حرب الجمل المجلد 1

هوية الكتاب

حرب الجمل

الجذور .. التداعيات .. الشبهات

نجم الدين الطبسي

الترجمة والتدقيق:

كاظم الخاقاني وأحمد كاظم سلمان

الجزء الأول

الطبعة الأولى كربلاء، العراق: العتبة الحسينية المقدسة قسم الشؤون الدينية، 2023 / 1444 للهجرة.

2 مجلد؛ 24 سم. (العتبة الحسينية المقدسة ؛ 1274) ، ( قسم الشؤون الدينية؛) يتضمن ارجاعات ببليوجرافية.

1. علي بن أبي طالب (عليه السلام) الامام الاول، 23 قبل الهجرة- 40 للهجرة - معركة الجمل، 36 للهجرة. 2. معركة الجمل، 36 للهجرة. .3 . التاريخ الإسلامي --عصر صدر الإسلام، 610-661. 4. المعارك الحربية الإسلامية - عصر صدر الإسلام، 610-661.

أ. العنوان.

DS38.1.T337 2023

تمت الفهرسة قبل النشر في شعبة نظم المعلومات التابعة لقسم الشؤون الفكرية والثقافية في العتبة

الحسينية المقدسة.

التصميم والاخراج الفني محمد صاحب المعمار

محرر الرقمي: صديقة حسني

ص: 1

اشارة

الطبسي نجم الدين، 1355 للهجرة - مؤلف.

حرب الجمل / نجم الدين الطبسي -

الطبعة الاولى كربلاء، العراق: العتبة الحسينية المقدسة قسم الشؤون الدينية، 2023 / 1444 للهجرة.

2 مجلد ؛ 24 سم. (العتبة الحسينية المقدسة ؛ 1274 ) ، ( قسم الشؤون الدينية؛) يتضمن ارجاعات ببليوجرافية.

1.علي بن أبي طالب (عليه السلام) الامام الاول، 23 قبل الهجرة - 40- للهجرة --

معركة الجمل، 36 للهجرة. 2. معركة الجمل، 36 للهجرة. 3. التاريخ الإسلامي -- عصر

صدر الإسلام، 610-661. 4. المعارك الحربية الإسلامية - عصر صدر الإسلام، 610-661.

أ. العنوان.

DS38.1.T337 2023

تمت الفهرسة قبل النشر في شعبة نظم المعلومات التابعة لقسم الشؤون الفكرية والثقافية في العتبة الحسينية المقدسة.

التصميم والاخراج الفني، محمد صاحب المعمار

ص: 2

بِسْمِ اللَّهِ الرَّحْمَنِ الرَّحِيمِ

ص: 3

ص: 4

مقدمة المؤلف

بسم الله الرحمن الرحيم

الحمد لله رب العالمين والصلاة والسلام على خير خلقه

وأفضل بريته محمد بن عبد الله وعلى أهل بيته الطاهرين عليهم السلام سيّما الإمام الحجة بن الحسن المهدي روحي وأرواح العالمين له الفداء.

من الحوادث المهمة التي شهدها النصف الأول من القرن الهجري الأول حرب الجمل التي فُرضت على أمير المؤمنين علیه السلام في فترة حكمه. وكان لهذه الحرب تداعيات سيئة وتكاليف باهظة أثقلت كاهل الدولة الإسلامية والأمة الإسلامية وكبدّت المجتمع الإسلامي خسائر فادحة. من ذلك ما تجرأ على القيام به معاوية وآخرون من معارضة علنية وتمرد صريح على خليفة المسلمين، وخروج على السلطة وتعمق الخلافات والانقسامات السياسية والاجتماعية والعقائدية بين المسلمين، بل وبين أفراد الأسرة الواحدة. الأمر الذي أنتج اضطراباً سياسياً وتمزقاً للنسيج الاجتماعي وانحساراً للتوسع السياسي والثقافي للإسلام.

بالنظر إلى الروايات المستفيضة أو المتواترة الواردة عن نبي الإسلام صلی الله علیه و آله وسلم بحق أمير المؤمنين علي بن أبي طالب علیه السلام من قبيل (عليُ مع الحق والحقُّ مع

ص: 5

عليّ يدور حيثما دار ) و ( من أطاعك فقد أطاعني ومن عصاك فقد عصاني)(1) التي تؤيد بشكل قاطع صحة كل ما يصدر عنه علیه السلام، لا ينبغي قياس أفعاله علیه السلام على الحق، بل يجب اتخاذ أفعاله ميزاناً للحق. وفي هذا يقول المتكلم السني المعروف أبوالقاسم البلخي "لو نازع ( عليُ ) عقيب وفاة رسول صلی الله علیه و آله وسلم وسلسيفه لحكمنا بهلاك كل من خالفه وتقدم عليه كما حكمنا بهلاك من نازعه حين أظهر نفسه ولكنه مالك الأمر وصاحب الخلافة إذا طلبها وجب علينا القولُ بتفسيق من ينازعه فيها وإذا أمسك عنها وجب علينا القول بعدالة من أغضى له عليها وحُكمُه في ذلك حكم رسول الله صلی الله علیه وآله وسلم ، ولأنه قد ثبت عنه في الأخبار الصحيحة أنه قال: علىُ مع الحق والحق مع علي يدور حيثما دار(2)»

أما عن الحروب التي خاضها أمير المؤمنين علیه السلام فقد وصلنا الكثير من الروايات عن رسول الله صلی الله علیه وآله وسلم و عن طريق صحابته تفيد بأن النبي أمرالمؤمنين علیه السلام بأن يقاتل ثلاث فرق منحرفة هي "الناكثة" و"القاسطة"

و"المارقة".

يقول أبو أيوب الأنصاري، حسب ما يرويه الطبراني وابن عساكر وابن كثير الدمشقي: إن رسول الله صلی الله علیه و آله وسلم أمرني بقتال ثلاثة؛ الناكثين والقاسطين

ص: 6


1- المستدرك على الصحيحين، ج3، ص131، كتاب معرفة الصحابة، ومن مناقب أمير المؤمنين علي بن أبي طالب مما لم يخرجاه، الحديث 4617 وص139، الحديث 4641؛ تاريخ دمشق الكبير، ج 45، ص 233، ترجمة الإمام علي علیه السلام ، الرقم 5029.
2- وقد صرح شيخنا أبوالقاسم البلخي رحمة الله تعالى بهذا وصرح به تلامذته وقالوا: لو نازع... حیثما دار". شرح نهج البلاغة، ج 2، ص 297 ، الأخبار الواردة عن معرفة الإمام علي بالأمور الغيبية، ذيل الخطبة 37 .

والمارقين، فقد قاتلت الناكثين وقاتلت القاسطين وأنا مقاتل إن شاء الله المارقين (1).

ويقول أبوسعيد الخدري، حسب ما يرويه ابن عساكر الدمشقي وابن الأثير الجزري وابن كثير الدمشقي:

أمرنا رسولُ الله صلی الله علیه و آله وسلم بقتال الناكثين والقاسطين والمارقين، فقلنا: يا رسول الله صلی الله علیه و آله وسلم أمرتنا بقتال هؤلاء، فمع من؟ فقال: مع علي بن أبي طالب، معه يقتل عمار بن ياسر (2).

يتبين من الروايات التي ذكرناها أن حروب أمير المؤمنين علیه السلام ، لیس أنها لم تكن اجتهاداً شخصياً منه فحسب، بل كانت بأمر رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم وأن هناك الكثير من الروايات المروية عن الصحابة يؤيد هذه المسألة تأييداً صريحاً. وهذا ما سنتناوله بالتفصيل في الفصل الحادي عشر من الكتاب. وهو ما ينقل العلامة الأميني وثائقه وأسانيده (3) ويكشف عن أن دعاوى

ص: 7


1- المعجم الكبير، ج 4، ص 172 ، محنف بن سليم عن أبي أيوب الحديث 4049؛ تاريخ دمشق الكبير، ج 45، ص 362، ترجمة علي بن أبي طالب، الرقم 5029؛ البداية والنهاية، ج 7، ص318، حوادث سنة 39 هجرية، حديث أبي أيوب في ذلك.
2- "عن أبي سعيد الخدري قال: أمرنا ... ياسر". تاريخ دمشق، ج 45، ص361، ترجمة علي بن أبي طالب علیه السلام الرقم 5029؛ أسد الغابة في معرفة الصحابة، ج 4، ص108 ، ترجمة علي بن أبي طالب ، الرقم 3789؛ البداية والنهاية، ج 7، ص 317، حوادث سنة 37 هجرية، حديث أبي سعيد في ذلك.
3- الغدير في الكتاب والسنة والأدب، ج3، ص 375.

پالنواصب من أمثال ابن تيمية صادرة عن عصبيتهم (1) والعمى الذي أصابهم جراء عدائهم لأهل البيت علیهم السلام وأبعدهم عن جادة الصواب.

ولعل ما يثير العجب أن أشخاصاً، أمثال عائشة وطلحة والزبير، سمعوا بآذانهم هذه الأحاديث من رسول الله صلی الله علیه و آله وسلم ثم تجرأوا عليه وعليها وتولوا زمام قيادة جيش الفتنة ومضوا يحاربون الله ورسوله. في حين أن النبي صلى الله عليه وآله و سلم كان قد حذّر زوجاته قائلاً لهن:

ليت شعري أيتكنّ صاحبة الجمل الأدبب تنبحها كلاب الحوأب، يقتل عن يمينها وشمالها قتلى كثيرة كلهم في النار (2).

وفي رواية أخرى يقول النبيّ صلی الله علیه و اله وسلم لعائشة : يا حميراء! كأني بك تنبحك كلاب الحوأب، تقاتلين علياً وأنتِ له ظالمة (3).

ص: 8


1- "لم يرو علي في قتال الجمل وصفين شيئاً كما رواه في قتال الخوارج، بل روى الأحاديث الصحيحة هو وغيره من الصحابة في قتال الخوارج المارقين. وأما قتال الجمل وصفين فلم يرو أحد منهم فيه نصاً إلا القاعدون فإنهم رووا الأحاديث في ترك قتال الفتنة. وأما الحديث الذي أنه أمر بقتال الناكثين والقاسطين فهو حديث موضوع على النبي". منهاج السنة النبوية، ج3، ص143 و 584 و715.
2- عن ابن عباس أن رسول الله صلی الله علیه و آله وسلم قال يوماً لنسائه وهنّ عنده جميعاً: ليت شعري ...... النار". "وهذا ما رواه البزاز ورجاله ثقات. البداية والنهاية، ج 6، ص 218، حوادث سنة 11 هجرية، ذكر إخباره صلی الله علیه و آله وسلم عن الفتن الواقعة في آخر أيام عثمان وخلافة علي علیه السلام؛ فتح الباري بشرح صحيح البخاري ج13، ص 59، كتاب الفتن الباب ،18 ذيل الحديث 7099؛ شرح نهج البلاغة، ج 9، ص310، ذكر يوم الجمل ومسير عائشة إلى القتال، ذيل الخطبة 173.
3- "وقد كان النبي صلی الله علیه وآله وسلم قال لها : يا حميراء! قال لها: يا حميراء! .... ظالمة". العقد الفريد، ج4، ص332، كتاب العسجدة الثانية في الخلفاء وتواريخهم وأخبارهم، قولهم في أصحاب الجمل.

تقول أم سلمة وهي إحدى أزواج النبي ذكر النبي صلى الله عليه وآله وسلم خروج بعض أمهات المؤمنين، فضحكت عائشة، فقال: انظري يا حميراء أن لا تكوني أنت.

ثم التفت إلى علي فقال: إن وليت من أمرها شيئاً فارفق بها (1).

وينقل ابن عبدالبر القرطبي وابن كثير الدمشقي أن النبي صلی الله علیه و آله وسلم حذّرالزبير كذلك من مواجهة أمير المؤمنين علیه السلام وقتاله ظالماً له(2).

وتفيد بعض الروايات بأن عائشة لما وقعت لها حادثة الحوأب تذكرت حدیث رسول الله صلى الله عليه وآله و سلم فانتابها شك في صحة مسيرها وعزمت على العودة إلى مكة غير أن الزبير منعها من ذلك وشجعها على مواصلة السير في الطريق الخاطئ والتوغل في مستنقع الضلال والإفساد في بلاد المسلمين(3).

ص: 9


1- عن أم سلمة قالت: ذكر .... بها". المستدرك على الصحيحين، ج3، ص149، کتاب معرفة الصحابة، ذكر إسلام أمير المؤمنين علي، الحديث 4610؛ البداية والنهاية، ج6، ص 218، ذكر إخباره صلی الله علیه و آله وسلم عن الفتن الواقعة في آخر أيام عثمان وخلافة علي علیه السلام.
2- "ذكرني علي حديثاً سمعته من رسول الله صلی الله علیه و آله وسلم وهو يقول: لتقاتلنه وأنت ظالم له". البداية والنهاية، ج 6، ص 219 ، ذكر إخباره عن الفتن الواقعة في آخر أيام عثمان وخلافة علي علیه السلام؛ الاستيعاب في معرفة الأصحاب، ج2، ص 92 ، باب الزبير، ترجمة الزبير بن العوام، الرقم 811.
3- "لما بلغت عائشة بعض ديار بنی عامر نبحت عليها الكلاب فقالت أي ماء هذا؟ قالوا: الحوأب. قالت: ما أظنني إلّا راجعة. فقال الزبير : لا بعد تقدمي ويراك الناس ويصلح الله ذات بينهم. قالت: ما أظنني إلاّ راجعة، سمعت رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم يقول: كيف بإحداكن إذا نبحتها كلاب الحوأب". المستدرك على الصحيحين، ج3، ص 120 ، كتاب معرفة الصحابة، ذكر إسلام أمير المؤمنين علیه السلام،الحديث 4671 .

تكشف هذه الروايات عن أن جميع المسلمين كانوا يعتقدون بحقانية أمير المؤمنينعلیه السلام وضلال عائشة وطلحة والزبير ومعاوية وظلمهم له في حروب الجمل وصفين ولم يكن أحد منهم يشك في ذلك.

يقول عبدالقاهر الجرجاني الأشعري عن نظرة العلماء والفقهاء المسلمين لحروب أمير المؤمنين علیه السلام:

وأجمع فقهاء الحجاز والعراق من فريقي الحديث والرأي منهم مالك والشافعي وأبوحنيفة والأوزاعي والجمهور الأعظم من المتكلمين إلى أن علياً مصيب في قتاله لأهل صفين. كما قالوا بإصابته في قتل أصحاب الجمل. وقالوا أيضاً بأن الذين قاتلوه بغاة ظالمون له (1).

أما القرطبي المالكي (المتوفى سنة 671ه-) وهو من علماء أهل السنة ومفسريهم فيقول:

فتقرر عند علماء المسلمين وثبت بدليل الدين (القرآني والروائي) أن علياً كان إماماً وأن كل من خرج عليه ( في حروب الجمل وصفين والنهروان) باغ(2).

وينقل الجويني الشافعي (المتوفى سنة 730ه-) حديث النبي (ويح عمار تقتله الفئة الباغية) ثم يعرض نظره ونظر مشايخه لمخالفي أمير المؤمنين علیه السلام

ص: 10


1- فيض القدير شرح الجامع الصغير، ج 6، ص 477، ذيل حديث ويح عمار تقتله الفئة الباغية، الرقم 9640؛ التذكرة في أحوال الموتى وأمور الآخرة، ص 484، باب ما جاء أن عثمان لما قتل سل سيف الفتنة.
2- الجامع لأحكام القرآن، ج 8، ص 449 ، ذيل الآية 9 من سورة الحجرات.

بقوله: فنشهد أن كل من نازع أمير المؤمنين علي بن أبي طالب في خلافته فهو باغ. على هذا عهدت مشايخنا (1).

ويقول أبومنصور البغدادي الشافعي (المتوفى سنة 429ه-): أجمعوا أن علياً مصيب في قتاله أهل الجمل طلحة والزبير وعائشة بالبصرة وأهل صفين معاوية وعسكره (2).

كذلك يقول ابن حجر العسقلاني الشافعي (المتوفى سنة 852ه-) وبدرالدين العيني الحنفي (المتوفى سنة 855ه-) في شرح "ويح عمار تقتله الفئة الباغية":

وفي هذا الحديث علم من أعلام النبوة وفضيلة ظاهرة لعلى ولعمار وردّ على النواصب الزاعمين أن علياً لم يكن مصيباً في حروبه(3).

ويبدو أن هذه الروايات والنكات هي التي دفعت ابن أبي الحديد (المتوفى سنة 656ه-) إلى الاعتقاد بعدم إصابة عائشة في تعاملها مع أمير المؤمنين علیه السلام وإلى إدانتها على موقفها بعد الإشادة بمعاملة أمير المؤمنين علیه السلام النبيلة لها بعد الانتصار عليها في حرب الجمل، وذلك بقوله:

ص: 11


1- فرائد السمطين في فضائل المرتضى والبتول والسبطين والأئمة من ذريتهم، ج1، ص287 - 288، الباب الرابع والخمسون، ذيل الحديث 227.
2- الفرق بين الفرق، ص 272؛ فيض القدير شرح الجامع الصغير، ج 6 ، ص 477، ذيل حديث ويح عمار تقتله الفئة الباغية، الرقم 9640.
3- فتح الباري بشرح صحيح البخاري، ج1، ص 646، كتاب الصلاة، باب التعاون في بناء المسجد، الحديث 447 .

على أن أمير المؤمنين علیه السلام أكرمها وصانها وعظم من شأنها. ومن أحبّ أن يقف على ما فعله معها فليطالع كتب السيرة. ولو كانت فعلت بعمر ما فعلت به وشقت عصا الأمة عليه ثم ظفر بها لقتلها ومزقها إربا إرباً. ولكن علياً كان حليماً كريماً (1).

بالنظر لهذه الروايات والآراء المنقولة عن علماء أهل السنة حول حقانية أمير المؤمنين علیه السلام في حروب الجمل وصفين والنهروان، فإن كل ما نتج عن تلك الحروب من آلاف القتلى والجرحى من المسلمين وما خلفته من آلاف الأرامل واليتامى وفاقدي المعيل الذين عشش في صدورهم بغض أمير المؤمنين علیه السلام ،وعداوته، ولازالت آثارها تتداعى عبر ظهور تيارات تخريبية مثل داعش التي يعاني من فسادها المدمر الشيعة والسنة، لاشك في أنه من مخرجاتها وأن مسؤوليتها تقع في عنق عائشة وطلحة والزبير ومعاوية الذين أضلوا الناس وتزعموا الفتن والاضطرابات.

نحن نعتقد أن الأوضاع السيئة التي يمر بها المسلمون وتعرض أمنهم الحياتي والمالي للخطر، وما يعانونه من تجاوزات على أيدي المتسترين برداء الإسلام، إنما هي من الهزات الارتدادية ومن تداعيات حروب الجمل وصفين والنهروان. وأن على عائشة وطلحة والزبير ومعاوية الذين تسببوا في وقوع تلك الحروب وفرضوها على أمير المؤمنين علیه السلام وعلى المسلمين أن يتحملوا مسؤوليتها ويتقبلوا عواقبها في الدنيا والآخرة.

ص: 12


1- شرح نهج البلاغة، ج 17 ، ص 254 ، كتاب معاوية إلى علي، ذيل الرسالة 64.

أما محاولة تبرير أفعالهم بالاجتهاد من خلال التشبث بالروايات الموضوعة، فما هي إلّا اجتهاد مقابل النص. ولا يؤدي حجب الوقائع وقلب الحقائق إلى منع فهم الحقيقة بل إلى عزوف الأجيال الجديدة عن الإسلام المحمدي. إن الإنصاف والعقيدة يوجبان علينا أن لا نقصّر في إظهار الحقائق لطالبيها. ولا شك أن الجيل الجديد، إذا أدرك حقيقة حروب الجمل وصفين والنهروان وعرف مسببيها ومشعليها، سيبغضهم ويتبرأ منهم ويهتدي إلى جادة الصواب.

وعلى الكتّاب المنصفين المحايدين أن ينقلوا الوقائع على حقيقتها ويتجنبوا الأساليب الانفعالية وخيانة الحقيقة كما فعل الذهبي الذي انتهج إخفاء الحقائق وما شجر بين الصحابة ودافع عن منهجه(1) مبرراً إياه بمناصرة الصحابة مدعياً نية تأليف قلوب المسلمين حولهم.

وا عجباً الصحابة يشهرون سيوفهم في وجوه بعضهم ويسفك بعضهم دم بعض، ويأتي أمثال الذهبي ليؤلفوا قلوب المسلمين حولهم ويغسلوها من بغضهم. إن هذا حقاً لهو التلاعب في الحقائق والتزوير للتاريخ والقلب للوقائع وجعل البريء جانياً والجاني بريئاً ووضع المسلمين في متاهة والتضحية بمصالح الإسلام والمسلمين فداءً لبعض الأفراد.

ص: 13


1- كما تقرر عن الكف عن كثير مما شجر بين الصحابة وقتالهم... وهذا فيما بين أيدينا وبين علمائنا مما فينبغي طيه وإخفاؤه بل إعدامه لتصفو القلوب وتتوفر على حلّ الصحابة". سير أعلام البلاء، ج10، ص92، ترجمة محمد بن إدريس الشافعي، الرقم 1.

أما واقعة الجمل فيمكن اعتبارها من أهم ما وقع في صدر الإسلام بعد وفاة النبي صلی الله علیه وآله وسلم وأشدها تأثيراً من حيث اتساع أبعادها وضخامة عدد قتلاها وما شهدته من تمرد لبعض الصحابة المعروفين والمتنفذين أمثال عائشة وطلحة والزبير على حكم إمام المتقين علیه السلام. وهذا ما جعلها تحظى باهتمام خاص من قبل المؤرخين منذ وقوعها إلى اليوم حتى قامت عليها أبحاث ودراسات وألف عليها الكثير من الكتب عكست رؤى مختلفة. ويمكن تقسيم هذه المؤلفات على قسمين.

أ - المصادر المختصة

والمراد بها المصادر التي تناولت حرب الجمل بشكل خاص وحمل عنوانها اسم "جمل" في الغالب. ويشار في هذا القسم كذلك إلى المصادر التي تناولت عموم حروب أمير المؤمنين علیه السلام. وفيما يلى أهم المصادر المختصة بحرب الجمل:

1- كتاب تسمية من شهد مع أمير المؤمنين علیه السلام الجمل وصفين والنهروان من الصحابة لأبي عبيدالله بن أبي رافع من أصحاب أمير المؤمنين(1).

2 كتاب الجمل لجابر بن يزيد الجعفي (المتوفى سنة 128ه-)(2).

ص: 14


1- فهرست الشيخ الطوسي، ص 174 ، باب عبيد الله، الرقم 467. ص174،
2- الذريعة إلى تصانيف الشيعة، ج 5، ص 141، الرقم 587 .

3- كتاب الجمل لمحمد بن علي بن النعمان المعروف بمؤمن الطاق من أصحاب الإمام الصادق علیه السلام (المتوفى سنة 148ه-)(1).

4- كتاب الجمل لأبي محمد مصبح بن هلقام بن علوان العجلي (المتوفى سنة 148ه-)(2)

5- كتاب الجمل لأبي مخنف لوط بن يحي (المتوفى سنة 157ه-)(3).

6- كتاب الجمل ومسير عائشة وعلي لسيف بن عمر الأسدي التميمي (المتوفى سنة 200 ه-)(4).

7-كتاب الجمل لأبي حذيفة إسحق بن بشر بن برزخ القرشي (المتوفى سنة 206ه-)(5).

8- كتاب الجمل لهشام محمد بن السائب الكلبي (المتوفى سنة 206ه-)(6).

9- كتاب الجمل لمحمد بن عمر الواقدي (المتوفى سنة 207ه-)(7).

10- كتاب الجمل وصفين لمعمر بن المثنى البصري (المتوفى سنة 209ه-)(8).

11- كتاب الجمل لنصر بن مزاحم المنقري (المتوفى سنة 212ه-)(9).

ص: 15


1- الذريعة إلى تصانيف الشيعة، ج5، ص 141، الرقم 593.
2- الذريعة إلى تصانيف الشيعة، ج 5، ص 141، الرقم 596.
3- الذريعة إلى تصانيف الشيعة، جه ، ص 141 ، الرقم 589؛ هدية العارفين، ج1، ص 841.
4- فهرست ابن النديم، ص 150 ؛ هدية العارفين، ج1، ص 413.
5- الذريعة إلى تصانيف الشيعة، ج 5 ، ص 141 ، الرقم 599.
6- الذريعة إلى تصانيف الشيعة، ج 5 ، ص 141 ، الرقم 599.
7- الذريعة إلى تصانيف الشيعة، ج 5، ص 141، الرقم 594؛ هدية العارفين، ج2، ص10.
8- هدية العارفين، ج2، ص 466 .
9- الذريعة إلى تصانيف الشيعة، ج 5 ، ص 141 ، الرقم 598؛ هدية العارفين، ج2، ص 489.

12- كتاب الجمل لحسن بن محبوب (المتوفى سنة 224 ه-) (1) .

13 - كتاب الجمل لإسماعيل بن عيسى العطار البغدادي (المتوفى سنة 232ه-)(2).

14- كتاب لعلي بن محمد بن عبد الله المدائني (المتوفى سنة 255ه-)(3).

15 كتاب الجمل لعلي بن عبد الله بن جعفر السعدي (المتوفى سنة 234 ه-)(4).

16- كتاب الجمل لعبد الله بن محمد بن أبي شيبة المعروف بابن أبي شيبة (المتوفى سنة 2358ه-)(5)

17- أخبار أمير المؤمنين في الجمل وصفين والنهروان ليعقوب بن شيبة السدوسي البصري (المتوفى سنة 262ه-)(6).

18- كتاب الجمل لأحمد بن محمد بن خالد البرقي (المتوفى سنة 274 أو 283 ه)(7).

ص: 16


1- هدية العارفين، ج1، ص 266.
2- هدية العارفين، ج1، ص 207.
3- هدية العارفين، ج1، ص 671 .
4- إيضاح المكنون، ج2، ص 286.
5- هدية العارفين، ج1، ص 440.
6- فهرست الشيخ الطوسي، ص 265 ، باب عبيد الله، الرقم 810.
7- الذريعة إلى تصانيف الشيعة، جه ، ص 141 ، الرقم 586؛ هدية العارفين، ج1، ص 67.

19 -كتاب الجمل لإبراهيم بن محمد بن سعيد بن هلال الثقفي (المتوفی سنة 283ه-)(1).

20 -كتاب الجمل الكبير لمحمد بن زكريا بن دينار الغلابي البصري (المتوفى سنة 298ه-)(2).

21 -كتاب الجمل الصغير لمحمد بن زكريا بن دينار الغلابي البصري (المتوفى سنة 298ه-)(3).

22 -كتاب الجمل لأحمد بن عبيدالله بن محمد بن عمار الثقفي الكاتب (المتوفى سنة 310 أو 314ه-)(4).

23 -كتاب الجمل لابن أبي جهم (أو الجهم: المترجم) القابوسي (المتوفى سنة 328 أو 329ه-)(5).

24 -كتاب الجمل لعبد العزيز بن يحيى الجلودي البصري (المتوفى سنة 332ه)(6).

ص: 17


1- الذريعة إلى تصانيف الشيعة، ج 5 ، ص 141 ، الرقم 585؛ هدية العارفين، ج1، ص3
2- الذريعة إلى تصانيف الشيعة، ج 5، ص 141، الرقم 590.
3- الذريعة إلى تصانيف الشيعة، ج5، ص 141، الرقم 591.
4- معجم الأدباء، ج 3، ص 242 ، ترجمة أحمد بن عبيد الله، الرقم 36.
5- الذريعة إلى تصانيف الشيعة، ج 5، ص 141، الرقم 597.
6- الذريعة إلى تصانيف الشيعة، ج 5، ص 141 ، الرقم 588؛ هدية العارفين، ج1، ص 576.

25 -كتاب الجمل لمحمد بن علي بن بابويه القمي المعروف بالشيخ الصدوق (المتوفى سنة (381ه-)(1) .

-26 الجمل والنصرة لسيد العترة في حرب البصرة لمحمد بن محمد بن النعمان التلعكبري المعروف بالشيخ المفيد (المتوفى سنة 413ه-)(2).

27 -وقعة الجمل لضامن بن شدقم

إلاّ أن ما يؤسف له حقاً أن الكثير من هذه المؤلفات غير متوفر في متناول اليد وقد اختفى بمرور الزمان.

ص: 18


1- الذريعة إلى تصانيف الشيعة، ج 5، ص 141، الرقم 592؛ هدية العارفين، ج2، ص52.
2- الذريعة إلى تصانيف الشيعة، جه ، ص 141، الرقم 595. قام الشيخ المفيد بتأليف هذا الكتاب بناءً على طلب رجل سأله أن يؤلف كتاباً يعرض فيه إلى آراء المسلمين في حرب الجمل. فقال الشيخ المفيد للسائل: سأكتب كتاباً يزود القارئ بحقيقة ما جرى في الجمل ويجعله قادراً على تمييز الحق من الباطل فيها. جعل الشيخ المفيد كتابه على قسمين. تناول في القسم الأول واقعة الجمل من زاوية كلامية فاستعرض آراء ومواقف جميع الفرق الإسلامية. أما في القسم الثاني فخصصه لتفاصيل أحداث حرب الجمل وما جرى فيها وما روي عنها. لقد عمل المؤلف على عرض الواقعة من بدايتها حتى نهايتها بمنتهى الدقة والتجرد والموضوعية مستنداً إلى المصادر والمراجع المعتبرة المنصفة. يعتبر الكتاب في الوقت الحاضر أشمل وأكمل ما ألف حول حرب الجمل بشكل مستقل. ويقول المؤلف أنه اعتمد في تأليف كتابه على المصادر والمراجع السنية حصراً وأنه ردّ عليهم بلسانهم.

ب - المصادر العامة

والمقصود بها المصادر التي تناولت حرب الجمل ضمن دراسة عامة لحياة الإمام علي علیه السلام وتاريخه. وأهمها:

1- الطبقات الكبرى لمحمد بن سعد المعروف بالكاتب الواقدي (المتوفى سنة 230ه-).

2- تاريخ خليفة الخليفة بن الخياط الليثي العصفري (المتوفى سنة 240ه-).

3- المعيار والموازنة لأبي جعفر محمد بن عبد الله الإسكافي (المتوفى سنة240ه-).

-4- الإمامة والسياسة لمسلم بن قتيبة الدينوري (المتوفى سنة 276ه-).

5_ أنساب الأشراف لأحمد بن يحيى البلاذري (المتوفى سنة 282ه-).

6- الأخبار الطوال لأحمد بن داود الدينوري (المتوفى سنة 282ه-).

7- تاريخ اليعقوبي لأحمد بن إسحاق اليعقوبي (المتوفى سنة 292ه-).

8- تاريخ الرسل والملوك لأبي جعفر محمد بن جرير الطبري (المتوفى سنة 310ھ).

9- الفتوح لمحمد بن أحمد بن علي المعروف بابن أعثم الكوفي (المتوفى سنة 314ه-).

ص: 19

10- العقد الفريد لأحمد بن محمد المعروف بابن عبدربه (المتوفى سنة328ه-).

11- مروج الذهب ومعادن الجوهر لأبي الحسن علي بن الحسين المسعودي (المتوفى سنة 346ه-).

12- نهج البلاغة الذي جمعه أبو الحسن محمد بن الحسين بن موسی المعروف بالسيد الرضي والشريف الرضي (المتوفى سنة 406ه-).

13 - الكامل في التاريخ لابن الأثير الجزري (المتوفى سنة 630ه-).

14- شرح نهج البلاغة لعبد الحميد بن هبة الله المدائني المشهور بابن أبي الحديد (المتوفى سنة 656ه-).

15- بحار الأنوار الجامعة لدرر أخبار الأئمة الأطهار علیهم السلام للعلّامة محمد باقر المجلسي (المتوفى سنة 1110ه-).

المؤلفات المعاصرة حول حرب الجمل

فضلاً عما سبق ذكره من المصادر والمراجع، جرى في السنوات الأخيرة تأليف عدد من الكتب حول حرب الجمل، أهمها:

1- أحاديث أم المؤمنين عائشة وأدوار حياتها للعلّامة السيد مرتضى العسكري

ص: 20

يتناول هذا الكتاب بالتفصيل حياة عائشة في مراحل حياتها الأربع حيث يشير في كل مرحلة إلى روايات وتقارير مختلفة.

المرحلة الأولى دور عائشة في حياة النبي الأكرم صلی الله علیه وآله وسلم وخلافة الشيخين وحكومة عثمان.

المرحلة الثانية : دور عائشة في زمن عائشة في زمن خلافة الإمام علي علیه السلام

المرحلة الثالثة: دور عائشة في عهد معاوية

المرحلة الرابعة: دور عائشة في الأحاديث

في المرحلة الثانية، يتناول العلامة العسكري مباحث البيعة للإمام علي علیه السلام رب الجمل. وفيها يتطرق إلى كيفية بدء الحرب، ومراحل المعارك المختلفة، ودور كلّ من طلحة والزبير في حرب الجمل، واللقاء الذي جرى بين الإمام علي علیه السلام وطلحة والزبير، ومصير طلحة والزبير، ونهاية الحرب، وعودة عائشة إلى المدينة، ومصير عبد الله بن الزبير وتأثيره على حرب الجمل ومواضيع أخرى. كما يستند المؤلف في هذا الكتاب إلى المصادر الحديثية والتاريخية ليتناول جوانب من حوادث صدر الإسلام. ويقوم بجمع الأحاديث المروية عن عائشة وتحليلها ليقدم صورة أوضح لبعض الحوادث التاريخية في صدر الإسلام من خلال تقييم تلك الأحاديث. لقد حاول العلّامة العسكري في هذا الكتاب التعريف بحقيقة شخصية عائشة وأفكارها ومعتقداتها وخصائصها الروحية من خلال استخراج بعض الحوادث التاريخية من الكتب

ص: 21

المعتبرة والوثائق الأصلية ووضعها في متناول عامة الناس من أجل الكشف عن درجة الاعتبار والقيمة الحقيقية لرواياتها وأحاديثها.

2- فروغ ولايت (نور الولاية) لآية الله جعفر السبحاني

في كتابه هذا، يقسم آية الله السبحاني مجمل حياة أمير المؤمنين علیه السلام إلى

خمس مراحل:

المرحلة الأولى: من المولد حتى المبعث

المرحلة الثانية من المبعث حتى الهجرة

المرحلة الثالثة: من الهجرة حتى ولا وفاة النبي صلی الله علیه وآله وسلم

المرحلة الرابعة: من وفاة النبي صلی الله علیه وآله وسلم حتى الخلافة

المرحلة الخامسة: من الخلافة حتى الشهادة

وبأسلوبِ ناطق وموثق وموجز وسلس أورد مواضيع في كل باب وقدّم لبعضها تحليلاً لتعريف مخاطبيه بسيرة الإمام علي علیه السلام. وفي هذا السياق عرض لحرب الجمل فيما يقرب من مائة صفحة من كتابه هذا. وجدير بالذكر أن المؤلف، في معرض نقله للتقارير التاريخية، يرجّح أحياناً بعض النصوص على النصوص الأخرى. وقد يرد بعض التقارير معتبراً إياها منحازة ومغرضة ويقدم تحليلات قيمة في هذا الميدان.

ص: 22

3- دانشنامه امام علي (موسوعة الإمام علي علیه السلام) بإشراف علي أكبر رشاد

تشتمل هذه المجموعة على 110 مقالات علمية كتبها مختلف المؤلفين ومنهم مؤلف هذا الكتاب في بيان تعاليم الإمام علي علیه السلام وتحليلها، وتوصيف سيرته علیه السلام وتحليلها، تقع في اثني عشر جزءاً بالإضافة إلى جزء خاص بالمحصّلة. في الجزء السادس من المجموعة أورد المؤلف مقالاً بعنوان "امام على علیه السلام ومخالفان (الإمام على علیه السلام ومعارضوه)، وفي الجزء التاسع أورد مقالاً بعنوان "ناكثين" (الناكثون) حول حرب الجمل. ويتضح من عنواني المقالين أن المواضيع المطروحة بسيطة (كمّاً ونوعاً) وأن حرب الجمل لم يتم التطرق لها فيهما بشكل كامل، بالرغم من أن مقال "الناكثون" أشار إلى أغلب مواضيع الجمل.

4-الصحيح من سيرة علي بن أبي طالب علیه السلام للعلّامة المحقق السيد جعفر مرتضى العاملي

تناول الكتاب حرب الجمل بالتفصيل وتناول النصوص المروية عنها بالعرض والتحليل والنقد وقد خصص المؤلف الجزء السادس والعشرين حتی الجزء الخامس والثلاثين من كتابه الواقع في ثلاثة وخمسين جزءاً لحرب الجمل.

من المميزات المهمة لطريقة العلامة السيد جعفر مرتضى في عمله التاريخي بيان فاعلية المباحث التاريخية في الدفاع عن المباني الكلامية للشيعة

ص: 23

وكذلك مهاجمة المباني الكلامية للآخرين بأسلوب جاد ومنظم استناداً إلى الوثائق التاريخية. ويكشف الكتاب عن تميز المؤلف في تبويب المواضيع، وسلاسة اللغة، ودقة التحليلات التاريخية وسعة التتبع في النصوص، ودقة التقييم، وذكاء متابعة جذور الحوادث، وعدم المجاملة في الإشارة إلى أيدي الوضع والتحريف، وفضح الشخصيات الخادعة في كتابة النصوص التاريخية والتحليل الدقيق للكثير منها، والاطلاع الواسع والعميق على المصادر التاريخية، وأساليبه المبتكرة في التدوين وتحليل السيرة، وتناول الامور الخلافية فيما يخص توجيه التهم الباطلة لأمير المؤمنين علیه السلام ، وتناول اختلاق الفضائل الكاذبة بالنقد والتحليل. وهذا ما يتميز به المؤلف من سائر المؤلفين في الكثير من تلك الموارد. ولقد اتخذ العلامة السيد جعفر مرتضى العاملي، في تمييز الأخبار الصحيحة من غير الصحيحة، معيار الموافقة للقرآن، وتحليل رواة الحديث أو التقرير التاريخي، وموافقة الأخبار لشخصية الأفراد، ونقد مضامين التقارير، وملاحظة تعارض الأخبار في المتن أو السند، وعدم تعارض الأخبار مع الأمور العلمية الثابتة، وموافقة الأخبار للأحكام الفقهية. إن هذا الكتاب أحد أفضل ما كتب عن سيرة الإمام علي علیه السلام في عصرنا بما امتاز به من منهج كلامي تاريخي.

ه موسوعة الإمام علي بن أبي طالب علیه السلام في الكتاب والسنة والتاريخ لمحمدي ري شهري.

هي دورة كاملة عن حياة الإمام علي علیه السلام قائمة على المصادر الروائية والتاريخية للفريقين. يقع في اثني عشر جزءاً باللغة العربية مترجم إلى اللغة

ص: 24

الفارسية. يمتاز بالانتقائية البعيدة عن إعادة والتكرار والإحالة إلى النصوص المتشابهة، والاستفادة الواسعة جداً من المصادر التاريخية والحديثية للفريقين في عرض شخصية الإمام علي علیه السلام في مختلف المجالات، والاستناد إلى المصادر الحديثية والتاريخية المعتبرة، وتعريف المخاطب بنحو سبعة آلاف متن ونص تاريخي وحديثي حول الإمام علي علیه السلام، وتقديم التحليل والرأي بما يتناسب مع الموضوع، وذكر النقاط المهمة في مجال التاريخ والحديث، والاهتمام بالحقائق ومتطلبات المجتمع العصرية التنظيم العالي والتبويب المتميز في عرض المواضيع، وشرح الكلمات الصعبة ووضع هوامش توضيحية للأشخاص والأماكن والنقاط الغامضة في النصوص، وتقديم خرائط توضيحية حول الوقائع التاريخية. يُعنى الكتاب بشكل خاص بتجميع وتصنيف المواضيع المتعلقة بحياة الإمام علي علیه السلام. أما جانب النقد والتحليل فلا يشغل حيزاً كبيراً منه. ففي معرض تناوله للمتون الدائرة حول حرب الجمل لا يقدم إلّا تحليلاً واحداً بعنوان بحث" حول مبعوثي الإمام إلى الكوفة".

6- موسوعة التاريخ الإسلامي لمحمد هادي اليوسفي الغروي

ينتهج المؤلف في هذا الكتاب نقل التقارير التاريخية بشكل واضح بعيد عن التقارير الكاذبة وعن الإغراض الشخصي، والاستفادة من المصادر النقية خاصة الصادرة من مدرسة أهل البيت علیهم السلام؛ ولأن التقارير التاريخية منقولة بشكل عام خالية من التحليل، أما الذين قاموا بتحليلها فقد وقعوا في الأخطاء بسبب اعتمادهم على مصادر غير معتبرة أو على آراء المستشرقين؛ لذا لابد في تحليل التقارير التاريخية من الركون إلى المصادر المعتبرة القديمة للرد على

ص: 25

الشبهات المثارة من قبل المستشرقين ومنتقدي الإسلام. وهذا الكتاب يستعرض جميع أحداث الحرب بترتيب ونظام. ويمتاز بنقد وتحليل التقارير بواسطة تقارير أخرى وترجيح بعضها على بعض، وتقرير النصوص المحرفة في المصادر الأخرى، والإشارة إلى المصادر والمراجع المختلفة للتقرير الواحد، وترجمة الألفاظ الصعبة في الروايات والتقارير ونقل أسانيد المنقولات، والتعريف بالمنازل ومواضع وقوع الحرب، وتوضيح دلالات الأمثال.

7-سلسلة جواهر التاريخ للعلاّمة الشيخ علي الكوراني العاملي

خصص المؤلف الجزء الخامس من هذه المجموعة المكونة من خمسة أجزاء لحرب الجمل. وقد استعرض مباحث حرب الجمل بالترتيب تحت عناوين مناسبة مصحوبة بالتفاصيل في الكثير من المواضع. ويمتاز الكتاب بالاستفادة من المصادر الروائية والتاريخية عالية الاعتبار من الفريقين، وإيراد كلمات علماء أهل السنة في بيان المواضيع، ونقد الآراء الكلامية لأهل السنة، وإيراد النقاط والتحليلات المفيدة، ونقد وتحليل التقارير التاريخية. كما يتميز ببحث شهداء حرب الجمل البارزين، وتناول خطب أمير المؤمنين علیه السلام وكلماته في البصرة، والتطرق إلى أسباب كثرة الأكاذيب حول هذه الحرب في عناوين مستقلة.

8- موسوعة سيرة أهل البيت علیهم السلام للمرحوم الشيخ باقر شريف القرشي هذا الكتاب الواقع في أربعين جزءاً يعتبر دورة كاملة عن سير المعصومين الأربعة وعشر علیهم السلام و المخصص المؤلف خمسة أجزاء منها لسيرة الإمام على علیه السلام،

ص: 26

اختص حرب الجمل فيها بنحو مائة صفحة من جزئها الثامن. لقد اكتفى العلاّمة القرشي في عرض حرب الجمل بنقل التقارير التاريخية خلواً کم التحليل والرأي الكلامي لشخص المؤلف وبشكل مختصر. ويتضح من عدد الصفحات المخصصة لحرب الجمل أن هدف المؤلف كان مجرد إشارة عابرة لهذه الحرب دون تحليل ومناقشة لجميع التقارير التاريخية المتعلقة بها.

9- موسوعة عبد الله بن عباس للسيد محمدمهدي السيد حسن الموسوي الخرسان.

كما يظهر من عنوان الموسوعة فإنها مختصة بشخصية عبد الله بنعباس وإثبات جلالة منزلته ووثاقته. ونظراً لمشاركة ابن عباس في حرب الجمل فقد تطرق المؤلف إليها في الجزء الثالث من كتابه. ومع أن المؤلف استعان بالتقارير التاريخية لتحقيق غايته من تأليف الكتاب، إلّا أنه انتهج التحليل الكلامي في بعض مواضعه ووجّه النقود لمباني أهل السنة كما في البيعة الإجماعية التي اختص بها أمير المؤمنين علیه السلام مقارنةً ببيعة الخليفتين الأول والثاني منتقداً البيعة الإجبارية التي فرضها الخلفاء. هذا وقد استعان المؤلف في بعض جوانب كتابه بمواضيع كبار علماء أهل السنة في بيان مباحثه مع تحليل التقارير(1).

ص: 27


1- كما نشرنا اخيراً موسوعة النافذة.

الرسائل والأطاريح المؤلفة حول حرب الجمل

لقد شهدت الحوزات العلمية والجامعات تأليف رسائل وأطاريح تدور حول حرب الجمل، منها:

1 -بررسی ریشه های اعتقادی فرهنگی و تاریخی جنگ جمل (الجذور العقائدية والتاريخية لحرب الجمل) وهي رسالة ماجستير قدمها إبراهيم رضائي كليري في مركز الأئمة الأطهار علیهم الله التخصصي بقم المقدسة، تموز 2020

2- واكاوى فقهی جنگهای ،جمل صفین و نهروان از دیدگاه فریقین ( التحليل الفقهي لحروب الجمل وصفين والنهروان على رأي الفريقين) وهي أطروحة دكتوراه قدمها السيد محمد صادق في المدرسة العالية للفقه والأصول بقم، جامعة المصطفى العالمية، ك1/ 2017م.

3-جریان شناسی ناکثین وقاسطین با تأكيد بر نهج البلاغة (دراسة تيارات الناكثين والقاسطين استناداً إلى نهج البلاغة) وهي رسالة دكتوراه قدمها أمين الله جعفري إلى جامعة آية الله الحائري في قضاء ميبد الايرانية،كلية العلوم الإلهية والمعارف الإسلامية، 2017م.

4- علل وزمینههای جنگ جمل و پیامدهای آن (أسباب حرب الجمل وخلفياتها وتداعياتها) وهي رسالة ماجستير المهدي رضا خادملو قدمها الجامعة (تربيت معلم) بطهران، كلية الآداب والعلوم الإنسانية، أيلول 2005م.

ص: 28

5- تاثير نسب و تعصبات قبیله ای در جنگ جمل (أثر الأنساب والعصبيات القبلية فى حرب الجمل) وهي رسالة ماجستير المهدي فلاح نژاد قدمها لجامعة خوارزمي، كلية العلوم الإنسانية والاجتماعية في طهران، أيلول 2016 م.

6- اصول و روشهای روانی در سیره علوی با تاکید بر جنگهای صفين، جمل ونهروان (قواعد وطرائق العمليات النفسية في السيرة العلوية؛ التأكيد على حروب صفين والجمل والنهروان) وهي رسالة ماجستير مع حسین همازاده أبيانه الجامعة الإمام الصادق علیه السلام، كلية العلوم الاجتماعية في طهران، شباط 2013م.

7 -ویژگیهای دو گروه متخاصم جنگ جمل از دیدگاه حضرت امیر سلام ( خصائص الفريقين المتقاتلين في حرب الجمل من زاوية نظر الإمام عليه السلام) وهي رسالة ماجستير لحكيمة سادات موسوي قدمتها لجامعة آزاد الإسلامية وحدة طهران المركزية (الوسطى)، مجمع ولي العصر علیه السلام الجامعي، كلية الآداب والعلوم الإنسانية، صيف 2013م.

8- بررسی احتجاج حضرت علی علیه السلام با طلحه وزبير تحلیل احتجاج الإمام علي علیه السلام على طلحة والزبير ) وهي رسالة ماجستير حكيمة تبار قدمتها لجامعة آزاد الإسلامية وحدة طهران المركزية (الوسطى)، مجمع ولي العصرعلیه السلام الجامعي، كلية الآداب والعلوم الإنسانية، صيف 2016م.

ص: 29

-9 بررسی فقهی حقوقی عملکرد حضرت علی علیه السلام در جنگ های جمل وصفين ونهروان (التحليل الفقهي والقانوني لتعامل الإمام علي علیه السلام مع حروب الجمل وصفين والنهروان) وهي رسالة ماجستير لحسين مؤمني قدمها لجامعة آزاد الإسلامية وحدة طهران المركزية (الوسطى)، مجمع ولي العصر لسلام الجامعي، كلية الآداب والعلوم الإنسانية، 2013م.

10 -تاثیر جنگهای سه گانه حضرت علی علیه السلام بر شفاف شدن مرزبندیهای اجتماعي وسياسي أن دوران (أثر حروب الإمام علي علیه السلام الثلاث على شفافية الحدود الاجتماعية والسياسية في تلك المرحلة) وهي رسالة ماجستير لمحمد صابر قدمها لجامعة آزاد الإسلامية وحدة طهران المركزية (الوسطى)، كلية القانون والعلوم السياسية، شتاء 2014م.

11 - شناسایی ناکثین و موضع گیری امام علی در برخورد با آنان (معرفة الناكثين وموقف الإمام علي علیه السلام منهم) وهي رسالة ماجستير لفهيمة دانشور حسيني قدمتها لكلية أصول الدين بقم، 2000م.

المقالات المطبوعة حول حرب الجمل

كما تم تحرير مقالات حول حرب الجمل نشير هنا إلى بعضها:

1- نقدی بر دیدگاه مادلونگ درباره بیعت با امام علی علیه السلام وریشه های جنگ های جمل، صفين ونهروان (نقد على رؤية مادلونغ لبيعة الإمام علي

ص: 30

علیهم السلام وجذور حرب الجمل وصفين والنهروان) المنشور في كتاب جانشينى حضرت محمد صلی الله علیه وآله وسلم (خلافة النبي محمد صلی الله علیه وآله وسلم) المؤلفيه: حسين عبدالمحمدي ومرتضى علوي وأسد الله رحيمي، مجلة كلام للأبحاث، الصادرة في قم المقدسة، خريف وشتاء 2016 / 2017م، العدد الخامس.

2- سيره علی علیه السلام در برخورد با مخالفان جنگ طلب (سيرة علي علیه السلام في مواجهة المعارضين المحاربين)، محمد حسين ،مهوري مجلة حكومت اسلامی، الصادرة في قم المقدسة خريف 2000م، العدد 17.

3- ارزشهای اخلاقی امام علی علیه السلام در جنگ (القيم الأخلاقية للإمام على علیه السلام في الحرب)، محمد رضا كشكول جبار الأسدي، جامعة المصطفى

العالمية، مؤسسة التعليم العالي للعلوم والمعارف، 2017م.

4- نقش بنی امیه (معاویه) در جنگ جمل (دور بني أمية (معاوية) في حرب الجمل)، نوروز علي صادقي، فصلية تاريخ اسلام وايران العلمية البحثية، الدورة الجديدة، جامعة الزهراء عليهما السلام في قم المقدسة، السنة 24، العدد 22، صيف 2014م.

5- جنگ های سه گانه امام علی علیهم السلام و مشروعيت آنها (حروب الإمام علي علیه السلام الثلاث ومشروعيتها)، محمدحسن قدردان ملكي، مجلة معرفت، في

قم المقدسة، العدد 60 ، نيسان 2003م.

6- بازشناسی جنگهای امیرالمؤمنین علی علیه السلام از دیدگاه فرقه های كلامي (إعادة قراءة حروب أمير المؤمنين علي علیه السلام من وجهات نظر الفرق

ص: 31

الكلامية)، حسين مفتخري و نبي الله باقري زاد گنجی، مجلة تاريخ اسلام في قم المقدسة، العدد 40، شتاء 2010م.

7- پویایی شناسی سیره حضرت علی علیه السلام در مدیریت بحران جنگ جمل (تحليل سيرة الإمام علي علیه السلام في إدارة أزمة حرب الجمل)، مجيد حسني وولي الله تقی پورفر، مجلة مديريت إسلامي في قم المقدسة، السنة 25 ، العدد الثالث خريف 2017م.

8- نقدي بر آمار تلفات جنگهای امام على علیه السلام (نقد على إحصائيات خسائر حروب الإمام على علیه السلام: الجمل وصفين والنهروان)، مصطفى صادقي، فصلية تاريخ اسلام في قم المقدسة، العدد السابع، خريف 2008م.

9- آموزه های فقهی جنگهای جمل وصفين ونهروان (الدروس الفقهية المستخلصة من حروب الجمل وصفين والنهروان)، محمد مهدي الآصفي، مجلة فقه أهل البيت في قم المقدسة، العدد 28، 2001م.

10 -کتاب شناسی جنگ جمل (دراسة في الكتب المؤلفة عن حرب الجمل)، مهدي رضا خادملو، [فصلية] تاریخ پژوهان في قم المقدسة، خريف 2010م، العدد 23.

11 - بازشناسی دیدگاههای فرق درباره جنگ جمل (إعادة قراءة وجهات نظر الفرق حول حرب الجمل)، مهدي رضا خادملو، [فصلية] تاریخ پژوهان في قم المقدسة، خريف 2007م.

ص: 32

12 -معاویه وجنگ جمل (معاوية وحرب الجمل)، مصطفى معلمي، مجلة تاریخ اسلام في قم المقدسة، 2004م، العدد 20

13- خواص امت و جنگ جمل خواص الأمة وحرب الجمل)، محمد عرب صالحي، [مجلة] سخن تاريخ في قم المقدسة، صيف 20119، العدد 13

14 - نوع شناسی همراهی مسلمانان با علی بن ابی طالب علیه السلام در جریان جنگ های داخلى (دراسة نوعية مرافقة المسلمين لعلي بن أبي طالب علیه السلام في الحروب الداخلية)، هدية تقوي مجلة تاريخ تشيع البحثية في قم المقدسة، صيف 2017م، العدد الثاني.

15 -مناسبات حضرت علی علیه السلام با زبیر بن عوام در عصر خلفای راشدین؛ از سقیفه تا جنگ جمل (العلاقات بين الإمام علي علیه السلام والزبير بن العوّام في عصر الخلفاء الراشدين؛ من السقيفة حتى حرب الجمل)، علي سرافراز، مجلة خوارزمى للدراسات التاريخية، ربيع ،2018م ، العدد 21

16- رفتارشناسی زبیر در دوران حکومت امام على علیه السلام (دراسة سلوك الزبير في عهد الإمام علي علیه السلام)، علي سرافراز، مجلة رهيافت تاريخي (معرفة الأساليب التاريخية)، شتاء 2018م، العدد 21

17 مؤلفه های سیاست اخلاقی حضرت علی علیه سلام در مواجهه با اصحاب جمل (منظومة السياسة الأخلاقية للإمام علي علیه السلام في مواجهة أصحاب الجمل)، محمد حکیمي، فصلیتا ره آوردسیاسی (...)، خريف وشتاء 2017/ 2018م العدد 50

ص: 33

18 -روش مقابله با کودتا با محوریت حرکت اصحاب جمل (طريقة مواجهة الانقلاب مع التركيز على حركة أصحاب الجمل)، علي حاجي خاني وسعيد جليليان، مجلة نهج البلاغة البحثية في قم المقدسة، شتاء 2018م ، العدد 20.

19- اصول وقواعد حاکم بر رفتار با شورشیان در جنگ های داخلی در سیره امام علی علیه السلام؛ مطالعات موردی جنگهای ،جمل صفین و نهروان (القواعد المتبعة في التعامل مع الثوار في الحروب الداخلية في سيرة الإمام علي علیه السلام دراسات حول حروب الجمل وصفين والنهروان)، عباسعلي عظيمي شوشتري مجلة پژوهشهای دفاعی امنیتی اسلام (أبحاث دفاعية وأمنية في الإسلام)، خريف وشتاء 2017/ 2018م، العدد الرابع.

20 -ماهیت رفتار سران جمل در ماجرای سقوط بصره (طبيعة تعامل قادة الجمل في حادثة سقوط البصرة)، وجيهة ميري وهادي وكيلي وعلي ناظمیان فرد مجله پژوهش های علوى (أبحاث علوية)، خريف وشتاء 2015/ 2016م، العدد الثاني.

لقد دفعني الارتباط المباشر بين بعض المباحث الكلامية والفقهية، مثل حقانية أمير المؤمنين علیه السلام، وعدالة الصحابة، ونقض قادة الجمل للبيعة وخروجهم على خليفة المسلمين، وبين حوادث حرب الجمل، إلى أن أطرح بعض الجوانب المتصلة بهذه الحرب في دروس البحث الخارج في الحوزة العلمية بقم المقدسة ومدرسة آية الله .الگلپايگاني. أما هذا الذي بين يدي

ص: 34

القارئ فقد جاء باقتراح وإصرار من بعض فضلاء البحث ورغبة منهم في وضعه في متناول باقي الباحثين، وبمساع من أحد طلابي البارزين حيث قام بإكماله وتنظيمه وتنقيحه وتبويب مصادره . ولعل ما يميز هذا الكتاب من سائر الأبحاث المتعلقة بحرب الجمل ما يلي:

• عرض كامل ومفصل للتقارير المتعلقة ببيعة الناس لأمير المؤمنين علیه السلام حتى نهاية حرب الجمل والحوادث التي تلتها.

• الاستناد إلى النصوص القديمة والمصادر الأصلية من الفريقين مع التركيز على مصادر أهل السنة مثل الطبقات الكبرى وتاريخ خليفة وأنساب الأشراف والإمامة والسياسة وتاريخ اليعقوبي وتاريخ الطبري والفتوح والعقد الفريد ومروج الذهب ومعادن الجوهر والكامل في التاريخ وشرح نهج البلاغة لغرض تقوية الاستدلال مقابل وجهات النظر غير الشيعية.

• محاولة تقديم ترتيب زماني ومكاني دقيق لأحداث حرب الجمل بدءاً من نقض طلحة والزبير البيعة ومسيرهما صوب مكة حتى نهاية الحرب.

• تقييم التقارير التاريخية بالمعايير التاريخية والكلامية وكشف الأكاذيب والتحريفات التي تعرضت لها أخبار حرب الجمل في كتب مثل تاريخ الطبري؛ كنقل تقارير تدعي ندم أمير المؤمنين علیه السلام على حرب الجمل وصلاته على قتلى الفريق المحارب له.

• مناقشة وتحليل الآثار الكلامية المترتبة على أحداث حرب الجمل؛ مثل بطلان نظرية عدالة الصحابة، ونقض البيعة من جانب الصحابة، والموت بدون وجود إمام، وكفر من يخرج على الحاكم.

ص: 35

•الرد على الشبهات الكلامية والتاريخية والفقهية المثارة على حرب الجمل بواسطة النواصب ومخالفي أمير المؤمنين علیه السلام نحو عدم بيعته بالإجماع أجل

بل بالإكراه، وندم الإمام علیه السلام على حرب الجمل، وخروج عائشة من الإصلاح في الأمة، وتوبة طلحة والزبير وعائشة.

• بيان حقانية أمير المؤمنين علیه السلام وتقصير مخالفيه قبل الحرب وفي أثنائها وبعدها، وتخصيص فصل مستقل لعرض أدلة حقانية أمير المؤمنين علیه السلام في هذه الحرب؛ مثل مرافقة الكثير من الصحابة له، ورواية كلاب الحوأب المتواترة، وأمر النبي صلی الله علیه و آله وسلم الأمير المؤمنين علیه السلام بقتال الناكثين، وحقانية أمير المؤمنين علیه السلام من وجهة نظر علماء السنة، ودعم أهل البيت علیهم السلام الأمير المؤمنين علیه السلام في حروبه .

• تخصيص فصل مستقل يتناول مساعي أمير المؤمنين علیه السلام لمنع وقوع الحرب وسفك دماء المسلمين، وطرح مباحث من قبيل الرسل والكتب التي بعث بها الإمام علیه السلام إلى قادة الجمل قبل الحرب ثم تباحثه المباشر معهم.

• دراسة شخصية سبعة من أهم أنصار أمير المؤمنين علیه السلام واستعراض سيرتهم، منهم أم سلمة الله وعبد بن عباس ومالك الأشتر وعمار بن ياسر ومحمد بن أبي بكر وزيد بن صوحان وعثمان بن حنيف.

• دراسة شخصية سبعة من أهم الناكثين مثل عائشة وطلحة بن عبيدالله والزبير بن العوام ومروان بن الحكم وعبد الله بن الزبیر وعبد الله بن عامر ويعلى بن منية.

ويجدر بالذكر أن النصوص العربية تمت ترجمتها في الكتاب بشكل حر، لذا حرص المؤلف على إيراد مقاطع من تلك النصوص بلغتها الأصلية في

ص: 36

الهوامش مع ذكر عناوينها الكاملة ومحل الشاهد ليتسنى، لمن أراد من الباحثين، الوصول إلى النصوص الأصلية الكاملة.

في الختام لا يفوتني أن أتقدم بوافر الامتنان لابني العزيز حضرة ثقة الإسلام إبراهيم رضا كليري وهو من الفضلاء المثابرين الذين يحضرون دروسي في خارج الكلام والفقه والأصول ودورة إعداد المحققين التي أقوم عليها، وذلك لما بذله خلال ثلاث سنوات من جهد جهيد وتحقيقات واسعة من أجل أن يرى هذا الكتاب النور.

كما أشكر ابني العزيز المحقق العالم ثقة الإسلام حسن بلقان آبادي عما قام بهمن دور فعال في التقييم الدقيق لهذا الكتاب والتصحيح العلمي لمطالبه، وأسأل الله العزيز أن يضاعف توفيقات هؤلاء الأعزة حتى نرى قريباً تفتق مواهبهم في مضمار التحقيق والتأليف. إن شاء الله.

وأسأل الله أن يوفقني ما بقي من عمري على التأليف والتصنيف ونشر الحقائق، على الخصوص في خدمة أهل بيت النبيّ صلی الله علیه وآله وسلم إنه سميع مجيب ووليّ

التوفيق.

نجم الدين الطبسي

مؤسسة ولاء الصديقة الكبرى عليها السلام قم المقدسة

1399/8/29 ش (2020/11/19)

3 ربيع الأول 1442ه-

ص: 37

ص: 38

الفصل الأول: بداية خلافة أمير المؤمنين علیه السلام

اشارة

ص: 39

ص: 40

بعد ثورة المسلمين الشاملة على عثمان وقتله في سنة 35 هجرية بيد الصحابة(1)، بايع الناس عليه السلام بالإجماع. حدث ذلك في يوم مقتل عثمان أو بعده بأيام (2).

المصادر التاريخية وروايات الفريقين تزخر بالمواضيع المتعلقة بطريقة مبايعة الناس للإمام علي علیه السلام نتناول هنا بعض تلك التقارير والروايات بشكل مبوب مع الإشارة إلى النكات المهمة فيها.

يقول محمد بن الحنفية عن مبايعة الناس لأبيه الإمام علي علیه السلام: كنت مع أبي حين قتل عثمان فقام فدخل منزله فأتاه أصحاب رسول الله صلی الله علیه و آله وسلم فقالوا: إن هذا الرجل قد قتل ولابد للناس من إمام. ولا نجد اليوم أحداً أحق

ص: 41


1- عن غياث البكري قال: سألت أباسعيد الخدري عن قتل عثمان هل شهده أحد من أصحاب رسول الله صلی الله علیه وآله وسلم؟ قال : نعم، لقد شهده ثمانمائة". تاريخ المدينة المنورة، ج 4، ص1175، ابن سلام يدافع عن عثمان ويخطب في الناس محذراً؛ شرح نهج البلاغة، ج 3، ص 28 ، ذكر المطاعن التي طعن بها على عثمان والرد عليها، الخطبة 43.
2- في تاريخ بيعة أمير المؤمنين علیهم السلام أقوال: 1- يوم قتل عثمان مروج الذهب ومعادن الجوهر، ج2، لم ص385، ذكر خلافة أمير المؤمنين علي بن أبي طالب علیه السلام . وبما أن قتل عثمان حدث في الثامن عشر من ذي الحجة، فإن بيعة الناس لعلي علیه السلام تكون قد حصلت في نفس يوم الغدير الذي وقع سنة 11 للهجرة. 2- بعد مقتل عثمان بيوم أنساب الأشراف، ج3، ص7، بيعة على بن أبي طالب ؛ البداية والنهاية، ج 7، ص 237 ، حوادث سنة 35 للهجرة، ذكر بيعة علي لا بالخلافة؛ الطبقات الكبرى، ج3، ص1، ذكر قتل عثمان بن عفان وبيعة علي بن أبي طالب علیه السلام. 3- بعد مقتل عثمان بثلاثة أيام أو أربعة أيام أو خمسة أيام. المستدرك على الصحيحين، ج3، ص123، كتاب معرفة الصحابة، الحديث 4594. 4- بعد مقتل عثمان بثمانية أيام. المستدرك على الصحيحين، ج3، ص133 ، كتاب معرفة الصحابة، الحديث 4594؛ تاريخ الطبري، ج 2، ص 701 ، حوادث سنة 35 للهجرة، خلافة أمير المؤمنين علي بن أبي طالب علیه السلام.

بهذا الأمر منك لا أقدم سابقة ولا أقرب من رسول الله صلی الله علیه و آله وسلم فقال : لا تفعلوا فإني أكون وزيراً خير من أن أكون أميراً. فقالوا: لا والله ما نحن بفاعلين حتى نبايعك. قال: ففي المسجد فإن بيعتي لا تكون خفياً ولا تكون إلّا عن رضا المسلمين. فلما دخل دخل المهاجرون والأنصار فبايعوه ثم بايعه الناس(1).

ويقول أبوبشير العابدي: اجتمع المهاجرون والأنصار فيهم طلحة والزبير فأتوا علياً فقالوا يا أبا الحسن هلم نبايعك. فقال: لا حاجة لي في أمركم أنا معكم فمن اخترتم فقد رضيت به فاختاروا. فقالوا: والله! ما نختار غيرك. قال: فاختلفوا إليه بعد ما قتل عثمان مراراً ثم أتوه في آخر ذلك فقالوا له: إنه لا يصلح الناس إلّا بإمرة وقد طال الأمر. فقال لهم: إنكم قد اختلفتم إلي وأتيتم وإني قائل لكم قولاً إن قبلتموه قبلت أمركم وإلّا فلا حاجة لي فيه. قالوا: ما قلت من شيء قبلناه إن شاء الله. فجاء فصعد المنبر فاجتمع الناس إليه فقال: إني قد كنت كارهاً لأمركم فأبيتم إلا أن أكون عليكم. ألا وأنه ليس لي أمر دونكم إلا أن مفاتيح مالكم معي. ألا وأنه ليس لي أن آخذ منه درهما دونكم، رضيتم؟ قالوا: نعم. قال: اللّهُمَّ اشهد عليهم ثم بايعهم على ذلك ( بايعوه جميعاً )(2).

ص: 42


1- تاريخ الطبري، ج 2، ص 696 ، حوادث سنة 35 الهجرية، ذكر الخبر عن بيعة من بايعه والوقت الذي بویع فيه؛ الكامل في التاريخ، ج2، ص 303، حوادث سنة 35 الهجرية، ذكر بيعة أمير المؤمنين علي بن أبي طالب علیه السلام ؛ تاريخ الخميس في أحوال أنفس نفیس، ج3، ص312، ذكر خلافة علي علیه السلام.
2- تاريخ الخميس في أحوال أنفس نفیس، ج3، ص313، ذكر خلافة علي علیه السلام.

ويقول الشيخ جلال الدين الدواني: لما استشهد عثمان اجتمع كبار المهاجرين والأنصار بعد ثلاثة أيام أو خمسة أيام من موت عثمان على علي لعلیه السلام فالتمسوا منه قبول الخلافة فقبل بعد مدافعة طويلة وامتناع كثير فبايعوه فقام بأمر الخلافة (1).

أما محمد بن سعد فيوجز بيعة الإمام علي علیه السلام على النحو التالي:

(عندما قتل عثمان يوم الجمعة الثامن عشر من شهر ذي الحجة سنة 35 للهجرة، تمت البيعة (للإمام) علي علام في اليوم التالي) بايعه طلحة والزبير وسعد بن أبي وقاص وسعيد بن زيد بن عمرو بن نفيل وعمار بن ياسر وأسامة بن زيد وسهل بن حنيف وأبوأيوب الأنصاري ومحمد بن مسلمة وزيد بن ثابت وخزيمة بن ثابت وجميع من كان بالمدينة من أصحاب رسول الله صلی الله علیه وآله وسلم وغيرهم(2).

ويقول الشيخ المفيد عن مبايعة الناس لأمير المؤمنين علیه السلام : قد ثبت بتواتر الأخبار ومتظاهر الحديث والآثار أن أمير المؤمنين علیه السلام كان معتزلاً للفتنة بقتل عثمان وأنه بعد عن منزله في المدينة لأن لا تتطرق عليه الظنون برغبته في البيعة بالأمر على الناس وأن الصحابة لما كان من أمر عثمان ما كان التمسوه وبحثوا عن مكانه حتى وجدوه فصاروا إليه وسألوه القيام بأمر الأمة وشكوا إليه ما يخافونه من فساد الأمة فكره إجابتهم إلى ذلك على الفور والبدء

ص: 43


1- تاريخ الخميس في أحوال أنفس نفيس ج3: ص413، ذكر خلافة علي علیه السلام.
2- الطبقات الكبرى، ج 3، ص31، ذکر قتل عثمان بن عفان وبيعة علي بن أبي طالب.

لعلمه بعاقبة الأمور وإقدام القوم على الخلاف عليه والمظاهرة له بالعداوة له والشنآن. فلم يمنعهم باؤه من الإجابة عن الإلحاح فيما دعوه إليه. ذكروه بالله عزّ وجلّ وقالوا له: إنه لا يصلح لإمامة المسلمين سواك ولا نجد أحداً يقوم بهذا الأمر غيرك فاتق الله في الدين وكافة المسلمين فامتحنهم عند ذلك بذكر من نكث بيعته بعد أن أعطاها بيده على الإيثار وإماماً لهم (وقال: إني أرى فيكم رجالاً لا تستقر قلوبهم ولا تثبت عقولهم. ودعاهم) إلى مبايعة أحد الرجلين (طلحة أو الزبير ) وضمن النصرة لهما متى أرادوا إصلاح الدين وحياطة الإسلام، فأبى القوم عليه تأمير من سواه والبيعة لمن عاداه (هكذا وربما عداه م). وبلغ ذلك طلحة والزبير فصارا إليه راغبين في بيعته منتظرين للرضا بتقدمه عليهما وإمامته عليهما. فامتنع فألحا عليه في قبول بيعتهما له. واتفقت الجماعة كلها على الرضا به وترك العدول عنه إلى سواه :وقالوا إن تجبنا إلى ما دعوناك إليه من تقليد الأمر وقبول البيعة وإلّا انفتق [في: م] الإسلام ما لا يمكن رتقه وانصدع في الدين ما لا يستطاع شعبه.

أراد الإمام علیه السلام أن يتم الحجة على الناس بأن رفض قبول الأمر. وحين سمع مقالتهم بسط يده للبيعة فتدافع الناس عليه تدافع الهيم العطاش على الماء حتى تمزق ثوب الإمام علیه السلام وحتى وطئ الحسنان فلم يكن الناس يرضون لعلي علیه السلام بديلاً ولا يجدون لأمرهم إلّا بيعته. وهكذا تمت مبايعة الإمام علیه السلام من قبل جميع المهاجرين والأنصار الذين حضروا بيعة العقبة

ص: 44

الأولى والعقبة الثانية وبدراً وجميع المؤمنين المجاهدين السابقين في الإسلام الذين رافقوا رسول الله (1).

ويصور ابن أعثم الكوفي حادثة مبايعة الناس للإمام علي علیه السلام بقوله: وأقبل الناس إلى علي بن أبي طالب كعرف الضبع فقالوا: يا أبا الحسن! إنه قد قتل هذا الرجل ولابد للناس من إمام وليس لهذا الأمر أحد سواك. فهلم فبايع الناس حتى يدفن هذا الرجل، فإنه في داره قتيل. فقال علي علیه السلام: لا حاجة لي في البيعة.. دعوني والتمسوا غيري لهذا الأمر، فإني أرى أمراً له وجوه ولا تقوم لها القلوب ولا تثبت عليها العقول، فعليكم بطلحة والزبير. قالوا: فانطلق معنا إلى طلحة والزبير. فقال علي علیه السلام : أفعل ذلك. ثم خرج من منزله مع القوم حتى صار إلى طلحة في داره، فقال: يا أبا محمد إن الناس قد اجتمعوا إليّ في البيعة وأما أنا فلا حاجة لي فيها، فابسط يدك حتى يبايعك الناس. فقال طلحة: يا أبا الحسن أنت أولى بهذا الأمر وأحق به مني لفضلك وقرابتك وسابقتك. فقال له علي سلام: إني أخاف إن بايعني الناس واستقاموا على بيعتي أن يكون منك أمر من الأمور فقال طلحة مهلاً يا أبا الحسن! فلا والله لا يأتيك مني شيء تكرهه أبداً. فقال علي علیه السلام : فالله تبارك وتعالى عليك راع وكفيل قال طلحة: يا أبا الحسن! نعم. قال علي علیه السلام: فقم بنا إذن إلى الزبير بن العوام. فأقبل معه طلحة إلى الزبير فكلمه على علیه السلام بما كلم به طلحة. فرد عليه الزبير شبيهاً بكلام طلحة وعاقده وعاهده أنه لا يغدر به ولا يحبس بيعته. قال: فرجع علي علیه السلام إلى المسجد واجتمع الناس، فقام نفر من الأنصار

ص: 45


1- الجمل والنصرة لسيد العترة في حرب البصرة، ص 89، في البيعة لأمير المؤمنين علیه السلام.

منهم أبوالهيثم بن التيهان ورفاعة بن رافع ومالك بن العجلان وخزيمة بن ثابت والحجاج بن عمرو بن] غزية وأبوأيوب خالد بن زيد فقالوا: أيها الناس! إنكم رأيتم ما سار فيكم عثمان وأنتم اليوم على شرف أن تقعوا في مثلها، فاسمعوا قولنا وأطيعوا أمرنا قال: فقال له الكوفيون والمصريون: فإننا قد قبلنا منكم فأشيروا علينا فإنكم أهل السابقة وقد سماكم الله أنصاراً فأمرونا بأمركم . فقال الأنصار: إنكم قد عرفتم فضل علي بن أبي طالب وسابقته وقرابته ومنزلته من النبي صلی الله علیه وآله وسلم مع علمه بحلالكم وحرامكم وحاجتكم إليه من بين الصحابة ولن يألوكم نصحاً ولو علمنا مكان أحد هو أفضل منه وأجمل لهذا الأمر وأولى به منه لدعوناكم إليه. فقال الناس كلهم بكلمة واحدة رضينا به طائعين غير كارهين.. (فقال علي علیه السلام: هل إن ما تقولون من رضاكم ببيعتي حق الله وجب عليكم أم رأي رأيتموه؟ فقال الناس: بل حق الله واجب علينا. فقال علي علایه السلام : فاجتمعوا غداً هنا لأبلغكم رأيي في قبول الخلافة والحكم. فتفرق الناس في ذلك اليوم ثم اجتمعوا في اليوم التالي في المسجد. فصعد علي علیه السلام المنبر وحمد الله وأثنى عليه) ثم قال: أيها الناس إن الأمر أمركم فاختاروا لأنفسكم من أحببتم وأنا سامع مطيع لكم قال: فصاح الناس من كل ناحية وقالوا نحن على ما كنا عليه بالأمس فابسط يدك حتى يبايعك الناس قال: فسكت علي علیه السلام وقام طلحة إلى علي علیه السلام فبايعه وضرب بيده على يد علي علیه السلام ، ثم وثب الزبير وبايع الناس بعد

ص: 46

ذلك بالبيعة من المهاجرين والأنصار ومن حضر من العرب والعجم والموالي (1).

كان هذا غيضاً من فيض التقارير التاريخية والروائية الواردة عن بيعة المسلمين الحماسية لأمير المؤمنين علیه السلام.

- بعض النقاط المهمة:

في الصفحات التالية نشير باختصار إلى أهم النكات والملاحظات حول هذه التقارير ونرد على بعض الشبهات المتصلة بالموضوع.

النقطة الأولى: مبايعة جميع الناس لعلي علیه السلام

يتفق جميع النصوص التاريخية والروائية على إصرار جميع أفراد الناس على مبايعة أمير المؤمنين علیه السالم ، ولا أحد ينفي هذا الإجماع إلاّ المبغض لعلي علیه السلام الساعي إلى تضعيفه بهذه الطريقة. ويتضح من إصرار الإمام علیه السلام على أن تكون البيعة في المسجد لا في الخفاء واشتراطه تحقق رضا جميع الناس أنه علیه السلام أراد سد الذريعة على المغرضين فيما بعد. فالتقارير المختلفة تجمع على أن بيعة أمير المؤمنين علیه السلام كانت أول بيعة عامة للناس لاختيار خليفة للمسلمين.

ص: 47


1- الفتوح، المجلد الثاني، ص 431 ، ذكر بيعة أمير المؤمنين علي بن أبي طالب علیه السلام .

فقد روى الطبري وابن الأثير في روايات عديدة أنه لما حضر الإمام علي علیه السلام في المسجد بايعه جميع المهاجرين والأنصار ثم بايعه عامة الناس(1).

ومن وجهة نظر ابن سعد كذلك، ففي يوم البيعة بايع أمير المؤمنين علیه السلام طلحة والزبير وسعد بن أبي وقاص وسعيد بن زيد وعمار بن ياسر وأسامة بن زيد وسهل بن حنيف وأبوأيوب الأنصاري ومحمد بن مسلمة وزيد بن ثابت وخزيمة بن ثابت وجميع من كان في المدينة من صحابة النبي الأكرم صلی الله علیه وآله وسلم وباقي الناس (2). كما تحدث ابن عبدربه الأندلسي عن ازدحام الناس في بيعة الإمام علیهم السلام(3).

يقول الشيخ المفيد إن أمير المؤمنين علیه السلام بايعه جميع المهاجرين والأنصار الذين شهدوا بيعة العقبة الأولى والثانية وبدراً وجميع المؤمنين

ص: 48


1- فلما دخل المهاجرون والأنصار فبايعوه ثم بايعه الناس". تاريخ الطبري، ج2، ص696، حوادث سنة 35 الهجرية، ذكر الخبر عن بيعة من بايعه والوقت الذي بويع فيه؛ الكامل في التاريخ، ج2، ص303، حوادث سنة 35 الهجرية ذكر بيعة أمير المؤمنين علي بن أبي طالب علیه السلام؛ تاريخ الخميس في أحوال أنفس نفیس، ج 3، ص312، ذكر خلافة علي علیه السلام .
2- بويع لعلي بن أبي طالب علیه السلام بالمدينة الغد من يوم قتل عثمان بالخلافة بايعه طلحة والزبير ..... "الطبقات الكبرى، ج3، ص31، ذكر قتل عثمان بن عفان وبيعة علي بن أبي طالب علیه السلام.
3- لما قتل عثمان أقبل الناس يهرعون إلى علي بن أبي طالب فتراكمت عليه الجماعة في البيعة". العقد الفريد، ج4، ص310 ، خلافة علي بن أبي طالب علیه السلام.

الصالحين الذين جاهدوا في سبيل الدين والسابقين في الإسلام ونجحوا في امتحان نصرة النبي صلی الله علیه وآله وسلم(1).

وفي تقرير موسع يورد الشيخ المفيد قائمة تفصيلية بأسماء الذين بايعوا علياً علیه السلام من المهاجرين والأنصار وبني هاشم وسائر الشيعة(2).

ولكن بالرغم من كثرة النصوص التاريخية الدالة على بيعة جميع أفراد الناس لأمير المؤمنين علیه السلام، فإن ابن تيميه لا يكف عن محاولاته اليائسة البائسة في تقليل عدد المبايعين للإمام علیه السلام سعياً منه لإضعاف حكمه. يقول: إن الأمور استصعبت عليه ونصف الأمة أو أقل أو أكثر لم يبايعوه، بل كثير منهم قاتلوه وقاتلهم وكثير منهم لم يقاتلوه ولم يقاتلوا معه(3).

رداً على هذا الادعاء لابد من القول بأنه كيف يُدعى بأن الكثير من الصحابة لم يبايعوا علياً علیه السلام والمصادر التاريخية تشير إلى أن أغلب المهاجرين والأنصار شهدوا مع علي علیه السلام حروبه؟

ص: 49


1- فتمت بيعة المهاجرين والبدريين والأنصار العقبيين المجاهدين في الدين والسابقين إلى الإسلام من المؤمنين وأهل البلاء الحسن مع النبي صلی الله علیه وآله وسلم من الخيرة البررة الصالحين". الجمل والنصرة لسيد العترة في حرب البصرة، ص89، في البيعة لأمير المؤمنين علیه السلام.
2- الجمل والنصرة لسيد العترة في حرب البصرة، ص101 - 110، باب ذكر جماعة ممن بايع أمير المؤمنين علیه السلام.
3- منهاج السنة النبوية في نقض كلام الشيعة القدرية، ج2، ص 587.

يقول الذهبي إن 4000 مدني و 800 أنصاري و400 ممن شهد بيعة الرضوان كانوا مع علي علیه السلام (1).

وفي موضع آخر من كتابه يروي عن السدي: شهد مع علي يوم الجمل مائة وثلاثون بدرياً وسبعمائة من أصحاب النبي صلی الله علیه و آله وسلم (2).

وفي صفين كذلك، كما تنقل الأخبار، شهد الحرب مع علي علیه السلام ثمانون بدرياً(3) استشهد منهم خمسة وعشرون (3). كما أن ثمانمائة من أهل الرضوان شهدوا صفين استشهد منهم ستة وثلاثون مع العلم بأن مجموع من شهدوا بيعة الرضوان من الصحابة كان ألفاً وثلاثمائة(4).

فهل كان هؤلاء، على رأي ابن تيمية، قاتلوا مع علي علیه السلام وسعوا إلی تقویة أركان حكمه ولم يبايعوه؟ ألم يكن هؤلاء هم من بايع أبابكر وعمر وعثمان؟

ص: 50


1- "كنا مع علي أربعة آلاف من أهل المدينة. قال سعيد بن جبير: كان مع علي يوم وقعة الجمل ثمانمائة من الأنصار وأربعمائة ممن شهدوا بيعة الرضوان. تاريخ الإسلام ووفيات المشاهير والأعلام، ج1، ص 484، حوادث سنة 36 الهجرية، وقعة الجمل؛ العقد الفريد، ج2، ص101، باب يوم الجمل؛ تاريخ خليفة، ص138، باب وقعة الجمل.
2- تاريخ الإسلام ووفيات المشاهير والأعلام، ج1، ص 484، حوادث سنة 36 الهجرية، وقعة الجمل؛ العقد الفريد، ج2، ص101، باب يوم الجمل؛ تاريخ خليفة، ص138، باب وقعة الجمل.
3- "أن علياً استشهد معه في صفين خمسة وعشرون بدرياً . مناقب أمير المؤمنين، ج2، ص521، الحديث 1030.
4- شهدنا مع علي علیه السلام في صفين ثمانمائة ممن بايع بيعة الرضوان قتل منهم ثلاثة وستون منهم عمار بن ياسر". الاستيعاب في معرفة الأصحاب، ج2، ص 413، ترجمة عمار بن ياسر الرقم 1863.

بعد حرب الجمل، بعث الإمام علي علیه السلام برسالة إلى معاوية أشار فيها إلى هذه الحقيقة، وذلك قوله عالیه السلام:

إنه بايعني القوم الذين بايعوا أبابكر وعمر وعثمان على ما بايعوهم عليه. فلم يكن للشاهد أن يختار ولا للغائب أن يرد وإنما الشورى للمهاجرين والأنصار، فإن اجتمعوا على رجل وسمّوه إماماً كان ذلك الله رضا. فإن خرج من أمرهم خارج بطعن أو بدعة ردوه إلى ما خرج منه. فإن أبى قاتلوه على اتباعه غير سبيل المؤمنين وولاه الله ما تولى(1).

ثم إنه لو فرضنا عدم مبايعة بعض الناس للإمام علیه السلام، فهل يطعن ذلك بصحة خلافته أو يعرضها للتشكيك؟

وهل تم اختيار أبي بكر من قبل جميع الناس؟ أم تم من قبل رجل أو رجلين فحسب؟

وهل تم اختيار عمر بإجماع الناس؟ أم أنه اختير من قبل أبي بكر وحده ثم ألزم الناس بالمباعة له؟

وهل تمت الخلافة لعثمان بمبايعة جميع الناس أم باتفاق بعض أعضاء الشورى؟

يقول حميد المفتي، وهو من علماء القرن التاسع الهجري، إنّ نحواً من 700 شخص من الصحابة والمسلمين عارضوا السقيفة والتفوا حول أمير

ص: 51


1- نهج البلاغة، ص 346، الرسالة السادسة.

المؤمنين وطالبوا بإمامته وخلافته. (1)وتفيد الأبحاث أن أسماء حوالي 64 الذين رفضوا مبايعة أبي بكر قد وردت في كتب التاريخشخصاً من والحديث . وهؤلاء هم: الإمام علي علیه السلام والسيدة الزهراء علیه السلام والإمام الحسن علیه السلام والإمام الحسين علیه السلام والعباس بن عبد المطلب وخالد بن سعيد وأبان بن سعيد وسلمان الفارسي وأبوذر الغفاري والمقداد بن الأسود وبريدة الأسلمي وعمار بن ياسر وأبي بن كعب وخزيمة بن ثابت ومالك بن التيهان وسهل بن حنيف وعثمان بن حنيف وأبوأيوب الأنصاري وسعد بن عبادة وقيس بن سعد وأم سلمة وبلال والفضل بن العباس والمنذر بن الأرقم وعتبة بن أبي لهب وحذيفة بن اليمان والزبير بن العوام وفروة بن عمرو الأنصاري وعبادة بن الصامت وزيد بن الأرقم وعبد الله بن عباس والنعمان بن عجلان وحابر بن عبد الله الأنصاري وأم مسطح بن أثاثة وامرأة من بني النجار وأبوسفيان والحباب بن المنذر وحسان بن ثابت والبراء بن عازب وعبد الله بن مسعود

وزيد بن وهب وأبوسفيان بن الحارث وأبوسعيد الخدري وأبو قحافة وأسامة بن زيد والأشعث بن قيس وأم أيمن وأم فروة والحارث بن معاوية والحارث بن سراقة وسعد بن أبي وقاص وعبدالرحمن بن حنبل وعبد الله بن أبي سفيان بن الحارث وعرفجة بن عبد الله وقيس بن صرمة والنابغة الجعدي ومالك

ص: 52


1- "وإنما قلنا إنه لم يكن ذلك للعجز، لأن علياً كان في غاية الشجاعة ومعه فاطمةُ والحسن والحسين وكثير من أكابر الصحابة حتى روي عنهم أنه اجتمع عنده سبعمائة من الأكابر مريدين إمامته". قاموس البحرين، ص 33 ، المقالة السادسة في مقام الإمامة، الفصل الأول في بيان ماهية الإمامة وغيره.

بن النويرة وقيس بن مخزمة وعتبة بن أبي سفيان وربيعة بن الحارث والفضل بن العباس بن عتبة وزفر بن زيد والنعمان بن زيد (1).

أليس عمر القائل: حين توفى الله نبيه صلی الله علیه وآله وسلم أن الأنصار خالفونا

واجتمعوا بأسرهم في سقيفة بني ساعدة وخالف عنا علي والزبير ومن معهما (وبنوهاشم)(2)؟

فضلاً عما تقدم، فإنه لا يلزم إجماع الأمة واتفاقها في انعقاد الحكم حسب ما يذهب إليه الماوردي والقرطبي والقاضي الإيجي وهم من علماء أهل السنة. بل يكفي بيعة شخص واحد كما حصل لأبي بكر حين بايعه عمر بن الخطاب(3).

ص: 53


1- للاطلاع على المزيد من أقوال المعارضين لخلافة أبي بكر ، راجع "خبايا السقيفة"، ص22.
2- صحيح البخاري، ص1380، کتاب الحدود، كتاب المحاربين من أهل الكفر والردة، باب رجم الحبلى من الزنا إذا أحصنت، الحديث 6830.
3- لا تنعقد إلّا بجمهور أهل العقد والحل من كل بلد ليكون الرضا به عاماً والتسليم لإمامته إجماعاً. وهذا مذهب مدفوع ببيعة أبي بكر على الخلافة باختيار من حضرها ولم ينتظر ببيعته قدوم غائب عنها". الأحكام السلطانية، ص6 ، الباب الأول في عقد الإمامة. "لا تنعقد إلاّ بجماعة من أهل الحل والعقد. ودليلنا أن عمر عقد البيعة لأبي بكر ولم ينكر أحد من الصحابة ذلك". الجامع لأحكام القرآن، ج 1، ص 205 ، ذيل الآية 30 من سورة البقرة. إذا ثبت حصول الإمامة بالاختيار والبيعة فاعلم أن ذلك لا يفتقر إلى الإجماع إذ لم يقم عليه دليل من العقل أو السمع. بل الواحد والاثنان من أهل الحل والعقد كاف لعلمنا أن الصحابة مع صلابتهم في الدين اكتفوا بذلك كعقد عمر لأبي . لأبي بكر وعقد عبد الرحمن بن عوف لعثمان المواقف، ص 590 - 591 ، المقصد الثالث فيما يقصد بالإمامة.

فكيف يصح انعقاد الخلافة لعمر بن الخطاب ببيعة رجل واحد، ولا يصح لأمير المؤمنين علیه السلام ببيعة عامة شاملة؟

وحين علم أصحاب رسول الله صلی الله علیه وآله وسلم بعزم أبي بكر على استخلاف عمر بن الخطاب، ألم يذهبوا إليه ويعترضوا على قراره (1)؟

ألم تنقل الروايات عن عائشة أن من الصحابة أمثال الإمام علي علیه السلام وطلحة من اعترض عند أبي بكر على تعيينه عمر (2)؟

ألم يعترض أهل الشام على خلافة عمر ويطالبوا بخلعه(3)؟

فكيف لا تضر معارضة خلق كثير من الناس لخلافة أبي بكر، ويثير الشك في صحة خلافة الإمام علي علیه السلام عدم مبايعة نفر قليل (4) منهم؟

ص: 54


1- "أن أبابكر حني حرضه املوت أرسل إىل عمر يستخلفه، فقال انلاس: تستخلف علينا فظا غلیضا،ولو قد ويلنا اكن أفظ وأغلظ فما تقول لربك إذا لقيته؟" املصنف يف األحاديث واآلثار، ج8 ،ص574 ،كتاب املغازي، ما جاء يف خالفة عمر بن اخلطاب، احلديث األول.
2- عن اعئشة قالت: ملا حرضت أبابكر الوفاة استخلف عمر، فدخل عليه يلع وطلحة فقاال: من استخلفت؟ قال: عمر. قاال: فماذا أنت قائل لربك؟" الطبقات الكربى، ج3 ،ص274 ،ذكر استخالف عمر.
3- واكن أهل الشام قد بلغهم مرض أيب بكر واستبطأوا اخلرب فقالوا: إنا نلخاف أن يكون خليفة رسول اهلل قد مات وويل بعده عمر. فإن اكن عمر هو الوايل فليس نلا بصاحب وإنا نرى خلعه". اإلمامة والسياسة، ج1 ،ص18 ،مرض أيب بكر واستخالفه عمر.
4- هناك اختالف يف عدم مبايعة هذا انلفر القليل لإلمام علی علیه السلام .فيقول بعض إنهم بايعوا ولكنهم لم حياربوا معه. وهذا ما سنشري إيله يف الصفحات اتلايلة.

هل تمت خلافة عثمان بإجماع المهاجرين والأنصار؟ أم تفيد بعض الروايات الصحيحة بأنه كان قد اختير قبل تشكيل الشورى ليكون خلفاً [لعمر] (1)؟

هذه هي سياسة الكيل بمكيالين التي اتسم بها أعداء أمير المؤمنين علیه السلام!!!

النقطة الثانية: توصيف البيعة

من الملاحظات المهمة الأخرى في بيعة الإمام علي علیه السلام للخلافة هجوم الناس وضغطهم الشديد عليه. وهذه الناحية من الأهمية وشدة الوضوح ولفت النظر بحيث أنها لم تخف على أحد من أصحاب التقارير التاريخية فأسهبوا في سرد تفاصيلها. وقد أشار إليها الإمام علیه السلام نفسه في أكثر من مناسبة. ومنها ما رد به على طلحة والزبير، وهو قوله: فأقبلتم إلي إقبال العوذ المطافيل على أولادها (النوق التي ولدت حديثاً) تقولون: البيعة البيعة! قبضت كفي فبسطتموها ونازعتكم يدي فجذبتموها (2).

ص: 55


1- مع عمر فكان الحادي يحدو أن الأمير بعده عثمان بن عفان فتح الباري بشرح صحيح البخاري، ج 13، ص210، كتاب الأحكام، باب كيف يبايع الإمام الناس الحديث 7207؛ المصنف في الأحاديث والآثار، ج 8، ص 582 ، ما جاء في خلافة عثمان وقتله، الحديث الأول.
2- نهج البلاغة، ص180، الخطبة 137.

إن الإمام علیه السلام يذكّرهم بأنه ليس فقط لم يمدد يده لأخذ البيعة لنفسه فحسب، بل إنهم لما مدوها عنوة لم يفتح قبضته لتلقي البيعة، ولكنهم فتحوها بالقوة وبايعوه.

إنه علیه السلام يصف هجوم الناس بعرف الضبع (المضروب كناية عن الكثرة والكثافة) حتى وطئ الحسنان علیهما السلام وأوذي هو في خاصرته. يقول علیه السلام : فما راعني إلا والناس كعرف الضبع إلي ينثالون على من كل جانب حتى لقد وطئ الحسنان(1) وشق عطفاي ( وأحاط بي الناس كقطعان الخراف)(2).

يقول الإمام علیه السلام في وصف البيعة وبسطتم يدي فكففتها ومددتموها فقبضتها ثم تداككتم علىّ تداك الإبل الهيم على حياضها يوم ورودها حتى انقطعت النعل وسقط الرداء ووطئ الضعيف وبلغ من سرور الناس ببيعتهم

ص: 56


1- قرأ شراح نهج البلاغة "الحسنان" على صورتين: "الحسنان" بفتح الحاء والسين وتعني الحسن والحسين علیهما السلام ، و"الحسنان" بسكون السين وهما أصابع القدم أو عظامها. هذا وقد استند بعض الشراح إلى بعض الأشعار العربية في تقوية المعنى الثاني لأن الإمامين الحسنين علیهما السلام كان عمرهما حينئذ فوق الثلاثين. وبما أن دوس أصابع الأرجل يحدث في أبسط تدافع فإن هذا المعنى يكون مستبعداً. (پيام امام رسالة الإمام، ج1، ص381، الخطبة الأولى). فضلاً عن أن الشيخ المفيد يذهب إلى دوس الإمامين الحسنين علیهما السلام لا أصابع قدميهما: "ووطأوا ابنيه الحسن والحسين علیهما السلام بأرجلهم لشدة ازدحامهم عليه وحرصهم على البيعة الجمل والنصرة لسيد العترة في حرب البصرة ، ص90، فصل في البيعة لأمير المؤمنين علیهم السلام.
2- نهج البلاغة، ص 30، جانب من الخطبة الثالثة.

إياي أن ابتهج بها الصغير وهدج إليها الكبير وتحامل نحوها العليل وحسرت إليها الكعاب (أماطت الفتيات خمرهن عن وجوههن ليرين المشهد) (1).

وفي موضع آخر يقول الإمام علي علام: فتداكوا على تداك الإبل الهيم يوم ورودها وقد أرسلها راعيها وخلعت مثانيها ( وأزيل العقال عن أرجلها ) حتى ظننت أنهم قاتليّ أو بعضهم قاتل بعض لديّ (2).

في مناظرته لمعاوية قال خفاف بن عبد الله في وصف بيعة الناس للإمام علي علیه السلام ثم تهافت الناس على علي بالبيعة تهافت الفراش حتى ضلت النعل وسقط الرداء ووطئ الشيخ(3).

النقطة الثالثة: طلحة أول المبايعين

من أهم النقاط التي اتفق عليها المؤرخون وأصحاب التقارير التاريخية، التي سبقت الإشارة إليها، أن أول من بايع الإمام علیه السلام كان طلحة. ورغم هذا كان هو أول من نقض البيعة وقدّم أعذاراً واهية لبيعته الأولى.

ص: 57


1- نهج البلاغة، ص330 ، الخطبة 229.
2- نهج البلاغة، ص 74، الخطبة 74.
3- وقعة صفين، ص 65 ، إرسال رجل من أقوام عدي بن حاتم إلى معاوية.

النقطة الرابعة: أن بيعة أمير المؤمنين علیهم السلام كانت اختيارية

من أهم ما اتصفت به بيعة الإمام علیه السلام أنها كانت خلواً من الإجبار والإكراه. وهذا ما أكد عليه الإمام لعلیه السلام أكثر من مرة في خطبه ورسائله بعد نكث طلحة والزبير ما نجم عنه حرب الجمل وهو أن بيعته تمت باختيار الناس ورغبتهم ولم تترك عذراً لناكث. فلما انطلق الإمام علیه السلام من المدينة إلى البصرة بعث برسالة إلى أهل الكوفة أكد فيها على ثلاث أمور أحدها أن الناس بايعوه مختارين لا مكرهين وأن طلحة والزبير كانا أول المبايعين، وأنه لا عذر لهما في نقض البيعة وخلق الفتنة والفرقة بين المسلمين(1).

وفي رسالته إلى قادة الفتنة أشار الإمام إلى هذه النقطة بقوله: أما بعد! (يا طلحة ويا زبير) فقد علمتما وإن كتمتما أني لم أرد الناس حتى أرادوني ولم أبايعهم حتى بايعوني وإنكما ممن أرادني وبايعني وإن العامة لم تبايعني لسلطان غالب ولا لعرض حاضر. فإن كنتما بايعتماني طائعين فارجعا وتوبا إلى الله من قريب. وإن كنتما بايعتماني كارهين فقد جعلتما لي عليكما السبيل بإظهاركما الطاعة وإسراركما المعصية. ولعمري ما كنتما بأحق

ص: 58


1- بايعني الناس غير مستكرهين ولا مجبرين بل طائعين مخيرين وكان طلحة والزبير أول من بايعني على ما بايعا عليه من كان قبلي ثم استأذناني في العمرة ولم يكونا يريدان العمرة فنكثا العهد وأذنا بالحرب- -وأخرجا عائشة من بيتها يتخذانها فتنة". نهج البلاغة، ص342، الرسالة الأولى؛ الجمل والنصرة لسيد العترة في حرب البصرة، ص 244 ، كتاب أمير المؤمنين علیه السلام إلى أهل الكوفة.

المهاجرين بالتقية والكتمان وإن دفعكما هذا الأمر من قبل أن تدخلا فيه كان أوسع عليكما من خروجكما منه بعد إقراركما به (1).

لم يرض الإمام علهی السلام أن يأخذ البيعة من أي شخص بالإكراه ولو كان شخصاً واحداً. لذا، لما جاءه عمار بن ياسر وقال له: يا أمير المؤمنين! إن الناس قد بايعوك طائعين غير كارهين فلو بعثت إلى أسامة بن زيد وعبد الله بن عمر ومحمد بن مسلمة وحسان بن ثابت وكعب بن مالك فدعوتهم ليدخلوا فيما دخل فيه الناس من المهاجرين والأنصار! فقال علي علیه السلام : إنه لا حاجة لنا في من لا يرغب فينا (2).

والتاريخ لم يذكر أبداً أن الإمام علیه السلام واجه أحداً من الذين لم يبايعوه أو من الذين بايعوه وقعدوا عن نصرته. إن سيرة الإمام هذه الخالية من مواجهة هؤلاء تدحض بشكل قاطع ادعاء طلحة والزبير بأنهما بايعا مكرهين، فالإمام علیه السلام لم يكن ليمسهم بشيء إن لم يبايعاه.

لقد قام مؤلفو كتاب "بيعة علي بن أبي طالب" وهم من أهل السنة باستعراض الروايات السنية حول بيعة طلحة والزبير، فخرجوا، من بين ست عشرة رواية بثلاث نظريات :

1 - البيعة الإجبارية

ص: 59


1- نهج البلاغة، ص 420 ، الرسالة 54؛ الإمامة والسياسة، ج1، ص70، تعبئة الفئتين للقتال.
2- "وأقبل عمار بن ياسر إلى علي بن أبي طالب علیه السلام فقال: يا أمير المؤمنين! .... فينا" الفتوح، ج1، ص 439 ، ذكر من فشل عن البيعة وقعد عنها.

2 - البيعة الاختيارية الحرة

3 - البيعة لا بالاختيار ولا بالإجبار بل بعدم الرغبة. فأوردوا عشر روايات صحيحة للبيعة الاختيارية وأربع روايات للبيعة الإجبارية وروايتين للبيعة عن عدم رغبة.

والروايات الأربع الدالة على البيعة الإجبارية اعتبرت مخدوشة من حيث الدلالة والسند والانطباق والتعارض مع الروايات الصحيحة. إضافة إلى وجود عبد الملك بن مروان الخليفة الأموي الناصبي المعادي لأمير المؤمنين علیه السلام في سند إحداها ((1).

مالك الأشتر وادّعاء إجبار الناس على البيعة

في بعض المصادر التاريخية تقارير عن أن مالك الأشتر كان يهدد الناس بالقتل إن لم يبايعوا علياًعلیه السلام نُقلت هذه الروايات عبر محمد بن عمر الواقدي والطبري عن طريق سعيد بن المسيب وهاشم بن عاصم ومحمد بن شهاب الزهري (2).

ص: 60


1- دانشنامه امام علی علیه السلام (موسوعة الإمام علي ام)، ج 9، ص1ه نقلاً عن بيعة علي بن أبي طالب، ص 139 - 154.
2- فروى الواقدي.. رأيت بيعة رأسها الأشتر يقول: من لم يبايع ضربت عنقه، وحكيم بن جبلة وذووهما. ما ظنك بما يكون أجبر فيه جبراً؟ ثم قال: أشهد لرأيت الناس يحشرون ببيعته فيتفرقون فيؤتى بهم فيضربون ويعسفون فبايع من بايع وانفلت من انفلت الجمل والنصرة لسيد العترة في حرب البصرة، ص111، في نفي الإجبار على البيعة. وروى أيضاً عن سعيد بن المسيب قال: لقيت سعيد بن زيد بن نفیل فقلت له: بايعت؟ فقال: ما أصنع إن لم أفعل قتلني الأشتر وذووه". الجمل والنصرة لسيد العترة في حرب البصرة، ص111، في نفي الإجبار على البيعة. "بايع الناس علي (هكذا وربما علياً: م) فأرسل إلى الزبير وطلحة فدعاهما إلى البيعة فتلكأ طلحة فقال مالك الأشتر وسل سيفه: والله لتبايعن أو لأضر بن به ما بين عينيك. فقال طلحة وأين المهرب عنه؟ فبايعه وبايعه الزبير والناس" تاريخ الطبري، ج2، ص 697، حوادث سنة 35 الهجرية، خلافة أمير المؤمنين علي بن أبي طالب.

تحليل ونقد

التقارير المفيدة بالبيعة الإجبارية جاءت عن طريق محمد بن عمر الواقدي(1) وسعيد بن المسيب ومحمد بن شهاب الزهري(2)، وهي فاقدة للقيمة والاعتبار؛ فضلاً عن أنا لمواضيع التي ينقلها الواقدي عن سعيد بن المسيب (3) مرسلة لأن الواقدي مولود سنة 130 الهجرية وسعيد بن المسیبمتوفى سنة 93 الهجرية.

ص: 61


1- تهذيب التهذيب، ج9، ص323، ترجمة محمد بن عمر الواقدي، الرقم 606.
2- محمد بن مسلم المعروف بالزهري كان من أشهر أعداء الإمام علي علیه السلام وكان متعاوناً بقوة مع الحكم الأموي الظالم، فجند طاقاته في خدمة الحكام الأمويين بنشر الأكاذيب ووضع الروايات ضد أهل البيت والإمام علي علیهم السلام و يقول إبراهيم بن محمد الثقفي (المتوفى سنة 283 الهجرية كان جماعة من فقهاء الكوفة من أعداء الإمام عليه السلام فكانوا يبغضونه ويعادونه فتركوه وعصوا أمره. وكان ممن انحرف عن الإمام علیه السلام مرة الهمداني ومسروق بن الأجدع والأسود بن يزيد وأبووائل شقيق بن سلمة وشريح بن الحارث القاضي وأبوبردة عامر بن عبد الله بن قيس بن موسى بن قيس بن موسى الأشعري وعبد الله بن قيس وأبوعبدالرحمن السلمي وعبد الله بن عكيم وقيس بن أبي حازم وسهم بن طريف والزهري والشعبي الغارات، ج2، ص 558 - 560 ، فيمن فارق علياً علیه السلام لم وعاداه. للمزيد من الاطلاع، راجع بخاری وناصبگری (البخاري والنصب) ، ص 483 ، ترجمة محمد بن شهاب الزهري.
3- يتفق إبراهيم بن محمد الثقفي والشيخ المفيد والشهيد الثاني والعلّامة الأميني والعلامة محمدتقي المجلسي والعلاّمة محمدباقر المجلسي والقاضي نورالله التستري (الشوشتري) على ترجيح الروايات الذامة لسعيد بن المسيب استناداً إلى ترجمة سيرته والمعلومات المتوفرة عنه ويعدونه من العامة. فإبراهيم بن محمد الثقفي (المتوفى سنة 283ه-) يعتبر سعيد بن المسيب من مبغضي الإمام علي علیه السلام المعادين له من أهل الحجاز، استناداً إلى المشاجرة التي وقعت بينه وبين عمر بن علي علیه السلام ونعت عمر-

كذلك، يقول الشيخ المفيد رداً على هذه التقارير: فأما الواقدي فعثماني المذهب بالميل عن علي أمير المؤمنين علیه السلام ... وقد ثبت أن شهادة المشاجر مردودة بالإجماع ... لو سلم من جميع ما وصفناه من الطعن فيه إذا كان فإنه خبر واحد يضاد التواتر الوارد بخلاف معناه. فكيف وهو من الوهن على ما بينّاه. وأما خبر ابن المسيب عن سعيد بن زيد بن نفيل فقد صرح فيه بإقرار سعيد بالبيعة. ودعواهم أنه بايع خوفاً من الأشتر باطلة إذا كان ظاهره بخلاف

ما ادّعاه فيه، وليس كل من خاف شيئاً فقد وقع خوفه موقعه. بل أكثر من يخاف متوهم للبعد ظان للباطل متخيل للفاسد ... ولم يقل أحد أن الأشتر ولا أحد من شيعة أمير المؤمنين علیه السلام كلموا ممتنعاً من بيعته في الحال ولا ضربوا أحداً منهم بالسوط ولا نهروه فضلاً من القتل وضرب الرقاب ... وأما قول طلحة والزبير أنهما بايعا مكرهين فالكلام فيه كالكلام على ابن المسيب عن سعيد والتهمة لهما في ذلك أوكد لأنهما جعلا ذلك عذراً في نكثهما البيعة والخروج من الطاعة وطلب لرئاسة والإمرة، فلم يجدا إلى ذلك سبيلاً مع ما كان منهما في ظاهر الحال من البيعة على الطوع بلا إجبار إلا بدعوى الإكراه. والإحالة في ذلك على الضمائر والبواطن التي لا يعلمها إلّا الله. وقد ثبت في حكم الإسلام الأخذ لهما بمقتضى الإقرار منهما في البيعة والقضاء عليها بلزوم الطاعة لهما لمن بايعاه (1).

بن علي له بالمنافق. الغارات، ج 2، ص 569 و 579 ، فيمن فارق علياً علیه السلام وعاداه. للمزيد من الاطلاع، راجع بخاری و ناصبیگری (البخاري والنصب)، ص 264، ترجمة سعيد بن المسيب.

ص: 62


1- الجمل والنصرة لسيد العترة في حرب البصرة، ص 112 - 114، في نفي الإجبار على البيعة.

بعد أن خرجا من المدينة، دأب طلحة والزبير على الادّعاء بأنهما بايعا علياً علیهم السلام مكرهين. ولكن ما إن بلغا مكة حتى غيّرا شعارهما فأخذا يقولان: خرجنا للطلب بدم عثمان. ألا يدل تغيير الشعار على أنهما لم يكونا قادرين على إقناع الناس؟

أولم يشترط الإمام علیه السلام عليهم بأنه لا يقبل بيعتهم إلّا إذا كانت عن قناعة عامة واختيار؟

هل ينسجم ادّعاء طلحة والزبير بأنهما بايعا مكرهين مع النصوص الكثيرة والاحتجاجات العديدة التي قدمها الإمام علیه السلام وأصحابه خلال فترة حرب الجمل بأنهما بايعا طوعاً لا كرهاً؟

لماذا ورد أغلب التقارير المتحدثة عن البيعة الإجبارية لطلحة والزبير من خارج المدينة المنورة؟ أليس ذلك استغلالاً من جانب الرجلين لعدم علم الناس خارج المدينة بما جرى في البيعة لإثارتهم على أمير المؤمنين؟

ألا يتعارض ادعاء طلحة والزبير بأنهما بايعا أمير المؤمنين علیه السلام مجبرين مع الروايات الكثيرة الكاشفة عن أنهما كانا أول من طالبه علیه السلام بقبول البيعة والخلافة؟

ص: 63

النقطة الخامسة : بيان فضائل أمير المؤمنين علیه السلام في يوم البيعة

لما ألح الناس على أمير المؤمنين علیه السلام في قبول الخلافة والحكم وردّ عليهم بالرفض أكثر من مرة، لم يكفوا عن مطالبته بإجابة توسلاتهم إليه لأنهم كانوا يرونه الأجدر بالخلافة، فكانوا يعددون فضائله التي كان يتحلى بها من دون سائر الناس، فقالوا : إن هذا الرجل قد قتل ولابد للناس من إمام. ولا نجد اليوم أحداً أحق بهذا الأمر منك، لا أقدم سابقة ولا أقرب من رسول الله صلی الله علیه وآله وسلم (1). فقام نفر من الأنصار منهم أبوالهيثم بن التيهان ورفاعة بن رافع ومالك بن العجلان وخزيمة بن ثابت والحجاج بن [عمرو بن] غزية وأبو أيوب خالد بن زيد فقالوا: أيها الناس إنكم رأيتم ما سار فيكم عثمان وأنتم اليوم على شرف أن تقعوا في مثلها، فاسمعوا قولنا وأطيعوا أمرنا قال فقال له الكوفيون والمصريون: فإننا قد قبلنا منكم فأشيروا علينا فإنكم أهل السابقة وقد سماكم الله أنصاراً، فأمرونا بأمركم فقالت الأنصار: إنكم قد عرفتم فضل علي بن أبي طالب وسابقته وقرابته ومنزلته من النبي صلی الله علیه وآله وسلم مع علمه بحلالكم وحرامكم وحاجتكم إليه من بين الصحابة، ولن

ص: 64


1- تاريخ الطبري، ج 2، ص 696 ، حوادث سنة 35 الهجرية، ذكر الخبر عن بيعة من بايعه والوقت الذي بويع فيه؛ الكامل في التاريخ، ج2، ص303، حوادث سنة 35 الهجرية، ذكر بيعة أمير المؤمنين علي بن أبي طالب علیه السلام؛ تاريخ الخميس في أحوال أنفس نفيس، ج3، ص312، ذكر خلافة علي علیه السلام.

يألوكم نصحاً. ولو علمنا مكان أحد هو أفضل منه وأجمل لهذا الأمر وأولى به منه لدعوناكم إليه(1).

علاوة على عامة الناس، تكلم بعض الصحابة في واقعة بيعة الإمام علي علیه السلام في بيان فضائله ومناقبه علیه السلام . وسنشير في ما يلي إليهم وإلى ما قالوا.

في تاريخه، يقول اليعقوبي في بيان فضائل علي علیه السلام بعد البيعة العامة له في المسجد وقام قوم من الأنصار (بعد مبايعة الناس الإمام علياً علیه السلام) فتكلموا. وكان أول من تكلم ثابت بن قيس بن شماس الأنصاري وكان خطيب الأنصار، فقال: والله يا أمير المؤمنين لئن كانوا تقدموك في الولاية فما تقدموك في الدين، ولئن كانوا سبقوك أمس فقد لحقتهم اليوم. ولقد كانوا وكنت لا يخفى موضعك ولا يجهل مكانك، يحتاجون إليك في ما لا يعلمون وما احتجت إلى أحد مع علمك. ثم قام خزيمة بن ثابت الأنصاري وهو ذوالشهادتين فقال يا أمير المؤمنين ما أصبنا لأمرنا هذا غيرك، ولا كان المنقلب إلا إليك. ولئن صدّقنا أنفسنا فيك فلأنت أقدم الناس إيماناً وأعلم الناس بالله وأولى المؤمنين برسول الله لك ما لهم وليس لهم ما لك(2).

ويقول الحاكم النيسابوري: لما بويع علي بن أبي طالب علیه السلام علی منبر رسول الله، قام خزيمة بن ثابت الأنصاري وكان يقف إلى جوار المنبر وأنشد قائلا:

ص: 65


1- الفتوح، المجلد الأول، ص 431 ، ذكر بيعة أمير المؤمنين علي بن أبي طالب علیه السلام.
2- تاريخ اليعقوبي، ج2، ص179 ، خلافة أمير المؤمنين علي بن أبي طالب.

إذا نحنا بايعنا علياً فحسبن***أبوحسن مما نخاف من الفتن*** وجدناه أولى الناس بالناس إنه*** أطب قريش بالكتاب وبالسنن*** فإن قريشاً ما تشق غباره*** إذا ما جرى يوماً على الضمر البدن*** وفيه الذي فيهم من الخير كله*** وما فيهم مثل الذي فيه من حسن(1).

أما الشيخ المفيد فينقل عن خزيمة بن ثابت أبياتاً أخرى فضلاً عن هذه الأبيات. فيذكر أن خزيمة بن ثابت واصل قائلاً:

وصي رسول الله من دون أهله ... وفارسه قد كان من سالف الزمن

وأول من صلى من الناس كلهم ... سوى خيرة النسوان والله ذو منن

وصاحب كبش القوم في كل وقعة ... يكون له نفس الشجاع لذي الذقن(من هولها تبلغ قلوب الشجعان الحناجر).

فذاك الذي تثنى الخناصر باسمه (يشار إليه بالبنان) ... إمامهم حتى أغيب في الكفن (2).

بعد خزيمة، قام صعصعة بن صوحان فقال: والله يا أمير المؤمنين لقد زينت الخلافة وما زانتك، ورفعتها وما رفعتك. ولهي إليك أحوج منك إليها.

ص: 66


1- "عن الأسود بن زيد النخعي قال: لما بويع علي بن أبي طالب علیه السلام علی منبر رسول الله قال خزيمة بن ام ثابت الأنصاري وهو واقف بين يدي المنبر هذه الأبيات: إذا نحن .... المستدرك على الصحيحين، ج3، ص124، كتاب معرفة الصحابة، ذكر إسلام أمير المؤمنين علي علیه السلام، الحديث 4595؛ مناقب آل أبي طالب، ج 3، ص 196، ذكر ما ورد في بيعته علیه السلام.
2- الفصول المختارة من العيون والمحاسن، ص 267 ، في الأشعار المأثورة عن الصحابة في الشهادة له على أسبقيته في الإيمان.

ثم قام مالك بن الحارث الأشتر فقال: أيها الناس! هذا وصي الأوصياء ووارث علم الأنبياء العظيم البلاء الحسن الغناء الذي شهد له كتاب الله بالإيمان ورسوله بجنة الرضوان من كملت فيه الفضائل ولم يشك في سابقته وعلمه وفضله الأواخر ولا الأوائل (1).

حينئذٍ قام عقبة بن عمرو فقال : من له يوم كيوم العقبة وبيعة كبيعة الرضوان؟ والإمام الأهدى الذي لا يُخاف جوره، والعالم الذي لا يُخاف جهله (2)؟

وقال طلحة مخاطباً عليا علیه السلام يا أبا الحسن! أنت أولى بهذا الأمر وأحق به مني لفضلك وقرابتك وسابقتك (3).

هذا غيض من فيض مناقب الإمام علي علیه السلام التي ذكرها أصحابه عند مبايعته. وأبلغ من تكلم فيها كان صعصعة بن صوحان وثابت بن قيس.

ص: 67


1- "وقام صعصعة بن صوحان ..... الأوائل" تاريخ اليعقوبي، ج 2، ص179، خلافة أمير المؤمنين علي بن أبي طالب.
2- "ثم قام عقبة بن عمرو فقال: ... جهله". تاريخ اليعقوبي، ج2، ص179، خلافة أمير المؤمنين علي بن أبي طالب.
3- الفتوح، المجلد الأول، ص 431، ذكر بيعة أمير المؤمنين علي بن أبي طالب علیه السلام.

النقطة السادسة من تخلف عن بيعة الإمام علیه السلام

تبين مما سبق أن بيعة الإمام علي علیه السلام تمت بإجماع المهاجرين والأنصار وأنها تعتبر أول بيعة عامة بعد وفاة النبي الأكرم صلی الله علیه وآله وسلم مع هذا تفيد بعض المصادر التاريخية بأن سعد بن أبي وقاص وعبد الله بن عمر و محمد بن مسلمة وأسامة بن زيد وحسان بن ثابت وكعب بن مالك وعبد الله بن سلام ومروان بن الحكم وسعيد بن العاص والوليد بن عقبة لم يبايعوا علياً علیه السلام.

يقول المسعودي عن تخلف بعض الصحابة عن بيعة الإمام علي علیه السلام: وكان سعد وأسامة بن زيد وعبد الله بن عمر ومحمد بن مسلمة ممن قعد عن علي بن أبي طالب وأبوا أن يبايعوه. هم ممن ذكرنا من القعاد وإنهم قالوا: إنها فتنة (1).

ويقول اليعقوبي: وبايع الناس إلا ثلاثة نفر من قريش؛ مروان بن الحكم وسعيد بن العاص والوليد بن عقبة وكان لسان القوم(2).

ويورد الطبري وابن الأثير كذلك أسماء عدد من لم يبايعوا الإمام علیه السلام: لما قتل عثمان بايعت الأنصار علياً إلا نفيراً يسيراً منهم حسان بن ثابت وكعب بن مالك ومسلمة بن مخلد وأبوسعيد الخدري ومحمد بن مسلمة

ص: 68


1- مروج الذهب ومعادن الجوهر، ج3، ص19 ، بين معاوية وسعد، وج2، ص389، حربه مع الخوارج، باختلاف في بعض الأسماء.
2- تاريخ اليعقوبي، ج 2، ص 178، خلافة علي بن أبي طالب.

والنعمان بن بشير وزيد بن ثابت ورافع بن خديج وفضالة بن عبيد وكعب بن عجرة كانوا عثمانية (1).

والآن، قد يطرح السؤال التالي: إذا كان بعض الأشخاص لم يبايع علياً علیه سلام، فكيف يُدّعى أن بيعته كانت عامة؟ وفي الرد، نلفت الأنظار إلى مجموعة نقاط تستبطن جواباً للسؤال:

الموضوع الأول: هل هو تخلف عن البيعة أم تخلف عن القتال في الحرب؟

علينا هنا أن نجيب عن سؤال: هل إنهم لم يبايعوا الإمام علیه السلام أصلاً أم أنهم بايعوه ولم ينصروه في حروبه؟ وهنا تتوفر تقارير تفيد بأنهم بايعوه علیه السلام ولكنهم قعدوا عن القتال معه في حروبه. يقول الشيخ المفيد: أن أمير المؤمنين علیه السلام لما همّ بالمسير إلى البصرة بلغه عن سعد بن أبي وقاص وابن مسلمة وأسامة بن زيد وابن عمر تثاقلهم عنه، فبعث إليهم. فلما حضروا قال لهم: قد بلغني عنكم هنات كرهتها، وأنا لا اكرهكم على المسير معي على بيعتي؟ (رغم أن في أعناقكم بيعة لي فإني لا أجبركم على القتال معي قالوا: بلى قال:

ص: 69


1- تاريخ الطبري، ج2، ص 698 ، حوادث سنة 35 الهجرية خلافة أمير المؤمنين علي بن أبي طالب؛ الكامل في التاريخ، ج2، ص303 ، حوادث سنة 35 الهجرية، ذكر بيعة أمير المؤمنين علي بن أبي طالب علیه السلام . " وبايع الناس علياً بالمدينة وتربص سبعة نفر فلم يبايعوه، منهم سعد بن أبي وقاص ومنهم ابن عمر وصهيب وزيد بن ثابت ومحمد بن مسلمة وسلمة بن وقش وأسامة بن زيد، ولم يتخلف أحد من الأنصار إلا بايع فيما نعلم . تاريخ الطبري، ج2، ص 699 ، حوادث سنة 35 الهجرية، خلافة أمير المؤمنين علي بن أبي طالب.

فما الذي يقعدكم عن صحبتي؟ فقال له سعد: إني أكره الخروج في هذا الحرب (هكذا، وربما هذه: م) فأصيب مؤمناً، فإن أعطيتني سيفاً يعرف المؤمن الكافر قاتلت معك. وقال له أسامة: أنت أعزّ الخلق علي ولكني عاهدت الله أن لا أقاتل أهل لا إله إلا الله. وكان أسامة قد أهوى برمحه في عهد رسول الله ( على رجل من المشركين فقال المشرك بالشهادة خوفاً من الموت ولكن أسامة قتله مع ذلك. فلما سمع النبي صلی الله علیه وآله وسلم بذلك قال لأسامة: أقتلت رجلاً شهد أن لا إله إلا الله ؟ قال أسامة : يا رسول الله لقد قال بالشهادة ليحقن دمه فقال النبي: ألم تخش قتله؟) فزعم أسامة أن النبي صلى الله عليه وآله وسلم أمره أن يقاتل بالسيف من قاتل المشركين (هكذا، وربما : "مع من قاتل المشركين" أو "ما قاتل المشركين": م] فإذا قوتل به المسلمون ضرب بسيفه الحجر فكسره. وقال عبد الله بن :عمر لست أعرف في هذه الحرب شيئاً، أسألك أن لا تحملني على ما لا أعرف. فقال لهم أمير المؤمنين علیه السلام : ليس كل مفتون معاتب" (هكذا، وربما معاتباً أو بمعاتب: م). وقال لهم: أولستم على بيعتي؟ قالوا: بلى. قال: اذهبوا فما أسرع ما سيغنيني الله عنكم(1).

ويروي نصر بن مزاحم واقعة أخرى بعد صفين يقول فيها إن عبد الله بن عمر وسعد بن أبي وقاص قدما على عليّ علیه السلام مع جماعة يطلبون منه أن

ص: 70


1- الجمل والنصرة لسيد العترة في حرب البصرة، ص95، في المتخلفين عن أمير المؤمنين علیه السلام.

يعطيهم سهمهم رغم أنهم لم يشهدوا معه الجمل ولا صفين. فقال لهم الإمام رافضاً: ما خلّفكم عني (1)؟

الحادثة الأخرى التي تدل على مبايعة هؤلاء الأشخاص للإمام علي علیه السلام طلب مروان تجديد البيعة له علیه السلام بعد حرب الجمل. فقد قال أمير المؤمنين علیه السلام بعد طلب مروان تجديد البيعة: أولم يبايعني بعد قتل عثمان؟ لا حاجة لي في بيعته. إنها كف يهودية، لو بايعني بكفه لغدر بسبته. لو بايعني بيده عشرين مرة لنكث باسته(2).

يُفهم من هذه التقارير بأن هؤلاء كانوا قد بايعوا الإمام علیه السلام ، ولكنهم لم ينصروه في حروبه بذرائع تذرعوا بها.

وأيد كبار علماء السنة ما أفادت به المصادر التاريخية ببيعة هؤلاء للإمام علیه السلام وقعودهم عن القتال معه في حروبه. يقول الحاكم النيسابوري في رد ادعاء تخلف جماعة عن المبايعة:

ص: 71


1- "ودخل عبد الله بن عمر وسعد بن أبي وقاص والمغيرة بن شعبة مع أناس معهم وكانوا قد تخلّفوا عن علي علیه السلام فدخلوا عليه فسألوه أن يعطيهم عطاءهم وقد كانوا تخلفوا عن علي حين خرج إلى صفين والجمل. فقال لهم علي: ما خلفكم عني؟ قالوا: قتل عثمان ولا ندري أحل دمه أم لا، وقد كان أحدث أحداثاً ثم استتبتموه فتاب، ثم دخلتم في قتله حين قتل، فلسنا ندري أصبتم أم أخطأتم" وقعة صفين ص551، دخول جمع من الصحابة على علي علیه السلام .
2- "أولم يبايعني ... بسبته" نهج البلاغة، ص 86، الخطبة 73. "فلما بسط يده ليبايعه أخذ كفه عن كف مروان فنترها، فقال: لا حاجة لي فيها. إنها كف يهودية، لو بايعني بيده عشرين مرة لنكث باسته". الخرائج والجرائح، ج1، ص197 ، الباب الثاني في معجزات أمير المؤمنين علي بن أبي طالب علیه السلام ، الحديث 35.

هذه الأخبار الواردة في بيعة أمير المؤمنين كلها صحيحة مجمع عليها. فأما قول من زعم أن عبد الله بن عمر وأبا مسعود الأنصاري وسعد بن أبي وقاص وأباموسى الأشعري ومحمد بن مسلمة الأنصاري وأسامة بن زيد قعدوا عن بيعته، فإن هذا قول من يجحد حقيقة تلك الأحوال، فاسمع الآن حقيقتها ... فبهذه الأسباب وما جانسها كان اعتزال من اعتزل عن القتال مع علي علیه السلام وقتال من قاتله(1).

أما ابن أبي الحديد فيقدم في البداية وصفاً لبيعة الإمام علیه السلام ، ثم يقول في نقد المرحلة الأخيرة من الواقعة المتضمنة تخلف جماعة عن البيعة فأما أصحابنا (المعتزلة) فإنهم يذكرون في كتبهم أن هؤلاء الرهط إنما اعتذروا بما اعتذروا به لما ندبهم إلى الشخوص معه لحرب أصحاب الجمل وأنهم لم يتخلفوا عن البيعة. وروى شيخنا أبو الحسين في كتاب الغرر أنه لما عرض هؤلاء أعذارهم قال لهم علي علیه السلام: ليس كل مفتون معاتب. هل تشكون في بيعتي؟ قالوا: كلا. قال: إن كنتم بايعتم فكأنكم قاتلتم. ثم أعفاهم من القتال (2).

الموضوع الثاني: الغياب عن البيعة العمومية في المسجد

إذا كان الجواب الأول كافياً لرد ادّعاء عدم مبايعتهم، فلربما كان مرد ذلك إلى أن الكلام في التقارير التاريخية انحصر على البيعة العمومية في المسجد

ص: 72


1- المستدرك على الصحيحين، ج3، ص 124 - 127، كتاب معرفة الصحابة، ذكر إسلام أمير المؤمنين عليه السلام، ذيل الحديث 4605 وذيل الحديث 4599.
2- شرح نهج البلاغة، ج4، ص9، بيعة علي وأمر المتخلفين عنها الخطبة 53 .

وأنهم بايعوا الإمام علیه السلام فيما بعد. ومما يقوي هذا الدليل رواية اليعقوبي عن ذهاب مروان بن الحكم وسعيد بن العاص والوليد بن عقبة إلى الإمام علیه السلام وتقديم شروط لمبايعته. خاصة وأن مروان قال للإمام علیه السلام بعد أن رفض شروطهم: بل نبايعك ونقيم معك فترى ونرى (1).

الموضوع الثالث : عدم تصدع البيعة العمومية

لو تنزلنا وقبلنا بادعاء عدم بيعة بعض الأشخاص، فإن ذلك لا يطعن بشرعية خلافة أمير المؤمنين علیه السلام. لأن الشيعة يؤمنون بالنص والتنصيب في الإمامة. أما السنة فيعتقدون بكفاية بيعة أهل الحل والعقد لصحة الخلافة، لذلك يعتبرون أن خلافة أبي بكر تمت بالإجماع بالرغم من معارضة سبعمائة شخص لها.

ثم، ألم يتخلف جماعة عن مبايعة أبي بكر وعمر وعثمان؟ أم هل بايعهم جميع المسلمين؟

تفيد المصادر التاريخية بأن الإمام علياً علیه السلام والسيدة الزهراء علیهما السلام والإمام الحسن علیه السلام والإمام الحسين علیه السلام والعباس بن عبدالمطلب وخالد بن سعيد وأبان بن سعيد وعمرو بن سعيد وسلمان الفارسي وأباذر الغفاري والمقداد بن الأسود وبريدة الأسلمي وعمار بن ياسر وأبي بن كعب وخزيمة بن

ص: 73


1- وبايع الناس إلّا ثلاثة نفر من قريش مروان بن الحكم وسعيد بن العاص والوليد بن عقبة وكان لسان القوم. فقال مروان: بل نبايعك ونقيم معك فترى ونرى تاريخ اليعقوبي، ج2، ص178، خلافة علي بن أبي طالب.

ثابت ومالك بن التيهان وسهل بن حنيف وعثمان بن حنيف وأباأيوب الأنصاري وسعد بن عبادة وقيس بن سعد وأم سلمة وبلالاً والفضل بن العباس والمنذر بن الأرقم وعتبة بن أبي لهب وحذيفة بن اليمان والزبير بن العوام وفروة بن عمرو الأنصاري وعبادة بن الصامت وزيد بن الأرقم وعبد الله بن عباس والنعمان بن عجلان وجابر بن عبد الله الأنصاري وأم مسطح أثاثة وامرأة من بني النجار وأباسفيان والحباب بن المنذر وحسان بن ثابت والبراء بن عازب وعبد الله بن مسعود وزيد بن وهب وأباسفيان بن الحارث وأباسعيد الخدري وأباقحافة وأسامة بن زيد والأشعث بن قيس وأم أيمن وأم فروة والحارث بن معاوية والحارث بن سراقة وسعد بن أبي وقاص وعبدالرحمن بن حنبل وعبد الله بن أبي سفيان بن الحارث وعرفجة بن عبد الله وقيس بن صرمة والنابغة الجعدي ومالك بن النويرة وقيس بن مخزمة وعتبة بن أبي سفيان وربيعة بن الحارث والفضل بن العباس بن عتبة وزفر بن زيد والنعمان بن زيد (1).

الموضوع الرابع: المشاكل الشخصية والدوافع السياسية للمتخلفين

من أسباب ومبررات عدم بيعة بعض الأشخاص للإمام علیه السلام مشاكلهم الشخصية أو السياسية معه علیه السلام . وفيما يلي استعراض لبعض تلك المشاكل الشخصية:

ص: 74


1- للمزيد من الاطلاع على أقوال معارضي خلافة أبي بكر، راجع "ناگفته هایی از سقیفه (من خبايا السقيفة)، ص 22.

أسباب تخلف عبد الله بن عمر وذرائعه

لما دعا الإمامُ عليه السلام ام عبد الله بَن عمر إلى البيعة، قال عبد الله: لا أبايع حتى يبايع الناس(1).

وحين دُعي إلى المشاركة في الحرب، قال: لست أعرف في هذه الحرب شيئاً. أسألك أن لا تحملني على ما لا أعرف (2).

كما أورد عبد الله بن عمر مبرراً آخر. يروي أبو نعيم عن طريق نافع عن عبد الله بن عمر أنه أتاه رجل فقال: يا أباعبدالرحمن! أنت ابن عمر وصاحب رسول الله صلی الله علیه وآله وسلم ، فذكر مناقبه، فما يمنعك من هذا الأمر؟ قال: يمنعني أن الله تعالى حرّم علي دم المسلم. قال: فإن الله عزّ وجلّ يقول (وقاتلوهم حتى لا تكون فتنة ويكون الدينُ الله) قال : قد فعلنا وقد قاتلناهم حتى كان الدين لله فأنتم تريدون أن تقاتلوا حتى يكون الدين لغير الله (3).

وفي رواية أخرى عن القاسم بن عبد الرحمن أنهم قالوا لابن عمر في الفتنة الأولى: ألا تخرج فتقاتل؟ فقال: قد قاتلت والأنصاب بين الركن والباب

ص: 75


1- "وجاؤوا بابن عمر فقال: بايع! قال: لا أبايع حتى يبايع الناس". تاريخ الطبري، ج2، ص699، حوادث سنة 35 الهجرية، خلافة أمير المؤمنين علي بن أبي طالب.
2- "وقال عبد الله بن عمر: لست .... أعرف". الجمل والنصرة لسيد العترة في حرب البصرة، ص95، في المتخلفين عن أمير المؤمنين علیه السلام.
3- "عن ابن عمر أنه أتاه رجل فقال: أنه أتاه رجل فقال : ..... لغير الله" حلية الأولياء وطبقات الأصفياء، ج1، ص292، ترجمة عبد الله بن عمر بن الخطاب، الرقم 44.

حتى نفاها الله عزّ وجلّ من أرض العرب. فأنا أكره أن أقاتل من يقول لا إله إلاّ الله )(1).

تلاحظون هنا كيف أن عبد الله بن عمر يلجأ إلى المغالطات والكلام الخاطئ لتبرئة نفسه وتبرير موقفه المخزي غير الصحيح من الحوادث التي شهدها المجتمع الإسلامي وذلك بوصفها بأنها فتنة ينبغي اجتنابها.

أفلم يسمع من الصحابي الجليل حذيفة بن اليمان (لا تضرك الفتنة ما عرفت دينك، إنما الفتنة إذا اشتبه عليك الحق والباطل)(2)؟

هل كان عبد الله بن عمر يعتقد أن النبي صلی الله علیه وآله وسلم أخبر المسلمين بوقوع الفتن من بعده حتى تغطيهم كقطع الغمام الأسود (3)، ثم يتركهم بغير مرشد ولا دليل ليهلكوا؟

ألم يسمع بقول النبي صلی الله علیه وآله وسلم الزبير: (لتقاتلنه وأنت ظالم له)(4)؟

ص: 76


1- حلية الأولياء وطبقات الأصفياء، ج1، ص 294 ، ترجمة عبد الله بن عمر بن الخطاب، الرقم 44.
2- " عن حذيفة: لا تضرك .... والباطل". فتح الباري بشرح صحيح البخاري، ج13، ص 53، کتاب الفتن، الباب ،17، الفتنة التي تموج كموج البحر.
3- " [عن : م] أبي هريرة قال: قال النبي صلی الله علیه وآله وسلم :غشيتكم الفتن كقطع الليل المظلم، أنجى الناس فيه رجل صاحب شاهقة يأكل من رسل غنمه أو رجل أخذ بعنان فرسه من وراء الدرب يأكل من سيفه. هذا الإسناد ولم يخرجاه. المستدرك على الصحيحين، ج4، ص 485، كتاب الفتن والملاحم، حديث صحيح الحديث 8354 و 8355.
4- البداية والنهاية، ج 6، ص219، ذكر أخباره ( هكذا، وربما إخباره م ) عن الفتن الواقعة في آخر أيام عثمان وخلافة علي علیه السلام.

ألم يتنبأ النبي صلی الله علیه وآله وسلم بما يتعرض له الإمام علي علیه السلام بعد ارتحاله صلی الله علیه وآله وسلم من حروب يجاهد الله مسببيها. وأن من لم يستطع الجهاد معه بيده فليجاهد بلسانه فإن لم يستطع فبقلبه وذلك أدنى مراتب الجهاد(1)؟

نعم، لقد جاهد عبد الله بن عمر حق الجهاد، جاهد بكل ما أوتي من بأس باليد واللسان والقلب، ولكن في الجهة المعاكسة لما أمر به رسول الله صلی الله علیه وآله وسلموالصالح أعدائه والمريدين به شراً!

ولوفرضنا أن عبد الله بن عمر لم يسمع بأي من أحاديث النبي صلى الله عليه وآله وسلم المؤكدة، أفلم يرَ أن الكثير من مجاهدي بدر وصحابة رسول الله الأجلاء قاتلوا مع علي علیه السلام الناكثين ورووا أحاديث النبي صلى الله عليه وآله وسلم في وجوب مجاهدتهم؟

أي جريمة وأي ذنب أعظم من قول عبد الله بن عمر لمعاوية في جوابه لرسالته: ولكن أحدث (يعني علياً علیه السلام ) أمراً لم يكن إلينا فيه من رسول عهد، ففزعت إلى الوقوف وقلتاتئ: إن كان هذا فضلاً تركته وإن كان هذا ضلالة فشر منه نجوت، فأغن عني نفسك(2)؟؟

ألم يكن عبد الله بن عمر سمع تنبؤ رسول الله صلی الله علیه وآله وسلم ووصيته بقوله: (ستكنلبیون من بعدي فتنة. فإذا كان ذلك فالزموا علي بن أبي طالب، فإنه أول من يراني وأول من يصافحني يوم القيامة هو الصديق الأكبلبتتاتر وهو فاروق هذه

ص: 77


1- سيكون بعدي قوم يقاتلون علياً حقاً ( هكذا : م) على الله جهادهم فمن لم يستطع جهادهم بيده فبلسانه، فمن لم يستطع فبقلبه ليس وراء ذلك شيء". المعجم الكبير، ج1، ص321، عبيد الله بن أبي رافع عن أبيه، الحديث 955.
2- الإمامة والسياسة، ج1، ص99 ، كتاب معاوية إلى ابن عمر.

الأمة، يفرق بين الحق والباطل. وهو يعسوب المؤمنين والمال يعسوب المنافقين)(1).

أم لم يسمع عبد الله بن عمر بقول الله تعالى (وإن طائفتان من المؤمنين اقتتلوا فأصلحوا بينهما فإن بغت إحداهما على الأخرى فقاتلوا التي تبغي حتى تفيء إلى أمر الله فإن فاءت ( وتوفرت أرضية السلام) فأصلحوا بينهما بالعدل وأقسطوا إنّ الله يحب المقسطين)(2)؟

وهي الآية التي أحرجه بها رجل عراقي فلم يجد له جواباً إلاّ أن يثور عليه. يقول البيهقي عن حمزة بن عبد الله بن عمر: أخبرني حمزة بن عبد بن عمر أنه بينما هو جالس مع عبد الله بن عمر إذ جاءه رجل من أهل العراق فقال: يا أباعبدالرحمن! إني والله لقد حرصت أن أتسمّت بسمتك وأقتدي بك في أمر فرقة الناس وأعتزل الشر ما استطعت. وإني أقرأ آية من كتاب الله محكمة قد أخذت بقلبي، فأخبرني عنها! أرأيت قول الله تبارك وتعالى (وإن طائفتان من المؤمنين اقتتلوا فأصلحوا بينهما فإن بغت إحداهما على الأخرى فقاتلوا التي تبغي حتى تفيء إلى أمر الله فإن فاءت فأصلحوا بينهما بالعدل وأقسطوا إن الله يحب المقسطين) أخبرني عن هذه الآية. قال الله: وما لك ولذلك؟ انصرف عني فانطلق حتى توارى عنا سواده، أقبل

ص: 78


1- "عن أبي ليلى الغفاري قال: سمعت رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم يقول: ستكون بعدي فتنة .... المنافقين". الاستيعاب في معرفة الأصحاب، ج4، ص307، ترجمة أبي ليلى الغفاري، الرقم 3188.
2- الحجرات: 49 ، الآية 9.

علينا عبد الله بن عمر فقال: ما وجدت في نفسي من شيء من أمر هذه الأمة ما وجدت في نفسي أني لم أقاتل هذه الفئة الباغية كما أمرني الله عزّ وجلّ)(1).

الغريب في الموضوع أن عبد الله بن عمر يقول لمعاوية (إن علياً) أحدث أمراً لم يكن إلينا فيه من رسول الله صلی الله علیه وآله وسلم عهد ثم يندم في آخر عمره على أنه لم يفعل ما أمره الله به !

وهذا دليل وحجة أقامها عبد الله بن عمر بلسانه على نفسه ادّعى فيها أنه نادم وأن ضميره يوخزه على تقصيره، فهل يدل الواقع على نفوذ هذا الدليل وهذه الحجة القاطعة على قلبه ودفعه إلى تغيير نظرته؟

ولكن ما أشبه هذا العذر من عبد الله بن عمر بعذر أبيه والخليفة الأول لما أمر أمره رسول الله صلی الله علیه وآله وسلم بأن يقتل رئيس الخوارج "ذا الثدية" ولكنه لم يفعل لأنه رآه يتعبد خاشعاً خاضعاً الله(2)!

ص: 79


1- السنن الكبرى، ج 12، ص329 کتاب قتال أهل البغي، باب ما جاء في قتال أهل البغي والخوارج، الحديث 17173 .
2- "عن أنس بن مالك قال: كنا عند النبي صلی الله علیه وآله وسلم فذكروا رجلاً ونكايته في العدو واجتهاده في الغزو ... قال: اذهب أنت يا عمر فاقتله! قال: فدخل عمر المسجد فإذا هو ساجد. فانتظره طويلاً حتى يرفع رأسه فيقتله، فلم يرفع رأسه. ثم قال في نفسه: إن للسجود حقاً، فلو أني استأمرت رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم في قتله فقد استأمره من هو خير مني. فجاء إلى رسول الله صلی الله علیه و آله وسلم فقال : قتلته؟ قال: لا، رأيته ساجداً ورأيت للسجود حرمة وحقاً. وإن شئت يا رسول الله أن أقتله قتلته. قال: لست بصاحبه! قم أنت يا علي فاقتله، أنت صاحبه إن وجدتها قال: فدخل فلم يجده. فرجع إلى النبي صلی الله علیه وآله وسلم ، فأخبره. فقال رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم: لو قتل اليوم ما اختلف رجلان من أمتي حتى يخرج الدجال". حلية الأولياء وطبقات الأوصياء، ج3، ص226، ترجمة زيد بن أسلم، الرقم 239.

فهل كان عبد الله بن عمر يرى نفسه أعلم بالدين من النبي صلی الله علیه وآله وسلم ؟ فقد كان صلی الله علیه وآله وسلم أمر أصحابه بأن يأخذوا جانب علي علیه السلام وينصروه في النزاعات والحروب، كما أمر علياً علیه السلام بأن يقاتلهم (الناكثين والقاسطين والمارقين).

هل كان النبي صلی الله علیه وآله وسلم، حين أمر المسلمين بالوقوف إلى جانب علي علیه السلام ونصره، يعلم بأن علياً علیه السلام سيضطر إلى خوض حرب داخلية مع خصوم من أهل لا إله إلاّ الله، أم أنه أمر بإراقة دماء المسلمين دون علم بذلك؟

وثَم سؤال آخر: أي طرف من طرفي الحروب الداخلية كان يريد الدين لغير الله، علي وأنصاره أم مخالفوه من أمثال معاوية(1)؟

أسباب عدم نصرة عبد الله بن عمر للإمام علي علیه السلام

السبب الأول: كان عبد الله بن عمر يتظاهر بأنه رجل محافظ ويسعى إلى اعتزال الصراعات السياسية - الاجتماعية، فكان يجاري جميع الفرق والأشخاص المختلفة.

ومن هذا المنطلق كان تركه للمدينة إلى مكة بعد مقتل عثمان وعدم وقوفه مع ثوار البصرة، ومنعه أخته حفصة من مرافقة أصحاب الجمل، واعتزاله حروب الإمام علي علیه السلام الداخلية، ورده على طلب معاوية منه الوقوف

ص: 80


1- مقتطفات من نقد العلامة الأميني على مواقف عبد الله بن عمر ورؤاه، الغدير في الكتاب والسنة والأدب، ج10، ص 46 - 56 ، رأي ابن عمر في القتال والصلاة.

معه ضد أمير المؤمنين علیه السلام بالرفض. مع هذا، نراه یتخلی عن مبدأ المحافظة والحياد في واقعة الحرّة وهجوم مسرف بن عقبة على المدينة ومطالبة المسلمين بعزل يزيد عن الخلافة، فيساير الظالم بتجديد البيعة له.

السبب الثاني: أن عبد الله بن عمر كان يعتبر مرحلة خلافة الإمام علي علیه السلام مرحلة فتنة يربأ بنفسه أن يتورط فيها ببيعة أحد. يقول ابن حجر العسقلاني وكان رأي ابن عمر ترك القتال في الفتنة ولو ظهر أن إحدى الطائفتين محقة والأخرى مبطلة(1).

روي عن الإمام علي علیه السلام أن عبد الله بن عمر كان ممن خذل الحق ولم ينصر الباطل (2).

يقول زيد بن أسلم ... إن ابن عمر كان في زمان الفتنة لا يأتي أمير إلاّ صلى خلفه وأدّى إليه زكاة ماله(3).

ص: 81


1- فتح الباري بشرح صحيح البخاري، ج13، ص 51 ، كتاب الفتن الباب 16 ، باب قول النبي صلی الله علیه وآله وسلم الفتنة من قبل المشرق، الحديث 7095.
2- قال في الذين اعتزلوا القتال معه: خذلوا الحق ولم ينصروا الباطل. نهج البلاغة، ص446، الحكمة 18. "وقال أبوعمر: سئل علي علیه السلام عن الذين قعدوا عن بيعته ونصرته والقيام معه، فقال: أولئك قوم خذلوا الحق ولم ينصروا الباطل. الاستيعاب في معرفة الأصحاب، ج2، ص173، ترجمة سعد بن أبي وقاص، الرقم 968.
3- "عن زيد بن أسلم أن ابن عمر .... ماله". الطبقات الكبرى، ج 4، ص 149، ترجمة عبد الله بن عمر.

وينقل سيف المازني عن عبد الله بن عمر بن عمر أنه كان يقول: لا أقاتل في الفتنة وأصلي وراء من غلب(1).

وبالرغم من عدم قتاله في أية حرب في فترة الفتنة وعدم مشاركته في القتال إلى جانب الإمام علي علیه السلام في أية من حروبه، فقد انتابه ندم على عدم قتاله مع علي علیه السلام حتى كان يقول عند دنو أجله ما أجد في نفسي من الدنيا إلا أني لم أقاتل الفئة الباغية(2).

السبب الثالث: كان عبد الله بن عمر يضمر لعلي علیه السلام العداوة والبغضاء بسبب قضية أخيه عبيدالله. فبعد أن قتل أبولؤلؤة عمر بن الخطاب

ص: 82


1- أخبرنا سيف المازني قال : كان ابن عمر يقول: .... الطبقات الكبرى، ج4، ص 149، ترجمة عبد الله بن عمر.
2- "ولم يقاتل في شيء من الفتن ولم يشهد مع علي شيئاً من حروبه حين أشكلت عليه. ثم كان بعد ذلك يندم على ترك القتال معه. قال ابن عمر حين حضره الموت ما أجد ..... الباغية". أسد الغابة في معرفة الصحابة، ج3، ص339، ترجمة عبد الله بن عمر، الرقم 3082. "ما آسى على شيء إلاّ أني لم اُقاتل مع علی الفئة الباغية". الاستيعاب في معرفة الأصحاب، ج3، ص83 ، ترجمة عبد الله بن عمر، الرقم 1630 .

في المدينة قتل عبيد الله الهرمزان، ولم يكتف بذلك بل قتل ابنته وهي طفلة(1) وقتل جفينة كذلك. كان يحمل سيفه ويهاجم الإيرانيين في المدينة(2).

لما شاهد أهل المدينة ما فعله عبيدالله بن عمر قاموا بالقبض عليه وإيداعه السجن بانتظار أن يرى الخليفة الجديد رأيه فيه. فلما آلت الخلافة إلى عثمان باختيار من الشورى السداسية عفا عنه(3). فاحتج الإمام علي علیه السلام على عثمان وقال: اقتل هذا الفاسق الخبيث الذي قتل أميراً مسلماً (4). أما أنت

ص: 83


1- فانطلق عبيد الله بن عمر حين سمع بن عمر حين سمع ذلك من عبد الرحمن ومعه السيف حتى دعا الهرمزان فلما خرج إليه قال : انطلق معي ننظر إلى فرس لي، وتأخر عنه حتى إذا مضى بين يديه علاه بالسيف. قال عبيدالله: فلما وجد حرّ السيف قال لا إله إلا الله. قال عبيدالله ودعوت جفينة وكان نصرانياً من نصارى الحيرة وكان ظئراً لسعد بن أبي وقاص أقدمه المدينة للملح الذي كان بينه وبينه، فكان يعلم الكتاب بالمدينة. فلما علوته بالسيف صلب بين عينيه. ثم انطلق عبيد الله فقتل ابنة لأبي لؤلؤة صغيرة تدعي الإسلام. وأراد عبيد الله أن لا يترك يومئذٍ سبياً بالمدينة إلا قتله، فاجتمع المهاجرون الأولون عليه فنهوه وتوعدوه. فقال: والله لأقتلنّهم وغيرهم" أنساب الأشراف، ج10، ص 432 و 433، عبيد بن عمر يقتل المتآمرين على قتل والده؛ الطبقات الكبرى، ج 3، ص 355، ذكر استخلاف عمر.
2- "ما كان عبيد الله يومئذٍ إلاّ كالسبع الحرب وجعل يعترض العجم بالسيف حتى جلس في السجن". أنساب الأشراف، ج10، ص 434، عبيد الله بن عمر يقتل المتآمرين على قتل والده؛ الطبقات الكبرى، ج 3، ص 357، ذكر استخلاف عمر.
3- فقال عثمان إنه كان من قضاء الله أن عبيد الله بن عمر بن الخطاب أصاب الهرمزان وهو رجل من المسلمين وليس له وارث إلا الله والمسلمون وأنا إمامكم وقد عفوت، أفتعفون عن عبيد الله ابن خليفتكم بالأمس؟ قالوا: نعم. فعفا عنه. شرح نهج البلاغة، ج9، ص54، من ج 9، ص 54، من أخبار يوم الشورى وتولية عثمان الخطبة 139.
4- أن أمير المؤمنين أتى عثمان بعد ما استخلف، فكلمه في عبيد الله ولم يكلمه أحد غيره، فقال: اقتل... مسلماً شرح نهج البلاغة، ج 3، ص 61، ذكر المطاعن التي طعن بها على عثمان والردّ عليها، الخطبة 43 .

فمطالب بدم الهرمزان يوم يعرض الله الخلق للحساب. وأما أنا فأقسم بالله فإنني لإن وقعت عيني على عبيدالله بن عمر لأخذت حق الله منه وإن رغم أنف من رغم(1).

بعد هذا التهديد من جانب الإمام علي علیه السلام، استدعى عثمان عبیدالله بن عمر ليلاً وأقطعه قرية قريبة من الكوفة سميت فيما بعد "كويفة ابن عمر " فهرب إليها عبيدالله في تلك الليلة وبقي فيها إلى آخر حكم عثمان(2). وبعد مقتل عثمان على يد الثوار ومآل الخلافة إلى أمير المؤمنين علیه السلام فرّ عبيدالله إلى معاوية هرباً من القصاص الذي توعده به. وكان مصيره القتل ذليلاً في حرب صفين.

يتبين مما تقدم أن عبيدالله بن عمر عاش في خوف متواصل مشرداً غريباً عن الأهل والديار، وأن الله عبد بن عمر كان يعزو كل الهوان الذي عاشه أخوه عبيدالله إلى موقف أمير المؤمنين علیه السلام منه. وهذا ما زرع بغض الإمام علیه السلام ومعاداته في قلبه.

ولعل هذا ما جعل إبراهيم بن محمد الثقفي يعد عبد الله بن عمر من أعداء الإمام علي علیه السالم ومبغضيه من أهل الحجاز(3).

ص: 84


1- الجمل والنصرة لسيد العترة في حرب البصرة، ص 176، ما نقموه من عثمان.
2- فلما رأى عثمان أن المسلمين قد أبوا إلاّ قتل عبيد الله أمره فارتحل إلى الكوفة وأقطعه بها داراً وأرضاً وهي التي يقال لها كويفة ابن عمر. فعظم ذلك عند المسلمين وأكبروه وكثر كلامهم فيه". شرح نهج البلاغة، ج 3، ص 61 ، ذكر المطاعن التي طعن بها على عثمان والرد عليها، الخطبة 43.
3- وكان بالحجاز [ من مبغضيه] أبو هريرة وعبد الله بن عمر وعبد الله بن الزبير وزيد بن ثابت وقبيصة بن ذؤيب وعروة بن الزبير وسعيد بن المسيب". الغارات، ج2، ص 569 ، في من فارق علياً علیه السلام وعاداه.

ويقول ابن أبي الحديد عن تصرفات عبدالله بم عمر المتناقضة: فإنه امتنع من بيعة علي علیه السلام وطرق على الحجاج بابهليلاً ليبايع لعبدالملك كي لا يبيت تلك الليلة بلا إمام زعم لأنه روي عن النبي صلی الله علیه وآله وسلم أنه قال: من مات ولا إمام له مات ميتة جاهلية. وحتى بلغ من احتقار الحجاج له واسترذاله حاله أن أخرج رجله من الفراش فقال: اصفق بيدك عليها)(1).

ولما سحب أهل المدينة بيعتهم من يزيد وخلعوه من الخلافة، غضب عبدالله بن عمر فجمع أهله وذويه وقال: إني سمعت رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم يقول: (يُنصب لكل غادر لواء يوم القيامة). وإنا قد بايعنا هذا الرجل على بيع الله ورسوله إني لا أعلم غدراً أعظم ن أن يبايع رجل على بيع الله ورسوله ثم ينصب له القتال. وإني لا أعلم أحداً منكم خلعه ولا بايع في هذا الأمر إلاّ كانت الفيصل بيني وبينه ( يعني القطيعة)(2).

إن عبد الله بن عمر كان أحد أعداء الإمام علي وأهل البيت علیهم السلام، ورث معاداة أهل البيت من أبيه. وليس بعجيب عدم مبايعته للإمام علي علیه السلام .

ص: 85


1- شرح نهج البلاغة، ج 13 ، ص 242 ، القول في إسلام أبي بكر وعلي وخصائص كلُّ منهما، الخطبة 238.
2- "لما خلع أهل المدينة يزيد بن معاوية جمع ابن عمر حشمه وولده فقال: إني سمعت رسول الله يقول .... وبينه". صحيح البخاري، ص 1396، كتاب الفتن الباب 21، باب إذا قال عند قوم شيئاً ثم خرج فقال بخلافه الحديث 7111 .

أسباب تخلف سعد بن أبي وقاص وذرائعه

تفيد بعض التقارير بأن سعد بن أبي وقاص كان ممن رفض الوقوف مع علی علیه السلام في حروبه. وأنه ردّ على الإمام علیه السلام لما دعاه إلى القتال معه بقوله: يا أبا الحسن! والله ما أشك فيك أنك على الحق ولكني أعلم أنك تنازع في هذا الأمر والذي ينازعك فيه هم أهل الصلاة. فإن أحببت أني أبايعك فأعطني سيفاً له لسان وشفتان يعرف المؤمن من الكافر حتى أقاتل معك خالفك من بعد هذا اليوم (1).

لقد أورد أبو مخنف وصفاً رائعاً لما جرى بين الإمام علي علیه السلام وسعد بن سلام أبي وقاص من حوار والأجوبة المسكتة التي أجاب بها الإمام علیه السلام. لقد كانت أجوبة الإمام علیه السلام من القوة والقدرة على الإفحام ما جعل سعد بن أبي وقاص يطأطئ برأسه في حضرته . يقول أبو مخنف وذكروا أن علياً لما تهيأ للمسير بلغه عن سعد بن أبي وقاص وعبد الله بن عمر ومحمد بن مسلمة الأنصاري تثاقل عن المسير، فبعث إليهم فقال: إني لا أكرهكم على المسير معي بعد بيعتكم. قال سعد: صدقت، أعطني سيفاً يعرف الكافر من المؤمن نقاتل معك! قال علي علیه السلام : سيفك ينبئك؟ ولسنا نكرهك على شيء. يا سعد إن سيوفنا لو نطقت بخلاف ما أمر الله ورسوله لعلمنا يقيناً أنها كاذبة وأنها تنطق عن لسان الشيطان وأن الحق ما قال

ص: 86


1- "قال: وأقبل سعد بن أبي وقاص إلى علي بن أبي طالب علیه السلام فقال: يا أبا الحسن! .... فقال علي علیه السلام: يا سعد! أترى لو أن سيفاً نطق بخلاف ما نزل به جبريل علیه السلام هل كان إلّا شيطاناً؟ ليس هكذا يشترط الناس على واليهم. بايع واجلس في بيتك، فإني لا أكرهك على شيء. فقال سعد: حتى أنظر في ذلك يا أباالحسن! قال: فوثب عمار بن ياسر فقال: ويحك يا سعد! أما تتقي الله الذي إليه معادك؟ أيدعوك أمير المؤمنين إلى البيعة فتسأله أن يعطيك سيفاً له لسان وشفتان؟ أما والله إن فيك لهنات". الفتوح، ج1، ص 441، ذكر من فشل عن البيعة وقعد عنها.

الله ورسوله. يا سعد! إني على بينة من الله وبرهان. يا سعد! إن رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم أمرني بقتال الناكثين والقاسطين والمارقين وقال لأصحابه: إن منكم من يقاتل على

تأويل القرآن كما قاتلت على تنزيله فسألوه: من هو؟ فأشار إليّ وقال صلی الله علیه وآله وسلم؟ فأشار إليّ وقال : خاصف النعل يا سعد! إني اخترت الجهاد في سبيل الله على الجحود بما أنزل الله ومعالجة الأغلال في نار جهنم إن وجدت على ذلك أعواناً. قال له سعد: فهنيئاً لك، فلست أبخع (أبخل) بنفسي إذا كنت خيراً مني، قد جاهدت وأنا قوي وأنا أعرف بالجهاد وبايعتك وأنت أولى بالحق ممن خالفك. قال له علي علیه السلام : أخبرني عمن كنت بايعته من الخلفاء قبلي كان في شرطك وشرط الأمة عليهم إن قاتلهم أحد بأن لا تقاتل؟ قال: لا. قال: أفطلبت إليهم سيفاً يعرف المؤمن من الكافر كما طلبت إلي؟ فلم يردّ عليه سعد شيئاً (1) .

كان سعد بن أبي وقاص من السابقين إلى الإسلام وقد لعب دوراً في صدر الإسلام في الأمور السياسية والاجتماعية والعسكرية. وحين حقق النصر في معركة القادسية على رأس جيش الخليفة الثاني، عُرف ب-"القائد الفاتح". ثم جعله عمر بن الخطاب في الشورى السداسية.

أسباب عدم نصرة سعد لعلي علیه السلام

السبب الأول: تفيد المواضيع والوثائق المنقولة بأن أهم ذريعة كان يتذرع بها سعد بن أبي وقاص في عدم نصرة الإمام علي علیه السلام كانت تتمثل في

ص: 87


1- أخبار الجمل، ص 24 ، المتخاذلون عن القتال مع أمير المؤمنين علي علیه السلام.

رؤيته لمخالفي الإمام علیه السلام واعتباره حروبه معهم حروباً داخلية بين المسلمين.

السبب الثاني: يبدو أن أحد أسباب تخلف سعد بن أبي وقاص عن الإمام علي علیه السلام قتل علي علیه السلام الأخوال سعد في حروب صدر الإسلام وامتلاء قلبه حقداً عليه لذلك. ولقد أشار الإمام علیه السلام في خطبته الشقشقية إلى ما كان يعتمل في صدر سعد من كره له، وذلك قوله علیه السلام : فصغا رجل منهم لضغنه(1).

تفيد رواية نقلها الهيثمي بأن سعد بن أبي وقاص نال من الإمام علي علیه السلام في حياة رسول الله صلی الله علیه وآله وسلم فتأذى النبي منه (2).

إن سعداً هو من قال: لقد أكثر محمد في حق على حتى لو أمكنه أن يقول لنا اعبدوه،لقال(3).

ص: 88


1- "حتى إذا مضى لسبيله جعلها في جماعة زعم أني أحدهم فيا لله وللشورى! متى اعترض الريب في مع الأول منهم حتى صرت أقرن إلى هذه النظائر!؟ لكني أسففت إذ أسفوا وطرت إذ طاروا فصغا رجل منهم لضغنه ومال الآخر لصهره مع هن وهن نهج البلاغة، ص30، الخطبة .. الرجل المعني بكلام الإمام علیه السلام إما طلحة أو سعد بن أبي وقاص. غير أن بعض التقارير تفيد بأن طلحة لم يكن حاضراً في المدينة عند وفاة عمر، وأن الذي كان يحقد على الإمام علیه السلام ويمنع من توليه الخلافة كان سعد. "فأما الرواية التي جاءت بأن طلحة لم يكن حاضراً يوم الشورى، فإن صحت فذو الضغن هو سعد بن أبي وقاص، لأن أمه حمية بنت سفيان بن أمية بن عبد شمس الضغينة التي عنده على علي علیه السلام من قبل أخواله الذين قتل صناديدهم وتقلد دماءهم. شرح نهج البلاغة، ج1، ص190، قصة الشورى، الخطبة الثالثة.
2- "عن سعد بن أبي وقاص قال: كنت جالساً في المسجد أنا ورجلين (هكذا: م) معي، فنلنا من علي، فأقبل رسول الله صلی الله علیه وآله وسلم غضبان يعرف في وجهه الغضب، فتعوذت بالله من غضبه، فقال: ما لكم وما لي؟ من آذى علياً فقد آذاني". مجمع الزوائد ومنبع الفوائد، ج9، ص129، باب منه جامع في من يحبه ومن يبغضه.
3- وروى باسناده إلى الباقر علیه السلام قال: لما كثر قول المنافقين وحسّاد أمير المؤمنين علیه السلام فيما يظهره رسول الله صلی الله علیه و آله وسلم من فضل علي علیه السلام ... وهم سعد ... فقالوا: لقد أكثر محمد ...... إرشاد القلوب المنجي من به من أليم العذاب، ج2، ص101 - 102 ، باب في فضائله علیه السلام، في نزول سورة والنجم وتكلم الشمس معه؛ بحار الأنوار الجامعة لدرر أخبار الأئمة الأطهار، ج 35 ، ص 276، تاريخ أمير المؤمنين علیه السلام ، الباب الثامن في نزول سورة والنجم، الحديث الخامس.

وكان سعد ممن تخلف عن جيش أسامة الذي أمر النبي صلی الله علیه و آله وسلم أصحابه في أواخر أيامه بالالتحاق به فعارضه سعد (1) فاستحق اللعن من رسول الله صلی الله علیه وآله وسلم (2) .

يشير المرحوم الشيخ الصدوق والعلاّمة المجلسي، في سياق تناولهما لبعض حوادث السقيفة وما جرى في الأيام التي تلت وفاة رسول الله صلی الله علیه وآله وسلم والدور الذي لعبه سعد: جلس أبوبكر في بيته ثلاثة أيام ولم يخرج إلى المسجد. وفي اليوم الثالث أتاه عمر بن الخطاب وطلحة والزبير وعثمان بن عفان وعبد الرحمن بن عوف وسعد بن أبي وقاص وأبوعبيدة بن الجراح مع

ص: 89


1- "فلما أصبح يوم الخميس عقد لأسامة لواء بيده ... فلم يبق أحد من وجوه المهاجرين الأولين والأنصار إلا انتدب في تلك الغزوة، فيهم ... سعد بن أبي وقاص. فتكلم قوم وقالوا: يستعمل هذا الغلام على المهاجرين الأولين. فغضب رسول الله صلی الله علیه و آله وسلم غضباً شديداً فخرج وقد عصب على رأسه عصابة وعليه قطيفة فصعد المنبر ....". الطبقات الكبرى، ج 2، ص190، سرية أسامة بن زيد بن حارثة؛ فتح الباري بشرح صحيح البخاري، ج7، ص 759 ، كتاب المغازي ، باب البعث النبي صلی الله علیه وآله وسلم أسامة بن زيد في مرضه [الذي] توفي فيه، الحديث 4469؛ عمدة القاري شرح صحيح البخاري، ج18، ص76، كتاب المغازي، باب بعث النبي صلی الله علیه وآله وسلم أسامة بن زيد في مرضه الذي توفي فيه، الحديث 449.
2- " في مرضه أنه قال: جهزوا جيش أسامة، لعن الله من تخلف عنه". الملل والنحل، ج1، ص29، المقدمة الرابعة؛ شرح نهج البلاغة، ج 6، ص 52 ، ذكر أمر فاطمة مع أبي بكر، الخطبة 66.

كل واحد منهم عشرة رجال من عشائرهم شاهرين سيوفهم، فأخرجوه من منزله وعلا المنبر (أجلسوه على منبر رسول الله صلی الله علیه وآله وسلم)(1).

السبب الثالث: من دوافع سعد الأخرى لعدم الوقوف إلى جانب الإمام علي علیه السلام كان طمعه في الخلافة. فبعد مقتل عثمان على يد الصحابة، كان سعد وعلي وطلحة والزبير ممن تبقى من الشورى وكان هو من المتنافسين على الخلافة (2).

ويرى الشيخ المفيد، كذلك، أن سعداً كان يطمع في الخلافة (3). يقول في هذا أما سعد بن مالك فسبب قعوده عن نصرة أمير المؤمنين علیه السلام الحسد له والطمع الذي كان منه في مقامه الذي يرجوه. فلما خاب من أمله حمله الحسد على خذلانه والمباينة له في الرأي.

ص: 90


1- "فلما كان في اليوم الثالث أتاه عمر .... المنبر ...." الخصال، ص 507، أبواب الاثني عشر، الذين أنكروا على أبي بكر جلوسه في الخلافة وتقدمه على علي بن أبي طالب اثنا عشر، الحديث الرابع؛ بحار الأنوار الجامعة لدرر أخبار الأئمة الأطهار، ج 28، ص213، كتاب الفتن والمحن الباب الابع، الحديث الثاني عشر.
2- "وأما السبب الثاني في الاختلاف في أمر الإمامة فهو أن عمر جعل الأمر شورى بين الستة ولم ينص على واحد بعينه إما منهم أو من غيرهم. فبقي في نفس كل واحد منهم أنه قد رشح للخلافة وأنه أهل للملك والسلطة. فلم يزل ذلك في نفوسهم وأذهانهم مصوراً بين أعينهم مرتسماً في خيالاتهم". شرح نهج البلاغة، ج9، ص28، أسباب المنافسة بين علي وعثمان، الخطبة 135.
3- الجمل والنصرة لسيد العترة في حرب البصرة، ص97، كلام بعض العلماء في ذكر أسباب تخلف القوم.

ويقول: والذي أفسد سعداً طمعه فيما ليس له بأهل وجرأة على مساماة أمير المؤمنين بإدخال عمر بن الخطاب إياه في الشورى وتأهيله إياه للخلافة وإيهامه لذلك أنه محل الإمامة، فقدم عليه وأفسد حاله في الدنيا والدين حتى خرج منها صفراً مما كان يرتجيه(1).

بسبب سابقته في الإسلام، كان سعد يحسب نفسه قميناً بالخلافة (2). ولكن الناس انهالوا على الإمام علي علیه السلام بعد قتل عثمان واختاروه خليفة خلافاً لما كان يأمله سعد.

السبب الرابع: ومن أسباب مخالفة سعد لعلي علیه السلام حسده له على فضائله ومناقبه. وقد أشار الشيخ المفيد إلى عامل الحسد في ذكره لأسباب قعوده عن نصرته (3).

ص: 91


1- الجمل والنصرة لسيد العترة في حرب البصرة، ص97، كلام بعض العلماء في ذكر أسباب تخلف القوم.
2- نبئت أن سعداً كان يقول: ما أزعم أني بقميص هذا أحق مني بالخلافة. قد جاهدت إذ أنا أعرف الجهاد ولا أبخع نفسي إن كان رجل خيراً مني .... الطبقات الكبرى، ج3، ص 143، ذكر جمع النبي صلى الله عليه وآله وسلم السعد أبويه بالفداء. "أنا أحق الناس بهذا الأمر. لم أشرك في دم عثمان ولم أحضر شيئاً من هذه الأمور الفتنة". أنساب الأشراف، ج3، ص 118، أمر الحكمين وما كان منهما.
3- "أما سعد بن مالك فسبب قعوده عن نصرة أمير المؤمنين علیه السلام الحسد له". الجمل والنصرة لسيد العترة في حرب البصرة، ص97، كلام بعض العلماء في ذكر أسباب تخلف القوم.

بل إن الإمام علياً علیه السلام، في خطبه، وصف سعداً بالحسد(1). كما أن الإمام الباقر علیه السلام أشار إلى حسد سعد بن أبي وقاص، وذلك قوله علیه السلام بأن قوماً حسدوا علياً علیه السلام لكثرة وأبغضوه ما أوصى رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم به وما أولاه من عنايته(2).

أسباب مخالفة محمد بن مسلمة للإمام علي علیه السلام

محمد بن مسلمة الأنصاري كان من الذين قعدوا عن نصرة أميرالمؤمنين علیه السلام بذريعة حديث سمعوه عن رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم. فقد زعم أن النبي صلی الله علیه و آله وسلم أمره ، إذا نشب الخلاف والنزاع بين المسلمين، بأن يأخذ سيفه ويعبر جبل أحد وأن لا يعود إلى داره إلاّ بعد أن تخمد الفتنة فيقعد في بيته حتى يُقتل أو يأتيه الموت (3).

ص: 92


1- "أما سعد بن أبي وقاص فحسود". المعيار والموازنة، ص108 ، كلام عمار بن ياسر رفع الله مقامه مع ابن عمر وابن مسلمة ثم كلام أمير المؤمنين علیه السلام في المتخلفين عنه؛ الإمامة والسياسة، ج1، ص54، اعتزال عبد الله بن عمر وسعد بن أبي وقاص ومحمد بن مسلمة عن مشاهدة هكذا، وربما مشاهد علي وحروبه.
2- بحار الأنوار الجامعة لدرر أخبار الأئمة الأطهار، ج 35، ص 276 ، تاريخ أمير المؤمنين علیه السلام ، الباب الثامن، قوله تعالى والنجم إذا هوى، الحديث الخامس.
3- "ثم بعث إلى محمد بن مسلمة. فلما أتاه قال له: بايع! قال: إن رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم أمرني إذا اختلف الناس وصاروا هكذا، وشبك بين أصابعه أن أخرج بسيفي فأضرب به عرض أحد. فإذا تقطع أتيت منزلي فكنت فيه لا أبرحه حتى تأتيني يد خاطية أو منية قاضية. شرح نهج البلاغة، ج4، ص 9، الخطبة 53.

إن عداء محمد بن مسلمة لعلي علیه السلام كان أحد أسباب عدم نصرته له. ويكفي، لإثبات هذا العداء من جانب محمد بن مسلمة لعلي وأهل البيت علیهم السلام أن نعلم أنه كان، بعد وفاة النبي صلی الله علیه وآله وسلم من أعوان أبي بكر وعمر وعثمان وثقاتهم وتقلد مناصب هامة في حكوماتهم وساهم في الهجوم على بيت الزهراء علهیما السلام.

تفيد الروايات التي نقلها الجوهري والحاكم النيسابوري والبيهقي والذهبي وابن كثير وابن أبي الحديد والمتقي الهندي أن محمد بن مسلمة الأنصاري شارك في الهجوم على بيت الزهراء علیهما السلام بمعية عمر بن الخطاب.

يقول إبراهيم بن عبد الرحمن بن عوف إن (أبي) عبد الرحمن بن عوف كان مع عمر بن الخطاب ذلك اليوم وأن محمد بن مسلمة كان معهم وأنه هو الذي كسر سيف الزبير (1).

من مؤشرات مؤازرة محمد بن مسلمة للخلفاء تنفيذه لاغتيال سعد بن عبادة. فإن سعد بن عبادة لم يبايع أبابكر بعد وفاة النبي صلی الله علیه وآله وسلم، ولم يبايع عمر بن الخطاب من بعده. أما أبوبكر في خلافته فقد عامله بالمداراة. وأما عمر

ص: 93


1- السقيفة وفدك، ص 45 و 71 القسم الأول؛ المستدرك على الصحيحين، ج3، ص70، كتاب معرفة الصحابة، أبوبكر بن أبي قحافة، الحديث 44422 السنن الكبرى، ج 12 ، ص281 ، كتاب قتال أهل البغي، جماع أبواب الرعاة، باب ما جاء في تنبيه الإمام علي من يراه أهلاً للخلافة بعده، الحديث 17054 ؛ تاريخ الإسلام ووفيات المشاهير والأعلام، ج3، ص12، عهد الخلفاء، حوادث سنة 11 الهجرية ؛ البداية والنهاية، ج5، ص 219، حوادث سنة 11 الهجرية خلافة أبي بكر، اعتراف سعد بن عبادة بصحة ما قاله الصديق يوم السقيفة وج 6 ، ص 306 ؛ كنز العمال في سنن الأقوال والأفعال، جه، ص 597، الحديث 14060 .

فما إن آلت إليه الخلافة حتى أجبره على مغادرة المدينة. فترك المدينة وتوجه إلى الشام. ولم يطق عمر بن الخطاب عدم بيعة سعد بن عبادة له، لذا بعث بمحمد بن مسلمة وخالد بن الوليد، حسب ما تفيد بعض المرويات، إلى الشام لاغتياله. فذهبا إلى الشام وقتلا سعد بن عبادة، وأشاعت أبواق السلطة أن سعد بن عباده قتله الجن(1).

هذا وقد نال محمد بن مسلمة في يوم الحرّة جزاء ما ترك من الحق وضنّ على الإمام علي علیه السلام بالنصرة وبايع معاوية وأعان الباطل. يقول ابن قتيبة وابن سعد إن جيش الشام هجم يوم الحرّة على بيت زيد بن محمد مسلمة فقتله ونهب جميع أمواله وممتلكاته(2).

ص: 94


1- إن محمد بن مسلمة الأنصاري تولى قتله بجعل جعلت له عليه. بحار الأنوار الجامعة لدرر أخبار الأئمة الأطهار، ج 28، ص 183 ، كتاب الفتن والمحن الباب الرابع، الحديث الأول. للمزيد من الاطلاع على تفاصيل هذه الحادثة، راجع أنساب الأشراف، ج2، ص 272، أمر السقيفة، موقف سعد بن عبادة من بيعة أبي بكر؛ الطبقات الكبرى، ج 3، ص 617، تسمية النقباء، ترجمة سعد بن عبادة وج7، ص391، تسمية من نزل الشام من أصحاب الرسول الله صلی الله علیه وآله وسلم، ترجمة سعد بن عبادة؛ العقد الفريد، ج4، ص 260، كتاب العسجدة الثانية في الخلفاء وتواريخهم وأخبارهم، الذين تخلفوا عن بيعة أبي بكر؛ سير أعلام النبلاء، ج1، ص277، ترجمة سعد بن عبادة، الرقم 55؛ شرح نهج البلاغة ، ج 17، ص 223، الطعن الثالث عشر، الرسالة 62.
2- فدخلوا دار محمد بن مسلمة فصاح النساء. فأقبل زيد بن محمد بن مسلمة إلى الصوت، فوجد عشرة ينهبون ... فضربوه بالسيف منهم أربعة في وجهه الإمامة والسياسة، ج1، ص213، غلبة أهل الشام على أهل المدينة. "حتى قتل زيد بن محمد بن مسلمة على بابه وسلمة بن عباد بن سلامة بن وقش ... ووجدوا جميعاً صرعى. وإن يزيد بن محمد أربع عشرة ضربة بسيف، منها أربع في وجهه". الطبقات الكبرى، ج 5 ، ص 255 ، الطبقة الثانية من أهل المدينة من التابعين ترجمة زيد بن محمد بن مسلمة.

أسباب تخلف أسامة بن زيد:

كان أسامة بن زيد ممن خذل علياً علیه السلام ولم ينصره. يقول وكيع بن [الجراح] إن جميع الصحابة والتابعين بايعوا علياً علیه السلام وقاتلوا معه في الجمل وصفين والنهروان ولم يتخلف عن القتال معه علیه السلام في حروبه من الصحابة غير محمد بن مسلمة وسعد بن أبي وقاص وأسامة بن زيد وعبد الله بن عمر(1).

يقول الشيخ المفيد إن أمير المؤمنين علیه السلام لما سار إلى البصرة بلغه أن سعد بن أبي وقاص وأسامة بن زيد ومحمد بن الله مسلمة وعبد بن عمر امتنعوا عن مرافقته. فأرسل علیه السلام في طلبهم، فلما حضروا قال: قد بلغني عنكم هنات (كلام ركيك) كرهتها. وأنا لا أكرهكم على المسير معي على بيعتي (مع وجود بيعتي في أعناقكم)؟ قالوا: بلى. قال: فما الذي يقعدكم عن صحبتي؟ قال له أسامة: أنت أعزّ الخلق على، ولكني عاهدت الله أن لا أقاتل أهل لا إله إلاّ الله.

إن أهم ذريعة تشبث بها أسامة بن زيد في عدم حضور حرب الجمل حادثة وقعت له في إحدى المعارك. فقد كان شهر رمحه بوجه رجل من المشركين فنطق المشرك بشهادة التوحيد ليحقن دمه. ولكن أسامة لم يعبأ بشهادته فقتله. فلما سمع النبي صلی الله علیه وآله وسلم بذلك قال : يا أسامة أقتلت رجلاً يشهد أن لا إله إلاّ الله؟ فقال: يا رسول الله إنما قالها تعوذاً. فقال له: ألا شفقت عن قتله؟

ص: 95


1- "لم يتخلف عن علي من التابعين إلاّ ... أسامة بن زيد وعبد الله بن عمر". تاريخ دمشق الكبير، ج 60 ، ص 343 ، ترجمة مسروق بن أجدع الرقم 7522.

فزعم أسامة أن النبي صلی الله علهی وآله وسلم أمره أن يقاتل بالسيف من قاتل المشركين. فإذا قوتل به المسلمون ضرب بسيفه الحجر فكسره(1).

فهل امتنع أسامة بن زيد عن نصرة الإمام علي علیه السلام لمجرد أنه ظن أن النبي قال له ما زعم أنه قال له؟

إذا كان أسامة يرتّب هذا الأثر العظيم على مجرد ظن، فماذا سيكون موقفه من مئات الفضائل الثابت صدورها عن النبي بحق علي علیه السلام؟

ماذا عن الروايات الصادرة عن النبي صلی الله علیه وآله وسلم حول حروب الإمام علي علیه السلام وسائر الصحابة الذين شهدوا معه تلك الحروب؟

يبدو أن أسامة كان يرعى مصلحته الشخصية حتى ولو على الظن، ويتهرب مما لا يظن فيه مصلحة له ولو تيقن من خلافه، كتخلفه عن حرب الجمل.

ص: 96


1- أن أمير المؤمنين علیه السلام لما همّ بالمسير إلى البصرة بلغه عن سعد بن أبي وقاص وابن مسلمة وأسامة بن زيد وابن عمر تثاقلهم عنه فبعث إليهم، فلما حضروا قال لهم قد بلغني عنكم هنات كرهتها ... وكان أسامة قد أهوى برمحه في عهد رسول الله إلى رجل في الحرب من المشركين فخافه الرجل فقال: لا إله إلا الله، فشجره بالرمح فقتله. فبلغ النبي صلی الله علیه وآله وسلم اهل الخبره فقال : يا أسامة ! أقتلت رجلاً ..... فكسره". الجمل والنصرة لسيد العترة في حرب البصرة، ص 95 ، في المتخلفين عن أمير المؤمنين علیه السلام.

أسباب تخلف حسان بن ثابت الشاعر وذرائعه:

تفيد تقارير الطبري وابن الأثير بأن حسان بن ثابت كان ممن لم يبايع علياً علیه السلام بعد مقتل عثمان (1). بل إن الإمام علیه السلام طرده من المدينة بسبب دفاعه عن عثمان وتحريض الناس، فذهب إلى الشام مع النعمان بن بشير وكعب بن مالك والتحق بمعاوية(2). وقد فرح معاوية كثيراً بانضمام حسان بن ثابت وكعب بن مالك والنعمان بن بشير ، فأعطى كلاً من كعب بن مالك وحسان بن ثابت ألف دينار (3).

من أهم أسباب مخالفة حسان بن ثابت للإمام علي علیه السلام حبه لعثمان وصداقته معه وعداؤه للإمام وأصحابه (4). فقد كان لعثمان على حسان فضل

ص: 97


1- "لما قتل عثمان بايعت الأنصار علياً إلاّ نفراً يسيراً منهم حسان بن ثابت ... كانوا عثمانية". تاريخ الطبري، ج2، ص 698 ، حوادث سنة 35 الهجرية خلافة أمير المؤمنين علي بن أبي طالب؛ الكامل في التاريخ، ج2، ص303، حوادث سنة 35 الهجرية، ذكر بيعة أمير المؤمنين علي بن أبي طالب علیه السلام.
2- "لما بويع علي بن أبي طالب بلغه عن حسان بن ثابت وكعب بن مالك والنعمان بن بشير، وكانو عثمانية، أنهم يقدمون بني أمية على بني هاشم ويقولون: الشام خير من المدينة ... فقال علي: أترد علي بين ظهراني المسلمين بلا نية صادقة ولا حجة واضحة؟ اخرجوا فلا تجاوروني في بلد أنا فيه أبداً. فخرجوا من يومهم. فساروا حتى أتوا معاوية". تاريخ دمشق الكبير، ج 53، ص137، ترجمة كعب بن ج53، مالك، الرقم 5935.
3- فأعطى حسان بن ثابت وكعب بن مالك ألف دينار". تاريخ دمشق الكبير، ج 53، ص137، ترجمة كعب بن مالك، الرقم 5935.
4- "حسان كان عثمانياً ومنحرفاً عن علي ... فلما ورد قيس المدينة أتاه حسان بن ثابت شامتاً، وكان عثمانياً، فقال له: نزعك علي وقد قتلت عثمان فبقي عليك الإثم ولم يحسن لك الشكر". أنساب الأشراف، ج3، ص 164، أمر مصر في خلافة علي ومقتل محمد بن أبي بكر.

وإحسان. فكان حسان يشعر تجاهه بالامتنان والمديونية ولم يكن يطيع غيره(1).

أسباب تخلف النعمان بن بشير الأنصاري وذرائعه

من دراسة سيرة النعمان بن نشير ندرك أنه كان من نشير ندرك أنه كان من أعداء أهل البيت علیهم السلام بل كان يجاهر بعدائه لعلي علیه السلام . يقول أحمد بن يحيى البلاذري إنه لما عزل معاوية عبدّالرحمن بن أم الحكم عن الكوفة، جعل مكانه النعمان بن بشير. وكان النعمان بن بشير عثمانياً مجاهراً ببغض علي علیه السلتم مسيئاً بالقول فيه(2).

يقول ابن سعد وأبوالفرج الإصبهاني إن النعمان بن بشير كان عثمانياً موالياً لعثمان بن عفان جعله معاوية على الكوفة مدة .

يقول أبو الفرج الإصبهاني: أمر معاوية لأهل الكوفة بزيادة عشر (هكذا: م ) دنانير في أعطيتهم وعامله يومئذٍ على الكوفة وأرضها النعمان بن (3)

ص: 98


1- "وكان حسان عثمانياً منحرفاً من غيره وكان عثمان إليه محسناً.مروج الذهب ومعادن الجوهر، ج 2، ص 383 ، ما قيل فيه من الرثاء.
2- وكان النعمان عثمانياً مجاهراً ببغض علي سيئ القول فيه. أنساب الأشراف، ج3، ص369، المراسلات بين الحسين وأهل العراق.
3- " وكان النعمان عثمانياً". الأغاني، ج 16 ، ص 36 ، أخبار النعمان بن بشير ونسبه؛ الطبقات الكبرى، ج 6، ص 53، ترجمة النعمان بن بشير.

بشير وكان عثمانياً وكان يبغض أهل الكوفة لرأيهم في علي علیه السلام ، فأبى النعمان أن ينفذها لهم(1).

ويقول ابن أبي الحديد وكان النعمان بن بشير الأنصاري منحرفاً عنه (عن علي علیه السلام ) وعدواً له وخاض الدماء مع معاوية خوضاً. وكان من اُمراء يزيد ابنه حتى قتل وهو على حاله(2).

في أشعار له أنشدها، اعتبر النعمان بن بشير معاوية إماماً له ونال من الإمام علي علیه السلام. وذلك قوله منشداً:

لقد طلب الخلافة من بعيد ... وسارع في الضلال أبوتراب

معاوية الإمام وأنت منها ... على وتح بمنقطع السراب (3)

يقول الصحابي الجليل قيس بن سعد عن النعمان بن بشير أنه ضال مضِّل (4).

ص: 99


1- الأغاني، ج 16، ص 37، أخبار النعمان بن بشير ونسبه.
2- شرح نهج البلاغة، ج 4 ، ص 77، فصل في ذكر المنحرفين عن علي علیه السلام، الخطبة 56.
3- شرح نهج البلاغة، ج13، ص 241 ، القول في إسلام أبي بكر وعلي وخصائص كل منهما، الخطبة 238.
4- جاء فيه عن قيس بن سعد الأنصاري الصحابي العظيم أنه ضالّ مضّل". "وهو الخارج على إمامه يوم صفين ومحاربه في صف الطغام الطغاة. وهو الذي عرفه قيس بن سعد الأنصاري يوم الأنصاري يوم ذاك بقوله: وأنت والله الغاش الضال المضّل". الغدير في الكتاب والسنة والأدب، ج 9، ص 358؛ سلسلة الموضوعات، عهد النبي صلی الله علیه وآله وسلم الى عثمان ، الحديث الأول وص511، الحديث 49.

أما السيد النمازي فيشير إلى كون النعمان بن بشير عثمانياً وأموياً ويعتبره زنديقاً كافراً(1).

كان النعمان بن بشير ممن طردهم الإمام علي علیه السلام من المدينة. فبعد أن قتل الصحابة عثمان بن عفان وبايع المسلمون بالإجماع الإمام علياً علیه السلام، كان النعمان بن بشير من الأفراد القلائل الذين لم يبايعوه، فعزم، ومعه كعب مالك وحسان بن ثابت على الخروج من المدينة والالتحاق بمعاوية في الشام. فبلغ الإمام علیه السلام ذلك ، فجاء هؤلاء الثلاثة إليه وأخذوا يدافعون عن عثمان في حضرته. فقال لهم الإمام علیه السلام: اخرجوا عني فلا تجاوروني في بلد أنا فيه أبداً، فساروا حتى أتوا معاوية(2).

عندما ترك النعمان بن بشير المدينة أخذ معه قميص عثمان وكان ملطخاً بدمه، ولحيته المنتوفة، وأصابع يد زوجته نائلة المقطوعة، وأعطاها لمعاوية. وكانت أم حبيبة، أخت معاوية وإحدى زوجات النبي صلی الله علیه وآله وسلم، قد بعثت بشخص إلى نائلة زوج عثمان ليجلب منها قميص عثمان الدامي الذي قتل

ص: 100


1- وسائر ما يدل على كفره وزندقته. مستدركات علم رجال الحديث، ج 8، ص79، ترجمة النعمان بن بشير، الرقم 15601.
2- "لما بويع علي بن أبي طالب، بلغه عن حسان بن ثابت وكعب بن مالك والنعمان بن بشير، وكانوا عثمانية، أنهم يقدمون بني أمية على بني هاشم ويقولون: الشام خير من المدينة. واتصل بهم أن ذلك قد بلغه، فدخلوا عليه ... فقال علي: أترد علي بين ظهراني المسلمين بلا نية صادقة ولا حجة واضحة؟ اخرجوا عني فلا تجاوروني في بلد أنا فيه أبداً. فساروا حتى أتوا معاوية". الأغاني، ج16، ص 248، أخبار كعب بن مالك الأنصاري ونسبه؛ تاريخ دمشق الكبير، ج13، ص137، ترجمة كعب بن مالك، الرقم 5935.

فيه وبعض شعر لحيته المنتوفة وأصابع نائلة المقطوعة، وأرسلتها بيد النعمان بن بشير وعبد الرحمن بن حاطب إلى معاوية من أجل إثارة مشاعر أهل الشام وتحريضهم على الإمام علي علیه السلام(1).

لما ذهب النعمان بن بشير وحسان بن ثابت وكعب بن مالك إلى الشام، فرح معاوية كثيراً بانضمامهم إليه فأعطى كلاً من حسان بن ثابت وكعب بن مالك ألف دينار وأعطى النعمان بن بشير ولاية حمص ثم عزله عنها وعينه حاكماً للكوفة (2).

كان للنعمان بن بشير منزلة رفيعة لدى معاوية وابن يزيد(3).

ص: 101


1- " لما قدم عليهم النعمان بن بشير بقميص عثمان الذي قتل فيه مخضباً بدمه وبأصابع نائلة زوجته مقطوعة بالبراجم إصبعان منها وشيء من الكف وإصبعان مقطوعتان من أصولهما ونصف الإبهام، وصع معاوية القميص على المنبر .... تاريخ الطبري، ج 3، ص70 ، حوادث سنة 36 الهجرية، توجيه علي بن أبي طالب جرير بن عبد الله البجلي إلى معاوية. "أرسلت أم حبيبة إلى أهل عثمان: أرسلوا إلي بثياب عثمان التي قتل فيها. فبعثوا بقميصه بالدم وبالخصلة التي نتفت من لحيته. ودعت النعمان بن بشير فبعثت به إلى معاوية، فصعد معاوية المنبر ونشر القميص وجمع الناس ودعا إلى الطلب بدمه ..... سير أعلام النبلاء، ج 2، ص 139، ترجمة معاوية، الرقم 25.
2- فأعطى حسان بن ثابت ألف دينار وكعب بن مالك ألف دينار وولى النعمان بن بشير حمص ثم نقله إلى الكوفة تاريخ دمشق الكبير، ج 53 ، ص 137، ترجمة كعب بن مالك، الرقم 5935.
3- وشهد مع معاوية صفين ولم يكن معه من الأنصار غيره وكان كريماً عليه رفيعاً عنده وعند يزيد ابنه بعده". الأغاني، ج16، ص 36، أخبار النعمان بن بشير ونسبه. وكان النعمان ذا منزلة من معاوية". تاريخ دمشق الكبير، ج51، ص 79، ترجمة غياث بن غوث، الرقم 5676.

كان النعمان بن بشير من أعوان معاوية وأنصاره، شهد معه صفين وكان واليه على اليمن والكوفة وحمص وتولى القضاء في دمشق فترة من الزمن(1).

يقول اليعقوبي: وكان مع علي يوم صفين من أهل بدر سبعون رجلاً وممن بايع تحت الشجرة سبعمائة رجل ومن سائر المهاجرين والأنصار أربعمائة رجل ولم يكن مع معاوية من الأنصار إلا النعمان بن بشير ومسلمة بن مخلد (2).

قال معاوية: صحبني أربعة من الأنصار؛ النعمان بن بشیر فوليته حمص، ومسلمة بن مخلد فوليته مصر، وعمرو بن سعيد فوليته فلسطين، وفضالة بن عبيد فوليته القضاء. ولو زادوني لزدتهم. ولأنا خير لهم من أبي بكر وعمر (3).

يقول الإمام علي علیه السلام: إني لا أتعجب من معاوية وبغضه وحسده ولكن أتعجب من النعمان بن بشير وعبد الله بن عامر بن كريز وقد رأوا منزلتي عند رسول الله صلی الله علیه وآله وسلم(4) .

ص: 102


1- " كان منقطعاً إلى معاوية، فولاه الكوفة مدةً وولي قضاء دمشق بعد فضالة بن عبيد وولي إمرة حمص مدة تاريخ الإسلام ووفيات المشاهير والأعلام، ج5، ص 262 ، حوادث ووفيات 61 - 80، ترجمة النعمان بن بشير، الرقم 115؛ سير أعلام النبلاء، ج3، ص 412 ، ترجمة النعمان بن بشير، الرقم 66.
2- تاريخ اليعقوبي، ج2، ص188 ، خلافة أمير المؤمنين على بن أبي طالب علیه السلام.
3- "قال معاوية: صحبني ..... أنساب الأشراف، جه ، ص 167، ترجمة معاوية بن أبي سفيان.
4- مناقب الخوارزمي ، ص 255 ، الفصل الثالث في بيان قتال أهل الشام أيام صفين وهم القاسطون.

أسباب تخلف كعب بن مالك وذرائعه

يقول الطبري في معرض تناوله للأشخاص الذين لم يبايعوا الإمام علياً علیه السلام إنه لما قتل عثمان بايعت الأنصار علياً إلا نفيراً يسيراً منهم حسان بن ثابت وكعب بن مالك ومسلمة بن مخلد وأبوسعيد الخدري ومحمد بن مسلمة والنعمان بن بشير وزيد بن ثابت ورافع بن خديج وفضالة بن عبيد وكعب بن عجرة كانوا عثمانية (1).

كان كعب بن مالك أحد النواصب المعادين للإمام علي وأهل البيت علیهم السالم وكان من العثمانية الموالين للخليفة الثالث وأعوان الحزب الأموي ومعاوية. لذا فإن سبب عدم مبايعته للإمام علیه السلام كونه عثمانياً. يقول ابن شهاب إن كعب بن مالك كان يدعو الأنصار إلى الدفاع عن عثمان عندما كان يحاصره الصحابة في داره، وكان يقول: يا معشر الأنصار انصروا الله مرتين(2). ولا يخفى أن ولاءه ودعمه لعثمان يعود إلى ما بذله عثمان عليه ووهبه إياه(3).

ص: 103


1- تاريخ الطبري، ج2، ص 698 ، حوادث سنة 35 الهجرية، خلافة أمير المؤمنين علي بن أبي طالب.
2- "عن أبي شهاب قال: بلغني أن كعب بن مالك قال يوم الدار: يا معشر الأنصار انصروا الله مرتين". الاستيعاب في معرفة الأصحاب، ج3، ص383، ترجمة كعب بن مالك، الرقم 2231.
3- "فقال رجل لعبد الله بن حسن: كيف أبى هؤلاء بيعة علي وكانوا عثمانية؟ فقال: فأما كعب بن مالك فاستعمله على صدقة مزينة وترك ما أخذ منهم له". تاريخ الطبري، ج 2، ص698، حوادث سنة 35 الهجرية، خلافة أمير المؤمنين علي بن أبي طالب.

إنه كان من الذين طردهم الإمام علي علیه السلام من المدينة لما تآمروا به أثاروه من فتنة(1). ولما التحق كعب بن مالك مع حسان بن ثابت والنعمان بن بشير بمعاوية في الشام، فرح معاوية فرحاً شديداً فأعطى كلاً من كعب بن مالك وحسان بن ثابت ألف دينار وولى النعمان بن بشير حمص ثم عزله عن حمص وجعله والياً على الكوفة (2).

أسباب تخلف عبد الله بن سلام وذرائعه

يقول الطبري وابن الأثير إن عبد الله بن سلام كان عثمانياً موالياً لعثمان داعماً له. ولم يبايع الإمام علياً علیه السلام بعد مقتل الخليفة الثالث(3).

ص: 104


1- "لما بويع علي بن أبي طالب بلغه عن حسان بن ثابت وكعب بن مالك والنعمان بن بشير، وكانوا عثمانية، أنهم يقدمون بني أمية على بني هاشم ويقولون: الشام خير من المدينة. واتصل بهم أن ذلك قد بلغه، فدخلوا عليه ... فقال علي: أترد علي بين ظهراني المسلمين بلا نية صادقة ولا حجة واضحة؟ اخرجوا فلا تجاوروني في بلد أنا فيه أبداً. فخرجوا من يومهم فساروا حتى أتوا معاوية". تاريخ دمشق الكبير، ج 53 ، ص ،137 ، ترجمة كعب بن مالك، الرقم 5935.
2- فساروا حتى أتوا معاوية، فقال لهم لكم الكفاية أو الولاية. فأعطى كعب بن مالك ألف دينار". تاريخ دمشق الكبير، ج 53 ، ص137 ، ترجمة كعب بن مالك، الرقم 5935.
3- ... هرب قوم من المدينة إلى الشام ولم يبايعوا علياً. ولم يبايعه قدامة بن مظعون وعبد الله بن سلام والمغيرة بن شعبة". تاريخ الطبري، ج2، ص 698 ، حوادث سنة 35 الهجرية، ذكر الخبر عن بيعة من بايعه والوقت الذي بويع فيه. "ولم يبايعه عبد الله بن سلام وصهيب بن سنان وسلمة بن سلامة بن وقش ..... الكامل في التاريخ، ج2، ص303، حوادث سنة 35 الهجرية، ذكر بيعة أمير المؤمنين علي بن بن أبي طالب.

يقول ابن الأثير الجزري: لما أريد قتل عثمان، جاء عبد الله بن سلام فقال له عثمان ما جاء بك؟ قال: جئت لنصرك. قال (عثمان): اخرج إلى الناس فاطردهم عني، فإنك خارج خير إلي منك داخل. فخرج عبد الله (بن سلام) إلى الناس فقال: أيها الناس ... فالله الله في هذا الرجل أن تقتلوه قالوا (قال جماعة من الناس) اقتلوا اليهودي (عبد الله بن سلام) واقتلوا عثمان(1).

أسباب تخلف زيد بن ثابت وذرائعه

كان زيد بن ثابت من صحابة رسول الله صلی الله علیه وآله وسلم . يحتل لدى أهل السنة منزلة رفيعة بسبب موقفه المؤيد لحادثة السقيفة والخدمات الكثيرة التي قدمها لحكومات الخلفاء، ويروون له فضائل ومناقب كثيرة.

تفيد المصادر والوثائق بأن زيد بن ثابت كان من اليهود الذين تسللوا إلى مراكز السلطة في عهد أبي بكر ثم عمر وعثمان، ووجّه طعنات كثيرة للإسلام (2).

ص: 105


1- أسد الغابة في معرفة الصحابة، ج 3، ص 265، ترجمة عبد الله بن سلام الرقم 2986.
2- "إن زيد بن ثابت ليهودي له ذؤابتان. تاريخ المدينة المنورة، ج3، ص1008.

ورغم أنه كان من الأنصار فإنه وقف إلى جانب المهاجرين في السقيفة وساعد في تثبيت خلافة أبي بكر (1).

ويقول البلاذري إنه كان ممن شارك في الهجوم على دار فاطمة الزهراء علیها السلام كلفه أبوبكر بجلب الإمام علي علیه السلام والزبير (2).

وكان لزيد بن ثابت دور بارز في الدفاع عن عثمان في أثناء محاصرته في داره. فعندما حاصر صحابة رسول الله صلی الله علیه وآله وسلم عثمان في بيته لما كان ارتكبه من مظالم وأبدعه من بدع ذهب جماعة من الأنصار إلى زيد بن ثابت يستمزجون رأيه، فطلب منهم أن يسارعوا في نصرة عثمان وقال لهم: إنكم نصرتم رسول الله صلی الله علیه وآله وسلم فكنتم أنصار الله، فانصروا خليفته تكونوا أنصار الله مرتين. فقال الأنصاري الحجاج بن غزية مستاء: والله إن تدري هذه البقرة الصيحاء ما تقول. والله لو لم يبق من أجله [ يعني عثمان] إلاّ ما بين العصر إلى الليل لتقربنا إلى الله بدمه (3).

ص: 106


1- قام زيد بن ثابت فقال إن رسول الله كان من المهاجرين وكان إمامنا وإمام المسلمين. وإنما يكون الإمام من المهاجرين ونحن أنصاره". المسند، ج 5، ص 186، حديث زيد بن ثابت؛ أنساب الأشراف، ج10، ص84، نسب بني تيم، ترجمة أبي بكر.
2- "لما بايع الناس أبا بكر اعتزل علي والزبير. فبعث إليهما عمر بن الخطاب وزيد بن ثابت، فأتيا منزل علي فقرعا الباب .... أنساب الأشراف، ج2، ص267، أمر السقيفة.
3- أنساب الأشراف، ج6، ص211، مقتل عثمان بن عفان. "لما حصر عثمان أتاه زيد بن ثابت فدخل عليه الدار فقال له عثمان أنت خارج الدار أنفع لي منك هاهنا، فذبّ عني. فخرج فكان يذبّ الناس". تاريخ دمشق الكبير، ج 21، ص 224، ترجمة زيد بن ثابت، الرقم 2337؛ سير أعلام النبلاء، ج2، ص 435، ترجمة زيد بن ثابت الرقم 85.

كان زيد بن ثابت ممن جنى منافع مالية جمة في عهد عثمان، وهذا ما جعله يدافع عنه. وكان سيفقد تلك الثروة الطائلة لو كان وقف إلى جانب علي علیه السلام لذا قعد عن بيعته. يقول عبد الله بن حسن عن عدم مبايعة زيد بن ثابت لعلي علیه السلام: أما زيد بن ثابت فولاه عثمان الديوان وبيت المال. فلما حصر عثمان قال: يا معشر الأنصار كونوا أنصار الله مرتين. (قال ذلك مرتين) فقال :أبو أيوب: ما تنصره إلاّ أنه أكثر لك من العضدان (النخل)(1) .

وكان زيد بن ثابت أحد أنصار معاوية وعماله(2)، وكان يدعوه " امیر المؤمنين"(3) ويروي في فضله الروايات (4)ويتلقى منه الهدايا والعطايا(5). يقول

ص: 107


1- "لما قتل عثمان بايعت الأنصار علياً إلا نفيراً يسيراً منهم زيد بن ثابت ... فقال رجل لعبد الله بن حسن: كيف أبى هؤلاء بيعة علي وكانوا عثمانية؟ قال: أما زيد ...... ". تاريخ الطبري، ج2، ص 698، حوادث سنة 35 الهجرية، خلافة أمير المؤمنين علي بن أبي طالب.
2- "كان زيد بن ثابت مترئساً بالمدينة في القضاء والفتوى والقراءة والفرائض في عهد عمر وعثمان وعلي في مقامه بالمدينة وبعد ذلك خمس سنين حتى ولي معاوية سنة أربعين فكان كذلك أيضاً حتى توفي زيد سنة خمس وأربعين . الطبقات الكبرى، ج2، ص 360 ، ترجمة زيد بن ثابت. "كان معاوية ولاه [عبد الملك بن مروان] ديوان المدينة بعد زيد بن ثابت الأنصاري". أنساب الأشراف، ج7، ص194، أمر عبد الملك بن مروان. كان زيد بن ثابت يأخذ العطاء من معاوية. الاستيعاب في معرفة الأصحاب، ج3، ص 473، ترجمة معاوية، الرقم 2464.
3- "العبد الله معاوية أمير المؤمنين من زيد بن ثابت: سلام عليك أمير المؤمنين ورحمة الله .... المعجم الكبير، جه، ص134، الحديث 4860.
4- "العبد الله معاوية أمير المؤمنين من زيد بن ثابت: سلام عليك أمير المؤمنين ورحمة الله .... المعجم الكبير، جه، ص134، الحديث 4860.
5- "كان زيد بن ثابت يأخذ العطاء من معاوية". الاستيعاب في معرفة الأصحاب، ج3، ص 473، ترجمة معاوية، الرقم 2464.

ابن عبدالبر: كان عثمان يحب زيد بن ثابت وكان زيد عثمانياً ولم يكن في من شهد شيئاً من مشاهد علي مع الأنصار علیه السلام (1).

ويعد إبراهيم بن محمد الثقفي زيد بن ثابت من أعداء الإمام علي علیه السلام ومبغضيه من الحجازيين(2).

ويقول ابن أبي الحديد، استناداً إلى هذه الوثائق: وكان زيد بن ثابت عثمانياً شديداً في ذلك(3).

أسباب تخلف صهيب بن سنان الرومي وذرائعه

استناداً إلى ما نقله الطبري وابن الأثير ، كان صهيب بن سنان الرومي عثمانياً مدافعاً عن الخليفة الثالث، لم يبايع علياً علیه السلام حين بايعه الناس بعد مقتل عثمان(4).

كان صهيب من ثقات عمر بن الخطاب المقربين إليه. وعندما تعرض عمر بن الخطاب للاغتيال أوصى بأن يتولى صهيب الصلاة عليه إذا مات.

ص: 108


1- الاستيعاب في معرفة الأصحاب، ج2، ص 113، ترجمة زيد بن ثابت، الرقم 840.
2- "وكان بالحجاز من مبغضيه ... زيد بن ثابت الغارات، ج2، ص 569 ، في من فارق علياً علیه السلام وعاداه.
3- شرح نهج البلاغة، ج 4، ص 102 ، فصل في ذكر المنحرفين عن علي علیه السلام، الخطبة 56.
4- ... هرب قوم من المدينة إلى الشام ولم يبايعوا علياً. ولم يبايعه قدامة بن مظعون وعبد الله بن سلام والمغيرة بن شعبة". تاريخ الطبري، ج 2، ص 698 ، حوادث سنة 35 الهجرية، ذكر الخبر عن بيعة من بايعه والوقت الذي بويع فيه. "ولم يبايعه عبد الله بن سلام وصهيب بن سنان وسلمة بن سلامة بن وقش ..." الكامل في التاريخ، ج2، ص303، حوادث سنة 35 الهجرية، ذكر بيعة أمير المؤمنين علي بن أبي طالب.

وكان صهيب مخصوصاً بإمامة المصلين في أثناء الشورى وحتى حسم خلافة المسلمين (1).

يقول البخاري إن صهيباً لما سمع باغتيال عمر بن باغتيال عمر بن الخطاب ذهب إليه وهو يبكي وأعرب عن محبته له بقوله "وا أخاه" و"وا صاحباه"(2).

أسباب تخلف فضالة بن عبيد وذرائعه

كان فضالة بن الأنصاري أحد أعداء الإمام علي علیه السلام ومن أعضاء الحزب الأموي المخلصين له، ولم ينصر علياً علیه السلام في أية من حروبه.

لم يقف فضالة إلى جانب علي علیه السلام بعد مقتل عثمان على يد صحابة رسول الله صلی الله علیه وآله وسلم بل ذهب إلى الشام وانضم إلى معاوية. وكان معاوية يعاني من قلة الصحابة في حزبه، ففرح فرحاً شديداً بانضمام فضالة بن عبيد إلى معسكره ولم يقصر في حقه. وكان فضالة من قادة جيش معاوية، وتولى قضاء

ص: 109


1- وكان عمر بن الخطاب محباً لصهيب حسن الظن فيه، حتى أنه لما ضُرب أوصى أن يصلي عليه صهيب وأن يصلي بجماعة المسلمين ثلاثاً حتى يتفق أهل الشورى على من يستخلفه". أسد الغابة في معرفة الصحابة، ج 3، ص 41 ، ترجمة صهيب بن سنان، الرقم 2538.
2- "فلما أصيب عمر دخل صهيب يبكي ويقول: وا أخاه واصاحباه .... صحيح البخاري، ص256، كتاب الجنائز، الباب 32 باب قول النبي صلی الله علیه وآله وسلم : يعذب الميت ببعض بكاء أهله ...، الحديث 1287.

دمشق بعد وفاة أبي الدرداء. وكان معاوية، كلما خرج من دمشق، جعل فضالة نائباً له عليها(1).

ذكر شمسُ الدين الذهبي فضالة بن عبيد مع الصحابة المعدودين الذين وقفوا إلى جانب معاوية وهم عمرو بن العاص وبسر بن أرطاة ومسلمة بن مخلد والنعمان بن بشير ومعاوية بن حديج وحبيب بن مسلمة وأبوالأعور السلمي وأبو الغادية الجهني (2). ويفيد البلاذري بأن معاوية لم يقصر في تكريمه تثميناً لموقفه(3).

أسباب تخلف كعب بن عجرة وذرائعه

كان كعب بن عجرة من أنصار الحزب الأموي والموالين لعثمان والمعادين للإمام علي وأهل البيت الله علیهم السلام ، ولم ينتصر علياً علیه السلام بعد مقتل عثمان.

ص: 110


1- ولاّه معاوية الغزو وقضاء دمشق واستخلفه على دمشق. تهذيب التهذيب، ج8، ص 241، ترجمة فضالة بن عبيد، الرقم 499 .
2- تسمية من شهدها مع معاوية من الصحابة: عمرو بن العاص وابنه وفضالة بن عبيد والنعمان بن بشير". العبر في خبر من غير، ج1، ص30، سنة سبع وثلاثين.
3- قال معاوية : صحبني أربعة من الأنصار النعمان بن بشير فولّيته حمص ومسلمة بن مخلد فوليته مصر وعمرو بن سعيد فوليته فلسطين وفضالة بن عبيد فولّيته القضاء. ولو زادوني لزدتهم ولأنا خير لهم من أبي بكر وعمر". أنساب الأشراف، جه ، ص 167، ترجمة معاوية بن أبي سفيان.

بل كان يحرض الناس على محاربته في الجمل وصفين بحجة الثأر من قتلة الخليفة الثالث (1).

على أن كعب بن عجرة، رغم نقله لحديث الغدير وحديث سد الأبواب وواقعة حرب خيبر وحديث الطير وحديث الكساء(2) في فضائل الإمام علي وأهل البيت علیهم السلام ومناقبهم ورواية أنه سيكون بعدي أمراء، فمن دخل عليهم فصدقهم بكذبهم وأعانهم على ظلمهم فليس مني ولست منه وليس بواردِ الحوض. ومن لم يدخل عليهم ولم يعنهم على ظلمهم ولم يصدّقهم بكذبهم فهو مني وأنا منه وهو وارد علىّ الحوض(3). في ذم تصديق حكم الظالمين بعد ارتحال النبي صلی الله علیه وآله وسلم ، وإعانتهم ، فإنه لم يكتف بعد العمل بمضامين تلك الروايات، بل أصر على العمل بنقيضها.

ورغم أنه يروي عن رسول الله صلی الله علیه وآله وسلم قوله (لا تسبوا علياً فإنه ممسوس في ذات الله)(4) في حق علي علیه السلام، إلاّ أنه كان يحثّ الناس على محاربته وقتله.

ص: 111


1- "وكان كعب بن عجرة الأنصاري أيضاً ممن بالغ في الحث على الطلب بدم عثمان". أنساب الأشراف، ج3، ص76، أمر صفين.
2- بحار الأنوار الجامعة لدرر أخبار الأئمة الأطهار، ج40، ص 69 ، تاريخ أمير المؤمنين علیه السلام، الباب 91 جوامع مناقبه، الحديث 104؛ الغدير في الكتاب والسنة والأدب، ج1، ص140، رواة حديث الغدير من الصحابة، الرقم 100، أبو محمد كعب بن عجرة.
3- سنن الترمذي، ص 416 ، كتاب الفتن الباب ،72 ، الحديث 2259؛ المستدرك على الصحيحين، ج1، ص151، كتاب الإيمان، الحديث 263.
4- مجمع الزوائد ومنبع الفوائد، ج9، ص130 ، باب منه جامع في من يحبه ومن يبغضه.

هذا وقد نال كعب بن عجرة جزاءً عدم مبايعته للإمام علي علیه السلام ومساعيه المعادية لوصي رسول الله صلی الله علیه وآله وسلم وتعاونه مع الحزب الأموي، أن قتل جيش الشام ويزيد ابنيه إسحاق ومحمداً في واقعة الحرّة في المدينة سنة 63 الهجرية (1).

أسباب تخلف الوليد بن عقبة ومروان بن الحكم وسعيد بن العاص

أما أمثال مروان بن الحكم وسعيد بن العاص والوليد بن عقبة فقد دفعهم بغضهم للإمام علي علیه السلام ومطالباتهم غير المعقولة منه إلى القعود عن بيعته ونصرته. يقول اليعقوبي عن ذهابهم للإمام علهی السلام وعرضهم شكاواهم ومطاليبهم عليه وبايع الناس إلا ثلاثة نفر من قريش مروان بن الحكم وسعيد بن العاص والوليد بن عقبة وكان لسان القوم. فقال: يا هذا إنك قد وترتنا جميعاً؛ أما أنا فقتلت أبي صبراً يوم بدر، وأما سعيد فقتلت أباه يوم بدر وكان أبوه من نور قريش وأما مروان فشتمت أباه وعبت على عثمان حين ضمه إليه، على ذلك بنو عبدمناف. فتَبايَعْنا على أن تضع عنا ما أصبنا (أن) تسقط عقوبات ما فعلنا وتعفي لنا ما في أيدينا وتقتل قتلة صاحبنا (يعني عثمان)(2).

ص: 112


1- الطبقات الكبرى، جه ، ص 280 ، ترجمة إسحاق بن كعب ومحمد بن كعب.
2- تاريخ اليعقوبي، ج2، ص178 خلافة أمير المؤمنين على بن أبي طالب.

النقطة السابعة: أسباب إصرار الإمام علي علیه السلام على رفض الخلافة

يفيد أكثر التقارير التاريخية بأن الإمام علياً علیه السلام لرفض، بشتى الطرق والمبررات، قبول الخلافة ورشّح لها أشخاصاً غيره رغم إصرار عموم المسلمين على مبايعته. فكان يكرر على مسامع الناس عبارات من قبيل "إني لكم وزيراً خير لكم مني أميراً" و"لا حاجة بي لبيعتكم". إضافة إلى أن أفعاله علیه السلام كانت تدل على عزوفه عن الخلافة. ولم يكن علیه السلام في المدينة عندما قتل عثمان. وبعبارة ،أوضح، كان أمير المؤمنين علیه السلام، يعتزل الناس لكيلا يخطر ببال أحد منهم أنه كان ضليعاً في قتل عثمان طامعاً بالخلافة لنفسه. وفي هذا يتحدث الطبري عن وجود الإمام علیه السلام في بيت بني عمرو بن مبذول في أطراف المدينة وخيبر (1). وحسب ما يقول ابن الأثير فإن المسلمين مكثوا خمسة أيام من غير خلفة كان فيها الإمام على علیه السلام متوارياً في البساتين (2).

ص: 113


1- "فدخل حائط عمرو بن مبذول وقال لأبي عمرة بن عمرو بن محصن أغلق الباب". أخبرنا حميد عن الحسن قال: رأيت الزبير بن العوام بايع علياً فيحش من حشان المدينة". "حصر عثمان وعلي بخيبر". تاريخ الطبري، ج 2، ص 697 و 698، حوادث سنة 35 الهجرية، خلافة أمير المؤمنين علي بن أبي طالب علیه السلام.
2- "بقيت المدينة خمسة أيام بعد مقتل عثمان وأميرها الغافقي بن حرب، يلتمسون من يجيبهم إلی القيام بالأمر والمصريون يلحون على علي علیه السلام وهو يهرب منهم إلى الحيطان" البداية والنهاية، ج7، ص 237، حوادث سنة 35 الهجرية، ذكر بيعة علي علیه السلام بالخلافة.

هذا وقد عبّر الإمام علیه السلام بعد ذلك عن عدم سروره بالبيعة(1). وحين اضطر إلى قبول البيعة اشترط على ذلك شروطاً .

فهل كان أمير المؤمنين علیه السلام راغباً حقاً بخلافة الآخرين؟

ألم يتحدث الإمام علیه السلام في خطبته الشقشقية عن غصب حقه من قبل الخلفاء الثلاثة، فلماذا يمتنع الآن من قبول الخلافة؟

ألم يصف حالته خلال حكم الخلفاء السابقين الذي دام خمساً وعشرين سنة ب-"الشوكة في العين" و"العظم في البلعوم"، فلماذا لا يضع حداً لهذه المعاناة وقد واتته الفرصة؟

إن كل من يعرف حياة الإمام علي علیه السلام، ولو على سبيل الإجمال، يعرف أنه لم يكن من أهل المجاملات والهوى واستدرار اهتمام الآخرين. كذلك، لم يكن التهرب من أعباء المسؤولية ومصاعبها دافعاً له إلى رفض الخلافة، لأنه كان رجلاً أمضى عمره كله في الحروب والمشاقّ. نحن نرى أن مثل هذه الأمور السطحية التافهة لا يمكن أن تكون سبباً لأن يرفض الخلافة. فلابد، إذن، من البحث عن أسباب أكثر أهمية.

ص: 114


1- بعد أن نقض طلحة والزبير بيعة الإمام علیه السالم وسار من المدينة إلى ذي قار قال علیه السلام : "فبايعتموني وأنا غير مسرور بذلك ولا جذل". الجمل والنصرة لسيد العترة في حرب البصرة، ص 267 ، خطبة أخرى لأمير المؤمنين علیه السلام بذي قار.

1- عدم توفر الأرضية للخلافة

يبدو أن من أسباب رفض الإمام علیه السلام الخلافة انعدام الأرضية اللازمة للخلافة، وأن علياً علیه السلام برفضه الخلافة، أراد أن يُفهم الناس بأن الأرضية المناسبة لتوليه خلافتهم وحكمهم لم تكن متوفرة كما ينبغي وأنه ليس من المصلحة أن يستلم زمام الأمور في تلك الفترة. فمن جهة، كان المجتمع الإسلامي قد تعرض إلى الكثير من الانحرافات والبدعأدت إلى ابتعاد المسلمين في زمن الخلفاء كثيراً عن الإسلام الحقيقي مما جعل إعادتهم إلى السنة النبوية الأصيلة أمراً بالغ الصعوبة. لذا فإن مساعي الإمام الإصلاحية ستصطدم بمعارضة شديدة من بعض الناس. ومن جهة أخرى، أنه كان رافضاً لسنة الخلفاء السابقين فضلاً عن اتباعها. ولو كان يرضى باتباعها لوافق على شرط عبد الرحمن بن عوف في قضية شورى الستة القاضي بالعمل بسنة الخلفاء وحاز على الخلافة من حينه.

بل إنه لم يوافق أقرباء عثمان على السكوت عما كان في أيديهم شرطاً لمبايعتهم له، فقال: وأما وضعي عنكم ما أصبتم، فليس لي أن أضع حق الله تعالى. وأما إعفائي عما في أيديكم فما كان لله وللمسلمين فالعدل يسعكم(1).

ص: 115


1- ... فتبايعنا على أن تضع عنا ما أصبنا وتعفي لنا عما في أيدينا وأما ...... تاريخ اليعقوبي، ج2، ص178، خلافة أمير المؤمنين علي بن أبي طالب علیه السلام.

يشير الإمام علي علیه السلام في نهج البلاغة، إلى الانحرافات والبدع التي ابتلي بها المجتمع الإسلامي بقوله: حتى إذا قبض الله رسوله رجع قوم على الأعقاب وغالتهم السبل واتكلوا على الولائج ووصلوا غير الرحم وهجروا السبب الذي أمروا بمودته ونقلوا البناء عن رص أساسه فبنوه في غير موضعه معادن كل خطيئة وأبواب كل ضارب في غمرة (أصبحوا مركزاً لكل خطيئة وإثم) قد ماروا في الحيرة وذهلوا في السكرة على سنة من آل فرعون من منقطع إلى الدنيا راكن أو مفارق للدين مباين(1).

فكيف كان لعلي علیه السلام أن يُجبر الناس على اتباع سنن تركوها سنوات عديدة ولاشك أن ذلك من شأنه أن يثير ضجة هائلة في المجتمع. لذا نرى الإمام علیه السلام بعد ذلك يشكو من عدم اتباع الناس له في تطبيق سنة رسول الله صلی الله علیه وآله وسلم يقول سليم بن قيس إن الإمام علیه السلام قال : إن أخوف ما أخاف عليكم أمران؛ اتباع هوى النفس وطول الأمل. فإن هوى النفس يسد الحق، وطول الأمل يُنسي الآخرة. اعلموا أن الدنيا آذنت بارتحال وابتعدت والآخرة اقتربت، وأن للدنيا أبناء وللآخرة أبناءً فكونوا من أبناء الآخرة ولا تكونوا من أبناء الدنيا. اليوم عمل بلا حساب وغداً حساب بلا عمل. إن الفتن تبدأ من الهوى إذا اتبعه الإنسان ومن البدع التي تظهر كالقوانين يُخالف فيها الله.

اعلموا أن الحق إذا امتاز من الباطل لم يكن اختلاف وإذا امتاز الباطل من الحق لم يخف على ذي عقل. أما إذا أخذ شيء من الحق ومزج بشيء من الباطل فسيكون له ظاهر أنيق. فهنالك يتمكن الشيطان من

ص: 116


1- نهج البلاغة، ص196، الخطبة 150.

أوليائه فلا ينجو إلا من كان له سابقة خير. لقد سمعت رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم يقول: كيف بكم إذا خفيت عليكم الفتن التي يكبر عليها الصغير ويهرم فيها الكبير؛ تجري بين الناس وهم يتخذونها سنناً لهم، وإذا غُيّر منها شيء تصايحوا غيرتم السنة!

ثم التفت علیه السلام إلى الناس وقال : قد عملت الولاة قبلي أعمالاً خالفوا فيها رسول الله صلی الله علیه وآله وسلم متعمدين لخلافه ناقضين لعهده مغيرين لسنته. ولو حملت الناس على تركها وحولتها إلى مواضعها وإلى ما كانت في عهد رسول الله صلی الله علیه وآله وسلم لتفرق عني جندي حتى أبقى وحدي أو قليل من شيعتي الذين عرفوا فضلي وفرض إمامتي من كتاب الله عزّ وجلّ وسنة رسول الله صلی الله علیه وآله وسلم.

بعد هذه المقدمة، قام الإمام علیه السلام بتعداد السنن الخاطئة. وهذا عرض مبوب لمعالجة تلك السنن المنحرفة:

1 - إعادة مقام إبراهيم علیه السلام إلى الموضع الذي كان وضعه فيه رسول الله صلی الله علیه وآله وسلم.

2- إعادة فدك إلى ورثة فاطمة الزهراء عليها السلام .

3 - إعادة مقدار الصاع إلى ما كان يُحسب به.

4 - إعادة الأراضي التي منحها النبي صلی الله علیه وآله وسلم إلى بعض الناس ومنعت عنهم. 5 - إعادة دار جعفر بن أبي طالب إلى ورثته بعد أن كانت أخذت قسراً وضُمت إلى المسجد

ص: 117

6 - إعادة النساء اللاتي تزوجهن غير أزواجهن بغير حق (كاللاتي طلقن من - أزواجهن بغير شهادة عدلين أو في غير طهر) إلى أزواجهن وإقامة الحد على من غصبهن.

7 - أسر بني تغلب (الذين حاربوا المسلمين فأمر النبي بأسرهم جميعهم ولكن عمر رفع عنهم الجزية بدون مبرر وفرض عليهم بدل ذلك زكاة مضاعفة).

8 - إعادة أراضي خيبر التي كانت وزعت على الناس (لأنها لم تأت من قتال فهي ملك جم جميع المسلمين لا جماعة خاصة منهم ولا يحق لأحد تملكها).

9 - إزالة الخراجات الشهرية.

10 - المساواة في تقسيم بيت المال بين المسلمين وليس لزيادة ثروة الأثرياء منهم خاصة.

11 - ترك احتساب الضرائب على أساس مساحة الأرض. فقد كان النبي فرض الضرائب على أراضي الشام والعراق على أساس عائداته، ولكن عمر خالف أمر رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم وعمل على احتسابها وفق مساحات الأراضي.

12 - المساواة في الزواج بعد أن خالف عمر رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم ومنع زواج غير العربي من العربي وغير القرشي من القرشي.

13 - إجراء حق رسول الله صلی الله علیه وآله وسلم من الخمس كما أمر الله عزّ وجلّ.

14 - إعادة مسجد النبي صلی الله علیه وآله وسلم إلى مساحته الأصلية.

15 - سدّ الأبواب التي كان رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم سدّها ثم فتحوها بعد وفاته.

16 - تحريم المسح على الخف (وكان الخلفاء يبيحونه).

ص: 118

17 – إقامة الحد على شارب النبيذ ( كان الخلفاء يبيحون شرب النبيذ وهو نو من الخمر المخفف).

18 - إباحة متعتي الحج والنساء.

19 - الأمر بالتكبيرات الخمس على الميت كان الخلفاء يكبرون أربعاً).

20 - الأمر بالجهر بالبسملة في الصلاة.

21 - إخراج من أخرجه رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم من المسجد ثم أدخلهم الخلفاء فيه(دفن أبي بكر وعمر إلى جوار النبي).

22 - إعادة من أدخله رسول الله صلی الله علیه وآله وسلم المسجد إليه بعد أن أخرجوا منه في زمن الخلفاء (كان جماعة من الصحابة لا يملكون مسكناً ولا مأوى غير الصفة وإيوان المسجد وكان رسول الله له صلی الله علیه وآله وسلم أسكنهم فيه ولكن الخلفاء أخرجوهم منه).

23 - إلزام الناس بإجراء الطلاق على سنة رسول الله صلی الله علیه وآله وسلم (القرآن يفيد بأن الزواج لا يلزم شهادة شهود، أما الطلاق فيلزم شهادة شاهدين. ولكن الخلفاء عكسوا الحكمين).

24 - الأمر بقصر الزكاة على الحالات المنصوص عليها في القرآن لا أكثر.

25 - إعادة الوضوء والغسل والصلاة إلى ما كانت عليه من وقت وطريقة ومكانة.

26 - إعادة النجرانيين إلى موطنهم الأصلي (إشارة إلى إخراج عمر لنصارى نجران).

27 – إعادة أسارى فارس وسائر الأمم إلى كتاب الله وسنة نبيه.

ص: 119

ثم قال الإمام علیه السلام : لو أني أمرت بهذه الإصلاحات أفلم يكن الناس يتفرقون عني؟

ثم ضرب الإمام علیه السلام مثلاً أمره الناس بأن يقصروا الجماعة على الفرائض وأن لا يؤدوها في الصلوات المندوبة، فتصايح جماعة من جند عسكره: يا أهل الإسلام لقد غيّرت سنة عمر، يمنعوننا من الصلاة المستحبة جماعةً في شهر رمضان. حتى خشي الإمام علیه السلام أن يثوروا عليه!

وفي ختام خطبته استشهد الإمام علیه السلام بآيات من القرآن الكريم على حرمانهم أهل البيت علیهم السلام حقَّهم في الخمس معتبراً إياه مخالفة أخرى لحكم رسول الله (1).

ص: 120


1- "عن سليم بن قيس الهلالي ... قد عملت الولاة قبلي أعمالاً خالفوا فيها رسول الله صلی الله عليه وآله وسلم متعمدين الخلافه ناقضين لعهده مغيرين لسنته. ولو حملت الناس على تركها وحولتها إلى مواضعها وإلى ما كانت في عهد رسول الله صلی الله علیه وآله وسلم لتفرق عني جندي حتى أبقى وحدي أو قليل من شيعتي الذين عرفوا فضلي وفرض إمامتي من كتاب الله عزّ وجلّ وسنة رسول الله صلی الله علیه وآله وسلم أرأيتم لو أمرت بمقام إبراهيم فرددته إلى الموضع الذي وضعه فيه رسول الله صلی الله علیه وآله وسلم ورددت فدكاً إلى ورثة فاطمة علیها السلام ورددت صاع رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم كما كان وأمضيت قطائع أقطعها رسول الله صلی الله علیه وآله وسلم لأقوام لم تمض لهم ولم تنفذ ورددت دار جعفر إلى ورثته وهدمتها من المسجد ورددت قضايا من الجور قضي بها ونزعت نساء تحت رجال بغير حق فرددتهن إلى أزواجهن واستقبلت بهن الحكم في الفروج والأحكام وسبيت ذراري بني تغلب ورددت ما قسم من أرض خيبر ومحوت دواوين العطايا وأعطيت كما كان رسول الله صلی الله علیه وآله وسلم يعطي بالسوية ولم أجعلها دولة بين الأغنياء وألقيت المساحة وسويت بين المناكح وأنفذت خمس الرسول كما أنزل الله عزّ وجلّ وفرضه ورددت مسجد رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم إلى ما كان عليه وسددت ما فتح من الأبواب وفتحت ما سد منه وحرمت المسح على الخفين وحددت على النبيذ وأمرت بإحلال المتعتين وأمرت بالتكبير على الجنائز خمس تكبيرات وألزمت الناس بالجهر ببسم الله الرحمن الرحيم وأخرجت من أدخل مع رسول الله اللهم من صلى الله عليه وآله وسلم ممن كان رسول الله صلی الله علیه وآله وسلم أخرجه وأدخلت من أخرج بعد رسول الله صلی الله علیه وآله وسلم ممن كان رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم - أدخله وحملت الناس على حكم القرآن وعلى الطلاق على السنة وأخذت الصدقات على أصنافها وحدودها ورددت الوضوء والغسل والصلاة إلى مواقيتها وشرائعها ومواضعها ورددت أهل نجران إلى مواضعهم ورددت سبايا فارس وسائر الأمم إلى كتاب الله وسنة نبيه، إذن لتفرقوا عني. والله لقد أمرت الناس أن لا يجتمعوا في شهر رمضان إلا في فريضة وأعلمتهم أن اجتماعهم في النوافل بدعة فتنادى بعض أهل عسكري ممن يقاتل معي "يا أهل الإسلام! غيرت سنة عمرا ينهانا عن الصلاة في شهر رمضان - تطوعاً". ولقد خفت أن يثوروا في ناحية جانب عسكري ما لقيت من هذه الأمة من الفرقة وطاعة أئمة الضلال والدعاة إلى النار وأعطيت من ذلك سهم ذي القربي الذي قال الله عزّ وجلّ (إن كنتم آمنتم بالله وما أنزلنا على عبدنا يوم الفرقان يوم التقى الجمعان) فنحن والله عنى بذي القربي الذي قرننا الله بنفسه وبرسوله فقال تعالى (فلله وللرسول ولذي القربى واليتامى والمساكين وابن السبيل) فينا خاصة (كي لا يكون دولة بين الأغنياء منكم وما آتاكم الرسول فخذوه وما نهاكم عنه فانتهوا) في ظلم آل محمد (إن الله شديد العقاب) لمن ظلمهم ورحمة منه لنا وغنى أغنانا الله به ووصى به نبيه ولم يجعل لنا في سهم الصدقة نصيباً أكرم الله رسوله وأكرمنا أهل البيت أن يطعمنا من أوساخ الناس فكذبوا الله وكذبوا رسوله وجحدوا كتاب الله الناطق بحقنا ومنعونا فرضاً فرضه الله لنا. ما لقي أهل بيت نبي من أمته ما لقينا بعد نبينا. الكافي، ج8، ص 58، الحديث ،21، خطبة أمير المؤمنين علیه السلام ؛ بحار الأنوار الجامعة لدرر أخبار الأئمة الأطهار، ج 34 ، ص 167، الباب ،32، علة عدم تغيير أمير المؤمنين علیه السلام بعض البدع في زمانه.

في هذه الرواية عدّد الإمام علیه السلام نحو ثلاثين مخالفة ابتدعها الخلفاء السابقون فكان يعلم أنه لو عمل على إصلاحها وردها إلى سنة رسول الله فإن الناس لاشك سيتفرقون عنه ويتركونه وحيداً. فما الذي كان ينبغي عليه فعله في تلك الحالة وفي تلك الظروف؟ أغير أن يطلب منهم تركه والتماس غيره؟ هل كان أمام الإمام علیه السلام خيارُ آخر؟

ص: 121

2- عدم اكتراثه بالحكم

بهذا الموقف، أثبت الإمام علیه السلام للجميع أنه لم يكن مأخوذاً بالسلطة ولا عابئاً بالحكم. وإذا كان قد ذكر غصب حقه في الخلافة فما كان إلا إبانةً للحق وإدانةً للباطل. إن الحكم، لأولياء الله، ليس غاية بحد ذاته وإنما وسيلة للهداية وإحقاق الحق وإبطال الباطل. قال عبد الله ابن عباس: دخلت على أمير المؤمنين بذي قار (قبل حرب الجمل) وهو يخصف نعله فقال لي: ما قيمة هذا النعل؟ فقلت: لا قيمة لها. فقال: والله لهي أحبّ إليّ من إمرتكم إلاّ أن أقيم حقاً أو أدفع باطلاً (1).

3- إتمام الحجة

لعل أحد أهم أسباب رفض أمير المؤمنين علیه السلام للخلافة إتمام الحجة على الناس. فبالنظر للأجواء التي كانت سائدة في عهد الخليفة الثالث وكثرة المشاكل، كان الخليفة التالي بحاجة ماسة إلى وحدة المسلمين ودعمهم الشامل للتغلب على تلك الصعوبات. لذا منح الإمام علي علیه السلام الناس فرصة كافية للتفكير جيداً ليختاروا ببصيرة ودقة لضمان دعمهم وتعاونهم على الوجه الأحسن بعد استقرار الخلافة. وبهذا سدّ الإمام باب التذرع على من ينكث بيعته بعد عقدها. ولطالما كرّر الإمام علیه السلام في خطبه التي ألقاها في أثناء حروبه أن الناس هم الذين أخرجوه من داره وأصروا على مبايعته، فما الذي يدفعهم إلى نقض بيعته وعدم الوفاء له؟ كذلك، فقد حرم الإمام علیه السلام مخالفيه

ص: 122


1- نهج البلاغة، ص58، الخطبة 33.

من فرصة الادّعاء بأن خلافته لم تتم بإجماع الأمة أو أنهم بايعوه مكرهين. لذا، حينما رأوا أبواب الذرائع والمبررات مسدودة أمامهم لم يجدوا، حين نقضوا البيعة، إلاّ أن يقولوا: بايعنا بأفواهنا ولم تبايع قلوبنا!! وما أجمل ما ردّ به أمير المؤمنين علیه السلام عليهم!

4- إضعاف تأثير الدعاية الأموية القائمة على قتل عثمان

كان الإمام علي علیه السلام يدرك جيداً أن بني أمية لن يقفوا متفرجين حين مآل الخلافة إليه، لأنهم يدركون أنهم سيخسرون الكثير من مصالحهم التي تتراوح بين الخلافة ورئاسة الأمة وبين السيطرة على الحواضر الكبرى والصغرى والإثراء من بيت مال المسلمين.

كان يعلم أنهم سيستغلون قتل عثمان ويلصقون تهمته إليه لتحقيق غاياتهم المشئومة وإسقاط حكمه والاستيلاء على أزمة الأمور وتلاقف الخلافة بينهم كتلاقف الصبية للكرة. وسنرى في الصفحات التالية كيف أن الذين كانوا يسمون عثمان نعثلاً ويحرضون الناس على قتله هم أنفسهم الذين حملوا راية المطالبة بدمه من الإمام علي علیه السلام بعد أن استتبت له الخلافة، وقادوا الجيوش المؤلفة من أجل ذلك. ولقد أثبت الإمام علیه السلام، برفضه الخلافة، للناس جميعاً أنه لم يشارك في قتل عثمان ولم يكن يتطلع للخلافة. وهكذا نجح علیه السلام في إضعاف تأثير الدعاية الأموية المكثفة والواسعة وخفضه إلى الحد الأدنى.

ص: 123

5- عدم توفر الظروف المناسبة

يقول العلاّمة المجلسي في تعليل عدم قبول الإمام علي علیه السلام الخلافة إن الإمام علياً علیه السلام كان يحب الخلافة شرعاً وديناً، ولكنه كان يكرهها شخصياً. لأن الخلافة وإدارة المجتمع الإسلامي مصحوبان بالكثير من المشاكل. أو أن يكون كلام الإمام علیه السلام في رفض بيعة الناس مختصاً بالفترة التي لم تكن فيها الظروف مهيأة تماماً إلا أن البيعة العمومية وإلحاح الناس الشديد خلقا تلك الظروف (1).

6 - التخطيط لفرض شروطه علیه السلام

من أسباب رفض الإمام علیه السلام الخلافة قبول شروطه. فلو كان الإمام علیه السلام وافق فوراً على بيعة الجماهير لما كان بمقدوره أن يفرض عليها شروطه. بل كان من المحتمل أن يفرض الناس عليه شروطاً. لذا عمل الإمام علیه السلام ، بهذه الطريقة، على تهيئة الناس لقبول شروطه لكي يتمكن فيما بعد من أن يدير شؤون الأمة الإسلامية على النحو الأفضل.

ص: 124


1- "بيان قوله كنت كارهاً أي طبعاً وإن أحبها شرعاً، أو كنت كارهاً قبل دعوتكم لعدم تحقق الشرائط". بحار الأنوار الجامعة لدرر أخبار الأئمة الأطهار، ج32، ص 23، الباب الأول، أبواب ما جرى بعد قتل عثمان من الفتن والوقائع والحروب وغيرها.

النقطة الثامنة : أسباب قبول الإمام علیه السلام بالخلافة

هنا لابد من مواجهة السؤال التالي ما الذي جعل أمير المؤمنين علیه السلام يقبل بالخلافة وقد كان كارهاً لها؟ هل جدّ جديد على الساحة السياسية الإسلامية أدى بالإمام علیه السلام إلى أن يعدل عن موقفه؟

يمكن الوصول إلى جواب هذا التساؤل بالتدقيق في كلمات الإمام . ففي خطبته الثالثة في نهج البلاغة يبين الإمام علیه السلام أن هجوم الناس لسلام لمبايعته وإتمامهم الحجة عليه، وما أخذ الله على العلماء والكبراء من عون المظلومين وعدم السكوت على الظالمين كان من أسباب قبوله الخلافة والحكم. يقول علیه السلام : أما والذي فلق الحبة وبرأ النسمة لولا حضور الحاضر وقيام الحجة بوجود الناصر وما أخذ الله سبحانه على العلماء أن لا يقاروا على كظة ظالم ولا سغب مظلوم لألقيت حبلها على غاربها ولسقيت آخرهابكأس أولها ولأبفيتم دنياكم هذه عندي أزهد من عفطة عنز (1).

على هذا الأساس رفض الإمام علیه السلام ما اقترحه المغيرة من الإبقاء على معاوية وعمال عثمان على البلاد، فقال علیه السلام والله لو كان ساعة من نهار لاجتهدت فيها رأيي ولا وليت هؤلاء، ولا مثلهم يولّى(2).

ص: 125


1- نهج البلاغة، ص30 ، جانب من الخطبة الثالثة.
2- عن عبد الله بن عباس قال: دعاني عثمان فاستعملني على الحج فخرجت إلى مكة فأقمت للناس الحج وقرأت عليهم كتاب عثمان إليهم ثم قدمت المدينة وقد بويع لعلي علیه السلام فأتيته في داره فوجدت المغيرة بن شعبة مستخلياً به فحبسني حتى خرج من عنده فقلت: ماذا قال لك هذا؟ فقال: قال لي قبل مرته هذه: أرسل إلى عبد الله بن عامر وإلى معاوية وإلى عمال عثمان بعهودهم تقرهم على أعمالهم ويبايعون لك الناس فإنهم يهدئون البلاد ويسكنون الناس فأبيت ذلك عليه يومئذ وقلت: والله تاريخ الطبري، ج 2، ص703 ، حوادث سنة 35 الهجرية خلافة أمير المؤمنين علي بن أبي طالب علیه السلام، وباختلاف طفيف في الكامل في التاريخ، ج2، ص 306، حوادث سنة 35 الهجرية، ذكر بيعة أمير المؤمنين علي بن أبي طالب علیه السلام.

في الخطبة 131 ، يبين أمير المؤمنين علیه السلام أنه ما قبل ببيعة الناس من أجل سلطة يتسلط بها عليهم ولا مال يجمعه على حسابهم ولا طمعاً في حطام الدنيا، بل من أجل إعادة الدين والتعاليم إلى مكانها الصحيح والإصلاح في الأمة الإسلامية وتحقيق الأمن للمسلمين وإقامة الأحكام فيهم)(1). وفي الخطبة 136 يضيف إلى تلك الدوافع إصلاح أمر الناس بالتعاون معهمومنع الظلم والجور وإرغام الظالم على قبول الحق وإرجاع حقوق المظلومين(2).

قال الإمام علي علیه السلام، جواباً لرجل سأل عن نكث طلحة والزبير بيعته ووقوفهما إلى جانب عائشة : عدا الناس على هذا الرجل (يعني عثمان) وأنا معتزل فقتلوه. ثم ولّوني وأنا كاره. ولولا خشية على الدين لم أجبهم (3).

ص: 126


1- اللهم إنك تعلم أنه لم يكن الذي كان منا منافسة في سلطان ولا التماس شيء من فضول الحطام ولكن لنردّ المعالم من دينك ونظهر الإصلاح في بلادك فيأمن المظلومون من عبادك وتقام المعطلة من حدودك نهج البلاغة، ص 30، جانب من الخطبة 131.
2- "لم تكن بيعتكم إياي فلتة وليس أمري وأمركم واحداً إني أريدكم الله وأنتم تريدونني لأنفسكم. أيها الناس أعينوني على أنفسكم. وأيم الله، لأنصفن المظلوم من ظالمه ولأقودن الظالم بخزامته حتى أورده منهل الحق وإن كان كارها نهج البلاغة، ص30، جانب من الخطبة 136.
3- "فقال: عدا الناس ...... تاريخ الطبري، ج 3، ص30، حوادث سنة 36 الهجرية، نزول أمير المؤمنين علیه السلام ذاقار.

وفي موضع آخر من كلامه، يبين علیه السلام أن من دوافعه لقبول البيعة خشيته من استحواذ رجل من بني أمية على الخلافة واتخاذ القرآن ألعوبة (1).

يتأكد من النصوص الآنفة أن أهم الأهداف التي كانت كامنة وراء قبول الإمام علیه السلام ببيعة الناس إصلاح الأمة الإسلامية وإعادة الدين إلى موضعه الحقيقي وإقامة أحكامه وحفظه من الضياع والعمل بسنة رسول الله ومقارعة الظلم والجور والدفاع عن حقوق المستضعفين. وكانت تلك الأهداف متوائمة تماماً مع الأجواء السائدة في المجتمع حينئذ. فمن جهة، كان الناس قد ذاقوا مرارة الظلم في عهد عثمان الذي دام اثنتي عشرة سنة. ومن جهة ثانية، تعرضت سنة النبي خلال السنوات الخمس والعشرين التي تلت وفاته صلی الله علیه وآله وسلم إلى الكثير من التغيير.

وهكذا وضع الإمام علهی السلام تلك الأهداف نصب عينيه وبذل وسعه في تحقيقها.

ولم يسجل التاريخ على الإمام علیه السلام موقفاً واحداً خالف فيه المبادئ التي من أجلها قبل بالخلافة. ولو كان يريد أن يسير بالناس على سيرة من كان قبله الخلفاء لما أجرى أصول العدالة التي جرّت عليه الاعتراضات

ص: 127


1- عن حبيب بن أبي ثابت قال: قال علي علیه السلام : والله ما تقدمت عليها إلا خوفاً من أن ينزو على الأمر تيس من بني أمية فيلعب بكتاب الله عزّ وجلّ أنساب الأشراف، ج2، ص353، ترجمة علي بن أبي طالب علیه السلام.

والمخالفات. فهو لم يتخل عن إقامة سنة النبي صلی الله علیه وآله وسلمأبداً ولم يرض بإضافة سيرة الخلفاء الثلاثة إليها، لا قبل قبوله الخلافة ولا بعدها.

في قضية الشورى، طالبه عبد الرحمن بن عوف ثلاث مرات أن يسير على سنة النبي وسيرة الشيخين (أبي بكر وعمر) فينال الخلافة ولكنه رفض ذلك في المرات الثلاث رفضاً قاطعاً وأعلن أنه لا يتقيد إلا بكتاب الله وسنة نبيه وأنه لا حاجة لضم سيرة الآخرين إليهما. ولكن حين عُرض هذا الطلب على عثمان سارع إلى قبوله فحاز على الخلافة (1).

وحتى بعد توليه الخلافة، في حادثة الخوارج، رفض الإمام علیه السلام السير بسيرة أبي بكر وعمر. وفي هذا يقول الطبري: ولما خرجت الخوارج من الكوفة (على أمير المؤمنين علیه السلام) أتى علياً أصحابه وشيعته فبايعوه وقالوا: نحن أولياء من واليت وأعداء من عاديت. فشرط لهم فيه سنة رسول الله صلی الله علیه وآله وسلم . فجاءه

ص: 128


1- وخلا [ عبد الرحمن بن عوف] بعلي بن أبي طالب فقال : لنا الله عليك إن وُلّيتَ هذا الأمرّ أن تسير فينا بكتاب الله وسنة نبيه وسيرة أبي بكر وعمر. فقال: أسير فيكم بكتاب الله وسنة نبيه ما= استطعت. فخلا بعثمان فقال له: لنا الله عليك إن وُلّيتَ هذا الأمر أن تسير فينا بكتاب الله وسنة نبيه وسيرة أبي بكر وعمر. فقال: لكم أن أسير فيكم بكتاب الله وسنة نبيه وسيرة أبي بكر وعمر. ثم خلا بعلي فقال له مثل مقالته الأولى فأجابه مثل الجواب الأول. ثم خلا بعثمان فقال له مثل المقالة الأولى فأجابه مثل ما كان أجابه. ثم خلا بعلي فقال له مثل المقالة الأولى، فقال: إن كتاب الله وسنة نبيه لا يحتاج معهما إلى إجيري أحد. أنت مجتهد أن تزوي هذا الأمر عني. فخلا بعثمان فأعاد عليه القول فأجابه بذلك الجواب وصفق على يده". تاريخ اليعقوبي، ج2، ص 162، أيام عثمان بن عفان؛ شرح نهج البلاغة، ج1، ص188، قصة ،الشورى الخطبة الثالثة؛ تاريخ الطبري، ج2، ص583، حوادث سنة 23 الهجرية، قصة الشورى؛ تاريخ المدينة المنورة، ج3، ص930، القسم الثاني: أخبار عمر بن الخطاب، مقتل عمر بن الخطاب وأمر الشورى.

ربيعة بن أبي شداد الخثعمي وكان شهد معه الجمل وصفين ومعه راية خثعم فقال له: بيع على كتاب الله وسنة رسول الله صلی الله علیه وآله وسلم ؟ فقال ربيعة: على سنة أبي بكر وعمر. قال له علي ويلك لو أن أبابكر وعمر عملا بغير كتاب الله وسنة رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم لم يكونا على شيء من الحق؛ فبايعه، فنظر إليه علي وقال: أما والله لكأني بك وقد نفرت مع هذه الخوارج فقتلت! وكأني بك وقد وطأتك الخيل بحوافرها. فقتل يوم النهر (النهروان) مع خوارج البصرة(1).

ويروي العلامة المجلسي الموقف، نقلاً عن اختصاص الشيخ المفيد، على نحو آخر. يقول: بينا أمير المؤمنين علي علیه السلام يوماً جالساً في المسجد وأصحابه حوله فأتاه رجل من شيعته فقال له: يا أمير المؤمنين إن الله يعلم أني أدينه بولايتك، وأحبك في السر كما أحبك في العلانية، وأتولاك في السر كما أتولاك في العلانية. فقال له أمير المؤمنين: صدقت ... قال: فولّى الرجل وهو يبكي فرحاً لقول أمير المؤمنين علیه السلام : صدقت. قال: وكان هناك رجل من الخوارج وصاحب له قريباً من أمير المؤمنين، فقال أحدهما: الله إن رأيت كاليوم قط، إنه أتاه رجل فقال له: إني أحبك، فقال له: صدقت. فقال له الآخر: ما أنكرت من ذلك؟ أيجد بداً من أن إذا قيل [له]: إني أحبك، أن يقول: صدقت؟ أتعلم أني أحبه؟ فقال: لا. قال: فأنا أقوم فأقول له مثل ما قال له الرجل، فيرد عليّ مثل ما ردّ عليه قال: نعم. فقام الرجل فقال له مثل مقالة الرجل الأول. فنظر [أمير المؤمنين] إليه ملياً ثم قال: كذبت. لا والله ما تحبني ولا أحببتني يوماً. قال: فبكى الخارجي ثم قال: يا أمير المؤمنين تستقبلني بهذا

ص: 129


1- تاريخ الطبري، ج 2، ص 583 ، حوادث سنة 23 الهجرية، قصة الشورى.

وقد علم الله خلافه؟ ابسط يدك أبايعك! فقال علي: على ماذا؟ قال: على ما عمل به أبوبكر وعمر. قال: فمد يده فقال له : أصفق لعن الله الاثنين. والله لكأني بك قد قتلت على ضلال ووطأ وجهك دواب العراق ولا يعرفك قومك. قال: فلم يلبث أن خرج عليه أهل النهروان وخرج الرجل معهم فقتل(1).

لقد أكد الإمام علیه السلام أنه لم يقبل بالخلافة لمصلحة مادية أو لحب الرئاسة بل قبل بها بعد هجوم الناس لفرض البيعة عليه وخوفاً من ضياع الدين وتسلط بني أمية على رقاب المسلمين. مع هذا، نجد من يغلق عينيه عن الحقيقة الناصعة، من أمثال ابن تيمية، ويدعي بكل صلف أن أمير المؤمنين علیه السلام قاتلَ من أجل الدنيا لا من أجل الدين والإسلام وأن حروبه لم تنتج إلاّ قتل الكثير من المسلمين. يقول ابن تيمية: كان علي ظالماً طالباً للمال والرياسة. قاتل على الولاية حتى قتل المسلمين بعضهم بعضاً ولم يقاتل كافراًولم يحصل للمسلمين في مدة ولايته إلاّ شر وفتنة في دينهم ودنياهم(2).

وفي موضع آخر، تبلغ الوقاحة والجرأة بابن تيمية حداً يزين له أن يقول إن أمير المؤمنين علیه السلام لمقاتل مدفوعاً بهواه وحبه للسلطان ولم يقاتل في سبيل

ص: 130


1- "عن أبي جعفر قال: بينا أمير المؤمنين .... فقتل". بحار الأنوار الجامعة لدرر أخبار الأئمة الأطهار، ج 34، ص 257، الباب الثالث والثلاثون، باب نوادر ما وقع في أيام خلافته علیه السلام وجوامع خطبه ونوادرها، الحديث 1005 نقلاً عن الاختصاص، ص312، في أن الأئمة يعرفون جميع أحوال الناس عند رؤيتهم.
2- منهاج السنة النبوية في نقض كلام الشيعة القدرية، ج1، ص 382.

الله أبداً. يقول: وعلي يقاتل ليطاع ويتصرف في النفوس والأموال. فكيف يجعل هذا قتالاً على الدين؟(1)

لعل ابن تيمية نسي أن الإمام علیه السلام لو كان يريد عرض الدنيا وسلطانها لكان ثار واستعاد حقه بالسيف منذ يوم السقيفة التي غصبته إياه. ولكنه لم يفعل ذلك رغم قدرته على مواجهة جيش بأكمله بمفرده. ولولا التزامنا بفضح وجوه النفاق للأجيال القادمة لما لوثنا صفحات كتابنا باسم هذا الناصبي وبتخرصاته، لأن هذا التافه وأضرابه من الذين نبذتهم الأمة الإسلامية لا مكان لهم في المحافل العلمية.

النقطة التاسعة: الإمامة إلهية وليست اختيارية

لماذا لا نجد في الروايات والتقارير التاريخية التي مرّ علينا بعضها جواباً من الإمام علیه السلام للذين أرادوا مبايعته بأن الإمامة والخلافة مصدرهما الله ولا علاقة لهما باختيار الناس وبيعتهم، بل علّق موافقته على إرادة عموم المسلمين؟ (2)

ص: 131


1- منهاج السنة النبوية في نقض كلام الشيعة القدرية، ج 4، ص 569.
2- "فإن بيعتي لا تكون خفياً ولا تكون إلا عن رضا المسلمين. فلما دخل المهاجرون والأنصار فبايعوه ثم بايعه الناس". تاريخ الطبري، ج 2، ص 696 ، حوادث سنة 35 الهجرية، ذكر بيعة أمير المؤمنين علی بن أبي طالب علیه السلام ؛ تاريخ الخميس في أحوال أنفس نفیس، ج3، ص312، ذكر خلافة علي علیه السلام.

في الجواب على هذا التساؤل لابد من القول: لم يكن الإمام علي علیه السلام في هذه التقارير والروايات في مقام بيان القاعدة الكلية في تعيين الإمام، بل كان كلامه من باب الاحتجاج بمتبنيات الطرف المقابل وقناعاته عليه، وهو ما يسمى بقاعدة الإلزام.

ففي رسالته السادسة التي أرسلها إلى معاوية، مثلاً، ألزم الإمام علیه السلام معاوية بما ألزم به نفسه من الاعتقاد بصحة خلافة أبي بكر وعمر لأن المهاجرين والأنصار بايعوهما، فخاطبه قائلاً : إذا كان مقياس مشروعية خلافة أبي بكر وعمر وعثمان مبايعة الناس لهم، فإنه ينطبق على خلافتي أيضاً. إذن قد وجب عليك أن تبايعني ولم يجز لك أن تتمرد عليّ(1).

هذا النوع من الاحتجاج يُعدّ من الجدال بالتي هي أحسن الذي دعانا إليه القرآن الكريم، وذلك قوله تعالى (ادعُ إلى سبيل ربك بالحكمة والموعظة الحسنة وجادلهم بالتي هي أحسن)(2).

إن الاستدلال بالبرهان هو مصداق الدعوة بالحكمة، والدعوة بالنصيحة مصداق الدعوة بالموعظة الحسنة. أما الاحتجاج على الخصم بما يلتزم به من معتقدات وأفكار فهو مصداق المجادلة بالتي هي أحسن. وهذا الأخير هو الذي

ص: 132


1- "إنه بايعني القوم الذين بايعوا أبابكر وعمر وعثمان على ما بايعوهم عليه. فلم يكن للشاهد أن يختار ولا للغائب أن يرد. نهج البلاغة، ج 14، ص[35]، الرسالة السادسة.
2- النحل 16: الآية 125 .

انتهجه الإمام علیه السلام في مواجهة خصومه حيث احتج عليه بما يلزم هو نفسه به وهو ليس ملزماً للمحتج نفسه.

يقول بعض العلماء المعاصرين في توضيح كلام الإمام علیه السلام في الرسالة السادسة في نهج البلاغة: إن هذا الكلام جدال وليس برهاناً. يقول أهل المنطق: "الجدال" قياس أو استدلال يراد به قطع المجادل وإجباره على التسليم. لذا فهو يتألف من مقدمات يلتزم بها الخصم، وإن لم يكن يقينياً ومقبولاً لدى المحتج. أما البرهان فهو استدلال يراد به الكشف عن حقيقة يقوم على مقدمات يقينية مقبولة لدى جميع الأطراف. فالإمام كتب لطاغية الشام يقول: إن طاعتي واجبة عليك لأن عمر ولاك الشام. فإن قلت إن بيعة الناس لا تمنح الخليفة شرعية الخلافة فذلك يعني أن إمرتك فاقدة للشرعية لأنك تقر بأن الذي ولاّك تلك الديار مفتقر للشرعية. أما إذا قلت إن بيعة الناس موجبة لمشروعية الخلافة فإني خليفة المسلمين ببيعة الناس لي كما بویع أبوبكر وعمر وعثمان. فإذا كان الأمر كذلك فإن بيعتي وطاعتي واجبة عليك، ولا يحق لك أن تقول بايعتك المدينة ولم تبايعك الشام. وهكذا كلّم الإمام علي علیه السلام خصمه بلغته، وإلاّ فإن خطب الإمام علیه السلام وأقواله زاخرة بالاستدلال بتصريحات النبي صلی الله علیه وآله وسلم في إثبات صحة خلافته. وقد أورد المرحوم العلامة الأميني أكثر من مورد احتج به الإمام علم بتصريحات النبي الأکرم، كما يلي: يوم الشورى ويوم الرحبة ويوم الجمل على طلحة ويوم صفين. فالأصل العام في كلام أي متكلم هو أننا عندما نريد فهم المتشابه من كلامه لابد أن نرجع إلى المحكم منه لنرد إليه المتشابه الذي قد يكون صدر منه لأسباب

ص: 133

مختلفة. فإذا كان هناك كاتب أو شاعر معروف بالتوحيد وعبادة الواحد، فلا يمكن أن ننعته بالارتداد والكفر اعتماداً على بيت أو بيتين غامضين من شعره أو عبارة أو عبارتين مستغلقتين صدرتا منه. بل لابد من وضع هذه الأبيات أو العبارات المتشابهة إلى جانب باقي أشعاره وآثاره المحكمة وتفسيرها اعتماداً عليها، كما هو عليه حال آيات القرآن الكريم. ولاشك في أن الرسالة التي بعث بها الإمام إلى معاوية وأهل الشام تختلف عن خطبته "الشقشقية" التي ألقاها أيام خلافته. فنص الخطبة يدل على أنه علیه السلام كان يتكلم في منتهى الهدوء والحرية ولم يكن مقيداً من حيث إبانة الحق. لذا توجه بالنقد لأعمال الحكام الذين سبقوه ووصف كل واحد منهم بما يستحق. إذن، فبالرغم من أن بعض كلماته علیه السلام كما في الرسالة السادسة (وبالتقطيع الذي رواه المرحوم السيد الرضي) قد يوهم بإضفاء المشروعية على الشورى والإجماع وأمثالهما، إلاّ أن وضع تلك الكلمات إلى جانب مجموع كلامه علیه السلام من شأنه أن يزيل هذا التوهم(1).

ص: 134


1- ادب فناى مقربان أدب فناء المقربين)، ج1، ص 358 - 363، شرح "السلام على أئمةالهدى".

الفصل الثاني: أسباب وقوع حرب الجمل

اشارة

ص: 135

ص: 136

يمكن التوصل إلى أسباب وقوع حرب الجمل بتحليل النصوص التاريخية والتدقيق في تفاصيلها. ويمكن فهم أن أسباباً مختلفة أدت إلى وقوعها مع أن بعض تلك الأسباب لعبت دوراً أهم وأبرز من سواها في اندلاع الحرب. وفي ما يلي نتناول بالتفصيل أهم أسباب وقوع حرب الجمل.

1- تحكيم القيم الإلهية في المجتمع

من أهم القواعد التي أقام عليها الإمام علي علیه السلام أسس حكمه في إدارة المجتمع الإسلامي تحكيم القيم الإلهية والأخلاقية فيه. كان الإمام علیه السلام يرفض اللجوء إلى أية وسيلة للوصول إلى الحكم ويدين مبدأ "الغاية تبرر الوسيلة" المعروف اليوم. أي أنه رفض مبدأ التوسل بالطرق غير المشروعة للوصول إلى الغايات. وفي سياق هذا المبدأ رفض الإمام علیه السلام ما نصحه به المغيرة بن شعبة وابن عباس أكثر من مرة من الإقرار لعمال عثمان، ومعاوية بشكل خاص، بمناصبهم ولو إلى حين تثبيت أركان حكمه. يقول ابن عباس: فوجدت المغيرة بن شعبة مستخلياً به (بالإمام بعد مبايعة الناس له) فحبسني حتى خرج من عنده، فقلت: ماذا قال لك هذا؟ فقال: قال لي قبل مرته هذه أرسل إلى عبد بن عامر وإلى معاوية وإلى عمال عثمان بعهودهم تقرهم على أعمالهم ويبايعون لك الناس فإنهم يهدئون البلاد ويسكنون الناس، فأبيت ذلك عليه

ص: 137

يومئذ وقلت: والله لو كان ساعة من نهار لاجتهدت فيها رأيي ولا وليت هؤلاء، ولا مثلهم يولّى(1).

ويقول في موضع آخر: لا والله لا أستعمل معاوية يومين أبداً فضلاً عن أن أوليه الشام (2).

لما تيقن المغيرة بن شعبة أن الإمام علياً علیه السلام لا يتراجع عن عزل عمال عثمان، عرض عليه رأياً آخر. قال: فإن كنت قد أبيت فانزع من شئت واترك معاوية، فإن له جرأة وهو في أهل الشام مسموع منه. ولك حجة في إثباته، فقد كان عمر ولاه الشام كلها.

ومرة أخرى لم يستجب الإمام لاقتراح تثبيت معاوية، وقال: والله لا أداهن في ديني ولا أعطي الرياء في أمري(3).

ص: 138


1- عن ابن عباس ...... يولّى". تاريخ الطبري، ج 3، ص 703، حوادث سنة 35 الهجرية، اتساق الأمر في البيعة لعلي بن أبي طالب؛ مروج الذهب ومعادن الجوهر، ج2، ص390، المغيرة بن شعبة ينصح علياً ثم ص390، يرجع .
2- فقلت له: والله لا أداهن في ديني ولا أعطي الرياء في أمري. تاريخ الطبري، ج3، ص 704، حوادث سنة 35 الهجرية، اتساق الأمر في البيعة لعلي بن أبي طالب؛ مروج الذهب ومعادن الجوهر، ج2، ص390، المغيرة بن شعبة ينصح علياً ثم يرجع.
3- "أن ابن عباس قال ... أنا أشير عليك أن لا ترد عمال عثمان عامك هذا. فاكتب إليهم بإثباتهم على أعمالهم. فإذا بايعوا لك واطمأن أمرك عزلت من أحببت وأقررت من أحببت. فقلت له: والله لا أداهن في ديني ولا أعطي الرياء في أمري. قال: فإن كنت قد أبيت فانزع من شئت واترك معاوية، فإن له جرأة وهو في أهل الشام مسموع منه. ولك حجة في إثباته، فقد كان عمر ولاه الشام كلها. فقلت له: لا والله لا أستعمل معاوية يومين أبداً". تاريخ الطبري، ج 3، ص 704، حوادث سنة 35 الهجرية، اتساق الأمر في البيعة لعلي بن أبي طالب؛ مروج الذهب ومعادن الجوهر، ج2، ص390، المغيرة بن شعبة ينصح علياً ثم يرجع.

وفي تقرير آخر أن علياً عليه السلام ردّ على مقترح المغيرة بن شعبة بقوله: [يبدو أن هناك ارتباكاً في هوامش لعدم التطابق التام بين المتن والهامش المترجم]

أتضمن لي عمري يا مغيرة فيما بين توليته إلى خلعه؟ قال :(المغيرة): لا. قال (الإمام علیه السلام) : لا يسألني الله عن توليته على رجلين من المسلمين ليلة سوداء أبداً (1)؟

كان الإمام علیه السلام يرى الإبقاء على عثمان ثم عزلهم نوعاً من الخداع لم والغدر، لذا كان يرد على من أشار عليه بذلك بقوله: المكر والخديعة والغدر في النار(2).

إن كل مسلم يفكر بما آلت إليه الأوضاع بعد قتل عثمان من اضطراب يتوصل إلى النتيجة نفسها. كما أن السياسة الظاهرية كانت تقتضي مجاملة المخالفين والسفهاء ومحاباتهم حتى استحكام أركان الخلافة بإقرارهم على

ص: 139


1- فقال أمير المؤمنين علیه السلام : أتضمن ...... أبداً. أمالي الشيخ الطوسي، ص87، مشورة المغيرة على علي علیه السلام في تقليد معاوية عمل الشام وما قال له في الجواب الحديث 133 ، المجلس الثالث؛ الاستيعاب في معرفة الأصحاب، ج4، ص 9، الرقم 2512، ترجمة المغيرة بن شعبة؛ الفتوح، ج1، ص446، خبر الحجاج بن خزيمة بن نبهان وقدومه على معاوية.
2- "اكتب إلى من خالفك بولايته ثم اعزله، فقال: المكر والخديعة والغدر في النار". بحار الأنوار الجامعة لدرر أخبار الأئمة الأطهار، ج 40، ص 105، الباب 91، جوامع مناقبه وفيه كثير من النصوص، الحديث 117 نقلاً عن الاختصاص، ص 150، فضائل على من كتاب ابن دأب.

مناصبهم تحاشياً لثورتهم وتربصاً للوقت المناسب للانقضاض عليهم وقمعهم وتجريدهم من سلطاتهم. وهذا بالضبط ما اقترحه المغيرة بن شعبة على الإمام علیه السلام أكثر من مرة.

وقد أيّد ابن عباس مقترح المغيرة وطلب من الإمام علیه السلام الموافقة عليه. وحين سأله الإمام علیه السلام عن سبب دعمه لهذا المقترح، أجاب: لأنك تعلم أن معاوية وأصحابه أهل دنيا فمتى تثبتهم لا يبالون بمن ولي هذا الأمر ومتى تعزلهم يقولون (هكذا، وربما يقولوا: م): أخذ هذا الأمر بغير شورى وهو قتل صاحبنا ويؤلبون ( هكذا ، وربما يؤلبوا م ) عليك فينتقض أهل الشام وأهل العراق مع أني لا آمن طلحة والزبير أن يكرا عليك(1).

أما ردّ علي علیه السلام فكان قوله لابن عباس أما ما ذكرت من إقرارهم، فوالله ما أشك أن ذلك خير في عاجل الدنيا لإصلاحها. وأما الذي يلزمني من الحق والمعرفة بعمال عثمان، فوالله لا أولي منهم أحداً أبداً. فإن أقبلوا فذلك خير لهم، وإن أدبروا بذلت لهم السيف (2).

ص: 140


1- "قال ابن عباس : .... عليك". تاريخ الطبري، ج3، ص703 ، حوادث سنة 35 الهجرية، اتساق الأمر في البيعة لعلي بن أبي طالب علیه السلام ؛ مروج الذهب ومعادن الجوهر، ج2، ص390، المغيرة بن شعبة ينصح علياً ثم يرجع.
2- "فقال علي : .... السيف". تاريخ الطبري، ج3، ص703، حوادث سنة 35 الهجرية، اتساق الأمر في البيعة لعلي بن أبي طالب؛ مروج الذهب ومعادن الجوهر، ج2، ص390، المغيرة بن شعبة ينصح علياً ثم يرجع .

كان الإمام علیه السلام يرى السياسة وإدارة شؤون الناس بعين مختلفة عما هو سائد ومتعارف، وكان همّه أن يُجري الأحكام الإلهية على المجتمع. وهذا ما قيده عن كثير من التصرفات. يقول علیه السلام : والله ما معاوية بأدهى مني ولكنه يغدر ويفجر. ولولا كراهية الغدر لكنت من أدهى الناس. ولكن كل غدرة فجرة، وكل فجرة كفرة، ولكل غادر لواء يُعرف به يوم القيامة. والله ما أستغفل بالمكيدة ولا أستغمز بالشديدة (1).

جاء في رواية أن الإمام علیه السلام ولّى طلحة والزبير اليمن واليمامة والبحرين، فقالا: جُزيت خيراً عن وصلك رحمنا! فغضب الإمام علیه السلام وقال إن سياسة البلاد لا شأن لها بصلة الأرحام . ثم صرف عنهما الولاية (2).

ما من شك في أن الإمام علیه السلام لم يكن يسند المناصب ويصدر أوامر الولايات بدوافع عائلية أو قبلية ولا من أجل صلة الرحم. لذا فما إن سمع كلام طلحة والزبير وعلم بسوء فهمهما لدوافعه، استرد عهديهما وألغى ولايتهما.

إن أهم ما كان يشغل بال الإمام علیه السلام هو السير بالأمة في جادة القيم الإلهية لكي تصطبغ بالصبغة الإلهية وتختلف عما كانت عليه في حكم الخلفاء السابقين. كان أمير المؤمنين علیه السلام يسعى إلى تطبيق سنن وقواعد على

ص: 141


1- نهج البلاغة، ص 298، الخطبة 200.
2- "فلما دفع إليهما عهديهما قالا له وصلتك رحم! قال: وإنما وصلتكما بولاية أمور المسلمين. واسترد العهد منهما، فعتبا من ذلك وقالا آثرت علينا فقال : لولا ما ظهر من حرصكما لقد كان لي فيكما رأي". تاريخ اليعقوبي، ج 2، ص180، خلافة علي بن أبي طالب.

المجتمع كانت قد أهملت منذ سنوات حتى طواها النسيان. ولم يكن يرضى بأن يلجأ إلى الوسائل غير المشروعة أو المكر والغدر وإعطاء الرشى من أجل تثبيت أركان حكمه.

يقول ابن أبي الحديد والثقفي: أن طائفة من أصحاب علي علیه السلام مشوا إليه :فقالوا يا أمير المؤمنين أعط هذه الأموال وفضل هؤلاء الأشراف من العرب وقريش على الموالي والعجم واستمل من تخاف خلافه من الناس وفراره. وإنما قالوا له ذلك لما كان معاوية يصنع في المال. فقال لهم: أتأمرونني أن أطلب النصر بالجور؟ لا والله لا أفعل ما طلعت شمس وما لاح في السماء نجم. واللهلو كان المال لي لواسيت :(هكذا: م)بينهم، فكيف وإنما هي أموالهم (1)؟

هذا العامل أزعج جماعة وأغضبهم لأنهم كانوا يأملون من علي علیه السلام الشيء الكثير مما صنع أرضيته الخلفاء السابقون. ويقال إن عقيلاً كان واحداً من أولئك. فبعد ما شاهد من بذل عثمان الكثير، توقع أن يحذو الإمام علیه السلام حذوه، فجاءه وطلب منه صاعاً من قمح. يروي الإمام علیه السلام الحادثة كما يلي:والله لقد رأيت عقيلاً وقد أملق حتى استماحني من بركم صاعاً ورأيت صبيانه شعث الشعور غبر الألوان من فقرهم كأنما سودت وجوههم بالعظلم. وعاودني مؤكداً وكرر علىّ القول مردداً، فأصغيت إليه سمعي فظن أني أبيعه ديني وأتبع قياده مفارقاً طريقتي. فأحميت له حديدة ثم أدنيتها من جسمه ليعتبر بها، فضجّ ضجيج ذي دنف من ألمها وكاد أن يحترق من ميسمها. فقلت

ص: 142


1- الغارات، ج 1، ص 67 ، سيرة علي علیه السلام في المال؛ شرح نهج البلاغة، ج 2،ص203، مناقب علي علیه السلام وذكر طرف من أخباره في عدله وزهده، الخطبة 34.

له: ثكلتك الثواكل يا عقيل أتئن من حديدة أحماها إنسانها للعبه وتجرني إلى نار سجّرها جبارها لغضبه؟ أتئن من أذى ولا أئن من لظى(1)؟

وفي تقرير آخر، أن عبد الله بن جعفر ابن أخي الإمام وصهره جاءه علیه السلام يوماً وقال له: يا أمير المؤمنين لو أمرت لي بمعونة أو نفقة، فوالله ما عندي إلاّ أن أبيع بعض علوفتي. قال له: لا والله ما أجد لك شيئاً إلاّ أن تأمر عمك أن يسرق فيعطيك (2).

شتان ما بين موقف الخليفة علي من صهره عبد الله بن جعفر وموقف الخليفة (عثمان) من صهره مروان. الأول يرفض إعطاء صهره من بيت المال فوق نصيبه وهو مضطر لبيع إبله وماشيته وحتى ثيابه لسد حاجته. والثاني يهب خمس غنائم أفريقيا لصهره دفعة واحدة.

يقول عبد الله الزبير: أغزانا عثمان سنة سبع وعشرين إفريقيا فأصاب عبد الله بن سعد بن أبي سرح غنائم جليلة، فأعطى عثمان مروان بن الحكم تلك الغنائم (3).

ص: 143


1- نهج البلاغة، ص326، الخطبة 224.
2- الغارات، ج1، ص 67، سيرة علي علیه السلام في المال.
3- أنساب الأشراف، ج6، ص 136، ذكر ما أنكروا من سيرة عثمان بن عفان وأمره؛ شرح نهج البلاغة، ج 3، ص37، ذكر المطاعن التي طعن بها على عثمان والرد عليها، الخطبة 43.

وفي رواية أبي مخنف أن مروان اشترى تلك الغنائم بمائتي ألف دينارذهب أو مائتي ألف درهم فضة ولكنه كلّم عثمان فوهبه إياها(1).

لو أن أمير المؤمنين علیه السلام كان أنفق واحداً من ألف مما بذله الخلفاء الذين سبقوه على من حوله وعلى مخالفيه، ولم يتخذ التقوى وحسن التدبير والكفاءة الإدارية معايير لاستحقاق ولاية الحواضر الكبرى والولايات وحابى أمثال معاوية وطلحة والزبير ولو قليلاً، واتبع سياسة المكر والحيلة والغدر ولو بمقدار ضئيل، فلربما لم يكن ليُبتلى بأي من الحروب الثلاث المتوالية التي ابتلي بها.

2- عدالة الإمام علیه السلام الاقتصادية

لعل من أهم الأسباب التي مهدت الأرضية لنشوب حرب الجمل العدالة الصارمة التي التزم بها الإمام علیه السلام في توزيع موارد بيت المال. فقد عمل أمير المؤمنين علیه السلام على توزيع أموال بيت المال على الناس على الطريقة التي كان رسول الله صلی الله علیه وآله وسلم يوزعها بها وهي القائمة على المساواة التي لا تعترف بزيادة حصة ذوي السابقة والجهاد والعمل في الإسلام، وترفض التمييز بين الأبيض والأسود وبين السيد والعبد. ومن قبل كان أبو بكر يتبع نهج النبي صلی الله علیه وآله وسلم في

ص: 144


1- "أن مروان ابتاع خمس أفريقية بمائتي ألف درهم ومائتي ألف دينار وكلّم عثمان فوهبها له". أنساب الأشراف، ج6، ص 136 ، ذكر ما أنكروا من سيرة عثمان بن عفان وأمره؛ شرح نهج البلاغة، ج3، ص 37 ، ذكر المطاعن التي طعن بها على عثمان والرد عليها، الخطبة 43.

ذلك(1) حيث رفض إجابة الذين طالبوه بتقسيم بيت المال على أساس السابقة والفضل وقال: فضائلهم عند الله، فأما هذا المعاش فالتسوية فيه خير (2). أما عمر فقد اتبع الطريقة نفسها في بداية حكمه، ولكنه لم يلبث أن تمرد على قسمة رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم وجعلها حسب الدواوين المالية المرتبة وفق الطبقات المختلفة. لقد أقام ديوانه المالي على قاعدتين: الأولى القرب النسبي من رسول الله صلی الله علیه وآله وسلم، والثانية السابقة والفضل في الإسلام(3).

لمدة سنوات كان عمر يعطي العباس عم النبي خمسة وعشرين ألف دينار أو اثني عشر ألف درهم، وبعطي كل واحدة من زوجات النبي صلی الله علیه وآله وسلم بين عشرة آلاف درهم واثني عشر ألف درهم، وكلَّ مسلم شهد بدراً خمسة آلاف درهم، والمسلمين الذين شهدوا الحروب التي وقعت بعد بدر حتى الحديبية أربعة آلاف درهم، والمسلمين الذين شهدوا الحروب التي تلت الحديبية إلى حرب المرتدين في زمن أبي بكر وكذلك الذين شهدوا حروب عهده إلى

ص: 145


1- "وقسم أبوبكر بين الناس بالسوية لم يفضل أحداً على أحد". تاريخ اليعقوبي، ج2، ص136، أيام أبي بكر.
2- "أن أبابكر كلم في أن يفضل بين الناس في القسم، فقال: فضائلهم عند الله، فأما هذا المعاش فالتسوية فيه خير". كتاب الأموال، ص 335، باب التسوية بين الناس في الفيء، الحديث 649.
3- "وفي هذه السنة فرض عمر للمسلمين الفروض ودوّن الدواوين وأعطى العطايا على السابقة ... ولما أراد عمر وضع الديوان، قال له علي وعبد الرحمن بن عوف ابدأ بنفسك. قال: لا بل أبدأ بعم رسول الله صلی الله علیه وآله وسلم ثم الأقرب فالأقرب". تاريخ الطبري، ج2، ص 452، حوادث سنة 15 الهجرية، ذكر فرض العطاء وعمل الديوان؛ الطبقات الكبرى، ج 3، ص 295، ذكر استخلاف عمر.

القادسية ثلاثة آلاف درهم، وللمسلمين الذين شاركوا في معركتي القادسية واليرموك ألفي درهم(1).

وكان يقول مبرراً ما فعله خلاف سنة رسول الله صلی الله علیه وآله وسلم : إن أبا بكر رأى في هذا المال رأياً ولي فيه رأي آخر، لا أجعل من قاتل رسول الله صلی الله علیه وآله وسلم كمن قاتل معه (2).

وانتهج عثمان طريقة عمر نفسها فكان يفرّق أموال بيت المال على ذويه وأقربائه كيفما أحبّ. وهو أيضاً كان يلتمس لنفسه مبرراً كما كان عمر يبرر فعله. فكان يعتبر بيت المال صلة للرحم الذي أمر به القرآن(3). كان يقول: إن أبا بكر وعمر تركا من هذا المال ما كان لهما وإني آخذه فأصل به رحمي(4) .

ص: 146


1- "فرض لأعل بدر خمسة آلاف خمسة آلاف، ثم فرض لمن بعد بدر إلى الحديبية أربعة آلاف أربعة آلاف ... كان فرض للعباس خمسة وعشرين ألفاً وقيل اثني عشر وقيل اثني عشر ألفاً، وأعطى نساء النبي الله صلی الله علیه وآله وسلم العشرة آلاف عشرة آلاف إلاّ من جرى عليها الملك ... وجعل نساء أهل بدر في خمسمائة خمسمائة، ونساء من بعدهم إلى الحديبية على أربعمائة أربعمائة، ونساء من بعد ذلك إلى الأيام ثلاثمائة ثلاثمائة، ونساء أهل القادسية مائتين مائتين، ثم سوّى بين النساء بعد ذلك". تاريخ الطبري، ج2، ص 452، حوادث سنة 15 الهجرية، ذكر فرض العطاء وعمل الديوان.
2- "لما جاءت عمر بن الخطاب الفتوح وجاءت الأموال، قال: إن أبابكر ..... معه". كتاب الخراج، ص 43 ، كيف كان فرض عمر الأصحاب الرسول الله صلی الله علیه وآله وسلم.
3- "لما ولي عثمان ... واستعمل أقاربه وأهل بيته في الست الأواخر وأهملهم (هكذا: م) وكتب لمروان بن الحكم بخمس أفريقية وأعطى أقاربه المال وتأول في ذلك الصلة التي أمر الله بها ... أنساب الأشراف، ج 6، ص 2401 ، ذكر ما أنكروا من سيرة عثمان بن عفان وأمره.
4- أنساب الأشراف، ج6، ص 2401، ذكر ما أنكروا من سيرة عثمان بن عفان وأمره.

أما حين ولي أمير المؤمنين علیه السلام لم أمر المسلمين فأول ما فعله، وكان ذلك في اليوم التالي ليوم بيعته، أن ارتقى المنبر واستعرض سياسته المالية التي عقد العزم على اتباعها. قال علیه السلام : والله (لابد للمال الذي نُهب من بيت المال والعطايا التي فرّقها عثمان هنا وهناك أن تعود إلى بيت المال) ولو وجدته قد تزوج به النساء وملك به الإماء لرددته، فإن في العدل سعة. ومن ضاق عليه العدل فالجور عليه أضيق(1).

يروي ابن أبي الحديد هذه الخطبة باختلاف قليل كما يلي: ألا إن كل قطيعة أقطعها عثمان وكل مال أعطاه من مال الله فهو مردود في بيت المال (والحق القديم لا يبطله شيء ولا يسقط بالتقادم) لو وجدته وقد تزوج به النساء وفرق بين البلاد لرددته إلى حاله (2).

بعد ذلك أمر الإمام علیه السلام بجميع الأموال والأسلحة التي كان عثمان أخذها من بيت المال وكدّسها في بيته ليهاجم بها المسلمين فأُخرجت من داره. ولكنه في الوقت نفسه أمر بعدم التعرض لأموال عثمان الخاصة والاكتفاء بإعادة الأموال والهبات التي كان عثمان وهبها لبعض الأشخاص إلى بيت المال. فلما سمع عمرو بن العاص وهو في الشام بذلك كتب من فوره إلى

ص: 147


1- نهج البلاغة، ص 38 ، الخطبة 15 .
2- أن علياً علیه السلام الخطاب في اليوم الثاني من بيعته بالمدينة فقال: ألا إن .... إلى حاله. فإن في العدل سعة ومن ضاق عنه الحق فالجور عليه أضيق". شرح نهج البلاغة ، ج1، ص 270، من كلام له علیه السلام فيما رده على المسلمين من قطائع عثمان، الخطبة 15.

معاوية: ما كنت صانعاً فاصنع إذ قشرك ابن أبي طالب من كل مال تملكه كما تقشر عن العصا لحاها (1).

وفي خطبة أخرى ينقلها ابن أبي الحديد، يشير الإمام علیه السلام إلى ثقل أعباء الحكم قائلاً: وإني حاملكم على منهج نبيكم صلی الله علیه وآله وسلم ومنفذ فيكم ما أمرت به إن استقمتم لي وبالله المستعان ألا إن موضعي من رسول الله صلی الله علیه وآله وسلم بعد وفاته كموضعي منه أيام حياته.

ثم أشار الإمام إلى سياسته المالية فقال: ألا لا يقولن رجال منكم غداً قد غمرتهم الدنيا فاتخذوا العقار وفجّروا الأنهار وركبوا الخيول الفارهة واتخذوا الوصائف الروقة فصار ذلك عليهم عاراً وشناراً، إذا ما منعتهم كانوا يخوضون فيه وأصرتهم إلى حقوقهم التي يعلمون، فينقمون ذلك ويستنكرون ويقولون: حرمنا ابن أبي طالب حقوقنا ألا وأيما رجل من المهاجرين والأنصار من أصحاب رسول الله صلی الله علیه وآله وسلم يرى أن الفضل له على من سواه لصحبته فإن الفضل النير غداً عند الله وثوابه وأجره على الله وأيما رجل استجاب الله وللرسول فصدق ملتنا ودخل في ديننا واستقبل قبلتنا، فقد استوجب حقوق الإسلام وحدوده. فأنتم عباد الله والمال مال الله يقسم

ص: 148


1- "ثم أمر علیه السلام بكل سلاح وُجد لعثمان في داره مما تقوّى به على المسلمين فقبض، وأمر بقبض نجائب كانت في داره من إبل الصدقة فقبضت، وأمر بقبض سيفه ودرعه، وأمر ألا يعرض لسلاح وُجد له لم يقاتل به المسلمون وبالكف عن جميع أمواله التي وُجدت في داره وفي غير داره. وأمر أن ترتجع الأموال التي أجاز بها عثمان حيث أصيبت أو أصيب أصحابها. فبلغ ذلك عمرو بن العاص فكتب إلى معاوية: ما كنت ..... لحاها". شرح نهج البلاغة، ج1، ص 270 ، من كلام له علیه السلام فيما رده على المسلمين من قطائع عثمان، الخطبة 15.

بينكم بالسوية، لا فضل فيه لأحد على أحد وللمتقين عند الله غداً أحسن الجزاء ( فاتوني جميعاً غداً صباحاً لأقسم بيت المال عليكم بالتساوي)(1).

يقول ابن أبي الحديد نقلاً عن أبي جعفر الإسكافي: وكان هذا أول ما أنكروه من كلام علیه السلام وأورثهم الضغن عليه وكرهوا إعطاءه وقسمه بالسوية فلما كان من الغد غدا وغدا الناس لقبض المال، فقال لعبيدالله بن أبي رافع كاتبه: ابدأ بالمهاجرين فنادهم وأعط كل رجل ممن حضر ثلاثة دنانير، ثم ثنّ بالأنصار فافعل معهم مثل ذلك. ومن يحضر من الناس كلهم، الأحمر والأسود، فاصنع به مثل ذلك(2).

وهكذا بدأت الاحتجاجات مع أول قسمة لبيت المال على طريقة رسول الله صلی الله علیه وآله وسلم . وكيف كان سيرضى بقسمة علي بن أبي طالب القائمة على المساواة من اعتاد أن يأخذ أكثر من حقه على أساس من التفضيل حسب اجتهاد عمر؟ إذن لم يكن عبثاً رفض الإمام علیه السلام الخلافة في بادئ الأمر. فبعض أولئك الذين هجموا عليه في داره ليبايعوه بالأمس هم ممن وقف بوجهه ناقماً عليه قسمته بالسوية!

تفيد التقارير التاريخية بأن من أوائل الذين احتجوا على سياسة الإمام علیه السلام وعبروا عن سخطهم بعدم الحضور لأخذ أسهمهم من بيت المال كان

ص: 149


1- "وإني .... أيام حياته. فامضوا لما تؤمرون به وقفوا عند ما تنهون عنه ... أني كنت كارهاً للولاية على أمة محمد حتى اجتمع رأيكم على ذلك ... ثم التفت يميناً وشمالاً فقال: ألا لا يقولن .... الجزاء". شرح نهج البلاغة، ج 7، ص 36 ، فصل فيما كان من أمر طلحة والزبير عند قسم الله الخطبة 90.
2- شرح نهج البلاغة، ج7، ص37 ، فصل فيما كان من أمر طلحة والزبير عند قسم المال، الخطبة 90.

طلحة والزبير وعبد بن عمر وسعيد بن العاص ومروان بن الحكم وجماعة من قريش. وفي صبيحة اليوم التالي تجمع في المسجد الوليد بن عقبة ومروان وسعيد بن العاص وجماعة من قريش وقالوا للإمام علي علیه السلام: يا أبا الحسن! نحن نبايعك اليوم على أن تضع عنا (تهب لنا) ما أصبناه من المال في أيام عثمان فقال: أما وضعي عنكم ما أصبتم فليس لي أن أضع حق الله عنكم ولا عن غيركم(1).

فصعد الإمام علیه السلام المنبر تلبية لطلب أبي الهيثم وعمار وسهل بن حنيف وآخرين بأن ينصح المتمردين، فقال: فأفضل الناس عند الله منزلة وأقربهم من الله وسيلة أطوعهم لأمره وأعملهم بطاعته وأتبعهم لسنة رسوله وأحياهم لكتابه. ليس لأحد عندنا فضل إلا بطاعة الله وطاعة الرسول. هذا كتاب الله بين أظهرنا وعهد رسول الله وسيرته فينا لا يجهل ذلك إلاّ جاهل عاند عن الحق (ثم قال : يا معشر المهاجرين والأنصار! أتمنون على الله ورسوله بإسلامكم؟ بل الله يمنّ عليكم أن هداكم للإيمان إن كنتم صادقين. ثم قال: فأما هذا الفيء فليس لأحد على أحد فيه إثرة وقد فرغ الله من قسمته، فهو مال الله وأنتم عباد الله المسلمون. وهذا كتاب الله به أقررنا وله أسلمنا

ص: 150


1- قال: فبينا الناس في المسجد بعد الصبح إذ طلع الزبير وطلحة فجلسا ناحية عن علي علیه السلام ثم طلع مروان وسعيد وعبد الله بن الزبير فجلسوا إليهما. ثم جاء قوم من قريش فانضموا إليهم، فتحدثوا نجياً ساعة. ثم قام الوليد بن عقبة بن أبي معيط فجاء إلى علي علیه السلام فقال: يا أبا الحسن ..... غيركم". شرح نهج البلاغة، ج 7، ص 38 فصل فيما كان من أمر طلحة والزبير عند قسم المال، الخطبة 90.

وعهد نبينا بين أظهرنا) فمن لم يرض به فليتول كيف شاء. فإن العاملبطاعة الله والحاكم بحكم الله لا وحشة عليه(1).

ثم نزل الإمام علیه السلام من المنبر فصلى ركعتين ثم أرسل في طلب طلحة والزبير. فلما حضرا قال لهما علیه السلام نشد تكما الله، هل جئتماني طائعين للبيعة ودعوتماني إليها وأنا كاره لها؟ قالا : نعم. فقال: غير مجبرين ولا مقسورين، فأسلمتما لي بيعتكما وأعطيتماني عهدكما؟ قالا: نعم. قال: فما دعاكما بعد إلى ما أرى؟ قالا : أعطيناك بيعتنا على ألا تقضي الأمور لا تقطعها دوننا، وأن تستشيرنا في كل أمر ولا تستبد بذلك علينا. ولنا من الفضل على غيرنا ما قد علمت. فأنت تقسم القسم وتقطع الأمر وتمضي الحكم بغير مشاورتنا ولا علمنا. فقال : لقد نقمتما يسيراً وأرجأتما كثيراً، فاستغفر الله يغفر لكما ألا تخبرانني، أدفعتكما عن حق وجب لكما فظلمتكما إياه؟ قالا: معاذ الله ! قال: فهل استأثرت من هذا المال لنفسي بشيء؟ قالا: معاذ الله! قال: أوقع حكم أو حق لأحد من المسلمين فجهلته أو ضعفت عنه؟ قالا : معاذ الله قال فما الذي كرهتما من أمري حتى رأيتما خلافي؟ قالا : خلافك عمر بن الخطاب في القسم أنك جعلت حقنا في القسم كحق غيرنا وسويت بيننا وبين من لا يماثلنا فيما أفاء الله تعالى علينا بأسيافنا ورماحنا وأوجفنا عليه بخيلنا ورجلنا وظهرت عليه دعوتنا وأخذناه قسراً قهراً ممن لا يرى

ص: 151


1- "فقام أبوالهيثم وعمار وأبوأيوب وسهل بن حنيف وجماعة معهم فدخلوا على علي علیه السلام فقالوا... فخرج علي علیه السلام فدخل المسجد وصعد المنبر ... فأفضل ... لا وحشة عليه". شرح نهج البلاغة، ج7، ص38، فصل فيما كان من أمر طلحة والزبير عند قسم المال، الخطبة 90.

الإسلام إلاّ كرهاً. فقال: فأما ما ذكر تماه من الاستشارة بكما فوالله ما كانت لي في الولاية رغبة ولكنكم دعوتموني إليها وجعلتموني عليها، فخفت أن أردكم فتختلف الأمة. فلما أفضت إليّ نظرت في كتاب الله وسنة رسوله فأمضيت ما دلاّني عليه واتبعته ولم أحتج إلى آرائكما فيه ولا رأي غيركما. ولو وقع حكم ليس في كتاب الله بيانه ولا في السنة برهانه واحتيج إلى المساورة فيه لشاورتكما فيه. وأما القسم الأسوة فإن ذلك أمر لم أحكم فيه بادئ بدء. قد وجدت أنا وأنتما رسول الله صلی الله علیه وآله وسلم يحكم بذلك وكتاب الله الناطق به وهو الكتاب الذي لا يأتيه الباطل من بين يديه ولا من خلفه تنزيل من حكيم حميد. وأما قولكما جعلت فيئنا وما أفاءته سيوفنا ورماحنا سواء بيننا وبين غيرنا، فقديماً سبق إلى الإسلام قوم ونصروه بسيوفهم ورماحهم فلم يفضلهم رسول الله صلی الله علیه وآله وسلم في القسم ولا آثرهم بالسبق. (وجزاء السابقين والمجاهدين عند الله يوم الحساب)(1).

رأينا كيف أن الإمام علي علیه السلام كان مصراً على اتباع المساواة في تقسيم بيت المال وكيف ردّ الشبهات المثارة عليها. والحقيقة أن تلك لم تكن مشكلة أمير المؤمنين علیه السلام ولم يكن مسئولاً عن حلها. فالإمام علیه السلام كان يسير على هدي القرآن وسنة النبي الأكرم صلی الله علیه وآله وسلم . إن أساس المشكلة يعود إلى السنوات الخمس والعشرين التي تلت وفاة النبي صلی الله علیه وآله وسلم التي نسي فيها الناس قسمة رسول

ص: 152


1- ثم نزل عن المنبر فصلى ركعتين ثم بعث بعمار بن ياسر وعبد الرحمن بن حنبل القرشي إلى طلحة والزبير وهما في ناحية المسجد فأتياهما فدعواهما، فقاما حتى جلسا إليه علیه السلام فقال لهما: نشد تكما الله ! .... بالسبق". شرح نهج البلاغة، ج7، ص39، فصل فيما كان من أمر طلحة والزبير عند قسم المال، الخطبة 90.

الله وبثت الدعايات وتحركت ماكنة الإعلام المضادة لها. وكما تؤكد التقارير التاريخية فإن قسمة بيت المال بين الناس أخذت مجرى مخالفاً لسنة النبي صلی الله علیه وآله وسلم منذ عهد عمر الذي أعمل مزاجه الشخصي في تقسيم بيت المال. وفي زمن عثمان شاهد الناس كيف كان يتلاعب بأموالهم يفرقها على من يشاء من أقربائه والمقربين إليه، حتى امتلأت قلوب الناس بحب الدنيا. ثم ألفوا أنفسهم في مواجهة حاكم ينظر بعين واحدة إلى الأبيض والأسود وإلى العربي والأعجمي وإلى السيد والعبد. وهكذا، فإن جذور الاعتراضات التي انتهت إلى نكث البيعة تستقي من اعتياد الناس على الأوضاع التي فرضتها العهود السابقة (1).

يقول إبراهيم بن محمد الثقفي إن امرأتين أتنا علياً علیه السلام عند القسمة إحداهما من العرب والأخرى من الموالي، فأعطى كل واحدة خمسة وعشرين درهماً وكراً من الطعام. فقالت العربية : يا أمير المؤمنين إني امرأة من العرب

ص: 153


1- "إن أبا بكر قسم محتذياً لقسم رسول الله صلی الله علیه وآله وسلم فلما ولي عمر الخلافة وفضل قوماً على قوم ألفوا . ذلك ونسوا تلك القسمة الأولى. وطالت أيام عمر وأشربت قلوبهم حب المال وكثرة العطاء. وأما الذين اهتضموا فقنعوا ومرنوا على القناعة ولم يخطر لأحد من الفريقين له أن هذه الحال تنتقض أو تتغير بوجه ما. فلما ولي عثمان أجرى الأمر على ما كان عمر يجريه فازداد وثوق القوم بذلك، ومن ألف أمراً أشق عليه فراقه وتغيير العادة فيه. فلما ولي أمير المؤمنين علیه السلام أراد أن يردّ الأمر إلى ما كان في أيام رسول الله صلی الله علیه وآله وسلم وأبي بكر وقد نسي ذلك ورفض وتخلل بين الزمانين اثنتان وعشرون سنة، فشق ذلك عليهم وأنكروه حتى حدث ما حدث من نقض البيعة ومفارقة الطاعة". شرح نهج البلاغة، ج7، ص39، فصل فيما كان من أمر طلحة والزبير عند قسم المال، الخطبة 90.

وهذه امرأة من العجم!؟ فقال علي علیه السلام : [إني] والله لا أجد لبني إسماعيل في هذا الفيء فضلاً على بني إسحاق(1).

هل كان طلحة والزبير ساخطين في قسمة بيت المال على على علهی السلام أم على النبي الأكرم صلی الله علیه وآله وسلم ؟ فالنبي كان يقسم المال بين الناس كما فعل الإمام علي علیه السلامفيما بعد.

لاشك في أن الذين شهدوا أمر عمر بتحريم دخول المدينة(2) على غیر العرب وعدم الاقتصاص من العربي للأعجمي (3) لا يروق لهم مساواة علي علیه السلام بين العرب والعجم ولاريب في أن الذين شهدوا، إلى وقت قريب، منع زواج

ص: 154


1- الغارات، ج1، ص70 ، سيرة علي علیه السلام في المال؛ شرح نهج البلاغة، ج 2، ص 201، مناقب علي وذكر طرف من أخباره في عدله وزهده، الخطبة 34.
2- "وكان عمر لا يترك أحداً من العجم يدخل المدينة". المصنف، جه، ص474، حديث أبي لؤلؤة قاتل عمر، الحديث 9775؛ مروج الذهب ومعادن الجوهر، ج 2، ص 352، ذكر خلافة عمر بن الخطاب، أبو لؤلؤة غلام المغيرة بن شعبة.
3- أن عبادة بن الصامت دعا نبطياً يمسك له دابته عند بيت المقدس فأبى فضربه فشجه فاستعدى عليه عمر بن الخطاب، فقال له: ما دعاك إلى ما صنعت بهذا؟ فقال: يا أمير المؤمنين أمرته أن يمسك دابتي فأبى وأنا رجل في حد فضربته. فقال: اجلس للقصاص. فقال زيد بن ثابت: أتقيد عبدك من أخيك ؟ فترك عمر القود وقضى عليه بالدية. السنن الكبرى، ج 12 ، ص 43 ، كتاب الجنايات، الروايات فيه عن عمر بن الخطاب، الحديث 16354؛ سير أعلام النبلاء، ج 2، ص 440، ترجمة زيد بن ثابت، الرقم 85.

غير العربي من العربية (1) لن يستوعبوا اليوم مساواة حقوقهم بحقوق غيرهم وأنهم سوف لن يكفوا عن معارضة أمير المؤمنين علیه السلام.

في طيات صفحات التاريخ شواهد رائعة على عدالة الإمام علي علیه السلام في حكمه، غير أن ما يؤلم ويؤسف أنهم لم يدعوه يكمل مشروعه العدلي وإرواء المظلومين العطاشى من عذب نميره. ولعل حادثة سودة بنت عمارة مثال على اهتمام أمير المؤمنين علیه السلام وعدله.

عدالة أمير المؤمنين علیه السلام عن لسان سودة الهمدانية

دخلت سودة بنت عمارة الهمدانية على معاوية بن أبي سفيان (بعد استشهاد الإمام على علیه السلام) فاستأذنت عليه فأذن لها. فلما دخلت عليه سلمت عليه... فقال لها فقولي حاجتك. قالت: يا أمير المؤمنين إنك للناس سيد ولأمورهم مقلد ، والله سائلك عما افترض عليك من حقنا. ولاتزال تقدم علينا من ينهض بعزك ويبسط سلطانك فيحصدنا حصاد السنبل ويدوسنا دياس البقر ويسومنا الخسيسة ويسألنا الجليلة. هذا ابن أرطاة قدم بلادي وقتل رجالي وأخذ مالي. ولولا الطاعة لكان فينا عزّ ومنعة. فإما عزلته فشكرناك وإما لا فعرفناك (واجهناك). فقال معاوية إياي تهددين بقومك؟

ص: 155


1- "أنه نهى أن يتزوج العجم في العرب وقال: لأمنعن فروجهن إلاّ من الأكفاء ..." الغارات، ج2، ص 822، توضيح حول كلمة الموالي. قال عمر بن الخطاب لأمنعن فروج ذوات الأحساب إلاّ من الأكفاء". المصنف، ج6، ص 152 ، باب الأكفاء، الحديث 10324.

والله لقد هممت أن أردك إليه على قتب أشرس فينفذ حكمه فيك. فسكتت، ثم قالت(السلام على الجسد الذي واراه قبر قد وارى العزة والشرف. لقد كان حليف الحق لا يعدله بشيء. كان قرين الحق والإيمان) قال: ومن ذلك؟ قالت: علي بن أبي طالب رحمه الله تعالى. قال: ما أرى عليك منه أثراً قالت: بلى، أتيته يوماً في رجل ولاّه صدقاتنا فكان بيننا وبينه ما بين الغث والسمين فوجدته قائماً يصلي. فانفتل من الصلاة ثم قال برأفة ولطف: ألك حاجة؟ فأخبرته خبر الرجل فبكى. ثم رفع يديه إلى السماء فقال: اللهُمَّ إني لم أمرهم بظلم خلقك ولا ترك حقك. ثم أخرج من جيبه قطعة من جراب فكتب فيه: قد جاءتكم بينة من ربكم فأوفوا الكيل والميزان ولا تبخسوا الناس أشياءهم ... ولا تعثوا في الأرض مفسدين. بقية الله خير لكم إن كنتم مؤمنين وما أنا عليكم بحفيظ. إذا أتاك كتابي هذا فاحتفظ بما في يديك حتى يأتي من يقبضه منك، والسلام. فعزله يا أمير المؤمنين. ما خزمه بخزام ولا ختمه بختام. (فسلمت الكتاب لعامل الإمام فقرأه فتنحى من فوره).

لما سمع معاوية مقالة المرأة قال لكاتبه اكتب لسودة كل ما سألت لينفذ فتعود إلى وطنها راضية. قالت سودة: هل تقضي حاجتي أم حاجة قومي معي؟ قال معاوية : ما شأنك بغيرك؟ قالت سودة: ما لم تكن عشيرتي في رخاء فلا قيمة لرخائي وحدي. فقال معاوية: علمكم علي الجرأة على الخليفة(1).

ص: 156


1- العقد الفريد، ج2، ص102 ، الوافدات على معاوية، وفود سودة ابنة عمارة على معاوية وأخبار الوافدات من النساء على معاوية، ص67 ، الرقم 12.

حساسية أمير المؤمنين علیه السلام على بيت المال

لابد هنا من الإشارة إلى نقطة مهمة وهي أن الإمام علیه السلام كان حساساً جداً فيما يخص بيت المال. ولعل الاطلاع على شواهد حرص الإمام علیه السلام على التفاصيل الصغيرة المتعلقة ببيت المال من شأنه أن يعطينا صورة معرفية أوضح له. وفيما يلي بعض العناصر المرتبطة بتلك الحساسية:

أ- عدم ادخار أموال بيت المال

سيراً على منهاج رسول الله صلی الله علیه وآله وسلم و اتباعاً لسنته، حرص الإمام علي علیه السلامعلى عدم ادخار أي شيء من أموال بيت المال، فكان يقوم بتقسيم ما يأتيه من مال أولاً بأول (1). وكان يكنس بيت المال كل يوم جمعة ويصلي فيه ركعتين ويقول: ليشهد لي يوم القيامة(2).

يقول الشعبي: دخلت الرحبة بالكوفة وأنا غلام في غلمان، فإذا بعلي علیه السلام قائماً على صبرتين من ذهب وفضة ومعه مخفقة (عصا من الخشب) وهو يطرد الناس بمخفقته ثم يرجع إلى المال فيقسمه بين الناس حتى لم يبق منه شيء. ثم انصرف ولم يحمل إلى بيته قليلاً ولا كثيراً. فرجعت إلى أبي فقلت له: لقد رأيت اليوم خير الناس أو أحمق الناس. قال: من هو يا بني؟ قلت: علي

ص: 157


1- "عن علي علیه السلام قال: كان خليلي رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم لا يحبس شيئاً لغده". الغارات، ج1، ص48، سيرة علي علیه السلام في المال.
2- "كان علي يكنس بيت المال كل جمعة ويصلي فيه ركعتين ويقول: ليشهد لي يوم القيامة". الغارات، ج1، ص 46، سيرة علي علیه السلام في المال؛ شرح نهج البلاغة ، ج2، ص199، مناقب علي علیه السلام وذكر طرف من ص46، علام أخباره في عدله ،وزهده الخطبة 34.

بن أبي طالب أمير المؤمنين علیه السلام ، رأيته يصنع كذا، فقصصت عليه، فبكى وقال: يا بني بل رأيت خير الناس(1).

ويقول عاصم بن كليب الجرمي عن أبيه : شهدت عليا وقد جاءه مال من الجبل، فقام وقمنا معه وجاء الناس يزدحمون، فأخذ حبالاً فوصلها بيده وعقد بعضها إلى بعض، ثم أدارها حول المال وقال: لا أحل لأحد أن يجاوز هذا الحبل. قال: فقعد الناس كلهم من وراء الحبل ودخل هو فقال: أين رؤوس الأسباع؟ وكانت الكوفة يومئذٍ أسباعاً، فجاؤوا يحملون هذه الجوالق إلى هذه الجوالق وهذا إلى هذا حتى استوت القسمة سبعة أجزاء. ووجد مع المتاع ،رغيف، فقال: اکسروه سبع كسر وضعوا على كل جزء كسرة ثم قال: هذا جناي وخياره فيه ... إذ كل جان يده إلى فيه. ثم أقرع عليها ودفعها إلى رؤوس الأسباع، فجعل كل رجل منهم يدعو قومه فيحملون الجواليق(2).

ص: 158


1- الغارات، ج 1، ص 53 ، سيرة علي علام في المال؛ شرح نهج البلاغة ، ج2، ص198، مناقب علي علیه السلام وذكر طرف من أخباره في عدله وزهده، الخطبة 34.
2- الغارات، ج1، ص 52 ، سيرة علي علیه السلام في المال؛ شرح نهج البلاغة، ج2، ص199، مناقب علي علیه السلاموطرف من أخباره في عدله وزهده، الخطبة 34.

ب - توزيع كل شيء حتى الأشياء الصغيرة

كان علیه السلام يوزع بين الناس بالتساوي حتى الأشياء القليلة والدقيقة مثل بذور النباتات وإبر الخياطة والكمون والسمسم والخشخاش والحرمل والرغيف (1).

3- بغض الإمام علي علیه السلام وعداوته

من أسباب وقوع حرب الجمل بغض علي علیه السلام والعداوة له. وتعود هذه الأحقاد إلى تضحياته علیه السلام من أجل رسول الله صلی الله علیه وآله وسلم ودوره في حروب صدر الإسلام وقتله لرؤوس الشرك والكفر. يقول ابن أبي الحديد المعتزلي واعلم أن حال علي علیه السلام في هذا المعنى أشهر من أن يحتاج في الدلالة عليها إلى عليهم الإسهاب والإطناب. فقد رأيت انتقاض العرب عليه من أقطارها حين بويع بالخلافة بعد وفاة رسول الله صلی الله علیه وآله وسلم بخمس وعشرين سنة. وفي دون هذه المدة تُنسى الأحقاد وتموت الترات وتبرد الأكباد الحامية وتسلو القلوب الواجدة ويعدم قرن من الناس ويوجد قرن ولا يبقى من أرباب تلك الشحناء والبغضاء إلا الأقل. فكانت حاله بعد هذه المدة الطويلة مع قريش كأنها حاله لو أفضت الخلافة إليه يوم وفاة ابن عمه صلی الله علیه وآله وسلم من إظهار ما في النفوس وهيجان ما في القلوب، حتى أن الأخلاف من قريش والأحداث والفتيان الذين لم يشهدوا وقائعه وفتكاته في أسلافهم وآبائهم فعلوا به ما لو كانت الأسلاف

ص: 159


1- "كان علي يقسم بين الناس الأبزار والحرف والكمون وكذا وكذا". الغارات، ج1، ص60، سيرة علي علیه السلام في المال؛ شرح نهج البلاغة، ج 2، ص199 ، مناقب علي وطرف من أخباره في عدله وزهده، الخطبة 34.

أحياءً لقصرت عن فعله وتقاعست عن بلوغ شأوه. فكيف كانت تكون حاله لو جلس على منبر الخلافة وسيفه بعد يقطر دماً من مهج العرب لاسيما قريش؟ (حتى اضطر إلى محاربة الناكثين من أمثال طلحة والزبير والقاسطين أمثال معاوية ومن معه والخوارج المارقين من الدين المرتدين عنه في النهروان وقتل الكثير منهم)(1).

أ - حقد عائشة على أمير المؤمنين علي علیه السلام

لقد بلغ بغض عائشة للإمام علي علیه السلام حداً وصفه معه علیه السلام بقوله: وأما فلانة فأدركها رأي النساء وضغنَّ غلى في صدرها كمرجل القين، ولو دعيت لتنال من غيري ما أتت إلي لم تفعل(2).

وكان من شدة كرهها للإمام علي علیه السلام أن حرّفت الأحاديث في فضائله وأخفتها. يقول ابن سعد وأحمد بن حنبل ومحمد بن إسماعيل البخاري ومسلم بن الحجاج النيسابوري والبلاذري وأحمد بن شعيب النسائي نقلاً عنها أن النبي صلی الله علیه وآله وسلم خرج من داره يتأبط الفضل بن عباس ورجلاً آخر ورجلاه تخطان في الأرض. يقول الراوي: قصصت رواية عائشة على عبد الله بن عباس

ص: 160


1- شرح نهج البلاغة، ج11، ص114، الخطبة 211.
2- نهج البلاغة، ص 204، الخطبة 156 كنز العمال في سنن الأقوال والأفعال، ج16، ص186، الحديث 44216 .

فقال عبد الله بن عباس: فهل تدري من الرجل الآخر الذي لم تسمّ عائشة؟ قال: قلت: لا. قال ابن عباس: هو علي، إن عائشة لا تطيب له نفساً بخير (1).

أما أبوفرج الإصبهاني فيروي حكاية أخرى عن عداء عائشة للإمام علیه السلام . يقول: لما سمعت عائشة بخبر استشهاد علي علیه السلام فرحت فرحاً غامراً وسجدت شكراً لله. فقالت لها زينب بنت أم سلمة: كنت عند عائشة يوماً فجاءها خبر استشهاد الإمام علي علیه السلام فأنشدت شعراً فرحاً. تقول زينب بنت أم سلمة: فتعجبت لذلك فقلت لها: ألعلي على ما هو عليه من سابقة وفضل تقولين هذا (2)؟

يقول ابن إسحق : أن عائشة لما وصلت إلى المدينة راجعة من البصرة (بعد أن هزمها الإمام في حرب الجمل) لم تزل تحرض الناس على أمير

ص: 161


1- الطبقات الكبرى، ج2، ص 232 ، ذکر استئذان رسول الله نساءه أن يمرّض في بيت عائشة ؛ المسند، ج 6، ص 229، حديث عائشة ؛ صحيح البخاري، ص138 ، كتاب الأذان ، الباب 39 باب حدّ المريض أن يشهد الجماعة، الحديث ،665 ، وص 512 ، كتاب الهبة وفضلها والتحريض عليها، الباب 14، باب هبة الرجل لامرأته والمرأة لزوجها، الحديث ،2588 ، وص880 ، كتاب المغازي، الباب 83، باب مرض النبي ووفاته، الحديث 4442؛ صحیح مسلم ص 220 ، کتاب الصلاة، الباب ،21، باب استخلاف الإمام إذا عرض له عذر من مرض وسفر .... الأحاديث 936 و 937 و 938؛ سنن النسائي، ص186، كتاب الإمامة، باب الائتمام بالإمام يصلي قاعداً، الحديث 833. على أن البخاري ومسلم والنسائي لا يذكرون عبارة "إن عائشة لا تطيب له نفساً بخير".
2- "لما أتى عائشة نعي علي أمير المؤمنين تمثلت ... فقالت لها زينب بنت أم سلمة: ألعلي تقولين هذا؟". "ولما أن جاء عائشة قتل علي سجدت" مقاتل الطالبيين، ص 26 و 27 ، علي بن أبي طالب جواهر المطالب في مناقب الإمام علي بن أبي طالب علیه السلام ، ج2، ص 105، الباب التاسع والخمسون، في ذكر وصيته علیه السلام الأخيرة على الاختصار.

المؤمنين علیه السلام وكتبت إلى معاوية وإلى أهل الشام مع الأسود بن أبي البختري لتحرضهم عليه(1).

ويقول مسروق: دخلت على عائشة فجلست إليها فحدثتني واستدعت غلاماً لها أسود يقال له عبد الرحمن حتى وقف، فقالت: يا مسروق أتدري لما سميته عبد الرحمن؟ فقلت: لا. فقالت حباً مني لعبد الرحمن بن ملجم(2).

ولقد عبّرت عن مدى حقدها وشدته على الإمام علیه السلام بعد هزيمتها في معركة الجمل وطلب منها العودة إلى المدينة وإلى بيتها بقولها: أنا أرتحل فبالله أحلف ما كان مكان أبغض إلي من مكان يكون هو فيه(3).

لقد بلغ من حقدها على الإمام علیه السلام أنها كانت من الذين يفضلون يوماً من حياة عثمان على حياة علي علیه السلام بأسرها(4) ولا تعادل علياً علیه السلام بإصبع من أصابع عثمان(5).

ص: 162


1- موسوعة الشريف المرتضى "الشافي في الإمامة"، ج9، ص356.
2- موسوعة الشريف المرتضى "الشافي في الإمامة"، ج9، ص356.
3- "والخبر المشهور أنه لما بعث إليها أمير المؤمنين علیه السالم بالبصرة أن ارتحلي عن هذه البلدة، قالت: أنا أرتحل فيه". الجمل والنصرة لسيد العترة في حرب البصرة، ص160، في بغض عائشة لأمير المؤمنين علیه السلام.
4- "والله إن يوماً من عمر عثمان أفضل من حياة علي". الفتوح ، المجلد الأول، ص434، ذكر قدوم عائشة من مكة وما كان من كلامها بعد قتل عثمان.
5- "والله لإصبع من أصابع عثمان خير منه الجمل والنصرة لسيد العترة في حرب البصرة، ص430، خاتمة في تتمة أسباب بغض عائشة لأمير المؤمنين علیه السلام.

ب - حقد طلحة والزبير على أمير المؤمنين علیه السلام (1)

عندما تحرك أهل الفتنة صوب البصرة، بيّن الإمام علي علیه السلام أن من أهم دوافع طلحة والزبير إلى الفتنة الحسد وحب الدنيا(2). يقول الإمام الباقر علیه السلام عن طلحة والزبير:لما كثر قول المنافقين وحسّاد أمير المؤمنين علیه السلام فيما يظهره رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم من فضل علي علیه السلام وينص عليه ويأمر بطاعته ويأخذ البيعة له، قال المنافقون: لقد ضلّ محمد الله صلی الله علیه وآله وسلم في ابن عمه علي علیه السلام وغوى وجن. والله ما أفتنه فيه وحببه إليه إلاّ قتل الشجعان والأقران الفرسان يوم بدر (وأوغرت صدورهم بغضاً له)(3)

لقد كان عداء طلحة والزبير لعلي علیه السلام من الشدة بحيث حاولا اغتياله بألف فارس قبل نشوب حرب الجمل (4).

ص: 163


1- سنتكلم عن طلحة والزبير بشكل أكثر تفصيلاً في الفصول القادمة.
2- "وإنما طلبوا هذه الدنيا حسداً لمن أفاءها الله عليه فأرادوا ردّ الأمور على أدبارها ولكم علينا العمل بكتاب الله وسيرة رسول الله صلی الله علیه وآله وسلم والقيام بحقه والنعش لسنته". نهج البلاغة، ص228، جانب من الخطبة 169 .
3- "لما كثر ... يوم بدر ... وهم طلحة والزبير فقالوا: لقد أكثر محمد الله صلی االله علیه وآله وسلم في حق علي علیه السلام حتى لو أمكنه أن يقول لنا اعبدوه لفعل ...." بحار الأنوار الجامعة لدرر أخبار الأئمة الأطهار، ج 35، ص 276 ، تاريخ أمير المؤمنين ، الباب ،8 ، قوله تعالى والنجم إذا هوى، الحديث الخامس.
4- " وبايع أهل البصرة طلحة والزبير. فلما بايعوهما قال الزبير : ألا ألف فارس أسير بهم إلى علي أقتله بياتاً أو صباحاً قبل أن يصل إلينا؟؟ فلم يجبه أحد، فقال: إن هذه للفتنة التي كنا نتحدث عنها. فقال له مولاه: أتسميها فتنة وتقاتل فيها؟؟". الكامل في التاريخ، ج2، ص 322، حوادث سنة 36 الهجرية، ذكر ابتداء أمر وقعة الجمل. وبالمضمون نفسه في الجمل، ص288 تردد الزبير في حرب أمير المؤمنين علیه السلام.

ج - عداء عبد الله بن الزبير وحقده

ذكر إبراهيم بن محمد الثقفي عبد الله بن الزبير (1)في أعداء الإمام علیه السلام ومبغضيه في منطقة الحجاز (2).

أظهر عبد الله بن الزبير بغضه لأهل البيت علیهم السلام وعداءه لهم من خلال تحريض أبيه وخالته عائشة ومشاركته في حرب الجمل ووقوفه بوجه الإمام علي علیه السلام وضرب الحصار على بني هاشم ومقاطعتهم وتهديدهم بالحرق.

يقول ابن أبي الحديد ومن المنحرفين عنه المبغضين له عبدالله بن الزبير وقد ذكرنا آنفاً كان علي علیه السلام يقول: مازال الزبير منا أهل البيت حتى نشأ ابنه عبد الله فأفسده. وعبد الله هو الذي حمل الزبير على الحرب وهو الذي زيّن لعائشة مسيرها إلى البصرة وكان سبّاباً فاحشاً يبغض بني هاشم ويلعن ويسب علي بن أبي طالب علیه السلام (3).

ويقول ابن أبي الحديد عن لسان عبد الله بن الزبیر :لقد همتت أن أحظر لبني هاشم حظيرة ثم أضربها ناراً عليهم(4).

ص: 164


1- سنتحدث عن عبد الله بن الزبير بتفصيل أكبر في الفصول القادمة.
2- وكان بالحجاز [من مبغضيه] أبوهريرة وعبد اللهبن عمر وعبد بن الله الزبير". الغارات، ج2، ص 569 ، فيمن فارق علياً علیه السلام وعاداه.
3- شرح نهج البلاغة، ج 4، ص79، فصل في ذكر المنحرفين عن علي علیه السلام ، الخطبة 56.
4- شرح نهج البلاغة ، ج20، ص 128 ، عبد الله بن الزبير وذكر طرف من أخباره، الحكمة 461.

د - حقد مروان على أمير المؤمنين علیه السلام

كان مروان بن الحكم (1) من النواصب المعادين لأهل البيت بشدة، وكتب أهل السنة زاخرة بشتائمه بحق الإمام علي والحسن والحسين علیه السلام وحتى النبي صلی الله علیه وآله وسلم.

يقول ابن أبي الحديد وكان علي يقنت في صلاة الفجر وفي صلاة المغرب ويلعن (معاوية وعمرو بن العاص والمغيرة بن شعبة والوليد بن عقبة وأبا الأعور والضحاك بن قيس وبسر بن أرطاة وحبيب بن مسلمة وأباموسى الأشعري و) مروان بن الحكم. وكان هؤلاء يقنتون عليه ويلعنونه(2).

من الحوادث التي أكدت عداء مروان بن الحكم لأهل البيت علیهم السلام حادثة استشهاد الإمام الحسن المجتبى علیه السلام. فبالرغم من أنه علیه السلام كان قد أوصى بأن يُدفن إلى جوار جده صلی الله علیه وآله وسلم فقد منع مروان ذلك إرضاءً لمعاوية(3)، وقال: والله لا يكون ذلك أبداً وأنا أحمل سيفي(4). فقال أبوسعيد الخدري وأبو هريرة لمروان: أتمنع الحسن من أن يُدفن مع جده رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم وقد قال رسول الله صلی الله علیه وآله وسلم: الحسن والحسين سيدا شباب أهل الجنة؟ فلم يعبأ بحديث

ص: 165


1- سنتحدث عن مروان بن الحكم بتفصيل أكبر في الفصول التالية.
2- شرح نهج البلاغة، ج 4 ، ص79 ، فصل في ذكر المنحرفين عن علي علیه السلام، الخطبة 56.
3- "ولما أرادوا أن يدفنوا الحسن في الحجرة النبوية وقع خصام ... إنما تريد بها إرضاء من هو غائب عنک يعني معاوية". سير أعلام النبلاء، ج 2، ص 605 ، ترجمة أبي هريرة، الرقم 126.
4- أيدفن عثمان في أقصى البقيع ويدفن الحسن في بيت رسول الله؟ والله لا يكون ....... مقاتل الطالبيين، ص 48 و 49 ، ترجمة الإمام الحسن علیه السلام.

رسول الله وأقذع الكلام لأبي هريرة (1). وفي النهاية تسبب مروان في رمي جنازة الإمامالحسن علیه السلام بالنبال (2).

لقد كان من عداء مروان لأهل البيت علیهم السلام لأنه كان مستعداً لقتل الإمام الحسين علیه السلام لعدم مبايعته يزيد. فقد استدعى والي المدينة الوليد بن عتبة الإمام الحسين علیه السلام بعد وفاة معاوية إلى دار الإمارة لأخذ البيعة منه ليزيد بن معاوية فأبى الحسين علیه السلام أن يبايع وكان مروان حاضراً الاجتماع، فلما خرج الحسين ام من دار الإمارة قال مروان للوليد: احبس الرجل ولا يخرج من عندك حتى يبايع أو تضرب عنقه والله لئن فارقك الساعة ولم يبايع لا قدرت منه على مثلها أبداً (3).

ولما لم يحقق مروان ما أراد في ذلك الاجتماع من انصياع الإمام الحسين ام للمبايعة ولم ينجح في إلحاق الأذى بالحسين علیه السلام، فقد عبّر عما كان

ص: 166


1- "قال أبو سعيد .... أهل الجنة؟". أنساب الأشراف، ج3، ص أو الحديث: م]1225، وفاة الحسن بن على سلام. فقال مروان: دعنا عنك! لقد ضاع حديث رسول الله صلی الله علیه وآله وسلم إن كان لا يحفظه غيرك وغير أبي سعيد الخدري إنما أسلمت أيام خيبر" أنساب الأشراف، ج3، ص أو الحديث: م]1223، وفاة الحسن بن علي علهی السلام.
2- "ورموا بالنبال جنازته حتى سُل منها سبعون نبلاً. مناقب آل أبي طالب، ج4، ص44، باب إمامة أبي محمد الحسن بن علي علیه السلام، فصل في وفاته وزيارته. .
3- "وجاء حتى جلس فأقرأه الوليد الكتاب ونعى له معاوية ودعاه إلى البيعة، فقال الحسين: إنا لله وإنا إليه راجعون. أما ما سألتني من البيعة فإن مثلي لا يعطي بيعته سراً ... فقال له مروان: والله لئن فارقك الساعة ولم يبايع لا قدرت منه على مثلها أبداً حتى تكثر القتلى بينكم وبينه. احبس الرجل ولا يخرج من عندك حتى يبايع أو تضرب عنقه . تاريخ الطبري، ج 3، [ص]270، حوادث سنة 60 الهجرية، خلافة يزيد بن معاوية.

يعتمل في صدره من بغض له وحقد عليه بمشاهدة رأسه محمولاً على الرمح. يقول ابن أبي الحديد المعتزلي الشافعي: هو الذي خطب يوم وصل إليه رأس الحسين إلى المدينة وهو يومئذٍ أميرها وقد حمل الرأس على يديه فقال: يا حبذا بردك في اليدين / وحمرةً تجري على الخدين. ثم رمى بالرأس نحو قبر النبي وقال: يا محمد يوم ( يوم عاشوراء ) بيوم بدر (1).

4- سعي رؤوس الفتنة إلى السلطة

إدراج عمر بن الخطاب طلحة والزبير في الشورى السداسية أوهمهما بأنهما مؤهلان للخلافة. وهذا من الآثار السلبية للشورى السداسية. فقد سمحت لكل من هبّ ودبّ أن يطمع بالخلافة متوهماً بأنه قمين بها. لقد ساهموا في قتل عثمان أملاً بأن تؤول الخلافة من بعده إليهم وتشبع حبهم العارم للحكم. غير أن الناس لم يلبثوا أن تدافعوا على بيت الإمام علیه السلام مطالبين إياه بقبول البيعة وبايعوه بالإجماع فلما رأى طلحة والزبير إقبال الناس على علي علیه السلام لم يجدا بداً من أن يكونا أول المبايعين له أملاً بأن يشاركاه الخلافة أو أن يوليهما ولاية من الولايات المهمة كالشام والبصرة والكوفة. ولكنهما وجدا نفسيهما بعد تولي الإمام سلام الخلافة مفلسين صفر

ص: 167


1- شرح نهج البلاغة، ج4، ص71 ، فصل في ذكر الأحاديث الموضوعة في ذم على علیه السلام، الخطبة 56؛ قاموس الرجال، ج 10، ص 35 ، ترجمة مروان الرقم 7476 . هذا الموضوع حسب الرواية القائلة بإرسال الرأس الشريف إلى المدينة.

الأيدي. فاحتجا على علي علیه السلام فردّ عليهما قائلاً: اعلما أني لا أشرك في أمانتي إلاّ من أرضى بدينه وأمانته من أصحابي ومن قد عرفت دخيلته(1).

ثم رفض طلبهما في تولي الكوفة والبصرة قائلاً لهما: لا ها الله إذن يحلم الأديم ويستشري الفساد وتنتقض علي البلاد من أقطارها(2).

وفي رواية أن أمير المؤمنين علیه السلام ولّى طلحةَ والزبير اليمنَ واليمامة والبحرين فاعتبرا ذلك محسوبية منه علیه السلام وصلة للرحم. فلما رأى الإمام علیه السلام شدة حرصهما على الحكم تراجع عن توليتهما، فغضبا غضباً شديداً (3).

ويكفي دليلاً على حب طلحة والزبير الرئاسة قول الإمام علي علیه السلام : كل ام واحد منهما يرجو الأمر له ويعطفه عليه دون صاحبه... كل واحد منهما

ص: 168


1- "جاء الزبير وطلحة إلى علي علیه السلام بعد البيعة بأيام، فقالا له: يا أمير المؤمنين! قد رأيت ما كنا فيه من الجفوة في ولاية عثمان كلها وعلمت رأي عثمان كان في بني أمية وقد ولاك الله الخلافة من بعده بعده فولّنا بعض أعمالك. فقال لهما ... اعلما .... دخيلته". شرح نهج البلاغة، ج1، ص231، أمر طلحة والزبير مع علي بعد بيعتهما له، الخطبة 8.
2- "قال: إنهما يقولان: ولّ أحدنا البصرة والآخر الكوفة، فقال: لا هالله إذن .....". شرح نهج البلاغة، ج 11، ص 16 ، عدم الرجوع إليهما في الرأي من أخبار طلحة والزبير، الخطبة 198.
3- "وروى بعضهم أنه ولّى طلحة اليمن والزبير اليمامة والبحرين. فلما دفع إليهما عهديهما قالا له: وصلتك رحم! قال: وإنما وصلتكما بولاية أمور المسلمين واسترد العهد منهما، فعتبا من ذلك وقالا: آثرت علينا فقال: لولا ما ظهر من حرصكما لقد كان لي فيكما رأي". تاريخ اليعقوبي، ج2، ص180، خلافة علي بن أبي طالب.

حامل ضب لصاحبه... والله لئن أصابوا الذي يريدون لينتزعن هذا نفس هذا وليأتين هذا على هذا(1).

كما يشير إلى حب طلحة والزبير للسلطة معاذ بن عبيدالله الذي كان يقاتل في جيش عائشة بقوله : والله لو ظفرنا لاقتتلنا. ما كان الزبير يترك طلحة والأمر، ولا كان طلحة يترك الزبير والأمر (2).

أما الطبري فيروي حادثة لقاء سعيد بن العاص في طريق البصرة بطلحة والزبير ما يكشف عن حبهما للسلطة ولهاثهما على الرئاسة. يقول في تقريره: فخلا سعيد بطلحة والزبير فقال: إن ظفرتما لمن تجعلان الأمر؟ أصدقاني !قالا: لأحدنا أينا اختاره الناس قال: بل اجعلوه لولد عثمان فإنكم خرجتم تطلبون بدمه قالا ندع شيوخ المهاجرين ونجعلها لأبنائهم (3)

ومن نتائج حب السلطان لدى طلحة والزبير أنه بعد سيطرتهما على البصرة قاما معاً بختم بيت المال ولم يسمحا لأحد منهما أن يفعل ذلك وحده (4).

ص: 169


1- نهج البلاغة، ص 192، الخطبة 148.
2- "فكان معاذ بن عبيدالله يقول: والله .... الأمر". الكامل في التاريخ، ج2، ص314، حوادث سنة 36 الهجرية، ذكر ابتداء أمر وقعة الجمل.
3- تاريخ الطبري، ج 3، ص9، حوادث سنة 36 الهجرية استئذان طلحة والزبير علياً؛ الكامل في التاريخ، ج2، ص 315 ، حوادث سنة 36 الهجرية، ذكر ابتداء أمر وقعة الجمل.
4- "ولما قدموا البصرة فأخذوا بيت المال ختماه جميعاً، طلحة والزبير". الطبقات الكبرى، ج5، ص 54، محمد بن طلحة. ... فأمرت عائشة بختمه فبرز لذلك طلحة ليختمه فمنعه الزبير وأراد أن يختمه الزبير دونه فتدافعا". الجمل والنصرة لسيد العترة في حرب البصرة ، ص 284 ، نهضة حكيم بن جبلة العبدي.

ولعل حادثة اشتجار طلحة والزبير على إمامة الجماعة في البصرة من الوقائع المشهورة. لقد طال ذلك الشجار حتى كاد وقت صلاة الفجر أن يفوت، وحتى تصايح المسلمون من كل ناحية "الصلاة الصلاة يا أصحاب محمد! أدركوا الصلاة يا أنصار رسول الله" ولكن الشجار لم يتوقف حتى أمرت عائشة بخروجهما كليهما من المحراب وأن يتولى ابناهما محمد بن طلحة وعبد الله بن الزبير إمامة الجماعة كلَّ منهما يوما (1).

ويقول أبو الفرج الإصبهاني: قال شاعرهم في ذلك:

تبارى الغلامان إذ صلّيا ... وشحّ على الملك شيخاهما(2).

(تنافس الأبناء على إمامة الجماعة وبالغ الآباء في حب الرئاسة).

في كتابه إلى معاوية بيّن عبد الله بن عباس أن معارضة طلحة والزبير لعلي علیه السلام لم تكن إلاّ ثورة من أجل الحكم والسلطان(3).

كما أن الإمام علیه السلام بعث برسالة إلى طلحة والزبير قبيل خروجهما من المدينة نهاهما بشكل غير مباشر عن الافتتان بحب الرئاسة ،والسلطة، فقال:

ص: 170


1- "فلما حضر وقت الصلاة تنازع طلحة والزبير وجذب كل واحد منهما صاحبه حتى فات وقت الصلاة وصاح الناس: الصلاة الصلاة يا أصحاب محمد! فقالت عائشة: يصلي محمد بن طلحة يوماً وعبد الله بن الزبير يوماً". تاريخ اليعقوبي، ج 2، ص181، خلافة أمير المؤمنين علي بن أبي طالب.
2- الأغاني، ج 12، ص 390، أخبار أبي نفيس ونسبه.
3- "وأما طلحة والزبير فإنهما أجلبا عليه وضيّقا خناقه ثم خرجا ينقضان البيعة ويطلبان الملك، فقاتلناهما على النكث كما قاتلناك على البغي. شرح نهج البلاغة، ج 8، ص66، عود إلى أخبار صفين، الخطبة 124؛ وقعة صفين، ص 415 ، عرض ابن عباس كتاب عمرو على علي علیه السلام.

أيها الشيخان احذرا من سطوة الله ونقمته ولا تبغيا للمسلمين غائلة وكيداً وقد سمعتما قول الله تعالى (تلك الدار الآخرة نجعلها للذين لا يريدون علواً في الأرض ولا فساداً والعاقبة للمتقين)(1).

5- حب الدنيا والمال

من أهم أسباب وقوع حرب الجمل حب رؤوس الفتنة للدنيا وهوسهم بالمال. فبعد أن آلت الخلافة إلى على علیه السلام انقطعت هبات عثمان وتفريقه المال بغير حساب ومنح الأراضي والأخماس بغير حق. فكيف كان للمضروبة مصالحهم أن يتعايشوا مع هذا الحرمان!؟ وهل كانوا يملكون وسيلة غير الثورة على الوضع الجديد من أجل إعادة الأوضاع إلى سابق عهدها!؟

ويكفي للدلالة على أهمية هذا العامل أن نستمع إلى الإمام علیه السلام عند انطلاق الأصحاب إلى البصرة (2)، وفي جميع خطبه ومحادثاته تقريباً، وهو يشير إلى هذه النقطة.

ص: 171


1- شرح نهج البلاغة، ج 11، ص 16، عدم الرجوع إليهما في الرأي من أخبار طلحة والزبير، الخطبة 198.
2- "إنما طلبوا هذه الدنيا حسداً لمن أفاءها الله عليه فأرادوا ردّ الأمور على أدبارها ولكم علينا العمل بكتاب الله تعالى وسيرة رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم والقيام بحقه والنعش لسنته" نهج البلاغة، ص228، جانب من الخطبة 169 .

لقد بيّن سلام أن سبب مخالفة أصحاب فتنة الجمل له تزيّن الدنيا في عيونهم وافتتانهم بزبرجها، وإلاّ فإنهم بايعوا بألسنتهم وقلوبهم مدركين أن الآخرة جعلها الله للمتقين الذين لا يريدون علواً في الأرض ولا فساداً (1).

علاوة على كلمات الإمام علیه السلام في هذا الباب، يُروى عن أصحاب الجمل أنفسهم اعترافهم بأن أحد دوافعهم للثورة على الإمام علیه السلام كان الإقبال على الدنيا. ومثالاً على ذلك أنه لما جاء رجل إلى طلحة والزبير في طاحية (2) قرب البصرة وذكرهما بعهد رسول الله صلی الله علیه وآله وسلم وسألهما عن سبب خروجهما على أميرالمؤمنين علهی السلام، قال له الزبير: حُدثنا أن هاهنا دراهم كثيرة فجئنا لنأخذ منها (3).

ص: 172


1- "فلما نهضت بالأمر نكثت طائفة ومرقت أخرى و[فسق] قسط آخرون كأنهم لم يسمعوا الله سبحانه [حيث] يقول: (تلك الدار الآخرة نجعلها للذين لا يريدون علواً في الأرض ولا فساداً والعاقبة للمتقين). بلى والله لقد سمعوها ووعوها، ولكنهم حليت الدنيا في أعينهم وراقهم زبرجها". نهج البلاغة،ص30، جانب من الخطبة الثالثة.
2- "من مياه بني عجلان، كثيرة النخل". معجم البلدان، ج4، ص 4، باب الطاء والألف وما يليهما.
3- "لما قدم طلحة والزبير ونزلا طاحية ركبت فرسي فأتيتهما فقلت لهما : إنكما رجلان من أصحاب رسول الله صلی الله علیه وآله وسلم وأنا أصدقكما وأثق بكما. خبراني عن مسيركما ، هذا شيء عهده إليكما رسول الله صلی الله علیه وآله وسلم؟ أما طلحة فنكس رأسه، وأما الزبير فقال : حدثنا أن هاهنا دراهم كثيرة فجئنا لنأخذ منها". بحار الأنوار الجامعة لدرر أخبار الأئمة الأطهار، ج 32 ، ص 142، أبواب ما جرى بعد قتل عثمان من الفتن والوقائع والحروب وغيرها، الباب الأول باب بيعة أمير المؤمنين وما جرى بعدها من نكث الناكثين إلى غزوة الجمل، الأحاديث من 13 إلى 15. لا ولكنا أردنا أن نصيب من دنياكم". بحار الأنوار الجامعة لدرر أخبار الأئمة الأطهار، ج 32، ص 142 ، أبواب ما جرى بعد قتل عثمان من الفتن والوقائع والحروب وغيرها، الباب الأول باب بيعة أمير المؤمنين وما جرى بعدها من نكث الناكثين إلى غزوة الجمل، الأحاديث من 13 إلى 15 .

يقول ابن الحديد عن جذور عدم وقوف العرب إلى جانب أمير المؤمنين علیه السلام ووقوع الحروب المتتالية: أكد الأسباب في تقاعد العرب عن أمير المؤمنين علیه السلام أمر المال، فإنه لم يكن يفضل شريفاً على مشروف ولا عربياً على عجمي ولا يصانع الرؤساء وأمراء القبائل كما يصنع الملوك ولا يستميل أحداً إلى نفسه (1).

وكان هذا الأمر من الوضوح أنه حين شكا أمير المؤمنين علیه السلام لمالك الأشتر خذلان بعض أصحابه له وهروبهم منه إلى معاوية، قال مالك الأشتر: يا أمير المؤمنين وأنت تأخذهم بالعدل وتعمل فيهم بالحق وتنصف الوضيع من الشريف، فليس للشريف عندك فضل منزلة على الوضيع فضجت طائفة ممن معك من الحق إذ عموا به واغتموا من العدل إذ صاروا فيه ورأوا صنائع معاوية عند أهل الغناء والشرف. فتاقت أنفس الناس إلى الدنيا، وقلّ من ليس للدنيا بصاحب، وأكثرهم يحتوي الحق ويشتري الباطل ويؤثر الدنيا. فإن تبذل المال يا أمير المؤمنين تمل إليك أعناق الرجال وتصف نصيحتهم لك وتستخلص ودهم(2).

ص: 173


1- آكد .... وكان معاوية بخلاف ذلك. فترك الناس علياً والتحقوا بمعاوية". شرح نهج البلاغة، ج2، ص197، مناقب علي وذكر طرف من أخباره في عدله وزهده، الخطبة 34.
2- "فشكا علي علیه السلام إلى الأشتر تخاذل أصحابه وفرار بعضهم إلى معاوية، فقال الأشتر: يا أمير المؤمنين! .... ودهم. الغارات، ج1، ص 67 ، سيرة علي علیه السلام في المال؛ شرح نهج البلاغة، ج2، ص197، مناقب علي علیه السلام وذكر طرف من أخباره في عدله وزهده الخطبة 34.

في رسالة له بعث بها إلى الإمام الحسن علیه السلام، يبين ابن عباس أن سبب انصراف الناس عن علي علیه السلام وفرارهم إلى معاوية مساواة علي علیه السلام في بیت المال (1).

بالنظر في التقارير التاريخية يتبين لنا أن الهمسات الأولى بمعارضة الإمام علیه السلام كانت ذات دوافع مالية. فمنذ أن أعلن سياسته المالية القائمة على المساواة في القسم، وما إن نفذها فعلاً، حتى احتج أمثال طلحة والزبير وعبد الله بن عمر وسعيد بن العاص ومروان بن الحكم وجماعة من قريش، وعبروا عن احتجاجهم بعدم مراجعة الإمام علیه السلام لأخذ سهمهم من بيت المال. وكان من هؤلاء من يرضى بالمساواة في القسمة شريطة التغاضي عما في أيديهم مما وهبهم عثمان إياه. أما طلحة والزبير وآخرون فكانوا معترضين على المساواة من أصلها ويعتبرونها خروجاً على سنة عمر (2).

بل إنهم شرعوا بتثقيف الناس على الاعتراض وبدأوا بتأليبهم وتجزيبهم على ذلك. يقول ابن أبي الحديد كان الزبير يقول للناس هذا جزاؤنا من علي قمنا له في أمر عثمان حتى قتل، فلما بلغ بنا ما أراد جعل فوقنا من كنا فوقه.

ص: 174


1- وقد علمت أن أباك علياً علیه السلام إنما رغب الناس عنه وصاروا إلى معاوية لأنه واسى بينهم في الفيء وسوّى بينهم في العطاء، فثقل ذلك عليهم". الفتوح، المجلد الثاني، ص285، ذكر كتاب عبدالله بن عباس من البصرة إلى الحسن بن علي علیه السلام ؛ شرح نهج البلاغة ، ج 16 ، ص 23، ترجمة الحسن بن علي وذكر بعض أخباره، الرسالة 31.
2- ... وأما القسم الأسوة، فإن ذلك أمر لم أحكم فيه بادئ بدء! قد وجدت أنا وأنتما رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم يحكم بذلك". شرح نهج البلاغة، ج 7، ص 39 ، فصل فيما كان من أمر طلحة والزبير عند قسم المال، الخطبة 90 .

وقال طلحة: ما اللوم إلاّ علينا. كنا معه أهل الشورى ثلاثة، فكرهه أحدنا یعني سعداً وبايعناه فأعطيناه ما في أيدينا ومنعنا ما في يده. فأصبحنا قد أخطأنا اليوم ما رجوناه أمس، ولا نرجو غداً ما أخطأنا اليوم(1).

تفيد التقارير التاريخية بأن طلحة والزبير كانا من المستفيدين فوائد كبيرة في عهد عثمان. عن موسى بن طلحة: أعطى عثمان طلحة في خلافته مائتي ألف دينار (2).

كان عثمان أول من أقطع بعض المسلمين بالعراق قطائع كانت لحكام إيرانيين ولأناس جلوا عنها، ومنها نشاستج وكانت قرية أو نهراً كبيراً كثير الريع في الكوفة(3) أعطاها لطلحة بن عبيدالله(4). كانت تلك الأراضي أو القرية من الخصب ووفرة المحصول بحيث أنه حينما كان يجري الحديث عن

ص: 175


1- شرح نهج البلاغة، ج 7، ص 42 ، فصل فيما كان من أمر طلحة والزبير عند قسم المال، الخطبة 90.
2- أنساب الأشراف، ج6، ص108 ، أمر عثمان بن عفان وفضائله وسيرته ومقتله.
3- نشاستج: ضيعة أو نهر بالكوفة كانت لطلحة بن عبيدالله التميمي. معجم البلدان، ج5، ص 285، باب النون والشين وما يليهما.
4- "عن موسى بن طلحة قال: أول من أقطع بالعراق عثمان بن عفان، قطع مما كان من صوافي آل كسرى ومما جلا عنه أهله. فقطع لكلحة بن عبيدالله النشتاسج". تاريخ المدينة المنورة، ج3، ص1020، أسماء الصحابة الذين أقطعهم أرضين.

كرم طلحة كان سعيد بن العاص يقول: والله لو أن لي مثله لأعاشكم الله عيشاً رغداً (1).

وعثمان نفسه اعترف بمنحه لطلحة، فكان يقول عندما كان طلحة يحرض الناس عليه: ويلي على ابن الحضرمية! يعني طلحة أعطيته كذا وكذا بهاراً (2) ذهباً وهو يروم دمي، يحرض الناس على نفسي. اللهُمَّ لا تمتعه به ولقّه عواقب بغيه(3).

قال أبوجعفر (الطبري): وكان لعثمان على طلحة بن عبیدالله خمسون ألفاً، فقال طلحة له يوماً قد تهيأ مالك فاقبضه. فقال (عثمان): هو لك معونة على مروءتك(4).

(كما) أن عثمان بن عفان أجاز الزبير بن العوام بستمائة ألف ( يأخذها من بيت المال)، فنزل على أخواله بني كاهل فقال: أي المال أجود؟ قالوا: مال إصبهان. قال: أعطوني من مال إصبهان(5).

ص: 176


1- "قال خنيس بن فلان: ما أجود طلحة بن عبیدالله! فقال سعيد بن العاص: إن من له مثل النشتاسج لحقيق أن يكون جواداً. والله ....". تاريخ الطبري، ج2، ص 634 ، حوادث سنة 33، ذكر تسيير من سير من أهل الكوفة إليها.
2- البهار كيس يصنع من جلد الثور. "سمعت أن البهار جلد ثور". الطبقات الكبرى، ج3، ص 222، ترجمة طلحة بن عبيدالله.
3- "روي أن عثمان قال: ويلي ..... بغيه". شرح نهج البلاغة ، ج 9، ص 35، من كلام له علیه السلام في شأن طلحة والزبير الخطبة 137.
4- شرح نهج البلاغة، ج 2، ص 161، اضطراب الأمر على عثمان ثم أخبار مقتله، الخطبة 30.
5- الطبقات الكبری، ج3، ص 107، ذكر قول النبي صلی الله علیه وآله وسلم إن لكل نبي حوارياً وحواريي الزبير بن العوام.

بعد كل هذا البذل من الخليفة الثالث لطلحة والزبير، كيف كان هذان ليرضيا بقسمة علي علیه السلام بالسوية؟

تقديم عثمان المال لعلي علیه السلام

في حين كان طلحة والزبير كان يتلقيان هبات عثمان برحابة صدر، ولابد أنهما كانا يقدمان له شيئاً بالمقابل، كان الإمام علي علیه السلام يرفض هباته بحزم حتى سئم عثمان منه وعاتبه عتاباً فيه جرأة.

يقول الزبير بن بكار عن علي بن أبي طالب علیه السلام قال : أرسل إلي عثمان في الهاجرة (الحر الشديد) فتقنعت بثوبي وأتيته فدخلت عليه وهو على سريره وفي يده قضيب وبين يديه مال دثر صبرتان (کیسان) من ورق وذهب، فقال: دونك خذ من هذا حتى تملأ بطنك فقد أحرقتني. فقلت: وصلتك رحم! إن كان هذا المال ورثته أو أعطاكه معط أو اكتسبته من تجارة كنت أحد :رجلين إما آخذ وأشكر أو أوفر وأجهد . وإن كان من مال الله وفيه حق المسلمين واليتيم وابن السبيل فوالله ما لك أن تعطينيه ولا لي أن آخذه. فقال: أبيت والله إلاّ ما أبيت ثم قام إلي بالقضيب فضربني، والله ما أرد يده حتى قضى حاجته. فتقنعت بثوبي ورجعت إلى منزلي (وأنا أناجي ربي) وقلت :

ص: 177

الله بيني وبينك ( بيني وبين عثمان) إن كنت أمرتك بمعروف أو نهيت عن منكر(1).

من هذه الرواية، يستنتج العلاّمة العسكري عشر نقاط فيقول:

حاول عثمان تقديم رشوة للإمام علي علیه السلام وأن يشتريه بالمال، لأنه كان يقيّم الناس بالأموال، وكأنه لا يدري أن الإمام علیه السلام ترعرع في مهبط الوحي ومدرسة النبوة، خلافاً لما نشأ هو عليه. لذا، حين لم يتمكن من شرائه لجأ إلى القوة البدنية والضرب.

فلماذا عرض عثمان على الإمام علیه السلام المال؟ ألم يكن يعقل زهده في حطام الدنيا ويحمله على التصنع والرياء؟ هل كان يأمل بأن يأخذ الإمام رشوته ويسكت عن مخالفاته ويخرج عن مخالفاته ويخرج عن جادة العدل والصواب؟

كان من عادة عثمان أن يحمل العصا في بعض الأوقات. فهل كان يظن أن بمقدوره أن يرغم الإمام علیه السلام على قبول الرشوة بالقوة والإهانة؟ هل كان مقبولاً التجرؤ على الإمام علي علیه السلام؟ أساساً، هل إن قبول رشوة عثمان كان واجباً على الإمام علیه السلام، وإن كان من خالص ماله الحلال؟

لم يكتف الإمام علیه السلام برفض المال، بل بادر إلى تقديم النصح لعثمان فقال له: إن كان المال مال المسلمين فليس لك أن تهبه لأحد وليس لي أن

ص: 178


1- شرح نهج البلاغة، ج 9، ص 16، ذكر أطراف مما شجر بين علي وعثمان في أثناء خلافته، الخطبة 135؛ بحار الأنوار الجامعة لدرر أخبار الأئمة الأطهار، ج31، ص 452 ، الباب ،28، ما جرى بين أمير المؤمنين علیه السلام وبين عثمان وولاته وأعوانه وبعض أحواله، ذيل الحديث الثاني.

آخذه فهل سمع عثمان هذا الكلام من غير علي علیه السلام ممن اشتراهم بالمال؟ أم لم يكن يهمهم مصدر المال وعائديته (1)؟

سير بعض الأشخاص في الشؤون المالية

لا شك أنه كان من بين أصحاب النبي صلی الله علیه وآله وسلم والإمام علي علیه السلام أشخاص نذروا أنفسهم وأموالهم وأعمالهم لخدمة دین الله واكتساب مرضاته ولم تغرهم الدنيا بأموالها وزخرفها. وهنا نشير إلى بعض هؤلاء الأشخاص الأفذاذ.

صمود أبي ذر بوجه إغراءات عثمان ومعاوية

كان أبوذر في حياته كلها شديد الحساسية تجاه الأمور المالية. فكان يجاهر بالاحتجاج على عثمان وهو يشاهد تلاعبه بأموال المسلمين. فقيل له أن يكف عما يسخط الخليفة، فقال: فوالله لأن أرضي الله بسخط عثمان أحبّ إليّ وخير لي من أسخط الله برضاه (2).

ص: 179


1- مقتطفات من نقاط العلامة العسكري العشر الصحيح من سيرة الإمام علي علیه السلام، ج 18، ص 196، عثمان يضرب ويرشو عليا عليه السلام.
2- " قالوا: لما أعطى عثمان مروان بن الحكم ما أعطاه وأعطى الحارث بن الحكم بن أبي العاص ثلاثمائة ألف درهم وأعطى زيد بن ثابت الأنصاري مائة ألف درهم، جعل أبوذر يقول: بشّر الكانزين بعذاب أليم ويتلو قول الله عزّ وجلّ: (والذين يكنزون الذهب والفضة). فرفع ذلك مروان بن الحكم إلى عثمان فأرسل إلى أبي ذر ناثلاً مولاه أن انته عما يبلغني عنك، فقال: أينهاني عثمان عن قراءة كتاب الله وعيب من ترك أمر الله؟ فوالله لأن أرضي الله بسخط عثمان أحبّ إليّ وخير لي من أسخط الله برضاه". أنساب الأشراف، ج 6 ، ص 166 ، أمر أبي ذر جندب بن جنادة الغفاري من بني كنانة بن خزيمة.

كان أبوذر ممن عُرضت عليه الأموال مرات ومرات ثمناً لسكوته وكفه عن الاعتراض ولكنه رفض تلك العروض لأنه لم يكن من أهل الدنيا الذين يغترون بالذهب والفضة. وفي الشام عارض أفعال معاوية. فأرسل إليه معاوية يوماً ثلاثمائة دينار فقال لحامل المال: إن كانت هذه من عطائي الذي حرمتمونيه عامي هذا قبلتها، وإن كانت صلة فلا حاجة لي فيها. وردّها عليه. وبعث إليه حبيب بن مسلمة الفهري مائتي دينار، فقال: أما وجدت أهونَ عليك مني حين تبعث إلي بمال (لتشتريني به) (1)؟ وردّها.

وفي حادثة أخرى أرسل إليه معاوية بألف دينار في جنح الليل فأنفقها (على الفقراء). فلما صلى معاوية الصبح دعا رسوله الذي أرسله إليه فقال: غذهب إلى أبي ذر فقل له: أنقذ جسدي من عذاب معاوية فإنه أرسلني إلى غيرك وإني أخطأت بك. ففعل (الرسول) ذلك. فقال له أبوذر: يا بني قل له: والله ما أصبح عندنا من دنانيرك دينار، ولكن أخّرنا ثلاثة أيام حتى نجمعها.

ص: 180


1- "فكان أبوذر ينكر على معاوية أشياء يفعلها. فبعث إليه مهاوية ثلاثمائة دينار، فقال أبوذر: إن كانت ... وبعث إليه حبيب ... وردّها". أنساب الأشراف، ج6، ص 167، أمر أبي ذر جندب بن جنادة الغفاري من بني كنانة بن خزيمة؛ شرح نهج البلاغة ، ج 8 ، ص 55 ، ذكر المطاعن التي طعن بها على عثمان والرد عليها، الخطبة 124، وج8، ص 256 ، من كلام له علیه السلام لأبي ذر رحمه الله لما أخرج إلى الربذة، الخطبة 130.

فلما رأى معاوية أن فعله يصدق قوله كتب إلى عثمان إن أباذر قد ضيّق علي (وطلب منه أن يعيد أباذر إلى المدينة ويخلصه منه)(1)

وعن حادثة أخرى يقول الإمام الصادق علیه السلام : أرسل عثمان إلى أبي ذر موليين له ومعهما مائتا دينار فقال لهما: انطلقا إلى أبي ذر فقولا له: إن عثمان يقرئك السلام ويقول لك: هذه مائتا دينار فاستعن بها على ما نابك. فقال أبوذر: هل أعطى أحداً من المسلمين مثل ما أعطاني؟ قالا : لا. قال: إنما أنا رجل من المسلمين يسعني ما يسع المسلمين (أحصل مثل ما يحصلون عليه). قالا له: إنه يقول هذا من صلب مالي وبالله الذي لا إله إلاّ هو ما خالطها حرام، ولا بعث بها إليك إلاّ من حلال. فقال: لا حاجة لي فيها وقد أصبحت يومي هذا وأنا من أغنى الناس. فقالا له عافاك الله وأصلحك! ما نرى في بيتك قليلاً ولا كثيراً مما يُستمتع به!؟ فقال: بل تحت هذا الإكاف (القماش) الذي ترون رغيفا شعير قد أتى عليهما أيام، فما أصنع بهذه الدنانير؟ لا والله حتى يعلم الله أني لا أقدر على قليل ولا كثير وقد أصبحت غنياً بولاية علي بن أبي طالب علیه السلام وعترته الهادين المهديين الراضين المرضيين الذين يهدون بالحق وبه يعدلون(2).

ص: 181


1- فأرسل معاوية ..... ضيّق علي وقد كان كذا وكذا للذي يقوله الفقراء". الكامل في التاريخ، ج2، ص 252، حوادث سنة 32 الهجرية، ذكر تسيير أبي ذر إلى الربذة.
2- اختيار معرفة الرجال، ص 93 ، ترجمة أبي ذر؛ قاموس الرجال، ج2، ص729، ترجمة جندب بن جنادة، الحديث السادس.

أبو رافع مسؤول بيت مال أمير المؤمنين علیه السلام

كان أبورافع، عتيق رسول الله صلی الله علیه وآله وسلم ، قد آمن بالنبي في مكة وهاجر معه

إلى المدينة. شهد مع النبي الأكرم صلی الله علیه وآله وسلم حروبه، ثم كان من أنصار علي علیه السلام الخلّص ومسؤول بيت ماله بالكوفة. وكان ابناه عبد الله وعلي من كتاب الإمام علیه السلام كذلك (1).

يقول عون بن عبد الله بن أبي رافع فلما بويع علي علیه السلام وخالفه معاوية بالشام وسار طلحة والزبير إلى البصرة، قال أبورافع: هذا قول رسول الله صلی الله علیه وآله وسلم : سيقاتل علياً قوم يكون حقاً في الله جهادهم. فباع أرضه بخيبر وداره ثم خرج مع علي علیه السلام وهو شيخ كبير له خمس وثمانون سنة وقال: الحمد لله لقد أصبحت ولا أحد بمنزلتي؛ لقد بايعت البيعتين بيعة العقبة وبيعة الرضوان وصليت القبلتين وهاجرت الهجر الثلاث قلت وما الهجر الثلاث؟ قال: هاجرت مع جعفر بن أبي طالب إلى أرض الحبشة، وهاجرت مع رسول الله صلی الله علیه وآله وسلم إلى المدينة، وهذه الهجرة مع علي بن أبي طالب إلى الكوفة. فلم يزل مع علي علیه السلام حتى استشهد علي ، فرجع أبو رافع إلى المدينة مع الحسن علیه السلام ولا دار له بها ولا أرض، فقسم له الحسن علیه السلام دار علي علیه السلام بنصفين وأعطاه سنخ أرض أقطعه إياها (2).

ص: 182


1- "وأسلم أبورافع قديماً بمكة وهاجر إلى المدينة و وشهد مع النبي صلی الله علیه وآله وسلم مشاهده ولزم أمير المؤمنين علیهالسلام من بعده وكان من خيار الشيعة وشهد معه حروبه وكان صاحب بيت ماله بالكوفة. وابناه عبد الله وعلي كاتبا أمير المؤمنين علیه السلام ". رجال النجاشي، ص4، ذكر الطبقة الأولى، أبورافع.
2- رجال النجاشي، ص4، ذكر الطبقة الأولى، أبورافع.

عاش أبورافع نحو خمسين سنة بين المسلمين ولم يملك سوى دار واحدة ومزرعة واحدة، خلافاً لطلحة والزبير اللذين كدّسا في تلك المدة أموالاً طائلة. لقد كان أميناً على بيت المال أربع سنوات وكان ابناه كاتبين لدى أمير المؤمنين علیه السلام، ومع هذا، حين عاد إلى المدينة لم يكن له فيها دار يسكن فيها.

أبو الأسود الدؤلي وحلوى معاوية

كان أبوالأسود الدؤلي من أبرز أصحاب الإمام علي علیه السلام . ولما سأله عبيدالله بن زياد عن مقدار حبه للإمام علیه السلام، قال: إن حب علي علیه السلام يزداد في قلبي حدة كما يزداد حب معاوية في قلبك. فإني أريد الله والدار الآخرة بحبی علياً، وتريد الدنيا بزينتها بحبك معاوية (1).

كان على بصيرة نافذة من أمره، فأدرك أن غاية معاوية من هداياه أن يبعده عن علي علیه السلام ويجذبه إليه. يقول علي بن محمد: رأيت ابنة أبي الأسود الدؤلي وبين يدي أبيها خبيص، فقالت: يا أبها أطعمني! فقال: افتحي فاك! قال: ففتحت فوضع فيه مثل اللوزة، ثم قال لها: عليك بالتمر فهو أنفع وأنجع! (فقالت: هذه الحلوى أنفع وأنجع) فقال: هذا الطعام بعث به إلينا معاوية يخدعنا به عن حب علي بن أبي طالب. فقالت: قبحه الله يخدعنا عن السيد

ص: 183


1- ربيع الأبرار ونصوص الأخبار، ج4، ص 223، باب التفاضل والتفاوت والاختلاف والاشتباه وما قراب (هكذا: م) ذلك.

المطهر بالشهد المزعفرا تباً لمرسله وآكله ثم عالجت نفسها وقاءت ما أكلت منه وأنشأن تقول باكية: أبالشهد المزعفر يا ابن هند ... نبيع إليك إسلاماً ودينا

فلا والله ليس يكون هذا ... ومولانا أمير المؤمنينا (1)!

6- إثارة معاوية للفتن

من الأمور التي مهدت لوقوع حرب الجمل الفتن التي دأب معاوية على إثارتها. للتعرف على دور معاوية في خلق فتنة الجمل لابد ابتداءً من الإجابة على سؤال هام وأساسي هو: كيف اصطف بنوامية في هذه الحرب مع من لعب دوراً رئيساً في قتل عثمان أمثال طلحة والزبير وعائشة!؟

كيف ولماذا تعاون من هو وفي لعثمان أمثال يعلى بن أمية وعبد الله بنعامر ومروان والوليد بن عقبة وأبناء عثمان مع من قتل عثمان ووقف معه في جبهة واحدة ضد الإمام علیه السلام؟

في الإجابة على السؤال لابد من القول إن معاوية حكم الشام منذ عهد الخليفة الثاني؛ أي نحو 17 سنة، حكماً مريحاً له دون أية مضايقة من أحد. وقد سعى خلال تلك الفترة بكل جهده أن يمهد لخلافته. وحاول استغلال أحداث مقتل عثمان أقصى استغلال. لذا، حين أحس أن موت عثمان أنفع له من حياته، حجب دعمه عنه وأخلى وأخلى بينه وبين الثائرين عليه. ولما حوصر

ص: 184


1- الأربعون حديثاً عن أربعين شيخاً من أربعين صحابياً في فضائل أمير المؤمنين علیه السلام، ص81، علي مع القرآن والقرآن معه لن يفترقا حتى يردا على الحوض.

عثمان وعجز عن الدفع عن نفسه طلب منه إغاثته بعسكر(1)، فأرسل جيشاً بقيادة يزيد بن أسد إلى أطراف المدينة وأمره بأن يعسكر في ذي خُشُب ولا يدخل المدينة(2).

وكان هدفه من وراء ذلك أن يتظاهر بنصرة عثمان وأن ينبري للمطالبة بدمه حين يقتل والاستيلاء على الخلافة. وهذا ما عرفه عثمان قبل غيره من خلال اللقاء الذي جرى بينهما، حيث غمزه بأنه لم يأت لينصره بل ليأخذ توقيعه على حقه بالمطالبة بدمه بعد أن يُقتل (3).

ص: 185


1- "وكتب [ عثمان] إلى أهل الشام عامة وإلى معاوية وأهل دمشق خاصة: أما بعد فإني في قوم طال فيهم مقامي واستعجلوا القدر في. وقد خيّروني بين أن يحملوني على شارف من الإبل إلى دخل وبين أن أنزع لهم رداء الله الذي كساني وبين أن أقيدهم ممن قتلت ومن كان على سلطان يخطئ ويصيب. فياغوثاه يا غوثاه ولا أمير عليكم دوني. فالعجل العجل يا معاوية وأدرك ثم أدرك وما أراك تدرك". الإمامة والسياسة، ج1، ص 36 ، حصار عثمان؛ تاريخ الطبري، ج 2، ص 662 ، حوادث سنة 35 الهجرية، ذكر مسير من سار إلى ذي خشب من أهل مصر.
2- أرسل عثمان إلى معاوية يستمده، فبعث معاوية يزيد بن أسد جد خالد القسري وقال له: إذا أتيت ذا خُشب فأقم بها ولا تتجاوزها ... فأقام بذي خشب حتى قتل عثمان. فقلت لجوَيْرِية: لم صنع هذا؟ قال: صنعه عمداً ليقتل عثمان فيدعو إلى نفسه". تاريخ المدينة المنورة، ج4، ص 1288، معاوية قصر لحاجة في نفسه عن نصرة عثمان.
3- "قال: لا والله ولكنك أردت أن أقتل فتقول: أنا ولي الثأر ارجع فجئني بالناس! فرجع، فلم يعد إليه حتى قتل " . تاريخ اليعقوبي، ج2، ص 175 أيام عثمان بن عفان.

رسالة مروان إلى معاوية ووصفه لحادثة مقتل عثمان

بعد مقتل عثمان مباشرة أرسل مروان رسالة إلى معاوية شرح فيها کیف جرى القتل. قال: فإني كتبت إليك هذا الكتاب بعد قتل عثمان أمير المؤمنين وأي قتلة قتل نحر كما يُنحر البعير الكبير عند اليأس من أن ينوء بالحمل. وإني معلمك من خبره غير مقصر ولا مطيل. إن القوم استطالوا مدته واستقلوا ناصره واستضعفوه في بدنه قد منع من صلاة الجماعة وردّ المظالم والنظر في أمور الرعية حتى كأنه هو فاعل لما فعلوه. فلما دام ذلك أشرف عليهم فخوّفهم الله وناشدهم وذكرهم مواعيد رسول الله صلی الله علیه وآله وسلم له وقوله فيه. فلم يجحدوا فضله ولم ينكروه، ثم رموه بالأباطيل اختلقوها ليجعلوا ذلك ذريعة إلى قتله. فوعدهم التوبة مما كرهوا ووعدهم الرجعة إلى ما أحبوا. فلم يقبلوا ذلك ونهبوا داره وانتهكوا حرمته ووثبوا عليه فسفكوا دمه وانقشعوا عنه انقشاع سحابة قد أفرغت ماءها منكفئين قبل بن أبي طالب انكفاء الجراد إذ أبصر المرعى. فأخلق ببني أمية أن يكونوا من هذا الأمر بمجرى العيوق إن لم يثأره ثائرا (إن لم يبادر بنو أمية للأخذ بثأره فإن قاتليه سيفرون ويبعدون عن متناول اليد فإن شئت أباعبدالرحمن أن تكونه فكنه(1).

حاول مروان أن يضفي طابع المظلومية على مقتل عثمان. وبتغافله عن توبة عثمان على منبر مسجد المدينة ونقضه توبته قدم تقريراً زاخراً بالأكاذيب عن حادثة قتل عثمان.

ص: 186


1- شرح نهج البلاغة، ج 10، ص 235 ، ذكر المطاعن التي طعن بها على عثمان والرد عليها، الخطبة 43.

ليت مروان أوضح لمعاوية كيف أن الإمام علياً علیه السلام توسط بين عثمان وبين ثوار مصر مما أدى إلى تهدئتهم وعودتهم إلى ديارهم، وكيف أنه (مروان) استعمل ختم الخليفة وغلامه وناقته في إرسال رسالة إلى والي مصر يأمره بقتل الثوار حال عودتهم إلى مصر. الأمر الذي جعل الثوار يقطعون سفر عودتهم ويعودون إلى المدينة ليستأنفوا احتجاجاتهم )(1) .

النقطة المهمة جداً في هذه الرسالة أن مروان لم يشر فيها لا من قريب ولا من بعيد إلى ضلوع الإمام علیه السلام في قتل عثمان. وهذا دليل على براءته علیه السلام التامة من دم عثمان. فلو كان له أدنى دور فيه لما أغفل مروان التنويه به. بل إن مروان زاد على ذلك بأن نسب القتل إلى عموم الصحابة، وكرر ذلك أكثر من مرة. لذا فمن العجب العجاب أنه بالرغم من هذا، تتغير جهة أصابع الاتهام لتوجه صوب علي علیه السلام، ولتُفرض عليه ثلاث حروب متتالية حصدت الآلاف من أرواح المسلمين.

لما سمع معاوية بمبايعة الناس الجماعية لعلي علیه السلام بعد مقتل عثمان، أدرك أن جهوده التي بذلها على مدى سنوات قد ذهبت سدى. وأنه إن لم

ص: 187


1- "وذكروا أن أهل مصر جاؤوا يشكون ابن أبي سرح عاملهم ... فخرج من أهل مصر سبعمائة ... ودخل عليه علي وكان متكلم القوم ... وخرج معه عدد من المهاجرين، حتى إذا كانوا على مسيرة ثلاث ليال من المدينة، إذا هم بغلام أسود على بعير يخبط البعير ، فإذا فيها كتاب من عثمان إلى عبد الله بن أبي سرح ... فإذا فيه: إذا أتاك محمد بن أبي بكر وفلان وفلان فاقتلهم وأبطل كتابهم وقرّ على عملك حتى يأتيك رأيي". الإمامة والسياسة، ج1، ص39، شكوى أهل مصر من ابن أبي سرح وتولية محمد بن أبي بكر على مصر؛ تاريخ الطبري، ج 2، ص 658 ، حوادث سنة 35 الهجرية، ذكر مسير من سار إلى ذي خُشب من أهل مصر وسبب مسير من سار إلى ذي المروة من أهل العراق.

يتدارك الموقف فوراً فإن أمير المؤمنين علیه السلام سيجرده حتى من المنصب الذي هو فيه فتتبخر جميع آماله وأمانيه. ولكي يعيد الخلافة إلى بني أمية، أقدم على عملين خيانيين خطيرين :

1 - طرح فكرة المطالبة بدم "الخليفة المظلوم"

2 - مراسلة معارضي الإمام وكل من له أرضية معارضة له علیه السلام.

أ - طرح فكرة المطالبة بدم الخليفة المظلوم :

عندما استلم معاوية رسالة مروان التي طرح فيها أحداث قتل عثمان على يد أصحاب النبي، أمر بأن يجتمع الناس فألقى عليهم خطبة تحريضية أثارت مشاعرهم حدّ النحيب ووجيب القلوب. حتى أن النساء أيضاً أعلنّ استعدادهن لحمل السلاح.

عندما رأى معاوية قميص عثمان وأصابع زوجته نائلة المبتورة التي كان جلبها معه النعمان بن بشير من المدينة، كتب إلى جميع الحواضر والقرى يُعلمهم بمقتل عثمان. ثم علّق قميص عثمان وأصابع نائلة المقطوعة على المنبر. فلما شاهد الناس القميص والأصابع أقسم رجال منهم أن لا يأووا إلى فراش ولا يقاربوا نساءهم حتى يأخذوا بالثأر من قتلة عثمان أو يُقتلوا. وأقاموا الحداد عليه سنة كاملة (1).

ص: 188


1- ثم أتاه النعمان بن بشير معه القميص الذي فيه الدماء وأصابع امرأته نائلة، فنصب معاوية القميص على منبر دمشق والأصابع معلقة فيه. وآلى رجال من أهل الشام لا يأتون النساء ولا يمسون الغسل إلاّ من حلم ولا ينامون على فراش حتى يقتلوا قتلة عثمان أو تفنى أرواحهم وبكوه سنة". تاريخ الإسلام ووفيات المشاهير والأعلام، ج3، ص 452، حوادث سنة 35 الهجرية، وفيها قتل عثمان؛ تاريخ الطبري، ج3، ص70، حوادث سنة 35 الهجرية، توجيع علي بن أبي طالب جرير بن عبد الله البجلي إلى معاوية يدعوه إلى الدخول في طاعته.

لم يوفر معاوية جهداً في سبيل إثارة الناس ضد علي علیه السلام وتأليبهم عليه. فكان يعلن أن الأمام علیه السلام من قتلة عثمان ،وداعميهم، ويعلن نفسه ولي دم عثمان. وكان أبو مسلم الخولاني يطوف بقميص عثمان الملطخ بدمه في المدن والقرى ويحرّض الناس على الثأر له (1). وبمشورة من عمرو بن العاص وأمر من معاوية، كان قميص عثمان يُعرض على الناس بين مدة وأخرى لتجديد أحزانهم وإثارة مشاعرهم(2) .

كان معاوية يصر على تذكير أهل دمشق بمقتل عثمان في كل خطبه ويقول: يا أهل الشام قد كنتم تكذبونني في علي، وقد استبان لكم أمره. والله ما قتل خليفتكم غيره، وهو أمر بقتله وألّب الناس عليه وآوى قتلته. يا أهل الشام الله الله في دم عثمان فأنا وليه وأحق من طلب بدمه وقد جعل الله لولي المقتول ظلماً سلطاناً. فانصروا خليفتكم المظلوم، فقد صنع القوم

ص: 189


1- كانت أم حبيبة بنت أبي سفيان زوج النبي صلی الله علیه وآله وسلم بعثت بقميص عثمان إلى معاوية، فأخذه أبومسلم الخولاني من معاوية، فكان يطوف به في الشام في الأجناد ويحرض الناس على قتلة عثمان". أنساب الأشراف، ج3، ص76، أمر صفين.
2- "ولما نصب معاوية قميص عثمان على المنبر وبكى أهل الشام ،حوله، قال: قد هممت أن أدعه على المنبر فقال له عمرو: إنه ليس بقميص يوسف، إنه إن طال نظرهم إليه وبحثوا عن السبب وقفوا على ما لا تحب أن يقفوا عليه. ولكن لذعهم بالنظر إليه في الأوقات. شرح نهج البلاغة، ج6، ص 322، نبذ من كلام عمرو بن العاص، الخطبة 83.

به ما تعلمون. قتلوه ظلماً وبغياً وقد أمر الله تعالى بقتال الفئة الباغية حتى تفيء إلى أمر الله(1).

استغل معاوية الشخصيات البارزة المتنفذة الموثوقة لدى الناس في تأليب الناس على الإمام علي علیه السلام وإلصاق تهمة قتل عثمان به. من ذلك أنه أحضر شرحبيل وقال له: إنه كان من إجابتك الحق وما وقع فيه أجرك على الله وقبله عنك صلحاء الناس ما علمت. وإن هذا الأمر الذي قد عرفته لا يتم إلا برضا العامة. فسر في مدائن الشام وناد فيهم بأن علياً قتل عثمان وأنه يجب على المسلمين أن يطلبوا بدمه فسار فبدأ بأهل حمص فقام خطيباً وكان مأموناً في أهل الشام ناسكاً متألهاً، فقال: يا أيها الناس! إن علياً قتل عثمان بن عفان وقد غضب له قوم فقتلهم وهزم الجميع وغلب على الأرض فلم يبق إلاّ الشام. وهو واضع سيفه على عاتقه ثم خائض به غمار الموت حتى يأتيكم أو يحدث الله أمراً. ولا نجد أحداً أقوى على قتاله من معاوية. فجدّوا وانهضوا. فأجابه الناس إلا نساك أهل حمص، فإنهم قاموا إليه فقالوا بيوتنا قبورنا ومساجدنا وأنت أعلم بما ترى. وجعل شرحبيل يستنهض مدائن الشام حتى استفرغها لا يأتي على قوم إلاّ قبلوا ما أتاهم(2).

يدل تقرير جرير بن عبد الله البجلي، مبعوث الإمام علیه السلام إلى الشام ومبعوث معاوية إلى الكوفة على الأجواء بالغة السوء التي نجح معاوية في

ص: 190


1- وقعة صفين، ص127، تحقيق في قبر يهودا؛ شرح نهج البلاغة، ج3، ص196، كتاب محمد بن أبيبكر إلى معاوية وجوابه عليه، الخطبة 46.
2- وقعة صفين، ص 51 ، دخول شرحبيل على معاوية.

خلقها ضد أمير المؤمنين علیه السلام . فقد خرج جرير يوماً من محل إقامته في الشام لجس نبض الأجواء في الشام قبل أن يرفع تقريره فصادف صبياً ينشد شعراً في مظلومية عثمان. فبادر جرير إلى كتابة الأبيات وأرسلها إلى الإمام علیه السلام (1).

شاهد جرير عن كثب التحريضات التي كان يقوم بها معاوية وعرضَ قميص عثمان الملطخ بدمه وأصابع زوجته وتعاهد أهل الشام على أخذ الثأر وتعبئة الناس، فعاد إلى الإمام علي علیه السلام محمّلاً بأكداس من التقارير قائلاً فيها إن أهل الشام اتفقوا على القتال وكانوا لا يكفون عن البكاء والعويل ويقولون: علي قتل عثمان وأوى قتلته ويتجهز لقتالكم يا [أهل الشام] حتى الرمق الأخير(2).

ص: 191


1- قال فخرج جرير يتجسس الأخبار فإذا هو بغلام يتغنى على قعود له وهو يقول: أيقتل عثمان بن عفان وسطكم ... على غير شيء ليس إلا تماديا فلا نوم حتى نستبيح حريمكم ... ونخضب من أهل الشنان الغواليا وكتب بشعره إلى علي، فقال علي: والله ما أخطأ الغلام شيئاً. وقعة صفين، ص54 و55، شعر ولد المغيرة بن الأخنس.
2- "فسار جرير إلى معاوية، فلما قدم عليه ماطله واستنظره واستشار عمر ... كان أهل الشام لما قدم عليهم النعمان بن بشير بقميص عثمان الذي قتل فيه مخضوباً بالدم بأصابع زوجته نائلة إصبعان منها وشيء من الكف وإصبعان مقطوعتان من أصولهما ونصف الإبهام وضع معاوية القميص على المنبر وجمع الأجناد إليه فبكوا على القميص مدة وهو على المنبر والأصابع معلقة فيه وأقسم رجال من أهل الشام أن لا يمسهم الماء إلا للغسل من الجنابة وأن لا يناموا على الفرش حتى يقتلوا قتلة عثمان، ومن قام دونهم قتلوه الكامل في التاريخ، ج2، ص 359، حوادث سنة 36 الهجرية، ذكر ابتداء وقعة صفين؛ سير أعلام النبلاء، ج3، ص139، ترجمة معاوية بن أبي سفيان، الرقم 25.

كما ردّ حامل رسالة معاوية إلى الإمام على علیه السلام على الإمام حين سأله عن الأوضاع في الشام قائلاً: إني أتيتك من قبل قوم يزعمون أنك قتلت عثمان وليسوا براضين دون أن يقتلوك به (1).

هذه التقارير بمجموعها تبين أن معاوية نجح بدرجة عالية، من خلال مكره وخداعه، في شحن الأجواء بمعاداة الإمام علیه السلام وأن يتصدر هو مشهد المطالبة بدم عثمان.

ب - رسل معاوية إلى معارضي الإمام علي علیه السلام

الخطوة الثانية التي أقدم عليها معاوية في التجييش ضد الإمام علیه السلام تمثلت في مراسلة معارضي الإمام علیه السلام بما فيهم ولاة عثمان وعماله المعزولون والذين بايعوا الإمام علیه السلام بيعة ظاهرية وهم يحملون بذرة معارضته، حيث سعى إلى ثلم إجماع البيعة وخلق الأرضية للثورة على الإمام علیه السلام. لقد ركّز على مقتل عثمان والمطالبة بدمه التي خطط لها بنفسه في الشام واستغلها أكمل استغلال، ولقّن هؤلاء الأشخاص بفكرته ودعاهم إلى التركيز على هذا الشعار ليضمنوا حصد النتائج. لذا نجد أن أغلب الخطب التي ألقاها رؤوس الفتنة تتمحور حول مقتل عثمان والثأر له.

ص: 192


1- أنساب الأشراف، ج3، ص13، بيعة علي بن أبي طالب .

رسالة معاوية إلى طلحة

افتتح معاوية رسالته التي بعث بها إلى طلحة بتعداد فضائله وسابقته وكيل المدائح له، ثم عرض عليه مطلبه قائلاً: فإنك أقل قريش في قريش وتراً، مع صباحة وجهك وسماحة كفك وفصاحة لسانك. فأنت بإزاء من تقدمك في السابقة وخامس المبشرين بالجنة ولك يوم أحد وشرفه وفضله. فسارع رحمك الله إلى ما تقلدك الرعية من أمرها مما لا يسعك التخلف عنه ولا يرضى الله منك إلاّ بالقيام به فقد أحكمت لك الأمر قبلي والزبير فغير متقدم عليك بفضل، وأيكما قدم صاحبه فالمقدم الإمام والأمر من بعده للمقدم له. (إذا تنازل أحدكما لصاحبه يكون الأمر للثاني ومن بعده يعودللأول) (1)

لو لم يكن يدفع طلحة إلى الطمع بالخلافة إلاّ بصيص أمل ضئيل فإن هذه الرسالة كانت كافية لتضخيم ذلك الأمل ولأن يرفع راية المعارضة بوجه الإمام علیه السلام. إن من لا يعرف حقيقة معاوية يظنه الأحرص على بيضة الإسلام وأنه لا يهمه إلاّ حراسة الإسلام والمسلمين! ولكن انظروا كيف يبالغ في مدح طلحة ويجترح له الفضائل المختلقة ليزيّن له الخروج على أمير المؤمنين، وكيف يعده بتسليمه الشام بكل سهولة، وكيف يتظاهر بالتمهيد لتوليه الخلافة؟

ص: 193


1- شرح نهج البلاغة، ج 10، ص 235، ذكر أقوال من طعن في سياسة علي والرد عليها، الخطبة 193.

رسالة معاوية إلى الزبير بن العوام

وكما فعل في رسالته إلى طلحة، استهل معاوية رسالته إلى الزبير بتعداد فضائله وسوابق، فقال: فإنك الزبير بن العوام بن أبي خديجة وابن عمة رسول الله صلی الله علیه وآله وسلم وحواريه وسلفه وصهر أبي بكر وفارس المسلمين وأنت الباذل في مهجته بمكة عند صيحة الشيطان. بعثك المنبعث، فخرجت كالثعبان المنسلخ بالسيف المنصلت تخبط خبط الجمل الرديع. كل ذلك قوة إيمان وصدق يقين. وسبقت لك من رسول الله صلی الله علیه وآله وسلم البشارة بالجنة، وجعلك عمر أحد المستخلفين على الأمة. واعلم يا أباعبدالله أن الرعية أصبحت كالغنم المتفرقة لغيبة الراعي ... فشمّر لتأليف الأمة وابتغ إلى ربك سبيلا. فقد أحكمت الأمر على من قبلى لك ولصاحبك على أن الأمر للمقدم ثم لصاحبه من بعده(1).

نقد ومناقشة

علينا أن نسأل معاوية : هل إن علياً لم يفتقر إلى الفضائل والأمجاد التي عدّدتها لطلحة والزبير واعتبرتها دليلاً على استحقاقهما الخلافة؟

ص: 194


1- شرح نهج البلاغة، ج 10، ص 236 ، ذكر أقوال من طعن في سياسة علي والرد عليها، الخطبة 193.

هل إن فضيلة البشارة بالجنة مختصة بطلحة والزبير وحدهما؟ أولم يكن الإمام علي علیه السلام من المبشرين بالجنة؟ هل إن مجرد البشارة بالجنة دليل استحقاق الخلافة والجدارة بها؟

ولو فرضنا صحة هذه الرواية الموضوعة، فهل تكفي للدلالة على على حصانة طلحة والزبير وعصمتهما من الخطأ؟

هل كان طلحة رائداً في الدخول في الإسلام كما زعم معاوية؟ أولم يكن أمير المؤمنين علیه السلام أول من أسلم (1) وأول من آمن (2)؟

إذا كان لطلحة شرف المشاركة في معركة أحد، فإن الإمام علياً علیه السلام شارك فيها أيضاً، مع فارق أنه لم يفر مع الفارين كما فعل طلحة!

هل كانت شجاعة علي علیه السلام دون شجاعة طلحة والزبير؟ هل إن طلحة هو المضحّي الوحيد كما تزعمون، وإن علياً علیه السلام محروم من فضيلة التضحية في سبيل الله؟ وهل بمقدوركم أن تبينوا حجم تضحية طلحة وحقيقتها؟ إن الروايات تفيد بأن تضحيته لم تتعد رأس الإصبع!

أيها السادة أبناء الطلقاء من أنتم لتعينوا الخليفة؟ هل إن اختيارات المهاجرين والأنصار لا قيمة لها، واختياراتكم هي المعتبرة؟

ص: 195


1- أقدم أمتي سلماً وأحلمهم حلماً وأكثرهم علماً. تاريخ دمشق الكبير، ج74، ترجمة مريم بنت عمران، الرقم 9763 .
2- "عن النبي صلی الله علیه وآله وسلم أنه قال لعلي بن أبي طالب أنت أول من آمن بي". البحر الزخار، ج9، ص 342، مسند أبي رافع مولى رسول الله، الحديث 3898.

يا معاوية! هل يمكنك أن تسمي عدداً من الشياطين الذين أثاروا الضجة في مكة؟ وهل لك أن تبين لنا أسباب وقوع حرب بدر وتذكر لنا أسماء بعض قادة جيش الكفر فيها؟

يا معاوية! هل عندك علم الغيب فتدّعي أن الله يغضب من طلحة إن لم يثر من أجل الخلافة؟

من حق معاوية أن لا يتطرق لشجاعة أمير المؤمنين علیه السلام وبطولاته، لأن تلك البطولات هي التي مرّغت أنوف أخيه وجده وخاله ورجال من أسرته. وهذا ما جعله يذكّر طلحة في مستهل رسالته إليه بأنه أقلّ من آذى قريشاً، أي أنه لا يتحمل دم أحد من المشركين ولم تظهر منه أية بطولة في المعركة.

رسالة معاوية الثانية إلى الزبير

بعد أن أرسل الإمام علیه السلام الرسالة إلى معاوية وأمره بأن يبايعه مع سادة الشام، سارع معاوية إلى إرسال رسالة أخرى إلى الزبير خاطبه فيها بخليفة المسلمين وأخبره بأنه سيأخذ له البيعة من أهل الشام. وطلب منه أن يسارع في السيطرة على الكوفة والبصرة قبل أن يستولي عليها علي بن أبي طالب، وإلاّ فاتته الخلافة. كتب معاوية: فإني قد بايعت لك أهل الشام فأجابوا واستوسقوا كما يستوسق الجلب. فدونك الكوفة والبصرة ، لا يسبقك إليها ابن أبي طالب. فإنه لا شيء بعد هذين المصرين. وقد بايعت لطلحة بن عبيدالله من بعدك.

ص: 196

فأظهرا الطلب بدم عثمان وادعوا الناس إلى ذلك. وليكن منكما الجد والتشميرا أظفر كما الله وخذل مناوئكما (1)!

تفيد التقارير التاريخية بأن الزبير لما استلم رسالة معاوية عرضها على طلحة سراً فتأكدا من أن معاوية يدعمهما للوصول إلى الخلافة لأن الشام بأجمعها في قبضته وأهلها

يدينون بالطاعة والخضوع له. لذا، بعد تلقيهما رسالة معاوية بأيام، ذهبا إلى الإمام علي علیه السلام وشرعا بمعارضتهما له (2).

نقد وتحليل

يجب سؤال معاوية: لماذا خدعت طلحة والزبير ودفعتهم إلى معارضة الإمام علي علیه السلام والوقوف بوجهه؟

كيف تعتبر الزبير أمير المؤمنين وخليفة المسلمين وترفض مبايعة الإمام على علیه السلام خليفةً للمسلمين وأميراً للمؤمنين؟

ص: 197


1- شرح نهج البلاغة، ج1، ص231، أمر طلحة والزبير مع علي علیه السلام بعد بيعتهما له، الخطبة .
2- فلما وصل هذا الكتاب إلى الزبير سر به وأعلم به طلحة وأقرأه إياه، فلم يشكا في النصح لهما من قبل معاوية وأجمعا عند ذلك على خلاف علي علیه السلام" . شرح نهج البلاغة، ج1، ص231، أمر طلحة والزبير مع علي علیه السلام بعد بيعتهما له، الخطبة 8.

ماذا كانت غاية معاوية من تشجيع طلحة والزبير على الطلب بدم الخليفة؟ أفلم يكن يعلم أنهما هما قتلاه؟

هل كان يحق لأبناء الطلقاء أن يعينوا الخليفة؟ كيف سمح معاویة لنفسه أن يتدخل في أمر الشورى والخلافة؟

أليس التناقض الموجود في رسائل معاوية دليلاً على نفاقه؟ ففي رسالته إلى طلحة يعرب عن مبايعته له ويقول له أن الزبير ليس أفضل منه. ولكنه، في الوقت نفسه، يبعث برسالة إلى الزبير يعتبره فيها خليفةً ويبايع طلحة خليفةً له!

من الواضح أنه لما خاطب معاوية الزبير بإمرة المؤمنين وبايعه خليفةً للمسلمين وتعهد له بأخذ البيعة له من أهل الشام كلهم، بل اعتبر طلحة خليفة للزبير، هبّ الرجلان يعارضان الإمام علياً علیه السلام ويرفعان راية الثورة بوجهه الحقيقة أن معاوية كان سيحقق بهذا هدفين؛ لأنه إذا انتصر طلحة والزبير على الإمام علیه السلام سينزاح من أمامه أكبر مانع

لاستيلائه على الخلافة. وبعدها سيسهل عليه التخلص منهما. وإن انهز ما أمام الإمام علیه السلام ستتوفر له، من جانب، فرصة أكبر لمحاربة الإمام علیه السلام على أساس أنه قتل صحابة رسول الله صلی الله علیه وآله وسلم ، وهذا ما سيمده بإعلام مضاد قوي. وهذا بالفعل ما وظفه في تحشيد أهل الشام لحرب صفين. ومن جانب آخر يكون قد تخلص من منافسين شرسين كانا عضوين في شورى الخليفة.

ص: 198

وهكذا كان تمرد طلحة والزبير يصب في جميع الحالات وبشكل كامل، في مصلحة معاوية.

رسالة معاوية إلى مروان بن الحكم

في رسالته إلى مروان، أعرب معاوية عن سخطه لقتل عثمان ووصفه بأنه من حبائل الشيطان وقع فيه القتلة وفتنوا الناس به. وفيها طلب من مروان ضبط النفس والتزام الهدوء وكلفه بعدد من المهام الخاصة. كتب إليه يقول: فإذا قرأت كتابي هذا فكن كالفهد لا يصطاد إلاّ غيلة ولا يتشازر إلاّ عن حيلة وكالثعلب لا يفلت إلاّ روغاناً، وأخف نفسك منهم إخفاء القنفذ رأسه عند لمس ،الأكف وامتهن نفسك امتهان من ييأس القوم من نصره وانتصاره وابحث عن أمورهم بحث الدجاجة عن حب الدخن عند فقاسها وأنغل الحجاز (أوغر قلوبهم وهيجهم) فإني منغل الشام)(1).

ص: 199


1- فقد وصل إلي كتابك بشرح خبر أمير المؤمنين وما ركبوه به ونالوه منه جهلاً بالله وجرأة عليه واستخفافاً بحقه ولأماني لوح الشيطان بها في شرك الباطل ليدمدمهم في أهويات الفتن ووهدات الضلال. ولعمري لقد صدق عليهم ظنه ولقد اقتنصهم بأنشوطة فخه فعلى رسلك أباعبدالله، يمشي الهوينا ويكون أولاً. فإذا قرأت كتابي ....". شرح نهج البلاغة ، ج 10 ، ص 236 ، ذكر المطاعن التي طعن بها على عثمان والرد عليها، الخطبة 43.

لما سمع ببيعة الناس الجماعية لأمير المؤمنين علیه السلام أدرك أن الخلافة فاتته وأن ليس أمامه إلاّ إثارة الفتن والنزاعات علّه يتصيّد سمك الخلافة من مائها العكر. على هذا أوصى مروان بإثارة الفتنة وتحريض الناس.

من جانبه، تعهد مروان لمعاوية، في رسالته إليه بأن لا يقر له قرار قبل أن يدرك ثأر عثمان وأن يفي بوعده (1).

رسالة معاوية إلى سعيد بن العاص

في هذه الرسالة، حذّر معاويةُ سعيدَ بن العاص من أن بني أمية إن لم يبادروا في تلك المرحلة الحساسة إلى تثبيت مكانتهم فإن الناس الذين يحفون بهم سيتفرقون عنهم ويقطعون صلتهم بهم . ووصف عثمان بأنه فدائي بني أمية الذي يجب عدم التقاعس عن الاقتصاص من قاتليه. وطلب من سعيد بن العاص أن يتسلل في صفوف الآخرين كالنملة تستعد لشتائها.

ص: 200


1- فقد وصل كتابك، فنعم كتاب زعيم العشيرة وحامي الذمار! وأخبرك .... شتت بينهم مقولي على غير مجابهة، حسب ما تقدم من أمرك ...." شرح نهج البلاغة، ج 10، ص 241 ، ذكر أقوال من طعن في سياسة علي والرد عليها، الخطبة 193.

في رسالته هذه، وضع معاوية يده على نقطة مهمة بأن قال لسعيد بن العاص أنه سيرسل جماعة من بني تيم وبني أسد لمساعدته. وكان يعني طلحة والزبير لأن أحدهما من تيم والآخر من أسد (1).

من جانبه، دعا سعيد بن العاص في رده على معاوية بني أمية إلى بعد النظر والصبر وتجنب التسرع. لقد وصف مروان بأنه مثير فتن ورفض المطالبة بالاقتصاص من قتلة عثمان، واتخذ في الظاهر موقفاً محايداً وانسحب من النزاع قائلاً: أما أنا فلا على بني أمية ولا لهم(2).

ص: 201


1- "وكتب إلى سعيد بن العاص ... ذلك أنكم يا بني أمية عما قليل تسألون أدنى العيش من أبعد المسافة، فينكركم من كان منكم عارفاً ويصد عنكم من كان لكم واصلاً، متفرقين في الشعاب تتمنون لمظة المعاش. إن أمير المؤمنين عتب عليه فيكم وقتل في سبيلكم، ففيم القعود عن نصرته والطلب بدمه وأنتم بنو أبيه ذوو رحمه وأقربوه وطلاب ثأره أصبحتم متمسكين بشظف معاش زهيد، عما قليل ينزع منكم عند التخاذل وضعف القوى. فإذا قرأت كتابي هذا فدل دبيب البرء في الجسد النحيف وسر سير النجوم تحت الغمام واحشد حشد الذرة في الصيف لانجحارها في الصرد، فقد أيدتكم بأسد وتيم ...". شرح نهج البلاغة، ج10، ص237، ذكر من طعن في سياسة علي والرد عليها، الخطبة 193.
2- أما بعد فإن الحزم في التثبت والخطأ في العجلة والشؤم في البدار ... ذكرت حق أمير المؤمنين علينا وقرابتنا منه وأنه قتل فينا فخصلتان ذكرهما نقص والثالثة تكذب. وأمرتنا بطلب دم عثمان، فأي جهة تسلك فيها أباعبدالرحمن! ... أما أنا فلا .....". شرح نهج البلاغة، ج 10، ص241، ذكر من طعن في سياسة علي والرد عليها، الخطبة 193.

رسالة معاوية إلى عبد الله بن عامر

في رسالة بعث بها إلى عبد الله بن عامر، شبّه معاوية عامر، شبّه معاوية بني أمية بالجمال المتفرقة والطيور الصغيرة يجرها الناس إلى كل ناحية متخفية خشية الكواسر ويطلب من عبد الله بن عامر بالثورة قبل استشراء الفساد واتساع الجراح، وأن يراقب الأوضاع كالذئب. ويوصيه بقوة، في ختام رسالته، بتأليب الناس وتحريضهم (1).

فردّ عليه عبد الله بن عامر واصفاً عثمان بالدجاجة تضم فراخها تحت جناحيها وترعاهم ولكنها اليوم مقتولة وقد تفرق فراخها عنها. ويصف معاوية بأنه سنده وفتى الحروب والمختار من بني عبدشمس. ويؤكد له أن تسعين بالمائة من الناس معه (مع معاوية) وعشرة بالمائة منهم عليه. وفي الختام يعلن عن طاعته لأوامره(2).

ص: 202


1- "وكتب إلى عبد الله بن عامر ... كأني بكم يا بني أمية شعارير كالأوراك تقودها الحداة أو كرخم الخندمة تذوق خوف العقاب. فثب رحمك الله قبل أن يستشري الفساد وندب السوط جديد والجرح لما يندمل ... واجعل أكبر عدتك الحذر وأحد سلاحك التحريض واسبق قبل أن تُسبق وقم قبل أن يُقام لك ...". شرح نهج البلاغة، ج10، ص 238 ، ذكر أقوال من طعن في سياسة علي والرد عليها، الخطبة 193.
2- "وكتب إليه عبد الله بن عامر ... فإن أمير المؤمنين كان لنا الجناح الحاضنة تأوي إليها فراخها تحتها، فلما أقصده السهم صرنا كالنعام الشاردة ... والذي أخبرك به أن الناس في هذا الأمر تسعة لك وواحد عليك. ووالله للموت في طلب العز أحسن من الحياة في الذلة. وأنت بن حرب فتى الحروب ونضار بني عبد شمس ....". شرح نهج البلاغة، ج10، ص 241 ، ذكر أقوال من طعن في سياسة علي والرد عليها، الخطبة 193 .

رسالة معاوية إلى الوليد بن عقبة

وبعث معاوية برسالة تحريضية إلى الوليد بن عقبة قال له فيها: يا ابن عقبة! ... فاطلب لنفسك ظلاً تستكن به إني أراك على التراب رقوداً وكيف بالرقاد بك؟ لا رقاد لك! فلو قد استتب هذا الأمر لمريده الفيت كشريد النعام يفزع من ظل الطائر وعن قليل تشرب الرنق وتستشعر الخوف. أراك فسيح الصدر مسترخي اللبب رخو الحزام قليل الاكتراث وعن قليل يجتث أصلك (1).

فردّ عليه الوليد بن عقبة برسالة تقطر تزلفاً وتملقاً ومدحاً وتمجيداً قائلاً: فإنك أسد قريش عقلاً وأحسنهم فهماً وأصوبهم رأياً. معك حسن السياسة وأنت موضع الرياسة ... كتبت إلي تذكر طيب الخيش ولين العيش، فملأ بطني على حرام إلاّ مسكة الرمق حتى أفري أوداج قتلة عثمان فري الأهب بشباة الشفار ... أيخبط قتلة عثمان زهرة الحياة الدنيا ويسقون برد المعين ... لا دعيت لعقبة إن كان ذلك حتى أنصب لهم حرباً تضع الحوامل لها أطفالها واحتسبت أني ثاني عثمان أو أقتل قاتله(2).

ص: 203


1- شرح نهج البلاغة، ج10، ص239، ذكر أقوال من طعن في سياسة علي والرد عليها، الخطبة 193.
2- وكتب إليه الوليد بن عقبة: فإنك .... قاتله". شرح نهج البلاغة، ج10، ص 243، ذكر أقوال من طعن في سياسة علي والرد عليها، الخطبة 193.

رسالة معاوية إلى يعلى بن أمية

في رسالته إلى يعلى بن أمية ذكر معاوية أن أحد أسباب قتل عثمان ولاية يعلى على اليمن. ثم تطرق إلى تفاصيل قتل عثمان من أحل تحريضه، فذكر أنه قتل وهو صائم يقرأ القرآن. وأنه كان صهر رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم قُتل بغير ذنب. قال: فكان أعظم ما نقموا عليه وعابوه به ولايتك اليمن وطول مدتك عليها. ثم ترامي بهم الأمر حالاً بعد حال، حتى ذبحوه ذبح النطيحة مبادراً بها الفوت وهومع ذلك صائم معانق المصحف يتلو كتاب الله. فيه عظمت مصيبة الإسلام بصهر الرسول والإمام المقتول على غير جرم سفكوا دمه وانتهكوا حرمته وأنت تعلم أن بيعته في أعناقنا وطلب ثأره لازم لنا. ثم واصل : فأما الشام فقد كفيتك أهلها وأحكمت أمرها وقد كتبت إلى طلحة بن عبيدالله أن يلقاك بمكة حتى يجتمع رأيكما على إظهار الدعوة والطلب بدم عثمان أمير المؤمنين المظلوم وكتبت إلى عبد الله بن عامر يمهد لكم العراق ويسهل لكم حزونة عقابها. واعلم يا ابن أمية أن القوم قاصدوك بادئ بدء لاستنطاف ما حوته يداك من المال (مصادرة أموالك). فاعلم ذلك واعمل على حسبه إن شاء الله (1).

فكتب إليه يعلى بن أمية يصدقه على جاء برسالته ويتحدث عن الانتقام من قتلة عثمان ويعد معاوية أنه سيعمل على الأخذ بثاره. وذكر أن المال لا

ص: 204


1- "وكتب إلى يعلى بن أمية فكان أعظم .... إن شاء الله". شرح نهج البلاغة، ج10، ص243، ذكر أقوال من طعن في سياسة علي والرد عليها، الخطبة 193.

قيمة له إزاء تسليم قتلة عثمان، وهدّد بأنه سيسخر ماله في التجهيز لمحاربةالقتلة إن لم يتم تسليمهم (1) .

من رسالة معاوية إلى يعلى بن أمية يتبين بوضوح التخطيط وتوزيع المهام بين صنّاع الفتنة وأن مكة المكرمة هي المنطلق للمرحلة الأولى وللتمهيد للمراحل اللاحقة. لقد فكر معاوية حتى بحساب الكلفة التي كان على يعلى بن أمية توفيرها من الأموال التي نهبها من بيت مال اليمن وأخذها معه إلى مكة.

من خصائص هذه الرسائل مضامينها الموجهة إلى شخصيات بني أمية. فالرسائل التي بعث بها إلى الشخصيات الأموية أمثال مروان ويعلى بن أمية وعبد الله بن عامر والوليد بن عقبة زخرت بالتحريض الانفعالي والتحذير من زوال الحكم عنهم والحث على إعادة الأوضاع إلى ما كانت عليه. في حين كان الطابع العام لرسائله إلى طلحة والزبير متسماً بالمديح والتمجيد والتشجيع على تولي الحكم واستعداده لمساعدتهم على ذلك الأمر الخطير، وهذا مؤشر على معرفة دقيقة من معاوية بشخصيات الفئتين ومعنوياتهم.

ص: 205


1- وكتب إليه يعلى بن أمية: وصل كتابك بخبر القوم وحالهم، فلئن كانوا ذبحوه ذبح النطيحة بودر بها الموت لينحرن ذابحه نحر البدنة وافى بها الهدي الأجل ثكلتني من أنا ابنها إن نمت على طلب وتر عثمان. إني أرى العيش بعد قتل عثمان مراً، إن أدلج القوم فإني مدلج وأما قصدهم ما حوته يدي من المال، فالمال أيسر مفقود إن دفعوا إلينا قتلة عثمان. وإن أبوا ذلك أنفقنا المال على قتالهم". شرح نهج البلاغة، ج 10 ، ص 243 ، ذكر أقوال من طعن في سياسة علي والرد عليها، الخطبة 193.

بالنظر في مجموع رسائل معاوية ومشاوراته الكثيرة، وكذلك خطابات عائشة(1) التحريضية الموجهة لأهل مكة للخروج على الإمام علي علیه السلام ووعدهم بالدعم من أهل الشام، لا يبقى شك في الدور البارز الذي اضطلع به معاوية في تحريض رؤوس الفتنة وإشعال حرب الجمل. إن الذي ألف بين بني أمية ورؤوس الفتنة، وهم قطبا معارضة مختلفان، وجمعهم في خندق واحد في مواجهة الإمام علي علیه السلام وأشعل حرب الجمل كان حب طلحة والزبير للحكم وبغض عائشة لعلي علیه السلام وحسدها العظيم له وخطط معاوية ومكره. وما أجمل ما وصف به الإمام علیه السلام معاوية إذ قال: إن معاوية (كالشيطان) يأتي الإنسان من بين يديه ومن خلفه وعن يمينه وعن شماله (2).

يقول ابن أبي الحديد مستنتجاً من إجراءات معاوية، بعد أن ینقل رسائله، إن من يطلع على مضامين رسائل معاوية يدرك على الفور أن معاوية كان يسير في طريق لا علاج له إلاّ السيف وأن علياً علیه السلام كان الأعلم بذلك (3).

ص: 206


1- أيها الناس إن هذا حدث عظيم وأمر منكر فانهضوا فيه إلى إخوانكم من أهل البصرة فأنكروه فقد كفاكم أهل الشام ما عندهم لعل الله عزّ وجلّ يدرك لعثمان وللمسلمين بثأرهم" . تاريخ الطبري، ج3، ص7، حوادث سنة 36 الهجرية استئذان طلحة والزبير علياً.
2- "إن معاوية يأتي الإنسان من بين يديه ومن خلفه وعن يمينه وعن شماله، فاحذر ثم احذر ".تاريخ دمشق الكبير، ج21، ص123، ترجمة زياد بن عبيد (أبيه)، الرقم 2309؛ شرح نهج البلاغة، ج16، ص 182، نسب زياد بن أبيه وذكر بعض أخباره وكتبه وخطبه، الرسالة 44.
3- "من وقف عليه علم أن الحال لم يكن حالاً يقبل العلاج والتدبير زأنه لم يكن بد من السيف وأن علياً كان أعرف بما عمل" شرح نهج البلاغة، ج10، ص 245، ذكر أقوال من طعن في سياسة علي والرد عليها، ذيل الخطبة 193.

7- حجج واهية

من بين أسباب وقوع حرب الجمل أسباب تافهة لا يمكن أن تكون سبباً لوقوع حرب الجمل، بل هي أسباب واهية لم تطرح إلاّ لاجتذاب الناس وتلفيق ذرائع لإشعال الحرب على الخليفة.

أ - المطالبة بدم عثمان

من الأسباب التي تذرع بها صنّاع الفتنة لمحاربة أمير المؤمنين علیه السلام مقتل عثمان والمطالبة بدمه. وقد سبق أن بينا في باب دور معاوية في إشعال حرب الجمل كيف أن معاوية نجح بمكره في أن يصوّر الإمام علياً علیه السلام مسئولاً عن دم عثمان وأمر بني أمية بأن يتخذوا هذه الخطة سلاحاً في تأليب الناس ضد الإمام علیه السلام. ويفيد الكثير من التقارير التاريخية والروائية بأن عائشة وطلحة والزبير ركزوا في خطبهم ورسائلهم إلى الشخصيات والأطراف على مظلومية عثمان وطالبوا بالثأر له من قاتليه ومنهم الإمام علي علیه السلام، بالرغم من أن دورهم في قتل عثمان ما كان ليخفى على أحد، بل إن دورهم في قتله كان الأكبر والأبرز وهنا لابد من التنويه بدور كل واحد من رؤوس الجمل في قتل عثمان ليفتضح كذب ادعائهم للجميع.

ص: 207

دور عائشة في قتل عثمان

كانت عائشة ممن لعب دوراً بالغ الأهمية في قتل عثمان. فبالنظر في التاريخ يتبين أن العلاقة بين عائشة وعثمان كانت سلمية في البداية، ولكن شابها التوتر والعداء منذ أن قلل عثمان عطاء عائشة وجعله أسوة بسائر أزواج النبي (1).

ينقل الشيخ المفيد عن الإمام الباقر علیه السلام أنه قال أن عائشة جاءت عثمان

فقالت له: أعطني ما كان يعطيني أبي وعمر بن الخطاب. فقال لها: لا أجد لك موضعاً في الكتاب ولا في السنة وإنما كان أبوك وعمر بن الخطاب يعطيانك بطيبة من أنفسهما وأنا لا أفعل. قالت له: فأعطني ميراثي من رسول الله صلی الله علیه وآله وسلم . فقال لها : أولم تجيئيني أنت ومالك بن أوس النصري فشهدتما أن رسول الله صلی الله علیه وآله وسلم لا يورث حتى منعتما فاطمة ميراثها وأبطلتما حقها، فكيف تطلبين اليوم ميراثاً من النبي صلی الله علیه وآله وسلم ؟ فتركته وانصرفت. وكان عثمان إذا خرج إلى الصلاة أخذت قميص رسول الله صلی الله علیه وآله وسلم على قصبة فرفعته عليها، ثم قالت: إن عثمان قد خالف صاحب هذا القميص وترك سنته (2).

ص: 208


1- وكان بين عثمان وعائشة منافرة وذلك أنه نقصها مما كان يعطيها عمر بن الخطاب وصيّرها أسوة غيرها من نساء رسول الله صلی الله علیه وآله وسلم . تاريخ اليعقوبي، ج2، ص 175، أيام عثمان بن عفان.
2- أمالي الشيخ المفيد، ص 125، المجلس الخامس عشر، الحديث الثالث.

ومما زاد في العداء بين عثمان وعائشة حوادث وقعت نحو هتك عثمان حرمة عبد الله بن مسعود وضربه وإخراجه من مسجد النبي(1)، وشرب الوليد بن عقبة الخمر وشكوى أهل الكوفة منه وطرد عثمان لهم من داره(2) وضرب عمار بن ياسر من قبل عثمان وغلمانه(3). في جميع هذه الحوادث التي وقعت تباعاً وقفت عائشة تدافع بكل قوتها عن صحابة رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم والمعترضين على عثمان، فكانت ترفع قميص النبي ومصحفه وشعره وتعترض على تغيير أحكام الله(4) وتحرض الناس على قتل عثمان وتقول: اقتلوا نعثلاً (الشيخ الخرف) قتل الله نعثلاً(5) وكانت تقول لعثمان: يا غدر يا فجر!

ص: 209


1- "فدخل عبد الله بن مسعود المسجد وعثمان يخطب فقال عثمان إنه قد قدمت عليكم داية سوء. فكلمه ابن مسعود بكلام غليظ فأمر به عثمان فجز برجله حتى كسر له ضلعان. فتكلمت عائشة وقالت قولاً كثيراً". تاريخ اليعقوبي، ج2، ص170، أيام عثمان بن عفان.
2- فأتى الشهود عائشة فأخبروها بما جرى بينهم وبين عثمان وأن عثمان زبرهم، فنادت عائشة : إن عثمان أبطل الحدود وتوعّد الشهود ... ويقال إن عائشة أغلظت لعثمان وأغلظ لها ..... أنساب الأشراف ج 6 ، ص 144، أمر الوليد بن عقبة حين ولاه عثمان الكوفة.
3- " وبلغ عائشة ما صنع بعمار فغضبت وأخرجت شعراً من شعر رسول الله صلی الله علیه وآله وسلم وثوباً من ثيابه ونعلاً من نعاله ثم قالت: ما أسرع ما تركتم سنة نبيكم وهذا شعره وثوبه ونعله لم يبل بعد. فغضب عثمان غضباً شديداً حتى ما درى ما يقول. فالتج المسجد وقال الناس: سبحان الله! سبحان الله!". أنساب الأشراف، ج 6 ، ص 162، أمر عمار بن ياسر العنسي.
4- "فإن عثمان يوماً ليخطب إذ دلت عائشة قميص رسول الله ونادت يا معشر المسلمين! هذا جلباب رسول الله لم يبل وقد أبلى عثمان سنته! فقال عثمان: رب اصرف عني كيدهن إن كيدهن عظيم". تاريخ اليعقوبي، ج2، ص 175، أيام عثمان بن عفان؛ الفتوح، المجلد الأول، ص419، خروج عائشة إلى الحج لما حوصر عثمان وأشرف على القتل ومقالها فيه.
5- الفتوح، المجلد الأول، ص 419، خروج عائشة إلى الحج لما حوصر عثمان وأشرف على القتل ومقالها فيه.

أخفرت أمانتك وضيعت رعيتك ولولا الصلوات الخمس لمشى إليك الرجال حتى يذبحوك ذبح الشاة(1).

كانت عائشة تفعل ذلك في غاية الحماس(2)، حتى أنها كانت تصطحب معها بعض أزواج النبي مثل حفصة. وكانت تأمر بعض الشخصيات النافذة كعبد الله بن عباس بأن لا يفرق الثوار عن عثمان(3) . وقد بلغت الأوضاع تلك مرحلة هدّد فيها عثمان عائشة بأن يحرق دارها إن لم تكف (4)أو الإقذاع لها بالسب(5).

ص: 210


1- "... فنادته عائشة يا غدر يا فجر! .... الشاة". الجمل والنصرة لسيد العترة في حرب البصرة، ص 148، في موقف عائشة من عثمان. وبالمضمون نفسه الفتوح، المجلد الأول، ص419، خروج عائشة إلى الحج لما حوصر عثمان وأشرف على القتل ومقالها فيه.
2- "كانت عائشة تحرض على قتل عثمان جهدها وطاقتها ...". الفتوح، المجلد الأول، ص419، خروج عائشة إلى الحج لما حوصر عثمان وأشرف على القتل ومقالها فيه.
3- ومرّ عبد الله بن عباس بعائشة وقد ولاه عثمان الموسم وهي بمنزل من منازل طريقها فقالت: يا ابن عباس إن الله قد آتاك عقلاً وفهماً وبياناً، فإياك أن تردّ الناس عن هذا الطاغية. أنساب الأشراف، ج6، ص 193، أمر عمرو بن العاص وغيره؛ الفتوح، المجلد الأول، ص 420، خروج عائشة إلى الحج لما حوصر عثمان وأشرف على القتل ومقالها فيه.
4- "رفعت عائشة ورقة من المصحف بين عودتين من وراء حجابها وعثمان! قائم ثم قالت: يا عثمان أقم ما في هذا الكتاب. فقال: لتنتهين عما أنت عليه أو لأدخلن عليك جمر النار". الجمل والنصرة لسيد العترة في حرب البصرة، ص 148، في موقف عائشة من عثمان.
5- "... فتقدم عثمان فصلى فلما كبر قامت امرأة من حجرتها فقالت: أيها الناس اسمعوا! قال: ثم تكلمت فذكرت رسول الله صلی الله علیه وآله وسلم وما بعثه الله به ثم قالت: تركتم أمر الله وخالفتم رسوله أو نحو هذا. ثم صمتت فتكلمت أخرى مثل ذلك فإذا هي عائشة وحفصة. قال: فلما سلم عثمان أقبل على الناس فقال: إن هاتان الفتاتان (هكذا: م) فتنتا الناس في صلاتهم. وإلا تنتهيان أو لأسبنكما ما حل لي السباب. المصنف، ج 11، ص 356 ، باب الفتن الحديث 20732.

عندما اشتد الأمر على عثمان بعث بمروان بن الحكم وعبد الرحمن بن عتاب بن أسيد إلى عائشة لتتوسط بينه وبين الناس وتمنع قتله. ولكن عائشة رفضت طلبه وقالت لمروان: (أتظن أني في شك من موقفي من مروان؟) وددت والله أنه في غرارة من غرائري هذه وأني طوقت حمله حتى ألقيه في البحر (1).

يقال إن عائشة هي أول من سمى عثمان نعثلاً (اليهودي ذا اللحية الطويلة) وأمر بقتله (2)وحرض الناس عليه(3)

ص: 211


1- قالوا: ولما اشتد الأمر على عثمان أمر مروان بن الحكم وعبد الرحمن بن عتاب بن أسيد فأتيا عائشة وهي تريد الحج فقالا لها: لو أقمت فلعل الله يدفع بك عن هذا الرجل. فقالت: قد قربت ركابي وأوجبت الحج على نفسي، ووالله لا أفعل ... فقالت عائشة: يا مروان! وددت ...". أنساب الأشراف، ج6، ص193، أمر عمرو بن العاص وغيره. بعض منه في الفتوح، المجلد الأول، ص 420، خروج عائشة إلى الحج لما حوصر عثمان وأشرف على القتل ومقالها فيه.
2- قالوا: أول من سمى عثمان نعثلاً عائشة، والنعثل: الكثير شعر اللحية والجسد. وكانت تقول: اقتلوا نعثلاً، قتل الله نعثلاً". شرح نهج البلاغة، ج 6، ص 215، أخبار عائشة في خروجها من مكة إلى البصرة بعد مقتل عثمان.
3- فوالله إن أول من أمال حرفه لأنت. ولقد كنت تقولين: اقتلوا نعثلاً فقد كفرا". تاريخ الطبري، ج3، ص12، ج 3، ص 12، حوادث سنة 36 الهجرية، قول عائشة : والله لأطلبن بدم عثمان وخروجها وطلحة والزبير فيمن تبعهم إلى البصرة. إن أول من طعن عليه وأطمع الناس فيه لأنت. ولقد قلت: تقتلوا نعثلاً فقد فجرا. الإمامة والسياسة، ج1، ص 52، اعتزال عبد الله بن عمر وسعد بن أبي وقاص ومحمد بن مسلمة عن مشاهدة علي وحروبه .

كان يعلى بن أمية ممن يرى أن عائشة من أهم عوامل قتل عثمان. يقول الذهبي في هذا: جاء يعلى بن أمية إلى عائشة وهي في الحج، فقال: قد قتل خليفتك الذي كنت تحرضين عليه قالت برئت إلى الله من قاتله (1).

الغريب أن ابن عساكر الدمشقي يروي الرواية نفسها ولكنه يحذف عبارة "كنت تحرضين" منها حفاظاً على ماء وجه عائشة(2).

نستنتج مما تقدم أن عائشة عكفت على تحريض الناس بذكاء وتخطيط مسبق وباستغلال الآثار الباقية من النبي الأكرم صلی الله علیه وآله وسلم ونجحت في تعبئتهم ضد عثمان. ويكفي للتعرف على أهمية خطابات عائشة وما قامت به أن ننظر في قصة دفاعها عن الذين شهدوا على شرب الوليد بن عقبة الخمر. يقول البلاذري في تاريخه أن الوليد بن عقبة شرب فسكر فصلى بالناس الغداة ... ثم دخل عليه بعد ذلك أبوزينب وجندب بن زهير الأزدي وهو سكران فانتزعا خاتمه من يده وهو لا يشعر سكراً ... فخرج في أمره إلى عثمان أربعة فأخبروا عثمان خبره ... إن عثمان ضرب بعض الشهود أسواطاً فأتى الشهود عائشة فأخبروها بما جرى بينهم وبين عثمان وأن عثمان زبرهم، فنادت عائشة : إن عثمان أبطل الحدود وتوعد الشهود ... ويقال: إن عائشة أغلظت لعثمان وأغلظ لها وقال: وما أنت وهذا؟ إنما أمرت أن تقري في بيتك. فقال

ص: 212


1- سير أعلام النبلاء، سير الخلفاء الراشدين، ص256، وقعة الجمل.
2- وجاء يعلى بن أمية إلى عائشة فقال: قد قتل خليفتك. قالت : برئت إلى الله ممن قتله". تاريخ دمشق الكبير، ح69، ص 208، ترجمة يعلى بن أمية، الرقم 8624.

قوم مثل قوله وقال آخرون: ومن أولى بذلك منها؟ فاضطربوا بالنعال وكان ذلك أول قتال بين المسلمين بعد عبد النبي صلی الله علیه وآله وسلم(1).

لقد استطاعت عائشة بحركة دقيقة ومدروسة، أن تزرع سوء الظن في طائفة كبيرة من المسلمين تجاه جهاز الخلافة وأن تفرقهم عن الخليفة. لقد أدى موقفها ذلك إلى حدوث مواجهة بين فريقين؛ مخالف ومحالف. ثم خرج الأمر عن الكلام والقيل والقال إلى الاشتباك بالأيدي، حتى اضطر الخليفة إلى عزل الوليد بن عقبة عن ولاية الكوفة وإقامة حد شرب الخمر عليه بيد الإمام علي علیه السلام بعد أن لم يجرؤ أحد غيره على القيام بذلك.

وفي حادثة أخرى، لما تناهى إلى سمع عائشة أن عثمان وغلمانه ضربوا عمار بن ياسر حتى أغمي عليه، غضبت فحملت شعر النبي صلى الله عليه وآله وسلم ونعاله وثوبه وقالت: (ما أسرع ما تركتم سنة نبيكم وهذا شعره وثوبه ونعله لم يبل بعد! فالتج المسجد وقال الناس: سبحان الله سبحان الله (2)!

مما تقدم، يمكننا الاستنتاج بأن دور عائشة في التحريض على عثمان وقتله كان واضحاً جداً. حتى أنه لما دخل عليها المغيرة بن شعبة بعد انتهاء حرب الجمل وحدثته عن شدة القتال ووصول النبال إلى هودجها، قال لها

ص: 213


1- أنساب الأشراف، ج 6 ، ص 144، أمر عمرو بن العاص وغيره.
2- وبلغ عائشة ما صنع بعمار فغضبت وأخرجت شعراً من شعر رسول الله صلی الله علیه وآله وسلم وثوباً من ثيابه ونعلاً من نعاله ثم قالت: ما أسرع ....!. أنساب الأشراف، ج6، ص 162، أمر عمار بن ياسر العنسي.

المغيرة: وددت والله أن بعضها كان قتلك. قالت: يرحمك الله ولم تقول هذا؟ قال: لعلها تكون كفارة في سعيك على عثمان (1).

دور طلحة والزبير في قتل عثمان

كان طلحة أول من كتب إلى أهل مصر يدعوهم إلى شحذ الهمم لإحياء الكتاب والسنة النبوية. لقد وصف، في كتابه إليهم، حكم عثمان بالملك الظالم الذي استحوذ على بيت مال المسلمين ومنعهم إياه(2).

ص: 214


1- دخل المغيرة بن شعبة على عائشة فقالت: يا أباعبد الله لو رأيتني يوم الجمل قد نفذت النصال هودجي حتى وصل بعضها إلى جلدي. قال لها المغيرة: وددت .......". العقد الفريد، ج4، ص296، كتاب العسجدة الثانية في الخلفاء وتواريخهم وأخبارهم، ما قالوا في قتلة عثمان.
2- من المهاجرين الأولين وبقية الشورى إلى من بمصر من الصحابة والتابعين أما بعد، أن تعالوا إلينا وتداركوا خلافة رسول الله قبل أن يسلبها أهلها. فإن كتاب الله قد بدل وسنة رسوله قد غيرت وأحكام الخليفتين قد بدلت. فننشد الله من قرأ كتابنا من بقية أصحاب رسول الله والتابعين بإحسان إلا أقبل إلينا وأخذ الحق لنا وأعطاناه ... غلبنا على حقنا واستولي على فيئنا وحيل بيننا وبين أمرنا وكانت الخلافة بعد نبينا خلافة نبوة ورحمة وهي اليوم ملك عضوص". الإمامة والسياسة، ج1، ص34، حصار عثمان.

جاء في التقارير التاريخية أن أكثر من حرض الناس على عثمان كان طلحة والزبير وعائشة (1). أما طلحة فتولى إمامة الجماعة خلال الأربعين يوماً التي حوصر فيها عثمان (2) وكان مفتاح بيت المال بيده (3)، وكان يقود الثوار (4) .

وطالما شكا عثمان طلحة وحمّله مسؤولية تحريض الناس، فكان يقول: ويلي على ابن الحضرمية أعطيته كذا وكذا بهاراً ذهباً وهو يروم دمي يحرض على نفسي. اللهُمَّ لا تمتعه به ولقّه عواقب بغيه(5).

يقول عبد الله عیاش بن أبي ربيعة دخلت على عثمان فتحدثت

بن عنده ساعة، فقال: يا ابن عياش تعال فأخذ بيدي فأسمعني كلام من على باب ،عثمان فسمعنا كلاماً منهم من يقول : نا تنتظرون به؟ ومنهم من يقول:

ص: 215


1- "وكان أكثر من يؤلب عليه طلحة والزبير وعائشة تاريخ اليعقوبي، ج2، ص175، أيام عثمان بن عفان كان" طلحة من أشد الناس تحريضاً عليه وكان الزبير دونه في ذلك". شرح نهج البلاغة، ج9، ص35، من كلام له علیه السلام في شأن طلحة والزبير، الخطبة 137.
2- فحصروه أربعين ليلة وطلحة يصلي بالناس". تاريخ الطبري، ج 2، ص664، حوادث سنة 35 الهجرية، ذكر مسير من سار إلى ذي خُشُب من أهل مصر وسبب مسير من سار إلى ذي المروة من أهل العراق.
3- حصر ابن عديس البلوي عثمان في داره فناشدهم الله ثم نشد مفاتيح الخزائن، فأتوا بها إلى طلحة بن عبيدالله وعثمان محصور في داره. تاريخ اليعقوبي، ج2، ص175، أيام عثمان بن عفان.
4- "كان طلحة قد استولى على أمر الناس في الحصار" أنساب الأشراف، ج6، ص196، أمر عمرو بن العاص وغيره. ه.
5- "روي أن عثمان قال: ويلي .....". شرح نهج البلاغة، ح9، ص 35 ، من كلام له علیه السلام في شأن طلحة والزبير، الخطبة 137. و"... فلما رأى ذلك طلحة دخل على عثمان فاعتذر فقال له عثمان: يا ابن الحضرمية ألبت علي الناس ودعوتهم إلى قتلي ...". أنساب الأشراف، ح6، ص196، أمر عمرو بن العاص وغيره.

انظروا عسى أن يراجع. فبينا أنا وهو واقفان إذ مرّ طلحة بن عبيدالله فوقف فقال: أين ابن عديس؟ فقيل: ها هو ذا. (قال): فجاءه ابن عديس فناجاه بشيء، ثم رجع ابن عديس فقال لأصحابه : لا تتركوا أحداً يدخل على هذا الرجل ولا يخرج من عنده. (قال: ) فقال لي عثمان: هذا ما أمر به طلحة بن عبيدالله. ثم قال عثمان : اللَّهُمَّ اكفني طلحة بن عبيدالله فإنه حمل علي هؤلاء وألبهم. والله إني لأرجو أن يكون منها صفراً وأن يسفك دمه، إنه انتهك مني ما لا يحل له (1).

ويروى أيضاً أن طلحة كان يوم قتل عثمان مقنعاً بثوب قد استتر به عن أعين الناس، يرمي الدار بالسهم (و) أنه لما امتنع على الذين حصروه الدخول من باب الدار حملهم طلحة إلى دار لبعض الأنصار فأصعدهم إلى سطحها وتسوروا منها على عثمان داره فقتلوه (2).

أما عن دور الزبير في قتل عثمان، فيقول ابن أبي الحديد: (كان الزبير ينادي): اقتلوه فقد بدّل دينكم. فقالوا: إن ابنك يحامي عنه بالباب فقال: ما أكره أن يقتل عثمان ولو بدئ بابني. إن عثمان لجيفة على الصراط غداً (3).

ويقول ابن قتيبة الدينوري عن دور طلحة في قتل عثمان : أقبل (مالك) الأشتر النخعي من الكوفة في ألف رجل وأقبل ابن أبي حذيفة من مصر في

ص: 216


1- تاريخ الطبري، ج 2، ص 668 ، حوادث سنة 35 الهجرية، ذكر الخبر عن قتل عثمان بن عفان وكيف قتل؛ الكامل في التاريخ، ج2، ص 291، حوادث سنة 35 الهجرية، ذكر مقتل عثمان.
2- شرح نهج البلاغة ، ج 9، ص 35 ، من كلام له علیه السلام في شأن طلحة والزبير، الخطبة 137.
3- شرح نهج البلاغة، ج 9، ص 35 ، من كلام له علیه السلام في شأن طلحة والزبير، الخطبة 137.

أرعمائة رجل، فأقام أهل الكوفة وأهل مصر بباب عثمان ليلاً ونهاراً وطلحة يحرض الفريقين جميعاً على عثمان. ثم إن طلحة قال لهم: إن عثمان لا يبالي ما حصرتموه، وهو يدخل إليه الطعام والشراب فامنعوه الماء أن يدخل عليه(1).

أما عن أسباب تحريض طلحة والزبير الناس على الثورة على عثمان، فيقول ابن أبي الحديد: كان أعظم الأسباب في قتله طلحة. وكان لا يشك أن الأمر له من بعده لوجوه منها سابقته ومنها أنه ابن عم لأبي بكر وكان لأبي بكر في نفوس أهل ذلك العصر منزلة عظيمة أعظم منها الآن. ومنها أنه كان سمحاً جواداً، وقد كان نازع عمر في حياة أبي بكر وأحبّ أن يفوض أبوبكر الأمر إليه من بعده. فمازال يقتل في الذروة والغارب في أمر عثمان وينكر له القلوب ويكدر عليه النفوس ويغري أهل المدينة والأعراب وأهل الأمصار به. وساعده الزبير وكان أيضاً يرجو الأمر لنفسه. ولم يكن رجاؤهما الأمر بدون رجاء علي علیه السلام ، بل رجاؤهما كان أقوى لأن علياً دحضه الأولان وأسقطاه وكسر ناموسه بين الناس فصار نسياً منسياً ومات الأكثر ممن يعرف خصائصه التي كانت في أيام النبوة وفضله، ونشأ قوم لا يعرفونه ولا يرونه إلا رجلاً من عرض المسلمين ولم يبق له مما يمت به إلاّ أنه ابن عم الرسول وزوج ابنته وأبو سبطيه، ونسي ما وراء ذلك كله. واتفق له من بغض قريش وانحرافها ما لم يتفق لأحد. وكانت قريش بمقدار ذلك البغض تحب طلحة والزبير لأن الأسباب الموجبة لبغضهم له لم تكن موجودة فيهما. وكانا يتألفان

ص: 217


1- الإمامة والسياسة، ج1، ص38 ، حصار أهل مصر والكوفة عثمان.

قريشاً في أواخر أيام عثمان ويعدانهم بالعطاء والإفضال. وهما عند أنفسهما وعند الناس خليفتان بالقوة لا بالفعل لأن عمر نص عليهما وارتضاهما للخلافة، وعمر متبع القول ومرضي الفعل موفق مؤيد مطاع نافذ الحكم في حياته وبعد وفاته. فلما قتل عثمان أرادها طلحة وحرص عليها. فلولا الأشتر وقوم معه من شجعان العرب جعلوها في علي علیه السلام لم تصل إليه أبداً.

فلما فاتت طلحة والزبير فتقا ذلك الفتق العظيم على علي علیه السلام وأخرجا أم المؤمنين معهما وقصدا العراق وأثارا الفتنة (فتنة الجمل)(1).

دور معاوية في قتل عثمان

أشرنا فيما مضى إلى التحريضات التي قام بها معاوية لإثارة الشغب في العالم الإسلامي وكيف صور عثمان بالمظلوم وأعلن نفسه ولي دمه في الوقت الذي كان بمقدوره أن يهب لنجدته ويمنع قتله. لقد كانت هذه الحقيقة من الوضوح والشهرة بحيث احتلت مساحة هامة من المحاورات والرسائل المتبادلة بين الإمام علي علیه السلام وأنصاره من جهة ومعاوية من جهة أخرى.

فبعد أن استنجد عثمان استنجاد العاجز بمعاوية (2)، أرسل معاوية جيشاً بقيادة يزيد بن أسد إلى المدينة وأمره بأن يعسكر في ذي خُشُب وأن لا

ص: 218


1- شرح نهج البلاغة ، ج 9، ص29، أسباب المنافسة بين علي علیه السالم وعثمان، الخطبة 135.
2- "وكتب إلى أهل الشام عامة وإلى معاوية وأهل دمشق خاصة أما بعد! فإني في قوم طال فيهم مقامي واستعجلوا القدر في، وقد خيروني بين أن يحملوني على شارف من الإبل وبين أن أنزع لهم رداء الله الذي كساني وبين أن أقيدهم ممن قتلت ومن كان على سلطان يخطئ ويصيب. فيا غوثاه يا غوثاه! ولا أمير عليكم دوني، فالعجل العجل يا معاوية وأدرك ثم أدرك ، وما أراك تدرك". الإمامة والسياسة، ج 1، ص 36 ، حصار عثمان؛ تاريخ الطبري، ج 2، ص 662 ، حوادث سنة 35 الهجرية، ذكر الخبر عن قتل عثمان بن عفان وكيف قتل.

يدخل المدينة (1). كان يهدف من عمله هذا أن يتظاهر بأنه هبّ لنجدة عثمان لكي يدعي الحق بالطلب بدمه بعد قتله ويستولي على الخلافة. وهذا ما أدركه عثمان قبل غيره ونوّه به إلى معاوية عند لقائهما حيث قال له أنه لم يأت لإنقاذه بل لأخذ توقيعه على حق المطالبة بدمه بعد قتله.(2)

يعترف عمرو بن العاص، وهو من أشد المخلصين لمعاوية، بتقصيره ومعاوية في حق عثمان في حادثة قتله، حيث يخاطب معاوية قائلاً وإن أحق الناس أن لا يذكر عثمان لأنا وأنت. أما أنا فتركته عياناً وهربت إلى فلسطين. وأما أنت فخذلته ومعك أهل الشام(3).

ص: 219


1- أرسل عثمان إلى معاوية يستمده، فبعث معاوية يزيد بن أسد جد خالد القسري وقال له: إذا أتيت " ذاخُشب فأقم بها ولا تتجاوزها ... فأقام بذي خُشب حتى قتل عثمان. فقلت لجويرية: لم صنع هذا؟ :قال صنعه عمداً لقتل عثمان فيدعو إلى نفسه. تاريخ المدينة المنورة، ج4، ص1288، معاوية قصر لحاجة في نفسه عن نصرة عثمان.
2- "فكتب إلى معاوية يسأل تعجيل القدوم عليه فتوجه إليه في اثني عشر ألفاً، ثم قال: كونوا بمكانكم في أوائل الشام حتى آتي أمير المؤمنين لأعرف صحة أمره. فأتى عثمان فسأله عن المدة فقال: قد قدمت لأعرف رأيك وأعود إليهم فأجيئك قال: لا والله ولكنك أن أقتل فتقول: أنا ولي الثأر، بهم. ارجع فجئني بالناس فرجع فلم يعد إليه حتى قتل". تاريخ اليعقوبي، ج2، ص 175، أيام عثمان بن عفان.
3- فقال عمرو: وإن أحق الناس ......". أنساب الأشراف، ج3، ص 74 ، أمر صفين؛ تاريخ اليعقوبي، ج2، ص 186، خلافة أمير المؤمنين علي بن أبي طالب الإمامة والسياسة، ج1، ص98، مشورة معاوية عمرواً.

حسب ما ينقله ابن أعثم الكوفي فإن معاوية ندم على عدم إغاثته لعثمان(1). وبعد قتل عثمان لم يتورع معاوية عن إلصاق تهمة القتل بالإمام علي علیه السلام بمنتهى الوقاحة والصلف. يقول الإمام علیه السلام مخاطباً معاوية في رسالة بعث بها إليه ثم ذكرت ما كان من أمري وأمر عثمان، فلك أن تجاب عن هذه لرحمك منه فأينا كان أعدى له وأهدى إلى مقاتله!؟ أمّن بذل له نصرته فاستقعده واستكفه أم من استنصره فتراخى عنه وبث المنون إليه حتى أتى قدره عليه؟ كلا والله! (قد يعلم الله المعوقين منكم والقائلين لإخوانهم هلم إلينا ولا يأتون البأس إلاّ قليلاً) وما كنت لأعتذر من أني كنت أنقم عليه أحداثاً. فإن كان الذنب إليه إرشادي وهدايتي له فربّ ملوم لا ذنب له وقد يستفيد الظنة المتنصح وما أردت (إلاّ الإصلاح ما استطعت وما توفيقي إلاّ بالله عليه توكلت وإليه أنيب) (2).

ويخاطبه علیه السلام في رسالة أخرى بقوله: فأما إكثارك الحجاج في عثمان وقتله فإنك إنما نصرت عثمان حيث كان النصر لك وخذلته حيث كان النصر له(3).

عندما وقع معاوية الصلح مع الإمام الحسن علیه السلام أرسل إلى عبد الله بن عباس رسالة دعاه فيها إلى مبايعته. وكان مما جاء في رسالته: ولعمري لو قتلتك

ص: 220


1- ولقد ندمت عن قعودي عن عثمان وقد استغاث بي فلم أجبه". الفتوح، المجلد الأول، ص 445، خبر الحجاج بن خزيمة بن نبهان وقدومه على معاوية.
2- نهج البلاغة ، ص 326، جانب من الرسالة 28.
3- نهج البلاغة، ص 386 ، جانب من الرسالة 37.

بعثمان رجوت أن يكون ذلك الله رضا وأن يكون رأياً صواباً. فإنك من الساعين عليه والخاذلين له والسافكين دمه وما جرى بيني وبينك صلح فيمنعك مني ولا بيدك أمان(1).

لم يَخَف ابن عباس من تهديد معاوية هذا بل ألقمه حجراً قاسياً برد صاعق قال له فيه: أما قولك أني من الساعين على عثمان والخاذلين له والسافكين دمه وما جرى بيني وبينك صلح فيمنعك مني، فأقسم بالله لأنت المتربص بقتله والمحب لهلاكه والحابس الناس قبلك عنه على بصيرة من أمره. ولقد أتاك كتابه وصريخه يستغيث بك ويستصرخ فما حفلت به حتى بعثت إليه معذراً بأجرة. أنت تعلم أنهم لن يتركوه حتى يقتل، فقتل كما كنت أردت. ثم علمت عند ذلك أن الناس لن يعدلوا بيننا وبينك. فطفقت تنعى عثمان وتلزمنا دمه وتقول: قتل مظلوماً. فإن يك قتل مظلوماً فأنت أظلم الظالمين. ثم لم تزل مصوباً ومصعداً وجاثماً ورابضاً تستغوي الجهال وتنازعنا حقنا بالسفهاء حتى أدركت ما طلبت (2).

ص: 221


1- "وكتب معاوية إلى ابن عباس عند صلح الحسن علیه السلام له كتاباً يدعوه فيه إلى بيعته ويقول له فيه: ولعمري ......". شرح نهج البلاغة، ج 16، ص 155، من كتاب له علیه السلام إلى معاوية، الرسالة 37.
2- "... في ذلك الوقت وصلت من مصر جماعة من الوجهاء يشتكون عاملهم ... فقالوا: لقد جئنا استنكاراً لبعض الأعمال التي صدرت من عاملنا. فقال لهم علي بن أبي طالب: لا تتعجلوا .... الفتوح، المجلد الأول، ص 402، ذكر وصول بعض المصريين إلى المدينة وشكايتهم ضد عاملهم.

هناك الكثير من النصوص الأخرى الكاشفة عن دور معاوية في قتل عثمان، ولكننا نتجنب عرضها اجتناباً للإطالة تاركين بحثها للباحثين المتخصصين.

عدم مشاركة الإمام علي علیه السلام في قتل عثمان

بالرغم من كثرة التقارير والنصوص الدالة على دور معاوية وعائشة وطلحة والزبير في قتل عثمان، فإن هناك من لم يتورع في إلصاق تهمة القتل بالإمام علیه السلام مع كثرة الأدلة على عدم تورطه لا من قريب ولا من بعيد فيه.

من أهم الأدلة على عدم مشاركة الإمام علیه السلام في قتل عثمان مواقفه الخيّرة قبل نشوب الثورة على عثمان فهو الذي تولى تهدئة ثوار مصر المعروفين الذين ذهبوا إلى المدينة لكي يشكوا عبد الله بن أبي سرح فقال: لا تتعجلوا في أمركم وأخبروا الإمام ما تريدون مشافهة وقولوا إن العامل كان يفعل ما يشاء بحسب رأيه وليس حسب أوامر الخليفة (فلربما كان والي مصر فعل ما فعل بدون علم الخليفة) (1).

ص: 222


1- وأتى المغيرة بن شعبة عثمان فقال له: دعني آت القوم فأنظر ما يريدون. فمضى نحوهم، فلما دنا منهم صاحوا به يا أعور وراءك يا فاجر وراءك يا فاسق وراءك فرجع ودعا عثمان عمرو بن العاص فقال له: ائت القوم فادعهم إلى كتاب الله مما ساءهم. فلما دنا منهم سلّم فقالوا: لا سلم الله عليك! ارجع يا عدو الله ارجع يا ابن النابغة! فلست عندنا بأمين ولا مأمون. فقال له ابن عمر وغيره: ليس لهم إلا علي بن أبي طالب. فبعث عثمان إلى علي علیه السلام ". أنساب الأشراف، ج6، ص179، مسير أهل الأمصار إلى عثمان؛ تاريخ الطبري، ج 2، ص 658 ، حوادث سنة 35 الهجرية، ذكر مسير من سار إلى ذي خشب من أهل مصر وسبب مسير من سار إلى ذي مروة من أهل العراق.

الإمام علي علیه السلام هو مَن اختاره عثمان ليقنع المصريين بالعودة إلى بلادهم. وقد خرج من هذه المهمة مرفوع الرأس بعد أن نجح في إقناعهم بالعودة في حين فشل المغيرة بن شعبة وعمرو بن العاص في المهمة نفسها (1).

لقد نصح الإمام علي علیه السلام عثمان نصيحة صادقة بأن يرتقي المنبر ويقول ما يهدئ من روع البلاد ويخمد ثورة الناس. فصعد عثمان المنبر وتاب عمّا بدر منه. ثم عاد الإمام علیه السلام للتوسط بين المحتجين وعثمان وطلب منهم أن يمهلوا عثمان ثلاثة أيام لينفذ وعوده (2).

استناداً إلى تقارير بعض المؤرخين، فإن الإمام علياً علیه السلام بعث بابنيه الحسن والحسين علیهما السلام وغلامه قنبر إلى باب دار عثمان لحمايته عندما كان

ص: 223


1- ثم إن علياً جاء عثمان بعد انصراف المصريين فقال له: تكلم كلاماً يسمعه الناس منك ويشهدون عليه ويشهد الله على ما في قلبك من النزوغ (هكذا، وربما النزوع م) والإنابة، فإن البلاد قد تمخضت عليك، فلا آمن ركباً آخرين يقدمون من الكوفة ... فخرج عثمان فخطب الخطبة التي نزع فيها وأعطى الناس من نفسه التوبة". تاريخ الطبري، ج 2، ص 658 ، حوادث سنة 35 الهجرية، ذكر مسير من سار إلى ذي خشب من أهل مصر وسبب مسير من سار إلى ذي المروة من أهل العراق؛ أنساب الأشراف، ج6، ص180، مسير أهل الأمصار إلى عثمان.
2- "فخرج علي إلى الناس فقال: أيها الناس إنكم إنما طلبتم الحق فقد أعطيتموه. إن عثمان قد زعم أنه منصفكم من نفسه ومن غيره وراجع عن جميع ما تكرهون، فاقبلوا منه ووكدوا عليه ... قال علي: نعم. فخرج إلى الناس فأخبرهم بذلك وكتب بينهم وبين عثمان كتاباً أجله فيه ثلاثاً على أن يرد كل مظلمة ويعزل كل عامل كرهوه". تاريخ الطبري، ج 2، ص 664، حوادث سنة 35 الهجرية، ذكر الخبر عن قتل عثمان بن عفان وكيف قتل.

محصوراً، حتى أن الإمام الحسن تعرض للأذى جراء ذلك وشج رأس قنبر(1). وحين اشتكى عثمان من منع طلحة وصول الماء إليه، بعث الإمام إليه بقراب الماء(2)، فكان ذلك سبباً في أن يصاب بعض غلمان بني هاشم(3).

حين كان عثمان محاصراً في داره ناشد الإمام علي علیه السلام طلحة بأن يفرق الناس عنه وأن يكف هو عنه. فقال طلحة بأنه لن يكف عنه حتى يرجع بنوامية إلى الحق. فكان الإمام علیه السلام يقول: سوّد الله وجه طلحة، كيف عامله عثمان وكيف عامل هو عثمان (4) !

(1) "قال للحسن والحسين: اذهبا بسيفكما حتى تقوما على باب عثمان، فلا تدعا أحداً يصل إليه... وقد رمى الناس عثمان بالسهام حتى خضب الحسن بالدماء على بابه وشج قنبر مولى علي ....". أنساب الأشراف، ج6، ص 185 ، مسير أهل الأمصار إلى عثمان.

(2) حصر عثمان حتى كان لا يشرب إلا من فقير في داره، فدخلت على علي فقلت: أرضيت بهذا أن يحصر ابن عمتك حتى والله ما يشرب إلا من فقير في داره؟ فقال: سبحان الله! أوقد بلغوا به هذه الحال؟ قلت: نعم. فعمد إلى روايا ماء فأدخلها إليه فسقاه". أنساب الأشراف، ج6، ص180، أمر عمرو بن العاص وغيره.

(3) "فبلغ ذلك علياً فبعث إليه بثلاث قرب مملوءة. فما كادت تصل إليه حتى جرح في سببها عدة من موالي بني هاشم". أنساب الأشراف، ج6، ص 185، مسير أهل الأمصار إلى عثمان. (4)"كان لعثمان على طلحة بن عبيدالله خمسون ألفاً، فقال له طلحة يوماً: قد تهيأ مالك فاقبضه! فقال: هو لك معونة على مروءتك. فلما حصر عثمان قال علي علیه السلام الطلحة: أنشدك الله إلا كففت عن عثمان فقال: لا والله حتى تعطي بنوامية الحق من أنفسها. فكان علي علیه السلام يقول: لحا الله ابن الصعبة! أعطاه عثمان ما أعطاه وفعل به ما فعل. شرح نهج البلاغة، ج 2، ص 161 ، اضطراب الأمر على عثمان ثم أخبار مقتله، الخطبة .30. على أن هذه الأخبار جديرة بالتوقف والتدبر لأنها تمثل شاهداً على كرم عثمان الحاتمي.

ص: 224

يقول ابن أبي الحديد إن علياً علیه السلام قال لعثمان وإني أنشدك الله ألاّ تكون إمام هذه الأمة المقتول فإنه كان يقال: يقتل في هذه الأمة إمام يفتح عليها القتل والقتال إلى يوم القيامة ويلبس أمورها عليها ويبث الفتن فيها فلا يبصرون الحق من الباطل يموجون فيها موجاً ويمرجون فيها مرج(1).

مع هذا، كيف يمكن للإمام أن يكون قاتلاً للخليفة؟ فبالرغم من عدم رضاه علیه السلام عن أعمال عثمان، فإنه لم يكن يرضى بقتله.

وبعد أن قتل عثمان طالب الإمام علهی السلام الناس أن يكفوا عن منعهم الشديد دفنه، فاستجابوا لمطلبه.

لقد كان الإمام علیه السلام، في أثناء ما حدث من حوادث في المدينة، يدافع عن عثمان ويرجو له الخير ، حتى قال: والله لقد دفعت عنه حتى خشيت أن أكون آثماً(2).

ولعل أحد أهم الأدلة عن عدم مشاركة الإمام علیه السلام في قتل عثمان شهادة صحابة من أمثال عبد الله بن عباس له بذلك. يقول ابن عباس: الحصر الأول حصر (عثمان) اثنتي عشرة وقدم المصريون فلقيهم علي بذي خشب

ص: 225


1- نهج البلاغة، ص 220، جانب من الخطبة 164. على أن هذه النصوص تنفع في الرد على من يتهمون الإمام علیه السلام بالضلوع في قتل عثمان، لأن صدور مثل هذا الكلام من الإمام بحق خليفة لم يفعل إلاّ ما يخالف الإسلام والسنة النبوية، موضع نظر وتأمل.
2- نهج البلاغة ، ص 338، جانب من الخطبة 240.

فردهم عنه. وقد كان والله علي له صاحب صدق (لم يأل جهداً في الدفاع عنه وإنقاذه)(1).

ويقول في موضع آخر فالله يعلم أني رأيت فيه (في وجه علي) الانكسار والرقعة لعثمان. ثم إني لأراه يؤتي إليه عظيم ( يستعظم الثورة عليه)(2).

وفي رده على سؤال معاوية عن قتل عثمان ، قال خفاف بن عبد الله وأبرأ الناس منه (من دم عثمان) علي علیه السلام، ويتهم (خفاف) رؤوس الفتنة بالضلوعفي القتل(3).

فضلاً عن المؤالفين للإمام علیه السلام ، شهد له أعداؤه أيضاً بعدم المشاركة في قتل عثمان. فمروان الذي كان من ألدّ أعداء الإمام علیه السلام كان من بين من اعترفوا ببراءته من دم عثمان. ويروي عمر بن الإمام زين العابدين علیه السلام عن أبيه أن مروان كان يقول: ما كان في القوم أدفع عن صاحبنا من صاحبكم

ص: 226


1- "لما حصر عثمان الحصر الآخر، قال عكرمة : فقلت لابن عباس أو كانا حصرين؟ فقال ابن عباس: نعم، الحصر الأول ........". تاريخ الطبري، ج 2، ص 684 ، حوادث سنة 35 الهجرية، ذكر الخبر عن السبب الذي من أجله أمر عثمان عبد الله بن عباس أن يحج بالناس.
2- "قال ابن عباس فالله .........". تاريخ الطبري، ج 2، ص 684 ، حوادث سنة 35 الهجرية، ذكر الخبر عن السبب الذي من أجله أمر عثمان عبد الله بن عباس أن يحج بالناس.
3- وكان لخفاف لسان وهيأة وشعر. فغدا حابس وخفاف إلى معاوية فقال حابس: هذا ابن عمي قدم الكوفة مع علي علیه السلام وشهد عثمان بالمدينة وهو ثقة. فقال له معاوية: هات يا أخا طيء! حدثنا عن عثمان. قال: حصره المكشوح وحكم فيه حكيم ووليه محمد وعمار وتجرد في أمره ثلاثة نفر: عدي بن حاتم والأشتر النخعي وعمرو بن الحمق، وجد في أمره رجلان؛ طلحة والزبير. وأبرأ الناس منه على علیه السلام". وقعة صفين، ص 65 ، خفاف بن عبد الله ومعاوية.

يعني علياً عن عثمان. قال: فقلت: ما بالكم تسبونه على المنابر؟ قال: لا يستقيم الأمر إلاّ بذلك (1).

وقال مروان بن الحكم يوم الجمل: والله لا أترك ثأري وأنا أراه، ولأقتلن طلحة بعثمان، فإنه قتله. ثم رماه بسهم فأصاب مأبضه (في فخذه أو تحت ركلته) فنزف الدم حتى مات (2).

هذا وقد دفع الإمام علیه السلام تهمة المشاركة في قتل عثمان مراراً. يقول علیه السلام في إحدى خطبه: وإنهم (طلحة والزبير) ليطلبون حقاً هم تركوه ودماً هم سفكوه. فلئن كنت شريكهم فيه فإن لهم لنصيبهم منه ولئن كانوا ولوه دوني فما التبعة إلاّ عندهم (قضية قتل عثمان لا تخرج من ثلاث حالات؛ إما أن أكون أنا الفاعل وحدي، وهذا ما لم يدعه أحد، فهو مردود أو أن أكون شاركت فيه طلحة والزبير، لأن مشاركتهما في القتل مؤكدة. أو أن يكونا توليا القتل من دون مشاركتي. وفي هذه الحالة عليهما أن يدفعا التهمة عن نفسيهما )(3).

إذن، لم يكن للإمام علي علیه السلام أي دور في قتل عثمان. وإنما هو مخطط من خصومه لإزاحة الخلافة عنه والاستحواذ عليها. يقول ابن سيرين إنه لا

ص: 227


1- "قال مروان: ما كان .....". تاريخ الإسلام ووفيات المشاهير والأعلام، ج3، ص460، حوادث سنة 35 الهجرية وفيها مقتل عثمان.
2- شرح نهج البلاغة ، ج 9، ص 35 ، من كلام له علیه السلام في شأن طلحة والزبير، الخطبة 137.
3- نهج البلاغة ، ص 180، جانب من الخطبة 137.

أحد من الناس اتهم علياً علیه السلام بدم عثمان قبل مبايعته، ولكن حين تمت له البيعة وُجهت إليه التهمة(1) .

مما تقدم نستنتج أن ما طرح على أساس أنه سبب وقوع حرب الجمل لم يكن قائما على أساس من الواقع، وأنه ليس سوى تضليل للرأي العام عبر التشويه والضجيج والإعلام المضاد.

ب - الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر

يدّعي بعض كبار علماء أهل السنة أن أحد أسباب وقوع حرب الجم- كان الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر. ولكن النظر في التقارير التاريخية والروائية يكشف خطأ هذا الادّعاء، وأنه لم يكن إلاّ غطاءً يستر حب قادة الجمل للدنيا وشغفهم بالسلطة. يقول بعض كبار علماء المعتزلة كهشام الفوطي وعباد بن سليمان إن علياً علیه السلام وطلحة والزبير وعائشة وجماعة من المعسكرين على الحق والهدى، والآخرون على ضلال وإلى هلاك. هذا لأن عائشة وطلحة والزبير خرجوا إلى البصرة للطلب بدم عثمان وكانت غايتهم الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر، والظاهر أهم خرجوا ابتغاء مرضاة الله. وكذلك علي علیه السلام حشّد جيشه للتفاوض معهم خدمةً لمصالح الإسلام والمسلمين ومنع وقوع الفتنة ، ومنع العوام من التدخل في أمور لا تخصهم. ولكن ما إن تقابل الفريقان حتى سارع الناس لإشعال نار الحرب وبدء

ص: 228


1- ما علمت أن علياً اتهم في دم عثمان حتى بويع. فلما بويع اتهمه الناس". العقد الفريد، ج4، ص 305، كتاب العسجدة الثانية في الخلفاء وتواريخهم وأخبارهم، تبري علي من دم عثمان.

القتال ولم تكن الأوضاع تحت سيطرة قادة الفريقين. الحقيقة أن الفتنة وسفك الدماء جرى بأيدي عوام الناس ولم يكن علي علیه السلام وطلحة والزبير وعائشة وكبار أصحابهم راضين بما جرى. وهكذا فإن الزعماء من الناجین وأتباعهم من الهالكين(1).

بهذا الطرح، حاولت هذه الجماعة من المعتزلة أن يضربوا عصفورين بحجر واحد؛ فمن جهة أرادوا تخليص رؤوس الفتنة من الضلال والخلود في نار جهنم، ومن جهة حاولوا إشراك الإمام علي علیه السلام في صنع الفتنة بإظهاره بمظهر الفاشل إدارياً.

ويبقى السؤال الهام هنا كيف توصلوا إلى هذه النتيجة؟ أفلم تصلهم التقارير التاريخية والروائية، أم أنهم لم يكلفوا أنفسهم عناء النظر فيها؟ أم أنهم سقطوا في فخ مسبقاتهم العقائدية ولم يحاولوا الخروج منه للنظر من خارجه بتجرد؟

ص: 229


1- أن عائشة وطلحة والزبير إنما خرجوا إلى البصرة لينظروا في دم عثمان فيأخذوا بثأره من ظالميه، " وأرادوا بذلك الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر، وطلبوا به وجه الله تعالى. وخرج علي بن أبي طالب علیه السلام ليتفق معهم على الرأي والتدبير في مصالح الإسلام وأهله وكف السعي في الفتنة ومنع العامة مما ليس إليهم بل هو إلى وجوه العلماء وليقع التراضي بينهم على إنصاف واجتهاد في طلب الحق والاجتماع على الرأي ...". الجمل والنصرة لسيد العترة في حرب البصرة، ص 64 ، رأي الهشام (هكذا، وربما لهشام م )الفوطي وعباد بن سليمان.

أفلم يكن بمقدور رؤوس الفتنة أن يأمروا بالمعروف وينهوا عن المنكر وهم في المدينة والإمام علیه السلام فيها؟ ولماذا خرج أصحاب الجمل إلى البصرة في حين كان قتلة عثمان في المدينة؟

وإذا كانت غايتهم الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر فما حاجتهم لكل تلك القوات والتجهيزات الحربية؟ ولماذا قتلوا عدداً من الجنود المكلفين بحراسة دار الإمارة وبيت المال في البصرة قبل قدوم الإمام علیه السلام إليها؟ ولماذا نهبوا بيت المال؟ إذا كان هذا هو المعروف، فما هو المنكر؟

ألم يبعث الإمام علي علیه السلام مرسلاً إلى قادة الجمل في معسكرهم يدعوهم إلى تجديد البيعة له؟ ألم يبعث بأشخاص يحملون المصاحف، كمسلم بن مجاشع قبل نشوب القتال فقتله أصحاب الجمل؟

ألم ينتظر توبتهم الإمام علیه السلام من الصبح حتى الظهر حتى اعترض عليه عسكره؟ فكيف تدّعون أن العوام من الناس هم الذين بدأوا الحرب وأن طلحة والزبير وعائشة لم يكونوا راضين بذلك؟

ليت هشام الفوطي وعباد بن سليمان أخبرونا عن أي التقارير التاريخية والروائية استخرجوا تحليلهم هذ !

يمكن القول بثقة إن هذا الرأي في رؤوس الفتنة أقرب للهزل والفكاهة من الحقيقة. ما أعجب أن يُنظر إلى الظالم والمظلوم بالمنظار نفسه ويُساوى بين أتباع الإمام علیه السلام و الحق وأتباع الفتنة ويُنعتون جميعاً بالضلال والهلاك.

ص: 230

ج - إصلاح أمة النبي صلى الله عليه وآله وسلم

ومن الحجج الواهية التي برر بها وقوع حرب الجمل ادّعاء إصلاح أمة محمد من قبل قادة الجمل. لقد ذهبت عائشة بنفسها إلى بيت كعب بن سور وقالت له: إنما أريد أن أصلح بين الناس فلما سمع مقالتها أجاب دعوتها (1).

في خطبته التي خطب بها أهل البصرة، تظاهر طلحة بأن خروجه لم يكن من أجل الخلافة والرئاسة، بل من أجل إصلاح أمة محمد صلی الله علیه وآله وسلم ونشر طاعة الله بمساعدة أهل البصرة(2).

إزاء هذا الادّعاء، تبرز بوجه المدعين مجموعة من الأسئلة علیهم أن يجيبوا عليها. إنها أسئلة من قبيل:

هل كان الفساد والفتنة قد استشريا في أمة محمد صلی الله علیه وآله وسلم فهب أصحاب

الجمل لإصلاحها؟ فإذا كان المراد بالفتنة قتل عثمان، فقد كنتم أنتم من أشعل فتيلها ورعيتهما حتى انتهت إلى مقتله.

ص: 231


1- فقيل لعائشة: إن كعب بن سور إن خرج معك لم يتخلف من الأزد أحد. فركبت إليه فنادته وكلمته فلم يجبها. فقالت: يا كعب ألست أمك ولي عليك حق؟ فكلمها، فقالت: إنما أريد أن أصلح بين الناس". الطبقات الكبرى، ج 7، ص 92 ، كعب بن سور.
2- "قام طلحة في الناس ... يا معشر المسلمين! إن الله قد جاءكم بأم المؤمنين وقد عرفتم بحقها ومكانها من النبي صلی الله علیه وآله وسلم ومكان أبيها من الإسلام ... لسنا نطلب خلافةً ولا ملكاً وإنا نحذركم أن تُغلبوا على أمركم وتقصروا دون الحق. وقد رجونا أن يكون عندكم عون لنا على طاعة الله وإصلاح الأمة ....". الجمل والنصرة لسيد العترة في حرب البصرة، ص 304، خطبة طلحة.

لماذا لم يجر أي حديث في المفاوضات بين الإمام علیه السلام وطلحة والزبير عن هذه الفتنة، وأنهما لم يتطرقا في شكواهما إلاّ لما يخص إمارة الكوفة والبصرة والاعتراض على تقسيم بيت المال؟

إذا كانت غايتهما إصلاح الأمة، أفلم يكن الأجدى لهما أن يناقشا هذا الأمر مع علي علیه السلام بصفته حاكم الأمة الإسلامية ويطالباه بالإصلاح؟

ألم يكن للإصلاح أن يتحقق إلاّ بطريقة واحدة هي الزحف العسكري على البصرة واحتلالها وخلق الفرقة بين المسلمين وسفك دماء الكثير منهم؟

ألم يكن خروج عائشة مخالفة صريحة لنص الأمر القرآني بالقرار في البيوت؟ مع وجود مثل هذا الأمر الإلهي الصريح الشفاف، ماذا يمكن أن يكون معنى الخروج لإصلاح الأمة؟

ألا يعني وقوف كبار الصحابة أمثال عمار بوجه عائشة في هذه الحرب أن عائشة سلكت الطريق الخاطئ بخروجها على أمير المؤمنين علیه السلام؟

يبدو أن لافتة إصلاح الأمة لم ترفع إلاّ لتضليل الرأي العام وإقناع الناس بالحرب.

للرد على ادّعاء قادة الجمل السعي لإصلاح أمة محمد صلی الله علیه وآله وسلم يكفي التذكير بأن معاصري عائشة وعدداً من أمهات المؤمنين وسائر الصحابة والتابعين لم

ص: 232

يتبنوا هذا الادّعاء أصلاً، بل أشاروا بصراحة ووضوح إلى خطأ ما تبناه قادة الجمل.

كان حذيفة بن اليمان من أوائل من تصدى للتوعية والتثقيف بخطأ هذا المشروع. كان هذا الصحابي من العالمين بالمنافقين في حياة النبي صلی الله علیه وآله وسلم الذي كان أودعه الكثير من الأسرار حتى كان يقول حذيفة: أخبرني رسول الله صلی الله علیه وآله وسلم بما هو كائن إلى أن تقوم الساعة (1).

ويبدو أن من تلك الأسرار التي أخذها حذيفة عن النبي صلى الله عليه وآله وسلم ما يتعلق

بتمرد عائشة وخوضها الحرب. فقد كان يقول: لو حدثتكم أن أمكم تغزوكم أتصدقوني؟ قالوا أو حق ذلك؟ قال: حق (2).

ينقل عبد الرزاق الصنعاني هذه الحادثة عن أبي الطفيل بالتفصيل. يقول: خرجت أنا وعمرو بن صليع المحاربي حتى دخلنا على حذيفة فإذا هو محتب (مطوق ركبتيه بيديه) على فراشه يحدث الناس. قال: فغلبني حياء الشباب فقعدت في أدناهم وتقدم عمرو مجتنئاً على عوده حتى قعد إليه فقال: حدثنا يا حذيفة! فقال: عما أحدثكم؟ فقال: لو أني أحدثكم بكل ما أعلم قتلتموني، أو قال: لم تصدقوني. قالوا: وحق ذلك؟ قال: نعم. قالوا: فلا حاجة لنا في حق تحدثناه فنقتلك عليه، ولكن حدثنا بما ينفعنا ولا يضر. فقال:

ص: 233


1- عن حذيفة أنه قال: ......". صحيح مسلم، ص1300، كتاب الفتن وأشراط الساعة، باب إخبار النبي صلی الله علیه وآله وسلم فيما يكون إلى قيام الساعة، الحديث 7194.
2- الفتن، ص 52، ما يذكر من ندامة القوم من أصحاب النبي صلی الله علیه وآله وسلم وغيرهم في الفتنة وبعد انقضائها وما تقدم إليهم فيها، الحديث 189 .

أرأيتم لو حدثتكم أن أمكم تغزوكم، إذن صدقتموني؟ قالوا: وحق ذلك؟ ومعها مضر مضرها الله في النار وأسد عمان سلت الله أقدامهم(1).

هذه الرواية تصرح بأن عائشة سوف تذهب إلى الحرب وأن أصحابها مصيرهم إلى النار. فهل يتوافق هذا مع إصلاح الأمة؟ إذا كانت نية عائشة الإصلاح، فلماذا يكون مآل أصحابها إلى جهنم!؟

واللافت للنظر أكثر أن الناس حين سألوا حذيفة عن طريق للخروج من هذه الفتنة قال لهم: انظروا الفرقة التي تدعو إلى أمر علي فالزموها، فإنها على هدى (2).

يقول الهيثمي، بعد أن ينقل هذا الحديث عن البزار: رواه البزار ورجاله ثقات (3).

إذا كان موقف عائشة غايته الإصلاح في أمة محمد صلی الله علیه وآله وسلم ، فلماذا يدعو حذيفة المسلمين إلى الوقوف مع أمير المؤمنين علیه السلام؟

ص: 234


1- المصنف، ج 11، ص 52 ، باب القبائل الحديث 19889. وبالمضمون نفسه المستدرك على الصحيحين ج4، ص 517، کتاب الفتن والملاحم الحديث 8453. يصحح الحاكم النيسابوري هذا الحديث.
2- عن زيد بن وهب قال: بينا نحن حول حذيفة إذ قال: كيف أنتم وقد خرج أهل بيت نبيكم صلی الله علیه وآله وسلم فرقتين يضرب بعضهم وجوه بعض بالسيف؟ فقلنا: يا أباعبد الله، وإن ذلك لكائن؟ فقال بعض أصحابه: يا أباعبد الله، فكيف نصنع إن أدركنا ذلك الزمان؟ قال: انظروا ...". البحر الزخار، ج7، ص236، مسند حذيفة بن اليمان الحديث 2810 .
3- مجمع الزوائد ومنبع الفوائد، ج7، ص 236 ، باب فيما كان في الجمل وصفين وغيرهما.

كذلك، كان عمار من الذين نهوا الناس عن متابعة عائشة. فقد قال في جمع من الناس في الكوفة: ولكن الله تبارك وتعالى ابتلاكم ( بعائشة) ليعلم إياه تطيعون أم هي (1).

أليس عدم انضمام عمار إلى جيش عائشة من أهم الأدلة على رد عائشةوأصحابها؟

وإذا كانت عائشة ساعية إلى الإصلاح وخير الأمة، أفلم يكن لزاماً علىعمار، بصفته واحداً من أبرز وجوه صحابة رسول الله صلی الله علیه وآله وسلم ، أن يؤازرها في سعيها ؟

إذا كانت غاية عائشة الخير الأمة محمد صلی الله علیه وآله وسلم ، وصلاحها، فلماذا لم تقف

معها في هذه الغاية أيةً من زوجات النبي وأمهات المؤمنين؟

لماذا نهتها نساء النبي ومنهن أم سلمة عن تجييش الجيوش وكنّ يعضدن موقف أمير المؤمنين علیه السلام في حربه معها من خلال التذكير بأحاديث النبي صلی الله علیه وآله وسلم عن هذه الحرب؟

أليس بسبب هذا الذي فعلته عائشة رفضت السيدة أم سلمة، بعد حرب الجمل، أن تعتبرها "إنسانة" بل نعتتها بال- "جدار" تعبيراً عن شدة احتقارها لها، ولم تكلمها حتى ماتت؛ أي نحو 23 سنة من عمرها الشريف (2)؟

ص: 235


1- ... وقام عمار أسفل من الحسن فاجتمعنا إليه فسمعت عماراً يقول: إن عائشة قد سارت إلى البصرة. ووالله، إنها لزوجة نبيكم صلی الله علیه وآله وسلم في الدنيا والآخرة ولكن الله ...". صحيح البخاري، ص1436، كتاب الفتن، الباب 18 ، الحديث ،7100 ، وكتاب فضائل أصحاب النبي صلی الله علیه وآله وسلم باب فضل عائشة، الحديث 3772.
2- "روي عن عائشة أنها دخلت على أم سلمة بعد رجوعها من وقعة الجمل، وقد كانت أم سلمة حلفت أن لا تكلمها أبداً من أجل مسيرها إلى محاربة علي بن أبي طالب، فقالت عائشة: السلام عليك يا أم المؤمنين. فقالت: يا حائط، ألم أنهك؟ ألم أقل لك؟ قالت عائشة: فإني أستغفر الله وأتوب إليه. كلميني يا أم المؤمنين قالت: يا حائط، ألم أقل لك؟ ألم أنهك؟ فلم تكلمها حتى ماتت. وقامت عائشة وهي تبكي وتقول: وا أسفاه على ما فرط مني". المحاسن والمساوي، ج1، ص137، مساوئ الندامة.

أليس رفض ميمونة وسودة وزينب بنت جحش الخروج من بيوتهن دليلاً قاطعاً على خطأ خروج عائشة من بيتها؟ ألم يروين أن الله ورسوله ما أباحا لهن الخروج من بيوتهن (1)؟

إذا كانت عائشة خرجت لطلب الإصلاح في أمة محمد، فلماذا ندمت فيما بعد على المشاركة في الحرب؟ فهل السعي إلى الخير وإصلاح الأمة يستحق الندم؟

إذا كانت عائشة تنشد الإصلاح في أمة النبي، فلماذا لم تعد بعد الجمل الصغرى إلى المدينة؟ ألم تكن تدرك أنها تسببت في مقتل نحو ألف مسلم وأن مشروعها الإصلاحي أدى إلى فتنة وفساد كبير؟

ألم تكن عائشة ترى كل أولئك القتلى في الجمل الكبرى؟ فإذا كانت غايتها الإصلاح، فلمّ لم توقف الحرب كل تلك المدة؟ لماذا أصرت على ركوب الجمل والخوض في ميدان الحرب وحث جنودها على القتال؟

ص: 236


1- سيأتي ذكر مستندات هذا الموضوع في الصفحات التالية تحت عنوان "القرآن وحكم خروج أزواج النبي من البيت".

لمَ لم تتوجه عائشة إلى المدينة لتنفيذ مشروعها الإصلاحي؟ ومن أجل إصلاح حال المسلمين، ألم يكن ينبغي عليها أن تبعث إلى خليفتهم برسالة واحدة على الأقل تشرح له فيها ما آلت إليه الأمور؟

ألم يكن يلزم عائشة، في سبيل الإصلاح، إرسال رسل إلى المدينة؟ وهل كان أهل البصرة هم من قتل عثمان فقادت جيشها إليهم؟ ألم يكن قصدها الوحيد من التوجه إلى البصرة الخروج على الإمام علي علیه السلام والتمرد على حكمه والاستيلاء على بعض المدن؟

إن لكل نقطة من النقاط المذكورة آنفاً دور في وقوع حرب الجمل، فضلاً عن أسباب أخرى مثل نقاط الضعف الأخلاقية التي كان يعاني منها رؤوس الفتنة كالحسد والجهل وشدة العصبية. كذلك كان لرفض الإمام علیه السلام مطاليب طلحة والزبير في المناصب الحيوية بسبب عدم كفاءتهما، وإصرار عائشة على بلوغ أطماعها السياسية والاقتصادية دور في وقوع تلك الحرب. ولقد آثرنا إرجاء التطرق إلى هذه الأسباب إلى فرصة مناسبة أخرى تفادياً للإطالة(1).

ص: 237


1- في أيار 2020 تمت مناقشة رسالة ماجستير محقق هذا الكتاب ثقة الإسلام إبراهيم رضائي كليري الموسومة "بررسی ریشه های اعتقادی، فرهنگی و تاریخی جنگ جمل تحليل الجذور العقائدية والثقافية والتاريخية لحرب الجمل). ناقشت الرسالة بالتفصيل أسباب وقوع حرب الجمل وجذورها. الرسالة في طور الطبع والنشر من قبل مركز الأئمة الأطهار علیهم السلام التخصصي.

ص: 238

الفصل الثالث: نكث طلحة والزبير

اشارة

ص: 239

ص: 240

اعتراضات طلحة والزبير ومطامحهما

الفترة الممتدة بين بيعة طلحة والزبير لأمير المؤمنين علیه السلام ونقضهما البيعة والتحاقهما في مكة بسائر الناكثين، كانت نحو ثلاثة أشهر. في هذه المدة كانا دائماً ما يعترضان على الإمام علیه السلام في مختلف الأمور. وبتلقيهما رسائل معاوية انقدحت فيهما شرارة الطمع بالحصول على الخلافة. تلك الشرارة تحولت إلى شعلة لما تناهى خبر اجتماع بني أمية وأنصار عثمان حول عائشة في مكة. وهكذا تكاملت دوافع نقض بيعة الإمام علیه السلام والخروج عليه. ويمكن تبويب تلك الدوافع والمطامح والاعتراضات تحت العناوين التالية.

أ - الاعتراض على طريقة تقسيم بيت المال

بعد مقتل عثمان، اضطر طلحة والزبير إلى مبايعة الإمام علي علیه السلام لما بات واضحاً أن المسلمين لا يرضون له بدلاً. وكانا يمنيان النفس بأن يحققا ما كانا يصبوان إليه من غايات من خلال تلك البيعة. ولكنهما فوجئا بأن الإمام علیه السلام يساوي بينهما وبين سائر الناس ولا يخصهما بأي امتياز.

ولكن الاحتجاجات لم تلبث أن أطلت برأسها بعد أن خطب أمير المؤمنين علیه السلام خطبة عامة في الناس أعلن فيها سياسته المالية وتخصيص ثلاثة دنانير من بيت المال لكل شخص بالسوية. وتفيد التقارير التاريخية بأن أول من رفع راية الاحتجاج على هذه السياسة وعبّر عن رفضه لها بعدم مراجعة

ص: 241

الإمام علیه السلام لاستلام نصيبه من بيت المال كان طلحة والزبير وعبد عمر وسعيد بن العاص ومروان بن الحكم وجماعة من قريش (1).

بعد أن بان هذا الموقف المعارض اقترح أبوالهيثم وعمار وسهل بن حنيف وأبوأيوب الأنصاري على الإمام علیه السلام بأن يعتلي المنبر ويوجه الموعظة لأولئك المعترضين منعاً لاتساع العداوات واصطفاف المعترضين مع الأعداء. فصعد علیه السلام المنبر وقال فيما قال: فأفضل الناس عند الله منزلة وأقربهم من الله وسيلة أطوعهم لأمره وأعملهم باعته وأتبعهم لسنة رسوله وأحياهم لكتابه. ليس لأحد عندنا فضل إلاّ بطاعة الله وطاعة الرسول. ثم قال: يا معشر المهاجرين والأنصار أتمنون على الله ورسوله بإسلامكم؟ بل الله يمن عليكم أن هداكم للإيمان إن كنتم صادقين. فأما هذا الفيء فليس لأحد على أحد فيه أثرة وقد فرغ الله من قسمته، فهو مال الله وأنتم عباد الله المسلمون. وهذا كتاب الله به أقررنا وله أسلمنا وعهد نبينا بين أظهرنا، فمن لم يرض به فليتول كيف شاء (2).

بعد ذلك، صلى الإمام علیه السلام ركعتين وبعث في طلب طلحة والزبير. فلما حضرا قال لهما علیه السلام: نشد تكما الله هل جئتماني طائعين للبيعة ودعوتماني

ص: 242


1- وتخلف عن هذا القسم يومئذٍ طلحة والزبير وعبد الله بن عمر وسعيد بن العاص ومروان بن الحكم ورجال من قريش وغيرها. شرح نهج البلاغة، ج 7، ص38 فصل فيما كان من أمر طلحة والزبير عند قسم المال، الخطبة 90.
2- "فقام أبوالهيثم وعمار وأبوأيوب وسهل بن حنيف وجماعة معهم فدخلوا على علي علیه السلام فقالوا: فخرج علي علیه السلام فدخل المسجد وصعد المنبر ... فأفضل الناس عند الله منزلة ......". شرح نهج البلاغة، ج7، ص38، فصل فيما كان من أمر طلحة والزبير عند قسم المال، الخطبة 90.

إليها وأنا كاره لها؟ قالا : نعم. غير مجبرين ولا مقسورين فأسلمت ما لي (هكذا، وربما فأسلمتما لي بيعتكما م) وأعطيتماني عهدكما؟ قالا: : نعم. قال: فما دعاكما بعد إلى ما أرى؟ قالا : أعطيناك بيعتنا على أن لا تقضي الأمور لا تقطعها دوننا، وأن تستشيرنا في كل أمر ولا تستبد بذلك علينا. ولنا من الفضل على غيرنا ما قد علمت فأنت تقسم القسم وتقطع الأمر وتُمضي الحكم بغير مشاورتنا ولا علمنا. فقال: لقد نقمتما يسيراً وأرجأتما كثيراً، (اعترضمتما على شيء يسير وتركتما شيئاً أهمّ) فاستغفرا الله يغفر لكما ألا تخبرانني، أدفعتكما عن حق وجب لكما فظلمتكما إياه؟ قالا: معاذ الله! قال: فهل استأثرت من هذا المال لنفسي بشيء؟ قالا: معاذ الله! قال: أوقع حكم أو حق لأحد من المسلمين فجهلته أو ضعفت عنه؟ قالا: معاذ الله! قال: فما الذي كرهتما من أمري حتى رأيتما خلافي؟ قالا : خلافك عمر بن الخطاب في القسم، أنك جعلت حقنا في القسم كحق غيرنا وسويت بيننا وبين من لا يماثلنا فيما أفاء الله تعالى علينا بأسيافنا ورماحنا وأوجفنا عليه بخيلنا ورجلنا وظهرت عليه دعوتنا وأخذناه قسراً وقهراً ممن لا يرى الإسلام إلاّ كرهاً. فقال : ... فلما أفضت إلي نظرت في كتاب الله وسنة رسوله فأمضيت ما دلاني عليه واتبعته ولم أحتج إلى آرائكما فيه ولا رأي غيركما. ولو وقع حكم ليس في كتاب الله بيانه ولا في السنة برهانه واحتيج إلى المشاورة فيه لشاورتكما فيه. وأما القسم الأسوة، فإن ذلك أمر لم أحكم فيه بادئ بدء. قد وجدت أنا وأنتما رسول الله صلی الله علیه وآله وسلم يحكم بذلك وكتاب الله ناطق به ... أما قولكما جعلت فيئنا وما أفاءته سيوفنا ورماحنا سواء بيننا وبين غيرنا، فقديماً سبق إلى الإسلام قوم ونصروه بسيوفهم ورماحهم فلم يفضلهم رسول

ص: 243

الله صلی الله علیه وآله وسلم في القسم ولا آثرهم بالسبق (وإن الله سيوفي السابقين والمجاهدينفي يوم القيامة أجورهم. ووالله هذا جوابي وليس لي غيره)(1).

يا للعجب العجاب يدعوهما الإمام علیه السلام مشفقاً عليهما متفقداً لهما ويرد على شبهاتهما! أفليس الأجدر بهما، بعد أن سمعها منه أجوبته المنطقية، أن يعتذرا ويكفا عن الفتنة والفساد؟

ولو كان لهما قول آخر أو مطلب آخر ، أفما كان الأنفع لهما أن يطرحاه على الإمام علیه السلام في مجلسهم ذاك؟ فهل يمكن أن نعزو خروجهما على الإمام علیه السلام وإعلان الحرب عليه إلا إلى خلافهما معه حول أصل خلافته واختلاق الذرائع والمبررات للتغطية عليه؟ أوليس هذا خروجاً من الإسلام؟

حقاً، لماذا لم يرد أي اعتراض منهم على تقسيم بيت المال من بداية حرب الجمل حتى نهايتها؟ إذ لم يذكروا إلاّ الطلب بدم عثمان وتنحّي الإمام علیه السلام عن الخلافة!

إذا كان الرجلان متألمين من قتل عثمان مطالبين بالاقتصاص من قاتليه، فلم لم يذكرا ذلك في اجتماعاتهما مع الإمام علیه السلام ؟ ألم يتذكرا أن عثمان قد قتل إلا بعد أن وصلا مكة!؟

ص: 244


1- "ثم نزل عن المنبر، فصلى ركعتين ثم بعث بعمار بن ياسر وعبد الرحمن بن حنبل القرشي إلى طلحة والزبير وهما في ناحية المسجد ... فقال لهما: نشد تكما الله! .... شرح نهج البلاغة، ج7، ص39، فصل فيما كان من أمر طلحة والزبير عند قسم المال، الخطبة 90.

ب - طلب المشاركة في الحكم

من الأمور التي طالب بها طلحة والزبير الإمام علیه السلام تفضيلهما على سائر الناس في أمور الحكم والتشاور معهما بشأنها. وقد ذكرنا في التقرير السابق أنهما قالا للإمام علیه السلام : أعطيناك بيعتنا على أن تقضي الأمور لا تقطعها دوننا، وأن تستشيرنا في كل أمر ولا تستبد بذلك علينا، ولنا من الفضل على غيرنا ما قد علمت. فأنت تقسم القسم وتقطع الأمر وتمضي الحكم بغير مشاورتنا ولا علمنا (1).

وجاء في تقرير آخر أنه لما رأى طلحة والزبير بيت المال يقسم بالسوية ذهبا إلى الإمام علیه السلام وطلبا منه أن يصحبهما إلى الظل ليكلماه. فذهبوا جميعاً إلى الظل.

قال طلحة والزبير للإمام علیه السلام: لنا قرابة من نبي الله وسابقة وجهاد وإنك أعطيتنا بالسوية ولم يكن عمر ولا عثمان يعطوننا بالسوية، كانوا يفضلونا على غيرنا. فقال علي علیه السلام : أيهما عندكم أفضل، عمر أو أبوبكر؟ قالوا: أبوبكر. قال: فهذا قسم أبي بكر وإلا فدعوا أبا بكر وغيره، هذا كتاب الله فانظروا ما لكم من حق فخذوه. قالا: فسابقتنا؟ قال: أنتما أسبق مني بسابقتي؟ قالوا: لا. قالوا: قرابتنا بالنبي؟ قال: أقرب من قرابتي؟ قالوا: لا. فقالوا:

ص: 245


1- "قالا : أعطيناك ...". شرح نهج البلاغة، ج7، ص39، فصل فيما كان من أمر طلحة والزبير عند قسم المال، الخطبة 90.

فجهادنا؟ قال: أعظم من جهادي؟ قالوا: لا. قال: فوالله ما أنا في هذا المال وأجيري هذا إلاّ بمنزلة سواء(1).

ج - طلب قرض لسداد الديون

من المطاليب التي تقدم بها طلحة والزبير إلى الإمام علیه السلام قرض يستعينان به على سداد ديونهم. يقول الشيخ المفيد إن طلحة والزبير ذهبا إلى الإمام علیه السلام بعد فترة وقالا له: يا أمير المؤمنين قد عرفت حال هذه الأزمنة وما نحن فيه من الشدة. وقد جئناك لتدفع إلينا شيئاً نصلح به أحوالنا ونقضي به حقوقاً علينا. فقال : قد عرفتما مالي [بينبع] فإن شئتما كتبت لكما منه ما تيسر. فقالا: لا حاجة لنا في مالك [ بينبع]. فقال لهما: ما أصنع؟ فقالا له: أعطنا من بيت المال شيئاً لنا فيه كفاية. فقال: سبحان الله! وأي يد لي في بيت المال وذلك للمسلمين وأنا خازنهم وأمين لهم؟ فإن شئتما رقيتما المنبر وسألتما ذلك ما شئتما، فإن أذنوا فيه فعلت وأنى لي بذلك وهو لكافة المسلمين شاهدهم وغائبهم؟ لكني أبدي لكما عذراً. فقالا: ما كنا بالذي نكلف ذلك، ولو كلفناك لما أجابك المسلمون. فقال لهما : ما أصنع؟ قالا : قد سمعنا ما عندك. ثم نزلا من العلية وكان في أرض الدار خادمة لأمير المؤمنين سمعتهما يقولان: والله ما بايعنا بقلوبنا وإن كنا بايعنا بألسنتنا! فقال أمير المؤمنين علیه السلام : (إن الذين يبايعونك إنما يبايعون الله يد الله فوق أيديهم فمن

ص: 246


1- فقالوا له: لنا قرابة ...". الخرائج والجرائح، ج1، ص186 ، الباب الثاني في معجزات أمير المؤمنين علي بن أبي طالب علیه السلام، الحديث 21.

نكث فإنما ينكث على نفسه ومن أوفى بما عاهد عليه الله فسيؤتيه أجراً عظيماً) (1).

د - المطالبة بنصيب من الحكم

لم تقتصر مطاليب طلحة والزبير على الأمور المالية بل تعدتها إلى المطالبة بحصة من الحكم. فقد كانا يأملان أن يوليهما الإمام علیه السلام بعض البلاد الإسلامية. كانا يظنان أنهما قادران على مشاركة الإمام علیه السلام الخلافة، أو أن يُمنحا إحدى الولايات المهمة كالشام أو البصرة أو الكوفة على أقل تقدير. ولكن الإمام علیه السلام قال لهما عندما اعترضا على عدم إشراكهما في الحكم: اعلما أني لا أشرك في أمانتى (الحكم) إلاّ من أرضى بدينه وأمانته من أصحابي ومن قد عرفت دخيلته(2).

وحين طالباه بولاية الكوفة والبصرة، رفض طلبهما وقال لهما لا ها الله إذن يحلم الأديم ويستشري الفساد وتنتقض عليّ البلاد من أقطارها(3).

ص: 247


1- قالا ....". الجمل والنصرة لسيد العترة في حرب البصرة، ص 164، تناقض مواقف عائشة.
2- "جاء الزبير وطلحة إلى علي علیه السلام بعد البيعة بأيام فقالا له قد رأيت ما كنا فيه من الجفوة في ولاية عثمان كلها وعلمت رأي عثمان كان في بني أمية. وقد ولآك الله الخلافة من بعده، فولّنا بعض أعمالك. فقال لهما ارضيا بقسم الله لكما حتى أرى رأيي واعلما أني لا أشرك في أمانتي إلا من أرضى بدينه وأمانته من أصحابي ومن قد عرفت دخيلته فانصرفا عنه وقد دخلهما اليأس، فاستأذناه في العمرة". شرح نهج البلاغة، ج1، ص231، أمر طلحة والزبير مع علي بعد بيعتهما له، الخطبة 8.
3- "قال: إنهما يقولان: ولّ أحدنا البصرة والآخر الكوفة، فقال: لا ها الله ....." شرح نهج البلاغة، ج11، ص 16 ، عدم الرجوع إليهما في الرأي من أخبار طلحة والزبير، الخطبة 198.

يقول ابن قتيبة الدينوري في هذا وكان الزبير لا يشك في ولاية العراق وطلحة في اليمن، فلما استبان لهما أن علياً غير موليهما شيئاً أظهرا الشكاة فتكلم الزبير في ملأ من قريش فقال: هذا جزاؤنا من علي، قمنا له في أمر عثمان حتى أثبتنا عليه الذنب وسببنا له القتل وهو جالس في بيته وكفي الأمر. فلما نال بنا ما أراد جعل دوننا غيرنا. فقال طلحة ما اللؤم إلاّ أنا كنا ثلاثة من أهل الشورى، كرهه أحدنا وبايعناه وأعطيناه ما في أيدينا ومنعنا ما في يده. فأصبحنا قد أخطأنا ما رجونا. قال: فانتهى قولهما إلى علي فدعا فدعا عبد الله عباس وكان استوزره (اتخذه مستشاراً له)، فقال له: بلغك قول هذين الرجلين؟ قال: نعم، بلغني قولهما. قال: فما ترى؟ قال: أرى أنهما أحبا الولاية، فول البصرة الزبير وولّ طلحة الكوفة، فإنهما ليسا بأقرب إليك من الوليد وابن عامر من عثمان. فضحك علي ثم قال: ويحك إن العراقين بهما الرجال والأموال، ومتى تملكا رقاب الناس يستميلا السفيه بالطمع ويضربا الضعيف بالبلاء ويقويا على القوي بالسلطان. ولو كنت مستعملاً أحداً لضره ونفعه لاستعملت معاوية على الشام. ولولا ما ظهر لي من حرصهما على الولاية لكان لي فيهما رأي(1).

جاء في رواية أن أمير المؤمنين علیه السلام ولّى طلحة والزبير اليمن واليمامة والبحرين. فلما استلما عهد الولاية من الإمام علیه السلام قالا له: وصلتك رحم (جزاك الله خيراً عن صلتك رحمك بنا!) فما كان منها إذ سمع قولهما إلّا

ص: 248


1- قال: وكان الزبير ....". الإمامة والسياسة، ج1، ص 51 ، اختلاف الزبير وطلحة على علي علیه السلام.

أن غضب وقال لهما وإنما وصلتكما بولاية أمور المسلمين (ولاية أمور المسلمين لا تقوم على المحاباة والمحسوبية)، واسترد العهد منهما (1).

لا بد من توجيه السؤال التالي إلى طلحة والزبير : هل قمتما بقتل عثمان ابتغاء مرضاة الله أم للتأمر على الناس وحكمهم؟ هل سعيتم إلى قتل عثمان لمطامع دنيوية اكتشفتم الآن خطأكم فيها؟

لماذا لم يستشركم أي من الخلفاء الثلاثة الأوائل؟ ولما لم يسند أي منهم إلى أي منكما ولاية أية بلدة؟

لماذا لم تطرحا فكرة المشاركة في الحكم والمشورة في زمن الخلفاء السابقين؟ ولماذا لم تطالبوا بحكم أية ولاية في عهود الخلفاء الثلاثة الأولين؟

يأس طلحة والزبير من إدراك مطاليبهم

بعد مواقف الإمام علیه السلام أدرك طلحة والزبير أن لا نصيب لهما من الحكم في عهده. فقال طلحة ما لنا من هذا الأمر إلاّ كحسّة (هكذا، وربما كلحسة: م) أنف الكلب(2).

ص: 249


1- أنه ولى طلحة اليمن والزبير اليمامة والبحرين، فلما دفع إليهما عهديهما قالا له: وصلتك رحم! قال: وإنما وصلتكما بولاية أمور المسلمين واسترد العهد منهما. فعتبا من ذلك وقالا : آثرت علينا! فقال: لولا ما ظهر من حرصكما لقد كان لي فيكما رأي. تاريخ اليعقوبي، ج2، ص180، خلافة علي بن أبي طالب.
2- تاريخ الطبري، ج 2، ص 697 ، حوادث سنة 35 الهجرية خلافة أمير المؤمنين علي بن أبي طالب.

عبثاً انتظر طلحة والزبير نحو أربعة أشهر عسى أن يطرأ تغير في ساسة الإمام علي علیه السلام. فلم يظهر لهما أي مرونة من الإمام علیه السلام. وفي غضون ذلك أرسل معاوية رسالة إلى طلحة عدّد فيها فضائله بمبالغة وتضخيم ودعاه إلى قبول الخلافة. جاء في الرسالة: فسارع رحمك الله إلى ما تقلدك الرعية من أمرها مما لا يسعك التخلف عنه ولا يرضى الله منك إلاّ بالقيام به.

وأكد معاوية له أن الشام ممهدة لمبايعته (1).

بعد إرساله الرسالة إلى طلحة بعث معاوية فوراً برسالة أخرى إلى الزبير كال له فيه المدائح بغير حساب ووصف أمة محمد بقطيع الغنم بلا راع تحتاج إلى من يحفظ دمها ويوحد أفرادها. وفي ختام رسالته طمأن معاوية الزبير من جانب الشام وأكد له أنها تتقبل خلافة أي واحد منهما (الزبير وطلحة) (2).

ص: 250


1- فكان كتاب طلحة: أما بعد، فإنك أقل قريش في قريش وتراً مع صباحة وجهك وسماحة كفك وفصاحة لسانك. فسارع رحمك الله إلى ما تقلدك الرعية من أمرها مما لا يسعك التخلف عنه ولا يرضى الله منك إلاّ بالقيام به. فقد أحكمت لك الأمر قبلي، والزبير فغير متقدم عليك بفضل. وأيكما قدم صاحبه فالمقدم الإمام والأمر من بعده للمقدم له. شرح نهج البلاغة، ج10، ص235، ذكر أقوال من طعن في سياسة علي والرد عليها، الخطبة 139.
2- وكتب إلى الزبير : أن الرعية أصبحت كالغنم المتفرقة لغيبة الراعي. فسارع رحمك الله إلى حقن الدماء ولم الشعث وجمع الكلمة وصلاح ذات البين قبل تفاقم الأمر وانتشار الأمة. فقد أصبح الناس على شفا جرف هار عما قليل ينهار إن لم يرأب. فشمّر لتأليف الأمة وابتغ إلى ربك سبيلا. فقد أحكمت الأمر على من قبلي لك ولصاحبك على أن الأمر للمقدم، ثم لصاحبه من بعده". شرح نهج البلاغة، ج10، ص 236 ، ذكر أقوال من طعن في سياسة على والرد عليها، الخطبة 193.

بعد أن بعث الإمام علي علیه السلام بكتاب إلى معاوية يأمره فيها بالبيعة مع كبراء الشام، سارع معاوية إلى إرسال رسالة أخرى إلى الزبير أخبره فيها أنه أخذ له بيعة أهل الشام وقد وافقوا على ذلك. واقترح عليه أن يبادر إلى السيطرة على الكوفة والبصرة قبل أن تسقطا بيد على بن أبي طالب وأن يسعى بكل جدية واهتمام للمطالبة بدم عثمان (1).

يستفاد من التقارير التاريخية يأن الزبير، بعد أن استلم الرسالة، عرضها على طلحة سراً فاطمأنا إلى أن معاوية عازم على دعمهما في طريق الوصول إلى الخلافة لأنه يسيطر على الشام كلها وأهلها مطيعون وخاضعون له. وهكذا شرعا في الاستعداد لمعارضة حكم الإمام علي علیه السلام (2).

ص: 251


1- "لما بويع علي علیه السلام مكتب إلى معاوية: فإذا أتاك كتابي فبايع بي وأوفد إلى أشراف أهل الشام قبلك. فلما قدم رسوله على معاوية وقرأ كتابه، بعث رجلاً من بني عميس وكتب معه كتاباً إلى الزبير بن العوام ... أما بعد، فإني قد بايعت لك أهل الشام فأجابوا واستوسقوا كما يستوسق الجلب. فدونك الكوفة والبصرة، لا يسبقك إليها ابن أبي طالب فإنه لا شيء بعد هذين المصرين. وقد بايعت لطلحة بن عبيدالله من بعدك، فأظهرا الطلب ا الطلب بدم عثمان وادعوا الناس إلى ذلك وليكن منكما الجد والتشمير .... شرح نهج البلاغة، ج1، ص231، أمر طلحة والزبير مع علي علیه السلام بعد بيعتهما له، الخطبة الثامنة.
2- فلما وصل هذا الكتاب إلى الزبير سر به وأعلم به طلحة وأقرأه إياه، فلم يشكا في النصح لهما من قبل معاوية وأجمعا عند ذلك على خلاف علي علیه السلام". شرح نهج البلاغة، ج1، ص231، أمر طلحة والزبير مع علي علیه السلام بعد بيعتهما له، الخطبة 193.

بداية النكث

في خضم تلك الأحداث والتطورات تناهى فجأة إلى سمع طلحة والزبير أن عائشة تعارض خلافة الإمام علي علیه السلام في مكة بصحبة بني أمية وعمال معزولين أمثال عبد الله بن عامر ويعلى بن منية (هكذا، وربما أُمية: م) ويتهمونه بقتل عثمان ويطالبون بالاقتصاص من قتلته وإعادة الخلافة إلى شورى عمر.

إن فشل طلحة والزبير في الحصول على المال والمنصب الحكومي، علاوة على رسائل معاوية المحرضة لهما على الادّعاء بحق الخلافة، وكذلك تخندق عائشة وأصحاب الفتنة في مكة، دفعهما إلى التوجه إلى مكة والانضمام إليهم. ولكن، كيف كان لهما أن يفعلا ذلك؟ فلم يجدا أفضل من حجة الاعتمار ذريعة لذلك(1). وهكذا ذهبا إلى أمير المؤمنين علیه السلام يستأذنانه في الذهاب إلى مكة بحجة أنهما لم يعتمرا منذ مدة.

ص: 252


1- وقد جاءهما الخبر بإظهار عائشة بمكة ما أظهرته من كراهة أمره وكراهة من قتل عثمان والدعاء إلى نصره والطلب بدمه وأن عمال عثمان قد هربوا من الأمصار إلى مكة بما احتجبوه من أموال المسلمين ولخوفهم من أمير المؤمنين ومن معه من المهاجرين والأنصار، وأن مروان بن الحكم ابن عم عثمان ويعلى بن منية خليفته وعامله كان باليمن وعبد الله بن عامر بن كريز ابن عمه وعامله على البصرة وقد اجتمعوا مع عائشة وهم يدبرون الأمر في الفتنة، فصارا إلى أمير المؤمنين ام. فلما دخلا عليه قالا: يا أمير المؤمنين علیه السلام قد استأذناك للخروج في العمرة ...". الجمل والنصرة لسيد العترة في حرب البصرة، ص 166، خروج طلحة والزبير إلى مكة.

فقال الإمام علیه السلام : والله ما تريدان العمرة ولكنكما تريدان الغدرة وإنما تريدان البصرة.

فقالا : اللّهُمَّ غفراً ما نريد إلاّ العمرة. فقال: احلفا لي بالله العظيم إنكما لا تفسدان على أمر المسلمين ولا تنكثان بيعة ولا تسعيان في فتنة! فبذلا ألسنتهما بالأيمان المؤكدة فيما استحلفهما عليه من ذلك. فلما خرجا من عنده لقيهما ابن عباس فقال لهما أذن لكما أمير المؤمنين؟ قالا : نعم. فدخل على أمير المؤمنين فابتدأه فقال: يا ابن عباس أعندك الخبر؟ قال: قد رأيت طلحة والزبير. فقال علیه السلام إنهما استأذناني في العمرة فأذنت لهما بعد أن استوثقت منهما بالأيمان أن لا يغدرا ولا ينكثا ولا يحدثا فساداً. والله يا ابن عباس وإني أعلم أنهما ما قصدا إلاّ الفتنة فكأني بهما وقد صارا إلى مكة ليسعيا إلى حربي. فإن يعلى بن منية الخائن الفاجر قد حمل أموال العراق وفارس لينفق ذلك وسيفسدان هذان الرجلان علي أمري ويسفكان دماء شيعتي وأنصاري. قال عبد الله بن عباس: إذا كان ذلك عندك يا أمير المؤمنين معلوماً، فلمّ أذنت لهما؟ وهلا حبستهما وأوثقتهما بالحديد وكفيت المسلمين شرهما؟ فقال له: يا ابن عباس! ... إنني أذنت لهما وأعرف ما يكون منهما. ولكني استظهرت بالله عليهما. والله لأقتلنهما ولأخيبن ظنهما ولا يلقيان من الأمر مناهما. وإن الله يأخذهما بظلمهما لي ونكثهما بيعتي وبغيهما عليّ(1).

وفي تقرير آخر، أن الإمام علیه السلام التفت إلى من كان معه، بعد أن أذن لطلحة والزبير بالذهاب للعمرة بعد أن أخذ عليهما المواثيق وخرجا من عنده،

ص: 253


1- الجمل والنصرة لسيد العترة في حرب البصرة، ص 166، خروج طلحة والزبير إلى مكة.

وقال لهم: والله لا ترونهما إلاّ في فتنة يقتتلان (هكذا، والمؤلف يقول يُقتلان فيها : م ) فيها (1).

خروج طلحة والزبير من المدينة وإعلامهما المضاد لعلي علیه السلام

يقول ابن أبي الحديد لما خرج الزبير وطلحة من المدينة إلى مكة لم يلقيا أحداً إلاّ وقالا له: ليس لعلي في أعناقنا بيعة وإنما بايعناه مكرهين (2).

لقد قدّم الزبير سبباً غريباً لنكثه بيعة الإمام علیه السلام. كان يّدعي أنه لم يبايع بقلبه بل بيده فقط لأنه كان مكرهاً على البيعة!

وقد ألقمه عليه الإمام علیه السلام حجراً مسكتاً بر كلا جانبيه من صالح الإمام وضد الزبير. فقد قال علیه السلام في الخطبة الثامنة: يزعم أنه قد بايع بيدهعلام ولم يبايع بقلبه. فقد أقرّ بالبيعة وادّعى الوليجة. فليأت عليها بأمر يُعرف ( ليقدم دليلاً يثبت أن بيعته لم تكن قلبية) وإلاّ فليدخل فيما خرج منه(3).

لقد أسلفنا في ما سبق من صفحات هذا الكتاب، وفي باب بيعة الناس العامة لأمير المؤمنين ، علیه السلام أن طلحة والزبير كانا أول من بايع علياً علهی السلام وأنها كانت بيعة اختيارية ليس فيها شيء من الإكراه. كما أن الإمام علیه السلام لم

ص: 254


1- قال لهما : فأعيدا البيعة لي ثانية! فأعاداها بأشد ما يكون من الأيمان والمواثيق، فأذن لهما. فلما خرجا من عنده قال لمن كان حاضراً: والله ...". شرح نهج البلاغة، ج1، ص 232، أمر طلحة والزبير مع علي بعد بيعتهما له، الخطبة الثامنة.
2- شرح نهج البلاغة، ج1، ص 232، أمر طلحة والزبير مع علي بعد بيعتهما له، الخطبة الثامنة.
3- نهج البلاغة، ص 34 ، الخطبة الثامنة.

يتعرض للذين امتنعوا عن مبايعته. إذن على طلحة والزبير تقديم دليل مقنع على أن بيعتهما لم تكن قلبية بل كانت باليد واللسان فحسب. وهذا ما لا يتيسر لهما بسهولة.

ومن أهم ما لابد من الإشارة إليه تحقق تنبؤ الإمام علیه السلام بنكث طلحة والزبير بيعتهما له فعندما كان الناس يبايعون الإمام علیه السلام بيعتهم العامة وقام طلحة بتعداد فضائل الإمام علیه السلام والتذكير بقرابته من رسول الله صلی الله علیه وآله وسلم على أنها أقوى دافع لأن يبايعه ، قال علیه السلام له: إني أخاف إن بايعني الناس واستقاموا على بيعتي أن يكون منك أمر من الأمور! فقال طلحة مهلاً يا أبا الحسن فلا والله لا يأتيك مني شيء تكرهه أبداً(1).

ومثل هذا الكلام صدر من الزبير أيضاً. فقد أشهدا الله على وفائهما بعهدهما. ولكنهما، مع كل هذه الأيمان ، لم يفيا بعهدهما ولم يحفظا بيعتهما. بل زادا على ذلك بأن خرجا لمحاربة الإمام علیه السلام وتسببا في قتل الكثير من المسلمين.

ص: 255


1- ... ثم خرج من منزله مع القوم حتى صار إلى طلحة في داره فقال: يا أبا محمد! إن الناس قد اجتمعوا إلي في البيعة وأما أنا فلا حاجة لي فيها. فابسط يدك حتى يبايعك الناس! فقال طلحة: يا أباالحسن! أنت أولى بهذا الأمر وأحق به مني لفضلك وقرابتك وسابقتك. فقال له لفضلك وقرابتك وسابقتك. فقال له علي: إني أخاف إن بايعني الناس واستقاموا على بيعتي أن يكون منك أمر من الأمور! فقال طلحة مهلاً يا أبا الحسن! فلا والله لا يأتيك مني شيء تكرهه أبداً. قال علي علیه السلام : فالله تبارك وتعالى عليك راع وكفيل! قال طلحة: يا أباالحسن! نعم... فردّ عليه الزبير شبيهاً بكلام طلحة وعاقده وعاهده أنه لا يغدر به ولا يحبس بيعته". الفتوح، المجلد الثاني، ص 431، ذكر بيعة أمير المؤمنين علي بن أبي طالب علیه السلام.

ص: 256

الفصل الرابع: تجمع الناكثين والثوار في مكة

اشارة

ص: 257

ص: 258

موقف عائشة من قتل عثمان

أسلفنا أنه لما بلغت معارضة عثمان ذروتها عزمت عائشة على السفر إلى مكة لأداء العمرة. وعندما سمعت بمقتل عثمان وهي في مكة، قالت:أبعده الله ( عن رحمته) ذلك بما قدمت يداه وما الله بظلام للعبيد (1).

وفي تقرير آخر أنها قالت لما بلغها قتله أبعده الله قتله ذنبه وأقاده الله بعمله يا معشر قريش لا يسومنكم قتل عثمان (لا تحزنوا على قتله) كما سام أحمر ثمود قومه إن أحق الناس بهذا الأمر ذوالإصبع (طلحة)(2).

لم تتعب عائشة من لعن عثمان وأمرت فضربت لها خيمة في المسجد الحرام فكانت تقول للناس فيها : إني أرى عثمان سيشأم قومه (يجلب لهم المتاعب) كما شأم أبوسفيان قومه يوم بدر (3).

ما إن سمعت عائشة بمقتل عثمان حتى توجهت من فورها إلى المدينة ولم تكن تشك في أن الخلافة ساؤول إلى طلحة لذا أمرت بالإسراع في السير.

ص: 259


1- أن عائشة لما بلغها قتل عثمان وهي بمكة، قالت: أبعده الله ......". شرح نهج البلاغة، ج6، ص 215، أخبار عائشة في خروجها من مكة إلى البصرة بعد مقتل عثمان، الخطبة 79.
2- شرح نهج البلاغة، ج 6 ، ص 216، أخبار عائشة في خروجها من مكة إلى البصرة بعد مقتل عثمان، الخطبة 79 .
3- "كانت عائشة تؤلب على عثمان. فلما بلغها أمره وهي بمكة أمرت بقبتها فضربت في المسجد الحرام :وقالت إني أرى .....". أنساب الأشراف، ج 6 ، ص 212، رؤيا عثمان وقتله.

وكانت في الطريق تتمتم مع نفسها إيه ذا الإصبع الله أبوك، أما إنهم وجدوا طلحة لها كفواً (1).

كانت عائشة دائمة التحريض على أمير المؤمنين علیه السلام والطعن فيه وهي تظن أن الناس سيخلعونه عن الخلافة سريعاً. كانت تسعى إلى إيصال طلحة إلى الخلافة(2).

يقول قيس بن أبي حازم: كنت مع عائشة وكنت أسمعها تقول: إيه ذا الإصبع وإذا ذكرت عثمان قالت: أبعده الله حتى أتاها خبر بيعة علي فقالت: لوددت هذه وقعت على هذه. ثم أمرت برد ركائبها إلى مكة فردت معها. ورأيتها في سيرها إلى مكة تخاطب نفسها كأنها تخاطب أحداً قتلوا ابن عفان مظلوماً فقلت لها يا أم المؤمنين ألم أسمعك آنفاً تقولين أبعده الله؟ وقد رأيتك قبل أشد الناس عليه وأقبحهم فيع قولاً فقالت: لقد كان ذلك، ولكني نظرت في أمره فرأيتهم استتابوه حتى إذا تركوه كالفضة البيضاء أتوه صائماً محرماً في شهر حرام فقتلوهم (هكذا، والأرجح فقتلوه: م) (3).

ص: 260


1- فلم تشك في أن طلحة هو صاحب الأمر وقالت: إيه يا ابن عم لكأني أنظر إلى إصبعه وهو يبايع له ... إن عائشة لما بلغها قتل عثمان وهي بمكة أقبلت مسرعة وهي تقول: إيه ذا الإصبع !....". شرح نهج البلاغة، ج 6، ص 215، أخبار عائشة في خروجها من مكة إلى البصرة بعد مقتل عثمان، الخطبة 79.
2- "وكانت عائشة تؤلب على علي وتطعن فيه وترى أنه سيخلع وكان هواها في طلحة". كتاب البدء والتاريخ، ج2، ص 220 ، بيعة على بن أبي طالب علیه السلام.
3- "وقد روى قيس بن أبي حازم فسمعها تقول في بعض الطريق إيه ذا الإصبع !......" شرح نهجالبلاغة، ج 6، ص 216 ، أخبار عائشة في خروجها من مكة إلى البصرة بعد مقتل عثمان الخطبة 79 .

كما يقول الطبري عن هذه الواقعة: أن عائشة لما انتهت إلى سرف(1) راجعة في طريقها إلى مكة لقيها عبد بن أم كلاب فقالت له: مهيم؟ (ما أخبار المدينة؟) قال: قتلوا عثمان فمكثوا ثمانياً. قالت: ثم صنعوا ماذا؟ قال: أخذها أهل المدينة بالاجتماع فجازت بهم الأمور إلى خير مجاز، اجتمعوا على علي بن أبي طالب فقالت: والله ليت هذه انطبقت على هذه إن تم الأمر لصاحبك ردوني ردوني! فانصرفت إلى مكة وهي تقول: قتل والله عثمان مظلوماً! والله لأطلبن بدمه فقال لها ابن أم كلاب ولم؟ فوالله إن أول من أمال حرفه لأنت. ولقد كنت تقولين: اقتلوا نعثلاً فقد كفر! قالت: إنهم استتابوه ثم قتلوه. وقد قلت وقالوا وقولي الأخير خير من قولي الأول. فقال لها ابن أم كلاب :

منك البداء ومنك الغير*** ومنك الرياح ومنك المطر*** وأنت أمرت بقتل الإمام ***وقلت لنا إنه قد كفر*** فهبنا أطعناك في قتله*** وقاتله عندنا من أمر*** ولم يسقط السف من فوقنا*** ولم ينكسف شمسنا والقمر*** وقد بايع الناس ذا تدراً*** يزيل لشبا ويقيم الصعر*** ويلبس للحرب أثوابها*** وما من وفى مثل من قد غدر (2).

لما قطعت عائشة طريقها وعادت أدراجها إلى مكة، توجهت مباشرة إلى المسجد الحرام وبدأت حملتها الإعلامية المضادة للإمام علي علیه السلام متهمةً إياه

ص: 261


1- "وهو موضع على ستة أميال من مكة وقيل سبعة وتسعة واثني عشر". معجم البلدان، ج3، ص212، ذيل لفظ سرف.
2- تاريخ الطبري، ج 3، ص 12 ، حوادث سنة 36 هجرية، قول عائشة والله لأطلبن بدم عثمان وخروجها وطلحة والزبير فيمن تبعهم إلى البصرة.

بقتل عثمان وقالت: والله لأنملة (أو قالت لليلة) من عثمان خير من علي الدهر كله (1) إن عثمان قتل مظلوماً ووالله لأطلبن بدمه(2).

لقد كانت تلعن علياً علیه السلام وتقول: تعسوا تعسوا! لا يردون الأمر (الحكم) في تيم أبداً(3).

خطبة عائشة ضد أمير المؤمنين علیه السلام وبيان مظلومية عثمان

خطبت عائشة في حجر إسماعيل من أجل تأليب الناس وتحشيدهم فوصفت من بايعوا علياً علیه السلام بمثيري الشغب والبدو الرحّل وغلمان أهل المدينة وقالت إن ذنب عثمان لم يكن إلاّ الضرب واستعمال الشبان في حكومته وإقطاع بعض الأراضي. ثم قالت شيئاً عجيباً حاولت فيه تبرير بدع عثمان ووصفها بأنها كانت مسبوقة بنظائرها وأنها كانت في نفع الناس.

ص: 262


1- ورجعت إلى مكة فضربت لها قبة في المسجد الحرام وقالت يا معشر قريش! إن عثمان قد قتل، قتله علي بن أبي طالب والله لأنملة أو قالت لليلة من عثمان خير من علي الدهر كله". أنساب الأشراف، ج 6، ص 213 ، رؤيا عثمان ومقتله.
2- فانصرفت إلى مكة فنزلت على باب المسجد فقصدت للحجر فسترت واجتمع إليها الناس فقالت: يا أيها الناس إن عثمان قتل مظلوماً ووالله لأطلبن بدمه . تاريخ الطبري، ج3، ص12، حوادث سنة 36 الهجرية، قول عائشة والله لأطلبن بدم عثمان وخروجها وطلحة والزبير فيمن تبعهم إلى البصرة.
3- "لما جاءت الأخبار ببيعة علي علیه السلام قالت: تعسوا تعسوا لا يردون الأمر في تيم أبداً". شرح نهج البلاغة، ج 6، ص 216 ، أخبار عائشة في خروجها من مكة إلى البصرة بعد مقتل عثمان الخطبة 79 .

ثم مضت أبعد من ذلك في الدفاع عن عثمان فزعمت أنه استجاب لمطاليب الناس غير المشروعة وذلك لإعادة الهدوء والأمن للمجتمع، ولكن الناس الذين لم يكونوا يريدون الإصلاح بل الذرائع (!) اعتدوا عليه وسفكوا دمه في الشهر الحرام هاتكين حرمة الشهر، ثم نهبوا أمواله، والحال أنه حتى لو كان مذنباً فقد تطهر حتى أصبح كالذهب والثوب الطاهر! ثم دعت الناس إلى قتال علي علیه السلام وشرعت في تهيئتهم(1) .

فكان أول من استجاب لندائها عبد الله بن عامر وبنو أمية (2).

ص: 263


1- فقالت: يا أيها الناس إن الغوغاء من أهل الأمصار وأهل المياه وعبيد أهل المدينة اجتمعوا أن عاب الغوغاء على هذا المقتول بالأمس الإرب واستعمال من حدثت سنه وقد استعمل أسنانهم قبله ومواضع من مواضع الحمى حماها لهم وهي أمور قد سبق بها لا يصلح غيرها فتابعهم ونزع لهم منها استصلاحاً لهم. فلما لم يجدوا حجة ولا عذراً خلجوا وبادوا بالعدوان ونبا فعلهم عن قولهم فسفكوا الدم الحرام واستحلوا البلد الحرام وأخذوا المال الحرام واستحلوا الشهر الحرام. والله لإصبع عثمان خير من طباق الأرض أمثالهم فنجاة منن اجتماعكم عليهم حتى ينكل بهم غيرهم ويشرد من بعدهم. ووالله لو أن الذي اعتدوا به عليه كان ذنباً لخلص . كما يخلص الذهب من خبثه أو الثوب من دونه إذ ماصوه كما يماص الثوب بالماء". تاريخ الطبري، ج 3، ص 7، حوادث سنة 36 الهجرية، استئذان طلحة والزبير علياً.
2- كان أول من أجاب إلى ذلك عبد الله بن عامر وبنو أمية وقد كانوا سقطوا إليها بعد مقتل عثمان". تاريخ الطبري، ج 3، ص 7 ، حوادث سنة 36 الهجرية، استئذان طلحة والزبير علياً.

وقفة عند كلام عائشة

هل اقتصر ذنب عثمان على إقطاع بعض الأراضي؟ أم أنه كان يبعثر الأموال الكثيرة على بني أمية هنا وهناك بغير حساب؟

هل اقتصر خطأ عثمان على استعمال الشباب في حكومته، أم استعمال شارب الخمر الوليد بن عقبة والخونة من الناس وطريدي رسول الله صلی الله علیه وآله وسلم أمثال الحكم بن أبي العاص وابنه مروان؟

يا عائشة! ألم تكوني نفسك تدافعين عن هؤلاء الثوار وتسمين عثمان نعثلاً وتأمرين بقتله ؟ فما الذي جعلك الآن تستميتين في الدفاع عنه؟

إذا كان الإشكال على عثمان يقتصر على ما ذكرت، فلماذا كفّرته وأمرتِ بقتله؟

كيف يمكن تفسير الانقلاب الجذري الذي حدث لعائشة حتى أصبحت تدافع عن عثمان وتسميه الخليفة المظلوم بعد أن كانت تقف منه ذلك الموقف المتشدد؟

لماذا، بمجرد أن سمعت بأن الخلافة لم تذهب لطلحة، غيّرت موقفها وبدأت حملة الإثارة؟

ألم تكن عائشة هذه هي نفسها التي، من أجل تحريض الناس على عثمان، لجأت إلى حمل شعر النبي وقميصه ونعاله؟

ص: 264

أليست هذه عائشة نفسها التي لم تكف في السفر والحضر عن الدعاية المضادة لعثمان حتى قتل؟

أليست هي عائشة نفسها التي قالت إن أعمال عثمان السيئة هي التي أوجبت قتله؟

أليست هي نفسها عائشة التي منعت الناس من البكاء على عثمان وإقامة العزاء عليه بعد قتله؟

فماذا كانت غايتها من رفع راية المطالبة بدمه؟ هل كانت حرف الخلافة صوب طلحة أم أموراً أخرى؟

هل كان هناك علاقة بين عائشة والطلب بدم عثمان؟ ألم يكن لعثمان أولياء دم من أبنائه يطالبون بدمه من قاتليه؟

بعد أن أنهت عائشة كلامها ، قال لها عبد الله بن عامر عامل عثمان على مكة: قرت عينك قتل عثمان وبلغت ما أردت من أمره فقالت (منكرة): سبحان الله! أنا طلبت قتله؟ إنما كنت عاتبة عليه من شيء أرضاني فيه قتل عثمان والله من عثمان بن عفان خيراً ( هكذا: م) منه وأرضى عند الله وعند المسلمين. والله ما زال قاتله ( تعني أمير المؤمنين علیه السلام) مؤخراً منذ بعث محمد صلی الله علیه وآله وسلم . وبعد أن توفي عدل عنه الناس إلى الخيرة من أصحاب النبي صلی الله علیه وآله وسلم

ص: 265

ولا يرونه أهلاً للأمر ولكنه رجل يحب الإمرة. والله لا تجتمع عليه (الإمرة) ولا على أحد من ولده إلى قيام الساعة (1).

إجراءات طلحة والزبير في مكة

بعد وصولهما إلى مكة، شرع طلحة والزبير بوضع خطة عمل تضمنت إجراءات هامة غايتها التأليب على أمير المؤمنين علیه السلام وتحريك الناس ضده.

تلك الإجراءات تمثلت بما يلي:

أ - التشاور من أجل ضم عائشة

يقول أبو مخنف عن ذهاب طلحة والزبير إلى مكة وتشاورهما لما ذهب طلحة والزبير إلى مكة وتوجها إلى عائشة وجدا عندها جماعة من بني أمية ينتظرون ما تؤول إليه الأمور. فتكلم طلحة والزبير فقالا: يا أم المؤمنين إن علياً ابتز الناس أمورهم وإنا بايعناه مخافة، فننشدك الله في هذه الأمة، فإنه ليس نريد هذا الأمر لأنفسنا إنما نريد الله. فإن أدركنا ما نريد جعلناها شورى بين المسلمين. فغضبت عائشة وقالت: والله ما جهلتم في أمر عثمان ولا رفضتم بيعة على، وإن كنتما لأول طائع وأول مبايع. ولكن أمرني رسول الله أن لا أخرج من منزلي ولا أفارق ولدي وإني على إصلاح هذه الأمة

ص: 266


1- "وجاءها عبد الله بن الحضرمي عامل عثمان على مكة فقال : قرت عينك ..... الجمل والنصرة لسيد العترة في حرب البصرة، ص 227 ، في اجتماع الناكثين والمنافقين بمكة.

الحريصة. قال طلحة خروجك والله أعظم لأجرك من لزوم بيتك وإن الصلاح لفي مسيرك فاتقي الله في بنيك(1) !

وجاء في تتمة هذا التقرير: إن طلحة والزبير عادا إلى عائشة، فلم يزالا بها حتى رقّ(2).

وتذكر تقارير أخرى أن إقناع عائشة بالخروح تم على يد عبد الله بن الزبير. يقول الشيخ المفيد عن الإجراءات التي قام بها طلحة والزبير بعد وصولهما إلى مكة وسارا إلى مكة خالعين الطاعة ومفارقين الجماعة ... طافا في البيت طواف العمرة ... وبعثا إلى عائشة عبد الله بن الزبير وقالا له: امض إلى خالتك فأهد إليها السلام منا وقل لها إن طلحة والزبير يقرئاك (هكذا، وربما يقرئانك: م) السلام ويقولان لك: إن أمير المؤمنين عثمان قتل مظلوماً وإن علي بن أبي طالب ابتز الناس أمرهم وغلبهم عليه بالسفهاء الذين تولوا قتل عثمان ونحن نخاف انتشار الأمر به فإن رأيت أن تسيري معنا لعل الله يوثق بك فتق هذه الأمة فأتاها عبد الله فبلغها ما أرسلاه به فأظهرت الامتناع من إجابتها إلى الخروج عن (هكذا: م) مكة وقالت: يا بني ! لم أمر بالخروج لكني رجعت إلى مكة لأعلم الناس ما فعل بعثمان إمامهم وأنه أعطاهم التوبة فقتلوه تقياً نقياً برياً، فيرون في ذلك رأيهم ويثيرون على من أبقرهم أمرهم وغصبهم أمرهم من غير مشورة من المسلمين ولا مؤامرة بتكبر وتجبر ويظن أن الناس يرون له حقاً كما كانوا يرونه لغيره، هيهات

ص: 267


1- أخبار الجمل، ص21، اتفاق طلحة والزبير وعائشة على النکث.
2- أخبار الجمل، ص 22 ، نهي سعيد بن العاص عائشة عن الخروج.

هيهات! يظن ابن أبي طالب يكون في هذا الأمر كابن أبي قحافة لا والله! ومن في الناس مثل ابن أبي قحافة؟ تخضع إليه الرقاب ويلقى إليه المنقاد. وليها، والله ابن أبي قحافة وخرج منها كما دخل. ثم وليها أخو بني عدي فسلك طريقه. ثم مضيا فوليها ابن عفان فركبها رجل له سابقة ومصاهرة لرسول الله وأفعال مع النبي مذكورة لا يعمل أحد من الصحابة مثلما عمله في ذات الله. وكان محباً لقومه، فمال بعض الميل فاستتبناه فتاب. ثم قتل، فيحق للمسلمين أن يطلبوا بدمه فقالت: يا بني أفكر فيما قلت وترجع إليّ. فرجع عبد الله إلى طلحة والزبير، فقالا: قد أجابت أمنا، والحمد لله إلى ما نريد. ثم قالا: باكرها في الغد فذكرها أمر المسلمين وأعلمها أنا قاصدان إليها لنجدد بها عهداً ونحكم معها عقداً. فباكرها عبد الله وأعاد عليها بعض ما أسلفه من القول إليها فأجابته إلى الخروج ونادى مناديها أن أم المؤمنينتريد أ تخرج تطلب بدم عثمان، فمن كان يريد ن يخرج فليتهيأ للخروج معها. وصار إليها ،طلحة، فلما أبصرت به قالت يا أبا محمد قتلتَ عثمان وبايعت عليا؟ فقال: يا أمه! ... وجاءها الزبير فسلم عليها فقالت له: يا ابا عبدالله اشتركت في دم عثمان ثم بايعت لعلى وأنت والله أحق بالأمر منه؟ فقال لها الزبير: أما ما صنعت مع عثمان فقد ندمت منه وهربت إلى ربي من ذنبي من ذلك ولن أترك الطلب بدم عثمان والله ما بايعت علياً إلاّ مكرهاً التفّت به السفهاء من أهل مصر والعراق واستلوا سيوفهم وأخافوا الناس حتى بايعوه(1).

ص: 268


1- الجمل والنصرة لسيد العترة في حرب البصرة، ص 229، دعوة طلحة والزبير عائشة إلى إثارة الفتنة.

يتبين من مجموع هذا المنعطف التاريخي أن عائشة كانت معارضة لوصول الخلافة إلى علي بن أبي طالب علیه السلام ام منذ البداية. لذا يقول ابن قتيبة الدينوري ثم خرج طلحة فلقي عائشة فقالت له: ما صنع الناس؟ قال: قتلوا عثمان. قالت: ثم ما صنعوا؟ قال: بايعوا علياً ثم أتوني فأكرهوني ولببوني حتى بايعت. قال: وما لعلي يستولي على رقابنا، لا أدخل المدينة ولعلي فيها سلطان (1).

ب - دعوة عبد الله بن عمر إلى المشاركة في الحرب

بالنظر إلى عدم وجود شخصيات بارزة في معسكر موقدي نار الجمل ممن يمكن أن يستقطبوا المسلمين إلى معسكرهم لتشكيل جيش كبير وقوي قادر على مواجهة أمير المؤمنين علیه السلام، فقد سعى رؤوس الفتنة إلى اجتذاب ما أمکنهم من الصحابة المؤثرين نسبياً. وفي هذا الإطار قاموا بالتشاور مع حفصة وعبد الله بن عمر والسيدة أم سلمة في مكة.

يقول ابن أعثم عن تشاور طلحة والزبير مع عبد الله بن عمر ورد عبد الله بن عمر عليه: قال طلحة للزبير : لا شيء أفضل لجذب الناس إلينا من اصطحاب عبد الله بن عمر وأقبل طلحة والزبير إلى عبد الله بن عمر ( لإقناعه بالانضمام إليهما ) وهو يومئذٍ مقيم بمكة، فقالوا له: أباعبدالرحمن! إن عائشة قد خافت في هذا الأمر وعزمت على المسير إلى البصرة فاشخص

ص: 269


1- قال: ثم خرج طلحة ....". الإمامة والسياسة، ج1، ص47، بيعة علي بن أبي طالب كرم الله وجهه وكيف كانت.

معنا ولك بنا أسوة، فأنت أحق بهذا الأمر. قال: وكلمه الزبير وقال: أباعبدالرحمن لا تنظرن إلى أول أمرنا في عثمان وبيعتنا علياً، ولكن انظر إلى آخر أمرنا. إننا ما نريد في مسيرنا هذا إلاّ علاج الأمة، وقد خافت عائشة وليست بك عنها رغبة. قال: فقال عبد الله بنعمر أيها الرجلان أتريدان أن تخدعاني لتخرجاني من بيتي كما يخرج الأرنب من جحره ثم تلقياني بين لحيي علي بن أبي طالب؟ مهلاً يا هذان فإن الناس إنما يخدعون بالوصف (التمجيد والإطراء) والوصيفة والدينار والدرهم، ولست من أولئك. إني قد تركت هذا الأمر عياناً وأنا أدعى إليه، فدعوني واطلبوا لأمركم غيري (1) !

نظراً لأهمية اجتذاب عبد الله بن عمر من قبل رؤوس الفتنة، فقد عاد طلحة والزبير باقتراح من مروان إلى زيارة عبد الله بن عمر طالبين منه مرة أخرى وقوفه معهم. فقال طلحة يا أباعبدالرحمن! إنه والله لرب حق ضيعناه وتركناه، فلما حضر العذر قضينا بالحق وأخذنا بالحظ. إن علياً يرى إنفاذ بيعته، وإن معاوية لا يرى أن يبايع له، وإنا نرى أن نردها شورى. فإن سرت معنا ومع أم المؤمنين صلحت الأمور وإلا فهي الهلكة. فقال ابن عمر: إن يكن قولكما حقاً ففضلاً ضيعت، وإن يكن باطلاً فشر منه نجوت. واعلما أن بيت عائشة خير لها من هودجها، وأنتما المدينة خير لكما من البصرة والذل خير لكما من السيف. ولن يقاتل علياً إلا من كان خيراً منه. وأما الشورى

ص: 270


1- "وأقبل طلحة والزبير ..... قال: فقال الزبير: يغني الله عنك". الفتوح، ج1، ص 454، ذكر خروج طلحة والزبير إلى مكة؛ أخبار الجمل، ص 35 ، امتناع عبد الله بن عمر عن الخروج مع الناكثين. "قال طلحة للزبير: إنه ليس شيء أنفع وأبلغ في استمالة أهواء الناس من أن نشخص لعبد الله بن عمر". الإمامة والسياسة، ج1، ص 59 ، توجه عائشة وطلحة والزبير إلى البصرة.

فقد والله كانت، فقدم وأخرتما، ولن يردها إلاّ أولئك الذين حكموا فيها. فاكفياني أنفسكما. فانصرفا (1).

بعد رفض الطلب من قبل عبد الله بن عمر اقترح مروان بن الحكم على طلحة والزبير الذهاب إلى حفصة فذهبا إليها وطلبا منها العون في إقناع عبد الله بن عمر. فقالت حفصة أنه إذا كان هناك من يستمع لكلامه عبد الله بن عمر فهو عائشة، وطلبت منهما الكف عنه. فعادا خالي الوفاض (2).

واضح من هذا التقرير أن طلحة والزبير كانا يستغلان استغلالاً سيئاً وجود الشخصيات المؤثرة. فقد أقنعا عائشة بمرافقتهما بطريقة غاية في القبح مستغلين منزلتها الاجتماعية والسياسية. بالمقابل، حينما اقترح ابن عباس على أمير المؤمنين علیه السلام اصطحاب أم سلمة في معسكره لما قد تمنحه جنوده من قوة وعزيمة، ردّ الإمام علیه السلام مقترحه واصفاً الفكرة بأنها غير صالحة (3).

ص: 271


1- ثم غدا مروان إلى طلحة والزبير فقال لهما : عاودا ابن عمر فلعله ينيب. فعاوداه فتكلم طلحة فقال: يا أباعبدالرحمن ....." . الإمامة والسياسة، ج1، ص 61 ، توجه عائشة وطلحة والزبير إلى البصرة.
2- فقال مروان استعينا عليه بحفصة، فأتيا حفصة، فقالت: لو أطاعني أطاع عائشة، دعاه فاتركاه وتوجها إلى البصرة". الإمامة والسياسة، ج1، ص 61، توجه عائشة وطلحة والزبير إلى البصرة.
3- قال ابن عباس ... تكتب إلى أم سلمة فتخرج معك فإنها لك قوة. فقال أمير المؤمنين: وأما أم سلمة فإني لا أرى إخراجها من بيتها كما رأى الرجلان إخراج عائشة". الجمل والنصرة لسيد العترة في حرب البصرة، ص239، استشارة أمير المؤمنين علیه السلام أصحابه في جهاد الناكثين.

ج - دعوة حفصة إلى المشاركة في الحرب

نظراً إلى أن بعض أزواج النبي صلی الله علیه وآله وسلم كنّ مع عائشة بمكة، فقد سعى رؤوس الفتنة إلى إقناعهن بمرافقتهم لتقوية جبهتهم. فذهبوا إلى حفصة بنت عمر وطلبوا منها التعاون معهم. فردت عليهم بالقول: رأيي تبع لرأي عائشة. مع أن عبد الله بن عمر منعها من الذهاب معهم إلى البصرة(1).

د - محاولة خداع أم سلمة

وكانت أم سلمة من أهداف طلحة والزبير لتقوية عسكرهم ورص صفوفه. كانت غايتهما أن يسارعا إلى إسقاط حكم الإمام علیه السلام حديث العهد باستغلال اسم زوجات النبي صلى الله عليه واله وسلم.

تقول السيدة أم سلمة: كنت مقيمة بمكة تلك السنة حتى دخل المحرم. فلم أدر إلاّ برسول طلحة والزبير قد جاءني عنهما يقول: إن طلحة والزبير ابنيك يقولان: إن أم المؤمنين عائشة تريد أن تخرج للطلب بدم عثمان فلو خرجت معنا رجونا أن يصلح الله بكما فتق هذه الأمة. فأرسلت إليهما: والله ما بهذا أمرت ولا عائشة. لقد أمرنا الله أن نقر في بيوتنا (ثانياً): فكيف نخرج للقتال والحرب مع أن أولياء عثمان غيرنا؟ والله ما يجوز لنا عفو ولا صلح ولا قصاص. وما ذاك إلا إلى ولد عثمان. وأخرى (ثالثاً): نقاتل علي بن

ص: 272


1- "وانطلق القوم بعدها إلى حفصة فقالت: رأيي تبع لرأي عائشة ... أرادت حفصة الخروج فأتاها عبدالله بن عمر فطلب إليها أن تقعد فقعدت وبعثت إلى عائشة إن عبد الله حال بيني وبين الخروج، فقالت: يغفر الله لعبد الله". تاريخ الطبري، ج3، ص7، حوادث سنة 36 الهجرية، استئذان طلحة والزبير علياً.

أبي طالب ذا البلاء والعناء أولى الناس بهذا الأمر ( رابعاً) والله ما أنصفتما رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم في نسائه حيث تخرجوهن (هكذا: م) إلى العراق وتتركون نساءكم في بيوتكم(1).

دعوة عائشة أم سلمة إلى المشاركة في الحرب

بعد أن اصطدم طلحة والزبير بردّ أم سلمة المفحم المسكت، ذهبت عائشة إلى أم سلمة عسى أن تقنعها بالمشاركة في الحرب.

قال أبو مخنف: جاءت عائشة إلى أم سلمة تخادعها على الخروج للطلب بدم عثمان، فقالت لها: يا بنت أبي أمية! أنت أول من هاجر من أزواج رسول الله صلی الله علیه وآله وسلم وأنت أكبر هن سناً وفي بيتك قسم رسول الله أيامه بيننا، وأكثر ما كان يهبط الوحي ويصعد في بيتك). فقالت أم سلمة: لأمر ما قلت هذه المقالة؟ فقالت عائشة: إن عبد الله أخبرني أن القوم استتابوا عثمان، فلما تاب قتلوه صائماً في شهر حرام. وقد عزمت على الخروج إلى البصرة ومعي الزبير وطلحة، فاخرجي معنا لعل الله أن يصلح هذا الأمر على أيدينا بنا. فقالت أم سلمة: إن كنت بالأمس تحرضين على عثمان وتقولين فيه أخبث القول، وما كان اسمه عندك إلاّ نعثلاً، وإنك لتعرفين منزلة علي بن أبي طالب عند رسول الله صلی الله علیه وآله وسلم أفأذكرك؟ قالت: نعم. قالت: أتذكرين يوم أقبل ونحن معه حتى إذا هبط من قديد ذات الشمال خلا بعلي يناجيه، فأطال، فأردت أن تهجمي عليهما

ص: 273


1- الجمل والنصرة لسيد العترة في حرب البصرة، ص 233 ، تحريض المعارضين الناس على الخروج.

فنهيتك فعصيتني، فهجمت عليهما، فما لبثت أن رجعت باكية، فقلت ما شأنك؟ فقلت : إني هجمت عليهما وهما يتناجيان فقلت لعلي: ليس لي من رسول الله إلاّ يوم من تسعة أيام فما تدعني يا ابن أبي طالب ويومي! فأقبل رسول الله صلی الله علیه وآله وسلم عليّ وهو غضبان محمرّ الوجه فقال: ارجعي وراءك، والله لا يبغضه أحد من أهل بيتي ولا من غيرهم من الناس إلّا وهو خارج من الإيمان، فرجعت نادمة ساقطة (هكذا : م)! قالت عائشة: نعم أذكر ذلك.

قالت: وأذكرك أيضاً كنت أنا وأنت مع رسول الله صلی الله علیه وآله وسلم وأنت تغسلين رأسه وأنا أحيس له حيساً وكان الحيس يعجبه فرفع رأسه وقال: يا ليت شعري أيتكن صاحبة الجمل الأذنب تنبحها كلاب الحوأب فتكون ناكبة عن الصراط؟ فرفعت يدي من الحيس فقلت: أعوذ بالله وبرسوله من ذلك. ثم ضرب على ظهرك وقال: إياك أن تكونيها ثم قال: يا بنت أبي أمية إياك أن تكونيها! يا حميراء، أما أنا فقد أنذرتك. قالت عائشة: نعم، أذكر هذا. قالت: وأذكر أيضاً كنت أنا وأنت مع رسول الله صلی الله علیه وآله وسلم في سفر له وكان علي يتعاهد نعلي رسول الله صلی الله علیه وآله وسلم فيخصفها ويتعاهد أثوابه فيغسلها، فنقبت له نعل فأخذها يومئذٍ يخصفها وقعد في ظل سمرة، وجاء أبوك ومعه عمر، فاستأذنا عليه فقمنا إلى الحجاب ودخلا يحادثانه فيما أراد (هكذا: م)، ثم قالا: يا رسول الله إنا لا ندري قدر ما تصحبنا فلو أعلمتنا من يستخلف علينا ليكون لنا بعدك مفزعاً فقال: خاصف النعل. فنظرنا فلم نر أحداً إلاّ علياً، فقلت: يا رسول الله ما أرى إلاّ علياً. فقال: هو ذاك. فقالت عائشة: نعم، أذكر ذلك. فقالت: فأي خروج تخرجين بعد هذا؟ فقالت: إنما أخرج للإصلاح بين

ص: 274

الناس وأرجو فيه الأجر إن شاء الله. (فقالت لها أم سلمة: إذن أنت وشأنك. فتركتها عائشة وعادت)(1).

وفي روايات أخرى ذكرت هذا الحوار أن أم سلمة ذكرت فضائل أخرى لعليم علیه السلام علاوة على ما جاء في هذه الرواية من فضائل على لسانها. يقول الشيخ المفيد إن أم سلمة قال لعائشة : لو ذكرتك من رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم خمسا في علي علیه السلام لنهشتني نهش الحية الرقشاء المطرقة ذات الحبب ... يوم تبذلنا الرسول الله صلى الله عليه وآله وسلم فلبست ثيابي ولبست ثيابك فجاء رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم فجلس إلى جنبك فقال: أتظنين يا حميراء أني لا أعرفك؟ أما إن لأمتي منك يوماً مراً أو يوماً حمراً [أحمر]، أتذكرين يا عائشة؟ قالت: نعم. نعم. قالت: ويوم جمعنا رسول الله صلی الله علیه وآله وسلم في بيت ميمونة فقال : يا نسائي اتقين الله ولا يسفر بكن أحد، أتذكرين هذا يا عائشة(2)؟

كما يقول المرحوم الطبرسي عن هذه المحاورة : قالت أم سلمة لعائشة وهي تعدد فضائل علي علیه السالم : نشدتك بالله يا عائشة، أتذكرين ليلة أسري بنا مع رسول الله صلی الله علیه وآله وسلم من مكان كذا وكذا وهو بيني وبين علي بن أبي طالب علیه السلام يحدثنا فأدخلت جملك فحال بينه وبين علي فرفع مقرعة كانت معه يضرب

ص: 275


1- شرح نهج البلاغة، ج6، ص 218، أخبار عائشة في خروجها من مكة إلى البصرة يعد مقتل عثمان، الخطبة 79.
2- الاختصاص، ص 116، حديث أم سلمة مع عائشة قبل خروجها لقتال علي علیه السلام.

بها وجه جملك وقال: أما والله ما يومه منك بواحدة. أما إنه لا يبغضه إلاّ منافق كذاب (1)(2)!

وفي تقرير ابن أعثم قال: فقالت لها أم سلمة رحمة الله عليها: يا بنت أبي بكر! بدم عثمان تطلبين والله لقد كنت من أشد الناس عليه، وما كنت تسميه (هكذا، ربما تسمينه: م) إلا نعثلاً. فما لك ودم عثمان وعثمان رجل من عبدمناف وأنت امرأة من بني تيم بن مرة؟ ويحك يا عائشة! أعلى علي وابن عم رسول الله صلی الله علیه وآله وسلم تخرجين وقد بايعه المهاجرون والأنصار؟ (3)

لو كانت عائشة قاصدة إصلاح الأمور، فلم لم تذهب إلى المدينة وتقابل الإمام علياً علیه السلام بدل التوجه إلى البصرة؟ ألم يكن من شأن مقابلتها لأمير المؤمنين علیه السلام أن يحل الإشكال؟

هل كان من الممكن حل الإشكال على أيدي الذين نكثوا البيعة وكذبوا؟ هل كان من المتوقع أن تُحل الإشكالات على أيدي فاسدين مفسدين أمثال مروان وعامر بن كريز ويعلى بن منية؟

ألا ترين أنه كان لابد من حل الإشكالات في زمن عثمان نفسه حين طلب مروان العون منك، وليس اليوم بعد أن عادت المياه إلى مجاريها؟

ص: 276


1- الاحتجاج على أهل اللجاج، ج1، ص388، الحدیث 81.
2- الفتوح، المجلد الأول، ص 456، خبر عائشة مع أم سلمة حين أرادت المسير إلى البصرة.
3- الفتوح، المجلد الأول، ص 456، خبر عائشة مع أم سلمة حين أرادت المسير إلى البصرة.

لماذا لم تفعلي شيئاً إزاء الروايات الموثقة التي عرضتها عليك أم سلمة؟ إن لم تكن تلك الروايات والفضائل صحيحة، فلماذا أيدتها؟ وإذا كانت صحيحة، فلمّ لم تتركي قتال الإمام علي علیه السلام؟

هل إن أفعالك في البصرة من قتل السبابجة وقتل موظفي بيت المال ووضعك ميثاق الصلح تحت رجليك وتعذيب عامل أمير المؤمنين علیه السلام، تندرج في إطار الإصلاح؟ هل بإمكان طالب الفساد والفرقة في المجتمع أن يفعل أكثر مما فعلت؟

مشادّة بين عبد الله بن الزبير وأم سلمة

حين كانت أم سلمة تعدد لعائشة بعض فضائل الإمام علي علیه السلام، كان عبد الله بن الزبير يقف خلف الباب يسمع حديثهما فصاح يا بنت أبي أمية! قد عرفنا عداوتك لآل الزبير. فقالت أم سلمة: والله لتوردنها ثم لا تصدرنها أنت ولا أبوك (تورطون عائشة في القتال ثم تعجزون عن إنقاذها منه) أتطمع أن يرضى المهاجرون والأنصار بأبيك الزبير وصاحبه طلحة وعلي بن أبي طالب حي وهو ولي كل مؤمن ومؤمنة؟ قال عبد الله بن الزبير ما سمعنا هذا من رسول الله صلی الله علیه وآله وسلم ساعة لقط . فقالت أم سلمة رحمة الله عليها: إن لم تكن أنت سمعته قد سمعته خالتك عائشة وها هي فاسألها، فقد سمعته صلی الله علیه وآله وسلم يقول: علي خليفتي عليكم في حياتي ومماتي، فمن عصاه فقد عصاني. أتشهدين يا عائشة بهذا أم لا؟ فقالت عائشة: اللهُمَّ نعم. قالت أم سلمة رحمة الله عليها:

ص: 277

فاتقي الله يا عائشة في نفسك واحذري ما حذرك الله ورسول الله ولا تكوني صاحبة كلاب الحوأب ولا يغرنك الزبير وطلحة فإنهما لا يغنيان عنك من الله شيئاً. قال: فخرجت عائشة من عند أم سلمة وهي حنقة عليها (1).

لقد أفحمت أم سلمة عائشة بالدليل القاطع والبرهان الساطع أن الطريق التي تسلكها ستودي بها إلى الهاوية. فهل ثَم استدلال أقطع من هذا؟ وقد أشارت إلى ما كانت عائشة قامت به من تحريض على عثمان وأمر بقتله، كما أشارت إلى أن عائشة ليست ولية دم عثمان شرعاً، وكذلك دافعت عن أمير المؤمنين علیه السلام وحدّرت من عواقب محاربته.

فلماذا أصرت عائشة على المضي في خطتها بالرغم من اعترافها بفضائل علی علیه السلام؟ ولماذا أخذتها العزة بالإثم أمام براهين أم سلمة ورفضت الانصياع إلیها؟

ألم يتضمن كلام أم سلمة إخباراً عن الغيب كالحديث عن جمل عائشة وحادثة كلاب الحوأب؟

إن الإجابة على هذه التساؤلات كلها نجدها في كلام لأمير المؤمنين علیه السلام، وذلك قوله إن عائشة غلب عليها أفكار النساء وتأججت في صدرها أوار

ص: 278


1- الفتوح، المجلد الأول، ص 456، خبر عائشة مع أم سلمة حين أرادت المسير إلى البصرة.

الضغينة فأصبح ككورة الحداد. ولو سُئلت أن تفعل بغيري ما فعلته بي لرفضت (1).

كيف لمن يعتمل صدره ببغض أمير المؤمنين علیه السلام مثل كورة الحداد أن يتمالك نفسه أمامه علیه السلام ؟ هل يستطيع مثل هذا الشخص أن يتخذ القرار الصائب ويختار البديل المناسب ويُصلح أمور المسلمين؟

لما سمعت أم سلمة بنية عائشة ورفاقها بكت بكاءً شديداً حتى ابتلت مقنعتها. ثم استعدت وذهبت إلى عائشة ووعظتها (2).

في تقرير آخر أنها بعثت برسالة إلى عائشة حذرتها فيها من عواقب تجييشها الجيوش للحرب (3). وفي بعض التقارير الأخرى أن أم سلمة لما أدركت أن كلامها مع عائشة في فضائل علي علیه السلام ونصحها وتحذيرها لها لا تردعها عن خوض الحرب، ذهبت إليها في اللحظات الأخيرة قبل انطلاقها إلى البصرة وقدمت لها النصح(4).

ص: 279


1- نهج البلاغة، ص 204، الخطبة 156؛ كنز العمال في سنن الأقوال والأفعال، ج16، ص186، خطب علي علیه السلام ومواعظه، الحديث 44216.
2- الجمل والنصرة لسيد العترة في حرب البصرة، ص 236، تحذير أم سلمة عائشة.
3- "قال: لما أرادت عائشة الخروج إلى البصرة كتبت إليها أم سلمة زوجة النبي ..." معاني الأخبار، ص375، باب معنى ما كتبته أم سلمة إلى عائشة لما أرادت الخروج إلى البصرة، الحديث الأول؛ العقد الفريد، ج 4، ص 316، كتاب العسجدة الثانية في الخلفاء وتواريخهم وأخبارهم، يوم الجمل.
4- "دخلت أم سلمة بنت أبي أمية على عائشة لما أزمعت الخروج إلى البصرة فحمدت الله وصلت على النبي صلی الله علیه وآله وسلم ثم قالت ...". الاحتجاج على أهل اللجاج، ج1، ص391، الحديث 82، احتجاج أم سلمة زوجة رسول الله صلی الله علیه وآله وسلم على عائشة في الإنكار عليها بخروجها على علي أمير المؤمنين علیه السلام.

يقول الشيخ المفيد: وبلغ أم سلمة اجتماع القوم وما خاضوا فيه فبكت حتى اخضل خمارها. ثم أدنت ثيابها فلبستها ومشت إلى عائشة لتعظها وتصدها عن رأيها في مظاهرة أمير المؤمنين علیه السلام بالخلافة وتقعدها عن الخروج مع القوم. فلما صارت إليها قالت: إنك عدة رسول الله بین أمته وحجابك مضروب على حرمته وقد جمع القرآن ذيلك فلا تبدنيه وأملك خفرك فلا تضحيها الله الله من وراء هذه الآية قد علم رسول الله مكانك لو أراد أن يعهد إليك لفعل بل نهاك عن الفرط في البلاء وإن عمود الدين لا يقام بالنساء إن ثلم ولا يشعب بهن إن صدع فصدع النساء غض الأطراف وحف الأعطاف وقصر الوهادة وضم الذيول. وما كنت قائلة لو أن رسول الله عارضك ببعض الفلاة ناصة قلوصاً من منهل إلى آخر قد هتكت صداقته وتركت عهدته أن يغير الله بك لهواك على رسول الله . أتدرين والله لو سرت مسيرك هذا ثم قيل لي: ادخلي الفردوس لاستحييت أن ألقى رسول الله صلی الله علیه وآله وسلم هاتكة حجاباً قد ستره علي. اجعلي حصنك بيتك وقاعة البيت قبرك حتى تلقينه وأنت على ذلك أطوع ما تكوني له ما لزمتيه وانظري بنوع الدين ما حلت عنه. فقالت لها: ما أعرفني بوعظك وأقبلني لنصحك. (ولكنني حسمت أمري واخترت الطريق الصحيح. لقد وجدت نفسي في مفترق طرق

ص: 280

بين الفعل والقعود فإن أقعد فليس ذلك لحاجة أو عجز وإن أفعل فذلك لأنه لا سبيل إلى غير ذلك)(1) .

وبعد أن رجعت عائشة من البصرة ذهبت إلى أم سلمة وسلمت عليها، فردت أم سلمة: السلام عليك يا حائط ألم تعلمي أني نصحت لك في خروجك وذكرتك قول رسول الله صلی الله علیه وآله وسلم وما أوجبه الله عزّ وجلّ عليك فأبيت،فاليت أن لا أكلمك من رأسي كلمة حتى ألقى رسول الله صلی الله علیه وآله وسلم.

هذا التقرير يدل على أن أم سلمة لم تكلم عائشة نحواً من اثنتين وعشرين سنة (من سنة 36 حتى سنة 58 التي توفيت فيها عائشة) وكانت مخاصمة لها.

لما أيقنت أم سلمة أن عائشة لن تكف عن مخالفتها، عادت إلى بيتها وبعثت برسائل الجماعة من المهاجرين والأنصار قالت فيها: لقد قتل عثمان بحضرتكم وكانا ( هكذا : م ) هذان الرجلان أعني طلحة والزبير يشيعان عليه كما رأيتم، فلما قضى أمره بايعا علياً وقد خرجا الآن عليه زعماً أنهما يطلبان بدم عثمان ويريدان أن يخرجا حبيسة رسول الله معهم وقد عهد إلى جمیع نسائه عهداً واحداً أن يقرن في بيوتهن. فإن كان مع عائشة عائشة عهد سوى ذلك تظهره وتخرجه إلينا نعرفه. فاتقوا الله عباد الله فإنا نأمركم بتقوى الله والاعتصام بحبله والله ولي لنا ولكم. فشق كثيراً على طلحة والزبير عند

ص: 281


1- الجمل والنصرة لسيد العترة في حرب البصرة، ص 236، تحذير أم سلمة عائشة. وباختلاف بسيط في تاريخ اليعقوبي، ج 2، ص180، خلافة أمير المؤمنين علي بن أبي طالب علیه السلام والعقد الفريد، ج4، ص 314، كتاب العسجدة الثانية في الخلفاء وتواريخهم وأخبارهم، يوم الجمل.

سماع هذا القول من أم سلمة. ثم أنفذت أم سلمة إلى عائشة فقالت لها: وقد وعظتك فلم تتعظي وقد كنت أعرف رأيك في عثمان وإنه لو طلب منك شربة ماء لمنعتيه. ثم أنت اليوم تقولين إنه قتل مظلوماً، وتريدين أن تثيري لقتال أولى الناس بهذا الأمر قديماً وحديثاً. فاتقي الله حق تقاته ولا تعرضي لسخطه فأرسلت إليها عائشة أما ما كنت تعرفين من رأيي في عثمان فقد كان، ولا أجد مخرجاً منه إلاّ الطلب بدمه. وأما علي فإني آمره بردّ هذا الأمر شورى بين الناس. فإن فعل وإلاّ ضربت وجهه بالسيف حتى يقضي الله ما هو قاض. فأنفذت إليها أم سلمة: أما أنا فغير واعظة لك من بعد ولا مكلمة لك جهدي وطاقتي. والله إني خائفة عليك البوار ثم النار. والله ليخيبن ظنك ولينصرن الله ابن أبي طالب على من بغى. وستعرفين عاقبة ما أقول(1).

وكان مما قامت به السيدة أم سلمة أن أرسلت رسالة خاصة إلى يعلى بن منية نهته فيها عن مرافقة مثيري الفتنة وأدانت فيها موقف عائشة (2).

ص: 282


1- فلما رأت أم سلمة أن عائشة لا تمتنع عن الخروج عادت إلى مكانها وبعثت إلى رهط من المهاجرين والأنصار قالت لهم: لقد قتل عثمان .... ". الجمل والنصرة لسيد العترة في حرب البصرة، ص237، تحذير أم سلمة عائشة.
2- "وكانت أم سلمة بنت أبي أمية بعثت إلى يعلى بن منية تنهاه عن مسيره وتقبّح أمر عائشة: أخبار الجمل، ص 60 ، إرسال ابن حنيف عمران بن حصين وأبا الأسود لمحادثة الناكثين.

حكم خروج نساء النبي من بيوتهن

في الآية 33 من سورة الأحزاب يأمر القرآن الكريم نساء النبي بالقرار في بيوتهن وعدم الخروج منها. غير أن المفسرين حاولوا تفسير الآية بما لا يتعارض مع خروج عائشة ومحاربتها للإمام علي علیه السلام(1).

في الرد على هذه المجموعة من المفسرين لابد أن نقول بالنظر لإطلاق الآية الكريمة، لا يحق لأي من زوجات النبي الأكرم صلی الله علیه وآله وسلم أن يخرجن من بيوتهن. وهذا ما فهمته بعض أزواجه صلی الله علیه وآله وسلم فلم يخرجن من بيوتهن حتى توفاهن الله،حتى للحج والعمرة فسودة بنت زمعة وهي إحدى زوجات النبي لم تذهب إلى الحج بعد نزول هذه الآية. ولما سئلت عن السبب قالت: قد حججت واعتمرت وأمرني الله أن أقر في بيتي. فوالله لا أخرج من بيتي حتى أموت.

ص: 283


1- "وتمسك الرافضة في طعن أم المؤمنين عائشة - وحاشاها من كل طعن - بخروجها من المدينة إلى مكة ومنها إلى البصرة، وهناك وقعت وقعة الجمل، بهذه الآية. وأجيب بأن الأمر بالاستقرار في البيوت والنهي عن الخروج ليس مطلقاً ...". روح المعاني في تفسير القرآن العظيم والسبع المثاني، ج21، ص258 - 262، ذيل الآية الشريفة.

فلم تخرج من بيتها حتى ماتت(1) . وحين أرسل عثمان زوجات النبي إلىالحج، لم تذهب سودة معهن امتثالاً لمؤدى الآية الكريمة(2).

إضافة إلى هذه الآية، هناك روايات عن النبي الأكرم صلی الله علیه وآله وسلم تفيد بأنه أمر أزواجه بعد حجة الوداع بأن يقرن في بيوتهن ولا يغادرنها(3). وتفيد الروايات بأن زينب بنت جحش وسودة لم تخرجا من بیتیهما حتی ماتتا، عملاً بأمر رسول الله (4).

على أن عائشة نفسها فهمت الآية كما فهمها غيرها من نساء النبي لذا كانت كلما وصلت إلى هذه الآية تبكي حتى يبتل خمارها.

ص: 284


1- قيل لسودة زوج النبي صلی الله علیه وآله وسلم : ما لك لا تحجين ولا تعتمرين كما يفعل أخواتك؟ فقالت: قد حججت واعتمرت وأمرني الله أن أقر في بيتي فوالله لا أخرج من بيتي حتى أموت. قال: فوالله ما خرجت من باب حجرتها حتى أخرجت بجنازتها". الدر المنثور، ج 6، ص 529 ، ذيل الآية 33 من سورة الأحزاب؛ الطبقات الكبرى، ج 8، ص 208 ، ذكر حج رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم بأزواجه.
2- "فلما توفي عمر وولي عثمان اجتمعت أنا وأم سلمة وميمونة وأم حبيبة فأرسلنا إليه نستأذنه في الحج فقال: قد كان عمر بن الخطاب فعل ما رأيتن، وأنا أحج بكن كما فعل عمر فمن أراد منكن تحج فأنا أحج بها. فحج بنا عثمان جميعاً إلاّ امرأتين منا؛ زينب توفيت في خلافة عمر ولم يحج بها عمر، وسودة بنت زمعة لم تخرج من بيتها بعد النبي صلی الله علیه وآله وسلم وكنا نستر". الطبقات الكبرى، ج 8، ص [؟؟؟]، ذكر حج رسول الله بأزواجه.
3- "أن رسول الله صلی الله علیه وآله وسلم قال لنسائه في حجة الوداع: هذه الحجة ثم ظهور الحصر. الطبقات الكبرى، ج 8، ص 208 ، ذكر حج رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم بأزواجه.
4- أن النبي صلی الله علیه وآله وسلم قال لنسائه عام حجة الوداع: هذه ثم ظهور الحصر. قال: فكان كلهن يحجن إلاّ زينب بنت جحش وسودة بنت زمعة وكانتا تقولان: والله لا تحركنا دابة بعد أن سمعنا ذلك من رسول الله صلی الله علیه وآله وسلم، الدر المنثور، ج 6 ، ص 529 ، ذيل الآية 33 من سورة الأحزاب.

وقد أورد الحاكم النيسابوري في الحديث الصحيح أن أم سلمة لما رأت الإمام علياً وهو يهم بالخروج من المدينة لقتال أهل الجمل، قالت له: سر في حفظ الله وفي كنفه، فوالله إنك لعلى الحق والحق معك، ولولا أني أكره أن أعصي الله ورسوله فإنه أمرنا صلی الله علیه وآله وسلم أن نقر في بيوتنا لسرت معك(1).

بل إن الفهم العام الذي كان سائداً لمؤدى هذه الآية هو عدم جواز الخروج لنساء النبي من بيوتهن، لذا تم الاستدلال بهذه الآية من بداية وقوع الفتنة حتى انتهاء الحرب في الاحتجاج على خروج عائشة. فكانت تُسأل لماذا خرجت من بيتها ووضعت نفسها في مرأى الرجال(2)؟

فلما أدرك عبد الله بن عباس أن الحرب واقعة سريعاً لا محالة، استند إلى هذه الآية في تحذير أزواج النبي من القيام بأي عمل قبيح. فكان يربط تلك الآيات بمحاربة الإمام علي علیه السلام (3).

يُفهم من مجموع المواضيع أن عائشة لم يكن لها أن تخرج من بيت النبي وتتوجه إلى ساحة الحرب وأن القرآن يُدين هذا الفعل منها وأن الكثير من

ص: 285


1- "لما سار علي إلى البصرة دخل على أم سلمة زوج النبي صلی الله علیه وآله وسلم يودعها فقالت: سر في حفظ الله ..... هذه الأحاديث الثلاثة كلها صحيحة على شرط الشيخين ولم يخرجا". المستدرك على الصحيحين، ج3، ص129، كتاب معرفة الصحابة، ذكر إسلام أمير المؤمنين علي علیه السلام، الحديث 4611. .
2- ستأتي قريباً الإشارة إلى عدد كبير من هذه التقارير في شرح تفاصيل حرب الجمل.
3- "ابن عباس: لما علم أنه ستجري حرب الجمل قال لأزواج النبي: (وقرن في بيوتكن ولا تبرجن تبرج الجاهلية الأولى) وقال تعالى: (يا نساء النبي من يأت منكن بفاحشة مبينة يضاعف لها العذاب ضعفين) في حربها مع علي علیه السلام" . مناقب آل أبي طالب، ج3، ص148، في حرب الجمل.

الصحابة، ومنهم الإمام علي علیه السلام نفسه، قد نصحوها ثم أدانوها قبل أن ندينها نحن.

مظلومية عثمان !

من أعجب وقائع التاريخ طرح مظلومية عثمان بعد مقتله من قبل أشخاص تسببوا هم في قتله.

فعائشة التي كانت إلى ما قبل مقتل عثمان بلحظات تلعنه وتعتبره مطروداً من رحمة الله إذا بها فجأة تصرخ واعثماناه وامظلوماه!

على السيدة عائشة أن تجيب على السؤال التالي: حين سمعتِ بمقتل عثمان، ألم تقولي إن أفعاله هي التي قتلته؟ فما معنى مظلوميته!؟

ألم تقولي إن أفعاله هي التي قتلته، فكيف صرت تعتبرينه مظلوماً؟؟

كيف يبعث معاوية بجيش من الشام إلى المدينة مهمته الظاهرية الدفاع عن عثمان، ولكنه يأمره بعدم دخول المدينة والدفاع عن الخليفة حتى قتل الخليفة، ثم ينقلب في ليلة وضحاها متفجعاً على عثمان في الشام يعرض قميصه كل يوم على الناس ويستثيرهم لقتال علي علیه السلام؟

إذا وضعنا التقارير التاريخية مع بعضها نستنتج أن الهتاف بمظلومية عثمان لم يكن إلاّ مشروعاً تعبوياً لتأليب الناس على أمير المؤمنين علیه السلام وإعدادهم لمحاربته وإسقاط دولته فبالتدقيق في المحاورات التي جرت بين

ص: 286

الإمام علیه السلام وبين كلٍ من طلحة والزبير نلاحظ أنها خلت تماماً من الدعوى في مقتل عثمان وأن طلحة والزبير بمجرد أن اجتمعا في مكة تغير المشهد بشكل مفاجئ فأصبحا ومن معهما من رؤوس الفتنة أمثال عائشة وعمرو بن العاص ومعاوية ورفاقه ومن شاركه التفكير، يركزون على فكرة الطلب بدم عثمان. لقد سعوا إلى انتهاز كل فرصة تدعم مشروعهم السياسي وتنفيذخطتهم.

ألم يقل عمرو بن العاص لعائشة بعد حرب الجمل: لوددت أنك قتلت يوم الجمل. قالت: ولم لا أبا لك؟ قال: كنت تموتين بأجلك وتدخلين الجنة ونجعلك أكبر التشنيع على علي بن أبي طالب(1).

يقول البلاذري قدم طلحة والزبير على عائشة فدعواها على الخروج، فقالت: أتأمراني أن أقاتل (علياً ) ؟ فقالا : لا ولكن تعلمين الناس أن عثمان قتل مظلوماً وتدعيهم إلى أن يجعلوا الأمر شورى بين المسلمين(2).

تبعاً لذلك أخذت عائشة تقول: إن عثمان قتل مظلوم (3).

ص: 287


1- الاحتجاج على أهل اللجاج، ج1، ص 241، احتجاج أمير المؤمنين علیه السلام على الزبير بن العوام وطلحة بن عبيدالله لما أزمعا على الخروج عليه والحجة في أنهما خرجا من الدنيا غير تائبين من نكث البيعة،الحديث 80؛ شرح نهج البلاغة، ج6، ص 322 ، نبذ من كلام عمرو بن العاص، الخطبة 83. .
2- أنساب الأشراف، ج3، ص23، وقعة الجمل.
3- فجعلت عائشة تقول: إن عثمان قتل مظلوماً وأنا أدعوكم إلى الطلب بدمه وإعادة الأمر شورى. أنساب الأشراف، ج3، ص23، وقعة الجمل.

بل إن قادة المشروع حاولوا سحب اعتراف من الإمام علي والإمام الحسن علیهما السلام الاعترافاً بمظلومية عثمان. يقول نصر بن مزاحم إن معاوية بعث بحبيب بن مسلمة وشرحبيل بن السمط ومعن بن يزيد إلى الإمام علي علیه السلام فقال له شرحبيل بن السمط ومعن بن يزيد أتشهد أن عثمان قتل مظلوماً؟ فقال لهما: إني لا أقول ذلك. قالا : فمن لم يشهد أن عثمان قتل مظلوماً فنحن براء منه(1).

وتفيد رواية الشعبي وأبي مخنف بأنه في زمن الإمام الحسن علیه السلام اجتمع عمرو بن عثمان بن عفان وعمرو بن العاص وعتبة بن أبي سفيان والوليد بن عتبة بن أبي معيط والمغيرة بن شعبة عند معاوية وطلبوا منه أن يُحضر الإمام الحسن علیه السلام ويتعرض له ولأبيه الإمام علي علیه السلام بشدة ويسبهما ويلعنهما. فلما حضر الإمام الحسن علیه السلام قال له معاوية: إن هؤلاء بعثوا إليك وعصوني ليقرروك أن عثمان قتل مظلوماً وأن أباك قتله، فاسمع منهم ثم أجبهم بمثل ما يكلمونك ولا يمنعك مكاني من جوابهم(2).

ص: 288


1- وقعة صفين، ص 202، رسل معاوية إلى علي.
2- "لم يكن في الإسلام يوم في مشاجرة قوم اجتمعوا في محفل أكثر ضجيجاً ولا أعلى كلاماً ولا أشد مبالغة في قول من يوم اجتمع فيه عند معاوية بن أبي سفيان عمرو بن عثمان بن عفان وعمرو بن العاص وعتبة بن أبي سفيان والوليد بن عتبة بن أبي معيط والمغيرة بن شعبة وقد تواطأوا على أمر واحد. فقال عمرو بن العاص لمعاوية : ألا تبعث إلى الحسن بن علي فتحضره ... فقصرنا به وبأبيه وسببناه وسببنا أباه وصعرنا بقدره وقدر أبيه ... فقال معاوية: أجل إن هؤلاء ...". بحار الأنوار الجامعة لدرر أخبار الأئمة الأطهار، ج 44، ص 70 ، الباب ،20، سائر ما جرى بينه علیه السلام وبين معاوية وأصحابه، الحديث الأول نقلاً عن الاحتجاج على أهل اللجاج، ج2، ص17، احتجاج الحسن بن علي بن أبي طالب جماعة من المنكرين لفضله وفضل أبيه من قبل بحضرة معاوية.

هذه الحادثة تدل على أن بني أمية استمروا في طرح فكرة مظلومية عثمان حتى بعد سنوات وسعوا إلى سحب اعتراف من أهل البيت علیهم السلام بذلك.

وهناك نصوص تتطرق إلى مظلومية عثمان لأسباب واهية فقد أشار

عمار بن ياسر ، وهو في خضم القتال في حرب صفين، إلى ادعاء معاوية الطلب بدم الخليفة المظلوم، فخاطب الناس مبيناً الدافع إلى ذلك الادعاء وقال: والله ما أظنهم يطلبون دمه. إنهم ليعلمون أنه لظالم، ولكن القوم ذاقوا الدنيا فاستحبوها واستمروها وعلموا لو أن [صاحب] الحق لزمهم لحال بينهم وبين ما يأكلون ويرعون فيه منها. ولم يكن للقوم سابقة في الإسلام يستحقون بها الطاعة والولاية، فخدعوا أتباعهم بأن قالوا: قتل إمامنا مظلوماً، ليكونوا بذلك جبابرة وملوكاً. وتلك مكيدة قد بلغوا بها ما ترون ولولا هي ما بايعهم من الناس رجلان(1).

اجتماع رؤوس الفتنة التشاوري

بعد توفر متطلبات التحشيد العسكري، عُقد اجتماع في مقر إقامة عائشة بمكة (2). وكان أمام المجتمعين خيارات عديدة للتحرك؛ المدينة

ص: 289


1- وقعة صفین، ص319 ، خطبة عمار بن ياسر.
2- ثم ظهرا، يعني طلحة والزبير، إلى مكة بعد قتل عثمان بأربعة أشهر وابن عامر بها يحر الدنيا وقدم يعلى بن أمية معه بمال كثير وزيادة على أربعمائة بعير فاجتمعوا في بيت عائشة فأرادوا الرأي". تاريخ الطبري، ج3، ص9 ، حوادث سنة 36 الهجرية، استئذان طلحة والزبير علياً.

والكوفة والبصرة والشام وكان لكل واحد من تلك الخيارات مزايا ومساوئ، لذا كان عليهم أن يختاروا أنسب المدن.

كانت المدينة في قبضة أمير المؤمنين وقاعدة بني هاشم وكان أهلها على علم تام بتفاصيل مقتل عثمان وما جرى من بيعة عامة للإمام علیه السلام . فلم يكن بمقدور رؤوس الفتنة أن يخدعوا الناس بأكاذيبهم ويؤلبوهم على الإمام علي علیه السلام (1).

إذا تجاوزنا هذه النقطة، فإنهم كانوا عاجزين عن مواجهة الإمام علیه السلام بعددهم القليل(2) . لذا كان عليهم، قبل كل شيء، أن يستقطبوا الناس حولهم من مختف المدن. وهكذا انطلقوا ومعهم سبعمائة شخص من مكة والمدينة ثم وصل عددهم إلى ثلاثة آلاف بعد انضمام جماعات إليهم من الأطراف والأكناف (3).

ص: 290


1- "قالوا: يا أم المؤمنين دعي المدينة فإن من معنا لا يقرنون لتلك الغوغاء التي بها وأشخصي معنا إلى البصرة فإنا نأتي بلداً مضيعاً وسيحتجون علينا في فيه ببيعة علي بن أبي طالب فتنهضينهم كما أنهضت أهل مكة". تاريخ الطبري، ج 3، ص 7 ، حوادث سنة 36 الهجرية، استئذان طلحة والزبير علياً.؛ "فأمرتهم عائشة بالخروج إلى المدينة واجتمع القوم على البصرة وردوها عن رأيها وقال لها طلحة والزبير: إنا نأتي أرضاً قد أضيعت وصارت إلى علي وقد أجبرنا علي على بيعته وهم محتجون علينا بذلك وتاركو أمرنا إلاّ أن تخرجي فتأمري بمثل ما أمرت بمكة ثم ترجعي". تاريخ الطبري، ج 3، ص9، حوادث سنة 36 الهجرية، استئذان طلحة والزبير علياً.
2- فاجتمعوا عند عائشة فأداروا الرأي فقالوا: نسير إلى المدينة فنقاتل علياً. فقال بعضهم: ليست لكم بأهل المدينة طاقة. أنساب الأشراف، ج3، ص21، وقعة الجمل.
3- فقالوا: نسير إلى علي فنقاتله. فقال بعضهم: ليس لكم طاقة بأهل المدينة، ولكنا نسير حتى ندخل البصرة والكوفة ولطلحة بالكوفة شيعة وهوى وللزبير بالبصرة هوى ومعونة. فاجتمع رأيهم على أن يسيروا إلى البصرة وإلى الكوفة. فأعطاهم عبد الله بن عامر مالاً كثيراً وإبلاً، فخرجوا في سبعمائة رجل من أهل المدينة ومكة ولحقهم الناس حتى كانوا ثلاثة آلاف رجل". تاريخ الطبري، ج3، ص9، حوادث سنة 36 الهجرية، استئذان طلحة والزبير علياً.

وكان أهل الكوفة من محبي أهل البيت الله علیهم السلام وأتباعهم ومن مخالفي حكم عثمان، فلم يكن التوجه إليها ممكناً عملياً (1). أما الشام فكان يسيطر عليها معاوية، ولم يكن مجدياً الذهاب إليها للأسباب التالية:

الأول: لم يسبق لمعاوية أن أبدى أي استعداد لمعاونة عثمان وإنقاذه من الموت، فكيف يحتمل أن يرضى بتسليم الشام إلى قادة الجمل ويقدم المساعدة لطلحة والزبير (2)؟ هذا وقد استدل بعض أعضاء الاجتماع التشاوري، ومنهم الوليد بن عقبة بهذا الدليل في معارضة التوجه إلى الشام.

ص: 291


1- "قیس بن سعد .... ولكنهما يقدمان البصرة وليس كل أهلها لهما، وتقدم الكوفة وكل أهلها لك". الإمامة والسياسة، ج1، ص 62 ، توجه عائشة وطلحة والزبير إلى البصرة.
2- "ثم شاوروا في المسير فقال الزبير عليكم بالشام، فيها الرجال والأموال وبها معاوية وهو عدو لعلي. فقال الوليد بن عقبة: لا والله ما في أيديكم من الشام قليل ولا كثير، وذلك أن عثمان بن عفان قد كان استعان بمعاوية لينصره وقد حوصر فلم يفعل وتربص حتى قتل لذلك يتخلص له الشام، أفتطمع أن أسلمها (هكذا: م) إليكم؟ مهلاً عن ذكر الشام وعليكم بغيرها". الفتوح، المجلد الأول، ص 454، ذكر خروج طلحة والزبير إلى مكة معتمراً زعماً وما أزمعا عليه من الخروج على علي علیه السلام والنكث بعده.

الثاني: نظراً إلى أن معاوية كان مطاعاً في الشام ومدعوماً من أهلها، فإنهم إن ذهبوا إليها وقعوا تحت هيمنته وأصبحوا أداة بيده (1).

الثالث: كان الهدف المشترك لأصحاب الجمل ومعاوية حرمان الإمام علي علیه السلام من الخلافة وإسقاط دولته؛ فإذا كانت الشام في قبضة معاوية وسيعمل على عزلها عن سيطرة الإمام علي علیه السلام، فلاب إذن من بسط السيطرة على العراق. وهذا ما طلبه معاوية من الزبير في رسالته إليه. فقد أكد له فيها بأنه مهد الشام وأخذ بيعة أهلها له وطلب منه أن يهتم بالبصرة والكوفة ويسبق الإمام علیه السلام إليهما (2).

كانت البصرة المدينة الوحيدة المناسبة لتنفيذ المؤامرة. فقد كانت موالية لعثمان وفيها مريدون لطلحة. كما كان لعبد الله بن عامر نفوذ فيها لأنه كان قبل ذلك عاملاً لعثمان عليها، وكان يصر على التوجه إليها(3). وقد خدع

ص: 292


1- "قالوا: فنسير إلى الشام فيه الرجال والأموال وأهل الشام شيعة لعثمان، فنطلب بدمه ونجد على ذلك أعواناً وأنصاراً ومشايعين. فقال قائل منهم هناك معاوية وهو والي الشام والمطاع به ولن تنالوا ما تريدون وهو أولى منكم لما تحاولون لأنه ابن عم الرجل". أنساب الأشراف، ج3، ص21، وقعة الجمل.
2- لعبد الله الزبير أمير المؤمنين من معاوية بن أبي سفيان: سلام عليك ... فدونك الكوفة والبصرة لا يسبقك إليها ابن أبي طالب فإنه لا شيء بعد هذين المصرين. وقد بايعت لطلحة بن عبيدالله من ،بعدك، فأظهرا الطلب بدم عثمان وادعوا الناس إلى ذلك وليكن منكما الجد والتشمير. شرح نهج البلاغة، ج1، ص231، أمر طلحة والزبير مع علي علیه السلام بعد بيعتهما له، الخطبة الثامنة.
3- "وقال القوم فيما ائتمروا به الشام، فقال عبد الله بن عامر: قد كفاكم الشام من يستمر في حوزته. فقال له طلحة والزبير فأين؟ قال: البصرة، فإن لي بها صنائع ولهم في طلحة هوى". تاريخ الطبري، ج3، ص، حوادث سنة 36 الهجرية، استئذان طلحة والزبير علياً.

طلحة والزبير بادعائه وجود إمكانيات له فيها وأنصار العثمان فيها. وهكذا، نتيجة لما تقدم، وقع اختيار المجتمعين على البصرة لتوجيه الجيش إليها.

يقول ابن قتيبة الدينوري: فقال الزبير: الشام بها الرجال والأموال وعليها معاوية وهو ابن عم الرجل ومتى نجتمع يولنا عليه. وقال عبد الله بن عامر البصرة، فإن غلبتم علياً فلكم الشام وإن غلبكم علي كان معاوية لكم جنة، وهذه كتب أهل البصرة إلي . فقال يعلى بن منية وكان داهياً: أيها الشيخان قدرا قبل أن ترحلا أن معاوية قد سبقكم إلى الشام وفيها الجماعة وأنتم تقدمون عليه غداً في فرقة وهو ابن عم عثمان دونكم. أرأيتم إن دفعكم عن الشام أو قال: أجعلها شورى ما أنتم صانعون؟ أتقاتلونه أم تجعلونها شوری فتخرجا منها؟ وأقبح من ذلك أن تأتيا رجلاً في يديه أمر قد سبقكما إليه وتريدا أن تخرجاه منه. فقال القوم فإلى أين؟ قال: إلى البصرة (1).

من المرجح أن يكون رفض عبد الله بن عامر ويعلى بن منية التوجه بالجيش إلى الشام في إطار مشروع أموي غفل عنه طلحة والزبير وعائشة.

توفير تكاليف الحرب

حسب التقارير التاريخية، فإن عمال عثمان وولاته هم الذين تكفلوا نفقات الحرب وقاموا بتمويلها. فقد سبق لأمثال يعلى بن منية وعبد الله بن

ص: 293


1- الإمامة والسياسة ، ج1، ص 60 ، توجه عائشة وطلحة والزبير إلى البصرة.

عامر وعبد الله بن أبي ربيعة أن نهبوا أموال بيت مال المسلمين في زمن حكمهم. وفيما يلي أسماء بعض من تولى تمويل حرب الجمل:

1- يعلى بن منية

يذكر ابن أعثم الكوفي أنه كان من عمال عثمان على اليمن (1). كان ينادي في الناس أن يا أيها الناس من أراد أن يخرج من بيته طلباً لدم عثمان فأنا كفيل بجهاز حربه(2).

ويقول الذهبي كان يعلى ينفق على عسكر الجمل كما ينفق الملوك (3).

إن يعلى بن منية هو الذي اشترى بماله جمل عائشة "عسكراً" بثمانين ديناراً أو مائتي دينار (4) وأقرض طلحة ستين ديناراً(5) لتقويته وقام بتجهيز خمسمائة محارب بالسلاح والعدة الحربية (6).

ص: 294


1- الفتوح، المجلد الأول، ص 452.
2- الجمل والنصرة لسيد العترة في حرب البصرة ، ص 232 ، تحريض المعارضين على الخروج.
3- سير أعلام النبلاء، ج3، ص101، ترجمة يعلى بن منية، الرقم 20.
4- مروج الذهب ومعادن الجوهر، ج2، ص 394، ذكر الأخبار عن يوم الجمل وبدئه وما كان فيهمن الحرب وغير ذلك.
5- الفتوح، المجلد الأول، ص 452 ، ذكر خروج طلحة والزبير إلى مكة معتمراً زعماً وما أزمعا عليه من الخروج على علي علیه السلام والنكث بعده.
6- العقد الفريد، ج 4، ص 325 ، كتاب العسجدة الثانية في الخلفاء وتواريخهم وأخبارهم ومن حديث يوم الجمل.

يقول الطبري : ومع يعلى ستمائة بعير وستمائة ألف، فأناخ بالأبطح معسكراً (وضعها تحت تصرف أصحاب الجمل لقتال الإمام علي علیه السلام) (1). بينما تتحدث تقارير أخرى عن مساهماته أخرى قام بها تمثلت في شراء أربعمائة بعير، وتقديم أربعمائة ألف درهم، واستئجار سبعين قرشياً لمساعدة أصحاب الجمل في الحرب، والتبرع بالأبقار والشياه والسلاح(2).

لما سمع الإمام علي علیه السلام بما أنفق يعلى من مال على جيش الجمل، قال: من أين له عشرة آلاف دينار!؟ سرقها من اليمن ثم جاء بها. والله إن ظفرت بابن منية وابن أبي ربيعة لأجعلن أموالهما في مال الله عزّ وجلّ(3).

ص: 295


1- تاريخ الطبري، ج 3، ص 7 و 8 ، حوادث سنة 36 الهجرية، استئذان طلحة والزبير علياً.
2- "أعان يعلى بن منية الزبير بأربعمائة ألف وحمل سبعين رجلاً من قريش". تاريخ الطبري، ج3، ص8، حوادث سنة 36 الهجرية، استئذان طلحة والزبير علياً. وانصرف عن اليمن عامل عثمان وهو يعلى بن منية فأتى مكة وصادف بها عائشة وطلحة والزبير ومروان بن الحكم في آخرين من بني أمية فكان ممن حرّض على الطلب بدم عثمان وأعطى عائشة وطلحة والزبير أربعمائة ألف درهم وكُراعاً وسلاحاً". مروج الذهب ومعادن الجوهر، ج2، ص 394 ، ذكر الأخبار عن يوم الجمل وبدئه وما كان من الحرب وغير ذلك.
3- "ولما اتصل بأمير المؤمنين علیه السلام خبر ابن أبي ربيعة وابن منية وما بذلاه من المال في شقاقه والفساد عليه، قال: والله إن ظفرت بابن منية وابن أبي ربيعة لأجعلن أموالهما في مال الله عزّ وجلّ. ثم قال: بلغني أن ابن منية بذل عشرة آلاف دينار في حربي من أين له عشرة آلاف دينار؟! سرقها من اليمن ثم جاء بها. لئن وجدته لأخذنه بما أقر به". الجمل والنصرة لسيد العترة في حرب البصرة، ص232، تحريض المعارضين على الخروج.

2- عبد الله بن عامر بن كريز

أحرز عبد الله بن عامر ثروة طائلة خلال حروب الخلفاء وفتوحاتهم وحصل على الكثير من العقارات والمزارع في العراق والشام والحجاز.

يقول ابن الأثير الجزري: وهو الذي اتخذ السوق بالبصرة، اشترى دوراً فهدمها وجعلها سوقاً. وهو أول من لبس الخز بالبصرة(1).

كان عبد الله بن عامر والياً على البصرة وخراسان من قبل عثمان(2). وحين آلت الخلافة لعلي بن أبي طالب علیه السلام، هرب عبد الله بن عامر إلى مكة ومنح الناكثين مليون درهم ومائة بعير (3). كان يدّعي أن له أنصاراً كثيرين في البصرة وأن بمقدوره أن يمد طلحة والزبير بمائة ألف مقاتل(4).

ص: 296


1- أسد الغابة في معرفة الصحابة، ج3، ص289، ترجمة عبد الله بن عامر بن كريز، الرقم 3033.
2- " واستعمله عثمان على البصرة سنة تسع وعشرين بعد أبي موسى وولاه أيضاً بلاد فارس بعد عثمان بن أبي العاص". أسد الغابة في معرفة الصحابة، ج3، ص289، ترجمة عبد الله بن عامر بن كريز، الرقم 3033 .
3- فجعل يقول لهما : أبشرا! فقد نلتما حاجتكما، والله لأمدنكما بمائة ألف سيف". الفتوح، المجلد الأول، ص 452، ذكر خروج طلحة والزبير إلى مكة معتمراً زعماً وما أزمعا عليه من الخروج على علي علیه السلام والنكث بعده.
4- "لي بها صنائع وعدد، فجهزهم بألف ألف درهم ومائة من الإبل وغير ذلك". مروج الذهب ومعادن الجوهر، ج2، ص 394 ، ذكر الأخبار عن يوم الجمل وبدئه وما كان فيه من الحرب وغير ذلك.

3- عبد الله بن أبي ربيعة

كان عبد الله بن أبي ربيعة عامل عثمان في صنعاء. وحين حوصر عثمان في بيته، غادر عبد الله بن أبي ربيعة صنعاء من أجل مؤازرته، ولكنه سمع بمقتله قبل أن يصل إليه فتوجه إلى مكة فسقط وهو في الطريق فأصيب في رجله. ولما سمع أن عائشة تعبئ الناس لأخذ الثار لعثمان، دخل المسجد فكان يصيح وهو جالس على السرير : أنا ضامن لنفقات كل من يساهم في الجهاد من أجل الثأر لعثمان .

بهذه الدعاية، نجح في أن يجهز الكثير من الرجال ويرسلهم لقتال الإمام علي علیه السلام، ولكنه هو نفسه لم يشارك في القتال بسبب الإصابة في رجله(1).

يقول الشيخ المفيد وكان قد صحب بن أبي ربيعة مال كثير فأنفقه في جهاز الناس إلى البصرة ( في معركة الجمل) (2).

ص: 297


1- وصار إلى مكة عبد الله بن أبي ربيعة، وكان عامل عثمان على صنعاء، فدخلها وقد انكسر فخذه وكان سبب ذلك ما رواه الواقدي عن رجاله أنه لما اتصل بابن أبي ربيعة حصر الناس لعثمان أقبل سريعاً لنصرته فلقيه صفوان بن أمية وهو على فرس يجري وعبد الله بن أبي ربيعة على بغلة، فدنا منها الفرس فحادت فطرحت ابن أبي ربيعة وكسرت فخذه وعرف أن الناس قد قتلوا عثمان فصار إلى مكة بعد الظهر فوجد عائشة يومئذ بها تدعو إلى الخروج للطلب بدم عثمان، فأمر بسرير فوضع له سرير في المسجد ثم حمل ووضع عليه وقال للناس: من خرج للطلب بدم عثمان فعلي جهازه فجهز ناساً كثيراً فحملهم ولم يستطع الخروج معهم لما كان برجله". الجمل والنصرة لسيد العترة في حرب البصرة، ص231، دعوة طلحة والزبير وعائشة إلى إثارة الفتنة.
2- الجمل والنصرة لسيد العترة في حرب البصرة ، ص 232، تحريض المعارضين على الخروج.

إن هؤلاء، الذين جمعوا الأموال الطائلة من نهب بيت مال المسلمين وبالطرق غير المشروعة ووظفوها ضد دولة الإمام علیه السلام، هم مصادیق بارزة لقوله تعالى (إن الذين كفروا ينفقون أموالهم ليصدوا عن سبيل الله فسينفقونها ثم تكون عليهم حسرة ثم يغلبون والذين كفروا إلى جهنم يحشرون)(1).

لئن كان أبوسفيان استأجر ألفي رجل يوم أحد لقتال المسلمين وقتل نبيهم صلی الله علیه وآله وسلم فإن أمثال يعلى بن منية وعبد الله بن أبي ربيعة قد حذوا حدوه في استعمال الأموال التي سرقوها لمقاتلة أمير المؤمنين علیه السلام (2).

كما حدث ذات يوم أن كلف اثنا عشر رجلاً من قريش هم أبوجهل بن هشام وعتبة بن ربيعة وشيبة بن ربيعة ونبيه بن الحجاج ومنية بن الحجاج وأبوالبخترى بن هشام والنضر بن الحارث وحكيم بن حزام وأبيّ بن خلف وزمعة بن الأسود والحرث بن عامر بن نوفل والعباس بن عبد المطلب بأن يتولى كل واحد منهم إطعام الأعراب الكفار يوماً لإعدادهم لقتال المسلمين، حدث الأمر نفسه ضد أمير المؤمنين علیه السلام إذ تبرع أمثال يعلى بن منية وعبد

ص: 298


1- سورة الأنفال 8: الآية 36.
2- "قيل: نزلت في أبي سفيان بن حرب استأجر يوم أحد ألفين من الأحابيش يقاتل بهم النبي صلى الله عليه وآله وسلم سوى من استجاشهم من العرب". مجمع البيان في تفسير القرآن، ج 4 ، ص 618 ، ذيل الآية 36 من سورة الأنفال.

الله بن أبي ربيعة بأموالهم وأنعامهم وأغنامهم لقادة الفتنة لإشباع بطون أهل الفتنة (1).

جمل خاص لعائشة

يقول ابن أبي الحديد في تقريره عن شراء جمل خاص لعائشة: لما عزمت عائشة على الخروج إلى البصرة طلبوا لها بعيراً أيداً (قوياً) يحمل هودجها، فجاءهم يعلى بن منية ببعيره المسمى عسكراً وكان عظيم الخلق شديداً. فلما رأته أعجبها وأنشأ الجمال يحدثها بقوته وشدته ويقول في أثناء كلامه: عسكر. فلما سمعت هذه اللفظة استرجعت وقالت ردوه لا حاجة لي فيه. وذكرت حين سئلت أن رسول الله الله صلی الله علیه وآله وسلم ذكر لها هذا الاسم ونهاها عن ركوبه. وأمرت أن يطلب لها غيره، فلم يوجد لها ما يشبهه، فغير لها بجلال غير جلاله. (وقالوا لها: جئناك ببعير أقوى وأعظم. فرضيت به)(2).

ص: 299


1- "وقيل: نزلت في المطعمين يوم بدر وكانوا اثني عشر رجلاً؛ أبوجهل بن هشام وعتبة وشيبة ابنا ربيعة بن عبدشمس ونبيه ومنية ابنا الحجاج وأبو البختري بن هشام والنضر بن الحارث وحكيم بن حزام وأبي بن خلف وزمعة بن الأسود والحرث بن عامر بن نوفل والعباس بن عبد المطلب وكلهم من قريش وكان كل يوم يطعم واحد منهم عشر جزر". مجمع البيان في تفسير القرآن، ج4، ص618، ذيل الآية 36 من سورة الأنفال.
2- شرح نهج البلاغة، ج 6، ص 224، أخبار عائشة في خروجها من مكة إلى البصرة بعد مقتل عثمان، الخطبة 79 .

تفيد بعض التقارير التاريخية أن يعلى بن منية اشترى ذلك البعير من رجل من قبيلة عُرينة وأعطاه لعائشة.

لقد أعطى يعلى بن منية عائشة جملاً اسمه عسكر. وكان قد اشتراه بثمانين ديناراً وقيل بمائتي دينار (1) وقيل أربعمائة درهم(2). قال العُرني: بينما أنا أسير على جمل إذ عرض لي راكب فقال: أتبيع جملك؟ قلت: نعم. قال: بكم؟ قلت: بألف درهم قال: أمجنون أنت؟ قلت: ولم؟ والله ما طلبت عليه أحداً إلاّ أدركته، ولا طلبني وأنا عليه أحد إلاّ فتّه. قال: لو تعلم لمن نريده! إنما نريده لأم المؤمنين عائشة. فقلت: خذه بغير ثمن! قال: بل ترجع معنا إلى الرحل فنعطيك ناقة ودراهم. قال: فرجعت معه فأعطوني ناقة مهرية وأربعمائة درهم أو ستمائة (3).

وتفيد روايات أخرى أن سلمان الفارسي [كان] إذا رأى الجمل الذي يقال له عسكر يضربه فيقال: يا أبا عبد الله ما تريد من هذه البهيمة؟ فيقول: ما هذا بهيمة، ولكن هذا عسكر بن كنعان الجني! يا إعرابي! لا ينفق جملك

ص: 300


1- اشتراه يعلى بن منية من رجل من عرينة بمائتي دينار البداية والنهاية، ج7، ص 242، حوادث سنة 36 الهجرية، ابتداء وقعة الجمل.
2- اشتروا عسكراً بسبعمائة درهم وكان شيطاناً". بحار الأنوار الجامعة لدرر أخبار الأئمة الأطهار، ج 2، ص 383، کتاب تاریخ نبینا صلی الله علیه وآله وسلم ، الباب 11 كيفية إسلام سلمان ومكارم أخلاقه وبعض مواعظه وسائر أحواله، ذيل الحديث ،16، نقلاً عن اختيار معرفة الرجال، ص 76، ترجمة سلمان الفارسي، الحديث 31 .
3- "قيل: بل كان جملها لرجل من عرينة. قال العرني : ......". الكامل في التاريخ، ج2، ص315، حوادث سنة 36 الهجرية، ذكر ابتداء وقعة الجمل.

[ لا ينفق عليك] (لا تَبِعه) هاهنا، ولكن اذهب به إلى الحوأب فإنك تعطى به ما تريد(1).

يقول العلاّمة المجلسي في شرح الرواية: بيان: هذا مما أخبر به سلمان قبل وقوعه مما علم من علم المنايا والبلايا. ( من رسول الله صلی الله علیه وآله وسلم)(2) .

لقد كانت تلك الواقعة واضحة لعائشة كالشمس في رابعة النهار ، لذا حين سمعت باسم "عسكر" رفضت ركوبه حتى اضطروا إلى تغيير جلاله ليخدعوها عنه.

إنه الجمل الذي وصفته بعض الروايات بالشيطان. يقول الإمام الصادق علیه السلام نقلاً عن أمير المؤمنين علیه السلام : في رواية أن النبي قال لعائشة: يا عائشة! إنك لتقاتلين علياً ويصحبك ويدعوك إلى هذا نفر من أهل بيتي وأصحابي فيحملونك، وليكونن في قتالك له أمر يتحدث به الأولون والآخرون. وعلامة ذلك أنك تركبين الشيطان (3).

ص: 301


1- بحار الأنوار الجامعة لدرر أخبار الأئمة الأطهار، ج22، ص 383 ، كتاب تاريخ نبينا صلی الله علیه وآله وسلم، الباب 11، كيفية إسلام سلمان ومكارم أخلاقه وبعض مواعظه وسائر أحواله، الحديث 17 نقلاً عن اختيار معرفة الرجال، ص 75 ، ترجمة سلمان الفارسي، الحديث 30.
2- بحار الأنوار الجامعة لدرر أخبار الأئمة الأطهار، ج22، ص 383، کتاب تاریخ نبینا صلی الله علیه وآله وسلم، الباب 11، كيفية إسلام سلمان ومكارم أخلاقه وبعض مواعظه وسائر أحواله، ذيل الحديث 17.
3- "فقال لها : ....". الاحتجاج على أهل اللجاج، ج1، ص 471 ، حديث الطير المشوي، الحديث 112.

إعلام التحشيد

بعد أن عزم رؤوس الفتنة على قتال علي علیه السلام ، كان المنادي ينادي في مكة كل يوم: إن أم المؤمنين وطلحة والزبير شاخصون إلى البصرة، فمن كان يريد إعزاز الإسلام وقتال المحلين والطلب بثأر عثمان ولم يكن عنده مركب ولم يكن له جهاز فهذا جهاز وهذه نفقة. فحملوا ستمائة رجل على ستمائة ناقة سوى من كان له مركب. وكانوا جميعاً ألفاً وتجهزوا بالمال ونادوا بالرحيل واستقلوا ذاهبين (1).

العذر الأقبح من الذنب

عند خروج طلحة والزبير من مكة، جاءهما عبد الله بن خلف وقال لهما: إن أهل الحجاز لا يعلمون من قتل عثمان إلاّ ما سمعوه من أهل العراق وإن تحريضكما الناس على عثمان وخلق الفتنة والفساد من قبلكما لا يخفى على أحد ولا عذر لمعتذر لكما فيه ولا يجديكما أي تبرير لما فعلتما. إن أفضل ما يقوله الناس فيكما إنكما لم تنصرا عثمان وإن الناس جميعاً قد بايعوا علياً علیه السلام . فما الذي ستقولونه للناس غداً إذا لقيتموهم؟

ص: 302


1- "فنادى المنادي إن .... ". تاريخ الطبري، ج3، ص8، حوادث سنة 36 الهجرية، استئذان طلحة والزبير علياً. وبالمضمون نفسه الجمل والنصرة لسيد العترة في حرب البصرة، ص233، تحريض المعارضين الناس على الخروج.

قال طلحة إنا ننكر مشاركتنا في قتله ونعترف بعدم نصرته ونقول إننا نتوب من فعلتنا.

وقال الزبير : نقول إننا بايعنا علياً مكرهين والسيوف على رقابنا لأن الناس هجموا على علي بن أبي طالب يبايعونه دون مشورتنا. أما قتل عثمان، فإننا لم نشارك فيه خطأ فندفع ديته ولم نقتله عمداً فيجري علينا القصاص.

فقال عبد الله بن خلف إنه عذر أقبح من الفعل.

يتضمن هذا التقرير نقاطاً هامة، منها:

النقطة الأولى: أن طلحة والزبير كانا مستعدين للإجابة عن قتل عثمان. يُفهم من التقرير أن مشاركتهما في قتل عثمان كانت مؤكدة، فكان لزاماً عليهما أن يهيئا جواباً عليها قبل الدخول في القتال. وهذا ما فكرا به مسبقاً.

النقطة الثانية: أن البيعة العمومية للإمام علي علیه السلام كان مسلّما بها حتى من قبل عبد الله بن خلف. إذن لابد من توفير جواب عليها.

النقطة الثالثة: التصريحات الكاذبة حول التوبة من الأفعال السابقة.

النقطة الرابعة: الادّعاء الكاذب حول البيعة القسرية للإمام علي علیه السلام.

النقطة الخامسة : أن التبريرات التي استند إليها طلحة والزبير لإثارة الفتنة وإشعال الحرب كانت مضحكة حتى اعتبرها عبد الله بن خلف عذراً أقبح من الفعل.

ص: 303

النقطة السادسة: فقدان البيعة العمومية للإمام علي علیه السلام أهميتها بسبب عدم تحقق مشورة طلحة والزبير فيها. يُفهم من هذه النقطة أن عموم المسلمين كانوا في كفة وطلحة والزبير في الكفة الأخرى، وأن كفة طلحة والزبير أثقل من كفة سائر الناس، لذا فما لم تحصل موافقة هذين الرجلين فلا قيمة لإجماع المسلمين، وأنه إذا أبدى هذان الرجلان رأياً فلا وزن لمعارضة باقي الناس لرأيهما! فهل هذا هو الواقع؟

خروج أصحاب الجمل وردود أفعال المهاجرين والأنصار

لما تهيأ أصحاب الجمل للتحرك صوب البصرة، كان طلحة والزبير يحثان الناس بالإسراع في الحركة ليسبقوا علياً علیه السلام ولا يواجهوه في الطريق. ولما رأى المهاجرون والأنصار خروجهما على أمير المؤمنين علیه السلام قالوا لهما: يا هذان إن كانت بيعتكما علياً هدى (الآن) فأنتما على ضلالة وإن كانت على ضلالة فلسنا نجيبكما إليها . فتفرق (جماعة من الناس عليهما (1).

ص: 304


1- ولما تهيأ القوم للمسير إلى البصرة وقد استنفروا الناس، قال طلحة والزبير: تسرعوا نسبق علياً من خلاف طريقه. فاستنفروا الناس فقام المهاجرون والأنصار فقالوا لهما .....". أخبار الجمل، ص40، امتناع المهاجرين والأنصار عن الخروج مع الناكثين.

ميمونة وتشجيع الناس على نصرة الإمام علي علیه السلام

كانت ميمونة من زوجات النبي اللائي أيدن الإمام علياً علیه السلام وشجعن المسلمين على الوقوف معه ومؤازرته. فهي عندما سمعت بتمرد طلحة والزبير على الإمام علیه السلام قالت لمن أخبرها بالخبر ثلاث مرات: الحق به (بعلي) فوالله ما ضَل ولا ضُل به (1)!

عدا ما تعلق بموقف عائشة وحفصة وأم سلمة وميمونة، لا توفر لنا التقارير التاريخية أخباراً عن مواقف سائر أزواج النبي صلی الله علیه وآله وسلم من حرب الجمل، إلا ما كتبه ابن حبان في هذا الخصوص. يقول : وشيّعهم نساء النبي وكان كلهن بمكة حاجات إلاّ أم سلمة فإنها سارت إلى المدينة (2).

لما لم تنجح أم سلمة في ثني عائشة عن الحرب، أرسلت من فورها رسالة إلى الإمام علي علیه السلام تعلمه فيها عما يجري في مكة. ووصفت، في رسالتها،

ص: 305


1- " لما كان بين أهل البصرة الذي كان بينهم وبين علي بن أبي طالب انطلقتُ حتى أتيت المدينة فأتيت ميمونة بنت الحارث وهي من بني هلال فسلمت عليها، فقالت: ممن الرجل؟ قلت: من أهل العراق. :قالت من أي أهل العراق؟ قلت من أهل الكوفة قالت من أي أهل الكوفة؟ قلت: من بني عامر. فقالت: مرحا (هكذا، وربما مرحى م) قرباً على قرب ورحباً على رحب فمجيء ما جاء بك؟ قلت: كان بين علي وطلحة والزبير الذي كان فأقبلت فبايعت علياً. قالت: فالحق به! فوالله ما ضَلّ ولا ضُلّ به. حتى قالتها ثلاثا". المعجم الكبير، ج 24 ، ص 9 ، جري بن سمرة عن ميمونة، الحديث 12. "رواه الطبراني ورجاله رجال الصحيح غير جري بن سمرة وهو ثقة مجمع الزوائد ومنبع الفوائد، ج9، ص134، باب الحق مع علي علیه السلام.
2- "وشيعهم نساء النبي وكان كلهن بمكة حاجات إلاّ أم سلمة فإنها سارت إلى المدينة. فلما بلغوا ذات عرق ودعت أزواج النبي صلی الله علیه وآله وسلم انصرفن ومضت عائشة". كتاب الثقات، ج1، ص280، فلما دخلت السنة السادسة والثلاثون .

طلحة والزبير وأتباعهما بالضالين المرافقين لعائشة إلى البصرة. وذكرت أن عبد الله بن عامر بن كريز أحد أتباع طلحة والزبير وأن شعارهم مظلومية عثمان والطلب بدمه ولعنتهم في رسالتها ودعت عليهم. وقالت في رسالتها: أما بعد، فإن طلحة والزبير وعائشة وبنيها بنى السوء وشيعة الضلال خرجوا مع ابن الجزار عبد الله بن عامر إلى البصرة يزعمون أن عثمان بن عفان قتل مظلوماً وأنهم يطلبون بدمه والله كافيكم وجعل دائرة السوء عليهم إن شاء الله تعالى. وتالله لولا ما نهى الله عزّ وجلّ عنه من خروج النساء من بيوتهن وما أوصى به رسول الله صلی الله علیه وآله وسلم عند وفاته الشخصت معك. ولكن قد بعثت إليك بأحب الناس إلى النبي الله صلی الله علیه وآله وسلم وإليك ابن عمر بن أبي سلمة، والسلام. فجاء عمر بن أبي سلمة إلى علي علیه السلام فصار معه وكان له فضل وعبادة وعقل(1)

يقول ابن أبي الحديد: فلما قدم همر على علي أكرمه، ولم يزل مقيماً معه حتى شهد مشاهده كلها ووجهه أميراً على البحرين (2).

يفيد البلاذري بأن السيدة أم سلمة أخذت بيد ابنها عمر بنفسها وسلمته إلى الإمام علي علیه السلام وقالت: قد دفعته إليك وهو أعزّ عليّ من نفسي

ص: 306


1- شرح نهج البلاغة، ج 6، ص219، أخبار عائشة في خروجها من مكة إلى البصرة بعد مقتل عثمان، الخطبة 79 .
2- "قال: فلما ....". شرح نهج البلاغة، ج 6، ص219، أخبار عائشة في خروجها من مكة إلى البصرة بعد مقتل عثمان الخطبة 79 .

فليشهد مشاهدك حتى يقضي الله ما هو قاض. فلولا مخالفة رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم لخرجت معك (1).

يقول عمر بن أبي سلمة: قالت لي أمي: يا بني الزمه (تعني علياً علیه السلام فلا والله ما رأيت بعد نبيك إماماً غيره (2).

يفيد سليم بن قيس في رواية له بأن عمر بن أبي سلمة كان أمين أهل البيت علیهم السلام وأن أمير المؤمنين علیه السلام كان يحدث أصحابه بأحاديث سرية بحضوره.

يقول سليم بن قيس: انتهيت إلى حلقة في مسجد رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم ليس

فيها إلاّ هاشمي غير سلمان وأبي ذر والمقداد ومحمد بن أبي بكر وعمر بن أبي سلمة وقيس بن سعد بن عبادة. فقال العباس لعلي علیه السلام: ما ترى عمر منعه من أن يُغرم قنفذاً كما أغرم جميع عماله؟ فنظر علي إلى من حوله ثم اغرورقت عيناه [ بالدموع] ثم قال : شكر له ضربة ضرب بها فاطمة علیه السلام بالسوط فماتت وفي عضدها أثره كأنه الدملج (3).

ص: 307


1- أنساب الأشراف، ج2، ص 62 ، أزواج رسول الله صلی الله علیه وآهل وسلم ولده. وممن كان مع علي علیه السلام سلمة ومحمد ابنا أبي سلمة وأمهما أم سلمة زوج النبي صلی الله علیه وآله وسلم ، أتت بهما إلى علی علیه السلام فقالت: هما عليك صدقة، فلو حسن بي أن أخرج لخرجت معك". شرح الأخبار في فضائل الأئمة الأطهار، ج2، ص19، کتاب ابن أبي رافع.
2- عن عمر بن أبي سلمة ... قالت لي أمي ... . ". بصائر الدرجات في فضائل آل محمد صلی الله علیه وآله وسلم ، ج1، ص298، باب في الأئمة الله وأنه صارت إليهم كتب رسول الله صلی الله علیه وآله وسلم وأمير المؤمنين علیه السلام ، الحديث 4 و16 و23.
3- عن سليم قال : .....". كتاب سليم بن قيس الهلالي، ج2، ص 675 ، الحديث 14؛ بحار الأنوار الجامعة لدرر أخبار الأئمة الأطهار، ج30، ص303، کتاب الفتن والمحن، الباب 20 كفر الثلاثة ونفاقهم ...،الحديث 152.

رسالة أم الفضل إلى الإمام علي علیه السلام

كما بعثت أم الفضل (1)، زوجة العباس بن عبد المطلب، من فورها رسالة من مكة إلى الإمام علي علیه السلام تخبره فيها عن خروج طلحة والزبير وعائشة. وصفت أم الفضل أتباع طلحة والزبير بأنهم في قلوبهم مرض ثم أعطت الساعي مائة دينار وأمرته بأن يأخذ الرسالة إلى أمير المؤمنين علیه السلام بأقصى سرعة وإن كلفه ذلك إبدال جمل في كل منزل(2).

ص: 308


1- اسمها لبابة وهب ابنة الحارث بن حزن وزوجة العباس بن عبد المطلب. يقال إنها أول امرأة أسلمت بعد خديجة وتُعد في زمرة رسول الله صلی الله علیه وآله وسلم أنجبت للعباس ستة أولاد لم ترد امرأة مثلما ولدت. تزوجت أخواتها الثلاث ميمونة وسلمى وأسماء برسول الله صلی الله علیه وآله وسلم و الحمزة بن عبد المطلب وجعفر الطيار على التوالي. بعد استشهاد جعفر، تزوجت أسماء بأبي بكر ثم تزوجت بالإمام علي علیه السلام. "البابة بنت الحارث أم الفضل وهي زوج العباس بن عبد المطلب وأم الفضل وعبد الله ومعبد وعبيدالله وقثم وعبد الرحمن وغيرهم من بني العباس وهي لبابة الكبرى وهي أخت ميمونة زوج النبي صلی الله علیه وآله وسلم . يقال إنها أول امرأة بعد أسملت خديجة. ولدت للعباس ستة رجال لم تلد امرأة مثلهم. ولبابة أخت أسماء وسلمى وميمونة. فرسول الله صلی الله علیه وآله وسلم زوج ميمونة، والعباس زوج لبابة الكبرى، وجعفر بن أبي طالب وأبوبكر وعلي بن بن أبي طالب زوج أسماء بنت عميس وحمزة بن عبد المطلب زوج سلمى". أسد الغابة في معرفة الصحابة، ج7، ص241، ترجمة لبابة بنت الحارث، الرقم 7252؛ تنقيح المقال في علم الرجال، ج3، ص73، من فصل النساء، ترجمة أم الفضل.
2- "وكتبت أم الفضل بنت الحارث إلى علي علیه السلام : أما بعد فإن طلحة والزبير وعائشة قد خرجوا من مكة يريدون البصرة وقد استنفروا الناس إلى حربك ولم يخفّ معهم إلى ذلك إلاّ من كان في قلبه مرض. قال: ثم دفعت أم الفضل هذا الكتاب إلى رجل من جهينة له عقل ولسان يقال له ظفر فقالت: خذ هذا الكتاب وانظر أن تقتل في كل مرحلة بعيراً وعليّ ثمنه وهذه مائة دينار قد جعلتها لك، فجدّ السير حتى تلقى علي بن أبي طالب فتدفع إليه كتابي هذا". الفتوح، المجلد الأول، ص 457، ذكر كتاب أم سلمة إلى علي بن أبي طالب تخبره بأمر عائشة وطلحة والزبير.

رسالة عقيل بن أبي طالب إلى أمير المؤمنين علیه السلام

كان عقيل، أخو الإمام علیه السلام ، في مكة معتمراً. فلما شاهد ما جرى فيها بعث برسالة إلى الإمام علیه السلام يخبره بمجريات الأحداث ويعلن عن استعداده وأبنائه لنصرته علیه السلام.

يقول ابن قتيبة الدينوري عن مضمون رسالة عقيل بن أبي طالب إلى أخيه الإمام عليه علیه السلام : أما بعد يا أخي كلاك الله، والله جائرك من كل سوء وعاصمك من كل مكروه على كل حال. وإني خرجت معتمراً فلقيت عائشة معها طلحة والزبير وذووهما وهم متوجهون إلى البصرة قد أظهروا الخلاف ونكثوا البيعة وركبوا عليك قتل عثمان وتبعهم على ذلك كثير من الناس من طعناتهم وأوباشهم. ثم مر عبد الله بن أبي سرح في نحو من أربعين راكباً من أبناء الطلقاء من بني أمية.. فاكتب إلي يا ابن أمي برأيك وأمرك فإن كنت الموت تريد تحملت إليك بيني (هكذا، وربما ببني: م) أخيك وولد أبيك، فعشنا ما عشت ومتنا معك إذا مت فوالله ما أحب أن أبقى بعدك. فوالله الأعز الأجل إن عيشاً أعيشه بعد في الدنيا لغير هنيء ولا مريء ولا نجيع.

فردّ الإمام علىه السلام عقيل بأن قريشاً اتفقت على حربه هو. قال: يا أخي! طال ما كاد رسول الله صلی الله علیه وآله وسلم و وصد عن كتابه وسنته وبغاها عوجاء. فدع ابن أبي سرح وقريش وتركاضهم في الضلال، فإن قريشاً قد اجتمعت على حرب أخيك اجتماعها على رسول الله صلی الله علیه وآله وسلم القبل اليوم، وجهلوا حقي وجحدوا فضلي ونصبوا لي الحرب وجدّوا في إطفاء نور الله. اللهم فاجز قريشاً عنى بفعالها فقد قطعت رحمي وظاهرت عليّ وسلبتني سلطان ابن عمي وسلّمت ذلك لمن ليس في قرابتي وحقي في

ص: 309

الإسلام وسابقتي التي لا يدعي مثلها مدع إلا أن يدعي ما لا أعرف ولا أظن الله يعرفه. فإن رأيي جهاد المحلين حتى ألقى الله ، لا يزيدني كثرة الناس حولي عزة ولا تفرقهم عني وحشة لأني محق والله مع المحق، وما أكره الموت على الحق لأن الخير كله بعد الموت لمن عقل ودعا إلى الحق (1).

ص: 310


1- فكتب إليه علي علیه السلام : يا أخي ....". الإمامة والسياسة، ج1، ص 54، خروج علي من المدينة؛ الغارات، ج2، ص 428 ، غارة الضحاك بن قيس ولقيه حجر بن عدي وهزيمته.

الفصل الخامس: المتمردون في طريقهم إلى البصرة

اشارة

ص: 311

ص: 312

بداية هموم الإمام علي علیه السلام

عندما انطلق طلحة والزبير صوب البصرة ليسبقا أمير المؤمنين علیه السلام إليها، كتب قثم بن عباس إلى أمير المؤمنين علیه السلام يخبره بما فعل الرجلان ومعهما عائشة. حين وصل كتاب قثم (1) إلى الإمام علیه السلام امتلأ قلب الإمام همّاً. لقد كلّف هذا الموقف، الذي صدر من طلحة والزبير وعائشة، الناسَ ثمناً باهظاً وأسقطهم من عيونهم. حينها قام قيس بن سعد في من قام وقال: يا أمير المؤمنين إنه والله ما غمّنا بهذين الرجلين كغمنا بعائشة. لأن هذين الرجلين حلالا الدم عندنا لبيعتهما ونكثهما، ولأن عائشة من علمت مقامها في الإسلام ومكانها من رسول الله مع فضلها ودينها وأمومتها منا ومنك. ولكنهما يقدمان البصرة وليس كل أهلها لهما، وتقدم الكوفة وكل أهلها لك، وتسير بحقك إلى باطلهم. ولقد كنا نخاف أن يسيرا إلى الشام فيقال: صاحبا رسول الله وأم المؤمنين فيشتد البلاء وتعظم الفتنة (2).

ص: 313


1- ليس واضحاً، من الناحية التاريخية، متى أصبح قثم بن عباس والياً على مكة. لأن بعض النصوص تفيد بأن الإمام علياً علیه السلام عيّنه في هذا المنصب عندما غادر المدينة. بل إن نصوصاً أخرى تقول إن الإمام علیه السلام استخلفه على المدينة نائباً عنه.
2- "وكتب قثم بن عباس إلى علي يخبره أن طلحة والزبير وعائشة قد خرجوا من مكة يريدون البصرة وقد استنفروا الناس ... فلما قدم على عليّ كتابُه غمه ذلك وأعظمه الناس وسقط في أيديهم. فقام قيس بن سعد بن عبادة فقال : .....". الإمامة والسياسة، ج1، ص 62 ، توجه عائشة وطلحة والزبير إلى البصرة.

سعيد بن العاص يكشف عن قتلة عثمان

يقول ابن قتيبة الدينوري: ولما نزل طلحة والزبير وعائشة بأوطاس من أرض خيبر ( ومنزل ذات عرق الليلي)، أقبل سعيد بن العاص على نجيب له فأشرف على الناس ومعه المغيرة بن شعبة، فنزل وتوكأ على قوس له سوداء، فأتى عائشة فقال لها: أين تريدين يا أم المؤمنين؟ قالت: أريد البصرة. قال: وما تصنعين بالبصرة؟ قالت: أطلب بدم عثمان قال: فهؤلاء قتلة عثمان معك. ثم أقبل على مروان فقال له: وأنت أين تريد أيضاً؟ قال: البصرة. قال: وما تصنع بها؟ قال: أطلب قتلة عثمان. قال: فهؤلاء قتلة عثمان معك. إن هذين الرجلين قتلا ،عثمان، طلحة والزبير وهما يريدان الأمر لأنفسهما. فلما غُلبا عليه :قالا نغسل الدم بالدم والحوبة بالتوبة (1).

وقال المغيرة بن شعبة أيضاً: أيها الناس إن كنتم إنما خرجتم مع أمكم فارجعوا بها خيراً لكم. وإن كنتم غضبتم لعثمان فرؤساؤكم قتلوا عثمان. وإن كنتم نقمتم على علي شيئاً فبينوا ما نقمتم عليها أنشدكم الله فتنتين في عام واحد. فلحق سعيد بن العاص باليمن والمغيرة بالطائف فلم يشهد شيئاً من حروب الجمل ولا صفين (2).

ويقول الطبري كذلك: لقي سعيد بن العاص مروانَ بن الحكم وأصحابه بذات عرق، فقال: أين تذهبون وثأركم على أعجاز الإبل؟ اقتلوهم

ص: 314


1- الإمامة والسياسة، ج1، ص 63 ، توجه عائشة وطلحة والزبير إلى البصرة.
2- " ثم قال المغيرة بن شعبة : ......". الإمامة والسياسة، ج1، ص 63 ، توجه عائشة وطلحة والزبير إلى البصرة.

ثم ارجعوا إلى منازلكم، لا تقتلوا أنفسكم قالوا: بل نسير، فلعلنا نقتل قتلة عثمان جميعاً. فخلا سعيد بطلحة والزبير فقال: إن ظفرتما، لمن تجعلان الأمر؟ أصدقاني! قالا لأحدنا، أينا اختاره الناس. قال: بل اجعلوه لولد عثمان، فإنكم خرجتم تطلبون بدمه :قالا ندع شيوخ المهاجرين ونجعلها لأبنائهم ؟؟

وقال المغيرة بن شعبة الرأي ما رآه سعيد. كل من كان هنا من ثقیف فليعد! وعاد هو (1).

وجاء في تقرير آخر خرج المغيرة وسعيد بن العاص معهم (مع أصحاب الجمل) مرحلة من مكة، فقال سعيد للمغيرة: ما الرأي؟ قال: الرأي والله الاعتزال، فإنهم ما يفلح أمرهم. فإن أظفره الله أتيناه (المؤلف يقول: فإن أظفرهم الله أتيناهم :م) فقلنا : كان هوانا وصغونا (هكذا، وربما صفونا: م) معك. (فاعتزل سعيد والمغيرة جيش الجمل) فجاء سعيد مكة فأقام بها(2).

ص: 315


1- قال: لقي سعيد بن العاص .....". تاريخ الطبري، ج 3، ص9، حوادث سنة 36 الهجرية، استئذان طلحة والزبير علياً.
2- تاريخ الطبري، ج 3، ص 8، حوادث سنة 36 الهجرية، استئذان طلحة والزبير علياً.

من هو المغيرة بن شعبة؟

عندما آلت الخلافة إلى الإمام علي علیه السلام، لم يبايعه المغيرة بن شعبة(1) ولم ينصره في الجمل ولا في صفين، بل ترك المدينة متوجهاً إلى مكة ومعه سعيد بن العاص بن سعيد بن العاص بن أمية ومروان بن الحكم بن أبي العاص بن أمية وعبد الرحمن بن عتّاب بن أسيد بن أبي العاص بن أمية، وقرروا على اعتزال الإمام علي علیه السلام والطلب بدم عثمان (2). يقول الشيخ المفيد: عند نهوض علي بن أبي طالب علیه السلام من المدينة إلى البصرة إذ أقبل عمار بن ياسر ( على المغيرة بن شعبة) فقال له: هل لك في الله عزّ وجلّ يا مغيرة؟ فقال: وأين هو لي عمار؟ قال: تدخل في هذه الدعوة فتلحق بمن سبقك وتسود من خلفك. فقال له المغيرة أو خير من ذلك يا أبا اليقظان؟ قال :عمار وما هو؟ قال: ندخل بيوتنا ونغلق علينا أبوابنا حتى يضيء لنا الأمر فنخرج ونحن مبصرون ولا نكون كقاطع السلسلة أراد الضحك فوقع في الغم. فقال له عمار هيهات هيهات جهل بعد علم وعمى بعد استبصار؟ ولكن اسمع قولي، فوالله لن تراني إلاّ في الرعيل الأول. (فطلع عليهما أمير المؤمنينعلیه السلام فقال): يا أبا اليقظان ما يقول لك الأعور؟ فإنه والله دائباً يلبس الحق بالباطل ويموه فيه

ص: 316


1- "لما قتل عثمان بايعت الأنصار علياً إلا نفيراً يسيراً، منهم حسان بن ثابت ... والمغيرة بن شعبة". تاريخ الطبري، ج 2، ص 698 ، حوادث سنة 35 الهجرية، ذكر الخبر عن بيعة من بايعه والوقت الذي بويع فيه؛ الكامل في التاريخ، ج2، ص 303 ، حوادث سنة 35 الهجرية، بيعة أمير المؤمنين علي بن أبي طالب.
2- "وكان بمكة سعيد بن العاص بن سعيد بن العاص بن أمية ومروان بن الحكم بن أبي العاص بن أمية وعبد الرحمن بن عتاب بن أسيد بن أبي العاص بن أمية والمغيرة بن شعبة الثقفي قد شخصوا من المدينة فأجمعوا على فراق علي والطلب بدم عثمان والمغيرة يحرّض الناس ويدعوهم إلى الطلب بدمه". أنساب الأشراف، ج3، ص23، وقعة الجمل.

ولن يتعلق من الدين إلاّ بما يوافق الدنيا. ويحك يا مغيرة! إنها دعوة تسوق من يدخل فيها إلى الجنة. فقال المغيرة: صدقت يا أمير المؤمنين إن لم أكن معك فلن أكون عليك (1).

بعد صفين، وفي أثناء التحكيم، التحق المغيرة بمعاوية(2) الذي ولاّه الكوفة بعد عقد الصلح مع الإمام الحسن علیه السلام(3).

يقول الإمام علي علیه السلام: ما يبالي المغيرة أي لواء رفع لواء ضلالة أو لواء هدى(4) .

كان المغيرة بن شعبة من الذين شاركوا عمر في الهجوم على دار الزهراء علیها السلام(5). ويقول الإمام الحسن علیه السلام إنه ضرب فاطمة علیها السلام(6). وقد كافأه عمر عليا

ص: 317


1- "إني لواقف مع المغيرة بن شعبة عند نهوض علي بن أبي طالب علیه السلام.....". أمالي الشيخ المفيد، ص 218، المجلس الخامس والعشرون الحديث الخامس؛ تاريخ دمشق الكبير، ج 63، ص32، ترجمة المغيرة بن شعبة، الرقم 7743؛ الإمامة والسياسة، ج1، ص 50، خطبة علي علیه السلام.
2- "واعتزل ،صفين، فلما كان حين الحكمين لحق بمعاوية". تهذيب الكمال في أسماء الرجال، ج18، ص308، ترجمة المغيرة ، الرقم 6726 .
3- "فلما قتل علي وصالح معاوية الحسن ودخل الكوفة ولاه عليها". تهذيب الكمال في أسماء الرجال، ج 18، ص308 ، ترجمة المغيرة بن شعبة، الرقم 6726 .
4- الجمل والنصرة لسيد العترة في حرب البصرة، ص 296 ، موقف الأحنف.
5- "... قال عمر: قوموا بنا إليه! فقام أبوبكر وعمر وعثمان وخالد بن الوليد والمغيرة بن شعبة وأبوعبيدة بن الجراح وسالم مولى أبي حذيفة وقنفذ، وقمت معهم. فلما انتهينا إلى الباب فرأتهم فاطمة صلوات الله عليها أغلقت الباب في وجوههم وهي لا تشك أن لا يدخل عليها إلاّ بإذنها. فضرب عمر الباب برجله فكسره وكان من السعف، ثم دخلوا فأخرجوا علياً ملبباً". تفسير العياشي، ج2، ص66، ذيل الآية 61 من سورة الأنفال.
6- "قال الحسن بن علي علیهما السلام : أنت الذي ضربت فاطمة بنت رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم حتى أدميتها وألقت ما في بطنها استذلالاً منك لرسول الله صلی الله علیه وآله وسلم ومخالفة منك لأمره وانتهاكاً لحرمته ...". الاحتجاج على أهل اللجاج، ج1، ص413، احتجاج الحسن بن علي بن أبي طالب على جماعة من المنكرين لفضله وفضل أبيه من قبل بحضرة معاوية.

على موقفه، عندما آلت إليه الخلافة، بأن ولاّه البصرة. وحين وقع منه الزنا في البصرة، لم يكتف عمر بإعفائه من حد الزنا بل كافأه، فوق ذلك، بأن ولاّه الكوفة (1).

والمغيرة هو من اقترح على أبي بكر وعمر مقابلة العباس عم النبي صلی الله علیهوآله وسلم وتطميعه من أجل إضعاف موقف الإمام علي علیه السلام (2). كما أن فكرة تعيينيزيد خليفة تعود إليه(3).

ص: 318


1- "لما شهد على المغيرة عند عمر، عزله عن البصرة وولاه الكوفة". تهذيب الكمال في أسماء الرجال، ج 18، ص308 ، ترجمة المغيرة، الرقم 6726؛ سير أعلام النبلاء، ج3، ص 28، ترجمة المغيرة، الرقم 7؛ تاريخ دمشق الكبير، ج 63 ، ص30، ترجمة المغيرة، الرقم 7743.
2- "أتى المغيرة بن شعبة فقال: الرأي يا أبابكر أن تلقوا العباس فتجعلوا له في هذه الإمرة نصيباً يكون له ولعقبه وتكون لكما الحجة على علي وبني هاشم إذا كان العباس عليكم. قال: فانطلق أبوبكر وعمر وأبو عبيدة والمغيرة حتى دخلوا على العباس ...". الإمامة والسياسة، ج1، ص15 ، كيف كانت بيعة علي بن أبي طالب.
3- "وفي هذه السنة بايع الناس يزيد بن معاوية بولاية عهد أبيه. وكان ابتداء ذلك وأوله من المغيرة بن شعبة ...". الكامل في التاريخ، ج2، ص 508 ، حوادث سنة 56 الهجرية، ذكر البيعة ليزيد بولاية العهد.

وكان من أصحاب العقبة الذين حاولوا قتل النبي صلی الله علیه وآله وسلم في غزوة تبوك وذلك بإفزاع ناقته وإسقاط النبي في الوادي(1) . لقد عَدّ الإمام الصادق علیه الاسلام المغيرة من المنافقين السبعة (2).

يقول المدائني : إن المغيرة كان أزنى الناس في الجاهلية. فلما دخل في الإسلام وبقيت عنده منه بقية، ظهرت في أيام ولايته البصرة (3).

أما أبوجعفر الإسكافي فيفسر بغض المغيرة بن شعبة لعلي علیه السلام بقوله: وكان المغيرة بن شعبة يلعن علياً علیه السلام العناً صريحاً على منبر الكوفة وكان بلغه عن علي علیه السلام في أيام في أيام عمر أنه قال: لئن رأيت المغيرة لأرجمنه بأحجاره. فكان يبغضه لذلك ولغيره من أحوال اجتمعت في نفسه(4).

ص: 319


1- الذين نفروا برسول الله صلی الله علیه وآله وسلم وناقته في منصرفه من تبوك أربعة عشر ... والمغيرة ...". الخصال، ص 544، أبواب أربعة عشر رجلاً، الحديث السادس؛ بحار الأنوار الجامعة لدرر أخبار الأئمة الأطهار، ج21، ص222 ص 222 ، تاریخ نبينا صلی الله علیه وآله وسلم ، و باب غزوة تبوك وقصة العقبة الحديث الخامس، وج 28، ص 100، كتاب الفتن والمحن، الباب الثالث، الحديث الثالث، وج 82، ص 267 ، کتاب الصلاة، باب آخر في القنوتات الطويلة.
2- "لما أقام رسول الله صلی الله علیه وآله وسلم أمير المؤمنين علياً علیه السلام يوم غدير خم، كان بحذائه سبعة نفر من المنافقين وهم فلان وفلان وعبد الرحمن بن عوف وسعد بن أبي وقاص وأبو عبيدة وسالم مولى أبي حذيفة والمغيرة بن شعبة. قال الثاني: أما ترون عينه (هكذا، وربما عينيه: م) كأنهما عينا مجنون؟ الساعة يقوم ويقول: قال لي ربي ....". تفسير القمي، ج1، ص301، ذيل الآية 74 من سورة التوبة؛ بحار الأنوار الجامعة لدرر أخبار الأئمة الأطهار، ج37، ص119، تاريخ أمير المؤمنين علیه السلام ، الباب 52، في أخبار الغدير، الحديث الثامن.
3- شرح نهج البلاغة ، ج 12، ص 239، الطعن السادس، الخطبة 223.
4- شرح نهج البلاغة، ج 4، ص 69، فصل في ذكر الأحاديث الموضوعة في ذم علي علیه السلام، الخطبة 56.

يقول أبوجعفر الإسكافي: إن معاوية وضع قوماً من الصحابة وقوماً من التابعين على رواية أخبار قبيحة في علي علیه السلام تقتضي الطعن فيه والبراءة منه وجعل لهم على ذلك جُعلاً يُرغب في مثله (مكافآت مغرية)، فاختلقوا ما أرضاه، منهم أبوهريرة وعمرو بن العاص والمغيرة بن شعبة، ومن التابعين عروة بن الزبير (1).

عائشة وكلاب الحوأب

في طريقهم من مكة إلى البصرة، مرّ عائشة وطلحة والزبير بالقرب من ماء الحوأب(2) في منطقة بني عامر بن صعصعة، فنبحتهم كلابها نباحاً شديداً أجفل الجمال الجامحة والمروضة معاً. فقال قائل: لعن الله حوأب، ما أكثر كلابها! فلما سمعت عائشة باسم حوأب قالت: هل هنا موضع ماء الحوأب؟ قالوا :لها نعم. فقالت ردوني ردوني! فسُئلت عن ذلك فقالت: سمعت بنفسي رسول الله يقول: كأني بكلاب موضع يقال له الحوأب تنبح إحدى زوجاتي، ثم قال لي: يا حميراء! إياك أن تكونيها (3) !

ص: 320


1- شرح نهج البلاغة، ج 4 ، ص 63، فصل في ذكر الأحاديث الموضوعة في ذم علي علیه السلام، الخطبة 56.
2- منزل بين مكة والبصرة سُمي على اسم حوأب بنت كلب بن وبرة. معجم البلدان، ج2، ص314، الحاء والواو وما يليهما.
3- "لما خرجت عائشة وطلحة والزبير من مكة إلى البصرة طرقت ماء الحوأب وهو ماء لبني عامر بن صعصعة، فنبحتهم الكلاب فنفرت صعاب إبلهم فقال قائل منهم : لعن الله الحوأب فما أكثر كلابها! فلما سمعت عائشة ذكر الحوأب قالت: أهذا ماء الحوأب؟ قالوا: نعم. فقالت: ردوني! ردوني! فسألوها ما شأنها ما بدا لها؟ فقالت: إني سمعت رسول الله صلی الله علیه وآله وسلم يقول : كأني بكلاب ماء يدعى الحوأب قد نبحت بعض نسائي! صم قال لي: إياك يا حميراء أن تكونيها". شرح نهج البلاغة، ج 9، ص310، ذكر يوم الجمل ومسير عائشة إلى القتال الخطبة 173؛ البداية والنهاية، ج 6، ص 218 ، ذكر أخباره صلی الله علیه وآله وسلم عن الفتن الواقعة في آخر 218، أيام عثمان وخلافة علي علیه السلام.

تفيد بعض التقارير أن عائشة سألت محمد بن طلحة عن اسم الموضع، ولما سمعت باسمه تلت حديث النبي صلی الله علیه وآله وسلم غير أن محمد بن طلحة الذي كان معروفاً بعبادته وزهده (!) نسي تقواه في تلك اللحظة وقال لعائشة: تقدمي رحمك الله ودعي هذا القول (1) ثم جاء الزبير وقال لعائشة : مهلاً يرحمك الله ! فإنا قد جزنا ماء الحوأب بفراسخ كثيرة. فقالت: أعندك من يشهد بأن هذه الكلاب النابحة ليست على ماء الحوأب؟ فلفق لها الزبير وطلحة خمسين أعرابياً جعلا لهم جعلاً فحلفوا لها وشهدوا أن هذا الماء ليس بماء الحوأب. فكانت هذه أول شهادة زور في الإسلام(2). فسارت عائشة لوجهها (3).

ص: 321


1- "فلما انتهوا إلى ماء الحوأب في بعض الطريق ومعهم عائشة نبحها كلاب الحوأب فقالت لمحمد بن طلحة أي ماء هذا؟ قال: هذا ماء الحوأب. فقالت: ما أراني إلاّ .راجعة قال: ولم؟ قالت: سمعت رسول الله صلی الله علیه وآله وسلم يقول لنسائه: كأني بإحداكن قد نبحها كلاب الحوأب وإياك أن تكوني أنت يا حميراء. فقال لها محمد بن طلحة تقدمي رحمك الله ودعي هذا القول". الإمامة والسياسة، ج1، ص63، توجه عائشة وطلحة والزبير إلى البصرة.
2- حسب الروايات فإن أول شهادة زور في الإسلام كانت شهادة عائشة وعمر بن الخطاب على الرواية المكذوبة على النبي صلی الله علیه وآله وسلم بأن الأنبياء لا يورثون. واستناداً إلى شهادة الزور هذه صادر أبوبكر فدكاً لصالح السقيفة. "فقال أبوبكر: فإن عائشة تشهد وعمر أنهما سمعا رسول الله صلی الله علیه وآله وسلم وهو يقول: إن النبي لا يورث! فقالت: هذا أول شهادة زور شهدا بها في الإسلام" الاختصاص، ص183، حديث فدك. ولعل وصف شهادة الحوأب بأنها أول شهادة زور في الإسلام يعود إلى عدد الشهود الكبير الذي لم تكن له سابقة.
3- "فقال لها الزبير: مهلاً ....". شرح نهج البلاغة، ج 9، ص310، ذكر يوم الجمل ومسير عائشة إلى القتال، الخطبة 173؛ البداية والنهاية، ج 6، ص 218، ذكر أخباره صلی الله علیه وآله وسلم عن الفتن الواقعة في آخر أيام عثمان وخلافة علي معلیه السلام. على أن بعض التقارير والروايات ذكرت أن عدد الشهود كان أربعين شاهد (تاريخ اليعقوبي، ج2، ص181 ، خلافة أمير المؤمنين علي بن أبي طالب) فيما ذكرت روايات أخرى أنهم كانوا سبعين شاهداً (من لا يحضره الفقيه، ج 3، ص 74 ، أبواب القضايا والأحكام الباب 35 باب نوادر الشهادات، الحديث 150).

يفيد السمعاني أن الشخص الذي كذب على عائشة وأقسم أن الماء لم يكن ماء الحوأب كان عبد الله بن الزبير الذي كفّر بعدها عن يمينه الكاذب(1).

ينقل عصام بن قدامة البجلي عن ابن عباس أن رسول الله صلی الله علیه وآله وسلم قال يوماً لنسائه وهن عنده جميعاً: ليت شعري أيتكن صاحبة الجمل الأدبب تنبحها كلاب الحوأب يقتل عن يمينها وشمالها قتلى كثيرة كلهم في النار(2)؟

تقول عائشة : قال رسول الله صلی الله علیه وآله وسلم : يا عائشة إني رأيتك في المنام مرتين، أرى جملاً يحملك في سدافة من حرير فأكشفها فإذا هي أنت (3).

ص: 322


1- "فلما وصلت عائشة معهم إلى هذا الماء نبحت الكلاب عليها، فسألت عن الماء فقيل لها: الحوأب، فتذكرت قول النبي صلی الله علیه وآله وسلم : أيتكن ينبح عليها كلاب الحوأب ؟ فتوقفت وعزمت على الرجوع، فدخل عليها ابن أختها ابن الزبير وقال: ليس هذا ماء الحوأب حتى قيل أنه حلف على ذلك وكفّر عن يمينه". الأنساب، ج 2، ص 286 ، باب الحاء والواو، ذيل كلمة الحوءبي (هكذا: م).
2- "عن ابن عباس أن رسول الله ....". شرح نهج البلاغة، ج9، ص310 ، ذكر يوم الجمل ومسير عائشة إلى القتال، الخطبة ،173؛ البداية والنهاية، ج6، ص 218 ، ذكر أخباره صلی الله علیه وآله وسلم عن الفتن الواقعة في آخر أيام عثمان وخلافة علي علیه السلام. "وهذا رواه البزار ورجاله ثقات". فتح الباري بشرح صحيح البخاري، ج13، ص 59 ، كتاب الفتن الباب ،18، الحديث 7099.
3- الجمل والنصرة لسيد العترة في حرب البصرة، ص 432 ، في تتمة أسباب بغض عائشة لأمير المؤمنين علیه السلام ؛ الكافئة في إبطال توبة الخاطئة، ص 36 ، الفصل الثالث: في أحكام محاربي أمير المؤمنين علیه السلام، الحديث 38 .

ويروي ابن عبدربه الأندلسي رواية كلاب الحوأب على هذا النحو: وقد كان النبي صلی الله علیه وآله وسلم قال لها : يا حميراء كأني بك تنبحك كلاب الحوأب تقاتلين علياً وأنت له ظالمة(1).

من الذين تحدثوا عن واقعة كلاب الحوأب ورواها عن كثب العُرني صاحب الجمل الذي اشتروه منه. يقول : قالوا لي (بعد أن اشتروا الجمل): يا أخا عرينة هل لك دلالة بالطريق؟ قلت: أنا من أدت الناس. قالوا: فسر معنا. فسرت معهم فلا أمرّ على وادٍ إلا سألوني عنه، حتى طرقنا الحوأب وهو ماء، فنبحتنا كلابه، فقالوا: أي ماء هذا؟ فقلت: هذا ماء الحوأب. فصرخت عائشة بأعلى صوتها وقالت إنا لله وإنا إليه راجعون إني لهيه (هكذا: م)، سمعت رسول الله صلی الله علیه وآله وسلم يقول وعنده نساؤه: ليت شعري، أيتكن تنبحها كلاب الحوأب؟ ثم ضربت عضد بعيرها فأناخته وقالت: ردوني! أنا والله صاحبة ماء الحوأب. فأناخوا حولها يوماً وليلة. فقال لها عبد الله بن الزبير: إنه كذب. ولم يزل بها وهي تمتنع، فقال لها: النجاء النجاء قد أدرككم على بن أبي طالب فارتحلوا نحو البصرة (2).

إن رواية كلاب الحوأب مروية، فضلاً عن المصادر الشيعية، عن محدثين أمثال عبدالرزاق الصنعاني وأحمد بن حنبل وابن أبي شيبة والطبراني وابن حبان والحاكم النيسابوري، ومؤرخين أمثال أبي جعفر الإسكافي وابن قتيبة

ص: 323


1- العقد الفريد، ج4، ص 332، كتاب العسجدة الثانية في الخلفاء وتواريخهم وأخبارهم، قولهم في أصحاب الجمل.
2- الكامل في التاريخ، ج 2، ص 315، حوادث سنة 36 الهجرية، ذكر ابتداء وقعة الجمل.

الدينوري والبلاذري واليعقوبي ومحمد بن جرير الطبري وابن أعثم الكوفي والمسعودي وابن الأثير وشمس الدين الذهبي وابن أبي الحديد وابن كثير الدمشقي(1)، ورجاليين كشمس الدين الذهبي وابن عدي، بل حتى عن لغويين أمثال عن أم سلمة قالت: ذكر النبي خروج بعض أمهات المؤمنين، فضحكت عائشة، فقال: انظري يا حميراء أن لا تكوني أنت. ثم التفت إلى علي فقال: إن وليت من أمرها شيئاً فارفق بها (2)!

ص: 324


1- المستدرك على الصحيحين، ج 3، ص 129 ، كتاب معرفة الصحابة، ذكر إسلام أمير المؤمنين على، الحديث 4610؛ البداية والنهاية، ج 6، ص 218 ، ذكر أخباره صلی الله علیه وآله وسلم عن الفتن الواقعة في آخر أيام عثمان ج6، وخلافة علي علیه السلام.
2- المعيار والموازنة في فضائل الإمام أمير المؤمنين علي بن أبي طالب، ص 27 و58 الإمامة والسياسة، ج1، ص60، توجه عائشة وطلحة والزبير إلى البصرة أنساب الأشراف، ج3، ص 24، وقعة الجمل ؛ تاريخ اليعقوبي، ج2، ص181، خلافة أمير المؤمنين علي بن أبي طالب ؛ تاريخ الطبري، ج 2، ص 491، حوادث سنة 11 الهجرية، ذكر ردة هوازن ،وج 3، ص 475 ، حوادث سنة 36 الهجرية، شراء الجمل لعائشة وص486، حوادث سنة 36 الهجرية، دخولهم البصرة؛ الفتوح، المجلد الأول، ص 456 ، خبر عائشة مع أم سلمة حين أرادت المسير إلى البصرة؛ المحاسن والمساوي، ج1، ص 22 ، مساوي تلك الحروب ومن تنقص علي بن أبي طالب علیه السلام ؛ الأنساب، ج2، ص 286، باب الحاء والواو، الحوءبي؛ العقد الفريد، ج4، ص 332 ، كتاب العسجدة الثانية في الخلفاء وتواريخهم وأخبارهم، قولهم في أصحاب الجمل؛ مروج الذهب ومعادن الجوهر، ج2، ص393، 1كر الأخبار عن يوم الجمل وبدئه المسير إلى البصرة؛ الكامل في التاريخ، ج2، ص 315، ذكر ابتداء وقعة الجمل ؛ تاريخ الإسلام ووفيات المشاهير والأعلام، ج 2، ص 389، باب من أخباره صلی الله علیه وآله وسلم بالكوان بعده فوقعت كما أخبر؛ شرح نهج البلاغة، ج 9، ص310، ذكر يوم الجمل ومسير عائشة إلى القتال ؛ البداية والنهاية، ج6، ص217، ذكر أخباره صلی الله علیه وآله وسلم عن الفتن الواقعة في آخر أيام عثمان وخلافة علي علیه السلام.

الزمخشري وابن الأثير (1) باختلاف بسيط في الألفاظ.

تثقيف النبي صلی الله علیه وآله وسلم الناسَ بحادثة كلاب الحوأب

من خلال المرور على التقارير والروايات المتضمنة الحديث عن حادثة كلاب الحوأب يتأكد أن النبي صلی الله علیه وآله وسلم لم يدخر وسعاً في الإخبار عن حرب الجمل وتنوير الناس بحقيقتها وتحذيرهم من الانزلاق إليها أو المشاركة فيها. لقد بين النبي صلی الله علیه وآله وسلم خبر كلاب الحوأب الصادر من الغيب، بصيغة استفهامية مقرونة بالألم إمعاناً في التأثير في السامع واستفزازاً لشعوره بالمسؤولية. قال صلی الله علیه وآله وسلم: ليتني أعلم بصاحب (صاحبة) الجمل المُشعر الذي (التي) تنبحه (تنبحها) كلاب الحوأب !

في بعض المواقف، أخبر النبي صلی الله علیه وآله وسلم نساءه بالغيب دون تحديد الزوجة المقصودة، لكي يدفعهن جميعاً إلى الحذر من الوقوع في هذه الفتنة فيصدق عليهن الحديث. ولكنه في أحيان أخرى أشار إلى عائشة بالاسموحذرها من أن تكون صاحبة كلاب الحوأب. هذه الإشارة تتضمن نقاطاً دقيقة؛ أولها الإنذار المبكر لعائشة وأمرها بأخذ الحذر. والثاني أن يعلم الناس، في وقت وقوع الحادثة، أنها على باطل وأن لا يكون بمقدورها الإنكار والدفع.

ص: 325


1- سير أعلام النبلاء، ج 2، ص 177، ترجمة عائشة، الرقم 19؛ الكامل في ضعفاء الرجال، ج4، ص320، ترجمة عبد الرحمن بن صالح الأزدي، الرقم 1152؛ الفائق في غريب الحديث، ج1، ص397، الدال مع الباء؛ النهاية في غريب الحديث والأثر، ج2، ص96، باب الخاء مع الياء.

بل إن رسول الله صلی الله علیه وآله وسلم بين علامات دقيقة في هذه الواقعة لا تدع مجالاً

للشك والاشتباه من هذه العلامات:

1- أن الشخص المقصود يكون راكباً لجمل.

2 -الجمل كثيف الوبر.

3-الجمل يتوجه إلى ماء الحوأب قرب البصرة.

4- كلاب الحوأب تنبح على الشخص المقصود.

5- المرأة الراكبة للجمل هي قطب الرحى في الحرب.

6 - سقوط الكثير من القتلى عن يمينها وشمالها.

7- اسم الجمل "عسكر".

8- الحادثة تشهد أول شهادة زور جماعية.

9 - الشخص المقصود يلج مواضع محفوفة بالأخطار ويعرّض نفسه للهلاك.

10- بعض الروايات تصرح بأن الشخص الذي يتم الخروج عليه هو الإمام علي السلام(1).

ص: 326


1- مقتبس من نقد العلامة السيد جعفر مرتضى في الصحيح من سيرة الإمام علي علیه السلام، ج27، ص 272، الفصل الرابع: الجمل والكلاب.

لحظة تردد!

هل كان طلب عائشة بالتراجع والعودة بسبب تذكرها لحديث "كلاب الحوأب"، وقد سبق القرآن خبر الغيب على لسان النبي صلی الله علیه وآله وسلم بنهيها عن الخروج، أم أنها خشيت أن يُفتضح أمرها فيتفرق العسكر عنها؟

هل حقاً صدقت عائشة كلام الشهود بأن الماء لم ليس ماء الحوأب بالرغم من أن قائد القافلة صرّح بأنه ماء الحوأب، وكانت الكلاب تنبح؟

كيف يص- مع أن يكون كلام الزبير لعائشة وادعاءه بأنه إنما يريد الإصلاح كافياً لإقناعها بالتوجه إلى البصرة، ولا يقنعها كلام الله الذي أمرها في القرآن بأن تقر في بيتها وحرّم عليها الخروج منه، ولا إخبار النبي صلی الله علیه وآله وسلم لها بالغيب عن كلاب الحوأب واسم الجمل، بالتراجع والعودة إلى المدينة والكف عن التدخل في شؤون الحكم؟

هل لكلام عبد الله بن الزبير وأبيه حجية بعد كلام الله ورسوله، أم إنه اجتهاد مقابل النص؟

هل لكلام عبد الله بن الزبير وأبيه أن يغطي على كلام الله ورسوله ويسقط حجيته؟

هل يرضى الإسلام بالكذب وإعطاء الرشى والأمر بأداء اليمين الكاذبة وافتتان الناس وإضلالهم بالشبهات؟ أولا تقضي هذه الممارسات على عدالة فاعلها؟

ص: 327

هل كانت عائشة صادقة في طلبها العودة بعد أن سمعت أن سمعت باسم الحوأب؟ أم أنها واصلت المسير إلى البصرة تحت تأثير أكاذيب طلحة والزبير وأيمان عبد الله بن الزبير وشهادة الخمسين رجلاً؟

ألا تعادل شهادة الزور الشرك بالله كما يروي أحمد في مسنده وأبوداود السجستاني في سننه(1)؟

ألم يقل رسول الله صلی الله علیه وآله وسلم إن من أكبر الكبائر شهادة الزور (2)؟ نعم، ربما اجتهدوا وكذبوا !

نقد الألباني لأدلة منكري حديث كلاب الحوأب

هنا، سنتناول الكلام الهام الصادر من الألباني حول حديث كلاب الحوأب ونقده الذي وجهه إلى من خالف الحديث. يقول الألباني عن حديث كلاب الحوأب إن إسناده صحيح ورواته من رواة كتب أهل السنة الستة وهم ثقات.

ص: 328


1- صلى رسول الله صلی الله علیه وآله وسلم صلاة الصبح. فلما انصرف قام قائماً فقال: عدلت شهادة الزور الإشراك بالله عزّ وجلّ". مسند أحمد، ج 4، ص 178، حديث أيمن بن خريم عن النبي صلی الله علیه وآله وسلم و ص 234، حديث أيمن وص234، بن خريم عن النبي صلی الله علیه وآله وسلم و وص 321، حديث أصحاب رسول الله صلی الله علیه وآله وسلم وحدیث خريم بن فاتك؛ سنن ابن ماجة ص 245 ، كتاب الأحكام، باب شهادة الزور الحديث 2372؛ سنن أبي داود، ص 423، كتاب الأقضية، باب في شهادة الزور، الحديث 3599 .
2- "قال: قال النبي صلی الله علیه وآله وسلم: ألا أنبئكم بأكبر الكبائر ثلاثاً؟ قالوا: بلى يا رسول الله. قال: الإشراك بالله ألا وعقوق الوالدين. وجلس وكان متكئاً فقال: ألا وقول الزور. قال: فمازال يكررها حتى قلنا ليته سكت". صحيح البخاري، ص 532 كتاب الشهادات ، باب ما قيل في شهادة الزور، الحديث 2653 و 2654.

ولمّا كان من أصح الأحاديث، فقد دأب الكثير من أئمة الحديث على تصحيحه كابن حبان والحاكم النيسابوري وشمس الدين الذهبي وابن كثير الدمشقي وابن حجر العسقلاني(1). إن هؤلاء خمسة من أكابر علماء الحديث الذين صرحوا بصحة الحديث (2).

يصرح الألباني في جانب من كلامه بأنه لا يعرف من خالف هذا الحديث ممن عُرفبالعلم والمعرفة في حقل معرفة الحديث ونقده. ثم يشير إلى ثلاثة ممن ضعّف الحديث وينقد المطالب التي ينقلونها.

يقول الألباني نقداً لأبي بكر بن العربي في رده لحديث كلاب الحوأب: يقول ابن العربي عن هذا الحديث : لا صحة لما تقولونه ولم يرد عن النبي مثل

ص: 329


1- صحيح ابن حبان، ح6، ص 200 ، ذكر الأخبار عن خروج عائشة أم المؤمنين إلى العراق، الحديث 6741؛ المستدرك على الصحيحين، ج3، ص129 ، كتاب معرفة الصحابة، ذكر إسلام أمير المؤمنين علي، الحديث 4610 البداية والنهاية، ج 6 ، ص 217 ، ذكر أخباره صلی الله علیه وآله وسلم عن الفتن الواقعة في آخر أيام عثمان وخلافة علي علیه السلام ، سير أعلام النبلاء، ج2، ص178، ترجمة عائشة أم المؤمنين، الرقم 19؛ فتح الباري بشرح صحيح البخاري، ج 13، ص 59 ، كتاب الفتن الباب ،18 ، الحديث 7105 و 7106 و 7107.
2- " قلت: وإسناده صحيح جداً، رجاله ثقات أثبات من رجال السنة الشيخين والأربعة ... وعلى هذا فالحديث من أصح الأحاديث ولذلك تتابع الأئمة على تصحيحه قديماً وحديثاً. الأول: ابن حبان، فقد أخرجه في صحيحه كما سبق. الثاني: الحاكم بإخراجه إياه في المستدرك كما تقدم ولم يقع في المطبوع منه التصريح بالتصحيح منه. فالظاهر أنه سقط من الطابع أو الناسخ. فقد نقل الحافظ في الفتح عن الحاكم أنه صححه وهو اللائق لوضوح صحته الثالث: الذهبي. الرابع: الحافظ ابن كثير ... الخامس: الحافظ ابن حجر ... فهؤلاء الخمسة من كبار أئمة الحديث صرّحوا بصحة هذا الحديث". سلسلة الأحاديث الصحيحة وشيء من فقهها وفوائدها ، ج1، القسم الثاني، ص847، الحديث 474.

هذا الكلام، وكذلك فإن شهادة الزور من قبل الصحابة لعائشة لا أساس لها من الصحة(1).

رداً على هذا الكلام يقول :الألباني: قلت: ونحن وإن كنا نوافقه على إنكار ثبوت تلك الشهادة، فإنها مما صان الله تبارك وتعالى أصحابه منها، لاسيما من كان منهم من العشرة المبشرة بالجنة كطلحة والزبير، فإننا ننكر عليه قوله ولا قال النبي صلی الله علیه وآله وسلم ذلك الحديث كيف وهو قد ثبت عنه بالسند الصحيح في عدة مصادر من كتب السنة المعروفة عند أهل العلم؟ ولعل عذره في ذلك أنه حين قال ذلك لم يكن مستحضراً للحديث أنه وارد في شيء من المصادر، بل لعله لم يكن قد اطلع عليها أصلاً. فقد ثبت عن غير واحد من العلماء المغاربة أنه لم يكن عندهم علم ببعض الأصول الهامة من تأليف المشارقة. فهذا ابن حزم مثلاً لا يعرف الترمذي وابن ماجة ولا كتابيهما. وقد تبين لي أن الحافظ عبد الحق الإشبيلي مثله في ذلك، فإنه لا علم عنده أيضاً بسنن ابن ماجة ولا بمسند الإمام أحمد (2).

ص: 330


1- "ولا أعلم أحداً ممن يُعتد بعلمهم ومعرفتهم في هذا الميدان ... إلاّ أن العلامة القاضي أبابكر بن العربي جاء في كتابه العواصم من القواصم كلام قد يدل ظاهره أنه يذهب إلى إنكار هذا الحديث ويبالغ في ذلك أشد المبالة، فقال: وأما الذي ذكرتم من الشهادة على ماء الحوأب فقد يؤثم في ذكرها بأعظم حوب ما كان قط شيء مما ذكرتم ولا قال النبي صلی الله علیه وآله وسلم ذلك الحديث ولا جرى ذلك الكلام ولا شهد أحد بشهادتهم، وقد كتبت شهادتهم بهذا الباطل وسوف تُسألون". سلسلة الأحاديث الصحيحة وشيء من فقهها وفوائدها، ج1، القسم الثاني، ص 849، الحديث 474.
2- سلسلة الأحاديث الصحيحة وشيء من فقهها وفوائدها، ج1، القسم الثاني، ص 849، الحديث 474.

الألباني ونقد محب الدين الخطيب

ثم يعرب الألباني عن عتبه لمحب الدين الخطيب فيقول: ولكن إذا كان ما ذكرته من العذر محتملاً إلى أبي بكر بن العربي، فما هو عذر الكاتب الإسلامي الكبير الأستاذ محب الدين الخطيب الذي علق على كلمة ابن العربي بقوله: وأن الكلام الذي نسبوه إلى النبي صلی الله علیه وآله وسلم وزعموا أن عائشة ذكرته عند وصولهم إلى ذلك الماء ليس له موضع في دواوين السنة المعتبرة، وكأنه - عفا الله عنا وعنه - لم يتعب نفسه في البحث عن الحديث في دواوين السنة المعتبرة، بل وفي بعض كتب التاريخ المعتمدة مثل البداية لابن كثير. لو أنه فعل هذا على الأقل لعرف موضع الحديث في تلك الدواوين المعتبرة أو بعضها على الأقل. ولكنه أخذ يُحسن الظن بابن العربي ويقلده فوقع في إنكار هذا الحديث الصحيح. وذلك من شؤم التقليد بغير حجة ولا برهان(1).

بعد نقد كلام أبي بكر بن العربي ومحب الدين الخطيب، انتقل الألباني إلى كلام سعيد الأفغاني ينقده بقوله: قول صديقنا الأستاذ سعيد الأفغاني في تعليقه على قول الحافظ الذهبي: في النفس من صحة هذا الحديث شيء، ولأمر ما أهمله أصحاب الصحاح، وفي معجم البلدان أن صاحبة الخطاب سلمى بنت مالك الفزارية وكانت سبية وهبت لعائشة وهي المقصودة بخطاب الرسول الذي زعموه وقد ارتدت مع طليحة وقتلت في حروب الردة ومن العجيب أن يصرف بعض الناس هذه القصة إلى السيدة عائشة إرضاءً لبعض الأهواء العصبية، وفي هذا الكلام مؤاخذات: الأولى: وهذا خطأ بيّن عند كل

ص: 331


1- سلسلة الأحاديث الصحيحة وشيء من فقهها وفوائدها، ج1، القسم الثاني، ص850، الحديث 474.

من قرأ شيئاً من علم المصطلح وتراجم أصحاب الصحاح، فإنهم لم يتعمدوا جمع كل ما صح عندهم في صحاحهم ... الثانية: هذا إن كان يعني ب- "الصحاح" الكتب الستة. لكن هذا الإطلاق غير صحيح، لأن السنن الأربعة من الكتب الستة ليست من "الصحاح" لا استطلاحاً (هكذا: م) ولا واقعاً. الثالثة: وثوقه بما جاء في معجم البلدان بدون إسناد ومؤلفه ليس من أهل العلم بالحديث وعدم وثوقه بمسند الإمام أحمد وقد ساق الحديث بالسند الصحيح ولا بتصحيح الحافظ النقاذ الذهبي له الرابعة: جزمه أن صاحبة الخطاب سلمى بنت مالك بدون حجة ولا برهان سوى الثقة العمياء بمؤلف المعجم الخامسة : إن الخبر الذي ذكره ووثق به لا يصح من قبل إسناده بل واه جداً. فقد قال الأستاذ الخطيب بعد الذي نقلناه عنه آنفاً من الكلام على هذا الحديث ولو كنا نستجيز نقل الأخبار الواهية لنقلنا ي معارضة هذا الخبر خبراً آخر نقله ياقوت في معجم البلدان ... وهذا الخبر ضعيف (1).

ثم يقول الألباني لإثبات صحة الحديث: وللحديث شاهد يزداد به قوة، وهو من حديث ابن عباس قال: قال رسول الله صلی الله علیه وآله وسلم لنسائه: ليت شعري أيتكن صاحبة الجمل الأدبب تخرج فينبحها كلاب الحوأب يقتل عن يمينها وعن يسارها قتلى كثير، ثم تنجو بعد ما كادت. رواه البزاز ورجاله ثقات. كذا قال الهيثمي في مجمع الزوائد والحافظ في فتح الباري(2).

ص: 332


1- سلسلة الأحاديث الصحيحة وشيء من فقهها وفوائدها ، ج1، القسم الثاني، ص850، الحديث 474.
2- سلسلة الأحاديث الصحيحة وشيء من فقهها وفوائدها ، ج1، القسم الثاني، ص 852، الحديث 474.

محصلة كلام الألباني واعترافه الخطير

في المحصلة النهائية لكلامه في حديث "كلاب الحوأب"، يقول الألباني: وجملة القول إن الحديث صحيح الإسناد ولا إشكال في متنه خلافاً لظن الأستاذ الأفغاني، فإن غاية ما فيه أن عائشة لما علمت بالحوأب كان عليها أن ترجع، والحديث يدل أنها لم ترجع وجوابنا على ذلك أنه ليس كل ما يقع من الكمل يكون لائقاً بهم. إذ لا عصمة إلاّ لله وحده، والسني لا ينبغي له أن يغالي فيمن يحترمه إلى مصاف الأئمة الشيعة المعصومين ولا نشك أن خروج أم المؤمنين كان خطأ من أصله، ولذلك همت بالرجوع حين علمت بتحقق نبوة النبي صلی الله علیه وآله وسلم و عند الحوأب ، ولكن الزبير أقنعها بترك الرجوع بقوله: عسى الله أن يصلح بك بين الناس. ولا نشك أنه كان مخطئاً في ذلك أيضاً. والعقل يقطع بأنه لا مناص من القول بتخطئة إحدى الطائفتين المتقاتلتين اللتين وقع فيهما مئات القتلى. ولا شك أن عائشة المخطئة لأسباب كثيرة وأدلة واضحة، ومنها ندمها على خروجها (1).

ص: 333


1- "وجملة القول .... ومنها ندمها على خروجها. وذلك هو اللائق بفضلها وكمالها. وذلك مما يدل على أن خطأها من الخطأ المغفور بل المأجور". سلسلة الأحاديث الصحيحة وشيء من فقهها وفوائدها، ج1، القسم الثاني، ص 854، الحديث 474.

رسائل طلحة والزبير التحريضية إلى شخصيات البصرة

من الأساليب الإعلامية التي اتبعها عائشة وطلحة والزبير في هذه الفتنة، كان إرسال الرسائل إلى المدن والشخصيات النافذة في البصرة ودعوتهم إلى مرافقتهم في تلك الحرب.

فعندما عقد عائشة طلحة والزبير وأتباعهم العزم على التوجه إلى البصرة، قال الزبير لعبد الله بن عامر الذي سبق أن كان عامل عثمان على البصرة: من هم رجالات البصرة؟ فقال عبد الله بن عامر: إنهم ثلاثة؛ كعب بن سور والمنذر بن ربيعة والأحنف بن قيس (1).

فكتب طلحة والزبير كتاباً إلى كعب بن سور خاطباه فيه بقاضي عمر بن الخطاب وشيخ البصريين وزعيم اليمن. واستغلا تعاطفه مع عثمان وتألمه مما لقيه من أذى، فطلبا منه أن يغضب لقتله (2). ولكنه ردّ عليهما رداً موبخاً فكتب إليهما : أما بعد، فإنا غضبنا لعثمان من الأذى والغير باللسان، فجاء أمر الغير فيه بالسيف. فإن يك عثمان قتل ظالماً فما لكما وله؟ وإن كان قتل

ص: 334


1- "فقال الزبير لعبد الله بن عامر من رجال البصرة ؟ قال : ثلاثة كلهم سيد مطاع، كعب بن سور في اليمن والمنذر بن ربيعة في ربيعة والأحنف بن قيس في مضر". الإمامة والسياسة، ج1، ص60، توجه عائشة وطلحة والزبير إلى البصرة.
2- "فكتب طلحة والزبير إلى كعب بن سور: أما بعد، فإنك قاضي عمر بن الخطاب وشيخ أهل البصرة وسيد أهل اليمن. وقد كنت غضبت لعثمان من الأذى، فاغضب له من القتل. والسلام". الإمامة والسياسة، ج1، ص 60 ، توجه عائشة وطلحة والزبير إلى البصرة.

مظلوماً فغيركما أولى به. وإن كان أمره أشكل على من شهده، فهو على من غاب عنه أشكل (1).

وكتب طلحة والزبير كذلك إلى الأحنف بن قيس ووصفاه برسول عمر وزعيم مضر وحليم أهل العراق، وذكراه بقتل عثمان وأنهم في طريقهم إلى البصرة (2) غير أن الأحنف بن قيس لم يرد عليهما بما كانا يؤملانه منه، واكتفى بأن وعدهما باتخاذ القرار المناسب بعد وصولهما إلى البصرة (3).

ثم كتبا إلى المنذر وقالا أن أباه كان رئيساً في الجاهلية وسيداً في الإسلام وأطريا على مكانته خليفةً له وقالا أنه خير من قتلة عثمان(4). ولكن المنذر

ص: 335


1- "وكتب كعب بن سور إلى طلحة والزبير: أما بعد، فإنا .....". الإمامة والسياسة، ج1، ص61، توجه عائشة وطلحة والزبير إلى البصرة.
2- "وكتب إلى الأحنف بن قيس: أما بعد، فإنك وافد عمر ويبد مضر وحليم أهل العراق. وقد بلغك مصاب عثمان ونحن قادمون عليك والعيان أشفى لك من الخبر. والسلام". الإمامة والسياسة، ج1، ص 60 ، توجه عائشة وطلحة والزبير إلى البصرة.
3- "وكتب الأحنف إليهما: أما بعد، فإنه لم يأتنا من قبلكم أمر نشك فيه إلاّ قتل عثمان وأنتم قادمون علينا. فإن يكن في العيان فضل نظرنا فيه ونظرتم. وإلاّ يكن فيه فضل فليس في أيدينا ولا في أيديكم ثقة والسلام". الإمامة والسياسة، ج1، ص 61 ، توجه عائشة وطلحة والزبير إلى البصرة.
4- "وكتب إلى المنذر: أما بعد فإن أباك كان رئيساً في الجاهلية وسيداً في الإسلام وإنك من أبيك بمنزلة المصى من السابق، يقال: كاد أو لحق. وقد قتل عثمان من أنت خير منه وغضب له من هو خيرٌ منك. والسلام". الإمامة والسياسة، ج1، ص 60 ، توجه عائشة وطلحة والزبير إلى البصرة.

وبخهما في كتابه الجوابي وقال لهما وقد كان (عثمان) بين أظهركم فخذلتموه، فمتى استنبطتم هذا العلم الطلب بدمه) وبدا لكم هذا الرأي(1)؟

أهم ما في هذه الرسائل الثلاث أن طلحة والزبير حاولا استمالة

مخاطبيهما بالإطراء والمدح، وكذلك التأكيد على مظلومية عثمان من خلال التذكير بقتله لكي يُظهرا أنفسهم بأنهم المطالبون بدمه لغرض اجتذاب الناس واستقطابهم.

كذلك، فإن الرسائل الجوابية التي تلقوها منهم كشفت عن نقاط هامة ، منها

الأولى: يظهر من أجواء الرسائل أنه لم يكن أحد من أهل البصرة يفكر بالثأر لعثمان ولم يكن لديهم مشكلة مع حكم الإمام علي علیه السلام. بل إنهم كانوا مستغربين من نكث طلحة والزبير لبيعة الإمام علیه السلام غير مصدقين له.

الثانية: أن سادة البصرة كانوا مجمعين على اتهام طلحة والزبير، لا الإمام علياً علیه السلام، بقتل عثمان. ولذا كانوا يوبخونهما على التظاهر بالمطالبة بدم الخليفة المظلوم.

ص: 336


1- "وكتب المنذر أما بعد فإنه لم يلحقني بأهل العراق إلاّ أن أكون خيراً من أهل الشر، وإنما أوجب حق عثمان اليوم حقه بالأمس وقد كان بين ظهرانيكم فخذلتموه. فمتى استنبطتم هذا العلم وبدا لكم هذا الرأي؟ فلما فلما قرآ كتب القوم ساءهما ذلك وغضبا". الإمامة والسياسة، ج1، ص 61، توجه عائشة وطلحة والزبير إلى البصرة.

ظهور الخلاف في معسكر الجمل

بعد خروج أصحاب الجمل من مكة في الطريق إلى البصرة، أذّن مروان للصلاة وقال لطلحة والزبير على من منكما أسلم بالإمارة والخلافة؟ فقال عبد الله بن الزبير : على الزبير. وقال محمد بن طلحة على طلحة. فلما رأت عائشة ذلك أرسلت إلى مروان تلومه وسألته إن كان يريد بث الفرقة بين العسكر. ثم أمرت بأن يؤم عبد الله بن الزبير الناس.

كان معاذ بن عبيدالله، وهو من أنصار طلحة والزبير، يقول: والله لو أنا كنا انتصرنا لقتل بعضنا بعضاً لأن الزبير ما كان ليعطي الخلافة لطلحة وما كان لطلحة أن يدعها للزبير (1) .

الاحتجاجات الجماهيرية على الخروج على حكم الإمام علي علیه السلام

تفيد التقارير والنصوص التاريخية بأنه منذ خروج عائشة وطلحة والزبير من مكة بدعوى الطلب بدم عثمان وحتى انتهاء الحرب، كان هؤلاء الثلاثة عرضة لاعتراضات الناس. وفي النية تناول هذه الاعتراضات الشعبية لما تنطوي عليه من نقاط مهمة في طيات أسبابها.

ص: 337


1- تاريخ الطبري، ج 3، ص 9 ، حوادث سنة 36 الهجرية، استئذان طلحة والزبير علياً.

وكان من المعترضين على عائشة وحرب الجمل، جارية بن قدامة. فقد خاطب عائشة قائلاً: يا أم المؤمنين والله لقتل عثمان أهون من خروجك من بيتك على هذا الجمل الملعون)(1).

هكذا كان ينظر المعترضون على عائشة لخروجها ويعتبرونه عملاً مخالفاً لأحكام الدين حتى تضاءل قتل عثمان في عيونهم أمامه.

قال أحد أبناء أخوال عائشة لها: فوالله إن أول من أمال حرفه لأنت. ولقد كنت تقولين: اقتلوا نعثلاً فقد كفر (2).

ص: 338


1- وأقبل جارية بن قدامة السعدي وقال لها: ......". تاريخ الطبري، ج3، ص15، حوادث سنة 36 الهجرية، دخولهم البصرة والحرب بينهم وبين عثمان بن حنيف.
2- تاريخ الطبري، ج 3، ص 12، حوادث سنة 36 الهجرية، قول عائشة: والله لأطلبن بدم عثمان وخروجها وطلحة والزبير فيمن تبعهم إلى البصرة. "إن أول من طعن عليه وأطمع الناس فيه لأنت. ولقد :قلت اقتلوا نعثلاً فقد فجر". الإمامة والسياسة، ج1، ص 52 ، اعتزال عبد الله بن عمر وسعد بن . بن أبي وقاص ومحمد بن مسلمة عن مشاهدة علي وحروبه .

الفصل السادس: تحرك جيش أمير المؤمنين علیه السلام صوب البصرة

اشارة

ص: 339

ص: 340

وصول خبر نكث البيعة للإمام علی علیه السلام

بعد أن رفض الإمام علي علیه السلام الإبقاء على معاوية على الشام حتى لساعة واحدة، وما تلقاه منه من رد صلف على كتبه التي كان يأمره فيها باعتزال إمارة الشام والبيعة له، قرر الإمام الام علیه السلام محاربته. فقام في المدينة بتعيين قادة جيشه، وبعث بالكتب إلى عماله في البصرة والكوفة ومصر يأمرهم فيها بدعم جيشه بالسلاح والرجال لقتال معاوية حفاظاً على الوحدة ومنعاً لوقوعالفرقة.

وحين كان الإمام علیه السلام ينظم قواته لمواجهة معاوية، فوجئ الناس بخبر من مكة عن نشاط طلحة والزبير وعائشة في التمهيد لخلق الاضطرابات والاستعداد للحرب. فلما سمع الإمام علیه السلام بالخبر، قال للناس: ألا وإن طلحة والزبير وأم المؤمنين وقد تمالأ وا على سخط إمارتي ودعوا الناس إلى الإصلاح. وسأصبر ما لم أخف على جماعتكم، وأكف إن كفوا وأقتصر على ما بلغني عنهم (1).

ص: 341


1- "وكتب إلى قيس بن سعد أن يندب الناس إلى الشام وإلى عثمان بن حنيف وإلى أبي موسى مثل ذلك. وأقبل على التهيؤ والتجهز وخطب أهل المدينة فدعاهم إلى النهوض في قتال أهل الفرقة ... فبينا هم كذلك إذ جاء الخبر من أهل مكة بنحو آخر وتمام على خلاف. فقام فيهم بذلك فقال: ...... تاريخ الطبري، ج3، صه ، حوادث سنة 36 الهجرية، استئذان طلحة والزبير علياً.

عقد الإمام علیه السلام اجتماعاً تشاورياً

بعد أن سمع الإمام علي علیه السلام بخبر تحرك رؤوس الفتنة صوب البصرة، قام بعقد اجتماع تشاوري حضره ابن عباس ومحمد بن أبي بكر وعمار بن ياسر وسهل بن حنيف ليستمع إلى وجهات نظر المجتمعين حول كيفية التصدي لقادة الفتنة. فقال محمد بن أبي بكر: ما يريدون يا أمير المؤمنين؟ فتبسم (الإمام) وقال: يطلبون بدم عثمان فقال محمد : والله ما قتله غيرهم. ثم قال علي: أشيروا على بما أسمع منكم القول فيه. فقال عمار الرأي أن نسير إلى الكوفة فإن أهلها لنا شيعة وقد انطلق هؤلاء القوم إلى البصرة. وقال ابن عباس: الرأي عندي يا أمير المؤمنين أن نقدم رجالاً إلى الكوفة فيبايعوا لك وتكتب إلى الأشعري أن يبايع لك ثم بعده المسير حتى نلحق بالكوفة فنعاجل القوم قبل أن يدخلوا البصرة وتكتب إلى أم سلمة فتخرج معك فإنها لك قوة. فقال أمير المؤمنين: بل أنهض بنفسي ومن معي في اتباع الطريق وراء القوم، فإن أدركتهم بالطريق أخذتهم وإن فاتوني كتبت إلى الكوفة واستمددت الجند من الأمصار وسرت إليهم. وأما أم سلمة فإني لا أرى إخراجها من بيتها كما رأى الرجلان إخراج عائشة. فبينما هم في ذلك إذ دخل عليهم أسامة بن زيد وقال لأمير المؤمنين: فداك أبي وأمي لا تسر وحدك وانطلق إلى ينبع وخلّف على المدينة رجلاً وأقم بمالك (بمزرعتك) فإن العرب لهم جولة ثم يصيرون إليك. فقال له ابن عباس: إن هذا القول منك يا أسامة على غير غل في صدرك ( من غير سوء نية) فقد أخطأت وجه الرأي منه، ليس هذا برأي بعير يكون والله كهيأة الضبع في مغارتها (كجمل ضخم يحصر

ص: 342

نفسه في مغارة ضبع). فقال أسامة فما الرأي؟ ما أشرت به إليه وما رأى أمير المؤمنين لنفسه (1).

بعد انتهاء الاجتماع التشاوري، أصدر الإمام علیع السلام الأمر بالتحرك وقال: فإن طلحة والزبير قد نكثا البيعة ونقضا العهد وأخرجا عائشة من بيتها يريدان البصرة لإثارة الفتنة وسفك دماء أهل القبلة. ثم رفع يديه إلى السماء فقال: اللَّهُمَّ إن هذين الرجلين قد بغيا عليّ ونكثا عهدي ونقضا عقدي وشاقاني بغير حق سومهما ذلك. اللهم خذهما بظلمهما وأظفرني بهما وانصرني عليهما. ثم خرج في سبعمائة رجل من المهاجرين والأنصار واستخلف على المدينة تمام بن عباس وبعث قثم بن عباس إلى مكة (2).

مقابل مواقف أنصار أمير المؤمنين علیه السلام الداعية إلى مواجهة رؤوس الفتنة وإعمائها، كانت هناك مواقف أخرى من هنا وهناك تدعو إلى عدم ملاحقتهم. في الرد على أصحاب هذا الرأي قال الإمام علیه السلام: والله لا أكون كالضبع تنام على طول اللدم (العزف الموسيقي) حتى يصل إليها طالبها ويختلها

ص: 343


1- الجمل والنصرة لسيد العترة في حرب البصرة، ص239، استشارة أمير المؤمنين علیه السلام أصحابه في جهاد الناكثين.
2- "ثم نادى أمير المؤمنين علیه السلام في الناس: تجهزوا للمسير، فإن طلحة والزبير ......" الجمل والنصرة السيد العترة في حرب البصرة، ص 240، استشارة أمير المؤمنين علیه السلام أصحابه في جهاد الناكثين.

راصدها، ولكني أضرب بالمقبل إلى الحق المدبر عنه وبالسامع المطيع العاصيّ المريب أبداً حتى يأتي علىّ يومي(1).

منذ أن وصلت إلى المدينة أخبار الفتنة التي كان يعمل على إثارتها طلحة والزبير وعائشة، شرع الإمام علیه السلام بتنوير الأذهان حول ما يجري وكشف حقيقته للجميع. فقد قال علیه السلام معاتباً طلحة والزبير على ظلمهما له وخلقهما الفتنة في الأشهر الأولى من تسلمه الخلافة: والله ما أنكروا على منكراً ولا استأثرت بمال ولا ملت بهوى، وإنهم ليطلبون حقاتركوه ودماً سفكوه (دم) عثمان)(2).

وقال علیه السلام في بيان تقصير طلحة والزبير بحق عثمان في مقتله والله ما صنع (طلحة) في أمر عثمان واحدة من ثلاث؛ لئن كان ابن عفان ظالماً كما کان یزعم لقد كان ينبغي له أن يؤازر قاتليه وأن ينابذ ناصريه. ولئن كان مظلوماً لقد كان ينبغي له أن يكون من المنهنهين عنه والمعذرين فيه. ولئن كان في شك من الخصلتين لقد كان ينبغي له أن يعتزله ويركد جانباً ويدع الناس معه. فما فعل واحدة من الثلاث وجاء بأمر لم يعرف بابه ولم تسلم معاذيره. (ثار عليه في البداية ثم قام يطلب بدمه) وقدم أعذاراً لا يقبلها

ص: 344


1- " .... يومي. فوالله مازلت مدفوعاً عن حقي مستأثراً علي منذ قبض الله نبیه صلی الله علیه و آله وسلم هذا" نهج البلاغة، ص 34، الخطبة 6. .
2- الاستيعاب في معرفة الأصحاب، ج2، ص318 ، ترجمة طلحة بن عبيدالله، الرقم 1289.

الناس. ولئن كنت شريكاً في قتل عثمان فهم شركاء فيه أيضاً. وإن كانوا هم من قتله فعليهم وزره(1).

ثم بيّن علیه السلام كيف أن ما قام به طلحة والزبير إنما كان من أجل طمس آثار دورهم والله ما استعجل متجرداً للطلب بدم عثمان إلا خوفاً من أن يطالب بدمه، لأنه كان مظنته ولم يكن في القوم أحرص عليه منه. فأراد أن يغالط بما أجلب فيه ليلتبس الأمر ويقع الشك(2).

ثم ذكر علیه السلام أنه لم يسبق لأحد أن هدده. قال: وإني لراض بحجة الله عليهم وعلمه فيهم فإن أبوا أعطيتهم حدّ السيف وكفى به شافياً من الباطل وناصراً للحق. ومن العجب بعثه إلي أن أبرز للطعان وأصبر للجلاد هبلتهم الهبول، لقد كنت وما أهدد بالحرب ولا أرهب بالضرب (3).

لقد وصف الإمام علیه السلام جيش عائشة بأنه جيش يقوده الشيطان ويجلب إليه جنوده ليرجع الباطل إلى نصابه (4). وقال عن عائشة نفسها: وقد والله

ص: 345


1- نهج البلاغة، ص 234، جانب من الخطبة 174.
2- نهج البلاغة، ص 234 ، الخطبة 174؛ بحار الأنوار الجامعة لدرر أخبار الأئمة الأطهار، ج32، ص 95، باب بيعة أمير المؤمنين علیه السلام وما جرى بعدها، الحديث 65.
3- نهج البلاغة، ص 44 ، الخطبة 22 .
4- "ألا وإن الشيطان قد ذمر حزبه واستجلب جلبه ليعود الجور إلى أوطانه ويرجع الباطل إلى نصابه". نهج البلاغة، ص 44، الخطبة 22.

علمت أنها الراكبة الجمل لا تحل عقدة ولا تسير عقبة ولا تنزل منزلاً إلاّ إلى معصية حتى تورد نفسها ومن معها مورداً (حتى يقتل ثلثهم)(1).

رسالة مالك الأشتر إلى عائشة

لما سمع مالك الأشتر بعزم عائشة على التوجه من مكة إلى البصرة، بعث إليها برسالة قال لها فيها: أما بعد فإنك ضعينة رسول الله صلی الله علیه وآله وسلم وقد أمرك أن تقري في بيتك. فإن فعلت فهو خير لك، فإن أبيت إلا أن تأخذي منسأتك وتلقي جلبابك وتبدي للناس شعيراتك، قاتلتك حتى أردك إلى بيتك والموضع الذي يرضاه لك ربك (2).

فردّت عليه عائشة بقولها : فإنك أول العرب شبّ الفتنة ودعا إلى الفرقة وخالف الأئمة وسعى في قتل الخليفة ... يكفينيك الله وكل من أصبح مماثلاً لك في ضلالك وغيّك إن شاء الله (3)

ص: 346


1- الإرشاد في معرفة حجج الله على العباد، ج1، ص 244 ، فصل: من كلامه علیه السلام عند نكث طلحة والزبير بيعته وتوجههما إلى مكة للاجتماع مع عائشة في التأليب عليه والتألف على خلافه؛ الكافئة في إبطال التوبة الخاطئة، ص 19، الحديث 19؛ وقعة الجمل، خطبة أمير المؤمنين علیه السلام حين بلغه مسير طلحة والزبير.
2- "كتب الأشتر من المدينة إلى عائشة وهي بمكة : ...". شرح نهج البلاغة، ج6، ص225، أخبار عائشة في خروجها من مكة إلى البصرة بعد مقتل عثمان، الخطبة 79.
3- شرح نهج البلاغة، ج 6 ، ص 225 ، أخبار عائشة في خروجها من مكة إلى البصرة بعد مقتل عثمان، الخطبة 79.

تحرك جيش أمير المؤمنين علیه السلام من المدينة

في أواخر أيام ربيع الثاني من سنة 36 الهجرية(1)، انطلق الإمام علیه السلاممسرعاً بأربعة آلاف من أهل المدينة فيهم سبعمائة صحابي وشخصية بارزة من المهاجرين والأنصار(2).

يقول المسعودي إن علياً علیه السلام انطلق من المدينة ومعه سبعمائة فارس بينهم أربعمائة من المهاجرين والأنصار، منهم سبعون بدرياً(3). وكان من بين صحابة رسول الله صلی الله علیه وآله وسلم عمار بن ياسر وسهل بن حنيف وعثمان بن حنيف وسعد بن الحارث بن عمرو وجارية بن قدامة بن زهير وأبو مسعود الأنصاري وأبوسعيد الخدري وأبوأمامة العبدي وخزيمة بن ثابت وهاشم بن عتبة والأشعث بن قيس وبشير بن سعد وحجر بن عدي وعمرو بن الحمق الخزاعي

ص: 347


1- "وخرج علي من المدينة في آخر شهر ربيع الآخر سنة 36". تاريخ الطبري، ج3، ص23، حوادث سنة 36 الهجرية، ذكر الخبر عن مسير علي بن أبي طالب نحو البصرة.
2- "ثم خرج في سبعمائة رجل من المهاجرين والأنصار". الجمل والنصرة لسيد العترة في حرب البصرة، ص 240 ، استشارة أمير المؤمنين علیه السلام أصحابه في جهاد الناكثين. يذكر خليفة بن خياط أنهم كانوا 4000. "كنا مع علي أربعة آلاف من أهل المدينة ". تاريخ خليفة بن خياط، ص110، وفيها وقعة الجمل.
3- "سار علي من المدينة بعد أربعة أشهر وقيل غير ذلك في سبعمائة راكب منهم أربعة مائة (هكذا: م) من المهاجرين والأنصار منهم سبعون بدرياً وباقيهم من الصحابة". مروج الذهب ومعادن الجوهر، ج2، ص 395، مسير علي علیه السلام إلى العراق.

وعبد الله بن عباس وعبيدالله بن عباس وعبد الله بن جعفر والإمام الحسن علیه السلام والإمام الحسين علیه السلام وعمرو بن أبي سلمة وجعدة بن هبيرة(1).

كان الإمام علیه السلام ،عند الحركة، يركب جملاً أحمر ومعه حصان قوي، وكان یردد:

سيروا أبابيل وحثوا السيرا*** كي نلحق التيمي والزبيرا*** إذ جلبا الشر وعافا الخيرا*** يا رب أدخلهم غداً سعيرا(2) رافق الإمام علیه السلام في رحلته تلك أولاده الإمامان الحسن والحسين علیهما السلامومحمد بن الحنفية. يقول الطبري إن الإمام علیه السلام استخلف سهل بن حنيف (3) أو قثم بن عباس(4) على المدينة، وانطلق هو مسرعاً في مسيره لكي يتصدى

ص: 348


1- موسوعة سيرة أهل البيت، ج8، ص77 ، الصحابة الذين رافقوا الإمام علیه السلام وأثصحاب النبي حول سيد الوصي. (هكذا: م).
2- "لما رأى أمير المؤمنين علیه السلام التوجه إلى المسير طالباً للقوم، ركب جملاً أحمر وقاد كميتاً وسار وهو يقول: ...". الجمل والنصرة لسيد العترة في حرب البصرة ، ص 241 ، استشارة أمير المؤمنين علیه السلام أصحابه في جهاد الناكثين.
3- "فأمر على المدينة سهل بن حنيف الأنصاري". تاريخ الطبري، ج3، ص9، حوادث سنة 36 الهجرية، استئذان طلحة والزبير علياً.
4- "واستخلف على المدينة قثم بن عباس، تاريخ الطبري، ج3، صه، حوادث سنة 36 الهجرية، استئذان طلحة والزبير علياً.

لجيش الجمل في الربذة (1)ويقبض على رؤوس الفتنة ويُنهي الاضطرابات. ولكنه حين وصل الربذة كان جيش الجمل قد اجتازها (2).

جاء في بعض التقارير التاريخية أن الإمام علياً علیه السلام التقى جماعة من الناس في الربذة فحدثهم عن سابقته في الإسلام وعن دوره وتضحياته الجمة. قال: أم والله مازلت في ساقتها ( يعني حرب الكفار والمشركين) ما غيرت ولا خنت حتى تولت بحذافيرها (سقط الكفار والمشركون). ما لي ولقريش؟ أم والله لقد قاتلتهم كافرين ولأقاتلنهم مفتونين. وإن مسيري هذا عن عهد إليّ فيه. أم والله لأبقرن الباطل حتى يخرج الحق من خاصرته. ما تنقم منا قريش إلا أن الله اختارنا عليهم فأدخلناهم في حيزنا (3).

مكث الإمام علیه السلام في الربذة فترة قصيرة للتشاور والتحاور. ثم انطلق صوب ذي قار يحف به المهاجرون والأنصار وكل من سمع بتحركه لحرب

ص: 349


1- الربذة موضع على بعد ثلاثة أميال من المدينة باتجاه مكة وكانت من منازل الحجاج في الطريق والمكان الذي نفى إليه أبوذر. معجم البلدان، ج3، ص24، ربذة.
2- " وخرج وهو يرجو أن يأخذهم بالطريق وأراد أن يعترضهم فاستبان له بالربذة أن قد فاتوه". تاريخ الطبري، ج3، ص10، حوادث سنة 36 الهجرية، خروج علي إلى الربذة يريد البصرة. "وسار مجداً في السير حتى بلغ الربذة فوجد القوم قد فاتوه". الجمل والنصرة لسيد العترة في حرب البصرة، ص240، استشارة أمير المؤمنين علیه السلام أصحابه في جهاد الناكثين.
3- الإرشاد في معرفة حجج الله على العباد، ج1، ص 244 ، فصل من كلامه علیه السلام عند نكث طلحة ص244، والزبير بيعته وتوجههما إلى مكة للاجتماع مع عائشة في التأليب عليه والتألف على خلافه. وورد المضمون نفسه في نهج البلاغة، ص 58، الخطبة 33.

الناكثين فالتحق به. ومازال يطارد بجيشه طلحة والزبير وعائشة وجيشهم حتى وصل ذي قار فنزل فيها (1) .

توضيح مقتل عثمان لأهل الكوفة

نظراً إلى الحملة الإعلامية الكبيرة التي شنها قادة الجمل في التظاهر بطلب دم عثمان، ونظراً لجهل الكوفيين بتفاصيل قتل عثمان، بعث الإمام علیه السلام عند مغادرته للمدينة برسالة إلى أهل الكوفة شرح فيها بوضوح وإيجاز ملابسات مقتل عثمان .قال علیه السلام: من عبد الله على أمير المؤمنين إلى أهل الكوفة جبهة الأنصار وسنام العرب. أما بعد فإني أخبركم عن أمر عثمان حتى يكون سمعه كعيانه. إن الناس طعنوا عليه فكنت رجلاً من المهاجرين أكثر استعتابه وأقل عتابه. وكان طلحة والزبير أهون سيرهما فيه الوجيف، وأرفق حدائهما العنيف. وكان من عائشة فيه فلتة غضب. فاتيح له قوم فقتلوه. وبايعني الناس غير مستكرهين ولا مجبرين بل طائعين مخيرين. واعلموا أن دار الهجرة قد قلعت بأهلها وقلعوا بها وجاشت جيش المرجل وقامت الفتنة على القطب فأسرعوا إلى أميركم وبادروا جهاد عدوكم إن شاء الله عزّ وجلّ(2).

ص: 350


1- "فنزل بها قليلاً ثم توجه نحو البصرة والمهاجرون والأنصار عن يمينه وشماله محدقون به مع من سمع بمسيرهم فأتبعهم حتى نزل بذي قار فأقام بها الجمل والنصرة لسيد العترة في حرب البصرة، ص 240 ، استشارة أمير المؤمنين علیه السلام أصحابه في جهاد الناكثين.
2- نهج البلاغة، ص 342، الرسالة الأولى.

ردّ أمير المؤمنين على شبهة قتل المسلمين

كانت المواجهة بين جيش الإسلام وأصحاب الجمل من أوائل الحروب الداخلية في الظاهر بين المسلمين. لذا كان من الصعب على بعض المسلمين تصورها؛ فعلى جانب منها كانت تقف عائشة وطلحة والزبير من صحابة رسول الله صلی الله علیه وآله وسلم وعلى الجانب الآخر منها كان الإمام علي علیه السلام والكثير من الصحابة الأجلاء. لهذا صعب على بعض المسلمين تصور أن يقاتلوا قوماً يصلون، في الظاهر، ويصومون ويقرأون القرآن ويقتلونهم.

تفيد التقارير التاريخية أنه بعد مبايعة الإمام علي علیه السلام، وخاصة بعد رفض معاوية المبايعة ونكث طلحة والزبير البيعة، تساءل بعض المسلمين عما سيفعله أمير المؤمنين علیه السلام مع هؤلاء؟ هل يقاتلهم أم يدعهم وشأنهم؟ وكانوا يطرحون تلك الأسئلة على الإمام علم نفسه(1). يقول ابن أبي الحديد: خرج طارق بن شهاب الأحمسي يستقبل عليا علیه السلام وقد صار بالربذة طالباً عائشة وأصحابها، وكان طارق من صحابة علي علیه السلام وشيعته. قال: فسألت عنه قبل أن ألقاه ما أقدمه؟ فقيل: خالفه طلحة والزبير وعائشة فأتوا البصرة. فقلت في نفسي: إنها الحرب أفأقاتل أم المؤمنين وحواري رسول الله صلی الله علیه وآله وسلم ؟ إن هذا العظيم ثم قلت: أأدع علياً وهو أول المؤمنين إيماناً بالله وابن عم رسول

ص: 351


1- "وأحب أهل المدينة أن يعلموا ما رأي علي في معاوية وانتقاضه ليعرفوا بذلك رأيه في قتال أهل القبلة، أيجسر عليه أو ينكل عنه؟ فدسوا إليه زياد بن حنظلة التميمي وكان منقطعاً إلى علي، فدخل عليه فجلس إليه ساعة. ثم قال له علي: يا زياد تيسر! فقال: لأي شيء!؟ فقال: تغزو الشام. فقال زياد: الأناة والرفق أمثل. فخرج زياد على الناس والناس ينتظرونه فقالوا: ما وراءك؟ فقال: السيف يا قوم. فعرفوا ما هو فاعل". تاريخ الطبري، ج 3، ص 4 ، حوادث سنة 36 الهجرية، استئذان طلحة والزبير علياً.

الله صلی الله علیه وآله وسلم ووصيه؟ هذا أعظم. ثم أتيته فسلمت عليه ثم جلست إليه فقصّ

عليّ قصة القوم وقصته (1).

أما الإمام علیه السلام فقد ردّ لهذا الشبهة بصيغ مختلفة":

أ - مواجهة البغاة وأهل الفتنة

إن من أهم واجبات الحاكم الإسلامي إرساء الأمن والاستقرار في المجتمع الإسلامي. وتحت مظلة الأمن والاستقرار وحدها يستطيع الناس القيام بأنشطتهم الاقتصادية والاجتماعية والسياسية والعبادية على الوجه المطلوب. ولو تخيلنا مجتمعاً يثور شخص في كل يوم ويجمع حوله الناس ويرفع راية المعارضة للدولة، فماذا ستكون النتيجة؟ لو هاجم جماعة مدينة من المدن في كل يوم وقامت بتعذيب واليها وقتل عدد من سكانها واقتسام موجودات بيت المال، فهل يمكن العيش في مدينة كهذه مفتقرة للأمن؟

إن ثبات الإمام علیه السلام في حرب الجمل وقمع الناكثين لم يكن إلا عملاً بأهم واجب من واجبات الحاكم الإسلامي. فهل كان على الإمام علیه السلام أن يقف مكتوف الأيدي ويلتزم الصمت أمام مشهد قتل أكثر من ألف مسلم؟ لقد كان هذا المبدأ أحد أشكال الإجابة التي قدمها الإمام علیه السلام ردّاً لشبهة اقتتال المسلمين .

ص: 352


1- شرح نهج البلاغة، ج 1، ص 226، خروج طارق بن شهاب لاستقبال علي بن أبي طالب، الخطبة السادسة.

كان أبوبردة الأزدي ممن لم يشهد حرب الجمل. ولما دخل الإمام علي علیه السلام الكوفة وخطب الناس في مسجدها، قام أبو بردة فقال: يا أمير المؤمنين أرأيت القتلى حول عائشة والزبير وطلحة، بم قتلوا؟ قال: قتلوا شيعتي وعمالي وقتلوا أخا ربيعة العبدي رحمة الله عليه في عصابة من المسلمين قالوا: لا ننكث كما نكثتم ولا نغدر كما غدرتم فوثبوا عليهم فقتلوهم، فسألتهم أن يدفعوا إلي قتلة إخواني أقتلهم بهم ثم كتاب الله حكم بيني وبينهم، فأبوا علي، فقاتلوني وفي أعناقهم بيعتي ودماء قريب من ألف رجل من شيعتي، فقتلتهم بهم، أفي شك أنت من ذلك؟ قال: قد كنت في شك، فأما الآن فقد عرفت واستبان لي خطأ القوم وأنك أنت المهدي المصيب(1) .

من الردود الأخرى التي ردّ بها الإمام علیه السلام على هذا السؤال قامت على تبيين معايير تمييز الحق من الباطل. ذلك من أجل أن يستفيد منها حتى الذين يتناولون الموضوع بعد قرون. يقول اليعقوبي: وقال له (للإمام علي علیه السلام) الحارث بن حوط الراني: أظن طلحة والزبير وعائشة اجتمعوا على باطل (يعني أنه لا يمكنه أن يصدق ذلك) فقال (الإمام علیه السلام): يا حارث إنه ملبوس عليك وإن الحق والباطل لا يعرفان بالناس، ولكن اعرف الحق تعرف أهله واعرف الباطل تعرف من أتاه (2).

ص: 353


1- " فقام إليه أبو بردة بن عوف الأزدي وكان ممن تخلف عنه، فقال : ......". وقعة صفين، ص4، هو وأبوبردة.
2- تاريخ اليعقوبي، ج2، ص210، خلافة أمير المؤمنين علي بن أبي طالب؛ أمالي الشيخ الطوسي، ص134، المجلس الخامس الحديث 216 باختلاف طفيف في الألفاظ.

بهذا البيان علّم الإمام علیه السلام الحارث بن حوط وكل من ينتابه الشك في مواجهة من يظنهم من كبار المسلمين والسابقين في الإسلام أن لا يجعلوا الأشخاص معياراً لتمييز الحق منالباطل، وأن العكس هو الصحيح؛ أي أن الرجال هم الذين يقاسون بمقياس الحق. ولو قيس الحق في صدر الإسلام بمعيار حق الأشخاص وكثرة عددهم لما بقي للتشيع من أثر اليوم. إن المعيار الذي تحدث عنه الإمام علیه السلام هو الذي سار عليه سلمان وأبوذر والمقداد ومالك الأشتر، وهو الذي عصمهم من الانحراف عن الحق بعد وفاة النبي صلی الله علیه وآله وسلم وثبّتهم على ولاية أمير المؤمنين علیه السلام.

هذا الكلام الذي يمنح الإنسان بصيرة نافذة جعل العالم والكاتب المصري المعروف طه حسين يقول عنه: لم أسمع بأروع ولا أقوى ولا أعظم من هذا الكلام منذ انقطاع الوحي(1).

واستناداً لقول الإمام علي علیه السلام هذا، يقول الغزالي في بعض كلام له: والعاقل يقتدي بقول أمير المؤمنين على بن أبي طالب علیه السلام حيث قال: لا تعرف الحق بالرجال بل اعرف الحق تعرف أهله والعارف العاقل يعرف الحق ثم ينظر في نفس القول، فإن كان له خقاً قبله سواء كان قائله مبطلاً أو محقاً (2).

ص: 354


1- علي وبنوه، ص40.
2- المنقذ من الضلال والمفصح بالأحوال، ص30.

ج - أمر النبي صلی الله علیه وآله وسلم للإمام على بقتال الناكثين

من الأجوبة التي ردّ بها أمير المؤمنين علیه السلام على المشتبه عليهم ما أمره به النبي صلی الله علیه وآله وسلم من قتال الناكثين. فقد بيّن الإمام علیه السلام أن النبي الأكرم صلی الله علیه وآاله وسلم أمره بقتال الناكثين وأن تلك الحرب لم يخضها عن هوىً وشهوة أو باجتهاد شخصي ففتح باباً لرد هذه الشبهة عن أذهان الناس؛ مع أنه علیه السلام كان كثيراً ما يعيد إلى أذهان الناس ومنهم رؤوس الفتنة تنبؤات النبي صلى الله عليه وآله و سلم في شتى الأخبار، كإخباره صلی الله علیه وآله وسلم الزبيَر بأنه سيظلم أمير المؤمنين علیه السلام ، وما دعا به على من يحارب علياً علیه السلام، وحادثة كلاب الحوأب وجمل عائشة.

يقول ابن أبي الحديد :(في خضم القتال) قام رجل إلى علي علیه السلام فقال: أي فتنة أعظم من هذه ؟ إن البدرية ليمشي بعضها إلى بعض بالسيف؟ فقال علي علیه السلام: ويحك! أتكون فتنة أنا أميرها وقائدها؟ والذي بعث محمداً بالحق وكرّم وجهه، ما كذبت ولا كذبت ولا ضللت ولا ضُل بي ولا زللت ولا زُل بي. وإني لعلى بينة من ربي بينّها الله لرسوله وبينها رسوله لي وسأدعى يوم القيامة ولا ذنب لي. ولو كان لي ذنب لكفّر عن ذنوبي ما أنا فيه من قتالهم(1).

هذا وقد كان هذا الأمر من الأهمية بحيث أنه لما طلب طلحة والزبير عون الناس، قال لهم الناس: هل أمركم رسول الله صلی الله علیه وآله وسلم بقتال علي؟ هل أمركم النبي بهذا أم أنه اجتهاد منأنفسكم؟

ص: 355


1- شرح نهج البلاغة، ج1، ص 265، من أخبار يوم الجمل أيضاً الخطبة 13.

ومما تجدر الإشارة إليه هنا أن مثل هذه الشبهات لم تكن تراود إلاّ من لم يكن له حظ كبير من علم. فمع وقوع الحوادث المختلفة لم يكن يتغير سوی المصادیق. حتى اضطر الإمام علیه السلام أن يشير إلى معايير مختلفة لتمييز الحق والباطل.

يقول الأصبغ بن نباتة: دخل الحارث الحمداني على أمير المؤمنين علي بن أبي طالب علیه السلام في نفر من الشيعة وكنت فيهم، فجعل الحارث يتأود في مشيته ويخبط الأرض بمحجنه وكان مريضاً، فأقبل عليه أمير المؤمنين علیه السلام وكانت له منه منزلة فقال: كيف تجدك يا حارث؟ فقال: نال الدهر مني يا أمير المؤمنين، وزادني أواراً وغليلاً اختصام أصحابك ببابك. قال: وفيم خصومتهم؟ قال: فيك وفي الثلاثة من من قبلك، فمن مفرط منهم غال ومقتصد تال ومن متردد مرتاب لا يقدري أيقدم أم يُحجم. فقال: حسبك يا أخا همدان! ألا إن خير شيعتي النمط الأوسط، إليهم يرجع الغالي وبهم يلحقالتالي. فقال له الحارث : لو كشفت - فداك أبي وأمي - الرين عن قلوبنا وجعلتنا في ذلك على بصيرة من أمرنا . قال علیه السلام : قدك (كفى!) فإنك امرؤ ملبوس عليك. إن دين الله لا يُعرف بالرجال بل بآية الحق. فاعرف الحق تعرف أهله. يا حارث إن الحق أحسن الحديث والصادع به مجاهد. وبالحق أخبرك فأرعني سمعك ثم خبر به من كان له حصافة من أصحابك(1).

ص: 356


1- أمالي الشيخ المفيد، ص3، المجلس الأول؛ أمالي الشيخ الطوسي، ص625، المجلس الثلاثون، الحديث 1292 .

بعد أن بيّن الإمام علیه السلام للحارث الهمداني المعيار الأول لمعرفة الحق والباطل، شرع بالتذكير بفضائله من أجل تقوية الاعتقاد والبصيرة لكي يُفهم الهمداني وغيره أنهم يشكون في موقف رجل يحمل كل تلك الفضائل. وأنهم لو كانوا من أهل التفكر، ولو القليل منه لما تسلل إلى قلوبهم الشك.

قال الإمام علي علیه السلام: ألا إني عبد الله وأخو رسوله وصدّيقه الأول، صدقته وآدم بين الروح والجسد. ثم إني صديقه الأول في أمتكم حقاً. فنحن الأولون ونحن الآخرون ونحن خاصته يا حارث، وخالصته. وأنا صنوه ووصيه ووليه وصاحب نجواه وسره أوتيت فهم الكتاب وفصل الخطاب وعلم القرون والأسباب، واستودعت ألف مفتاح يفتح كل مفتاح ألف باب يُفضي كل باب إلى ألف ألف عهد ، وأيدت واتخذت وأمددت بليلة القدر نفلاً. وإن ذلك يجري لي ولمن استحفظ من ذريتي ما جرى الليل والنهار حتى يرث الله الأرض ومن عليها. وأبشرك يا حارث، لتعرفني عند المماة وعند الصراط وعند الحوض وعند المقاسمة قال الحارث: وما المقاسمة يا مولاي؟ قال: مقاسمة النار، أقاسمها قسمة صحيحة؛ أقول هذا ولي فاتركيه وهذا عدوي فخذيه. ثم أخذ أمير المؤمنين علیه السلام بيد الحارث فقال: يا حارث أخذت بيدك كما أخذ رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم بيدي فقال لي وقد شكوت إليه حسد قريش والمنافقين لي: إنه إذا كان يوم القيامة أخذت بحبل الله وبحجزته يعني عصمته من ذي العرش تعالى وأخذت أنت يا علي بحجزتي وأخذ ذريتك بحجزتك وأخذ شيعتكم بحجزتكم، فماذا يصنع الله بنبيه وما يصنع نبيه بوصي؟ خذها إليك يا حارث قصيرة من طويلة (غيض من فيض) نعم أنت مع [من] أحببت ولك

ص: 357

ما اكتسبت، يقولها ثلاثاً. فقام الحارث يجر رداءه وهو يقول: ما أبالي بعدها متى لقيت الموت او لقيني (1).

قبيلة طي تعلن استعدادها للقتال

من القبائل التي وقفت إلى جانب أمير المؤمنين علیه السلام وقاتلت معه في حرب الجمل قتالاً مرموقاً، قبيلة طي. فعندما وصل الإمام علیه السلام إلى الربذة جاءه زعيم طي عدي بن حاتم ووقف أمامه وقال له: يا أمير المؤمنين لو تقدمتُ إلى قومي أخبرهم بمسيرك وأستنفرهم، فإن لك من طيئ مثل الذي معك. فقال علي: نعم، فافعل! فتقدم عدي إلى قومه فاجتمعت إليه رؤساء طيئ، فقال لهم: يا معشر طيئ! إنكم أمسكتم عن حرب رسول الله في الشرك ونصرتم الله ورسوله في الإسلام على الردة، وعلي قادم عليكم وقد ضمنت له مثل عدن من معه منكم، فخفوا معه وقدكنتم تقاتلون في الجاهلية على الدنيا فقاتلوا في الإسلام على الآخرة. فإن أردتم الدنيا فعند الله مغانم كثيرة، وأنا أدعوكم إلى الدنيا والآخرة، وقد ضمنت عنكم الوفاء وباهيت بكم الناس. فصاحت طيئ: نعم نعم حتى كاد أن يصم من صياحهم. فلما قدم على طيئ أقبل شيخ من طيئ قد هرم من الكبر فرفع له من حاجبه فنظر إلى علي فقال له: أنت ابن أبي طالب؟ قال: نعم. قال مرحباً بك وأهلاً، قد جعلناك

ص: 358


1- أمالي الشيخ المفيد، ص3، المجلس الأول، الحديث الثالث؛ أمالي الشيخ الطوسي، ص 625 ، المجلس الثلاثون، الحديث 1292 .

بيننا وبين الله وعديّاً بيننا وبينك ونحن بينه وبين الناس. لو أتيتنا غير مبايعين لك لنصرناك لقرابتك من رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم وأيامك الصالحة. ولئن كان ما يقال فيك من الخير حقاً إن في أمرك وأمر قريش لعجباً إذ أخرجوك( هكذا ، وربما أخروك: م) وقدموا غيرك سر! فوالله لا يتخلف عنك من طيئ إلاّ عبد أو دعي إلاّ بإذنك. فشخص معه من طيئ ثلاثة عشر آلاف راكباً(1).

يقول الإمام الباقر علیه السلام عن كيفية التحاق قبيلة طيئ بالإمام علیه السلام في حرب الجمل: لما توجه أمير المؤمنين علیه السلام من المدينة إلى الناكثين بالبصرة، فلما ارتحل منها لقيه عبد الله بن خليفة الطائي وقد نزل بمنزل يقال له قديد(2) فقربه أمير المؤمنين علیه السلام فقال له عبد الله الحمد لله الذي ردّ الحق إلى أهله ووضعه في موضعه، كره ذلك قوم أو سروا به، فقد والله كرهوا محمداً صلی الله علیه وآله وسلم ونابذوه وقاتلوه فردّ الله كيدهم في نحورهم وجعل دائرة السوء عليهم. ووالله لنجاهدن معك في كل موطن حفظاً لرسول الله صلى الله عليه وآله وسلم. فرحب به أمير المؤمنين علیه السلام وأجلسه إلى جنبه وكان له حبيباً وولياً، وأخذ يسائله عن الناس إلى أن سأله عن أبي موسى الأشعري، فقال له : والله ما أنا أثق به ولا آمن عليك خلافه إن وجد مساعداً على ذلك. فقال له أمير المؤمنين علیه السلام: والله ما كان عندي مؤتمناً ولا ناصحاً. ولقد كان الذين تقدموني استولوا على

ص: 359


1- " وذكروا أن ابن حاتم قام إلى علي فقال : ...". الإمامة والسياسة، ج1، ص 57، استنفار عدي بن حاتم قومه لنصرة علي علیه السلام.
2- موضع قرب مكة. معجم البلدان، ج4، ص 313، ذيل كلمة قديد.

مودته وولوه وسلطوه بالإمرة على الناس. ولقد أردت عزله فسألني الأشتر فيه أن أقره فأقررته على كره مني له وتحملت على صرفه من بعد قال: فهو مع عبد الله في هذا ونحوه إذ أقبل سواد كبير من قبل جبال طي، فقال أمير المؤمنين علیه السلام: انظروا ما هذا [السواد]؟ ذهبت الخيل تركض فلم تلبث أن رجعت فقيل: هذه طي قد جاءتك تسوق الغنم والإبل والخيل؛ فمنهم من جاءك بهداياه وكرامته، ومنهم من يريد النفور معك إلى عدوك. فقال أمير المؤمنين علیه السلام: جزى الله طياً خيراً ( وفضل الله المجاهدين على القاعدين أجراً عظيماً) ... وقام عدي بن حاتم الطائي فحمد الله وأثنى عليه ثم قال أما بعد فإني كنت أسلمت على عهد رسول الله صلی الله علیه وآله وسلم وأديت الزكاة على عهده وقاتلت أهل الردة من بعد. وقد بلغنا أن رجالاً من أهل مكة نكثوا بيعتك وخالفوا عليك ظالمين، فأتيناك لننصرك بالحق، فنحن بين يديك، فمرنا بما أحببت ... وقام سعيد بن عبيد البحتري من بني بحتر فقال: يا أمير المؤمنين! إن من الناس من يقدر أن يعبر بلسانه عما في قلبه، ومنهم من لا يقدر أن يبين ما يجده في نفسه بلسانه، فإن تكلف ذلك شقّ عليه، وإن سكت عما في قلبه برح به الهم والبرم. وإني والله ما كل ما في نفسي أقدر أن أؤديه إليك بلساني. ولكن والله لأجهدن على أن أبين لك والله ولي التوفيق. أما أنا فإني ناصح لك في السر والعلانية ومقاتل معك الأعداء في كل موطن وأرى لك من الحق ما لم أكن أراه لمن كان قبلك ولا لأحد اليوم من أهل زمانك لفضيلتك في الإسلام وقرابتك من الرسول. ولن أفارقك أبداً حتى تظفر أو أموت بين يديك. فقال له أمير المؤمنين علیه السلام يرحمك الله، فقد أدى لسانك ما يجن

ص: 360

ضميرك لنا. ونسأل الله أن يرزقك العافية ويثيبك الجنة. ثم ارتحل أمير المؤمنين علیه السلام فأتبعه منهم ستمائة رجل (1).

ذكرت بعض التقارير التاريخية أن ستمائة فارس من قبيلة طي انضمواإلى جيش أمير المؤمنين علیه السلام (2).

يقول ابن قتيبة الدينوري عن استعداد قبيلة بني أسد لمرافقة الإمام علي علیه السلام في حرب الجمل: ذكروا أن زفر بن زيد بن حذيفة الأسدي وكان من سادة بني أسد قام إلى علي فقال: يا أمير المؤمنين إن طيئاً إخواننا قد أجابوا عدياً، وليفي قومي طاعة، فأذن لي فآتهم. قال: نعم. فأتاهم فجمعهم وقال: يا بني أسد! إن عدي بن حاتم ضمن لعلي قومه فأجابوه وقضوا عنه ذمامه، فلم يعتل الغني بالغنى ولا الفقير بالفقر، وواسى بعضهم بعضاً حتى كأنهم المهاجرون في الهجرة والأنصار في الأثرة. وهم جيرانكم في الديار وخلطاؤكم في الأموال فأنشدكم الله لا يقول الناس غداً: نصرت طيئ وخذلت بنو أسد. وإن الجار يقاس بالجار كالنعل بالنعل. فإن خفتم فتوسعوا في بلادهم وانضموا إلى جبلهم. وهذه دعوة لها ثواب من الله في الدنيا والآخرة. فقام إليه رجل منهم فقال له: يا زفرا إنك لست كعدي ولا أسد كطيء، ارتدت العرب فثبتت

ص: 361


1- أمالي الشيخ المفيد، ص 295 ، المجلس الخامس والثلاثون، الحديث السادس؛ أمالي الشيخ الطوسي، ص 70 ، المجلس الثالث، الحديث 103.
2- "وأتاه من طيء ستمائة راكب". تاريخ اليعقوبي، ج 2، ص181، خلافة أمير المؤمنين علي بن أبي طالب؛ مروج الذهبو معادن الجوهر، ج 2، ص 396 ، مسير علي علیه السلام إلى العراق. "ثم ارتحل أمير المؤمنين علیه السلام فأتبعه منهم ستمائة رجل". أمالي الشيخ المفيد، ض295 ، المجلس الخامس والثلاثون، الحديث السادس؛ أمالي الشيخ الطوسي، ص70، المجلس الثالث، الحديث 103.

طيئ على الإسلام، وجاد عدي بالصدقة وقاتل بقومه قومك. فوالله لو نفرت طيئ بأجمعها لمنعت رعاؤها دارها .(لبقي لهم ما يكفي للدفاع عن أهلهم) ولو أن معنا أضعافنا لخفنا على دارنا. فإن كان لا يرضيك منا إلاّ ما أرضى عديا من طيئ فليس ذلك عندنا وإن كان يرضيك قدر ما يرد عنا عذر الخذلان وإثم المعصية فلك ذلك منا. فسار معه من أسد جماعة ليست كجماعة طيء حتى قدم بها على علي(1).

بعث محمد بن أبي بكر ومحمد بن جعفر إلى الكوفة وخيانة واليها

بعد الإقامة في الربذة، أرسل الإمام علیه السلام محمد بن أبي بكر ومحمد بن جعفر إلى الكوفة لتعبئة أهلها، وكتب إليهم كتاباً جاء فيه: إني اخترتكم على الأمصار وفزعت إليكم لما حدث، فكونوا لدين الله أعواناً وأنصاراً وأيدونا وانهضوا إلينا. فالإصلاح ما نريد لتعود الأمة إخواناً. ومن أحب ذلك وآثره فقد أحب الحق وآثره. ومن أبغض ذلك فقد أبغض الحق وغمصه(2).

ص: 362


1- الإمامة والسياسة، ج1، ص54 ، استنفار زفر بن زيد قومه لنصرة علي علیه السلام.
2- "لما قدم على الربذة أقام بها وسرح منها إلى الكوفة محمد بن أبي بكر ومحمد بن جعفر، وكتب إليهم : ...". تاريخ الطبري، ج 3، ص 24 ، حوادث سنة 36 الهجرية، ذكر الخبر عن مسير علي بن أبي طالب نحو البصرة.

ينقل ابن أبي الحديد رسالة الإمام علي علیه السلام ثم يقول: فلما قدم محمد بن جعفر ومحمد بن أبي بكر الكوفة استنفرا الناس، فدخل قوم منهم على أبي موسى ليلاً فقالوا له: أشر علينا برأيك في الخروج مع هذين الرجلين إلى علي علیه السلام. فقال: أما سبيل الآخرة فالزموا بيوتكم، وأما سبيل الدنيا فاشخصوا معهما. فمنع بذلك أهل الكوفة من الخروج. وبلغ ذلك المحمدين فألظا لأبي موسى. فقال أبوموسى: والله إن بيعة عثمان لفي عنق علي وعنقي وأعناقكما. ولو أردنا قتالاً ما كنا لنبدأ بأحد قبل قتلة عثمان. فخرجا من عنده فلحقا بعلي علیه السلام فأخبراه الخبر (1).

إرسال هاشم بن عتبة إلى الكوفة

بعد أن تلقى الإمام على علیه السلام تقرير محمد بن أبي بكر ومحمد بن جعفر، أرسل هاشم بن عتبة سفيراً ثانياً إلى الكوفة وكتب إلى أبي موسى كتاباً آخر قال له فيه : إني وجهت هاشم بن عتبة لينهض من قبك من المسلمين إلي، فأشخص الناس فإني لم أولك الذي أنت به إلا لتكون من أعواني على الحق.

فدعا أبوموسى السائب بن مالك الأشعري فقال له: ما ترى؟ قال: أرى أن تتبع ما كتب به إليك. قال (أبوموسى): لكني لا أرى ذلك.

ص: 363


1- شرح نهج البلاغة، ج 14 ، ص 9 ، أخبار علي عند مسيره إلى البصرة ورسله إلى الكوفة، الرسالة الأولى.

فكتب هاشم إلى علي علیه السلام: إني قد قدمت على رجل غال مشاق ظاهر الغل والشنآن(1).

يذكر الشيخ المفيد، في تقرير مطول له، هاشم بن عتبة كأول سفير للإمام علي عليه إلى الكوفة. يقول: ثم دعا هاشم بن عتبة المرقال وكتب معه كتاباً إلى أبي موسى الأشعري وكان بالكوفة من قبل عثمان وأمره أن يوصل الكتاب إليه ليستنفر الناس منها إلى الجهاد معه. فقدم هاشم بالكتاب على أبي موسى الأشعري ... فأبى أبو موسى ذلك وكسر الكتاب ومحاه وبعث إلى هاشم بن عتبة يخوفه ويتوعده بالسجن. فكتب هاشم إلى علي بن أبي طالب علیه السلام: أما بعد يا أمير المؤمنين فإني قدمت بكتابك على امرئ عاق شاق بعيد الرحم ظاهر الغل والشقاق فتهددني بالسجن وخوفني بالقتل(2).

إرسال عبد الله بن عباس ومحمد بن أبي بكر إلى الكوفة

يقول ابن أبي الحديد نقلاً عن أبي مخنف وبعث علي علیه السلام من الربذة (بعد أن استلم رسالة هاشم بن عتبة المرقال) عبد الله بن عباس ومحمد بن أبي بكر إلى أبي موسى وكتب معهما ... يا ابن الحائك! فوالله إني كنت لأرى بعدك من هذا الأمر ( حرمانك من الخلافة) الذي لم يجعلك الله له أهلاً ولا

ص: 364


1- تاريخ الطبري، ج 3، ص 35 ، حوادث سنة 36 الهجرية، بعثة علي بن أبي طالب من ذي قار ابنه الحسن وعمار بن ياسر ليستنفرا له أهل الكوفة.
2- الجمل والنصرة لسيد العترة في حرب البصرة، ص 242 ، كتاب أمير المؤمنين علیه السلام إلى أبي موسى الأشعري.

جعل لك فيه نصيباً سيمنعك من رد أمري والانتزاء علي. وقد بعثت إليك ابن عباس وابن أبي بكر فخلهما والمصر وأهله واعتزل عملنا مذئوماً مدحوراً. فإن فعلت وإلاّ فإني قد أمرتهما أن ينابذاك على سواء إن الله لا يهدي كيد الخائنين. فإذا ظهرا عليك قطعاك إربا إرباً ... فلما أبطأ ابن عباس وابن أبي بكر عن علي علیه السلام ولم يدر ما صنعا، رحل عن الربذة إلى ذي قار(1).

وصول خبر اعتقال عثمان بن حنيف وتعذيبه إلى الإمام

واصل الإمام علیه السلام سيره من الربذة صوب ذي قار حتى وصل الثعلبية. وفيها بلغه ما تعرض له عامله على البصرة عثمان بن حنيف من حبس وتعذيب والمقتلة التي مني بها حراس بيت المال على يد طلحة والزبير(2) .

ص: 365


1- "وروى أبو مخنف قال : ......" شرح نهج البلاغة، ج 14، ص 10، أخبار علي عند مسيره إلى البصرة ورسله إلى الكوفة، الرسالة الأولى.
2- جدير بالذكر أن الكتاب هذا روعي فيه، حدّ الإمكان، عرض المباحث بالترتيب والتبويب. غير أن الضرورة فرضت الخروج على هذه القاعدة أحياناً من ذلك ما اقتضاه تزامن الأحداث التي وقعت في البصرة على يد أصحاب الجمل وما جرى في المدينة إلى البصرة من وقائع. على أن أحداث البصرة والجمل الصغرى سنوردها بالتفصيل في الفصل القادم. ولكننا لم نجد بداً من التطرق إلى حبس عثمان بن حنيف وتعذيبه واستشهاد حكيم بن جبلة، وهي الأخبار المحزنة التي سمع بها الإمام علیه السلام في طريقه من المدينة إلى البصرة، ثم التحاق عثمان بن حنيف بالإمام علیه السلام.

فأخبر الإمام علیه السلام جنوده بهذا الخبر الأليم وقال: اللُّهمَّ عافني مما ابتليتَ به طلحة والزبير من قتل المسلمين وسلمنا منهم أجمعين(1).

من الأمور الغامضة في التقارير التاريخية، الموضع الدقيق الذي التحق فيه عثمان بن حنيف بالإمام علیه السلام . فبعضها يشير إلى أنه التحق به في الربذة، وبعضها يقول إن ذلك حدث في ذي قار. إلاّ أنه نظراً إلى أن الإمام علیه السلام وصل الربذة متأخراً وقد كان أصحاب الفتنة كانوا قد سبقوه في الانطلاق صوب البصرة ، فكتب علیه السلام إلى عثمان بن حنيف من هناك (من الربذة) يخبره عن تحرك أصحاب الجمل نحو البصرة. لذا من المستبعد جداً أن تقع جميع حوادث البصرة بما فيها واقعة الصلح والجمل الصغرى واحتلال البصرة واعتقال عثمان بن حنيف في هذا الوقت القصير جداً. لذا فإن افتراض التحاق عثمان بن حنيف بمعسكر الإمام علیه السلام في ذي قار أقرب إلى الواقع.

يقول الطبري في تقريره: ولما انتهوا إلى ذي قار انتهى إليه عثمان بن حنيف وليس في وجهه شعر. فلما رآه علي نظر إلى أصحابه فقال: انطلق هذا من عندنا وهو شيخ فرجع إلينا وهو شاب(2).

كذلك يقول الشيخ المفيد عن التحاق عثمان بن حنيف بالإمام علیه السلام في ذي قار: فخرج ابن حنيف حتى أتى أمير المؤمنين علیه السلام وهو بذي قار. فلما

ص: 366


1- "ولما نزل على الثعلبية أتاه الذي لقي عثمان بن حنيف وحرسه، فقام وأخبر القوم الخبر وقال: اللهم". تاريخ الطبري، ج 3، ص 24، حوادث سنة 36 الهجرية، ذكر الخبر عن مسير علي بن أبي طالب نحو البصرة.
2- تاريخ الطبري، ج 3، ص 25، حوادث سنة 36 الهجرية، ذكر الخبر عن مسير علي بن أبي طالب نحو البصرة.

نظر إليه أمير المؤمنين علیه السلام وقد نكل به القوم بكى وقال: يا عثمان! بعثتك شيخاً ألحى فردوك أمرد إلي. اللهم إنك تعلم أنهم اجترأوا عليك واستحلوا حرماتك. اللهم اقتلهم بمن قتلوا من شيعتي وعجل لهم النقمة بما صنعوا بخليفتي(1).

كما يقول ابن كثير الدمشقي عن التحاق عثمان بن حنيف في ذي قار: فلما انتهى ( علي علیه السلام ) إلى ذي قار أتاه عثمان بن حنيف مهشماً وليس في وجهه شعرة، فقال: يا أمير المؤمنين بعثتني إلى البصرة وأنا ذو لحية وقد جئتك أمرداً. فقال علیه السلام: أصبت خيراً وأجراً (2).

سماع الإمام خبر استشهاد حكيم بن جبلة

بعد الثعلبية، واصل الإمام علیه السلام المسير حتى وصل أساد. وفيها بلغه خبر وقوف حكيم بن جبلة بوجه أصحاب الفتنة حتى استشهاده مع ورفاقه. فقال علیه السلام : الله أكبر! ما ينجيني من طلحة والزبير إذ أصابا ثأرهما، أو ينجيهما.

ص: 367


1- الجمل والنصرة لسيد العترة في حرب البصرة، ص 285 ، مجيء عثمان بن حنيف إلى أمير المؤمنين علیه السلام.
2- البداية والنهاية، ج 7، ص 244 ، حوادث سنة 36 الهجرية، ابتداء وقعة الجمل.

وقرأ: (ما أصاب من مصيبة في الأرض ولا في أنفسكم إلّا في كتاب من قبل أن نبرأها إن ذلك على الله يسير)(1).

ثم قام أمير المؤمنين علیه السلام ووقف على جهاز الجمال وقال: إنه أتاني خبر متفظع ونبأ جليل، أن طلحة والزبير وردا البصرة فوثبا على عاملي فضرباه ضرباً مبرحاً وترك لا يدرى أحي هو أم ميت، وقتلا العبد الصالح حكيم بن جبلة في عدة من رجال المسلمين الصالحين لقوا الله موفون (هكذا، وربما موفين: م) ببيعتهم ماضين على حقهم وقتلا السبابجة خزان بيت المال الذي للمسلمين، قتلوهم صبراً وقتلوا غدراً. فبكى الناس بكاءً شديداً. ورفع أمير المؤمنين علیه السلام يديه يدعو ويقول: اللهم اجز طلحة والزبير جزاء الظالم الفاجر والخفور الغادر !

خطبة الإمام علیه السلام في ذي قار

تورد التقارير التاريخية خطباً مختلفة ألقاها الإمام علیه السلام في ذي قار، نشير هنا إلى مضامين بعضها بإيجاز.

يقول السيد الرضي في الخطبة التي رواها ابن عباس إنه لما كان الإمام علیه السلام في طريقه إلى البصرة لقتال الناكثين ألقى على الناس خطبة طويلة تطرق فيها إلى دور النبي صلی الله علیه وآله وسلم في هداية العرب وإخراجهم من الشقاوة إلى السعادة

ص: 368


1- قام (الإمام علیه السلام) على الغرائر فقال : .....". الكافئة في إبطال التوبة الخاطئة، ص17، الفصلالثاني: في حرب الجمل الحديث 17 .

ودوره هو في تثبيت أركان الإسلام قال علیه السلام: أما والله إن كنت لفي ساقتها حتى [ولت] تولت بحذافيرها ما [ ضعفت] عجزت ولا جبنت وإن مسيري هذا لمثلها.

فلأنقبن الباطل حتى يخرج الحق من جنبه.

ثم ذكر الأذى الذي تحمله من قريش وما فعلته به وأهل بيته علیه السلام . قال: ما لي ولقريش! والله لقد قاتلتهم كافرين ولأقاتلنهم مفتونين. وإني لصاحبهم بالأمس كما أنا صاحبهم اليوم. (لم يتغير شيء بيننا ولم تزل عداوتهم لنا) والله ما تنقم منا قريش إلا أن الله اختارنا عليهم فأدخلناهم في حيزنا (1).

يفيد تقرير زيد بن صوحان أن أمير المؤمنين علیه السلام، بعد أن أشار في ذي قار إلى خطورة مسؤولية الحكم وإقامة العدل بين جميع شرائح المجتمع، قال: وبايعني طلحة والزبير وأنا أعرف الغدر في أوجههما والنكث في أعينهما، ثم استأذناني في العمرة، فأعلمتهما أن ليس العمرة يريدان. فسارا إلى مكة واستخفا عائشة وخدعاها وشخص معهما أبناء الطلقاء فقدموا البصرة فقتلوا بها المسلمين وفعلوا المنكر. ويا عجباً لاستقامتهما لأبي بكر وعمر وبغيهما علي هما يعلمان أني لست دون أحدهما (دون أبي بكر أو عمر)، ولو شئت

ص: 369


1- قال عبد الله بن عباس : دخلت على أمير المؤمنين علیه السلام بذي قار وهو يخصف نعله ... فقال: إن الله [سبحانه] بعث محمداً صلی الله علیه وآله وسلم وليس أحد من العرب يقرأ كتاباً ولا يدّعينبوة، فساق الناس حتى بوأهم محلتهم وبلغهم منجاتهم، فاستقامت قناتهم واطمأنت صفاتهم أما والله إن كنت .....". نهج البلاغة، ص 58 ، الخطبة 70.

أن أقول لقلت. ولقد كان معاوية كتب إليهما من الشام كتاباً يخدعهما فيه، فکتماه عني وخرجان يوهمان الطغام أنهما يطلبان بدم عثمان والله ما أنكرا علي منكراً ولا جعلا بيني وبينهم نصفاً (1).

إرساله الإمام الحسن علیه السلام وعمار بن ياسر لتعبئة أهل الكوفة

بعد أن استلم الإمام علیه السلام تقرير هاشم بن عتبة وعرف مقدار حقد أبي موسى الأشعري وعداوته، كتب مرة أخرى إلى أبي موسى يأمره باعتزال ولاية الكوفة وتسليم أمرها إلى قرظة بن كعب. وبعث بابنه الإمام الحسن علیه السلام وعمار بن ياسر إلى الكوفة لتعبئة أهلها للقتال (2).

يقول ابن أبي الحديد نقلاً عن أبي مخنف فلما دخل الحسن وعمار الكوفة اجتمع إليهما الناس فقام الحسن فاستنفر الناس، فحمد الله وصلى على رسوله، ثم قال: أيها الناس إنا جئنا ندعوكم إلى الله وإلى كتابه وسنة

ص: 370


1- وروى أبو مخنف عن زيد بن صوحان قال: شهدت علياً علیه السلام بذي قار وهو معتم بعمامة سوداء ... أتيتموني لتبايعوني، فقلت: لا حاجة لي في ذلك، ودخلت منزلي فاستخرجتموني ... قد علم الله سبحانه أني كنت كارهاً للحكومة بين أمة محمد صلی الله علیه وآله وسلم و لقد سمعته يقول : ما من وال يلي شيئاً من أمر أمتي إلاّ أتي به يوم القيامة مغلولة يداه إلى عنقه على رؤوس الخلائق ثم ينشر كتابه، فإن كان عادلاً نجا وإن كان جائراً هوى حتى اجتمع علي ملأكم وبايعني طلحة والزبير ...". شرح نهج البلاغة، ج1، ص309، خطبته أيضاً بذي قار، الخطبة 22 .
2- الإرشاد في معرفة حجج الله على العباد، ج 1، ص 249 ، كلامه عند نزوله بذي قار ولقائه بأهل الكوفة فيها.

رسوله، وإلى أفقه من تفقه من المسلمين وأعدل من تعدلون وأفضل من تفضلون وأوفى من تبايعون من لم يعبه القرآن ولم تجهله السنة ولم تقعد به السابقة. إلى من قربه الله تعالى إلى رسوله قرابتين قرابة الدين وقرابة الرحم. إلى من سبق الناس إلى كل مأثرة إلى من كفى الله به رسوله والناس متخاذلون، فقرب منه وهم متباعدون وصلى معه وهم مشركون وقاتل معه وهم منهزمون وبارز معهم وهم محجمون وصدقه وهم يكذبون. إلى من لم ترد له رواية ولا تكفأ له سابقة، وهو يسألكم النصر ويدعوكم إلى الحق ويأمركم بالمسير إليه لتؤازروه وتنصروه على قوم نكثوا بيعته وقتلوا أهل الصلاح من أصحابه ومثلوا بعماله وانتهبوا بيت ماله. فاشخصوا إليه رحمكم الله، فمروا بالمعروف وانهوا عن المنكر واحضروا بما يحضر به الصالحون(1).

خطبة عمار في دعم أمير المؤمنين علیه السلام

كان عمار من الذين اضطلعوا بدور هام في تحشيد أهل الكوفة وتعبئتهم لنصرة أمير المؤمنين علیه السلام. وله في سفارته إلى الكوفة أكثر من خطبة نشير إلى مضامينها بإيجاز.

ركز عمار في خطبه على أن أهل المدينة وصحابة رسول الله صلی الله علیه وآله وسلم قد

اختاروا علياً علیه السلام خليفة لهم. ولو كانت الخلافة قد آلت إلى غيره لابتلي

ص: 371


1- "قال: فلما ....". شرح نهج البلاغة، ج 14، ص 11 ، أخبار علي عند مسيره إلى البصرة ورسله إلى الكوفة، الرسالة الأولى.

الناس ببلاء عظيم ثم حث الناس على نصرة الإمام علیه السلام موضحاً أهداف الإمام مختصراً إياها بإصلاح المجتمع وتقويمها من الانحراف والاعوجاج.

وبالإشارة إلى الفتنة التي قادها طلحة والزبير وعائشة بين عظمة حق الإمام علیه السلام وأوضح أن تلك الحرب ابتلاء للناس واختبار لصدق إيمانهم(1).

وجاء في تقرير آخر: ولما فرغ الحسن بن علي علیه السلام من خطبته (المهيجة)، قام بعده عمار فقال: أيها الناس! أخو نبيكم وابن عمه يستنفركم لنصر دين الله. وقد بلاكم الله بحق دينكم وحرمة أمكم، فحق دينكم أوجب وحرمته أعظم أيها الناس عليكم بإمام لا يؤدب وفقيه لا يعلم وصاحب بأس لا ينكل وذي سابقة في الإسلام ليست الأحد (2).

يقول القاضي نعمان المغربي: فلما بلغ أهل الكوفة قدوم الحسن بن علي علیه السلام وعمار بن ياسر تشاوروا وأجمعوا على أن يوجهوا هند الجملي ليلقاهما وليسأل عماراً عما سمعه من رسول الله صلی الله علیه وآله وسلم في ذلك شيئاً. فمضى هند حتى

ص: 372


1- "فقال عمار: الحمد لله حمداً كثيراً ... ثم إن أمير المؤمنين علي بن أبي طالب حفظه الله ونصره نصراً عزيزاً وأبرم له أمراً رشيداً بعثني إليكم وابنه يأمركم بالنفر إليه فانظروا إليه واتقوا وأطيعوا الله. والله لو علمت أن على وجه الأرض بشراً أعلم بكتاب الله وسنة نبيه منه ما استنفرتكم إليه ولا بايعته على الموت. يا معشر أهل الكوفة الله الله في الجهاد فوالله لئن صارت الأمور إلى غير علي لتصيرن إلى البلاء العظيم ... ثم نزل فصبر هنيئة ثم عاد إلى المنبر فحمد الله وأثنى عليه ثم قال: أيها الناس! هذا ابن عم رسول نبيكم قد بعثني إليكم أستنصركم، إلا أن طلحة والزبير قد سارا نحو البصرة وأخرجا عائشة معهما للفتنة ....". الجمل والنصرة لسيد العترة في حرب البصرة، ص 262، خطبة عمار.
2- شرح نهج البلاغة، ج 14، ص 11 ، أخبار علي عند مسيره إلى البصرة ورسله إلى الكوفة، الرسالة 11. وبتغيير بسيط في الألفاظ في الجمل والنصرة لسيد العترة في حرب البصرة، ص 263، خطبة أخرى لعمار.

لقي الحسن علیه السلام وعماراً بموضع يقال له قاع البيضة وهما نازلان، فخلا بعمار ثم قال له :قصيره من طويله أنا رائد القوم والرائد لا يكذب أهله. وقد أرسلوني إليك لتخبرني بما سمعت من رسول الله صلی الله علیه وآله وسلم في هذا الأمر. قال عمار: أشهد بالله لقد أمرني رسول الله صلی الله علیه وآله وسلم أن اقاتل مع علی الناکثین والمارقين والقاسطين. فرجع هند إلى الكوفة فأخبرهم (1) .

مخالفة أبي موسى الأشعري الإمام الحسن علیه السلام وعماراً

فخرج أبو موسى فلقي (الإمام) الحسن علیه السلام فضمه إليه وأقل على عمار فقال: يا أبا اليقظان أعدوت فيمن عدا على أمير المؤمنين (عثمان) فأحللت نفسک مع الفجار؟ فقال: لم أفعل ولم تسؤني. وقطع عليهما الحسن فأقبل على أبي موسى فقال: يا أبا موسى! لم تثبط الناس عنا؟ فوالله ما أردنا إلاّ الإصلاح، ولا مثل أمير المؤمنين يخاف (منه) على شيء. فقال: صدقت بأبي أنت وأمي. ولكن المستشار مؤتمن سمعت رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم يقول: إنها ستكون فتنة القاعد فيها خير من القائ، والقائم خير من الماشي، والماشي خير من الراكب. قد جعلنا الله عزّ وجلّ إخواناً وحرّم علينا أموالنا ودماءنا وقال: (يا أيها الذين آمنوا لا تأكلوا أموالكم بينكم بالباطل إلا أن تكون تجارة عن تراض منكم ولا تقتلوا أنفسكم إن الله كان بكم رحيماً). قال جلّ وعزّ :(ومن يقتل مؤمناً متعمداً فجزاؤه جهنم). فغضب عمار وساءه وقام

ص: 373


1- شرح الأخبار في فضائل الأئمة الأطهار، ج1، ص 383، في حرب الجمل الرقم 324.

وقال: يا أيها الناس! إنما قال له خاصة أنت فيها قاعداً خير منك قائماً ... ثم انطلق (أبوموسى) حتى أتى المنبر (فوصف الحرب بأنها فتنة). ثم قال: استنصحوني ولا تستغشوني وأطيعوني يسلم لكم دينكم ودنياكم ويشقى بحرّ هذه الفتنة من جناها فقام زيد (بن صوحان) فشال يده المقطوعة فقال: يا عبد الله بن قيس رد الفرات عن دراجه، فدع عنك ما لست مدركه. فقام القعقاع بن عمرو فقال: إني لكم ناصح وعليكم شفيق. أحب أن ترشدوا ولأقولن لكم قولاً هو الحق. أما ما قال الأمير فهو الأمر لو أن إليه سبيلاً (ولا سبيل إليه). وأما ما قال زيد فزيد في الأمر فلا تستنصحوه فإنه لا ينتزع أحد من الفتنة طعن فيها وجرى إليها والقول الذي هو القول أنه لابد من إمارة تنظم الناس وتزع الظالم وتعز المظلوم، وهذا علي يلي بما ولي وقد أنصف في الدعاء وإنما يدعو إلى الإصلاح. فانفروا وكونوا من هذا الأمر بمرأى ومسمع. وقال سيحان (بن صعصعة مؤيداً ما قال القعقاع): أيها الناس! إنه لابد لهذا الأمر وهؤلاء الناس من وال يدفع الظالم ويعز المظلوم ويجمع الناس، وهذا واليكم يدعوكم لينظر فيما بينه وبين صاحبيه وهو المأمون على الأمة، الفقيه في الدين(1).

يقول ابن أبي الحديد قال: فلما سمع أبو موسى خطبة الحسن وعمار قام فصعد المنبر وقال: أما بعد يا أهل الكوفة إن تطيعوا الله بادياً وتطيعوني ثانية تكونوا جرثومة من جراثيم العرب. إن علياً إنما يستنفركم لجهاد أمكم

ص: 374


1- تاريخ الطبري، ج 3، ص 26، حوادث سنة 36 الهجرية، ذكر الخبر عن مسير علي بن أبي طالب نحو البصرة.

عائشة وطلحة والزبير حواري رسول الله ومن معهم من المسلمين. كأني أسمع رسول الله صلی الله علیه وآله وسلم الأمس يذكر الفتن فيقول: أنت فيها نائماً خير منك قاعداً وأنت فيها حالساً خير منك قائماً وأنت فيها قائماً خير منك ساعياً. فقام إليه عمار بن ياسر فقال: أنت سمعت رسول الله صلی الله علیه وآله وسلم يقول ذلك!؟ قال: نعم، هذه يدي بما قلت فقال: إن كنت صادقاً فإنما عناك بذلك وحدك واتخذ عليك الحجة، فالزم بيتك ولا تدخلن في الفتنة. أما إني أشهد أن رسول الله صلی الله علیه وآله وسلم أمر علياً بقتال الناكثين وسمى له فيهم من سمى له فيهم من سمى وأمره بقتال القاسطين. وإن شئت لأقيمن لك شهوداً يشهدون أن رسول الله صلی الله علیه وآله وسلم إنما نهاك وحدك من الدخول في الفتنة (1).

يروي أبو مخنف أن عمار بن ياسر قام بعد أبي موسى الأشعري فصعد المنبر وخاطب الناس دافعاً مغالطاته مستدلاً بآيات القرآن. قال عمار: يا أيها الناس قد سمعنا مقالة صاحبكم وما نهاكم عنه من الشخوص إلى هذين الجمعين، ولعمري ما صدق فيما قال وما يرضى الله من عباده مثل ما قال وما ذكر. ولقد أنزل إلينا وعلينا القرآن فبيّن فيه طاعته ومعصيته وحكم أحكامه. فلم يدع ملة من الملل إلاّ وقد حكم فيها حكماً. أمر بجهادهم حتى تفيء إلى أمر الله فحكم في المشركين حتى يدخلوا في الإسلام. ويأمرنا الله في القرآن بجهاد الكافرين بقوله: (فإذا لقيتم الذين كفروا فضرب الرقاب حتى إذا أثخنتموهم فشدوا الوثاق فإما مناً بعد وإما فداءً حتى تضع الحرب أوزارها).

ص: 375


1- أخبار الجمل، ص70 ، تخذيل أبي موسى الناس ورسل أمير المؤمنين علیه السلام من ذي قار إلى الكوفة.

أما فيما يخص أهل الكتاب فيقول الله: (قاتلوا الذين لا يؤمنون بالله ولا باليوم الآخر ولا يحرمون ما حرم الله ورسوله ولا يدينون دين الحق من الذين أوتوا الكتاب حتى يُعطوا الجزية وهم صاغرون)!

أما أهل القبلة فيقول فيهم: (وإن طائفتان من المؤمنين اقتتلوا فأصلحوا بينهما فإن بغت إحداهما على الأخرى فقاتلوا التي تبغي حتى تفيء إلى أمر الله فإن فاءت (وتهيأت أرضية الصلح) فأصلحوا بينهما بالعدل وأقسطوا إن الله يحب المقسطين).

ويقول أيضاً : ( وقاتلوهم حتى لا تكون فتنة (تزول الوثنية ومصادرة حريات الناس) ويكون الدين لله فإن انتهوا (وكفوا عن طريقتهم الخاطئة فكفوا عنهم فلا عدوان إلاّ على الظالمين).

إن الله لا يرضى لعباده أن يقعدوا في بيوتهم (كما يريد منكم أبوموسى) ولا أن يقتل الناس بعضهم بعضاً؛ لذا أدعوكم إلى أن تسيروا معنا إلى المعسكرين لتروا أيهما المحق وأيهما المبطل. فإن استطعتم أن تصلحوا بين الطائفتين عدتم إلى دياركم مأجورين. وإذا بغت إحدى الطائفتين على الأخرى فقاتلوا التي تبغي كما أمركم الله.

ص: 376

نقد مخالفات أبي موسى الأشعري للإمام علي علیه السلام

ألم يبايع أبو موسى الأشعري الإمام علیه السلام وكان عامله على الكوفة؟ فلمً يخالفه حتىحين وصله كتاب عزله من ولاية الكوفة، فامتنع من التنحي؟ هل كان يملك الجرأة للمخالفة في خلافة الخلفاء السابقين؟

هل كان فهم أبي موسى الأشعري للأمور أوسع وأعمق من فهم أمیر المؤمنين علیه السلام ؟ أم كان أقدر منه في إدارة شؤون المجتمع؟

لماذا اعتبر أبو موسى خروج عائشة وطلحة والزبير على الخليفة الشرعي والرسمي للمسلمين فتنةً بدل إدانتهم؟

هل يطلق أبو موسى صفة الإيمان - بالاستدلال بالقرآن - على المخالفين الذين نقضوا بيعتهم لإمامهم وسفكوا دم الكثير من أنصاره، ويعتبر أنصار أمير المؤمنين علیه السلام من أهل النار!؟ حاشى وكلا!

هل غير أن عائشة كانت قد كتبت إليه تأمره بمنع الناس من الانضمام لعلي علیه السلام؟ فهل كانت عائشة ولي أمر أبي موسى لتكون طاعتها واجبة عليه؟ ألا يفقد أبوموسى عدالته بإلصاق التهم بالآخرين ومخالفة ولي الأمر؟ هل تنسجم هذه الأفعال مع عدالة الصحابة؟

هل كان علي علیه السلام والصحابة الذين معه يسعون لملء جيوبهم بالمال؟ هل كانوا هم من نهب بيت مال البصرة؟

ص: 377

ألم يرو أهل السنة عن رسول الله صلی الله علیه وآله وسلم أنه قال: من كره من أميره شيئاً رسول فليصبر، فإنه من خرج من السلطان شبراً مات ميتة جاهلية(1)؟ فإذا كان لأبي موسى رأي آخر مقابل رأي أميره وإمامه ، هل كان له أن يجاهر به أم أن يصبر؟

ألم يرو سوب يرو سويد بن غفلة أن عمر قال له: يا أبا أمية! إني لا أدري لعلي أن لا ألقاك بعد عامي هذا فاسمع وأطع وإن أمر عليك عبد حبشي مجدع؛ إن ضربك فاصبر، وإن حرمك فاصبر. وإن أراد أن ينتقص دينك فقل: سمع وطاعة ودمي دون ديني، فلا تفارق الجماعة (2). فيا أباموسى! إن لم تعمل بقول رسول الله صلی الله علیه وآله وسلم فلا أقل من أن تمتثل لقول عمر بن الخطاب !

يروي مسلم بن الحجاج النيسابوري عن النبي صلی الله علیه وآله وسلم أنه قال: يكون بعدي أئمة لا يهتدون بهداي ولا يستنون بسنتي. وسيقوم فيهم رجال قلوبهم قلوب الشياطين في جثمان إنس. قال (حذيفة بن اليمان): قلت: كيف أصنع يا رسول الله إن أدركت ذلك؟ قال: تسمع وتطيع للأمير وإن ضرب ظهرك وأخذ مالك، فاسمع وأطع (3)؛ فكيف إذا كان الأمير علي بن أبي طالب علیه السلام

ص: 378


1- "عن النبي صلی الله علیه وآله وسلم قال: ..". صحيح البخاري، ص 1429 ، كتاب الفتن، باب قول النبي صلی الله علیه وآله وسلم : سترون بعدي أموراً تنكرونها، الحديث 7053 و 7054؛ صحیح مسلم، ص 882 ، کتاب الإمارة، باب الأمر بلزوم الجماعة وتحذير الدعاة إلى الكفر، الحديث 4767 و 4868.
2- "عن سويد بن غفلة قال: قال لي عمر : ......". المصنف في الأحاديث والآثار، ج7، ص737، في إمام السرية يأمرهم بالمعصية، من قال: لا طاعة له، الحديث السادس.
3- "قال حذيفة بن اليمان قلت يا رسول الله إنا كنا بشتر فجاء الله بخير فنحن فيه. فهل من وراء هذا الخير؟ قال: نعم. قلت: هل وراء ذلك الشر خير؟ قال: نعم. قلت: فهل وراء ذلك الخير؟ قال: نعم. قلت:

وهو الكامل في جميع الأوصاف الذي لم يضرب ظهرك يا أباموسى ولم يأخذ مالك؟

لمّ لم يعبأ أبو موسى بكلام عمار وما ضمنه من أحاديث نبوية حاثة على قتال الناكثين؟ ألم يكن عمار من مقاييس تمييز الحق والباطل؟ ألم يرو عبد الله بن مسعود عن رسول الله صلی الله علیه وآله وسلم قوله : إذا اختلف الناس كان ابن سمية مع الحق (1)؟

ولا غرو أن رأينا أبابردة بن أبي موسى الأشعري بعد ذلك يبجل قاتل عمار ويقبل يده ويسخر من أحاديث النبي صلی الله علیه وآله وسلم بحق الاعمار ويدعو لقاتله، إذا كان أبوه من قبل لم يكترث لعمار بل تشاجر معه وأهمل كلامه(2)!

إن الرسالة التي بعثتها عائشة إلى أبي موسى الأشعري كانت من أهم أسباب مخالفته للإمام علیه السلام وامتناعه عن التعاون معه ورفضه تحشيد الناس

ص: 379


1- " عن ابن مسعود: سمعت رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم يقول : ...". البداية والنهاية، ج6، ص220، ذكر أخباره عن الفتن الواقعة في آخر أيام عثمان وخلافة علي.
2- "رأيت أبابردة قال لأبي الغادية الجهني قاتل عمار بن ياسر أأنت قتلت عمار بن ياسر؟ قال: نعم. قال: ناولني يدك! فقبلها وقال: لا تمسك النار أبداً. وروى أبو نعيم عن هشام بن المغيرة عن الغضبان بن يزيد قال: رأيت أبابردة قال لأبي العادية قاتل عمار بن ياسر مرحباً بأخي هاهنا فأجلسه إلى جانبه". شرح نهج البلاغة ، ج 4، ص99 ، فصل في ذكر المنحرفين عن علي علیه السلام ، الخطبة 56.

لنصرته. ولقد روي عنه أن عائشة أرسلت إليه رسالة تأمره فيها بأن يؤمن لها جانب أهل الكوفة (1).

رداً لهذا السبب، قال عمار لأبي موسى إن الله تعالى أمرها بالجلوس فقامت وأمرنا بالقيام لندفع الفتنة، فنجلس (2)؟

موقف حجر بن عدي الداعم للإمام علیه السلام

كان حجر بن عدي من الذين انبروا للدفاع المستميت عن أمير المؤمنين عندما وصل الإمام الحسن علیه السلام مع عمار إلى الكوفة وخطبا في أهلها لتحريضهم على نصرة الإمام علیه السلام. فبعد مالك الأشتر وعمار، قام حجر بن عدي فقال: أيها الناس هذا الحسن بن أمير المؤمنين وهو من عرفتم أحد أبويه النبي صلی الله علیه وآله وسلم والآخر الإمام الرضي المأمون الوصي الذين ليس لهم شبيه في الإسلام، سيد شباب أهل الجنة وسيد سادات العرب، أكملهم صلاحاً وأفضلهم علماً وعملاً، وهو رسول أبيه إليكم يدعوكم إلى الحق ويسألكم

تخلف النصر. السعيد من ودهم ونصرهم، والشقي من عنهم بنفسه عن

ص: 380


1- "ثم قام على المنبر فقال: أيها الناس إنا أصحاب رسول الله صلی الله علیه وآله وسلم ونحن أعلم منكم بهذه الفتنة فاحذروها. إن عائشة كتبت إلي أن اكفني من قبل" الجمل والنصرة لسيد العترة في حرب البصرة، ص 257 ، إرسال محمد بن الحنفية ومحمد بن أبي بكر إلى الكوفة.
2- مناقب آل أبي طالب، ج3، ص151، في حرب الجمل.

مواساتهم. فانفروا معه رحمكم الله خفافاً وثقالاً واحتسبوا في ذلك الأجر فإن الله لا يضيع أجر المحسنين.

يقول الشيخ المفيد: فأجاب الناس بأجمعهم بالسمع والطاعة(1).

محاكمة عبد خير الخولاني لأبي موسى الأشعري

بعد أن انتهى أبو مسى الأشعري من خطبته التي دافع فيها عن المتمردين وخدّل الناس عن نصرة الإمام علیه السلام ، قام عبد خير الخولاني (هكذا، وفي الهامش الخيواني :م) فوجه سؤاله لأبي موسى قائلاً : يا أباموسى! هل كان هذان الرجلان يعني طلحة والزبير ممن بايع علياً؟ قال (أبوموسى): نعم. قال: هل أحدث (الإمام) حدثاً يحل به نقض بيعته؟ قال: لا أدري. قال: لا ،دريت فإنا تاركوك حتى تدري يا أباموسى هل تعلم أحداً خارجاً من هذه الفتنة التي تزعم أنها هي فتنة؟ إنما بقي أربع فرق؛ علي بظهر الكوفة وطلحة والزبير بالبصرة ومعاوية بالشام وفرقة أخرى بالحجاز لا يجبى بها فيء ولا يقاتل بها

ص: 381


1- "ثم قام حجر بن عدي الكندي وقال : ......". الجمل والنصرة لسيد العترة في حرب البصرة، ص 255، خطبة حجر بن عدي.

عدو. فقال له أبو موسى: أولئك خير الناس وهي فتنة. فقال له عبدخير: يا أبا موسى غلب عليك غشك (1).

ينقل الشيخ المفيد أنه بعد محاكمة عبدخير لأبي موسى، قام رجل من بجيلة فأنشد قائلاً:

وحاجك عبد خير يا ابن قيس*** فأنت اليوم كالشاة الربيض*** فلا حقاً أصبت ولا ضلالاً*** قعدت هناك هوي (هكذا: م) بالحضيض ***أباموسى نظرت برأي سوء ***تئول به إلى قلب مرض ***وتهت فلست تفرق بين خمس ***ولا ست ولا سود وبيض*** وتذكر فتنة شملت وفيها*** سقطت وأنت ترجف بالحريض

(تزدرد بصاقك من الغيظ )(2) توترت الأجواء في الكوفة على إثر كثرة الخطب المتضاربة من قبل أنصار أمير المؤمنين علیه السلام ومؤيدي أبي موسى الأشعري. وبعد العراقيل الكثيرة التي وضعها أبوموسى في طريق الإمام الحسن علیه السلام وعمار بن ياسر ، استأذن مالك الأشتر الإمام علياً علیه السلام في التوجه إلى الكوفة لأنه كان يعلم بأن أهلها يسمعون كلامه ويطيعونه وأن بمقدوره

ص: 382


1- "إن عبد خير الخيواني قام إلى أبي موسى فقال : .....". تاريخ الطبري، ج3، ص28، حوادث سنة 36 الهجرية، ذكر الخبر عن مسير علي بن أبي طالب إلى البصرة؛ الجمل والنصرة لسيد العترة في حرب البصرة، ص 149 ، احتجاج عبد خير على أبي موسى الأشعري.
2- "فقام رجل من بجيلة فقال : .....". الجمل والنصرة لسيد العترة في حرب البصرة، ص149، احتجاج عبد خير على أبي موسى الأشعري. إرسال مالك الأشتر إلى الكوفة وعزل أبي موسى الأشعري.

إقناعهم بنصرة الإمام علیه السلام . وافق أمير المؤمنين على اقتراح مالك فذهب مالك إلى الكوفة. فكان في طريقه إلى دار الإمارة يدعو الناس إلى مرافقته. فدخل دار الإمارة بالقوة وبمساعدة أهل الكوفة. فما كان من غلمان أبي موسى إلاّ أن ذهبوا إلى المسجد وكان أبو موسى مرتقياً المنبر خاطباً في الناس يخذلهم عن الالتحاق بإمامهم، فأخبروه بدخول مالك الأشتر قصر الإمارة وضربه لهم وطردهم منه. فنزل أبو موسى من المنبر ودخل قصر الكوفة. فلما رآه مالك الأشتر صاح به اخرج من قصرنا لا أم لك أخرج الله نفسك! فوالله إنك لمن المنافقين قديماً. قال (أبو موسى): أجلني هذه العشية! قال (الأشتر): هي لك ولا تبيتن في القصر ليلة (1)!

وهكذا أخمدت الفتنة التي أشعل نارها أبوموسى الأشعري الذي عزله مالك الأشتر من إمارة الكوفة مطروداً ذليلاً. بعد ذلك أعلن جمع غفير من أهالي الكوفة استعدادهم لنصرة الإمام علیه السلام. وتفيد التقارير التاريخية بأن جيشاً كبيراً استعد للمسير إلى ذي قار للالتحاق بجيش الإمام علیه السلام.

ص: 383


1- "قد كان الأشتر قام إلى علي ... فلإن رأيت أكرمك الله يا أمير المؤمنين أن تبعثني في أثرهم فإن أهل المصر أحسن شيء لي طاعة وإن قدمت عليهم رجوت أن لا يخالفني منهم أحد. فقال له علي: الحق بهم. فأقبل الأشتر حتى دخل الكوفة وقد اجتمع الناس في المسجد الأعظم فجعل لا يمر بقبيلة يرى فيها جماعة في مجلس أو مسجد إلا دعاهم ويقول: اتبعوني إلى القصر! فانتهى إلى القصر في جماعة من الناس فاقتحم القصر فدخله وأبوموسى قائم في المسجد يخطب الناس ويثبطهم ... إذ خرج علينا غلمان لأبي موسى يشتدون ينادون يا أباموسى هذا الأشتر قد دخل القصر فضربنا وأخرجنا. فنزل أبو موسى فدخل القصر فصاح به الأشتر: اخرج من قصرنا ......". تاريخ الطبري، ج 3، ص 28، حوادث سنة 36 الهجرية، ذكر الخبر عن مسير علي بن أبي طالب نحو البصرة.

بعد مقتل عثمان، وبينما كان المسلمون ينهالون على الإمام علي علیه السلام مبايعين له جماعات تتلو ،جماعات، كان أبو موسى الأشعري يختلق الأعذار للامتناع عن البيعة. وكان يتربص في ما إذا كانت الخلافة تدوم لأمير المؤمنين علیه السلام أم تذهب عنه. لذلك حينما ذهب إليه أهل الكوفة وسألوه عن سبب عدم مبايعته للإمام علیه السلام وقد بايعه المهاجرون والأنصار، قال حتى أنظر ما يكون وما يصنع الناس بعد هذا(1).

وحين سأله هاشم بن عتبة بن أبي وقاص عن سبب عدم بيعته للإمام على علیه السلام، قال أبو موسى: أنتظر الخبر . قال(هاشم): وأي خبر؟ تنتظر وقد قتل عثمان؟ أتظن أنه يرجع إلى الدنيا؟ إن كنت مبايعاً لأمير المؤمنين وإلاّ فاعتزل أمرنا! قال (الراوي): ثم ضرب هاشم بن عتبة بيده على الأخرى وقال: لي شمالي ويميني لعلي بن أبي طالب فلما قال هاشم ذلك وثب أبوموسى الأشعري فبايع ولم يجد بداً من ذلك. قال (الراوي): وبايعت أهل الكوفة علياً

علیه السلام بأجمعهم(2).

ص: 384


1- "وبلغ أهل الكوفة قتل عثمان وبيعة الناس لعلي بن أبي طالب علیه السلام فقامت الناس إلى أميرهم أبي موسى الأشعري فقالوا: أيها الرجل لم لا تبايع علياً وتدعو الناس إلى بيعته، فقد بايعه المهاجرون والأنصار؟ فقال أبو موسى ....". الفتوح، المجلد الأول، ص 435 ، ذكر بيعة أهل البلدان بعد ذلك لعلي بن أبي طالب علیه السلام.
2- "وأقبل هاشم بن عتبة بن أبي وقاص إلى أبي موسى الأشعري فقال: يا أباموسى! ما الذي يمنعك أن تبايع علياً؟ فقال: أنتظر الخبرا ...". الفتوح، المجلد الأول، ص 435، ذكر بيعة أهل البلدان بعد ذلك لعلي بن أبي طالب علیه السلام.

كان أبو موسى الأشعري عثمانياً مناصراً للحزب الأموي ومن النواصب المعادين للإمام علي علیه السلام وأهل بيته. وهو الذي فرضه الخوارج على أمير المؤمنين علیه السلام في واقعة التحكيم فخدعه عمرو بن العاص فخلع الإمام علياً علیه السلام من الخلافة.

يقول إبراهيم بن محمد الثقفي: وكان بالكوفة من فقهائها أهل عداوة له وبغض قد خذلوا عنه وخرجوا عن طاعته فمنهم مرة الهمداني ومسرق بن الأجدع والأسود بن يزيد وأبووائل شقيق بن سلمة وشريح بن الحارث القاضي وأبوبردة بن أبي موسى الأشعري واسمه عامر بن عبد الله بن قيس وعبد الله بن قيس وأبوعبد الرحمن السلمي وعبد الله بن عكيم وقيس بن أبي حازم وسهم بن طريف والزهري والشعبي بعد هؤلاء (1).

يقول الطبري وابن الأثير : وكتب عثمان إلى أهل الأمصار يستنجدهم ويأمرهم بالحث للمنع عنه عنه ... فبعث معاوية حبيب بن مسلمة الفهري وبعث عبد الله بن سعد بن أبي سرح معاوية بن حديج وخرج من الكوفة القعقاع بن عمرو بعثه أبو موسى (2).

يظهر من الروايات التي نقلها الشيخ الصدوق والعلاّمة المجلسي أن أبا موسى الأشعري كان من أصحاب العقبة الذين حاولوا اغتيال النبي صلى الله عليه وآله وسلم بعد

ص: 385


1- الغارات، ج2، ص 558 ، فيمن فارق عليا علیه السلام وعاداه.
2- الكامل في التاريخ، ج 2، ص 282، حوادث سنة 35 الهجرية، ذكر مسير من سار إلى حصر عثمان! تاريخ الطبري، ج2، ص 653 ، حوادث سنة 35 الهجرية، ذكر من سار إلى ذي خشب من أهل مصر.

عودته من غزوة تبوك بإجفال ناقته لتلقي به في الوادي(1). وهذا ما أشار إليه عمار وقاطع أباموسى. وقد حدث أن جاء أبو موسى إلى عمار ذات يوم فقال له: ما لي ولك؟ ألست أخاك ؟ قال ( عمار ) : ما أدري إلا أني سمعت رسول الله صلی الله علیه وآله وسلم يلعنك ليلة الجمل (جمل النبي الله صلی الله علیه وآله وسلم الذي حاول أصحاب العقبة إجفاله ليسقط منه النبي إلى الوادي فيقتل). قال (أبو موسى): إنه قد استغفر لي. قال عمار: قد شهدتُ اللعن ولم أشهد الاستغفار (2).

التحق جيش الكوفة بالإمام علیه السلام وترحيب الإمام به

عندما التحق أهل الكوفة في ذي قار بالإمام علیه السلام النصرته، استقبلهم الإمام علیه السلام بالترحاب فحمد الله وأثنى عليه وصلى على نبيه صلی الله علیه وآله وسلم ثم قال: مرحباً بأهل الكوفة، بيوتات العرب ووجوهها وأهل الفضل وفرسانها وأشد العرب مودة الرسول الله صلی الله علیه وآله وسلم ولأهل بيته ولذلك بعثت إليكم واستصرختكم عند

ص: 386


1- "الذين نفروا برسول الله صلى الله عليه وآله وسلم ناقته في منصرفه من تبوك أربعة عشر؛ أبوالشرور وأبوالدواهي وأبوالمعازف وأبوه وطلحة وسعد بن أبي وقاص وأبوعبيدة وأبوالأعور والمغيرة وسالم مولى أبي حذيفة وخالد بن الوليد وعمرو بن العاص وأبو موسى الأشعري وعبد الرحمن بن عوف .... الخصال، ص544، أبواب أربعة عشر رجلاً، الحديث السادس؛ بحار الأنوار الجامعة لدرر أخبار الأئمة الأطهار، ج21، ص 222 - 223 ، تاريخ نبينا صلی الله علیه وآله وسلم و ،باب غزوة تبوك وقصة العقبة، الحديث الخامس، وج28، ص100، کتاب الفتن والمحن، الباب الثالث، الحديث الثالث وج ،82 ص 267 ، كتاب الصلاة، باب آخر في القنوتات الطويلة.
2- "كنت جالساً مع عمار فجاء أبو موسى فقال : ......". تاريخ دمشق الكبير، ج34، ص64، ترجمة عبد الله بن قيس، الرقم 3554.

نقض طلحة والزبير بيعتي عن غير جور مني ولا حدث ولعمري لو لم تنصروني بأهل الكوفة لرجوت أن يكفيني الله غوغاء الناس وطغام أهل البصرة، مع أن عامة من بها ووجوهها وأهل الفضل والدين قد اعتزلوها ورغبوا عنها. فقام رؤوس القبائل فخطبوا وبذلوا له النصر، فأمرهم بالرحيل إلى البصرة (1).

الإخبار عن الغيب بعدد جنود الكوفة

من أهم ما حدث في ذي قار تنبؤ الإمام علیه السلام بعدد المجاهدين القادمين من الكوفة قبل مجيئهم وانضمامهم إلى معسكر أمير المؤمنين علیه السلام . والتقارير التاريخية، وإن لم تتفق على العدد الذي تنبأ به الإمام علیه السلام، إلاّ أنها اتفقت على وقوع التنبؤ من قبله علیه السلام وصحة تحققه.

يروي أبوالطفيل عن الإمام علي علیه السلام قوله: يأتيكم من الكوفة اثنا عشر ألف رجل ورجل. فقعدت على نجفة ذي قار فأحصيتهم فما زادوا رجلاً ولا نقصوا رجلاً(2).

ص: 387


1- "فلما قدم أهل الكوفة على علي علیه السلام سلموا عليه وقال : مرحباً ....". شرح نهج البلاغة، ج 2، ص188، خبر يوم ذي قار الخطبة 33 وبمضمون آخر في تاريخ الطبري، ج 3، ص 28، حوادث سنة 36 الهجرية، نزول أمير المؤمنين ذاقار، الخطبة 32.
2- "عن أبي الطفيل قال: ......". تاريخ الطبري، ج3، ص 34، حوادث سنة 36 الهجرية، بعثة علي بن أبي طالب من ذي قار ابنه الحسن وعمار بن ياسر ليستنفرا له أهل الكوفة؛ شرح نهج البلاغة، ج 14، ص21، فصل في نسب عائشة وأخبارها، الرسالة الأولى.

ويقول الشيخ المفيد: وقال علیه السلام بذي قار وهو جالس لأخذ البيعة: يأتيكم من قبل الكوفة ألف رجل لا يزيدون رجلا ولا ينقصون رجلاً يبايعوني على الموت. قال ابن عباس: فجزعت لذلك وخفت أن ينقص القوم عن العدد أو يزيدوا عليه فيفسد الأمر علينا. ولم أزل مهموماً دأبي إحصاء القوم حتى ورد أوائلهم فجعلت أحصيهم فاستوفيت عددهم تسعمائة رجل وتسعة وتسعين رجلاً، ثم انقطع مجيء القوم. فقلت: إنا لله وإنا إليه راجعون، ماذا حمله على ما قال؟ فبينا أنا مفكر في ذلك إذ رأيت شخصاً قد أقبل. حتى دنا فإذا هو راجل عليه قباء صوف معه سيفه وترسه وإداوته. فقرب من أمير المؤمنين علیه السلام فقال له : امدد يدك أبايعك! فقال له أمير المؤمنين علیه السلام: وعلام تبايعني؟ قال: على السمع والطاعة والقتال بين يديك حتى أموت أو يفتح الله عليك. فقال له: ما اسمك؟ قال: أويس . قال : أنت أويس القرني؟ قال: نعم. قال: الله أكبر! أخبرني حبيبي رسول الله أني أدرك رجلا من أمته يقال له أويس القرني يكون من حزب الله ورسوله، يموت على الشهادة، يدخل في شفاعته مثل ربيعة ومضر. قال ابن عباس: فسري عني(1).

إخبار علي علیه السلام بالغيب وبشارته بالنصر

في تقرير آخر أن علياً علیه السلام، فضلاً عن إخباره بعدد الجنود القادمين من الكوفة، بشّر أصحابه بالنصر على أصحاب الجمل.

ص: 388


1- الإرشاد في معرفة حجج الله على العباد، ج1، ص 315 ، إخباره علیه السلام الغائبات والكائن قبل كونه.

يقول ابن عباس: إن علياً خطب الناس فقال: يا أيها الناس! ما هذه المقالة السيئة التي تبلغني عنكم؟ والله لتقتلن طلحة والزبير ولتفتحن البصرة ولتأتينكم مادة من الكوفة ستة آلاف وخمسمائة وستين أو خمسة آلاف وستمائة وخمسين قال ابن عباس: فقلت: الحرب خدعة. قال: فخرجت فأقبل (هكذا: م) أسأل الناس كم أنتم؟ فقالوا كما قال. فقلت: هذا مما أستره إليه رسول الله صلی الله علیه وآله وسلم : إنه علمه ألف ألف كلمة كل كلمة تفتح ألف كلمة (1).

وينقل المنهال بن عمرو عن قبيلة بني تميم: أخبرني رجل من تميم قال: كنا مع أمير المؤمنين علي بن أبي طالب علیه السلام بذي قار ونحن نرى أنا سنختطف في يومنا، فسمعته يقول: والله لنظهرن على هذه الفرقة ولنقتلن هذين الرجلين يعني طلحة والزبير ولنستبيحن عسكرهما. قال التميمي فأتيت عبد الله بن عباس فقلت له : أما ترى إلى ابن عمك وما يقول؟ فقال: لا تعجل حتى ننظر ما يكون. فلما كان من أمر البصرة ما كان أتيته فقلت: لا أرى ابن عمك إلاّ قد صدق في مقاله. فقال: ويحك إنا كنا نتحدث أصحاب محمد أن النبي صلی الله علیه وآله وسلم عهد إليه ثمانين عهداً لم يعهد شيئاً منها إلى أحد غيره.

فلعل هذا مما عهده إليه (2).

ص: 389


1- "عن ابن عباس قال : ......". كنز العمال في سنن الأقوال والأفعال، ج13، ص 164، فضائل علی علیه السلام الحديث 36500.
2- "عن المنهال بن عمرو قال : ..... ". أمالي الشيخ المفيد، ص 334، المجلس التاسع والثلاثون، الحديث الخامس.

إخبار علي علیه السلام عن الغيب في ذي قار

يقول سليم بن قيس الهلالي: لما قتل الحسين بن علي علیهما السلام ، بكى ابن عباس بكاءً شديداً ثم قال: ما لقيت هذه الأمة بعد نبيها. اللَّهُمَّ إني أشهدك أني لعلي بن أبي طالب ولي ولولده من عدوه وعدوهم بري، وأني أسلم لأمرهم. لقد دخلت على علي علیه السلام بذي قار فأخرج إلي صحيفة وقال لي: يا ابن عباس هذه صحيفة أملاها على رسول الله صلی الله علهی وآله وسلم وخطي بيده (هكذا: م). فقلت: يا أمير المؤمنين: إقرأها علىّ! فقرأها، فإذا فيها كل شيء كان منذ قبض رسول الله صلی الله علیه وآله وسلم إلى مقتل الحسين علیه السلام وكيف يقتل ومن يقتله ومن ينصره ومن يُستشهد معه. فبكى بكاءً شديداً وأبكاني. فكان فيما قرأه عليّ: كيف يُصنع به وكيف يستشهد( هكذا : م) فاطمة وكيف يستشهد الحسن ابنه وكيف تغدر به الأمة. فلما أن قرأ كيف يقتل الحسين ومن يقتله أكثر البكاء. ثم أدرج الصحيفة وقد بقي ما يكون إلى يوم القيامة وكان فيها أمر أبي بكر وعمر وعثمان وكم يملك كل إنسان منهم وكيف بويع علي عیله السلام ووقعة الجمل وسیر عائشة وطلحة والزبير ووقعة صفين ومن يقتل فيها ووقعة النهروان وأمر الحكمين وملك معاوية ومن يقتل من الشيعة وما يصنع الناس بالحسن وأمر يزيد بن معاوية حتى انتهى إلى قتل الحسين، فسمعت ذلك. ثم كان كلما قرأ يزد (هكذا وربما لم يزد :م) ولم ينقص. فرأيت خطه أعرفه في صحيفة لم تتغير ولم تصفر. فلما أدرج الصحيفة قلت يا أمير المؤمنين لو كنت قرأت على بقية الصحيفة. قال علیه السلام:لا ولكني محدثك ما يمنعني فيها ما نلقى من أهل بيتك وولدك وهو أمر فظيع من قتلهم لنا وعداوتهم إيانا

ص: 390

وسوء ملكهم وشؤم قدرتهم فأكره أن تسمعه فتغتم ويحزنك. ولكني أحدثك أخذ رسول الله صلی الله علیه وآله وسلم عند موته بيدي ففتح لي ألف باب من العلم يفتح كل باب ألف باب وأبوبكر وعمر ينظران إلي وهو يشير إلى ذلك. فلما خرجت قالا لي: ما قال لك؟ فحدثتهما بما قال. فحركا أيديهما ثم حكيا قولي ثم وليا يردان قولي ويخطران بأيديهما. يا ابن عباس إن الحسن يأتيك من الكوفة بكذا وكذا ألف رجل غير رجل. يا ابن عباس إن ملك بني أمية إذا زال كان أول ما يملك من بني هاشم ولدك فيفعلون الأفاعيل. فقال ابن عباس: لأن يكون نسختي ذلك الكتاب أحب إلي مما طلعت عليه الشمس (1).

ص: 391


1- کتاب سليم بن قيس الهلالي، ج2، ص 915، الحديث 66.

ص: 392

الفصل السابع: المتمردون في البصرة

اشارة

ص: 393

ص: 394

جيش الجمل يعسكر قرب البصرة

حين وصل عائشة وطلحة والزبير قرب البصرة، رآهم عمير بن عبدالله التميمي فخرج للقائهم وقال لعائشة : يا أم المؤمنين! أنشدك بالله أن تقدمي اليوم على قوم تراسلي منهم أحداً فيكفيكهم فقالت: جئتني بالرأي وأنت امرؤ صالح. فعجلي (عبد الله) بن عامر، فليدخل فإن له صنائع فليذهب إلى صنائعه فليلقوا الناس حتى تقدمي ويسمعوا ما جئتم فيه. فأرسلته فاندس إلى البصرة فأتى القوم وكتبت عائشة رضی الله عنها إلى رجال من أهل البصرة وكتبت إلى الأحنف بن قيس وصبرة بن شيمان وأمثالهم من الوجوه. ومضت، حتى إذا كانت بالحفير (حفر أبي موسى )(1) انتظرت الجواب بالخبر (2).

ص: 395


1- موضع قرب البصرة في الطريق بينها وبين مكة يبعد عن البصرة مسير خمس ليال فيه بئر أبي موسى الأشعري "وهي ركايا أبو موسى (هكذا : م) الأشعري على جادة البصرة إلى مكة وبينه وبين البصرة خمس ليال". معجم البلدان، ج5، ص98 ، باب الحاء والفاء وما يليهما.
2- "ومضى الناس، حتى إذا عاجوا عن الطريق وكانوا بفناء البصرة لقيهم عمير بن عبدالله التمیمی فقال: يا أم المؤمنين ....". تاريخ الطبري، ج 3، ص 13، حوادث سنة 36 الهجرية، دخولهم البصرة والحرب بينهم وبين عثمان بن حنيف؛ الكامل في التاريخ، ج2، ص 316 ، حوادث سنة 36 الهجرية، ذكر ابتداء وقعة الجمل. "إن عائشة وطلحة والزبير لما ساروا من مكة إلى البصرة أغذوا السير مع من اتبعهم من بیني أمية وعمال عثمان وغيرهم من قريش حتى صاروا إلى البصرة فنزلوا حفر أبي موسى". الجمل والنصرة السيد العترة في حرب البصرة، ص 273 ، عثمان بن حنيف والناكثون .

إرسال رسول إلى الأحنف بن قيس

تفيد بعض التقارير التاريخية أن طلحة والزبير وعائشة، علاوة على إرسال الرسائل، بعثوا برسول إلى الأحنف بن قيس يطلبون منه المعونة.

يقول الطبري نقلاً عن الأحنف بن قيس: قال فبينا أنا كذلك إذ أتاني آت فقال: هذه عائشة وطلحة والزبير قد نزلوا جانب الخريبة. فقلت: ما جاء بهم؟ قالوا: أرسلوا إليك يدعونك يستنصرون بك على دم عثمان. فأتاني أفظع أمر أتاني قط. فقلت إنّ خذلاني هؤلاء ومعهم أم المؤمنين وحواري رسول الله صلی الله علیه وآله وسلم لشديد. وإن قتالي رجلاً ابن عم رسول الله صلی الله علیه وآله وسلم قد أمروني ببيعته الشديد. فلما أتيتهم قالوا: جئنا لنستنصر على دم عثمان قتل مظلوماً. فقلت: يا أم المؤمنين أنشدك بالله أقلت لك: من تأمريني به؟ فقلت: علي. أتأمريني به وترضينه لي؟ قلت نعم قالت نعم، ولكنه بدل. فقلت: يا زبير يا حواري رسول الله يا طلحة أنشدكما الله أقلت لكما ما تأمراني فقلتما: علي. فقلت: أتأمراني به وترضيانه لي؟ فقلتما: نعم. قالا : نعم، ولكنه بدل. فقلت : والله لا أقاتلكم ومعكم أم المؤمنين وحواري رسول الله صلی الله علیه وآله وسلم ولا أقاتل رجلاً ابن عم رسول الله صلی الله علیه وآله وسلم أمر تموني ببيعته. اختاروا مني واحدة من ثلاث خصال؛ إما أن تفتحوا لي الجسر فألحق بأرض الأعاجم حتى يقضي الله عزّ وجلّ من أمره ما قضى أو ألحق بمكة فأكون فيها حتى يقضي عزّ وجلّ من أمره ما قضى أو أعتزل فأكون قريباً. قالوا: إنا نأتمر ثم نرسل إليك. فائتمروا فقالوا: نفتح له الجسر ويخبرهم بأخباركم ليس ذاكم برأي.

ص: 396

اجعلوه هاهنا قريباً حيث تطأون على صماخه وتنظرون إليه. فاعتزل بالجلحاء من البصرة على فرسخين فاعتزل معه زهاء على ستة آلاف(1).

رسالة رؤوس الفتنة إلى عثمان بن حنيف

من ذلك المكان بعث طلحة والزبير وعائشة رسالة إلى والي أمير المؤمنين علیه السلام على البصرة عثمان بن حنيف يطلبون منه تسليم دار الإمارة إليهم. فلما وصلت الرسالة إليه أرسل في طلب الأحنف بن قيس (2) وقال له : هؤلاء القوم دخلوا علينا ومعهم زوج رسول الله صلی الله علیه وآله وسلم وأنت ترى كيف أن الناس يُهرعون إليهم.

قال الأحنف: جلبوا زوج النبي معهم للطلب بدم عثمان وهم الذین حرضوا الناس على عثمان وسفكوا دمه. والله إني لا أراهم يكفون عن هذا

ص: 397


1- تاريخ الطبري، ج 3، ص 35، حوادث سنة 36 الهجرية، نزول أمير المؤمنين ذاقار.
2- اسمه الضحاك لقب بالأحنف لأن أصابع رجليه كانت مائلة إلى بعضها. كنيته أبوبحر. وُلد الأحنف بن قيس في حياة النبي وأدرك الجاهلية وأسلم في زمن النبي ولكنه لم يزره. كان الأحنف من قادة جيش عمر بن الخطاب في فتح خراسان. وقام بفتح مرو في زمن عثمان. كان من أصحاب أمير المؤمنين علیه السلام ولكنه لم ينصره في حرب الجمل ولكنه باعتزاله صار سبباً في حرمان عائشة من نصرة أربعة آلاف من رجال قبيلته. وفي صفين كان من قادة جيش الإمام علیه السلام . " اسمه الضحاك وشهر بالأحنف لحنف رجليه وهو العوج والميل ... أسلم في حياة النبي صلی الله علیه وآله وسلم... كان من قواد جيش علي يوم صفين ... هو افتتح مرو ... توجه ابن عامر إلى خراسان وعلى مقدمته الأحنف". سير أعلام النبلاء، ج 4، ص 86 - 96، ترجمة الأحنف بن قيس، الرقم 29؛ أسد الغابة في معرفة الصحابة، ج1، ص178، ترجمة الأحنف بن قيس، الرقم 51.

الأمر حتى يزرعوا العداوة بيننا ويسفكوا دمنا والله لا أظن إلا أنهم قريباً سيطلبون منك أموراً لا سلطان لك عليها.

إن أهل البصرة معك وأنت قائدهم وواليهم وهم مطيعون لك، فاذهب إليهم مع الناس واسبقهم قبل أن يكونوا معك في بيت واحد لأن الناس سيكونون أطوع لهم.

فإن لم تقاتلهم بأهل البصرة الخاضعين لك فاتتك الفرصة، وما أسرع ما سينقضون عليك.

قال عثمان بن حنيف رأيك هو الرأي، ولكني أكره البدء بالقتال وأرجو العافية والصلح حتى يصلني كتاب علي علیه السلام فأعمل به.

بعد الأحنف، ذهب حكيم بن جبلة العبدي إلى عثمان بن حنيف فقرأ عليه عثمان رسالة طلحة والزبير. فتكلم حكيم بن جبلة بكلام شبيه بكلام الأحنف بن قيس فردّ عليه عثمان بما رد به على الأحنف. فقال له حكيم: فأذن لي حتى أسير إليهم بالناس، فإن دخلوا في طاعة أمير المؤمنين وإلاّ نابذتهم على سواء. فقال عثمان: لو كان ذلك رأيي لسرت إليهم نفسي. قال حكيم: أما والله إن دخلوا عليك هذا المصر لينتقلن قلوب كثير من الناس إليهم وليزيلنك من مجلسك هذا وأنت أعلم. فأبى عليه عثمان (1).

ص: 398


1- "أن الزبير وطلحة أغذا السير بعائشة حتى انتهوا إلى حفر أبي موسى الأشعري وهو قريب من البصرة وكتبا إلى عثمان بن حنيف الأنصاري وهو عامل على علیه السلام علی البصرة أن: أخل لنا لنا دار الإمارة. فلما وصل كتابهما إليه بعث الأحنف بن قيس فقال له: إن هؤلاء القوم قدموا علينا ومعهم زوجة رسول الله والناس إليها سراع كما ترى. فقال الأحنف: إنهم جاؤوك بها للطلب بدم عثمان وهم الذين ألبوا على عثمان الناس وسفكوا دمه. وأراهم والله لا يزايلون حتى يلقوا العداوة بيننا ويسفكوا دماءنا. وأظنهم والله سيركبون منك خاصة ما لا قبل لك به، إن لم تتأهب لهم بالنهوض إليهم فيمن معك من أهل البصرة فإنك اليوم الوالي عليهم وأنت فيهم مطاع. فسر إليهم بالناس وبادرهم قبل أن يكونوا في دار واحدة فيكون الناس أطوع لهم منك! فقال عثمان بن حنيف الرأي ما رأيت، لكنني أكره الشر وأن أبدأهم به وأرجوا العافية والسلامة إلى أن يأتيني كتاب أمير المؤمنين علیه السلام ورأيه فأعمل به. ثم أتاه بعد الأحنف حكيم بن جبلة العبدي من بني عمرو بن وديعة، فأقرأه كتاب طلحة والزبير فقال له مثل قول الأحنف وأجابه عثمان بمثل جوابه للأحنف. فقال له حكيم فأذن لي .......". شرح نهج البلاغة، ج9، ص 311، ذكر يوم الجمل ومسير عائشة إلى القتال، الخطبة 173.

حب قادة الجمل للدنيا والرئاسة

من أهم أسباب نقض البيعة من جانب طلحة والزبير ووقوع حرب الجمل، حب رؤوس الفتنة للدنيا وعبادتهم للمال. فقد جاء رجل إلى طلحة في الطاحية قرب البصرة وسأله عن سبب ثورتهم وعما إذا النبي صلی الله علیه وآله وسلم قد عهد إليه شيئاً في ذلك. فلم يحر طلحة جواباً ولكن الزبير قال: حدثنا أن هاهنا دراهم كثيرة فجئنا لنأخذ منها (1).

ص: 399


1- "لما قدم طلحة والزبير ونزلا طاحية ركبت فرسي فأتيتهما فقلت لهما: إنكما رجلان من أصحاب رسول الله صلی الله علیه وآله وسلم و أنا أصدقكما وأثق بكما. خبراني عن مسيركما ، هذا شيء عهده إليكما رسول الله صلی الله علیه وآله وسلم ؟ أما طلحة فنكس رأسه، وأما الزبير فقال: حدثنا أن هاهنا دراهم كثيرة فجئنا لنأخذ منها". تاريخ الطبري، ج 3، ص ،21، حوادث سنة 36 الهجرية، دخولهم البصرة والحرب بينهم وبين عثمان بن حنيف؛ بحار الأنوار الجامعة لدرر أخبار الأئمة الأطهار، ج32، ص 142 ، أبواب ما جرى بعد قتل عثمان من الفتن والوقائع والحروب وغيرها الباب الأول، باب بيعة أمير المؤمنين وما جرى بعدها من نكث الناكثين إلى غزوة الجمل، الحديث 13 - 15 . وبالمضمون نفسه شرح نهج البلاغة، ج9، ص316 و 317 ذكر يوم الجمل ومسير عائشة إلى القتال الخطبة 173.

لذا فإنهم بعد احتلال البصرة مباشرة دخلوا بيت المال واستولوا على كل ما كان فيه من مال على أن الإمام علياً علیه السلام أعاد المال كله بعد أن انتصر عليهم وقام بتوزيعه على المسلمين (1).

ولقد بلغت الأخبار والتقارير عن حب طلحة والزبير للدنيا والرئاسة من القبح بحيث أن ابن أبي الحديد يقول بعد روايتها وجعل قاضي القضاة هذا الخبر حجة في أن طلحة تاب وأن الزبير لم يكن مصراً على الحرب. والاحتجاج بهذا الخبر على هذا المعنى ضعيف وإن صح هو وما قبله إنه لدليل على حمق شديد وضعف عظيم ونقص ظاهر. وليت شعري ما الذي أحوجهما إلى هذا القول؟ وإذا كان هذا في أنفسهما فهلا كتماه (2)!

هذا وقد بعث الإمام علیه السلام ابن عباس إلى الزبير يوم الجمل قبل وقوع القتال فقال له: إن أمير المؤمنين يقرأ عليك السلام ويقول لكم: ألم تبايعني طائعاً غير مكره؟ فما الذي رابك مني فاستحللت به قتالي؟ (قال): فلم يكن له جواب إلا أنه قال لي: إنا مع الخوف الشديد لنطمع. لم يقل غير ذلك(3).

ص: 400


1- ... فأخذا ذلك المال كله. فلما غلب على علیه السلام ردّ تلك الأموال إلى بيت المال وقسمها في المسلمين". شرح نهج البلاغة، ج 9، ص 323 ، ذكر يوم الجمل ومسير عائشة إلى القتال الخطبة 173.
2- شرح نهج البلاغة، ج9، ص318 ، ذكر يوم الجمل ومسير عائشة إلى القتال الخطبة 173.
3- "بعث علي له سلام ابن عباس يوم الجمل إلى الزبير قبل الحرب فقال له : ......". شرح نهج البلاغة، ج9، ص 317، ذكر يوم الجمل ومسير عائشة إلى القتال، الخطبة 173.

يقول أبو إسحاق: سألت الإمام الباقر علیه السلام ام عما قصده الزبير بقوله ذاك،فقال علیه السالم : أما والله ما تركت ابن عباس حتى سألته عن هدا فقال: أنا مع الخوف الشديد مما نحن عليه، نطمع أن نلي مثل ما وليتم (1).

رسالة عائشة إلى زيد بن صوحان

بعد أن دخلت عائشة البصرة بعثت برسالة إلى زيد بن صوحان جاء فيها: من عائشة (بنت أبي بكر) أم المؤمنين حبيبة رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم إلى ابنها الخالص زيد بن صوحان. أما بعد، فإذا أتاك كتابي هذا فأقدم فانصرنا. فإن تفعل فخذِّل الناس عن علي. فكتب إليها: أما بعد، فأنا ابنك الخالص إن اعتزلت ورجعت إلى بيتك. وإلاّ فأنا أول من نابذك. رحم الله أم المؤمنين، أمرت أن تلزم بيتها وأمرنا أن نقاتل. فتركت وأمرتنا وصنعت ما أمرنا به ونهتنا عنه (2).

ص: 401


1- شرح نهج البلاغة، ح9 ، ص 317، ذكر يوم الجمل ومسير عائشة إلى القتال الخطبة 173.
2- الكامل في التاريخ، ج2، ص319، حوادث سنة 36 الهجرية، ذكر ابتداء وقعة الجمل البداية والنهاية، ج 7، ص 261 ، حوادث سنة 36 الهجرية، ابتداء وقعة الجمل. [ ملاحظة من المترجم: المؤلف جعل الفقرة الثانية من كلام زيد بن صوحان تكملة للرسالة التي وجهها إلى عائشة فاستعمل صيغة المخاطبة. وهذا لا ينطبق على النص الذي يشير إليه في الهامش]

كان عثمان بن حنيف الأنصاري من صحابة رسول الله صلی الله علیه وآله وسلم (1)من أصحاب الإمام علي علیه السلام. وكان معروفاً بين الصحابة بنفاذ البصيرة وبُعد النظر ورجاحة العقل وسعة المعرفة وعمق التجربة(2). وكان من شرطة الخميس(3) ومن الاثني عشر شخصاً الذين اعترضوا على حرف الخلافة عن مسارها (4). وعلى هذا اختاره الإمام لا والياً على البصرة.

لما سمع أمير المؤمنين علیه السلام باقتراب جيش الجمل من البصرة، كتب إلى عامله عليها عثمان بن حنيف من عبد الله علي أمير المؤمنين إلى عثمان بن

ص: 402


1- "عثمان بن حنيف ... له صحبة". تهذيب الكمال في أسماء الرجال، ج12، ص 395، ترجمة عثمان بن حنيف، الرقم 4389.
2- "إن عمر بن الخطاب استشار الصحابة في رجل يوجهه إلى العراق فأجمعوا على عثمان بن حنيف وقالوا: إن تبعثه على أهم من ذلك بصراً وعقلاً ومعرفة وتجربة". الاستيعاب في معرفة الأصحاب، ج3، ص 152 ، ترجمة عثمان بن حنيف، الرقم 1788.
3- "وأصحاب أمير المؤمنين علیه السلام الذين كانوا في شرطة الخميس كانوا ستة آلاف وهم ... سهل وعثما ابنا حنيف الأنصاري". رجال البرقي، ص3، أصحاب أمير المؤمنين علیه السلام. سميت هذه الجماعة بشرطة الخميس لأن الإمام علياً علیه السلام ضمن لهم الجنة فعاهدوه على أن يكونوا في طليعة المقاتلين في حروبه وأن يفدوه بأرواحهم. والخميس قطعات الجيش الخمس المهمة؛ المقدمة والساقة والميمنة والميسرة والقلب. كان عددهم ستة آلاف رجل. "الخميس: الجيش، سمي به لأنه مقسوم بخمسة أقسام: المقدمة والساقة والميمنة والميسرة والقلب". النهاية في غريب الحديث، ج2، ص79، لفظ خمس. "الشرطة أول طائفة من الجيش تشهد الوقعة". النهاية في غريب الحديث، ج2، ص 460 ، لفظ شرط.
4- "وقام معه أخوه عثمان بن حنيف وقال: سمعنا رسول الله صلی الله علیه وآله وسلم يقول : أهل بيتي نجوم الأرض فلا تتقدموهم وقدموهم فهم الولاة من بعدي، فقام إليه رجل فقال: يا رسول الله وأي أهل بيتك؟ فقال: علي والطاهرون من ولده. وقد بيّن صلی الله علیه وآله وسلم فلا تكن يا أبابكر أول كافر به". الاحتجاج على أهل اللجاج ج1، ص 103 ، ما جرى بعد الرسول صلی الله علیه وآله وسلم ؛ بحار الأنوار الجامعة لدرر أخبار الأئمة الأطهار، ج 28، ص201، كتاب الفتن والمحن، الباب الرابع، الحديث الثاني.

حنيف. أما بعد، فإن البغاة عاهدوا الله ثم نكثوا وتوجهوا إلى مصرك وساقهم الشيطان لطلب ما لا يرضى الله ،به والله أشد بأساً وأشد تنكيلاً. فإذا ما قدموا عليك فادعهم إلى الطاعة والرجوع إلى الوفاء بالعهد والميثاق الذي فارقونا عليه فإن أجابوا فأحشن جوارهم ماداموا عندك. وإن أبوا إلاّ التمسك بحبل النكث والخلاف فناجزهم القتال حتى يحكم الله بينك وبينهم وهو خير الحاكمين. وكتبت كتاب هذا إليك من الربذة وأنا معجل المسير إليك إن شاء الله (1).

إرسال أول رسول إلى قادة الجمل

حسمت رسالة أمير المؤمنين علیه السلام إلى عثمان بن حنيف واجبه الذي كان مكلفاً به حيال الناكثين. فقد أمره بأن يبدأ القوم بالحوار والنصيحة ودعوتهم إلى العودة إلى البيعة. فإن قبلوا، فعليه إكرام وفادتهم. وإن أبوا، فما عليه إلاّ أن يواجههم بالسيف. وبناءً على هذه الأوامر الصادرة من أمير المؤمنين، بعث عثمان بن حنيف بعمران بن حصين الخزاعي (2) وأبي الأسود

ص: 403


1- شرح نهج البلاغة، ج9، ص 313، ذكر يوم الجمل ومسير عائشة إلى القتال الخطبة 173.
2- أسلم عمران بن حصين في سنة فتح خيبر حوالي السنة السادسة أو السابعة للهجرة بالتزامن مع إسلام أبي هريرة وشهد بعض غزوات النبي صلی الله علیه وآله وسلم وكان حامل راية خزاعة في فتح مكة. كان من أهل المدينة ذهب مع أبي موسى الأشعري إلى البصرة في زمن عمر بن الخطاب لتعليم الناس فاستقر فيها. تولى قضاء البصرة فترةً في زمن عثمان عندما كان عبد الله بن عامر والياً عليها. الاستيعاب في معرفة الأصحاب، ج3، ص 284 ، ترجمة عمران بن حصين الرقم 1992؛ أسد الغابة في معرفة الصحابة، ج4، ص 269، ترجمة عمران بن حصين، الرقم 4048 الإصابة في تمييز الصحابة، ج 4 ، ص 585، ترجمة عمران بن حصين، الرقم 6024. "ذلك أنه كان يقول: إن مات علي فلا أدري ما موته وإن قتل رجوت له." فعسى أني إن قتل شرح نهج البلاغة، ج 4 ، ص 77 ، فصل في ذكر المنحرفين عن علي علیه السلام ، الخطبة 56. وكان من الذين حرضوا الناس على الدفاع عن عثمان عندما طلب العون من معاوية، وكتب عثمان إلى أهل الأمصار يستنجدهم ويأمرهم بالحث للمنع عنه ... وقام بالبصرة عمران بن حصين". الكامل في التاريخ، ج2، ص 282، حوادث سنة 35 الهجرية، ذكر مسير من سار إلى حصر عثمان. على أن عدداً من علماء الشيعة أمثال العلامة المامقاني والعلامة التستري والنمازي وثقوا عمران بن حصين فيما ضعفه بشدة علماء آخرون مفندين أدلة من وثقوه. للمزيد من الاطلاع، راجع كتاب بخارىوناصبگری (البخاري والنصب)، ص 694 ، تحليل شخصية عمران بن حصين الأزدي البصري.

الدؤلي(1) إلى أصحاب الجمل ليسألاهم عن عن سبب قدومهم وليمنع وقوع الفتنة (2).

أ - حوارات مبعوثي عثمان بن حنيف مع عائشة

هناك تقارير متفاوتة عن مضامين حوارات مبعوثي عثمان بن حنيف عائشة. فالطبري يقول: ولما بلغ ذلك أهل البصرة دعا عثمانُ بن حنيف مع عمران بن حصين وكان رجل عامة وألزه بأبي الأسود وكان رجل خاصة فقال: انطلقا إلى هذه المرأة فاعلما علمها وعلم من معها! فخرجا فانتهيا إليها وإلى

ص: 404


1- ثمة اختلاف في اسم أبي الأسود الدؤلي ولكن المشهور أنه ظالم بن عمرو. أسلم أبو الأسود في حياة رسول الله صلی الله علیه وآله وسلم ولكنه لم يوفق لزيارته فهناك اختلاف حول صحبته. للمزيد، راجع: سير أعلام النبلاء، ج4، ص81، ترجمة أبي الأسود، الرقم 28؛ الأغاني، ج 12، ص 346 ، أخبار أبي الأسود الدؤلي ونسبه؛ أسد الغابة في معرفة الصحابة، ج3، ص101 ، ترجمة ظالم بن عمرو، الرقم 2652؛ الإصابة في تمييز الصحابة، ج 3، ص 457، ترجمة ظالم بن عمرو ، الرقم 4352؛ الطبقات الكبرى، ج 7، ص99، ترجمة أبي الأسود الدؤلي.
2- "وأرسل إلى عمران بن حصين وأبي الأسود الدؤلي فذكر لهما قدوم القوم البصرة وحلولهم حفر أبي موسى وسألهما المسير إليهم وخطابهم على ما قصدوا به وكفهم عن الفتنة الجمل والنصرة لسيد العترة في حرب البصرة ، ص 274 ، عثمان بن حنيف والناكثون.

الناس وهم بالحفير، فاستأذنا فأذنت لهما فسلما وقالا : إن أميرنا بعثنا إليك نسألک عن مسيرك، فهل أنت مخبرتنا؟ فقالت: والله ما مثلي يسير بالأمر المكتوم ولا يغطي لبنيه الخبر إن الغوغاء من أهل الأمصار ونزاع القبائل غزوا حرم رسول الله صلی الله علیه وآۀه وسلم وأحدثوا فيه الأحداث واووا فيه المحدثين واستوجبوا فيه لعنة الله ولعنة رسوله مع ما نالوا من قتل إمام المسلمين بلا ترة ولا عذر، فاستحلوا الدم الحرام فسفكوه وانتهبوا المال الحرام وأحلوا البلد الحرام والشهر الحرام ومزقوا الأعراض والجلود وأقاموا في دار قوم كانوا كارهين لمقامهم ضارين مضرين غير نافعين ولا متقين لا يقدرون على امتناع ولا يأمنون.فخرجت في المسلمين أعلمهم ما أتى هؤلاء القوم وما فيه الناس وراءنا وما ينبغي لهم أن يأتوا في إصلاح هذا (يقول الله في كتابه: لا خير في كثير من نجواهم إلاّ من أمر بصدقة أو معروف أو إصلاح بين الناس ومن يفعل ذلك ابتغاء مرضاة الله فسوف نؤتيه أجراً عظيماً). فهذا شأننا إلى معروف نأمركم به ونحضكم عليه ومنكر ننهاكم عنه ونحثكم على تغييره (1).

يقول ابن أبي الحديد عن مفاد هذا الحوار: فلما انتهت عائشة وطلحة والزبير إلى حفر أبي موسى قريباً من البصرة أرسل عثمان بن حنيف وهو يومئذٍ عامل علي علیه السلام على البصرة إلى القوم أبا الأسود الدؤلي يعلم له علمهم. فجاء حتى دخل على عائشة فسألها عن مسيرها، فقالت: أطلب بدم عثمان.

ص: 405


1- تاريخ الطبري، ج 3، ص 14، حوادث سنة 36 الهجرية، دخولهم البصرة والحرب بينهم وبين عثمان بن حنيف؛ الكامل في التاريخ، ج2، ص 316، حوادث سنة 36 الهجرية، ذكر ابتداء وقعة الجمل.

قال: إنه ليس بالبصرة من قتلة عثمان أحد قالت: صدقت، ولكنهم مع علي بن أبي طالب بالمدينة وجئت أستنهض أهل البصرة لقتاله، أنغضب لكم من سوط عثمان ولا نغضب لعثمان من سيوفكم!؟ فقال لها ما أنت من السوط والسيف!؟ إنما أنت حبيس رسول الله صلی الله علیه وآله وسلم أمرك أن تقري في بيتك وتتلي كتاب ربك وليس على النساء قتال ولا لهن الطلب بالدماء. وإن علياً لأولى بعثمان منك وأمسّ رحماً، فإنهما ابنا عبد مناف. فقالت: لست بمنصرفة حتى أمضي بما قدمت له أفتظن يا أبا الأسود أن أحداً يقدم على قتالي؟ قال: أما والله لتقاتلن قتالاً أهونه الشديد (1).

في ختام هذا الحوار ناشد عمران بن الحصين وأبوالأسود الدؤلي عائشة وحلّفاها بالله أن لا تخلق الفتنة بين الناس وتكون سبباً في إراقة دماء المسلمين. غير أنها ادّعت أن غايتها من تجييش الجيوش الإصلاح بين المسلمين، فقالت لعمران بن الحصين: هل أنت مبلغ عثمان بن حنيف رسالة؟ فقال: لا أبلغه عنك إلاّ خيراً. فقال لها أبو الأسود: أنا أبلغه عنك فهاتي. قالت: قل له يا طليق ابن أبي عامر بلغني أنك تريد لقائي لتقاتلني. فقال لها :أبو الأسود: نعم والله ليقاتلنك(2).

ص: 406


1- شرح نهج البلاغة، ج 6 ، ص 226 ، أخبار عائشة في خروجها من مكة إلى البصرة بعد مقتل عثمان، الخطبة 79؛ العقد الفريد، ج4، ص319، كتاب العسجدة الثانية في الخلفاء وتواريخهم وأخبارهم، يوم الجمل.
2- "فقالا لها ننشدك الله أن تهراق الدماء بسببك وأن تحملي الناس بعضهم على بعض. فقالت لهما: إنما جئت لأصلح بين الناس. وقالت لعمران بن الحصين : ...". الجمل والنصرة لسيد العترة في حرب البصرة ، ص 274 ، عثمان بن حنيف والناكثون.

يا للعجب! كون المرء طليق أبي عامر مثلبة، والتعاون مع الطلقاء وأبناء الطلقاء منقبة، وعائشة تتعاون معهم!

يفيد أبو الأسود الدؤلي بأنه لما دخل عمران بن الحصين وأبوالأسود الدؤلي على عائشة، سألها عمران بن الحصين عن سبب قدومها إلى البصرة: يا أم المؤمنين ما أقدمك بلدنا؟ ولم تركت بيت رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم الذي فارقك فيه وقد أمرك أن تقري في بيتك وقد علمت أنك إنما أصبت الفضيلة والكرامة والشرف وسميت أم المؤمنين وضرب عليك الحجاب ببني هاشم، فهم أعظم الناس عليك منة وأحسنهم عندك يداً. ولست من اختلاف الناس في شيء لولا لك من الأمر شيء، وعلي أولى بدم عثمان. فاتقي الله واحفظي قرابته وسابقته فقد علمت أن الناس بايعوا أباك فما أظهر عليه خلافاً، وبايع أباك عمر وجعل الأمر له دونه فصبر وسلم ولم يزل بهما براً. ثم كان من أمرك وأمر الناس وعثمان ما قد علمت، ثم بايعتم علياً فغبنا عنكم فأتتنا رسلكم بالبيعة فبايعنا وسلمنا (1).

ب - حوار المبعوثين مع طلحة والزبير

يقول الشيخ المفيد: فدخلا (يعني أبا الأسود الدؤلي وعمران بن الحصين) على الزبير فقالا: يا أباعبدالله ننشدك الله أن تهراق الدماء بسببك. فقال

ص: 407


1- "دعا عثمان بن حنيف عمران بن الحصين الخزاعي وكان من أصحاب رسول الله صلی الله علیه وآله وسلم فبعثه وبعث رسول معه أبا الأسود الدؤلي إلى طلحة والزبير وعائشة فقال: انطلقا فاعلما ما أقدم علينا هؤلاء القوم وما يريدون. قال أبو الأسود: فدخلنا على عائشة فقال لها عمران بن الحصين ....". الكافئة في إبطال توبة الخاطئة، ص 20، الفصل الثاني في حرب الجمل، الحديث 20.

لهما: ارجعا من حيث جئتما لا تفسدا علينا. فأيسا منه وخرجا حتى دخلا على طلحة فقالا: ننشدك الله أن تهراق الدماء بسببك. فقال لهما طلحة: أيحسب على بن أبي طالب أنه إذا غلب على أمر المدينة أن الأمر له وأنه لا أمر إلاّ أمره؟ والله ليعلمن فانصرفا من حيث جئتما! فانصرفا من عنده إلى عثمان بن حنيف فأخبراه الخبر (1).

ويقول ابن قتيبة الدينوري في تقريره عن لقاء عمران بن الحصين وأبي الأسود الدؤلي مع طلحة فقال أبو الأسود يا عمران! أما هذا فقد صرح أنه إنما غضب للملك (2).

أما الشيخ المفيد فيقول في تقرير نقله الشعبي إن عمران بن الحصين وأبا الأسود الدؤلي، بعد لقاء عائشة، ذهبا لمقابلة طلحة فقالا له: يا أبا محمد! ألم تجمع الناس لبيعة ابن عم النبي صلی الله علیه وآله وسلم الذي من فضائله كذا وكذا؟ ثم أخذا يعددان فضائل علي علیه السلام علام ومناقبه وحقوقه. غير أن طلحة رد عليهما بالقول: لا أحد أسوأ منه. والله سيرى عاقبة أمره. حتى أن طلحة أقسم أنه سيقتل أمير المؤمنين علیه السلام وقال: وأيم الله لنسفكن دمه(3).

غادر المبعوثان مقر إقمة طلحة وقال بعضهما البعض: إن الرجل غاضب. ثم توجها إلى مقر إقامة الزبير فحدثاه بما حدثا من سبقه فشتم الإمام علياً

ص: 408


1- الجمل والنصرة لسيد العترة في حرب البصرة، ص 274 ، عثمان بن حنيف والناكثون.
2- الإمامة والسياسة، ج1، ص 64، نزول طلحة والزبير وعائشة البصرة.
3- أخبار الجمل، ص 40، إرسال ابن حنيف عمران بن حصين وأبا الأسود لمحادثة الناكثين.

علیه السلام وقال لمن حوله: اقضوا عليهم في الصبح قبل أن يقضوا عليكم في العصر (1).

يقول ابن أبي الحديد في تقريره عن هذا الاجتماع ثم قام (أبو الأسود الدؤلي) فأتى الزبير فقال: يا أباعبد الله عهد الناس بك وأنت يوم بويع أبوبكر آخذُ بقائم سيفك تقول : لا أحد أولى بهذا الأمر من ابن أبي طالب. وأين هذا المقام من ذاك؟ فذكر له دم عثمان قال (أبو الأسود): أنت وصاحبك وليتماه ( توليتما قتل عثمان) فيما بلغنا. قال له الزبير): فانطلق إلى طلحة فاسمع ما يقول! فذهب (أبو الأسود) إلى طلحة فوجده سادراً في غيه مصراً على الحرب والفتنة، فرجع إلى عثمان بن حنيف فقال: إنها الحرب فتأهب لها (2)!

وقال في موضع آخر: فقاما من عندها ولقيا الزبير فكلماه فقال لهما : إنا جئنا للطلب بدم عثمان وندعو الناس إلى أن يردوا أمر الخلافة شورى ليختار الناس لأنفسهم. فقالا له: إن عثمان لم يقتل في البصرة ليطلب دمه فيها وأنت تعلم قتلة عثمان من هم وأين هم وإنك وصاحبك وعائشة كنتم

ص: 409


1- "فخرجا من عندها إلى طلحة فقالا له: يا أبا محمد! ألم يجتمع الناس إلى بيعة ابن عم رسول الله الذي فضله الله تعالى كذا وكذا وجعلا يعدان مناقب أمير المؤمنين علیه السلام وفضائله وحقوقه. فوقع طلحة بعلي علیه السلام وسبه ونال منه وقال إنه ليس أحد مثله. أم والله ليعلمن غب ذلك. فخرجا من عنده وهما يقولان: غضب هذا الدنيء. ثم دخلا على الزبير فكلماه مثل كلامهما لصاحبه، فوقع أيضاً في علي علیه السلام وسبه وقال لقوم كانوا بمحضر منه صبحوهم قبل أن يمسوكم فخرجا من عنده حتى صارا إلى عثمان بن حنيف فأخبراه الخبر". الجمل والنصرة لسيد العترة في حرب البصرة، ص275، عثمان بن حنيف والناكثون.
2- شرح نهج البلاغة، ج 6، ص 226 ، أخبار عائشة في خروجها من مكة إلى البصرة بعد مقتل عثمان، الخطبة 79 .

أشد الناس عليه وأعظمهم إغراء بدمه، فأقيدوا من أنفسكم وأما إعادة أمر الخلافة ،شورى، فكيف وقد بايعتم علياً طائعين غير مكرهين؟ وأنت يا أباعبد الله لم يبعد العهد بقيامك دون هذا الرجل يوم مات رسول الله وأنت آخذ قائم سيفك تقول ما أحد أحق بالخلافة منه ولا أولى بها منه وامتنعت من بيعة أبي بكر. فأين ذلك الفعل من هذا القول؟ فقال لهما: اذهبا فالقيا طلحة فقامام إلى طلحة فوجداه أخشن الملمس شديد العريكة قوي العزم في إثارة الفتنة وإضرام نار الحرب (1).

كذلك الطبري يقول: خرج أبو الأسود وعمران من عندها فأتيا طلحة فقالا: ما أقدمك؟ قال: الطلب بدم عثمان. قالا: ألم تبايع علياً؟ قال: بلى واللج (السيف) على عنقي وما أستقيل علياً إن هو لم يحل (هكذا، وربما يخل: م) بيننا وبين قتلة عثمان. ثم أتيا الزبير فقالا: ما أقدمك؟ قال: الطلب بدم عثمان قالا : ألم تبايع علياً؟ قال: بلى واللح على عنقي وما أستقيل علياً إن هو لم يحل (هكذا، وربما يخل: م) بيننا وبين قتلة عثمان. فرجعا إلى أم المؤمنين فودعاها فودعت عمران وقالت يا أبا الأسود إياك أن يقودك الهوى إلى النار. ثم تلت (قوامين الله شهداء بالقسط)(2).

عاد عمران بن حصين وأبوالأسود الدؤلي إلى عثمان بن حنيف ليخبراه بنتيجة بعثتهما. فتكلم أبو الأسود أولاً وأنشد قائلاً: يا ابن حنيف قد أتيت

ص: 410


1- شرح نهج البلاغة، ج 9، ص 313، ذكر يوم الجمل ومسير عائشة إلى القتال، الخطبة 173.
2- تاريخ الطبري، ج 3، ص 14، حوادث سنة 36 الهجرية، دخولهم البصرة والحرب بينهم وبين عثمان بن حنيف؛ الكامل في التاريخ، ج2، ص 316 ، حوادث سنة 36 الهجرية، ذكر ابتداء وقعة الجمل.

فانفر/ وطاعن القوم وجالد واصبر/ وابرز لهم مستلئماً وشمر. فقال عثمان: إنا لله وإنا إليه راجعون، دارت رحى الإسلام ورب الكعبة، فانظروا بأي زيفان تزيف. فقال عمران: إي والله لتعركنكم عركاً طويلاً ثم لا يساوي ما بقي منكم كثير شيء. قال (عثمان): فأشر عليّ يا عمران! قال (عمران): إني قاعد فاقعد! فقال عثمان: بل أمنعهم حتى يأتي أمير المؤمنين علي. قال عمران: بل يحكم الله ما يريد. فانصرف إلى بيته(1).

عثمان بن حنيف يعلن جهاد الناكثين

بعد أن استمع عثمان بن حنيف لتقرير مبعوثيه، أمر الناس بالتهيؤ للحرب. فلبس الناس لباس الحرب واجتمعوا في المسجد الجامع. ولكي يختبر الناس ويعرف صحة موقفهم من أصحاب فتنة الجمل، أمر عثمان بن حنيف رجلاً من أهل الكوفة بأن يدعوهم إلى قتالهم. فقام الكوفي وقال: يا أيها الناس! أنا قيس بن العقدية الحميسي. إن هؤلاء القوم الذين جاؤوكم إن كانوا جاؤوكم خائفين فقد جاؤوا من المكان الذي يأمن فيه الطير. وإن كانوا جاؤوكم يطلبون بدم عثمان فما نحن بقتلة عثمان. أطيعوني في هؤلاء القوم فردوهم من حيث جاؤوا. فقام الأسود بن سريع (السعدي) فقال (مدافعاً عن أصحاب الجمل): أو زعموا أنا قتلة عثمان فإنما فزعوا إلينا يستعينوا بنا على

ص: 411


1- " ومضى الرجلان حتى دخلا على عثمان بن حنيف فبدر أبوالأسود عمران فقال: يا ابن حنيف ......". تاريخ الطبري، ج 3، ص 14، حوادث سنة 36 الهجرية، دخولهم البصرة والحرب بينهم وبين عثمان بن حنيف؛ الكامل في التاريخ، ج2، ص 316 ، حوادث سنة 36 الهجرية، ذكر ابتداء وقعة الجمل.

قتلة عثمان منا ومن غيرنا. فإن كان القوم أخرجوا من ديارهم كما زعمت فمن يمنعهم من إخراجهم الرجال أو البلدان. فحصبه الناس، فعرف عثمان أن لهم ( يعني أصحاب الجمل )بالبصرة ناصراً ممن يقوم معهم، فكسره ذلك(1).

خطبة عثمان بن حنيف وتوضيح ملابسات الفتنة

ثم خطب والي البصرة عثمان بن حنيف في الناس ودعاهم إلى الجهاد مستدلاً بأدلة عقلية ومنطقية. قال: يا أيها الناس! إنما بايعتم الله (إنما يبايعون الله يدُ الله فوق فوق أيديهم فمن نكث فإنما ينكث على نفسه ومن أوفى بما عاهد عليه الله فسيؤتيه أجراً عظيماً). والله لو علم على أن أحداً أحق بهذا الأمر منه ما قبله ولو بايع الناس غيره لبايع من بايعوا وأطاع من ولوا وما به إلى أحد من صحابة رسول الله حاجة وما بأحد عنه غنى. ولقد شاركهم في محاسنهم وما شاركوه في محاسنه. ولقد بايعه هذان الرجلان وما يريدان الله فاستعجلا الفطام قبل الرضاع والرضاع قبل الولادة والولادة قبل الحمل وطلبا ثواب الله من العباد. وقد زعما أنهما بايعا مستكرهين؛ فإن كانا استكرها قبل بيعتهما كانا رجلين من عرض قريش لهما أن يقولا ولا

ص: 412


1- "ونادى عثمان في الناس وأمرهم بالتهيؤ ولبسوا السلاح واجتمعوا إلى المسجد الجامع. وأقبل عثمان على الكيد فكاد الناس لينظر ما عندهم، وأمرهم بالتهيؤ وأمر رجلاً ودسه إلى الناس خدعاً كوفياً قيسياً فقام وقال: يا أيها الناس .....". تاريخ الطبري، ج3، ص 15، حوادث سنة 36 الهجرية، دخولهم البصرة والحرب بينهم وبين عثمان بن حنيف؛ الكامل في التاريخ، ج2، ص317، حوادث سنة 36 الهجرية، ذكر ابتداء وقعة الجمل.

يأمرا. ألا وإن الهدى ما كانت عليه العامة والعامة على بيعة علي. فما ترون أيها الناس؟ فقام حكيم بن جبلة العبدي فقال: نرى إن دخلا علينا قاتلناهما وإن وقفا تلقيناهما. والله ما أبالي أن أقاتلهما وحدي وإن كنت أحب الحياة وما أخشى في طريق الحق وحشة ولا غيرة ولا غشاً ولا سوء منقلب إلى بعث. وإنها لدعوةً قتيلها شهيد وحيها فائز والتعجيل إلى الله قبل الأجر خير من التأخير في الدنيا وهذه ربيعة معك (1).

خطبة طلحة في المربد

بعد عودة أبي الأسود الدؤلي وعمران بن حصين، تحرك جيش الجمل صوب منطقة المربد. وتوجه أهل البصرة من فرسان ومشاة إلى المنطقة نفسها وتقابلت صفوف الجيشين. فقام طلحة وأشار إلى الناس بالسكوت فلم يسكتهم إلاّ بعد لأي، فخاطبهم قائلاً: أما بعد، فإن عثمان بن عفان كان من أهل السابقة والفضيلة ومن المهاجرين الأولين الذي (هكذا: م) رضي الله عنهم ورضوا عنه ونزل القرآن ناطقاً بفضلهم، وأحد أئمة المسلمين الوالين عليكم بعد أبي بكر وعمر صاحبي رسول الله صلی الله علیه وآله وسلم. وقد كان أحدث أحداثاً نقمناها عليه، فأتيناه فاسعتبناه فأعتبنا. فعدا عليه امرؤ ابتز هذه الأمة أمرها غصباً بغير رضا منها ولا مشورة فقتله وساعده على ذلك قوم غير

ص: 413


1- "قام عثمان بن حنيف عامل البصرة لعلي بن أبي طالب فقال: ...... ". الإمامة والسياسة، ج1، ص63، توجه عائشة وطلحة والزبير إلى البصرة.

أتقياء ولا أبرياء. فقتل محرماً بريئاً تائباً. وقد جئناكم أيها الناس نطلب بدم عثمان وندعوكم إلى الطلب بدمه؛ فإن نحن أمكننا الله من قتلته قتلناهم به وجعلنا هذا الأمر شورى بين المسلمين وكانت خلافة رحمة للأمة جميعاً. فإن كل من أخذ الأمر من غير رضا من العامة ولا مشورة منها ابتزازاً كان ملكه ملكاً عضوضاً وحدثاً كثيراً (المؤلف يقول كبيراً: م) (1).

مهلاً! إذا كان عثمان قد تاب وقتل مظلوماً، فلماذا لم تسمحوا بدفنه؟ ولماذا حصبتم جنازته؟

فهل أخبرك عثمان بتوبته وقتله مظلوماً بعد مقتله، أم كان عندك علم من الغيب، أم نزلت عليك الملائكة تخبرك بذلك؟

الاحتجاجات الجماهيرية على طلحة والزبير

لقد كان بطلان كلام طلحة من الوضوح بحيث قال ابن أبي الحديد: فقام إليهما ناس من أهل البصرة فقالوا لهما: ألم تبايعا علياً فيمن بايعه؟ ففيم بايعتما ثم نكثتما ؟ فقالا: ما بايعنا وما لأحد في أعناقنا بيعة، وإنما اسنكرهنا على البيعة. (هنا انقسم الناس إلى فريقين) فقال ناس: قد صدقا

ص: 414


1- مربد البصرة من أشهر محلات البصرة كانت قديماً سوقاً للجمال ثم أصبحت واحدة من أکبر محلات البصرة. وكانت مكاناً اجتماع الشعراء والخطباء. أما في الوقت الحاضر فليست سوى خرائب تبعد عن البصرة ثلاثة أميال. معجم البلدان، جه ، ص 98 ، باب الميم والراء وما يليهما.

وأحسنا القول وقطعا بالثواب. وقال ناس ما صدقا ولا أصابا في القول. حتى ارتفعت الأصوات(1).

كان الأحنف بن قيس في جملة المعترضين على عائشة وطلحة. فقام بمحاكمتهما بأدلة قوية. فعندما نزلت عائشة بالقرب من البصرة، ذهب إليها وقال لها: يا أم المؤمنين! وما الذي أقدمك وما أشخصك وما تريدين؟ قالت: يا أحنف قتلوا عثمان. فقال: يا أم المؤمنين مررت بك عام أول بالمدينة وأنا أريد مكة وقد أجمع الناس على قتل عثمان ورمي بالحجارة وحيل بينه وبين الماء فقلت لك: يا أم المؤمنين اعلمي أن هذا الرجل مقتول، ولو شئت لتردين عنه. وقلتُ: وإن قتل فإلى من؟ فقلت (هكذا: م): إلى علي بن أبي طالب. قالت": يا أحنف! صفوه حتى إذا جعلوه مثل الزجاجة قتلوه. فقال لها: أقبل قولك في الرضا ولا أقبل قولك في الغضب. ثم أتى طلحة فقال: يا أبا محمد ما الذي أقدمك وما الذي أشخصك وما تريد؟ فقال: قتلوا عثمان. مررت بك عاماً أول بالمدينة وأنا أريد العمرة وقد أجمع الناس على قتل عثمان ورمي بالحجارة وحيل بينه وبين الماء فقلت لكم: إنكم أصحاب محمد صلی الله علیه وآله وسلم لو تشاؤون أن تردوا عنه فعلتم فقلت: دبر فأدبر (أعرض عن الناس فأعرض

ص: 415


1- "فقام طلحة فأشار إلى الناس بالسكون ليخطب فسكتوا بعد جهد. فقال: .... ثم قام الزبير فتكلم بمثل كلام طلحة". شرح نهج البلاغة، ج 9، ص 314، ذكر يوم الجمل ومسير عائشة إلى القتال، الخطبة 173؛ أنساب الأشراف، ج3، ص25، وقعة الجمل.

الناس عنه). فقلت لك: فإن قتل فإلى من؟ فقلت: إلى علي بن أبي طالب. فقال (طلحة): ما كنا نرى أن أمير المؤمنين يرى أن يأكل الأمر وحده(1).

أين نساؤكما؟

من المعترضين أيضاً شاب من بني سعد، ذهب إلى طلحة والزبير فقال لهما: أما أنت يا زبير فحواري رسول الله صلی الله علیه وآله وسلم ، وأما أنت يا طلحة فوقيت رسول الله صلی الله علیه وآله وسلم بيدك . وأرى أمكما معكما، فهل جئتما بنسائكما؟ قالا : لا. قال: فما أنا منكما في شيء واعتزل. وقال السعدي في ذلك:

صنتم حلائلكم وقدتم أمكم*** هذا لعمرك قلة الإنصاف*** أمرت بحر ذيولها في بيتها ***فهوت تشق البيد بالإيجاف*** غرضاً يقاتل دونها أبناؤها بالنبل والخي والأسياف ***هتكت بطلحة والزبير ستورها ***هذا المخبر عنهم والكافي(2)

أما عمران بن حصين، فمع أنه كان قد اعتزل الحرب وحجب نصره عن الفريقين، فقد اعترض على خروج عائشة. فجاءها فقال لها: قد كان لك يا

ص: 416


1- "إن الأحنف بن قيس أقبل حين نزلت عائشة أول مرحلة من البصرة فدخل عليها فقال: يا أم المؤمنين ..... ". الكافئة في إبطال توبة الخاطئة، ص 22، الفصل الثاني، في حرب الجمل، الحديث 21.
2- "فخرج غلام شاب من بني سعد إلى طلحة والزبير فقال : .... ". تاريخ الطبري، ج3، ص16، حوادث سنة 36 الهجرية، دخولهم البصرة والحرب بينهم وبين عثمان بن حنيف.

عائشة في إخوتك عبرة وفي أمثالك من أمهات المؤمنين أسوة. أما سمعت الله عزّ وجلّ يقول: (وقرن في بيوتكن)؟ فلو اتبعت أمر الله كان خيراً لك. فقالت له يا عمران قد كان ما كان فهل عندك عون لنا؟ وإلا فاحبس عنا لسانك قال: أعتزلك وأعتزل علياً. قالت: رضيت بذلك منك (1).

بعد خطبة طلحة واعتراضات الناس عليهما [ ربما المؤلف يعني طلحة وعائشة : م] بسبب نكث البيعة، حضرت عائشة على جملها فصاحت بالناس لتسكتهم. فلما سكتوا قالت: إن أمير المؤمنين عثمان قد كان غير وبدل. ثم لم يزل يغسل ذلك بالتوبة حتى قتل مظلوماً تائباً. وإنما نقموا عليه ضربع بالسوط وتأميره الشبان وحمايته موضع الغمامة، فقتلوه محرماً في حرمة الشهر وحرمة البلد، ذبحاً كما يذبح الجمل. ألا وإن قريشاً رمت غرضها بنبالها وأدمت أفواهها بأيديها وما نالت بقتلها إياه شيئاً ولا سلكت به سبيلاً قاصداً. أيها الناس! إنه ما بلغ من ذنب عثمان ما يستحل به دمه، مصمتموه كما يماص الثوب الرحيض. ثم عدوتم عليه فقتلتموه بعد توبته وخروجه من ذنبه وبايعتم ابن أبي طالب بغير مشورة من الجماعة ابتزازاً وغصباً. تراني أغضب لكم من سوط عثمان ولسانه ولا أغضب لعثمان من سيوفكم؟ ألا إن عثمان قتل مظلوماً فاطلبوا قتلته. فإذا ظفرتم بهم فاقتلوهم ثم اجعلوا الأمر شورى بين الرهط الذين اختارهم أمير المؤمنين عمر بن الخطاب ولا يدخل فيهم من شرك في دم عثمان. قال: فماج الناس واختلطوا، فمن قائل:

ص: 417


1- جاء عمران بن حصين إلى عائشة فقال لها : ......". الجمل والنصرة لسيد العترة في حرب البصرة، ص310 اعتراض عمران بن حصين على عائشة.

القول ما قالت، ومن قائل يقول: وما هي وهذا الأمر!؟ إنما هي امرأة مأمورة بلزوم بيتها. وارتفعت الأصوات وكثر اللغط حتى تضاربوا بالنعال وتراموا بالحصى. ثم إن الناس تمايزوا فصاروا فريقين؛ فريق مع عثمان بن حنيف وفريق مع عائشة وأصحابها (1).

نظرة فاحصة في كلام عائشة

هل تقتصر ذنوب عثمان على هذه النقاط وحدها؟ أم أنها أوسع من هذا بكثير لدرجة أن لم يعد المسلمون يحتملونها فقتلوه؟ وإذا لم تكن ذنوبه قد بلغت حد استباحة دمه، فلماذا أصدرت حكم قتله؟

ولماذا تمنيت لو وضعته في كيس ورميته في البحر؟ ولماذا لم تتخلي عن العمرة وتعملي على إنقاذه، بل إنك أمرت عبد الله بن عباس بأن لا يدافع عنه؟

أيتها السيدة عائشة ! ما ميزة إصرارك على العودة إلى شورى عمر لتعيين حاكم المسلمين؟ فهل تم اختيار أبي بكر وعمر على أساس الشورى العمرية فيجب اتباعها لتحديد الخليفة اليوم؟

ص: 418


1- "قال: ثم أقبلت عائشة على جملها فنادت بصوت مرتفع: أيها الناس! ....". شرح نهج البلاغة، ج9، ص315، ذكر يوم الجمل ومسير عائشة إلى القتال الخطبة .173 وباختصار في أنساب الأشراف، ج3، ص 26 وقعة الجمل.

وكم بقي من أعضاء الشورى اليوم بعد أن مات عبد الرحمن بن عوف وعثمان واعتزل سعد بن أبي وقاص، والإمام علي علیه السلام متهم من قبلكم بدم عثمان ولا يحق له العضوية في الشورى وفق معاييركم. أم أن قصدكم من شورى عمر بن الخطاب طلحة والزبير وحدهما !؟

المواجهة الأولى مع أصحاب الجمل

يقول ابن أبي الحديد نقلاً عن أبي مخنف فلما أقبل طلحة والزبير من المربد يريدان عثمان بن حنيف فوجده وأصحابه قد أخذوا بأفواه السكك. فمضوا حتى انتهوا إلى موضع الدباغين فاستقبلهم أصحاب ابن حنيف، فشجرهم طلحة والزبير وأصحابهما بالرماح، فحمل عليهم حكيم بن جبلة. فلم يزل هو وأصحابه يقاتلونهم حتى أخرجوهم من جميع السكك ورماهم النساء من فوق البيوت بالحجارة فأخذوا إلى مقبرة بني مازن فوقفوا بها ملياً حتى ثابت إليهم خيلهم. ثم أخذوا على مسناة البصرة حتى انتهوا إلى الزابوقة (1). ثم أتوا سبخة دار الرزق فنزلوها (2).

ص: 419


1- موضع قرب البصرة وقعت فيه معركة الجمل. "وهو موضع قريب من البصرة كانت فيه وقعة الجمل"معجم البلدان، ج 3، ص 125، بالب الزاي والألف وما يليهما.
2- شرح نهج البلاغة، ج9، ص318 ، ذكر يوم الجمل ومسير عائشة إلى القتال الخطبة 173.

المواجهة الثانية مع أصحاب الجمل

في اليوم التالي، صف طلحة والزبير جيشهم. بالمقابل، استعد عثمان بن حنيف للتصدي لهم. في البداية، استحلفهم عثمان بن حنيف بالله وحق الإسلام وذكرهم ببيعتهم للإمام علي علیه السلام. فقال طلحة والزبير: نطلب بدم عثمان. فقال لهما وما أنتما وذاك؟ أين بنوه؟ أين بنو عمه الذين هم أحق به منكم؟ كلا والله ولكنكما حسدتماه حيث اجتمع الناس عليه وكنتما ترجوان هذا الأمر وتعملان له! وهل كان أحد أشد على عثمان قولاً منكما؟ فشتماه شتماً قبيحاً وذكر ( هكذا ، وربما ذكرا : م ) أمه. فقال للزبير : أما والله لولا صفية ومكانها من رسول الله فإنها أدنتك إلى الظل وأن الأمر بيني وبينك يا ابن الصعبة ( يعني طلحة)، أعظم من القول لأعلمتكما من أمركما ما يسوؤكما، اللهُمَّ إني قد أعذرت إلى هذين الرجلين(1).

ثم هجم عليهم ووقعت معركة حامية بين الفريقين حتى كثر القتلى فيهم وسقط العديد من الجرحى في ساحة القتال.

يفيد الشيخ المفيد بأن قتالاً شرساً وقع ذلك اليوم بين الجيشين استمر حتى منتصف النهار. وبالإضافة إلى قتلى سائر القبائل، قُتل خمسمائة شیخ مسن من قبيلة عبدالقيس من أنصار عثمان بن حنيف وشيعة علي علیه السلام كانوا يخضبون شعور رؤوسهم. واحتدم القتال حتى وصل المتحاربون إلى مقبرة بني

ص: 420


1- "ثم أصبحنا من غد فصفا للحرب وخرج عثمان بن حنيف إليهما في أصحابه فناشدهما الله والإسلام وأذكرهما بيعتهما علياً علیه السلام . فقالا : نطلب ... ". شرح نهج البلاغة، ج9، ص319، ذكر يوم الجمل ومسير عائشة إلى القتال، الخطبة 173.

مازن ثم امتد إلى ما وراء سد ماء البصرة وصولاً إلى الزابوقة المجاورة إلى دارالرزق. وتصاعد حتى سقط الكثير من القتلى والجرحى من الفريقين. فلما رأى الناس ذلك قاموا ببعض الوساطات واتفق العسكران على الصلح(1).

وثيقة الصلح بين عثمان بن حنيف وأصحاب الجمل

تثبيتاً للصلح، تم توقيع معاهدة صلح بين الفريقين تعهدا فيه بالالتزام ببنوده. يقول ابن أبي الحديد عن نص المعاهدة: هذا ما اصطلح عليه عثمان بن حنيف الأنصاري ومن معه من المؤمنين من شيعة أمير المؤمنين علي بن أبي طالب وطلحة والزبير ومن معهما من المؤمنين والمسلمين من شيعتهما أن لعثمان بن حنيف دار الإمارة والرحبة والمسجد وبيت المال والمنبر، وأن لطلحة والزبير ومن معهما أن ينزلوا حيث شاؤوا من البصرة ولا يضار بعضهم بعضاً في طريقولا فرضة ولا سوق ولا شرعة ولا مرفق حتى يقدم أمير المؤمنين علي بن أبي طالب. فإن أحبوا دخلوا فيما دخلت فيه الأمة، وإن أحبوا الحق كل قوم بهواهم وما أحبوا من قتال أو سلم أو خروج أو إقامة. وعلى

ص: 421


1- "واجتمع إليه أنصاره وزمرة من أهل البصرة فاقتتلوا قتالاً شديداً حتى زالت الشمس وأصيب يومئذٍ من عبد القيس خاصة خمسمائة شيخ مخضوب من أصحاب عثمان بن حنيف وشيعة أمير المؤمنين سوى من أصيب من سائر الناس. وبلغ الحرب بينهم بالتزاحف إلى مقبرة بني مازن. ثم خرجوا على مسناة البصرة حتى انتهوا إلى الزابوقة وهي ساحة دار الرزق فاقتتلوا قتالاً شديداً كثر فيه القتلى والجرحى من الفريقين. ثم إنهم تداعوا إلى الصلح ودخل بينهم الناس لما رأوا من عظيم ما ابتلوا به". الجمل والنصرة لسيد العترة في حرب البصرة، ص279، خطبة عائشة بالمربد.

الفريقين بما كتبوا عهد الله وميثاقه وأشد ما أخذه على نبي من أنبيائه من عهد وذمة. وختم الكتاب ورجع عثمان بن حنيف حتى دخل دار الإمارة وقال لأصحابه: الحقوا رحمكم الله بأهلكم وضعوا سلاحكم وداووا جرحاكم(1).

النقض الصريح لقادة الجمل

قال طلحة والزبير بعد توقيع المعاهدة: إن قدم علي ونحن على هذه الحال من القلة والضعف ليأخذن بأعناقنا. فأجمعا على مراسلة القبائل واستمالة العرب، فأرسلا إلى وجوه الناس وأهل الرئاسة والشرف يدعوانهم إلى الطلب بدم عثمان وخلع علي وإخراج ابن حنيف من البصرة. فبايعهم على ذلك الأزد وضبة وقيس بن عيلان كلها إلاّ الرجل والرجلين من القبيلة كرهوا أمرهم فتواروا عنهم. وأرسلوا إلى هلال بن وكيع التميمي فلم يأتهم، فجاءه طلحة والزبير إلى داره فتوارى عنهما ، فقالت له أمة ( هكذا، وربما أمه م): ما رأيت

: مثلك، أتاك شيخا قريش فتواریت عنهما فلم تزل به حتى ظهر لهما وبايعهما ومعه بنو عمرو بن تميم كلهم وبنو حنظلة إلاّ بني يربوع فإن عامتهم كانوا شيعة علي علیه السلام . وبايعهم بنو دارم كلهم إلاّ نفراً من بني مجاشع ذوي دين وفضل. فلما استوسق لطلحة والزبير أمرهما ، خرجا في ليلة مظلمة ذات ريح

ص: 422


1- شرح نهج البلاغة ، ج9، ص319 ، ذكر يوم الجمل ومسير عائشة إلى القتال، الخطبة 173؛ الإمامة والسياسة، ج1، ص 69، قتل أصحاب عثمان بن حنيف عامل علي على البصرة.

ومطر ومعهما أصحابهما قد ألبسوهم الدروع وظاهروا فوقها بالثياب. فانتهوا إلى المسجد وقت صلاة الفجر وقد سبقهم عثمان بن حنيف إليه وأقيمت الصلاة. فتقدم عثمان ليصلي بهم فأخره أصحاب طلحة والزبير وقدموا الزبير. فجاءت السبابجة(1)، وهم الشرط حرس بيت المال، فأخرجوا الزبير وقدموا عثمان فغلبهم أصحاب الزبير فقدموا الزبير وأخروا عثمان، فغلب الزبير فصلى بالناس (2).

اعتقال عثمان بن حنيف وتعذيبه

يقول ابن أبي الحديد إن الزبير، لما انصرف من صلاته صاح بأصحابه المستسلحين أن: خذوا عثمان بن حنيف فأخذوه بعد أن تضارب هو ومروان بن الحكم بسيفيهما. فلما أسر ضُرب ضرب الموت ونتف حاجباه وأشفار عينيه وكل شعرة في رأسه ووجه ،(.....) وأخذوا السبابجة وهم سبعون رجلاً فانطلقوا بهم وبعثمان بن حنيف إلى عائشة فقالت لأبان بن عثمان (بن عفان): اخرج إليه فاضرب عنقه، فإن الأنصار قتلت أباك وأعانت على

ص: 423


1- فريق من الجنود من أهل السند كانوا يحرسون بيت المال. السنديون جماعة من جيش الهند أسلموا وحسن إسلامهم. كان عثمان بن حنيف يأتمنهم على حراسة بيت المال ودار الحكومة. "السبابجة يحرسون وأكل السجود جباحهم هكذا : م) وائتمنهم عثمان على بيت المال ودار الإمارة". الجمل والنصرة لسيد العترة في حرب البصرة، ص281 ، قتل الناكثين حراس بيت المال.
2- "ثم إن طلحة والزبير قالا: إن قدم علي ونحن .....". شرح نهج البلاغة، ج9، ص320، ذكر يوم الجمل ومسير عائشة إلى القتال الخطبة 173.

چقتله، فنادى عثمان یا عائشة ويا طلحة ويا زبير! إن أخي سهل بن حنيف خليفة علي بن أبي طالب على المدينة. وأقسم بالله إن قتلتموني ليضعن السيف في بني أبيكم وأهليكم ورهطكم فلا يبقي أحداً منكم. فكفوا عنه وخافوا أن يقع سهل بن حنيف بعيالاتهم وأهلهم بالمدينة، فتركوه(1).

أما الشيخ المفيد فيرى أن ثورة أصحاب الجمل وغدرهم بعثمان بن حنيف واعتقالهم إياه حدث في دار الإمارة. يقول: وطلب طلحة والزبير غدرته حتى كانت ليلة مظلمة ذات رياح فخرج طلحة والزبير وأصحابهما حتى أتوا دار الإمارة وعثمان بن حنيف غافل عنهم وعلى الباب السبابجة يحرسون بيوت الأموال وكانوا قوماً من الزط استبصروا وأكل السجود جباحهم (هكذا: م) وائتمنهم عثمان على بيت المال ودار الإمارة فأكب عليهم القوم وأخذوهم من أربع جوانبهم ووضعوا فيهم السيف فقتلوا منهم أربعين رجلاً صبراً يتولى منهم ذلك الزبير خاصة. ثم هجموا على عثمان فأوثقوه رباطاً وعمدوا إلى لحيته وكان شيخاً كثير اللحية، فنتفوها حتى لم يبق منها شيء ولا شعرة واحدة. وقال طلحة عذبوا الفاسق وانتفوا شعر حاجبيه وأشفار عينيه وأوثقوه بالحديد (2).

عن معاملة الناكثين لعثمان بن حنيف، يقول الطبري: لما أخذوا عثمان بن حنيف أرسلوا أبان بن عثمان إلى عائشة يستشيرونها في أمره. قالت:

ص: 424


1- "فلما انصرف من صلاته صاح بأصحابه المستسلحين أن خذوا عثمان بن حنيف ....". شرح نهج البلاغة، ج9، ص321، ذكر يوم الجمل ومسير عائشة إلى القتال، الخطبة 173.
2- الجمل والنصرة لسيد العترة في حرب البصرة، ص281 ، قتل الناكثين حراس بيت المال.

اقتلوه! فقالت لها امرأة: نشدتك بالله يا أم المؤمنين في عثمان وصحبته لرسول الله قالت ردوا أباناً، فردوه، فقالت احبسوه ولا تقتلوه. قال (أبان): لو علمت أنك تدعينني لهذا لم أرجع(1).

يا للعجب! كل هذا العنف والرجلان لم ينالا مبتغاهما في الحكم، فكيف إذا تسلطا على رقاب الناس؟

وأرسلت عائشة إلى الزبير أن اقتل السبابجة (2) فإنه قد بلغنيالذي صنعوا بك. قال: فذبحهم والله الزبير كما يذبح الغنم، ولي ذلك منهم عبد الله ابنه وهم سبعون رجلاً وبقيت منهم طائفة مستمسكين ببيت المال، قالوا: لا ندفعه إليكم حتى يقدم أمير المؤمنين. فسار إليهم الزبير في جيش ليلاً فأوقع بهم وأخذ منهم خمسين أسيراً فقتلهم صبراً (3) وعيّن أخا عائشة، عبد الرحمن بن أبي بكر، خازناً لبيت مال البصرة (4).

ص: 425


1- تاريخ الطبري، ج 3، ص18، حوادث سنة 36 الهجرية، دخولهم البصرة والحرب بينهم وبين عثمان بن حنيف.
2- وردت الكلمة بالباء (سبابجة) وبالياء (سبايجة)
3- شرح نهج البلاغة، ج 9، ص 321 ، ذكر يوم الجمل ومسير عائشة إلى القتال الخطبة 73.
4- "واصطلحوا على عبد الرحمن بن أبي بكر فصيروه على بيت المال". تاريخ الطبري، ج3، ص21، حوادث سنة 36 الهجرية، دخولهم البصرة والحرب بينهم وبين عثمان بن حنيف. "وولوا على بيت المال عبد الرحمن بن أبي بكر". البداية والنهاية، ج 7، ص 244، حوادث سنة 36 الهجرية، ابتداء وقعة الجمل.

ذكر المسعودي أن عدد قتلى السبابجة كان سبعين بفعل العمل الإرهابي عدا الجرحى ومن هؤلاء السبعين قُتل خمسون صبراً بضرب الأعناق فيما استشهد الباقي بطرق أخرى (1).

أما أبو مخنف فيقول إن عدد قتلى السبابجة بلغ أربعمائة. هذه الخدعة وهذا المكر الذي ارتكبه طلحة والزبير بحق عثمان بن حنيف كانت أول خدعة تمارس في تاريخ الإسلام والسبابجة كانوا أول من أعدم بضرب العنق من المسلمين(2).

نهب بيت المال

يقول الشيخ المفيد : ولما خرج عثمان بن حنيف من البصرة وعاد طلحة والزبير إلى بيت المال فتأملا ما فيه فلما رأوا ما حواه من الذهب والفضة قالوا: هذه الغنائم التي وعدنا الله بها وأخبرنا أنه يعجلها لنا (3).

ص: 426


1- "وأرادوا بيت المال فمانعهم الخزان والموكلون به وهم السبابجة فقتل منهم سبعون رجلاً غير من جرح، وخمسون من السبعين ضربت رقابهم صبراً من بعد الأسر. وهؤلاء أول من قتل ظلماً في الإسلام وصبراً". مروج الذهب ومعادن الجوهر، ج 3، ص 395، المسير إلى البصرة.
2- "قال: كانت السبابجة القتلى يومئذ أربعمائة رجل. قال: فكان غدر طلحة والزبير بعثمان بن حنيف أول غدر كان في الإسلام وكان السبابجة أول قوم ضربت أعناقهم من المسلمين". شرح نهج البلاغة، ج9، ص321، ذكر يوم الجمل ومسير عائشة إلى القتال الخطبة 73.
3- الجمل والنصرة لسيد العترة في حرب البصرة، ص 285 ، أمير المؤمنين علیه السلام في بيت المال.

حسب بعض التقارير، فإن طلحة والزبير قاموا بتقسيم أموال بيت المال بين الناس فكانت حصة من أطاعهما وسار في ركابهما أكثر من غيره. ثم قام الناس بنهب ما تبقى في بيت المال (1).

بعد استيلاء الناكثين على بيت المال دخلت عائشة بيت المال فأخذت بعض الأموال منه لتوزيعها على أصحابها. كما دخل طلحة والزبير بيت المال مع رجالهم فأخذوا قسماً كبيراً من المال الذي كان فيه. بعد ذلك أرسلت عائشة طلحة لختم باب بيت المال، غير أن الزبير لم يسمح له بذلك إذ أراد أن يفعل ذلك بنفسه وحده، فتشاجرا وأخذ أحدهما بتلابيب الآخر. فلما رأت عائشة ذلك أمرتهما بأن يفعلا ذلك معاً وأرسلت معهما عبد الله بن الزبير ممثلاً لها. وهكذا تم ختم باب بيت المال بثلاثة أختام (2).

يقول أبو الأسود الدؤلي : فقد سمعت هذا (نهب بيت المال) منهما (من طلحة والزبير) ورأيت علياً علیه السلام بعد ذلك وقد دخل بيت مال البصرة، فلما رأى ما فيه قال: يا صفراء ويا بيضاء غري غيري، المال يعسوب الظلمة وأنا

ص: 427


1- "قسم طلحة والزبير أموال بيت المال في الناس وفضلوا أهل الطاعة، وأكب عليهم الناس يأخذون أرزاقهم وأخذوا الحرس واستبدوا في الأمر بالبصرة البداية والنهاية، ج7، ص244، حوادث سنة 36 الهجرية، ابتداء وقعة الجمل.
2- " ورجع طلحة والزبير ونزلا دار الإمارة وغلبا على بيت المال. فتقدمت عائشة وحملت مالاً منه لتفرقه على أنصارها. فدخل عليها طلحة والزبير في طائفة معهما واحتملا منه شيئاً كثيراً. فلما خرجا نصبا على أبوابه الأقفال ووكلا به من قبلهما قوماً. فأمرت عائشة بختمه فبرز لذلك طلحة ليختمه فمنعه الزبير وأراد أن يختمه الزبير دونه فتدافعا. فبلغ عائشة ذلك فقالت: يختمها عني ابن أختي عبد الله بن الزبير. فختم يومئذ بثلاثة ختوم الجمل، ص 284 ، نهضة حكيم بن جبلة العبدي. و"لما قدموا البصرة فأخذوا بيت المال ختماه جميعاً؛ طلحة والزبير" . الطبقات الكبرى، ج5، ص 54، محمد بن طلحة.

يعسوب المؤمنين. فلا والله ما التفت إلى ما فيه ولا فكر فيما رآه منه وما وجدته عنده إلاّ كالتراب هواناً. فعجبت من القوم ومنه علیه السلام فقلت أولئك ممن يريد الدنيا وهذا ممن يريد الآخرة، وقويت بصيرتي فيه(1).

نظراً إلى أن طلحة والزبير وعائشة كانوا يعلمون أن الإمام علياً علیه السلام كان في ذي قار منهمكاً في تحشيد القوات وأنه سرعان ما سيتوجه إلى البصرة، فقد أمر الزبير بإعطاء كل شخص نصيباً من بيت المال لضمان بقائهم إلى جانبه وللمحافظة على روحهم المعنوي. غير أنه واجه معارضة من جانب ابنه عبدالله الذي كان يرى أنه لا ينبغي توزيع أية أموال قبل الحرب لأن الجنود ربما تفرقوا عنهم قبل وصول علي بن أبي طالب سلام. ولاقى هذا الرأي قبولاً من طلحة وعائشة فلاما الزبير لهذا الفعل بشدة. فقال الزبير والله لئن لم تدعوني وشأني لألتحقن بمعاوية فقد أخذ لي البيعة في الشام (2).

ص: 428


1- ولما خرج عثمان بن حنيف من البصرة وعاد طلحة والزبير إلى بيت المال فتأملا ما فيه، فلما رأوا ما حواه من الذهب والفضة قالوا: هذه الغنائم التي وعدنا الله بها وأخبرنا أنه يعجلها لنا. قال أبو الأسود: فقد سمعت هذا منهما ....". الجمل والنصرة لسيد العترة في حرب البصرة، ص 285، أمير المؤمنين علیه السلام في بيت المال.
2- ولما استقر الأمر عند القوم بعد خروج عثمان بن حنيف، وعلم طلحة والزبير وعائشة أن أمير المؤمنين علیه السلام بذي قار ينتظر الجموع وأنه لا يصبر على ما فعلوه بصاحبه والمسلمين، أمرت عائشة الزبير أن يستنفر الناس إليه فخطبهم ... فانهضوا إليه حتى نكبس عليه قبل أن تلحقه أنصاره. وقال لهم: امضوا فخذوا أعطيتكم. فلما رجع إلى منزله قال له ابنه عبد الله: أمرت الناس أن يأخذوا أعطيتهم ليتفرقوا بالمال قبل أن يأتي على بن أبي طالب فتضعف؟ بئس الرأي الذي رأيت. فقال له الزبير: أسكت ويلك! ما كان غير الدي قلت. فقال له طلحة: صدق عبد الله، وما ينبغي أن يسلم هذا المال حتى يقرب منا علي فنضعه في مواضعه فيمن يدفعه عنا. فغضب الزبير وقال: والله لو لم يبق إلاّ درهم واحد لأعطيته. فلامته عائشة على ذلك ووافق رأيها رأي الرجلين. فقال الزبير: لتدعوني أو لألحقن بمعاوية فقد بايع بالشام الناس. فأمسكوا عنه". الجمل والنصرة لسيد العترة في حرب البصرة، ص287، اعتراض ابن الزبير على أبيه.

من هذا النص التاريخي، يمكن اكتشاف غايات جيش الفتنة وأهدافه المتمثلة بخوض الحرب من أجل الوصول إلى الذهب والفضة، وأن الدفاع عن عائشة والطلب بدم عثمان والدفاع عن الصحابة مجرد شعارات ليس إلاّ.

ظهور الخلافات بين أصحاب الجمل

يقول علقمة بن وقاص الليثي لما خرج طلحة والزبير وعائشة رضي الله عنهم، رأيت طلحة وأحب المجالس إليه أخلاها وهو ضارب بلحيته على زوره (صدره) فقلت: يا أبا محمد أرى أحب المجالس إليك أخلاها وأنت ضارب بلحيتك على زورك. إن كرهت شيئاً فاجلس! قال: فقال لي: يا علقمة بن وقاص بينا نحن يد واحدة على من سوانا، إذ صرنا جبلين من حديد يطلب بعضنا بعضاً (1).

ولعل حادثة نزاع طلحة والزبير على إمامة الجماعة في البصرة من الحوادث المشهورة. لقد طال تنازعهما على إمامة المصلين حتى أوشكت صلاتهم في الفجر أن تكون قضاءً. حتى تصايح المسلمون من كل جانب: "الصلاة الصلاة! يا أصحاب محمد!". ولكن التنازع لم يتوقف إلى أن أمرت

ص: 429


1- "عن علقمة بن وقاص الليثي قال : ......". تاريخ الطبري، ج 3، ص 22 ، حوادث سنة 36 الهجرية، دخولهم البصرة والحرب بينهم وبين عثمان بن حنيف.

عائشة بأن يخرج الرجلان من المحراب ويؤم ابناهما المصلين كلّ واحد منهما يوماً (1).

يقول أبوالفرج الإصبهاني عن هذه الحادثة: ولما صاروا إلى البصرة تنازع طلحة والزبير في الصلاة، فاتفقا على أن يصلي ابن هذا يوماً وابن هذا يوماً. وقال شاعرهم: تبارى الغلامان إذ صليا ... وشح على الملك شيخاهما (تنازع الابنان على إمامة المصلين وكان أبواهما أحرص على ملك) (2).

نهضة حكيم بن جبلة والجمل الصغرى

يقسم المؤرخون حرب الجمل إلى جمل الصغرى وجمل الكبرى. فالجمل الصغرى تعني ثورة حكيم بن جبلة على أصحاب الفتنة(3) واستشهاده مع

ص: 430


1- "فلما حضر وقت الصلاة تنازع طلحة والزبير وجذب كل واحد منهما صاحبه حتى فات وقت الصلاة وصاح الناس: الصلاة الصلاة يا أصحاب محمد! فقالت عائشة: يصلي محمد بن طلحة يوماً وعبد الله بن الزبير يوماً، فاصطلحوا على ذلك". تاريخ اليعقوبي، ج2، ص181 ، خلافة أمير المؤمنين علي بن أبي طالب؛ مروج الذهب ومعادن الجوهر، ج 3، ص 395 ، المسير إلى البصرة؛ الجمل والنصرة لسيد العترة في حرب البصرة، ص281 ، قتل الناكثين حراس بيت المال.
2- "قال: ولما ... ". الأغاني، ج 12، ص 390، أخبار أبي نفيس ونسبه.
3- كان حكيم بن جبلة بن حصين رجلاً صالحاً من الصحابة. كان قوي الإيمان شريفاً شجاعاً مطاعاً في قومه وقبيلته. "أدرك النبي صلی الله علیه وآله وسلم وكان من الصحابة وكان رجلاً صالحاً متديناً شريفاً مطاعاً في قومه من أشجع الناس عابداً". الاستيعاب في معرفة الأصحاب، ج1، ص 421، ترجمة حكيم بن جبلة، الرقم 558؛ أسد الغابة في معرفة الصحابة، ج 2، ص 57 ، ترجمة حكيم بن جبلة ، الرقم 1233. يقول الذهبي عنه: فما سُمع بأشدع منه. سير أعلام النبلاء، ج3، ص 532 ، ترجمة حكيم بن جبلة، الرقم 136. وكان قائد ثوار البصرة على عثمان ومن سادات عبدالقيس وأحد زهاد ربيعة وعبّادها. "وكان من سادات

ثلاثمائة من أنصاره، وذلك بعد اعتقال عثمان بن حنيف وتعذيبه من قبل رؤوس الفتنة. أما الجمل الكبرى فهي المعركة الرئيسة التي وقعت في منتصف النهار وانتهت بهزيمة فاضحة لأصحاب فتنة الجمل (1).

وبلغ حكيم بن جبلة العبدي ما صنع القوم بعثمان بن حنيف وقتلهم السبابجة الصالحين خزان بيت مال المسلمين فنادى في قومه: يا قوم انفروا إلى هؤلاء الضالين الظالمين الذين سفكوا الدم الحرام وقتلوا العباد الصالحين واستحلوا ما حرم الله تعالى.

فأجابه سبعمائة رجل من عبدالقيس، فأتوا المسجد واجتمع الناس إلى حكيم بن جبلة فقال لهم: أما ترون ما صنعوا بأخي عثمان بن حنيف ما صنعوا؟ لست بأخيه إن لم أنصره. ثم رفع يديه إلى السماء وقال: اللهم إن طلحة والزبير لم يريدا بما عملا القربة منك، وما أرادا إلاّ الدنيا. اللهم اقتلها بمن قتلا ولا تعطهما ما أملا. ثم ركب فرسه وأخذ بيده الرمح وأتبعه أصحابه. وأقبل طلحة والزبير ومن معهما وهم كثرة من الناس قد انضم إليهم الجمهور، فاقتتلوا قتالاً شديداً حتى كثرت بينهم القتلى والجرحى. وبرز إلى حكيم بن جبلة رجل من القوم فضربه بالسيف فقطع رجله، فتناولها حكيم عبدالقيس وزهاد ربيعة ونساكها". مروج الذهب ومعادن الجوهر، ج2، ص 395، المسير إلى البصرة. وقوله وهو يقاتل أهل الجمل : "لا أشك في قتال هؤلاء القوم" يكشف عن نفاذ بصيرته وعمق اعتقاده بحقانية أمير المؤمنين علیه السلام.

ص: 431


1- "فلما بلغ حكيم بن جبلة ما صنع القوم بعثمان بن حنيف خرج في ثلاثمائة من عبدالقيس مخالفاً لهم ومنابذاً. فخرجوا إليه وحملوا عائشة على جمل، فسمي ذلك اليوم يوم الجمل الأصغر ويوم علي يوم الجمل الأكبر". شرح نهج البلاغة، ج 9، ص 322 ، ذكر يوم الجمل ومسير عائشة إلى القتال، الخطبة 173.

بيده ورماه بها فصرعه . ثم صار إلى حكيم أخوه المعروف بالأشرف (وقيل ابنه)(1) فقال: من أصابك ؟ فأشار إلى الذي ضربه، فأدركه الأشرف فخبطه بالسيف حتى قتله. وتكاثر الناس عليه وعلى أخيه فقتلوهما، وتفرق الناس (2).

شهدت تلك الواقعة استشهاد ثلاثمائة من أنصار حكيم بن جبلة وثلاثة من إخوته، فضلاً عن استشهاده هو نفسه(3). كما قام قادة الفتنة بإجلاء قبيلة ربيعة من البصرة (4).

الإعلان عن سقوط البصرة واحتلالها

بعد بسط سيطرتهم الكاملة على البصرة ، أرسل رؤوس الفتنة رسائل إلى مختلف أصقاع البلاد كتباً أعلنوا فيها عن انتصارهم وسيطرتهم على البصرة مشيرين إلى بعض ما حرى من أحداث خلال احتلال البصرة.

ص: 432


1- تاريخ الطبري، ج 3، ص 21 ، حوادث سنة 36 الهجرية دخولهم البصرة والحرب بينهم وبين عثمان بن حنيف.
2- الجمل والنصرة لسيد العترة في حرب البصرة، ص283 ، نهضة حكيم بن جبلة العبدي.
3- "قال: وقتل مع حكيم إخوة له ثلاثة وقتل أصحابه كلهم وهم ثلاثمائة من عبدالقيس". شرح نهج البلاغة، ج9، ص 322 ، ذكر يوم الجمل ومسير عائشة إلى القتال، الخطبة 173.
4- وأخرجت ربيعة من البصرة". أخبار الجمل، ص 63، مقتل حكيم بن جبلة.

أ - كتابتهم إلى أهل الشام

أول ما كتب طلحة والزبير وعائشة إلى أهل الشام يخبرونهم بأهدافهم من الزحف على البصرة. فقد صرحوا في كتابهم بأنهم لم يتوجهوا إلى البصرة من أجل الحرب (!) بل لمنع وقوعها ولإقامة حدود الله وأحكام قرآنه بين جميع شرائح المجتمع. ثم قالوا: فبايعَنا خيار أهل البصرة ونجباؤهم وخالفنا شرارهم ونزاعهم فردونا بالسلاح وقالوا فيما قالوا: نأخذ أم المؤمنين رهينة أن أمرتهم بالحق وحثتهم عليه فأعطاهم الله عزّ وجلّ سنة المسلمين مرة بعد مرة. حتى إذا لم يبق حجة ولا عذر استبسل قتلة أمير المؤمنين فخرجوا إلى مضاحعهم فلم يفلت منهم مخبر إلاّ حرقوص بن زهير والله مقيده إن شاء الله. وكانوا كما وصف الله عزّ وجلّ. وإنا نناشدكم الله في أنفسكم إلاّ نهضتم بمثل ما نهضنا به فنلقى الله عزّ وجلّ وتلقونه وقد أعذرنا وقضينا الذي علينا (1).

ب - كتابتهم إلى أهل الكوفة

في الكتاب الذي وجهوه إلى أهل الكوفة، ناشدتهم عائشة الله والإسلام وإقامة كتاب الله والتمسك بحبل الله وملازمة القرآن، ثم شرحت لهم أوضاع البصرة فقالت: فإنا قدمنا البصرة فدعوناهم إلى إقامة كتاب الله بإقامة حدوده، فأجابنا الصالحون إلى ذلك واستقبلنا من لا خير فيه بالسلاح وقالوا:

ص: 433


1- "وكتبوا إلى أهل الشام بما صنعوا وصاروا إليه: إنا خرجنا لوضع الحرب وإقامة كتاب الله عزّ وجلّ بإقامة حدوده في الشريف والوضيع والكثير والقليل حتى يكون الله عزّ وجلّ هو الذي يردنا عن ذلك. فبايعَنا ..... وبعثوا به مع سيار العجلي" تاريخ الطبري، ج 3، ص 20، حوادث سنة 36 الهجرية، دخولهم البصرة والحرب بينهم وبين عثمان بن حنيف.

لنتبعنكم عثمان، ليرتدوا الحدود تعطيلاً. فعاندوا فشهدوا علينا بالكفر وقالوا لنا المنكر فقرأنا عليهم (ألم تر إلى الذين أوتوا نصيباً من الكتاب يُدعون إلى كتاب الله ليحكم بينهم واختلفوا بينهم )فتركناهم وذلك. فلم یمنع ذلک من كان منهم على رأيه الأول من وضع السلاح في أصحابي. وعزم عليهم عثمان بن حنيف إلاّ ،قاتلوني حتى منعني الله عزّ وجلّ بالصالحين فرد كيدهم في نحورهم. فمكثنا ستاً وعشرين ليلة ندعوهم إلى كتاب الله وإقامة حدوده وهو حقن الدماء أن تهراق دون من قد حل دمه فأبوا واحتجوا بأشياء فاصطلحنا عليها فخافوا وغدروا وخانوا وحشروا فجمع الله عزّ جل لعثمان ثأرهم فأقادهم فلم يفلت منهم إلاّ رجل ... فرقوا بين جماعة الأمة وخالفوا الكتاب والسنة حتى شهدوا علينا فيما أمرناهم به وحثثناهم عليه من إقامة كتاب الله وإقامة حدوده بالكفر وقالوا لنا: المنكر. فأنكر ذلك الصالحون وعظموا ما قالوا وقالوا ما رضيتم أن قتلتم الإمام حتى خرجتم على زوجة نبيكم صلی الله علیه وآله وسلم أن أمرتكم بالحق لتقتلوها وأصحاب رسول الله صلی الله علیه وآله وسلم وأئمة المسلمين. فعزموا وعثمان بن حنيف معهم على من أطاعهم من جهال الناس وغوغائهم على زطهم وسبابجتهم فلذنا منهم بطائفة من الفسطاط فكان ذلك الدأب ستة وعشرين يوماً ندعوهم إلى الحق وألّا يحولوا بيننا وبين الحق، فغدروا وخانوا فلم نقايسهم (فاقتص منهم الله وسفك دمهم فلم يبق منهم إلاّ رجل واحد).

وفي الختام أشارت عائشة إلى أن الأراذل والأوباش حاولوا القبض عليها فذهبوا إلى بيتها ومعهم السبابجة. وادعت أن قتل السبابجة إنما وقع

ص: 434

دفاعاً عنها من قبل جماعة من الناس وأنه لم يكن منه بد وأنها كانت معذورة في قتلهم بعد أن اعتصمت في بيتها 26 يوماً نصحتهم فيها فلم يأخذوا بنصحها (1).

من أعجب العجائب في رسالة عائشة دفاعها بالكذب والتزوير وحرف الحقائق عن المجازر التي ارتكبتها هي وأنصارها بالباطل. فحتى الأمس كانوا هم قتلة عثمان، واليوم يزورون الواقع ليظهروا مدافعين عنه متظلمين له قدموا إلى البصرة للطلب بدمه فقتلوا باسمه المئات من الجنود والحراس وموظفي الدولة.

ج - كتاب عائشة إلى أهل المدينة

كما أرسلت عائشة رسالة إلى أهل المدينة قالت لهم فيها إن الله أظهر الحق ونصر أصحابه. ثم أضافت: فاتقوا الله عباد الله واسمعوا وأطيعوا واعتصموا بحبل الله جميعاً وعروة الحق ولا تجعلوا على أنفسكم سبيلاً. فإن الله قد جمع كلمة أهل البصرة وأمروا عليهم الزبير بن العوام. فهو أمير الجنود والكافة يجتمعون على السمع والطاعة له. فإذا اجتمعت كلمة المؤمنين على

ص: 435


1- "فإنا .... فلم نقايسهم. واحتجوا ببيعة طلحة والزبير فأبردوا بريداً فجاءهم بالحجة فلم يعرفوا الحق ولم يصبروا عليه، فغادوني في الغلس ليقتلوني والذي يحاربهم غيري فلم يبرحوا حتى بلغوا سدة بيتي ومعهم هاد يهديهم إليّ. فوجدوا نفراً على باب بيتي منهم عمير بن مرثد ومرثد بن قيس ويزيد بن عبد بن مرثد ونفر من قيس ونفر من الرباب والأزد. فدارت عليهم الرحى فأطاف بهم المسلمون فقتلوهم. وجمع الله عزّ وجلّ كلمة أهل البصرة على ما أجمع عليه الزبير وطلحة. فإذا قتلنا بثأرنا وسعنا العذر. وكانت الوقعة لخمس ليال بقين من ربيع الآخر سنة .36. تاريخ الطبري، ج3، ص20، حوادث سنة 36 الهجرية، دخولهم البصرة والحرب بينهم وبين عثمان بن حنيف.

أمرائهم عن منهم وتشاور فإنا ندخل في صالح ما دخلوا فيه. فإذا جاءكم كتابي هذا فاسمعوا وأطيعوا وأعينوا على ما سمعتم عليه من أمر الله(1) .

د - كتاب عائشة إلى أهل اليمامة

في كتابها إلى أهل اليمامة وما يليها، ذكرتهم عائشة بنعمة الإسلام ودعتهم إلى التمسك بحبل الله وملازمة القرآن. ثم قالت: فإن أمكم ناصحة لكم فيما تدعوكم إليه من الغضب له والجهاد لمن قتل خليفة حرمه وابتز المسلمين ،أمرهم، وقد أظهر الله عليه. وإن ابن حنيف الضال المضل كان بالبصرة يدعو المسلمين إلى سبيل النار، وإنا أقبلنا إليها ندعو المسلمين إلى كتاب الله وأن يضعوا بينهم القرآن فيكون ذلك رضا لهم وأجمع لأمرهم. وكان ذلك الله عزّ وجلّ على المسلمين فيه الطاعة؛ فإما أن ندرك به حاجتنا أو نبلغ عذراً. فلما دنونا إلى البصرة وسمع بنا ابن حنيف جمع لنا الجموع وأمرهم أن يلقونا بالسلاح فيقاتلونا ويطردونا هكذا قلبت عائشة الحقائق وحرّفت الوقائع.

ص: 436


1- "وروى الواقدي عن رجاله قال: لما أفرج القوم عن عثمان بن حنيف لما خافوه من أخيه سهيل بن حنيف، كتبت عائشة إلى أهل المدينة: بسم الله الرحمن الرحيم. من أم المؤمنين عائشة زوجة النبي صلی الله علیه وآله وسلم وابنة الصديق إلى أهل المدينة. أما بعد فإن الله أظهر الحق ونصر طالبيه. وقد قال عزّ اسمه (بل نقذف بالحق على الباطل فيدمغه فإذا هو زاهق). فاتقوا الله ....". الجمل والنصرة لسيد العترة في حرب البصرة، ص ،299 ، كتاب عائشة إلى أهل المدينة.

لقد استغلت عائشة جهل أهل اليمامة بما حدث في البصرة، فتجاهلت معاهدة الصلح التي أبرمها أصحاب الجمل مع عثمان بن حنيف ونقض رؤوس الفتنة لها، وحمّلت عثمان بن حنيف مسؤولية كل ما شهده مسجد البصرة من أحداث، وأظهرت نفسها ومن معها بمظهر الغرباء المظلومين. في حين أن حوادث البصرة والخيانة التي ارتكبها أصحاب الجمل كانت واضحة وضوح الشمس في رابعة النهار (1).

(1)"وكتبت إلى أهل اليمامة وأهل تلك النواحي أما بعد، فإني أذكركم الله الذي أنعم عليكم وألزمكم بالإسلام. فإن الله يقول: (ما أصاب من مصيبة في الأرض ولا في أنفسكم إلا في كتاب من قبل أن نبرأها إن ذلك على الله يسير). فاعتصموا عباد الله بحبله وكونوا مع كتابه فإن أمكم ناصحة لكم فيما تدعوكم إليه من الغضب له والجهاد لمن قتل خليفة حرمه وابتز المسلمين أمرهم وقد أظهر الله عليه. وإن ابن حنيف الضال المضل كان بالبصرة يدعو المسلمين إلى سبيل النار، وإنا أقبلنا إليها ندعو المسلمين إلى كتاب الله وأن يضعوا بينهم القرآن فيكون ذلك رضا لهم وأجمع لأمرهم. وكان ذلك الله عزّ وجلّ على المسلمين فيه الطاعة؛ فإما أن ندرك به حاجتنا أو نبلغ عذراً. فلما دنونا إلى البصرة وسمع بنا ابن حنيف جمع لنا الجموع وأمرهم أن يلقونا بالسلاح فيقاتلونا ويطردونا. وشهدوا علينا بالكفر، وقالوا فينا المنكر فأكذبهم المسلمون وأنكروا عليهم وقالوا لعثمان بن حنيف: ويحك إنما تابعنا زوج النبي صلی الله علیه وآله وسلم وأم المؤمنين وأصحاب رسول الله صلی الله علیه وآله وسلم وأئمة المسلمين. فتمادى في غيه وأقام على أمره. فلما رأى المسلمون أنه قد عصاهم وردّ عليهم أمرهم غضبوا الله عزّ وجلّ ولأم المؤمنين. ولم نشعر به حتى أظلنا في ثلاثة آلاف من جهلة العرب وسفهائهم. وصفهم دون المسجد بالسلاح، فالتمسنا أن يبايعوا على الحق ولا يحولوا بيننا وبين المسجد . فرد علينا ذلك كله، حتى إذا كان الجمعه يوم وتفرق الناس بعد الصلاة عنه دخل طلحة والزبير ومعهما المسلمون وفتحوه عنوة وقدموا عبد الله بن الزبير للصلاة بالناس. وإنا نخاف من عثمان وأصحابه أن يأتونا بغتة ليصيبوا منا غرة. فلما رأى المسلمون أنهم لا يبرحون تحرزوا لأنفسهم. ولم يخرج ومن معه حتى هجموا علينا وبلغوا سدة بيتي ومعهم هاد يدلهم عليّ ليسفكوا دمي. فوجدوا نفراً على باب بيتي فردوهم عني ....". الجمل والنصرة لسيد العترة في حرب البصرة، ص301 ، كتاب عائشة إلى أهل اليمامة.

ص: 437

تحليل أكاذيب مثيري الفتنة

بالتدقيق في رسائل قادة الجمل يتبين ما يكتنفها من أكاذيب

وافتراءات وأباطيل وتحريف للحقائق. لقد استغلوا جهل الناس بحقيقة ما جرى من حوادث في إظهار أصحاب الإمام علي علیه السلام بمظهر الجاني في حوادث البصرة. فأما عائشة فسعت من خلال كتبها إلى الأمصار إلى تحقيق غايتين في آن معاً؛ أن تُلبس مشروع الفتنة لباس الحق وتمنع أهلي المدن الأخرى من الوقوف إلى جانب الإمام علیه السلام ، وأن تمهد الأرضية لثورة أهالي تلك المدن على حكومته. وهنا لا بد من الإشارة إلى بعض التحريفات التي ارتكبها قادة الفتنة في رسائلهم(1) .

ادعى طلحة والزبير، في رسالتهما إلى أهل الشام، أنهم لم يتوجهوا إلى البصرة من أجل الحرب والسؤال الموجه إليهما هنا: هل حقاً أنكم لم تأتوا إلى البصرة من أجل الحرب؟ لو كانت غايتكم الحرب فما الذي كنتم ستفعلونه مما لم تفعلوه؟

لو كنتم صادقين في دعواكم، فلماذا قمتم بتحشيد الجيش مذ كنتم في مكة؟ لماذا تم تجهيز من لم يملك ثمن السلاح بالسلاح من أموال يعلى بن منية وعبد الله بن أبي ربيعة التي اختلسوها من بيت المال؟

لماذا كتبتم في البصرة إلى رؤساء قبائلها تستمدونهم لحرب أمير المؤمنين علیه السلام؟

ص: 438


1- لابدّ من التذكير هنا بأن بعض وثائق هذا الباب مرّ علينا في ما تقدم من فصول. على أن القسم الآخر منها سيأتي التنويه به في مبحث الجمل الكبرى. لذا تحاشينا تكرارها هنا.

لماذا فتكتم بأكثر من ألف مسلم غدراً واحتللتم البصرة قبل وصول أمير المؤمنين علیه السلام إليها ؟

من التحريفات التي ضمّنها طلحة والزبير رسالتهما إلى أهل الشام ادعاؤهما بأنهم جاؤوا البصرة من أجل الإصلاح ونشر الأمن. وهنا نسأل طلحة والزبير إن كنتما قدمتما البصرة لغرض الإصلاح، فما الذي فعلتماه من أجل ذلك؟

هل بعثتما بعدد من الرسل إلى الإمام علیه السلام من أجل الإصلاح، فردّهم الإمام ورفض الصلح؟ ألم يكن الإمام علیه السلام هو الذي بعث بكتب الصلح إليكم فلم يلق منكم إلاّ الردود الغليظة؟

ألم يبعث إليكم أمير المؤمنين علیه السلام عبد الله بن عباس والقعقاع بن عمرو وزيد بن صوحان؟ ألم يكلمكم علیه السلام بنفسه؟ ألم يبعث إليكم بعبد الله بن عباس ومسلم المجاشعي ومعهما المصحف الشريف؟ فلماذا تتقدموا خطوة واحدة في طريق الإصلاح الذي ادعيتموه؟ وهل كان في البصرة حرب وفقدان للأمن فجئتم لإعادة الأمن إليها؟ أليست الحقيقة أن الفتنة والانقسام والفرقة لم تظهر إلاّ على أيديكم؟

من الأكاذيب الأخرى التي اشتملت عليها رسالة طلحة والزبير إلى أهل الشام ادعاؤهما بأنهما جاءا البصرة لإقامة الحدود والأحكام. فلنسأل قادة الجمل: أي حدود الإسلام كان معطلاً؟ أي الحدود والأحكام الإلهية التي

ص: 439

اقتضت إقامتها قتل هذا العدد الهائل من المسلمين؟ وأي حدود وأحكام أقمتم أنتم؟

إذا كان هناك من حدود وأحكام معطلة، فلماذا لم تذكروها لعلي علیه السلام عندما سألكم بالبصرة عن سبب قتالكم له؟

لماذا، حين سألكم: هل تركت حداً من حدود الله، أجبتم بالنفي؟ ولماذا، حين سألكم الناس عما جناه علي علیه السلام وهل عطل شيئاً من أحكام الإسلام ، أجبتم بالنفي؟

كانت حجتكم الاقتصاص من قتلة عثمان، أفلم يقل لكم علي علیه السلام: عليكم أنتم وأبناء عثمان أن تعودوا إلى بيعتكم قبل أن تخاصموني في قتلة عثمان فأنظر فيهم. ولكنكم رفضتم هذا العرض ولم تأخذوا به.

هل ينطبق إجراء الأحكام الإلهية على قتل مئات الموظفين الحكوميين وحراس بيت مال المسلمين ودوائر الدولة الإسلامية وتعذيب أصحاب رسول الله صلی الله علیه وآله وسلم أمثال عثمان بن حنيف وإصدار الأوامر بتقتيل المؤمنين والمعارضين لمثيري الفتن وبانّي الفرقة والاختلاف بين الناس؟

إنكم تكررون في رسائلكم أن الصلحاء من أهل البصرة بايعوكم وأن الأشرار والأوباش عارضوكم. فهل إن أصحاب رسول الله صلی الله علیه وآله وسلم الذين نصروا علياً علیه السلام في حروبه من الأوباش الأشرار؟

ص: 440

يبدو أن معياركم لصلاح الأفراد يقتصر على الوقوف معكم وقتل أنصار الإمام عليه السلام صبراً. أما من يقاتل الناكثين إلى جانب الإمام علیه السلام فهو من الأوباش الأشرار!

من النقاط التي أكدت عليها عائشة في رسائلها أن خصومهم هم الذین هاجموهم ورفعوا بوجههم السلاح وهذا يدل على أنها كانت مذعورة من احتمال اتهامها بقتل المسلمين.

نسأل السيدة عائشة : هل الألف قتيل في البصرة قتلهم أنصار علي علیه السلام؟ هل كان عثمان بن حنيف هو من قتل حراس بيت المال؟ بالمناسبة، من الذي هجم على دار الإمارة ليلاً واعتقل عثمان بن حنيف وعذبه ونتف شعر رأسه ووجهه؟

ألم تكوني أنت من أمر بقتل عثمان بن حنيف؟ وأنت التي أمرت بقتل السبابجة؟

في ختام هذا القسم، نطرح بعض الأسئلة على سبيل الإجمال ونترك للقراء الكرام الإجابة عليها:

لماذا كان يستشهد قادة الجمل بالآيات القرآنية في رسائلهم ويدعون أن غايتهم تحكيم القرآن؟

ص: 441

عليهم أن يجيبوا عما فعلوه بمسلم المجاشعي في الجمل الكبرى عندما حمل القرآن ودعاهم إليه؟ وهذه أم المؤمنين تأمر بقتل مسلم المجاشعي بعد أن كانت تتبجح بتحكيم القرآن، فيقتل تلك القتلة الفظيعة!

لماذا أصر طلحة والزبير في رسائلهما إلى المدن الأخرى على الادعاء بأن الناس هم الذين قتلوا أصحاب الإمام علي علیه السلام ! وأن الناس قتلوا حكيم بن جبلة دفاعاً عنهما وأن الناس قتلوا السبابجة دفاعاً عنهما! هل كانا يحاولان إلقاء مسؤولية قتل آلاف المسلمين على غيرهم والتنصل منها؟؟ كما ادعوا في عدد من رسائلهم أن الله هو الذي قتل المسلمين وأن قتلهم تم بمشيئته.

لماذا كره قادة الجمل أن يوسموا بالكفر؟ أليس كل من ينكث بيعته لإمام المسلمين كافراً؟ فكيف يكون نقض بيعة الخلفاء الآخرين كفراً وموجباً لقتل ناقض البيعة، أما نقض بيعة الإمام علي علیه السلام فجائز؟

لماذا خلت جميع تلك الرسائل تماماً من الإشارة إلى ميثاق الصلح؟ وحين أشير إليها في موضع كانت الإشارة شديدة الإيجاز وغامضة؟ لماذا لم تذكر عائشة أي شيء في رسائلها التي وجهتها لأهالي المدن الأخرى عن غدرها وطلحة والزبير وهجومهم على المسجد ودار الإمارة؟

على عائشة وأنصارها أن يجيبوا على السؤال التالي: لماذا لم تظهر الحاجة إلى العودة إلى الشورى العمرية حين بايع جماعة من أهل البصرة الزبير بالإمارة وكان على باقي المدن أن تبايع؟ في حين أنه لما بايع جميع المهاجرين والأنصار

ص: 442

بالمدينة علياً علیه السلام بمحض إرادتهم، اعتبر أصحاب الجمل البيعة باطلة وطالبوا بأن يكون قرار الخلافة مرهوناً بأعضاء شورى عمر بن الخطاب!؟

فإذا كان منطقكم يسمح لكم بانتقاد الإمام علي علیه السلام، بل إشهار السلاح بوجهه، بوجهه، فلم لا يُسمح لنا بانتقاد عائشة وطلحة والزبير ونطلب منهم الإجابة على بعض التساؤلات؟

كتاب عائشة إلى حفصة

لما بلغ عائشة أن الإمام علياً علیه السلام نزل بذي قار إجلال، كتبت إلى حفصة تقول: أما بعد، فإنا نزلنا البصرة ونزل علي بذي قار والله دق عنقه كدق البيضة على الصفا. إنه بذي قار بمنزلة الأشقر إن تقدم نحر وإن تأخر عقر. فلما وصل الكتاب إلى حفصة استبشرت بذلك ودعت صبيان بني تيم وعدي وأعطت جواريها دفوفاً وأمرتهن أن يضربن بالدفوف ويقلن:

ما الخبر ما الخبر؟ ... على كالأشقر

إن تقدم نحر ... وإن تأخر عقر (1)

فبلغ أم سلمة اجتماع النسوة على ما اجتمعن عليه من سب أمیر المؤمنين علیه السلام والمسرة بالكتاب الوارد عليهن من عائشة، فبكت وقالت:

ص: 443


1- مثل يقال لمن يكون بين شرين لا بد له من واحد منهما. معجم الأمثال، ج2، ص 86، الباب الثاني والعشرون فيما أوله كاف.

أعطوني ثيابي حتى أخرج إليهن وأقع بهن فقالت أم كلثوم بنت أمير المؤمنين علیه السلام: أنا أنوب عنك فإنني أعرف منك. فلبست ثيابها وتنكرت وتخفرت واستصحبت جواريها متخفرات وجاءت حتى دخلت عليهن كأنها من النظارة. فلما رأت ما هن فيه من العبث والسفه كشفت نقابها وأبرزت لهن وجهها. ثم قالت الحفصة: إن تظاهرت أنت وأختك على أمير المؤمنين علیه السلام فقد تظاهرتما على أخيه ررسول الله صلی الله علیه وآله وسلم من قبل فأنزل الله عزّ وجلّ فيكما ما أنزل، والله وراء حربكما. فانكسرت حفصة وأظهرت خجلاً وقالت: إنهن فعلن

هذا بجهل. وفرقتهن في الحال فانصرفن من المكان (1).

خطبة طلحة بعد احتلال البصرة

عندما سمع طلحة والزبير بالتحاق عثمان بن حنيف بالإمام علي علیه السلام، قام طلحة خطيباً في الناس فتحدث عن قتل عثمان بن عفان وذكر أسماء قاتليه ولعنهم واتهم الإمام علياً علیه السلام وأصحابه بقتله. قال: يا معشر المسلمين إن الله قد جاءكم بأم المؤمنين وقد عرفتم بحقها ومكانها من النبي صلی الله علیه وآله وسلم ومكان أبيها من الإسلام. وهاهي تشهد لنا أنا لم نكذبكم فيما خبرناكم به ولا غررناكم فيما دعوناكم إليه من قتال علي بن أبي طالب وأصحابه الصادين عن الحق. ولسنا نطلب خلافة ولا ملكاً، وإنا نحذركم أن

ص: 444


1- شرح نهج البلاغة، ج 14، ص 13، أخبار علي علیه السلام عند مسيره إلى البصرة ورسله إلى الكوفة، الرسالة الأولى؛ الكافئة في إبطال توبة الخاطئة، ص 16، الفصل الثاني في حرب الجمل الحديث الأول؛ الجمل والنصرة لسيد العترة في حرب البصرة، ص 276 ، كتاب عائشة إلى حفصة وفرح حفصة به.

تغلبوا على أمركم وتقصروا دون الحق. وقد رجونا أن يكون عندكم عون لنا على طاعة الله وإصلاح الأمة. فإن أحق من عناه أمر المسلمين ومصلحتهم أنتم يا أهل البصرة لتمكنكم بالدين. وإن علياً لو عمل الجد في نصرة أمكم لاعتزل هذا الأمر حتى تختار الأمة لأنفسها من ترضاه (1).

اعتراض موثق من قبل عبد الله بن حكيم

من الذين اعترضوا على طلحة والزبير كان عبد الله بن حكيم التميمي.فلما سمع بمقالة طلحة ذهب إليه ومعه الزبير وأراهما رسائل كانا كتباها وقال لطلحة يا أبا محمد ! أما هذا كتبك إلينا؟ قال: بلى. قال (عبد الله بن حكيم): فكتبت أمس تدعونا إلى خلع عثمان وقتله، حتى إذا قتلته أتيتنا ثائراً بدمه فلعمري ما هذا رأيك، لا تريد إلاّ هذه الدنيا مهلاً! إذا كان هذا رأيك فلم قبلت من علي ما عرض عليك من البيعة فبايعته طائعاً راضياً ثم نكثت بيعتك ثم جئت لتدخلنا في فتنتك؟ فقال (طلحة): إن علياً دعاني إلى بيعته بعد ما بايع الناس فعلمت لو لم أقبل ما عرضه عليّ لم يتم لي، ثم يغري بي من معه (2).

ص: 445


1- "فلما عرفا خروجه إليه قام طلحة في الناس خطيباً فنعى إليهم عثمان بن عفان وذكر قاتليه وأكثر الذم عليهم والشتم. وعزا قتله إلى علي بن أبي طالب علیه السلام وأنصاره. وذكر أن علياً أكره الناس على البيعة فقال فيما قال : .....". الجمل والنصرة لسيد العترة في حرب البصرة، ص 304، خطبة طلحة.
2- " وأتاهما عبد الله بن حكيم التميمي لما نزلا السبخة بكتب كانا كتباها إليه، فقال لطلحة : ....". شرح نهج البلاغة، ج 9، ص318، ذكر يوم الجمل ومسير عائشة إلى القتال، الخطبة 173.

أما ابن قتيبة الدينوري فيروي هذا الحادث دون الإشارة إلى اسم عبد الله بن حكيم. يقول : فبينما هم كذلك أتاهم رجل من أشراف البصرة بكتاب كان كتبه طلحة في التأليب على قتل عثمان. فقال لطلحة هل تعرف هذا الكتاب؟ قال: نعم. قال : فما ردك على ما كنت عليه؟ وكنت أمس تكتب إلينا تؤلبنا على قتل عثمان وأنت اليوم تدعونا إلى الطلب بدمه. وقد زعمتما أن علياً دعاكما إلى أن تكون البيعة لكما قبله إذ كنتما أسن منه، فأبيتما إلاّ أن تقدماه لقرابته وسابقته، فبايعتماه. فكيف تنكثان بيعتكما بعد الذي عرض عليكما؟ قال طلحة دعانا إلى البيعة بعد أن اغتصبها وبايعه الناس فعلمنا حين عرض علينا أنه غير فاعل ولو فعل أبى ذلك المهاجرون والأنصار. وخفنا أن نرد بيعته فنقتل، فبايعناه كارهين. قال: فما بدا لكما في عثمان؟ قالا: ذكرنا ما كان من طعننا عليه وخذلاننا إياه، فلم نجد من ذلک مخرجاً إلاّ الطلب بدمه قال: ما تأمرانني به؟ قالا: بايعنا على قتال علي ونقض بيعته. قال: أرأيتما إن أتانا بعدكما من يدعونا إلى ما تدعوان إليه (إن جاء علي وجيشه وأمرنا بما تأمراننا به)، ما نصنع؟ قالا: لا تبايعه! قال: ما أنصفتما. أتأمرانني أن أقاتل علياً وأنقض بيعته وهي في أعناقكما وتنهياني عن بيعة من لا بيعة له عليكما ؟ أما إننا قد بايعنا علياً، فإن شئتما بايعناكما بيسار أيدينا (1).

ص: 446


1- الإمامة والسياسة، ج1، ص 63 ، توجه عائشة وطلحة والزبير إلى البصرة.

رد فعل طلحة على اعتراض عبد الله بن حكيم

بعد أن أعرب عبد الله بن حكيم عن اعتراضه بصراحة، قام طلحة فقال: أيها الناس! إن رسول الله توفي وهو عنا راض. وكنا مع أبي بكر حتى توفاه الله فمات وهو عنا راض. ثم كان عمر بن الخطاب فسمعنا وأطعنا حتى قبض وهو عنا راض، فأمرنا بالتشاور في الخلافة من بعده واختار ستة نفر ورضيهم للأمر. فاستقام أمرنا على رجل من الستة وليناه. واجتمع رأينا عليه وهو عثمان وكان أهلاً لذلك فبايعناه وسمعنا له وأطعناه. فأحدث بعد ذلک أحداثاً لم تكن على عهد أبي بكر وعمر فكرهها الناس منه. ولم يكن لنا بد مما صنعناه. ثم أخذ هذا الرجل الأمر دوننا من غير مشورتنا وتغلب عليه ونحن وهو في شرع سواء (في مستوى واحد من الكفاءة). فأتي بنا إليه ونحن أكره الناس إليه واللج على أعناقنا فبايعناه كرهاً. والذي نطلب أيها الناس الآن منه أن يدفع إلى ورثة عثمان قاتليه فإنه قتل مظلوماً ويخلع هذا الأمر ويعتزله ليتشاور المسلمون فيمن يكون لهم إماماً كسنة عمر بن الخطاب في الشورى. فإذا استقام رأينا ورأي أهل الإسلام على رجل بايعناه (1).

احتجاجات شعبية واسعة على طلحة

بعد أن أنهى طلحة كلمته، قام رجل من بني عبدالقيس فحمد الله وأثنى عليه ثم قال: إنه قد كان وأل هذا الأمر وقوامه المهاجرين والأنصار بالمدينة.

ص: 447


1- الجمل والنصرة لسيد العترة في حرب البصرة، ص 306 ، خطبة أخرى لطلحة.

ولم يكن لأحد من أهل الأمصار أن ينقضوا ما أبرموا ولا يبرموا ما نقضوا. فكانوا إذا رأوا رأياً كتبوا به إلى الأمصار فسمعوا لهم وأطاعوا. وإن عائشة وطلحة والزبير كانوا أشد الناس على عثمان حتى قتل. وبايع الناس علياً وبايعه في جملتهم طلحة والزبير. فجاءنا نبأهما لبيعتهما له فبايعناه. فلا والله لا ما نخلع خليفتنا ولا ننقض بيعتنا. فصاحعليه طلحة والزبير وأمرا بقرض لحيته، فنتفوها حتى لم يبق منها شيء. وقام رجل من بني جشم فقال: أيها الناس أنا فلان بن فلان فاعرفوني وإنما انتسب لهم ليعلموا أن له عشيرة تمنعه فلا يعجل عليه من لا يوافقه كلامه. ثم قال: أيها الناس! إن هؤلاء القوم إن كانوا جاؤوكم يطلبون بدم ،عثمان ، فوالله ما نحن قتلنا عثمان. وإن كانوا جاؤوكم خائفين، فوالله ما جاؤوا إلاّ من حيث يأمن الناس والطير. فلا تغتروا بهم واسمعوا قولي وأطيعوا أمري وردوا هؤلاء القوم إلى مكانهم الذي منه أقبلوا وأقيموا على بيعتكم لإمامكم وأطيعوا لأميركم. فصاح عليه الناس من جوانب المسجد وقذفوه بالحصى. ثم قام رجل آخر من متقدمي عبدالقيس فقال: أيها الناس أنصتوا أتكلم لكم. فقال له عبد الله بن الزبير: ويلك مالك والكلام!؟ فقال: ما لي وله؟ أنا والله للكلام وبه وفيه. ثم حمد الله وأثنى عليه وذكر النبي فصلى عليه وقال: يا معشر المهاجرين كنتم أول الناس إسلاماً بعث الله محمداً نبيه بينكم فدعاكم فأسلمتم وأسلمنا لإسلامكم، فكنتم فيه القادة ونحن لكم تبع. ثم توفي رسول الله صلی الله علیه وآله وسلم فبايعتم رجلاً منكم لم تستأذنونا في ذلك، فسلمنا لكم. ثم إن ذلك الرجل توفي واستخلف عمر بن الخطاب. فوالله ما استشارنا في ذلك. فلما رضيتم رضينا وسلمنا. ثم إن عمر جعلها شورى في ستة نفر فاخترتم منهم واحداً، فسلمنا

ص: 448

لكم واتبعناكم. ثم إن الرجل أحدث أحداثاً أنكرتموها فحصرتموه وخلعتموه وقتلتموه وما استشرتمونا في ذلك. ثم بايعتم علي بن أبي طالب وما استشرتمونا في بيعته فرضينا وسلمنا وكنا لكم تبعاً. فوالله ما ندري بماذا نقمتم عليه، هل استأثر بمال أو حكم بغير ما أنزل الله أو أحدث حدثاً منكراً، فحدثونا به نكن معكم. فوالله ما نراكم إلاّ قد ضللتم بخلافتكم له. فقال له ابن الزبير ما أنت وذاك؟ وأراد أهل البصرة أن يثبوا عليه فمنعتهم عشيرته (1).

ينقل الطبري هذه الحادثة ثم يختم بالقول إن عشيرة الرجل منعته ودفعت عنه القتل فلما كان الغد وثبوا عليه وعلى من كان معه فقتلوا سبعين رجلاً (من عشيرته) (2).

هل جزاء من يعترض بالمنطق والدليل القاطع أن يقتل هو وسبعون رجلاً من قبيلته؟ هل جاء قادة الفتنة من أجل إصلاح الأمة أم إهلاك نسلهم؟

لقد سبق أن رأينا في الصفحات الآنفة كيف أجلى قادة الجمل قبيلة حكيم بن جبلة من البصرة بعد أن قتلوه ورفاقه.

ص: 449


1- تاريخ الطبري، ج 3، ص18، حوادث سنة 36 الهجرية دخولهم البصرة والحرب بينهم وبين عثمان بن حنيف؛ الجمل والنصرة لسيد العترة في حرب البصرة، ص 307 ، اعتراض الناس على طلحة.
2- تاريخ الطبري، ج 3، ص18، حوادث سنة 36 الهجرية، دخولهم البصرة والحرب بينهم وبين عثمان

كل هذه المجازر ارتكبوها والحكم لم يكن بأيديهم، فماذا كانوا سيصنعون لو كان الأمر آل إليهم وتمكنوا من رقاب المسلمين!؟ بالمقابل، سنرى الإمام علياً علیه السلام يعفو حتى على من بقي من جيش الجمل وكانوا محاربين له.

يقول الإمام علیه السلام في كلام جميل له ولو أنهما (طلحة والزبير) فعلا ذلكبأبي بكر وعمر لقاتلاهما. ولقد علم من هاهنا من أصحاب محمد صلی الله علیه وآله وسلم أن أبابكر [وعمر لم يرضيا ممن امتنع من بيعة أبي بكر حتى بايع وهو كاره ولم يكونوا بايعوه بعد الأنصار. فما بالي وقد بايعاني طائعين غير مكرهين ولكنهما طمعا مني في ولاية البصرة واليمن. فلما لم أولهما وجاءهما الذي غلب من حبهما للدنيا وحرصهما عليها خفت أن يتخذا عباد الله خولاً ومال المسلمين لأنفسهما . فلما زويت ذلك عنهما وذلك بعد أن جربتهما واحتججت عليهما (نكثا بيعتي وقاما الحربي)(1).

وفي رده على تساؤلات الناس عن سبب قتاله لطلحة والزبير وعما اقترفاه، قال الإمام علیه السلام : قتلوا شيعتي وعمالي وقتلوا أخا ربيعة العبدي رحمة الله عليه في عصابة من المسلمين قالوا: لا ننكث كما نكثتم ولا نغدر كما غدرتم. فوثبوا عليهم فقتلوهم. فسألتهم أن يدفعوا إلي قتلة إخواني أقتلهم

ص: 450


1- کنز العمال في سنن الأقوال والأفعال، ج 16، ص191، خطب علي علیه السلام ومواعظه، الحديث 44216.

بهم ثم كتاب الله حكم بيني وبينهم، فأبوا علي فقاتلوني وفي أعناقهم بيعتي ودماء قريب من ألف رجل من شيعتي، قتلتهم بهم(1).

من دراسة التقارير التاريخية نخرج بالنتيجة التالية وهي أن غاية قادة الجمل كانت القضاء على شيعة الإمام علي علیه السلام وجميع من ثبت على بيعته له. وهذا ما أشار إليه وشجبه الإمام علیه السلام في أكثر من موضع من خطبه. كما عدّ الإمام علیه السلام تعذيب الصحابي الجليل المسن عثمان بن حنيف وقتل السبابجة وحكيم بن جبلة ومطاردة الشيعة وإعدامهم لأتفه الذرائع من أفظع ما ارتكبه أصحاب الجمل(2).

هذا وإنهم لم يكفوا عن مطاردة الشيعة وقتلهم ونهب أموالهم بشتى الذرائع في الأزمنة اللاحقة. يقول ابن كثير الدمشقي في سرده لحوادث سنة 363 الهجرية ووقعت فتنة عظيمة ببغداد بين أهل السنة والرافضة وكلا : الفريقين قليل عقل وعديمه بعيد عن السداد. وذلك أن جماعة من أهل السنة أركبوا امرأة وسموها عائشة وتسمى بعضهم بطلحة وبعضهم بالزبير

ص: 451


1- "فقام إليه أبو بردة بن عوف الأزدي وكان ممن تخلف عنه فقال: يا أمير المؤمنين! أرأيت القتلى حول عائشة والزبير وطلحة، بم قتلوا؟ قال : ......". وقعة صفين، ص4، هو وأبوبردة؛ الفتوح، المجلد الأول، ص499، ابتداء خبر وقعة صفين؛ شرح نهج البلاغة، ج 3، ص 104، أخبار متفرقة، الخطبة 43.
2- "ثم إن أمير المؤمنين علیه السلام قال: فإنهم نكثوا بيعتي وقتلوا شيعتي ونكلوا بعاملي وأخرجوه من البصرة بعد أن آلموه بالضرب المبرح والعقوبة الشديدة وهو شيخ من وجوه الأنصار والفضلاء، ولم يرعوا له حرمة، وقتلوا السبابجة رجالاً صالحين، وقتلوا حكيم بن جبلة ظلماً وعدواناً لغضبه الله تعالى. ثم تتبعوا شيعتي بعد أن ضربوهم وأخذوهم في كل عايبة وتحت كل رابية يضربون أعناقهم صبراً. ما لهم، قاتلهم الله أنى يؤفكون!". الجمل والنصرة لسيد العترة في حرب البصرة، ص334، خطبة أمير المؤمنين علیه السلام في التحريض على القتال.

وقالوا: نقاتل أصحاب علي. فقتل بسبب ذلك من الفريقين خلق كثير وعاث العيارون في البلد فساداً ونهبت الأموال. ثم أخذ جماعة منهم فقتلوا وصلبوا فسكنت الفتنة (1).

ص: 452


1- البداية والنهاية، ج 11، ص 293، ثم دخلت سنة ثلاث وستين وثلاثمائة.

الفصل الثامن مساعي الإمام علي علیه السلام لمنع وقوع الحرب

اشارة

ص: 453

ص: 454

بعد وصول قوات الكوفة إلى ذي قار تحرك الإمام علیه السلام صوب البصرة فأقام بالقرب منها في موضع يقال له الزاوية (1). فصلى فيها أربع ركعات ثم وضع خده على الأرض وبكى حتى ابتل التراب بدموعه ثم رفع يديه بالدعاء وقال: اللهُم رب السماوات وما أظلت والأرضين وما أقلت ورب العرش العظيم هذه البصرة، أسألك من خيرها وأعوذ بك من شرها. اللهُمَّ أنزلنا فيها خير منزل وأنت خير المنزلين. اللهُمَّ إن هؤلاء القوم قد خلعوا طاعتي وبغوا علي ونكثوا بيعتي. اللَّهُمَّ احقن دماء المسلمين (2) .

أقدم الإمام علي علیه السلام على إجراء ستراتيجي الغرض منها إدخال الرعب في قلوب أعدائه والضغط عليهم. فقسّم جيشه إلى قطعات مختلفة يرتدي كل واحد منها زياً خاصاً به ويرفع علماً له بألوان مختلفة. يقول المسعودي عن دخول جيش أمير المؤمنين علیه السلام نقلاً عن المنذر بن الجارود قال: لما قدم علي علیه السلام البصرة دخل مما يلي ،الطف، فأتى الزاوية فخرجتُ أنظر إليه فورد موكب في نحو ألف فارس يتقدمهم فارس على فرس أشهب عليه قلنسوة وثياب بيض متقلد سيفاً ومعه راية. وإذا تيجان القوم الأغلبُ عليها البياضُ والصفرة مدججين في الحديد والسلاح فقلت: من هذا؟ فقيل: هذا أبوأيوب الأنصاري صاحب رسول الله صلی الله علیه وآله وسلم وهؤلاء الأنصار وغيرهم. ثم تلاهم فارس آخر عليه

ص: 455


1- الزاوية موضع قريب من البصرة. معجم البلدان، ج 3، ص 128 ، باب الزاي والألف وما يليهما، لفظ الزاوية.
2- "فساروا حتى نزلوا الموضع المعروف بالزاوية، فصلى أربع ركعات وعفر خديه على التراب وقد خالط ذلك دموعه. ثم رفع يديه يدعو :اللهم ..." . مروج الذهب ومعادن الجوهر، ج2، ص399، قدوم عليّ إلى البصرة.

عمامة صفراء وثياب بيض متقلد سيفاً متنكب قوساً معه راية على فرس أشقر في نحو ألف فارس فقلت: من هذا؟ فقيل: هذا خزيمة بن ثابت الأنصاري ذوالشهادتين. ثم مرّ بنا فارس آخر على فرس کمیت معتم بعمامة صفراء من تحتها قلنسوة بيضاء وعليه قباء أبيض مصقول متقلد سيفاً متنكب قوساً في نحو ألف فارس من الناس ومعه راية. فقلت : من هذا؟ فقيل لي: أبوقتادة بن ربعي. ثم مرّ بنا فارس آخر على فرس أشهب عليه ثياب بيض وعمامة سوداء قد سدلها من بين يديه ومن خلفه، شديد الأدمة عليه سكينة ووقار رافع صوته بقراءة القرآن متقلد سيفاً متنكب قوساً معه راية بيضاء في ألف من الناس مختلفي التيجان حواه مشيخة وكهول وشباب كأنما قد أوقفوا للحساب أثر السجود قد أثر في جباههم. فقلت: من هذا؟ فقيل: عمار بن ياسر في عدة من الصحابة من المهاجرين والأنصار وأبنائهم. ثم مرّ بنا فارس على فرس أشقر عليه ثياب بيض وقلنسوة بيضاء وعمامة صفراء متنكب قوساً متقلد سيفاً تخط رجلاه في الأرض في ألف من الناس الغالب على تيجانهم الصفرة والبياض معه راية صفراء. قلت من هذا؟ قيل هذا قيس بن سعد بن عبادة في عدة من الأنصار وأبنائهم وغيرهم من قحطان. ثم مرّ بنا فارس على فرس أشهل ما رأينا أحسن منه عليه ثياب بيض وعمامة سوداء قد سدلها من بين يديه بلواء. قلت: من هذا؟ قيل: هو عبد الله بن العباس في وفده وعدة من أصحاب رسول الله صلی الله علیه وآله وسلم ... ثم ورد موكب فيه خلق من الناس عليهم السلاح والحديد مختلفو الرايات في أوله راية كبيرة يقدمهم رجل كأنما كُسر وجُبر . قال ابن عائشة : وهذه صفة رجل شديد الساعدين نظره إلى الأرض أكثر من نظره إلى فوق، كذلك تخبر العرب في وصفها إذا

ص: 456

أخبرت عن الرجل أنه كسر وجبر، كأنما على رؤوسهم الطير وعن يمينه شاب حسن الوجه وعن يساره شاب حسن الوجه وبين يديه شاب مثلهما. قلت: من هؤلاء؟ قيل: هذا علي بن أبي طالب وهذان الحسن والحسين عن يمينه وشماله وهذا محمد بن الحنفية بين يديه معه الراية العظمى وهذا الذي خلفه عبدالله بن جعفر بن أبي طالب وهؤلاء ولد عقيل وغيرهم من فتيان بني هاشم وهؤلاء المشايخ هم أهل بدر من المهاجرين والأنصار فساروا حتى نزلوا الموضع المعروف بالزاوية(1).

لقاء الأحنف بن قيس أمير المؤمنين علیه السلام

يقول الطبري نقلاً عن الأحنف بن قيس قال: فبينا أنا كذلك إذ أتاني آت فقال : هذه عائشة وطلحة والزبير قد نزلوا جانب الخربية. فقلت ما جاء ؟ قالوا: أرسلوا إليك يدعونك يستنصرون بك على دم عثمان، فأتاني أفظع أمر أتاني قط، فقلت: إنّ خذلاني هؤلاء ومعهم أم المؤمنين وحواري رسول الله صلی الله علیه وآله وسلم لشديد، وإنّ قتالي رجلاً ابن عم رسول الله صلی الله علیه وآله وسلم قد أمروني ببيعته لشديد. فلما أتيتهم قالوا: جئنا لنستنصر على دم عثمان قتل مظلوماً. فقلت: يا أم المؤمنين! أنشدك بالله أقلت لك من تأمريني به، فقلت: علي. فقلت: أتامريني به وترضينه لي، قلت: نعم؟ قالت: نعم، ولكنه بدل. فقلت: يا زبير يا حواري رسول الله صلی الله علیه وآله وسلم أنشدكما الله أقلت لكما: ما تأمراني، فقلتما: علي.

ص: 457


1- مروج الذهب ومعادن الجوهر، ج 2، ص 396، قدوم علي سلام إلى البصرة.

قلت: أتامراني به وترضيانه لي، فقلتما نعم؟ قالا: نعم، ولكنه بدّل. فقلت: والله لا أقاتلكم ومعكم أم المؤمنين وحواري رسول الله صلی الله علیه وآله وسلم، ولا أقاتل رجلاً ابن عم رسول الله صلی الله علیه وآله وسلم أمر تموني ببيعته. اختاروا مني واحدة من ثلاث خصال؛ إما أن تفتحوا لي الجسر فألحق بأرض الأعاجم حتى يقضي الله عزّ وجلّ من أمره ما قضى أو ألحق بمكة فأكون فيها حتى يقضي الله عزّ وجلّ من أمره ما قضى، أو أعتزل فأكون قريباً. قالوا: إنا نأتمر ثم نرسل إليك. فائتمروا فقالوا: نفتح له الجسر ويخبرهم بأخباركم ليس ذاكم برأي. اجعلوه هاهنا قريباً حيث تطأون على صماخه وتنظرون إليه. فاعتزل بالجلحاء من البصرة على فرسخين فاعتزل معه زهاء على ستة آلاف(1).

أقام الأحنف بن قيس قرب البصرة حتى وصل أمير المؤمنين علیه السلام إليها. فذهب إليه ما إن سمع بوصوله علیه السلام وقال: إن قومنا بالبصرة يزعمون أنك إن ظهرت عليهم غداً قتلت رجالهم وسبيت نساءهم. (فهل هذا صحيح؟)

فقال له الإمام علیه السلام: ما مثلي يُخاف هذا منه. وهل يحل هذا إلا لمن تولى وكفر وهم قوم مسلمون؟ قال (الأحنف): اختر مني واحدة من اثنتين؛ إما أن أقاتل معك وإما أن أكف عنك عشرة آلاف سيف. قال (الإمام علیه السلام): فاكففعنا عشرة آلاف سيف. فرجع إلى الناس ... فلما كان القتال وظفر علي علیه السلام دخلوا في ما دخل فيه الناس وافرين (بايعوا الإمام علیه السلام مع من بايع)(2) .

ص: 458


1- تاريخ الطبري، ج 3، ص 35، حوادث السنة 36 الهجرية، نزول أمير المؤمنين ذاقار.
2- الكامل في التاريخ، ج2، ص 334، حوادث سنة 36 الهجرية، ذكر مسير علي إلى البصرة والوقعة. وبإيجاز في تاريخ الطبري، ج 3، ص 29 ، حوادث سنة 36 الهجرية، نزول أمير المؤمنين ذاقار الفتوح،المجلد الأول، ص 463، ذكر تعبية أهل البصرة للحرب الجمل والنصرة لسيد العترة في حرب البصرة، ص 295، موقف الأحنف؛ الإمامة والسياسة، ج1، ص71، تعبئة الفئتين للقتال.

كان من حق الأحنف بن قيس أن يوجه إلى الإمام علیه السلام السؤال عما إذا كان سيقتل الرجال ويسبي النساء إذا انتصر على جيش البصرة، لأنه سبق لطلحة والزبير أن تلاعبا بالرأي العام وأدخلا سوء الظن لدى الناس في المؤمنين علیه السلام بما نفذاه حملة إعلامية مضادة خلقت جواً عدائياً ضد من الإمام علیه السلام. وهذه التساؤلات ما كانت إلا نتيجة لتلك الدعاية المضادة للإمام علیه السلام.

يقول ابن أبي الحديد نقلاً عن أبي مخنف والواقدي: قال المدائني والواقدي: إن الزبير وطلحة قاما في الناس فقالا: إن علياً إن يظفر فهو فناؤكم يا أهل البصرة. فاحموا حقيقتكم، فإنه لا يبقي حرمة إلاّ انتهكها ولا حريماً إلاّ هتكه ولا ذرية إلا قتلها ولا ذوات خدر إلاّ سباهن. فقاتلوا مقاتلة من يحمي عن حريمه ويختار الموت على الفضيحة يراها في أهله(1) !

إجراءات أمير المؤمنين علیه السلام لمنع وقوع الحرب

كان همّ أمير المؤمنين علیه السلام الأول وشغله الشاغل منذ تخندق قادة الناكثين في مكة ومسيرهم إلى البصرة أن يمنع وقوع الحرب وقتل المسلمين. وعلى هذا الأساس انطلق مسرعاً من المدينة عسى أن يقطع الطريق على

ص: 459


1- شرح نهج البلاغة ، ج1، ص 256 ، من أخبار يوم الجمل أيضاً، الخطبة 13.

الناكثين المتوجهين إلى البصرة ووأد الفتنة في مكانها قبل أن يتمكنوا من زيادة عديد من معهم. ولكنه علیه السلام لم يصل إلى تلك المنطقة إلاّ بعد أن كانوا غادروها. ولو أنه كان وصل إلى هناك قبل ذلك الوقت بقليل وفرّق جمع الناكثين لأخذ التاريخ مساراً مختلفاً.

مع انطلاق جيش الجمل إلى البصرة أيقن الإمام علیه السلام أنهم سينجحون في اجتذاب الكثير من الرجال، لأن البصرة بعيدة جداً عن المدينة والناس فيها يجهلون حيثيات قتل عثمان والبيعة الجماهيرية التي بايع فيها الناس علياً علیه السلام. فضلاً عن اشتمال الجيش على عائشة وهي زوجة النبي صلی الله علهی وآله وسلم وبنت أبي بكر الخليفة الأول وشخصيات بارزة أخرى مثل طلحة والزبير، الأم الذي يضفي على دعواهم مقبولية عالية لدى الكثير من الناس البسطاء. وما لاشك فيه أنه بوصولهم إلى البصرة سيلتف حولهم الكثير من أهل البصرة

لينصروهم.

من جانبه سعى الإمام علیه السلام أن يحشد المزيد من الرجال وذلك بالكتابة إلى أهل الكوفة لكي يكون بمقدوره إخماد نار الحرب في حالة نشوبها. وحين أكمل علیه السلام استعداداته وتحرك من ذي قار نحو البصرة، قام بإجراءات عدة سعياً لإطفاء نار الفتنة ومنعاً لاندلاع القتال. وقعت تلك الإجراءات في ست خطوات:

1 - بعث الرسائل إلى قادة الناكثين

2 - بعث مختلف الرسل إلى قادة الناكثين

ص: 460

3 - التحاور المباشر مع قادة الفتنة

4 - الاستشهاد بالقرآن

5- تقديم النصائح ومواعظ الخير

6 - إلقاء الخطبة من قبله سلام إتماماً أخيراً للحجة

1- بعث الرسائل إلى قادة الناكثين

قبل اندلاع الحرب، حذر أمير المؤمنين علیه السلام قادة الفتنة بالرسائل التي بعث بها إليهم من إشعال الحرب بين المسلمين. ولكن لا أحد منهم أرعاه سمعاً واعياً.

أ - بعث رسالة بيد صعصعة بن صوحان

عندما تحرك الإمام علیه السلام من ذي قار، بعث برسالة بيد صعصعة صوحان إلى طلحة والزبير وعائشة وبخهم فيها على قتلهم المسلمين ومعاملتهم عثمان بن حنيف بدناءة وإعدام جماعة من المسلمين، ووعظهم ودعاهم إلى العودة إلى طاعته.

يقول صعصعة: فقدمت عليهم فبدأت بطلحة وأعطيته الكتاب وأديت الرسالة فقال: الآن حين عضت ابن أبي طالب الحرب ترفق لنا؟ ثم جئت إلى الزبير فوجدته ألين من طلحة. ثم جئت عائشة فوجدتها أسرع الناس إلى الشر فقالت: نعم، قد خرجت للطلب بدم عثمان. والله لأفعلن وأفعلن. فعدت إلى أمير المؤمنين علیه السلام فلقيه ( هكذا ، وربما لقيته: م) قبل أن يدخل

ص: 461

البصرة فقال: ما وراءك يا صعصعة؟ قلت: يا أمير المؤمنين رأيت قوماً ما يريدون إلاّ قتالك (1).

ب - رسالة خاصة إلى طلحة والزبير

ثم كتب الإمام علیه السلام رسالة خاصة إلى طلحة والزبير قال لهما فيها: أما بعد، فقد علمتما، وإن كتمتما أني لم أرد الناس حتى أرادوني ولم أبايعهم حتى بايعوني وإنكما ممن أرادني وبايعني. وإن العامة لم تبايعني لسلطان غالب ولا لعرض حاضر. فإن كنتما بايعتماني طائعين فارجعا وتوبا إلى الله من قريب. وإن كنتما بايعتماني كارهين فقد جعلتما لي عليكما السبيل بإظهاركما الطاعة وإسراركما المعصية. ولعمري، ما كنتما بأحق من المهاجرين بالتقية والكتمان. وإن دفعكما هذا الأمر من قبل أن تدخلا فيه كان أوسع عليكما من خروجكما منه بعد إقراركما به. وقد زعمتما أني قتلت عثمان، فبيني وبينكما من تخلف عني وعنكما من أهل المدينة ثم يلزم كل

ص: 462


1- ولما سار أميرالمؤمنين علیه السلام من ذي قار قدم صعصعة بن صوحان بكتاب علي علیه السلام إلى طلحة والزبير وعائشة يعظم عليهم حرمة الإسلام ويخوفهم فيما صنعوه وقبيح ما ارتكبوه من قتل من قتلوا من المسلمين وما صنعوا بصاحب رسول الله صلی الله علیه وآله وسلم عثمان بن حنيف رحمة الله وقتلهم المسلمين صبراً، ووعظهم ودعاهم إلى الطاعة. قال صعصعة الله رحمة الله: ....". الجمل والنصرة لسيد العترة في حرب البصرة، ص313، في نصيحة أمير المؤمنين علیه السلام لأصحاب الجمل.

امرئ بقدر ما احتمل. فارجعا أيها الشيخان عن رأيكما فإن الآن أعظم أمركما العار من قبل أن يجتمع العار والنار(1).

فأجابه طلحة والزبير : إنك سرت مسيراً له ما بعده ولست راجعاً وفي نفسك منه حاجة، فامض لأمرك . أما أنت فلست راضياً دون دخولنا في طاعتك ولسنا بداخلين فيها أبداً، فاقض ما أنت قاض(2).

يقول ابن أعثم في تقريره أن حبيب بن يساف الأنصاري أنشد بعد هذه الرسالة يقول:

أبا حسن أيقظت من كان*** وماكل من يدعى إلى الحق*** وما كل من يعطى الرضا يقبل*** وما كل من أعطيته الحق يقنع*** وأنت امرؤ أعطيت من كل*** محاسنها والله يعطي ويمنع*** وما منك بالأمر المؤلم غلظة*** وما فيك للمرء المخالف مطمع*** وإن رجالاً بايعوك وخالفوا*** هداك وأجروا في الضلال*** لأهل لتجريد الصوارم فيهم*** وسمر العوالي والقنا تتزعزع*** فإني لأرجو أن تدور عليهم*** رحى الموت حتى يسكنوا*** وطلحة فيها والزبير قرينه*** وليس لما لا يدفع الله مدفع

ص: 463


1- نهج البلاغة ، ص 420، الرسالة 54؛ الإمامة والسياسة، ج1، ص70 ، تعبئة الفئتين للقتال؛ الفتوح المجلد الأول، ص 468، ذكر الكتاب الذي كتب علي إلى طلحة والزبير؛ مناقب آل أبي طالب، ج3، ص 152 ، في حرب الجمل.
2- الفتوح، المجلد الأول، ص 468، ذكر الكتاب الذي كتب علي إلى طلحة والزبير؛ الإمامة والسياسة، ج1، ص71، تعبئة الفئتين للقتال.

فإن يمضيا للحرب أضيق*** وإن يرجعا عن تلك فالسلم*** وما بايعوه كارهين لبيعة*** وما بسطت منهم على الكره*** ولا بطيا عنها فراقاً ولا بدا ***لهم أحد بعد الذين تجمعوا*** على نقضها ممن له شد عقدها*** فقصاهما منه مصانع أربع*** خروج بأم المؤمنين وغدرهم*** وعتب على من كان في القلب ***وذكرهم قتل ابن عفان ***وهم قتلوه والمخادع أخدع*** فعود على نبعة هاشمية ***وعودهما فيما هما فيه (1)

وفقاً لما نقله ابن قتيبة الدينوري فإن الإمام علیه السلام، فضلاً عما تقدم، خاطب في رسالته طلحة والزبير: وزعمتما أني آويت قتلة عثمان. فهؤلاء بنو عثمان، فليدخلوا في طاعتي ثم يخاصموا إليّ قتلة أبيهم. وما أنتما وعثمان إن كان قتل ظالماً أو مظلوماً؟؟ وقد بايعتماني وأنتما بين خصلتين قبيحتين؛ نكث بيعتكما وإخراجكما أمكما (2).

ص: 464


1- الجمل والنصرة لسيد العترة في حرب البصرة، ص 332، خطبة أمير المؤمنين علیه السلام؛ الفتوح، المجلد الأول، ص 469، ذكر كتاب عائشة إلى علي. يُذكر أن الشيخ المفيد أورد هذه الأبيات بعد خطبة الإمام علیه السلام.
2- الإمامة والسياسة، ج1، ص70، تعبئة الفئتين للقتال.

تفيد بعض التقارير بأن هذه الرسالة حملها عمران بن الحصين إلى طلحة والزبير (1).

لقد ردّ أمير المؤمنين علیه السلام في مجمل رسائله جميع الذرائع والشبهات والإشكالات التي كان يتعكز عليها طلحة والزبير. وفي النهاية عرض على قادة الجمل ثلاثة مقترحات:

1- المقترح الأول قوله علیه السلام: رغم البيعة الاختيارية والجماهيرية التي حظيت بها ورغم نكثكما الصريح لها، فإني لا أمانع تحكيم فئة محايدة من أهل المدينة في تحديد دور كل واحد منا في قتل عثمان.

فهل كان أمير المؤمنين علیه السلام ليقدم مثل هذا المقترح لو كان له دور في قتل عثمان؟

فلماذا قدّم الإمام علیه السلام هذا المقترح رغم ما تمتع به من بيعة جماهيرية اختيارية لم يحظ بها حتى الخلفاء السابقون له؟ ألم يكن دافعه الوحيد إلى ذلك سعيه الحثيث لإلقاء الحجة ومنع الاقتتال وهداية طلحة والزبير وإعادتهما إلى أصل البيعة؟

لماذا لم يرحب طلحة والزبير بمقترح الإمام علیه السلام؟ إذا كان همهما الاقتصاص من قتلة عثمان وكانا يجرمان الإمام علياً علیه السلام بقتله، فلماذا لم

ص: 465


1- " ومن كتاب له علیه السلام إلى طلحة والزبير مع عمران بن الحصين الخزاعي". شرح نهج البلاغة، ج17، ص131، من كتاب له علیه السلام إلى طلحة والزبير مع عمران بن الحصين الخزاعي.

ينتهزا هذه الفرصة ويستغلاها أحسن استغلال لإثبات صحة الاتهام بحق الإمام علیه السلام دون إراقة دماء؟

هل كان طلحة والزبير مذعورين من قبول المقترح؟ يبدو أنهما كانا على يقين من أن قبولهما بأية محكمة للفصل في قضية مقتل عثمان سيفضي في النهاية إلى توجيه أصابع الاتهام إليهما. ولهذا السبب رفضا المقترح.

2- المقترح الثاني هو أن الإمام علیه السلام اطلب منهما العودة إلى البيعة ثم يرفع أبناء عثمان شكوى قتل أبيهم إليه فيتابعها.

3- المقترح الثالث أن يعودا إلى البيعة ويتوبا مما فعلاه قبل فوات الأوان. وفي هذه الحالة سيكون عليهما تحمل العار وحده. أما إذا فوتا الفرصة فسيجتمع عليهما عار الدنيا وعذاب الآخرة.

حاول الإمام علیه السلام بهذا المقترح أن يُفهمهما أن العقل الإنساني والمنطق يقضيان بأن دفع الضرر من أي جهة كان منفعة. ولكن طلحة والزبير رفضا جميع ما اقترحه الإمام علیه السلام لأنهما كانا يعلمان بأنهما المسبب الرئيس لقتل عثمان .

ج - إرسال رسالة خاصة إلى عائشة

كذلك كتب أمير المؤمنين علیه السلام رسالة إلى عائشة قبل اندلاع حرب الجمل، تناول فيها سبع نقاط هامة أدانها بها وردّ جميع دعاواها وشبهاتها. قال الإمام علیه السلام في تلك الرسالة: أما بعد فإنك:

ص: 466

1 - قد خرجت من بيتك عاصية الله تعالى ولرسوله محمد صلی الله علیه وآله وسلم

2 - تطلبين أمراً كان عنك موضوعاً

3 - ثم نزعمين أنك تريدين الإصلاح بين المسلمين. (فما علاقة النساء بإصلاح الناس؟ )

4 - فأخبريني، ما للنساء وقود العساكر والإصلاح بين الناس؟

5- ولعمري، إن الذي عرضك للبلاء وحملك على المعصية لأعظم إليك ذنباً من قتلة عثمان.

6 - فطلبت زعمت بدم عثمان وعثمان رجل من بني أمية وأنت امرأة من بني تيم.

7- ما غضبت (لعثمان) حتى أغضبت ( الناس منه وحرضتهم على قتله وقلت: اقتلوا نعثلاً فقد كفر) ولا هجت حتى هيجت (وتنهضين اليوم للطلب بدمه!).

ص: 467

فاتقي الله يا عائشة وارجعي إلى منزلك وأسبلي عليك بسترك

فاتقي الله يا عائشة وارجعي إلى منزلك وأسبلي عليك بسترك (1)!

على أن عائشة لم يكن منها، إزاء ما طرحه الإمام علیه السلام من نقاط، غير طأطأة الرأس. لذا اقتصر جوابها له على عبارة موجزة تقول: جلّ الأمر عن العتا(2).

لقد لفت الإمام علیه السلام في رسالته هذه نظر عائشة إلى مواقفها المتناقضة وأنهاها بإدانتها. فقد قال لها تلميحاً: إذا كنتِ تدعين إصلاح الأمة فلماذا تجيشين الجيوش؟ فالأمران لا يجتمعان !

إذا كنت تدّعين الإصلاح بين المسلمين فلماذا قتلت جماعة من الشيعة ومن موظفي الدولة الأبرياء؟ إن هذا الادعاء لا ينسجم مع قتل نحو ألف مسلم في بداية احتلال البصرة !

ولست صادقة في الطلب بدم عثمان أولاً لأنك لست من عشيرته، وثانياً لأنك أنت من حرّض الناس على قتله. إذن، فادعاؤك الطلب بدمه لا يتفق مع هذين الأمرين. اللهم إلاّ أن يكون الطلب بالدم مجرد ذريعة لتحقيق غايات أخرى!

ص: 468


1- "قال: ثم كتب إلى عائشة: أما بعد ......". الفتوح، المجلد الأول، ص 468، ذكر كتاب علي إلى عائشة؛ تذكرة الخواص من الأمة بذكر خصائص الأئمة، ج1، ص 374 ، الباب الثالث: خلافة أمير المؤمنين علیه السلام وما جرى عند مسير أمير المؤمنين علي علیه السلام إلى البصرة ووقعة الجمل.
2- وكتبت عائشة: جلّ الأمر عن العتاب". الإمامة والسياسة، ج1، ص71، تعبئة الفئتين للقتال.

فضلاً عن أن ادّعاء الإصلاح والطلب بدم عثمان ليس من واجباتك ولست مكلفة به ولا علاقة له بك، فلماذا تصرين عليه؟

عدا أن جميع ادعاءاتك، كالطلب ادعاءاتك، كالطلب بدم عثمان وإصلاح الأمة، لا تتفق مع خروجك من بيتك. فإذا كان الله أمرك بأن تقري في بيتك، فكيف تدعين بأنك تبغين الإصلاح؟

2- بعث مختلف الرسل إلى قادة الناكثين

إضافة إلى إرسال الرسائل إلى رؤوس الفتنة، قام الإمام بإرسال عدد من الرسل إليهم عسى أن يمنع بهم وقوع الحرب.

أ - إرسال القعقاع بن عمرو للتباحث مع الناكثين

عندما وصل المجاهدون الكوفيون إلى ذي قار، دعا الإمام علیه السلام الصحابي القعقاع بن عمرو (1) وكلفه بمهمة خاصة وأمره بالذهاب إلى البصرة

ص: 469


1- بعض المحققين، كالعلامة السيد جعفر مرتضى العاملي والعلامة العسكري، يعتبرون القعقاع من الشخصيات الوهمية المصطنعة. ففي كتابه القیم "صد و پنجاه صحابی ساختگی" (مائة وخمسون صحابياً مصطنعاً)، يتناول العلامة العسكري جميع مراحل حياة القعقاع بن عمرو ويستعرض الوثائق المتعلقة بها ويتوصل إلى أن هذه الشخصية اصطنعتها مساعي سيف بن عمر الكذاب. يوضح العلاّمة العسكري بتحليلاته أن جميع ما قيل عن القعقاع بن عمرو من نسب وحسب وحياة في زمن النبي صلی الله علیه وآله وسلم وباقي الخلفاء كله مروي عن سيف بن عمر ، ولا وجود لأي سند آخر في هذا المجال. واللافت للنظر أن الرواة الذين يروي عنهم سيف بن عمر حول القعقاع بن عمرو ليس لهم وجود خارجي وكلهم مختلقون من صنع خياله. أما ما ننقله من سفارته من جانب الإمام علیه السلام إلى البصرة للتباحث مع قادة الجمل فهو فقط من باب إقرار الطرف المقابل بهذه النقطة. للمزيد من الاطلاع، راجع: صد و پنجاه صحابی ساختگی (مائة وخمسون صحابياً مصطنعاً)، ص 129 - 270 ، تحليل شخصية القعقاع بن عمرو التميمي والصحيح من سيرة الإمام علي ، ج 33، ص 111 - 166، حديث القعقاع من أكاذيب سيف.

ودعوة طلحة والزبير إلى بخطورة الفرقة الألفة والوحدة وتذكيرهم والاختلاف.

ثم سأل الإمامُ القعقاع عما سيرد به على نقاط قد يطرحونها مما لم يأمره به فقال :القعقاع: أقول لهم ما أمرتني به وإذا سألوني عن أشياء لا أعرف رأيك فيها، نظرت فيها بدقة وأعطيتهم رأيي.

ذهب القعقاع إلى البصرة فتوجه من فوره إلى عائشة فسلم عليها وقال لها: أي أمه! ما أشخصك وما أقدمك هذه البلدة؟ قالت: أي بني! إصلاح بين الناس. قال: فابعثي إلى طلحة والزبير حتى تسمعي كلامي وكلامهما. فبعثت إليهما فجاءا، فقال (القعقاع ): إني سألت أم المؤمنين ما أشخصها وأقدمها هذه البلاد، فقالت: إصلاح بين الناس فما تقولان أنتما، أمتابعان أم مخالفان؟ قالا: متابعان قال: فأخبراني ما وجه هذا الإصلاح؟ فوالله لئن عرفناه لنصلحن وائن أنكرناه لا نصلح. قالا: قتلة عثمان، فإن هذا إن تُرك كان تركاً للقرآن وإن عُمل به كان إحياءً للقرآن. فقال: قد قتلتما قتلة عثمان من أهل البصرة وأنتم قبل قتلهم أقرب إلى الاستقامة منكم اليوم. (إن قتل قتلة عثمان لا ينفع في شيء ولا يحل المشكلة) قتلتم ستمائة إلاّ رجلاً فغضب لهم ستة آلاف واعتزلوكم وخرجوا من بين أظهركم . فقالت أم المؤمنين فتقول أنت ماذا؟ أقول هذا الأمر دواؤه التسكين، وإذا سكن اختلجوا. فإن أنتم بايعتمونا فعلامة خير وتباشير رحمة ودرك بثأر هذا الرجل وعافية وسلامة

ص: 470

لهذه الأمة. وإن أنتم أبيتم إلاّ مكابرة هذا الأمر واعتسافه كانت علامة شر وذهاب هذا الثأر وبعثة الله في هذه الأمة هزاهزها. فآثروا العافية تُرزقوها وكونوا مفاتيح الخير كما كنتم تكونون ولا تعرضونا للبلاء ولا تعرضوا له فيصرعنا وإياكم. وأيم الله إني لا أقول هذا وأدعوكم إليه وإني لخائف ألا يام حتى يأخذ الله عزّ وجلّ حاجته من هذه الأمة التي قلّ متاعها ونزل بها ما نزل. فإن هذا الأمر الذي حدث أمر ليس يقدر وليس كالأمور ولا كقتل الرجل الرجل ولا النفر الرجل ولا القبيلة الرجل. فقالوا: نعم، إذا (هكذا، وربما إذن: م) قد أحسنت وأصبت المقالة. فارجع، فإن قدم علي وهو على مثل رأيك صلح هذا الأمر. فرجع إلى علي فأعجبه ذلك وأشرف القوم على الصلح(1).

ب - إرسال عبد الله بن عباس للتباحث مع الناكثين

من الرسل الذين بعث بهم أمير المؤمنين علیه السلام إلى قادة الفتنة لردهم عنها وإعادتهم إلى البيعة عبد الله بن عباس. فبعد الردود الرافضة التي تلقاها الإمام علیه السلام من عائشة وطلحة والزبير على رسائله، أرسل أمير المؤمنين علیه السلام

ص: 471


1- "فلما نزلوا على ذي قار دعا القعقاع بن عمرو فأرسله إلى أهل البصرة وقال له: الق هذين الرجلين يا ابن الحنظلية، وكان القعقاع من أصحاب النبي صلی الله علیه وآله وسلم ، فادعهما إلى الألفة والجماعة وعظم عليهما الفرقة. وقال له: كيف أنت صانع فيما جاءك منهما مما ليس عندك فيه وصاة مني؟ فقال: نلقاهم بالذي أمرت به، فإذا جاء منهما أمر ليس عندنا منك فيه رأي اجتهدنا الرأي وكلمناهم على قدر ما نسمع ونرى أنه ينبغي. قال: أنت لها. فخرج القعقاع حتى قدم البصرة فبدأ بعائشة فسلم عليها وقال .......". تاريخ الطبري، ج 3، ص 29، حوادث سنة 36 الهجرية، نزول أمير المؤمنين ذاقار؛ الكامل في التاريخ، ج2، ص330، حوادث سنة 36 الهجرية، ذكر مسير علي إلى البصرة والوقعة.

إليهم عبد الله ن عباس لإتمام الحجة عليهم ومنع وقوع الحرب ولتذكيرهم ببيعته التي في أعناقهم ودعوتهم إلى الطاعة. يقول عبد الله بن عباس في تقريره عن تلك البعثة: جئتهم فبدأت بطلحة فذكرته العهد فقال لي: يا ابن عباس والله لقد بايعت علياً واللج على رقبتي. فقلت له: أنا رأيتك بايعت طائعاً. أولم يقل لك على بيعتك له: إن أحببت أبايعك، فقلت: لا بل نحن نبايعك؟ فقال طلحة إنما قال لي ذلك وقد بايعه قوم فلم أستطع خلافهم. والله يا ابن عباس إن القوم الذين معه يغرونه وقد لقيناه وسيسلمونه. أما عملت يا ابن عباس أني جئت إليه والزبير ولنا من الصحبة ما لنا مع رسول الله والقدم في الإسلام وقد أحاط به الناس قياماً على رأسه بالسيف فقال لنا يهزل: إن أحببتما بايعت لكما. فلو قلنا نعم، أفتراه يفعل وقد بايعه الناس له فليخلع نفسه ويبايعنا؟ لا والله ما كان يفعل، وحتى يغري بنا من لا يرى لنا حرمة. فبايعناه كارهين. وقد جئنا نطلب بدم عثمان، فقل لابن عمك: إن كان يريد حقن الدماء وإصلاح أمر الأمة فليمكنا من قتلة عثمان فهم معه ويخلع نفسه ويرد الأمر ليكون شورى بين المسلمين فيولوا من شاؤوا. فإنما علي علیه السلام رجل كأحدنا، وإن أبى أعطيناه السيف. فما له عندنا غير هذا. قال ابن عباس: يا أبا محمد لست تنصف ألم تعلم أنك حصرت عثمان حتى مكث عشرة أيام يشرب ماء بئره وتمنعه من شرب الماء حتى كلمك علي في أن الماء له وأنت تأبى ذلك. ولما رأى أهل مصر فعلك وأنت صاحب رسول الله صلی الله علیه وآله وسلم دخلوا عليه بسلاحهم فقتلوه. ثم بايع الناس رجلاً له من السابقة والفضل والقرابة رسول الله صلی الله علیه وآله وسلم والبلاء العظيم ما لا يدفع. وجئت أنت وصاحبك طائعين غير مكرهين حتى بايعتما ثم نكثتما. فعجب والله إقرارك

ص: 472

لأبي بكر وعمر وعثمان بالبيعة ووثوبك على علي بن أبي طالب! فوالله ما علي علیه السلام دون أحد منكم. وأما قولك يمكنني من قتلة عثمان، فما يخفى عليك من قتل عثمان. وأما قولك: إن أبى علي فالسيف، فوالله إنك تعلم أن علياً لا يتخوف. فقال طلحة إيها الآن، دعنا من جدالك قال: فخرجت إلى علي وقد دخل البيوت بالبصرة، فقال: ما وراءك؟ فأخبرته الخبر(1).

ج - إرسال عبد الله بن عباس لمقابلة عائشة

بعد فشل مباحثات عبد الله بن عباس مع طلحة، بعثه الإمام علیه السلام للتباحث مع عائشة وقال له: ارجع إلى عائشة واذكر لها خروجها من بيت رسول الله وخوفها من الخلاف على الله عزّ وجلّ ونبذها عهد النبي صلی الله علیه وآله وسلم وقل لها: إن هذه الأمور لا تصلحها النساء، وإنك لم تؤمري بذلك فلم ترضي بالخروج عن أمر الله في تبرجك وبيتك الذي أمرك النبي بالمقام فيه حتى سرت إلى البصرة فقتلت المسلمين وعمدت إلى عمالي فأخرجتهم، وفتحت بيت المال، وأمرت بالتنكيل بالمسلمين وأبحت دماء الصالحين. فارعي وراقبي الله عزّ وجلّ. فقد تعلمين أنك كنت أشد الناس على عثمان فما عدا مما بدا؟ قال ابن عباس: فلما جئتها وأديت الرسالة إليها وقرأت كتاب علي علیه السلام عليها، قالت: يا ابن عباس! ابن عمك يرى أنه قد تملك البلاد. لا والله ما بيده منها شيء إلاّ وبيدنا أكثر منه. فقلت: يا أماه! إن أمير المؤمنين علیه السلام له

ص: 473


1- الجمل والنصرة لسيد العترة في حرب البصرة ، ص314، ابن عباس وطلحة.

فضل وسابقة في الإسلام وعظم عناء. قالت: ألا تذكر طلحة وعناءه يوم أحد؟ قال: فقلت لها: والله ما نعلم أحداً أعظم عناء من علي علیه السلام . قالت: أنت تقول هذا ومع علی أشياء كثيرة؟ (فيه عيوب كثيرة) قلت: الله الله في دماء المسلمين قالت وأي دم يكون للمسلمين إلاّ أن يكون علي يقتل نفسه ومن معه؟ قال ابن عباس فتبسمت فقالت مما تضحك يا ابن عباس؟

فقلت: والله معه قوم على بصيرة من أمرهم يبذلون مهجهم دونه. قالت: حسبنا الله ونعم الوكيل(1).

لحظة تفحص وتفكير

النقطة الأولى: يفيد هذا التقرير التاريخي بأن أمير المؤمنين علیه السلام نسب إلى عائشة كل الأحداث السيئة والأيام السوداء التي سبقت الجمل وهجوم أصحاب الفتنة على البصرة وتعذيب المسلمين وقتلهم واستباحة دماء الصالحين وإخراج عماله واقتحام بيت المال ونهب ما فيه. وهذا دليل على دور عائشة الأساسي وبالغ الأهمية في خلق الفتنة.

النقطة الثانية: إن عائشة كانت تنكر تضحيات الإمام علیه السلام وما بذله من جهد جبار في حروب صدر الإسلام، بحيث أنها بمجرد أن سمعت ابن عباس

ص: 474


1- "ثم قال: ارجع .....". الجمل والنصرة لسيد العترة في حرب البصرة، ص316، ابن عباس وعائشة.

يذكرها بها اتخذت موقفاً مضاداً وأشارت إلى تضحيات طلحة في معركة أحد مساويةً بين تضحيات الرجلين.

النقطة الثالثة: الأعجب من كل العجائب أن عائشة تنسب إلى أمير المؤمنين علیه السلام عيوباً كثيرة!

النقطة الرابعة على عائشة أن تثبت أن علياً تباهى بالسيطرة على المدن

كما تدعي. وهل تسيطر هي ورفاقها على مدينة إسلامية غير البصرة، فتدعي أنهم يسيطرون على مدن أكثر من تلك التي بحوزة الإمام علیه السلام؟ وهل كان قصدها بهذا القول تهديد أمير المؤمنين علیه السلام؟

النقطة الخامسة : لماذا تقارن عائشة بين تضحيات الإمام علیه السلام في معركة أحد وتضحيات طلحة فيها؟ أفلم يكن طلحة من الفارين وأمير المؤمنين علیه السلام ثابت على الدفاع عن النبي صلی الله علیه وآله وسلم ؟ ألا تذكر كتب أهل السنة أن الإصابات التي أصيب بها الإمام علیه السلام في غزوة أحد بلغت ستة عشرة إصابة وأنه كلما سقط على الأرض رفعه جبريل (1)؟

هل تصدى طلحة المبارزة؟ أم أنه فرّ هارباً لا يلوي على شيء، ثم أخذ يتشدق بجرح صغير أصاب طرف إصبعه واعتبر نفسه معاقاً من جرحى الحرب!؟

ص: 475


1- عن سعيد بن المسيب قال: لقد أصاب علياً يوم أحد ست عشرة ضربة كل ضربة تلزمه الأرض. فما كان يرفعه إلاّ جبريل علیه السلام ". أسد الغابة في معرفة الصحابة، ج 4، ص 93، ترجمة علي بن أبي طالب، الرقم 3789.

ألم يرو عبد الله بن مسعود أن جميع الصحابة فرّوا في أحد إلاّ علي بن أبي طالب فقد ثبت يحامي عن رسول الله، وأن أول العائدين من الفرار أبودجانة وسهل بن حنيف وعاصم بن ثابت وطلحة بن عبيدالله(1)؟

سياسة تشويه صورة الإمام علي علیه السلام

لابد من الإشارة إلى أن السقيفة عملت على الحط من شخصية أمير المؤمنين علیه السلام ليوفروا جدارة بخصومه الخلافة النبي صلی الله علیه وآله وسلم. ثم انتهجوا قاعدة "علي رجل من الناس وليس أكثر من مواطن" وألحوا في تطبيقها واختلقوا الروايات لإثباتها وغرسها في أذهان الأجيال. ومن أجل هذا روى أهل السنة وأتباع السلفية رواية عن عبد الله بن عمر تفيد بأن "علياً هو رجل من الناس".

قال عبد الله بن عمر: كنا نخير بين الناس في زمن النبي صلی الله علیه وآله وسلم فنخير أبا بكر ثم عمر بن الخطاب ثم عثمان بن عفان. وقال: كنا في زمن النبي صلی الله علیه وآله وسلم نعدل بأبي بكر أحداً ثم عمر ثم عثمان ثم نترك أصحاب النبي صلی الله علیه وآله وسلم لا

ص: 476


1- "قلت لابن مسعود: انهزم الناس عن رسول الله حتى لم سيق معه إلاّ علي بن أبي طالب علیه السلام وأبودجانة وسهل بن حنيف؟ قال: انهزم الناس إلا على بن أبي طالب وحده وثاب إلى رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم نفر وكان أولهم عاصم بن ثابت وأبودجانة وسهل بن حنيف ولحقهم طلحة بن عبيدالله". الإرشاد في معرفة حجج الله على العباد، ج1، ص 83، غزوة أحد واستشهاد حمزة علیه السلام.

نفاضل بينهم. كنا نعد ورسول الله صلی الله علیه وآله وسلم الحي وأصحابه متوافرون أبوبكر وعمر وعثمان ثم نسكت (1).

لقد ورد هذا الموضوع في المصادر الروائية لأهل السنة عن عبد الله بن عمر بعبارات مختلفة واتخذها جماعة من علمائهم مبنى لأفضلية أبي بكر وعمر وعثمان على الإمام علي علیه السلام وإثبات خلافتهم. والحال إنه يمثل رأياً شخصیاً لعبد الله بن عمر فضلاً فضلاً عن وجود رواة ضعاف وشاميين من أعداء أهل البيت في سند الرواية، بدليل عدم انسجامها مع الروايات والمباني الأخرى لأهل السنة الذين ردوها أو أوّلوها أو برروها ونقدوها. يقول هارون بن إسحق نقلاً عن يحيى بن معين: من قال: أبوبكر وعمر وعثمان وعلي وعرف لعلي سابقته وفضله فهو صاحب سنة. ومن قال: أبوبكر وعمر وعلي وعثمان وعرف لعثمان سابقته وفضله فهو صاحب سنة. فذكرت له هؤلاء الذين يقولون: أبوبكر وعمر وعثمان ويسكتون، فتكلم فيهم بكلام غلیظ (2).

ويقول ابن عبدالبر بعد أن ينقل كلام يحيى بن معين: لأن القائل بذلك قد قال بخلاف ما اجتمع عليه أهل السنة من السلف والخلف من أهل الفقه

ص: 477


1- صحيح البخاري، ص731، كتاب فضائل أصحاب النبي صلی الله علیه وآله وسلم ، الباب الرابع، باب فضل أبي بكر بعد النبي صلی الله علیه وآله وسلم ، الحديث 3655؛ صحيح البخاري، ص 740، كتاب فضائل أصحاب النبي صلی الله علیه وآله وسلم ، الباب السابع، باب مناقب عثمان بن عفان الحديث 3698 المسند، ج2، ص 14، مسند عبد الله بن عمر.
2- الاستيعاب في معرفة الأصحاب، ج3، ص213، ترجمة علي بن أبي طالب، الرقم 1875؛ فتح الباري بشرح صحيح البخاري، ج 7، ص 20 ، كتاب فضائل الصحابة، الباب الرابع، باب فضل أبي بكر، الحديث 3655 .

والأثر أن علياً أفضل الناس بعد عثمان. وهذا مما لم يختلفوا فيه، وإنما اختلفوا في تفضيل علي وعثمان(1).

على أن بعض علماء أهل السنة ذكروا مطالب في تبرير أو تأويل أو رد كلام عبد الله بن عمر بسبب الإشكالات الواردة عليه، لا نتطرق إليها تفادياً للإطالة (2).

د - إرسال عبد الله بن عباس للقاء الزبير

كذلك، أمر أمير المؤمنين عبد الله بن عباس بلقاء الزبير وأن يحرص على أن يتم ذلك في غياب ابنه عبد الله. وبعد محاولات عدة نجح ابن عباس أخيراً في مقابلة الزبير وحده. قالعبد الله بن عباس عن ذلك اللقاء: وقد كان أمير المؤمنين أوصاني أن ألقى الزبير وإن قدرت أن أكلمه وابنه ليس بحاضر. فجئت مرة أو مرتين كل ذلك أجده عنده ثم جئت مرة أخرى فلم أجده عنده، فدخلت عليه وأمر الزبير مولاه سرجسا أن يجلس على الباب ويحبس عنا الناس. فجعلت أكلمه فقال : عصيتم إن خولفتم. والله لتعلمن عاقبة ابن عمك. فعلمت أن الرجل مغضب فجعلت الاينه فيلين مرة ويشتد أخرى. فلما سمع سرجسا ذلك أنفذ إلى عبد الله بن الزبير وكان عند طلحة فدعاه فأقبل سريعاً حتى دخل علينا، فقال: يا ابن عباس! دع بنيات الطريق (الواضحات)، بيننا وبينكم عهد خليفة ودم خليفة وانفراد واحد واجتماع

ص: 478


1- الاستيعاب في معرفة الأصحاب، ج3، ص 214، ترجمة علي بن أبي طالب، الرقم 1875.
2- الاستيعاب في معرفة الأصحاب، ج3، ص 214 ، ترجمة علي بن أبي طالب، الرقم 1875.

ثلاثة وأم ميرورة ومشاورة العامة. فأمسكت ساعة لا أكلمه، ثم قلت: لو أردت أن أقول لقلت. فقال ابن الزبير ولم تؤخر ذلك وقد لحم الأمر وبلغ السيل الزبي؟ (قال ابن عباس ) فقلت: أما قولك عهد خليفة فإن عمر جعل الشورى إلى ستة نفر فجعل النفر أمرهم إلى رجل منهم يختار لهم منهم ويخرج نفسه منها. فعرض الأمر على على فحلف عثمان وأبى عليّ أن يحلف فبويع عثمان، فهذا عهد خليفة. وأما دم خليفة فدمه عند أبيك لا يخرج أبوك من خصلتين؛ إما قتل وإما خذل. وأما الانفراد واجتماع ثلاثة، فإن الناس لما قتلوا عثمان فزعوا إلى علي فبايعوه طوعاً وتركوا أباك وصاحبه ولم يرضوا بواحد منهما. وأما قولك أن معكم أماً مبرورة، فإن هذه الأم أنتما أخرجتماها من بيتها وقد أمرها الله تعالى أن تقر فيه. فأبيت أن تدعها وقد علمت أنت وأبوك أن النبي صلی الله علیه وآله وسلم حذرها من الخروج وقال لها: يا حميراء! إياك أن تنبحك كلاب الحوأب ، وكان منها ما قد رأيت. وأما دعواك مشاورة العامة، فكيف يشاور فيمن قد اجتمع عليه؟ وأنت تعلم أن أباك وطلحة بايعا طائعين غير كارهين. فقال ابن الزبير: الباطل والله ما تقول يا ابن عباس. وقد سئل عبد الرحمن بن عوف عن أصحاب الشورى فكان صاحبكم أخيبهم عنده، وما أدخله عمر في الشورى إلا وهو يقرفه ولكنه خاف فتقه في الإسلام. وأما قتل خليفة فصاحبك كتب إلى الآفاق حتى قدموا عليه ثم قتلوه وهو في داره بلسانه ويده وأنا معه في الدار أقاتل دونه حتى جرحت بضعة عشر جرحاً. وأما قولك إن علياً بايعه الناس طائعين، فوالله ما بايعوه إلا كارهين والسيف على رقابهم غصبهم أمره. فقال الزبير : دع عنك ما ترى يا ابن عباس! جئتنا لتوفينا. (فقال ابن عباس): أنتم طلبتم هذا والله ما

ص: 479

عددناك إلاّ منا بنوهاشم ( هكذا : (م) لأنهم أخوالك ومحبتهم لك حتى إدراك ابنك هذا فقطع أرحامهم. فقال الزبير: دع عنك هذا(1)(2) !

كذلك، يتحدث ابن عبدربه الأندلسي بإيجاز عن لقاء عبد الله بن عباس والزبير، فيقول: لما قدم علي بن أبي طالب البصرة قال لابن عباس: ائت الزبير ولا تأت طلحة، فإن الزبير ألين. وأنت تجد طلحة كالثور عاقصاً بقرنه يركب الصعوبة ويقول: هي أسهل فأقرئه السلام وقل له: يقول لك ابن خالك: عرفتني بالحجاز وأنكرتني بالعراق! فما عدا مما بدا؟ قال ابن عباس: فأتيته فأبلغته فقال: قل له بيننا وبينك عهد خليفة ودم خليفة واجتماع ثلاثة (طلحة والزبير وعائشة) وانفراد واحد (علي بن أبي طالب) وأم مبرورة ومشاورة العشيرة ونشر المصاحف نحل ما أحلت ونحرم ما حرمت (3).

کان عبدالله بن عباس يقول للزبير: أين صفية بنت عبد المطلب (فتنظر إليك) حيث تقاتل علي بن أبي طالب بن عبد المطلب (4)؟

روي عن الصادق علیه السلام عن أبيه (الباقر علیه السلام) عن جده (زين العابدين علیه السلام ) قال: سألت ابن عباس عن تلك الرسالة (رسالة أمير المؤمنين إلى طلحة

ص: 480


1- للمزيد من الاطلاع، راجع بخارى وناصبی گری" (البخاري والنصب)، ص315، تحلیل کلام عبد الله بن عمر ونقده.
2- الجمل والنصرة لسيد العترة في حرب البصرة، ص317، ابن عباس والزبير. پ
3- العقد الفريد، ج 4، ص 314، العسجدة الثانية في الخلفاء وتواريخهم وأخبارهم، يوم الجمل.
4- "عن ابن عباس أنه أتى الزبير فقال: ......". تاريخ دمشق الكبير، ج20، ص298، ترجمة الزبير بن العوام، الرقم 2242.

والزبير) فقال: بعثني فأتيت الزبير فقلت له، فقال: إني أريد ما تريد، كأنه يقول الملك. ولم يزدني على ذلك. فرجعت إلى أمير المؤمنين فأخبرته (1).

يلتفت ابن عساكر إلى نقطة غاية في الأهمية تتعلق بلقاء عبد الله بن عباس والزبير وهي الدخول في الحرب من أجل تحقيق مطامع دنيوية. يقول نقلاً عن ابن عباس : قال ( لي) علي: ائت الزبير فقل له: نشدتك الله قد باعتني طائعاً غير مكره، فما الذي أحدثت فاستحللت به قتالي؟ فقال الزبير مع الخوف شدة المطامع(2).

ملاحظات على رسالة الإمام علیه السلام إلى الزبير

حسب هذا التقرير فإن الإمام وضع يده على تحليل نفسي دقيق لشخصيتي طلحة والزبير.

الملاحظة الأولى: أن الإمام علیه السلام أوصى عبد الله بن عباس أن لا يأتي الزبير إلاّ في غياب ابنه عبد الله. هذا الأمر يبين أن الإمام علیه السلام كان يدرك جيداً الدور التخريبي والتأثير السلبي الذي كان لعبد الله بن الزبير على أبيه.

ص: 481


1- بحار الأنوار الجامعة لدرر أخبار الأئمة الأطهار، ج 32 ، ص 76 ، الباب الأول باب بيعة أمير المؤمنين علیه السلام وما جرى بعدها من نكث الناكثين إلى غزوة الجمل، الحديث 49.
2- "حدثني ابن عباس قال : ......". تاريخ دمشق الكبير ، ج20، ص 300 ، ترجمة الزبير بن العوام، الرقم 2242 .

الملاحظة الثانية في تشخيصه لشخصية الزبير، يقول الإمام إنه ألين من طلحة، ويصف طلحة بالثور الوحشي متشابك القرون المتحفز للقتال. كأن الإمام علیه السلام أراد أن يُفهم ابن عباس أن يراهن على مباحثاته مع الزبير أكثر لأنه ألين وأقرب إلى تقبل الحقيقة. أما طلحة بالمقابل، فيُصم سمعه عن صوت الحقيقة. لأنه راكب مركب الهوى والهوس وقد أعمى عينيه عن مقترحات الإصلاح حب محاربة الإمام علیه السلام. وكان يحدّ قرنيه للقتال معرضاً تماماً عن مقالة خصمه.

الملاحظة الثالثة: أنه لما أيس عبد الله بن الزبير من القدرة على إثبات مشاركة أمير المؤمنين علیه السلام في قتل عثمان لم يجد سوى اتهامه بإرسال رسالة إلى أهالي الأطراف تحرضهم على عثمان والادعاء بأنها هي، وليس سيفه، التي كانت السبب في قتله. ولا يخفى أن هذا الادعاء كذب محض وليس هناك من التقارير التاريخية ما يؤيده. ولعل عبد الله بن الزبير اشتبه عليه الرسالة التحريضية التي أرسلها طلحة إلى أهل مصر يؤلبهم على عثمان. على أن عبد الله بن الزبير لم يكن ليتورع عن اختلاق الكذب لتبرير الفتنة التي جنّد نفسه لإثارتها بعد أن يئس من إنكار حقيقة أن الإمام علياً علیه السلام لم يكن حاضراً في المدينة عند مقتل عثمان.

الملاحظة الرابعة: أن الإمام علیه السلام استعمل عبارات جميلة وواضحة لهداية الزبير وإنقاذه. فقد بدأ رسالته بالتحية والسلام وخاطب الزبير بابن الخالة ساعياً إلى تنقية الأجواء من حقد الزبير وضغينته وإدخاله في جو من المحبة والتسامح راجياً إنقاذه من الهلاك.

ص: 482

الملاحظة الخامسة: أنه بقوله مخاطباً الزبير "عرفتني بالحجاز وأنكرتني بالعراق" سعى الإمام علیه السلام إلى دفع الزبير إلى التفكر فيما حدث له وأحدث فيه كل ذلك التغيير من المدينة إلى البصرة.

تحليل كلام الزبير ونقده

لابد من سؤال الزبير : هل إن مجرد وجود عائشة إلى جانبك يعني أنکم على الحق وأن أمير المؤمنين علیه السلام على الباطل؟

بالمناسبة، ما دور العامة في الخلافة؟ وما الذي عناه الزبير بالتشاور مع العامة؟ هل هو التشاور مع قريش أم بني هاشم أم مع عامة الناس؟

ألا تعتبر بيعة الناس لأمير المؤمنين علیه السلام يوم الغدير ثم بيعتهم له بعد مقتل عثمان بيعة عامة وتعبيراً عن الرأي العام؟

هل حظي ادّعاء الزبير بحكم القرآن بتأييد عموم الناس؟ كيف يتوافق ادّعاء الزبير تحكيم القرآن مع ما سنراه من معاملة وحشية من جانبهم لحَملة القرآن؟

كيف جاز لمن يدّعي تحكيم القرآن إصدار أمر قتل مسلم بن مجاشع عندما عرض عليهم تحكيم القرآن؟ ألم يقطعوا يده اليمنى التي كان يحمل بها المصحف الشريف؟ ألم يقطعوا يده اليسرى؟ ألم يجعلوا صدره غرضاً لسهامهم؟ هل تنسجم أفعالكم الشنيعة هذه مع ادّعائكم تحكيم القرآن؟

ص: 483

لقد ادّعيتم أنكم تحرمون كل ما حرّمه علي علیه السلام وتحللون كل ما أحل علي علیه السلام. فيا حضرة الزبير! إن أمير المؤمنين علیه السلام يحرم نكث بيعة خليفة المسلمين، فهل تحرمه أنت أيضاً؟؟

أمير المؤمنين علیه السلام يحرم هتك حرمة زوجة النبي، وأنتم هتكتموها باستدراجها إلى ميدان القتال والانخراط بين الرجال والخروج من البيت الذي أمرها الله بلزومه. وأمير المؤمنين علیه السلام يحرّم المساس ببيت المال، وأنتم اقتحمتموه بعد قتل حراسه ونهبتم موجوداته.

لاشك أن أمير المؤمنين علیه السلام يحرم الكذب ، وأنتم كذبتم على عائشة في قضية الحوأب لكي لا تنصرف عن المشروع الذي أشركتموها فيه ثم كذبتم بقولكم أنكم بايعتم الإمام علیه السلام بالإكراه وبالقوة، والجميع يعلم أنكم بايعتموه طائعين مختارين.. وأكاذيب كثيرة أخرى!

أمير المؤمنين علیه السلام يحرّم نقض العهد مع الآخرين. فإذا كنتم تحرمون ذلك أيضاً كما تزعمون، فلماذا نقضتم عهدكم لعثمان بن حنيف وجعلتموه تحت أقدامكم!؟

أمير المؤمنين علیه السلام يحرّم قتل موظفي الدولة في أثناء أداء الواجب وحرّاس بيت المال وغيرهم. فإذا كنتم تحرّمون ذلك أيضاً، فلماذا قمتم بتقتيلهم في البصرة!؟

ص: 484

هل يبيح أمير المؤمنين علیه السلام تعذيب صحابة رسول الله صلی الله علیه وآله وسلم ؟ فإذا كان الجواب بالنفي، فلماذا عذبتم عثمان بن حنيف أبشع تعذيب بعد اعتقاله ثم أفتيتم بقتله؟

ه- إرسال زيد بن صوحان وعبد الله بن عباس إلى عائشة

في مبادرة أخرى، استدعى أمير المؤمنين علیه السلام زيد بن صوحان وعبد الله بن عباس فقال لهما امضيا إلى عائشة فقولا لها: ألم يأمرك الله تبارك وتعالى أن تقري في بيتك؟ فخدعت وانخدعت واستنفرت فنفرت، فاتقي الله الذي إليه مرجعك ومعادك وتوبي إليه فإنه يقبل التوبة عن عباده، ولا يحملنك قرابة طلحة وحب عبد الله بن الزبير على الأعمال التي تسعى بك إلى النار. قال (الراوي): فانطلقا إليها وبلغاها رسالة علي علیه السلام فقالت عائشة: ما أنا برادة عليكم شيئاً فإني أعلم أني لا طاقة لي بحجج علي بن أبي طالب. (فقال ابن عباس: لا طاقة لك بحجج المخلوق فكيف طاقتك بحجج الخالق؟)(1)فرجعا إليه وأخبراه (2).

يفيد ابن أعثم الكوفي بأن علياً علیه السلام بعد أن سمع جواب عائشة المخيّب للآمال، جمع الناس فقام فيهم خاطباً فقال: أيها الناس! إني قد ناشدت هؤلاء القوم كيما يرجعوا ويرتدعوا فلم يفعلوا ولم يستجيبوا. وقد بعثوا إلي ّأن أبرز

ص: 485


1- "وأنفذ أمير المؤمنين علیه السلام زيد بن صوحان وعبد الله بن عباس فوعظاها وخوفاها ... أنها قالت: لا طاقة لي بحجج علي. فقال ابن عباس : .....". مناقب آل أبي طالب، ج3، ص153، في حرب الجمل.
2- "فلما كان من الغد دعا علي زيد بن صوحان وعبد الله بن عباس فقال لهما : ....". الفتوح، المجلد الأول، ص 471، ذكر رسالة علي إلى عائشة.

إلى الطعان وأثبت للجلاد، وقد كنت وما أهدد بالحروب ولا أدعى إليها (ولا أدعو إليها، حسب فهم المؤلف: م). وقد أنصف القارة من راماها. ولعمري لئن أبرقوا وأرعدوا فقد عرفوني ورأوني. ألا وإن الموت لا يفوته المقيم ولا يُعجزه الهارب، ومن لم يمت يقتل. وإن أفضل الموت القتل. والذي نفس علي بيده، لألف ضربة بالسيف أهون علي من موتة على الفراش. ثم رفع يده إلى السماء عبيدالله وهو يقول: اللهُمَّ إن طلحة بن عبيد الله أعطاني صفقة بيمينه طائعاً ثم نكث بيعته. اللهم فعاجله ولا تميطه. اللهم إن الزبير بن العوام قطع قرابتي ونكث عهدي وظاهر عدوي ونصب الحرب وهو يعلم أنه ظالم، فاكفنيه كيف شئت وأنى شئت (1)!

3-الدعوة إلى تحكيم القرآن

بعد أن أتم الإمام علیه السلام الحجة على خصومه بإرسال مختلف الرسائل وشتى الرسل، ولو يلق منهم إلاّ كل رفض للعودة إلى البيعة وترك الحرب، أرسل عبد الله بن عباس ومسلم المجاشعي إلى ساحة القتال يحملان المصحف ليستدلا ويستشهدا به .

أ - إرسال عبد الله بن عباس بالقرآن إلى الناكثين

يقول الشيخ المفيد عن إرسال أمير المؤمنين علیه السلام عبدالله بن عباس حاملاً القرآن إلى الناكثين: ثم إن أمير المؤمنين علیه السلام نادى في الناس: لا

ص: 486


1- "ثم جمع علي علیه السلام الناس فخطبهم خطبة بليغة وقال : ...". الفتوح، المجلد الأول، ص 472، ذكر رسالة على إلى عائشة.

تعجلوا حتى أعذر إلى القوم. ودعا عبد الله بن عباس فأعطاه المصحف وقال: امض بهذا المصحف إلى طلحة والزبير وعائشة وادعهم إلى ما فيه وقل لطلحة والزبير: ألم تبايعاني مختارين؟ فما الذي دعاكما إلى نكث بيعتي؟ وهذا كتاب بيني وبينكما. قال عبد الله بن عباس فبدأت بالزبير وكان عندي أبقاهما علينا، وكلمته في الرجوع وقلت له: إن أمير المؤمنين علیه السلام يقول لك: ألم تبايعني طائعاً؟ فبم تستحل قتالي؟ وهذا المصحف وما فيه بيني وبينك. فإن شئت تحاكمنا إليه. قال: ارجع إلى صاحبك فإنا بايعنا كارهين وما لي حاجة في محاكمته فانصرفت عنه إلى طلحة والناس يشتدون والمصحف في يدي، فوجدته قد لبس الدرع وهو محتبي (هكذا، وربما محتب: م) بحمائل سيفه ودابته .واقفة. فقلت له: إن أمير المؤمنين يقول لك: ما حملك عل الخروج وبما استحللت نقض بيعتي والعهد عليك؟ قال: خرجت أطلب بدم عثمان. أيظن ابن عمك أنه قد حوى على الكوفة وقد والله كتبت إلى المدينة يؤخذ لي بمكة. فقلت له: اتق الله يا طلحة فإنه ليس لك أن تطلب بدم عثمان وولده أولى بدمه منك. هذا أبان بن عثمان ما ينهض في طلب دم أبيه. قال طلحة: نحن أقوى على ذلك منه قتله ابن عمك وابتز أمرنا. فقلت له: أذكرك الله في المسلمين وفي دمائهم وهذا المصحف بيننا وبينكم. والله ما أنصفتم رسول الله إذ حبستم نساءكم في بيوتكم وأخرجتم حبيسة رسول الله. فأعرض عني ونادى بأصحابه: ناجزوا القوم فإنكم لا تقومون لحجاج ابن أبي طالب فقلت يا أبا محمد أبالسيف تخوف ابن أبي طالب؟ أما والله ليعاجلنك بالسيف. فقال: ذلك بيننا وبينكم . قال (ابن عباس): فانصرفت عنهما إلى عائشة وهي في هودج وقد دفف بالدروع على جملها عسكر وكعب

ص: 487

بن سور القاضي آخذ بخطامه وحولها الأزد وضبة. فلما رأتني قالت: ما الذي جاء بك با ابن عباس؟ والله لا سمعت منك شيئاً. ارجع إلى صاحبك وقل له: ما بيننا وبينك إلا السيف وصاح من حولها: ارجع يا ابن عباس لئلا يسفك دمك (1)!

ب - إرسال مسلم المجاشعي بالمصحف إلى الناكثين

من الحجج التي ألقاها الإمام علیه السلام على أصحاب الجمل إرساله مسلم المجاشعي إليهم معه المصحف. يقول الشيخ المفيد في وصف هذه الواقعة الأليمة على لسان عبد الله بن عباس : فرجعت إلى أمير المؤمنين علیه السلام فأخبرته الخبر :وقلت ما تنتظر والله لا يعطيك القوم إلا السيف فاحمل عليهم قبل أن يحملوا عليك. فقال علیه السلام: نستظهر بالله عليهم. قال ابن عباس: فوالله ما رمت من مكاني حتى طلع علي نشابهم كأنه جراد منتشر. فقلت: ما ترى يا أمير المؤمنين إلى ما يصنع القوم، مرنا ندفعهم. فقال: حتى أعذر إليهم ثانية. ثم قال: من يأخذ هذا المصحف فيدعوهم إليه وهو مقتول وأنا ضامن له على الله الجنة؟ فلم يقم أحد إلاّ غلام عليه قباء أبيض حدث السن من بني عبدالقيس يقال له مسلم كأني أراه، فقال: أنا أعرضه يا أمير المؤمنين عليهم وقد احتسبت نفسي عند الله. فأعرض عنه إشفاقاً ونادى ثانية: من يأخذ هذا المصحف ويعرضه على القوم وليعلم أنه مقتول وله الجنة؟ فقال مسلم بعينه: أنا أعرضه. ونادى ثالثة ولم يقم غير الفتى. فدفع المصحف إليه وقال:

ص: 488


1- "قال: ثم إن أمير المؤمنين علیه السلام نادى في الناس ....". الجمل والنصرة لسيد العترة في حرب البصرة، ص 336، إعذار أمير المؤمنين علیه السلام لأصحاب الجمل.

امض إليهم واعرضه عليهم إلى ما فيه! فأقبل الغلام حتى وقف بإزاء الصفوف ونشر المصحف وقال: هذا كتاب الله وأمير المؤمنين يدعوكم إلى ما فيه. فقالت عائشة: اشجروه بالرماح فقبحه الله فتبادروا إليه بالرماح فطعنوه من كل جانب وكانت أمه حاضرة فصاحت وطرحت نفسها عليه وجرته من موضعه ولحقها جماعة من عسكر أمير المؤمنين علیه السلام أعانوها على حمله حتى طرحته بين يدي أمير المؤمنين وهي تبكي وتقول:

يا رب إن مسلماً دعاهم ***يتلو كتاب الله لا يخشاهم*** فخضبوا من دمه قناهم*** وأمهم قائمة تراهم تأمرهم بالقتل لا تنهاهم(1)

أما ابن أعثم الكوفي فيورد تفاصيل أكثر عن هذه الحادثة الأليمة. يقول: وجعل أهل البصرة يرمون أصحاب علي بالنبل حتى عقروا منهم جماعة. فقالت الناس: يا أمير المؤمنين إنه قد عقرتنا نبالهم فما انتظارك؟ فقال علي علیه السلام: اللهُمَّ إني قد أعذرت وأنذرت فكن لي عليهم من المساعدين. (قال): ثم دعا عليّ بالدرع فأفرغه عليه وتقلد بسيفه واعتجر بعمامته واستوى على بغلة رسول الله صلی الله علیه وآله وسلم ثم دعا بالمصحف فأخذ (هكذا: م) بيده ثم قال: أيها الناس !من يأخذ هذا المصحف فيدعو هؤلاء القوم إلى ما فيه؟ (قال): فوثب غلام يقال له مسلم عليه قباء أبيض فقال: أنا آخذه يا أمير المؤمنين فقال له علي: إن يدك اليمنى تُقطع فتأخذه باليسرى فتقطع، ثم تضرب عليه بالسيف حتى تُقتل فقال الفتى: لا صبر لي على ذلك. (قال): فنادى علي الثانية

ص: 489


1- الجمل والنصرة لسيد العترة في حرب البصرة ، ص339، تكرار الاعتذار.

والمصحف في يده، فقام إليه ذلك الفتى وقال أنا آخذه يا أمير المؤمنين فهذا قليل في ذات الله. ثم أخذ الفتى المصحف وانطلق به إليهم فقال : يا هؤلاء! هذا كتاب الله عزّ وجلّ بيننا وبينكم. (قال): فضرب رجل من أصحاب الجمل يده اليمنى فقطعها، فأخذ المصحف بشماله فقطعها، فاحتضن المصحف بصدره، فضرب على صدره حتى قتل رحمه الله (1).

حسب ما ينقله الديلمي والعلامة المجلسي فإن مسلم المجاشعي قال بعد أن أعاد الإمام علیه السلام نداءه: والله يا أمير المؤمنين ما شيء أحب إلي من أن أرزق الشهادة بين يديك وأن أقتل في طاعتك (2). فأعطاه أمير المؤمنين علیه السلام المصحف فتوجه به نحو معسكرهم فنظر إليه أمير المؤمنين فقال: إن الفتى ممن حشا الله قلبه نوراً وإيماناً، وهو مقتول. ولقد أشفقت عليه من ذلك ولن يفلح القوم بعد قتلهم إياه... فشدوا عليه فقتلوه ووقع ميتاً فقطعوه إرباً إرباً ولقد رأينا شحم بطنه أصفر. (قال): وأمير المؤمنين علیه السلام مواقف يراهم، فأقبل على أصحابه وقال إني والله ما كنت في شك ولا لبس من ضلالة القوم وباطلهم، ولكن أحببت أن يتبين لكم جميعاً ذلك من بعد قتلهم الرجل الصالح حكيم بن جبلة العبدي في رجال صالحين معه ووثوبهم

ص: 490


1- بحار الأنوار الجامعة لدرر أخبار الأئمة الأطهار، ج 28، ص112 ، الباب الثالث: تمهيد غصب الخلافة وقصة الصحيفة الملعونة نقلاً عن إرشاد القلوب المنجي من عمل به من أليم العقاب، ج2، ص 208 ، خبر حذيفة بن اليمان من تآمر القوم ونكثهم البيعة وتخلفهم عن جيش أسامة.
2- بحار الأنوار الجامعة لدرر أخبار الأئمة الأطهار، ج 28 ، ص 112 ، الباب الثالث: تمهيد غصب الخلافة وقصة الصحيفة الملعونة نقلاً عن إرشاد القلوب المنجي من عمل به من أليم العقاب، ج2، ص208، خبر حذيفة بن اليمان من تآمر القوم ونكثهم البيعة وتخلفهم عن جيش أسامة.

بهذا الفتى وهو يدعوهم إلى كتاب الله والحكم به والعمل بموجبه فثاروا إليه فقتلوه لا يرتاب بقتلهم إياه مسلم (1).

أما البلاذري، فقبل أن ينقل حادثة مسلم المجاشعي، ينقل حادثة مشابهة وقعت لرجل من عبدالقيس. يقول: وأمر على رجلاً من عبدالقيس أن يرفع مصحفاً، فرفعه وقام بين الصفين فقال: أدعوكم إلى ما فيه، أدعوكم إلى ترك التفرق وذكر نعمة الله عليكم في الألفة والجماعة. فرمي بالنبل حتى مات. ويقال بل قطعت [ ربما سقطت كلمة يداه م] فأخذه بأسنانه فرمي حتى قتل. فقال علي: هذا وقت الضراب.

ويقول البيهقي إن هذه الحادثة وقعت لأكثر من شخص على مدى أيام، قتلهم أصحاب الجمل جميعاً(2).

ص: 491


1- أنساب الأشراف، ج3، ص37، وقعة الجمل.
2- "فاجتمعوا بالبصرة فقال على علیه السلام : من يأخذ المصحف ثم يقول لهم: ماذا تنقمون تريقون دماءنا ودماء كم؟ فقال رجل: أنا يا أمير المؤمنين. فقال: إنك مقتول قال: لا أبالي. قال: خذ المصحف. قال: فذهب إليهم فقتلوه ثم قال من الغد مثل ما قال بالأمس فقال رجل : أنا. قال: إنك مقتول كما قتل صاحبك. قال: لا أبالي. قال: فذهب فقُتل. ثم قتل آخر كل يوم واحد. فقال علي علیه السلام: قد حلّ لكم قتالهم الآن. السنن الكبرى، ج 12، ص 349 كتاب قتال أهل البغى، باب لا يبدأ الخوارج بالقتال..، الحديث 17213 .

مسلم المجاشعي ثمرة إحياء الغدير

هناك حكاية بديعة عن مسلم المجاشعي نجدها بين سطور التاريخ تقدم جواباً على التساؤلات التي قد تخطر بالبال عن التضحية الفذة التي قدمها هذا الشاب في حرب الجمل . على سبيل المثال:

• كيف تشرّب روح هذا الفتى المدائني بهذه الدرجة من التضحية والفداء حتى أصبح كل أمله طاعة الإمام علیه السلام والاستشهاد بين يديه؟

• ما هي العقيدة التي أثمرت هذا الإيمان القوي بحيث أنه مع علمه بمقتله إذا تقدم إلى ما بين الصفوف كان أول المجيبين لنداء الإمام علیه السلام في كل مرة؟

هل كان رأى أهل بيت النبوة وشخص أمير المؤمنين علیه السلام عن كثب لسنوات طويلة فأسره حب الإمام حتى فقد الإحساس بالخطر وحب الحياة من أجله؟

هل كان من رواة الحديث فاكتسب المعرفة الواسعة من سماع الأحاديث والفضائل الكثيرة لأمير المؤمنين علیه السلام؟

• كيف ظهر نور الإيمان في قلب هذا الفتى حتى شهد له به أمير المؤمنين علیه السلام نفسه؟

يقول العلاّمة المجلسي عن حياة هذا الشاب الإيراني أنه لما آلت الخلافة إلى عثمان ألغى أمر النبي صلی الله علیه وآله وسلم بطرد الحكم بن أبي العاص وأجاره وابنيه مروان والحارث وأعادهم من منفاهم إلى المدينة. كما قام بتعيين عماله على

ص: 492

المدن المختلفة من أقربائه. فأصبح عمر بن سفران بن المغير بن أبي العاص بن أمية والياً على مُشكان والحارث بن الحكم والياً على المدائن.

اتسمت سياسة الحارث بن الحكم في المدائن خلال مدة ولايته عليها بالشدة والتضييق على الناس وسوء معاملتهم. وفي السنوات الأخيرة من حكم عثمان ذهب وفد من المدائن ليشكو أمر الحارث لدى عثمان وإطلاعه على سوء معاملته وشدته.

لما سمع عثمان شكاوى أهل المدائن قام بإبدال الحارث بحذيفة بن اليمان فتولى حكمها حتى مقتل عثمان. ولما تولى أمير المؤمنين علیه السلام الخلافة أبقى على حذيفة والياً للمدائن وبعث إليه برسالتين.

في رسالته الأولى، التي كانت تخص حذيفة نفسه، أوضح الإمام علیه السلام لحذيفة واجباته الشرعية وطريقة تحصيل الضرائب وإسناد الوظائف إلى المتدينين والوثوقين من الناس ورعاية تقوى الله وانتهاج المرونة والعدالة في الرعية. وأوصاه بأن لا يخشى لومة لائم في الالتزام بهذه القواعد.

وفي رسالته الثانية، التي كانت موجهة إلى الناس، أشار الإمام علیه السلام إلى مقتل عثمان بسبب المخالفات التي ارتكبها فأسخطت الناس منه وإلى البيعة الجماهيرية التي حظي بها الإمام علیه السلام بعد مقتل عثمان. وأوضح أن سياسته قائمة على العمل بكتاب الله وسنة النبي وإقامة الحق في الناس والاهتمام بشؤونهم. وأمر حذيفة بن اليمان بأن يُطلع الناس على مضمون الرسالة.

ص: 493

بعد أن استلم حذيفة رسالة الإمام علیه السلام، صعد المنبر عملاً بتوصية الإمام علیه السلام، فحمد الله وأثنى عليه وصلى على نبيه وآله، ثم قال: إنما وليكم الله ورسوله وأمير المؤمنين حقاً حقاً وخير من نعلمه بعد نبينا محمد رسول الله وأولى الناس بالناس وأحقهم بالأمر وأقربهم إلى الصدق وأرشدهم إلى العدل وأهداهم سبيلاً وأدناهم إلى الله وسيلة وأمسهم برسول الله صلی الله علیه وآله وسلم رحماً. أنيبوا إلى طاعة أول الناس سلماً وأكثرهم علماً وأقصدهم طريقاً وأسبقهم إيماناً وأحسنهم يقيناً وأكثرهم معروفاً وأقدمهم جهاداً وأعزهم مقاماً أخي رسول الله وابن عمه وأبي الحسن والحسين وزوج الزهراء البتول سيدة نساء العالمين... فلما استتمت البيعة قام إليه فتى من أبناء العجم يقال له مسلم متقلداً سيفاً فناداه من أقصى الناس: أيها الأمير! إنا سمعناك تقول: إنما وليكم الله ورسوله وأمير المؤمنين حقاً حقاً تعريضاً بم- بمن كان قبله من الخلفاء أنهم لم يكونوا أمراء المؤمنين حقاً فعرفنا ذلك أيها الأمير رحمك الله ولا تكتمنا فإنك ممن شاهد وعاين... فقال حذيفة: أيها الرجل أما إذا سألت وفحصت هكذا، فاسمع وافهم ما أخبرك به! أما من تقدم من الخلفاء قبل علي بن أبي طالب علیه السلام ممن تَسمى أمير المؤمنين فإنهم تسموا بذلك فسماهم الناس بذلك. وأما علي بن أبي طالب علیه السلام فإن جبرئيل علیه السلام سماه بهذا الاسم عن الله تعالی وشهد له رسول الله صلی الله علیه وآله وسلم عن سلام جبرئيلله بإمرة المومنین.

ثم أوضح حذيفة لمسلم المجاشعي مراسيم السلام على أمير المؤمنين وردة فعل المنافقين ضد هذه الفضيلة الكبرى التي اختصه الله بها.

ص: 494

كما تطرق حذيفة بن اليمان في حديثه إلى دور عائشة وحفصة في البوح بأسرار النبي وقال أن النبي صیلی الله علیه وآله وسلم كان يناجي علياً علیه السلام يوماً وكان يوم عائشة بنت لم أبي بكر فقالت عائشة للنبي: يا رسول الله أطلت مناجاة علي؟

فأعرض عنها النبي فأعادت سؤالها، فألمح النبي إلى وصاية علي علیه السلام وقال: أمرت بأن أدعو الناس إلى على بن أبي طالب وستعلمين ذلك حين أعلنه على الناس.

فلم تلبث عائشة أن أفشت هذا الهبر الذي أسرها به النبي فأخبرت به حفصة فأخبر كل واحدة منهما أباها.

فاجتمعوا ودعوا الطلقاء والمنافقين فأخبروهم الخبر. ثم قالوا لبعضهم: يريد محمد أن يجعل أمر الخلافة في بيته كما يفعل كسرى وقيصر. كلا والله إن أخذها علي بن أبي طالب لم تبق لكم هناءة في عيش. ففكروا في الأمر ملياً وانظروا ما أنتم فاعلون فأخبر الله رسوله بما فعلت عائشة وحفصة.

ثم شرح حذيفة بن اليمان لمسلم المجاشعي قصة الغدير وتآمر المنافقين لقتل النبي في عقبة "هرشا" وأخبره بأسماء المنافقين الأربعة عشر وقال له إنالنبي صلی الله علیه وآله وسلم وهو الذي أنبأه بأسمائهم.

ثم حدثه عن الصحيفة الملعونة ومضمونها وشرح له بالتفصيل ما قام به الأعداء لتنفيذ بودها بعد وفاة النبي صلی الله علیه وآله وسلم ثم قال أنه لما ثم قال أنه لما رجع النبي من الحج توجه كعادته إلى بيت أم سلمة. ولكنه هذه المرة أقام فيه شهراً ولم يذهب إلى بيوت سائر زوجاته كما كان يفعل . فشكت عائشة وحفصة إلى أبويهما ما فعله

ص: 495

النبي. فقال أبوبكر وعمر أنهما يعلمان سبب ما فعله النبي، وأمرا ابنتيهما بأن يذهبا إلى النبي ويكلماه بكلام ليّن ليستميلاه.

فذهبت عائشة إلى النبي وحدها فوجدته مع علي في دار أم سلمة. فسألها النبي: ما الذي جاء بك إلى هنا يا حميراء؟ فقالت عائشة: لم لم تأت إلى بيتك بعد عودتك من السفر؟ لعلك غاضب مني !؟

فقال لها النبي: لم يُحتِ بالسر الذي أمرتك بأن تكتميه؟ بعملك هذا، أهلكت نفسك وأهلكت جماعة من الناس ثم أمر خادم [خادمة] أم سلمة بأن يدعو [تدعو] نساءه إلى بيت أم سلمة.

لما حضرت زوجات النبي قال صلی الله علیه وآله وسلم : اسمعن ما أقول! وأشار بيده إلى علي بن أبي طالب علیه السلام وقال: إنه أخي ووصي وبيده أموركن من بعدي. فأطعنه بما يقول ولا تعصينه فتهلكن!

ثم قال لأمير المؤمنين علیه السلام: يا علي! إني أستودعك أزواجي. فحافظ عليهن ما أطعن الله ورسوله وأطعنك وأنفق عليهن من مالك! فإن عصينك فطلقهن!

فقال علي علیه السلام: يا رسول الله! إنهن نساء ضعيفات الرأي. فقال رسول الله : اعمل على مداراتهن ما كانت في المداراة منفعة لهن، ومن عصت فطلقها!

لما سمع مسلم المجاشعي بمرارة ماضي الخلافة وحلاوة بداية حكم أمير المؤمنين الحقيقي، توجه من المدائن إلى المدينة. والتحق بأمير المؤمنين علیه السلام في

ص: 496

طريقه من المدينة إلى العراق لحرب الجمل. وكان مسلم أول شهيد من جيش أمير المؤمنين في تلك الحرب.

هذه الحكاية تنم عن أن مسلم المجاشعي كان ثمرة من ثمار إحياء واقعة الغدير من قبل أصحاب رسول الله. فبعد أن كان يؤيد السقيفة ويعتبر خلفاءها خلفاء رسول الله بحق أدرك على يد حذيفة بن اليمان عمق الفاجعة وعظم الانحراف فتولد لديه إيمان جعله أول شهيد بين يدي أمير المؤمنين علیه السلام وهو في ريعان الشباب.

على أن جوانب مختلفة من هذه الرواية تؤيدها عشرات الروايات الأخرى الواردة من المصادر الشيعية والسنية. ولكننا تحاشينا الدخول في تفاصيلها تفادياً للإطالة(1).

ص: 497


1- "لما استخلف عثمان بن عفان وجّه عماله في الأمصار ... والحارث بن الحكم إلى المدائن فأقام فيها مدة يتعسف أهلها ويسيء معاملتهم. فوفد منهم إلى عثمان وفد شكوا إليه وأعلموه بسوء ما يعاملهم به وأغلظوا عليه في القول. فولى حذيفة بن اليمان عليهم وذلك في آخر أيامه فلم ينصرف حذيفة بن اليمان من المدائن إلى أن قتل عثمان واستخلف علي بن أبي طالب علیه السلام فأقام حذيفة عليها وكتب إليه ... فلما وصل عهد أمير المؤمنين علیه السلام إلى حذيفة جمع الناس فصلى بهم ثم أمر بالكتاب فقرئ عليهم ... فأنا استهدي الله بهدا هو أستعينه على التقوى. ألا وإن لكم علينا العمل بكتاب الله وسنة نبيه والقيام بحقه وإحياء سنته والنصح لكم بالمغيبة والمشهد، وبالله نستعين على ذلك ... ثم إن حذيفة صعد المنبر ... إنما وليكم ....". بحار الأنوار الجامعة لدرر أخبار الأئمة الأطهار، ج28، ص 112، الباب الثالث : تمهيد غصب الخلافة وقصة الصحيفة الملعونة نقلاً عن إرشاد القلوب المنجي من عمل به من أليم العقاب، ج 2، ص 208 ، خبر حذيفة بن اليمان من تآمر القوم ونكثهم البيعة وتخلفهم عن جيش أسامة. للمزيد من الاطلاع في هذا المجال، راجع کتاب "بلندترینداستان غدير" [أطول قصة عن الغدير] تأليف محمد باقر أنصاري !

4-مباحثات أمير المؤمنين علیه السلام المباشرة مع رؤوس الفتنة

من الإجراءات الوقائية التي قام بها الإمام علیه السلام في سبيل هداية أصحاب الفتنة الاتصال المباشر بهم بغية إعادتهم إلى رشدهم وإلى بيعته.

أ - التباحث مع عائشة

يقول الهيثمي: ثم جاء فوارس أربعة فهتف بهم رجل منهم قال: تقول :عائشة ابن أبي طالب ورب الكعبة سلوه ما يريد! قالوا: من أنت؟ قال: أنا علي بن أبي طالب. قالت: سلوه ما يريد قال : أنشدك بالله الذي أنزل الكتاب على رسول الله صلی الله علیه وآله وسلم في بيتك. أتعلمين أن رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم جعلني وصياً على أهله وفي أهله؟ قالت: اللهُمَّ نعم. قال: فما لك؟ قالت: أطلب بدم أمير المؤمنين عثمان. قال: أريني قتلة عثمان. ثم انصرف والتحم القتال(1).

ب - التباحث مع طلحة والزبير

في يوم الجمل، وحين كان الجيشان متقابلين قبل الالتحام ذهب الإمام علیه السلام للقاء الزبير مجرداً من السلاح على أمل أن ينقذه من الهلاك في اللحظات الأخيرة. وقد ورد هذا الموقف في المصادر التاريخية بصيغ مختلفة.

يقول المسعودي في تقريره التاريخي وخرج علي بنفسه حاسراً على بغلة رسول الله صلی الله علیه وآله وسلم لا سلاح عليه فنادی یا زبيرا فخرج إليه الزبير شاكاً في

ص: 498


1- مجمع الزوائد ومنبع الفوائد، ج 7، ص237، باب فيما كان في الجمل وصفين وغيرهما؛ سعد السعود، ص 237 ، بيان السبع المثاني التي في القرآن .

سلاحه. فقيل ذلك لعائشة فقالت: واثكلكِ يا أسماء! فقيل لها: إن علياً حاسر. فاطمأنت واعتنق كل واحد منهما صاحبه. فقال له علي: ويحك يا زبير ما الذي أخرجك؟ قال: دم عثمان. قال: قتل الله أولانا بدم عثمان. أما تذكر يوم لقيت رسول الله صلی الله علیه وآله وسلم في بني بياضة وهو راكب حماره فضحك إلي رسول الله وضحكت إليه وأنت معه فقلت أنت يا رسول الله ما يدع علي زهوه. فقال لك: ليس به زهو أتحبه يا زبير؟ فقلت: إني والله لأحبه. فقال لك: إنك والله ستقاتله وأنت له ظالم . فقال الزبير أستغفر الله، والله لو ذكرتها ما خرجت. فقال له: يا زبير ارجع فقال: وكيف أرجع الآن وقد التقت حلقتا البطان؟ هذا والله العار الذي لا يُغسل. فقال: يا زبيرا ارجع بالعار قبل أن تجمع العار والنار. فرجع الزبير وهو يقول:

اخترت عاراً على نار مؤججة*** ما إن يقوم لها خلق من الطين*** نادى علي بأمر لست أجهله*** عار لعمرك في الدنيا وفي الدين

فقلت: حسبك من عذل أبا حسن فبعض هذا الذي قد قلت يكفيني فقال ابنه عبد الله: أين تذهب وتدعنا؟ فقال: يا بني! أذكرني أبو الحسن بأمر كنت قد أنسيته. فقال: لا والله، ولكنك فررت من سيوف بني عبد المطلب، فإنها طوال حداد، تحملها فتية أنجاد. قال: لا والله ولكني ذكرت ما أنسانيه الدهر فاخترت العار على النار. أبالجبن تعيرني لا أبا لك؟ ثم أمال

ص: 499

سنانه وشدّ في الميمنة. فقال علي: أفرجوا له فقد هاجوه. ثم رجع فشدّ في الميسرة ثم رجع فشدّ في القلب ثم عاد لابنه فقال: أيفعل هذا جبان(1)؟

كما يقول الطبري في تقريره: فلما تراءى الجمعان خرج الزبير على فرسه عليه السلاح. فقيل لعلي هذا الزبير قال: أما إنه أحرى الرجلين إن ذكر بالله أن يذكر. وخرج طلحة فخرج إليهما علي فدنا منهما حتى اختلفت أعناق دوابهم فقال علي العمري، لقد أعددتما سلاحاً وخيلاً ورجالاً إن كنتما أعددتما عند الله عذراً. فاتقيا الله سبحانه ولا تكونا كالتي نقضت غزلها من بعد قوة أنكاثاً. ألم أكن أخاكما في دينكما تحرمان دمي وأحرم دماء كما؟ هل بدر مني ما يبيح لكما قتالي؟ فقال طلحة: نعم، لقد ألبتَ الناس على عثمان حتى قتلوه. فقال أمير المؤمنين علیه السلام: جزاهم الله حق جزائهم إنه هو الحق المبين يا طلحة هل أنت ولي دم عثمان؟ إذن، لعن الله قاتلي عثمان)(2) وفي تقرير آخر له يقول الطبري: فلما توافقوا خرج علي على فرسه فدعا الزبير فتوافقا، فقال علي للزبير ما جاء بك؟ قال: أنت، ولا أراك لهذا الأمر أهلاً ولا أولى به منا. فقال علي: لست أهلاً له بعد عثمان. قد كنا نعدك من بني عبد المطلب حتى بلغ ابنك ابن السوء ففرق بيننا وبينك(3).

ص: 500


1- مروج الذهب ومعادن الجوهر، ج2، ص 401 ، بين علي والزبير؛ الفتوح، المجلد الأول، ص 473، ذكر ما جرى من الكلام بين علي والزبير في يوم الجمل قبل الوقعة؛ الأخبار الطوال، ص212، علي يذكر الزبير بحديث النبي صلی الله علیه وآله وسلم .
2- تاريخ الطبري، ج 3، ص3، حوادث سنة 36 الهجرية، ذكر مسير علي إلى البصرة والوقعة؛ الإمامة والسياسة، ج1، ص 72 ، تعبئة الفئتين للقتال.
3- تاريخ الطبري، ج3، ص 41 ، حوادث سنة 36 الهجرية خبر وقعة الجمل من رواية أخرى.

ويقول الشيخ المفيد في تقريره لهذه الحادثة: لما التقى أمير المؤمنين علیه السلام وأهل البصرة يوم الجمل نادى علي علیه السلام الزبير: يا أباعبدالله! اخرج إلي! فقال له أصحابه: يا أمير المؤمنين (كيف تذهب إلى الزبير وقد نكث بيعتك وهو راكب فرسه وعليه السلاح وأنت على بغلة بغير سلاح؟) فقال علي: إن عليّ من الله جنة واقية، لن يستطيع أحد فراراً من أجله. وإني لا أموت ولا أقتل إلاّ على يدي أشقاها كما عقر ناقة الله أشقى ثمود. فخرج إليه الزبير، فقال: أين طلحة؟ ليخرج فخرج ،طلحة، فقال علیه السلام: نشدتكما بالله، أتعلمان وأولو العلم من آل محمد وعائشة بنت أبي بكر أن أصحاب الجمل وأهل النهروان ملعونون على لسان محمد صلی الله علیه وآله وسلم وقد خاب من افترى؟ فقال الزبير كيف نكون ملعونين ونحن من أهل الجنة؟ فقال علي علیه السلام : لو علمت أنكم من أهل الجنة لما استحللت قتالكم. فقال الزبير: أما سمعت رسول الله يقول يوم أحد أوجب طلحة الجنة ومن أراد أن ينظر إلى شهيد يمشي على الأرض حياً فلينظر إلى طلحة؟ أوما سمعت رسول الله يقول: عشرة من قريش في الجنة؟ فقال علي فسمهم قال فلان وفلان وفلان حتى عد تسعة فيهم أبوعبيدة بن الجراح وسعيد بن زيد بن عمرو بن نفيل. فقال علي السلام: عددت تسعة، فمن العاشر؟ قال الزبير أنت. فقال علي علیه السلام: أما أنت فقد أقررت أني من أهل الجنة. وأما ما ادعيت لنفسك وأصحابك فإني به لمن الجاحدين. والله إن بعض من سميت لفي تابوت في جب في أسفل درك من جهنم، على ذلك الجب صخرة إذا أراد الله أن يسعر جهنم رفع تلك الصخرة فأسعرت جهنم سمعت ذلك من رسول الله صلی الله علیه وآله وسلم وإلاّ فأظفرك الله بي وسفك دمي بيدك. وإلا فأظفرني الله بك وبأصحابك. فرجع الزبير إلى أصحابه وهو

ص: 501

يبكي. ثم أقبل (الإمام علیه السلام ) على طلحة فقال : يا طلحة معكما نساؤكما؟ قال: لا قال عمدتما إلى امرأة موضعها في كتاب الله القعود في بيتها فأبرزتماها وصنتما حلائلكما في الخيام والحجال ما أنصفتما رسول الله صلی الله علیه وآله وسلم من أنفسكم حيث أجلستما نساء كما في البيوت وأخرجتما زوجة رسول الله صلی الله علیه وآله وسلم وقد أمر الله أن لا يُكلمن إلا من وراء حجاب.

أخبرني عن صلاة عبد الله بن الزبير بكما، أما يرضى أحدكما بصاحبه؟ أخبرني عن دعائكما الأعراب إلى قتالي، ما يحملكما على ذلك؟ فقال طلحة يا هذا كنا في الشورى ستة مات منا واحد وقتل آخر فنحن اليوم أربعة كلنا لك كاره. فقال له علي علیه السلام : ليس ذلك عليّ، قد كنا في الشورى والأمر في يد غيرنا وهو اليوم في يدي. أرأيت لو أردت - بعد ما بايعت عثمان أن أرد هذا الأمر شورى، أكان ذلك لي؟ قال: لا. قال: ولم؟ قال: لأنك بايعت طائعاً. فقال علي علیه السلام : وكيف ذلك والأنصار معهم السيوف مخترطة يقولون: لئن فرغتم وبايعتم واحداً منكم وإلاّ ضربنا أعناقكم أجمعين! فهل قال لك ولأصحابك أحد شيئاً من هذا حيث بايعتماني؟ وحجتي في الاستكراه في البيعة أوضح من حجتك وقد بايعتني أنت وصاحبك طائعين غير مكرهين وكنتما أول من فعل ذلكولم يقل أحد لتبايعان أو لنقتلنكما فانصرف طلحة ونشب القتال فقتل طلحة وانهزم الزبير (1).

ص: 502


1- کتاب سليم بن قيس الهلالي، ج 2، ص798، الحديث والتاسع والعشرون. وباختصار في الاحتجاج على أهل اللجاج، ج2، ص 376، احتجاج أمير المؤمنين علیه السلام على الزبير بن العوام وطلحة بن عبيدالله لما أزمعا على الخروج عليه والحجة في أنهما خرجا من الدنيا غير تائبين من نكث البيعة، الحديث 70؛ الكافئة في إبطال التوبة (هكذا، والصحيح توبة م) الخاطئة، ص 24 ، الفصل الثاني: في حرب الجمل.

تفيد بعض الروايات بأن النبي صلی الله علیه وآله وسلم بعد أن أخبر الزبير بأنه سيقاتل علياً علیه السلام وهو له ظالم، بشّر عليا علیه السلام بالنصر عليه (1). والعجيب أن الزبير يتناسى

هذا الخبر أو أنه لم يكن يعترف بالنبي صلی الله علیه وآله وسلم شخصية إلهية جديرة بالإخبار بالغيب.

يقول المسعودي: ثم نادى علي علیه السلام طلحة حين رجع الزبير : يا أبا محمد! ما الذي أخرجك؟ قال: الطلب بدم عثمان. قال علي: قتل الله أولانا بدم عثمان أما سمعت رسول الله صلی االله علیه وآله وسلم يقول: اللهم وال من والاه وعاد من عاداه؟ وأنت أول من بايعني ثم نكثت (2).

أما ابن قتيبة الدينوري فينقل محاورة الإمام علیه السلام مع طلحة بتفصيل أكبر مع الإشارة إلى نقاط غاية في الأهمية. يقول: وذكروا أن علياً نادى طلحة بعد انصراف الزبير، فقال له: يا أبا محمد ما جاء بك؟ قال: أطلب بدم عثمان. قال علي: قتل الله من قتله قال طلحة فحل بيننا وبين من قتل عثمان، أما تعلم أن رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم قال: إنما يحل دم المؤمن في أربع خصال؛ زان فيرجم ،أو محارب الله، أو مرتد عن الإسلام، أو مؤمن يقتل مؤمناً عمداً؟ فهل تعلم أن عثمان أتى شيئاً من ذلك؟ فقال علي: لا. قال طلحة: فأنت أمرت بقتله.

ص: 503


1- "... لتقاتلنه وأنت له ظالم. ثم لينتصرن عليك. تاريخ دمشق الكبير ، ج20، ص299، ترجمة الزبير بن العوام، الرقم 2242.
2- مروج الذهب ومعادن الجوهر، ج2، ص 403 ، بين علي وطلحة؛ المستدرك على الصحيحين، ج3، ص 419 ، كتاب معرفة الصحابة، ذكر مناقب طلحة بن عبيدالله التيمي، الحديث 5594.

قال على: اللهم لا . قال طلحة : فاعتزل هذا الأمر ونجعله شورى بين المسلمين، فإن رضوا بك دخلت فيما دخل فيه الناس وإن رضوا غيرك كنت رجلاً من المسلمين. قال علي: أولم تبايعني يا أبا محمد طائعاً غير مكره؟ فما كنت لأترك بيعتي. قال طلحة بايعتك والسيف على عنقي. قال (الإمام علیه السلام ) : ألم تعلم أني ما أكرهت أحداً على البيعة؟ ولو كنت مكرهاً لأكرهت سعداً وابن عمر ومحمد بن مسلمة أبوا البيعة واعتزلوا فتركتهم. قال طلحة: كنا في الشورى ستة فمات اثنان وقد كرهناك ونحن ثلاثة. قال علي: إنما كان لكما ألا ترضيا قبل الرضى (هكذا : م ) وقبل البيعة. وأما الآن فليس لكما غير ما رضيتما به إلاّ أن تخرجا مما بويعت عليه بحدث. فإن كنت أحدثت حدثاً فسموه لي! وأخرجتم أمكم عائشة وتركتم نساءكم، فهذا أعظم الحدث منكم. أرضى (هكذا: م) هذا الرسول الله أن تهتكوا ستراً ضربه عليها وتخرجوها منه؟ فقال طلحة: إنما جاءت للإصلاح. قال علي: هي لعمر الله إلى من يصلح لها أمرها أحوج. أيها الشيخ اقبل النصح وارض بالتوبة مع العار قبل أن يكون العار والنار(1).

وفي تقرير آخر له، يقول ابن قتيبة الدينوري عن تكليم الإمام علیه السلام طلحة والزبير فكلم علي طلحة والزبير قبل القتال فقال لهما : استحلفا عائشة بحق الله وبحق رسوله على أربع خصال أن تصدق فيها :

ص: 504


1- الإمامة والسياسة، ج1، ص 74 ، مخاطبة علي لطلحة بين الصفين.

1- هل تعلم رجلاً من قريش أولى مني بالله ورسوله وإسلامي قبل كافة الناس أجمعين

2- وكفايتي رسول الله كفار العرب بسيفي ورمحي وعلى براءتي من دم عثمان

-- وعلى أني لم أستكره أحداً (المؤلف لم يورد النقطة الرابعة: م) على أني لم أكن أحسن قولاً في عثمان منكما. فأجابه طلحة جواباً غليظاً ورق له الزبير. ثم رجع علي علیه السلام إلى أصحابه فقالوا: يا أمير المؤمنين بم کلمت الرجلين؟ فقال علي : إن شأنهما لمختلف؛ أما الزبير فقاده اللجاج ولن يقاتلكم، وأما طلحة فسألته عن الحق فأجابني بالباطل، ولقيته باليقين ولقيني بالشك. فوالله ما نفعه حقي ولا ضرني باطله، وهو مقتول غداً في الرعيل الأول (1).

5- نصائح ومواعظ

من الوسائل التي لجأ إليها الإمام علیه السلام وأصحابه لدرء الفتنة ومنع وقوع القتال، إسداء النصائح والمواعظ أصحاب الفتنة وأنصارهم. ونشير هنا إلى بعض تلك النصائح:

ص: 505


1- الإمامة والسياسة، ج1، ص71، تعبئة الفئتين للقتال.

أ - نصيحة عمار بن ياسر لعائشة

يقول المسعودي عن النصائح التي قدمها عمار المعسكر الجمل: ثم قام عمار بين الصفين فقال: أيها الناس !ما أنصفتم نبيكم حين كففتم عقائلكم في الخدور وأبرزتم عقيلته للسيوف. وعائشة على جمل في هودج من دفوف الخشب قد ألبسوه المسوح وجلود البقر وجعلوا دونه اللبود وقد غشي على ذلك بالدروع، فدنا عمار من موضعها فنادى: إلى ماذا تدعين؟ قالت: إلى الطلب بدم عثمان. فقال: قاتل الله في هذا اليوم الباغي والطالب بغير الحق. ثم قال: أيها الناس إنكم لتعلمون أينا الممالئ في قتل عثمان؟ وتواتر عليه الرمي واتصل، فحرك فرسه وزال عن موضعه وأتى علياً فقال: ماذا تنتظر يا أمير المؤمنين وليس لك عند القوم إلاّ الحرب (1)؟

وعن سعيد بن كوز قال كنت مع مولاي يوم الجمل فأقبل فارس فقال: يا أم المؤمنين! فقالت عائشة: سلوه من هو؟ قيل: من أنت؟ قال: أنا عمار بن ياسر. قالت: قولوا له : ما تريد ؟ قال : أنشدك بالله الذي أنزل الكتاب على رسوله صلی الله علیه وآله وسلم في بيتك، أتعلمين أن رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم جعل علياً وصياً على أهله وفي أهله؟قالت: اللهم نعم. قال: فما لك؟ قالت: أطلب بدم عثمان أمير المؤمنين(2).

ص: 506


1- مروج الذهب ومعادن الجوهر، ج2، ص 400، مبدأ القتال.
2- مجمع الزوائد ومنبع الفوائد، ج7، ص237، باب فيما كان في الجمل وصفين وغيرهما؛ سعد السعود، ص 237 ، بيان السبع المثاني التي في القرآن .

ب - نصح أصحاب الإمام علیه السلام شباب قريش

ينقل صفوان أنه لما تصافّ الناس يوم الجمل صاح صائح من أصحاب أمير المؤمنين علي بن أبي طالب: يا معشر شباب قريش، أراكم قد لححتموغلبتم على أمركم هذا. وإني أنشدكم الله أن تحقنوا دماءكم ولا تقتلوا أنفسكم. اتقوا الأشتر النخعي وجندب بن زهير العامري(1)، فإن الأشتر يشمر درعه حتى تتبعوا أثره، وإن جندباً يخرم درعه حتى يشمر عنه. (كناية عن استعدادهم الكامل للتضحية في سبيل الإمام)(2)

ج - نصيحة منادي أمير المؤمنين علیه السلام

يروي معاذ بن عبد الله التميمي وكان شاهداً للجمل أنه: لما التقينا واصطففنا، نادى منادي علي بن أبي طالب: يا معشر قريش! اتقوا الله على أنفسكم، فإني أعلم أنكم قد خرجتم وظننتم أن الأمر لا يبلغ إلى هذا. فالله الله في أنفسكم، فإن السيف ليس له بقيا. فإن أحببتم فانصرفوا حتى نحاكم هؤلاء القوم. وإن أحببتم فإلى أنكم آمنون بأمان الله.

قال: فاستحيينا أشد الحياء وأبصرنا ما نحن فيه، ولكن الحفاظ حملنا على الصبر مع عائشة حتى قتل من قتل منا. فوالله لقد رأيت أصحاب علي وقد وصلوا إلى الجمل وصاح منهم صائح اعقروه فعقروه. ونادى علي علیه السلام : من

ص: 507


1- أحد الصحابة النبي صلی الله علیه وآله وسلم و شهود مع الإمام علي علیه السلام الجمل وصفين. الإصابة في تمييز الصحابة، ج1، ص 612 ، ترجمة جندب بن زهير، الرقم 1220.
2- الجمل والنصرة لسيد العترة في حرب البصرة، ص 364 ، تحذير شباب قريش من الحرب.

طرح السلاح فهو آمن، ومن دخل بيته فهو آمن. فوالله ما رأيت أكرم عفواً منه (1).

6- خطبة الإمام علي علیه السلام وآخر إتمام للحجة

حتى اللحظات الأخيرة، لم يأل الإمام علي علیه السلام سعياً لإطفاء الفتنة. ولكننا رأينا كيف أن أصحاب فتنة الجمل ركبوا دابة العناد وامتنعوا عن التراجع والعودة إلى البيعة. فلم يلق منهم الإمام علیه السلام رداً على رسائله ورسله ونصائحه إلاّ التلويح بالسيف والقتال. فبذل علیه السلام علیه السلام محاولته الأخيرة فوقف أمامهم وخطب فيهم عسى أن يوقض ضمائرهم فينقص الضالون ويزداد المهديون. يقول الإمام الصادق علیه السلام : دخل علي أناس من أهل البصرة فسألوني عن طلحة والزبير، فقلت لهم كانا من أئمة الكفر. إن علياً علیه السلام يوم البصرة لما صف الخيول قال لأصحابه : لا تعجلوا على القوم حتى أعذر فيما بيني وبين الله عزّ وجلّ وبينهم. فقام إليهم فقال : يا أهل البصرة! هل تجدون علي جوراً في حكم؟ قالوا: لا. قال: فحيفاً في قسم؟ قالوا: لا. قال: فرغبة في دنيا أخذتها لي ولأهل بيتي دونكم ، فنقمتم علي فنكثتم بيعتي؟ قالوا: لا. قال: فأقمت فيكم الحدود وعطلتها عن غيركم؟ قالوا: لا. قال: فما بال بيعتي تُنكث وبيعة غيري لا تُنكث؟ إني ضربت الأمر أنفه وعينه فلم أجد إلا الكفر أو السيف ( ثم) صلى على النبي وقال: إن الله يقول في محكم كتابه:( وإن نَكَثُوا أَيْمَنَهُم مِنْ بَعْدِ عَهْدِهِمْ وَطَعَنُوا فِي دِينِكُمْ فَقَتِلُوا أَيمَةَ الْكُفْرِ إِنَّهُمْ لَا

ص: 508


1- الجمل والنصرة لسيد العترة في حرب البصرة ، ص 364 ، تحذير شباب قريش من الحرب.

أَيْمَنَ لَهُمْ لَعَلَّهُمْ يَنتَهُونَ )(1) ثم قال أمير المؤمنين : فوالذي فلق الحبة وبرأ النسمة واصطفى محمداً صلی الله علیه وآله وسلم نبياً إن أصحاب فتنة الجمل مصداق هذه الآية ولم يُقاتلوا منذ نزلت الآية ) (2).

لقد بلغت أهمية حقن دماء المسلمين لدى أمير المؤمنين علیه السلام درجة بحيث لم يكن يريد أن يُسفك دم مسلم واحد. لذا، وهو في خضم القتال وكان يحصد بسيفه رؤوس جنود الفتنة حين رأى أباسفيان بن حويطب بن عبدالعزى(3) يسترجع مذعوراً قال له الحق بأصحابي لكي تنجو من الموت. فالتحق أبوسفيان بالإمام في البداية ولكنه لم يلبث أن عاد فانضم إلى رجال طلحة والزبير لما هجموا على جيش الإمام علیه السلام. في تلك الأثناء حمل عليه رجل من همدان وكان الإمام يصيح به أن يكف عنه ولكن الهمداني لم يسمع صوت الإمام من شدة الصخب فقطعه إربا إرباً. فقال الإمام علیه السلام: يا ويحه إن أتلفته السيوف وقد كان مقتله بغيضاً(4) .

ص: 509


1- التوبة: 12
2- "عن حنان بن سدير قال: سمعت أبا عبد الله علیه السلام يقول: ..." قرب الإسناد، ص96، الحديث 327؛ تفسير العياشي، ج2، ص 77 ، من سورة البراءة، الحديث 23.
3- أسلم مع أبيه يوم فتح مكة وقتل في حرب الجمل. "أبوسفيان بن حويطب بن عبدالعزى القرشي العامري، قتل يوم الجمل. أسلم مع أبيه يوم الفتح وأبوه من أسنّ الصحابة". الاستيعاب في معرفة الأصحاب، ج4، ص 239، ترجمة أبي سفيان بن حويطب، الرقم 3034.
4- "نظر يومئذٍ إلى سفيان بن حويطب بن عبدالعزى وهو يسترجع من الخوف وما التحم من الشر، فقال له أمير المؤمنين علیه السلام: انحز إلى أصحابي ولا تُقتل فانحاز إليهم إلى أن حمل أصحاب الجمل على أمير المؤمنين علیه السلام حملة فإذا هو قد صار في حيزهم فحمل عليه رجل من همدان وعلي يصيح: كف عنه والهمداني لا يفهم حتى قطعه إربا إرباً. فقال علیه السلام : يا ويحه ...". الجمل والنصرة لسيد العترة في حرب البصرة، ص 361، نهي أمير المؤمنين علیه السالم عن قتل أبي سفيان بن حويطب.

• أليس أمير المؤمنين علیه السلام نفسه هو من أمر بعدم رمي الأعداء بأي سهم أو رمح إلاّ بإذنه؟ .

•أليس هو من لم يبدأ القتال وصبر حتى قتل جماعة من أصحابه بسهام أعدائه الكثيرة، الأمر الذي أثار احتجاج أصحابه؟

حسب رواية أبي مخنف، فإنه لما اصطف الجنود وتقابل الجمعان قال علي علیه السلام لأصحابه: لما تزاحف الناس يوم الجمل والتقوا، قال علي علیه السلام لأصحابه: لا يرمين رجل منكم بسهم ولا يطعن أحدكم فيهم برمح حتى أحدث إليكم وحتى يبدأوكم بالقتال وبالقتل. فرمى أصحاب الجمل عسكر علي علیه السلام بالنبل رمياً شديداً متتابعاً فضج إليه أصحابه وقالوا: عقرتنا سهامهم يا أمير المؤمنين. وجيء برجل إليه وإنه لفي فسطاط له صغير، فقيل له: هذا فلان قد قتل. فقال: اللهُمَّ اشهد . ثم قال: أعذروا إلى القوم! فأتي برجل آخر، فقيل: وهذا قد قتل فقال: اللهم اشعد أعذروا إلى القوم ثم أقبل عبد الله بن بديل بن ورقاء الخزاعي وهو من أصحاب رسول الله صلی الله علیه وآله وسلم يحمل أخاه عبد الرحمن بن بديل قد أصابه سهم فقتله، فوضعه بين يدي علي علیه السلام وقال: يا أمير المؤمنين! هذا أخي قد قتل. فعند ذلك استرجع علي ودعا بدرع رسول الله ذات الفضول فلبسها ( واستعد للقتال) (1).

ص: 510


1- "وروى أبو مخنف قال : ...". شرح نهج البلاغة، ج9، ص111، من أخبار يوم الجمل، الخطبة 148. وانظر :أيضاً الفتوح، المجلد الأول، ص 477، وصية علي لأهل عسكره بما يجب أن يكون منهم في الحرب.

إجراءات أصحاب الجمل المقابلة

قمين بالتنويه أن الإمام علیه السلام أرسل كبار أصحابه أمثال عبد الله بن عباس وزيد بن صوحان وصعصعة بن صوحان إلى طلحة والزبير وعائشة من أجل هداية عسكر الجمل وإعادتهم إلى البيعة وإطفاء نار الفتنة. بالمقابل، أرسل الفريق الآخر رسلاً إلى جيش أمير المؤمنين علیه السلام. ونشير هنا إلى تقريرين تاريخيين ليحكم القراء من خلالهما على ما قام به طلحة والزبير وعائشة وما كان يعتمل في قلوبهم تجاه الإمام علیه السلام من كره وضغينة وخواء ادعائهم ب-"إصلاح أمة محمد!

أ - إرسال رسول من قبل طلحة والزبير

يقول الإمام الصادق علیه السلام عن إرسال طلحة والزبير رسولاً إلى أمير المؤمنين علیه السلام: بعث طلحة والزبير رجلاً من عبد القيس يقال له خداش إلى أمير المؤمنين علیه السلام وقالا له: إنا نبعثك إلى رجل طال ما كنا نعرفه وأهل بيته بالسحر والكهانة. ( واعلم أنك أوثق الرجال لنا وأجدر بأن لا تقبل منه أي موضوع وأن تخاصمه حتى يتبين لك الحق واعلم أنه أكثر الناس ادّعاءً فلا تدع ادّعاءه ادّعاءه يهزمك على أن من الطرق التي يتبعها في خداع الناس تقديم الطعام والشراب والعسل والسمن والخلوة بالناس. فلا تأكل من طعامه ولا تشرب من شرابه ولا تقرب عسله وسمنه ولا تقعد معه في خلوة وكن على

ص: 511

حذر من كل هذا! امض بعون الله، فإذا وقعت عينك عليه فاقرأ آية السخرة (1) واستعذ بالله من خدعه وخدع الشيطان. وإذا جلست إليه فلا تنظر إليه ولا تأنسمعه!) قل له: إن أخويك في الدين وابني عمك في القرابة يناشدانك القطيعة ويقولان لك: أما تعلم أنا تركنا الناس لك وخالفنا عشائرنا فيك منذ قبض الله عزّ وجلّ محمداً صلی لله علیه وآله وسلم فلما نلت أدنى منال ضيعت حرمتنا وقطعت رجاءنا ثم قد رأيت أفعالنا فيك وقدرتنا على النأي عنك وسعة البلاد دونك وأن من كان يصرفك عنا وعن صلتنا كان أقل لك نفعاً وأضعف عنك دفعاً منا وقد وضح الصبح لذي عينين. وقد بلغنا عنك انتهاك لنا ودعاء علينا. فما الذي يحملك على ذلك؟ فقد كنا نرى أنك أشجع فرسان العرب أتتخذ اللعن لنا ديناً وترى أن ذلك يكسرنا عنك؟ فلما أتى خداش أمير المؤمنين علیه السلام صنع ما أمراه. فلما نظر إليه علي علیه السلام وهو يناجي نفسه، ضحك وقال: هاهنا يا أخا عبدقيس وأشار له إلى مجلس قريب منه. فقال: ما أوسع المكان، أريد أن أؤدي إليك رسالة. قال: بل تطعم وتشرب وتحل ثيابك وتدهن ثم تؤدي رسالتك. قم يا قنبر فأنزله! قال: ما بي إلى شيء مما ذكرت حاجة. قال: فأخلو بك. قال: كل سر لي علانية.(ما عندي ما أخفيه على أحد) قال: فأنشدك بالله الذي هو أقرب إليك من نفسك الحائل بينك وبين قلبك الذي يعلم خائنة الأعين وما تخفي الصدور، أتقدم إليك الزبير بما عرضت عليك. (ألم يعلمك الزبير شيئاً تقوله عندما تأتيني؟ قال: اللَّهُمَّ نعم. قال علي علیه السلام :

ص: 512


1- (إن ربكم الله الذي خلق السماوات والأرض في ستة أيام ثم استوى على العرش يُغشي الليل النهار يطلبه حثيثاً والشمس والقمر والنجوم مسخرات بأمره ألا له الخلق والأمر تبارك الله ربّ العالمين). الأعراف (7)، الآية 54.

آية السخرة؟ قال: نعم. قال: فاقرأها وجعل علي يكررها ويرددها ويفتح عليه إذا أخطأ. حتى إذا قرأها سبعين مرة قال الرجل (لنفسه): ما يرى أمير المؤمنين علیه السلام أمر بترددها سبعين مرة. ثم قال له: أتجد قلبك اطمأن؟ قال: إي والذي نفسي بيده. قال: فما قالا لك فأخبره. فقال: قل لهما: كفى بمنطقكما حجة عليكما ولكن الله لا يهدي القوم الظالمين. زعمتما أنكما أخواي في الدين وابنا عمي في النسب، فأما النسب فلا أنكره وإن كان النسب مقطوعاً إلاّ ما وصله الله بالإسلام. وأما قولكما أنكما أخواي في الدين، فإن كنتما صادقين فقد فارقتما كتاب الله عزّ وجلّ وعصيتما أمره بأفعالكما في أخيكما في الدين، وإلا فقد كذبتما وافتريتما بادعائكما أنكما

أخواي في الدين. وأما مفارقتكما الناس منذ قبض الله محمداً صلی الله علیه وآله وسلم، فإن كنتما فارقتماهم بحق فقد نقضتما ذلك الحق بفراقكما إياي أخيراً. وإن فارقتماهم بباطل فقد وقع إثم ذلك الباطل عليكما مع الحدث الي أحدثتما مع أن صفقتكما بمفارقتكما الناس لم تكن إلاّ لطمع الدنيا زعمتما وذلك قولكما فقطعت رجاءنا لا تعيبان بحمد الله من ديني شيئاً. وأما الذي صرفني عن عن صلتكما، فالذي صرفكما عن الحق وحملكما على خلعه من رقابكما كما يخلع الحرون لجامه وهو الله ربي لا أشرك به شيئاً فلا تقولا أقل نفعاً وأضعف دفعاً فتستحقا اسم الشرك مع النفاق. وأما قولكما أني أشجع فرسان العرب وهربكما من لعني ودعائي، فإن لكل موقف عملاً إذا اختلفت الأسنة وماجت لبود الخيل وملأ سحراكما أجوافكما فثم يكفيني الله بكمال القلب. وأما إذا أبيتما بأني أدعو الله فلا تجزعا من أن يدعو عليكما رجل ساحر من قوم سحرة زعمتما اللهُمَّ أقعص الزبير بشر قتلة واسفك دمه علی

ص: 513

ضلالة، وعرف طلحة المذلة، وادخر لهما في الآخرة شراً من ذلك إن كانا ظلماني وافتريا علىّ وكتما شهادتهما وعصياك وعصيا رسولك في قل: آمين قال خداش آمین ثم قال خداش لنفسه والله ما رأيت لحية قط أبين خطأ منك حامل حجة ينقض بعضها بعضاً لم يجعل الله لها مساكاً، أنا أبرأ إلى الله منهما. (قال له الإمام علیه السلام أن يرجع إلى طلحة والزبير ويبلغهما رسالته. فقال خداش لا والله لن أعود إليهما حتى تدعو لي الله أن يعيدني إليك عاجلاً). فلم يلبث أن انصرف ) ثم التحق بجيش الإمام علیه السلام) وقتل معه في الجمل(1).

ب - إرسال رسول ناصبي من قبل عائشة

يقول محمد بن سنان: إن عائشة قالت: التمسوا لي رجلاً شديد العداوة لهذا الرجل حتى أبعثه إليه ( فجيء لها برجل فسألته: كم تبلغ عداوتك لهذا الرجل؟ قال: كثيراً، أرجو معه أن يكون هو وأصحابه هنا في الميدان فأضربهم ضربة يسبق فيها السيف دمهم. فقالت عائشة: أنت من أريد. فخذ رسالتي إليه على أي حال كان) وإن عرض عليك طعامه وشرابه فلا [تناولن] منه شيئاً فإن فيه السحر. قال: فاستقبلته راكباً فناولته الكتاب ففض خاتمه ثم قرأه فقال: تبلغ إلى منزلنا فتصيب من طعامنا وشرابنا ونكتب جواب كتابك، فقال: هذا والله ما لا يكون. قال: فسار خلفه فأحدق به أصحابه ثم قال له: أسألك؟ قال: نعم. قال: ونجيبني؟ قال: نعم. قال: فنشدتك الله هل :قالت التمسوا لي رجلاً شديداً عداوته لهذا الرجل فأتوها بك فقالت لك ما

ص: 514


1- عن أبي عبد الله علیه السلام قال : ......". الكافي، ج1، ص 343 ، كتاب الحجة، باب ما يفصل به بين دعوى المحق والمبطل في أمر الإمامة، الحديث الأول.

بلغ من عداوتك لهذا الرجل. فقلت ما أتمنى على ربي أنه وأصحابه في وسطي وأني ضربت ضربة بالسيف يسبق السيف الدم؟ قال: اللهم نعم. قال: فنشدتك الله أقالت لك: اذهب بكتابي هذا فادفعه إليه ظاعناً كان ... فقال: اللهم نعم. قال: فنشدتك بالله هل قالت لك: إن عرض عليك طعامه وشرابه فلا تناولن منه شيئاً فإن فيه السحر. قال: اللهم نعم. قال: فمبلغ أنت عني؟ قال: اللهُمَّ نعم. فإني قد أتيتك وما في الأرض خلق أبغض إلي منك وأنا الساعة ما في الأرض خلق أحب إلي منك. فمر بي بما شئا. قال: ارجع إليها بكتابي هذا وقل لها ما أطعتِ الله ولا رسوله حيث أمرك الله بلزوم بيتك فخرجت ترددين في العساكر. وقل لهم: ما أنصفتم الله ورسوله حيث خلفتم حلائلكم في بيوتكم وأخرجتم حليلة رسول الله. قال: فجاء بكتابه حتى طرحه إليها وأبلغها مقالته ثم رجع فأصيب (استشهد) بصفين. فقالت: ما نبعث إليه بأحد إلا أفسده علينا(1).

إن السبب الكامن وراء بحث عائشة عن رجل بالغ العداوة للإمام علیه السلام ترسله رسولاً إليه هو أنها كانت تحاول أن تمنع تساقط رجالها بعد أن مال كل رسلها إلى جانب الإمام علیه السلام وانضموا إليه.

ص: 515


1- بحار الأنوار الجامعة لدرر أخبار الأئمة الأطهار، ج 32، ص 108 ، الباب الأول باب بيعة أمير المؤمنين علیه السلام وما جرى بعدها من نكث الناكثين إلى غزوة الجمل الحديث 81 نقلاً عن بصائر الدرجات في فضائل آل محمد صلی الله علیه وآله وسلم ، ج 1، ص 435، باب في الأئمة أنهم يخبرون شيعتهم بأفعالهم وسرهم وأفعال غيبهم وهم غيب عنهم، الحديث 847.

من جانبه، نجح الإمام علیه السلام نجاحاً باهراً، من خلال تعامله مع مبعوثي عائشة، في إقناع العامة بالخطأ الفاحش الذي ارتكبته ومعها طلحة والزبير. لقد كان بمقدور أمير المؤمنين علیه السلام أن يستعين بأدلة كثيرة في إدانة هؤلاء الثلاثة، ولكنه اكتفى بأبسطها وأكثرها قبولاً لدى العامة. كان علیه السلام يرى في خروج عائشة من بيتها مخالفة صريحة لما أمرها الله به في القرآن، وهذا دليل بالغ الوضوح لا يخفى على أحد ولا يتطلب إثباتات معقدة.

أما لإدانة طلحة والزبير فقد استدل علیه السلام بدليل في منتهى البساطة والمنطقية وهو أن الرجلين صانا الرجلين صانا حرمة زوجاتهما وهتكا حرمة زوجة النبي بإخراجها من بيتها وزجها في أتون الحرب. وما كانا ليفعلا ذلك لو كان فيهما من الغيرة على زوج النبي بمقدار غيرتهما على نسائهما، فضلاً عن أنه كان ينبغي لهما أن يحرصا على حرمة زوجة النبي أكثر من حرصهما على أزواجهما.

من النقاط المهمة في هاتين الروايتين، الدعاية المضادة من قبل طلحة والزبير وعائشة على أمير المؤمنين علیه السلام واتهامه بالسحر والكهانة. فبعد أن يئسوا من مجاراته علیه السلام بالأدلة العقلية المنطقية، لجأوا إلى افتراء تهمة السحر عليه محاولةً منهم لبث الشك والارتياب تجاهه في قلوب الناس وفي نفوس أنصاره كذلك لكي يقللوا من تأثيره في القلوب. ولم تكن الدعاية المضادة لبني هاشم بالأمر الجديد. فقد سبق للقرآن أن أشار إلى اتهام المشركين النبيَّ

ص: 516

بالسحر(1) وذلك بسبب التأثير العميق الصريح الذي كانت تفعله الآيات القرآنية في قلوب

سامعيها بشكل غير مسبوق بحيث تعذر عليهم تلقيه كأمر عادي. وهكذا وجدنا، للأسف الشديد، طلحة والزبير وعائشة يسلكون الطريق نفسه الذي سلكه من قبلهم الكفار والمشركون . وبالعودة إلى كتب الحديث والتاريخ يتضح أن المنهج الذي اختاره طلحة والزبير وعائشة المتمثل بتوجيه تهمة السحر والكهانة للإمام علیه السلام هو نفسه الذي انتهجه بعض حكام المدينة ضده باتهامه بالسحر والكهانة(2).

كانت نتيجة ما قام به الإمام علیه السلام أن اتضح للجميع أنه علیه السلام لم يأل جهداً ولم يوفر وسيلة لمنع وقوع الحرب ولحقن الدماء وأنه لم يكف عن محاولاته للصلح حتى اللحظات الأخيرة. وجاء الدور لأصحاب فتنة الجمل ليعرضوا مساعيهم في الصلح والإصلاح المزعوم.

والسؤال ما الذي فعله أصحاب الجمل من أجل الإصلاح في أمة محمد صلی الله علیه وآله وسلم فهل بدر منهم أي موقف ينم عن حرصهم على الصلح وتفادي الحرب؟

ص: 517


1- (فقال إن هذا إلا سحر يؤثر. إن هذا إلا قول البشر) سورة المدثر (74)، الآية 24 و25.
2- "أن أمير المؤمنين علیه السلام لقي أبابكر فاحتج عليه ثم قال له: أما ترضى برسول الله صلى الله عليه وآله وسلم بيني وبينك؟ قال: فكيف لي به؟ فأخذ بيده وأتى مسجد قبا فإذا رسول الله صلی الله علیه وآله وسلم فيه فقضى على أبي بكر. فرجع أبوبكر مذعوراً فلقي عمر فأخبره فقال: مالك؟ أما علمت سحر بني هاشم؟". بصائر الدرجات في فضل آل محمد صلی الله علیه وآله وسلم ، ج 1، ص 489، الباب الخامس في أن الأئمة لا يزورون الموتى وأن الموتى يزورهم (هكذا، وربما يزورونهم م)، الحديث الثاني.

014

لماذا رفض أصحاب الجمل الاستجابة لجميع المحاولات الخيرة الكثيرة التي بادر بها الإمام علیه السلام؟

الواقع أن أصحاب فتنة الجمل كانوا منذ البداية يسعون إلى الحرب وبث الفتنة وإسقاط حكومة الإمام علیه السلام الفتية. أما ادّعاء الطلب بدم عثمان والإصلاح في الأمة فلم يكونا أكثر من ذريعة. لذا لم يلقوا بالاً لمبادرات أمير المؤمنين علیه السلام لمنع وقوع الحرب.

ص: 518

الفهرس

مقدمة المؤلف...5

الفصل الأول: بداية خلافة أمير المؤمنين علیه السلام

مالك الأشتر وادّعاء إجبار الناس على البيعة...60

أسباب تخلف عبد الله بن عمر وذرائعه....75

أسباب عدم نصرة عبد الله بن عمر للإمام علي علیه السلام ...80

أسباب تخلف سعد بن أبي وقاص وذرائعه....86

أسباب عدم نصرة سعد العلي علیه السلام ...87

أسباب مخالفة محمد مسلمة للإمام علي السلام...92

بن أسباب تخلف أسامة بن زيد: ...95

أسباب تخلف حسان بن ثابت الشاعر وذرائعه:...97

أسباب تخلف النعمان بن بشير الأنصاري وذرائعه ...98

أسباب تخلف كعب بن مالك وذرائعه ...103

أسباب تخلف عبد الله بن سلام وذرائعه ...104

أسباب تخلف زيد بن ثابت وذرائعه ...105

أسباب تخلف صهيب بن سنان الرومي وذرائعه...108

أسباب تخلف فضالة بن عبيد وذرائعه ...109

أسباب تخلف كعب بن عجرة وذرائعه ...110

أسباب تخلف الوليد بن عقبة ومروان بن الحكم وسعيد بن العاص ...112

الفصل الثاني: أسباب وقوع حرب الجمل

عدالة أمير المؤمنين علیه السلام عن لسان سودة الهمدانية...155

ص: 519

حساسية أمير المؤمنين علیه السلام على بيت المال...157

تقديم عثمان المال لعلی علیه السلام...177

سير بعض الأشخاص في الشؤون المالية...179

صمود أبي ذر بوجه إغراءات عثمان ومعاوية...179

أبو رافع مسؤول بيت مال أمير المؤمنين علیه السلام...182

أبو الأسود الدؤلي وحلوى معاوية ...183

رسالة مروان إلى معاوية ووصفه لحادثة مقتل عثمان ...186

رسالة معاوية إلى طلحة ...193

رسالة معاوية إلى الزبير بن العوام...194

رسالة معاوية الثانية إلى الزبير....196

رسالة معاوية إلى مروان بن الحكم ...199

رسالة معاوية إلى سعيد بن العاص...200

رسالة معاوية إلى عبد الله بن عامر...202

رسالة معاوية إلى الوليد بن عقبة...203

رسالة معاوية إلى يعلى بن أمية...204

دور عائشة في قتل عثمان...208

دور طلحة والزبير في قتل عثمان...214

دور معاوية في قتل عثمان.... 218

عدم مشاركة الإمام علي علیه السلام في قتل عثمان ...222

الفصل الثالث: نكث طلحة والزبير

اعتراضات طلحة والزبير ومطامحهما...241

يأس طلحة والزبير من إدراك مطاليبهم...249

بداية النكث ....252

خروج طلحة والزبير من المدينة وإعلامهما المضاد لعلي علیه السلام ...254

ص: 520

الفصل الرابع: تجمع الناكثين والثوار في مكة

موقف عائشة من قتل عثمان ...259

خطبة عائشة ضد أمير المؤمنين السلام وبيان مظلومية عثمان ...262

وقفة عند كلام عائشة....264

إجراءات طلحة والزبير في مكة ...266

دعوة عائشة أم سلمة إلى المشاركة في الحرب...273

مشادة بين عبد الله بن الزبير وأم سلمة...277

حكم خروج نساء النبي من بيوتهن...283

مظلومية عثمان !...286

اجتماع رؤوس الفتنة التشاوري....289

توفير تكاليف الحرب ...293

جمل خاص لعائشة...299

إعلام التحشيد ...302

العذر الأقبح من الذنب...302

خروج أصحاب الجمل وردود أفعال المهاجرين والأنصار...302

ميمونة وتشجيع الناس على نصرة الإمام علي علیه السلام...305

رسالة أم الفضل إلى الإمام علي علیه السلام...308

رسالة عقيل بن أبي طالب إلى أمير المؤمنين علیه السلام...309

الفصل الخامس: المتمردون في طريقهم إلى البصرة

بداية هموم الإمام علي علیه السلام...313

سعيد بن العاص يكشف عن قتلة عثمان...314

من هو المغيرة بن شعبة؟...316

عائشة وكلاب الحوأب...320

تثقيف النبي علیه السلام الناس بحادثة كلاب الحوأب ...325

ص: 521

لحظة تردد!...327

نقد الألباني لأدلة منكري حديث كلاب الحوأب...328

الألباني ونقد محب الدين الخطيب...331

محصلة كلام الألباني واعترافه الخطير....33

رسائل طلحة والزبير التحريضية إلى شخصيات البصرة...334

ظهور الخلاف في معسكر الجمل ...337

الاحتجاجات الجماهيرية على الخروج على حكم الإمام علي علیه السلام...337

الفصل السادس: تحرك جيش أمير المؤمنين علیه السلام صوب البصرة

وصول خبر نكث البيعة للإمام علي علیه السلام...341

عقد الإمام علیه السلام اجتماعاً تشاورياً ...342

رسالة مالك الأشتر إلى عائشة ...346

تحرك جيش أمير المؤمنين علیه السلام من المدينة...347

توضیح مقتل عثمان لأهل الكوفة ...350

ردّ أمير المؤمنين على شبهة قتل المسلمين ...351

قبيلة طي تعلن استعدادها للقتال...358

بعث محمد بن أبي بكر ومحمد بن جعفر إلى الكوفة وخيانة واليها...362

إرسال هاشم بن عتبة إلى الكوفة ....363

إرسال عبد الله بن عباس ومحمد بن أبي بكر إلى الكوفة...364

وصول خبر اعتقال عثمان بن حنيف وتعذيبه إلى الإمام...365

سماع الإمام خبر استشهاد حكيم بن جبلة....367

خطبة الإمامعلیه السلام في ذي قار....368

فلأنقبن الباطل حتى يخرج الحق من جنبه...369

إرساله الإمام الحسن علیه السلام وعمار بن ياسر لتعبئة أهل الكوفة...370

خطبة عمار في دعم أمير المؤمنين علیه السلام...371

ص: 522

مخالفة أبي موسى الأشعري الإمام الحسن علیه السلام و عماراً...373

نقد مخالفات أبي موسى الأشعري للإمام علي علیه السلام...377

موقف حجر بن عدي الداعم للإمام علیه السلام...380

محاكمة عبد خير الخولاني لأبي موسى الأشعري...381

التحق جيش الكوفة بالإمام علیه السلام وترحيب الإمام ...386

الإخبار عن الغيب بعدد جنود الكوفة...387

إخبار علي علیه السلام بالغيب وبشارته بالنصر...388

إخبار علي علیه السلام عن الغيب في ذي قار ...390

الفصل السابع: المتمردون في البصرة

جيش الجمل يعسكر قرب البصرة...395

إرسال رسول إلى الأحنف بن قيس...396

رسالة رؤوس الفتنة إلى عثمان بن حنيف...397

حب قادة الجمل للدنيا والرئاسة...399

رسالة عائشة إلى زيد بن صوحان...401

إرسال أول رسول إلى قادة الجمل ...403

عثمان بن حنيف يعلن جهاد الناكثين...411

خطبة عثمان بن حنيف وتوضيح ملابسات الفتنة...412

خطبة طلحة في المربد...413

الاحتجاجات الجماهيرية على طلحة والزبير...414

أين نساؤكما؟...416

نظرة فاحصة في كلام عائشة ...418

المواجهة الأولى مع أصحاب الجمل...419

المواجهة الثانية مع أصحاب الجمل...420

وثيقة الصلح بين عثمان بن حنيف وأصحاب الجمل...421

ص: 523

النقض الصريح لقادة الجمل ...422

اعتقال عثمان بن حنيف وتعذيبه...423

نهب بيت المال ...426

ظهور الخلافات بين أصحاب الجمل ...429

نهضة حكيم بن جبلة والجمل الصغرى....430

الإعلان عن سقوط البصرة واحتلالها...432

تحليل أكاذيب مثيري الفتنة ...438

كتاب عائشة إلى حفصة ...443

خطبة طلحة بعد احتلال البصرة...444

اعتراض موثق من قبل عبد الله بن حكيم...445

رد فعل طلحة على اعتراض عبد الله بن حكيم...447

احتجاجات شعبية واسعة على طلحة...447

الفصل الثامن: مساعي الإمام علي علیه السلام لمنع وقوع الحرب

لقاء الأحنف بن قيس أمير المؤمنين علیه السلام...457

إجراءات أمير المؤمنين علیه السلام لمنع وقوع الحرب ...459

فاتقي الله يا عائشة وارجعي إلى منزلك وأسبلي عليك بسترك...468

لحظة تفحص وتفكير...474

سياسة تشويه صورة الإمام علي علیه السلام...476

ملاحظات على رسالة الإمام علیه السلام إلى الزبير ...481

تحليل كلام الزبير ونقده...483

مسلم المجاشعي ثمرة إحياء الغدير ...492

إجراءات أصحاب الجمل المقابلة ...511

الفهرس ...519

ص: 524

تعريف مرکز

بسم الله الرحمن الرحیم
جَاهِدُواْ بِأَمْوَالِكُمْ وَأَنفُسِكُمْ فِي سَبِيلِ اللّهِ ذَلِكُمْ خَيْرٌ لَّكُمْ إِن كُنتُمْ تَعْلَمُونَ
(التوبه : 41)
منذ عدة سنوات حتى الآن ، يقوم مركز القائمية لأبحاث الكمبيوتر بإنتاج برامج الهاتف المحمول والمكتبات الرقمية وتقديمها مجانًا. يحظى هذا المركز بشعبية كبيرة ويدعمه الهدايا والنذور والأوقاف وتخصيص النصيب المبارك للإمام علیه السلام. لمزيد من الخدمة ، يمكنك أيضًا الانضمام إلى الأشخاص الخيريين في المركز أينما كنت.
هل تعلم أن ليس كل مال يستحق أن ينفق على طريق أهل البيت عليهم السلام؟
ولن ينال كل شخص هذا النجاح؟
تهانينا لكم.
رقم البطاقة :
6104-3388-0008-7732
رقم حساب بنك ميلات:
9586839652
رقم حساب شيبا:
IR390120020000009586839652
المسمى: (معهد الغيمية لبحوث الحاسوب).
قم بإيداع مبالغ الهدية الخاصة بك.

عنوان المکتب المرکزي :
أصفهان، شارع عبد الرزاق، سوق حاج محمد جعفر آباده ای، زقاق الشهید محمد حسن التوکلی، الرقم 129، الطبقة الأولی.

عنوان الموقع : : www.ghbook.ir
البرید الالکتروني : Info@ghbook.ir
هاتف المکتب المرکزي 03134490125
هاتف المکتب في طهران 88318722 ـ 021
قسم البیع 09132000109شؤون المستخدمین 09132000109.