من الأسرار التي بيّنها النبي وأهل البيت (علیهم السّلام) سلمة واقعة استشهاد الإمام الحسين (علیه السّلام). ولم يكتف النبي (صلّی اللَّهِ علیه وَ آلِهِ وَ سَلَّمَ ) بإخبارها بالحادثة، بل استودعها شيئاً من تربة كربلاء تنبئها باستشهاد الحسين (علیه السّلام) متى تحولت إلى دم عبيط. بقيت هذه التربة عند السيدة أم سلمة نحو خمسين سنة.
روي أن النبي (صلّی اللَّهِ علیه وَ آلِهِ وَ سَلَّمَ ) أعطى أم سلمة قارورة فيها تراب وقال لها: أخبرني جبرئيل بأن أمتي ستقتل الحسين. تقول أم سلمة: أعطاني النبي التربة وقال لي: إذا صارت دماً عبيطاً فاعلمي أن الحسين قد قتل. وكانت عندها، فلما حضر ذلك الوقت جعلت تنظر إلى القارورة في كل ساعة. فلما رأتها قد صارت دماً صاحت واحسيناه! وابن رسول الله! وتصارخت النساء من كل ناحية حتى ارتفعت المدينة بالرجة التي ما سمع بمثلها قط (1).
عن ابن عباس قال: بينا أنا راقد في منزلي إذ سمعت صراخاً عظيماً عالياً من بيت أم سلمة زوج النبي(صلّی اللَّهِ علیه وَ آلِهِ وَ سَلَّمَ ) ، فخرجت يتوجه بي قائدي إلى منزلها. وأقبل أهل المدينة إليها الرجال والنساء. فلما انتهيت إليها قلت: يا أم المؤمنين! ما لك تصرخين وتغوثين؟ فلم تجبني، وأقبلت على النسوة الهاشميات وقالت: يا بنات عبد المطلب! أسعديني ( هكذا : م ) وابكين معي، فقد قتل والله سيدكن وسيد شباب أهل الجنة! قد والله قتل سبط رسول الله وريحانته الحسين! فقلت يا أم المؤمنين! ومن أين علمت ذلك؟ قالت: رأيت رسول
ص: 381
الله في المنام الساعة شعثاً مذعوراً فسألته عن شأنه ذلك، فقال: قتل ابني الحسين وأهل بيته اليوم، فدفنتهم والساعة فرغت من دفنهم قالت: فقمت حتى دخلت البيت وأنا لا أكاد أن أعقل فنظرت فإذا بتربة الحسين التي أتى بها جبرئيل من كربلاء فقال: إذا صارت هذه التربة دماً فقد قتل ابنك! وأعطانيها النبي فقال: اجعل [اجعلي] هذه التربة في زجاجة، أو قال في قارورة ولتكن عندك، فإذا صارت دماً عبيطاً فقد قتل الحسين! فرأيت القارورة الآن وقد صارت دماً عبيطاً تفور. قال: فأخذت أم سلمة من ذلك الدم فلطخت به وجهها وجعلت ذلك اليوم مأتماً ومناحة على الحسين (علیه السّلام). فجاءت الركبان بخبره وأنه قتل في ذلك اليوم (1).
ولعله، لهذه الأمانة وحفظ السر الذي اتسمت به السيدة أم سلمة، أنه لما عزم (الحسين(علیه السّلام) ) على الخروج من المدينة أتته أم سلمة فقالت: يا بني! لا تحزنّي بخروجك إلى العراق، فإني سمعت جدك يقول: يقتل ولدي الحسين بأرض العراق في أرض يقال لها كربلاء. فقال لها: يا أماه، وأنا والله أعلم ذلك وإني مقتول لا محالة وليس لي من هذا بد، وإني والله لأعرف اليوم الذي أقتل فيه وأعرف من يقتلني وأعرف البقعة التي أدفن فيها، وإني أعرف من يُقتل من أهل بيتي وقرابتي وشيعتي وإن أردت يا أماه أريك حفرتي ومضجعي! ثم أشار إلى جهة كربلاء فانخفضت الأرض حتى أراها مضجعه ومدفنه وموضع
ص: 382
عسكره وموقفه ومشهده. فعند ذلك بكت أم سلمة بكاءً شديداً وسلمت أمره إلى الله (1).
كيف لا تبكي السيدة أم سلمة على الحسين(علیه السّلام) وتنوح وهو يناديها يا أمي، وكانت هي من تكفلت رعايته (2)؟!
وبلغ قرب السيدة أم سلمة من أهل البيت أن الناس، عند استشهاد الحسين (علیه السّلام)، كانوا يعزونها بصفتها صاحبة العزاء(3).
روت السيدة أم سلمة الكثير من الأحاديث النبوية في فضائل أهل البيت ومناقبهم، نشير إلى أهمها بشكل مفهرس ونحيل القارئ إلى كتاب يعكف
ص: 383
المؤلف على تأليفه للاطلاع عليها كاملة. هذه الأحاديث الواردة في مصادر الشيعة والسنة هي:
علي مع الحق والحق مع علي، حرب علي حرب رسول الله وحرب الله، أنا مدينة العلم وعليٌ بابها، الأئمة بعد النبي اثنا عشر بعدد نقباء بني إسرائيل، الأئمة الاثنا عشر من صلب الإمام الحسين (علیه السّلام)، المهدي (عجّل الله تعالی فرجه الشریف) من ولد فاطمة، حديث الكساء، نزول آية التطهير في الخمسة، سبّ علي سبّ الله ورسوله، عمار تقتله الفئة الباغية، لا يجب علياً إلّا مؤمن ولا يبغضه إلاّ منافق، حديث المنزلة، من أحب علياً أحب الله ورسوله ومن عاداه عادى الله ورسوله، أحاديث الحوض، فاطمة (علیها السّلام) أشبه الناس برسول الله، الروايات الخاصة بشهادة الإمام الحسين (علیها السّلام)، فاطمة سيدة نساء أهل الجنة، حديث سدّ الأبواب، علي وصيي ووزيري، علي يقاتل الناكثين والقاسطين والمارقين، حديث ردّ الشمس المشهور علي مع القرآن والقرآن مع علي، شرح دخول السيدة الزهراء (علیها السّلام) الجنة، علي وشيعته هم المتقون (خير البرية الفائزون )، حديث الغدير المشهور، وغيرها.
قال أبو يحيى مولى معاذ بن عفراء الأنصاري: إن عثمان بن عفان بعث إلى الأرقم بن عبدالله وكان خازن بيت مال المسلمين فقال له: أسلفني مائة ألف [ألف] درهم! فقال له الأرقم: اكتب عليك بها صكاً للمسلمين. قال:
ص: 384
وما أنت ،وذاك، لا أم لك؟؟ إنما أنت خازن لنا. قال: فلما سمع الأرقم ذلك خرج مبادراً إلى الناس فقال: أيها الناس عليكم بمالكم! فإني ظننت أني خازنكم ولم أعلم أني خازن عثمان بن عفان حتى اليوم. ومضى فدخل بيته. فبلغ ذلك عثمان فخرج إلى الناس حتى دخل المسجد ثم رقى المنبر وقال: أيها الناس، إن أبابكر كان يؤثر بني تيم على الناس، وإن عمر كان يؤثر بني عدي على كل الناس، وإني أؤثر والله بني أمية على من سواهم. ولو كنت جالساً بباب الجنة ثم استطعت أن أدخل بني أمية جميعاً الجنة لفعلت. وإن هذا المال لنا، فإن احتجنا إليه أخذناه، وإن رغم أنف أقوام! فقال عمار بن ياسر رحمه الله: معاشر المسلمين، اشهدوا أن ذلك مرغم لي. فقال عثمان وأنت هاهنا! ثم نزل من المنبر فجعل يتوطاه برجله حتى غشي على عمار واحتمل وهو لا يعقل إلى بيت أم سلمة. فأعظم الناس ذلك وبقي عمار مغمىً عليه لم يصل يومئذٍ الظهر والعصر والمغرب. فلما أفاق قال: الحمد لله، فقديماً أوذيت في الله وأنا أحتسب ما أصابني في جنب الله بيني وبين عثمان العدل الكريم يوم القيامة.
قال: وبلغ عثمان أن عماراً عند أم سلمة فأرسل إليها فقال: مما هذه الجماعة في بيتك مع هذا الفاجر؟ أخرجيهم من هذا الفاجر؟ أخرجيهم من عندك! فقالت: والله ما عندنا مع عمار إلّا بنتاه، فاجتنبنا يا عثمان واجعل سطوتك حيث شئت. وهذا صاحب رسول الله(صلّی اللَّهِ علیه وَ آلِهِ وَ سَلَّمَ ) يجود بنفسه من فعالك به (1).
ص: 385
تقول السيدة أم سلمة: كنت أدأب فاطمة وهي أدأب مني. (أوكل إلي رعاية السيدة الزهراء(علیها السّلام) وكانت أكثر أدباً منى وهي غنية عن أدبي)(1).
بلغ حبها للحسنين(علیهما السّلام) أن كانا يقضيان أكثر وقتهما عندها. حتى أن فاطمة (علیها السّلام) اشتكت لرسول الله(صلّی اللَّهِ علیه وَ آلِهِ وَ سَلَّمَ ) وقالت له: يا رسول الله، إن أم سلمة غلبتني على الحسن والحسين، ما يبرحان من عندها ولست أصبر عنهما.
فقال ذلك رسول الله (صلّی اللَّهِ علیه وَ آلِهِ وَ سَلَّمَ ) لأم سلمة فقالت: يا رسول الله إني أحبهما حباً شديداً. فقال لها رسول الله(صلّی اللَّهِ علیه وَ آلِهِ وَ سَلَّمَ ) : أتحبينهما ؟ فقالت: إي والله أحبهما. فأعاد ذلك عليها ثلاثاً وهي تقول مثل ذلك. فقال رسول الله (صلّی اللَّهِ علیه وَ آلِهِ وَ سَلَّمَ ): والذي بعثني بالحق نبياً [إنهما] لسيدا شباب أهل الجنة (2).
ص: 386
مع كل هذه الفضائل، لماذا لا نرى عبارة "أم المؤمنين" تصاحب اسم السيدة خديجة والسيدة أم سلمة في كتب السنة إلّا لماماً، ولا يُذكران بمقدار أكبر من التجليل؟ أما عائشة فلا يفارق هذا العنوان اسمها في كتبهم إلّا ما ندر!؟
لماذا لا تحظى روايات السيدة خديجة والسيدة أم سلمة بنفس درجة الاهتمام الذي يولونه للروايات الصادرة عن عائشة؟ والحال أن الروايات الصادرة عنهما تخلو من مدح الذات، خلافاً لما تتسم به روايات عائشة!
لماذا تزيد الروايات المروية عن عائشة على تلك المروية عن السيدتين خديجة وأم سلمة بآلاف المرات؟ هل عاشتا مع النبي فترة أقل مما عاشت عائشة معه؟
يقول العلامة الحلي عن تفخيم صورة عائشة وإهمال سائر زوجات النبي: وعظموا أمر عائشة على باقي نسوانه مع أنه كان يكثر من ذكر خديجة بنت خويلد وقالت له عائشة : إنك تكثر من ذكرها وقد أبدلك الله خيراً منها.
فقال: والله ما بدلت بها ما هو خير منه؛ صدقتني إذ كذبني الناس، وآوتني إذ طردني الناس، وأسعدتني بمالها ورزقني الله الولد منها ولم أرزق من غيرها (1).
أما المرحوم أبو الفتح الكراجكي، وهو من كبار علماء الشيعة، فيعتبر ذلك من العجائب. يقول كاتباً: ومن عجيب أمرهم تفضيلهم عائشة بنت أبي بكر
ص: 387
على جميع أزواج النبي وبهجتهم بتسميتها أم المؤمنين بدعواهم أنها حبيبة رسول الله وكثرة ترحمهم عليها وإظهارهم الخشوع والبكاء عند ذكرها، ثم لا يذكرون خديجة بنت خويلد وفضلُها متفق عليه وعلوُ قدرها لا شك فيه وهي أول من آمن برسول الله (صلّی اللَّهِ علیه وَ آلِهِ وَ سَلَّمَ ) وأنفقت عليه مالها وكان يكثر ذكرها ويحسن الثناء عليها (1).
هو أبو يقظان عمار بن ياسر بن مالك بن كنانة بنحصين العنسي المذحجي من السابقين في الإيمان وبرسول الله (صلّی اللَّهِ علیه وَ آلِهِ وَ سَلَّمَ ) والهجرة في سبيل الله.
اسم أبيه ياسر من قبيلة قحطان اليمنية. قدم إلى مكة مع أخويه الحارث ومالك للبحث عن أخيهم الآخر فلم يجدوه ويئسوا من العثور عليه. فرجع الحارث ومالك إلى وطنهما وأقام ياسر بمكة. ولما لم يكن له في مكة عشيرة فلم يكن في مأمن. لذا تعاهد مع حذيفة بن المغيرة المخزومي الذي زوجه بجاريته سمية بنت الخياط فأنجبت له عماراً (2).
ص: 388
لا تشير كتب التاريخ والسيرة إلى وقت ولادة السيد عمار. إلّا أنه نظراً إلى ما يقال من أنه في سنة 37 الهجرية كان في الرابعة والتسعين (1) من عمره حين استشهد في حرب صفين مقاتلاً في معسكر الإمام علي(علیه السّلام) ، فإنه يمكن القول بأنه وُلد قبل عام الفيل بأربع سنوات. واستناداً إلى أن عمره حين استشهاده كان 94 عاماً فإنه كان في الرابعة والخمسين عند هجرته إلى المدينة وأنه دخل في الإسلام وهو في الرابعة والأربعين. وهكذا يكون عمار أكبر من النبي(صلّی اللَّهِ علیه وَ آلِهِ وَ سَلَّمَ ) بأربع سنوات.
تفيد التقارير التاريخية بأن عمار بن ياسر آمن برسول الله(صلّی اللَّهِ علیه وَ آلِهِ وَ سَلَّمَ ) بعد ستة وثلاثين شخصاً أسلموا قبله حين كان المسلمون يجتمعون في دار الأرقم(2).
وبعد أن آمن، تعرض هو وعائلته إلى التعذيب من جانب مشركي قريش. فكانوا
ص: 389
يطرحون ياسراً وسمية وعماراً أرضاً عراة في ظهيرة الصيف وحصى أرض مكة في أوج سخونته ويقومون بتعذيبهم (1). فكان رسول الله(صلّی اللَّهِ علیه وَ آلِهِ وَ سَلَّمَ ) إذا مرّ بهم ورآهم على هذا الحال من التعذيب القاهر يقول لهم: صبراً آل ياسر، فإن موعدكم الجنة (2) !
حسب تقرير ابن سعد، فإن رجلاً رأى في جسم عمار حفراً فقال له: ما هذا؟ قال: هذا مما كانت تعذبني به قريش في رمضاء مكة. (كانت الحفر من أثر الحصى الساخن الذي كان يُطرح عليه عارياً ) (3).
لقد تحمل والدا عمار ، ياسر وسمية، الكثير من الأذى في سبيل الإسلام. إلى أن انتهى بهما الأمر إلى أن يُقتلا شهيدين بأفظع صورة على يد أبي جهل وأزلامه. كانت سمية أول شهيدة في طريق الإسلام(4) .
ص: 390
كان عمار ممن هاجر إلى الحبشة وصلى القبلتين وشهد بدراً وسائر مشاهد النبي. أصيب في بدر وقطعت أذنه في اليمامة (1).
تزخر كتب الشيعة والسنة بروايات عن رسول الله(صلّی اللَّهِ علیه وَ آلِهِ وَ سَلَّمَ ) في حق عمار تكشف عن منزلته في الأمة الإسلامية. وهنا نشير إلى بعض تلك الفضائل:
يقول خالد بن الوليد بعثني رسول الله (صلّی اللَّهِ علیه وَ آلِهِ وَ سَلَّمَ ) في سرية ومعي عمار بن ياسر، فأصبنا ناساً منهم أهل بيت قد ذكروا الإسلام، فقال عمار: إن هؤلاء قد وحّدوا. فلم ألتفت إلى قوله، فأصابهم ما أصاب الناس. قال: فجعل عمار يتوعدني لو قد رأيت رسول الله (صلّی اللَّهِ علیه وَ آلِهِ وَ سَلَّمَ ) فأخبره فلما رآه (رأى النبي) لا ينصره ولّى وعيناه تدمعان. قال: فدعاني فقال: يا خالد، لا تسب عماراً فإنه من يسب عماراً يسبه الله، ومن يبغض عماراً يبغضه الله، ومن يسفه عماراً يسفهه الله. قال خالد: استغفر الله لي يا رسول الله، فوالله ما منعني أن أجيبه إلاّ
ص: 391
392
تسفيهي إياه. قال خالد وما من شيء أخوف عندي من تسفيهي عمار بن ياسر يومئذٍ (1).
قال حبة بن جوين القرني: دخلنا مع أبي مسعود الأنصاري على حذيفة بن اليمان أسأله عن الفتن، فقال: دوروا مع كتاب الله حيثما دار، وانظروا الفئة التي فيها ابن سمية فاتبعوها فإنه يدور مع كتاب الله حيث ما دار. قال: فقلنا له ومن ابن سمية؟ قال: عمار، سمعت رسول الله (صلّی اللَّهِ علیه وَ آلِهِ وَ سَلَّمَ ) يقول له : لن
تموت حتى تقتلك الفئة الباغية، (تشرب شربة ضياح تكن آخر رزقك من الدنيا ) (2).
هذا وقد روي حديث النبي(صلّی اللَّهِ علیه وَ آلِهِ وَ سَلَّمَ ) حول مقتل عمار على يد الفئة الباغية بنصوص متشابهة وطرق عديدة (3) حتى اعتبره بعض علماء السنة مثل عبد
ص: 392
البر القرطبي والذهبي متواتراً (1) ومن أصح الأحاديث. ولكن مع هذا، نرى بعض رواة الصحاح الستة كعامر بن أبي موسى الأشعري(2) الذي يضم صحيح البخاري نحو 45 رواية له ، نراهم يبجلون قاتل عمار ويقبلون يده ويسخرون من روايات النبي (صلّی اللَّهِ علیه وَ آلِهِ وَ سَلَّمَ ) في حقه ويدعون لقاتله بالخير (3).
ذهب أبو مسعود الأنصاري في جماعة لعيادة حذيفة وكان يحتضر فسألوه: إذا اختلف الناس بمن تأمرنا؟ قال: عليكم بابن سمية، فإنه لن يفارق الحق حتى يموت. أو قال: فإنه يدور مع الحق حيث دار(4).
ص: 393
وينقل ابن كثير الدمشقي عن عبدالله بن مسعود أنه سمع رسول الله (صلّی اللَّهِ علیه وَ آلِهِ وَ سَلَّمَ ) يقول: إذا اختلف الناس كان ابن سمية مع الحق (ثم يشير ابن كثير إلى أن جيش معاوية والشام كان الفئة الباغية وكانوا على باطل وهم من قتلوا عماراً. ويضيف) ومعلوم أن عماراً كان في جيش علي يوم صفين وقتله أصحاب معاوية من أهل الشام(1).
روي عن أميرالمؤمنين (علیه السّلام) أنه قال عن هذا الرجل العظيم: لقد رأيت عماراً وما يذكر من أصحاب رسول الله (صلّی اللَّهِ علیه وَ آلِهِ وَ سَلَّمَ ) أربعة إلّا كان رابعاً ولا خمسة إلاّ كان خامساً، وما كان أحد من قدماء أصحاب رسول الله(صلّی اللَّهِ علیه وَ آلِهِ وَ سَلَّمَ ) يشك أن عماراً قد وجبت له الجنة في غير موطن ولا اثنين. فهنيئاً لعمار بالجنة. ولقد قيل إن عماراً مع الحق والحق معه، يدور عمار مع الحق أينما دار وقاتل عمار في النار (2).
ص: 394
عن عكرمة قال: قال لي ابن عباس ولابنه علي: انطلقا إلى أبي سعيد فاسمعا من حديثه! فانطلقنا، فإذا هو في حائط يصلحه. فأخذ رداءه فاحتبى ثم أنشأ يحدثنا حتى أتى ذكره بناء المسجد، فقال: كنا نحمل لبنة لبنة وعمار لبنتين لبنتين، فرآه النبي(صلّی اللَّهِ علیه وَ آلِهِ وَ سَلَّمَ ) فينفض التراب عنه ويقول: ويح عمار! تقتله
الفئة الباغية، يدعوهم إلى الجنة ويدعونه إلى النار . قال : يقول عمار: أعوذ بالله من الفتن(1).
يقول ابن حجر العسقلاني في شرح هذا الحديث : وفي هذا الحديث علم من أعلام النبوة وفضيلة ظاهرة لعلي ولعمار وردّ على النواصب الزاعمين أن علياً لم يكن مصيباً في حروبه(2).(لم يكن محقاً)
في حين أن النبي الأكرم يصرح في هذه الرواية بأن الفئة الباغية هي التي تقتل عماراً، ولا شك أن قاتله معاوية وأهل الشام.
ص: 395
روی عبدالله بن مسعود أن النبي (صلّی اللَّهِ علیه وَ آلِهِ وَ سَلَّمَ ) قال: ملئ عمارٌ إيماناً إلى مشاشه (1). (من قدمه إلى مخ عظمه)
وعن عائشة قالت: ما من أصحاب محمد(صلّی اللَّهِ علیه وَ آلِهِ وَ سَلَّمَ ) أشاء أن أقول فيه إلّا قلت، إلا! عمار بن ياسر. فإني سمعت رسول الله (صلّی اللَّهِ علیه وَ آلِهِ وَ سَلَّمَ ) يقول: إن عمار بن ياسر حشى (هكذا، وربما حشي: م) ما بين أخمص قدميه إلى شحمة أذنيه إيماناً(2).
وجاء في رواية أخرى أن النبي (صلّی اللَّهِ علیه وَ آلِهِ وَ سَلَّمَ ) قال في عمار: عمار خلط الله الإيمان ما بين قرنه إلى قدمه وخلط الإيمان بلحمه ودمه يزول مع الحق حيث زال وليس ينبغي للنار أن تأكل منه شيئاً(3).
قال رسول الله(صلّی اللَّهِ علیه وَ آلِهِ وَ سَلَّمَ ) : إن الجنة لتشتاق إلى ثلاثة؛ علي وعمار وسلمان(4).
ص: 396
سأل الإمامُ عليٌ (علیه السّلام) النبيَّ(صلّی اللَّهِ علیه وَ آلِهِ وَ سَلَّمَ ) : يا رسول الله! إنك قلت: إن الجنة لتشتاق إلى ثلاثة، فمن هؤلاء الثلاثة؟ قال: أنت منهم وأنت أولهم، وسلمان الفارسي فإنه قليل الكبر وهو لك ناصح فاتخذه لنفسك، وعمار بن ياسر شهد معك مشاهد غير واحدة ليس منها إلّا وهو فيها كثير خيره ضوي نوره، عظيم أجره (1).
دخل أبو الغادية الجهني، قاتل عمار يوماً على الحجاج فأكرمه الحجاج وقال له: أأنت قتلت ابن سمية، يعني عماراً؟ قال: نعم. فقال: من سره أن ينظر إلى عظيم الباع يوم القيامة فلينظر إلى هذا الذي قتل ابن سمية. ثم سأله أبو الغادية حاجته فلم يجبه إليها. فقال : نوطئ لهم الدنيا ولا يعطونا منها ويزعم أني عظيم الباع يوم القيامة! والله لو أن عماراً قتله أهل الأرض كلهم لدخلوا كلهم النار (2).
ومع أن السيد عماراً كان من الشخصيات الفذة في التاريخ الإسلامي، إلاّ أنه تعرض للظلم الفادح بسبب نصرته لأهل البيت(علیهم السّلام) وحبه لهم. ولم يتوقف الظلم والحيف عليه باستشهاده بل واصل الكارهون له الطعن في شخصه حتى
ص: 397
بلغ بهم الأمر إلى أن ينعتوه بالفسق (1) وهو الصحابي الجليل لرسول الله وصاحب الفضائل الجمة. والأعجب من ذلك، أن بعض الرجاليين من أهل السنة كأبي زرعة الرازي وابن حبان يوثقون عبدالله بن أبي جعفر الذي فسّق عماراً(2).
كان عمار من كبار الصحابة ومن أنصار الإمام علي (علیه السّلام) الفدائيين ومن الذين ثبتوا على الصراط المستقيم ولم يحيدوا عنه(3). وكان من القلائل الذين حضروا تشييع السيدة الزهراء(علیها السّلام) وصلّوا على جنازتها مع أميرالمؤمنين (علیها السّلام)(4).
ص: 398
كان من الاثني عشر شخصاً الذين اعترضوا على حرف الخلافة عن مسارها. عن أبان بن تغلب قال: قلت لأبي عبدالله جعفر بن محمد الصادق(علیهما السّلام) جعلت فداك! هل كان أحد في أصحاب رسول الله (صلّی اللَّهِ علیه وَ آلِهِ وَ سَلَّمَ ) أنكر على أبي بكر فعله وجلوسه مجلس رسول الله(صلّی اللَّهِ علیه وَ آلِهِ وَ سَلَّمَ ) ؟ قال: نعم، كان الذي أنكر على أبي بكر اثني عشر رجلاً (لما صعد أبو بكر المنبر، تشاور هؤلاء الاثنا عشر. فقال بعضهم: نذهب إلى المسجد وننزله من منبر رسول الله. وقال بعض: إذا فعلنا ذلك عرّضنا أنفسنا للقتل، والله يقول: «وَلَا تُلْقُوا بِأَيْدِيكُمْ إِلَى التَّهْلُكَةِ»(1) بل نذهب للإمام علي (علیه السّلام) ونسمع رأيه. فذهبوا جميعاً إلى الإمام وقالوا: يا أميرالمؤمنين! لمَ تركت أمراً أنت أحق به؟ فقد سمعنا رسول الله يقول: (علي مع الحق والحق مع علي يدور معه حيث دار ).أردنا أن نذهب وننزل أبابكر من المنبر ولكننا فضّلنا أن نسمع رأيك وماذا تأمرنا به. فقال(علیه السّلام) : والله لو كنتم فعلتم ذلك لما كان أمامكم إلا القتال وأنتم قليل كالملح في الطعام والكحل في العين. والله لو سللتم سيوفكم لما بقي لي ما أكلمهم به ولجاؤوني بسيوفهم وقالوا لي: بايع أو نضرب عنقك. ولما وجدت غير أن أجيبهم إلى ما يريدون. لقد قال لي رسول الله(صلّی اللَّهِ علیه وَ آلِهِ وَ سَلَّمَ ) قبل وفاته: سيتركك الناس ويخونون عهدك. فاعلم أنك مني بمنزلة هارون من موسى. سيكون من بعدي قوم مهديون كقوم هارون وقوم ضالون كقوم السامري. قلت: فبماذا تأمرني لذلك اليوم؟ قال: إن وجدت أنصاراً فجاهد، وإلّا فأمسك واحقن دمك حتى تلحق بي مظلوماً. فانشغلت بغسله وتكفينه بعد وفاته حتى قضي الأمر.
ص: 399
ولقد عاهدت نفسي أن لا أخرج من داري، في زمن اختلاف الأمة، إلاّ لصلاة حتى أجمع القرآن. ثم أخذت بيد فاطمة والحسن والحسين، إتماماً للحجة، وطفت بهم على أبواب أصحاب بدر والسابقين وناشدتهم الله في حقي ودعوتهم إلى نصرتي، فلم يجبني إلّا سلمان وعمار وأبو ذر والمقداد. وكلّمت قومي فأشاروا عليّ بالسكوت لما يعلمون من بغض هؤلاء الله ورسوله وأهل بيته.
فاذهبوا جميعاً إلى أبي بكر وأخبروه بما سمعتم مني من أقوال رسول الله لتتم حجتكم عليه فلا يبقى له عذر يعتذر به فيكون أبعد الناس يوم القيامة من رسول الله.
فذهبوا إلى المسجد وأحاطوا بالمنبر. واتفق أنه كان يوم جمعة. فلما صعد أبو بكر المنبر قدّم المهاجرون الأنصارَ ليتكلموا.
بعد ذلك تكلم خالد بن سعيد ثم تكلم الآخرون بعده) ثم قام عمار بن ياسر فقال: يا معاشر قريش! ويا معاشر المسلمين! إن كنتم علمتم وإلّا فاعلموا أن أهل بيت نبيكم أولى به وأحق بإرثه وأقوم بأمور الدين وآمنُ على المؤمنين وأحفظ لملته وأنصح لأمته. فمروا صاحبكم فليرد الحق إلى أهله قبل أن يضطرب حبلكم ويضعف أمركم ويظهر شتاتكم وتعظم الفتنة بكم وتختلفون (هكذا وربما تختلفوا : م) فيما بينكم ويطمع فيكم عدوكم . فقد علمتم أن بني هاشم أولى بهذا الأمر منكم وعليٌ (علیه السّلام) أقرب منكم إلى نبيكم وهو من بينهم وليّكم بعهدالله ورسوله. وفرق ظاهر قد عرفتموه في حال بعد حال عند سد النبي (صلّی اللَّهِ علیه وَ آلِهِ وَ سَلَّمَ ) أبوابكم التي كانت إلى المسجد كلها غير بابه، وإيثاره إياه بكريمته فاطمة دون سائر من خطبها إليه منكم، وقوله(صلّی اللَّهِ علیه وَ آلِهِ وَ سَلَّمَ ) : أنا مدينة العلم وعليٌ بابها فمن أراد
ص: 400
الحكمة فليأتها من بابها. وإنكم جميعاً مضطرون فيما أشكل عليكم من أمور دينكم إليه وهو مستغن عن كل أحد منكم، إلى ما له من السوابق التي ليست لأفضلكم عند نفسه. فما بالكم تحيدون عنه وتبتزون علياً حقه وتؤثرون الحياة الدنيا على الآخرة «بِئْسَ لِلظَّالِمِينَ بَدَلًا ». أعطوه ما جعله الله له ولا تتولوا عنه مدبرين ولا ترتدّوا على أعقابكم فتنقلبوا خاسرين (1).
عاش عمار حياته بعد وفاة النبي حتى استشهاده في ألم ومعاناة. فإن أعداءه لم يوفروا وسيلة لانتقاصه. وقد قام الخليفة الثالث بضربه أكثر من مرة حتى غشي عليه حتى أن عائشة اعترضت على هتك حرمته.
يقول أبو مخنف: كان في بيت المال بالمدينة سفط فيه حليٌ وجوهر، فأخذ منه عثمان ما حلى به بعض أهله. فأظهر الناس الطعن عليه في ذلك وكلموه فيه بكلام شديد حتى أغضبوه. فخطب فقال: لنأخذن حاجتنا من هذا الفيء وإن رغمت أنوف أقوام. فقال له علي(علیه السّلام) : إذن تُمنع من ذلك ويحال بينك وبينه. وقال عمار بن ياسر : أشهد الله أن أنفي أول راغم من ذلك. فقال عثمان: خذوه فأخذ ودخل عثمان فدعا به فضربه حتى غشي عليه. ثم أخرج فحمل حتى أتي به منزل أم سلمة زوج رسول الله (صلّی اللَّهِ علیه وَ آلِهِ وَ سَلَّمَ ) فلم يصل الظهر والعصر والمغرب. فلما أفاق توضأ وصلى وقال: الحمد لله، ليس هذا أول يوم أوذينا فيه في الله. وقال هشام بن الوليد بن المغيرة المخزومي، وكان عمار
ص: 401
حليفاً لبني مخزوم، فقال: يا عثمان! أما علي فاتقيته وبني أبيه. وأما نحن فاجترأت علينا وضربت أخانا حتى أشفيت به على التلف. أما والله، لئن مات لأقتلن به رجلاً من بني أمية عظيم السرة. فقال عثمان: وإنك لهاهنا يا ابن القسرية. قال: فإنهما قسريتان، وكانت أمه وجدته قسريتين من بجيلة. فشتمه عثمان وأمر به فأخرج فأتى أم سلمة وإذا هي غضبت لعمار. وبلغ عائشة ما صنع بعمار فغضبت وأخرجت شعراً من شعر رسول الله (صلّی اللَّهِ علیه وَ آلِهِ وَ سَلَّمَ ) وثوباً من ثيابه ونعلاً من نعاله ثم قالت: ما أسرع ما تركتم سنة نبيكم وهذا شعره وثوبه ونعله ولم يبل بعد. فغضب عثمان غضباً شديداً حتى ما يدري ما يقول (1).
وفي قضية أخرى يقول المغيرة: اجتمع ناس فكتبوا عيوب عثمان، وفيهم ابن مسعود، فاجتمعوا بباب عثمان ليدخلوا عليه فيكلموه. فلما بلغوا الباب نكلوا إلّا عمار بن ياسر فإنه دخل عليه فوعظه. فأمر به فضُرب حتى فتق، فكان لا يستمسك بوله . فقيل لعمار ما هذا؟ قال: إني ملقى من قريش، لقيت منهم في الإسلام كذا وفعلوا بي كذا، ثم دخلت على هذا، يعني عثمان، فأمرته ونهيته فصنع ما ترون، فلا يستمسك بولي(2).
ص: 402
كما جاء في نقل آخر فأمر غلماناً له فمدوا يديه ورجليه ثم ضربه عثمان برجليه وهي في الخفين على مذاكيره فأصابه الفتق. وكان ضعيفاً فغشي عليه(1) .
كان عمار بن ياسر، في عهد أميرالمؤمنين (علیه السّلام)، مشروع تضحية وفداء للإمام قائماً. ولعل أبرز دليل على هذا المدّعى مشاركته الفاعلة في حربي الجمل وصفين واستشهاده في الأخيرة.
وكان من أوائل الذين بايعوا الإمام(علیه السّلام) بعد مقتل عثمان، واضطلع بدور مصيري في حرب الجمل.
لقد أدى دوراً ممتازاً في مراحل الحرب المختلفة ولم يتوقف عن نصرة الإمام (علیه السّلام) حتى وضعت الحرب أوزارها. كان عمار من الذين سارعوا إلى بيعة الإمام(علیه السّلام) بدون تردد بعد مقتل عثمان. وكان هو الذي يحتج على أشخاص كسعد بن أبي وقاص ممن لم يبايعوا الإمام (علیه السّلام) أو الذين لم ينصروه في حربه، بذكر خصائص الإمام.
وهو الذي ذهب إلى دار محمد بن مسلمة لإقناعه بمبايعة الإمام (علیه السّلام) أو القتال إلى جانبه في الحرب، مع أنه لم يوفق في مهمته ولم يؤثر فيه. وكان كلما
ص: 403
سمع كلاماً يؤدي إلى الاختلاف طلب من الإمام علي (علیه السّلام) أن يرتقي المنبر وينصح المخالفين.
من المواقف والمهام التي نجح فيها عمار وخرج منها مرفوع الرأس، تعبئة أهل الكوفة للدفاع عن أميرالمؤمنين (علیه السّلام). فقد ذهب إلى مسجد الكوفة وأوضح للناس أن خروج عائشة امتحان إلهي ليميز المطيعين الله من المطيعين لعائشة. ولما لاحظ أن أبا موسى الأشعري بدأ ينقل أحاديث مزورة عن رسول الله (صلّی اللَّهِ علیه وَ آلِهِ وَ سَلَّمَ ) لتخذیل الناس عن المشاركة في الحرب، بادر بكل ذكاء إلى الرد عليه أمام الناس وتسفيه ادعاءاته. وهكذا، بتوجيه من الإمام الحسن (علیه السّلام)، نجح في تعبئة جيش كبير لنصرة أميرالمؤمنين (علیه السّلام) وإفشال مؤامرة المنافقين.
ومن الخصائص التي امتاز بها السيد عمار ، تبصير الناس. فقد خطب في الكوفة أكثر من مرة وبيّن مواقف أميرالمؤمنين(علیه السّلام) وأوضح للناس الأوضاع في المدينة المنورة. وبهذا نجح في إزالة الكثير من الشبهات التي اكتنفت حادثة قتل عثمان ومواجهة عائشة وطلحة والزبير.
وكان ممن حدّث الناس بحديث رسول الله(صلّی اللَّهِ علیه وَ آلِهِ وَ سَلَّمَ ) عن قتال الناكثين والقاسطين والمارقين. ونظراً لقول رسول الله(صلّی اللَّهِ علیه وَ آلِهِ وَ سَلَّمَ ) : إذا اختلف الناس كان ابن سمية مع الحق(1)، فقد أقبل الناس على كلامه وخطبه بالقبول.
ص: 404
بعد وصوله إلى البصرة، قام عمار ببيان منزلة أميرالمؤمنين (علیه السّلام) ناصحاً لعائشة وطلحة والزبير ، داعياً إياهم إلى الرضوخ لبيعة الإمام(علیه السّلام) والتوبة من نكثها.
ونظراً لحديث النبي لعمار "لن تموت حتى تقتلك الفئة الباغية"(1)، فقد كانت الأنظار متجهة إليه ليميزوا به جبهة الحق من جبهة الباطل. ولم يخرج طلحة والزبير من هذه القاعدة، فقد أقلقهما وجود عمار في جيش الإمام علي (علیه السّلام).
عن عجوز من عبد القيس كانت تداوي الجرحى مع علي بن أبي طالب أنها قالت: ألا ذات يوم شاهدة يوم الجمل إذ جاء راكب على فرس ينادي: ألا فيكم عمار؟ فقال عمار: هذا رسول طلحة والزبير أرسلا لينظران (هكذا: م ) فيكم أنا. فقال عمار: نعم أنا عمار فنزل الرجل فقال: احسر لي عن رأسك! فحسر عمار عن رأسه، فلمس الرجل أذن عمار. قال: كانت لعمار زنمة في أذنه، فلمسها ثم ركب راجعاً فأخبر الزبير بذلك فرجع الزبير(2).
قال جون بن قتادة: كنت مع الزبير فجاء رجل وقال: هؤلاء القوم (يعني جيش علي(علیه السّلام)) قد أتوك. فلقيت عماراً ( كان مع جيش علي) فقال الزبير: إنه ليس فيهم. فقال: بلى والله إنه لفيهم. قال (الزبير) : والله ما جعله الله فيهم. فقال (الرجل): والله لقد جعله الله فيهم. فلما رأى (الزبير) الرجل
ص: 405
يخالفه قال لبعض أهله: اركب فانظر أحق ما يقول؟ فركب معه فانطلقا وأنا أنظر إليهما حتى وقفا في جانب الخيل قليلاً ثم رجعا إلينا. فقال الزبير لصاحبه: ما عندك؟ قال: صدق الرجل. قال الزبير: يا جدع أنفاه، أو يا قطع ظهراه. قال محمد بن عمارة: قال عبيدالله قال فضيل: لا أدري أيهما قال. ثم أخذه أفكل ( رعشة خوف) فجعل السلاح ينتفض. فقال جون: ثكلتني أمي! هذا الذي كنت أريد أن أموت معه أو أعيش معه. والذي نفسي بيده ما أخذ هذا ما أرى إلّا لشيء قد سمعه أو رآه من رسول الله (1).
يقول أبو مخنف في تقريره إن رسول الزبير للتعرف على عمار كان رجلاً بني ضبة. فلما رأى الرجل اضطراب الزبير بعد تأكده من مرافقة عمار لعلي(علیه السّلام) ، قال له: ما ذا يا أبا عبدالله؟ قال: لا شيء. قال: سبحان الله! إن لي عليك حقاً واجبة؛ بعثتني مرتين فأطعتك، ولهو في محبتك ولطاعتي إياك وحرمتي لك. فأخبرني! فأبى أن يخبره فقال: أسألك بالله ورسوله لما أخبرتني! فقال: سمعت رسول الله (صلّی اللَّهِ علیه وَ آلِهِ وَ سَلَّمَ ) يقول : ما لهم ولعمار بن ياسر؟ يدعوهم إلى الجنة ويدعونه إلى النار. ستره والله (استر الخبر ولا تحدث به أحداً) فلما سمع ذلك الضبي منه، قلب رأسه ولحق بعلي، فأخبره بما قال الزبير ... وأمره (علیه السّلام) أن يخبر الناس بما قال الزبير، فأخبرهم. وقاتل الضبي أصحاب الجمل قتالاً شديداً (2) .
ص: 406
قالوا: وإن الزبير لما علم أن عماراً مع علي(علیه السّلام) ارتاب بما كان فيه، لقول رسول الله(صلّی اللَّهِ علیه وَ آلِهِ وَ سَلَّمَ ) : الحق مع عمار، وتقتلك الفئة الباغية (1).
وكان الزبير، عند التحام الصفوف، كلما لاقى عماراً تفاداه لما علم من قول رسول الله فيه(2).
على أنه يبدو أن إنكار الزبير في هذا التقرير التاريخي كان شكلياً؛ لأن من لا يتورع عن أن يقاتل علياً (علیه السّلام) وقد قال له النبي: "تقاتل علياً وأنت ظالم له"، ومن يأتي بخمسين شاهد زور لإقناع عائشة بمواصلة المسير معهم، كيف له أن يقلق ويتردد لمجرد وجود عمار مع الإمام؟
هل من المعقول أن لا يدفع وجود علي (علیه السّلام) الزبير إلى الشك في موقفه، ويدفعه وجود عمار في صف على (علیه السّلام)؟
إذن، يبدو أن خوف الزبير كان من أن يُفتضح أمره وأن يميل جنوده إلى معسكر الإمام(علیه السّلام) ؛ لأن الجميع كان يعلم بقول النبي لعمار: عمار مع الحق وتقتله الفئة الباغية!
ص: 407
كما أسلفنا، فإن عماراً كان من الأشخاص الذين كانوا مؤشراً ينظر إليه الناس ليميزوا طريق الحق، وأن كثيراً من الناس توصلوا، من خلاله، إلى حقانية أميرالمؤمنين (علیه السّلام). ولكن، لا مفر للدارس من سؤال يبرز إليه هنا، وهو أنه: أين عمار من علي(علیه السّلام) ؟ لماذا ينظر الناس إلى عمار ليستدلوا به على حقانية موقف الإمام (علیه السّلام)؟
لماذا لم تسعف الناس كلُ السوابق الباهرة للإمام (علیه السّلام) والأحاديث النبوية المتواترة في فضله فتزيل الحيرة عنهم وتحسم لهم حقانيته (علیه السّلام)؟
يجيب ابن أبي الحديد عن هذا السؤال قائلاً: واعجباً من قوم يعتريهم الشك في أمرهم لمكان عمار ولا يعتريهم الشك لمكان علي(علیه السّلام) ! ويستدلون على أن الحق مع أهل العراق بكون عمار بين أظهرهم ولا يعبأون بمكان علي(علیه السّلام) ويحذرون من قول النبي (صلّی اللَّهِ علیه وَ آلِهِ وَ سَلَّمَ ): تقتلك الفئة الباغية ويرتاعون لذلك، ولا يرتاعون لقوله (صلّی اللَّهِ علیه وَ آلِهِ وَ سَلَّمَ ) في علي (علیه السّلام): اللّهُمَّ وال من والاه وعاد من عاداه، ولا لقوله: لا يحبك إلّا مؤمن ولا يبغضك إلّا منافق. وهذا يدلك على أن علياً (علیه السّلام) اجتهدت قريش كلها من مبدأ الأمر في إخمال ذكره وستر فضائله وتغطية خصائصه، حتى محي فضله ومرتبته من صدور الناس كافة إلّا قليلاً منهم(1).
لقد قام عمار في حرب صفين، كذلك، بدوره على أكمل وجه. فكان سبباً، بتنويراته وتبصيراته، إلى هداية الكثير من الناس. يقول أسماء بن حكيم الفزاري: كنا بصفين مع علي بن أبي طالب تحت راية عمار بن ياسر. ارتفاع
ص: 408
الضحى استظللنا ببرد أحمر، إذ أقبل رجل يستقري الصف حتى انتهى إلينا فقال: أيكم عمار بن ياسر؟ فقال عمار بن ياسر: هذا عمار. قال: أبو اليقظان؟ قال: نعم. قال: إن لي حاجة إليك ... فقال: إني خرجت من أهلي مستبصراً في الحق الذي نحن عليه لا أشك في ضلالة هؤلاء القوم وأنهم على الباطل. فلم أزل على ذلك مستبصراً حتى كان ليلتي هذه صباح يومنا هذا، فتقدم منادينا فشهد أن لا إله إلاّ الله وأن محمداً رسول الله ونادى بالصلاة، فنادى مناديهم بمثل ذلك. ثم أقيمت الصلاة فصلينا صلاة واحدة ودعونا دعوة واحدة وتلونا كتاباً واحداً ورسولنا واحد. فأدركني الشك في ليلتي هذه، فبت بليلة لا يعلمها إلّا الله حتى أصبحت، فأتيت أميرالمؤمنين فذكرت ذلك له فقال: هل لقيت عمار بن ياسر؟ قلت: لا. قال: فالقه فانظر ما يقول لك فاتبعه فجئتك لذلك. قال له عمار: هل تعرف صاحب الراية السوداء المقابلتي. فإنها راية عمرو بن العاص، قاتلتها مع رسول الله(صلّی اللَّهِ علیه وَ آلِهِ وَ سَلَّمَ ) ثلاث مرات، وهذه الرابعة. ما هي بخيرهن ولا أبرهن، بل هي شرهن وأفجرهن. أشهدت بدراً واُحداً، أو شهدها لك أب فيخبرك عنها؟ قال: لا. قال: فإن مراكزنا على مراكز رايات رسول الله (صلّی اللَّهِ علیه وَ آلِهِ وَ سَلَّمَ ) يوم بدر ويوم أحد ويوم حنين. وإن هؤلاء على مراكز رايات المشركين من الأحزاب. هل ترى هذا العسكر ومن فيه؟ فوالله لوددت أن جميع من أقبل مع معاوية ممن يريد قتالنا مفارقاً للذي نحن عليه كانوا خلقاً واحداً فقطعتُه وذبحته. والله لدماؤهم جميعاً أحلّ من دم عصفور. أفترى دم عصفور حراماً؟ قال: لا، بل حلال. قال: فإنهم كذلك حلال دماؤهم. أتراني بيّنت لك؟ قال: قد بيّنت لي(1).
ص: 409
كان عمار في حرب صفين كالعلم لأصحاب علي(علیه السّلام) ، يتبعونه حيثما ذهب (1) .
لم يؤد وجود عمار في معسكر الإمام علي (علیه السّلام) إلى انكشاف حقانية الإمام في هذه الحرب للكثير من الناس فحسب، بل إنه تسبب في إزعاج كبير لمعاوية وعمرو بن العاص. بحيث أن جماعة من أصحاب معاوية ذهبوا إلى عمرو بن العاص في أثناء حرب صفين وقالوا له: أبا عبدالله! ألستَ الذي رويت لنا أن النبي (صلّی اللَّهِ علیه وَ آلِهِ وَ سَلَّمَ ) قال: يدور الحق مع عمار حيث ما دار؟ فقال عمرو: بلی، قد رویت ذلك، ولكنه يصير إلينا ويكون معنا. فقال له ذو الكلاع: هذا والله محال من الكلام. والله لقد أفحمك عمار حيث بقيت وأنت لا تقدر على إجابته! قال عمرو: صدقت، وربما كان كلام ليس له جواب. فدعا معاوية (لما سمع بما جرى من حديث) عمرو بن العاص فقال: يا هذا ! إنك أفسدت أهل الشام عليّ. أكلُ ما سمعت من رسول الله(صلّی اللَّهِ علیه وَ آلِهِ وَ سَلَّمَ ) تقوله وترويه؟ ما أكثر ما سمعنا منه فلم نرو. فقال عمرو: يا هذا! والله لقد رويت هذا الحديث وأنا لا أظن أن صفين تكون، ولست أعلم الغيب. ولقد رويت أنت أيضاً في عمار مثل الذي رويت أنا ، فما ذنبي (2)؟
ص: 410
في خضم معركة صفين، جاء عمار إلى الإمام علي (علیه السّلام) فقال له: يا أخا رسول الله! أتأذن لي في القتال؟ قال: مهلاً رحمك الله! فلما كان بعد ساعة أعاد عليه الكلام، فأجابه بمثله. فأعاد عليه ثالثاً، فبكى أميرالمؤمنين (علیه السّلام).
فنظر إليه عمار فقال: يا أميرالمؤمنين! إنه اليوم الذي وصفه لي رسول الله(صلّی اللَّهِ علیه وَ آلِهِ وَ سَلَّمَ ) فنزل أميرالمؤمنين (علیه السّلام) عن بغلته وعانق عماراً وودعه ثم قال: يا أبا اليقظان! جزاك الله عن الله عن الله وعن نبيك خيراً، فنعم الأخ كنت ونعم الصاحب كنت. ثم بكى وبكى عمار. ثم قال: والله يا أميرلمؤمنين! ما تبعتك إلاّ ببصيرة، فإني سمعت رسول الله (صلّی اللَّهِ علیه وَ آلِهِ وَ سَلَّمَ )يقول يوم خيبر: يا عمار! ستكون بعدي فتنة، فإذا كان ذلك فاتبع علياً وحزبه فإنه مع الحق والحق معه وستقاتل الناكثين والقاسطين. فجزاك الله يا أميرالمؤمنين(علیه السّلام) عن الإسلام أفضل الجزاء. فلقد أديت وأبلغت ونصحت. ثم ركب وركب أميرالمؤمنين(علیه السّلام) ثم برز إلى القتال ثم دعا بشربة من ماء فقيل له: ما معنا ماء. فقام إليه رجل من
الأنصار فأسقاه شربة من لبن، فشربه ثم قال: هكذا عهد إلىّ رسول الله (صلّی اللَّهِ علیه وَ آلِهِ وَ سَلَّمَ )
أن يكون آخر زادي من الدنيا شربة من اللبن. ثم حمل على القوم فقتل ثمانية عشر نفساً، فخرج إليه رجلان من أهل الشام فطعناه فقتل رحمه الله. فلما كان في الليل طاف أميرالمؤمنين (علیه السّلام) في القتلى فوجد عماراً ملقى بين القتلى فجعل رأسه على فخذه ثم بكى وأنشأ يقول:
أَلا أَيُّهَا المَوتُ الدَّيْ لَيسَ تَارِي*** أَرِحْنِي فَقَدْ أَفْتَيْتَ كُلَّ خَليل...
ص: 411
أراكَ خَبيراً بالدِّينَ أُحِبُّهُمْ*** كَأَنَّكَ تَسْعَى نَحْوَهُمْ بِدليل (1)
وجاء في رواية أخرى أنه: قال علي(علیه السّلام) حين قُتل عمار: إن امرأ من المسلمين لم يعظم عليه قتل ابن ياسر ويدخل عليه المصيبة الموجعة لغير رشید. رحم الله عماراً يوم أسلم ورحم الله عماراً يوم قتل ورحم الله عماراً يوم يبعث حياً. ولقد رأيت عماراً وما يذكر من أصحاب رسول الله(صلّی اللَّهِ علیه وَ آلِهِ وَ سَلَّمَ ) أربعة إلّا كان رابعاً ولا خمسة إلّا كان خامساً. وما كان أحد من قدماء أصحاب رسول الله (صلّی اللَّهِ علیه وَ آلِهِ وَ سَلَّمَ ) ويشكلك أن عماراً قد وجبت له الجنة في غير موطن ولا اثنين.
فهنيئاً لعمار بالجنة ولقد قيل إن عماراً مع الحق والحق معه، يدور عمار مع الحق أينما دار، وقاتل عمار في النار (2).
هو من كبار صحابة رسول الله (صلّی اللَّهِ علیه وَ آلِهِ وَ سَلَّمَ ) والإمام علي (علیه السّلام) وابن عمهما. ولد في شعب أبي طالب أيام حصار النبي وبني هاشم فيه وذلك قبل الهجرة بثلاث
ص: 412
سنوات. عندما وُلد جيء به إلى رسول الله (صلّی اللَّهِ علیه وَ آلِهِ وَ سَلَّمَ ) فأخذ من ريقه الشريف وبلل
به فمه ودعا له(1). كان عمره يوم توفي رسول الله(صلّی اللَّهِ علیه وَ آلِهِ وَ سَلَّمَ ) ثلاث عشرة سنة (2).
يتمتع عبدالله بن عباس بمنزلة سامية لدى أهل السنة بسبب كثرة رواياته في الصحيحين (3) . وله باع طويل في التفسير حتى قال عنه قال عنه الذهبي إنه إمام في التفسير (4).
قال رسول الله(صلّی اللَّهِ علیه وَ آلِهِ وَ سَلَّمَ ) : لكل شيء فارس، وفارس القرآن عبدالله بن عباس(5) .
وروي عن النبي (صلّی اللَّهِ علیه وَ آلِهِ وَ سَلَّمَ ) من وجوه أنه قال لعبدالله بن عباس: اللّهُمَّ علّمه الحكمة وتأويل القرآن. وفي بعض الروايات: اللّهُمَّ فقهه في الدين وعلّمه
ص: 413
التأويل. وفي حديث آخر: اللّهُمَّ بارك فيه وانشر منه واجعله من عبادك الصالحين. وفي حديث آخر: اللّهُمَّ زده علماً وفقها(1).
ورغم أن عبدالله بن عباس لم يدرك النبي إلّا في صباه وأوائل شبابه، إلاّ أنه كان يسمى البحر والحبر، أي عالم الأمة، وذلك لجده واجتهاده(2).
لم يقتصر امتياز عبدالله بن عباس على التفسير ورواية الحديث، بل كان لا يجارى في معرفة الشعر العربي وعلم الأنساب وأخبار الحروب والحساب والرياضيات والتاريخ(3).
ولقد كان يجلس يوماً ولا يذكر فيه إلّا الفقه ويوماً التأويل ويوماً المغازي ويوماً الشعر ويوماً أيام العرب ( وشعرهم)(4).
ص: 414
هذا وقد بلغت منزلة ابن عباس العلمية أنّ الصحابة كانوا إذا اختلفوا في مسألة رجعوا إليه (1). لذلك، لما مات قال محمد بن الحنفية: اليوم مات رباني هذه الأمة (2).
عندما برزت فتنة رفع المصاحف والتحكيم في حرب صفين، كان في نية الإمام علي (علیه السّلام) أن يبعث عبدالله بن عباس ممثلاً له في المفاوضات، ولكن الأشعث وجماعة من قادة الخوارج قالوا: لا فرق بينه وبين علي (علیه السّلام) (1).
كان عبدالله بن عباس من القلائل الذين انقطع رجاء أعدائهم منهم. يروي ابن مزاحم المنقري في هذه المناسبة قصة غاية في الأهمية. قال: وإن معاوية قال لعمرو بن العاص إن رأس الناس (أهل العراق) بعد علي هو عبدالله بن عباس، فلو ألقيت إليك ( هكذا: م) كتاباً لعلك ترققه به. (لا يرفض علي اقتراحه). قال له عمرو: إن ابن عباس لا يُخدع، ولو طمعت فيه طمعت في علي. فقال معاوية: على ذلك، فاكتب إليه. فلما قرأ ابن عباس الكتاب أتى به علياً فأقرأه شعره فضحك وقال: قاتل الله ابن العاص، ما أغراه بك يا ابن العباس؟ أجبه! فكتب ابن عباس إلى عمرو: أما بعد، فإني لا أعلم رجلاً من العرب أقل حياءً منك. إنه مال بك معاوية إلى الهوى وبعته دينك بالثمن اليسير، ثم خبطت بالناس في عشوة (ورطتهم في فتنة غير مدروسة) طمعاً في الملك. فلما لم ترشيئاً أعظمت الدنيا إعظام أهل الذنوب وأظهرت فيها نزاهة أهل الورع. فإن كنت ترضى (هكذا، وربما ترضي: م) الله بذلك فدع مصر وارجع إلى بيتك. وهذه الحرب ليس فيها معاوية كعلي، ابتدأها علي بالحق وانتهى فيها إلى العذر. وبدأها معاوية بالبغي وانتهى فيها إلى السرف. وليس أهل العراق فيها كأهل الشام؛ بايع أهل العراق عليا وهو خيرٌ منهم، وبايع
ص: 416
معاوية أهل الشام وهم خيرٌ منه. ولست أنا وأنت فيها بسواء؛ أردتُ الله وأردت أنت مصر ... فإن ترد شراً لا نسبقك به، وإن ترد خيراً لا تسبقنا إليه. فلما انتهى الكتاب إلى عمرو أتى به معاوية فقال: أنت دعوتني إلى هذا، ما كان أغناني وإياك عن بني عبد المطلب. فقال (عمرو): إن قلب ابن عباس وقلب علي قلب واحد (1).
ومما امتاز به عبدالله بن عباس حبه لأهل بيت النبي ودفاعه عنهم وبيان فضائلهم ومناقبهم والنصوص في هذا المجال كثيرة.
1- سأل رجل عبدالله بن عباس : كيف كان علي(علیه السّلام) ؟ فقال له ابن عباس: إن علي بن أبي طالب(علیه السّلام) صلى القبلتين وبايع البيعتين ولم يعبد صنماً ولا وثناً ولم يضرب على رأسه بزلم ولا بقدح. ولد على الفطرة ولم يشرك بالله طرفة عين.
فقال الرجل: إني لم أسألك عن هذا، إنما أسألك عن حمله سيفه على عاتقه يختال به حتى أتى البصرة فقتل بها أربعين ألفاً، ثم صار إلى الشام فلقي حواجب العرب فضرب بعضهم ببعض حتى قتلهم، ثم أتى النهروان وهم مسلمون فقتلهم عن آخرهم. فقال له ابن عباس : أعلى أعلم عندك أم أنا؟ فقال: لو كان علي أعلم عندي منك لما سألتك. قال: فغضب ابن عباس حتى
ص: 417
اشتد غضبه. ثم قال: ثكلتك أمك! علي(علیه السّلام) علمني وكان علمه من رسول الله(صلّی اللَّهِ علیه وَ آلِهِ وَ سَلَّمَ ) ورسول الله علمه الله من فوق عرشه. فعلم النبي (صلّی اللَّهِ علیه وَ آلِهِ وَ سَلَّمَ ) من الله و علم علي(علیه السّلام) من النبي(صلّی اللَّهِ علیه وَ آلِهِ وَ سَلَّمَ ) وعلمي من علم علي(علیه السّلام) و علم أصحاب محمد كلهم في علم علي كالقطرة الواحدة في سبعة أبحر (1).
2- يقول المسعودي: دخل عبدالله بن العباس على معاوية وعنده وجوه قريش. فلما سلّم وجلس قال له معاوية: إني أريد أن أسألك عن مسائل. قال: سل عما بدا لك ... قال: فما تقول في علي؟ قال: رضي الله عن أبي الحسن. كان والله علم الهدى وكهف التقى ومحل الحجا وبحر الندى وطود النهى وكهف العلا للورى، داعياً إلى المحجة العظمى، متمسكاً بالعروة الوثقى، خير من آمن واتقى، وأفضل من تقمص وارتدى، وأبر من انتعل وسعى، وأفصح من تنفس وقرأ، وأكثر من شهد النجوى، سوى الأنبياء والنبي المصطفى، صاحب القبلتين . فهل يوازيه أحد ؟ وهو أبو السبطين، فهل يقارنه بشر؟ وزوج خير النساء، فهل يفوقه قاطن بلد؟ للأسود قتّال وفي الحروب ختال، لم تر عيني مثله ولم (هكذا، وربما لن: م) ترى. فعلى من انتقصه لعنة الله والعباد إلى یوم
التناد (2).
ص: 418
3-عن ابن عباس أنه مر ( بعد ما كف بصره) بمجلس من مجالس قريش وهم يسبون عليا (علیه السّلام) فقال لقائده: ما سمعت هؤلاء يقولون؟ قال: سمعتهم يسبون علياً. قال: فردني إليهم! فوقف عليهم فقال: أيكم السابّ الله تبارك وتعالى؟ قالوا: سبحان الله! من سبّ الله فقد أشرك. فقال: أيكم السابّ لرسول الله(صلّی اللَّهِ علیه وَ آلِهِ وَ سَلَّمَ )؟ قالوا: سبحان الله! من سبّ رسول الله فقد كفر. قال: فأيكم السابّ علي بن أبي طالب؟ قالوا: أما هذا، فقد كان. قال ابن عباس: فأنا أشهد بالله لقد سمعت رسول الله(صلّی اللَّهِ علیه وَ آلِهِ وَ سَلَّمَ ) يقول: من سبّ علياً فقد سبّني ومن سبّني فقد سبّ الله عزّ وجلّ. ثم تولى عنهم(1).
4- في حديث مدرك بن أبي زياد: قلت لابن عباس وقد أمسك للحسن والحسين بالركاب وسوى عليهما: أنت أسنّ منهما تمسك لهما بالركاب فقال: يا لكع! وما تدري من هذان؟ هذان ابنا رسول الله، أوليس مما أنعم الله
به عليّ أن أمسك لهما وأسوي عليهما (2)؟
5- لقد بكى عبدالله بن عباس على أميرالمؤمنين والحسنين (علیهم السّلام) حتی کف بصره لذلك. ثم أنشد يقول: إن يأخذ الله من عينيّ نورهما ... ففي لساني وقلبي منهما نور (3)
ص: 419
من القضايا المهمة في سيرة عبدالله بن عباس حادثة بيت مال البصرة. والحادثة باختصار أنه حمل ما في بيت مال البصرة بقيمة حوالي مليوني درهم وأخذها إلى مكة وتخلى عن علي(علیه السّلام). فصعد الإمام علي (علیه السّلام) المنبر وبكى وسأل الله لنفسه الموت (1).
ثم بعث الإمام(علیه السّلام) برسالة إليه أشار فيها إلى أنه كان يثق به، ووبخه. فردّ عليه ابن عباس برسالة ادعى فيها أن حقه من بيت المال أكثر مما أخذه معه إلى مكة.
فعاد الإمام (علیه السّلام) وكتب إليه ينبهه إلى أن ذلك ليس إلّا تزييناً من الشيطان، وحذّره من عذاب يوم الحساب.
فردّ ابن عباس على الإمام (علیه السّلام) يتهمه بقتل المسلمين ويزعم أن لقاء الله یوم القيامة بالذهب والجواهر خير من لقائه بيد مخضبة بدماء المسلمين (2) .
ص: 420
رداً على هذه التهمة، لابد من أن نقول:
1- إن الروايات التي يشير إليها المرحوم الكشي جميعها ضعيفة (1).
2- يقول عمرو بن عبيد عن هذه الشبهة رداً على سليمان بن علي بن عبدالله بن عباس: فكيف يقول هذا وابن عباس لم يفارق علياً حتى قتل وشهد صلح الحسن(علیه السّلام) . وأي مال يجتمع في بيت مال البصرة مع حاجة علي إلى الأموال وهو يفرغ بيت مال الكوفة في كل خميس ويرشه. وقالوا: إنه كان يقيل فيه، فكيف يترك المال يجتمع بالبصرة؟ هذا باطل (2).
3-كذلك، يرى السيد الخوئي أن الروايات التي تحدثت عن اختلاس عبدالله بن عباس واردة من طرق السنة، وهي موضوعة بسبب حبه لأميرالمؤمنين
ص: 421
(علیه السّلام). فقد بلغ حبه له أن جعله معاوية مع الإمام علي والإمام الحسن والإمام الحسين(علیهم السّلام) وقيس بن سعد ومالك الأشتر في اللعن(1).
4- يقول المرحوم التستري في رد هذه التهمة: أقول: قاعدة عقلية إذا تعارض العقل والنقل يقدم العقل؛ فإذا كان معلوماً ملازمته لطاعة لأميرالمؤمنين(علیه السّلام) في حياته وبعد وفاته ولا استماله معاوية مع انتهازه الفرصة في مثل ذلك، نقطع بأن النقل باطل. وكيف يحتمل صحة ذلك النقل مع أنه طعن في معاوية بخيانة عماله؟ فلو كان هو أيضاً خان لرد عليه معاوية طعنه(2).
5- يقول ابن أبي الحديد عن هذه التهمة: وقد أشكل عليّ أمر هذا الكتاب؛ فإن أنا كذبت النقل وقلت هذا كلام موضوع على أميرالمؤمنين (علیه السّلام) خالفت الرواة، فإنهم أطبقوا على رواية هذا الكلام عنه، وقد ذكر في أكثر كتب السير. وإن صرفته إلى عبدالله بن عباس صدني عنه ما أعلمه من ملازمته لطاعة أميرالمؤمنين (علیه السّلام) في حياته وبعد وفاته. وإن صرفته إلى غيره لم أعلم إلى من أصرفه من أهل أميرالمؤمنين(علیه السّلام) والكلام يشعر بأن الرجل المخاطب من أهله وبني عمه. فأنا في هذا الموضع من المتوقفين (3).
ص: 422
جاء جماعة من أهل الطائف لعيادة عبدالله بن عباس. وبعد حديث دار بينهم وكان في ساعاته الأخيرة، قال لعطا: يا عطا خذ بيدي واحملني إلى صحن الدار، ثم رفع يديه إلى السماء وقال: اللّهُمّ إني أتقرب إليك بمحمد وآله، اللّهُمَّ إني أتقرب إليك بولاية الشيخ علي بن أبي طالب. فمازال يكررها حتى وقع على الأرض. (قال عطا) فصبرنا عليه ساعة ثم أقمناه فإذا هو ميت رحمة الله عليه(1) .
توفي عبدالله بن عباس سنة 68 الهجرية عن عمر ناهز السبعين عاماً في الطائف التي كان نفاه إليها عبدالله بن الزبير. وصلى عليه محمد بن الحنفية (2).
هو مالك بن الحارث بن عبد يغوث النخعي الكوفي المعروف بالأشتر. ملك العرب ومن أشجع أبطالها، كان ذا فصاحة وبلاغة(3). كان مجاهداً في سبيل
ص: 423
الله وسيفه المسلول على أعدائه (1). كان غاية في جلالة القدر وذا منزلة رفيعة (2) . كان الإمام علي (علیه السّلام) يعتمد عليه ويوليه الثقة الكاملة، وكان هو راسخ الإيمان ثابت الاعتقاد بولايته (علیه السّلام) (3).
يقول عنه ابن أبي الحديد: كان شديد البأس جواداً رئيساً حليماً فصيحاً شاعراً وكان يجمع بين اللين والعنف فيسطو في موضع السطوة ويرفق في موضع الرفق (4).
ويقول في وصفه في موضع آخر: كان فارساً شجاعاً رئيساً من أكابر الشيعة وعظمائها، شديد التحقيق بولاء أميرالمؤمنين (علیه السّلام) ونصره (5).
كانت شجاعة مالك الأشتر في الحروب منقطعة النظير. كان فارساً فذاً وكان يهاجم جيش الأعداء منفرداً (6) . وقد بلغت شجاعته حداً جعلت رجلاً في جيش معاوية يقول حين رآه يقاتل: ما في العرب رجل مثل هذا (7) . وكانت مبارزته من أخوف ما واجهه جيش الشام. فعندما طلب عبيد الله بن عمر
ص: 424
البراز ( في الهامش، مالك الأشتر هو الذي دعا إلى البراز وهو الأرجح: م) فخرج له مالك الأشتر وعرفه، انصرف عبيدالله من المبارزة وقال لمالك: يا مالك! والله لو علمت أنك الداعي إلى البراز لما خرجت إليك. فإن رأيت أن أرجع عنك فعلت. فقال الأشتر: ألا تخاف العار أن ترجع عني وأنا رجل من اليمن وأنت فتى من قريش؟ فقال: لا والله، ما أخاف العار إذا رجعت عن مثلك (1).
يكفي في بيان شجاعة مالك الأشتر وبسالته ما قاله ابن أبي الحديد: قلت: لله أم قامت عن الأشتر! لو أن إنساناً يقسم أن الله تعالى ما خلق في العرب ولا في العجم أشجع منه إلّا أستاذه ( علي ) (علیه السّلام) لما خشيت عليه الإثم. والله در القائل وقد سئل عن الأشتر: ما أقول في رجل هزمت حياته أهل الشام وهزم موته أهل العراق (2)؟
على أن هذا الرجل الذي ترتعد لسماع اسمه فرائص أعدائه، في حياته اليومية غاية في رقة القلب والليونة. حكي أن مالكاً الأشتر كان مجتازاً بسوق الكوفة وعليه قميص خام وعمامة منه. فرآه بعض السوقة فازدری بزیه فرماه ببندقة تهاوناً به، فمضى ولم يلتفت. فقيل له (للرجل): ويلك! أتدري من رمیت؟ فقال: لا. فقيل له : هذا مالك صاحب أميرالمؤمنين (علیه السّلام). فارتعد الرجل ومضى إليه ليعتذر منه فرآه وقد دخل مسجداً وهو قائم يصلي. فلما
ص: 425
انفتل أكب الرجل على قدميه يقبلهما. فقال: ما هذا الأمر؟ فقال: أعتذر إليك مما صنعت فقال: لا بأس عليك، فوالله ما دخلت المسجد إلاّ لأستغفرن (هكذا: م) لك(1).
لا تتوفر معلومات عن حياة مالك الأشتر الأولى، وأول حضور له على مسرح الأحداث السياسية والاجتماعية كان في فتح دمشق واليرموك سنة 15 الهجرية. فقد أصيب في المعركة في عينه فلقب بالأشتر(2).
عندما وصلت الخلافة إلى عثمان، عيّن جميع أقربائه والمتعلقين به في مناصب الدولة، وسلط أفراداً غير صالحين على رقاب الناس، وولّى الوليد بن عقبة على الكوفة. ولم يتورع الوليد عن ارتكاب الكثير من المخالفات في الكوفة حتى عُزل من منصبه بفضل موقف مالك الأشتر وسائر رجالات الكوفة.
بعد عزل الوليد بن عقبة قام عثمان بتعيين سعيد بن العاص بدلاً منه.
كانت بداية سعيد جيدة حيث عامل الناس بالحسنى. ولكنه قال ذات يوم فيما
ص: 426
قال: إنما هذا السواد بستان لقريش. فقال الأشتر: أتزعم أن السواد الذي أفاءه الله علينا بأسيافنا بستان لك ولقومك ؟ (من سولت له نفسه ذلك مرغنا أنفه بالتراب) والله ما يزيد أو فاكم به نصيباً إلا أن يكون كأحدنا، وتكلم معه القوم (فقال عبدالرحمن الأسدي رئيس شرطة الكوفة لمالك متملقاً الوالي: أترد على الأمير وتهينه؟ فأمر مالك رجاله من مذحج فأخرجوا عبدالرحمن من المجلس. فشقّ ذلك على سعيد بن العاص فانقطع ما بينه وبين مالك من علاقة. ولم يمنع ذلك مالكاً من أن يواصل معارضته لمخالفات سعيد بن العاص) فكتب سعيد إلى عثمان يخبره بذلك يقول: إن رهطاً من أهل الكوفة، سماهم له عشرة، يؤلبون ويجتمعون على عيبك وعيبي والطعن في ديننا. وقد خشيت إن ثبت أمرهم أن يكثروا. فكتب عثمان إلى سعيد أن: سيّرهم (انفهم) إلى معاوية، ومعاوية يومئذٍ على الشام. فسيّرهم (نفاهم) وهم تسعة نفر إلى معاوية فيهم مالك الأشتر. ( وكتب عثمان إلى معاوية يأمره بأن ينصح المنفيين بأن يكفوا عن إثارة الفتنة. فإذا صلحوا يعيدهم إلى ديارهم. ولكن معاوية نفسه لم يسلم من اعتراض المنفيين. فكتب إلى عثمان يطلب منه أن يعيدهم إلى الكوفة). فكتب إليه عثمان يأمره أن يردهم إلى سعيد بن العاص بالكوفة. (فعاد المبعدون إلى الكوفة، ولكنهم لم يكفوا عن المعارضة). وكتب سعيد إلى عثمان يضج منهم. فكتب عثمان إلى سعيد أن: سيّرهم إلى عبدالرحمن بن خالد، وكان أميراً على حمص... وكتب (عثمان) إلى الأشتر وأصحابه : ... فإني قد سيرتكم إلى حمص (لأنه ليس فيكم للإسلام وأهله إلّا الشر.
ص: 427
فلما وصل كتابه إلى مالك، رفع مالك يديه إلى السماء وقال: اللّهُمَّ اجز أياً كان منا، نحن أو عثمان، شراً على الناس وأجرم بحق المسلمين بما يستحق من عقوبتك!) (1).
إن ما ألّب الناس على عثمان ودفع بالمسلمين من العراق ومصر وجماعة من المهاجرين والأنصار إلى الثورة عليه، تعطيله لحدود الله وتقسيمه بيت المال على بني أمية وإسناده المناصب الحكومية إلى أشخاص غير صالحين وتعرضه لبعض الصحابة البارزين بالضرب والشتم. وكان مالك الأشتر مع الثوار (2).
بعد مقتل عثمان بأيدي الصحابة، بايع المسلمون الإمام علياً(علیه السّلام) . وكان مالك الأشتر من أوائل المبادرين إلى ذلك، فكان يشجع الناس على بيعته (علیه السّلام) (3) .
ص: 428
ولما سمع مالك بخروج عائشة بعث إليها برسالة دعاها فيها إلى العودة إلى بيتها (1) . ولكن عائشة ردت عليه بنعته بأنه أول من أشعل نار الفتنة وتفريق الناس وقتل عثمان(2).
على أن من أهم ما فعل مالك الأشتر قمع فتنة أبي موسى الأشعري في الكوفة. فلما التهبت أجواء الكوفة على أثر الخطب والتحركات السياسية الكثيرة من جانب أنصار أميرالمؤمنين (علیه السّلام) ومن جانب أبي موسى الأشعري بالمقابل، استأذن مالك الأشتر الإمام علياً(علیه السّلام) في التوجه إلى الكوفة لأن له في أهلها كلمة مسموعة وأمراً مطاعاً وأن بمقدوره أن يحشدهم لنصرته (علیه السّلام). فأذن له الإمام (علیه السّلام) فذهب مالك إلى الكوفة واستطاع، بمساعدة الناس، أن يدخل دار الإمارة عنوة ويعزل أبا موسى من إمارة الكوفة. وبحمود فتنة أبي موسى الأشعري، أعلن جمع غفير من الناس عن استعدادهم لمرافقة أمير
ص: 429
المؤمنين (علیه السّلام). وهكذا تم تشكيل جيش كبير متأهب للتحرك صوب ذي قار للالتحاق بالإمام(علیه السّلام) (1).
كما سجّل مالك الأشتر في حرب الجمل كذلك بطولات كثيرة. وقد مر الكلام عن مبارزته لعبدالله بن الزبير وضرباته الكثيرة، في الصفحات الآنفة.
بعد انقضاء حرب الجمل، عيّن أميرالمؤمنين(علیه السّلام) مالكاً الأشتر حاكماً على منطقة الجزيرة (2).
كما كان مالك الأشتر ملازماً للإمام (علیه السّلام) من بداية تحركه نحو صفين. وكان، إلى جانب عبدالله بن العباس وعباس بن ربيعة بن الحارث والأشعث بن قيس، أميراً على مركز الجيش وقلبه (3).
بعد حرب صفين وفرض التحكيم على الإمام علي (علیه السّلام) وخروج معاوية بن حديج على محمد بن أبي بكر في مصر، تدهورت الأوضاع في مصر وظهرت الحاجة فيها إلى حاكم حازم لهذا الغرض، استدعى الإمام (علیه السّلام) مالكاً الأشتر
ص: 430
من نصيبين ليبعثه إلى مصر. فحضر مالك بين يدي الإمام وأبلغه الإمام (علیه السّلام) بأوامره .
فانطلق مالك إلى مصر بعد تلقيه التعليمات اللازمة. فسارع جواسيس معاوية إلى إخباره بقدوم مالك. فاستبد القلق بمعاوية من وجود مالك بمصر، لأنه كان ينظر إليها بعين الطمع، ويدرك أن وجود مالك فيها يمنعه من بلوغ مراده منها. لذا خطط لاغتياله، فكلف أحد مزارعي منطقة القلزم بسمّه.
فسقاه مزارع القلزم بشراب السويق أو العسل المدوف بالسم القاتل. فما لبث أن فارق مالك الحياة بعد ساعات.
ومكر معاوية مكراً آخر، إذ طلب من أهل الشام أن يدعوا للخلاص من شر مالك. في حين أنه كان قد خطط لاغتياله بالفعل. وكان هدفه من ذلك أمرين؛ الأول أن يوهم الناس بأن دعوتهم مستجابة بذيوع خبر موت مالك، والثاني أن يبعد شبهة تخطيطه لقتله (1).
ص: 431
من أبرز الأدلة على فضل مالك الأشتر وعظم منزلته ما شهد له به رسول الله (صلّی اللَّهِ علیه وَ آلِهِ وَ سَلَّمَ ) من إيمان. يقول ابن عبدالبر القرطبي في هذا المجال نقلا عن زوجة أبي ذر: لما حضرت أباذر الوفاة بكيت، فقال لي: ما يبكيك؟ فقلت: وما لي لا أبكى وأنت تموت بفلاة من الأرض وليس عندي ثوب يسعك كفناً لي ولا لك ولا يد لي للقيام بجهازك. قال: فأبشري ولا تبكي! فإني سمعت رسول الله (صلّی اللَّهِ علیه وَ آلِهِ وَ سَلَّمَ ) يقول لنفر أنا فيهم: ليموتنّ رجل منكم بفلاة من الأرض تشهده عصابة من المؤمنين وليس من أولئك النفر أحد إلّا وقد مات في قرية وجماعة، فأنا ذلك الرجل، فأبصري الطريق! قالت زوجة أبي ذر كنت أنظر إلى الطريق وإذا بجماعة على رواحلهم فقاموا بتجهيز أبي ذر(1).
وكان مالك الأشتر في من حضر تجهيز أبي ذر . فبعد أن فرغ من تجهيزه تقدم رفاقَه وصلوا على جنازته ثم دفنوه. ثم وقف مالك الأشتر على قبر أبي ذر وقال: اللّهُمَّ هذا أبو ذر صاحب رسول الله(صلّی اللَّهِ علیه وَ آلِهِ وَ سَلَّمَ ) ، عبدك في العابدين، وجاهد فيك المشركين، لم يغير ولم يبدل ، لكنه رأى منكراً فغيره بلسانه وقلبه حتى جُفي
ص: 432
ونُفي وحُرم واحتُقر. ثم مات وحيداً غريباً. اللّهُمَّ فاقصم من حرمه ونفاه من مهاجره وحرم رسولك الله(صلّی اللَّهِ علیه وَ آلِهِ وَ سَلَّمَ ) قال (الراوي): فرفعنا أيدينا جميعاً وقلنا: آمين! ثم قدمت (زوجة أبي ذر) الشاة التي صنعت فقالت: أنها (هكذا، وربما إنه: م) قد أقسم ( ربما أقسمت : م) ألّا تبرحوا حتى تتغدوا، فتغدينا وارتحلنا(1).
كذلك، فإن أقوال الإمام علي(علیه السّلام) ورسائله التي صدرت عنه في مواقف مختلفة تدل على عظمة منزلة مالك الأشتر وفضله الذي لا يضاهى. ونكتفي هنا بالتنويه ببعضها:
1- بعد حادثة التحكيم في حرب صفين، كتب الإمام علي(علیه السّلام) إلى مالك الأشتر: أما بعد، فإنك ممن أستظهر به على إقامة الدين وأقمع به نخوة الأثيم وأسد به لهاة الثغر المخوف (الثغرات في مواجهة العدو) (2).
2- وفي رسالة له(علیه السّلام) إلى أهل مصر يصف فيها مالكاً الأشتر: أما بعد، فقد بعثت إليكم عبداً من عبادالله لا ينام أيام الخوف ولا ينكل عن الأعداء ساعات الروع، أشد على الفجار من حريق النار، وهو مالك بن الحارث أخو مذحج فاستمعوا له وأطيعوا أمره فيما طابق الحق فإنه سيف من سيوف الله لا كليل الظبة ولا نابي الضريبة. فإن أمركم أن تنفروا فانفروا وإن أمركم أن تقيموا فأقيموا، فإنه لا يقدم ولا يحجم ولا يؤخر ولا يقدم إلّا عن أمري(3).
ص: 433
3-بعد استشهاد مالك الأشتر بعث الإمام (علیه السّلام) برسالة إلى أهل مصر يصفه فيها بقوله: إن الرجل الذي كنت وليته أمر مصر كان رجلاً لنا ناصحاً وعلى عدونا شديداً ناقماً. فرحمه الله فقد استكمل أيامه ولاقى حمامه ونحن عنه راضون. أولاه الله رضوانه وضاعف الثواب له (1).
4- يقول ابن أبي الحديد عن دعاء الإمام (علیه السّلام) لمالك الأشتر : ثم دعا له بالرضوان. ولست أشك بأن الأشتر بهذه الدعوة يغفرالله له ويكفر ذنوبه ويدخله الجنة. ولا فرق عندي بينها وبين دعوة رسول الله(صلّی اللَّهِ علیه وَ آلِهِ وَ سَلَّمَ ) . يا طوبى لمن حصل له من علي(علیه السّلام) بعض هذا (2)!
5- عندما بعث الإمام علي (علیه السّلام) بجيش قوامه اثنا عشر مقاتلاً إلى الشام، أسند قيادته إلى مالك الأشتر وكتب إلى قادة الجيش الآخرين، زياد بن نصر وشريح بن هاني: وقد أمرت عليكما وعلى من حيزكما مالك بن الحارث الأشتر، فاسمعا له وأطيعا واجعلاه درعاً ومجناً. فإنه ممن لا يخاف وهنه ولا سقطته ولا بطؤه عما الإسراع إليه أحزم ولا إسراعه إلى ما البطء عنه أمثل (3).
ص: 434
6- بعد استشهاد مالك الأشتر، قال الإمام علي (علیه السّلام) لأصحابه: وليت فيكم مثله اثنان (هكذا، وربما اثنين: م) بل ليت فيكم مثله واحد (هكذا، وربما واحداً: م) (1).
بعد هذه الرواية، يضيف الشيخ عباس القمي إضافة جميلة في توضيح منزلة مالك الأشتر ومقامه. يقول: يأتي في أحوال عمرو بن الحمق الخزاعي الذي كان من حواري (هكذا، وربما حواريي: م ) أميرالمؤمنين(علیه السّلام) ومشهوراً بالجلالة والفضل، بل قيل في حقه: أنه كان من أميرالمؤمنين(علیه السّلام) بمنزلة
علام سلمان من رسول الله (صلّی اللَّهِ علیه وَ آلِهِ وَ سَلَّمَ ) أن أميرالمؤمنين(علیه السّلام) قال: ليت أن في جندي مائة مثلك. ولكن في الأشتر يقول: ليت فيكم مثله واحد. فتأمل في ذلك ليدلك على مرتبة رفيعة وجلالة عظيمة للأشتر رضوان الله عليه(2).
7-قال الإمام الصادق (علیه السّلام): يخرج القائم (علیه السّلام) من ظهر الكوفة سبعة وعشرين (هكذا: م) رجلاً خمسة عشر من قوم موسى (علیه السّلام) الذين كانوا يهدون بالحق وبه يعدلون وسبعة من أهل الكهف ويوشع بن نون وسلمان وأبا دجانة الأنصاري والمقداد ومالكاً الأشتر فيكونون بين يديه أنصاراً وحكاماً (3).
ص: 435
8- على أن أبلغ ما يجمع فضائل مالك الأشتر ومناقبه قول أميرالمؤمنين (علیه السّلام) بعد شهادته رحم الله مالكاً فلقد كان لي كما كنت لرسول الله(صلّی اللَّهِ علیه وَ آلِهِ وَ سَلَّمَ ) (1).
عندما انتشر خبر استشهاد مالك الأشتر عمّ الجميع حزن وذهول. وكان الإمام على (علیه السّلام) أكثر الناس اغتماماً بفقده، حتى أنه كان يبكي عليه بنشيج عال. فلما سمع باستشهاده صعد المنبر وقال: رحم الله مالكاً. لقد وفى بعهده حتى ذهب للقاء ربه. فلو كان جبلاً لكان صلباً، ولو كان صخرةً لكان صخرة قوية لا تثلم. طوبى لمالك، هل تلد النساء مثله؟ هل ثم رجل مثله؟
قال عوانة : لما نزل الإمام من المنبر ودخل القصر قال له رجال من قريش: يا لجزعك وفزعك على الأشتر! لقد مات وانقضى أمره. فقال (علیه السّلام): والله لقد أفرح موته أهل الشام وأحزن أهل العراق. لقد بكاه الإمام (علیه السّلام) أياماً وكان بالغ الحزن على فقده. كان يقول: لن تجود علي الأيام بمثلك أبداً.
حسب تقرير اليعقوبي، فإن الإمام (علیه السّلام) لما بلغه استشهاد مالك أنّ أنيناً شديداً وقال: على مثلك فلتبك البواكي يا مالك. وأنى مثل مالك (2)؟
يقول الثقفي عن ردة فعل الإمام علي (علیه السّلام) على استشهاد مالك، نقلاً أشياخ قبيلة نخع: دخلنا على علي(علیه السّلام) حين بلغه موت الأشتر، فجعل يتلهف ويتأسف عليه ويقول: لله در مالك وما مالك؟ لو كان جبلاً لكان فنداً ولو
ص: 436
كان حجراً لكان صلداً. أما والله، ليهدنّ موتك عالماً وليفرحن عالماً. على مثل مالك فلتبك البواكي، وهل موجود كمالك؟ قال: فقال علقمة بن قيس النخعي: فمازال علي يتلهف ويتأسف حتى ظننا أنه المصاب به دوننا. وقد عرف ذلك في وجهه أياماً (1).
ويقول صعصعة بن صوحان : فلما بلغ علياً(علیه السّلام) موت الأشتر قال: إنا لله وإنا إليه راجعون والحمد لله رب العالمين. اللَّهُمَّ إني أحتسبه عندك فإن موته من مصائب الدهر. فرحم الله مالكاً فقد وفى بعهده، قضى نحبه (2)...
كان الإمام علي (علیه السّلام) كلما ذكر مالكاً انتابه الحزن وتأسف على فقده. وكان يتأوه وهو يرى جيش الشام يتعرض لأراضي حكمه وجيشه لا يطيعه ويتقاعس عن المبادرة إلى درء الفتنة (3) .
إن تأثر الإمام (علیه السّلام) وحزنه على مالك الأشتر يكشف عن عمق إيمان مالك ورسوخ إسلامه واعتقاده بإمامة الإمام علي(علیه السّلام) . بحيث أن معاوية لما أتاه خبر استشهاد مالك الأشتر فرح فرحاً غامراً فجمع أهل الشام وقال لهم:أما بعد فإنه كانت لعلي يمينان فقطعت إحداهما بصفين، يعني عمار بن
ص: 437
ياسر، وقطعت الأخرى اليوم، يعني الأشتر. ففرح أهل الشام وهنّأ بعضهم بعضاً (1).
ولد محمد بن أبي بكر في شهر ذي القعدة من سنة 11 الهجرية في سفر حجة الوداع وفي منزل يسمى "ذا "الحليفة" أو "الشجرة". أمه أسماء بنت عميس، كانت في البداية تحت جعفر بن أبي طالب، وبعد استشهاده تزوجها أبو بكر. وبعد وفاة أبي بكر تزوجها أميرالمؤمنين (علیه السّلام). وهذا ما جعل محمداً يتربى وهو في حوالي الثالثة من عمره عند الإمام علي(علیه السّلام) . كانت كنيته أبا القاسم نسبة إلى ابنه القاسم، وكانت عائشة تدعوه بها (2).
نظراً إلى ولادته في عام حجة الوداع وأنه لم يكن حين توفي النبي(صلّی اللَّهِ علیه وَ آلِهِ وَ سَلَّمَ ) إلّا طفلاً صغيراً، فلم يكن له دور في الأحداث التي تلت وفاة النبي(صلّی اللَّهِ علیه وَ آلِهِ وَ سَلَّمَ ) وفي
ص: 438
السقيفة. ولكنه كان من الناشطين في حادثة قتل عثمان (1). فقد أدى تعطيل الحدود الإلهية وتقسيم بيت مال المسلمين على بني أمية وتنصيب أشخاص غير صالحين في المناصب الحكومية والاعتداء على جماعة من صحابة رسول الله(صلّی اللَّهِ علیه وَ آلِهِ وَ سَلَّمَ ) بالضرب والشتم من قبل عثمان إلى ثورة المسلمين في العراق ومصر وجماعة من المهاجرين والأنصار عليه. فلما علم المصريون بخبر مقتل أحد مواطنيهم المعارضين لعبدالله بن أبي سرح نتيجة تعريضه للضرب المبرح، توجه سبعمائة رجل منهم إلى المدينة للاحتجاج عند عثمان نتيجة لذلك، وبتدخل من الإمام علي(علیه السّلام) ، تم عزل عبدالله بن أبي سرح وإبداله بمحمد
بن أبي بكر. غير أن مروان بن الحكم استغل غلام عثمان وختمه وبعيره فقام بتزوير رسالة على لسان عثمان تقضي بإعدام محمد بن أبي بكر وجماعة من ثوار مصر وسجن الباقين.
لما رأى الإمام (علیه السّلام) اضطراب الأوضاع في المجتمع، ذهب إلى عثمان مع جماعة من أصحاب رسول الله وأخذ معه ناقة عثمان وغلامه والرسالة التي زورت باسمه. فأنكر عثمان كتابة الرسالة وإرسال الغلام وأنكر علمه بهما، ولكنه مع ذلك لم يرض بتسليم مروان للثوار ليتبين السبب وراء ما أمر
ص: 439
بقتل جماعة من صحابة النبي بدون داع. وانتهت الثورة بأن اقتحم جماعة من الثوار بيت عثمان وفيهم محمد بن أبي بكر وقتلوا عثمان(1).
يرى بعضٌ أن محمد بن أبي بكر كان راغباً في قتل عثمان في البداية ولكنه انصرف عن تنفيذ رغبته فقام غيره بقتل عثمان(2).
ص: 440
كان محمد بن أبي بكر، في حرب الجمل، قائداً لرجالة جيش الإمام (علیه السّلام). وشهد حرب صفين كذلك، ثم جعله الإمام(علیه السّلام) والياً لمصر (1).
بعد أن انتهت حرب الجمل، أصبح محمد بن أبي بكر متولياً لأمر عائشة بعد سقوط هودجها بأمر الإمام على(علیه السّلام) ، وكلفه بإيصالها إلى البصرة. ولقد سبق أن مر جانب من حواراته مع عائشة ولا نرى ضرورة لإعادته.
بعد وصول الخلافة إليه، عيّن الإمام علي (علیه السّلام) محمدَ بن أبي بكر والياً على مصر فبعث به إليها بديلاً لقيس بن سعد بن عبادة(2). على إثر ذلك، تدخل معاوية لاستمالته عن طريق المكاتبة والمراسلة. ولم تنفعه كثرة الرسائل التي بعث بها إليه، فيئس منه. فلجأ إلى القوة، فأرسل عمرو بن العاص على رأس جيش إلى مصر ولكنه لم يحقق إلّا الهزائم المتتالية أمام محمد حتى اضطر إلى الاستنجاد بمعاوية بن حديج الذي كان قريباً من مصر. فكانت النتيجة أن خسر محمد بن أبي بكر المواجهة ووقع في أسر معاوية بن حديج. ولم يتردد
ص: 441
معاوية بن حديج في ضرب عنقه وقطع رأسه ثم جعله في جوف حمار ميت وأضرم فيه النار (1).
من أروع ما فعله محمد بن أبي بكر، مراسلاته لمعاوية التي عدّد فيها فضائل الإمام علي (علیه السّلام) ومناقبه. فقد كتب إليه يقول فيما قال: إن الله اصطفى من عباده محمداً للنبوة واختاره لوحيه.... أول من أجاب وأناب وصدّق ووافق وأسلم وسلّم أخوه وابن عمه علي بن أبي طالب(علیه السّلام) . فصدقه بالغيب المكتوم وآثره على كل حميم، فوقاه كل هول وواساه بنفسه في كل خوف، فحارب حربه وسالم سلمه. فلم يبرح مبتذلاً لنفسه في ساعات الأزل ومقامات الروع، حتى برز سابقاً لا نظير له في جهاده ولا مقارب له في فعله. وقد رأيتك تساميه وأنت أنت وهو هو المبرز السابق في كل خير، أول الناس إسلاماً وأصدق الناس نية وأطيب الناس ذرية وأفضل الناس زوجة وخير الناس ابنَ عم، وأنت اللعين ابن اللعين. ثم لم تزل أنت وأبوك تبغيان الغوائل لدين الله وتجهدان على إطفاء نور الله وتجمعان على ذلك الجموع وتبذلان فيه المال وتخالفان فيه القبائل. على ذلك مات أبوك وعلى ذلك خلفته، والشاهد عليك بذلك من
ص: 442
يأوي ويلجأ إليك من بقية الأحزاب ورؤوس النفاق والشقال لرسول الله (صلّی اللَّهِ علیه وَ آلِهِ وَ سَلَّمَ )والشاهد لعلي، مع فضله المبين وسبقه القديم، أنصاره الذين ذكروا بفضلهم في القرآن فأثنى الله عليه (هكذا: م) من المهاجرين والأنصار. فهم معه عصائب وكتائب حوله، يجالدون بأسيافهم ويهريقون دماءهم دونه. يرون الفضل في اتباعه والشقاء في خلافه. فكيف، يا لك الويل، تعدل نفسك بعلي وهو وارث رسول الله (صلّی اللَّهِ علیه وَ آلِهِ وَ سَلَّمَ ) ووصيه وأبو ولده وأول الناس له اتّباعاً وآخرهم به عهداً، يخبره بسره ويشركه في أمره. وأنت عدوه وابن عدوه!؟ فتمتع ما استطعت بباطلك وليمدد لك ابن العاص في غوايتك، فكأن أجلك قد انقضى وكيدك قد وهي. وسوف يستبين لمن تكون العاقبة العليا. واعلم أنك [إنما] تكايد ربك الذي قد أمنت كيده وأيست من رَوحه، وهو لك بالمرصاد وأنت منه في غرور. وبالله وأهل رسوله عنك الغناء (1).
محمد بن أبي بكر من الشخصيات التي قل نظيرها في التاريخ الإسلامي، كان الإمام علي (علیه السّلام) يعده ابنه فكان يقول: محمد ابني من صلب أبي بكر(2).
ص: 443
كان من حواريي أميرالمؤمنين (علیه السّلام) ومن خاصة أصحاب(1). وكان من فضائله أنه كان، كعمار، لا يرضى بمعصية الله (2).
لقد تربى محمد بن أبي بكر في حجر الإمام علي (علیه السّلام) منذ صغره، ولم يكن يعرف لنفسه أباً غيره ولم يذكر فضيلة إلاّ له.
كان الإمام علي (علیه السّلام) يكثر من مدحه وتمجيده ويفضله على غيره. كان متفانياً في العبادة والعبودية، حتى عُرف من عبّاد قريش (3).
ص: 444
يذكر الكشي في رجاله أن أنصار علي(علیه السّلام) من قريش كانوا خمسة، أحدهم محمد بن أبي بكر. كان محمد أنجب آل أبي بكر ورث النجابة من اُمه أسماء .(1) .
كان من عظم القدر بحيث أنه إذا ذكر عند الإمام الصادق (علیه السّلام) قال: رحمه الله وصلى عليه(2).
روي عن الإمام الباقر أن محمد بن أبي بكر بايع الإمام علياً(علیه السّلام) على أساس البراءة من الخليفتين الأول والثاني (3).
قال لأميرالمؤمنين (علیه السّلام) يوماً من الأيام: ابسط يدك أبايعك! فقال: أو ما فعلت؟ قال: بلى. فبسط يده فقال : أشهد أنك إمام مفترض طاعتك وأن أبي في النار (4).
ولما جعل المأمون إلى علي بن موسى الرضا (علیهما السّلام) ولاية العهد دخل عليه آذنه وقال: إن قوماً بالباب يستأذنون عليك يقولون: نحن شيعة علي. فقال (علیه السّلام): أنا
ص: 445
مشغول فاصرفهم! فصرفهم، فلما كان من اليوم الثاني جاؤوا وقالوا كذلك مثلها، فصرفهم. إلى أن جاؤوا هكذا يقولون ويصرفهم شهرين. ثم آيسوا من الوصول وقالوا للحاجب: قل لمولانا إنا شيعة أبيك علي بن أبي طالب (علیه السّلام) (فأذن لهم فسألوه عن سبب رفضه زيارتهم له) قالوا: لماذا يا ابن رسول الله؟ قال: لدعواكم أنكم شيعة أميرالمؤمنين علي بن أبي طالب(علیه السّلام) . ويحكم! إنما شيعته الحسن والحسين وأبو ذر وسلمان والمقداد وعمار ومحمد بن أبي بكر الذين لم يخالفوا شيئاً من أوامره (1).
بعد واقعة الجمل، تذكرت عائشة دعاء النبي(صلّی اللَّهِ علیه وَ آلِهِ وَ سَلَّمَ ) لأخيها محمد فأظهرت الحزن والندم على مشاركتها في تلك الحرب وقالت: فوددت أني كنت مقيمة عليلة سبع سنين ولم أخرج ذلك الخروج . لقد تذكرت يوم ولد لأبيها أبي بكر ابنه محمد فجاء به إلى النبي(صلّی اللَّهِ علیه وَ آلِهِ وَ سَلَّمَ ) وطلب منه أن يسميه فسماه باسمه. ثم طلب منه أن يدعو له فقال(صلّی اللَّهِ علیه وَ آلِهِ وَ سَلَّمَ ) : اللّهُمَّ بارك فيه وارزقه بره وأعنه على تأدية حقه واجعله محباً لنبيك ولأهل بيته(2).
ص: 446
استشهد محمد بن أبي بكر في شهر صفر من سنة 38 الهجرية وكان عمره 29 سنة (1). وقد تألم أميرالمؤمنين(علیه السّلام) لفقده كثيراً حتى بان أثر حزنه على وجهه. فلما بلغه خبر استشهاده خطب فقال: ألا إن محمد بن أبي بكر قد قتل. فعند الله نحتسب محمداً فقد كان ممن ينتظر القضاء ويعمل للجزاء (2).
في رسالة بعث بها أميرالمؤمنين (علیه السّلام) إلى عبدالله بن عباس يرثي بها محمد بن أبي بكر، قال(علیه السّلام) : فعند الله نحتسبه ولداً صالحاً وعاملاً كادحاً وسيفاً قاطعاً وركناً دافعاً (3).
وبعث عبدالله بن عباس إلى الإمام(علیه السّلام) برسالة تعزية جوابية. وتقول رواية إنه لما رأى شدة حزن الإمام على فقد محمد ذهب بنفسه من البصرة إلى الكوفة لتعزيته (علیه السّلام) (4).
ص: 447
لما سمع أميرالمؤمنين (علیه السّلام) باستشهاد محمد بن أبي بكر قال: إن حزننا عليه على قد ( هكذا : م ) سرورهم به، إلّا أنهم نقصوا بغيضاً ونقصنا حبيباً (1).
لقد اعتبر الإمام علي (علیه السّلام) مصابه بمحمد بن أبي بكر أكبر مصاب حلّ به . (2) . وبلغ به الجزع على فقده أن استغرب بعض الناس منه ذلك وقيل له: لشد ما جزعت على محمد بن أبي بكر!؟ فقال: رحم الله محمداً! إنه كان لي ربيباً وكان لبنىّ أخاً وكنت له والداً أعده ولداً (3).
ولما سمعت عائشة بخبر استشهاد أخيها محمد تألمت كثيراً فكانت تلعن معاوية وعمرو بن العاص ومعاوية بن حديج عقب كل صلاة. ثم أخذت زوجة محمد وعياله إليها وتولت رعايتهم(4).
ص: 448
بعد مقتل أخيها محمد، حلفت عائشة أن لا تأكل شواءً أبداً حتى تموت. وكانت كلما عثرت لعنت معاوية بن أبي سفيان وعمرو بن العاص ومعاوية بن حديج(1).
وروي أن أسماء بنت عميس لما جاءها نعي محمد ابنها وما صنع به، قامت إلى مسجدها وكظمت غيظها حتى تشخبت دماً(2). (تفجر الدم من ثدييها)
من النقاط المهمة فيما يخص محمد بن أبي بكر الظلم الفادح الذي تعرض له من قبل كبار مؤرخي أهل السنة، وإغفالهم الكثير من أخباره رغم أنه يفترض أن يكون شخصاً مهماً لهم من حيث النسب، باعتباره ابن الخليفة الأول وأخا عائشة وما يسمى خال المؤمنين. وهذا ما يجيب عليه المرحوم الكراجكي بشكل جميل حيث يقول : ومن عجيب أمر الحشوية ووقاحتهم في العناد والعصبية أنهم يقولون: إن معاوية بن أبي سفيان خال المؤمنين، ويقولون: إنه استحق ذلك بسبب أن أخته أم حبيبة بنت أبي سفيان إحدى أزواج النبي الذين هم بنص القرآن للمؤمنين أمهات، ولا يسمون محمد بن
ص: 449
أبي بكر خال المؤمنين، بل لا يذكرونه بذكر جميل وأخته عائشة أعظم أزواج النبي(صلّی اللَّهِ علیه وَ آلِهِ وَ سَلَّمَ ) عندهم قدراً وأجلّ الأمهات في مذهبهم فضلاً وذكراً وليس تدانيها عندهم أم حبيبة ولا تقاربها ولا أبوها كأبيها. فلم لا يسمون محمد بن أبي بكر خال المؤمنين ويكون أحق بذلك من معاوية بن أبي سفيان الفاسق اللعين الطليق ابن الطليق؟ لعنه رسول الله وقال: إذا رأيتم معاوية على منبري فاقتلوه وكان من المؤلفة قلوبهم ولم يحفظ قط حسنة يبسط معها في تفضيلهم له عذراً ولا ورد في الأثر عن النبي تسميته بحال المؤمنين فيصح قولهم. وبأي وجه استحق معاوية هذا الإكرام دون محمد بن أبي بكر؟ وكيف يجب أن تحفظ أم حبيبة في أخيها معاوية ولم يجب أن تحفظ عائشة في أخيها محمد؟ كلا، ليس يخفى على العاقل أن بغضهم لأميرالمؤمنين (علیه السّلام) حملهم على تفضيل محاربيه وتبجيل أعاديه ومعانديه وإهمال ذكر أوليائه والمنسوبين إليه من أصفيائه. وقد علم أن معاوية كان لأميرالمؤمنين(علیه السّلام) عدواً وحرباً وأن محمد بن أبي بكر كان له ولياً وحزباً. بذلك صار معاوية خالاً للمؤمنين دون محمد بن أبي بكر ربيب أميرالمؤمنين(1).
هذه كانت النهاية المؤسفة للجمل التي أوقدت نارها أم المؤمنين عائشة، ويا للأسف، واثنان من صحابة رسول الله! وكان نتيجتها استيلاء الشجرة الأموية الملعونة على الحكم الذي أسال دماءً زكية بغير حق خلال عهده، ومن بعده العهد العباسي.
ص: 450
ولا شك أن جيل الشباب بقراءته الدقيقة لهذه الأحداث واطلاعه على حقائق التاريخ، سوف لن يتردد في توجيه أصابع الاتهام إلى هؤلاء وتحميلهم المسؤولية الكاملة للنتائج الوخيمة التي وُصم بها التاريخ الإسلامي. ولا ريب في أن جزاء الكوارث التي أفرزتها هذه الحروب لا يحكم به حق حكمه إلاّ محكمة العدل الإلهية. ولا نملك - في ختام هذا البحث - إلاّ أن نتضرع بالشكر والعرفان اللامحدود إلى الله على ما منّ علينا به من معرفة وولاية لأميرالمؤمنين (علیه السّلام).
نجم الدين الطبسي
مؤسسة ولاء الصديقة الكبرى (علیها السّلام) قم المقدسة
3 ربيع الأول 1442 الهجرية
20 تشرين الأول 2020م
ص: 451
ص: 452
0القرآن الكريم
0نهج البلاغة
1 - إثبات الهداة بالنصوص والمعجزات الحر العاملي، محمد بن الحسن (1104ه)، تعليق: أبو طالب تجليل التبريزي، المطبعة العلمية بدون تاريخ، قم.
2- إثبات الوصية للإمام علي بن أبي طالب، المسعودي، أبي الحسن علي بن الحسين بن علي المسعودي الهذلي الشافعي، المتوفى سنة 346ه، منشورات الرضي، قم، إيران.
3-الاحتجاج، الطبرسي، أحمد بن علي ( حوالي 520ه)، مطابع النعمان، مع تعليقات: السيد محمد باقر الخرسان، 1386ه، النجف، العراق.
4- الأحكام السلطانية، الماوردي، أبو الحسن علي بن محمد، (450ه)، مكتب الإعلام الإسلامي، ط2، 1406ه، قم، إيران.
5- أخبار الجمل، إبو مخنف، لوط بن يحيى الغامدي الأزدي، (157ه)، المحقق: الشيخ قيس بهجت العطار، بدون تاریخ، بدون مكان.
6- الأخبار الطوال، الدينوري أبي حنيفة أحمد بن داوود، (382ه)، تحقیق: د. عصام محمد الحاج علي، دار الكتب العلمية، ط2، 2012م، بيروت، لبنان.
7- الأخبار الموفقيات، الزبير بن بكار، (256ه)، تحقيق: د. سامي مكي العاني، عالم الكتب ط 2، 1416ه، بيروت، لبنان.
8- أخبار الوافدات من النساء على معاوية بن أبي سفيان، الضبي، عباس بن بكار، مؤسسة الرسالة ، 1403ه، بيروت، لبنان.
9-الاختصاص، الشيخ المفيد، أبو عبدالله محمد بن محمد بن النعمان العكبري البغدادي، (413ه)، المحقق: علي أكبر غفاري والسيد محمود زرندي، منشورات جماعة المدرّسين في الحوزة العلمية، بدون تاريخ، قم، إيران.
ص: 453
10- اختيار معرفة الرجال المعروف باسم رجال الكشي، أبو جعفر محمد بن حسن الطوسي، (460 ه)، المصحح: حسن مصطفوي، مطبعة جامعة مشهد ، 1384 ه- ش (2005م)، مشهد، إيران.
11- ادب فناى مقربان (أدب فناء المقربين) الجوادي الآملي، عبدالله، تحقيق: محمد صفائي، دار نشر إسراء، ط 3، 1382 ه- ش (2003م) ، إيران، قم.
12- الأربعون حديثاً عن أربعين شيخاً من أربعين صحابياً في فضائل أميرالمؤمنين(علیه السّلام) ، منتجب الدين، علي بن عبيدالله (585ه)، المحقق / المصحح: مؤسسة الإمام المهدي(عجّل الله تعالی فرجه الشریف) ،مدرسة الإمام المهدي(عجّل الله تعالی فرجه الشریف) ، 1408ه، قم، نرم افزار نور (نور للبرمجيات).
13- إرشاد القلوب المنجي من عمل به من أليم العذاب، الديلمي حسن بن أبي الحسن، (من أعلام القرن الثامن الهجري)، تحقيق السيد هاشم الميلاني، دار نشر أسوه، ط3، سنة 1426ه، طهران، إيران.
14- الإرشاد إلى قواطع الأدلة في أول الاعتقاد الجويني، عبد الملك، (478ه)، دار الكتب العلمية، بيروت، ط 1، 1416ه-، بدون مكان.
15- الإرشاد في معرفة حجج الله على العباد، أبو عبدالله محمد بن النعمان(416ه)،تحقيق مؤسسة آل البيت لتحقيق التراث، دار المفيد، ط 2 ، سنة 1414ه-، بيروت، لبنان.
16- الاستذكار ابن عبد البر، جمال الدين أبو عمر يوسف بن عبدالله بن محمد بن عبد البر بن عاصم النمري القرطبي المالكي، (463ه)، دار الكتب الإسلامية، تحقيق: سالم محمد عطا ومحمد علي معوض، ط ا ، 2000م ، بيروت، مكتبة أهل البيت.
17- الاستيعاب في معرفة الأصحاب، ابن عبد البر، جمال الدين أبو عمر يوسف بن عبدالله بن محمد بن عبد البر بن عاصم النمري القرطبي المالكي، (463ه)، تحقيق وتعليق: الشيخ علي محمد معوض والشيخ عادل أحمد عبد الموجود، دار الكتب العلمية، ط 1، 1415ه-، بيروت، لبنان.
ص: 454
18 - أسد الغابة في معرفة الصحابة، ابن الأثير الجزري الشافعي، عزالدين أبو الحسن علي بن أبي الكرم، (630ه)، تحقيق وتعليق: الشيخ علي محمد عوض والشيخ عادل أحمد عبد الموجود، دار الكتب العلمية، ط 3 ، 1429ه، بيروت، لبنان.
19 - الإصابة في تمييز الصحابة، ابن حجر العسقلاني الشافعي، شهاب الدين أبو الفضل أحمد بن علي، (852ه)، المحقق: أحمد عبد الموجود وعلي محمد معوض، دار الكتب العلمية، ط 4، 2010م، بيروت، لبنان.
20- الأعلام، الزركلي، خير الدين، (1410ه)، دار العلم للملايين، ط17، 2007م، بيروت، لبنان.
21- الأغاني، أبو فرج الأصفهاني، علي بن حسين بن محمد، (356ه)، المحقق: علي مهنا وسمير جابر، دار الفكر، بدون تاریخ، بيروت، لبنان.
22- أمالي الصدوق (مع ترجمة الفيضي)، الشيخ الصدوق، أبو جعفر محمد بن علي، (381ه)، منشورات چهارده معصوم (المعصومون الأربعة عشر)، ط2، 1386ه-ش (2007م)، قم، إيران.
23- الأمالي، الشيخ الطوسي، أبو جعفر محمد بن حسن (460ھ)، دار الثقافة، ط 1، 1414ه، قم، إيران.
24- الأمالي، الشيخ المفيد، محمد بن محمد بن النعمان العكبري البغدادي، (413ه)، تحقيق: حسين استاد ولي وعلي أكبر غفاري، منشورات جامعه مدرسين، 1403ه، قم، إيران.
25- الإمامة والسياسة ابن قتيبة الدينوري، أبو محمد عبدالله بن مسلم، (276ه)، منشورات الشريف الرضي، 1388ه- ش (2009م)، قم، إيران.
26- إمتاع الأسماع بما للنبي من الأحوال والأموال والحفدة والمتاع، المقريزي، تقي الدين أحمد بن علي، (845ه)، المحقق: محمد بن عبد الحميد النميسي، دار الكتب العلمية، ط1، 1420ه-، بيروت، لبنان.
27- الأموال، أبو عبيد قاسم بن سلّام، المحقق: محمد خليل هراس، (224ه)، دار الفكر، ط 2 ، 1408ه-، بيروت، لبنان.
ص: 455
28- أنساب الأشراف البلاذري، أبو جعفر أحمد بن يحيى بن جابر، (379ه)، المحقق: د. سهيل زكار ود. رياض الزركلي، دار الفكر ، ط1، 1417ه، بيروت، لبنان.
29- الأنساب، السمعاني الشافعي، أبو سعيد عبد الكريم بن محمد، (562ھ)، تعلیق: عبدالله عمر البارودي، دار الكتب العلمية، ط 1، 1408ه، بيروت، لبنان.
30- إيثار الحق على الخلق في رد الخلافات إلى المذهب الحق من أصول التوحيد، ابن الوزير، محمد بن إبراهيم بن علي بن المرتضى بن المفضل الحسني القاسمي، أبو عبدالله، عزالدين اليمني، (840ه) ، دار الكتب العلمية، ط 2 ، 1987م، بيروت، مكتبة مدرسة الفقاهة.
31- بحار الأنوار الجامعة لدرر أخبار الأئمة الأطهار، العلامة المجلسي، محمد باقر، (1111ه)، مؤسسة الوفاء، ط 2، 1403ه، بيروت، لبنان.
32- البحر الرائق شرح كنز الدقائق، زين الدين بن إبراهيم بن محمد، المعروف بابن نجيم المصري (970ه)، دار الكتاب الإسلامي، ط2، بدون تاريخ، بدون مكان، مكتبة مدرسة الفقاهة.
33- البحر الزخار المعروف باسم مسند البزار، العتكي البزار، أحمد بن عمرو بن عبد الخالق، (292ھ)، تحقيق: محفوظ الرحمن زين الله، مكتبة العلوم والحكم، ط1، 1430ه، المدينة المنورة.
34- بخاری و ناصبی گری (البخاري والنصب)، بلقان آبادی، حسن، دلیل ما (دليلنا)، ط1، 1397ه- ش (2018م)، قم، إيران.
35- البدء والتأريخ البلخي، أحمد بن زيد، (322ه)، دار الكتب العلمية، ط1، 1417ه-، بيروت، لبنان.
36- البداية والنهاية، ابن كثير، عماد الدين أبو الفدائ إسماعيل بن عمر الدمشقي الشافعي (774ه)، تحقيق: أحمد أبو ملحم، وعلي نجيب عطوي، وفؤاد سيد، ومهدي ناصر الدين، وعلي عبد الستار، دار الكتب العلمية، طه، 1409ه، بيروت، لبنان.
ص: 456
37- بدائع الصنائع في ترتيب الشرائع، ملك العلماء، أبو بكر بن مسعود الكاساني، (587ه)، دار إحياء التراث العربي، المحقق: محمد عدنان بن ياسين، ط2، 1419ه، بيروت، لبنان.
38- البرصان والعرجان والعميان والحولان الجاحظ، أبي عثمان عمرو بن بحر، (255ه)، تحقيق: عبد السلام محمد هارون، دار الجليل، ط 1، 1410ه، لبنان، بيروت، مكتبة أهل البيت.
39- بصائر الدرجات في فضائل آل محمد (صلّی اللَّهِ علیه وَ آلِهِ وَ سَلَّمَ )، الصفار، محمد بن حسن بن فروخ، (290ھ)، :تحقيق مؤسسة الإمام المهدي(عجّل الله تعالی فرجه الشریف) ، عطر عترت (عطر العترة)، ط2، 1435ه، إيران، قم.
40- پیام امام (رسالة الإمام)، مكارم شيرازي، ناصر ، دار الكتب الإسلامية، ط 1، 1375ه- ش (1996م)، إيران، طهران.
41 - تاريخ الإسلام ووفيات المشاهير والأعلام الذهبي، أبو عبدالله محمد بن أحمد، (748ه)، المحقق: د. عمر عبد السلام التدمري، دار الكتاب العربي، ط2، 1410ه-، بيروت، لبنان.
42- تاريخ الأمم والملوك المعروف باسم تاريخ الطبري، أبو جعفر محمد بن جرير الطبري، (310ه)، دار الكتب العلمية، ط 2 ، 1408ه-، بيروت، لبنان.
43 - تاريخ الخلفاء، السيوطي الشافعي جلال الدين عبد الرحمن بن أبي بكر، (911ه)، المحقق: د. محمد كمال الدين عزالدين علي، عالم الكتب، ط 1، 1423ه، بيروت، لبنان.
44 - تاريخ الخميس في أحوال أنفس النفيس، الديار بكري، حسين بن محمد بن حسن، (966ه)، دار الكتب العلمية، ط 1 ، 2009م (ورد خطأ هجري قمري: م)، بيروت، لبنان.
45- التاريخ الصغير، البخاري، محمد بن إسماعيل، (256ه)، دار المعرفة، المحقق: محمود إبراهيم زايد، 1406ه، بيروت، لبنان، مكتبة أهل البيت.
46 - تاريخ المدينة المنورة، ابن شبة، أبو زيد عمر بن شبّة النميري البصري، (262ه)، :المحقق فهيم محمد شلتوت، دار الفكر، 1410ه، بيروت، لبنان.
ص: 457
47- تاريخ اليعقوبي، أحمد بن أبي يعقوب إسحاق بن جعفر بن وهب بن واضح الكاتب العباسي المعروف باليعقوبي، (284ه)، دار صادر، بدون تاریخ، بیروت، لبنان.
48- تاريخ بغداد أو مدينة السلام، الخطيب البغدادي، أحمد بن علي، (463ه)، دار الكتب العلمية، بدون تاريخ، بيروت، لبنان.
49- تاريخ خليفة بن خياط، (240ه) ، دار الكتب العلمية، المحقق: مصطفى نجيب فواز، ط 1، 1415ه-، بيروت، لبنان.
50- تاريخ دمشق الكبير، ابن عساكر، أبو القاسم علي بن الحسن بن هبة الله الدمشقي الشافعي (571ه)، المحقق: علي عاشور الجنوبي، دار إحياء التراث العربي، ط1، 1421ه، بيروت، لبنان.
51 -تذكرة الخواص، سبط بن الجوزي، أبو مظفر يوسف بن قزعلي البغدادي، (654ه)، مؤسسة أهل البيت(علیهم السّلام) ، 1401ه، بيروت، لبنان.
52- التذكرة في أحوال الموتى وأمور الآخرة، القرطبي، شمس الدين بن أحمد بن فرح، (حوالي 671ه)، تحقيق: عماد زكي البارودي، المكتبة التوفيقية، 2008م، القاهرة، مصر.
53- ترجمة الإمام الحسن، ابن عساكر، أبو القاسم علي بن الحسن بن هبة الله الدمشقي الشافعي، (571ه)، مؤسسة محمودي، ط 1، 1400ه، بيروت، لبنان، مكتبة الفقاهة.
54- ترجمة الإمام الحسن، ابن سعد، محمد بن سعد بن منيع البصري الزهري، (230ه)، تحقيق: السيد عبد العزيز الطباطبائي، ط 1، 1416ه، مؤسسة آل البيت لإحياء التراث، قم.
55- التعجب من أغلاط العامة في مسألة الإمامة، الكراجكي، أبو الفتح، (449ه)، تحقيق: فارس حسون کریم، بدون تاریخ، بدون مكان، مكتبة أهل البيت.
56- تفسير القرآن العظيم، ابن أبي حاتم الرازي عبدالرحمن بن محمد، المتوفى سنة 327ه، المكتبة العصرية، ط 3، 1424ه-، بيروت، لبنان.
57- تفسير القرآن العظيم، ابن كثير، إسماعيل بن عمر، المتوفى سنة 774ه، دار المعرفة، ط 1، 1406ه، بيروت، لبنان.
ص: 458
58- تفسير القمي، علي بن إبراهيم القمي، تصحيح وتعليق: السيد طيب الموسوي الجزائري، ط 2 ، 1968م، بيروت.
59- التفسير الكبير ، الفخر الرازي، محمد بن عمر بن حسين الرازي، (606ه)، مكتب الأعلام الإسلامي، ط4، 1413ه، بدون مكان.
60 - التفسير المنسوب إلى الإمام الحسن العسكري(علیه السّلام) ، الحسن بن علي، (260ه)، المحقق/ المصحح: مدرسة (هكذا، وربما مؤسسة : م) الإمام المهدي، مدرسة الإمام المهدي(علیه السّلام) ، 1409ه ،ایران، قم، نرم افزار نور (نور للبرمجيات).
61 - تفسير العياشي، أبو نصر محمد بن مسعود بن محمد بن عياش السلمي السمرقندي، تحقيق: السيد هاشم رسول المحلاتي، المكتبة العلمية الإسلامية، بدون تاريخ، طهران، إيران.
62- تفسير فرات الكوفي، أبو القاسم فرات بن إبراهيم بن فرات، (352ھ)، المحقق: محمد الكاظم، مؤسسة الطباعة والنشر، ط 2، 1416ه، طهران، إيران.
63- تقريب المعارف، أبو صلاح الحلبي، تقي بن نجم الحلبي، (447ه)، المحقق: فارس تبریزیان ،حسون، المحقق، 1417ه، بدون مكان.
64- تنبيه الخواطر ونزهة النواظر ، المالكي الأشتري، ورام بن أبي فراس، (605ه)، دار الكتب الإسلامية، ط 2 ، 1368 ه- ش (1989م)، إيران، طهران، مكتبة أهل البيت.
65- تنقيح المقال في علم الرجال العلامة المامقاني، المحقق: الشيخ محيي الدين المامقاني والشيخ محمدرضا المامقاني، مؤسسة آل البيت (علیهم السّلام) لإحياء التراث، ط1، 1434ه، قم، إيران.
66 - تهذيب الأحكام في شرح المقنعة، الشيخ الطوسي، محمد بن حسن، (466ھ)، دار الكتاب الإسلامية، ط 3، 1364ه-، طهران، إيران.
67- تهذيب التهذيب، ابن حجر العسقلاني الشافعي، شهاب الدين أبو الفضل أحمد بن علي، (852ه) ، دار الفكر، ط 1، 1404ه، بيروت، لبنان.
ص: 459
68- تهذيب الكمال في أسماء الرجال، المزّي، جمال الدين أبو الحجاج يوسف بن عبد الرحمن الدمشقي، (472ه)، المحقق: أحمد علي عبيد وحسن أحمد آغا، دار الفكر، 1414ه، بيروت، لبنان.
69 - توضيح الأفكار لمعاني تنقيح الأنظار، محمد بن إسماعيل بن صلاح بن محمد الحسني، أبو إبراهيم، (1182ه)، المحقق: أبو عبد الرحمن صلاح بن محمد بن بن عويضة، دار الكتب العلمية، ط 1، 1417ه، بيروت، لبنان، مكتبة مدرسة الفقاهة.
70- الثقات، ابن حبان، أبو حاتم محمد بن حبان بن أحمد ، (354ه)، دار الفكر للطباعة والنشر والتوزيع، ط 1، 1395ه، بيروت، لبنان.
71- جامع البيان عن تأويل آي القرآن الطبري، محمد بن جرير، (310ھ)، المحقق: صدقي جميل العطار، دار الفكر، 1415ه، بيروت، لبنان.
72 - الجامع الصحيح المعروف باسم سنن الترمذي، أبو عيسى محمد بن عيسى بن سورة، (279ه)، دار ابن الجوزي، بدون تاريخ، القاهرة، مصر.
73 - الجامع في العلل ومعرفة الرجال، أحمد بن حنبل ، (241ه)، مؤسسة الكتب الثقافية، المحقق: محمد حسام بيضون، ط 1، 1410ه، بيروت، لبنان.
74- الجامع لأحكام القرآن، القرطبي، أبو عبدالله محمد بن أحمد، (671ھ)، المحقق: عبد الحميد الهنداوي، المكتبة العصرية، 1427ه، بيروت، لبنان.
75-الجمل والنصرة لسيد العترة في حرب البصرة، الشيخ المفيد، أبو عبدالله محمد بن محمد بن النعمان، (413ه)، المحقق: سيد علي مير شريفي ، مكتب الإعلام الإسلامي، ط1، 1413ه، قم، إيران.
76 - جواهر التاريخ علي الكوراني العاملي معاصر، دار الهدى، ط 1، 1428ه.
77- جواهر المطالب في مناقب الإمام علي بن أبي طالب (علیه السّلام)، محمد بن أحمد الدمشقي، المتوفى سنة 871ه، مجمع إحياء الثقافة الإسلامية، المحقق: الشيخ محمد باقر المحمودي، ط 1، 1416ه، قم، إيران.
ص: 460
78- حلية الأولياء وطبقات الأصفياء، أبو نعيم الإصبهاني، أحمد بن عبدالله، (430ه)، دار الفكر ، 1416ه، بيروت، لبنان.
79- حياة الإمام الحسين بن علي (علیهما السّلام) القرشي ، باقر شريف، المؤسسة الإسلامية للبحوث
والمعلومات، ط 10، 1427ه-، إيران، قم.
80- الخرائج والجرائح، قطب الدين الراوندي، أبو الحسين سعيد بن هبة الله، (573ه)، مؤسسة الإمام المهدي، ط1، 1409ه-، قم، إيران.
81- الخصال، الشيخ الصدوق، محمد بن علي بن الحسين بن بابويه القمي، (381ه)، ترجمة: مدرس گیلانی، مؤسسة جاويدان للطباعة والنشر، بدون تاريخ، بدون مكان.
82- خصائص أميرالمؤمنين (علیه السّلام) النسائي، أحمد بن شعيب، (303ه)، مكتبة نينوىٰ الحديثة، المحقق: محمدهادي أميني، بدون تاريخ، طهران، إيران.
83-خلاصة الأقوال في معرفة الرجال، العلامة الحلي، أبو منصور الحسن بن يوسف بن المطهر ، (726ه)، تحقيق: الشيخ جواد القيومي، مؤسسة نشر الفقاهة، ط1، 1417ه، بدون مكان.
84- دائره معارف بزرگ اسلامي (دائرة المعارف الإسلامية الكبرى)، كاظم موسوي بجنوردی، مركز دائرة المعارف الإسلامية الكبرى، ط 1، 1367ه-ش. (1988م)، طهران إيران.
85- الدر المنثور في التفسير بالمأثور، السيوطي الشافعي، جلال الدين عبد الرحمن بن أبي بكر، (911ه)، المصحح: الشيخ نجدت نجيب، دار إحياء التراث العربي، 1421ه، بيروت، لبنان.
86-الدر النظيم في مناقب الأئمة اللهاميم، الشامي جمال الدين يوسف بن حاتم، (من أعلام ق 7 الهجري)، مؤسسة النشر الإسلامي، ط2، 1431ه، قم، إيران.
77- دلائل الإمامة، الطبري، أبو جعفر محمد بن رستم، (من أعلام ق14 الهجري) من منشورات الرضي، ط3، بدون تاريخ، قم، إيران.
ص: 461
88-الذريعة إلى تصانيف الشيعة، آغا بزرگ ،الطهراني محمد محسن، (1389ه)، مؤسسة إسماعيليان للطباعة والنشر والتوزيع، بدون تاريخ، قم، إيران.
89- ربیع الأبرار ونصوص الأخيار، الزمخشري، أبو القاسم محمود بن عمر، (538ھ)، المحقق: عبدالأمير مهنا، مؤسسة الأعلمي للمطبوعات، ط1، 1412ه، بيروت، لبنان.
90- رجال الطوسي، أبو جعفر محمد بن حسن، (460ه)، تحقيق وتعليق: السيد محمد صادق آل بحر العلوم، منشورات الرضي، ط1، 1381ه، قم، إيران.
91 - رجال النجاشي، أبو العباس أحمد بن علي، (450ه)، المحقق: السيد موسى الشبيري الزنجاني، مؤسسة النشر الإسلامي، ط6، 1418ه-، قم، إيران.
92- رجال صحيح البخاري، الكلاباذي، أحمد بن محمد، (398ه)، دار المعرفة، ط1، 1407ه-، بيروت، لبنان.
93- روح المعاني في تفسير القرآن العظيم والسبع المثاني، الآلوسي، شهاب الدين أبو الثناء السيد محمود بن عبدالله، (1270ه)، المحقق: محمد أحمد الآمد وعمر عبدالسلام السلامي، دار إحياء التراث العربي، ط 1، 1420ه-، بيروت، لبنان.
94 - رياحين الشريعة، المحلاتي ذبيح الله، دار الكتب الإسلامية، ط4، 1364ه، إيران، طهران.
95- الرياض النضرة في مناقب العشرة محب الطبري، أبو جعفر أحمد، (694ه)، دار الكتب العلمية، بدون تاريخ، بيروت، لبنان.
96- زاد المسير في علم التفسير ابن الجوزي عبد الرحمن، (597ھ)، دار الفكر، ط1، 1429ه، بيروت، لبنان.
97- سعد السعود الحسني الحسيني، رضي الدين أبو القاسم علي بن موسى بن جعفر بن محمد بن طاووس، (المتوفى سنة 664ه)، منشورات الرضي، 1363ه- ش (1984م)، قم، إيران.
98 - سفينة البحار ومدينة الحكم والآثار الشيخ عباس القمي، (1359ه)، دار الأسوة، ط1، 1414ه-، إيران.
ص: 462
99 - السقيفة وفدك، الجوهري، أحمد بن عبد العزيز، (323ه)، شركة الكتبي، المحقق: محمدهادي أميني، ط 2، 1413ه، بيروت، لبنان.
100- سلسلة الأحاديث الصحيحة وشيء من فقهها وفوائدها، الألباني، محمد ناصر الدين، (1999م)، مكتبة المعارف للنشر والتوزيع، 1415ه، رياض، السعودية.
101- سلسلة مؤلفات الشيخ المفيد (الأمالي)، الشيخ المفيد، محمد بن محمد بن النعمان ،(413ه)، تحقيق: السيد علي مير شفيعي، دار المفيد، ط 2، 1414ه، بيروت، لبنان.
102- سنن ابن ماجة، ابن ماجة القزويني، أبو عبدالله محمد بن يزيد، (275ه)، المحقق: محمد فؤاد عبد الباقي، دار الفكر، بدون تاریخ، بيروت، لبنان.
103- سنن أبي داوود، أبو داوود السجستاني، سليمان بن أشعث، (275ه)، المحقق: محمد محي الدين عبد الحميد، دار إحياء السنة النبوية، بدون تاریخ، بيروت، لبنان.
104- سنن الترمذي، محمد بن عيسى (279ه)، دار ابن الجوزي، ط1، 1432ه-، القاهرة، مصر.
105- السنن الكبرى، البيهقي، أبو بكر أحمد بن الحسين، (458ھ)، دار الفكر، ط1، 1419ه-، بيروت، لبنان.
۔ السنن الكبرى البيهقي، أحمد بن الحسين، المتوفى سنة 458ه، دار الفكر، ط1، 1419ه، بيروت، لبنان.
107 - السنن الكبرى، النسائي، أحمد بن شعيب الخراساني، المتوفى سنة 303ه، المحقق: عبد الغفار سليمان البنداري والسيد كسروي ،حسن دار الكتب العلمية، ط1، 1411ه-، بيروت، لبنان، مكتبة أهل البيت. 108 - سنن النسائي النسائي الشافعي، أبو عبدالرحمن أحمد بن شعیب، (303ھ)، المحقق: الشيخ حسن محمد المسعودي، دار إحياء التراث العربي، بدون تاريخ، بيروت، لبنان.
109- سير أعلام النبلاء، الذهبي، محمد بن أحمد، (748ه)، المحقق: شعيب الأرنؤوط، مؤسسة الرسالة، ط 11، 1417ه-، بيروت، لبنان.
ص: 463
110- السيرة الحلبية في سيرة الأمين المأمون، الحلبي الشافعي، علي بن برهان الدين، (1044ه)، توزيع: دار الباز للنشر والتوزيع مكة المكرمة، 1400ه، بيروت، لبنان.
111 - السيرة النبوية، ابن كثير، إسماعيل بن عمر ، (774ه)، المحقق: صدقي جميل العطار، دار الفكر، ط 1، 1425ه، بيروت، لبنان.
112- السيرة النبوية، ابن هشام، عبد الملك بن هشام بن أيوب، (213 أو 218ه)، المحقق: مصطفى السقا وإبراهيم الأبياري وعبدالحفيظ الشلبي، دار إحياء التراث العربي، بدون تاريخ، بيروت، لبنان.
113- شذرات الذهب في أخبار من ذهب ابن عماد عبد الحي بن عماد، (1089ه)، دار الفكر ، 1414ه، بيروت، لبنان.
114 - شرح الأخبار في فضائل الأئمة الأطهار، القاضي النعمان، النعمان بن محمد التميمي المغربي، (363ه)، المحقق: السيد محمد الحسيني الجلالي، مؤسسة النشر الإسلامي، ط1، 1409ه، قم، إيران.
115- شرح السنة، البربهاري، أبي محمد حسن بن علي بن خلف، (349ھ)، تحقيق: عبدالرحمن بن أحمد الجميزي مكتبة دار المنهاج ، ط 3، 1431ه، الرياض، السعودية.
116 - شرح معاني الآثار، الأزدي الحجري، أحمد بن محمد بن سلمة، (321ه)، تحقيق: محمد الزهري النجار، دار الكتب العلمية، ط3، 1416ه، بدون مكان.
117 - شرح منهاج الكرامة في معرفة الإمامة، الحسيني الميلاني، السيد علي، الحقائق، ط1، 1428ه، قم، إيران.
118 - شرح نهج البلاغة ابن أبي الحديد المعتزلي، أبو حامد عبد الحميد بن هبة الله ( 656ه)، المحقق: محمد أبو الفضل إبراهيم، دار إحياء الكتب العربية، ط2، 1385ه.
119- شرح نهج البلاغة، ابن ميثم، البحراني، (679ه) ، دار العالم الإسلامي، ط 2 ، 1401ه-، بيروت، لبنان.
120- الشفا بتعريف حقوق المصطفى، القاضي عياض بن موسى (المتوفى سنة 544ه)، دار الفيحاء ومكتبة الغزالي، ط 1، 1420ه، دمشق وبيروت، سوريه ولبنان.
ص: 464
121- صحيح ابن حبان، ابن حبان، أبو حاتم محمد بن حبان بن أحمد، (354ھ)، ترتيب: علي بن بليان الفارسي، دار الفكر للطباعة والنشر والتوزيع، ط1، 1417ه، بيروت، لبنان.
122- صحيح البخاري، أبو عبدالله محمد بن إسماعيل، (256ه)، المحقق: أحمد زهوة وأحمد عناية، دار الكتاب العربي، بدون تاريخ، بيروت، لبنان.
123- - صحیح مسلم مسلم بن الحجاج النيسابوري، (261ه)، المحقق: الشيخ خليل بن مأمون شيحا، دار المعرفة، ط 2 ، 1428ه-، بيروت، لبنان.
124 - الصحيح من سيرة الإمام علي (علیه السّلام) السيد جعفر مرتضى العاملي، دار الحديث، ط1، 1426ه، قم، إيران.
125 - الصحيح من سيرة النبي الأعظم (صلّی اللَّهِ علیه وَ آلِهِ وَ سَلَّمَ ) العاملي، السيد جعفر مرتضى، دار الحديث، ط1، 1426ه-، قم، إيران.
126 - الضعفاء الكبير، العقيلي، محمد بن عمرو بن موسى (المتوفى 322ه)، دار الكتب العلمية، المحقق: د. عبد المعطي أمين القلعجي، ط1، 1404ه، بيروت، لبنان.
127 - الطبقات الكبرى، ابن سعد، أبو عبدالله محمد بن سعد بن منيع البصري الزهري، (230ه)، دار صادر، ط1، بدون تاریخ، بيروت، لبنان.
128 - الطرائف في معرفة مذاهب الطوائف، السيد ابن طاووس، علي بن موسى، (664ه)، مؤسسة الأعلمي للمطبوعات، ط1، 1420ه، بيروت، لبنان.
129- عبدالله بن سبأ ودیگر افسانه های تاریخی ( عبدالله بن سبأ وأساطير تاريخية أخرى/ الأساطير التاريخية الأخرى)، العسكري، السيد مرتضى، ترجمة: السيد أحمد الفهري الزنجاني، المجمع العلمي الإسلامي، 1360ه-ش.(1981م)، إيران.
130- العبر في خبر من غبر، الذهبي، محمد بن أحمد، (748ه)، دار الكتب العلمية، المحقق: أبو هاجر محمد السعيد بسيوني زغلول، بدون تاریخ، بيروت، لبنان.
131- العقد الفريد، ابن عبدربه الأندلسي، أبو عمر أحمد بن محمد، (328ه)، دار الكتاب العربي ، ط3، 1384ه، بيروت، لبنان.
ص: 465
132- عقيدة السلف وأصحاب الحديث، الصابوني، إسماعيل بن عبد الرحمن، (449ھ)، تحقيق: ناصر عبدالرحمن بن محمد الجديع، دار العاصمة، ط2، 1419ه، السعودية، الرياض.
133- علل الشرائع، الشيخ الصدوق، محمد بن علي بن الحسين، (381ه)، منشورات مكتبة الداوري، بدون تاريخ، قم، إيران.
134- علي وبنوه، طه حسین، دار المعارف، ط 2 ، بدون تاريخ، القاهرة، مصر.
135 - عمدة القاري شرح صحيح البخاري، العيني الحنفي، بدرالدين أبو محمد بن أحمد بن موسى، (855ه)، دار إحياء التراث العربي، بدون تاريخ، بيروت، لبنان.
136- العناية شرح الهداية، محمد بن محمد بن محمود، أكمل الدين أبو عبدالله بن الشيخ شمس الدين بن الشيخ جمال.
137 - عيون أخبار الرضا، الشيخ الصدوق، أبو جعفر محمد بن علي بن حسين بن موسى بن بابويه القمي، المتوفى 381ه، مكتبة طوس، مطبعة زندگی (الحياة)، ط2، شهریور 1363ه- ش ،(1984م) ، قم ، إيران، (جزءان في مجلد واحد).
138- الغارات، الثقفي أبو إسحاق إبراهيم بن محمد، (283ه)، المحقق: السيد عبد الزهراء الحسيني الخطيب، دار الأضواء، ط 1، 1407ه، بيروت، لبنان.
139- الغدير في الكتاب والسنة ،والأدب العلامة الأميني، عبد الحسين أحمد، مركز الغدير للدراسات الإسلامية، ط1، 1416ه-، قم، إيران.
140 - الفائق في غريب الحديث، (538ه)، المحقق: علي محمد البجاوي ومحمد أبو الفضل إبراهيم، المكتبة العصرية، ط1، 1426ه، بيروت، لبنان.
141 - فتاوى السبكي، تقي الدين علي بن عبد الكافي السبكي (المتوفى سنة 756ه)، دار المعرفة، بيروت، لبنان.
142- فتاوى السبكي، على بن عبد الكافي السبكي، (756ه)، مكتبة المقدسي، 1355ه، القاهرة، مصر.
ص: 466
143- فتح الباري بشرح صحيح البخاري، ابن حجر العسقلاني الشافعي، أبو الفضل أحمد بن علي، (852ه) ، دار الريان للتراث، ط1، 1407ه، القاهرة، مصر.
144- فتح القدير، كمال الدين محمد بن عبد الواحد السيواسي المعروف بابن الهمام، (861ه)، دار الفكر بدون تاریخ، بدون مکان، مكتبة مدرسة الفقاهة.
145-الفتنة ووقعة الجمل، سيف بن عمر الضبي الأسدي، (بين 170 و193ه)، جمع وتصنيف أحمد راتب العرموش، دار النفائس للطباعة والنشر والتوزيع، ط7، 1423ه، بيروت، لبنان.
146 - الفتوح، أبو محمد أحمد بن أعثم الكوفي، (314ه)، دار الكتب العلمية، ط 1، 1406ه، بيروت، لبنان.
147 - فرائد السمطين في فضائل المرتضى والبتول والسبطين والأئمة من ذريتهم، الجويني، إبراهيم بن محمد، المتوفى سنة 730ه، دار الحبيب، المحقق: الشيخ محمد باقر المحمودي، ط1، 1428ه، قم، إيران.
148 - الفصول المختارة، الشيخ المفيد، (413 ه ) ، المحقق: السيد علي مير شريفي، دار المفيد، ط 2، 1414ه، بيروت، لبنان.
149- الفضائل، شاذان بن جبرئيل، (260ه)، تحقيق: السيد محمود الموسوي والشيخ عبدالله الصالحي، مؤسسة ولي العصر، بدون تاريخ، بدون مكان.
150- الفهرست، ابن النديم، محمد بن إسحاق، (385ه)، دار المعرفة، بدون تاريخ، بيروت، لبنان.
151- الفهرست، الشيخ الطوسي، محمد بن حسن، (460ه)، تحقيق: الشيخ جواد قيومي، مؤسسة نشر الفقاهة، ط 2 ، 1422ه، بدون مكان.
152- فيض القدير شرح الجامع الصغير، المناوي، العلّامة محمد عبد الرؤوف المناوي، (1031ه)، مكتبة مصر، ط 2، 1424ه-، مصر.
153- قاموس البحرين، المفتي، حميد، المتوفى في القرن 9ه، المحقق: علي أوجبي، ميراث مكتوب، ط 1، 1374ه- ش (1995م)، طهران، إيران.
ص: 467
154 - قاموس الرجال العلامة التستري، محمدتقي مكتب انتشارات اسلامی جامعه مدرسین حوزه علميه (المنشورات الإسلامية التابعة لجمعية مدرسي الحوزة العلمية )، ط 2 ، 1410ه، قم، إيران.
155- قرب الإسناد أبو العباس عبدالله بن جعفر الحميري، (من أعلام القرن 3ه)، تحقيق مؤسسة آل البيت (علیهم السّلام) لإحياء التراث، ط1، 1413ه، قم، إيران.
156- الكامل في التاريخ، ابن الأثير الجزري الشافعي، عزالدين أبو الحسن علي بن أبي الكرم ، (630ه)، المحقق: علي شيري، دار إحياء التراث العربي، ط 1، 1408ه، بيروت، لبنان.
157- كنز العمال في سنن الأقوال والأفعال المتقي الهندي، علاء الدين علي المتقي بن حسام الدين (975ه)، المحقق: الشيخ بكري حياني والشيخ صفوة السقا، مؤسسة الرسالة، ط 5، 1405ه، بيروت، لبنان.
158- الكافي، الكليني، محمد بن يعقوب، (328 أو 329ه)، المحقق: علي أكبر غفاري، دار الكتب الإسلامية، ط3، 1388ه، طهران، إيران.
159- الكامل في ضعفاء الرجال ابن عدي الجرجاني، أبو أحمد عبدالله بن عدي، (365ه)، المحقق: د. سهیل ،زکّار دار الفکر، ط 3، 1409ه، بيروت، لبنان.
160- الكبائر، الذهبي، محمد بن أحمد، المتوفى سنة 748ه، المحقق: حسان عبد المنان، دار الخير، ط 1، 1416ه، بيروت، لبنان.
161 - كتاب الخراج، القاضي أبو يوسف يعقوب بن إبراهيم، (182ه)، دار المعرفة، 1399ه، بيروت، لبنان.
162- كتاب الغيبة، النعماني، محمد بن إبراهيم، (360ه)، تحقيق: علي أكبر غفاري، مكتبة الصدوق، بدون تاريخ إيران، طهران.
163- كتاب الفتن، ابن حماد نعيم بن حماد بن معاوية بن الحارث الخزاعي، (229ه)، تحقيق أبي عبدالله أيمن محمد محمد عرفة، مكتبة الحيدرية، ط1، 1382ه- ش (2003م)، بدون مكان.
ص: 468
164- كتاب سُليم بن قيس الهلالي، أبو صادق سليم بن قيس، (76ھ)، المحقق: محمد باقر أنصاري، منشورات دليل ما ،(دليلنا)، ط5، 1428ه، قم، إيران.
165 - الكشاف عن حقائق غوامض التنزيل وعيون الأقاويل في وجوه التأويل، الزمخشري، محمود بن عمر، (538ه)، دار الكتب العلمية، المصحح: محمد عبد السلام شاهين، ط1، 1415ه، بيروت، لبنان.
166 - كشف الغمة في معرفة الأئمة، المحقق الأربلي، أبي الحسن علي بن عيسى، (692ھ)، تحقيق: علي آل كوثر، مركز الطباعة والنشر للمجمع العالمي لأهل البيت(علیهم السّلام) ، 1426ه، بدون مكان.
167- كفاية الأثر في النص على الأئمة الاثني عشر، الخزاز القمي، أبو القاسم علي بن محمد بن علي، (من أعلام القرن 4ه)، المحقق: السيد عبداللطيف الحسيني الكوه كمري، منشورات بيدار، 1401ه، قم، إيران.
168- كمال الدين وتمام النعمة الشيخ الصدوق، محمد بن علي بن الحسين بن بابويه القمي، (381ه)، المحقق: علي أکبر غفاري، مؤسسة النشر الإسلامي، طه، 1429ه، قم، إيران.
169- الكنى والألقاب، الشيخ عباس القمي، (1359ه)، مكتبة الصدر، طه، 1409ه، طهران، إيران.
170 - مجمع البيان في تفسير القرآن، الطبرسي، الفضل بن الحسن، (548ھ)، تحقيق: حامد الفدوي الأردستاني المكتبة المرتضوية لإحياء الآثار الجعفرية، ط1، 1431ه، طهران، إيران.
171- مجمع الزوائد ومنبع الفوائد، الهيثمي الشافعي، أبو الحسن علي بن أبي بكر، (807ه)، دار الكتب العلمية ، 1408ه، بيروت، لبنان.
172- مجموعة الفتاوى، ابن تيمية، أحمد بن عبد الحليم (728ھ)، تحقيق: عامر الجزار وأنور الباز، مؤسسة دار الوفاء، ط2، 1421ه، بدون مكان.
173 - المحاسن والمساوئ، البيهقي، إبراهيم بن محمد، (320ه)، برمجيات المكتبة الشاملة.
ص: 469
174- المحلّى، ابن حزم، أبو محمد علي بن أحمد بن سعيد بن حزم الظاهري الأندلسي القرطبي، (456ه)، تحقيق: لجنة إحياء التراث العربي، دار الآفاق الجديدة، بدون تاريخ، بيروت، لبنان.
175- مرآة العقول في شرح أخبار آل الرسول، العلّامة المجلسي، محمد باقر، (1111ه)، دار الكتب الإسلامية ، 1404ه، طهران، إيران.
176- مروج الذهب ومعادن الجوهر المسعودي، أبو الحسن علي بن الحسين الهذلي البغدادي الشافعي، (346ه)، المحقق: د. مفيد محمد قميحة، دار الكتب العلمية، ط1، بدون تاریخ، بيروت، لبنان.
177- مستدرك الوسائل ومستنبط المسائل، المحدث النوري، الميرزا حسين، (1320ه)، مؤسسة آل البيت (علیهم السّلام) لإحياء التراث، ط1، 1407ه-، قم، إيران.
178 - المستدرك على الصحيحين، الحاكم النيسابوري، أبو عبدالله محمد بن عبدالله، (405ه)، المحقق: مصطفى عبد القادر عطا، دار الكتب العلمية، ط2 ، 1422ه، بيروت، لبنان.
179- مستدركات علم رجال الحديث، الشيخ علي النمازي الشاهرودي، (1405ه)، شفق، ط 1، 1412ه، طهران، إيران.
180- المسترشد، الطبري، محمد بن جرير، (400ه)، المحقق: الشيخ أحمد محمودي، مؤسسة الثقافة الإسلامية، ط1، 1415ه، قم، إيران.
181- مسند أبي داوود الطيالسي، سليمان بن داوود بن الجارود الفارسي البصري، المتوفى سنة 204ه، دار المعرفة، بيروت، لبنان.
182- مسند أبي يعلى الموصلي، أبو يعلى أحمد بن علي بن المثنى، (307ھ)، المحقق: مصطفى عبدالقادر عطا، دار الكتب العلمية، ط 1 ، 1418ه، بيروت، لبنان.
183- مسند الشاميين، اللخمي الطبراني، أبي القاسم سليمان بن أحمد بن أيوب، (360ھ)، تحقيق: صمدي عبد المجيد السلفي، الرسالة العالمية، ط3، 1413ه، دمشق.
ص: 470
184- المسند أحمد بن محمد بن حنبل، (241ه)، دار صادر، بيروت، بدون تاریخ، بدون مكان (هكذا: م).
185 - المصنف في الأحاديث والآثار، ابن أبي شيبة، عبدالله بن محمد، المتوفى سنة 235ه، دار الفكر، المحقق: سعيد محمد اللحام، ط 1، 1409ه، بيروت، لبنان.
186 - المصنف، عبد الرزاق الصنعاني، أبو بكر عبد الرزاق بن همام الصنعاني، (211ه)، المحقق حبيب الرحمن أعظمي، منشورات المجلس العلمي، بدون تاريخ، بيروت، لبنان.
187- المعارف، ابن قتيبة الدينوري، أبو محمد عبدالله بن مسلم، (276ھ)، دار المعارف، ط 2، 1969م، القاهرة، مصر.
188 - معاني الأخبار، الشيخ الصدوق، أبو جعفر محمد بن علي بن الحسين بن بابويه القمي، (381ه)، المحقق: علي أکبر غفاري، مؤسسة النشر الإسلامي، ط4، 1418ه، قم، إيران.
189- معجم ابن الأعرابي، البصري الصوفي، أبو سعيد أحمد بن محمد بن زياد بن بشر بن درهم، (340ه)، وفق برنامج الجامع الكبير.
190- معجم الأدباء، ياقوت الحموي، (626ه)، دار إحياء التراث العربي، ط2، 1430ه، بيروت، لبنان.
191 - معجم الأمثال، الميداني النيسابوري، أبو الفضل أحمد بن محمد، تحقيق: محمد محيي الدين عبد الحميد، دار المعرفة، بدون تاريخ، بيروت، مكتبة أهل البيت.
192- المعجم الأوسط، أبو القاسم سليمان بن أحمد، (360ه)، المحقق: محمد حسن إسماعيل الشافعي، دار الكتب العلمية، ط1، 1420ه، بيروت، لبنان.
193- معجم البلدان الحموي، أبو عبدالله ياقوت بن عبدالله، (626ه)، دار إحياء التراث العربي، 1399ه ، بيروت، لبنان.
194 - المعجم الكبير، الطبراني الحنبلي، أبو القاسم سليمان بن أحمد، (360ه)، المحقق: حمدي عبدالمجيد، دار إحياء التراث العربي، ط2 ، بدون تاریخ، بدون مكان.
ص: 471
195 - معجم رجال الحديث وتفصيل طبقات الرواة، الخوئي، السيد أبو القاسم، (1413ه) منشورات مدينة العلم، قم، إيران.
196- معرفة علوم الحديث، الحاكم النيسابوري، محمد بن عبدالله، (405ه)، دار الكتب العلمية، المحقق: السيد معظم حسين، ط 2، 1397ه، بيروت، لبنان.
197 - المعرفة والتاريخ ،الفسوي، أبو يوسف يعقوب بن سفيان، (277ھ)، دار الكتب العلمية، ط 1، 1419ه، بيروت، لبنان.
198 - المعيار والموازنة ،الإسكافي، أبو جعفر ، (220ه)، تحقيق: الشيخ محمد باقر المحمودي، ط 1، 1402ه، بدون مكان مكتبة أهل البيت.
199 المغازي، الواقدي، محمد بن عمر (307ه)، المحقق: د. مارسدن جونس، عالم الكتب، ط 3، 1404ه، بيروت، لبنان.
200- مقاتل الطالبيين، أبو الفرج الإصبهاني، علي بن الحسين بن محمد، (356ھ)، المحقق: كاظم المظفر ، منشورات الرضي، ط3، 1364ه، قم، إيران.
201- الملل والنحل، الشهرستاني الشافعي، محمد بن عبد الكريم، (548ه)، المحقق: محمد بن فتح الله بدران، منشورات الشريف الرضي، ط 3، 1364 ه- ش (1985م)، قم، إيران.
202- من لا يحضره الفقيه الشيخ الصدوق، أبو جعفر محمد بن علي بن الحسين بن بابويه القمي، (381ه)، تحقيق وتعليق: السيد حسن الموسوي الخرسان، دار الكتب الإسلامية، 1390ه، طهران، إيران.
203- مناقب آل أبي طالب، ابن شهر آشوب المازندراني، أبو جعفر رشيد الدين محمد بن علي بن شهر آشوب، (588ه)، مؤسسة انتشارات علامة، قم، إيران.
204- مناقب علي بن أبي طالب وما نزل من القرآن في علي، ابن مردويه الإصبهاني، أبو بکر بن أحمد موسى (410ه)، المحقق: عبد الرزاق محمد حسين حرز الدين، دار الحديث، ط 1، 1422ه، قم، إيران.
205- مناقب علي بن أبي طالب، ابن المغازلي، علي بن محمد، (483ه)، المكتبة الإسلامية، ط 2 ، 1402ه، طهران، إيران.
ص: 472
206- المناقب، الخوارزمي، موفق بن أحمد، (568ه)، المحقق: الشيخ مالك المحمودي، انتشارات جامعه مدرسین حوزه علميه قم (منشورات جمعية مدرسي حوزة قم العلمية) ط 5، 1425ه، قم، إيران.
207- المنتظم في تاريخ الملوك والأمم ابن الجوزي، أبو الفرج عبدالرحمن بن علي، (597ه)، المحقق: د. سهيل ،زکار، دار الفکر، 1415ه، بيروت، لبنان.
208- منهاج السنة النبوية في نقض كلام الشيعة القدرية، ابن تيمية، أبو العباس تقي الدين أحمد بن عبدالحليم، (728ه)، المحقق: د. محمد رشاد سالم، دار الفضيلة، الرياض، السعودية.
209- المنهاج في شرح صحيح مسلم بن الحجاج، النووي، يحيى بن شرف، (676ه)، المكتبة العصرية ، 1428ه، بيروت، لبنان.
210- مهج الدعوات ومنهج العبادات، ابن طاووس، رضي الدين علي بن موسى بن محمد بن طاووس، مكتبة سنائي، بدون تاريخ، بدون مكان.
211- المواقف الإيجي، القاضي عضدالدين عبدالرحمن، (756ه)، المحقق: عبد الرحمن عميرة، دار الجليل، ط1 ، 1418ه، بيروت، لبنان.
212- موسوعة الإمام علي بن أبي طالب(علیه السّلام) في الكتاب والسنة والتاريخ، محمد الري شهري، دار الحديث، ط 1، 1421ه، قم، إيران.
213 - موسوعة التاريخ الإسلامي، محمد هادي اليوسفي الغروي، مجمع الفكر الإسلامي، ط 1، 1417[ه: م]، قم، إيران.
214 - موسوعة الشريف المرتضى علم الهدى، علي بن الحسين، المتوفى سنة 436ه، مؤسسة التاريخ العربي، ط1، 1433ه، بيروت، لبنان.
215 - موسوعة الشريف المرتضى (الشافي في الإمامة)، السيد المرتضى، علم الهدى علي بن الحسين، (436ه) ، مؤسسة التاريخ العربي، ط1، 1433ه-، بيروت، لبنان.
216 - موسوعة الشريف المرتضى (الكافئة في إبطال توبة الخاطئة)، السيد المرتضى، علم الهدى علي بن الحسين، (436ه)، مؤسسة التاريخ العربي، ط1، 1433ه، بيروت، لبنان.
ص: 473
217- موسوعة الشريف المرتضى (المقنعة)، علم الهدى علي بن الحسين، (436ھ)، مؤسسة التاريخ العربي، ط1، 1433ه، بيروت، لبنان.
218 - موسوعة سيرة أهل البيت (علیهم السّلام) الشريف القرشي، باقر ، المحقق: مهدي باقر القرشي
دار المعروف، ط1، 1430ه-، قم، إيران.
219 - موسوعة عبدالله بن عباس الموسوي الخرسان السيد محمد مهدي السيد حسن، (توفاه الله في 1 الأول 1445 ) مركز الأبحاث العقائدية، ط1، 1428ه، النجف ربيع الأشرف، العراق.
220- ميزان الاعتدال في نقد الرجال الذهبي، شمس الدين أبو عبدالله محمد بن أحمد، (748ه)، المحقق: علي محمد البجاوي، دار الفكر، بيروت، لبنان.
221- ناگفته هایی از سقیفه (خبايا السقيفة)، الطبسي، نجم الدين، دليل ما (دليلنا)، ط 1، 1395 ه- ش (2016م)، قم، إيران.
222- النص والاجتهاد، السيد شرف الدين عبدالحسين شرف الدين الموسوي، (1377ه)، :المحقق: أبو مجتبى، مطبعة سيد الشهداء، ط1، 1404ه، قم، إيران.
223 - نقد الرجال، التفرشي السيد مصطفى بن حسين (1015ه)، المحقق: مؤسسة آل البيت (علیهم السّلام) لإحياء التراث، ط1، 1418ه-، قم، إيران.
224 - النهاية في غريب الحديث والأثر، ابن الأثير الجزري، أبو السعادات مبارك بن محمد، (606ه)، تحقيق: طاهر أحمد الزاوي ومحمود محمد الطناجي، مؤسسة إسماعيليان للمطبوعات، ط 4 ، 1364 ه- ش (1985م)، قم، إيران.
225- الهداية في شرح بداية المبتدي، علي بن أبي بكر بن عبد الجليل الفرغاني المرغيناني، أبو الحسن برهان الدين (593ه)، المحقق: طلال يوسف، دار إحياء التراث العربي، بدون تاريخ، بيروت، لبنان.
226- هدية العارفين أسماء المؤلفين وآثار المصنفين من كشف الظنون، إسماعيل باشا البغدادي، (1339ه) ، دار الفكر، 1402ه، بيروت، لبنان.
ص: 474
227- وسائل الشيعة، الحر العاملي، محمد بن الحسن (1104ه)، مؤسسة آل البيت(علیهم السّلام) لإحياء التراث، ط2، 1414ه، قم، إيران.
228- وفيات الأعيان وأنباء أبناء الزمان، ابن خلكان أحمد بن محمد، (681ه)، دار صادر، المحقق: إحسان عباس، 1398ه.
229- وقعة الجمل الحسيني المدني، ضامن بن شدقم، (1033ھ)، تحقيق: السيد تحسين آل شبيب الموسوي، المحقق، 1420ه، بدون مكان مكتبة أهل البيت.
230- وقعة صفين، نصر بن مزاحم، المنقري، (212ه)، المحقق: عبد السلام محمد هارون، مكتبة آية الله المرعشي النجفي، ط 2 ، 1382ه- ش (2003م)، قم، إيران.
231- مائة وخمسون صحابياً مختلقاً، العسكري السيد المرتضى، نشر كوكب، 1361ه-ش (1980م)، طهران، إيران.
«وَتَمَّتْ كَلِمَتُ رَبِّكَ صِدْقًا وَعَدْلًا لَا مُبَدِّلَ لِكَلِمَاتِهِ وَهُوَ السَّمِيعُ الْعَلِيمُ » «وَالْحَمْدُ لِلَّهِ رَبِّ الْعَالَمِينَ ».
نجم الدين الطبسي
الاثنين 8 ذي الحجة الحرام 1444ه
(27 حزيران 2023 )
ص: 475
ص: 476
الفصل التاسع: الجمل الكبرى
بداية الحرب... 8
موقع حرب الجمل...10
فترة الحرب...11
تنظيم الجيش من قبل أميرالمؤمنين (علیه السّلام)...13
مرافقة كعب بن سور...15
استعداد أصحاب الفتنة للحرب...16
خطبة عبدالله بن الزبير...18
خطبة الإمام الحسن (علیه السّلام) رداً على خطبة ابن الزبير...19
خطبة طلحة بن عبيدالله...20
تحليل خطبة طلحة ونقدها...20
خروج رجلين من جيش الفتنة....26
خطبة أميرالمؤمنين الثانية قبل اندلاع القتال...29
الاستعدادات العسكرية النهائية من قبل الإمام (علیه السّلام)...30
اعتراض الناس على تأخير الشروع بالقتال...44
حضور عائشة في ساحة القتال...46
صفة هودج عائشة....46
دور عائشة في حرب الجمل...48
صفة لامة حرب الإمام علي (علیه السّلام)...51
بانتظار نزول الملائكة...52
عناية أميرالمؤمنين (علیه السّلام) بالحسنين...53
ص: 477
هداية في اللحظات الأخيرة...55
مشاهد من حرب الجمل ...57
كيف رأيت أبا الحسن؟...59
استشهاد زيد بن صوحان وجماعة من أصحاب الإمام ....60
دور عمار بن ياسر في حرب الجمل...63
أراجيز حرب الجمل...69
عائشة تحثو أصحاب علي (علیه السّلام) بالتراب...72
المشاركة العائلية في الحرب...73
مبارزة بين مالك الأشتر وعبدالله بن الزبير...75
دور عبدالله بن الزبير في حرب الجمل..79
الاعتراض على عائشة ...81
الاعتراف بكون أميرالمؤمنين (علیه السّلام) وصياً ...83
هل كان قتلة عثمان في جيش الجمل أم في جيش الإمام علي (علیه السّلام)؟...87
التعريف بالإمام المهدي في ساحة القتال...89
بطولات الإمام علي (علیه السّلام) في حرب الجمل...91
مصير الزبير بن العوام...97
سبب مصير قاتل الزبير إلى جهنم...106
فرار الزبير من ساحة القتال...112
مصير طلحة....115
مقتل كعب بن سور....119
مقتل عبدالله بن خلف...119
دور بني ضبة وبني عدي في حرب الجمل...121
وقائع أطراف جمل عائشة...122
تحريض عائشة على مواصلة القتل والقتال...124
ص: 478
سقوط هودج عائشة ونهاية الحرب...127
خلع عائشة من مقام "أم المؤمنين"...128
عدد مقاتلي جيش الإمام (علیه السّلام)...129
عدد الصحابة في جيش الإمام علي (علیه السّلام)...131
عدد مقاتلي جيش عائشة...132
عدد قتلى حرب الجمل...132
الفصل العاشر: حوادث ما بعد حرب الجمل
حديث الإمام علي (علیه السّلام) وأصحابه مع عائشة..139
وقفة عند سبّ عائشة لعلي (علیه السّلام)...145
توبیخ محمد بن أبي بكر لعائشة...150
ندم ابن الواشمة والتحاقه بالإمام علي (علیه السّلام)...151
ندم أصحاب الجمل وقصة الرجل مصطلَم الأذن...151
صدور العفو العام والصفح عن البصريين...152
كلام مع قتلى الجمل...156
دفن الأجساد...163
خطب الإمام علي (علیه السّلام) بعد هزيمة الناكثين...165
أخبرنا عن الفتنة يا أميرالمؤمنين!...169
تقسيم الإمام (علیه السّلام)بيت مال البصرة...171
رسائل الإمام علي(علیه السّلام) بعد النصر...174
رد فعل زوجة عبدالله بن خلف على أميرالمؤمنين (علیه السّلام)...177
اعتراف مروان بالظلم...180
إقامة أول صلاة جمعة بعد حرب الجمل...182
مناظرة عبدالله بن عباس لعائشة...183
تجريد عائشة من شرف "أم المؤمنين"...189
ص: 479
تقريع أهل المدينة عائشة...193
جذور بغض عائشة لعلي(علیه السّلام) وعداوتها له...195
ذرائع عائشة وتبريراتها المضحكة لإشعال الحرب...197
آثار حرب الجمل...199
الفصل الحادي عشر: حقانية أميرالمؤمنين (علیه السّلام) في حرب الجمل
رؤية كبار أهل السنة...205
أمر النبي بقتال الناكثين...221
نقض البيعة من وجهة نظر أهل السنة...227
الفصل الثاني عشر: التعريف بقادة الناكثين
من هي عائشة؟...235
إيذاؤها للنبي وزوجاته...237
تحالف عائشة وحفصة ضد رسول الله(صلّی اللَّهِ علیه وَ آلِهِ وَ سَلَّمَ )...240
حسد عائشة!...242
حسد عائشة للسيدة خديجة....243
حسدها لأم سلمة...244
حسدها لمارية...245
حسدها لأسماء بنت النعمان الجونية...246
تكسير الأواني من قبل عائشة...247
ملاحقتها للنبي (صلّی اللَّهِ علیه وَ آلِهِ وَ سَلَّمَ )...248
عداوة عائشة للإمام علي (علیه السّلام)...249
عداوة عائشة لأبناء الإمام علي (علیه السّلام)...252
علاقة عائشة بالدولة الأموية...253
من هو الزبير بن العوّام؟...256
سيرة الزبير في زمن النبي(صلّی اللَّهِ علیه وَ آلِهِ وَ سَلَّمَ )...257
ص: 480
الزبير في زمن أبي بكر...258
الزبير في زمن عمر بن الخطاب...262
الزبير في زمن عثمان...263
العوامل الداخلية...266
ثروة الزبير بن العوّام...267
الزبير بن العوّام في نظر علماء الشيعة...268
كان منا أهل البيت حتى...278
من هو طلحة بن عبيدالله؟...280
طلحة في عهد الخليفة الأول...285
اعتراض طلحة على تعيين عمر بن الخطاب...289
طلحة في عهد الخليفة الثاني...291
طلحة في نظر الخليفة الثاني...294
طلحة في عهد الخليفة الثالث...294
طلحة في عهد الإمام علي(علیه السّلام)...298
أموال طلحة....302
طلحة في عيون الشيعة...304
مناظرة بين ابن علي (علیه السّلام) وابن طلحة...314
من هو مروان؟...315
كيف هلك مروان؟...320
مواقف مروان من رسول الله(صلّی اللَّهِ علیه وَ آلِهِ وَ سَلَّمَ ) ...320
لعن النبي (صلّی اللَّهِ علیه وَ آلِهِ وَ سَلَّمَ ) مروان...323
مواقف أهل البيت (علیهم السّلام) من مروان وآل مروان...325
بغض مروان لأهل البیت و عداؤه لهم (علیهم السّلام)...326
من هو عبدالله بن الزبير؟ ...333
ص: 481
ويلٌ للناس منك!...334
خصائص عبدالله بن الزبير الأخلاقية...335
بخل عبدالله بن الزبير ...336
حب عبدالله بن الزبير الرئاسة...336
حب عبدالله بن الزبير للدنيا...338
مواقف عبدالله بن الزبير من أهل البيت (علیهم السّلام)...339
من هو عبدالله بن عامر؟ ...345
عبدالله بن عامر في عهد الإمام علي (علیه السّلام)...347
عبدالله بن عامر في زمن معاوية...349
من هو يعلى بن أمية؟...351
يعلى بن أمية في عهد الخلفاء...352
يعلى بن أمية في عهد أميرالمؤمنين (علیه السّلام)...353
الفصل الثالث عشر: تعريف بأنصار أميرالمؤمنين(علیه السّلام)
من هو زيد بن صوحان؟...361
زید بن صوحان في زمن الخلفاء...362
زيد بن صوحان في عهد أميرالمؤمنين(علیه السّلام) ...363
من هو عثمان بن حنيف؟...365
من هي السيدة أم سلمة؟...367
خصائص السيدة أم سلمة...369
وقفة تأمل! ...387
من هو عمار بن ياسر؟...388
إسلام عمار بن ياسر ...389
معاداة عمار معاداةٌ لله ...391
عمار تقتله الفئة الباغية...392
ص: 482
عمار مع الحق...393
عمار من أهل الجنة...394
عمار يدعو إلى الجنة....395
مُلئ عمارٌ إيماناً ...396
الجنة تشتاق لعمار...396
قاتل عمار في النار...397
عمار بعد النبي الأكرم (صلّی اللَّهِ علیه وَ آلِهِ وَ سَلَّمَ )...398
عمار بن ياسر في عهد أميرالمؤمنين(علیه السّلام)...403
عمار أفضل رفيق وأخ لعلي (علیه السّلام)...411
من هو عبدالله بن عباس؟...412
علاقة عبدالله بن عباس بأميرالمؤمنين (علیه السّلام)...415
حب عبدالله بن عباس لأهل البیت(علیهم السّلام) و دفاعه عنهم ...417
عبدالله بن عباس وتهمة اختلاس بيت مال البصرة...420
اللحظات الأخيرة من حياة عبدالله بن عباس...423
من هو مالك الأشتر؟...423
مالك الأشتر في زمن الخلفاء...426
مالك الأشتر في عهد علي (علیه السّلام)...428
فضائل مالك الأشتر ومناقبه...432
من هو محمد بن أبي بكر؟...438
محمد بن أبي بكر في زمن الخلفا...438
محمد بن أبي بكر في عهد الإمام علي (علیه السّلام)...441
فضائل محمد بن أبي بكر ومناقبه...443
استشهاد محمد بن أبي بكر...447
مظلومية محمد بن أبي بكر...449
ص: 483
فهرس المصادر...453
الفهرس...477
ص: 484