كتاب الزكاة المجلد 2

هوية الكتاب

كتاب الزكاة الجزء الثاني

المؤلف: آیة الله الحاج السید حسن النبوی الچاشمی (رحمه اللّه)

تحقیق: السیدمحمد رضا و السید محمدحسین النبوی الچاشمی

منشورات : نورالحیات

الطبعة الاولی : 1444 ه. ق- 1402 ه.ش

تنضید الحروف: امید كاظمی

محرر الرقمي:محمد المنصوري

ردمك: 9-59-5985-622-978

ص: 1

اشارة

بِسْمِ اللَّهِ الرَّحْمَنِ الرَّحِيمِ

ص: 2

كتاب الزكاة

(المجلد الثاني)

تأليف:

آیة الله الحاج السید حسن النبوی الچاشمی (رحمه اللّه)

ص: 3

ص: 4

«فصل في أصناف المستحقين للزكاة»

«و مصارفها ثمانية» (1)

(1) بمقتضى الآية الكريمة و ادعاء الاجماع بين المسلمين، لكن في الشرايع عدها سبعة بجعل الفقير و المسكين صنفاً واحداً، لكن مقتضى الظاهر من الآية الشريفة و النصوص كونها ثمانية.

أما الآية: فقوله تعالى: {إنما الصدقات للفقراء و المساكين و العاملين عليها و المؤلفة قلوبهم و في الرقاب و الغارمين و في سبيل الله و ابن السبيل فريضة من الله و الله عليم حكيم}(1)

و أما النصوص: فالعمدة ما رواه الشيخ (رحمه اللّه) عن تفسير على بن ابراهيم أنه ذكر في تفسيره تفصيل هذه الثمانية الاصناف فقال: فسّر العالم (علیه السلام) فقال: الفقراء هم الذين لا يسألون لقول الله تعالى: {للفقراء الذين احصروا في سبيل الله لا يستطيعون ضرباً في الأرض يحسبهم الجاهل أغنياء من التعفف تعرفهم بسيماهم لا يسألون الناس إلحافاً} و المساكين هم أهل الزمانات قد دخل فيهم الرجال و النساء و الصبيان، و العاملين عليها هم السعاة و الجباة في أخذها و جمعها و حفظها حتى يؤدوها إلى من يقسمها، و المؤلفة قلوبهم، قال: هم قوم وحدوا الله و خلعوا عبادة من دون الله و لم تدخل المعرفة قلوبهم أنّ محمداً رسول الله (صلی الله علیه و آله و سلم) و كان رسول الله (صلی الله علیه و آله و سلم) يتألفهم و يعلمهم و يعرفهم كيما يعرفوا فجعل لهم نصيباً في الصدقات لكي يعرفوا و يرعووا، و في الرقاب قوم لزمتهم كفارات في قتل الخطأ و في الظهار و في الأيمان و في قتل الصيد في الحرم و ليس عندهم ما يكفرون و هم مؤمنون فجعل الله لهم سهماً في الصدقات لكيفر عنهم، و الغارمين قوم قد وقعت عليهم ديون أنفقوها في طاعة الله من غير اسراف فيجب على الامام (علیه السلام) أن يقضي عنهم و يفكهم من مال الصدقات و في سبيل الله قوم يخرجون

ص: 5


1- التّوبة / 60

«الأول و الثاني: الفقير و المسكين»

«الأول و الثاني: الفقير و المسكين و الثاني أسوأ حالاً من الأول» (1)

في الجهاد و ليس عندهم ما يتقوون به أو قوم من المؤمنين ليس عندهم ما يحجون به أو في جميع سبيل الخير فعلى الامام (علیه السلام) أن يعطيهم من مال الصدقات حتى يقووا على الحج و الجهاد، و ابن السبيل أبناء الطريق الذين يكونون في الأسفار في طاعة الله فيقطع عليهم و يذهب مالهم فعلى الامام أن يردّهم إلى أوطانهم من مال الصدقات.(1)

(1) الظاهر أنه لا اشكال في تغايرهما مفهوماً بين اللغويين فإنّ الفقير هو المحتاج و المسكين هو الذليل، إنما الخلاف في كون الفقير أحسن من المسكين أو العكس، قال الطريحي في المجمع: الفقير عند العرب المحتاج، قال الله تعالى: {والله الغنى و أنتم الفقراء}(2) و {و أنتم الفقراء إلى الله}(3) و المساكين من جهة الذلة فإن كان من جهة الفقر فهو مسكين، ثم نقل عن ابن سكيت: الفقير الذي له بلغة من العيش و المسكين الذي لا شيء له، و قال الاصمعي: المسكين أحسن حالا من الفقير، و قال يونس بالعكس من ذلك إلى أن قال: إنما الخلاف في أن أيهما أسوأ حالاً، فقال الفراء و تغلب و ابن السكيت: هو المسكين (و به قال أبوحنيفة) و وافقهم من علماء الشيعة الامامية رضوان الله عليهم منهم ابن الجنيد و سلار و الشيخ الطوسي في النهاية لقوله تعالى: {أو مسكيناً ذا متربة}(4) و هو المطروح على التراب لشدة الاحتياج و قال الاصمعي: الفقير أسوأ حالاً منه و به قال الشافعي و وافقه من الامامية المحقق ابن ادريس الحلي و الشيخ أبوجعفر الطوسي (رحمه اللّه) في المبسوط و الخلاف لأن الله بدأ به في

ص: 6


1- الوسائل، الباب 1 من أبواب المستحقّين للزّكاة، الحدیث: 7
2- محمّد / 38
3- فاطر / 15
4- البلد / 16

«و الفقير الشرعي من لا يملك مؤنة السنة له و لعياله و الغنى الشرعي بخلافه» (1)

آية الزكاة ثم نقل عن الشيخ (رحمه اللّه) أن الحق أن المسكين أسوأ حالا من الفقير إلى آخر انتهى موضع الحاجة.

هذه كله على حسب كلمات اللغويين.

أما الروايات الواردة في المقام: فالمستفاد منها أنّ المسكين أسوأ حالاً من الفقير كما أفاده الشيخ في المبسوط لاحظ ما رواه محمد بن مسلم عن أحدهما‘ أنه سأله عن الفقير و المسكين، فقال: الفقير الذي لا يسأل و المسكين الذي هو أجهد منه الذي يسأل(1)

و ما رواه أبوبصير يعنى ليث بن البختري قال: قلت لأبي عبدالله (علیه السلام): قول الله عزوجل: {إنما الصدقات للفقراء و المساكين} قال: الفقير الذي لا يسأل الناس و المسكين أجهد منه و البائس أجهدهم، الحديث(2) و منها ما رواه علي بن ابراهيم.(3)

(1) الأقوال في هذا الفرع ثلاثة:

القول الأول: ما أفاده الماتن (رحمه اللّه) و هو المشهور بين الأعلام و استدل على ذلك بما رواه أبوبصير قال: سمعت أباعبدالله (علیه السلام) يقول: يأخذ الزكاة صاحب السبعمائة إذا لم يجد غيره، قلت: فإن صاحب السبعمائة تجب عليه الزكاة قال: زكاته صدقة على عياله و لا يأخذها إلّا أن يكون إذا اعتمد على السبعمائة أنفدها في أقل من سنة فهذا يأخذها و لا تحل الزكاة لمن كان محترفاً و عنده ما تجب فيه الزكاة أن يأخذ الزكاة(4)

ص: 7


1- الوسائل، الباب 1 من أبواب المستحقّين للزكاة، الحدیث: 2
2- نفس المصدر، الحدیث: 3
3- نفس المصدر، الحدیث: 7
4- الوسائل، الباب 8 من أبواب المستحقّين للزكاة، الحدیث: 1

بتقريب أن المستفاد من الرواية أن السبعمائة إذا لم تكن كافية لمؤنة سنته يجوز له أخذ الزكاة و إلّا فلا.

و بعبارة واضحة أنه متى كان يملك سبعمائة درهم و هي موضوعة عنده إلّا أنه متى أقبل عليها و أنفق منها لم تكفه لمؤنة سنته فإنه يجوز له أخذ الزكاة، و ما رواه سماعة قال: سألت أباعبدالله (علیه السلام) عن الزكاة هل تصلح لصاحب الدار و الخادم فقال: نعم إلّا أن تكون داره دار غلة فخرج له من غلتها دراهم ما يكفيه لنفسه و عياله فإن لم تكن الغلة تكفيه لنفسه و عياله في طعامهم و كسوتهم و حاجتهم من غير اسراف فقد حلت له الزكاة فإن كانت غلتها تكفيهم فلا(1) فإن الظاهر منه أن من له دار ينفع من غلته ما يكفيه فهو الغني و إلّا فهو فقير يجوز له أخذ الزكاة و الظاهر من قوله (علیه السلام): «فإن لم تكن الغلة تكفيه لنفسه و عياله في طعامهم و كسوتهم و حاجتهم» هو كفاية السنة عرفاً و لذا لا يقال عرفاً لمن يملك قوت ستة أشهر أنّ عنده ما يكفيه.

و منها ما رواه معاوية بن وهب قال: سألت أباعبدالله (علیه السلام) عن الرجل يكون له ثلاثمائة درهم أو أربعمائة درهم و له عيال و هو يحترف فلا يصيب نفقته فيها أيكب فيأكلها و لا يأخذ الزكاة أو يأخذ الزكاة؟ قال: لا بل ينظر إلى فضلها فيقوت بها نفسه و من وسعه ذلك من عياله و يأخذ البقية من الزكاة و يتصرف بهذه لا ينفقها(2) فإن الظاهر من المؤنة، مؤنة السنة.

و الحاصل: أنّ المستفاد من هذه الروايات ما ذهب إليه المشهور و بينه الماتن (رحمه اللّه).

القول الثاني: و هو المنسوب إلى الشيخ (رحمه اللّه) من أن الغني من يملك أحد النصب الزكوية عيناً أو قيمةً و استدل عليه بجملة من الروايات الدالة على أن الله تبارك و تعالى جعل

ص: 8


1- الوسائل، الباب 9 من أبواب المستحقّين للزكاة، الحدیث: 1
2- الوسائل، الباب 12 من أبواب المستحقّين للزّكاة، الحدیث: 1

«فمن كان عنده ضيعة أو عقار أو مواشٍ أو نحو ذلك تقوم بكفايته و كفاية عياله في طول السنة لا يجوز له أخذ الزكاة و كذا إذا كان له رأس مال يقوم ربحه بمؤنته أو كان له من النقد أو الجنس ما يكفيه و عياله و إن كان لسنة واحدة و أما إذا كان أقل من مقدار كفاية سنته يجوز له أخذها و على هذا فلو كان عنده بمقدار الكفاية و نقص عنه بعد صرف بعضه في أثناء السنة يجوز له الأخذ و لا يلزم أن يصبر إلى آخر السنة حتى يتم ما عنده ففي كل وقت ليس عنده مقدار الكفاية المذكورة يجوز له الأخذ و كذا لا يجوز لمن كان ذا صنعة أو كسب يحصل منهما مقدار مؤنته و الأحوط عدم أخذ القادر على الاكتساب إذا لم يفعل تكاسلاً»(1)

في أموال الأغنياء للفقراء ما يكفيهم.

و فيه: أنّ هذه الروايات ليست في صدد بيان مفهوم الغني و الفقير بوجه بل هي بصدد بيان وجوب أداء الزكاة التي لا تتعلق غالباً إلّا بالأغنياء، و بعبارة واضحة أنها في صدد بيان أن الغني تجب عليه الزكاة لا أن من تجب عليه الزكاة فهو الغني.

القول الثالث: أنّ المدار في الغني كون الشخص قادراً على الكفاية مستمراً مادام الحياة و الظاهر أنه لا دليل على هذا القول.

(1) حاصل ما أفاده (رحمه اللّه) في المتن يتصور بصور:

الصورة الاولى: أن يكون الشخص فقير بحيث لا يملك شيئاً أصلاً ما عدا قوت يومه و هذا لا اشكال في جواز أخذه الزكاة بمقدار مؤنة السنة أو أكثر منه على خلاف يأتي.

ص: 9

و الحاصل: أنه لا اشكال في جواز أخذه الزكاة.

الصورة الثانية: أن يكون له مال من جنس أو نقد، لكن لا يفي بمؤنته فهو أيضاً لا اشكال في جواز أخذه الزكاة لتتميم مؤنته بل لو كان عنده مؤنة سنته، لكن بعد صرفه مقداراً منه و لو خلال أيام نقصت عن مؤنة سنته جاز له الأخذ حينئذٍ و لا يلزم الصبر إلى آخر السنة لتبدل الموضوع بذلك فصار فقيراً بعد أن كان غنياً.

الصورة الثالثة: أن يكون له مال أعده للاستفادة من منافعه لا للتجارة و حينئذٍ إذا كان ذلك الربح كافٍ لمؤنته و مؤنة عياله اللائقة بحاله لا تحل له الزكاة و إلّا فيجوز كما هو مقتضى حديث سماعة المتقدم ذكره.

الصورة الرابعة: يكون له مال لكن أعده للتجارة و يتعاوض العين بعين أخرى و يتبدل حتى يربح و حينئذٍ إذا كان الربح الحاصل وافياً بمؤنته يكون غنياً لا يجوز له أخذ الزكاة و أما إذا لم يكن الربح وافياً لكن مجرد رأس ماله كافٍ عن مؤنته فهل يجوز له الأخذ أم لا؟ نسب إلى الشيخ (رحمه اللّه) الجواز، استدل على مدعاه بما رواه معاوية بن وهب المتقدم ذكره بتقريب أنّ الامام (علیه السلام) لم يفصل بين كون رأس المال وافياً بمؤنته أم لا؟، بل يمكن أن يقال: إنه ناظر إلى كونه وافياً إذ الثلاثمائة درهم أو الاربعمائة يكون وافياً غالباً و مع ذلك الامام (علیه السلام) حكم بجواز الأخذ في صورة عدم كون الفضل وافياً بمؤنته خصوصاً مع النظر إلى قوله (علیه السلام): «بل ينظر إلى فضلها» حيث جعل المعيار النظر إلى الفضل و الربح و لم يجعل المقدار المذكور من رأس المال معياراً في كونه وافياً أم لا، و يدل على ما ذكر غيرها من الروايات لاحظ ما رواه اسماعيل بن عبدالعزيز عن أبيه قال: دخلت أنا و أبوبصير على أبي عبدالله (علیه السلام) فقال له أبوبصير: إنّ لنا صديقاً، -إلى أن قال- و له دار تسوى أربعة آلاف درهم و له جارية و له غلام يستقى على الجمل كل يوم ما بين الدرهمين إلى الاربعة سوى علف الجمل و له عيال أ له أن يأخذ من الزكاة؟ قال: نعم.

ص: 10

قال: و له هذه العروض؟ فقال: يا أبامحمد فتأمرني أن آمره ببيع داره و هي عزه و مسقط رأسه أو ببیع خادمه الذي يقيه الحر و البرد و يصون وجهه و وجه عياله أو آمره أن يبيع غلامه و جمله و هو معيشته و قوته بل يأخذ الزكاة فهي له حلال و لا يبيع داره و لا غلامه و لا جمله(1)

و ما رواه هارون بن حمزة قال: قلت لأبي عبدالله (علیه السلام): يروي عن النبي (صلی الله علیه و آله و سلم) أنه قال: لا تحل الصدقة لغني و لا لذي مرة سوى. فقال: لا تصلح لغني. قال: فقلت له: الرجل يكون له ثلاثمائة درهم في بضاعة و له عيال فإن أقبل عليها أكلها عياله و لم يكتفوا بربحها، قال: فلينظر ما يستفضل منها فليأكله هو و من يسعه ذلك و ليأخذ لمن لم يسعه من عياله(2)

و ما رواه أبوبصير قال: سألت أباعبدالله (علیه السلام) عن رجل له ثمانمائة درهم و هو رجل خفاف و له عيال كثير أ له أن يأخذ من الزكاة فقال: يا أبامحمد أيربح في دراهمه ما يقوت به عياله و يفضل، قال: نعم، قال: كم يفضل؟ قال: لا أدري. قال: إن كان يفضل عن القوت مقدار نصف القوت فلا يأخذ الزكاة و إن كان أقل من نصف القوت أخذ الزكاة. قال: قلت: فعليه في ماله زكاة تلزمه؟ قال: بلى. قال: قلت: كيف يصنع؟ قال: يوسع بها على عياله في طعامهم و كسوتهم و يبقى منها شيئاً يناوله غيرهم و ما أخذ من الزكاة فضه على عياله حتى يلحقهم بالناس.(3)

الصورة الخامسة: أن يكون له حرفة يتعيش بها و حينئذٍ إذا كانت الحرفة وافية بمؤنته ومونة عياله فلا يجوز له الأخذ و إلّا فيجوز و يدل على ما ذكر أولاً صدق العرفي حيث أن العرف يراه غنياً أي كونه ذا مال وافٍ بمونته فلا ينطبق عليه عنوان الفقير، و

ص: 11


1- الوسائل، الباب 9 من أبواب المستحقّين للزّكاة، الحدیث: 3
2- الوسائل، الباب 12 من أبواب المستحقّين للزّكاة ، الحدیث: 4
3- الوسائل، الباب 8 من أبواب المستحقّين للزّكاة، الحدیث: 4

ثانياً طائفة من الروايات الدالة على ما ذكرنا لاحظ ما رواه عن أبي بصير قال سمعت أبا عبدالله (علیه السلام) يقول يأخذ الزكاة صاحب السبعمائة إذا لم يجد غيره قلت فإن صاحب السبعمائة تجب عليه الزكاة قال زكاته صدقةٌ على عياله و لا يأخذها إلا أن يكون إذا اعتمد على السبعمائة أنفدها في أقل من سنة فهذا يأخذها و لا تحل الزكاة لمن كان محترفاً و عنده ما تجب فيه الزكاة (أن يأخذ الزكاة)(1)

و ما رواه زرارة بن أعين عن أبي جعفر (علیه السلام) قال: سمعته يقول: إن الصدقة لا تحل لمحترف و لا لذي مرة سوى قوي فتنزهوا عنها(2)

و ما رواه زرارة عن أبي جعفر (علیه السلام) قال: قال رسول الله (صلی الله علیه و آله و سلم): لا تحل الصدقة لغني و لا لذي مرة سوى و لا لمحترف و لا لقوي. قلنا: ما معنى هذا؟ قال: لا يحل له أن يأخذها و هو يقدر على أن يكف نفسه عنها(3).

الصورة السادسة: ما يكون الشخص قادراً على الاكتساب لكن لم يفعل تكاسلاً ففي هذه الصورة احتاط الماتن (رحمه اللّه) بعدم الأخذ و عن الجواهر الجواز بعد الاشكال «حيث قال (رحمه اللّه): و أما إذا لم يكن محترفاً فعلاً إلّا أنه قابل لاكتساب ذلك فلا يخلو من اشكال» ينشأ من اختلاف عبارات الأصحاب في المقام لظهور جملة منها في اعتبار كونه محترفاً فعلاً ثم نقل عبارات الأصحاب كالشيخ و العلامة و الشهيد الأول في الدروس و كذا العبارات الدالة على كفاية القدرة على الكسب كعبارة ابن ادريس في السرائر بل نقل عن المدارك نسبة الشهرة إلى الاكتفاء بالقدرة على الاكتساب، ثم بعد ذلك نقل النصوص المتعددة الدالة على جواز الأخذ إذا لم يكن محترفاً حيث استظهر منها كون الشخص محترفاً فعلاً.

ص: 12


1- الوسائل، الباب 8 من أبواب المستحقّين للزّكاة، الحدیث: 1
2- نفس المصدر، الحدیث: 2
3- نفس المصدر، الحدیث: 8

لكن الظاهر من النصوص أن القدرة كافية لاحظ ما رواه زرارة المتقدم(1)

و في إزاء هذه الرواية رواية رواها الصدوق، قال: و قيل للصادق (علیه السلام): إنّ الناس يروون عن رسول الله (صلی الله علیه و آله و سلم) أنه قال: إن الصدقة لا تحل لغنى و لا لذي مرة سوي. فقال: قد قال لغني و لم يقل لذي مرة سوي(2) لعلها معارضة لها.

و مثلها ما عن معاني الأخبار: قال: و في حديث آخر عن الصادق (علیه السلام) أنه قال: قد قال رسول الله (صلی الله علیه و آله و سلم): إنّ الصدقة لا تحل لغني و لم يقل: و لا لذي مرة سوي(3)

لكن أجاب عنها المحقق الخوئى (قدس سره ): أولاً بأنّ السند ضعيف بالارسال، و ثانياً أنّ الامام (علیه السلام) لم ينكر الحكم بل أنكر القول فلا ينافي ثبوت الحكم بدليل آخر بل يمكن أن يقال: إن الامام (علیه السلام) اقتصر في بيانه على مجرد قول رسول الله (صلی الله علیه و آله و سلم) «لا تحل لغني» نظراً إلى صدق الغنى على ذي مرة سوي كما قد تشير إليه صحيحة معاوية بن وهب(4) حيث اقتصر على بيان الحكم و ان الصدقة لا تصلح للغنى ايعازاً إلى شمول الحكم لذيمرة سوي لأنه من مصاديقه و ثالثاً أنها معارضة بصحيحة زرارة(5) المصرحة باسناد تلك الجملة إلى رسول الله (صلی الله علیه و آله و سلم) من الامام أبي جعفر (علیه السلام) و كيف كان، حكم الصادق المصدق (علیه السلام) بالمنع كافٍ في المقام هذا كله إذا كان قادراً و لم يكتسب تكاسلاً و أما إذا لم يكتسب لعدم كونه في أوانه كما إذا كان الاكتساب موقتاً بوقت خاص و هو تكاسل في وقته و الآن لم يكن الكسب مقدوراً له فهو حينئذٍ فقير و ليس له كسب آخر حتى يتعيش به فالظاهر أنه يجوز له الأخذ.

ص: 13


1- الوسائل، الباب 8 من أبواب المستحقّين للزّكاة، الحدیث: 8
2- نفس المصدر، الحدیث: 5
3- نفس المصدر، الحدیث: 9
4- نفس المصدر، الحدیث: 3
5- نفس المصدر، الحدیث: 8

«مسألة1: لو كان له رأس مال لا يقوم ربحه بمؤنته لكن عينه تكفيه لا يجب عليه صرفها في مؤنته بل يجوز له ابقاؤه للاتجار به و أخذ البقية من الزكاة و كذا لو كان صاحب صنعة تقوم آلاتها أو صاحب ضيعة تقوم قيمتها بمؤنته و لكن لا يكفيه الحاصل منهما، لا يجب عليه بيعها و صرف العوض في المؤنة بل يبقيها و يأخذ من الزكاة بقية المؤنة» (1)

«مسألة2: يجوز أن يعطى الفقير أزيد من مقدار مؤنة سنته دفعة فلا يلزم الاقتصار على مقدار مؤنة سنة واحدة و كذا في الكاسب الذي لا يفي كسبه بمؤنة سنته أو صاحب الضيعة التي لا يفي حاصلها أو التاجر الذي لا يفي ربح تجارته بمؤنة سنته فلا يلزم الاقتصار على اعطاء التتمة بل يجوز دفع ما يكفيه لسنين بل يجوز جعله غنياً عرفياً و إن كان الأحوط الاقتصار» (2)

(1) قد تقدم الكلام فيه في صورة الرابعة من الفروع السابقة فلاحظ.

(2) هذا هو المشهور بين الأعلام كما في الجواهر و استدل عليه باطلاق النصوص الدالة على الترخیص في الإعطاء حتى حدّ الإغناء لاحظ ما رواه سعيد بن غزوان عن أبي عبدالله (علیه السلام) قال: تعطيه من الزكاة حتى تغنيه(1)

و ما رواه أيضاً عن أبي عبدالله (علیه السلام) قال: سألته كم يعطى الرجل الواحد من الزكاة؟ قال: أعطه من الزكاة حتى تغنيه(2)

و ما رواه عمار بن موسى عن أبي عبدالله (علیه السلام) أنه سئل كم يعطى الرجل من الزكاة؟

ص: 14


1- الوسائل، الباب 24 من أبواب المستحقّين للزّكاة، الحدیث: 1
2- نفس المصدر، الحدیث: 5

قال: قال أبوجعفر (علیه السلام): إذا أعطيت فاغنه(1)

و ما رواه اسحاق بن عمار عن أبي الحسن موسى (علیه السلام) قال: قلت له: اعطى الرجل من الزكاة ثمانين درهماً؟ قال: نعم و زده. قلت: اعطيته مائة؟ قال: نعم و اغنه إن قدرت أن تغنيه(2)

و ما رواه أيضاً قال: قلت لأبي عبدالله (علیه السلام) اعطى الرجل من الزكاة مائة درهم؟ قال: نعم. قلت: مائتين؟ قال: نعم. قلت: ثلاثمائة؟ قال: نعم. قلت: أربعمائة؟ قال: نعم. قلت: خمسمائة؟ قال: نعم، حتى تغنيه(3).

أورد عليه المحقق الخوئي (قدس سره )(4) بأن المراد بالغنی في الروايات ما يقابل الفقر الذي من أجله كان مصرفاً للزكاة فبقرينة المقابلة يراد به ما يخرجه من تلك الصفة المصرفية فلا محالة يكون المراد من الغنى، الغنى الشرعي المفسر في الرواية بمالكية الشخص مؤنة سنته دون الغنى العرفي كي يجوز له الإعطاء أضعافاً مضاعفة فالروايات قاصرة الشمول لما ذكره المشهور.

لكن التحقيق أن يقال: إنّ الموضوع لهذه الروايات هو الفقير فهو موضوع لجواز الإعطاء حتى صار غنياً عرفاً و أما الغنى الشرعي فهو المانع عن الإعطاء لا ربط له بهذا الأمر أصلا.

و الحاصل: أنّ الشارع الأقدس بيّن الغنى و عرفه ليكون مانعاً عن الإعطاء و أما موضوع الإعطاء و هو الفقير الشرعي فلم يبين الشارع محدودية الإعطاء بمقدار خاص بل أحال إلى العرف في مفهوم الغناء.

ص: 15


1- الوسائل، الباب 24 من أبواب المستحقّين للزّكاة، الحدیث: 4
2- نفس المصدر، الحدیث: 3
3- نفس المصدر، الحدیث: 7
4- موسوعه آیت الله خویی (رحمه اللّه) جلد 24 صفحه 25

و يؤيد ما ذكرنا ما رواه زياد بن مروان (القندي) عن أبي الحسن موسى (علیه السلام) قال: أعطه ألف درهم(1)

و في قبال القول المشهور قول بجواز الإعطاء بمقدار مؤنة سنته فقط و استدل لهذا القول بوجهين:

الوجه الأول: أن الزكاة إنما شرعت لسدّ الحاجة و رفع الفاقة عن الفقراء و هذا لا يقتضى أكثر من ذلك فالملاك في تشريع الزكاة إنما هو رفع حاجة الفقراء و ارتفاع الفقر عنهم و هذا إنما يكون بالإعطاء بمقدار مؤنة سنة واحدة و يؤيد ذلك الروايات(2) الدالة على أن الله تبارك و تعالى جعل للفقراء في أموال الأغنياء ما يكفيهم و ما يكتفون به و لو علم أنّ الذي فرض لهم لا يكفيهم لزادهم فإنّ الظاهر من الكفاية كفاية مؤنة سنته.

يتوجه عليه: إن احراز الملاك ليس بأيدينا فإن العقول لا تناله و أما الروايات المشار إليها فهي ليست بصدد بيان مقدار الإعطاء فلاحظ.

الوجه الثاني: الروايات الدالة على جواز أخذ التتمة من الزكاة كحديث معاوية بن وهب قال: سألت أبا عبدالله (علیه السلام) عن الرجل يكون له ثلاثمائة درهم أو أربعمائة درهم و له عيالٌ و هو يحترف فلا يصيب نفقته فيها أ يكب فيأكلها و لا يأخذ الزكاة أو يأخذ الزكاة قال لا بل ينظر إلى فضلها فيقوت بها نفسه و من وسعه ذلك من عياله و يأخذ البقية من الزكاة و يتصرف بهذه لا ينفقها.(3)

ص: 16


1- الوسائل، الباب 24 من أبواب المستحقّين للزّكاة، الحدیث: 6
2- الوسائل، الباب 41 من أبواب المستحقّين للزّكاة، الحدیث: 2 وكذا باب 1 من ابواب من تجب فیه الزكاة و ما تستحب فیه، الحدیث: 9
3- الوسائل، الباب 12 من أبواب المستحقّين للزّكاة، الحدیث: 1

و عن هارون بن حمزة قال: قلت لأبي عبدالله (علیه السلام) يروى عن النبي (صلی الله علیه و آله و سلم) -أنه قال لا تحل الصدقة لغني- و لا لذي مرة سوي فقال لا تصلح لغني قال فقلت له الرجل يكون له ثلاثمائة درهم في بضاعة و له عيالٌ فإن أقبل عليها أكلها عياله و لم يكتفوا بربحها قال فلينظر ما يستفضل منها فليأكله هو و من يسعه ذلك و ليأخذ لمن لم يسعه من عياله.(1)

و موثقة سماعة قال: سألت أبا عبدالله (علیه السلام) عن الزكاة هل تصلح لصاحب الدار و الخادم فقال نعم إلا أن تكون داره دار غلة فخرج له من غلتها دراهم ما يكفيه لنفسه و عياله فإن لم تكن الغلة تكفيه لنفسه و عياله في طعامهم و كسوتهم و حاجتهم من غير إسراف فقد حلت له الزكاة فإن كانت غلتها تكفيهم فلا.(2)

بتقريب أنّ المستفاد من هذه النصوص الواردة في ذي الكسب القاصر، جواز أخذ التتمة من الزكاة و أما الزائد فلا، بل يمكن أن يستدل على هذا القول بما رواه أبوبصير قال: قلت لأبي عبدالله (علیه السلام): إنّ شيخاً من أصحابنا يقال له عمر سأل عيسى بن أعين و هو محتاج، فقال له عيسى بن أعين: أما إنّ عندي من الزكاة و لكن لا اعطيك منها. فقال له: و لِمَ؟ فقال: لأني رأيتك اشتريت لحماً و تمراً فقال: إنما ربحت درهماً فاشتريت بدانقين لحماً و بدانقين تمراً ثم رجعت بدانقين لحاجة قال: فوضع أبوعبدالله (علیه السلام) يده على جبهته ساعة ثم رفع رأسه ثم قال: إن الله نظر في أموال الأغنياء ثم نظر في الفقراء فجعل في أموال الأغنياء ما يكتفون به و لو لم يكفهم لزادهم بلى فليعطه ما يأكل و يشرب و يكتسى و یتزوج و يتصدق و يحج(3) حيث اقتصر (علیه السلام) على ما يحتاج إليه نوع الانسان من مؤنة السنة و الامام (علیه السلام) حيث إنه في مقام البيان

ص: 17


1- الوسائل، الباب 12 من أبواب المستحقّين للزّكاة، الحدیث: 4
2- الوسائل، الباب 9 من أبواب المستحقّين للزّكاة، الحدیث: 1
3- الوسائل، الباب 41 من أبواب المستحقّين للزّكاة، الحدیث: 2

يكون الحديث دالاً على عدم الجواز بالنسبة إلى الزائد منها، و يدل على ما ذكر ما رواه الحسين بن علوان عن جعفر عن أبيه أن علياً (علیهم السلام) كان يقول: يعطى المستدينون من الصدقة و الزكاة دينهم كل ما بلغ إذا استدانوا في غير سرف فأما الفقراء فلا يزاد أحدهم على خمسين درهماً و لا يعطى أحد له خمسون درهماً أو عدلها من الذهب(1).

أقول: إن مورد هذه الروايات من قصر كسبه عن مؤنة سنته أو قصر ماله، فلا تدل على عدم جواز الأكثر ممن ليس كذلك بل لا تدل على عدم الجواز في موردها أيضاً و لنعم ما قال صاحب الحدائق (رحمه اللّه): و أما القول الآخر أي قبال المشهور فلم أقف على حجة، و أحسن منه ما أفاده المحقق الهمداني (رحمه اللّه): أنه لا ينبغي الالتفات إلى شيء من مثل هذه الإشعارات الغير البالغة مرتبة الدلالة في مقابل المعتبرة المستفيضة المتقدمة(2) بل قال (رحمه اللّه): إن بعض الأخبار المزبورة كرواية أبي بصير نص في جواز أخذ الفقير من الزكاة زائداً عما يحتاج إليه في أكله و شربه و كسوته بمقدار ما يتمكن من التزويج و الصدقة و الحج و ذكر هذه الامور في الرواية جارٍ مجرى التمثيل اُريد به بيان جواز تناول الفقير من الزكاة زائداً عن ضروريات معاشه بمقدار ما يتمكن معه من القيام بمثل هذه المصارف العظيمة من غير ضرورة عرفية ملجئة إليها، إلى آخر.

و الحق: أن ما أفاده متين جداً ولقد أفاده (رحمه اللّه) فوق المراد فشكر الله سعيه.

نعم في رواية ابن علوان ما يدل على عدم جواز الإعطاء أكثر من خمسين درهماً، لكن لا يعلم الوجه فيه من حصول الكفاية في السنة بذلك فلا يعطى مرة اخرى كما نبّه عليه صاحب الوسائل أو عدم جواز الأكثر و لو فرض أنّ هذا المقدار لم يكن كافياً أو أنه يجوز الإعطاء بهذا المقدار و لو كان زائد عن الكفاية تعبداً فلم نر وجهه.

ص: 18


1- الوسائل الباب 24 من أبواب المستحقّين للزّكاة ، الحدیث: 10
2- مصباح الفقیه جلد 14 (طبع جدید) صفحه 508

«نعم لو أعطاه دفعات لا يجوز بعد أن حصل عنده مؤنة السنة أن يعطى شيئاً و لو قليلاً مادام كذلك» (1)

«مسألة3: دار السكنى و الخادم و فرس الركوب المحتاج إليها بحسب حاله و لو لعزه و شرفه لا يمنع من إعطاء الزكاة و أخذها» (2)

و على أي تقدير لو تعارض بين هذه الرواية و الروايات الواردة في جواز الإعطاء حد الغنى، يكون الترجيح مع الطائفة الثانية لأنّ فيها أحدث لاحظ ما رواه عن إسحاق بن عمار عن أبي الحسن موسى (علیه السلام) قال: قلت له أعطي الرجل من الزكاة ثمانين درهماً قال نعم و زده قلت أعطيه مائةً قال نعم و أغنه إن قدرت أن تغنيه.(1) .

(1) لصيرورته غنياً بالدفعة الاولى فلا يجوز له الأخذ كما هو واضح.

(2) بلا خلاف أجده فيه كما في الجواهر بل ادعى تحصيل الاجماع عليه و يدل عليه ما رواه عبد العزيز عن أبيه قال: دخلت أنا و أبو بصير على أبي عبدالله (علیه السلام) فقال له أبو بصير إن لنا صديقاً إلى أن قال و له دارٌ تسوى أربعة آلاف درهم و له جاريةٌ و له غلامٌ يستقي على الجمل كل يوم ما بين الدرهمين إلى الأربعة سوى علف الجمل و له عيالٌ أ له أن يأخذ من الزكاة قال نعم قال و له هذه العروض فقال يا أبا محمد فتأمرني أن آمره ببيع داره و هي عزه و مسقط رأسه (أو ببيع خادمه الذي يقيه) الحر و البرد و يصون وجهه و وجه عياله أو آمره أن يبيع غلامه و جمله و هو معيشته و قوته بل يأخذ الزكاة فهي له حلالٌ و لا يبيع داره و لا غلامه و لا جمله.(2)

و ما رواه عن سماعة قال: سألت أبا عبدالله (علیه السلام) عن الزكاة هل تصلح لصاحب الدار و الخادم فقال نعم إلا أن تكون داره دار غلة فخرج له من غلتها دراهم ما يكفيه لنفسه

ص: 19


1- الوسائل، الباب 24 من أبواب المستحقّين للزّكاة، الحدیث: 3
2- الوسائل، الباب 9 من أبواب المستحقّين للزّكاة، الحدیث: 3

«بل و لو كانت متعددة مع الحاجة إليها و كذا الثياب و الألبسة الصيفية و الشتوية السفرية و الحضرية و لو كانت للتجمل» (1)

«و أثاث البيت من الفروش و الظروف و سائر ما يحتاج إليه فلا يجب بيعها في المؤنة بل لو كان فاقداً لها مع الحاجة جاز أخذ الزكاة لشرائها»(2)

«و كذا يجوز أخذها لشراء الدار و الخادم و فرس الركوب و الكتب العلمية و نحوها مع الحاجة إليها» (3)

و عياله فإن لم تكن الغلة تكفيه لنفسه و عياله في طعامهم و كسوتهم و حاجتهم من غير إسراف فقد حلت له الزكاة فإن كانت غلتها تكفيهم فلا.(1)

و يؤيده ما رواه ابن اذينة عن غير واحد عن أبي جعفر و أبي عبدالله‘ أنهما سئلا عن الرجل له دار و خادم أو عبد أ يقبل الزكاة؟ قالا: نعم، إن الدار و الخادم ليسا بمال(2)

فإن المستفاد من تلك النصوص أن المدار في الفقر هو الاحتياج فإذا كانت الحاجة ماسة إليه، كانت من لوازم المعيشة و لو باعتبار حفظ عزه و شرفه جاز له أخذ الزكاة و لا يجب عليه بيعها.

(1) كل ذلك بملاك الذي ذكرناه من أنه مما يحتاج إليه لمؤنته و لو كان لحفظ شرفه.

(2) لأنها من جملة النفقة.

(3) كل ذلك بملاك واحد كما ذكرنا.

ص: 20


1- الوسائل، الباب 9 من أبواب المستحقّين للزّكاة، الحدیث: 1
2- نفس المصدر، الحدیث: 2

«نعم، لو كان عنده من المذكورات أو بعضها أزيد من مقدار حاجته بحسب حاله وجب صرفه في المؤنة بل إذا كانت عنده دار تزيد عن حاجته و أمكنه بيع المقدار الزائد منها عن حاجته وجب بيعها» (1)

«بل لو كانت له دار تندفع حاجته بأقل منها قيمة فالأحوط بيعها و شراء الأدون و كذا في العبد و الجارية و الفرس» (2)

(1) و الوجه فيه أنّ الادلة منصرفة عن مثل هذه الصورة كموثقة سماعة بل يمكن أن يؤيد ذلك بما رواه عبدالعزيز المتقدم من أنّ الملاك في الاستثناء إنما هو كون ذلك عزاً و شرفاً للمرء فإذا فرضنا أن بيع الدار الزائد من مقدار الحاجة في دار واحدة لا ينافي عز المرء و شرفه، لم يكن دليلاً على استثنائه إلّا أن يقال إن رواية ابن اذينة مطلقة، لكن الرواية ضعيفة و إلّا فالاطلاق محكم و أما رواية عبدالعزيز فضعيفة.

(2) الفرق بين الفرعين بالكم و الكيف، ففي الأول كمية الدار زائدة على مقدار الحاجة و في الثاني كيفيتها الناشئة عن غلاء القيمة و الماتن حكم في الأول بوجوب البيع جزماً و في الثاني احتاط في الحكم تبعاً لصاحب المدارك حيث قال على ما حكي عنه أنه لو كانت دار السكنى تزيد عن حاجته بحيث تكفيه قيمته الزيادة حولاً و أمكنه بيعها منفردة فالأظهر خروجه عن حدّ الفقر أما لو كانت حاجته تندفع بأقل منها قيمة فالأظهر أنه لا يكلف بيعها و شراء الأدون لاطلاق النص و لما في التكليف من العسر و المشقة، انتهى.

لكن يمكن أن يقال: إنّ اطلاق حديث ابن اذينة و موثقة سماعة عدم الوجوب كما في الفرع السابق إلّا أن يدعى الانصراف كما في بعض الكلمات و كذا إذا كان البیع عسراً عليه فإنه لا فرق بين الزيادة العينية و زيادة القيمة، إلّا أن يقال إن المستفاد من حديث سماعة إن الدار إذا كانت بمقدار يوجب منافعها خروج الشخص عن عنوان الفقر

ص: 21

«مسألة4: إذا كان يقدر على التكسب لكن ينافي شأنه كما لو كان قادراً على الاحتطاب و الاحتشاش الغير اللائقين بحاله يجوز له أخذ الزكاة و كذا إذا كان عسراً و مشقة من جهة كبر أو مرض أو ضعف فلا يجب عليه التكسب حينئذٍ» (1)

فالزيادة العينية لو لم يكن أقوى فلا أقل مثلها، مضافاً إلى أن حديث ابن اذينة ضعيف للارسال و كذا رواية عبدالعزيز لعدم وثاقته.

(1) و استدل على ذلك بامور:

الأول: إن الأدلة الدالة على وجوب الاحتراف و أنّ من هو ذامرة سوي لا يجوز له أخذ الزكاة، منصرفة عن مثل المقام مما كانت نوعية الاكتساب غير لائقة بحاله فلا يصدق عليه عنوان ذي مرة سوي.

الثاني: أدلة العسر و الحرج تنفي الوجوب فإن التصدي لمثل هذا الكسب و تحمل الذل و الوهن، فيه مشقة عظيمة و حرج شديد جداً فله أخذ الزكاة كي لا يقع في هذه الورطة هنا.

و لكن يمكن أن يقال: إنّ المستفاد من أدلة الحرج، نفي وجوب الاكتساب و أما اثبات الفقر الذي هو موضوع لجواز أخذ الزكاة فلا تثبته فإن غاية ما يترتب على دليل نفي الحرج هو عدم وجوب الاكتساب، لا عدم التمكن منه ليثبت الفقر الذي هو عدم التمكن من المؤنة فعلاً و قوةً إلّا أنه للمناقشة فيما ذكر مجال، إذ الفقير بمعنى المحتاج صادق عليه فعلا بالوجدان، غاية الأمر أدلة الدالة على أنّ المحترف و من هو ذو مرة سوي، يصيره غنياً شرعاً و إذا قلنا أنّ هذه الأدلة منصرفة عما نحن فيه فلا دليل على نفي الزكاة مع تحقق الموضوع وجداناً.

الثالث: إنّ المستفاد من النصوص الواردة في استثناء العبد و الخادم عدم مداقة الشارع

ص: 22

«مسألة5: إذا كان صاحب حرفة وصنعة ولكن لايمكنه الاشتغال بها من جهة فقد الآلات أو عدم الطالب جاز له أخذ الزكاة» (1)

«مسألة6: إذا لم يكن له حرفة و لكن يمكنه تعلمها من غير مشقة ففي وجوب التعلم و حرمة أخذ الزكاة بتركه اشكالٌ و الأحوط التعلم و ترك الأخذ بعده، نعم ما دام مشتغلاً بالتعلم لا مانع من أخذها» (2)

بل نظره المقدس أوسع من ذلك فوجوب الاكتساب بهذه الكيفية بعيد عن نظره الشريف.

(1) لصدق الفقير عليه بالوجدان و ما دل على أن الزكاة حرام على المحترف و ذي مرة سوي لا يشمله لما في ذيله من تحديد الموضوع بمن يقدر على كف نفسه عن الزكاة و تحصيل مؤنته، و هذا المحترف لا يقدر على ذلك فلا تشمله الأدلة فلا فرق بينه و بين غير المحترف في صدق الفقير عليه عرفاً المسوغ لأخذ الزكاة شرعاً.

(2) قد ذكرنا أنّ المانع من أخذ الزكاة كون الشخص محترفاً بحيث كان قادراً أن يكف نفسه عن الحاجة فإذا كان قادراً على التعلم حتى يكتسب، يكون قادراً على كف نفسه و حينئذٍ لا اشكال في حرمة أخذه الزكاة.

نعم لا مانع من أخذ الزكاة في زمان التعلم إذا لم يجد طريقاً آخر لعدم كونه قادراً على الكف في ذلك الزمان.

ص: 23

«مسألة7: من لا يتمكن من التكسب طول السنة إلّا في يوم أو اسبوع مثلا و لكن يحصل له في ذلك اليوم أو الاسبوع مقدار مؤنة السنة فتركه و بقى طول السنة لا يقدر على الاكتساب لا يبعد جواز أخذه و إن قلنا أنه عاصٍ بالترك في ذلك اليوم أو الاسبوع لصدق الفقير عليه حينئذٍ»(1)

«مسألة8: لو اشتغل القادر على الكسب بطلب العلم المانع عنه يجوز له أخذ الزكاة إذا كان مما يجب تعلمه عيناً أو كفايةً و كذا إذا كان مما يستحب تعلمه كالتفقه في الدين اجتهاداً أو تقليداً و إن كان مما لا يجب و لا يستحب كالفلسفة و النجوم و الرياضيات و العروض و الادبية لمن يريد التفقه في الدين فلا يجوز أخذه» (2)

(1) الوارد في النصوص عنوان المحترف الذي يكون قادراً على كف نفسه عن الزكاة و حينئذٍ إذا كان الشخص قادراً عليه لكن ترك عمداً ثم صار عاجزاً عن التكسب يكون فقيراً جاز له الأخذ لتبدل الموضوع، و أما قوله (رحمه اللّه): و إن قلنا أنه عاصٍ، لا نرى وجهاً لذلك إذ وجوب الاكتساب عقليٌ مقدميٌ لوجوب الانفاق الواجب لنفسه و لعياله فلا عصيان في ترك ذلك و لذا يجوز للشخص أن يجعل نفسه فقيراً باعطاء ما يملك إلى الغير مجاناً كما يجوز له أن يدرج نفسه في موضوع الغنى اختياراً بالاكتساب و الجهد في تحصيل ما يكفيه أو عدم اعطاء ما يملك.

(2) أما إذا كان طلب العلم واجباً عينياً أو كفائياً مع عدم قيام من به الكفاية، فالظاهر جواز الأخذ إذ الوجوب الشرعى يجعله عاجزاً عن الاكتساب فلا قدرة على الاكتساب لأن المانع عن جواز الأخذ إنما هو القدرة على كف النفس عن الزكاة و هي أعم من القدرة العقلية و القدرة الشرعية فإذا وجب التعلم كان ذلك موجباً لزوال القدرة شرعاً

ص: 24

فيصير عاجزاً فيجوز له أخذ الزكاة.

إن قلت: إنّ وجوب التعلم يزاحم وجوب الاكتساب و لو كان الوجوب مقدمياً، فمع عدم الترجيح تصل النوبة إلى العام الفوق و هو حرمة أخذ الزكاة لمن كان محترفاً و قادراً على الاكتساب إذ المانع عن صدق عنوان القادر على الكف إنما هو وجوب التعلم فإذا سقط فعليته بالمزاحمة مع وجوب التكسب صار الحكم المذكور فعلياً.

قلت: إنّ فعلية وجوب التعلم بنفسها توجب انتفاء القدرة الشرعية عن التكسب فيجوز له أخذ الزكاة إذ المقرر في محله أنّ التزاحم إنما يوجب سقوط فعلية الواجبين الفعليين إذا لم يكن أحدهما بوجوده موجباً لاعدام موضوع الآخر و فيما نحن فيه من هذا القبيل و أما إذا كان التعلم واجباً كفائياً مع فرض وجود من به الكفاية أو كان مستحباً، ففي جواز الأخذ و عدمه قولان:

و استدل لعدم الجواز بتمكنه من الاكتساب شرعاً و عقلاً و مجرد وجوب الكفائي لا يستوجب العجز بالضرورة، هذا من ناحية و من ناحية اخرى لم يرد دليل خاص يقتضى تخصيص طلبة العلم بما دل على منع الزكاة عن ذي مرة سوي.

و أما الدليل على الجواز فقد أشار إليه المحقق الهمداني (رحمه اللّه) من أن ما دل على مانعية القدرة على التكسب عن أخذ الزكاة غير شامل للمقام إذ العمدة في ذلك هي الروايات الواردة في المحترف و هي لا تصلح للمانعية إذ حدد في ذيلها موضوع الأخذ بغير القادر على كف نفسه عن أخذ الزكاة و المراد بغير القادر، إنما هو من يكون كذلك بنظر العرف لا بالدقة العقلية و من المعلوم أنّ المشتغل بطلب العلم، لا يكون قادراً عليه بنظره و إن كان الاشتغال مستحباً فضلاً أن يكون واجباً بل ما ذكره جارٍ في المباح أيضاً فالمشتغل فقير، لا يكون القدرة على الاكتساب مانعاً عن أخذه، فيجوز له الأخذ و لذا أفتى بعض المحشين للعروة بجوازه.

ص: 25

«مسألة9: لو شك في أنّ ما بيده كافٍ لمؤنة سنته أم لا، فمع سبق وجود ما به الكفاية لا يجوز الأخذ و مع سبق العدم و حدوث ما يشك في كفايته يجوز عملاً بالأصل في الصورتين» (1)

«مسألة10: المدعي للفقر إن عرف صدقه أو كذبه عومل به و إن جهل الأمران فمع سبق فقره يعطى من غير يمين و مع سبق الغنى أو الجهل بالحالة السابقة فالأحوط عدم الاعطاء إلا مع الظن بالصدق خصوصاً في الصورة الاولى» (2)

(1) و الوجه فيه واضح، لأن مقتضى الاستصحاب في كلتا الصورتين، ما أفاده الماتن (رحمه اللّه).

(2) أما في فرض العلم بصدقه أو كذبه عومل به بلا ارتياب، و أما في صورة الجهل، فإن علم بسبق فقره فيعطى من غير يمين بمقتضى الاستصحاب لأنه حجة شرعية و لا يحتاج إلى اليمين لعدم الدليل عليه، إنما الكلام فيما إذا جهل حاله أو مع سبق الغنى، فعن المشهور جواز الاعطاء بل ادعى عليه الاجماع بل عن المدارك أنه المعروف بين الاصحاب، و عن العلامة أنه موضوع وفاق و استدل على ذلك بامور:

الأول: أصالة الصحة الجارية في فعل المسلم.

و فيه: أن أصالة صحة فعل المسلم معناها عدم اقدامه على الباطل و أما الآثار الشرعية على قوله فلا يترتب عليه و لذا لو تردد قول أحد بين السلام و السب لا يجب رده.

الثاني: مقتضى الأصل في كل مسلم كونه عادلاً.

أورد عليه سيدنا الاستاذ دام ظله أولاً أن الدليل أخص من المدعى إذ يمكن العلم بعدم كونه عادلاً مع ذلك نحتمل صدقه في هذه القضية، و ثانياً أن مقتضى الأصل عدم

ص: 26

العدالة سواء قلنا بأن العدالة بمعنى الملكة النفسانية، أم قلنا بأنها عبارة عن الاستقامة في جادة الشرع، بل يمكن أن يقال إن مقتضى الأصل عدم صدقه في هذه الدعوى أي دعوى الفقر.

الثالث: إنّ طلب البينة على صدق دعواه إذلال بالنسبة إليه و لا يجوز إذلال المؤمن.

و فيه: إنه يمكن أن يفرض طلب البينة منه على نحو لا يوجب إذلاله.

أضف إلى ذلك: أنه إذا كان الأمر كذلك لا يطالب بالبينة و لكن لا يعطى من الزكاة.

و الحاصل: أنّ حرمة الإذلال لا توجب التصرف في الزكاة و دفعها إلى غير أهلها و أما اليمين فلا دليل على ذلك.

و بعبارة اخرى: أنّ اثبات المدعى باليمين في جميع الموارد يحتاج إلى دليل.

الرابع: ما عن المحقق في المعتبر من أنه مسلم ادعى أمرا ممكناً و لم يظهر ما ينافي دعواه فكان قوله مقبولاً و مرجعه إلى قبول قول المدعى إذا كان بلا معارض.

و فيه: أولاً بالنقض: أنه لو ادعى دينا على أحد و المدعى عليه يحتمل صدقه فهل يمكن أن يقال إنه يقبل قوله بلا بينة أو ادعى العدالة أو الاجتهاد و أمثالها، و ثانياً أنه لا دليل على حجية قوله إذا كان بلا معارض من دون البينة.

الخامس: أنّ إقامة البينة في المقام مشكلة و أنه لا يعرف إلّا من قِبله كتصديق المرأة في ادعائها الخلو من الزوج و العدة على ما هو المستفاد من جملة من النصوص لاحظ ما رواه ميسر قال: قلت لأبي عبدالله (علیه السلام): القى المرأة بالفلاة التي ليس فيها أحد فأقول لها: لك زوج؟ فتقول: لا، فأتزوجها؟ قال: نعم، هي المصدقة على نفسها(1).

و فيه: أن كون إقامة البينة مشكلة لا توجب حجية الدعوى، و أما قياس المقام بما ذكر

ص: 27


1- الوسائل، الباب 10 من أبواب المتعة، الحدیث: 1

في غير محله لوجود الدليل هناك دون المقام فيمكن أن يكون مصلحة التسهيل في أمر النكاح تقتضي ذلك و لم يكن في المقام دليل عام إلّا ما يترأى من حديث محمد بن عبدالله الأشعري قال: قلت للرضا (علیه السلام): الرجل يتزوج بالمرأة فيقع في قلبه أنه لها زوجاً، فقال: و ما عليه أرأيت لو سألها البينة كان يجد من يشهد أن ليس لها زوج.(1)

لكنها ضعيفة سنداً بهيثم بن مسروق كما أفاده سيدنا الاستاذ دام ظله في المباني.

السادس: حرجية إقامة البينة فلا تجب عليه اقامتها.

و فيه: أن الاقامة لم تكن واجبة حتى ترفع بقاعدة الحرج، مضافاً إلى أنّ قاعدة الحرج لا تثبت الحجة.

السابع: أنّ الحكم في المقام يستفاد من جملة من النصوص منها ما رواه على بن جعفر عن أخيه موسى بن جعفر (علیه السلام) قال: سألته عن رجل جعل جاريته هدياً للكعبة فقال: مر منادياً يقوم على الحجر فينادى ألا من قصرت به نفقته أو قطع به أو نفد طعامه فليأت فلان بن فلان و مره أن يعطى اولاً فاولاً حتى ينفد ثمن الجارية(2)

الوارد في جواز اعطاء ثمن الهدي لمن يدعى الاحتياج و منها ما رواه عبدالرحمن العرزمى عن أبي عبدالله (علیه السلام) قال: جاء رجل إلى الحسن و الحسين‘ و هما جالسان على الصفا فسألهما فقالا: إنّ الصدقة لا تحل إلّا في دين موجع أو غرم مفظع أو فقر مدقع ففيك شيء من هذا؟ قال: نعم فأعطياه، الحديث(3)

و منها ما رواه عامر بن جذاعة قال: جاء رجل إلى أبي عبدالله (علیه السلام) فقال له: يا أباعبدالله قرض إلى ميسرة، فقال له أبوعبدالله (علیه السلام): إلى غلة تدرك؟ فقال الرجل: لا والله قال: فإلى تجارة تؤوب؟ قال: لا والله قال: فإلى عقدة تباع؟ فقال: لا والله فقال أبوعبدالله (علیه السلام):

ص: 28


1- الوسائل، الباب 10 من أبواب المتعة، الحدیث: 5
2- الوسائل، الباب 22 من أبواب مقدّمات الطّواف، الحدیث: 1
3- الوسائل، الباب 1 من أبواب المستحقّين للزّكاة، الحدیث: 6

فأنت ممن جعل الله له في أموالناً حقاً ثم دعا بكيس فيه دراهم فأدخل يده فيه فناوله منه قبضة ثم قال له اتق الله و لا تسرف و لا تقتر و الكف بين ذلك قواماً إن التبذير من الاسراف قال الله: {و لا تبذر تبذيراً}(1)

و فيه: أن الرواية الاولى و أمثالها حكم خاص في مورد خاص فلا يجوز التعدي.

و أما الثانية فضعيفة بالارسال، و الثالثة فأيضاً ضعيفة بعامر و لها سند آخر و فيه سعدان بن مسلم و الرجل لم يوثق كما ذكره سيدنا الاستاذ دام ظله.

الثامن: السيرة الجارية بین المتشرعة.

أورد عليه سيدنا الاستاذدام ظله أن جريان السيرة مع الالتفات و عدم الوثوق بقول المدعى أول الكلام فلا يمكن اثباتها في غير مورد الوثوق.

التاسع: الاستصحاب فإن مقتضاه عدم كونه غنياً فإنّ كل أحد قبل وجوده بل بعد تولده لا يكون واجداً لشيء غالباً فإذا شك في بقاء على ما كان، مقتضى الاستصحاب ذلك.

إن قلت: إنّ استصحاب عدم المال لا يثبت الفقر لأنه عنوان بسيط منتزع من عدم المال في ظرف الحاجة فمجرد الاستصحاب لا يثبت ذلك إلّا على القول بحجية المثبت.

قلت: إنّ المراد بالفقير عدم ما يكفيه لنفسه و عياله كما في الرواية و هذا بنفسه مورد للاستصحاب فلا نحتاج إلى الاثبات فلاحظ.

ثم إن ما ذكرنا من أن الاستصحاب إنما يجد في صورة كون الشخص مجهول الحال و أما إذا علم سبق الغنى فلا يجرى الاستصحاب للعلم بالنقض، فالأحوط إن لم يكن أقوى عدم جواز الاعطاء إلّا أن يكون الحكم اجماعياً.

ص: 29


1- الوسائل، الباب 7 من أبواب ما تجب فيه الزّكاة، الحدیث: 1

«مسألة11: لو كان له دين على الفقير جاز احتسابه زكاة سواء كان حياً أو ميتاً» (1)

(1) لاطلاق الآية: {إنما الصدقات للفقراء و المساكين و العاملين عليها و المؤلفة قلوبهم و في الرقاب و الغارمين و في سبيل الله و ابن السبيل فريضة من الله و الله عليم حكيم}(1) حيث عطفت كلمة «الغارمين» على كلمة «الرقاب» فقهراً يدخل الحرف الجر عليها، فمقتضاه أنّ الصرف في الغارمين من أحد مصاريف الزكاة سواء كان الصرف على نحو الاداء مباشرة أو الوفاء بالاحتساب عنه و سواء كان المديون حياً أو ميتاً و يدل على ما ذكر جملة من الروايات منها ما رواه عبدالرحمن بن الحجاج قال: سألت أباالحسن الأول (علیه السلام) عن دين لي على قوم قد طال حبسه عندهم لا يقدرون على قضائه و هم مستوجبون للزكاة هل لي أن أدعه فأحتسب به عليهم من الزكاة؟ قال: نعم(2)

و منها ما رواه سماعة عن أبي عبدالله (علیه السلام) قال: سألته عن الرجل يكون له الدين على رجل فقير يريد أن يعطيه من الزكاة فقال: إن كان الفقير عنده وفاء بما كان عليه من دين من عرض من دار، أو متاع من متاع البيت، أو يعالج عملاً يتقلب فيها بوجهه، فهو يرجو أن يأخذ منه ماله عنده من دينه فلا بأس أن يقاصه بما أراد أن يعطيه من الزكاة أو يحتسب بها فإن لم يكن عند الفقير وفاء و لا يرجو أن يأخذ منه شيئاً فيعطيه من زكاته و لا يقاصه بشيء من الزكاة(3)

و يؤيد ما ذكر رواية عقبة بن خالد عن أبي عبدالله (علیه السلام) في حديث أنّ عثمان بن بهرام قال له: إني رجل موسر و يجيئني الرجل و يسألني الشيء و ليس هو إبّان زكاتي، فقال

ص: 30


1- التوبة / 60
2- الوسائل، الباب 46 من أبواب المستحقّين للزكاة، الحدیث: 2
3- نفس المصدر، الحدیث: 3

له أبوعبدالله (علیه السلام): القرض عندنا بثمانية عشر و الصدقة بعشرة و ماذا عليك إذا كنت كما تقول موسراً أعطيته فإذا كان إبّان زكاتك احتسبت بها من الزكاة، يا عثمان لا ترده فإن رده عند الله عظيم(1) هذا بالنسبة إلى الحى.

و أما بالنسبة إلى الميت فمضافاً إلى اطلاق الآية كما ذكرنا يدل عليه ما رواه عبدالرحمان بن الحجاج قال: سألت أباالحسن (علیه السلام) عن رجل عارف فاضل توفى و ترك عليه ديناً قد ابتلى به لم يكن بمفسد و لا بمسرف و لا معروف بالمسألة هل يقضى عنه من الزكاة الألف و الألفان؟ قال: نعم(2) و هذه الرواية و ان كانت ظاهرة في جواز الدفع.

لكن يمكن أن يقال إن القضاء بمعنى الأداء يشمل الاحتساب إذ المراد ظاهراً والله أعلم تفريغ ذمة الميت بأي نحو كان من الدفع و الاحتساب.

و يدل عليه أيضاً ما رواه يونس بن عمار قال: سمعت أباعبدالله (علیه السلام) يقول: قرض المؤمن غنيمة و تعجيل أجر ان ايسر قضاك و إن مات قبل ذلك احتسبت به من الزكاة(3)

و ما رواه ابراهيم بن السندي عن أبي عبدالله (علیه السلام) قال: قرض المؤمن غنيمة و تعجيل الخير إن أيسر ادى و إن مات احتسب من زكاته(4)

و ما رواه هيثم الصيرفي و غيره عن أبي عبدالله (علیه السلام) قال: القرض الواحد بثمانية عشر و إن مات احتسب بها من الزكاة.(5)

ص: 31


1- الوسائل، الباب 49 من أبواب المستحقّين للزّكاة، الحدیث: 2
2- الباب 46 من هذه الابواب، الحدیث: 1
3- الوسائل، الباب 49 من هذه الابواب ، الحدیث: 1
4- نفس المصدر، الحدیث: 3
5- نفس المصدر، الحدیث: 8

«لكن يشترط في الميت أن لا يكون له تركة تفي بدينه و إلّا لا يجوز»(1)

«نعم لو كان له تركة لكن لا يمكن الاستيفاء منها لامتناع الورثة أو غيرهم فالظاهر الجواز» (2)

(1) لصحيحة زرارة قال: قلت لأبي عبدالله (علیه السلام): رجل حلّت عليه الزكاة و مات أبوه و عليه دين أ يؤدى زكاته في دين أبيه و للابن مال كثير؟ فقال: إن كان أبوه أورثه مالاً ثم ظهر عليه دين لم يعلم به يومئذٍ، فيقضيه عنه، قضاه من جميع الميراث و لم يقضه من زكاته و إن لم يكن أورثه مالاً لم يكن أحد أحق بزكاته من دين أبيه فإذا أدّاها في دين أبيه على هذه الحال أجزأت عنه(1) حيث إن الظاهر منها جواز الاحتساب لو لم يترك الميت مالاً يفي بدينه و يؤيد ذلك ما رواه ابن الحجاج المتقدم(2) إذ الظاهر منه أن الميت لم يخلف شيئاً من المال، مضافاً إلى أنّ الميت إذا كان له مال یفى بمقدار دينه يكون غنياً يتمكن من أداء دينه عن مال الشخصی فلا وجه لأداء دينه من الزكاة.

(2) قال صاحب الجواهر: بل لا يبعد جواز الاحتساب مطلقاً إذا تعذر الاستيفاء من التركة، إما لعدم امكان اثباته أو لغير ذلك كما صرح به في المسالك و كذا الروضة اقتصاراً في تقييد المطلق على محل اليقين بمعنى أن المتيقن من دلالة رواية زرارة على عدم الاحتساب هو ما لو كان الوارث راغباً في تفريغ ذمة الميت عن الدين لأنّ موردها ذلك، فلا تشمل الممتنع و إن كان لفظياً فيقتصر على المتيقن من التقييد فيرجع فيما عدا إلى اطلاق الأدلة المقتضى لجواز الاحتساب عن الزكاة.

لكن أورد عليه سيدنا الاستاذ (رحمه اللّه) في المرتقى بأنّ النصوص المعتبرة خاصة بصورة فقدان التركة فلا اطلاق لها لصورة وجودها كي يقال بلزوم الاقتصار في تقييد على محل اليقين.

ص: 32


1- الوسائل، الباب 18 من أبواب المستحقّين للزّكاة، الحدیث: 1
2- الوسائل، الباب 46 من أبواب المستحقّين للزّكاة، الحدیث: 2

مضافاً إلى أن هذا الكلام غير جارٍ في المقيد أو المخصص اللفظي، ثم بعد ذلك نقل عن المحقق الهمدانى (رحمه اللّه) بأنّ الوجه في الجواز أن المستفاد من الآية الكريمة بملاحظة مجموع الأخبار الواردة، هو أن الملاك في جواز الاعطاء هو الاحتياج في أداء الدين بلا فرق بين الأحياء و الأموات فمع عدم امكان الاستيفاء من التركة يكون الميت محتاجاً إلى الزكاة فيجوز الاحتساب عليه من الزكاة.

أقول: إن ما أفاده صاحب الجواهر لعله أراد من اقتصار التقييد على محل اليقين عدم المقتضى للاطلاق بأنّ الصحيحة ناظرة إلى أن الوارث فيما إذا كان راغباً في تفريغ ذمة الميت عن الدين يجوز له الاحتساب، و أما في صورة الامتناع فلا تشمله فلا اطلاق بالنسبة إلى الامتناع.

و بعبارة واضحة: أنّ المتيقن من دلالة الصحيحة على عدم الاحتساب، هو ما لو كان الوارث راغباً في تفريغ ذمة الميت عن الدين، لأنّ موردها ذلك فلا تشمل الممتنع و إن كان الدليل لفظياً فيقتصر على المتيقن من التقييد و يرجع فيما عداه إلى اطلاق الأدلة المقتضى لجواز الاحتساب عن الزكاة.

ص: 33

«مسألة12: لا يجب اعلام الفقير أنّ المدفوع إليه زكاة بل لو كان ممن يترفع و يدخله الحياء منها و هو مستحق يستحب دفعها إليه على وجه الصلة ظاهراً، و الزكاة واقعاً بل لو اقتضت المصلحة التصريح كذباً بعدم كونها زكاة جاز إذا لم يقصد القابض عنواناً آخر غير الزكاة بل قصد مجرد التملك» (1)

(1) قد تعرض الماتن (رحمه اللّه) في هذه المسئلة فروعاً ثلاثة:

الفرع الأول: أنه لا يجب الاعلام بكون المدفوع زكاة بل يستحب الدفع بعنوان الصلة ظاهراً لو كان الفقير رفيعاً و يدخله الحياء، و استدل على ذلك برواية أبي بصير قال: قلت لأبي جعفر (علیه السلام): الرجل من أصحابنا يستحيي أن يأخذ من الزكاة فاعطيه من الزكاة و لا اسمى له إنها من الزكاة؟ فقال: أعطه و لا تسم له و لا تذل المؤمن(1)

قد يقال: إنها تعارض هذه الرواية رواية محمد بن مسلم قال: قلت لأبي جعفر (علیه السلام): الرجل يكون محتاجاً فيبعث إليه بالصدقة فلا يقبلها على وجه الصدقة يأخذه من ذلك ذمام و استحياء و انقباض فنعطيها إياه على غير ذلك الوجه و هي منا صدقة؟ فقال: لا، إذا كانت زكاة فله أن يقبلها فإن لم يقبلها على وجه الزكاة فلا تعطها أياه، الحديث(2)

لكن الظاهر أنها لا تعارضها إذ لا يبعد أن يكون الرواية ناظرة إلى أنه يلزم القصد و لو اجمالاً بحيث لا يكفى قصد غيرها حين الأخذ.

و بعبارة واضحة أنّ المستفاد من الرواية أنه لا يكفى أخذها مقيداً بغير الزكاة كما أفاده سيدنا الاستاذ دام ظله في المباني و على هذا تكون الرواية من أدلة الصورة الثانية كما يأتي، و لو سلمنا المعارضة و التساقط يكون اطلاق الأدلة كافٍ في المقام إذ لم يقيد في

ص: 34


1- الوسائل، الباب 58 من أبواب المستحقّين للزّكاة، الحدیث: 1
2- نفس المصدر، الحدیث: 2

شيء منها بوجوب الاعلام بل مجرد الايصال، كافٍ في سقوط التكليف بل يمكن استفادة ذلك من رواية سماعة عن أبي عبدالله (علیه السلام) قال: إذا أخذ الرجل الزكاة فهي كماله يصنع بها ما شاء، قال: و قال: إن الله فرض للفقراء في أموال الاغنياء فريضة لا يحمدون إلّا بأدائها و هي الزكاة فإذا هي وصلت إلى الفقير فهي بمنزلة ماله يصنع بها ما يشاء فقلت: يتزوج بها و يحج منها؟ قال: نعم، هى ماله قلت: فهل يؤجر الفقير إذا حج من الزكاة كما يؤجر الغني صاحب المال؟ قال: نعم(1).

الفرع الثاني: أنه لو اقتضت المصلحة التصريح بالكذب بعدم كونها زكاة جاز، لعل الوجه في جوازه: وجود مصلحة أقوى من مفسدة الكذب، لكن احراز هذه المصلحة مشكلٌ جداً مضافاً إلى امكان التورية.

الفرع الثالث: يعتبر في سقوط الذمة عدم قصد القابض عنواناً آخر مغايراً للزكاة.

قال في الجواهر: لو كان القبض على أنها ليست زكاة بل هبة أو نحوها أشكل برائة ذمة الدافع بذلك و أشكل دخول المدفوع في ملك القابض ضرورة كونه حينئذٍ كالذي لم ينو التملك لأن ما نواه لم يسلم له في الواقع و الإكتفاء بمجرد القبض و لو كان مجرداً عن النية لا يخلو من اشكال لاستصحاب الشغل و عدم الدخول في ملك الفقير انتهى.

و الحاصل: أن ما وقع لم يقصد و ما قصد لم يقع فلا يقع زكاة بمجرد الدفع.

أورد عليه المحقق الخوئي (قدس سره ) بأنّ دفع الزكاة وظيفة الدافع لا الفقير القابض فلا عبرة بقصده إذ لا شأن له عدى أنه مورد مصرف لها و أنّ دفع الزكاة ليس من قبيل المعاملات و العقود حتى يحتاج إلى القبول بل لو دفع بقصد الزكاة و قبض الفقير بقصد الوفاء عن دين تخيل له عليه، صح و برئت ذمة الدافع عن الزكاة.

ص: 35


1- الوسائل، الباب 41 من أبواب المستحقّين للزّكاة، الحدیث: 1

«مسألة13: لو دفع الزكاة باعتقاد الفقر فبان كون القابض غنياً فإن كانت العين باقية ارتجعها و كذا مع تلفها إذا كان القابض عالماً بكونها زكاة و إن كان جاهلاً بحرمتها للغني، بخلاف ما إذا كان جاهلاً بكونها زكاة فإنه لا ضمان عليه و لو تعذر الارتجاع أو تلفت بلا ضمان أو معه و لم يتمكن الدافع من أخذ العوض كان ضامناً فعليه الزكاة مرة اخرى، نعم لو كان الدافع هو المجتهد أو المأذون منه لا ضمان عليه و لا على المالك الدافع اليه» (1)

و السرّ في ذلك: أن المناط في القصد صدوره ممن هو وظيفته دفع الزكاة و ليس في المقام إلّا الدافع.

ثم استشهد ببعض الموارد الواردة في جواز صرف الزكاة فيها كصرف الزكاة في الأيتام و إعاشتهم منها بل جواز دفع الزكاة إلى فقير لا يعرف معنى الزكاة.

(1) قد تعرض الماتن (رحمه اللّه) في هذه المسألة لفروع:

الأول: أنه إذا كان الدافع معتقداً بفقر المدفوع إليه فبان كون القابض غنياً و العين باقية و حينئذٍ فإن عزل الزكاة و تعيّن الزكاة في العين المخصوصة فالظاهر أنه يجب عليه الارتجاع لعدم جواز التصرف في العين المعزولة إلّا الايصال إلى صاحبها و المفروض عدم وصوله إليه فعند بقاء العين تجب الأخذ من غير الصاحب و إيصاله إلى صاحبه و هذا لا كلام فيه، و أما إذا لم يعزله فهل يجب عليه الارتجاع أم لا؟ فعن المحقق الهمداني (رحمه اللّه) عدم وجوب الارتجاع إذ المدفوع لم يتعين في الزكاة فهو كسبيل ماله فله الإبقاء و الارتجاع بل يجوز له الهبة إليه و أداء الزكاة من غيره.

أورد عليه المحقق الخوئي (قدس سره ) بأنّ المالك إذا تصدى لدفع هذا المال بنية الزكاة و أخذ

ص: 36

القابض هذا المال بعنوان الزكاة، لا محالة يتعين المدفوع فيها إذ الوصف العنواني يتحقق بهذا العنوان قبل قبض الفقير و تسلمه لأن نية الزكاة موجبة لتشخص المدفوع فيها مطلقاً من غير أن يكون مقيداً بقبض الفقير و معلقاً عليه فحيث أنّ المالك حال الاخراج قُبیل الدفع، ناوٍ لتشخيص الزكاة في المدفوع و تعيّنه فيها يتحقق العزل بنفس هذا العمل و لا يختص الحكم بسبق العزل خارجاً قبل الدفع بل الحكم شامل للعزل المقارن أيضاً و حينئذٍ كل دفع مشتمل على العزل قبل الدفع و لو آناً مّا و لو بتخيل أن المدفوع إليه فقير، موجباً لتعين المدفوع في الزكاة و على هذا الاساس يجب عليه الارتجاع لأنه زكاة في ید غير صاحبها فعليه الارتجاع و الدفع إلى صاحبها. نعم، يختص هذا بالأعيان الشخصية و في مورد احتساب الدين فلا يجري ما ذكر إذ الدين موطنه الذمة فلا يقبل العزل الذي هو من شوؤن الأعيان الشخصية و حينئذٍ لا معنى للارتجاع كما هو ظاهر.

الثاني: ما إذا كانت العين تالفة و الدافع قد اجتهد و فحص عن حال الفقير و لم يقصر في تشخيص المورد و سلك طريقة العقلائية، سواء كان القابض جاهلا أم عالماً و حينئذٍ هل هو ضامن أم لا؟ و استدل لعدم الضمان تارة على مقتضى القاعدة الأولية و اخرى على مقتضى الرواية، أما على الأول فالظاهر أن مقتضى القاعدة عدم الضمان لأن المالك له الولاية على تطبيق الزكاة حيثما يشاء و لا ريب أن الولي الغير المقصر في أداء وظيفته أمين غير ضامن كما هو الحال في سائر الموارد و لذا لو قامت البينة لدى الحاكم الشرعي أو المالك أنه فقير فأدى إليه الزكاة ثم انكشف الخلاف لا يضمن.

و الحاصل: أنّ المالك أمين و ليس على الأمين ضمان.

ثم إن محقق الخوئي (قدس سره ) أفاد في وجه عدم الضمان أمر آخر غير ما ذكر و هو أن الفقير

ص: 37

مورد للصرف فقط و لا ملكية في البين و ما في الرواية: «إن الله أشرك الفقراء في أموال الأغنياء»(1) ضرب من المسامحة فالنتيجة لا ملكية لهم حتى يقال له من أتلف مال الغير فهو له ضامن لعدم المقتضي على ما ذكرنا.

أضف إلى ذلك أنّا لا نجد و لو في رواية واحدة قولهم من أتلف مال الغير فهو له ضامن، ليتمسك بعمومها في المقام على القول بملكية الفقير و إنما هي عبارة الفقهاء اصطادوا من الموارد المتفرقة فليس هذا بنفسه مدركاً للضمان بل المدرك للضمان السيرة العقلائية الممضاة لدى الشارع القائمة على الضمان في موارد الاتلاف بل التلف في يد الغير و من الضروري عدم قيام السيرة في المقام.

أقول: أما ما أفاده من كون الفقير مورد الصرف و أنه مصرف لا غير، فهو خلاف الظاهر من الرواية المشار إليها في كلامه لاحظ غيرها من الروايات الواردة فى باب(2).

و أما ما ذكره من عدم وجود رواية دالة على الضمان في فرض الاتلاف بل التلف و إنما المدرك هو السيرة العقلائية مردود بوجود رواية جميل على ذلك لاحظ ما رواه جميل عن أبي عبدالله (علیه السلام) في شاهد الزور قال: إن كان الشيء قائماً بعينه رد على صاحبه و إن لم يكن قائماً ضمن بقدر ما أتلف من مال الرجل(3)

و أيضاً ما رواه عن أبي عبدالله (علیه السلام) في شهادة الزور إن كان قائماً و إلا ضمن بقدر ما أتلف من مال الرجل(4).

و أما على الثاني فهو ما رواه عبيد بن زرارة عن أبي عبدالله (علیه السلام) في حديث قال: قلت له: رجل عارف أدى زكاته إلى غير أهلها زماناً هل عليه أن يؤديها ثانية إلى أهلها إذا

ص: 38


1- الوسائل، الباب 2 من أبواب المستحقّين للزّكاة، الحدیث: 4
2- ([2]) الوسائل، الباب 1 من أبواب ما تجب فیه الزكاة
3- الوسائل، الباب 11 من أبواب الشّهادات، الحدیث: 2
4- نفس المصدر، الحدیث: 3

علمهم؟ قال: نعم قال: قلت: فإن لم يعرف لها أهلاً فلم يؤدها أو لم يعلم أنها عليه فعلم بعد ذلك؟ قال: يؤديها إلى أهلها لما مضى، قال: قلت له: فإنه لم يعلم أهلها فدفعها إلى من ليس هو لها بأهل و قد كان طلب و اجتهد ثم علم بعد ذلك سوء ما صنع؟ قال: ليس عليه أن يؤديها مرة اخرى(1)

و ما رواه زرارة مثله غير أنه قال: إن اجتهد فقد بريء و إن قصّر في الاجتهاد في الطلب فلا(2)

و مرسلة إبن أبي عمير، عن أبي عبدالله (علیه السلام) في رجل يعطى زكاة ماله رجلاً و هو يرى أنه معسر فوجده موسراً قال: لا يجزيء عنه(3).

أورد عليه أن المرسلة لا اعتبار بها، و أما ما رواه عبيد بن زرارة و ما رواه زرارة فهما أجنبيتان عن المورد، إذ موردهما هو المخالف فلا ترتبطان بما نحن فيه، و ادعاء عدم الفرق بينهما عهدتها على مدعيها.

الثالث: هل القابض ضامن لما قبضه أم لا؟ فصّل الماتن (رحمه اللّه) بين كونه عالماً بكونه زكاة و إن كان جاهلاً بحرمة أخذه الزكاة و بين عدم كونه جاهلاً به، فعلى الأول فهو ضامن لما قبضه، و أما على الثاني فلا.

و الوجه في الضمان أن مقتضى قاعدة «على اليد ما اخذت» ضمانه، بتقريب أنّ يده يد غير المستحق فلابد من خروجه عن عهدته و كذا مقتضى قاعدة من أتلف أيضاً ضمانه و أما جهله بذلك فلا يكون موجباً لرفع الضمان إذ غايته كونه معذوراً تكليفاً إذا كان جهله عن قصور فلا مانع من شمول على اليد للمورد، و أما إذا كان جاهلاً بكونه زكاة فالظاهر عدم استقرار الضمان عليه.

ص: 39


1- الوسائل، الباب 2 من أبواب المستحقّين للزّكاة، الحدیث: 1
2- نفس المصدر، الحدیث: 2
3- نفس المصدر، الحدیث: 5

نعم، مقتضى عموم على اليد و قاعدة الاتلاف هو الضمان، غاية الأمر أنه إذا أدّاها كان له الرجوع إلى المالك لكونه مغروراً من ناحيته إذ المالك سلطه على ذلك المال من دون اعلامه بكونه زكاة، فتخيل القابض أنه هدية فالمراد بعدم الضمان في كلام الماتن ما ذكرنا، من عدم استقرار الضمان عليه.

الرابع: إذا كان الدافع مقصر في الفحص و تشخيص الفقير فهو ضامن كما هو مقتضى قاعدة «على اليد» و «من أتلف مال الغير» مضافاً إلى النص الخاص في مورد التفريط لاحظ ما رواه محمد بن مسلم قال: قلت لأبي عبدالله (علیه السلام) رجلٌ بعث بزكاة ماله لتقسم فضاعت هل عليه ضمانها حتى تقسم فقال إذا وجد لها موضعاً فلم يدفعها فهو لها ضامنٌ حتى يدفعها و إن لم يجد لها من يدفعها إليه فبعث بها إلى أهلها فليس عليه ضمانٌ لأنها قد خرجت من يده و كذلك الوصي الذي يوصى إليه يكون ضامناً لما دفع إليه إذا وجد ربه الذي أمر بدفعه إليه فإن لم يجد فليس عليه ضمانٌ.(1)

و عن زرارة قال: سألت أبا عبدالله (علیه السلام) عن رجلٍ بعث إليه أخٌ له زكاته ليقسمها فضاعت فقال ليس على الرسول و لا على المؤدي ضمانٌ قلت فإنه لم يجد لها أهلا ففسدت و تغيرت أ يضمنها قال لا و لكن إن عرف لها أهلًا فعطبت أو فسدت فهو لها ضامنٌ (حتى يخرجها)(2)

هذا كله بالنسبة إلى الدافع و أما القابض فبمقتضى قاعدة على اليد ثبوت الضمان سواء كان عالماً أم جاهلا إلّا أن القابض إذا كان عالماً يستقر الضمان عليه فإن أخرج الدافع الزكاة ثانياً يرجع إلى القابض لأنه أتلف مال الغير مع علمه بكونه كذلك فيستقر عليه الضمان و للدافع الرجوع إليه، و أما لو تصدى القابض للاخراج فليس له الرجوع

ص: 40


1- الوسائل، الباب 39 من أبواب المستحقّين للزّكاة، الحدیث: 1
2- نفس المصدر، الحدیث: 2

إلى الدافع لعدم موجب له بعد استقرار الضمان عليه، و أما إذا كان جاهلاً بكونه زكاة فالأمر عكس ذلك فإن اخرج القابض إلى الفقير الواقعي يجوز له الرجوع إلى الدافع لأنه غرر من ناحية الدافع بخلاف ما إذا أخرجها الدافع فإنه لا يجوز له الرجوع إلى القابض لاستقرار الضمان عليه بتسليطه اياه على المال و إيقاعه في الضرر فالمغرور يرجع إلى من غره.

الخامس: لو كان الدافع هو المجتهد أو المأذون منه لا ضمان عليه و لا على المالك الدافع إليه.

و الوجه فيه: أنّ المجتهد ولي الفقير فلا محالة يكون الدفع إليه أو إلى المأذون من قِبله موجباً لسقوط الزكاة عن ذمة الدافع لدفعه إلى المورد.

و أما عدم ضمان الفقيه أو المأذون منه فلأن يده يد أمانة و هي غير متعقبة للضمان مع دعوى عدم الخلاف فيه.

ثم إنّ ظاهر عبارة الماتن (رحمه اللّه) و بعض آخر من الأعلام عدم الضمان مطلقاً و لو مع التفريط، لكنه ليس كذلك إذ يد الفقيه أو المأذون منه يد أمانة لا يضمن إلّا بالتعدي أو التفريط فمع التعدي أو التفريط يكون ضامناً إلّا أن يقال إن التفريط و التعدي بالنسبة إلى الفقيه غير متصور لإنهما خلاف كونه جامعاً للشرائط، منها العدالة فإن مقتضاها عدمها، و أما بالنسبة إلى المأذون من ناحيته فيتصور ذلك فلابد من التفصيل.

ص: 41

«مسألة14: لو دفع الزكاة إلى غنى جاهلاً بحرمتها عليه أو متعمداً استرجعها مع البقاء أو عوضها مع التلف و علم القابض و مع عدم الامكان يكون عليه مرة اخرى و لا فرق في ذلك بين الزكاة المعزولة و غيرها و كذا في المسألة السابقة و كذا الحال لو بان أنّ المدفوع إليه كافر أو فاسق إن قلنا باشتراط العدالة أو ممن تجب نفقته عليه أو هاشمي إذا كان الدافع من غير قبيله» (1)

(1) لا فرق بين هذه المسئلة و المسئلة السابقة في التفاصيل التي ذكرناها سابقاً إلّا في نقطة واحدة و هي أنّ الدافع هناك يدفع الزكاة لمن له الولاية عليه حسب تشخيصه و هو الفقير فيجرى فيه التفصيل المتقدم بين التفريط في مقدمات التشخيص و عدمه، و أما هاهنا فيصرفها بالدفع إلى الغنى الذي يعلم بغناه فيما هو خارج عن شوؤن الولاية و لم يجعل له الشارع سبيلاً في هذا الصرف فيكون ضامناً لا محالة كما أن القابض أيضاً ضامن مع العلم و عدمه على نحو ما ذكرنا و نزيد على ما ذكرناه، أنّ الكلام في هذه المسئلة تارة يقع على القول باختيار تعلق الزكاة بالعين على نحو الكلي في المعين، و اخرى على مقتضى القول بكونه من قبيل حق الجناية كما هو مختار سيدنا الاستاذ (رحمه اللّه) في المرتقى.

فأما على الأول فحيث ان تطبيق الكلي على الفرد بيد المالك، فإن دفع الزكاة إلى من لم يكن أهلاً لها لم تقع الزكاة في موقعها فمع البقاء يجب الاسترجاع ليصرفها في موردها و مع التلف يكون ضامناً لقاعدة الاتلاف و كذلك القابض إذا كان عالماً بكونه زكاة، و أما مع الجهل فإن كان جهله مستنداً إلى تغرير المالك كان له الرجوع إليه فيما لو أدّاها عملاً بقاعدة الغرور و إن كان جهله بذلك جهلا مركباً بأن كان معتقداً أن

ص: 42

«مسألة15: إذا دفع الزكاة باعتقاد أنه عادل فبان فقيراً فاسقاً أو باعتقاد

أنه عالم فبان جاهلاً أو زيدٌ فبان عمرواً أو نحو ذلك، صح و أجزأ إذا لم يكن على وجه التقييد بل كان من باب الاشتباه في التطبيق و لا يجوز استرجاعه حينئذٍ و إن كانت العين باقية و أما إذا كان على وجه التقييد فيجوز كما يجوز نيتها مجدداً مع بقاء العين أو تلفها إذا كان ضامناً بأن كان عالماً باشتباه الدافع و تقييده» (1)

المدفوع إليه ليس بزكاة فهو لها ضامن بقاعدة على اليد، و أما إذا كان جاهلاً بجهل بسيط و كان تصرفه في المال اعتماداً على أصل أو ظاهر، فعن سيدنا الاستاذ (رحمه اللّه) عدم الضمان إن قدمنا ذلك على اليد و إلّا كان ضامناً بقاعدة اليد، لكن في الحقيقة تفصيل في مصداق الغرور و عدمه.

و أما على القول بكون التعلق على نحو الحق فعن سيدنا الاستاذ (رحمه اللّه) فمع تلف الزكاة لا يكون القابض ضامناً لفرض كونه مسلطاً على المال باذن المالك فلم يكن يده يد ضمان فيجب على الدافع أداء المال مرة اخرى لأن ما أداه بقصد الزكاة لم يقع و ما وقع لم يقصد.

(1) المستفاد من بعض الكلمات أن الأقوال في المسألة ثلاثة:

القول الأول: ما أفاد الماتن (رحمه اللّه) من التفصيل بين ما إذا كان ذلك بنحو التخلف في الداعى و الاشتباه في التطبيق فيصح و بين ما إذا كان على نحو التقييد فلا، بل يلزم الاسترجاع إذا كانت العين باقية و بدلها مع تلفها على وجه الضمان كما في صورة العلم باشتباه الدافع في تقييد دون الجهل إذ على هذا سلّط الدافع بنفسه على العين مجاناً، فلا وجه لضمان القابض و الوجه في ذلك أنّ المقصود هو إعطاء الزكاة للشخص

ص: 43

المعين لكنه انضم إليه اعتقاده بانطباق عنوان العادل أو العالم عليه ففي هذه الصورة يحصل المأمور به و هو صرف الزكاة في مورد الفقير، غايته حصول التخلف في أمر منضم إليه و هو اعتقاد انطباق العناوين المذكورة عليه، و أما إذا كانت ملحوظة بنحو التقييد بأن كان قصد الدافع هو تمليك المدفوع إليه بقيد كونه مصداقاً للعناوين المذكورة فمع التخلف و عدم الانطباق يكون ما قصد لم يقع و ما وقع لم يقصد، فلم يصح و لم يجزى، فوجب عليه الاسترجاع مع بقاء العين و عوضها مع تلفها إذا كانت العين مضمونة القول.

القول الثاني: هو الصحة في كلتا الصورتين بدعوى أنّ التقييد مما لا أثر له في أمثال المقام، توضيح ذلك أن الموضوع أو المتعلق في الأحكام لا يخلو عن شيئين: الأول: أن يكون كلیاً له مفهوماً واسعاً شاملاً لتضييق تلك التوسعة و قابلاً للتقييد بحصة خاصة مثل قولك بعتك مناً من السمن على أن يكون من البقر أو من الشاة مثلاً ففي هذه الصورة لا بأس بالتقييد و الوجه فيه واضح إذ الموضوع أو المتعلق قابل للتوسعة و التضييق فللمولى أن يضيق كما أن له أن يبقى الموضوع على اطلاق ذلك. الثاني: أن يكون الموضوع أو المتعلق من الامور الجزئية مثل قولك بعتك هذا العبد على أن يكون كاتباً فالتقييد هاهنا أمر غير معقول ضرورة أن الموجود، الشخص الخارجي فرد واحد لا اطلاق فيه ليقيد، و لا سعة فيه ليضيق و عليه يكون التقييد في أمثال ذلك يرجع إلى الاشتراط في الحقيقة، مثلاً إذا قلت بعتك هذا العبد الكاتب معناه بعتك هذا العبد إذا كان كاتباً، بحيث لو لم يكن كذلك له الخيار في الفسخ و الامضاء، و أما في غير ذلك من الامور الاعتبارية سواء كانت تكليفية أو وضعية كالوجوب و الملكية و ما الحق بها مثل الرضا و الاجازة فالتقييد فيها يرجع إلى التعليق و التقدير ففي مثل صل عند الزوال معناه انشاء الحكم معلقاً على الزوال بنحو الواجب المعلق و في مثل

ص: 44

الرضا و الاجازة، فالتقييد فيها مرجعه إلى التعليق بمعنى أنه يجز العقد الفضولي الواقع على حاله إن كان الثمن كذا أو إذا كان المشتري عالماً.

و الحاصل أنّ الموجود الخارجي لا يقبل التقييد، فإن الشرب الخارجي مثلا ًمقيد بكونه ماء لا معنى له فإذا كان الموضوع من الامور الاعتبارية فمعناه هو الاشتراط و حينئذٍ ما أفاده الماتن (رحمه اللّه) في المتن من التفصيل غير صحيح إذا كان المراد من التقييد ما هو ظاهره من التضييق إذ ذكرنا أن الموضوع الخارجي لا يقبل التقييد، و أما إذا كان المراد منه التعليق فيصح فإذا دفع الزكاة فحيث كان الدفع منوطاً برضا المالك من أجل أن له الولاية على التطبيق فتارة يرضى بتصرف الفقير رضاً قطعياً استناداً إلى اعتقاد اتصافه بصفة كذائي لا واقع له و اخرى يرضى على تقدير هذه الصفة الخاصة بحيث لا يرضى بتصرفه لو لم يكن كذلك فيصح على الأول دون الثاني لاختصاص نية الزكاة و الرضا بتصرف الفقير و تملكه بتقدير خاص و هو كونه عادلاً فقهراً لا يقع المدفوع زكاة عند التخلف.

القول الثالث: التفصيل بين المثالين الأولين و بين المثال الثالث بأنه يصح على الأولين دون الثالث، أما الصحة فلما ذكر من اعتقاد انطباق العناوين المذكورة إنما هو أمر انضمامي حصل التخلف فيه فلا يضر بالصحة، و أما عدم الصحة في المثال الثالث فلأن قصد الدافع لم يكن مركباً بل هو أمر بسيط و حينئذٍ ما وقع لم يقصد و ما قصد لم يقع.

لكن التحقيق هو القول الثاني بل في الحقيقة هو القول الأول مع توضيح ما ذكرنا من أنّ المراد بالتقييد هو التعلق في الامور الاعتبارية فالنتيجة هو التفصيل بين التعليق و الاشتباه في التطبيق فيصح على الثاني دون الأول والله العالم بحقايق الامور.

ص: 45

«الثالث: العاملون عليها»

و هم المنصوبون من قِبل الامام (علیه السلام) أو نائبه الخاص أو العام لأخذ الزكوات و ضبطها و حسابها و ايصالها إليه أو إلى الفقراء على حسب اذنه» (1)

(1) أما تعريف العامل بمن تصدى من قبل الامام (علیه السلام) أو نائبه الخاص أو العام فلأن أخذ الزكاة من المالك تصرف في ملك الغير فيحتاج إلى الإذن من الشارع أو المالك، و أما بدون الإذن فلا يجوز و أما الآية الشريفة فلا يشمل كل من تصدى العمل و لو لم يكن مأذوناً إذ لا اطلاق لها من هذه الجهة بل الظاهر منها والله العالم أن العامل الذي يكون عمله سائغاً على الوجه المقرر الشرعى يكون من المصارف، و أما أنّ العمل أين يسوغ له و ما هو الشرط في صحة عمله فلا يستفاد منها بل يستفاد من بعض النصوص الإذن لاحظ ما رواه عيص بن القاسم عن أبي عبدالله (علیه السلام) قال: إن أناساً من بني هاشم أتوا رسول الله (صلی الله علیه و آله و سلم) فسألوه أن يستعملهم على صدقات المواشي و قالوا: يكون لنا هذا السهم الذي جعل الله عزوجل للعاملين عليها فنحن أولى به، فقال رسول الله (صلی الله علیه و آله و سلم): يا بني عبدالمطلب إن الصدقة لا تحل لي و لا لكم و لكني قد وعدت الشفاعة -إلى أن قال- أتروني مؤثراً عليكم غيركم(1) حيث إن المستفاد منه تعيين النبي (صلی الله علیه و آله و سلم) و كذا الوصى (علیه السلام) أشخاصاً للعمل ثم إن المراد من العامل، كل من تصدى للعمل سواء كان عاملاً للجباية و الحراسة و الكتابة أو كان عاملاً للايصال إلى الحاكم الشرعي و لا وجه لاختصاصه بالأول لصدق عنوان العامل المأخوذ في الآية و أما ما رواه علي بن ابراهيم في تفسيره تفصيل هذه الثّمانية الأصناف فقال فسّر العالم (علیه السلام)

ص: 46


1- الوسائل، الباب 29 من أبواب المستحقّين للزّكاة، الحدیث: 1

فقال: الفقراء هم الّذين لا يسألون لقول اللّه تعالى {للفقراء الّذين أحصروا في سبيل اللّه لا يستطيعون ضرباً في الأرض يحسبهم الجاهل أغنياء من التّعفّف تعرفهم بسيماهم لا يسئلون النّاس إلحافاً و المساكين} هم أهل الزّمانات قد دخل فيهم الرّجال و النّساء و الصّبيان و العاملين عليها هم السّعاة و الجباة في أخذها و جمعها و حفظها حتّى يؤدّوها إلى من يقسمها و المؤلّفة قلوبهم قال هم قومٌ وحّدوا اللّه و خلعوا عبادة من دون اللّه و لم تدخل المعرفة قلوبهم أنّ محمّداً رسول اللّه (صلی الله علیه و آله و سلم) و كان رسول اللّه (صلی الله علیه و آله و سلم) يتألّفهم و يعلّمهم و يعرّفهم كيما يعرفوا فجعل لهم نصيباً في الصّدقات لكي يعرفوا و يرعوا و في الرّقاب قومٌ لزمتهم كفّاراتٌ في قتل الخطإ و في الظّهار و في الأيمان و في قتل الصّيد في الحرم و ليس عندهم ما يكفّرون و هم مؤمنون فجعل اللّه لهم سهماً في الصّدقات ليكفّر عنهم و الغارمين قومٌ قد وقعت عليهم ديونٌ أنفقوها في طاعة اللّه من غير إسراف فيجب على الإمام أن يقضي عنهم و يفكّهم من مال الصّدقات و في سبيل اللّه قومٌ يخرجون في الجهاد و ليس عندهم ما يتقوّون به أو قومٌ من المؤمنين ليس عندهم ما يحجّون به أو في جميع سبل الخير فعلى الإمام أن يعطيهم من مال الصّدقات حتّى يقووا على الحجّ و الجهاد و ابن السّبيل أبناء الطّريق الّذين يكونون في الأسفار في طاعة اللّه فيقطع عليهم و يذهب مالهم فعلى الإمام أن يردّهم إلى أوطانهم من مال الصّدقات.(1)

الظاهر في الاختصاص بالاوليين فسنده مخدوش.

ص: 47


1- الوسائل، الباب 1 من أبواب المستحقّين للزّكاة، الحدیث: 7

«فإن العامل يستحق منها سهماً في مقابل عمله و إن كان غنياً و لا يلزم استئجاره من الأول أو تعيين مقدار له على وجه الجعالة بل يجوز أيضاً أن لا يعين له و يعطيه بعد ذلك ما يراه» (1)

(1) قال السيد الحكيم (رحمه اللّه) مقتضى ظاهر الآية الشريفة و لا سيما بقرينة السياق كون استحقاق العامل منها بجعل الشارع مجاناً لا بجعل الامام بعنوان المعاوضة و حينئذٍ فلو جعل الامام للعامل شيئاً بطريق الجعالة أو بطريق الاجارة لم يكن ذلك مما هو مجعول بالآية الشريفة بل كان تصرفاً منه نافذ حسب ولايته نظير اجرة المكان و قيمة العلف و نحو ذلك، انتهى.

أورد عليه المحقق الخوئي (قدس سره ) بأنّ تعليق الحكم على العامل نوع اشعار بل ظهور في أن للوصف العنواني مدخلاً في التعلق و أنه يستحق السهم بإزاء عمله كما لو أوصى بأن يدفع شيء للعامل، فإنه ظاهر في كونه في مقابل العمل، لكن الدفع بازاء العمل لا يختص بأن يكون على وجه الإجارة أو الجعالة بل يجوز من غير سبق التعيين بمقتضى إطلاق الأدلة من الكتاب و السنة، و أما ما ورد في الحديث الحلبي عن أبي عبدالله (علیه السلام) قال: قلت له: ما يعطى المصدق، قال: ما يرى الامام و لا يقدر له شيء(1) فلا دلالة فيه على عدم جواز الاجارة أو الجعالة بل المقصود أنه لم يقدر للعامل في الشريعة المقدسة شيء بل هو موكول إلى نظر الامام (علیه السلام) من حيث الكمية حسبما يراه من المصلحة فعدم التقدير لا يدل على المجانية.

أقول: الظاهر أنه لم يرد في رواية على ما نحن فيه فما لنا إلّا ظاهر الآية و الظاهر منها والله تبارك و تعالى عالم أنّ العنوان المأخوذ فيها ظاهر في التعليل و معناه أن اعطاء الزكاة إليهم من أجل كونهم عاملين عليها فالعمل علة لإعطائهم مجاناً كسائر الفرق فإن

ص: 48


1- الوسائل، الباب 1 من أبواب المستحقّين للزّكاة، الحدیث: 4 و باب 23 من هذه الأبواب،الحدیث: 3

الفقر علة لإعطائهم مجاناً و كذلك الغارمين فالمستفاد منها إعطائهم مجاناً فيكون عملهم إما من باب الوكالة عن الامام (علیه السلام) أو النيابة فالامام (علیه السلام) بمقتضى ولايته يبعث شخصاً أو أشخاصاً للجباية و أخذ الزكاة من الملاك فيكونوا وكلاء أو نوابهم من قبلهم (علیهم السلام) فالنتيجة: لا يلزم أن يكونوا فقراء بل يجوز إعطائهم و لو كانوا أغنياء، فعن الشيخ (رحمه اللّه) في الخلاف: و أما العامل يعطى مع الفقر و الغنى بلا خلاف بل هو الظاهر من الآية الشريفة حيث جعلهم عدل الفقراء ثم إنه من أحكام المترتبة على البحث تلف الزكاة بعد العمل فهل يضمن الحاكم سهم العاملين أم لا؟ فنقول: أما في فرض عدم التعيين باجارة أو جعالة فالأمر واضح خصوصاً على ما ذكرنا من أنهم من موارد المصرف لا غير إذ لا يعطى في قبال عملهم إلّا من الزكاة فمع التلف لا يبقى موضوع حتى يعطى منه و أما على فرض التعيين بأحد الأمرين لو قلنا بذلك فالظاهر كما عن السيد الخوئي (قدس سره ) فالأمر أيضاً كذلك إذ قد عيّنت له الاجرة أو الجعل من نفس الزكاة لا من مال آخر فمع التلف لا استحقاق له لانتفاء الموضوع، هذا كله على القول الأول و أما على القول بكون عملهم من باب الاجارة فالظاهر يلزم اعطاء ما قُدّر لهم لا الاقتصار على الأقل من اجرة المثل لأن عمل المسلم محترم.

ص: 49

«و يشترط فيهم التكليف بالبلوغ و العقل و الايمان بل العدالة و الحرية أيضاً على الأحوط، نعم لا بأس بالمكاتب» (1)

(1) أما اشتراط البلوغ و العقل فقد ادعى عليه الاجماع، قال في الجواهر: بلا خلاف أجده فيه و لا اشكال، فلا تجوز عمالة الصبي أو المجنون و لو باذن وليهما و استدل على ذلك بأنها نيابة عن الامام (علیه السلام) في الولاية على قبض مال الفقراء و حفظه لهم و هما قاصران عن ذلك، انتهى.

لكن لولا الاجماع في المسئلة لكان لدعوى عدم اعتبار البلوغ في المقام مجال واسع إذ هما كسائر المتصدين في حصول الغرض بفعلهم فإنه إذا كان الصبي أو المجنون ممن يأتي منه العمالة في أخذ الزكاة و ايصالها إلى الفقراء أو الامام (علیه السلام) أو نائبه الخاص أو العام لم يكن وجه لاعتبار البلوغ و العقل فإن بعض الصبيان لهم القابلية لهذا العمل بل في بعض الموارد هم أقوى من البالغين.

و أما اعتبار الايمان فمضافاً إلى الاجماع المدعى، فقد يستدل على ذلك بما عن أميرالمؤمنين (علیه السلام)(1) حيث قال (علیه السلام) في جملة من كلامه الشريف: و لا تأمنن عليها إلّا من تثق بدينه، فإن المستفاد منه الايمان.

ربما يقال: إنه يمكن استفادة ذلك مما دل من الروايات على عدم جواز دفع الزكاة الى المخالف، بتقريب: أنّ النسبة بين هذا العنوان و بين عنوان العامل و إن كانت عموماً من وجه، إلّا أن الحكم في الآية المباركة حكم وحداني متعلق بمجموع الأصناف الثمانية و لم يكن انحلالياً بأن تجعل الزكاة للعامل مستقلاً و للفقير مستقلاً حتى تلاحظ النسبة بين هذه العناوين بالخصوص و لا شك أنّ النسبة حينئذٍ عموم مطلق فكأنه قال الله تبارك و تعالى: {إنما الصدقات} إلى آخر، ثم ذيّلها بعدم جواز اعطائها إلى المخالف

ص: 50


1- الوسائل، الباب 14 من أبواب زكات الانعام، الحدیث: 7

و معلوم أنّ العرف لا يرى تهافتاً بين الصدر و الذيل بل يجمع بينهما بحمل الصدر على الذيل فيكون الحاصل اعطاء الصدقات لهذه الاصناف إلّا أن يكونوا مخالفين، بل يمكن استفادة ذلك من رواية زرارة و محمد بن مسلم عن أبي جعفر و أبي عبدالله‘ أنهما قالا: الزكاة لأهل الولاية قد بيّن الله لكم موضعها في كتابه(1) بتقريب أن هذه الرواية دلت على أن الزكاة مختصة بأهل الولاية التي بيّن الله تعالى شأنه موضعها في كتابه و هي المصارف الثمانية التي منها سهم العاملين.

و أما اشتراط العدالة فقد ادعى عليه الاجماع كما عن نهاية الأحكام و الدروس و الروضة و هو العمدة، و أما الاستدلال عليه بقول أميرالمؤمنين (علیه السلام) المتقدم ذكره فلا يستفاد منه إلّا الأمانة و الوثاقة كما أنّ الاجماع المدعى غير محقق، مضافاً إلى أنّ الرواية إنما تدل على اعتبار الامانة بعد القبض، أما القابض أي المتصدق فلا تدل عليه، إلّا أن يقال أنه إذا اعتبرت في وكيل القابض فدلالتها على نفسه بطريق أولى، فتأمل.

و أما الحرية فعن الشيخ (رحمه اللّه) اعتبارها لأنّ العبد لا يملك، فلا يمكن أن يستحق سهماً من الزكاة.

يتوجه عليه أنّ اعطاء العاملين نصيبهم من الزكاة ليس من باب التمليك مع أن عمل العبد إذا كان باذن مولاه، ففي الحقيقة هو عمل مولاه فلا مانع من أن يكون نصيبه من الزكاة لمولاه، ثم قد يستدل على ما نحن فيه بجملة من النصوص الواردة في عدم جواز اعطاء الزكاة إلى العبد لاحظ ما رواه اسحاق بن عمار عن أبي عبدالله (علیه السلام) قال: و لا يعطى العبد من الزكاة شيئاً(2)

و ما رواه علي بن جعفر عن أخيه موسى بن جعفر’ قال سألته عن المملوك يعطى

ص: 51


1- الوسائل، الباب 5 من أبواب المستحقّين للزّكاة، الحدیث: 9
2- الوسائل، الباب 44 من أبواب المستحقّين للزّكاة، الحدیث: 3

«و يشترط أيضاً معرفة المسائل المتعلقة بعملهم اجتهاداً أو تقليداً» (1) «و أن لا يكونوا من بني هاشم» (2)

من الزكاة؟ فقال: لا(1) و غيرها في الباب المشار إليه بالتقريب الذي ذكرناه في اشتراط الايمان.

إن قلت: إنّ هذه الروايات ناظرة إلى عدم جواز اعطاء الزكاة من سهم الفقراء فلا اطلاق لها حتى تشمل العاملين.

قلت: إنّ المستفاد منها عدم اعطاء الزكاة إليهم و أما كونها من سهم الفقراء فلا، فالدليل تام ظاهراً.

ثم إن الماتن (رحمه اللّه) استثنى من العبيد المكاتب، فلعل الوجه فيه أنه صالح للملك و التكسب لكونه متلبساً بالحرية فلا مانع من صيرورته عاملاً كساير افراده.

(1) و الأمر فيه واضح، فإنه مع الجهل بها غير صالح للعمالة لعدم امكانه من القيام بها على الوجه الصحيح.

(2) بلا خلاف كما في الجواهر بل في صحيح عيص بن القاسم عن أبي عبدالله (علیه السلام) قال: إن أناساً من بني هاشم أتوا رسول الله (صلی الله علیه و آله و سلم) فسألوه أن يستعملهم على صدقات المواشي و قالوا يكون لنا هذا السهم الذي جعل الله عز و جل للعاملين عليها فنحن أولى به فقال رسول الله (صلی الله علیه و آله و سلم)-يا بني عبد المطلب- إن الصدقة لا تحل لي و لا لكم و لكني قد وعدت الشفاعة إلى أن قال أ تروني مؤثراً عليكم غيركم.(2) التصريح به مضافاً إلى التقريب الذي ذكرنا في اشتراط الايمان فلاحظ.

ص: 52


1- الوسائل، الباب 44 من أبواب المستحقّين للزّكاة، الحدیث: 4
2- الوسائل، الباب 29 من أبواب المستحقّين للزّكاة، الحدیث: 1

«نعم يجوز استئجارهم من بيت المال أو غيره كما يجوز عملهم تبرعاً» (1)

«و الأقوى عدم سقوط هذا القسم في زمان الغيبة مع بسط يد نائب الامام (علیه السلام) في بعض الأقطار، نعم يسقط بالنسبة إلى من تصدى بنفسه لاخراج زكاته و ايصالها إلى نائب الامام (علیه السلام) أو إلى الفقراء بنفسه» (2)

(1) لعموم نفوذ الولاية و الاجارة من دون معارض كما في المستمسك فلا مانع من اتخاذه اجيراً على ما يحتاج إليه من العمل فتدفع الاجرة إليه من بيت المال لكونه معداً بمصالح المسلمين.

(2) لعدم الدليل على الاختصاص بزمن الحضور و التعبير بالامام في بعض النصوص لاحظ ما رواه زرارة و محمد بن مسلم أنهما قالا لأبي عبدالله (علیه السلام): أرأيت قول الله تبارك و تعالى: {إنما الصدقات للفقراء و المساكين و العاملين عليها و المؤلفة قلوبهم و في الرقاب و الغارمين و في سبيل الله و ابن السبيل فريضة من الله} أكل هؤلاء يعطى و إن كان لا يعرف؟ فقال: إن الامام يعطى هؤلاء جميعاً لأنهم يقرون له بالطاعة. قال زرارة: قلت: فإن كانوا لا يعرفون؟ فقال: يا زرارة لو كان يعطى من يعرف دون من لا يعرف لم يوجد لها موضع و إنما يعطى من لا يعرف ليرغب في الدين فيثبت عليه فأما اليوم فلا تعطها أنت و أصحابك إلّا من يعرف فمن وجدت من هؤلاء المسلمين عارفاً فاعطه دون الناس، ثم قال: سهم المؤلفة قلوبهم و سهم الرقاب عام و الباقي خاص قال: قلت: فإن لم يوجدوا؟ قال: لا تكون فريضة فرضها الله عزوجل و لا يوجد لها أهل قال: قلت: فإن لم تسعهم الصدقات؟ قال: فقال: إن الله فرض للفقراء في مال الأغنياء ما يسعهم و لو علم أنّ ذلك لا يسعهم لزادهم إنهم لم يؤتوا من قِبل فريضة الله عزوجل و لكن اوتوا من منع من منعهم حقهم لا مما فرض الله لهم فلو أنّ الناس أدوا

ص: 53

حقوقهم لكانوا عايشين بخير(1) باعتبار كونه الولي الأصلي و يؤيد ما ذكرنا الحديث المروي في تفسير على بن ابراهيم(2) حيث ذكر فيه: و العاملين عليها هم السعاة و الجباة في أخذها و جمعها و حفظها حتى يؤدوها إلى من قسّمها فلاحظ.

ص: 54


1- الوسائل، الباب 1 من أبواب المستحقّين للزّكاة، الحدیث: 1
2- نفس المصدر، الحدیث: 7

«الرابع: المؤلفة قلوبهم»

من الكفار الذين يراد من اعطائهم الفتهم و ميلهم إلى الاسلام أو إلى معاونة المسلمين في الجهاد مع الكفار أو الدفاع و من المؤلفة قلوبهم الضعفاء العقول من المسلمين لتقوية اعتقادهم أو لإمالتهم إلى المعاونة في الجهاد أو الدفاع» (1)

(1) هذا الحكم مما لا خلاف فيه و لا اشكال نصاً و لا فتوى بل قيل: إنه قام عليه اجماع المسلمين، إنما الكلام في تنقيح الموضوع و أنه ما المراد من المؤلفة قلوبهم؟ فالأقوال فيه ثلاثة:

الأول: اختصاص الحكم بالكفار و هو خيرة الشيخ (رحمه اللّه) كما حكي عن المبسوط بل نسب إلى المشهور، فعن المبسوط: و المؤلفة قلوبهم عندنا الكفار الذين يستمالون بشيء من مال الصدقات إلى الاسلام و يتألفون ليستعان بهم على قتال أهل الشرك و لا نعرف لأصحابنا مؤلفة أهل الاسلام، و عن الشرايع: و المؤلفة قلوبهم و هم الكفار الذين يستمالون إلى الجهاد و لا نعرف مؤلفة غيرهم.

الثاني: ما عن المفيد و تبعه الماتن (رحمه اللّه) من أن المؤلفة ضربان: أحدهما: المشركون و هم من عرفت، و الثاني: المسلمون و هم ضعفاء الايمان فيعطى لهم الزكاة لتقوية عقيدتهم.

الثالث: ما ذهب إليه صاحب الحدائق، قال في حدائقه بعد ايراد الروايات الواردة في مقصود، هذه الاخبار كلها كما ترى ظاهرة في أنّ المؤلفة قلوبهم قوم مسلمون قد أقروا بالاسلام و دخلوا فيه لكنه لم يستقر في قلوبهم و لم يثبت ثبوتاً راسخاً فأمر الله تعالى نبيه بتألفهم بالمال لكي تقوى عزائمهم و تشتد قلوبهم على البقاء على هذا الدين، انتهى موضع الحاجة.

ص: 55

أما القول الأول: فقد أورد عليه المحقق الخوئي (قدس سره ) بأنه لم يظهر له أي مستند بل يدفعه اطلاقات الادلة من الكتاب و السنة، نعم استدل عليه بجملة من الروايات منها ما عن دعائم الاسلام عن جعفر بن محمد (علیه السلام) أنه قال في قول الله عزوجل {و المؤلفة قلوبهم} قال: هم قوم يتألفون على الاسلام من رؤساء القبائل كان رسول الله (صلی الله علیه و آله و سلم) يعطيهم ليتألفهم و يكون ذلك في كل زمان إذا احتاج إلى ذلك الامام فعله(1) و ما رواه زرارة و محمد بن مسلم(2)

لكن الأول ضعيف سنداً، و الثاني ضعيف دلالة بالنسبة إلى ما نحن فيه، مضافاً إلى امكان التقييد فيه. و أما ما في حاشية الارشاد على ما نقل عنها «المروي أنهم قوم كفار،» فضعيف سنداً للارسال.

و أما القول الثاني فهو مطابق للاطلاقات المذكورة.

إنما الكلام في القول الثالث و استدل صاحب الحدائق لمدعاه بجملة من النصوص منها ما رواه زرارة عن أبي جعفر (علیه السلام) قال: سألته عن قول الله عزوجل: {و المؤلفة قلوبهم} قال: هم قوم وحدوا الله عزوجل و خلعوا عبادة من يعبد من دون الله و شهدوا أن لا إله إلا الله و أن محمداً رسول الله (صلی الله علیه و آله و سلم) و هم في ذلك شكاك في بعض ما جاء به محمد (صلی الله علیه و آله و سلم) فأمر الله عزوجل نبيه (صلی الله علیه و آله و سلم) أن يتألفهم بالمال و العطاء لكي يحسن اسلامهم و يثبتوا على دينهم الذي دخلوا فيه و أقروا به، الحديث(3)

و ما رواه ایضاً عن أبي جعفر (علیه السلام) قال: المؤلفة قلوبهم قوم وحدوا الله و خلعوا عبادة من يعبد من دون الله و لم تدخل المعرفة قلوبهم أن محمداً رسول الله و كان رسول الله (صلی الله علیه و آله و سلم)

ص: 56


1- المستدرك، الباب 1 من أبواب المستحقّين للزكاة، الحدیث: 11
2- الوسائل، الباب 1 من أبواب المستحقّين للزّكاة، الحدیث: 1
3- الكافى، ج 2، باب المؤلّفة قلوبهم، الحدیث: 2

يتألفهم و يعرفهم لكيما يعرفوا و يعلمهم(1)

و منها مرسل موسى بن بكر عن رجل قال: قال أبوجعفر (علیه السلام): ما كانت المؤلفة قلوبهم قط أكثر منهم اليوم و هو قوم وحدوا الله و خرجوا من الشرك و لم تدخل معرفة محمد رسول الله (صلی الله علیه و آله و سلم) قلوبهم و ما جاء به فتألفهم رسول الله (صلی الله علیه و آله و سلم) و تألفهم المؤمنون بعد رسول الله (صلی الله علیه و آله و سلم) لكيما يعرفوا(2)

و ما رواه زرارة عن أبي جعفر (علیه السلام) قال: المؤلفة قلوبهم لم يكونوا قط أكثر منهم اليوم(3)

و ما رواه اسحاق بن غالب قال: قال أبوعبدالله (علیه السلام): يا اسحاق كم ترى أهل هذه الآية: {فإن اعطوا منها رضوا و إن لم يعطوا منها إذا هم يسخطون}، قال: ثم قال: هم أكثر من ثلثي الناس(4) و ما رواه علي بن ابراهيم في تفسيره(5).

أورد عليه المحقق الخوئي (قدس سره ) بأنّ ما رواه زرارة الذي هم العمدة في المقام قاصر عن الدلالة إذ مقتضاه التعرض لشأن نزول الآية و إن مورده هو تلك القصة و من البين أن المورد لا يخصص الموارد، فمن الجائز دفع الزكاة أيضاً جائز لاستمالتهم إلى الجهاد أو إلى الاسلام.

لكن يمكن أن يقال إن الرواية في مقام التحديد و من البين في محله أن مفهوم التحديد من أقوى المفاهيم كما اعترف (قدس سره ) في محله فلا وجه للحمل على المثبتين بل النسبة بين هذه الرواية و الآية، نسبة الخاص إلى العام فلا وجه لرفع اليد عن التقييد، فالحق ما أفاده صاحب الحدائق.

ص: 57


1- الكافى، ج 2، باب المؤلّفة قلوبهم، الحدیث: 1
2- نفس المصدر، الحدیث: 5
3- نفس المصدر، الحدیث: 3
4- نفس الصمدر، الحدیث: 4
5- جلد 1 صفحه 299 (ذیل آیه 60 سورة توبه).

«الخامس: الرقاب»

و هم ثلاثة أصناف:

الأول: المكاتب العاجز عن أداء مال الكتابة مطلقاً كان أو مشروطاً و الأحوط أن يكون بعد حلول النجم ففي جواز إعطائه قبل حلوله اشكالٌ و يتخير بين الدفع إلى كل من المولى و العبد لكن إن دفع إلى المولى و اتفق عجز العبد عن باقى مال الكتابة في المشروط فردّ إلى الرق يسترجع منه كما أنه لو دفعها إلى العبد و لم يصرفها في فك رقبته لاستغنائه بابراء أو تبرع أجنبي يسترجع منه، نعم يجوز الاحتساب حينئذٍ من باب سهم الفقراء إذا كان فقيراً و لو ادعى العبد أنه مكاتب أو أنه عاجز فإن علم صدقه أو أقام بيّنة قبل قوله و إلّا ففي قبول قوله اشكال و الأحوط عدم القبول سواء صدّقه المولى أو كذبه كما أن في قبول المولى مع عدم العلم و البينة أيضاً كذلك سواء صدقه العبد أو كذّبه و يجوز إعطاء المكاتب من سهم الفقراء إذا كان عاجزاً عن التكسب للأداء و لا يشترط اذن المولى في الدفع إلى المكاتب سواء كان من باب الرقاب أو من باب الفقر.

الثاني: العبد تحت الشدة و المرجع في صدق الشدة العرف فيشترى و يعتق خصوصاً إذا كان مؤمناً في يد غير المؤمن.

الثالث: مطلق عتق العبد مع عدم وجود المستحق للزكاة و نية الزكاة في هذا و السابق عند دفع الثمن إلى البائع و الأحوط الاستمرار بها إلى حين الإعتاق» (1)

ص: 58

(1) أما صرف الزكاة في الرقاب فلا ريب فيه كتاباً و سنة إنما الكلام في انحصار جواز الإعطاء في الأصناف الثلاثة و عدمه فنقول: إن الأقوال في المسألة ثلاثة:

المشهور بين الأعلام هو الانحصار و زاد بعض صنفاً رابعاً و هو من وجب عليه العتق كفارة و لم يجد ما يكفر به، فإنه يعتق عنه و زاد الآخرون صنفاً خامسا و هو الصرف فی الرقاب مطلقاً.

القول الأول: و استدل علیه بالنسبة إلى المكاتب بما رواه الصدوق مرسلاً عن محمدبن علی بن الحسین قال: سئل الصادق (علیه السلام) عن مكاتب عجز عن مكاتبته و قد أدى بعضها قال يؤدى عنه من مال الصدقة إن الله عزوجل يقول في كتابه: {و في الرقاب}(1)

و للصنف الثاني و العبد فی الشدة بما رواه أبوبصير عن أبي عبدالله (علیه السلام) قال: سألته عن الرجل يجتمع عنده من الزكاة الخمسمائة و الستمائة يشترى بها نسمة و يعتقها؟ فقال: إذا يظلم قوماً آخرين حقوقهم، ثم مكث ملياً ثم قال: إلا أن يكون عبدا مسلماً في ضرورة فيشتريه و يعتقه(2)

و بالنسبة إلى الصنف الثالث مطلق العبد بما رواه عبيد بن زرارة قال: سألت أباعبدالله (علیه السلام) عن رجل اخرج زكاة ماله ألف درهم فلم يجد موضعاً يدفع ذلك إليه فنظر إلى مملوك يباع فيمن يريده فاشتراه بتلك الألف الدراهم التي أخرجها من زكاته فأعتقه هل يجوز ذلك؟ قال: نعم، لا بأس بذلك. قلت: فإنه لما أن اعتق و صار حراً اتجر و احترف فأصاب مالاً ثم مات و ليس له وارث فمن يرثه إذا لم يكن له وارث؟ قال: يرثه الفقراء المؤمنون الذين يستحقون الزكاة لأنه إنما اشترى بمالهم(3)

إذا عرفت ذلك فنقول: أما الرواية الاولى فهى ضعيفة سنداً بالإرسال مضافاً إلى أن

ص: 59


1- الوسائل، الباب 44 من أبواب المستحقّين للزّكاة الحدیث: 1
2- الباب 43 من هذه الأبواب، الحدیث: 1
3- نفس المصدر، الحدیث: 2

صرف الزكاة في مورد الرواية مما لا اشكال فيه بمقتضى الآية الشريفة لانطباق الآية على المكاتب فإن صرف الزكاة من سهم الرقاب تارة يكون بشراء الرقبة و تبدل العين الزكوية بها ثم يعتقها المالك بنفسه أو بانشاء جديد من ولي الامر و اخرى بالصرف في نفس العتق مباشرة بأن يدفع المال إلى العبد ليسدد به مال الكتابة فيترتب عليه العتق قهراً و الثاني أولى من الأول.

و أما الرواية الثانية فأفاده المحقق الخوئي (قدس سره ) بأن الرواية ضعيفة سنداً إذ العمرو الوارد في طريق الكليني (رحمه اللّه) لم يعلم أنه عمرو بن أبي نصر الثقة الراوي عن أبي عبدالله (علیه السلام)، و أما سند الشيخ فالظاهر أنه متحد لما في الكافي إلى آخر كلامه.

و الظاهر أنه مأخوذ من المحقق الهمداني (رحمه اللّه) حيث قال: إن روايتها عن عمرو بن أبي نصر اشتباه نشأ من تحريف النساخ كما نبه عليه في الحدائق حيث ذكر أن هذه الرواية رواها الشيخ في التهذيب عن الكافى عن عمرو بن أبي نصر مع أن الموجود في الكافي عمرو بن أبي نصر عن أبي بصير و قد اغتر صاحب المدارك بنقل صاحب التهذيب لها بهذه الكيفية فنظمها في الصحيح، انتهى كلامه.

لكن مع احتمال تعدد الرواية لا يرد عليه هذا الاشكال، قال صاحب المعالم (رحمه اللّه) في منتقى الجمان: و هذا الحديث رواه الشيخ باسناده عن محمد بن يعقوب بما ذكرنا من الطريق و قد اتفقت عدة نسخ عندي للكافي على تصحيف اسناده بما يوجب ضعفه و ذلك في تسمیة راويه، فذكر هكذا عن عمرو عن أبي بصير و إنما اعتمدنا في تصحيحه على ايراد الشيخ له في التهذيب، موافقاً للصواب، انتهى موضع الحاجة فلاحظ.

أما من حيث الدلالة فأورد عليه بأن قوله (علیه السلام) «إذا يظلم قوماً آخرون حقوقهم» الذي يكون بمنزلة العلة يرشدنا إلى الجواز بالنسبة إلى شراء مطلق العبيد في حد نفسه إلا أنه

ص: 60

حيث كان ذلك موجباً لتضييع حق الآخرين يكون مرجوحاً فإذا إبتل بالمزاحم الأقوى و هو كون العبد في الشدة، صار راجحاً، فتكون هذه الرواية لجواز الشراء مطلقاً أدل، عكس ما ادعاه المستدل من الاختصاص.

و أما الرواية الثالث فأورد عليه بأن مورد الرواية و إن كان ظاهراً في اختصاص الصرف بعدم وجدان مصرف آخر للزكاة لكن المورد لا يكون موجباً للتخصيص بل المدار اطلاق الجواب إذن لا مانع من التمسك باطلاق الكتاب العزيز.

القول الثاني: ما نسب إلى المحقق (رحمه اللّه) و العلامة (رحمه اللّه) و استدل على ذلك بما رواه على بن ابراهيم عن العالم (علیه السلام)(1) لكنه ضعيف سنداً بالإرسال.

القول الثالث: و هو جواز الصرف في مطلق عتق الرقبة فيدل عليه مضافاً إلى اطلاق الكتاب ما رواه أيوب بن الحر أخي أديم بن الحر قال: قلت لأبي عبدالله (علیه السلام): مملوك يعرف هذا الأمر الذي نحن عليه اشتريه من الزكاة و اعتقه؟ قال: فقال: اشتره و اعتقه. قلت: فإن هو مات و ترك مالاً؟ قال: فقال: ميراثه لأهل الزكاة لأنه اشترى بسهمهم(2)

و الظاهر من الرواية اشتراء العبد من الزكاة من سهم الرقاب لا من سهم سبيل الله إذ لا توسعة لهذا السهم بهذا المقدار و إلّا لجاز صرفه في مطلق امور الخير حتى ادخال السرور في قلب المؤمن باعطاء الغنى و هذا منافٍ لحكمه التشريع.

و يويد ذلك ما رواه أبومحمد الوابشي عن أبي عبدالله (علیه السلام) قال: سأله بعض أصحابنا عن رجل اشترى أباه من الزكاة زكاة ماله، قال: اشترى خير رقبة لا بأس بذلك(3) و حيث ان البحث في الرقاب غير مبتلى به في زماننا هذا نكتفي بهذا المقدار من البحث.

ص: 61


1- الوسائل، الباب 1 من أبواب المستحقّين للزّكاة، الحدیث: 7
2- الوسائل، الباب 43 من أبواب المستحقّين للزّكاة، الحدیث: 3
3- الوسائل، الباب 19 من هذه الأبواب، الحدیث: 1

«السادس: الغارمون»

و هم الذين ركبتهم الديون و عجزوا عن أدائها و إن كانوا مالكين لقوت سنتهم» (1)

(1) أما جواز الاعطاء إليهم فلا خلاف فيه في الجملة و لا اشكال، و يدل عليه الآية الشريفة و جملة من النصوص منها ما رواه عن زرارة قال: قلت لأبي عبدالله (علیه السلام) رجلٌ حلت عليه الزكاة و مات أبوه و عليه دينٌ أ يؤدي زكاته في دين أبيه و للابن مالٌ كثيرٌ فقال إن كان أبوه أورثه مالًا ثم ظهر عليه دينٌ لم يعلم به يومئذٍ فيقضيه عنه قضاه من جميع الميراث و لم يقضه من زكاته و إن لم يكن أورثه مالًا لم يكن أحدٌ أحق بزكاته من دين أبيه فإذا أداها في دين أبيه على هذه الحال أجزأت عنه.(1)

و ما رواه اسحاق بن عمار قال: سألت أباعبدالله (علیه السلام) عن رجل على أبيه دين و لأبيه مؤونة أ يعطى أباه من زكاته يقضى دينه؟ قال: نعم و من أحق من أبيه؟(2)

و ما رواه الحسين بن علوان عن جعفر بن محمد عن أبيه‘ أنّ علياً (علیه السلام) كان يقول: يعطى المستدينون من الصدقة و الزكاة دينهم كله ما بلغ إذا استدانوا في غير سرف(3)

بتقريب: أن المستفاد من هذه النصوص جواز الاعطاء من هذا السهم لتسد به ديونهم، حياً كان المديون أو ميتاً و أما عدم جوازه لمن يقدر على الأداء فأيضاً لا اشكال فيه لما عن زرارة المتقدم ذكره، مضافاً إلى أن الاعطاء في هذا الفرض منافٍ لحكمة التشريع، أي سد حوائج المحتاجين.

ص: 62


1- الوسائل، الباب 18 من أبواب المستحقّين للزّكاة، الحدیث: 1.
2- نفس المصدر، الحدیث: 2
3- الوسائل، الباب 48 من هذه الأبواب، الحدیث: 2

أضف إلى ذلك الدليل الدال على عدم جواز الاعطاء إلى الغنى، أما عدم اعتبار كونهم فقيراً شرعياً بمعنى يجوز الاعطاء و لو كانوا مالكين لقوت سنتهم فلاطلاق الأدلة المتقدمة حيث انها لم تقيد بالفقر و إن كانت مقيدة بالعجز، ثم إنه ربما يستدل على اشتراط الفقر الشرعي أي عدم كونهم مالكاً لقوت سنتهم بما رواه سماعة قال: سألت أباعبدالله (علیه السلام) عن الرجل منّا يكون عنده الشيء يتبلغ به و عليه دين أيطعمه عياله حتى يأتيه الله تعالى بميسرة فيقضى دينه أو يستقرض على ظهره في جدب الزمان و شدة المكاسب أو يقضى بما عنده دينه و يقبل الصدقة؟ قال: يقضى بما عنده و يقبل الصدقة، الحديث(1) ففي هذه الرواية تارة نبحث من حيث السند و اخرى من حيث الدلالة.

أما من حيث السند: فقد أشكل عليه المحقق الخوئي (قدس سره ) بأن طريق ابن ادريس إلى كتاب المشيخة، مجهولٌ فلا يمكن الاعتماد عليه.

لكن أجاب عنه سيدنا الاستاذفي الدلائل(2) أنّ ابن ادريس ينقل عن كتاب حسن بن محبوب فلا يلزم العلم بطريقه إلى الكتاب، فإنّ الظاهر من الخبر الحس فاخبار ابن ادريس حسي يجوز أخذه كسائر الموارد.

و أما من حيث الدلالة: فالظاهر أنّ الأخذ بها مشكلٌ لعدم دلالتها على المطلوب إذ يمكن أن يكون الوجه في وجوب الأداء و عدم صرفه في المؤنة، عدم جواز تأخير أداء دينه لا أنه مالك لقوت سنته بل الظاهر منها أنّ الشخص إذا كان له مقدار من المال يفي بدينه يجب عليه صرفه فيه و إن كان ذلك المال أقل من مقدار مؤنة سنته بقليل و الحال أنه فقير قطعاً.

ص: 63


1- الوسائل، الباب 47 من أبواب المستحقّين للزّكاة، الحدیث: 1
2- الدلائل جلد 4 صفحه 91

«و يشترط أن لا يكون الدين مصروفاً في المعصية و إلّا لم يقض من هذا السهم» (1)

و بعبارة اخرى أنّ المستفاد من الحديث أنه لا يجوز تأخير الدين و لا يستفاد منه ما نحن بصدده من أنه إذا كان له مقدار أداء الدين لا يجوز له أخذ الزكاة لعدم كونه فقيراً و الحال أنه لا اشكال في أن من يكون مالكاً لقوت عياله ثلاثة أيام مثلاً و مع ذلك يكون مديوناً بهذا المقدار، يكون فقيراً بلا ريب.

(1) استدل على هذا الاشتراط بوجوه:

الأول: الاجماع و حاله معلوم لأنه محتمل المدرك.

الثاني: أنّ إعطاء الزكاة للغارم الصارف دينه في المعصية اغراء له بالقبيح فلا يجوز.

و فيه: أن ذلك استحسان و لا يمكن جعله دليلا على الحكم الشرعي مضافاً إلى أنه يمكن أن يصرف الغارم في المعصية، لكن بعد ذلك تاب و لم يقدر على الأداء.

الثالث: ادعاء الانصراف، أي انصراف الأدلة عن المورد.

و فيه: إن عهدتها على مدعيها خصوصاً إذا كان الغارم تائباً.

الرابع: جملة من النصوص لاحظ ما رواه علي بن ابراهيم(1) لكن السند ضعيف، مضافاً إلى أن الحديث لا يمكن أن يؤخذ به لأنه قيد فيه بأن الصرف في طاعة الله و لا يشترط هذا في المقام قطعاً، و ما رواه عبد الرّحمن بن الحجّاج قال: سألت أبا الحسن (علیه السلام) عن رجل عارف فاضل توفّي و ترك عليه ديناً قد ابتلي به لم يكن بمفسد و لا بمسرف و لا معروف بالمسألة هل يقضى عنه من الزّكاة الألف و الألفان قال نعم.(2)

أورد عليه بأن الشرط مذكور في كلام الراوي و أما الجواب فمطلق و من المعلوم أن

ص: 64


1- الوسائل، الباب 1 من أبواب المستحقّين للزّكاة، الحدیث: 7
2- الوسائل، الباب 46 من أبواب المستحقّين للزّكاة، الحدیث: 1

المدار اطلاق الجواب.

و ما رواه صباح بن سيابة عن أبي عبدالله (علیه السلام) قال: قال رسول الله (صلی الله علیه و آله و سلم): أيما مؤمن أو مسلم مات و ترك ديناً لم يكن في فساد و لا اسراف، فعلى الامام أن يقضيه، فإن لم يقضه فعليه إثم ذلك إن الله تبارك و تعالى يقول: {إنما الصدقات للفقراء و المساكين} الآية، فهو من الغارمين و له سهم عند الامام فإن حبسه فإثمه عليه(1). وفيه: أنه لم يوثق.

و ما رواه محمد بن سليمان عن رجل من أهل الجزيرة يكنى أبامحمد قال: سأل الرضا (علیه السلام) رجل و أنا أسمع فقال له: جعلت فداك إن الله جل و عز يقول: {و إن كان ذو عسرة فنظرة إلى ميسرة} أخبرني عن هذه النظرة التي ذكرها الله عزوجل في كتابه لها حد يعرف إذا صار هذا المعسر إليه لابد له من أن ينتظر و قد اخذ مال هذا الرجل و انفقه على عياله و ليس له غلة ينتظر ادراكها و لا دين ينتظر محله و لا مال غائب ينتظر قدومه؟ قال: نعم ينتظر بقدر ما ينتهي خبره إلى الامام فيقضى عنه ما عليه من الدين من سهم الغارمين إذا كان أنفقه في طاعة الله عزوجل فإن كان أنفقه في معصية الله عزوجل فلا شيء له على الامام. قلت: فما لهذا الرجل الذي ائتمنه و هو لا يعلم فيما أنفقه في طاعة الله أم في معصيته؟ قال: يسعى له في ماله فيرده عليه و هو صاغر(2). و فيه: أن السند ضعيف.

و ما رواه الحسين بن علوان عن جعفر بن محمّد عن أبيه أنّ عليّاً (علیهم السلام) كان يقول يعطى المستدينون من الصّدقة و الزّكاة دينهم كلّه ما بلغ إذا استدانوا في غير سرف الحديث.(3)

ص: 65


1- الاصول من الكافي، ج 2، ص 347، الحدیث: 7، ط دار الحدیث: (كتاب الحجة باب 104 باب ما یجب من حق الامام علی الرعیة حدیث 7)
2- الوسائل، الباب 9 من أبواب الدّين و القرض، الحدیث: 3
3- الوسائل، الباب 48 من أبواب المستحقّين للزّكاة، الحدیث: 2

«و إن جاز اعطاؤه من سهم الفقراء سواء تاب عن المعصية أو لم يتب بناءً على عدم اشتراط العدالة في الفقير و كونه مالكاً لقوت سنته لا ينافي فقره لأجل وفاء الدين الذي لا يفى كسبه أو ما عنده به» (1)

و الظاهر أن الرواية لا بأس بها سنداً و دلالة حيث أن الحسين بن علوان موثق على الأقوى حيث قال النجاشي في ترجمته ما لفظه على ما نقله المحقق الخوئي (قدس سره ) «الحسين بن علوان الكلبي مولاهم كوفي عامي و أخوه الحسن يكنى أبامحمد ثقة» و الظاهر كلمة ثقة خبر لحسين بن علوان.

(1) لصدق عنوان الفقير عرفاً بمجرد العجز عن الأداء و لو كان مالكاً لقوت سنته.

أورد عليه أنّ المستفاد من الروايات أي الموضوع لسهم الفقراء، هو الفقير الشرعي المفسر بمن لا يملك قوت سنته، فالمالك له غنى شرعاً لا يحق له الأخذ من هذا السهم و إن كان فقيراً عرفاً إذ الموضوع لإعطاء الزكاة من سهم الفقراء هو الفقير الشرعى بخلاف الموضوع لسهم الغارمين فإن الموضوع فيه الفقير العرفي و إن كان غنياً شرعياً و هذا الاشكال لا بأس به بمقتضى الجمع بين الروايات الواردة في سهم الغارمين و بين الروايات الواردة في سهم الفقراء لاحظ ما رواه سماعة عن أبي عبدالله (علیه السلام) قال: سألته عن الرجل يكون له الدين على رجل فقير يريد أن يعطيه من الزكاة؟ فقال: إن كان الفقير عنده وفاء بما كان عليه من دين عرض من دار، أو متاع من متاع البيت، أو يعالج عملاً يتقلب فيها بوجهه فهو يرجو أن يأخذ منه ماله عنده من دينه فلا بأس أن يقاصه بما أراد أن يعطيه من الزكاة أو يحتسب بها فإن لم يكن عند الفقير وفاء و لا يرجو أن يأخذ منه شيئاً فيعطيه من زكاة و لا يقاصه بشيء من الزكاة(1)

فإن المستفاد منه عدم جواز الاعطاء من سهم الفقراء إذا كان غنياً، نعم لا يبعد انصرافه

ص: 66


1- الوسائل، الباب 46 من أبواب المستحقّين للزكاة، الحدیث: 3

«و كذا يجوز اعطاؤه من سهم سبيل الله» (1)

«و لو شك في أنه صرفه في المعصية أم لا؟ فالأقوى جواز اعطائه من هذا السهم و إن كان الأحوط خلافه» (2)

عمن استدان لقوت سنته بحيث أصبح غنياً من هذا السبيل فإنه في الحقيقة لا يعد مالكاً لما عليه دين بازائه.

(1) لو فسّرنا السهم المذكور بمطلق سبيل الخير فما أفاده وجيه و أما لو خصصنا بما يرجع إلى الامور العامة فلا و سيأتي البحث فيه إن شاء الله تعالى.

(2) نسب القول بالجواز إلى الأكثر بل المشهور و عن الشيخ (رحمه اللّه) في النهاية المنع.

مبنى القولين: إن الصرف في الطاعة شرط أو أن الصرف في المعصية مانع، و بعبارة اخرى أن القيد الملحوظ في الجواز هل هو قيد عدمي حتى يحرز بالأصل أم لا؟ بل يكون أمراً وجودياً لا يثبت به إلّا بالمثبت و حينئذٍ نقول إنّ المدرك المقيد إذا كان اجماعاً، فالقدر المتيقن منه عدم صرفه في المعصية، فإذا شك فى تحقق المانع مقتضى الأصل المنقح، عدم تحقق المانع و أما إذا كان المدرك هو الاخبار، فهى بين ما هو ظاهر في الشرطية كحديث على بن ابراهيم و بين ما هو ظاهر في المانعية كحديث علوان و حيث أن المدرك منحصر في هذا الحديث كما تقدم، فلا مناص من ترتب حكم المانع على القيد، فلو شك فمقتضى الأصل عدم صرفه في المعصية فالنتيجة هو الجواز و يؤيد المدعى الأدلة الدالة على جواز أداء دين الأموات منها من غير استفصال لاحظ ما رواه موسى بن بكر عن أبي الحسن (علیه السلام) في حديث قال: من طلب الرزق فغلب عليه فليستدن على الله عزوجل و على رسوله ما يقوت به عياله فإن مات و لم يقض على الامام قضاؤه فإن لم يقضه كان عليه وزره إن الله يقول: {إنما الصدقات

ص: 67

«نعم لا يجوز له الأخذ إذا كان قد صرفه في المعصية» (1)

للفقراء و المساكين ... و الغارمين} فهو فقير مسكين مغرم(1)

و يؤيده أيضاً أن الجواز مقتضى الأصل أى أصالة الصحة بحمل فعل المسلم على الصحة و أنه كان مشروعاً ثم إنه ربما يستدل للقول بالمنع بما رواه محمد بن سليمان عن رجل من أهل الجزيرة يكنى أبا محمد قال: سأل الرضا (علیه السلام) رجلٌ و أنا أسمع فقال له جعلت فداك إن الله جل و عز يقول و إن كان ذو عسرة فنظرةٌ إلى ميسرة أخبرني عن هذه النظرة التي ذكرها الله عز و جل في كتابه لها حد يعرف إذا صار هذا المعسر إليه لا بد له من أن ينتظر و قد أخذ مال هذا الرجل و أنفقه على عياله و ليس له غلةٌ ينتظر إدراكها و لا دينٌ ينتظر محله و لا مالٌ غائبٌ ينتظر قدومه قال نعم ينتظر بقدر ما ينتهي خبره إلى الإمام فيقضي عنه ما عليه من الدين من سهم الغارمين إذا كان أنفقه في طاعة الله عز و جل فإن كان أنفقه في معصية الله عزوجل فلا شي ء له على الإمام قلت فما لهذا الرجل الذي ائتمنه و هو لا يعلم فيما أنفقه في طاعة الله أم في معصيته قال يسعى له في ماله فيرده عليه و هو صاغرٌ.(2)

بدعوى تعرضها لتكليف الدافع عند جهله بالحال و أنه لا يدفع الزكاة في صورة الشك في صرف الدين في الطاعة أو المعصية، بل اللازم حينئذ سعي المديون في تسديد دينه و رد ما عليه من المال إلى دائنه.

(1) لعلمه بعدم كونه مستحقاً للمال المذكور فإن الدين في المعصية ليس أداؤه من مصارف الزكاة حسب الفرض.

ص: 68


1- الوسائل، الباب 46 من أبواب المستحقّين للزّكاة، الحدیث: 4
2- الوسائل، الباب 9 من أبواب دین و القرض، الحدیث: 3

«و لو كان معذوراً في الصرف في المعصية لجهل أو اضطرار أو نسيان أو نحو ذلك، لا بأس باعطائه و كذا لو صرفه فيها في حال عدم التكليف لصغر أو جنون» (1)

«و لا فرق في الجاهل بين كونه جاهلاً بالموضوع أو الحكم» (2)

«مسألة16: لا فرق بين أقسام الدين من قرض أو ثمن مبيع أو ضمان مال أو عوض صلح أو نحو ذلك كما لو كان من باب غرامة اتلاف فلو كان الاتلاف جهلاً أو نسياناً و لم يتمكن من أداء العوض جاز اعطاؤه من هذا السهم» (3)

(1) لعدم تحقق المعصية المانعة لأخذ الزكاة و اعطائها فلم يكن الدين مصروفاً في المعصية.

(2) أما الجهل بالموضوع فلأنه معذور فلا مانع منه، و أما الجاهل بالحكم فلابد من تقييده بالقصور، و أما الجاهل المقصر فلا يجوز اعطائه من هذا السهم لأنه عاصٍ لعدم كونه معذوراً.

(3) لاطلاق الآية حيث ان العنوان المأخوذ فيها الغارم و هذا يصدق على جميع الموارد المذكورة و أما ما رواه عن موسى بن بكرٍ عن أبي الحسن (علیه السلام) في حديثٍ قال: من طلب الرزق فغلب عليه فليستدن على الله عزوجل و على رسوله ما يقوت به عياله فإن مات و لم يقض كان على الإمام قضاؤه فإن لم يقضه كان عليه وزره إن الله يقول {إنما الصدقات للفقراء و المساكين ... و الغارمين} فهو فقيرٌ مسكينٌ مغرمٌ.(1) بأن المأخوذ في كلام الراوي هو عنوان الاستدانة.

ص: 69


1- الوسائل، الباب 46 من أبواب المستحقّين للزّكاة، الحدیث: 4

«بخلاف ما لو كان على وجه العمد و العدوان» (1)

«مسألة17: إذا كان دينه مؤجلاً فالأحوط عدم الاعطاء من هذا السهم قبل حلول أجله و إن كان الأقوى الجواز» (2)

فيمكن أن يجاب بأن الامام (علیه السلام) طبق عليه عنوان الغارم، فیكون المدار هو عنوان الغارم، سواء كان على نحو القرض المتعارف أو غرامة اخرى من الامور المزبورة من أي سبب كان فلاحظ.

(1) لفحوا ما دل على عدم جواز الاعطاء إذا صرف الغارم الدين في المعصية فإن حرمة الصرف المتأخر عن الدين إذا كان مانعاً عنه فحرمة سببه السابق عليه يكون بطريق أولى.

و يؤيد ما ذكرنا بل يدل عليه ما رواه عبدالرحمن بن الحجاج عن محمد بن خالد قال: سألت أباعبدالله (علیه السلام) عن الصدقات، فقال: اقسمها في من قال الله عزوجل و لا تعطين من سهم الغارمين الذين ينادون بنداء الجاهلية شيئاً. قلت: و ما نداء الجاهلية؟ قال: هو الرجل يقول: يا لبني فلان، فيقع بينهما القتل و الدماء فلا يؤدوا ذلك من سهم الغارمين و لا الذين يغرمون من مهور النساء و لا اعلمه إلّا قال: و لا الذين لا يبالون ما صنعوا في أموال الناس(1)

مضافاً إلى أنّ المسئلة مما لا خلاف فيه و لا اشكال، نعم يجوز الإعطاء إليهم من باب سهم الفقراء إذا تاب كما تقدم.

(2) لصدق عنوان الغارم عليه فالاطلاق يقتضي جواز الاعطاء، نعم هذا مبني على صدق عنوان العجز عن الأداء فإذا لم يتمكن من الأداء قبل حلول الأجل وقت الأداء، لم يصدق العجز عنه و ذلك لأن المقسم للعجز عن الأداء و عدمه، إنما هو حال

ص: 70


1- الوسائل، الباب 48 من أبواب المستحقّين للزّكاة، الحدیث: 1

«مسألة18: لو كان كسوباً يقدر على أداء دينه بالتدريج فإن كان الدّيان مطالباً فالظاهر جواز اعطائه من هذا السهم و إن لم يكن مطالباً فالأحوط عدم اعطائه» (1)

«مسألة19: إذا دفع الزكاة إلى الغارم فبان بعده أنّ دينه في معصية ارتجع منه إلّا إذا كان فقيراً فإنه يجوز احتسابه عليه من سهم الفقراء و كذا إذا تبين أنه غير مديون و كذا إذا أبرأه الدائن بعد الأخذ لوفاء الدين» (2)

«مسألة20: لو ادعى أنه مديون فإن أقام بينة قَبِل قوله و إلّا فالأحوط عدم تصديقه و إن صدقه الغريم فضلاً عما لو كذبه أو لم يصدقه» (3)

الأداء، ففي وقت الأداء إذا كان متمكناً لا يجوز له الأخذ قبل حلول الأجل و أما إذا كان عاجزاً يجوز له الأخذ، فالمدار هو التمكن و العجز حال الأداء المتوقف على حلول الاجل و استحقاق المطالبة المستتبع لوجوب الأداء أما قبل ذلك، فلا يجوز له الأخذ، فلعدم جواز الاعطاء قبل حلول الاجل، وجه قوي فلا أقل من الاحتياط.

(1) أما في صورة المطالبة فلصدق العجز عن الأداء فيشمله اطلاقات الأدلة لأنه غارم غير قادر على الأداء.

و أما في صورة عدم المطالبة، فلعدم صدق العجز عنه لأنه قادر و لو تدريجاً عن الأداء و قد تقدم أنّ المدار هو التمكن حال الأداء.

و أما وجه احتياط الماتن (رحمه اللّه) فلعله لذهاب بعض الأعلام إلى الجواز لصدق الغارم عليه لكنه خلاف التحقيق على ما ذكرنا.

(2) قد ذكرنا تفصيل ذلك في المسئلة 13 و ذكرنا أحكام الفروع المتعددة فراجع.

(3) الظاهر أن المسئلة ذات قولين:

ص: 71

عن المحقق في الشرايع: الذهاب إلى تصديق الغريم فيما لو تجردت دعواه من تصديق الدائن و انكاره فضلاً عما إذا صدق.

و عن المدارك إلى عدم القبول إلّا بالبينة.

و استدل للقول الأول: بأنّ الغالب بحسب الخارج أنه لا سبيل إلى الاطلاع إلّا من قِبل المديون مع تصديق الغريم اياه، فلو لم يقبل منه لزم من ذلك محرومية الغارمين منها و هو منافٍ لحكمة التشريع للصرف في جهة المذكورة.

و أما الدليل على القول الثاني: فلأنه لا دليل على قبول مدعى الدين على نحو الاطلاق بل ما يثبت بذلك إنما هو ما يكون عليه لا على غيره فهذه الدعوى لغيرها يحتاج إلى البينة، و أما أنه لا يعرف إلا من قبله، فلا دليل على هذه الكلية إلا في بعض الموارد الذي لا يكون المقام من هذا القبيل، و أما ادعاء الغالبية ممنوع صغروياً و كبروياً.

ص: 72

«مسألة21: إذا أخذ من سهم الغارمين ليصرفه في أداء الدين ثم صرفه في غيره ارتجع منه» (1)

(1) لأنّ للمالك الولاية على التطبيق و صرف الزكاة في الأصناف و عليه فإذا أعطاها له بعنوان سهم الغارمين، لم يكن قد ملكه مطلقاً إذ الدفع كان مقيداً بالصرف في الدين فعند التخلف كان تصرفه في المال المذكور في غير الجهة المذكورة غصباً محرماً فيكون ضامناً له، فما قيل أن الغارم صار مالكاً للزكاة فله أن يتصرف في غير أداء الدين، ضعيفٌ إذ التمليك كان في اطار خاص و حصة خاصة فلا يكون مالكاً ملكا طلقاً حتى يجوز له التصرف كيفما شاء، أما إذا دفع إلى الغارم و اشترط عليه أن يسدد دينه بها فمشروعية هذا الشرط مشكلٌ فإنه داخل فى اشتراط استرداد ما كان تمليكه لله تبارك و تعالى إذ ما كان لله لا يرجع كما في الحديث لاحظ ما رواه الحسين بن علوان عن جعفر عن أبيه أن علياً (علیه السلام) قال: كان يقول: من تصدق بصدقة فردت عليه فلا يجوز له أكلها و لا يجوز له إلا انفاقها إنما منزلتها بمنزلة العتق لله فلو أنّ رجلاً اعتق عبداً لله فَرُد ذلك العبد لم يرجع في الأمر الذي جعله لله فكذلك لا يرجع في الصدقة(1)

و لاحظ ما رواه موسى بن بكر عن الحكم قال: قلت لأبي عبدالله (علیه السلام): إن والدي تصدق على بدار ثم بدا له أن يرجع فيها و إنّ قضاتنا يقضون لي بها؟ فقال: نِعم ما قضت به قضاتكم و بئس ما صنع والدك إنما الصدقة لله عزوجل فما جعله لله عزوجل فلا رجعة له فيه فإن أنت خاصمته فلا ترفع عليه صوتك و إن رفع صوته فاخفض أنت صوتك قال: قلت: فإنه توفى قال: فأطب بها(2).

ص: 73


1- الوسائل، الباب 24 من أبواب الصّدقة، الحدیث: 1
2- الوسائل، الباب 11 من أبواب الوقوف و الصّدقات، الحدیث: 1

«مسألة22: المناط هو الصرف في المعصية أو الطاعة لا القصد من حين الاستدانة، فلو استدان للطاعة فصرف في المعصية لم يعط من هذا السهم و في العكس بالعكس» (1)

(1) لأن العبرة في صدق أحد العنوانين بحال الصرف، لأنه المنصرف إليه من الأدلة لا الدين المنوى به حين الاستدانة، لا يقال إنّ المستفاد من حديث الحسين بن علوان(1) مراعاة حال الاستدانة، فإنه يقال: إن المحتمل ارادة الصرف من الظرف بمعنى أنه صرفه في غير سرف فلا تكون ظاهرة في مدعاه.

مضافاً إلى أنه لو تم ما أفاده فلابد من رفع اليد عن الظاهر للتسالم المدعى في بعض الكلمات.

ص: 74


1- الوسائل، الباب 24 من أبواب الصدقة، الحدیث: 1

«مسألة23: إذا لم يكن الغارم متمكناً من الأداء حالّاً و تمكن بعد حين كأن يكون له غلة لم يبلغ أوانها أو دين موجل يحل أجله بعد مدة ففي جواز إعطائه من هذا السهم إشكالٌ و إن كان الأقوى عدم الجواز مع عدم المطالبة من الدائن أو إمكان الاستقراض و الوفاء من محل آخر ثم قضائه بعد التمكن» (1)

«مسألة24: لو كان دين الغارم لمن عليه الزكاة جاز له احتسابه عليه زكاة بل يجوز أن يحتسب ما عنده من الزكاة وفاء للدين و يأخذها مقاصة و إن لم يقبضها المديون و لم يوكل في قبضها و لا يجب إعلام المديون بالاحتساب عليه أو يجعلها وفاء و أخذها مقاصة» (2)

(1) لصدق التمكن من الأداء في الفرض فلا يشمله الأدلة سواء كان الدين مؤجلاً أو كان معجلاً، لكن لم يطالبه مع التمكن من التسديد في ظرف المطالبة و أما مع المطالبة فإن تمكن من الأداء ببيع الغلة أو الاستقراض و الأداء بعد ذلك من دون أن يقع في الحرج، فلا يحل له الأخذ لعدم صدق العجز كما إذا كان قادراً ببيع بعض أمتعة منزله التي لا يحتاج إليها لعدم الفرق من هذه الجهة.

نعم إذا وقع الحرج بالاستقراض أو التبديل فيجوز له الاخذ لصدق العجز و أما وقوعه في الضرر فهو مبني على أن قاعدة لا ضرر رافع للحكم الاولى و أما على القول بأنّ القاعدة دالة على النهي لا النفي كما ذهب إليه شيخ الشريعة و تبعه سيدنا الاستاذ دام ظله في قواعده فلا موضوع لها في المقام.

(2) أقول: صرف الزكاة من سهم الغارمين يتصور على صور:

الصورة الاولى: أن يدفع إلى المديون لتسديد دينه.

ص: 75

الصورة الثانية: أن يدفع إلى الدائن مباشرة إذا كان الدائن غير الدافع.

الصورة الثالثة: الاحتساب عليه من الزكاة بأن يجعل ماله في ذمة المديون من الدين بدلاً عما عليه من الزكاة.

الصورة الرابعة: أن يدفع إليه لكن على نحو المقاصة بأن يفرز و يعزل ما عنده من الزكاة ثم يجعله للمديون ثم يأخذه من باب التقاص عما عليه من الدين و يدل على جميع الصور ظاهر الآية الشريفة لصدق الغارم عليهم.

أضف إلى ذلك ظاهر النصوص بالنسبة إلى هذه الصور، أما الصورة الاولى فيدل عليها رواية عن الحسين بن علوان عن جعفر بن محمدٍ عن أبيه أن علياً (علیه السلام) كان يقول يعطى المستدينون من الصدقة و الزكاة دينهم كله ما بلغ إذا استدانوا في غير سرفٍ الحديث.(1)

و على الصورة الثانية ما رواه عن إسحاق بن عمارٍ قال: سألت أبا عبدالله (علیه السلام) عن رجلٍ على أبيه دينٌ و لأبيه مئونةٌ أ يعطي أباه من زكاته يقضي دينه قال نعم و من أحق من أبيه.(2)

و على الصورة الثالثة ما رواه عن عبد الرحمن بن الحجاج قال: سألت أبا الحسن الأول (علیه السلام) عن دينٍ لي على قومٍ قد طال حبسه عندهم لا يقدرون على قضائه و هم مستوجبون للزكاة هل لي أن أدعه فأحتسب به عليهم من الزكاة قال نعم.(3)

و على الرابعة ما رواه عن سماعة عن أبي عبدالله (علیه السلام) قال: سألته عن الرجل يكون له الدين على رجلٍ فقيرٍ يريد أن يعطيه من الزكاة فقال إن كان الفقير عنده وفاءٌ بما كان عليه من دينٍ من عرضٍ من دارٍ أو متاعٍ من متاع البيت أو يعالج عملًا يتقلب فيها بوجهه فهو يرجو أن يأخذ منه ماله عنده من دينه فلا بأس أن يقاصه بما أراد أن يعطيه

ص: 76


1- الوسائل، الباب 48 من أبواب المستحقّين للزّكاة، الحدیث: 2
2- الوسائل، الباب 18 من أبواب المستحقّين للزّكاة، الحدیث: 2
3- الوسائل، الباب 46 من أبواب المستحقّين للزّكاة، الحدیث: 2

«مسألة25: لو كان الدين لغير من عليه الزكاة يجوز له وفاؤه عنه بما عنده منها و لو بدون اطلاع الغارم» (1)

من الزكاة أو يحتسب بها فإن لم يكن عند الفقير وفاءٌ و لا يرجو أن يأخذ منه شيئاً فيعطيه من زكاته و لا يقاصه بشي ءٍ من الزكاة.(1)

(1) أما جواز الاعطاء و الوفاء عنه بما عنده من الزكاة فلما رواه عبدالرحمن بن الحجاج(2) و مورده و إن كان الميت لكن بحسب الفهم العرفي لا فرق بين الميت و الحى من هذه الجهة، و أما عدم لزوم الاطلاع فلما يستفاد من رواية عبدالرحمن حيث أن الميت غير قابل للاطلاع.

أضف إلى ذلك أن المستفاد من روايته الاخرى(3) ذلك، فإن المستفاد من اطلاقها جواز الاحتساب و لو مع عدم اطلاع المدين فلا يشترط في افراغ ذمته من الزكاة اطلاعه و يؤيد المدعى مرسلة القمي(4) و ما رواه العباس عمن ذكره عن أبي عبدالله (علیه السلام) قال: الامام يقضى عن المؤمنين الديون ما خلا مهور النساء.(5)

ص: 77


1- الوسائل، الباب 46 من أبواب المستحقّين للزّكاة، الحدیث: 3
2- نفس المصدر، الحدیث: 1
3- نفس المصدر، الحدیث: 2
4- الوسائل، الباب 1 من أبواب المستحقّين للزّكاة، الحدیث: 7
5- الوسائل، الباب 9 من أبواب الدّين و القرض، الحدیث: 4

«مسألة26: لو كان الغارم ممن تجب نفقته على من عليه الزكاة جاز له إعطاؤه لوفاء دينه أو الوفاء عنه و إن لم يجز إعطاؤه لنفقته» (1)

(1) أما جواز الاعطاء لأداء دينه فلما رواه عن زرارة قال: قلت لأبي عبدالله (علیه السلام) رجلٌ حلت عليه الزكاة و مات أبوه و عليه دينٌ أ يؤدي زكاته في دين أبيه و للابن مالٌ كثيرٌ فقال إن كان أبوه أورثه مالًا ثم ظهر عليه دينٌ لم يعلم به يومئذٍ فيقضيه عنه قضاه من جميع الميراث و لم يقضه من زكاته و إن لم يكن أورثه مالًا لم يكن أحدٌ أحق بزكاته من دين أبيه فإذا أداها في دين أبيه على هذه الحال أجزأت عنه.(1)

و أما جواز الوفاء عنه فلما رواه عن إسحاق بن عمارٍ قال: سألت أبا عبدالله (علیه السلام) عن رجلٍ على أبيه دينٌ و لأبيه مئونةٌ أ يعطي أباه من زكاته يقضي دينه قال نعم و من أحق من أبيه.(2)

و أما عدم جواز اعطائه لنفقته فلما سيأتي.

ص: 78


1- الوسائل، الباب 18 من أبواب المستحقّين للزّكاة، الحدیث: 1
2- نفس المصدر، الحدیث: 2

«مسألة27: إذا كان ديّان الغارم مديوناً لمن عليه الزكاة جاز له إحالته على الغارم ثم يحسب عليه» (1)

«بل يجوز له أن يحسب ما على الديّان وفاء عما في ذمة الغارم و إن كان الأحوط أن يكون ذلك بعد الإحالة»(2)

(1) إذ بعد الحوالة يكون المحال عليه، هو الغارم لصاحب الزكاة يجوز له احتساب دينه من الزكاة التي في ذمته كما إذا فرضنا أنّ عمرو المفروض كونه مستحقاً للزكاة مدين لزيد بعشرة دنانير مثلاً و كان زيد مديناً لمن عليه الزكاة بذلك المقدار أيضاً، جاز لزيد حينئذٍ احالة من عليه الزكاة على عمرو المستحق فيكون صاحب الزكاة مالكاً لعشرة دنانير في ذمة الفقير المستحق للزكاة فيجوز له الاحتساب كما تقدم نظيره.

(2) و الوجه فيه: أنّ المستحق للزكاة يصير مالكاً في ذمة الديّان بمقدار ما كان يملكه في ذمته فيحصل التهاتر.

توضيح ذلك: أنّ الاحتساب على هذا المبنى، يكون بمنزلة الاعطاء و الأداء الخارجي فكما يجوز أداء نفس الزكاة للديان وفاء عما في ذمة الغارم، كذلك يجوز احتساب الدين الذي يملكه صاحب الزكاة عنها، سواء ملكه في ذمة الغارم مباشرة فيما لو كان الغريم مديناً لنفس المزكى أم في ذمة من يكون الغريم مديناً له فيتحقق التهاتر القهري على الثاني.

و بعبارة واضحة أنّ من عليه الزكاة ينوي كون ماله في ذمة الديّان، زكاةٌ ثم يجعل ملكاً للغارم الذي يستحق الزكاة فيملكه الدائن عوضاً لماله في ذمة الغارم بعنوان الوفاء فيترتب فراغ ذمة المالك عن الزكاة و ذمة الدائن الغارم عما عليه من دين المالك و ذمة الغارم عما عليه من دين الدائن فيكون ذلك أيضاً مصداق لصرف الزكاة في سهم الغارمين للقطع بعدم الفرق بين الموردين في المناط و هو إفراغ ذمة الغريم من الدين.

ص: 79

«مسألة28: لو كان الدين للضمان عن الغير تبرعاً لمصلحة مقتضية لذلك مع عدم تمكنه من الأداء و إن كان قادراً على قوت سنته يجوز الإعطاء من هذا السهم، و إن كان المضمون عنه غنياً» (1)

أورد عليه المحقق الخوئي (قدس سره ) بأن دعوى القطع عهدتها على مدعيها فإن الاحتساب لما لم يكن صرفاً لنفس الزكاة بل كان جعلاً و فرضاً لغير الزكاة، زكاة فلا جرم يكون على خلاف القاعدة و هذا منوط بقيام دليل على ذلك، و ما عليه الدليل إنما هو احتساب صاحب الزكاة دينه الذي على ذمة الغارم زكاة و أما الدين الذي له على ذمة شخص آخر، فلا دليل على احتسابه منها إلّا بعد صدور عملية الحوالة و انتقال ذمة الغريم مباشرة و أما قبل الحوالة فلا يشمله الدليل و لعله منشأ احتياط الماتن (رحمه اللّه).

(1) لصدق كونه غارماً، لا يتمكن من أداء دينه إذ بالضمان ينتقل ذمة المضمون عنه إلى الضامن و قد تقدم أنه لا فرق في الغارم بين أن يكون الدين من ثمن مبيع أو قرض أو ضمان مال أو نحو ذلك، نعم لابد أن يكون الضمان لأجل مصلحة عقلائية بأن كان بطلب من المضمون عنه و كان ذلك احساناً في حقه أو صلة لرحمه، و قد تقدم أنه لا يعتبر أن يكون الدين في الطاعة بل يكفي عدم كونه في سبيل المعصية فيجوز الإعطاء من هذا السهم و إن كان المضمون عنه غنياً لاطلاق الأدلة فلاحظ.

ص: 80

«مسألة29: لو استدان لإصلاح ذات البين كما لو وجد قتيل لا يدري قاتله و كاد أن يقع بسببه الفتنة فاستدان للفصل فإن لم يتمكن من أدائه جاز الإعطاء من هذا السهم و كذا لو استدان لتعمير مسجد أو نحو ذلك من المصالح العامة و أما لو تمكن من الأداء فمشكلٌ، نعم لا يبعد جواز الإعطاء من سهم سبيل الله و إن كان لا يخلو عن إشكال أيضاً إلّا إذا كان من قصده حين الاستدانة ذلك» (1)

(1) أما في فرض عدم التمكن فالحكم فيه واضح لأنه غارم عاجز عن الأداء و قد صرف دينه في الطاعة بل نقل أنه أفضل الطاعات فتشمله اطلاقات الأدلة فلا اشكال، كما أنه لا خلاف (كما في بعض الكلمات).

و أما في فرض التمكن أفاد الماتن (رحمه اللّه) أنه مشكلٌ و الوجه فيه أن بعض الاعلام كما نقل عن الشيخ (رحمه اللّه) جواز الإعطاء من هذا السهم لاطلاق الآية و الرواية المنقولة من طريق العامة عن النبي (صلی الله علیه و آله و سلم) حيث قال: لا تحل الصدقة لغني إلّا لخمسة: لغاز في سبيل الله أو لعامل عليها أو لغارم، الحدیث(1).

لكن يرد عليه أنّ اطلاق الآية منصرف إلى مورد العجز و إلّا فلابد من القول بالجواز بالنسبة إلى الأغنياء و صاحب الأموال الكثيرة، و لم يلتزم به أحد لأنه منافٍ لحكمة التشريع من سد أبواب احتياج المحتاجين، و أما الرواية فعامية لا ينبغي الاعتماد عليها.

فالحق: عدم الجواز و أما جواز الاعطاء من سهم سبيل الله فأيضاً مشكلٌ لما أفاد سيدنا الاستاذ (رحمه اللّه) في المرتقى من أن ما يكون مصداقاً لسبيل الله ليس هو الاستدانة و إنما هو

ص: 81


1- سنن أبي داود، ج 2، ص 119 ؛ سنن بيهقي ج 7، ص 15، كما في حاشية المرتقى، ج 2،ص 300، مسند احمد حنبل جلد 3 صفحه 56، كنز العمال جلد 6 صفحه 454 حدیث 16503

صرف المال الذي استحصله بالدين في الامور المذكورة فلا ينطبق عنوان سبيل الله على نفس الدين ليكون وفائه من الزكاة من سهم سبيل الله.

و بعبارة واضحة: أنّ ما صرفه في سبيل الله لم يكن زكاة بل ديناً شخصياً و ما كان زكاة لم يصرفه في سبيل الله بل في أداء دين نفسه و من المعلوم أنّ أداء الدين لا يعد عرفاً من سبيل الله فلا يجوز الأخذ من هذا السهم و من هذا البيان يظهر الحال بالنسبة إلى ما إذا كان قصده حين الاستدانة ذلك، إذ القصد لا يغير الواقع و لا يكون موجباً لصدق عنوان ما هو المصروف الذي عين ما استدان، زكاة فلا يكون صرفه صرف الزكاة.

ص: 82

«السابع: سبيل الله»

و هو جميع سبل الخير كبناء القناطر و المدارس و الخانات و المساجد و تعميرها و تخليص المؤمنين من يد الظالمين و نحو ذلك من المصالح كإصلاح ذات البين و دفع وقوع الشرور و الفتن بين المسلمين و كذا إعانة الحجاج و الزائرين و إكرام العلماء و المشتغلين، مع عدم تمكنهم من الحج و الزيارة و الإشتغال و نحوها من أموالهم، بل الأقوى جواز دفع هذا السهم في كل قربة مع عدم تمكن المدفوع إليه من فعلها بغير الزكاة، بل مع تمكنه أيضاً، لكن مع عدم إقدامه إلّا بهذا الوجه» (1)

(1) لا اشكال في صرف الزكاة في الجهة المذكورة كتاباً، بل في الجملة سنة إنما البحث يقع في جهات:

الجهة الاولى: ما المراد من سهم سبيل الله؟ هل هو مطلق الخيرات أو مخصوص بمورد خاص؟ نُسب إلى المقنعة و النهاية و المراسم، اختصاص ذلك بالجهاد فقط، و نسب إلى المشهور بل إلى عامة المتأخرين أنه يعم سبل الخير و استدل على الاختصاص بما رواه يونس بن يعقوب أنّ رجلاً كان بهمدان ذكر أن أباه مات و كان لا يعرف هذا الأمر فأوصى بوصية عند الموت و أوصى أن يعطى شيء في سبيل الله فسئل عنه أبوعبدالله (علیه السلام) كيف نفعل و أخبرناه أنه كان لا يعرف هذا الأمر، فقال: لو أنّ رجلاً أوصى إلى أن أضع في يهودي أو نصراني لوضعته فيهما إن الله تعالى يقول: {فمن بدله بعد ما سمعه فإنما اثمه على الذين يبدلونه} فانظروا إلى ما يخرج إلى هذا الأمر يعنى بعض

ص: 83

الثغور فابعثوا به إليه(1)

و فيه: أولاً أنّ السند ضعيف بسهل، و ثانياً أنّ الدلالة قاصرة، لأنه مخصوص بباب الوصية و لعل الوجه في الاختصاص أن الموصى غير شيعي كما هو المفروض في الرواية و سبيل الله عندهم مختص بالجهاد، فلا جرم تنصرف الوصية إلى ما يعتقده الموصى، و ثالثاً أن الرواية لا دلالة لها على الحصر إذ لم تكن بصدد تفسير الآية بل تكون في مقام التطبيق و لعله ما تفضل الامام (علیه السلام) و بين موردها بالصرف في الثغور من باب أنه أهم المصاديق.

مضافاً إلى ما ورد في بعض النصوص أنّ المراد سبيل الله في باب الوصية هو شيعتهم: لاحظ ما رواه الحسن بن راشد قال: سألت أباالحسن العسكري (علیه السلام) عن رجل أوصى بمال في سبيل الله، قال: سبيل الله شيعتنا(2)

فما ذهب إليه المشهور من المتأخرين هو الأقوى و الدليل على ذلك مضافاً إلى رواية الحسن بن راشد(3) المتقدمة و ما رواه محمد بن مسلم أنه سأل أباعبدالله (علیه السلام) عن الصرورة أيحج من الزكاة؟ قال: نعم(4) و ما رواه جميل عن أبي عبدالله (علیه السلام) قال: سألته عن الصرورة أيحجه الرجل من الزكاة؟ قال: نعم(5)

و ما رواه على بن يقطين أنه قال لأبي الحسن الأول (علیه السلام): يكون عندي المال من الزكاة أفأحج به موالى و أقاربي؟ قال: نعم، لا بأس(6).

و يؤيده حديث الحسين بن عمر قال: قلت لأبي عبدالله (علیه السلام): إنّ رجلاً أوصى إلىّ بمال

ص: 84


1- الوسائل، الباب 33 من أبواب الوصايا، الحدیث: 4
2- نفس المصدر، الحدیث: 1
3- هذا الرّجل ثقة كما عن الشّيخ في رجاله
4- الوسائل، الباب 42 من أبواب المستحقّين للزّكاة، الحدیث: 2
5- نفس المصدر، الحدیث: 4
6- نفس المصدر، الحدیث: 1

في السبيل، فقال لي: إصرفه في الحج. قلت: أوصى إلىّ في السبيل، قال: إصرفه في الحج فإني لا أعلم سبيلاً من سبله أفضل من الحج(1).

الجهة الثانية: أنه هل تعتبر الحاجة إلى هذا السهم في الصرف أم لا؟ ذهب بعض الأعلام إلى اعتبار ذلك و استدل عليه بأنّ الزكاة إنما شرعت لرفع حاجة المحتاجين و سدّ خلتهم فلا يجوز صرفها في غير مورد الحاجة و الفقر و بعموم قوله (صلی الله علیه و آله و سلم): لا تحل الصدقة لغني.

لكن لابد فيه من التفصيل، إذ تارة يصرف في جهة من الجهات العامة كبناء المساجد و المدارس، فلا اشكال في جواز ذلك من هذا السهم و لا ينافي ما ورد من أنه لا تحل الزكاة لغني إذ الظاهر منه نفي كون الغنى مالكاً للزكاة فيعتبر الفقر في مورد يقصد به التملك، و أما في مورد الصرف في جهة العامة من مصالح المسلمين، فلا يشترط فيها الفقر، و اخرى يدفع إلى أحد ليصرفه و هذا على أقسام:

إما أن يكون ما يصرفه بمنزلة الاجرة على العمل كما لو لم يكن لمن يباشر العمل بنفسه داعٍ إلى فعل الحج أو الجهاد أو نحو ذلك و لكن رأى المتولى للصرف المصلحة في ايجاد هذه الأفعال من باب تشديد الدين أو تعظيم الشعائر فبعث هذا الشخص أفراداً على هذه الأفعال بجعل اجرة لهم أو باذل النفقة عليهم من الصدقات و هذا أيضاً لا اشكال في الاعطاء من هذا السهم فإن مصرف الزكاة في الحقيقة صرف في الجهة العامة.

و إما أن يصرفه فيمن يرد بنفسه الحج أو الجهاد فيعينه ببذل الزاد أو الراحلة أو السلاح و هذا القسم مما أشكل عليه المحقق الهمداني (رحمه اللّه) بما لفظه: «و أما القسم الثاني الذي هو في الحقيقة صرف إلى من يعمل الخيرات لا في نفس عمل الخير و إن كان هذا الصرف أيضاً باعتبار كونه إعانة على البر و التقوى يعد من السبيل فهذا هو الذي وقع

ص: 85


1- الوسائل، الباب 33 من أبواب الوصايا، الحدیث: 2

فيه الاشكال على تقدير عدم كون المصروف إليه محتاجاً إلى تناوله و الاحتياط لا ينبغي تركه، انتهى.»

لكن الروايات الواردة في المقام خصوصاً الروايات التي تدل على جواز الإحجاج بالزكاة من هذا السهم مطلقة فالاحتياط المذكور لا بأس بتركه.

و إما أن يكون ما يصرفه في السبلات العامة مثل المضائف و السقايات الواقعة في الطريق، و هذا القسم أيضاً لا ينبغي الاشكال في عدم اشتراط الفقر فيه كما ذكره في القسم الأول.

الجهة الثالثة: أنه بناءً على عدم الاختصاص بالجهاد كما ذكرنا لا يعم جميع الامور الخيرية القربية حتى ما كان الخير فيه شخصياً كصلاة الليل و صلاة الجعفر بل الظاهر اختصاصه بالامور العامة المشتملة على مصالح المسلمين و الامور الدينية كما نبّه على ذلك الفقيه البروجردى (رحمه اللّه) في تعليقته، و لعل الوجه فيه أن تشريع الزكاة إنما كان بلحاظ تأمين المنافع و المصالح العامة للمسلمين و هذا يناسب اختصاص هذا السهم في الامور القربية المشتملة على المصالح الدينية العامة فلاحظ.

ص: 86

«الثامن: ابن السبيل»

و هو المسافر الذي نفدت نفقته أو تلفت راحلته بحيث لا يقدر معه على الذهاب» (1)

(1) لا خلاف ظاهراً و لا اشكال في أنه من مصارف الزكاة في الجملة لصراحة الآية الشريفة في ذلك و لما رواه عن علي بن إبراهيم أنه ذكر في تفسيره تفصيل هذه الثمانية الأصناف فقال فسر العالم (علیه السلام) فقال: الفقراء هم الذين لا يسألون لقول الله تعالى للفقراء الذين أحصروا في سبيل الله لا يستطيعون ضرباً في الأرض يحسبهم الجاهل أغنياء من التعفف تعرفهم بسيماهم لا يسئلون الناس إلحافاً و المساكين هم أهل الزمانات قد دخل فيهم الرجال و النساء و الصبيان و العاملين عليها هم السعاة و الجباة في أخذها و جمعها و حفظها حتى يؤدوها إلى من يقسمها و المؤلفة قلوبهم قال هم قومٌ وحدوا الله و خلعوا عبادة من دون الله و لم تدخل المعرفة قلوبهم أن محمداً رسول الله (صلی الله علیه و آله و سلم) و كان رسول الله (صلی الله علیه و آله و سلم) يتألفهم و يعلمهم و يعرفهم كيما يعرفوا فجعل لهم نصيباً في الصدقات لكي يعرفوا و يرعوا و في الرقاب قومٌ لزمتهم كفاراتٌ في قتل الخطإ و في الظهار و في الأيمان و في قتل الصيد في الحرم و ليس عندهم ما يكفرون و هم مؤمنون فجعل الله لهم سهماً في الصدقات ليكفر عنهم و الغارمين قومٌ قد وقعت عليهم ديونٌ أنفقوها في طاعة الله من غير إسرافٍ فيجب على الإمام أن يقضي عنهم و يفكهم من مال الصدقات و في سبيل الله قومٌ يخرجون في الجهاد و ليس عندهم ما يتقوون به أو قومٌ من المؤمنين ليس عندهم ما يحجون به أو في جميع سبل الخير فعلى الإمام أن يعطيهم من مال الصدقات حتى يقووا على الحج و الجهاد و ابن السبيل أبناء الطريق الذين يكونون في الأسفار في طاعة الله فيقطع عليهم و يذهب مالهم فعلى الإمام أن يردهم

ص: 87

«و إن كان غنياً في وطنه» (1)

إلى أوطانهم من مال الصدقات.(1)

ثم إن المتفاهم العرفي من هذه الكلمة إنما هو المنقطع عن أهله في الطريق بحيث صار السفر لازماً له لا مطلق المسافر و لا يكون المراد المسافر الشرعي بل مطلق من هذه الجهة أيضاً، نعم نفاد النفقة أو تلف الراحلة مأخوذ في مفهومه إذ الانقطاع لا يكون إلّا بذلك.

(1) بمقتضى الإطلاق في الآية حيث أنه جعل قبال المسكين و الفقير فيها و لا ينافي ذلك عدم جواز الإعطاء لغني حيث أن الممنوع هو الدفع للغنى بشخصه على حذو الدفع للفقير ليتملكه و يتصرف فيه و أما فيما نحن فيه فمجرد صرف لا تمليك فيعطى لعنوانه الخاص ليصرفه في جهة معينة و هي الايصال إلى وطنه من غير تمليك و لعله ذلك صار منشأ لاختلاف التعبير في الآية الكريمة حيث نظمت التعدية باللام الملكیة في مصارف الأربعة الاولى و في الأربعة الثانية بكلمة «في»: {إنما الصدقات للفقراء و المساكين و العاملين عليها و المؤلفة قلوبهم و في الرقاب و الغارمين و في سبيل الله و ابن السبيل}.

ص: 88


1- الوسائل، الباب 1 من أبواب المستحقّين للزّكاة، الحدیث: 7

«بشرط عدم تمكنه من الاستدانة أو بيع ما يملكه أو نحو ذلك» (1) «و بشرط أن لا يكون سفره في معصية» (2)

(1) إذ مع تمكنه لا يصدق عليه ابن السبيل مفهوماً كما تقدم، نعم لابد من تقييده بما لا يستلزم الحرج و المشقة بحيث لا يتحمله عادة إذ على هذا لا يكون الشخص متمكناً من طى سفره عرفاً.

(2) عن المدارك لا خلاف بين العلماء في عدم جواز الدفع إلى المسافر في سهم ابن السبيل إذا كان سفره معصية و هذا هو العمدة في المقام و إلّا فلا دليل على الظاهر لهذا الشرط، أما رواية علي بن ابراهيم فمرسلة، و أما الاستدلال على ذلك بمناسبة الحكم و الموضوع حيث أنّ الزكاة إنما شرعت للارفاق بالفقراء و سدّ حاجة المحتاجين، فهذا إنما يناسب إذا لم یكن الإعطاء اغراء له و تشجيعاً للمعصية و اعانة على الاثم و أما إذا كان كذلك كما إذا كان الشخص تائباً و أصبح ابن السبيل بعد الانتهاء عن المعصية فلا يجرى قید ما ذكر.

أضف إلى ذلك أن التوبة تكون موجبة لكون السفر بعد ذلك مباحاً لا جعل السفر الذي كان قبل ذلك عصياناً، مباحا و مع تبدله بالاباحة لا مانع منه فالذي يمكن أن يعتمد عليه في مقام الاستدلال هو التشجيع للمعصية و الرضا بما فعله و هذا يصير منشأ لانصراف الدليل عنه و أما من دون ذلك فلا مانع في مثله من الاعطاء فإن كان اجماع في البين و إلّا فهو مشكلّ، كما تقدم.

ص: 89

«فيدفع إليه قدر الكفاية اللائقة بحاله من الملبوس و المأكول و المركوب أو ثمنها أو أجرتها إلى أن يصل إلى بلده بعد قضاء وطره من سفره أو يصل إلى محل يمكنه تحصيلها بالاستدانة و البيع أو نحوهما» (1)

«و لو فضل مما أعطي شيء و لو بالتضييق على نفسه أعاده على الأقوى من غير فرق بين النقد و الدابة و الثياب و نحوها» (2)

(1) الظاهر من الآية الشريفة كون جهة ابن سبيل مصرفاً للزكاة كما تقدم نظير الغارمين و الرقاب و سبيل الله فالذي يجوز دفعه إليه منها بمقدار يخرجه عن الانقطاع كما ذكر في المتن.

(2) تارة يكون المدفوع من الأثمان فإن فُضل، فالظاهر وجوب الرد لأنه من موارد الصرف كما تقدم لا التمليك فمع الفضل يكون الثمن باقياً على الزكاة فلابد من إرجاعه إلى محله ليصرف في محلها كالغارم الذي ابرأه الدائن قبل أداء دينه و بعد أخذه الزكاة لانتفاء الموضوع فإنها إنما اُبيحت لأجل حاجته الفعلية العارضة اثناء الطريق و هى صارت زائلة بعد الحضور و المفروض أنه غني في وطنه و لا تحل الزكاة لغنى و هذا على الظاهر لا كلام فيه و إن مال الشهيد الثاني (رحمه اللّه) إلى عدم الفرق بين الأثمان و الأمتعة.

و اخرى يكون المدفوع عروضاً و متاعاً فهل يجب عليه الارجاع أم لا؟ فعن العلامة (رحمه اللّه) و الشيخ (رحمه اللّه) في الخلاف عدم وجوب الاعادة.

قال صاحب الجواهر (رحمه اللّه): و لو فضل منه شيء و لو بالتضييق على نفسه أعاده وفاقاً للأكثر بل المشهور، و قيل -و القائل الشيخ في الخلاف- لا يعيد، و في المسالك لا فرق في وجوب الرد بين النقدين و الدابة و المتاع -إلى أن قال- إنما ملكها بالاعطاء

ص: 90

بل عن بعض الحواشي الحاق الثياب و الآلات بها و لعل ذلك لأن المزكى يملك المستحق عين ما دفعه إليه و المنافع تابعة و الواجب على المستحق ردّ ما زاد من العين على الحاجة، و لا زيادة في هذه الأشياء إلّا في المنافع و لا أثر لها مع ملكية تمام العين.

اللهم الّا أن يلتزم انفساخ ملكه عن العين بمجرد الاستغناء لأن ملكه متزلزل فهو كالزيادة التي تجدد الاستغناء عنها، انتهى كلامه، و وافقه في ذلك المحقق الهمداني (رحمه اللّه).

و الحاصل: أن المسئلة مبتنیة على اشتراك ابن السبيل مع الفقیر و عدمه فعلى الاشتراك و القول بالملكية، لا يجب عليه الرد و إلّا فيجب.

و الظاهر أنّ ابن السبيل لا يملك الزائد، إذ تملكه الزكاة إنما كان بعنوان كونه كذلك، بحيث يكون هذا الوصف العنواني دخيلاً في ملكيته فأي مقدار من المال كان دخيلاً في رفع العنوان المذكور، فقد ملكه صاحب الزكاة و أما الزائد على ذلك، فلا سبب لدخوله في ملكه، و هذا بخلاف الفقير فإنه يملك ما يدفع إليه من سهم الفقراء و المفروض أنّ هذه الجهة إنما تكون داعية إلى تمليكه المقدار المذكور و حينئذٍ إذ إقتّر على نفسه لم يكن موجب لخروج الزائد عن ملكه و بما ذكرنا من الفرق يتبين الحال بالنسبة إلى ما أفاده أخيراً من أن الملكية متزلزلة إذ لا نرى لها وجهاً، فإنه إما أن يكون مالكاً مطلقاً و إما أن يكون مورداً للصرف، فالاحتمال الثالث موهوم.

ص: 91

«فيدفعه إلى الحاكم و يعلمه بأنه من الزكاة» (1)

(1) لأنه ولي الفقراء في أخذ الزكاة عنهم من صاحب الزكاة فالزائد حكمه حكم سائر موارد الزكاة، و عن الروضة أن يعيدها إلى المالك لأنه الولى على الزكاة فإن تعذر فإلى الحاكم، و لعل الوجه في ذلك استصحاب بقاء ولايته عليها قبل الدفع و الآن كما كان لكن لابد من التفصيل، فإن دفع إلى ابن السبيل بمقدار حاجته و زاد اتفاقاً لأجل التقتير أو لتنزل القيمة و أمثال ذلك، فالظاهر عدم الرد إلى المالك بل لابد من الرد إلى الولى الحاكم إذ ولاية المالك إنما كانت بقمدار الدفع إلى المستحق، و أما الولاية على الاسترداد فلا دليل عليه و المفروض أنه دفع الزكاة في موردها فولايته قد انتهت بالدفع و الشك في ثبوت ولايته جديد على الرد فلا دليل عليها فلابد من الرد إلى الحاكم الشرعي و إن دفع الزكاة إليه زائداً على مقدار حاجته لأجل الاشتباه و تخيل أنه يحتاج إلى هذا المقدار، ثم انكشف الأمر فكان دفع الزائد من باب الخطاء في التطبيق فالظاهر أن ولايته باقية عليها لأن الدفع وقع فی غير محله فكأنه دفعها إلى الغنى بتخيل أنه فقير ثم بان أنه غني.

ص: 92

«و أما لو كان في وطنه و أراد إنشاء السفر المحتاج إليه و لا قدرة له عليه فليس من ابن السبيل» (1)

«نعم لو تلبس بالسفر على وجه يصدق عليه ذلك يجوز إعطاوه من هذا السهم و إن لم يتجدد نفاد نفقته بل كان أصل ماله قاصراً فلا يعطى من هذا السهم قبل أن يصدق عليه اسم ابن السبيل» (2)

«نعم لو كان فقيراً يعطى من سهم الفقراء» (3)

(1) و الأمر في هذه المسئلة واضح إذ المتفاهم العرفي من هذا العنوان كون الشخص مسافراً قد فقدت نفقته فعلاً بمعنى أنه لابد من وقوعه ابن السبيل حتى يشمله الدليل و إلّا فلا، خصوصاً مع ملاحظة مرسلة على بن ابراهيم(1).

(2) لصدق العنوان المأخوذ في الدليل فيشمله الاطلاق إذ المدار كون الشخص معنون بهذا العنوان و الحاجة إلى ما يصله إلى وطنه و إن كان المال الموجود في يده قاصراً من أول الأمر فالمدار صدق هذا العنوان و أما كيفية تعنونه بهذا و منشأ ذلك فلا يعتبر فيها شيء لاطلاق الدليل كما تقدم، و أما المرسلة الظاهرة في ذهاب المال، فالظاهر إنها ناظرة إلى جهة الحاجة لا لخصوصية في الذهاب.

(3) لصيرورته مالكاً فله أن يتصرف فيه بما شاء من مؤنة السفر أو غير ذلك كما في النص.

ص: 93


1- الوسائل، الباب 1 من أبواب المستحقّين للزّكاة، الحدیث: 7

«مسألة30: إذا علم استحقاق شخص للزكاة و لكن لم يعلم من أى الأصناف يجوز إعطاوه بقصد الزكاة من غير تعيين الصنف بل إذا علم استحقاقه من جهتين يجوز إعطاوه من غير تعيين الجهة» (1)

«مسألة31: إذا نذر أن يعطي زكاته فقيراً معيناً لجهة راجحة أو مطلقاً ينعقد نذره» (2)

«فإن سها فأعطى فقيراً آخر أجزأ و لا يجوز استرداده و إن كانت العين باقية» (3)

(1) لعدم الدليل على التعيين و إنما المعتبر مجرد الايصال إلى مورد الصرف و مع الشك مقتضى البرائة عدم الاعتبار فيجزى أن يعطيه بما له من العنوان الواقعي و إن كان جاهلاً به كما إذا كان الشخص فقيراً و غارماً، نعم على القول بالبسط فلابد من التعيين في الفرض الثاني ليوزع الباقي على المصارف السبعة الاُخر، و أما في الفرض الأول فلا يجزى الدفع إليه في احراز البسط فلابد من التعيين، لكن الاشكال في وجوب البسط كما سيأتي انشاء الله تعالى.

(2) أما إذا كان متعلق النذر راجحاً فلا اشكال في انعقاد نذره و لو لم تكن الخصوصية المكتنفة في جهة خاصة راجحة كما لو نذر أن يعطى إلى عالم أو مسجد خاص لأن الرجحان في طبيعى الفعل كافٍ في تحقق النذر و إن لم يكن لزيد العالم خصوصية مزيدة على فرد آخر من الطبيعي.

(3) أما الإجزاء فلأنه صدر من أهله و وقع في محله، إذ الأمر النذري لا يوجب تضيقاً في متعلق الزكاة، بل يكون من قبيل واجب في واجب فترك الأمر النذري لا يقتضي عدم الاجزاء بالنسبة إلى الأمر الأول، نعم يعاقب من ناحية ترك العمل بالنذر لكن

ص: 94

العمل صحيح و لذا لو نذر أن يصلي صلاة واجبة في المسجد و عصى و صلى في المنزل تكون صلاته صحيحة، و الوجه فيه: أنّ الأمر بالصلاة قد تعلق بالطبيعي فالخصوصيات الفردية خارجة عن متعلق الأمر الصلاتي فالمأتي به مطابق للمأمور به، فيكون الاجزاء عقلياً، نعم لو خالف النذر تحقق العصيان بالنسبة إلى الأمر النذرى إذ الأمر الاولى لم يتغير بالنذر و لم ينقلب عما هو عليه و حينئذٍ لو تخلف النذر و دفع الزكاة لمستحق آخر، برأت ذمته عن أصل الزكاة إذ الإنطباق بعد البقاء على الاطلاق قهري و الاجزاء عقلي و إن عصى باعدام متعلق النذر لتحقق العصيان و لو بانتفاء الموضوع عمداً، هذا كله إذا خالف عمداً و أما إذا سها فاعطى فقيراً آخر فلا عصيان بالنسبة إلى مخالفته للنذر لحديث الرفع و أما بالنسبة إلى الكفارة، فالظاهر أنه لا كفارة عليه، إذ الكفارة تتبع المخالفة ليتحقق بها الحنث و المخالفة تابعة لكيفية النذر، و حيث أنّ الظاهر من النذر في نفس الناذر الالتزام على نفسه بأن يعمل العمل اختياراً فلا جرم يختص متعلقه بالحصة الاختيارية الناشئة عن العمد و الارادة و حينئذٍ فالمخالفة السهوية غير مشمولة للنذر من أول الأمر فلم يتحقق الحنث باعطائه الزكاة لغير المنذور له نسياناً فلا تجب عليه الكفارة فلا اشكال في صحة العمل و عدم تحقق الحنث و عدم وجوب الكفارة عليه و منه يظهر الوجه في عدم وجوب الاسترجاع لأنّ الفقير المدفوع إليه حيث أنه لم يخرج عن كونه مورداً لصرف الزكاة كان قد ملك الزكاة لا محالة فلا مجال للاسترجاع و الاسترداد.

ص: 95

«بل لو كان ملتفتاً إلى نذره و أعطى غيره متعمداً أجزأ أيضاً» (1)

(1) قد ظهر مما ذكرنا الوجه في الإجزاء لأن تحقق الامتثال بعد عدم استیجاب النذر لتضييق متعلق الزكاة، أمر واضح كما تقدم، و أما الكفارة فلحصول الحنث إذا كانت المخالفة عن التفات كما هو المفروض.

إن قلت: أنّ التطبيق على غير المنذور مفوت للواجب فيكون حراماً فكيف يتحقق به الامتثال و الحال أن المبغوض لا يمكن أن يكون مصداقاً للمحبوب مع أن قصد القربة معتبر في اعطائها الزكاة لأنها عمل قربى.

قلت: قد تقرر في محله أن الأمر بالشيء لا يقتضي النهي عن ضده الخاص، فإن الأمر النذري و إن أوجب تطبيق الطبيعي على الفرد المنذور له لكنه لا يقتضي النهي عن ضده و تطبيقه على فرد آخر بل يمكن أن يقال: إنه لا مقدمية في البين، بل هما متلازمان في الوجود و من المعلوم أنّ الأمر بالشيء لا يقتضي الأمر بملازمه كما قرر في محله.

لا يقال: برجوع النذر في أمثال المقام إلى نذر عدم تفريغ الذمة إلّا بهذا الفرد الخاص أو عدم تطبيق الطبيعة إلّا هذا الفرد فتكون النتيجة أن التطبيق على غير هذا الفرد الذي يكون موجباً لمخالفة النذر، حرامٌ بل موجب لبطلان اعطاء الزكاة و حينئذٍ كيف يمكن القول بحنث النذر و صحة الاعطاء و الاجزاء.

فإنه يقال: إنّ النذر تارة تعلق بالعنوان الوجودي كاعطاء الزكاة إلى زيد و اخرى تعلق النذر بالعنوان العدمي كعدم الاعطاء إلى غير زيد و على كلا التقديرين لا يسرى الأمر النذرى إلى لازمه أعني عدم الضد الآخر، أما في الفرض الأول فلأن الأمر بأحد الضدين لا يستلزم الأمر بترك الآخر و لا العكس لعدم لزوم اشتراك المتلازمين في الحكم و قد تقدم أنه لا مقدمية بين عدم أحد الضدين لوجود ضده الآخر و أن الأمر بالشيء لا

ص: 96

«و إن كان آثماً في مخالفة النذر و تجب عليه الكفارة و لا يجوز استرداده أيضاً لأنه قد ملك بالقبض» (1)

«مسألة32: إذا اعتقد وجوب الزكاة عليه فأعطاها فقيراً ثم تبين له عدم وجوبها عليه جاز له الإسترجاع» (2) «إذا كانت العين باقية» (3)

يقتضي النهي عن ضده و بعد عدم حصول التقييد في موضوع الأمر الأول لا مانع من تحقق الامتثال بالفرد الآخر، و أما في الفرض الثاني فالظاهر عدم انعقاد النذر لعدم الرجحان في متعلقه إذ لا رجحان لعدم التطبيق على غير هذا الفرد هذا أولاً و ثانياً أورد عليه المحقق الخوئي (قدس سره ) أن النذر غير صحيح من ناحية اخرى، حيث إنه يلزم من فرض وجوده عدمه، لأن النذر مشروطاً بالقدرة في متعلق النذر بحيث يتمكن من امتثاله بعد انعقاده مع أنه بعد فرض الانعقاد عاجز عن المخالفة لعدم تمكنه بعدئذٍ من تفريغ الذمة بالاعطاء إلى الغير، ضرورة أنّ نفوذ النذر أوجب حرمته و بما أن الزكاة عبادة فتحريمها مساوق لفسادها و معه يستحيل التفريغ فيلزم من انعقاد النذر عدم انعقاده و هو كما ترى.

(1) أما كونه آثماً فلمخالفته الأمر النذري و أما وجوب الكفارة فلمقتضى أدلة حنث النذر و أما عدم جواز الاسترداد فلما ذكره الماتن (رحمه اللّه) من أنه ملك بالقبض فلا وجه للاسترداد.

(2) لتبين بقاء ملكه على ما هو عليه و عدم خروجه عنه بعد أن كان الدفع غير لازم عليه.

(3) و أما إذا تلفت فإن كان الفقير عالماً بعدم وجوبها عليه ضمن بقاعدة اليد و إلّا فلا ضمان عليه لأنه استعملها بعنوان المجانية.

ص: 97

«و أما إذا شك في وجوبها عليه و عدمه فأعطى احتياطاً ثم تبين له عدمه فالظاهر عدم جواز الاسترجاع و إن كانت العين باقية» (1)

(1) لأنه أعطاها من باب رجاء المطلوبية و هو بنفسه أمر قربى صادر لوجه الله و ما كان لله لا يرجع كما في الحديث لاحظ ما رواه عن الحسين بن علوان عن جعفرٍ عن أبيه أن علياً (علیه السلام) كان يقول من تصدق بصدقةٍ فردت عليه فلا يجوز له أكلها و لا يجوز له إلا انفاقها إنما منزلتها بمنزلة العتق لله فلو أن رجلًا أعتق عبداً لله فرد ذلك العبد لم يرجع في الأمر الذي جعله لله فكذلك لا يرجع في الصدقة.(1)

و ما رواه عبيد بن زرارة قال: سألت أباعبدالله (علیه السلام) عن الرجل يتصدق بالصدقة أ له أن يرجع في صدقته؟ فقال: إن الصدقة محدثة إنما كان النحل و الهبة و لمن وهب أو نحل أن يرجع في هبته حيز أو لم يحز و لا ينبغي لمن اعطى شيئاً لله عزوجل أن يرجع فيه(2)

فلا يجوز الاسترجاع و إن كانت العين باقية و بذلك يظهر الفرق بين هذه الصورة و الصورة السابقة أي ما يعتقد الوجوب ثم تبين خلافه لأنه في الصورة الاولى يكون الأمر تخيلاً و في هذه الصورة يكون الداعي احتمال الأمر و لا كشف خلاف في المقام لأنه لا ينقلب عما هو عليه إذ الاحتمال باقٍ على حاله و لو كان فارغاً ذمته في مقام الظاهر و الاثبات، فتأمل.

ص: 98


1- الوسائل، الباب 24 من أبواب الصدقة، الحدیث: 1
2- الوسائل، الباب 10 من أبواب الهبات، الحدیث: 1

«فصل: في أوصاف المستحقين»

و هي أمور: الأول: الإيمان فلا يعطى للكافر بجميع أقسامه» (1) «و لا لمن يعتقد خلاف الحق من فرق المسلمين حتى المستضعفين منهم» (2)

(1) بلا خلاف معتد به بين المسلمين فضلاً عن المؤمنين، بل الاجماع بقسميه عليه، بل المحكي منه متواتر، بل يمكن دعوى كونه من ضروريات المذهب أو الدين -هكذا في الجواهر- و يدل على ذلك غير القسمين الآتیين فحوى النصوص الدالة على عدم جواز الاعطاء إلى المخالفين.

(2) في الجواهر: بلا خلاف أجده فيه بيننا بل الاجماع بقسميه عليه بل المحكى منه متواتر، و استدل مضافاً إلى ذلك جملة من النصوص: منها ما رواه عن بريد بن معاوية العجلي عن أبي عبدالله (علیه السلام) في حديثٍ قال: كل عملٍ عمله و هو في حال نصبه و ضلالته ثم من الله عليه و عرفه الولاية فإنه يؤجر عليه إلا الزكاة فإنه يعيدها لأنه يضعها في غير مواضعها لأنها لأهل الولاية و أما الصلاة و الحج و الصيام فليس عليه قضاءٌ.(1)

و صحيحة الفضلاء عن أبي جعفر و أبي عبدالله‘ أنهما قالا في الرجل يكون في بعض هذه الاهواء الحرورية و المرجئة و العثمانية و القدرية ثم يتوب و يعرف هذا الأمر و يحسن رأيه أ يعيد كل صلاة صلاها أو صوم أو زكاة أو حج أو ليس عليه اعادة شيء من ذلك؟ قال: ليس عليه اعادة شيء من ذلك غير الزكاة لابد أن يؤديها لأنه وضع الزكاة في غیر موضعها و إنما موضعها أهل الولاية(2)

و ما رواه ابن اذينة قال: كتب إلى أبوعبدالله (علیه السلام): إن كل عمل عمله الناصب في حال ضلاله أو حال نصبه ثم منّ الله عليه و عرفه هذا الأمر فإنه يؤجر عليه و يكتب له إلّا

ص: 99


1- الوسائل، الباب 3 من أبواب المستحقّين للزّكاة، الحدیث: 1
2- نفس المصدر، الحدیث: 2

«إلّا من سهم المولفة قلوبهم و سهم سبيل الله في الجملة» (1)

الزكاة فإنه يعيدها لأنه وضعها في غير موضعها و إنما موضعها أهل الولاية و أما الصلاة و الصوم فليس عليه قضاؤهما(1)

و ما رواه اسماعيل بن سعد الاشعري عن الرضا (علیه السلام) قال: سألته عن الزكاة هل توضع فيمن لا يعرف؟ قال: لا و لا زكاة الفطرة(2)

و مكاتبة علي بن بلال قال: كتبت إليه أسأله هل يجوز أن ادفع زكاة المال و الصدقة إلى محتاج غير أصحابي، فكتب: لا تعط الصدقة و الزكاة إلّا لأصحابك(3)

فإنها باطلاقها تدل على المطلوب حتى المستضعفين منهم فلاحظ.

(1) أما القسم الأول، فلأن الدفع إنما يكون لاستمالتهم على الاسلام أو الايمان على الخلاف المتقدم و قد ذكرنا أن الأقوى هو الثاني فلا جرم تكون النصوص المتقدمة منصرفة عن المورد.

و أما القسم الثاني، فإن كان الدفع لأجل مصلحة بالنسبة إلى المؤمنين فهو جائز لأنه في الحقيقة يكون الدفع راجع إليهم لا إلى غيرهم.

و أما في غير هذه الصورة فالظاهر عدم الجواز لاطلاق الأدلة المتقدمة المانعة من عدم اعطائهم من الزكاة شيئاً.

ص: 100


1- الوسائل، الباب 3 من أبواب المستحقّين للزّكاة، الحدیث: 3
2- الوسائل، الباب 5 من أبواب المستحقّين للزّكاة، الحدیث: 1
3- نفس المصدر، الحدیث: 4

«و مع عدم وجود المومن و المولفة و سبيل الله يحفظ إلى حال التمكن»(1)

(1) عن الحدائق نسبته إلى المشهور و عن الجواهر بلا خلاف أجده بل يمكن تحصيل الاجماع عليه، و استدل على ذلك مضافاً إلى الاطلاق في الروايات المتقدمة ذكرها خصوص ما رواه ابراهيم الأوسي عن الرضا (علیه السلام) قال: سمعت أبى يقول: كنت عند أبي يوماً فأتاه رجل فقال: إني رجل من أهل الري و لي زكاة فإلى من أدفعها؟ فقال: إلينا. فقال: أليس الصدقة محرمة عليكم؟ فقال: بلى، إذا دفعتها إلى شيعتنا فقد دفعتها إلينا. فقال: إني لا أعرف لها أحداً قال: فانتظر بها سنة. فقال: فإن لم أصب لها أحداً؟ قال: انتظر بها سنتين حتى بلغ أربع سنين. ثم قال له: إن لم تصب لها أحداً فصرها صرراً و اطرحها في البحر فإن الله عزوجل حرم أموالنا و أموال شيعتنا على عدونا(1)

لكن محمولة على المبالغة في منع غير المؤمن -كما في الوسائل- مضافاً إلى أن الرواية ضعيفة بالارسال و بغيره.

نعم ربما يستدل على جواز الاعطاء إلى غير الناصب من أهل الخلاف برواية يعقوب بن شعيب الحداد عن عبدالصالح (علیه السلام) قال: قلت له: الرجل منا يكون في أرض منقطعة كيف يصنع بزكاة ماله؟ قال: يضعها في اخوانه و أهل ولايته. قلت: فإن لم يحضره منهم فيها أحد؟ قال: يبعث بها إليهم، قلت: فإن لم يجد من يحملها إليهم؟ قال: يدفعها إلى من لا ينصب، قلت: فغيرهم؟ قال: ما لغيرهم إلّا الحجر(2)

لكن عن الجواهر أنها مطروحة أو محمولة على المستضعف من الشيعة.

أضف إلى ذلك ما أفاده المحقق الخوئي (قدس سره ) من أنّ السند ضعيف، إذ المراد بابراهيم

ص: 101


1- الوسائل، الباب 5 من أبواب المستحقّين للزّكاة، الحدیث: 8
2- نفس المصدر، الحدیث: 7

«مسألة1: تعطى الزكاة من سهم الفقراء لأطفال المومنين» (1)

(بقرينة روايته عن عبدالله بن حماد الأنصاري و كونه من رواة كتابه) هو النهاوندي و هو ضعيف في حديثه و دينه كما صرح به النجاشي، و لا يحتمل أن يراد به ابراهيم بن اسحاق «الثقة» الذي هو من أصحاب الصادق (علیه السلام) لاختلاف الطبقة.

(1) لجملة من الروايات الواردة في المقام لاحظ ما رواه أبوبصير قال: قلت لأبي عبدالله (علیه السلام): الرجل يموت و يترك العيال أ يعطون من الزكاة؟ قال: نعم حتى ينشأوا و يبلغوا و يسألوا من أين كانوا يعيشعون إذا قطع ذلك عنهم. فقلت: إنهم لا يعرفون؟ قال: يحفظ فيهم ميتهم و يحبب إليهم دين أبيهم فلا يلبثوا أن يهتموا بدين أبيهم فإذا بلغوا و عدلوا إلى غيركم فلا تعطوهم(1)

و ما رواه أبوخديجة عن أبي عبدالله (علیه السلام) قال: ذرية الرجل المسلم إذا مات يعطون من الزكاة و الفطرة كما كان يعطى أبوهم حتى يبلغوا فإذا بلغوا و عرفوا ما كان أبوهم يعرف، اعطوا و ان نصبوا لم يعطوا(2)

و ما رواه يونس بن يعقوب قال: قلت لأبي عبدالله (علیه السلام): عيال المسلمين اعطيهم من الزكاة، فاشترى لهم منها ثياباً و طعاماً و أرى ان ذلك خير لهم؟ قال: فقال: لا بأس(3)

و ما رواه عبدالرحمن بن الحجاج قال: قلت لأبي الحسن (علیه السلام): رجل مسلم مملوك و مولاه رجل مسلم و له مال يزكيه و للمملوك ولد صغير حر، أ يجزى مولاه أن يعطى ابن عبده من الزكاة؟ فقال: لا بأس به(4)

مضافاً إلى اطلاق الآية من أنه يصدق عليهم عنوان الفقير و المسكين.

ص: 102


1- الوسائل، الباب 6 من أبواب المستحقّين للزّكاة، الحدیث: 1
2- نفس المصدر، الحدیث: 2
3- نفس المصدر، الحدیث: 3
4- الوسائل، الباب 45 من أبواب المستحقّين للزكاة، الحدیث: 1

«و مجانينهم من غير فرق بين الذكر و الأنثى و الخنثى و لا بين المميز و غيره» (1) «إما بالتمليك بالدفع إلى وليهم و إما بالصرف عليهم مباشرة أو بتوسط أمين إن لم يكن لهم ولى شرعى من الأب و الجد و القيم» (2)

(1) لصدق العنوان المأخوذ في الأدلة من الفقير و المسكين في الآية و عنوان الأصحاب كما في رواية على بن بلال(1)

و ما عن صاحب المستند من المناقشة بأنّ النصوص مقيدة بالعارف بالأمر، غير صادق على المجنون، فيمكن تفصيل ذلك بأن المجنون قد يفرض إلى حد لم يمس جنونه باعتقادياته، فلا اشكال في جواز الاعطاء و أما إذا فرض وصوله إلى حد لا يعرف هذا الأمر أصلا، فالأدلة منصرفة عنه بالملاحظة الأولية و أما مع التأمل فيها يمكن الحاقهم بالأصحاب و أهل المعرفة فيجوز الاعطاء لأطفال المؤمنين و مجانينهم من غير فرق بين الذكر و الانثى و الخنثى و المميز و غيره، كل ذلك للاطلاق الواردة في المقام فلاحظ.

(2) أما الدفع إلى الولى فلا اشكال فيه لتوفر الشروط من التمليك و التملك و أما الصرف عليهم فالأقوال فيه مختلفة فقول بالجواز مع عدم الولى، كما ذهب إليه الماتن (رحمه اللّه) و غيره و قول ثانٍ من جواز الصرف و لو مع وجود الولي و قول ثالث من منعه في كلتا الصورتين.

و استدل على القول بالمنع بامور:

الأول: دعوى أنّ الزكاة ملك للفقير فقهراً يحتاج إلى التملك و حيث ان تملك الصبى كلا تملك فلا يترتب عليه الأثر، فلابد من تملك الولى الشرعى حتى يتحقق فلا جدوىٌ في الصرف عليه ما دام لم يقبضها الولي بل المال باقٍ على ملك المالك.

ص: 103


1- الوسائل، الباب 5 من أبواب المستحقّين للزكاة، الحدیث: 4

أورد عليه المحقق الخوئي (قدس سره ) بأن اثبات الملكية من أول الأمر مشكلٌ لأن الأدلة قاصرة أن اثبات ذلك بل المستفاد منها أن الأصناف الثمانية مصارف فقط، فلا يمكن الالتزام بالملكية مع عدم حصر الزكاة في سهم الفقراء و الالتزام بالملكية بالنسبة إلى سهم الفقراء دون سائر الأصناف، و القول بالتفكيك بالملكية بالنسبة إليهم دون سائر الأصناف منافٍ لاتحاد السياق، بل يمكن الاستظهار من هذا الاتحاد أنّ الجعل في الجميع إنما هو على سبيل الصرف بعد التسالم من عدم التمليك في بقية الأصناف.

الثاني: ما أفاده صاحب الجواهر (رحمه اللّه) من أن ظهور الأدلة خصوصاً السنة في ترتب الملك على القبض بالنسبة إلى هذا السهم، و إن لم يكن كذلك بالنسبة إلى سائر السهام و حيث ان قبض الأطفال و المجانين كلا قبض، لأن الشارع سلب أفعالهم و أقوالهم فلابد من قبض الولى.

أورد عليه أيضاً بأن الأدلة قاصرة عن اثباتها بل مقتضى الاطلاقات أن العبرة في تفريغ الذمة بوصول المال إلى الفقير تمليكاً أو صرفاً و لم ينهض أيّ دليل على التخصيص بالأول.

الثالث: إن الصرف و إن صح في الفقير لكنه لا يتم في الصغير إلّا باذن وليه لأنه تصرف فيه من غير مسوغ.

أورد عليه ثالثاً بأنّ التوقف على الإذن إنما هو في التصرفات الاعتبارية من العقود و الايقاعات و ما يلحق بها من القبض و الإقباض و نحوهما و أما التصرفات التكوينية و الأفعال الخارجية سيما الحاوية على نوع من الاحسان كالإطعام، فلم يدل دليل على منعها و اعتبار الاستيذان من وليه خصوصاً مع ملاحظة رواية يونس بن يعقوب قال: قلت لأبي عبد اللّه (علیه السلام) عيال المسلمين أعطيهم من الزّكاة فأشتري لهم منها ثياباً و طعاماً

ص: 104

«مسألة2: يجوز دفع الزكاة إلى السفيه تمليكاً و إن كان يحجر عليه بعد ذلك كما أنه يجوز الصرف عليه من سهم سبيل الله، بل من سهم الفقراء أيضاً على الأظهر من كونه كسائر السهام أعم من التمليك و الصرف»(1)

«مسألة3: الصبي المتولد بين المومن و غيره يلحق بالمومن خصوصاً إذا كان هو الأب» (2)

و أرى أنّ ذلك خيرٌ لهم قال فقال لا بأس.(1) حيث دلت على جواز الصرف عليهم من دون حاجة إلى مراجعة الولي.

(1) أما جواز تمليكه فلوجود المقتضي و عدم المانع، أما الأول فلاطلاقات الموجودة و أما عدم المانع، فلأن السفيه إنما يكون محجوراً بالنسبة إلى تصرفاته فيما يملكه فلا يعم التملك، فله القبول و القبض، فيكون بعد الدخول في ملكه كسائر أمواله من عدم جواز تصرفه إلا بإذن الولى، و أما جواز الصرف من سهم سبيل الله فإن قلنا بأن المراد منه مطلق سبيل الخير، فلا اشكال فيه، و أما إذا قلنا أن المراد به ما يكون فيه نفع للدين و مصلحة نوعية للمسلمين كبناء المساجد و الحسينيات و القناطير و أمثالها، فلا يعم ما نحن فيه إلّا أن ينطبق عليه جهة من هذه الجهات بعنوان آخر، و أما اعطائه من سهم الفقراء إذا كانت السفيه فقيراً فلا اشكال فيه من ناحية التمليك و أما صرفه في ذلك فقد تقدم الكلام فيه من أن المستفاد من الدليل هو التمليك أو الأعم منه و من الصرف.

(2) و استدل على ذلك تارة بأدلة الالحاق و تبعية الولد لأشرف الأبوين لكنه غير

ص: 105


1- الوسائل، الباب 6 من أبواب المستحقّين للزكاة، الحدیث: 3

«نعم لو كان الجد مومناً و الأب غير مومن ففيه إشكال و الأحوط عدم الإعطاء» (1)

«مسألة4: لا يعطى ابن الزنا من المومنين فضلاً عن غيرهم من هذا السهم» (2)

تام إذ الأدلة غير ناهضة عليها بقول مطلق بل هي دالة عليه بالنسبة إلى الاسلام و الكفر لا غيرهما، و أخرى بالروايات الواردة في جواز الاعطاء بالنسبة إلى ولد المؤمنين فإنها باطلاقها تشمل المورد لكن إذا كانت امه غير مؤمنة و الأب مؤمناً و أما إذا كان عكس ذلك فالاطلاق المذكور غير شامل فلا دليل على الجواز بل يمكن أن يقال إنه وُلد لغير أهل الولاية.

(1) بل الأظهر ذلك لعدم الدليل عليه كما تقدم.

(2) استدل على ذلك تارة بانتفاء البنوة شرعاً و إن كان ولد المؤمن لغة، لكنه غير وجيه، إذ المستفاد من الأدلة انتفاء الارث فقط و أما غيره من الأحكام فيترتب على ذلك و لذا لا يفتى أحد بجواز نكاحه و لأجل ذلك قالوا: إن الزنا مانع عن الارث، لا أنه لا مقتضى له، فلا يكون عدم الإرث من باب التخصص، اذن لا مانع من الاعطاء من هذه الجهة، و أخرى بالانصراف، بتقريب: أن المنسبق من الأدلة ما هو المتعارف من عوائد المؤمنين أي الأولاد الشرعي، فمن ولد على غير طريق شرعي، غير داخل في العناوين المزبورة في الروايات من العيال و الذراري و أطفال المؤمنين، نعم إذا كان مميزاً و أظهر الايمان، فإن قلنا بقبول ايمانه و صحة اعتقاده -كما هو الصواب على الظاهر- فيجوز الاعطاء إليه، فإنه لا يعتبر البلوغ في دفع الزكاة بالنسبة إلى المدفوع إليه فالحق هو التفصيل.

ص: 106

«مسألة5: لو أعطى غير المومن زكاته أهل نحلته ثم استبصر أعادها بخلاف الصلاة و الصوم إذا جاء بهما على وفق مذهبه بل و كذا الحج و إن كان قد ترك منه ركناً عندنا على الأصح» (1)

(1) أما وجوب الاعادة بالنسبة إلى الزكاة فلنصوص المتعددة المتقدمة لاحظ الروايات الواردة في الباب(1) و أما عدم وجوب اعادة غيرها من الصلاة و الحج و الصوم، فلرواية بريد بن معاوية العجلي عن أبي عبدالله (علیه السلام) في حديثٍ قال: كل عملٍ عمله و هو في حال نصبه و ضلالته ثم من الله عليه و عرفه الولاية فإنه يؤجر عليه إلا الزكاة فإنه يعيدها لأنه يضعها في غير مواضعها لأنها لأهل الولاية و أما الصلاة و الحج و الصيام فليس عليه قضاءٌ.(2)

و أما اشتراط كونها على وفق مذهبهم، فلانصراف الدليل إليه، و أما الحج فلوروده في الرواية، و أما عدم اشتراط اتيانه بالركن المعتبر عندنا، فلاطلاق الدلیل، و أما الخلاف المنقول من الشهيد (رحمه اللّه) حيث قيد الحكم بعدم ترك الركن عندنا بل عن العلامة نسبته إلى الأصحاب فلم أجد دليلاً على ذلك بعد وجود الاطلاق، فما أفاده صاحب الجواهر (رحمه اللّه) من عدم الاشتراط وجيه.

ص: 107


1- الوسائل، الباب 3 من أبواب المستحقّين للزكاة
2- الوسائل، الباب 3 من أبواب المستحقّين للزكاة، الحدیث: 1

«نعم لو كان قد دفع الزكاة إلى المومن ثم استبصر أجزأ» (1) «و إن كان الأحوط الإعادة أيضاً» (2)

«مسألة6: النية في دفع الزكاة للطفل و المجنون عند الدفع إلى الولى إذا كان على وجه التمليك و عند الصرف عليهما إذا كان على وجه الصرف» (3)

(1) لوقوعها في محله فالاطلاقات يشمله فلا يجري التعليل الوارد في النص.

(2) لعل الوجه فيها اطلاق النصوص الشامل لحالتي الدفع إلى المؤمن و المخالف، لكن بعد التعليل المذكور فيها لا مجال لهذا الإحتمال، نعم الاحتياط حسن على كل حال.

(3) حيث إن الزكاة من العبادات فلابد من قصد القربة و هذا إنما يحصل عند فراغ الذمة و يعتبر قصد القربة عند الدفع، إما علی نحو الايتاء بالتمليك فيعتبر حينئذٍ عند الدفع إلى الولي و إما على نحو الصرف إن قلنا بجوازه فيعتبر عنده.

ص: 108

«مسألة7: استشكل بعض العلماء في جواز إعطاء الزكاة لعوام المومنين الذين لا يعرفون الله إلّا بهذا اللفظ أو النبي أو الأئمة كلا أو بعضاً أو شيئاً من المعارف الخمس و استقرب عدم الإجزاء» (1)

«بل ذكر بعض آخر أنه لا يكفي معرفة الأئمة بأسمائهم بل لابد في كل واحد أن يعرف أنه من هو و ابن من، فيشترط تعيينه و تمييزه عن غيره و أن يعرف الترتيب في خلافتهم و لو لم يعلم أنه هل يعرف ما يلزم معرفته أم لا يعتبر الفحص عن حاله، و لا يكفي الإقرار الإجمالي بأني مسلم مومن و اثنی عشرى» (2)

(1) قال صاحب الحدائق (رحمه اللّه): نعم يبقى الاشكال في جملة من عوام الشيعة الضعفة العقول ممن لا يعرفون الله سبحانه إلّا بهذه الترجمة حتى لو سئل عنه من هو، لربما يقال محمد أو علي و لا يعرف الائمة (علیهم السلام) كُملاً و لا يعرف شيئاً من المعارف الخمس أصلاً، فضلاً عن التصديق بها و الظاهر أن مثل هؤلاء لا يحكم بايمانهم و إن حكم باسلامهم و أجراء أحكام الاسلام عليهم في الدنيا و أما في الآخرة فهم من المرجئين لأمر الله، إما يعذبهم و إما يتوب عليهم و في إعطاء هؤلاء من الزكاة اشكال لاشتراط ذلك بالايمان و هو غير ثابت و ليس ذلك كالنكاح و الميراث و نحوهما فإن الشرط فيها الاسلام و هو حاصل، و بالجملة الأقرب عندي عدم جواز اعطائهم.

(2) ما ذكره منسوب إلى المحقق النراقي في المستند حيث انه (رحمه اللّه) بعد ما نقل عن صاحب الحدائق قال: هو كذلك إذ موضوع الزكاة من يعرف صاحب هذا الأمر و من كان من أهل الولاية، و من لم يعرف الأئمة (علیهم السلام) أو واحداً منهم أو النبى (صلی الله علیه و آله و سلم) لا يصدق عليه أنه يعرف صاحب هذا الأمر و لا يعلم أنه من أهل الولاية و أنه العارف

ص: 109

«و ما ذكروه مشكلٌ جداً بل الأقوى كفاية الإقرار الإجمالي و إن لم يعرف أسماءهم أيضاً فضلاً عن أسماء آبائهم و الترتيب في خلافتهم، لكن هذا مع العلم بصدقه في دعواه أنه من المومنين الاثني عشريين» (1)

بل و كذلك لو عرف الكل بأسمائهم فقط، يعني مجرد اللفظ و لم يعرف أنه من هو و ابن من اذ لا يصدق عليه أنه يعرفه و لا يتميز عن غيره، و الحاصل أنه يشترط معرفته بحيث يعينه في شخصه و يميزه عن غيره و كذا من لا يعرف الترتيب في خلافتهم و لو لم يعلم أنه هل يعرف ما يلزم معرفته أم لا، فهل يشترط في الاعطاء الفحص عنه، الظاهر نعم إذا احتمل في حقه عدم المعرفة و لا يكفي الاقرار الاجمالي بأني مسلم مؤمن اثنی عشري.

(1) للسيرة، مضافاً إلى عدم الدليل على المعرفة التفصيلية، بل المعرفة الاجمالية كافية في انتسابهم إلى هذه الطائفة الناجية كما هو كذلك بالنسبة إلى سائر المذاهب لصدق العنوان المذكور في الروايات على من كان معترفاً اجمالاً بمقالة الحقة كعنوان العارف و من أهل الولاية بل نقل سيدنا الاستاذ (رحمه اللّه) في تقريراته أنه لم يستشكل أحد من القدماء و المتأخرين عدا ما عرفت فى جواز اعطاء الزكاة لضعاف العقول من عامة المؤمنين مع أن كثيراً منهم لا يعرفون إلّا القليل منهم أسماء الأئمة و أوصافهم صلوات الله عليهم أجمعين.

أضف إلى ذلك أنه يكشف في المقام و ذلك للزوم الاقتصار في المخصص المنفصل المجمل الدائر بين الأقل و الأكثر على المقدار المتيقن فإن الخارج من العمومات عنوان المخالف و القدر المتيقن منه من لا يعرف الحق رأساً، لا تفصيلاً و لا اجمالاً و أما من يعرف الحق اجمالاً فخروجه غير معلوم فيتمسك في جواز الإعطاء -بالعمومات الدالة على جوازه- إلى الفقير.

ص: 110

«و أما إذا كان بمجرد الدعوى و لم يعلم صدقه و كذبه فيجب الفحص عنه» (1)

«مسألة:8: لو اعتقد كونه مومناً فأعطاه الزكاة ثم تبين خلافه فالأقوى عدم الإجزاء» (2)

(1) للزوم احراز الموضوع في ترتب الحكم عليه خصوصاً فيما إذا كان مقتضى الأصل هو العدم، و عن المحقق النراقي في مستنده سماع الدعوى و عدم احتياجه على الفحص للسيرة و أيده سيدنا الاستاذ (رحمه اللّه) في المرتقى و ادعى أن سيرة الأئمة (علیهم السلام) هي المعاملة مع المقطوع بنفاقه معاملة المؤمن و المسلم، لكن هذا إنما يصح في مورد احتفت الدعوى بقرينة الصدق كما إذا كان المدعى من بلد كان كلهم أو أكثرهم من مذهب الحق و أما إذا كانت عارية عن القرينة فدعوى السيرة، عهدتها على مدعيها.

(2) قد تقدم الكلام في ذلك في المسئلة الثالثة عشرة و حاصل الكلام في المقام أن الأقوال في المسئلة ثلاثة:

القول الأول: وجوب الاعادة، ذهب إليه الماتن (رحمه اللّه) و الدليل علیه أنّ الاعتقاد لا يغير الواقع و حينئذٍ توضع الزكاة في غير موضعها فلابد من اعادتها، نعم لا يترتب عليه الاثم في اتلافها أو تأخيرها كما أن الأمر كذلك إذا اعطى شخصاً بما أنه فقير فبان غنياً.

القول الثاني: عدم الاعادة خصوصاً إذا قامت البينة على كون الشخص واجداً للشرائط إذ ترخيص الشارع بالاعطاء و اذنه في دفع الزكاة إليه كاشف عن الاجزاء، لكنه مندفع بأن الترخيص يكون تخيلياً لا واقعياً، نعم لو قام الدليل على جواز الاعطاء عند اقامة البينة فلازمه الاجزاء، لكن أنى لنا باثبات ذلك.

القول الثالث: هو التفصيل بين من اجتهد و فحص ثم اعتقد فهو مجزءٍ و بين من لم يجتهد و لم يفحص فإنه غير مجزء و استدل على ذلك بما رواه عبيد بن زرارة عن أبي

ص: 111

عبد الله (علیه السلام) في حديث قال: قلت له رجل عارف أدى زكاته إلى غير أهلها زمانا هل عليه أن يؤديها ثانية إلى أهلها إذا علمهم قال نعم قال قلت: فإن لم يعرف لها أهلا فلم يؤدها أو لم يعلم أنها عليه فعلم بعد ذلك قال يؤديها إلى أهلها لما مضى قال قلت: له فإنه لم يعلم أهلها فدفعها إلى من ليس هو لها بأهل و قد كان طلب و اجتهد ثم علم بعد ذلك سوء ما صنع قال ليس عليه أن يؤديها مرة أخرى.(1)

و ما رواه أيضاً غير أنه قال: إن اجتهد فقد بريء و إن قصر في الاجتهاد في الطلب فلا(2) لكنه غير ناظر بما نحن فيه بل هو دال على الاجزاء بالنسبة إلى من فحص عن أهل المعرفة و لم يجده فدفع إلى غيره عالماً بعدم كونه أهلاً لها ثم بعد ذلك تبين نقصان فحصه و خطائه في الفحص و هو غير ما نحن فيه، مضافاً إلى أنه معارض في مورده بروايات اخر لاحظ ما رواه عبدالله بن أبي يعفور قال: قلت لأبي عبدالله (علیه السلام): جعلت فداك ما تقول في الزكاة لمن هي؟ قال: فقال: هي لأصحابك قال: قلت: فإن فضل عنهم؟ قال: فأعد عليهم قال: قلت: فإن فضل عنهم؟ قال: فأعد عليهم قال: قلت فإن فضل عنهم؟ قال: فأعد عليهم قال: قلت: فإن فضل؟ قال: فأعد عليهم قلت: فنعطى السؤّال منها شيئاً؟ قال: فقال: لا والله إلّا التراب إلّا أن ترحمه فإن رحمته فاعطه كسرة ثم أومأ بيده فوضع ابهامه على اصول اصابعه(3) فلابد من رد علمه إلى أهله.

ص: 112


1- الوسائل، الباب 2 من أبواب المستحقّين للزّكاة، الحدیث: 1
2- نفس المصدر، الحدیث: 2
3- الوسائل، الباب 5 من أبواب المستحقّين للزّكاة، الحدیث: 6

«الثاني: أن لا يكون ممن يكون الدفع إليه إعانة على الإثم و إغراء بالقبيح فلا يجوز إعطاوها لمن يصرفها في المعاصي خصوصاً إذاكان تركه ردعاً له عنها» (1) «و الأقوى عدم اشتراط العدالة» (2)

(1) لأنه اعانة على الاثم فإن الاعطاء في المقام مصداق للاعانة المحرمة عند المشهور و من الواضح أنّ المحرم لا يكون مصداقاً للواجب خصوصاً إذا انطبق على تركه عنوان الردع -كما في المتن- إذ الاعطاء حينئذٍ بنفسه مصداق للأمر بالمعروف الواجب و مع ذلك كيف يكون مصداقاً للزكاة التي هي من العبادات، هذا كله إذا قلنا بحرمة الاعانة.

أورد عليه سيدنا الاستاذ (رحمه اللّه) بأنه لو سلمنا حرمة الاعانة على الاثم كبروياً لا يصدق على ما نحن فيه صغروياً إذ صدق عنوان الاعانة متوقف على أحد الأمرين: الأول: الاتيان بآخر مقدمة الحرام بحيث يترتب عليها الحرام مباشرة، و الثاني: الاتيان بالمقدمة بقصد التوصل إلى الحرام و مع انتفاء الأمرين لا يصدق الاعانة على الحرام و ما نحن فيه حيث لا يكون الاعطاء مقدمة الأخيرة للحرام كما أنه ليس بقصد الصرف في ذلك فلا موجب للمنع من الاعطاء، و أما إذا لم نقل بذلك كما ذهب إليه المحقق الخوئي (قدس سره ) فالأمر أيضاً كذلك من ناحية أنّ الاعطاء منافٍ لحكمة التشريع إذ الزكاة إنما شرعت لسدّ الحاجة و الإرفاق بالفقراء و من المعلوم أن الصرف في المعصية لم يكن من الحاجات التي شرع من أجلها الزكاة بل يمكن استيناس ذلك من الأدلة الدالة على عدم جواز الاعطاء بالنسبة إلى الغارمين الذين استدانوا للمعصية فإن كان أداء الدين المصروف في المعصية غير جائز من الزكاة فعدم الجواز في المقام بطريق أولى إذ في الدين لم تصرف الزكاة بعينها في الحرام و أما في المقام تصرف فيه مباشرة فتأمل.

(2) المسئلة ذات قولين:

الأول: اشتراط العدالة كما عن كثير من المتقدمين و ظاهر السيد و عن أبي الصلاح

ص: 113

و ابن ادريس و ابن براج و ابن حمزة و الشيخ في المبسوط و عن المفيد في المقنعة.

الثاني: عدم اعتبارها كما عن أكثر المتأخرين.

و استدل للقول الأول بامور:

الأول: الاجماع و حال الاجماع واضح.

الثاني: أن مقتضى الاحتياط كذلك و فيه أن بعد وجود المطلقات لا وجه له.

الثالث: أن الاعطاء في مفروض الكلام اعانة على الاثم و الفسق و الزكاة إنما شرعت ليسدّ به خلّة الفقراء و المعصية ليست كذلك و قد تقدم الكلام فيه.

الرابع: بعض النصوص و هو ما رواه أبوخديجة عن أبي عبدالله (علیه السلام) قال: لا تعط من الزكاة أحداً ممن تعول و قال: إذا كان لرجل خمسمائة درهم و كان عياله كثيراً، قال: ليس عليه زكاة ينفقها على عياله يزيدها في نفقتهم و في كسوتهم و في طعام لم يكونوا يطعمونه و إن لم يكن له عيال و كان وحده فليقسمها و في قوم ليس بهم بأس اعفاء عن المسئلة لا يسألون أحداً شيئاً، و قال: لا تعطين قرابتك الزكاة كلها و لكن أعطهم بعضها و اقسم بعضها في سائر المسلمين، و قال: الزكاة تحل لصاحب الدار و الخادم و من كان له خمسمائة درهم بعد أن يكون له عيال و يجعل زكاة الخمسمائة زيادة في نفقة عياله يوسع عليهم(1) لكن السند مخدوش.

و ما رواه داود الصرمي قال: سألته عن شارب الخمر يعطى من الزكاة شيئاً؟ قال: لا(2) و هو و إن دل على عدم جواز الاعطاء بالنسبة إلى شارب الخمر لكن نلغى الخصوصية عن المورد و يحمل على ضرب من المثال.

أورد عليه: أن الغاء الخصوصية لا وجه له بعد أن نحتمل ذلك فلا يتعدى إلى كل فاسق

ص: 114


1- الوسائل، الباب 14 من أبواب المستحقّين للزّكاة، الحدیث: 6
2- الوسائل، الباب 17 من هذه الأبواب، الحدیث: 1

و أما التعدي إلى ما هو أشد من شرب الخمر كتارك الصلاة بالاولوية القطعية فمبني على احراز الملاك المجهول عندنا كما أن المنع عن الدفع لشارب الخمر لأجل كونه في معرض ارتكاب المعصية و حيث أن مطلق غير العادل كذلك، فيشمله مناط المنع فأيضاً لا وجه لالتزامه لعدم الدليل على ذلك فالاقتصار على مورد الرواية متين، مضافاً إلى الضعف في سندها إلا أن يقال: أن وقوع الشخص في أسناد كامل الزيارات كافٍ في وثاقته، هذا كله بالنسبة إلى الفقير و المسكين و أما سائر الفرق من الأصناف المستحقين فلا يعتبر فيه العدالة ظاهراً لاطلاق الأدلة و عدم مانع في المقام، نعم قد استدل على المنع بالنسبة إلى الغارمين تارة بالاجماع لكنه محتمل المدرك و اخرى بما رواه بريد (...فاذا قبضته فلاتوكل به إلا ناصحاً شفیقاً أمیناً حفیظا، الخ)(1) لكنه أجنبى عن المقام لأنه ناظر إلى وكيل العامل بعد ما قبض الزكاة من أربابها لا إلى العامل، أضف إلى ذلك أنه دال على اشتراط الأمانة لا العدالة.

ص: 115


1- الوسائل، الباب 14 من أبواب زكاة الانعام، الحدیث: 1

«و لا عدم ارتكاب الكبائر» (1) «و لا عدم كونه شارب الخمر» (2) «فيجوز دفعها إلى الفساق و مرتكبي الكبائر و شاربي الخمر بعد كونهم فقراء من أهل الإيمان و إن كان الأحوط اشتراطها بل وردت رواية بالمنع عن إعطائها لشارب الخمر، نعم يشترط العدالة في العاملين على الأحوط و لا يشترط في المولفة قلوبهم بل و لا في سهم سبيل الله بل و لا في الرقاب و إن قلنا باعتبارها في سهم الفقراء» (3)

«مسألة9: الأرجح دفع الزكاة إلى الأعدل فالأعدل و الأفضل فالأفضل و الأحوج فالأحوج و مع تعارض الجهات يلاحظ الأهم فالأهم المختلف ذلك بحسب المقامات» (4)

(1) قد ظهر الوجه و الاشكال فيه فلاحظ.

(2) لرواية الصرمي المتقدمة ذكرها.(1)

(3) قد ظهر الوجه في جميع ذلك فلا نحتاج الی الاعادة.

(4) الظاهر أنه لا دليل خاص بالنسبة إلى الترتيب المذكور إنما المذكور في رواية عبدالرحمن بن الحجاج قال: سألت أباالحسن الأول (علیه السلام) عن الزكاة يفضل بعض من يعطى ممن لا يسأل على غيره، فقال: نعم يفضل الذي لا يسأل على الذي يسأل(2) ترجيح من لا يسأل عما يسأل.

و ما رواه عبدالله بن عجلان السكوني قال: قلت لأبي جعفر (علیه السلام): إني ربما قسّمت الشيء بين أصحابي أصلهم به فكيف أعطيهم؟ قال: أعطهم على الهجرة في الدين و

ص: 116


1- الوسائل، الباب 17 من أبواب المستحقّين للزّكاة، الحدیث: 1
2- الوسائل، الباب 25 من أبواب المستحقّين للزّكاة، الحدیث: 1

«الثالث: أن لا يكون ممن تجب نفقته على المزكي كالأبوين و إن علوا و الأولاد و إن سفلوا من الذكور أو من الآناث و الزوجة الدائمة التي لم يسقط وجوب نفقتها بشرط أو غيره من الأسباب الشرعية و المملوك سواء كان آبقاً أم مطيعاً فلا يجوز إعطاء زكاته إياهم للانفاق» (1)

الفقه و العقل.(1)

(1) لجملة من الروايات لاحظ ما رواه عبدالرحمن بن الحجاج عن أبي عبدالله (علیه السلام) قال: خمسة لا يعطون من الزكاة شيئاً: الأب و الام و الولد و المملوك و المرأة و ذلك أنهم عياله لازمون له(2)

و ما رواه اسحاق بن عمار عن أبي الحسن موسى (علیه السلام) في حديث قال: قلت: فمن الذي يلزمنى من ذوي قرابتي حتى لا أحتسب الزكاة عليهم؟ قال: أبوك و امك. قلت: أبي و امي؟ قال: الوالدان و الولد(3)

ربما يقال إنها معارضة بما رواه عمران بن اسماعيل بن عمران القمي قال: كتبت إلى أبي الحسن الثالث (علیه السلام): أن لي ولداً رجالاً و نساءاً أ فيجوز أن اعطيهم من الزكاة شيئاً؟ فكتب (علیه السلام): إن ذلك جائز لك(4) لكنها ضعيفة به، مضافاً إلى أنه يمكن ان تحمل على الانفاق للتوسعة كما نقل عن الشيخ (رحمه اللّه) جمعاً بينها و بين الروايات المتقدمة حيث انها تدل على عدم الجواز مطلقاً و هذه الرواية تقيدها بصورة التوسعة كما سيأتي.

ص: 117


1- الوسائل، الباب 25 من أبواب المستحقّين للزّكاة، الحدیث: 2
2- الوسائل، الباب 13 من أبواب المستحقّين للزّكاة، الحدیث: 1
3- نفس المصدر، الحدیث: 2
4- الوسائل، الباب 14 من أبواب المستحقّين للزّكاة، الحدیث: 3

بل و لا للتوسعة على الأحوط و إن كان لا يبعد جوازه» (1)

(1) المراد من التوسعة في المقام هي التي تكون من مراتب الانفاق لا التوسعة بمعنى الزائد عن ذلك فإن اعطاء الزكاة للتوسعة بهذا المعنى لم يلتزم به الفقهاء على الظاهر، أما جواز الاعطاء بمعنى الأول فعن الشهيد الثاني (رحمه اللّه) في المسالك الالتزام به حيث نقل عنه يجوز دفعها إليه في توسعته الزائدة على قدر الواجب بحيث لا يخرج إلى حد يتجاوز عادة نفقة أمثاله، انتهى.

و الحاصل أنّ المزكى إذا لم يكن عنده ما يوسع به عليهم كما إذا لم يتمكن من أزيد من أقل الواجب في الانفاق كسد الرمق من الطعام بلا إدام و من الكسوة بمقدار ستر العورة جاز له أن يعطيهم من الزكاة بمقدار يلحقهم بالمتعارف في المعيشة.

و استدل على ذلك بأمرين:

الأول: قصور المقتضى للمنع، لاختصاص الدليل بالانفاق اللازم فيبقى غيره تحت اطلاقات الكتاب و السنة القاضية بجواز الاعطاء لكل فقير.

و فيه: أن مقتضى عموم التعليل الوارد في رواية ابن الحجاج عدم جواز الانفاق حتى علی المبنی التوسعة و بهذا يقيد الاطلاقات، نعم يمكن استفادة ذلك عن مرفوعة ابن الصلت عن عدة من أصحابنا يرفعونه إلى أبي عبدالله (علیه السلام) أنه قال: خمسة لا يعطون من الزكاة الولد و الولدان و المرأة و الملوك لأنه يجبر على النفقة عليهم(1) لكنها ضعيفة سنداً كما هو واضح.

الثاني: الروايات الواردة في جواز ذلك منها ما رواه أبي خديجة عن أبي عبد الله (علیه السلام) قال: لا تعط من الزكاة أحدا ممن تعول و قال إذا كان لرجل خمسمائة درهم و كان عياله كثيرا قال ليس عليه زكاة ينفقها على عياله يزيدها في نفقتهم و في كسوتهم و في طعام

ص: 118


1- الوسائل، الباب 13 من أبواب المستحقّين للزّكاة، الحدیث: 4

لم يكونوا يطعمونه و إن لم يكن له عيال و كان وحده فليقسمها في قوم ليس بهم بأس أعفاء عن المسألة لا يسألون أحدا شيئا و قال لا تعطين قرابتك الزكاة كلها و لكن أعطهم بعضها و اقسم بعضها في سائر المسلمين و قال الزكاة تحل لصاحب الدار و الخادم و من كان له خمسمائة درهم بعد أن يكون له عيال و يجعل زكاة الخمسمائة زيادة في نفقة عياله يوسع عليهم.(1)

بتقريب أن الرواية ناظرة إلى التوسعة المستحبة على العائلة فإن الظاهر منها أن الخمسمائة بقيت عنده حتى حال عليه الحول و تعلقت بها الزكاة الواجبة و الامام (علیه السلام) رخص في صرفها في التوسعة على العائلة و مزيد الانفاق عليهم و ليست ناظرة إلى المال الذي معد للتجارة كما قيل إذ لا شاهد عليها.

و منها ما رواه اسحاق بن عمار قال: قلت لأبي عبدالله (علیه السلام): رجل له ثمانمائة درهم و لابن له مائتا درهم و له عشر من العيال و هو يقوتهم فيها قوتاً شديداً و ليست له حرفة بيده إنما يستبقبضها فتغيب عنه الاشهر ثم يأكل من فضلها أترى له إذا حضرت الزكاة أن يخرجها من ماله فيعود بها على عياله يتسع عليهم بها النفقة؟ قال: نعم و لكن يخرج منها الشيء الدرهم(2)

بتقريب أنّ مورده و إن كان المال المعد للتجارة و البضاعة لكن مقتضى اطلاق جواب الامام (علیه السلام) المستفاد من ترك الاستفصال ترخيصه (علیه السلام) صرفها على العيال للاتساع و مزيد الانفاق، فتأمل.

ص: 119


1- الوسائل، الباب 14 من أبواب المستحقّين للزّكاة، الحدیث: 6
2- نفس المصدر، الحدیث: 1

«إذا لم يكن عنده ما يوسع به عليهم» (1) «نعم يجوز دفعها إليهم إذا كان عندهم من تجب نفقته عليهم لا عليه كالزوجة للوالد أو الولد و المملوك لهما مثلاً» (2)

«مسألة10: الممنوع إعطاوه لواجبي النفقة هو ما كان من سهم الفقراء و لأجل الفقر و أما من غيره من السهام كسهم العاملين إذا كان منهم أو الغارمين أو المولفة قلوبهم أو سبيل الله أو ابن السبيل أو الرقاب إذا كان من أحد المذكورات فلا مانع منه» (3)

(1) فإن ذلك هو القدر المتيقن من دليل الجواز لو قلنا بذلك.

(2) بلا خلاف كما في بعض الكلمات و لظاهر دليل المنع، إذ المستفاد منه بمقتضى التعليل المذكور في رواية ابن الحجاج حيث أن الظاهر منه اختصاص المنع بغير ذلك لأن التعليل الوارد فيها ظاهر فيمن هو لازم للمزكى نفسه و أنهم عياله فلا تشمله لمن يعوله المزكى فيجوز الدفع بمقتضى اطلاقات جواز الدفع إلى الفقير كما في الجواهر.

(3) بلا اشكال كما عن الجواهر بل عن السبزواري أنه مقطوع به بين الأصحاب.

و الوجه فيه: اطلاقات الأدلة و عدم شمول دليل المنع إذ الظاهر منه اختصاص المنع من سهم الفقراء و بعنوان الفقراء و أما العناوين الآخر فلا يشملها.

أضف إلى ذلك الدليل الوارد في قضاء دين الأب من سهم الغارمين لاحظ ما رواه عن زرارة قال: قلت لأبي عبد الله (علیه السلام) رجل حلت عليه الزكاة و مات أبوه و عليه دين أ يؤدي زكاته في دين أبيه و للابن مال كثير فقال إن كان أبوه أورثه مالا ثم ظهر عليه دين لم يعلم به يومئذ فيقضيه عنه قضاه من جميع الميراث و لم يقضه من زكاته و إن لم يكن أورثه مالا لم يكن أحد أحق بزكاته من دين أبيه فإذا أداها في دين أبيه على هذه

ص: 120

«مسألة11: يجوز لمن تجب نفقته على غيره أن يأخذ الزكاة من غير من تجب عليه إذا لم يكن قادراً على انفاقه أو كان قادراً و لكن لم يكن باذلاً و أما إذا كان باذلاً فيشكلٌ الدفع إليه و إن كان فقيراً كأبناء الأغنياء إذا لم يكن عندهم شيء» (1)

الحال أجزأت عنه.(1)

و عن إسحاق بن عمار قال: سألت أبا عبد الله (علیه السلام) عن رجل على أبيه دين و لأبيه مئونة أ يعطي أباه من زكاته يقضي دينه قال نعم و من أحق من أبيه.(2)

(1) من تجب نفقته على الغير إما أن يكون المنفق عليه قادراً على انفاقه، و إما أن لا يكون كذلك، و على الأول إما أن يكون باذلاً و إما أن لا يكون كذلك، و المنفق عليه إما أن يكون زوجة و إما أن لا يكون، و على الأول قد يكون الزوج باذلاً و قد يكون ممتنعاً، يمكن اجباره أم لا، و أما على الثاني فإما أن يكون الاعطاء للتوسعة و إما أن لا يكون كذلك، فالصور متعددة:

أما الصورة الاولى: فلا اشكال في عدم جواز الأخذ و عدم جواز الاعطاء لانصراف الأدلة عن مثل هذا الفقير و عدم شمول حكمة التشريع لمثل هؤلاء بل يمكن أن يقال: انه لا يصدق عليه عنوان المحتاج المأخوذ في الدليل.

أما الصورة الثانیة: و هي عدم كون المنفق باذلاً فيجوز الاعطاء به لصدق الفقير عليه فيشمله اطلاق الأدلة فإن دليل المنع مقيدٌ بصورة فعلية الانفاق و مجرد وجوب الانفاق على من لا يكون باذلاً فعلاً لا يخرج المنفق عليه عن الفقر، و أما إذا كان باذلاً لكن كان بذله مقروناً بالمنة و الذلة فالحكم أيضاً كذلك لعين الملاك و هو صدق الفقير

ص: 121


1- الوسائل، الباب 18 من أبواب المستحقّين للزّكاة، الحدیث: 1
2- نفس المصدر، الحدیث: 2

«بل لا ينبغي الإشكال في عدم جواز الدفع إلى زوجة الموسر الباذل» (1)

عليه، اللهم إلا أن يقال ان غير الزوجة و إن كان لا يملك النفقة على المنفق و لذا يعد فقيراً حتى لو كان المعيل غنياً إلّا أن الامر باعطاء الصدقة للفقراء لا يشمله اذ المستفاد من بعض الأدلة عدم جواز اعطاء الزكاة لمن يقدر على كف نفسه عن الزكاة لاحظ ما رواه زرارة عن أبي جعفر (علیه السلام) قال: قال رسول الله (صلی الله علیه و آله و سلم) لا تحل الصدقة لغني و لا لذي مرة سوي و لا لمحترف و لا لقوي قلنا ما معنى هذا قال لا يحل له أن يأخذها و هو يقدر على أن يكف نفسه عنها. (1)

لكن الظاهر عدم شموله لأن الظاهر منه من يقدر على تحصيل النفقة بالكسب و لا يعم ما إذا وجب نفقته على الغير لفقره و عليه فلا بأس بالدفع إليه إذا كان فقيراً.

(1) هذا هو الصورة الثالثة: و الوجه في عدم جواز، صدق الغنى عليها إذ الزوجة مالكة للنفقة فإنّ نفقة الزوجة على الزوج إنما تكون من قبيل الحق المالي و ليست هي مجردة تكليف شرعاً بالانفاق عليها كما هو الحال في الأولاد و الأبوين فهي غنية بالقوة إذا كان الزوج باذلاً تدريجاً.

ص: 122


1- الوسائل، الباب 8 من أبواب المستحقّين للزّكاة، الحدیث: 8

«بل لا يبعد عدم جوازه مع إمكان إجبار الزوج على البذل إذا كان ممتنعاً منه» (1) «بل الأحوط عدم جواز الدفع إليهم للتوسعة اللائقة بحالهم مع كون من عليه النفقة باذلاً للتوسعة أيضاً» (2)

(1) هذه هي الصورة الرابعة: و هي كون الزوج ممتنعاً عن الانفاق مع امكان اجبار الزوج و الحكم فيها عدم الجواز و الوجه فيه أنه مع امكان الاجبار تكون الزوجة غنية لا يجوز اعطاء الزكاة إليها لقدرتها على تحصيل النفقة و الدين الذي في ذمة زوجها.

(2) هذه هي الصورة الخامسة: و هي جواز الدفع إلى واجبي النفقة للتوسعة اللائقة بحالهم و عدمه.

احتاط الماتن (رحمه اللّه) بعدم جواز الدفع إليهم للتوسعة مع كون المنفق باذلاً لأجل التوسعة و لعل الوجه فيه ما ذكرنا بالنسبة إلى مقدار النفقة فإنه مع البذل لا يصدق عليهم عنوان المحتاج فلا يشملهم الدليل، و أما إذا لم يكن باذلاً جاز الدفع اليهم لصدق عنوان الفقير عليهم و تحقق الحاجة فيشمله إطلاق الأدلة و مجرد وجوب الانفاق عليهم لا يوجب صدق عنوان الغني عليهم كي يقال بأنه لا فرق بين بذل المنفق و امتناعه، بتقريب أنه إن صدق عليهم عنوان الغنى مع اقتصاره على النفقة اللازمة و لأجله لم يجز دفع الزكاة إليهم فلا فرق بين الدفع إليهم لأجل النفقة و بين الدفع إليهم لأجل التوسعة و إن لم يصدق عليهم عنوان الغني فلا مانع من الدفع في كلا الفرضين فالتفصيل لا وجه له فإنه لا ريب في صدق عنوان الفقير عليهم غاية الأمر بالنسبة إلى النفقة اللازمة إذا كان المنفق باذلاً لا تشمله الأدلة و أنها منصرفة عنهم لما ذكرنا أن العنوان المأخوذ فيها الاحتياج و هذا لا يصدق عليهم، و أما إذا لم يكن باذلاً بالنسبة إلى التوسعة فيصدق عليهم العنوان فيجوز، فتأمل، إذ الاحتياج النسبي لا يتصور كما قيل هذا مع التصريح بالجواز في رواية عبدالرحمن بن الحجاج عن أبي الحسن الأول (علیه السلام) قال: سألته عن الرجل

ص: 123

يكون أبوه أو عمه أو أخوه يكفيه مؤنته أ يأخذ من الزكاة فيتوسع به إن كانوا لا يوسعون عليه في كل ما يحتاج إليه، فقال: لا بأس(1) فإن المدار فيها هو الاحتياج، فالفقير المحتاج يجوز الدفع إليه سواء كان احتياجه إلى حد النفقة اللازمة أم كان احتياجه بالنسبة إلى التوسعة اللائقة بحاله و قد يستدل على الجواز بما رواه سماعة عن أبي عبدالله (علیه السلام) قال: سألته عن الرجل يكون له ألف درهم يعمل بها و قد وجب عليه فيها الزكاة و يكون فضله الذي يكسب بماله كفاف عياله لطعامهم و كسوتهم و لا يسعه لأدمهم و إنما هو ما يقوتهم في الطعام و الكسوة قال: فلينظر إلى زكاة ماله ذلك فليخرج منها شيئاً قل أو كثر فيعطيه بعض من تحل له الزكاة و ليعد بما بقي من الزكاة على عياله فليشتر بذلك ادامهم و ما يصلحهم من طعامهم في غير اسراف و لا يأكل هو منه فإنه رب فقير أسرف من غنى. فقلت: كيف يكون الفقير أسرف من الغنى؟ فقال: إن الغنى ينفق مما اوتى و الفقير ينفق من غير ما اوتى(2)

و ما رواه إسحاق بن عمار قال: قلت لأبي عبد الله (علیه السلام) رجل له ثمانمائة درهم و لابن له مائتا درهم و له عشر من العيال و هو يقوتهم فيها قوتا شديدا و ليس له حرفة بيده إنما يستبضعها فتغيب عنه الأشهر ثم يأكل من فضلها أ ترى له إذا حضرت الزكاة أن يخرجها من ماله فيعود بها على عياله يتسع عليهم بها النفقة قال نعم و لكن يخرج منها الشي ء الدرهم.(3)

لكن أورد عليه سيدنا الاستاذ دام ظله بأنه لا يبعد أن يكون المراد من الزكاة فيها زكاة مال التجارة فلا يرتبط بالمقام.

ص: 124


1- الوسائل، الباب 11 من أبواب المستحقّين للزّكاة، الحدیث: 1
2- الوسائل، الباب 14 من أبواب المستحقّين للزّكاة، الحدیث: 2
3- نفس المصدر، الحدیث: 1

«مسألة12: يجوز دفع الزكاة إلى الزوجة المتمتع بها سواء كان المعطي هو الزوج أم غيره و سواء كان للانفاق أم للتوسعة و كذا يجوز دفعها إلى الزوجة الدائمة مع سقوط وجوب نفقتها بالشرط أو نحوه نعم لو وجبت نفقة المتمتع بها على الزوج من جهة الشرط أو نحوه لا يجوز الدفع إليها مع يسار الزوج» (1)

(1) مقتضى أدلة المنع عدم جواز الاعطاء إلى من تجب نفقته عليه لأنه عياله لاحظ ما رواه عبد الرحمن بن الحجاج عن أبي عبد الله (علیه السلام) قال: خمسة لا يعطون من الزكاة شيئا الأب و الأم و الولد و المملوك و المرأة و ذلك أنهم عياله لازمون له.(1)

و حيث أن المتمتع بها لا تجب النفقة عليها لا تشملها الأدلة.

و أما ما رواه حريز عن أبي عبدالله (علیه السلام) قال: قلت له: من الذي اجبر عليه و تلزمنى نفقته؟ قال: الوالدان و الولد و الزوجة(2) الدال على عدم الجواز على الاطلاق لكونها زوجته فإنه مقيد بما رواه هشام بن سالم عن أبي عبدالله (علیه السلام) في حديث في المتعة قال: و لا نفقة و لا عدة عليك(3) و بما ذكرنا يظهر الحال بالنسبة إلى الدائمة التي سقطت نفقتها بالشرط و نحوه فإنها به تخرج عن كونها لازمة للزوج فلا يشملها التعليل الوارد في رواية ابن حجاج فإذا كانت فقيرة شملتها إطلاقات الأدلة الدالة على جواز الاعطاء إلى الفقراء كما أن مقتضى التعليل شموله المتمتع بها التي وجبت نفقتها على الزوج من ناحية الشرط و أما ادعاء الانصراف إلى كون العيال لازمون له بالأصالة فلا شاهد عليه إذ المدار في عدم الجواز بمقتضى التعليل كون الشخص عيالاً و لازماً له و لا فرق بين كونه

ص: 125


1- الوسائل، الباب 13 من أبواب المستحقّين للزّكاة، الحدیث: 1
2- الوسائل، الباب 11 من أبواب النّفقات، الحدیث: 3
3- الوسائل، الباب 45 من أبواب المتعة، الحدیث: 1

«مسألة13: يشكل دفع الزكاة إلى الزوجة الدائمة إذا كان سقوط نفقتها من جهة النشوز لتمكنها من تحصيلها بتركه» (1)

كذلك أصالة أو عرضاً على ما يقتضيه الاطلاق فلاحظ.

و أما ما أفاده أخيراً من أنه لا يجوز الدفع إلى المتمتع بها مع الشرط إذا كان الزوج موسراً فغير مقبول على الاطلاق بل لابد من تقييده بعدم الامتناع و الجبر فمع الامتناع و عدم امكان الجبر، يجوز الاعطاء كما تقدم.

(1) قال في الجواهر: ولو سقطت نفقة المرأة بالنشوز احتمل جواز دفعها إليها بناء على جوازها للفاسق و يحتمل العدم بسبب قدرتها على الطاعة بل في كشف الأستاذ الجزم به، قال: و الزوجة الناشزة حكمها في المنع حكم غيرها و كذا العبد الآبق و الاجير الممتنع. قلت: لا يخلو من اشكال ضرورة اندراجها في إطلاق الأدلة و عمومها، السالمين عن معارضة ماهنا بعد عدم وجوب الانفاق عليها و قدرتها على الطاعة لا تدرجها تحت الموضوع المزبور الذي قد عرفت كونه المدار لا غيره مع امكان منع صدق الغني عليها بالقدرة المزبورة، انتهى كلامه رفع مقامه.

لكن الظاهر عدم الجواز إذ لا يصدق عليها الفقير مع قدرتها على تحصيل مؤنتها فإنّ نفقة الزوجة بمنزلة الحق فهي إذاً قادرة على تحصيل المؤنة فهي بمنزلة المحترف القادر على الاكتساب فهي غنية بالقوة لأنها متمكنة من تركها النشوز اختياراً و أخذ حقها بالطاعة فلا يصدق عليها حينئذٍ عنوان الفقير و لذا أفتى المحقق الأول على عدم الجواز حيث قال في المعتبر لا يعطى الزوجة من سهم الفقراء و المسكنة مطيعة كانت أم عاصية لتمكنها من النفقة، انتهى.

ص: 126

«مسألة14: يجوز للزوجة دفع زكاتها إلى الزوج و إن أنفقها عليها و كذا غيرها ممن تجب نفقته عليه بسبب من الأسباب الخارجية» (1)

«مسألة15: إذا عال بأحد تبرعاً جاز له دفع زكاته له فضلاً عن غيره للانفاق أو التوسعة من غير فرق بين القريب الذي لا تجب نفقته عليه كالأخ و أولاده و العم و الخال و أولادهم و بين الأجنبي و من غير فرق بين كونه وارثاً له لعدم الولد مثلاً و عدمه» (2)

(1) لاطلاق الدليل و عدم المقيد له و لعدم وجوب نفقة الزوج على الزوجة و حينئذٍ فبعد أخذه منها يصير المال كسائر أملاكه يصرفه كيفما شاء من نفقة نفسه و عياله و منها الزوجة و الولد فما عن ابن بابويه (رحمه اللّه) من منعه فغير ظاهر الوجه عندنا و بذلك يظهر الحال بالنسبة إلى من تجب نفقته عليه للإطلاق.

(2) و استدل عليه بأنّ الروايات المانعة مختصة بمن هو واجب النقة بحيث تلزمه نفقتهم شرعاً و أما غير الواجب منهم فلا تشمله الأدلة و إن عدّ عيالاً له عرفاً فإن التبرع لا يغير الواقع بل التعليل المذكور في رواية ابن حجاج يقيد اطلاق ما في رواية أبي خديجة عن أبي عبد الله (علیه السلام) قال: لا تعط من الزكاة أحدا ممن تعول و قال إذا كان لرجل خمسمائة درهم و كان عياله كثيرا قال ليس عليه زكاة ينفقها على عياله يزيدها في نفقتهم و في كسوتهم و في طعام لم يكونوا يطعمونه و إن لم يكن له عيال و كان وحده فليقسمها في قوم ليس بهم بأس أعفاء عن المسألة لا يسألون أحدا شيئا و قال لا تعطين قرابتك الزكاة كلها و لكن أعطهم بعضها و اقسم بعضها في سائر المسلمين و قال الزكاة تحل لصاحب الدار و الخادم و من كان له خمسمائة درهم بعد أن يكون له

ص: 127

عيال و يجعل زكاة الخمسمائة زيادة في نفقة عياله يوسع عليهم.(1)

أقول: لولا الاجماع المدعى في المقام يمكن أن يقال: إن هذه الرواية مؤيدة للتعليل إذ المستفاد منه عمومية الحكم لكل من يعول فيكون المدار هو العيلولة و هذه عيال له باعتراف المستدل فالحصر على كونه واجب النفقة خلاف الظاهر فلا دليل على التقييد إلّا أن يقال إنّ المراد من كلمة لازمون له في رواية ابن حجاج كون نفقتهم في عهدته فلا تشمل من لا تجب نفقته عليه و حيث أنها في مقام التحدید يكون مفهومها جواز اعطاء الزكاة على غيرهم.

و الحاصل: أن المسئلة كانها مسلمة بين الأعلام فلا مانع منه و يؤيد المدعى مرفوعة ابن الصلت: ما رواه عن أبي طالب عبد الله بن الصلت عن عدة من أصحابنا يرفعونه إلى أبي عبد الله (علیه السلام) أنه قال: خمسة لا يعطون من الزكاة الولد و الوالدان و المرأة و المملوك لأنه يجبر على النفقة عليهم.(2)

و أما ما رواه الحلبي عن أبي عبدالله (علیه السلام) قال: قلت: من الذي اجبر على نفقته؟ قال: الوالدان و الولد و الزوجة و الوارث الصغير(3)

و أيضاً رواه عن أبي عبدالله (علیه السلام) قال: و الوارث الصغير يعني الأخ و ابن الأخ و نحوه(4) فمحمول على الاستحباب كما في كلام صاحب الوسائل (رحمه اللّه) نقلاً عن الشیخ فلا فرق فيما ذكرنا بين القريب سواء كان وارثاً له أم لا، و بين الأجنبي لعدم وجوب النفقة عليهم.

ص: 128


1- الوسائل، الباب 14 من أبواب المستحقّين للزّكاة، الحدیث: 6
2- الوسائل، الباب 13 من أبواب المستحقّين للزّكاة، الحدیث: 4
3- الوسائل، الباب 1 من أبواب النّفقات، الحدیث: 9
4- نفس المصدر، الحدیث: 10

«مسألة16: يستحب إعطاء الزكاة للأقارب مع حاجتهم و فقرهم وعدم كونهم ممن تجب نفقتهم عليه ففي الخبر: أيّ الصدقة أفضل؟قال (علیه السلام): على ذي الرحم الكاشح و في آخر: لا صدقة و ذو رحم محتاج» (1)

(1) كما في رواية ابن عمار عن أبي الحسن موسى (علیه السلام) قال: قلت له: لي قرابة انفق على بعضهم و اُفضّل بعضهم (على بعض) فيأتيني إبّان الزكاة أفاعطيهم منها؟ قال: مستحقون لها؟ قلت: نعم. قال: هم أفضل من غيرهم اعطهم ... الحديث(1)

و ما رواه السكوني عن أبي عبدالله (علیه السلام) قال: سئل رسول الله (صلی الله علیه و آله و سلم) أي الصدقة أفضل؟ قال: على ذيالرحم الكاشح(2)

و مرسلة الصدوق قال: قال (علیه السلام): لا صدقة و ذو رحم محتاج.(3)

ص: 129


1- الوسائل، الباب 15 من أبواب المستحقّين للزكاة، الحدیث: 2
2- الوسائل، الباب 20 من أبواب الصّدقة، الحدیث: 1
3- نفس المصدر، الحدیث: 4

«مسألة17: يجوز للوالد أن يدفع زكاته إلى ولده للصرف في مؤنة التزويج و كذا العكس» (1)

(1) و الوجه فيه أنّ الدفع لأجل ذلك من باب التوسعة لا الانفاق الواجب و حينئذٍ فإما أن يدفعه من باب سهم سبيل الله، و إما أن يدفعه من سهم الفقراء.

أما الأول: فهو مبني على جوازه لكل عمل قربي مشروع خيري و إلّا فلا و حيث استشكلنا في ذلك في ذاك البحث و قلنا إن مصرف سهم سبيل الله ما يكون له مصالح عامة لا كلّ أمر خيري و لذا لا يجوز اعطاء هذا السهم إلى الغني لإزدواجه مع أنه موجب لادخال السرور في قلب المؤمن الذي هو مشروع، لا يجوز ذلك في ما نحن فيه أيضاً، نعم اعطائه من ناحية كون الولد واجب النفقة من هذا السهم لا مانع منه إذ المانع من الاعطاء من هذه الجهة مخصوص بسهم الفقراء فلاحظ.

و أما الثاني: فهو داخل في عنوان التوسعة و قد ذكرنا أن مقتضى حديث عبد الرحمن بن الحجاج عن أبي الحسن الأول (علیه السلام) قال: سألته عن الرجل يكون أبوه أو عمه أو أخوه يكفيه مئونته أ يأخذ من الزكاة فيتوسع به إن كانوا لا يوسعون عليه في كل ما يحتاج إليه فقال لا بأس.(1) جوازها إذا لم يكن المنفق قادراً على البذل و إلّا فهو مشمول لإطلاق الأدلة المانعة من اعطاء الزكاة إلى من وجبت نفقته على المنفق، هذا كله بالنسبة إلى اعطاء المنفق الوالد أو الولد، و أما إذا كان أجنبياً فيجوز له الاعطاء من سهم الفقراء بلا اشكال لصدق الفقير المحتاج عليه بعد عدم تحقق البذل من المنفق خارجاً.

ص: 130


1- الوسائل، الباب 11 من أبواب المستحقّين للزّكاة، الحدیث: 1

«مسألة18: يجوز للمالك دفع الزكاة إلى ولده للانفاق على زوجته أو خادمه من سهم الفقراء كما يجوز له دفعه إليه لتحصيل الكتب العلمية من سهم سبيل الله» (1)

(1) أما انفاق زوجته من سهم الفقراء فالظاهر أنه لا مانع منه إذ الممنوع من الدفع انفاق نفقته و أما ما يتعلق به فلا تشمله الأدلة المانعة، مضافاً إلى أن دليل التوسعة يمكن أن يشمله لاحظ ما رواه ابن الحجاج المتقدم ذكره الدال على جواز التوسعة بالنسبة إلى كل ما يحتاج إليه، فتأمل.

و أما جواز الاعطاء لاشتراء الكتب العلمية فتارة يعطيه من سهم سبيل الله و اخرى من سهم الفقراء، أما الأول: فهذا الأمر و إن كان محبوباً شرعاً، لكن قد ذكرنا سابقاً أنه لا تشمل الأدلة الدالة على الاعطاء من هذا السهم هذه الموارد بل مخصوصة بما يرجع إلى الجهات العامة و المصالح النوعية فلا يعم المقام، نعم إذا اشترى الكتب العلمية للمراكز العامة تعضيماً لشعائر الاسلام بحيث يكون من طرق المصالح العامة للمسلمين و يكون موجباً لترويج الدين و هذا الولد ممن يستفيد من هذه الكتب فلا بأس باشترائها من الزكاة من هذا السهم، و أما الثاني: فقد يشكل بأن الأدلة المرخصة للتوسعة ظاهر في التوسعة في النفقة و أما التوسعة لغير هذه الجهة فلا تعمها و لذا لا تشمل التنزه و أمثاله.

لكن يمكن أن يقال: إن حديث ابن حجاج يشمل المورد من جهة أن المورد مما يحتاج إليه المنفق عليه، غاية الأمر أورد على هذا بأن الظاهر من الحديث إعطاء الزكاة من غير ناحية المنفق و أما من هذه الناحية فلا.

ص: 131

«مسألة19: لا فرق في عدم جواز دفع الزكاة إلى من تجب نفقته عليه بين أن يكون قادراً على انفاقه أو عاجزاً» (1)

«كما لا فرق بين أن يكون ذلك من سهم الفقراء أو من سائر السهام فلا يجوز الانفاق عليهم من سهم سبيل الله أيضاً و إن كان يجوز لغير الانفاق» (2)

«و كذا لا فرق على الظاهر الأحوط بين إتمام ما يجب عليه و بين إعطاء تمامه» (3)

(1) و استدل على ذلك باطلاق أدلة المنع عن دفع الزكاة إلى واجب النفقة.

أورد عليه المحقق الخوئي (قدس سره ) باختصاص المنع بمن تجب نفقته عليه فعلا و أما إذا لم تجب عليه النفقة لمانع خارجي من العجز أو الشرط فلا تشمله أدلة المنع إذ الظاهر منها بقرينة التعليل الواقع في ذيل الحديث اختصاص المنع بصورة فعلية التكليف بالنفقة و أما مع العجز و سقوط التكليف فلا اطلاق، فذيل الحديث موجب لتقييد اطلاقه.

أقول: هذا بالنسبة إلى نفقة غير الزوجة صحيح لا كلام فيه و أما بالنسبة إلى الزوجة و حيث أن النفقة بالنسبة إليها وضعيٌ فلا معنى لسقوطه عند العجز إلّا أن يقال أن المستفاد من دليل المنع هو الوجوب التكليفي فقط لا الوضعي الثابت في محله.

(2) لاطلاق دليل المنع بالنسبة إلى النفقة اللازمة و أما الزائد للتوسعة فقد تقدم الكلام فيها.

(3) لعدم شمول دليل المنع لصورة العجز عن الانفاق فلا مانع من الاعطاء لاطلاق الدليل كما تقدم و بذلك يظهر الاشكال ما في المتن.

ص: 132

«و إن حكي عن جماعة أنه لو عجز عن انفاق تمام ما يجب عليه جاز له إعطاء البقية كما لو عجز عن إكسائهم أو عن إدامهم لإطلاق بعض الأخبار الواردة في التوسعة بدعوى شمولها للتتمة لأنها أيضاً نوع من التوسعة لكنه مشكلٌ فلا يترك الاحتياط بترك الإعطاء» (1)

«مسألة20: يجوز صرف الزكاة على مملوك الغير إذا لم يكن ذلك الغير باذلاً لنفقته إما لفقره أو لغيره سواء كان العبد آبقاً أم مطيعاً»

(1) كما عن النراقي (رحمه اللّه) في مستنده حيث حكى فيه التفصيل بين جواز الإعطاء بالنسبة إلى التتميم و عدمه بالنسبة إلى التمام، بدعوى شمول أدلة التوسعة الأول دون الثاني، لكن قد ذكرنا أن الدليل بالنسبة إلى التوسعة على قسمين: الأول: ما دل على جواز التوسعة بالنسبة إلى المنفق، و الثاني: ما دل عليه بالنسبة إلى غيره.

أما الأول: فالظاهر أنه لا دليل معتبر بالنسبة إليه لأنه إما غير معتبر دلالة و إما غير معتبر سنداً كرواية أبي خديجة.

و أما الثاني: و هو بالنسبة إلى غير المنفق فقد ذكرنا أن رواية ابن الحجاج(1) دال على جواز التوسعة لكنه مخصوص بمن كان قادراً على النفقة تماماً و أما غيره فلا و هي غير شاملة لمن يكون قادراً على البعض لتعم التتميم إلّا أن يقال أنه متى جاز الدفع من الزكاة للتوسعة جاز للتتميم بطريق أولى، لكن لا شاهد على هذه الاولوية فإنّ مناطات الأحكام ليست بأيدينا.

ثم إن سيدنا الاستاذ استدل على جواز التتميم برواية سماعة عن أبي عبد الله (علیه السلام) قال: سألته عن الرجل يكون له (ألف درهم) يعمل بها و قد وجب عليه فيها الزكاة و يكون

ص: 133


1- الوسائل، الباب 11 من أبواب المستحقّين للزّكاة، الحدیث: 1

«الرابع: أن لا يكون هاشمياً إذا كانت الزكاة من غيره مع عدم الإضطرار»(1)

فضله الذي يكسب بماله كفاف عياله لطعامهم و كسوتهم و لا يسعه لأدمهم و إنما هو ما يقوتهم في الطعام و الكسوة قال فلينظر إلى زكاة ماله ذلك فليخرج منها شيئا قل أو كثر فيعطيه بعض من تحل له الزكاة و ليعد بما بقي من الزكاة على عياله فليشتر بذلك إدامهم و ما يصلحهم من طعامهم في غير إسراف و لا يأكل هو منه فإنه رب فقير أسرف من غني فقلت كيف يكون الفقير أسرف من الغني فقال إن الغني ينفق مما أوتي و الفقير ينفق من غير ما أوتي.(1) لكن قد ذكرنا أن هذه الرواية ناظرة إلى زكاة مال التجارة فلا ترتبط بالزكاة الواجبة، فلا ينفع في المقام.

(1) قال صاحب الجواهر (رحمه اللّه) ذيل كلام المحقق، «الوصف الرابع: أن لا يكون هاشمياً فلو كان كذلك لم تحل له زكاة غيره» بلا خلاف أجده فيه بين المؤمنين بل و بين المسلمين بل الاجماع بقسميه عليه.

و استدل على ذلك جملة وافرة من النصوص منها صحيحة عيص بن القاسم عن أبي عبد الله (علیه السلام) قال: إن أناسا من بني هاشم أتوا رسول الله (صلی الله علیه و آله و سلم) فسألوه أن يستعملهم على صدقات المواشي و قالوا يكون لنا هذا السهم الذي جعل الله عز و جل للعاملين عليها فنحن أولى به فقال رسول الله (صلی الله علیه و آله و سلم) يا بني عبد المطلب إن الصدقة لا تحل لي و لا لكم و لكني قد وعدت الشفاعة إلى أن قال أ تروني مؤثرا عليكم غيركم.(2)

و منها ما رواه الفضلاء عن أبي جعفر و أبي عبدالله‘ قالا: قال رسول الله (صلی الله علیه و آله و سلم): إن الصدقة أوساخ أيدي الناس و إن الله قد حرم على منها و من غيرها ما قد حرمه و إن

ص: 134


1- الوسائل، الباب 14 من أبواب المستحقّين للزّكاة، الحدیث: 2
2- الوسائل، الباب 29 من أبواب المستحقّين للزّكاة، الحدیث: 1

الصدقة لا تحل لبني عبدالمطلب، الحديث(1)

و منها ما رواه ابن سنان -يعني عبدالله- عن أبي عبدالله (علیه السلام) قال: لا تحل الصدقة لولد العباس و لا لنظرائهم من بني هاشم(2)

و منها ما رواه اسماعيل بن الفضل الهاشمي قال: سألت أباعبدالله (علیه السلام) عن الصدقة التي حرمت على بني هاشم ما هي؟ فقال: هي الزكاة. قلت: فتحل صدقة بعضهم على بعض؟ قال: نعم(3)

لكن يعارض ما رواه أبوخديجة سالم بن مكرم الجمال عن أبي عبدالله (علیه السلام) أنه قال: اعطوا الزكاة من أرادها من بني هاشم فإنها تحل لهم و إنما تحرم على النبي (صلی الله علیه و آله و سلم) و على الامام الذي من بعده و على الأئمة (علیهم السلام)(4) و قد حملت هذه الرواية تارة على مورد الضرورة و اخرى على الصدقات المندوبة و ثالثة على زكاة بعض لبعض لكن كل هذه المحامل خلاف الظاهر، بل ما يمكن أن يقال إن الرواية ضعيفة بجميع اسنادها أما الأول فباسناد الصدوق إلى سالم بن مكرم كما ذكره صديقنا الحاجیانی في رجاله بمحمد بن على ماجيلويه و محمد بن على الكوفي، و أما الثاني فبالارسال، و أما الثالث فبالوشاء حيث لم يوثق صريحاً حيث قال النجاشي في حقه و كان هذا الشيخ عيناً من عيون هذه الطائفة أو قيل في حقه خيرٌ، من أصحاب الرضا عليه آلاف التحية و الثناء و كان من وجوه هذه الطائفة و قد ادرك تسعمائة شيخ، كلهم يقول حدثني جعفر بن محمد‘ و أما الرابع فلاسناد الشيخ إلى على بن الحسن فضال مضافاً إلى أنه هذه الرواية الواحدة لا تقاوم ما ذكرنا من الاجماعات و الروايات المتواترة.

ص: 135


1- الوسائل، الباب 29 من أبواب المستحقّين للزّكاة، الحدیث: 2
2- نفس المصدر، الحدیث: 3
3- الوسائل، الباب 32 من أبواب المستحقّين للزّكاة، الحدیث: 5
4- الوسائل، الباب 29 من أبواب المستحقّين للزّكاة، الحدیث: 5

«و لا فرق بين سهم الفقراء و غيره من سائر السهام حتى سهم العاملين و سبيل الله» (1)

«نعم لا بأس بتصرفه في الخانات و المدارس و سائر الأوقاف المتخذة من سهم سبيل الله» (2)

(1) كما هو المشهور بين الأعلام لاطلاق النصوص الواردة في المقام لاحظ ما رواه الفضلاء و ابن سنان و صراحة رواية عيص(المتقدمة) بالنسبة إلى سهم العاملين عليها.

لكن سيدنا الاستاذ (رحمه اللّه) فصل بالنسبة إلى سهم سبيل الله بين ما إذا كان المصرف هي الجهة و كان الشخص الهاشمي بمنزلة الأجير كالبنّاء الهاشمي الذي يستأجر لبناء المسجد إذا كان ما يصرف على البناء من سهم سبيل الله، و بين ما لا يكون كذلك فأجاز في الأول دون الثاني.

لكن يمكن أن يقال أنّ الأول في الحقيقة لا يكون من باب اعطاء الزكاة إلى الهاشمي بل يكون من باب اعطاء الاجرة لأجل عمله لكن من الزكاة فالتفصيل في غير محله، بل يمكن أن يقال أنّ رواية العيص ناظرة إلى هذه الجهة أي جهة الاجرة و أن تكون الزكاة اجرة لعملهم.

و عن المحقق الخوئي (قدس سره ) جواز الصرف من سهم المؤلفة قلوبهم كما لو ارتد الهاشمي أو كان من ذرية أبي لهب و لم يكن في سلسلتهم مسلم، و استدل على ذلك بأن مناط المنع هو التعظيم و التكريم و الكافر لا حرمة له، لكن فيه تأمل ظاهر لوجود الاطلاق و عدم معلومية المناط في المنع بل نوع استحسان.

(2) قال في الجواهر -بعد نقل التأمل بالنسبة إلى الفرع السابق عن كاشف الغطاء و الجواب عنه- نعم هو كذلك بالنسبة الى بعض أفراد سهم سبيل الله مما لا يعد أنه صدقه عليهم كالتصرف في بعض الأوقاف العامة المتخذة منه و الانتفاع بها و نحو

ص: 136

«أما زكاة الهاشمى فلا بأس بأخذها له من غير فرق بين السهام أيضاً حتى سهم العاملين فيجوز استعمال الهاشمى على جباية صدقات بني هاشم»(1)

ذلك مما جرت السيرة و الطريقة في عدم الفرق فيها بين الهاشمي و غيره مع أنها في الحقيقة كتناول الهاشمي الزكاة من يد مستحقها بعد الوصول إليه فإنه لا اشكال في جواز ذلك له، ضرورة عدم كونها زكاة حينئذٍ.

و حاصل الاستدلال يرجع إلى أمرين: الأول: السيرة، و الثاني: خروج المورد عن كونه مصرف الزكاة و اندراجها تحت الموقوفات العامة.

(1) و استدل على ذلك بجملة من النصوص منها ما رواه الحلبي عن أبي عبدالله (علیه السلام) أنّ فاطمة÷ جعلت صدقاتها لبني هاشم و بني عبدالمطلب(1)

و منها ما رواه القاسم بن سليمان عن أبي عبدالله (علیه السلام) قال: إن صدقات رسول الله (صلی الله علیه و آله و سلم) و صدقات علي بن أبيطالب (علیه السلام) تحل لبني هاشم(2) و منها ما رواه اسماعيل بن الفضل الهاشمي(3)

و منها ما رواه احمد بن محمد بن أبي نصر عن الرضا (علیه السلام) قال: سألته عن الصدقة تحل لبني هاشم؟ فقال: لا و لكن صدقات بعضهم على بعض تحل لهم. فقلت: جعلت فداك إذا خرجت إلى مكة كيف تصنع بهذه المياه المتصلة بين مكة و المدينة و عامتها صدقة؟ قال: سم فيها شیئاً قلت: عين ابن بزيع و غيره؟ قال: و هذه لهم(4)

و منها ما رواه ابن أبي الكرام الجعفري عن أبي عبدالله (علیه السلام) أنه قيل له: الصدقة لا تحل

ص: 137


1- الوسائل، الباب 32 من أبواب المستحقّين للزّكاة، الحدیث: 1
2- نفس المصدر، الحدیث: 2
3- نفس المصدر، الحدیث: 5
4- نفس المصدر، الحدیث: 8

«و كذا يجوز أخذ زكاة غير الهاشمى له مع الإضطرار إليها و عدم كفاية الخمس و سائر الوجوه و لكن الأحوط حينئذٍ الإقتصار على قدر الضرورة يوماً فيوماً مع الإمكان» (1)

لبني هاشم؟ فقال أبوعبدالله (علیه السلام): إنما ذلك محرم علينا من غيرنا فأما بعضنا على بعض فلا بأس بذلك(1)

و أما عدم الفرق من حيث السهام فلاطلاق الأدلة.

(1) ادعى عليه الاجماع كما عن الانتصار لسيد المرتضى (رحمه اللّه) و استدل عليه بعده بما رواه زرارة عن أبي عبدالله (علیه السلام) في حديث قال: أنه لو كان العدل ما احتاج هاشمي و لا مطلبى إلى صدقة، إن الله جعل لهم في كتابه ما كان فيه سعتهم، ثم قال: إن الرجل إذا لم يجد شيئاً حلت له الميتة و الصدقة لا تحل لأحد منهم إلّا أن لا يجد شيئاً و يكون ممن يحل له الميتة(2) لكن السند ضعيف باسناد الشيخ إلى على بن الحسن الفضال.

و قد يستدل على المطلوب بأنّ الخمس عوض عن الزكاة فإذا حرموا عن العوض أخذوا المعوض.

و فيه: أن العوضية لو ثبت كما تقدم علة للتشريع لا قيد للمتعلق فلا تكون دليلاً على البدلية حتى يستقيم ما ذكر.

نعم يمكن الاستدلال على ذلك بالعمومات الدالة على أنّ الاضطرار يبيح المحذورات لاحظ ما رواه سماعة عن أبي عبدالله (علیه السلام) قال: إذا حلف الرجل تقية لم يضره إذا هو اكره و اضطر إليه و قال: ليس شيء مما حرم الله إلّا و قد أحله لمن اضطر إليه(3)

ص: 138


1- الوسائل، الباب 32 من أبواب المستحقّين للزّكاة، الحدیث: 9
2- الوسائل، الباب 33 من أبواب المستحقّين للزّكاة، الحدیث: 1
3- الوسائل، الباب 12 من أبواب الايمان، الحدیث: 18

«مسألة21: المحرم من صدقات غير الهاشمى عليه إنما هو زكاة المال الواجبة» (1)

و حينئذٍ لابد في الجواز من الاقتصار على قدر الضرورة يوماً فيوماً مع الإمكان كما أفاده الماتن (رحمه اللّه) نعم لا خصوصية بما ذكره لاختلاف المقام من حيث الضرورة و رافعها.

(1) كما هو مذهب جملة من الأعلام منهم العلامة في القواعد و المحقق الثاني و الشهيد الثاني في روضته و مسالكه و نسب إلى بعض الأعلام القول بعدم الجواز بالنسبة إلى مطلق الصدقة الواجبة.

إذا عرفت ذلك نقول: أن الروايات الواردة في المقام على طوائف:

الاولى: ما دل على حرمة الصدقة بقول مطلق لاحظ ما رواه عيص(1) و ما رواه الفضلاء(2) و ابن سنان(3) و غيرها الواردة في الباب.

الثانية: ما دل على الجواز بقول مطلق منها ما رواه عبدالرحمن بن الحجاج عن أبي عبدالله (علیه السلام) أنه قال: لو حرمت علينا الصدقة لم يحل لنا أن نخرج إلى مكة لأن كل ماء بين مكة و المدينة فهو صدقة(4).

الثالثة: ما دل على التفصيل بين الصدقة الواجبة و غيرها و هو ما رواه جعفر بن ابراهيم الهاشمي عن أبي عبدالله (علیه السلام) قال: قلت له: أ تحل الصدقة لبني هاشم؟ فقال: إنما تلك الصدقة الواجبة على الناس لا تحل لنا فأما غير ذلك فليس به بأس و لو كان كذلك ما استطاعوا أن يخرجوا إلى مكة هذه المياه عامتها صدقة(5).

ص: 139


1- الوسائل، الباب 29 من أبواب المستحقّين للزّكاة، الحدیث: 1
2- نفس المصدر، الحدیث: 2
3- نفس المصدر، الحدیث: 3
4- الوسائل، الباب 31 من أبواب المستحقّين للزّكاة، الحدیث: 1
5- نفس المصدر، الحدیث: 3.

الرابعة: ما دل على أن المحرم هو الزكاة لاحظ ما رواه ابواسامة زيد الشحام عن أبي عبدالله (علیه السلام) قال: سألته عن الصدقة التي حرمت عليهم، فقال: هي الزكاة المفروضة و لم يحرم علينا صدقة بعضنا على بعض(1) و ما رواه اسماعيل بن الفضل الهاشمي(2)

أما رواية زيد الشحام فهي ضعيفة بمفضل بن صالح، و أما رواية اسماعيل فأيضاً كذلك باسماعيل فلا شاهد للجمع بين الطائفتين الاولتين.

قد يقال: إن رواية جعفر بن ابراهيم الهاشمي يمكن أن يكون شاهد جمع في المقام لأنها ظاهرة في الزكاة الواجبة فتحمل الطائفة الاولى عليها، بتقريب أن كلمة «على الناس» ظاهرة في وجوبها على جميع الناس بعنوانه الأولي لا بسبب من الأسباب الخارجية نظير الكفارات فإن وجوبها عند أسبابها الخاصة.

لكن الرواية ناظرة إلى التفصيل بين الصدقات الواجبة و المندوبة و كونها واجبة لأجل أي شيء فلا نظر فيها إليه و حينئذٍ يمكن أن يفصل بين الصدقة الواجبة و بين الصدقة المندوبة بالحرمة في الاولى و الجواز في الثانية، لكن المهم أن الرواية ضعيفة بمحمد بن اسماعيل لا جعفر بن ابراهيم الهاشمي كما في كلام سيدنا الاستاذ في المباني لأنه هو جعفر بن ابراهيم الهاشمي من ولد جعفر الطيار و وثقه النجاشي و العلامة في ابنه سليمان بن جعفر كما في الوسائل.

و أما ما دل على انحصار الحرمة في الزكاة كرواية اسماعيل بن الفضل فهو و إن كان ثقة على الأظهر لقول الكشي في حقه على ما نقله المحقق الخوئي (قدس سره ) في رجاله حدثني محمد بن مسعود قال: حدثنى على بن حسن بن فضال ان اسماعيل بن فضل الهاشمي كان من ولد نوفل بن الحارث بن عبدالمطلب و كان ثقة و كان من أهل البصرة و لكن

ص: 140


1- الوسائل، الباب 33 من ابواب مستحقین للزكاة، الحدیث: 4
2- الوسائل، الباب 32 من أبواب المستحقّين للزّكاة، الحدیث: 5

القاسم بن محمد الجوهري ضعيف و إن وثقه ابن داود، لكن قال صاحب الوسائل: و مأخذ التوثيق خفى، و أما سنده الاخر فأيضاً ضعيف بالارسال و ما ورد فيه من قوله «غير واحد» لا يدل على التواتر بل يناسب الإستفاضة.

و الحاصل أنه يقع التعارض بين الأدلة الدالة على حرمة أخذ الصدقات على الهاشمي و ما دل على الجواز و هو ما رواه ابن الحجاج فإن أمكن الحمل على معنى غير منافٍ للطائفة الاولى فهو و إلّا فلابد من العلاج قال سيدنا الاستاذدام ظله في المباني أن المقدار المستفاد من الرواية أن الموقوفات العامة لا تحرم على الهاشمي و أما الزائد على هذا المقدار فلا يستفاد من الحديث، لكن عهدة هذه الدعوى على مدعيها، فنقول: إنّ الطائفة الدالة على الحرمة أحدث لاحظ ما رواه أحمد بن محمد بن أبي نصر عن الرضا (علیه السلام) قال: سألته عن الصدقة تحل لبني هاشم فقال لا و لكن صدقات بعضهم على بعض تحل لهم فقلت جعلت فداك إذا خرجت إلى مكة كيف تصنع بهذه المياه المتصلة بين مكة و المدينة و عامتها صدقة قال سم فيها شيئا قلت عين ابن بزيع و غيره قال و هذه لهم.(1) و مقتضى اطلاقه هو الحرمة من غير فرق بين الصدقات الواجبة و المستحبة و الزكاة و غيرها، مضافاً إلى أن المستفاد من رواية على بن مهزيار قال: كتبت إلى أبي جعفر (علیه السلام) اعلمه أن اسحاق بن ابراهيم وقف ضيعته على الحج و ام ولده و ما فضل عنها للفقراء و ان محمد بن ابراهيم اشهد على نفسه بمال يفرق في اخواننا و إن في بني هاشم من يعرف حقه يقول بقولنا ممن هو محتاج فترى أن يصرف ذلك إليهم إذا كان سبيله سبيل الصدقة لأن وقف اسحاق إنما هو صدقة، فكتب (علیه السلام): فهمت رحمك الله ما ذكرت من وصية اسحاق بن ابراهيم رضى الله عنه و ما اشهد بذلك محمد بن ابراهيم رضى الله عنه و ما استأمرت به من ايصالك بعض ذلك إلى

ص: 141


1- الوسائل، الباب 32 من أبواب المستحقّين للزّكاة، الحدیث: 8

«و زكاة الفطرة و أما الزكاة المندوبة و لو زكاة مال التجارة و سائر الصدقات المندوبة فليست محرمة عليه بل لا تحرم الصدقات الواجبة ما عدا الزكاتين عليه أيضاً كالصدقات المنذورة و الموصى بها للفقراء و الكفارات و نحوها كالمظالم إذا كان من يدفع عنه من غير الهاشميين، و أما إذا كان المالك المجهول الذي يدفع عنه الصدقة هاشمياً فلا إشكال أصلا و لكن الأحوط في الواجبة عدم الدفع إليه و أحوط منه عدم دفع مطلق الصدقة و لو مندوبة خصوصاً مثل زكاة مال التجارة» (1)

من كان له ميل و مودة من بني هاشم ممن هو مستحق فقير فأوصل ذلك إليهم يرحمك الله فهم إذا صاروا إلى هذه الخطة أحق من غيرهم لمعنى لو فسرته لك لعلمته إن شاء الله(1) كون الصدقة المستحبة حرام على بني هاشم و الامام (علیه السلام) قرر على ذلك، لكن

أن المورد من موارد الموقوفات العامة، فيجوز فلاحظ. إلا أن يدعى التسالم بالنسبة إلى الصدقة المستحبة و ادعاء السيرة بالنسبة إلى دفع غير الزكاة المال و زكاة الفطرة إلى السيد.

لكن أفاد سيدنا الاستاذ دام ظله أنه هل يمكن اثبات جريان السيرة المدعاة إلى زمان المعصومين (علیهم السلام) والله العالم بحقائق الامور.

(1) قد ظهر بما ذكرنا أن الأحوط وجوباً ما أفاده في آخر كلامه من عدم دفع مطلق الصدقة و لو مندوبة.

ص: 142


1- الوسائل، الباب 16 من أبواب الوقوف و الصّدقات، الحدیث: 1

«مسألة22: يثبت كونه هاشمياً بالبينة و الشياع» (1)

(1) فلعموم أدلة حجية البينة في الموارد المختلفة التي يحصل منها العلم بحجية البينة و أما رواية مسعدة بن صدقة(1) فضعيفة كما حقق في محله، و أما الشياع فإن أفاد الاطمئنان فلا اشكال في حجيته و إلّا ففی حجية الشياع إذا أفاد الظن فيه خلاف، فعن الشيخ (رحمه اللّه) في نظيره اعتباره و حاصل ما أفاده أن اعتبار اليقين بالخصوص في الموضوعات التي يلزم فيها من الاقتصار في ترتب الحكم عليها على خصوص مورد اليقين رفع اليد عن الحكم المذكور في الغالب غير ثابت قطعاً بل يكتفي في مثل ذلك بمجرد الظن بل الاحتمال أيضاً و إلّا لزم منه رفع اليد عن الحكم في غالب الموارد، انتهى موضع الحاجة.

و المقام من هذا القبيل فإنّ الاقتصار في ثبوت الهاشمية على مورد العلم أي خصوص ما إذا كان الشياع مفيداً للعلم يوجب الوقوع في المخالفة الكثيرة إذ قل ما يوجد الشياع العلمي في حق أحد على كونه هاشمياً و عليه فلابد فيه من الإكتفاء بالظن، هكذا اُفيد في تقريرات سيدنا الاستاذ (رحمه اللّه) في المرتقى.

لكنه مشكلٌ إذ المورد كثيراً مّا يثبت بالبينة و الانساب و الشياع المفيد للاطمئنان خصوصاً إذا قلنا بحجية قول الثقة في الموضوعات -كما هو كذلك- مضافاً إلى أن القياس مع الفارق إذ لم يوجد في دليل أن المقام يثبت بالشياع حتى يحمل على الشياع المفيد للظن أو مطلقاً بخلاف الضرر الواقع في دليل جواز الافطار مثلاً في الصوم.

ص: 143


1- ([1]) الوسائل، الباب 4 من أبواب مایكتسب به، الحدیث: 4

«و لا يكفي مجرد دعواه» (1) «و إن حرم دفع الزكاة إليه مواخذة له بإقراره» (2)

(1) لاحتياجها إلى الاثبات كسائر الدعاوي فأصالة عدم الانتساب محكم فلا يجوز اعطاء الخمس إليه.

(2) بعد ما قلنا بأنه لا يجوز دفع الخمس إليه فهل يجوز له أخذ الزكاة من غير الهاشمي وجهان بل قولان:

القول الأول: أنه لا يجوز لما أفاده الماتن (رحمه اللّه) من أنّ مقتضى إقراره عدم تملكه لما أخذه فلا يكون الاعطاء موجباً لتفريغ ذمة الدافع لأنه بإعترافه لا يستحق الزكاة لعدم احرازه ذلك و هذا نظير الدفع إلى من يعترف بغناه استناداً إلى أصالة الفقر أو استصحابه فيما إذا كان مسبوقاً به.

القول الثاني: تفريغ ذمة الدافع، و الوجه فيه: أنّ الاقرار إنما يمنع من العمل بالحجة بالنسبة إلى الأحكام التي تكون للمقر لا للمالك و افراغ ذمته بذلك.

لكنه مخدوش بما ذكرنا في القول الأول بأنّ الاعتراف بعدم الاستحقاق موجب لعدم احراز الدافع، افراغ ذمته بالدفع إليه و من المعلوم أنّ الاحراز لازم في تفريغ ذمته، لكن منشأ الشك في افراغ الذمة سبب عن الشك في كونه هاشمياً أم لا؟ و بعد جريان الأصل في السبب لا مجال لجريان الشك في فراغ الذمة.

ثم إن سيدنا الاستاذ (علیه السلام) في المرتقى أفاد في وجه عدم الجواز و عدم الفراغ أنّ كون الدفع الیه يكون مصداقاً للاعانة على الاثم و اغراء بالقبيح في ما إذا كان المدفوع إليه یصرفه فيه في حوائجه لأنه مع اقرار بكونه هاشمياً يقر لا محالة بحرمة تصرفه في الزكاة فمع اقراره بحرمة ذلك عليه يكون دفعها إليه اغراء بالقبيح و اعانة له على الاثم و مع عدم الصرف في حوائجه يكون ذلك اتلافاً لها.

ص: 144

«و لو ادعى أنه ليس بهاشمى يعطى من الزكاة لا لقبول قوله بل لأصالة العدم عند الشك في كونه منهم أم لا و لذا يجوز إعطاوها لمجهول النسب كاللقيط» (1)

«مسألة23: يشكل إعطاء زكاة غير الهاشمى لمن تولد من الهاشمى بالزنا فالأحوط عدم إعطائه و كذا الخمس فيقتصر فيه على زكاة الهاشمى» (2)

أقول: ما أفاده مبتنن على حرمة الاعانة على الاثم و إلّا فلا يكون هذا وجهاً لما أفاده الماتن (رحمه اللّه).

(1) ما أفاده تام لا غبار عليه لما ذكره من الأصل أي استصحاب عدم كونه هاشمياً فإن الاستصحاب في الاعدام الأزلية يجرى كما حقق في محله و أما ما افيد في المقام من أن الوجه في ذلك اتفاق العلماء على العمل به في جميع أبواب الفقه فغايته الاجماع و حال الاجماع واضح، و بما ذكرنا يظهر الحال بالنسبة إلى مجهول الحال الذي لا يدعى شيئاً كاللقيط فلاحظ.

(2) منشأ الاشكال دفع الانصراف إلى الولد الشرعى و لذا لا توارث بينهما، لكنه غير ظاهر لصدق الولد عليه لغة و عرفاً و لذا يترتب عليه أحكام الولد من عدم جواز النكاح و جواز النظر و جريان سائر الأحكام غير التوارث عليه و أما التوارث فلمكان دليل خاص بأنّ الزنا مانع عن التوارث لا أنه غير ولد له فدليل المنع عن الارث لا يدل على عدم كونه ولداً له فلاحظ.

ص: 145

«فصل: في بقية أحكام الزكاة»

و فيه مسائل: الاولى: الأفضل بل الأحوط نقل الزكاة إلى الفقيه الجامع للشرائط في زمن الغيبة سيما إذا طلبها لأنه أعرف بمواقعها لكن الأقوى عدم وجوبه» (1)

(1) المشهور بين الأعلام عدم وجوب النقل إليه و في قبال المشهور ذهب بعض إلى الوجوب، نسب هذا القول إلى المفيد و عن الحلبي وجوبه إلى الامام (علیه السلام) مع حضوره و إلى الفقيه الجامع للشرائط مع غيبته و استدل على الوجوب بوجهين:

الأول: قول تعالى: {خذ من أموالهم صدقة تطهرهم و تزكيهم بها و صل عليهم إن صلاتك سكن لهم والله سميع عليم}(1) بتقريب أنّ وجوب الأخذ يستلزم وجوب الدفع.

الثاني: سيرة النبي (صلی الله علیه و آله و سلم) و سيرة مولانا أميرالمؤمنين (علیه السلام) حيث جرت على ارسال العاملين عليها و جبايتهم من النواحي و قد كان (علیه السلام) سنّ عليهم السنن و آداباً خاصاً كما في نهج البلاغة لاحظ ما رواه محمد بن الحسين الرضي(2).

أورد على الأول تارة بأنه لعل المراد من الصدقات فيها هو الكفارات و اخرى بأن الأمر بالأخذ بقرينة ما بعده مقدمة للتطهير و لا موضوعية له بحيث تكون البرائة مشروط به و حينئذٍ إذا كانت الطهارة حاصلة لتصدى المالك للدفع مباشرة، لا موضوعية للأخذ منهم.

و أما على الثاني فمن الممكن أن يقال إن ذلك إنما يكون من شؤون الامام (علیه السلام) و حيثما كان (علیه السلام) في مقام الرياسة و الخلافة الظاهرية فإنه (علیه السلام) من باب أنه ولي الأمر تؤتي الزكاة إليه و إلّا فلا موضوعية للدفع إليه (علیه السلام) و يؤيد المدعى ما رواه جابر قال: أقبل

ص: 146


1- التوبة / 103
2- الوسائل، الباب 14 من أبواب زكاة الانعام، الحدیث: 7

رجل إلى أبي جعفر (علیه السلام) و أنا حاضر، فقال: رحمك الله اقبض مني هذه الخمسمائة درهم فضعها في مواضعها فإنها زكاة مالي. فقال أبوجعفر (علیه السلام): بل خذها أنت فضعها في جيرانك و الأيتام و المساكين و في إخوانك من المسلمين إنما يكون هذا إذا قام قائمنا فإنه يقسم بالسوية و يعدل في خلق الرحمن البر منهم و الفاجر(1)

و استدل لقول المشهور بامور:

الأول: الأصل، بتقريب: أنّ المورد من موارد دوران الأمر بين التعيين و التخيير فينفى التعيين بالأصل فيثبت التخيير فيجوز للمالك أن يدفع بنفسه.

و فيه: أنّ المورد من موارد التعيين و التخيير في مقام الامتثال لا مقام الجعل و الأصل في مثله هو التعيين لا التخيير.

الثاني: الروايات الواردة في المقامات المختلفة و هي على طوائف:

الطائفة الاولى: النصوص الدالة على جواز النقل من بلد إلى بلد آخر بتقريب أن المستفاد منها أنّ جواز تصدى المالك بنفسه للقسمة أمر مسلم مرتكز في ذهن السائل و الامام (علیه السلام) قرره على ذلك ثم حكم (علیه السلام) بجواز النقل لاحظ ما رواه هشام بن الحكم عن أبي عبدالله (علیه السلام) في الرجل يعطى الزكاة يقسمها أ له أن يخرج الشيء منها من البلدة التي هو بها إلى غيرها؟ فقال: لا بأس(2)

و ما رواه يعقوب بن شعيب الحداد عن العبد الصالح (علیه السلام) قال: قلت له: الرجل منا يكون في أرض منقطعة كيف يصنع بزكاة ماله؟ قال: يضعها في اخوانه و أهل ولايته. فقلت: فإن لم يحضره منهم فيها أحد؟ قال: يبعث بها إليهم، الحديث(3).

الطائفة الثانية: ما دلت على جواز أخذ المقسم مقداراً منها لنفسه إذا كان بنفسه مورداً

ص: 147


1- الوسائل، الباب 36 من أبواب المستحقّين للزّكاة، الحدیث: 1
2- الوسائل، الباب 37 من أبواب المستحقّين للزّكاة، الحدیث: 1
3- نفس المصدر، الحدیث: 3

لها و التقريب هو التقريب و هي ما رواه سعيد بن يسار قلت لأبي عبدالله (علیه السلام): الرجل يعطى الزكاة فيقسمها في أصحابه أ يأخذ منها شيئاً؟ قال: نعم(1)

و ما رواه الحسين بن عثمان عن أبي ابراهيم (علیه السلام) في رجل اعطى مالا يفرقه في من يحل له أ له أن يأخذ منه شيئاً لنفسه و إن لم يسم له؟ قال: يأخذ منه لنفسه مثل ما يعطى غيره(2)

و ما رواه عبدالرحمن بن الحجاج قال: سألت أباالحسن (علیه السلام) عن الرجل يعطى الرجل الدراهم یقسمها و يضعها في مواضعها و هو ممن تحل له الصدقة، قال: لا بأس أن يأخذ لنفسه كما يعطى غيره، قال: و لا يجوز له أن يأخذ إذا أمره أن يضعها في مواضع مسماة إلّا باذنه(3).

الطائفة الثالثة: ما دلت على جواز شراء العبيد من الزكاة و عتقهم لاحظ ما رواه أبوبصير عن أبي عبدالله (علیه السلام) قال: سألته عن الرجل يجتمع عنده من الزكاة الخمسمائة و الستمائة يشتري بها نسمة و يعتقها؟ فقال: إذا يظلم قوماً آخرين حقوقهم ثم مكث ملياً، ثم قال: إلّا أن يكون عبدا مسلماً في ضرورة فيشتريه و يعتقه(4) و ما رواه عبيد بن زرارة(5) و ما رواه أيوب بن الحر(6).

الطائفة الرابعة: ما دل على جواز قضاء دين الأب من الزكاة فيما إذا لم يكن له مال لاحظ ما رواه زرارة قال: قلت لأبي عبد الله (علیه السلام) رجل حلت عليه الزكاة و مات أبوه و عليه دين أ يؤدي زكاته في دين أبيه و للابن مال كثير فقال إن كان أبوه أورثه مالا ثم

ص: 148


1- الوسائل، الباب 40 من ابواب مستحقین للزكاة، الحدیث: 1
2- نفس المصدر، الحدیث: 2
3- الوسائل، الباب 40 من أبواب المستحقّين للزّكاة، الحدیث: 3
4- الوسائل، الباب 43 من هذه الأبواب، الحدیث: 1
5- نفس المصدر، الحدیث: 2
6- نفس المصدر، الحدیث: 3

«فيجوز للمالك مباشرة أو بالاستنابة و التوكيل تفريقها على الفقراء و صرفها في مصارفها» (1) «نعم لو طلبها الفقيه على وجه الإيجاب بأن يكون هناك ما يقتضي وجوب صرفها في مصرف بحسب الخصوصيات الموجبة لذلك شرعاً و كان مقلداً له يجب عليه الدفع إليه من حيث أنه تكليفه الشرعي لا لمجرد طلبه و إن كان أحوط كما ذكرنا بخلاف ما إذا طلبها الإمام (علیه السلام) في زمان الحضور فإنه يجب الدفع إليه بمجرد طلبه من حيث وجوب طاعته في كل ما يأمر.

ظهر عليه دين لم يعلم به يومئذ فيقضيه عنه قضاه من جميع الميراث و لم يقضه من زكاته و إن لم يكن أورثه مالا لم يكن أحد أحق بزكاته من دين أبيه فإذا أداها في دين أبيه على هذه الحال أجزأت عنه.(1) و ما رواه اسحاق بن عمار(2)

بل يمكن أن يقال: إنه يدل على المقصود بخصوصه ما رواه سعد بن سعد الأشعري عن أبي الحسن الرضا (علیه السلام) قال: سألته عن الرجل تحل عليه الزكاة في السنة في ثلاثة أوقات أيؤخرها حتى يدفعها في وقت واحد؟ فقال: متى حلت أخرجها(3)

و الحاصل: أنّ هذه الروايات الكثيرة الواردة في الأبواب المختلفة يشرف الفقيه على القطع بالجواز والله العالم.

(1) أما المباشرة فقد ظهر حكمه و أما بالاستنابة فقد يقال إن الزكاة أمر عبادي يحتاج إلى قصد القربة فكفاية نية النائب مورد للاشكال لأنه خلاف القاعدة فيحتاج إلى دليل.

ص: 149


1- الوسائل، الباب 18 من أبواب المستحقّين للزّكاة، الحدیث: 1
2- نفس المصدر، الحدیث: 2
3- الوسائل، الباب 52 من هذه الابواب، الحدیث: 1

الثانية: لا يجب البسط على الأصناف الثمانية بل يجوز التخصيص ببعضها كما لا يجب في كل صنف البسط على أفراده إن تعددت و لا مراعاة أقل الجمع الذي هو الثلاثة بل يجوز تخصيصها بشخص واحد من صنف واحد» (1)

و الجواب أن الروايات المتعددة دالة على ذلك فلا اشكال لاحظ ما رواه الحسين بن عثمان عن أبي إبراهيم (علیه السلام): في رجلٍ أعطي مالاً يفرّقه فيمن يحلّ له أ له أن يأخذ منه شيئاً لنفسه و إن لم يسمّ له قال يأخذ منه لنفسه مثل ما يعطي غيره(1).

(1) بلا خلاف قال صاحب الحدائق (رحمه اللّه) لا خلاف بين الأصحاب في عدم وجوب البسط على الأصناف و أنه يجوز تخصيص جماعة من كل صنف أو صنف واحد بل شخص واحد من بعض الأصناف.

و استدل على ذلك مضافاً إلى الإجماع عدة من النصوص منها ما رواه أحمد بن حمزة قال: قلت لأبي الحسن (علیه السلام): رجل من مواليك له قرابة كلهم يقول بك و له زكاة أ يجوز له أن يعطيهم جميع زكاته؟ قال: نعم(2)

و ما رواه اسحاق بن عمار عن أبي الحسن موسى (علیه السلام) قال: قلت له: لي قرابة أنفق على بعضهم و افضل بعضهم على بعض، فيأتيني إبًان الزكاة أ فاعطيهم منها؟ قال: مستحقون لها؟ قلت: نعم. قال: هم أفضل من غيرهم أعطهم الحديث(3)

و ما رواه عبدالكريم بن عتبة الهاشمي عن أبي عبدالله (علیه السلام) في حديث أنه قال لعمرو بن عبيد في احتجاجه عليه، ما تقول في الصدقة؟ فقرأ عليه الآية: {إنما الصدقات للفقراء

ص: 150


1- الوسائل، الباب 40 من أبواب المستحقّين للزّكاة، الحدیث: 2
2- الوسائل، الباب 15 من أبواب المستحقّين للزّكاة، الحدیث: 1
3- نفس المصدر، الحدیث: 2

و المساكين و العاملين عليها} إلى آخر الآية، قال: نعم، فكيف تقسمها؟ قال: اقسمها

على ثمانية أجزاء فاعطى كل جزء من الثمانية جزءاً قال: و إن كان صنف منهم عشرة آلاف و صنف منهم رجلاً واحداً أو رجلين أو ثلاثة؟ جعلت لهذا الواحد ما جعلت للعشرة آلاف؟ قال: نعم. قال: و تجمع الصدقات أهل الحضر و أهل البوادي فتجعلهم فيها سواء؟ قال: نعم. قال: فقد خالفت رسول الله (صلی الله علیه و آله و سلم) فی كل ما قلت فی سیرته، كان رسول الله (صلی الله علیه و آله و سلم) يقسم صدقة أهل البوادي في أهل البوادي و صدقة أهل الحضر في أهل الحضر و لا يقسمه بينهم بالسوية و إنما يقسمه على قدر ما يحضره منهم و ما يرى و ليس في ذلك شيء موقت موظف و إنما يصنع ذلك بما يرى على قدر من يحضره منهم(1)

و ما رواه على بن يقطين أنه قال لأبي الحسن الأول (علیه السلام): يكون عندي المال من الزكاة أفاحج به موالي و أقاربي؟ قال: نعم لا بأس(2)

و ما رواه زرارة قال: قلت لأبي عبد الله (علیه السلام) رجل حلت عليه الزكاة و مات أبوه و عليه دين أ يؤدي زكاته في دين أبيه و للابن مال كثير فقال إن كان أبوه أورثه مالا ثم ظهر عليه دين لم يعلم به يومئذ فيقضيه عنه قضاه من جميع الميراث و لم يقضه من زكاته و إن لم يكن أورثه مالا لم يكن أحد أحق بزكاته من دين أبيه فإذا أداها في دين أبيه على هذه الحال أجزأت عنه.(3)

ص: 151


1- الوسائل، الباب 28 من أبواب المستحقّين للزّكاة، الحدیث: 1
2- الوسائل الباب 42 من أبواب المستحقّين للزّكاة، الحدیث: 1
3- الوسائل الباب 18 من أبواب المستحقّين للزّكاة، الحدیث: 1

«لكن يستحب البسط على الأصناف مع سعتها و وجودهم بل يستحب مراعاة الجماعة التي أقلها ثلثه في كل صنف منهم حتى إبن السبيل و سبيل الله لكن هذا مع عدم مزاحمة جهة أخرى مقتضية للتخصيص»(1)

«الثالثة: يستحب تخصيص أهل الفضل بزيادة النصيب بمقدار فضله»(2) «كما أنه يستحب ترجيح الأقارب و تفضيلهم على الأجانب و أهل الفقه و العقل على غيرهم» (3) «و من لا يسأل من الفقراء على أهل السوال» (4)

(1) لا دليل على الاستحباب، نعم يدل عليه في الجملة ما رواه زرارة قال: قلت لأبي عبدالله (علیه السلام): و إن كان بالمصر غير واحد؟ قال: فاعطهم إن قدرت جميعاً.(1)

(2) رواه عبدالله بن عجلان السكوني قال: قلت لأبي جعفر (علیه السلام): إني ربما قسمت الشيء بين أصحابي أصِلهم به فكيف أعطيهم؟ قال: أعطهم على الهجرة في الدين و الفقه و العقل(2) لكن السند مخدوش.

(3) لما رواه اسحاق بن عمار(3) و تفضيل أهل الفقه و العقل على غيرهم فلما رواه عبدالله بن عجلان المتقدم.

(4) لما رواه عبدالرحمن بن الحجاج قال: سألت أباالحسن الأول (علیه السلام) عن الزكاة يفضل بعض من يعطى ممن لا يسأل على غيره؟ فقال: نعم يفضل الذي لا يسأل على الذي يسأل(4).

ص: 152


1- الوسائل، الباب 28 من أبواب المستحقّين للزّكاة، الحدیث: 4
2- الوسائل، الباب 25 من أبواب المستحقّين للزّكاة، الحدیث: 2
3- الوسائل، الباب 15 من أبواب المستحقّين للزّكاة، الحدیث: 2
4- الوسائل، الباب 25 من أبواب المستحقّين للزّكاة، الحدیث: 1

«و يستحب صرف صدقة المواشي إلى أهل التجمل من الفقراء، لكن هذه جهات موجبة للترجيح في حد نفسها و قد يعارضها أو يزاحمها مرجحات اُخر فينبغي حينئذٍ ملاحظة الأهم و الأرجح» (1)

«الرابعة: الإجهار بدفع الزكاة أفضل من الإسرار به بخلاف الصدقات المندوبة فإن الأفضل فيها الإعطاء سراً» (2)

(1) لرواية عبدالله بن سنان قال: قال أبوعبدالله (علیه السلام): إن صدقة الخُف و الظِّلف تدفع إلى المتجملين من المسلمين فأما صدقة الذهب و الفضة و ما كيل بالقفیز مما أخرجت الأرض فللفقراء المدقعين، قال ابن سنان: قلت: و كيف صار هذا هكذا؟ فقال: لأن هؤلاء متجملون يستحيون من الناس فيدفع إليهم أجمل الأمرين عند الناس و كلٌ صدقة(1) لكنها ضعيفة سنداً بمحمد بن سليمان.

(2) لما رواه أبوبصير يعنى ليث بن البختري عن أبي عبدالله (علیه السلام) في قوله تعالى: {إنما الصدقات للفقراء و المساكين} -إلى أن قال- فكل ما فرض الله عليك فإعلانه أفضل من إسراره و كل ما كان تطوعاً فإسراره أفضل من إعلانه و لو أن رجلاً يحمل زكاة ماله على عاتقه فقسمها علانية كان ذلك حسناً جميلا(2) لكن السند ضعيف بعبدالله بن يحيى لعدم كونه الكاهلي بل هو غيره و هو مجهول.

نعم يمكن أن يستدل على ذلك بما رواه اسحاق بن عمار عن أبي عبدالله (علیه السلام) في قول الله عزوجل: {و إن تخفوها و تؤتوها الفقراء فهو خير لكم} فقال: هي سوى الزكاة إن الزكاة علانية غير سر(3)

ص: 153


1- الوسائل، الباب 26 من أبواب المستحقین للزكاة، الحدیث: 1
2- الوسائل، الباب 54 من أبواب المستحقّين للزّكاة، الحدیث: 1
3- نفس المصدر، الحدیث: 2

«الخامسة: إذا قال المالك أخرجت زكاة مالي أو لم يتعلق بمالي شيء قَبِلَ قوله بلا بينة و لا يمين ما لم يعلم كذبه و مع التهمة لا بأس بالتفحص و التفتيش عنه» (1)

(1) أما الوجه في الفرض الأول فلما عرفت من أن المالك له الولاية على الاخراج و التقسيم و أنه لا يجب عليه النقل إلى الفقيه فحينئذٍ يسمع قوله بلا بينة للسيرة القطعية العملية على أنه «من ملك شيئاً ملك الاقرار به» و إن المتشرعة يعاملون مع المال الذي تعلقت به الزكاة و قد ادعى المالك اخراجها معاملة المال الحلال.

و أما في الثاني فبمقتضى الأصل العملي و هو أن الأصل عدم تعلق الزكاة بماله و عدم بلوغ ماله إلى حد النصاب مضافاً إلى النص الخاص في المقام لاحظ ما رواه بريد بن معاوية «فهل لله في أموالكم من حق فتؤدوه إلى وليه فإن قال لك قائل لا فلا تراجعه.الخ» (1)

و ما رواه غياث بن ابراهيم عن جعفر عن أبيه‘ قال: كان علي صلوات الله عليه إذا بعث مصدقه قال له: إذا أتيت على رب المال فقل: تصدق رحمك الله مما أعطاك الله فإن ولى عنك فلا تراجعه(2) فإنهما يدل على المطلوب بمقتضى الإطلاق في الفرضين كما أن مقتضاه عدم لزوم التفتيش و حيث أن النهي في رواية غياث وارد مورد توهم اللزوم يدل على الجواز فلاحظ.

ص: 154


1- الوسائل، الباب 14 من أبواب زكاة الأنعام، الحدیث: 1
2- نفس المصدر، الحدیث: 5

«السادسة: يجوز عزل الزكاة و تعيينها في مال مخصوص و إن كان من غير الجنس الذي تعلقت به» (1)

(1) أما جواز العزل فلما رواه أبوبصير عن أبي جعفر (علیه السلام) قال: إذا أخرج الرجل الزكاة من ماله ثم سماها لقوم فضاعت أو ارسل بها إليهم فضاعت فلا شيء عليه(1)

و ما رواه عبيد بن زرارة عن أبي عبدالله (علیه السلام) أنه قال: إذا أخرجها من ماله فذهبت و لم يسمها لأحد فقد بريء منها(2)

و ما رواه عبد الله بن سنان عن أبي عبد الله (علیه السلام) أنه قال: في الرجل يخرج زكاته فيقسم بعضها و يبقى بعض يلتمس لها المواضع فيكون بين أوله و آخره ثلاثة أشهر قال لا بأس.(3)

و أما جواز العزل من غير جنسه فلما رواه محمد بن خالد البرقي قال: كتبت إلى أبي جعفر الثاني (علیه السلام) هل يجوز أن اخرج عما يجب في الحرث من الحنطة و الشعير و ما يجب على الذهب دراهم بقيمة ما یسوى أم لا يجوز إلّا أن يخرج من كل شيء ما فيه؟ فأجاب (علیه السلام): أيما تيسر يخرج(4).

ص: 155


1- الوسائل، الباب 39 من أبواب المستحقّين للزّكاة، الحدیث: 3
2- نفس المصدر، الحدیث: 4
3- الوسائل، الباب 53 من أبواب المستحقّين للزّكاة، الحدیث: 1
4- الوسائل، الباب 14 من أبواب زكاة الذّهب و الفضة، الحدیث: 1

«من غير فرق بين وجود المستحق و عدمه على الأصح و إن كان الأحوط الاقتصار على الصورة الثانية، و حينئذٍ فتكون في يده أمانة لا يضمنها إلّا بالتعدي أو التفريط» (1)

(1) و أما عدم الفرق بين وجود المستحق و عدمه فقد مر الكلام في مسئلة «34 من ابواب زكات الغلات» فراجع، و عدم كونه ضامناً بالنسبة إلى المعزول إلّا بالتعدي أو التفريط فلأن العزل إذا كان جائزاً و كان التأخير أيضاً سائغاً لوجود مصلحة مرجح شرعي فيه كانتظار قدوم أحد أقاربه المستحقين يكون المعزول أمانة في يده و من الواضح أن اليد الأماني لا ضمان عليها، مضافاً إلى ما رواه أبوبصير(1) و ما رواه عبيد بن زرارة(2)

بتقريب: أنّ مقتضى إطلاقهما عدم الضمان سواء كان المستحق موجوداً أم لا؟ نعم قد يقال إنهما يتعارضان بما رواه محمد بن مسلم قال: قلت لأبي عبد الله (علیه السلام) رجل بعث بزكاة ماله لتقسم فضاعت هل عليه ضمانها حتى تقسم فقال إذا وجد لها موضعا فلم يدفعها فهو لها ضامن حتى يدفعها و إن لم يجد لها من يدفعها إليه فبعث بها إلى أهلها فليس عليه ضمان لأنها قد خرجت من يده و كذلك الوصي الذي يوصى إليه يكون ضامنا لما دفع إليه إذا وجد ربه الذي أمر بدفعه إليه فإن لم يجد فليس عليه ضمان.(3) و ما رواه زرارة قال: سألت أبا عبد الله (علیه السلام) عن رجل بعث إليه أخ له زكاته ليقسمها فضاعت فقال ليس على الرسول و لا على المؤدي ضمان قلت فإنه لم يجد لها أهلا ففسدت و تغيرت أ يضمنها قال لا و لكن إن عرف لها أهلا فعطبت أو فسدت فهو

ص: 156


1- الوسائل، الباب 39 من أبواب المستحقّين للزّكاة، الحدیث: 3
2- نفس المصدر، الحدیث: 4
3- نفس المصدر، الحدیث: 1

«و لا يجوز تبديلها بعد العزل» (1)

«السابعة: إذا اتجر بمجموع النصاب قبل أداء الزكاة كان الربح للفقير بالنسبة و الخسارة عليه و كذا لو اتجر بما عزله و عينه للزكاة» (2)

لها ضامن (حتى يخرجها)(1)

لكن مورد الروايتين هو بعث الزكاة و ظاهرهما النقل إلى بلد آخر لا التأخير المجاز في البلد فلا يكونا موجباً لتقييد اطلاق الروايتين المتقدمتين، نعم يدلان على التفصيل عند من بعثت الزكاة إليه أما في صورة التفريط و التعدي فالضمان على طبق القاعدة كما لا يخفى.

(1) و استدل على ذلك بأنّ الثابت بالأدلة إنما هو الولاية على العزل فطبعاً تخرج الزكاة عن ملك المالك فتصير ملكاً للفقراء فالتبديل يحتاج إلى دليل مفقود في المقام إذ لا دليل على ولاية المالك على التبديل بعد العزل.

لكن يمكن أن يقال إن مقتضى رواية يونس بن يعقوب قال: قلت لأبي عبدالله (علیه السلام): عيال المسلمين اعطيهم من الزكاة فاشترى لهم منها ثياباً و طعاماً و أرى أنّ ذلك خير لهم، قال: فقال: لا بأس(2) جوازه فإنه المستفاد منه، فيدل ما هو صار زكاة بجنس آخر لمصلحة يراها من بيده الزكاة فلاحظ.

(2) تارة نبحث فيها على مقتضى القاعدة الأولية و اخرى على مقتضى النص فیقع البحث في موردين:

أما المورد الأول: فهو صيرورة المعاملة فضولياً بناءً على القول بالاشاعة أو الكلي في المعين أو ثبوت حق في العين من قبيل حق الرهانة فيحتاج الصحة على الاجازة من

ص: 157


1- الوسائل، الباب 39 من أبواب المستحقّين للزّكاة، الحدیث: 2
2- الوسائل، الباب 14 من أبواب زكاة الذّهب و الفضّة، الحدیث: 4

حاكم الشرع إلّا إذا أخرج الزكاة بعد البیع من مال آخر فإنه يندرج حينئذٍ في كبرى من باع ثم ملك، فإن قلنا بصحته كان تمام الربح للمالك و الخسارة عليه و إلا يحتاج إلى الاجازة كما ذكرنا و إن أجاز كان الربح و الخسارة عليهما بمقتضى الشركة.

أما المورد الثاني: فاستدل على الصحة بنحو خاص بما رواه علي بن أبي حمزة عن أبيه عن أبي جعفر (علیه السلام) قال: سألته عن الزكاة تجب علي في موضع لا تمكنني أن أؤديها قال اعزلها فإن اتجرت بها فأنت لها ضامن و لها الربح و إن تويت في حال ما عزلتها من غير أن تشغلها في تجارة فليس عليك فإن لم تعزلها فاتجرت بها في جملة مالك فلها بقسطها من الربح و لا وضيعة عليها.(1) لكن السند ضعيف بمعلى بن عبيد أو یعلي بن عبيد فإنه مجهول على التقديرين و أما علي بن محمد فهو ابن بندار الثقة كما أفاده المحقق الخوئي (قدس سره ).

و بما رواه عبد الرحمن بن أبی عبدالله قال: قلت لأبي عبدالله (علیه السلام) رجل لم يزك إبله أو شاته عامين فباعها، على من اشترها أن يزكيها لما مضى؟ قال: نعم، تؤخذ منها زكاتها و يتبع بها البائع أو يؤدى زكاتها البائع(2) حيث يدل على صحة المعاملة و وقوعها للمالك فله الربح و عليه الخسارة.

ص: 158


1- الوسائل، الباب 52 من أبواب المستحقّين للزّكاة، الحدیث: 3
2- الوسائل، الباب 12 من أبواب زكاة الأنعام، الحدیث: 1

«الثامنة: تجب الوصية بأداء ما عليه من الزكاة إذا أدركته الوفاة قبله و كذا الخمس و سائر الحقوق الواجبة» (1) «و لو كان الوارث مستحقاً جاز احتسابه عليه» (2) «و لكن يستحب دفع شيء منه إلى غيره»(3)

(1) كما هو مقتضى القاعدة الأولية إذ يجب على المكلف افراغ ذمته بأي وجه ممكن و هذا من أحد الطرق، بل قد ادعى أن الشخص إذا كان مديوناً و لم يكن له مال لكن احتمل التبرع من ناحية شخص آخر يجب عليه الوصية خروجاً من عهدة التكليف.

(2) لما رواه علي بن يقطين قال: قلت لأبي الحسن الأول (علیه السلام): رجل مات و عليه زكاة و أوصى أن تقضى عنه الزكاة و ولده محاويج إن دفعوها أضر ذلك بهم ضرراً شديداً فقال: يخرجونها فيعودون بها على أنفسهم و يخرجون منها شيئاً فيدفع إلى غيرهم(1)

و كونهم من عياله و أنهم ممن تجب نفقته عليه حال حياته، الممنوع من أخذ الزكاة منه، واضح الدفع لسقوط الوجوب بالموت.

(3) للأمر به في الرواية المتقدمة لكن نرفع اليد عن الوجوب بالتسالم على عدمه.

ص: 159


1- الوسائل، الباب 14 من أبواب المستحقّين للزّكاة، الحدیث: 5

«التاسعة: يجوز أن يعدل بالزكاة إلى غير من حضره من الفقراء خصوصاً مع المرجحات و إن كانوا مطالبين» (1) «نعم الأفضل حينئذٍ الدفع إليهم من باب استحباب قضاء حاجة المومن إلا إذا زاحمه ما هو أرجح» (2)

«العاشرة: لا إشكال في جواز نقل الزكاة من بلده إلى غيره مع عدم وجود المستحق فيه» (3)

(1) إذ مجرد الحضور لا يوجب تعيين الإعطاء إلى من حضر لأن ولاية التعيين بمقتضى الأدلة المتقدمة للمالك فله أن يعين أي شخص من المستحقين.

(2) لاستحباب قضاء حاجة المؤمن عند مطالبتها ما لم يزاحم بمرجح.

(3) ادعى عليه الاجماع و عدم الخلاف و أنه لا ريب فيه و استدل على ذلك بجملة من النصوص منها ما رواه ضريس قال: سأل المدايني أباجعفر (علیه السلام) قال: إن لنا زكاة نخرجها من أموالنا ففي من نضعها؟ فقال: في أهل ولايتك فقال: إني في بلاد ليس فيها أحد من أوليائك؟ فقال: ابعث بها إلى بلدهم تدفع إليهم و لا تدفعها إلى قوم إذا دعوتهم غداً إلى أمرك لم يجيبوك و كان والله الذبح(1)

و ما رواه يعقوب بن شعيب الحداد عن العبد الصالح (علیه السلام) قال: قلت له الرجل منا يكون في أرض منقطعة كيف يصنع بزكاة ماله قال يضعها في إخوانه و أهل ولايته قلت فإن لم يحضره منهم فيها أحد قال يبعث بها إليهم قلت فإن لم يجد من يحملها إليهم قال يدفعها إلى من لا ينصب قلت فغيرهم قال ما لغيرهم إلا الحجر.(2) لكنه ضعيف بابراهيم بن اسحاق.

و ما رواه هشام بن الحكم عن أبي عبد الله (علیه السلام) في الرجل يعطى الزكاة يقسمها أ له أن

ص: 160


1- الوسائل، الباب 5 من أبواب المستحقّين للزّكاة، الحدیث: 3
2- نفس المصدر، الحدیث: 7

يخرج الشي ء منها من البلدة التي هو بها إلى غيرها فقال لا بأس.(1)

و ما رواه احمد بن حمزة قال: سألت أباالحسن الثالث (علیه السلام) عن الرجل يخرج زكاته من بلد إلى بلد آخر و يصرفها في اخوانه فهل يجوز ذلك؟ قال: نعم(2)

ربما يقال بعدم جواز النقل حتى مع عدم المستحق و استدل على ذلك بما رواه إبراهيم الأوسي عن الرضا (علیه السلام) قال سمعت أبي يقول كنت عند أبي يوما فأتاه رجل فقال إني رجل من أهل الري و لي زكاة فإلى من أدفعها فقال إلينا فقال أ ليس الصدقة محرمة عليكم فقال بلى إذا دفعتها إلى شيعتنا فقد دفعتها إلينا فقال إني لا أعرف لها أحدا قال فانتظر بها سنة فقال فإن لم أصب لها أحدا قال انتظر بها سنتين حتى بلغ أربع سنين ثم قال له إن لم تصب لها أحدا فصرها صررا و اطرحها في البحر فإن الله عز و جل حرم أموالنا و أموال شيعتنا على عدونا.(3) لكن السند ضعيف بالارسال مضافاً إلی الاشكال فی الدلالة، فعن الحدائق أنه المشهور، و اسنده في التذكرة إلى علمائنا أجمع و استدل على هذا القول بامور:

الأول: الإجماع، و فيه: أنه مدركي أو محتمل المدرك.

الثاني: إنّ في نقله خطر التلف، و فيه: أولاً: أن الدليل أخص من المدعى، و ثانياً: أنه يجبر بالضمان.

الثالث: إن النقل منافٍ مع الفورية و فيه: أولاً: إنه أخص من المدعی، و ثانياً: أن النص قائم على الجواز و معه كيف يمكن الجزم بالفورية.

الرابع: ما رواه الحلبي عن أبي عبدالله (علیه السلام) قال: لا تحل صدقة المهاجرين في الأعراب و

ص: 161


1- الوسائل، الباب 37 من أبواب المستحقّين للزّكاة، الحدیث: 1
2- نفس المصدر، الحدیث: 4
3- الوسائل، الباب 5 من أبواب المستحقّين للزّكاة، الحدیث: 8

لا صدقة الأعراب في المهاجرين(1)

و ما رواه عبدالكريم بن عتبة (عبدالملك بن عتبة) عن أبي عبدالله (علیه السلام) قال: كان رسول الله (صلی الله علیه و آله و سلم) يقسم صدقة أهل البوادي في أهل البوادي و صدقة أهل الحضر في أهل الحضر(2)

و فيه: أنّ الدليل أخص من المدعى إذ يمكن أن ينقل و يدفع من البادية إلى بادية اخرى مع أن هذا غير واجب.

الخامس: أن مقتضى بعض النصوص الضمان بالنقل مع وجوده، لاحظ ما رواه محمد بن مسلم قال: قلت لأبي عبد الله (علیه السلام) رجل بعث بزكاة ماله لتقسم فضاعت هل عليه ضمانها حتى تقسم فقال إذا وجد لها موضعا فلم يدفعها فهو لها ضامن حتى يدفعها و إن لم يجد لها من يدفعها إليه فبعث بها إلى أهلها فليس عليه ضمان لأنها قد خرجت من يده و كذلك الوصي الذي يوصى إليه يكون ضامنا لما دفع إليه إذا وجد ربه الذي أمر بدفعه إليه فإن لم يجد فليس عليه ضمان.(3) و فيه: أن الضمان لا يستلزم حرمة النقل.

ص: 162


1- الوسائل، الباب 38 من أبواب المستحقّين للزّكاة، الحدیث: 1
2- نفس المصدر، الحدیث: 2
3- الوسائل، الباب 39 من أبواب المستحقّين للزّكاة، الحدیث: 1

«بل يجب ذلك إذا لم يكن مرجو الوجود بعد ذلك و لم يتمكن من الصرف في سائر المصارف» (1)

(1) و استدل على ذلك بامور:

الأول: الاطلاقات الاولیة الواردة في الكتاب و السنة الدالة على وجوب اخراج الزكاة و ايصالها إلى أربابها بعد عدم كفاية مجرد العزل في إتيان الوظيفة مع اليأس عن الفقير و حينئذٍ فلابد من النقل مقدمة لاتيان الواجب.

أورد عليه سيدنا الاستاذ (رحمه اللّه) بأنّ القدر المتيقن من الشريعة وجوب الأداء في مقابل الحبس و المنع، و أما الأداء بمعنى الدفع والإعطاء فلم يثبت وجوب ذلك و لذلك يجوز التأخير في أدائها.

الثاني: ما رواه ضريس(1) حيث دل على وجوب النقل عند عدم المستحق حيث لا رجاء لوجوده.

أورد عليه صاحب الجواهر بوجهين: الأول: أن الأمر في الرواية في مقام توهم الحظر فلا يدل على الوجوب. الثاني: أن المقصود منه إنما هو المنع عن اعطائه لغير الموالي.

أجاب سيدنا الاستاذ (رحمه اللّه) عن الأول بأنه خلاف الظاهر إذ مجرد الاحتمال لم يكف ما لم تقم قرينة عليه، و أما الثاني فالاشكال في محله فإن الظاهر هو خطور جواز الدفع إلى غير الموالي عند عدم وجود الموالي في ذهن السائل فلذلك أمر الامام (علیه السلام) بالنقل من البلد لأجل ذلك، مضافاً إلى أنّ الأمر في الرواية يمكن أن يكون للإرشاد حيث أن السائل في مقام الدفع إلى الفقير و لا يرد الصرف في سائر المصارف و الامام (علیه السلام) أرشده إلى طريق ايصاله إلى مطلوبه و الشاهد على ذلك لزوم تقييد الحكم التكليفي بالیأس عن الفقير و بتعذر مصرف آخر و هذا يوجب حمل المطلق على الفرد النادر المستهجن.

ص: 163


1- الوسائل، الباب 5 من أبواب المستحقّين للزّكاة، الحدیث: 3

«و مؤنة النقل حينئذٍ من الزكاة» (1) «و أما مع كونه مرجو الوجود فيتخير بين النقل و الحفظ إلى أن يوجد» (2)

الثالث: أن المعلوم من مذاق الشارع تحريم الإبقاء في فرض عدم وجود المستحق و عدم رجاء وجوده أيضاً لئلا يلزم تضييع الحق على مستحقه و عليه فيجب النقل دفعاً للتضييع.

أقول: هذا أمر حسن لو ثبت هذا الذوق والله العالم.

(1) لابد من ملاحظة دليل وجوب النقل فإن الدليل عليه هو الوجه الأول و الثاني من النقل واجب عليه بالوجوب التكليفي فلا وجه لاخراجها من الزكاة و أما إذا كان الوجه في الوجوب هو الثالث كانت المؤنة حينئذٍ من الزكاة إذ الشارع لم يرض بابقاء المال المستلزم لتضييع حق الفقراء بل لابد من ايصالها إلى أربابها و صرفها إلى مستحقها فلا جرم يجب حسبة التصدي لذلك بماله من المقدمات التي منها صرف المؤنة بمقدار منها، إما باجازة الحاكم الشرعي لو كان و إلّا فباجازة عدول المؤمنين و إلّا فبتصدي المتصرف كما هو كذلك في أمثاله من أموال الناس فلاحظ.

(2) إذ بعد امكان الحفظ و رجاء الوجود لا دليل على وجوب النقل لاختصاص أدلة الوجوب بعدم رجاء المستحق فبمقتضى أدلة جواز النقل يكون المكلف مخيراً بين جواز النقل و الحفظ و لعل السيرة قائمة على حفظ الزكاة حتى يأتي الجابي من ناحية النبى الأكرم (صلی الله علیه و آله و سلم).

ص: 164

«و إذا تلفت بالنقل لم يضمن مع عدم الرجاء و عدم التمكن من الصرف في سائر المصارف»(1) «و أما معهما فالأحوط الضمان» (2)

(1) المستفاد من حديث محمد بن مسلم(1) كذلك، لكن مقتضى ظاهر الحديث عدم خصوصية لرجاء الوجود و عدمه فإنه باطلاقه ينفي الضمان في فرض عدم وجود المستحق و سيأتي البحث فیه.

(2) أما في مورد رجاء وجود المستحق فالظاهر عدم الضمان لاطلاق حديث ابن مسلم المتقدم ذكره فإنه باطلاقه يشمل صورتى الرجاء و اليأس و أما في مورد التمكن من الصرف في سائر المصارف فقد يقال بالضمان كما أن الماتن (رحمه اللّه) احتاط فى ذلك.

و ما يمكن أن يستدل عليه حديثان: الأول: ما رواه محمد بن مسلم(2) المتقدم، بتقريب: أنّ المراد من الموضع الذي علق عليه الضمان هو الأعم من الفقر و سائر المصارف فكأنه قال «فإن لم يتمكن من الصرف في شيء من المصارف الثمانية فلا ضمان و إلا فعليه الضمان» و الثاني: ما رواه زرارة(3) حيث علق الضمان على وجود الأهل بدعوى أن الأهل شامل لمطلق المصرف من غير اختصاص بالمستحق.

لكن أورد عليه المحقق الخوئي (قدس سره ) أما في الثاني فإن الظاهر من الأهل هو الشخص لا مطلق المصرف، مضافاً إلى أنّ مورد الرواية هو التلف عند من نقلت إليه الزكاة لا عند المالك الناقل، فلا ربط لها بما نحن فيه، و أما في الأول، فالمراد من الموضع هو المستحق لقرائن متعددة منها التعبير بالتقسيم الظاهر في التوزيع على الفقراء، و منها التعبير بالدفع الظاهر في الدفع إلى الفقراء و منها قوله: «فإن لم يجد لها من يدفعها» فإن الظاهر من

ص: 165


1- الوسائل، الباب 39 من أبواب المستحقّين للزّكاة، الحدیث: 1
2- نفس المصدر، الحدیث: 1
3- نفس المصدر، الحدیث: 2

«و لا فرق في النقل بين أن يكون إلى البلد القريب أو البعيد مع الاشتراك في ظن السلامة و إن كان الأولى التفريق في القريب ما لم يكن مرجح للبعيد» (1)

الموصول هو ذوي العقول مضافاً إلى اطلاق جملة من الروايات الدالة على نفي الضمان منها ما رواه أبي بصير عن أبي جعفر (علیه السلام) قال: إذا أخرج الرجل الزكاة من ماله ثم سماها لقوم فضاعت أو أرسل بها إليهم فضاعت فلا شي ء عليه.(1)

و منها ما رواه بكير بن أعين قال: سألت أباجعفر (علیه السلام) عن الرجل يبعث بزكاته فتسرق أو تضيع؟ قال: ليس عليه شيء(2)

و منها ما رواه أبوبصير قال: قلت لأبي جعفر (علیه السلام): جعلت فداك الرجل يبعث بزكاة ماله من أرض إلى أرض فيقطع عليه الطريق؟ فقال: قد أجزأته و لو كنت أنا لاعدتها(3) فإنه كيف يمكن حمل هذه الاطلاقات على عدم وجود صرف الزكاة في سائر الجهات التی هي فرض نادر جداً فلا تصح تقييدها بما إذا اعتذر الصرف في البلد بقول مطلق انتهی.

و في الكل نظرٌ أما الاطلاقات فيمكن تقييدها بما رواه ابن مسلم و زرارة.(4)

(1) للاطلاق و عدم صلاحية ما يوجب التقييد.

ص: 166


1- الوسائل، الباب 39 من أبواب المستحقّين للزّكاة، الحدیث: 3
2- نفس المصدر، الحدیث: 5
3- نفس المصدر، الحدیث: 6
4- نفس المصدر، الحدیث: 1و2

«الحادية عشر: الأقوى جواز النقل إلى البلد الآخر و لو مع وجود المستحق في البلد و إن كان الأحوط عدمه كما أفتى به جماعة» (1) «و لكن الظاهر الإجزاء لو نقل على هذا القول أيضاً» (2)

(1) قد تقدم الكلام فيه في ذيل المسئلة العاشرة و حاصله أن المستفاد من رواية هشام بن الحكم و أحمد بن حمزة(1) الجواز.

ربما يقال بأنهما معارضان برواية الحلبي(2) و عبدالكريم (عبدالملك) بن عتبة الهاشمي(3)

بتقريب: أنهما تدلان على النهي عن نقل صدقة البدوي إلى الحضري و بالعكس، لكن حملتا على الكراهة كما افادها صاحب الوسائل (رحمه اللّه).

لكن الظاهر هما أجنبيان عن ما نحن فيه فإن المستفاد منهما المماثلة في الاعطاء و أما النقل فلا يستفاد منهما أصلا مضافاً إلى أنّ المماثلة لا قائل بها ظاهراً فلابد من الحكم بها على الاستحباب.

و مما يؤيد ذلك ما أفاده المحقق الخوئي (قدس سره ) من أنّ فعل النبى الأكرم (صلی الله علیه و آله و سلم) و وصيه (علیه السلام) من بعث العمال لجباية الزكوات و نقلها إليهم فلو وجب صرف صدقات أهل البوادي فيهم كيف تؤخذ منهم و تنقل إليهم (علیهم السلام)؟

(2) حيث أن المستفاد من حديث محمد بن مسلم كون الموجب للضمان هو ضیاع و رافعه هو الدفع إلى المستحق حيثما تحقق و إن كان في غير البلد، و مجرد المنع لو سُلّم إنما هو حكم تكليفي لا يستتبع الوضع فيكون مجزياً و لا يكون موجباً للضمان و إن كان آثماً على هذا القول كما لا يجب عليه الإرجاع بعد النقل و اعطائها في أهل البلد

ص: 167


1- الوسائل، الباب 37 من أبواب المستحقّين للزّكاة، الحدیث: 1و4
2- الوسائل، الباب 38 من أبواب المستحقّين للزّكاة، الحدیث: 1
3- الوسائل، الباب 38 من أبواب المستحقّين للزّكاة، الحدیث: 2

«و ظاهر القائلين بعدم الجواز وجوب التقسيم في بلدها لا في أهلها فيجوز الدفع في بلدها إلى الغرباء و أبناء السبيل» (1) «و على القولين إذا تلفت بالنقل يضمن» (2) «كما أن مؤنة النقل عليه لا من الزكاة و لو كان النقل بإذن الفقيه لم يضمن و إن كان مع وجود المستحق في البلد»(3)

الذي كان قبل الإعطاء فيه.

(1) إذ الممنوع إنما هو النقل و اما لزوم التوزيع لأهل البلد كي لا يشمل الغرباء و أبناء السبيل فلا يستفاد من الأدلة المدعاة على ذلك.

(2) لدلالة النص المتقدم على الضمان عند وجود المستحق أو إمكان صرفها في غيره من المصارف كما تقدم فلاحظ.

(3) لا مقتضى لكون المؤنة على الزكاة مع وجود المستحق و عدم توقف الايصال إليه على النقل، نعم مع عدم وجود المستحق و كان النقل لمصلحة الفقير، صح القول بكون المؤنة من الزكاة، لكنه خارج عن المقام و أما عدم الضمان إذا كان بإذن الفقيه الجامع للشرائط فمن جهة أنّ الإذن مع ملاحظة كونه ولي الأمر و أن أمرها بيده و له الولاية الشريعة عليها يتضمن توكيلاً ضمنياً في القبض عن المالك و النقل إلى البلد الآخر و من المعلوم أن الإذن كذلك بمنزلة إذن المالك الفقير في انتفاء الضمان فلا يرد على ما أفاده الماتن (رحمه اللّه) من أنّ إذن الفقيه لا يزيد عن اذن الشارع فإن ثبوت الجواز من الشارع لا ينافي الضمان كما نطقت به الرواية المتقدمة فلا ينافي الإذن الضمان، لكن قد ذكرنا أن المراد بالإذن فيما نحن فيه ليس مجرد الفتوى بل توكيل ضمني للأخذ و النقل فإذا كان النقل باجازة الولي لا يكون موجباً للضمان كما إذا كان النقل بإذن المالك.

ص: 168

«و كذا بل و أولى منه لو وكّله في قبضها عنه بالولاية العامة ثم أذن له في نقلها» (1)

الثانية عشرة: لو كان له مال في غير بلد الزكاة أو نقل مالاً له من بلد الزكاة إلى بلد آخر، جاز احتسابه زكاة عما عليه في بلده و لو مع وجود المستحق فيه و كذا لو كان له دين في ذمة شخص في بلد آخر جاز احتسابه زكاة و ليس شيء من هذه من النقل الذي هو محل الخلاف في جوازه و عدمه فلا إشكال في شيء منها» (2)

و الحاصل: أن الإذن بعنوان الولاية بمنزلة القبض و الوكالة فلا ضمان و الحال هذه.

(1) قد ظهر الوجه في عدم الضمان بالنسبة إلى هذه الصورة بل أولى من السابق لتصريح الولى بالوكالة و النقل قبال التوكيل الضمني.

(2) لأن الموضوع للمنع هو النقل من بلد إلى بلد آخر و هذا لا يشمل ما نحن فيه إلّا أن يقال ان المستفاد من النصوص هو أن زكاة أهل البلد لفقراء البلد فلا يجوز نقل الزكاة من بلد المالك إلى بلد آخر باعتبار أن ذلك يوجب إعطاء زكاة أهل البلد لغير أهله، فنقل الزكاة لا خصوصية له بل المناط عدم جواز اعطاء زكاة أهل البلد، إلى أهل بلد آخر، لكن قد ذكرنا سابقاً أن المماثلة غير معتبرة و لعل التسالم على خلافها.

ص: 169

«الثالثة عشرة: لو كان المال الذي فيه الزكاة في بلد آخر غير بلده جاز له نقلها إليه مع الضمان لو تلف» (1) «و لكن الأفضل صرفها في بلد المال» (2)

«الرابعة عشر: إذا قبض الفقيه الزكاة بعنوان الولاية العامة برئت ذمة المالك» (3) «و إن تلفت عنده بتفريط أو بدونه أو أعطى لغير المستحق اشتباهاً»(4)

(1) أما جواز النقل فلما تقدم من الروايات الدالة عليه فإنه لا فرق في الجواز بين نقل الزكاة من بلد المالك إلى بلد آخر أو نقلها من بلدها إلى بلد المالك لصدق النقل المبحوث عنه في كلا المقامين، و أما الضمان مع التلف فقد تقدم التفصيل فيه من أنه ثابت مع وجود المستحق و عدمه مع عدمه على ما هو المستفاد من حديث ابن مسلم المتقدم ذكره.

(2) كما في حديث الحلبي المحمول على الاستحباب.

(3) لوصول الزكاة إلى أهلها بايصالها إلى ولى مستحقيهم فقبض الولى كقبض المولى عليه فلا ضمان بعد ذلك.

(4) قد ظهر الوجه في ذلك و المراد من التفريط تفريط غير الفقيه و إلّا خرج عن العدالة.

ص: 170

«الخامسة عشر: إذا احتاجت الزكاة إلى كيل أو وزن كانت أجرة الكيّال و الوّزان على المالك لا من الزكاة» (1)

«السادسة عشر: إذا تعدد سبب الإستحقاق في شخص واحد كأن يكون فقيراً و عاملاً و غارماً مثلا جاز أن يعطى بكل سبب نصيباً» (2)

(1) في المسئلة قولان:

الأول: أنّ مؤنة الكيل و الوزن على الزكاة، كما نقل عن الشيخ (رحمه اللّه) في المبسوط و استدل على ذلك بأن الله تبارك و تعالى أوجب على المالك قدراً معلوماً من الزكاة فلو وجبت الاجرة عليه لزم أن يزداد الواجب على القدر الذي وجب.

أجاب عنه السيد الحكيم (رحمه اللّه) بأنّ ذلك الوجوب مقدمية لا أنه واجب بالأصالة.

الثاني: أنّ مؤنتهما على المالك، ذهب إليه الأكثر و الدليل على ذلك أن الواجب على المالك اخراج زكاة ماله فإذا كان هذا موقوفاً على شيء كان اللازم تحقيق ذلك الأمر الموقوف عليه و اجرة الكيال أو الوزان من هذا القبيل.

قد يقال: إن الواجب على المالك هو الدفع و عدم الحبس و الحيلولة بين العين و المستحق و هذا المقدار لا يتوقف على الكيل أو الوزن.

أجاب عنه السيد الحكيم (رحمه اللّه) أن المعنى الذي يمكن حمل الايتاء عليه هو رفع الحوائل عن وضع المستحق يده على الحق و من الواضح أن عدم تعينه في مصداق خارجى ملازم للحائل فلا فرق في عدم رفع الحائل بين عدم تعيینه أصلاً أو تعيینه في المشاع و حينئذٍ إذا توقف التعيين على مؤنة يجب على المالك من تحملها لأنه المخاطب بالتعيين.

(2) كما هو المعروف بين الأصحاب لأطلاق أدلة السهام الشامل لما نحن فيه و دعوى الانصراف كما عن صاحب الحدائق فلا نرى لها وجهاً يمكن أن يعول عليه في رفع الاطلاق خصوصاً على القول بعدم وجوب البسط كما هو الصحيح.

ص: 171

«السابعة عشر: المملوك الذي يشتري من الزكاة إذا مات و لا وارث له ورثه أرباب الزكاة دون الإمام (علیه السلام)» (1) «و لكن الأحوط صرفه في الفقراء فقط» (2)

(1) المشهور بينهم شهرة عظيمة ذلك كما عن الجواهر بل عن المعتبر و المنتهى عليه علمائنا، و استدل على ذلك بما رواه عبيد بن زرارة قال: سألت أبا عبد الله (علیه السلام) عن رجل أخرج زكاة ماله ألف درهم فلم يجد موضعا يدفع ذلك إليه فنظر إلى مملوك يباع فيمن يريده فاشتراه بتلك الألف الدراهم التي أخرجها من زكاته فأعتقه هل يجوز ذلك قال نعم لا بأس بذلك قلت فإنه لما أن أعتق و صار حرا اتجر و احترف فأصاب مالا ثم مات و ليس له وارث فمن يرثه إذا لم يكن له وارث قال يرثه الفقراء المؤمنون الذين يستحقون الزكاة لأنه إنما اشتري بمالهم.(1)

و ما رواه أيوب بن الحر أخي أديم بن الحر قال: قلت لأبي عبد الله (علیه السلام) مملوك يعرف هذا الأمر الذي نحن عليه أشتريه من الزكاة فأعتقه قال فقال اشتره و أعتقه قلت فإن هو مات و ترك مالا قال فقال ميراثه لأهل الزكاة لأنه اشتري بسهمهم.(2)

فما عن بعض المتأخرين خلاف ذلك لأن أرباب الزكاة لم يكونوا مالكين له قبل عتقه حتى يكون ارثه لهم لعدم ثبوت ولاء العتق المترتب عليه الإرث فلابد من أن يكون وارثه الامام (علیه السلام)، خلاف ما يستفاد من النص فلابد من رفع اليد عنه.

(2) خروجاً عن شبهة الخلاف و لعل المنشأ لهذا الاحتياط هو الجمود على ظاهر النص و هو ما رواه عبید بن زرارة.

أفاد المحقق الخوئي (قدس سره ) أن المتعين رفع اليد عنه لمكان التعليل الوارد فيه حيث قال (علیه السلام):

ص: 172


1- الوسائل، الباب 43 من أبواب المستحقّين للزّكاة، الحدیث: 2
2- نفس المصدر، الحدیث: 3

«لأنه إنما اشترى بمالهم» فإن الظاهر منه تعميم الحكم إذ من الواضح أنّ الزكاة لم تكن ملكاً للفقراء و إنما هم من جملة المصارف على أن العبد لم يشترى من سهمهم بل من سهم الرقاب فيعلم من ذلك أنّ المراد بمالهم أي المال الذي يصرف فيهم فيكون ذكر الفقراء من باب التمثيل لمطلق أرباب الزكاة فالولاء لها، لا لخصوص الفقراء و يؤيد ذلك ما في رواية أيوب حيث لم يذكر فيها الفقير.

أورد عليه سيدنا الاستاذ (رحمه اللّه) بأنّ التعليل المذكور ليس تعليلاً واقعياً ليكون موجباً للتعميم أو التخصيص بل التعليل في الرواية تعبدي نظير التعليل في رواية عدم جواز قرائة العزائم في الصلاة لأنه زيادة في المكتوبة فكما أن الزيادة في المكتوبة إنما يتحقق باتيان الشيء بما أنه جزء من العمل و إلّا فلا يكون مصداقاً للزيادة و لهذه الجهة يكون التعليل تعبدياً كذلك ما نحن فيه فإن الإشتراء لم يتحقق بمال الفقراء بل اشترى بسهم الرقاب فالتعليل تعبدي فلابد من الاقتصار على مورده، و أما رواية أيوب فهي مطلقة من هذه الجهة فلابد من تقييدها بالموثقة فالأحوط عدم التعدي عن مورد الرواية.

أقول: إنّ التطبيق تعبدى لا التعليل و لذا يمكن التعدي كما في المقيس عليه أيضاً كذلك مضافاً إلى احتمال الملكية بالنسبة إلى الفقراء كما تقدم.

ص: 173

«الثامنة عشر: قد عرفت سابقاً أنه لا يجب الاقتصار في دفع الزكاة على مؤنة السنة بل يجوز دفع ما يزيد على غناه إذا أعطي دفعة فلا حدّ لأكثر ما يدفع إليه و إن كان الأحوط الاقتصار على قدر الكفاف خصوصاً في المحترف الذي لا تكفيه حرفته، نعم لو أعطي تدريجاً فبلغ مقدار مؤنة السنة حرم عليه أخذ ما زاد، للانفاق و الأقوى أنه لا حدّ لها في طرف القلة أيضاً» (1)

(1) أما عدم وجوب الإقتصار على مؤنة السنة فقد تقدم الكلام فيه في المسئلة الثانیة من أصناف المستحقين فراجع، و أما من حيث القلة فما أفاده الماتن (رحمه اللّه) صحيح كما نسب إلى المشهور و في قباله نسب إلى جماعة أنه لا يعطى الفقير أقل مما يجب في النصاب الأول و هو خمسة دراهم أو نصف دينار، و استدل على هذا القول بما رواه أبو ولاد الحناط عن أبي عبدالله (علیه السلام) قال: سمعته يقول: لا يعطى أحد من الزكاة أقل من خمسة دراهم و هو أقل ما فرض الله عزوجل من الزكاة في أموال المسلمين فلا تعطوا أحداً (من الزكاة) أقل من خمسة دراهم فصاعداً(1)

و ما رواه معاوية بن عمار و عبدالله بن بكير جمیعاً عن أبي عبدالله (علیه السلام) قال، قال: لا يجوز أن يدفع الزكاة أقل من خمسة دراهم فإنها أقل الزكاة(2)

لكن يعارضهما ما رواه محمد بن عبدالجبار أنّ بعض أصحابنا كتب على يدي احمد بن اسحاق إلى على بن محمد العسكرى (علیه السلام): اعطى الرجل من إخواني من الزكاة الدرهمين و الثلاثة، فكتب: افعل إن شاء الله تعالى(3).

ص: 174


1- الوسائل، الباب 23 من أبواب المستحقّين للزّكاة، الحدیث: 2
2- نفس المصدر، الحدیث: 4
3- نفس المصدر، الحدیث: 1

قد يقال: إن مقتضى الجمع العرفي بينهما حمل النهي في رواية الحناط على الكراهة بتقريب أنّ كلمة «لا يعطى» ظاهر في الحرمة و مثل كلمة «افعل» أو «ذلك جائز» نص في الجواز فيرفع به اليد عن ظهور النهي في الحرمة و يحمل على الكراهة، نعم في رواية معاوية «لا يجوز أن يدفع من الزكاة أقل من خمسة دراهم» و من المعلوم أنه معارض مع رواية محمد بن عبدالجبار الدالة على الجواز و لا يمكن أن يحمل على الكراهة فإنهما بنظر العرف من المتعارضين بحيث يكون المكلف بها متحيراً في مقام الامتثال فلابد من العلاج.

لكن ما يهون الخطب أن رواية معاوية بن عمار ضعيف سنداً بإبراهيم بن اسحاق بن ابراهيم، فإن المراد به الأحمري كما نقل أنه صريح كلام الشيخ (رحمه اللّه) في الاستبصار و الرجل مجهول فالأظهر هو القول بالجواز أي جواز الإعطاء أقل من أقل النصاب و إن كان مكروهاً.

و يؤيد ذلك ما رواه محمد بن أبي الصهبان قال: كتبت إلى الصادق (علیه السلام): هل يجوز لي يا سيدي أن اعطى الرجل من إخوانى من الزكاة الدرهمين و الثلاثة الدراهم فقد اشتبه ذلك على؟ فكتب: ذلك جائز(1)

و مع الغض عما ذكرنا و التسليم بالمعارضة يكون الأحدث ما رواه محمد بن عبدالجبار فالترجيح معه فلا حد للأقل في الإعطاء.

ص: 175


1- الوسائل، الباب 23 من أبواب المستحقّين للزّكاة، الحدیث: 5

«من غير فرق بين زكاة النقدين و غيرهما و لكن الأحوط عدم النقصان عما في النصاب الأول من الفضة في الفضة و هو خمس دراهم و عما في النصاب الأول من الذهب في الذهب و هو نصف دينار بل الأحوط مراعاة مقدار ذلك في غير النقدين أيضاً و أحوط من ذلك مراعاة ما في أول النصاب من كل جنس ففي الغنم و الإبل لا يكون أقل من شاة و في البقر لا يكون أقل من تبيع وهكذا في الغلات يعطى ما يجب في أول حد النصاب» (1)

«التاسعة عشر: يستحب للفقيه أو العامل أو الفقير الذي يأخذ الزكاة الدعاء للمالك بل هو الأحوط بالنسبة إلى الفقيه الذي يقبض بالولاية العامة» (2)

(1) المستفاد من ظاهر الرواية أن أقل ما يعطى من الزكاة خمسة دراهم و أما كون ما فيه الزكاة أىُّ صنف من الأجناس الزكوية فلا نظر لها إليه فيلزم أو يستحب أن يكون المعطى بمقدار خمسة دراهم أو نصف دينار سواء كان الجنس الزكوى من الدراهم و الدنانير أو غيرهما مع ملاحظة جواز تبديل الزكاة عن كل جنس زكوى بالنقدين.

(2) كما هو المشهور بين الأصحاب و قد ذهب بعضهم إلى الوجوب و استدل بظاهر الآية الشريفة: {خذ من أموالهم صدقة تطهرهم و تزكيهم بها و صل عليهم إنّ صلاتك سكن لهم والله سميع عليم}(1) بتقريب أن الآية الشريفة و إن كان موردها النبى الأكرم (صلی الله علیه و آله و سلم) لكن يجب على غيره للتأسي أو للاشتراك أو للتعليل الوارد فيها فلا فرق بينه (صلی الله علیه و آله و سلم) و بين غيره فيجب الدعاء.

ص: 176


1- التوبة / 103

أما دعوى الوجوب له (صلی الله علیه و آله و سلم). فقد أورد عليه إن ذلك مبنى على القول بكون الوجوب مدلولاً لفظياً للأمر و مستفاداً منه وضعاً، و أما على القول بأن الوجوب مستفاد من العقل و أنّ الظاهر من الأمر ليس إلّا الطلب فلا يستفاد منها الوجوب لاقترانه بما يستفاد منه الترخيص المستفاد من التعليل و مناسبة الحكم و الموضوع.

أضف إلى ذلك أن الأمر بمقتضاه هو الأمر الإرشادي لا المولوى فلاحظ.

و لقائل أن يقول: أنّ الذّيل يمكن أن يكون حكمة للتشريع لا علة للحكم حتى يكون موجباً للترخيص أو قرينة للإرشاد، مضافاً إلى الإشكال في أصل المبنى من أنّ الوجوب إنما يستفاد من اللفظ كما حقق في محله فالتحقيق يقتضى الوجوب، نعم استفاد الوجوب لغيره (صلی الله علیه و آله و سلم) لأجل التأسي أو الاشتراك مشكلٌ جداً، أما الأول فلعدم الدليل على وجوب التأسي على الاطلاق كما أن الاشتراك غير ثابت، فالقول بالوجوب بالنسبة إلى النبى الأكرم (صلی الله علیه و آله و سلم) لا يخلو عن قوة كما أن ثبوت الاستحباب بالنسبة إلى غيره لا يخلو عن اشكال، و أما منشأ الاحتياط بالنسبة إلى الفقيه الآخذ بها من باب الولاية العامة فلعله من جهة أن ولاية العامة للفقيه هي ولاية النبى الأكرم (صلی الله علیه و آله و سلم) فكلما ثبت له من هذه الجهة ثبت لغيره من هذه الجهة لكنه يحتاج إلى تأمل.

ص: 177

«العشرون: يكره لرب المال طلب تملك ما أخرجه في الصدقة الواجبة و المندوبة» (1)

«نعم لو أراد الفقير بيعه بعد تقويمه عند من أراد كان المالك أحق به من غيره و لا كراهة» (2)

(1) لأجل النهي الوارد في المقام لاحظ ما رواه منصور بن حازم قال: قال أبوعبدالله (علیه السلام): إذا تصدق الرجل بصدقة لم يحل له أن يشتريها و لايستوهبها و لايستردها إلّا في ميراث(1)

و ما رواه أيضاً عن أبي عبدالله (علیه السلام) قال: إذا تصدقت بصدقة لم ترجع إليك و لم تشترها إلّا أن تورث(2)

و ظاهر النص و إن كان هو الحرمة لكن لابد من رفع اليد عن ظاهره إذ لو كان لبان و في بعض الكلمات ان عدم التحرم من الواضحات.

(2) لرواية محمد بن خالد أنه سأل أباعبدالله (علیه السلام) عن الصدقة فقال: إن ذلك لايقبل منك، فقال: إنى احمل ذلك في مالي، فقال له أبوعبدالله (علیه السلام): مر مصدقك أن لا يحشر من ماء إلى ماء و لا يجمع بين المتفرق و لا يفرق بين المجتمع و إذا دخل المال فليقسم الغنم نصفين ثم يخير صاحبها أیّ القسمين شاء فإذا اختار فليدفعه إليه فان تتبعت نفس صاحب الغنم من النصف الآخر منها شاة أو شاتين أو ثلاثاً فليدفعها إليه ثم ليأخذ صدقته فإذا أخرجها فليقسمها فيمن يريد فإذا قامت على ثمن فإن أرادها صاحبها فهو أحق بها و إن لم يردها فليبعها(3)

ص: 178


1- الوسائل، الباب 12 من أبواب الوقوف و الصّدقات، الحدیث: 1
2- نفس المصدر، الحدیث: 5
3- الوسائل، الباب 14 من أبواب زكاة الانعام، الحدیث: 3

«و كذا لو كان جزءاً من حيوان لا يمكن للفقير الانتفاع به و لا يشتريه غير المالك أو يحصل للمالك ضرر بشراء الغير فإنه تزول الكراهة حينئذٍ أیضاً» (1)

«كما أنه لا بأس بابقائه في ملكه إذا عاد إليه بميراث و شبهه من المملكات القهرية» (2)

لكن الرواية إمّا مرسلة لعدم امكان نقل محمد بن خالد عن الصادق (علیه السلام) لأنه من أصحاب الكاظم (علیه السلام) و الرضا و الجواد‘ فلا يكون المراد به محمد بن خالد البرقي و لعل المراد به محمد بن خالد القسرى و هو مجهول.

(1) و لعل الوجه في عدم الكراهة انصراف النص عن هذه الموارد لكن عهدتها على مدعيها.

(2) للنص المتقدم فإنه استثنى المورد من النهي و أما سائر المملكات القهرية فشموله لها مشكلٌ و الحمل على المثال أشكل و كذلك شبهه و هو شراء الوكيل العام و استيفائها له من مال الموكل.

ص: 179

«فصل: في وقت وجوب اخراج الزكاة»

قد عرفت سابقاً أنّ وقت تعلق الوجوب فيما يعتبر فيه الحول حولانه بدخول الشهر الثاني عشر و أنه يستقر الوجوب بذلك و إن احتسب الثاني عشر من الحول الأول لا الثاني و في الغلات التسمية و ان وقت وجوب الاخراج في الأول هو وقت التعلق و في الثاني هو الخرس و الصرم في النخل و الكرم و التصفية في الحنطة و الشعير» (1)

«و هل الوجوب بعد تحققه فوري أو لا؟ أقوالٌ ثالثها أنّ وجوب الاخراج و لو بالعزل فوري، و أما الدفع و التسليم فيجوز فيه التأخير، و الأحوط عدم تأخير الدفع مع وجود المستحق و امكان الاخراج إلّا لغرض كانتظار مستحق معين أو الافضل فيجوز حينئذٍ و لو مع عدم العزل الشهرين و الثلاثة بل الأزيد و إن كان الأحوط حينئذٍ العزل ثم الانتظار المذكور و لكن لو تلفت بالتأخير مع امكان الدفع يضمن» (2)

(1) قد تقدم الكلام في الشرط الرابع من شرائط وجوب زكاة الأنعام ما يتعلق بوقت الوجوب و ان الاحتساب بدخول الشهر الثاني عشر و أنه يستقر الوجوب بذلك و أيضاً ذكرنا في المسألة الاولى و السادسة من فصل زكاة الغلات ان وقت وجوب الاخراج فيها هو وقت الخرس و الصرم في النخل و الكرم و التصفية في الحنطة و الشعير.

(2) الأقوال في المسألة ثلاثة: الأول: وجوب العزل و الدفع فوراً، الثاني: عدم وجوب الأمرين فوراً، الثالث: التفصيل بين العزل، فيجب فوراً و بين الدفع فلا يجب كذلك.

و استدل للقول الأول بامور:

ص: 180

الأول: الاجماع و فيه ما لا يخفى مع وجود المدارك.

الثاني: ظهور الأمر المتعلق بالزكاة، و فيه: أن الأمر لا يدل على الوجوب كما قرر في محله.

الثالث: مقتضى شاهد الحال، بتقريب أن حكمها حكم الدين المطالب به، في وجوب الأداء فوراً، لكن يمكن أن يقال أنه فرق بين ما نحن فيه و بين الدين حيث أن الفقير ليس هو مستحق الزكاة بل مصرفها هو طبيعي الفقير لا خصوص الشخص المعين فلا يقاس أحدهما بالآخر، مضافاً إلى ما أورد عليه الشيخ (رحمه اللّه) من أن هذا إنما يتم إذا كان التكليف بدفع الزكاة تابعاً لمطالبة أربابها نظير الوديعة و الدين، و أما إذا لم يكن كذلك بل كان الأمر بالعكس كما هو الظاهر في المقام، كان حق المطالبة للفقراء تابعاً للتوسعة و التضييق لكيفية التكليف، ألا ترى أنه لو قلنا بالتوسعة لم يكن للفقراء و لا لوليهم المطالبة.

الرابع: ما رواه محمد بن مسلم قال: قلت لأبي عبد الله (علیه السلام) رجل بعث بزكاة ماله لتقسم فضاعت هل عليه ضمانها حتى تقسم فقال إذا وجد لها موضعا فلم يدفعها فهو لها ضامن حتى يدفعها و إن لم يجد لها من يدفعها إليه فبعث بها إلى أهلها فليس عليه ضمان لأنها قد خرجت من يده و كذلك الوصي الذي يوصى إليه يكون ضامنا لما دفع إليه إذا وجد ربه الذي أمر بدفعه إليه فإن لم يجد فليس عليه ضمان.(1) فإن ثبوت الضمان مما يكشف عن عدم جواز التأخير في الاخراج و الدفع عند وجدان الأهل، و فيه: أن ثبوت الضمان لا يلازم وجوب فورية الاخراج و الدفع، فيمكن أن يكون ضامناً مع جواز التأخير.

الخامس: ما رواه أبوبصير قال: قال أبوعبدالله (علیه السلام): إذا أردت أن تعطى زكاتك قبل

ص: 181


1- الوسائل، الباب 39 من أبواب المستحقّين للزّكاة، الحدیث: 1

حلها بشهر أو شهرين فلا بأس و ليس لك أن تؤخرها بعد حلها(1) لكن السند ضعيف بعلى بن أبي حمزة البطائني و القاسم بن محمد.

السادس: ما رواه سعد بن سعد الأشعري عن أبي الحسن الرضا (علیه السلام) قال: سألته عن الرجل تحل عليه الزكاة في السنة في ثلاثة أوقات أ يؤخرها حتى يدفعها في وقت واحد فقال متى حلت أخرجها و عن الزكاة في الحنطة و الشعير و التمر و الزبيب متى تجب على صاحبها قال إذا صرم و إذا خرص.(2) فإنه ظاهر في المنع عن التأخير.

و أما القول الثانی: و هو جواز التأخير، فقد استدل على ذلك بما رواه حماد بن عثمان عن أبي عبدالله (علیه السلام) قال: لا بأس بتعجيل الزكاة شهرين و تأخيرها شهرين(3)

و ما رواه معاوية بن عمار عن أبي عبدالله (علیه السلام) قال: قلت له: الرجل تحل عليه الزكاة في شهر رمضان فيؤخرها إلى المحرم؟ قال: لا بأس. قال: قلت: فإنها لا تحل عليه إلّا في المحرم فيعجلها في شهر رمضان؟ قال: لا بأس(4)

و ما رواه عبد الله بن سنان عن أبي عبد الله (علیه السلام) أنه قال: في الرجل يخرج زكاته فيقسم بعضها و يبقى بعض يلتمس لها المواضع فيكون بين أوله و آخره ثلاثة أشهر قال لا بأس.(5)

و أما القول الثالث: و هو التفصيل، فالدليل عليه ما رواه يونس بن يعقوب قال: قلت لأبي عبد الله (علیه السلام) زكاتي تحل علي في شهر أ يصلح لي أن أحبس منها شيئا مخافة أن يجيئني من يسألني فقال إذا حال الحول فأخرجها من مالك لا تخلطها بشي ء ثم

ص: 182


1- الوسائل، الباب 52 من أبواب المستحقّين للزّكاة، الحدیث: 4
2- نفس المصدر، الحدیث: 1
3- الوسائل، الباب 49 من أبواب المستحقّين للزّكاة، الحدیث: 11
4- نفس المصدر، الحدیث: 9
5- الوسائل، الباب 53 من أبواب المستحقّين للزّكاة، الحدیث: 1

أعطها كيف شئت قال قلت: فإن أنا كتبتها و أثبتها يستقيم لي قال لا يضرك.(1) و بذلك يمكن الجمع بين القولين الاولين بحمل الطائفة الاولى على فورية العزل و الثانية بجواز التأخير بعد العزل و أما مقدار التأخير، قد يقال أنه لا يجوز التأخير أكثر من ثلاثة أشهر لاحظ ما رواه عبدالله بن سنان المتقدم ذكره.

لكن المستفاد من رواية معاوية بن عمار أكثر من ذلك بل المستفاد من رواية يونس عدم التحديد، نعم لابد من ملاحظة أن لا يكون التأخير موجباً للتعدي أو التفريط في الحفظ حيث أن المعزول من الزكاة أمانة شرعية بيد المالك، هذا كله بالنسبة إلى الحكم التكليفي و أما بالنسبة إلى الحكم الوضعي أي الضمان فالمستفاد من حديث محمد بن مسلم المتقدم ذكره التفصيل بين وجود المستحق و عدمه فالضمان ثابت على الأول دون الثاني و إن ناقشنا فيه قبل ذلك، لكن التفصيل على مقتضى القاعدة، إذ التأخير مع عدم وجه له موجب للتفريط فيضمن و إلّا فلا، نعم ورد في جملة من الروايات عدم الضمان مع العزل لاحظ ما رواه أبي بصير عن أبي جعفر (علیه السلام) قال: إذا أخرج الرجل الزكاة من ماله ثم سماها لقوم فضاعت أو أرسل بها إليهم فضاعت فلا شي ء عليه.(2)

و ما رواه عبيد بن زرارة عن أبي عبد الله (علیه السلام) أنه قال: إذا أخرجها من ماله فذهبت و لم يسمها لأحد فقد برئ منها.(3) و نحوهما غيرها.

ص: 183


1- الوسائل، الباب 52 من أبواب المستحقّين للزّكاة، الحدیث: 2
2- نفس المصدر، الحدیث: 3
3- نفس المصدر، الحدیث: 4

«مسألة1: الظاهر أن المناط في الضمان مع وجود المستحق هو التأخير عن الفور العرفي فلو أخّر ساعة أو ساعتين بل أزيد فتلفت من غير تفريط فلا ضمان و إن أمكنه الايصال إلى المستحق من حينه مع عدم كونه حاضراً عنده» (1)

«و أما مع حضوره فمشكلٌ خصوصاً إذا كان مطالباً» (2)

«مسألة2: يشترط في الضمان مع التأخير العلم بوجود المستحق فلو كان موجوداً لكن المالك لم يعلم به فلا ضمان، لأنه معذور حينئذٍ في التأخير»(3)

(1) لانصراف النصوص إلى ذلك إذ العبرة بالصدق العرفي و يختلف باختلاف الموارد و مناطه الايصال على النحو المتعارف فلا ضمان مادام يصدق عليه ذلك.

(2) فإن مقتضى اطلاق النصوص ذلك مع أنه يمكن أن يقال إن التأخير صادق حتى مع عدم المطالبة إذ بعد حضور المستحق و عدم المانع من الدفع يصدق عرفاً أنه أخر مع وجود المستحق فيصدق التفريط فيضمن.

(3) لأن الظاهر من النص تعليق الضمان بوجدان الأهل و معرفة الأهل كما في رواية ابن مسلم و زرارة و كلاهما منتفٍ في المقام.

و أما التعليل الذي ذكره الماتن (رحمه اللّه)، فأورد عليه بأن المعذورية في التأخير في المقام لم تجعل موضوعاً لنفي الضمان.

اللهم إلا أن يقال: أن المراد بالتعليل هو المعذورية بالدفع كما هو مفاد الروايتين المتقدمتين فلاحظ.

ص: 184

مسألة3: لو أتلف الزكاة المعزولة أو جميع النصاب متلَف فإن كان مع عدم التأخير الموجب للضمان يكون الضمان على المتلِف فقط»(1)

«و إن كان مع التأخير المزبور من المالك فكل من المالك و الأجنبي ضامن و للفقيه أو العامل الرجوع على أيهما شاء و إن رجع على المالك رجع هو على المتلف و يجوز له الدفع من ماله ثم الرجوع على المتلف»(2)

«مسألة4: لا يجوز تقديم الزكاة قبل وقت الوجوب على الأصح» (3)

(1) لقاعدة الاتلاف عليه و عدم المقتضى لضمان المالك.

(2) على ما ذكره في مسئلة تعاقب الأيدي حيث ذكروا «أن المال الواحد لا يقبل الضمان أكثر من واحد» فعليه لو تصدى أحدٌ للاداء سقط الضمان عن الآخرين و حينئذٍ لو رجع المالك إلى الأخير أي من استقر عليه الضمان فلا يجوز له أن يرجع إلى الآخرين و أما إذا رجع إليهم لهم الرجوع إلى من استقر عليه الضمان و التفصيل موكول إلى محله.

(3) فإنه هو المشهور شهرة عظيمة كما في بعض الكلمات و استدل على ذلك بجملة من الروايات:

منها: ما رواه الحلبي قال: سألت أباعبدالله (علیه السلام) عن الرجل يفيد المال، قال: لا يزكيه حتى يحول عليه الحول(1)

و منها: ما رواه عمر بن يزيد قال: قلت لأبي عبدالله (علیه السلام): الرجل يكون عنده المال أيزكيه إذا مضى نصف السنة؟ فقال: لا و لكن حتى يحول عليه الحول و يحل عليه إنه ليس لأحد يصلى صلاة إلّا لوقتها و كذلك الزكاة و لا يصوم أحد شهر رمضان إلّا

ص: 185


1- الوسائل، الباب 51 من أبواب المستحقّين للزّكاة، الحدیث: 1

في شهره إلّا قضاءاً أو كل فريضة إنما تؤدى إذا حلت(1)

ومنها: ما رواه زرارة قال: قلت لأبي جعفر (علیه السلام): أيزكى الرجل ماله إذا مضى ثلث السنة؟ قال: لا تصلى الأولى قبل الزوال(2)

و بازاء هذه الروايات جملة منها تدل على الجواز، منها: ما رواه معاوية بن عمار عن أبي عبد الله (علیه السلام) قال: قلت له الرجل تحل عليه الزكاة في شهر رمضان فيؤخرها إلى المحرم قال لا بأس قال قلت: فإنها لا تحل عليه إلا في المحرم فيعجلها في شهر رمضان قال لا بأس.(3)

و منها: ما رواه حماد بن عثمان عن أبي عبد الله (علیه السلام) قال: لا بأس بتعجيل الزكاة شهرين و تأخيرها شهرين.(4)

و منها: مارواه ابوبصير عن أبي عبدالله (علیه السلام) في حديث أنه سأله عن رجل حال عليه الحول و حل الشهر الذي كان يزكى فيه و قد أتى نصف ماله سنة و لنصفه الآخر ستة أشهر، قال: يزكى الذي مرت عليه سنة و يدع الآخر حتى تمر عليه سنة، قلت: فإنه اشتهى أن يزكى ذلك، قال: ما أحسن ذلك(5)

فيقع التعارض بينهما فلابد من العلاج فقد يرجح الطائفة الدالة على عدم الجواز بمخالفة العامة حيث جوّزوا التعجيل على ما ذكر من ذهاب أحمد و الشافعي و أبي حنيفة إلى الجواز فالنتيجة هو المنع.

لكن قد ذكرنا في محله أنّ الترجيح بمخالفة العامة مشكلٌ (علی مبنی سیدنا الاستاذ دام ظله) و قد يجمع بين الطائفتين بحمل روايات جواز التعجيل على اعطاء المال بعنوان

ص: 186


1- الوسائل، الباب 51 من أبواب المستحقّين للزّكاة، الحدیث: 2
2- نفس المصدر، الحدیث: 3
3- الوسائل، الباب 49 من أبواب المستحقّين للزّكاة، الحدیث: 9
4- نفس المصدر، الحدیث: 11
5- نفس المصدر، الحدیث: 4

القرض بشهادة رواية الأحول عن أبي عبدالله (علیه السلام) في رجل عجل زكاة ماله ثم أيسر المعطى قبل رأس السنة قال: يعيد المعطى الزكاة(1)

و ما رواه يونس بن عمار قال سمعت أبا عبد الله (علیه السلام) يقول قرض المؤمن غنيمة و تعجيل أجر إن أيسر قضاك و إن مات قبل ذلك احتسبت به من الزكاة.(2)

و ما رواه عقبة بن خالد عن أبي عبد الله (علیه السلام) في حديث أن عثمان بن بهرام قال له إني رجل موسر و يجيئني الرجل و يسألني الشي ء و ليس هو إبان زكاتي فقال له أبو عبد الله القرض عندنا بثمانية عشر و الصدقة بعشرة و ما ذا عليك إذا كنت كما تقول موسرا أعطيته فإذا كان إبان زكاتك احتسبت بها من الزكاة يا عثمان لا ترده فإن رده عند الله عظيم.(3)

لكن العمدة رواية الأحول، بتقريب: أن المدفوع لو كان تمليكاً على وجه الزكاة، لا وجه للاعادة إذا أيسر المعطى قبل حلول السنة، إذ المدار في الجواز هو الفقر حين الدفع فيكون الموجب للاعادة كون الاعطاء و هو القرض مثلاً و إلّا يلزم اشتراط استمرار الاستحقاق إلى زمان الوجوب و هذا بعيد جداً فحكمه (علیه السلام) بالاعادة شاهد على أن الاعطاء كان على وجه القرض و بذلك یجمع بين الطائفتين بحمل الروايات المجوز على الاعطاء بعنوان القرض.

أورد عليه المحقق الخوئي (قدس سره ) بأنّ الوارد في هذه النصوص عنوان التعجيل و المتبادر منه هو الاعطاء بعنوان الزكاة قبل الوقت لأنه هو التعجيل، و أما القرض فلا يعد تعجيلاً خصوصاً مع ملاحظة بعض النصوص الدالة على تحديد التعجيل بشهرين أو ثلاثة أشهر و من الواضح أن هذا لا يلائم القرض.

ص: 187


1- الوسائل، الباب 50 من أبواب المستحقّين للزّكاة، الحدیث: 1
2- الوسائل، الباب 49 من أبواب المستحقّين للزّكاة، الحدیث: 1
3- نفس المصدر، الحدیث: 2

«فلو قدمها كان المال باقياً على ملكه مع بقاء عينه و يضمن تلفه القابض إن علم بالحال و للمالك احتسابه جديداً مع بقائه أو احتساب عوضه مع ضمانه و بقاء فقر القابض و له العدول عنه إلى غيره» (1)

و لسيدنا الاستاذ (رحمه اللّه) في المرتقى كلام في المقام لا بأس بذكره و هو أن المقام من موارد دوران الأمر بين التخصيص و التخصص و الثاني أولى و ذلك أنّ السائل حينما يسأل عن تعجيل الزكاة مع علمه بأن وقت الوجوب هو رأس السنة إنما يريد اعطاء مقدار الزكاة إليه لكن لا بعنوان الزكاة بل بعنوان آخر مثل القرض لكن يحتسب عليه ذلك زكاة في وقت الوجوب و لذلك حكم الامام (علیه السلام) بلزوم الاعادة إذا أيسر وقت الزكاة و حينئذٍ يدور الأمر بين أن نحكم بأنّ الاعطاء كان من باب الزكاة، لكن یخصص الدليل الدال على أن المناط في الاعطاء الاستحقاق حين الدفع و قلنا بأن الاستحقاق شرطٌ حدوثاً و بقاءً بمعنى اشتراطه حين الدفع و استمراره إلى زمان تعلق الوجوب أو التخصص و أنّ الاعطاء يكون من باب القرض حتى يكون الخروج موضوعیاً و هذا ما ذكرنا من الدوران.

و بعبارة واضحة أن أمر التعجيل في الاعطاء دائر بين كونه من باب الزكاة و نخصص الدليل الدال على اشتراط الاستحقاق حين الدفع فقط و قلنا بأنّ الأمر و إن كان كذلك في سائر الموارد، أما فيما نحن فيه يشترط فيه الاستمرار و بين كونه من القرض لا من باب الزكاة و حينئذٍ يكون المورد من موارد دوران الأمر بين التخصيص و التخصص و الثاني أولى كما قرر في محله.

(1) أما بقائه على ملك المالك فلأنه لم يدفعها إلّا بعنوان الزكاة و المفروض أنه لم يقع على ذلك فلا وجه لخروجه عن ملك المالك فيكون باقياً على ملك مالكه مع بقاء عينه و إن تلف فإن كان المدفوع إليه عالماً بذلك يكون ضامناً لقاعدة الإتلاف و أما

ص: 188

«مسألة5: إذا أراد أن يعطي فقيراً شيئاً و لم يجيء وقت وجوب الزكاة عليه، يجوز أن يعطيه قرضاً، فإذا جاء وقت الوجوب حسبه عليه زكاة بشرط بقائه على صفة الاستحقاق و بقاء الدافع و المال على صفة الوجوب و لا يجب عليه ذلك بل يجوز مع بقائه على الاستحقاق الأخذ منه و الدفع إلى غيره و إن كان الأحوط الاحتساب عليه و عدم الأخذ منه» (1)

إن كان جاهلاً بذلك، فلا ضمان إما لقاعدة الغرور أو غيرها كما تقدم تفصيله في بحث أصناف المستحقين فلاحظ.

(1) و أما جواز الاعطاء قرضاً فلوجود المقتضى و عدم المانع و أما احتسابه زكاة عند إبّان الزكاة و بقاء الدافع و المدفوع إليه و المال على صفة الوجوب فلما تقدم من الروايات المتعددة الدالة على ذلك لاحظ ما رواه عبد الرحمن بن الحجاج قال: سألت أبا الحسن الأول (علیه السلام) عن دين لي على قوم قد طال حبسه عندهم لا يقدرون على قضائه و هم مستوجبون للزكاة هل لي أن أدعه فأحتسب به عليهم من الزكاة قال نعم.(1)

و ما رواه عقبة بن خالد عن أبي عبد الله (علیه السلام) في حديث أن عثمان بن بهرام قال له إني رجل موسر و يجيئني الرجل و يسألني الشي ء و ليس هو إبان زكاتي فقال له أبو عبد الله القرض عندنا بثمانية عشر و الصدقة بعشرة و ما ذا عليك إذا كنت كما تقول موسرا أعطيته فإذا كان إبان زكاتك احتسبت بها من الزكاة يا عثمان لا ترده فإن رده عند الله عظيم.(2)

و عدم وجوب ذلك لعدم الدليل عليه، و أما رواية يونس بن عمار قال سمعت أبا عبد

ص: 189


1- الوسائل، الباب 46 من أبواب المستحقّين للزّكاة، الحدیث: 2
2- الوسائل، الباب 49 من أبواب المستحقّين للزّكاة، الحدیث: 2

مسألة6: لو أعطاه قرضاً فزاد عنده زيادة متصلة أو منفصلة فالزيادة له لا للمالك كما أنه لو نقص كان النقص عليه» (1)

الله (علیه السلام) يقول قرض المؤمن غنيمة و تعجيل أجر إن أيسر قضاك و إن مات قبل ذلك احتسبت به من الزكاة.(1)

و ما رواه هيثم الصيرفي و غيره عن أبي عبد الله (علیه السلام) قال: القرض الواحد بثمانية عشر و إن مات احتسب بها من الزكاة.(2)

و ما رواه إبراهيم بن السندي عن أبي عبد الله (علیه السلام) قال: قرض المؤمن غنيمة و تعجيل خير إن أيسر أدى و إن مات احتسب من زكاته.(3) فمضافاً إلى ضعف سندها واردة في مقام توهم الحظر فلا تدل على الوجوب، نعم الاحتياط حسن.

(1) لأنهما حدثتا في ملك المقترض لا في ملك المقرض فتكونان له و عليه بمقتضى عقد القرض.

ص: 190


1- الوسائل، الباب 49 من أبواب المستحقّين للزّكاة، الحدیث: 1
2- نفس المصدر، الحدیث: 8
3- نفس المصدر، الحدیث: 3

«فإن خرج عن الاستحقاق أو أراد المالك الدفع إلى غيره يسترد عوضه لا عينه كما هو مقتضى حكم القرض بل مع عدم الزيادة أيضاً ليس عليه إلّا رد المثل أو القيمة» (1)

«مسألة7: لو كان ما أقرض الفقير في أثناء الحول بقصد الاحتساب عليه بعد حلوله بعضاً من النصاب و خرج الباقي عن حده، سقط الوجوب على الأصح لعدم بقائه في ملكه طول الحول، سواء كانت العين باقية عند الفقير أو تالفة فلا محل للاحتساب» (2)

(1) فإن القرض كما قرر في محله هو التمليك بالضمان كما عرفه بعض الأعلام و حينئذٍ يكون ذمة المقترض مشغولة بالبدل من المثل أو القيمة فله تطبيق ما في ذمته على ما شاء، فإن كانت العين باقية، فله أن يؤدي ذمته بها كما أن له أن يطبق ما في ذمته على غيرها من المثل إن كان مثلياً و القيمة إن قيمياً، و ما يظهر من كلام المصنف من انحصار الافراغ بالمثل أو القيمة، فلم نر وجهه إلّا أن يكون المراد المتن أن المقترض في فرض كون المال قيمياً عليه رد القيمة و المثل إن كان مثلياً مع تلف العين و إلّا فمع وجود العين يجوز له رد نفس العين لا المثل و لا القيمة فلاحظ.

(2) قد ذكرنا سابقاً أن الزكاة متعلقة بالعين لا بالدين و حينئذٍ إذا خرجت العين عن ملكه طول الحول لا يبقى موضوع لوجوب أداء الزكاة و المفروض أن الأمر كذلك إذ بالاقراض خرج عن ملكه و نتيجة ذلك عدم بلوغ ما ملك إلى حد النصاب فلا تجب الزكاة، هذا خلافاً لما نسب إلى الشيخ (رحمه اللّه) من وجوب الزكاة فما أفاده إما مبني على أن القرض يملك بالتصرف لا بالقبض فلم ينقص النصاب على تقدير بقاء العين عند الفقير، و إما مبني على أن الزكاة ثابتة على الدين أيضاً كما انها تتعلق بالعين، لكنه

ص: 191

«نعم لو أعطاه بعض النصاب أمانة بالقصد المذكور لم يسقط الوجوب مع بقاء عينه عند الفقير فله الاحتساب حينئذ بعد حلول الحول إذا بقي على الاستحقاق» (1)

«مسألة8: لو استغنى الفقير الذي أقرضه بالقصد المذكور بعين هذا المال ثم حال الحول يجوز الاحتساب عليه لبقائه على صفة الفقر بسبب هذا الدين و يجوز الاحتساب من سهم الغارمين أيضاً» (2)

خلاف التحقيق كما قرر في محله.

(1) و الأمر فيه واضح لعدم خروج المال عن ملك مالكه بالأمانة فإذا كانت العين باقية طول السنة و كان الشخص باقياً على صفة الاستحقاق، يجوز له أن يحتسب عليه زكاة.

(2) في المسئلة قولان:

الأول: جواز الاحتساب من جهة الفقر كما هو المشهور.

و الثاني: عدم الجواز كما نسب إلى ابن ادريس و استدل على القول الثاني بأنّ الشخص يصير غنياً بالدين، فلا يجوز له أن يعطى الزكاة من جهة الفقر و لا مانع من اجتماع الدين و الغنى كما قد تجب على المديون الزكاة إذا كان مالكاً للنصاب إذ الدين في الذمة و الزكاة تتعلق بالعين فلا تنافي بينهما.

أورد عليه بأنّ ما افيد من عدم التنافي بين الغنى و الدين صحيح و لذا قد يكون الشخص مالكاً لقوة سنته و عياله و مع ذلك كان مدينا لأجل أمر خارج عن المؤنة و لذا يجوز له أن يأخذ الزكاة من جهة الغارمين لا من جهة الفقر، لكن هذا إذا لم يكن الغنى الفعلي من ناحية الاستدانة و أما إذا كان كذلك ففي الحقيقة لا يصدق عليه

ص: 192

«و أما لو استغنى بنماء هذا المال أو بارتفاع قيمته إذا كان قيمياً و قلنا إن المدار قيمته يوم القرض لا يوم الأداء لم يجز الاحتساب عليه» (1)

الغنى إذ هو محتاج إلى الآن فيكون من باب تبديل الحاجة لا رفع الحاجة فلا مانع من اعطاء الزكاة إليه من باب الفقر كما أنه يجوز له لأخذ من باب الغارمين.

(1) أما الاستغناء بالنماء، و الأمر فيه واضح لخروجه عن صفة الفقر بذلك فلا يجوز لاشتراط استمراره إلى حين الأداء و الاحتساب، و أما إذا كان بارتفاع القيمة و كان قيمياً و قلنا في باب ضمان القيميات، أنّ المدار قيمة يوم التلف الذي يكون المراد به في المقام يوم القرض فقد أفتى الماتن (رحمه اللّه) بعدم جواز الاحتساب حينئذٍ إذ يصير غنياً بذلك بارتفاع القيمة مع قدرته على أداء دينه كما إذا استقرض من شخص خمسة من الشياه قبل حلول الحول و كانت قيمتها آنَ ذلك عشرة دنانير و إن صارت قيمتها مائتين لترقى السوق و كانت مؤنته مأة و خمسين دينار فهو واجد لمؤنة سنته مع قدرته على أداء دينه فلا يكون مستحقاً حتى يجوز الاحتساب و أما إذا قلنا بأن المدار -في باب الضمانات- قيمة يوم الأداء فيجوز الاحتساب، لأن ارتفاع القيمة السوقية لم تؤثر في رفع حاجته فيكون استغنائه مسبباً عن الدين الذي قد ذكر في المسئلة السابقة أنه لا يوجب عدم الجواز فلاحظ.

لكن الظاهر أن المدار في باب الضمانات إذا كان المنشأ للضمان هو الغصب، يوم المخالفة -كما في صحيحة أبي ولاد- و أما في غيره فالمدار، يوم الاداء ففي ما نحن فيه يجوز الاحتساب لما ذكرنا.

ص: 193

«فصل: الزكاة من العبادات»

«فيعتبر فيها نية القربة» (1)

(1) استدل على ذلك بامور:

الأول: الاجماع بل ادعى التسالم بل ارتكاز المتشرعة في أذهان العامة.

الثاني: التعبير عن الزكاة بالصدقة في الكتاب و السنة قال الله تبارك و تعالى: {إنما الصدقات للفقراء و المساكين و العاملين عليها و المؤلفة قلوبهم و في الرقاب و الغارمين و في سبيل الله و ابن السبيل فريضة من الله والله عليم حكيم}(1) و من الواضح أنه يعتبر فيها قصد القربة بل هذا هو الفارق بين الصدقة و الهدية كما في رواية زرارة عن أبي عبدالله (علیه السلام) قال: إنما الصدقة محدثة إنما كان الناس على عهد رسول الله (صلی الله علیه و آله و سلم) ينحلون و يهبون و لا ينبغي لمن أعطى لله شيئاً أن يرجع فيه، قال: و ما لم يعطه لله و في الله فإنه يرجع فيه نحلة كانت أو هبة حيزت أو لم تحز(2)

و ما رواه علي بن جعفر في كتابه عن أخيه موسى بن جعفر (علیه السلام) قال: سألته عن الصدقة إذا لم تقبض هل تجوز لصاحبها؟ قال: إذا كان أب تصدق بها على ولد صغير فإنها جائزة لأنه يقبض لولده إذا كان صغيراً و إذا كان ولداً كبيراً فلا يجوز له حتى يقبض قال: سألته عن رجل تصدق على رجل بصدقة فلم يحزها هل يجوز ذلك؟ قال: هى جائزة حيزت أم لم تحز قال: و سألته عن الصدقة تجعل لله مبتوتة هل له أن يرجع فيها؟ قال: إذا جعلها لله فهي للمساكين و ابن السبيل فليس له أن يرجع فيها(3)

و ما رواه حماد بن عثمان عن أبي عبدالله (علیه السلام) قال: لا صدقة و لا عتق إلا ما اريد به

ص: 194


1- التوبة / 60
2- الوسائل، الباب 3 من أبواب الهبات، الحدیث: 1
3- الوسائل، الباب 5 من هذه الأبواب، الحدیث: 5

وجه الله عزوجل(1)

و ما رواه هشام و حماد و ابن اذينة و ابن بكير و غيرهم كلهم قالوا: قال أبوعبدالله (علیه السلام): لا صدقة و لا عتق إلا ما اريد به وجه الله عزوجل(2)

و ما رواه داود بن حصين عن أبي عبدالله (علیه السلام) قال: سألته هل لأحد أن يرجع في صدقة أو هبة؟ قال: أما ما تصدق به لله فلا و أما الهبة و النحلة فإنه يرجع فيها حازها أو لم يحزها و إن كانت لذي قرابة(3).

الثالث: عدّها من مباني الاسلام و أحدها لا تقبل إلّا بصاحبتها لاحظ ما رواه معروف بن خربوذ عن أبي جعفر (علیه السلام) قال: إن الله تبارك و تعالى قرن الزكاة بالصلاة فقال: {و أقيموا الصلاة و آتوا الزكاة} فمن أقام الصلاة و لم يؤت الزكاة فكأنه لم يقم الصلاة(4) لكنه في النفس شيء بالنسبة إلى هذا الدليل.

الرابع: المناسبة بين الحكم و الموضوع، بتقريب: أنّ الكتاب و السنة يدلان على أن الله تبارك و تعالى يأخذ الصدقات مباشرة، قال الله تبارك و تعالى: {ألم يعلموا أن الله هو يقبل التوبة عن عباده و يأخذ الصدقات و أن الله هو التواب الرحيم}(5) و في رواية سالم بن أبي حفصة عن أبي عبدالله (علیه السلام) قال: ان الله يقول: ما من شيء إلّا و قد وكلت به من يقبضه غيري إلّا الصدقة فإني اتلقفها بيدي تلقفاً حتى أنّ الرجل ليتصدق بالتمرة أو بشق تمرة فاربيها له كما يربى الرجل فلوه و فصيله فيأتي يوم القيامة و هو مثل احد و أعظم من احد(6) فتأمل (لأن هذین الدلیلین لایثبت عبادیت الزكاة).

ص: 195


1- الوسائل، الباب 13 من أبواب الوقوف و الصّدقات، الحدیث: 2
2- نفس المصدر، الحدیث: 3
3- الوسائل، الباب 6 من أبواب الهبات، الحدیث: 3
4- الوسائل، الباب 3 من أبواب ما تجب فيه الزّكاة و ما تستحبّ فيه، الحدیث: 2
5- التّوبة / 104
6- الوسائل، الباب 7 من أبواب الصّدقة، الحدیث: 7

«و التعيين مع تعدد ما عليه بأن يكون عليه خمس و زكاة و هو هاشمي فأعطى هاشمياً فإنه يجب عليه أن يعين أنه من أيهما و كذا لو كان عليه زكاة و كفارة فإنه يجب التعيين» (1)

(1) أفاد سيدنا الاستاذ (رحمه اللّه) في المقام أن اعبتار التعيين على وجهين:

الأول: أن يتعلق الأمر بعنوان خاص فإذا فرض أن هناك شيئين لا مائز بينهما ذاتاً و قد تعلق بكل واحد منهما أمر، لكن كل منهما بعنوان خاص بأن كان الاختلاف بينهما بالعنوان فحينئذٍ لابد من قصد ذلك العنوان و إلّا لم يتحقق ما هو متعلق الأمر كما إذا كان قوام تمييز الظهر عن العصر بالنية فإن متعلق الأمر بصلاة الظهر لا يغاير متعلق الامر بصلاة العصر بحسب الذات و إنما التميز بالعنوان و حينئذٍ لابد من قصد العنوان حتى يتميز.

و الثاني: أن يكون العنوان المأخوذ في الموضوع بنحو المشير ففي مثله يكون الوجه في قصد التعيين هو امتثال الأمر، بمعنى أن وقوع الفعل عبادة و امتثالاً للأمر المتعلق به مما يتوقف على قصد العنوان المذكور بحيث لولاه لم يتحقق الامتثال، إذ الفعل يصلح لأن يقع امتثالاً لكل من العنوانين فلابد من التعيين و بدونه لم يتحقق الامتثال، مثلاً إذا قال المولى: اكرم عالماً ثم قال: اكرم هاشمياً فإذا اكرم شخص بقصد كونه عالماً فقد وقع الفعل المذكور امتثالاً للامر باكرام العالم كما أنه إذا أكرمه بقصد كونه هاشمياً كان ذلك امتثالاً للامر باكرام الهاشمي، و أما إذا اكرمه من دون قصد أيهما، لم يقع ذلك امتثالاً لشيء منهما و ما يظهر من كلام الماتن (رحمه اللّه) هو الأول و أن قصد التعيين لازم من جهة أن التعيين معتبر بلحاظ دخله في تحقق متعلق التكليف.

لكن يمكن أن يقال إن اعتبار التعيين في المقام الثاني إنما يكون من جهة أنه معتبر في المتعلق إذ لولا اعتبار ذلك لم يكن معتبراً في مقام الامتثال فلاحظ.

ص: 196

«بل و كذا إذا كان عليه زكاة المال و الفطرة فإنه يجب التعيين على الأحوط» (1)

(1) و لعل المنشأ للاحتياط ما أفاده السيد الحكيم (رحمه اللّه) من أنّ زكاة الفطر تغاير زكاة المال ذاتاً لاختصاص الثانية بالغلات و عموم الاولى لغيرها فحقيقة الواجبين مختلفة ذاتاً، مورداً و سبباً و وقتاً و احكاماً، فكل ذلك كاشف عن اختلاف الخصوصيات المعتبرة في موضوع الأمر.

لكن أورد عليه المحقق الخوئي (قدس سره ) بأنه لا يبعد الاتحاد و أنهما فردان من حقيقة واحدة و هي الصدقة الواجبة، لكن منشأ الاختلاف هو الاختلاف في السبب فإن سبب الاولى ملك النصاب و الثانية دخول شهر شوال فالتعدد في السبب، لا في المسبب فالاختلاف في السبب لا يوجب الاختلاف في الحقيقة كما أن كون احداهما زكاة عن المال، و الاخرى زكاة عن البُدن، لا يوجب ذلك بعد اتحاد متعلقي الوجوب أعني الزكاة و الحال أنّ حال الاختلاف في السبب حال الاختلاف في الاجناس الزكوية فكما أن سبب الوجوب قد يكون ملكية عشرين ديناراً و أخرى اربعين شاة و هكذا كذلك قد يكون السبب هلال شهر الشوال و من البيّن عدم لزوم قصد التعيين بعد اتحاد السبب كما هو كذلك في سائر المقامات، مثلاً إذا كان الشخص مديناً لزيد بدرهم للاتلاف و آخر استقرض و ثالث لأجل اشتراء شيء منه لا يلزمه قصد التعيين في مقام الوفاء فكذلك فيما نحن فيه.

و لقائل أن يقول: أن القياس مع الفارق إذ السبب فيما نحن فيه يوجب الاختلاف في المسبب سنخاً و وضعاً و تكليفاً و في المقيس لا يوجب ذلك تعدد الذمم المختلفة سنخاً و وضعاً و تكليفاً بل يوجب تكليفاً واحداً بأداء الدين.

ص: 197

«بخلاف ما إذا اتحد الحق الذي عليه فإنه يكفيه الدفع بقصد ما في الذمة و إن جهل نوعه» (1) «بل مع التعدد أيضاً يكفيه التعيين الإجمالي بأن ينوي ما وجب عليه أولا أو ما وجب ثانياً مثلا» (2) «و لا يعتبر نية الوجوب و الندب» (3) «و كذا لا يعتبر أيضاً نية الجنس الذي تخرج منه الزكاة أنه من الأنعام أو الغلات أو النقدين من غير فرق بين أن يكون محل الوجوب متحداً أو متعدداً بل و من غير فرق بين أن يكون نوع الحق متحداً أو متعدداً كما لو كان عنده أربعون من الغنم و خمس من الإبل فإن الحق في كل منهما شاة أو كان عنده من أحد النقدين و من الأنعام فلا يجب تعيين شيء من ذلك سواء كان المدفوع من جنس واحد مما عليه أو لا؟ فيكفي مجرد قصد كونه زكاة بل لو كان له مالان متساويان أو مختلفان حاضران أو غائبان أو مختلفان فأخرج الزكاة عن أحدهما من غير تعيين أجزأه و له التعيين بعد ذلك و لو نوى الزكاة عنهما وزّعت بل يقوى التوزيع مع نية مطلق الزكاة» (4)

(1) لعدم الدليل على التعيين بعد اتحاد الحق بل قصد الاجمالى كافٍ فإنه مع قصد عنوان كونه في الذمة ينطبق عليه العنوان فلا يحتاج إلى الأزيد من ذلك.

(2) لعين الملاك المتقدم ذكره.

(3) لعدم الدليل عليه كما قرر في بحث العلم الاجمالي.

(4) اجماعاً كما عن المنتهى و عن المدارك مقطوع به في كلام الأصحاب لأن مجرد قصد كونه زكاة كافٍ في تفريغ الذمة و لا يلزم نية الجنس سواء كان متحداً أو متعدداً

ص: 198

و سواء كان المدفوع من نفس الجنس المتعلق به الزكاة أم غيره، هذا على مبنى المصنف و المشهور واضح إذ الزكاة على هذا المبنى تتعلق بالأعم من العين الزكوية و مطلق القيمة، سواء كانت من النقدين أو جنس آخر، و بالجملة إن قلنا بأن الزكاة تتعلق بمقدار من المال المنطبق على نفس المتعلق أو جنس آخر من النقدين أو غيرهما يكون من باب تعلق الأمر بفردين أو أفراد من طبيعة واحدة فقهراً لا يحتاج في تعيين المتعلق من قصده فإذا كان عليه مقدار مالية عشرة دراهم زكاة للغنم و عشرة زكاتاً للحنطة و دفع عشرة بقصد الزكاة من غير تعيين، فرغت ذمته عن احداهما و بقيت الاخرى إذ الاختلاف في السبب لا يوجب الاختلاف في المسبب كما تقدم و حينئذٍ إن عيّن العشرة المدفوعة في الغنم جاز التصرف في باقيها دون الحنطة و إذا تلفت كان ضامناً بالنسبة إليها و إن قصد الحنطة يتعين فيها و يجوز له التصرف في باقي الحنطة، و بالنسبة إلى الدرهم يكون ضامناً لو تلف و لا يجوز له التصرف في باقي الدراهم، هذا كله إذا قصد حين الدفع، و أما إذا دفعها من غير قصد فهل يجوز له التعيين بعد الدفع، فيشكلٌ، لعدم الدليل على ولايته على ذلك إلا أن يرجع إلى القرعة لو قلنا بعموميتها.

و أما على ما سلكه المحقق الخوئي (قدس سره ) و هو المنصور لرواية علي بن جعفر (علیه السلام) (قال: سألت أبا الحسن موسى (علیه السلام) عن الرجل يعطي عن زكاته عن الدراهم دنانير و عن الدنانير دراهم بالقيمة أ يحل ذلك قال لا بأس به.)(1) من الاختصاص بأن الجامع هو متعلق الحق و قيمته من النقد الرائج لا جنس آخر فلابد من التفصيل بين ما إذا كان هناك نوعان من الحق و عدمه فإن كان جنس الحق متحداً، كما إذا كان له أربعون من الغنم و خمسة من الابل ففي كل واحد منهما شاة و حينئذٍ يكون متعلق التكليف شيء واحد فيجوز له أن يدفع شاتان أو قيمتهما فيكون المتعلق هو الجامع بين الأمرين

ص: 199


1- الوسائل، الباب 14 من أبواب زكات الذهب و الفضة، الحدیث: 2

«مسألة1: لا إشكال في أنه يجوز للمالك التوكيل في أداء الزكاة كما يجوز له التوكيل في الإيصال إلى الفقير» (1)

فيكون من قبيل تعلق التكليف بالطبيعي القابل للانطباق على جميع أفراده و حينئذٍ إذا دفع قيمة شاة واحدة و لم يعين فحيث انها قابلة للتطبيق على كل منهما فلا محالة توزّع عليهما إلا إذا قصد أحدهما المعين و لو اجمالاً و أما إذا كان الجنسان مختلفين كما إذا كان له حنطة و غنم و حينئذٍ يتعلق التكليف بين الجامع الحنطة و قيمتها و الغنم و قيمتها و هما متغايران و حينئذٍ إن أدى نفس ما تعلق به الزكاة كما إذا أعطى الحنطة في الأول و الشاة في الثاني فلا كلام في ذلك و أما إذا أعطى القيمة فلأجل أنها قابلة لكل منهما فلابد من التعيين، فإن عين أحدهما وقع له و إلّا يوزع عليهما بالمناصفة لتساوي كل منهما بالنسبة إليها.

(1) ينبغي في هذه المسئلة تارة نبحث على مقتضى القاعدة الأولية و أخرى على مقتضى النص فيقع البحث في المقامين:

أما الأول: فمقتضى القاعدة الأولية جواز التوكيل في مقام الأداء و الايصال إذ الأصل الأولي و إن اقتضى عدم تحقق العبادة عن غير المباشر و يحتاج القول بالأعم من المباشرة و التسبيب إلى الدليل لكن مقتضى الاجماع بل الروايات المتعددة بل المستفاضة كما في الجواهر قبول هذا الفعل للنيابة فحينئذٍ يكون مقتضی ذلك كون المأمور به أعم من صدوره من المكلف أو التسبيب إلى تحققه هذا من ناحية و من ناحية اخرى أنّ مقتضى العرف كون الفعل الصادر من الوكيل مستند إلى الموكل استناداً حقيقياً فكأنّ المكلف بنفسه قام بالفعل و قد تقدم أن المكلف يجوز له أن يؤدى ما عليه من الزكاة فلا كلام في جواز ذلك بمقتضى القاعدة الأولية.

و الحاصل أن هنا اموراً ثلاثة: الأول: أن المكلف يجوز له الأداء بنفسه كما تقدم.

ص: 200

الثاني: أن الأداء قابل للنيابة، الثالث: أن فعل الوكيل مستند إلى فعل المكلف فمع ملاحظة هذه الامور يجزم الفقيه بجواز التوكيل في مقام الأداء، مضافاً إلى السيرة القطعية المدعاة في كلام صاحب الجواهر في جواز ذلك و بذلك يظهر الحال بالنسبة إلى التوكيل في الايصال بل بالاولوية.

أما الثاني: فقد استدل على جواز التوكيل في مقام الأداء بما رواه علي بن يقطين قال: سألت أباالحسن (علیه السلام) عمن يلى صدقة العشر على من لا بأس به، فقال: إن كان ثقة فمره يضعها في مواضعها و إن لم یكن ثقة فخذها منه و ضعها في مواضعها(1)

بتقريب: أنه ناظر إلى أمر المالك و توكيله الغير في أداء الزكاة عنه و الاجتزاء بذلك إن كان الوكيل ثقة.

أورد عليه المحقق الخوئي (قدس سره ) بأن هذه الرواية ناظرة إلى فعل المصدق الذي يلي أمر الصدقة و يوصلها بعد جمعها إلى أربابها و لا ناظر إلى توكيل المالك غيره بالأداء أو بالايصال.

ص: 201


1- الوسائل، الباب 35 من أبواب المستحقّين للزّكاة، الحدیث: 1

«و في الأول ينوي الوكيل حين الدفع إلى الفقير عن المالك و الأحوط تولي المالك للنية أيضاً حين الدفع إلى الوكيل، و في الثاني لابد من تولي المالك للنية حين الدفع إلى الوكيل و الأحوط استمرارها إلى حين دفع الوكيل إلى الفقير» (1)

(1) هل المتولى للنية هو الموكل حين الدفع إلى الوكيل أو الوكيل حين الدفع إلى الفقير أو الموكل حين دفع الوكيل إلى الفقير، احتمالات:

و استدل للأول: بأنّ المخاطب للأداء هو الموكل و المفروض أنه بتسبيبه مؤدّ للزكاة فلابد من قصده القربة حتى يؤدى ما عليه من التكليف، و أما الوكيل فهو غير مخاطب به و إنما هو يمتثل أمر موكله فتوقف صحة الأداء على قصد النائب يحتاج إلى دليل مفقود في المقام.

و أما الوجه في الاحتمال الثاني: فلأن الوكيل نائب عن المالك في الأداء فلابد من أن تكون النية من النائب حين الدفع إلى الفقير لأنه بدل تنزيلي للمالك و بأدائه يملك الفقير فلابد من أن تكون النية مقارنة لأدائه إليه.

و أما الاحتمال الثالث: فلأنه به يكون الاعطاء للزكاة الذي هو موضوع الوجوب العبادي، و أما الدفع إلى الوكيل في الأداء فليس موضوعاً للواجب العبادي.

لكن مقتضى التحقيق أن يقال: أنّ التوكيل إذا كان في الايصال فالوجه في لزوم نية المالك القربة حين الدفع إلى الوكيل واضحٌ لأن الدفع إلى الوكيل في الايصال في الحقيقة دفع إلى الفقير بواسطته و أما إذا كان وكيلاً في الاداء، فقد يقال إن المدار نية الموكل حين الدفع إلى الوكيل لأن نية القربة في العبادات لما كانت هي الداعي إلى العمل فلا جرم كانت مقارنة للعمل كأداء الزكاة في المقام و من الواضح أن نية العمل عبادياً كان أم لا، إنما تصدر من الموكل حين تسبيبه إليه فلابد من أن يكون ذلك بداعي التقرب

ص: 202

«مسألة2: إذا دفع المالك أو وكيله بلا نية القربة، له أن ينوي بعد وصول المال إلى الفقير و إن تأخرت عن الدفع بزمان بشرط بقاء العين في يده أو تلفها مع ضمانه كغيرها من الديون، و أما مع تلفها بلا ضمان فلا محل للنية» (1)

إليه تعالى شأنه.

لكن الظاهر أن النية شرط في مقام الأداء أی الامتثال و دفع الموكل إلى الوكيل ليس مصداقاً للأداء بل مقدمة له فلابد من أن تكون النية من النائب حين الدفع إلى الفقير فكأن الموكل بتوكيله فوض أمر الأداء إلى الوكيل بجميع شؤناته من العزل و الافراز و الدفع إلى الفقير و منها النية لأنه بدل تنزيلي للمالك و لذا بأدائه يملك الفقير لا بالدفع إلى الوكيل فلابد من أن تكون النية مقارنة للأداء و هو فعل، فعل الوكيل لا الموكل.

(1) حيث أنّ الزكاة من العبادات فلابد من تحققها قصد القربة فإذا دفعها من دون قصدها تكون العين باقية على ملك مالكها و حينئذٍ كان له أن ينوى القربة بعد ذلك، إذ المتفاهم العرفي من الأداء هو الأعم من الحدوث و البقاء، إذ المقصود الوصول إلى الفقير مع قصد القربة و معه لا موجب للاسترداد و الدفع إلى الفقير ثانياً نظير ما اذا كان المال أمانة عند الفقير، فيحاسب عليه زكاة فيكون قصد القربة بقاء مجزىءٌ، و أما الاجزاء عند التلف مع الضمان أي ضمان الفقير كما إذا تلف مع علمه بالحال، فيجوز للمالك احتسابه زكاة كسائر الديون التي سبق القول بجواز احتسابها زكاة، و أما مع عدم الضمان كما إذا كان جاهلاً بالحال لقاعدة الغرور فلا مجال للاحتساب حيث أنه لا عين باقية، فينوى و لا دين فيحتسب فلابد من الاعادة.

ص: 203

«مسألة3: يجوز دفع الزكاة إلى الحاكم الشرعي بعنوان الوكالة عن المالك في الأداء كما يجوز بعنوان الوكالة في الإيصال و يجوز بعنوان أنه ولي عام على الفقراء، ففي الأول يتولى الحاكم النية وكالة حين الدفع إلى الفقير و الأحوط تولي المالك أيضاً حين الدفع إلى الحاكم، و في الثاني يكفي نية المالك حين الدفع إليه و إبقاوها مستمرة إلى حين الوصول إلى الفقير، و في الثالث أيضاً ينوي المالك حين الدفع إليه لأن يده حينئذٍ يد الفقير المولى عليه» (1)

«مسألة4: إذا أدى ولي اليتيم أو المجنون زكاة مالهما يكون هو المتولي للنية» (2)

«مسألة5: إذا أدى الحاكم الزكاة عن الممتنع يتولى هو النية عنه» (3)

(1) أما جواز دفع الزكاة إلى الحاكم الشرعي بعنوان الوكالة فلأن الحاكم و غیره في هذه الجهة سواء فما قلنا قبل ذلك من أنه يتولى الوكيل النية إذا كان وكيلا في الأداء و ينوى الموكل إذا كان وكيلاً في الايصال، يجرى هنا أيضاً و أما اعطائه من باب أنه ولي عام على الفقراء فلأن يد الولي يد المولى عليه، فالمالك إذا دفع إليه فكأنه دفع إلى الفقير و لذا يجوز له النية حين الدفع إليه.

(2) لأنه مخاطب للأداء، فعليه النية.

(3) إذ الحاكم وليّ الممتنع و من المعلوم أن الولي يتصدى ما عليه المولى عليه و ما هو مطلوب منه، هو الاعطاء على وجه القربة فلا جرم يكون الحاكم هو المتصدى لها عنه.

ص: 204

«و إذا أخذها من الكافر يتولاها أيضاً عند أخذه منه أو عند الدفع إلى الفقير عن نفسه لا عن الكافر» (1)

(1) فإن الزكاة عبادة مشروطة بالنية، هذا من ناحية و من ناحية اخرى أنه لا يكاد تصح نية القربة من الكافر لعدم صلاحيته لذلك فلابد من أن يكون المتولي للزكاة هو الحاكم، غاية الأمر يقع البحث في أن الحاكم ينوى عن نفسه، كما فى كلام الماتن (رحمه اللّه) أم يتولى الحاكم النية عنه، قد يقال إنه ينوى عن الكافر لا عن نفسه، بتقريب: أن الكافر لو كان مكلفاً بالفروع كما هو المفروض فليس ذلك إلا من جهة شمول الاطلاقات و العمومات إيّاه على حد غيره من المسلمين و اذن فكما أن الزكاة مطلوبة من المسلم مشروطة بقصد القربة فكذلك بالنسبة إليه و حيث أنّ قصد القربة مقدور للكافر من جهة أنه قادر على اعتناقه للاسلام يكون عدم اعتناقه بسوء اختياره فيكون من مصاديق الممتنع و حيث أنّ الحاكم وليّ الممتنع يتولى عن الكافر، و ربما يقال أنّ المتولي للنية هو الحاكم ينوى عن نفسه لأنه المأمور بأخذ الزكاة و دفعها إلى الفقير، لكنه مخدوش بأن الأمر متوجه إلى الكافر فكيف يمكن أن يكون الأمر المتوجه إلى الشخص موجباً لتقرب شخص آخر إلّا أن يلتزم بأن الامر المتوجه إلى الكافر ليس عبادياً و هذا كما ترى فالجمع بين عبادية الزكاة و عدم صحة العبادة عن الكافر بنفسه أو بوكيله أو وليه مما لا يجتمعان و حينئذٍ نقول إنّ الامر العبادي المتوجه إلى الكافر هو الداعي إلى الأداء و حيث أنّ الكافر ممتنع عنه لامتناعه عن اعتناقه للاسلام يكون المتولي للنية هو الحاكم، لكن حيث أنه وليّ عليه، ينوى عنه لا عن نفسه، هذا كله على القول بكون الكافر مكلفاً بالفروع و أما إذا لم نقل ذلك فلا موضوع للبحث.

ص: 205

«مسألة6: لو كان له مال غائب مثلاً فنوى أنه إن كان باقياً فهذا زكاته و إن كان تالفاً فهو صدقة مستحبة صح بخلاف ما لو ردّد في نيته و لم يعين هذا المقدار أيضاً فنوى أن هذا زكاة واجبة أو صدقة مندوبة فإنه لا يجزي» (1)

«مسألة7: لو أخرج عن ماله الغائب زكاة ثم بان كونه تالفاً فإن كان ما أعطاه باقياً، له أن يسترده و إن كان تالفاً، استرد عوضه إذا كان القابض عالماً بالحال و إلّا فلا» (2)

(1) و أما في الفرض الأول فالأمر كما أفاده فإنه لا ترديد في الأمر الذي قصده أي الأمر الفعلي المتوجه إليه فعلاً و إن جهل جهة الأمر الفعلي و أنه وجوبي أو استحبابي فلا ترديد في ذات المنوي بعد أن كان له تعيّن واقعي و إنما الترديد في صفة الأمر و خصوصيته و أنّ الزكاة واجبة أو مستحبة، لا ضير فيه و كم له نظير.

و الحاصل: أن الترديد في النية و هو لا يسرى في المنوي حتى يكون مردداً كي يقال أن المردد لا واقع له و أما في الفرض الثاني فعدم الاجزاء إنما يكون من جهة سراية الترديد في النية إلى المنوي فعليه تكون نسبة المال إلى المدفوع و إلى الفقير و إلى كل من نية الزكاة و الصدقة على حد سواء فيكون تخصيصه بأحدهما دون الآخر ترجيح بلا مرجح فلا يقع ذلك زكاة و لا صدقة مستحبة و هذا نظير ما لو أتى بركعتين من دون أن يقصد بهما فريضة الفجر و لا نافلته فإنه لا تقع امتثالاً لأى واحد منهما لما عرفت من لزوم قصد عنوان المأمور به و لو اجمالاً المفقود في هذا الفرض.

(2) أما في الصورة الاولى فلبقائه على ملكه و عدم خروجه عنه لعدم انطباق عنوان الزكاة عليه، و أما في الصورة الثانية فلعدم صدق عنوان الزكاة فلا محالة يكون الشخص

ص: 206

ضامناً لما أتلفه فتكون يده يد ضمان فعليه الخسارة و أما في الصورة الثالثة فلا ضمان في البين لأن المالك بنفسه سلّط ماله فلا ضمان فيكون من مصاديق «ما لا يضمن بصحيحه لا يضمن بفاسده».

ص: 207

«ختام: فيه مسائل متفرقة»

«الأولى: استحباب استخراج زكاة مال التجارة و نحوه للصبي و المجنون تكليف للولي و ليس من باب النيابة عن الصبي و المجنون فالمناط فيه اجتهاد الولي أو تقليده» (1)

«فلو كان من مذهبه اجتهاداً أو تقليداً وجوب إخراجها أو استحبابه ليس للصبي بعد بلوغه معارضته و إن قلد من يقول بعدم الجواز» (2)

(1) حقيقة النيابة إنما تتحقق في مورد توجه التكليف إلي المنوب عنه فالمخاطب للتكليف في الحقيقة هو المنوب عنه و النائب إنما هو منزل منزلة المنوب عنه و لذا قلنا بأنه يقصد ما في ذمته و حينئذٍ إذا فرضنا في مورد امتنع توجه الخطاب إليه كما فی ما نحن فيه لا موضوع للنيابة، غاية الأمر أن البحث في باب الزكاة جهة وضعي، مضافاً إلى جهة التكليفي فتثبت في مال الصبي و المجنون الجهة الوضعية فقط فيكون المتصدي لإخراج مال الفقراء عن أموالهما هو الولي كما هو الحال في سائر التصرفات في أموالهما من بيع و اجارة و تزويج و نحوها فلا معنى للنيابة هنا فالتكليف متوجه إلى الولي.

(2) أفاد المحقق الخوئي (قدس سره ) في المقام أن هذا وجيه بحسب الكبرى فلا تجوز المعارضة فيما ثبتت فيه الولاية كما إذا طلّق زوجته أو باع ماله بمقتضى ما يراه من المصلحة و الغبطة. لكنهما غير منطبقة على المقام إذ الصبي بعد ما بلغ، يرى اجتهاد الولي أو تقليده باطلاً فلم يكن له الولاية على الاخراج و أن التصرف الصادر منه لم يكن من أهله و لا في محله و أنه تخيل ذلك و هذا لا يوجب سقوط ضمانه و عليه فإن كانت العين باقية استردها و إلّا فله حق المطالبة و المعارضة.

لكنه يمكن أن يقال أن يد الولي إذا كانت يد أمانة و أنه تصرف في مال الصغير حسب

ص: 208

الموازين الشرعية و لو حسب اعتقاده، لم يكن ضامناً لما تصرف فيه لأنه لم يفرط فيه و حينئذٍ لا وجه لضمانه، نعم إذا كانت العين باقية فللصبي إذا بلغ أن يتصرف و يسترد ماله إذ لم يخرج عن ملكه حسب اعتقاده، و أما في صورة التلف فلا وجه لمطالبته و الحكم بالضمان و هذا نظير ما إذا اعطى الفقيه الزكاة إلى شخص اعتقد أنه فقير فبان أنه غني و تلف المال و لذا لو عكس الأمر و اعتقد الولي عدم الوجوب و الصبي اعتقد ذلك بعد البلوغ و كون تصرف الولي مقتضى الحكم الظاهر لا يوجب أن يكون تصرفه عدوانياً الذي هو المدار في الضمان.

و الحاصل: عدم نفوذ تصرفات الولي بنظر الصبي لا يستلزم صيرورة يد الولى غير أمانة حتى يوجب الضمان، نعم لا يجوز للصبي ترتب الاثر في تصرفاته بقاء بل حدوثاً و بقاء.

خلاصة الكلام: أن الظاهر عدم ثبوت الضمان على الولي لا ضمان تلف و لا اتلاف لأن يده لم تكن إلّا يد أمانة و المفروض أنه لم يتعد و لم يفرط في التصرف فلا وجه للضمان، و أما تكليف الصبي في حد نفسه فإذا بلغ و خالف اجتهاداً أو تقليداً ما عمله الولي قبل بلوغه ليس له أن يكتفي بما عمله الولي كما إذا كان رأى الولي الاستحباب في الاخراج و صار رأى الصبي الوجوب كان عليه أن يعمل برأيه.

ص: 209

«كما أن الحال كذلك في سائر تصرفات الولي في مال الصبي أو نفسه من تزويج و نحوه فلو باع ماله بالعقد الفارسي أو عقد له النكاح بالعقد الفارسي أو نحو ذلك من المسائل الخلافية و كان مذهبه الجواز ليس للصبي بعد بلوغه إفساده بتقليد من لا يرى الصحة» (1)

«نعم لو شك الولي بحسب الاجتهاد أو التقليد في وجوب الإخراج أو استحبابه أو عدمهما و أراد الاحتياط بالإخراج ففي جوازه إشكال لأن الاحتياط فيه معارض بالاحتياط في تصرف مال الصبي، نعم لا يبعد ذلك إذا كان الاحتياط وجوبياً و كذا الحال في غير الزكاة كمسئلة وجوب إخراج الخمس من أرباح التجارة للصبي حيث انه محل للخلاف و كذا في سائر التصرفات في ماله و المسئلة محل إشكال مع أنها سيّالة» (2)

(1) قد ظهر الوجه في ذلك و الاشكال عليه إذ الحكم الظاهري بالنسبة إلى أحد لا يكون واقعياً بالنسبة إلى الآخر كما قرر في محله، فالقاعدة تقتضي أن يقال بأنّ المعاملة الواقعة لو كان لها أثر بقاءً كان المتعين على الصبي بعد البلوغ، العمل على طبق وظيفته فليس له أن يترتب الأثر بقاء على هذه المعاملة و العقد فلاحظ.

(2) منشأ الاشكال عدم جواز التصرف في مال الصبي من غير معذر شرعي و مجرد احتمال الوجوب مع جريان أصالة البرائة لا يكون موجباً للجواز، هذا إذا كان الأصل المؤمّن جارياً و أما إذا لم يكن كذلك كما إذا فرض الشك قبل الفحص فإن أمكن له التأخير حتى ينكشف الحال فهو و إلّا فالامر دائر بين المحذورين إذ الأصل في كلا الطرفين جارٍ فمقتضى العقل هو التخيير حتى يتبين الحال بالفحص.

و في المقام كلام للسيد الحكيم (رحمه اللّه) من أن الاحتياط في مال اليتيم أهم، فيتعين في نظر

ص: 210

«الثانية: إذا علم بتعلق الزكاة بماله و شك في أنه أخرجها أم لا؟ وجب عليه الإخراج للاستصحاب إلّا إذا كان الشك بالنسبة إلى السنين الماضية فإن الظاهر جريان قاعدة الشك بعد الوقت أو بعد تجاوز المحل هذا و لو شك في أنه أخرج الزكاة عن مال الصبي في مورد يستحب إخراجها، كمال التجارة له بعد العلم بتعلقها به فالظاهر جواز العمل بالاستصحاب لأنه دليل شرعي و المفروض أن المناط فيه شكه و يقينه لأنه المكلف لا شك الصبي و يقينه و بعبارة أخرى ليس نائباً عنه» (1)

العقل الأخذ به و كذا مع احتمال الأهمية.

أورد عليه المحقق الخوئي (قدس سره ) بأن الترجيح بالاهمية إنما هو من خواص باب التزاحم و أما المقام فهو داخل في باب التعارض إذ المجعول الشرعي غير معلوم في ما نحن فيه لأن المكلف غير قادر على الاتيان مع وضوح الحكم الشرعي فلابد من المراجعة إلى المرجحات في باب التعارض فإن كان موجوداً فيقدم و إلّا يكون مخيراً بين الأمرين بمقتضى حكم العقل.

(1) أفاد الماتن (رحمه اللّه) في هذه المسئلة اموراً:

الأول: إذا شك في الاخراج بعد العلم بالتعلق وجب عليه الاخراج للاستصحاب أي استصحاب عدم الاخراج لا الوجوب حتى يرد عليه بأنه معارض بعدم جعل الزائد، هذا فيما إذا كانت العين باقية، لا غبار عليه.

و أما إذا كانت تالفة فهل يحكم عليه بالضمان، و الظاهر أنه لا يحكم عليه به إذ يده بالنسبة إلى الزكاة أمانية فالحكم بالضمان مشكلٌ مضافاً إلى أن استصحاب عدم الاخراج، لا يثبت الضمان إلّا على القول بالأصل المثبت الذي لا نقول به.

ص: 211

الثاني: إذا كان الشك في الاخراج بالنسبة إلى السنين السابقة حكم الماتن (رحمه اللّه) بعدم الوجوب لقاعدة الحيلولة أو لقاعدة التجاوز إذا كان بعد تجاوز المحل.

أورد عليه السيد المستمسك في الأول بأن القاعدة مخصوصة بالصلاة فالتعدي عنها إلى غيرها مشكل إذ المستند لها رواية زرارة و الفضيل عن أبي جعفر (علیه السلام) في حديث قال: متى استيقنت أو شككت في وقت فريضة أنك لم تصلها أو في وقت فوتها أنك لم تصلها صليتها و إن شككت بعد ما خرج وقت الفوت و قد دخل حائل فلا اعادة عليك من شك حتى تستيقن فإن استيقنت فعليك أن تصليها في أى حالة كنت(1) هي غير شاملة لما نحن فيه، مضافاً إلى أن كون الزكاة من قبيل الموقت الذي يفوت بفوات وقته، غير ظاهر، و أما الثاني فلأن قاعدة التجاوز موضوعها الخروج عن محل المشكوك و الدخول في غيره مما هو مترتب عليه و حصوله في المقام ممنوع.

الثالث: لو شك الولي في اخراج مال الصبي أفاد الماتن (رحمه اللّه) بأنه مستحب للاستصحاب أيضاً و من المعلوم أن المدار شك الولي لأنه المكلف بالاخراج كما هو المقرر في محله لا أنه نائب عن الصبي و الأمر كذلك، لكن ما ذكره أخيراً من أنه ليس بنائب عنه و إن كان صحيحاً كبروياً لما تقدم من أن المكلف هو الولي لا أنه نائب لعدم تصور النيابة عنه، لأنه غير المكلف حتى يكون الولي نائباً عنه، و أما صغروياً ففيه اشكال فلو فرض أنه نائب يمكن جريان الاستصحاب في حقه، فإن شكّه و يقينه في بقاء و الاستحباب في حقه أي الصبي، يصححان جريان الاستصحاب فيه و إذا ثبت الاستحباب في حقه و لو ظاهراً، يكون الولي نائباً عنه كما لو ثبت ذلك بالبينة لعدم الفرق بين طرق الاثبات.

ص: 212


1- الوسائل، الباب 60 من أبواب المواقيت، الحدیث: 1

«الثالثة: إذا باع الزرع أو الثمر و شك في كون البيع بعد زمان تعلق الوجوب حتى يكون الزكاة عليه أو قبله حتى يكون على المشتري ليس عليه شيء إلّا إذا كان زمان التعلق معلوماً و زمان البيع مجهولاً فإن الأحوط حينئذٍ إخراجه على إشكال في وجوبه، و كذا الحال بالنسبة إلى المشتري إذا شك في ذلك فإنه لا يجب عليه شيء إلّا إذا علم زمان البيع و شك في تقدم التعلق و تأخره فإن الأحوط حينئذ إخراجه على إشكال في وجوبه» (1)

(1) تارة يكون الشاك هو البايع و أخرى يكون الشاك هو المشتري، أما الأول فتارة يكون التاريخ بالنسبة إلى كل من زمان البيع و التعلق مجهولاً و اخرى يكون أحدهما معلوماً دون الآخر، و أما في صورة الجهل بالتاريخين، فالأمر فيه واضح فإن مقتضى القاعدة عدم الوجوب، إما لمعارضة الاستصحابين، و إما لعدم جريان الاستصحاب في مجهول التاريخ كما ذهب إليه صاحب الكفاية، و بعد عدم جريانه تصل النوبة إلى البرائة و كذلك الأمر بالنسبة إلى ما إذا كان تاريخ التعلق مجهولاً و تاريخ البيع معلوماً إذ مقتضى الاستصحاب عدم تعلق الزكاة إلى زمان البيع و أما استصحاب عدم البيع إلى زمان التعلق إما أن لا يجرى لعدم جريانه في المجهول، و إما يعارضه استصحاب عدم التعلق إلى زمان البيع فمقتضى الأمرين عدم الوجوب، إما للبرائة بعد التعارض و التساقط، و إما استصحاب عدم التعلق إلى زمان البيع، و أما عكس ذلك بأن كان زمان التعلق معلوماً و زمان البيع مجهولاً فأفاد الماتن (رحمه اللّه) أن الأحوط هو الاخراج على اشكال في وجوبه، منشأ الاشكال جريان الاستصحاب في معلوم التاريخ و عدمه في الحادثين المتعاقبين يكون أحدهما معلوم التاريخ و الآخر مجهولة فإن قلنا بجريانه في المعلوم

ص: 213

كما أنه جارٍ في المجهول تاريخه، لا يجب على البايع اخراجها لأنه باع في زمان لم تتعلق به الزكاة بمقتضى الأصل و بعد التعارض يكون المرجع أصالة البرائة عن الوجوب، و إن قلنا بعدم جريانه في المعلوم لا يجرى في المقام الاستصحاب عدم البيع إلى زمان التعلق لعدم المعارضة فنتيجته وجوب أداء الزكاة و وجوب خروجه عن عهدته، إما من نفس العين أو من بدله لأن العين حينئذٍ يكون عند المشتري لا عنده فلابد من اخراج بدله، و أما إذا كان الشاك هو المشتري فأفتى الماتن (رحمه اللّه) بعدم وجوب شيء عليه إلّا إذا علم زمان البيع و شك في زمان التعلق من حيث تأخره و تقدمه.

أقول: إن الكلام في هذا الفرع من جهتين: الاولى: في صحة المعاملة و عدمها. الثانية: من حيث وجوب الزكاة على المشترى و عدمه.

أما الأول: فعن سيدنا الاستاذ (رحمه اللّه) في المرتقى فساد المعاملة إذ استصحاب عدم التعلق إلى زمان البيع، معارض باستصحاب عدم البيع إلى زمان التعلق فبعد التعارض و التساقط يكون البيع فاسداً لعدم مصحح لهذا البيع إلا إذا أحرز المشتري التفات البايع إلى هذه الجهة حين البيع فبأصالة الصحة نحكم بصحة المعاملة الحاكمة على أصالة الفساد، لكن أصالة الصحة لا يثبت كون المبيع ملكاً للبايع بعد احتمال كون بعض المبيع ملكاً للفقراء، نعم مقتضى قاعدة اليد كون المبيع ملكاً له فيصح البيع بالنسبة إلى تمامه.

و أما الثاني: فالظاهر عدم وجوب شيء على البايع مطلقاً حتى في الصورة الأخيرة أي إذا كان زمان البيع معلوماً و زمان التعلق مشكوكاً و قلنا بعدم جريان الاستصحاب في المعلوم و ذلك لا لتعارض الاستصحابين على ما أفاده سيدنا الاستاذ (رحمه اللّه) بل الوجه فيه عدم أثر على استصحاب عدم التعلق إلى زمان البيع إذ الاستصحاب المذكور لا يثبت أن التعلق كان بعد الشراء إذ الموضوع للوجوب أن يكون مالكاً حال التعلق لا أن لا

ص: 214

يكون تعلق قبل أن يملك.

و الحاصل: أنه لا يمكن اثبات أحد الضدين بنفي الضد الآخر فلا يثبت باستصحاب عدم التعلق قبل الشراء، التعلق بعد الشراء و أما أصالة تأخر الحادث، فلا أصل لها فلا يجب على المشتري شيء مطلقاً، نعم يجب عليه مقداراً من المال بعنوان الزكاة من جهة العلم الاجمالي بوجوب التعلق إما في ماله بناءً على تعلق الوجوب بعد البيع، و إما في مال البايع و عدم انتقاله إلیه، بناءً على تعلقه قبل البيع فيجب عليه الأداء، و أما أنه هل يجوز له الرجوع إلى البايع فالظاهر أنه لا يجوز له الرجوع إلى البايع إذ بعد صحة المعاملة و لو بقاعدة اليد كما تقدم لم يحرز تعلق الزكاة قبل البيع حتى يكون مانعاً عن النفوذ فيه، فلا شيئ على البايع و لو ظاهراً حتى يجوز له الرجوع إليه.

ص: 215

«الرابعة: إذا مات المالك بعد تعلق الزكاة وجب الإخراج من تركته و إن مات قبله وجب على من بلغ سهمه النصاب من الورثة، و إذا لم يعلم أن الموت كان قبل التعلق أو بعده، لم يجب الإخراج من تركته و لا على الورثة إذا لم يبلغ نصيب واحد منهم النصاب إلّا مع العلم بزمان التعلق و الشك في زمان الموت فإن الأحوط حينئذٍ الإخراج على الإشكال المتقدم، و أما إذا بلغ نصيب كل منهم النصاب أو نصيب بعضهم فيجب على من بلغ نصيبه منهم للعلم الإجمالي بالتعلق، به إما بتكليف الميت في حياته أو بتكليفه هو بعد موت مورثه بشرط أن يكون بالغاً عاقلاً و إلّا فلا يجب عليه لعدم العلم الإجمالي بالتعلق حينئذ» (1)

(1) أما إذا كان الموت بعد تعلق الزكاة فوجب الاخراج من تركته إذ على فرض بقاء العين لم ينتقل إلى الورثة لعدم دخول هذا المقدار في ملك المورث حتى ينتقل إلى الورثة ففي الحقيقة ليس هذا المقدار من تركته، و أما إذا لم تكن العين باقية فلابد من أدائه من تركته لأنه دين كساير الديون و الإرث إنما يكون من بعد وصية أو دين، و أما إذا مات قبل التعلق فلا وجه لوجوب الزكاة على المورث لعدم التعلق مادام كونه حياً، و أما الوارث فإن بلغ نصيب كل واحد منهم حد النصاب، وجب عليهم الزكاة مع اجتماع سائر الشرائط و إلّا فلا تجب عليهم، هذا كله مع العلم و أما مع الشك في التقدم و التأخر فإن بلغ نصيب الوارث النصاب فلا اشكال في وجوب الزكاة عليه للعلم الاجمالي على تعلق الزكاة على هذا المقدار من المال، إما من جهة مورثه و إما من جهة نفسه، فهذا المقدار المذكور من الزكاة ملك للفقراء بلا شبهة فلابد من إخراجه، و أما إذا لم يبلغ نصيب كل واحد النصاب فهذا داخل في المسئلة السابقة من أن تاريخ كل من

ص: 216

الموت و التعلق إن كان مجهولاً لا يجب عليه شيء لتعارض الاستصحابين و مقتضى البرائة عدمه، و أما إذا علمنا تاريخ زمان التعلق و شك في زمان الموت ذكر الماتن (رحمه اللّه) أن الأحوط حينئذٍ الإخراج على اشكال في وجوبه و هذا مبتنن على ما بيّناه سابقاً من جريان الاستصحاب في معلوم التاريخ و عدمه، فإن قلنا بالجريان يتعارض الأصلان فيتساقطان فمقتضى ذلك البرائة و إلّا فتجب الزكاة لاستصحاب عدم الموت إلى زمان التعلق، لكن يمكن أن يقال أنّ الظاهر عدم الوجوب حتى في هذا الفرض إذ نشك أن هذا المال ملك للمالك حين موته أم لا بل ملك للفقراء و مقتضى قاعدة اليد كونه ملكاً له فلا يجب عليه شيء.

ص: 217

«الخامسة: إذا علم أن مورثه كان مكلفاً بإخراج الزكاة و شك في أنه أدّاها أم لا؟ ففي وجوب إخراجه من تركته لاستصحاب بقاء تكليفه أو عدم وجوبه للشك في ثبوت التكليف بالنسبة إلى الوارث، و استصحاب بقاء تكليف الميت لا ينفع في تكليف الوارث وجهان أوجههما الثاني، لأن تكليف الوارث بالإخراج فرع تكليف الميت حتى يتعلق الحق بتركته و ثبوته فرع شك الميت و إجرائه الاستصحاب لا شك الوارث و حال الميت غير معلوم أنه متيقن بأحد الطرفين أو شاك و فرق بين ما نحن فيه و ما إذا علم نجاسة يد شخص أو ثوبه سابقاً و هو نائم و نشك في أنه طهرهما أم لا، حيث أن مقتضى الاستصحاب بقاء النجاسة مع أنّ حال النائم غير معلوم أنه شاك أو متيقن إذ في هذا المثال لا حاجة إلى إثبات التكليف بالاجتناب بالنسبة إلى ذلك الشخص النائم بل يقال إنّ يده كانت نجسة و الأصل بقاء نجاستها فيجب الاجتناب عنها بخلاف المقام حيث أنّ وجوب الإخراج من التركة فرع ثبوت تكليف الميت و اشتغال ذمته بالنسبة إليه من حيث هو، نعم لو كان المال الذي تعلق به الزكاة موجوداً، أمكن أن يقال الأصل بقاء الزكاة فيه ففرق بين صورة الشك في تعلق الزكاة بذمته و عدمه و الشك في أن هذا المال الذي كان فيه الزكاة أخرجت زكاته أم لا هذا كله إذا كان الشك في مورد لو كان حياً و كان شاكّاً وجب عليه الإخراج، و أما إذا كان الشك بالنسبة إلى الاشتغال بزكاة

ص: 218

السنة السابقة أو نحوها مما يجري فيه قاعدة التجاوز و المضي و حمل فعله على الصحة فلا إشكال» (1)

(1) للمسئلة صور:

الصورة الاولى: ما إذا كانت الزكاة في العين و هي باقية و نحتمل أن الميت أداها، أفاد الماتن (رحمه اللّه) بوجوب الاخراج نظراً إلى أن هذا المال الخارج قد تعلق به الزكاة فكان متعلقاً لحق الفقراء و نشك في اخراجها عنه فيستصحب بقاء الزكاة فيه فيجب على الوارث الاخراج، و هذا وجيه لكنه لا يختص بالسنة الحالية بل يجري بالنسبة إلى السنين السابقة لعدم الفرق و أما جريان قاعدة التجاوز أو قاعدة الحيلولة فلا وجه لجريانهما كما تقدم كما أن أصالة الصحة لا موضوع لها في المقام إذ غاية ما يستفاد منها عدم صدور القبيح و الحرام من المسلم و أما ترتيب آثار الصحة على فعل المسلم فلا، اذ معناها أن المسلم إذا صدر منه فعل نحتمل الصحة و الفساد، نحمل على الصحة كما إذا صدر منه بيع أو عقد أو ايقاع يحمل على الصحة و أما في المقام فلا موضوع لها لعدم صدور فعل من الميت.

الصورة الثانية: إذا كانت العين تالفة و نشك في اشتغال ذمة الميت فالظاهر عدم وجوب الاخراج لأن الضمان يحتاج إلى دليل مفقود في المقام، و استصحاب عدم الأداء لا يثبت الضمان كما تقدم نظيره في الحي.

الصورة الثالثة: أن يعلم باشتغال ذمته و نشك في اخراجه عن عهدته، أفاد الماتن (رحمه اللّه) عدم الوجوب على الورثة و ذكر في وجهه أن تكليف الورثة بالإخراج فرع تكليف الميت حتى يتعلق الحق بتركته و ثبوته فرع شك الميت و إجرائه الاستصحاب لا شك الوارث و حال الميت غير معلوم أنه متيقن بأحد الطرفين أو شاك و لا يقاس المقام بما إذا علم بنجاسة يد شخص أو ثوبه سابقاً و هو نائم و نشك في أنه طهرها أم لا، فإن النجاسة

ص: 219

حينئذٍ تستصحب لعدم تفرعها على تكليف هذا الشخص بنفسه بخلاف المقام لثبوت التفريع.

أورد عليه: أولاً بأن الإخراج غير متفرع على تنجز التكليف على الميت بل يكفي فيه مجرد ثبوت التكليف واقعاً سواء تنجز عليه أم لا، فإذا ثبت عند الورثة ثبوته عليه بمقتضى الاستصحاب لزمهم الاخراج و إن لم يكن منجزآ على الميت، و ثانياً أن لزوم الاخراج غير متفرع على تكليف الميت واقعاً، فضلاً عن التنجز عليه بل كونه مديناً في الواقع و علم الورثة بثبوته، كافٍ في وجوب الاخراج من التركة و لذا لو استدان الميت من شخص أو أتلف مال الغير و نسى حتى مات و علم الورثة بذلك يجب عليهم الإخراج من أصل التركة.

و الحاصل: أن الاستصحاب يجري فيما إذا شككنا في فراغ ذمة الميت قبل الموت، هذا لا كلام فيه إنما الكلام في أن هذا الاستصحاب كافٍ في لزوم الاخراج بمعنى أنّ الدين على الميت هل يثبت به أم لا؟ ذهب الأصحاب إلى أنّ الدعوى على الميت لا تثبت بالبينة فقط بل يحتاج إلى ضم اليمين، لكن اختلفوا في أن هذه الضميمة جزءٌ متممٌ للاثبات و مقيد لدليل حجيته البينة أم أنه مخصص لدليل الاستصحاب بحيث لو كان مخصصاً لدليل حجية البينة فلا مانع من جريان الاستصحاب إذ المفروض ثبوت الدين لعلم الورثة فلا يكون مشكوكاً حتى يحتاج إلى البينة و ضم اليمين كساير الديون الثابتة التي لا تحتاج إلى ضم اليمين و حينئذٍ إذا ثبت الدين و شك في أدائه نستصحب و أما إذا كان دليل ضم اليمين مخصصاً لدليل الاستصحاب لا يجب الإخراج في المقام لعدم جريان الاستصحاب لاثبات البقاء إلى حال الموت حتى يجب الإخراج على الورثة.

أفاد المحقق الخوئي (قدس سره ) بأن الظاهر أن دليل ضم اليمين مخصص لدليل حجية البينة لا أنه مخصص لدليل الاستصحاب إذ غاية ما يستدل على الانضمام حديثان: الأول: ما

ص: 220

رواه الصفار: محمد بن يحيى قال: كتب محمد ابن الحسن يعني الصفار إلى أبي محمد (علیه السلام) هل تقبل شهادة الوصي للميت بدين له على رجل مع شاهد آخر عدل؟ فوقع اذا شهد معه آخر عدلٌ فعلی المدعی یمین و كتب أ یجوز للوصی أم یشهد لوارث المیت صغیراً أو كبیراً (و هو القابض للصغیر) و لیس للكبیر بقابض فوقع (علیه السلام) نعم و ينبغي للوصى أن يشهد بالحق و لا يكتم الشهادة و كتب أو تقبل شهادت الوصي على الميت مع شاهد آخر عدل فوقع نعم من بعد يمين(1)

و ما رواه عبدالرحمن بن أبي عبدالله قال: قلت للشيخ (علیه السلام): خبرّني عن الرجل يدعى قبل الرجل الحق فلم تكن له بينة بماله؟ قال: فيمين المدعى عليه فإن حلف فلا حق له و إن رد اليمين على المدعى فلم يحلف فلا حق له و إن لم يحلف فعليه و إن كان المطلوب بالحق قد مات فاقيمت عليه البينة فعلى المدعى اليمين بالله الذي لا إله إلا هو لقد مات فلان و أن حقه لعليه فإن حلف و إلّا فلا حق له لأنّا لا ندري لعله قد أوفاه ببينة لا نعلم موضعها أو غير بينة قبل الموت فمن ثم صارت عليه اليمين مع البينة فإن ادعى بلا بينة فلا حق له لأن المدعى عليه ليس بحى و لو كان حياً لألزم اليمين أو الحق أو يرد اليمين عليه فمن ثم لم يثبت الحق(2) فإن الظاهر من الأول أنّ ضم اليمين إنما هو لأجل تتميم حجية البينة و اثبات أصل الدعوى و لا نظر فيها إلى جهة البقاء و عليه فإذا فرضنا أن الدين كان قطعياً و الشك في الأداء لا مانع من جريان الاستصحاب و لزوم الإخراج من التركة من غير حاجة إلى ضم اليمين مع اعتراف الورثة و علم ثبوت الدين على الميت، و أما الرواية الثانية فالظاهر أنها ناظرة إلى عدم حجية الاستصحاب في المقام فإن الظاهر من قوله (علیه السلام): «لأنّا لا ندرى» أن اليمين إنما

ص: 221


1- الوسائل، الباب 28 من أبواب الشّهادات، الحدیث: 1
2- الوسائل، الباب 4 من أبواب كيفيّة الحكم و أحكام الدعوی، الحدیث: 1

«و كذا الحال إذا علم اشتغاله بدين أو كفارة أو نذر أو خمس أو نحو ذلك» (1)

«السادسة: إذا علم اشتغال ذمته إما بالخمس أو الزكاة وجب عليه إخراجهما إلّا إذا كان هاشمياً فإنه يجوز أن يعطى للهاشمي بقصد ما في الذمة و إن اختلف مقدارهما قلة و كثرة أخذ بالأقل و الأحوط الأكثر»(2)

هو من أجل دفع احتمال الوفاء بعد أن لم يكن الميت قادراً على أن يدافع عن نفسه فتكون النتيجة أن هذه الرواية دالة على عدم حجية الاستصحاب في المقام و احتياج ذلك إلى ضم اليمين، فعلى هذا المبنى لا مجال للاستصحاب لأنا و إن علمنا أن الميت مدين، لكن نحتمل أنه أوفاه فلا يسعنا أن نثبت دينه إلّا بالاستصحاب و المفروض أنه ليس بحجة بمقتضى هذه الرواية، غاية الأمر أن الرواية ضعيفة سنداً لأجل ياسين الضريس فالمدار صحيحة الصفار الغیر الدالة على نفي حجية الاستصحاب فلاحظ.

(1) أما اشتغاله بالدين فواضح لأن الارث إنما يكون من بعد وصية أو دين و كذلك الخمس و أمّا ما الحق به من الكفارة أو النذر فهو منوط بكونها من الديون كما ذهب إليه بعض الأعلام و وجهه غير ظاهر و التحقيق في محله.

(2) أما وجوب الاخراج فللعلم الاجمالي و جواز الاعطاء للهاشمي بقصد ما في الذمة فلأنه يوجب القطع بالفراغ و إن لم يتميز العنوان، قد يقال: أنه يجوز له أن يعطى لمن يكون وكيلاً عن الهاشمي و عن غيره كما أنه يجوز له أن يعطى للفقيه الذي هو ولي الحقين بقصد ما في الذمة و الظاهر أنه لا بأس به إنما الكلام في الصرف و أنه كيف يصرف بعد أخذ الفقيه فنقول أن الفقيه قد يصرف في الهاشمي تمام المقدار المذكور

ص: 222

فالظاهر أنه لا بأس به إذا كان المالك هاشمياً و أما إذا لم يكن هاشمياً فقد نقل أن المعروف بين الفقهاء رضوان الله عليهم هو التنصيف بقاعدة العدل و الانصاف و الدليل عليه ما رواه السكوني عن الصادق عن أبيه‘ في رجل استودع رجلاً دينارين فاستودعه آخر ديناراً فضاع دينار منها قال: يعطى صاحب الدينارین ديناراً و يقسم الآخر بينهما نصفين(1) لكن السند ضعيف بالنوفلي و أما اسناد الصدوق إلى السكوني فغير معلوم لعدم ذكره في المشيخة إلّا أن يقال أن النوفلي ثقة من جهة وقوعه في أسناد كامل الزيارات فراجع، فعلى هذا لابد من المراجعة إلى القرعة لكنه مشكلٌ لعدم تمامية العمومية في قاعدة القرعة، هذا إذا كان المقدار مساوياً أما إذا كان مختلفاً قلة و كثرة فأفتى الماتن (رحمه اللّه) بالأخذ بالأقل ثم احتاط بالأكثر، لكن لابد من التفصيل فنقول تارة يكون المورد مختلفاً جنساً بأن يكون المفروض و المعلوم اشتغاله إما ديناراً خمساً أو شاة زكاة، فعليه يتعين الاحتياط للعلم الاجمالي و تعارض الاصلين من الطرفين مع كونهما من المتباينين فلابد من دفع الأكثر قيمة بقصد ما في الذمة و اخرى يكون المورد من النقدين فإنه يعلم أنه إما يجب عليه دينار من الزكاة أو ديناران من الخمس، فعن المحقق الخوئي (قدس سره ) جواز الاقتصار على الأقل لانحلال العلم الاجمالي في المقام بعلم اجمالي صغير و إن لم ينحل بالعلم التفصيلي.

بيان ذلك: أن المورد يكون من قبيل الأقل و الأكثر فإنه يعلم بأنه مدين بدينارين للهاشمي أو بدينار لغير الهاشمي فهو لا محالة يعلم بأنه مدين بدينار إما للهاشمي أو لغيره قطعاً و الباقي مشكوك ينفى بالأصل فلا تعارض بين الأصلين لعدم جريان الأصل بالنسبة إلى أحد الطرفين.

لكن أشكل عليه سيدنا الاستاذ (رحمه اللّه) في المرتقى بأن مستحق الزكاة ليس هم الفقراء فقط

ص: 223


1- الوسائل، الباب 12 من أبواب أحكام الصّلح، الحدیث: 1

«السابعة: إذا علم إجمالاً أن حنطته بلغت النصاب أو شعيره و لم يتمكن من التعيين فالظاهر وجوب الاحتياط بإخراجهما إلّا إذا أخرج بالقيمة فإنه يكفيه إخراج قيمة أقلهما قيمة على إشكال لأن الواجب أولاً هو العين و مردد بينهما إذا كانا موجودين بل في صورة التلف أيضاً لأنهما مثليان»(1)

بل الجامع بين الأصناف الثمانية المقررة في الآية الكريمة بناءً على كون الأزيد هو الزكاة و بين درهم واحد للهاشميين و هذا هو دوران الأمر بين المتباينين و معه لا مجال للانحلال فلابد من الاحتياط.

(1) أما في صورة اخراج المثلين كالحنطة و الشعير فللعلم الاجمالي فيجب عليه الاحتياط لأنهما متباينين فلو أراد اخراجهما من نفس العين، فلا كلام في أنه يجب الاحتياط و أما لو أراد الاخراج من القيمة فهل يجب الأكثر أو يكفي الأقل.

أفاد الماتن (رحمه اللّه) بأن الواجب عليه الأكثر نظراً إلى أن الواجب عليه أولاً هو العين سواء كانت موجودة أم تالفة لكونها مثلياً و القيمة إنما هي بدل عن الواجب بالأصالة فليست القيمة متعلقة للوجوب لتكون دائرة بين الأقل و الأكثر و من الواضح أن العين مرددة بين المتباينين فلابد من الاحتياط بأداء الأكثر.

لكن أفاد المحقق الخوئي (قدس سره ) بأن الواجب عليه الأكثر سواء قلنا بأن الواجب عليه أولاً هو العين أم لا، لكون الأمر في المقام دائر بين المتباينين على كلا التقديرين.

بيان ذلك: أن الزكاة و إن تعلقت بالعين كما تقدم مفصلاً، لكن يكون متعلق الوجوب، هو الجامع بين العين و القيمة -على ما هو المقرر في محله- ففرق بين متعلق الحق و متعلق الوجوب بأن الأول هو العين و الثاني هو الجامع فعليه لو ترددت العين

ص: 224

«و إذا علم أن عليه إما زكاة خمس من الإبل أو زكاة أربعين شاة يكفيه إخراج شاة»(1)

«و إذا علم أن عليه إما زكاة ثلاثين بقرة أو أربعين شاة، وجب الاحتياط»(2)

«إلّا مع التلف فإنه يكفيه قيمة شاة و كذا الكلام في نظائر المذكورات»(3)

الزكوية بين الحنطة و الشعير يكون المرجح هو التردد في أن الواجب عليه هل هو الجامع بين العين و قيمتها أو الجامع بين الشعير و قيمته، فحينئذٍ يعلم اجمالاً بوجوب أحد الجامعين و هما من المتباينين فيجب الاحتياط، نعم تكون النسبة بين القيمتين نسبة الأقل و الأكثر إلّا أن القيمة لم تكن بنفسها متعلقة للوجوب حتى يكون كذلك، بل هي أحد فردي الواجب و المتعلق هو الجامع فلا مناص من الاحتياط لتنجز العلم الاجمالي.

(1) لتحقق فراغ الذمة بذلك قطعاً فإن تردد السبب دون المسبب، لا يضر.

(2) للعلم الاجمالي بين الأمرين المتباينين لأنه يعلم إما أن يجب عليه شاة و إما أن يجب عليه تبيع و من المعلوم أنهما قيميان متباينان فلابد من الاحتياط.

(3) استدل على ذلك بأن انتقال الضمان في القيميات إلى القيمة يكون بمجرد التلف ففي يوم التلف ينقلب التكليف في المقام من الجامع بين العين و القيمة إلى خصوص القيمة كما هو المستفاد من صحيحة أبي ولاد «قيمة بغل يوم خالفته»(1) فالذمة مشغولة بالقيمة يوم التلف و لا يقال بالمثلي فإنه بنفسه ينتقل إلى الذمة و لو بعد التلف فإذا

ص: 225


1- الوسائل، الباب 17 من أبواب كتاب الاجارة، الحدیث: 1

«الثامنة: إذا كان عليه الزكاة فمات قبل أدائها هل يجوز إعطاوها من تركته لواجب النفقة عليه حال حياته أم لا؟ إشكال» (1)

كانت الذمة مشغولة بالقيمة و تردد أمرها بين الأقل و الأكثر يقتصر على الأقل لأنه القدر المتيقن فنرفع اليد عن الأكثر بالبرائة، هذا.

لكن المحقق في محله أن العين تنتقل إلى الذمة بمجرد تلفها بلا فرق بين القيمي و المثلي و الفرق إنما يكون في مقام الأداء بأن نطالب الغريم بالعين فإن لم يقدر على تحصيلها نطالب بالمثل و إن لم يقدر فبالقيمة و إنما نلتزم بالقيمة في القيميّات في باب الغصب فقط من جهة صحيحة أبي ولاد و أما غيره فلابد من المشي على مقتضى القاعدة العقلائية الثابتة في محلها.

(1) منشأ الاشكال جريان استصحاب حكم المخصص أي عدم جواز الاعطاء إلى واجب النفقة لا العام، لكنه غير موجه إذ الممنوع عن أداء الزكاة هو الأب أو الابن و بعد وفاته لا موضوع ليتوجه إليه التكليف لأنه ليس ممن تجب عليه نفقته إذ لا تجب النفقة على الابن بعد وفاته و كذلك الأب.

أضف إلى ذلك أن المستفاد من رواية عبدالرحمن بن الحجاج عن أبي عبدالله (علیه السلام) قال: خمسة لا يعطون من الزكاة شيئاً الاب و الام و الولد و المملوك و المراة و ذلك أنهم عياله لازمون له(1) كون العلة لعدم جواز الاعطاء أنهم عيال لازمون له و هذا مختص بحال الحياة لا بعد الممات كما لا يخفى فبعد قصور المقتضى للمنع يكون اطلاق الأدلة كافٍ للمقام كما أنه لا مجال للاستصحاب بعد تغيير الموضوع.

أضف إلى ذلك كله وجود نص خاص في المقام لاحظ ما رواه علي بن يقطين قال: قلت لأبي الحسن الأول (علیه السلام) رجل مات و عليه زكاة و أوصى أن تقضى عنه الزكاة و

ص: 226


1- الوسائل، الباب 13 من أبواب المستحقّين للزكاة، الحدیث: 1

«التاسعة: إذا باع النصاب بعد وجوب الزكاة و شرط على المشتري زكاته لا يبعد الجواز إلّا إذا قصد كون الزكاة عليه لا أن يكون نائباً عنه فإنه مشكلٌ» (1)

ولده محاويج إن دفعوها أضر ذلك بهم ضرراً شديداً فقال يخرجونها فيعودون بها على أنفسهم و يخرجون منها شيئا فيدفع إلى غيرهم.(1)

و أما دفع شيء للغير فلا يضر بأصل المطلوب بعد أن يمكن أن يكون الوجه فيه قانون العدل و الانصاف و عدم لزوم التقسيط.

(1) اشتراط الاخراج على انحاء:

الأول: يشترط على المشترى أن يؤدى زكاة العين نيابة عن المالك و هذا لا اشكال فيه ظاهراً إذ نتيجة ذلك توكيل البايع المشتري في الأداء حينئذٍ إذا أدّاه من مال آخر يدخل مقدار الزكاة في ملك البايع فيكون المورد من موارد «من باع ثم ملك» فلا حاجة إلى الاجازة كما قرر في محله.

الثاني: أن يشترط عليه أن يؤدى الزكاة من مال نفسه من دون نيابة أو وكالة و هذا الاشتراط مشكلٌ جداً إذ الشرط لم يكن مشرعاً بل لابد من أن يكون المتعلق مشروعاً قبل الاشتراط و لا دليل على جواز تبديل متعلق الزكاة من مال آخر لغير المالك لعدم التولية له فهذا الاشتراط باطل.

الثالث: أن يشترط على المشتري أن يؤدى الزكاة من نفس العين لا بعنوان النيابة.

استشكل الماتن (رحمه اللّه) فيه و لعله لاعتبار قصد النيابة و بدون ذلك لم يكن مشروعاً فلا يشمله دليل الشرط لعدم كونه مشرعاً كما تقدم.

أجابه المحقق الخوئي (قدس سره ) بأنه لا دليل على اعتبار قصد النيابة في الاخراج الصادر من

ص: 227


1- الوسائل، الباب 14 من أبواب المستحقّين للزكاة، الحدیث: 5

الغير، إذ اللازم على المالك اخراج الزكاة من هذا المال و المفروض أن المشتري أخرجها.

و الحاصل: كان للمالك قبل الشراء أن يوكّل أحداً بالاخراج و قد جعل ذلك بالاشتراط على المشتري فيكون المشترى هو المكلف بالاخراج بمقتضى وجوب الوفاء بالشرط فإذا أخرجها و قصد القربة تُبرأ ذمة البايع.

لكن مقتضى التحقيق أن يقال: إن مقتضى حديث عبد الرحمن بن أبي عبد الله قال: قلت لأبي عبد الله (علیه السلام) رجل لم يزك إبله أو شاءه عامين فباعها على من اشتراها أن يزكيها لما مضى قال نعم تؤخذ منها زكاتها و يتبع بها البائع أو يؤدي زكاتها البائع.(1) صحة المعاملة غاية الأمر أن المشتري يتبع البايع في المقدار المذكور من الزكاة و حينئذٍ يكون مرجع الاشتراط سقوط حق الرجوع و إنه لا حق للمشتري و بما ذكرنا يظهر الحال بالنسبة إلى ما أفاده السيد الحكيم (رحمه اللّه) بأن الاخراج، بما هو مضاف إلى المالك، واجب فلا يصح من غيره إلّا بعنوان النيابة عنه لأن الخطاب بالأداء و الاخراج متوجه إلى المالك و ثبوت الملاك في فعل غيره غير معلوم، غاية الأمر أنه لا يعتبر الاخراج من المالك مباشرة بل يجوز فعله من الغير بعنوان النيابة عنه، وجه الظهور أن مقتضى اطلاق الرواية جواز الاخراج من ناحية المشتري و عدم اعتبار نية النيابة فمقتضى الجمع بين هذه الرواية و دليل الاشتراط لزوم العمل به، من دون قصد النيابة و من دون أن يرجع على البايع فلاحظ.

ص: 228


1- الوسائل، الباب 12 من أبواب زكات الانعام، الحدیث: 1

«العاشر: إذا طلب من غيره أن يودى زكاته تبرعاً من ماله جاز و أجزأ عنه و لا يجوز للمتبرع الرجوع عليه و أما إن طلب و لم يذكر التبرع فأدّاها عنه من ماله فالظاهر جواز رجوعه عليه بعوضه لقاعدة احترام المال إلّا إذا علم كونه متبرعاً» (1)

(1) أما جواز الطلب تبرعاً و اجزائه عنه، فلأن اعطاء الزكاة قابل للنيابة كما تقدم فإذا طلب منه الأداء عنه تبرعاً و قَبِل منه يكون الأداء مجزئاً، إذ المعتبر في الأداء اعطاء الزكاة من نفس العين أو من مال آخر من ماله أو مال الغير الذي يباح له التصرف بنحو المطلق و حينئذٍ إذا جاز له أن يؤدى زكاته من مال الغير جاز له أن يأمر ذلك الغير بأداء الزكاة عنه الذي هو مثابة التوكيل في الاخراج.

و الحاصل: أنه يجب عليه الأداء بالمباشرة أو بالتسبيب، هذا لا كلام فيه إنما البحث فيما إذا أمر أن يؤدي زكاته و لم يصرح بالتبرع و لم يكن منصرفاً إليه أيضاً، فهل يجوز للمؤدي أن يرجع إلى المالك بعد الأداء أم لا؟ و الظاهر هو الجواز لما أشار إليه الماتن (رحمه اللّه) من احترام مال المسلم و لقيام السيرة العقلائية على عدم مجانية هذا العمل و لذا لو أمر شخص أن يفعل الآخر فعلاً لهذا الشخص يكون هذا الأمر موجباً للضمان للسيرة العقلائية على ذلك و من أجل ذلك يقولون «أن الأمر مضمن» فلو أمر غيره بأداء دينه من زكاة أو غيرها فأدى، ضمن و لزم عليه الخروج عن عهدته فله أن يرجع إليه بعد الأداء، نعم لو قصد المجانية لم يستحق شيئاً لأنه بنفسه أقدم على ذلك فلا وجه للضمان لعدم جريان السيرة المزبورة في ذلك فلاحظ.

ص: 229

«الحادية عشر: إذا وكّل غيره في أداء زكاته أو في الإيصال إلى الفقير هل تبرأ ذمته بمجرد ذلك أو يجب العلم بأنه أدّاها أو يكفي إخبار الوكيل بالأداء لا يبعد جواز الاكتفاء إذا كان الوكيل عدلاً بمجرد الدفع إليه»(1)

«الثانية عشر: إذا شك في اشتغال ذمته بالزكاة فأعطى شيئاً للفقير و نوى أنه إن كان عليه الزكاة كان زكاة و إلّا فإن كان عليه مظالم كان منها و إلا فإن كان على أبيه زكاة كان زكاة له و إلا فمظالم له و إن لم يكن على أبيه شيء فلجده إن كان عليه و هكذا فالظاهر الصحة» (2)

(1) إذ مجرد احالة الاداء على الوكيل الثقة نوع من الأداء الواجب عليه و لذلك لا ضمان عليه عند التلف فتُبرأ الذمة بمجرد الدفع إلى الثقة كما أن إخبار الثقة بالأداء أيضاً كافٍ في المقام و أما الاستدلال برواية علي بن يقطين قال: سألت أبا الحسن (علیه السلام) عمن يلي صدقة العشر على من لا بأس به فقال إن كان ثقة فمره يضعها في مواضعها و إن لم يكن ثقة فخذها منه و ضعها في مواضعها.(1)

و ما رواه شهاب بن عبد ربه في حديث قال: قلت لأبي عبدالله (علیه السلام): إني إذا وجبت زكاتي أخرجتها فأدفع منها إلى من أثق به يقسمها، قال: نعم، لا بأس بذلك أما انه أحد المعطين(2) فهی أجنبية عن المقام إذ الظاهر منها هو السؤال عن تصدى من يلي الصدقات الذي هو كعامل له حيث انه كان وزیراً للسلطان فلا يرتبط بما نحن فيه.

(1) لعدم قدح هذا الترديد الذي في النية مع تعين المنوي في الواقع فإنه قد نوى ما هو معين في الواقع و ما عند الله تبارك و تعالى.

ص: 230


1- الوسائل، الباب 35 من أبواب المستحقّين للزكاة، الحدیث: 1
2- نفس المصدر، الحدیث: 4

«الثالثة عشر: لا يجب الترتيب في أداء الزكاة بتقديم ما وجب عليه أولاً فأولاً فلو كان عليه زكاة السنة السابقة و زكاة الحاضرة جاز تقديم الحاضرة بالنية و لو أعطى من غير نية التعيين فالظاهر التوزيع» (1)

و الحاصل: أن هذا أمر متعين واقعاً، غاية الأمر أن المكلف لا يدرى و لم يعلم به بوصفه و لا ضير فيه بعد تعلق القصد بالواقع.

(1) أما عدم وجوب الترتيب فلعدم الدليل عليه فمقتضى الاطلاق عدم لزومه، و أما اعطاء ما وجب من غير نية التعيين فإما أن يكون ما وجب عليه غير قابل للانطباق إلّا على أحدهما كما لو كان علیه زكاة الذهب و الفضة و زكاة الغنم فأخرج شاة فحكمه واضح فإن ما خرج منطبق على زكاة الغنم فقط، و إما أن يكون قابلاً للانطباق على كليهما كما لو كان عنده خمس من الابل و أربعون شاة فأخرج شاة واحدة من غير نية التعيين، ففي الفرض أفاد الماتن (رحمه اللّه) أن الحكم فيه هو التوزيع، و استدل على ذلك أن نسبة الموضوع إلى الزكاتين على حدّ سواء و عليه فلا مناص من الالتزام بالتوزيع و إلّا يلزم الترجيح بلا مرجح و المقام نظير ما لو كان شخص مديناً لزيد عشرة دنانير و للعمرو عشرة اخرى و بكر وكيلاً لهما فدفع عشرة دنانير إلى بكر من غير تعيين فإنه يقسّط بينهما لتساوى النسبتين بينهما و لعدم كون ذلك ارتباطيين و لامتناع الترجيح بلا مرجح و حينئذٍ يكون التقسيط على مقتضى القاعدة و لا يقاس ما نحن فيه بباب الصلاة فيما إذا كان عليه صلاتان كالظهرين و صلى واحدة من غير تعيين حيث يسقط أحدهما و بقيت الاخرى لأنه لا يعقل التقسيط هناك لكونهما ارتباطي لا يعقل الانحلال حتى يقسط.

ص: 231

«الرابعة عشر: في المزارعة الفاسدة الزكاة مع بلوغ النصاب على صاحب البذر و في الصحيحة منها عليهما إذا بلغ نصيب كل منهما و إن بلغ نصيب أحدهما دون الآخر فعليه فقط و إن لم يبلغ نصيب واحد منهما فلا يجب على واحد منهما و إن بلغ المجموع النصاب» (1)

«الخامسة عشر: يجوز للحاكم الشرعي أن يقترض على الزكاة و يصرفه في بعض مصارفها كما إذا كان هناك مفسدة لا يمكن دفعها إلّا بصرف مال و لم يكن عنده ما يصرفه فيه أو كان فقيراً مضطرّ لا يمكنه إعانته و رفع اضطراره إلّا بذلك أو ابن سبيل كذلك أو تعمير قنطرة أو مسجد أو نحو ذلك و كان لا يمكن تأخيره فحينئذٍ يستدين على الزكاة و يصرف و بعد حصولها يودي الدين منها و إذا أعطى فقيراً من هذا الوجه و صار عند حصول الزكاة غنياً لا يسترجع منه إذ المفروض أنه أعطاه بعنوان الزكاة و ليس هذا من باب إقراض الفقير و الاحتساب عليه بعد ذلك إذ في تلك الصورة تشتغل ذمة الفقير بخلاف المقام فإن الدين على الزكاة و لا يضر عدم كون الزكاة ذات ذمة تشتغل لأن هذه الأمور اعتبارية و العقلاء يصححون هذا الاعتبار و نظيره استدانة متولي الوقف لتعميره ثم الأداء بعد ذلك من نمائه مع أنه في الحقيقة راجع إلى اشتغال ذمة أرباب الزكاة من الفقراء و الغارمين و أبناء السبيل من حيث هم من مصارفها لا من حيث هم، هم و ذلك مثل ملكيتهم للزكاة فإنها ملك لنوع المستحقين

ص: 232

فالدين أيضاً على نوعهم من حيث إنهم من مصارفه لا من حيث أنفسهم و يجوز أن يستدين على نفسه من حيث ولايته على الزكاة و على المستحقين بقصد الأداء من مالهم و لكن في الحقيقة هذا أيضاً يرجع إلى الوجه الأول» (2)

(1) قد تقدم أن الزكاة واجبة على مالكها دون غيره فإن الزرع كله لمالك البذر و العامل غیر مستحق لشیء منه اصلا لفرض كون المزارعه فاسدة، نعم یستحق العامل اجرة المثل، و فی المزارعة الصحیحه الوجه فیه ظاهر لأن الزرع ملك لهما.

(2) استدل الماتن (رحمه اللّه) على جواز الاقتراض على الزكاة بأمرين:

الأول: أن تكون ذمة الزكاة مشغولة بمعنى أن يأخذ القرض بعوض في ذمة الزكاة كالشخص و لا مانع منه من جهة عدم تصور الذمة لمثل الزكاة فإن الذمة من الامور الاعتبارية العقلائية و العقلاء لا يرون مانعاً عن هذا الاعتبار و حينئذٍ إذا صارت ذمة الزكاة مشغولة كان تفريغ ذمتها بدفع نفس الزكاة إذا صار وقت الزكاة.

و يرد عليه: أن مقتضى ما ذكره كون المال المقترض ملكاً للزكاة فلابد من أن يصرف فيما يحتاج الزكاة إليه من تعمير ما هو متعلق الزكاة و علوف المواشى لا فيما هو مصرف للزكاة.

الثاني: أن يستدين الحاكم لنفسه من حيث ولايته على الزكاة و على المستحقين بقصد الأداء من مالهم كما يستدين متولى الوقف بماله من الولاية على الوقف و على الموقوف عليهم فيؤدي بعد ذلك من نماء الموقوفة.

و فيه: أن غاية ما ذكر صيرورة الحاكم مديوناً فيكون الدين شخصياً و لا وجه لصيرورة المال الذي استدانه زكاة كي يصرف في مصارفها المقررة لها.

ص: 233

«و هل يجوز لاحاد المالكين إقراض الزكاة قبل أوان وجوبها أو الاستدانة لها على حذو ما ذكرنا في الحاكم وجهان و يجري جميع ما ذكرنا في الخمس و المظالم و نحوهما» (1)

(1) أما وجه جواز الاقتراض فلعله من جهة أن هذا العنوان أي جهة الزكاة قابلة للملكية ثبوتاً فيجوز الاقراض و هذا و إن كان أمرا معقولاً ثبوتاً لكن لا دليل على هذه الولاية لغير الفقيه لو قلنا بولايته على ذلك في الفرع السابق، نعم لو اريد من ذلك زكاة معجلة بأن تكون الزكاة بنفسها قرضاً و في وقتها يحسب الدين من الزكاة مع البقاء على صفة الاستحقاق، فقد تقدم الكلام فيه من أن الروايات في المقام متضاربة فلابد من حمل الروايات الدالة على الجواز على التقية أو غير ذلك، لكن تقدم تحقيق ذلك في المسئلة الرابعة من فصل وقت وجوب اخراج الزكاة فراجع(1) كما أنه لو اريد من الاقراض اقراض الفقير ثم بعد ذلك يحسب من الزكاة و هذا لا اشكال فيه بمقتضى الروايات منها ما رواه عبدالرحمن بن الحجاج قال: سألت أباالحسن الأول (علیه السلام) عن دين لي على قوم قد طال حبسه عندهم لا يقدرون على قضائه و هم مستوجبون للزكاة هل لي أن أدعه فاحتسبه به عليهم من الزكاة؟ قال: نعم.(2)

ص: 234


1- صفحه 185
2- الوسائل، الباب 46 من أبواب المستحقّين للزكاة، الحدیث: 2

«السادسة عشر: لا يجوز للفقير و لا للحاكم الشرعي أخذ الزكاة من المالك ثم الرد عليه المسمى بالفارسية ب- «دست گردان» أو المصالحة معه بشيء يسير أو قبول شيء منه بأزيد من قيمته أو نحو ذلك فإن كل هذه حيل في تفويت حق الفقراء و كذا بالنسبة إلى الخمس و المظالم و نحوهما نعم لو كان شخص عليه من الزكاة أو المظالم أو نحوهما مبلغ كثير و صار فقيراً لا يمكنه أدائها و أراد أن يتوب إلى الله تعالى لا بأس بتفريغ ذمته بأحد الوجوه المذكورة و مع ذلك إذا كان مرجو التمكن بعد ذلك الأولى أن يشترط عليه أدائها بتمامها عنده» (1)

«السابعة عشر: اشتراط التمكن من التصرف فيما يعتبر فيه الحول كالأنعام و النقدين معلوم و أما فيما لا يعتبر فيه كالغلات ففيه خلاف و إشكال» (2)

(1) أما عدم الجواز في الصورة الاولى فالوجه فيه ظاهر لأنه بنفسه من مصاديق تفويت حق الفقراء و أما الجواز في الصورة الأخيرة فمقتضى القاعدة ذلك لأنه بنفسه مورد للزكاة و أما عدم جواز المصالحة فتفصيل الكلام فيه أنه إما أن يصالح مع الفقير فعدم الجواز فيه واضح لأنه لم يصير مالكاً قبل أخذه فكيف يصالح مع أنه لا ولاية له، و أما المصالحة مع الحاكم الشرعي فالأمر فيه أيضاً كذلك إذ ولايته مشروط بالغبطة بالنسبة إلى المولى عليه و هو مفقود في المقام لأنه تفويت لحقه و تضييع له من دون مصلحة، و أما المسامحة مع المالك فلا دليل على جوازها للحاكم و لا لوكيله لعدم ولايته على ذلك مضافاً إلى أن ذلك مخالف لحكمة التشريع.

(2) أما في الأول فالوجه فيه اتفاق النص و الفتوى عليه، و أما في الثاني فلعل منشأ

ص: 235

الاشكال ما أفاده السيد المدارك حيث نقل عنه أن ذلك مشكلٌ جداً لعدم وضوح مأخذ، إذ غاية ما يستفاد من الروايات أن المغصوب إذا كان مما يعتبر فيه الحول و عاد إلى ملكه يكون كالمملوك ابتداء فيجرى فیه في الحول من حين عوده و لا دلالة لها على ما لا يعتبر فيه الحول بوجه، انتهى.

لكن أورد عليه في الجواهر بقوله «يدفعه» ما سمعت من اطلاق معاقد الاجماعات و غيرها الذي لا ينافيه الاقتصار على ذي الحول في بعض النصوص كما هو واضح و لعل المراد من غيرها في كلامه ما رواه عبد الله بن سنان عن أبي عبد الله (علیه السلام) قال: لا صدقة على الدين و لا على المال الغائب عنك حتى يقع في يديك.(1)

و ما رواه أبوبصير و محمد بن مسلم جميعاً عن أبي جعفر (علیه السلام) أنهما قالا له هذه الأرض التي يزارع أهلها ما ترى فيها فقال كل أرض دفعها إليك السلطان فما حرثته فيها فعليك مما أخرج الله منها الذي قاطعك عليه و ليس على جميع ما أخرج الله منها العشر إنما عليك العشر فيما يحصل في يدك بعد مقاسمته لك.(2)

فما أفاده المشهور هو الصحيح ظاهراً.

ص: 236


1- الوسائل، الباب 5 من أبواب من تجب علیه الزكاة، الحدیث: 6
2- الوسائل، الباب 7 من أبواب زكاة الغلات، الحدیث: 1

«الثامنة عشر: إذا كان له مال مدفون في مكان و نسي موضعه بحيث لا يمكنه العثور عليه، لا يجب فيه الزكاة إلّا بعد العثور و مضى الحول من حينه و أما إذا كان في صندوقه مثلاً لكنه غافل عنه بالمرة فلا يتمكن من التصرف فيه من جهة غفلته و إلّا فلو التفت إليه أمكنه التصرف فيه يجب فيه الزكاة إذا حال عليه الحول و يجب التكرار إذا حال عليه أحوال فليس هذا من عدم التمكن الذي هو قادح في وجوب الزكاة» (1)

(1) أما عدم الوجوب في الفرع الأول فلرواية سدير الصيرفي قال: قلت لأبي جعفر (علیه السلام) ما تقول في رجل كان له مال فانطلق به فدفنه في موضع فلما حال عليه الحول ذهب ليخرجه من موضعه فاحتفر الموضع الذي ظن أن المال فيه مدفون فلم يصبه فمكث بعد ذلك ثلاث سنين ثم إنه احتفر الموضع من جوانبه كله فوقع على المال بعينه كيف يزكيه قال يزكيه لسنة واحدة لأنه كان غائبا عنه و إن كان احتبسه.(1)

و أما الفرع الثاني فالظاهر عدم الالحاق إذ الظاهر من النص الدال على اعتبار التمكن من التصرف عدم القصور من ناحية المال كما إذا كان في يد غاصب أو في مكان لا يعرفه و أما إذا كان عدم التمكن من ناحية غير المال بل ناشٍ من غفلته عنه فلا يكون مانعاً عن تعلق الزكاة.

بعبارة اخرى: أن الروايات الدالة على الاعتبار قاصرة عن ذلك فإن العناوين الواردة فيها هكذا «كون المال تحت يده» أو «في يدهما و لم يكن غائباً عنه» و أمثال ذلك و هذه محققة حال الغفلة فإن المال تحت يد الغافل و ليس غائباً عنه بل المالك غائب عن المال كما أن المأخذ للاعتبار لو كان هو الاجماع فالقدر المتيقن منه ذلك فلا دليل

ص: 237


1- الوسائل، الباب 5 من أبواب من تجب علیه الزكاة، الحدیث: 1

«التاسعة عشر: إذا نذر أن لا يتصرف في ماله الحاضر شهراً أو شهرين أو أكرهه مكره على عدم التصرف أو كان مشروطاً عليه في ضمن عقد لازم ففي منعه من وجوب الزكاة و كونه من عدم التمكن من التصرف الذي هو موضوع الحكم إشكالٌ لأن القدر المتيقن ما إذا لم يكن المال حاضراً عنده أو كان حاضراً و كان بحكم الغائب عرفاً» (1)

على الالحاق.

(1) وجه الاشكال أن ما ورد في الروايات غير منطبق على ذلك حيث أن الوارد في الروايات المال الذي تحت يده أو لا يكون غائباً عنه أو حتى يحول عليه الحول في يده أو يحول عليه الحول و هو عنده أو قوله (علیه السلام): «حتى يقع في يديك» أو ماله عنه غائب لا يقدر على أخذه و هذه العناوين لا يصدق على من كان ممنوعاً شرعاً و ما قيل بالمنع نظراً إلى أن الممنوع شرعاً كالممتنع شرعاً في كونه مانعاً عن تعلق الزكاة، ظاهر المنع إذ لم يرد في الرواية التمكن من التصرف ليتكلم في سعة مفهوم هذا العنوان و ضيقه.

اللهم إلا أن يقال: أن النصوص و إن لم يؤخذ في شيء منها عنوان عدم التمكن إلّا أنّا علمنا أن مانعية الامور المذكورة في الرواية من كون المال مسروقاً أو مغصوباً مانعية ذلك من جهة عدم تمكنه من التصرف الناشيء من قصور في ناحية المال و لا فرق في عدم التمكن بين كونه عقلياً أو ثابتاً في الشرع ففي مثل النذر و الشرط يكون المكلف غير قادر على التصرف شرعاً، لكن في النفس شيء و إن أفاده ذلك سيدنا الاستاذ (رحمه اللّه) في المرتقى.

ص: 238

«العشرون: يجوز أن يشتري من زكاته من سهم سبيل الله كتاباً أو قرآناً أو دعاء و يوقفه و يجعل التولية بيده أو يد أولاده و لو أوقفه على أولاده و غيرهم ممن يجب نفقته عليه فلا بأس به أيضاً، نعم لو اشترى خاناً أو بستاناً و وقفه على من تجب نفقته عليه لصرف نمائه في نفقتهم فيه إشكال» (1)

(1) أما اشتراء الكتاب و القرآن و وقفهما، فلعدم اندراج ذلك في ما دل على المنع إذ المستفاد من أدلته، الصرف في نفقتهم لا مجرد انتفاعهم بها و لذا يجوز اشتراء بناء للمسجد من الزكاة و انتفاعهم منه أو تعمير قنطرة بحيث ينتفع بها الكل، منهم الواجب النفقة، كل ذلك من جهة أن هذا ليس صرفاً للزكاة في نفقة واجب النفقة فإن الوقف مصداق سبيل الله الذي هو من جملة مصارف الزكاة فالوقف حينئذٍ يكون مصداقاً لصرف الزكاة في سهم سبيل الله.

و أما اشتراء الخان أو البستان و وقفه على من تجب نفقته عليه لصرف نمائه في نفقتهم فربما يشكل ذلك من جهة أنه نوع من صرف الزكاة في نفقة واجبي النفقة إذ لا فرق بين صرفها كذلك و بين صرف نمائها في نفقتهم و من جهة أن الزكاة لم تصرف في نفقتهم و الممنوع منه إنما هو صرف الزكاة لا صرف نمائها و لعل الأول هو الأقوى لعدم قصور في مثل قوله (علیه السلام): «خمسة لا يعطون من الزكاة شيئاً الاب»(1) إلى آخره، عن الشمول لذلك إذ المراد بالاعطاء هو صرفها في نفقتهم و مصالحهم و وقف الخان أو البستان، صرف للعين الموقوفة في مصالحهم الشخصية و تمليك لهم لسد حوائجهم، غاية الأمر لا يكون على نحو ملك طلق و لا فرق بين الملك الطلق و الملك على نحو الوقف في هذه الجهة.

ص: 239


1- الوسائل، الباب 13 من أبواب المستحقّين للزكاة، الحدیث: 1

«الحادية و العشرون: إذا كان ممتنعاً من أداء الزكاة لا يجوز للفقير المقاصة من ماله إلّا بإذن الحاكم الشرعي في كل مورد» (1)

«الثانية و العشرون: لا يجوز إعطاء الزكاة للفقير من سهم الفقراء للزيارة أو الحج أو نحوهما من القرب و يجوز من سهم سبيل الله» (2)

(1) لعدم ولايتهم على ذلك إذ لا يملك الفقير الزكاة حتى يجوز له التقاص و إنما يملك بعد الاستلام و القبض و لا تقاص إلّا لمن له الحق دون غيره، نعم جاز للحاكم الشرعي أخذ الحق المتعلق بعامة الفقراء من الممتنع تقاصاً حسب ولايته على أموال المتعلق بحق الفقراء.

(2) تارة يعطى المالك الزكاة للفقير من باب التمليك و حينئذٍ يجوز له أن يصرف فيما شاء و ليس للمالك فيما دفع من سهم الفقراء الاشتراط و تقييد الصرف في جهة خاصة من الحج و نحوه لعدم الدليل على ثبوت الولاية له في تعيين الصرف و إنما له الولاية على أصل الدفع و يؤيد ذلك ما رواه الحكم بن العتیبة قال: قلت لأبي عبدالله (علیه السلام): الرجل يعطي الرجل من زكاة ماله يحج بها؟ قال: ما للزكاة يحج بها، فقلت له: إنه رجل مسلم أعطى رجلا مسلماً؟ فقال: إن كان محتاجاً فليعطه لحاجته و فقره و لا يقل له حج بها يصنع بها بعده ما يشاء(1) و أخرى يعطيه من سهم سبيل الله كي يصرف في الحج و حينئذٍ يلزم الفقير الصرف في هذه الجهة فقط فلا يجوز الصرف في غيره، إلى ذلك نظر الماتن (رحمه اللّه) في التفصيل بين الأمرين.

ص: 240


1- الوسائل، الباب 41 من أبواب المستحقّين للزّكاة، الحدیث: 3

«الثالثة و العشرون: يجوز صرف الزكاة من سهم سبيل الله في كل قربة حتى إعطائها للظالم لتخليص المؤمنين من شره إذا لم يمكن دفع شره إلّا بهذا» (1)

«الرابعة و العشرون: لو نذر أن يكون نصف ثمر نخلة أو كرمه أو نصف حب زرعه لشخص بعنوان نذر النتيجة و بلغ ذلك النصاب وجبت الزكاة على ذلك الشخص أيضاً لأنه مالك له حين تعلق الوجوب» (2)

(1) قد تقدم أن سهم سبيل الله لا يختص بالجهاد كما هو مذهب العامة بل يعم جميع سبيل الخير، غاية الأمر فیما إذا فرض فيه مصلحة عامة لجميع المسلمين لا مثل ازدواج المؤمن من باب ادخال السرور في قلبه فإن الأدلة منصرفة عن مثل هذه الموارد و من أوضح أفراده تخليص المؤمن من شر الظالم فإنه من فعل الخير و مشتمل على أعظم مصلحة عامة دينية فيجوز اعطاء الزكاة من هذا السهم فإن انجاء المؤمن تعظيم لشعائر الله تبارك و تعالى و زيادة في المسلمين فإن ما يرجع إلى مؤمن من حيث أنه مؤمن واحد، يرجع إلى جميع المسلمين فإذا كان الأمر كذلك لا وجه لجهة التقييد بالانحصار بل يجوز حتى و غيرها.

(2) و الأمر كما أفاده حيث أن المنذور له يصير مالكاً بالنذر حين تعلق الوجوب فتجب الزكاة عليه إذا بلغ نصيبه النصاب، إذ صار مشتركاً مع المالك بهذا النذر فهو داخل في كبرى مسئلة الاشتراك التي تقدم ذكرها، لكنّ العمدة في صحة هذا النذر لعدم الدليل على ذلك مع أن التمليك القهري يحتاج إلى الدليل كالارث و الوصية التمليكية و الديات و الجروح، و النذر بمجرده لا يمكن أن يكون دليل على ذلك لعدم اندراجه تحت عنوان من العناوين المملكة فلاحظ.

ص: 241

«و أما لو كان بعنوان نذر الفعل فلا تجب على ذلك الشخص» (1)

«و في وجوبها على المالك بالنسبة إلى المقدار المنذور إشكال» (2)

«الخامسة و العشرون: يجوز للفقير أن يوكل شخصاً يقبض له الزكاة من أى شخص و في أى مكان كان و يجوز للمالك إقباضه إياه مع علمه بالحال و تبرأ ذمته و إن تلفت في يد الوكيل قبل الوصول إلى الفقير و لا مانع من أن يجعل الفقير للوكيل جعلا على ذلك» (3)

(1) لعدم صيرورته بذلك مالكاً للنصاب.

(2) من جهة أن تعلق النذر به يستوجب المنع من التصرف في المنذور لوجوب حفظه، فلا محالة يرتفع الزكاة عن المالك بالنسبة إليه من جهة عدم قدرته على التصرف شرعاً و من جهة أن اعتبار التمكن من التصرف لم يرد بعنوانه في شيء من الأخبار ليشمل المقام و المالك و إن كان ممنوعاً من التصرف شرعاً إلّا أنه يصدق أن المال حاضر عنده و تحت يده فالمنع المذكور لا يكون مانعاً من تعلق الزكاة في شيء من الموردين أعني نذر الفعل و نذر الصدقة، لكن تقدم الاشكال في الاخير فالاحتياط طريق النجاة.

(3) أما صحة نيابة القبض فلأنه قابل لها بمقتضى السيرة العقلائية و ارتكازهم و حينئذٍ يجوز للمالك اقباضه فإذا قبض يصير المال مملوكاً للفقير فحينئذٍ تُبرأ ذمة المالك و لو تلفت في يد الوكيل قبل الوصول إلى الفقير و أما جواز جعل الجُعل للوكيل فلعموم أدلة الجعالة.

ص: 242

«السادسة و العشرون: لا تجري الفضولية في دفع الزكاة فلو أعطى فضولى زكاة شخص من ماله من غير إذنه فأجاز بعد ذلك لم يصح» (1)

(1) أقول: تارة يدفع الفضولي الزكاة من ماله قبل عزل المالك و اخرى بعده.

أما الأول: فقد يقال: إنه داخل في المسئلة الفضولية بأنها هل هي مطابقة لمقتضى القاعدة من غير حاجة إلى دليل خاص، أم انها على خلاف مقتضى القاعدة فلابد من الاقتصار على موضع النص، أما على الأول فتجرى الفضولية في المقام و حيث ان المحقق في نظر القائل هو الأول فتجرى في المقام أيضاً فإذا أجاز بعد ذلك جاز و اشتراط الزكاة بقصد القربة لا يضر المقام إذ قد يتمشى منه قصد القربة بأن يكون غافلاً مضافاً إلى أن الدفع الصادر من الفضولي و إن كان محرماً لكن بعد لحوق الاجازة التي ترتفع معها الحرمة، يقع الدفع مصداقاً للامتثال فما كان حراماً لم يكن مصداقاً للواجب و ما كان مصداقاً له لا حرمة فيه.

و فيه أولاً: أن المعاملة الفضولية تكون صحتها من باب النص و لا تكون على مقتضى القاعدة الأولية كما حقق في محله، نعم مقتضى عموم النص جريانها في جميع المعاملات.

و ثانياً: أن مورد الفضولية إنما هو التصرفات الانشائية الملحوظ لها البقاء عرفاً الغير النافذة إلّا من المالك أو باذنه أو باجازته و أما المقام أي اخراج الزكاة من مال المالك ليس من الامور الانشائية فإنه من الواضح أنّ تعیّن الزكاة بالعزل و التعیّن من المالك لیس من الامور الانشائیه حتى يجرى فيه ما يجرى في الفضولية، إلّا أن يقال: أن الدفع هو تمليك للعين الزكوية إلى الفقير و هو أمر انشائي فتجري فيه المسئلة الفضولية، نعم مجرد العزل لا يكون من الامور الانشائية.

و أما الثاني: فتجري فيه الفضولية و أحكامها حيث ان دفع المال المعزول زكاة إلى الفقير تمليك له فيكون من الامور الانشائية فإذا كان الدافع غير المالك كان ذلك

ص: 243

«نعم لو كان المال باقياً في يد الفقير أو تالفاً مع ضمانه بأن يكون عالماً بالحال يجوز له الاحتساب إذا كان باقياً على فقره» (1)

«السابعة و العشرون: إذا وكل المالك شخصاً في إخراج زكاته من ماله أو أعطاه له و قال ادفعه إلى الفقراء يجوز له الأخذ منه لنفسه إن كان فقيراً مع علمه بأنّ غرضه الإيصال إلى الفقراء و أما إذا احتمل كون غرضه الدفع إلى غيره فلا يجوز» (2)

معاملة فضولية و توقفت ملكية الفقير له على اجازة المالك.

(1) أما بقاء المال على ملك مالكه فبمقتضى القاعدة الأولية، لأنه لم يخرج من ماله بسبب تمليك الفضولي إما من جهة عدم جريان الفضولية في المقام و إما لعدم اجازته على القول بالجريان، و أما تقييد الماتن (رحمه اللّه) بأن يكون عالماً بالحال، فقد أورد عليه المحقق الخوئي (قدس سره ) بأن هذا إنما يعتبر في استقراء الضمان و أما أصل الضمان فلا فرق فيه بين كونه عالماً أو جاهلاً إذ مقتضى قاعدة اليد كون الفقير ضامناً له، غاية الأمر إذا تبين الحال بعد ذلك يجوز للفقير أن يرجع إلى الفضولي لأنه مغرور «و المغرور يرجع إلى من غره».

(2) في صورة معلومية الغرض من أنه عام شامل للمعطى «بالفتح» أو أنه غير شامل له فالحكم فيه واضح، و أما في صورة الاجمال فالروايات الواردة في المقام مختلفة ظاهراً فلابد من ملاحظتها، منها: ما رواه سعيد بن يسار قال: قلت لأبي عبد الله (علیه السلام) الرجل يعطى الزكاة فيقسمها في أصحابه أ يأخذ منها شيئا قال نعم.(1)

و منها: ما رواه عبد الرحمن بن الحجاج قال: سألت أبا الحسن (علیه السلام) عن الرجل يعطي

ص: 244


1- الوسائل، الباب 40 من أبواب المستحقّين للزكاة، الحدیث: 1

الرجل الدراهم يقسمها و يضعها في مواضعها و هو ممن تحل له الصدقة قال لا بأس أن يأخذ لنفسه كما يعطي غيره قال و لا يجوز له أن يأخذ إذا أمره أن يضعها في مواضع مسماة إلا بإذنه.(1)

و منها: ما رواه الحسين بن عثمان عن أبي إبراهيم (علیه السلام) في رجل أعطي مالا يفرقه فيمن يحل له أ له أن يأخذ منه شيئا لنفسه و إن لم يسم له قال يأخذ منه لنفسه مثل ما يعطي غيره.(2)

و منها: ما رواه عبدالرحمن بن الحجاج قال: سألته عن رجل أعطاه رجل مالا ليقسمه في محاويج أو في مساكين و هو محتاج أيأخذ منه لنفسه و لا يعلمه؟ قال: لا يأخذ منه شيئاً حتى يأذن له صاحبه(3)

الظاهر من رواية ابن يسار جواز الأخذ مطلقاً و المستفاد من رواية عبدالرحمن بن الحجاج جوازه بمقدار ما يعطى لغيره و نحوه ما رواه ابن عثمان، لكن يستفاد من رواية ابن الحجاج الثانية عدم الجواز فلابد من الجمع بينهما فقد يجمع بحمل الثانية على الكراهة كما عن الشيخ (رحمه اللّه) لكنه تبرعي لا شاهد عليه، و في تقريرات المحقق الخوئي (قدس سره ) عدم المعارضة بين الطائفتين لأن المستفاد من رواية ابن الحجاج الثانية كون المال شخصياً لا يكون له مصرف مخصوص و من المعلوم أن هذا المال لا يجوز التصرف فيه إلّا باذن مالكه و مجرد اندراجه في العنوان المقسوم عليه المال من المحاويج أو المساكين لا يسوغ التصرف ما لم يحرز شمول الاذن له بدليل قاطع و أما الطائفة الاولى فهي ناظرة إلى المال الذي هو خارج عن ملك المالك و له مصرف مخصوص حسب الجعل الشرعي المعبر عنه بالحقوق الشرعية كما صرح في رواية ابن يسار، إذ الظاهر من التعبير بقوله: «من

ص: 245


1- الوسائل، الباب 40 من أبواب المستحقّين للزكاة، الحدیث: 3
2- نفس المصدر، الحدیث: 2
3- الوسائل، الباب 84 من أبواب ما يكتسب به، الحدیث: 3

يحل له الصدقة» كون المال مما يحل لطائفة دون طائفة اخرى و يؤيده قوله: «يضعها في مواضعها» حيث يستفاد منه أن له موضعاً معيناً و حكم هذا المال أنَّ للمالك المتصدي لاخراجه ولاية التعيين فإن عيّن فهو و إلّا فقد أجاز الولى الحقيقي أخذ القسم بمقدار ما يعطي لغيره و الحال أن الطائفة الاولى دائر أمرها بين الاطلاق و التقييد فيحمل الأول على الثانى، و أما الطائفة الثانية فلا يرتبط بما نحن بصدده.

أضف إلى ذلك أن هذه الرواية معارضة بمثلها في موردها لاحظ ما رواه عبدالرحمن يعنى ابن الحجاج عن أبي عبدالله (علیه السلام) في رجل أعطى رجل مالاً ليقسمه في المساكين و له عيال محتاجون أيعطيهم منه من غير أن يستأذن صاحبه؟ قال: نعم(1) فلا تصل النوبة إلى ما أفاده (فتأمل، لأن مورد روایت الاول «وهومحتاج» و مورد روایت الثانیة «عیال محتاجون» و إن كان مقتضى القاعدة عدم جواز الأخذ إلّا باذن صاحبه.)

ص: 246


1- الوسائل، الباب 84 من أبواب ما يكتسب به، الحدیث: 2

«الثامنة و العشرون: لو قبض الفقير بعنوان الزكاة أربعين شاة دفعة أو تدريجاً و بقيت عنده سنة وجب عليه إخراج زكاتها و هكذا في سائر الأنعام و النقدين» (1)

«التاسعة و العشرون: لو كان مال زكوى مشتركاً بين اثنين مثلا و كان نصيب كل منهما بقدر النصاب فأعطى أحدهما زكاة حصته من مال آخر أو منه بإذن الآخر قبل القسمة ثم اقتسماه فإن احتمل المزكي أنّ شريكه يودي زكاته فلا إشكال و إن علم أنه لا يودي، ففيه إشكال من حيث تعلق الزكاة بالعين فيكون مقدار منها في حصته» (2)

(1) للاطلاق الوارد في المقام فإن المناط كون الشخص مالكاً للنصاب و مضى عليه الحول فمع توفر الشرائط تجب عليه الزكاة من أي جهة ملك المالك من الشراء و النتاج و الخمس و الزكاة إلّا أن يقال أن الفقير لم يملك ما زاد عن مؤنته كالخمس و حينئذٍ فلا تجب، لكن المبنى محل للكلام فلاحظ.

(2) أما على القول بتعلق الزكاة بالعين على نحو الاشاعة، فالاشكال فيه واضح لعدم ولاية المالك على القسمة و الإفراز مع الغاصب فلا يجوز له التصرف كما لو اعترف أحد الأخوين بوجود الأخ الثالث و أنكره الآخر فإنه ليس له المقاسمة معه بالمناصفة في إرث أبيه و أما مع الاحتمال فلا اشكال إذ لا يحرز أنه غاصب.

و أما على القول بكونه من قبيل الحق في العين فموضوعها مال المالك و حينئذٍ يمكن اثبات ولايته على قسمة ماله بقاعدة السلطنة لعدم منافاة القسمة للحق، غاية الأمر أنه كان موضوعاً مشاعاً فصار معيناً، فتأمل.

و أما على القول بكون التعلق من باب الكلي في المعين فالأمر أيضاً كذلك فإن

ص: 247

الخصوصيات الخارجية لما كانت ملكاً للمالك كانت تحت سلطنته فله القسمة مع شريكه فجاز لهما التصرف إلى أن يبقى مقدار الزكاة، و بعبارة واضحة أنه إذا جاز لهما التصرف إلى أن يبقى مقدار الزكاة جاز لهما القسمة أيضاً إذ المفروض أنها لا توجب التصرف في مقدار الزكاة و إنما هو باقٍ بحاله حتى بعد القسمة، نعم إذا بلغ إلى مقدار الزكاة لم يجز لهما التصرف في ذلك المقدار و عليه يكون هذا المقدار الباقي للفقراء في نصيب غير المؤدي منهما للزكاة، لكن إذا استلزمت القسمة التصرف في مقدار الفريضة لم يجز لهما التصرف بالقسمة أيضاً فالاشكال باقٍ بحاله.

و أما على القول بالاشاعة فمقتضى القاعدة بطلان القسمة كما ذكرنا، لكن لسيدنا الاستاذ (رحمه اللّه) توجيه في صحة القسمة على هذا المبنى بأن يقال: أنه بعد ما ثبت من الأدلة أن للمالك إفراز الزكاة و تعينها بالعزل فلا محالة يكون تراضي الشريكين في القسمة بعد العلم بأداء أحدهما بمقدار نصيبه من الزكاة إنما هو تعيين المقدار الباقی من الزكاة في نصيب الآخر و حينئذٍ يكون كل جزء مشاع من أمواله مملوكاً للفقراء بنسبة زكاة حصته أي حصة شريكه الذي لم يؤد زكاة ماله إلى نصيبه من المال، فلو فرضنا أن المال المشترك كان مأة دينار و كان عشرة منها زكاة فأدى أحدهما زكاة حصته و هو خمسة دنانير من مال آخر ثم اقتسما المال المذكور فصار لكل واحد منهما خمسين ديناراً، كانت زكاة من لم يؤديها إنما هو خمسة دنانير و نسبتها إلى الخمسين ديناراً هو العشر فيكون كل جزء من المال المذكور مملوكاً للفقراء بنسبة العشر و عليه فتصح القسمة و تكون الزكاة باقية في حصة من لم يؤدها لا في كلتا الحصتين.

أقول: هذا صحيح على القول بصحة المبنى و أن له الولاية على القسمة و أما على القول بعدمها كما تقدم فمشكلٌ جداً.

ص: 248

«الثلاثون: قد مر أن الكافر مكلف بالزكاة و لا تصح منه و إن كان لو أسلم سقطت عنه و على هذا فيجوز للحاكم إجباره على الإعطاء له أو أخذها من ماله قهراً عليه و يكون هو المتولي للنية و إن لم يوخذ منه حتى مات كافراً جاز الأخذ من تركته و إن كان وارثه مسلماً وجب عليه كما أنه لو اشترى مسلم تمام النصاب منه كان شراوه بالنسبة إلى مقدار الزكاة فضولياً و حكمه حكم ما إذا اشترى من المسلم قبل إخراج الزكاة و قد مر سابقاً» (1)

«الحادية و الثلاثون: إذا بقي من المال الذي تعلق به الزكاة و الخمس مقدار لا يفي بهما و لم يكن عنده غيره فالظاهر وجوب التوزيع بالنسبة بخلاف ما إذا كانا في ذمته و لم يكن عنده ما يفي بهما فإنه مخير بين التوزيع و تقديم أحدهما» (2)

(1) قد مر سابقاً تحقيق ذلك و قلنا هناك أنّ الكافر غير مكلف بالفروع و أن الزكاة لم تجب عليه فلا تصل النوبة إلى هذه الفروع، نعم إذا قلنا بذلك فالأمر كما أفاده بتحقق الموضوع.

(2) أما مع وجود المال الذي تعلق به الخمس و الزكاة فما أفاده من التوزيع لا غبار عليه إذ المال بالنسبة إلى الحقين سواء فلا ترجيح لأحد الطرفين على الآخر فلابد من القول بالتوزيع.

و ما أفاد سيد المستمسك (رحمه اللّه) من أنه مخير بين التوزيع و التقديم لأن المورد من موارد التزاحم -نظراً إلى أنّ كل جزء من المال موضوع لكل من الحقين فحيث لا يمكن اعمالها معاً يكون اعمال أحدهما بعينه ترجيحاً بلا مرجح و لازمه التخيير في اعمال كل منهما

ص: 249

«و إذا كان عليه خمس أو زكاة و مع ذلك عليه من دين الناس و الكفارة و النذر و المظالم و ضاق ماله عن أداء الجميع فإن كانت العين التي فيها الخمس أو الزكاة موجودة وجب تقديمهما على البقية و إن لم تكن موجودة فهو مخير بين تقديم أيها شاء و لا يجب التوزيع و إن كان أولى» (1)

فلا موجب للتوزيع- مشكلٌ، كما بيّنه سيدنا الاستاذ (رحمه اللّه) في المرتقى إذ اندراج المورد تحت كبرى التزاحم موقوف على عدم المانع من جعل كلا الحكمين و أن المانع إنما هو في فعليّتهما معاً لأجل عجز المكلف عن امتثالهما مع أن المانع إنما هو في أصل الجعل و أنه لا يمكن جعل الحقين معاً بحيث يكون المال كله موضوعاً لكل من الحقين بل لابد و أن يجعل بعضاً من المال موضوعاً لهذا الحق و بعضه الآخر موضوعاً للحق الآخر و أما إذا كانا في ذمته و لم يكن عنده ما يفي بهما فأفتى الماتن (رحمه اللّه) أنه مخير بين التوزيع و تقديم أحدهما و الوجه فيه أنه لا علاقة حينئذٍ بين ما عليه من الحق و بين ما لديه من المال إذن لا موجب للتوزيع بل يتخير بينه و بين تقديم أي منهما شاء كما إذا كان مديوناً لشخصين و لم يف المال لكليهما فإنه مخير بين التوزيع و بين تقديم من شاء لتساوي الحقين بالنسبة إلى ما في الذمة ما لم يبلغ حد التفليس.

(1) أما في صورة وجود العين، فالوجه فيه أن العين مع وجودها فالحقان متعلقان بها بمعنى أنه لا يكون مالكاً لمقدار الخمس أو الزكاة منها فيكونان مقدمين على بقية الديون التي موطنها الذمة و أما في صورة التلف فمقتضى ما ذكرناه سابقاً هو التخيير بينها لاستقرار الكل حينئذٍ في الذمة الذي نتيجته هو التخيير على ما عرفت سابقاً، هذا إذا قلنا بأن النذر و الكفارة من الديون و إلّا تقيدم الامور الأخيرة واضح.

ص: 250

«نعم إذا مات و كان عليه هذه الأمور و ضاقت التركة وجب التوزيع بالنسبة كما في غرماء المفلس و إذا كان عليه حج واجب أيضاً كان في عرضها» (1)

(1) أما إذا كانت الحقوق المجتمعة مؤلفة من الكفارات و النذور و ما عداهما من الحقوق المالية غير الحج، فإن قلنا بأنّ الكفارات و النذور من الحقوق المالية فالقول بالتوزيع بينهما و بين سائر الحقوق واضح لتساويها في العين الموجودة أي التركة على ما عرفت سابقاً و أما إذا لم نقل بذلك و قلنا بأن أداء الكفارة و النذر من الواجبات التكليفية المحضة كما ليس ببعيد، فتقديم الحقوق المالية عليها فقط واضح لسقوط التكليف بالنسبة إليها بالموت و أما لو كانت الحقوق المذكورة مجتمعة مع الحج فما يستفاد من بعض النصوص تقدم الحج على سائر الحقوق المالية.

أما تقديمه على الزكاة فلما رواه معاوية بن عمار قال: قلت له: رجل يموت و عليه خمس مائة درهم من الزكاة و عليه حجة الاسلام و ترك ثلاثمائة درهم و أوصى بحجة الاسلام و ان يقضى عنه دين الزكاة، قال: يحج عنه من أقرب ما يكون و تخرج البقية في الزكاة(1)

و أما تقديم الحج على سائر الديون فلما رواه بريد العجلي قال: سألت أباجعفر (علیه السلام) عن رجل خرج حاجاً و معه جمل له و نفقة و زاد فمات في الطريق، قال: إن كان صرورة ثم مات في الحرم فقد أجزأ عنه حجة الاسلام و إن كان مات و هو صرورة قبل أن يحرم جعل جمله و زاده و نفقته و ما معه في حجة الاسلام فإن فضل من ذلك شيء فهو للورثة إن لم يكن عليه دين قلت: أرأيت إن كانت الحجة تطوعاً ثم مات في الطريق قبل أن يحرم لمن يكون جمله و نفقته و ما معه؟ قال: يكون جميع ما معه و ما

ص: 251


1- الوسائل، الباب 21 من أبواب المستحقّين للزّكاة، الحدیث: 2

ترك للورثة إلا أن يكون عليه دين فيقضى عنه أو يكون أوصى بوصية فينفذ ذلك لمن أوصى له و يجعل ذلك من ثلثه(1) فإن المستفاد منه تقديم الحج على الديون و الارث.

و أما لو كانت الحقوق المجتمعة حقوقاً مالية محضة كديون الناس و المظالم و الزكاة و الخمس غير الحج فالظاهر هو التخيير لا التوزيع إذ الحقوق ثابتة في ذمة الميت و لم تنتقل إلى التركة بالموت و حينئذٍ يكون المال باقياً على ملك الميت فالنتيجة هو التخيير في مقام الأداء كما ذكرناه في الحي.

لكن المستفاد من رواية أبي بصير -عن أبي عبدالله (علیه السلام) أنه سأل عن رجل كانت عنده مضاربة و وديعة و أموال أيتام و بضائع و عليه سلف لقوم فهلك و ترك ألف درهم أو أكثر من ذلك و الذي عليه للناس أكثر مما ترك، فقال: يقسم لهؤلاء الذين كلهم على قدر حصصهم أموالهم(2)- هو التوزيع.

ص: 252


1- الوسائل، الباب 26 من أبواب وجوب الحجّ و شرائطه، الحدیث: 2
2- الوسائل، الباب 5 من أبواب الحجر، الحدیث: 4

«الثانية و الثلاثون: الظاهر أنه لا مانع من إعطاء الزكاة للسائل بكفه و كذا في الفطرة و من منع من ذلك كالمجلسي في زاد المعاد في باب زكاة الفطرة لعل نظره إلى حرمة السوال و اشتراط العدالة في الفقير و إلّا فلا دليل عليه بالخصوص بل قال المحقق القمي لم أر من استثناه فيما رأيته من كلمات العلماء سوى المجلسي في زاد المعاد، قال: و لعله سهو منه و كأنه كان يريد الاحتياط فسهى و ذكره بعنوان الفتوى» (1)

(1) أما عدم المنع فلأن المدار في جواز الاعطاء هو الفقر و أما اعتبار عدم كونه سائلاً مع اعتبار العدالة فيه، فلعل الوجه فيه أن السؤال حرام لكنه لا دليل على اعتبار الأول فكيف بالثاني مع وجود الدليل ظاهراً على أنّ السؤال ليس بمانع كما رواه محمد بن مسلم عن أحدهما‘ أنه سأله عن الفقير و المسكين فقال الفقير الذي لا يسأل و المسكين الذي هو أجهد منه الذي يسأل.(1)

و أما رواية ابن ابي يعفور قال: قلت لأبي عبدالله (علیه السلام): جعلت فداك! ما تقول في الزكاة لمن هي؟ قال: فقال: هي لأصحابك. قال: قلت: فإن فضل عنهم؟ قال: فأعد عليهم. قال: قلت: فإن فضل عنهم؟ قال: فأعد عليهم. قال: قلت: فإن فضل عنهم؟ قال: فأعد عليهم. قال: قلت: فإن فضل عنهم؟ قال: فأعد عليهم. قلت: فنعطى السؤال منها شيئاً؟ قال: فقال: لا والله إلا التراب إلا أن ترحمه فإن رحمته فاعطه كسرة ثم أومأ بيده فوضع ابهامه على اصول أصابعه(2) فقد حُملت على من كان السؤال حرفة له، كما في كلام السيد الحكيم (رحمه اللّه) لكنه بعيد إذ المحترف هو من يكون له عمل و شغل يعيش به و يكف بذلك عن الزكاة و هذا غير منطبق على من يستعطى الناس من

ص: 253


1- الوسائل، الباب 1 من أبواب المستحقّين للزكاة، الحدیث: 2
2- الوسائل، الباب 5 من أبواب المستحقّين للزكاة، الحدیث: 6

«الثالثة و الثلاثون: الظاهر بناء على اعتبار العدالة في الفقير عدم جواز أخذه أيضاً لكن ذكر المحقق القمي أنه مختص بالإعطاء بمعنى أنه لا يجوز للمعطي أن يدفع إلى غير العادل و أما الآخذ فليس مكلفاً بعدم الأخذ»(1)

«الرابعة و الثلاثون: لا إشكال في وجوب قصد القربة في الزكاة و ظاهر كلمات العلماء أنها شرط في الإجزاء فلو لم يقصد القربة لم يكن زكاة و لم يجز و لولا الإجماع أمكن الخدشة فيه و محل الإشكال غير ما إذا كان قاصداً للقربة في العزل و بعد ذلك نوى الرياء مثلاً حين دفع ذلك المعزول إلى الفقير فإن الظاهر إجزاوه و إن قلنا باعتبار القربة إذ المفروض تحققها حين الإخراج و العزل» (2)

الزكاة فلابد من العلاج من الكراهة في السؤال و أنه إذا دار الأمر بينه و بين غيره يكون غيره مقدماً و إلّا فلا وجه لاعطائه كسراً عند الاسترحام.

(1) الظاهر أنه لا وجه للتفكيك فإن العدالة إذا كانت شرطاً يكون واقعياً كسائر الشرائط فكما لا يجوز للمعطي الدفع إلى غير العادل كذلك لا يجوز له أن يأخذها، لكن الذي يهون الخطب أنه لا دليل على الاشتراط.

(2) لا اشكال في اشتراط قصد القربة في الزكاة كما ذكرناه سابقاً لكن البحث في المقام يقع في موردين:

الأول: أنه هل يعتبر قصدها في المأمور به بمعنى أنه معتبر وضعاً أو أنه واجب نفسي مستقل ربما يحتمل الثاني و على هذا لو لم يقصد القربة يكون الاعطاء مجزياً، غاية الأمر أثم في عدم القصد، لكن الظاهر من الأدلة اعتباره وضعاً و شرطاً فلا يجزى لو لم

ص: 254

يقصدها إذ المستفاد من أدلة الاعتبار -و هو الارتكاز أو الرواية الواردة في الفرق بين الصدقة و الهبة- أن القربة معتبرة شرطاً لا تكليفاً فقط لاحظ ما رواه حماد بن عثمان عن أبي عبد الله (علیه السلام) قال: لا صدقة و لا عتق إلا ما أريد به وجه الله عز و جل.(1) و ما رواه هشام و حماد و ابن أذينة و ابن بكير و غيرهم كلهم قالوا قال أبو عبد الله (علیه السلام) لا صدقة و لا عتق إلا ما أريد به وجه الله عزوجل.(2)

و الحاصل أنّ تشخّص متعلق الزكاة في عين خاص، مشروط بالقربة.

الثاني: أن قصد القربة هل هي معتبر حين الدفع أو خصوص حال العزل أو حاله مستمراً إلى الدفع و الظاهر أنه لا دليل على الأول للاتفاق المنقول على صحة الزكاة و الاجزاء فيما لو لم يكن المالك حال الدفع قاصداً للقربة كما إذا كان المستحق في بلد غير بلد المالك و أوصل إليه الزكاة بطريق الحوالة و حينئذٍ يكون المعتبر اشتراطها حال العزل و التعين، نعم نقل الاجماع عن المستند أنه على وجه الأخير و هو حال العزل و الدفع فالاحتياط بذلك لا يترك و إن كان مقتضى القاعدة ما أفاده الماتن (رحمه اللّه) من كفاية ذلك حين العزل و إن نوى الرياء حين الدفع والله العالم بحقائق الامور.

ص: 255


1- الوسائل، الباب 13 من أبواب وقوف و الصدقات، الحدیث: 2
2- نفس المصدر، الحدیث: 3

«الخامسة و الثلاثون: إذا وكّل شخصاً في إخراج زكاته و كان الموكل قاصداً للقربة و قصد الوكيل الرياء ففي الإجزاء إشكالٌ و على عدم الإجزاء يكون الوكيل ضامناً» (1)

(1) صورة الاشكال إنما هي في ما إذا كان الوكيل وكيلاً في الأداء و أما إذا كان وكيلاً في الايصال فلا اشكال فيه لأن المؤدي حينئذٍ هو الموكل فالوكيل حينئذٍ يكون آلة للايصال فقط و عندئذٍ نقول: أنّ الوكيل إذا كان وكيلاً في الأداء فوجه الاشكال فيه أنه يكون المؤدي للزكاة فيقدح الرياء فلا تبرأ ذمة الموكل عن الأداء و حيث أنّ المقصر هو الوكيل يكون هو المتلف فيكون ضامناً.

و في المستمسك أن الرياء في النيابة فلا ينافي التقرب في المنوب فيه و تقرب المنوب عنه لا ينافي مع عدم تقرب النائب.

و الحاصل أن الرياء إنما تكون في النيابة لا في المنوب فيه لكنه مخدوش بعدم تطرق النيابة في الزكاة لعدم الدليل عليها فيما نحن فيه فلا يقاس بالصلاة و الصوم القابلين للنيابة لوجود الدليل عليها فيهما نعم لا مانع من الوكالة كما تقدم فيجرى حكمها فيه.

ص: 256

«السادسة و الثلاثون: إذا دفع المالك الزكاة إلى الحاكم الشرعي ليدفعها للفقراء فدفعها لا بقصد القربة، فإن كان أخذ الحاكم و دفعه بعنوان الوكالة عن المالك أشكل الإجزاء كما مر و إن كان المالك قاصداً للقربة حين دفعها للحاكم و إن كان بعنوان الولاية على الفقراء فلا إشكال في الإجزاء إذا كان المالك قاصداً للقربة بالدفع إلى الحاكم لكن بشرط أن يكون إعطاء الحاكم بعنوان الزكاة و أما إذا كان لتحصيل الرئاسة فهو مشكلٌ بل الظاهر ضمانه حينئذٍ و إن كان الآخذ فقيراً» (1)

(1) دفع المالك الزكاة إلى الحاكم تارة يكون من باب الوكالة فقد تقدم حكم ذلك لأنه حينئذٍ لا فرق بين الحاكم و غيره من هذه الجهة فلابد من التفصيل بين كونه وكيلاً في الايصال و وكيلاً في الاخراج كما تقدم و أما إذا كان دفعه من باب أنه ولى الفقراء فلا اشكال في الاجزاء إذ يد الحاكم يد الفقير فهو ايصال إلى الفقير حينئذٍ فيعتبر قصد التقرب من المالك حين الدفع إلى الحاكم كما أفاده الماتن (رحمه اللّه) لكنه اشترط أن يكون دفع الحاكم إلى الفقراء بعنوان الزكاة لا لتحصيل الرياسة و إلّا فهو مشكلٌ.

أورد عليه المحقق الخوئي (قدس سره ) بامور:

الأول: أن الاعطاء إلى الحاكم بما أنه ولي الفقراء يكون بمثابة الدفع إلى الفقير و حينئذٍ يوجب ابراء ذمة المالك و بعد ذلك فليفعل الحاكم فيه ما شاء من تلف أو رياء أو تحصيل الرياسة أو أي أمر مادام لم يكن منافياً لحكومته مثل ما يفعله الفقير بعد دفعه إليه فإن كل ذلك أجنبي عن المالك إذ ما يجب عليه هو الأداء إلى الفقير أو وليه و المفروض أنه دفعه كذلك متقرباً إلى الله تبارك و تعالى فلا محالة يكون هذا الدفع موجباً لفراغ ذمته سواء كان اعطاء الحاكم للفقير بعنوان الزكاة أم لا، فإنه لا يقدح بعد أن

ص: 257

أخذ الحاكم من المالك للفقير بمقتضى ولايته.

الثاني: أنه لا وجه لضمان الحاكم إذ أي دليل دل على لزوم كون الاعطاء بعنوان الزكاة بعد الأخذ و صيرورة المدفوع زكاة فإنه لم يكن عليه إلّا الايصال إلى الفقير كيف ما كان و المفروض أنه أوصل إليه فالالزام بعنوان خاص لا دليل عليه.

الثالث: أنه ما أفاده منافٍ لما سبق منه (رحمه اللّه) من أنّ قصد القربة إنما يجب في مقام العزل و التعيين للزكاة لا في مقام الايصال بل صرح (رحمه اللّه) بأنه لو نوى الرياء حين دفع المعزول إلى الفقير لا بأس به و من الواضح أن الدفع إلى الحاكم أو أي شخص لا ينفك عن الإفراز و العزل فإذا لم تكن الرياء قادحة فيما لو كان المباشر لدفع المعزول هو المالك بنفسه و لم يكن منافياً لفراغ ذمته فعدم التنافي في فرض كون المتصدى له هو الحاكم الشرعي بطريق أولى فلا وجه للاشتراط المذكور.

و قد يوجّه كلام الماتن (رحمه اللّه) بأن يكون اعطاء المال لتحصيل الرياسة من باب الجعل على قيام المدفوع إليهم بتحقيق موجبات الرياسة و لوازمها فلم يدفع المال إلى الفقير مجاناً ليسقط به الأمر بالزكاة بل من باب الجُعالة و الاجرة.

لكن هذا التوجيه لا يوجب دفع الاشكال عن كلامه إذ بالدفع إلى الحاكم فرغت ذمة المالك عن الاداء فيكون اعطاء الحاكم للفقير من باب الجعل صرف الزكاة في أمر شخصی و هذا لا يرتبط بعدم فراغ ذمة المالك، نعم يمكن أن يقال بالضمان من جهة أن الحاكم أتلف مال الفقراء و صرف ذلك في منافعه الشخصية.

ص: 258

«السابعة و الثلاثون: إذا أخذ الحاكم الزكاة من الممتنع كرهاً يكون هو المتولي للنية و ظاهر كلماتهم الإجزاء و لا يجب على الممتنع بعد ذلك شيء و إنما يكون عليه الإثم من حيث امتناعه لكنه لا يخلو عن إشكال بناء على اعتبار قصد القربة إذ قصد الحاكم لا ينفعه فيما هو عبادة واجبة عليه» (1)

«الثامنة و الثلاثون: إذا كان المشتغل بتحصيل العلم قادراً على الكسب إذا ترك التحصيل لا مانع من إعطائه من الزكاة إذا كان ذلك العلم مما يستحب تحصيله و إلا فمشكلٌ» (2)

(1) المشهور بين الأصحاب -على ما نقل- كفاية تصدي الفقيه لقصد القربة و أنّ أدائه مجز و لا يجب على المالك شيء إلّا الإثم للامتناع إذ بعد جواز ذلك للحاكم بمقتضى ولايته لأنه ولى الممتنع كونه هو المتولي للنية تحقيقاً لحصول العبادة و نتيجة ذلك ابراء ذمة المكلف بذلك.

لكن أورد عليهم الماتن (رحمه اللّه) بأن المكلف بالإخراج هو المالك فلابد من نيته لا نية غيره و المفروض أنه لم يقصده فلا يكون مجزياً إذ قصد الغير لا ينفع في عبادة الغير فلا يكون مجزياً و إن جاز له الأخذ.

أجاب عنه المحقق الخوئي (قدس سره ) أنّ معنى كون الحاكم ولى الممتنع أن الفعل الصادر منه هو فعل المولى عليه و اخراجه كاخراجه بالجعل الالهي و الولاية الشرعية و حينئذٍ لو كانت ذمة المالك باقية على حالها فلمإذا يأخذ الحاكم، أفهل ترى أنه يأخذه مجاناً من غير أن يكون المأخوذ للفقراء و لا محسوباً على المالك فجواز الأخذ يستلزم فراغ الذمة كسائر الموارد مثل أخذ الدين من الممتنع فإنه يتعين الكلي الذي اشتغلت به الذمة فيما

ص: 259

يأخذه الحاكم بمقتضى ولايته و تبرأ ذمة المديون.

(2) و استدل على الجواز أن مقتضى الأدلة الأولية جواز الاعطاء من سهم الفقراء لكل فقير، و إنما المانع من ذلك هو الدليل المنفصل الدال على أن المحترف و أن القادر على كف نفسه من الزكاة لا يجوز له الأخذ، لكنه لا يكون ذلك مانعاً عن ذلك إذ المدار في القدرة و عدمها في هذا الباب هو نظر العرف دون العقل و من المعلوم أن المشتغل بالعلم مما يصدق عليه أنه غير قادر على كف نفسه من الزكاة فيجوز اعطائه من سهم الفقراء، نعم مشروط بأن لا يعد بطالاً في تحصيله.

أورد عليه بأن هذا الشخص لم يكن مصداقاً للفقير إذ الفقير الشرعي هو من لم يملك قوت سنته بالفعل أو بالقوة و من يقدر على الاحتراف یكون مالكاً لقوت سنته بالقوة لاحظ ما رواه زرارة بن أعين عن أبي جعفر (علیه السلام) قال سمعته يقول إن الصدقة لا تحل لمحترف و لا لذي مرة سوي قوي فتنزهوا عنها.(1) و ما رواه معاوية بن وهب قال: قلت لأبي عبدالله (علیه السلام): يروون عن النبي (علیه السلام) أن الصدقة لا تحل لغني و لا لذيمرة سوي. فقال أبوعبدالله (علیه السلام): لا تصلح لغنى(2)

بتقريب: أن من كان ذوقوة سوى صحيح الاعضاء لا يجوز له الأخذ قبال المحترف بالفعل مع ملاحظة ما يفسره رواية اخرى لزرارة عن أبي جعفر (علیه السلام) قال: قال رسول الله (صلی الله علیه و آله و سلم) لا تحل الصدقة لغني و لا لذي مرة سوي و لا لمحترف و لا لقوي قلنا ما معنى هذا قال لا يحل له أن يأخذها و هو يقدر على أن يكف نفسه عنها. (3)

ص: 260


1- الوسائل، الباب 8 من أبواب المستحقّين للزكاة، الحدیث: 2
2- نفس المصدر، الحدیث: 3
3- نفس المصدر، الحدیث: 8

«التاسعة و الثلاثون: إذا لم يكن الفقير المشتغل بتحصيل العلم الراجح شرعاً قاصداً للقربة لا مانع من إعطائه الزكاة» (1)

«و أما إذا كان قاصداً للرياء أو للرئاسة المحرمة ففي جواز إعطائه إشكال من حيث كونه إعانة على الحرام» (2)

(1) إذ تحصيل العلم مأمور به شرعاً محبوب لله تبارك و تعالى فيكون من القرب فيجوز اعطائهم من سهم سبيل الله و عدم نية الطالب للقربة إنما يمنع من تقربه نفسه.

و الحاصل: أن العبرة يكون الفعل في نفسه محبوباً و مأمور به و محسوباً من سبيل الخير و إن لم يقترن بالقربة فإنها مناط الثواب لا اتصاف الفعل بهذا السبيل.

(2) أما عدم جواز الاعطاء فصحيح إذ طلب العلم رياء أو لأجل الرّياسة مبغوض لله تبارك و تعالى فلا یشمله الصرف فیه الصرف فی سبیل الله تبارك و تعالی.

و أما الاستدلال عليه بكونه اعانة على الاثم متفرع على صدقها و أن الاعانة عليها محرمة مطلقاً و من المعلوم أن صدقها معلق على قصد الاعانة فمع عدمه لا يصدق مع الاشكال في أصل الكبرى فلاحظ.

ص: 261

«الأربعون: حكي عن جماعة عدم صحة دفع الزكاة في المكان المغصوب نظراً إلى أنه من العبادات فلا يجتمع مع الحرام و لعل نظرهم إلى غير صورة الاحتساب على الفقير من دين له عليه إذ فيه لا يكون تصرفاً في ملك الغير بل إلى صورة الإعطاء و الأخذ حيث انهما فعلان خارجيان و لكنه أيضاً مشكلٌ من حيث ان الإعطاء الخارجي مقدمة للواجب و هو الإيصال الذي هو أمر انتزاعي معنوي فلا يبعد الإجزاء» (1)

«الحادية و الأربعون: لا إشكال في اعتبار التمكن من التصرف في وجوب الزكاة فيما يعتبر فيه الحول كالأنعام و النقدين كما مر سابقاً و أما ما لا يعتبر فيه الحول كالغلات فلا يعتبر التمكن من التصرف فيها قبل حال تعلق الوجوب بلا إشكال و كذا لا إشكال في أنه لا يضر عدم التمكن بعده إذا حدث التمكن بعد ذلك و إنما الإشكال و الخلاف في اعتباره حال تعلق الوجوب و الأظهر عدم اعتباره فلو غصب زرعه غاصب و بقي مغصوباً إلى وقت التعلق ثم رجع إليه بعد ذلك وجبت زكاته» (2)

(1) أما الاحتساب فحيث انه مجرد بناء قلبي فلا يشمل عنوان التصرف في ملك الغير حتى يدخل في مركز البحث و أما غيره فتارة نقول أن الواجب استيلاء الفقير و كون المال تحت سلطنته و أن الأخذ و الاعطاء مقدمة للواجب فلا مانع من ذلك إلا أن يقال أن الأخذ و الاعطاء محرم و هو مقدمة فيقع المزاحمة بين حرمة المقدمة و وجوب ذيها فلابد من مراعات الأهم و اخرى يكون الواجب هو تمليك الفقير أو غيره و الفعل الخارجي و هو الاعطاء مبرزٌ له و حينئذٍ لا يضر بالصحة كون الاعطاء مصداقاً للغصب

ص: 262

فيكون منافياً لكونه عبادة إذ قصد القربة إنما تعتبر في ما هو واجب و ليس هو مصداقاً للغصب بل هو مبرز له.

(2) قدم الكلام في مسئلة السابعة عشر في ذلك و الماتن (رحمه اللّه) و إن استشكل هناك لكن أفتى بعدم اعتبار التمكن لكن تقدم أن مقتضى حديث عبد الله بن سنان عن أبي عبدالله (علیه السلام) قال: لا صدقة على الدين و لا على المال الغائب عنك حتى يقع في يديك.(1) اعتباره فلاحظ والله العالم بحقائق الامور.

ص: 263


1- الوسائل، الباب 5 من أبواب من تجب علیه الزكاة، الحدیث: 6

«فصل: في زكاة الفطرة»

و هي واجبة اجماعاً من المسلمين و من فوائدها أنها تدفع الموت في تلك السنة عمن أديت عنه و منها أنها توجب قبول الصوم: فعن الصادق (علیه السلام) أنه قال لوكيله: اذهب فأعط من عيالنا الفطرة أجمعهم و لا تدع منهم أحداً فإنك إن تركت منهم أحداً تخوفت عليه الفوت. قلت: و ما الفوت؟ قال (علیه السلام): الموت.(1) و عنه (علیه السلام): إن من تمام الصوم إعطاء الزكاة كما أن الصلاة على النبى (صلی الله علیه و آله و سلم) من تمام الصلاة لأنه من صام و لم يود الزكاة فلا صوم له إذا تركها متعمداً و لا صلاة له إذا ترك الصلاة على النبى (صلی الله علیه و آله و سلم) إن الله تعالى قد بدأ بها قبل الصلاة و قال: {قَد أَفلَحَ مَن تَزَكى وَ ذَكَرَ اسمَ رَبهِ فَصَلى}(2) و المراد بالزكاة في هذا الخبر هو زكاة الفطرة كما يستفاد من بعض الأخبار المفسرة للاية» (1)

«و الفطرة إما بمعنى الخلقة فزكاة الفطرة أي زكاة البدن من حيث أنها تحفظه عن الموت أو تطهره عن الأوساخ و إما بمعنى الدين أي زكاة الإسلام و الدين و إما بمعنى الإفطار لكون وجوبها يوم الفطر و الكلام في شرائط وجوبها و من تجب عليه و في من تجب عنه و في جنسها و في قدرها و في وقتها و في مصرفها فهنا فصول.»

ص: 264


1- الوسائل، الباب 5 من أبواب زكاة الفطرة، الحدیث: 5
2- الباب 1 من هذه الأبواب، الحدیث: 5

(1) كما في مرسل الفقيه عن أبی بكر الحضرمي عن أبي عبدالله (علیه السلام) في قوله تعالى: {قَد أَفلَحَ مَن تَزَكى وَ ذَكَرَ اسمَ رَبهِ فَصَلى} قال: يروح إلى الجّبانة فيصلى و رواه الصدوق مرسلاً إلا أنه قال: {قَد أَفلَحَ مَن تَزَكى} قال: من أخرج الفطرة(1) و نحوه ما عن تفسير القمي(2)

و قد صرح في جملة من النصوص بأن زكاة الفطرة مرادة من الزكاة المأمور بها في الكتاب لاحظ ما رواه هشام بن الحكم عن الصادق (علیه السلام) في حديث قال: نزلت الزكاة و ليس للناس أموال و إنما كانت الفطرة(3)

و ما رواه ابراهيم بن عبدالحميد عن أبي الحسن (علیه السلام) قال: سألته عن صدقة الفطرة أ واجبة هي بمنزلة الزكاة؟ فقال: هي مما قال الله: {أقيموا الصلاة و آتوا الزكاة} هي واجبة(4)

و ما رواه اسحاق بن عمار قال: سألت أباعبدالله (علیه السلام) عن قول الله عزوجل: {أقيموا الصلاة و آتوا الزكاة} قال: هي الفطرة التي افترض الله على المؤمنين(5).

ص: 265


1- الوسائل، الباب 12 من أبواب زكاة الفطرة ، الحدیث: 6
2- تفسیر القمی ذیل آیه 14 و 15 سوره اعلی
3- الوسائل، الباب 1 من أبواب زكاة الفطرة، الحدیث: 10
4- نفس المصدر، الحدیث: 10
5- نفس المصدر، الحدیث: 11

«فصل: في شرائط وجوبها»

و هي أمور: الأول: التكليف فلا تجب على الصبى و المجنون» (1)

«و لا على وليهما أن يودي عنهما من مالهما بل يقوى سقوطها عنهما بالنسبة إلى عيالهما أيضاً» (2)

(1) أما الصبي، بلا خلاف كما في بعض الكلمات و عن غير واحد دعوی الاجماع عليه و استدل على ذلك بحديث الرفع فإنه يشمل المقام و ما ذكرناه في زكاة المال -من أن الموضوع لها بلوغ المال مرتبة من النصاب فلا ربط له بفعل الصبي حتى ينفى بهذا الحديث- لا يجرى في المقام و مقتضى اطلاقه رفع القلم عنه وضعاً كان أو تكليفاً.

فما أفاده السيد المستمسك من أن الحديث ظاهر في رفع الوجوب فلا يصلح للحكومة على ما دل على اشتغال الذمة بها فيجب على الولي أدائها غير مسموع.

مضافاً إلى النص الوارد في الصبي لاحظ ما رواه محمد بن القاسم بن الفضيل قال: كتبت إلى أبي الحسن الرضا (علیه السلام) أساله عن الوصي أيزكى زكاة الفطرة عن اليتامى إذا كان لهم مال، قال: فكتب (علیه السلام): لا زكاة على اليتيم(1)

و قد يستدل على ذلك بما رواه عبدالرحمن بن الحجاج عن أبي عبدالله (علیه السلام) قال: تجب الفطرة على كل من تجب عليه الزكاة(2) و فيه أنه مرسل.

(2) أما سقوطها عنهما بالنسبة الی عیالهما فاستدل على ذلك باطلاق رواية محمد بن القاسم بن الفضيل أنه كتب إلى أبي الحسن الرضا (علیه السلام) يسأله عن المملوك يموت عنه مولاه و هو عنه غائب في بلدة اخرى و في يده مال لمولاه و يحضر الفطر أيزكى عن

ص: 266


1- الوسائل، الباب 1 من أبواب من تجب عليه الزّكاة، الحدیث:4، الباب 4 من أبواب زكاةالفطرة، الحدیث: 2
2- الوسائل، الباب 4 من أبواب زكاة الفطرة، الحدیث: 1

«الثاني: عدم الإغماء فلا تجب على من أهل شوال عليه و هو مغمى عليه» (1)

نفسه من مال مولاه و قد صار لليتامى؟ قال: نعم(1) لكن ذيله دال على وجوب الزكاة بالنسبة إلى خصوص المملوك عن مال الصبي لأنه عیاله إلّا أن العلامة المجلسي (رحمه اللّه) ذكر في ذيل هذه الرواية -قال في المنتقى الجمان: و قد أشرنا سابقاً إلى ارسال هذا الطريق لأن الكليني (رحمه اللّه) إنما يروى عن محمد بن الحسين بالواسطة و لكن يغلب على الظن اتصاله بمحمد بن يحيى و أنّ تركه اتفق سهواً، و روى الصدوق كلاً من الحكمين اللذين تضمنتهما رواية الكليني خبراً مستقلاً معلقاً عن محمد بن القاسم بن الفضيل و طريقه إليه من الحسن و هو عن الحسين بن ابراهيم إلى آخر ما ذكر في ذيل الحديث 13 فراجع(2).

و الحاصل: أن الرواية مضافاً إلى ضعف السند لم يوجد عاملاً به كما في الجواهر حيث قال: لم أجد عاملاً به، فلا يصلح دليلاً لما خالف الاصول.

(1) بلا خلاف أجده فيه كما في الجواهر بل عن المدارك أنه مقطوع به في كلام الأصحاب و عنه أنه مشكلٌ على اطلاقه، نعم لو كان الاغماء مستوعباً لوقت الوجوب اتجه ذلك، انتهى.

أورد عليه في الجواهر أن الدليل الأصل بعد ظهور الأدلة في اعتبار حصول الشرائط عند الهلال فلا عبرة بالبلوغ و الإفاقة من الجنون و الاغماء بعده و لا خصوصية للاغماء على غيره و منه يعلم حينئذٍ أن التوسعة في وقت الأداء لا وقت الوجوب.

و الحاصل: أنّ وقت الوجوب هو وقت رؤية الهلال و الامتداد إلى صلاة العيد أو إلى

ص: 267


1- الوسائل، الباب 4 من أبواب زكاة الفطرة، الحدیث: 3
2- كافی جلد4 صفحه 173 كتاب الصوم باب الفطرة. منتقی الجمان جلد2 صفحه 430

«الثالث: الحرية فلا تجب على المملوك و إن قلنا إنه يملك سواء كان قناً أو مدبراً أو أم ولد أو مكاتباً مشروطاً أو مطلقاً و لم يود شيئاً فتجب فطرتهم على المولى، نعم لو تحرر من المملوك شيء وجبت عليه و على المولى بالنسبة مع حصول الشرائط» (1)

الزوال، توسعة في وقت الأداء و الإخراج و العبرة بوقت الوجوب و حاله، لا بحال الأداء و أما أنه لا دليل عليه فتكفينا أصالة البرائة عن الفطرة فيما إذا أفاق في الأثناء.

أجاب عنه المحقق الخوئي (قدس سره ) دفاعاً عن صاحب المدارك بأنه إن احرز اجماع قطعي على أن العبرة بوقت الوجوب و أن المغمى عليه لا تجب عليه و إن أفاق في الأثناء، فلا كلام و أما إذا لم تحرز ذلك، فمقتضى اطلاق الدليل كون العبرة بتمام الوقت بل الاطلاق ينفي الاشتراط بأول الوقت و حينئذٍ إذا أفاق في الأثناء يكون مقتضى الاطلاق وجوبها فمع الاطلاق لا مجال لأصل البرائة.

و الحاصل: أنّ ظاهر التكليف الموقت بوقت، «وحدة المطلوب» فلم يكن في البين إلّا تكليف وحداني مقيد بوقت خاص فإذا اغمى عليه في تمام الوقت لا تجب عليه زكاة الفطرة و أما إذا لم يستوعب الاغماء تمام الوقت بل أفاق في أثنائه فمقتضى الاطلاق ذلك.

(1) أما على القول بأنه لم يملك فالحكم فيه واضح فإن من جملة شرائط وجوب زكاة الفطرة الغنی و هو ليس بغنی، و أما على القول بتملكه فاستدل على ذلك أي عدم وجوبها بامور:

الامر الأول: الأصل أي أصالة البرائة، أورد عليه بأن العمومات الموجودة في المقام تنفي الأصل لاحظ ما رواه إبراهيم بن محمّد الهمذانيّ أنّ أبا الحسن صاحب العسكر (علیه السلام)

ص: 268

كتب إليه في حديث الفطرة عليك و على النّاس كلّهم و من تعول ذكراً كان أو أنثى صغيراً أو كبيراً حرّاً أو عبداً فطيماً أو رضيعاً تدفعه وزناً ستّة أرطال برطل المدينة و الرّطل مائةٌ و خمسةٌ و تسعون درهماً يكون الفطرة ألفاً و مائةً و سبعين درهماً.(1)

و ما رواه يونس مرسلاً عن أبي عبدالله (علیه السلام) قال: قلت له: جعلت فداك هل على أهل البوادي الفطرة؟ قال: فقال: الفطرة على كل من اتقات قوتاً فعليه أن يودى من ذلك القوت(2) لكنهما ضعيفان، أما الأول فباسناد الشيخ إلى على بن حاتم و الثاني بالارسال.

الامر الثاني: ما دل على أن فطرة المملوك على سيده لاحظ ما رواه عبدالله بن سنان عن أبي عبدالله (علیه السلام) قال: كل من ضممت إلى عيالك من حر أو مملوك فعليك أن تؤدى الفطرة عنه، الحديث(3)

و ما رواه عن الحلبي عن أبي عبدالله (علیه السلام) قال: صدقة الفطرة على كل رأس من أهلك الصغير و الكبير و الحر و المملوك و الغنى و الفقير، الحديث(4)

و فيه: أنهما واردتان في مورد آخر أي مخصوص بمورد العيلولة بحيث يكون العبد و المملوك عيالاً لسيده فلا فرق بينه و بين غيره من العيال.

الامر الثالث: ما دل على نفي الزكاة من ماله لاحظ ما رواه عبد اللّه بن سنان عن أبي عبد اللّه (علیه السلام) قال: ليس في مال المملوك شي ءٌ و لو كان له ألف ألف و لو احتاج لم يعط من الزّكاة شيئاً.(5)

ص: 269


1- الوسائل، الباب 7 من أبواب زكاة الفطرة، الحدیث: 4
2- الوسائل، الباب 8 من أبواب زكاة الفطرة ، الحدیث: 4
3- الوسائل، الباب 5 من زكاة الفطرة، الحدیث: 8
4- نفس المصدر، الحدیث: 10
5- الوسائل، الباب 4 من ابواب من تجب علیه الزكاة ، الحدیث:1

و ما رواه عبد اللّه بن جعفر في قرب الإسناد عن عبد اللّه بن الحسن عن عليّ بن جعفر عن أخيه موسى (علیه السلام) قال: ليس على المملوك زكاةٌ إلّا بإذن مواليه.((1)

و ما رواه محمّد بن عليّ بن الحسين بإسناده عن عبد اللّه بن سنان عن أبي عبد اللّه (علیه السلام) قال: سأله رجلٌ و أنا حاضرٌ عن مال المملوك أ عليه زكاةٌ فقال لا و لو كان له ألف ألف درهم و لو احتاج لم يكن له من الزّكاة شي ءٌ.((2)

و مارواه عبد اللّه بن سنان عن أبي عبد اللّه (علیه السلام) قال: قلت له مملوكٌ في يده مالٌ أ عليه زكاةٌ قال لا قال قلت: فعلى سيّده فقال لا إنّه لم يصل إلى السّيّد و ليس هو للمملوك.((3)

و فيه: أنها مختصة بباب زكاة الأموال.

الامر الرابع: مرفوعة المفيد في المقنعة: عن عبد الرّحمن بن الحجّاج عن أبي عبد اللّه (علیه السلام) قال: تجب الفطرة على كلّ من تجب عليه الزّكاة.(4)

و فيه: أنه مرسل مضافاً إلى أنه ليس في مقام التحديد لكونها مسوقة لبيان موضوع وجوب زكاة الفطرة.

الامر الخامس: الاجماع و هو العمدة في المقام مع أنه موافق للأصل كما تقدم.

ص: 270


1- الوسائل، الباب 4 من ابواب من تجب علیه الزكاة ، الحدیث:2([1])
2- نفس المصدر، الحدیث:3 ([2])
3- نفس المصدر، الحدیث:4 ([3])
4- الوسائل، الباب 4 من ابواب زكاة الفطرة، الحدیث:1

«الرابع: الغنى و هو أن يملك قوت سنة له و لعياله زائداً على ما يقابل الدين و مستثنياته فعلاً أو قوة بأن يكون له كسب يفي بذلك فلا تجب على الفقير و هو من لا يملك ذلك و إن كان الأحوط إخراجها إذا كان مالكاً لقوت السنة و إن كان عليه دينٌ بمعنى أن الدين لا يمنع من وجوب الإخراج و يكفي ملك قوت السنة بل الأحوط الإخراج إذا كان مالكاً عين أحد النصب الزكوية أو قيمتها و إن لم يكفه لقوت سنته بل الأحوط إخراجها إذا زاد على مؤنة يومه و ليلته صاع» (1)

(1) الوجوه المتصورة في المقام أربع:

الأول: ما أفاده الماتن.

الثاني: أن يراد بالغنى أن يملك قوة سنته له و لعياله الواجبي النفقة و إن كان عليه دين بمعنی أنّ الدين لا يكون مانعاً عن صدق الغنی.

الثالث: أن يراد به تملك عين أحد النصب الزكوية و هو نقل عن الشيخ و ابن ادريس أو قيمتها كما عن الشيخ.

الرابع: تملك قوت يوم و ليله بزيادة مقدار الفطرة و هو صاع عن كل رأس و نسب ذلك إلى ابن جنيد.

أما الوجه الأول: فقد استدل على ذلك بجملة من الروايات و هي على طوائف:

الاولى: ما تدل على سقوط الفطرة عن المحتاج لاحظ ما رواه يزيد بن فرقد قال: قلت لأبي عبدالله (علیه السلام): على المحتاج صدقة الفطرة؟ فقال: لا(1)

و ما رواه اسحاق بن عمار قال: قلت لأبي ابراهيم (علیه السلام): على الرجل المحتاج صدقة

ص: 271


1- الوسائل، الباب 2 من أبواب زكاة الفطرة، الحدیث: 4

الفطرة؟ قال: ليس عليه فطرة(1)

و ما رواه اسحاق بن المبارك قال: قلت لأبي ابراهيم (علیه السلام): على الرجل المحتاج صدقة الفطرة؟ فقال: ليس عليه فطرة(2).

الثانية: ما تضمن سقوطها عن آخذ الزكاة لاحظ ما رواه يزيد بن فرقد عن أبي عبدالله (علیه السلام) أنه سمعه يقول: من أخذ من الزكاة فليس عليه فطرة(3)

و ما رواه ابن عمار ان أباعبدالله (علیه السلام) قال: لا فطرة على من أخذ الزكاة(4).

الثالثة: ما تدل على سقوطها عمن يأخذ الزكاة أو يقبلها لاحظ ما رواه الحلبي عن أبي عبدالله (علیه السلام) قال: سئل عن رجل يأخذ من الزكاة عليه صدقة الفطرة؟ قال: لا(5)

و ما رواه يزيد بن فرقد النهدي قال: سألت أباعبدالله (علیه السلام) عن رجل يقبل الزكاة هل عليه صدقة الفطرة؟ قال: لا(6).

الرابعة: تدل على وجوبها على من تجب عليه الزكاة لاحظ ما رواه المفيد(7) لكن المستفاد منها أن المدار هو الغنى مقابل الفقير.

أما الوجه الثانی: و لا يعتبر ما أفاده الماتن (رحمه اللّه) من استثناء الدين في صدق الغنى بل يمكن أن يقال أن المرتكزات العرفية على خلافه و لذا لو فرضنا متشخصاً ثرياً، كانت ذمته مشغولة بحقوق الناس أفهل يحتمل صدق الفقير عليه عرفاً نظراً إلى أنّا لو إستثنینا مقدار الدين لم يملك قوت سنته، كلاً. نعم لو صرفه في الدين و لم يبق منه إلا أقل من

ص: 272


1- الوسائل، الباب 2 من أبواب زكاة الفطرة، الحدیث: 6
2- نفس المصدر، الحدیث: 3
3- نفس المصدر، الحدیث: 7
4- نفس المصدر، الحدیث: 8
5- نفس المصدر، الحدیث: 1
6- نفس المصدر، الحدیث: 5
7- الوسائل، الباب 4 من أبواب زكاة الفطرة، الحدیث: 1

قوت سنته يصير فقيراً و هذا لا ربط له بما نحن فيه، فالأقوى هو الوجه الثاني من عدم الاستثناء.

أما الوجه الثالث: فقد استدل عليه بالروايات الواردة في أن الله تبارك و تعالى فرض للفقراء فی أموال الأغنياء ما يكتفون به((1)

بتقريب: أنّ المستفاد منها أن الغنى من يملك النصاب.

ففيه: أنه لا تعرض لهذه الروايات لتفسير الغنى بل أقصى ما يستفاد منها أنّ من تجب عليه الزكاة، إذا بلغ ما يملكه مقدار النصاب و أما تفسير الغنى فلا.

و يؤيده: الارتكاز العرفي و لذا نرى أنه من ملك ملائين من الأوراق النقدية و مع ذلك لا يملك مقدار النصاب من الأعيان الزكوية لا يصدق عليه الفقير بل هو غنى.

أما الوجه الرابع: فقد استدل له بأمرين:

الأول: ان مقتضى العموم وجوب الفطرة على كل أحد، خرج منه الفقیر و بما أنه مجمل فالقدر المتيقن منه هو لایملك لقوت يومه و ليلته زائد على مقدار صاع.

و فيه: أن الروايات المتقدم الدالة على معنى الفقیر مطلق شامل لمورد الشك و اطلاق المخصص كافٍ فی المقام.

الثاني: الاستدلال عليه بجملة من النصوص لاحظ ما رواه زرارة قال: قلت: الفقير الذي يتصدق عليه هل عليه صدقة الفطرة؟ فقال: نعم يعطى مما يتصدق به عليه (2) (هذه الروایة ضعیفةٌ بمحمد بن عیسی كما قال الشیخ فی الفهرست)

و ما رواه أبوالحسن الاحمسي عن أبي عبدالله (علیه السلام) قال: أدّ الفطرة عن كل حر و مملوك فإن لم تفعل خفت عليك الفوت. قلت: و ما الفوت؟ قال: الموت قلت: أ قبل الصلاة

ص: 273


1- الوسائل، الباب 1 من ابواب ما تجب علیه الزكاة ، الحدیث:3([1])
2- الوسائل، الباب 3 من أبواب زكاة الفطرة، الحدیث: 2

أو بعدها؟ قال: إن أخرجتها قبل الظهر فهي فطرة و إن أخرجتها بعد الظهر فهي صدقة و لا تجزيك. قلت: فاصلى الفجر و أعزلها فيمكث يوماً أو بعض يوم آخر ثم اتصدق بها؟ قال: لا بأس هي فطرة إذا أخرجتها قبل الصلاة. قال، قال: و هي واجبة على كل مسلم محتاج أو موسر يقدر على فطرة(1) (هذه الروایة ضعیفةٌ بعبدالله بن حماد الانصاری لعدم توثیقه)

و ما رواه العياشي في تفسيره عن زرارة قال: سألت أباجعفر (علیه السلام) و ليس عنده غير إبنه جعفر عن زكاة الفطرة فقال: يؤدي الرجل عن نفسه و عياله و عن رقيقه الذكر منهم و الانثى و الصغير منهم و الكبير صاعاً من تمر عن كل انسان أو نصف صاع من حنطة و هي الزكاة التي فرضها الله على المؤمنين مع الصلاة على الغني و الفقير منهم -إلى أن قال- قلت: و على الفقير الذي يتصدق عليه؟ قال: نعم يعطى مما يتصدق به عليه(2) (هذه الروایة ضعیفة بالارسال)

و ما رواه الفضيل بن يسار قال: قلت لأبي عبدالله (علیه السلام): أ على من قبل الزكاة زكاة؟ فقال: أما من قبل زكاة المال فإن عليه زكاة الفطرة و ليس عليه لما قبله زكاة و ليس على من يقبل الفطرة فطرة. عن زرارة قال: قلت له: و ذكر مثله و ترك قوله: «و ليس عليه لما قبله زكاة»(3)

و ما رواه علي بن ابراهيم في تفسيره قال: قال الصادق (علیه السلام) في قوله تعالى حكاية عن عيسى: {و أوصاني بالصلاة و الزكاة} قال: زكاة الرؤوس لأن كل الناس ليست لهم أموال و إنما الفطرة على الفقير و الغني و الصغير و الكبير(4) و غيرها مما يمكن أن

ص: 274


1- الوسائل، الباب 5 من أبواب زكاة الفطرة، الحدیث: 16
2- الوسائل، الباب 6 من أبواب زكاة الفطرة، الحدیث: 23
3- الوسائل، الباب 2 من أبواب زكاة الفطرة، الحدیث: 10
4- نفس المصدر، الحدیث: 12

يستدل عليه.

لكنها معارضة بما رواه الحلبيّ عن أبي عبد اللّه (علیه السلام) قال: سئل عن رجل يأخذ من الزّكاة عليه صدقة الفطرة قال لا. (1)

و ما رواه يزيد بن فرقد النّهديّ قال: سألت أبا عبد اللّه (علیه السلام) عن رجل يقبل الزّكاة هل عليه صدقة الفطرة قال لا. (2)

و ما رواه إسحاق بن عمّار قال: قلت لأبي إبراهيم (علیه السلام) على الرّجل المحتاج صدقة الفطرة قال ليس عليه فطرةٌ.(3)

فلابد من حملها على الاستحباب و مع التعارض و السقوط، نرجع إلى الأدلة الدالة على وجوبها على الغني.

ص: 275


1- الوسائل، الباب 2 من أبواب زكاة الفطرة، الحدیث: 1
2- نفس المصدر، الحدیث: 5
3- نفس المصدر، الحدیث: 6

«مسألة1: لا يعتبر في الوجوب كونه مالكاً مقدار الزكاة زائداً على مؤنة السنة فتجب و إن لم يكن له الزيادة على الأقوى و الأحوط» (1)

(1) كما عليه المشهور و استدل على ذلك الاطلاقات الواردة في المقام من أن زكاة الفطرة واجبة على الغني و خالفه في ذلك جماعة كالفاضلين و الشهيد و المحقق الثاني فاعتبروا الزيادة عن المؤنة بمقدار أداء الزكاة.

و استدل على ذلك بأمرين: الأول: الوجه العقلي بأن الوجوب لو ثبت، انقلب الغني فقيراً فينتفي الموضوع و ما يلزم من وجوده عدمه محال. الثاني: ما نسب إلى صاحب الجواهر، و حاصله: أن الغرض الأصلي الذي شرع لأجله الزكاة إنما هو سدّ حاجة الفقراء و من البعيد جداً أن يكون تشريع الحكم لأجل رفع الفقر مع كون الفقر مما يترتب على نفس الحكم المذكور خارجاً.

لكن لا يمكن المساعدة على كلا الدليلين:

أما الأول: فيرد عليه أولاً: أنه يمكن قلب الدعوى بأنه يلزم من عدم الوجوب، الوجوب إذ لو لم يشمله الأدلة و لم يتعلق به الوجوب كان غنياً و متى اتصف به تعلق به الوجوب، عملاً باطلاق الأدلة فيلزم من عدم الشمول الشمول. و ثانياً: بأنّ الحكم الشرعي لا يستوجب الفقر و إنما الموجب للفقر هو الاعطاء الخارجي فالموضوع باقٍ على حاله قبل التصدي له فلم يلزم الانقلاب المذكور. و ثالثاً: لو سلمنا ذلك نقول أن الغنى المأخوذ في الموضوع إنما هو الغنى في حد نفسه أي مع قطع النظر عن تعلق الحكم لا بعد تعلق الحكم.

أما الثاني: بأن ملاكات الأحكام ليست بأيدينا و لعل الوجه في الوجوب هو المواساة مع الفقراء و هذا لا ينافي الاطلاقات، ربما يفصل في المقام بين من كان واجداً لتمام مؤنة السنة بالفعل و بين من يكون واجداً بالقوة فيعتبر في الثاني دون الأول، ذهب إليه

ص: 276

«مسألة2: لا يشترط في وجوبها الإسلام فتجب على الكافر لكن لا يصح أداوها منه» (1)

الشيخ (رحمه اللّه) في المبسوط و الشهيد (رحمه اللّه) في الدروس، و استدل على ذلك بأن الموضوع موجود في الأول فلا محذور بعد تحقق الموضوع و أما الثاني فلوجوب صرف ما في يده في المؤنة و المفروض امتناع الجمع بين الصرف في النفقة و أداء الزكاة و لا دليل على تقديم الفطرة على المؤنة و لا دليل أيضاً على وجوب الاستدانة فلابد من اعتبار ذلك.

أورد عليه بأنّ الاستدانة واجبة إذا كانت مقدمة للأداء بعد تحقق الموضوع إلّا إذا كان حرجياً و لذا قال صاحب الجواهر (رحمه اللّه) لا يخفى عليك عدم صلاحية مثل ذلك مقيداً للاطلاقات أو مخصصاً للعمومات فالأقوى عدم الاشتراط كما ذهب إليه صاحب الجواهر (رحمه اللّه).

(1) ما أفاده مبني على ما ذهب إليه المشهور من أنّ الكفار مكلف بالفروع غاية الأمر أنه إذا أسلم بعد ادراك الشهر لا يجب عليه الأداء لحديث الجب و ما رواه معاوية بن عمّار قال: سألت أبا عبد اللّه (علیه السلام) عن مولود ولد ليلة الفطر عليه فطرةٌ قال لا قد خرج الشّهر و سألته عن يهوديّ أسلم ليلة الفطر عليه فطرةٌ قال لا. (1)

ثم إن مقتضى عدم تكليف الكفار بالفروع فالأمر فيه واضح.

و أما على القول بأنهم مكلفون بالفروع فيمكن أن يقال بعدم الوجوب فيما نحن فيه، إما لوجود المانع أو عدم المقتضى.

بيان ذلك: إن توجه الخطاب إلى الكافر غير صحيح لأنه في حال كفره لا يصح منه العمل لفقد النية المعتبرة في العبادة و إذا أسلم بعد الهلال سقط عنه للاجماع و الحديث المشار إليه فالزكاة منه إما باطلة و إما ساقط فلم تكن مقدورة عليه فلا يمكن توجه

ص: 277


1- الوسائل، الباب 11 من أبواب زكاة الفطرة، الحدیث: 2

«و إذا أسلم بعد الهلال سقط عنه و أما المخالف إذا استبصر بعد الهلال فلا تسقط عنه» (1)

الخطاب إليه، لكن لقائل أن يقول بأنّ التكليف يمكن أن يتوجه إليه إما لعدم قدرته على النية فإنه ممكن عليه أن ينوى بقبوله للاسلام فالمقدور بالواسطة مقدور، فلا فرق بين الموارد، و إما سقوطها بعد الاسلام فالكلام فيه هو الكلام بالنسبة إلى غيره غاية الأمر الدليل قائم على سقوطها.

(1) أما سقوطها بالنسبة إلى الكافر فلما تقدم في حديث معاوية بن عمار و أما عدم سقوطها عن المخالف إذا استبصر بعد الهلال فإذا لم يؤد ما عليه من زكاة الفطرة فالوجه فيه ظاهر لأنه مكلف فلابد من أدائه و لا دليل على سقوط التكليف باستبصاره و أما لزوم الاعادة إذا أداه فلما رواه الفضلاء عن أبي جعفر و أبي عبد اللّه‘ أنّهما قالا في الرّجل يكون في بعض هذه الأهواء الحروريّة و المرجئة و العثمانيّة و القدريّة ثمّ يتوب و يعرف هذا الأمر و يحسن رأيه أ يعيد كلّ صلاة صلّاها أو صوم أو زكاة أو حجّ أو ليس عليه إعادة شي ء من ذلك قال ليس عليه إعادة شي ء من ذلك غير الزّكاة لا بدّ أن يؤدّيها لأنّه وضع الزّكاة في غير موضعها و إنّما موضعها أهل الولاية.(1)

و ما رواه ابن أذينة قال: كتب إليّ أبو عبد اللّه (علیه السلام) أنّ كلّ عمل عمله النّاصب في حال ضلاله أو حال نصبه ثمّ منّ اللّه عليه و عرّفه هذا الأمر فإنّه يؤجر عليه و يكتب له إلّا الزّكاة فإنّه يعيدها لأنّه وضعها في غير موضعها و إنّما موضعها أهل الولاية فأمّا الصّلاة و الصّوم فليس عليه قضاؤهما.(2)

ص: 278


1- الوسائل، الباب 3 من أبواب مستحقین الزكاة، الحدیث: 2
2- نفس المصدر، الحدیث: 3

«مسألة3: يعتبر فيها نية القربة كما في زكاة المال فهي من العبادات و لذا لا تصح من الكافر» (1)

«مسألة4: يستحب للفقير إخراجها أيضاً و إن لم يكن عنده إلا صاع يتصدق به على عياله ثم يتصدق به على الأجنبي بعد أن ينتهي الدور و يجوز أن يتصدق به على واحد منهم أيضاً و إن كان الأولى و الأحوط الأجنبي» (2)

(1) قد تقدم الكلام في اعتبار نية القربة في الزكاة و الدليل عليه الاجماع و التسالم و ما رواه حمّاد بن عثمان عن أبي عبد اللّه (علیه السلام) قال: لا صدقة و لا عتق إلّا ما أريد به وجه اللّه عزّ و جلّ.(1) و هشام(2) و من أنّ الفارق بين الصدقة و الهبة هو اعتبار قصد القربة في الأول دون الثاني.

(2) أما استحباب الاخراج للفقير فللاجماع بقسميه عليه كما في الجواهر.

أضف إلى ذلك ما ذكرناه سابقاً من أن مقتضى الجمع بين النصوص بالنسبة إلى الفقير، على كلام.

و أما كيفيته فما أفاده في المتن «من أن الفقير يتصدق به على واحد من عياله ثم بعد انتهاء الدور يتصدق به على الأجنبي» متينٌ كما هو ظاهر ما رواه اسحاق بن عمار قال: قلت لأبي عبدالله (علیه السلام): الرجل لا يكون عنده شيء من الفطرة إلّا ما يؤدي عن نفسه وحدها أ يعطيه غريباً أو يأكل هو و عياله؟ قال: يعطى بعض عياله ثم يعطى الآخر عن نفسه يترددونها فيكون عنهم جميعاً فطرة واحدة(3) غايته نقل عن المدارك

ص: 279


1- الوسائل، الباب 13 من أبواب وقوف و الصدقات، الحدیث: 2
2- نفس المصدر، الحدیث: 3
3- الوسائل، الباب 3 من أبواب زكاة الفطرة، الحدیث: 3

«و إن كان فيهم صغير أو مجنون يتولى الولي له الأخذ له و الإعطاء عنه و إن كان الأولى و الأحوط أن يتملك الولي لنفسه ثم يودي عنهما» (1)

استظهار الرد إلى المصدق الأول، لكنه خلاف الظاهر من النص كما أفاده المحقق الخوئي (قدس سره ) إذ الوارد في النص التردد لا الدوران بينهم و معنى التردد الحركة من مكان إلى مكان آخر حتى تكون فطرة واحدة عنهم جميعاً و من المعلوم أنه لو لم يخرج عنهم و عاد إليهم فقد أدى كل منهم فطرته على سبيل الدوران لا صيرورة ذلك فطرة واحدة عن الجميع بل قد تساوى الكل في أداء فطرته فصدق الاخراج عن الجميع منوط بتصدقها بالأجنبي.

لكن يمكن أن يقال أنّ المستفاد من النص أن السر في الدوران رجوع المال إلى المصدق و عائلته و هذا لا يتحقق إلا بالدفع إلى المعيل و الشاهد عليه قوله: «أو يأكل هو و عياله»، فتأمل.

(1) قال صاحب الجواهر (رحمه اللّه)((1) ظاهر اطلاق النص و الفتوى عدم الفرق في المعال بين كونه مكلفاً أو غيره، و لا يشكل ذلك بأنه لا يجوز إخراج الولي ما صار ملكاً له عنه مع فرض كونه غير مكلف، إذ هو -مع أنه اجتهاد في مقابل اطلاق النص و الفتوى، و قد ثبت مثله فی الزكاة المالیة- يمكن دفعه بأن غير المكلف إنما ملكه على هذا الوجه أي على أن يخرج عنه صدقة، لكن فی المدارك بعد أن حكی الاشكال المذبور و ما يدفعه عن جده قال: و هو جيد لو كان النص صالحاً لاثبات ذلك، لكنه ضعيف من حيث السند، قاصر من حيث المتن عن افادة ذلك بل ظاهره اختصاص الحكم بالمكلفين، و الأصح اختصاص الحكم بهم، لانتفاء ما يدل على تكليف ولي الطفل بذلك، انتهى.

ص: 280


1- جواهر الكلام جلد 15 صفحه 493([1])

«مسألة5: يكره تملك ما دفعه زكاة وجوباً أو ندباً سواء تملكه صدقة أو غيرها على ما مر في زكاة المال» (1)

و الظاهر أن الحق مع صاحب المدارك من حيث الدلالة و أما ما أفاده صاحب الجواهر فخلاف اطلاق الرواية فإن المستفاد منها جواز الاعطاء للغير بلا قيد.

و يؤيد ما ذكره صاحب المدارك بأن ظاهر قوله (علیه السلام): «ثم يعطى الآخر عن نفسه» مباشرته عن اعطاء زكاة الفطرة و هو ظاهر في كونه مكلفاً قابلا لأن يعطى من قِبَل نفسه، مضافاً إلى أن اثبات ولاية الولي في هذه الموارد مشكل و الاطلاق لا يثبت القيد الزائد كما قرر في الاصول والله العالم.

(1) الظاهر أنّ المراد هو طلب تملك ما أخرجه في الصدقة الواجبة كما عنونه بهذه الكيفية في زكاة الأموال للاجماع أو غيره كما تقدم و أما نفس التملك فلا كراهة فيه كما إذا أراد الفقير بيعه فقوّمه بسعره الحالي فليس حينئذٍ في شراء المالك منه ذلك أية كراهة بل هو أحق به لاحظ ما رواه محمّد بن خالد أنّه سأل أبا عبد اللّه (علیه السلام) عن الصّدقة فقال إنّ ذلك لا يقبل منك فقال إنّي أحمل ذلك في مالي فقال له أبو عبد اللّه (علیه السلام) مر مصدّقك أن لا يحشر من ماء إلى ماء و لا يجمع بين المتفرّق و لا يفرّق بين المجتمع و إذا دخل المال فليقسم الغنم نصفين ثمّ يخيّر صاحبها أيّ القسمين شاء فإذا اختار فليدفعه إليه فإن تتبّعت نفس صاحب الغنم من النّصف الآخر منها شاةً أو شاتين أو ثلاثاً فليدفعها إليه ثمّ ليأخذ صدقته فإذا أخرجها فليقسمها فيمن يريد فإذا قامت على ثمن فإن أرادها صاحبها فهو أحقّ بها و إن لم يردها فليبعها.(1)

ص: 281


1- الوسائل، الباب 14 من أبواب زكاة الانعام، الحدیث: 3

«مسألة6: المدار في وجوب الفطرة إدراك غروب ليلة العيد جامعاً للشرائط فلو جن أو أغمي عليه أو صار فقيراً قبل الغروب و لو بلحظة بل أو مقارناً للغروب لم تجب عليه كما أنه لو اجتمعت الشرائط بعد فقدها قبله أو مقارناً له وجبت كما لو بلغ الصبي أو زال جنونه و لو الأدواري أو أفاق من الإغماء أو ملك ما يصير به غنياً أو تحرر و صار غنياً أو أسلم الكافر فإنها تجب عليهم» (1)

(1) كما هو المشهور بين الأعلام بل ادعي عليه الاجماع بقسميه عليه كما في الجواهر و استدل على ذلك بحديثين:

الأول: ما رواه معاوية بن عمار عن أبي عبدالله (علیه السلام) في المولود يولد ليلة الفطر و اليهودي و النصراني يسلم ليلة الفطر قال: ليس عليهم فطرة، ليس الفطرة إلا على من أدرك الشهر(1).

أورد عليه أولاً بضعف السند بعلي بن أبي حمزة و ثانياً بمحمد بن على ماجيلويه الواقع في الطريق و ثالثاً أن موردها المولود و اسلام الكافر و لا قرينة على التعدي إلى غيرهما و أما قوله (علیه السلام): «ليس الفطرة إلا من أدرك الشهر» فلا يدل على الكبرى الكلية بالنسبة إلى غيرهما لجواز أن يكون المراد من أدرك الشهر حياً بالحياة الحقيقية كما في المولود أو الحكمية كما في اسلام الكافر و رابعاً لو سلمنا العموم فلا ينطبق على مقالة المشهور من كفاية المقارنة إذ غاية ما يستفاد منه أن الشخص إذا استجمع فيه الشرائط و لو آناً مّا في جزء من الشهر مستمراً إلى أن يهل الهلال فقد أدرك الشهر فتجب عليه زكاة الفطرة و أما لو لم تجتمع الشرط كذلك فلم ينفع و إن تحققت مقارناً للغروب،

ص: 282


1- الوسائل، الباب 11 من أبواب زكاة الفطرة، الحدیث: 1

لكن الظاهر من الرواية إدراك الشهر عرفاً و من المعلوم أن الإدراك العرفي ممكن في زمان مقارنة الغروب إذ التقارن العرفي يجتمع مع الإدراك العرفی و من الواضح أن المراد بالتقارن عند الأصحاب هو التقارن العرفي لا الدقي و إلّا فلا يبعد أن يقال: أنه غير معقول بالنسبة إلى الزمان فالجمع بين الإدراك العرفي و التقارن العرفي يقتضي ما أفاده المشهور هذا، كما أن الظاهر من الذيل اعطاء القاعدة الكلية في وجوب زكاة الفطرة فلا يقتصر على الموردين المذكورين.

الثاني: ما رواه عن معاوية بن عمّار قال: سألت أبا عبد اللّه (علیه السلام) عن مولودٍ ولد ليلة الفطر، عليه فطرةٌ قال لا قد خرج الشّهر و سألته عن يهوديٍّ أسلم ليلة الفطر، عليه فطرةٌ قال لا. (1)

أورد عليه بالايرادين المذكورين سابقاً في الثاني و الثالث، لكن قد عرفت الجواب عنهما فلاحظ.

ثم إن الظاهر من المشهور استمرار البقاء جامعاً للشرائط إلی زمان الوجوب فاجتماع الشرائط فی بعض الاشهر لا يكفي فالموجب لفعلية الوجوب اجتماع الشرائط مستمراً إلى زمان الوجوب و لولا ذلك لم يكن الوجوب فعلياً فاعتبار الاستمرار إنما يهتدي إليه بالفهم العرفي من قوله (علیه السلام): «ليس الفطرة إلّا من أدرك الشهر».

ص: 283


1- الوسائل، الباب 11 من أبواب زكاة الفطرة، الحدیث: 2

«و لو كان البلوغ أو العقل أو الإسلام مثلاً بعد الغروب لم تجب نعم يستحب إخراجها إذا كان ذلك بعد الغروب إلى ما قبل الزوال من يوم العيد» (1)

(1) نسب القول بالاستحباب إلى الأكثر كما عن الجواهر جمعاً بين ما رواه محمد بن مسلم عن أبي جعفر (علیه السلام) قال: سألته عما يجب على الرجل في أهله من صدقة الفطرة؟ قال: تصدق عن جميع من تعول من حر أو عبد أو صغير أو كبير من أدرك منهم الصلاة(1)

و ما أرسله الشيخ (رحمه اللّه) قال الشيخ: و قد روى أنه إن ولد قبل الزوال تخرج عنه الفطرة و كذلك من أسلم قبل الزوال(2) و بين ما تقدم من رواية معاوية بن عمار المتقدمة، لكن رواية محمد بن مسلم ضعيفة باسناد الصدوق إليه بعلى بن احمد بن عبدالله بن احمد بن أبي عبدالله البرقي فإنه لم يوثق، و أما رواية الشيخ فضعيفة ایضاً بالارسال فلا دليل على الاستحباب فلا وجه لما أفاده المحقق الخوئي (قدس سره ) من أن الحمل على الاستحباب لم يكن به بأس إذ الحكم الشرعي يحتاج إلى الدليل و لو كان استحبابياً إلّا على القول بالتسامح.

ص: 284


1- الوسائل، الباب 5 من أبواب زكاة الفطرة، الحدیث: 6
2- الوسائل، الباب 11 من أبواب زكاة الفطرة، الحدیث: 3

«فصل: فيمن تجب عنه»

يجب إخراجها بعد تحقق شرائطها عن نفسه و عن كل من يعوله حين دخول ليلة الفطر من غير فرق بين واجب النفقة عليه و غيره و الصغير و الكبير و الحر و المملوك و المسلم و الكافر و الأرحام و غيرهم حتى المحبوس عندهم و لو على وجه محرم» (1)

(1) بلا خلاف فيه بل في الجواهر الاجماع بقسميه عليه و العمدة النصوص فنقول و على الله التكلان، النصوص الواردة في المقام على طوائف:

الاولى: ما دل على أن الواجب عليه هو عنوان من تعول منها: ما رواه عمر بن يزيد قال: سألت أباعبدالله (علیه السلام) عن الرجل يكون عنده الضيف من إخوانه فيحضر يوم الفطر يؤدي عنه الفطرة؟ فقال: نعم الفطرة واجبة على كل من يعول من ذكر أو انثى صغير أو كبير حر أو مملوك(1)

و منها ما رواه محمّد بن مسلم عن أبي جعفر (علیه السلام) قال: سألته عمّا يجب على الرّجل في أهله من صدقة الفطرة قال تصدّق عن جميع من تعول من حرّ أو عبد أو صغير أو كبير من أدرك منهم الصّلاة. (2)

و منها ما رواه علي بن جعفر عن أخيه موسى بن جعفر‘ قال: سألته عن فطرة شهر رمضان على كل انسان هي أو على من صام و عرف الصلاة؟ قال: هي على كل كبير أو صغير ممن يعول.(3)

الثانية: ما دل على أن المدار هو العيال منها ما رواه معتّب عن أبي عبدالله (علیه السلام) قال:

ص: 285


1- الوسائل، الباب 5 من أبواب زكاة الفطرة، الحدیث: 2
2- نفس المصدر، الحدیث: 6
3- نفس المصدر، الحدیث: 14

اذهب فاعط من عيالنا الفطرة و عن الرقيق و اجمعهم و لا تدع منهم أحداً فإنك إن تركت منهم انسانا تخوفت عليه الفوت قلت: و ما الفوت؟ قال: الموت(1)

و ما رواه عبد اللّه بن سنان عن أبي عبد اللّه (علیه السلام) قال: كلّ من ضممت إلى عيالك من حرّ أو مملوك فعليك أن تؤدّي الفطرة عنه الحديث.(2)

و ما رواه عن على (علیه السلام): و قال أميرالمؤمنين (علیه السلام) في خطبة العيد يوم الفطر: أدّوا فطرتكم فإنها سنة نبيكم و فريضة واجبة من ربكم فليؤدها كل امريء منكم عن عياله كلهم ذكرهم و انثاهم و صغيرهم و كبيرهم و حرهم و مملوكهم عن كل انسان منهم صاعاً من تمر أو صاعاً من بر أو صاعاً من شعير(3)

و ما رواه عبدالرحمن بن الحجاج قال: سألت أباالحسن (علیه السلام) عن رجل ينفق على رجل ليس من عياله إلا أنه يتكلف له نفقته و كسوته أ تكون عليه فطرته؟ قال: لا، إنما تكون فطرته على عياله صدقة دونه. و قال: العيال الولد و المملوك و الزوجة و ام الولد(4)

الثالثة: ما دل على أن المدار هو عنوان الأهل منها ما رواه الحلبي(5) و منها ما رواه عبدالله بن سنان عن أبي عبدالله (علیه السلام) قال: سألته عن صدقة الفطرة، قال: عن كل رأس من أهلك الصغير منهم و الكبير و الحر و المملوك و الغنى و الفقير كل من ضممت إليك عن كل انسان صاع من حنطة أو صاع من شعير أو تمر أو زبيب، الحديث(6)

و بعد ما عرفت ذلك فلابد من ملاحظة هذه العناوين و النسبة بينها:

ص: 286


1- الوسائل، الباب 5 من أبواب زكاة الفطرة، الحدیث: 5
2- نفس المصدر، الحدیث: 8
3- نفس المصدر، الحدیث: 7
4- نفس المصدر، الحدیث: 3
5- نفس المصدر، الحدیث: 10
6- نفس المصدر، الحدیث: 12

أما عنوان من تعول و العيال فالنسبة بينهما هو العموم المطلق لأن المبدأ في «من تعول» هو العول بمعنى الإنفاق، لكن الظاهر من بعض النصوص أن المعتبر في صدق العيال هو وجود سنخ تبعيته للمعال بالنسبة إلى المعيل لاحظ ما رواه عبدالرحمن بن الحجاج(1) المتقدم ذكره فالعيال أخص من هذه الجهة و إن كان عنوان «من تعول» أخص أيضاً من ناحية اخرى و هى دلالته على الاستمرار فالجمع بين العنوان يقتضي أن يقال إن المدار هو الانفاق مستمراً بحيث يعد المعال تابعاً للمعيل و لعل إلى هذه الجمع أشار في رواية حماد بن عيسى عن أبي عبدالله (علیه السلام) قال: يؤدي الرجل زكاة الفطرة عن مكاريه و رقيق أمراته و عبده النصراني والمجوسي و ما اغلق عليه بابه(2) كما أن رواية الأهل أيضاً كذلك، ثم إنه لا تنافي بين النصوص الدالة على ثبوت الفطرة على من يعول و بين ما دل على ثبوت الفطرة على العيال.

بتقريب آخر: بأن ما دل على الثاني لم يكن له مفهوم إذ لم يكن في مقام التحديد فلا تنافي بين المثبتين.

و الحاصل: أنّ المدار هو كون الشخص ممن تعول إذا عرفت ما ذكرنا فالبحث في المقام يقع في جهات:

الجهة الاولى: أنّ المراد بالعيلولة هل هي العيلولة الجائزة أم لا، بل تعم المحرمة كالمحبوس عنده ظلماً؟ ظاهر النصوص و الفتاوى هو العموم لأن مقتضى الاطلاق صدق العيلولة و كونه ممن تعول و من المعلوم أن هذا العنوان شامل لما نحن فيه.

ص: 287


1- الوسائل، الباب 5 من أبواب زكاة الفطرة الحدیث: 3
2- نفس المصدر، الحدیث: 13

«و كذا تجب عن الضيف بشرط صدق كونه عيالاً له و إن نزل عليه في آخر يوم من رمضان بل و إن لم يأكل عنده شيئاً، لكن بالشرط المذكور و هو صدق العيلولة عليه عند دخول ليلة الفطر بأن يكون بانياً على البقاء عنده مدة و مع عدم الصدق تجب على نفسه، لكن الأحوط أن يخرج صاحب المنزل عنه أيضاً حيث أنّ بعض العلماء اكتفى في الوجوب عليه مجرد صدق اسم الضيف و بعضهم اعتبر كونه عنده تمام الشهر و بعضهم العشر الأواخر و بعضهم الليلتين الأخيرتين فمراعاة الاحتياط أولى و أما الضيف النازل بعد دخول الليلة فلا تجب الزكاة عنه و إن كان مدعواً قبل ذلك» (1)

(1) الجهة الثانية: في أنه لا كلام في وجوب اخراج الزكاة عن الضيف في الجملة، إنما الكلام في أنّ المراد به مطلق الضيف بحيث يكون له الموضوعية أم لا، بل من باب أنه من مصاديق العيال و ممن تعول، فعن الشهيد الثاني (رحمه اللّه) و المحقق في المعتبر، الاكتفاء بصدق الضيف المتحقق بنزوله في آخر جزء من الشهر بحيث يهل الهلال و هو في ضيافته. و مال إليه صاحب الجواهر (رحمه اللّه) بل عن الشهيد الثاني (رحمه اللّه) مجرد صدق الضيف و لو لم يأكل عنده و هنا قول ثانٍ.

و اختاره الماتن (رحمه اللّه) من أن الضيف لا موضوعية له بل من جهة صدق العيلولة عليه عرفاً فلا تكفي الضيافة بمجردها ما لم يقترن بهذا العنوان.

و عن الشيخ و السيد المرتضى اشتراط الضيافة طول الشهر

و القول الرابع ما عن الشيخ المفيد من اشتراطها بالنصف الأخير

و القول الخامس الاكتفاء بالعشرة الأخير

ص: 288

و القول السادس ما عن ابن ادريس و هو الاكتفاء بالليلتين الاخيرتين من الشهر.

و القول السابع ما عن العلامة في المنتهى و التذكرة الاكتفاء بالليلة الاخيرة.

القول الثمان ما عن الوسيلة و نهاية الشيخ الاكتفاء بمسمى الافطار في الشهر.

أما القولان الأولان فالمستند لهما رواية عمر بن يزيد(1) في كيفية الاستظهار منها فعن صاحب الجواهر أن قوله (علیه السلام): «نعم» هوالجواب للمسئلة و الجملة الاخرى مستأنفة تفضل بها الامام (علیه السلام) لبيان موضوع زكاة الفطرة و هو عنوان العيلولة فكل من الضيف و العيلولة موضوع لوجوبها.

أورد عليه بأنّ هذا الاستظهار منوط بتصدير الجملة الواقعة في الرواية بواو الاستيناف و لولا ذلك فظاهرها أنها في مقام التعليل لقوله (علیه السلام): «نعم» فهذه الجملة بيان لكبرى الكليّة تنطبق على الصغرى المذكورة في السؤال فالنتيجة أن وجوب الإخراج عن الضيف إنما هو لكونه من مصاديق هذه الكبرى و هي العيلولة فالضيافة لا موضوعية لها وراء هذا العنوان فلو تجرد عن هذا كما لو نزل ليلاً و بات عنده من غير أن يتكفل المضيف شيئاً ما عدا البيتوتة لم يجب الاخراج فلابد من أن يقوم بشؤنه و يتكفل مؤنته و معاشه كسائر من يَضُّم إليه من عائلته و على الجملة: «عال زيد فلاناً» أي كفاه مؤنته و معاشه كما أن الظاهر من قول السائل: فيحضر يوم الفطر، أن المناط كونه عياله في هذا اليوم إذ من الضروري عدم وجوب الفطرة عمن كان عيالاً سابقاً أو سيصير عيالاً له لاحقاً و إنما العبرة بالتلبس الفعلي.

و الحاصل: أن المدار، في الوجوب صدق العيلولة فلا موضوعية للضيافة و مما ذكرنا يظهر أن ما أفاده الماتن (رحمه اللّه) من اشتراط كونه بانياً على البقاء مدة بلا ملزم، لعدم صدقها عليه، نعم يعتبر فيها أن رب المنزل قإئماً بشؤنه و أنّ كلفته و مؤنته عليه، و أما سائر

ص: 289


1- الوسائل، الباب 5 من أبواب زكاة الفطرة، الحدیث: 2

الأقوال و لعل الوجه فيها أن صدق العيلولة متوقف على البقاء في هذه المدة المذكورة فيها، لكن لا دليل عليه لعدم التوقف كما أن الظاهر عدم صدق هذا العنوان على المدعوين للافطار في آخر شهر رمضان أو في ليلة العيد فإن هؤلاء ليسوا بضيوف بهذا المعنى و إن كان في النفس بالنسبة إلى ذلك شيء، نعم لا يصدق عليهم عنوان «من تعول» فلا تجب الزكاة عنهم.

الجهة الثالثة: إذا نزل الضيف بعد الغروب فهل يجب الإخراج عنه أم لا؟ فنقول: إن الوجوب و عدمه مبني على اعتبار اجتماع جميع القيود مقارناً للغروب أم لا؟ فإن قلنا بالأول كما عليه المشهور بل ادعى عليه الاجماع، فلا تجب زكاة الفطرة إذا اجتمعت بعد الغروب و إلّا فلا، لكن قد ذكرنا سابقاً أن اثبات مقالة المشهور بغير الاجماع مشكل و حينئذٍ لو نزل الضيف بعد الغروب فمقتضى الاحتياط الوجوب بل يمكن أن يقال أن ظاهر رواية عمر بن يزيد ذلك حيث سأل السائل بقوله: «فيحضر يوم الفطر» فيكون المناط كونه عيالاً له يوم العيد فلاحظ.

ص: 290

«مسألة1: إذا ولد له ولد أو ملك مملوكاً أو تزوج بإمراة قبل الغروب من ليلة الفطر أو مقارناً له وجبت الفطرة عنه إذا كان عيالاً له و كذا غير المذكورين ممن يكون عيالاً و إن كان بعده لم تجب، نعم يستحب الإخراج عنه إذا كان ذلك بعده و قبل الزوال من يوم الفطر» (1)

(1) هذه المسئلة من صغريات المسئلة السابقة من المولود إنما يجب الإخراج عنه إذا صار عيالاً له و قد أدرك الشهر و كذلك الخادم و المملوك بمقتضى رواية معاوية بن عمّار قال: سألت أبا عبد اللّه (علیه السلام) عن مولود ولد ليلة الفطر عليه فطرةٌ قال لا قد خرج الشّهر و سألته عن يهوديّ أسلم ليلة الفطر عليه فطرةٌ قال لا.(1)

و أما غيرهما من الموارد و إن قلنا بمقالة المشهور، أنّ المدار استجماع الشرائط عند الغروب فلا تجب زكاة الفطرة إذ اجتمعت بعد ذلك و أما إذا قلنا بغير ذلك لعدم الدليل على ذلك الاجماع المدعى في المقام، فتجب إذا جمعت ليلة العيد أو قبل الزوال على الاختلاف الآتي إن شاء الله.

و أما الضيف فإن قلنا بأنه موضوع مستقل فمقتضى حديث عمر بن يزيد((2) اعتبار نزول الضيف عنده في جزء من الشهر و بقائه إلى يوم الفطر، و أما لو كان النزول بعده أو الخروج قبله لم تجب و أما ما رواه الشيخ مرسلاً حيث قال: روى أصحابنا أنّ من أضاف انساناً طول شهر رمضان و تكفل بعيلولته لزمته فطرته((3) فلا اعتبار به للارسال.

ص: 291


1- الوسائل، الباب 11 من أبواب زكاة الفطرة، الحدیث: 2
2- الوسائل، الباب 5 من أبواب زكاة الفطرة، الحدیث:8([2])
3- نفس المصدر، الحدیث:17([3])

«مسألة2: كل من وجبت فطرته على غيره سقطت عن نفسه و إن كان غنياً و كانت واجبة عليه لو انفرد و كذا لو كان عيالاً لشخص ثم صار وقت الخطاب عيالاً لغيره» (1)

(1) إذ الظاهر من الأدلة توجه الخطاب إلى المعيل لا المعال فتكون مخصصة للأدلة الدالة على وجوب زكاة الفطرة على كل مكلف و بعبارة اخرى الظاهر من الأدلة الواردة في المقام أنه (علیه السلام) بصدد بيان من تجب عليه الفطرة لظاهر السؤال لا ببيان وجوب آخر زائداً على الفطرة من أن وظيفة المعيل إفراغ ذمة المعال كي تجب الفطرة على المعال و المعيل يفرغ ذمته بل التكليف متوجه إلى المعيل بنفسه تخصيصاً للأدلة العامة الدالة على وجوبها على كل شخص فلاحظ ما رواه عبد اللّه بن سنان عن أبي عبد اللّه (علیه السلام) قال: كلّ من ضممت إلى عيالك من حرّ أو مملوك فعليك أن تؤدّي الفطرة عنه الحديث.(1)

و ما رواه اسحاق بن عمار قال: سألت أباعبدالله (علیه السلام) عن الفطرة، -إلى أن قال- و قال: الواجب عليك أن تعطى عن نفسك و أبيك و امك و ولدك و أمراتك و خادمك(2)

و ما رواه عمر بن يزيد قال: سألت أبا عبد اللّه (علیه السلام) عن الرّجل يكون عنده الضّيف من إخوانه فيحضر يوم الفطر يؤدّي عنه الفطرة فقال نعم الفطرة واجبةٌ على كلّ من يعول من ذكر أو أنثى صغير أو كبير حرّ أو مملوك.(3)

ص: 292


1- الوسائل، الباب 5 من أبواب زكاة الفطرة، الحدیث: 8
2- نفس المصدر، الحدیث: 4
3- نفس المصدر، الحدیث: 2

«و لا فرق في السقوط عن نفسه بين أن يخرج عنه من وجبت عليه أو تركه عصياناً أو نسياناً» (1)

(1) مقتضى ما ذكرنا من أن التكليف متوجه إلى المعيل سقوطه عن المعال فلا وجه لوجوبها عليه سواء أدّى المعيل أم لم يؤد لاحتياج وجوب أدائها على المعال إلى دليل مفقود في المقام، لكن قد ادعى وجوبها على المعال في ظرف عدم أدائها المعيل و استدل على ذلك بأمرين:

الأول: بأن التكليف متوجه في ابتداء الأمر إلى المعال نفسه غاية الأمر أن المعيل موظف بافراغ ذمته فإذا لم يفرغ ذمته يجب عليه الإفراغ بنفسه كما إذا كان الأمر كذلك في دية القتل الخطائي فإن الدية ثابتة على القاتل، غاية الأمر يجب على العاقلة إفراغ ذمته.

أورد عليه بأن القياس مع الفارق فإن الدليل في المقيس عليه موجود كما قرر في محله و أما في المقام فلا دليل على ذلك إلّا الروايات الواردة في المقام، الدالة على توجه التكليف إلى نفس المعيل تخصيصاً للادلة العامة الدالة على وجوبها على كل شخص فاستظهار ما ذكر منها مشكل جداً.

الثاني: أن مقتضى الجمع بين ما دل على وجوب الزكاة على كل شخص و ما دلّ على وجوبها على المعيل هو الالتزام بالوجوب الكفائي الذي نتيجته أنه إذا لم يؤد المعيل الزكاة تجب على المعال كما هو كذلك في جميع الواجبات الكفائية إذا لم يقم بعض على العمل، يجب على الآخرين.

و فيه: أنه لا دليل عليه بل الدلیل دال على التخصيص كما هو الظاهر من الروايات الواردة في المقام فلاحظ.

هذا كله بالنسبة إلى العاصي أو الجاهل الذي يكون التكليف بالنسبة إليه ثابتاً في الواقع، و أما إذا لم يكن التكليف ثابتاً له في الواقع كالناسي أو الغافل أو الجاهل المركب

ص: 293

«لكن الأحوط الإخراج عن نفسه حينئذٍ، نعم لو كان المعيل فقيراً و العيال غنياً فالأقوى وجوبها على نفسه» (1)

«و لو تكلف المعيل الفقير بالإخراج على الأقوى و إن كان السقوط حينئذٍ لا يخلو عن وجه» (2)

القاصر فهل يجب على المعيل الاخراج أم لا؟ ظاهر عبارة الماتن (رحمه اللّه) عدمه و عن بعض الأعلام وجوبه، أما ما ذهب إليه الماتن (رحمه اللّه) و لعل الوجه فيه أن زكاة الفطر كزكاة الأموال حق مالیٌ تعلّق بالعين بحيث يكون المعيل مديناً للفقراء فهي مضافاً إلى أنها حكم تكليفي، حكم وضعي ثابت في مال المعيل و من المعلوم أن الجهل القصوري أو النسيان و الغفلة لا توجب عدم تعلقها على ماله فالنتيجة تكون الزكاة ثابتة في ذمة المعيل فلا وجه لوجوبها على المعال فلا يجب عليه الإخراج.

و فيه: أنه لا دليل عليه بل الدليل قائم على أن زكاة الفطرة محض تكليف و مجرد حق الهي مجعول في موردها و حينئذٍ إذا كان المعيل ناسياً أو غافلاً لا يعقل التكليف بالنسبة إليه فلا يشلمه دليل المخصص فدليل العام محكّم فلابد من الرجوع إليه فالنتيجة وجوب الإخراج.

(1) لشمول العمومات للمعال بعد سلامتها عن التخصيص إذ ليس المخصص إلّا الدليل الدال على تعلق الوجوب بالمعيل و حيث ذكرنا أن وجوب الفطرة لم يكن ثابتاً عليه لفقره فلا مخصص معه، كانت العمومات محكمة فلا وجه للرجوع إلى أصالة البرائة بعد وجود العمومات.

(2) قد ظهر الوجه في عدم الوجوب بعد توجه الخطاب إلى المعال و سقوطه عن المعيل و بذلك ظهر الوجه في عدم سقوطه عن المعال لو أخرجها المعيل إستحباباً أو رجاءً و أما وجه ما أفاده الماتن (رحمه اللّه) من سقوطها عن المعال حينئذٍ فلأن بعد فرض الاستحباب

ص: 294

«مسألة3: تجب الفطرة عن الزوجة سواء كانت دائمة أو متعة مع العيلولة لهما من غير فرق بين وجوب النفقة عليه أو لا، لنشوز أو نحوه و كذا المملوك و إن لم تجب نفقته عليه» (1)

«و أما مع عدم العيلولة فالأقوى عدم الوجوب عليه و إن كانوا من واجبي النفقة عليه و إن كان الأحوط الإخراج خصوصاً مع وجوب نفقتهم عليه و حينئذ ففطرة الزوجة على نفسها إذا كانت غنية و لم يعلها الزوج و لا غير الزوج أيضاً و أما إن عالها أو عال المملوك غير الزوج و المولى فالفطرة عليه مع غناه» (2)

في حق المعيل و إقدامه بالاخراج يحتمل سقوطها عن المعال، لكنه مدفوع بأن الخطاب متوجه إلى المعال فلا دليل على سقوطها عنه عند اخراج المعيل، و قد استدل على السقوط بما رواه إسحاق بن عمّار قال: قلت لأبي عبد اللّه (علیه السلام) الرّجل لا يكون عنده شي ءٌ من الفطرة إلّا ما يؤدّي عن نفسه وحدها أ يعطيه غريباً أو يأكل هو و عياله قال يعطي بعض عياله ثمّ يعطي الآخر عن نفسه يتردّدونها فيكون عنهم جميعاً فطرةٌ واحدةٌ.(1)

بتقريب: أن الفطرة على المعيل تكون مشروعة حينئذٍ و بعد العلم بأن المشروع ليس إلّا فطرة واحدة يكون قيام المعيل بها موجباً لسقوطها عن المعال، فتأمل.

(1) بلا خلاف كما في بعض الكلمات و الوجه فيه واضح بعد صدق عنوان العيلولة إذ العبرة بصدق هذا العنوان فمتى صدق وجبت الفطرة لظهور الروايات المتقدمة.

(2) وقع الكلام بين الاعلام بأنّ الزوجية بعنوانها و كذا المملوكية لها الموضوعية في

ص: 295


1- الوسائل، الباب 3 من أبواب زكاة الفطرة، الحدیث: 3

وجوب الإخراج و إن لم ينفقها عليهما الزوج و المولى أو وجوب الاخراج مشروط بالانفاق كما نسب إلى المشهور أو لا يجب الإخراج مطلقاً؟

و استدل على الوجوب مطلقاً بحديثين:

الأول: ما رواه عبد الرّحمن بن الحجّاج قال: سألت أبا الحسن (علیه السلام) عن رجل ينفق على رجل ليس من عياله إلّا أنّه يتكلّف له نفقته و كسوته أ تكون عليه فطرته قال لا إنّما تكون فطرته على عياله صدقةً دونه و قال العيال الولد و المملوك و الزّوجة و أمّ الولد.(1) بتقريب: أن الزوجة عدت في الرواية من العيال تعبدا فلها الموضوعية و فيه أنه خلاف الظاهر بداهة أن المستفاد منها هو الميز بين من یجب الانفاق عليه و بين من لم يجب لا في مقام بيان تفسير العيال تعبداً، والشاهد على ذلك أنه عدّ منه الولد مع أنه لا يحتمل وجوب الإخراج عن الولد بما هو ولد و إن كان غنياً و خارجاً عن عيلولته.

الثاني: ما رواه إسحاق بن عمّار قال: سألت أبا عبد اللّه (علیه السلام) عن الفطرة إلى أن قال و قال الواجب عليك أن تعطي عن نفسك و أبيك و أمّك و ولدك و امرأتك و خادمك.(2) بتقريب: أن الظاهر منه كون المراة بعنوانها موضوع لوجوب الزكاة إما مطلقاً أو مشروطاً بوجوب الانفاق لكنه خلاف الظاهر إذ السياق يقتضي غير ذلك و لذا عدّ في الرواية «أبوه» و «ولده» و «امه» فالظاهر منهما أن المدار هو العيلولة فإن صدق هذا العنوان وجب الإخراج و إلّا فلا، كما في المتن.

ص: 296


1- الوسائل، الباب 5 من أبواب زكاة الفطرة، الحدیث: 3
2- نفس المصدر، الحدیث: 4

«مسألة4: لو أنفق الولي على الصغير أو المجنون من مالهما سقطت الفطرة عنه و عنهما» (1)

«مسألة5: يجوز التوكيل في دفع الزكاة إلى الفقير من مال الموكل و يتولى الوكيل النية و الأحوط نية الموكل أيضاً على حسب ما مر في زكاة المال و يجوز توكيله في الإيصال و يكون المتولي حينئذٍ هو نفسه و يجوز الإذن في الدفع عنه أيضاً لا بعنوان الوكالة و حكمه حكمها بل يجوز توكيله أو إذنه في الدفع من ماله بقصد الرجوع عليه بالمثل أو القيمة كما يجوز التبرع به من ماله بإذنه أو لا بإذنه و إن كان الأحوط عدم الاكتفاء في هذا و سابقه» (2)

(1) لعدم صدق العيلولة عليه و فقد البلوغ و العقل عنهما.

(2) أما جواز التوكيل في ذلك فقد تقدم الكلام فيه من أن ما دل من النصوص على الجواز إنما هو التوكيل في الايصال في الدفع بأن يكون الوكيل نائباً عنه فمبني على كون يد الوكيل يد الموكل و أنّ فعله فعل الموكل و جواز التسبيب في ذلك، نعم على القول بالجواز يكون الوكيل هو المتولي للنية مع لزوم نية الموكل حين التوكيل و بما ذكرنا هنا و فيما قبل، يظهر الحال بالنسبة إلى الفروع الآتية.

ص: 297

«مسألة6: من وجب عليه فطرة غيره لا يجزيه إخراج ذلك الغير عن نفسه سواء كان غنياً أو فقيراً و تكلف بالإخراج بل لا تكون حينئذٍ فطرة حيث انه غير مكلف بها، نعم لو قصد التبرع بها عنه أجزأه على الأقوى و إن كان الأحوط العدم» (1)

«مسألة7: تحرم فطرة غير الهاشمي على الهاشمي كما في زكاة المال و تحل فطرة الهاشمي على الصنفين و المدار على المعيل لا العيال فلو كان العيال هاشمياً دون المعيل لم يجز دفع فطرته إلى الهاشمي و في العكس يجوز» (2)

(1) قد تقدم أن الخطاب متوجه إلى المعيل فلا يجزى إخراج المعال بعد كونه غير مكلف بها، نعم إذا تكلف بالأداء و كان فقيراً فقد يدعى أن مقتضى رواية عمار المتقدمة مشروعية ذلك فيكون الإخراج مجزياً، لكنها واردة في المعيل الفقير و أما المعال فلا تشمله فعدم الاجزاء الذي ذكره الماتن (رحمه اللّه) هو الصحيح و أما إذا أتى به بقصد التبرع فقد تقدم الكلام فيه من أن زكاة الفطرة من العبادات فلابد فيها من قصد التقرب بالمباشرة أو بالتسبيب باذن أو توكيل و أما بدون ذلك فلا تقرب منه و لا ينفع التقرب من غيره فما أفاده الماتن (رحمه اللّه) في الأخير محل اشكال.

(2) أما حرمة فطرة غير الهاشمي عليه فاطلاق جملة من النصوص الواردة في زكاة الاموال شامل لما نحن فيه لاحظ ما رواه ابن سنان يعني عبد اللّه عن أبي عبد اللّه (علیه السلام) قال: لا تحلّ الصّدقة لولد العبّاس و لا لنظرائهم من بني هاشم.(1)

و ما رواه الفضلاء عن أبي جعفر و أبي عبد اللّه‘ قالا قال رسول اللّه (صلی الله علیه و آله و سلم) إنّ الصّدقة أوساخ أيدي النّاس و إنّ اللّه قد حرّم عليّ منها و من غيرها ما قد حرّمه و إنّ الصّدقة

ص: 298


1- الوسائل، الباب 29 من أبواب المستحقّين للزكاة، الحدیث: 3

لا تحلّ لبني عبد المطّلب الحديث.(1)

و ما رواه عيص بن القاسم عن أبي عبد اللّه (علیه السلام) قال: إنّ أناساً من بني هاشم أتوا رسول اللّه (صلی الله علیه و آله و سلم) فسألوه أن يستعملهم على صدقات المواشي و قالوا يكون لنا هذا السّهم الّذي جعل اللّه عزّ و جلّ للعاملين عليها فنحن أولى به فقال رسول اللّه (صلی الله علیه و آله و سلم) يا بني عبد المطّلب إنّ الصّدقة لا تحلّ لي و لا لكم و لكنّي قد وعدت الشّفاعة إلى أن قال أ تروني مؤثراً عليكم غيركم.(2)

لكن مال صاحب الجواهر إلى أنّ المنساق من الروايات، زكاة المال و استدل على ذلك بما رواه زيد الشحام عن الصادق (علیه السلام): سألته عن الصدقة التي حرمت عليهم، فقال: هي الصدقة المفروضة المطهرة للمال، لكنه لم نعثر على ذلك بل الموجود في بعض الكتب كالوسائل: سألته عن الصدقة التي حرمت عليهم؟ فقال: هي الزكاة المفروضة و لم يحرم علينا صدقة بعضنا على بعض(3) و هو كما ترى خالية عن الجملة المقصودة و هي الصدقة المطهرة للمال.

و أما حلّية صدقة الهاشمي عليهم و على غيرهم فلما رواه أحمد بن محمّد بن أبي نصر عن الرّضا (علیه السلام) قال: سألته عن الصّدقة تحلّ لبني هاشم فقال لا و لكن صدقات بعضهم على بعض تحلّ لهم فقلت جعلت فداك إذا خرجت إلى مكّة كيف تصنع بهذه المياه المتّصلة بين مكّة و المدينة و عامّتها صدقةٌ قال سمّ فيها شيئاً قلت عين ابن بزيع و غيره قال و هذه لهم.(4)

و ما رواه الجعفري قال: كنا نمر و نحن صبيان فنشرب من ماء في المسجد من ماء

ص: 299


1- الوسائل، الباب 29 من أبواب المستحقّين للزكاة، الحدیث: 2
2- نفس المصدر، الحدیث: 1
3- نفس المصدر ، الحدیث: 4
4- نفس المصدر ، الحدیث: 8

الصدقة فدعانا جعفر بن محمد (علیه السلام) فقال: يا بني لا تشربوا من هذا الماء و اشربوا من مائي(1)

و أما أن المدار هو المعيل فلما ذكرنا أنه هو المخاطب بالاخراج عن العيال فلا يكون التكليف متوجهاً إليهم حتى يكون هو المدار في المطعى أو المعطى إليه، لكن نقل عن صاحب الحدائق بأن المدار هو العيال نظراً إلى اضافة الزكاة إليهم حيث قال: الذي يقرب عندي هو أن الاعتبار بالمعال لأنه هو الذي تضاف إليه الزكاة فيقال فطرة فلان و إن وجب اخراجها عنه علی غيره غيره لمكان العيلولة و اضيفت إليه أيضاً من هذه الجهة و إلّا فهي أولاً و بالذات إنما تضاف إلى المعال.

لكنّه مخدوش بأنه لم يرد نص خاص في المقام حتى يستفاد ذلك منه و إنما استفيد حكم ما نحن فيه من الروايات الواردة في زكاة المال و شمولها للمقام فلا عبرة بالاضافة المذكورة في كلامه و لذا اعترف (رحمه اللّه) بنفسه بقوله: و كيف كان فالمسئلة لخلوها عن النص الصريح من ما ينبغي أن لا يترك فيها الاحتياط.

ثم إنه لو قلنا بأن وجوب الزكاة على المعيل من باب الوجوب الكفائي و اشتغال ذمة المعيل و المعال بالاخراج فعند تخالف المعال و المعيل في الهاشمية لصدق أنها فطرة الهاشمي فلابد من ملاحظة التساوي فيهما و مع التخالف يقع التعارض و معه التساقط و يرجع إلى اطلاقات الجواز، لكن المبنى مشكلٌ و لو سلّم تشتغل ذمة كل من المعيل و المعال بالاخراج و عليه فكل منهما إذا بادر بالاخراج و تصدى للامتثال و أعطى ما يسقط به التكليف عن الآخر فيكون هو المدار و عليه الاعتبار.

ص: 300


1- الوسائل، الباب 31 من أبواب المستحقّين للزكاة، الحدیث: 2

«مسألة8: لا فرق في العيال بين أن يكون حاضراً عنده و في منزله أو منزل آخر أو غائباً عنه فلو كان له مملوك في بلد آخر لكنه ينفق على نفسه من مال المولى يجب عليه زكاته و كذا لو كانت له زوجة أو ولد كذلك كما أنه إذا سافر عن عياله و ترك عندهم ما ينفقون به على أنفسهم، يجب عليه زكاتهم، نعم لو كان الغائب في نفقة غيره لم يكن عليه سواء كان الغير موسراً و مودياً أو لا و إن كان الأحوط في الزوجة و المملوك إخراجه عنهما مع فقر العائل أو عدم أدائه و كذا لا تجب عليه إذا لم يكونوا في عياله و لا في عيال غيره و لكن الأحوط في المملوك و الزوجة ما ذكرنا من الإخراج عنهما حينئذٍ أيضاً» (1)

(1) و الوجه فيه اطلاق الأدلة الدالة على أن زكاة فطرة المعال على المعيل بلا فرق بين الحاضر عنده و الغائب عنه إذا لم يكن عيالاً له فلا تجب، فالحكم على مقتضى القاعدة الأولية مضافاً إلى النص الخاص الوارد فيه لاحظ ما رواه جميل بن دراج عن أبي عبدالله (علیه السلام) قال: لا بأس بأن يعطى الرجل عن عياله و هم غيب عنه و يأمرهم فيعطون عنه و هو غائب عنهم(1)

و أما الاحتياط الذي ذكره الماتن (رحمه اللّه) من أنّ الأحوط في الزوجة و المملوك اخراجه عنهما فلعل الوجه فيه احتمال موضوعية العنوان بالنسبة إليهما كما أن المنشأ للاحتياط الثاني أيضاً كذلك فلاحظ.

ص: 301


1- الوسائل، الباب 19 من أبواب زكاة الفطرة، الحدیث: 1

«مسألة9: الغائب عن عياله الذين في نفقته يجوز أن يخرج عنهم بل يجب»(1)

«إلّا إذا وكلهم أن يخرجوا من ماله الذي تركه عندهم أو أذن لهم في التبرع عنه» (2)

«مسألة10: المملوك المشترك بين مالكين، زكاته عليهما بالنسبة إذا كان في عيالهما معاً و كانا موسرين و مع إعسار أحدهما تسقط و تبقى حصة الآخر و مع إعسارهما تسقط عنهما و إن كان في عيال أحدهما وجبت عليه مع يساره و تسقط عنه و عن الآخر مع إعساره و إن كان الآخر موسراً، لكن الأحوط إخراج حصته و إن لم يكن في عيال واحد منهما سقطت عنهما أيضاً و لكن الأحوط الإخراج مع اليسار كما عرفت مراراً»(3)

(1) لما تقدم من أنهم عياله فتجب زكاتهم عليه.

(2) قد مر الكلام في التوكيل و التبرع مع الاشكال فيهما فراجع.

(3) أما إذا كان عيالاً لهما أو لأحدهما فتجب زكاة الفطرة عليهما أو على أحدهما بمقتضى القاعدة الأولية لأنه عيالهما أو أحدهما إذا كانا موسرين أو كان من هو عياله موسراً و مع عدم اليسر لا يجب على المعسر فإذا وجبت عليهما فقهراً تقسط عليهما بمقتضى الاطلاق من أن زكاة فطرة المعال، على المعيل لاحظ ما رواه عمر بن يزيد قال: سألت أبا عبد اللّه (علیه السلام) عن الرّجل يكون عنده الضّيف من إخوانه فيحضر يوم الفطر يؤدّي عنه الفطرة فقال نعم الفطرة واجبةٌ على كلّ من يعول من ذكر أو أنثى صغير أو

ص: 302

كبير حرّ أو مملوك.(1) فلا مجال لما أفاده سيدنا الاستاذ (رحمه اللّه) من عدم الاطلاق في البين بالنسبة إلى المعيل.

لكن يمكن تقريب عدم الوجوب بوجه آخر و هو أن المستفاد من بعض النصوص وجوب الفطرة عن كل انسان أو عن كل رأس لاحظ ما رواه الحلبيّ عن أبي عبد اللّه (علیه السلام) قال: صدقة الفطرة على كلّ رأس من أهلك الصّغير و الكبير و الحرّ و المملوك و الغنيّ و الفقير الحديث.(2)

و ما رواه عبدالله بن ميمون عن أبي عبدالله عن أبيه‘ قال: زكاة الفطرة صاع من تمر أو صاع من زبيب أو صاع من شعير أو صاع من اقط عن كل انسان حر أو عبد صغيراً أو كبيراً، الحديث(3) و من المعلوم عدم صدقه على نصف المملوك هذا العنوان.

و بتقريب آخر أن المستفاد من مجموع النصوص وجوب الفطر على المعيل بالنسبة إلى كل رأس أو كل انسان ممن يعول و هذا لا يصدق على الاشتراك، فما أفاده الماتن (رحمه اللّه) لا يخلو عن اشكال و إن كان أحوط.

و قد يستدل على عدم الوجوب بما رواه زرارة عن أبي عبدالله (علیه السلام) قال: قلت: عبد بين قوم عليهم فيه زكاة الفطرة؟ قال: إذا كان لكل انسان رأس فعليه أن يؤدي عنه فطرته و إذا كان عدة العبيد و عدة الموالي سواء و كانوا جميعاً فيهم سواء أدّوا زكاتهم لكل واحد منهم على قدر حصته و إن كان لكل انسان منهم أقل من رأس فلا شيء عليهم(4) لكن الرواية ضعيفة سنداً.

ص: 303


1- الوسائل، الباب 5 من أبواب زكاة الفطرة، الحدیث: 2
2- نفس المصدر، الحدیث: 10
3- نفس المصدر، الحدیث: 11
4- الوسائل، الباب 18 من نفس الأبواب، الحدیث: 1

«و لا فرق في كونها عليهما مع العيلولة لهما بين صورة المهاياة و غيرها و إن كان حصول وقت الوجوب في نوبة أحدهما فإن المناط العيلولة المشتركة بينهما بالفرض» (1)

«و لا يعتبر اتفاق جنس المخرج من الشريكين فلأحدهما إخراج نصف صاع من شعير و الآخر من حنطة، لكن الأولى بل الأحوط الاتفاق» (2)

(1) المراد بالمهاياة المقاسمة بين المالكين في الخدمة هذا و قد تقدم أن المراد هو صدق عنوان العيال حال الوجوب فلو كان العبد مشتركاً بين المالكين و كان بينهما على نحو المهاياة بحيث يعد فی مقدار من الزمان عيالاً لأحدهما و في مقدار آخر منه عيالاً للاخر و عليه فالعبد في هذه الصورة يكون عيالاً لمن يقع في نوبته فإذا صادفت نوبة أحد الشريكين وقت الوجوب فهو عياله خاصة في هذه الوقت و لا عبرة بعيلولته للشريك الآخر في الوقت الآخر فتجب الفطرة على من كان عيالاً له في ذلك الوقت.

(2) أما عدم اعتبار الاتفاق فلاطلاق النص، قد يقال أنّ المسئلة متين على جواز التلفيق مع اتحاد المعيل و عدمه فإذا لا يجوز في صورة الاتحاد، لم يجز في صورة الاشتراك و إلّا فيجوز.

لكن أفاد المحقق الخوئي (قدس سره ) بأنّ الملاك في الموردين مختلف إذ الملاك في صورة اتحاد المعيل عدم الدليل على كفاية التلفيق لا لقيام دليل عليه بالخصوص نظراً إلى أن مفاد الأدلة لزوم أداء صاع من حنطة أو شعير فلابد من صدق صاع واحد منها و الملفق ليس لشيء منهما، و أما في المقام فحيث أنّ كلا منهما مكلف بأداء نصف صاع لا صاع كامل من غير أن يكون منوطاً باخراج الآخر يكون التقييد بكون المدفوع من كل منهما متحداً في الجنس مع ما يدفعه الآخر بلا دليل فالمسئلتان ليستا من وادٍ واحد.

ص: 304

«مسألة11: إذا كان شخص في عيال اثنين بأن عالاه معاً فالحال كما مر في المملوك بين شريكين إلّا في مسألة الاحتياط المذكور فيه، نعم الاحتياط بالاتفاق في جنس المخرج جارٍ هنا أيضاً و ربما يقال بالسقوط عنهما و قد يقال بالوجوب عليهما كفاية و الأظهر ما ذكرنا» (1)

(1) الأقوال في المسئلة ثلاثة كما يظهر من المتن:

الاول: أما الوجوب عليهما على قدر حصة كل فرد فلاطلاق الدليل كما مر في المسئلة السابقة فمع يسارهما أو يسار أحدهما تجب زكاة فطرته على الموسر منهما لأنه عيالهما على الفرض و العبرة بالعيلولة كما تقدم مع ما فيه من الاشكال.

الثانی: و أما الوجه في القول بالسقوط فلأن ظاهر الأدلة هو العيلولة المختصة لكنه خلاف الاطلاق الوارد في المقام من أن الفطرة واجبة على كل من يعول و هذا العنوان صادق عليهما و لا دليل بالخصوص في المقام حتى يوجب تقييده كما تقدم فتأمل.

الثالث: و أما الوجه في كون الوجوب فلا دليل عليه بل مقتضى الاطلاق كونه وجوباً عينياً. و قد يوجه كما في المستمسك بأن عنوان المعيل ملحوظ بنحو الطبيعة السارية فيكون كل واحد موضوعاً للحكم و لأجل أن الفطرة واحدة لا تقبل التعدد يكون الوجوب كفائياً

و فيه: أن عنوان المعيل و إن أخذ كذلك لكن لا يجرى في المقام إذ كل من الشريكين ليس فرداً كاملاً لعنوان المعيل مستقلاً ليكون موضوعاً مستقلاً بالنسبة إلى الجميع بل كل منهما فرد للمعيل باعتبار كل جزء من الشخص فلا وجه لبيان المذكور.

لكنه (رحمه اللّه) بعد البيان المذكور أفاد أن الظاهر كونه أي المعيل ملحوظاً بنحو صرف الوجود كما هو مقتضى اطلاقه فينطبق على الفردين كما ينطبق على الفرد الواحد و مقتضاه التوزيع فيكون هنا اشتغال واحد لمجموع الذمم الذي لا يعقل فيه إلّا التوزيع هذا كله

ص: 305

«مسألة12: لا إشكال في وجوب فطرة الرضيع على أبيه إن كان هو المنفق على مرضعته سواء كانت اُمّاً له أو أجنبية و إن كان المنفق غيره فعليه و إن كانت النفقة من ماله فلا تجب على أحد و أمّا الجنين فلا فطرة له إلّا إذا تولد قبل الغروب، نعم يستحب إخراجها عنه إذا تولد بعده إلى ما قبل الزوال كما مر» (1)

على القول بوجوب زكاة الفطرة في المشترك، و أما على ما بيناه سابقاً فأصل الوجوب في المقام مورد للكلام و الاشكال.

و أما استثناء الاحتياط المذكور في المسألة السابقة فلا يجري في المقام لعدم الموضوع له، نعم الاحتياط الذي ذكر في اتفاق الجنس جارٍ في المقام و قد ذكر وجه ذلك فيما مر فراجع.

(1) أما وجوب الفطر على الأب إذا كان عيالاً له فمضافاً إلى الاجماع المدعى في المقام يدل عليه ما رواه معاوية بن عمار قال: سألت أبا عبد اللّه (علیه السلام) عن مولود ولد ليلة الفطر عليه فطرةٌ قال لا قد خرج الشّهر و سألته عن يهوديّ أسلم ليلة الفطر عليه فطرةٌ قال لا.(1) فإنه بمفهومه يدل على وجوبها إذا ولد قبل الغروب.

أضف إلى ذلك اطلاقات الأدلة من قوله (علیه السلام) في رواية عمر بن يزيد «الفطرة واجبة على كل من يعول من ذكر أو انثى صغيراً أو كبيرا»ً ((2)

و إن لم يكن عيالاً لأحد لكونه ذامال فلا فطرة عنه لا على الأب لعدم كونه عياله و لا على نفسه لعدم البلوغ و أما إذا كان عيالاً لأحد فإن كان مستقلاً في الارضاع كما إذا ارتضع من الحليب الجاف فعلى وليه المنفق عليه زكاته لأنه عياله، و أما إذا ارتضع

ص: 306


1- الوسائل، الباب 11 من أبواب زكاة الفطرة، الحدیث: 2
2- الوسائل، الباب 5 من أبواب زكاة الفطرة، الحدیث: 2([2])

«مسألة13: الظاهر عدم اشتراط كون الانفاق من المال الحلال فلو أنفق على عياله من المال الحرام من غصب أو نحوه وجب عليه زكاتهم» (1)

«مسألة14: الظاهر عدم اشتراط صرف عين ما أنفقه أو قيمته بعد صدق العيلولة فلو أعطى زوجته نفقتها و صرفت غيرها في مصارفها وجب عليه زكاتها و كذا في غيرها» (2)

فهو تابع لمرتضعه، فإن كان المنفق عليها الأب فعليه زكاته و إن كان غيره فعلى غير الأب زكاته و إن لم يكن عيالاً لأحد فلا زكاة على الطفل لعدم بلوغه، و أما استحبابها على أبيه إذا تولد بعد الغروب فقد تقدم بأنه مستفاد من مرسلة الشيخ (رحمه اللّه) قال الشيخ و قد روي أنّه إن ولد قبل الزّوال تخرج عنه الفطرة و كذلك من أسلم قبل الزّوال.((1) لكنه مشكلٌ كما تقدم لارسال دليله فلاحظ.

(1) و الوجه فيه اطلاق الأدلة فإن مقتضاه كون المدار في الوجوب صدق العيلولة فمتى صدق ذلك العنوان وجبت زكاة الفطرة و أما ما قيل -بأن الانفاق باعتبار كونه انفاقاً من مال الغير فلا يكون المنفق مالكاً للمال فلا يكون مصداقاً لقوله (علیه السلام): «من يعول» فلا تجب فطرته عليه- باطلٌ فإن الانفاق من مال الغير موجب لضمان مال الغير و باعتبار كونه ضامناً له و ثابتاً على عهدته يوجب صدق العنوان المذكور لا محالة كما هو ظاهر والله العالم.

(2) لإطلاق الأدلة بتقريب أن المنفق لا يشترط على المنفق عليه صرف عين ما يدفعه إليه و إنما يدفع ذلك لينفق عينه أو قيمته فإن غرضه إنما هو إعاشة المنفق عليه و لا خصوصية لعين المال المدفوع إليه و لذا لو دفع إليه ديناراً مثلاً فأبدله بالدراهم عند

ص: 307


1- الوسائل، الباب 11 من أبواب زكاة الفطرة، الحدیث: 3([1])

«مسألة15: لو ملك شخصاً مالاً هبة أو صلحاً أو هدية و هو أنفقه على نفسه لا يجب عليه زكاته لأنه لا يصير عيالاً له بمجرد ذلك، نعم لو كان من عياله عرفاً و وهبه مثلاً لينفقه على نفسه فالظاهر الوجوب»(1)

الصراف و صرف الدراهم أ فهل يكون هذا موجباً لعدم صدق المنفق على معطى الدينار، كلّا ثم كلّا.

(1) لعدم صدق العيلولة بمجرد الهبة و التمليك و إن كان ما وهبه بمقدار مؤنته، نعم لو فرض كونه عيالاً له خارجاً، لكن يهبه مالا ليصرف في معاشه فالظاهر الوجوب لأنه یعطی عائلته مثلاً مقداراً من المال في يوم للصرف في مؤنته و هذا لا ينافي صدق العيلولة إذ تكفل المعاش تارة يكون بصرف نفس الطعام و اخرى قيمته بعنوان الوكالة و ثالثة بعنوان الهبة و الهدية ليشتروا بها لأنفسهم بمالهم فلا فرق في مناشيء صدق العيال و تكفله.

ص: 308

«مسألة:16: لو استأجر شخصاً و اشترط في ضمن العقد أن يكون نفقته عليه لا يبعد وجوب إخراج فطرته» (1)

«نعم لو اشترط عليه مقدار نفقته فيعطيه دراهم مثلاً ينفق بها على نفسه لم تجب عليه» (2) «و المناط الصدق العرفي في عدّه من عياله و عدمه»(3)

(1) بحيث يصدق عليه أنه في كفالته و رعايته كما في خدمة البيوت و خادمتها المعدودين من عائلته.

(2) لعدم صدق العيلولة بمجرد الانفاق فإنه في الحقيقة ملحق بالاجرة و إن كان بصورة الشرط.

(3) كما ورد في النص من أن الفطرة واجبة على كل من يعول فلاحظ.

قد انتهى في 29 ربيع الثاني 1431

سیدحسن نبوی

ص: 309

ص: 310

فهرس المحتويات

«فصل في أصناف المستحقين للزكاة»......... 1

«الأول و الثاني: الفقير و المسكين».......... 6

«الثالث: العاملون عليها».......... 46

«الرابع: المؤلفة قلوبهم».......... 55

«الخامس: الرقاب و هم ثلاثة أصناف».......... 58

«السادس: الغارمون».......... 62

«السابع: سبيل الله».......... 83

«الثامن: ابن السبيل».......... 87

«فصل: في أوصاف المستحقين».......... 99

«فصل: في بقية أحكام الزكاة».......... 146

«فصل: في وقت اخراج الزكاة».......... 180

«فصل: في أن الزكاة من العبادات».......... 194

«فصل: في زكاة الفطرة».......... 264

«فصل: في شرائط وجوبها».......... 266

«فصل: فيمن تجب عنه».......... 285

ص: 311

تعريف مرکز

بسم الله الرحمن الرحیم
جَاهِدُواْ بِأَمْوَالِكُمْ وَأَنفُسِكُمْ فِي سَبِيلِ اللّهِ ذَلِكُمْ خَيْرٌ لَّكُمْ إِن كُنتُمْ تَعْلَمُونَ
(التوبه : 41)
منذ عدة سنوات حتى الآن ، يقوم مركز القائمية لأبحاث الكمبيوتر بإنتاج برامج الهاتف المحمول والمكتبات الرقمية وتقديمها مجانًا. يحظى هذا المركز بشعبية كبيرة ويدعمه الهدايا والنذور والأوقاف وتخصيص النصيب المبارك للإمام علیه السلام. لمزيد من الخدمة ، يمكنك أيضًا الانضمام إلى الأشخاص الخيريين في المركز أينما كنت.
هل تعلم أن ليس كل مال يستحق أن ينفق على طريق أهل البيت عليهم السلام؟
ولن ينال كل شخص هذا النجاح؟
تهانينا لكم.
رقم البطاقة :
6104-3388-0008-7732
رقم حساب بنك ميلات:
9586839652
رقم حساب شيبا:
IR390120020000009586839652
المسمى: (معهد الغيمية لبحوث الحاسوب).
قم بإيداع مبالغ الهدية الخاصة بك.

عنوان المکتب المرکزي :
أصفهان، شارع عبد الرزاق، سوق حاج محمد جعفر آباده ای، زقاق الشهید محمد حسن التوکلی، الرقم 129، الطبقة الأولی.

عنوان الموقع : : www.ghbook.ir
البرید الالکتروني : Info@ghbook.ir
هاتف المکتب المرکزي 03134490125
هاتف المکتب في طهران 88318722 ـ 021
قسم البیع 09132000109شؤون المستخدمین 09132000109.