كتاب الزكاة المجلد 1

هوية الكتاب

كتاب الزكاة الجزء الاول

المؤلف: آیة الله الحاج السید حسن النبوی الچاشمی (رحمه اللّه)

تحقیق: السیدمحمد رضا و السید محمدحسین النبوی الچاشمی

منشورات : نورالحیات

الطبعة الاولی : 1444 ه. ق- 1402 ه.ش

تنضید الحروف: امید كاظمی

محرر الرقمي:محمد المنصوري

ردمك: 2-58-5985-622-978

ص: 1

اشارة

بِسْمِ اللَّهِ الرَّحْمَنِ الرَّحِيمِ

كتاب الزكاة الجزء الاول

المؤلف: آیة الله الحاج السید حسن النبوی الچاشمی (رحمه اللّه)

تحقیق: السیدمحمد رضا و السید محمدحسین النبوی الچاشمی

منشورات : نورالحیات

الطبعة الاولی : 1444 ه. ق- 1402 ه.ش

تنضید الحروف: امید كاظمی

محرر الرقمي:محمد المنصوري

ردمك: 2-58-5985-622-978

ص: 2

كتاب الزكاة

(المجلد الأول)

تأليف:

آیة الله الحاج السید حسن النبوی الچاشمی (رحمه اللّه)

ص: 3

ص: 4

بسم الله الرحمن الرحیم

الحمدلله رب العالمين والصلاة والسلام على محمد وآله الطاهرين ولعنة الله على أعدائهم أجمعين إلى يوم الدين.

«كتاب الزكاة»

«التي وجوبها من ضروريات الدين و منكره مع العلم به كافر بل في جملة من الأخبار أن مانع الزكاة كافر» (1)

(1) أقول: البحث في المقام يقع في جهات:

الجهة الاولى: في وجوبها و الظاهر أنه لا خلاف فيه بين الفريقين و أنه من المسلمات بين المسلمين و استدل على ذلك بعد الإجماع و التسالم بالكتاب و السنة.

أما الكتاب فقوله تعالى: {و أقيمُوا الصلاة و آتوا الزكاة و اركعوا مع الراكعين}(1) و قوله تعالى: {وأقيمُوا الصلاة و آتوا الزكاة و ما تقدموا لأنفسكم من خير تجدوه عند الله إن الله بما تعملون بصير}(2) و قوله تعالى: {إنما الصدقات للفقراء و المساكين و العاملين عليها و المؤلفة قلوبهم و في الرقاب و الغارمين و في سبيل الله و ابن السبيل فريضة من الله و الله عليم حكيم}(3) و قوله تعالى: {...ويل للمشركين الذين لا يؤتون الزكاة و هم بالآخرة هم كافرون}(4) حيث وصف المشركين بأنهم لا يؤتون الزكاة و ثبت عليهم الويل و من المعلوم أن ثبوت العذاب يدل على الوجوب، و غيرها من الآيات.

و أما السنة فكثيرة، فمنها: ما رواه عبدالله بن سنان قال: قال أبوعبدالله (علیه السلام): نزلت آية الزكاة {خذ من أموالهم صدقة تطهرهم و تزكيهم بها} في شهر رمضان، فأمر

ص: 5


1- البقرة / 43
2- البقرة / 110
3- التوبة / 60
4- فصلّت / 6 و 7

رسول الله (صلی الله علیه و آله و سلم) مناديه فنادى في الناس: ان الله تبارك و تعالى قد فرض عليكم الزكاة كما فرض عليكم الصلاة، إلى أن قال: ثم لم يعرض لشيء من أموالهم حتى حال عليهم الحول من قابل فصاموا و أفطروا فأمر مناديه فنادى في المسلمين: أيها المسلمون زكوا أموالكم تقبل صلواتكم قال: ثم وجه عمال الصدقة و عمال الطسوق.(1)

و منها: ما رواه رفاعة بن موسى: أنه سمع أباعبدالله (علیه السلام) يقول: ما فرض الله على هذه الامة شيئاً أشد عليهم من الزكاة و فيها تهلك عامتهم.(2)

و منها: ما رواه زرارة و محمد بن مسلم عن أبي عبدالله (علیه السلام) في حديث قال: إن الله عزوجل فرض للفقراء في مال الأغنياء ما يسعهم و لو علم أن ذلك لا يسعهم لزادهم انهم لم يؤتوا من قبل فريضة الله عزوجل و لكن اوتوا من منع من منهم حقهم لا مما فرض الله لهم و لو أن الناس أدوا حقوقهم لكانوا عائشين بخير.(3)

و منها: ما رواه عبدالله بن سنان عن أبي عبدالله (علیه السلام) قال: إن الله عزوجل فرض الزكاة كما فرض الصلاة فلو أن رجلا حمل الزكاة فأعطاها علانية لم يكن عليه في ذلك عيب و ذلك أن الله عزوجل فرض للفقراء في أموال الأغنياء ما يكتفون به و لو علم أن الذي فرض لهم لا يكفيهم لزادهم و انما يؤتى الفقراء فيما اوتوا من منع من منعهم حقوقهم لا من الفريضة.(4)

و منها: ما رواه فضلاء عن أبي جعفر و أبي عبدالله‘ قالا: فرض الله الزكاة مع الصلاة.(5)

ص: 6


1- الوسائل، الباب 1 من أبواب ما تجب فيه الزّكاة، الحدیث: 1
2- الوسائل، الباب 3 من تلك الأبواب، الحدیث: 18
3- الوسائل، الباب 1 من تلك الأبواب، الحدیث: 2
4- نفس المصدر، الحدیث: 3
5- نفس المصدر، الحدیث: 8

و منها: ما رواه سماعة عن أبي عبدالله (علیه السلام) قال: إن الله عزوجل فرض للفقراء في أموال الأغنياء فريضة لا يحمدون إلا بأدائها و هي الزكاة(1) و غيرها من الروايات الواردة في الأبواب المختلفة فراجع فأصل الوجوب لا كلام فيه.

الجهة الثانية: أن وجوبها من الضرويات و أن منكره كافر، أما كونه من الضروريات فلا إشكال فيه لوضوح وجوبها عند المسلمين بل ادعی التسالم بین الفقهاء و عند عامة المسلمین علی اختلاف مذاهبهم كما فی المرتقی، و فی المستند: هی من ضروریات الدین الموجب لاندراج منكره فی سلك الكافرین فيكون منكره كافراً لرجوع انكاره إلى انكار النبى (صلی الله علیه و آله و سلم) لكن قيّد المصنف بقوله: «مع العلم به» إذ مع عدمه لا يرجع إلى ما ذكر.

لكن لابد من البحث في أن المدار في الضروري ما هو حتى يتبين وجه الاشتراط فإن كان المراد به كون الحكم معلوماً عند جميع المسلمين بحيث ما من مسلم إلّا يعلم به فلا دخل لعنوان الضروري في إرجاع كونه موجباً لكفر منكره بل لا ينفك عن العلم فلا تعدد حتى يشترط بالعلم و إن كان المراد كونه ضرورياً عند عامة المسلمين و إن لم يعلم به بعض المسلمين فلا دليل على كون الضروري بما هو موجب للكفر لو فرض عدم علم المنكر به.

فالتحقيق: أن الانكار انما يوجب الكفر إذا كان الحكم معلوماً عند المنكر سواء كان الحكم من الضروري أم لا؟ لأمرين:

الأول: أن الانكار و الجحود مع العلم بكونه صدر عن النبي (صلی الله علیه و آله و سلم) موجب لانكار النبى (صلی الله علیه و آله و سلم) فالمدار هو العلم لا كونه ضرورياً.

الثاني: ما رواه داود بن كثير الرقي قال: قلت لأبي عبدالله (علیه السلام): سنن رسول الله (صلی الله علیه و آله و سلم)كفرائض الله عزوجل؟ فقال: إن الله عزوجل فرض فرائض موجبات على العباد فمن

ص: 7


1- الوسائل، الباب 1 من أبواب ما تجب فيه الزّكاة، الحدیث: 10

ترك فريضة من الموجبات فلم يعمل بها و جحدها كان كافراً و أمر رسول الله (صلی الله علیه و آله و سلم) بامور كلها حسنة فليس من ترك بعض ما أمر الله عزوجل به عباده من الطاعة بكافر و لكنه تارك للفضل منقوص من الخير.(1) حيث قال (علیه السلام): «فمن ترك فريضة من الموجبات فلم يعمل بها و جحدها كان كافراً».

و ما رواه على بن جعفر عن أخيه موسى (علیه السلام) قال: إن الله عزوجل فرض الحج على أهل الجدة في كل عام و ذلك قوله عزوجل: {و لله على الناس حج البيت من استطاع إليه سبيلا و من كفر فإن الله غني عن العالمين} قال قلت: فمن لم يحج منا فقد كفر؟ قال: لا و لكن من قال ليس هذا هكذا فقد كفر.(2) حيث قال (علیه السلام): «من قال ليس هذا هكذا فقد كفر».

لكن أورد سيدنا الاستاد القمی دام ظله في الاستدلال بالحديث الأول أن مقتضى اطلاقه كون الانكار موجباً للكفر و إن لم يكن ضرورياً بل و إن كان عن شبهة فإن الإطلاق رفض القيود و يقتضي سريان الحكم أينما يسري الموضوع و لكن هل يمكن الالتزام بمفاد الحديث.

و حاصله: الاستغراب و عدم الامكان بالالتزام باطلاق الحديث و أما بالنسبة إلى الحديث الثاني أن الظاهر منه انكار وجوب الحج بالنحو الذي ذكر في الحديث، أي انكار وجوبه في كل عام لأهل الجده، يوجب الكفر لكن لا يمكن العمل بهذه الرواية فإنها خلاف الضرورة.

أقول: أما الأول فاطلاقه و إن كان كما ذكر و أنه لا يمكن الإلتزام به لكن كون الانكارإن لم يكن لشبهة بل لجحود يوجب الكفر فلا اشكال فيه فغاية الأمر نرفع اليد عن اطلاق الحديث و أما أصل الدلالة فلا اشكال فيه، إلا أن يقال أنه يصير مجملاً فتأمل.

ص: 8


1- الوسائل، الباب 2 من أبواب مقدّمات العبادات، الحدیث: 2
2- الوسائل، الباب 2 من أبواب وجوب الحجّ، الحدیث: 1

و أما الثاني فنقول إن اطلاق الدليل لا خدشة فيه إنما الإشكال في تطبيق القاعدة على المورد فيمكن أن یحمل علی أمرٍ تقيةً أو أمثال ذلك أو ترّد علمه في التطبيق إلى أهله، أما أصل الكبرى فلا يكون التسالم على خلافه حتى نرفع اليد عنه إلا أن يقال بأن الظاهر من الرواية انكار وجوب خاص لم يكن واجباً بالضرورة، فتأمل.

ثم إن مقتضى التحقيق أن يقال: إن الروايات الواردة في المقام على طوائف:

الاولى: ما دل على ما هو المدار في الإرتداد و عدمه و بعبارة اخرى على المناط في الإسلام الذي به حقن الدماء و الأموال و عدمه و هو ما رواه عبيد بن زرارة عن أبي عبدالله (علیه السلام) قال: قال رسول الله (صلی الله علیه و آله و سلم): أيها الناس إني امرت أن اقاتلكم حتى تشهدوا أن لا إله إلا الله و أ ني محمد رسول الله (صلی الله علیه و آله و سلم) فإذا فعلتم ذلك حقنتم بها أموالكم و دماءكم إلا بحقها و كان حسابكم على الله.(1)

الثانية: ما دل على أن موضوع الحكم بالكفر ما قال للنواة إنها حصاة أو للحصاة نواة ثم دان به و هو ما رواه بريد العجلي عن أبي جعفر (علیه السلام) قال: سألته عن أدنى ما يكون العبد به مشركا، قال: فقال: من قال للنواة أنها حصاة و للحصاة أنها نواة ثم دان به.(2) لكن في السند محمد بن عيسى و الظاهر أنه يقطيني و هو محل الكلام و الإشكال لكن الأقوى اعتباره، إذ الإستثناء في كلام الشيخ ظاهر في التعليل فلا يكون موجباً للتضعيف.

الثالثة: ما دل على أن الموضوع في الكل هو الجحد بالفريضة و هو ما رواه أبوالصباحالكناني عن أبي جعفر (علیه السلام) قال قيل لأميرالمؤمنين (علیه السلام): من شهد أن لا إله إلا الله و أن محمداً رسول الله (صلی الله علیه و آله و سلم) كان مؤمناً قال: فأين فرائض الله؟ إلى أن قال: ثم قال: فما بال

ص: 9


1- البحار، ج 68، ص 383 و ج 65، ص 282
2- الكافي، ج 2، ص 291 و ص 398

من جحد الفرائض كان كافراً.(1) لكن في السند محمد بن الفضيل و هو غير معلوم الوثاقة، نعم إذا كان المراد محمد بن القاسم بن الفضيل فهو ثقة لكنه حدس.

الرابعة: ما دل على أن مرتكب الكبائر كافر مع زعمه أنه حلال و هذه الطائفة قد يدعى أنها باطلاقها تدل على أن الجاحد للوجوب كافر، سواء كان هذا الحكم ضروريا أم لا؟

لكن أجاب عنها المحقق الخوئي (قدس سره ) بأن الكفر في المقام هو الكفر في مقابل الإطاعة و ليس في مقابل الإسلام.

لكن الحق أن يقال في مقام الجواب: أن هذه الطائفة من الروايات ظاهرة في من اقيم على اتيان الكبائر حتى مات فيكون من قبيل من ترك الحج حتى مات يكون موته يهودياً أو نصرانياً فيعامل معه معاملة الكافر في القيامة و يعذبهم عذاب الكفار لا أن هذا موجب لارتداده فهو خارج عن الكلام، فالطائفة الاولى التي تكون بمنزلة الكبرى باقية على حالها.

نعم یقيد بالإقرار بالمعاد بمقتضى الآيات و الضرورة و بالإقرار بالولاية، على التحقيق. فإنكار الضروري بما هو لا يوجب الإرتداد كما في كلام صاحب مفتاح الكرامة و إن نسبه إلى ظاهر الأصحاب، فإنكار الضروري إنما يوجب الكفر و الإرتداد إذا كان راجعاً إلى إنكار الرسالة و أما الروايات الواردة في الحج من انه (علیه السلام) قال: من قال هذا ليس هكذا فهو كافر بمعنى أنه جحد هذا الوجوب الخاص ای وجوب الحج لأهل الجدة في كل عام و هذا أمر خلاف المتسالم عليه كما في بعض الكلمات و بما ذكرنا يظهرالإشكال في كلام سيدنا الاستاد دام ظله في المباني فراجع.

الجهة الثالثة: أنه أفاد سيد الماتن (رحمه اللّه) أن في بعض الأخبار مانع الزكاة كافر، لاحظ ما

ص: 10


1- الوسائل، الباب 2 من أبواب مقدّمات العبادات، الحدیث: 13

رواه أبوبصير عن أبي عبدالله (علیه السلام) قال: من منع قيراطاً من الزكاة فليس بمؤمن و لا مسلم و هو قول الله عزوجل: {رب ارجعون لعلي أعمل صالحاً فيما تركت}.(1)

و ما رواه أيضاً عن أبي عبدالله (علیه السلام) قال: من منع قيراطاً من الزكاة فليمت إن شاء يهودياً أو نصرانياً.(2)

و ما رواه عن الصادق (علیه السلام) عن آبائه: في وصية النبى (صلی الله علیه و آله و سلم) لعلي (علیه السلام) قال: يا علي! كفر بالله العظيم من هذه الامة عشرة و عد منهم مانع الزكاة، ثم قال: يا على! ثمانية لا يقبل الله منهم الصلاة و عد منهم مانع الزكاة، ثم قال: يا على! من منع قيراطاً من زكاة ماله فليس بمؤمن و لا مسلم و لا كرامة، يا على! تارك الزكاة يسأل الله الرجعة إلى الدنيا و ذلك قوله عزوجل: {حتى إذا جاء أحدهم الموت قال رب ارجعون} الآية.(3)

أجاب عنها المحقق الخوئي (قدس سره ): بأن المراد بالكفر ليس هو المقابل للإسلام الظاهر، الموضوع لبعض الأحكام بل المراد به ما يقابل الايمان و الإسلام الكامل أو يراد أنه يؤدي إلى الكفر و لو حال الموت كما في تارك الحج.

أقول: الحمل على ما يقابل الإسلام الكامل و أوله إلى الكفر خلاف الظاهر من الروايات فالظاهر محكّم لولا التسالم على خلافه و قد يستدل على كفر مانع الزكاة بما رواه أبوبصير(4)

و ما رواه سماعة بن مهران عن أبي عبدالله (علیه السلام) قال: إن الله عزوجل فرض للفقراء فيأموال الأغنياء فريضة لا يحمدون إلا بأدائها و هي الزكاة بها حقنوا دماءهم و بها سموا مسلمين، الحديث.(5)

ص: 11


1- الوسائل، الباب 4 من أبواب ما تجب فيه الزّكاة، الحدیث: 3
2- نفس المصدر، الحدیث: 5
3- نفس المصدر، الحدیث: 7
4- نفس المصدر، الحدیث: 3
5- الوسائل، الباب 4 من أبواب ما تجب فيه الزّكاة، الحدیث: 2

و ما رواه حماًد بن عمرو و أنس بن محمد عن أبيه(1) المدار في الكفر و الايمان هو الجحد و الإنكار و الإقرار و التسليم كما في رواية محمد بن مسلم قال: سمعت أباجعفر (علیه السلام) يقول: كل شيء يجره الإقرار و التسليم فهو الايمان و كل شيء يجره الإنكار و الجحود فهو الكفر.(2)

بل ادعي التسالم بين الفقهاء و عند عامة المسلمين على اختلاف مذاهبهم كما في المرتقى، و في المستند هي من ضروريات الدين الموجب لاندراج منكره في سلك الكافرين.

ثم إنه هل يجب في المال حق سوى الزكاة و الخمس أم لا؟ عن المشهور الثاني و نقل عن الشيخ (رحمه اللّه) في الخلاف الأول حيث قال على ما نقل عنه: يجب في المال حق سوى الزكاة المفروضة و هو ما يخرج يوم الحصاد من الضغث و الحفنة بعد الحفنة يوم الجذاذ.

و احتمله السيد (رحمه اللّه) في الإنتصار على ما قيل، و استدل الشيخ بالإجماع أى إجماع الفرقة و الأخبار(3) و الآية الشريفة(4)

أجيب عن الإجماع بالمنع بل خلافه مظنة الإجماع كما في كلام المحقق الهمداني (رحمه اللّه) و لذا حمل بعض، كلامه على أن الوجوب في كلامه غير الوجوب المصطلح و لذا حكي عن تهذيبه بأن الوجوب على ضربين ضرب على تركه العقاب و اللؤم و ضرب على تركه العقاب.(5)

ص: 12


1- نفس المصدر، الحدیث: 7
2- الكافي، باب الكفر، ح 15
3- الوسائل، الباب 13 من أبواب زكاة الغلّات.
4- الأنعام / 141
5- التّهذيب، ج 2، ص 41 ذيل ح 122

«و يشترط في وجوبها امور:»

«الأول: البلوغ»

«فلا تجب على غير البالغ في تمام الحول فيما يعتبر فيه الحول و لا على من كان غير بالغ في بعضه»(1)

(1) قبل الورود في المقام لابد من بيان أمر و هو أن الوجوب في المقام هل هو وجوب تكليفي فقط أو وضعى فقط أو الأعم؟ الظاهر من مجموع الروايات هو الأعم منهما، أما جهة الوضعية فقط، فيستفاد من جملة من النصوص لاحظ ما رواه زرارة و محمد بن مسلم(1) و ما رواه عبدالله بن سنان(2)

و ما رواه سماعة عن أبي عبدالله (علیه السلام) قال: إن الله عزوجل فرض للفقراء في أموال الأغنياء فريضة لا يحمدون إلا بأدائها و هي الزكاة، الحديث.(3) و ما رواه ابن مسكان عن أبي عبدالله (علیه السلام) قال: إن الله عزوجل جعل للفقراء في أموال الأغنياء ما يكفيهم و لولا ذلك لزادهم و إنما يؤتون من منع من منعهم.(4)

و أما من جهة التكليف فقط، فالآيات الواردة في وجوب أداء الزكاة: {و آتوا الزكاة} و الروايات الواردة في المقام منها ما رواه ابن سنان(5) و ما رواه الفضلاء عن معتب مولى الصادق (علیه السلام) قال: قال الصادق (علیه السلام): إنما وضعت الزكاة اختباراً للأغنياء و معونةللفقراء و لو أن الناس أدوا زكاة أموالهم ما بقى مسلم فقيراً محتاجاً و لاستغنى بما فرض الله له و أن الناس ما افتقروا و لا احتاجوا و لا جاعوا و لا عروا إلا بذنوب الأغنياء و

ص: 13


1- الوسائل، الباب 1 من أبواب ما تجب فيه الزّكاة، الحدیث: 2
2- نفس المصدر، الحدیث: 3
3- نفس المصدر، الحدیث: 10
4- نفس المصدر، الحدیث: 9
5- نفس المصدر، الحدیث: 3

حقيق على الله تبارك و تعالى أن يمنع رحمته من منع حق الله في ماله و اقسم بالذي خلق الخلق و بسط الرزق أنه ما ضاع مال في بر و لا بحر إلا بترك الزكاة و ما صِيدَ صَيدٌ في بر و لا بحر إلا بتركه التسبيح في ذلك اليوم و إن أحب الناس إلى الله تعالى أسخاهم كفاً و أسخى الناس من أدى زكاة ماله و لم يبخل على المؤمنين بما افترض الله لهم في ماله.(1) فإن الظاهر منها كون الشخص مخاطباً بالأداء و أنه لو لم يؤد يكون معاقباً، مضافاً إلى اشتراط القربة في الزكاة و هذا مشعر بأن الشخص مكلف بالأداء مع ثبوت هذا الحق في أمواله، فما أفاده سيدنا الاستاد (رحمه اللّه) في المرتقى من الإختصاص بالحكم الوضعى لا نعرف له وجهاً.

الشرط الأول: البلوغ، فلا تجب على غير البالغ: و البحث في هذا الشرط يقع في موردين: الأول: بالنسبة إلى زكاة النقدين، و الثاني: في غيرهما من المواشي و الغلات.

أما المورد الأول: فالظاهر أنه لا خلاف فيه كما في الحدائق و الشرايع بل في مصباح الفقيه نقل الإجماع مستفيضاً بل متواتراً و استدل على ذلك بامور:

الأول: حديث الرفع فإنه بإطلاقه يشمل الأحكام التكليفية و الوضعية فكل ما يوجب الوقوع الكلفة من تكليف أم وضع، مرفوع و لا ريب أن الزكاة نقص في المال و موجب لوقوع صاحبه في الكلفة فهو مرفوع عن الصبي بمقتضى إطلاق الحديث.

الثاني: أن أدلة وجوب الزكاة وضعاً قاصرة عن الشمول بالنسبة إلى الصبى إذ الآيات الدالة على الزكاة كلها متعرضة للحكم التكليفى فقط و المفروض أن حديث الرفع أي رفع القلم عن الصبي موجب لاختصاص هذا التكليف بالبالغين كسائر التكاليف و أماالروايات و إن دلت على الوضع حسب اختلاف الموارد إلا أنها ليست إلا في مقام بيان تعيين المقدار بعد الفراغ عن أصل ثبوت الزكاة بشرائطها و ليست متعرضة لمورد الثبوت و من يتعلق به الزكاة فلا إطلاق حتى يتمسك به، فهي بنفسها قاصرة الشمول

ص: 14


1- الوسائل، الباب 1 من أبواب ما تجب فيه الزّكاة، الحدیث: 6

بالنسبة إلى الصبي فلا محكوم حتى تصل النوبة إلى الحاكم أي حديث الرفع.

الثالث: الروايات الخاصة الواردة في المقام لاحظ ما رواه أبوبصير قال: سمعت أباعبدالله (علیه السلام) يقول: ليس على مال اليتيم زكاة و إن بلغ اليتيم فليس عليه لما مضى زكاة و لا عليه فيما بقى حتى يدرك فإذا أدرك فإنما عليه زكاة واحدة ثم كان عليه مثل ما على غيره من الناس(1) و غيره المذكور في الباب(2) و هذه الروايات دالة على المقصود.

أقول: أما ما ذكره من الروايات الدالة على المرام فلا ريب فيه و أما جريان حديث الرفع فالتحقيق أن يقال: إن حديث رفع القلم عن الصبي ناظر إلى مورد ليس ما نحن فيه منه إذ الموضوع في الحديث أفعال الصبي بما هو صبي بحيث لو صدر هذا الفعل عن البالغ يترتب عليه الأثر وضعاً أو تكليفاً أو كلاهما و أما إذا كان الموضوع أمراً آخراً لا يرتبط بفعل الصبي بما هو فلا موضوع لجريان حديث الرفع، و الموضوع فيما نحن فيه المال الذي بلغ حد النصاب فعلى مالكه الزكاة و ما نحن فيه كالملاقاة بالنسبة إلى النجاسة فإن الموضوع للنجاسة الملاقاة لا فعل الصبي حتى يقال بأنها مرفوعة بحديث رفع القلم و لذا نرى أن الفقهاء (رحمه اللّه) لم يلتزموا بذلك فكما أن الصباوة لا دخل لها بالنسبة إلى النجاسة كذلك ما نحن فيه.

و بعبارة واضحة: أن مضمون قوله (علیه السلام) رفع القلم عن الصبي حتى يحتلم أو قريب من قوله (علیه السلام)، بحسب التناسب بين الحكم و الموضوع أنّ ما يمتاز به الصبى عن غيره إنما هوفي أفعاله فمقتضى ذلك اختصاصه بالالزام المتعلق بالفعل أو المترتب على الفعل ترتب الحكم على موضوعه و نعم ما أفاده المحقق الهمداني (رحمه اللّه) حيث قال: - بعد نقل الاستدلال بالحديث – و فيه أنّ المقصود بالوجوب هاهنا ليس الوجوب التكليفى المعلوم اشتراط البلوغ بل الوجوب الناشي من سببية بلوغ المال للنصاب لتعلق الزكاة به

ص: 15


1- الوسائل، الباب 1 من أبواب من تجب عليه الزّكاة، الحدیث: 3
2- نفس الباب

التي لا ربط بها بفعل الصبى، انتهى موضع الحاجة.

فلا وجه للتمسك بالحديث بالنسبة إلى ما نحن بصدده هذا كله بالنسبة إلى المال الصامت.

أما المورد الثاني أي الغلات و المواشي، فقد نسب إلى الشيخين و جماعة ثبوت الزكاة في مال الصبي بل عن سيد المرتضى (رحمه اللّه) في الناصريات ادعاء الاجماع عليه و استدل بعد الاجماع برواية زرارة و محمد بن مسلم أنهما قالا: ليس على مال اليتيم في الدين و المال الصامت شيء، فأما الغلات فعليهما الصدقة واجبة(1)، بدعوى أن الرواية و إن وردت في الغلات فقط، لكن يلحق بها المواشي بالاجماع المركب و عدم القول بالفصل أو أنّ المقابلة بين الصامت و غيره موجب لظهور الرواية في الجامع فيكون ذكر الغلات من باب المثال فلا خصوصية لها فيعم المواشي.

و فيه: أنّ حال الاجماع في الاشكال واضح مع وهنه بذهاب جملة من المتأخرين و بعض الأعاظم من القدماء إلى عدم وجوب الزكاة على الصبي مطلقاً و أما الرواية فالحاق المواشي بالغلات بعدم القول بالفصل أيضاً كذلك لأن غايته الاجماع، ففيه ما فيه فضلاً عن الملحق به مضافاً أي معارضته لرواية أي رواية زرارة برواية أبي بصير عن أبي عبدالله (علیه السلام) أنه سمعه يقول ليس في مال اليتيم زكاة و ليس عليه صلاة و ليس على جميع غلاته من نخل أو زرع أو غلة زكاة و إن بلغ اليتيم فليس عليه لما مضى زكاة و لا عليه

لما يستقبل حتى يدرك، فإذا أدرك كانت عليه زكاة واحدة و كان عليه مثل ما على غيره من الناس(2) الواردة في الغلات بخصوصها و بعد التساقط نرجع العمومات الدالة على عدم الزكاة في مال اليتيم.

ص: 16


1- الوسائل، الباب 1 من أبواب من تجب عليه الزّكاة، الحدیث: 2
2- نفس المصدر، الحدیث: 11

«فيعتبر ابتداء الحول من حين البلوغ» (1)

لكن أفاد سيدنا الاستاد دام ظله في المباني أن حديث أبي بصير ضعيف لضعف اسناد الشيخ (رحمه اللّه) إلى علي بن الحسن بن فضال فإنّ في طريقه إليه أحمد بن عبدون و على بن الزبير و هما غير موثقين فالنتيجة رفع اليد عن الوجوب بالنسبة إلى الغلات مشكلٌ.

(1) ما يتعلق به الزكاة على قسمين: تارةً يعتبر فيه الحول و الاخرى لا يعتبر فيه الحول

و أما ما لا يعتبر فيه الحول كالغلات فإن الصبى وقت تعلق الزكاة إذا صار بالغاً فلا اشكال في توجه الخطاب إليه فتشمله عمومات الخطاب بطبيعة الحال فلا مجال للتمسك بالروايات الواردة في أنه لا زكاة في مال اليتيم أو الصغار كما أن الصبى إذا لم يبلغ حين تعلق الوجوب و هو زمان «انعقاد الحب» و «صدق الاسم» -كما سيأتي- فلا تجب عليه الزكاة بمقتضى الروايات الواردة في المقام كما تقدم و أما ما يعتبر فيه الحول فإن كان صبياً تمام الحول فلا اشكال أيضاً في عدم توجه التكليف إليه لحديث الرفع لو قلنا بجريانه بالنسبة إليه أو الروايات الخاصة كما إذا صار بالغاً من ابتداء الحول فلا اشكال في تعلق التكليف به و إنما الإشكال في الملفق منهما كما إذا بلغ أثناء السنة بأن كان صبياً في ستة أشهر مثلاً و بالغاً في الستة أشهر الاخرى، فتم عليه الحول مركباً من البلوغ و الصباء فهل تجب عليه الزكاة أم لا؟ المشهور بين الإصحاب كما نقل عدم الوجوب حتى مضى عليه الحول بتمامه و هو بالغ، فيعتبر ابتداء الحول من حينالبلوغ فلا عبرة بما مضى كما في المتن و استدل على ذلك بما رواه أبوبصير(1) بقوله (علیه السلام): «و إن بلغ اليتيم فليس عليه لما مضى زكاة و لا عليه فيما بقى حتى يدرك» بتقريب أن المراد من الموصول هو الزمان، فاطلاقه يعم تمام السنة إذ اطلاقه يقتضى عدم ثبوت الزكاة بالنسبة إلى ما مضى من الزمان بلا فرق بين الاحوال الكاملة الماضية و بين

ص: 17


1- الوسائل، الباب 1 من أبواب من تجب عليه الزّكاة، الحدیث: 3

الماضي الذي ينقص عن الحول الكامل بأيامٍ فيستفاد منه عدم احتساب دون الصباءة من الحول فيدل على أن مبدأ الحول إنما هو من حين البلوغ و إلا كان عليه الزكاة فيما مضى عليه قبل بلوغه ما ينقص من الحول بقليل ثم بلغ قبل حلول الحول بحيث حال عليه الحول و هو بالغ.

أورد عليه المحقق الهمداني (رحمه اللّه) بأنّ هذا الحديث لا يخلو عن اجمال إذ من المحتمل بل المظنون كونه (أي قوله (علیه السلام): و إن بلغ اليتيم) تفريعاً على خصوص الفقرة السابقة عليه النافية للزكاة على جميع غلاته من نخل و زرع و غيرهما فتكون كلمة الموصول في قوله (علیه السلام): «ما مضى» و «ما يستقبل» كناية عن نفس الغلات و يكون المراد من الادراك بلوغها حد الكمال الذي يتعلق بها الزكاة فالرواية حينئذٍ أجنبية عن المدعى، انتهى كلامه.

توضيح ذلك: أنّ الاستدلال متفرع على كون المراد بالموصول في الرواية هو الزمان و أما إذا كان المراد منه ما كان موضوعاً للزكاة أي المال الزكوی فلا يرتبط بالمدعى.

بتقريب أن المال الزكوي الذى مضى و كان متعلقاً للزكاة مع قطع النظر عن الصباء لا زكاة فيه بالنسبة إلى الصبي فالنفي راجع إلى الموضوع و تلك السنة، لم تكن موضوعاً للنفي و ليس هذا من رعاية الزمان في شيء كما يمكن أن يكون المراد بالموصول في الرواية هو الزمان، لكن مركز الاستدلال بها بالنسبة إلى الفقرة الثانية و هي قوله (علیه السلام): لا عليه لما يستقبل حتى يدرك.بتقريب أنه دال على نفي الزكاة بالحول المستقبل مادام لم يدرك تمام السنة المستقبلة بمعنى أنه لم تثبت الزكاة في حقه قبل تمام السنة الآتية و إنما تثبت بعد ادراك تمامها فيكون مفعول «يدرك» تمام السنة مثلا فيدل الحديث أن الزكاة إنما تثبت بالحول الذي مبدأه من حين البلوغ و على كل حال فالرواية مجملة.

لكن يمكن الاستدلال بها على مسلك المشهور بنحو آخر الذي ذكره المحقق الآملي (رحمه اللّه) في المصباح من أن يكون قوله (علیه السلام): «و لا عليه لما يستقبل زكاة» معطوفاً على قوله (علیه السلام):

ص: 18

«لما مضى» و عليه فيجب حمل قوله (علیه السلام): «حتى يدرك» على ادراك غير البالغ و ذلك لئلا يلزم جعل الغاية نفس المضی، لأن الشرط المترتب عليه الكلام هو البلوغ فلا معنى لجعله غاية فيصير المعنى هكذا «إذا بلغ فليس عليه زكاة لما يستقبل في تلك الأموال التي ملكها فيما مضى حتى يدرك الحول فإذا أدرك الحول كانت عليه زكاة لمكان مضى الحول عليه» فيدل على اعتبار الحول من حين البلوغ.

أقول: هذا متفرع على حمل الادراك على ادراك الحول و أما إذا حمل على ادراك الزرع كما في كلام غواص بحارالانوار الائمة: فلا يتم الاستدلال، و يمكن الاستدلال على كلام المشهور بنحو آخر لا يحتاج إلى التجشم بهذا الامور و هو أن الموضوع لوجوب الزكاة ليس المالك بما هو، بل الموضوع المالك الذي حال على ملكه الحول فالحلول مركب من المالك و مضى الحول على ملكه و من المعلوم أن الموضوع المركب ينتفي بانتفاء أحد أجزائه و عدم المضى كما يصدق بعدمه كاملاً يصدق ببعضه.

ص: 19

«و أما ما لا يعتبر فيه الحول من الغلات الاربع، فالمناط البلوغ قبل وقت التعلق و هو انعقاد الحب و صدق الاسم على ما سيأتي» (1)

(1) أنّ الظاهر من كلام المصنف (رحمه اللّه) أنّ البلوغ معتبر قبل حلول وقت التعلق فالتقارن لا يكفي كما نقل عن الفقيه السبزواري (رحمه اللّه) خلافاً للمشهور من كفاية التقارن و أنّ مبدأ الحول من حين البلوغ و يمكن الاستدلال على مسلك المصنف بصحيحة الفضلاء عن أبي جعفر و أبي عبدالله (علیه السلام) قالا: ليس على العوامل من الابل و البقر شيء، -إلى أن قال- و كل ما لم يحل عليه الحول عند ربه فلا شيء عليه فيه، فإذا حال عليه الحول وجب عليه(1)

بتقريب أن مقتضى قوله (علیه السلام): «فإذا حال عليه الحول وجب عليه» أن الوجوب بعد الحول و حينئذٍ إذا كان البلوغ قبل حولان الحول، تحقق الوجوب لا محالة، أما حال التقارن فلا دليل على ثبوت الزكاة عليه، لكن يمكن أن يقال إن مقتضى حديث يونس بن يعقوب قال: أرسلت إلى أبي عبدالله (علیه السلام): أن لي اخوة صغاراً فمتى تجب على اموالهم الزكاة قال: إذا وجبت عليهم الصلاة وجبت الزكاة. قلت: فما لم تجب عليهم الصلاة؟ قال: إذا اتجر به فزكه،(2) أيضاً ثبوت الزكاة عند تحقق البلوغ فيكون مقتضى الحديثين أنّ الموضوع للزكاة المالك، و أنّ الحلول و البلوغ شرطان لتحقق الموضوع و حينئذٍ نقول: بأي دليل نقدم أحد الشرطين على الآخر حتى يقال بأنّ الموضوع المالك البالغ ثم حولان الحول بحيث يكون الأول بمنزلة المقتضي للثبوت و الثاني بمنزلة الشرط الموجب للفعلية بل كلاهما في عرض واحد و حينئذٍ إذا تحققا في زمان واحد يتحقق الموضوع فما أفاده المحقق الخوئي (رحمه اللّه) من أن المناط حين تحقق البلوغ لخروجه عن اليتم فيكفي

البلوغ حين التعلق لا يخلو عن قوة كما نقل عن المشهور.

ص: 20


1- الوسائل، الباب 8 من أبواب زكاة الأنعام، الحدیث: 1
2- الوسائل، الباب 1 من أبواب من وجب عليه الزّكاة، الحدیث: 5

«الثاني: العقل»

«فلا زكاة في مال المجنون» (1)

(1) تارة نبحث من حيث الحكم التكليفي و اخرى من حيث الحكم الوضعي فيقع البحث في المقامين:

أما المقام الأول فإنه يستدل على نفيه بحديث الرفع أي «رفع القلم عن المجنون حتى يفيق»، فالحكم مرفوع عنه.

و قد يستدل على ذلك بحديث الواردة في باب العقل عن ابن ظبيان قال: اتى عمر بأمراة مجنونة قد زنت فأمر برجمها فقال (علیه السلام): «أما علمت أن القلم يرفع عن ثلاثة: عن الصبي حتى يحتلم و عن المجنون حتى يفيق و عن النائم حتى يستيقظ»(1).

أما الأول فمخدوش لأن حديث الرفع المشتمل على المجنون ضعيف السند، و أما الثاني فتام لكنه مختص بالحكم التكليفي.

نعم قد ورد في المقام حديث و هو ما رواه عبدالرحمن بن الحجاج قال: قلت لأبي عبدالله (علیه السلام): أمراة من أهلنا مختلطة أعليها زكاة؟ فقال: إن كان عمل به فعليها زكاة و إن لم يعمل به فلا(2) ربما يستدل به على ذلك، لكنه مختص بالصامت أعني الذهب و الفضة فلا يشمل غيرهما مضافاً إلى التفصيل بين التجارة و عدمها فلا يكون دليلا على المدعى.

أضف إلى ذلك كله أن الحديث ضعيف إذ محمد بن اسماعيل الذي في الطريق هو محمد بن اسماعيل البندقي ظاهراً و هذا الرجل لم يوثق.

ص: 21


1- الوسائل، الباب 3 من أبواب مقدّمات العبادات، الحدیث: 11
2- الوسائل، الباب 3 من أبواب من تجب عليه الزّكاة، الحدیث: 1

«في تمام الحول أو بعضه و لو أدواراً» (1)

قد يستدل على رفع وجوب الزكاة عن المجنون بالآية الشريفة: {خذ من أموالهم صدقة تطهرهم و تزكيهم بها و صل عليهم إن صلاتك سكن لهم والله سميع عليم}(1) بتقريب أن أخذ الزكاة تطهير للمكلف و تزكية له و المجنون حيث أنه غير مكلف و غير قابل للعصيان فلا يكون قابلاً للتزكية لانتفاء الموضوع لكن هذا الاستدلال متفرع على استفادة العلة من الآية الشريفة و أما إذا كان التطهير و التزكية حكمة للجعل فلا موضوع للاستدلال بهذه الآية الشريفة.

و قد يستدل على المدعى بممنوعية المجنون من التصرف لكن يأتي الكلام إن شاء الله تعالى بأن الدليل الذي دل على هذا الاشتراط ظاهر في غير ما نحن فيه بل الظاهر منه المال الغائب أو المفقود أو المغصوب فانتظر.

(1) بتقريب أن الموضوع لوجوب الزكاة هو المالك العاقل فبانتفاء الموضوع و لو بمقدار يسير ينتفي الحكم و على مبنى القوم مقتضى دليل رفع تقييد الموضوع بالمالك العاقل مع حولان الحول عليه فمع انتفاء الموضوع ينتفي الحكم، إذ المركب من الخارج و الداخل خارج من غير فرق بين كون الجنون أطباقياً أو أدوارياً، لعدم كونه مخاطباً بالزكاة فلا يحسب ذاك الدور من الحول فلم يحل عليه الحول و هو واجداً للشرائط.

لكن قد ذكرنا أن حديث الرفع ضعيف و ما دل على اشتراط التكليف بالعقل ناظر إلى الحكم التكليفي، أما بالنسبة إلى الحكم الوضعي فلا دليل على الانتفاء، و أما الاستدلال بحديث عن يونس بن يعقوب قال: أرسلت إلى أبي عبد اللّه (علیه السلام) أنّ لي إخوةً صغاراً فمتى تجب على أموالهم الزّكاة قال إذا وجبت عليهم الصّلاة وجبت الزّكاة قلت

ص: 22


1- التوبة / 103

«بل قيل إن عروض الجنون آناً ما يقطع الحول لكنه مشكلٌ» (1)

«بل لابد من صدق اسم المجنون و أنه لم يكن في تمام الحول عاقلاً و الجنون آناً ما بل ساعة و أزيد لا يضر لصدق كونه عاقلاً»

فما لم تجب عليهم الصّلاة قال إذا اتّجر به فزكّه.(1) من الملازمة بين وجوب الصلاة و وجوب الزكاة فلا يستفاد منه الملازمة في الحكم الوضعي بل الظاهر التساوي في الحكم التكليفي كالصلاة.

(1) منشأ الاشكال عدم قدح الفصل اليسير في الصدق العرفي فإنه يطلق عليه لدى العرف أنه عاقل في تمام الحول فالاطلاقات تشمله.

أورد عليه المحقق الخوئي (قدس سره ) أن التسامح العرفي في التطبيقات العرفية غير مسموع إذ لا دليل على حجية هذه المسامحات العرفية بل العرف مرجع في المفاهيم.

نعم، إذا وسع العرف المفهوم بحيث يطبق على موضوع لم يكن بموضوع بالدقة العقلية فيمكن تسليمه لصدق المفهوم على هذا المورد حقيقة عند العرف من جهة أنه وسع المفهوم بحيث يصدق على هذا المورد كالحنطة المختلطة بالتراب قليلاً في نصاب الزكاة و أداء الكفارات و أمثال ذلك.

ص: 23


1- الوسائل، الباب 1 من أبواب من وجب عليه الزّكاة، الحدیث: 5

«الثالث: الحرية»

«فلا زكاة على العبد و إن قلنا بملكه من غير فرق بين القن و المدبر و ام الولد و المكاتب المشروط و المطلق الذي لم يؤد شيئاً من مال الكتابة و أما المبعض فيجب عليه إذا بلغ ما يتوزع على بعضه الحر النصاب»(1)

(1) المشهور بين الأعلام عدم الوجوب و إن قلنا بملكيته. البحث في المقام يقع في جهات:

الجهة الاولى: في وجوب الزكاة و عدمه على القول بعدم ملكيته و الظاهر أنه لا تجب الزكاة عليه لعدم المقتضى له لأنّ الموضوع هو المال و لا مال للعبد حسب الفرض.

الجهة الثانية: هل يجب على المولى لكونه المالك الواقعي و إن اضيف إلى العبد مجازاً أم لا؟ الظاهر وجوب الزكاة علیه إذا كان واجداً لجمیع الشرایط و وصل المال حد النصاب لوجود المقتضي و عدم المانع.

و أما صحيحة عبدالله بن سنان عن أبي عبدالله (علیه السلام) قال: قلت له: مملوك في يده مال أعليه زكاة؟ قال: لا، قلت: فعلى سيده؟ فقال: لا، إنه لم يصل إلى السيد و ليس هو للمملوك،(1) الدالة على عدم الوجوب لا على العبد و لا على المولى فخارج عن البحث إذ الظاهر منها كون المولى غير مسلط على هذا المال و من الشرائط كون المال الزكوي بيد المالك.

الجهة الثالثة: لو قلنا بمالكية العبد فهل يجب عليه الزكاة أم لا؟ المستفاد من جملة من النصوص عدم الوجوب، منها: ما رواه عبدالله بن سنان عن أبي عبدالله (علیه السلام) قال: ليس في مال المملوك شيء و لو كان ألف ألف و لو احتاج لم يعط من الزكاة شيئاً(2).

ص: 24


1- الوسائل، الباب 4 من أبواب من تجب عليه الزّكاة، الحدیث: 5
2- نفس المصدر، الحدیث: 1

و منها: ما رواه علي بن جعفر عن أخيه موسى (علیه السلام) قال: ليس على المملوك زكاة إلا بإذن مواليه.(1)

و منها: ما رواه عبدالله بن سنان عن أبي عبدالله (علیه السلام) قال: سأله رجل و انا حاضر من مال المملوك أعليه زكاة؟ فقال: لا و لو كان له ألف ألف درهم و لو احتاج لم يكن له من الزكاة شيء.(2)

و منها: ما رواه وهب بن وهب القرشي عن الصادق (علیه السلام) عن آبائه عن علي (علیهم السلام): قال: ليس في مال المكاتب زكاة.(3)

و منها: ما رواه اسحاق بن عمار قال: قلت لأبي عبدالله (علیه السلام): ما تقول في رجل يهب لعبده ألف درهم أو أقل أو كثر -إلى أن قال- قلت: فعلى العبد أن يزكيها إذا حال عليه الحول؟ قال: لا، إلا أن يعمل له فيها و لا يعطى العبد من الزكاة شيئاً(4).

أما حديث علي بن جعفر فضعيف بعبدالله بن الحسن فإنه لم يوثق، و مقتضى الإطلاق عدم الفرق بين الموارد و أما المكاتب المبعض فعن المشهور بل ادعى عدم الخلاف أنه يوزع المال، فما يملكه بإزاء الجزء الحر إذا بلغ النصاب، تجب الزكاة دون ما يقع بإزاء العبد، و استدل عليه كما عن الجواهر بوجود المقتضي و عدم المانع، و المقتضي بلوغ المال حد النصاب و عدم المانع، إذ المانع و هو المملوكية منتفٍ بالنسبة إلى هذا المال.

أورد عليه بعض الأعلام من أن الروايات المانعة عن تعلق الزكاة في مال مملوك منصرفة إلى العبد الخالص، فالمبعض خارج عن الروايات فالمانع لتعلق الزكاة غير جارٍ في المقام فمقتضى القاعدة وجوب الزكاة في جميع الأموال لا الحصة المتعلقة بملك المبعض لكن

ص: 25


1- الوسائل، الباب 4 من أبواب من تجب عليه الزّكاة، الحدیث: 2
2- نفس المصدر، الحدیث: 3
3- نفس المصدر، الحدیث: 5
4- نفس المصدر، الحدیث: 6

«الرابع: أن يكون مالكا»

«فلا تجب قبل تحقق الملكية كالموهوب قبل القبض و الموصى به قبل القبول أو قبل القبض و كذا في القرض لا تجب إلا بعد القبض» (1)

مناسبة الحكم و الموضوع تقتضي ما ذكره صاحب الجواهر (رحمه اللّه) من تعلق الزكاة بحصته فقط و لذا نرى التبعض في موارد اُخر من التوزيع كالدية و الحد كما إذا زنى العبد المبعض وزع الجلد عليه بالنسبة الحر و العبد، فلو كان نصفه حراً و نصفه الآخر عبداً يجلد بمقدار النصف من كل من الحدين(1) أو قتل شخص مكاتباً قد تحرر نصفه يؤخذ منه نصف دية الحر و نصف دية العبد.(2)

(1) من الشرائط أن يكون الشخص مالكاً للأجناس الزكوية، قال في الجواهر: لا ينبغي التأمل فيه. و حكي عن النهاية الاجماع بل عن المعتبر اجماع العلماء بل ادعي التسالم و يدل على ذلك الآية الشريفة: {خذ من أموالهم صدقة تطهرهم و تزكيهم بها}(3) فإنها دلت على أن الموضوع للزكاة إنما هو أموال الناس فلا زكاة على غير المملوك سواء لم يكن ملكاً لأحد أصلاً كالمباحات الأصلية أو كان ملكاً لكن لا لشخص بل للجهة كالأوقاف كما إذا وقف للمساجد أو لتعزية الحسين (علیه السلام) أو الجهات العامة كالفقراء و الطلاب، فلو بلغ حاصلها حد النصاب فلا زكاة في هذه الأموال فإن هذه الأموال و إن كانت ملكاً، لكن لم تكن ملكاً لشخص خاص بل للجهة و ظاهر الآية الشريفة كونه ملكاً لشخص بمقتضى المقابلة بين الجمع بالجمع و يدل على الإشتراط، الروايات المتعددة الواردة في المقام، لاحظ ما رواه أبوالصباح الكناني عن أبي عبدالله (علیه السلام) في الرجل

ص: 26


1- راجع الوسائل، الباب 33 من أبواب حدّ الزّنا
2- نفس المصدر، الباب 10 من أبواب ديات النّفس
3- التّوبة / 103

ينسىء أو يعين فلا يزال ماله دينا كيف يصنع في زكاته؟ قال: يزكيه و لا يزكى ما عليه من الدين إنما الزكاة على صاحب المال.(1)

و ما رواه علي بن مهزيار قال: كتبت إليه أسأله عن رجل عليه مهر أمراته لا تطلبه منه إما لرفق بزوجها و إما حياء فمكث بذلك على الرجل عمره و عمرها يجب عليه زكاة ذلك المهر أم لا؟ فكتب: لا تجب عليه الزكاة إلا في ماله(2).

و ما رواه علي بن جعفر عن أخيه موسى بن جعفر‘ قال: سألته عن الرجل يكون عليه الدين قال يزكى ماله و لا يزكى ما عليه من الدين، إنما الزكاة على صاحب المال(3). هذا في الجملة لا كلام فيه، إنما الكلام في أنه لابد أن يكون الملك تاماً أم لا، بل الملكية الناقصة كافية و حينئذٍ فإن قلنا بأن القبض في الهبة من شرائط ملكية الموهوب له فهو معتبر على مقتضى ما ذكرنا من الاجماع و التسالم و الآية و الرواية و أما إذا كان شرطاً للملزوم، فمقتضى القاعدة وجوب الزكاة على المالك أي المتهب قبل القبض و كذلك الوصية لو قلنا بعدم اشتراط القبول في فعلية الملكية في الوصية التمليكية كما ذهب إليه محقق الخوئى (قدس سره ) و مما يؤيد الكلام ما ورد في باب الوصية(4) من أن الموصى له لو مات قبل القبول أو قبل أن يعلم، يعطى المال الموصى به إلى ورثة الموصى له.

فخلاصة الكلام أن المعتبر هو الملكية و أما التامة اللازمة فغير معلوم فإذا اطلق عليه الملك و صاحب المال فبمقتضى الحديث المذكور ثبوت الزكاة عليه، فما هو المراد من الملكية التامة، المراد من تمامية الملكية إما أن يكون مقابل المتزلزلة فسيأتي من المصنف أنه لا مانع من الزكاة و إما أن يكون المراد به التمكن من التصرف فهذا ليس أمرا رابعاًقبال الشرط الخامس و إما أن يكون المراد تمامية المقتضى للملكية أي أن الملكية الناقصة

ص: 27


1- الوسائل، الباب 9 من أبواب من تجب عليه الزّكاة، الحدیث: 1
2- نفس المصدر، الحدیث: 2
3- نفس المصدر، الحدیث: 3
4- الوسائل، الباب 30 من أبواب الوصيّة

غير مفيدة كما وجه صاحب الجواهر (رحمه اللّه)كلام القوم.

فرعٌ: إذا وهب الواهب المال الزكوي فقبل حولان الحول رجع عن هبته، لا يجب الزكاة حين الحلول لا على الواهب و لا على المتهب، أما على المتهب فلأن الموهوب لم يحل عليه الحول و هو في ملك المتهب و كذلك بالنسبة إلى الواهب لأنه كان مالكاً ثم زال ملكه أثناء الحول ثم ملك بملك جديد «لو قلنا بأن الرجوع ملك جديد» و لم يحل عليه الحول، نعم يمكن أن نقل بأنه لا يجب على الموهوب له الزكاة قبل القبض من ناحية اخرى و هو عدم التمكن من التصرف قبل القبض لو لم نقل بأن القبض شرط للملكية، أما مجرد تسلط الواهب على الفسخ، فلا يكون مانعاً كما في الجواهر و سيأتي في كلام المصنف بأن الخيار لا يمنع من الزكاة و أما مسئلة القرض فلا تجب الزكاة على المقترض إلا بعد القبض لإن المال لا يملكه المقترض بمجرد عقد القرض للاجماع بقسميه كما عن الجواهر و يدل عليه صحيحة زرارة قال: قلت لأبي عبدالله (علیه السلام): رجل دفع إلى رجل مالا قرضاً، على من زكاته؟ على المقرض أو على المقترض؟ قال: لا، بل زكاتها إن كانت موضوعة عنده حولاً على المقترض. قال: قلت: فليس على المقرض زكاتها؟ قال: لا يزكى المال من وجهين في عام واحد و ليس على الدافع شيء لأنه ليس في يده شيء، إنما المال في يد الآخر فمن كان المال في يده زكاه. قال: قلت: أفيزكى مال غيره من ماله؟ فقال: إنه ماله مادام في يده و ليس ذلك المال لأحد غيره. ثم قال: يا زرارة! أرأيت وضيعة ذلك المال و ربحه لمن هو و على من؟ قلت: للمقترض. قال: فله الفضل و عليه النقصان و له أن ينكح و يلبس منه و يأكل منه و لا ينبغي له أن يزكيه بل يزكيه فإنه عليه.(1)

«فلا تجب في المال الذي لا يتمكن المالك من التصرف فيه بأن كان غائباً و لم يكن في يده و لا في يد وكيله و لا في المسروق و المغصوب و المحجور و المدفون في مكان منسي» (1)

و تمام الكلام في محله و سيأتي بعض الفروع المتفرع على الملك التام في المسئلة السادسة إن شاء الله تعالى.

ص: 28


1- الوسائل، الباب 7 من أبواب من تجب عليه الزّكاة، الحدیث: 1

«الخامس: تمام التمكن من التصرف»

(1) أقول: هل المراد من التمكن من التصرف التصرفات الخارجية أو الأعم منها و من التصرفات الإعتبارية و حينئذٍ إذا لم يتمكن من التصرفات الخارجية لكن يتمكن من التصرفات الإعتبارية فهل عليه زكاة أم لا؟ قد يقال كما في كلمات بعض الأعلام (رحمه اللّه): أن المراد منها التصرفات الخارجية فقط و أما الإعتبارية منها فلا يعتبر و استدل على ذلك بجملة من الروايات الواردة في المقام الظاهرة بنظره الشريف في التصرفات الخارجية.

منها: ما رواه سدير الصيرفي قال: قلت لأبي جعفر (علیه السلام): ما تقول في رجل كان له مال فانطلق به فدفنه في موضع فلما حال عليه الحول ذهب ليخرجه من موضعه فاحتفر الموضع الذي ظن أنّ المال فيه مدفون فلم يصبه فمكث بعد ذلك ثلاث سنين ثم إنه احتفر الموضع من جوانبه كله فوقع على المال بعينه كيف يزكيه؟ قال: يزكيه لسنة واحدة لأنه كان غائباً عنه و إن كان احتبسه(1)

بتقريب أن قوله (علیه السلام): «و ان كان احتبسه» و إن كان هو المتصدي لحبسه أو «و إن احتسب» أي أن المال و إن احتسب المدفون ماله دال على أن المال الذي لا يتمكن المالك من التصرف فيه خارجاً لا زكاة فيه و إن كان قادراً من التصرف الإعتباري.و منها: موثقة(2) اسحاق بن عمار قال: سألت أباابراهيم (علیه السلام) عن الرجل يكون له الولد فيغيب بعض ولده فلا يدرى أين هو و مات الرجل كيف يصنع بميراث الغائب من

ص: 29


1- الوسائل، الباب 5 من أبواب من تجب عليه الزّكاة، الحدیث: 1
2- هذه الروایة غیر موثق (علی نظر المولف) لأن فی سنده محمد بن اسماعیل البندقی.

أبيه؟ قال يعزل حتى يجيء. قلت: فعلى ماله زكاة؟ قال: لا حتى يجيء. قلت: فإذا هو جاء أيزكيه؟ فقال: لا حتى يحول عليه الحول في يده(1) فإن قوله (علیه السلام): «حتى يحول عليه الحول فى يده» التسلط الخارجي إذ المراد من اليد ليس هو العضو الخارجية الخاصة بل المراد ما هو المتعارف من استعمالها أي يكون تحت قدرته و سلطنته بحيث يمكنه التصرف الخارجي.

و منها: ما رواه أيضاً عن أبي ابراهيم (علیه السلام) قال: سألته عن رجل ورث مالا و الرجل غائب هل عليه زكاة؟ قال: لا، حتى يقدم. قلت: أيزكيه حين يقدم. قال: لا، حتى يحول عليه الحول و هو عنده(2) ، فإن قوله (علیه السلام): «و هو عنده» عبارة اخرى عن كونه تحت سلطانه و تصرفه لا مجرد كونه عنده و لو اغتصبه الغاصب و أودعه عند مالكه.

و منها: ما رواه عبدالله بن سنان عن أبي عبدالله (علیه السلام) قال: لا صدقة على الدين، الحديث.(3)

و منها ما رواه ابراهيم بن أبي محمود قال: قلت لأبي الحسن الرضا (علیه السلام): الرجل يكون له الوديعة و الدين فلا يصل إليهما ثم يأخذهما متى يجب عليه الزكاة قال إذا أخذهما ثم يحول عليه الحول يزكى.(4)

و غيرها من الروايات الواردة في المقام الظاهرة في التصرفات الخارجية و أما التصرفاتالاعتبارية فلا دليل على ذلك فالمدار هو التصرفات الخارجية لا غير.

لكن ذهب المحقق الأنصاري (رحمه اللّه) إلى أن المراد بالقدرة القدرة العقلية الشرعية(5) و حاصل ما أفاده (رحمه اللّه) بأن المستفاد من الأدلة كون المال بحيث يتمكن صاحبه عقلا و شرعاً من

ص: 30


1- الوسائل، الباب 5 من أبواب من تجب عليه الزّكاة، الحدیث: 2
2- نفس المصدر، الحدیث: 3
3- الوسایل، الباب 6 من أبواب من تجب عليه الزّكاة، الحدیث: 2
4- نفس المصدر، الحدیث: 1
5- كتاب الزّكاة، ص 116 لجنة تحقيق تراث الشّيخ الأعظم.

التصرف فيه على وجه الإقباض و التسليم و الدفع إلى الغير بحيث يكونه من شأنه بعد حلول الحول أن يكلف بدفع حصته منه إلى المستحقين -إلى أن قال- وجه الاستفادة أن المستفاد منها وجوب الزكاة فيما كان في اليد طول الحول فلو كان المراد من كونها في اليد أمر آخر غير التمكن من التصرف فيها بالدفع لزم عدم الزكاة فيها بمجرد كونها في اليد طول الحول بل لابد من أمر آخر و هو التمكن من التصرف وقت الوجوب أيضاً فلا يكون حلول الحول على ما في اليد علة مستقلة في وجوب الزكاة ثم افاد (رحمه اللّه) فهنا أمران:

أحدهما: النقص من جهة الملك بأن يكون بحيث لا يتمكن المكلف من التصرف فيه كالمغصوب و المحجور و المفقود و المرهون و نحو ذلك.

الثاني: العجز من طرف المالك عن مباشرة الدفع أو عن مطلق الدفع و لو بالتوكيل فبمجرد كون المال في يد المالك طول الحول بحيث لا قصور في طرف المالك من التصرف فيه بدفع ما يتعلق به الزكاة فهو سبب مستقل و علة تامة لتعلق الزكاة.

و الحاصل أن المراد من الید التسلط على التصرف بالدفع و يتحقق التسلط الفعلى بأن يكون المال حاضراً و لم يرد عليه ما يمنع المالك عن التصرف فيه منعاً حقاً أو عدواناً فالمخرجات عن اليد بالمعنى المذكور ثلاثة: الغيبة و في معناها الفقد و المنع الشرعى و المنع العدواني.

لكن يمكن أن يقال: بأن الظاهر من الروايات التصرف الخارجي لاحظ ما رواه زرارة(1) لأن الامام (علیه السلام) علل عدم الوجوب بأن المال ليس في يده و كان المال في يد غيره، و غيره كرواية سدير(2) حيث علل فيه بأنّ المال كان غائباً عنه و غيرهما من العناوين و على كل حال يستفاد منها أن المدار تسلط المالك على المال لا غير و كونه ممنوع

ص: 31


1- الوسائل، الباب 7 من أبواب من تجب عليه الزّكاة، الحدیث: 1
2- الوسائل، الباب 5 من أبواب من تجب عليه الزّكاة، الحدیث: 1

التصرف شرعاً حين الأداء لا يوجب نفي الزكاة التي كان حكماً وضعياً، غاية الأمر عجز عن الدفع و العجز عن الدفع موجب لرفع الضمان لو تلف، لا أنه لا تجب الزكاة فوجوب الزكاة و عدمه أمر و العجز عن الدفع الرافع للضمان لو تلف، أمر آخر فالمدار النقص الملكي لا النقص المالكى لعدم الدليل على الثاني ظاهراً.

مضافاً إلى أن لفظ التمكن من التصرف ليس في الرواية على ما فحصت، فلا ثمرة مهمه في الإستظهار من معقده، و قد يستدل على المدعى بأن الممنوع شرعاً كالممنوع عقلاً فإذا كان ممنوعاً شرعاً عن التصرف الإعتباري يكون كالممنوع عقلا فلا يجب.

أورد عليه المحقق الخوئى (قدس سره ) بأنه لا دليل على الملازمة، نعم ثبت ذلك في باب التكاليف بحكومة العقل إذ لا يعقل البعث نحو الحرام و أما لو جعل المنع العقلى في مورد موضوعاً لحكم شرعى كما في المقام حيث استفيد من الروايات ذلك فلا دليل على الإلحاق كما قد يستدل عليه بانصراف الأدلة أي أدلة الزكاة عن الممنوع شرعاً، لكن عهدته على مدعيه.

فالنتيجة أنه لا دليل على اشتراط وجوب الزكاة بالقدرة و التمكن من التصرفات الإعتبارية فما أفاده الماتن (رحمه اللّه) بالنسبة إلى الأربعة المذكورة أولاً من اشتراط القدرة العقلية لا غبار عليه و الثلاثة الاُخر فلابد من البحث فيها منفرداً حتى يتبين الحال.

ص: 32

«و لا في المرهون» (1) «و لا في الموقوف» (2)

(1) كما عن المشهور شهرة عظيمة و نسب الخلاف إلى الشيخ (رحمه اللّه) كما نقل عن الجواهر و نسب إلى الشهيدين التفصيل بين ما إذا كان قادراً على الفك فتجب و إلا فلا.

و استدل للقول المشهور بقصور أدلة الزكاة عن الرهن إذ الموضوع للزكاة هو الملك التام أي كون المالك مالكاً تاماً غير قاصر المالكية بحيث يكون النقص في الملكية لا المالكية و هذا غير موجود في الرهن لأن العين المرهونة وثيقة عند المرتهن و متعلق لحقه فليس للمالك أن يتصرف فيه كيفما يشاء فالملكية قاصرة فأدلة الزكاة قاصرة الشمول بالنسبة إلى الملكية الناقصة.

و أما ما حكي عن الشهيدين فقد استدل على ذلك بصدق التمكن من التصرف فيه.

و أورد عليه بأنّ القدرة على الفك لا يخرجه ما دام كونه رهناً عن كونه متعلقاً لحق، مانع عن التصرف المانع عن تعلق الزكاة لكن قد ذكرنا سابقاً بأن المانع عن التصرف الإعتباري لا يوجب نفي الزكاة إلا أن يقال بأنّ العين المرهونة لا يجوز للراهن التصرف الخارجي أيضاً كما هو ليس ببعيد فيكون مانعاً عن التعلق فلا نرى دليلاً معتبراً على التفصيل و أما دعوى انصراف أدلة الزكاة عن العين المرهونة فعهدتها على مدعيها فالقول بعدم تعلق الزكاة بالنسبة إلى العين المرهونة تام لكن لا بجهة الإنصراف بل العين المرهونة لا يتمكن المالك من التصرف الخارجي فيها.

(2) بلا خلاف كما في بعض الكلمات و استدل على ذلك بنقص ملكية بالذات و كونها منتزعة من قصر منفعته على الموقوف من غير أن يكون له حق في التصرف في العين و مثله خارج عن منصرف أدلة الزكاة لكن العمدة في الدليل قصور الملكية لا لممنوعية الموقوف عليه عن التصرف لتمكنه من التصرف في الوقف بما لا ينافيه.

ص: 33

«و لا في المنذور التصدق به» (1)

غاية الأمر أنّ الملكية في حد نفسها قاصرة من الأول لعدم كونه من الأموال التي يتمكن المالك من أن يعطيها باختياره وطوعه و رغبته.

(1) على المشهور كما في بعض الكلمات بل قد ينسب إلى الأصحاب الظاهر في الاجماع و عن الشرايع أنه لو نذر في أثناء الحول الصدقة بعين النصاب انقطع الحول معللاً بأنه متعين للصدقة بموجب النذر فوجوب الوفاء بالنذر مانع عن كل تصرف ينافيه فيلزم قصور الملكية فلا تشمله أدلة وجوب الزكاة.

أقول: مقتضى ما ذكرناه سابقاً أن المستفاد من الأدلة التمكن من التصرف الخارجي و أما اعتبار التمكن الإعتباري فلا دليل عليه مع الإشكال في ادعاء الاجماع كما في بعض العبائر و حينئذٍ إذا وفى بالنذر و أخرجه من ماله فلا اشكال في سقوط الزكاة للخروج بذلك عن ملكه و اما إذا لم یخرجه من ماله فهل مجرد الوجوب موجب لسقوط الزكاة، أم لا؟ فنقول نذر الصدقة تارة یكون بنحو نذر النتیجه و اخری بنحو نذر الفعل، و أما الأول فلا اشكال في أنه يوجب قطع الحول لأنه بالنذر يخرج عن ملك الناذر و من الشرائط القطعية كون المال ملكاً للمزكى في تمام الحول إنما الكلام في صحة هذا النذر و الظاهر أنه باطل و لا دليل على صحته إذ التمليك و إن تحقق بمبرز و لو كان فعلاً لكن لابد أن يقع تحت عنوان من عناوين الشرعية و هو امضائه، و العنوان الذي يمكن أن يقع هذا النذر تحته ليس إلا الهبة فلابد من شرائطها، و من جملتها القبض و المفروض عدم القبض و كذا من الشرائط القبول لأنها من العقود و المفروض أيضاً كذلك و حينئذٍ لم يتحقق السبب الناقل لتخرج المنذور عن ملك مالكه فلا موجب لعدم الزكاة لبقاء العين في ملك صاحبه.

و أما الثاني أعني نذر الفعل فلا إشكال في صحته، لكن ما يلزم من ذلك إلا الحكم التكليفي أي وجوب الوفاء و حينئذٍ يقع البحث حول هذه المسئلة بأن الوجوب بمجرده

ص: 34

هل هو مانع عن الزكاة أم لا؟ نسب إلى المشهور ذلك و استدل على المانعية بامور:

الأول: ما عن الجواهر من أنّ وجوب الوفاء يوجب قصراً في الملكية و عدم كونها تامة فقهراً لا تشمله أدلة الزكاة لما تقدم.

أورد عليه أن مجرد الالزام و الوجوب التكليفي لا يستدعي ذلك و لذا نرى أنّ الناذر لو مات ينتقل إلى الورثة و كذا لو تلف يكون الغاصب ضامناً له و غيرهما من الآثار الملكية فوجوب الوفاء ليس إلا كسائر الوجوب التكليفية التي لا يترتب على مخالفته إلا العصيان و لا يوجب النقصان في الملك و يمكن الاستدلال على ذلك بما رواه ابن أبي عمير عن غير واحد من أصحابنا عن أبي عبدالله (علیه السلام) في الرجل تكون له الجارية فتؤذيه أمراته أو تغار عليه فيقول هي عليك صدقة فقال: إن كان جعلها لله و ذكر الله فليس له أن يقربها و إن لم يكن ذكر الله فهي جاريته يصنع بها ما شاء(1)

لكن الإشكال في السند حيث إن قوله: «عن غير واحد» إن استفيد منه التواتر كما استفاد المحقق الخوئي (قدس سره ) في بعض كلماته فهو و إلّا فيرد عليه ما أورده عليه سيدنا الاستاد دام ظله أنه مرسل لا اعتبار به.

الثاني: أن تعلق النذر بشيء يوجب الوفاء به و هذا يمنع عن كل فعل يضاده من التكوينية أو الإعتبارية فالناذر ممنوع عن التصرف كالبيع و الهبة فهو غير قادر شرعاً «و الممنوع شرعاً كالممنوع عقلاً» هذا من ناحية و من ناحية اخرى أنّ القدرة شرط في صحة البيع مثلا إذ القدرة على التسليم من شروط صحة البيع فلا جرم يوجب القصر في الملك نظير الوقف الذي يوجب القصر في الملكية لعدم تسلطه على رقبة العين فلايكون الملك تاماً فيوجب انصراف أدلة الزكاة عن المورد.

أورد عليه: بأنه لا دليل على اشتراط القدرة الشرعية في البيع بل ما هو مسلم عندهم هو القدرة التكوينية إذ البيع ليس هو مجرد اعتبار الملكية فقط بل القدرة على التسليم

ص: 35


1- الوسائل، الباب 23 من أبواب النّذر و العهد، الحدیث: 2

شرط عند العقلاء و لذا يقولون الأعلام (رحمه اللّه) بأنّ التلف قبل القبض من مال بايعه فالتسليم الخارجى و القبض و الإقباض المحقق للتسليم من تمام الملكية فالقدرة الخارجية شرط، سواء استلزم ترك واجب أو فعل حرام أم لا، فخلاصة الكلام أن الوجوب التكليفي في نفسه لا يوجب القصر في الملكية فلا يكون مانعاً عن تعلق الزكاة إذ المستفاد من أدلة النذر هو الممنوعية الإعتبارية لو قلنا، أما التصرفات الخارجية فلا يستفاد منه و المانع ليس إلّا الثاني لا الأول.

و للشيخ (رحمه اللّه) في كتاب الزكاة تقريب آخر للاستدلال بأنّ الأمر بالوفاء بالنذر الشامل لما بعد التصرف المنافي يلزم بطلان التصرف، مثلاً إذا باع المال المنذور فمقتضى عموم الوفاء بالنذر وجوب التصدق بما باعه الناذر و لا يتحقق ذلك إلا ببطلان البيع ثم إنه (رحمه اللّه) قاس المقام بأدلة وجوب الوفاء بالعقد فكما أن وجوب الوفاء بالعقد و حرمة نقيضه على الإطلاق يدل على بطلان النقض و ما يوقعه من النواقل بعد القبض كذلك ما نحن فيه و إلا فمجرد الأمر التكليفي بالوفاء و حرمة النقض غايته الإثم لا البطلان ثم أيّد ذلك بالاجماع المدعى على أن هذا المال المنذور لا يورث بموت الناذر فيكون عدم قابليته للتمليكات الاختيارية أولى.

لكن بعد ما ذكرنا لا يبقى مجال لما ذكره في المقيس و المقيس عليه مضافاً إلى أنّ القياس مع الفارق إذ أدلة وجوب الوفاء بالعقد إرشاد إلى الفساد لا الحكم التكليفي فلاحظ.

الثالث: أنّ وجوب التصدق موجب للقصر في الملكية ناحية تعلق حق الفقراء بالشيء المنذور كالعين المرهونة المتعلقة لحق المرتهن و لذا قلنا سابقاً بأنّ الرهن مانع عن تعلقالزكاة.

أورد عليه: بأن النذر لا يوجب حقاً للفقراء و قياسه بالرهن قياس مع الفارق و لذا لا يجوز التصرف في العين المرهونة بخلاف العين المنذورة فللناذر التصرف الخارجية و كذا أن الرهن موجب لتسلط المرتهن على العين المرهونة و بيعها قهراً على الراهن عند امتناعه

ص: 36

عن الأداء، بخلاف العين المنذورة إذ ليس للفقراء نذر المال المنذور قهراً من المالك، و كذا لو نذر للشخص خاص و ليس هذا إلا وجوب الوفاء غير المانع من التصرفات.

الرابع: أنّ الفعل المتعلق للنذر أعني التصدق بما أنه يجعله الناذر لله تعالى يكون المال المنذور متعلقاً لحق الله تبارك و تعالى شأنه و لأجله كانت الملكية قاصرة فقهراً تكون قاطعة للحول فلا زكاة، و هذا الاستدلال يرجع إلى أمرين:

الأول: أنّ النذر موجب لتعلق حق الله تبارك و تعالى على المال.

و الثاني: أنّ هذا الحق موجب للقصر في الملكية.

أورد عليه: أولاً: بأن النذر لا يوجب الحق بل قوله لله تعالى عليّ ليس إلا الحكم التكليفي نظير قوله تعالى: {و لله على الناس حج البيت}(1) فمعنى لله عليه، ايجاب شيء عليه، فكما أن الآية الشريفة ظاهرة في الايجاب و جعل الحج على نفسه و التزامه به لله تعالى فكذلك ما نحن فيه لا يوجب إلا الالتزام به على نفسه لله تعالى و لا يوجب ملكاً لله تبارك و تعالى فالنذر معناه جعل الوجوب على نفسه و ليس معناه كون المنذور ملكاً لله فهل يمكن أن يقال بأنّ الآية تدل على كون الحج ملكاً لله تبارك و تعالى.

و ثانياً: لو سلمنا ذلك في الحج لا نسلمه في النذر لأنّ الملكية المزعومة إنما حدثت بفعل الناذر لا بفعل الله تبارك و تعالى و هذا يرتبط بالناذر بأنه هل قصد الملكية كمايعتبر في مثل قوله «هذا لك» كما يعتبرها في الهبة و الصدقة و أمثال ذلك أم لا؟ بل الناذر يلتزم على نفسه تعهد بفعل لله تعالى و ايجاب له على نفسه لا غير، و من المعلوم هذا الأمر لا يوجب قصراً في ملكيته.

و ثالثاً: سلمنا أن التصدق ملك لله تبارك و تعالى لكن بما أنه فعل الناذر و لا يوجب ذلك حقاً له تعالى في متعلق فعله أي المال لعدم الدليل على ذلك فإن التصدق إن

ص: 37


1- آل عمران / 97

كان مقيداً بالمال، لكن التقيد جزء و القيد خارج فلا المال مملوكٌ و متعلق لأحد، نعم المال كما تقدم متعلق للتكليف بتسليم التصدق إلى مالكه فحفظ المال لازم من باب المقدمة لاتیان التكليف و غايته الأمر فيها الوجوب التكليفي و أما القصر في الملكية بحيث لا ينفذ التصرف الإعتباري فلا، و لذا لو باع المال يكون البيع صحيحاً اجماعاً.

أقول: إنّ المستفاد من حديث محمد بن يحيى الخثعمي قال: كنا عند أباعبدالله (علیه السلام) جماعة إذ دخل عليه رجل من موالى أبي جعفر (علیه السلام) فسلم عليه ثم جلس و بكى ثم قال له: جعلت فداك! إني كنت اعطيت الله عهداً إن عافاني الله من شيء كنت أخافه على نفسي أن أتصدق بجميع ما أملك و إن الله عافاني منه و قد حولت عيالي من منزلي إلى قبة في خراب الأنصار و قد حملت كل ما أملك فانا بايع داري و جميع ما أملك فأتصدق به؟ فقال أبوعبدالله (علیه السلام): انطلق و قوّم منزلك و جميع متاعك و ما تملك بقيمة عادلة و اعرف ذلك ثم اعمد إلى صحيفة بيضاء فاكتب فيها جملة ما قوّمت ثم انظر إلى أوثق الناس في نفسك فادفع اليه الصحيفة و اوصه و مره ان حدث بك حدث الموت ان يبيع منزلك و جميع ما تملك فيتصدق به عنك ثم ارجع الى منزلك و قم في مالك على ما كنت فيه فكل انت و عيالك مثل ما كنت تأكل ثم انظر كل شيء تصدق به فيما تستقبل من صدقة أو صلة قرابة أو في وجوه البر فاكتب ذلك كله و أحصه فإذا كان رأس السنة فانطلق الى الرجل الذي أوصيت إليه فمره أن يخرج

إليك الصحيفة ثم اكتب فيها جملة ما تصدقت و أخرجت من صدقة أو برّ في تلك السنة ثم افعل ذلك في كل سنةٍ حتى تفي لله بجميع ما نذرت فيه و يبقى لك منزلك و ما لك إن شاء الله قال: فقال الرجل فرجت عني يا ابن رسول الله جعلني الله فداك(1) بقاء الملك على ملك مالكه و لا يخرج عن ملكه بحيث يترتب عليه جميع ما يترتب على الملك،

ص: 38


1- الوسائل، الباب 14 من أبواب النّذر و العهد، الحدیث: 1

«و المدار في التمكن على العرف و مع الشك يعمل بالحالة السابقة و مع عدم العلم بها فالأحوط الإخراج» (1)

لكن يعارضها ما رواه ابن أبي عميرٍ عن غير واحدٍ من أصحابنا عن أبي عبد اللّه (علیه السلام) في الرّجل تكون له الجارية فتؤذيه امرأته أو تغار عليه فيقول هي عليك صدقةٌ فقال إن كان جعلها للّه و ذكر اللّه فليس له أن يقربها و إن لم يكن ذكر اللّه فهي جاريته يصنع بها ما شاء.(1)

(1) أقول: تعرض الماتن (رحمه اللّه) في المقام لعدة امور:

الأول: أنّ المدار في التمكن هو العرف و هذا ظاهر واضح لأنّ العرف هو المدار في المفاهيم و كلمة التمكن و إن لم يرد في رواية لكنه موجود في كلمات الأصحاب و معقد الاجماعات كما تقدم، نعم عنوان كون المال عنده أو تحت يده أو عند ربه موجود في الروايات و على كل حال الأمر واضح لا شك فيه.

الثاني: أنه مع الشك يعمل بحالة السابقة كما إذا كان متمكناً من التصرف و الآن نشك لأجل أمر خارجي، نستصحب الحالة السابقة.

الثالث: مع عدم العلم بالحالة السابقة فالأحوط الإخراج.

ظاهر العبارة كما استفاد بعض الأعلام بيان الشك بنحو الشبهة المفهومية إلا أنه لابدمن البحث في جهتين:

الجهة الاولى: بالنسبة إلى الشبهة المفهومية و اخرى من جهة الشبهة المصداقية، أما الاولى: فالظاهر وجوب الزكاة عند الشبهة المفهومية سواء قلنا بجريان الاستصحاب في الشبهة المفهومية أم لا، لوجود الإطلاق في المقام و الدليل المنفصل و إن أوجب التقييد لكن أمره دائر بين الأقل و الأكثر فمع الشك في التقييد الزائد المرجع هو الإطلاق

ص: 39


1- الوسائل، الباب 23 من أبواب النّذر و العهد، الحدیث: 2

كما حقق في محله و حينئذٍ فلابد من الإلتزام بوجوب الزكاة لا الإحتياط فكيف بالبرائة.

و أما الجهة الثانية: أعني كون الشبهة المصداقية كما إذا كان متمكناً سابقاً و احتمل أنه سرقه سارق أثناء الحول شهراً أو شهرين و لم يكن متمكناً من التصرف فيه و حينئذٍ لا مانع من جريان الاستصحاب لاحراز الموضوع و لا مجال لجريان الاحتياط في المقام إذ لولا الاستصحاب يكون المرجع هو البرائة إذ الشك في الحقيقة يرجع إلى الشك في التكليف لأن الشك في شرط الوجوب مستلزم للشك في فعلية الشرط أي الوجوب و من المعلوم أن الشك في الحكم يكون المرجع هو البرائة فقوله: فمع عدم العلم فالأحوط الإخراج ليس على ما ينبغي له إذ المورد لو كان من الشك في المفهوم فالمرجع هو الإطلاقات و الحكم بالوجوب و إلا يكون المرجع هو البرائة.

ص: 40

«السادس: النصاب كما سيأتي تفصيله»

«مسألة 1: يستحب للولي الشرعى اخراج الزكاة في غلات غير البالغ يتيماً كان أو لا، ذكراً كان أو انثى، دون النقدين و في استحباب اخراجهما من مواشيه اشكال و الأحوط الترك» (1)

(1) الكلام في هذه المسئلة يقع في جهات:

الجهة الاولى: في استحباب الزكاة في مال اليتيم إذا كان صامتاً فالظاهر أنه لا خلاف في عدم استحبابها كما في بعض الكلمات و الظاهر أنه لا دليل على الاستحباب بل الدليل قائم على عدمه و ما یترأی منه من الحكم بالزكاة في صورة الاتجار فسيأتي الكلام فيه إن شاء الله تعالى.

الجهة الثانية: في استحبابها في المواشي، الظاهر أنه لا دليل عليه إلا من إلحاقها بالغلات و عدم القول بالفصل كما قد يدعى لكن في الإلحاق نظر لعدم الدليل و عدم القول بالفصل لو كان اجماعاً لا دليل على حجيته إلا إذا كان كاشفاً عن قول المعصوم (علیه السلام) و في الجميع اشكال.

الجهة الثالثة: في الغلات فالمشهور بين الأعلام هو الاستحباب بل نقل عن السيد المرتضى (رحمه اللّه) القول بالوجوب و استدل على القول بالوجوب بما رواه عن زرارة و محمّد بن مسلمٍ أنّهما قالا ليس على مال اليتيم في الدّين و المال الصّامت شي ءٌ فأمّا الغلّات فعليها الصّدقة واجبةً.(1) لكن قد يقال بأنه معارض بما عن أبي بصيرٍ عن أبي عبد اللّه (علیه السلام) أنّه سمعه يقول ليس في مال اليتيم زكاةٌ و ليس عليه صلاةٌ و ليس على جميعغلّاته من نخلٍ أو زرعٍ أو غلّةٍ زكاةٌ و إن بلغ اليتيم فليس عليه لما مضى زكاةٌ و لا عليه

ص: 41


1- الوسائل، الباب 1 من أبواب من تجب عليه الزّكاة، الحدیث:2

لما يستقبل حتّى يدرك فإذا أدرك كانت عليه زكاةٌ واحدةٌ و كان عليه مثل ما على غيره من النّاس.(1) فلابد من العلاج.

قد يقال بأن الرواية الاولى تحمل على الاستحباب لصراحة الثانية على عدمه فنرفع اليد عن ظاهر الاولى بصراحتها.

لكن ناقش في هذا الحمل جماعة من الأعلام (رحمه اللّه) بأنّ الحمل عليه ليس بأولى من حمل الرواية الاولى على التقية حيث ان العامة ذهبوا إلى الوجوب مطلقاً.

أورد على هذا الحمل بأن الحمل على التقية إنما يصح إذا لم يكن جمع عرفي في المقام فمع وجوده لا ملزم على هذا الحمل بل لا مجال لهذا الحمل إذ الحمل على التقية موضعه التعارض فمع عدم التعارض لا موضوع له.

اُجيب عن هذا الايراد بأن الكبرى صحيحة لكن الكلام في الصغرى إذ المورد من موارد التعارض بلا شبهة، لأنّ في دليل الأول ثبوت الزكاة على غلات اليتيم بقوله (علیه السلام): «فأما الغلات فعليها الصدقة واجبة» و في الدليل الثاني «ليس على جميع غلاته من نخل و زرع أو غلة زكاة» و من الواضح عرفاً أنهما متعارضان و بما ذكرنا يظهر الاشكال في الحمل الأول أيضاً إذ الحمل على الاستحباب لابد أن يكون أحدهما قرينة على الآخر كما إذا قال في دليل افعل و في دليل آخر لا بأس بتركه فإن العرف يرى الثاني قرينة على حمل الأول على الاستحباب و ترفع اليد عن ظاهر الأول بنص الثاني و في المقام ليس كذلك كما تقدم.

ثم ان السيد الخوئي (قدس سره ) بعد ما قال بمثل ما ذكرناه و ناقش في الحمل على التقية لأنه لم يوجد في كلمات العامة ما يقول بوجوب الزكاة في مال اليتيم بالنسبة إلى الغلات

بخصوصها بل الموجود في قولهم وجوبها في مال اليتيم مطلقاً من غير فرق بين الغلات و

ص: 42


1- الوسائل، الباب 1 من أبواب من تجب عليه الزّكاة، الحدیث:11

«نعم إذا اتجر الولى بماله يستحب اخراج زكاته أيضاً» (1)

غيرها فالحمل على التقية مشكلٌ.

أقول: إن قوام المعارضة بحجية الروايتين في حد نفسهما لكن الذي يسهل الخطب أن رواية أبي بصير ضعيفة كما تقدم لضعف إسناد الشيخ إلى على بن الحسن الفضال فلا مجال لهذه المحامل فلاحظ.

و أما قضية حديث الرفع الذي استدل به بعض الأعلام لعدم الوجوب فقد تقدم الكلام فيه و قلنا بأنه لا يرتبط بالمقام فراجع، فالقول بالوجوب على حسب الصناعة متعين، لكن حيث إنه خلاف المشهور فالأحوط الإخراج.

(1) على المشهور بل ادعى عليه الاجماع كما في بعض الكلمات لجملة من النصوص:

منها: ما رواه محمد بن مسلم: قال قلت لأبي عبدالله (علیه السلام): هل على مال اليتيم زكاة؟ قال: لا، إلا أن تتجر به أو تعمل به(1) و غيره من الروايات الواردة في ذلك الباب إلا أن ظاهر هذه النصوص الوجوب، لكنها حملت على الاستحباب لأمرين:

الأول: لجملة من الروايات الواردة في عدم وجوب الزكاة في مال التجارة، منها: ما رواه سليمان بن خالد قال: سئل أبوعبدالله (علیه السلام) عن رجل له مال كثير فاشترى به متاعاً ثم وضعه، فقال: هذا متاع موضوع فإذا أحببت بعته فيرجع إلىّ رأس مالي و أفضل منه هل عليه فيه صدقة و هو متاع؟ قال: لا، حتى يبيعه. قال: فهل يؤدى عنه إن باعه لما مضى إذا كان متاعاً؟ قال: لا(2) و منها: ما رواه زرارة قال: كنت قاعداً عند أبي جعفر (علیه السلام) و ليس عنده غير ابنه جعفر (علیه السلام) فقال: يا زرارة! إن أباذر و عثمان تنازعاعلى عهد رسول الله (صلی الله علیه و آله و سلم) فقال عثمان: كل مال من ذهب أو فضة يدار و يعمل به و يتجر به ففيه الزكاة إذا حال عليه الحول. فقال أبوذر: أما ما يتجر به أو دير و عمل

ص: 43


1- الوسائل، الباب 2 من أبواب من تجب عليه الزّكاة، الحدیث: 1
2- الوسائل، الباب 14 من أبواب ما تجب فيه الزّكاة، الحدیث: 2

به فليس فيه زكاة إنما الزكاة فيه إذا كان ركازاً كنزاً موضوعاً فإذا حال عليه الحول ففيه الزكاة فاختصما في ذلك إلى رسول الله (صلی الله علیه و آله و سلم) قال: فقال: القول ما قال أبوذر. فقال أبوعبدالله (علیه السلام) لأبيه: ما تريد إلا أن يخرج مثل هذا فكيف الناس أن يعطوا فقرائهم و مساكينهم؟ فقال أبوه: إليك عني لا أجد منها بُداً.(1)

و هذه الروايات و إن كانت موردها الا ما شذ غير اليتيم إلا انّا لا نحتمل أن يكون اليتيم أشدّ حالاً من البالغ فإذا لم يثبت فيه بمقتضى هذه النصوص لم يثبت في اليتيم بطريق الاولى.

الثاني: أنّ حكم الوجوب لو كان لبان فلا ينبغي التأمل في حمل تلك الروايات على الاستحباب.

أقول: أما الأمر الأول فالروايات المشار إليها في كلامه (رحمه اللّه) متعارضة كما ستعرف و هو (رحمه اللّه) مُقرّ بذلك كما سيأتي، فإذا كان الأمر كذلك كيف يكون قرينة على الحمل على الاستحباب و بذلك تعرف الاشكال في الاولوية، و أما الأمر الثاني فالظاهر أنه لا بأس به.

ثم ان الخطاب متوجه الی الولی من جهة انه هو المالك للتصرف فی اموال الصبی و الا ففی الحقیقة یكون الحكم الوضعی ثابتاً بالنسبة الی مال الصبی.

هذا كله فيما إذا كان الاتجار بمال اليتيم على وجه سائغ و أما إذا لم يكن كذلك كما إذا صدر عن غير الولى الشرعى و حينئذٍ قد يتّجر هذا الشخص لليتيم فلا يبعد الاستحباب فإن المعاملة و إن لم تكن صحيحة حسب الفرض لأنها وقعت فضوليةلكنها إذا صدرت يحكم بالصحة بمقتضى بعض الروايات الواردة الدالة على أن الربح لليتيم و الخسران على المتجر، منها: ما رواه سماعة بن مهران عن أبي عبدالله (علیه السلام) قال:

ص: 44


1- الوسائل، الباب 14 من أبواب ما تجب فيه الزّكاة، الحدیث: 1

قلت له: الرجل يكون عنده مال اليتيم فيتجر به أيضمنه؟ قال: نعم. قلت: فعليه زكاة؟ فقال: لا، لعمري لا أجمع عليه خصلتين: الضمان و الزكاة(1)

و منها: ما رواه زرارة و بكير عن أبي جعفر (علیه السلام) قال: ليس على مال اليتيم زكاة إلا أن يتجر به فإن اتجر به ففيه الزكاة و الربح لليتيم و على التاجر ضمان المال(2) و منها: ما رواه منصور الصيقل قال: سألت أباعبدالله (علیه السلام) عن مال اليتيم يعمل به، قال: فقال: إذا كان عندك مال و ضمنته فلك الربح و أنت ضامن للمال و إن كان لا مال لك و عملت به فالربح للغلام و أنت ضامن للمال(3) و مقتضيها صحة المعاملة فكأن الولى الأصلى (علیه السلام) أجاز هذه المعاملة فتشمله أدلة الاستحباب، لاحظ ما رواه سعيد السمان قال: سمعت أباعبدالله (علیه السلام) يقول: ليس في مال اليتيم زكاة إلا أن يتجر به فإن اتجر به فالربح لليتيم و إن وضع فعلى الذي يتجر به(4)

لكن الرواية ضعيفة سنداً باسماعيل بن مرار و هو و إن وقع في أسناد تفسير على بن ابراهيم لكنه غير مسلم(5) نعم تدل على ما ذكرنا رواية زرارة و بكير(6) و إن اتجر لنفسه.

فعن السيد الخوئي (قدس سره ) صحة هذا البيع الفضولي لشمول أدلة نفوذ الإجازة و قصد نفسه لا تأثير في بطلان المعاملة بل المعاملة تقع بين المالين فلا جرم يقع البيع لمالكهما الواقعي لا الادعائي فتصح مع الاجازة فإذا كان البيع لليتيم باجازة الولى الأصلى (علیه السلام) أو الشرعى كان الربح له فتشمله الأدلة المتقدمة الدالة على الاستحباب

ص: 45


1- الوسائل، الباب 2 من أبواب من تجب عليه الزّكاة، الحدیث: 5
2- نفس المصدر، الحدیث: 8
3- نفس المصدر، الحدیث: 7
4- نفس المصدر، الحدیث: 2
5- لكن التوثیق العام، بالنسبة الی تفسیر علی بن ابراهیم القمی غیر مسلّم
6- قد تقدّم آنفاً

«و لا يدخل الحمل في غير البالغ فلا يستحب اخراج زكاة غلاته و مال تجارته» (1)

«و المتولي لاخراج الزكاة هو الولى و مع غيبته يتولاه الحاكم الشرعى و لو تعدد الولى جاز لكل منهم ذلك و من سبق نفذ عمله و لو تشاحوا في الاخراج و عدمه، قُدم من يريد الاخراج» (2)

الواقعي لا الادعائي فتصح مع الاجازة فإذا كان البيع لليتيم باجازة الولى الأصلى (علیه السلام) أو الشرعى كان الربح له فتشمله الأدلة المتقدمة الدالة على الاستحباب إلا أن يقال بأنّ الأدلة منصرفة عن هذه الموارد نظراً إلى أن الظاهر منها أن تكون التجارة بمال اليتيم لليتيم و أما إذا وقعت فضولية فلا تشملها فلا استحباب كما صرح به المحقق (رحمه اللّه) في الشرايع فتأمل.

و أما التجارة فلا تجب عليه الزكاة جزماً و لا تستحب له لعدم كونه مالكاً للمال و يؤيده ما رواه سماعة بن مهران عن أبي عبد اللّه (علیه السلام) قال: قلت له الرّجل يكون عنده مال اليتيم فيتّجر به أ يضمنه قال نعم قلت فعليه زكاةٌ فقال لا لعمري لا أجمع عليه خصلتين الضّمان و الزّكاة.(1)

(1) لانصراف الأدلة عن هذا المورد فلا تعم الحمل فلا زكاة عليه و إن كانت له حصة من المال.

(2) كسائر الموارد التي يكون المتصدي فيها هو الولى الشرعي على الترتيب فإن كان شخصاً خاصاً فهو و إلا فتصل النوبة إلى الحاكم الشرعى كما في جميع الموارد و ما نحن فيه منها، و أما رواية أبي العطارد الحناط قال: قلت لأبي عبدالله (علیه السلام): مال اليتيم يكون عندي فأتجر به، فقال: إذا حركته فعليك زكاته. قال: قلت: فإني احركه ثمانية أشهر و

ص: 46


1- الوسائل، الباب 2 من أبواب من تجب عليه الزّكاة، الحدیث: 5

«و لو لم يؤد الولى إلى أن بلغ المولى عليه فالظاهر ثبوت الاستحباب بالنسبة إليه» (1)

«مسألة 2: يستحب للولى الشرعى اخراج زكاة مال التجارة للمجنون دون غيره» (2)

أدعه أربعة أشهر؟ قال: عليك زكاته(1)

التي ذكرها بعض الأعلام مضافاً إلى أنها ضعيفة سنداً مختلفة من حيث النسخ إذ في بعضها «و عليه الزكاة».

و أما في مورد التعدد جاز لكل منهم ذلك كالواجب الكفائي، و أما في مورد التشاح قدم من أراد الاخراج على من لا يريده لأنه غير مشروط بارادة الاخراج كما هو المفروض.

(1) فإن الظاهر من النص ثبوت الزكاة في ماله المتجر به وضعاً فإذا أدى الولى المفروض كونه متصدياً لتصرف أمواله فهو و إلا فالزكاة عليه نفسه استحباباً و على تقدير الشك فبمقتضى الاستصحاب ذلك لكنه متفرع على القول بجريانه في الأحكام الكلية و إلّا فلا.

(2) أقول: أما خطاب الحكم الاستحبابي إلى الولى فمن أجل ما ذكرنا في الصبى بأنه هو المالك للتصرف على تقدير استحباب الزكاة في مال المجنون و إلا فهو غير قابل للخطاب بالنسبة إلى الحكم التكليفي، نعم ثبوته في مال المجنون صار منشأ لتوجه الخطاب إلى الولى لما ذكرناه و كيف كان الحكم بالاستحباب محكى عن غير واحد من المتأخرين كما حكي عن صاحب الحدائق (رحمه اللّه) و المحقق النراقي (رحمه اللّه) و المحقق الهمداني (رحمه اللّه)

ص: 47


1- الوسائل، الباب 2 من أبواب من تجب عليه الزّكاة، الحدیث: 3

«من النقدين كان أو من غيرهما» (1)

و استدل على ذلك بما رواه عبدالرحمان بن الحجاج قال: قلت لأبي عبدالله (علیه السلام): أمراة من أهلنا مختلطة أعليها زكاة؟ فقال: إن كان عمل بها فعليها زكاة و إن لم يعمل به فلا(1)

و ما رواه موسى بن بكر قال: سألت أباالحسن (علیه السلام) عن أمراة مصابة و لها مال في يد أخيها هل عليه زكاة؟ قال: إن كان أخوها يتّجر به فعليه زكاة(2) ظاهر هاتين الروايتين و إن كان هو الوجوب لكن ترفع اليد عن ظاهرهما و حملتا على الاستحباب لما ذكرناه في الصبى من جهة ورود الروايات في استحباب الاخراج بالنسبة إلى مال التجارة لكن قد ذكرنا ما خطر ببالنا هناك فراجع.

مضافاً إلى أنّ الروايتان قابلتان للخدش من حيث السند، أما الاولى فبمحمد بن اسماعيل و أما الثانية فبموسى بن بكر، فالحكم بالاستحباب مشكلٌ جداً مع أنّ الأصل في المقام عدم جواز التصرف في مال المجنون إلا بإذن الشارع.

(1) لاطلاق النص فإن المال يصدق عليهما و على غيرهما، لكن الإشكال في أصل الحكم لضعف الدليل فلاحظ.

ص: 48


1- الوسائل، الباب 3 من أبواب من تجب عليه الزّكاة، الحدیث: 1
2- نفس المصدر، الحدیث: 2

«مسألة 3: الأظهر وجوب الزكاة على المغمى عليه في أثناء الحول و كذا السكران فالإغماء و السكر لا يقطعان الحول فيما يعتبر فيه و لا ينافيان الوجوب إذا عرض حال التعلق في الغلات» (1)

(1) في المسئلة فرعان:

الأول: وجوب الزكاة على المغمى عليه.

الثاني: وجوبها على السكران.

أما الأول: قال في الجواهر: أما المغمى عليه فالأقوى فيه ما ذكره في المدارك (أي الوجوب) بل يظهر منه كما هو استظهر من المدارك عدم استثناء الأصحاب المغمى عليه، اتفاق الأصحاب في ذلك و استدل على ذلك باطلاق الأدلة و عدم ما يوجب التقييد و قياسه بالمجنون قياس مع الفارق لوجود الدليل في المجنون بخلاف المغمى عليه.

و أما الثاني: أي السكران فالأمر فيه كما ذكر في المغمى عليه لعين الملاك و قد يستدل على وجوب الزكاة في هذه الموارد و أمثالها كالنائم و الساهي بأن القدرة إنما هو شرط في التكليف فقط دون الوضع و عليه فما دل من الروايات على الوضع عام يشمل أموال المغمى عليه و السكران و نحوهما إذ لا يحكم العقل إلا باشتراط القدرة في التكليف دون الوضع.

أجاب عنه المحقق الخوئي (قدس سره ) بأنه لا دليل على ثبوت الحكم الوضعي على الاطلاق حتى يمكن الاستدلال على الوجوب فيما نحن فيه بالطلاق بل الأدلة التي يترأى منها الوضع ناظرٌ إلى بيان مقدار الزكاة بالنسبة إلى من تجب عليه الزكاة مثل «في خمس من الإبل شاة» أو «فيما سقته السماء العشر» و أما أنها على من تجب و على من لا تجب فهي غير ناظرة إليه فالدلالة قاصرة.

أقول: قد تقدم أنّ الأدلة الدالة على الوضع على نحو الاطلاق موجودة فراجع ما ذكرناه

ص: 49

هناك، و أما ما أجابه (رحمه اللّه) بعد القول بعدم وجود المطلق في المقام مشكلٌ جداً مع اعترافه (رحمه اللّه) في ذيل مسئلة 1 عند قول المصنف «لو لم يؤد الولى» فالظاهر ثبوت الاستحباب بالنسبة إليه (إنّ مفاد الأخبار أنّ في هذا المال زكاة من غير أن تتضمن الخطاب بشخص خاص)، أفلا يكون إلّا الحكم الوضعى؟

حيث أفاد (رحمه اللّه) على ما في التقرير بأنّ التكليف لم يكن موقتاً إلا من ناحية المبدأ و هو بلوغ النصاب و أما من حيث المنتهى فلا أمد له و المفروض أنّ هذا التكليف مشروط بالقدرة بحكم العقل فإذا كان عاجزاً أول زمان التعلق لكونه مغمى عليه أو سكراناً ثم ارتفع العذر و تجددت القدرة، فأي مانع من التمسك حينئذٍ باطلاق الأمر بوجوب الزكاة؟ فإن التكليف و إن لم يكن متعلقاً بهذا الشخص في بدء حدوثه إلا أنه لم یكن مقيد بهذا الوقت بل هو بعد حدوثه باقٍ و مستمر فلا مانع من شموله له بقاءً بعد أن حصلت له القدرة.

لكن الكلام في انقطاع الحول بالاغماء و السكر و عدمه فيما يعتبر فيه الحول و إلا ففيهما لا يعتبر فيه ذلك فالأمر كما أفاده و لذا لابد من أن يبحث في مانعية الأمرين و عدمها إذ التكليف كما أنه مشروط بالقدرة حين التعلق كذلك مشروط بالحول في بعض الموارد كزكاة المواشي، فالحكم في الزكاة و إن لم يكن محدوداً من حيث المنتهى إذا تعلق بالشيء الزكوي، لكن الكلام في حدوث الوجوب إذا كان الإغماء مثلاً حدث أثناء الحول كما هو المفروض و حينئذٍ فلابد من صرف عنان البحث إلى أنّ الدليل على المانعية موجود أم لا؟

و الظاهر أنه لا دليل عليها فالمحكم أدلة الوجوب لعدم ثبوت المخصص فلا يقاس بالجنون لوجود الدليل فيه على ما تقدم.

أما القول بأنّ المغمى عليه لا يقدر على التصرف الخارجى فشرط التمكن مفقود بالنسبة إليه فيكون قاطعاً للحول كما تقدم فغير صحيح، لانصراف أدلة التمكن عن هذا المورد

ص: 50

«مسألة 4: كما لا تجب الزكاة على العبد كذا لا تجب على سيده فيما ملكه على المختار من كونه مالكاً و أما على القول بعدم ملكه فيجب عليه مع التمكن العرفي من التصرف فيه» (1)

«مسألة 5: لو شك حين البلوغ في مجيء وقت التعلق من صدق الاسم و عدمه أو علم تاريخ البلوغ و شك في سبق زمان التعلق و تأخره ففي وجوب الاخراج اشكالٌ لأنّ أصالة التأخر لا تثبت البلوغ حال التعلق و لكن الأحوط الإخراج و أما إذا شك حين التعلق في البلوغ و عدمه أو علم زمان التعلق و شك في سبق البلوغ و تأخره أو جهل التاريخين فالأصل عدم الوجوب» (2)

كالنوم، فتأمل.

(1) أما عدم وجوبها على العبد في صورة التملك فللنص كما تقدم و أما وجوبه على السيده، فهو مشروط بالتمكن كما تقدم مفصلاً.

(2) قد تعرض الماتن (رحمه اللّه) في هذه المسئلة ثلاث فروع:

الفرع الأول: أن يعلم المكلف زمان البلوغ، لكن يشك في أصل التعلق أو في وقت التعلق بعد العلم بأصله و لا يدري هل كان حدوثه قبل زمان البلوغ حتى لا تجب عليه الزكاة أو بعده حتى تجب.

أفاد المصنف (رحمه اللّه) بأنه مشكلٌ، وجه الاشكال أنّ ما يمكن أن يكون دليلاً عليه القاعدة المعروفة عند جماعة من الفقهاء و هي أصالة تأخر الحادث.

لكن المتأخرين كما أفاد المحقق الخوئي (قدس سره ) لم يلتزموا بهذه القاعدة لأنّ أصالة عدم تأخرللحادث ترجع في الحقيقة إلى الاستصحاب لا غیر و من المعلوم أنّ الاستصحاب إنما

ص: 51

يكون حجة بالنسبة إلى الآثار المترتبة على نفس المستصحب شرعاً و أما لوازمه العقلية أو العادية فلا يترتب عليه لعدم حجية الاصول المثبتة، ففيما نحن فيه فإذا علم أنّ يوم البلوغ هو يوم الخميس مثلاً فإذا شك في أصل التعلق أو شك في تقدم التعلق على البلوغ و تأخره عنه فاستصحاب عدم تعلق الزكاة إلى يوم الجمعة غير حجة لعدم أثر شرعي على عدم التعلق بل الأثر مترتب على التعلق حال البلوغ أو بعده و الأصل المزبور أي الاستصحاب المذكور لا يترتب عليه تحقق التعلق بعده أو حينه إلا على القول بالأصل المثبت الذي لا نقول به و حينئذٍ يكون الشك في ثبوت الوجوب حال البلوغ أو بعده فالأصل البرائة كما هو كذلك في جميع الشبهات الحكمية، فالحكم بالاحتياط الوجوبي كما هو ظاهر كلام المصنف (رحمه اللّه)، لا نرى له وجهاً.

الفرع الثاني: أن يفرض عكس ذلك بأن كان زمان التعلق معلوم و الشك في البلوغ سواءٌ كان في أصله أو تقدمه على التعلق و تأخره عنه.

أفاد الماتن (رحمه اللّه) بأنّ الأصل عدم الوجوب، و الظاهر أنّ ما أفاده متينٌ بعين الملاك المتقدم بأنّ استصحاب عدم البلوغ إلى زمان التعلق لا يثبت التعلق حال البلوغ أو بعده.

الفرع الثالث: أن يكون كلا الأمرين مجهولاً فإن قلنا بمقالة المحقق صاحب الكفاية (رحمه اللّه) من عدم جريان الاستصحاب في مجهولي التاريخ، فلا مجال لجريانه فيكون المرجع الأصل الحكمي و هو البرائة و أما إذا لم نقل بهذه المقالة بل قلنا بجريانه فالاستصحابين يتعارضان و يتساقطان فتصل النوبة إلى أصل آخر و هو البرائة.

لكن أفاد المحقق الخوئي (قدس سره ) بأنه لا تصل النوبة إلى الأصل الحكمي.

بيان ذلك: أنه لا فرق في جريان الاستصحاب بين معلوم التاريخ و مجهوله إذ المعلوم، و إن لم يكن مورداً للشك بالإضافة إلى عمود الزمان إلّا أنه بالقياس إلى الحادث الآخرمن حيث التقدم أو التأخر عنه فهو مشكوك فيه بالوجدان فإذا فرضنا العلم بالبلوغ يوم الخميس و الشك في حدوث التعلق قبله أو بعده فللبلوغ اضافتان، اضافة إلى

ص: 52

الزمان و اضافة إلى التعلق و المعلوم إنما هو معلوم بالنسبة إلى الاضافة الاولى و أما بالنسبة إلى الاضافة الثانية فهو مشكوك، بأنا لا ندري أن البلوغ هل هو سابق على الزمان الواقعي للتعلق أو أنه لاحق و مع هذا الشك لا مانع من استصحاب بقاء العنوان أي عنوان الصغر إلى زمان التعلق المنتج لعدم الوجوب إذ الموضوع للوجوب البالغ حال كونه مالكاً أو المالك حال كونه بالغاً فبالاستصحاب أي استصحاب اليتم إلى زمان التعلق ينفي الموضوع و لا يعارضه أصالة عدم التعلق إلى زمان البلوغ ضرورة أن الموضوع للأثر صدق التعلق بعد البلوغ لا عدمه قبله، فاستصحاب عدم التعلق إلى زمان البلوغ لا يثبت التعلق بعد البلوغ إلّا على الأصل المثبت الذي لا نقول به فالمحكم هو استصحاب بقاء عنوان الصغر إلى زمان التعلق المنتج لعدم الوجوب فلا تصل النوبة إلى الأصل الحكمي أي البرائة.

لكن أفاد سيدنا الاستاد (رحمه اللّه) في المرتقى بأنه لابد من ملاحظة المبنى من كفاية التقارن و عدمه فإن قلنا بالكفاية فأصالة عدم التعلق إلى زمان البلوغ معارض بأصالة عدم البلوغ إلى زمان التعلق و مع التساقط تصل النوبة إلى الأصل الحكمي و أما إذا لم نقل بذلك بل اشترطنا كون التعلق بعد البلوغ فأصالة عدم التعلق إلى زمان البلوغ لا يثبت كون التعلق بعد البلوغ المنتج للوجوب لأنها مثبتة فالمحكم استصحاب بقاء عنوان الصغر إلى زمان التعلق المنتج لعدم الوجوب لأنه في وقت التعلق مال الصغير بمقتضى الاستصحاب لكن المستفاد من الروايتين(1) كفاية التقارن، إنما الاشكال في أن استصحاب عدم البلوغ إلى زمان التعلق أو استصحاب عدم التعلق إلى زمان البلوغ، لا يثبت التقارن إلا بالأصل المثبت الذي لا نقول به.

ص: 53


1- الوسائل، الباب 1 من أبواب من تجب عليه الزّكاة، الحدیث: 3 و 5

«و أما مع الشك في العقل فإن كان مسبوقاً بالجنون و كان الشك في حدوث العقل قبل التعلق أو بعده فالحال كما ذكرنا في البلوغ من التفصيل و إن كان مسبوقاً بالعقل فمع العلم بزمان التعلق و الشك في زمان حدوث الجنون، فالظاهر الوجوب و مع العلم بزمان حدوث الجنون و الشك في سبق التعلق و تأخره، فالأصل عدم الوجوب و كذا مع الجهل بالتاريخين» (1)

(1) بتقريب أن العقل العارض بعد الجنون لما كان حادثاً مسبوقاً بالعدم فهو كالبلوغ المسبوق بالصباء، قد ظهر الحال في هذا الفرض مما ذكرنا في الفرع الأول و الثاني و الثالث فإن مقتضى الصناعة عدم الوجوب لأنّ استصحاب بقاء الجنون إلى زمان التعلق السليم عن المعارض كما تقدم يقتضي عدم الوجوب.

و قد فصّل الماتن (رحمه اللّه) في هذا الفرع بين ما إذا علم زمان التعلق و شك في تاريخ الجنون فبمقتضى استصحاب بقاء العقل إلى زمان تعلق وجوب الزكاة و بين ما إذا علم زمان الجنون و الشك في وقت التعلق فحيث ان الشك يكون في تعلق التكليف حال العقل يكون المرجع أصالة عدم الوجوب.

لكن أفاد المحقق الخوئي (قدس سره ) في الحاشية ما هو نصه: «بل مقتضى الأصل هو الوجوب فإن استصحاب بقاء العقل إلى زمان التعلق يترتب عليه وجوب الاخراج و أما استصحاب عدم التعلق إلى زمان الجنون فلا يترتب عليه كون المال حال التعلق مال المجنون و ما لم يثبت ذلك لم يجب الاخراج لأن الخارج عن دليل وجوب الزكاة هو ما كان مال المجنون».

و قد أفاد في وجه ما ذكر على ما في التقرير أنّ استصحاب بقاء العقل إلى زمان التعلق الذي نتيجته وجوب الزكاة باعتبار عروض التعلق في مال من هو محكوم بالعقل ببركة

ص: 54

الاستصحاب بعد ضم الوجدان إليه حيث إن الإحمرار متيقن و كونه مال العاقل ثابت بالاستصحاب، و أما استصحاب عدم التعلق إلى زمان الجنون فلا يثبت التعلق بعد الجنون كي تنتفي عنه الزكاة فإن موضوع الاستثناء هو مال المجنون و لا يثبت بالأصل المزبور أنّ التعلق كان بعد الجنون.

أورد عليه سيدنا الاستاد (رحمه اللّه) في المرتقى أولاً بأنّ مبنى جريان الأصل في معلوم التاريخ غير واضح عندنا كما هو المحرر في بحث الاصول، لكن هذا الاشكال مبنائي و ثانياً أن التخصيص بالمجنون لا يعطى العام عنوانا وجودياً و عنوان العاقل، بل يكون المأخوذ حينئذٍ عنوانا عدمياً و هو عدم الجنون كما هو مختاره (رحمه اللّه) في بحث الاصول مع أنّ ظاهر عبارته يعطي خلاف ذلك كما لا يخفى.

قد ظهر مما ذكرنا من الجواب عن الاشكال الثاني الاشكال في هذا الايراد أيضاً فلاحظ و تدبر، و بما ذكرناه من أوله إلى آخره يظهر الحال بالنسبة إلى مجهولي التاريخ و ثالثاً أنّ موضوع وجوب الزكاة إنما هو مال غير المجنون الذي صدق عليه الاسم و بما أنّا نشك في كون المال غير المجنون في زمان صدق الاسم فالأصل عدمه أي عدم كونه مال غير المجنون حال الصدق فينتفي وجوب الزكاة لا محالة و حينئذٍ فإذا فرضنا أنّ ما أفاده من استصحاب العقل إلى زمان صدق الاسم كان تاماً فلا محالة يقع التعارض بين الاستصحابين و يكون المرجع بعد ذلك هو الأصل الحكمي و هو البرائة كما هو ظاهر.

فالنتيجة: أنّ مقتضى الصناعة عدم الوجوب، إما بالأصل الموضوعي إذا لم يكن الأصل الثاني تاماً و إلّا فالأصل الحكمي أي البرائة تقتضي عدم الوجوب كي مع وجود الأصل الحاكم أي استصحاب بقاء العقل، لا تصل النوبة إلى استصحاب عدم حدوث الجنون إلى زمان التعلق حتى يكون معارضاً مع استصحاب عدم التعلق أو استصحاب عدم الإضرار إلى زمان حدوث الجنون فمع فرضه القول بكون التخصيص موجباً لعنوان العام

ص: 55

«كما أنّ مع الجهل بالحالة السابقة و إنها الجنون أو العقل كذلك» (1)

بالأمر العدم أي عدم الجنون لا مجال لاستصحابه.

(1) لأصالة البرائة عن الوجوب، لكن الاشكال في فرض المسئلة حيث إنها تارة نفرض فيما إذا لم تكن الحالة السابقة معلومة كما أنّ الحالة الفعلية أيضاً كذلك مثل ما إذا ملك شخص مقداراً من الأموال الزكوية و شك من أول أمره هل كان عاقلاً أم مجنوناً ففي هذا الفرض، الأظهر وجوب الزكاة عليه سواءٌ قلنا بأنّ الجنون مانع أو العقل شرط.

أما على الأول فإن مقتضى الاطلاقات وجوب الزكاة عليه، و احتمال الجنون حين التعلق منفي بالأصل كما في سائر الموارد التي تكون الاطلاقات موجودة و الشك في وجود المقيد كوجوب تجهيز الميت مع احتمال كونه كافراً بأنّ الاطلاقات تقتضي الوجوب و احتمال الكفر منتفيٌ بالأصل أي أصالة عدم تحققه.

و أما على الثاني فلاستقرار سيرة العقلاء على أصالة السلامة التي تكون من الاصول العقلائية كسائر الموارد التي تجري أصالة السلامة فيما يحتمل النقص في الخلقة الأصلية و لذا لا يصغى إلى دعوى المشتري العیب ليطالب بالفسخ أو الأرش أو ادعى القائل، الجنون ليرفع عنه الحد أو الدية و أمثال ذلك و حينئذٍ يدخل ما نحن فيه في المسئلة السابقة التي نعلم بمسبوقية العقل و الشك في عروض الجنون حال التعلق فيجري فيه ما ذكرناه سابقاً من وجوب الزكاة بمقتضى الاستصحاب فإنّ العقل لو ثبت بالوجدان نستصحبه إلى زمان التعلق و الإصفرار أو الإحمرار، كذلك يثبت باستقرار بناء العقلاء فلا فرق.

اخرى نفرض المسئلة على نحو توارد الحالتين مع الشك في المتقدم و المتأخر و تعلق الزكاة بعدهما كما إذا كان في يوم الإثنين عاقلاً أو مجنوناً و كذلك يوم الثلاثاء و في يوم الأربعاء تعلق الزكاة و حينئذٍ نشك في المتقدم من الحالتين و المتأخر منهما فإما نقول بمقالة المحقق صاحب الكفاية (رحمه اللّه) من عدم جريان الاستصحاب في مجهولی التاريخ و

ص: 56

«مسألة 6: ثبوت الخيار للبائع و نحوه لا يمنع من تعلق الزكاة إذا كان في تمام الحول و لا يعتبر ابتداء الحول من حين انقضاء زمانه بناء على المختار من عدم منع الخيار من التصرف فلو اشترى نصاباً من الغنم أو الإبل مثلاً و كان للبائع الخيار جرى في الحول من حين العقد لا من حين انقضائه»(1)

إما نقول بجريانه، أما على الأول فلا مقتضى لجريان الاستصحاب أي استصحاب بقاء العقل إلى زمان التعلق، و أما على الثاني فالاستصحابان متعارضان فتصل النوبة إلى البرائة.

(1) إذ الزكاة متوقفة على الملك و هو يحصل بمجرد العقد كما هو المشهور بين الأعلام خلافاً لما عن الشيخ الطوسى (رحمه اللّه) من توقف الملك على انقضاء الخيار.

لكن أورد عليه بفساد المبنى لأن الخيار متعلق بالعقد موجب لتزلزله و هو حق سبب لجواز ارجاع العين التي انتقلت إلى الطرف الآخر و لا يرتبط بالملك، فالملك ثابت بمجرد العقد سواء كان العقد سبباً للملكية اللازمة بالذات أو الجائزه بالذات كالهبة.

نعم يقع البحث من ناحية اخرى و هو أن الخيار هل يكون مانعاً عن التصرف كالرهن أم لا؟

ذهب الماتن (رحمه اللّه) إلى عدم المنع إذا الخيار حق متعلق بالعقد و لا ربط له بالعين، غاية الأمر يجوز لذي الخيار الفسخ إذا شاء و حينئذٍ لا مانع من تعلق الزكاة فإنه بالعقد يتحقق الملكالمطلق و أنه يجوز للمالك التصرف في العين بانحاء التصرفات، نعم قد يستثنى بعض أقسام الخيار و هو الخيار المشروط برد الثمن بأن البايع يشترط على المشترى أنه متى جاء بالثمن كان له فسخ البيع و حيث ان هذا البيع مشروط بحسب الإرتكاز بالتحفظ على العين و عدم التصرف فيها كي يتمكن ذوالخيار من استردادها،

ص: 57

فلا يجوز له التصرف الإعتبارى بل يلزمه الإبقاء و حينئذٍ قد يقال بأن الملك في المفروض، قاصرٌ لأنها متعلقة لحق الغير فيكون مثل العين المرهونة فلا زكاة.

لكن الجواب أن المستفاد من أدلة اشتراط الملك المطلق مانعية التصرفات الخارجية و أما التصرفات الإعتبارية فلا دليل على منعها عن الزكاة بل الحق المذكور مانع شرعاً عن هذه التصرفات فلو تصرف فغايته العصيان و أما بطلانها فلا و لذا قلنا بأنّ العين المنذورة صدقتها صح بيعها و إن كان الشخص آثماً في هذا التصرف، نعم لو كان الحق موجباً للقصر في الملك مثل الوقف و الرهن يكون مانعاً عن الزكاة لأنه يوجب القصر في السلطنة حيث لا سلطنة للموقوف عليهم و الراهن على هذه العين، و هذا بخلاف المقام لأنّ الشرط الإرتكازي المزبور المتعلق بالمحافظة على العين لا يتضمن إلّا الحكم التكليفي بوجوب حفظها و التسلط على العين فلا قصر فيه و لذا ليس لذي الخيار منعه عن التصرفات الخارجية بل لو مات المشتري انتقل المال إلى ورثته.

و الحاصل أنه لم يثبت حق متعلق بالعين ليمنع المشتري عن التصرفات فلا مانع عن تعلق وجوب الزكاة.

ص: 58

«مسألة 7: إذا كانت الأعيان الزكوية مشتركة بين اثنين أو أزيد يعتبر بلوغ النصاب في حصة كل واحد فلا تجب في النصاب الواحد إذا كان مشتركاً»(1)

«مسألة 8: لا فرق في عدم وجوب الزكاة في العين الموقوفة بين أن يكون الوقف عاماً أو خاصاً»(2)

(1) بلا خلاف فيه و لا اشكال كما في بعض الكلمات و الدليل على ذلك أن الحكم بوجوب الزكاة انحلالي بالنسبة إلى كل مكلف، فكل مكلف واجد للشرائط يجب عليه الزكاة فإذا كان كل من الشركاء واجداً للشرائط يجب عليه إياها فالمملوك بين الشخصين إذا بلغ حد النصاب یعتنی به، إذ كل مالك منهما لا يبلغ مملوكه قدر النصاب و لذا صرح في بعض النصوص أنّ من ملك تسعة عشر ديناراً أو درهماً مثلا لا تجب عليه الزكاة لكونها دون النصاب لاحظ ما رواه زرارة أنه قال لأبي عبدالله (علیه السلام): رجل عنده مائة و تسعة و تسعون درهماً و تسعة عشر ديناراً أيزكيها؟ فقال: لا، ليس عليه الزكاة في الدراهم و لا في الدنانير حتى يتم.(1)

(2) قد تقدم الكلام أنّ من شرائط وجوب الزكاة كون الملك طلقاً أي لا يكون ناقصاً و أن المالك متمكناً من التصرفات الخارجية تمام التصرف و حيث أنّ الوقف موجب لقصر الملك و أنه مانع عن التصرفات تام التصرف من غير فرق بين أن يكون الوقف عاماً أو خاصاً يكون مانعاً عن تعلق الوجوب إذ الوقف و إن كان سبباً للملك للموقف عليه لكن ليست له سلطنته مطلقة على العين الموقوفة بحيث يتصرف فيه بأى كيفية شاء إلا بمقدار الإنتفاع به و لذا لا يورث و الدليل عليه أنّ الموقوف عليه لاحقاً، یتلقی الملك من الواقف لا من السابق فيعتبر فيه الوقوف و السكون و لذا فسّر الوقف بأنه

ص: 59


1- الوسائل، الباب 5 من أبواب زكاة الذّهب و الفضّة، الحدیث: 1

«و لا تجب في نماء الوقف العام و أما في نماء الوقف الخاص فتجب على كل من بلغت حصته حد النصاب» (1)

تحبیس العين و تسبیل المنفعة فلا جرم يكون الملكية ناقصة و مثل هذا لا تتعلق عليه الزكاة.

(1) قد فصل الماتن (رحمه اللّه) بين الوقف العام و الوقف الخاص بوجوب الزكاة في الثاني دون الأول إذ الوقف العام تارة يفرض صرف نمائه في جهة معينة كما لو أوقف بستاناً ليصرف منافعه و ثمرته في سبيل الله تعالى أو في تعزية سيدالشهداء (علیه السلام) ففي هذا الفرض لا اشكال في عدم وجوب الزكاة لأن الجهة و إن كانت قابلة للمالكية إلا أنها غير مكلفة بتكليف، و اخرى يفرض أنه أوقف على عنوان عام كالفقراء و الطلاب و حينئذٍ يكون الموقوف عليه عنواناً عاماً فالمالك في الحقيقة هذا العنوان الكلي و لا زكاة إلا فيما ملكه آحاد المكلفين كما هو المستفاد من قوله تعالى: {خذ من أموالهم صدقة}(1) و الكلي لا يصير مالكاً إلا بعد القبض فهو قبل القبض لا تجب عليه الزكاة لأنّ الكلي لا يكون مكلفاً، و ثالثة يوقف الواقف على أشخاص معينة و حينئذٍ تجب عليهم الزكاة إذا بلغت حصته النصاب، إذ الموقوف عليهم يملكون النماء من حين الإنعقاد من غير حاجة إلى القبض فلا جرم تجب عليه الزكاة.

ص: 60


1- التّوبة / 103

«مسألة 9: إذا تمكن من تخليص المغصوب أو المسروق أو المجحود بالاستعانة بالغير أو البينة أو نحو ذلك بسهولة فالأحوط اخراج زكاتها و كذا لو مكن الغاصب من التصرف فيه مع بقاء يده عليه أو تمكن من أخذه سرقة بل و كذا لو أمكن تخليصه ببعضه مع فرض انحصار طريق التخليص بذلك أبداً و كذا في المرهون إن أمكنه فكّه بسهولة» (1)

(1) لكن عن المشهور عدم وجوب الزكاة لفقدان الشرط و هو التمكن الفعلي من التصرف، هذا من ناحية و من ناحية اخرى أنّ تحصيل شرط الوجوب غير لازم فلا تجب الزكاة لكن الماتن (رحمه اللّه) احتاط في المسئلة و قال: فالأحوط اخراج زكاتها، و لعل المنشأ حصول الملكية، فشرط الوجوب محقق لرواية زرارة عن أبي عبدالله (علیه السلام) أنه قال في رجل ماله عنه غائب لا يقدر على أخذه قال: فلا زكاة عليه حتى يخرج، فإذا خرج زكّاه لعام واحد فإن كان يدعه متعمداً و هو يقدر على أخذه فعليه الزكاة لكل ما مر به من السنين.(1)

أورد عليه المحقق الخوئي (قدس سره ) بأمرين:

الأول: أن ما ورد في غير واحد من الأخبار بكون المال عنده و تحت تصرفه هو المناط في الشرط، و حيث أنّ ما نحن فيه غير صادق عليه هذا العنوان فلا يكون الشرط محققاً و مقتضى الاطلاق عدم الفرق بين ما لو أمكن تحصيله بسهولة أو لم يكن، لأنّ تحصيل الشرط غير واجب.

الثاني: إن رواية زرارة مخدوشة سنداً و دلالة، أما الأول فلتطرق احتمال الارسال المسقط لها عن الحجية ذلك لتردد من روي عنه ابن بكير الناشي من اختلافات النسخ فإنالمذكور في الوافي في رواية عن زرارة و في التهذيب و الاستبصار بدل زرارة قوله عمن

ص: 61


1- الوسائل، الباب 5 من أبواب من تجب عليه الزّكاة، الحدیث: 7

رواه و حيث لا ترجيح في البين فلا دافع لاحتمال الارسال، و أما الثاني فلأن قوله (علیه السلام): «فإن يدعه متعمداً» ذواحتمالين إذ يحتمل أن يكون ناظراً إلى تجدد أثناء الحول بأنّ المال كان غائباً ففي أثناء الحول تجددت القدرة كما هو المناط للاستدلال كما يحتمل أن يكون ناظراً إلى فرض آخر بأن يكون الذيل بمنزلة مفهوم الصدر و هو ما إذا كان المال الغائب مع فرض غيبته، غير خارج عن تحت سلطنته و قدرته بل يكون تحت يده و قدرته بحيث مهما أراد أن يأخذه أخذه، ففي مثل هذا الفرض تكون السلطنة الفعلية محققة و لا ريب بأن هذا النحو من الغيبة غير مانع عن تعلق الزكاة، ثم أفاده بأن الاحتمال الثاني هو المتعين لشهادة قوله (علیه السلام): «فعليه الزكاة لكل ما مر به من السنين» فإنه لا يستقيم إلا على الوجه الأخير، إذ لا وجه لاحتساب الزمان السابق على تجدد القدرة و عدّه من الحول لفرض عجزه عن التصرف آن ذاك فكيف يقول (علیه السلام) بهذا البيان أي لكل ما مرّ به من السنين و إنما يتجه لو اريد به الفرض الثاني لحصول القدرة في جميع السنين الماضية فلابد من احتسابها و حينئذٍ يكون وجوب الزكاة على القاعدة لوجود السلطنة الفعلية، بخلاف ما نحن فيه أي كان المال غائباً حقيقة و لم يكن الشخص قادراً ثم تجددت القدرة و لو سلّم فلا أقل من الاحتمال فيكون الحديث مجملاً.

لكن أن كلام الماتن (رحمه اللّه) ناظر إلى أنّ حصول القدرة بسهولة كافٍ في وجوب الزكاة و من يكون هكذا يصدق عليه عنوان المأخوذ في الرواية عرفاً و هو كونه قادراً و سلطاناً على الأخذ فيكون تحت يده بحسب العرف فلا يرد عليه ما ذكره، نعم يرد عليه أنّ العرف إنما متبع في المفاهيم و أما في التطبيقات فلا، فتأمل لاحتمال كون المورد من باب التوسعة في المفهوم لا التطبيق فقط.

ص: 62

«مسألة 10: إذا أمكنه استيفاء الدين بسهولة و لم يفعل، لم يجب عليه اخراج زكاته بل و إن أراد المديون الوفاء و لم يستوف اختياراً مسامحة أو فراراً من الزكاة»(1)

«و الفرق بينه و بين ما ذكر من المغصوب و نحوه أن الملكية حاصلة في المغصوب و نحوه بخلاف الدين فإنه لا يدخل في ملكه إلا بعد قبضه»(2)

(1) كما هو الواضح لعين ما تقدم من تحقق السلطنة الفعلية و كون المال تحت يده.

(2) الظاهر أنّ الفرق غير فارق لحصول الملكية في كلتا المسئلتين غاية الأمر أن المملوك في مسئلة المغصوب و نحوه شخصي و في ما نحن فيه كلى في ذمة الغير و مجرد ذلك لا يستوجب الاختلاف في الحكم إذ لم يدل دليل على اعتبار الملك الشخصى في تعلق الزكاة، ألا ترى أن المملوك الكلى يتعلق به الخمس مثل ما لو كان له مال في ذمة الغير فاتجر به و ربح فإنه يجب عليه الخمس و النكتة في ذلك عدم دخل القبض إلا في تشخيص الكلى في تعيين ما في الذمة من الدين لا في حصول الملكية فلا مانع من تعلق الزكاة في الكلي المملوك و حينئذٍ فلابد من صرف عنوان المبحث إلى ما يقتضيه النصوص، أما عدم وجوب الزكاة فلجملة من الروايات: منها: ما رواه عن عبد اللّه بن سنان عن أبي عبد اللّه (علیه السلام) قال: لا صدقة على الدّين الحديث.(1)

و منها: ما رواه اسحاق بن عمار قال: قلت لأبي ابراهيم (علیه السلام): الدين عليه زكاة؟ فقال: لا حتى يقبضه، قلت: فإذا قبضه أيزكيه؟ قال: لا، حتى يحول عليه الحول في يده(2)

و منها: ما رواه محمد بن علي الحلبي عن أبي عبدالله (علیه السلام) قال: قلت له: ليس في الدين زكاة؟ فقال: لا(3)

ص: 63


1- الوسائل، الباب 6 من أبواب من تجب عليه الزّكاة، الحدیث:2
2- نفس المصدر، الحدیث: 3
3- الوسائل، الباب 6 من أبواب من تجب عليه الزّكاة، الحدیث: 4

و منها: ما رواه سماعة قال: سألته عن الرجل يكون له الدين على الناس تجب فيه الزكاة؟ قال: ليس عليه فيه زكاة حتى يقبضه، فإذا قبضه فعليه الزكاة و إن هو طال حبسه على الناس حتى يمر لذلك سنون فليس عليه زكاة حتى يخرجها فإذا هو خرج، زكّاه لعامه ذلك و إن هو كان يأخذ منه قليلاً قليلاً فليزك ما خرج منه أولاً أولاً فإن كان متاعه و دينه و ماله في تجارته التي يتقلب فيها يوماً بيوم فيأخذ و يعطي و يبيع و يشتري فهو شبه العين في يده فعليه الزكاة و لا ينبغي له أن يغير ذلك إذا كان حال متاعه و ماله على ما وصفت لك فيؤخر الزكاة(1)

و منها: ما رواه على بن جعفر عن أخيه موسى بن جعفر‘ قال: ليس على الدين زكاة إلا أن يشاء رب الدين أن يزكيه(2)

و منها: ما رواه أيضاً عن أخيه (علیه السلام) قال: سألته عن الدين يكون على القوم المياسير إذا شاء قبضه صاحبه هل عليه زكاة؟ قال: لا، حتى يقبضه و يحول عليه الحول(3)

و أما رواية أبي الكناني (ابراهيم بن نعيم، ثقةٌ) عن أبي عبدالله (علیه السلام) في الرجل ينسيء أو يصبر فلا يزال ماله ديناً كيف يصنع في زكاته؟ قال: يزكيه، الحديث(4)

فلا تعارض هذه الروايات لحملها على التفصيل الذي سيأتي الكلام فيه، فنقول إن الروايات في المقام على طائفتين:

الطائفة الاولى: ما دل على الوجوب إذا أخذه فقبل القبض و الأخذ لا تجب عليه الزكاة لاحظ ما رواه ابراهيم بن أبي محمود(5) و غيره من الروايات، منها: ما رواه اسحاق

ص: 64


1- نفس المصدر، الحدیث: 6
2- نفس المصدر، الحدیث: 14
3- نفس المصدر، الحدیث: 15
4- نفس المصدر، الحدیث: 11
5- الوسائل، الباب 6 من أبواب من تجب عليه الزّكاة، الحدیث: 1

بن عمار(1) و منها: ما رواه سماعة(2)

و منها: ما رواه عبدالحميد بن سعد قال: سألت أباالحسن (علیه السلام) عن رجل باع بيعاً إلى ثلاث سنين من رجل ملى بحقه و ماله في ثقة يزكي ذلك المال في كل سنة تمر به أو يزكيه إذا أخذه؟ فقال: لا، بل يزكيه إذا أخذه، قلت له: لكم يزكيه؟ قال: قال: لثلاث سنين(3)

و منها: ما رواه الاصبهاني قال: قلت لأبي عبدالله (علیه السلام): يكون لي على الرجل مال فأقبضه منه متى ازكيه؟ قال: إذا قبضته فزكه(4)

و منها: ما رواه العلاء قال: قلت لأبي عبدالله (علیه السلام): إنّ لي ديناً و لي دواب و أرحاء و ربما أبطي على الدين فمتى يجب على فيه الزكاة، إذا أنا أخذته؟ قال: سنة واحدة(5)

فإن الظاهر منها عدم الوجوب مادام لم يأخذ الدين و إنما تجب عليه الزكاة إذا أخذه و من المعلوم أن الظاهر من الأخذ هو الأخذ الفعلي لا الشأني.

الطائفة الثانية: ما دل على كفاية الأخذ الشأني بمعنى أن الشخص الدائن إذا قدر على الأخذ تجب عليه الزكاة، لاحظ ما رواه عبدالعزيز قال: سألت أباعبدالله (علیه السلام) عن الرجل يكون له الدين أيزكيه؟ قال: كل دين يدعه هو إذا أراد أخذه، فعليه زكاته و ما كان لا يقدر على أخذه فليس عليه زكاة(6)

و لاحظ ما رواه عمر بن يزيد عن أبي عبدالله (علیه السلام) قال: ليس في الدين زكاة إلا أن يكون صاحب الدين هو الذي يؤخره فإذا كان لا يقدر على أخذه فليس عليه زكاة حتى

ص: 65


1- نفس المصدر، الحدیث: 3
2- نفس المصدر، الحدیث: 14
3- نفس المصدر، الحدیث: 8
4- نفس المصدر، الحدیث: 10
5- نفس المصدر، الحدیث: 12
6- نفس المصدر، الحدیث: 5

يقبضه(1)

و لاحظ ما رواه اسماعيل بن عبدالخالق قال: سألت أباعبدالله (علیه السلام): أعلى الدين زكاة؟ قال: لا، إلّا أن تفر به، فأما إن غاب عنك سنة أو أقل أو أكثر فلا تزكه إلا في سنة التي يخرج فيها(2)

لكن أسناد هذه الروايات ضعاف، أما الأول فعبدالعزيز و أبي محمد و أحمد، و أما السابع بعمر بن يزيد و غيره، و أما الثالث عشر فبالطيالسي، مضافاً إلى ذلك أن هذه الطائفة معارضة بحديث على بن جعفر(3) فلابد من الأخذ بالطائفة الاولى و هي ما دل على أن الدائن إن أخذ الدين و حال عليه الحول تجب عليه الزكاة و إلا فلا و إن قدر على الأخذ و لم يأخذه بعد.

ص: 66


1- الوسائل، الباب 6 من أبواب من تجب عليه الزّكاة، الحدیث: 7
2- نفس المصدر، الحدیث: 13
3- نفس المصدر، الحدیث: 15

«مسألة 11: زكاة القرض على المتقرض بعد قبضه لا المقرض، فلو اقترض نصابا من أحد الأعيان الزكوية و بقى عنده سنة وجب عليه الزكاة» (1) «نعم يصح أن يؤدى المقرض عنه تبرعاً» (2)

(1) أما عدم وجوبه على المقرض فواضح لخروجه عن ملكه بالإقتراض و دخوله في ملك المقترض فلا ملك و لا زكاة إلّا في الملك كما تقدم فلا يبقى في ملكه إلّا على نحو الدين و قد سبق أنه لا زكاة في الدين ما لم يؤخذ.

و أما وجوب الزكاة على المقترض مضافاً إلى أنّ الحكم متسالم عليه في المقام في الجملة كما في بعض الكلمات يدل عليه ما رواه يعقوب بن شعيب قال: سألت أباعبدالله (علیه السلام) عن الرجل يقرض المال للرجل السنة و السنتين و الثلاث أو ما شاء الله، على من الزكاة؟ على المقرض أو على المستقرض؟ فقال: على المستقرض لأنّ له نفعه و عليه زكاته(1) و ما رواه زرارة.(2)

(2) توضيح الكلام يستدعي أن يتكلم تارة على مقتضى القاعدة الأولية و اخرى على مقتضى النص.

أما المقام الأول: فمقتضى القاعدة عدم السقوط لأمرين:

الأول: بأنّ الزكاة أمر عبادى و هو يحتاج إلى قصد القربة و لا يجدى التقرب من الغير.

الثاني: قد ذكر في بحث التعبدي و التوصلي أنّ مقتضى الاطلاق المباشرة فلا يجدي الاستنابة أو التبرع إلّا بدليل خارجي إذ توجيه الخطاب نحو أحد على سبيل الاطلاق مرجعه إلى لزوم الامتثال من المكلف لا غير فلا يجزى إذا صدر من غيره.

إن قلت: إن مقتضى القاعدة في خصوص المقام عكس ذلك و إن كان في غير ما نحنفيه ما ذكرتم، لأنّ المورد من الحقوق المتعلقة بالأموال كالدين فكما أنّ الدائن يستحق

ص: 67


1- الوسائل، الباب 7 من أبواب من تجب عليه الزّكاة، الحدیث: 5
2- نفس المصدر، الحدیث: 1

الدين فيجوز للغير أن يؤدى دين الغير تبرعاً كذلك ما نحن فيه، لأن الفقير يستحق العين الزكوية فيكون مثل الدائن.

قلت: إنّ القياس مع الفارق من جهتين، من جهة المالك و جهة المملوك، أما من جهة المالك فلأنّ المالك في الدين شخصیٌ خارجى و هو الدائن المعين المشخص فيجري فيه التبرع إذ للمالك اسقاط حقه إذا شاء بلا عوض بابراء أو غيره فقهراً تبرأ ذمة المديون و أما في الزكاة فليس الأمر كذلك لأن المالك هنا كلي و أما أشخاص الفقراء لم يكونوا مالكين و لذا لا يجوز لهم ابراء ما في ذمة المكلف بالزكاة لعدم كونهم مالكين حتى يجوز لهم ذلك و أما من جهة المملوك فلأن الدين كلى في ذمة المديون و لذا يجوز له الانطباق على أی مصداق من مصاديق أمواله و لذا لو صدر من المتبرع صار مصداقاً لما في ذمته فيكون موجباً لتبرأ ذمته و هذا بخلاف الزكاة فإنها يتعلق بالعين على أي مبنى من المباني من الإشاعة أو الكلى في المعين أو الشركة في المالية و حينئذٍ لا مناص له إلّا أن يدفع النصاب من العين، لكن قام الدليل الخارجى على جواز دفع مقداراً من النصاب من مال آخر، و أما بالنسبة إلى المتبرع فخلاف القاعدة فمقتضى القاعدة عدم كفاية أداء المتبرع.

و أما المقام الثانی: على مقتضى النصوص، فالظاهر الجواز لرواية منصور بن حازم عن أبي عبدالله (علیه السلام) في رجل استقرض مالاً فحال عليه الحول و هو عنده قال: إن كان الذي أقرضه يؤدى زكاته فلا زكاة عليه و إن كان لا يؤدي أدى المستقرض(1) بل مقتضى اطلاق الرواية جواز التبرع و لو مع عدم اذن المقترض بل منعه.

ص: 68


1- الوسائل، الباب 7 من أبواب من تجب عليه الزّكاة، الحدیث: 3

«بل يصح تبرع الأجنبى أيضاً و الأحوط الاستئذان من المقترض في التبرع عنه و إن كان الأقوى عدم اعتباره» (1)

«و لو شرط في عقد القرض أن يكون زكاته على المقرض فإن قصد أن يكون خطاب الزكاة متوجهاً إليه لم يصح و إن كان المقصود أن يؤدى عنه صح» (2)

(1) لعدم الفرق إذ المقرض و إن كان مالكاً للعين قبل الاقراض، لكن الآن صار كالأجنبي فبتناسب الحكم و الموضوع يكون تبرع الأجنبى كافياً و إن كان مقتضى النص على حسب الجمود على اللفظ هو المقرض فقط، لكن ما ذكرنا مؤيد بفهم العرف لأنّ العرف بحسب التناسب المذكور لا يفرق بينهما والله العالم.

(2) فصّل الماتن (رحمه اللّه) بالنسبة إلى شرط زكاته على المقرض بين أن يكون الشرط هو الأداء و بين أن يكون الخطاب متوجهاً إلى المقرض في ابتداء الأمر لا من جهة لزوم العمل بالشرط.

أما الأول: فلا اشكال فيه ظاهراً لأنه شرط فعل سائغ فبمقتضى أدلة الشروط يلزم الوفاء.

لكن قد يقال إنّ ذلك موجب للرباء المحرم لأنه يستلزم الزيادة في القرض و الزيادة في القرض حرام لرواية الحلبي عن أبي عبدالله (علیه السلام) قال: إذا أقرضت الدراهم ثم أتاك بخير منها فلا بأس إذا لم يكن بينكما شرط(1) الدالة على أنه إنما جاء الربا من قبل الشروط.

لكن يرد عليه أن الشرط الموجب لزيادة في باب القرض ما يكون موجباً لجلب النفع للمشروط له كما إذا اشترط المقرض على المقترض، فعلاً أو زيادة مال و أما فيما نحنفيه ففي الحقيقة نقص على المقرض لأنه شرط أداء الزكاة في مال المقرض فلا زيادة

ص: 69


1- الوسائل، الباب 12 من أبواب الصّرف، الحدیث: 3

للمقرض، مثل ما نحن فيه ما إذا أصّر على أحد أن يقرضه لداعٍ من الدواعي فامتنع الشخص عن الاستقراض إلّا باعطاء شيء إليه حتى يستقرض و حينئذٍ لا يكون الزيادة نفعاً للمقرض بل هو نقص عليه فلا مانع من هذا الشرط.

و أما الثاني: فالحق مع الماتن (رحمه اللّه) لا لأنّ الشرط المذكور مخالف للكتاب و السنة و هو مردود فما خالف الكتاب و السنة غیر نافذ كما في رواية اسحاق بن عمار عن جعفر عن أبيه (علیهم السلام): إن على بن أبيطالب (علیه السلام) كان يقول: من شرط لأمراته شرطاً فليف لها به فإن المسلمين عند شروطهم إلا شرطاً حرّم حلالاً أو أحلّ حراماً(1) إذ مورده ما إذا كان المشروط تحت قدرة المشروط عليه، لكنه غير سائغ و أما إذا كان غير مقدور له فلا يشمله الأدلة المشار إليها بل الدليل على عدم نفوذ الشرط في المقام عدم قدرة المكلف على المشروط، إذ تعلق الوجوب و توجيه الخطاب بالزكاة نحوه فعل الشارع فلا يمكن صدوره منه، فالمانع كونه شرط غير مقدور كاشتراط عدم الإرث و إرث الأجنبي.

ص: 70


1- الوسائل، الباب 6 من أبواب الخيار، الحدیث: 5

«مسألة 12: إذا نذر التصدق بالعين الزكوية فإن كان مطلقاً غير موقت و لا مطلقاً على شرط لم تجب الزكاة فيها و إن لم تخرج عن ملكه بذلك لعدم التمكن من التصرف فيها سواء تعلق بتمام النصاب أو بعضه، نعم لو كان النذر بعد تعلق الزكاة وجب اخراجها أولاً ثم الوفاء بالنذر و إن كان موقتاً بما قبل الحول و وفى بالنذر فكذلك لا تجب الزكاة إذا لم يبق بعد ذلك مقدار النصاب، و كذا إذا لم يف به و قلنا بوجوب القضاء مطلقاً لانقطاع الحول بالعصيان، نعم إذا مضى عليه الحول من حين العصيان وجبت على القول بعدم وجوب القضاء و كذا إن كان موقتاً بما بعد الحول، فإنّ تعلق النذر به مانع عن التصرف فيه» (1)

(1) أما عدم وجوب الزكاة في النذر المنجز و لا الموقت فقد تقدم الوجه فيه في ذيل الشرط الخامس و قلنا بأن الوجه فيه إما لانصراف الأدلة أو لما أفاده المحقق الهمدانى (رحمه اللّه) و تبعه بعض الأعلام من أنّ الملكية في أمثال المقام ناقصة فلا تشمله الأدلة.

لكن قد ذكرنا هناك بأنّ مجرد الوجوب التكليفي لا يوجب النقص فتجب الزكاة و باحثنا حول المطلب فراجع.

و إنما الماتن (رحمه اللّه) عنون المسئلة لأجل خصوصيات فيها و لذا نبحث أيضاً و نقتفي أثر حق يتبين الحال فنقول: قد أفاد أنّ نذر التصدق بالعين الزكوية تارة يكون مطلقاً و غير موقت بزمان و لا معلقاً على شرط، و اخرى يكون موقتاً أو معلقاً فيقع البحث في مقامين:

أما المقام الأول: فهو على قسمين:

الأول: يكون النذر أثناء الحول أي قبل تعلق الزكاة.

ص: 71

و الثاني: بعد حلول الحول و صيرورة الأمر بالزكاة فعلياً.

أما القسم الأول: فقد ذكرنا وجهه هناك و هنا و ما خطر ببالنا المستفاد من كلمات الأعلام (رحمه اللّه).

و أما القسم الثاني: فقد لا تنافي بين الوفاء بالنذر و أداء الزكاة فلا كلام فيه كما إذا تعلق النذر بالعشر من هذا المال و عدّ النذر، تعلق بالباقي من المال فلا تنافي بين الامتثالين فيشمل كلا الأمرين لمكان القدرة عليهما.

إنما الكلام فيما إذا تعلق النذر بمقدار يعم العين الزكوية تماماً أو بعض النصاب و حينئذٍ هل ينعقد النذر أم لا؟ و على تقدير انعقاد النذر هل يصح بالنسبة إلى المجموع أو فيما عدا العين الزكوية؟

ربما يقال بعدم انعقاد النذر إذ المال بعد تعلق الزكاة يكون ملكاً للفقراء و نتيجة ذلك كون المال المنذور مشتركاً بين الفقراء و صاحب المال و هذا موجب لبطلان النذر إذ لا سلطنة للمالك على تمام العين ليتمكن من جعله متعلقاً للنذر، نعم له السلطنة على حصته لكن النذر لم يتعلق بها بل تعلق بالمجموع من ماله و مال غيره، فما تعلق به النذر غير مملوك له و هو المجموع و ما هو مملوك له أي حصته من المجموع لم يتعلق به النذر فيكون النذر باطلاً.

أورد عليه المحقق الخوئي (قدس سره ) بأمرين:

الأول: أنّا لو سلمنا بعدم الانعقاد في المجموع فلا نسلمه بالنسبة إلى حصته من المجموع المملوكة له لانحلال النذر في الحقيقة بمقتضى الإرتكاز و سيرة العقلاء إلى نذور متعددة بالنسبة إلى متعلقاته، فبالنسبة إلى الحصة التي كانت واجدة للشرائط ينفذ، و بالنسبة إلى غيرها لا تنفذ كالعقود الآخر في المعاملات و الالتزامات كبيع ما يملك و ما لا يملك و كاصداق الزوجة مالاً، كان مقداره مملوكاً للغير.

الثاني: أنّا نمنع بطلان النذر في المجموع بل الظاهر صحته و ذلك لما سيجيء إن شاء

ص: 72

الله تعالى من أنّ الزكاة و إن كانت متعلقة بالعين الزكوية على الإشاعة أو الكلي في المعين أو الشركة في المالية، لكن لصاحب المال التبديل فالزكاة لها بدل من النقود أو عين آخر فلا مزاحمة و لا منافاة بين الحكمين أعني وجوب الزكاة و وجوب الوفاء بالنذر فيمكنه الزكاة أولاً من نقد أو عين اُخری ليتصرف في العين المنذورة ثم يتصدق بها، فما ذكره الماتن (رحمه اللّه) من تعين وجوب اخراج الزكاة أولاً ثم الوفاء بالنذر غير ظاهر.

أقول: أما الوجه الأول: يرد عليه ما أورد سيدنا الاستاد دام ظله في غير المقام من أنه يستلزم جزء ما لا يتجزى و هو غير معقول كما ثبت في الفلسفة، مضافاً إلى ذلك يلزم تعدد الخيارات، مثلاً في البيع إذا باع أمراً ذات أجزاء متعددة بالنسبة إلى الأجزاء، فهو (رحمه اللّه) بعيد أن يلتزم بذلك.

و أما الوجه الثاني: فما ذكر يرجع أنّ ماله البدل مقدم على ما لا بدل له في باب التزاحم و هذا غير معلوم لنا كما قرر في محله.

و أما المقام الثاني: و هو إما أن يكون موقتاً و إما أن يكون معلقاً.

أما الأول و هو الموقت بوقت خاص و هذا الوقت تارة يكون قبل حلول أوان الزكاة و اخرى بعد حلولها، أما الأول فكما لو نذر أن يتصدق به في شهر رجب و الحلول يتحقق بحلول شهر رمضان و حينئذٍ فإن وفى بما نذر فلا إشكال في سقوط الزكاة لانتفاء الموضوع و هو النصاب لأنّ المال ينقص عنه بعد الأداء و الوفاء حسب الفرض و أما إن لم يف بذلك فتارة نقول بوجوب القضاء في الزكاة إذ لم يؤد في وقتها، كان حكمه حكم النذر المطلق في أثناء الحول فإنه إن قلنا بأن الوجوب في نفسه مانعاً عن تحقق الحول لأنّ المانع الشرعي كالمانع العقلي القاطع لحولان الحول فلابد من القول بانقطاعه و شروع الحول بعد رفعه إذ لا فرق في المانعية بين حدوث الوجوب أثناء الحول بأداء الزكاة و وجوب القضاء لاتحاد الملاك، لكن قد ذكرنا عدم مانعية المانع الشرعى بل المانع العجز عن التصرفات الخارجية و أما إذا لم نقل بوجوب القضاء فيقع البحث

ص: 73

«و أما إن كان معلقاً على شرط فإن حصل المعلق عليه قبل تمام الحول لم تجب و إن حصل بعده وجبت و إن حصل مقارناً لتمام الحول ففيه اشكال ووجوهٌ ثالثها التخيير بين تقديم أيهما شاء و رابعها القرعة» (1)

أنّ النذر نفسه قاطع و لو عصى بالوفاء لانقطاع الحول بالعصيان فلابد من القول بعدم وجوب الزكاة كما في المتن إلا بعد مضي الحول من حين العصيان.

أورد عليه المحقق الخوئي (قدس سره ) بأنّ الظاهر عدم قاطعية النذر و لو لم نقل بأن العجز التشريعي مانع عن تعلق الزكاة لعدم الدليل على ذلك، بيانه: أنّ المانع لو سلمنا هو الحكم بوجوده و أما الحكم الزائل لانعدام الموضوع بالعصيان فلا دليل على مانعيته و لذا لو كان له مال وجب صرفه في انفاق عياله فعصى و لم يصرف فهل يمكن القول بمانعية الوجوب أثناء الحول مع كونه موقتاً، و قد مضى و سقط بالعصيان.

(1) و أما الثاني أي المعلق كما لو نذر التصدق بهذا المال الزكوي على تقدير شفاء المريض و هو على ثلاثة أقسام:

إما أن يكون المعلق عليه حاصلاً قبل الحلول.

و إما أن يحصل بعده.

و ثالثة يكون مقارناً للحلول.

أما القسم الأول: كان حكمه حكم النذر المطلق حيث إنّ الحكم بعد تحقق شرط فعليته يصير فعلياً و بعد الفعلية يكون الحكم في المقام هو الحكم في النذر المطلق فإن قلنا بأن الوجوب الفعلى أثناء الحول موجب للقطع ففي المقام كذلك، و إن لم نقل فكذلك أيضاً، و حيث إن مقتضي التحقيق عدم المانعية كما قلنا فلا يكون مانعاً هناأيضاً.

و أما القسم الثاني: فالماتن (رحمه اللّه) حكم بوجوب الزكاة لعدم وجود مانع في المقام مع فعلية

ص: 74

وجوب الزكاة لتوفر جميع الشروط حين حلول الحول إذ أقصى الموانع هو وجوب النذر و لما يتحقق لعدم تحقق المعلق عليه.

أورد عليه المحقق الخوئي (قدس سره ) بأنه لو قلنا أنّ التكليف بالنذر مانع عن وجوب الزكاة فلا فرق بين حصول المعلق عليه قبل تمام الحول أو بعده حيث إن التكليف على كلا التقديرين سابق أي يكون من حين النذر فإذن لا وجه للفرق بين الصورتين.

توضيح ذلك: (على ما في تقريره الشريف) أنّ المانع على هذا المبنى هو نفس الوجوب لا الأداء و هو متحقق عند تحقق النذر و إن كان ظرف الإمتثال متأخراً، فالوجوب فعلى و إن كان الواجب متأخراً زماناً لكون الإلتزام النذري مرتبطاً و المعلق أمر مستقبل يحصل بعد ذلك فالواجب المعلق في الحقيقة هو الواجب المشروط بالشرط المتأخر و هو قد يتحقق يقيناً كما إذا كان المعلق عليه هو الزمان و قد يتحقق احتمالاً كشفاء المريض أو قدوم المسافر و على كلا التقديرين فالوجوب فعلى، نعم لو لم يتحقق فيما بعد نستكشف بكون الوجوب، ظاهرى لا واقعى كما أنه إن وقع بعد ذلك يكون كاشفاً عن تحقق الوجوب فيما قبل لا عن حدوثه من الآن إذ لم يكن النذر بنفسه معلقاً فالإنشاء فعلى و إن كان المنشأ معلقاً على أمر يحصل بعد ذلك فالوجوب نفسه حاصل بنفس الإنشاء و حينئذٍ فلا فرق بين حصول المعلق عليه قبل الحلول أو بعده فالمانع موجود قبله.

نعم يجوز له التصرف الخارجي في متعلق النذر المشكوك تحققه لأن ذلك هو مقتضى الحكم الظاهر المستند إلى أصالة عدم تحققه لدى الشك و بذلك يفرق بين كون المعلق عليه زماناً كقدوم شهر رمضان فإنه محقق الوقوع فلا مجرى للأصل فالنتيجة عدم جوازالتصرف في المنذور في مثل ذلك.

و أما الأمر الزماني حیث انه قابل للتشكيك و معه يجري الأصل، يسوغ له التصرف ظاهراً ما لم ينكشف الخلاف و مع الانكشاف ينقل إلى البدل أو يحكم بحكم آخر،

ص: 75

هذا كله إذا قلنا بأن الوجوب بنفسه يكون مانعاً عن وجوب الزكاة و موجباً لانقطاع الحول و بما ذكرنا يظهر الحال بالنسبة إلى المقارنة لأن التقارن في تحقق المعلق عليه و حلول الحول لا يوجب الفرق بعد فعلية الحكم بنفسه، تحقق النذر لسبقه على حلول الحول و لزوم الزكاة فيكون مانعاً على كل حال، و أما على ما اخترناه فلا محيص من القول بعدم سقوط الزكاة إلا فيما إذا حصل المعلق عليه قبل تمامية الحول و صرف المال في الوفاء بالنذر و حينئذٍ تسقط الزكاة لزوال موضوعها.

أما القسم الثالث: فإن قلنا بمقالة المشهور من وجوب التصرف في التصدق المنذور و كونه مانعاً عن الزكاة فالأمر كما ذكرنا.

و أما حكم المقارنة على المختار فأفاده الماتن (رحمه اللّه) بأنّ الإحتمالات في المقام أربعة، وجوب الزكاة و عدمه و التخيير بين تقديم أيهما شاء من الزكاة و الصدقة و القرعة.

أما الاول وجوب الزكاة دون النذر، فلما أفاده سيدنا الاستاذ (رحمه اللّه) في المرتقى من أنّ الزكاة متعلقة بالعين على وجه الشركة الحقيقية أو على نحو الكلي في المعين فيكون الفقراء مشتركين مع المُلاك في العين الزكوية و حينئذٍ فلا يبقى موضوع للنذر بتمام المال أو المقدار الشامل للنصاب لكون النذر حينئذٍ موجب لتفويت حق الفقراء و من الواضح أن تفويت حق الفقراء غير راجح عند الشرع فلا يصح النذر لأنه يعتبر في متعلق النذر أن يكون راجحاً.

أورد عليه أنّ المبنى فاسدٌ إذ الزكاة لم يتعلق على العين على نحو الشركة حقيقته أو الكلى في المعين.

لكن يمكن أن يقال أن الزكاة إذ لم يتعلق بالعين على النحوين، فإما أن نقول بأن المتعلق هو الحق علی انحائه المحقق في محله و لعله يأتي إن شاء الله تعالى، و يكون بين وجوب الأداء و وجوب الوفاء التزاحم فلابد من قانون باب التزاحم «و القول بتقديمه الزكاة لأن المعتبر في متعلق النذر لابد أن يكون راجحاً و في ما نحن فيه لم يكن كذلك إذ

ص: 76

تقديمه موجب لتفويت حق الفقراء» و هو مرجوح غير تام إذ التقديم لو كان بحكم الشارع بوجوب الوفاء فلا يكون موجباً لمرجوحيته فكأنه (رحمه اللّه) فرض التقديم ثم بعد ذلك حكم بالمرجوحية مع أن ما قال (رحمه اللّه) من وجه التقديم يتصور في طرف آخر أي نذر التصدق أيضاً فإن مورد الصدقة هو الفقراء فتقديم الزكاة موجب لتفويت حق الفقراء.

و أما إذا قلنا بأن الزكاة يتعلق بالعين لكن على نحو الشركة في المالية أو التفصيل بين الموارد في الأعيان الزكوية كما مال إليه سيدنا الاستاذ دام ظله في المباني، فيمكن أن يقال أن الزكاة بوجوبه الوضعى یعدم موضوع وجوب الوفاء بالنذر فلا تزاحم في البين إذ التزاحم فرع فعلية الحكمين.

لكن قد ذكرنا سابقاً أنّ المكلف مخير بين أداء الزكاة من العين الزكوية و النقد المعادل لذلك و حينئذٍ يمكن أن يمتثل كلا الحكمين باخراج الزكاة من مال آخر أولاً ثم التصدق من العين فلا تزاحم بينهما أصلا.

و أما الإحتمال الثاني: أي وجوب الوفاء بالنذر دون الزكاة فلو وجب الحفظ و لو ظاهراً إلى زمان التحقق و حينئذٍ لا يكون الشخص متمكناً من التصرف في مقدار من الحول فلا يكون شرط وجوب الزكاة متوفراً و لا تجب الزكاة فيجب الوفاء بالنذر حين تحقق المعلق عليه.

لكن يمكن أن يقال بأنّ هذا متينٌ على القول بمانعية الوجوب بنفسه و كونه قاطعاً للحول، لكن قد تقدم عدم تمامية هذا القول فلاحظ.و أما الإحتمال الثالث: احتمال التخيير، فإن أراد به التخيير في باب التعارض فيرد عليه أنّ المورد ليس من باب التعارض إذ لا تنافي في مقام الجعل بل التنافي في مقام الامتثال و حينئذٍ فلابد من إجراء العلاج في بابه مضافاً إلى ذلك أن المقام ليس من باب التزاحم أيضاً على ما يأتي في الاحتمال الخامس إن شاء الله تعالى.

و أما الإحتمال الرابع: احتمال القرعة، فلا يجري في المقام لأنها مختصة بالموضوعات لا

ص: 77

الأحكام.

أضف إلى ذلك أنه لا مقتضى لجريانها إذ موردها الأمر المشكل أو المشتبه و في المقام لا شبهة و لا مشكل لبيان يأتي بعد ذلك.

و في المقام احتمال الخامس: ذكره المحقق العراقي (رحمه اللّه) في حاشيته بأنه يجب الوفاء بالنذر و أداء الزكاة كلاهما، بيان ذلك: أنّ الثابت في محله جواز الأداء من النقدين مقام أداء العين الزكوية و حينئذٍ يقدر المكلف أن يؤدى الزكاة من مال آخر ثم يوفى بالنذر بالعين فالجمع بين الأمرين ممكن و حينئذٍ فلا تزاحم و لا مشكل في المقام فلا مجرى لجريان قاعدة التزاحم و لا القرعة.

هذا كله بناء على عدم مانعية الوجوب عن الزكاة و عدم كونه قاطعاً للحول و أما على قول المشهور من مانعيته فلا تصل النوبة إلى وجوب الزكاة لقطع الحول بمجرد الوجوب الحاصل بتحقق النذر الذي كان ثابتاً قبل تمامية الحول بحسب الفرض فيتعين الصرف في الصدقة فقط.

ص: 78

«مسألة 13: لو استطاع الحج بالنصاب فإن تم الحول قبل سير القافلة و التمكن من الذهاب وجبت الزكاة أولاً فإن بقيت الاستطاعة بعد اخراجها وجب و إلا فلا، و إن كان مضى الحول متأخراً عن سير القافلة وجب الحج و سقط وجوب الزكاة، نعم لو عصى و لم يحج وجبت بعد تمام الحول و لو تقارن خروج القافلة مع تمام الحول وجبت الزكاة أولاً لتعلقها بالعين بخلاف الحج» (1)

(1) قد تعرض الماتن (رحمه اللّه) في المقام إلى أربعة فروع:

الفرع الأول: لو استطاع الحج بالنصاب فإن تم الحول قبل سير القافلة و التمكن من الذهاب، وجبت الزكاة أولاً ثم إن بقيت الإستطاعة بعد الإخراج وجب الحج و إلّا فلا، كما نقل عن الشهيد (رحمه اللّه) و استدل على ذلك بعدم وجوب حفظ المال قبل التمكن من السفر إلى الحج فتجب عليه الزكاة لتحقق شرائطها و لا مانع في البين، فالمقتضي لوجوب الزكاة موجود و المانع مفقود فتجب، فمع فعلية وجوب الزكاة و صيرورة مقدار من المال للفقراء لا يبقى موضوع للحج لزوال الإستطاعة.

أورد عليه المحقق الخوئي (قدس سره ) بأنّ هذا متين على القول بفعلية وجوب الحج حين سير القافلة أو حلول أشهر الحج، و أما على القول بعدم اشتراط بل الدليل قائم على اشتراط وجوب الحج بالاستطاعة و هي الزاد و الراحلة و تخلية السرب و الرجوع بالكفاية، فمع تحقق هذه الشروط يصير الوجوب فعلياً و حينئذٍ يجب حفظ الاستطاعة فيجب عليه حفظ المال و لا يجوز صرفه فيما تزول به الاستطاعة فلا تجب الزكاة عليه لأنه منافٍ لحفظ المال.

أقول: وجوب حفظ المال إن كان وجوباً شرعياً فلا يناسب جواز التصرف خارجاًفيكون قاطعاً للحول و أما إذا كان وجوباً عقلياً فكونه مانعاً عن الزكاة غير معلوم لكن

ص: 79

ما هو مفيد في المقام و موجب لحل الاشكال أنّ المانع لوجوب الزكاة وجوب الحفظ، لأنّ وجوبه مقدمیاً و اذا كان الشارع تصرف فی موضوع وجوب المقدمة فلا موضوع لوجوب الحفظ فیصیر الزكاة واجباً علیه.

الفرع الثاني: أن يكون الحول متأخراً عن سير القافلة و ذهابهم وجب الحج دون الزكاة لحصول شرطه و هو الاستطاعة فقد استقر عليه الحج فيجب عليه حفظ الاستطاعة إلى أوانه و لو بتبديله إلى جنس آخر غير الزكوى حتى لم يتعلق عليه الزكاة.

و بعبارة اخرى: يجب عليه انعدام موضوع الزكاة كي لم يحل عليه الحول و وجب عليه الزكاة و حينئذٍ لو لم يعدم الموضوع و حال عليه الحول تجب عليه الزكاة و استقر عليه الحج فنتيجة ذلك لا يكون العصيان بالنسبة إلى الحج مانعاً عن تعلق الزكاة حين حلول الحول.

أورد عليه بأنه قد فُرِق الماتن (رحمه اللّه) بين المقام و بين ما تقدم من النذر الموقت بما قبل الحلول بأنه إذا لم يف بالنذر و عصى و لم نقل بوجوب القضاء عليه فيقطع الحول فلا تجب عليه الزكاة فوجوب الوفاء بالنذر قاطع للحول و إن سقط بالعصيان و لم يجب عليه القضاء، أما المقام حيث حكم بوجوب الزكاة مع العصيان بالحج و عدم أدائه و الحال أنّ الوجوب لو كان قاطعاً فلابد أن يكون كذلك في كلا الموردين و إلّا فلا، فالتفصيل لا يعلم وجهه.

أجاب المحقق الخوئي (قدس سره ) بأنه فرق واضح بين المقامين فإن المنذور صدقته ممنوع التصرف على الإطلاق بخلاف المقام فإنه ممنوع من التصرف بالنسبة إلى التصرف الموجب لانعدام الموضوع أي الاستطاعة و أما التبديل كالبيع و الاجارة و أمثال ذلك فلا مانع منه.

أقول: ما ذكرنا من الاشكال في الفرع الأول جار في المقام أيضاً إذ الممنوعية منالتصرف شرعاً لا يوجب القصر في الملكية و يا للعجب أنّ الممنوعية المطلقة في النذر -على حسب اعترافه- لا يوجب المانعية و القاطعية فكيف توجبها في المقام.

ص: 80

الفرع الثالث: لو عصى و لم يحج و لم يتبدل أيضاً تجب عليه الزكاة إذا حال الحول، هذا إذا كان حدوث الوجوب غير مانع و لا قاطع للحول و إلا فلا تجب، و أما الفرق بين ما ذكره المصنف هنا و ما ذكره في النذر فقد تقدم في الفرع السابق و الإشكال هو الإشكال.

الفرع الرابع: لو تقارن خروج القافلة مع تمام الحول وجبت الزكاة لتعلقها بالعين دون الحج لانعدام الموضوع في الثاني و حصول الشرائط في الأول، هذا إذا قلنا بأنّ الحج إنما يجب حين خروج القافلة و أما إذا قلنا بوجوبه عند تحقق الاستطاعة فالحكم في هذا الفرع هو الحكم في الفرع الأول و ما خطر ببالنا هناك جارٍ في المقام لكن يمكن فرض التقارن فيما لا يعتبر فيه الحول كالغلات فلو تقارن زمان حصول النصاب و خروج الرفقة فالواجب تقديم الزكاة فقهراً ينعدم موضوع الحج لزوال الاستطاعة.

و لسيدنا الاستاذ (رحمه اللّه) في المرتقى تحقيق لا بأس بذكره قال (رحمه اللّه) على ما في التقرير: أن الصور المتصورة في المقام ستة:

الأول: فعلية وجوب الحج عند خروج القافلة فيجب على المكلف حفظ الاستطاعة و لكن وجوب الزكاة مشروط بالقدرة الشرعية بأن تكون الزكاة مشروطة بالتمكن من التصرف في المال بحيث ينافي وجوب حفظ المال لوجوب آخر مع فرض استفادة اعتباره من أدلة وجوب الزكاة عند حلول الحول و حينئذٍ يجب الحج و لا تجب الزكاة، أما وجوب الحج لتحقق شرائطه و عدم وجوب الزكاة لانتفاء القدرة الشرعية على التصرف بواسطة وجوب حفظ المال للحج.

الثانية: الصورة بعينها، مع فرض اعتبار القدرة الشرعية فی وجوب الزكاة –بالمعنیالمتقدم- من الانصراف، فإن حكمها هو حكم الصورة الاولی، فإن وجوب حفظ المال للحج یوجب انتفاء التمكن من التصرف فیه عند حلول الحول، و بانتفائه ینتفی وجوب الزكاة لامحالة.

ص: 81

الثالثة: فعلية وجوب الحج عند خروج الرفقة و امكان السير معهم مع عدم اعتبار التمكن من التصرف بالمعنى الأعم في وجوب الزكاة لا من ناحية أدلة الزكاة أنفسها و لا من جهة الانصراف فيكون وجوب الزكاة مطلقاً -لا محالة- من ناحية التمكن من التصرف فيكون من موارد التزاحم بين واجبين مطلقين و قد ذكرنا أنّ الأسبقية الزمانية لا مجال لها حينئذٍ فإذا بقى المال إلى أن حال عليه الحول صار وجوب الزكاة أيضاً فعلياً فيتزاحمان و مقتضى القاعدة في مثل ذلك التخيير لولا ترجيح أحدهما على الآخر بمثل الأهمية و نحوها.

نعم وجوب حفظ المال للحج لا ينافي جواز التبديل المال الزكوى بمال آخر فلو بدله بمال آخر قبل حلول الحول انتفى بذلك وجوب الزكاة و وجب عليه الحج فقط و حينئذٍ يجب عليه التبديل حفظاً للاستطاعة لكنه مع عدم التبديل تجب الزكاة عند حلول الحول أيضاً كما عرفت.

الرابعة: كون وجوب الحج عند سير القافلة و امكان الذهاب معها مشروطاً مع عدم اشتراط وجوب الزكاة بالتمكن من التصرف بالمعنى الذي ينافيه وجوب حفظ المال و لا تزاحم حينئذٍ بين وجوب الحج و وجوب الزكاة بل يجب عليه الزكاة عند حلول الحول و المفروض أن وجوبها مطلق فيقدم على وجوب الحج المفروض كونه مشروطاً، نعم إذا قلنا أنّ المستفاد من الأدلة هو وجوب حفظ الاستطاعة عند سير القافلة و امكان الذهاب معها و إن لم يكن وجوب الحج حينئذٍ فعلياً، كان عليه تبديل المال الزكوي حيث لا سبيل له إلى حفظ الاستطاعة -على الفرض- إلّا بذلك فينتفي به وجوبالزكاة، غير أنه لو لم يفعل ذلك حتى حال عليه الحول وجبت عليه الزكاة دون الحج لما عرفت.

الخامسة: كون وجوب الحج عند سير القافلة مشروطاً مع فرض اشتراط وجوب الزكاة بالتمكن من التصرف بالمعنى الذي ينافيه وجوب حفظ المال و استفادة الاشتراط

ص: 82

المذكور من أدلة الزكاة نفسها لا من جهة الانصراف فيكون كل من الوجوبين بنفسه لا بامتثاله رافعاً لموضوع الآخر و هو ليس من التزاحم المصطلح كما هو المشهور بل هو من التزاحم بمعناه اللغوي وهو التمانع كما مرت الإشارة إليه و مقتضى القاعدة حينئذٍ هو الترجيح بالأسبقية زماناً و هو وجوب الحج فإنه سابق موضوعاً على وجوب الزكاة إذ المفروض أنّ الاستطاعة محققة قبل حلول الحول المفروض كونه موضوعاً لوجوب الزكاة و حينئذٍ فبملاك وجوب المقدمة المفوتة يلزمه المحافظة على الاستطاعة إما بصرف المال المذكور في الحج بأن يخرج مع القافلة مثلاً أو أنه يبدل المال الزكوي بمال آخر و على كل تقدير ينتفي بذلك موضوع وجوب الزكاة و لا مانع من ذلك سوى وجوب الزكاة و المفروض عدم مانعيته لعدم تحقق موضوعه و هو الحول كما هو ظاهر.

السادسة: الصورة السابقة بعينها لكن مع فرض استفادة اشتراط وجوب الزكاة بالتمكن من التصرف بالمعنى المذكور من الانصراف، لا من نفس أدلة وجوب الزكاة عند حلول الحول و حكمها حكم الصورة السابقة بعينه فالاختلاف في نحوي اعتبار التمكن من التصرف في وجوب الزكاة بحيث ينافيه وجوب حفظ المال و عدم جواز صرفه، غير مؤثر في مفروض المسألة ظاهراً فلاحظ.

ص: 83

«مسألة 14: لو مضت سنتان أو أزيد على ما لم يتمكن من التصرف فيه بأن كان مدفوناً و لم يعرف مكانه أو غائباً أو نحو ذلك ثم تمكن منه استحب زكاته لسنة بل يقوى استحبابها بمضى سنة واحدة أيضاً» (1)

(1) قد تعرض الماتن (رحمه اللّه) في هذه المسئلة لأمرين:

الأول: اختصاص الحكم بالمدفون أو الغالب فلا زكاة في غيرهما مما لم يكن متمكناً من التصرف فيه، لسرقة أو غصب أو حجر ثم تجددت القدرة لا وجوباً و لا استحباباً أو أنّ الحكم عام يشمل جميع ذلك و الظاهر هو الثاني.

و استدل على ذلك بالاجماع كما هو ظاهر كلام العلامة في المنتهى و التذكرة و عن المدارك هذا مذهب الأصحاب لا أعلم فيه مخالفاً و برواية سدير الصيرفي قال: قلت لأبي جعفر (علیه السلام) ما تقول في رجل كان له مال فانطلق به فدفنه في موضع فلما حال عليه الحول ذهب ليخرجه من موضعه فاحتفر الموضع الذي ظن أن المال فيه مدفون فلم يصبه فمكث بعد ذلك ثلاث سنين ثم إنه احتفر الموضع من جوانبه كله فوقع على المال بعينه كيف يزكيه قال يزكيه لسنة واحدة لأنه كان غائبا عنه و إن كان احتبسه.(1) حيث علل فيها بأنّ المناط في التزكية مجرد الغيبوبة الصادقة على كل مال لم يكن تحت تصرف المالك و استيلائه و لا يختص بالغائب، المقابل للحاضر.

الثاني: أنّ الاستحباب ثابتة على الاطلاق و العموم و لو كان العجز عن التصرف سنة واحدة، و استدل عليه بالتعليل الوارد في رواية سدير المتقدمة، و إن كان مورد الرواية ثلاث سنين لكن نتعدي عنه بالتعليل الوارد فيها و بذلك نرفع اليد عن الروايات الواردة في المقام لاحظ ما رواه زرارة عن أبي عبدالله (علیه السلام) أنه قال: في رجل ماله عنه غائب لا

ص: 84


1- الوسائل، الباب 5 من أبواب من تجب عليه الزّكاة، الحدیث: 1

يقدر على أخذه قال فلا زكاة عليه حتى يخرج فإذا خرج زكاه لعام واحد فإن كان يدعه متعمداً و هو يقدر على أخذه فعليه الزكاة لكل ما مر به من السنين.(1)

ثم إنّ الروايات الواردة في المقام و إن كانت ظاهرة في الوجوب لكن نرفع اليد عنها بالروايات الواردة في اشتراط التمكن في تمام الحول لاحظ ما رواه اسحاق بن عمار قال: سألت أبا إبراهيم (علیه السلام) عن الرجل يكون له الولد فيغيب بعض ولده فلا يدرى أين هو و مات الرجل كيف يصنع بميراث الغائب من أبيه قال يعزل حتى يجي ء قلت فعلى ماله زكاة قال لا حتى يجي ء قلت فإذا هو جاء أ يزكيه فقال لا حتى يحول عليه الحول في يده.(2)

و ما رواه أيضاً عن أبي إبراهيم (علیه السلام) قال: سألته عن رجل ورث مالا و الرجل غائب هل عليه زكاة قال لا حتى يقدم قلت أ يزكيه حين يقدم قال لا حتى يحول عليه الحول (و هو عنده)(3)

و ما رواه عبدالله بن سنان عن أبي عبدالله (علیه السلام) قال: لا صدقة على الدين و لا على المال الغائب عنك حتى تقع في يديك(4)

و ما رواه أيضاً عن أبي عبدالله (علیه السلام) قال: قلت له: مملوك في يده مال أ عليه زكاة؟

قال: لا. قلت: فعلى سيده؟ فقال: لا، إنه لم يصل إلى السيد و ليس هو للمملوك(5) و يؤيده كلمات الأصحاب الظاهرة في الاجماع.

ص: 85


1- الوسائل، الباب 5 من أبواب من تجب عليه الزّكاة، الحدیث: 7
2- نفس المصدر، الحدیث: 2
3- نفس المصدر، الحدیث: 3
4- نفس المصدر، الحدیث: 6
5- الوسائل، الباب 4 من أبواب من تجب عليه الزّكاة، الحدیث: 4

«مسألة 15: إذا عرض عدم التمكن من التصرف بعد تعلق الزكاة أو بعد مضى الحول متمكناً فقد استقر الوجوب فيجب الأداء إذا تمكن بعد ذلك و إلّا فإن كان مقصراً يكون ضامناً و إلّا فلا» (1)

(1) أقول: أما استقرار الوجوب فلتحقق الشرط و هو التمكن من التصرف في تمام الحول و من الواضح أن بعد تعلق الزكاة و فعلية وجوبها لا يزول حتى تؤدى فيجب بعد التمكن و أما إذا لم يتمكن و استمر العجز فالضمان و عدمه مبنى على التقصير في الأداء و عدمه، فإن قصّر و فرّط فيه يكون ضامناً و إلّا فلا، كما هو الشأن في جميع الأمانات الشرعية، لكن مقتضى بعض الروايات في المقام استقرار الضمان لو تلفت العين الزكوية بمجرد عدم أدائها و صرفها في موردها كما إذا أخّر دفع الزكاة إلى المستحق لأجل تحصيل افضل أفراده المستحقين فعرضها التلف فهو ضامن و لو لم يفرط في التأخير، لاحظ ما رواه محمد بن مسلم قال: قلت لأبي عبدالله (علیه السلام): رجل بعث بزكاة ماله لتقسم فضاعت هل عليه ضمانها حتى تقسم؟ فقال: إذا وجد لها موضعاً فلم يدفعها فهو لها ضامن حتى يدفعها و إن لم يجد لها من يدفعها إليه فبعث بها إلى أهلها فليس عليه ضمان لأنها قد خرجت من يده و كذلك الوصى الذي يوصى إليه يكون ضامناً لما دفع إليه إذا وجد ربه الذي امر بدفعه إليه فإن لم يجد فليس عليه ضمان(1)

و ما رواه زرارة قال: سألت أباعبدالله (علیه السلام): عن رجل بعث إليه أخ له زكاة ليقسمها

فضاعت، فقال: ليس على الرسول و لا على المؤدي ضمان. قلت: فإنه لم يجد لها أهلا ففسدت و تغيرت أيضمنها؟ قال: لا، و لكن إن عرف لها أهلاً فعطبت أو فسدت فهو لها ضامن حتى يخرجها(2)

ص: 86


1- الوسائل، الباب 39 من أبواب المستحقّين، الحدیث: 1
2- نفس المصدر، الحدیث: 2

«مسألة 16: الكافر تجب عليه الزكاة لكن لا تصح منه إذا أدّاها» (1)

هذا و لكن يمكن أن يقال إن الظاهر من الروايتين تفريط صاحب الزكاة إذ عدم دفع الزكاة مع وجود المستحق لا يبعد أن يقال إنه يصدق عليه عنوان التفريط.

(1) المشهور بين الأصحاب كما في بعض الكلمات و في الجواهر بلا خلاف معتدٍ به

و في الدرة النجفية لصاحب الحدائق (رحمه اللّه) بل كاد أن يكون اجماعاً أنّ الكفار حال كفرهم مكلفون بالفروع الشرعية و لم ينقلوا في ذلك خلافاً حتى عن علماء العامة إلّا عن أبي حنيفة.

و ما استدل به لذلك امور:

الأول: الاجماع على كونهم مكلفين بالفروع كما تقدم، لكن حكم الاجماع في الضعف واضح لاحتمال كونه مدركياً.

الثاني: اطلاق أدلة الزكاة و هو قوله تعالى {خذ من أموالهم صدقة تطهرهم و تزكيهم بها و صل عليهم إن صلاتك سكن لهم والله سميع عليم}(1)

أورد عليه: أنّ القرينة الداخلية قائمة على اختصاص الحكم بالمؤمنين و المسلمين و هي قوله تعالى: {تطهرهم و تزكيهم} بتقريب أنّ الكافر لا يتطهر و لا يزكى بذلك، لكن هذا الاشكال مبتنن على القول بأنّ ذيل الآية يكون علة للحكم و أما إذا كان حكمة له كما احتملناه سابقاً فلا.

الثالث: قوله تعالى: {و ويل للمشركين ۞ الذين لا يؤتون الزكاة و هم بالآخرة هم كافرون}(2)

أورد عليه سيدنا الاستاذ (رحمه اللّه) أولاً: بأنّ التوعيد بالنار و الويل إنما هي من جهة اخرى وهي انكارهم ما هو أعم من وجوب الزكاة على فرض التسليم بوجوبها في حقهم لا على

ص: 87


1- التوبة / 103
2- فصلّت / 6 و 7

انكارهم وجوب الزكاة فضلاً من التوعيد على عدم اعطاء الزكاة و فيه تأملٌ جداً.

و ثانياً: أن قوله تعالى: {الذين لا يؤتون الزكاة} محتمل أن يكون بياناً للمشركين فتدل على أن المكلف بالزكاة يصير مشركاً بعدم اخراجها فلا دلالة للاية على أن المكلف بها هو خصوص المسلمين أو الأعم منهم و من الكافرين و إذا جاء الاحتمال بطل الاستدلال.

الرابع: قوله تعالى: {قالوا لم نك من المصلين ۞ و لم نك نطعم المسكين}(1) بتقريب أنّ المراد بإطعام المساكين هو الزكاة، إذ الواجب بالأصالة هو الزكاة و يلحق بها الخمس لا غيره.

أورد عليه: بأنّ الكلام مقول قول المجرمين فلا ربط له بالكافرين، فتأمل، هذا أولاً، و ثانياً أنّ المحتمل كون المراد بالمصلين هو المعنى اللغوي أي التالي للسابق كما في كلام صاحب الحدائق و عليه بعض الروايات و في تفسير على بن ابراهيم تفسير الآية باتباع الائمة (علیهم السلام) أي لم نك من أتباع الائمة (علیهم السلام) و هو مروى عن الصادق (علیه السلام).

الخامس: قوله تعالى: {و لله على الناس حج البيت من استطاع إليه سبيلا}(2) كما نقل عن العلامة (رحمه اللّه) في المنتهى و قوله تعالى: {يا أيها الناس اعبدوا ربكم}(3) لكن يأتى الكلام فيه عند البحث عن الروايات.

و أما ما أجاب المحقق الخوئي (قدس سره ) عن الآيات بمنع العموم كيف و الخطاب في كثير من الآيات خاص بالمؤمنين لاحظ قوله تعالى: {و أقيموا الصلاة و آتوا الزكاة واركعوا معالراكعين }(4) و قوله تعالى: {يا أيها الذين آمنوا كتب عليكم الصيام كما كتب على

ص: 88


1- مدّثّر / 43 و 44
2- آل عمران / 97
3- البقرة / 21
4- البقرة / 43

الذين من قبلكم لعلكم تتقون}(1) و قوله تعالى: {إن الصلاة كانت على المؤمنين كتاباً موقوتاً}(2) ففيه أنه لا تنافي بين المثبتين كما هو المقرر في محله و أما الاستدلال للتقييد بقوله تعالى: {الزاني لا ينكح إلا زانية أو مشركة و الزانية لا ينكحها إلا زانٍ أو مشرك و حرم ذلك على المؤمنين}(3) فقد ظهر جوابه، مع أنه لا نعلم المراد بالآية.

و خلاصة الكلام أنّ الآيات المذكورة لا يستظهر منها توجه الخطاب إلى الإنسان، سواء كان كافراً أو مسلماً، مضافاً إلى الروايات التي استدلوا بها على عدم توجه الخطاب إليهم، لاحظ ما رواه على بن ابراهيم في ذيل الآية: {و ويل للمشركين ۞ الذين لا يؤتون الزكاة و هم بالآخرة هم كافرون}(4) عن أبان بن تغلب: قال: قال لي أبوعبدالله (علیه السلام): يا أبان! أ ترى أن الله عزوجل طلب من المشركين زكاة أموالهم و هم يشركون به حيث يقول: {و ويل للمشركين} الى آخر الآية. قلت له: كيف ذلك جعلت فداك؟ فسره لي. فقال: {ويل للمشركين} الذين أشركوا بالامام الأول و هم بالائمة الآخرين كافرون. يا أبان! إنما دعا الله العباد إلى الايمان فإذا آمنوا بالله و برسوله افترض عليهم الفرائض(5) حيث رتّب الامام (علیه السلام) افتراض الفرائض على الايمان بالله تعالى و برسوله (صلی الله علیه و آله و سلم) فيفهم أنهم غير مكلفين بالفرائض إلا بعد الايمان.

و ما رواه زرارة قال: قلت لأبي جعفر (علیه السلام): أخبرني عن معرفة الامام منكم واجبة على جميع الخلق؟ فقال: إن الله عزوجل بعث محمداً (صلی الله علیه و آله و سلم) إلى الناس أجمعين رسولاً و حجةلله على جميع خلقه في أرضه فمن آمن بالله و بمحمد رسول الله (صلی الله علیه و آله و سلم) و اتبعه و صدقه فإن معرفة الامام منا واجبة عليه و من لم يؤمن بالله و برسوله و لم يتبعه و لم يصدقه و

ص: 89


1- البقرة / 183
2- النّساء / 103
3- النّور / 3
4- فصلت / 6 و 7
5- التفسير القمي، ج 2، ص 296

يعرف حقهما فكيف يجب عليه معرفة الامام و هو لا يؤمن بالله و برسوله و يعرف حقهما، قال: قلت: فما تقول فيمن يؤمن بالله و رسوله و يصدق رسوله في جميع ما أنزل الله يجب على اولئك حق معرفتكم. قال: نعم أ ليس هؤلاء يعرفون فلآناً و فلآنا؟ قلت: بلى. قال: أ ترى أن الله هو الذي أوقع في قلوبهم معرفة هؤلاء؟! والله ما أوقع ذلك في قلوبهم إلا الشيطان، لا والله ما ألهم المؤمنين حقنا إلّا الله عزوجل(1)

بتقريب أنّ الكافر إذا لم يكن مكلفاً حال كفره بالولاية التي هي أعظم الفروع و أهمها و إنما يؤمر بها بعد اختيار الاسلام، فما ظنك بسائر الأحكام.

أقول: أما الرواية الاولى فقد أورد عليه سيدنا الاستاذ دام ظله في المباني أن كلمة «ثم» دالة على الترتيب الرتبي لا الزمانى و أما الرواية الثانية فيردها تارة بعدم وجدانه حتى يرى أنه تام سنداً أم لا و اُخری أن الترتيب رتبى لا زمانى.

لكن السند في الثانية تامة كما أن الرواية الاولى لو كان المراد بالراوی أبي جميلة فصحيح و أما إذا كان الراوي أبي جميل فغير معلوم.

مضافاً إلى القول بأنّ الامامة أعظم الفروع، ففيه اشكال لا يخفى على البصير من أنها من الاصول كما أثبتناه في محله.

فالحق أن يقال: إن المقتضي في المقام قاصر و إلّا فالاستدلال بالروايات مشكلٌ.

لكن الانصاف أن الرواية الاولى دالة على المطلب بالمفهوم فيثبت بها عدم كون الكافر مكلفاً بالفروع.

هذا كله بالنسبة إلى الكبرى أي كون الكافر مكلف بالفروع أم لا؟، و أما بالنسبة إلىالزكاة بخصوصها هل هو مكلف به أم لا؟، فتارة يستدل على ذلك أي الوجوب، برواية صفوان بن يحيى و أحمد بن محمد بن أبي نصر قالا: ذكرنا له الكوفة و ما وضع عليها من الخراج و ما سار فيها أهل بيته، فقال: من أسلم طوعاً تركت أرضه في يده -إلى

ص: 90


1- الكافي، ج 1، ص 138 باب معرفة الامام و الرّدّ عليه، الحدیث: 3

أن قال- و ما أخذ بالسيف فذلك إلى الامام يقبله بالذي يرى كما صنع رسول الله (صلی الله علیه و آله و سلم) بخيبر و على المتقبلين سوى قبالة الأرض العشر و نصف العشر في حصصهم، الحديث(1).

أورد عليه اولاً أن الرواية ضعيفة سنداً بابن أشيم.

و ثانياً أنه لم يظهر منها كفر المتقبل و لعل القبالة كانت مع من أسلم منهم لأنها مجملة من هذه الجهة.

و ثالثاً لو سلمنا أنه كان كافراً لكن مفادها وجوب العشر عليهم بمقتضى الشرط و هذا خارج عن البحث، و اخرى أن الكافر كان متمكناً من الزكاة باسلامه قبل أوان الزكاة و قد فوت على نفسه هذا التكليف بسوء الاختيار المستند إلى عدم قبول الاسلام و من الواضح أن الممتنع بالاختيار لا ينافي الاختيار عقاباً، لا خطاباً فالتكليف ساقط بمناط امتناع الخطاب، لكن الملاك الفعلى الملزم موجود و لأجله لا مانع من تعلق الزكاة بالكافر كالمسلم.

و أجيب أنّ هذا صحيح ثبوتاً، لكن لا دليل عليه في مقام الاثبات إذ لا طريق لنا إلى استعلام الملاك من غير ناحية الامر و المفروض أنّ توجه الأمر إليه ممتنع و معه كيف يستكشف تحقق المناط.

و ثالثةً يستدل عليه بأن دليل التكليف بالزكاة و إن كان قاصراً للشمول بالاضافة إلى الكافر كما ذكر إلّا أن أدلة الوضع تشمله لعدم أي محذور فیه، و نتيجة ذلك جواز أخذها منه قهراً و اجيب بأنه لا اطلاق في هذه الأدلة لعدم كونها في مقام البيان و فيه أنه مر منا أنّ الأدلة بالنسبة إلى الحكم الوضعى موجود لكن الرواية المذكورة في التفسير المتقدمة تقيّدها بل يمكن أن يقال أنه بین أدلة الزكاة وضعاً و بين الرواية المتقدمة عموم من وجه إذ الاولى دالة على وجوب الزكاة وضعاً سواء كان الشخص مسلماً أم كافراً و

ص: 91


1- الوسائل، الباب 7 من أبواب زكاة الغلّات، الحدیث: 2

«نعم للامام عليه السلام أو نائبه أخذها منه قهراً» (1)

الرواية المتقدمة دالة على عدم جعل الفرائض عليه سواء كانت الفرائض زكاة أم غيرها، فيقع التعارض في الكافر بالنسبة إلى الزكاة و بعد التعارض و التساقط يكون المرجع هو البرائة.

(1) أما جواز أخذها من الكافر فلأنّ الامام (علیه السلام) أو نائبه إذا كان ولى الممتنع و من ناحية اخرى أنه (علیه السلام) ولى الفقراء فله أخذها منهم.

و قد أورد على هذا الوجه أي جواز الأخذ، بامور:

الأول: أنّ الزكاة عبادة فتفتقر إلى قصد القربة و حيث إن هذا القصد غير متمشٍ من الكافر لا تصح منه العبادة و إذا لم تصح منه العبادة كيف يجوز أخذها منه قهراً؟

اجيب بأن هذا لا يوجب الإهمال في حقوق الفقراء و رفع اليد عن استنقاذ حقهم مع وجود الحاكم الشرعى الذي يكون ولى الممتنع و ولى الفقراء و الحافظ لحقوقهم فيجوز له استنقاذ حقهم مع الإمكان.

لكن هذا الجواب مبتنى على أمرين:

الأول: أنّ أعمالهم ليس مقيداً بقصد القربة بأن يكون المطلوب متعدداً .

الثاني: أنهم مكلفون بالفروع.

أما الثاني فهو مفروض الكلام و لولا ذلك لا مجال للبحث، و أما الأول فالظاهر أن الأمر كذلك.الثاني: أن من شرائط الصحة هو الايمان و حيث إنّ الكافر لم يكن عمله صحيحاً فلا تجب الزكاة عليه فإذا لم تجب، لا وجه في اجباره.

و نقل سيدنا الاستاذ (رحمه اللّه) الاستدلال على الاشتراط -في المرتقى- بالأخبار الواردة في المخالفين بأنّ أعمالهم غير صحيح كرواية زرارة عن أبي جعفر (علیه السلام) في حديث قال: ذروة الأمر و سنامه و مفتاحه و باب الاشياء و رضى الرحمن الطاعة للامام بعد معرفته أما

ص: 92

لو أنّ رجلاً قام ليله و صام نهاره و تصدق بجميع ماله و حج جميع دهره و لم يعرف ولاية ولى الله فيواليه و يكون جميع أعماله بدلالته إليه ما كان له على الله حق في ثوابه و لا كان من أهل الايمان(1)

ثم استشكل بأنّ الأخبار المذكورة لعلها محمولة على بعض الجهات الواقعية و إلّا فلا ينبغي الاشكال في لزوم ترتيب آثار الصحة على أعمال المخالفين من صلاة و صيام.

أقول: ما ذكره عجيب منه مع كمال دقته إذ يرد عليه أولاً: أن هذه الروايات مربوطة بالمخالفين الذين يكونون مكلفين بالفروع بلا شبهة فلا ربط بما نحن فيه.

و ثانياً: أن بعض هذه الروايات تدل على بطلان عملهم، لاحظ ما رواه محمد بن مسلم قال: سمعت أباجعفر (علیه السلام) يقول: كل من دان الله عزوجل بعبادة يجهد فيها نفسه و لا امام له من الله فسعيه غير مقبول و هو ضال متحير والله شانيء لأعماله -إلى أن قال- و إن مات على هذه الحال مات ميتة كفر و نفاق و اعلم يا محمد إن ائمة الجور و أتباعهم لمعزولون عن دين الله قد ضلوا و أضلوا فأعمالهم التي يعملونها كرماد اشتدت به الريح في يوم عاصف لا يقدرون مما كسبوا على شيء ذلك هو الضلال البعيد(2) لأنهم لم يؤمنوا بالامام المفترض طاعته و إن الله تعالى شانيء لأعمالهم فكيف يمكن أنيقال بأنّ الأعمال المبغوضة و المعيبة تكون محبوبة عنده.

و ثالثاً: أنّ الرواية الخاصة موجودة بالنسبة إلى الزكاة الدالة على عدم الجبّ بالنسبة إلى الزكاة و لو آمن لأنه وضعها في غير موضعها لاحظ ما رواه بريد بن معاوية العجلي عن أبي عبدالله (علیه السلام) في حديث قال: كل عمل عمله و هو في حال نصبه و ضلالته ثم منّ الله عليه و عرفه الولاية فإنه يؤجر عليه إلا الزكاة فإنه يعيدها لأنه يضعها في غير

ص: 93


1- الوسائل، الباب 29 من أبواب مقدّمة العبادات، الحدیث: 2
2- نفس المصدر، الحدیث: 1

مواضعها لأنها لأهل الولاية و أما الصلاة و الحج و الصيام فليس عليه قضاء(1)

فتأمل، لعله (رحمه اللّه) ناظرٌ إلى هذا الحديث و ترتيب آثار الصحة على صلاته و صيامه و حجه مع أن أعمالهم غير صحيح حسب الروايات و إنما لم تجب عليهم القضاء للرواية الخاصة المتقدمة لا صحة أعمالهم و ترتيب آثار الصحة عليها.

و الحاصل أنّ الاستدلال بهذه الروايات لا ربط لها بما نحن فيه، مضافاً إلى الاشكال فيما أفاده بالنسبة إلى المقام فلاحظ.

الثالث: أنّ الزكاة تتعلق بالعين فاختيار التطبيق بيد صاحب المال دون غيره فلا يصح تعيين الحاكم الشرعى من قِبل نفسه من دون اذن صاحب المال.

اجيب أنه جائز بأدلة جواز التقاص من المديون الواجد الممتنع فكما أنّ المالك أو من له الولاية على المال المغصوب كولى الصغير يجوز له الاستنقاذ و التقاص و لو من غير الجنس مما يعادله في المالية و تعيين الحق فيه نافذ و مضى بمقتضى تلك الأدلة، فكذا فيما نحن فيه لوحدة الملاك لاحظ ما رواه داود بن رزين قال: قلت لأبي الحسن موسى (علیه السلام) إني اخالط السلطان فتكون عندي الجارية فيأخذونها و الدابة الفارهة فيبعثون فيأخذونها ثم يقع لهم عندي المال فلي أن آخذه؟ قال: خذ مثل ذلك و لا تزد عليه(2)و غيره من الروايات الواردة في هذا الباب(3).

أقول: إنّ هذا الدليل و ما قبله متفرع على وجوب الزكاة عليه و صحة عمله لو كان قاصداً له لكن إذا لم نقل بالأول أو بالثاني فلا دليل على أخذ الحاكم قهراً إذ الدليل المدعى في المقام كون الحاكم ولي الممتنع و هذا إنما تكون في الموارد التي يجب على المكلف الأداء أو يصح منه إذا كان مريداً له و إلّا فلا وجه للامتناع، نعم إذا قلنا بأنّ

ص: 94


1- الوسائل، الباب 3 من أبواب المستحقّين للزّكاة، الحدیث: 1
2- الوسائل، الباب 83 من أبواب ما يكتسب به، الحدیث: 1
3- أي في نفس الباب

الزكاة لها جهتان: جهة الوضع و جهة التكليف، كما ذكرنا سابقاً فما افيد لا بأس به، و حينئذٍ إذا أدى الكافر الزكاة فهو و نتيجة ذلك عدم اشتراط قصد القربة في عمله و إلا يجبر على الاتيان، لكن المستفاد من حديث محمد بن مسلم عن أبي جعفر (علیه السلام) في أهل الجزية يؤخذ من أموالهم و مواشيهم شيء سوى الجزية، قال: لا(1) عدم شيء عليه سوی الجزية فلا تجب عليه الزكاة.

أورد عليه: أنّ موردها أهل الجزية فتسرية الحكم إلى غيرهم مشكلٌ جداً.

نعم السيرة العملية خلفاً عن سلف قائمة على عدم المطالبة و لذا لم يعهد في زمن النبى (صلی الله علیه و آله و سلم) جباية الزكاة من الكفار و لم ينقل ذلك في رواية و لا تاريخ ظاهراً.

فالظاهر عدم جواز الاجبار إما لعدم الوجوب عليهم كما ذكرنا أو عدم الدليل على الجواز لو قلنا بوجوبه، و أما الدليل عليه بأنّ الحاكم ولي الممتنع فقد تقدم الجواب عنه فلاحظ.

ص: 95


1- الوسائل، الباب 68 من أبواب جهاد العدوّ، الحدیث: 3

«و لو كان قد أتلفها فله أخذ عوضها منه» (1)

«مسألة 17: لو أسلم الكافر بعد ما وجب عليه الزكاة سقطت عنه و إن كانت العين موجودة فإن الإسلام يجب ما قبله» (2)

(1) لعل الوجه في الضمان قاعدة من أتلف لأنها بعمومها شاملة لما نحن فيه بلا فرق بين القول بتعلق الزكاة بالعين بنحو الإشتراك أو الكلي في المعين و بين القول بتعلقها بها بنحو الحق إلّا أن هذا على فرض وجوب الزكاة عليه و عدم صحة أدائها منه، لكنه مشكلٌ لما تقدم من عدم المقتضي لوجوبها عليه، مضافاً إلى ادعاء السيرة على عدم المطالبة منهم بعد أن أسلم.

(2) المشهور بين الأصحاب هو سقوط الزكاة بالاسلام بل عن المحقق الخوئي (قدس سره ) أنه لا اشكال و لا خلاف فيه للسيرة القطعية القائمة على ذلك هذا إذا كانت العين تالفة و أما إذا كانت العين موجودة فإن قلنا بعدم وجوب الزكاة على الكافر فأيضاً لا إشكال فيه، و أما إذا قلنا بوجوبها عليه كما ذهب إليه الماتن (رحمه اللّه) تبعاً للمشهور فالمعروف عندهم سقوط الزكاة بل ادعى عليه الاجماع، و استدل على ذلك بحديث الجب لكنه مخدوش سنداً و دلالة.

أما السند فهو مرسلٌ، لكن في تفسير على بن ابراهيم في ذيل الآية: {و قالوا لن نؤمن لك حتى تفجر لنا من الأرض ينبوعاً} فإنها نزلت في عبدالله بن أبي اُمية أخي ام سلمة رحمة الله عليها و ذلك أنه قال: هذا لرسول الله بمكة قبل الهجرة فلما خرج رسول الله (صلی الله علیه و آله و سلم) الی فتح مكة استقبله عبدالله بن أبي امية، فسلم على رسول الله (صلی الله علیه و آله و سلم) فلم يرد عليه السلام فأعرض عنه و لم يجبه بشيء و كانت اخته ام سلمة مع رسول الله (صلی الله علیه و آله و سلم) فدخل إليها فقال: يا اختي إنّ رسول الله (صلی الله علیه و آله و سلم) قد قبل اسلام الناس كلهم و رد على اسلامي و ليس يقبلني كما قبل غيري فلما دخل رسول الله (صلی الله علیه و آله و سلم) إلى ام سلمة قالت: بأبي أنت و امي يا

ص: 96

رسول الله (صلی الله علیه و آله و سلم) سعد بك جميع الناس إلا أخي من بين قريش و العرب رددت اسلامه و قبلت اسلام الناس كلهم فقال رسول الله (صلی الله علیه و آله و سلم): يا ام سلمة إنّ أخاك كذبني تكذيباً لم يكذبني أحد من الناس هو الذي قال لي: {لن نؤمن لك حتى تفجر لنا من الأرض ينبوعاً ۞ أو تكون لك جنة من نخيل و عنب فتفجر الأنهار خلالها تفجيراً ۞ أو تسقط السماء كما زعمت علينا كسفاً أو تأتي بالله و الملائكة قبيلا ۞ أو يكون لك بيت من زخرف أو ترقى في السماء و لن نؤمن لرقيك حتى تنزل علينا كتاباً نقرؤه}(1) قالت ام سلمة: بأبي أنت و امي يا رسول الله! ألم تقل إنّ الاسلام يجب ما كان قبله؟ قال: نعم، فقبل رسول الله (صلی الله علیه و آله و سلم) اسلامه(2) و الانجبار بالشهرة فغير معلوم مع الشك في استناد المشهور إلى هذه الرواية.

و أما من حيث الدلالة فالظاهر أنه ناظر إلى الأحكام المختصة بالاسلام فهي مجبوبة.

و بعبارة اخرى أنه مختص بما إذا كان الثابت من قبيل التبعات لما تقدم مع فرض كون الثبوت من ناحية الاسلام لا ما كان ثابتاً من غير جهة الاسلام و كان أمراً مشتركاً بين كافة الأديان كرد الأمانات و أداء الديون و الغرامات فالاستدلال بحديث الجب للسقوط مشكلٌ جداً فلا يترك الاحتياط بالأداء.

ص: 97


1- الاسراء / 90 - 93
2- تفسير علىّ بن ابراهيم، ج 2، ص 26

«مسألة 18: إذا اشترى المسلم من الكافر تمام النصاب بعد تعلق الزكاة وجب عليه اخراجها» (1)

(1) على القول بوجوب الزكاة على الكافر فالحكم ما ذكره الماتن (رحمه اللّه) لأنّ الزكاة تتعلق بالعين إما بنحو الحق أو بنحو الملك المشاع أو الكلى في المعين و على هذا يجب على المشتري الأداء لأنّ البيع بالنسبة إليها فضولياً فلا يصح، فيجب الاخراج.

و يؤيد المدعى ما رواه عبدالرحمن بن أبي عبدالله قال: قلت لأبي عبدالله (علیه السلام): رجل لم يزك ابله أو شاته عامين فباعها على من اشتراها أن يزكيها لما مضى؟ قال: نعم، تؤخذ منها زكاتها و يتبع بها البائع أو يؤدى زكاتها البائع(1)

لكن الذي يهون الخطب أن المبنى غير مرضى(2) و قد تقدم الكلام فيه.

ص: 98


1- الوسائل، الباب 12 من أبواب زكاة الانعام، الحدیث: 1
2- لعدم كون الكافر مكلفاً بالفروع

«فصل: في الأجناس التي تتعلق بها الزكاة» (1)

(1) قبل الخوض في البحث لابد من بيان أمر و هو كيفية تعلق الزكاة بأنها هل تتعلق بالذمة أو العين و مع فرض تعلقها بالعين بأيّة كيفية كانت.

فنقول أما تعلق الزكاة بالذمة فالظاهر أنه لا قائل بها بين الأصحاب كما في بعض الكلمات، نعم ينقل ذلك عن بعض مجهول الحال، فعن المحقق الهمدانى (رحمه اللّه) حكى عن ابن حمزة أنه حكى ذلك عن بعض الأصحاب و هو المنسوب إلى الشافعى.

و عن المحقق النراقي (رحمه اللّه) في المستند أنه فصّل بين ما كانت الفريضة من جنس العين كما في أربعين شاة، شاة أو في عشرين مثقالاً من الذهب نصف مثقال، فالزكاة متعلقة بالعين و بين ما لم تكن من جنسها كما في خمس من الابل شاة فهي متعلقة بالذمة.

و في المرتقى(1) و مما يدلنا على تسالم الفقهاء على خلاف القول المذكور، أنه لم نجد من الفقهاء من التزم بلوازم الآية، المتفرعة على القول بذلك و هي امور:

الأول: أنه إذا تكرر الحول على النصاب الواحد تكررت الزكاة به، كما إذا كان له أربعون شاة و مضى عليه حولان أو أكثر، و هذا بخلاف ما إذا تعلقت بالعين حيث إنه لا تجب إلا زكاة واحدة و ذلك لنقصان النصاب بمضى الحول و تعلقها بالعين.

الثاني: عدم تقديم الزكاة على الدين إذا كانت التركة قاصرة عن تمام الدين بأن تضرب الزكاة مع الدين و يدخل النقص على الجميع مع أنهم التزموا بالتقديم.

الثالث: عدم التوزيع عند التلف على الزكاة إذا تلف بعض الأعيان الزكوية مع أنهم التزموا بالتوزيع.

الرابع: عدم تتبع ساعى الزكاة العين المبيعة إذا لم يؤد المالك زكاتها مع أن الفقهاء قائلون بالتتبع و هذه اللوازم المذكورة كاشفة عن عدم التزامهم بالقول المزبور، فالقول بذلك

ص: 99


1- جلد اول صفحه 87

مطرود عندهم فلابد من صرف عنان البحث إلى صور التعلق بعد القول بتعلق الزكاة بالعين.

فنقول عليه تعالى التكلان، أما الصور المتصورة في المقام فتارة نبحث على مقتضى الثبوت و اخرى على مقتضى الإثبات و ظاهر الأدلة، فيقع البحث في مقامين:

أما المقام الأول: فهو صور التعلق بالعين ثبوتاً فهي سبعة:

الصورة الاولى: أن يكون على وجه الشركة الحقيقية، بمعنى كون جزء مشاع من الأجزاء ملكاً للفقراء فالجزء المشاع من الشاة ملك لهم، نسبة الواحد إلى الأربعين و الباقى ملك للمالك.

أورد عليه سيدنا الاستاذ (رحمه اللّه) في المرتقى أنه يترتب على هذا امورٌ، لم يلتزم الفقهاء بذلك، فهو كاشف علی عن أنّ التسالم على خلافه.

الأول: عدم جواز تصرف المالك في ماله قبل اخراج الزكاة و بعد تعلقها إلا بإذن ولي الفقراء لاشتراط صحة تصرف أحد الشريكين في المال المشترك باجازة الشريك الآخر.

الثاني: عدم جواز تطبيق المالك بنفسه الجزء المملوك للفقراء إلا برضاء وليهم، و بعبارة اخرى عدم جواز الافراز إلا بإذن الفقيه الجامع للشرائط.

الثالث: صيرورة المالك ضامناً للمنافع إذا لم يؤد زكاة العين لأن الجزء من العين إذا كان مملوكاً للفقراء يكون نمائه تابعاً له فيكون المالك ضامناً لها إذا تلفت سواء استوفاها المالك أم لم يستوفاها.

الرابع: مقايسة الزكاة بالخمس بما لم يلتزم به الفقهاء.

بتقریب انه كما في الخمس المشترك مع الزكاة من هذه الجهة، فيما إذا كان له خمسمائة دينار-مثلاً- فلم يؤد خمس المال -و هو مائة دينار- إلى أن مر على ذلك الحول الثاني، فزاد المال و بلغ ألف دينار، كان اللازم حينئذ -على القول بالشركة الحقيقية-هو إخراج الخمس من أربعمائة دينار من الخمسمائة الثانية. و ذلك: لأن مائة منها إنما

ص: 100

هي من ربح المائة التي هي حق الخمس، فهي ملك لأصحاب الخمس، و التخميس إنما يلزم في الأربعمائة الباقية، التي هي من ربح الأربعمائة من الخمسمائة الأولى. فيكون ما يؤديه من الخمس مائتين و ثمانين ديناراً، لا تخميس الألف دينار-الذي ربحه في حولين على الفرض- و خمسه مائتا دينار.

ثم إنه لا يخفى عليك: أنه لم يلتزم أحد باللازم الأخير، كما لم يلتزم باللوازم الثلاث المتقدمة عليه، و هذا مما يكشف عن تسالم الفقهاء قدس سرهم على خلاف القول المذكور.

الصورة الثانية: الشركة الحقيقية في المالية دون العين بأن يشترك المالك مع الفقراء في المالية و قیمة العين نظير ارث الزوجة في العقار.

الصورة الثالثة: أن يكون حق الفقراء المتعلق بالعين على نحو الكلي في المعين بأن يكون متعلق حقهم فرداً مبهماً من مسمى الفريضة، بحيث يكون المقدار المفروض مخرجاً من هذه العين و منطبقاً على تلك العين الزكوية كما في صاع من الصبرة المعينة و يترتب على جواز تصرف المالك في العين، فيما عدا المسمى من الفريضة فيجوز له أن يتصرف في أربعين شاة إلى أن يبقى شاة واحدة.

الصورة الرابعة: أن يكون من قبيل حق الغرماء المتعلق بالتركة فكما أن الغرماء لهم حق بالنسبة إلى التركة، يكون الفقراء مستحقين للفريضة التي سمّاها و عينها الشارع الأقدس من هذا العين، غاية الأمر لا يكون الحق متعيناً في العين و لذا لو أدّاها المالك من غير الجنس، فقد أدى عين ما يستحق الفقير دون بدله، كما إذا تبرع أحد فقد أدى نفس الحق الذي لابد على الميت من أدائه.

الصورة الخامسة: أن يكون من قبيل حق الجناية المتعلقة برقبة العبد فكما أنّ مالكالعبد الجاني مخير بين تسليمه إلى ولى المجنى عليه أو أداء الحق المفروض من ماله، غير العبد فكذلك في المقام مخير بين أداء الزكاة من عين المال الزكوية و بين غيره.

ص: 101

الصورة السادسة: أن يكون من قبيل حق الرهانة بأن يكون ذمة الشخص مشغولة بالكلى و تكون العين الزكوية بمنزلة العين المرهونة استیثاقاً لدى الفقراء.

الصورة السابعة: أن يكون من قبيل حق منذور الصدقة فكما لا يخرج عن ملكه قبل دفعه المنذور له، بقصد التقرب و لا يكون ملكاً للمنذور، له إلا بعد الدفع إليه كذلك الحال في المقام.

المقام الثاني: هو ما يقتضيه الأدلة: و استدل على الصورة الاولى بامور:

الأول: الروايات الدالة على أنّ في الأربعين شاة شاة منها: ما رواه زرارة و محمد بن مسلم و أبي بصير و بريد و الفضيل عن أبي جعفر و أبي عبدالله‘ في الشاة في كل أربعين شاة، شاة و ليس فيما دون الأربعين شيء ثم ليس فيها شيء حتى تبلغ عشرين و مائة فإذا بلغت عشرين و مائة ففيها مثل ذلك شاة واحدة، الحديث(1)

أو في خمس من الابل شاة منها: ما رواه زرارة عن أبي جعفر (علیه السلام) قال: ليس فيما دون الخمس من الابل شيء فإذا كانت خمساً ففيها شاة إلى عشرة، فإذا كانت عشراً ففيها شاتان، الحديث(2)

أو في عشرين مثقالاً من الذهب نصف مثقال لاحظ ما رواه ابن فضال عن علي بن عقبة و عدة من أصحابنا عن أبي جعفر و أبي عبدالله‘ ألا ليس فيما دون العشرين مثقالاً من الذهب شي ء فإذا كملت عشرين مثقالاً ففيها نصف مثقال إلى أربعة وعشرين فإذا كملت أربعة و عشرين ففيها ثلاثة أخماس دينار إلى ثمانية و عشرين فعلى هذا الحساب كلما زاد أربعة.(3)

ص: 102


1- الوسائل، الباب 6 من أبواب زكاة الانعام، الحدیث: 1
2- الوسائل، الباب 2 من أبواب زكاة الانعام، الحدیث: 1
3- الوسائل، الباب 1 من أبواب زكاة الذّهب و الفضّة، الحدیث: 5

ما رواه عن زرارة عن أحدهما‘ في حديث قال: ليس في الذهب زكاة حتى يبلغ عشرين مثقالا فإذا بلغ عشرين مثقالا ففيه نصف مثقال ثم على حساب ذلك إذا زاد المال في كل أربعين ديناراً دينار.(1)

أو فيما سقت السماء العشر، لاحظ ما رواه الحلبي قال: قال أبوعبدالله (علیه السلام): في الصدقة فيما سقت السماء و الأنهار إذا كانت سيحاً أو كان بعلاً العشر و ما سقت السوانى و الدوالي أو سقى بالغرب فنصف العشر(2) و غيرها من الروايات الدالة على المقدار المخرج من المال في مقام تقدير النصب في الأنعام و الغلات المشتملة على كلمة «في» الظرفية الظاهرة في الظرفية في الجميع بحيث تكون نسبة ما يخرج إلى الكل نسبة الجزء إلى الكل و هذا بظاهره منطبق على الإشاعة.

أورد عليه بأنّ هذه الروايات غير مسوقة لكيفية التعلق، بل إنما هي مسوقة لبيان تحديد الفريضة فقط بأي نحو من كيفية التعلق فهي ناظرة إلى المقدار المخرج من المال بعد الفراغ عن كیفیة التعلق فلا ظهور لها فی الجزء المشاع فلابد من المراجعة إلى دليل آخر مستقل دال على كيفية التعلق غير هذه الروايات.

أقول: أما الروايات الواردة في الأنعام فالحق معه إذ لا ظهور لها في المدعى، و أما الروايات الواردة في الغلات و كذلك الذهب و الفضة فهي ظاهرة في الإشاعة، لظهور الكسر المشاع في ذلك، إلّا أن يقال بأن ثبوت الكسر المشاع في العين لا يثبت كيفية التعلق، بل الثابت هو المقدار الواجب من المال.

و بعبارة اخرى أن الروايات الواردة في المقام دالة على مقدار ما فرضه الله تبارك و تعالى في الأعيان الزكوية، أما كيفية تعلقها حتى يكون هذا المقدار، ملكاً للفقراء فلا يستفاد منها، نعم لو سلمنا ذلك فالقول بأن التفكيك خلاف المرتكز في أذهان المتشرعة، و

ص: 103


1- نفس المصدر، الحدیث: 10
2- الوسائل، الباب 4 من أبواب زكاة الغلّات، الحدیث: 2

خلاف النصوص الدالة، على أنّ رسول الله (صلی الله علیه و آله و سلم) وضع الزكاة على تسعة أشياء، كما في رواية عبدالله بن سنان قال: قال أبوعبدالله (علیه السلام): انزلت آية الزكاة: {خذ من أموالهم صدقة تطهرهم و تزكيهم بها} في شهر رمضان، فأمر رسول الله (صلی الله علیه و آله و سلم) مناديه فنادى في الناس: ان الله تبارك و تعالى قد فرض عليكم الزكاة كما فرض عليكم الصلاة، ففرض الله عليكم من الذهب و الفضة و الإبل و البقر و الغنم و من الحنطة و الشعير و التمر و الزبيب و نادى فيهم بذلك في شهر رمضان و عفا لهم عما سوى ذلك، الحديث(1)

و الفضلاء عن أبي جعفر و أبي عبدالله‘ قالا: فرض الله عزوجل الزكاة مع الصلاة في الأموال و سنها رسول الله (صلی الله علیه و آله و سلم) في تسعة أشياء و عفا عما سواهن في الذهب و الفضة و الإبل و البقر و الغنم و الحنطة و الشعير و التمر و الزبيب و عفا عما سوى ذلك(2).

فيرد عليه أن الارتكاز المذكور يمكن أن يحصل من استنباط الأصحاب كما أن ظهور الروايات الواردة في المقام، الدالة على أنّ الزكاة مجعولة على الأشياء على نسق واحد، مشكلٌ جداً لأنها لم تكن مسوقة لبيان الكيفية فلا تنافي بينها و بين الروايات الدالة على الإشاعة.

إن قلت: إنّ الروايات الواردة في الغلات منافية مع رواية بريد بن معاوية قال: سمعت أباعبدالله (علیه السلام) يقول: بعث أميرالمؤمنين (علیه السلام) مصدقاً من الكوفة إلى باديتها فقال له: يا عبدالله انطلق و عليك بتقوى الله وحده لا شريك له و لا تؤثر دنياك على آخرتكو كن حافظاً لما ائتمنتك عليه راعياً لحق الله فيه حتى تأتى نادى بني فلان، فإذا قدمت فانزل بمائهم من غير أن تخالط ابياتهم ثم امض إليهم بسكينة و وقار حتى تقوم بينهم فتسلم عليهم ثم قل لهم: يا عبادالله أرسلني إليكم ولى الله لآخذ منكم حق الله في أموالكم فهل لله في أموالكم من حق فتؤدوه إلى وليه؟ فإن قال لك قائل: لا، فلا تراجعه و إن

ص: 104


1- الوسائل، الباب 8 من أبواب ما تجب فيه الزّكاة، الحدیث: 1
2- نفس المصدر، الحدیث: 4

أنعم لك منعم فانطلق معه من غير أن تخيفه أو تعده إلا خيراً فإذا أتيت ماله فلا تدخله إلا بإذنه فإن اكثره له فقل: يا عبدالله أتأذن لي في دخول مالك؟ فإن أذن لك فلا تدخله دخول متسلط عليه فيه و لا عنف به فاصدع المال صدعين ثم خيره أى الصدعين شاء فأيهما اختار فلا تعرض له ثم اصدع الباقي صدعين ثم خيره فأيهما اختار فلا تعرض له و لا تزال كذلك حتى يبقى ما فيه وفاء لحق الله في ماله، فإذا بقى ذلك فاقبض حق الله منه و إن استقالك فأقله ثم اخلطهما و اصنع مثل الذي صنعت أولا حتى تأخذ حق الله في ماله فإذا قبضته فلا توكل به إلا ناصحاً شفيقاً أميناً حفيظاً غير معنف بشيء منها ثم احدر كل ما اجتمع عندك من كل نادٍ إلينا نصيره حيث أمر الله عزوجل فإذا انحدر بها رسولك فأوعز إليه أن لا يحول بين ناقة و بين فصيلها و لا يفرق بينهما و لا يمصرن لبنها، الحديث(1) الدالة على خلاف ذلك حيث إن الظاهر منها تصدى المالك للقسمة مع أنّ المال المشترك لا يقسم إلا بإذن الشريك.

قلت: إن جواز التعدي من ناحية المالك، لطف من الشارع الأقدس بالنسبة إليه لا ينافي الاشتراك و التخصيص في الأحكام ليس بعزيز.

الثاني: الروايات الدالة على اشتراك الفقراء مع الأغنياء في أموالهم و هي ما رواه أبوالمغراء عن أبي عبدالله (علیه السلام) قال: إن الله تبارك و تعالى أشرك بين الأغنياء و الفقراء في الأموالفليس لهم أن يصرفوا إلى غير شركائهم(2) و ما رواه بريد(3)

و ما رواه في نهج البلاغة عن أميرالمؤمنين (علیه السلام) في وصية كان يكتبها لمن يستعمله على الصدقات: انطلق على تقوى الله وحده لا شريك له و لا تروعن مسلماً و لا تجتازن عليه، كارهاً و لا تأخذن منه أكثر من حق الله في ماله، فإذا قدمت على الحي فانزل

ص: 105


1- الوسائل، الباب 14 من أبواب زكاة الأنعام، الحدیث: 1
2- الوسائل، الباب 4 من أبواب المستحقّين، الحدیث: 4
3- الوسائل، الباب 14 من أبواب زكاة الأنعام، الحدیث: 1

بمائهم من غير أن تخالط أبياتهم، ثم امضِ إليهم بالسكينة و الوقار حتى تقومَ بينهم فتسلم عليهم و لا تخدج التحية لهم، ثم تقول عبادَ الله أرسلني إليكم ولي الله و خليفته لآخذ منكم حق الله في أموالكم، فهل لله في أموالكم من حق، فتوَدوه إلى وليه فإن قال قائل: لا، فلا تراجعه و إن أنعم لك منعم، فانطلق معه من غير أن تخيفه أو ترعده أو تعسفه أو ترهقه فخذ ما آتاك من ذهب أو فضة، فإن كانت له ماشية أو ابل فلا تدخلها إلا باذنه فإن أكثرها له فإذا أتيتها فلا تدخلها دخول متسلط عليه و لا عنيف به و لا تنفرن بهيمة و لا تفزعنها و لا تسوءن صاحبها فيها و اصدع المال صدعين ثم خيره فإن اختار فلا تعرضن لما اختار ثم اصدع الباقي صدعين ثم خيره فإذا اختار فلا تعرضن لما اختار و لا تزال كذلك حتى يبقى ما فيه وفاء لحق الله في ماله فاقبض حق الله منه، الحديث(1)

و ما رواه أبوحمزة عن أبي جعفر (علیه السلام) قال: سألته عن الزكاة تجب على في موضع لا تمكنني أن اؤديها، قال: اعزلها، فإن اتجرت بها فأنت لها ضامن و لها الربح و إن تويت في حال ما عزلتها من غير أن تشغلها في تجارة، فليس عليك فإن لم تعزلها، فاتجرت بها في جملة مالك فلها بقسطها من الربح و لا وضيعة عليها(2)و الظاهر أن هذه الطائفة من الروايات تدل على المدعى.

لكن أورد عليه سيدنا الاستاذ (رحمه اللّه) في المرتقى بأنه لابد من رفع اليد عن هذه الطائفة لوجوه:

الوجه الأول: أنها خلاف ظاهر قوله تعالى: {خذ من أموالهم صدقة} لأمرين:

الأول: ظاهر الآية كون متعلق الأخذ إنما هو الأموال المضافة إليهم و هذا ينافي الشركة بنحو الإشاعة، إذ بناءً على هذا يكون المأخوذ ملكاً للفقراء قبل الأخذ و لا يكون

ص: 106


1- الوسائل، الباب 14 من أبواب زكاة الأنعام، الحدیث: 7
2- الوسائل، الباب 52 من أبواب المستحقّين، الحدیث: 3

المأخوذ ملكاً للمأخوذ منه و هذا كما ذكرنا خلاف الظاهر من الآية.

الثاني: أنّ الآية الشريفة أطلقت الصدقة على الزكاة و الصدقة على ما ذكره بعض اللغويين عبارة عما اعطى تبرعاً بقصد القربة و هذا ينافي الشركة إذ على الشركة يكون من باب ردّ المال إلى مالكه و لا ينطبق عليه عنوان التبرع كي يكون مصداقاً للصدقة.

الوجه الثانی: أنّ الملك بنحو الاشاعه ینافی اعتبار القصد القربة عند الدفع وذلك لان المفروض كون المدفوع ملك للفقیر،نعم توجیح ذلك بأنّ المملوك انما هو جزء المشاع و تعین ذلك خارجاً فی جزء مشخص بقصد القربة بمعنا أن الشارع انما اعتبر القربة فی تعیین مقدار المملوك و لم یكتف فی ذلك بمطلق الافراز و هذا امر معقول.

الوجه الثالث: استحباب الزكاة في بعض الموارد و هو ينافي الشركة بنحو الإشاعة، إذ لا معنى لملكية الفقراء على وجه الاستحباب كما لا يخفى، فإذا امتنع ذلك في الاستحباب امتنع في الواجب أيضاً بمقتضى وحدة السياق الواردة في بعض الروايات(1) من الجمع بين الزكوات الواجبة و المستحبة.

الوجه الرابع: أنه لم يلتزم أحد من الفقهاء بشيء من اللوازم التي ذكرها للقول بالاشتراك بل السيرة القطعية جارية على خلاف ذلك، لكن الفقهاء بعضهم التزموا ببعض مايترتب على الإشاعة ككون البيع فضولياً و أنه لا يجوز التصرف في الجميع بعد تعلق الزكاة و من المعلوم أنّ التخصيص في الاحكام ليس بعزيز لاحظ ما ذهب إليه المحقق الخوئي (قدس سره ) في المنهاج و غیره في غيره.

الوجه الخامس: أنّ الروايات الواردة في كيفية أخذ الصدقة(2) و أنّ المصدق ليس له أن يطالب بأكثر من الفريضة إذا دفعها إليه و هذا مما يبعد القول بالشركة الحقيقية لأنه من المستبعد جداً أن يصل المصدق في أول وقت تعلق الزكاة بل المصدق المعين من قبل

ص: 107


1- الوسائل، الباب 7 من أبواب ما تجب فيه الزّكاة، الحدیث: 9
2- الوسائل، الباب 14 من أبواب زكاة الأنعام.

الامام (علیه السلام) مثلاً من ناحية معينة إنما يجيء الصدقات على نحو التدريج كما هو مقتضى المتعارف، و ربما يتأخر عن أول زمان الوجوب بشهر أو أقل أو أكثر و من البيعد أن لا ينمو الأعيان الزكوية في طول هذه المدة فلو كانت الزكاة على نحو الشركة الحقيقية فلابد من المطالبة بالنسبة إلى النماء مع أنه لم ينقل و لو في رواية أو تاريخ أخذه من المالك بل المطالبة تنافي المنع من الأكثر بل في بعض الروايات جواز استرجاع ما به التفاوت لو أتى بفرد أعلى كما إذا كانت الزكاة المفروضة ابنة لبون مثلاً و لم يوجد ذلك عند المزكى و لكن كان عنده ما هو أعلى منها سناً دفعها إلى المصدق، استرجع منه التفاوت بين ما دفعه إليه و بين ما هو واجب عليه إما بأن يأخذ منه شاتين أو عشرين درهماً لاحظ ما رواه زرارة عن أبي جعفر (علیه السلام) في حديث زكاة الابل قال: و كل من وجبت عليه جذعة و لم تكن عنده و كانت عنده حقة دفعها و دفع معها شاتين أو عشرين درهماً و من وجبت عليه حقة و لم تكن عنده و كانت جذعة دفعها و أخذ من المصدق شاتين أو عشرين درهماً و من وجبت عليه حقة و لم تكن عنده و كانت عنده ابنة لبون دفعها و دفع معها شاتين أو عشرين درهماً و من وجبت عليه ابنة لبون و لم تكن عنده و كانت عنده حقة دفعها و أعطاه المصدق شاتين أو عشرين درهماً ومن وجبت عليه ابنة لبون و لم تكن عنده و كانت عنده ابنة مخاض دفعها و أعطى معها شاتين أو عشرين درهماً و من وجبت عليه ابنة مخاض و لم تكن عنده و كانت عنده ابنة لبون دفعها و أعطاه المصدق شاتين أو عشرين درهماً و من وجبت عليه ابنة مخاض و لم تكن عنده و كان عنده ابن لبون ذكر فإنه يقبل منه ابن لبون و ليس يدفع معه شيئاً(1)

لكن مع تعين الزكاة بالعزل و ترتب أحكامها على المعزول لا تحرز السيرة القطعية المتصلة إلى زمان المعصوم (علیه السلام) فيمكن أن يعزل المالك المقدار المفروض ثم بعد مجيء الجابي يدفع

ص: 108


1- الوسائل، الباب 13 من أبواب زكاة الأنعام، الحدیث: 1

إليه كلها و لو نما.

و هذه المحدودة و جواز الاسترجاع في بعض الموارد لا يكون شاهداً على ما ذكر كما لا يخفى.

نعم في بعض الموارد لا يمكن القول بالاشتراك الحقيقية كما في زكاة الابل حيث ان المفروض فيها الشاة و من المعلوم أن الشاة ليست من أجزاء الابل حتى يتصور الجزء المشاع بالنسبة إليه بل يمكن أن يقال إن هذه الروايات الواردة في زكاة الابل مع ملاحظة الاجماع القطعى أو التسالم المدعی على عدم التفكيك بين الموارد تكون معارضة مع الروايات الدالة على الاشتراك الحقيقية، و يويد الاجماع الروايات الدالة على التسوية لاحظ ما رواه ابن سنان(1) و الفضلاء(2) و قد تقدم في أول البحث فلاحظ فتأمل.

الثالث: الروايات الدالة على أنّ الله تعالى فرض للفقراء في أموال الأغنياء ما يكفيهم و في بعضها جعل الله تعالى شأنه للفقراء في أموال الأغنياء ما يكفيهم

منها: ما رواه زرارة و محمد بن مسلم عن أبي عبدالله (علیه السلام) في حديث قال: إنّ الله عزوجلفرض للفقراء في مال الأغنياء ما يسعهم و لو علم أنّ ذلك لا يسعهم لزادهم انهم لم يؤتوا من قبل فريضة الله عزوجل و لكن اوتوا من منع من منعهم حقهم لا مما فرض الله لهم و لو أنّ الناس أدّوا حقوقهم لكانوا عائشين بخير(3)

و منها: ما رواه عبدالله بن سنان عن أبي عبدالله (علیه السلام) قال: إن الله عز و جل فرض الزكاة كما فرض الصلاة فلو أن رجلا حمل الزكاة فأعطاها علانية لم يكن عليه في ذلك عيب و ذلك أن الله عزوجل فرض للفقراء في أموال الأغنياء ما يكتفون به و لو علم أن الذي

ص: 109


1- الوسائل، الباب 8 من أبواب ما تجب فيه الزّكاة، الحدیث: 1
2- نفس المصدر، الحدیث: 4
3- الوسائل، الباب 1 من أبواب ما تجب فيه الزّكاة، الحدیث: 2

فرض لهم لا يكفيهم لزادهم و إنما يؤتى الفقراء فيما أوتوا من منع من منعهم حقوقهم لا من الفريضة.(1)

و منها: ما رواه سماعة عن أبي عبدالله (علیه السلام) قال: إن الله عزوجل فرض للفقراء في أموال الأغنياء فريضة لا يحمدون إلا بأدائها و هي الزكاة، الحديث(2)

و منها: ما رواه ابن مسكان و غير واحد جميعاً عن أبي عبدالله (علیه السلام) قال: إن الله عزوجل جعل للفقراء في أموال الأغنياء ما يكفيهم و لولا ذلك لزادهم و إنما يؤتون من منع من منعهم(3)

بتقريب أنّ الظاهر منها اشتراك الفقراء مع المالكين في أموالهم بمقدار الفريضة على نحو الشركة الحقيقية بنحو الاشاعة.

أورد عليه: بأنّ كلمة فرض ظاهرة في الحكم التكليفي لا الوضعى فلا يدل على الاشتراك.

لكن يمكن أن يجاب عنه أولاً بأن كلمة فرض معناها لغة هو التعيين و التقدير، قالفی تاج العروس يقال: أصل الفرض قطع الشيء الصلب ثم استعمل في التقدير(4) و عن مفردات الراغب: المفروض هو المعلوم و المعلوم بمعنى المعين و حينئذٍ اختلاف ارادة التكليف أو الوضع في موارد استعمالها ناشٍ عن الاختلاف في المتعلق فإذا كان متعلق الفرض الفعل صار مفاده التكليف و إذا كان متعلقه العين أفاد الوضع و فيما نحن فيه من قبيل الثاني لا الأول فيكون مفاده الوضع و أما كلمة جعل فهي و إن كانت ظاهرة في الوضع لكن لا ظهور لكلمة الفرض و الجعل في كون المجعول الملكية بنحو الاشاعة بل يحتمل أن يكون مجرد الحق للفقراء أو الشركة في المالية فلا ظهور لها في الملكية

ص: 110


1- نفس المصدر، الحدیث: 3
2- نفس المصدر، الحدیث: 10
3- نفس المصدر، الحدیث: 9
4- تاج العروس جلد 10 صفحه 123

المشاعة فلاحظ.

الرابع: ما يدل علی ثبوت الزكاة على المشتري فلو تعلق الزكاة بالعين على نحو الاشاعة لم يكن وجه لذلك لاحظ ما رواه عبد الرحمن بن أبي عبدالله قال: قلت لأبي عبدالله (علیه السلام) رجل لم يزك إبله أو شاة عامين فباعها على من اشتراها أن يزكيها لما مضى قال نعم تؤخذ منها زكاتها و يتبع بها البائع أو يؤدي زكاتها البائع.(1).

أورد عليه المحقق الهمداني (رحمه اللّه) بما أفاده من أن الرواية قد دلت على أنّ للمشتري أداء الزكاة ثم له الرجوع على البايع و أخذ بدلها منه كما أنّ للبايع أن يؤدي الزكاة بنفسه، فالمؤدى بحسب الرواية إنما هو عين الزكاة لا بدلها و من المعلوم أنّ البايع إذا أراد أن يؤدي فلا يمكنه أن يؤدي عين المال الزكوي بل لابد أن يؤدي بدلها لانتقالها إلى المشتري، بقرينة المقابلة يجوز للمشتري أيضاً كذلك أي أن يؤدي نفسها أو بدلها و هذا المعنى و هو التخيير لا يجتمع الشركة الحقيقية بنحو الاشاعة إذ البيع إما أن يكون صحيحاً بالنسبة إلى الجميع و إما أن يكون باطلاً بالنسبة إلى مقدار الزكاة فإن كان صحيحاً فيالجميع فلابد من أن يدفع البدل لا العين و على القول بالبطلان لا مناص من أن يدفع العين فالتخيير الذي يستفاد من الرواية غير مطابق على هذا القول أي الاشاعة.

لكن يمكن أن يقال أنّ أداء الزكاة من ناحية المشتري، يكون من العين كما هو ظاهر الرواية و هذا قرينة على مقابله أي من ناحية البايع فتدل الرواية على بطلان المعاملة بالنسبة إلى مقدار الزكاة فلابد من أداء العين و القول بأن البايع لم يقدر على أداء العين لانتقالها إلى المشتري فرع صحة المعاملة و هو أول الكلام.

و استدل علی الصورة الثانية: أي القول بتعلقها على العين على نحو الكلي في المعين فاستدل عليه برواية الفضلاء(2) و استشكل على ذلك بامور:

ص: 111


1- الوسائل، الباب 12 من أبواب الزّكاة الانعام ، الحدیث: 1
2- الوسائل، الباب 6 من أبواب الزّكاة الانعام ، الحدیث: 1

الأول: أنّ الظرفية تقتضي المباينة بين الظرف و المظروف و الحال أنّ الكلى لا ينافي الأفراد بل هو عينها.

أجاب عنه سيدنا الاستاذ دام ظله في المباني أولاً: بأن الظهور حجة و الظاهر من قوله (علیه السلام): «في أربعين شاة شاة» أنّ المجعول هو الكلى في المعين كما هو كذلك في قوله: بعتك صاعاً من الصبرة، و ثانياً: أنه تكفي المغايرة المفهومية في الظرفية و المظروفية و لا اشكال أنّ كل فرد من أفراد الصبرة في قوله صاع من الصبرة لا يمكن أن ينطبق على غيره و الحال أنّ الكلى بمفهومه قابل للانطباق على الكل.

و إن شئت قلت: لا اشكال في أنّ الكلي في المعين ينتزع عن الأفراد الخارجية و الحال أنه ليس هي الأفراد فكيف لا يكون مظروفاً للأفراد.

و بعبارة واضحة: أنّ المغايرة المفهومية كافية في الظرفية و المظروفية و هي لا تنافي الوحدة المصداقية المعتبرة في الكلي في المعين.الثاني: أنّ هذا الظهور على تقدير تسليمه معارض بما ورد في كثير من الروايات المعبر فيها بحرف الاستعلاء بدل الحرف الظرفية لاحظ ما رواه أبوبصير و الحسن بن شهاب عن أبي عبدالله (علیه السلام) قال: وضع رسول الله (صلی الله علیه و آله و سلم) الزكاة على تسعة أشياء و عفا عما سوى ذلك: على الذهب و الفضة و الحنطة و الشعير و التمر و الزبيب و الابل و البقر و الغنم(1)

و ما رواه الفضل بن شإذان عن الرضا (علیه السلام) في حديث قال: و الزكاة على تسعة أشياء على الحنطة و الشعير و التمر و الزبيب و الابل و البقر و الغنم و الذهب و الفضة(2)

ص: 112


1- الوسائل، الباب 8 من أبواب ما تجب فيه الزّكاة، الحدیث: 10
2- نفس المصدر، الحدیث: 2

و ما رواه رفاعة النخاس قال: سأل رجل أباعبدالله (علیه السلام) فقال: إني رجل صائغ أعمل بيدي و أنه يجتمع عندي الخمسة و العشرة ففيها زكاة؟ فقال: إذا اجتمع مائتا درهم فحال عليه الحول فإنّ عليها الزكاة(1)

بتقريب أنّ هذه النصوص ظاهرة في أن المجعول على الأجناس الزكوية أمر خارج عنها موضوع عليها كالضرائب المجعولة في هذه الأزمنة على الأملاك فيجب حمل ما يدل على أنّ الزكاة بنحو الكلى في المعين أو على نحو الاشاعة، و هذه النصوص الدالة على أنّ المجعول أمر خارج عن الأعيان الزكوية موضوع عليها.

أورد عليه سيدنا الاستاذ دام ظله أنه لاتنافي بين الطائفتين من الأخبار حتى تحمل أحدهما على الآخر إذ اللفظة الاستعلاء لاتنافي أيّ مبنى من المباني من الاشاعة و الكلى في المعين و الشركة في المالية و الشاهد على ذلك عرفاً أنه لو استقرض شخص من زيد عشرة دنانیر يصح أن يقال عرفاً إنّ زيداً مالك للعشرة التي في ذمة المديون و مع ذلك يصح أن يقال على المديون، هذا المقدار من الدين فباعتبارين يختلفالاستعمال و لذا نرى أنه جمعت بين الكلمتين في رواية واحدة لاحظ ما رواه زرارة قال: قلت لأبي عبدالله (علیه السلام): هل في البغال شيء؟ فقال: لا، فقلت: فكيف صار على الخيل و لم يصر على البغال؟ فقال: لأن البغال لا تلقح و الخيل الاناث ينتجن و ليس على الخيل الذكور شيء قال: فما في الحمير؟ قال: ليس فيها شيء. قال: قلت: هل على الفرس أو البعير يكون للرجل يركبهما شيء؟ فقال: لا، ليس على ما يعلف شيء، إنما الصدقة على السائمة المرسلة في مرجها عامها الذي يقتنيها فيه الرجل فأما ما سوى ذلك فليس فيه شيء(2).

الثالث: أنه لا يتم المدعى بالنسبة إلى نصاب الابل و البقر فإن المجعول في خمس من

ص: 113


1- الوسائل، الباب 2 من أبواب زكاة الذّهب و الفضّة، الحدیث: 2
2- الوسائل، الباب 16 من أبواب ما تجب فيه الزّكاة، الحدیث: 3

الابل شاة و لا يتصور فيه الاشاعة و لا الكلى في المعين إذ الشاة ليست من جنس الابل لاعتبار الاتحاد في الجنس في الاشاعة و الكلى في المعين.

أجاب عنه سيدنا الاستاذ دام ظله بأنه يمكن التفكيك بين الموارد فإنّ الظهورات حجة في جميع الموارد بحسبه و قد سبق في أول البحث أنه لا دليل على كون جميع الموارد على نسق واحد ففي كل مورد يعمل على طبق ما يدل الدليل.

لكن مقتضى التحقيق أن يقال: إن المراد من الكلى في المعين ماذا؟ فإنه فسر بتعاريف متعددة منها: أنه فرد مردد و اخرى: أنه عبارة عن الفرد المنتشر و ثالثة: بأنه عبارة عن حقيقة الوجود الساري في الأفراد، لكن الأول غير معقول لعدم تحقق الفرد المردد في أي وعاء و أما الفرد المنتشر فإن كان المراد منه الطبيعة السارية فهو معقول، لكن حينئذٍ يسئل عن وجه الاختصاص ببعض الافراد دون جميعها فالانتشار مع فرض الفردية لا يجتمعان و أما كونه عبارة عن حقيقة الوجود السارية فهو متفرع على تصور حقيقة الوجود و هذا أمر مشكلٌ جداً لأهله فكیف بالعرف العام مع أن الكلى في المعينموجود عندهم.

لكن في المقام احتمال رابع و هو كون المملوك في الذمة، غايته أنّ لذلك الكلي نحو إضافة إلى ما في الخارج فكأنه برزخ بين الكلي الذي في الذمة فقط و الخارج المعين، فمن جهة وجوده في الذمة كلى و من جهة اضافته إلى الخارج يكون معيناً و مما ذكرنا يظهر الاستدلال بالروايات الواردة في الباب.

و استدل علی الصورة الثالثة: أن تكون على نحو الشركة في المالية كما في كلام سيد الخوئي (قدس سره ) بتقريب أن المستفاد من رواية أبي المغراء عن أبي عبدالله (علیه السلام) قال: إن الله تبارك و تعالى أشرك بين الأغنياء و الفقراء في الأموال فليس لهم أن يصرفوا إلى غير شركائهم.(1) أن التعلق بالإضافة إلى جميع الأجناس الزكوية بنسق واحد لا أنها في بعض

ص: 114


1- الوسائل، الباب 4 من أبواب المستحقین الزّكاة، الحدیث: 4

الأعيان الزكوية بمعنى، و في البعض، بمعنى آخر إذ الظاهر من قوله (علیه السلام): «إن الله أشرك الفقراء مع الأغنياء في أموالهم» هو الشركة في جميع الأموال بمعنى واحد و حينئذٍ نقول إنّ الجمود على ظاهر بعض النصوص و إن كان يعطينا الاشاعة مرة و الكلي في المعين مرة اخرى إلا أن في طائفة اخرى منها ما يستحيل ارادة شيء من ذينك المعنيين كقوله (علیه السلام): «في كل خمس من الابل شاة» و نحو ذلك مما لا يوجد شيء منه في العين الزكوية ليتصور فيه الكلى في المعين فضلاً عن الاشاعة فبهذه القرينة القطعية نرفع اليد عن الظهور الموجود في بعض النصوص و الحمل على ارادة الشركة في المالية كما هو المتسالم عليه عند الأصحاب و معناها أنّ الفقير يشارك مع المالك في العين لكن لا من حيث أنه عين بل من حيث أنه مالٌ فلا يستحق شيئاً من الخصوصيات الفردية و الصفات الشخصية و إنما يستحق مالية العشر مثلاً من هذا الموجود الخارجى التي اختيار تطبيقها بيد المالك.أقول: إن كان الحكم متسالم عليه عند الأصحاب فهو و إلّا فرواية أبي المغراء لا تدل على كيفية الشركة إذ عنوان الشركة قابل لأن ينطبق عليها عنوان الاشاعة و الكلى في المعين و الشركة في المالية فإذا كان العنوان عاماً قابلاً للانطباق على الموارد تكون هذه الروايات المختلفة على حسب الموارد شارحة لعنوان الشركة خصوصاً إذا كان المراد بالكلى في المعين ما ذكرناه من المعنى الرابع، و أما إذا كان الحكم مختلف فيه لا يجري ما ذكره لأنّ الظهورات حجة فلابد من العمل بالنسبة إلى كل مورد، ما هو يكون ظاهر الدليل كما أفاد سيدنا الاستاذ دام ظله في المباني و كيف يمكن أن يكون الحكم متسالم عليه و قد ذهب إلى التفصيل -بين ما كان المقدار المخرج من جنس العین الزكوية و غيرها- صاحب المستند(1). فتأمل.

ص: 115


1- مستند النّراقي، ج 2، ص 38

و ظاهر ما نقل عن السيد المرتضى علم الهدى (رحمه اللّه) من أنّ اصول الشريعة تقتضي أن يقال: إن الزكاة إنما تجب في الأعيان لا الأثمان مضافاً إلى ما ذكر أن عدم امكان ارادة الكلي في المعين أو الاشاعة في بعض الروايات لا يستلزم القول بالشركة في المالية بل يمكن أن يكون على نحو تعلق الحق كحق الرهانة أو أرش الجناية فلابد من القول بالتفصيل بين الموارد و إلّا فتحمل على الشركة في المالية.

ثم إنّ بعض الأعلام (رحمه اللّه) (السيد الحكيم) ذهب إلى أنّ فرض الزكاة فی الجميع الموارد على نسق واحد لكن لا بما ذكره المحقق الخوئي (رحمه اللّه) من ناحية الارتكاز بأنّ المرتكز في أذهان المتشرعة و العرف إنما هو كون فرض الزكاة في جميع الموارد على نسق واحد و أمر واحد فالتفصيل المذكور يكون على خلاف ما هو الثابت في ارتكاز المتشرعة و العرف.أورد عليه في المرتقى أن الارتكاز في أذهان المتشرعة ليس هو بدليل مستقل في المقام فإن من الغريب جداً استنادهم في ذلك إلى الأدلة الواردة في المسئلة و أما ارتكاز أهل العرف فهو إنما يكون متبعاً في مفاهيم الألفاظ لا الأحكام.

و استدل علی الصورة الرابعة: بأن تكون الزكاة علی نحو حق الغرماء المتعلق بتركة الميت.

فقد أورد عليه سيدنا الاستاذ (رحمه اللّه) بأمرين:

الأول: أنّ المستفاد مما دل في باب الزكاة على التلف على تقسیط الفريضة، أنّ الحق متعلق بجميع العين و هذا بخلاف الحق هناك فإنه متعلق بالمجموع و لذا لو تلف مقداراً من التركة و الحال أنها كانت أزيد من الدين و بقى مقدار منها كان وافياً للدين لم يقسط التلف حينئذٍ على الغريم أصلا و هذا كاشف عن الفرق بين الحقين.

الثاني: أن المستفاد من الآية الشريفة: {من بعد وصية يوصى بها أو دين }(1) أنّ الدين مانع من انتقال التركة إلى الوارث و المقام ليس كذلك.

ص: 116


1- النّساء / 11 و 12

أقول: أما تقسيط التلف على الفريضة و إن كان مفتى به عند كل من قال يتعلق الزكاة بالعين لكن استفادته ذلك من النص -كما هو ظاهر كلامهم- فلم أجده و أما الايراد الثاني فعجيب منه (رحمه اللّه) لأنه قد أفتى في المنهاج في باب الوصية أنّ الزكاة من الديون فهي مقدمة على الارث فالمهم ما ذكرناه سابقاً من أنّ مقتضى الروايات إحدى الكيفيات المذكورة فيها فلا دليل على أنّ الزكاة تكون على نحو حق الغرماء.

و استدل علی الصورة الخامسة: أن تكون على نحو حق الرهانة فالأمر فيه ما ذكرناه آنفاً مضافاً إلى أن الزكاة لم تكن متعلق بالذمة حتى تكون الأعيان الزكوية كالرهن فتكون كيفية التعلق ككيفية حق الرهانة.

و استدل علی الصورة السادسة: أن تكون على نحو الحق في المنذور الصدقة فيرد ماذكرناه سابقاً أن النذر لا يوجب الملكية للفقراء و المنذور له بل لا يثبت النذر حقاً بل الثابت وجوب الأداء و الوفاء به لا غير، فيكون مجرد تكليف بأداء العين إلى المنذور له.

و استدل علی الصورة السابعة: أن يكون التعلق علی نحو تعلق حق الجناية فالظاهر أنه لا دليل عليه إلّا أن يكون معنى الكلى في المعين ما ذكرناه و يحمل ما ورد -بالنسبة إلى زكاة الابل في خمس من الابل شاة - عليه و حينئذٍ يمكن استفادة ذلك منه، لكنه محل تأمل إذ يمكن أن يحمل على الشركة في المالية بمعنى الذي ذكره المحقق الخوئي (رحمه اللّه) و قد تقدم فلاحظ، هذا كله في كيفية تعلق الزكاة بالأعيان الزكوية والله العالم بحقائق العلوم و الحمدلله رب العالمين.

ص: 117

«تجب في تسعة أشياء: الأنعام الثلاثة و هي الابل و البقر و الغنم و النقدين و هما الذهب و الفضة و الغلات الأربع و هي الحنطة و الشعير و التمر و الزبيب و لا تجب فيما عدا ذلك على الأصح» (1)

(1) وجوبها في تسعة المذكورة في المتن مما لا اشكال فيه و لا خلاف بين المسلمين بل عدّ من ضروريات الدين كما عن الجواهر و عن التذكرة و المنتهى اجماع المسلمين كافة و نقل الخلاف عن ابن جنيد في ذلك و مال إلى الوجوب فيما عدا ذلك من كل ما دخل القفيز من حنطة و شعير و سمسم و اُرز و ذخن و ذرة و عدس و سلت و سائر الحبوبات نقل ذلك عن الشافعي و أبي حنيفة و مالك و أبي يوسف و ما يدل على الإنحصار في التسعة المذكورة في المتن عدة من الروايات المتظافرة لاحظ ما رواه عبدالله بن سنان(1)

و الحلبي عن أبي عبدالله (علیه السلام) قال: سئل عن الزكاة، قال: الزكاة على تسعة أشياء: على الذهب و الفضة و الحنطة و الشعير و التمر و الزبيب و الابل و البقر و الغنم و عفا رسول الله (صلی الله علیه و آله و سلم) عما سوى ذلك(2)

و أبوبصير(3) و الفضلاء(4) و ما رواه زرارة عن أحدهما‘ قال: الزكاة على تسعة أشياء: على الذهب و الفضة و الحنطة و الشعير و التمر و الزبيب و الابل و البقر و الغنم و عفا رسول الله (صلی الله علیه و آله و سلم) عما سوى ذلك(5)

و رواه هو أيضاً قال: سألت أباجعفر (علیه السلام) عن صدقات الأموال فقال: في تسعة أشياء

ص: 118


1- الوسائل، الباب 8 من أبواب ما تجب فيه الزّكاة، الحدیث: 1
2- نفس المصدر، الحدیث: 11
3- نفس المصدر، الحدیث: 10
4- نفس المصدر، الحدیث: 4
5- نفس المصدر، الحدیث: 8

ليس في غيرها شيء في الذهب و الفضة و الحنطة و الشعير و التمر و الزبيب و الابل و البقر و الغنم السائمة و هي الراعية و ليس في شيء من الحيوان غير هذه الثلاثة الأصناف شيء و كل شيء كان من هذه الثلاثة الأصناف، فليس فيه شيء حتى يحول عليه الحول منذ يوم ينتج(1)

و غيرها من الروايات الواردة في الباب المشار إليه، و بازائها روايات متعددة تدل على وجوب الزكاة في غير التسعة لاحظ ما رواه محمد بن مسلم قال: سألته عن الحرث ما يزكى منها؟ قال (علیه السلام): البر و الشعير و الذرة و الدخن و الارز و السلت و العدس و السمسم كل هذا يزكى و أشباهه(2)

و ما رواه زرارة عن أبي عبدالله (علیه السلام) مثله و قال: كل ما كيل بالصاع فبلغ الاوساق فعليه الزكاة و قال: جعل رسول الله (صلی الله علیه و آله و سلم) الصدقة في كل شيء أنبتت الأرض إلا ما كان في الخضر و البقول و كل شيء يفسد من يومه(3)

و ما رواه أبوبصير قال: قلت لأبي عبدالله (علیه السلام): هل في الارز شيء؟ فقال: نعم، ثم قال: إنّ المدينة لم تكن يومئذٍ أرض ارز فيقال فيه و لكنه قد جعل فيه و كيف لا يكون فيه و عامة خراج العراق منه(4)

و ما رواه زرارة قال: قلت لأبي عبدالله (علیه السلام): في الذرة شيء؟ فقال لي: الذرة و العدس و السلت و الحبوب فيها مثل ما في الحنطة و الشعير و كل ما كيل بالصاع فبلغ الاوساق التي تجب فيها الزكاة فعليه فيه الزكاة(5)

فلابد من العلاج و عن المشهور إنهم حملوا هذه الطائفة على الاستحباب جمعاً بينها و

ص: 119


1- الوسائل، الباب 8 من أبواب ما تجب فيه الزّكاة، الحدیث: 9
2- الوسائل، الباب 9 من أبواب ما تجب فيه الزّكاة، الحدیث: 4
3- نفس المصدر، الحدیث: 6
4- نفس المصدر، الحدیث: 11
5- نفس المصدر، الحدیث: 10

بين الطائفة الاولى، لكنه جمع لا شاهد عرفى على ذلك.

و عن صاحب الحدائق حمل الطائفة الثانية على التقية بعد قبوله أنها تدل على الوجوب كما أنه قد نقل عن الكلينى (رحمه اللّه) في الكافي أنه نقل عن يونس بن عبدالرحمن بحمل الطائفة الاولى على الصدر الأول من الاسلام و حمل الطائفة الثانية على ما بعد ذلك.

و عن المحقق الخوئي (قدس سره ) حمل هذه الروايات أي الطائفة الثانية على الاستحباب لكن لا للجمع العرفي المذكور في كلام المشهور بل من جهة رواية خاصة واردة في المقام و هو ما رواه علي بن مهزيار قال: قرأت في كتاب عبدالله بن محمد إلى أبي الحسن (علیه السلام) جعلت فداك روي عن أبي عبدالله (علیه السلام) أنه قال وضع رسول الله (صلی الله علیه و آله و سلم) الزكاة على تسعة أشياء الحنطة و الشعير و التمر و الزبيب و الذهب و الفضة و الغنم و البقر و الإبل و عفا رسول الله (صلی الله علیه و آله و سلم) عما سوى ذلك فقال له القائل عندنا شي ء كثير يكون أضعاف ذلك فقال و ما هو فقال له الأرز فقال أبو عبدالله (علیه السلام) أقول لك إن رسول الله (صلی الله علیه و آله و سلم) وضع الزكاة على تسعة أشياء و عفا عما سوى ذلك و تقول عندنا أرز و عندنا ذرة و قد كانت الذرة على عهد رسول الله (صلی الله علیه و آله و سلم) فوقع (علیه السلام) كذلك هو و الزكاة على كل ما كيل بالصاع و كتب عبدالله و روى غير هذا الرجل عن أبي عبدالله (علیه السلام) أنه سأله عن الحبوب فقال و ما هي فقال السمسم و الأرز و الدخن و كل هذا غلة كالحنطة و الشعير فقال أبو عبدالله (علیه السلام) في الحبوب كلها زكاة.(1)

بتقريب أن تصديق الامام (علیه السلام) لتلك الروايات المتعارضة المروية عن الصادق (علیه السلام) ليس له وجه صحيح إلّا الحمل على الاستحباب فيما عدا التسعة. هذا، و لولا ذلك فلابد من ترجيح الطائفة الاولى لمخالفتها للعامة.

ص: 120


1- كافی جلد 3 صفحه 510 حدیث 3 (باب 5 من ابواب ما یزكی من الحبوب)

«نعم يستحب اخراجها من أربعة أنواع آخر أحدها الحبوب مما يكال أو يوزن كالارز و الحمص و الماش و العدس و نحوها» (1)

«و كذا الثمار كالتفاح و المشمش و نحوهما دون الخضر و البقول كالقث و الباذنجان و الخيار و البطيخ و نحوها» (2)

(1) كما هو المشهور و الوجه فيه ما رواه على بن مهزيار المتقدم على ما يستفاد الأعلام (رحمه اللّه) و ما رواه محمّد بن مسلم قال: سألته عن الحرث ما يزكّى منها قال (علیه السلام) البرّ و الشّعير و الذّرة و الدّخن و الأرزّ و السّلت و العدس و السّمسم كلّ هذا يزكّى و أشباهه.(1) و ما رواه زرارة عن أبي عبدالله (علیه السلام) مثله و قال فيها: ما كيل بالصاع فبلغ الاوساق فعليه الزكاة(2) بحمل الأمر فيهما على الاستحباب لما تقدم.

(2) عن كاشف الغطاء عدم الاستحباب فيها، لكن المشهور ذهبوا إلى الاستحباب و استدل على مذهب الشيخ الاكبر بما رواه محمد بن مسلم عن أبي جعفر أو أبي عبدالله‘ في البستان يكون فيه الثمار ما لو بيع كان مالا هل فيه صدقة؟ قال: لا(3).

و عن المحقق الخوئي (قدس سره ) إنّ مقتضى الجمع بين هذه الصحيحة النافية و بين دليل الاثبات (لو كان) هو الحمل على الاستحباب بأن يكون المراد من النفي، نفي الوجوب غير المنافي لثبوت الاستحباب.

لكن الظاهر أنه لا دليل على الاستحباب و أما عنوان «ما يكال» و «يقفز» كما في بعض الروايات لاحظ ما رواه علي بن مهزيار في حديث أن أباالحسن (علیه السلام) كتب إلىعبدالله بن محمد: الزكاة على كل ما كيل بالصاع، قال: و كتب عبدالله و روى غير هذا الرجل عن أبي عبدالله (علیه السلام) أنه سأله عن الحبوب فقال: و ما هي؟ فقال: السمسم و

ص: 121


1- الوسائل، الباب 9 من أبواب ما تجب فيه الزّكاة، الحدیث: 4
2- الوسائل، الباب 9 من أبواب ما تجب فيه الزّكاة، الحدیث: 5
3- الوسائل، الباب 11 من أبواب ما تجب فيه الزّكاة، الحدیث: 3

الارز و الدخن و كل هذا غلة كالحنطة و الشعير، فقال أبوعبدالله (علیه السلام): في الحبوب كلها زكاة و روى أيضاً عن أبي عبدالله (علیه السلام) أنه قال: كل ما دخل القفيز فهو يجري مجرى الحنطة و الشعير و التمر و الزبيب قال: فأخبرني جعلت فداك هل على هذا الارز و ما أشبهه من الحبوب الحمص و العدس زكاة فوقع (علیه السلام) صدقوا الزكاة في كل شيء كيل(1).

و لاحظ ما رواه محمد بن اسماعيل قال: قلت لأبي الحسن (علیه السلام): إنّ لنا رطبة و اُرزاً فما الذي علينا فيهما؟ فقال (علیه السلام): أما الرطبة فليس عليك فيها شيء و أما الارز فما سقت السماء العشر و ما سقى بالدلو فنصف العشر من كل ما كلت بالصاع أو قال: و كيل بالمكيال(2) فلا يشمل الثمار لعدم كونها مما يكال بل إما أن يكون بالعدد و إما أن يكون بالخرص و إما أن يكون بالوزن.

و يؤيد المدعى ما رواه زرارة(3) إذ الثمار داخلة في الفواكه فلا دليل على الاثبات حتى يجمع بينه و بين ما دل على النفي بالحمل على الاستحباب.

ص: 122


1- الوسائل، الباب 9 من أبواب ما تجب فيه الزّكاة، الحدیث: 1
2- نفس المصدر، الحدیث: 2
3- نفس المصدر، الحدیث: 9

«الثاني: مال التجارة على الأصح» (1)

(1) كما هو المشهور نقلاً و تحصيلاً كما عن الجواهر و عن ظاهري الانتصار و الغنية نسبته إلى دين الامامية، لكن نسب إلى بعض القدماء كإبن بابويه في من لايحضره الفقيه الوجوب و منشأ الخلاف الروايات الواردة في المقام فنقول إن الروايات في المقام على طائفتين:

الطائفة الاولى: تدل على الوجوب ظاهراً و هي ما رواه اسماعيل بن عبدالخالق قال: سأله سعيد الاعرج و انا أسمع فقال: إنا نكبس الزيت و السمن نطلب به التجارة فربما مكث عندنا السنة و السنتين هل عليه زكاة؟ قال: إن كنت تربح فيه شيئاً أو تجد رأس مالك فعليك زكاته و إن كنت إنما تربص به لأنك لا تجد إلا وضيعة فليس عليك زكاة حتى يصير ذهباً أو فضة فإذا صار ذهباً أو فضة فزكّه للسنة التي اتجرت فيها(1)

و ما رواه محمد بن مسلم قال: سألت أباعبدالله (علیه السلام) عن رجل اشترى متاعاً فكسد عليه و قد زكى ماله قبل أن يشتري المتاع متى يزكيه؟ فقال: إن كان أمسك متاعه يبتغي به رأس ماله فليس عليه زكاة و إن كان حبسه بعد ما يجد رأس ماله فعليه الزكاة بعد ما أمسكه بعد رأس المال قال: و سألته عن الرجل توضع عنده الأموال يعمل بها، فقال: إذا حال عليها الحول فليزكها(2)

و ما رواه أبوالربيع الشامي عن أبي عبدالله (علیه السلام) في رجل اشترى متاعاً فكسد عليه متاعه و قد كان زكى ماله قبل أن يشتري به هل عليه زكاة أو حتى يبيعه، فقال: إن كان أمسكه التماس الفضل على رأس المال فعليه الزكاة(3)، و غيرها من الروايات.

الطائفة الثانية: ما يدل على عدم الوجوب و هو ما رواه سليمان بن خالد قال: سئل

ص: 123


1- الوسائل، الباب 13 من أبواب ما تجب فيه الزّكاة، الحدیث: 1
2- نفس المصدر، الحدیث: 3
3- نفس المصدر، الحدیث: 4

أبوعبدالله (علیه السلام) عن رجل له مال كثير فاشترى به متاعاً ثم وضعه فقال: هذا متاع موضوع فإذا أحببت بعته فيرجع إلى رأس مالي و أفضل منه، هل عليه فيه صدقة و هو متاع؟ قال: لا، حتى يبيعه قال: فهل يؤدي عنه إن باعه لما مضى إذا كان متاعاً؟ قال: لا(1)

و ما رواه زرارة قال: كنت قاعداً عند أبي جعفر (علیه السلام) و ليس عنده غير ابنه جعفر (علیه السلام) فقال: يا زرارة إنّ أباذر و عثمان تنازعا على عهد رسول الله (صلی الله علیه و آله و سلم) فقال عثمان: كل مال من ذهب أو فضة يدار و يعمل به و يتجر به ففيه الزكاة إذا حال عليه الحول فقال أبوذر: أمّا ما يتجر به أو دير و عمل به فليس فيه زكاة إنما الزكاة فيه إذا كان ركازاً كنزاً موضوعاً فإذا حال عليه الحول ففيه الزكاة، فاختصما في ذلك إلى رسول الله (صلی الله علیه و آله و سلم)، قال: فقال: القول ما قال أبوذر فقال أبوعبدالله (علیه السلام) لأبيه: ما تريد إلا أن يخرج مثل هذا فكيف الناس أن يعطوا فقرائهم و مساكينهم؟ فقال أبوه: إليك عني لا أجد منها بداً(2)

و ما رواه عبدالله بن بكير و عبيد و جماعة من أصحابنا قالوا: قال أبوعبدالله (علیه السلام): ليس في المال المضطرب به زكاة فقال له اسماعيل ابنه: يا أبة جعلت فداك أهلكت فقراء أصحابك! فقال: أى بنى حق أراد الله أن يخرجه فخرج(3)

و ما رواه اسحاق بن عمار قال: قلت لأبي ابراهيم (علیه السلام): الرجل يشتري الوصيفة يثبتها عنده لتزيد و هو يريد بيعها أ على ثمنها زكاة؟ قال: لا، حتى يبيعها. قلت: فإن باعها أ يزكى ثمنها؟ قال: لا، حتى يحول عليه الحول و هو في يده(4)

فلابد من العلاج، سيدنا الاستاذ (رحمه اللّه) أجاب عن الطائفة الثانية بأنها خارجة عن مورد البحث أما رواية اسماعيل فلأن الظاهر منها كون الشخص اشترى المال لا بقصد التجارةبل بقصد أن يضعه عنده و أنه متى ما احب باعه فعاد عليه رأس ماله بفضل فلم يكن

ص: 124


1- الوسائل، الباب 14 من أبواب ما تجب فيه الزّكاة، الحدیث: 2
2- نفس المصدر، الحدیث: 1
3- نفس المصدر، الحدیث: 5
4- نفس المصدر، الحدیث: 4

قصده من الأول الاتّجار بالمال بل اشترى المال ليضعه عنده من اطمينانه بعدم ضياع رأس ماله فلا يكون مقام التجارة فهي خارجة عما نحن فيه.

و الجواب أنه لا فرق بين كون نيته التجارة و عدمها بل المدار عدم كون المال صامتاً و يدور في التجارة سواء كان قصده التجارة من أول الأمر أم لا.

و أما حديث زرارة فناقش فيه بأنّ الظاهر منه أن الموضوع المتنازع فيه بين أبي ذر و عثمان إنما كان هو خصوص النقدين لا مطلق الأموال و يشهد على ذلك قول عثمان: كل مال من ذهب أو فضة يدار به و يتجر به ففيه الزكاة، فإن أراد في التجارة بالدوران و العمالة ظاهر في أنّ المراد إنما هو ثبوت الزكاة في المال في هذه الحالات كلها فلابد و أن يكون المال في حد نفسه مما يثبت فيه الزكاة، غاية الأمر أن الخلاف وقع في ثبوته فيه في جميع الحالات أم لا؟ و هذا أجنبى عن المقام حيث يراد به اثبات الزكاة بعنوان كونه مال التجارة مع عدم ثبوته فيه في حد نفسه، و يؤيد المدعى بل يشهد على ما ذكرنا قول أبی ذر رضوان الله تبارك و تعالى عليه: «أما ما يتجر به أو دير و عمل به فليس فيه زكاة إنما الزكاة فيه إذا كان ركازاً أو كنزاً موضوعاً فإذا حال عليه الحول»، فإنه يختص بما يطلق عليه الركاز أو الكنز على تقدير عدم الاتجار به و هو خصوص الذهب و الفضة و إلّا فسائر الامتعه لا تكون من الركاز و الكنز هذا أولاً و ثانياً لو سلمنا عدم القطع أو الاطمينان باختصاص الرواية بالنقدين فلا أقل من الاحتمال أى احتمال الاختصاص فلا يمكن الاستدلال بالرواية لاجمالها فلا تكون قابلة للمعارضة مع الروايات الدالة على الوجوب بوضوح، و أما رواية عبدالله بن بكير و عبيد و جماعة(1)

فأورد عليه بأنّ الرواية أجنبية أيضاً عن المقام لاختصاص الرواية بما تكون الزكاة ثابتة فيهفي حد نفسه و إنما يكون عدمه من جهة الاضطراب به و هذا ينحصر بالنقدين فإنّ الزكاة ثابتة فيهما غير أنّ المانع فيها إنما هو الاضطراب بتبديل أحدهما بالآخر فراراً من

ص: 125


1- الوسائل، الباب 14 من أبواب ما تجب فيه الزّكاة، الحدیث: 5

الزكاة و هذا الكلام لا يصح إلا فيما كانت الزكاة ثابتة فيه بعنوانه الأولي و الكلام في مال التجارة بعنوانه الثانوي و أما موثقة اسحاق بن عمار(1) و إن كانت ظاهر في نفي الزكاة في مال التجارة إلا أنها قابلة للحمل على غير مورد التجارة بملاحظة صراحة موثقة سماعة -عن أبي عبدالله (علیه السلام) قال: ليس على الرقيق زكاة إلا رقيق تبتغي به التجارة فإنه من المال الذي يزكى(2)- في ثبوت الزكاة في الرقيق الذي يتجر به و أنه من المال الذي يزكى فبصراحة الثانية نرفع اليد عن موثقة اسحاق لكونه أظهر أو حمل الظاهر على النص.

أقول: إنّ المدار في الحمل هو القرينية و أما كون أحدهما أظهر أو النص فلا يكون موجباً للحمل فالرواية معارضة لما تقدم و لما ذكر من موثقة سماعة و حينئذٍ فلابد من الحمل على التقية و أما الحمل على الاستحباب فقد مر غير مرة أنه ليس جمعاً عرفياً فالمتحصل أنه لو قلنا بمقالته (رحمه اللّه) بالنسبة إلى الروايات المتقدمة فهذه الرواية معارضة للطائفة الاولى لا يمكن الجزم بالوجوب كما أنه لا يمكن الجزم بالاستحباب.

ص: 126


1- الوسائل، الباب 14 من أبواب ما تجب فيه الزّكاة، الحدیث: 4
2- الوسائل، الباب 17 من أبواب ما تجب فيه الزّكاة، الحدیث: 2

«الثالث: الخَيل الإناث دون الذكور و دون البغال و الحمير» (1)

(1) و استدل لذلك بما رواه زرارة(1) و ما رواه محمد بن مسلم و زرارة عنهما جميعاً‘ قالا: وضع أميرالمؤمنين (علیه السلام) على الخيل العتاق الراعية في كل فرس في كل عام دينارين و جعل البراذين ديناراً(2) و المراد بالعتاق كريم الأصل و ما كان أبواه عربيين و البرذون خلافه كما عن الحدائق.

و ظاهر هاتين الروايتين و إن كان الوجوب لكن نرفع اليد عنهما بقرينة الروايات الحاصرة، لاحظ ما رواه زرارة عن أبي جعفر و أبي عبدالله‘ في حديث قالا: و ليس في شيء من الحيوان زكاة غير هذه الأصناف التي كتبنا(3)

و ما رواه أيضاً عن أحدهما‘ قال: ليس في شيء من الحيوان زكاة غير هذه الأصناف الثلاثة الابل و البقر و الغنم، الحديث(4)

و أيضاً ما رواه زرارة عن أبي جعفر (علیه السلام) في حديث قال: ليس في شيء من الحيوان غير هذه الثلاثة الأصناف شيء يعنى الابل و البقر و الغنم(5) فتحمل على الاستحباب، لكن هذا الحمل كما ذكرنا سابقاً ليس جمعاً عرفياً.

نعم أورد على دلالتهما على الوجوب المحقق الخوئي (قدس سره ) بأن رواية محمد بن مسلم و زرارة إنما اسند الوضع إلى أميرالمؤمنين (علیه السلام) و هذا يشير إلى عدم ثبوته في أصل الشرع و إلّا فلابد من أن يسند إلى النبى (صلی الله علیه و آله و سلم) كما في بقية الأعيان الزكوية فلعل ذلك منه (علیه السلام) كان لمصلحة وقتية و سياسية اقتضاها آنذاك، و أما رواية زرارة فلأن غايتها الدلالةعلى التفرقة بين اناث الخيل و بين ذكورها بالانتاج و هذا كما يمكن أن يكون موجباً

ص: 127


1- لوسائل، الباب 16 من أبواب ما تجب فيه الزّكاة، الحدیث: 3
2- نفس المصدر، الحدیث: 1
3- الوسائل، الباب 17 من أبواب ما تجب فيه الزّكاة، الحدیث: 3
4- نفس المصدر، الحدیث: 4
5- نفس المصدر، الحدیث: 5

«و الرقيق» (1)

للتفرقة في الوجوب كذلك يمكن أن يكون فارقاً للاستحباب.

أقول: إن الظاهر منها وضع أميرالمؤمنين (علیه السلام) الزكاة عليها من باب التشريع في الشريعة الاسلامية و كونه في مقام جهة اخرى من المصلحة الوقتية، و اقتضاء السياسية ذلك فخلاف الظاهر.

و أما الاشكال في الرواية الثانية فيمكن أن يقال: إنّ الراوي فرض الوضع بالنسبة إلى الخيل فسئل عن الامام (علیه السلام) بأنه ما الفرق بينهما و بين البغال و الامام (علیه السلام) قرره على هذا الفرض ثم تفضل ببيان الفرق بينهما.

لكن أجاب عنهما سيدنا الاستاذ دام ظله بأنّا نرفع اليد عنهما بالتسالم القطعى.

(1) و أما الرقيق فلا زكاة فيه إلا إذا اتجر لرواية سماعة(1) و أما ما في صحيح زرارة و محمد بن مسلم عن أبي جعفر و أبي عبدالله‘ أنهما سئلا عما في الرقيق فقالا: ليس في الرأس شيء أكثر من صاع من تمر إذا حال عليه الحول و ليس في ثمنه شيء حتى يحول عليه الحول(2) فقد حمل علی الاستحباب تارة و على زكاة الفطرة ثانياً.

ص: 128


1- الوسائل، الباب 17 من أبواب ما تجب فيه الزّكاة، الحدیث: 2
2- نفس المصدر، الحدیث: 1

«الرابع: الأملاك و العقارات التي يراد منها الاستنماء كالبستان و الخان و الدكان و نحوها» (1)

«مسألة 1: لو تولد حيوان بين حيوانين يلاحظ فيه الاسم في تحقق الزكاة و عدمها سواء كانا زكويين أو غير زكويين أو مختلفين بل سواء كانا محللين أو محرمين أو مختلفين مع فرض تحقق الاسم حقيقة لا أن يكون بمجرد الصورة و لا يبعد ذلك فإنّ الله قادر على كل شيء» (2)

(1) هذا هو المشهور و المعروف بين الأصحاب على ما نقل، لكن لا دليل عليه ظاهراً و أما ما عن الجواهر من الاستدلال لها بالدخول في عنوان مال التجارة نظراً إلى أنّ التكسب كما يمكن أن يكون بنقل العين كذلك قد يكون بالنسبة إلى النماء.

أورد عليه بأنّ الظاهر من مال التجارة نفس الأعيان لا النمائات.

(2) لأنّ الحكم تابع للموضوع فكلما تحقق يترتب عليه حكمه سواء طابق مع من تولد منه أم خالف كما هو المدار في جميع الأحكام المتعلقة بموضوعاتها الدائرة مدار صدق عناوينها و أما قضية التبعية فلا دليل عليها على الاطلاق إلّا فيما عدّ من الأجزاء و لو بنحو التوسعة كما في البيض الذي ورد فيه أنه من محلل الأكل محلل و من محرمه، محرم.

ص: 129

«فصل: في زكاة الأنعام الثلاثة»

و يشترط في وجوب الزكاة فيها مضافاً إلى ما مر من الشرائط العامة امور: الأول: النصاب و هو في الابل اثنی عشر نصاباً: الأول: الخمس و فيها شاة، الثاني: العشر و فيها شاتان، الثالث: خمس عشرة و فيها ثلاث شياة، الرابع: العشرون و فيها أربع شياة، الخامس: خمس و عشرون و فيها خمس شياة، السادس: ست و عشرون و فيها بنت مخاض(1)، و هي الداخلة في السنة الثانية، السابع: ست و ثلاثون و فيها بنت لبون(2) و هي الداخلة في السنة الثالثة، الثامن: ست و أربعون و فيها حقة(3) و هي الداخلة في السنة الرابعة، التاسع: إحدى و ستون و فيها جذعة(4) و هي التي دخلت في السنة الخامسة، العاشر: ست و سبعون و فيها بنتا لبون، الحادي عشر: إحدى و تسعون و فيها حقتان، الثاني عشر: مائة و إحدى و عشرون و فيها في كل خمسين حقة و في كل أربعين بنت لبون» (1)

(1) أقول: أما اشتراط النصاب في الابل فلا خلاف نصاً و فتوى كما في بعض الكلمات و أما كونه في الابل اثنی عشر فهو المشهور بين الأعلام بل عن المدارك ادعاء الاجماع عليه و كيف كان استدل عليه بجملة من النصوص:

منها: ما رواه زرارة عن أبي جعفر (علیه السلام) قال: ليس فيما دون الخمس من الابل شيء فإذا

ص: 130


1- بنت مخاض: و هی ما دخل فی الثانیة فامها ماحض (ای الحامل)
2- بنت لبون: و هی ما دخل فی السنة الثالثه فصار امها ذات لبن
3- حِقه: و هی ما دخل فی السنة الرابعة حیث أنها قابلةً و مستحقةً لان یركب ظهرها او استحق للفصل
4- جذعة: سمیت بذلك لانها تجدع مقدم اسنانها (ای سقط)

كانت خمساً ففيها شاة إلى عشرة، فإذا كانت عشراً ففيها شاتان فإذا بلغت خمسة عشر ففيها ثلاث من الغنم، فإذا بلغت عشرين ففيها أربع من الغنم فإذا بلغت خمساً و عشرين ففيها خمس من الغنم، فإذا زادت واحدة ففيها ابنة مخاض إلى خمس و ثلاثين، فإن لم يكن عنده ابنة مخاض فابن لبون ذكر، فإن زادت على خمس و ثلاثين بواحدة ففيها بنت لبون إلى خمس و أربعين، فإن زادت واحدة ففيها حقة و إنما سميت حقة لأنها استحقت أن يركب ظهر إلى ستين، فإن زادت واحدة ففيها جذعة إلى خمس و سبعين، فإن زادت واحدة ففيها ابنتا لبون إلى تسعين، فإن زادت واحدة فحقتان إلى عشرين و مائة، فإن زادت على العشرين و المائة واحدة ففي كل خمسين حقة و في كل أربعين ابنة لبون(1)

و ما رواه أبوبصير عن أبي عبدالله (علیه السلام) قال: سألته عن الزكاة فقال: ليس فيما دون الخمس من الابل شيء فإذا كانت خمساً ففيها شاة إلى عشر فإذا كانت عشراً ففيها شاتان إلى خمس عشرة فإذا كانت خمس عشرة ففيها ثلاث من الغنم إلى عشرين فإذا كانت عشرين ففيها أربع من الغنم إلى خمس و عشرين فإذا كانت خمساً و عشرين ففيها خمس من الغنم فإذا زادت واحدة ففيها ابنة مخاض إلى خمس و ثلاثين فان لم يكن ابنة مخاض فابن لبون ذكر فإذا زادت واحدة على خمس و ثلاثين ففيها ابنة لبون انثى إلى خمس و أربعين فإذا زادت واحدة ففيها حقة إلى ستين فإذا زادت واحدة ففيها جذعة إلى خمس و سبعين فإذا زادت واحدة ففيها ابنتا لبون إلى تسعين فإذا زادت واحدة ففيها حقتان إلى عشرين و مائة فإذا كثرت الابل ففي كل خمسين حقة الحديث(2)

و ما رواه عبدالرحمن بن الحجاج عن أبي عبدالله (علیه السلام) قال: في خمس قلائص شاة و ليس

ص: 131


1- الوسائل، الباب 2 من أبواب زكاة الأنعام، الحدیث: 1
2- نفس المصدر، الحدیث: 2

فيها دون الخمس شيء و في عشر شاتان و في خمس عشرة ثلاث شياة و في عشرين أربع و في خمس و عشرين خمس و في ست و عشرين بنت مخاض إلى خمس و ثلاثين و قال عبدالرحمان: هذا فرق بيننا و بين الناس فإذا زادت واحدة ففيها بنت لبون إلى خمس و أربعين فإذا زادت واحدة ففيها حقة إلى ستين فإذا زادت واحدة ففيها جذعة إلى خمس و سبعين فإذا زادت واحدة ففيها بنتا لبون إلى تسعين فإذا كثرت الابل ففي كل خمسين حقة(1).

لكن نسب الخلاف إلى ابن عقيل أنه أوجب بنت مخاض في نصاب الخامس أي خمس و عشرين و لعله استند في قوله إلى رواية الفضلاء عن أبي جعفر و أبي عبدالله‘ قالا: في صدقة الابل في كل خمس شاة إلى أن تبلغ خمس و عشرين فإذا بلغت ذلك ففيها ابنة مخاض ثم ليس فيها شيء حتى تبلغ خمساً و ثلاثين فإذا بلغت خمساً و ثلاثين ففيها ابنة لبون ثم ليس فيها شيء حتى تبلغ خمساً و أربعين فإذا بلغت خمساً و أربعين ففيها حقة طروقة الفحل ثم ليس فيها شيء حتى تبلغ ستین فإذا بلغت ستین فیها جذعة ثم لیس فیها شیءٌ حتی تبلغ خمس و سبعین ففیها ابنتا لبون ثم لیس فیها شیٌ حتی تبلغ تسعين فإذا بلغت تسعين ففيها حقتان طروقتا الفحل ثم ليس فيها شيء حتى تبلغ عشرين و مائة فإذا بلغت عشرين و مائة ففيها حقتان طروقة الفحل فإذا زادت واحدة على عشرين و مائة ففي كل خمسين حقة و في كل أربعين ابنة لبون ثم ترجع الابل على أسنانها و ليس على النيّف شيء و لا على الكسور شيء(2)

اجيب هذا تارة بالحمل على التقية و اخرى بالاضمار بتقدير جملة «و إن زادتواحدة» بعد قوله: «فإذا بلغت ذلك» و الظاهر تعيّن الأول إذ جعل نصاب خمس و عشرين و كذلك في نصاب خمس و ثلاثين في بقية الفقرات، مخالف لمذهب الخاصة

ص: 132


1- الوسائل، الباب 2 من أبواب زكاة الأنعام، الحدیث: 4
2- نفس المصدر، الحدیث: 6

و العامة فلا مناص من الإضمار.

و يؤيد ذلك كلام الصدوق (رحمه اللّه) في معانى الأخبار لاحظ ما رواه صاحب الوسائل و رواه الصدوق في معاني الأخبار عن أبيه ... عن حماد بن عيسى مثله إلا أنه قال على ما في بعض النسخ الصحيحة: فإذا بلغت خمساً و عشرين فإن زادت واحدة ففيها بنت مخاض -إلى أن قال- فإذا بلغت خمساً و ثلاثين فإن زادت واحدة ففيها ابنة لبون، ثم قال: إذا بلغت خمساً و أربعين و زادت واحدة ففيها حقة، ثم قال: فإذا بلغت ستين و زادت واحدة ففيها جذعة، ثم قال: فإذا بلغت خمسة و سبعين و زادت واحدة ففيها بنتا لبون، ثم قال: فإذا بلغت تسعين و زادت واحدة ففيها حقتان و ذكر بقية الحديث مثله(1)

ثم إنه قد نسب الخلاف في النصاب العاشر أعني ستاً و سبعين إلى الصدوقين و هو أنهما ذكرا أنها إذا بلغت إحدى و ستين التي فيها جذعة ليس بعد ذلك شيء إلى أن تبلغ ثمانين فإن زادت واحدة ففيها ثنى، لكن لم يعرف له مستند كما في كلام المحقق الخوئي (قدس سره ) عدا الفقه الرضوي لكن كونها رواية محل الاشكال.

نعم المحقق الهمداني (رحمه اللّه) رواها عن الأعمش عن جعفر بن محمد (علیه السلام) في حديث شرائع الدين قال: الزكاة فريضة واجبة -إلى أن قال- فإذا بلغت ستين و زادت واحدة ففيها جذعة إلى ثمانين فإذا زادت واحدة ففيها ثني إلى تسعين الحديث(2) المروية في الخصال في حديث شرايع الدين إلّا أنها ضعيفة السند كما اعترف به (رحمه اللّه) لاشتمال طريق الصدوق (رحمه اللّه) إلى الأعمش على عدة من المجاهيل فلاحظ.

ص: 133


1- الوسائل، الباب 2 من أبواب زكاة الأنعام، الحدیث: 7
2- الوسائل، الباب 10 من أبواب ما تجب فيه الزّكاة، الحدیث:1

«بمعنى أنه يجوز أن يحسب أربعين أربعين و في كل منها بنت لبون أو خمسين خمسين و في كل منها حقة و يتخير بينهما مع المطابقة لكل منهما أو مع عدم المطابقة لشيء منهما و مع المطابقة لأحدهما الأحوط مراعاتها بل الأحواط مراعاة الأقل عفواً ففي المائتين يتخير بينهما لتحقق المطابقة لكل منهما، و في المائة و خمسين الأحوط اختيار الخمسين، و في المائتين و أربعين الأحوط اختيار الأربعين، و في المائتين و ستين يكون الخمسون أقل عفواً و في المائة و أربعين يكون الأربعون أقل عفواً» (1)

(1) توضيح الكلام في هذا المقام إنّ هذا النصاب ينقسم على ثلاثة أقسام:

أما القسم الأول: و هو أن يكون الزائد على المائة و العشرين قابلاً للانقسام على كل واحد من الخمسين و الأربعين بحيث لا يبقى أصلاً و هذا كالمائتين و هذا لا اشكال فيه بأنه يجوز الاحتساب بكل واحد من الطريقين إذ الجمع بينهما لا يجب بلا شبهة لعدم وجوب الزكاة مرتين بالنسبة إلى العين الزكوية الواحدة في العام الواحد فالمكلف مخير بلا ريب.

القسم الثاني: أن يكون قابلاً للتقسيم بالنسبة إلى أحد الطريقين دون الآخر فالعادلة إما أن يكون خمسين أو أربعين كالمأة و خمسين و المأة و الستين و في هذا القسم يحسب بما هو عادله كي لا يبقى شيء لا يزكى.

القسم الثالث: أن لا يكون قابلاً لكل واحد منهما بمعنى أنه يبقى مقدار من العين على كلا الطريقين، ففي المقام احتاط الماتن (رحمه اللّه) بمراعاة الأقل عفواً ففي المأة و السبعين حيث إنه لو قسم على الخمسين يزيد عشرون و لو قسم على الأربعين يزيد عشرة ففيالمقام هل يجب التلفيق بحيث لا يبقى واحد أو لا يجب بل يجوز على نحو التخيير و إن بقى كسر ففي المثال على القول الأول يجب احتساب ثلاث أربعينات و الخمسين إلّا

ص: 134

إذا كانت الزيادة لازمته على التلفيق أيضاً كما إذا كان المجموع 165 لكنها معفوة قطعاً للنص أي صحيحة الفضلاء المتقدمة(1): «و ليس على النيّف شيء و لا على الكسور».

و اختار المحقق الخوئي (قدس سره ) التلفيق إذ لولا ذلك يلزم عدم دفع الزكاة في بعض الفروض بعد أن يمكنه دفعها كما إذا كان النصاب المأة و السبعين فإذا كان الشخص مخير بين الخمسين و الأربعين بدون التلفيق يلزم بقاء مقدار من العين فإنه على الخمسين يبقى عشرون و على الأربعين يبقى عشرة مع أنه إذا لفقنا بأن نحسب تارة بالأربعين و اخرى بالخمسين فلا يزید شيء إذ المقدار المفروض يرجع أمره إلى ثلاث أربعينات و الخمسين فلا یزید شيء فمع هذا الطريق كيف نسوغ و نجوز عدم دفع الزكاة بالنسبة إلى الزائد.

و استدل على ذلك بعموم قوله (علیه السلام): «لكل خمسين حقة و لكل أربعين بنت لبون» فإنه یدلنا علی أنّ كلّ فَرضٍ فُرِض في الخارج و كان مصداقاً لذلك فهو محكوم بهذا الحكم.

و الحاصل أن مقتضى العموم المجعول على نحو القضية الحقيقية لزوم الدفع على كل خمسين حقة و عن كل أربعين بنت لبون و هذا تختلف مصاديقه فتارة تنتج التخيير بين كلا الطريقين كما إذا كان النصاب مأتين و اخرى يتعين الخمسون كما إذا كان المأة و الخمسین و ثالثة يتعين الأربعون كما إذا كان المأة و ستين.

و يؤيد مدعاه بما استظهر من صحيحة الفضلاء حيث فيها: «و ليس على النيف شيء و لا على الكسور» فإنّ الاقتصار في مقام التعرض على النيف و هو «الواحدإلى التسع» بين العقود و عدم تعرض نفس العقود شاهد على ما ذكرنا فلاحظ.

و استدل القائل بالتخيير بين الطريقين سواء بقي منها شيء أم لا، باطلاق دليل التخيير و أنه لا يجب مراعاة الأقل عفواً لعدم الدليل.

ص: 135


1- الوسائل، الباب 2 من أبواب زكاة الأنعام، الحدیث: 6

و فيه أن لسان الدليل هو الحكم التكليفي الراجع إلى اختيار المكلف حتى يؤخذ باطلاقه، بل المجعول الأولى هو الحكم الوضعى المجعول على عدد الحيوان فلابد من ملاحظة أنّ المستفاد من الدليل ما هو و حيث أن المجعول على كل خمسين حقة و على كل أربعين بنت لبون تكون النتيجة هو القول الأول أي التفريق و الاستيعاب.

و بعبارة اخرى أنّ المستفاد من الدليل ابتداء، أنه إذا تحقق عدد الأربعين فحكمه كذا و إذا تحقق الخمسون فحكمه كذا و في المأة و العشرين فليصح أن يقال إن المتحقق في الخارج ثلاث أربعينات فلا وجه لالغاء العشرين و ملاحظة الخمسين فيكون مفاد الرواية التخيير بمقتضى مورده لا مطلقاً بمعنی إنه يلزم احتساب العدد المستوعب لا التخيير مطلقاً حتى فيما يكون مستوعباً.

إن قلت: لزوم الاحتساب بخصوص العدد المستوعب فيما إذا كان أحدهما عاداً و انتفاء التخيير لا ينطبق على النصاب الأخير الذي هو مورد الرواية أعني مائة و واحداً و عشرين إذ عليه كان اللازم الاقتصار على ذكر الأربعين فقط، و إلّا لزم تخصيص المورد، و هو مستهجن فانطباق التخيير على المورد يرشدنا إلى جواز الاحتساب بحساب كل خمسين المستلزم للعنوان العشرين الزائد.

قلت: إنّ الايراد المذكور متفرع على كون النصاب مختصاً بما ذكر و أما إذا كان على النحو الكلى و القضية الحقيقية فلا اشكال في البين إذ المورد من مصاديق الكلى و الشاهد على ذلك ثبوت التخيير فيما إذا كثرت الابل في حديث عبدالرحمن بن الحجاج(1) فموضوع التخيير إنما هو كثرة الابل ففي كل مورد تحقق الموضوع للتخيير يجرى هذا الحكم و التخيير في مورد الرواية ينطبق على الأربعين.

و الحاصل لم يصرح في الرواية بالتخيير في خصوص المائة و إحدى و عشرين كي يلزم تخصيص المورد بل إنما حكم به في ذلك بعنوان أنه من موارد كثرة الابل فالموضوع كلي

ص: 136


1- الوسائل، الباب 2 من أبواب زكاة الأنعام، الحدیث: 4

«مسألة 1: في النصاب السادس إذا لم يكن عنده بنت مخاض يجزي عنها ابن اللبون» (1)

فالنصاب كلي و إن العد بهما لأجل الخروج عن عهدة التكليف فلاحظ.

(1) بلا خلاف كما في الجواهر بل عن التذكرة إنه موضع وفاق و يدل عليه صحيح زرارة(1) و ما رواه أبوبصير(2) و صحيح الآخر لزرارة عن أبي جعفر و أبي عبدالله‘ قالا: ليس في الابل شيء حتى تبلغ خمساً فإذا بلغت خمساً ففيها شاة ثم في كل خمس شاة حتى تبلغ خمساً و عشرين فإذا زادت ففيها ابنة مخاض فإن لم يكن فيها ابنة مخاض فابن لبون ذكر إلى خمس و ثلاثين فإذا زادت على خمس و ثلاثين فابنة لبون إلى خمس و أربعين فإن زادت فحقة إلى ستين فإذا زادت فجذعة إلى خمس و سبعين فإن زادت فابنتا لبون إلى تسعين فإن زادت فحقتان إلى عشرين و مائة فإن زادت ففي كل خمسين حقة و في كل أربعين ابنة لبون، الحديث.(3)

ص: 137


1- نفس المصدر، الحدیث: 1
2- نفس المصدر، الحدیث: 2
3- نفس المصدر، الحدیث: 3

«بل لا يبعد إجزاؤه عنها اختياراً أيضاً» (1)

(1) هذا هو المشهور بين الأصحاب كما في بعض الكلمات و عن الجواهر علل الحكم بقيام علو السن مقام الانوثة لكن فيه ما لا يخفى إذ مجرد الاستحسان لا يصلح لذلك.

و استدل على ذلك مضافاً إلى ذلك بأن الشرط المذكور في النصوص صورة شرط، لا حقيقته كي يدل على المفهوم و الشاهد على ذلك أنه لو لم يكن عنده بنت مخاض حال الوجوب، لكن وجدت بعد يوم أو أكثر فمقتضى الشرط عدم جواز دفع بنت مخاض و أنه لا يجزي لو دفع مع أنه مجزٍ بلا كلام و لا اشكال بل نقل عن المدارك ان دفعها متعين و إنّ ابن لبون لا يكفي.

اُجيب بانه مبتن على أن يكون الشرط عدم كونه واجداً لها حالة تعلق الوجوب خاصة، و هو غير ظاهر، بل الشرط عدم وجدانه لها في مجموع الوقت إلى زمان الدفع و عليه فلا يكون ما ذكره (رحمه اللّه) شاهداً على صرف ظاهر الشرط عن القضية الشرطية هذا أولاً و ثانياً لو سلمنا كون الشرط صورياً لكن لا ريب أنها دلّت على البدلية في تقدير خاص و هو أنه لا يكون عنده بنت مخاض و أمّا إذا كان عنده بنت مخاض و لو بعد حين لا يصدق عليه أنه لم يكن عنده بنت مخاض إذا وجدت عنده بعد تعلق الوجوب و قبل الدفع فلابد من حفظ الرتبة و الترتيب و مع حفظ الرتبة إنما تصل النوبة إليه إذا لم تكن عنده بنت مخاض، فتأمل، إذ الرتبة إنما يستفاد من دليل الشرط و إلّا فلا يستفاد منه ذلك.

و أما قضية الجبران كما في بعض النصوص فلا يدل على العرضية لأن لزوم الجبران في فرض بنت لبون و عدمه في فرض ابن لبون ذكر لا يدل على أن بنت لبون في الأول و ابن لبون في الثاني لعدم التنافي بين الأمرين.

ص: 138

«و إذا لم يكونا معاً عنده تخير في شراء أيهما شاء» (1)

(1) و استدل على التخيير باطلاق دليل البدلية في قوله (علیه السلام): «و إن لم يكن عنده ابنة مخاض فابن لبون ذكر» فإنه يعم صورتي وجود ابن اللبون و عدمه.

لكن ذهب صاحب الجواهر إلى تعيّن شراء ابنة مخاض و نقله عن الشهيد الأول (رحمه اللّه) و عن صاحب مجمع البرهان (رحمه اللّه) الميل إلى ذلك.

و استدل عليه بأنّ المتجه على تقدير كون الشرط بمعناه الحقيقي، وجوب شراء بنت مخاض لاطلاق دليل الالزام بها و لم يخرج منه إلا صورة عدم وجودها و وجود ابن اللبون كما هو المنساق من النص بل صرح به في رواية عن زرارة عن أبي جعفرٍ (علیه السلام) في حديث زكاة الإبل قال: و كلّ من وجبت عليه جذعةٌ و لم تكن عنده و كانت عنده حقّةٌ دفعها و دفع معها شاتين أو عشرين درهماً و من وجبت عليه حقّةٌ و لم تكن عنده و كانت عنده جذعةٌ دفعها و أخذ من المصدّق شاتين أو عشرين درهماً و من وجبت عليه حقّةٌ و لم تكن عنده و كانت عنده ابنة لبونٍ دفعها و دفع معها شاتين أو عشرين درهماً و من وجبت عليه ابنة لبونٍ و لم تكن عنده و كانت عنده حقّةٌ دفعها و أعطاه المصدّق شاتين أو عشرين درهماً و من وجبت عليه ابنة لبونٍ و لم تكن عنده و كانت عنده ابنة مخاضٍ دفعها و أعطى معها شاتين أو عشرين درهماً و من وجبت عليه ابنة مخاضٍ و لم تكن عنده و كانت عنده ابنة لبونٍ دفعها و أعطاه المصدّق شاتين أو عشرين درهماً و من وجبت عليه ابنة مخاضٍ و لم تكن عنده و كان عنده ابن لبونٍ ذكرٌ فإنّه يقبل منه ابن لبونٍ و ليس يدفع معه شيئاً.(1) فيبقى حينئذٍ ما عداها مندرجة تحت الإطلاق ثم قال (رحمه اللّه): و ما يقال في توجيه اجزاءه عنها في الفرض من أنه بشرائه يصير

ص: 139


1- الوسائل، الباب 13 من أبواب زكاة الأنعام، الحدیث: 1

واجداً له فاقداً لها، يدفعه أنّ البحث في الواجب عليه قبل شرائه ماذا، كما هو واضح انتهى كلامه.

أجاب عنه المحقق الخوئي (قدس سره ) بأنّ الصحيحة ناظرة إلى مقام الامتثال و الدفع و الأداء خارجاً، بقرينة قوله (علیه السلام): «فإنه يقبل منه» و لا شك في لزوم فرض الوجود حينئذٍ و إلّا فأي شيء يقبل منه فالقيد مسوق لبيان تحقق الموضوع و مثله لا مفهوم له فلا يدل على اختصاص البدلية بما إذا كان واجداً لابن لبون من الاول بل یعم ما لو شراه فی مقام الاداء بعد ان كان فاقداً له سابقاً.

لكن الجزم بهذه المقالة مشكلٌ جداً بل من راجع الحديث من أوله لو لم يتيقن بخلافه لم يجزم بقرينية ما ذكره فراجع.

فرعٌ: لو لم يكن عنده بنت مخاض و لكن كان متمكناً من شرائها لم يجب عليه الشراء و جاز دفع ابن لبون ذكر بمقتضى اطلاق الشرط و هو عدم وجود بنت مخاض عنده لا عدم تمكنه من تحصيلها حتى يكون عند القدرة على الشراء واجداً لها لقدرته على الشراء و لو بمقدماته.

ص: 140

«و أما في البقر فنصابان: الأول: ثلاثون و فيها تبيع أو تبيعة» (1)

(1) لا اشكال و لا خلاف في أن للبقر نصابان:

أحدهما: ثلاثون فلا شيء دون ذلك و المشهور بين الأصحاب أنّ الواجب في النصاب الأول ثلاثون و الواجب فيه تبيعة أو تبيع.

و يدل على الأول ما رواه الفضلاء عن أبي جعفر و أبي عبدالله‘ قالا: في البقر في كل ثلاثين بقرة تبيع حولى و ليس في أقل من ذلك شيء و في أربعين بقرة مسنة و ليس فيما بين الثلاثين إلى الأربعين شيء حتى تبلغ أربعين فإذا بلغت أربعين ففيها بقرة مسنة و ليس فيما بين الأربعين إلى الستين شيء فإذا بلغت الستين ففيها تبيعان إلى السبعين فإذا بلغت السبعين ففيها تبيع و مسنة إلى الثمانين فإذا بلغت ثمانين ففي كل أربعين مسنة إلى تسعين فإذا بلغت تسعين ففيها ثلاث تبايع حوليات فإذا بلغت عشرين و مائة ففي كل أربعين مسنة ثم ترجع البقر على أسنانها و ليس على النيف شيء و لا على الكسور شيء الحديث(1)

و أما كون الواجب تبيع، فهو المنصوص في الرواية المتقدمة.

أما التبيعة فاستدل على ذلك بامور:

الأول: أن التبيعة أولى من التبيع لكونها أكثر نفعاً بالدر و النسل.

أورد عليه بأنّ الحكم الشرعى أمر تعبدي لابد فيه من دليل شرعى و لا يمكن اثباته بالامور الاستحسانية.

الثاني: أنّ التبيع في اللغة عبارة عن ولد البقر يطلق على الذكر و الانثى كما نقل عن نهاية ابن اثير.

أجاب عنه سيدنا الاستاذ دام ظله في المباني أنه لو سلّم ذلك بالنسبة إلى اللغة، مدفوع

ص: 141


1- الوسائل، الباب 4 من أبواب زكاة الأنعام، الحدیث: 1

بالتوصيف الذي ورد في الرواية بقوله (علیه السلام): «الحولى» الذي يطلق على الذكر فقط إذ المؤنث منه الحولية، مضافاً إلى ما نقل عن الجوهري في صحاح اللغة التبيع ولد البقر في أول سنة و الانثى التبيعة.

الثالث: ما رواه المحقق في المعتبر كما في الحدائق قال: إلّا أنّ المحقق (رحمه اللّه) في المعتبر نقل صحيحة الفضلاء بما يطابق القول المشهور و لعله كان في بعض الاصول التي كانت عنده حيث قال: و من طريق الأصحاب ما رواه زرارة و محمد بن مسلم و أبوبصير و الفضيل و بريد عن أبي جعفر و أبي عبدالله‘ قالا: في البقر في كل ثلاثين تبيع أو تبيعة و ليس في أقل من ذلك شيء ثم ليس فيها شيء حتى تبلغ أربعين ففيها مسنة ثم ليس فيها شيء حتى تبلغ ستين ففيها تبيعان أو تبيعتان ثم في سبعين تبيع أو تبيعة و مسنة ثم في ثمانين مسنتان و في تسعين ثلاث تبايع(1) فإنّ المستفاد منه التخيير بين التبيع و التبيعة.

أورد عليه صاحب الحدائق بقوله: و هذه الرواية أيضاً مثل الاولى التي نقلنا عنه في نصاب الابل لم يتعرض لها أحد من المحدثين في كتب الأخبار و لا الأصحاب في كتب الاستدلال و هو عجيب في المقام سيما مع خلو ما ذهبوا إليه في المسألة من الدليل و دلالة هذه الرواية عليه انتهى(2) .

الرابع: ما نقله الشيخ (رحمه اللّه) في الخلاف(3) (على ما نقله سيدنا الاستاذدام ظله في المباني) من الحديث العامي الذي صرح فيه بالتخيير بين التبيع و التبيعة و نقل دام ظله أنه قال في المسئلة 16 إذا بلغت البقر مأة و عشرين كان فيها ثلاث مسنات أو أربع تبايع مخير في ذلك -إلى أن قال- دليلنا اجماع الفرقة و الأخبار المروية في هذا المعنى أن في كل

ص: 142


1- الحدائق، ج 12، ص 56
2- الحدائق جلد 12 صفحه 56
3- الخلاف جلد 2 صفحه 20

ثلاثين تبيعاً أو تبيعة و في كل أربعين مسنة، و من الواضح أنه لا يمكن الاعتماد على مثل هذا الخبر.

الخامس: ما رواه عن الأعمش عن جعفر بن محمد (علیه السلام) في حديث شرائع الدين قال: الزكاة فريضة واجبة على كل مائتي درهم خمسة دراهم و لا تجب فيما دون ذلك من الفضة و لا تجب على مال زكاة حتى يحول عليه الحول من يوم ملكه صاحبه و لا يحل أن تدفع الزكاة إلا إلى أهل الولاية و المعرفة و تجب على الذهب إذا بلغ عشرين مثقالا فيكون فيه نصف دينار و تجب على الحنطة و الشعير و التمر و الزبيب إذا بلغ خمسة أوساق العشر إذا كان سقي سيحاً و إن سقي بالدوالي فعليه نصف العشر و الوسق ستون صاعاً و الصاع أربعة أمداد و تجب على الغنم الزكاة إذا بلغت أربعين شاة و تزيد واحدة فتكون فيها شاة إلى عشرين و مائة فإذا زادت واحدة ففيها شاتان إلى مائتين فإن زادت واحدة ففيها ثلاث شياه و تجب على البقر الزكاة إذا بلغت ثلاثين بقرة تبيعة حولية فيكون فيها تبيع حولي إلى أن تبلغ أربعين بقرة ثم يكون فيها مسنة إلى ستين (ثم يكون) فيها مسنتان إلى تسعين ثم يكون فيها ثلاث تبائع ثم بعد ذلك يكون في كل ثلاثين بقرة تبيع و في كل أربعين مسنة و تجب على الإبل الزكاة إذا بلغت خمساً فيكون فيها شاة فإذا بلغت عشرا فشاتان فإذا بلغت خمسة عشر فثلاث شياه فإذا بلغت عشرين فأربع شياه فإذا بلغت خمساً و عشرين فخمس شياه فإذا زادت واحدة ففيها ابنة مخاض فإذا بلغت خمساً و ثلاثين و زادت واحدة ففيها ابنة لبون فإذا بلغت خمساً و أربعين و زادت واحدة ففيها حقة فإذا بلغت ستين و زادت واحدة ففيها جذعة إلى ثمانين فإذا زادت واحدة ففيها ثني إلى تسعين فإذا بلغت تسعين ففيها بنتا لبون فإذا زادت واحدة إلى عشرين و مائة ففيها حقتان طروقتا الفحل فإذا كثرت الإبل ففي كل أربعين ابنة لبون و في كل خمسين حقة و يسقط الغنم بعد ذلك و يرجع إلى أسنان

ص: 143

الإبل.(1)

و فيه أولاً أن الرواية دالة على خلاف المدعى، و ثانياً أن السند ضعيف لضعف اسناد الصدوق (رحمه اللّه) إلى الأعمش.

السادس: ما في حديث الفضلاء(2) بتقريب أنّ الامام (علیه السلام) قال: «في بلوغ البقر ثلاثين» «فإذا بلغت تسعين ففيها ثلاث تبايع حوليات» و في قبل ذلك قال (علیه السلام): «في كل ثلاثين بقرة تبيع حولى» و نقل عن الصحاح أنّ كل ذي حافر أول سنته حولى و الانثى حولية و الجمع حوليات و حينئذٍ إذا كان الواجب في ثلاثين التبيع و تسعين تبيعات يدل على التخيير و قد اكتفى بأحد فردي التخيير في الثلاثين و بالآخر في التسعين، لكن للتأمل فيه مجال واسع لأنه أية ملازمة بين الأمرين و لعل الحكم في الأول التبيع و هو الذكر و في الثاني التبيعات و هي جمع الانثى، إذ مناطات الأحكام ليست بأيدنا فالحكم بالتخيير مشكلٌ جداً فالأقوى تعيين التبيع لا غير.

لكن يمكن أن يقال إن المفروض بل لعله المتسالم عليه بين الفقهاء أنّ للبقر نصابين، فإذا كان الواجب في التسعين ثلاث تبيعات بخصوصها من غير أن يلاحظ كونه إحدي طرفي التخيير يلزم ثبوت ثلاث نصب في البقرة و الحال أنه ليس كذلك فلابد من حمله على الثاني للتسالم المدعى فلا مناص من القول بالتخيير.

و يؤيد ذلك بل يدل عليه ما رواه أبوبصير قال: سمعت أباعبدالله (علیه السلام) يقول: ليس فيما دون ثلاثين من البقر شيء فإذا كانت الثلاثين ففيها تبيع أو تبيعة و إذا كانت أربعين ففيها مسنة(3) فإنّ شهادة المجلسى (رحمه اللّه) و المحدث النورى (رحمه اللّه) بالنسبة إلى نقلها من كتاب عاصم، ظاهرة في الحس و الحمل على الحدس كما في كلام المحقق الخوئي (قدس سره ) محل تأمل

ص: 144


1- الوسائل، الباب 10 من أبواب ما تجب فيه الزّكاة، الحدیث: 1
2- الوسائل، الباب 4 من أبواب زّكاة الانعام، الحدیث: 1
3- مستدرك الوسائل، ج 7، (صفحه 60) الباب 3 من أبواب زكاة الأنعام، الحدیث: 1

«و هو ما دخل في السنة الثانية» (1)

عاصم، ظاهرة في الحس و الحمل على الحدس كما في كلام المحقق الخوئي (قدس سره ) محل تأمل

كما في كلام سيدنا الاستاذ دام ظله في الدلائل(1) فلاحظ.

(1) قال في المستمسك: كما عن جماعة من العلماء بل نسب إلى الأصحاب و هذا المقدار كافٍ في اثبات معنى اللفظ لما حقق في محله من أن أدلة حجية خبر الثقة في الأحكام شاملة لمثله.

ثم إنه (رحمه اللّه) نقل عن الجواهر الاستدلال بصحيح ابن حمران عن أبي عبدالله (علیه السلام): التبيع ما دخل في الثانية(2) لكن لم أقف عليه في كتب الحديث.

و استدل على المدعى سيدنا الاستاذ دام ظله بحديث الفضلاء بقوله (علیه السلام): «تبيع حولي» بمعونة ما عن الصحاح: أنّ التبيع ولد الحافر في السنة الاولى التي لا يكمل إلّا بالدخول في السنة الثانية مضافاً إلى أن مقتضى الإستصحاب ذلك لجريانه في الشبهة المفهومية.فتأمل.

ص: 145


1- الدلائل، ج 4، ص 69
2- الجواهر، ج 15، ص 125

«الثاني: أربعون و فيها مسنة و هي الداخلة في السنة الثالثة» (1)

«و فيما زاد يتخير بين عد ثلاثين ثلاثين و يعطى تبيعاً أو تبيعة و أربعين أربعين و يعطى مسنة» (2)

(1) أما كون النصاب الثاني الأربعون فلا خلاف فيه بل ادعي عليه الاجماع و يدل عليه صحيحة الفضلاء المتقدمة(1)

و أما كون المراد من المسنة هي الداخلة في السنة الثالثة، فعن جماعة من الأعلام كونه من المسلمات عندهم و ادعى عليه الاجماع فعن العلامة (رحمه اللّه) في التذكرة إذا كمل سنتين و دخل في الثالثة فهو ثنى و ثنية و هي المسنة شرعاً و عن فيض الكاشاني (رحمه اللّه) المسنة شرعاً ما دخلت في الثالثة بالاجماع و لم نقف في اللغة على مدلولها و هذا المقدار كافٍ في المقصود.

(2) لا مجال للتخيير في المقام بعد تنصيص الامام (علیه السلام) في صحيحة الفضلاء المتقدمة بالتلفيق لاحظ قوله (علیه السلام): «فإذا بلغت السبعين ففيها تبيع و مسنة إلى الثمانين» و حينئذٍ إذا كان كل من العددين أي الثلاثين و الأربعين عاداً كالمأئة و العشرين المتضمنة لأربع ثلاثينات و ثلاث أربعينات يحكم بالتخيير.

و إذا كان العدد متضمناً لأحدهما خاصة كالستين أو الثمانين فيحسب به و إلّا يكون الحكم هو التلفيق كما إذا كان العدد سبعين و مائة يحسب ثلاث ثلاثينات و اثنين أربعينین فيعطى ثلاث تبايع و اثنتين مسنتين و قد يبقى شيء معفو لكن بمقدار نيف كما إذا كان العدد خمس و سبعين و مأة، فيجب على طبق ما ذكر و بقي خمس و هو معفو عنه كما قد يكون المستثنى عشر و هو ما إذا كان العدد خمسين فيكون المعفو عنه هو العشرة فلا يبقى مورد العفو إلّا فيما بين العقود إلّا الخمسين فلاحظ.

ص: 146


1- الوسائل، الباب 4 من أبواب زكاة الأنعام، الحدیث: 1

«و أما في الغنم فخمسة نصب، الأول: أربعون و فيها شاة، الثاني: مائة و إحدى و عشرون و فيها شاتان، الثالث: مائتان و واحدة و فيها ثلاث شياة، الرابع: ثلاثمائة و واحدة و فيها أربع شياة، الخامس: أربعمائة فما زاد ففي كل مائة شاة، و ما بين النصابين في الجميع عفو فلا يجب فيه غير ما وجب بالنصاب السابق (1)

(1) المشهور بين الأصحاب أنّ للغنم خمسة نصب، بل ادعي عليه الاجماع و يدل على المدعى ما رواه الفضلاء عن أبي جعفر و أبي عبدالله‘ في الشاة في كل أربعين شاة، شاة و ليس فيما دون الأربعين شيء ثم ليس فيها شيء حتى تبلغ عشرين و مائة فإذا بلغت عشرين و مائة ففيها مثل ذلك شاة واحدة فإذا زادت على مائة و عشرين ففيها شاتان و ليس فيها أكثر من شاتين حتى تبلغ مائتين فإذا بلغت المائتين ففيها مثل ذلك فإذا زادت على المائتين شاة واحدة ففيها ثلاث شياة ثم ليس فيها شيء أكثر من ذلك حتى تبلغ ثلاثمائة فإذا بلغت ثلاثمائة ففيها مثل ذلك ثلاث شياة فإذا زادت واحدة ففيها أربع شياة حتى تبلغ أربعمائة فإذا تمت أربعمائة كان على كل مائة شاة و سقط الأمر الأول و ليس على ما دون المائة بعد ذلك شيء و ليس في النيف شيء و قالا‘: كل ما لم يحل عليه الحول عند ربه فلا شيء عليه فإذا حال عليه الحول وجب عليه(1)

و قباله نقل عن الشيخ المفيد و السيد المرتضى و الصدوق و ابن أبي عقيل و سلار و ابني حمزة و ادريس (رحمه اللّه) انكار النصاب الخامس و أنها إذا بلغت ثلاثمائة و واحدة ففيكل مأة شاة.

و استدل على ذلك بما رواه محمد بن قيس عن أبي عبدالله (علیه السلام) قال: ليس في ما دون

ص: 147


1- الوسائل، الباب 6 من أبواب زكاة الأنعام، الحدیث: 1

الأربعين من الغنم شيء فإذا كانت أربعين ففيها شاة إلى عشرين و مائة فإذا زادت واحدة ففيها شاتان إلى المائتين فإذا زادت واحدة ففيها ثلاث من الغنم إلى ثلاثمائة، فإذا كثرت الغنم ففي كل مائة شاة، الحديث(1) حيث ان الواجب بمقتضى هذه الرواية في ثلاثمائة و واحدة ثلاث شياة لأن في كل مائة شاة مع أن مقتضى رواية الفضلاء أربعة شياة.

أورد على ذلك بوجهين:

الأول: إمكان الجمع بينهما حيث ان حديث الفضلاء و محمد بن قيس متطابقان في النُصب إلى ثلاثمائة و أنّ الواجب بمقتضاهما ثلاث شياة كما أن الأمر كذلك في الأربعمأة، إنما الكلام فيما زاد عن ثلاثمائة إلى أربعمائة فإن مقتضى حديث الفضلاء أربع شاة، و لكن حديث محمد بن قيس ساكت عن التعرض أو متعرض لوجوب ثلاث شياة بالاطلاق بأنه يجب ثلاث شياة بعد بلوغ الغنم ثلاثمائة سواء زاد أم لم يزد و حديث الفضلاء يقيده بأنه إن زاد واحدة أو أكثر إلى أربعمائة ففيها أربع شياة فلا تعارض في البين.

و بعبارة واضحة: أن دلالة صحيحة محمد بن قيس على عدم الوجوب لو زادت واحدة بالاطلاق و دلالة خبر الفضلاء على الوجوب بالنصوصیة، و من الظاهر أن مقتضى الصناعة تقييده المطلق بالمقيد.

الثاني: أن حديث محمد بن قيس مطابق لفتوى الجمهور فحديث الفضلاء مقدم لأن الرشد في خلافهم، إن قلنا أنّ مخالفة العامة من المرجحات كما هو ليس ببعيد و أماإذا لم نقل بذلك و قلنا أن المرجح الوحيد في باب التعارض هو الأحدثية كما مال إليه سيدنا الاستاذ دام ظله فحيث ان الأحدث في المقام غير معلوم تصل النوبة إلى الأصل العملى و مقتضاه هو التخيير إذ التعين تحتاج إلى مؤنة زائدة.

ص: 148


1- الوسائل، الباب 6 من أبواب زكاة الأنعام، الحدیث: 2

شبهة و دفعها: و في المقام شبهة مشهورة في كلام الأصحاب و هي أنه ما الفائدة في جعل النصاب الخامس إذ هو متحد مع النصاب الرابع و هو الثلاثمائة و واحدة فإنه يجب أربع شياة في كليهما حتى يبلغ النصاب إلى خمسمائة فأي فائدة في جعل الاربعمائة نصاباً مستقلاً وكذلك الكلام فی النصاب الرابع بالسنة الی القول الآخر فان ثلاثمائة و واحدة یجب فیها ثلاث شیاة مع أن المأتین و واحدة ایضاً فیها ثلاث شیاة فما الفائده فی جعل ثلاثمأته و واحده نصاباً مستقلاً.

اُجيب عنه بثلاث أجوبة:

الأول: ما أفاده صاحب الجواهر (رحمه اللّه) أن التفرقة بينهما بالكلية و الشخصية و أنّ الواجب في شخص ثلاثمائة و واحدة أربع شياة و أما في الاربعمائة فالواجب كلى و هو أن في كل مائة شاة، شاة و إن انطبق على الأربع أيضاً في هذا المورد الخاص.

أورد عليه: بأنّ الغرض من السؤال فائدة الفرق بينهما و التفرقة بينهما بما ذكر، لا تفيده في دفع السؤال إذ لم يبين الفارق بينهما.

الثاني: ما أجاب المحقق (رحمه اللّه) في الشرايع أن الثمرة تظهر في محل الوجب من ناحية جواز التصرف و عدمه فإن الأربعمائة إذا كانت نصابا مستقلاً فمحل الوجوب يكون هو المجموع فإنه من حيث المجموع نصاب فلا يجوز التصرف فيها قبل اخراج زكاتها و حينئذٍ إذا نقص منها واحدة فيتغير الموضوع و يكون محل الوجوب الثلاثمائة و واحدة لأنها النصاب و ما بينهما معفوٌ و حينئذٍ يجوز التصرف فيه، فقهراً فيما زاد على الثلاثمائة إلى الثلاثمائة و تسعة و تسعين يجوز التصرف في هذا المقدار أعنى ثمانية و تسعين قبلأن يخرج الزكاة، هذا إذا كانت الأربعمائة نصاباً مستقلاً و إلا جاز التصرف فيما زاد على الثلاثمائة و واحدة إلى أن تبلغ الخمسمائة إلّا واحدة فجواز التصرف في الأربعمائة و عدمه ثمره ظاهرة تترتب على كونها نصاباً مستقلاً و عدمه.

أورد عليه المحقق الخوئي (قدس سره ) بأن هذه الثمرة وجيهة على القول بعدم جواز التصرف في

ص: 149

العين الزكوية قبل اخراج الزكاة بمعنى أنّ هذه إنما تصح على القول بالشركة الحقيقية بين المالك و الفقير في نفس العين أو قلنا بأن المال مشترك بينهما على سبيل الاشاعة و أما على القول بالشركة في المالية فلا مانع لجواز التصرف في الكل و دفع الزكاة من جنس آخر كما أنّ القائل بتعلق الزكاة على سبيل الكلى في المعين أيضاً يقول بجواز التصرف في النصاب إلى أن يبقى مقدار الكلى.

الثالث: ما أجابه أيضاً من أنّ الثمرة تظهر في الضمان و عدمه فإن قلنا أنّ أربعمائة نصاباً مستقلاً ثبت الضمان و إلا فلا.

توضيح ذلك: أنه لو تلف جزء من المجموع بعد حولان الحول من غير تفريط فإن المجموع إن كان نصاباً وزّع التالف على المالك و الفقير بالنسبة فتسقط بتلك النسبة هذا الجزء التالف من الوجوب و أما إن كان زائداً على النصاب اختص التالف بالمالك لأن النصاب كلى و لم يطرأ تلف على هذا الكلى فلو كانت عنده ثلاثمائة و خمسون فتلف منها شاة واحدة أو أكثر إلى تسعة و أربعين كان من المالك فقط، لأن مورد النصاب هو الكلى و لم يتلف منه شيء لبقاء مقدار المجموع منه و عليه فلو كانت الشياة أربعمائة و تلف منها شاة بعد تعلق الوجوب فإن كان هذا المقدار نصاباً مستقلاً سقط جزء من مائة جزء من شاة بمعنى أربعة أجزاء شاة من أربعمائة جزء (1من400) إذ الواجب بعد أن كان في كل مائة شاة، شاة فكل شاة مشتركة بين المالك و الفقير نسبة الأربعة في الأربعمائة فأربعة أجزاء للفقير و ثلاثمائة و ستة و تسعون جزءاً، للمالك

فيكون التلف بهذه النسبة في حصة كل منهما و أما إذا لم تكن أربعمائة نصاباً مستقلاً فإن حاله حال ما لو كان العدد ناقصاً عن الأربعمائة و لو بواحدة في احتساب التلف من المالك و عدم السقوط من الفريضة شيء مادام نصاب السابق موجوداً أعنى الثلاثمائة و واحدة لما تقدم أن النصاب هو الكلى و لم يطرأ عليه تلف فلا يحسب على الفقير أصلاً و هذا على جميع المباني صحيح، أما على القول بالكلى في المعين أو

ص: 150

«مسألة 2: البقر و الجاموس جنس واحد كما أنه لا فرق في الابل بين العراب و البخاتي، و في الغنم بين المعز و الشاة و الضأن، و كذا لا فرق بين الذكر و الانثى في الكل» (1)

الشركة، الحقيقيةً كانت أو ماليةً، فلما ذكرنا و أما على الاشاعة و توزيع التلف على الحقين و إن كان الزائد على النصاب معفواً فالأمر ایضاً كذلك إذ الواجب ليس حصة مشاعة من المجموع بل الواجب تعلق على عنوان كلى و إنّ في الأربعين شاة شاة و هذا العنوان كلى صادق و لو لبقاء فرد من الكلى إذ التلف العارض لجزء من المجموع لا يكون مانعاً عن صدق الكلى فلا يكون عارضاً عليه مادام الفرد باقياً.

(1) و أما عدم الفرق بين البقر و الجاموس فمضافاً إلى صدق العنوان يدل عليه ما رواه زرارة عن أبي جعفر (علیه السلام) قال: قلت له: فى الجواميس شيء؟ قال: مثل ما في البقر(1) و أما في الابل فلاطلاق الاسم عليهما و لصحيحة الفضلاء عن أبي جعفر و أبي عبدالله‘ في حديث قال: قلت: فما في البخت السائمة شيء؟ قال: مثل ما في الابل العربية(2)

و أما في الغنم فلأنّ الموضوع في الدليل هو الغنم و هذا العنوان يصدق على الشاة و المعز و الضأن، كما أن مقتضى الاطلاق عدم الفرق بين المذكر و المؤنث منه.

ص: 151


1- الوسائل، الباب 5 من أبواب زكاة الأنعام، الحدیث: 1
2- الوسائل، الباب 3 من أبواب زكاة الأنعام ، الحدیث: 1

«مسألة 3: في المال المشترك إذا بلغ نصيب كل منهم النصاب وجبت عليهم و إن بلغ نصيب بعضهم وجبت عليه فقط و إذا كان المجموع نصاباً و كان نصيب كلّ منهم أقل لم يجب على واحد منهم» (1)

(1) أما وجوب الزكاة على كل واحد من الشركاء إذا بلغ نصيب كل واحد منهم النصاب، فلا كلام و لا اشكال فيه بمقتضى اطلاق الأدلة و كذا إذا بلغ نصيب بعضهم دون البعض، و أما إذا لم يبلغ نصيب كل واحد منهم النصاب مع بلوغ المجموع النصاب فلا زكاة عليهم لورود النص و هو ما رواه زرارة عن أبي جعفر (علیه السلام) في حديث قال: ليس في النيف شيء حتى يبلغ ما يجب فيه واحد و لا في الصدقة و الزكاة كسور و لا يكون شاة و نصف و لا بعير و نصف و لا خمسة دراهم و نصف و لا دينار و نصف و لكن يؤخذ الواحد و يطرح ما سوى ذلك حتى تبلغ ما يؤخذ منه واحد فيؤخذ من جميع ماله. قال زرارة: قلت له: مائتي درهم بين خمس اناس أو عشرة حال عليها الحول و هي عندهم أ يجب عليهم زكاتها؟ قال: لا، هي بمنزلة تلك (يعني جوابه في الحرث) ليس عليهم شيء حتى يتم لكل انسان منهم مائتا درهم. قلت: و كذلك في الشاة و الابل و البقر و الذهب و الفضة و جميع الأموال؟ قال: نعم(1)

مضافاً إلى أنّ الخطاب بالزكاة إنحلالى كساير الأحكام فكل من خوطب بالزكاة لابد أن يبلغ نصيبه النصاب بمقتضى أدلة الاشتراط فكل مكلف إذا بلغ نصيبه النصاب تجب عليه الزكاة.

و أما الاستدلال برواية محمد بن قيس عن أبي عبدالله (علیه السلام) في حديث زكاة الغنم قال:

و لا يفرق بين مجتمع و لا يجمع بين متفرق(2) فلعل المراد منها أن الأموال المتفرقة في الأمكنة المتعددة إذا كان المالك واحداً تجب عليه الزكاة إذا فرض أن المجموع يبلغ حد

ص: 152


1- الوسائل، الباب 5 من أبواب زكاة الذّهب و الفضّة، الحدیث: 2
2- الوسائل، الباب 11 من أبواب زكاة الأنعام، الحدیث: 1

«مسألة 4: إذا كان مال المالك الواحد متفرقاً و لو متباعداً يلاحظ المجموع فإذا كان بقدر النصاب وجبت و لا يلاحظ كل واحد على حدة»(1)

النصاب.

يضاف إلى ذلك ما أفاده سيدنا الاستاذ (رحمه اللّه) في المرتقى أنّ هذه الرواية من المتشابهات حتى أنّ مخالفينا روا ذلك عن النبى (صلی الله علیه و آله و سلم) و حملوها على التفرق و الاجتماع في المكان كما تقدم و استدلوا بها على مذهبهم من ثبوت الزكاة في المجتمع في المكان كما أن الأموال المجتمعة إذا كان للمالك المتعدد لا تجب على كل واحد منهم إذا لم تبلغ نصيب كل واحد النصاب.

(1) يظهر الوجه مما تقدم و لا يحتاج إلى بحث مستقل و إنما ذكرها المصنف لدفع ما بنى عليه بعض العامة من اختصاص وجوب الزكاة في المتفرق بما لم يبلغ حد المسافة، فعن المغنى: إن كانت سائمة الرجل في بلدان شتى و بينهما مسافة لا تقصر فيها الصلاة أو كانت مجتمعة ضم بعضها إلى بعض و إن كان بين البلدان مسافة، فعن أحمد: فيه روايتان أحدهما أن لكل مال حكم نفسه يعتبر على حدته إن كان نصابا ففيه الزكاة و إلّا فلا.

ص: 153

«مسألة 5: أقل اسنان الشاة التي تؤخذ في الغنم و الابل من الضأن، الجذع و من المعز، الثنى» (1)

(1) كما هو المشهور بين الأصحاب بل عن بعضهم دعوى الاجماع عليه و عن الشرايع كفاية المسمى بالشاة و عن صاحب الحدائق الميل إليه.

و استدل للقول المشهور بوجوه:

الأول: أصالة الاشتغال بتقريب أنّ الذمة مشغولة بالأداء والاشتغال اليقينى يستدعي البرائة كذلك و هي لا تحصل إلّا بما ذكر في المتن.

أورد عليه سيدنا الاستاذ دام ظله في المباني أولاً: أنه لا تصل النوبة إلى الأصل العملي مع وجود الدليل الاجتهادى و مقتضى الاطلاق كفاية ما يصدق عليه عنوان الشاة و ثانياً: لو سلمنا ذلك فمقتضى الأصل البرائة للشك في القيد الزائد.

الثاني: ما رواه سويد بن غفلة قال: أتآنا مصدق رسول الله (صلی الله علیه و آله و سلم) قال: نهينا أن نأخذ من المراضع و أمرنا أن نأخذ الجذع من الضأن و الثنى من الماعز(1) و فيه: أنّ الرواية مخدوشة سنداً فلا اعتبار بها.

الثالث: ما عن الغوالى مرسلاً عن النبى (صلی الله علیه و آله و سلم) أنه أمر عامله أن يأخذ الجذع من الضأن و الثنى من المعز قال: و وجد ذلك في كتاب على (علیه السلام)(2) و فيه: أنّ السند ضعيف و عمل المشهور لا يكون جابراً كما حرر في محله.

الرابع: ما رواه اسحاق بن عمار قال: قلت لأبي عبدالله (علیه السلام): السخل متى تجب فيه الصدقة؟ قال: إذا اجذع(3) بتقريب أن قوله (علیه السلام): «إذا اجذع» محمول على المقام أي مقام الأخذ لا مقام الوجوب للاجماع على عدم اعتبار ذلك في حولان الحول فتكون

ص: 154


1- الخلاف، ج 1، ص 36، مسئلة 12 ؛ ج 2، ص 17 من ط جامعة المدرّسين، قم.
2- الجواهر، ج 15، ص 130
3- الوسائل، الباب 9 من أبواب زكاة الأنعام، الحدیث: 3

«و الأول ما كمل له سنة واحدة و دخل في الثانية و الثاني ما كمل له سنتان و دخل في الثالثة» (1)

الرواية دليلاً على المدعى.

و أورد عليه سيدنا الاستاذ دام ظله بأنه لا دليل على هذه الدعوى مضافاً إلى أنّ لازمها وجوب الجذع على الاطلاق لا التفصيل بين المعز و الضأن فالاطلاقات محكمة و ما عن الجواهر من عدم كون الأدلة في مقام البيان، مشكلٌ جداً لعدم القصور في المقتضى لقوله (علیه السلام): «في كل أربعين شاة شاة» و مع الشك مقتضى الأصل ذلك.

(1) و استدل على هذا التفسير بوجوه:

الأول: أن جملة من اللغويين صرحوا بذلك، فعن ابن اثير «الجذع من أسنان الدواب و من البقر و المعز ما دخل في السنة الثانية و من الضأن ما تمت له سنة» و في موضع آخر «الثنية من الغنم ما دخل في السنة الثالثة و من البقر كذلك و من الابل فی السادسة و الذكر ثنى» انتهى.

و عن ابن فارس «الجذع من الشاة ما اتى له سنتان» و عن الفيومي في مصباح المنير «أجذع ولد الشاة في السنة الثانية و أجذع ولد البقر و الحافرة في الثالثة» و عن الدميري «الجذع و هو من الضأن ما له سنة تامة، الثنى الذي يلقى ثنية و يكون ذلك في ذوات الظلف و الحافر في السنة الثالثة».

و فيه: أنّ هذا معارض بنقل الخلاف عن آخرين و عن كثير من الفقهاء أنّ المراد بالجذع من الضأن ما كمل له سبعة أشهر و الثني من المعز ما كملت سنة بل عن بعض نسبته إلى المشهور و بعض اللغويين (تهذيب اللغة) من أنّ الإجذاع وقت و ليس بسن فالعناق تجذع لسنة فهي جذعة لسنة و ثنية لتمام سنتين و قال آخر: فی الجذع من الضأن إذاكان ابن شابين أجذع لستة أشهر إلى سبعة أشهر، و إذا كان ابن هرمين أجذع لثمانية

ص: 155

أشهر إلى عشرة أشهر، و أما الثني من المعز، فعن الطريحى: و قد جاء فی الحدیث و الثنى من البقر و المعز هو الذي تم له سنة.

ففي تقرير المحقق الخوئي (قدس سره ) في مقام تفسير الجذع فعن جماعة أنه ما كمل السبع و دخل في الثمان و منها أنه ما كمل الست و دخل في السبع و منها أنه ما كمل الثمان و دخل في التسع فمع هذه الاختلافات في معنى ذلك كيف يمكن الجزم بما ذكره المصنف (رحمه اللّه) و غيره.

الثاني: إن مقتضى ما دل على أن في كل أربعين شاة شاة هو اعتبار اكمال السنة في الجذع من الضأن بناءً على اعتبار الحول في النصاب إذ المنصرف إليه من التعبير المذكور في الرواية كون المخرج من جنس النصاب و كونه واحداً منه كما أن متقضى تعلق الزكاة بالعين كذلك فلا يعقل بعد ظهور هذه من الأمرين أن تكون الفريضة المخرج أقل من سنة.

أورد علیه أولاً: بأنّ الانصراف ممنوع إذ المستفاد من الرواية هو وجوب الإعطاء و أما كون المعطى من عين النصاب فلا، و ثانياً: أن تعلق الزكاة بالعين لا يستلزم كون المعطى واحداً من النصاب بحيث لا يجوز اعطاء الغير و لو شاة اخرى، ثم أيّد المورد بجواز اعطاء القيمة بالدراهم، لكن للمناقشة فيما ذكره مجال واسع إذ الظاهر من تعلق الزكاة على العين كون مقدار خاص منه، ملك للفقراء فيجب الإعطاء مما هو ملك له.

نعم قد ورد في بعض النصوص اعطاء الغير و هذا لا يوجب انصراف الظهور بل هو تعبد خاص في مورد مخصوص يأتي البحث في ذلك إن شاء الله تعالى.

الثالث: أنّ لفظ «شاة» في الرواية منصرف عما لم تستكمل سنة و فيه أنّ الإنصراف غير مسموع بعد اختلاف اللغويين في ذلك و بعد اطلاق الشاة على الأقل عرفاً.

ص: 156

«و لا يتعين عليه أن يدفع الزكاة من النصاب بل له أن يدفع شاة اخرى سواء كانت من ذلك البلد أو غيره و إن كانت أدون قيمة من أفراد ما في النصاب و كذا الحال في الابل و البقر» (1)

(1) ادعي عليه الاجماع و استدل على ذلك بوجوه:

الوجه الأول: أنّ المستفاد من جواز اكتفاء أداء الفريضة من غير جنس النصاب في بعض الموارد يكشف عن عدم تعين الأداء من عين ما تعلق به الزكاة بل لا يمكن في بعض الموارد ذلك كنصاب الابل حيث وجب فيه إذا بلغ الخمس شاة و في عشرة منها، شاتان فلا مناص من الالتزام بأنّ المملوك للفقراء مقدار يقوم بشاة و نحو ذلك و بما أنّ ملاك الحكم في الجميع واحد، يكون مقتضى القاعدة كفاية غير جنس النصاب و لو كانت الفريضة فيه، من جنس النصاب.

الوجه الثاني: ما دل على إجزاء ابن اللبون عن بنت مخاض، بتقريب أن المستفاد منه البدلية أي بدلية ابن لبون عند عدم وجود بنت مخاض عنها و لو كان اللازم دفع الزكاة من النصاب لم يكن الواجب حينئذٍ بنت مخاض لعدم وجودها على الفرض بل مقتضى اطلاق المفهوم عدم اشتراط كون بنت مخاض من جملة النصاب كما إذا كانت معلوفة أو مما لم يحل عليه الحول و نحو ذلك.

الوجه الثالث: ما رواه محمد بن خالد البرقي قال: كتبت إلى أبي جعفر الثاني (علیه السلام): هل يجوز أن اخرج عما يجب في الحرث من الحنطة و الشعير و ما يجب على الذهب، دراهم بقيمة ما يسوى أم لا يجوز إلّا أن يخرج من كل شيء ما فيه؟ فأجاب (علیه السلام): أيما تيسر يخرج(1) فإن المستفاد منه عرفاً هو التيسر من ناحية الوجود بمعنى أنه يجزي اخراج ما كان عنده و لا يجب دفع الزكاة من النصاب.

ص: 157


1- الوسائل، الباب 14 من أبواب زكاة الذّهب و الفضّة، الحدیث: 1

«فالمدار في الجميع الفرد الوسط من المسمى لا الأعلى و لا الأدنى و إن كان لو تطوع بالعالي أو الأعلى كان أحسن و زاد خيراً» (1)

لكن يرد على الأول و الثاني أنّ وجود دليل خاص في مورد خاص لا يستفاد منه الكلية و استفادة الملاك و اتحاده مشكلٌ جداً إذ مناطات الأحكام ليست بأيدينا، نعم الدليل الثالث لا بأس به، أضف إلى ذلك الاطلاق الموجود في كلمة «شاة» أو «مثقال من الذهب» و العناوين الآخر التي وقعت في مقام بيان اخراج ما يجب على المالك فلاحظ كما أنّ مقتضى الاطلاق عدم الفرق بين كونه من ذلك البلد أو غيره و كونه أدون قيمة من أفراد ما في النصاب أو لم يكن، سواء كان من الابل أو البقر كل ذلك للاطلاق و العنوان العام المأخوذ في لسان الدليل أي رواية البرقي.

هذا كله مضافاً إلى أنّ الاشتراط المذكور مبنى على القول بالاشاعة أو الكلى في المعين و أما على القول بالشركة في المالية أو كونه من الحق، نظير حق الجناية كما مال إليه سيدنا الاستاذ (رحمه اللّه) في المرتقى، فلا اشكال في البين أصلا.

(1) لا نعرف وجهاً للتقييد إذ المدفوع إذا كان من نفس النصاب فلا ينبغي التأمل في جواز دفع الأدنى لصدق الطبيعى عليها كما أنّ المدفوع إذا كان من غير جنس النصاب فالأمر أيضاً كذلك، إذ مقتضى الاطلاق و العنوان المأخوذ في رواية البرقي عدم الفرق بين العالي و الداني أو الأعلى و الأدنى و دعوى الانصراف إلى الفرد المتوسطة لا وجه لها، لأن المدار ليس هو القيمة حتى يقال بأنّ القيمة منصرفة إلى قيمة المتوسطة عرفاً بل المدار صدق العنوان و لا شبهة في الصدق، نعم في بعض أفراد الطبيعى المنع موجود كالهرم و المريض و أمثالهما، لكن في غير هذه الموارد متقضى الاطلاق الإجزاء و الإجتزاء.

ص: 158

«و الخيار للمالك لا الساعي أو الفقير فليس لهما الاقتراح عليه» (1)

«بل يجوز للمالك أن يخرج من غير جنس الفريضة بالقيمة السوقية من النقدين أو غيرهما و إن كان الإخراج من العين أفضل» (2)

(1) ثبوت الخيار له على مبنى الشركة في المالية أو الكلى في المعين واضح لأنّ التكليف متوجه إلى المكلف فله الخروج عنه بالتطبيق على كل فرد من أفراد الطبيعى كساير الموارد و أما على مبنى الشركة الحقيقية و الاشتراك بين المالك و الفقير فمقتضى القاعدة عدم الخيار لأن الشريك لا يجوز له التصرف في المال المشترك إلّا باذن شريكه، لكن مقتضى بعض النصوص ثبوت الخيار للمالك لاحظ ما رواه بريد بن معاوية قال سمعت أبا عبدالله (علیه السلام) يقول بعث أمير المؤمنين (علیه السلام) مصدقاً من الكوفة إلى باديتها -الی ان قال- فإذا أتيت ماله فلا تدخله إلّا بإذنه فإن أكثره له فقل يا عبدالله أ تأذن لي في دخول مالك فإن أذن لك فلا تدخله دخول متسلط عليه فيه و لا عنف به فاصدع المال صدعين ثم خيره أي الصدعين شاء فأيهما اختار فلا تعرض له ثم اصدع الباقي صدعين ثم خيره فأيهما اختار فلا تعرض له و لا تزال كذلك حتى يبقى ما فيه وفاء لحق الله في ماله فإذا بقي ذلك فاقبض حق الله منه و إن استقالك فأقله ثم اخلطهما و اصنع مثل الذي صنعت أولا حتى تأخذ حق الله في ماله الحدیث(1).

(2) أقول: الإخراج من جنس النصاب، لكن من غير جنس النصاب فقد تقدم الكلام فيه و قلنا إن الأقوى جوازه و أما الاخراج من غير الجنس فتارة يكون بعنوان القيمة و اخرى شيء آخر من غير جنس النصاب فالبحث فيه يقع في موردين:

أما المورد الأول: أي اخراج القيمة من الأثمان النقدية فلا اشكال فيه بل ادعي أنه لا خلاف فيه بالإضافة إلى الغلات و النقدين لما سيأتي و أما الأنعام فإن استفدنا من

ص: 159


1- الوسائل، الباب 14 من أبواب الزكاة الانعام ، الحدیث: 1

الدليل العمومية فهو و إلّا فالامر مشكلٌ ففي صحيحة محمد بن خالد البرقي المتقدمة جواز اخراج «أيما تيسر» و من الواضح أن العنوان العام يشمل جميع الموارد.

أورد عليه سيدنا الاستاذ (رحمه اللّه) في المرتقى أنه لا يستفاد العموم من الجملة المذكورة بعد التصريح في السؤال بموارد خاصة حيث إنه تحمل الجملة على الموارد الخاصة المصرح بها في السؤال.

لكن يمكن دفعه بأنّ الظاهر من السؤال أيضاً العمومية إذ الظاهر من قول السائل: «أم لا يجوز إلّا أن يخرج من كل شيء ما فيه» فأجاب الامام (علیه السلام) بقوله: «أيما تيسر يخرج» جواز الاخراج بأي نحو من القيمة أو الجنس فلا خصوصية للمورد، و أما صحيحة على بن جعفر قال: سألت أباالحسن موسى (علیه السلام) عن الرجل يعطى عن زكاته عن الدراهم دنانير و عن الدنانير دراهم بالقيمة أ يحل ذلك؟ قال: لا بأس به(1) فقد يدعى أنّ مقتضى الفهم العرفى عدم خصوصية المورد و إن الاعتبار في الانتقال إلى القيمة نفياً و اثباتاً مطلق الجنس الزكوي من غير خصوصية المورد.

لكنه مشكلٌ لأن الملاك غير معلوم عندنا.

أما المورد الثاني: أعني اخراج القيمة لكن لا بالدنانير بل من جنس آخر غير جنس النصاب و غير النقدين فعن المشهور جوازه بل ادعي الاجماع و استدل على ذلك برواية يونس بن يعقوب قال: قلت لأبي عبدالله (علیه السلام): عيال المسلمين اعطيهم من الزكاة فاشترى لهم منها ثياباً و طعاماً و أرى أنّ ذلك خير لهم، قال: فقال: لا بأس(2)

و هذه الرواية تارة نبحث بالنسبة إلى السند و اخرى بالنسبة إلى الدلالة:

أما من حيث السند: ففى كلام المحقق الخوئي (قدس سره ) أنه تام إذ المراد بمحمد بن الوليد هو الحزاز البجلى له كتاب وثقه النجاشي صريحاً دون الشباب الصيرفي غير الثقة لعدم رواية

ص: 160


1- الوسائل، الباب 14 من أبواب زكاة الذّهب و الفضّة، الحدیث: 2
2- نفس المصدر، الحدیث: 4

«مسألة 6: المدار في القيمة على وقت الأداء سواء كانت العين موجودة أو تالفة لا وقت الوجوب» (1)

هذا الشخص عن يونس و اشتهاره الموجب للانصراف.

و أما من حيث الدلالة: فأورد عليه بأنها ناظرة إلى كيفية الإعطاء مما عينه في الزكاة بالعزل لا إعطاء نفس الزكاة.

(1) في المسئلة أربع صور:

الاولى: أن تكون العين موجودة.

الثانية: أن تكون تالفة.

الثالثة: الصورة الاولى مع الافراز.

الرابعة: نفس الصورة الثالثة مع عدم الافراز.

أما الصورة الاولى: فالظاهر أنّ المدار هو قيمة يوم الأداء إذ متعلق الزكاة موجود في العين الخارجية فالمكلف ملزم بأداء نفس العين إن شاء و إلّا فالقيمة الفعلية إذ هي بدل عن العين الموجودة و لا عبرة بملاحظة القيمة السابقة و هذا لعله واضح، لكن قد يتوهم أنّ المدار هو قيمة يوم التعلق و يوم الوجوب بدعوى أنّ المستفاد من الأدلة كون الثابت في الذمة بعد ملاحظة ما دل على جواز التبديل بالقيمة و ملاحظة تعلق الزكاة بالعين هو الجامع بين العين و القيمة، فيكون التخيير بينهما عقلياً و لازم ذلك اعتبار القيمة وقت الوجوب.

أورد عليه سيدنا الاستاذ (رحمه اللّه) في المرتقى أولاً: بأنّ المستفاد من النصوص الدالة على جواز التبديل أن دفع القيمة من باب البدلية عن الفريضة لا أنّ الفريضة هي الجامع بين العين و القيمة، و ثانياً: لو سلمنا ذلك المبنى فلا نسلم الملازمة بين القول بأنّ المستفاد منالأدلة كون التبديل تبديلاً للفريضة لا البدلية عنها و القول باعتبار القيمة وقت

ص: 161

الوجوب، إذ القيمة التي تكون أحد طرفي التخيير هو كلى القيمة فطبعاً يكون له أن يطبق القيمة على يوم الوجوب و أن يطبق على قيمة يوم الأداء، لكن مقتضى رواية البرقى المتقدمة هو اعتبار قيمة يوم الأداء إذ الظاهر من السؤال (هل يجوز أن اخرج عما يجب عليه في الحرث قيمة ما يسوى؟) كون المساواة حال الإخراج لا وقت الوجوب.

و أما الصورة الثانية: فقد لا يوجب التلف، الضمان كما لو كان التلف بآفة سماوية من غير تفريط و حنيئذٍ فلا كلام في عدم الضمان فلا يجب عليه شيء حتى نبحث عن تعيين القيمة و أما إذا كان بتفريط أو على نحوٍ يكون منسوباً إليه الذي موجب للضمان، فأوجب الماتن (رحمه اللّه) أنّ العبرة حينئذٍ بقيمة وقت الأداء إذ متعلق الزكاة و إن كان هو العين الخارجية و أن الفقير شريك مع المالك بشركة ما، لكن الواجب في مقام الأداء ليس هو خصوص العين بل المالك مخير بين أداء العين و القيمة كما أنه مخير بين أداء عين النصاب و الخارج منه فالوجوب متوجه إلى المكلف أعم من دفع الشاة مثلاً من عين النصاب أو من خارجه أو من القيمة و هذا الوجوب لم يتغير و لم يتبدل بالتلف فإذا جاز له دفع القيمة حين الأداء يكون المدار هو القيمة يوم الأداء و وقت تفريغ الذمة بمقتضى البدلية إذ ما هو بدل عن العين هو القيمة يوم الأداء لا القيمة وقت الوجوب لأنها ليست بدلاً عن العين.

و أما الصورة الثالثة: و هي الصورة الاولى لكن مع العزل و تعيّن العين و في هذه الصورة تكون العين أمانة عنده و حينئذٍ لا يجوز له تبديل العين بالقيمة و التصرف فيها بمقتضى القاعدة الأولية، إذ دليل التقويم ناظر إلى جعل القيمة زكاة قبل العزل لا جعلالزكاة قيمة أي بعد تحقق العين، زكاة و حينئذٍ فإن قلنا بأن مقتضى رواية يونس(1) جواز التبديل فله التصرف و إلّا فلا، فمع وجود العين لا مناص من إعطاء نفسها بمقتضى

ص: 162


1- الوسائل، الباب 14 من أبواب زكاة الذهب و الفضة ، الحدیث:4

القاعدة و جواز التبديل لو استفدنا من الرواية ذلك و إلّا فلا يجوز له التبديل.

و أما الصورة الرابعة: أي نفس الصورة لكن مع فرض تلفها و حينئذٍ إن لم يستند التلف إليه فلا ضمان و أما مع الاستناد فهو مبني على ما ذكره الأعلام في باب ضمان المثلى و القيمى من الأقوال الخمسة في المسئلة و حيث إنّ المصنف اختار ثبوت الضمان يوم الأداء أفتى في المقام كذلك و إلّا فمقتضى التحقيق ثبوته يوم الأداء بلا فرق بين القيمى و المثلى لأن العين تتعلق على الذمة فهو مكلف بالأداء يوم أدائها، فإن كانت موجودة يلزمه أدائها و إلّا تجب قيمتها، لكن هذا كله في غير الغصب و أما فيه يجب أداء يوم المخالفة و الغصب بمقتضى رواية أبي ولّاد الحنّاط قال: اكتريت بغلًا إلى قصر ابن هبيرة ذاهباً و جائياً بكذا و كذا و خرجت في طلب غريمٍ لي فلمّا صرت قرب قنطرة الكوفة خبّرت أنّ صاحبي توجّه إلى النّيل فتوجّهت نحو النّيل فلمّا أتيت النّيل خبّرت أنّ صاحبي توجّه إلى بغداد فاتّبعته و ظفرت به و فرغت ممّا بيني و بينه و رجعنا إلى الكوفة و كان ذهابي و مجيئي خمسة عشر يوماً فأخبرت صاحب البغل بعذري و أردت أن أتحلّل منه ممّا صنعت و أرضيه فبذلت له خمسة عشر درهماً فأبى أن يقبل فتراضينا بأبي حنيفة فأخبرته بالقصّة و أخبره الرّجل فقال لي ما صنعت بالبغل فقلت قد دفعته إليه سليماً قال نعم بعد خمسة عشر يوماً قال فما تريد من الرّجل فقال أريد كراء بغلي فقد حبسه عليّ خمسة عشر يوماً فقال ما أرى لك حقّاً لأنّه اكتراه إلى قصر ابن هبيرة فخالف و ركبه إلى النّيل و إلى بغداد فضمن قيمة البغل و سقط الكراء فلمّا ردّ البغل سليماً و قبضته لم يلزمه الكراء قال فخرجنا من عنده و جعل صاحب البغليسترجع فرحمته ممّا أفتى به أبو حنيفة فأعطيته شيئاً و تحلّلت منه و حججت تلك السّنة فأخبرت أبا عبد اللّه (علیه السلام) بما أفتى به أبو حنيفة فقال في مثل هذا القضاء و شبهه تحبس السّماء ماءها و تمنع الأرض بركتها قال فقلت لأبي عبد اللّه (علیه السلام) فما ترى أنت فقال أرى له عليك مثل كراء بغلٍ ذاهباً من الكوفة إلى النّيل و مثل كراء بغلٍ راكباً من النّيل

ص: 163

إلى بغداد و مثل كراء بغلٍ من بغداد إلى الكوفة توفّيه إيّاه قال فقلت جعلت فداك قد علفته بدراهم فلي عليه علفه فقال لا لأنّك غاصبٌ قال فقلت له أ رأيت لو عطب البغل و نفق أ ليس كان يلزمني قال نعم قيمة بغلٍ يوم خالفته قلت فإن أصاب البغل كسرٌ أو دبرٌ أو غمزٌ فقال عليك قيمة ما بين الصّحّة و العيب يوم تردّه عليه فقلت من يعرف ذلك قال أنت و هو إمّا أن يحلف هو على القيمة فيلزمك فإن ردّ اليمين عليك فحلفت على القيمة لزمه ذلك أو يأتي صاحب البغل بشهودٍ يشهدون أنّ قيمة البغل حين اكترى كذا و كذا فيلزمك فقلت إنّي كنت أعطيته دراهم و رضي بها و حلّلني فقال إنّما رضي بها و حلّلك حين قضى عليه أبو حنيفة بالجور و الظّلم و لكن ارجع إليه فأخبره بما أفتيتك به فإن جعلك في حلٍّ بعد معرفته فلا شي ء عليك بعد ذلك الحديث.(1) المذكور في المكاسب فلاحظ.

ص: 164


1- الوسائل، الباب 17 من كتاب الاجاره، الحدیث:1

«ثم المدار على قيمة بلد الإخراج إن كانت العين تالفة و إن كانت موجودة فالظاهر أنّ المدار على قيمة بلد التي هي فيه» (1)

(1) ما ذكره واضح على القول بثبوت العين في العهدة فإن الخروج عن العهدة لا يكون إلّا بأداء ما هو بدله في زمان الأداء و في مكان الأداء فالمدار على قيمة يوم الأداء في مكان الأداء و أما على القول باشتغال الذمة بالبدل بمجرد التلف فمقتضى القاعدة ضمان قيمة بلد التلف إذ الثابت في الذمة هو ما يكون بدلاً عن العين حين التلف فلا يكون ذلك إلّا بلد التلف هذا إذا كانت العين تالفة، و أما إذا كانت موجودة ففيما أفاده غموض إذ بعد ما تقدم أن المستفاد من النصوص جواز اخراج الفريضة من خارج النصاب، أنه جاز دفع القيمة، لا فرق بين أدائها من البلد أو من خارجه و قيمة البلد الموجود فيه الفريضة أو غيره، نعم لو قلنا أن الواجب اخراج نفس العين تكون العبرة ببلد العين، لكنه ليس كذلك بل مقتضى النص كون الواجب هو الجامع بين أحد الامور الثلاثة من نفس النصاب و من خارجه و القيمة، فمع التخيير لا موجب لمراعات بلد العين، هذا كله بالنسبة إلى قبل العزل و الافراز خارجاً، و أما مع الافراز فليس له التبديل بالقيمة بل يجب اخراج نفس العين نعم لو فسرنا صحيحة يونس بن يعقوب بما ذكرنا من أن الظاهر منها بيان كيفية الاخراج بعد العزل يجوز له التبديل فيكون المدار فيه يوم التبديل و مكانه و أما إذا كانت العين تالفة فقد تقدم الكلام فيه.

نعم عن السيد الخوئي (قدس سره ) جريان الاختلاف الذي ذكره في ضمان القيمى و المثلى فيه، فإن كان مثلياً يجب مثله، و إن كان قيمياً تجب قيمته على الخلاف المذكور في بابه من كون المدار يوم التلف أو يوم الأداء أو أعلى القيم ثم اختار بأنّ المدار يوم الغصب بمقتضى صحيحة أبي ولاد.

لكن ما ذكره (رحمه اللّه) مبنى على القول بالاشاعة أو الكلى في المعين و أما على القول بالشركة

ص: 165

«مسألة 7: إذا كان جميع النصاب في الغنم من الذكور يجوز دفع الانثى و بالعكس كما أنه إذا كان الجميع من المعز يجوز أن يدفع من الضأن و بالعكس و إن اختلفت في القيمة و كذا مع الاختلاف يجوز الدفع من أي الصنفين شاء كما أنّ في البقرة يجوز أن يدفع الجاموس عن البقر و بالعكس و كذا في الابل يجوز دفع البخاتى عن العراب، و بالعكس تساوت في القيمة أو اختلفت» (1)

في المالية فلا معنى لما ذكره إذ ليس ضمان القيمة في المقام من باب التلف حتى يجرى ما ذكره من الاختلاف و اختيار يوم الغصب إذ الخلاف المذكور ناظر إلى الضمان بالتلف، هكذا أورد عليه سيدنا الاستاذ (رحمه اللّه) في المرتقى.

لكن يمكن أن يقال إن تلف العين التي تعلق عليها الزكاة يكون من باب الضمان بالتلف فالضمان بالتلف لا تختص بتلف العين نفسها و لا يجري بالنسبة إلى تلف المالية بتلف العين التي قوام المالية بها، فلو قلنا بالشركة في المالية يتصور فيه الضمان بالتلف.

(1) كل ذلك للاطلاق فإن مقتضى الاطلاق عدم الفرق بين هذه الموارد و ما عن صاحب الجواهر (رحمه اللّه) من الميل إلى التقسيط عند التلفيق في البقر و الجاموس لا نرى له وجهاً إلّا ما ذكره من أن هناك خطابين تعلق أحدهما بالبقر و الآخر بالجاموس فلكل منهما نصاب مستقل، فمع التلفيق يتجه التقسيط، و فيه أنّ لازم ما ذكره عدم وجوب الزكاة لو كان كل واحد منهما ناقصاً عن النصاب مع كونهما مملوكين لمالك واحد و الظاهر أنه لا يقول به أحد مع أنّ البقر و الجاموس من جنس واحد كما يستفاد من النص لاحظ ما رواه عن زرارة و محمد بن مسلم و أبي بصير و بريد و الفضيل عن أبي

ص: 166

«مسألة 8: لا فرق بين الصحيح و المريض و السليم و المعيب و الشاب و الهرم في الدخول في النصاب و العد منه» (1)

جعفر و أبي عبدالله (علیه السلام) في الشاء في كل أربعين شاة شاة و ليس فيما دون الأربعين شي ء ثم ليس فيها شي ء حتى تبلغ عشرين و مائة فإذا بلغت عشرين و مائة ففيها مثل ذلك شاة واحدة فإذا زادت على مائة و عشرين ففيها شاتان و ليس فيها أكثر من شاتين حتى تبلغ مائتين فإذا بلغت المائتين ففيها مثل ذلك فإذا زادت على المائتين شاة واحدة ففيها ثلاث شياه ثم ليس فيها شي ء أكثر من ذلك حتى تبلغ ثلاثمائة فإذا بلغت ثلاثمائة ففيها مثل ذلك ثلاث شياه فإذا زادت واحدة ففيها أربع شياه حتى تبلغ أربعمائة فإذا تمت أربعمائة كان على كل مائة شاة و سقط الأمر الأول و ليس على ما دون المائة بعد ذلك شي ء و ليس في النيف شي ء و قالا كل ما لم يحل عليه الحول عند ربه فلا شي ء عليه فإذا حال عليه الحول وجب عليه.(1)

(1) ادعي عدم الخلاف في المسئلة و الوجه في ذلك ظاهر فإن مقتضى الاطلاق عدم الفرق بين هذه الموارد.

ص: 167


1- لوسائل، الباب 5 من أبواب زكاة الانعام ، الحدیث:1

«لكن إذا كانت كلها صحاحاً لا يجوز دفع المريض و كذا لو كانت كلها سليمة لا يجوز دفع المعيب و لو كانت كل منها شاباً لا يجوز دفع الهرم، بل مع الاختلاف أيضاً الأحوط اخراج الصحيح من غير ملاحظة التقسيط نعم لو كانت كلها مِراضاً أو معيبة أو هَرمةً يجوز الإخراج منها» (1)

(1) قد تعرض الماتن (رحمه اللّه) في هذه المسئلة لفروع:

الفرع الأول: أن يكون كل ما يتألف منه النصاب شباباً صحاحاً.

الفرع الثاني: أن يكون كله مراضاً و معيباً.

الفرع الثالث: أن يكون مختلفاً.

أما الفرع الأول: فالظاهر أنه لا خلاف في عدم جواز دفع الهرم أو المريض و المعيب إذ الظاهر من صحيحة أبي بصير عن أبي عبدالله (علیه السلام) في حديث زكاة الابل قال: و لا تؤخذ هرمة و لا ذات عوار إلّا أن يشاء المصدق و يعد صغيرها و كبيرها(1) ذلك بل لعله القدر المتيقن منها و ما تقدم من ثبوت الخيار للمالك في مقام الدفع يقيد بها فلا خيار له من هذه الناحية (فتأمل).

و أما الفرع الثاني: فعن المشهور جواز دفع الهرم و المعيب بل عن الحدائق الاجماع عليه.

و أورد عليه بأن هذا منافٍ للاطلاق الوارد في رواية أبي بصير المتقدمة.

أجيب بأنّ الظاهر من الرواية وجود الصحيح في النصاب و لو مختلطاً، و أما إذا كان النصاب كله مراضاً فالرواية منصرفة عنه فلا تشمله و مقتضى القاعدة الجواز فإن الزكاة متعلقة بالعين و من المعلوم أنّ الواجب في المرحلة الاولى هو العين و إن كان التبديل للدليل الخاص.

ص: 168


1- الوسائل، الباب 10 من أبواب زكاة الأنعام، الحدیث: 3

و عن المدارك أما لو كان كله كذلك (أي هرماً أو مراضاً) فقد قطع الأصحاب بجواز الأخذ منه.

و عن المنتهى لو كانت ابله مراضاً كلها لم يجب عليه شراء صحيحة، ذهب إليه علماؤنا و عن الحدائق لو كان النصاب كله منها (مراضاً أو هرماً أو عواراً) لم يكلف شراء الخالي منها فالظاهر أنّ الأمر واضح.

و أما الفرع الثالث: أن يكون مختلفاً فبعض منها صحيح و البعض الآخر مريض أو معيب فعن المشهور التقسيط و الماتن (رحمه اللّه) احتاط في اخراج الصحيح و عن المدارك إنما يمنع من أخذ هذه الثلاثة أي المريض و الهرمة و ذات العوار إذا كان في النصاب صحيح أو فتى أو سليم من العوار، لكن الظاهر لزوم دفع الصحيح في هذا الفرض لاطلاق رواية أبي بصير لعدم قصورها عن شمول ما نحن فيه، و أما ادعاء انصراف أدلة الفرائض كقوله (علیه السلام): «في أربعين شاة شاة» و نحو ذلك فمشكلٌ جداً لصدق العنوان على الصحيح و المريض و نحو ذلك، غاية الأمر أن دليل المقيد أيضاً له اطلاق فيقيدها فلاحظ (فتأمل).

ص: 169

«الشرط الثاني: السوم طول الحول: فلو كانت معلوفة و لو في بعض الحول لم تجب فيها، و لو كان شهراً بل اسبوعاً، نعم لا يقدح في صدق كونها سائمة في تمام الحول عرفاً علفها يوماً أو يومين» (1)

(1) و استدل على ذلك بجملة من النصوص لاحظ ما رواه الفضلاء عن أبي جعفر و أبي عبدالله‘ في حديث زكاة الابل قال: و ليس على العوامل شيء إنما ذلك على السائمة الراعية(1)

و ما رواهم أيضاً عن أبي جعفر و أبي عبدالله‘ في حديث زكاة البقر قال: ليس على النيّف شيء و لا على الكسور شيء و لا على العوامل شيء إنما الصدقة على السائمة الراعية(2)

و ثالثاً عن أبي جعفر و أبي عبدالله‘ قالا: ليس على العوامل من الابل شيء إنما الصدقات على السائمة الراعية الحدیث.(3)

و ما رواه زرارة قال: قلت لأبي عبدالله (علیه السلام): هل على الفرس أو البعير تكون للرجل يركبها شيء؟ فقال: لا، ليس على ما يعلف شيء إنما الصدقة على السائمة المرسلة في مرجها عامها الذي يقتنيها فيه الرجل فأما ما سوى ذلك فليس فيه شيء(4)

و هذا على الظاهر لا كلام فيه بل ادعي اجماع المسلمين عليه إنما الكلام في تحديد السوم في السنة بأنّ المراد تمام السنة بحيث يضره مقداراً يسيراً من الزمان إذا كان معلوفاً فيه أم لا، بل المراد هو الغالب، عن الشيخ و المحقق التحديد بالغلبة بحيث لو كانت سائمة في سبعة أشهر و معلوفة في خمسة أشهر تكون سائمة و يصدق السوم و في

ص: 170


1- الوسائل، الباب 7 من أبواب زكاة الأنعام، الحدیث: 1
2- نفس المصدر، الحدیث: 2
3- نفس المصدر، الحدیث: 5
4- نفس المصدر، الحدیث: 3

قبالهما القول باستمرار السوم في تمام السنة بحيث لو علفت يوماً أو يومين لم تكن سائمة و عليه المحقق في الشرايع و جملة ممن تأخر عنه و عن المشهور الذهاب إلى الصدق العرفي.

و الظاهر أن ما ذهب إليه المشهور هو الصواب وفاقاً للعلامة فإن الظاهر من السوم بمقتضى الانصراف اختصاص وجوب الزكاة إلى ما قد تلبس به على وجه المتعارف طول الحول لا ما تلبس بالمعنى اللغوي، إذ اعتبار السوم بمعناه اللغوى طول الحول يقتضي اختصاص الوجوب بفرض نادر بل لعله لا يتحقق له فرداً أصلا إذ لا يمكن اتصاف الحيوان بالرعي طول السنة بحيث لا ينام و لا يعلف و لو قليلاً و هذا قرينة موجبة للانصراف إلى ما قد تلبس طول الحول على وجه المتعارف الذي هو عبارة عن الرعي المجتمع مع التعليف في بعض الأحيان و اعتبار الغلبة.

فقد استدل على ذلك بأنّ الحيوان إذ كان سائمة في أغلب أوقات السنة وجب فيه الزكاة إذ المستفاد من بعض النصوص فرض الزكاة على السائمة و نفيها عن المعلوفة فيكون الأمر دائراً بين الأمرين و لا ثالث، و حينئذٍ نفى الحيوان الذي يكون في بعض السنة سائماً و في بعضها معلوفاً، لا مناص من جعل العبرة في صدق أحد الأمرين على الحيوان بالغلبة.

و فيه: أولاً أن اعتبار الغلبة لا ينهض بذلك فإن للحيوان السائم في بعض السنة و المعلوفة في بعضها شقاً ثالثاً و هو ما يتساوى فيه الأيام بحيث لا يكون لأحدهما غالباً على الآخر و حينئذٍ هل تجب فيه الزكاة أم لا، و ثانياً أن اعتبار السوم في تمام الحول إنما هو بدليل منفصل و ليس في ما دل على وجوب الزكاة في السائمة و نفيها في المعلوفة، ما يدل على اعتبار الاثبات و النفي في تمام الحول ليكون المدار على الغلبة، فتأمل.

ص: 171

«و لا فرق في منع العلف عن وجوب الزكاة بين أن يكون بالاختيار أو بالاضطرار، لمنع مانع من السوم من ثلج أو مطر أو ظالم غاصب أو نحو ذلك و لا بين أن يكون العلف من مال المالك أو غيره، باذنه، أو لا باذنه فإنها تخرج بذلك كله عن السوم» (1)

و لو شك في ذلك فمقتضى الأصل وجوب الزكاة إذ مقتضى الاطلاقات وجوبها في كل من الأنعام الثلاثة، خرج منها بالدليل المنفصل، المعلوفة فما قطع بصدق المعلوفة عليه فيخرج عنها و في ما عدا ذلك يكون المرجع هو الاطلاقات لسلامتها عما يصلح للتقييد فالشك في المقام في الحقيقة هو الشك في المقدار الزائد من التقييد أو التخصيص و في مورد الشك فيهما يكون المرجع أصالة الاطلاق أو العموم كما قرر في محله.

(1) كل ذلك للاطلاق الموجود في المقام أي عدم كونه سائماً في الفرض -و ما يقال في ما إذا كان العلف من مال الغير بالسوم لاشتراك المقام في المجانية و عدم المؤنة على المالك فيكون واجداً لملاك الوجوب إذ الملاك فيه عدم تحمل المالك مؤنة الحيوان طول السنة- مدفوعٌ بأنّ ملاكات الأحكام ليست بأيدينا فالاطلاقات محكمة فلا تجب الزكاة عليه لعدم صدق السوم و صدق المعلوفة عليه.

ص: 172

«و كذا لا فرق بين أن يكون ذلك بإطعامها للعلف المجزوز أو بارسالها لترعى بنفسها في الزرع المملوك، نعم لا تخرج عن صدق السوم باستئجار المرعى أو بشرائه إذا لم يكن مزروعاً كما أنها لا يخرج منه بمصانعة الظالم على الرعي في الأرض المباحة» (1)

(1) لصدق المعلوفة على كلا التقديرين.

إن قلت: إنّ الثاني أي ارسالها لترعى في الزرع المملوك، ملحق بالسوم لمشاركته معه فی رعي الحيوان بنفسه مباشرة فيصدق أنها مرسلة في الرعي الذي هو المناط فيه.

قلت: بأنّ مطلق الارسال لا يكفي في صدق السوم إذ مقتضى صحيحة زرارة أن ترسل لترعى في مرجها و المرج في اللغة هو الأرض الواسعة التي فيها عشب كثير، لكن ما يستفاد عن الخليل (في العين) المرج: هو الموضع الذي ترعى فيه الدواب و ما عن الفيومي (في الصحاح) هو الأرض ذات نبات و مرعى، و ما عن اللسان المرج: الأرض ذات كلاء ترعى فيها الدواب، و ما عن القاموس المرج: الموضع ترعى فيه الدواب كون الأرض مرعى للدواب و أما كونها مباحة فلا، هذا أولاً.

و ثانياً أنّ الأرض الواسعة لا يختص بالأرض المباحة فما أفاد المحقق الخوئي (قدس سره ) من انحصار الصدق في السائمة المرسلة في مرجها كون الأرض من الأراضي المباحة، مشكلٌ.

و إن كان المستفاد من العرف صدق السائمة على الحيوان الذي يرعى في الأرض غير المملوكة، نعم لا يضر بصدق السوم منع الظالم عن التصرف في الأرض المباحة إلّا بأخذ شیئاً (استئجار) من المالك ليسمح له في الرعى كما في المتن لأن المال المبذول، في قبال مقدمات الرعي في الأرض المباحة، لا بازاء نفس العلف النابت في الأرض بفعله تبارك و تعالى المسمى بالفارسية: «خودرو».

نعم يشكل ذلك فيما لو استأجر المالك المرعى أو اشترى أرضاً غير مزروعة فينبت

ص: 173

«الشرط الثالث: أن لا يكون عوامل و لو في بعض الحول بحيث لا يصدق عليها أنها ساكنة فارغة عن العمل طول الحول و لا يضر اعمالها يوماً أو يومين في السنة كما مر في السوم» (1)

فيها الزرع نظراً إلى صدق الرعي في المملوك عيناً و منفعة إلّا أنّ الحق صدق السوم في المورد أيضاً لأن المستفاد من الاطلاق صدق السوم و مع الشك فيه مقتضى الاطلاقات وجوب الزكاة كما ذكرنا من اقتصار المخصص المجمل المنفصل الدائر بين الأقل و الأكثر على القدر المتيقن فلاحظ.

(1) بلا خلاف كما في بعض الكلمات بل ادعي عليه الاجماع و تدل على ذلك جملة من النصوص و هي ما رواه الفضلاء عن أبي جعفرٍ و أبي عبد اللّه ‘: في حديث زكاة الإبل قال و ليس على العوامل شي ءٌ إنّما ذلك على السّائمة الرّاعية.(1)

و في قبالها ما رواه اسحاق بن عمار قال سألته عن الابل تكون للجمّال أو تكون في بعض الأمصار أتجرى عليها الزكاة كما تجري على السائمة في البرية؟ فقال: نعم(2)

و ما رواه أيضاً قال: سألت أباابراهيم (علیه السلام) عن الابل العوامل عليها زكاة؟ فقال: نعم عليها زكاة(3) لكن لابد من الحمل على التقية كما في بعض كلمات الشيخ (رحمه اللّه) لذهاب الجمهور إلى ذلك.

و أما الحمل على الاستحباب فلا نرى له وجهاً لتعارض الصريح بينهما، ثم إنه لابد من صدق كونها عوامل صدقاً عرفياً كما تقدم في السوم فلا يضر كونها عاملة في بعض الأيام القليلة إلا أن تكون معددة لأيام خاصة، كايجارها أيام الحج أو فصل خاص.

ص: 174


1- الوسائل، الباب 7 من أبواب زكاة الأنعام، الحدیث: 1
2- نفس المصدر، الحدیث: 7
3- نفس المصدر، الحدیث: 8

«الشرط الرابع: مضي الحول عليها جامعة للشرائط» (1)

«و يكفي الدخول في الشهر الثاني عشر فلا يعتبر تمامه فبالدخول فيه يتحقق الوجوب بل الأقوى استقراره أيضاً فلا يقدح فقد بعض الشروط قبل تمامه، لكن الشهر الثاني عشر محسوب من الحول الأول، فابتداء الحول الثاني إنما هو بعد تمامه» (2)

(1) كما هو المشهور بين القوم بل ادعي الاجماع عليه عند الأصحاب بل المسلمين كما في كلام بعض الأعلام و استدل على ذلك مضافاً إلى ذلك بنصوص:

منها: صحيحة الفضلاء عن أبي جعفر و أبي عبدالله‘ قالا ليس على العوامل من الإبل و البقر شي ء إلى أن قال و كل ما لم يحل عليه الحول عند ربه فلا شي ء عليه فيه فإذا حال عليه الحول وجب عليه.(1)

و ما رواه زرارة عن أبي جعفر (علیه السلام) قال: لا يزكى من الابل و البقر و الغنم إلّا ما حال عليه الحول و ما لم يحل عليه الحول فكأنه لم يكن(2)

و ما رواه عبدالله بن سنان قال: قال أبوعبدالله (علیه السلام) انزلت آية الزكاة في شهر رمضان فأمر رسول الله (صلی الله علیه و آله و سلم) منادیه فنادى في الناس: أنّ الله تعالى قد فرض عليكم الزكاة -إلى أن قال- ثم لم يعرض لشيء من أموالهم حتى حال عليهم الحول الحدیث(3)

و ما رواه زرارة عن أبي جعفر (علیه السلام) قال: ليس في صغار الابل شيء حتى يحول عليها الحول من يوم تنتج(4)

و غيرها من الروايات الواردة في الباب و الباب التاسع من هذه الأبواب.

ص: 175


1- الوسائل، الباب 8 من أبواب زكاة الأنعام، الحدیث: 1
2- نفس المصدر، الحدیث: 2
3- نفس المصدر، الحدیث: 3
4- الوسایل، الباب 9 من أبواب زكاة الأنعام، الحدیث: 1

(2) بلا خلاف كما في بعض الكلمات بل ادعي عليه الاجماع كما عن الجواهر و الدليل عليه ما رواه زرارة و محمد بن مسلم قالا: قال أبوعبدالله (علیه السلام): أيما رجل كان له مال و حال عليه الحول فإنه يزكيه. قلت له: فإن وهبه قبل حله بشهر أو بيوم؟ قال: ليس عليه شيء أبداً، الحدیث(1) و الظاهر أنه لا مخالف في المسئلة إلا المحقق الكاشاني (رحمه اللّه) حيث نقل عنه أنه مال إلى عدم الوجوب إلى أن يحول عليه الحول بتمامه، نعم لا يجوز له تفويت الزكاة بدخول الشهر الثاني عشر فيجب التحفظ عليها و لا يجوز له التصرف فيها و لو تصرفاً اعتبارياً.

و استدل على ذلك على ما نقل عنه أن هذا من الضروريات التي ثبتت بالروايات فكيف يمكن رفع اليد عنها بالخبر الواحد المتقدم ذكره مع ما فيه من الاشكال و لعله أشار إلى ضعف السند بابراهيم بن هاشم و استوجده المحدث البحرانى (رحمه اللّه) في حدائقه: لولا الاجماع على خلافه، و أيده بما رواه عبد اللّه بن سنانٍ قال: قال أبُو عبد اللّه (علیه السلام): نزلت آيةُ الزّكاة خُذ من أموٰالهم صدقةً تُطهّرُهُم و تُزكّيهم بهٰا في شهر رمضان فأمر رسُولُ اللّه (صلی الله علیه و آله و سلم) مُناديهُ فنادى في النّاس أنّ اللّه (تبارك و تعالى قد) فرض عليكُمُ الزّكاة كما فرض عليكُمُ الصّلاة إلى أن قال: ثُمّ لم يعرض لشي ءٍ من أموالهم حتّى حال عليهمُ الحولُ من قابلٍ فصامُوا و أفطرُوا فأمر مُناديهُ فنادى في المُسلمين أيُّها المُسلمُون زكُّوا أموالكُم تُقبل صلواتُكُم قال ثُمّ وجّه عُمّال الصّدقة و عُمّال الطُّسُوق(2) حيث إن المستفاد منه عدم مطالبة النبى الأكرم (صلی الله علیه و آله و سلم) بشيء قبل انقضاء السنة بكمالها فلا وجوب قبله فلابد من تمامية الحول.

أورد عليه المحقق الخوئي (قدس سره ) بالنسبة إلى كلام المحدث الكاشاني (رحمه اللّه) أنه إن كان المراد من الحكم الضرورى اشتراط الزكاة بالحول بمعنى السنة الكاملة فهو غير صحيح إذ عدم

ص: 176


1- الوسائل، الباب 12 من أبواب زكاة الذّهب و الفضّة، الحدیث: 2
2- الوسائل، الباب 1 من أبواب ما تجب فیه الزكاة، الحدیث: 1

ذلك ضرورى لأنه لم يخالف أحد من الفقهاء في الإكتفاء بدخول الشهر الثاني عشر كما مر و إن أراد بالحول أعم من ذلك الشامل لدخول الشهر المذكور فلا منافاة بينه و بين الخبر الواحد المتقدم بوجه كما هو ظاهر إذ الرواية حاكمة على أدلة الاشتراط، و أما احتمال مناقشته سنداً بالنسبة إلى الرواية، فما ينبغي أن يقال إنّ ابراهيم بن هاشم ثقة، وثقه ابنه الجليل في تفسيره، و أما بالنسبة إلى كلام المحدث البحراني فاستشهاده بما رواه عبدالله بن سنان فهو أجنبى عن محل الكلام من وجوب الزكاة على المالك فإنه دل على تأخير المطالبة إلى ما بعد تمامية السنة، و لعله (صلی الله علیه و آله و سلم) أخر إرفاقاً أو لمصلحة اخرى و أن تعلق الوجوب قبل ذلك، بل يمكن أن يقال إنه (صلی الله علیه و آله و سلم) أخر المطالبة عن ظرف التعلق على كل تقدير لأن وجوب الزكاة قد نزل في شهر رمضان و مقتضي حولان الحول الكامل المطالبة في رمضان القابل مع أنّ النبى الأكرم (صلی الله علیه و آله و سلم) أخرها إلى ما بعد الفطر فالتأخير إلى أيام عديدة محقق علی كل حال، و على كلا القولين و هذا شاهد صدق على أن الرواية لم تكن بصدد بيان وقت الوجوب.

ثم إنّ مفاد الرواية و الوجوه المتصورة فيها أربع كما أفاد سيدنا الاستاذ (رحمه اللّه) في المرتقى تبعاً للأعلام:

الأول: أن تكون ألف و اللام في قوله (علیه السلام): «فقد حال عليه الحول» عهدية فيكون مدلول الرواية أن الحول في باب الزكاة يكون له حقيقة شرعية بحيث يحتسب الشهر الثاني عشر مبدأً لسنة جديدة كي ينقضي حولان بمضى اثنين و عشرين شهر و تجب حينئذٍ زكاة اخرى لسنة جديدة كما نسب إلى فخر المحققين (رحمه اللّه) فللحول بحسب مصطلح الشرع معنى آخر غير المعنى اللغوي و العرفي.

الثاني: أن تكون الرواية حاكمة على أدلة اعتبار الشرط بمعنى أن تكون متكلفة بتنزيل أحد عشر شهراً منزلة الحول العرفي و اللغوي في جميع الآثار فيثبت الوجوب بالدخول فيه فلا يلزم استمرار الشرائط إلى أزيد من ذلك، نسب هذا القول إلى جماعة منهم

ص: 177

صاحب المدارك و الرياض و الكفاية و الذخيرة و اختاره المصنف.

الثالث: أن تكون حاكمة بالنسبة إلى خصوص ما دل على الوجوب المترتب على مضى الحول بمعنى أنها متكفلة بالتنزيل منزلة الحول في خصوص الوجوب لا أدلة الاشتراط فهي باقية على اعتبارها فيلزم استمرارها إلى تمام الثاني عشر فلا يثبت بالدخول في الشهر الثاني عشر إلّا وجوب الزكاة متزلزلاً ببقاء الشروط إلى تمام الشهر لا وجوباً مستقراً كما نسب هذا القول إلى الشهيدين و المحقق الثاني و غیرهم.

الرابع: أن تكون متكفلة للتنزيل بالإضافة إلى خصوص موردها و هو حرمة تفويت المال فكما يحرم الاتلاف بعد تمام اثنى عشر شهراً كذلك حرم ذلك بالدخول في الثاني عشر كما نقل عن المحدث الكاشاني هذه هى الوجوه المتصورة فيها.

أما الوجه الأول: فأورد عليه سيدنا الاستاذدام ظله أنه منافٍ لما جرت السيرة القطعية عليه إذ لازم هذا الوجه احتساب الشهر الثاني عشر مبدأً للحول القادم فيلزم أن يكون المال قد زكى في سنة واحدة مرتين و هذا خلاف المتسالم عليه نصاً و فتوىً.

و أما الوجه الثاني: فأورد عليه أنه لابد من القول بلزوم عدّ الشهر الثاني عشر من الحول القادم على تقدير الأخذ بهذا الوجه لأن الرواية إذا كانت حاكمة على أدلة الشرائط في تمام الحول و على ما دل على الوجوب مترتباً على الحول، فلا محالة تكون حاكمة أيضاً على ما دل على نفي الزكاة عن المال في سنة واحد مرتين بحيث تكون شارحة لذلك و معینةً، أنّ السنة هنا عبارة عن أحدعشر شهر، فيلزم منه عدّ الشهر الثاني عشر مبدأً للحول القادم.

ص: 178

«مسألة 9: لو اختل بعض الشروط في أثناء الحول قبل الدخول في الثاني عشر بطل الحول كما لو نقصت عن النصاب أو لم يتمكن من التصرف فيها أو عاوضها بغيرها و إن كان زكوياً من جنسها فلو كان عنده نصاب من الغنم مثلاً و مضى ستة أشهر فعاوضها بمثلها و مضى عليه ستة أشهر اخرى لم تجب عليه الزكاة» (1)

ثم أجاب عما قبل من مخالفته للسيرة القطعية بأنه لم تقم السيرة القطعية على ذلك.

ثم اختار الوجه الثالث و أنّ الثابت هو الوجوب المتزلزل إذ الرواية لا تدل إلّا على تنزيل أحدعشر شهراً منزلة حلول الحول الكامل، لا منزلة الحول الكامل نفسه فلا محالة يكون التنزيل بلحاظ الأثر المترتب على حلول الحول و هو منحصر في الوجوب فإن ما يترتب على حلول الحول بالخصوص إنما هو وجوب الزكاة.

و الحاصل: أنّ المستفاد منها إنما هو تنزيل الدخول في الشهر الثاني عشر منزلة حلول الحول یعنی تمام الشهر الثاني عشر، لا تنزيل منزلة نفس الحول فلا محالة يكون التنزيل بلحاظ الأثر المترتب على حلول الحول و هو الوجوب.

(1) هذا واضح ظاهر إذ المشروط ينتفي بانتفاء شرطه، نعم، لو بدل جنساً زكوياً بمثله في أثناء الحول فهل يوجب ذلك انتفاء الشرط أم لا؟ فعن الشيخ (رحمه اللّه) في المبسوط أنه لا يوجب، فوجب عليه الزكاة، و نقل الوفاق عن فخر المحققين في شرحه على الإرشاد، و استدل عليه بالرواية حيث نقل عنه (رحمه اللّه) أنه قال: إذا عاوض النصاب بعد انعقاد الحول عليه مستجمعاً للشرائط بغير جنسه و هو زكوى أيضاً كما لو عاوض أربعين شاة بثلاثين بقرة مع وجود الشرائط في الإثنين انقطع الحول و ابتدأ حول الثاني من حين تملكه و إن عاوضه بجنسه و قد انعقد عليه الحول أيضاً مستجمعاً للشرائط لم ينقطع

ص: 179

«بل الظاهر بطلان الحول بالمعاوضة و إن كانت بقصد الفرار من الزكاة»(1)

الحول بل بنى على الحول الأول و هو قول الشيخ أبي جعفر الطوسى (رحمه اللّه) للرواية، إنتهى موضع الحاجة.

أقول: الظاهر كما في بعض كلمات الأعلام عدم وجود نص في المقام إلّا أنّ مدعيه مثل فخر المحققين و لذا حملوا كلامه على ارادة المطلقات و العمومات من أدلة الزكاة فإنه يمكن أن يقال: إنه يصدق حينئذٍ قوله (علیه السلام): «في كل أربعين شاة شاة» على ذلك طول الحول فلو تحقق ذلك الكلى إلى ستة أشهر في ضمن فرد و فيما بعد ذلك تحقق في ضمن فرد آخر لا يضر في صدق وجود الكلى لكن للمناقشة فيما افيد مجال واسع إذ المستفاد من النصوص اعتبار بقاء النصاب في ملك مالكه جامعاً للشرائط حتى يحول عليه الحول و هو في يده و هذا لا يصدق على ما ذكر فلاحظ.

(1) لا ريب في بطلان الحول و عدم وجوب الزكاة فيما إذا خرج النصاب عن ملك المالك أثناء الحول سواء كان بسبب غير اختيارى أو الإختيارى لغاية اخرى غير الفرار، و أما إذا خرج عن ملكه بقصد الفرار من الزكاة ففي سقوط الوجوب و عدمه قولان:

نسب الأول إلى المشهور لاطلاق النصوص بل في بعضها التصريح به لاحظ ما رواه عمر بن يزيد قال: قلت لأبي عبدالله (علیه السلام): رجل فرّ بماله من الزكاة فاشترى به أرضاً أو داراً أ عليه فيه شيء؟ فقال: لا، و لو جعله حلياً أو نقراً فلا شيء عليه و ما منع نفسه من فضله أكثر مما منع من حق الله الذي يكون فيه(1)

و في قبالهم قول جماعة من الأعلام ثبوت الزكاة فيما إذا كان بقصد الفرار منها، و استدل على ذلك بعد ادعاء الاجماع و أن النصوص الدالة على عدم السقوط أوضح

ص: 180


1- الوسائل، الباب 11 من أبواب زكاة الذّهب و الفضّة، الحدیث: 1

و أقوى، بالنصوص المتعددة، منها: ما رواه معاوية بن عمار عن أبي عبدالله (علیه السلام) قال: قلت له: الرجل يجعل لأهله الحُلى-إلى أن قال- قلت له: فإنه فر به من الزكاة، فقال: إن كان فر به من الزكاة فعليه الزكاة و إن كان إنما فعله ليتجمل به فليس عليه زكاة(1)

و قد نوقش فيه بالضعف فإنّ محمد بن عبدالله في السند يمكن أن يكون محمد بن عبدالله بن مهران و هو ضعيف بل قيل في حقه أنه كذاب كما يمكن أن يكون هو محمد بن عبدالله بن عمرو و هو مجهول، نعم إذا كان المراد هو محمد بن عبدالله بن زرارة بن أعين فهو ثقة فالرجل مردد بين الثقة و المجهول و الضعيف، و عن صاحب الحدائق يوصفه بالصحة و لعل نظره الشريف إلى أنّ ابن ادريس رواه في مستطرفات السرائر عن كتاب معاوية بن عمار و الطريق صحيح.

أورد عليه المحقق الخوئي (قدس سره ) أنّ طريق ابن ادريس إلى ذلك الكتاب غير معلوم لعدم تعرضه إليه، لا في السرائر و لا في غيره.

لكن يمكن أن يجاب بأنّ شهادة ابن ادريس بأن هذا كتاب معاوية بن عمار ظاهرة في الحس و حينئذٍ يكون الكتاب معتبراً من جهة شهادته كما هو كذلك بالنسبة إلى شهادة صاحب الوسائل بالنسبة إلى كتاب على بن جعفر و أمثاله.

مضافاً إلى أنّ هذه الرواية منقولة في التهذيب بسند آخر على ما نقله المحقق الخوئي (قدس سره ) كما في التقريرات عن على بن الحسن بن فضال عن محمد بن عبدالله الحلبي إلّا أن في نسخة اخرى من التهذيب عبيدالله بدل عبدالله كما أنه روى في موضع آخر عن عبيدالله الحلبي و لم تثبت روايته عن غير محمد بن عبدالله بن زرارة.

لكن حصول الاطمينان بهذه الامور مشكلٌ جداً مضافاً إلى الاشكال في اسناد الشيخ إلى على بن الحسن بن فضال لوجود ابن عبدون في الطريق. نعم، وجوده في اسنادكامل الزيارة لعله كافٍ في المطلب.

ص: 181


1- الوسائل، الباب 11 من أبواب زكاة الذّهب و الفضّة، الحدیث: 6

أضف إلى ذلك ما ذكرناه من شهادة ابن ادريس فالسند تام ظاهراً.

و منها: ما رواه زرارة قال: قلت لأبي عبدالله (علیه السلام): إن أباك قال من فر بها من الزكاة فعليه أن يؤديها، فقال: صدق أبي ان عليه أن يؤدى ما وجب عليه و ما لم يجب عليه فلا شيء عليه منه، ثم قال لى: أرأيت لو أن رجلاً اغمى عليه يوماً ثم مات فذهبت صلاته أكان عليه و قد مات أن يؤديها؟ قلت: لا قال: إلّا أن يكون أفاق من يومه، ثم قال لي: أرأيت لو أنّ رجلاً مرض في شهر رمضان ثم مات فيه أكان يصام عنه؟ قلت: لا قال: و كذلك الرجل لا يؤدى عن ماله إلّا ما حل عليه(1)

لكن دلالته على المقصود قاصرة بل الظاهر أنه دال على خلاف المطلوب أي السقوط.

و منها: ما رواه محمد بن مسلم قال: سألت أباعبدالله (علیه السلام) عن الحلى فيه زكاة؟ قال: لا، إلّا ما فرّ به من الزكاة(2)

و هذه الرواية و إن كانت مطلقة من حيث كون الفرار بعد الحول أو أثنائه، لكن تحمل على ما بعد الحول بقرينة الروايات الدالة على سقوط الزكاة و كان الفرار أثناء الحول.

و منها: ما رواه اسحاق بن عمار قال: سألت أباابراهيم (علیه السلام) عن رجل له مائة درهم و عشرة دنانير أعليه زكاة؟ قال: إن كان فرّ بها من الزكاة فعليه الزكاة قلت: لم يفر بها ورث مائة درهم و عشرة دنانير قال: ليس عليه زكاة، قلت: فلا تكسر الدراهم على الدنانير و لا الدنانير على الدراهم؟ قال: لا(3)

و التقريب هو التقريب المتقدم في حديث ابن مسلم فيقع التعارض بين الطائفتين فإن أمكن حمل الطائفة الثانية على الاستحباب كما أفاده الشيخ (رحمه اللّه) و تبعه بعض الأعلام كما هو ليس ببعيد فلا مانع و إلّا فبعد التعارض و عدم المرجح في المقام يتساقطان

ص: 182


1- الوسائل، الباب 11 من أبواب زكاة الذّهب و الفضّة، الحدیث: 5
2- نفس المصدر، الحدیث: 7
3- الوسائل، الباب 5 من أبواب زكاة الذّهب و الفضّة، الحدیث: 3

«مسألة 10: إذا حال الحول مع اجتماع الشرائط فتلف من النصاب شيء، فإن كان لا بتفريط من المالك لم يضمن و إن كان بتفريط منه و لو بالتأخير مع التمكن من الأداء ضمن بالنسبة، نعم لو كان أزيد من النصاب و تلف منه شيء مع بقاء النصاب على حاله لم ينقص من الزكاة شيء و كان التلف عليه بتمامه مطلقاً على اشكال» (1)

فيكون المرجع، الروايات الدالة على اعتبار الحول و مقتضاها عدم ثبوت الزكاة إذا اختل بعض الشروط في الأثناء(فتأمل لأن الأحدث موجود فی المقام و الزكاة واجبٌ احتیاطاً).

(1) تارة نبحث على مقتضى القاعدة الأولية و اخرى على مقتضى النص.

أما الأول: فإن قلنا بالملك المشاع كان مقتضى القاعدة هو الضمان مع التفريط و مع عدمِه، عدمُه، إذ المال على هذا المسلك يكون أمانة عنده فمع عدم التفريط لا ضمان عليه لأنه يكون حينئذٍ أميناً و لا ضمان على الأمين عند عدم التفريط في الحفظ و الايصال و إن فرط فعليه الضمان، فإن تلف التمام، يضمن تمامه و إن تلف البعض فيُقسط.

و أما إن قلنا بالكلى في المعين في كيفية التعلق فإن تلف الجميع فحكمه كسابقه من الضمان و عدمه.

و أما إذا تلف البعض فإن بقى بمقدار الواجب يجب أدائه و دفعه لوجود مقدار النصاب كما إذا كان عنده خمسون شياة فتلف خمس منها، فلا ينقص منها شيء لأن مقتضى الاطلاق في كل أربعين شاة شاة وجوب أداء الشاة سواء تلف من الزائد أو لم يتلف و إن تلف الأكثر و بقی الأقل من الفريضة يكون ضامناً للتالف من مقدار الفريضة على تقدير التفريط و عدم الضمان عند عدمه.

و أما التقسيط فلا موضوع له عندئذٍ مطلقاً.

ص: 183

و أما إن قلنا بكون التعلق من قبيل الحق، سواء قلنا على نحو حق الجناية أو حق الرهانة فلا موجباً للسقوط على كلا التقديرين من تلف الكل أو البعض لتعلق الزكاة بالذمة و يكون العين وثيقة للأداء في الثاني و تخيير المالك بين دفع الزكاة من نفس العين أو من مال آخر في الأول، فلا وجه لسقوط الفريضة على هذين المبنيين.

و أما إن قلنا باشتغال الذمة بمالية شاة واحدة مثلاً فالأمر أيضاً كذلك فإن اشتغال الذمة بذلك لا يرتفع إلّا بأداء المقدار المذكور من المالية أي مقدار مالية شاة مثلاً سواء تلف الجميع أو البعض بتفريط كان أم لا، هكذا أفاده سيدنا الاستاذ (رحمه اللّه) في المرتقى لكن قد ذكرنا سابقاً أن المراد بالشركة في المالية ليس تعلق الزكاة بالذمة محضاً بحيث لا يرتبط بالعين أصلا بل المراد المالية المتحضة في العين الخاصة إذا تلفت، لا مالية خاصة حتى يشترك الفقراء فيها إذا تلف الكل و أما إذا تلف البعض يقسط التلف عليهما بالنسبة فينتقص عن الزكاة بتلك النسبة، هذا إذا كان التلف من غير تفريط و إلّا يكون ضامناً سواء تلف الكل أو البعض.

و أما مقتضى النص فقد استدل على عدم الضمان بمرسلة ابن أبي عمير عن أبي عبدالله (علیه السلام) في الرجل يكون له إبل أو بقر أو غنم أو متاع فيحول عليها الحول فتموت الإبل و البقر و الغنم و يحترق المتاع، قال: ليس عليه شيء(1)

بتقريب أنّ المستفاد منها عدم الضمان مع عدم التفريط بل الظاهر من الفاء وقوع ذلك بعد حلول الحول بلا فصل يعتد به فلا تأخير فيه للأداء، و فيه أولاً أنها مرسلة و ثانياً أن الرواية دالة على عدم الضمان مع فرض تلف الجميع و أما تلف البعض فلا تعرض لها بالنسبة إليه (و لعلها مؤيدة للقول بأن كيفية التعلق تكون على النحو الكلى فيالمعين) فلا يستفاد منها الضمان مع تلف البعض.

نعم إذا استفدنا منها أنّ المفروض فيها تعلق الزكاة بالعين بنحو الملك المشاع كان الحكم

ص: 184


1- الوسائل، الباب 12 من أبواب زكاة الأنعام، الحدیث: 2

بعدم الضمان إذا تلف الجميع مع التفريط بمقتضى القاعدة الأولية فتلف البعض أيضاً يكون كذلك، و أما إذا فرض فيها تعلق الزكاة بالعين بنحو الكلى في المعين يكون عدم الضمان في صورة عدم التفريط تعبداً محضاً فلا يستفاد منها عدم الضمان في صورة تلف البعض.

و قد يستدل للضمان برواية محمد بن مسلم قال: قلت لأبي عبدالله (علیه السلام): رجل بعث بزكاة ماله لتقسم فضاعت هل عليه ضمانها حتى تقسم؟ فقال: إذا وجد لها موضعاً فلم يدفعها فهو لها ضامن حتى يدفعها و إن لم يجد لها من يدفعها إليه فبعث بها إلى أهلها فليس عليه ضمان لأنها قد خرجت من يده، و كذلك الوصى الذي يوصى إليه يكون ضامناً لما دفع إليه إذا وجد ربه الذي أمر بدفعه إليه فإن لم يجد فليس عليه ضمان(1)

بتقريب أنّ الظاهر منها ثبوت الضمان مع تفريط المالك و لو بالتأخير مع وجود المورد للأداء.

و فيه: أنّ هذا إنما يصح إذا استفدنا منها ثبوته قبل العزل و تعيّن الزكاة و الحال أنّ الظاهر منها بعده فلا ربط بمقامنا فلاحظ.

ص: 185


1- الوسائل، الباب 39 من أبواب المستحقّين للزّكاة، الحدیث: 1

«مسألة 11: إذا إرتد الرجل المسلم فإما أن يكون عن ملة أو عن فطرة و على التقديرين إما أن يكون في أثناء الحول أو بعده، فإن كان بعده وجبت الزكاة سواء كان عن فطرة أو ملة و لكن المتولي لاخراجها الامام (علیه السلام) أو نائبه و إن كان في أثنائه و كان عن فطرة انقطع الحول و لم تجب الزكاة و استأنف الورثة الحول لأن تركته تنتقل إلى ورثته، و إن كان عن ملة لم ينقطع و وجبت بعد حول الحول لكن المتولي الامام (علیه السلام) أو نائبه إن لم يتب و إن تاب قبل الإخراج أخرجها بنفسه، و أما لو أخرجها بنفسه قبل التوبة لم تجز عنه إلّا إذا كانت العين باقية في يد الفقير فجدد النية أو كان الفقير القابض عالماً بالحال فإنه يجوز له الاحتساب عليه لأنه مشغول الذمة بها إذا قبضها مع العلم بالحال و أتلفها أو تلفت في يده و أما المراة فلا ينقطع الحول بردتها مطلقاً» (1)

(1) قد تعرض الماتن (رحمه اللّه) في المسئلة فروعاً:

الفرع الأول: أن يكون الارتداد بعد الحول فلا اشكال في استقرار الحكم عليه إذ الارتداد لا يكون موجباً لسقوط الزكاة فيجب أدائها، لكن حيث إنه كافر و لا تصح العبادة منه فلا جرم يكون المتصدي للاخراج الامام (علیه السلام) أو نائبه و هذا بالنسبة إلى المرتد الملي الذي تقبل توبته واضح لقدرته على الأداء بالتوبة فإن تاب أتى بنفسه و إن امتنع منها يجوز للحاكم الشرعى أخذ الزكاة من ماله و أدائها لأنه ولى الممتنع و كذلك الأمر بالنسبة إلى المراة المرتدة الفطرية لقبول توبتها كالملى فيجري فيها ما جرى في الرجل المرتد الملى.

الفرع الثاني: إذا كان المرتد الفطرى رجلاً فإن قلنا بقبول توبته بالنسبة إلى جميع الأحكام

ص: 186

إلّا الأحكام الثلاثة من القتل و انتقال المال إلى الورثة و بينونة الزوجة، فلا اشكال فيه أيضاً فإن حاله في قدرته على الأداء بالتوبة حال المرتد الملى فإن تاب و أدّى فهو و إلّا يتولي الحاكم الشرعى بأداء الزكاة لأنه ولى الممتنع كما تقدم.

الفرع الثالث: لو تاب المرتد سواء كان ملياً أو فطرياً و قلنا بقبول توبته بالنسبة إلى سائر الأحكام و كانت توبته قبل الاخراج فالحكم فيه ظاهر كما تقدم من أنه يتولي الأداء بنفسه و إن امتنع يتولي الحاكم الشرعى بالاخراج لأنه ولي الممتنع.

الفرع الرابع: أن تكون توبته بعد الاخراج بأن أخرجها بنفسه حال الارتداد و حينئذٍ إما أن تكون العين باقية في يد الفقير أو تالفة، و على الثاني إما أن يكون القابض عالماً بارتداده و إما أن يكون جاهلاً فله صور:

أما الصورة الاولى: أي بقاء العين، فإن قلنا بالإحداث في الواجبات يجب أخذها من الفقير ثم يعطيها و إلّا يجوز له تجديد النية و كانت العين في يد الفقير فيحتسب.

الصورة الثانية: أن تكون العين تالفة و كان الفقير القابض عالماً بارتداده يكون ضامناً للمالك إذ مع العلم بعدم كون المدفوع إليه من الزكاة تصرف فيه فمع فرض التلف أو الإتلاف يكون ضامناً له و مدينا فيجوز للمالك الإحتساب إن قلنا باحتساب الزكاة من الدين قبل أن يقبضه في غير الأب و إلّا يجب أدائه إليه ثم يأخذ منه من باب الدين أو تعيين الزكاة من عين اخرى ثم أداء الدين من هذه العين على ما سيأتي البحث فيه إن شاء الله تعالى.

الصورة الثالثة: أن يكون الفقير جاهلاً بالحال يجب عليه تكرارها لأنّ الفقير في هذه الصورة لم يكن ضامناً إذ المالك هو الذي سلطه على ملكه فيكون قرار الضمان على المالك لا الفقير.

الفرع الخامس: أن يكون الارتداد أثناء الحول و كان عن فطرة يوجب انقطاع الحول و سقطت عنه الزكاة لخروج المال عن ملكه به و انتقاله إلى الورثة فإن بقى في يد الورثة و

ص: 187

حال عليه الحول مجتمعة للشرائط تجب الزكاة و إلّا فلا.

الفرع السادس: أن يكون الارتداد عن ملة أو كان امراة و إن كانت عن فطرة فلا يكون الارتداد موجباً لانقطاع الحول لبقاء ماله على ملكه كسائر الكفار فينتظر إلى ما بعد الحول فإن تاب تكون المتصدي للاخراج نفسها و إلّا تصير ممتنعاً و الحاكم الشرعى ولى الممتنع.

ثم إنّ في جميع الفروع التي ذكرنا بتصدي الحاكم الشرعى لاخراجها في صورة الامتناع من التوبة إنما يصح إذا قلنا بأنّ اسلام المرتد لا يوجب سقوط الزكاة و إلّا فلا يقدر المرتد عن الأداء فلا تكليف حتى يكون ممتنعاً عنه و يصير الحاكم الشرعى متصدياً للأداء من باب ولى الممتنع أو النهي عن المنكر، لكن قد ذكرنا سابقاً بعدم مانعية الكفر عن الحكم الوضعى و إن كان موجباً لسقوط الحكم التكليفى فلا مانع من تصدي الحاكم الشرعى إن امتنع المالك من أداء مال الغير، لجواز استنقاذ مال الغير عن الكافر له، أما المرتد الفطرى فحيث إن المال ينتقل إلى الورثة و يكونوا هم الموظفون لأداء الزكاة تثبت الولاية للورثة فقط إذ يجوز للمالك افراز الزكاة من ماله و أدائها في موردها لأنه الشريك الأعظم و أكثره له كما في الرواية لاحظ ما رواه بريد بن معاوية.(1)

ص: 188


1- الوسائل، الباب 14 من أبواب زكاة الانعام، الحدیث:1

«مسألة 12: لو كان مالكاً للنصاب لا أزيد كأربعين شاة مثلاً فحال عليه الحول: فإن أخرج زكاته كل سنة من غیره تكررت لعدم نقصانه حينئذٍ عن النصاب و لو أخرجها منه أو لم يخرج أصلاً لم تجب إلا زكاة سنة واحدة لنقصانه حينئذٍ عنه» (1)

(1) الفروع المتصورة في المسئلة ثلاثة:

الفرع الأول: أن يخرج زكاته في كل سنة من غير النصاب.

الفرع الثاني: أن يخرج من النصاب.

الفرع الثالث: أن لا يخرج أصلا.

أما الفرع الأول فقد تكرر الزكاة في كل سنة لبقاء النصاب على حاله و لم ينقص منه شيء بعد فرض الدفع من خارج النصاب، نعم يصير مبدأ الحول من حين الاخراج فإنه الزمان الذي يملك فيه النصاب تاماً و أما قبله فيكون ناقصاً عنه لاشتراك المال بين المالك و الفقير.

أما الفرع الثاني فباخراجه عن النصاب ينقص المال عنه فلا موضوع للزكاة بالنسبة إلى السنة الآتية.

و أما الفرع الثالث فالأمر كما ذكر في الفرع الثاني لعين الملاك و لا فرق فيما ذكرنا بين الأقوال في كيفية تعلق الزكاة لأنه يوجب النقص إما في الملكية أو في تمامية الملك إذ إما أن تصير الفريضة ملكاً للفقير فتنقص الملكية و إما أن يصير النصاب متعلقاً لحق الفقير فلا تكون طلقاً و على كل تقدير لا يكون مالكاً للنصاب واجداً للشرائط.

ص: 189

«و لو كان عنده أزيد من النصاب كأن كان عنده خمسون شاة و حال عليه أحوال و لم يؤد زكاتها وجب عليه الزكاة بمقدار ما مضى من السنين إلى أن ينقص عن النصاب فلو مضى عشر سنين في المثال المفروض وجب عشرة و لو مضى إحدى عشرة سنة وجب إحدى عشرة شاة و بعده لا يجب عليه شيء لنقصانه عن الأربعين» (1)

«و لو كان عنده ست و عشرون من الابل و مضى عليه سنتان وجب عليه بنت مخاض للسنة الاولى و خمس شياة للثانية و إن مضى ثلاث سنوات وجب للثالثة أيضاً أربع شياة و كذا إلى أن ينقص من خمس فلا تجب» (2)

(1) و الأمر فيما ذكر واضح لتحقق النصاب في كل سنة و عدمه في الفرض الأخير.

(2) لأنه ينتقل من النصاب المفروض إلى النصاب السابق و هو خمسة و عشرون ففيه خمس شياة و كذا غيره من النصاب، مثلاً إذا كان عنده خمسون من الغنم و مضى عليه إحدى عشرة سنة، واجب علیه إحدى عشر شاة لكل سنة شاة و بعده لا يجب شيء، لنقصانه حينئذٍ عن الأربعين.

نعم قيد بعض الأعلام منهم سيدنا الاستاذ (رحمه اللّه) في المرتقى تبعاً لصاحب المدارك و الشهيد الثاني في المسالك بتساوي قيمة بنت مخاض لقيمة الواحد من النصاب أو أقل في الابل إذ لو كانت أزيد لم يملك حينئذٍ خمساً و عشرين تامات، ليجب خمس شياة.

توضيح ذلك: إنّ الانتقال إلى النصاب السابق و وجوب خمس شياة فیه مقيد بما إذا كان النصاب كله بنت مخاض أو مشتملاً عليها أو قيمة الجميع بنت مخاض و إلّا فلا يخلو، فإما تكون قيمة كل واحدة من آحاد النصاب أزيد من قيمة بنت مخاض أو تكون

ص: 190

قيمته أنقص منها، فإن كانت زائدة عن قيمة بنت مخاض أمكن أن يفرض خروج قيمة بنت مخاض في الحول الأول عن جزء واحد من النصاب فيبقى من النصاب الذي هو ست و عشرين، خمس و عشرون و جزء واحد الذي يساوي قيمة هذا الجزء حسب الفرض مع قيمة خمس شياة، فإذا خرج في الحول الثاني خمس شياة من النصاب التي كانت تساوي مع الجزء الباقي عن الواحدة بعد اخراج قيمة بنت مخاض منها يبقى في الحول الثالث خمس و عشرون كاملاً فيجب فيه أيضاً خمس شياة و إن كانت القيمة أي قيمة آحاد ما في النصاب ناقصة عن قيمة بنت مخاض، فإذا أخرج قيمة بنت مخاض عن النصاب أي ست و عشرين في الحول الأول ينقص في الحول الثاني عن خمس و عشرين بقدر زيادة قيمة بنت مخاض عن قيمة آحاد ما في النصاب، فلا يتم له في الحول الثاني خمس و عشرون كاملاً فيجب فيه أقل من خمس شياة فلابد أن يقيد اطلاق القول بوجوب خمس شياة في الحول الثاني بغير هذه الصورة.

أقول: إنّ القول المذكور مبتنن على تعلق الزكاة على العين على نحو الشركة في المالية و نحاسب مالية المخرج مع قيمة النصاب و إلّا فعلى القول بالاشاعة أو الكلى في المعين لا مجال لهذا القيد.

أضف إلى ذلك أن هذه المحاسبة مخالفة لاطلاق النصوص لأنّ المقدار العدد المخصوص في تحقق النصاب، لا القيمة فإذا أخرج في ستة و عشرين من الابل بنت مخاض ينتقل النصاب إلى النصاب السابق و هو خمس و عشرون من الابل ففیه خمس شياة إلى أن ينتقل إلى النصاب عليه، أعني أربعة و عشرون كما أفاده الماتن (رحمه اللّه) فمقتضى الصناعة ما ذكرنا و إن كان ما ذكره من التقييد موافق للاحتياط.

ص: 191

«مسألة 13: إذا حصل لمالك النصاب في الأنعام ملك جديد إما بالنتاج و إما بالشراء أو الارث أو نحوهما فإن كان بعد تمام الحول السابق قبل الدخول في اللاحق فلا اشكال في ابتداء الحول للمجموع إن كمل بها النصاب اللاحق» (1)

«و أما إن كان في أثناء الحول فإما أن يكون ما حصل بالملك الجديد بمقدار العفو و لم يكن نصاباً مستقلاً و لا مكملاً لنصاب آخر و إما أن يكون نصاباً مستقلاً و إما أن يكون مكملاً للنصاب، أما في القسم الأول فلا شيء عليه كما لو كان له هذا المقدار ابتداءً و ذلك كما لو كان عنده من الابل خمس فحصل له في أثناء الحول أربع اخرى أو كان عنده أربعون شاة ثم حصل له أربعون في أثناء الحول» (2)

(1) كما إذا حصل الملك في آخر الشهر الثاني عشر الذي هو متوسط بين الحولين عند القائل بالملك في ذلك الزمان و إن تأملنا فيه سابقاً و على كل حال لو ملك في الفرض المفروض ملكاً جديداً مكملاً للنصاب اللاحق كما إذا كان مالكاً لسبعة من الابل ثم ملك ثلاثة اخرى و حينئذٍ فلا اشكال في ابتداء الحول للمجموع من أول الشهر الثالث عشر كما أفاده الماتن (رحمه اللّه).

(2) عدم وجوب الزكاة عليه في مفروض الكلام إلا المقدار الثابت في السابق لا غبار عليه كما اختاره العلامة و عن الشهيد الثاني و صاحب المدارك اختياره، لكن عن المنتهى نقل القول بالوجوب عن بعض و احتمله المحقق في المعتبر و استقر به الشهيد في الدروس و استدل على ذلك بعموم قوله (علیه السلام): «في كل أربعين شاة شاة» حيث إن الأربعين الحادث ملك جديد و موضوع آخر فتجب فيه الزكاة أي شاة اخرى غير

ص: 192

الأول فمن كان مالكاً لأربعين شاة مثلاً ثم حصل له أربعون في أثناء الحول تجب فيه شاة اخرى عند حلول الحول للثاني لتحقق موضوع آخر غير الأول و فيه أنه لا عموم له من هذه الجهة بحيث يقتضي وجوب شاتين في الثمانين بلا فرق في ذلك بين ما إذا كان ذلك من أول الحول أو كان عنده أربعون من الأول، ثم حصل له في رأس ستة أشهر أربعون آخر كما هو المفروض و قُرّب صاحب الجواهر الاشكال بنحو آخر بأنّ العموم ناظر إلى المالك و إن كل فرد من الملاك لو ملك أربعين فتجب على كل أحد أو في كل حول شاة، لا أنّ الغنم الموجود عند مالك واحد يحسب أربعين أربعين حتى تجب على كل أربعين شاة، و الوجه فيما ذكر عموم أدلة النفي بالنسبة إلى النصابين و خصوص حدیث الفضلاء(1)حيث قال (علیه السلام): و ليس فيما دون الأربعين شيء ثم ليس فيها شيء حتى يبلغ عشرين و مائة ففيها مثل ذلك شاة واحدة فإذا زادت على مائة و عشرين ففيها شاتان و نظير الصحيحة، ما رواه محمد بن قيس.(2)

ص: 193


1- الوسائل، الباب 6 من أبواب زكاة الانعام، الحدیث: 1
2- نفس المصدر، الحدیث: 2

«و أما في القسم الثاني فلا يضم الجديد إلى السابق بل يعتبر لكل منهما حول بانفراده كما لو كان عنده خمس من الابل ثم بعد ستة أشهر ملك خمس اخرى فبعد تمام السنة الاولى يخرج شاة و بعد تمام السنة للخمسة الجديدة أيضاً يخرج شاة و هكذا» (1)

«و أما في القسم الثالث فيستأنف حولاً واحداً بعد انتهاء الحول الأول و ليس على الملك الجديد في بقية الحول الأول شيء و ذلك كما إذا كان عنده ثلاثون من البقر فملك في أثناء حولها إحدى عشرة أو كان عنده ثمانون من الغنم فملك في أثناء حولها اثنين و أربعين» (2)

(1) لمقتضى اطلاق الدليل في كلا الموردين فلو كان له خمس من الابل ثم ملك بعد ذلك خمساً اخرى، وجبت شاة بعد تمام السنة الاولی، ثم بعد ذلك إذا حال عليه الحول بالنسبة إلى المملوك الثاني تجب عليه شاة اخرى للنصاب الثاني فيحسب كل على حياله و لا وجه للانضمام أعني انضمام الجديد إلى السابق.

(2) يقع البحث في القسم الثالث في أنه هل يلاحظ الحول بالنسبة إلى النصاب الأول و ليس على الملك الجديد في بقية الحول الأول شيء أو يلاحظ بالنسبة إلى النصاب الثاني و ليس على ما تقدمه من أجزاء الحول الأول شيء، أو لا هذا و لا ذاك بل أمر آخر، وجوه: و ذلك كما إذا كان عنده في أول محرم أربعون من الغنم ثم حصل له في شهر رجب اثنان و ثمانون بحيث بلغ المجموع النصاب الثاني أعني مائة و واحد و عشرين شاة، مقتضى القاعدة الأولية رعاية كلا النصابين فيجب عليه أداء الزكاتين فإن مقتضى الاطلاق محاسبة كل واحد منهما بحياله و اخراج الزكاة بالنسبة إليهما أعني شاتين.

لكن في المقام دليل ثالث يدل على عدم وجوب الزكاتين إما بالغاء بقية الحول بالنسبة

ص: 194

إلى الملك الجديد و العمل بالنصاب الأول و إما بالغاء ما تقدمه من الحول الأول و الأخذ بالنصاب الثاني فالجمع بين النصابين منافٍ للدليل المذكور و حينئذٍ نقول:

القول الأول: فهو الذي اختاره صاحب الجواهر و المحقق الهمداني و قد ينسب إلى فخر المحققين و الشهيدين و غيرهم (قدس الله أسرارهم) و استدل على هذا القول بوجوه:

الوجه الأول: ما عن صاحب الجواهر (رحمه اللّه) من وجود المقتضي لوجوب الزكاة بالنسبة إلى النصاب الأول لا الثاني فإذا كان مالكاً لثلاثين بقرة و بعد ستة أشهر ملك عشرة بقرة وجبت الزكاة بالاضافة إلى ثلاثين فيجب اخراجها منفرداً بعد حولان الحول و يمتنع ضمها إلى العشرة و اخراج الأربعين بعد تمام الحول الزائد و ذلك لقوله (علیه السلام): «لا يزكى المال من وجهين فى عام واحد»(1).

أورد عليه سيدنا الاستاذ (رحمه اللّه) في المرتقى أولاً: أن ثبوت الزكاة بالنسبة إلى النصاب الأول بعد تمام الحول معارض أو مزاحم بثبوت المجموع من النصاب الأول و الزائد بعد تمام الحول الذي مبدأه حدوث الزيادة فإنّ ثبوت هذا الحكم في ظرفه و موضوعية المال له في هذا الظرف يكون معارضاً للحكم الأول أو مزاحماً له و المقرر في محله أنّ السبق الزماني لا يفيد بالنسبة إلى كلا الموردين، و ثانياً أن مبنى كلامه إنما هو على التعارض أو التزاحم بين دليلي النصابين كما سنبينه إن شاء الله تعالى.

الوجه الثاني: ما عنه (رحمه اللّه) أيضاً من دعوى ظهور أدلة النصاب المتأخر عن غير المفروض و لا شك في أنّ مرجع هذه الدعوى إلى انصراف الأدلة إلى مورد تحقق النصاب اللاحق من أول الحول و أنه لا يكفي في ذلك تحقق النصاب في أثناء الحول كما فيالمقام.

و فيه: أنه دعوى لا شاهد لها و لذا للانكار هنا مجال واسع.

ص: 195


1- الوسائل، الباب 7 من أبواب من تجب علیه الزكاة، الحدیث: 1

الوجه الثالث: أنّ المورد من موارد التزاحم و الأسبقية زماناً من جملة المرجحات في بابه و حينئذٍ يؤخذ بدليل النصاب الأول بلا مزاحم.

أورد عليه سيدنا الاستاذ (رحمه اللّه) في المرتقى بالمنع في الصغرى و الكبرى معاً، أما عدم كونه من موارد التزاحم فلأنّ تقريب التزاحم في المقام يتصور بأحد وجهين:

الوجه الأول: بأنّ الملاك في التزاحم ليس منحصراً بعدم قدرة المكلف على الامتثال بل يمكن تصويره بنحو آخر و هو أن كلاً من الحكمين الفعلين يقتضي صرف قدرة المكلف إلى متعلقه فلا محالة يتحقق التزاحم بينهما من جهة أنّ فعلية كل منهما توجب ارتفاع موضوع الآخر فإنه على تقدير الفعلية يقتضي صرف القدرة إلى متعلقه فيكون المكلف عاجزاً شرعاً عن الإتيان بالآخر فالملاك للتزاحم إنما ارتفاع موضوع كل من الحكمين بفعلية الآخر و هو متحقق في المقام فإنه على تقدير فعلية النصاب السابق لا يبقى موضوع لدليل النصاب اللاحق و ذلك لصيرورة مقدار من المال متعلقاً لحق الفقير فيكون المجموع ناقصاً عن حد النصاب اللاحق كما إذا كان عنده ست و عشرون من الابل و أخذنا بالنصاب السابق و هو الخامس من نصب الابل و فريضته خمس شياة، كان المال الخالص للمالك غير ما هو المتعلق لحق الفقراء إنما هو خمس و عشرون إبلاً للزوم اخراج واحد من ست و عشرين بدل الخمس شياة، و من المعلوم عدم وجوب بنت مخاض في خمس و عشرين من الابل الباقية كما أنّا إذا أخذنا بالنصاب اللاحق و حكمنا في المثال باخراج بنت مخاض كان ذلك رافعاً لموضوع فريضة النصاب السابق بناء على زيادة قيمة بنت مخاض على قيمة الابل الواحدة فلم يكن الخمس و عشرين من الابل ملكاً طلقاً بل كان مقدار منه متعلقاً لحق الفقراء فكل واحد من الطرفين يوجب رفع موضوع الآخر.

ثم أورد عليه إن الموجب للتزاحم و إن كان كذلك، لكن يمكن رفعه بالالتزام بتحكيم كلا الدليلين في عرض واحد بأن يقال بوجوب خمس شياة و بنت مخاض معاً في عرض

ص: 196

واحد و لا محذور في ذلك إلّا أنّ هذا إنما يتصور في ما إذا اشترك كلا النصابين في الحول و أما في مثل المقام الذي يكون حول أحدهما مقدماً على الآخر فيمكن رفعه بالالتزام باخراج المالك القيمة بدلاً عن فريضة النصاب الأول مضافاً إلى أنه يمكن فرض المورد على نحو لا يكون أحدهما رافعاً لموضوع الآخر كما إذا كان مالكاً لسبع و عشرين إبلا فإن تحكيم دليل النصاب السابق فيه حينئذٍ لا يكون رافعاً لموضوع وجوب فريضة اللاحق اصلاً اذ یبقی عنده بعد ذلك ما هو ملك طلق بمقدار نصاب لاحق و هو ست و عشرون إبلاً.

الوجه الثاني: أنّ ملاك التزاحم هو تحقق المقتضي لكلا الحكمين مع عدم امكان الجمع بينهما ذاتاً أو عرضاً بخلاف التعارض الذي ملاكه تحقق المقتضي في أحدهما للعلم بكذب أحد الحكمين و في المقام حيث ان المقتضي لكلا الحكمين موجود و إنما المانع عن تحققهما و فعليتهما معاً في المجمع لورود النص و الاجماع و التسالم على عدم لزوم اخراج الزكاة في المال الواحد من جهتين يكون المقام من باب التزاحم فلابد من الأخذ فيه بمرجحات باب التزاحم.

أورد عليه سيدنا الاستاذ (رحمه اللّه) في المرتقى بأنّ استكشاف الملاك متفرع على فعلية الحكم بمعنى أنه إذا كان مؤدى الدليل حكماً فعلياً، استكشفنا منه بمقتضى ما بنى عليه أهل الحق و العدل من تبعية الأحكام للمصالح و المفاسد في متعلقاتها أو في نفس جعلها على اختلاف المباني وجود المقتضي و حیث أن الحكم في المقام غير فعلى لا يمكن ذلك بالنسبة إلى كلا الحكمين فلا نحرز المقتضی و أما استكشاف المقتضي من ناحيةاطلاق المادة فهو منحصر بما إذا كان اعتبار القدرة عقلياً لا شرعياً كما نحن فيه، إذن لا طريق لنا لاستكشاف الملاك و المقتضي حتى نحكم باندراج المقام في باب التزاحم، مضافاً إلى الاشكال في دلالة الرواية التي اشير إليها كما سيأتي.

الوجه الثالث: أنّ الملاك فيه عدم قدرة المكلف على الامتثال من غير تنافٍ بين نفس

ص: 197

الحكمين في مرحلة الجعل فإذا صرف المكلف القدرة في امتثال الحكم في النصاب الأول لا يقدر على امتثال الحكم الثاني في النصاب الثاني، لكن اشكاله واضح لقدرته عليهما فهذا الوجه واضح الاندفاع و لعل المحقق النائيني ناظر إلى الوجه الأول في اندراجه في باب التزاحم أو الثاني لا الثالث و إلّا فهو أجل شأناً من ذلك.

الوجه الرابع: لكلام صاحب الجواهر (رحمه اللّه) و من حذا حذوه أنّ المورد من موارد التعارض لأن مقتضى اطلاق الدليل في النصاب الأول كونه هو المدار في المقام كما أنّ مقتضى اطلاق الدليل الثاني كونه كذلك، لكن حيث علمنا من الخارج من التسالم أو الدليل الخاص(1) أنّ المال الواحد لا يزكى في عام من وجهين، نعلم اجمالاً بكذب أحدهما و انتفاء الاطلاق في أحد الدليلين بالنسبة إلى أحد النصابين بحيث انّ صدق كل من الاطلاقين مستلزم لكذب الآخر فيقع بينهما التعاند و التكاذب في مقام الجعل عرضاً و إن لم يكن كذلك ذاتاً فلابد من ادراج المقام في باب التعارض و الرجوع إلى المرجحات السندية إن كانت و إلّا يتساقطان، إن لم نقل بالتخيير و بعد التساقط يكون المرجع الاطلاقات إن كانت و إلّا فالأصل العملى مُحكّم و مقتضاه كما في كلمات المحقق الخوئي (قدس سره ) الاشتغال لا البرائة، للعلم الاجمالى بتوجه التكليف إليه إما النصاب الأول أو النصاب الثاني، فلابد من الاحتياط عملاً بالعلم الاجمالي و لا ينافى الدليل المزبور المتقدم بأنّ المال الواحد لا يزكى مرتين في عام واحد، لعدم التنافي بين الحكمالظاهري و الحكم الواقعي كما هو المقرر في محله.

أورد عليه سيدنا الاستاذ (رحمه اللّه) بأنّ النص الخاص الموجب للتعارض العارض في المقام غير ناظر إلى المقام بل هو أجنبى عنه إذ ليست الرواية بصدد بيان حكم تعبدى و أنّ المال الواحد لا يزكى من وجهين في عام واحد تعبدا بل الظاهر منها بيان أمر واقعى و هو أنّ المال الواحد لا يزكى من مالكين في عام واحد بنحو السالبة بانتفاء الموضوع باعتبار

ص: 198


1- الوسائل، الباب 7 من أبواب من تجب علیه الزكاة، الحدیث: 1

عدم امكان فرض مالكين للمال في عام واحد فالمراد بالوجهين في المقام هو المالكين لا جهتين أعني جهة كونه مال المقترض و جهة كونه مال المقرض، و الوجه فيه مورد الرواية إذ عنوان المقرض في الرواية ليس بالوجه و العنوان المحتمل كونه موجباً للزكاة في الشريعة المقدسة أصلا كي تكون الرواية نافية لوجوب اخراج الزكاة من هذا الوجه منضماً إلى الاخراج من وجه آخر و هو كونه مال المقترض لأنّ المقرض لا مال له إلّا في ذمة المقترض و لا يمكن تعلق الزكاة بذلك و العين الموجودة هي ملك المقترض كما هو المفروض، مضافاً إلى أن الاستدلال بالرواية موقوف على أن يكون لها اطلاق يشمل مورد الاشتراك في بعض العام أيضاً و هو ممنوع إذ غاية ما تدل عليه هو نفي الزكاة من وجهين في تمام العام الواحد و لا اطلاق لها يشمل ما إذا كانت الزكاة من وجهين في بعض العام الواحد كنصف السنة كما في المقام.

أقول: أنّ الظاهر من الرواية اعطاء ضابطة كلية بأنّ المال الواحد في عام واحد لا يزكى من وجهين و أما تطبيقه في المقام يكون من باب السالبة بانتفاء الموضوع و هذا لا ينافي كونه في مقام ضرب القاعدة و حينئذٍ يشمل جميع الموارد و اختصاصه بتمام العام الواحد متفرع على كون المراد من العام هو السنة التامة المتعارفه، اما إذا كان المراد العام الذی یكون موضوعاً للحكم فلا مانع من اطلاقه نظیر السنة الخمسية فإن الشخص إذا حصل له مال أثناء السنة المجعولة يكون ما حصل له فی أثنائها متعلقاً للخمس إذازاد عن مؤنة سنته.

القول الثانى: سقوط حول النصاب الأول و اعتبار الحول للمجموع من حين الزيادة كما إذا كان عنده ثلاثون من البقر مثلاً فملك بعد ستة أشهر مضين على ذلك أحد عشر بقرة اعتبر الحول من حين الزيادة فيجب عليه بعد مضي سنة على ذلك من حين الزيادة (مسنة) فإنها فريضة نصاب البقر إذا كانت أربعين و نقل هذا القول عن العلامة (رحمه اللّه) في المنتهى.

ص: 199

و استدل على ذلك بأنّ المستفاد من دليل النصاب اللاحق مانعيته عن النصاب بمعنى أنّ النصاب السابق إنما يعتبر إذا لم يلحقه النصاب اللاحق و إلّا فلا اعتبار به و في المثال حيث إنّ النصاب السابق إن اندرج تحت النصاب اللاحق و لو في أثناء الحول، لا اعتبار به فيكون المدار النصاب اللاحق فإذا مضى الحول عليه من حين تحققه وجب على المالك الزكاة و هي «المسنة» في الفرض المزبور.

و فيه: أنّ الظاهر من جعل المراتب للنصب في الروايات عدم امكان اجتماع تأثير السابق مع تأثير اللاحق في عرض واحد و أما عدم تأثيره و لولا في عرض واحد بل يتاثره مترتباً فلا يستفاد منها، نعم يقع التعارض أو التزاحم بينهما في المورد من ناحية الدليل الخارجى و هذا أمر آخر قد ذكرنا سابقاً و الشاهد على ما ذكرنا من الاستظهار و أنّ المدار عدم امكان اجتماع تأثير السابق مع تأثير اللاحق في عرض واحد لا مطلقاً أنه لو كان كذلك و يكون المدار هو النصاب الثاني مطلقاً حتى في المقام، يستلزم ما لا يلتزم به أحد و هو سقوط الزكاة في سنة عديدة، مثلاً لو فرضنا أن عنده أول محرم ست و عشرين من الابل و بعد عشرة أشهر ملك عشرة آخر فصار المجموع ست و ثلاثين فعلى ما ذكر يلزم الغاء النصاب الأول و يكون مبدأ الحول زمان حدوث الملك الجديد المكمل للنصاب الآخر ثم بعد ذلك حصل له ملك جديد آخر بعد عشرةأشهر من هذا المبدأ عشرة اخرى من الابل بحيث صار المجموع ست و أربعين و هو النصاب الثامن و بعد ذلك و قبل حولان الحول من هذا المبدأ حصل له بعد خمسة أشهر خمسة عشرة إبلاً مكملاً للنصاب التاسع، لم تجب عليه الزكاة في ثمانية سنة و هو مما لا نظن أن يلتزم به متفقه فضلاً عن الفقيه و لذا ادعي في بعض الكلمات أنه خلاف المتسالم عليه.

القول الثالث: ما عن العلامة (رحمه اللّه) من وجوب الزكاة عند تمام كل من الحولين و عن القواعد لو ملك ثلاثين بقرة و عشراً بعد ستة أشهر فعند تمام حول الثلاثين «تبيع» و

ص: 200

عند تمام حول العشرة «ربع مسنة» فإذا تم حول آخر على الثلاثين فعليه ثلاثة أرباع مسنة، و إذا حال آخر على العشرة فعليه ربع مسنة و هكذا، و لعل الوجه في ذلك هو الجمع بين دليلي النصابين.

لكنه خلاف ظاهر الأدلة فإن الظاهر من قوله (علیه السلام): «في أربعين من البقر مسنة» أنّ الفريضة الواجبة تمام المسنة لا جزء منها و الأخذ بالمدلول التضمني في مقام الجمع ليس بعرفى فلاحظ.

القول الرابع: ما أفاده المحقق الخوئي (قدس سره ) من أن المتعين مراعاة النصاب الأول لفعلية موضوعه و شمول الاطلاق له المستوجب لاعدام الموضوع بالنسبة إلى النصاب الثاني و لأجله يكون الاطلاق الأول أظهر فيقدم نحو تقدم الأظهر على الظاهر لدى الجمع بين المتعارضين.

و فيه: أولاً أن التعارض إنما يكون في مقام الجعل فلا تصل النوبة إلى مقام فعلية الموضوع بالنسبة إلى أحد الطرفين حتى يكون منشأ للأظهرية و ثانياً أن ما هو موجب لاعدام الموضوع إنما هو الامتثال لا الحكم و إلا يكون من باب التوارد الذي ذكرنا فساده، و نِعم ما قال المحقق الخوانساري (رحمه اللّه) في شرحه على المختصر النافع و لعل هذا ينافي معما التزموا به في صورة العلم الاجمالي في التدريجيات كأن علم بوجود شيء اليوم أو غداً من معارضة الأصلين فنقول في المقام مع فرض تحقق النصاب الثاني و لو بعد ستة أشهر مثلاً من حول الامهات البالغة حد النصاب الأول، يكون النصاب الثاني مشمولاً للأدلة و النصاب الأول أيضاً مشمول للأدلة و حيث انه لا يزكى المال من وجهين في عام واحد، يقع التعارض و ليس المقام من قبيل الأسباب و المسببات التكوينية حيث أنه مع تمامية السبب يتحقق المسبب و المانع الغير المتحقق بعد، غير قابل لأن يزاحم الموجود و لذا التزموا في صورة العلم الإجمالي بلزوم الاحتياط و سقوط الأصلين في التدريجيات، و لعل وجهه أنّ مورد الشبهة في نظر المولى بسحب الكبرى الكلية ملحوظة

ص: 201

على السواء من دون تقدم و تأخر فيها و التقدم و التأخر في مقام الانطباق، فمع امتناع شمول الكبرى للموردين خروج بعض معين دون بعض آخر، ترجيح بلا مرجح، انتهى كلامه رفع مقامه، و لعمري ما أفاده غاية المراد فشكر الله سعيه(1)

اللهم إلا أن يقال: إن شمول الاطلاق للنصاب الثاني منافٍ للأمر المسلم عندهم كما ذكرناه سابقاً فالمتعين هو الأخذ بالنصاب الأول.

و بعبارة واضحة أنّ الأخذ بالنصاب الثاني يستلزم أمراً یخالف ما هو المتسالم عندهم من عدم لزوم اعطاء الزكاة للسنين متعددة كما قربنا في الجواب عن القول الثاني فلابد من الأخذ بالنصاب الأول و أن المعيار ذلك فإذا حال عليه الحول للامهات مثلاً تجب زكاتها ثم إذا حال عليها الحول الثاني نحسب الزكاة على طبق النصاب الثاني لحولان الحول عنده و هو مالك للنصاب الثاني فتجب زكاته.

القول الخامس: ما ذكره المحقق الهمداني (رحمه اللّه) أنّ المدار هو النصاب الأول لا الثاني، إذ المتعلق للنصاب هو ما حال عليه الحول، لا العدد فقط فكل ما لا يحل عليه الحول عند ربه، فلا شيء عليه فهو قبل حولان الحول حاله حال العوامل و المعلوفة التي ليس فيها شيء لا منجزاً و لا معلقاً على حصول الشرط و إنما يندرج في الموضوع الذي وضع عليه الزكاة بعد أن حال عليه الحول و حينئذٍ إذا كان عنده ثلاثون بقرة مثلاً فولدت بعد ستة أشهر احدى عشرة بقرة فعند تمام الحول للامهات تجب فريضتها و هي «تبيع» أو «تبيعة» ثم لا تجب فيها شيء حتى يحول عليها حول آخر لا مستقلة و لا منضمة إلى السخال إذ المال لا يزكى من وجهين في عام واحد فإذا حال عليها الحول الآخر تعلقت الزكاة بها و فريضتها في هذه السنة «مسنة» لأنها بانضمامها إلى السخال قد بلغت أربعين فإذا بلغت اربعین و قد حال عليها الحول ففيها مسنة.

أقول: دخالة حولان الحول في الموضوع بحيث يكون الموضوع ما حال عليه الحول غير

ص: 202


1- جامع المدارك 2، صفحه 27

«و يلحق بهذا القسم على الأقوى ما لو كان الملك الجديد نصاباً مستقلاً و مكملاً للنصاب اللاحق كما لو كان عنده من الابل عشرون فملك في الأثناء ست اخرى أو كان عنده خمس ثم ملك احدى و عشرين و يحتمل الحاقه بالقسم الثاني» (1)

معلوم و لا فرق بين هذا الشرط و سائر الشرائط، هذا أولاً و ثانياً لو سلمنا ذلك فهو لا يقتضي ثبوت الفريضة بالنسبة إلى الامهات فقط، فإن ثبوت هذا يكون معارضاً بثبوت فريضة المجموع بعد ذلك أي بعد تمام الحول الذي مبدأه حدوث الزيادة فإن ثبوت هذا الحكم في ظرفه و موضوعیة المال له في هذا الظرف يكون معارضاً للحكم الأول و لا دليل على مرجحية السابق زماناً فلاحظ.

(1) قال المحقق الهمداني (رحمه اللّه) (ما خلاصته) إذا كان كلّ من السخال و الامهات مع الانفراد نصاباً و مع الانضمام مكملة لنصاب آخر كما لو كان عنده ست و ثلاثون من الإبل فملك بعد ستة أشهر سبعاً و عشرين أو إحدى عشرة أو سبعاً و أربعين فهل يستقل حينئذٍ كل منهما بحوله أو ينعقد للمجموع بعد نصاب الامهات حول، وجهان: أما وجه الاستقلال بالنسبة إلى كل منهما بحوله فلأن انضمام كل من الأصل إلى الزائد المفروض كونه نصاباً مستقلاً و كونه مكملاً للنصاب اللاحق إنما يوجب سقوط كل من النصابين عن الاستقلال إذا كان اللاحق المكمل بضم الزائد إلى الأصل جامعاً لشرائط التأثير بالفعل، و أما إذا لم يكن كذلك فلا مانع من أخذ كل من النصابين مستقلاً إذا حال عليه الحول فإذا كان عنده ستة و ثلاثون إبلاً و الزائد أحدعشر كان حولان الحول على الأصل موجباً لفعلية فريضته و هي ابنة لبون كما أنّ حولان الحول بالنسبة إلى الزائد موجب لثبوت فريضته و هي شاتان لأنّ في كل خمس من الابل شاة فالمانع منحصر في ما إذا كان الكل و هو ست و أربعون جامعاً للشرائط

ص: 203

بالفعل، و أما وجه الالحاق بالقسم الثاني و انعقاد الحول للمجموع بعد نصاب الامهات أنه متى اندرج الكل تحت نصاب آخر انحصر فريضته فيما جعله الشارع فريضة لذلك النصاب فالعشرة بعد الست و العشرين لا يكون فريضتها شاتين بحيث لو كان له ست و ثلاثون و كان عليه بنت مخاض لِست و عشرين و شاتان للعشرة.

و الحاصل: أنه متى اندرج الكل تحت نصاب كان المدار على الكل و لا يتبعض وحينئذٍ لا يعطى للعشرة بعد ست و عشرين شاتان كما أنّ الخمس بعد ست و عشرين معفو و لا يعطى من هذا الوجه شيء، ثم إن المحقق المذكور بعد ذلك أفاد أنّ الأوجه هو الأخير، و أفاد في وجهه ما خلاصته: أنّ المستفاد من قول الشارع بعد بيان النصب: «و كل ما لم يحل عليه الحول فلا شيء عليه» أنّ المراد بالاعداد التي وضعت عليها الزكاة هي الاعداد التي حال عليها الحول فالأصل و إن اندرج تحت الكل لكن لا يعتنى بالزائد قبل حولان الحول فهو قبل ذلك لا يكون بنصاب كي يصدق عليه انّ الكل مندرج تحت النصاب حتى يكون المدار هذا النصاب دون نصاب الاجزاء، فلا مناص من أخذ نصاب الأصل في الحول الأول ثم يعتبر بعد ذلك حولا للمجموع و بعد تمام الحول يؤخذ بنصاب الكل، ثم استشهد لهذا الدعوى بقوله كيف و لو قلنا بسببية أبعاض كل نصاب لايجاب فريضته عند تمام حولها قبل حول المجموع للزوم تنزيل اطلاق قوله (علیه السلام) -«فإذا كثرت الابل ففي كل خمسين حقة و في كل أربعين ابنة لبون» و كذا قوله (علیه السلام) في الغنم: «فإذا تمت أربعمأة ففي كل مأة شاة» و كذا ما ورد في سائر النصب من أنها إذا بلغت إحدى و ستين فكذا و غير ذلك من هذه الموارد- على الفرد النادر و هو ما لو دخل الجميع في ملكه دفعة بشرائط النصاب فمن ملك في كل يوم أو اسبوع أو شهر خمساً أو ستاً أو عشراً إلى خمس و عشرين حتى اجتمع عنده ألف أو ألفان من الابل لم يكن فريضتها على هذا تمام عمره إلّا شياةٌ يوماً فيوماً على التدريج و هذا مما يقطع بعدم ارادته من الأخبار.

ص: 204

«مسألة 14: لو أصدق زوجته نصاباً و حال عليه الحول وجب عليها الزكاة» (1)

(1) بلا خلاف كما عن الجواهر إذ النصاب صار ملكاً للزوجة بالعقد فيجب عليها الزكاة لتوفر الشروط فيه كما هو المفروض و هذه المسألة من صغريات المسألة المتقدمة من اشتراط الملك في النصاب.

لكن الماتن (رحمه اللّه) ذكرها دفعاً لما قد يتوهم أنّ الصداق حيث أنه يكون ملكاً متزلزلاً من جهة احتمال تحقق الطلاق قبل الدخول فلا تجب عليها الزكاة من ناحية التزلزل، لكن قد ذكرنا سابقاً أنه لا فرق في ذلك و أنّ مجرد الملك كافٍ في الوجوب إذا كان المملوك واجداً لسائر الشرائط بل يمكن أن يقال إنّ الملك في الصداق ملك مستقر، غاية الأمر إذا طلقها يرجع نصف المهر إليه و هذا ملك جديد للزوج لا أنه زوال لملكية الزوجة لنصف المهر من اول الامر بحيث يكون الطلاق كاشفاً عن عدم ملكها لأنه مبنى على القول بأنّ الزوجة تملك نصف المهر بالعقد و نصفه الآخر بالدخول، لكنه غير مرضى كما حقق في محله و عليه فلا وجه لعدم وجوب الزكاة عليها إذا حال على المال الحول و لم تكن مدخولاً بها ثم طلقت و لعله ظاهر لا اشكال فيه.

ص: 205

«و لو طلقها بعد الحول قبل الدخول رجع نصفه إلى الزوج و وجب عليها زكاة المجموع في نصفها و لو تلف نصفها يجب اخراج الزكاة من النصف الذي رجع إلى الزوج و يرجع بعد الاخراج عليها بمقدار الزكاة، هذا إن كان التلف بتفريط منها و أما إن تلف عندها بلا تفريط فيخرج نصف الزكاة من النصف الذي عند الزوج لعدم ضمان الزوجة حينئذٍ لعدم تفريطها، نعم يرجع الزوج حينئذٍ أيضاً عليها بمقدار ما اخرج» (1)

(1) قد تعرض الماتن (رحمه اللّه) في هذا المتن لفروع:

الفرع الأول: لو طلق زوجته قبل الدخول و بعد الحول و بعد الاخراج فالمعروف بين الأصحاب أنّ الزوج يرجع بنصف الموجود من المهر و بنصف قيمة التالف، أما النصف الموجود فبالطلاق، و أما نصف قيمة التالف فلأنّ الزوج شريك مع الزوجة في الصداق بعد تحقق الطلاق على النحو الشركة في العين كما هو ظاهر من قوله تعالى: {فنصف ما فرضتم} و حينئذٍ يكون التلف عليهما، غاية الأمر يرجع الزوج إلى الزوجة لتلفه عندها و استقراره عليها و أما على القول بأنّ الزوج يملك النصف على النحو الكلى في المعين، فيرجع حينئذٍ بتمام النصف فلو أصدق أربعين شاة، يرجع إلى نصفها و هو العشرين لا تسعة و عشر منها و قيمة نصف الشاة.

الفرع الثاني: أن يكون الطلاق قبل اخراج الزكاة فيصير المالك حينئذٍ ثلاثة، نصف للزوج و جزء من أربعين جزء للفقير و الباقي للزوجة فتجب الزكاة على الزوجة لحولان الحول في مالها و المفروض أنّ النصف الذي ملكه الزوج بالطلاق يكون بعده فيكون الملك مشتركاً بين الثلاثة و لا تنافي بينهم من هذه الناحية.

الفرع الثالث: لو تلف نصف الصداق لكن قبل اخراج الزكاة فإن كان التلف بافراطأو تفريط من الزوجة.

ص: 206

ذهب الماتن (رحمه اللّه) إلى أنّ الواجب يخرج من النصف الذي رجع إلى الزوج لتعلق الزكاة بالعين فتكون نسبة التلف إلى تمام العين، النصف و حينئذٍ إذا تعذر أحد النصفين بالتلف تعين الاخراج من نصف آخر، غاية الأمر بعد اخراج الزوج يرجع إلى الزوجة بالقيمة.

لكن مقتضى القاعدة عدم لزوم الاخراج من حصة الزوج بل تجب الزكاة على الزوجة و حيث إنها تلفت يجب عليها الاخراج من مال آخر لها و لذا قال سيدنا الاستاذ (رحمه اللّه) في المرتقي(1): أنه لا تفهم وجه كلام الماتن (رحمه اللّه) من لزوم الاخراج على الزوج ثم الرجوع إلى الزوجة.

أقول: لعل الوجه في كلامه أنه إذا تلف نصف المال قبل الاخراج و قبل الطلاق ثم تحقق الطلاق قبل الاخراج و قلنا إن كيفية تعلق الزكاة بالعين على نحو الكلى في المعين، يصير الباقي مشتركاً بين الفقراء و الزوج و ينتقل العين الباقية إلى الزوج، لكن مشتركة، فيجب عليه اخراج مال الفقراء، ثم يرجع إلى الزوجة.

و بعبارة اخرى: على القول بالكلى في المعين يتعلق حق الزوج بالنصف الموجود في الزائد عن مقدار تمام الزكاة في النصف الموجود، إذ تعلق الزكاة بمنزلة التلف بالنسبة إلى حق الزوج فحق الزوج حينئذٍ يرد على النصف الموجود من النصاب المتعلق لتمام الزكاة فيجب على الزوج حينئذٍ رد تمام الزكاة و يرجع إلى الزوجة باتلافها، النصف الموجب لضمانها حق الزوج من المال هذا، لكن هذا القول مبتنن على القول بأنّ كيفية تعلق الزكاة على العين نحو الكلى في المعين و قد ذكرنا ضعفه سابقاً.

و أما على القول بالاشاعة فذهب صاحب الجواهر (رحمه اللّه) إلى أنّ الظاهر كون حقه أيالزوج نصف الزكاة لا تمامها و يتبعها أي الساعي في النصف الآخر لأنّ الفرض التفريط منها فيوزع مقدار الفريضة على التالف و الموجود في يد الزوج فتخرج الزكاة عليهما

ص: 207


1- مرتقی جلد 1 صفحه 387

فيخرج النصف الموجود من حصته الزوج و نصف الآخر من مال الزوجة التالف، غاية الأمر يغرم الكل الزوجة فيتبعها الساعي.

الفرع الرابع: إذا تلف لا بتفريط، حكم الماتن (رحمه اللّه) بسقوط نصف الزكاة و اخراج النصف الآخر من حصة الزوج و رجوعه إلى الزوجة إذ لا ضمان مع عدم التفريط.

أقول: أما عدم الضمان فواضح و أما تعيين النصف الآخر في حصة الزوج و غرامتها له فلما ذكرنا في توجیه كلام الماتن (رحمه اللّه) من أنه مبتنن على القول بالكلى في المعين و أما على الاشاعة فيكون التلف على الملاك الثلاث فلابد من القول باشتراكهم في ما تلف و أخذ كل واحد منهم بالنسبة إلى حصته فنصف الباقي للزوج و نصف جزء من أربعين جزء للفقير و التالف للزوجة و هي تغرمه ذلك الجزء، نعم إذا قلنا بأنّ القيمة إحدي فردي التخيير في مقام الاخراج تتعين القيمة بالنسبة إلى الجزء الباقي في نصف الفريضة كما أنّ الأمر كذلك بالنسبة إلى الفرع السابق فالأظهر جواز دفع القيمة في الفرعين و عدم لزوم الاخراج على الزوج و رجوعه إلى الزوجة والله العالم.

ص: 208

«مسألة 15: إذا قال رب المال لم يحل على مالي الحول يسمع منه بلا بينة و لا يمين و كذا لو ادعى الاخراج أو قال تلف مني ما أوجب النقص عن النصاب» (1)

«مسألة 16: إذا اشترى نصاباً و كان للبائع الخيار فإن فسخ قبل تمام الحول فلا شيء على المشتري و يكون ابتداء الحول بالنسبة إلى البائع من حين الفسخ و إن فسخ بعد تمام الحول عند المشتري وجب عليه الزكاة و حينئذٍ فإن كان الفسخ بعد الاخراج من العين ضمن للبائع قيمة ما اخرج و إن أخرجها من مال آخر أخذ البائع تمام العين و إن كان قبل الاخراج فللمشتري أن يخرجها من العين و يغرم للبائع ما أخرج و أن يخرجها من مال آخر و يرجع العين بتمامها إلى البائع» (2)

(1) كل ذلك لصحيحة بريد بن معاوية قال سمعت أبا عبدالله (علیه السلام) يقول بعث أمير المؤمنين (علیه السلام) مصدقاً من الكوفة إلى باديتها فقال له يا عبدالله انطلق و عليك بتقوى الله وحده لا شريك له و لا تؤثر دنياك على آخرتك و كن حافظا لما ائتمنتك عليه راعياً حق الله فيه حتى تأتي نادي بني فلان فإذا قدمت فانزل بمائهم من غير أن تخالط أبياتهم ثم امض إليهم بسكينة و وقار حتى تقوم بينهم فتسلم عليهم ثم قل لهم يا عباد الله أرسلني إليكم ولي الله لآخذ منكم حق الله في أموالكم فهل لله في أموالكم من حق فتؤدوه إلى وليه فإن قال لك قائل لا فلا تراجعه و إن أنعم لك منهم منعم فانطلق معه من غير أن تخيفه أو تعده إلا خيرا فإذا أتيت ماله فلا تدخله إلا بإذنه فإن أكثره له فقل يا عبدالله أ تأذن لي في دخول مالك فإن أذن لك فلا تدخله دخول متسلط عليه فيه و لا عنف به فاصدع المال صدعين ثم خيره أي الصدعين شاء فأيهما اختار فلاتعرض له ثم اصدع الباقي صدعين ثم خيره فأيهما اختار فلا

ص: 209

تعرض له و لا تزال كذلك حتى يبقى ما فيه وفاء لحق الله في ماله فإذا بقي ذلك فاقبض حق الله منه و إن استقالك فأقله ثم اخلطهما و اصنع مثل الذي صنعت أولا حتى تأخذ حق الله في ماله فإذا قبضته فلا توكل به إلا ناصحاً شفيقا أميناً حفيظا غير معنف بشي ء منها ثم احدر كل ما اجتمع عندك من كل ناد إلينا نصيره حيث أمر الله عز و جل فإذا انحدر بها رسولك فأوعز إليه أن لا يحول بين ناقة و بين فصيلها و لا يفرق بينهما و لا يمصرن لبنها فيضر ذلك بفصيلها و لا يجهدنها ركوبا و ليعدل بينهن في ذلك و ليوردهن كل ماء يمر به و لا يعدل بهن عن نبت الأرض إلى جواد الطرق في الساعة التي فيها تريح و تغبق و ليرفق بهن جهده حتى تأتينا بإذن الله سبحانه سحاحا سمانا غير متعبات و لا مجهدات فنقسمهن بإذن الله على كتاب الله و سنة نبيه على أولياء الله فإن ذلك أعظم لأجرك و أقرب لرشدك ينظر الله إليها و إليك و آل جهدك و نصيحتك لمن بعثك و بعثت في حاجته فإن رسول الله ص قال ما ينظر الله إلى ولي له يجهد نفسه بالطاعة و النصيحة له و لإمامه إلا كان معنا في الرفيق الأعلى الحديث.(1)

فإنها باطلاقها تشمل جميع الصور المذكورة في المتن فلاحظ.

(2) أقول: البائع إما أن يفسخ قبل تمام الحول و اخرى بعده، و على الثاني إما أن يفرض الفسخ بعد الاخراج و اخرى قبل ذلك، و على الأول إما أن يكون الاخراج من العين و اخرى من مال آخر فهنا صور:

الصورة الاولى: أن يكون الفسخ قبل تمام الحول فحينئذٍ لا ريب أنه لا شيء على المشتري و لا على البائع، أما المشتري فلأنه زال ملكه أثناء الحول و أما البائع فلانتقال الملك إليه من حين الفسخ، فإن حال عليه الحول تجب عليه الزكاة و مبدأ الحول زمان الفسخ.

ص: 210


1- الوسائل، الباب 14 من أبواب زكاة الانعام، الحدیث: 1

الصورة الثانية: أن يكون بعد الحول فقد تقدم أنه يجب الأداء على المشتري لحولان الحول عنده و لا يضره تزلزل الملك كما مر مراراً.

الصورة الثالثة: أن يكون الفسخ بعد الاخراج، لكن كان اخراجه من نفس العين و حينئذٍ يكون المشتري ضامناً للبائع حيث إنه أتلف عليه بالاخراج، بل بمجرد تعلق الزكاة على العين بعد تحقق حولان الحول و هو عنده و حينئذٍ إن كان قيمياً، يجب عليه قيمته و إن كان مثلياً فمثله، إن فصلنا في باب الضمان بين الأمرين و إلّا فتكون العين في ذمته إلى زمان الأداء على تفصيل حقق في محله.

الصورة الرابعة: و هي ما يكون الاخراج من مال آخر فقد أفتى المصنف بأخذ البائع نفس العين من المشتري.

أورد عليه المحقق الخوئي (قدس سره ) أنّ هذا لا يستقيم بناء على ما هو المعروف بين الأعلام من زمن الشيخ الطوسي (رحمه اللّه) من أن الفسخ حل العقد من حين العقد و رجوع العينين المملوكين بنفس الملكية السابقة إن كانتا موجودتين و أما إذا كانتا تالفتين أو كانت إحديهما تالفة، تنتقل إلى البدل، فإذا كانت العين مملوكة بملكية جديدة، كانت في حكم التالف في الرجوع إلى البدل و لذا لو انتقل العين من المشتري إلى شخص ثالث ثم عاد إلى المشتري بالفسخ أو بغيره فإنّ العين و إن كانت موجودة بعينها لكن تكون الملكية جديدة، غير الملكية الثابتة عند العقد فهي بحكم التالفة.

و الحاصل: أنّ الملكية الحاصلة بالفسخ كالملكية الحاصلة بالبيع الجديدة أو الارث، فإذا باع الولد مملوكه من الأب ثم ورث منه بعد موته تصير الملكية جديدة و مقامنا من هذا القبيل فإن تعلق الزكاة موجب لخروج مقدارها من العين إلى ملك الفقير و الإخراج من مال آخر الذي هو بمثابة المبادلة مع ما في العين موجب لعوده إلى المالك لكن بالملكيةالجديدة، و هذا التبديل بمنزلة التلف فيكون مقدار المخرج، له و يغرم للبائع مثله أو قيمته فلا وجه لأخذ البائع تمام العين.

ص: 211

الصورة الخامسة: أن يكون الفسخ قبل الاخراج، حكم الماتن (رحمه اللّه) أنه للمشتري أن يخرجها من العين و يغرم للبائع ما أخرج و أن يخرجها من مال آخر و يرجع العين بتمامها إلى البائع.

و ذكر سيدنا الاستاذ (رحمه اللّه) في وجه ما أفاده الماتن (رحمه اللّه) أنّ الزكاة إذا تعلقت بالعين فلا محالة تكون العين راجعة مع الحق المذكور أي حق الفقراء إلى البائع بالفسخ فيها إذا كان ذلك قبل الاخراج و حينئذٍ فللمشتري باعتبار كون العين متعلقاً لحق الفقراء أن يخرج الزكاة من نفس العين و يغرم للبائع ما أخرج قيمة أو مثلاً و له أن يخرج من مال آخر.

لكن ما ذكره المحقق الخوئي (قدس سره ) في الصورة السابقة يجري في هذه الصورة أيضاً إذ قد خرج مقدار الزكاة عن الملك بمجرد الوجوب و تعلق الزكاة فعند الفسخ يكون هذا المقدار خارجاً عن ملك المشتري.

غاية الأمر أنّ له أن يعيده إلى الملك بالمبادلة الحاصلة من الاخراج من مال آخر فهو مخير بين الدفع من العين فيغرم للبائع حينئذٍ البدل و بين الدفع من الخارج كما أنه مخير بين دفع العين إلى البائع و بين الدفع البدل، لما عرفت أنّ المملوك بملكية جديدة في حكم التالف من حيث الرجوع إلى البدل فلا ملزم لأخذ البائع تمام العين أيضاً.

ص: 212

«فصل: في زكاة النقدين»

و هما الذهب و الفضة و يشترط في وجوب الزكاة فيهما مضافاً الى ما مرّ من الشرائط العامة امور:

الأول: النصاب ففي الذهب نصابان: الأول: عشرون ديناراً و فيه نصف دينار» (1)

(1) أما اشتراط النصاب فيهما فلا خلاف فيه نصاً و فتوى بل الاجماع بقسميه عليه كما في الجواهر، مضافاً الى اشتراطه بالشرائط العامة كما مر، و استدل على ذلك بنصوص متعددة كما يأتي، و أما حدّ النصاب ففي الفضة مائتا درهم، ففي كل مائتي درهم خمسة دراهم و هذا أيضاً لا اشكال فيه ظاهراً و استدل على ذلك بنصوص متظافرة لاحظ ما رواه الحلبي قال: سئل أبوعبدالله (علیه السلام) عن الذهب و الفضة ما أقل ما تكون فيه الزكاة، قال: مائتا درهم و عدلها من الذهب قال: و سألته عن النيف الخمسة و العشرة قال: ليس عليه شيء حتى يبلغ أربعين فيعطى من كل أربعين درهماً درهما.(1)

و ما رواه رفاعة النخاس قال: سأل رجل أباعبدالله (علیه السلام) فقال: إني رجل صائغ أعمل بيدي و أنه يجتمع عندي الخمسة و العشرة ففيها زكاة؟ فقال: إذا اجتمع مائتا درهم فحال عليها الحول فإن عليها الزكاة.(2)

و ما رواه الحسين بن يسار قال: سألت أباالحسن (علیه السلام) في كم وضع رسول الله (صلی الله علیه و آله و سلم) الزكاة؟ فقال: في كل مائتي درهم خمسة دراهم و إن نقصت فلا زكاة فيها، الحديث.(3)

و ما رواه سماعة عن أبي عبدالله (علیه السلام) قال: قال: في كل مائتي درهم خمسة دراهم من

ص: 213


1- الوسائل، الباب 2 من أبواب زكاة الذّهب و الفضّة، الحدیث: 1
2- نفس المصدر، الحدیث: 2
3- نفس المصدر، الحدیث: 3

الفضة و إن نقصت فليس عليك الزكاة، الحديث.(1)

و ما رواه أبوالربيع الشامي عن أبي عبدالله (علیه السلام) في حديث قال: أليس قد فرض الله الزكاة فلم يجعلها إلّا علی من يملك مائتي درهم.(2)

و ما رواه زرارة عن أبي جعفر (علیه السلام) في حديث قال: في الفضة إذا بلغت مائتي درهم خمسة دراهم و ليس فيما دون المائتين شيء فإذا زادت تسعة و ثلاثون على المائتين فليس فيها شيء حتى تبلغ الأربعين و ليس في شيء من الكسور شيء حتى تبلغ الأربعين و كذلك الدنانير على هذا الحساب.(3) و غيرها من الروايات الواردة في الباب المشار إليه.

و أما حد النصاب في الذهب فهو عشرون ديناراً و فيه نصف دينار كما هو المشهور بينهم نقلاً و تحصيلاً كما في الجواهر و عن الخلاف الاجماع عليه و عن الغنية أنه لا خلاف فيه و عن التذكرة إذا بلغ أحدهما يعنى النقدين وجب فيه ربع العشر فيجب في العشرين مثقالاً نصف دينار و في المائتين من الفضة خمسة دراهم باجماع علماء الاسلام، لكن مع ذلك كله قد نسب إلى ابني بابويه و جماعة من الأصحاب أن حده أربعون ديناراً و فيه دينار و لا زكاة دون هذا الحد.

منشأ الخلاف اختلاف النصوص الواردة في الباب و قد ورد في جملة مستفيضة منها التحديد بما ذهب إليه المشهور، لاحظ ما رواه سماعة عن أبي عبدالله (علیه السلام) في حديث: و من الذهب من كل عشرين ديناراً نصف دينار و إن نقص فليس عليه شيء.(4)

و ما رواه أحمد بن محمد بن أبي نصر قال: سألت أباالحسن (علیه السلام) عما اخرج المعدن من

ص: 214


1- الوسائل، الباب 2 من أبواب زكاة الذّهب و الفضّة، الحدیث: 4
2- نفس المصدر، الحدیث: 5
3- نفس المصدر، الحدیث: 6
4- الوسائل، الباب 1 من أبواب زكاة الذّهب و الفضّة، الحدیث: 4

قليل أو كثير هل فيه شيء؟ قال: ليس فيه شيء حتى يبلغ ما يكون في مثله الزكاة عشرين ديناراً.(1)

و ما رواه الحلبي قال: سئل أبوعبدالله (علیه السلام) عن الذهب و الفضة ما أقل ما تكون فيه الزكاة، قال: مائتا درهم و عدلها من الذهب.(2)

و ما رواه محمد بن مسلم قال: سألت أباعبدالله عن الذهب كم فيه من الزكاة؟ فقال: إذا بلغ قيمته مائتي درهم فعليه الزكاة.(3)

بتقريب أنّ قيمة عشرين ديناراً في ذاك الزمان تعادل مأتي درهم كما نقل عن الشيخ و قرره الشيخ الحر العاملي في الوسائل، بل عن بعض الأعلام مغروسیة هذا الأمر عند الرواة كما في رواية اسحاق بن عمار قال: سألت أباابراهيم (علیه السلام) عن رجل له مائة درهم و عشرة دنانير أعليه زكاة؟ قال: إن كان فر بها من الزكاة فعليه الزكاة قلت: لم يفر بها ورث مائة درهم و عشرة دنانير، قال: ليس عليه زكاة، قلت: فلا تكسر الدراهم على الدنانير و لا الدنانير على الدراهم؟ قال: لا.(4)

بل يشهد على ما ذكر ما ورد في باب الديات من التصريح بالتخيير بين ألف دينار و عشرة آلاف درهم، لاحظ ما رواه جميل بن دراج في الدية قال: ألف دينار أو عشرة آلاف درهم و يؤخذ من أصحاب الحلل الحلل و من أصحاب الإبل الإبل و من أصحاب الغنم الغنم و من اصحاب البقر البقر.(5)

و في قبال هذه الروايات ما رواه الفضلاء عن أبي جعفر و أبي عبدالله‘ قالا: في الذهب في كل أربعين مثقالاً مثقال، إلى أن قال: و ليس في أقل من أربعين مثقالاً

ص: 215


1- الوسائل، الباب 4 من أبواب ما يجب فيه الخمس، الحدیث: 1
2- الوسائل، الباب 1 من أبواب زكاة الذّهب و الفضّة، الحدیث: 1
3- نفس المصدر، الحدیث: 2
4- الوسائل، الباب 5 من أبواب زكاة الذّهب و الفضّة، الحدیث: 3
5- الوسائل، الباب 1 من أبواب ديات النّفس، الحدیث: 4

شيء.(1)

و ما رواه زرارة قال: قلت لأبي عبدالله (علیه السلام) رجل عنده مائة درهم و تسعة و تسعون درهماً و تسعة و ثلاثون ديناراً أيزكيها؟ فقال: لا ليس عليه شيء من الزكاة في الدراهم و لا في الدنانير حتى يتم أربعون ديناراً و الدراهم مائتا درهم، الحديث.(2) حيث استدل بهما على مسلك ابني بابويه (رحمه اللّه).

أقول: أما الرواية الاولى فقد حملت على وجوه منها ما عن الشيخ (رحمه اللّه) من أن الشيء المنفي، مطلق يشمل عشرين و ما دونه و الروايات الواردة في ثبوت الزكاة في العشرين يقيده فلا تنافي في البين.

أورد عليه المحقق الخوئي (قدس سره ): من أن الظاهر المنفي الوارد في المقام، تحديد عدم تعلق الزكاة فيما دون الأربعين أصلاً لا خصوص المورد لبعده عن المتفاهم العرفي فتأمل.

و منها: الحمل على التقية لموافقتها مع بعض العامة.

و أورد عليه أيضاً: أنّ هذا الحمل إنما يصح إذا كان مبنى الأكثر منهم هذا و أما إذا كان هذا القول موافقاً لبعض العامة و إن كان شاذاً قليلاً جداً فلا يكون منشأ للحمل على التقية.

و منها: حمل النصوص الدالة على الوجوب ظاهراً على الاستحباب بقرينة هذه الرواية، لكن لا وجه لهذا الحمل لظهور اللسان في المقامين على النفي و الإثبات و الوجوب و عدمه و هذا لسان المعارضة على حسب المتفاهم العرفي لوجود التهافت بينهما عرفاً،مضافاً إلى ضعف إسناد الشيخ الی علي بن الحسن الفضال كما نص عليه المحقق الأردبيلي (رحمه اللّه) لوقوع أحمد بن عبدون و على بن محمد بن الزبير و هما ليسا بموثقين.

و أما الرواية الثانية فأجاب عنها المحقق الخوئي (قدس سره ) أنّ الصدوق (رحمه اللّه) رواها بعين السند و

ص: 216


1- الوسائل، الباب 1 من أبواب زكاة الذّهب و الفضّة، الحدیث: 13
2- نفس المصدر، الحدیث: 14

المتن، غاية الأمر أن المذكور في روايته «تسعة عشر ديناراً» بدل «تسعة و ثلاثون» فكأنه وقع تحريف في الرواية إما من ناحية الشيخ أو النساخ فلا يمكن الإعتماد على ظاهر الرواية و يؤيد ذلك أن الشيخ (رحمه اللّه) ذكر هذه الرواية في التهذيب و مع ذلك لم يعلق عليها بشيء كما علق على صحيحة الفضلاء فيكشف أنّ الرواية لم تكن مخالفة لمذهبه حتى تحتاج إلى التعليق و التوجيه.

و يمكن أن يقال: إن الرواية التي ذكرها الصدوق (رحمه اللّه) غير ما رواه الشيخ، فمع تعدد الرواية أو احتماله، لا يمكن أن يجزم بما ذكره المحقق المذكور.

و أما عدم تعليقته الرواية، فلأنّ المسوق له الكلام غير ما نحن فيه حتى يكون في مقام رفع التنافي و لعله اكتفى بما ذكره قبل ذلك في رفع التنافي و لذا توجه تعليقته إلى جهة اخرى ذيل كلام المفيد (رحمه اللّه)(1): «و متى اجتمع نوعان فلم يبلغ كل واحد منهما حد كمال ما تجب فيه الزكاة فلا زكاة فيهما و إن كانا جميعاً يزيدان في القيمة على حد كمال ماتجب فيه الزكاة».

و على أي تقدير إذا فرضنا أنّ الطائفتان متعارضتان فلابد من العلاج.

قال صاحب الجواهر (رحمه اللّه): لا بأس بطرح هما في مقابل الروايات المتعددة و الاجماعات المتضافرة على ما سمعت سابقاً و تبعه السيد الخوئي (قدس سره ) حيث قال: -على ما في التقرير- إن هذه الرواية شاذة نادرة لا تكاد تنهض للمقاومة مع تلك النصوص فتطرح و يرد علمها إلى أهله و مع الغض عن ذلك تكون الطائفة الاولى موافقة لاطلاقالكتاب و الثانية مخالفة له فترجح الطائفة الاولى، بتقريب أنه قد ورد في تفسير قوله تعالى: {والذين يكنزون الذهب و الفضة و لا ينفقونها في سبيل الله فبشرهم بعذاب أليم}(2) أنّ المراد الامتناع عن الاداء حيث ورد حديث عن الرضا عليه آلاف التحية و

ص: 217


1- فراجع باب الزیادات فی الزكاة (تهذیب الاحكام جلد 4 صفحه 92)
2- التوبة / 34

الثناء عن آبائه: قال: لما نزلت هذه الآية: {والذين يكنزون الذهب و الفضة و لا ينفقونها في سبيل الله فبشرهم بعذاب أليم} قال رسول الله (صلی الله علیه و آله و سلم): كل مال يؤدى زكاته فليس بكنز و إن كان تحت سبع أرضين و كل مال لا يؤدى زكاته فهو كنز و إن كان فوق الأرض(1) و حينئذٍ تكون الآية ناظرة إلى النهي عن امتناع أداء الزكاة و مقتضى اطلاق الآية وجوبها في مطلق الذهب و الفضة حتى بمقدار دينار، لكن نرفع اليد عنه فيما نقطع بعدم الوجوب فيما دون العشرين دينار للتسالم فالآية مخصصة بهذا المقدار.

لكن الكلام في سند الرواية فإن فيها البيهقي و المجاشعي و هما مجهولان، هذا كله إذا لم نقل بمرجحية الأحدث و إلّا فكما قال سيدنا الاستاذ دام ظله تكون الطائفة الاولى مقدمة إذ فيها ما هو الأحدث لاحظ ما رواه البزنطي قال: سألت أباالحسن (علیه السلام) عما أخرج المعدن من قليلٍ أو كثيرٍ هل فيه شي ء قال ليس فيه شي ء حتى يبلغ ما يكون في مثله الزكاة عشرين ديناراً.(2)

ص: 218


1- الوسائل، الباب 3 من أبواب ما تجب فيه الزّكاة، الحدیث: 26
2- الوسائل، الباب 4 من أبواب ما یجب فيه الخمس، الحدیث: 1

«و الدينار مثقال شرعي و هو ثلاثة أرباع الصيرفي فعلى هذا النصاب الأول بالمثقال الصيرفي خمسة عشر مثقالاً و زكاته ربع المثقال و ثمنه، و الثاني أربعة دنانير و هي ثلاثة مثاقيل صيرفية» (1)

«و فيه ربع العشر أي من أربعين واحد فيكون فيه قيراطان إذ كل دينار عشرون قيراطاً ثم إذا زاد أربعة فكذلك و ليس قبل أن يبلغ عشرين ديناراً شيء كما أنه ليس بعد العشرين قبل أن يزيد أربعة شيء و كذا ليس بعد هذه الأربعة شيء إلّا إذا زاد أربعة اخرى و هكذا، و الحاصل أنّ في العشرين ديناراً ربع العشر و هو نصف دينار و كذا في الزائد إلى أن يبلغ أربعة و عشرين و فيها ربع عشره و هو نصف دينار و قيراطان و كذا في الزائد إلى أن يبلغ ثمانية و عشرين و فيها نصف دينار و أربعة قيراطات و هكذا و على هذا فإذا أخرج بعد البلوغ إلى عشرين فما زاد من كل أربعين واحداً فقد أدى ما عليه و في بعض الأوقات زاد علی ما عليه بقليل فلا بأس باختيار هذا الوجه من جهة السهولة» (2)

(1) اما تقدير النصاب الثاني أربعة دنانير فيدل عليه ما رواه على بن عقبة و عدة من أصحابنا عن أبي جعفر و أبي عبدالله‘ قالا: ليس فيما دون العشرين مثقالاً من الذهب شيء فإذا كملت عشرين مثقالاً ففيها نصف مثقال إلى أربعة و عشرين فإذا كملت أربعة و عشرين ففيها ثلاثة أخماس دينار إلى ثمانية و عشرين فعلى هذا الحساب كلما زاد أربعة(1)

ص: 219


1- الوسائل، الباب 1 من أبواب زكاة الذّهب و الفضّة، الحدیث: 5

و ما رواه ابن عيينة عن أبي عبدالله (علیه السلام) قال: إذا جازت الزكاة العشرين ديناراً ففي كل أربعة دنانير عشر دينار(1) مضافاً إلى ادعاء الاجماع على ذلك.

(2) لا يخفى أنّ نسبة الفريضة في المقام إلى كل من النصاب الأول و الثاني نسبة الواحد إلى الأربعين إذ نصف المثقال في الأول ربع العشرين كما أن قيراطين من أربعة دنانير نسبته إلى النصاب نسبة الواحد إلى الأربعين إذ كل دينار عشرون قيراطاً و على هذا فلو أخرج زكاته بعد تجاوز العشرین بهذه النسبة أي نسبة الواحد إلى الأربعين كان قد أدى زكاته بل مع الزيادة عليه بقليل في بعض الموارد كما فيما بين النصابين و حينئذٍ إذا كان عنده ست و عشرون ديناراً و أخرج من المجموع نسبة الواحد إلى الأربعين زاد ذلك لا محالة على ما لو أخرج نصف دينار للعشرين و قيراطين للأربعة الزائدة عليه لأنه على الحساب الأول یحاسب الزائد أي دينارين و هذا بخلاف الثاني فإنه لم يحسب الزائد و هذا واضح ظاهر.

و أما تحديد المثقال الشرعي بثلاثة أرباع بالمثقال الصيرفي -فهو على ما نقل- متداول بين عصرنا فإن المثقال في زماننا أربعة و عشرون حمصة بالحمصة المتعارفة (24 نخود) فيكون الشرعي ثماني عشرة حمصة (18 نخود) فيكون المثقال الصيرفي مثقالاً شرعياً و ثلثه فيكون على هذا الحساب المثقال الشرعى خمسة و عشر مثقالاً صيرفياً ففيه ربع المثقال و ثمنه الذي هو ثلاثة أرباع النصف، هذا كله إذا علمنا أنّ المثقال الشرعي ما ذكر و أما إذا شككنا فمقتضى اطلاق الآية وجوب الإخراج ما لم نقطع بالخروج.

ص: 220


1- الوسائل، الباب 1 من أبواب زكاة الذّهب و الفضّة، الحدیث: 6

«و في الفضة نصابان: الأول: مائتا درهم و فيها خمسة دراهم و الثاني: أربعون درهماً و فيها درهم» (1)

«و الدرهم نصف المثقال الصيرفي و ربع عشره و على هذا فالنصاب الأول مائة و خمسة مثاقيل صيرفية والثاني واحد وعشرون مثقالاً» (2)

«وليس فيما قبل النصاب الأول ولا فيما بين النصابين شيء على ما مر و في الفضة أيضاً بعد بلوغ النصاب إذا أخرج من كل أربعين واحداً فقد أدى ما عليه وقد يكون زاد خيراً قليلا»(3)

(1) أما تحديد نصاب الفضة بالمقدار المذكور فيدل عليه ما رواه الحلبي قال: سئل أبو عبدالله (علیه السلام) عن الذهب و الفضة ما أقل ما تكون فيه الزكاة قال مائتا درهم و عدلها من الذهب قال و سألته عن النيف الخمسة و العشرة قال ليس عليه شي ء حتى يبلغ أربعين فيعطي من كل أربعين درهماً درهماً(1)

و ما رواه رفاعة(2) و ما رواه الحسين بن اليسار (البشار)(3) و ما رواه سماعة(4) و ما رواه أبوالربيع الشامي(5) و ما رواه زرارة(6) مضافاً إلى ادعاء عدم الخلاف بل الاجماع بقسميه عليه كما في الجواهر بل ادعى أن النصوص يمكن دعوى تواترها.

(2) للاجماع و عن المجلسي (رحمه اللّه) أنه مما اتفق عليه اجماع العامة و الخاصة، هذا إذااطمئننا بذلك فهو و إلا فمقتضى الإستصحاب عدم تحقق النصاب إلا إذا أحرزنا

ص: 221


1- الوسائل، الباب 2 من أبواب زكاة الذّهب و الفضّة، الحدیث: 1
2- نفس المصدر، الحدیث: 2
3- نفس المصدر، الحدیث: 3
4- نفس المصدر، الحدیث: 4
5- نفس المصدر، الحدیث: 5
6- نفس المصدر، الحدیث: 6

بلوغه، نعم على مقتضى العموم أى عموم الآية {الذين يكنزون} وجوب الزكاة في مطلق النقدين خرجنا عن ذلك فيما يقطع بكونه أقل من عشرين ديناراً و أما الزائد عليه المشكوك فيه بشبهة مفهومية فالمرجع فيه العموم المقتضى لوجوب الزكاة.

(3) و الأمر كما أفاده بمقتضى النصوص الواردة في الباب منها ما رواه الحلبي(1) و منها ما رواه رفاعة النخاس(2) و منها ما رواه زرارة(3)

و منها ما رواه محمد بن مسلم و أبي بصير و بريد و الفضيل بن يسار عن أبي جعفر و أبي عبدالله‘ في حديث قالا: في الورق في كل مائتين خمسة دراهم و لا في أقل من مائتي درهم شيء و ليس في النيف شيء حتى يتم أربعون فيكون فيه واحد(4)

و منها ما رواه زرارة عن أحدهما‘ قال: ليس في الفضة زكاة حتى تبلغ مائتي درهم فإذا بلغت مائتي درهم ففيها خمسة دراهم فإذا زادت فعلى حساب ذلك في كل أربعين درهماً درهم و ليس في الكسور شيء الحدیث(5) و غيرها.

ص: 222


1- الوسائل، الباب 2 من أبواب زكاة الذّهب و الفضّة، الحدیث: 1
2- نفس المصدر، الحدیث: 2
3- نفس المصدر، الحدیث: 6
4- نفس المصدر، الحدیث: 7
5- نفس المصدر، الحدیث: 8

«الثاني أن يكونا مسكوكين بسكة المعاملة» (1)

(1) و استدل عليه بجملة من الروايات لاحظ ما رواه على بن يقطين عن أبي ابراهيم (علیه السلام) قال: قلت له: إنه يجتمع عندي الشيء فيبقى نحواً من سنة أنزكيه؟ فقال: لا، كل ما لم يحل عليه الحول فليس عليك فيه زكاة و كل ما لم يكن ركازاً فليس عليك فيه شيء، قال: قلت: و ما الركاز؟ قال: الصامت المنقوش ثم قال: إذا أردت ذلك فاسبكه فإنه ليس في سبائك الذهب و نقار الفضة شيء من الزكاة(1)

بتقریب أنّ الظاهر من المنقوش هو المسكوك بالسكة المعاملة خارجاً لامورٍ:

الاول: عدم وجوب الزكاة فی الحلی كما سیاتی مع وجود مطلق النقش فیه غالباً بل فی بعض الروایات اتخاذ الدرهم و الدینار حلیاً لاحظ ما رواه ابن عمار(2)

الثانی: جعل السبك مفراً لعدم وجوب الاخراج كما فی بعض الروایات.

الثالث: أنّ فی بعض الروایات جعل المدار ثبوت المنفعة كما فی روایة علی بن یقطین عن أبي الحسن موسى (علیه السلام) قال: لا تجب الزكاة فيما سبك فراراً به من الزكاة أ لا ترى أن المنفعة قد ذهبت فلذلك لا تجب الزكاة(3) و روایة علي بن يقطين عن أبي إبراهيم (علیه السلام) قال: لا تجب الزكاة فيما سبك قلت فإن كان سبكه فراراً من الزكاة قال أ لا ترى أن المنفعة قد ذهبت منه فلذلك لا يجب عليه الزكاة.((4) فی وجوبها و زوالها فی عدم الوجوب.

و مرسلة جميل أنه قال: ليس في التبر زكاة إنما هي على الدنانير و الدراهم(5)

ص: 223


1- الوسائل، الباب 8 من أبواب زكاة الذّهب و الفضّة، الحدیث: 2
2- الوسائل، الباب 9 من أبواب زكاة الذّهب و الفضّة، الحدیث: 6
3- الوسائل، الباب 11 من أبواب زكاة الذّهب و الفضّة، الحدیث: 3
4- نفس المصدر، الحدیث: 2 ([4])
5- الوسائل، الباب 8 من أبواب زكاة الذّهب و الفضّة، الحدیث: 3

و ما رواه جميل عن أبي عبدالله و أبي الحسن‘ أنه قال: ليس في التبر زكاة إنما هي على الدنانير و الدراهم(1)

و الحديث الأول ضعيف بالعبيدي بطريق الشيخ (رحمه اللّه) لكن في طريق الكليني (رحمه اللّه) السند قوي لا بأس به فالرواية معتبرة و الثاني بالأرسال و الثالث بجعفر بن محمد بن حكيم إلا أن يقال: إنه في طريق أسناد كامل الزيارات و قد يستدل على ذلك بعنوان الدرهم و الدينار الواردان في النصوص إذ هما غير منفكين عن كونهما مسكوكين.

لكن أجيب عنه بأنّ الموضوع في بعض الروايات عنوان الذهب و الفضة بحيث إذا بلغت قيمتها مائتي درهم أو عدلها من الذهب تجب فيهما الزكاة لاحظ ما رواه الحلبي قال: سئل أبو عبدالله (علیه السلام) عن الذهب و الْفضة ما أقل ما تكون فيه الزكاة قال مائتا درْهم و عدلها من الذهب.(2) و ما رواه محمد بن مسلم(3)

لكن في المعتبر من الروايات غنى و كفاية فيلزم أن يكونا مسكوكين كما في كلمات الأعلام (رحمه اللّه) و عن المدارك هذا قول علمائنا أجمع و عن التذكرة دعوى اجماع علماء الامامية عليه.

قد يقال إنّ المستفاد من رواية جميل، كون المدار صدق عنوان الدرهم و الدينار، لا التبر و إن كانت قيمته عشرين ديناراً أو مائتا درهم فما يستفاد من رواية ابن مسلم من أن المدار هو القيمة غير معارض له، إذ الرواية من ناحية كونهما مسكوكين أو غيرهما مطلقة، فيمكن أن تقيد رواية جميل و مع التعارض تكون رواية الجميل مقدماً، لكونها أحدث،لكن السند ضعيف كما تقدم، لكن سيأتي الكلام في الجمع بين الروايات الواردة في الأبواب المختلفة و نتيجة الجمع بينها إن شاء الله تعالى.

ص: 224


1- نفس المصدر، الحدیث: 5
2- الوسائل، الباب 1 من أبواب زكاة الذّهب و الفضّة، الحدیث: 1
3- نفس المصدر، الحدیث: 2

«سواء كان بسكة الاسلام أو الكفر بكتابة أو غيرها، بقيت سكتهما أو صار ممسوحين بالعارض» (1)

«و أما إذا كانا ممسوحين بالأصالة فلا تجب فيهما إلّا إذا تعومل بهما فتجب على الأحوط» (2)

(1) كل ذلك للإطلاق و الاتفاق الشامل لكل ذلك.

(2) أقول: المستفاد من الرواية أي رواية علي بن يقطين(1) كون المدار في الوجوب و موضوعه في الذهب و الفضة ما يكون مصداقاً للدرهم و الدينار المسكوكين بسكة المعاملة و أن يتعامل بهما خارجاً و أما إذا لم يكن كذلك، إما لم يكونا مسكوكين أو كانا كذلك، لكن لم يتعامل بهما فلا تجب الزكاة و أما إذا كانا ممسوحين بالأصالة و حيث ان المصنف لم يجزم بذلك احتاط في وجوبها لكن يلزم على ذلك أن يحتاط في الممسوحين بالعارض أيضاً مع أنه (رحمه اللّه) أفتى بوجوبها و على أي حال يكون المنشأ لوجوبها استصحاب وجوب الزكاة و هو متوقف على أمرين:

الأول: جريان الاستصحاب في الشبهات المفهومية.

الثاني: جريان الاستصحاب التعليقي و حينئذٍ يمكن أن یكون المنشأ في وجوب الزكاة في العارض و الاحتياط في الأصالة جريانه في الأول دون الثاني.

فنقول: أما الاستصحاب في الشبهة المفهومية فصحيح كما ذكرنا مراراً و أما الاستصحاب التعليقي فمشكلٌ، فالتحقيق يقتضى أن يقال أن الروايات الواردة فيالمقام على أقسام:

الأول: ما اشتمل على لفظ الذهب و الفضة.

الثاني: ما اشتمل على لفظ الدرهم و الدينار لكن مقيداً بالنقش و من المعلوم أنّ المراد

ص: 225


1- الوسائل، الباب 8 من أبواب زكاة الذّهب و الفضّة، الحدیث: 2

بالمنقوش هو المسكوك بالسكة المعاملية و الرواج المعاملي إذ لم يتوهم أحد لوجوب الزكاة في الذهب و الفضة إذا كانا منقوشين للزينة و أثاث البيت و تزيين الأبواب و الجدران.

الثالث: ما اشتمل على بقاء المنفعة و عدم ذهابهما و هو أيضاً عبارة اخرى عن رواج المعاملة و عدم سقوطها و حينئذٍ يكون مرجع جميع الروايات بعد ردّ بعضها إلى بعض إلى وجوب الزكاة في الدرهم و الدينار المسكوكين الرائج في المعاملات فكل ذهب و فضة كانا كذلك تجب فيهما الزكاة و حينئذٍ إذا مسحت أو لم يعامل بهما بل كانتا مجرد ذهب أو فضة محضة و لا ينتفع بهما ما كان ينتفع حال كونهما درهماً أو ديناراً يصح أن يقال إنه قد زالت المنفعة فلا تجب الزكاة و إذا كان المناط في سقوط الزكاة زوال المنفعة لا يفرق في ذلك بين أن يكون بالاختيار و لغاية الفرار أم صار كذلك قهراً لأجل المسح العارض على نحو سقط عنه اسم الدينار و الدرهم.

نعم لو عرض عليهما المسح، لكن يصدق عليه عنوان الدرهم أو الدينار فلا بأس بالقول بوجوب الزكاة فيهما فالإحتياط في محله بالنسبة إلى الممسوح بالعارض و الممسوح بالأصالة إذا تعومل بهما، إنما عبرنا بالاحتياط لأن الروايات الواردة في ذهاب المنفعة ضعيفة سنداً فراجع.

نعم إذا كان المدار صدق عنوان الدرهم و الدينار كما استظهرناه سابقاً فوجوب الزكاة فيه مشكلٌ جداً و مجرد المعاملة لا يوجب ذلك.

ص: 226

«كما أن الاحوط ذلك أيضاً إذا ضربت للمعاملة و لم يتعامل بهما أو تعومل بهما لكنه لم يصل رواجها إلى حد يكون دراهم أو دنانير» (1)

(1) قد ذكرنا أنّ المدار في الوجوب كونهما مسكوكين بسكة المعاملة الرائجة بحيث يكونا ممحضين في الثمنية و حينئذٍ فلا زكاة إذا انتفى أحد الأوصاف المذكورة، فإذا كانا مسكوكين بسكة المعاملة الرائجة، فلا اشكال في وجوب الزكاة و أما إذا كانا مسكوكين و لم يتعامل بهما أصلا أو قد يعامل بهما لكن لم تكن رائجة بحيث يعدان درهماً أو ديناراً بل يتصف بهما بعد ذلك فالظاهر أنه لا زكاة فيهما و قد ادعى عليه التسالم بين الأصحاب كما أن الظاهر من الدليل عنوان الدرهم و الدينار فعلاً لا مثالاً.

و أما إذا كانا مسكوكين بسكة المعاملة الرائجة قبل ذلك و الآن سقط عن الرواج بأي دليل من تغيير الحكومة أو اسقاط السلطان بحيث لا يعدان من الأثمان بل صارا مرغوباً إليهما من جهة المادة أو كونهما من السكائك القديمة و الآثار العتيقة، فعن المشهور بين الاعلام (رحمه اللّه) عدم وجوب الزكاة فيهما بل ادعى الاجماع عليه و عن الجواهر لم أر فيه خلافاً و استدل على ذلك بامور:

الامر الأول: الاستصحاب بتقريب أن هذا المسكوك كان متعلقاً للزكاة فالآن أيضاً كذلك.

أورد عليه بوجوه:

الأول: أنّ الموضوع قد تبدل لتبدل الوصف الدخيل في الموضوع و هو كونهما درهمين أو دينارين بحيث كانا من الأثمان و الآن قد هجر هذا الوصف العنواني المقوم للموضوع فلا يجري الاستصحاب.

الثاني: أنّ الاستصحاب التعليقيٌ و لا نقول به، بتقريب أنّ الوجوب لم يكن ثابتاً و فعلياً سابقاً بل معلقاً على تقدير حلول الحول و بقاء العين و غيرهما من الشرائط فلم

ص: 227

يكن الحكم منجزاً سابقاً حتى نستصحب، لكن يمكن أن يقال: إنه ننقل الكلام فيما إذا اجتمعت هذه الشرائط و الشك بالنسبة إلى سقوط الرواج من أنه بعد سقوط الرواج هل تجب الزكاة مع اجتماع سائر الشرائط أم لا؟ إلّا أن يقال: أنه بالنسبة إلى هذا الشرط أيضاً تعليقي بأن يقال: إنّ هذه السكة لو كانت رائجة بالفعل وجبت الزكاة فيها و الآن كما كان فالاستصحاب تعليقي.

الثالث: أنّ الشبهة حكمية و لا يجري الاستصحاب في الأحكام الكلية للمعارضة المحققة و المقررة في محله أي المعارضة بين الجعل و المجعول، فتأمل.

الامر الثاني: الاجماع، لكنه مردودٌ إذ التعبدي منه غير معلوم لاحتمال المدركية و المحصل منه غير حاصل و المنقول منه غیر مقبول.

الامر الثالث: كون المشتق حقيقة في الأعم من المتلبس و ما انقضى عنه المبدأ و فيه أنه خلاف التحقيق كما حقق في محله فلا دليل على الوجوب و أما الاستدلال على عدمه برواية على بن يقطين المعللة بذهاب المنفعة، فقد تقدم أنها ضعيفة سنداً لاسماعيل بن مرار، نعم لو قلنا بوثاقة أسناد التفسير لعلى بن ابراهيم، فالسند تام و لا يبعد ذلك.

ص: 228

«و لو اتخذ الدرهم أو الدينار للزينة فإن خرج عن رواج المعاملة لم تجب فيه الزكاة و إلّا وجبت» (1)

(1) قال صاحب الجواهر (رحمه اللّه) لو اتخذ المضروب بالسكة للزينة كالحُلي و غيرها، ففي الروضة و شرحها للاصبهاني لم يتغير الحكم، زاده الاتخاذ أو نقصه في القيمة مادامت المعاملة به على وجهه ممكنة لاطلاق الادلة و الاستصحاب الذي به يرجح الاطلاق المزبور على ما دل على نفيها عن الحلي و إن كان التعارض بينهما من وجه بل يحكم عليه، لأن الخاص و إن كان استصحاباً يحكم على العام و إن كان كتاباً، مضافاً إلى ما قيل من أن المفهوم من نصوص الحلي المعد لذلك أصالة، انتهى موضع الحاجة.

أقول: إنّ مقتضى اطلاق أدلة وجوب الزكاة في الدراهم و الدنانير، وجوبها في المقام كما أن مقتضى اطلاق أدلة الحُلي، عدم وجوب الزكاة لاحظ ما رواه هارون بن خارجة عن أبي عبدالله (علیه السلام) في حديث قال: ليس على الحلي زكاة(1)

و ما رواه محمد الحلبي عن أبي عبدالله (علیه السلام) قال: سألته عن الحلي فيه زكاة؟ قال: لا(2)

و ما رواه رفاعة قال: سمعت أباعبدالله (علیه السلام) و سأله بعضهم عن الحلي فيه زكاة؟ فقال: لا و لو بلغ مائة ألف(3)

و ما رواه محمد الحلبي عن أبي عبدالله (علیه السلام) قال: سألته عن الحلي فيه زكاة؟ قال: لا(4)

و ما رواه معاوية بن عمار عن أبي عبدالله (علیه السلام) قال: قلت له: الرجل يجعل لأهله الحٌلي من مائة دينار و المائتي دينار و أراني قد قلت ثلاثمائة فعليه الزكاة؟ قال: ليس فيه زكاة(5)

ص: 229


1- الوسائل، الباب 9 من أبواب زكاة الذّهب و الفضّة، الحدیث: 2
2- نفس المصدر، الحدیث: 3
3- نفس المصدر، الحدیث: 4
4- نفس المصدر، الحدیث: 5
5- نفس المصدر، الحدیث: 6

و ما رواه علي بن يعقوب الهاشمي قال سألت أباعبدالله (علیه السلام) عن الحلي عليه زكاة؟ قال: إنه ليس فيه زكاة و إن بلغ مائة ألف درهم كان أبي يخالف الناس في هذا(1)

فالتعارض بينهما يكون بالعموم من وجه لاجتماعهما في الدرهم و الدينار الذين أخذا حلياً.

و قد أفاد صاحب الجواهر (رحمه اللّه) بتقديم اطلاق الأدلة الدالة على الوجوب لموافقتها مع الاستصحاب و نقل أن الخاص مقدم على العام و لو كان الخاص استصحاباً.

أورد عليه المحقق الهمداني (رحمه اللّه) بأن الاستصحاب لا يكون مرجحاً لاطلاق دليل المثبت إذ الاصول العملية في طول الأدلة الإجتهادية و لذا يقال ان الأصل أصيل حيث لا دليل و بعد ذلك أفاده (رحمه اللّه) في وجه التقديم بأمرين:

الامر الأول: التعليل الوارد في بعض الأخبار الحٌلي، النافية للزكاة و هو قوله (علیه السلام) فى صحيحة يعقوب بن شعيب: قال: سألت أباعبدالله (علیه السلام) عن الحلي أيزكى؟ فقال: اذن لا يبقى منه شيء(2)

بتقريب أنّ المستفاد من التعليل المذكور هو اختصاص مشروعية الزكاة بالمال الذى يمكن صرفه و اخراج الزكاة من عينه و أما الذي لا يمكن اخراجه من عينه و إلّا خرج عن كونه حُلياً فلم تشرع الزكاة فيه، و فيه إنّا لم نفهم المراد من قوله (علیه السلام): «اذن لا يبقى» إذ من الواضح أن الحلي إذا كان بمقدار عشرين ديناراً فمع دفع نصف الدينار لا يوجب خروجها عن كونها حلياً، نعم يوجب النقص و هذا لا يوجب الخروج فالتعليل غير معلوم فكيف يمكن أن يكون مرجحاً فما أفاده المحقق الخوئى (قدس سره ) من الاخراج يؤدى إلى الزوال و الاضمحلال و لم يبق منه شيء بعد سنين عديدة لم يعرف له وجه.

الأمر الثاني: ما أفاده أيضاً و تبعه المحقق الخوئي (قدس سره ) من أنه لو كان بين عنوانين عموم

ص: 230


1- الوسائل، الباب 9 من أبواب زكاة الذّهب و الفضّة، الحدیث: 7
2- نفس المصدر، الحدیث: 1

من وجه و كان تقديم أحدهما مستلزماً للغوية العنوان في الجانب الآخر دون العكس، قُدم الثاني الذى هو سليم عن هذا المحذور و ما نحن فيه من هذا القبيل، إذ لا محذور في تقديم أدلة عدم تعلق الزكاة بالحلي إلّا تقييد أدلة تعلقها بالدرهم و الدينار بالغير المستعمل في الحلي و هذا بخلاف العكس إذ لو قدمنا أدلة تعلقها بها و قيدنا أدلة الحلي بغير الدراهم و الدنانير لم تبق حينئذٍ خصوصية لعنوان الحلي في الحكم بعدم الزكاة، ضرورة أنّ غير الحلي من غير الدراهم و الدنانير من سبائك لا زكاة فيه، فالحلي و غير الحلي سيان من هذه الجهة بعد فرض كون الموضوع غير الدرهم و الدينار كما هو مقتضى التقييد المزبور فيلزم الغاء هذا العنوان، مع أنّ الظاهر من الدليل أن له دخلاً في الحكم فلابد من تقييد أدلة الزكاة بما عدا الحلي.

أضف إلى ذلك كله أنه ورد في مورد الدراهم و الدنانير التي اخذت حلياً أنه لا زكاة فيها و حينئذٍ تكون هذه الرواية ناظرة إلى الروايات الدالة على وجوب الزكاة في الدراهم و الدنانير فتكون حاكمة عليها إلّا أن يقال: إن الرواية مختصة بالحلي و الكلام في مطلق التزيين.

ص: 231

«الثالث: مضي الحول» (1)

(1) بلا خلاف أجده فيه بل الاجماع بقسميه عليه، هكذا في الجواهر و استدل على ذلك بجملة من النصوص:

لاحظ ما رواه الحلبي قال: سألت أباعبدالله (علیه السلام) عن الرجل يفيد المال، قال: لا يزكيه حتى يحول عليه الحول(1)

و علي بن يقطين عن أبي ابراهيم (علیه السلام) قال: قلت له: إنه يجتمع عندي الشيء فيبقى نحواً من سنة اُزكيه؟ قال: لا كل ما لا يحل عليه عندك الحول فليس عليك فيه زكاة، الحديث(2)

و زرارة عن أبي جعفر (علیه السلام) أنه قال: الزكاة على المال الصامت الذي يحول عليه الحول و لم يحركه(3)

و ما رواه ایضاً عن الحلبی قال: قلت لأبي عبدالله (علیه السلام) ما في الخضر قال و ما هي قلت القضب و البطيخ و مثله من الخضر قال ليس عليه شي ء إلا أن يباع مثله بمال فيحول عليه الحول ففيه الصدقة و عن الغضاة من الفرسك و أشباهه فيه زكاة قال لا قلت فثمنه قال ما حال عليه الحول من ثمنه فزكه.(4)

و رفاعة النخاس قال: سأل رجل أبا عبدالله (علیه السلام) فقال إني رجل صائغ أعمل بيدي و إنه يجتمع عندي الخمسة و العشرة ففيها زكاة فقال إذا اجتمع مائتا درهم فحال عليها الحول فإن عليها الزكاة.(5).

ص: 232


1- الوسائل، الباب 15 من أبواب زكاة الذّهب و الفضّة، الحدیث: 1
2- نفس المصدر، الحدیث: 3
3- نفس المصدر، الحدیث: 4
4- الوسائل، الباب 11 من أبواب ما تجب فیه الزكاة، الحدیث: 2
5- الوسائل، الباب 2 من أبواب زكاة الذّهب و الفضّة، الحدیث: 2

«بالدخول في الشهر الثاني عشر جامعاً للشرائط التي منها النصاب، فلو نقص في أثنائه عن النصاب سقط الوجوب» (1)

«و كذا لو تبدل بغيره من جنسه أو غيره و كذا لو غُيّر بالسبك سواء كان التبديل أو السبك بقصد الفرار من الزكاة أو لا، على الأقوى و إن كان الأحوط الاخراج على الأول» (2)

(1) و الدليل على ذلك ما رواه زرارة و محمد بن مسلم حیث قال (علیه السلام) فیها: ... إنه حین رأی هلال الثانی عشر وجبت علیه الزكاة(1) و قد ذكرنا حول مسألة اشتراط الحول في زكاة الأنعام مفصلا فراجع.

(2) في هذا الفرض تارة نبحث على مقتضى القاعدة الأولية و اخرى على مقتضى النص.

أما الأول: فالأمر ظاهر لأن مقتضى اشتراط مضي الحول و هو باقٍ على الشرائط، عدم الوجوب لأنه بالتبدیل أو السبك قد خرج عن كونه درهماً أو ديناراً.

و أما الثاني: فقد ورد في جملة من الروايات سقوط الزكاة بالتبدیل و السبك و إن كان الداعي إليه الفرار من الزكاة لاحظ ما رواه عمر بن يزيد قال: قلت لأبي عبدالله (علیه السلام) رجل فر بماله من الزكاة فاشترى به أرضا أو دارا أ عليه فيه شي ء فقال لا و لو جعله حليا أو نقرا فلا شي ء عليه و ما منع نفسه من فضله أكثر مما منع من حق الله الذي يكون فيه.(2)

و ما رواه على بن يقطين عن أبي ابراهيم (علیه السلام) قال: لا تجب الزكاة فيما سُبك. قلت:فإن كان سبكه فراراً من الزكاة؟ قال: ألا ترى أنّ المنفعة قد ذهبت منه، فلذلك لا يجب

ص: 233


1- الوسائل، الباب 12 من أبواب زكاة الذّهب و الفضّة، الحدیث: 2
2- الوسائل، الباب 11 من أبواب زكاة الذّهب و الفضّة، الحدیث: 1

عليه الزكاة(1)

و ما رواه أيضاً عن أبي الحسن موسى (علیه السلام) قال: لا تجب الزكاة فيما سبك فراراً به من الزكاة ألاترى أن المنفعة قد ذهبت فلذلك لا تجب الزكاة(2)

و ما رواه هارون بن خارجة عن أبي عبدالله (علیه السلام) قال: قلت له: إنّ أخي يوسف ولى لهولاء القوم أعمالاً أصاب فيها أموالا كثيرة و انه جعل ذلك المال حلياً أراد أن يفر به من الزكاة أعليه الزكاة؟ قال: ليس على الحلي زكاة و ما ادخل على نفسه من النقصان في وضعه و منعه نفسه فضله أكثر مما يخاف من الزكاة(3)

لكن يعارضها ما رواه محمّد بن مسلم قال: سألت أبا عبد اللّه (علیه السلام) عن الحُليّ فيه زكاةٌ قال لا إلّا ما فرّ به من الزّكاة.(4) حيث إنّ المستفاد منه وجوب الزكاة إذا كان التغيير لأجل الفرار من الزكاة و قد يجمع بحمل الثاني على الاستحباب بقرينة رواية زرارة الدالة على المراد في رواية ابن مسلم، وجوب الزكاة بعد حولان الحول و استقرارها و أما قبل ذلك فلا وجوب بل فوّت الشخص على نفسه ما هو الأفضل و هو أداء الزكاة و تحصيل الثواب كما في رواية عمر بن يزيد إلا أن يقال: إن هذا الحمل بالنسبة إلى بعض الروايات و إن كان صحيحاً، لكن لا يصح بالنسبة إلى رواية ابن عمار عن أبي عبدالله (علیه السلام) قال: قلت له الرجل يجعل لأهله الحلي إلى أن قال قلت له فإنه فر به من الزكاة فقال إن كان فر به من الزكاة فعليه الزكاة و إن كان إنما فعله ليتجمل به فليسعليه زكاة.(5) حيث تدل على مقابلة الفعل للتجمل مع الفعل، للفرار من الزكاة.

و بعبارة اخرى تدل على التفصيل بين صورتي قصد الفرار أو التجمل و من المعلوم عدم

ص: 234


1- الوسائل، الباب 11 من أبواب زكاة الذّهب و الفضّة، الحدیث: 2
2- نفس المصدر، الحدیث: 3
3- نفس المصدر، الحدیث: 4
4- نفس المصدر، الحدیث: 7
5- الوسائل، الباب 11 من أبواب زكاة الذّهب و الفضّة، الحدیث: 6

جواز التبديل بعد تمامية الحول و استقرار الوجوب سواء كان التبديل بقصد الفرار أم بقصد التجمل و هذه المقابلة قرينة على أنها آبية عن الحمل على ما بعد الحول فتكون ناظرة إلى قبل حولان الحول و حينئذٍ تقع المعارضة بين هذه الرواية و الروايات الدالة على عدم الوجوب و إن كان التبديل للفرار عن الزكاة و هذه الرواية صحيحة السند كما أفاد صاحب الحدائق، لوجودها في مستطرفات السرائر نقلاً عن كتاب معاوية بن عمار و اسناد ابن ادريس إلى الكتاب و إن كان غير معلوم إلّا أنّ شهادة الرجل بكتابه كافٍ في المطلوب إذ هو يشهد أنه من كتاب الرجل و ظاهر الشهادة هو الحس أو قريب منه، لكن المشكلة في نفس الشاهد.

و بالجملة هذه الرواية ضعيفة من ناحية اخرى و هي اسناد الشيخ إلى على بن الحسن بن فضال لوجود ابن عبدون كما مر مراراً فلا تصل النوبة إلى استقرار المعارضة و لو أغمضنا عن ذلك فلابد من حمل هذه الرواية على التقية لأنّ المشهور بين العامة كما نقل، هو عدم السقوط بالتبديل أثناء الحول و مع التكافا يتعارضان و النتيجة التساقط و تصل النوبة إلى الأصل و مقتضاه هو البرائة كما هو المقرر (فتأمل لان أحدث موجود فی الروایات عدم الوجوب).

ص: 235

«و لو سبك الدراهم أو الدنانير بعد حول الحول لم تسقط الزكاة و وجب الاخراج بملاحظة الدراهم و الدنانير إذا فرض نقص القيمة بالسبك»(1)

«مسألة1: لا تجب الزكاة في الحُلي» (2)

(1) أما وجوب الاخراج فلا اشكال فيه إذ مقتضى القاعدة الأولية ثبوب الزكاة إذا كان المال عنده و قد حال عليه الحول و أما وجوب الاخراج بملاحظة الدرهم و الدينار فالظاهر أن مراده وجوب اخراج قيمتها إذا سُبك و نقصت قيمتها بالسبك لحولان الحول عليهما و هما الدرهم و الدينار و حينئذٍ لابد من اعطاء قيمة الفريضة في ذلك الحال فإذا كان نصف المثقال من الدينار إذا كانت فريضته عشرين ديناراً مما يساوي خمسة دراهم مثلاً و كانت قيمة نصف المثقال بعد السبك أربعة دراهم يجب عليه اعطاء خسمة دراهم و كانت قيمته فعلاً أربعة دراهم و هذا إنما يوجّه إذا أراد أن يعطى القيمة و أما إذا أراد اعطاء نفس العين التي تعلق بها الزكاة فعن سيدنا الاستاذ (رحمه اللّه) في المرتقى جواز اعطاء نفس نصف المثقال من عين الذهب المتعلقة لها إذ غاية ما في السبك جعله ردياً بالنسبة إلى الأول و إعطاء الردي جائز عند المصنف كما سيأتي إن شاء الله تعالى و سيأتي تحقيقه بحوله و قوته.

(2) بلا خلاف أجده كما في الجواهر و عن التذكرة أنه لا زكاة فيه عند علمائنا و يدل على ذلك جملة من النصوص لاحظ ما رواه محمد الحلبي عن أبي عبدالله (علیه السلام) قال: سألته عن الحلي فيه زكاة قال لا. (1) و رفاعة(2) و هارون بن خارجة(3) و غيرها الواردة في باب المشار إليه.

ص: 236


1- الوسائل، الباب 9 من أبواب زكاة الذّهب و الفضّة، الحدیث: 3
2- نفس المصدر، الحدیث: 4
3- نفس المصدر، الحدیث: 2

«و لا في أواني الذهب و الفضة و إن بلغت ما بلغت، بل عرفت سقوط الوجوب عن الدرهم و الدينار إذا اتخذا للزينة و خرجا عن رواج المعاملة بهما» (1)

«نعم ما في جملة من الأخبار أنّ زكاتها إعارتها» (2)

«مسألة:2 و لا فرق في الذهب و الفضة بين الجيد منها و الردى بل تجب إذا كان بعض النصاب جيداً و بعضه ردياً» (3)

«و يجوز الاخراج من الردى و إن كان تمام النصاب من الجيد لكن الأحوط خلافه بل يخرج الجيد من الجيد و يبعض بالنسبة مع التبعض و إن أخرج الجيد عن الجميع فهو أحسن» (4)

(1) قد عرفت أن المناط في وجوب الزكاة كون النقدين مسكوكين بسكة المعاملة الرائجة و تقدم سقوط الوجوب إذا اتخذ الدرهم و الدينار للزينة فلا نعيد.

(2) كما في مرسلة ابن أبي عمير عن بعض أصحابنا عن أبي عبدالله (علیه السلام) قال: زكاة الحلي عاريته(1) أما استحباب الاعارة بهذه الرواية مشكلٌ جداً كما لا يخفى.

(3) للاطلاق الشامل لجميع الموارد المذكورة في المتن بعد صدق عنوان الدرهم و الدينار على ذلك.

(4) الفروض في هذا الفرع ثلاثة: فتارة يكون الكل جيداً و اخرى كله ردياً و ثالثة بعضه جيداً و بعضه الآخر ردياً.

فالبحث في المقام يقع في ثلاث موارد:

أما في الموردين الاخيرين فقد أفاد المحقق الخوئي (قدس سره ) أنه جاز دفع الردي في اخراج الزكاة.

ص: 237


1- الوسائل، الباب 10 من أبواب زكاة الذّهب و الفضّة، الحدیث: 1

أما في المورد الثاني فلأن المتعلق ليس إلا الردى فيجوز اخراجه، على جميع المباني في كيفية تعلق الزكاة.

و أما المورد الثالث و الأمر أيضاً كذلك إذا قلنا في كيفية التعلق بنحو الشركة في المالية، كما هو مختاره فالمتولى للاخراج هو المالك فله اختيار التطبيق على الردي كالجيد.

لكن قد حققنا سابقاً بأن المراد مختلفة إذ لسان الأدلة غير متفقة و المستفاد من الروايات الواردة في المقام هو الكلي في المعين لأنّ الظاهر من قوله (علیه السلام): «فيعطى من كل أربعين درهماً درهم»(1) و قوله (علیه السلام): «من كل عشرين ديناراً نصف دينار»(2) كون التعلق على نحو الكلي في المعين و حينئذٍ لا مناص من التبعيض إلّا أن يقال إن الزكاة يتعلق على العين على نسق واحد و إنّ التفكيك خلاف كلمات الأصحاب و حينئذٍ نقول: إن الأقرب هو القول بالشركة في المالية فالتبعيض أحوط، لو لم يكن أقوى في المقام، هذا كله في الموردين الأخيرين و أما المورد الأول، أي كون المال كله جيداً فقد أفتى الماتن بجواز اخراج الردي أيضاً كما يجوز اخراج الجيد و إن كان اخراج الجيد أحسن لأنه زاد خيراً و نال الخير حيث أنفق مما أحب و لعل الدليل على ذلك إطلاق النص فقوله (علیه السلام): «من كل عشرين ديناراً نصف دينار» مطلق يشمل الردي و الجيد.

لكن يمكن أن يقال: إنّ المنصرف من الدليل هو الفريضة من نوع ما يتعلق به الزكاة، فربع العشر أو نصف دينار أو خمسة دراهم الواردة في النص، منصرفة الی نوع الجيد فلا يكفي اخراج الردي، و أما الاستدلال باطلاق دليل، -ما رواه محمد بن خالد البرقي قال: كتبت إلى أبي جعفر الثاني (علیه السلام) هل يجوز أن أخرج عما يجب في الحرث من

ص: 238


1- الوسائل، الباب 2 من أبواب زكاة الذّهب و الفضّة، الحدیث: 1
2- الوسائل، الباب 1 من أبواب زكاة الذّهب و الفضّة، الحدیث: 4

«نعم لا يجوز دفع الجيد عن الردي بالتقويم بأن يدفع نصف دينار جيد يسوى ديناراً رديئاً عن دينار إلّا إذا صالح الفقير بقيمة في ذمته ثم احتسب تلك القيمة عما عليه من الزكاة فإنه لا مانع من دفع الدينار الردي عن نصف دينار جيد إذا كان فرضه ذلك» (1)

الحنطة و الشعير و ما يجب على الذهب دراهم بقيمة ما يسوى أم لا يجوز إلا أن يخرج من كل شي ء ما فيه فأجاب (علیه السلام) أيما تيسر يخرج.(1)

و ما رواه عن العمركي عن علي بن جعفر (علیه السلام) قال: سألت أبا الحسن موسى (علیه السلام) عن الرجل يعطي عن زكاته عن الدراهم دنانير و عن الدنانير دراهم بالقيمة أ يحل ذلك قال لا بأس به.(2)- جواز الاخراج من مال آخر، فمشكلٌ جداً بل المنصرف إليه ما كان الفرد الآخر مماثلا لما في النصاب فله دفع فرد آخر جيد من خارج النصاب لا كل فرد يصدق عليه عنوان النصاب و إن كان أدون، فلاحظ و تأمل.

(1) أقول: قد تعرض (رحمه اللّه) في المتن اموراً ثلاثة:

الامر الأول: أنه لا يجوز دفع الأعلى قيمة عن الأدنى كما إذا اخرج ثلث دینار جيد قيمة عن نصف دينار إذا كان فرضه ذلك إذ الواجب دفع نصف دينار و الحال أنه اخرج ثلثه فلم يؤد الفرض و إن كان المدفوع مساوياً للفرض قيمة لعدم شمول النص، إذ مقتضى اطلاقها وجوب نصف دينار لا ثلثه سواء كان مساوياً لقيمة الدينار أم لم يكن بل في الجواهر إنّ ظاهر الأدلة خلافه فليس له أن يدفع من افراد الدينار بقصد جعل بعضه قيمة عن فرد آخر لعدم صدق الامتثال.

أورد عليه المحقق الخوئي (قدس سره ) بأنّ الفقير و إن كان شريكاً مع المالك في العين بنحو

ص: 239


1- الوسائل، الباب 14 من أبواب زكاة الذّهب و الفضّة، الحدیث: 1
2- نفس المصدر، الحدیث: 2

الشركة في المالية إلّا أنّ الاختيار بيد المالك و له ولاية التبديل و الإخراج من غير العين من درهم أو دينار، مع مراعاة القيمة، لكن مقتضى ما ذكرناه من أن كيفية التعلق تكون على نحو الكلي في المعين يلزم عليه نفس ما تعلق عليه الزكاة فلابد من أداء نصف الدينار إذا كان عشرين ديناراً و أما أداء ثلثه فخلاف الظاهر من النصوص إلّا أن يقال أنّ مقتضى القاعدة الأولية و إن كان كذلك، لكن ظاهر أدلة جواز دفع القيمة كون المدار هو القيمة و لا يلاحظ الكمية و لذا قال الامام (علیه السلام) في رواية البرقي: «أيما تيسر يخرج» و نفى (علیه السلام) البأس في رواية علي بن جعفر عن اخراج دنانير بدل الدراهم و العكس إذا كانت القيمتان متساويتين فلاحظ.

الامر الثاني: عكس الأمر الأول كما إذا كان عنده عشرون ديناراً جيداً التي فيها نصف الدينار، أفتى الماتن (رحمه اللّه) بجواز دفع دينار واحد ردي عن نصف دينار جيد إذا تساويا في القيمة، إذ المخرج يشمل الفرض و زيادة و هي لا تضر لعدم النقص في المقدار و الكمية كما لا نقص في القيمة و المالية، لكن مقتضى ما ذكرنا في الأمر الأول، أن القاعدة تقتضي النصف و عدم جواز ذلك إلّا أنّ الروايات الواردة في جواز دفع القيمة شاملة لما نحن فيه كما أفاده الماتن (رحمه اللّه).

الأمر الثالث: أنه لو صالح مثلاً مع المستحق ثلث دينار جيد بقيمة في ذمته تساوي تلك القيمة مع دينار ردي ثم احتسب تلك القيمة عمّا عليه من الزكاة أعنى الدينار الردي، برئت ذمته عمّا عليه من الفريضة أعني الدينار الردي و هذا واضح ظاهر إذ ليس اخراج الأعلى من باب القيمة عن الأدنى بل اقباض الجيد الناقص وفاءً بالمعاملة الصلحي ثم احتساب ماله في ذمة المستحق عوضاً عن الجيد الناقص الذي صالحه معه، اخراج للفريضة فالمخرج من الزكاة ليس بعض افراد الفريضة بل هو قيمة من غيرها و لذا قال صاحب الجواهر (رحمه اللّه) له أن يصالح الفقير مثلاً عن بعض قيمة في الذمة ثم يحتسبها قيمة عن الفرد الأدنى و فرق واضح بين المقامين انتهى.

ص: 240

«مسألة 3: تتعلق الزكاة بالدراهم و الدنانير المغشوشة إذا بلغ خالصهما النصاب» (1)

لكن كل ذلك إذا لم نجز التبديل لما ذكرنا و إلّا فلا حاجة إلى ذلك فلاحظ.

(1) الغش تارة يكون قليلاً بحيث لا يخرج معه عن صدق اسم الدرهم و الدينار بمعنى أنهما يكونا في العرف مصداقاً للدرهم و الدينار و يكون الخلط متعارفاً إذ لا يكاد يوجد خارجاً الدينار الخالص و لو منع صدق الاسم على المغشوش بهذا المعنى، لزم أن لا يكون في الخارج شيئاً منهما و هو ضروري البطلان إذ يلزم لغوية هذه الأحكام.

و اخرى يكون الغش بمقدار لا يصدق معه اسم الذهب و الفضة و لا يطلق عليه عنوان الدرهم و الدينار منهما كما لو كان المزيج بمقدار النصف.

أما الأول: فالظاهر وجوب الزكاة فيهما إذا بلغا حد النصاب و إن لا يبلغ خالصهما النصاب، إذ المدار كما ذكرنا سابقاً عنوان الدرهم و الدينار المسكوكة بسكة الرائجة، ففي رواية سماعة: «و من الذهب من كل عشرين ديناراً نصف دينار»، و في رواية زرارة: «في الفضة إذا بلغت مائتي درهم خمسة دراهم»، و في رواية الحلبي: «عن الذهب و الفضة -الی أن قال- مائتا درهم» و غيرها من الروايات الواردة في الأبواب المختلفة و حينئذٍ إذا صدق عليه الدينار من الذهب، و الدرهم من الفضة، فمقتضى إطلاق هذه الروايات وجوب الزكاة و إن كانا مغشوشين و متضمنان للخليط، إذ بهذا المقدار من الخليط كأنه لابد منه في ضرف الذهب و الفضة درهماً أو ديناراً.

و أما الثاني: أعني بلوغ الغش إلى حدّ لا يصدق معه صدق الدرهم و الدينار من الذهب و الفضة كما إذا كان الخليط النصف أو ثلثيه ففي مثل هذه الموارد القول بوجوب الزكاة و عدمه وجهان بل قولان:

القول الأول: الوجوب إذا بلغ المقدار الخالص منهما النصاب و استدل على ذلك

ص: 241

بعد الاجماع و عدم الخلاف ما رواه زيد الصائغ قال: قلت لأبي عبدالله (علیه السلام): إني كنت في قرية من قرى خراسان يقال لها بخارى فرأيت فيها دراهم تعمل، ثلث فضة و ثلث مساً و ثلث رصاصاً و كانت تجوز عندهم و كنت أعملها و أنفقها. قال: فقال أبوعبدالله (علیه السلام): لا بأس بذلك إذا كان تجوز عندهم. فقلت: أرأيت إن حال عليها الحول و هي عندي و فيها ما يجب علىّ فيه الزكاة ازكيها؟ قال: نعم إنما هو مالك. قلت: فإن أخرجتها إلى بلدة لا ينفق فيها مثلها فبقيت عندي حتى حال عليها الحول ازكيها؟ قال: إن كنت تعرف ان فيها من الفضة الخالصة ما يجب عليك فيه الزكاة، فزكّ ما كان لك فيها من الفضة الخالصة (من فضة) و دع ما سوى ذلك من الخبيث. قلت: و إن كنت لا أعلم ما فيها من الفضة الخالصة إلا أني أعلم أن فيها ما تجب فيه الزكاة. قال: فاسبكها حتى تخلص الفضة و يحترق الخبيث ثم تزكى ما خلص من الفضة لسنة واحدة(1)

و فيه: أنّ الاجماع محتمل المدرك و الرواية ضعيفة سنداً لأن محمد بن عبدالله غير ثابت الوثاقة، مضافاً إلى عدم ثبوت وثاقة زيد الصائغ و عمل المشهور لا يكون جابراً.

القول الثاني: عدم الوجوب و الوجه فيه ظاهر، لأنّ الادلة العامة المتقدمة غير شاملة لهما على الفرض، لعدم صدق الدرهم و الدينار من الذهب و الفضة و الدليل الخاص في المقام غير موجود.

ثم إن لسيدنا الاستاذ (رحمه اللّه) في المرتقى كلام لا بأس بذكره، قال (رحمه اللّه): مقتضى جملة من النصوص هو وجوب الزكاة في الذهب و الفضة من دون تقييد بالدينار و الدرهم، لكنه في جملة منها قيد الاطلاق بالدينار و الدرهم و حينئذٍ إذا شككنا في صدق عنوان

الدرهم و الدينار لأجل الشك في مفهومهما يكون المورد من موارد الشك في المخصص المنفصل المجمل مفهوماً بين الأقل و الأكثر و كان المرجع حينئذٍ العموم، فتجب الزكاة

ص: 242


1- الوسائل، الباب 7 من أبواب زكاة الذّهب و الفضّة، الحدیث: 1

«و لو شك في بلوغه و لا طريق للعلم بذلك و لو للضرر لم تجب و في وجوب التصفية و نحوها للاختيار اشكالٌ أحوطه ذلك و إن كان عدمه لا يخلو عن قوة» (1)

في المقام في المغشوش الذي يشك في صدق اسم الدينار و الدرهم عليه نظير أكرم العلماء و لا تكرم الفساق منهم المردد مفهوماً بين المرتكب للكبيرة فقط أو أعم منها و حينئذٍ يكون المرجع هو العام في مرتكب الصغيرة لكن إن هذا الكلام إنما يتصور في المخصص المنفصل، و أما في المخصص المتصل فلا مجال لهذا الكلام ففي ما نحن فيه إذا استفدنا اعتبار صدق الدينار و الدرهم في وجوب الزكاة من حديث جميل انه (علیه السلام) قال: «ليس في التبر زكاة إنما هي على الدنانير و الدراهم» فحينئذٍ لا مجال لهذا الكلام إذ العموم أو الاطلاق مقيد من الأول و لا مجال للرجوع إلى العام في المشكوك فيه إذا كان التخصيص بالمتصل لأنه يرجع إلى التمسك بالعام في الشبهة المصداقية.

(1) قد تعرض (رحمه اللّه) في هذا المتن إلى أمرين:

الامر الأول: هل يجب الفحص و التفتيش إذا شككنا في بلوغ الخالص على تقدير وجوب الزكاة في الدرهم و الدينار المغشوشين إذا علمنا أن مقدارهما الخالص يبلغ النصاب، أم لا يجب التفتيش و الفحص؟ المشهور بين الأعلام عدم وجوب الفحص في الشبهات الموضوعية، فعن الجواهر: أما لو شك فلا وجوب للأصل و غيره، انتهى.

و عن بعض الأعلام، الميل إلى وجوبه و استدل على ذلك بأمرين:

الأول: أن ما دل على وجوب الحج أو الزكاة أو الخمس و أمثالها يدل بالملازمة على وجوبه و لعل الوجه في ذلك أنه لو لم يكن الفحص واجباً مع توقف العلم بالموضوعغالباً يحتاج إلى الفحص، مرجعه إلى اللغوية في جعل الحكم بل هو أشبه شيء بتخصيص الأكثر المستهجن، و فيه إن هذا إنما يفيد إذا علمنا بوجوب الزكاة لكن لا نعلم بمقدارها

ص: 243

كما إذا علمنا ببلوغه حدّ النصاب الأول و شككنا في النصاب الثاني مع ما فيه من أن الشك حينئذٍ يرجع إلى الشك في الوجوب و مقتضى الأصل البرائة لا الاحتياط، كما هو المقرر في محله و لذا أفاد الشيخ (رحمه اللّه) أنّ المورد كان من موارد دوران الأمر بين الأقل و الأكثر الاستقلاليين و ثبوت الانحلال فيه لا ينكر و التفصيل في محله، فلو كان الشك في النصاب الأول فالأمر أيضاً كذلك.

الثاني: إن ترك الفحص في أمثال المقام يوجب الوقوع في مخالفته الواقع كتأخير الحج عن أول عام الاستطاعة عند ترك المحاسبة أو تضييع حق الفقراء و السادة إذا ترك الفحص عن الربح و المنفعة أو ترك الفحص عن بلوغ المال حد النصاب ففي كل مورد يوجب ذلك، يجب الفحص و أما إذا لم يكن كذلك فلا، و على أي حال يجب الفحص في المقام.

و قد أورد عليه المحقق الخوئى (قدس سره ) أنّ العلم بالوقوع في خلاف الواقع بالنسبة إلى شخص المكلف المجرى للأصل لم يحصل بذلك لفرض عدم تنجز التكليف عليه في مورد ابتلائه، نعم يحصل له العلم بالمخالفة القطعية لو لوحظ المكلف المزبور بضميمة غيره من المكلفين المجرين للأصل و هذا العلم الاجمالى لا يكون منجزاً، فحال المقام حال سائر الموارد في الشبهات الموضوعية من جهة أنّ العلم بمخالفة كثير منها للواقع غير ضائر في جريان الأصل، انتهى.

لكن قد فصل الشيخ (رحمه اللّه) بين ما إذا كان العلم بالموضوع يتوقف غالباً على الفحص و بين غيره، فأوجب الفحص في الأول دون الثاني إذ إهمال الفحص و أجراء البرائة في ذلك مستلزماً للوقوع في مخالفة الواقع كثيراً فيجب الفحص و هذا التفصيل و إن كان غير بعيد في حد نفسه، لكن كون المورد من هذا القبيل فبعيد جداً بل المورد من موارد الشك بين الأقل و الأكثر كما ذكرنا سابقاً و عدم الوجوب فيه لا ينكر.

ص: 244

«مسألة 4: إذا كان عنده نصاب من الجيد لا يجوز أن يخرج عنه من المغشوش، إلّا إذا علم اشتماله على ما يكون عليه من الخالص و إن كان المغشوش بحسب القيمة يساوى ما عليه» (1)

الأمر الثاني: أنه على القول بوجوب الفحص فهل يسقط بالعجز سواء كان تكوينياً أم تشريعياً كما إذا أوجب الفحص، الضرر ربما يقال: بأن الوجوب ساقط لأجل عدم امكان الاختبار في الأول و لعموم نفي الضرر في الثاني، و يناقش فيه أنّ الحكم لم يكن حكماً نفسياً تكليفياً كي يسقط بالعجز أو نفي الضرر بل الحكم طريقي بمناط المحافظة على الواقع و مرجعه عدم جريان البرائة بحيث يكون نفس احتمال العقاب غير المقترن بالمؤمن الشرعي أو العقلي منجزاً لاستقلال العقل حينئذٍ بدفع الضرر المحتمل و هذا لم يفرق فيه بين صورتي التمكن من الفحص و عدمه فيجب الاحتياط، مضافاً إلى أنّ قاعدة لا ضرر إنما تجري إذا استفدنا منها النفي و أما على مسلك من قال بأنها دالة على النهي فقط، فلا موضوع للاستدلال بها كما سلك هذا المسلك سيدنا الاستاد دام ظله.

(1) قد ذكرنا سابقاً أن المدار في وجوب الزكاة كون الشيء مصداقاً للدرهم و الدينار المتخذين من الذهب و الفضة المسكوكة الرائجة و لا اعتداد بكونهما مغشوشين أو خالصين في تعلق الزكاة بشرط الصدق و حينئذٍ إذا قلنا أنّ الزكاة يتعلق بالعين على نحو الكلي في المعين كما هو ليس ببعيد فيجب عليه اخراج الجيد من الدرهم أو الدينار، فلا يجوز غيره، نعم حيث استفدنا من الروايات جواز اخراج القيمة «أيما تيسرت» أو«اخراج الدرهم بدل الدينار» و عكس ذلك، يجوز له الاخراج من غير ما تعلق به الزكاة من الدرهم أو الدينار، لكن مشروطاً بتساوي القيمة مع ما لابد من أن يخرج حتى ملاحظة مراعات الخصوصيات التي تشمل عليها العين، الدخيلة في القيمة و

ص: 245

حينئذٍ لا فرق من هذه الجهة بين ذاك القول و القول بالاشتراك في المالية في كيفية تعلق الزكاة بالعين، و أما عدم جواز المغشوش كما أفاده الماتن (رحمه اللّه) فلعله من باب الاجماع و استصحاب بقاء الزكاة في العين حتى يعلم بالدفع، لكن حال الاجماع واضح و أما الأصل فمع وجود الدليل على جواز القيمة مع الشرائط المذكورة، لا مجال له إذ قد ذكرنا أنه لو كان عنده نصاب من الجيد، فاللازم الدفع من نفس العين أو من الخارج مما كان مشاركاً له في القيمة سواء كان التساوي في القيمة من جهة الكمية، بأن يكون فيه ما يتدارك به تفاوت القيمة بين الجودة و الردائة أم لا؟ بل من جهة الكیفیة بمعنى أنّ السكة مسكوكة بسكة راقية لأجل كونها عتيقة الموجبة لازدياد القيمة إلى حد تساوي قيمتها قيمة ما لابد من أن يخرج من العين مع ملاحظة صدق الدرهم و الدينار على المغشوش و مما ذكرنا يظهر ما في كلام سيدنا الاستاذ (رحمه اللّه) في المرتقى من أن الواجب هو اخراج نصف المثقال من الذهب مثلاً زكاة و اخراج نصف المثقال من المغشوش لاجل خلط الذهب فيه بغيره لا يكون اخراجاً لما هو الواجب إذ مع ملاحظة جواز الاخراج من الخارج مع ملاحظة التساوي في القيمة و صدق عنوان الدرهم و الدينار على ما يخرج لا وجه لاشتراط التساوي في القيمة و الخصوصية الشخصية.

ص: 246

«إلّا إذا دفعه بعنوان القيمة إذا كان للخليط قيمة» (1)

«مسألة 5: و كذا إذا كان عنده نصاب من المغشوش لا يجوز أن يدفع المغشوش إلّا مع العلم على النحو المذكور» (2)

«مسألة 6: لو كان عنده دراهم أو دنانير بحدّ النصاب و شك في أنه خالص أو مغشوش فالأقوى عدم وجوب الزكاة و إن كان أحوط» (3)

(1) و استدل على ذلك بجواز اخراج الزكاة من غير جنس النصاب بعنوان القيمة فإذا كان للخليط قيمة و كانت قيمة الذهب مع الخليط مثلاً مساوية لقيمة ما هو الواجب عليه اخراجه فدفع المالك المغشوش بعنوان القيمة جاز له ذلك.

و فيه: أنّ هذا مبني على جواز اخراج الفريضة بغير جنسها إذا كان المخرج مساوياً لها في القيمة و هو محل اشكال لعدم الدليل عليه، نعم ما يدل على التبديل مفاده اخراج الدرهم بدل الدينار مثلاً إذا كان متساويان في القيمة و هذا إنما يتصور إذا صدق على المخرج بدلاً، عنوان الدرهم أو الدينار نعم إذا قلنا أنّ المستفاد من قوله (علیه السلام): «أيما تيسرت يخرج» جواز الاخراج من غير الجنس فما أفاده متين، فتأمل.

(2) بما ذكرنا في المسألة السابقة يظهر الحكم بالنسبة إلى هذه المسألة فراجع.

(3) قد ذكرنا سابقاً أنّ المدار في وجوب الزكاة صدق عنوان الدرهم و الدينار و كونهما متخذان من الذهب و الفضة فحينئذٍ إن صدق هذا العنوان وجبت الزكاة و إن لم يبلغ المقدار الخالص منهما حد النصاب و إلّا فلا تجب الزكاة و مع الشك في الصدق يكون الأمر أيضاً كذلك لجريان البرائة في الشبهات الموضوعية كما هو المقرر في الاصول و أما حديث زيدٍ الصّائغ -قال: قلت لأبي عبد اللّه (علیه السلام) إنّي كنت في قريةٍ من قرى خراسان يقال لها بخارى فرأيت فيها دراهم تعمل ثلثٌ فضّةً و ثلثٌ مسّاً و ثلثٌ رصاصاًو كانت تجوز عندهم و كنت أعملها و أنفقها قال فقال أبو عبد اللّه (علیه السلام) لا بأس بذلك

ص: 247

إذا كان تجوز عندهم فقلت أ رأيت إن حال عليها الحول و هي عندي و فيها ما يجب عليّ فيه الزّكاة أزكّيها قال نعم إنّما هو مالك قلت فإن أخرجتها إلى بلدةٍ لا ينفق فيها مثلها فبقيت عندي حتّى حال عليها الحول أزكّيها قال إن كنت تعرف أنّ فيها من الفضّة الخالصة ما يجب عليك فيه الزّكاة فزكّ ما كان لك فيها من الفضّة الخالصة (من فضّةٍ) و دع ما سوى ذلك من الخبيث قلت و إن كنت لا أعلم ما فيها من الفضّة الخالصة إلّا أنّي أعلم أنّ فيها ما تجب فيه الزّكاة قال فاسبكها حتّى تخلص الفضّة و يحترق الخبيث ثمّ تزكّي ما خلص من الفضّة لسنةٍ واحدةٍ.(1) -فقد تقدم أن السند ضعيف مضافاً إلى الضعف في الدلالة إذ الظاهر منه وجوب الفحص بعد العلم بتعلق الزكاة فراجع، و أما إذا قلنا بأنّ المدار هو صدق عنوان الدرهم و الدينار مع كونهما بمقدار النصاب بمعنى أن يكون الخالص منهما حد النصاب فعدم الوجوب في المقام واضح لأن مقتضى الاستصحاب عدم بلوغ النصاب فلا تجب.

ص: 248


1- الوسائل، الباب 7 من أبواب زكاة الذّهب و الفضّة، الحدیث: 1

«مسألة 7: لو كان عنده نصاب من الدراهم المغشوشة بالذهب أو الدنانير المغشوشة بالفضة، لم يجب عليه شيء إلّا إذا علم ببلوغ أحدهما أو كليهما حدّ النصاب فيجب في البالغ منهما أو فيهما فإن علم الحال فهو و إلّا وجبت التصفية» (1)

(1) تارة يكون الغش قليلاً بحيث يكون مستهلكاً في الآخر و يصدق على المغشوش عنوان الدرهم أو الدينار فلا اشكال في وجوب الزكاة حينئذٍ إذ الحكم تابع لموضوعه فإذا صدق العنوان المأخوذ في الدليل يترتب عليه الحكم بلا ريب.

و أما إذا كان الغش بحد لا يصدق عليه اسم الذهب و الفضة كما إذا كان النصف من الذهب و النصف الآخر من الفضة بحيث لا يصدق على الممزوج أحد هذين العنوانين و حينئذٍ هل تجب الزكاة أم لا؟ تارة يبلغ مقدار كل من الذهب و الفضة فيهما حد النصاب و اخرى لم يبلغ و ثالثة نشك.

أما إذا علمنا ببلوغ النصاب في أحدهما أو كليهما، أفتى الماتن (رحمه اللّه) أنه تجب الزكاة في هذه الصورة و تبعه المحقق الخوئي (قدس سره ) مع أنه قائل بأن المدار في الوجوب صدق عنوان الدرهم و الدينار و فيما نحن فيه لا يصدق عليهما كلا العنوانين بالفرض، و أفاد في وجه ذلك بأنّ المستفاد من الأدلة بمؤنة الفهم العرفي، شمول الحكم لذلك الفرض حيث ادعى (رحمه اللّه) بأن العرف لا يشك في أنه لو تالف مركب من عدة أجزاء و مشاركة في الحكم يثبت ذاك للمركب أيضاً و إن لم يكن في حدّ نفسه مندرجاً في شيء من عناوين أجزائه كما لو صنع معجوناً مركباً من الطحال و الدم المتخلف في الذبيحة و دم ميتة السمك و سائر ما في الذبيحة من الأجزاء الطاهرة لكن محرمة الأكل كالقضيب فإنه لا يرتاب العرف في استفادة تحريم هذا المركب من أدلة تحريم الأجزاء في فرض عدم استهلاك بعض هذه الأجزاء في بعض و لم يكن المركب معنوناً بشيء منها و في ما

ص: 249

نحن فيه إذا كان الشيء مركباً من الذهب و الفضة و لم يصدق عليه عنوان الدرهم أو الدينار، لكن بلغ النصاب بالنسبة إلى كل واحد منهما تجب الزكاة، نعم إذا لم يبلغ كل واحد منهما النصاب بل بلغ المجموع النصاب، لا تجب لما سيأتي إن شاء الله من الروايات الدالة على النفي.

لكن يمكن أن يقال: إنّ القياس مع الفارق إذ في المثال يصدق على هذا المركب أنه محرمة الأكل و إن لم يصدق عليه شيء من هذه العناوين الخاصة و أما في ما نحن فيه يكون المدار صدق العنوان المأخوذ في الدليل و هو الدرهم أو الدينار، و المفروض أنه لم يصدق على المركب هذا العنوان فكيف يمكن أن يقال انه يترتب عليه حكم الاجزاء و على أى تقدير فالاحتياط لا يترك.

نعم إذا كان المدار مقدار الذهب و الفضة كماً و عدم اعتبار عنوان الدرهم و الدينار فإن بلغ إلى حد النصاب تجب الزكاة و إلّا فلا، لكن المبنى مخدوش كما ذكرنا مراراً من أنه لا زكاة في التبر إنما تجب على الدراهم و الدنانير، فلاحظ.

و أما وجوب الاختبار على فرض الوجوب فقد تقدم الكلام فيه في المسألة الثالثة فراجع.

ص: 250

«و لو علم أكثرية أحدهما مردداً و لم يكن العلم، وجب اخراج الأكثر من كل منهما فإذا كان عنده ألف و تردد بين أن يكون مقدار الفضة فيها أربعمائة و الذهب ستمائة و بين العكس اخرج عن ستمائة ذهباً و ستمائة فضة و يجوز أن يدفع بعنوان القيمة ستمائة عن الذهب و أربعمائة عن الفضة بقصد ما في الواقع» (1)

(1) قد تقدم أنّ التحقيق عدم وجوب الزكاة في ما لا يصدق عليه عنوان الدرهم و الدينار لكن على فرض التسليم و وجوب دفع الزكاة في أمثال ما نحن فيه فما ذكره الماتن (رحمه اللّه) من أنه إذا كان المقدار الزائد بمقدار النصاب على كل تقدير كما لو كانت تلك النقود ثمانمائة و أربعين أو يفرض أنها كانت ألفآ كما في المتن فكانت أربعمائة ذهباً و أربعمائة فضة و ترددت المائتان الباقية بينهما التي هي نصاب على كل تقدير سواء كان الزائد من الذهب أم كان من الفضة و قد حكم الماتن (رحمه اللّه) في الفرض بوجوب الزكاة مرتين مرة بعنوان الذهب و اخرى بعنوان الفضة و ذلك للعلم الاجمالى بتعلق أحد التكليفين من وجوب زكاة الذهب و الفضة و حينئذٍ يجب العمل بالعلم الاجمالي و الخروج عن العمدة المفروض تنجزه عليها و لا يخرج عنها إلّا بما ذكره كما يجوز له أن يخرج عن العهدة بالاقتصار في المائتين على حساب الذهب بعنوان القيمة أي بقصد ما في الذمة واقعاً المردد كونه نفس الفريضة إن كانت ذهباً أو قيمتها إن كانت فضة فالنتيجة يدفع عن ستمائة عن الأكثر قيمة و هو الذهب و أربعمائة عن الفضة، فالحاصل: أنه يأتي بالأكثر حتى يتيقن بالفراغ.

لكن المحقق الخوئي (قدس سره ) استظهر جواز الاقتصار على الأقل قيمة و هو الفضة إذ الزكاة و إن تعلقت بالعين إلا أنها يكون على سبيل الشركة في المالية و للمالك الولاية فيالتبديل و الاخراج من غير العين بعنوان القيمة فهو مخير بين الأمرين أي دفع القيمة و

ص: 251

العين فيكون الواجب هو الجامع بين الأمرين و بما أن القيمة التي هي عدل الواجب التخييري مردداً بين الأقل و الأكثر فلا علم باشتغال ذمته إلا بالأقل لأنه قدر المتيقن و أما الزائد فمشكوك من أول الأمر فيرجع فيه إلى أصالة البرائة، فما ذكره الماتن (رحمه اللّه) من لزوم دفع القيمة مبنى على قصر النظر على ما في العين و حيث انه مردد بين المتباينين يجب الاحتياط بالأكثر.

لكن يمكن أن يقال بأنّ هذا إنما يفيد إذا استفدنا من أدلة جواز دفع القيمة كونها فردٌ من الواجب التنجيزي و في عرضه و أما إذا استفدنا منها أنها بدل عن الواجب و أنّ الأدلة ناظرة إلى التوسعة في مقام الفراغ لا التوسعة في متعلق التكليف لا مجال لهذا الكلام لاحظ الروايات الواردة في ذاك المقام و هي رواية علي بن جعفر (علیه السلام) قال: سألت أبا الحسن موسى (علیه السلام) عن الرجل يعطي عن زكاته عن الدراهم دنانير و عن الدنانير دراهم بالقيمة أ يحل ذلك قال لا بأس به.(1) و ما رواه محمد بن خالد البرقي قال: كتبت إلى أبي جعفر الثاني (علیه السلام) هل يجوز أن أخرج عما يجب في الحرث من الحنطة و الشعير و ما يجب على الذهب دراهم بقيمة ما يسوى أم لا يجوز إلا أن يخرج من كل شي ء ما فيه فأجاب (علیه السلام) أيما تيسر يخرج.(2) حيث فرض السائل في الثانية أن المكلف أراد أن يدفع عن زكاته عن الدراهم دنانير و عن الدنانير دراهم بالقيمة و الامام (علیه السلام) أجاز ذلك الفرض، و في رواية محمد بن خالد سأل عن ما يجب على الذهب دراهم قيمته ما يسوى و الامام (علیه السلام) في مقام الاخراج تفضل بجواز الاخراج «أيما تيسر منهما» راجعتان إلى التوسعة في مقام الفراغ لا مقام الجعل و التكليف فلاحظ و اغتنم فما أفاده الماتن (رحمه اللّه) هو المتعين.

ص: 252


1- الوسائل، الباب 14 من أبواب زكاة الذّهب و الفضّة، الحدیث: 2
2- نفس المصدر، الحدیث: 1

«مسألة 8: لو كان عنده ثلاثمائة درهم مغشوشة و علم أن الغش ثلثها مثلا على التساوي في أفرادها يجوز له أن يخرج خمسة دراهم من الخالص و أن يخرج سبعة و نصف من المغشوش، و أما إذا كان الغش بعد العلم بكونه ثلثاً في المجموع لا على التساوي فيها فلابد من تحصيل العلم بالبرائة إما باخراج الخالص و إما بوجه آخر» (1)

(1) و أما وجوب الزكاة في الثلثين الباقيين فضة خالصة، فعلى القول بوجوب الزكاة في مثل هذه الدراهم المغشوشة فإن أدّاه من الخارج أي أدّاه من الدراهم الخالصة فلا اشكال فيه، إنما الكلام فيما إذا أراد أدائه من نفس العين المغشوشة و حينئذٍ فإن كان الغش على التساوى و بنسبة واحدة يجوز له دفع سبعة دراهم و نصف إذ نسبة هذا المقدار إلى المجموع المفروض، نسبة واحد إلى الأربعين و إن كان الغش في الدراهم مختلفة ففي بعض بمقدار الثلث و بعض آخر الربع هكذا، فدفع سبعة و نصف حينئذٍ لا يكون مجزياً عما في ذمته إذ لعل الفرض كان أكثر من ذلك بل يجب حينئذٍ دفع مقدار يقطع باشتماله على خمسة دراهم خالصة حتى يقطع بدفع ما في ذمته أو قيمة الخمسة الخالصة و لو بدفع سبعة و نصف إذا كانت قيمتها مساوية للخمسة الخالصة و لو لأجل السكة التي تتصف الدراهم المغشوشة بها و إن كان وزنها أقل من خمسة دراهم خالصة إذ المدار في البدل القيمة و المفروض أن قيمة سبعة دراهم و نصف تساوي قيمة خمسة دراهم خالصة فيكون دفع سبعة و نصف من باب دفع القيمة أي قيمة الفريضة لا نفسها و ما ذكرنا بهذه الكيفية لا فرق في كيفية التعلق أن نقول بالشركة في المالية أو الكلي في المعين.

أضف إلى ذلك أنّا ذكرنا سابقاً أنّ المدار في الوجوب كون المال درهماً أو ديناراً يبلغ حدّ النصاب و هذه الدراهم المغشوشة إن صدق عليها العنوان المأخوذ في الدليل أي

ص: 253

«مسألة 9: إذا ترك نفقة لأهله مما يتعلق به الزكاة و غاب و بقي إلى آخر السنة بمقدار النصاب لم تجب عليه إلّا إذا كان متمكناً من التصرف فيه طول الحول مع كونه غائباً» (1)

الدرهم المتخذ من الفضة المسكوكة، لا مانع من أداء سبعة و نصف من أنها نفس الفريضة فيجوز دفعه و لكن الاحتياط ما ذكر قبل ذلك من أداء الأكثر من ذلك لو لم يعلم مقدار الغش لاختلافه.

(1) عن المشهور بين الأصحاب ذلك، إلّا عن ابن ادريس حيث خالف المشهور و أفتى بعدم الفرق بين الغائب و الحاضر و على أي حال و استدل على ذلك أي ما ذهب إليه المشهور بجملة من الروايات لاحظ ما رواه اسحاق بن عمار عن أبي الحسن الماضي (علیه السلام) قال: قلت له: رجل خلّف عند أهله نفقة ألفين لسنتين عليها زكاة؟ قال: إن كان شاهداً فعليه زكاة و إن كان غائباً فليس عليه زكاة(1)

و مرسلة ابن أبي عمير عن بعض اصحابنا عن أبي عبدالله (علیه السلام) في رجل وضع لعياله ألف درهم نفقة، فحال عليها الحول قال: إن كان مقيماً زكاه و إن كان غائباً لم يزك(2)

و ما رواه أبوبصير عن أبي عبدالله (علیه السلام) قال: قلت له: الرجل يخلف لأهله ثلاثة آلاف درهم نفقة سنتين عليه زكاة؟ قال: إن كان شاهداً فعليها زكاة و إن كان غائباً فليس فيها شيء(3) بتقريب أن الظاهر منها التفصيل بين الشاهد و الغائب بوجوب الزكاة في الفرض الأول دون الثاني بحيث يكون الحضور دخيلاً في الموضوع كما أن الغيبوبة مانعاً عنه.

ص: 254


1- الوسائل، الباب 17 من أبواب زكاة الذّهب و الفضّة، الحدیث: 1
2- نفس المصدر، الحدیث: 2
3- نفس المصدر، الحدیث: 3

«مسألة 10: إذا كان عنده أموال زكوية من أجناس مختلفة و كان كلها أو بعضها أقل من النصاب فلا يجبر الناقص منها بالجنس الآخر، مثلاً إذا كان عنده تسعة عشر ديناراً أو مائة و تسعون درهماً لا يجبر نقص الدنانير بالدراهم و لا العكس» (1)

لكن الظاهر بنظر الدقيق أن جهة السؤال فيها إنما هو عدم تمكن المالك من التصرف في المال طول الحول باعتبار الانقطاع الذي كان يحدث للمسافر في الأزمنة السابقة لعدم الارتباطات الحديثة في تلك الأزمان و حينئذٍ يكون مفاد هذه الروايات مطابقة للقاعدة ففي الحقيقة يكون التفصيل بين القادر على التصرف و عدمه فما أفاده الماتن (رحمه اللّه) تام لا كلام فيه، و لعل هذا مراد المشهور قال صاحب الجواهر (رحمه اللّه): و بالجملة لا يخفى على من له ذوق بالفقه و معرفة بخطاباتهم (علیه السلام): أن المراد من هذا التفصيل أنه لا يصدق على هذا المال أنه حال عليه الحول و هو عنده، خصوصاً و ليس في هذه النصوص اشارة إلى التخصيص، فيكون الحاصل أنه يكفي في سقوط الزكاة عدم هذه العندية كما أنه يكفي في وجوبها هذه العندية مع الحضور و إن عزم على أنه للانفاق.

(1) كما هو مقتضى الروايات المتعددة و الاجماع المدعاة في كلمات بعض الأصحاب بل في الجواهر الاجماع بقسميه عليه لاحظ ما رواه زرارة أنه قال لأبي عبدالله (علیه السلام): رجل عنده مائة و تسعة و تسعون درهماً و تسعة عشر ديناراً أيزكيها؟ فقال: لا، ليس عليه زكاة في الدراهم و لا في الدنانير حتى يتم(1) و ما رواه أيضاً(2) و غيرهما الوارد في البابالمشار إليه مضافاً إلى أن الحكم على طبق القاعدة الأولية من اشتراط النصاب في كل جنس مملوك و أما ما رواه اسحاق بن عمار عن أبي ابراهيم (علیه السلام) قال: قلت له: تسعون

ص: 255


1- الوسائل، الباب 5 من أبواب زكاة الذّهب و الفضّة، الحدیث: 1
2- الوسائل، الباب 1 من أبواب زكاة الذّهب و الفضّة، الحدیث: 14

و مائة درهم و تسعة عشر ديناراً أعليها في الزكاة شيء؟ قال: إذا اجتمع الذهب و الفضة فبلغ ذلك مائتي درهم ففيها الزكاة لأن عين المال الدراهم و كل ما خلا الدراهم من ذهب أو متاع فهو عرض مردود ذلك إلى الدراهم في الزكاة و الديات(1) فضعيف سنداً، و على القول بتوثيق ابن مرار يقع التعارض و الترجيح للطائفة الاولى لامور (لاحتمالات احتمله الشیخ فی التهذیب(2) و كذا احتمالات اُخر)، هذا تمام الكلام في النقدين.

ص: 256


1- الوسائل، الباب 1 من أبواب زكاة الذّهب و الفضّة، الحدیث: 7
2- تهذیب الاحكام جلد 4 صفحه 93

«فصل: في زكاة الغلات الأربع»

و هي كما عرفت الحنطة و الشعير و التمر و الزبيب و في الحاق السُلت (الذي هو كالشعير في طبعه و برودته و كالحنطة في ملاسته و عدم القشر له) اشكالٌ فلا يترك الاحتياط فيه كالاشكال في العلس الذي هو كالحنطة بل قيل انه نوع منها في كل قشر حبتان و هو طعام أهل صنعاء فلا يترك الاحتياط فيه أيضاً و لا تجب الزكاة في غيرها و إن كان يستحب اخراجها من كل ما تنبت الأرض مما يكال أو يوزن من الحبوب كالماش و الذرة و الاُرز و الدخن و نحوها إلّا الخضر و البقول و حكم ما يستحب فيه، حكم ما يجب فيه في قدر النصاب و كمية ما يخرج منه و غير ذلك»(1)

(1) أما وجوب الزكاة في الغلات الأربع فلا كلام و لا اشكال فيه و تدل عليه الروايات المتعددة المستفيضة المتقدمة سابقاً و قد تقدم سابقاً أيضاً البحث في عدم وجوب ما عدا ذلك من الحبوبات، لكن الكلام في السُلت و العلس، حيث ذهب بعض الأعلام إلى وجوب زكاتهما و عن بعض عدم وجوب زكاتهما و منشأ الخلاف، اختلاف كلمات اللغويين في اندراجهما في مفهوم الحنطة و الشعير فعن القاموس السُلت بالضم الشعير أو ضرب منه، العلس ضرب من البُر يكون حبتان في قشر و هو طعام صنعاء، و عن بعض آخر أنّ السُلت حب يشبه الشعير و عن المغرب العلس حبة سوداء إذا أجدب الناس طحنوها و أكلوها و قيل هو مثل البُر، و عن الفائق: السُلت حب بين الحنطة و الشعير لا قشر له و حينئذٍ لا يمكن الاطمينان بأقوالهم لاختلافهم في ذلك و حينئذٍ تصل النوبة إلى الشك فهل مقتضى الاصل، البرائة أم لا؟

ففي تقريرات المحقق الخوئي (قدس سره ) أنّ مقتضى الأصل في بادي النظر هو البرائة، لكن

ص: 257

مقتضى النظر الدقيق هو الوجوب و ذلك من أجل أنّ هناك اطلاقات تدل على وجوب الزكاة في كل ما يكال لاحظ ما رواه عن زرارة عن أبي عبدالله (علیه السلام) مثله و قال كل ما كيل بالصاع فبلغ الأوساق فعليه الزكاة و قال جعل رسول الله (صلی الله علیه و آله و سلم) الصدقة في كل شي ء أنبتت الأرض إلا ما كان في الخضر و البقول و كل شي ء يفسد من يومه.(1)

و قد ورد التقييد عليها بما دل على حصر الزكاة في الغلات الأربع و أن رسول الله (صلی الله علیه و آله و سلم) قد عفى عما سوى ذلك و هذا القيد بلحاظ العقد السلبي مخالف للمطلقات و هذا المفهوم أي مفهوم ما سوى ذلك مردد بين ما يشمل السُلت و العلس و ما لا يشمل لتردد مفهوم الحنطة و الشعير فهو بطبیعة الحال مجمل دائر بين الأقل و الأكثر و المخصص المتصل المجمل مفهوماً الدائر بين الأقل و الأكثر يقتصر في التخصيص به على المقدار المتيقن و يرجع فيما عداه إلى عموم العام لعدم العلم بالخروج عن تحت العموم، زائداً على المقدار المعلوم و عليه فلا مناص من الحكم بوجوب الزكاة في السُلت و العلس تمسكاً بالمطلقات المتقدمة الناطقة بوجوب الزكاة في كل ما يكال لعدم العلم بخروجهما عن هذه الاطلاقات زايداً عن الافراد المتيقنة من الحنطة و الشعير.

ص: 258


1- الوسائل، الباب 9 من أبواب ما تجب فیه الزكاة، الحدیث: 6

«و يعتبر في وجوب الزكاة في الغلات أمران: الأول: بلوغ النصاب» (1)

(1) بلا خلاف و لا اشكال بل الاجماع بقسميه عليه كما في الجواهر بل ادعي فيه الضرورة و تدل على ذلك جملة من النصوص بل النصوص فيه متظافرة منها ما رواه زرارة عن أبي جعفر (علیه السلام) قال: ما أنبتت الأرض من الحنطة و الشعير و التمر و الزبيب ما بلغ خمسة أوساق و الوسق ستون صاعاً فذلك ثلاثمائة صاع ففيه العشر و ما كان منه يسقى بالرشاء و الدوالي و النواضح ففيه نصف العشر و ما سقت السماء أو السيح أو كان بعلاً ففيه العشر تاماً و ليس فيما دون ثلاثمائة صاع شيء و ليس فيما أنبتت الأرض شيء إلّا في هذه الأربعة أشياء.(1)

و ما رواه سعد بن سعد الأشعري قال: سألت أباالحسن عن أقل ما تجب فيه الزكاة من البر و الشعير و التمر و الزبيب، فقال: خمسة أوساق بوسق النبي (صلی الله علیه و آله و سلم) فقلت: كم الوسق؟ قال: ستون صاعاً قلت: و هل على العنب زكاة أو إنما يجب عليه إذا صيره زبيباً؟ قال: نعم، إذا خرصه أخرج زكاته.(2)

و ما رواه احمد بن محمد بن ابی نصر جمعاً قالا: ذكرنا له الكوفة و ما وضع عليها من الخراج، فقال: من أسلم طوعاً تركت أرضه في يده -إلى أن قال- و ليس في أقل من خمسة أوساق شيء من الزكاة(3)

و ما رواه محمد بن مسلم قال: سألت أبا عبدالله (علیه السلام) عن التمر و الزبيب ما أقل ما تجب فيه الزكاة فقال خمسة أوسق و يترك معافأرة و أم جعرور لا يزكيان و إن كثرا ويترك للحارس العذق و العذقان و الحارس يكون في النخل ينظره فيترك ذلك لعياله.(4)

ص: 259


1- الوسائل، الباب 1 من أبواب زكاة الغلّات، الحدیث: 5
2- نفس المصدر، الحدیث: 1
3- نفس المصدر، الحدیث: 2
4- الوسائل، الباب 1 من أبواب زكاة الغلّات، الحدیث: 3

و ما رواه احمد بن محمد بن ابی نصر عن أبي الحسن الرضا (علیه السلام) في حديث قال: ليس فيما كان أقل من خمسة أوساق شيء(1)

لكن بازائها ما تدل على عدم اعتبار النصاب أو أقل من خمسة أوسق و هو ما رواه اسحاق بن عمار عن أبي ابراهيم (علیه السلام) في حديث زكاة الحنطة و التمر قال: قلت: إنما أسألك عما خرج منه قليلاً كان أو كثيراً أله حد يزكى ما خرج منه؟ فقال: زك ما خرج منه قليلاً كان أو كثيراً من كل عشرة، واحد و من كل عشرة نصف واحد. قلت: فالحنطة و التمر سواء؟ قال: نعم.(2)

و ما رواه ابن سنان مرسلاً قال: سألت أباعبدالله (علیه السلام) عن الزكاة في كم تجب في الحنطة و الشعير؟ فقال: في وسق.(3)

و ما رواه يحيى بن القاسم قال: قال أبوعبدالله (علیه السلام): لا تجب الصدقة إلّا في وسقين و الوسق ستون صاعاً.(4)

و ما رواه أبوبصير عن أبي عبدالله (علیه السلام) قال: لا يكون في الحب و لا في النخل و لا في العنب زكاة حتى تبلغ وسقين و الوسق ستون صاعاً.(5)

و ما رواه الحلبي عن أبي عبدالله (علیه السلام) قال: سألته في كم تجب الزكاة من الحنطة و الشعير و الزبيب و التمر؟ قال: في ستين صاعاً.(6)

و هذه الروايات و إن كانت مختلفة المضامين لكن كلها يدل على عدم اعتبار خمسة أوسق، لكن الأول و الثاني و الثالث و الرابع ضعاف و أما الخامس و هو و إن كان

ص: 260


1- نفس المصدر، الحدیث: 4
2- الوسائل، الباب 3 من أبواب زكاة الغلّات، الحدیث: 2
3- نفس المصدر، الحدیث: 4
4- نفس المصدر، الحدیث: 1
5- نفس المصدر، الحدیث: 3
6- الوسائل، الباب 1 من أبواب زكاة الغلّات، الحدیث: 10

«و هو بالمن الشاهي و هو ألف و مائتان و ثمانون مثقالاً صيرفياً مائة و أربعة و أربعون مناً إلّا خمسة و أربعين مثقالاً و بالمن التبريزى الذي هو ألف مثقال مائة و أربعة و ثمانون مناً و ربع منٍ و خمسة و عشرون مثقالاً و بحقة النجف في زماننا سنة 1326 و هي تسعمائة و ثلاثة و ثلاثون مثقالا صيرفياً و ثلث مثقال -ثمان وزنات و خمس حقق و نصف إلّا ثمانية و خسمين مثقالاً و ثلث مثقال و بعيار الاسلامبول و هو مائتان و ثمانون مثقالاً- سبع و عشرون وزنة و عشر حقق و خمسة و ثلاثون مثقالاً»(1)

صحيحاً لكن في قبال الطائفة الاولى غير صالحة للمقاومة فلابد من رد علمه إلى أهله أو حمله على التقية لذهاب بعض العامة إلى هذا القول كأبي حنيفة و مجاهد على ما نقل، مضافاً إلى أنّ في الطائفة الاولى ما هو أحدث لاحظ ما رواه الأشعري (سعد بن سعد) فراجع.(1)

(1) هذا الذي ذكره الماتن (رحمه اللّه) نتيجة ما نقلنا من الأصحاب يداً بيد، من أنّ كل رطل مائة و ثلاثون درهماً و كل عشرة دراهم خمسة مثاقيل صيرفية و ربع المثقال فالرطل الواحد يساوي ثمانية و ستين مثقالاً و ربع المثقال و بما أنّ الصاع الواحد تسعة أرطال عراقية تكون النتيجة ستمائة و أربعة عشر مثقالاً صيرفياً و ربع المثقال الحاصلة من ضرب التسعة في الثمانية و ستين مثقالاً و ربع المثقال الذي كان هو وزن الرطل الواحد فلو ضربنا هذا العدد في ثلاثمائة أصوع الذي كان هو حد النصاب كيلاً يكون المجموع

مائة و أربعة و ثمانين ألف مثقال و مائتين و خمسة و سبعين مثقالاً فإذا كان المن الشاهي 1280 مثقالاً و المن التبريزي ألف مثقال في بعض الاصطلاحات و الحقة

ص: 261


1- الوسائل، الباب 1 من أبواب زكاة الغلّات، الحدیث: 1

«و لا تجب في الناقص عن النصاب و لو يسيراً كما أنها تجب في الزائد عليه يسيراً كان أو كثيراً» (1)

النجفية 933 و 1 من 3 مثقالاً و حقة الاسلامبول 280 مثقالاً، يكون الحساب ما ذكره الماتن (رحمه اللّه).

(1) أما عدم الوجوب بالنسبة إلى الناقص عن النصاب و لو يسيراً للنصوص المتقدمة لاحظ ما رواه زرارة و بكير عن أبي جعفر (علیه السلام) قال: و أما ما أنبتت الأرض من شيء من الأشياء فليس فيه زكاة إلا في أربعة أشياء: البر و الشعير و التمر و الزبيب و ليس في شيء من هذه الأربعة الاشياء شيء حتى تبلغ خمسة أوساق و الوسق ستون صاعاً و هو ثلاثمائة صاع بصاع النبى (صلی الله علیه و آله و سلم) فإن كان من كل صنف خمسة أوساق غير شيء و إن قل فليس فيه شيء و إن نقص البر و الشعير و التمر و الزبيب أو نقص من خمسة أوساق صاع أو بعض صاع فليس فيه شيء فإذا كان يعالج بالرشاء و النضح و الدلاء ففيه نصف العشر و إن كان يسقى بغير علاج بنهر أو غيره أو سماء ففيه العشر تاماً(1)

و أما الوجوب بالاضافة إلى الزائد فلاطلاق النصوص لعدم التعرض بالنسبة إلى الزيادة فمتى بلغ الحد، تجب الزكاة.

ص: 262


1- الوسائل، الباب 1 من أبواب زكاة الغلّات، الحدیث: 8

«الثاني: التملك بالزراعة فيما يزرع أو انتقال الزرع إلى ملكه قبل وقت تعلق الزكاة و كذا في الثمرة كون الشجر ملكاً له إلى وقت التعلق أو انتقالها إلى ملكه منفردة أو مع الشجر قبل وقته» (1)

(1) ادعى عليه الاجماع و الاتفاق في الجملة فعن المعتبر لا تجب الزكاة في الغلات إلّا إذا نمت في الملك فلا تثبت فيما يبتاع و لا ما يستوهب و عليه اتفاق العلماء.

و عن المنتهى لا تجب الزكاة في الغلات الأربع إلّا إذا نمت في ملكه فلو ابتاع غلة و استوهب أو ورث بعد بدو الصلاح لم يجب عليه الزكاة و هو قول العلماء كافة.

و عن الشرايع لا تجب الزكاة في الغلات إلّا إذا ملكت بالزراعة لا بغيره من الأسباب كالابتياع و الهبة و كيف كان اشتراط الزكاة فيها بالشرط المذكور لا اشكال فيه و لا كلام، لأن التكليف متوجه إلى الملاك حال التعلق سواء كان التملك بالزراعة أم بالانتقال.

و لعل مراد المحقق الأول (رحمه اللّه) «من أنه لا تجب فيما يبتاع و لا ما يستوهب» تحقق الملكية بعد بدو الصلاح و بعد التعلق لا قبله حتى يشكل أنه لا فرق في الملكية بين أسبابها بعد التحقق و حصولها.

و لعل ما أفاده الماتن (رحمه اللّه) بقوله: فيما يزرع أو انتقال الزرع إلى ملكه قبل وقت تعلق الزكاة، تعريض لبعض الاشكال المتوجه إلى بعض العبائر كعبارة الشرائع من اشتراط النمو في الملك و الاشكال المتوجه إليه، حيث أورد صاحب المدارك على هذا الشرط طرداً و عكساً، أما الطرد ففيها إذا بنينا على مذهب المحقق (رحمه اللّه) و جماعة من أن زمان تعلق الوجوب بالغلات الأربع إنما هو حين صدق الحنطة و الشعير و التمر و الزبيب فإنه على هذا لو تملكها شخص قبل ذلك بقليل بحيث كان صدق العناوين المذكورة في ملكه كانت الزكاة واجبة عليه مع عدم النمو في ملكه أصلا، و أما العكس فعلى

ص: 263

مذهب المشهور من تعلق الزكاة بها حين بدو الصلاح فإذا انتقلت عن ملكه بعد ذلك كان الواجب هو الزكاة على المنتقل عنه مع أنّ النمو في ملك المنتقل إليه، ثم بعد ذلك قال: و كان الاوضح جعل الشرط كونها مملوكة قبل وقت بلوغها الحد الذي تعلق به الزكاة كما اقتضاه صريح كلام الفريقين.

لكن أجاب عنه المحقق الهمداني (رحمه اللّه) أما عن الأول فبأنه لا ينبغي الشك في اعتبار النمو في الملك في ثبوت الزكاة و أنه لا يكفي في ذلك مجرد الملكية قبل وقت التعلق و لذا لا يظن في حق أحد أنه يلتزم وجوب الزكاة على شخص اشترى عنباً أو رطباً ثم جففهما مع أنه لو كان المراد مجرد المملوكية قبل التعلق تجب عليه الزكاة، حاشا و كلا.

و أما على الثاني أنّ المراد بالنمو المعتبر في المقام ليس مطلق النمو كي يلزم منه ما ذكره بل المراد النمو قبل وقت التعلق بأن تكون الغلة مما كان لها النمو في ملكه قبل تعلق الزكاة بها فلا يلزم عدم الانعكاس.

و في كلام السيد الحكيم (رحمه اللّه) في المستمسك، الاولى الغاء هذا الشرط بالمرة لأنه إن اريد اشتراطه في اصل التعلق يغنى عنه ما تقدم من اعتبار الملك و إن اريد بيان اعتبار كون الملك حال التعلق فلا خصوصية للملك من بين الشرائط العامة إذ يعتبر في جميعها أن تكون حال التعلق كما لا يخفى و الظاهر أن ما أفاده متين كما تقدم.

ثم إن لسيدنا الاستاذ (رحمه اللّه) في المقام تحقيق في تصوير الصورة المفروضة في المقام قال: (على ما في التقرير) إن الفروض المتصورة في المقام ثلاث:

الأول: ما إذا كان النمو في الملك كما إذا كان مالكاً للغلة بالزراعة بحيث كان انعقاد الثمرة في ملكه إلى أن صار حنطة أو شعيراً أو تمراً أو زبيباً و كان واجداً لسائر الشرائط أيضاً.

الثاني: ما إذا انتقل من ملكه حين آخر قبل تعلق الزكاة و لكن بحيث لم يكن النمو فيالملك المنتقل إليه كما إذا اشترى عنباً أو رطباً و جففهما بناء على اعتبار عنوان التمرية

ص: 264

و الزبيبية في الزكاة بلا فرق بين كون المنتقل عنه واجداً للشرائط أم لا.

الثالث: ما إذا كان الانتقال الى ملكه مقارناً لزمان التعلق و يختلف الحال في حكمها باختلاف المباني في المسئلة فعلى مسلك المشهور من اعتبار النمو في الملك بمعنى أن تكون الغلة مما كان لها النمو في ملكه قبل تعلق الزكاة بها لا تثبت الزكاة في غير الفرض الاول و أما بناء على مذهب صاحب المدارك ثبوتها في الفرض الثاني أيضاً لتحقق الملكية قبل زمان التعلق و لو لم يكن نمو في الملك و أما على القول الثالث أي الغاء اعبتار الشرط المذكور و الاكتفاء باشتراط الملكية حين التعلق الحكم بثبوتها في الفرض الثالث أيضاً، فالغاء الشرط المذكور بعدم الثمرة مما لا يخفى فساده.

و أما الدليل على هذا الشرط انصراف الادلة إلى الفرض الأول فقط بل ادعى المحقق الهمداني (رحمه اللّه) أنه لولا الاجماع في المسئلة لأشكل الحكم بوجوب الزكاة فيما لو كان النمو في الملك قليلاً كما إذا اشترى الزرع قبل زمان التعلق بقليل لانصراف الادلة عن ذلك.

لكن أجاب سيدنا الاستاذ (رحمه اللّه) في الانصراف و أنه أىّ قرينة تدل على انصراف الأدلة عن الثاني أو انصرافها إلى الأول فقط.

ص: 265

«مسألة 1: في وقت تعلق الزكاة بالغلات خلاف، فالمشهور على أنه في الحنطة و الشعير عند انعقاد حبهما و في ثمر النخل حين اصفراره أو احمراره و في ثمرة الكرم عند انعقادها حصرما و ذهب جماعة إلى أن المدار صدق أسماء المذكورات من الحنطة و الشعير و التمر و صدق اسم العنب في الزبيب و هذا القول لا يخلو عن قوة و إن كان القول الأول أحوط بل الأحوط مراعاة الاحتياط مطلقاً إذ قد يكون القول الثاني أوفق بالاحتياط»(1)

(1) الأقوال في المسئلة أربع، كما في كلام سيدنا الاستاذ (رحمه اللّه) في المرتقى:

القول الأول: أنّ الاعتبار ببدو الصلاح في تعلق الزكاة بالغلات و ذلك يكون باشتداد الحب في الحنطة و الشعير و بالاحمرار و الاصفرار في النخل و صيرورة الثمر حصرما في الزبيب كما هو المشهور بين القوم بل في بعض الكلمات دعوى التسالم بين الاصحاب و عن بعض أنّ عليه الاصحاب و استدل للقول المشهور بامور:

الامر الاول: أنّ صدق عنوان الحنطة و الشعير انما يكون بمجرد الاشتداد فتثبت الزكاة بمقتضى اطلاق الادلة الدالة على ثبوتها في الحنطة و الشعير و بالاجماع المركب يثبت ذلك في البسر و الرطب و الحصرم و العنب أيضاً.

أورد عليه سيدنا الاستاذ (رحمه اللّه) أولاً أنّ صدق عنوان الحنطة و الشعير بمجرد الاشتداد ممنوع و لا اقل من الشك، و ثانياً لو سلمنا ذلك فالظاهر انصراف هذه العناوين عن الفرض المذكور في المحاورات العرفية، و ثالثاً لو سلم ذلك في الحنطة و الشعير لا مجال للقول به في التمر و الزبيب بالاجماع المركب اذ لم يتحقق ذلك بل يستظهر من كلام المحقق صاحب الشرايع عدم التحقق حيث جعل محل الخلاف التمر و الزبيب دونالحنطة و الشعير.

ص: 266

الامر الثاني: عمومات وجوب الزكاة بتقريب ذكره المحقق الهمداني (رحمه اللّه) بما حاصله: أن مقتضى العمومات ثبوت الزكاة في ما سقته السماء مطلقاً من جميع الاجناس، غايته أنّ ما دل على انحصار الاجناس في تسع، يكون مخصصاً لهذا العموم و بما أنّ المخصص مجمل مفهوماً و أمره دائر بين الاقل و الاكثر حيث يشك في شمولها مفهوم المخصص البسر و الرطب و العنب و الحصرم و عدمه و دخوله في عموم العام لابد من التمسك بالعام إذ الخارج منه المقدار المتيقن يقيناً و الزائد مشكوك فبمقتضى أصالة العموم أو مقتضى أصالة عدم التخصيص الزائد وجوب الزكاة، و بعبارة واضحة أنّ مقتضى عموم العام وجوب الزكاة فيما سقتت السماء أو نضح بالدلو و هذا العام قد خصص بالادلة الدالة على تخصيص ذلك بالتمر و الزبيب و الحنطة و الشعير و هذا المخصص، له عقد ايجابى و عقد سلبى أما العقد الايجابى، فلا ينافي العام، لأنه موافق له و أما العقد السلبي أي عدم الوجوب بالنسبة إلى غير ذلك مفهومه مردد بين الاقل و هو هذه العناوين الخاصة و الأكثر أي شمولها للبسر و الرطب و عدم وجوب الزكاة فيهما أيضاً كساير ما سقتت السماء من النباتات و مقتضى أصالة العموم وجوب الزكاة فيهما.

أورد عليه سيدنا الاستاذ (رحمه اللّه) أنّ الاستدلال بالعموم على النهج المذكور تام جداً لكن الكلام في وجود العام إذ العام المتصور في المقام، إما عموم قوله تعالى: {خذ من أموالهم صدقة تطهرهم و تزكيهم بها و صل عليهم إن صلاتك سكن لهم والله سميع عليم}(1)

و إما قوله (علیه السلام) في رواية اسحاق بن عمار عن أبي ابراهيم (علیه السلام) قال: سألته عن الحنطة و التمر عن زكاتهما، فقال: العشر و نصف العشر، العشر مما سقت السماء و نصفالعشر مما سقی بالسوانى -إلى أن قال- قلت: فالحنطة و التمر سواء؟ قال: نعم.(2)

ص: 267


1- التوبة / 103
2- الوسائل، الباب 4 من أبواب زكاة الغلات، الحدیث: 6

و ما رواه الحلبي قال: قال أبوعبدالله (علیه السلام) في الصدقة فيما سقت السماء و الانهار إذا كانت سيحاً أو كان بعلاً العشر و ما سقت السواني و الدوالي أو سقى بالغرب فنصف العشر.(1)

و لا يخفى أنّ الاول ليس فى صدد بيان الحكم من هذه الجهة بل الآية ناظرة الى أصل التشريع، و أما الثاني فالأمر أيضاً كذلك فإن الرواية ليس في صدد البيان من هذه الناحية بل المسوق له الكلام فيها بيان المقدار من الزكاة في الاجناس التي فرض ثبوت الزكاة فيها فلا اطلاق في كلمة الموصول.

الامر الثالث: ما رواه سليمان بن خالد عن أبي عبدالله (علیه السلام) قال: ليس في النخل صدقة حتى يبلغ خمسة أوساق و العنب مثل ذلك حتى يكون خمسة أوساق زبيباً.(2)

و قد قرب هذا الوجه بتقريبين:

الاول: أن الموضوع في وجوب الزكاة هو العنب لكن فيما إذا بلغ خمسة أوساق على تقدير الزبيبية بمعنى أنّ العنب الذي يتحصل منه خمسة أوساق من الزبيب هو الموضوع لوجوب الزكاة.

الثاني: أنّ اسناد الصدقة إلى النخل في صدر الرواية اسناد مجازي و المراد به الثمرة و هذا يدل على أن الزكاة ثابتة في ثمرة النخل مطلقاً لا خصوص التمر فيشمل ما ذكره المشهور.

أورد عليه سيدنا الاستاذ في الاول أنّ هذا الاحتمال و إن كان متصوراً فيها لكن في الرواية احتمال آخر و هو أنّ الموضوع لوجوب الزكاة هو الزبيب بحيث يكون الوجوبمنوطاً بما إذا كان خمسة اوساق من الزبيب بالفعل و مع هذا الاحتمال تصير الرواية مجملة إذ أنّ كلمة الزبيب و إن كانت ظاهرة في الفعلية إلّا أنه لا يناسب أخذ العنب

ص: 268


1- نفس المصدر، الحدیث: 2
2- الوسائل، الباب 1 من أبواب زكاة الغلات، الحدیث: 7

فيها الظاهر في موضوعيته للحكم المذكور و حيث أنه لا مرجح لاحد الاحتمالين على الآخر تكون الرواية مجملة.

و أما الجواب عن الثاني فإنه لو لم يكن هناك وجه آخر اعتبارى لاسناد الصدقة إلى النخل لكان لما ذكر مجال غير أنه يمكن أن يكون الوجه في الاسناد هو الاشارة الى اعتبار كون النماء في الملك في ثبوت الزكاة و مع هذا الاحتمال لا يبقى مجال للجزم بأنّ الوجه في الاسناد إنما هو مجرد الاخصرية في العبارة من جهة أنّ أخصر تعبير عن ثبوت الزكاة في مطلق ثمرة النخل إنما هو باسناد الصدقة الى نفس النخل فتصير الرواية مجملة من هذه الجهة أيضاً مضافاً إلى أنه لو سلم دلالتها على ما ذكر فالتعدى من ذلك الى غير النخل من الحصرم و البسر و الرطب مشكلٌ.

الامر الرابع: ما رواه أبي بصير عن أبي عبدالله (علیه السلام) قال: لا يكون في الحب و لا في النخل و لا في العنب زكاة حتى تبلغ وسقين و الوسق ستون صاعاً.(1)

بتقريب أنّ المستفاد منه كون المدار في وقت الوجوب عنوان الحب و النخل و العنب و ظاهر هذه العناوين كونها مأخوذة في الموضوع.

أورد عليه أنّ الرواية ضعيفة سنداً بالجوهری و اشتمالها على أمر لا نقول به و هو كون النصاب الوسقين لا خمسة أوساق.

قد يقال: ان الرواية مختصة بالعنب و لا يثبت ذلك في غيره إلّا بالاجماع المركب الذي تقدم الاشكال فيه لكن للتأمل في ما افيد مجال واضح إذ الرواية غير مختصة به بل ذكرت فيها عنوان النخل و الحب فلا تكون مختصة بالعنب فلاحظ.

الامر الخامس: ما رواه سعد بن سعد الأشعري قال: سألت أبا الحسن عن أقل ما تجب فيه الزكاة من البر و الشعير و التمر و الزبيب فقال خمسة أوساق بوسق النبي (صلی الله علیه و آله و سلم)

ص: 269


1- الوسائل، الباب 3 من أبواب زكاة الغلات، الحدیث: 3

فقلت كم الوسق قال ستون صاعاً قلت و هل على العنب زكاة أو إنما يجب عليه إذا صيره زبيبا قال نعم إذا خرصه أخرج زكاته.(1) هذا إذا كان الجواب بقوله (علیه السلام): «نعم» جواباً لقول السائل «و هل على العنب زكاة؟» و إلّا لو كان جواباً عن السؤال بقوله «أو انما تجب عليه الخ»، فلا يكون دليلاً على المشهور بل على خلافه، يؤيد الاخير أنّ الجواب مذيل بقوله (علیه السلام): «إذا خرصه أخرج زكاته»، إذا لا يمكن حمل الخرص على الخرص المتعارف في وقت بدو الصلاح إذ على ذلك لابد من القول بوجوب الزكاة حين الخرص و بدو الصلاح الذي يكون حين انعقاد الحب لا العنب الذي ذكر في الحديث مضافاً إلى أن الامر لا يتم إلّا إذا ضم بالاجماع المركب في غير العنب و أنى لنا باثبات ذلك لاحتمال المدركية لو تحقق الاجماع.

الامر السادس: ما رواه سعد بن سعد الاشعرى ایضاً عن أبي الحسن الرضا (علیه السلام) قال: سألته عن الرجل تحل عليه الزكاة في السنة في ثلاثة أوقات أ يؤخرها حتى يدفعها في وقت واحد؟ فقال: متى حلت أخرجها و عن الزكاة في الحنطة و الشعير و التمر و الزبيب متى تجب على صاحبها قال: إذا صرم و إذا خرص(2)

بتقريب أنّ الشرط للوجوب انما هو الجامع بين زمان الخرص و الصرم بأن يكون كلاً من الصرم و الخرص يشتركان في تبيين كمية الثمرة فان الكمیة كما تحقق بالصرم تتحقق بالتخمين و المعنى أن الشرط هو معلومية كمية الثمرة فتدل الرواية على المذهب المشهور حيث أنّ وقت الخرص و التخمين و معلومية كمية الثمرة حين بدو الصلاح لا زمانالتسمية فيكشف عن تعلق الوجوب في ذلك الزمان.

أورد عليه: أنه يحتمل أن يكون الرواية في صدد بيان شرط الوجوب و شرط آخر، أما الاول فبقوله (علیه السلام): «إذا صرم»، و أما الثاني بقوله: «إذا خرص» بأن يكون ذكر الخرص

ص: 270


1- الوسائل، الباب 1 من أبواب زكاة الغلات، الحدیث: 1
2- الوسائل، الباب 52 من أبواب المستحقين للزكاة، الحدیث: 1

لبيان وقت حد النصاب فكأنه قال إذا صرم تجب الزكاة و لكن فيما إذا علم البلوغ بحد النصاب من جهة الخرص.

أقول: هذا إذا كان المراد من «إذا خرص» مجرد التخمين في المقدار دون المتعارف الذي وقت بدو الصلاح و إلّا يكون دالاً على مقالة المشهور.

أورد عليه المحقق الخوئى (قدس سره ) أن المسوق له الكلام في كلام السائل صدق اسم الحنطة و الشعير و التمر و الزبيب و البلوغ حداً ينطبق علیه الاسم فلا نظر الى ما قبل حصول التسمية و حيث لا معنى لاناطة الوجوب بالصرم أو الخرص الذى هو فعل اختيارى للمكلف فلا محالة يكون المراد التوسعة في وقت الاداء و أنه لا يلزم بالاخراج ساعة صدق الاسم، بل له التأخير إلى زمان الصرم لو أراد الاخراج من نفس العين أو الخرص و التخمين لو أراد اداء من القيمة فلا دلالة لها بوجه على تعلق الوجوب حالة الانعقاد و الاشتداد و عند بدو الصلاح.

القول الثانی: و هو ما ذهب اليه الماتن (رحمه اللّه) من أنّ المدار صدق هذه العناوين فيمكن أن يستدل عليه بما رواه زرارة عن أبي جعفر (علیه السلام) قال: ما أنبتت الأرض من الحنطة و الشعير و التمر و الزبيب ما بلغ خمسة أوساق و الوسق ستون صاعاً فذلك ثلاثمائة صاع ففيه العشر و ما كان منه يسقى بالرشاء و الدوالي و النواضح ففيه نصف العشر و ما سقت السماء أو السيح أو كان بعلا ففيه العشر تاما و ليس فيما دون الثلاثمائة صاع شي ء و ليس فيما أنبتت الأرض شي ء إلا في هذه الأربعة أشياء.(1) حيث أن الامام (علیه السلام) قال في ذيله: «و ليس فيما انبتت الارض شيء إلّا في هذه الاربعة» و المراد الاربعة المذكورة في صدر الحديث و هي الحنطة و الشعير و التمر و الزبيب و من الواضح أن العناوين المأخوذة في الدليل ظاهرة في الموضوعية فإذا صدقت هذه العناوين

ص: 271


1- الوسائل، الباب 1 من أبواب زكاة الغلات، الحدیث: 5

«مسألة 2: وقت تعلق الزكاة و ان كان ما ذكر على الخلاف السالف الّا أن المناط فى اعتبار النصاب و هو اليابس من المذكورات فلو كان الرطب منها بقدر النصاب لكن ينقص عنه بعد الجفاف و اليُبس فلا زكاة» (1)

تجب الزكاة فيها و إلّا فلا، فالاقوى ما ذهب اليه الماتن (رحمه اللّه) و ان كان الاحوط مراعاة الاحتياط في جميع الفروض.

وبملاحظة ما ذكرناه یظهر مستند لباقی الاقوال والله العالم بحقائق الامور.

(1) و استدل على ذلك بالاجماع و عن العلامة (رحمه اللّه) في المنتهى انما يعتبر الاوساق عند الجفاف فلو بلغ الرطب النصاب أو العنب لم يعتبر ذلك و اعتبر النصاب عند جفافه تمراً أو زبيباً و هو اجماع و عن التذكرة: و النصاب المعتبر و هو خمسة اوسق انما يعتبر وقت جفاف التمر و يبس العنب و الغلة فلو كان الرطب خمسة اوسق أو العنب أو الغلة، و لو جفت تمراً أو زبيباً أو حنطة أو شعيراً نقص فلا زكاة اجماعاً و إن كان وقت تعلق الوجوب نصاباً، انتهى.

و استدل المحقق الخوئى (قدس سره ) بتحديد النصاب في الغلات في لسان الروايات بالاوساق و الاصواع التي هي من الاكيال إذ لا يعد شيء من المذكورات من المكيل إلّا بعد اليبس و الجفاف و قبله يباع خرصاً أو وزناً و لم يعهد ببيع مثل العنب و الرطب كيلاً فبهذه القرينة القطعية نلتزم بأنّ المدار في النصاب حال اليبس لا قبل ذلك، لكن في بعض الروايات أنّ الصاع أربعة امداد و المد مقدار خاص من الوزن لاحظ ما رواه الحلبي قال: سألت أباعبدالله (علیه السلام) عن صدقة الفطرة فقال: على كل من يعول الرجل

ص: 272

على الحر و العبد و الصغير و الكبير صاع من تمر أو نصف صاع من بُر و الصاع أربعة أمداد(1) لكن فی بعض الروایات أنّ الصاع اربعة امداد و المد مقدار خاص من الوزن لا يقال انه في زكاة الفطرة لأنه يقال إن الامام (علیه السلام) في مقام بيان أمر كلي قابل الانطباق على ما نحن بصدده.

أما ما ذكره المحقق الخوئى (قدس سره ) أن تطبيق الكيل على الوزن على نحو الكلية و الإطراد بأن يقال إن كذا كيلاً يعادل كذا وزناً في غاية الصعوبة و الاشكال بل لا يكاد یتیسر خارجاً لإختلاف الاجسام خفةً و ثقلاً و إن تساوت حجماً فلا يمكن المساعدة علیه بعد بيان الامام (علیه السلام) في الرواية المذكورة المقدار من الصاع و هو اربع امداد.

و قد يستدل على ذلك بما رواه سليمان يعني ابن خالد عن أبي عبدالله (علیه السلام) قال: ليس في النخل صدقة حتى يبلغ خمسة أوساق و العنب مثل ذلك حتى يكون خمسة أوساق زبيبا.(2)

بتقريب أنه دل على أن الاعتبار في بلوغ النصاب في العنب بحال الزبيبية، لكن قد تقدم أنّ التعدي من هذا المورد الى غيره انما يكون بالاجماع المركب و قد عرفت الاشكال فيه فراجع.

ص: 273


1- الوسائل، الباب 6 من أبواب زكاة الفطرة، الحدیث: 12
2- الوسائل، الباب 1 من أبواب زكاة الغلات، الحدیث: 7

«مسألة 3: في مثل البَربَن و شبهه من الدَقَل الذي يؤكل رطباً و إذا لم يؤكل إلى أن يجف يقل تمره أو لا يصدق على اليابس منه التمر أيضاً المدار فيه على تقديره يابساً و تتعلق به الزكاة إذا كان بقدر يبلغ النصاب بعد جفافه» (1)

(1) قد تعرض الماتن (رحمه اللّه) فيها لثلاث فروض:

أما الفرض الاول: فبناءً على مسلك المشهور من أن المناط في زمان التعلق هو الاصفرار و الاحمرار و أن المدار في النصاب هو اليابس من المذكورات فلا مانع من الالتزام بوجوب الزكاة.

الفرض الثاني: و هو الذي إذا لم يؤكل إلى أن يجف قل تمره فالامر أيضاً كذلك لصدق ما هو المناط في تعلق الزكاة فيها.

الفرض الثالث: و هو ما لا يصدق عليه التمر حالى الیبس و الجفاف فلا يخلو عن اشكال حتى على المسلك المشهور إذ المستفاد من رواية سليمان بن خالد(1) أنّ الموضوع هو العنب أو الرطب الذي يصير تمراً أو زبيباً بعد ذلك و أما إذا لم يكن كذلك فلا زكاة فيه و لذا ذهب صاحب المدارك إلى عدم الزكاة فيه جزماً فعن المدارك و لو لم يصدق على اليابس من ذلك النوع اسم التمر أو الزبيب اتجه سقوط الزكاة فيه مطلقاً هذا على المسلك المشهور و أما على ما ذكرناه سابقاً و استفدناه من رواية زرارة(2) فلا زكاة فيه.

ص: 274


1- الوسائل، الباب 1 من أبواب زكاة الغلات، الحدیث: 7
2- الوسائل، الباب 1 من أبواب زكاة الغلات، الحدیث: 5

«مسألة 4: إذا أراد المالك التصرف في المذكورات بسراً أو رطباً أو حصرماً أو عنباً بما يزيد على المتعارف فيما يحسب من المؤن وجب عليه ضمان حصة الفقير كما أنه لو أراد الاقتطاف كذلك بتمامها وجب عليه أداء الزكاة حينئذٍ بعد فرض بلوغ يابسها النصاب» (1)

(1) أما جواز التصرف بمقدار المؤنة فلا اشكال فيه إذا كان بمقدار المتعارف إذ المؤنة مستثناة من الزكاة كما سيأتي ان شاء الله تعالى انما الكلام في الزائد عن المؤنة فان قلنا أنّ المناط في وقت تعلق الزكاة هو التسمية، فقيل: ذلك أيضاً لا مانع من التصرف بل اعدام موضوع الزكاة به إذ لم تتعلق الزكاة بالعين على الفرض، و أما على المسلك المشهور فتارة نقول إن كيفية تعلق الزكاة على العين على النحو الشركة في المالية، فلا كلام في جواز التصرف، إذ لا يجب على المالك أداء الزكاة من العين بل له أن يطبق ما في ذمته على العين على مال آخر على القول بأنّ المستفاد من أدلة جواز الاداء من مال آخر كونه في عرض العين في مقام الاداء.

و أما إذا لم نقل بالشركة في المالية أو أنّ الاداء من مال آخر يكون في طوله فالظاهر أنّ الامر أيضاً كذلك و إن تأمل بعض الاعلام (رحمه اللّه).

و أما إذا قلنا أن التعلق يكون على نحو الاشاعة و الشركة الحقيقية فلا يجوز له التصرف فإن تصرف يكون ضامناً بالنسبة إلى حصة الفقراء.

و أما على القول بأن التعلق المذكور يكون على نحو الكلي في المعين فيجوز له التصرف إلى أن يبقى مقدار يفى بحق الفقراء و حينئذٍ لا وجه لضمان المالك بمجرد التصرف فما أفاده الماتن (رحمه اللّه) من الضمان مع أنه (رحمه اللّه) قائل بالملك بنحو الكلي في المعين فلا نعرف له وجه لتعين حق الفقير حينئذٍ في المقدار الباقي (فتأمل).

نعم لا يجوز له التصرف حتى لا يبقى منه شيء، هذا كله في صرف المالك العين في

ص: 275

مؤنته.

و أما إذا أراد الاقتطاف بتمامها حكم الماتن (رحمه اللّه) بوجوب الزكاة حينئذٍ بعد فرض بلوغ يابسها النصاب، هذا الحكم على مبنى المشهور من وجوب الزكاة عند الاحمرار و الاصفرار أو اشتداد الحب، فواضح إذ وقت التعلق و إن كان ذلك الزمان لكن حيث اقتطف فلا يجوز له التأخير و ذلك لأن الظاهر من أدلة جواز التأخير إلى أن يبس انما هو في فرض عدم الاقتطاف و بقائها على الشجرة إلى أن يصير تمراً أو زبيباً فالجواز خاص بهذا المورد، و أما في صورة الاقتطاف فلا دليل على جواز التأخير و مقتضى وجوب أداء مال الغير أداء الزكاة حینما اقتطف، نعم على القول بالتسمية و ان المناط في التعلق هو كذلك فلا وجه لوجوب الزكاة في المقام لعدم صدق العناوين المأخوذة في الدليل، نعم في خصوص العنب فان التزمنا بما رواه سليمان بن خالد(1) من أن صدق العنب كان في تعلق الوجوب إذا بلغ النصاب حال كونه زبيباً، فلا مانع من الالتزام بالوجوب أي وجوب الاداء حينئذٍ.

ص: 276


1- الوسائل، الباب 1 من أبواب زكاة الغلات، الحدیث: 7

«مسألة 5: لو كانت الثمرة مخروصة على المالك فطلب الساعي من قبل الحاكم الشرعى الزكاة منه قبل اليبس، لم يجب عليه القبول بخلاف ما لو بذل المالك الزكاة بسراً أو حصرماً مثلاً فإنه يجب على الساعى القبول»(1)

(1) أما عدم وجوب القبول في صورة مطالبة الساعي فلما سيأتي إن شاء الله تعالى في المسئلة الآتية ان وقت الاخراج زمان التصفية و الاجتذاذ و الاقتطاف فإنّ الزكاة و إن كانت متعلقة لحق الفقير إلّا أنه لما يأت وقت الاخراج و الاداء، فلا موجب للقبول و أما صورة بذل المالك فمقتضى القاعدة جواز تصدي المالك للاخرج إذ الحق إذا كان متعلقاً بالمال من حين الاصفرار أو الاحمرار أو انعقاد الحب كما هو مذهب المشهور فلا كلام في جواز تصدي المالك لتخلص ماله عن مال الغير أي وقت شاء و إذا جاز للمالك الاخراج يجب على الساعي القبول إذ ليس هناك دليل يرخصه في الامتناع عنه لأنه صدر من أهله فلا يجوز للساعي التأخير في الاخذ و القبض كساير الديون التي حال وقت أدائها و المديون في صدد الاداء فيجب على الدائن القبول و كسائر الموارد التي يجوز للمالك تخلص ماله عن مال الغير، نعم هذا على مسلك المشهور كما أشرنا.

و أما على مسلك المنصور من أنّ المناط وقت التسمية لا قبل ذلك فلم تتعلق الزكاة حينئذٍ فلا مجال لما ذكر.

و عن المحقق الخوئي (قدس سره ) في تقريراته الشريف، أنّ لازم مقالة المشهور الالتزام بتطرق الاضرار نوعاً ما، بمال الفقير لأن قيمة البسر و الحصرم اقل من قيمة العنب و التمر فيتوجه الاضرار بالفقير و هذا من الموهنات لمذهب المشهور إذ لا يظن ان يلتزموا به.

أجاب عن هذا الاشكال سيدنا الاستاذ (رحمه اللّه) في المرتقى بأنّ تحقق الاضرار بالنسبة الى

ص: 277

الفقير انما هو فرع ثبوت الحق له في بقاء البسر و الحصرم الى أن يصير تمراً و رطباً أو يصير عنباً أو زبيباً و إذا كان ثبوت مثل هذا الحق له أول الكلام كما هو كذلك فإن غاية ما ثبت بالدليل انما هو تعلق حقه بالتمر من حين بدو الصلاح و أما الزائد على ذلك فلم يثبت و حينئذٍ صدق عنوان الاضرار بحقة بقبول الساعي في الفرض المذكور يكون محل المنع.

أقول: ليس المراد من الاضرار هو الاضرار بحق الفقير بمعنى أنه له حق البقاء فبجواز الاداء يتضرر الفقير، بل المراد أنّ ما يملكه الفقير يصير أقل مما يملك بعد ذلك، فلا يكون اضراراً بحقه حتى يقال انه لا حق له حتی يتضرر، بل الحكم بجواز الاداء قبل ذلك يوجب تضرره في ماله نوعاً، لكن العمدة عدّ هذا من الضرر، إذ المراد به الخسارة لا عدم النفع و الظاهر أن الاداء في ما نحن فيه موجب لعدم نفعه كاملاً لا تضرره، فتأمل.

ص: 278

«مسألة 6: وقت الاخراج الذي يجوز للساعي مطالبة المالك فيه و إذا أخرها عنه ضمن، عند تصفية الغلة و اجتذاذ التمر و اقتطاف الزبيب فوقت وجوب الاداء غير وقت التعلق» (1)

(1) للسيرة المدعاة المتصلة بزمان المعصوم (علیه السلام) أضف إلى ذلك ما رواه سعد بن سعد الاشعرى عن أبي الحسن الرضا (علیه السلام) في حديث قال: سألته عن الزكاة في الحنطة و الشعير و التمر و الزبيب متى تجب على صاحبها قال: إذا صرم و إذا خرص(1) و حيئذٍ إذا أدى ما في ذمته الى مستحقه فهو و أما لو أخرها مع وجود المستحق فهو ضامن كما يستفاد من رواية محمد بن مسلم قال: قلت لأبي عبدالله (علیه السلام) رجل بعث بزكاة ماله لتقسم فضاعت هل عليه ضمانها حتى تقسم فقال إذا وجد لها موضعاً فلم يدفعها فهو لها ضامن حتى يدفعها و إن لم يجد لها من يدفعها إليه فبعث بها إلى أهلها فليس عليه ضمان لأنها قد خرجت من يده و كذلك الوصي الذي يوصى إليه يكون ضامنا لما دفع إليه إذا وجد ربه الذي أمر بدفعه إليه فإن لم يجد فليس عليه ضمان.(2)

ص: 279


1- الوسائل، الباب 12 من أبواب زكاة الغلات، الحدیث: 1
2- الوسائل، الباب 39 من أبواب مستحقین الزكاة، الحدیث: 1

«مسألة 7: يجوز للمالك المقاسمة مع الساعي مع التراضي بينهما قبل الجذاذ» (1)

«مسألة 8: يجوز للمالك دفع الزكاة و الثمر على الشجر قبل الجذاذ منه أو عن قيمته» (2)

(1) أقول: بعد ما بنينا من جواز الاعطاء بعد تحقق زمان الوجوب و تخليص ماله عن مال الفقراء فلا مانع من المقاسمة بل إذا جاز للمالك الاعطاء و أنه بيده كما هو مقتضى النصوص، فلا محالة يجوز له الاداء قبل الجذاذ بلا حاجة الى المقاسمة.

(2) أما أداء الزكاة منه فقد تقدم الكلام فيه و أما من قيمته فنقول أنّ المالك قد يؤدي ما في ذمته بقيمته من النقدين فالظاهر أنه لا كلام فيه فتوىً و نصاً بل ادعى عدم الخلاف و الاجماع عليه، و أما النص فيدل عليه ما رواه محمد بن خالد البرقي قال: كتبت إلى أبي جعفر الثاني (علیه السلام) هل يجوز أن أخرج عما يجب في الحرث من الحنطة و الشعير و ما يجب على الذهب دراهم بقيمة ما يسوى أم لا يجوز إلا أن يخرج من كل شي ء ما فيه فأجاب (علیه السلام) أيما تيسر يخرج.(1)

و ما رواه علي بن جعفر (علیه السلام) قال: سألت أبا الحسن موسى (علیه السلام) عن الرجل يعطي عن زكاته عن الدراهم دنانير و عن الدنانير دراهم بالقيمة أيحل ذلك قال لا بأس به.(2)

و أما الاداء بغير النقدين و قد تقدم و سيأتي الكلام فيه.

ص: 280


1- الوسائل، الباب 14 من أبواب زكاة الذهب و الفضة، الحدیث: 1
2- نفس المصدر، الحدیث: 2

«مسألة 9: يجوز دفع القيمة حتى من غير النقدين من أي جنس كان بل يجوز أن تكون من المنافع كسكنى الدار مثلاً و تسليمها بتسليم العين الى الفقير» (1)

«مسألة 10: لا تتكرر زكاة الغلات بتكرر السنين إذا بقيت أحوالاً فإذا زكى الحنطة ثم احتكرها سنين لم يجب عليه شيء و كذا التمر و غيره»(2)

(1) تقدم الكلام في هذه المسئلة من أنه هل يجوز تبديل الفريضة الى غير النقدين من الاعيان أم لا؟ قلنا هناك أنه لا دليل على الازيد من تبديل الفريضة الى النقدين و أما التبديل الى جنس آخر فمشكلٌ جداً و أما قوله (علیه السلام): «فأيما تيسرت يخرج» فيمكن أن يقال انه يدل على جواز الاخراج و لو من جنس آخر، فتأمل. و تقدم الكلام فيه سابقاً فراجع.

(2) و استدل على ذلك مضافاً إلى الاجماع كما عن الجواهر بما رواه زرارة و عبيد بن زرارة عن أبي عبدالله (علیه السلام) قال: أيما رجل كان له حرث أو ثمرة فصدقها فليس علىّ فيه شيء و ان حال عليه الحول عنده إلّا أن يحول مالاً فإن فعل ذلك فحال عليه الحول عنده فعليه أن يزكيه و الا فلا شيء عليه و إن ثبت ذلك ألف عام إذا كان بعينه فانما عليه فيه صدقة العشر فإذا أدّاها مرةٍ واحدة فلا شيء عليه فيها حتى يحوله مالاً و يحول عليه الحول و هو عنده(1)

أضف الى ذلك عدم صدق العنوان المأخوذ في الدليل و هو المالك للزرع لاحظ ما رواه أبوبصير و محمد بن مسلم عن أبي جعفر (علیه السلام) أنهما قالا له: هذه الارض التي يزارع أهلها ما ترى فيها؟ فقال: كل أرض دفعها اليك السلطان فما حرثته فيها فعليك مما أخرج الله منها الذي قاطعك عليه و ليس على جميع ما أخرج الله منها العشر انما عليك

ص: 281


1- الوسائل، الباب 11 من أبواب زكاة الغلات، الحدیث: 1

«مسألة 11: مقدار الزكاة الواجب اخراجه في الغلات هو العشر فيما سقى بالماء الجاري أو بماء السماء أو بمص عروقه من الارض كالنخل و الشجر بل الزرع أيضاً في بعض الامكنة و نصف العشر فيما سقى بالدلو و الرشاء و النواضح و الدوالى و نحوها من العلاجات» (1)

العشر فيما يحصل في يدك بعد مقاسمته لك(1)

و ما رواه زرارة(2) و مع الشك في الوجوب فالبرائة محكمة.

(1) ما أفاده من التفصيل مورد التسالم و الاتفاق كما ادعاهما جملة من الاعلام مضافاً الى ورود جملة من الروايات الواردة الدالة على ذلك التفصيل لاحظ ما رواه عن الحلبي قال: قال أبو عبدالله (علیه السلام) في الصدقة فيما سقت السماء و الأنهار إذا كانت سيحا أو كان بعلا العشر و ما سقت السواني و الدوالي أو سقي بالغرب فنصف العشر.(3)

و ما رواه زرارة و بكير جمیعاً عن أبي جعفر (علیه السلام) قال: في الزكاة ما كان يعالج بالرشاء و الدوالى و النضح ففيه نصف العشر و إن كان يسقى من غير علاج بنهر أو عين أو بعل أو سماء ففيه العشر كاملاً(4) و ما رواه اسحاق بن عمار(5)

و ما رواه عبيدالله الحلبي عن أبي عبدالله (علیه السلام) في حديث قال: في صدقة ما سقى بالغرب نصف الصدقة و ما سقت السماء و الانهار أو كان بعلاً فالصدقة و هو العشر و ماسقى بالدوالي أو بالغرب فنصف العشر(6)

ص: 282


1- الوسائل، الباب 7 من أبواب زكاة الغلات، الحدیث: 1
2- الوسائل، الباب 1 من أبواب زكاة الغلات، الحدیث: 5
3- الوسائل، الباب 4 من أبواب زكاة الغلات، الحدیث: 2
4- نفس المصدر، الحدیث: 5
5- نفس المصدر، الحدیث: 6
6- الوسائل، الباب 4 من أبواب زكاة الغلات، الحدیث: 7

و ما رواه سماعة قال: سألته عن الزكاة في الزبيب و التمر فقال: في كل خمسة أوسق وسق و الوسق ستون صاعاً و الزكاة فيهما سواء، فأما الطعام فالعشر فيما سقت السماء و أما ما سقى بالغرب و الدوالي فانما عليه نصف العشر(1)

و ما رواه معاوية بن شريح عن أبي عبدالله (علیه السلام) قال: فيما سقت السماء و الانهار أو كان بعلاً فالعشر فأما ما سقت السواني و الدوالي فنصف العشر. فقلت له: فالارض تكون عندنا تسقى بالدوالي ثم يزيد الماء و تسقى سيحاً؟ فقال: إنّ ذا ليكون عندكم كذلك؟ فقلت: نعم. قال: النصف و النصف، نصف بنصف العشر و نصف بالعشر. فقلت: الارض تسقى بالدوالي ثم يزيد الماء فتسقى السقية و السقيتين سيحاً؟ قال: و كم تسقى السقية و السقيتان سيحاً؟ قلت: في ثلاثين ليلة أربعين ليلة و قد مكث قبل ذلك في الارض ستة أشهر سبعة أشهر قال: نصف العشر.(2) و غيرها من الروايات.

ثم إنّ الظاهر من الروايات أن وصول الماء الى الزرع إذا كان بمعونة دلوٍ و نحوه فالواجب في مثل ذلك نصف العشر و أما إذا لم يكن كذلك بأن كان سقيه من السماء أو بماء النهر و العين و ان كان ذلك متوقفاً على حفر ساقيه أو رفع الموانع أو كان بعلاً بأن كان الزرع مما يمص بعروقه الماء من الارض فالواجب فيه العشر.

و الحاصل أنّ المنساق من النصوص أنّ التقسيم بلحاظ نفى السقى لا في مقدمته كما يشهد على ما ذكرنا صحيحة زرارة حيث مثل للسقى من غير علاج بالسقى من النهر أو العين و البعل فانه باطلاقه يشمل ما لو احتاج السقى بهذه المذكورات الى احداث ساقيه أم لا.

ص: 283


1- الوسائل، الباب 5 من أبواب زكاة الغلات، الحدیث: 1
2- الوسائل، الباب 6 من أبواب زكاة الغلات، الحدیث: 1

«و لو سقى بالامرين فمع صدق الاشتراك في نصفه العشر و في نصفه الآخر نصف العشر و مع غلبة الصدق لأحد الامرين فالحكم تابع لما غلب و لو شك في صدق الاشتراك أو غلبة صدق أحدهما فيكفي الاقل و الاحوط الاكثر» (1)

(1) ما أفاده الماتن (رحمه اللّه) هو المستفاد من الادلة الواردة في الباب إذ الظاهر منها كون المدار هو الصدق لانه ما من مزرعة تسقى بالعلاج إلّا و قد تسقى من ماء السماء وجبة أو وجبتين على الأقل و مع ذلك حكم فيها بنصف العشر و كذلك العكس فالسقي القليل بالسماء لا يخرجه عن كون الزرع يسقى بالعلاج أو السقي بالعلاج قليلاً بحيث یندك في السقي بالسماء في بعض ايام الحار من الصيف لا يخرج المزروع عما سقي بالسماء فالمدار على الصدق و حينئذٍ إن صدق عليه أحد العنوانين فهو و إلّا فلو اشتركا في الصدق في الاسناد بحيث كان كل من السقين دخيلاً في الانبات و يسند النبت و النمو الى كل من النوعين فمقتضى الفهم العرفي من الروايات إعمال كلا الحكمين في مجموع ما حصل من السقيين بنسبة واحدة و هذا قد يكون بالتساوي فيكون العشر في نصف المجموع و نصفه في النصف الآخر و قد يكون بالتفاوت و على كل حال يكون المدار هو الصدق كما ذُكر، مضافاً الى أنّ الحكم كأنه متسالم بين الاعلام (رحمه اللّه) على ما نقل و يؤيد ذلك ما رواه معاوية بن شريح(1) (مع التأمل فی الراوی)

حيث أنّ المستفاد منه هو الصدق لا الاكثرية حتى يبحث أنّ المدار هو الاكثرية الحقيقية أو العرفية كما في بعض الكلمات فلاحظ.

ص: 284


1- الوسائل، الباب 6 من أبواب زكاة الغلات، الحدیث: 1

«مسألة 12: لو كان الزرع أو الشجر لا يحتاج إلى السقى بالدوالي و معذلك سقى بها من غير أن يؤثر في زيادة الثمر فالظاهر وجوب العشر و كذا لو كان سقيه بالدوالى و سقى بالنهر و نحوه من غير أن يؤثر فالواجب نصف العشر» (1)

(1) كل ذلك لظاهر النصوص الواردة في المقام إذ المستفاد منها هو السقي المؤثر لا مطلقاً فلاحظ ما رواه بزنطی عن جميل نحوه إلّا أنه قال: الذهب و الفضة و ثلاثة من الحيوان الابل و البقر و الغنم و مما أنبتت الارض الحنطة و الشعير و الزبيب و التمر(1)

و ما رواه زرارة عن أبي عبد اللّه (علیه السلام) مثله و قال كلّ ما كيل بالصّاع فبلغ الأوساق فعليه الزّكاة و قال جعل رسول اللّه ص الصّدقة في كلّ شي ءٍ أنبتت الأرض إلّا ما كان في الخضر و البقول و كلّ شي ءٍ يفسد من يومه. (2)

و ما رواه زرارة عن أبي جعفر (علیه السلام) قال: ما انبتت الارض من الحنطة و الشعير و التمر و الزبيب -إلى أن قال- و ليس فيما انبتت الارض شيء إلّا في هذه الاربعة اشياء(3)

و ما رواه زرارة و بكير ابني أعين عن أبي جعفر (علیه السلام) قال: ليس في شيء أنبتت الارض من الارز و الذرة و الحمص و العدس و سائر الحبوب و الفواكه غير هذه الاربعة الاصناف و ان كثر ثمنه زكاة إلّا أن يصير مالا يباع بذهب أو فضة تكنزه ثم يحول عليه الحول و قد صار ذهباً أو فضة فتؤدي عنه من كل مائتي درهم خمسة دراهم و من كل عشرين ديناراً نصف الدينار(4)

فإن الظاهر من الانبات الارض، كون السقي مؤثر فيه، لكن الاشكال في المصداق إذ

ص: 285


1- الوسائل، الباب 8 من أبواب ما تجب فيه الزكاة، الحدیث: 14
2- الوسائل، الباب 9 من أبواب ما تجب فيه الزكاة، الحدیث: 6
3- نفس المصدر، الحدیث: 8
4- نفس المصدر، الحدیث: 9

«مسألة 13: الامطار العادية في أيام السنة لا تخرج ما يسقى بالدوالي عنحكمه إلّا إذا كانت بحيث لا حاجة معها إلى الدوالي أصلاً أو كانت بحيث توجب صدق الشركة فحينئذٍ يتبعهما الحكم»(1)

«مسألة 14: لو أخرج شخص الماء بالدوالي على أرض مباحة مثلاً عبثاً أو لغرض فزرعه آخر و كان الزرع يشرب بعروقه فالاقوى العشر و كذا إذا أخرجه هو بنفسه لغرض آخر غير الزرع ثم بدا له أن يزرع زرعاً يشرب بعروقه بخلاف ما إذا أخرجه لغرض الزرع الكذائي و من ذلك يظهر حكم ما إذا أخرجه لزرع فزاد و جرى على أرض اخرى» (2)

الماء إما أن يكون مؤثراً أو يضر و لا يوجد شق ثالث و هو ما لا ينفع و لا يضر كما في كلام سيدنا الاستاذ (رحمه اللّه)، فتأمل.

(1) قد تقدم الكلام في ذلك في المسئلة الحادية عشرة فراجع.

(2) قد تعرض الماتن (رحمه اللّه) في هذه المسئلة لفروع:

الفرع الاول: لو أخرج شخص الماء بالدوالي لغرض آخر غير الزرع، فزرعه شخص آخر و كان الزرع يشرب بعروق تلك الارض المشروبة المباحة فهل يجب عليه العشر أو نصفه قولان:

اما القول الاول ما ذكره الماتن (رحمه اللّه) من وجوب العشر.

و اما القول الثانی من وجوب نصف العشر كما عن نجاة العباد و مال إليه في محكي كشف الغطاء و اختاره السيد الحكيم (رحمه اللّه) في المستمسك و استدل للقول الاول أنّ المستفاد من النصوص وجوب نصف العشر عند كون السقي بالدوالي و العلاج فإذا انتفى ذلك لم يكن موجب لاخراج نصف العشر.

و بعبارة واضحة: أنّ المستفاد من النصوص كون المعيار في العشر و نصفه تكلف

ص: 286

السقى للزرع و عدمه و حيث أنّ عنوان التكلف و العلاج منتفٍ في المقام لم يصدق عليه هذه العناوين فلا مقتضى لوجوب نصف العشر.

و استدل للقول الثاني اطلاق الادلة الدالة على وجوب نصف العشر على ما سقي بالدوالي و لو لغرض آخر غير الزرع.

لكن أورد عليه المحقق الخوئى (قدس سره ) بأنّ المستفاد من الادلة بمقتضى الفهم العرفي كون السقي بالدوالي للزرع و أما إذا كان لغير الزرع فلا، لكنه مشكلٌ جداً فالاحتياط يقتضي ما ذكره السيد الحكيم (رحمه اللّه) فلاحظ و بما ذكرنا يظهر فيما إذا كان المخرج نفسه لا شخص آخر.

الفرع الثاني: فيما إذا كان الإخراج لغرض الزرع الكذائى كما إذا اجتمع الماء المخرج بالدوالي في موضع خاص قاصداً به الزرع و في موضع أسفل منه يشرب بعروقه ففي هذا الفرع حكم (رحمه اللّه) بوجوب نصف العشر و الظاهر أنّ الحق معه، لصدق العناوين المأخوذة في الدليل و هو السقي بالدوالي و العلاج.

الفرع الثالث: هو ما إذا اخرج الماء لسقي كمية خاصة من المزرعة فزاد و سقى به أكثر منها، حكم (رحمه اللّه) فيه بنصف العشر و الظاهر أنّ الامر كذلك لصدق الزرع بالعلاج بالنسبة الى المقدار الزائد.

ص: 287

«مسألة 15: انما تجب الزكاة بعد اخراج ما يأخذه السلطان باسم المقاسمة بل ما يأخذه باسم الخراج أيضاً» (1)

(1) المقاسمة كما عن الحدائق عبارة عما يضعه السلطان بحصة من حاصلها على الاراضي الخراجية، (مالیات بر درآمد زمین) أما الخراج ما يأخذه من الاراضي الخراجية بعنوان اجرة الارض و نحو ذلك (مالیات)، أما المقاسمة فالظاهر أنه لا خلاف في وجوب الزكاة بعد اخراجها بل ادعى عليه الاجماع و الدليل على ذلك ما رواه أبي بصير و محمد بن مسلم جميعاً عن أبي جعفر (علیه السلام) أنهما قالا له هذه الأرض التي يزارع أهلها ما ترى فيها فقال كل أرض دفعها إليك السلطان فما حرثته فيها فعليك مما أخرج الله منها الذي قاطعك عليه و ليس على جميع ما أخرج الله منها العشر إنما عليك العشر فيما يحصل في يدك بعد مقاسمته لك.(1)

و ما رواه صفوان بن يحيى و احمد بن محمد بن أبي نصر قالا: ذكرنا له الكوفة و ما وضع عليه من الخراج و ما سار فيها أهل بيته، فقال: من أسلم طوعاً تركت أرضه في يده -إلى أن قال- و ما اخذ بالسيف فذلك إلى الامام يقبله بالذي يرى كما صنع رسول الله (صلی الله علیه و آله و سلم) بخيبر و على المتقبلين سوى قبالة الارض العشر و نصف العشر في حصصهم، الحديث(2)

و ما رواه احمد بن محمد بن أبي نصر في حديث قال ذكرت لأبي الحسن الرضا (علیه السلام) الخراج و ما سار به اهل بيته فقال: ما اخذ بالسيف فذلك الى الامام يقبله بالذي يرى و قد قبّل رسول الله (صلی الله علیه و آله و سلم) خيبر و عليهم في حصصهم العشر و نصف العشر(3)

ص: 288


1- الوسائل، الباب 7 من أبواب زكاة الغلات، الحدیث: 1
2- نفس المصدر، الحدیث: 2
3- نفس المصدر، الحدیث: 3

و أما الخراج: فظاهر الحدائق عدم الخلاف في استثنائه حيث قال: لا خلاف بين الاصحاب رضوان الله عليهم في استثناء حصة السلطان و المراد بها ما يجعله على الارض الخراجية من الدراهم و يسمى خراجاً أو حصة من الحاصل و يسمى مقاسمة.

و في الجواهر: ظاهر النص و الفتوى أنه لا زكاة إلّا بعد القسمين من غير فرق بين الحصة و غيرها.

و في الشرايع: لا تجب الزكاة إلّا بعد اخراج حصة السلطان، و الظاهر أن المراد بها القسمان.

و في الجواهر بعد ذلك بلا خلاف أجده، بل عن الخلاف الاجماع عليه.

أقول: ما ذكره الاصحاب من الاجماع إن كان فهو و إلّا فالاستدلال على ما ذكر مشكلٌ جداً، إذ الروايات الواردة في المقام ظاهر في المقاسمة بل في بعضها صراحة في ذلك.

أما رواية البزنطي و إن كان الظاهر منها في ابتداء الامر الخراج لكن ذيلها قرينة على أنّ المراد به، المقاسمة حيث قال (علیه السلام): «و عليهم في حصصهم العشر و نصف العشر» إذ الظاهر منه كون المخرج من حاصل الارض و لأجل ذلك كان العشر أو نصف العشر في حصة مالك الزرع، دون الحصة التي تدفع إلى السلطان بعنوان قبالة الارض، ثم انه لأسقط الزكاة بالخراج و المقاسمة عند علمائنا أجمع كما في الجواهر بل عن العلامة في التذكرة دعوى الاجماع عليه، و يدل على ذلك ما رواه أبوبصير و محمد بن مسلم و ما رواه احمد بن محمد بن أبي نصر المتقدمان.

لكن في المقام روايات ربما يترأى عدم وجوب الزكاة بعد اخراج القسمين من الخراج و المقاسمة لاحظ ما رواه رفاعة بن موسى عن أبي عبدالله (علیه السلام) قال: سألته عن الرجل يرث الارض أو يشتريها فيؤدى خراجها الى السلطان هل عليه عشر؟ قال: لا(1)

ص: 289


1- الوسائل، الباب 10 من أبواب زكاة الغلات، الحدیث: 2

و ما رواه سهل بن اليسع انه حيث أنشأ سهل آباد و سأل أباالحسن موسى (علیه السلام) عما يخرج منها ما عليه، فقال: ان كان السلطان يأخذ خراجه فليس عليك شيء و إن لم يأخذ السلطان منها شيئاً فعليك اخراج عشر ما يكون فيها(1)

و ما رواه أبوكهمس عن أبي عبدالله (علیه السلام) قال: من أخذ منه السلطان الخراج فلا زكاة عليه(2)

فلابد من العلاج و قد ذكر فيها وجوه من الحمل:

الوجه الاول: ما افاده الشيخ (رحمه اللّه) في التهذيب من أنه لا تنافي بين الطائفتين، إذ الطائفة الثانية تدل على عدم وجوب الزكاة في المجموع من الخراج و ما بقي في يده و الطائفة الاولى يفصل بين الامرين فتكون النسبة بينهما العموم و الخصوص و من المعلوم حمل العام على الخاص.

لكنه خلاف الظاهر إذ الروايات الدالة على عدم الوجوب ظاهر على عدمها في الباقي لا المجموع، بل صريح رواية رفاعة عدم الوجوب بعد اداء الخراج لا قبله، كي يجمع بينهما بهذه الكيفية فتكون المعارضة ثابتة.

الوجه الثانى: أنّ الروايات الواردة في الطائفة الثانية موردها غير الأراضي الخراجية و الطائفة الاولى مختصة بالأراضي الخراجية و الشاهد على ذلك قول الراوي في السؤال سألته عن الرجل يرث الارض أو يشتريها فإن التعبير بالارث و الاشتراء لا يجتمع مع

ص: 290


1- نفس المصدر، الحدیث: 1
2- نفس المصدر، الحدیث: 3

«بل ما يأخذه العمال زائداً على ما قرره السلطان ظلماً إذا لم يتمكن من الامتناع جهراً و سراً، فلا يضمن حينئذٍ حصة الفقراء من الزائد و لا فرق في ذلك بين المأخوذ من نفس الغلة أو من غيرها إذا كان الظلم عاماً و أما إذا كان شخصياً فالأحوط الضمان فيما اخذ من غيرها بل الأحوط الضمان فيه مطلقاً و إن كان الظلم عاماً، و أما إذا اخذ من نفس الغلة قهراً فلا ضمان إذ الظلم حينئذٍ وارد على الفقراء أيضاً» (1)

كون الارض خراجية و حملهما على اشتراء حق الاختصاص أو ارثه خلاف الظاهر فلا تنافي بينهما من حيث المورد لتعدده فكأنّ الطائفة الثانية ناظرة إلى أنّ الخراج و المقاسمة موجبتان لسقوط الزكاة.

لكن الالتزام بما ذكر مشكل جداً إذ لم يقل أحد من الفقهاء على ما قيل بعدم وجوب الزكاة بالنسبة إلى الأراضي الشخصية إذا أخذ السلطان من مُلّاكها الخراج و الضريبة مع أن الروايات الواردة في المقام متضاربة لاحظ الباب 20 من أبواب المستحقين للزكاة.

الوجه الثالث: حملها على التقية لذهاب أكثر العامة على عدم الوجوب عدا أبي حنيفة على ما قيل و لو وصلت النوبة إلى التعارض (بعد صحت الاسناد) تكون الروايات الدالة على الوجوب أحدث لاحظ ما رواه البزنطي فیقدم.

(1) عن المسالك لا يستثني الزائد إلّا أن يأخذه قهراً بحيث لا يتمكن من منعه سراً أو جهراً فلا يضمن حصة الفقراء من الزائد ولكن لا دليل على الظاهر على هذا الاستثناء إلّا من جهة المؤن التي يأتي البحث فيها إن شاء الله تعالى.

و أما عدم الضمان فإن اخذ من نفس العين فالظاهر أنه على طبق القاعدة لأن يد المالك يد أماني قد غصب ظلماً فيكون حصة الفقراء متعلقة للظلم فلا ضمان.

ص: 291

«مسألة 16: الأقوى اعتبار خروج المؤن جميعها من غير فرق بين المؤن السابقة على زمان التعلق و اللاحقة» (1)

و أما إذا أخذه من أموال آخر فاثبات عدم الضمان و عده من حساب الفقراء فداخل في بحث استثناء المؤن الذي يأتي البحث فيه فالاحتياط لا يترك في الضمان مطلقاً إلا إذا اخذ من نفس العين الزكوية.

(1) أما استثناء المؤن السابقة على زمان التعلق فقد ذهب اليه المشهور و خالفه جمع من الاعلام منهم الشيخ (رحمه اللّه) فى الخلاف و المبسوط و وافقه جمع من المتأخرين منهم الشهيدين و صاحب المدارك و صاحب الذخيرة و مال إليه في أول كلامه المحقق الانصاري (رحمه اللّه) و تبعه السيد الخوئي (قدس سره ) و السيد المستمسك قدس الله اسرارهم و استدل للقول المشهور بامور:

الاول: أصالة البرائة و فيه أن الاصل أصيل حيث لا دليل و اطلاق الادلة كافٍ في المطلب كما نشير اليه ان شاء الله تعالى.

الثاني: قاعدة لا ضرر بتقريب أنّ اداء الزكاة ضرر على المالك و فيه: أن قاعدة لا ضرر لا تنفى الحكم الضرري فيما يكون مورده الضرر و لذا يجب الخمس و الكفارات و الحج و الجهاد مع أنها ضرر على المكلف فالمحكم اطلاق الدليل، مضافاً إلى أن الاستدلال بالقاعدة انما يتم على مذهب القائلين بأن مفادها نفي الحكم الضرري و أما على مسلك سيدنا الاستاذدام ظله من أن مفادها النهى، فلا يرتبط بالمقام.

الثالث: قاعدة نفى الحرج و فيه: أولاً: أن الدليل أخص من المدعى. و ثانياً: أن مقتضى الحرج رفع الحكم التكليفي لا رفع الحكم الوضعي، لكنه مشكلٌ إذ مع القول

ص: 292

بجريان الحرج في امثال المقام لا فرق بينهما كما أفاد سيدنا الاستاذدام ظله أخيراً في بعض مباحثه.الرابع: ما ورد في استثناء حصة السلطان و فيه: أنّ النص الوارد فيها يدل على اخراج ما يكون ملكاً للسلطان فلا جامع بين المقامين فلا يرتبط بما نحن فيه و ليس في مذهبنا قياس.

الخامس: قوله تعالى: {خذ العفو وأمر بالعرف و أعرض عن الجاهلين}(1)

بتقريب أنّ عفو المال هو ما يفضل عن النفقة أو ما يفضل عن قوت السنة فتدل الآية الكريمة على استثناء المؤنة في مقام أخذ الزكاة.

و فيه: أنّ الآية مع فرض دلالتها تدل على استثناء مؤنة الشخص لا مؤنة تحصيل الزرع و الاجماع و الاتفاق قائمان على عدم استثنائهما بل لم ينقل الخلاف من أحد، مضافاً إلى ذلك أنّ العفو كما يظهر من بعض الكلمات، بمعنى التسهيل و في المقام يمكن أن يكون بهذا المعنى لاحظ في ما قال المفسر الكاشاني في تفسيره الصافي خذ العفو أي خذ ما عفا لك من أفعال الناس و اخلاقهم و ما تأتي منهم من غير كلفة و تسهل و لا تطلب ما يشق عليهم و لا تداقهم و اقبل الميسور منهم، فلا يرتبط الآية بالقام.

السادس: ما رواه زرارة و محمد بن مسلم و أبي بصير جميعاً عن أبي جعفر (علیه السلام) في حديث قال: تترك للحارس أجراً معلوماً و يترك من النخل معافارة و ام جعرور و يترك للحارس يكون في الحائط العذق و العذقان و الثلاثة لحفظه أياه(2)

و فيه: أولاً: أنه لا يستفاد من الحديث أن المراد اجرة الحارس و إلا لكان المناسب أن يقول: و يترك للمالك المقدار المساوي لما عينه للحارس فيمكن أن يكون المذكور في الحديث حقاً استحبابياً أو وجوبياً.

ص: 293


1- الاعراف / 199
2- الوسائل، الباب 8 من أبواب زكاة الغلات، الحدیث: 4

و ثانياً: حكم خاص في مورد خاص فأي دليل على التعميم.

السابع: ما ذكر المحقق الهمداني (رحمه اللّه) و حاصل ما أفاده: أنّ المسئلة من المسائل العامة البلوى بحيث لا يمكن أن يغفلها الرواة و اصحاب الائمة (علیهم السلام) هذا من ناحية و من ناحية اخرى اشتهار القول بالاستثناء في الازمنة المتأخرة مع أنه عرفت وهن جميع ما استدلوا به لذلك و من ناحية ثالثة عدم استثناء المؤن عند العامة و حينئذٍ فلا يخلو الحال بالنسبة الى العصور السابقة كعصر اصحاب الائمة (علیهم السلام) و التابعين لهم من أحد امرين، إما أن يكون المشتهر بينهم الاستثناء، و إما أن يكون عدم الاستثناء و من المعلوم أنهم مستندون في ذلك أياً كان الامر إلى ما كان قد بلغهم بهذا الشأن عن أئمة اهل البيت عليهم صلوات الله لا إلى ما ذهب اليه المخالفون من القول بعدم الاستثناء و لا إلى الوجوه الاعتبارية التي يستندون إليها القائلون بالاستثناء و حيث إنه من المستبعد جداً أن يشتهر القول بعدم الاسثتناء في تلك العصور ثم تبدل الامر بعد ذلك إلى الاستثناء فلا محالة يطمئن النفس بكون الشهرة في تلكم العصور أيضاً على الاستثناء و قد ذكرنا آنفاً أنه لا يمكن أن يكون المنشأ للشهرة في ذلك العصر غير ما تلقوا عن الائمة (علیهم السلام) إذ نستكشف من ذلك كله ان رأى المعصوم (علیه السلام) كان على الاستثناء.

أقول: هذا الوجه و إن كان وجهاً حسناً ذوقياً لكن استناد الفتوى إلى أمثال هذه الوجوه مشكل جداً مضافاً إلى ما ذكره المحقق الخوئي (قدس سره ).

الثامن: أنّ النصاب مشترك فيه بين المالك و الفقير فالخسارة عليهما كما أن النفع لهما.

و فيه: هذا على القول بالاشتراك مختص بالمؤن التي صرف بعد تعلق الوجوب و تحقق الشركة و الكلام في قبل ذلك و أما الاجماع المركب ففيه ما فيه.

التاسع: أنّ الزكاة في الغلات انما تجب في النماء و هو غير صادق إلّا بعد استثناء المؤن و فيه أنه عين الدعوى و مصادرة واضحة.

ص: 294

العاشر: ما في بعض نسخ الفقه الرضوي: «و ليس في الحنطة و الشعير شيء إلى أن يبلغ خمسة أوسق» إلى أن قال «فإذا بلغ ذلك و حصل بغير خراج السلطان و مؤنة العمارة و القرية اخرج منه العشر» الى آخر(1)

و فيه: أن الفقه المذكور لم تثبت حجيته و لا هو مجبور بالعمل لو سلمنا ذلك و مجرد الموافقة لفتوى المشهور لا يوجب العلم أو الاطمئنان إلى أن هذا الحديث مستند المشهور فلا وجه للاستناد إليه فلاحظ.

و أما الدليل على القول الثاني أي عدم الاستثناء الاخبار الواردة في بيان الفريضة في الغلات من العشر أو نصف العشر، الظاهر شمولها لما قبل المؤنة أيضاً لاحظ ما رواه محمد بن مسلم و أبي بصير(2) و ما رواه زرارة(3) و قد يستدل لهذا القول بما رواه محمد بن على بن شجاع النيسابوري أنه سأل أباالحسن الثالث (علیه السلام) عن رجل أصاب من ضيعته من الحنطة ما يزكى فأخذ منه العشر عشرة أكرار و ذهب منه بسبب عمارة الضيعة ثلاثون كراً و بقى في يده ستون كراً ما الذي يجب لك من ذلك و هل يجب لاصحابه من ذلك عليه شيء؟ فوقع (علیه السلام): لي منه الخمس مما يفضل من مؤنته(4)

بتقريب أنه صرح فيه بأخذ العشر من جميع المال من دون استثناء ما صرفه في عمارة الضيعة و قد أقره الامام (علیه السلام) فإن تعيين الزكاة في العشرة دون السبعة دليل على اعتقاده عدم الاستثناء اما اعتقاد الاخذ لو قرأ «فاخذ منه» مبنياً للمجهول أو اعتقاد المأخوذ بأن يكون هو بنفسه أفرز الزكاة في هذه الكمية ليصرفها في محلها لو قرى مبنياً للمعلوم إذ لا يؤثر ذلك فرقاً فيما هو مناط الاستشهاد بهذه الرواية من المفروغية و المغروسية وامام (علیه السلام) لم يردع هذه المغروسية.

ص: 295


1- مستدرك الوسائل، الباب 6 من أبواب زكاة الغلات، الحدیث: 1
2- الوسائل، الباب 7 من أبواب زكاة الغلات، الحدیث: 1
3- الوسائل، الباب 1 من أبواب زكاة الغلات، الحدیث: 5
4- الوسائل، الباب 5 من أبواب زكاة الغلات، الحدیث: 2

نعم هذه الرواية ضعيفة سنداً لعدم وثاقة الرجل فلا يصلح للاستدلال.

مضافاً إلى ذلك كله يمكن أن يقال: ان السؤال في كفاية ما اخذ السلطان من باب الزكاة عما يجب عليه من الزكاة و أنه هل يجب عليه ثانياً أم لا، فلا يكون في صدد بيان ما نحن فيه فتأمل.

هذا بالنسبة إلى المؤن السابقة على زمان التعلق و أما الاستثناء بالنسبة إلى المؤن اللاحقة فقد يستدل على ذلك بأنّ العين مشتركة بين المالك و الفقير و حينئذٍ لا يجب على المالك حفظ حصة الفقير إلى أن يبلغ حد الكمال و النتاج كما بعد الحصاد، و بعبارة اخرى أنّ الاحتساب بهذا النحو مقتضى الشركة فالمصارفة المترتبة بعد تحقق النصاب لا بأس باحتسابها على نحو الاشتراك فمقتضاها التوزيع.

ص: 296

«كما أنّ الأقوى اعتبار النصاب أيضاً بعد خروجها» (1)

(1) الأقوال فيه ثلاثة:

الأول: اعتبار النصاب بعد استثناء المؤن.

الثاني: اعتباره بالنسبة الى المجموع.

الثالث: التفصيل بين المؤنة السابقة على زمان التعلق فيعتبر النصاب بعد استثنائها و بين المؤنة اللاحقة فلا يعتبر ذلك قبل وضعها كمؤنة الجذاذ و الحصاد و غيرهما.

الاشهر بل المشهور هو القول الأول كما عن الجواهر و عليه فلو كانت الغلة بالغة حدّ النصاب إلّا أنها تنقص عن ذلك بعد استثناء المؤنة لم تجب.

و استدل على ذلك بأمرين:

الامر الأول: الأصل أى أصالة البرائة فيما نقص عن مقدار النصاب بعد وضع ما يقابل المؤنة فلا تجب الزكاة حينئذٍ إذا شك في وجوبها، قد يقال كما عن المحقق الهمداني (رحمه اللّه) أنه لا مجال لأصالة البرائة في المقام بعد وجود الدليل على وجوب الزكاة بعد بلوغ المجموع النصاب، بتقريب: أنّ مقتضى العمومات وجوب العشر أو نصف(العشر)، مهما بلغت الغلات قليلها و كثيرها، غاية الامر قد خص هذا العام بمخصص دال على اعتبار النصاب إلّا أنه لم يعلم المراد من أدلة النصاب أنه هل هو معتبر بعد اخراج المؤنة أو قبل اخراج ذلك فهو من قبيل المخصص المردد بين الأقل و الأكثر و مقتضى القاعدة، الاخذ بقدر المتيقن و هو فيما نحن فيه قبل اخراج المؤنة فيقتصر في تخصيص العمومات على اعتبار النصاب قبل اخراجها و فيما لم يكن بمقدار النصاب بعد اخراج المؤنة يؤخذ بالعمومات الحاكمة بوجوب الزكاة.

و فيه: أنّ هذا انما يصح إذا كان المخصص منفصلاً كما إذا قال المولى اكرم العلماء ثم قال لا تكرم الفساق منهم، و كان امره دائر بين المرتكب الكبيرة فقط أو الأعم وحينئذٍ يقتصر على القدر المتيقن و هو المرتكب الكبيرة و أما ما نحن فيه فليس من

ص: 297

صغريات هذا البحث بل المقام داخل في المخصص المتصل المردد بين الأقل و الأكثر، و في مثاله لا مجال للأخذ بل العام حينئذٍ يصير مجملاً، لابد من التمسك بالأصل لا العام لاحظ ما رواه عن زرارة عن أبي جعفر (علیه السلام) قال: ما أنبتت الأرض من الحنطة و الشعير و التمر و الزبيب ما بلغ خمسة أوساق و الوسق ستون صاعاً فذلك ثلاثمائة صاع ففيه العشر و ما كان منه يسقى بالرشاء و الدوالي و النواضح ففيه نصف العشر و ما سقت السماء أو السيح أو كان بعلا ففيه العشر تاما و ليس فيما دون الثلاثمائة صاع شي ء و ليس فيما أنبتت الأرض شي ء إلا في هذه الأربعة أشياء.(1)

و ما رواه سعد بن سعد الاشعرى(2) و ما رواه محمد بن مسلم(3) و ما رواه زرارة و بكير(4) و ما رواه عبيدالله الحلبي(5) و غيره فالمرجع في أمثال المقام هو البرائة لا العام.

الامر الثاني: الروايات الواردة في المقام الدالة على أنّ العشر أو نصفه انما يجب في مجموع الثلاثمائة صاع لاحظ ما رواه عن زرارة و بكير جميعاً عن أبي جعفر (علیه السلام) قال: في الزكاة ما كان يعالج بالرشاء و الدوالي و النضح ففيه نصف العشر و إن كان يسقى من غير علاج بنهر أو عين أو بعل أو سماء ففيه العشر كاملا.(6) و ما رواه الحلبي(7) و غيره.

بتقريب: أنّ وجوب العشر أو نصفه في مجموع الثلاثمائة صاع انما يستقيم مع اخراج المؤنة أولاً و اعتبار البلوغ بعد ذلك، إذ لو كان الاعتبار بالنصاب قبل المؤنة لم يخرج العشر أو نصفه من مجموع الثلاثمائة.

ص: 298


1- الوسائل، الباب 1 من أبواب زكاة الغلات، الحدیث: 5
2- نفس المصدر، الحدیث: 1
3- نفس المصدر، الحدیث: 3
4- نفس المصدر، الحدیث: 8
5- نفس المصدر، الحدیث: 10
6- الوسائل، الباب 4 من أبواب زكاة الغلات، الحدیث: 5
7- نفس المصدر، الحدیث: 2

أقول: أولاً: إنّ مقتضى الاطلاق عكس ذلك، إذ صرف المؤنة و صرف المؤن في سبيل النتاج، أمر شايعٌ متعارف لا أقل من البذر الذي لا محيص عنه و مع ذلك فتلك النصوص وردت مطلقة و أنه إذا بلغ النصاب خمسة أوسق ففيه العشر من غير أن تقيد بما بعد خروج البذر مثلاً و لو كان النصاب ملحوظاً بعد خروج المؤن فلابد من التنبيه عليه مع أنه في مقام البيان.

و ثانياً: أنّ المسوق له الكلام هو بيان اعتبار النصاب و أما كونه قبل المؤنة أو بعد المؤنة، فليس في مقام البيان و لذا كما يحتمل أن يكون الموضوع في الرواية مقيداً بخروج المؤنة منه بأن تكون الغلة خمسة أوسق بعد اخراج المؤنة كذلك يحتمل أن يكون اطلاق قوله (علیه السلام): «ففيه العشر» مقيد باخراج المؤنة أولاً ثم اخراج العشر أو نصفه مع بقاء ما بلغ خمسة أوساق على اطلاقه و عدم تقييده باخراج المؤنة فيكون الاعتبار بالنصاب قبل اخراج المؤنة.

و الحاصل: أنّ الامر كما في كلام سيدنا الاستاذ (رحمه اللّه) في المرتقى دائر بين التقييدين، إما تقييد اطلاق خمسة أوسق بعد اخراج المؤنة أو تقييد العُشر أو نصفه بعده و ليس أحدهما أولى من الآخر.

و استدل للقول الثانی كما هو مختار العلامة في التذكرة و سيد المدارك و صاحب الذخيرة، بظهور الادلة في سببية بلوغ ما انبتت الارض خمسة أوسق في وجوب العشر بالنسبة إلى كل جزء من اجزاء النصاب و قد علم بما دل على استثناء المؤنة عدم وجوب جميع اجزاء النصاب فيرفع اليد عن هذا الظاهر بالنسبة إلى ما يقابل المؤنة و يعمل فيما

بقى على حسب ما يقتضيه سببية النصاب الوجوب.

و فيه: أنّ هذا الظهور معارض بظهور قوله (علیه السلام): «ففيه العشر» في ارادة العشر بالنسبة الى مجموع خمسة أوسق لا خصوص ما بقي بعد المؤنة و تضاد الظهور، و لا دليل على ترجيح أحد الظهورين على الآخر.

ص: 299

«و إن كان الأحوط اعتباره قبله، بل الاحوط عدم اخراج المؤن خصوصاً اللاحقة» (1)

و استدل للقول الثالث أی القول بالتفصيل بين المؤنة السابقة على تعلق الوجوب فيعتبر النصاب بعده و بين المؤنة اللاحقة فلا يعتبر كما ذهب إليه المحقق الثاني (رحمه اللّه) و الشهيد الثاني (رحمه اللّه) باطلاق الحكم بالوجوب أي بوجوب العشر أو نصفه فيما بلغ خمسة أوسق فإنّ الظاهر منع جميع خمسة أوسق فمقتضاه الحكم بسببية بلوغ النصاب للوجوب مطلقاً، غاية الامر نعلم من الخارج استثناء المؤنة فلا مقتضى بعد هذا العلم لابقاء الحكم على ظاهره فلابد من التقييد بكونه بعد المؤنة، لكن القدر المتيقن هو المؤنة السابقة و أما المؤنة اللاحقة فليس اخراج هذه المؤنة من المجموع منافياً لاعتبار النصاب قبلها، بل اخراج المؤنة اللاحقة من الوسط، من مقتضيات الشركة.

هذا الاستدلال مبتنٍ على القول بالشركة الحقيقية في كيفية التعلق و قد عرفت أنه هو المحقق بالنسبة إلى هذا القسم من أنواع الاموال الزكوية كما هو مقتضى الروايات فلابد من الالتزام به و مع وجود هذا الدليل لا تصل النوبة الى الاصل الذى قررناه سابقاً.

(1) قد عرفت أن القول بالاستثناء بالنسبة إلى المؤن اللاحقة قوي جداً نظراً إلى الدليل الذي ذكرناه من الاشتراك في العين فاعتباره أولى من المؤن السابقة بل هو المتعين.

ص: 300

«و المراد بالمؤنة كل ما يحتاج اليه الزرع و الشجر من اجرة الفلاح و الحارث و الساقى و اجرة الارض ان كانت مستأجرة و اجرة مثلها ان كانت مغصوبة و اجرة الحفظ و الحصاد و الجذاذ و تجفيف الثمرة و اصلاح موضع التشميس و حفر النهر و غير ذلك كتفاوت نقص الآلات و العوامل حتى ثياب المالك و نحوها و لو كانت سبب النقص مشتركاً بينها و بين غيرها وزع عليهما بالنسبة» (1)

(1) كل ذلك لأجل ما ذكر من أدلة الاستثناء و هذا أمر عرفي لابد من مراجعته و مع ذلك فصل سيدنا الاستاذ (رحمه اللّه) بأنّ ما يصرف لأجل الزراعة و تحصيل الغلة على أقسام:

منها: ما يصرف لتصير الأرض مستعدة للزرع و الحاصل، من دون أن يتكرر ذلك في كل سنة و ذلك كحفر النهر و القنات.

و منها: قيمة الارض المشتراة للزراعة.

و منها: ما يتكرر ذلك في كل سنة و لكن لا يوجب الخسارة مالياً على المالك بل يكون ذلك من قبيل عدم الانتفاع في مقابله فيكون من باب فوت المنفعة لا الخسارة كالعمل الصادر من المالك و الآلات و العوامل المصروفة بما لا يوجب نقصاً في تلك الآلات و العوامل.

و منها: ما يتكرر في كل سنة مع ايجابه الخسران بحق المالك و لا شبهة في المؤنة المستثناة لا تشمل القسمين الاولین، لأن المؤنة عرفاً أو انصرافاً عبارة عما يتكرر صرفه في كل سنة مع ايجابه الخسران على المالك، انتهى.

لكن قد ذكرنا أن تفسير المؤنة أمر عرفي فما يصرف في تحصيل الغلات الذي يعد مؤنة

عندهم يكون مستثنىً و إلّا فلا.

ص: 301

«مسألة 17: قيمة البذر إذا كان من ماله المزكى أو المال الذي لا زكاة فيه من المؤن و المناط قيمة يوم تلفه و هو وقت الزرع» (1)

(1) قد تعرض الماتن (رحمه اللّه) في هذه المسئلة لأمرين:

الامر الاول: أنّ قيمة البذر يحسب من المؤنة لا عينه.

الامر الثاني: أنه على تقدير القيمة تكون العبرة بقيمة يوم التلف لا يوم الشراء لو اشتراه.

أما الأول: فكلمات الأعلام فيه مختلفة فعن المسالك عين البذر إن كان من ماله المزكى و لو اشتراه تخير بين ثمنه و عينه، و عن الشهيد الثاني في البيان لو اشترى بذراً فالأقرب أن المخرج أكثر الأمرين من الثمن و القدر و يحتمل اخراج القدر، خاصة لأنه مثلي أما لو ارتفعت القيمة أي قيمة ما بذره أو انخفضت و لم يكن قد عاوض عليه فإن المثلي معتبر قطعاً و عن الجواهر و مما يمكن أن يكون محلاً للنظر أيضاً ما سمعته من التخيير في اخراج ثمن البذر أو قدره إذا كان قد اشتراه، خصوصاً إذا لم يكن قد اشتراه للقوت ثم بدا له فبذره إذ الذي يعد أنه من مؤنة الزرع و صار هو سبباً لاتلافه عين البذر لا ثمنه و لو منع ذلك و جعل نفس الثمن لم يؤخذ القدر و بالجملة التخيير المزبور لا يخلو من نظر أو منع، انتهى.

لكن استثناء البذر ليس من جهة ورود دليل خاص في المقام بل انما من جهة المؤنة و حينئذٍ يلاحظ بعنوان مالها المالية و القيمة كما قد لا يمكن ذلك و إذ لا يكون غالباً الحاصل عين البذر في مثل التمر و الزبيب فضلاً عن سائر المؤنة من اجرة الحارس و أمثالها فالبذر لكونه من المؤنة لا يختص بحكم خاص بل يلاحظ كسائر المؤن من حيث القيمة.

أما الثاني: فقد ظهر مما ذكرنا في الأمر الأول من أنّ المدار هو القيمة، كون المستثنى هو قيمة يوم التلف و هو يوم الزرع و ليس المقام من باب الدين و الضمانات حتى

ص: 302

«مسألة 18: اجرة العامل من المؤن و لا يحسب للمالك اجرة إذا كان هو العامل و كذا إذا عمل ولده أو زوجته بلا اجرة و كذا إذا تبرع به أجنبي و كذا لا يحسب اجرة الأرض التي يكون مالكاً لها و لا اجرة العوامل إذا كانت مملوكة له» (1)

«مسألة 19: لو اشترى الزرع فثمنه من المؤنة و كذا لو ضمن النخل و الشجر بخلاف ما إذا اشترى نفس الأرض و النخل و الشجر كما أنه لا يكون ثمن العوامل إذا اشتراها منها» (2)

يجري فيه ما جرى فيها من الأقوال فلاحظ.

(1) كل ذلك لأجل عدم صدق المؤنة إذ عرفت سابقاً أن المراد بها ما يصرفه المالك في تحصيل الحاصل و صار موجباً للخسران و كان متكرراً في كل سنة فكل مورد جمع جميع هذه القيود فيه، يصدق عليه المؤنة و إلّا فلا، فاجرة المالك و كل شخص عمل له تبرعاً من ولده أو زوجته أو غيرها و كذا اجرة الارض المملوكة له و اجرة العوامل المملوكة له لا تعد مؤنة لعدم تكرر ذلك في بعضها و عدم الخسارة في بعض آخر فلاحظ.

(2) أما ثمن الزرع فلأنه يخسره المالك للزرع أو الثمر العين و كذا ضمان النخل و الشجر و أما عدم ثمن الارض و النخل و الشجر و كذا ثمن العوامل فلعدم خسران على المالك إذ المؤنة كما تقدم عبارة عن الخسارة المتكررة في كل سنة لأجل تحصيل المحاصيل و الغلات.

ص: 303

«مسألة 20: لو كان مع الزكوي غيره فالمؤنة موزعة عليهما إذا كانا مقصودين و إذا كان المقصود بالذات غير الزكوي ثم عرض قصد الزكوي بعد اتمام العمل لم يحسب من المؤن و إذا كان بالعكس حسب منها» (1)

(1) أما عدّ صرف المؤنة المصروفة في ما إذا قصد به الزرع الزكوي المخصوص، فلأنّ الخسران مصروف إلى المالك في سبيل تحصيل الزرع فتكون المؤنة المستثناة أيضاً تحسب بحساب المالك و حينئذٍ إذا حصل له أحياناً زرع آخر لم يكن مقصوداً به في صرف المؤنة كان ذلك من قبيل الفوائد المترتبة عليه و لم يوجب ذلك صيرورة المصروف مؤنة بالنسبة إليه و إن كانت المؤنة المصروفة مما قصد بها زرع غير زكوي و حصل له اتفاقاً زرع زكوي من دون أن يكون مقصوداً في صرف المؤنة لم يحسب المصروف مؤنة بالنسبة إلى الزرع الزكوى لعدم كون تحصيله مقصود بالذات في صرف المؤنة فكلما كان المصروف مؤنة للزرع تحسب للمالك و تستثنى من النصاب لتوقف تحصيل الزرع عليها لتحقق الخسارة المعتبرة في تحقق عنوان المؤنة و أما إذا انتفع به اتفاقاً منفعة غير مقصودة عدّ ذلك انتفاعاً بالمال المصروف لعدم كون هذه الصرف خسارة على المالك لأجل تحصيل الزرع كي يعد مؤنة و لذا لو فرضنا أن قصده حين صرف المال هو الزرع غير الزكوي ثم بعد الفراغ منه بدا له قصد الزرع الزكوى فبما أنه لم تحمل الخسارة لأجل الزرع لم تحسب هذه الخسارة المذكورة من المؤنة لتحصیل الزرع فلم تستثن من النصاب.

و اما إذا كان الزكوی و غیره كلاهما مقصودین حین صرف المال وزّع عليهما لا محالة لتحقق عنوان المؤنة بالنسبة إلى مقدار المال الزكوي فلاحظ.

ص: 304

«مسألة 21: الخراج الذي يأخذه السلطان أيضاً يوزع على الزكوي و غيره» (1)

«مسألة 22: إذا كان للعمل مدخلية في ثمر سنين عديدة لا يبعد احتسابه على ما في السنة الاولى و إن كان الأحوط التوزيع على السنين» (2)

«مسألة 23: إذا شك في كون شيء من المؤن أو لا لم يحسب منها» (3)

«مسألة 24: حكم النخیل و الزروع في البلاد المتباعدة حكمها في البلد الواحد فيضم الثمار بعضها إلى بعض و إن تفاوتت في الإدراك بعد أن كانت الثمرتان لعام واحد و إن كان بينهما شهر أو شهران أو أكثر» (4)

(1) الكلام فيه ما ذكرناه في المسئلة السابقة على تقدير استثناء الخراج.

(2) لأنّ المصروف في المفروض مما يتوقف عليه الزرع أو الثمرة في السنة الاولى فتعد من المؤنة فيحسب للسنة الاولى و إن كان هذا مؤثراً في تحقق الزرع أو الثمر في السنين الآتية حيث أنّ مثل هذا يعد خسارة بالنسبة إلى الزرع أو الثمر في السنة الاولى و أما في السنوات الآتية فلا تكون خسارة على المالك فلا تعد من المؤنة.

(3) أما إذا كان الشبهة مفهومية فلأنّ اجمال المخصص المنفصل لا يوجب اجمال العام فلابد من المراجعة إلى العام فتجب الزكاة فلا تستثنى ذلك عن النصاب و أما الشبهة الموضوعية فسيأتي الكلام فيه إن شاء الله تعالى.

(4) لا خلاف في الحكم المذكور و أنه لا يعتبر الاتحاد فيما يتعلق به الزكاة من الزروع من حيث المكان و الزمان فالنتيجة يلاحظ المجموع حد النصاب فلو كان للشخص مزارع متعددة بل في البلدان المتباعدة أو كانت في أزمنة متعددة فتتفاوت من حيث الإدراك بفاصل شهر أو شهرين بعد أن كانت المجموع ثمراً واحداً لعام واحد تجب الزكاة في المجموع إذا بلغ النصاب و العمدة في الدليل اطلاق الأدلة و ادعاء الانصراف إلى

ص: 305

«و على هذا فإذا بلغ ما أدرك منها نصاباً أخذ منه، ثم يؤخذ من الباقى قل أو كثر و إن كان الذي أدرك أولاً أقل من النصاب ينتظر به حتى يدرك الآخر و يتعلق به الوجوب فيكمل منه النصاب و يؤخذ من المجموع و كذا إذا كان نخل يطلع في عام مرتين يضم الثاني إلى الأول لأنهما ثمرة سنة واحدة لكن لا يخلو عن اشكال لاحتمال كونهما في حكم ثمرة عامين كما قيل» (1)

وحدة الزمان أو المكان، لا وجه له و يؤيد الاطلاق ادعاء الاجماع في المقام.

(1) قال المحقق: إذا كان له نخل يطلع مرة و آخر يطلع مرتين قيل لا يضم الثاني إلى الأول لأنه في حكم ثمرة سنتين، و قيل يضم و هو الأشبه. و نسب هذا القول إلى المشهور كما في الجواهر و عن الشيخ عدم الانضمام لأنهما بحكم ثمرة سنتين و للأصل.

أورد عليه صاحب الجواهر بمنع الأول و قطع الثاني، ثم استشكل صاحب الجواهر في أصل الحكم بأنّ المسئلة لا يخلو عن اشكال ضرورة عدم تعليق الحكم في شيء من النصوص على اتحاد المال بمجرد كونه في عام واحد و أهل العرف لا يشكون في صدق التعدد عليها خصوصاً إذا حصل فصل بين الثمرتين بزمان معتد به، انتهى كلامه و رفع مقامه.

أقول: إنّ قوله (علیه السلام): «ما أنبتت الأرض، إلى آخره»(1) أن المدار ما أنبتته و بلوغه إلى حدّ النصاب بمعنى أن المراد به ما أنبتت الارض بنبتة واحدة و كانت النبتة الثانية في السنة الواحدة موضوعاً مستقلاً لوجوب الزكاة و لم تضم إلى الاولى لكونه انباتاً جديداًغير الانبات الأول. نعم، إن قلنا بأن المراد منه هو ما دخل في الملك بالانبات من الأرض مطلقاً، شمل ذلك الثمرة في السنة الواحدة مرة كانت أو مرتين و لكنه مشكل

ص: 306


1- الوسائل، الباب 1 من أبواب زكاة الغلات، الحدیث: 5

جداً، لظهور الرواية في الاولى، فما أفاده الشيخ (رحمه اللّه) هو الظاهر من الرواية. هذا كله إذا كانت الثمرة الاولی باقية إلى زمان إدراك الثمرة الثانية و أما إذا تلفت فعلى ما استظهرنا من الرواية فلا موضوع لهذا البحث، و أما على القول الثاني فقد يقال كما في الجواهر سقوط الثمرة الثانية عن صلاحيتها للانضمام إذا لم يبق حيث قال: نعم يعتبر بقاء الناقص عن النصاب على اجتماع شرائط الزكاة من الملكية و نحوها إلى أن يدرك ما يكمله كذلك كما هو واضح، انتهى كلامه.

أورد عليه المحقق الخوئي (قدس سره ) من أنّ عهدة هذه الدعوى على مدعيها فإنّا لم نجد في تلك الأدلة ما يستشعر منه الاجتماع في الملك في آن واحد فضلاً عن الدلالة بل مقتضى اطلاقها أنه متى بلغ النتاج حد النصاب وجبت الزكاة سواءٌ بقيت على الملك أم لا، بل لعل الغالب في مثل الثمار عدم البقاء و لذا لو فرضنا أن ما يتحصل لديه في كل وجبة كان دون النصاب و المفروض صرفه قبل استنتاج الوجبة اللاحقة فاللازم من عدم الانضمام عدم وجوب الزكاة في كثير من موارد و هو كما ترى لا يظن أن يلتزم به الفقيه.

و الحاصل: أنّ مقتضى الاطلاق عدم الفرق بين الموارد من بقاء الملك و تلفه و منه يظهر ما في كلام المحقق الهمدانى (رحمه اللّه) من التفصيل بين تلف العين و الإتلاف الاختياري حيث حكم بعدم الانضمام في الصورة الاولى دون الثانية لنقصان الملكية حال تعلق الوجوب في الاولى و أما في الثانية فحيث كان خروجه بالاختيار فهو بحكم الباقي عنده في كونه مشمولاً للعمومات و الوجه في ذلك أنّ الاطلاق في جميع الموارد محكّم و مقتضاه ثبوت الحكم الوضعى و هو الشركة مع الفقير بمجرد بلوغ النابت من الأرض حد النصاب و أما اعتبار البقاء فلا دليل عليه، نعم بينهما فرق من ناحية اخرى أي من ناحية الضمان فان المالك على الأول لم يضمن لأن يده یدٌ أمانية بخلاف الثاني فإنه إذا تعدى يكون ضامناً لحصة الفقراء.

ص: 307

«مسألة 25: إذا كان عنده تمر يجب فيه الزكاة لا يجوز أن يدفع عنه الرطب على أنه فرضه و إن كان بمقدار لو جف كان بقدر ما عليه من التمر و ذلك لعدم كونه من أفراد المأمور به، نعم يجوز دفعه على وجه القيمة و كذا إذا كان عنده زبيب لا يجزى عنه دفع العنب إلّا على وجه القيمة و كذا العكس فيهما» (1)

«نعم لو كان عنده رطب يجوز أن يدفع عنه الرطب فريضة و كذا لو كان عنده عنب يجوز له دفع العنب فريضة»(2)

(1) أما على وجه الفرض فالوجه فيه واضح لعدم كونه من النصاب فلا يكون متعلقاً للزكاة فعدم الاجزاء على طبق القاعدة و أما جواز دفعه من باب القيمة فهو مبني على جواز دفع القيمة من غير النقدين و قد تقدم البحث فيه في مسئلة «4» من زكاة النقدين فراجع و حاصله أنه لا دليل على دفع القيمة من غيرهما و أما قوله (علیه السلام): «أيما تيسر»(1) فاستفادة الجواز منه مشكلٌ لسبق السؤال على تبديل الدينار بالدرهم و عكسه، لا تبديل ما فيه الزكاة بغير النقدين من الاجناس الآخر فلاحظ.

(2) هذا مبني على أن وقت متعلق الزكاة قبل التسمية و صدق كونه تمراً أو زبيباً لكن قد مر منا أنه يعتبر فيه الصدق، فقبل ذلك لا يجوز دفعه و لو من العين الزكوي.

ص: 308


1- الوسائل، الباب 14 من أبواب زكاة ذهب و فضة، الحدیث: 1

«و هل يجوز أن يدفع ما مثل عليه من التمر أو الزبيب من تمر آخر أو زبيب آخر فريضة أو لا؟ لا يبعد الجواز، لكن الأحوط دفعه من باب القيمة أيضاً لأن الوجوب تعلق بما عنده و كذا الحال في الحنطة و الشعير إذا أراد أن يعطى من حنطة اخرى أو شعير آخر» (1)

(1) أما جواز دفع التمر الآخر أو زبيب آخر فريضة فالظاهر أنه بعيد خلافاً لما في المتن إذ قد ذكرنا أنه لا يجوز دفع ما هو خارج عن أفراد المأمور به بدلاً عما هو مأموربه فما أفاده في المتن من الاحتياط هو المتعين، هذا إذا كان المراد هو ظاهر العبارة و لكن للسيد الخوئى (قدس سره ) في المقام تفصيل في المسند و لعله هو المراد من المتن، قال على ما في التقريرات(بما حاصله): ان الصحیح هو التفصيل في المسئلة بوجه آخر و هو الفرق بين الدفع من عين ما تعلقت به الزكاة و بين الدفع ما خارجه، فيجوز الأول و إن لم يكن المدفوع مماثلاً لما فيه الزكاة و لا يجوز الثاني و إن كان مماثلاً فضلاً عن غير المماثل فلو فرضنا أنّ النصاب مؤلف من التمر و الرطب و العنب و الزبيب كما لو كان الحاصل من مجموع ثمرات البساتين نصف النصاب و قد انتج أولاً و صار تمراً أو زبيباً و بعد فاصل زماني انتج البستان الثاني بقية النصاب و هي بعد عنب أو رطب و حينئذٍ بما أن الزكاة غير متشخصة في سنخ واحد و انما اللازم دفع عشر من هذا المجموع المركب منهما فله الاختيار من تطبيق ما في ذمته على أى فرد من الأفراد من التمر أو الزبيب و الرطب أو الملفق منهما، حتى على القول بالاشاعة أو الكلي في المعين لقيام الدليل على أن أمر التطبيق بيد المالك لأنه أعظم الشريكين فيجوز له دفع الرطب للاختيار من دفع الرطب أو التمر و الزبيب و العنب من داخل ما فيه النصاب و أما لو دفع من خارج العين فلا يجوز حتى في المماثل بأن يدفع مثل ما عليه من التمر من تمر آخر فضلاً عن غیر مماثل لأن الظاهر من الأدلة دفع العشر من نفس العين الخارجية التي

ص: 309

تعلقت به الزكاة لا مجرد مقدار العشر حتى من خارج العين فجواز الاخراج من غير ما تعلق به الزكاة يحتاج إلى دليل مفقود في المقام.

نعم، يجوز دفع الغير في الدراهم و الدنانير فقط، للرواية المتقدمة أو دفع شاة في زكاة الابل لقوله (علیه السلام): «في كل أربعين شاة شاة أو في خمسة من الابل شاة» و غير هذه الموارد فتحتاج إلى دليل، و في المقام لا دليل على الجواز فلا يجوز.

أقول: أما الجواز في الشق الأول مبني على جواز دفع الرطب قبل أن يصير تمراً فقد تقدم الاشكال فيه من اعتبار صدق التمر و أنه قبل التسمية لا يجوز الدفع، و أما الشق الثاني فالحق معه، و الحاصل أن التفصيل مبني على القول بتعلق الزكاة قبل التسمية إذ المكمل هو الرطب لا التمر في الفرض.

ص: 310

«مسألة 26: إذا أدى القيمة من جنس ما عليه بزيادة أو نقيصة لا يكون من الرباء بل هو من باب الوفاء» (1)

(1) إذا كان دفع الزيادة من باب الهبة أو الصلح بما في ذمة المالك، فالظاهر أنه لا كلام فيه لاختصاص الرباء بالقرض و البيع و عدم عموم أدلة الرباء لمطلق المعاوضات، و أما إذا لم يكن كذلك بل كان من باب المعاوضة و جعل أحدهما بدلاً للاخر بأن عوض متعلق الزكاة بمثله أزيد من ذلك فلو فرضنا أنّ الواجب عليه خمسة أمنان من الحنطة فهل له أن يدفع ستة أمنان من عين الحنطة التي تعلقت بها الزكاة من باب المعاوضة.

أفتى المصنف (رحمه اللّه) بالجواز نظراً إلى اختصاص حرمة الرباء بالبيع و القرض و المعاوضة في المقام ليس من باب البيع بل من جهة الوفاء و بما في ذمته بأمر آخر أزيد.

بتقريب: أنّ تطبيق الواجب على المدفوع إلى الفقير و إن كان في الحقيقة نوع من المعاوضة إلّا أن عموم اخبار حرمة الرباء في المعاوضات منصرفة عن مثل هذه المعاوضة و لذلك لا مانع من اعطاء الزيادة بعنوان الوفاء.

و في قبال هذا الدعوى قول بعدم الجواز و مال إليه صاحب الجواهر (رحمه اللّه)، قال في الجواهر: إن كانت الزيادة عينية كما لو دفع اثنى عشر مَنٍ عليه عشرة، ففي كون المجموع وفاءٌ كالحكمى بناء على أنه معاوضة عما في الذمة، غايته كونه متفاضلاً و هو جايز بالشرط و هو عدم الشرط أو يكون الزائد بمنزلة الهبة فيلزم حكمها من جواز الرجوع فيه على بعض الوجوه الآتية التفاتاً إلى أنّ الثابت في الذمة انما هو مقدار الحق فالزائد تبرع خالص و احسان محض و عطية منفردة، احتمالان -إلى أن قال- إنه يشكل جعله من المعاوضة عما في الذمة، بناء على عموم الرباء، فلا ريب في أن الاحوط فی

ص: 311

الربوي تعيين الوفاء، ثم هبة الزائد(1)

و على أى تقدير لابد من ملاحظة الروايات حتى نستفيد المراد منها، لاحظ ما رواه الحلبي عن أبي عبدالله (علیه السلام) قال: سألته عن الرجل يستقرض الدراهم البيض عدداً ثم يعطى سوداً وزناً و قد عرف أنها أثقل مما أخذ و تطيب نفسه أن يجعل له فضلها، فقال: لا بأس به إذا لم يكن فيه شرط و لو وهبها له كلها صلح(2)

و ما رواه خالد بن الحجاج قال: سألته عن الرجل كانت لي عليه مائة درهم عدداً قضانيها مائة وزناً، قال: لا بأس ما لم يشترط. قال: و قال: جاء الربا من قبل الشروط انما يفسده الشروط(3)

و في قبال هذه الروايتين روايتان صريحتان في عدم الجواز لاحظ ما رواه الحلبي عن أبي عبدالله (علیه السلام) قال: قال: لا يباع مختومان من شعير بمختوم من حنطة و لا يباع إلّا مِثلاً بمثل و التمر مثل ذلك قال: و سئل عن الرجل يشتري الحنطة فلا يجد صاحبها إلّا شعيراً أ يصلح له أن يأخذ اثنين بواحد؟ قال: لا انما أصلهما واحد و كان على (علیه السلام) يعد الشعير بالحنطة(4)

و ما رواه هشام بن سالم عن أبي عبدالله (علیه السلام) قال: سئل عن الرجل يبيع الرجل الطعام الاكرار فلا يكون عنده ما يتم له ما باعه فيقول له خذ مني مكان كل قفيز حنطة، قفيزين من شعير حتى تستوفي ما نقص من الكيل، قال: لا يصلح لأن أصل الشعير من الحنطة و لكن يردّ عليه الدراهم بحساب ما ينقص من الكيل(5)

لكن الجمع بينهما بحمل الطائفة الثانية على الاولى بأنّ الموجب للفساد و الحرمة هو

ص: 312


1- جواهر الكلام، ج 25، ص 13 - 14، طبع النجف الاشرف.
2- الوسائل، الباب 12 من أبواب الصرف، الحدیث: 2
3- نفس المصدر، الحدیث: 1
4- الوسائل، الباب 8 من أبواب الرّبا، الحدیث: 4
5- نفس المصدر، الحدیث: 1

«مسألة 27: لو مات الزارع مثلاً بعد زمان تعلق الوجوب وجبت الزكاة مع بلوغ النصاب، أما لو مات قبله و انتقل إلى الوارث فإن بلغ نصيب كل منهم النصاب وجب على كل زكاة نصيبه و إن بلغ نصيب البعض دون بعض وجب على من بلغ نصيبه و إن لم يبلغ نصيب واحد منهم لم يجب على واحد منهم» (1)

الاشتراط و أما بدونه فلا، مضافاً إلى أنّ الطائفة الاولى وارد في مورد القرض.

(1) كل ذلك على طبق القاعدة فإنه إذا كان الموت بعد زمان التعلق مع فرض بلوغ النصاب فقد تعلق به وجوب الزكاة قبل انتقاله إلى الورثة فقهراً يجب اخراج الزكاة عليهم قبل تقسيم الارث و أما إذا كان قبل التعلق فقد انتقل المال إلى الورثة فلابد من ملاحظة نصيب كل واحد منهم فإن بلغ نصيب كل النصاب وجبت الزكاة عليه و إلّا فلا.

ص: 313

«مسألة28: لو مات الزارع أو مالك النخل و الشجر و كان عليه دين فإما أن يكون الدين مستغرقاً أو لا، ثم إما أن يكون الموت بعد تعلق الوجوب أو قبله، بعد ظهور الثمر أو قبل ظهور الثمر أيضاً، فإن كان الموت بعد تعلق الوجوب، وجب اخراجها سواء كان الدين مستغرقاً أم لا، فلا يجب التحاص مع الغرماء لأن الزكاة متعلقة بالعين» (1)

(1) قد تعرض الماتن (رحمه اللّه) في هذه المسئلة فروعاً:

الفرع الأول: ما إذا كان الموت بعد زمان التعلق و مع فرض عدم وفاء التركة بالزكاة و الدين معاً، فقد أفتى الماتن (رحمه اللّه) بوجوب اخراج الزكاة كاملة حتى مع استغراق الدين من دون تحاص مع الغرماء.

و الوجه فيه: أنّ الزكاة قد تعلقت بالعين على نحو الاشاعة أو الكلى في المعين و حينئذٍ يكون مقدار الفريضة ملكاً للفقراء من حين الحياة فهذا المقدار قد خرج عن ملكه، فلا موضوع لحق الغرماء به بعد الموت، و أما إذا لم نقل بذلك و قلنا بأن المتعلق بالمال انما هو نوع حق، فإن كان على نحو حق الرهانة فيقع التزاحم بين حق الفقراء و حق الغرماء و حينئذٍ فإن كان مرجح في البين أخذنا به و إلّا فلابد من علاج آخر، و قد يتوهم أن حق الفقراء مقدم لتقدمه زماناً على حق الغرماء لتحققه في زمان الحياة فيكون مقدماً زماناً، لكن قد قرر في محله من الاصول أنّ التقدم الزماني لا يكون مرجحاً، و ربما يقال: أنّ تعلق حق الفقراء بالعين يوجب قصر سلطنة الوارث لا محالة بالنسبة إلى المقدار الذي تعلق به الحق المذكور و حينئذٍ لا مجال لتعلق حق آخر كحق الغرماء به بعد موت المالك فحق الفقراء ثابت و حق الغرماء لم يحدث، فلا مزاحمة في البين و يتوجه عليه أنّ قصر السلطنة من ناحية حق الفقراء، معناها لزوم صرف المال إلى هذه الجهة و هذا لا يمنع من قصر السلطنة بالاضافة إلى جهة اخرى فكلا الحقين يحدث

ص: 314

«نعم لو تلفت في حياته بالتفريط و صارت في الذمة وجب التحاص بين أرباب الزكاة و بين الغرماء كسائر الديون» (1)

أمراً مختصاً به دون آخر فالتزاحم باقٍ و حينئذٍ لا مرجح في البين و إذا لم يكن مرجح فمقتضى القاعدة في سائر الموارد هو التخيير و أما في الامور المالية لابد من أجراء قانون آخر و هو قاعدة العدل و الانصاف لو كان لها دليل و لا محالة يكون الحكم هو التحاص مع الغرماء، و أما إذا كان من باب حق الجناية فعن السيد الحكيم (رحمه اللّه) أنّ وجوب الزكاة لا يكون مانعاً عن حق الغرماء فإن المفروض تعلق الحق الناشيء من قِبَل وجوب الزكاة برقبة المال فعلى من له الحق كالفقير أن يتبع العين كما هو الحال في حق الجناية المتعلق برقبة العبد الغير المانع من بيعه.

أورد عليه سيدنا الاستاذ (رحمه اللّه) في المرتقى أنّ الظاهر بحسب الفهم العرفي أن وجوب دفع الزكاة لا يجتمع مع وجوب دفع المال إلى الغرماء فيكونا متزاحمين لا محالة، فلا فرق بين هذا الحق و الحق الآخر، هذا كله مع عدم وفاء التركة بالزكاة و وفاء الدين و مع الوفاء و لو بمقدار منه فالأمر واضح لعدم التزاحم حينئذٍ في البين.

(1) و الوجه فيه واضح لأنه بالتلف تتعلق الزكاة على ذمة المكلف بمقدار الفريضة فيكون حال الزكاة حال سائر الديون في عدم تعلقها بالعين إلّا بعد الموت.

ص: 315

«و إن كان الموت قبل التعلق و بعد الظهور فإن كان الورثة قد أدّوا الدين قبل تعلق الوجوب من مال آخر، فبعد التعلق يلاحظ بلوغ حصتهم النصاب و عدمه و إن لم يؤدّوا إلى وقت التعلق، ففي الوجوب و عدمه اشكال و الأحوط الاخراج مع الغرامة للدّيان أو استرضائهم» (1)

(1) الفرع الثانی: قد يؤدى الورثة الدين من مال آخر قبل زمان التعلق، فلا كلام في وجوب الزكاة حصصهم إذا بلغ حصة كل واحد النصاب، و انما الكلام فيما إذا لم يؤدّوا و حينئذٍ يقع البحث تارة فى الدين المستوعب، و اخرى فيما لم يستوعب التركة، أما الأول: فإن قلنا إن التركة تنتقل بالموت الی ملك الوارث لكن متعلقة لحق الدیان فالظاهر أنه لاتجب الزكاة لأنه مال و إن انتقل إلى الورثة لكن لا يكون طِلقاً فلا يتوفر فيه شروط الزكاة إلّا أن يقال ان الورثة إذا كانوا قادرين على الأداء، فهذه القدرة الشأنية كافية في تعلق الزكاة كما إذا كان شخص قادراً على تخليص المغصوب عن يد الغاصب بسهولة و أما إذا لم نقل بذلك، بل الملك باقٍ على ملك المورث في صورة كون الميت مديوناً إذ لم ينتقل إلى الورثة بمقتضى الآية الشريفة: {من بعد وصية أو دين} هذا من ناحية و من ناحیة اخرى لا يعقل الملك بلا مالك فيكون باقٍ على ملك المالك فإنه لا مانع من اعتبار الملكية للميت و حينئذٍ فهل تجب الزكاة أم لا؟ ذهب بعض الأعلام إلى عدم الوجوب أما الورثة، لعدم كونهم مالكين له و أما عدم وجوبها على الميت فلأنه لا يعقل حدوث تكليف جديد بالاضافة إليه، لكن قد سبق منا أن الحكم الوضعي لا يشترط فيه التكليف فإذا كان شخص مالكاً لكن لا يتوجه إليه الحكم التكليفي لمانع من جنون أو صغر أو موت لا مانع من تعلق الزكاة على ماله، غاية الأمر يكون وليه متصدياً للاخراج فعلى هذا يكون ثبوت الزكاة في ماله لا يخلو من وجه و حينئذٍ يقع التزاحم في المقام فلابد من العلاج كما ذكرنا في الصورة الاولى، إلّا أن يقال إن الميت

ص: 316

و إن كان مالكاً لكنه لا يمكنه التصرف في ماله و من هذه الجهة لا تجب عليه الزكاة، أما إذا كان الدين غير مستوعب للتركة بأن كانت التركة وافية بأداء كل من الدين و الزكاة فالظاهر أنه لا مانع من تعلق كل من التكليفين على ماله فيجب أدائهما إلّا أن يقال إن نفس الدين و لو كان قليلاً مانع عن تعلق الزكاة لعدم كون الملك طلقاً، لكنه ضعيف إذ الورثة قادرون على أداء الزكاة من دون أي محذور.

قال صاحب الجواهر: لا نعرف قائلاً معتد به ببقاء التركة جميعها على حكم مال الميت بمجرد الدين المفروض كونها أضعافه كما اعترف به في المدارك بل المعروف دخول ما زاد على الدين في ملك الوارث انتهى موضع الحاجة.

و أما ما ذكر في المقام من أنه يشترط في تعلق الزكاة أن یكون المال الزكوى بشخصه مملوكاً و ملكاً طلقاً للمالك -بحيث كان متحازاً بتمامه و هذا الشرط غير محرز في المقام- فمردودٌ، أولاً أنه لا دليل على هذا الاشتراط و ثانياً أن ملك الورثة معلوم، فإن المال الزكوى بشخصه ملك للورثة و إنما الغير المعلوم هو ما يستحق الديان من التركة إذ التركة تنتقل إلى الورثة بموت المورث و أما تعلق الدين عليها، انما يكون من باب الكلي في المعين.

ص: 317

«و أما إن كان قبل الظهور وجب على من بلغ نصيبه النصاب من الورثة بناءً على انتقال التركة إلى الوارث و عدم تعلق الدين بنمائها الحاصل قبل أدائه و أنه للوارث من غير تعلق حق الغرماء به» (1)

(1) الفرع الثالث: و الوجه فيه أن متعلق حق الديان انما هو نفس التركة لا نمائها كما هو المفروض و حينئذٍ إذا بلغ نصاب كل من الورثة النصاب تجب فيه الزكاة لتوفر شروطها في النماء.

و الحاصل: أنّ النماء يكون للورثة فهم مالكون له، فإذا بلغ مقدار النصاب تجب الزكاة و إلّا فلا، كما اعترف به صاحب الجواهر (رحمه اللّه) و تعلق حق الديان على التركة لا يكون مانع عن كون النماء ملكاً طلقاً للورثة، هذا مع الاستيعاب و أما مع عدمه، فالأمر فيه أوضح، إلّا أن يقال إنّ النماء تابع للتركة و العين فالفرع يلحق بالأصل فلا يملك النماء إلّا من كان مالكاً للعين و حيث إن الدين إذا كان مستغرقاً يكون العين باقٍ على ملك الميت فكذلك النماء فالنماء ملك للميت فكل ما يترتب على ملك الميت بالنسبة إلى العين يكون مترتباً على النماء فالنماء باقٍ على ملك الميت و حينئذٍ فإن قلنا بعدم وجوب الزكاة على ملك الميت لعدم قابليتها لتعلق الزكاة لعدم معقولية توجه الخطاب إلى الميت بعد الموت، لا وجه لتعلق الزكاة على النماء كالعين و بذلك يظهر الاشكال فيما أفاده المحقق الهمدانى (رحمه اللّه) من تعلق الحق بالتركة و النماء معاً حتى على فرض عدم استيعاب الدين إذ مقتضى قانون التبعية و بقاء الملك على ملك الميت كون النماء أيضاً داخلاً في ملك الميت و معه لا وجه لتعلق الزكاة عليه، إلّا أن يقال ان التركة ينتقل إلى الورثة بمجرد الموت و هم موظفون بأداء دين الميت فقط، فيكون النماء أيضاً داخلاً في ملكهم، لكن المبنى غير صحيح بمقتضى الروايات بل ظاهر الآية كما حقق في محله، و قد تقدم منا أنه لا مانع من تعلق الزكاة على العين فكيف بنمائها

ص: 318

«مسألة29: إذا اشترى نخلاً أو كرماً أو زرعاً مع الارض أو بدونها قبل تعلق الزكاة فالزكاة عليه بعد التعلق مع اجتماع الشرائط و كذا إذا انتقل إليه بغير الشراء» (1)

«و إذا كان ذلك بعد وقت التعلق فالزكاة على البائع فإن علم بأدائه أو شك في ذلك ليس عليه شيء» (2)

لكن قد ذكرنا أن الأقوى عدم الوجوب و إن قلنا بالتفكيك بين الاحكام الوضعية و الأحكام التكليفية.

(1) و الوجه فيه ظاهر على ما تقدم من أن المدار في وجوب الزكاة كون الشخص مالكاً للمال الزكوي حين تعلق الزكاة فإذا انتقل إليه قبل تعلق الزكاة تكون الفريضة في مال المنتقل إليه لا المنتقل عنه لعدم كونه مالكاً حال التعلق و أما اشتراط النمو في ملك المالك فليس عليه دليل يطمئن النفس به.

(2) أما ثبوت الزكاة على البائع في الفرض المزبور فالوجه فيه ظاهر لتحقق المناط فيه و كذا في فرض العلم بأدائها، إنما الكلام في صورة الشك فأفتى الماتن (رحمه اللّه) بعدم وجوب الزكاة على المشتري و استدل على ذلك بأمرين:

الأول: قاعدة اليد التي هي من الامارات الشرعية على الملكية.

أورد عليه سيدنا الاستاذ (رحمه اللّه) بأنّ اليد المفروض كونها أمارة شرعية على الملكية ليست مثل هذه اليد المعلومة الحال سابقاً حيث إنّا نعلم وجداناً بأن يد البايع على المال المذكور قبل زمان الاخراج كانت يد أمانة نظراً إلى أن مقداراً منه كان مملوكاً للفقراء و مثل هذه اليد المعلومة الحال لا تكون أمارة شرعية على الملكية و حينئذٍ يكون الشك في رد المالك الامانة إلى أهلها و مقتضى الاستصحاب هو العدم.

أجاب عن هذا الايراد المحقق الخوئى (قدس سره ) بأن هذا إنما يتجه فيما إذا لم يحرز تسلط ذي

ص: 319

اليد و قدرته على الانتقال إلى نفسه و أما لو أحرز ذلك فلا قصور في دليل حجية اليد و في المقام يد البايع على عشر المبيع و إن كانت يد أمانة سابقاً لكونه حصة الفقراء إلّا أنه مسلط على انتقاله إلى نفسه إما بدفع الزكاة من خارج النصاب جنساً أو قيمة فهو قادر على تملك هذه الحصة على الوجه الشرعى و ليست ثمة دعوى مضادة في مقابله فإذا تصدى مع هذه الحالة لبيع تمام العين فلا نرى مانعاً من التمسك بقاعدة اليد لاحراز كون العين بتمامها له.

الثاني: أصالة الصحة، بأنّ أصالة الصحة في فعل البايع تدل على صحة المعاملة فلا تجب الزكاة على المشتري.

بتقريب: أنه يشك في أنه هل له الولاية على البيع ليكون بیعه صحيحاً بالنسبة إلى الجميع أم لا؟ و مقتضى حمل فعل المسلم على الصحة هو الحكم بصحة البيع المذكور فالنتيجة لا تجب الزكاة على المشترى.

أورد عليه المحقق الخوئى (قدس سره ) بأنّ أصالة الصحة دليل لُبي لا اطلاق له فيقتصر على القدر المتيقن منه و هو فيما لو شك في صحة المعاملة بعد احراز القابلية و سلطنة البايع على البيع لكونه مالكاً أو وكيلاً فكان الشك في الصحة لجهات خارجية من كونها غرريه أو ربوية و نحو ذلك و أما مع عدم احراز ذلك، كما فيما نحن فيه فلم يمكن احرازها بأصالة الصحة.

لكن يمكن أن يقال إنّ جواز انتقال المالك الفريضة إلى نفسه و تسلطه على ذلك و ولايته على النقل يقتضى أن يكون موردنا من موارد القدر المتيقن لأنا نعلم بأنّ المالك له الولاية بالتبديل و لو بنقلها إلى نفسه و أداء قيمتها أو جنس آخر على قول، فلا مانع من جريان أصالة الصحة إلّا أن يقال كما في كلام سيدنا الاستاذ دام ظله في المباني أن أصالة الصحة لا تثبت الأداء إلّا بالأصل المثبت الذي لا نقول به.

ص: 320

«و إن علم بعدم أدائه فالبيع بالنسبة إلى مقدار الزكاة، فضولي فإن اجازه الحاكم الشرعى طالبه بالثمن بالنسبة إلى مقدار الزكاة و إن دفعه إلى البايع رجع بعد الدفع إلى الحاكم عليه و إن لم يجز كان له أخذ مقدار الزكاة من المبيع» (1)

(1) أما كون البيع فضولياً فلأنّ مقدار الزكاة يكون ملكاً للفقراء فبالنسبة إليه يحتاج إلى اجازة الحاكم الشرعي الذي هو ولى الفقراء فإن أجاز يكون البيع صحيحاً و طالب المشتري بالثمن بالنسبة إلى هذا المقدار من الزكاة و حينئذٍ يجوز للمشتري المراجعة إلى البايع و استرداد جزء من الثمن المقابل لهذا المقدار لو دفع الثمن إليه لعدم كون البايع مستحقاً له بل لو لم يدفع الثمن إلى البايع يجوز له الرجوع و أخذ منه ثم دفعه إلى الحاكم لعدم استحقاقه على كلا التقديرين فهو كمن باع ما يملك و ما لا يملك حيث أنه يجوز للمشتري استرداد المقابل لما لم يملكه سواء أجاز المالك الواقعي أم لا؟ دفع إليه الثمن في صورة الاجازة أم لا؟ لو طالب الحاكم من المشتري العين الزكوى بمقدار الزكاة، لا يجوز الامتناع و دفع القيمة لو لم يجز البيع إذ ليس للمشتري الولاية على الدفع من مال آخر كما تكون ثابتة للبايع، هذا كله على مقتضى القاعدة.

و أما على مقتضى النص يكون البيع صحيحاً بالنسبة إلى جميع، غاية الأمر يتبع بها البايع أو يؤدى زكاتها البايع لاحظ ما رواه عبد الرحمن بن أبي عبدالله قال: قلت لأبي عبدالله (علیه السلام) رجل لم يزك إبله أو شاءه عامين فباعها على من اشتراها أن يزكيها لما مضى قال نعم تؤخذ منها زكاتها و يتبع بها البائع أو يؤدي زكاتها البائع.(1)

إلّا أن يقال إن هذا على خلاف القاعدة فيؤخذ على مورد النص و ما نحن فيه ليس منه، نعم على مبنى كون التعلق على نحو حق الجناية تكون الرواية على مقتضى القاعدة

ص: 321


1- الوسائل، الباب 8 من أبواب زكاة الانعام، الحدیث: 1

«و لو أدى البائع الزكاة بعد البيع ففي استقرار ملك المشتري و عدم الحاجة إلى الاجازة من الحاكم اشكالٌ» (1)

إذ البيع صحيح بالنسبة إلى الجميع على هذا المبنى كما اعترف به سيدنا الاستاذ (رحمه اللّه) في المرتقى.

(1) تارة نبحث في هذا الفرض على مقتضى القاعدة الاولية و اخرى على مقتضى النص.

أما على الأول: فالظاهر أنّ المورد داخل في القاعدة المعروفة عند القوم و هي «من باع شيئاً ثم ملكه» و حيث أنّ البايع لم يكن مالكاً لحصة الفقراء حين البيع، كان البيع بالنسبة إليها فضولياً فإذا أدى زكاته من مال آخر بناءً على جواز ذلك يصير مالكاً للمقدار المذكور فمن يقول في تلك المسئلة بلزوم الاجازة، لابد له من اجازة البايع وإلّا فلا، و حيث أن الماتن (رحمه اللّه) تردد في المسئلة أفاد بقوله «اشكال».

و أما على الثاني: فبمقتضى حديث عبدالرحمن عدم الحاجة إلى الاجازة، بتقريب أنه جعل في الرواية بدل الأخذ من المشتري أداء البايع فيظهر أنه متى أدى البايع لا شيء على المشتري و ظاهره أنّ تمام العين ملك طلق للمشتري بلا توقف على اجازة البايع الذي صار مالكاً فالأظهر هو استقرار الملك في ملك المشتري من غير حاجة إلى اجازة البايع فلاحظ.

ص: 322

«مسألة30: إذا تعدد أنواع التمر مثلاً و كان بعضها جيداً أو أجود و بعضها الآخر رديء أو أردأ فالأحوط الأخذ من كل نوع بحصته و لكن الأقوى الاجتزاء بمطلق الجيد و إن كان مشتملاً على الأجود و لا يجوز دفع الرديء عن الجيد و الأجود على الأحوط» (1)

(1) في هذه المسئلة تارة نبحث على مقتضى القاعدة الأولية و اخرى على مقتضى النص:

أما على الأول: فإن قلنا بالشركة و الإشاعة فلابد من التأدية من كل نوع بحصته كما ذكره العلامة (رحمه اللّه) حيث قال: الثمرة إن كانت كلها جنساً واحداً اخذ منه، سواءٌ كان جيدٌ كالبردى و هو أجود نخل الحجاز أو ردياً كالجعرور، -إلى أن قال- و لا يطالب بغيره و إن تعددت الانواع اخذ من كل نوع بحصته ينتفى الضرر عن المالك بأخذ الجيد و عن الفقراء بأخذ الرديء و حينئذٍ لا يجوز أداء الجيد إذا كان مشتملاً على الأجود و السرّ في ذلك على هذا المبنى ظاهر، لأن الفقير شريك مع الملك بالنسبة إلى جميع الأصناف و أما على القول بمقالة السيد (رحمه اللّه) من أنّ كيفية التعلق بالعين يكون على نحو الكلى في المعين، فقد احتاط السيد أولاً بأداء كل نوع بحصته، لكن بعد ذلك أفتى بجواز الاجتزاء بمطلق الجيد و لو كان مشتملاً على الأجود، و لعل الوجه في الاحتياط انصراف الاخبار إلى لزوم كون المؤدي مسانخاً في الخصوصية لما تعلق به الزكاة فإذا ما تعلق به الزكاة جيدٌ، لا يجوز دفع الرديء لكن حيث أن الفقير شريك المالك على نحو الكلى في المعين فيما يصدق عليه عنوان التمر فيجوز له دفع الجيد في الفرض إذ الخصوصيات الفردية الموجبة للجودة و الردائة لا يكون الفقير شريكاً مع المالك فيها، نعم على هذا المبنى اختصاص الجيد مطلقاً مشكلٌ و بما ذكرنا يظهر الحال إذا قلنا بتعلق الزكاة بالعين على نحو الحق أى حق الرهانة فإنه حق تعلق بالمال و لابد من

ص: 323

الخروج عن العهدة بما يكون مصداقاً للطبيعي إلّا أن يدعى الانصراف المذكور المتقدم ذكره و من ذلك يظهر أيضاً وجه ما قاله، من أن الكيفية في التعلق على نحو الشركة في المالية و هو انطباق الطبيعي المأمور به على ما يؤدى من الأنواع.

و أما ما ورد في زكاة الانعام من عدم جواز الهرم و المريض عن الشاب و الصحيح كما تقدم(1) فهذا حكم خاص فى مورد خاص و أما ما نحن فيه لا دليل عليه، نعم في بعض الروايات عدم الجعرور و معافارة لاحظ ما رواه أبوبصير عن أبي عبدالله (علیه السلام) في قول الله عزوجل: {يا أيها الذين آمنوا أنفقوا من طيبات ما كسبتم و مما أخرجنا لكم من الأرض و لا تيمموا الخبيث منه تنفقون} قال: كان رسول الله (صلی الله علیه و آله و سلم) إذا امر بالنخل أن يزكى يجيء قوم بألوان من التمر و هو من أردأ التمر يؤدونه من زكاتهم تمراً يقال له الجعرور و المعافارة قليلة اللحاء عظيمة النوى و كان بعضهم يجيء بها عن التمر الجيد، فقال رسول الله (صلی الله علیه و آله و سلم): لا تخرصوا هاتين التمرتين و لا تجيئوا منهما بشيء و في ذلك نزل: {و لا تيمموا الخبيث منه تنفقون و لستم بآخذيه إلّا أن تغمضوا فيه} و الاغماض أن يأخذ هاتين التمرتين(2)

و ما رواه شهاب عن أبي عبدالله (علیه السلام) و ذكره نحوه(3)

و ما رواه عبدالله بن سنان عن أبي عبدالله (علیه السلام) في قول الله: {يا أيها الذين آمنوا أنفقوا من طيبات ما كسبتم و مما أخرجنا لكم من الأرض و لا تيمموا الخبيث منه تنفقون} قال: كان اُناس على عهد رسول الله (صلی الله علیه و آله و سلم) يتصدقون بأشر ما عندهم من التمر الرقيق القشر، الكبير النوى يقال له المعافارة ففي ذلك أنزل الله: {و لا تيمموا الخبيث منه تنفقون}(4)

ص: 324


1- الوسائل، الباب 8 من أبواب زكات الانعام
2- الوسائل، الباب 19 من أبواب زكات الغلات، الحدیث: 1
3- نفس المصدر، الحدیث: 2
4- نفس المصدر، الحدیث: 3

و ما رواه رفاعة عن أبي عبدالله (علیه السلام) في قول الله: {إلا أن تغمضوا فيه} فقال: إن رسول الله (صلی الله علیه و آله و سلم) بعث عبدالله بن رواحة فقال: لا تخرصوا ام جعرور و لا معافارة و كان اُناس يجيئون بتمر سوء فأنزل الله: {و لستم بآخذيه إلا أن تغمضوا فيه} و ذكر أن عبدالله خرص عليهم تمر سوء، فقال رسول الله (صلی الله علیه و آله و سلم): يا عبدالله لا تخرص جعروراً و لا معافارة(1)

و ما رواه اسحاق بن عمار عن جعفر بن محمد‘ قال: كان أهل المدينة يأتون بالصدقة الفطر إلى مسجد رسول الله (صلی الله علیه و آله و سلم) و فيه عذق يسمى الجعرور و عذق تسمى معافارة كانا عظيم نواهما رقيق لحاهما في طعمهما مرارة فقال رسول الله (صلی الله علیه و آله و سلم):للخارص لاتخرص علیهم هذین اللونین لعلهم یستحیون لایأتون بهما فأنزل الله {يا أيها الذين آمنوا أنفقوا من طيبات ما كسبتم} إلى قوله {تنفقون}(2)

لكن هذين نوعين من أنواع التمر قليلة اللحا عظمية النوى و لا يستعمل غالباً إلّا للاحراق أو أكل الحيوانات كما قيل فلا يصدق عليه التمر عرفاً و لو للانصراف.

و أما على مقتضى النص: فقد يقال أما ما ورد في تفسير قوله تعالى: {يا أيها الذين آمنوا أنفقوا من طيبات ما كسبتم و مما أخرجنا لكم من الأرض و لا تيمموا الخبيث منه تنفقون و لستم بآخذيه إلا أن تغمضوا فيه و اعلموا أن الله غنى حميد}(3) من الخبيث على الجعرور و المعافارة كما استدل به العلامة، لعدم جواز اخراج الرديء فقد تقدم الجواب عنه مضافاً إلى أنه مختص بدفع الأردأ عن الجيد أما الرديء عنه فلا.

ص: 325


1- نفس المصدر، الحدیث: 4
2- نفس المصدر، الحدیث: 5
3- البقرة / 267

«مسألة31: الأقوى أن الزكاة متعلقة بالعين لكن لا على وجه الإشاعة بل على وجه الكلي في المعين و حينئذٍ فلو باع قبل أداء الزكاة بعض النصاب صح إذا كان مقدار الزكاة باقياً عنده بخلاف ما إذا باع الكل فإنه بالنسبة إلى مقدار الزكاة يكون فضولياً محتاجاً إلى اجازة الحاكم على ما مر لا يكفى عزمه على الأداء من غيره في استقرار البيع على الأحوط»(1)

«مسألة32: يجوز للساعي من قبل الحاكم الشرعي خرص ثمر النخل و الكرم بل و الزرع على المالك و فائدته جواز التصرف للمالك بشرط قبوله كيف شاء و وقته بعد بدو الصلاح و تعلق الوجوب بل الأقوى جوازه من المالك بنفسه إذا كان من أهل الخبرة أو بغيره من عدل أو عدلين و إن كان الأحوط الرجوع إلى الحاكم أو وكيله مع التمكن و لا يشترط فيه الصيغة فإنه معاملة خاصة و إن كان لو جيء بصيغة الصلح كان أولى، ثم إن زاد ما في يد المالك، كان له و إن نقص، كان عليه و يجوز لكل من المالك و الخارص الفسخ مع الغبن الفاحش» (2)

(1) قد مر الكلام فيه مفصلاً فلا نعيده.

(2) بلا اشكال و لا كلام في الجملة و عن الجواهر أنه بلا خلاف أجده بل في المعتبر و الخلاف الاجماع عليه، و الظاهر أنّ المراد بالجواز هو جواز الاكتفاء بالخرص في مقام التعيين و أنه حجة فيترتب عليه الآثار و هذا بهذا المعنى لا كلام فيه لأنه موجب للاطمئنان الذي لا بحث في حجيته إنما البحث في جهات ثلاث:

الجهة الاولى: في أنّ الخرص أمارة شرعية و أنه حجة مطلقاً و لو لم يوجب الاطمئنان

ص: 326

أم لا؟ و قد استدل على ذلك بامور:

الامر الاول: دليل نفي الضرر و نفي العسر و الحرج، بتقريب أنه يلزم من عدم حجيته الضرر على المالك أو وقوعه في العسر و الحرج و هما منفيان في الشريعة المقدسة إذ لولا حجية قول الخارص لزم منه عدم جواز تصرف المالك في البقية من حين تعلق الزكاة خصوصاً على القول المشهور من أنّ زمان التعلق بدو الصلاح إلى زمان الجفاف و صيرورته تمراً أو زبيباً إذ لو تصرف المالك في ذلك الزمان يستلزم التصرف في حق الفقراء فلا يجوز له الأكل أو الإهداء و هو ضرر عليه و حرج عليه.

أورد عليه سيدنا الاستاذ (رحمه اللّه) في المرتقى: أولاً: أن عدم جواز التصرف كذلك إنما يكون على بعض المباني من الشركة الحقيقية و الإشاعة، و أما على سائر المبانى فلا يلزم ذلك، و ثانياً: لو سلمنا هذا المبنى فالملازمة ممنوعة فإنها إنما يلزم على القول بعدم جواز الاخراج قبل الجفاف و بعد بدو الصلاح أي قبل صيرورته تمراً و لو صار رطباً و أما إذا قلنا بذلك فلا يلزم العسر و الحرج، لعدم المانع من منع المالك عن التصرف حينئذٍ إذ له أن يخرج حق الفقراء ثم يتصرف في المال.

الامر الثاني: جملة من الروايات الواردة في المقام لاحظ ما رواه عن سعد بن سعد الأشعري عن أبي الحسن الرضا (علیه السلام) في حديث قال: سألته عن الزكاة في الحنطةو الشعير و التمر و الزبيب متى تجب على صاحبها قال إذا صرم و إذا خرص.(1)

أورد عليه المحقق الخوئي (قدس سره ) بأنها حكم خاص في مورد خاص لا يمكن التعدي إلى غير مورده و هو العنب و أما التمر و الحنطة فلا.

و ما رواه أيضاً عن سعد بن سعد الأشعري عن أبي الحسن الرضا (علیه السلام) في حديث قال: سألته عن الزكاة في الحنطة و الشعير و التمر و الزبيب متى تجب على صاحبها قال إذا

ص: 327


1- الوسائل، الباب 12 من أبواب زكات الغلات، الحدیث:2

صرم و إذا خرص.(1)

أورد عليه أيضاً بأنه لا يمكن الالتزام بمفاده فإن وقت تعلق الزكاة إما عند انعقاد الحب أو حال الاحمرار أو عند التسمية و كلاهما سابق على زمان الصرم و الخرص قطعاً فكيف يناط الوجوب بذلك مع أن الظاهر من الرواية تعليق الوجوب بالصرم و الخرص كما هو ظاهر السؤال و عدم الوجوب عند عدمهما، أفهل ترى أن الزرع أو الثمر لو لم يصرم أو لم يخرص قط لم يتعلق به الوجوب و على هذا يبقى المورد تحت أصالة عدم الجواز التي هي مقتضى القاعدة الأولية.

الجهة الثانية: أن الخرص هل يكون معاملة و مصالحة و يترتب على ذلك أنه يكون له موضوعية أم لا؟ بل يكون طريقاً إلى الاحراز، فلا يتصور فيه كشف الخلاف على الأول دون الثاني و الظاهر أنه لا دليل على كون الخرص من المعاملة إذ لا دليل على كون الخارص له ولاية التبديل و النقل بحيث ينتقل الزكاة من العين إلى الذمة فكان له الموضوعية و يكون الاعتبار بهذا دون الواقع فإن زاد كان له و إن نقص كان عليه بل الخرص له الطريقية كساير الأمارات فمع كشف الخلاف يكون المدار على الواقع.

أضف إلى ذلك أنه لا مدفع لاحتمال تطرق الربا فإن العين الزكوية من المكيل و الموزون فلو باع الخارص حصة الفقير من الحنطة مثلاً بشيء من جنسه في ذمة المالك، فمع الاختلاف بزيادة أو نقصان يلزم منه الربا بطبيعة الحال، اللهم إلّا أن يفرض المعاملة المزبورة على سبيل المصالحة لا البيع لكن تقدم منا أن أدلة الربا عامة لكل المعاوضة و لا يختص بباب البيع فلاحظ.

ص: 328


1- الوسائل، الباب 12 من أبواب زكات الغلات، الحدیث: 1

«و لو توافق المالك و الخارص على القسمة رطباً جاز»(1)

«و يجوز للحاكم أو وكيله بيع نصيب الفقراء من المالك أو من غيره»(2)

«مسألة33: إذا اتجر بالمال الذي فيه الزكاة قبل أدائها يكون الربح للفقراء بالنسبة و إن خسر يكون خسرانها عليه»(3)

الجهة الثالثة: إذا كان الخرص من المعاملة فما هو طرفا العقد، و الظاهر أن طرفيه، هما المالك و الخارص فيجوز لكل واحد منهما الفسخ إذا ظهر الغبن في المعاملة لو كان الغبن فاحشاً كساير المعاملات فما هو المناط من ثبوت خيار الغبن فيها جارٍ فيما نحن فيه إذ المناط فيه الشرط الإرتكازي و هو ملحوظ في جميع المعاملات.

(1) هذا الكلام مبنى على مسلك المشهور من تعلق الزكاة قبل التسمية و أما على ما ذكرنا من أن المدار في تعلق الزكاة هو التسمية فلا موضوع لذلك إذ لا وجوب حتى يخرص.

(2) لعموم ولايتهم على الفقراء فيجوز له التصرف بالبيع أو غيره من المالك أو غيره على ما يرى فيه المصلحة لهم.

(3) و البحث في هذه المسئلة تارة يقع على مقتضى القاعدة الأولية و اخرى على مقتضى النص.

أما على الأول: فتفصيل القول فيه فإن قلنا أن تعلق الزكاة بنحو الشركة الحقيقية و الإشاعة، فلا محالة يكون البيع فضولياً بالنسبة إلى مقدار حق الفقراء إذ البيع إنما يكون نافذاً فيما إذا كان صادراً من المالك، لزمام البيع من كونه مالكاً بالأصالة أو ولياً أو وكيلاً و إلّا يقع فضولياً و حينئذٍ فإن أجازه الحاكم و هو الولي العام، صحت المعاملة و كان الربح و الخسران عليهما، لكن يشكل بالنسبة إلى فرض الخسران إذ لا ولاية للفقيه الجامع للشرائط بالنسبة إلى اجازته لأنه مأمور بملاحظة حقوق الفقراء و عدم

ص: 329

تفريطه بها و الاجازة مع الخسران تفريط بحق الفقراء. هذا إذا لم يؤد المالك و أما إذا أدى المالك فالبحث ادرج في كبرى «من باع شيئاً ثم ملك» فإن قلنا إنه لا يحتاج إلى الاجازة ففيما نحن فيه أيضاً كذلك، و أما إذا لم نقل و قلنا إنه يحتاج إلى الاجازة فالمقام أيضاً كذلك، هذا كله على الاشاعة.

و أما إذا قلنا بأن الزكاة من قبيل تعلق الكلي في المعين فالأمر أيضاً كذلك في أنه يحتاج إلى الاجازة.

و أما بناءً على تعلق الزكاة بالعين على نحو حق الرهانة بالمال فالبيع بالنسبة إلى الجميع يكون فضولياً، فإن أجاز من له الاجازة صح و إلّا فلا، لكن لا يقسط الخسران و الربح عليهما بل هما ثابتان للمالك إذ متعلق الحق على هذا هو الكلي في الذمة.

و أما على مبنى سيدنا الاستاذ (رحمه اللّه) في المرتقى من أنّ تعلقها بالمال من قبيل حق الجناية فالمعاملة بالنسبة إلى الجميع صحيحة بلا حاجة إلى الاجازة.

و أما على الثاني: أي على مقتضى النص فالظاهر أن المعاملة بالنسبة إلى الجميع صحيحة لاحظ ما رواه عبد الرحمن بن أبي عبدالله قال: قلت لأبي عبدالله (علیه السلام) رجل لم يزك إبله أو شاءه عامين فباعها على من اشتراها أن يزكيها لما مضى قال نعم تؤخذ منها زكاتها و يتبع بها البائع أو يؤدي زكاتها البائع.(1)

و أما ما أفاده الماتن (رحمه اللّه) من أنّ الربح للفقراء بالنسبة و أنّ الخسران على المالك فقط فالظاهر أن مستنده ما رواه أبي حمزة عن أبيه عن أبي جعفر (علیه السلام) قال: سألته عن الزكاة تجب علي في موضع لا تمكنني أن أؤديها قال اعزلها فإن اتجرت بها فأنت لها ضامن و لها الربح و إن تويت في حال ما عزلتها من غير أن تشغلها في تجارة فليس عليك فإن لم تعزلها فاتجرت بها في جملة مالك فلها بقسطها من الربح و لا وضيعة عليها.(2) لكن

ص: 330


1- الوسائل، الباب 12 من أبواب زكات الانعام، الحدیث: 1
2- الوسائل، الباب 52 من أبواب مستحقین زكات، الحدیث: 3

«مسألة34: يجوز للمالك عزل الزكاة و افرازها من العين أو من مال آخر مع عدم المستحق بل مع وجوده أيضاً على الأقوى و فائدته صيرورة المعزول ملكاً للمستحق قهراً حتى لا يشاركهم المالك عند التلف و يكون أمانة في يده و حينئذٍ لا يضمنه إلّا مع التفريط أو التأخير مع وجود المستحق و هل يجوز للمالك إبدالها بعد عزلها، اشكالٌ و إن كان الأظهر عدم الجواز ثم بعد العزل يكون نماؤها للمستحقين متصلاً كان أو منفصلاً»(1)

الرواية ضعيفة.

(1) قد تعرض الماتن (رحمه اللّه) في المقام لعدة امور:

الامر الأول: لا ينبغي الاشكال في جواز العزل بمعنى الأعم من الرخصة أو الاستحباب أو الوجوب عند عدم المستحق و استدل للجواز بصحيحة أبوبصير عن أبي جعفر (علیه السلام) قال: إذا أخرج الرجل الزكاة من ماله ثم سماها لقوم فضاعت أو ارسل بها إليهم فضاعت فلا شيء عليه(1)

و ما رواه عبيد بن زرارة عن أبي عبدالله (علیه السلام) أنه قال: إذا أخرجها من ماله فذهبت و لم يسمها لأحد فقد بريء منها(2)

و ما رواه يونس بن يعقوب قال: قلت لأبي عبدالله (علیه السلام): زكاتي تحل على في شهر أيصلحلي أن أحبس منها شيئاً مخافة أن يجيئني من يسألني؟ فقال: إذا حال الحول فأخرجها من مالك لا تخلطها بشيء ثم أعطها كيف شئت. قال: قلت: فإن أنا كتبتها و أثبتها

ص: 331


1- الوسائل، الباب 39 من أبواب المستحقّين للزّكاة، الحدیث: 3
2- نفس المصدر، الحدیث: 4

يستقيم لي؟ قال: لا يضرك(1)

و ما رواه عبدالله بن سنان عن أبي عبدالله (علیه السلام) أنه قال في الرجل يخرج زكاته فيقسم بعضها و يبقى بعض يلتمس لها المواضع فيكون بين أوله و آخره ثلاثة أشهر قال: لا بأس(2)

و ربما يقال كما عن الفاضلين و الشهيد (قدس الله أسرارهم) هو الوجوب و استندوا إلى رواية يونس و ما رواه على بن أبي حمزة(3)

لكن الظاهر أنّ الامر الوارد في الرواية هو الجواز لأنه واقع موقع توهم الحظر إذ الاصل الأولي في المقام هو المنع تكليفاً و وضعاً خصوصاً على القول بالاشاعة بل يمكن أن يستفاد الجواز لا الوجوب من بعض فقرات رواية يونس حيث سأل الراوى «فإن أنا كتبتها و أثبتها يستقيم لي» فأجاب الامام (علیه السلام): «نعم لا يضرك» و جواب الامام (علیه السلام) بعدم الضرر في فرض الثبت و الكتابة كاد أن يكون صريحاً في عدم وجوب العزل بل كفاية الكتابة و الثبت في الذمة، مضافاً إلى ضعف السند بالنسبة إلى رواية ابن أبي حمزة.

أضف إلى ذلك أن ذيل حديث ابن أبي حمزة من قوله «و إن لم تعزلها و اتجرت بها في جملة ملك فلها بقسطها من الربح و لا وضيعة عليها» ظاهر في كون العزل للارشاد إلى الفرار عن الضمان و التفصى عنه فكأنه قال: اعزلها كي لا تضمنها.

و أما الاستدلال على اللزوم عند عدم وجود المستحق بأنّ العزل نوع ايصال إلى المستحقعند عدمه كما يجب الدفع عند وجوده.

ففيه ما لا يخفى إذ العزل ليس في حكم الايصال و تعيين المال عند تعيينه، لا يدل

ص: 332


1- الوسائل، الباب 52 من أبواب المستحقّين للزّكاة، الحدیث: 2
2- نفس المصدر، الباب 53 من هذه الأبواب، الحدیث: 1
3- الوسائل، الباب 52 من أبواب المستحقّين للزّكاة، الحدیث: 3

على كونه تعينه واجباً و ليس في المقام دليل على أن المالك له الولاية على التعيين و أنّ وجود المالك عند عدم المستحق كوجود الامام أو نائبه في كونهما بمنزلة المستحق.

الأمر الثاني: في جواز العزل عند وجود المستحق و استدل على ذلك مضافاً إلى النصوص المتقدمة بامور:

الأول: أنّ للمالك ولاية الاخراج فله ولاية التعيين.

الثاني: أنه أمين على حفظها فيكون أميناً على افرازها.

الثالث: أنه له دفع القيمة و تملك العين فله التعيين.

الرابع: أنّ منعه عن الافراز يقتضي منعه من التصرف و ذلك ضرر عظيم و في الجميع ما لا يخفى إذ الولاية على الاخراج لا يلازم ذلك كما أن الأمانة على الحفظ لا يستلزم الامانة على التعيين و أن السلطنة على دفع القيمة لا توجب السلطنة على الافراز و المنع عن الافراز لا يقتضى المنع عن التصرف على جميع الأقوال، مضافاً إلى أن المنع من التصرف لا يستلزم الضرر لجواز دفع القيمة أو دفع نفس العين فالعمدة في الجواز هو النص.

الأمر الثالث: جواز العزل من مال آخر و الدليل على ذلك اطلاق النصوص الواردة في جواز دفع القيمة كصحيحة البرقي(1) «أيما تيسر يخرج» بتقريب أن المستفاد من هذه النصوص جواز دفع القيمة فيكون الواجب أعم من اخراج العين أو القيمة فبعد ضم ذلك إلى النصوص الواردة في المقام من جواز عزل الواجب و تأخيره إلى أن يجد من يدفع إليه تكون النتيجة جواز العزل أعم من العين أو القيمة.

الأمر الرابع: أن فائدة العزل صيرورة المعزول ملكاً للمستحقين قهراً، لتعين الحق فيه بعد فرض صحة العزل و تمحض الباقى في ملك المالك و خلوصه عن الشركة فيكون أمانة عند المالك فلا موجب للضمان إلّا أن يفرط في حفظه كما أنّ النماء الحاصل

ص: 333


1- الوسائل، الباب 14 من أبواب زكات ذهب و الفضة، الحدیث: 1

منه يكون ملكاً للمستحقين سواء كان متصلاً أو منفصلاً بمقتضى تبعية الفرع للأصل و عن سيدنا الاستاذ (رحمه اللّه) في المرتقى أنّ هذا صحيح على القول بالاشاعة أو الكلي في المعين، و أما على القول بكون التعلق على نحو الحق، سواء كان على نحو حق الرهانة أو حق الجناية فلا يوجب العزل صيرورة المال المعزول ملكاً للمستحقين فلا يترتب عليه ما ذكر من عدم الضمان عند عدم التفريط و ضمانه عنده، بل غايته أن يكون العزل سبباً لتعلق الحق على المعزول فلا يضمنه و لو مع التفريط و إن اثم لأن اتلاف المال يوجب الضمان لا الحق، لكن مقتضى الرواية هو الضمان مع التفريط مطلقاً كما اعترف به (رحمه اللّه) لاحظ ما رواه زرارة و يأتي ذكره.

الامر الخامس: هل يكون التأخير موجباً للضمان مع وجود المستحق أم لا؟ ربما يقال: إنّ مقتضى اطلاق النص عدم الضمان بعد فرض صحة العزل فلا فرق في عدمه بين وجود المستحق و عدمه، لكن في المقام رواية تدل على الضمان لاحظ ما رواه محمّد بن مسلم قال: قلت لأبي عبد اللّه (علیه السلام) رجلٌ بعث بزكاة ماله لتقسم فضاعت هل عليه ضمانها حتّى تقسم فقال إذا وجد لها موضعاً فلم يدفعها فهو لها ضامنٌ حتّى يدفعها و إن لم يجد لها من يدفعها إليه فبعث بها إلى أهلها فليس عليه ضمانٌ لأنّها قد خرجت من يده و كذلك الوصيّ الّذي يوصى إليه يكون ضامناً لما دفع إليه إذا وجد ربّه الّذي أمر بدفعه إليه فإن لم يجد فليس عليه ضمانٌ. (1)

و ما رواه زرارة قال: سألت أباعبدالله (علیه السلام) عن رجل بعث إليه أخ له زكاته ليقسمهافضاعت، فقال: ليس على الرسول و لا على المؤدي ضمان. قلت: فإنه لم يجد لها أهلاً ففسدت و تغيرت أيضمنها؟ قال: لا و لكن إن عرف لها أهلا فعطبت أو فسدت فهو لها ضامن حتى يخرجها(2) فيقيد الاطلاق المتقدم بما ذكر فلاحظ.

ص: 334


1- الوسائل، الباب 39 من أبواب المستحقّين للزكاة، الحدیث: 1
2- الوسائل، الباب 39 من أبواب المستحقّين للزكاة، الحدیث: 2

الأمر السادس: هل يجوز للمالك إبدالها بعد عزلها أم لا؟ أفاد الماتن (رحمه اللّه) فيه اشكال و إن كان الأظهر عدم الجواز، منشأ الاشكال كما نقل عن صاحب الجواهر (رحمه اللّه) أنه ظن أن العزل لا يخرج المال عن ملك المالك و إنما يعين دفعه، لكن الحق عدم الجواز إذ بعد صيرورة المعزول ملكاً للفقير فابداله تصرف فيه من غير اذن مالكه أو وليه فيحرم و لم يثبت للمالك الولاية على التبديل لعدم الدليل بل الدليل الدال على كون التلف من الفقير و الربح له، كاشف على عدم الجواز كما أفاد صاحب الجواهر (رحمه اللّه).

لكن رواية يونس بن يعقوب قال: قلت لأبي عبدالله (علیه السلام) عيال المسلمين أعطيهم من الزكاة فأشتري لهم منها ثياباً و طعاماً و أرى أن ذلك خيرٌ لهم قال فقال لا بأس.(1)، دال على الجواز فإن الظاهر منها جواز تبديل الزكاة المعتزلة خارجاً بجنس آخر فلاحظ.

ص: 335


1- الوسائل، الباب 14 من أبواب ذهب و الفضة، الحدیث: 4

فهرس المحتويات

«كتاب الزكاة».......... 5

«و يشترط في وجوبها امور:»........... 13

«الأول: البلوغ»........... 13

«الثاني: العقل»........... 21

«الثالث: الحرية»........... 24

«الرابع: أن يكون مالكا»........... 26

«الخامس: تمام التمكن من التصرف»........... 29

«السادس: النصاب كما سيأتي تفصيله»........... 41

«فصل: في الأجناس التي تتعلق بها الزكاة» (1).......... 99

«فصل: في زكاة الأنعام الثلاثة»........... 132

«فصل: في زكاة النقدين»........... 216

«فصل: في زكاة الغلات الأربع»........... 260

فهرس المحتويات........... 339

ص: 336

تعريف مرکز

بسم الله الرحمن الرحیم
جَاهِدُواْ بِأَمْوَالِكُمْ وَأَنفُسِكُمْ فِي سَبِيلِ اللّهِ ذَلِكُمْ خَيْرٌ لَّكُمْ إِن كُنتُمْ تَعْلَمُونَ
(التوبه : 41)
منذ عدة سنوات حتى الآن ، يقوم مركز القائمية لأبحاث الكمبيوتر بإنتاج برامج الهاتف المحمول والمكتبات الرقمية وتقديمها مجانًا. يحظى هذا المركز بشعبية كبيرة ويدعمه الهدايا والنذور والأوقاف وتخصيص النصيب المبارك للإمام علیه السلام. لمزيد من الخدمة ، يمكنك أيضًا الانضمام إلى الأشخاص الخيريين في المركز أينما كنت.
هل تعلم أن ليس كل مال يستحق أن ينفق على طريق أهل البيت عليهم السلام؟
ولن ينال كل شخص هذا النجاح؟
تهانينا لكم.
رقم البطاقة :
6104-3388-0008-7732
رقم حساب بنك ميلات:
9586839652
رقم حساب شيبا:
IR390120020000009586839652
المسمى: (معهد الغيمية لبحوث الحاسوب).
قم بإيداع مبالغ الهدية الخاصة بك.

عنوان المکتب المرکزي :
أصفهان، شارع عبد الرزاق، سوق حاج محمد جعفر آباده ای، زقاق الشهید محمد حسن التوکلی، الرقم 129، الطبقة الأولی.

عنوان الموقع : : www.ghbook.ir
البرید الالکتروني : Info@ghbook.ir
هاتف المکتب المرکزي 03134490125
هاتف المکتب في طهران 88318722 ـ 021
قسم البیع 09132000109شؤون المستخدمین 09132000109.