الحبل المتين
في وجوب البراءة عن أعداء الدِّين
الجزء الثالث
احمد رضا المرتضوي
الطبعة الأولى
جميع الحقوق محفوظة للناشر
1440 ه- - 218م
نشر المودَّة
محرر الرقمي: محمد منصوري
ص: 1
بِسْمِ اللَّهِ الرَّحْمَنِ الرَّحِيمِ
ص: 2
الحبل المتين
في وجوب البراءة عن أعداء الدِّين
الجزء الثالث
احمد رضا المرتضوي
الطبعة الأولى
جميع الحقوق محفوظة للناشر
1440 ه- - 218م
نشر المودَّة
محرر الرقمي: محمد منصوري
ص: 3
ص: 4
الطبعة الأولى
جميع الحقوق محفوظة للناشر
1440 ه- - 218م
نشر المودَّة
ص: 5
ص: 6
الفصل السادس فِي فلانة و ضرتها/19
فلانة فِي الآيات...21
طلاق نساء النَّبيّ (صَلَّى اللّه عَلَيْهِ وَآلِهِ) بيد أمِير المؤمنين (عَلَيهِ السَّلَامُ) وهو طلّق فلانة...22
كانت تكذب على رسول اللّه (صَلَّى اللّه عَلَيْهِ وَآلِهِ)...25
القائم (عَلَيهِ السَّلَامُ) يحييها ويجلدها...25
من أخبار الجمل...26
فائدة: فِي كفر محاربي أميرالمؤمنين (عَلَيهِ السَّلَامُ)...42
قذفت مارية القبطيّة...43
فائدة: فِي حقيقة حديث الإفك...45
هي وضرتها كانتا تؤذيان نساء النَّبيّ (صَلَّى اللّه عَلَيْهِ وَآلِهِ)...50
ص: 7
الفاحشة هي الخروج بالسيف...51
لا تؤذيني فِي عليّ...52
إن رسول اللّه (صَلَّى اللّه عَلَيْهِ وَآلِهِ) كان يخلوا بعلي فِي يومها وليلتها...53
سوء سيرتها مع رسول اللّه (صَلَّى اللّه عَلَيْهِ وَآلِهِ)...53
سرّ النَّبيّ (صَلَّى اللّه عَلَيْهِ وَآلِهِ)...54
قتلوا النَّبيّ (صَلَّى اللّه عَلَيْهِ وَآلِهِ)...55
الفاحشة التی صدرت عنها في طریق البصرة... 56
وصية النَّبيّ (صَلَّى اللّه عَلَيْهِ وَآلِهِ) فيهما و فِي أبويهما لعليّ (عَلَيهِ السَّلَامُ)...57
كتابها الى زيد بن صوحان...57
إخبار النَّبيّ (صَلَّى اللّه عَلَيْهِ وَآلِهِ) بغدرها...58
شهد تا شهادة زور و كذب...62
علة كراهية عائِشة لعثمان...62
أصحاب الجمل ملعونون...63
قولها فِي أمِير المؤمنين (عَلَيهِ السَّلَامُ) و عثمان...65
أوّل شهادة شهد بها بالزور فِي الإسلام...66
كلام ابن عبَّاس مع فلانة و فيه بعض صفاتها...66
بغضها لعلي أمِير المؤمنين (عَلَيهِ السَّلَامُ) و فرحها لقتله...68
ما تابت من جرمها...70
ما صدر عنها عند دفن الإمام الحسن (عَلَيهِ السَّلَامُ)...70
حرب عليّ شرّ من حرب رسول اللّه (صَلَّى اللّه عَلَيْهِ وَآلِهِ)...82
ص: 8
إنّ اللّه تعالى يبغض إسمهما...82
تظاهرتا على رسول اللّه (صَلَّى اللّه عَلَيْهِ وَآلِهِ)...83
هي الخاطئة...83
خطبة أمِير المؤمنين (عَلَيهِ السَّلَامُ) بعد فتح البصرة...83
أسباب بغضها لأمِير المؤمنين (عَلَيهِ السَّلَامُ)...85
فائدة: فِي بيان الشيخ المفيد فِي أسباب بغضها لأمِير المؤمنين (عَلَيهِ السَّلَامُ)...87
كبير جرمها و عظيم إثمها...92
أوهن البيوت...93
قتلها معاوية...93
النوادر...94
الفصل السابع فِي أتباعهم المبغضين لآل اللّه (عَلَيهِم السَّلَامُ)/97
الآيات النازلة فيهم...99
هم فِي النار خالدون...120
إنهم شرك الشّيطان...130
إنهم كفروا باللّه تعالى...133
ذبيحة النَّاصب...139
الناصب شرّ من ولد الزنا...139
معني النَّاصب...139
ص: 9
الناصب أشرّ من الكلب...141
الناصب شرّ من عابد الوثن...142
فائدة: فِي بيان معنى النَّاصب و تبيين كفره...142
من أخونا فِي ديننا...161
من أبغض أهل البيت (عَلَيهِم السَّلَامُ) بعثه اللّه يهوديّا...161
مبغض أهل البيت منافق...162
لا تصدق عليهم...162
في صلاتهم ونكاحهم...166
في عملهم بالقياس...168
طبقات المخالفين...168
هم عند سكرات الموت...171
لا شفيع لهم...176
أحوالهم يوم القيامة و فِي النّار...179
النواصب فِي دولة القائم (عَلَيهِ السَّلَامُ)...192
لا فرق للناصب صلّي أم زنى...193
الرّاد على الولاية كالرّاد على الرسالة...193
داء المبغضين...193
همج للنار...194
مجالسة الناصبي...194
لا تطعم الناصبي...195
ص: 10
الموت خير من مسألة ناصب...196
لا تعطهم شيئاً و لا يرقن قلبك عليهم...196
لا يغفر لهم أبداً...201
أعمالهم مردودة...202
إمامهم وقائدهم هُو إبليس...208
سؤر النَّاصب...209
أهل الروم واليهود والنصارى خير من هؤلاء...210
أدّ الأمانة ولو إلى الناصب...211
من ضحك فِي وجه الناصبي لا يقبل اللّه طاعته...211
قدر أنفسهم...212
صورهم الواقعية...213
إنهم بعيدون عن الجنّة...216
مبغض عليّ (عَلَيهِ السَّلَامُ) منافق و فاسق...216
في خبث ولادتهم...217
هم النسناس...222
لا تسألوهم الحوائج...223
إجتمعوا على العجل...223
حالهم فِي البرزخ...224
إن القائم لوقام لبدأ بهؤلاء...228
يموتون ميتة جاهلية...228
ص: 11
خلع اللّه قول لا إله إلّا اللّه منهم يوم القيامة...229
إن اللّه لعنهم فِي كلّ وقت صلاة...230
من أهل البدعة والفرقة و من أهل السنة والجماعة...230
صلاة التراويح...232
من جحد ولاية أمِير المؤمنين (عَلَيهِ السَّلَامُ) كعابد صنم...232
إنّ النار ليشتد زفيرها على أعداء عليّ (عَلَيهِ السَّلَامُ) وهم فِي الدنيا...233
حرام عليهم أن يصلّوا على ولد فاطمة (عَلَيهَا السَّلَامُ)...233
كيفية الصَّلاة على جنائزهم...234
صوم يوم عاشوراء...236
لا يُوفّقون لأضحى ولا فطر...237
طينة المخالفين...238
النظر إليهم على العمد من الكبائر...247
أصحاب الشمال...247
ما هم على شيء من الإسلام إلّا إستقبال الكعبة...250
الشّيطان قد فرغ منهم...250
إنّهم أخذوا دينهم من النّاس...250
فرق الإسلام والإيمان...251
هلكوا بترك الولاية...251
ضل أصحاب الثلاثة...251
أورع النّاس من يتجنب هؤلاء...252
لا يغرنك بكائهم...252
ص: 12
الكبائر...252
فارقوا دينهم...253
في منعهم الخمس...254
من كان من ولد آدم لم يدخل فِي ولاية فلان وفلان...256
لا يدخلون الجنّة...257
لا دين لهم.. 257
يهبط أعمالهم...257
أدعوهم إلى المباهلة...257
أمرنا بالدعاء عليهم...258
بابهم الخاص لجهنَّم...262
الجهتد مع هؤلاء حرام ...263
في وجه تسمیتهم بأهل السنة و الجماعة ... 266
النوادر...267
الفصل الثامن فِي علمائهم و كبرائهم /273
الصَّلاة خلفهم...275
الشّيطان يركب عنق إمامهم...277
أعاد الإمام (عَلَيهِ السَّلَامُ) صلاته الّتي أقامها خلف فاسق...278
كيفية التقية فِي الصَّلاة معهم...278
ص: 13
لا تسمع كلامهم لعنهم اللّه...279
من تحاكم إليهم فإنما تحاكم إلى الجبت والطاغوت...280
أُمرنا بالإجتناب عنهم...281
خذ بما فيه خلافهم واجتنب عمّا واقفوه...283
لماذا أمرنا بالأخذ بخلافهم...284
في صفة علمائهم...285
أنس بن مالك...288
عبد اللّه بن عمر...290
عبد اللّه بن العبّاس...291
الحسن البصري...295
أبو حنيفة الشافعي ، مالك و ابن حنبل...297
أبيات للشافعي والرد عليها من الشيخ يوسف البحراني رحمة اللّه عليه ... 310
شريك القاضي...318
ابن أبي ليلى...318
سفيان الثوري...320
قتادة بن دعامة ... 322
غيّروا كلّ شيء...323
كتموا الحقّ...324
لا كرامة لعلمائهم عنداللّه...325
هم الصادون عن دين اللّه...325
ص: 14
بفتاواهم تحبس السماء ماءها و الأرض بركتها...326
هلكوا بالقياس...327
لا تأخذوا منهم فيدخلوكم الضلال...328
حرّفوا أحاديث النَّبيّ (صَلَّى اللّه عَلَيْهِ وَآلِهِ)...328
كانوا يسبون الأمير (عَلَيهِ السَّلَامُ) على المنابر...335
أشباه الخنازير...341
النوادر...341
الفصل التاسع قتلة الحسين (عَلَيهِ السَّلَامُ) عليهم لعائن اللّه / 351
عذابهم فِي البرزخ...353
عذابهم فِي القيامة...354
ذراري قتلة الحسين (عَلَيهِ السَّلَامُ)...357
هم فِي الرجعة...357
هم أولاد الزنا...358
هم ملعونون على لسان الأنبياء (عَلَيهِم السَّلَامُ)...361
إن سرّك أن تكون فِي غرف الجنّة فالعن قتلة الحسين (عَلَيهِ السَّلَامُ)...367
شرّ الأمَّة...367
إلعنوا قاتل الحسين (عَلَيهِ السَّلَامُ) عند شرب الماء...368
التحريض على لعنهم والتبري عنهم وذكر عذابهم فِي النّار...368
ص: 15
اللعن عليهم يمحو الذنوب...369
خبث يزيد بن معاوية...369
عمر بن سعد...375
عهد اللّه تعالى فِي عذابهم...378
وجبت عليهم اللعنة...382
ما من سحابة إلّا لعنت قاتل الحسين (عَلَيهِ السَّلَامُ)...383
لعنتهم الملائكة...383
واحسيناه...384
في ذكر بعض ما أصابهم فِي العاجلة...387
الفصل العاشر أعداء آل محمّد (عَلَيهِم السَّلَامُ) من غير الجن والإنس / 403
الطيور والبقاع والفواكه...406
الوزغ...408
الجرّيّ...409
الفصل الحادي العشر التقية /411
ما صدر عنهم (عَلَيهِم السَّلَامُ) تقية...413
الحث بالتقية...418
وجوب التقية إلى قيام القائم عليه السلام...428
ص: 16
مورد التقية...428
فائدة فِي بيان آية؛ ولا تسبوا...429
النوادر...432
الفصل الثاني عشر المناظرات / 433
مناظرة أمِير المؤمنين (عَلَيهِ السَّلَامُ) مع أبي بكر...435
مناظرة الإمام الباقر (عَلَيهِ السَّلَامُ) مع الحروري...439
مناظرة الإمام الباقر (عَلَيهِ السَّلَامُ) مع عبد اللّه بن نافع...442
مناظرة الإمام الصَّادق (عَلَيهِ السَّلَامُ) مع المعتزلة...443
مناظرة الإمام الصَّادق (عَلَيهِ السَّلَامُ) مع الرجل الشامي...446
مناظرة الإمام الرضا (عَلَيهِ السَّلَامُ) مع علماء أهل السنة...448
مناظرة الإمام محمّد الجواد (عَلَيهِ السَّلَامُ) مع يحيى بن أكثم...450
مناظرة هشام بن الحكم مع عمرو بن عبيد...452
مناظرة حرة بنت حليمة السعدية مع الحجاج بن يوسف الثقفي...453
مناظرة رجل مع عبد الملك بن مروان...455
مناظرة الشيخ المفيد مع القاضي عبد الجبار...455
مناظرة العلامة الحلي مع علماء أهل السنة بمحضر السلطان المغول...457
مناظرة مع شيخ من أهل الشام جاء لمناظرة العلامة الحلي...459
مناظرة مؤمن الطاق مع أبي حنيفة...460
ص: 17
مناظرة هشام بن الحكم مع ضرار بن عمرو...460
مناظرة علي بن ميثم مع أبي هذيل...461
مناظرة علي بن ميثم مع ضرار...461
مناظرة أبو الهذيل مع علي بن ميثم...462
مناظرة الشيخ المفيد مع أهل السنة...462
مناظرة الشيخ المفيد مع عمر فِي المنام...464
مناظرة فضال بن الحسن مع أبي حنيفة...467
مناظرة امرأة شيعية مع ابن الجوزي...468
مناظرة مؤمن الطاق مع ابن أبي حذرة...468
مناظرة هشام بن الحكم مع بيان الحروري...472
مناظرة الشيخ الكاظمي مع الآلوسي...474
مناظرة الشيرازي مع الأنصاري...476
مناظرات ركن الدولة مع ابن بابويه...477
مناظرة يوحنا مع علماء أهل السنة...483
النوادر...517
ختامه مسك...529
المصادر...531
ص: 18
الفصل السادس: فِي فلانة وضرتها
ص: 19
ص: 20
1 - عنِ الصَّادق (عَلَيهِ السَّلَامُ) قال: (كَالَّتِي نَقَضَتْ غَزْلَهَا مِنْ بَعْدِ قُوَّةٍ أَنْكَاثًا) (1) فلانة هي نكثت أيمانها. (2)
2 - عن سالم بن مُكرم عن أبيه قال: سمعت أبا جعفر (عَلَيهِ السَّلَامُ) يقولُ فِي قولهِ ﴿مَثَلُ الَّذِينَ اتَّخَذُوا مِنْ دُونِ اللَّهِ أَوْلِيَاءَ كَمَثَلِ الْعَنْكَبُوتِ اتَّخَذَتْ بَيْتًا)(3) قال هي الحميراء. (4)
3 - محمّد بن مسلم عن أبي عبد اللّه (عَلَيهِ السَّلَامُ) قال: أتدري ما الفاحِشَةُ المبيِّنةُ قُلتُ لا قال قتال أمِير المؤمنين (عَلَيهِ السَّلَامُ) يعني أهل الجمل. (5)
4 - عن ابن عبَّاس فِي قوله (وَإِنْ تَظَاهَرَا عَلَيْهِ) نزلت فِي عائِشة وحفصة (فَإِنَّ اللَّهَ هُوَ مَوْلَاهُ) نزلت فِي رسُولِ اللّه (صَلَّى اللّه عَلَيْهِ وَآلِهِ) (وَجِبْرِيلُ وَصَالِحُ الْمُؤْمِنِينَ) نزلت فِي عليّ بن أبِي طالِب (عَلَيهِ السَّلَامُ) خاصّة. (6)
ص: 21
5- عن ابن عبّاس، قال: وجدت حفصة رسُول اللّه (صَلَّى اللّه عَلَيْهِ وَآلِهِ) مع أم إبراهيم فِي يوم عائِشة، فقالت: لأُخبرنّها. فقال رسول اللّه (صَلَّى اللّه عَلَيْهِ وَآلِهِ): اكتُمِي ذلِك وهي علي حَرامٌ، فأخبرت حفصة عائِشة بذلك، فأعلم اللّه نبيّه عليه وآله السّلام، فعرّف حفصة أنها أفشت سِرّه فقالت له: من أنبأك هذا قال: نبأني العليم الخبير، فآلى رسُولُ اللّه (صَلَّى اللّه عَلَيْهِ وَآلِهِ) من نِسائِهِ شهراً، فأنزل اللّه عزّاسُمُهُ (إِنْ تَتُوبَا إِلَى اللَّهِ فَقَدْ صَغَتْ قُلُوبُكُمَا) (1). قال ابن عبّاس: فسألتُ عُمر بن الخطاب من اللتان تظاهرتا على رسُولِ اللّه (صَلَّى اللّه عَلَيْهِ وَآلِهِ). فقال: حفصة وعائِشة. (2)
6 - عن أبي عبدِ اللّه (عَلَيهِ السَّلَامُ) أنّه قال قوله تعالى (ضَرَبَ اللَّهُ مَثَلًا لِلَّذِينَ كَفَرُوا امْرَأَتَ نُوحٍ وَامْرَأَتَ لُوطٍ﴾ الآية مثل ضربهُ اللّه سُبحانهُ لعائِشة وحفصة إذ تظاهرتا على رسُولِ اللّه (صَلَّى اللّه عَلَيْهِ وَآلِهِ) وأفشيا سِرّهُ. (3)
1 - عن عائِشة أنّ النَّبيّ (صَلَّى اللّه عَلَيْهِ وَآلِهِ) جعل طلاق نِسائه إلى عليّ. (4)
2 - الأصبغُ بنُ نباتة قال: بعث عليّ (عَلَيهِ السَّلَامُ) يوم الجمل إلى عائِشة ارجِعِي و إلّا تكلمتُ بِكلام تبرين من اللّه ورسولِهِ وقال أمِير المؤمنين (عَلَيهِ السَّلَامُ) للحسنِ اذهب إلى فُلانة فقُل لها قال لكِ أمِير المؤمنين والّذي فلق الحبة وبرأ النسمة لئِن لم ترحلي الساعة لأبعثن إليكِ بِما تعلمين فلما أخبرها الحسن بما قال أمِير المؤمنين (عَلَيهِ السَّلَامُ) قامت ثُمّ قالت خلُّوني فقالت لها امرأةٌ من المهالبة أتاكِ ابنُ عبَّاس شيخ بَنِي هاشمٍ و حاورتيه و خرج من عِندِكِ مُغضباً وأتاكِ غُلامٌ فأقلعت قالت إنّ هذا الغُلام ابنُ رسُولِ اللّه (صَلَّى اللّه عَلَيْهِ وَآلِهِ) فمن أراد أن ينظر إلى مقلتي رسُولِ اللّه فلينظر إلى هذا الغُلامِ وقد بعث إليّ بِما علمتِ قالت فأسألُكِ بِحَقِّ رَسُولِ اللّه (صَلَّى اللّه عَلَيْهِ وَآلِهِ) عليك إلّا أخبرتينا بالّذي بعث إليكِ قالت إن رسول اللّه (صَلَّى اللّه عَلَيْهِ وَآلِهِ) جعل طلاق نِسائِهِ بِيد علي فمن طلّقها فِي الدُّنيا بانت مِنْهُ فِي الآخِرة.
ص: 22
3 - وفي رواية كان النَّبيّ يقسِمُ نفلاً فِي أصحابِهِ فسألناه أن يُعطينا منه شيئاً وألححنا عليه في ذلك فلامنا علي فقال حسبُكُنّ ما أضجرتُنّ رسُول اللّه فتهجمناه فغضب النَّبيّ (صَلَّى اللّه عَلَيْهِ وَآلِهِ) مِمّا استقبلنا بِهِ عليّاً ثُمّ قال يا عليُّ إِنِّي قد جعلتُ طلاقهُنَّ إِليك فمن طلّقتها مِنهُنَّ فهي بائِنةٌ ولم يُوقِّتِ النَّبيّ (صَلَّى اللّه عَلَيْهِ وَآلِهِ) فِي ذلك وقتاً فِي حياة ولا موت فهي تلك الكلمة فأخافُ أَن أَبِين من رسُولِ اللّه. (1)
4 - عن سعد بن عبد اللّه عن القائم (عَلَيهِ السَّلَامُ) قال: قُلتُ له يا مولانا وابن مولانا روي لنا أنّ رسُول اللّه (صَلَّى اللّه عَلَيْهِ وَآلِهِ) جعل طلاق نِسائِهِ إلى أمِير المؤمنين علي حتّى أنّه بعث يوم الجمل رسُولًا إلى عائِشة وقال إِنَّكِ أدخلتي الهلاك على الإسلام وأهلِهِ بِالغِشّ الّذي حصل مِنكِ وأوردتي أولادكِ فِي موضع الهلاكِ للجهالة فإن امتنعتِ وإلا طلّقتُكِ فأخبرنا يا مولاي عن معنى الطّلاقِ الّذي فوّض حكمه رسُولُ اللّه (صَلَّى اللّه عَلَيْهِ وَآلِهِ) إلى أمِير المؤمنين (عَلَيهِ السَّلَامُ) فقال (عَلَيهِ السَّلَامُ) إِنَّ اللّه تقدّس اسمه عظم شأن نِساءِ النّي فخصَّهُنَّ بِشرفِ الأُمَّهَاتِ فقال رسُولُ اللّه يا أبا الحسن إنّ هذا شرف باقٍ ما دمن اللّه على طاعة فأيتُهُنَّ عصتِ اللّه بعدِي فِي الأزواجِ بِالخُرُوحِ عليك فطلقها وأسقطها من شرفِ أُمّهات المؤمنين. (2)
5 - عن الباقر (عَلَيهِ السَّلَامُ) أنّه قال: لما كان يوم الجمل و قد رُشِق هودج عائِشة بالنبل قال عليّ (عَلَيهِ السَّلَامُ) واللّه ما أراني إلّا مُطلّقها فأنشُدُ اللّه رجُلا سمع من رسُولِ اللّه (صَلَّى اللّه عَلَيْهِ وَآلِهِ) يقولُ يا عليُّ أَمرُ نِسائِي بيدِكَ من بعدِي لَما قام فشهد فقام ثلاثة عشر رجُلًا فِيهم بدرِيانِ فشهِدُوا أَنهم سَمِعُوا رسُول اللّه (صَلَّى اللّه عَلَيْهِ وَآلِهِ) يقولُ يا عليُّ أمرُ نِسائِي بِيدِك من بعدِي قال فبكت عائِشة عِند ذلك حتّى سَمِعُوا بكاءها فقال عليّ (عَلَيهِ السَّلَامُ) لقد أنبأني رسُولُ اللّه (صَلَّى اللّه عَلَيْهِ وَآلِهِ) بنبا و قال يا عليُّ إِنَّ اللّه يمدك (بِخَمْسَةِ آلَافٍ مِنَ الْمَلَائِكَةِ مُسَوِّمِينَ) (3). (4)
ص: 23
6- عن زيد بن شراحِيل الأنصاري قال: قال رسولُ اللّه (صَلَّى اللّه عَلَيْهِ وَآلِهِ) لأصحابِهِ أخبِرُونِي بِأفضلِكُم قالُوا أنت يا رسول اللّه قال صدقتُم أنا أفضلُكُم ولكن أُخبِرُكُم بِأفضل أفضلكُم أقدمكُم سلماً و أكثرِكُم عِلماً وأعظيكُم عِلماً عليّ بن أبِي طالِب (عَلَيهِ السَّلَامُ) واللّه ما استودعتُ عِلماً إلّا وقد أودعته ولا عُلمتُ شيئاً إلّا وقد علمتُهُ ولا أُمِرْتُ بِشيءٍ إِلا وقد أمرتُهُ ولا وكلتُ بِشيءٍ إلّا و قد وكلتُهُ بِهِ ألا و إِنِّي قد جعلتُ أمر نسائي بِيدِهِ و هُو خليفتي عليكم بعدي فإن استشهدكُم فاشهدوا له. (1)
7- قال أمِير المؤمنين (عَلَيهِ السَّلَامُ) فِي حديث المناشدة: نشدتُكم اللّه، أفيكم أحدٌ، جعله رسول اللّه (صَلَّى اللّه عَلَيْهِ وَآلِهِ) فِي طلاق نِسائِه مثل نفسه غيري ؟ قالُوا: اللّهمّ لا. (2)
8- عن أميرالمؤمنين (عَلَيهِ السَّلَامُ) فِي وصف الناكثين: وثبوا بالمرأة علي و أنا ولي أمرها، والوصي عليها، فحملوها على الجمل وشدوها على الرّحال. (3)
9- عن أبي عبدِ اللّه جعفر بن محمّدٍ عن أبيه الباقر عن أبِيهِ ذِي الثّفِناتِ سيّد العابدين عن أبِيهِ الحُسينِ الزَّكِي الشَّهِيدِ عن أبيه أمِير المؤمنين (عَلَيهِ السَّلَامُ) قال: قال رسولُ اللّه (صَلَّى اللّه عَلَيْهِ وَآلِهِ) فِي الليلة الّتي كانت فيها وفاتُهُ لِعليّ (عَلَيهِ السَّلَامُ) يا أبا الحسن أحضر صحيفةً و دواةً فأملى رسُولُ اللّه (صَلَّى اللّه عَلَيْهِ وَآلِهِ) وصيّته حتّى انتهى إلى هذا الموضعِ فقال يا عليُّ إِنَّهُ سيكُونُ بعدِي اثنا عشر إماماً و من بعدهم اثنا عشر مهديّاً فأنت يا علي أوّلُ الاثني عشر الإمام سماك اللّه فِي السماء عليّاً المرتضى وأمِير المؤمنين والصِّدِّيق الأكبر و الفاروق الأعظم والمأمون والمهدي فلا يُصلِحُ هَذِهِ الأسماء لأحدٍ غيرك يا عليُّ أنت وصيّي على أهل بيتي حيهم وميتهم و على نسائي فمن ثبتها لقيتني غداً و من طلقتها فأنا بريءٌ مِنها لم ترني و لم أرها فِي عرصة القيامة و أنت خليفتي على أُمّتي من بعدي فإذا حضرتك الوفاة فسلّمها إلى ابني الحسن البرّ الوصول فإذا حضرته الوفاة فليسلمها إلى ابني الحسينِ الشَّهِيدِ الزَّكي المقتول فإذا حضرته الوفاة فليسلّمها إلى ابنه سيّد
ص: 24
العابدين ذِي الثَّفِناتِ علي فإذا حضرته الوفاة فليُسلّمها إلى ابنه محمّد باقر العلم فإذا حضرته الوفاة فليُسلّمها إلى ابنهِ جعفر الصَّادق فإذا حضرته الوفاة فليُسلّمها إلى ابنهِ مُوسى الكاظِمِ فإذا حضرته الوفاة فليُسلّمها إلى ابنه على الرّضا فإذا حضرته الوفاة فليسلّمها إلى ابنه محمّد الثقة الّتي فإذا حضرته الوفاة فليُسلّمها إلى ابنه على النّاصِحِ فإذا حضرته الوفاة فليُسلّمها إلى ابنه الحسن الفاضل فإذا حضرته الوفاة فليُسلّمها إلى ابنه محمّد المستحفظ من آلِ محمّد فذلك اثنا عشر إماماً ثُمّ يكُونُ من بعدِهِ اثنا عشر مهديّاً فليسلّمها إلى ابنه أوّلِ المقربين له ثلاثةُ أسامي كاسمي و اسم أبي وهو عبدُ اللّه وأحمد والاسمُ الثَّالِثُ المهدِيُّ هُو أول المؤمنين. (1)
1- عن جعفر بن محمّد بن عمارة قال : سمعت جعفر بن محمّد (عَلَيهِمَا السَّلَامُ) يقولُ : ثلاثة كانُوا يكذِبُون على رسُولِ اللّه (صَلَّى اللّه عَلَيْهِ وَآلِهِ) أبو هريرة وأنس بن مالك وامرأةٌ. (2)
1- عن عبدِ الرَّحِيمِ القصير قال: قال لي أبو جعفر (عَلَيهِ السَّلَامُ) أما لو قام قائمنا لقد رُدّت إليه الحميراء حتّى يجلدها الحد وحتى ينتقم لإبنة محمّد فاطِمة (عَلَيهَا السَّلَامُ) مِنها قُلتُ جُعِلتُ فِداك ولم يجلِدُها الحد قال لفريتها على أُمّ إبراهيم صلّى اللّه عليه قُلتُ فكيف أَخْرَهُ اللّه لِلقائم (عَلَيهِ السَّلَامُ) فقال لهُ إِنَّ اللّه تبارك و تعالى بعث محمّداً (صَلَّى اللّه عَلَيْهِ وَآلِهِ) رحمةً وبعث القائم (عَلَيهِ السَّلَامُ) نقمةً. (3)
ص: 25
1- عن محمّدِ بنِ عليٍّ ابن الحنفية (رضيَ اللّهُ عنهُ) قال: كان اللّواءُ معي يوم الجمل وكان أكثر القتلى فِي بَنِي ضبّة فلَمّا انهزم النّاس أقبل أمِير المؤمنين (عَلَيهِ السَّلَامُ) و معهُ عمَّار بنُ ياسِرٍو محمّد بنُ أبِي بكرٍ رضِي اللّهُ عنهُما فانتهى إِلى الهودجِ وكانهُ شوكُ القُنفُذِ مِمّا فِيهِ من النَّبلِ فضربهُ بِعصًا ثُمّ قال هِيهِ يا حُميراءُ أردتِ أن تقتُلِينِي كما قتلتِ ابن عفّان أ بِهذا أمركِ اللّه أو عهِد بِهِ إِليكِ رَسُولُ اللّه (صَلَّى اللّه عَلَيْهِ وَآلِهِ) قالت ملكت فأسجِح فقال (عَلَيهِ السَّلَامُ) لِمحمّدِ بن أبِي بكرانظُر هل نالها شيءٌ من السّلاحِفوجدها قد سلِمت لم يصِل إليها إِلا سهمٌ خرق فِي ثوبها خرقاً وخدشها خدشاً ليس بِشيءٍ فقال ابنُ أبِي بكرٍيا أمِيرالمؤمنين قد سلِمت من السِّلاح إلّا سهماً قد خلص إِلى ثوبِها فخدش مِنهُ شيئاً فقال عليّ (عَلَيهِ السَّلَامُ) احتمِلها فأنزلِها دار ابني خلفٍ الخزاعِيِ ثُمّ أمر مُنادِيهُ فنادى لا يُدفّف على جِريحٍ ولا يُتبع مُدبِرُو من أغلق بابُه فهُو آمِنٌ. (1)
2- عن عمرِو بن دِينارٍ قال: قال أمِير المؤمنين (عَلَيهِ السَّلَامُ) لِابنهِ محمّدٍ «خُذِ الرّاية وامضِ وعليّ (عَلَيهِ السَّلَامُ) خلفُه فناداهُ «يا أبا القاسمِ» فقال لبّيك يا أبتِ فقال « يابُنيّ لا يستفِزّك ما ترى قد حملتُ الرّاية و أنا أصغرُ مِنك فما استفزّنِي عدُوِّي وذلك أنّنِي لم ألق أحداً إِلا حدّثتني نفسِي بِقتِله فحدِّث نفسك بِعونِ اللّه بِظُهورِك عليهم ولا يخذُلك ضعفُ النّفس بِاليقِينِ فإنّ ذلك أشدُّ الخِذلانِ» قال: فقُلتُ: يا أبتِ أرجُو أن أكُون كما تُحِبُّ إن شاء اللّه قال: «فالزم رايتك فاذا اختلطتِ الصُّفُوفُ قِف فِي مكانُك وبين أصحابُك فإن لم تر أصحابك فسيرونك» قال واللّه إِنِّي لفِي وسِط أصحابِي فصارُوا كُلُّهم خلفِي و ما بينِي و بين القومِ أحد يردُّهُم عنِّي وأنا أُرِيدُ أن أتقدّم فِي وُجوهِ القوم فما شعرتُ إِلا بِأبِي من خلفِي قد جرّد سيفُه وهُو يقولُ «لا تقدّم حتّى أكُون أمامك» فتقدّم (عَلَيهِ السَّلَامُ) بين يديّ يُهرول و معهُ طائِفَةٌ من أصحابِهِ فضربُوا الّذين فِي وجهِهِ حتّى أنهضُوهم ولحِقتُهُم بِالرّايِة فوقفوا وقفةً واختلط النّاس وركدتِ السُّيُوفُ ساعةً فنظرتُ إلى أبي يُفرّجُ النّاس يمِيناً وشمالا ويسُوقُهُم أمامهُ فأردتُ أن أجُول فكرِهتُ خِلافُه و وصِيتُهُ لِي: لا تُفارِقِ الرّاية حتّى انتهى إِلى الجملِ وحولهُ أربعةُ آلَافِ مُقاتِلٍ من بَنِي ضبّة و الأزِد و تمِيمٍ وغيرِهِم وصاح «اقطعُوا البِطان» فأسرع محمّد
ص: 26
بنُ أبِي بكرٍ (رحمُه اللّهُ) فقطعهُ و اطّلع على الهودِج فقالت عائِشة من أنت ؟ فقال أبغضُ أهلِكِ إِليكِ قالت ابنُ الخثعمِيّة قال نعم ولم تكُن دُون أُمَّهَاتِكِ قالت لعمري بل هي شريفةٌ دع عنك هذا الحمد للّه الّذي سلّمك قال قد كان ذلك ما تكرهِين قالت يا أخي لو كرهتُهُ ما قُلتُ ما قُلتُ قال كُنتِ تُحِبّين الظفر و أنِّي قُتِلتُ قالت قد كُنتُ أُحِبُّ ذلك لكن لما صرنا إلى ما صرنا إليه أحببتُ سلامتك لقرابتي مِنك فاكفف ولا تُعقِّبِ الأُمور و خُذِ الظَّاهِر و لا تكُن لُومةً ولا عُذلةٌ فإن أباك لم يكن لومةٌ ولا عُذلة قال وجاء عليّ (عَلَيهِ السَّلَامُ) فقرع الهودج برمحه و قال يا شقيراءُ أ بهذا أوصاكِ رسُولُ اللّه (صَلَّى اللّه عَلَيْهِ وَآلِهِ) قالت يا ابن أبي طالب قد ملكت فأسجح.
وجاءها عمَّار (رضيَ اللّهُ عنهُ) فقال لها يا أُماه كيف رأيتِ ضرب بنيك اليوم دون دينهم بالسيف فصمتت ولم تُجبه وجاءها مالك الأشتر رحمه اللّه وقال لها الحمدُ للّه الّذي نصر وليه وكبت عدوّه (جَاءَ الْحَقُّ وَزَهَقَ الْبَاطِلُ إِنَّ الْبَاطِلَ كَانَ زَهُوقًا) (1) فكيف رأيتِ صُنع اللّه بِكِ يَا عائِشة ؟ فقالت من أنت ؟ ثكلتك أُمُّك فقال أنا ابنكِ الأشتر قالت كذبت لستُ بِأُمِّك قال بلى وإن كرهت فقالت أنت الّذي أردت أن تُشكل أُختي أسماء بابنها فقال المعذِرةُ إِلى اللّه ثُمّ إِلَيكِ وَاللّه إِنِّي لولا كُنتُ طاوِياً ثلاثةً لارحتُكِ مِنهُ وأنشأ يقولُ بعد الصَّلاة على الرّسُولِ
أعائِشُ لولا أنني كُنتُ طاوِياً *** ثلاثاً لغادرت ابن أختِكِ هالكاً
غداةً يُنادِي والرّماحُ تنُوشُهُ *** بأخر صوت اقتلوني و مالكاً
فبكت وقالت فخرتُم و غلبتُم (وكَانَ أَمْرُ اللَّهِ قَدَرًا مَقْدُورًا). (2) ونادى أمِير المؤمنين (عَلَيهِ السَّلَامُ) محمّداً فقال: «سلها هل وصل إليها شيءٌ من الرِّماحِ والسّهامِ فسألها فقالت نعم وصل إليّ سهم خدش رأسي وسلِمتُ مِنهُ يحكُمُ اللّه بيني وبينكُم فقال محمّد واللّه ليحكمن اللّه عليك يوم القيامة ما كان بينك وبين أمِير المؤمنين (عَلَيهِ السَّلَامُ) حتّى تخرجي عليه وتُؤلّي النّاس على قِتالِهِ وتنبُذِي كِتاب اللّه وراء ظهركِ فقالت دعنا يا محمّد وقُل لِصاحِبِك يحرسني قال و الهودج كالقُنفُذِ من النّبلِ فرجعتُ إلى أمِير المؤمنين (عَلَيهِ السَّلَامُ) فأخبرتُهُ بِما جرى بيني وبينها و ما قُلتُ و
ص: 27
ما قالت فقال (عَلَيهِ السَّلَامُ) : «هي امرأةٌ و النِّساء ضعاف العُقُولِ تولّ أمرها و احملها إلى دارِ بَنِي خلفٍ حتى ننظر فِي أمرها فحملتها إلى الموضِعِ وإنّ لسانها لا يفتر عن الست لي ولعليّ (عَلَيهِ السَّلَامُ) و الترحم على أصحاب الجمل. (1)
3 - عن أبي عبد اللّه (عَلَيهِ السَّلَامُ) قال: إنّ عائِشة قالتِ التمِسُوا لِي رَجُلًا شديد العداوة لهذا الرّجُلِ يعني عليّاً (عَلَيهِ السَّلَامُ) فأُتيت برجُلٍ فمثل بين يديها فرفعت رأسها فقالت ما بلغ من عداوتك لهذا الرّجُلِ فقال كثيراً ما أتمنى على ربّي أنّه وأصحابه فِي وسطي فضُرِبتُ ضربةً بِالسّيفِ فسبق السّيف الدّم قالت فأنت لها فاذهب بكتابي هذا إليهِ فادفعهُ إِلَيْهِ ظَاعِناً رأيته أو مُقِيماً أمَا إِنَّكَ إن رأيته راكباً رأيته على بغلةِ رَسُولِ اللّه مُتنكّباً قوسه مُعلّقاً كِنانته بقربُوس سرجه وأصحابه خلفه كانهم طير صواف و إن عرض عليك طعامه وشرابه فلا تنالنّ مِنهُ فإِنَّ فِيهِ السّحر فمضى و استقبله راكباً فناوله الكتاب ففضّ خاتمهُ ثُمّ قال (عَلَيهِ السَّلَامُ) تبلغ إلى منزلنا فتُصِيبُ من طعامنا و شرابنا ونكتب جواب كتابك فقال هذا واللّه ما لا يكُونُ فثنى رجله فنزل وأحدق بِهِ أصحابُهُ ثُمّ قال له أسألك قال نعم قال وتُجيبني قال نعم قال أنشُدُك اللّه أقالتِ التَمِسُوا لِي رَجُلًا شديد العداوة لهذا الرّجُلِ فأُوتيت بك فقالت لك ما مبلغ عداوتك لذلك الرجل فقُلت كثيراً ما أتمنى على ربّي أَنَّهُ هُو و أصحابُهُ فِي وسطي و أنّي ضُرِبتُ ضربةً بِالسّيفِ سبق السّيف الدم قال اللّهمّ نعم قال فأنشدك اللّه أقالت لك اذهب بكتابي هذا فادفعه إِليهِ ظَاعِنا كان أو مُقِيماً أَما إِنَّكَ إن رأيته ظاعناً رأيته راكباً على بغلةِ رَسُولِ اللّه مُتنكّباً قوسه مُعلّقاً كِنانتهُ بِقربُوسِ سرجِهِ و أصحابه خلفه كانهم طيّر صوافّ قال اللّهمّ نعم قال فأنشدك باللّه هل قالت لك إن عرض عليك طعامه وشرابه فلا تنالنّ مِنهُ فإِنّ فِيهِ السّحر قال اللّهمّ نعم قال فمُبلّغ أنت عنِّي قال اللّهمّ نعم فإِنِّي أتيتُك وما فِي الأرضِ خلق أبغضُ إِليّ مِنك و أما الساعة ما فِي الأرض خلق أحبُّ إليَّ مِنك فرني بِما شئت فقال ادفع إليها كتابي هذا وقُل لها ما أطعتِ اللّه ولا رسوله حيث أمرك اللّه بِلُزُومِ بيتِكِ فخرجت تردّدين فِي العساكر وقُل لهما يعني طلحة والزُّبيرما أنصفتُما اللّه ورسوله حيثُ خلفتُما حلائِلكُما فِي بُيُوتِكما وأخرجتُما حليلة رسُولِ اللّه (صَلَّى اللّه عَلَيْهِ وَآلِهِ) فجاء بكتابه
ص: 28
إليها حتّى طرحه لديها وأبلغها مقالته وإليهما كلامه ثُمّ رجع إلى أمِير المؤمنين (عَلَيهِ السَّلَامُ) فأُصيب بِصِفّين فقالت ما نبعثُ إِليهِ واللّه بِأحدٍ إلّا أفسده علينا. (1)
4 - عنِ الأصبغ بن نباتة قال: كُنتُ واقفاً مع أمِير المؤمنين (عَلَيهِ السَّلَامُ) يوم الجمل فجاء رجل حتّى وقف بين يديه فقال يا أمِير المؤمنين كبّر القوم وكبّرنا وهلّل القومُ وهلّلنا وصلّى القومُ وصلّينا فعلى ما تُقاتِلُهُم ؟ فقال أمِير المؤمنين (عَلَيهِ السَّلَامُ) على ما أنزل اللّه جلّ ذِكرُهُ فِي كِتَابِهِ فقال يا أمِير المؤمنين (عَلَيهِ السَّلَامُ) ليس كلّ ما أنزل اللّه فِي كِتَابِهِ أعلمُهُ فعلّمنيه فقال عليّ (عَلَيهِ السَّلَامُ) ما أنزل اللّه فِي سُورةِ البقرة فقال يا أمِير المؤمنين ليس كلّ ما أنزل اللّه فِي سورة البقرة أعلمُهُ فعلمنيه فقال عليّ (عَلَيهِ السَّلَامُ) هذه الآية (تِلْكَ الرُّسُلُ فَضَّلْنَا بَعْضَهُمْ عَلَى بَعْضٍ مِنْهُمْ مَنْ كَلَّمَ اللَّهُ وَرَفَعَ بَعْضَهُمْ دَرَجَاتٍ وَآتَيْنَا عِيسَى ابْنَ مَرْيَمَ الْبَيِّنَاتِ وَأَيَّدْنَاهُ بِرُوحِ الْقُدُسِ وَلَوْ شَاءَ اللَّهُ مَا اقْتَتَلَ الَّذِينَ مِنْ بَعْدِهِمْ مِنْ بَعْدِ مَا جَاءَتْهُمُ الْبَيِّنَاتُ وَلَكِنِ اخْتَلَفُوا فَمِنْهُمْ مَنْ آمَنَ وَمِنْهُمْ مَنْ كَفَرَ وَلَوْ شَاءَ اللَّهُ مَا اقْتَتَلُوا وَلَكِنَّ اللَّهَ يَفْعَلُ مَا يُرِيدُ) (2) فنحنُ الّذين آمنا وهُمُ الّذين كفروا فقال الرّجُلُ كفر القومُ و ربّ الكعبة ثُمّ حمل فقاتل حتّى قُتِل رحمه اللّه. (3)
5 - عن أبي كيسة ويزيد بن رومان قالا لما اجتمعت عائِشة على الخروج إلى البصرة أتت أُمّ سلمة (رضیَ اللّهُ عنها) وكانت بمكّة فقالت يا بنت أبي أُميّة كُنتِ كبيرة أُمهات المؤمنين وكان رسُولُ اللّه (صَلَّى اللّه عَلَيْهِ وَآلِهِ) يقما فِي بيتكِ وكان يقسم لنا فِي بيتِكِ وكان ينزِلُ الوحي فِي بيتِكِ قالت لها يا بنت أبي بكر لقد زرتني و ما كُنتِ زوّارة ولأمر ما تقولين هذه المقالة قالت إن ابني وابن أخي أخبراني أنّ الرّجُل قُتِل مظلُوماً و أنّ بِالبصرة مائة ألف سيف يُطاعُون فهل لكِ أن أخرج أنا و أنتِ لعل اللّه أن يُصلح بين فئتين مُشاجِرتين فقالت يا بنت أبي بكر أبدمٍ عُثمان تطلبين فلقد كُنتِ أشدّ النّاس عليه و إن كُنتِ لتدعينه بالتّبريّ أم أمر ابن أبي طالب تنقُضين فقد تابعه
ص: 29
المهاجرون والأنصارُ إِنَّكِ سدّةٌ بين رسول اللّه (صَلَّى اللّه عَلَيْهِ وَآلِهِ) و بين أُمِّتِهِ و حِجابُهُ مضروبةٌ على حرمه وقد جمع القُرآنُ ذيلكِ فلا تبذخِيهِ وسكَنِي عُقيراكِ فلا تضحي بها اللّه من وراء هذِهِ الأمَّة قد علم رسُولُ اللّه (صَلَّى اللّه عَلَيْهِ وَآلِهِ) مكانكِ ولو أراد أن يعهد إليكِ فعل قد نهاكِ رسُولُ اللّه (صَلَّى اللّه عَلَيْهِ وَآلِهِ) عن الفراطة فِي البِلادِ إِنّ عمُود الإِسلام لا ترأبُهُ النِّسَاءُ إِنِ انثلم ولا يشعبُ بِهِنَّ إِنِ انصدع حمادياتُ النِّساءِ غضّ بِالأطرافِ وقصر الوهادةِ و ما كُنتِ قائِلةً لو أنّ رسُول اللّه (صَلَّى اللّه عَلَيْهِ وَآلِهِ) عرض لكِ ببعض الفلواتِ وأنتِ ناصةٌ قلوصاً من منهلٍ إلى آخر إن بعين اللّه مهواكِ وعلى رسول اللّه (صَلَّى اللّه عَلَيْهِ وَآلِهِ)ترديين قد وجهت سدافته و تركتِ عُهيداهُ أُقسِمُ بِاللّه لوسِرتُ مسيركِ هذا ثُمّ قيل لي ادخُلِي الفردوس لاستحييت أن ألق محمّداً (صَلَّى اللّه عَلَيْهِ وَآلِهِ) هاتكة حِجاباً قد ضربه عليّ اجعلي حصنكِ بيتكِ وقاعة السّترِ قبرك حتّى تلقاه وأنتِ على ذلِكِ أطوعُ ثُمّ قالت لو ذكرتُكِ من رسول اللّه (صَلَّى اللّه عَلَيْهِ وَآلِهِ) خمساً فِي علي (صَلَّى اللّه عَلَيْهِ وَآلِهِ) لنهشتِني نهش الحية الرقشاء المطرقة ذاتِ الحببِ أتذكرين إذ كان رسولُ اللّه (صَلَّى اللّه عَلَيْهِ وَآلِهِ) يُقرعُ بين نِسائِهِ إذا أراد سفراً فأقرع بينهنّ فخرج سهمي و سهمُكِ فبينا نحنُ معهُ وهُو هابط من قُديد ومعه عليّ (عَلَيهِ السَّلَامُ) ويُحدِّثُهُ فذهبتِ لِتهجُمِي عليه فقُلتُ لكِ رسُولُ اللّه (صَلَّى اللّه عَلَيْهِ وَآلِهِ) معهُ ابنُ عَمِّهِ ولعلّ لهُ إِليهِ حاجةً فعصيتِنِي و رجعتِ باكِيةً فسألتُكِ فقُلتُ بِأَنكِ هجمت عليها [عليه] فقُلتِ لَهُ يَا عَلِيُّ إِنّما لِي من رَّسُولِ اللّه يوم من تسعة أيامٍ وقد شغلته عنّي فأخبرتني أنّه قال لكِ أتُبغِضِيهِ فَمَا يُبغِضُهُ أَحَدٌ من أهلي ولا من أُمَّتِي إِلّا خرج من الإيمانِ أتذكرين هذا يا عائِشة قالت نعم ويوم أراد رسول اللّه (صَلَّى اللّه عَلَيْهِ وَآلِهِ) سفراً و أنا أجُشُ له جشِيشاً فقال ليت شِعري أيّتُكُن صاحِبةُ الجمل الأدت تنبحُها كِلابُ الحوأب فرفعتُ يدي من الحشيش وقُلتُ أعوذُ بِاللّه أن أكونه فقال واللّه لا بُدّ لِأَحَدِكُما أن يكُونه اتقي اللّه يا حميراء أن تكونيهِ أتذكرين هذا يا عائِشة قالت نعم ويوم تبدلنا لِرَسُولِ اللّه (صَلَّى اللّه عَلَيْهِ وَآلِهِ) فلبست ثيابي و لبِستِ ثيابكِ فجاء رسُولُ اللّه (صَلَّى اللّه عَلَيْهِ وَآلِهِ) فجلس إلى جنبكِ فقال أ تظنين يا حميراء أنّي لا أعرفُكِ أمّا إن لأمتى مِنكِ يقوماً مُرّاً أو يقوماً حمرا [أحمر] أتذكرين يا عائِشة قالت نعم ويوم كُنتُ أنا وأنتِ مع رسُولِ اللّه (صَلَّى اللّه عَلَيْهِ وَآلِهِ) فجاءكِ أَبُوكِ وصاحِبُهُ يستأذِنُ فدخلتُ الخدر فقالا يا رسول اللّه إنّا لا ندري قدر مُقامِك فينا فلو جعلت لنا إنساناً نأتيه بعدكِ قال أما إنّي أعرِفُ مكانه وأعلمُ
ص: 30
موضعه و لو أخبرتُكُم بِهِ لتفرّقتُم عنه كما تفرّقت بنو إسرائيل عن عِيسى ابن مريم فلما خرجا خرجتُ إليهِ أنا وأنتِ وكُنتِ حزينةً عليه فقُلتِ له من كُنت جاعِلًا لهم فقال خاصِف النعل وكان عليّ بن أبِي طالِب (صَلَّى اللّه عَلَيْهِ وَآلِهِ) يُصلِحُ نعل رسُولِ اللّه (صَلَّى اللّه عَلَيْهِ وَآلِهِ) إذا تخرقت ويغسِلُ ثوبه إذا اتسخ فقُلتِ ما أرى إلّا عليّاً فقال هُو ذاكِ أتذكرين هذا يا عائِشة قالت نعم قالت ويوم جمعنا رسُولُ اللّه (صَلَّى اللّه عَلَيْهِ وَآلِهِ) فِي بيت ميمونة فقال يا نسائي اتقين اللّه ولا يُسفّر بِكُنّ أحدٌ أتذكرين هذا يا عائِشة قالت نعم ما أقبلني لوعظِكِ وأسمعني لقولكِ فإن أخرج ففِي غير حرج و إن أقعد ففِي غير بأس و خرجت فخرج رسولُها فنادى فِي النّاس من أراد أن يخرج فليخرج فإنّ أمّ المؤمنين غيرُ خارِجةٍ فدخل عليها عبد اللّه بن الزُّبير فنفث فِي أُذُنِها وقلبها فِي الذروة فخرج رسُولُها فنادى من أراد أن يسير فليسر فإن أُمّ المؤمنين خارجةٌ فَلَمّا كان من ندمها أنشأت أُمُّ سلمة تقول
لو أن مُعتصماً من زلّةٍ أحدٌ *** كانت لعائِشة العتبى على النّاس
کم شنة لرسول اللّه تاركة *** وتِلوآيٍ من القرآن مدراسٌ
قد ينزع اللّه من ناسٍ عُقُولهم *** حتّى يكون الّذي يقضي على النّاس
يرحمُ اللّه أَمّ المؤمنين لقد *** كانت تُبدِّلُ إيحاشاً بإيناس (1)
6 - عنِ الصَّادق (عَلَيهِ السَّلَامُ) أنّه قال: دخلت أُمُّ سلمة بنت أبي أُميّة على عائِشة لما أزمعتِ الخروج إلى البصرة فحمدت اللّه وصلت على النَّبيّ (صَلَّى اللّه عَلَيْهِ وَآلِهِ) ثُمّ قالت يا هذِهِ إِنَّكِ سُدّةٌ بين رسُولِ اللّه وبين أُمَّتِهِ و حِجابُهُ عليك مضرُوبٌ وعَلَى حُرمتِهِ و قد جمع القُرآنُ ذيلكِ فلا تندحِيهِ وضُمّ ظُفُركِ فلا تنشُرِيهِ وشُدّ عقيرتكِ فلا تُصحِرِيها إنّ اللّه من وراء هذِهِ الأمَّة وقد علم رَسُولُ اللّه مكانكِ لو أراد أن يعهد إليكِ فعل بل نهى عنِ الفُرطةِ فِي البِلادِ إِنَّ عَمُود الدِّينِ لن يُتاب بِالنِّساءِ إِن مال ولا يُرأَبُ بِهِنَّ إِنِ انصدع جمالُ النِّساءِ غضُ الأطرافِ وضم الدُّيُولِ و الأعطافِ وما كُنتِ قائِلةً لو أنّ رسُول اللّه (صَلَّى اللّه عَلَيْهِ وَآلِهِ) عارضكِ فِي بعض هذِهِ الفلواتِ وأنتِ ناصةٌ قعوداً من منهلٍ إلى منهلٍ ومنزِلٍ إِلى منزِلٍ ولِغير اللّه مهواكِ و على رسُولِ اللّه تردين وقد هتكت عنكِ
ص: 31
سجافه ونكثت عهده وباللّه أحلِفُ أن لو سرتُ مسيرك ثُمّ قيل لي ادخلي الفردوس لاستحييتُ من رسُولِ اللّه أن ألقاه هاتِكةً حِجاباً ضربه علي فاتقي اللّه و اجعليهِ حِصناً [و] وقاعة السّترِ منزلًا حتّى تلقيهِ إِنّ أطوع ما تكُونِين لِرَبِّكِ ما قصرت عنه وأنصح ما تكونين للّه ما لزمته وأنصر ما تكونين لِلدِّينِ ما قعدت عنهُ وبِاللّه أحلِفُ لوحدّثتُكِ بِحَدِيثٍ سَمِعَتِهِ من رسُولِ اللّه (صَلَّى اللّه عَلَيْهِ وَآلِهِ) لنهشتني نهش الرقشاء المطرقة فقالت لها عائِشة ما أعرفني بموعِظَتِكِ و أقبلني نُصحكِ ليس مسيري على ما تُظنّين ما أنا بالمغترة ولنعم المطلعُ تطلعتُ فِيهِ فرّقتُ بين فئتين مُتشاجرتين فإن أقعد ففِي غير حرج و إن أخرج ففِي ما لا غنى بِي عنه من الازديادِ فِي الأُجرة قال الصَّادق (عَلَيهِ السَّلَامُ) فلما كان من ندمها أخذت أُمُّ سلمة تَقُولُ
لو كان مُعتصماً من زَلّةٍ أحدٌ *** كانت لعائِشة الرتبي على النّاس
من زوجة لِرَسُولِ اللّه فاضلة *** وذكآي من القرآن مدراسٍ
وحكمة لم تكن إلّا لهاجسها *** فِي الصّدر يذهب عنها كلّ وسواسٍ
يستنزع اللّه من قوم عُقُولهُم *** حتّى يمر الّذي يقضي على الرّاسِ
ويرحم اللّه امّ المؤمنين لقد *** تبدلت لي إيحاشاً بإيناس
فقالت لها عائِشة شتمتني يا أُختِ ؟ فقالت أُمُّ سلمة ولكن الفتنة إذا أقبلت غضت عيني البصير و إذا أدبرت أبصرها العاقِلُ والجاهل. (1)
7 - قالت عائِشة لزبير حين أراد الرجوع لا واللّه بل خفت سُيُوف ابن أبي طالِبٍ أما إنّها طوالٌ حِدادٌ تحمِلُها سواعِدُ أَنجادٌ ولئِن خِفتها فلقد خافها الرّجالُ من قبلك فرجع إلى القِتالِ فقيل لأمِير المؤمنين (عَلَيهِ السَّلَامُ) إنّه قد رجع فقال دعُوهُ فإنّ الشيخ محمول عليه ثُمّ قال أَيُّهَا النّاس غُضُّوا أبصاركُم وعضوا على نواجذكُم وأكثرُوا من ذِكرِ ربِّكُم وإياكم وكثرة الكلام فإنَّهُ فشل و نظرت عائِشة إِليهِ وهُو يَجُولُ بين الصّفّينِ فقالت انظُرُوا إِليهِ كان فِعلهُ فِعلُ رَسُولِ اللّه يوم بدرٍ أما واللّه ما يُنتظرُبِك إلّا زوال الشَّمس فقال عليّ (عَلَيهِ السَّلَامُ) يا عائِشة عمّا قليل لتُصبِحُنّ نادِمِين فجدّ النّاس فِي القِتالِ فنهاهُم أمِير المؤمنين (عَلَيهِ السَّلَامُ) وقال اللّهمّ إِنِّي أعذرتُ وأنذرتُ فكُن لِي عليهم
ص: 32
من الشاهِدِين ثُمّ أخذ المصحف وطلب من يقرأُ عليهم (وإن طائفتان من المؤمنين اقتتلوا فأصلِحُوا بينهما) (1) الآية فقال مُسلِمُ المجاشِعِيُّ ها أنا ذا فخوفهُ بِقطع يمينه وشماله و قتلِهِ فقال لا عليك يا أمِير المؤمنين فهذا قليل فِي ذاتِ اللّه فأخذه ودعاهُم إِلى اللّه فَقُطِعت يده اليمنى فأخذهُ بِيدِهِ اليُسرى فقُطِعت فأخذهُ بِأَسنانِهِ فَقُتِل فقالت أُمُّهُ
ياربّ إِن مُسلِماً أتاهُم *** بمحكم التّنزيل إذ دعاهم
يتلُوكِتاب اللّه لا يخشاهم *** فزمّلُوهُ زُمّلت لحاهم
فقال (عَلَيهِ السَّلَامُ) الآن طاب الضِّرابُ وقال لمحمّد بن الحنفية والرايةُ فِي يَدِهِ يَا بَنِي تزولُ الجِبالُ ولا تزل عض ناجذك أعِرِ اللّه جمجمتك تد فِي الأرض قدميك ارم ببصرك أقصى القوم و غُضّ بصرك واعلم أن النّصر من اللّه ثُمّ صبر سُويعةً فصاح النّاس من كلّ جَانِبٍ من وقع النّبال فقال (عَلَيهِ السَّلَامُ) تقدّم يا بَنِي فتقدّم وطعن طعناً مُنكراً وقال (عَلَيهِ السَّلَامُ)
اطعن بها طعن أبيك تُحمد *** لا خير فِي حرب إذا لم توُقد
بالمشرفيّ و القنا المسدّد *** والضّرب بالخطي والمهند
فأمر الأشترأن يحمل فحمل و قتل هلال بن وكيع صاحب ميمنة الجمل و كان زيدٌ يرتجِزُو يقولُ ديني ديني وبيعي بيعي و جعل مِخنف بنُ مُسْلِمٍ يقولُ
قد عِشتِ یا نفش و قد غنیتِ *** دهراً وقبل اليوم ما عييتِ
وبعد ذا لا شك قد فنيت *** أما مللت طول ما حييت
فخرج عبدُ اللّه بنُ اليثربيّ قائِلًا
يارت إنّي طالب أبا الحسن *** ذاك الّذي يُعرف حقّاً بالفتن
فبرز إِليه عليّ (عَلَيهِ السَّلَامُ) قائِلًا
إن كُنت تبغي أن ترى أبا الحسن *** فاليوم تلقاه مُلبّاً فاعلمن
و ضربه ضربة مجرفة فخرج بنو ضبة وجعل يقولُ بعضُهُم
نحنُ بنُوضبة أصحاب الجمل *** والموتُ أحلى عندنا من العسل
ص: 33
رُدُّوا علينا شيخنا بمرتحل *** إنّ عليّاً بعد من شر النذل
و قال آخرُ
نحن بوضة أعداءُ عليّ *** ذاك الّذي يُعرفُ فيِهم بالوصِي
و كان عمرو بن اليثربيّ يقول
إن تُنكِرُوني فأنا ابن اليثربي *** قاتل عليّاً يوم هند الجمل
تم ابن صوحان على دين علي
فبرز إِليه عمَّار قائِلًا
لا تبرح العرصة يا ابن اليثربي *** اثبت أَقاتلك على دين علي
و أرداه عن فرسه و جر برجله إلى عليّ (عَلَيهِ السَّلَامُ) فقتلهُ بِيدِهِ فخرج أخُوهُ قائِلًا
أضربُكُم ولوأرى عليّاً *** عمّمتُه أبيض مشرِفيّاً
و أسمر عنطنطاً خطِّياً *** أبکي عليه الوُلد و الولِيا
فخرج عليٌّ متنكّراً و هُو يقولُ
يا طالباً فِي حربه عليّاً *** يمنعُه أبيضُ مشرفياً
اثبت ستلقاه بها مليّاً *** مُهذباً سميدعاً كميّاً
فضربه فرمی نِصف رأسِهِ فناداه عبد اللّه بن خلف الخزاعِيُّ صاحِبُ منزِلِ عائِشة بالبصرة أ تُبارِزُني فقال (عَلَيهِ السَّلَامُ) ما أكره ذلك و لكن ويحك يا ابن خلف ما راحتك فِي القتل وقد علمت من أنا فقال ذرنِي من بذخِك يا ابن أبي طالِبٍ ثُمّ قال
إن تدنُ مِنِّي يا عليُّ فترا *** فإنّني دانٍ إليك شِبراً
بصارمٍ يسقيك كأساً مُرّاً *** ها إنّ فِي صدري عليك وِتراً
فبرز إليه عليّ (عَلَيهِ السَّلَامُ) قائلاً
ياذا الّذي يطلب مني الوترا *** إن كُنت تبغي أن تزور القبرا
حقاً وتصلى بعد ذاك جمراً *** فادنُ تجدني أسداً هِزيراً
أَصعِطك اليوم ذُعافاً صبراً
ص: 34
فضربه فطير جُمجمته فخرج مازنٌ الضَّيُّ قَائِلًا
لا تطمعوا فِي جمعنا المكلّل *** الموت دون الجمل المجلل
فبرز إليه عبد اللّه بنُ نهشل قائلا
إن تُنكِرُونِي فأنا ابن نهشل *** فارش هيجاء وخطبُ فيصلُ
فقتله وكان طلحةُ يُحثُ النّاس ويقولُ عِباد اللّه الصبر الصبر فِي كلام له. (1)
8 - عن محمّدِ بنِ عليٍّ ابن الحنفية قال: كان اللواء معي يوم الجمل وكان أكثر القتلى فِي بَنِي ضبة فلما انهزم النّاس أقبل أمِير المؤمنين (عَلَيهِ السَّلَامُ) و معه عمَّار بن ياسر و محمّد بن أبي بكر رضي اللّه عنهما فانتهى إلى الهودج وكانهُ سُوكُ القُنفُذِ مِمّا فِيهِ من النّبلِ فضربهُ بِعصًا ثُمّ قال هِيهِ يَا مُميراءُ أردت أن تقتليني كما قتلت ابن عفّان أ بهذا أمرك اللّه أو عهد إليكِ بِهِ رَسُولُ اللّه (صَلَّى اللّه عَلَيْهِ وَآلِهِ) قالت ملكت فأسجح فقال لمحمّد بن أبي بكر انظر هل نالها شيء من السلاح فوجدها قد سلمت لم يصل إليها إلّا سهم خرق فِي ثوبها خرقاً وخدشها خدشاً ليس بشيء فقال ابن أبي بكريا أمِير المؤمنين قد سلمت من السّلاحِ إِلَّا سهماً خلص إلى ثوبها فخدش منه شيئاً فقال عليّ (عَلَيهِ السَّلَامُ) احتملها فأنزلها دار ابن أبي خلف الخزاعِي ثُمّ أَمر مُنادِيهُ يُنادِي لا يُدفّف على جَرِيحٍ ولا يُتبع مديرو من أغلق بابه فهو آمِنٌ. (2)
9 - عن أبي جعفر (عَلَيهِ السَّلَامُ) قال: اشتروا عسكراً بسبعمائة درهما [درهم] و كان شيطاناً. (3)
10- عن عبد الرّحمن بن مسعُود العبديّ قال: كُنتُ بمكّة مع عبد اللّه بن الزُّبير وطلحة والزُّبير فأرسلا إلى عبد اللّه بن الزُّبير فأتاهما وأنا معه فقالا لهُ إِن عُثمان قُتِل مظلُوماً و إِنَّا نخافُ أن يُنقض أمرُ أُمّة محمّد (صَلَّى اللّه عَلَيْهِ وَآلِهِ) فإن رأت عائِشة أن تخرج معنا لعل اللّه أن يرتق بها فتقا و يشعب بها صدعاً قال فخرجنا نمشي حتّى انتهينا إليها فدخل عبد اللّه بن الزُّبير معها فِي سترها فجلست على الباب فأبلغها ما أرسلاهُ بِهِ فقالت سُبحان اللّه واللّه مَا أُمِرْتُ بِالخُرُوحِ وما يحضُرُنِي من
ص: 35
أُمّهاتِ المؤمنين إلّا أُمُّ سلمة فإن خرجت خرجتُ معها فرجع إليهما فبلغهما ذلك فقالا ارجع إليها فلتأتها فهي أثقل عليها مِنا فرجع إليها فبلغها فأقبلت حتّى دخلت على أُمّ سلمة فقالت لها أمُّ سلمة مرحباً بعائِشة واللّه ما كُنتِ لِي بِزوّارة فما بدا لك قالت قدم طلحة و الزُّبير فخبرا أنّ أمِير المؤمنين عُثمان قُتِل مظلُوماً قال فصرخت أم سلمة صرخةً أسمعت من فِي الدّارِ فقالت يا عائِشة أنتِ بِالأمس تشهدين عليه بالكُفر و هُو اليوم أمِير المؤمنين قُتِل مظلُوماً فما تُريدين قالت تخرجين معنا فلعل اللّه أن يُصلح بِخُرُوجِنا أمر أُمّة محمّد (صَلَّى اللّه عَلَيْهِ وَآلِهِ) قالت يا عائِشة أتخرجين وقد سمعتِ من رسُولِ اللّه (صَلَّى اللّه عَلَيْهِ وَآلِهِ) ما سمعنا نشدتُكِ بِاللّه يا عائِشة الّذي يعلمُ صِدقكِ إن صدقتِ أتذكرين يقوماً يومكِ من رسُولِ اللّه فصنعتُ حرِيرةً فِي بيتي فأتيتُهُ بها وهو عليه وآلِهِ السّلامُ يقولُ واللّه لا تذهب الليالي والأيام حتّى تتنابح كِلابُ مَاءٍ بِالعِراقِ يُقالُ لهُ الحوابُ امرأَةٌ من نِسانِي فِي فِئَةٍ باغِيةٍ فسقط الإناءُ من يدي فرفع رأسه إلي وقال ما لكِ يا أُمّ سلمة فقُلتُ يا رسول اللّه ألا يسقط الإناءُ من يدِي و أنت تَقُولُ ما تَقُولُ ما يُؤْمِنُنِي أَن يكُون أنا هي فضحِكتِ أنتِ فالتفت إليكِ فقال بما تضحكين يا حمراء الساقينِ إِنِّي أحسبُكِ هي ونشدتُكِ بِاللّه يا عائِشة أتذكرين ليلة أسري بنا مع رسُولِ اللّه (صَلَّى اللّه عَلَيْهِ وَآلِهِ) من مكان كذا و كذا وهو بيني وبين عليّ بن أبِي طالِب (عَلَيهِ السَّلَامُ) يُحدّثنا فأدخلت جملكِ فحال بينه وبين عليّ بن أبِي طالِب فرفع مقرعةً كانت عِنده يضرِبُ بها وجه جملكِ وقال أما واللّه ما يومهُ مِنكِ بواحِدٍ ولا يلِيّتُهُ مِنكِ بِواحِدَةٍ أَما إِنَّهُ لا يُبغِضُهُ إِلا مُنافِقٌ كَذَّابٌ وأَنشُدُكِ بِاللّه أتذكرين مرض رسُولِ اللّه الّذي قُبِضَ فِيهِ فأتاهُ أَبُوكِ يعُودُهُ و معهُ عُمرُو قد كان عليّ بن أبِي طالِب (عَلَيهِ السَّلَامُ) يتعاهد ثوب رسُولِ اللّه (صَلَّى اللّه عَلَيْهِ وَآلِهِ) و نعله وخُفّهُ ويُصلِحُ ما وهى منها فدخل قبل ذلك فأخذ نعل رسُولِ اللّه وهِي حضرمِيّةٌ و هُو يخصِفُها خلف البيتِ فاستأذنا عليه فأذن لهما فقالا يا رسول اللّه كيف أصبحت فقال أصبحتُ أحمد اللّه قالا ما بُدٌ من الموت قال أجل لا بُدّ مِنهُ قالا يا رسول اللّه فهل استخلفت أحداً قال ما خليفتي فِيكُم إلّا خاصِفُ النّعل فخرجا فمرا على عليّ بن أبِي طالِب وهو يخصف نعل رسول اللّه (صَلَّى اللّه عَلَيْهِ وَآلِهِ) وكُلُّ ذلِكِ تعرفينه يا عائِشة و تشهدين عليه ثُمّ قالت أُمُّ سلمة يا عائِشة أنا أخرُجُ على عليّ (عَلَيهِ السَّلَامُ) بعد الّذي سمعتهُ من رَسُولِ اللّه (صَلَّى اللّه عَلَيْهِ وَآلِهِ) فرجعت عائِشة إلى منزلها وقالت يا ابن
ص: 36
الزُّبير أبلغهُما أَنِّي لستُ بِخَارِجةٍ بعد الّذي سمعته من أُمّ سلمة فرجع فبلغهما قال فما انتصف الليل حتّى سمعنا رُغاء إبلها ترتحل فارتحلت معهما. (1)
11 - لما بلغ عليّاً قولهما «ما بايعناه إِلا مُكرهين تحت السّيف » قال أبعدهما اللّه أقصى دارٍ و أحرنارٍ وكتب إلى عائِشة أمّا بعدُ فإِنَّكِ خرجتِ من بيتِكِ عاصِيةً للّه عزّ و جلّ ولِرَسُولِهِ محمّد تطلبين أمراً كان عنكِ موضُوعاً ثُمّ تزعُمِين أنّكِ تُرِيدِين الإصلاح بين المسلمين فخبريني ما لِلنِّساءِ وقود العساكر و الإصلاح بين النّاس وطلبت كما زعمتِ بِدَمِ عُثمان وعُثمانُ رجُلٌ من بَنِي أُميّة و أنتِ امرأةٌ من بَنِي تيم بن مُرّة و لعمري إنّ الّذي عرضك للبلاء و حملك على العصبيّةِ لاعظمُ إِليكِ ذنباً من قتلة عُثمان و ما غضبتِ حتّى أغضبت ولا هجتِ حتّى هيجتِ فاتقي اللّه يا عائِشة وارجِعِي إلى منزلك و أسيلي عليك سترك وقالت عائِشة قد جلّ الأمر عن الخطاب احكُم كما تُرِيدُ فلن ندخل فِي طاعتِك. (2)
12- عن عائِشة قال سمعت رسول اللّه (صَلَّى اللّه عَلَيْهِ وَآلِهِ) يقولُ: عليّ بن أبِي طالِب خير البشر من أبى فقد كفر فقيل فلم حاربته فقالت واللّه ما حاربتُهُ من ذاتِ نفسِي وما حملني عليهِ إِلّا طلحه و الزُّبير. (3)
13 - لَمّا اتصل بِهِ مَسِيرُ عائِشة و طلحة والزُّبير إلى البصرة من مكّة حمد اللّه وأثنى عليهِ ثُمّ قال {عليّ (عَلَيهِ السَّلَامُ)} قد سارت عائِشة وطلحة والزُّبيركُلُّ واحِدٍ مِنهُما يَدْعِي الخلافة دُون صاحِبِهِ ولا يدّعِي طلحة الخلافة إلّا أنّهُ ابنُ عمّ عائِشة ولا يدّعِيها الزُّبير إِلا أَنَّهُ صِهرُ أَبِيها و اللّه لَئِن ظفرا بِما يُرِيدانِ ليضرِ بنّ الرُّبيرُ عُنُق طلحة وليضربن طلحةُ عُنُق الزُّبير يُنازِعُ هذا على الملكِ هذا وقد واللّه علمتُ أنها الراكبةُ الجمل لا تحلُّ عُقدَةً ولا تسِيرُ عقبةً ولا تنزلُ منزِلَّا إِلَّا إلى معصية حتّى تُورِد نفسها ومن معها مورداً يُقتل ثلثهم ويهرُبُ ثُلُثُهُم ويَرجِعُ ثُلُثُهُم وَاللّه إِنَّ طلحة والزُّبير ليعلمانِ أنهما مُخطِئان وما يجهلان ولرُبّما عالِمٌ قتله جهلُهُ وعِلمُهُ معه لا
ص: 37
ينفعُهُ واللّه لينبحنّها كِلابُ الحوأب فهل يعتبرُ مُعتبر و يتفكِّرُ مُتفكِّرْ ثُمّ قال قد قامتِ الفِئةُ الباغية فأين المحسِنُون. (1)
14- عن كثير التواء قالَ قالَ ابنُ عبَّاس لِعائِشة: السَّلامُ عَلَيكِ يَا أُمِّهِ أَلَسنا وُلاةَ بَعِلِك أَوَلَيسَ قَد ضَرَبَ اللّه الحجابَ عَليكِ أَوَلَيْسَ قَد أُوتِيتِ أَجرَكِ مرَّتَين قَالَت بَلَى قَالَ فَمَا أَحْرَجَكِ عَلَينا مَعَ مُنافِقِي قُرَيش قالَت كَانَ قَدَراً يَا ابْنَ عبّاس. قَالَ وَكَانَت أُمُّنَا تُؤْمِنُ بِالقَدَرِ (2)
عَن يَزِيد بنِ أَبي زياد قالَ قالَ رجلٌ لِعائِشة يا أم المؤمنين لِمَ خَرَجَتِ عَلَى عَلى قَالَت لَه أَبولُكَ لِمَ تَزَوَّجَ بِأَمِّكَ قَدَرَا للّه عزّ و جلّ (3)
15 - عَن أَبي إسحاق قال كانَت عائِشة إِذا سُئِلَت عَن خُرُوجِهَا عَلى أمِير المؤمنين قَالَت كَانَ شَيءٌ قدره اللّه عليَّ (4)
16- عَن جَعفَر بنِ محمّد عَن أَبيه (عَلَيهِمَا السَّلَامُ) قالَ الشَّاك فِي حرب عليّ (عَلَيهِ السَّلَامُ) كالشَّاكِ فِي حرب رَسولِ اللّه (صَلَّى اللّه عَلَيْهِ وَآلِهِ) (5)
17 - لَمّا بُلِّغَ عائِشة نزولُ أمِير المؤمنين (عَلَيهِ السَّلَامُ) بذي قار كتبت إلى حفصة بنتِ عُمر؛ أَمَّا بَعد فَإِنَّا نَزَلنا البَصَرَةَ وَنَزَلَ عَلِيٌّ بِذِي قَارِ وَ اللّه دَقَّ عنقه كدقِّ البِيضَة عَلَى الصَّفَا إِنَّهُ بِذِي قَارِ بِمَنزِلَةِ الأَشْقَران تَقَدَّم تُحِروَإِن تَأَخَّرَ عُقِر فلمَّا وَصَلَ الكتابُ إِلى حَفْصَة إسْتَبْشَرَت بِذلِكَ وَدَعَت صِبيانَ بَنِي تيم وَ عَدِي وَأَعطت جَواريها دُفُوفاً وَ أَمَرَتهُنَّ أَن يَصْرِينَ بِالدُّفُوفِ ويَقُلنَ مَا الْخَبَرُ مَا الخَبْرُ عَليُّ كَالأَشْقَرِ إِن تَقَدَّمَ تُحِروَ إِن تَأَخَرَ عُقِرَ فَبَلَغَ أَمَ سَلَمَةَ (رضیَ اللّهُ عنها) إجتماعُ النِّسوة عَلَى مَا اجتَمَعنَ عَلَيه من سَبّ أمِير المؤمنين (عَلَيهِ السَّلَامُ) والمسرة بالكتاب الوارد عَليهِنَّ من عائِشة فَبكت وَقَالَت أعطوني ثيابي حتّى أَخرج إليهنَّ وأَقَعَ بِهنَّ فَقَالَت أُمُّ كلثوم بنتُ أمِير المؤمنين (عَلَيهِ السَّلَامُ) أَنا
ص: 38
أَنُوبُ عَنكِ فَإِنَّني أَعرَفُ منكِ فلبست ثيابها و تنكّرت وَ تَخَفَّرت وَاستَصحَبت جواريها مُتَخفّرات وجاءت حتّى دَخَلَت عَلَيهِنَّ كأَنَّها من النّظارة فلما رأت ما هنَّ فيه من العبث والسّفه كشفَت نِقابَها وَ أَبَرَزَت هُنَّ وَجهَها ثُمّ قَالَت لِحَفصة إن تظاهرتِ أَنتِ وَ أَخْتكِ على أمِير المؤمنين (عَلَيهِ السَّلَامُ) فَقَد تَظاهَرَكُما عَلى أَخيه رسول اللّه (صَلَّى اللّه عَلَيْهِ وَآلِهِ) من قبلُ فَأَنْزَلَ اللّه عزّو جل فيكما مَا أَنزَلَ وَاللّه من وراء حريكما فَانكسرت حفصة وأَظْهَرت خَجلا و قالَت إِنَّهُنَّ فَعَلَنَ هذا بِجَهلِ وَفَرَّقَتهُنَّ فِي الحالِ فَانصَرَفنَ من المكان (1)
18- قالَ أَبُو الأَسوَد فَدَخَلنا عَلى عائِشة فَقَالَ لَهَا عمران بن الحصين يا أم المؤمنين ما أَقدَمكِ بَلَدَنا وَ لِمَ تَركت بيت رسولِ اللّه (صَلَّى اللّه عَلَيْهِ وَآلِهِ) الّذي فارقَكِ فِيهِ وَقَد أَمَرَكِ أَن تَقرِي فِي بَيتِكِ وَقَد عَلَمتِ أَنَّكِ إِذًا أَصبتِ الفَضيلَة والكرامَة وَالشَّرفَ وَ سُمِّيتِ أُمَّ المؤمِنينَ وَ ضُرِبَ عَليكِ الحجاب ببني هاشم فهم أعظمُ النّاس عليكِ منَّة وَ أَحسنهم عندكِ يَدا وَلَستِ من اختلافِ النّاس فِي شَيْءٍ لَولا لكِ من الأَمرِشيءٌ وَ على أولى بدمِ عُثمان فَاتَّقِ اللّه وَاحفَظي قَرابَتِه وَ سابقته فقد علمتِ أَنَّ النّاس بايَعُوا أَبَاكِ فما أَظْهَرَ عليه خلافاً وبايَعَ أبوكِ عُمر و جَعَلَ الأمر له دونَه فَصَبَرَوَسلّم وَلم يَزل بهما برّاً ثُمّ كانَ من أمركِ وأمرَ النّاس و عثمان ما قد علمتِ ثُمّ بايعتُم عليّاً (عَلَيهِ السَّلَامُ) فَغبنا عنكم فأتتنا رسلكم بالبيعة فَبايعنا وَسلّمنا.
فلمَّا قَضَى كلامُه قَالَت عائِشة يا أَبَا عَبدِ اللّه أَلقِيتَ أَخَاكَ أَبا محمّد يَعني طلحة فقالَ لَهَا مَا لقيتُه بعد و ما كنتُ لآتي أحداً ولا أبدأُ به قبلكِ قالَت فَأْتِهِ فَانظُر ما ذا يَقُولُ. قَالَ فَأَتَيْنَاهُ فَكلَّمَه عمرانُ فلَم يَجد عِندَه شيئاً مِمّا يُحبّ فَخَرجنا من عِندِهِ فَأَتِينَا الزُّبيروَ هُو مَتَكَيٌّ وقَد بلغه كلام عمران و ما قالَ لِعائِشة فلما رآنا قَعَدَ وَقَالَ أَيحسبُ ابنُ أَبي طالبٍ أَنه حِينَ مَلِكَ لَيسَ لِأَحَدٍ مَعَه أمرٌ فَلَمَّا رَأَى ذلك عمرانُ لَم يُكلِّمه فَأَتى عمران عثمانَ فَأَخْبَرَه (2).
19 - عَن عبد الجليل بن إبراهيم أنَّ الأحنف بن قيس أَقبَلَ حينَ نَزَلَت عائِشة أَوّل مرحلة من البصرة فَدَخَلَ عَلَيْها فَقَالَ يا أمَّ المؤمنين مَا الّذي أَقدمَكِ وَمَا أَشْخَصَكِ وَمَا تُرِيدِينَ قَالتَ يَا
ص: 39
أحنف قَتَلُوا عثمانَ فقال يا أم المؤمنينَ مَررتُ بكِ عام أول بالمدينة وَ أَنا أُرِيدُ مكّة وَقَد أَجَمَعَ النّاس عَلَى قَتلِ عُثمان وَ رُمِي بالحجارَةِ وَحيلَ بَينَه وَبَينَ الماء فقلتُ لكِ يا أُمَّ المؤمنينَ إِعْلَمي أَنَّ هَذا الرَّجلَ مَقتول ولو شئتِ لَتُردِينَ عَنه وقلتُ فإن قُتلَ فَإِلى من فقلت إلى عليّ بن أبِي طالِب قالت يا أحنف صَفُوه حتّى إذا جَعَلُوه مثلَ الزُّجاجَة قَتَلُوهُ فَقَالَ لَهَا أَقبلُ قولَكِ فِي الرِّضَا وَ لا أَقبلُ قولَكِ فِي الغَضَبِ.
ثمَّ أَتى طلحة فقال يا أبا محمّد ما الّذي أَقدمكَ وَما الّذي أَشْخَصَكَ وَمَا تُرِيدُ فَقَالَ قَتَلُوا عثمان قال مررتُ بكَ عاماً أول بالمدينةِ وأَنا أُريدُ العُمرَةَ وَ قَد أَجَمَعَ النّاس عَلَى قَتلِ عُثمَان وَ رُمِي بالحجارَة وَحِيلَ بَينه وَبَينَ الماءِ فقلتُ لكم إنّكم أصحاب محمّد (صَلَّى اللّه عَلَيْهِ وَآلِهِ) لو تَشاءُ ون أَن تردوا عنه فَعَلتُم فقلتَ دَبِر فَأُدَبر فقلتُ لكَ فإِن قُتِلَ فَإِلى من فقلتَ إلى عليّ بن أبِي طالِب (عَلَيهِ السَّلَامُ) فقال: ما كنَّا نَرى أنَّ أمِير المؤمنين (عَلَيهِ السَّلَامُ) يرى أن يأكل الأمرَوَحدَه (1).
20 - عَن أَحنف بن قيس يقولُ بَعَثَ عليّ (عَلَيهِ السَّلَامُ) إلى عائِشة أن إرجِعِي إلى الحجاز فقالت لا أفعل فَقَالَ لَهَا لَئِن لَم تَفعَلي لأُرسل إليكِ نِسوةٌ من بكر بن وائل بِشِفارٍ (بسِفارٍ) حدّاد يَأْخُذْنَكِ بها قالَ فَخَرجَت حينئذ (2). أَرتَحل فَجَهَّزها وَ أَرْسَلَها وَ مَعَها أَربعين إمرأةً من عَبدِ القيس. (3)
21 - عن الأصبغ بن نباتة أنَّ أمِير المؤمنين قال لعائِشة إرجِعِي إِلى بَيْتِكِ الّذي تَرَكَكِ رَسولُ اللّه (صَلَّى اللّه عَلَيْهِ وَآلِهِ) و أبوكِ فِيه فَأَبت فقالَ لَهَا إرجعي وَإِلَّا تكلَّمتُ بِكَلِمَةٍ تَبرء ينَ إلى اللّه تعالى ورسوله فارتَحلَت. (4)
22 - عَنِ الأَصبَغِ بنِ نُبَاتَةَ قَالَ: لَمَّا عُقِرَ الجَمَلُ وَقَفَ عليّ (عَلَيهِ السَّلَامُ) عَلَى عائِشة فَقَالَ مَا حَمَلَكِ عَلَى مَا صَنَعتِ قَالَت ذَيتَ وَذَيتَ فَقَالَ أَمَا وَالّذي فَلَقَ الحَبَّةَ وَبَرَأَ النَّسَمَةَ لَقَد مَلَاتِ أُذُنَيكِ من رَسُولِ اللّه (صَلَّى اللّه عَلَيْهِ وَآلِهِ) وَ هُو يَلْعَنُ أَصْحَابَ الجَمَلِ وَ أَصْحَابَ النّهروان أَمَّا أَحْيَاؤُهُم فَيُقْتَلُونَ فِي الفِتْنَةِ وَأَمَّا أَمْواتُهُم ففِي النَّارِ عَلَى مِلَّةِ اليَهُودِ. (5)
ص: 40
23 - عن صالح بن أبي الأسود عَن أخيه أُسيد بن أبي الأسود قالَ سألتُ عبدَ اللّه بنِ الحَسَن عَن مُحاربي أمِير المؤمنين (عَلَيهِ السَّلَامُ) فقالَ ضُلَّال فَقلتُ ضُلَّال مؤمنُون قَالَ لا وَلا كَرامَة إِنَّا هَذا قَولُ المرجئة الخبيثة. (1)
24 - عَن عَبدِ اللّه بنِ عطاء عَن أَبي جَعْفَرٍ محمّد بن عليّ (عَلَيهِ السَّلَامُ) قال قال عليّ (عَلَيهِ السَّلَامُ) لَعَن أهلَ الجَمَل فَقَالَ رجلٌ يا أمِير المؤمنين إِلَّا من كانَ منهم مؤمِناً فقال (عَلَيهِ السَّلَامُ) وَيْلَكَ ما كانَ فيهم مُومنٌ (2).
25 - عن رافعٍ مولى عائِشة، قال: كنتُ خادماً لعائِشة وأنا غُلامٌ أُعاطِيهم إذ كان رسولُ اللّه عندها، إذ جاء جاء فدق الباب فخرجتُ إليه، فإذا جاريةٌ معها إناءٌ مُغطَّى فرجعتُ إِلى عائِشة فأخبرتُها، فقالت: أدخلها فدخلت، فوضعت بين يدي عائِشة الإناء، فوضعته عائِشة بين يدي رسُولِ اللّه فمد يده يأكُلُ فقال: ليت أمِير المؤمنين وسيّد المسلمين وخيراً خير أُمَّتِي يَأكُلُ معي، فقالت عائِشة: من أمِير المؤمنين خيرُ أُمَّتِك ؟ فسكت ثُمّ أعادها (صَلَّى اللّه عَلَيْهِ وَآلِهِ) فسألته، فسكت فجاء جاء فدق الباب، فجِئتُ إليهِ، فإِذا عليّ (عَلَيهِ السَّلَامُ) فرجعت إلى النَّبيّ (صَلَّى اللّه عَلَيْهِ وَآلِهِ) فأخبرتُهُ، فقال: أدخِلهُ ثُمّ قال له: مرحباً و أهلًا، لقد تمنّيتُك ولو أبطأت عليّ لسألت اللّه أن يجيئني بك اجلس فكُل، فجلس فأكل، فقال رسُولُ اللّه (صَلَّى اللّه عَلَيْهِ وَآلِهِ): قاتل اللّه من يُقاتِلُك و عادى اللّه من يُعادِيك فقالت عائِشة : من يُقاتِلُهُ و من يُعادِيهِ ؟
فسكت، ثُمّ أعادتها، فقالت: من يُقاتِلُهُ و من يُعادِيهِ ؟ فقال النَّبيّ (صَلَّى اللّه عَلَيْهِ وَآلِهِ): أنت ومن معك (3).
26 - عن عبد اللّه بن عامر أنّ عبد اللّه بن بديل الخزاعي قال لعائِشة أنشدُكِ باللّه ألم نسمعكِ تقولين سمعتُ رسول اللّه (صَلَّى اللّه عَلَيْهِ وَآلِهِ) يقولُ عليّ على الحقّ والحقُّ معه لن يزيلا حتّى يردا عليّ الحوض قالت بلى قال فما بدا لك قالت دعوني واللّه لوددتُ أنهم تفانوا (4).
ص: 41
27 - عن أبي سَعِيدٍ الْمُهرِي قال : كان عبد الملك بن أبي رافع نازلا فِي بيعةِ كُدي يتحدّثُ إِليهِ فقال أبو رافع سأُحدِّثُكُم بِحَدِيثٍ سمعتهُ أُذُناي لا أُحدِّثُكُم عن غيري سمعتُ رسول اللّه (صَلَّى اللّه عَلَيْهِ وَآلِهِ) يقُولُ لِعليّ (عَلَيهِ السَّلَامُ) قاتل اللّه من قاتلك و عادى اللّه من عاداك فقالت عائِشة يا رسول اللّه من يُقاتِلُهُ ويُعادِيهِ قال أنتِ و من معكِ أنتِ و من معكِ. (1)
يقول شيخنا الجليل محمّد بن محمّد بن النعمان الملقب بالمفيد قدس اللّه نفسه الزكية في كتاب الجمل:
«و أجمعت الشيعة على الحكم بكفر محاربي أمِير المؤمنين (عَلَيهِ السَّلَامُ) و لكنهم لم يخرجوهم بذلك عن حكم ملة الإسلام إذ كان كفرهم من طريق التأويل كفر ملة و لم يكن کفر ردة عن الشرع مع إقامتهم على الجملة منه وإظهار الشهادتين و الاعتصام بذلك عن كفر الردة المخرج عن الإسلام وإن كانوا بكفرهم خارجين عن الإيمان مستحقين به اللعنة الخلود فِي النار حسبما قدمناه وكل من قطع على ضلال محاربي أمِير المؤمنين (عَلَيهِ السَّلَامُ) من المعتزلة فهو يحكم عليهم بالفسق و استحقاق الخلود فِي النار ولا يطلق عليهم الكفر و لا يحكم عليهم بالإكفار و الخوارج تكفر أهل البصرة والشام و تخرجهم بكفرهم الّذي اعتقدوه فيهم و وسموهم به عن ملة الإسلام ومنهم من يسمهم بالشرك و يزيد على حكمه فيهم بالإكفار فهذه جمل القول فيما اختلف فيه أهل القبلة من أحكام الفتنة بالبصرة و المقتولين بها ممن ذكرناه وأحكام صِفّين و النّهروان (2)
انتهى كلامه قدس اللّه نفسه الزكية.
ص: 42
1 - عنِ الرّضا (عَلَيهِ السَّلَامُ) أنّه قال لمن بِحضرته من شِيعَتِهِ : هل علمتُم ما قذفتُ بِهِ مارِية القبطيّة، وما ادعِي عليها فِي ولادتها إبراهيم بن رسول اللّه (صَلَّى اللّه عَلَيْهِ وَآلِهِ)؟ فقالوا: يا سيّدنا، أنت أعلم، فخبّرنا. فقال: «إنّ مارية أهداها المقوقسُ إلى جدّي رسول اللّه (صَلَّى اللّه عَلَيْهِ وَآلِهِ)، فحظي بها من دُونِ أصحابه، وكان معها خادِم ممسوح، يُقالُ لَهُ: جُريحٌ، وحسن إسلامهما وإيمانهما ثُمّ ملكت مارِيةُ قلب رسُولِ اللّه (صَلَّى اللّه عَلَيْهِ وَآلِهِ)، فحسدها بعض أزواجه، فأقبلت عائِشة وحفصة تشكيانِ إلى أبويهما ميل رسولِ اللّه (صَلَّى اللّه عَلَيْهِ وَآلِهِ) إلى مارية، وإيثاره إيّاها عليهما، حتّى سولت لهما و لأبويهما أنفُسُهُما بأن يقذِفُوا مارية بأنها حملت بإبراهيم من جُريحٍ، وهُم لا يظنُّون أنّ جُريحاً خادِمٌ، فأقبل أبواهُما إِلى رسولِ اللّه (صَلَّى اللّه عَلَيْهِ وَآلِهِ) وهُو جَالِسٌ فِي مسجده، فجلسا بين يديه، قالا: يا رسول اللّه، ما يحِلُّ لنا، ولا يسعنا أن نكتُم عليك ما يظهر من خيانة واقعة بك. قال: ماذا تقُولانِ ؟! قالا: يا رسول اللّه، إِنَّ جُريحاً يأتِي من مارِية بالفاحشة العُظمى، وإنّ حملها من جُريح، وليس هُو منك. فاربد وجه رسُولِ اللّه (صَلَّى اللّه عَلَيْهِ وَآلِهِ) وتلوّن، وعرضت له سهوة لعظم ما تلقياهُ بِهِ، ثُمّ قال:
و يحكما، ما تقُولانِ ؟ قالا: يا رسول اللّه، إنا خلفنا جُريحاً و مارية فِي مشربتِها يعنيانِ حُجرتها و هُو يُفاكهها، ويُلاعِبُها، ويرومُ مِنها ما يرُومُ الرِّجالُ من النِّساء، فابعث إلى جُريح، فإنّك تجده على هذه الحال، فأنفِذ فِيهِ حُكم اللّه. فانثنى النَّبيّ إلى علي (عَلَيهِمَا السَّلَامُ)، ثُمّ قال: يا أبا الحسن، قم يا أخي ومعك ذُو الفقار، حتّى تمضي إلى مشربة مارية، فإن صادفتها وجُريحاً كما يصفانِ، فأخمِدهُما بسيفك ضرباً.
فقام عليّ (عَلَيهِ السَّلَامُ)، و اتّشح بسيفِهِ وأخذه تحت ثِيابِهِ فَلَمّا ولّى من بين يدي رسُولِ اللّه (صَلَّى اللّه عَلَيْهِ وَآلِهِ)، انثنى إليه، فقال: يا رسول اللّه، أكونُ فِي ما أمرتني كالسّكّة المحميّة فِي العهن، أو الشَّاهِدِ يرى ما لا يرى الغائِبُ ؟ فقال له النَّبيّ (صَلَّى اللّه عَلَيْهِ وَآلِهِ) : فديتك يا عليُّ، بل الشّاهِدِ يرى ما لا يرى الغائِبُ. فأقبل عليّ (عَلَيهِ السَّلَامُ) وسيفُهُ فِي يدِهِ، حتّى تسوّر من فوق مشربة مارية، و هي فِي جوف المشربة جالسة، وجُريحٌ معها يُؤدِّبُها بِآدابِ الملوك، ويقول لها: عظمي رسول اللّه (صَلَّى اللّه عَلَيْهِ وَآلِهِ)، ولبّيه، وكرّميه، ونحو هذا الكلام حتّى التفت جُريح إلى أمِير المؤمنين (عَلَيهِ السَّلَامُ)، و سيفُهُ مشهُورٌ فِي يَدِهِ، ففزع جُريحٌ إلى نخلةٍ فِي
ص: 43
المشربةِ، فصعِد إلى رأسها، فنزل أمِير المؤمنين (عَلَيهِ السَّلَامُ) إلى المشربة، وكشفتِ الريحُ عن أثوابِ جُريح، فإذا هُو خادِم ممسوحٌ، فقال له: إنزِل يا جُريحُ.
فقال: يا أميرالمؤمنين، آمِناً على نفسي؟ فقال: آمناً على نفسك.
فنزل جُريحٌ، وأخذ أمِير المؤمنين (عَلَيهِ السَّلَامُ) بيدِهِ، و جاء بِهِ إِلى رَسُولِ اللّه (صَلَّى اللّه عَلَيْهِ وَآلِهِ)، فأوقفه بين يديه، فقال له: يا رسول اللّه إن جُريحاً خادِم ممسوح. فولّى رَسُولُ اللّه (صَلَّى اللّه عَلَيْهِ وَآلِهِ) وجههُ إلى الجدار، فقال: حُلّ لهما نفسكِ لعنهما اللّه يا جُريحُ، حتّى يتبيّن كذِبُهما، وخزيهما، وجُرأتُهما على اللّه، و على رسولِهِ. فكشف عن أثوابِهِ، فإذا هُو خادم ممسُوحٌ، فأُسقِطا بين يدي رسُولِ اللّه (صَلَّى اللّه عَلَيْهِ وَآلِهِ) و قالا: يا رسول اللّه، التّوبة، إستغفر لنا. فقال رسُولُ اللّه (صَلَّى اللّه عَلَيْهِ وَآلِهِ) : لا تاب اللّه عليكما، فما ينفعُكُما إستغفارِي و معكُما هذِهِ الجرأة، فأنزل اللّه فيهما: ﴿الَّذِينَ يَرْمُونَ الْمُحْصَنَاتِ الْغَافِلَاتِ الْمُؤْمِنَاتِ لُعِنُوا فِي الدُّنْيَا وَالْآخِرَةِ وَلَهُمْ عَذَابٌ عَظِيمٌ * يَوْمَ تَشْهَدُ عَلَيْهِمْ أَلْسِنَتُهُمْ وَأَيْدِيهِمْ وَأَرْجُلُهُمْ بِمَا كَانُوا يَعْمَلُونَ) (1). (2)
2- عن علي بن إبراهيم فِي قوله تعالى : (يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا إِنْ جَاءَكُمْ فَاسِقٌ بِنَبَإٍ فَتَبَيَّنُوا أَنْ تُصِيبُوا قَوْمًا بِجَهَالَةٍ فَتُصْبِحُوا عَلَى مَا فَعَلْتُمْ نَادِمِينَ) (3) قال : فإنّها نزلت فِي مارية القبطيّة إبراهيم وكان سبب ذلك أن عائِشة قالت لِرَسُولِ اللّه (صَلَّى اللّه عَلَيْهِ وَآلِهِ) إنّ إبراهيم (عَلَيهِ السَّلَامُ) ليس هُو مِنك و إنّما هُو من جريح القبطي فإِنَّهُ يدخُلُ إِليها فِي كلّ يوم فغضب رسُولُ اللّه (صَلَّى اللّه عَلَيْهِ وَآلِهِ) و قال لأمِير المؤمنين خُذِ السّيف وائتني برأس جريح فأخذ أمِير المؤمنين (عَلَيهِ السَّلَامُ) السّيف ثُمّ قال بأبي أنت و أُمّي يا رسول اللّه إِنَّك إذا بعثتني فِي أمرأكُونُ فِيهِ كالسفُودِ المحمي فِي الوبر فكيف تأمُرُني أتثبّتُ فِيهِ أم أمضي - على ذلك فقال له رسُولُ اللّه (صَلَّى اللّه عَلَيْهِ وَآلِهِ) بل تثبت فجاء أمِير المؤمنين صلوات اللّه عليه إلى مشربةِ أمّ إبراهيم فتسلّق عليها فلما نظر إليهِ جَرِيحٌ هرب مِنهُ و صعد النّخلة فدنا مِنهُ أمِير المؤمنين (عَلَيهِ السَّلَامُ) فقال له انزل فقال له يا عليُّ اتَّقِ اللّه ما هاهنا بأس إِنِّي محبُوبٌ ثُمّ كشف عن عورتِهِ فإذا هُو مجبُوبٌ فأتى بِهِ إِلى رَسُولِ اللّه (صَلَّى اللّه عَلَيْهِ وَآلِهِ) فقال لَهُ رَسُولُ اللّه
ص: 44
ما شأنك يا جريح فقال يا رسول اللّه (صَلَّى اللّه عَلَيْهِ وَآلِهِ) إِنّ القبط يجُبُّون حشمهُم و من يدخُلُ إلى أهاليهم والقبطيُّون لا يأنسون إلّا بالقبطيّين فبعثني أبُوها لأدخل إليها وأخدمها وأُونسِها فأنزل اللّه عزّوجلّ (يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا إِنْ جَاءَكُمْ فَاسِقٌ بِنَبَإٍ﴾ (1) الآية. (2)
3- عن زُرارة قال سمعتُ أبا جعفرٍ (عَلَيهِ السَّلَامُ) يقولُ: لَا هلك إبراهيم بنُ رسُولِ اللّه (صَلَّى اللّه عَلَيْهِ وَآلِهِ) حزن عليهِ رَسُولُ اللّه (صَلَّى اللّه عَلَيْهِ وَآلِهِ) حزناً شديداً فقالت عائِشة ما الّذي يحزنك عليه فما هُو إلّا ابنُ جَرِيحٍ فبعث رسولُ اللّه (صَلَّى اللّه عَلَيْهِ وَآلِهِ) عليّاً (عَلَيهِ السَّلَامُ) وأمره بقتله فذهب على إليه ومعه السّيف وكان جرِيحُ القِبْطِيُّ فِي حائِط فضرب علي باب البُستانِ فأقبل إليهِ جرِيحٌ ليفتح له الباب فَلَمّا رأى عليّاً عرف فِي وجهه الشر فأدبر راجعاً و لم يفتح الباب فوثب عليٌّ على الحائط ونزل إلى البُستانِ و اتّبعهُ وولّى جريح مديراً فلَمّا خشي أن يُرهقه صعِد فِي نخلةٍ وصعِد عليٌّ فِي أَثرِهِ فَلَمّا دنا مِنْهُ رمى جريحٌ بِنفسِهِ من فوقِ النّخلة فبدت عورتُهُ فإذا ليس لهُ ما لِلرِّجالِ ولا لهُ ما لِلنِّساءِ فانصرف علي إلى النَّبيّ (صَلَّى اللّه عَلَيْهِ وَآلِهِ) فقال يا رسول اللّه إذا بعثتني فِي الأمر أكونُ فيه كالمسمار المحمَى أَم أَثِّبِّتُ قال لا بل اتِّبت قال والّذي بعثك بالحقّ ما لهُ ما لِلرِّجال وما لهُ ما لِلنِّساءِ فقال الحمد للّه الّذي صرف عنا السُّوء أهل البيت. (3)
أقول : هنالك خلاف بين الشيعة والسنة فِي موضوع الإفك. فالشيعة يقول إن الّتي عائِشة بنت أبي بكر و السنة يقول الّتي رميت به رميت به مارية القبطيّة والتي قذفت هي عائِشة. يقول الأستاذ المرحوم محمّد باقر البهبودي فِي تعليقه على بحار الأنوار:
«و أما قوله «ان العامَّة روت أنّها نزلت فِي عائِشة و ما رميت به فِي غزوة بَنِي المصطلق من خزاعة» فقد رووا فِي ذلك عن عائِشة - وهي قهرمانة القصة - روايات متعدّدة تعلو عليها آثار
ص: 45
الإختلاق و الأسطورة ملخصها:
كان رسول اللّه (صَلَّى اللّه عَلَيْهِ وَآلِهِ) اذا أراد سفرا أقرع بين نسائه فأيتهن خرج سهمها خرج بها معه، فلما كانت غزوة بَنِي المصطلق أقرع بينهن فخرج سهمى فخرج بی، فلما فرغ رسول اللّه من سفره وجه قافلا حتّى إذا كان قريبا من المدينة نزل منزلا فبات به بعض الليل ثُمّ أذن بالرحيل فارتحل النّاس و خرجت لبعض حاجتى و فِي عنقى عقد لي فيه جزع ظفار، فلما فرغت انسل من عنقى و لا ادرى، فلما رجعت الى الرحل ذهبت ألتمسه فِي عنقى فلم أجده وفد أخذ النّاس فِي الرحيل؛ فرجعت الى مكانى فالتمسته حتّى وجدته؛ ثُمّ جئت الى الرحل و قد أقبل الرهط الّذين كانوا يرحلون بى فاحتملوا هودجى و هم يحسبون أني فيه؛ و شدوه على البعير وانطلقوا.
فتلففت بجلبابی و اضطجعت و نمت فِي مكانى اذ مربى صفوان بن المعطل السلمي و قد كان تخلف عن العسكر، فلما رآني قرب البعير فقال اركبى و استأخر عنی و انطلق سريعا يطلب النّاس حتّى أتينا الجيش وقد نزلوا موغرين فِي نحر الظهيرة، فلما رأوني يقود بى صفوان قال أهل الافك ما قالوا و كان الّذي تولى الافك عبد اللّه بن أبي بن سلول فِي رجال من الخزرج.
فلما علمت بذلك استأذنت رسول اللّه أن آتى أبوى، فأذن لي فجئت و قلت لامي: يا أمتاه ما يتحدث النّاس ؟ قالت يا بنية هونى عليك قلما كانت امرأة وضيئة عند رجل يحبها و لها ضرائر، الا أكثرن عليها، فقلت: سبحان اللّه.
و لما تحدث النّاس بهذا دعا رسول اللّه عليّ بن أبِي طالِب وأسامة بن زيد فاستشارهما فأما أسامة فأثنى على خيرا و أما علي فانه قال: ان النساء لكثير و انك لقادر على أن تستخلف، سل الجارية فانها ستصدقك، فدعا رسول اللّه (صَلَّى اللّه عَلَيْهِ وَآلِهِ) بريرة ليسألها، فقام إليها عليّ بن أبِي طالِب فضربها ضربا شديدا، يقول: اصدقى رسول اللّه، فقالت: و اللّه ما أعلم الا خيرا الا أنها جارية حديثة السن تنام عن عجين أهلها فتأتى الداجن فتأكله.
فاستعذر رسول اللّه يومئذ فِي خطبة قصيرة خطبها فقال: من يعذرني من رجل بلغني أذاه فِي أهل بيتى فقام سعد بن معاذ فقال: أنا أعذرك ان كان من الاوس ضربت عنقه، و ان كان من الخزرج أمرت ففعلنا أمرك، فقام سعد بن عبادة سيّد الخزرج و كان قبل ذلك رجلا صالحا و لكن احتملته الحمية فقال لسعد : كذبت لعمرو اللّه ما تقتله ولا تقدر على قتله، فتثاور الحيان:
ص: 46
الأوس والخزرج، فسكتهم رسول اللّه (صَلَّى اللّه عَلَيْهِ وَآلِهِ). ثُمّ دخل رسول اللّه على وعندي ابوای، فجلس و حمد اللّه و أثنى عليه، ثُمّ قال: يا عائِشة ! قد كان ما بلغك من قول الناس، فاتقى اللّه و ان كنت قد قارفت سوءا فتوبى الى اللّه، فقلت : واللّه لا أتوب واللّه يعلم انى لبريئة، فما برح رسول اللّه (صَلَّى اللّه عَلَيْهِ وَآلِهِ) حتّى نزل عليه الوحى ببراءتي.
ثمّ ان حسانا هجا صفوان بن المعطل فاعترضه صفوان و ضربه بذباب السيف. فلما جاء به الى رسول اللّه استوهبه من حسان فوهبه له وأعطاه عوضا منها بئر حاء و سیرین أمة قبطية فولدت له عبد الرّحمن بن حسان، ولقد سئل عن ابن المعطل فوجدوه رجلا حصورا ما يأتي النساء، وفي لفظ أنّه لما بلغه خبز الافك قال: سبحان اللّه واللّه ما كشفت كنف أنثى قط، فقتل بعد ذلك شهيدا فِي سبيل اللّه.
هذا ملخص القصة، وقد كان الغالب عليها طنطنة القصاصين، فأعرضنا عن ذكرها بتفصيلها لان العارف بسبك الآثار المختلقة قليل؛ و انما ذكرنا منها ما يمكننا النقد عليها و يصحّ تمسك العموم بها، فنقول:
1 - راوية هذا الإفك نفس عائِشة، وقد تفرد بنقله، و لم يرد فِي سرد غزوة المريسيع ذكر من ذلك، و كلّ من ذكر القصة أفرد لها فصلا على حدة بعد ذكره غزوة المريسيع برواية عائِشة.
2- إن رسول اللّه (صَلَّى اللّه عَلَيْهِ وَآلِهِ) لم يكن ليخرج معه نساءه فِي الغزوات، و لم يرد ذكر من ذلك فِي غزوة من غزواته حتّى فِي غزوة بَنِي المصطلق الا من عائِشة فِي حديثه هذا.
غزا رسول اللّه (صَلَّى اللّه عَلَيْهِ وَآلِهِ) بَنِي المصطلق مغيرا يسرع السير اليهم فهجم عليهم، لما بلغه أنهم يجمعون له؛ فلم يكن يناسب له مع هذا أن يخرج معه عائِشة معه عائِشة ولا غيرها.
4- كان رسول اللّه (صَلَّى اللّه عَلَيْهِ وَآلِهِ) نزل بالجيش فبات به بعض الليل ثُمّ ارتحل بالليل، ولم تكن عائِشة تحتاج بالليل أن تبعد عن الجيش لقضاء حاجتها، فكيف لم تسمع همهمة الركبان و قعقعة السلاح و صهيل الافراس حين قفلوا و أبعدوا، و كيف لم تعد حتّى تدرك القافلة، وكيف غلبتها عينها فنامت و الحال هذه.
5 - هل كانت جائشة فِي هذه الغزوة وحدها؛ لم تكن معه امرأة أخرى من خادم و غيره ؟ كيف يكون ذلك ؟ و لو كان معها غيرها كيف لم يخبر الرحالين أن عائِشة راحت لتفقد عقدها، و
ص: 47
الهودج خالية عنها.
6- أشار علي على رسول اللّه أن يسأل الجارية - و هي بريرة مولاة عائِشة- فان كانت هي عندها في سفرتها هذه فكيف لم تخبر النّاس أن الهودج خالية، وإذا لم تكن عندها. فكيف أشار علي ليسألها رسول اللّه، ثُمّ ضربها ضربا شديدا ليصدق و لم سألها رسول اللّه عن ذلك و هي لم تكن فِي السفرة.
7 - تكلمت عائِشة مع امها أم رومان، و قد رووا أنها توفيت سنة أربع و قيل سنة خمس، لكنهم قالوا بوفاتها آخر سنة ست تحكما ليتوافق مع خبر الافك، و هُو كما ترى.
8 - سعد بن معاذ استشهد بعد غزوة بنى قريظة سنة خمس فكيف تشاور مع سعد بن عبادة بعد غزوة بَنِي المصطلق فِي سنة ست ؟ حكموا بأن الغزوة كانت قبل الخندق ليتوافق مع خبر الافك و هُو تحكم.
9 - سیرین أخت مارية القبطيّة أهديت الى النَّبيّ (صَلَّى اللّه عَلَيْهِ وَآلِهِ) فِي سنة سبع وقيل سنة ثمان، فوهبها النَّبيّ (صَلَّى اللّه عَلَيْهِ وَآلِهِ) لحسان ترى نص ذلك فِي كتب التراجم: ترجمة صفوان؛ و سيرين و مارية و عبد الرّحمن بن حسان فكيف تقول عائِشة : وهبها رسول اللّه لحسان فِي هذه القصة و هي حينئذ بالاسكندرية عند مالكها المقوقس.
10 - زعمت أن صفوان كان حصورا - والحصور ان كان بمعنى حبس النفس عن الشهوات؛ فهو وصف اختيارى؛ لا ينفع تبرئة لها، مع أنّه لا يصح التعبير بأنهم وجدوه كذلك؛ و ان كان وصفا لخلقته؛ فقد روى فِي حديث صححه ابن حجر عند ترجمة صفوان أنّه جاءت امرأة صفوان بن المعطل الى النَّبيّ (صَلَّى اللّه عَلَيْهِ وَآلِهِ) فقالت يا رسول اللّه ان زوجى صفوان يضربني الحديث، قال ابن حجر، وقد أورد هذا الاشكال قديما البخاري و مال الى تضعيف الحديث. فترى أنهم يضعفون الحديث الصحيح ليصح لهم حديث الافك، ان هذا لشيء عجاب.
11 - لقد صح ان رسول اللّه (صَلَّى اللّه عَلَيْهِ وَآلِهِ) بعد ما قال عبد اللّه بن أبي ما قال، رحل من اللّه المريسيع و لم ينزل بهم الا فِي اليوم الثاني حين آذتهم الشَّمس، فوقعوا نیاما، و انما فعل ذلك ليشغل النّاس عن الحديث الّذي كان بالامس، ثُمّ راح بعد يقظتهم حتّى سلك الحجاز و نزل بقعاء ثُمّ رحل مسرعا حتّى قدم المدينة، فلم ينزل ليلا أو بعض ليل حتّى يصح قولها في رواحها لقضاء الحاجة.
ص: 48
12- كيف تصدى القرآن العزيز ردا على ابن أبي فِي قوله: «ليُخرِجن الأعزُّ مِنها الأذلّ» (1) فأنزل سورة المنافقون و ذكر فيها مقاله و خبث نيته ولم يذكر قصة الإفك و ظرفها سورة المنافقون، ثُمّ ذكرها فِي سورة النور؛ و قد نزل فِي سنة تسع بعد ثلاث سنين.
13 - تقول آية الإفك «إنّ الّذين يرمُون المحصنات الغافِلاتِ المؤمِناتِ» (2) فوصفها أولا بالغفلة عن هذا الافك، وهو يناسب مارية القبطيّة حيث كانت خارجة عن المدينة نازلة فِي مشربتها لا يختلف عندها الا رسول اللّه (صَلَّى اللّه عَلَيْهِ وَآلِهِ) ونسيبها المأبور: و اما عائِشة فقد كانت قهرمانة الافك وحيث بقيت مع صفوان وحدها، و لم يدركا الجيش الا فِي نحر الظهيرة فلتذهب نفسها كلّ مذهب وكيف كانت غافلة ذلك عن و هي تقول: «فارتعج العسكر؛ لما رأوا أن طلع الرجل يقود بي».
14- وصفها آية الافك بالايمان والحال أن القرآن العزيز يعرض بعدم ايمان عائِشة فِي قوله «عسى ربُّهُ إِن طلّقكُن أن يُبدِلهُ أزواجاً خيراً مِنكُن مُسلِماتٍ مُؤمِناتِ» الآية وهكذا يؤذن بتظاهرها على النَّبيّ (صَلَّى اللّه عَلَيْهِ وَآلِهِ) فِي قوله «إن تتُوبا إلى اللّه فقد صغت قُلُوبُكُما وإِن تظاهرا عليه فإنّ اللّه هُو مولاه و جبريل و صالح المؤمنين و الملائكةُ بعد ذلك ظهير»، ثُمّ يعرض بخيانتها فِي قوله: «ضرب اللّه مثلا لِلَّذِين كفرُوا امرأت نُوحٍ و امرأت لُوطٍ كانتا تحت عبدينِ من عِبادِنا صالحين فخانتاهما، فلم يُغنيا عنهُما من اللّه شيئاً وقيل ادخُلا النار مع الدّاخلين»(3) . (4)
إنتهى كلامه رحمه اللّه تعالی.
ص: 49
1- عن الحسن البصري: أن رسول اللّه (صَلَّى اللّه عَلَيْهِ وَآلِهِ) تزوّج امرأةٌ من بَنِي عامر بن صعصعة، يُقال لها شنباء، وكانت من أجمل أهل زمانها، فلما نظرت إليها عائِشة وحفصة، قالتا: لتغلبنا هذه على رسول اللّه (صَلَّى اللّه عَلَيْهِ وَآلِهِ) بجمالها، فقالتا لها: لا يرى منكِ رسولُ اللّه (صَلَّى اللّه عَلَيْهِ وَآلِهِ) حرصاً. فلمّا دخلت على رسول اللّه (صَلَّى اللّه عَلَيْهِ وَآلِهِ) تناولها بيده، فقالت : أعوذُ باللّه، فانقبضت يد رسول اللّه (صَلَّى اللّه عَلَيْهِ وَآلِهِ) عنها، فطلقها وألحقها بأهلها.
و تزوّج رسول اللّه (صَلَّى اللّه عَلَيْهِ وَآلِهِ) امرأةٌ من كندة بنت أبي الجون، فلما مات إبراهيم بن رسول اللّه (صَلَّى اللّه عَلَيْهِ وَآلِهِ) ابنُ مارية القبطيّة، قالت: لو كان نبيّاً ما مات ابنُه. فألحقها رسولُ اللّه (صَلَّى اللّه عَلَيْهِ وَآلِهِ) بأهلها قبل أن يدخل بها، فلَمّا قُبض رسولُ اللّه (صَلَّى اللّه عَلَيْهِ وَآلِهِ) و ولّي النّاس أبوبكر، أتته العامرية والكندية وقد خُطبتا، فاجتمع أبوبكر و عمر، فقالا لهما إختارا إن شئتما الحجاب، وإن شئتُما الباه فاختارتا الباه، فتزوّجتا، فجُذِم أحد الرجلين، وجُنّ الآخر.
قال عُمرُ بنُ أذينة: فحدثتُ بهذا الحديثِ زُرارة و الفضيل، فرويا عن أبي جعفر (عَلَيهِ السَّلَامُ) أنّه قال: «ما نهى اللّه عزو جل عن شيءٍ إلّا وقد عُصِي فيه، حتّى لقد نكحُوا أزواج رسول اللّه (صَلَّى اللّه عَلَيْهِ وَآلِهِ) من بعده». وذكرهاتين:
العامرية، والكندية.
ثم قال أبو جعفر (عَلَيهِ السَّلَامُ): «لو سألتهم عن رجل تزوج امرأة فطلقها قبل أن يدخُل بها، أتحلُّ لإبنه ؟ لقالوا:
لا، فرسولُ اللّه (صَلَّى اللّه عَلَيْهِ وَآلِهِ) أعظم حرمةً من آبائِهِم». (1)
2- قال علي بن إبراهيم فِي قوله تعالى : (يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا لَا يَسْخَرْ قَوْمٌ مِنْ قَوْمٍ عَسَى أَنْ يَكُونُوا خَيْرًا مِنْهُمْ وَلَا نِسَاءٌ مِنْ نِسَاءٍ عَسَى أَنْ يَكُنَّ خَيْرًا مِنْهُنَّ) فإنها نزلت فِي صفيّة بِنتِ بن أخطب وكانت زوجة رسُولِ اللّه (صَلَّى اللّه عَلَيْهِ وَآلِهِ) وذلك أنّ عائِشة وحفصة كانتا تُؤذيانِها و تشتمانها
ص: 50
و تقُولان لها يا بنت اليَهوديَّة فشكت ذلك إلى رسُول اللّه (صَلَّى اللّه عَلَيْهِ وَآلِهِ) فقال لها ألا تُجيبنهما فقالت بما ذا يا رسُول اللّه قال قُولِي إِنّ أبي هارون نيُّ اللّه وَ عَمِّي مُوسى كَلِيمُ اللّه و زوجي محمّد رسُولُ اللّه (صَلَّى اللّه عَلَيْهِ وَآلِهِ) فما تُنكِرانِ مِنّي فقالت لهما فقالتا هذا علمكِ رَسُولُ اللّه فأنزل اللّه فِي ذلك ﴿يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا لَا يَسْخَرْ قَوْمٌ مِنْ قَوْمٍ عَسَى أَنْ يَكُونُوا خَيْرًا مِنْهُمْ﴾ إلى قولهِ ﴿وَلَا تَنَابَزُوا بِالْأَلْقَابِ بِئْسَ الِاسْمُ الْفُسُوقُ بَعْدَ الْإِيمَانِ) (1). (2)
1- عن أبي عبد اللّه (عَلَيهِ السَّلَامُ)، قال: قال لي: «أتدري ما الفاحشة المبينة؟» قلت: لا. قال: «قتال أمِير المؤمنين (عَلَيهِ السَّلَامُ)» يعني أهل الجمل. (3)
2 - عن حريز قال: سألتُ أبا عبد اللّه (عَلَيهِ السَّلَامُ) عن قول اللّه (يَا نِسَاءَ النَّبِيِّ مَنْ يَأْتِ مِنْكُنَّ بِفَاحِشَةٍ مُبَيِّنَةٍ يُضَاعَفْ لَهَا الْعَذَابُ ضِعْفَيْنِ) (4) قال الفاحِشَةُ الخُرُوجُ بِالسّيفِ. (5)
3 - قال عليّ (عَلَيهِ السَّلَامُ) : فأمّا فُلانةُ فأدركها رأي النِّساءِ وضغنّ غلا فِي صدرها كمرجل القين ولو دُعيت لتنال من غيري ما أتت إلي لم تفعل و لها بعدُ حُرمتها الأولى والحِسابُ على اللّه. (6)
ص: 51
1- قال سلمان فأتيتُ عليّاً (عَلَيهِ السَّلَامُ) وهُو يُغسّل رسُول اللّه (صَلَّى اللّه عَلَيْهِ وَآلِهِ) و قد كان رسُولُ اللّه (صَلَّى اللّه عَلَيْهِ وَآلِهِ) أوصى عليّاً (عَلَيهِ السَّلَامُ) أن لا يلي غُسله غيرُه فقال يا رسول اللّه فمن يُعِينُنِي على ذلك فقال جبرائيل فكان عليّ (عَلَيهِ السَّلَامُ) لا يُرِيدُ عُضواً إِلَّا قُلّب لهُ فَلَمّا غسله وحنّطه وكفنه أدخلني و أدخل أبا ذرّو المقداد وفاطمة والحسن والحُسين (عَلَيهِم السَّلَامُ) فتقدّم عليّ (عَلَيهِ السَّلَامُ) وصففنا خلفه وصلّى عليه وعائِشة فِي الحجرة لا تعلم قد أخذ اللّه ببصرها. (1)
2 - أبان عن سليم قال سمعت سلمان وأبا ذرو المقداد وسألتُ عليّ بن أبِي طالِب صلواتُ اللّه عليه عن ذلك فقال صدقوا قالُوا دخل عليّ بن أبِي طالِب (عَلَيهِ السَّلَامُ) على رسول اللّه (صَلَّى اللّه عَلَيْهِ وَآلِهِ) و عائِشة قاعدة خلفه وعليها كساء والبيتُ غاصٌ بِأهلِهِ فِيهِمُ الخمسة أصحابُ الكِتابِ و الخمسة أصحابُ الشُّورى فلم يجد مكاناً فأشار إليهِ رَسُولُ اللّه (صَلَّى اللّه عَلَيْهِ وَآلِهِ) هاهنا يعني خلفه فجاء عليّ (عَلَيهِ السَّلَامُ) فقعد بين رسول اللّه (صَلَّى اللّه عَلَيْهِ وَآلِهِ) و بين عائِشة وأقعى كما يُقعِي الأعرابي فدفعته عائِشة و غضبت وقالت أما وجدت لاستك موضعاً غير حجري فغضب رسُولُ اللّه (صَلَّى اللّه عَلَيْهِ وَآلِهِ) و قال مه يا حميراءُ لا تُؤذِينِي فِي أَخِي علي فإِنَّهُ أمِير المؤمنين وسيّد المسلمين و صاحِبُ لِواءِ الحمدِ وقائِدُ الغُر المحجلين يوم القيامةِ يجعلُهُ اللّه على الصِّراطِ فيُقاسِمُ النَّار فيُدخل أولياءه الجنّة ويُدخِلُ أعداءه النّار. (2)
3 - عن أمِير المؤمنين (صلوات عليه وآله) قال: أتيتُ النَّبيّ (صَلَّى اللّه عَلَيْهِ وَآلِهِ) و عنده أبوبكرو عُمر فجلستُ بينه وبين عائِشة فقالت لي عائِشة ما وجدت إِلا فَخِذِي أو فخذ رسول اللّه (صَلَّى اللّه عَلَيْهِ وَآلِهِ) فقال مه يا عائِشة لا تُؤْذِينِي فِي علي فإِنَّهُ أَخِي فِي الدُّنيا وأخِي فِي الْآخِرَةِ وهُو أمِير المؤمنين يُجلِسُهُ اللّه يوم القيامةِ على الصِّراطِ فيُدخِلُ أولياءه الجنّة وأعداءه النّار. (3)
ص: 52
1 - عن أُم سلمة زوج النَّبيّ (صَلَّى اللّه عَلَيْهِ وَآلِهِ) قالت حجّ رسُولُ اللّه (صَلَّى اللّه عَلَيْهِ وَآلِهِ) عام حجّة الوداع بأزواجِهِ فكان يأْوِي فِي كلّ يوم وليلةٍ إلى امرأةٍ مِنهُنّ وهُو حرام يبتغي بذلك العدل بينهنّ قالت فلما أن كانت ليلة عائِشة ويومها خلا رسُولُ اللّه (صَلَّى اللّه عَلَيْهِ وَآلِهِ) بعليّ بن أبِي طالِب (عَلَيهِ السَّلَامُ) يُناجِيه و هُما يسيران فأطال مُناجاته فشق ذلك على عائِشة فقالت إنّي أريد أن أذهب إلى علي فأناله أو قالت أتناوله بلساني فِي حبسِهِ رسول اللّه (صَلَّى اللّه عَلَيْهِ وَآلِهِ) عنّي فنهيتها فنصّت ناقتها فِي السّير ثُمّ إنّها رجعت إلي وهي تبكي فقُلتُ ما لكِ فقالت إِنِّي أتيتُ النّي (صَلَّى اللّه عَلَيْهِ وَآلِهِ) فقلتُ يا ابن أبي طالب ما تزال تحبِسُ عنِّي رسول اللّه (صَلَّى اللّه عَلَيْهِ وَآلِهِ) فقال رسُولُ اللّه (صَلَّى اللّه عَلَيْهِ وَآلِهِ) لا تولي بيني وبين عليّ إِنَّهُ لا يخافُهُ فِي أحدٌ وإِنَّهُ لَا يُبْغِضُهُ وَالّذي نَفْسِي بِيَدِهِ مُؤْمِنٌ ولا يُحِبُّهُ كَافِرُ أَلا إِنّ الحقّ بعدِي مع على يميل معه حيثُ ما مال لا يفترقانِ جميعاً حتّى يردا علي الحوض قالت أم سلمة فقُلتُ لها قد كُنتُ نهيتُكِ فأبيتِ إِلّا ما صنعتِ. (1)
1- عن أبي جعفر (عَلَيهِ السَّلَامُ) قال: كان رسولُ اللّه (صَلَّى اللّه عَلَيْهِ وَآلِهِ) عند عائِشة ذات ليلة فقام يتنفّل فاستيقظت عائِشة فضربت بيدِها فلم تجده فظنّت أنّه قد قام إلى جاريتها فقامت تطُوفُ عليهِ فوطِئت على عُنُقِهِ وهُو ساجِدٌ باكٍ يقولُ سجد لك سوادِي و خيالِي وآمن بِك فُؤادِي أَبُوءُ إليك بِالنِّعم وأعترف لك بالذنب العظيم عملتُ سُوءاً و ظلمتُ نفسِي فَاغفِرلِي إِنَّهُ لَا يَغْفِرُ الذنب العظيم إلّا أنت أعُوذُ بِعفوك من عُقوبتك وأعُوذُ بِرِضاك من سخطك وأعُوذُ بِرحمتك من نقمتك وأعُوذُ بِكَ مِنك لا أبلغ مدحك والثناء عليك أنت كما أثنيت على نفسك أستغفرك و أتُوبُ إليك فلما انصرف قال يا عائِشة لقد أوجعتِ عُنُقِي أيّ شيءٍ حَشِيتِ أن أقوم إلى جاريتك. (2)
ص: 53
1- عن ابن عبَّاس أنّه رأت حفصةُ النَّبيّ (صَلَّى اللّه عَلَيْهِ وَآلِهِ) فِي حُجرة عائِشة مع مارية القبطيّة، فقال: «أتكتمين عليّ حديثي؟» قالت: نعم. قال: «إنّها علي حرام» ليطيب قلبها، فأخبرت عائِشة سرتها من تحريم مارية، فكلمت عائِشة النَّبيّ (صَلَّى اللّه عَلَيْهِ وَآلِهِ) فِي ذلك، فنزل (وإذ أسر النَّبيّ إِلى بعض أزواجِهِ حديثاً) إلى قوله (فإنّ اللّه هُو مولاه و جبريل و صالح المؤمنين) قال : صالح المؤمنين واللّه علي، يقولُ اللّه : واللّه حسبه (وَالْمَلَائِكَةُ بَعْدَ ذَلِكَ ظَهِيرٌ) (1). (2)
2- عن سليم قال سمعت عليّاً (عَلَيهِ السَّلَامُ) يقولُ : أسرّ إلي رسُولُ اللّه (صَلَّى اللّه عَلَيْهِ وَآلِهِ) يوم تُوُفِّي وقد أسندتُهُ إلى صدرِي ورأسُهُ عِند أُذُني وقد أصغتِ المرأتانِ لتسمعا الكلام فقال رَسُولُ اللّه اللّهمّ سُدّ مسامِعهُما ثُمّ قال يا علي أرأيت قول اللّه تعالى (إِنَّ الَّذِينَ آمَنُوا وَعَمِلُوا الصَّالِحَاتِ أُولَئِكَ هُمْ خَيْرُ الْبَرِيَّةِ ﴾ أتدري من هُم قُلتُ اللّه ورسوله أعلمُ قال فإنّهم شيعتنا وأنصارك و موعدي و موعِدُهُمُ الحوضُ يوم القيامةِ إذا جَيْتِ الأُمم على ركبها و بدا اللّه فِي عرض خلقه فيدعُوك و شيعتك فتجِيئُونِي غُرّاً مُحجّلين شباعاً مروتين يا علي (إِنَّ الَّذِينَ كَفَرُوا مِنْ أَهْلِ الْكِتَابِ وَالْمُشْرِكِينَ فِي نَارِ جَهَنَّمَ خَالِدِينَ فِيهَا أُولَئِكَ هُمْ شَرُّ الْبَرِيَّةِ) (3) فهُمُ اليهود وبنو أُميّة وشيعتهم يُبعثون يوم القيامةِ أشقياء جياعاً عِطاشاً مُسوداً وُجُوهُهُم. (4)
3 - عن أبي جعفر (عَلَيهِ السَّلَامُ) فِي قوله عزّ و جلّ (وَإِذْ أَسَرَّ النَّبِيُّ إِلَى بَعْضِ أَزْوَاجِهِ حَدِيثًا) (5) قال أسرّ إليهما أمر القبطيّة وأسر إليهما أن أبا بكر و عُمر يليان أمر الأمَّة من بعده ظالمين فاجرين غادِرين. (6)
ص: 54
1- قال علي بن إبراهيم أنّ رسُول اللّه (صَلَّى اللّه عَلَيْهِ وَآلِهِ) كان فِي بعض بُيُوتِ نِسائِهِ و كانت مارية القبطيّة تكُونُ معه تخدمُه و كان ذات يومٍ فِي بيت حفصة فذهبت حفصة فِي حاجةٍ لها فتناول رسُولُ اللّه مارية، فعلمت حفصةُ بِذلِك فغضبت وأقبلت على رسولِ اللّه (صَلَّى اللّه عَلَيْهِ وَآلِهِ) و قالت یا رسول اللّه هذا فِي يومي و فِي داري و على فراشي فاستحيا رسُولُ اللّه
منها، فقال كفى فقد حرّمتُ مارية على نفسي ولا أطوها بعد هذا أبداً و أنا أُفضي إليك سِرّاً فإن أنتِ أخبرتِ بِهِ فعليكِ لعنةُ اللّه والملائِكَةِ والنّاسِ أجمعِين فقالت نعم ما هُو فقال إن أبا بكريلي الخلافة بعدِي ثُمّ من بعدِهِ أَبُوكِ فقالت من أخبرك بهذا قال اللّه أخبرني فأخبرت حفصة عائِشة من يومها ذلك وأخبرت عائِشة أبا بكر فجاء أبوبكر إلى عُمر فقال له إنّ عائِشة أخبرتني عن حفصة بشيءٍ ولا أثق بقولها فاسأل أنت حفصة، فجاء عُمر إلى حفصة، فقال لها ما هذا الّذي أخبرت عنكِ عائِشة، فأنكرت ذلك قالت ما قُلتُ لها من ذلك شيئاً، فقال لها عُمرُ إن كان هذا حقّاً فأخبرينا حتّى نتقدّم فِيهِ، فقالت نعم قد قال رسُولُ اللّه ذلك فاجتمع...على أن يسُمُّوا رسول اللّه فنزل جبرئيل على رسولِ اللّه (صَلَّى اللّه عَلَيْهِ وَآلِهِ) بهذهِ السُّورة (يَا أَيُّهَا النَّبِيُّ لِمَ تُحَرِّمُ مَا أَحَلَّ اللَّهُ لَكَ) إلى قوله (تَحِلَّةَ أَيْمَانِكُمْ) يعني قد أباح اللّه لك أن تُكفّر عن يمينك (وَاللَّهُ مَوْلَاكُمْ وَهُوَ الْعَلِيمُ الْحَكِيمُ * وَإِذْ أَسَرَّ النَّبِيُّ إِلَى بَعْضِ أَزْوَاجِهِ حَدِيثًا فَلَمَّا نَبَّأَتْ بِهِ﴾ أي أخبرت بِهِ (وَأَظْهَرَهُ اللَّهُ﴾ يعني أظهر اللّه نبيه على ما أخبرت بِهِ و ما هموا بِهِ عرف بعضه أي أخبرها و قال لم أخبرت بما أخبرتُكِ وقوله (وَأَعْرَضَ عَنْ بَعْضٍ) قال لم يُخبِرُهُم بِما علم ما همُّوا بِهِ (قَالَتْ مَنْ أَنْبَأَكَ هَذَا قَالَ نَبَّأَنِيَ الْعَلِيمُ الْخَبِيرُ * إِنْ تَتُوبَا إِلَى اللَّهِ فَقَدْ صَغَتْ قُلُوبُكُمَا وَإِنْ تَظَاهَرَا عَلَيْهِ فَإِنَّ اللَّهَ هُوَ مَوْلَاهُ وَجِبْرِيلُ وَصَالِحُ الْمُؤْمِنِينَ) يعني أميرالمؤمنين (عَلَيهِ السَّلَامُ) و الملائكة بعد ذلك ظهير يعني لأمِير المؤمنين (عَلَيهِ السَّلَامُ). ثُمّ خاطبها فقال: (عَسَى رَبُّهُ إِنْ طَلَّقَكُنَّ أَنْ يُبْدِلَهُ أَزْوَاجًا خَيْرًا مِنْكُنَّ مُسْلِمَاتٍ مُؤْمِنَاتٍ قَانِتَاتٍ تَائِبَاتٍ عَابِدَاتٍ سَائِحَاتٍ ثَيِّبَاتٍ وَأَبْكَارًا) (1) عرّض عائِشة لأنّه لم يتزوّج ببكر غير عائِشة. (2)
ص: 55
2 - عن أبي عبد اللّه (عَلَيهِ السَّلَامُ) قال: تدرون مات النَّبيّ (صَلَّى اللّه عَلَيْهِ وَآلِهِ) و قُتِل إِنَّ اللّه يقولُ (أَفَإِنْ مَاتَ أَوْ قُتِلَ انْقَلَبْتُمْ عَلَى أَعْقَابِكُمْ) فسم قبل الموتِ إنهما سمتاه فقُلنا إنهما وأبويهما شر من خلق اللّه. (1)
3 - عنِ الصَّادق (عَلَيهِ السَّلَامُ) فِي قوله تعالى (وَإِذْ أَسَرَّ النَّبِيُّ إِلَى بَعْضِ أَزْوَاجِهِ حَدِيثًا) هي حفصة قال الصَّادق (عَلَيهِ السَّلَامُ) كفرت فِي قولها من أنبأك هذا وقال اللّه فيها و فِي أختها (إِنْ تَتُوبَا إِلَى اللَّهِ فَقَدْ صَغَتْ قُلُوبُكُمَا) أي زاغت والرّيعُ الكُفرُو فِي رواية أنّه أعلم حفصة أن أباها وأبا بكريليان الأمر فأفشت إلى عائِشة فأفشت إلى أبيها فأفشى إلى صاحِبِهِ فاجتمعا على أن يستعجلا ذلك على أن يسقِياهُ سماً فَلَمّا أخبرهُ اللّه بِفِعلهما هم بقتلهما فحلفا له أنهما لم يفعلا فنزل (يَا أَيُّهَا الَّذِينَ كَفَرُوا لَا تَعْتَذِرُوا الْيَوْمَ) (2). (3)
1- قال علي بن إبراهيم فِي قوله (ضَرَبَ اللَّهُ مَثَلًا) ثُمّ ضرب اللّه فيهما مثلًا فقال: ﴿ضَرَبَ اللَّهُ مَثَلًا لِلَّذِينَ كَفَرُوا امْرَأَتَ نُوحٍ وَامْرَأَتَ لُوطٍ كَانَتَا تَحْتَ عَبْدَيْنِ مِنْ عِبَادِنَا صَالِحَيْنِ فَخَانَتَاهُمَا) فقال واللّه ما عنى بقوله فخانتاهما إلّا الفاحشة وليُقيمنّ الحدّ على فُلانة فيما أتت فِي طريقٍ البصرة وكان فُلانٌ يُحِبُّها فلَمّا أرادت أن تخرج إلى البصرة قال لها فُلانٌ لا يحلُّ لكِ أن تخرجي من غير محرم فزوجت نفسها من فُلانٍ. (4)
ص: 56
1 - عنِ الكاظم عن أبيه (عَلَيهِمَا السَّلَامُ) قال: قال رسولُ اللّه (صَلَّى اللّه عَلَيْهِ وَآلِهِ) فِي وصيته لعليّ (عَلَيهِ السَّلَامُ) يا عليُّ إنّ فُلانة وفُلانة ستُشاقّانِك وتُبغِضانِك بعدِي و تخرُجُ فُلانةُ عليك فِي عساكر الحديدِ وتخلُفُ الأُخرى تجمع إليها الجُمُوع هُما فِي الأمرِسواءٌ فما أنت صانع يا علي قال يا رسُول اللّه إِن فعلتا ذلك تلوتُ عليهما كِتاب اللّه وهُو الحُجّةُ فيما بيني وبينهما فإن قبلتا وإلا خبّرتُهُما بِالسُّنّةِ و ما يجب عليهما من طاعتي وحقِّي المفروض عليهما فإن قبلتاه وإلا أشهدتُ اللّه وأشهدتك عليهما ورأيتُ قِتالهما على ضلالتهما قال و تعقِرُ الجمل و إن وقع فِي النَّارِ قُلتُ نعم قال اللّهمّ اشهد ثُمّ قال يا علي إذا فعلتا ما شهد عليهما القُرآنُ فأبنهما مِنِّي فَإِنَّهُما بائِنتانِ وأبواهُما شريكان لهما فيما عملتا وفعلتا قال وكان فِي وصيّتِهِ (صَلَّى اللّه عَلَيْهِ وَآلِهِ) يا علي اصبر على الظالمين فإنّ الكُفريُقبِلُ والرِّدَةُ والنّفاق مع الأولِ مِنهُم ثُمّ الثَّانِي وهُو شر مِنهُ وأَظْلَمُ ثُمّ الثَّالِثِ ثُمّ يجتمِعُ لك شيعةٌ تُقاتِلُ بِهِمُ النَّاكِثِين والقاسطين والمتّبِعِين المضِلّين واقنت عليهم هُمُ الأحزاب وشيعتهم. (1)
«بسم اللّه الرّحمن الرحيم من عائِشة ابنة أبي بكرأم المؤمنين زوجة النَّبيّ إلى ابنها المخلص زيد بن صوحان أما بعد فإذا جاءك كتابي هذا فأقم فِي بيتك واخذل النّاس عن علي حتّى يأتيك أمري وليبلغني عنك ما أُقربه فإنك من أوثق أهلي عندي والسلام».
فكتب إليها زيد بن صوحان رضي اللّه عنه.
«بسم اللّه الرّحمن الرحيم من زيد بن صوحان إلى عائِشة بنت أبي بكر أما بعد فإن اللّه أمرك بأمرو أمرنا بأمر أمرك أن تقري فِي بيتك و أمرنا بالجهاد فأتاني كتابك بضد ما أمر اللّه به وذلك خلاف الحق والسلام». (2)
ص: 57
1- قال النَّبيّ (صَلَّى اللّه عَلَيْهِ وَآلِهِ) ما جرى فِي أمم الأنبياء قبلي شيء إلّا ويجري فِي أمتي مثله وذكر خروج الصفراء بنت شعيب على وصيّ مُوسى، ثُمّ قال: وإنّ مِنكن من تخرج على وصتي، ثُمّ قال: يا حميراء لا تكونيها فأخبر بذلك قبل كونه. (1)
2 - عن أم سلمة فِي حديثِ كلامها مع عائِشة لما أرادت الخروج أنها قالت لها: أتذكرين يوم أراد رسول اللّه (صَلَّى اللّه عَلَيْهِ وَآلِهِ) سفراً و أنا أجش له جشيشاً ؟ فقال: ليت شعري أيتكن صاحبةُ الجمل الأدبب؟ تنبحها كلابُ الحوأب إلى أن قال: إنّقي اللّه يا حميراء أن تكونيه، أتذكرين هذا يا عائِشة ؟ قالت: نعم، ويوم تبدلنا لِرسول اللّه (صَلَّى اللّه عَلَيْهِ وَآلِهِ) فلبست ثيابي ولبست ثيابك، فجاء رسول اللّه (صَلَّى اللّه عَلَيْهِ وَآلِهِ) فجلس إلى جنبك، فقال: أتظنين يا حميراء أنّي لا أعرفُكِ ؟ أما إن لأُمّتي منكِ يوماً مُرّاً. أو يوماً أحمر. أتذكرين هذا يا عائِشة ؟ قالت نعم. (2)
3 - عن عبد الرّحمن بن مسعود العبدي فِي حديث أن عائِشة دخلت على أم سلمة تسألها أن تخرج معها، فقالت: يا عائِشة أ أخرجُ وقد سمعتُ من رسول اللّه (صَلَّى اللّه عَلَيْهِ وَآلِهِ) ما سمعنا؟ نشدتُكِ باللّه يا عائِشة أتذكرين يوماً كان يومُكِ من رسولِ اللّه (صَلَّى اللّه عَلَيْهِ وَآلِهِ) فصنعتُ حريرةً فِي بيتي فأتيتُه بِها وهو يقول: واللّه لا تذهب الأيام والليالي حتّى تتنابح كلابُ ماء بالعراق، يُقالُ له الحوأب إمرأةٌ من نِسائي فِي فئةٍ باغية ! فضحكتِ أنتِ فالتفت إليكِ فقال: مم تضحكين يا حميراء؟ إنّي لأحسبك هي، ونشدتكِ باللّه يا عائِشة، أتذكرين ليلةً أُسري بنا مع رسول اللّه (صَلَّى اللّه عَلَيْهِ وَآلِهِ) مكان كذا وكذا وهو بيني وبين عليّ بن أبِي طالِب يُحدّثنا، فأدخلت جملكِ فحال بينه وبين عليّ (عَلَيهِ السَّلَامُ) فرفع مقرعةً كانت معه، يضرب بها وجه جملكِ وقال أما واللّه، ما يومه منكِ بواحد، ولا ليلته منكِ بواحدةٍ أما إنّه لا يُبغضه إلّا منافق كذَّابٌ. (3)
ص: 58
4- عن جعفر بن محمّد الصَّادق عن آبائه عن علي (عَلَيهِم السَّلَامُ) قال : كنتُ أنا و رسُولُ اللّه (صَلَّى اللّه عَلَيْهِ وَآلِهِ) فِي المسجد بعد أن صلّى الفجرثُم نهض ونهضت معه و كان إذا أراد أن يتجه إلى موضع أعلمني بذلك فكان إذا أبطأ فِي الموضعِ صِرتُ إليهِ لأعرف خبره لأنّه لا يتقار قلبي على فراقهِ ساعةً فقال لي أنا مُتَّجِةٌ إلى بيتِ عائِشة فمضى ومضيتُ إلى بيت فاطمة (عَلَيهَا السَّلَامُ) فلم أزل مع الحسن والحسين و هي و أنا مسروران بهما ثُمّ إِنِّي نهضتُ وصِرتُ إلى بابِ عائِشة فطرقت الباب فقالت لي عائِشة من هذا فقُلتُ لها أنا علي فقالت إن النَّبيّ (صَلَّى اللّه عَلَيْهِ وَآلِهِ) راقد فانصرفتُ ثُمّ قُلتُ النَّبيّ راقد وعائِشة فِي الدّارِ فرجعت وطرقت الباب فقالت لي عائِشة من هذا فقُلتُ أنا على فقالت إنّ النّي على حاجةٍ فانثنيتُ مُستحيياً من دقّي الباب و وجدتُ فِي صدري ما لا أستطيع عليه صبراً فرجعتُ مُسرعاً فدققت الباب دقاً عنيفاً فقالت لي عائِشة من هذا فقُلتُ أنا على فسمعت رسول اللّه (صَلَّى اللّه عَلَيْهِ وَآلِهِ) يقول لها يا عائِشة افتحي له الباب ففتحت فدخلتُ فقال لي اقعد يا أبا الحسن أُحدّثك بِما أنا فِيهِ أَو تُحدّثني بِإِبطائِكَ عَنِّي فقُلتُ يا رسول اللّه حدّثني فإنّ حدِيثك أحسنُ فقال يا أبا الحسن كنتُ فِي أمر كتمتُهُ من ألم الجوعِ فَلَمّا دخلتُ بيت عائِشة وأطلتُ القُعود ليس عندها شيء تأتِي بِهِ مددتُ يدي وسألتُ اللّه القريب المجيب فهبط علي حبيبي جبرئيل (عَلَيهِ السَّلَامُ) و معه هذا الطيرُ و وضع إصبعه على طائر بين يديهِ فقال إنّ اللّه عزّ و جلّ أوحى إلي أن آخذ هذا الطير و هُو أطيب طعامٍ فِي الجنّة فأتيتُكَ بِهِ يا محمّد فحمدت اللّه كثيراً و عرج جبرئيل فرفعتُ يدي إلى السّماءِ فقُلتُ اللّهمّ يسر عبداً يُحِبُّك و يُحِبُّنِي ياكل معي هذا الطائر فمكثتُ مليّاً فلم أر أحداً يطرق الباب فرفعتُ يدِي ثُمّ قُلتُ اللّهمّ يسر عبداً يُحِبُّك ويُحِبُّنِي وتُحِبُّهُ وأُحِبُّهُ يأكل معي هذا الطائر فسمعت طرقك للباب وارتفاع صوتك فقُلتُ لعائِشة أدخلي عليّاً فدخلت فلم أزل حامداً للّه حتّى بلغت إلي إذ كُنت تُحِبُّ اللّه وتُحِبُّنِي ويُحِبُّك اللّه وأُحِبُّك فكل يا عليُّ فَلَمّا أكلتُ أنا والنَّبيّ الطائر قال لي يا علي حدّثني فقُلتُ يا رسول اللّه لم أزل مُنذُ فارقتك أنا وفاطمة والحسن والحسين مسرورين جميعاً ثُمّ نهضتُ أُرِيدُك فجِئْتُ فطرقت الباب فقالت لي عائِشة من هذا فقُلتُ لها أنا علي فقالت إن النَّبيّ (صَلَّى اللّه عَلَيْهِ وَآلِهِ) راقد فانصرفتُ فلَمّا صِرتُ إلى الطرِيقِ الّذي سلكته رجعتُ فقُلتُ النَّبيّ راقِدُ وعائِشة فِي الدّارِ لا
ص: 59
يَكُونُ هذا فجِئتُ فطرقت الباب فقالت لي من هذا فقُلتُ أنا علي فقالت إن النَّبيّ على حاجة فانصرفتُ مُستحِيياً فلما انتهيتُ إلى الموضعِ الّذي رجعتُ مِنهُ أوّل مرّةٍ وجدتُ فِي قلبي ما لم أستطع عليه صبراً و قُلتُ النَّبيّ على حاجة وعائِشة فِي الدارِ فرجعتُ فدققتُ الباب الدّق الّذي سمعته يا رسُول اللّه فسمعتك يا رسُول اللّه أنت تَقُولُ لها أدخلي عليّاً فقال النَّبيّ (صَلَّى اللّه عَلَيْهِ وَآلِهِ) أبيتِ إِلّا أن يكون الأمر هكذا يا حميراء ما حملك على هذا فقالت يا رسول اللّه اشتهيتُ أن يكون أبي يأكُلُ من الطيرِ فقال لها ما هُو بِأَوّلِ ضِعْنٍ بينك وبين على وقد وقفتُ على ما فِي قلبكِ لِعِليَّ إِنَّكِ لتُقاتِلينه فقالت يا رسول اللّه وتكونُ النِّسَاءُ يُقاتِلن الرجال فقال لها يا عائِشة إِنَّكِ لتُقاتِلِين عليّاً ويصحبكِ ويدعوكِ إلى هذا نفر من أصحابي فيحمِلُونكِ عليه وليكونن فِي قِتالِكِ له أمر تتحدثُ بِهِ الأولون والآخرون و علامة ذلك أنك تركبين الشّيطان ثُمّ تُبتلين قبل أن تبلغي إلى الموضعِ الّذي يُقصدُ بِكِ إِليهِ فتنبحُ عليك كِلابُ الحوابِ فتسألين الرُّجُوع فيشهدُ عِندكِ قسامةُ أربعين رجلًا ما هِي كِلابُ الحوأب فتصيرين إلى بلدٍ أهلُهُ أنصارُكِ هُو أبعدُ بِلادٍ على الأرضِ إِلى السّماءِ وأقربها إلى الماء و لترجعين و أنتِ صاغرة غير بالغةٍ إلى ما تُرِيدِين ويكُونُ هذا الّذي يَرُدُّكِ مع من ييْقُ بِهِ من أَصحابِهِ إِنَّهُ لَكِ خَيْرٌ مِنكِ له و ليُنذِرتكِ ما يكونُ الفِراقُ بيني وبينكِ فِي الآخِرَةِ وكُلُّ من فرق علي بيني وبينه بعد وفاتي ففِراقُهُ جائز فقالت يا رسول اللّه ليتني مِتُ قبل أن يكون ما تعدني فقال لها هيهات هيهات و الّذي نفسِي بِيدِهِ ليكونن ما قُلتُ حتّى كأني أراهُ ثُمّ قال لي قُم يا عليُّ فقد وجبت صلاةُ الظُّهرِ حتى آمريلالًا بِالأذانِ فأذن بلال وأقام الصَّلاة وصلّى وصلّيتُ معه ولم نزل فِي المسجد. (1)
5 - عن نافع مولى عائِشة قال: كنتُ خادماً لعائِشة وأنا غلامُ أُعاطِيهم إذ كان رسولُ اللّه (صَلَّى اللّه عَلَيْهِ وَآلِهِ) عندها فبينا رسُولُ اللّه عِند عائِشة إذ جاء جاء فدقّ الباب فخرجتُ إليهِ فإذا جاريةٌ معها إناءٌ مُغطَّى فرجعت إلى عائِشة فأخبرتُها فقالت أدخلها فدخلت فوضعته بين يدي عائِشة فوضعته عائِشة بين يدي رسول اللّه (صَلَّى اللّه عَلَيْهِ وَآلِهِ) فمد يده يأكُلُ ثُمّ قال ليت أمِير المؤمنين و سيّد المسلمين كان حاضراً كي يأكل معي قالت عائِشةُ و من أمِير المؤمنين فسكت ثُمّ أعادت
ص: 60
فسألت فسكت ثُمّ جاء جاء فدقّ الباب فخرجتُ إليهِ فإذا عليّ بن أبِي طالِب فرجعت إلى النَّبيّ (صَلَّى اللّه عَلَيْهِ وَآلِهِ) فأخبرتُهُ فقال أدخله ففتحت له الباب فدخل فقال مرحباً وأهلًا لقد تمنّيتُك حتّى لو أبطأت عليّ لسألت اللّه أن يجِيء بك اجلس فكُل فجلس فأكل فقال رسولُ اللّه (صَلَّى اللّه عَلَيْهِ وَآلِهِ) قاتل اللّه من يُقاتِلُك ومن يُعادِيك فسكت ثُمّ أعادها فقالت عائِشة من يُقاتِلُه و من يُعادِيه قال أنتِ ومن معكِ أنتِ ومن معكِ. (1)
6 - عنِ الصَّادق (عَلَيهِ السَّلَامُ) عن آبائِهِ (عَلَيهِم السَّلَامُ) فِي خبر الطّير أنّه جاء عليّ (عَلَيهِ السَّلَامُ) مرّتين فردّته عائِشة فَلَمّا دخل فِي الثّالثة وأُخبر النَّبيّ (صَلَّى اللّه عَلَيْهِ وَآلِهِ) به قال النَّبيّ (صَلَّى اللّه عَلَيْهِ وَآلِهِ) أبيت إلّا أن يكون الأمر هكذا يا حميراء ما حملك على هذا قالت يا رسول اللّه اشتهيتُ أن يكون أبي أن يأكل من الطير فقال لها ما هُو أول ضِعْنٍ بينكِ وبين علي وقد وقفتُ على ما فِي قلبك لعلي إن شاء اللّه تعالى لتُقاتلينهُ فقالت يا رسول اللّه وتكُونُ النِّسَاءُ يُقاتِلن الرجال فقال لها يا عائِشة إِنَّكِ لتقاتلين عليّاً ويصحبُكِ ويدعُوكِ إلى هذا نفر من أهل بيتي وأصحابي فيحمِلُونكِ عليه و ليكُوننّ فِي قِتالِكِ أمر يتحدّثُ بِهِ الأولون والآخِرُون وعلامة ذلك أنكِ تركبين شيطاناً تُبتلين بِهِ قبل أن تبلغي إلى الموضعِ الّذي يُقصدُ بِكِ إِليهِ فتنبحُ عليك كِلابُ الحوابِ فتسألين الرُّجُوع فيشهدُ عِندكِ قسامةُ أربعين رجلًا ما هي كلاب الحوأب فتصيرين إلى بلدٍ أهلُهُ أنصارُكِ وهُو أبعدُ بِلادٍ فِي الأَرْضِ من السّماءِ وأقربها إلى الماء و لتُرجعِنّ وأنتِ صاغرة غيرُ بالِغةٍ ما تُرِيدِين و يكونُ هذا الّذي يَرُدُّكِ مع من يثقُ بِهِ من أصحابِهِ وإِنَّهُ لكِ خيرٌ مِنكِ لَهُ ولِيُنذِرَبِّكِ ما يكونُ بِهِ الفراقُ بيني وبينكِ فِي الآخِرة وكُلُّ من فرق علي بيني وبينه بعد وفاتي ففِراقُهُ جائز فقالت له يا رسول اللّه ليتني مِتُّ قبل أن يكُون ما تعِدُني قال فقال لها هيهات هيهات والّذي نفسِي بِيدِهِ ليكونن ما قُلتُ حتّى كأنّي أراه. (2)
7 - عن عبد اللّه بن مسعود قال: قُلتُ للنّبي (صَلَّى اللّه عَلَيْهِ وَآلِهِ) يا رسُول اللّه من يُغسِلُكَ إِذا مِتْ فقال يُغسِلُ كلّ نَبِيَّ وصِيُّهُ قُلتُ فمن وصِيُّك يا رسول اللّه قال عليّ بن أبِي طالِب فقُلتُ كم يعيش
ص: 61
بعدك يا رسُول اللّه قال ثلاثين سنةً فإنّ يُوشع بن نُونٍ وصِيّ مُوسى عاش من بعدِهِ ثلاثين سنةً و خرجت عليه صفراء [صفوراءُ بِنتُ شُعيب زوجُ موسى فقالت أنا أحقُّ بِالأمرِمِنك فقاتلها فقتل مقاتلتها و أسرها فأحسن أسرها و إن ابنة أبي بكر ستخرج على علي فِي كذا و كذا ألفاً من أُمَّتِي فيُقاتِلُها فيقتُلُ مُقاتِلتها ويأسِرُها فيُحسِنُ أسرها وفيها أنزل اللّه تعالى (وَقَرْنَ فِي بُيُوتِكُنَّ وَلَا تَبَرَّجْنَ تَبَرُّجَ الْجَاهِلِيَّةِ الْأُولَى) (1) يعني صفراء [صفوراء] بنت شُعيب. (2)
1- عن حنانٍ قال: سأل صدقةُ بنُ مُسلِمٍ أبا عبدِ اللّه (عَلَيهِ السَّلَامُ) و أنا عنده، فقال: من الشّاهِدُ على فاطمة بأنّها لا ترث أباها؟ فقال: شهدت عليها عائشه و حفصه ورجُلٌ من العرب يُقالُ لهُ أوس بن الحدثان من بَنِي نضر، شهِدُوا عِند أبي بكر بأن رسول اللّه (صَلَّى اللّه عَلَيْهِ وَآلِهِ) قال: لا أُورِتُ، فمنعُوا فاطمة (عَلَيهَا السَّلَامُ) ميراثها من أبيها (صَلَّى اللّه عَلَيْهِ وَآلِهِ). (3)
1- عن أبي جعفر (عَلَيهِ السَّلَامُ)، قال : جاءت عائِشة إلى عُثمان، فقالت له: أعطني ما كان يُعطيني أبي و عُمرُ بنُ الخطاب !. فقال : لم أجد لكِ موضعاً فِي الكِتابِ ولا فِي السُّنْةِ، وإِنما كان أَبُوكِ وعُمرُ بن الخطابِ يُعطِيانِكِ بِطِيبةٍ من أنفُسِهِما، وأنا لا أفعل. قالت: فأعطِنِي مِيرائي من رَسُولِ اللّه (صَلَّى اللّه عَلَيْهِ وَآلِهِ). فقال لها: أو لم تحسبي أنت ومالك بن أوس النَّصْرِي فشهِدتُما أن رسول اللّه (صَلَّى اللّه عَلَيْهِ وَآلِهِ) لا يُورّثُ حتّى منعتُما فاطمة ميراثها، وأبطلتما حقها، فكيف تطلبين اليوم ميراثاً من النَّبيّ (صَلَّى اللّه عَلَيْهِ وَآلِهِ)؟! فتركته وانصرفت، و كان عُثمانُ إِذا خرج إلى الصَّلاة أخذت قميص رسول اللّه (صَلَّى اللّه عَلَيْهِ وَآلِهِ) على قصبة فرفعته عليها، ثُمّ قالت: إن عُثمان قد خالف صاحِب هذا القميص و ترك سُنّته. (4)
ص: 62
1- قال أبان قال سُليمٌ لَمّا التقى أمِير المؤمنين (عَلَيهِ السَّلَامُ) وأهل البصرة يوم الجمل نادى عليّ (عَلَيهِ السَّلَامُ) الزُّبيريا أبا عبداللّه أخرُج إِليّ فقال له أصحابه يا أمِير المؤمنين تخرُجُ إِلَى الزُّبير النَّاكِثِ بيعته و هُو على فرس شاكٍ فِي السّلاح وأنت على بغلةٍ بلا سلاح فقال عليّ (عَلَيهِ السَّلَامُ) إِنَّ عليَّ من اللّه جُنَّةٌ واقيةً لن يستطيع أحدٌ فِراراً من أجلهِ وإِنِّي لا أمُوتُ ولا أُقتل إلّا على يدي أشقاها كما عقر ناقة اللّه أشقى ثمود فخرج إليه الزُّبير فقال أين طلحة ليخرج فخرج طلحة فقال (عَلَيهِ السَّلَامُ) نشدتُكُما بِاللّه أتعلمانِ وأُولُو العِلمِ من آلِ محمّد وعائِشة بنتُ أبي بكر أن أصحاب الجمل و أهل النّهروان ملعُونُون على لِسانِ محمّد (صَلَّى اللّه عَلَيْهِ وَآلِهِ) (وَقَدْ خَابَ مَنِ افْتَرَى)(1). (2)
2 - جاء رجُلٌ من أهل البصرة إلى علي بن الحسين (عَلَيهِمَا السَّلَامُ) فقال يا علي بن الحسين إنّ جدّك عليّ بن أبِي طالِب قتل المؤمنين فهملت عين علي بن الحسين دُمُوعاً حتّى امتلات كفُّهُ مِنها ثُمّ ضرب بها على الحصى ثُمّ قال يا أخا أهل البصرة لا واللّه ما قتل علي مُؤْمِناً ولا قتل مُسلِماً وما أسلم القوم ولكن استسلموا وكتموا الكفر و أظهروا الإسلام فلما وجدوا على الكفر أعواناً أظهروه وقد علمت صاحِبةُ الجمل و المستحفظون من آلِ محمّد أن أصحاب الجمل وأصحاب صِفّين وأصحاب النّهروان لُعِنُوا على لِسانِ النَّبيّ الأُمِّيِّ (صَلَّى اللّه عَلَيْهِ وَآلِهِ) (وَقَدْ خَابَ مَنِ افْتَرَى) (3) فقال شيخُ من أهل الكوفة يا علي بن الحسينِ إِنّ جدّك كان يقولُ إخواننا بغوا علينا فقال علي بن الحسين أما تقرأُ كِتاب اللّه (وَإِلَى عَادٍ أَخَاهُمْ هُودًا)(4)، فهُم مِثْلُهُم أَنجى اللّه عزّ و جلّ هُوداً و الّذين معه وأهلك عاداً بالربح العقيم. (5)
ص: 63
3 - عنِ الأصبغ بن نُباتة قال: لَمَّا عُقِر الجمل وقف عليّ (عَلَيهِ السَّلَامُ) على عائِشة فقال ما حملك على ما صنعت قالت ذیت و ذيت فقال أما والّذي فلق الحبة وبرأ النسمة لقد ملاتِ أُذُنيكِ من رسول اللّه (صَلَّى اللّه عَلَيْهِ وَآلِهِ) و هُو يلعنُ أصحاب الجمل وأصحاب النّهروان أمّا أحياؤُهُم فيُقتلون فِي الفِتنةِ و أما أمواتُهم ففِي النَّارِ على مِلَّةِ اليهود. (1)
4 - عن أبي الطفيل (رضيَ اللّهُ عنهُ) قال سمعت أمِير المؤمنين عليّ بن أبِي طالِب (عَلَيهِ السَّلَامُ) يقول علم المحفُوظُون من أصحاب محمّد (صَلَّى اللّه عَلَيْهِ وَآلِهِ) و عائِشة بنتُ أبي بكر أن أصحاب الجمل وأصحاب النّهروان ملعونون على لسانِ النَّبيّ (صَلَّى اللّه عَلَيْهِ وَآلِهِ) (وَلَا يَدْخُلُونَ الْجَنَّةَ حَتَّى يَلِجَ الْجَمَلُ فِي سَمِّ الْخِيَاطِ)(2). (3)
ص: 64
1- روى أحمد بن أعثم الكوفي أنّهُ لَمّا قضت عائِشة حجّها وتوجّهت إلى المدينة استقبلها عُبيد بن سلمة اللّيثيُّ وكان يُسمّى ابن أُمّ كِلابِ فسألته عائِشة عن المدينةِ و أهلها فقال قُتِل عُثمان قالت فما فعلوا قال بايعوا عليّ بن أبِي طالِب (عَلَيهِ السَّلَامُ) فقالت ليت السّماء سقطت على الأرضِ ولم أسمع ذلك مِنك واللّه لقد قُتِل عُثمان مظلُوماً ولاطلبنَ بِثَارِهِ و واللّه إن يقوماً من عُمُرِ عُثمان أفضلُ من حياةِ علي فقال عُبيد أما كُنتِ تثنين على عليّ (عَلَيهِ السَّلَامُ) وتقولين ما على وجهِ الأَرضِ أحدٌ أكرمُ على اللّه من عليّ بن أبِي طالِب (عَلَيهِ السَّلَامُ) فما بدا لكِ إذ لم ترضي بإمامته وأما كُنتِ تُحرِّضِين النّاس على قتل عُثمان وتقولين اقتُلُوا نعثلًا فقد كفر فقالت عائِشة قد كُنتُ قُلتُهُ ولكِنِّي علِمتُهُ خيراً فرجعتُ عن قولي وقد استتابوه فتاب و غُفِر لهُ فرجعت عائِشة إلى مكّة و كان من أمرها ما سُتر. (1)
2 - عن جعفر بن محمّد، عن أبيه محمّد بن علي قال: «لما حصر النّاس عُثمان جاء مروان بن الحكم إلى عائِشة وقد تجهزت للحجّ فقال: يا أم المؤمنين، إن عُثمان قد حصره الناس، فلو تركت الحجّ، وأصلحت أمره كان النّاس يسمعُون مِنكِ. فقالت: قد أوجبتُ الحج، وشددتُ غرائري. فولى مروان وهو يقولُ:
حرق قيس على البلا *** د حتّى إذا اضطرمت أجذما
فسمعته عائِشة فقالت: تعال لعلّك تظُنُ أنّي فِي شكٍ من صاحِبك، فواللّه لودِدتُ أَنَّكَ وهُو فِي غرارتينِ من غرائري مخيط عليكما، تُغطانِ فِي البحر حتّى تموتا». (2)
ص: 65
1- عنِ الصَّادق (عَلَيهِ السَّلَامُ) أنّه قال : أوّلُ شهادةٍ شهد بها بالزور فِي الإسلام شهادة سبعين رجُلاً حِين انتهوا إلى ماء الحوأب فنبحتهم كلابها فأرادت صاحِبتُهُمُ الرُّجُوع وقالت سمعت رسول اللّه (صَلَّى اللّه عَلَيْهِ وَآلِهِ) يقولُ لِأزواجِهِ إِنّ إحداكن تنبحُها كِلابُ الحوأب فِي التوجهِ إِلى قِتالِ وصِي عليّ بن أبِي طالِب فشهد عندها سبعون رجلًا أن ذلك ليس بماء الحوأب فكانت أول شهادة شهد بها فِي الإِسلامِ بِالزّورِ. (1)
1- عن إسماعيل بن الفضل الهاشمي قال حدّثني بعضُ أشياخي قال : لما هزم عليّ بن أبِي طالِب (عَلَيهِ السَّلَامُ) أصحاب الجمل بعث أمِير المؤمنين (عَلَيهِ السَّلَامُ) عبد اللّه بن عبَّاس رحمةُ اللّه عليهما إلى عائِشة يامُرُها بتعجِيلِ الرّحِيلِ وقِلَّةِ العُرجةِ قال ابنُ عبَّاس فأتيتُها وهي فِي قصرِ بَنِي خلفٍ فِي جانِبِ البصرة قال فطلبتُ الإذن عليها فلم تأذن فدخلتُ عليها من غيرِ إِذْنِها فإذا بيتُ قِفار لم يُعدّ لِي فِيهِ مجلِسٌ فإذا هِي من وراء سترين قال فضربتُ بِبصري فإذا فِي جانِبِ البيتِ رحل عليه طنفسةٌ قال فمددت الطنفسة فجلستُ عليها فقالت من وراء الستريا ابن عبَّاس أخطأت السُّنّة دخلت بيتنا بغير إذننا وجلست على متاعِنا بغير إذننا فقال لها ابن عبَّاس رحمةُ اللّه عليهِ نحنُ أولى بِالسُّنّةِ مِنكِ ونحنُ علمناكِ السُّنّة وإنّما بيتُكِ الّذي خلّفكِ فِيهِ رَسُولُ اللّه فخرجتِ منه ظالمةٌ لِنفسِكِ غاشّةٌ لِدِينكِ عاتِيةٌ على ربّكِ عاصِيةٌ لِرَسُولِ اللّه فإذا رجعتِ إلى بيتِكِ لم ندخُلهُ إِلا بِإِذنِكِ ولم نجلس على متاعِكِ إِلا بِأمرِكِ إِنّ أمِير المؤمنين عليّ بن أبِي طالِب (عَلَيهِ السَّلَامُ) بعث إِليكِ يَأْمُرُكِ بِالرّحِيلِ إِلى المدينةِ وقِلَّةِ العُرجةِ فقالت رحم اللّه أمِير المؤمنين ذلك عُمرُ بنُ الخطاب فقال ابنُ عبَّاس هذا واللّه أمِير المؤمنين و إن تربّدت فِيهِ وُجُوهٌ و رغمت فِيهِ معاطِسُ أما واللّه هُو أمِير المؤمنين وأمسُّ بِرَسُولِ اللّه رحماً و أقرب قرابةً وأقدم سبقاً وأكثرُ عِلماً وأعلى
ص: 66
مناراً و أكثر آثاراً من أبِيكِ و من عُمر فقالت أبيتُ ذلك فقال أما واللّه إن كان إباؤُكِ فِيهِ لقصير المدة عظيم التّبعة ظاهِر الشُّومِ بين النّكد وما كان إباوكِ فِيهِ إِلا حلب شاةٍ حتّى صرت ما تأمرين ولا تنهين ولا ترفعين ولا تضعين وما كان مثلكِ إلّا كمثل الحضرمي بن نجمان أخي بَنِي أسد حيث يقول
ما زال إهداء القصائد بيننا *** شتم الصديق وكثرة الألقاب
حتّى تركتهم كان قلوبهم *** فِي كلّ مجمعة طنين ذباب
قال فأراقت دمعها وأبدت عويلها وتبدّا نشيجها ثُمّ قالت أخرجُ واللّه عنكُم فما فِي الأَرْضِ بلد أبغض إِليَّ من بلدٍ تكُونُون فِيهِ فقال ابن عبَّاس رحمه اللّه فلم واللّه ماذا بلاء نا عندكِ ولا بِصنِيعِنا إليكِ إِنَّا جعلناكِ لِلمُؤمِنِين أُمّاً وأنتِ بِنتُ أُمِّ رُومان وجعلنا أباكِ صِدِّيقاً و هُوابنُ أبي قحافة حامِلُ قِصاعِ الودكِ لابن جُذعان إلى أضيافه فقالت يا ابن عبَّاس تمنّون عليّ بِرسُولِ اللّه فقال ولِم لا يُمن عليك بمن لوكان مِنكِ قُلامةٌ مِنهُ مننتِنا بِهِ ونحنُ لحمُهُ ودمُهُ ومِنهُ و إليه وما أنت إلّا حشِيَّتُهُ من تسع حشايا خلفهن بعده لست بأبيضهن لوناً ولا بأحسنهن وجهاً ولا بأرشحهن عرقاً ولا بأنضرِهِنّ ورقاً ولا بأطراهُنّ أصلا فصِرتِ تأمُرِين فَتُطَاعِين و تدعين فتُجابِين و ما مثلُكِ إِلا كما قال أَخُوبِنِي فِهِرٍ
مننتُ على قومي فأبدوا عداوةً *** فقُلتُ لهم كُفُّوا العداوة والشُّكرا
ففِيهِ رِضًا من مِثلِكُم لِصدِيقِهِ *** وأحجُّ بِكُم أن تجمعُوا البغي والكفرا
قال ابنُ عبَّاس ثُمّ نهضتُ و أتيتُ أمِير المؤمنين فأخبرتُهُ بِمقالتها و ما رددت عليها فقال أنا كُنتُ أعلم بك حيثُ بعثتُك. (1)
ص: 67
1- روى الطّبريّ فِي تاريخِهِ أَنَّهُ لَمّا انتهى إلى عائِشة قتل أمِير المؤمنين (عَلَيهِ السَّلَامُ) قالت
فألقت عصاها واستقرّت بها النّوى *** کما قرّعينا بالإياب المسافر
فمن قتله فقيل رجُلٌ من مُرادٍ فقالت
فإن يك نائياً فلقد نعاه *** نعي ليس فِي فيه التُّرابُ
فقالت زينب بنت أبي سلمة أ لعليٍّ تقولين هذا فقالت إني أنسى فإذا نسيتُ فذكِّرُونِي. (1)
2 - روى الخصيبي بسند متصل عن الصَّادق جعفر بن محمّد (عَلَيهِمَا السَّلَامُ) انه قال : لمّا قدم الحسن بن عليّ (عَلَيهِ السَّلَامُ) من الكوفة التقاه أهل المدينة مُعزِّين بأمِير المؤمنين (عَلَيهِ السَّلَامُ) ومُهنِّئِين لهُ بِالقُدُومِ، ودخلت عليه أزواجُ رَسُولِ اللّه (صَلَّى اللّه عَلَيْهِ وَآلِهِ) فقالت عائِشة واللّه يا أبا محمّد ما فُقد جدّك إلّا حيث فُقد أبوك و لقد قلت يوم قام عِندنا ناعِيهِ قولًا صدقت فيه ما كذبت.
قال لها الحسن (عَلَيهِ السَّلَامُ) عسى هُو تمتلك بِقولِ لبِيدِ بنِ ربيعة حيثُ يقولُ:
و بشرتها فاستعجلت بخمارها *** يحِقُ على المستعجلين المباشر
وأخبرها الركبان أن ليس بينها *** وبين قرى نجران و الشّام كافر
فألقت عصاها واستقرت بها النّوى *** كما قرّ عيناً بالإياب المسافرُ
فقالت له يابن خُبُوتٍ جدّك وأبوك فِي عِلم الغيب، فمن ذا الّذي أخبرك بهذا عنِّي؟
فقال لها ما هذا غيب لأنكِ أظهرتيهِ، و سُمِع مِنكِ، و عن نبشِكِ جَزَراً إِحْضَرِّ فِي وسط بيتِكِ ليلًا، بلا قشّ فَتَتَرَيَّنُ الحديدة فِي كفّكِ حتّى صار جُرحاً أَلا فَاكشفي عنه، و أَرِيهِ لِمن حولك من النِّساءِ، ثُمّ إخراجُكِ الجزر وما فِيهِ وما جمعتِهِ من خِيانة وأخذُكِ مِنهُ أربعين ديناراً عدداً لا تعلمين وزنها و تفريقُكِ لهُ فِي ضعفة مُبغضي أميرالمؤمنين من تيم و عدي شكراً لقتل أمير المؤمنين (عَلَيهِ السَّلَامُ) فقالت: واللّه يا حسن لقد كان ما قلت ولله ابنُ هِند فلقد شفى وأشفاني.
ص: 68
فقالت لها أُمُّ سلمة زوجة رسُولِ اللّه (صَلَّى اللّه عَلَيْهِ وَآلِهِ) : ويحكِ يا عائِشة ما هذا مِنكِ بِعجبٍ، وإِنِّي لاشهد عليكِ أنّ رسُول اللّه (صَلَّى اللّه عَلَيْهِ وَآلِهِ) قال لي وأنتِ حاضِرةً صُوّام أُمّ أيمن وميمونة: يا أُمّ سلمة كيف تجدين فِي نفسكِ؟ فقُلتُ يا رسول اللّه ما أجِدُهُ قُرباً ولا أبْلُغُهُ وصفاً، قال كيف تجدين عليّاً فِي نفسكِ قُلتُ لا يتقدّمُك يا رسول اللّه ولا يتأخّرُ عنك وأنتما فِي نفسي سواءً فقال شكر اللّه فعلكِ يا أُمّ سلمة لو لم يكن علي فِي نفسكِ مِثلي لبرئتُ مِنكِ فِي الآخِرَةِ ولم ينفعكِ قُربُكِ مِنِّي فِي الدُّنيا فقُلتُ إِنني يا رسول اللّه وكذلك أزواجُكِ قال نعم قُلتُ واللّه ما أَجِدُ لِعلي فِي نفسي موضعاً قريباً أو بعيداً فقال لكِ حسبُكِ يا عائِشة ثُمّ يا أُمّ سلمة يمضي محمّد ويمضي الحسن عليهما ويمضي الحسينُ مقتولًا كما أخبر جدُّهُما فقال لها الحسن وأخبركِ جدّي رسُولُ اللّه (صَلَّى اللّه عَلَيْهِ وَآلِهِ) أن تموتين و إلى ما ذا تصيرين فقالت له (نعم) ما أخبرني إِلَّا بِخير.
فقال لها الحسن: تاللّه لقد أخبركِ جدّي رسُولُ اللّه (صَلَّى اللّه عَلَيْهِ وَآلِهِ) أَنكِ تموتين بِالدّاءِ والدُّبيلة فقالت يا حسنُ متى قال هذا قال أخبرك بعد لومِكِ أمِير المؤمنين (عَلَيهِ السَّلَامُ) و نشائِكِ حرماً تجرين فِيهِ عن بيتِكِ مُتأمّرةً على جمل أحمر ممسوخ من مردةِ الجِنِّ يُقالُ لَهُ عسكر تسفكين دم خمسةٍ و عشرين ألفاً من المؤمنين الّذين يزعُمُونَ أَنَّكِ أُمُّهُم قالت له، جدّك أخبرك بذلك أم هذا من غيبك قال هذا من عِلمِ اللّه و عِلم رسُولِهِ و عِلم أمِير المؤمنين (عَلَيهِ السَّلَامُ) فأعرضت عنه بوجهها و قالت بنفسها واللّه لا تصدقنّ بِأربعين ديناراً و نهضت فقال لها (عَلَيهِ السَّلَامُ) واللّه لو تصدقتِ بأربعين قنطاراً ما كان ثوابكِ عليها الا النار(1).
ص: 69
3 - عن مسروق أنّه قال: دخلتُ على عائِشة فجلستُ إليها فحدّثتني واستدعت غُلاماً لها أسود يُقالُ له عبدُ الرّحمن فجاء حتّى وقف فقالت يا مسرُوقُ أتدري لم سميته عبد الرّحمن فقُلتُ لا فقالت حبّاً مِنِّي لِعبدِ الرّحمن بنِ مُلحِمٍ. (1)
1 - عن جنادة أن عائِشة لما وصلت إلى المدينة راجعةً من البصرة لم تزل تُحرّض النّاس على أمِير المؤمنين (عَلَيهِ السَّلَامُ) وكتبت إلى معاوية و أهلِ الشّام مع الأسود بن أبي البختري تحرّضُهم عليه (صلوات اللّه عليه) (2).
1- عن عبد اللّه بن إبراهيم عن زياد المحاربي قال: لما حضرتِ الحسن (عَلَيهِ السَّلَامُ) الوفاة استدعى الحسين (عَلَيهِ السَّلَامُ) وقال له يا أخِي إِنَّنِي مُفارِقُك ولاحِقٌ بِرتي وقد سُقِيتُ السم و رميتُ بِكبِدِي فِي الطست وإِنِّي لعارِفُ من سقاني و من أين دُهِيتُ وأَنا أُخَاصِمُهُ إِلى اللّه عزّوجلّ فيحي عليك إن تكلمت فِي ذلك بِشيءٍ وانتظر ما يُحدِث اللّه تبارك و تعالى فِي فإذا قضيتُ نفسي فغسلني وكفّني واحملني على سريري إلى قبر جدي رسُولِ اللّه (صَلَّى اللّه عَلَيْهِ وَآلِهِ) لِأُجدِّد بِهِ عهداً ثُمّ رُدّنِي إلى قبر جدتي فاطمة فادفِنّي هناك وستعلمُ يابن أُمِّ أَن القوم يَظُنُّونَ أَنَّكُم تُرِيدُون دفنِي عند رسول اللّه (صَلَّى اللّه عَلَيْهِ وَآلِهِ) فيجلبون فِي منعِكُم من ذلك وبِاللّه أُقسِمُ عليك أن تُهرق فِي أمري محجمة دم ثُمّ وصّى إِليهِ بِأَهلِهِ ووُلدِهِ وتركاتِهِ و ما كان وصى أمِير المؤمنين حين استخلفه. فلمّا مضى لِسبِيلِهِ وغسله الحسين (عَلَيهِ السَّلَامُ) وكفنه و حمله على سريره لم يشك مروان وبنُو أُميّة أنهم سيدفِنُونَهُ عِند رسول اللّه فتجمَعُوا ولبسوا السّلاح فلَمّا توجّه بِهِ الحسين (عَلَيهِ السَّلَامُ) إلى قبرِ جدّه رسُولِ اللّه (صَلَّى اللّه عَلَيْهِ وَآلِهِ) لييُجدّد به عهداً أقبلوا فِي جمعِهم ولحقتهم عائِشة على بغل وهي تقول نحوا ابنكُم عن بيتي فإِنَّهُ لا يُدفنُ فِيهِ ويُهتكُ عليهِ حِجابُهُ ثُمّ تكلّم محمّد بن الحنفية فقال يا
ص: 70
عائِشة يوماً على بغل ويوماً على جمل فما تملكين نفسكِ عداوةً لبني هاشم قال فأقبلت علیه و قالت يا ابن الحنفيّةِ هؤلاءِ بنو الفواطِمِ يتكلّمُون فما كلامك فقال الحسين (عَلَيهِ السَّلَامُ) و أنّى تفقدين محمّداً من الفواطِمِ فواللّه لقد ولدتهُ ثلاث فواطم فاطِمةُ بِنتُ عِمران بنِ عَائِذٍ و فاطِمةُ بنتُ ربيعة و فاطِمةُ بِنتُ أسد فقالت عائِشة نخُّوا ابنكُم فإِنَّكُم قومٌ حَصِمُون فمضى الحسينُ بالحسن (عَلَيهِ السَّلَامُ) إلى البقيع ودفنه. (1)
2 - عن زياد المخارقي قال : لما حضرت الحسن (عَلَيهِ السَّلَامُ) الوفاة استدعى الحسين بن علي (عَلَيهِمَا السَّلَامُ) و قال يا أخِي إِنِّي مُفارِقُك ولاحِقٌ بِرتي جلّ وعزو قد سُقِيتُ السّمّ ورميتُ بِكبِدِي فِي الطست و إِنِّي لعارِفُ بِمن سقاني السم و من أين دُهِيتُ وأَنا أُخَاصِمُهُ إِلى اللّه تعالى فيحيّي عليك إن تكلمت فِي ذلك بِشيءٍ وانتظر ما يُحدِثُ اللّه عزّذِكرُهُ فِي فإذا قضيتُ فغمّضني و غسلني وكفّنّي واحملني على سريري إلى قبر جدّي رسُولِ اللّه (صَلَّى اللّه عَلَيْهِ وَآلِهِ) أُجدِّد بِهِ عهداً ثُمّ رُدْنِي إلى قبر جدتي فاطمة بنت أسد (رحمة اللّه عليها) فادفني هناك وستعلمُ يا ابن أُمِّ أَنّ القوم يظُنُّون أَنكُم تُرِيدُون دفنِي عِند رسُولِ اللّه (صَلَّى اللّه عَلَيْهِ وَآلِهِ) فيجلبون فِي منعِكُم عن ذلك وبِاللّه أُقسِمُ عليك أن تُهريق فِي أمري محجمة دم ثُمّ وصّى (عَلَيهِ السَّلَامُ) إليهِ بِأهلِهِ ووُلدِهِ وتركاتِهِ و ما كان وصّى بِهِ إِليهِ أمِير المؤمنين (عَلَيهِ السَّلَامُ) حين استخلفه وأهلهُ لِقامِهِ ودلّ شِيعته على استخلافه ونصبه لهم علماً من بعدِهِ. فلمّا مضى (عَلَيهِ السَّلَامُ) لسبیله غسله الحسین (عَلَيهِ السَّلَامُ) و كفنه و حمله على سريره و لم يشك مروان و من معهُ من بَنِي أُميّة أنهم سيدفِنُونَهُ عِند رسُولِ اللّه (صَلَّى اللّه عَلَيْهِ وَآلِهِ) فتجمَعُوا لَهُ و لبِسُوا السّلاح فلَمّا توجّه بِهِ الحسين بن علي (عَلَيهِمَا السَّلَامُ) إلى قبر جدّه رَسُولِ اللّه (صَلَّى اللّه عَلَيْهِ وَآلِهِ) لِيُجدّد بِهِ عهداً أقبلوا إليهم فِي جمعهم ولحقتهم عائِشة على بغلٍ وهِي تَقُولُ ما لِي ولَكُم تُرِيدُون أن تُدخِلُوا بيتي من لا أُحِبُّ وجعل مروان يقولُ:
ياربّ هيجا هي خير من دعه.
أيُدفنُ عُثمانُ فِي أقصى المدينة ويُدفنُ الحسن مع النّي لا يَكُونُ ذلِك أبداً و أنا أحمل السّيف. و كادت الفتنة تقع بين بَنِي هاشم و بَنِي أُميّة فبادر ابن عبَّاس إلى مروان فقال له: إرجع يا مروان
ص: 71
من حيث جئت، فإنا ما نُريد أن ندفن صاحبنا عِند رسول اللّه (صَلَّى اللّه عَلَيْهِ وَآلِهِ) لكنا نُريد أن تُجدّد به عهداً بزيارته، ثُمّ نردّه إلى جدته فاطمة (عَلَيهَا السَّلَامُ) فندفنه عندها بوصيته بذلك، ولوكان وصى بدفنه مع النَّبيّ (صَلَّى اللّه عَلَيْهِ وَآلِهِ) لعلمت أنك أقصر باعاً من ردّنا عن ذلك، لكنّه (عَلَيهِ السَّلَامُ) كان أعلم باللّه ورسوله وبحرمة قبره من أن يطرق عليه هدماً كما طرق ذلك غيره، ودخل بيته بغير إذنه. ثُمّ أقبل على عائِشة فقال لها واسوأتاه ! يوماً على بغل ويوماً على جمل، تُريدين أن تُطفئي نور اللّه، وتقاتلين أولياء اللّه، إرجعي فقد كفيت الّذي تخافين وبلغت ما تُحبّين واللّه تعالى منتصر لأهل هذا البيت ولو بعد حين. وقال الحسين (عَلَيهِ السَّلَامُ) : " و اللّه لولا عهد الحسن إلي بحقن الدّماء، وأن لا أُهريق فِي أمره محجمة دم، لعلمتُم كيف تأخذ سُيُوف اللّه منكم مأخذها، وقد نقضتُم العهد بيننا وبينكم، وأبطلتُم ما اشترطنا عليكم لأنفسنا". ومضوا بالحسن (عَلَيهِ السَّلَامُ) فدفنوه بالبقيع عِند جدّته فاطمة بنت أسد بن هاشم بن عبد مناف (رضیَ اللّهُ عنها) وأسكنها جنّات النعيم. (1)
3 - عن ابن عباس، قال: دخل الحسين بن علي (عَلَيهِمَا السَّلَامُ) على أخيه الحسن بن علي (عَلَيهِمَا السَّلَامُ) فِي مرضِهِ الّذي تُوفّي فِيهِ، فقال له: كيف تجدك يا أخي قال: أجِدُنِي فِي أول يوم من أيامِ الآخِرَةِ و آخِرِيومٍ من أيامِ الدُّنيا، واعلم أنّي لا أسبِقُ أجلي، و أني وارد على أبي وجدي (عَلَيهِمَا السَّلَامُ)، على كره مني لفراقك و فراق إخوتك و فِراقِ الأحِبّةِ، وأستغفِرُ اللّه من مقالتي هذِهِ وأتوب إليه، بل على محبّةٍ مِنِّي لِلقاءِ رسُولِ اللّه (صَلَّى اللّه عَلَيْهِ وَآلِهِ) وأمِير المؤمنين عليّ بن أبِي طالِب (عَلَيهِ السَّلَامُ) ولقاء فاطمة و حمزة و جعفر (عَلَيهِم السَّلَامُ)، وفي اللّه (عزّوجلّ) خلفٌ من كلّ هالِك، وعزاء من كلّ مُصِيبَةٍ، و دركٌ من مِن كلّ ما فات. رأيتُ يا أخي كبِدِي آنفاً فِي الطست، و لقد عرفتُ من دهاني، ومن أين أُتِيتُ، فما أنت صانع بِهِ يا أخي فقال الحسين (عَلَيهِ السَّلَامُ): أقتُلُهُ واللّه. قال: فلا أُخبِرُكَ بِهِ أبداً حتّى تلقى رسول اللّه (صَلَّى اللّه عَلَيْهِ وَآلِهِ)، و لكن اكتب:" هذا ما أوصى بِهِ الحسن بن علي إلى أخِيهِ الحسين علي، أوصى أنّه يشهد أن لا إله إلّا اللّه وحده لا شريك له، وأنه يعبُدُهُ حقَّ عِبادَتِهِ، لا شريك له فِي الملكِ، ولا ولي لهُ من الذُّلّ، وأنه (خلق كلّ شيءٍ فقدره تقديراً) (2)، وأنه أولى من عُيد وأحقُّ
ص: 72
من حمد، من أطاعه رشد، و من عصاهُ غوى، و من تاب إليه اهتدى. فإنّي أُوصِيك يا حسين بمن خلّفتُ من أهلي ووُلدِي وأهل بيتك، أن تصفح عن مُسيئهم، وتقبل من مُحسِنِهم، وتكون لهم خلفاً و والِداً، وأن تدفنني مع جدّي رسُولِ اللّه (صَلَّى اللّه عَلَيْهِ وَآلِهِ) فإِنِّي أحقُّ بِهِ وببيته من أُدخل بيتهُ بِغَيرِ إِذنِهِ ولا كِتاب جاءَهُم من بعدِهِ، قال اللّه (تعالى) فيما أنزله على نبيه (صَلَّى اللّه عَلَيْهِ وَآلِهِ) فِي كِتَابِهِ : (يا أيُّهَا الّذين آمَنُوا لا تدخُلُوا بُيُوت النَّبيّ إِلا أَن يُؤذن لَكُم) (1) فواللّه ما أُذِن لهم فِي الدُّخُولِ عليه فِي حياتِهِ بغير إذنِهِ، ولا جاءهُمُ الإِدْنُ فِي ذلك من بعدِ وفاتِهِ، و نحنُ مأذون لنا فِي التصرف فيما ورثناه من بعدِهِ، فإن أبت عليك الإمرأة فأنشدك بالقرابة الّتي قرّب اللّه (عزّوجلّ) مِنك، والرّحِمِ الماسةِ من رَسُولِ اللّه (صَلَّى اللّه عَلَيْهِ وَآلِهِ) أن لا تُهرِيق فِي حجمةً من دم حتّى نلق رسُول اللّه (صَلَّى اللّه عَلَيْهِ وَآلِهِ) فنختصم إليه، وتُخبره بما كان من النّاس إلينا بعده". ثُمّ قبض (عَلَيهِ السَّلَامُ). قال ابن عبّاس: فدعاني الحسين (عَلَيهِ السَّلَامُ) و عبد اللّه بن جعفر و علي بن عبد اللّه بن العبّاس فقال: اغسِلُوا ابن عمّكُم، فغسلناه وحطناه وألبسناه أكفانه، ثُمّ خرجنا بِهِ حتّى صلينا عليه فِي المسجد، وإنّ الحسين (عَلَيهِ السَّلَامُ) أمر أن يُفتح البيت، فحال دون ذلك مروان بن الحكم وآل أبي سفيان ومن حضر هناك من وُلدِ عُثمان بن عفان، وقالوا: أيُدفنُ أمِير المؤمنين عُثمانُ الشَّهِيدُ القتيل ظُلماً بِالبقيع بِشر مكانٍ ويُدفنُ الحسن مع رسُولِ اللّه (صَلَّى اللّه عَلَيْهِ وَآلِهِ) ! واللّه لا يكُونُ ذلك أبداً حتّى تكسر السُّيُوفُ بيننا وتنقصف الرّماحُ وينفد النبلُ. فقال الحسين (عَلَيهِ السَّلَامُ): أما واللّه الّذي حرم مكّة للحسن بن علي ابن فاطمة أحقُّ بِرسُولِ اللّه وبيتِهِ من أُدخل بيتهُ بِغَيرِ إِذْنِهِ، وهُو و اللّه أَحقُّ بِهِ من حمّال الخطايا، مُسيّر أبي ذر رحمه اللّه، الفاعِلِ بِعمّار ما فعل، و بعبد اللّه ما صنع، الحامي الحمى المؤوِي لِطَّرِيدِ رَسُولِ اللّه (صَلَّى اللّه عَلَيْهِ وَآلِهِ)، لكنّكُم صِرتُم بعده الأُمراء، وبايعكُم على ذلك الأعداء و أبناء الأعداء. قال: فحملناه فأتينا به قبرأُمِهِ فاطمة (عَلَيهَا السَّلَامُ) فدفناه إلى جنبها (رضيَ اللّهُ عنهُ) وأرضاه. قال ابن عبّاس: وكُنتُ أوّل من انصرف فسمعت اللغط و خِفْتُ أن يُعجّل الحسين (عَلَيهِ السَّلَامُ) على من قد أقبل، ورأيتُ شخصاً علِمتُ الشّرفِيهِ، فأقبلتُ مُبادِراً فإذا أنا بعائِشة فِي أربعين راكباً على بغل مُرحل تقدُمهُم وتأمُرُهُم بِالقِتالِ، فَلَمّا رأتني قالت إلي إلي يابن عباس، لقد اجتراثم علي فِي الدُّنيا تُؤذُونني مرةً بعد أخرى، تُريدون أن تُدخِلُوا بيتي من لا أهوى ولا أُحِبُّ. فقُلتُ: وا
ص: 73
سوأتاه ! يوم على بغلٍ، ويومٌ على جمل، تُريديين أن تُطفِي نور اللّه، وتُقاتِلي أولياء اللّه، و تحولي بين رسول اللّه (صَلَّى اللّه عَلَيْهِ وَآلِهِ) وبين حبِيبِهِ أَن يُدفن معه، إرجعي فقد كفى اللّه (تعالى) المئونة، ودُفن الحسنُ إلى جنبِ أُمِّهِ، فلم يزدد من اللّه (تعالى) إلّا قُرباً و ما ازددتُم مِنهُ واللّه إِلا بُعداً، يا سوأتاه! انصر فِي فقد رأيت ما سرّك.
قال: فقطبت فِي وجهي و نادت بأعلى صوتها: أما نسيتُمُ الجمل يا ابن عباس، إِنَّكُم لذوُو أحقادٍ. فقُلتُ: أما واللّه ما نسيه أهلُ السَّماءِ فكيف ينساه أهل الأرض ! فانصرفت و هِي تَقُولُ:
فألقت عصاها فاستقرت بها النّوى *** كما قرّ عيناً بالإياب المسافر (1)
4 - السيّد المرتضى يقول فِي عيون المعجزات فِي ذكر إستشهاد الإمام الحسن :
قال الحسن (عَلَيهِ السَّلَامُ) : يا أخي إذا أنا متّ فغسّلني، وحنّطني، وكفني، واحملني إلى جدّي (صَلَّى اللّه عَلَيْهِ وَآلِهِ)، حتّى تلحدني إلى جانبه فإن منعت من ذلك فبحق جدّك رسول اللّه (صَلَّى اللّه عَلَيْهِ وَآلِهِ) و أبيك أمِير المؤمنين و امّك فاطمة الزهراء (عَلَيهِم السَّلَامُ) أن لا تخاصم أحدا، وأردد جنازتي من فورك إلى البقيع حتّى تدفنني مع أمي (عَلَيهَا السَّلَامُ).
فلَمّا فرغ من شانه و حمله ليدفنه مع رسول اللّه (صَلَّى اللّه عَلَيْهِ وَآلِهِ)، ركب مروان بن الحكم طريد رسول اللّه (صَلَّى اللّه عَلَيْهِ وَآلِهِ)، بغلة وأتى عائِشة فقال لها: يا أم المؤمنين ان الحسين يريد أن يدفن أخاه الحسن (عَلَيهِ السَّلَامُ) مع رسول اللّه (صَلَّى اللّه عَلَيْهِ وَآلِهِ) و اللّه إن دفن معه ليذهبن فخر أبيك وصاحبه عمر إلى يوم القيامة.
قالت: فما أصنع يا مروان ؟
قال: الحقي به وامنعيه من أن يدفن معه.
قالت: وكيف ألحقه؟
قال: إركبي بغلتي هذه، فنزل عن بغلته وركبتها وكانت تثور النّاس و بَنِي أمية على الحسين (عَلَيهِ السَّلَامُ) و تحرضهم على منعه مِمّا هم به.
فلما قربت من قبر رسول اللّه (صَلَّى اللّه عَلَيْهِ وَآلِهِ) وكان قد وصلت جنازة الحسن (عَلَيهِ السَّلَامُ) فرمت بنفسها عن البغلة وقالت: واللّه لا يدفن الحسن (عَلَيهِ السَّلَامُ) ها هنا أبدا أو تجز هذه، وأومت بيدها إلى شعرها.
ص: 74
فاراد بنو هاشم المجادلة فقال الحسين (عَلَيهِ السَّلَامُ) : اللّه اللّه لا تضيعوا وصية أخي، واعدلوا به إلى البقيع فانه أقسم عليّ، إن أنا منعت من دفنه مع جدّه (صَلَّى اللّه عَلَيْهِ وَآلِهِ)، أن لا اخاصم فيه أحدا وأن ادفنه فِي البقيع مع امه (عَلَيهَا السَّلَامُ) فعدلوا به، و دفنوه بالبقيع معها (عَلَيهِمَا السَّلَامُ).
فقام ابن عبَّاس (رضيَ اللّهُ عنهُ) وقال: يا حميراء ليس يومنا منك بواحد يوم على الجمل ويوم على البغلة اما كفاك أن يقال يوم الجمل حتّى يقال يوم البغل يوم على هذا ويوم على هذا بارزة عن حجاب رسول اللّه (صَلَّى اللّه عَلَيْهِ وَآلِهِ) تريدين إطفاء نور اللّه واللّه متم نوره ولو كره المشركون إنا للّه وانا إليه راجعون.
فقالت له: إليك عني وأنّ لك و لقومك. (1)
5 - عن محمّد بن مسلم عن أبي جعفر (عَلَيهِ السَّلَامُ) يقولُ: لَمَّا احتُضر الحسن بن على صلواتُ اللّه عليهما قال للحسين (عَلَيهِ السَّلَامُ) يا أخي إِنِّي أُوصِيك بوصيّة فاحفظها فإذا أنا مِتُ فهيّئنِي ثُمّ وجهني إلى رسول اللّه (صَلَّى اللّه عَلَيْهِ وَآلِهِ) لأُحدِث به عهداً ثُمّ اصرِفنِي إِلى أُمِّي فاطمة (عَلَيهَا السَّلَامُ) ثُمّ رُدّني فادفِنِّي بِالبقيع واعلم أنَّهُ سَيُصِيبُنِي من الحُميراء ما يعلمُ النّاس من صنيعها وعداوتِها للّه و لِرَسُولِهِ (صَلَّى اللّه عَلَيْهِ وَآلِهِ) و عداوتها لنا أهل البيتِ فَلَمّا قُبِض الحسن (عَلَيهِ السَّلَامُ) وضع على سريره و انطلِق بِهِ إِلى مُصلّى رَسُولِ اللّه الّذي كان يُصلّي فِيهِ على الجنائِزِ فصلّي على الحسن (عَلَيهِ السَّلَامُ) فلَمّا أن صُلّي عليه جُمل فأُدخل المسجد فلَمّا أُوقف على قبرِ رسول اللّه بلغ عائِشة الخبرُو قِيل لها إِنَّهُم قد أقبلوا بالحسن بن علي (عَلَيهِمَا السَّلَامُ) لِيُدفن مع رسُولِ اللّه (صَلَّى اللّه عَلَيْهِ وَآلِهِ) فخرجت مُبادِرةً على بغلٍ بسرجٍ فكانت أول امرأةٌ ركبت فِي الإسلام سرجاً فوقفت فقالت نحوا ابنكُم عن بيتي فإِنَّهُ لا يُدفنُ فِيهِ شيءٌ ولا يُهتكُ على رسُولِ اللّه (صَلَّى اللّه عَلَيْهِ وَآلِهِ) حِجابُه فقال لها الحسين بن علي صلواتُ اللّه عليهما قدِيماً هتكتِ أنتِ و أَبُوكِ حِجاب رسُولِ اللّه (صَلَّى اللّه عَلَيْهِ وَآلِهِ) وأدخلت بيته من لا يُحِبُّ رسُولُ اللّه (صَلَّى اللّه عَلَيْهِ وَآلِهِ) قربه و إن اللّه سائِلُكِ عن ذلِكِ يا عائِشة إِنَّ أَخِي أَمرني أن أُقرِّبهُ من أَبِيهِ رسُولِ اللّه (صَلَّى اللّه عَلَيْهِ وَآلِهِ) ليُحدِث بِهِ عهداً واعلمي أن أخي أعلمُ النّاس بِاللّه ورسولِهِ وأعلمُ بتأوِيلِ كِتابِهِ من أن يهتِك على رَسُولِ اللّه (صَلَّى اللّه عَلَيْهِ وَآلِهِ) ستره لأنّ اللّه تبارك وتعالى يقولُ: (يا أيُّها الّذين آمنوا لا تدخُلُوا بُيُوت النَّبيّ إِلّا أن يُؤذن لكم) (2) وقد أدخلتِ أنتِ بيت رسُولِ اللّه (صَلَّى اللّه عَلَيْهِ وَآلِهِ) الرّجال بغيرِ
ص: 75
إِذنِهِ وقد قال اللّه عزّو جلّ (يا أَيُّهَا الّذين آمنوا لا ترفعُوا أصواتكم فوق صوت النَّبيّ) و لعمري لقد ضربتِ أنتِ لِأَبِيكِ وفاروقِهِ عِند أُذُنِ رسُولِ اللّه (صَلَّى اللّه عَلَيْهِ وَآلِهِ) المعاول و قال اللّه عزّوجلّ: (إنّ الّذين يغُضُّون أصواتهُم عِند رسُولِ اللّه أَولِئِكَ الّذينَ امتحن اللّه قُلُوبَهُم للتقوى) (1) و لعمري لقد أدخل أبوكِ و فاروقه على رسُولِ اللّه (صَلَّى اللّه عَلَيْهِ وَآلِهِ) بقربهما مِنهُ الأذى وما رعيا من حقِّهِ ما أمرهما اللّه بِهِ على لِسانِ رسُولِ اللّه (صَلَّى اللّه عَلَيْهِ وَآلِهِ) إنّ اللّه حرّم على المؤمنين أمواتاً ما حرّم مِنهُم أحياءً و تاللّه يا عائِشة لو كان هذا الّذي كرِهتِيهِ من دفنِ الحسن عِند أبيه صلواتُ اللّه عليهما جائِزاً فيما بيننا وبين اللّه لعلمتِ أَنَّهُ سَيُدفنُ و إن رغم معطِسُكِ قال ثُمّ تكلّم محمّد بن الحنفية وقال يا عائِشة يقوماً على بغل ويقوماً على جمل فما تملكين نفسكِ ولا تملكين الأرض عداوةً لبني هاشم قال فأقبلت عليه فقالت يا ابن الحنفية هؤلاء الفواطِمُ يتكلّمُون فما كلامك فقال لها الحسين وأنّى تُبعِدِين محمّداً من الفواطم فواللّه لقد ولدته ثلاث فواطم فاطِمةُ بنت عمران بن عائذ بن عمرو بن مخزوم و فاطِمةُ بِنتُ أسد بن هاشم و فاطِمةُ بِنتُ زائدة بن الأصم بن رواحة بن حُجر بن عبد معيص بن عامر قال فقالت عائِشة للحسين (عَلَيهِ السَّلَامُ) نحوا ابنكُم واذهبوا بِهِ فإنّكُم قوم خصمون قال فمضى الحسين (عَلَيهِ السَّلَامُ) إلى قبرِ أُمِّهِ ثُمّ أخرجه فدفنه بالبقيع. (2)
6 - عن أبي عبد اللّه (عَلَيهِ السَّلَامُ) قال: إنّ الحسين بن علي (عَلَيهِمَا السَّلَامُ) أراد أن يدفن الحسن بن علي (عَلَيهِمَا السَّلَامُ) مع رسول اللّه (صَلَّى اللّه عَلَيْهِ وَآلِهِ) و جمع جمعاً فقال رجُلٌ سمع الحسن بن علي (عَلَيهِمَا السَّلَامُ) يقولُ قُولُوا لِلحُسين أن لا يُهرِق فِي دماً لولا ذلك ما انتهى الحسين (عَلَيهِ السَّلَامُ) حتّى يدفنه مع رسُولِ اللّه (صَلَّى اللّه عَلَيْهِ وَآلِهِ). ثُمّ قال أبو عبد اللّه (عَلَيهِ السَّلَامُ) أوّلُ امرأةٍ ركبت البغل بعد رسول اللّه (صَلَّى اللّه عَلَيْهِ وَآلِهِ) عائِشة جاءت إلى المسجِدِ فمنعت أن يُدفن الحسن بن علي (عَلَيهِمَا السَّلَامُ) مع رسول اللّه (صَلَّى اللّه عَلَيْهِ وَآلِهِ). (3)
7- عن الصَّادق (عَلَيهِ السَّلَامُ) أنّه قال: لَما حضرتِ الحسن بن علي (عَلَيهِمَا السَّلَامُ) الوفاة بكى بكاء شديداً و قال إِنِّي أقدم على أمر عظيم و هول لم أقدم على مِثلِهِ قطُّ ثُمّ أوصى أن يدفنوهُ بِالبقيع فقال يا
ص: 76
أخي احملني على سريري إلى قبر جدّي رسول اللّه (صَلَّى اللّه عَلَيْهِ وَآلِهِ) لِأُجدِّد بِهِ عهدِي ثُمّ رُدّنِي إِلى قبرِ جدتي فاطمة بنت أسد فادفني فستعلم يا ابن أُمّ أن القوم يَظُنُّون أَنكُم تُرِيدُون دفنِي عِند رسُولِ اللّه فيجلبون فِي منعِكُم وباللّه أقسم عليك أن تُهرِق فِي أمرِي مِحجمة دم فَلَمّا غسّله وكفِّنهُ الحسين (عَلَيهِ السَّلَامُ) و حمله على سريره وتوجّه إلى قبرِجدِهِ رَسُولِ اللّه (صَلَّى اللّه عَلَيْهِ وَآلِهِ) لِيُجدّد بِهِ عهداً أتى مروان بن الحكم ومن معهُ من بَنِي أُميّة فقال أيُدفنُ عُثمانُ فِي أقصى المدينة ويُدفنُ الحسن مع النَّبيّ لا يكون ذلك أبداً و لحقت عائِشة على بغلٍ وهِي تَقُولُ ما لي و لكُم تُرِيدُون أن تُدخِلُوا بيتي من لا أُحِبُّ فقال ابن عبَّاس المروان بن الحكم لا نُرِيدُ دفن صاحبنا فإنه كان أعلم بِحُرمةِ قبرِ رسولِ اللّه من أن يطرق عليه هجماً كما طرق ذلك غيره ودخل بيته بغيرِ إِذْنِهِ انصرف فنحن ندفنُهُ بِالبقيع كما وصىّ ثُمّ قال لعائِشة واسوأتاه يوماً على بغل و يوماً على جملٍ وفي روايةٍ يوماً تجملت و يوماً تبغلتِ وإِن عِشتِ تفيلتِ فأخذهُ ابنُ الحجاج الشّاعِرُ البغدادِيُّ فقال
يابنت أبي بكرلا كان ولا كُنتِ *** لكِ التسعُ من الثَّمن و بالكُل تملّكتِ
تجمّلت تبغّلتِ وإِن عِشتِ تفيّلت (1)
8 - قال الحسن (عَلَيهِ السَّلَامُ) : إذا أنا مِتُّ يا أخي فغسلني وحنّطني وكفِّنِّي وصل علي واحملني إلى جدّي رَسُولِ اللّه (صَلَّى اللّه عَلَيْهِ وَآلِهِ) حتّى تُلحِدنِي إِلى جنبِهِ فإِن مُنِعت من ذلك فبحقّ جدّك رسُولِ اللّه (صَلَّى اللّه عَلَيْهِ وَآلِهِ) و علي أبيك و أُمّك فاطمة الزهراء (عَلَيهَا السَّلَامُ) وبحقّي يا أخي أن لا خاصمت أحداً و لا قاتلته فحسبك بما قال لك فِي قتال جيش يزيد بكربلا فِي غربي الفُراتِ و أرادوا تعنُّفي فارجع من فورك إلى بقيع الغرقد فادفنِّي فِيهِ، واعلم أنك إذا حملتني إلى قبرِجدِي رَسُولِ اللّه (صَلَّى اللّه عَلَيْهِ وَ آلِهِ) لا يدع مروان طرِيدُ جدّك لِكُفره ويركب بغلته ويصِيرُ إلى عائِشة مُسرِعاً فيقولُ لها يا أُمّ المؤمنين تتركين الحسين يُدفِنُ أخاه مع جدّه رَسُولِ اللّه فتقُولُ له يا مروان ما أصنعُ فيقولُ واللّه يا عائِشة لئِن دُفن الحسن مع جدّه محمّد ليذهبن فخرُ أَبِيكِ وفخرُ عُمر إِلى يومِ القِيامَةِ فتَقُولُ له وأنّى لِي بهم وقد سبقُوني فيقول هذه بغلتي فاركبيها والحقي بالقومِ فامنعِيهِم من الدُّخُولِ إليه ولو جُزّت ناصِيتُك وينزِلُ عن بغلتِهِ وتركب عائِشة وتُسرع إليهم فتلحق
ص: 77
بنعشِي. وقد وصل إلى حرمِ جدّي رسُولِ اللّه (صَلَّى اللّه عَلَيْهِ وَآلِهِ) فترمي نفسها بينكم وبين القبرِو تقُولُ لا يُدفن الحسن هاهنا أو تُجز ناصِيتِي هذِهِ وتأخُذُ ناصِيتها بِيدِها فإذا فعلت ذلك فارددني إلى البقيع و ادفني إلى جانب قبر إبراهيم ابن جدّك رسُولِ اللّه (صَلَّى اللّه عَلَيْهِ وَآلِهِ) فلَمّا تُوُفِّي الحسن صلواتُ اللّه عليه أخذ الحسين (عَلَيهِ السَّلَامُ) فِي جهازه و حمله وصلّى عليه وصاربِهِ إلى قبر جدّه (عَلَيهِ السَّلَامُ) و وافى مروان لعنه اللّه مُسرِعاً على بغلتِهِ إلى عائِشة لعنها اللّه وقال كما حكاه الحسن لِلحُسين (عَلَيهِمَا السَّلَامُ) و قالت له مثله و نزل مروان عن بغلتِهِ وركبتها عائِشة ولحقت القوم و قد وصلوا إلى حرم النَّبيّ (عَلَيهِ السَّلَامُ) فرمت بنفسها عن البغلة وأخذت بناصِيتِها ووقفت بينهم وبين القبر وقالت واللّه لا يُدفنِ الحسن مع جدّه أو تُجز ناصِيتي هذِهِ فأراد بنُوهاشم الكلام فقال الحسين (عَلَيهِ السَّلَامُ) اللّه اللّه لا تُضيّعُوا وصِيّة أخي واعدِلُوا بِهِ إِلى البقيع فإِنَّهُ أقسم عليّ إِن مُنِعتُ من دفنِه مع جدّه رَسُولِ اللّه (صَلَّى اللّه عَلَيْهِ وَآلِهِ) لا أخاصم أحداً و أن أدفنه فِي البقيع فعدلُوا بِهِ إِلَيْهِ فدفنُوهُ فِيهِ فقال عبدُ اللّه بنُ العبّاس: كم لنا مِنكُم يا حميراء يوم على جمل ويوم على زرافة فقالت يابن العبّاس ليس قِتالِي لِعلي بعجِيبٍ وقد رُوّيتُم أن صفراء ابنة شُعيب زوجة موسى بن عمران (عَلَيهِ السَّلَامُ) قاتلت بعده وصِيَّهُ يُوشع بن نُونٍ على زرّافة فقال لها ابنُ العبّاس هِي و اللّه صفراء و أنتِ حميراءُ إلّا أنها بِنتُ شُعيب وأنتِ بِنتُ عتيق بن عبد العُزّى قالت إن لنا عندك يا ابن العبّاس ثأراً بثأرٍ و المعاد لا تقُولُ بِهِ فقال لها ابنُ عبَّاس واللّه أنتِ ومن أنتِ مِنهُ وحِزبُكُمُ الضّالُّون. (1)
9- فِي زيارة الأئمّة (عَلَيهِم السَّلَامُ) المروية عنهم....و شهيد فوق الجنازة قد شُكّت أكفانه بالسِّهام....(2)
10 - روى الشيخ الجليل عماد الدين الطبري فِي كامله: فأرسل معاوية السم ثانية إلى مروان مع مسحوق من ألماس، فبعث مروان به وبالسمّ إلى جعدة مع هدايا و عهود و مواثيق جديدة فأصلحت جعدة من نفسها وأقبلت إلى الإمام الحسن (عَلَيهِ السَّلَامُ) وقالت فِي نفسها: إن بصربي أحد فأنا ذاهبة إلى زوجي، وإلا فسوف أعمل ما أريد، ووضعت اللعينة سلّما و ارتقت إلى سطح الدار فرأت القوم نياما، ورأت الكوز الّذي يشرب منه الحسن مغطّئا، فوضعت مسحوق
ص: 78
ألماس فِي الكوز و مسحت يدها به و نزلت من أعلى الدار و خبأت السلّم، ولما استيقظ الإمام وجد الكوز على حاله وكان محتاطا من غدر جعدة، ولا شرب جرعات من الماء عاوده الألم بأكثر مِمّا كان، فصاح بأعلى صوته يريد حسينا (عَلَيهِ السَّلَامُ)، فأوصاه بوصاياه و سلّمه سلاح رسول اللّه وأمِير المؤمنين الّتي أودعاه عند الإمام، وحوّل إليه الإمامة ومقاليد الشريعة، وقال: أنا أعرف من هُو الّذي سمني ولكن احذر أن تأخذ بريئا بدمي و أن تريق من أجلي محجمة دم، و خذني إلى قبر جدي بعد تجهيزي، فإن منعوك أن تدفنني هناك عنده خذني إلى البقيع عند قبر خالي إبراهيم بن محمّد رسول اللّه (صَلَّى اللّه عَلَيْهِ وَآلِهِ) وجدتي فاطمة بنت أسد، وأراد الحسين (عَلَيهِ السَّلَامُ) أن يشرب ماءا من ذلك الكوز فانتزع الحسن (عَلَيهِ السَّلَامُ) من يده وضرب بها الأرض فتكسرت، و لما انفلق عمود الصبح ترك الوجود الفاني إلى الوجود الباقي، وفارق الدُّنيا إلى الرفيق الأعلى.
و لمّا فرغ الإمام الحسين (عَلَيهِ السَّلَامُ) من تجهيزه و وضعه على السرير، عزم على حمله إلى روضة النَّبيّ (صَلَّى اللّه عَلَيْهِ وَآلِهِ) و هنا أحضر مروان من جند الشام الموجودين فِي المدينة خمسين ألفا من الرجال و أرسلهم إلى عائِشة حتّى ركبت البغلة وتقدّمت الجيش وجرت بينها وبين الحسين (عَلَيهِ السَّلَامُ) و عبد اللّه بن عبَّاس مناظرات حاده، فقال لها عبد اللّه :
تجمّلت تبغّلت و لو عشت تفيّلت *** لك التسع من الثمن وفي الكلّ تملّكت
يوما على جمل تخرجين لحرب أبيه، ويوما تخرجين على بغل لحرب الولد و ما نلتيه من اسم و شرف هُو من عندنا كما قال اللّه تعالى: (و قرن فِي بُيُوتِكُن)، فتناولت عائِشة القوس من مروان، و رمت الجنازة بسهم، وقالت: لا تدخلوا بيتي عدوّي وابن عدوّي وأبعدوه عنّي، وفعل الحسين (عَلَيهِ السَّلَامُ) بوصيّة الحسن فحمله إلى البقيع وقال: لولا وصيّة سبقت منه لدفنته مع جدّه وليكن ما يكون، فلجأت تلك اللعينة جعيدة إلى بيت مروان و حملها إلى الشام، فسألها معاوية عمّا جرى وقال:
أما استحييت أيّتها اللعينة من اللّه ورسوله مِمّا فعلت بسبط رسول اللّه ؟! فأمر بأخذها خارج بيته وقتلها، فخسرت الدُّنيا والآخرة لعنة اللّه عليها. (1)
ص: 79
11 - روى صاحب الدر النظيم : أنّه لما حضرته الوفاة قال (عَلَيهِ السَّلَامُ) لأخيه الحسين (عَلَيهِمَا السَّلَامُ): إذا قضيت فغمّضني وغسلني، وكفّنّي، واحملني على سريري الى قبر جدي رسول اللّه (صَلَّى اللّه عَلَيْهِ وَآلِهِ) لاجدد به عهدا ثُمّ ردّني الى قبر جدّتي فاطمة بنت أسد رحمة اللّه عليها فادفني هناك، وستعلم يا ابن أمّ إنّ القوم يظنون أنكم تريدون دفني عند رسول اللّه (صَلَّى اللّه عَلَيْهِ وَآلِهِ) فيجلبون فِي منعكم عن ذلك، وباللّه اقسم عليك أن تهرق فِي أمري محجمة دم.
ثمّ وصى (عَلَيهِ السَّلَامُ) إليه بأهله وولده وتركاته وبما كان وصى به أمِير المؤمنين (عَلَيهِ السَّلَامُ) حين استخلفه وأهله بالإمامة، ودلّ شيعته على استخلافه ونصبه لهم علما من بعده.
فلمّا مضى (عَلَيهِ السَّلَامُ) لسبيله غسّله الحسين (عَلَيهِ السَّلَامُ) وكفّنه وحمله على سريره و لم يشكّ مروان بن الحكم طريد رسول اللّه (صَلَّى اللّه عَلَيْهِ وَآلِهِ) وأصحابه فِي أنّه يريد دفنه عند رسول اللّه (صَلَّى اللّه عَلَيْهِ وَآلِهِ)، فوافى مسرعا على بغلة حتّى دخل على عائِشة وقال لها: يا أم المؤمنين إن الحسين يريد أن يدفن أخاه الحسن عند قبر جدّه، ولئن دفنه عنده ليذهبن فخرأبيك وصاحبه الى يوم القيامة. فقالت له: فما أصنع يا مروان ؟ قال:
تلحقين به وتمنعينه من الدخول إليه. قالت: فكيف ألحقه؟ قال: هذا بغلي فاركبيه والحقي القوم. فنزل لها عن بغله و ركبته وأسرعت الى القوم وكانت أول امرأة ركبت السرج هي، فلحقتهم وقد صاروا الى حرم رسول اللّه (صَلَّى اللّه عَلَيْهِ وَآلِهِ) فرمت بنفسها بين القوم والقبر وقالت: و اللّه لا يدفن الحسن هاهنا أو يحلق هذه وأخرجت ناصيتها بيدها.
و كان مروان لما ركبت بغلته جمع كلّ من كان عنده من بَنِي امية وحشمهم وأقبل هوو أصحابه وهو يقول: يا ربّ هيجاء هي خير من دعة، أيدفن عثمان فِي أقصى. البقيع ويدفن الحسن مع رسول اللّه (صَلَّى اللّه عَلَيْهِ وَآلِهِ)، واللّه لا يكون ذلك أبدا وأنا أحمل السلاح. وكادت الفتنة تقع بين بَنِي هاشم وبني امية، وعائِشة تقول:
واللّه لا يدخل داري من أكره. فقال لها الحسين (عَلَيهِ السَّلَامُ) : هذه دار رسول اللّه (صَلَّى اللّه عَلَيْهِ وَآلِهِ)، وأنت حشية من تسع حشايا خلفهنّ رسول اللّه (صَلَّى اللّه عَلَيْهِ وَآلِهِ)، وإنما نصيبك من الدار موضع قدميك. ثُمّ بادر ابن عبَّاس رضي اللّه عنهما الى مروان فقال: ارجع يا مروان من حيث جئت فإنا ما نريد دفن صاحبنا عند رسول اللّه (صَلَّى اللّه عَلَيْهِ وَآلِهِ) لكنا نريد أن يجدّد به عهدا بزيارته ثُمّ نرده الى جدته
ص: 80
فاطمة بنت أسد فندفنه عندها بوصيّته بذلك، ولوكان وصى بدفنه مع النَّبيّ (صَلَّى اللّه عَلَيْهِ وَآلِهِ) لعلمت أنك أقصر باعا من ردّنا عن ذلك، لكنّه (عَلَيهِ السَّلَامُ) كان أعلم باللّه و رسوله و بحرمة قبره من أن يطرق عليه هدما كما طرق ذلك غيره ودخل بيته بغير إذنه. ثُمّ أقبل على عائِشة فقال لها: واسوأتاه يوما على بغل و يوما على جمل تريدين أن تطفئي نور اللّه وتقاتلي أولياء اللّه، ارجعي فقد كفيت الّذي تخافين، وبلغت الّذي تحبّين، واللّه تعالى منتصر لأهل هذا البيت ولو بعد حين. قال الحسين (عَلَيهِ السَّلَامُ) : واللّه لولا عهد الحسن إلي بحقن الدماء و أن لا اهرق فِي أمره محجمة من دم لعلمتم كيف تأخذ سُيُوف اللّه منكم مأخذها، وقد نقضتم العهد بيننا وبينكم، وأبطلتم ما اشترطنا عليكم لأنفسنا.
و مضوا بالحسن (عَلَيهِ السَّلَامُ) حتّى دفنوه بالبقيع عند جدّته فاطمة بنت أسد بن هاشم بن عبد مناف (1).
ص: 81
1- عن ضُريس قال: تمارى النّاس عِند أبي جعفر (عَلَيهِ السَّلَامُ) فقال بعضُهم حرب علي شرّ من حرب رسُولِ اللّه (صَلَّى اللّه عَلَيْهِ وَآلِهِ) و قال بعضُهُم حرب رسُولِ اللّه (صَلَّى اللّه عَلَيْهِ وَآلِهِ) شرّ من حرب عليّ (عَلَيهِ السَّلَامُ) قال فسمعهم أبو جعفر (عَلَيهِ السَّلَامُ) فقال ما تقُولُون فقالوا أصلحك اللّه تمارينا فِي حرب رسولِ اللّه (صَلَّى اللّه عَلَيْهِ وَآلِهِ) و فِي حرب عليّ (عَلَيهِ السَّلَامُ) فقال بعضنا حرب عليّ (عَلَيهِ السَّلَامُ) شرٌّ من حرب رسول اللّه (صَلَّى اللّه عَلَيْهِ وَآلِهِ) و قال بعضُنا حرب رسُولِ اللّه (صَلَّى اللّه عَلَيْهِ وَآلِهِ) شرٌّ من حرب عليّ (عَلَيهِ السَّلَامُ) فقال أبو جعفر (عَلَيهِ السَّلَامُ) لا بل حرب عليّ (عَلَيهِ السَّلَامُ) شر من حرب رسُولِ اللّه (صَلَّى اللّه عَلَيْهِ وَآلِهِ) فقُلتُ لهُ جُعِلتُ فِداك أ حرب عليّ (عَلَيهِ السَّلَامُ) شرٌّ من حرب رسول اللّه (صَلَّى اللّه عَلَيْهِ وَآلِهِ) قال نعم وسأخبرك عن ذلك إن حرب رسُولِ اللّه (صَلَّى اللّه عَلَيْهِ وَآلِهِ) لم يقرُّوا بِالإسلام وإن حرب عليّ (عَلَيهِ السَّلَامُ) أقروا بالإسلام ثُمّ جحدوه. (1)
2 - عن يعقوب السراج قال: دخلت على أبي عبد اللّه (عَلَيهِ السَّلَامُ) وهو واقف على رأس أبي الحسن موسى (عَلَيهِ السَّلَامُ) وهو فِي المهدِ فجعل يسارُّه طويلاً فجلستُ حتّى فرغ فقمتُ إليه فقال: أدنُ من مولاك فسلم عليه فدنوت منه فسلّمتُ فردّ علي السّلام بلسان فصيح ثُمّ قال لي: إذهب فغيّر إسم ابنتك الّتي سمّيتها أمس فإنّه إسمٌ يُبغضه اللّه وكانت لي إبنة سميتها بالحميراء فقال لي أبو عبد اللّه (عَلَيهِ السَّلَامُ) : إنته إلى قوله تُرشد فغيّرت إسمها. (2)
ص: 82
1- عن أبي عبد اللّه (عَلَيهِ السَّلَامُ) أنّه قال: قوله تعالى ﴿ ضَرَبَ اللَّهُ مَثَلًا لِلَّذِينَ كَفَرُوا امْرَأَتَ نُوحٍ وَامْرَأَتَ لُوطٍ)(1) الآية مثل ضربه اللّه سبحانه لفلانة وفلانة إذ تظاهرتا على رسول اللّه (صَلَّى اللّه عَلَيْهِ وَآلِهِ) و أفشتا سرّهُ. (2)
2- عن ابن عبَّاس فِي قوله تعالى : (وَإِنْ تَظَاهَرَا) عليه قال : نزلت فِي عائِشة وحفصة. (فَإِنَّ اللَّهَ هُوَ مَوْلَاهُ) نزلت فِي رسول اللّه (صَلَّى اللّه عَلَيْهِ وَآلِهِ) (وَجِبْرِيلُ وَصَالِحُ الْمُؤْمِنِينَ) (3) نزلت فِي علي خاصّة. (4)
1 - عن حمران قال: سمعت أبا جعفر (عَلَيهِ السَّلَامُ) يقرأ: (وَجَاءَ فِرْعَوْنُ وَمَنْ قَبْلَهُ وَالْمُؤْتَفِكَاتُ بِالْخَاطِئَةِ) (5) قال : وجاء فرعون يعني الثالث، ومن قبله الأولين والمؤتفكات أهل البصرة بالخاطئة الحميراء يعني فلانة». (6)
1- روى يحيى بنُ عبدِ اللّه بن الحسن عن أبيه عبد اللّه بن الحسن قال : كان أمِير المؤمنين (عَلَيهِ السَّلَامُ) يخطب بالبصرة بعد دُخُولِهِ بِأيامٍ فقام إليهِ رجُلٌ فقال يا أمِير المؤمنين أخبرني من أهلُ الجماعة و من أهل الفرقة و من أهل البدعة و من أهل السُّنَّةِ ؟ فقال ويحك أمّا إذا سألتني فافهم عنِّي ولا عليك أن تسأل عنها أحداً بعدِي أما أهل الجماعة فأنا و من تبعني وإن قلوا و ذلك الحقّ عن
ص: 83
أمر اللّه تعالى و عن أمرِ رَسُولِهِ وأهلُ الفُرقة المخالفون لي ولمن اتبعني وإن كثرُوا و أما أهلُ السُّنّة فالمتمسكون بما سنَهُ اللّه لهم و رسُولُهُ وإِن قلوا وأما أهل البدعة فالمخالفون لأمر اللّه ولكِتابِهِ ولِرَسُولِهِ العامِلُون برأيهم و أهوائهم و إن كثروا و قد مضى منهم الفوج الأول وبقيت أفواج و على اللّه قبضُها واستيصالها عن جددِ الأرض فقام إليهِ عمَّار فقال يا أميرالمؤمنين إنّ النّاس يذكُرُون الفيء ويزعُمُون أن من قاتلنا فهو و مالُهُ ووُلدُهُ فيء لنا فقام إليهِ رجُلٌ من بكرِبنِ وائِلٍ ويُدعى عباد بن قيس وكان ذا عارضة ولسانٍ شدِيدٍ فقال يا أمِير المؤمنين واللّه ما قسمت بالسويّة ولا عدلت بالرّعيّة فقال ولم ويحك؟ قال لأنّک قسمت ما فِي العسكر و تركت الأموال والنساء والذُرِّيَّة فقال أيُّها النّاس من كانت به جراحة فليداوها بِالسّمن فقال عبّادٌ جِئنا نطلب غنائمنا فجاءنا بِالتُّرَهاتِ فقال لهُ أمِير المؤمنين (عَلَيهِ السَّلَامُ) إن كنت كاذباً فلا أماتك اللّه حتّى يُدركك غُلامُ ثَقِيفٍ قِيل و من غُلامُ ثقيف؟ فقال رجُلٌ لا يدعُ للّه حُرمةً إِلَّا انتهكها فقيل أفيمُوتُ أو يُقتل فقال يقصِمُهُ قاصِمُ الجبارين بموتٍ فاحش يحترِقُ مِنْهُ دُبُرُهُ لِكثرة ما يجري من بطنِهِ يا أخا بكر أنت امْرُؤٌ ضَعِيفُ الرأي أو ما علمت أنا لا نأخُذُ الصغير بذنب الكبير و أنّ الأموال كانت لهم قبل الفرقة و تزوّجُوا على رِشدةٍ ووُلِدُوا على فطرة وإنّما لَكُم ما حوى عسكركم و ما كان فِي دورِهِم فهو ميراثٌ فإن عدا أحدٌ مِنهُم أخذناهُ بِذننِهِ وإِن كفّ عنّا لم نحمل عليه ذنب غيره يا أخا بكرٍ لقد حكمتُ فِيهِم بِحُكمِ رَسُولِ اللّه (صَلَّى اللّه عَلَيْهِ وَآلِهِ) فِي أهل مكّة فقسم ما حوى العسكر و لم يتعرّض لما سوى ذلك وإنّما اتبعتُ أثره حذو النّعلِ بِالنّعل يا أخا بكراً ما علمت أن دار الحربِ يحِلُّ ما فيها وأنّ دار الهجرة يحرُمُ ما فيها إلّا بالحقّ فمهلا مهلًا رحمكُمُ اللّه فإِن لم تُصدِّقُونِي و أكثرتُم علي وذلك أنّه تكلّم فِي هذا غيرُ واحِدٍ فأيُّكُم يأخذُ عائِشة بِسهمِهِ فقالوا يا أمِير المؤمنين أصبت وأخطأنا و علمت و جهلنا فنحن نستغفر اللّه تعالى ونادى النّاس من كلّ جانب أصبت يا أمِير المؤمنين أصاب اللّه بك الرشاد والسداد فقام عباد فقال أيُّها النّاس إِنَّكُم واللّه لو اتبعتُمُوهُ وأطعتُمُوهُ لن يضِلَّ بِكُم عن منهلِ نبيّكم حتّى قيد شعرة وكيف لا يكُونُ ذلك وقد استودعه رسُولُ اللّه (صَلَّى اللّه عَلَيْهِ وَآلِهِ) علم المنايا والقضايا وفصل الخطاب على منهاج هارون و قال له أنت مِنّي بِمنزلة هارون من مُوسى إِلا أَنْهُ لا نبي
ص: 84
بعدِي فضلا خصّهُ اللّه به و إكراماً مِنهُ لنبيه (صَلَّى اللّه عَلَيْهِ وَآلِهِ) حيثُ أعطاه ما لم يُعطِ أحداً من خلقِهِ ثُمّ قال أمِير المؤمنين (عَلَيهِ السَّلَامُ) انظُرُوا رحمكُمُ اللّه ما تُؤمرُون فامضوا له فإنّ العالم أعلم بما يأتِي بِهِ من الجَاهِلِ الخسيس الأخسّ فإِنِّي حامِلُكُم إن شاء اللّه إن أطعتُمُونِي على سبيل النّجاة و إن كان فِيهِ مشقّة شديدة و مرارة عديدة والدُّنيا حلوة الحلاوة لمن اغترّبِها من الشّقاوة والندامة عمّا قلِيلٍ ثُمّ إِنِّي أُخبركم أن جيلا من بَنِي إسرائيل أمرهم نبيهم أن لا يشربُوا من النَّهْرِ فلجوا فِي ترك أمرِه فشرِبُوا مِنْهُ إِلا قليل [قلِيلًا مِنهُم فكُونُوا رحمكم اللّه من أُولئِكَ الّذينَ أطَاعُوا نبيهم ولم يعصوا ربهم و أمّا عائِشة فأدركها رأي النِّساءِ ولها بعد ذلك حُرمتها الأُولى والحِسابُ على اللّه يعفو عمن يشاء ويُعذِّبُ من يشاءُ. (1)
1- عن عُمر بن أبان قال: لما ظهر أمِير المؤمنين (عَلَيهِ السَّلَامُ) على أهل البصرة جاءهُ رِجالٌ مِنهُم فقالوا يا أمِير المؤمنين ما السّببُ الّذي دعا عائِشة بالمظاهرة عليك حتّى بلغت من خلافك وشقاقك ما بلغت وهي امرأةٌ من النِّساءِ لم يُكتب عليها القتال ولا فُرِض عليها الجهاد ولا أُرخص لها فِي الخروج من بيتها ولا التبرُّج بين الرّجالِ وليست من تولّته فِي شيء على حال فقال (عَلَيهِ السَّلَامُ) : «سأذكُرُ لكُم أشياء مِمّا حقدتها عليّ ليس لي فِي واحِدٍ مِنها ذنب إليها ولكنها تجرمت بها علي أحدها تفضيل رسول اللّه (صَلَّى اللّه عَلَيْهِ وَآلِهِ) لي على أبيها وتقديمه إياي فِي مواطن الخير عليه فكانت تضطغِنُ ذلك عليّ فتعرِفُهُ مِنهُ فتتبعُ رأيهُ فِيهِ وثانيها لَا آخى بين أصحابه آخى بين أبيها و بين عُمر بن الخطاب واختصّنِي بِأُخُوَتِهِ فغلُظ ذلك عليها وحسدتني مِنهُ. ثالِيُّها و أوحى اللّه تعالى إليه (صَلَّى اللّه عَلَيْهِ وَآلِهِ) بسدّ أبواب كانت فِي المسجِدِ لِجميع أصحابِهِ إِلا بابي فلمّا سدّ باب أبيها و صاحبه وترك بابي مفتوحاً فِي المسجِدِ تكلّم فِي ذلك بعضُ أهله فقال (صَلَّى اللّه عَلَيْهِ وَآلِهِ): ما أنا سددتُ أبوابكُم و فتحت باب علي بل اللّه عزّ و جلّ سدّ أبوابكُم وفتح بابه فغضب لذلك أبوبكر و عظم عليه وتكلّم فِي أهلِهِ بِشيءٍ سمعتهُ مِنهُ ابنتُهُ فاضطغنته علي رابِعُها و كان رسُولُ اللّه (صَلَّى اللّه عَلَيْهِ وَآلِهِ)
ص: 85
أعطى أباها الراية يوم خيبر و أمره أن لا يرجع حتّى يفتح أو يقتل فلم يلبث لذلك وانهزم فأعطاها فِي الغدِ عُمر بن الخطاب وأمرهُ مِثلِ ما أمر صاحبه فانهزم ولم يثبت فساء ذلك رسول اللّه (صَلَّى اللّه عَلَيْهِ وَآلِهِ) فقال : لهم ظاهراً مُعلناً لأعطِينَ الراية غداً رجُلا يُحِبُّ اللّه و رسوله ويُحِبُّهُ اللّه ورسوله كراراً غير فرار لا يرجعُ حتّى يفتح اللّه على يديه فأعطاني الراية فصبرتُ حتّى فتح اللّه تعالى على يدي فغمّ ذلك أباها و أحزنه فاضطغنته عليّ وما لي إليها من ذنب فِي ذلك فحقدت لحقدِ أبيها خامِسُها وبعث رسُولُ اللّه (صَلَّى اللّه عَلَيْهِ وَآلِهِ) أباها بسورة براءة و أمره أن ينبذ العهد لِلمُشرِكين ويُنادِي فِيهِم فمضى حتّى انحرف فأوحى اللّه تعالى إلى نَبِيّه
(صَلَّى اللّه عَلَيْهِ وَآلِهِ) أن يردّه و يأخذ الآياتِ فيُسلّمها إلي فسلّمها إلى فصرف أباها بِإِذنِ اللّه عزّ و جلّ و كان فيما أوحى إليه اللّه أن لا يُؤدّي عنك إلّا رجُلٌ مِنك وكنتُ من رسول اللّه و كان مِني فاضطغن لذلك عليّ أيضاً واتبعته ابنته عائِشة فِي رأيِهِ سادِسُها وكانت عائِشة تمقت خديجة بنت خويلد و تشنوها شنآن الضرائر و كانت تعرف مكانها من رسُولِ اللّه (صَلَّى اللّه عَلَيْهِ وَآلِهِ) فيثقُلُ ذلك عليها وتعدى مقتُها إلى ابنتِها فاطمة فتمقُتُنِي وتمقُتُ فاطمة وخديجة و هذا معروف فِي الضّرائِرِ سابِعُها ولقد دخلتُ على رَسُولِ اللّه (صَلَّى اللّه عَلَيْهِ وَآلِهِ) ذات يوم قبل أن يضرب الحجاب على أزواجِهِ و كانت عائِشة بِقُربِ رَسُولِ اللّه فَلَمّا رآني رحب بي و قال : ادنُ مِنِّي يا علي و لم يزل يُدنيني حتّى أجلسني بينه وبينها فغلُظ ذلك عليها فأقبلت إليّ وقالت بِسُوء رأي النِّساءِ و تسرُّعِهِنّ إلى الخطاب: ما وجدت لاستك يا علي موضعاً غير موضع فخذي ؟! فزجرها النَّبيّ (صَلَّى اللّه عَلَيْهِ وَآلِهِ) و قال لها: ألعلي تقولين هذا إِنَّهُ واللّه أول من آمن بي وصدقني وأوّلُ الخلقِ وُرُوداً على الحوض و هُو أحقُّ النّاس عهداً إليّ لا يُبغِضُهُ أحدٌ إِلا أَكبَهُ اللّه على منخِرِه فِي النّارِ فازدادت بذلك غيضاً علي ثامِنُها ولَمَّا رُمِيت بِما رُمِيت اشتد ذلك على النَّبيّ (صَلَّى اللّه عَلَيْهِ وَآلِهِ) و استشارني فِي أمرِها فقُلتُ: «يارسول اللّه سل جاريتها بريرة و استبرئ حالها منها فإن وجدت عليها شيئاً فخل سبيلها فإنّ النساء كثيرة، فأمرني رسُولُ اللّه أن أتولى مسألة بريرة وأستبرئ الحال منها ففعلت ذلك فحقدت عليّ وواللّه ما أردتُ بها سُوءً لَكِنِّي نصحتُ للّه وَلِرَسُولِهِ (صَلَّى اللّه عَلَيْهِ وَآلِهِ) وأمثال ذلك فإن شِئتُم فاسألوها ما الّذي نقمت علي حتّى خرجت مع الناكثين لبيعتي وسفكِ دِماء شيعتي والتظاهر بين المسلمين
ص: 86
بعد اوتي للبغي والشّقاق والمقتِ لِي بِغيرِ سببٍ يُوجِبُ ذلك فِي الدِّينِ ﴿واللّه المستعان) (1) فقال القومُ : القول واللّه ما قُلت يا أمِير المؤمنين و لقد كشفت الغُمّة ولقد نشهد أنك أولى بِاللّه ورسولِهِ (صَلَّى اللّه عَلَيْهِ وَآلِهِ) ممن عاداك فقام الحجاج بن عمرو الأنصارِيُّ فمدحه فِي أبياتٍ نكتفي بما ذكرناه من هذه الجملة عن إيرادها. (2)
أقول: يذكر شيخنا المفيد أعلى اللّه مقامه فِي كتاب الجمل أسبابا لبغضها لأمِير المؤمنين (عَلَيهِ السَّلَامُ) و أنا أنقل هنا نفس كلامه لوجود فوائد كثيرة فيه.
يقول: «و يدل على ما أثبتناه منه أن القوم مضوا مصرين على أعمالهم غير نادمين عليها و لا تائبين منها و أنهم كانوا يتظاهرون إلى اللّه بالقربة و الدينونة بعداوتهم لأمِير المؤمنين (عَلَيهِ السَّلَامُ) و التبغض له والتضليل والتبديع له ولولده و لشيعته وأنصاره و البراءة إلى اللّه من جميعهم و أن أمِير المؤمنين (عَلَيهِ السَّلَامُ) كان يبدئ إليهم بمثل ذلك و يرى القربة إلى اللّه بجهادهم و قتالهم حتّى مضى (عَلَيهِ السَّلَامُ) لسبيله و أنا مثبت بعد الّذي قدمت أخبارا قد سلم لصحتها أهل العقل والنقل على خلافهم فِي الآراء و المذاهب تؤكد ما ذكرت فِي هذا الباب (الكتاب) و تشهد بصحة ما زبرت فإني كنت قد جمعتها فِي موضوع آخر من كتبي و إنّما أوردتها فِي هذا الكتاب لملاءمتها لمعناه و تأييدها لما تضمنته من فوائده و فحواه و باللّه أستعين.
فمن ذلك
ما رواه أبوبكر محمّد بن عُمر الجعائِيُّ وحدّثنا بِهِ قال حدّثنا أبو العبّاس أحمد بن محمّد بنِ سعِيدِ بنِ عُقدة عن أبي الحسن عليّ بن الحسن بن فضال بإسنادِهِ فِي كِتَابِهِ المعرُوفِ بِالمنبئ وهو أشهرُ من أن يدلّ عليهِ العُلماءُ عن أبانِ بنِ عُثمان عنِ الأجلح عن أبي صالح عن عبد اللّه بنِ العبّاس قال: لَمّا رمى أهل الإفكِ عائِشة استشار رسُولُ اللّه (صَلَّى اللّه عَلَيْهِ وَآلِهِ) عليّاً (عَلَيهِ السَّلَامُ) فيها فقال:
ص: 87
يا رسول اللّه النِّساء كثيرة وسل الخادمة فسألُوا بريرة فقالت ما علمتُ إِلا خيراً فبلغ ذلك عائِشة فقالت: لا أُحِبُّ عليّاً بعد هذا أبداً و كانت تقُولُ: لا أُحِبُّ عليّاً أبداً أليس هُو الّذي خلا وصاحِبُهُ بِجارِيتِي يسألاتِها عنِّي؟.
وهذا حديث صحيح الإسناد واضح الطريق و هُو يتضمن التصريح منها ببغض أميرالمؤمنين (عَلَيهِ السَّلَامُ) بنصيحته لرسول اللّه (صَلَّى اللّه عَلَيْهِ وَآلِهِ) و اجتهاده فِي طاعته و مشورته من غير أن يكون ظلمها بذلك واعتدى عليها فيه إذ لو كان ذلك كذلك و حاشاه (عَلَيهِ السَّلَامُ) لما سمع رسول اللّه (صَلَّى اللّه عَلَيْهِ وَآلِهِ) مقالته و لا قبل مشورته و لا انتهى فيها إلى رأيه و لما صار بعد ذلك إلى الإصغاء إليه و الاعتماد فِي ذلك عليه فدل على صوابه (عَلَيهِ السَّلَامُ) و ضلال من مقته لأجله و عاداه فيه.
و من ذلك
ما رواه محمّد بنُ مِهران قال: حدّثنا محمّد بن علي بن خلف قال:
حدّثنا محمّد بن كثير عن إسماعيل بن زياد البزاز عن أبي إدريس عن رافع مولى عائِشة قال: كُنتُ غُلاماً أخدُمُها وكُنتُ إذا كان رسُولُ اللّه عِندها أكُونُ قريباً مِنها فبينما رسُولُ اللّه (صَلَّى اللّه عَلَيْهِ وَآلِهِ) ذات يوم عندها إذ جاء جاء فدق الباب فخرجتُ إليهِ فإذا جارِيةٌ معها إِناءُ مُغطَّى فرجعت إلى عائِشة فأخبرتُها فقالت أدخلها فدخلت فوضعته بين يدي عائِشة و وضعته عائِشة بين يدي رسُولِ اللّه (صَلَّى اللّه عَلَيْهِ وَآلِهِ) فأكل منه فقال (صَلَّى اللّه عَلَيْهِ وَآلِهِ):
يا ليت أمِير المؤمنين وسيّد المسلمين و إمام المتَّقين يأكُلُ معي فقالت عائِشة:
و من ذلك فجاء جاءٍ فدقّ الباب فخرجتُ إليهِ فإذا هُو عليّ بنُ أبِي طالِب (عَلَيهِ السَّلَامُ) فرجعتُ إليه (صَلَّى اللّه عَلَيْهِ وَآلِهِ) فقُلتُ هذا علي بالباب فقال (صَلَّى اللّه عَلَيْهِ وَآلِهِ) :
أدخِلهُ فلَمّا دخل قال له: أهلا لقد تمنيتك حتّى لو أبطأت تسألتُ اللّه أن يأتيني بك اجلس فكُل معي فجلس معه ورأيتُ النَّبيّ (صَلَّى اللّه عَلَيْهِ وَآلِهِ) ينظرُ إِليهِ ويقولُ: قاتل اللّه من يُقاتِلُك و عادى اللّه من عاداك فقالت عائِشة من يُقاتِلُهُ ويُعادِيهِ؟ فقال لها: أنتِ و من معكِ.
و هذا الحديث يدل على عداوتها له من حيث استفهمت عمّا تعلمه على وجه الإنكار و دعائه فِي آخر القول على من يقاتله و يعاديه لعلمه بما يكون منها من القتال أيضا ودعائه على من عاداه ليبين فضيلته و ما هي عليه من البغضاء و الشنئان له و يزيل الشبهة عن الأمَّة فِي حقه وصوابه و باطل عدوه فِي خلافه له و عناده.
ص: 88
و من ذلك
ما رواه غيرُ واحِدٍ عَنِ الأرقمِ بنِ شُرحبيل عن عبد اللّه بنِ العبّاس قال: قال رسُولُ اللّه (صَلَّى اللّه عَلَيْهِ وَآلِهِ) فِي مرضِهِ الّذي تُولّي فِيهِ: ابعثوا إلى علي فادعُوهُ فقالت عائِشة: لو بعثت إلى أبي بكرو قالت حفصة: لو بعثت إلى عُمر فأمسك النَّبيّ (صَلَّى اللّه عَلَيْهِ وَآلِهِ) و بعثتا إلى أبي بكرو عُمر فلما حضرا عنده فتح النَّبيّ عينيهِ فرآهما فقال: انصرفا فإِن تكُن لي حاجةٌ بعثتُ إِليكما.
و من ذلك
ما رواهُ إسحاق عن عكرمة عن عبد اللّه بنِ العبّاس قال: أُغمي على النَّبيّ صل اللّه عليه واله ثُمّ أفاق فقال: ادعُوا لِي أخِي فأمرت عائِشة أن يُدعى أبوبكر فدخل فَلَمّا رَآهُ رَسُولُ اللّه أعرض عنه فقالت أُمُّ سلمة (رضیَ اللّهُ عنها): ادعُوا له عليّاً فَإِنَّهُ أخُوهُ وحَبِيبُهُ فَدُعِي له فجاء حتّى جلس بين يديهِ فَلَمّا رآه أدناه و ناجاه طوِيلًا.
و هذا الحديث مع استقامته و ظهوره و كثرة رواته فِي الخاصّة والعامَّة يدل على عداوتها له وحسدها عليه.
و من ذلك
ما اجتمع عليه أهل النقل من شهادتها لأبي بكر فِي صواب منعه فاطمة فدكا و مباينتها فِي تلك الشهادة أميرالمؤمنين (عَلَيهِ السَّلَامُ) فيما ذهب إليه من استحقاقها و مظاهرة أبي بكر على منع فاطمة (عَلَيهِ السَّلَامُ) من ميراث أبيها و لم تشركها فِي ذلك إحدى الأزواج.
ومن ذلك
ما رواه إِسحاق عنِ الزُّهْرِيِّ عن عُبيدِ اللّه بنِ عبد اللّه عن عائِشة قالت: استشعر رسُولُ اللّه (صَلَّى اللّه عَلَيْهِ وَآلِهِ) المرض فِي بيت ميمونة فدعا نِساءه فاستأذنهنّ أَن يُمرض فِي بيتي فأذِنَ لَهُ فخرج بين رجلينِ من أهل بيتِهِ أحدُهُما الفضلُ بنُ العبّاس ورجُلٌ آخرُ تخط قدماه الأرض عاصِباً رأسه حتّى دخل بيتي قال عُبيد اللّه فحدّثت عنها عبد اللّه بن العبّاس فقال: هل تدري من الرّجُلُ ؟ قُلتُ: لا قال: ذلك عليّ بن أبِي طالِب (عَلَيهِ السَّلَامُ) و ما كانت أُمُّنا تذكُرُهُ بِخير و هي تستطِيعُ.
و من ذلك
أن عائِشة كانت تذم عثمان وولاته وكانت تقول كلّ قول بغضا منه و ترفع قميص رسول اللّه (صَلَّى اللّه عَلَيْهِ وَآلِهِ) فتقول هذا قميص رسول اللّه لم يبل وقد أبلى عثمان أحكامه ولما جاء الناعي إلى
ص: 89
مكّة فنعاه بكى لقتله قوم من أهل ظنّة فأمرت مناديا ينادي: ما بكاؤكم على نعثل قد أراد أن يطفئ نور اللّه فأطفأه اللّه وأن يضيع سنة رسوله فقتله ثُمّ أرجف بمكّة أن طلحة قد بويع له فركبت مبادرة بغلتها وتوجهت نحو المدينة وهي مسرورة حتّى انتهت إلى سرف فاستقبلت عبيد اللّه بن أبي سلمة فقالت له: ما عندك من الخبر قال:
قتل عثمان قالت: ثُمّ ماذا ؟ قال بايعوا عليّاً ابن عم رسول اللّه
فقالت: واللّه لوددت أن هذه أطبقت على هذه إذ تمت الآن لصاحبك فقال لها عبيد اللّه : ولم ؟ فواللّه ما على هذه الغبراء نسمة أكرم على اللّه منه فلماذا تكرهين قوله؟ فقالت: إنا عبنا على عثمان فِي أمور سميناها له و لمناه عليها فتاب منها واستغفر اللّه فقبل منه المسلمون ولم يجدوا من ذلك بدا فوثب عليه صاحبك فقتله واللّه لإصبع من أصابع عثمان خيرمنه وقد مضى كما يمضي الرحيض ثُمّ رجعت إلى مكّة تنعى عثمان وتقول هذه المقالة للناس.
فهل يصح رحمكم اللّه عند أحد من العقلاء دخول الشبهة من بغضها أو يرتاب مكلف فِي عنادها لأمِير المؤمنين (عَلَيهِ السَّلَامُ) على ما ذكرناه.
و من ذلك ما رواه نوح بن دراج عن أبي إسحاق قال حدّثني المنهال عن جماعة من أصحابنا أن طلحة لما قدم إلى مكّة جاء إلى عائِشة فلما رأته قالت: يا أبا محمّد قتلت عثمان و بايعت عليا؟ فقال لها: يا أماه مثلي كما قال الأول
ندمت ندامة الكسعي لما *** رأت عيناه ما صنعت يداه
أو لا ترى أنها تبدي له العداوة فِي كلّ حال وتظهر له العناد بكل مقال؟.
و من ذلك كتبها إلى الآفاق تؤلب عليه وتخذل النّاس عنه من غير شبهة تعرض فِي الديانة لفعل كان منه (عَلَيهِ السَّلَامُ) كتبت إلى زيد بن صوحان على ما اجتمعت عليه نقلة الأخبار.
بسم اللّه الرّحمن الرحيم من عائِشة ابنة أبي بكرأم المؤمنين زوجة النَّبيّ إلى ابنها المخلص زيد صوحان أما بعد فإذا جاءك كتابي هذا فأقم فِي بيتك واخذل النّاس عن علي حتّى يأتيك أمري و ليبلغني عنك ما أُقربه فإنك من أوثق أهلي عندي والسلام.
فكتب إليها زيد بن صوحان رضي اللّه عنه.
ص: 90
بسم اللّه الرّحمن الرحيم من زيد بن صوحان إلى عائِشة بنت أبي بكر أما بعد فإن اللّه أمرك بأمرو أمرنا بأمر أمرك أن تقري فِي بيتك و أمرنا بالجهاد فأتاني كتابك بضد ما أمر اللّه به وذلك خلاف الحقّ والسلام.
و من ذلك ما تظاهرت به الأخبار و ثبتت به الآثار فِي الكتب المصنفة فِي حرب البصرة و غيرها من كتاب عائِشة إلى حفصة على ما رواه عبد الرّحمن الأصم عن الحسن بن أبي الحسن البصري قال لما نزل عليّ (عَلَيهِ السَّلَامُ) بذي قار كتبت إلى حفصة الكتاب الّذي قدمنا ذكره
و روى بشر بن الربيع عن عمَّار الدُّهني عن سالم بن أبي الجعد قال: ذكر النَّبيّ (صَلَّى اللّه عَلَيْهِ وَآلِهِ) خُرُوج بعض نِسائِهِ وعِندَهُ عائِشة و علي حاضر فضحكت عائِشة فالتفت (صَلَّى اللّه عَلَيْهِ وَآلِهِ) إلى علي فقال: يا علي إذا رأيت من أمرها شيئاً فارفُق بها.
وروى عصام بن قدامة البجلي عنِ ابنِ عبَّاس قال: قال رسُولُ اللّه (صَلَّى اللّه عَلَيْهِ وَآلِهِ) لنسائه: ليت شِعري أيّتُكُنّ صاحِبةُ الجملِ الأدببِ تخرُجُ حتّى تنبحُها كِلابُ الحوابِ يُقتل عن يمينها و شمالها خلق كثِيرُ كُلُّهُم فِي النَّارِ وتنجو بعد ما كادت.
و رواه أبوبكر بن عياش عن الكلي عن أبي صالح عن ابن عبَّاس قال المسعُوديّ وفي حديثه قال رسُولُ اللّه (صَلَّى اللّه عَلَيْهِ وَآلِهِ) يا علي إذا أدركتها فاضربها واضرب أصحابها.
و روى عليُّ بنُ مُسْهِرٍ عن هشام بن عُروة عن أبيه عن عائِشة قالت: قال رسولُ اللّه (صَلَّى اللّه عَلَيْهِ وَآلِهِ): يا عائِشة إِنِّي رأيتُكِ فِي المنامِ مرّتين أرى جملاً يحمِلُكِ فِي سدافةٍ من حرير فأكشِفُها فإذا هي أنتِ.
فلا ترى أن رسول اللّه (صَلَّى اللّه عَلَيْهِ وَآلِهِ) نهاها و قد بين ما يكون منها على علم منه فِي مصیرها و عاقبة أمرها ثُمّ نهاها عن ذلك و زجرها و دعا عليها لأجله وتوعدها فأقدمت على خلافه مستبصرة بعداوته و ارتكبت نهيه معاندة له فِي أمره و صارت إلى ما زجرها عنه مع الذكر له والعلم به من غير شبهة فِي معاندته على أن كتاب اللّه المقدم فِي الحجة على ما يعضده من أثر و خبر و سنة قد أوضح ببرهانه على إقدام المرأة على الخلاف له من غير شبهة و قتاله و قتال أوليائه لغير حجّة بقوله تعالى لها ولجميع نساء النَّبيّ (صَلَّى اللّه عَلَيْهِ وَآلِهِ): و قرن فِي بُيُوتِكُن ولا تبرجن تبرج الجاهليةِ الأُولى و أقمن الصَّلاة وآتين الزكاة فخرجت من بيتها مخالفة لأمر اللّه وتبرجت بين الملا و العساكر فِي الحروب تبرج الجاهلية الأولى و أباحت دماء المسلمين و أفسدت الشرع على المؤمنين و أوقعت فِي الدين الشبهات على المستضعفين.
ص: 91
و من ذلك
ما رواه أبو داود الطهوِيُّ عن عبد اللّه بن شريك العامِرِيّ عن عبد اللّه بن عامر قال: سمعت عبد اللّه بن بديل الخزاعِيّ يقولُ لِعائِشة: أنشُدُك اللّه ألم نسمعك تقولين سمعت رسول اللّه (صَلَّى اللّه عَلَيْهِ وَآلِهِ) يقولُ: علي مع الحقّ والحقّ مع علي لن يفترقا حتّى يردا علي الحوض؟ قالت: بلى قال لها: فلم ذلك؟ قالت: دعُونِي واللّه لودِدتُ أنهم تفانوا جميعاً.
فدل ذلك على أنّه لم يعترضها شبهة فِي قتاله و أنها فِي خلاف اللّه و رسوله (صَلَّى اللّه عَلَيْهِ وَآلِهِ) و الأخبار فِي هذا المعنى كثيرة إن أخذنا فِي إيرادها طال بها الكتاب. (1)»
إنتهى كلام الشيخ (رضوان اللّه تعالى عليه) و نور اللّه مضجعه.
1- عن سليمان بن خالد، قال: كنتُ عِند أبي عبد اللّه (عَلَيهِ السَّلَامُ) جالساً، إذ دخل آذِنُهُ فقال: قومٌ من أهل البصرة يستأذِنُون عليك. قال : كم عددهم؟ قال: لا أدري. قال: إذهَب فعُدِّهُم وأخبرني. قال: فلما مضى الغلامُ قال أبو عبد اللّه (عَلَيهِ السَّلَامُ): عدّة القومِ اثنا عشر رجُلًا، وإنّما أتوا يسألُونِي عن حرب طلحة والزُّبير، ودخل أذِنُهُ فقال: القومُ اثنا عشر رجلًا. فأذن لهم، فدخلوا، فقالُوا: نسألك. فقال: سلوا. قالُوا: ما تقولُ فِي حرب علي وطلحة والزُّبيرو عائِشة؟ قال: ما تُرِيدُون بذلك ؟ قالوا: نُريد أن نعلم ذلك. قال : إذن تكفرون يا أهل البصرة. فقالوا: لا نكفر. قال : كان عليّ (عَلَيهِ السَّلَامُ) مُؤمِناً مُنذُ بعث اللّه نبيه إلى أن قبضهُ اللّه إِليه، لم يُؤْمِر عليه النَّبيّ (صَلَّى اللّه عَلَيْهِ وَآلِهِ) أحداً فظ، ولم يكن فِي سريّة إلّا كان أميرها، وإن طلحة والزُّبير أتياهُ لَنَا قُتِل عُثمانُ فبايعاه أوّل النّاس طائعين غير كارهين، و هُما أوّلُ من غدر بِهِ، ونكثا عليه، ونقضا بيعته، و همّا بِهِ كما هم بِهِ من كان قبلهما، وخرجا بعائِشة معهما يستعطفانِها الناس، وكان من أمرهما وأمره ما قد بلغكم قالوا: فإن طلحة والزُّبير صنعا ما صنعا، فما حال عائِشة ؟ قال: عائِشة كبيرٌ
ص: 92
جُرمُها، عظيم إثمنها، ما أُهرقت حجمةٌ من دمٍ إِلَّا وَإِثْمُ ذلكَ فِي عُنُقِهَا وعُنُقِ صاحِبيها، ولقد عهد إليهِ النَّبيّ (صَلَّى اللّه عَلَيْهِ وَآلِهِ) وقال: «لا بُدّ من أن تُقاتِل النّاكِثِين» وهُم أَهلُ البصرة، «والقاسِطِين» وهُم أهل الشّامِ، «و المارقين» و هُم أهل النّهروان، فقاتلهم عليّ (عَلَيهِ السَّلَامُ) جميعاً. قال القوم: إن كان هذا قاله النَّبيّ فقد دخل القوم جميعاً فِي أمر عظيم. قال أبو عبد اللّه (عَلَيهِ السَّلَامُ): إِنَّكُم ستُنكرون. قالُوا: إنّک جئتنا بأمر عظيم لا نحتمله. قال: وما طويتُ عنكم أكثر، أما إنّكُم سترجعون إلى أصحابِكُم وتُخبرونهم بما أخبرتُكُم، فتكفرون أعظم من كُفْرِهِم قال : فلَمّا خرجُوا قال لي أبو عبد اللّه (عَلَيهِ السَّلَامُ): يا سليمان بن خالد، واللّه ما يتبعُ
قائمنا من أهل البصرة إِلّا رجُلٌ واحِدٌ لا خير فيهم كُلُّهُم قدرِيَّةٌ و زنادِقةُ وهِي الكُفْرُ بِاللّه. (1)
1- عن سالم بن مُكرم عن أبيه قال سمعت أبا جعفر (عَلَيهِ السَّلَامُ) يقول فِي قوله عزّوجلّ (كَمَثَلِ الْعَنْكَبُوتِ اتَّخَذَتْ بَيْتًا وَإِنَّ أَوْهَنَ الْبُيُوتِ لَبَيْتُ الْعَنْكَبُوتِ) (2) قال هي الحميراء. (3)
1- يقول الطبري فِي كتاب كامل البهائي: و لَمّا وصل معاوية إلى مكّة لأخذ البيعة ليزيد وقد بايعه أهل العراق وأهل الحجاز، فهدّدته عائِشة لقتله أخاها محمّدا بن أبي بكرو أرسلت له: إنّک قتلت أخي وتريد أن تأخذ البيعة لولدك يزيد، وخوفه عمرو بن العاص قائلا: إن سلطت عائِشة عليك لسانها فستهيّج عليك العامَّة فانظر لنفسك.
فبعث إليها بهدايا عدّة بيد أبي هريرة و شرحبيل على دفعات و وعدها بالمصالحة وتولية أخيها عبد الرحمان بن أبي بكرو نظير هذه الوعود وقال: نحبّ أن تزورنا أم المؤمنين فِي يوم من الأيام
ص: 93
بنفسها وعمد إلى بئر فاحتفرها وملأها بالنورة ووضع عليها فراشا غالي الثمن ونصب عليه منبرا و دعاها وقت الصَّلاة وقال:
لأجعلن آلاف الدنانير نثارا لقدومك، فخرجت عائِشة ومعها غلام هندي على حمار مصري فبالغ معاوية بإعزازها وإكرامها و أومأ إليها بالجلوس على الكرسي، وما أن جلست عليه حتّى انهار بها داخل البئرو أمر معاوية فورا بقتل المملوك والحمار ورموهما فِي تلك البئرو ساووه بالأرض.
إختلف النّاس فيما بينهم فمن قائل أنها ذهبت إلى المدينة، ومن قائل بأنها ذهبت شطر اليمن، وكان الحسين وحده يعلم واقع الحال وجماعة من أصحاب معاوية، وأعطى الإمام الحسين ميراثها إلى ذويها. (1)
1- عن أبي عبدِ اللّه (عَلَيهِ السَّلَامُ) قال: كان الحسين بن علي ذات يوم فِي حجرِ النَّبيّ (صَلَّى اللّه عَلَيْهِ وَآلِهِ) يُلاعِبُهُ و يُضاحِكُهُ فقالت عائِشة يا رسول اللّه ما أشدّ إعجابك بهذا الصبي فقال لها ويلك وكيف لا أُحِبُّهُ ولا أُعجِبُ بِهِ و هُو ثمرةُ فُؤادِي وقُرةُ عيني أما إن أُمّتي ستقتُلُهُ فَمن زاره بعد وفاتِهِ كتب اللّه لهُ حجّة من حِججِي قالت يا رسول اللّه حجّة من حِججِك قال نعم وحجتين من حججي قالت يا رسول اللّه حجّتينِ من حِججك قال نعم وأربعةً قال فلم تزل تزاده [ترادُّه] و يزيدُ و يُضعِفُ حتّى بلغ تسعِين حجّة من حِججِ رسُولِ اللّه (صَلَّى اللّه عَلَيْهِ وَآلِهِ) بأعمارها. (2)
2 - عن زُرارة عن أبي جعفر (عَلَيهِ السَّلَامُ) قال: دخل يهودِيُّ على رسُولِ اللّه (صَلَّى اللّه عَلَيْهِ وَآلِهِ) وعائِشة عِنده فقال السّامُ عليكُم فقال رسُولُ اللّه (صَلَّى اللّه عَلَيْهِ وَآلِهِ) عليكُم ثُمّ دخل آخر فقال مثل ذلك فردّ عليهِ كما ردّ على صاحِبِهِ ثُمّ دخل آخر فقال مِثل ذلك فرد رسُولُ اللّه (صَلَّى اللّه عَلَيْهِ وَآلِهِ) كما ردّ على صاحِبيهِ فغضبت عائِشة فقالت عليكُمُ السّامُ والغضب واللعنة يا معشر اليهود يا إخوة القردة و
ص: 94
الخنازير فقال لها رسُولُ اللّه (صَلَّى اللّه عَلَيْهِ وَآلِهِ) يا عائِشة إِنَّ الفُحش لو كان مُمثلًا لكان مثال سوءٍ إِنّ الرفق لم يُوضع على شيءٍ قط إلّا زانه ولم يُرفع عنهُ قط إلّا شانه قالت يا رسول اللّه أما سمعت إلى قوهِم السّامُ عليكُم فقال بلى أما سمعتِ ما رددت عليهم قُلتُ عليكم فإذا سلّم عليكم مُسلِمٌ فقُولُوا سلامٌ عليكُم وإذا سلّم عليكُم كافِرٌ فقُولُوا عليك. (1)
أقول: السام يعني الموت ومن هذه الرواية يتبين سوء خلقها فِي القول والفعل و لا يخفى عليك أن المسلم النيشابوري روى هذه الرواية عنها بشكل آخر :
«عن مسروق عن عائِشة قالت أتى النَّبيّ (صَلَّى اللّه عَلَيْهِ وَآلِهِ) أناس من اليهود فقالوا السام عليك يا أبا القاسم قال وعليكم قالت عائِشة قلت بل عليكم السام والذام فقال رسول اللّه صلى اللّه عليه وسلم يا عائِشة لا تكوني فاحشة فقالت ما سمعت ما قالوا فقال أوليس قد رددت عليهم الّذي قالوا قلت وعليكم وحدثنا الأعمش بهذا الإسناد غير أنّه قال ففطنت بهم عائِشة فسبتهم فقال رسول اللّه (صلى اللّه عليه وسلم) مه يا عائِشة فإن اللّه لا يحب الفحش والتفحش وزاد فأنزل اللّه عزّ وجلّ وإذا جاءوك حيوك بما لم يحيك به اللّه إلى آخر الآية» (2).
هذه عبارتها الّتي نقلها مسلمهم فِي صحيحه ألا ترى أن عائِشة سبت فنهاها النَّبيّ (صَلَّى اللّه عَلَيْهِ وَآلِهِ) بقوله لا تكوني فاحشة ولا حول ولا قوة إلّا باللّه.
3 - روى الشيخ العاملي أنّه قال ناصبي لشيعي أتحب أم المؤمنين قال لا قال ولم قال يقول النَّبيّ (صَلَّى اللّه عَلَيْهِ وَآلِهِ) لم تجد امرأة غير امرأتي تحبها ما لي ولزوجة النَّبيّ (صَلَّى اللّه عَلَيْهِ وَآلِهِ) أ فترضى أن أحب إمرأتك. (3)
4 - روى العلامة البحراني كان من مشايخنا رجل مزاح و كان ذات يوم بمجلس سلطان البصرة، فسأله السلطان المذكور بمحضر جماعة من علماء المخالفين وكان ذلك السلطان منهم أيضاً و
ص: 95
قال: يا شيخ أيما أفضل فاطمة أم عائِشة ؟ فقال ذلك الشيخ: عائِشة أفضل فقال: ولم ذلك؟ فقال : لقول اللّه تعالى: ﴿فضل اللّه المجاهدين بأموالهم وأنفُسِهِم على القاعدين) (1) وعائشه خرجت من المدينة إلى البصرة وجهزت العساكر و جاهدت عليّاً وبني هاشم واكابر الصحابة حتّى قتل بسببها خلق كثير، وأما فاطمة فقد لزمت بيتها و ما خرجت منه إلّا إلى المسجد لطلب فدك والعوالي من يد أبي بكرو لما منعها منه استقرت فِي مكانها إلى يوم موتها، فضحك السلطان والحاضرون وقال السلطان يا شيخ هذا تشنيع لطيف.
و عن البهلول أنّه مر على جماعة يتذاكرون الحديث ويروون عن عائِشة أنها قالت: لو أدركت ليلة القدر لما سألت ربّي إلّا العفو و العافية، فقال البهلول والظفر على عليّ بن أبِي طالِب. (2)
ص: 96
ص: 97
ص: 98
قال تعالى : ﴿ أَلَمْ تَرَ إِلَى الَّذِينَ أُوتُوا نَصِيبًا مِنَ الْكِتَابِ يُؤْمِنُونَ بِالْجِبْتِ وَالطَّاغُوتِ وَيَقُولُونَ لِلَّذِينَ كَفَرُوا هَؤُلَاءِ أَهْدَى مِنَ الَّذِينَ آمَنُوا سَبِيلًا * أُولَئِكَ الَّذِينَ لَعَنَهُمُ اللَّهُ وَمَنْ يَلْعَنِ اللَّهُ فَلَنْ تَجِدَ لَهُ نَصِيرًا) (1).
1- عن أبي بصير عن أبي عبد اللّه (عَلَيهِ السَّلَامُ) قال: سألته عن قولِ اللّه (لِتُنذِر قوماً مَا أُنذِر آباؤُهُم فهُم غَافِلُونَ). قال: لِتُنذر القوم الّذين أنت فيهم كما أُنذر آباؤُهم فهم غافلون عن اللّه، وعن رسوله، و عن وعيده (لَقَدْ حَقَّ الْقَوْلُ عَلَى أَكْثَرِهِمْ) ممن لا يُقرون بولاية أمِير المؤمنين (عَلَيهِ السَّلَامُ) و الأئمّة من بعده (فَهُمْ لَا يُؤْمِنُونَ) بإمامة أمِير المؤمنين والأوصياء، من بعده، فلما لم يُقروا كانت عُقوبتهم ما ذكر اللّه (إِنَّا جَعَلْنَا فِي أَعْنَاقِهِمْ أَغْلَالًا فَهِيَ إِلَى الْأَذْقَانِ فَهُمْ مُقْمَحُونَ) فِي نارِ جهنَّم ثُمّ قال: (وَجَعَلْنَا مِنْ بَيْنِ أَيْدِيهِمْ سَدًّا وَمِنْ خَلْفِهِمْ سَدًّا فَأَغْشَيْنَاهُمْ فَهُمْ لَا يُبْصِرُونَ﴾ عقوبةٌ من حيثُ أنكرُوا ولاية أمِير المؤمنين (عَلَيهِ السَّلَامُ) و الأئمّة من بعده، هذا فِي الدُّنيا، وفي الآخِرَةِ فِي نار جهنَّم مُقمحون. ثُمّ قال: يا محمّد (وَسَوَاءٌ عَلَيْهِمْ أَأَنْذَرْتَهُمْ أَمْ لَمْ تُنْذِرْهُمْ) لا يُؤْمِنُونَ باللّه، و
ص: 99
بولاية علي و من بعده، ثُمّ قال: ﴿إِنّما تُنذِرُ من اتَّبَعَ الذِكرَ﴾ يعني أمِير المؤمنين (عَلَيهِ السَّلَامُ) ﴿وَخَشِيَ الرّحمن بِالغَيبِ فَبَشِّرهُ) يا محمّد (بِمَغْفِرَةٍ وَأَجْرٍ كَرِيمٍ)(1). (2)
2 - عن أبي عبد اللّه (عَلَيهِ السَّلَامُ) فِي قوله تعالى: ﴿قُلْ إِنَّمَا أَنَا بَشَرٌ مِثْلُكُمْ) قال: يعني فِي الخلقِ أنّه مثلُهم مخلوق. (يُوحَى إِلَيَّ أَنَّمَا إِلَهُكُمْ إِلَهٌ وَاحِدٌ فَمَنْ كَانَ يَرْجُو لِقَاءَ رَبِّهِ فَلْيَعْمَلْ عَمَلًا صَالِحًا وَلَا يُشْرِكْ بِعِبَادَةِ رَبِّهِ أَحَدًا) (3). قال : لا يتخذ مع ولاية آلِ محمّد ولاية غيرهم، وولايتهم العمل الصّالحُ، فمن أشرك بعبادة ربّه أحداً، فقد أشرك بولايتنا، وكفربها وجحد أمِير المؤمنين (عَلَيهِ السَّلَامُ) حقه و ولايته. (4)
3 - عن حُمران قال: سألتُ أبا عبد اللّه (عَلَيهِ السَّلَامُ) عن قول اللّه تعالى (وَمَا هُمْ بِخَارِجِينَ مِنْهَا)(5) قال كأنك تُرِيدُ الآدميّين قُلتُ نعم قال كانُوا حُوسِبوا و عُذّبوا و أنتم المخلَّدُون فِي الجنّة قال اللّه إِنَّ أعداء على هُمُ المخلّدُون فِي النّارِ أبد الآبدين و دهرَ الدّاهِرِين هكذا تنزيلها. (6)
4- عن علي بن إبراهيم فِي قوله تعالى: ﴿ذلِك بِأنّهُمُ اتَّبَعُوا ما أسخط اللّه﴾ أنّه قال: يعني موالاة فُلانٍ وفُلانٍ ظالمي أمِير المؤمنين (عَلَيهِ السَّلَامُ) (فَأَحْبَطَ أَعْمَالَهُمْ) (7) يعني الّتي عمِلُوها من الخير. (8)
5 - عن سماعة بن مهران قال: سألتُ أبا عبد اللّه (عَلَيهِ السَّلَامُ) عن قول اللّه: (فَلْيَعْمَلْ عَمَلًا صَالِحًا وَلَا يُشْرِكْ بِعِبَادَةِ رَبِّهِ أَحَدًا). قال: العمل الصالح: المعرفة بالأئمّة، (وَلَا يُشْرِكْ بِعِبَادَةِ رَبِّهِ أَحَدًا) (9): التسليم لعليّ (عَلَيهِ السَّلَامُ) لا يشرك معه فِي الخلافة من ليس ذلك له ولا هُو من أهله. (10)
ص: 100
6 - عن بريد العجلي عن أبي جعفر (عَلَيهِ السَّلَامُ) قال: قال (أَوَمَنْ كَانَ مَيْتًا فَأَحْيَيْنَاهُ وَجَعَلْنَا لَهُ نُورًا يَمْشِي بِهِ فِي النَّاسِ)، قال: الميت الّذي لا يعرفُ هذا الشأن. قال أتدري ما يعني ميّتاً؟ قال: قلتُ: جعلت فداك لا. قال: الميّتُ الّذي لا يعرف شيئاً فأحييناه بهذا الأمر (وَجَعَلْنَا لَهُ نُورًا يَمْشِي بِهِ فِي النَّاسِ﴾ قال إماماً يأتم به قال:(كَمَنْ مَثَلُهُ فِي الظُّلُمَاتِ لَيْسَ بِخَارِجٍ مِنْهَا) (1)، قال: كمثل هذا الخلقِ الّذين لا يعرفون الإمام. (2)
7- عن بريد العجلي، قال: سألت أبا جعفر (عَلَيهِ السَّلَامُ) عن قول اللّه: (أَوَمَنْ كَانَ مَيْتًا فَأَحْيَيْنَاهُ وَجَعَلْنَا لَهُ نُورًا يَمْشِي بِهِ فِي النَّاسِ) قال : الميت الّذي لا يعرف هذا الشأن يعني هذا الأمر و جعلنا لهُ نُوراً إماماً يأتم به يعني عليّ بن أبِي طالِب (عَلَيهِ السَّلَامُ). قلتُ: فقوله: ﴿كَمَنْ مَثَلُهُ فِي الظُّلُمَاتِ لَيْسَ بِخَارِجٍ مِنْهَا) (3) فقال بيده هكذا هذا الخلق الّذي لا يعرفون شيئاً. (4)
8 - عن المفضّل قال: سألتُ الصَّادق (عَلَيهِ السَّلَامُ) عن قول اللّه عزّ وجل (وَالْعَصْرِ * إِنَّ الْإِنْسَانَ لَفِي خُسْرٍ) قال (عَلَيهِ السَّلَامُ) العصر عصر خُرُوحِ القائم (عَلَيهِ السَّلَامُ) (إِنَّ الْإِنْسَانَ لَفِي خُسْرٍ) يعني أعداءنا إِلَّا الّذينَ آمَنُوا يعنِي بِآيَاتِنَا (وَ عَمِلُوا الصَّالِحاتِ﴾ يعني بمواساة الإخوان (وَتَوَاصَوْا بِالْحَقِّ) يعني بالإمامة (وَتَوَاصَوْا بِالصَّبْرِ) يعني بالفترة. (5)
9 - عن أبي جعفر (عَلَيهِ السَّلَامُ) قال: أما قوله (إن اللّه لا يغفِرُ أن يُشرك بِهِ﴾ يعني أنّه لا يغفر لمن يكفر بولاية عليّ (عَلَيهِ السَّلَامُ). وأما قوله: (وَيَغْفِرُ مَا دُونَ ذَلِكَ لِمَنْ يَشَاءُ) (6) يعني من والى عليّاً (عَلَيهِ السَّلَامُ)». (7)
ص: 101
10- عن الباقر (عَلَيهِ السَّلَامُ)، فِي قوله تعالى: ﴿و الّذين كفروا) بولاية عليّ بن أبِي طالِب (عَلَيهِ السَّلَامُ) (أولياؤُهُمُ الطَّاغُوتُ) (1) نزلت فِي أعدائه ومن تبعهم، أخرجوا النّاس من النُّور والنُّور ولاية علىٍّ فصاروا إلى ظلمة ولاية أعدائه. (2)
11 - عن أبي عبد اللّه (عَلَيهِ السَّلَامُ) فِي قول اللّه عزّو جلّ (و من يُرِدِ فِيهِ بِإلحادٍ بِظُلم)، فقال من عبد فِيهِ غير اللّه عزّ و جلّ أو تولّى فِيهِ غير أولِياءِ اللّه فَهُو مُلحِدٌ بِظُلمٍ وعلى اللّه تبارك وتعالى (أن يُذِيقَهُ مِنْ عَذَابٍ أَلِيمٍ). (3) و (4)
12 - عن بُريد العجلي قال: سألت أبا جعفر (عَلَيهِ السَّلَامُ) عن قولِ اللّه عزّوجلّ ﴿أَطِيعُوا اللّه وأطِيعُوا الرَّسُول وأُولي الأمرِ مِنكُم) فكان جوابه (لَمْ تَرَ إِلَى الَّذِينَ أُوتُوا نَصِيبًا مِنَ الْكِتَابِ يُؤْمِنُونَ بِالْجِبْتِ وَالطَّاغُوتِ وَيَقُولُونَ لِلَّذِينَ كَفَرُوا هَؤُلَاءِ أَهْدَى مِنَ الَّذِينَ آمَنُوا سَبِيلًا) يَقُولون لِأَئِمَّةِ الضّلالةِ والدُّعاة إلى النّارِ (هؤلاء أهدى) من آلِ محمّد ﴿سبِيلًا﴾ ﴿ أُولَئِكَ الَّذِينَ لَعَنَهُمُ اللَّهُ وَمَنْ يَلْعَنِ اللَّهُ فَلَنْ تَجِدَ لَهُ نَصِيرًا * أَمْ لَهُمْ نَصِيبٌ مِنَ الْمُلْكِ) يعني الإمامة والخلافة (فإذا لا يُؤْتُون النّاس نقيراً) نحنُ النّاس الّذين عنى اللّه والنّقِيرُ النُّقطةُ الّتي فِي وسط النّواة (أَمْ يَحْسُدُونَ النَّاسَ عَلَى مَا آتَاهُمُ اللَّهُ مِنْ فَضْلِهِ) نحنُ النّاس المحسُودُون على ما آتانا اللّه من الإمامة دون خلق اللّه أجمعين (فَقَدْ آتَيْنَا آلَ إِبْرَاهِيمَ الْكِتَابَ وَالْحِكْمَةَ وَآتَيْنَاهُمْ مُلْكًا عَظِيمًا﴾ يقولُ جعلنا مِنهُمُ الرُّسُل والأنبياء والأئمّة فكيف يُقِرُّون بِه فِي آلِ إِبراهيم (عَلَيهِ السَّلَامُ) و يُنكرونهُ فِي آلِ محمّد (صَلَّى اللّه عَلَيْهِ وَآلِهِ) (فَمِنْهُمْ مَنْ آمَنَ بِهِ وَمِنْهُمْ مَنْ صَدَّ عَنْهُ وَكَفَى بِجَهَنَّمَ سَعِيرًا * إِنَّ الَّذِينَ كَفَرُوا بِآيَاتِنَا سَوْفَ نُصْلِيهِمْ نَارًا كُلَّمَا نَضِجَتْ جُلُودُهُمْ بَدَّلْنَاهُمْ جُلُودًا غَيْرَهَا لِيَذُوقُوا الْعَذَابَ إِنَّ اللَّهَ كَانَ عَزِيزًا حَكِيمًا). (5) و (6)
ص: 102
13- عن جابر عن أبي جعفر (عَلَيهِ السَّلَامُ) قال: سألته عن تفسير هذه الآية ﴿ وَمَنْ يَكْفُرْ بِالْإِيمَانِ فَقَدْ حَبِطَ عَمَلُهُ) فقال يعني بولاية عليّ (عَلَيهِ السَّلَامُ) (وَهُوَ فِي الْآخِرَةِ مِنَ الْخَاسِرِينَ). (1) و (2)
14 - عن أبي المقدام قال: قال الصَّادق جعفر بن محمّد (عَلَيهِمَا السَّلَامُ): نزلت هاتان الآيتان فِي أهل ولايتنا و أهل عداوتنا (فَأَمَّا إِنْ كَانَ مِنَ الْمُقَرَّبِينَ * فَرَوْحٌ وَرَيْحَانٌ) يعني فِي قبره (وَجَنَّتُ نَعِيمٍ) يعني فِي الآخرة (وَأَمَّا إِنْ كَانَ مِنَ الْمُكَذِّبِينَ الضَّالِّينَ * فَنُزُلٌ مِنْ حَمِيمٍ) يعني فِي قبره (وَتَصْلِيَةُ جَحِيمٍ) (3) يعني فِي الآخرة. (4)
15 - عنِ الشُّمالي عن أبي جعفر (عَلَيهِ السَّلَامُ) فِي قول اللّه (وَإِذَا تُتْلَى عَلَيْهِمْ آيَاتُنَا بَيِّنَاتٍ قَالَ الَّذِينَ لَا يَرْجُونَ لِقَاءَنَا ائْتِ بِقُرْآنٍ غَيْرِ هَذَا أَوْ بَدِّلْهُ قُلْ مَا يَكُونُ لِي أَنْ أُبَدِّلَهُ مِنْ تِلْقَاءِ نَفْسِي إِنْ أَتَّبِعُ إِلَّا مَا يُوحَى إِلَيَّ) (5) قال لوبُدِّل مكان علي أبوبكر أو عُمر اتبعناه. (6)
16- الباقِرُ والصَّادق (عَلَيهِمَا السَّلَامُ) فِي قولهِ (فَلَمّا رأوهُ زُلفةً) نزلت فِي علي وذلك لما رأوا عليّاً فِي القيامةِ (اسودّت وُجُوهُ الّذين كَفرُوا) (7) و لما رأوا منزلته ومكانه من اللّه أكلوا أكُفّهُم على ما فرّطوا فِي ولاية عليّ (عَلَيهِ السَّلَامُ). (8)
17- عن أبي حمزة عن أبي جعفر (عَلَيهِ السَّلَامُ) قال: قُلتُ (بِفَضْلِ اللَّهِ وَبِرَحْمَتِهِ فَبِذَلِكَ فَلْيَفْرَحُوا هُوَ خَيْرٌ مِمَّا يَجْمَعُونَ) (9) فقال الإقرار بنبوة محمّد (صَلَّى اللّه عَلَيْهِ وَآلِهِ) و الائتمامُ بِأَمِيرالمؤمنين (عَلَيهِ السَّلَامُ) هُو خيرٌ مِمّا يجمع هؤلاء فِي دنياهم. (10)
ص: 103
18- عن أبي حمزة عن أبي جعفر (عَلَيهِ السَّلَامُ) فِي قوله (لِيَحْمِلُوا أَوْزَارَهُمْ كَامِلَةً يَوْمَ الْقِيَامَةِ﴾ يعني ليستكمِلُوا الكُفريوم القيامة (وَمِنْ أَوْزَارِ الَّذِينَ يُضِلُّونَهُمْ بِغَيْرِ عِلْمٍ) يعني كُفر الّذين يتولونهم قال اللّه (أَلَا سَاءَ مَا يَزِرُونَ). (1) و (2)
19 - قال الإمام عسكري (عَلَيهِ السَّلَامُ) فِي قوله عزّ و جلّ (وَأَقِيمُوا الصَّلاة وَآتُوا الزَّكَاةَ وَمَا تُقَدِّمُوا لِأَنْفُسِكُمْ مِنْ خَيْرٍ تَجِدُوهُ عِنْدَ اللَّهِ إِنَّ اللَّهَ بِمَا تَعْمَلُونَ بَصِيرٌ) قال الإمام أقِيمُوا الصَّلاة بإتمام وُضُوئِها و تكبيراتها وقيامها وقراءتِها و ركوعها و سجودِها و حُدُودِها وآتُوا الزَّكاة مُستحِقِّيها لا تُؤتُوها كافراً ولا مُنافِقاً قال رسول اللّه (صَلَّى اللّه عَلَيْهِ وَآلِهِ) المتصدّق على أعدائنا كالسّارِقِ فِي حرم اللّه و ما تُقدِّمُوا لِأَنفُسِكُم من خيرِ من مالٍ تُنفقونه فِي طاعةِ اللّه فَإِن لم يَكُن لَكُم مَالٌ فِن جاهِكُم تبذُلُونه لإخوانِكُمُ المؤمنين تجُرُّون بِهِ إِليهِمُ المنافع و تدفعون بِهِ عنهم المضار تجِدُوهُ عِند اللّه ينفعكمُ اللّه تعالى بِجاهِ محمّد وآلِهِ الطَّيِّبين يوم القِيامة فيحُطُّ بِهِ سَيِّئَاتِكُم ويُضَاعِفُ بِهِ حسناتِكُم ويرفعُ بِهِ درجاتِكُم (إِنَّ اللَّهَ بِمَا تَعْمَلُونَ بَصِيرٌ) (3) عالم ليس يخفى عليه ظاهِرُ فِعل و لا باطِنُ ضَمِيرِ فَهُو يُجازِيكُم على حسب اعتقاداتِكُم ونِياتِكم وليس هُو كملوكِ الدُّنيا الّذي يلبس [يلتبِسُ] على بعضهم فينسُبُ فِعل بعض إِلى غيرِ فاعِلِهِ و جناية بعض إلى غيرِ جانِيهِ فيقعُ عِقابُهُ وثوابُهُ بِجهلِهِ بِما ليس عليه بِغيرِ مُستحِقِهِ قال رسولُ اللّه (صَلَّى اللّه عَلَيْهِ وَآلِهِ) عباد اللّه أطيعوا اللّه فِي أداء الصلواتِ المكتوباتِ والزكواتِ المفروضات وتقربوا بعد ذلك إلى اللّه بِنوافِلِ الطاعاتِ فإنّ اللّه عزّ و جلّ يُعظِمُ بِهِ المثوباتِ والّذي بعثني بالحقّ نبياً إن عبداً من عِبادِ اللّه يوم القيامة موقفاً يخرج عليه من لهبِ النّارِ أعظمُ من جَمِيعِ جِبالِ الدُّنيا حتّى ما يكونُ بينَهُ وبينَها حائِلٌ بينا هُو كذلك قد تحيّر إذ تطاير من الهواء رغيف أو حبّةُ فِضَّةٍ قد واسى بها أخاً مُؤمِناً على إضافتِهِ فتنزِلُ حواليه فتصِيرُ كأعظمِ الجِبالِ مُستدِيراً حواليهِ وتصُدُّ عنه ذلك اللهب فلا يُصِيبُهُ من حرّها ولا دُخانِها شيء إلى أن يدخُل الجنّة قيل يا رسول اللّه (صَلَّى اللّه عَلَيْهِ وَآلِهِ) و على هذا
ص: 104
ينفعُ مُواساتُهُ لِأَخِيهِ المؤمِنِ فقال رسولُ اللّه (صَلَّى اللّه عَلَيْهِ وَآلِهِ) إي و الّذي بعثني بالحقّ نبياً إِنَّهُ لينتفِعُ بعضُ المؤمنين بأعظم من هذا وربّما جاء يوم القيامة من تمثلُ لَهُ سَيِّئَاتُهُ وحسناتُهُ و إِساءتُهُ إِلى إِخوانِهِ المؤمنين وهي الّتي تعظُمُ وتتضاعفُ فتمتلى بها صحائِفُه وتفرّقُ حسناته على خُصمائِهِ المؤمنين المظلُومِين بِيدِهِ ولِسانِهِ فيتحيّرُو يحتاجُ إلى حسناتٍ تُوازِي سيّئاتِهِ فيأتِيهِ أَخٌ لَهُ مُؤمِنٌ قد كان أحسن إليهِ فِي الدُّنيا فيقولُ لهُ قد وهبتُ لك جميع حسناتي بإزاء ما ليقفُ كان منك إلي فِي الدُّنيا فيغفر اللّه له بها ويقولُ لهذا المؤمن فأنت بماذا تدخُلُ جنّتي فيقولُ برحمتك يا ربّ فيقولُ اللّه جُدت عليه بِجمِيعِ حسناتِك ونحن أولى بالجود منك والكرم و قد تقبلتها عن أخِيكِ وقد رددتها عليك وأضعفتها لك فهو من أفضل أهلِ الجِنانِ. (1)
20 - عن أحمد بن عليّ الأنصاري عنِ الهروي قال: سأل المأمونُ الرّضا (عَلَيهِ السَّلَامُ) عن قول اللّه عزّو جلّ (الَّذِينَ كَانَتْ أَعْيُنُهُمْ فِي غِطَاءٍ عَنْ ذِكْرِي وَكَانُوا لَا يَسْتَطِيعُونَ سَمْعًا) (2) فقال (عَلَيهِ السَّلَامُ) إِنَّ غِطاء العين لا يمنعُ من الذِكرِ و الذِكرُ لا يُرى بالعين ولكن اللّه عزّ و جلّ شبه الكافِرِين بولاية عليّ بن أبِي طالِب (عَلَيهِ السَّلَامُ) بِالعُميان لأنّهم كانوا يستثقلون قول النَّبيّ (صَلَّى اللّه عَلَيْهِ وَآلِهِ) فيه ولا يستطيعون له سمعاً. (3)
21 - عن أبي بصير عن أبي عبد اللّه (عَلَيهِ السَّلَامُ) فِي قول اللّه عزّ و جلّ (وَمَنْ أَعْرَضَ عَنْ ذِكْرِي فَإِنَّ لَهُ مَعِيشَةً ضَنْكًا) قال يعني بِهِ ولاية أمِير المؤمنين (عَلَيهِ السَّلَامُ) قُلتُ (وَنَحْشُرُهُ يَوْمَ الْقِيَامَةِ أَعْمَى) قال يعني أعمى البصر فِي الآخِرة أعمى القلبِ فِي الدُّنيا عن ولاية أمِير المؤمنين (عَلَيهِ السَّلَامُ) قال وهو مُتحيّر فِي القِيامة يقولُ (لِمَ حَشَرْتَنِي أَعْمَى وَقَدْ كُنْتُ بَصِيرًا * قَالَ كَذَلِكَ أَتَتْكَ آيَاتُنَا فَنَسِيتَهَا) قال الآيات الأئمّة (عَلَيهِم السَّلَامُ) فنسيتها (وَكَذَلِكَ الْيَوْمَ تُنْسَى) يعني تركتها وكذلك اليوم تُترك فِي النّارِ كما تركت الأئمّة (عَلَيهِم السَّلَامُ) فلم تُطع أمرهم و لم تسمع لهم قُلتُ (وَكَذَلِكَ نَجْزِي مَنْ أَسْرَفَ وَلَمْ يُؤْمِنْ بِآيَاتِ رَبِّهِ وَلَعَذَابُ الْآخِرَةِ أَشَدُّ وَأَبْقَى) (4) قال يعني من أشرك بولاية أمِير المؤمنين
ص: 105
غيره و لم يُؤمِن بِآيَاتِ رَبِّهِ و ترك الأئمّة مُعاندةً فلم يتبع آثارهم و لم يتوهم قُلتُ (اللّه لَطِيفٌ بِعِبَادِهِ يرزُقُ مَن يَشَاء) قال ولاية أمِير المؤمنين قُلتُ (مَنْ كَانَ يُرِيدُ حَرْثَ الْآخِرَةِ) قال معرفة أمِير المؤمنين والأئمّة (عَلَيهِم السَّلَامُ) (نَزِدْ لَهُ فِي حَرْثِهِ) قال نزِيدُهُ مِنها قال يستوفي نصيبه من دولتهم (وَمَنْ كَانَ يُرِيدُ حَرْثَ الدُّنْيَا نُؤْتِهِ مِنْهَا وَمَا لَهُ فِي الْآخِرَةِ مِنْ نَصِيبٍ) (1) قال ليس له فِي دولة الحقّ مع القائم نصِيبٌ. (2)
22 - عن زُرارة عن أبي جعفر (عَلَيهِ السَّلَامُ) فِي قوله (لَتَرْكَبُنَّ طَبَقًا عَنْ طَبَقٍ)(3) قال يا زُرارة أولم تركب هذه الأمَّة بعد نبيها طبقاً عن طبق فِي أمرِ فُلان وفلان وفلان. (4)
23 - عن ابن محبوب عن محمّد بن الفضيل عن أبي الحسن الماضي (عَلَيهِ السَّلَامُ) قال: سألته عن قول اللّه جل و عزّ (يُرِيدُون لِيُطْفِوا نُور اللّه بِأَفوَاهِهِم) قال يُريدون لِيُطفئوا ولاية أمِير المؤمنين (عَلَيهِ السَّلَامُ) بأفواههم قُلتُ (واللّه مُتِمُّ نُورِهِ) (5) قال واللّه مُتِمُّ الإمامة لقوله عزّ و جلّ (الّذينَ آمَنُوا بِاللّه وَرَسُولِهِ والنُّورِ الّذي أنزلنا) (6) فالنُّورُهُو الإمامُ قُلتُ (هُوَ الَّذِي أَرْسَلَ رَسُولَهُ بِالْهُدَى وَدِينِ الْحَقِّ) قال هُو الّذي أمر رسوله بالولاية لوصيه و الولايةُ هِي دِينُ الحقّ قُلتُ (لِيُظهره على الدِّينِ كُلِهِ)(7) قال يُظهِرُهُ على جميع الأديانِ عِند قِيامِ القائم قال يقولُ اللّه وَاللّه ميم ولاية القائم (وَلَوْ كَرِهَ الْكَافِرُونَ) (8) بولاية عليّ (عَلَيهِ السَّلَامُ) قُلتُ هذا تنزيل ؟ قال نعم أما هذا الحرفُ فتنزيل وأمّا غيرُهُ فتأوِيلٌ قُلتُ (ذلِك بِأنّهُم آمَنُوا ثُمّ كَفَرُوا﴾ قال إِنّ اللّه تبارك و تعالى سمّى من لم
ص: 106
يتبع رسُوله فِي ولايةِ وصِيِّهِ مُنافِقِين وجعل من جحد وصيه إمامته كمن جحد محمّداً و أنزل بذلك قُرآناً فقال يا محمّد (إذَا جَاءَكَ المُنَافِقُون) بولاية وصِيِّك (قالُوا نشهدُ إِنَّكَ لرسُولُ اللّه واللّه يعلمُ إِنَّكَ لرسُولُهُ واللّه يشهدُ إِنَّ المُنَافِقِينَ) بولاية علي ﴿لكاذِبُونَ * اتَّخَذُوا أَيْمَانَهُمْ جُنَّةً فَصَدُّوا عَنْ سَبِيلِ اللَّهِ) والسّبِيلُ هُو الوصِي (إِنَّهُمْ سَاءَ مَا كَانُوا يَعْمَلُونَ﴾ ذلِك بأنهم آمنُوا بِرِسالتك وكفروا بولاية وصيّك فطبع اللّه على قُلُوبِهِم فهم لا يفقهون قُلتُ ما معنى لا يفقهون قال يقولُ لا يعقلون بِنُبُوّتك قُلتُ (وَإِذَا قِيلَ لَهُمْ تَعَالَوْا يَسْتَغْفِرْ لَكُمْ رَسُولُ اللَّهِ﴾ قال و إذا قيل لهم ارجعوا إلى ولاية علي يستغفر لكم النَّبيّ من ذُنوبِكُم (لوَوا رُؤْسَهُم) قالَ اللّه ﴿و رأيتهم يصُدُّون) عن ولاية علي (وَهُمْ مُسْتَكْبِرُونَ) عليهِ ثُمّ عطف القول من اللّه بمعرفته بهم فقال (سَوَاءٌ عَلَيْهِمْ أَسْتَغْفَرْتَ لَهُمْ أَمْ لَمْ تَسْتَغْفِرْ لَهُمْ لَنْ يَغْفِرَ اللَّهُ لَهُمْ إِنَّ اللَّهَ لَا يَهْدِي الْقَوْمَ الْفَاسِقِينَ) (1) يقولُ الظَّالِمِين لِوصِيّك قُلتُ (أَفَمَنْ يَمْشِي مُكِبًّا عَلَى وَجْهِهِ أَهْدَى أَمَّنْ يَمْشِي سَوِيًّا عَلَى صِرَاطٍ مُسْتَقِيمٍ) (2) قال إنّ اللّه ضرب مثل من حاد عن ولاية علي كمن يمشي على وجهه لا يهتدي لأمره وجعل من تبعه سويّاً على صِراطٍ مُستقيم و الصّراط المستقيمُ أمِير المؤمنين (عَلَيهِ السَّلَامُ) قال قُلتُ قولُهُ (إِنَّهُ لَقَوْلُ رَسُولٍ كَرِيمٍ) قال يعني جبرئيل عن اللّه فِي ولاية علي قال قُلتُ ﴿وَمَا هُو بِقَولِ شاعِرٍ قليلًا ما تُؤْمِنُون) قال قالُوا إِنَّ محمّداً كَذَّابٌ على رَبِّهِ و ما أمره اللّه بهذا فِي علي فأنزل اللّه بذلك قُرآناً فقال إنّ ولاية عليّ (عَلَيهِ السَّلَامُ) ﴿ تَنْزِيلٌ مِنْ ربّ الْعَالَمِينَ * وَلَوْ تَقَوَّلَ عَلَيْنَا) محمّد (بَعْضَ الْأَقَاوِيلِ * لَأَخَذْنَا مِنْهُ بِالْيَمِينِ * ثُمَّ لَقَطَعْنَا مِنْهُ الْوَتِينَ﴾ ثُمّ عطف القول فقال إنّ ولاية علي (لَتَذْكِرَةٌ لِلْمُتَّقِينَ) للعالمين (وَإِنَّا لَنَعْلَمُ أَنَّ مِنْكُمْ مُكَذِّبِينَ) وَإِنْ عليّاً لحسرة على الكافِرِين و إن ولايته (لَحَقُّ الْيَقِينِ * فَسَبِّحْ) يا محمّد (بِاسْمِ رَبِّكَ الْعَظِيمِ) (3) يقولُ اشكر ربك العظيم الّذي أعطاك هذا الفضل قُلتُ قولُه (لَمَّا سَمِعْنَا الْهُدَى آمَنَّا بِهِ) قال الهُدى الولاية آمنا بمولانا فمن آمن بولاية مولاه (فَلَا يَخَافُ بَخْسًا وَلَا رَهَقًا) قُلتُ تنزِيلٌ قال لا تأْوِيلٌ قُلتُ:
ص: 107
قوله (إِنِّي لَا أَمْلِكُ لَكُمْ ضَرًّا وَلَا رَشَدًا) قال إنّ رسُول اللّه (صَلَّى اللّه عَلَيْهِ وَآلِهِ) دعا النّاس إلى ولاية علي فاجتمعت إليهِ قُريش فقالوا يا محمّد أعفنا من هذا فقال لهم رسُولُ اللّه (صَلَّى اللّه عَلَيْهِ وَآلِهِ) هذا إلى اللّه ليس إليّ فاتهمُوهُ و خرجوا من عِندِهِ فأنزل اللّه (قُلْ إِنِّي لَا أَمْلِكُ لَكُمْ ضَرًّا وَلَا رَشَدًا * قُلْ إِنِّي لَا أَمْلِكُ لَكُمْ ضَرًّا وَلَا رَشَدًا * قُلْ إِنِّي لَنْ يُجِيرَنِي مِنَ اللَّهِ أَحَدٌ وَلَنْ أَجِدَ مِنْ دُونِهِ مُلْتَحَدًا * إِلَّا بَلَاغًا مِنَ اللَّهِ وَرِسَالَاتِهِ) فِي علي قلتُ هذا تنزيل قال نعم ثُمّ قال توكيداً (وَمَنْ يَعْصِ اللَّهَ وَرَسُولَهُ) فِي ولاية علي ﴿فإنّ لَهُ نَارَ جَهَنَّمَ خَالِدِينَ فِيهَا أَبَدًا ﴾ قُلتُ (حَتَّى إِذَا رَأَوْا مَا يُوعَدُونَ فَسَيَعْلَمُونَ مَنْ أَضْعَفُ نَاصِرًا وَأَقَلُّ عَدَدًا) (1) قال يعني بذلك القائم وأنصاره قُلتُ (وَاصْبِرْ عَلَى مَا يَقُولُونَ) قال يقولُون فيك (وَاهْجُرْهُمْ هَجْرًا جَمِيلًا * وَذَرْنِي) يا محمّد (وَالْمُكَذِّبِينَ) بوصِيكَ (أُولِي النَّعْمَةِ وَمَهِّلْهُمْ قَلِيلًا) (2) قُلتُ إِنّ هذا تنزيل قال نعم قُلتُ (لِيَسْتَيْقِنَ الَّذِينَ أُوتُوا الْكِتَابَ) قال يستيقنُون أنّ اللّه ورسوله و وصيّه حقٌّ قُلتُ (وَيَزْدَادَ الَّذِينَ آمَنُوا إِيمَانًا) قال يزدادون بولاية الوصي إيماناً قُلتُ (وَلَا يَرْتَابَ الَّذِينَ أُوتُوا الْكِتَابَ وَالْمُؤْمِنُونَ) قال بولاية على قُلتُ ما هذا الارتياب قال يعني بذلك أهل الكِتابِ والمؤمنين الّذين ذكر اللّه فقال ولا يرتابون فِي الولايةِ قُلتُ (وَمَا هِيَ إِلَّا ذِكْرَى لِلْبَشَرِ) قال نعم ولاية علي قُلتُ (إنّها لاحدى الكبير) قال الولايةُ قُلتُ (لِمَنْ شَاءَ مِنْكُمْ أَنْ يَتَقَدَّمَ أَوْ يَتَأَخَّرَ) قال من تقدّم إلى ولايتنا أُخر عن سقر و من تاخر عنا تقدم إلى سقر إلّا (أصحاب اليمين) قال هُم واللّه شيعتُنا قُلتُ (لَمْ نَكُ مِنَ الْمُصَلِّينَ) قال إنا لم نتول وصِيّ محمّد والأوصياء من بعدِهِ ولا يُصلُّون عليهم قُلتُ (فَمَا لَهُمْ عَنِ التَّذْكِرَةِ مُعْرِضِينَ﴾ (3) قال عنِ الولايةِ مُعرِضِين قُلتُ (كلا إنّها تذكرة) (4)، قال الولايةُ قُلتُ قوله (يُوفُونَ بِالنَّدْرِ) قالَ يُوفُون للّه بِالنَّذرِ الّذي أخذ عليهم فِي الميثاق من ولايتنا قُلتُ (وَإِنَّا نَحْنُ نَزَّلْنَا عَلَيْكَ الْقُرْآنَ تَنْزِيلًا﴾ قال بولاية علي تنزيلًا قُلتُ هذا تنزيل قال نعم هذا تأويلٌ قُلتُ (إنّ هذِهِ تذكرة﴾
ص: 108
قال الولايةُ قُلتُ (يُدْخِلُ مَنْ يَشَاءُ فِي رَحْمَتِهِ) قال فِي ولايتنا قال (وَالظَّالِمِينَ أَعَدَّ لَهُمْ عَذَابًا أَلِيمًا﴾ (1) ألا ترى أنّ اللّه يقولُ (وَمَا ظَلَمُونَا وَلَكِنْ كَانُوا أَنْفُسَهُمْ يَظْلِمُونَ) (2) قالَ إِنَّ اللّه أَعزُّ و أمنعُ من أن يظلم أو أن ينسب نفسه إلى ظلم و لكنّ اللّه خلطنا بنفسِهِ فجعل ظلمنا ظلمه و ولايتنا ولايتهُ ثُمّ أنزل بذلك قُرآناً على نبيه فقال (وَمَا ظَلَمُونَا وَلَكِنْ كَانُوا أَنْفُسَهُمْ يَظْلِمُونَ﴾ (3) قُلتُ هذا تنزيل قال نعم قُلتُ (ويلٌ يومئِذٍ لِلمُكَذِّبِين) قال يقولُ ويلٌ لِلمُكَذِّبِين يا محمّد بِما أوحيت إليك من ولاية علي (ألم نُهْلِكِ الأولِين ثُمّ نُتبِعُهُمُ الْآخِرِين) قال الأَولِينَ الّذينَ كَذَّبُوا الرُّسُل فِي طاعةِ الأوصياء (كَذَلِكَ نَفْعَلُ بِالْمُجْرِمِينَ) (4) قال من أجرم إلى آل محمّد و ركب من وصِيِّهِ ما ركب قُلتُ (إِنّ المتَّقين) (5) قال نحنُ واللّه وشيعتنا ليس على مِلَّةِ إِبراهيم غيرنا و سائِرُ النّاس مِنها براء قُلتُ (يوم يقُومُ الرُّوحُ والملائكةُ صفًّا لا يتكلّمُونَ﴾ (6) الآية قال نحنُ واللّه المأذون لهم يوم القيامة والقائِلُون صواباً قُلتُ ما تقولُون إذا تكلمتُم قال نجد ربنا ونُصلّي على نبِيِّنا ونشفعُ لِشِيعتِنا فلا يرُدُّنا ربُّنا قُلتُ (كلا إِنَّ كِتاب الفُجَارِ لَفِي سِجِينِ﴾ قَالَ هُمُ الّذين فجروا فِي حق الأئمّة واعتدوا عليهم قُلتُ ثُمّ يُقالُ (هذا الّذي كُنتُم بِهِ تُكَذِّبُونَ﴾ (7) قال يعني أمِير المؤمنين قُلتُ تنزيل قال نعم. (8)
24 - عن أبي بصير، عن أبي عبد اللّه (عَلَيهِ السَّلَامُ)، أنّه قال: «قال اللّه عزّوجلّ: ﴿فَلنُذِيقَنَّ الّذينَ كفرُوا) بتركهم ولاية عليّ بن أبِي طالِب (عَلَيهِ السَّلَامُ) (عَذَابًا شَدِيدًا وَلَنَجْزِيَنَّهُمْ أَسْوَأَ الَّذِي كَانُوا
ص: 109
يَعْمَلُونَ) فِي الآخرة (ذَلِكَ جَزَاءُ أَعْدَاءِ اللَّهِ النَّارُ لَهُمْ فِيهَا دَارُ الْخُلْدِ جَزَاءً بِمَا كَانُوا بِآيَاتِنَا يَجْحَدُونَ)(1) والآيات الأئمّة (عَلَيهِم السَّلَامُ)». (2)
25 - عن عبد اللّه بن حمّادٍ عن شريك :قال بعث إلينا الأعمش و هُو شدِيدُ المرضِ فأتيناه وقدِ اجتمع عِنده أهلُ الكُوفة وفيهم أبو حنيفة وابن قيس الماصر فقال لابنه يا بَنِي أجلسني فأجلسه فقال يا أهل الكوفة إن أبا حنيفة وابن قيس الماصر أتياني فقالا إنّک قد حدّثت فِي عليّ بن أبِي طالِب (عَلَيهِ السَّلَامُ) أحاديث فارجع عنها فإنّ التّوبة مقبولة ما دامتِ الرُّوحُ فِي البدنِ فقُلتُ لهُمَا مِثلُكُما يقولُ لِلمثلي هذا أُشهِدُكم يا أهل الكوفة فإِنِّي فِي آخِرِيومٍ من أيامِ الدُّنيا وأَوَّلِ يوم من أيامِ الآخِرَةِ إِنِّي سمعت عطاء بن رباح يقولُ سألتُ رسول اللّه (صَلَّى اللّه عَلَيْهِ وَآلِهِ) عن قول اللّه عزّو جل (أَلْقِيَا فِي جَهَنَّمَ كُلَّ كَفَّارٍ عَنِيدٍ) (3) فقال رسُولُ اللّه (صَلَّى اللّه عَلَيْهِ وَآلِهِ) أنا و عليٌّ نُلقي فِي جهنَّم كلّ من عادانا فقال أبو حنيفة لابن قيس قُم بنا لا يجيءُ بِما هُو أعظمُ من هذا فقاما و انصرفا. (4)
26 - عن عبد اللّه بن غالِبٍ عن أبيه عن رجُلٍ قال: سألتُ عليّ بن الحسين (عَلَيهِمَا السَّلَامُ) عن قول اللّه (وَلَا يَزَالُونَ مُختَلِفينَ) قال عنى بذلك من خالفنا من هذِهِ الأمَّة وكُلُّهُم يُخالِفُ بعضُهُم بعضاً فِي دينهم (إِلَّا مَنْ رَحِمَ رَبُّكَ وَلِذَلِكَ خَلَقَهُمْ) (5) فأُولئِكَ أَولِياؤُنا من المؤمنين ولذلك خلقهم من الطينةِ طيناً أما تسمعُ لِقولِ إبراهيم (رَبِّ اجْعَلْ هَذَا بَلَدًا آمِنًا وَارْزُقْ أَهْلَهُ مِنَ الثَّمَرَاتِ مَنْ آمَنَ مِنْهُمْ بِاللَّهِ) قال إيانا عنى وأولياءه وشيعته وشيعة وصيّه قال (وَمَنْ كَفَرَ فَأُمَتِّعُهُ قَلِيلًا ثُمَّ أَضْطَرُّهُ إِلَى عَذَابِ النَّار) (6) قال عنى بذلك من جحد وصيّه ولم يتَّبِعهُ من أُمِّتِهِ وكذلك واللّه حال هذه الأمَّة. (7)
ص: 110
27 - عن أمِير المؤمنين (عَلَيهِ السَّلَامُ) قال: قال لي رسولُ اللّه (صَلَّى اللّه عَلَيْهِ وَآلِهِ) يا علي ما بين من يُحِبُّك وبين أن يرى ما تقرُّبِهِ عيناهُ إِلّا أن يُعاين الموت ثُمّ تلا (رَبَّنَا أَخْرِجْنَا نَعْمَلْ صَالِحًا غَيْرَ الَّذِي كُنَّا نَعْمَلُ) يعني إن أعداء نا إذا دخلوا النار قالُوا ربنا أخرجنا نعمل صالحاً فِي ولاية عليّ (عَلَيهِ السَّلَامُ) غير الّذي كُنّا نعملُ فِي عداوتِهِ فيُقالُ لهم فِي الجوابِ أو لم نُعمّركُم ما يتذكَّرُ فِيهِ من تذكّر و جاءكُمُ النَّذِيرُ وهو النَّبيّ (صَلَّى اللّه عَلَيْهِ وَآلِهِ) (فذُوقُوا فما لِلظَّالِمين) لآلِ محمّد (صَلَّى اللّه عَلَيْهِ وَآلِهِ) (من نصير) (1) ينصُرُهُم ولا يُنخِيهِم مِنهُ ولا يحجُبُهم عنه. (2)
28 - عن المفضّل قال: قُلتُ لأبي عبد اللّه (عَلَيهِ السَّلَامُ) (بل تُؤثِرُون الحياة الدنيا) قال ولايتهم (و الآخِرةُ خيرٌ و أبقى) قال ولاية أمِير المؤمنين (عَلَيهِ السَّلَامُ) (إِنَّ هَذَا لَفِي الصُّحُفِ الْأُولَى * صُحُفِ إِبْرَاهِيمَ وَمُوسَى). (3) و (4)
29 - عن أبي جعفر (عَلَيهِ السَّلَامُ) قال: جاءكُم محمّد (صَلَّى اللّه عَلَيْهِ وَآلِهِ) (بما لا تهوى أنفُسُكُمْ﴾ بموالاة علي (عَلَيهِ السَّلَامُ) ف-(استَكبَرتُم فَفَرِيقَاً) من آلِ محمّد (صَلَّى اللّه عَلَيْهِ وَآلِهِ) (كَذَّبتُم وَ فَرِيقاً تقتُلُون) (5). (6)
30 - عن أبي جعفر (عَلَيهِ السَّلَامُ) فِي قوله تعالى (هَذانِ خَصمانِ اختَصَمُوا فِي رَبِّهِم فَالّذينَ كَفَرُوا﴾ بولاية عليّ (عَلَيهِ السَّلَامُ) (قُطِّعَتْ لَهُمْ ثِيَابٌ مِنْ نَارٍ). (7) و (8)
31 - عن أبي جعفر عن آبائه (عَلَيهِم السَّلَامُ) أن النَّبيّ (صَلَّى اللّه عَلَيْهِ وَآلِهِ) قال لعليّ (عَلَيهِ السَّلَامُ) يا علي قوله عزّوجلّ (كُلُّ نَفْسٍ بِمَا كَسَبَتْ رَهِينَةٌ * إِلَّا أَصْحَابَ الْيَمِينِ * فِي جَنَّاتٍ يَتَسَاءَلُونَ * عَنِ الْمُجْرِمِينَ * مَا
ص: 111
سَلَكَكُمْ فِي سَقَرَ)(1) و المجرمون هُمُ المنكِرُون لولايتك (قَالُوا لَمْ نَكُ مِنَ الْمُصَلِّينَ * وَلَمْ نَكُ نُطْعِمُ الْمِسْكِينَ * وَكُنَّا نَخُوضُ مَعَ الْخَائِضِينَ) (2) فيقول لهم أصحاب اليمين ليس من هذا أُوتِيتُم فما الّذي سلككم فِي سقريا أشقياء قالُوا (وَكُنَّا نُكَذِّبُ بِيَوْمِ الدِّينِ * حَتَّى أَتَانَا الْيَقِينُ) (3) فقالُوا لهم هذا الّذي سلككم فِي سقريا أشقياء ويومُ الدِّينِ يوم الميثاق حيث جحدوا وكذَّبُوا بولايتك و عتوا عليك و استكبروا. (4)
32 - عن أبي جعفر (عَلَيهِ السَّلَامُ) فِي قولهِ (وَإِنَّ الَّذِينَ لَا يُؤْمِنُونَ بِالْآخِرَةِ عَنِ الصِّرَاطِ لَنَاكِبُونَ)(5) قال عن ولايتنا. (6)
33- علي بن إبراهيم: (ولو أشركوا) يعني الأنبياء الّذين قد تقدّم ذِكرُهُم (فَإِن يكفُر بِها هؤلاء﴾ يعني أصحابه وقُريشاً و الّذين أنكروا بيعة أميرالمؤمنين (عَلَيهِ السَّلَامُ) (فقد وكلنا بها قوماً) (7) يعني شيعة أمِير المؤمنين. (8)
34 - عن أبي جعفر (عَلَيهِ السَّلَامُ) فِي قول اللّه تعالى ﴿ كُلُّ نَفْسٍ بِمَا كَسَبَتْ رَهِينَةٌ * إِلَّا أَصْحَابَ الْيَمِينِ ﴾ قال نحنُ وشيعتنا وقال أبو جعفرتُم شيعتنا أهل البيت (فِي جَنَّاتٍ يَتَسَاءَلُونَ * عَنِ الْمُجْرِمِينَ * مَا سَلَكَكُمْ فِي سَقَرَ * قَالُوا لَمْ نَكُ مِنَ الْمُصَلِّينَ) يعني لم يكُونُوا من شِيعَةِ عليّ بن أبِي طالِب ﴿ وَلَمْ نَكُ نُطْعِمُ الْمِسْكِينَ * وَكُنَّا نَخُوضُ مَعَ الْخَائِضِينَ) فذاك يوم القائم (عَلَيهِ السَّلَامُ) وهو يومُ الدِّينِ
ص: 112
(وَكُنَّا نُكَذِّبُ بِيَوْمِ الدِّينِ * حَتَّى أَتَانَا الْيَقِينُ ﴾ أيامُ القائم (فَمَا تَنْفَعُهُمْ شَفَاعَةُ الشَّافِعِينَ) (1) فما ينفعُهُم شفاعةُ مخلوقٍ ولن يشفع لهم رسُولُ اللّه يوم القيامةِ. (2)
35 - قال الإمام العسكرى (عَلَيهِ السَّلَامُ) قال اللّه عزّوجلّ (وَمَثَلُ الَّذِينَ كَفَرُوا) فِي عِبادتِهِمُ الأصنام واتخاذِهِمُ الأنداد من دُونِ محمّد وعلي صلواتُ اللّه عليهما (كَمَثَلِ الَّذِي يَنْعِقُ بِمَا لَا يَسْمَعُ) يصُوتُ بِما لا يسمعُ (إلَّا دُعَاءً و نِدَاءً) لا يفهم ما يُرادُ مِنهُ فيتعب [ فيُغيث] المستغيث بِهِ ويُعِين من استغاثهُ صُمٌّ بُكْمٌ عُمِيّ من الهُدى فِي اتِّبَاعِهِمُ الأنداد من دُونِ اللّه و الأضداد لِأَولِياءِ اللّه الّذينَ سَموهُم بِأسماءِ خِيارِ خُلفاءِ اللّه ولَقَّبُوهُم بِأَلْقَابِ أَفَاضِلِ الأئمّة الّذينَ نصبهُمُ اللّه لإقامةِ دِينِ اللّه (فَهُمْ لَا يَعْقِلُونَ) (3) أمر اللّه عزّو جلّ: قال علي بن الحسين (عَلَيهِمَا السَّلَامُ) هذا فِي عُبّادِ الأصنام و فِي النُّصابِ لِأهلِ بيتِ محمّد (صَلَّى اللّه عَلَيْهِ وَآلِهِ) نبي اللّه هم أتباع إبليس وعُتاةُ مردته سوف يُصيّرونهم إلى الهاوية. (4)
36 - قال الإمام العسكري (عَلَيهِ السَّلَامُ) فِي قوله تعالى (بَلَى مَنْ كَسَبَ سَيِّئَةً وَأَحَاطَتْ بِهِ خَطِيئَتُهُ فَأُولَئِكَ أَصْحَابُ النَّارِ هُمْ فِيهَا خَالِدُونَ﴾ (5) قال السَّيِّئَةُ المحيطةُ بِهِ أَن تُخرِجه عن جُملةِ دِينِ اللّه وتنزعه عن ولايةِ اللّه وتُؤمِنهُ من سخط اللّه وهِي الشِّركُ بِاللّه والكُفْرُبِهِ والكُفْرُ بِنُبُوَّةِ محمّد (صَلَّى اللّه عَلَيْهِ وَآلِهِ) و الكفر بولاية عليّ بن أبِي طالِب (عَلَيهِ السَّلَامُ) و خُلفائِهِ كلّ وَاحِدٍ من هَذِهِ سَيِّئَةٌ تُحِيطُ بِهِ أي تُحِيطُ بِأعمالِهِ فتُبطِلُها وتمحقها فأُولئِك عامِلُوهذِهِ السَّيِّئَةِ المحيطة أصحابُ النَّارِهُم فيها خالدون. (6)
ص: 113
37- عن أبي عبد اللّه (عَلَيهِ السَّلَامُ) فِي قول اللّه (كَأَنَّمَا أُغْشِيَتْ وُجُوهُهُمْ قِطَعًا مِنَ اللَّيْلِ مُظْلِمًا) (1) قال أما ترى البيت إذا كان الليل كان أشدّ سواداً من خارج فكذلك وُجوههم تزداد سواداً. (2)
38 - قال أبو عبد اللّه (عَلَيهِ السَّلَامُ) كلّ ناصِبٍ و إن تعبّد واجتهد يصير إلى هذه الغاية (عَامِلَةٌ نَاصِبَةٌ * تَصْلَى نَارًا حَامِيَةً) (3). (4)
39 - عن عبد اللّه بن أبي يعفُورٍ قال: قُلتُ لأبي عبد اللّه (عَلَيهِ السَّلَامُ) إنِّي أُخالط النّاس فيكثرُ عجبِي من أقوام لا يتولونكم ويتولون فُلاناً وفُلاناً لهم أمانة وصدق و وفاة وأقوام يتولونكم ليس لهم تلك الأمانة ولا الصدق ولا الوفاء قال فاستوى أبو عبد اللّه (عَلَيهِ السَّلَامُ) جالساً و أقبل عليّ كالمغضبِ ثُمّ قال لا دين لمن دان بولاية إمام جائر ليس من اللّه ولا عتب على من دان بولاية إمام عادِلٍ من اللّه قال قُلتُ فلادين لِأُولئِك ولا عتب على هؤلاء فقال نعم أما تسمع قول اللّه عزّوجلّ (اللّه ولِيُّ الّذينَ آمَنُوا يُخرِجُهُم مِنَ الظُّلُماتِ إِلَى النُّورِ) يُخرِجُهُم من ظُلُماتِ الذُّنُوبِ إِلى نورِ التّوبة والمغفرة لولايتهم كلّ إمام عادِلٍ من اللّه ﴿وَالّذينَ كَفَرُوا أَولِياؤُهُمُ الطَّاغُوتُ يُخرِجُونَهُم من النُّورِ إِلى الظُّلماتِ) فأيُّ نورٍ يكونُ لِلْكَافِرِين فيخْرُجُ مِنْهُ إِنما عنى بهذا أنهم كانوا على نُورِ الإِسلامِ فَلَمّا تولّوا كلّ إِمام جائر ليس من اللّه خرجوا بولايتهم إياهُم من نُورِ الإِسلامِ إِلى ظُلُماتِ الكُفْرِ فأوجب لهم النار مع الكفَّارِ فقال (أُولَئِكَ أَصْحَابُ النَّارِ هُمْ فِيهَا خَالِدُونَ) (5). (6)
40 - عن جابر قال: سألت أبا جعفر (عَلَيهِ السَّلَامُ) عن قول اللّه عزّوجلّ (وَ مِنَ النّاسِ مَن يَتَّخِذُ مِن دُونِ اللّه أنداداً يُحِبُّونَهُم كَحُبِ اللّه﴾ قال هُم أولِياءُ فلان وفلانِ اتَّخَذُوهُم أَيْةً دون الإِمَامِ الّذي جعله اللّه لِلنّاسِ إماماً فلذلك قال (وَلَوْ يَرَى الَّذِينَ ظَلَمُوا إِذْ يَرَوْنَ الْعَذَابَ أَنَّ الْقُوَّةَ
ص: 114
لِلَّهِ جَمِيعًا وَأَنَّ اللَّهَ شَدِيدُ الْعَذَابِ * إِذْ تَبَرَّأَ الَّذِينَ اتُّبِعُوا مِنَ الَّذِينَ اتَّبَعُوا وَرَأَوُا الْعَذَابَ وَتَقَطَّعَتْ بِهِمُ الْأَسْبَابُ﴾ (1) ثُمّ قال أبو جعفر (عَلَيهِ السَّلَامُ) يا جابِرُهُم أَيْمَةُ الضَّلالِ وأشياعُهُم. (2)
41 - قال علي بن الحسين عليهما السلام قال رسولُ الله صلى الله عليه وآله ما من عبد ولا أمةٍ زال عن ولايتنا وخالف طريقتنا وسمى غيرنا بِأسمائنا و أسماءِ خِيار أهلِنا الَّذِي اختاره اللهُ لِلقيامِ بِدِينِهِ و دنياه و لقبه بالقائم وهو كذلك يُلقِبُهُ مُعتقداً لا يحمِلُهُ على ذلك تقيّة خوف و لا تدبير مصلحة دِينٍ إلا بعثه الله يوم القيامةِ و من كان قدِ اتَّخذهُ مِن دُونِ اللهِ ولِيّاً وحُشِرَ إِلَيهِ الشَّيَاطِينُ الَّذِين كانوا يُغوونه فقال له يا عبدي أرباً معِي هؤلاء كنت تعبد وإياهم كنت تطلب فينهم فاطلب ثواب ما كُنت تعمل ولك معهُم عِقابُ أجرامِك ثُمّ يأمُرُ اللهُ تعالى أن يُحشر الشيعة الموالون لمحمّدٍ و علي عليهما وألهما السلام ممن كان في تقيّةٍ لا يُظهِرُ ما يعتقدُهُ ومِمن لم يكُن عليه تقِيَّةٌ وكان يُظهِرُ ما يعتقدُهُ فيقولُ اللهُ تعالى انظُرُوا حسناتِ شِيعةِ محمّدٍ وعلى فضاعِفُوها قال فتُضاعف حسناتهم أضعافاً مضاعفةً ثُمَّ يقولُ الله تعالى انظروا ذُنُوب شِيعةِ محمّدٍ و عَلي فينظرون فينهم من قلت ذُنُوبُهُ فكانت معْمُورةً في طاعتِهِ فهؤلاء السُّعداء مع الأولياء والأصفياء ومنهم من كثرت ذُنُوبُهُ و عظمت يقولُ الله تعالى قدّمُوا الَّذِين كان لا تقيّة عليهم من أولياء محمد و علي فيُقدِّمُون فيقولُ اللهُ تعالى انظُرُوا حسناتِ عِبادِي هؤلاءِ النُّصَابِ الَّذِين أخذُوا الأنداد مِن دُونِ محمد و على و مِن دُونِ خُلفائِهِم فاجعلوها هؤلاء المؤمنين لما كان من اغتيالهم بهم بوقيعتِهم فيهم وقصدِهِم إلى أذاهم فيفعلون ذلك فتصِيرُ حسناتُ النَّواصِبِ لِشِيعَتِنا الَّذِين لم تكُن عليهِم تقيّةٌ ثُم يقول انظُرُوا إِلى سيّئاتِ شِيعةِ محمّدٍ وعلى فإِن بقيت لهم على هؤلاء النُّصَابِ بوقيعتِهم فيهم زيادات فاحمِلُوا على أُولئِكَ النُّصَابِ بِقدرِها مِن الذُّنوبِ الَّتِي لهؤلاء الشيعة فيُفعل ذلك ثُمَّ يقول عزوجل التُوا بِالشّيعة المتقين خوفِ الأعداء فافعلُوا في حسناتِهم وسيئاتِهم و حسناتِ هؤلاءِ النُّصابِ وسيّئاتِهم ما فعلتُم بِالأولين فيقولُ النّواصِبُ يا ربنا هؤلاء كانوا معنا في مشاهِدِنا حاضرين وبأقاويلنا قائِلِين ولِمذاهِبِنا مُعتقِدِين فيُقالُ كلّا و اللهِ يا أَيُّهَا النُّصَابُ ما
ص: 115
كانُوا لِمذاهبكم معتقدين بل كانُوا بِقُلُوبِهِم لكُم إِلى اللهِ مُخالِفين و إِن كَانُوا بِأَقوالِكُم قائِلِين و بأعمالِكُم عاملين لِلتَّقِيَّةِ مِنكُم معاشر الكافِرِين قدِ اعتددنا لهُم بِأقاوِيلِهِم وأفاعِيلِهِم اعتدادنا بأقاويل المطيعين وأفاعيل المحسنين إذ كانوا بأمرنا عاملين قال رسول الله صلى الله عليه وآله فعِند ذلك تعظم حسراتُ النُّصابِ إذ كانُوا رأوا حسناتِهم في موازين شيعتنا أهل البيت ورأوا سيّئاتِ شِيعتنا على ظهور معاشِرِ النُّصابِ فذلك قوله عزوجل { كَذلِكَ يُرِيهِمُ اللَّهُ أَعمالهُم حسرات عليه } (1)
42 - عن أبي جعفر (عَلَيهِ السَّلَامُ) قال: نزل جبرئيل بهذه الآية هكذا (إنّ الّذين ظلموا) آل محمّد حقهم (لَمْ يَكُنِ اللَّهُ لِيَغْفِرَ لَهُمْ) إلى أن قال: (يَا أَيُّهَا النَّاسُ قَدْ جَاءَكُمُ الرَّسُولُ بِالْحَقِّ مِنْ رَبِّكُمْ) فِي ولاية على (فَآمِنُوا خَيْرًا لَكُمْ وَإِنْ تَكْفُرُوا) بولاية على (فَإِنَّ لِلَّهِ مَا فِي السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضِ). (2) و (3)
43- عن أبي جعفر (عَلَيهِ السَّلَامُ) قال: هكذا نزلت هذه الآية (ولو أنّهُم فَعَلُوا ما يُوعَظُون بِهِ﴾ فِي علي لكان خيراً لهم. (4) و (5)
44 - قال الإمام العسكري عليه السلام قال الله عزوجل { واتَّقُوا يقوماً لا تجزي نفس عن نفس شيئاً } لا يدفع عنها عذاباً قد استحقتهُ عِند النزع ولا يُقبلُ مِنها شفاعة يشفع لها بتأخير الموتِ عنها ولا يُؤخذُ مِنها عدلٌ لا يُقبلُ فِداء مكانهُ يُماتُ ويُتركُ هُو قال الصّادِقُ عليه السلام و هذا يوم الموتِ فإنّ الشّفاعة و الفداء لا يُعْنِي فِيهِ [عنهُ] فأما في يومِ القِيامَةِ فإِنَّا وأهلنا نجزِي عن شِيعَتِنا كُلّ جزاء ليكونن على الأعرافِ بين الجنّةِ مُحمّد وعلي وفاطمة والحسن و الحسين عليهم السلام و الطيبون من الهيم فنرى بعض شيعتنا في تلك العرصات فمن كان منهم مقصراً في بعض
ص: 116
شدائِدِها فنبعث عليهم خيار شيعتنا كسلمان والمقدادِ و أبي ذرو عمّار و نظرائهم في العصر الذي يليهم وفِي كُلّ عصر إلى يوم القيامةِ فينقُضُون عليهم كالبزاة و الصُّقُور و يتناولونهم كما يتناول البزاةُ والصُّقُورُ صيدها فيزُفُونهم إلى الجنّةِ زفّاً و إِنَّا لنبعثُ على آخرين مِن مُحبّينا مِن خيار شيعتنا كالحمام فيلتقطونهم من العرصات كما يلتقط الطير الحبّ وينقُلُوهُم إِلى الجِنانِ بحضرتنا وسيُؤتى بِالواحِدِ مِن مُقصِّرِي شيعتنا في أعمالِهِ بعد أن صان الولاية والتَّقِيَّة وحُقُوق إخوانِهِ ويُوقفُ بِإزائه ما بين مِائَةٍ وأكثر من ذلك إلى مائة ألف مِن النُّصابِ فيُقالُ لَهُ هَؤُلاءِ فداؤُكَ مِن النّارِ فيدخُلُ هؤلاء المؤمنُون الجنّة و أُولئِكَ النُّصَابُ النّار وذلك ما قال الله تعالى { رُبما يودُّ الَّذِين كفرُوا } يعني بالولاية ( لو كانُوا مُسلمين } (1) فِي الدُّنيا مُنقادِين لِلإمامةِ لِيُجعل مُخالِفُوهُم مِن النّارِ فِداءهُم .(2)
45 - عن ابن أبي عمير، عمن حدثه، قال: سألتُ محمّد بن علي الرّضا (عَلَيهِم السَّلَامُ) عن هذه الآية (وُجُوهٌ يَوْمَئِذٍ خَاشِعَةٌ * عَامِلَةٌ نَاصِبَةٌ) (3) قال نزلت فِي النُّصابِ والرِّيدِيَّةِ والواقِفة من النُّصّابِ (4).
46 - عن محمّد بن سليمان عن أبيه عن أبي عبد اللّه (عَلَيهِ السَّلَامُ) قال: قُلتُ: (هَلْ أَتَاكَ حَدِيثُ الْغَاشِيَةِ) قال يغشاهُمُ القائِمُ بِالسّيف قال: قُلتُ: (وُجُوهٌ يَوْمَئِذٍ خَاشِعَةٌ) قال: خاضعة لا تُطِيقُ الإمتناع قال: قُلتُ: (عَامِلَةٌ) ؟ قال : عملت بغير ما أنزل اللّه. قال: قُلتُ: (نَاصِبَةٌ) ؟ قال: نصبت غير ولاة الأمر. قال : قُلتُ: (تَصْلَى نَارًا حَامِيَةً) قال: تصلى نار الحرب فِي الدُّنيا على عهدِ القائم وفي الآخرة نار جهنَّم (5).
ص: 117
47 - أبي عبد اللّه (عَلَيهِ السَّلَامُ) قال: قال أبو جعفر (عَلَيهِ السَّلَامُ): دخل أبو عبد اللّه الجدلي على أمِير المؤمنين (عَلَيهِ السَّلَامُ)، فقال له: يا أبا عبد اللّه، ألا أخبرك بقول اللّه عزّ و جلّ: (مَنْ جَاءَ بِالْحَسَنَةِ فَلَهُ خَيْرٌ مِنْهَا وَهُمْ مِنْ فَزَعٍ يَوْمَئِذٍ آمِنُونَ * وَمَنْ جَاءَ بِالسَّيِّئَةِ فَكُبَّتْ وُجُوهُهُمْ فِي النَّارِ هَلْ تُجْزَوْنَ إِلَّا مَا كُنْتُمْ تَعْمَلُونَ) (1) ؟ قال : بلى يا أمِير المؤمنين جُعلتُ فداك. فقال: الحسنة معرفة الولاية، و حبُّنا أهل البيت، والسيئة إنكار الولاية، وبغضنا أهل البيت. (2)
48- عن جابر بن عبد اللّه قال: قال رسُولُ اللّه (صَلَّى اللّه عَلَيْهِ وَآلِهِ) فِي مرضِهِ الّذي قُبِضَ فِيهِ لِفاطِمة (عَلَيهَا السَّلَامُ) يا بُنيّةِ بِأبي أنتِ وأُمِّي أرسلي إلى بعلِكِ فادعيه لي فقالت فاطمة (عَلَيهَا السَّلَامُ) للحسنِ (عَلَيهِ السَّلَامُ) انطلق إلى أبيك فقُل لهُ إِنّ جدّي يدعُوك فانطلق إليه الحسن فدعاه فأقبل أمِير المؤمنين (عَلَيهِ السَّلَامُ) حتّى دخل على رسُولِ اللّه (صَلَّى اللّه عَلَيْهِ وَآلِهِ) و فاطمة (عَلَيهَا السَّلَامُ) عنده وهي تقول وا كرباه لكربك يا أبتاه فقال رسولُ اللّه لا كرب على أبِيكِ بعد اليوم يا فاطِمةُ إِنَّ النَّبيّ لا يُشقُ عليه الجيب ولا يُخمشُ عليه الوجه ولا يُدعى عليهِ بِالويل ولكن قولي كما قال أبوكِ على إبراهيم تدمع العين وقد يُوجعُ القلب ولا نقُولُ ما يُسخِط الربّ و إِنَّا بِك يا إبراهيم لمحزونون و لو عاش إبراهيم لكان نبيّاً ثُمّ قال يا عليُّ ادنُ مِنِّي فدنا مِنهُ فقال أدخل أُذُنك فِي في ففعل فقال يا أخي ألم تسمع قول اللّه عزّوجلّ فِي كِتَابِهِ (إِنَّ الّذين آمَنُوا وَعَمِلُوا الصَّالِحاتِ أُولئِكَ هُم خَيرُ البَرِيَّة﴾ قال بلى يا رسول اللّه قال هُم أنت وشيعتك تجيتُون غُرّاً مُحجَّلِين شباعاً مروّتين ألم تسمع قول اللّه عزّ و جلّ فِي كِتَابِهِ (إِنَّ الَّذِينَ كَفَرُوا مِنْ أَهْلِ الْكِتَابِ وَالْمُشْرِكِينَ فِي نَارِ جَهَنَّمَ خَالِدِينَ فِيهَا أُولَئِكَ هُمْ شَرُّ الْبَرِيَّةِ) (3) قال بلى يا رسول اللّه قال هُم أعداؤُك وشِيعتهم يجيتون يوم القيامةِ مُسودّةً وُجُوهُهُم ظِماءً مُظمئِين أشقياء مُعذِّبِين كُفَّاراً مُنافِقِينِ ذاك لك و لشيعتك وهذا لعدوّك وشيعتهم. (4)
ص: 118
49 - عن الشُّمالي قال: سألت أبا جعفر (عَلَيهِ السَّلَامُ) عن قوله تعالى (وَإِذَا قِيلَ لَهُمُ ارْكَعُوا لَا يَرْكَعُونَ) (1) قال هي فِي بطنِ القرآنِ وإذا قيل لِلنُّصابِ تولّوا عليّاً لا يفعلون. (2)
50 - أبي عبد اللّه (عَلَيهِ السَّلَامُ) أنّه قرأ (اهْدِنَا الصِّرَاطَ الْمُسْتَقِيمَ * صِرَاطَ الَّذِينَ أَنْعَمْتَ عَلَيْهِمْ غَيْرِ الْمَغْضُوبِ عَلَيْهِمْ وَلَا الضَّالِّينَ) قال المغضوب عليهم النُّصَابُ والضَّالِّين اليهود و النصارى. (3)
51 - أبي عبد اللّه (عَلَيهِ السَّلَامُ) فِي قوله (غَيْرِ الْمَغْضُوبِ عَلَيْهِمْ وَلَا الضَّالِّينَ) قال المغضُوبِ عليهم النُّصَابُ والضَّالِّينَ الشُّكَاءُ الّذين لا يعرفون الإمام. (4)
52- عن أبي جعفر (عَلَيهِ السَّلَامُ) فِي قوله عزّو جل (وَلَمَنِ انْتَصَرَ بَعْدَ ظُلْمِهِ فَأُولَئِكَ مَا عَلَيْهِمْ مِنْ سَبِيلٍ) (5) قال ذاك القائم (عَلَيهِ السَّلَامُ) إذا قام انتصر من بَنِي أُميّة و من المكذِبِين والنُّصَابِ. (6)
53 - عن مُعاوية بن عمَّار قال قُلتُ لأبي عبد اللّه (عَلَيهِ السَّلَامُ) قولُ اللّه (فَإِنّ لهُ مَعِيشَةً ضَنكَا) (7) قال هي واللّه لِلنُّصابِ قال جُعِلتُ فِداك قد رأيناهم دهرهُمُ الأطول فِي كفاية حتّى ماتوا قال ذاك اللّه فِي الرّجعة يأكلون العذرة. (8)
54 - عن أبي عبد اللّه (عَلَيهِ السَّلَامُ) قال: كلّ ناصِبٍ و إن تعبّد منسوبٌ إلى هذِهِ الآيَةِ ﴿وُجُوهٌ يَومَئِذٍ خَاشِعَةٌ)(9) الآية. (10)
ص: 119
55- عن حنانٍ عن أبي عبد اللّه (عَلَيهِ السَّلَامُ) أنّه قال: لا يُبالِي النَّاصب صلّى أم زنى و هذِهِ الآية نزلت فيهم (عَامِلَةٌ نَاصِبَةٌ * تَصْلَى نَارًا حَامِيَةً). (1) و (2)
56- عن عمرو بن أبي المقدامِ قال سمعت أبا عبد اللّه (عَلَيهِ السَّلَامُ) يقولُ قال أبي كلّ ناصِبٍ وإن تعبّد و اجتهد منسُوبٌ إلى هذه الآية (عَامِلَةٌ نَاصِبَةٌ * تَصْلَى نَارًا حَامِيَةً) (3) كلّ ناصِبٍ مُجتهد فعملُهُ هباء الخبر. (4)
1- عن علي بن الحسين (عَلَيهِمَا السَّلَامُ) قال : قال رسول اللّه (صَلَّى اللّه عَلَيْهِ وَآلِهِ): فِي الجنّة ثلاث درجات وفي النّارِ ثلاث دركاتٍ فأعلى درجاتِ الجنّة لمن أحبنا بقلبه و نصرنا بلسانه ويدِهِ وفِي الدّرجة الثَّانِيةِ من أحبّنا بِقلبِهِ ونصرنا بِلِسانِهِ و فِي الدّرجةِ الثَّالِثَةِ من أحبّنا بقلبه وفي أسفل درك من النّارِ من أبغضنا بقلبِهِ وأعان علينا بِلِسانِهِ ويدِهِ وفِي الدّركِ الثَّانِيةِ من النّارِ من أبغضنا بقلبِهِ وأعان علينا بِلِسانِهِ و فِي الدّركِ الثَّالِثَةِ من النَّارِ من أبغضنا بقلبِهِ. (5)
2- عن أبان بن تغلب عن أبي عبد اللّه (عَلَيهِ السَّلَامُ) قال: قلتُ له: جُعلت فداك قوله: ﴿فلا اقتحم العقبة) فقال: من أكرمه اللّه بولايتنا فقد جاز العقبة، ونحن تلك العقبة الّتي من اقتحمها نجا. قال: فسكت، فقال: هل أفيدك حرفاً خير لك من الدُّنيا وما فيها؟. قلتُ: بلى جعلتُ فداك. قال:
قوله: ﴿فَكُّ رَقَبَة) (6) ثُمّ قال: «النَّاسُ كلُّهم عبيدُ النّار غيرك وأصحابك، فإنّ اللّه فك رقابكم من النّار بولايتنا أهل البيت». (7)
ص: 120
3 - عن أبان قال: سألتُ أبا عبد اللّه (عَلَيهِ السَّلَامُ) عن هذه الآية (فَلَا اقْتَحَمَ الْعَقَبَةَ)، فقال: «يا أبان، هل بلغك من أحدٍ فيها شيء» ؟ فقلتُ: لا، فقال: «نحنُ العقبة، فلا يصعد إلينا إلّا من كان منّا».
ثم قال: «يا أبان ألا أزيدك فيها حرفاً خير لك من الدُّنيا وما فيها؟». قلت: بلى. قال: (فكُ رقبة) (1)، النّاس مماليك النار كلُّهم غيرك وغير أصحابك، فككُم اللّه منها. قلتُ: بما فكنا منها ؟ قال بولايتكم أمِير المؤمنين علي ابن أبي طالب (عَلَيهِ السَّلَامُ)». (2)
4 - عن أبي بكر الحضرمي، عن أبي عبد اللّه (عَلَيهِ السَّلَامُ) فِي قوله تعالى: (فَكُّ رَقَبَة) (3)، قال: «النّاس كلُّهم عبيدُ النّار إلّا من دخل فِي طاعتنا و ولايتنا، فقد فك رقبته من النار، والعقبة: ولايتنا». (4)
5- عن صباح المزني، عن أبي حمزة، عن أحدهما (عَلَيهِمَا السَّلَامُ) فِي قول اللّه عزّ و جلّ: بلى من كسب سيئة وأحاطت بِهِ خطيئته قال: «إذا جحدوا إمامة أمِير المؤمنين (عَلَيهِ السَّلَامُ) (فأُولئِك أصحابُ النَّارِ هُم فِيهَا خَالِدُون)(5)». (6)
6- عن أبي بصير قال سمعت أبا جعفر (عَلَيهِ السَّلَامُ) يقول أعداء على هُمُ المخلَّدُون فِي النَّارِ قال اللّه (وَمَا هُمْ بِخَارِجِينَ مِنَ النَّارِ). (7) و (8)
ص: 121
7- عن منصور بن حازم قال: قُلتُ لأبي عبد اللّه (عَلَيهِ السَّلَامُ) (وَمَا هُمْ بِخَارِجِينَ مِنَ النَّارِ) (1) قال أعداء علي هُمُ المخلّدون فِي النَّارِ أبد الآبدين و دهر الدّاهِرِين. (2)
8- عن أبي جعفر (عَلَيهِ السَّلَامُ) قال: قال اللّه تبارك وتعالى لأعذبن كلّ رعِيَّةٍ فِي الإِسلام دانت بولاية كلّ إمام جائر ليس من اللّه وإن كانتِ الرّعِيَّةُ فِي أعمالها برَةٌ تَقِيَّةٌ ولأعفُونَ عن كلّ رَعِيَّةٍ فِي الإسلام دانت بولاية كلّ إِمَامٍ عادِلٍ من اللّه و إن كانتِ الرّعِيَّةُ فِي أَنفُسِها ظالمةً مُسِيئةٌ. (3)
9 - عن مهزم الأسدِيّ قال سمعت أبا عبد اللّه (عَلَيهِ السَّلَامُ) يقولُ قال اللّه تبارك وتعالى لأعذبنَ كلّ رعِيَّةٍ دانت بإمام ليس من اللّه و إن كانتِ الرّعِيّةُ فِي أعمالها برّةً تقِيّةً ولأعفُونَ عن كلّ رَعِيَّةٍ دانت بِكُل إمام من اللّه و إن كانتِ الرّعِيَّةُ فِي أعمالها مُسِيئةً قُلتُ فيعفُو عن هؤُلاءِ ويُعذِّبُ هَؤُلاءِ قال نعم إن اللّه يقولُ (اللّه ولِيُّ الّذينَ آمَنُوا يُخرِجُهُم من الظُّلُمَاتِ إِلَى النُّورِ) (4) ثمّ ذكر الحديث الأول حديث ابن أبي يعفُورٍ رواية محمّد بن الحسين وزاد فيه فأعداء علي أمِير المؤمنين هُمُ الخالدون فِي النار و إن كانوا فِي أديانهم على غاية الورع والزهد والعبادة و المؤمِنُون بعلي (عَلَيهِ السَّلَامُ) هُمُ الخالِدُون فِي الجنّة و إن كانُوا فِي أعمالِهِم مُسِيئةً على ضِدّ ذلك. (5)
10- عن عبد اللّه بن سنان عن أبي عبد اللّه (عَلَيهِ السَّلَامُ) أنّه قال: إِنَّ اللّه لا يستحي أن يُعذِّب أُمَّةً دانت بإمام ليس من اللّه و إن كانت فِي أعمالها برة تقيّةٌ وإِنَّ اللّه يستحي أن يُعَذِّب أُمَةً دانت بإمام من اللّه و إن كانت فِي أعمالها ظالمةً مُسِيئةً. (6)
11- عن محمّد بن جعفر عن أبيه (عَلَيهِمَا السَّلَامُ) قال: نزل جبرئيل على النَّبيّ (صَلَّى اللّه عَلَيْهِ وَآلِهِ) فقال يا محمّد!
ص: 122
السّلامُ يُقرِئُك السّلام ويقول خلقتُ السّماوات السبع وما فيهن والأرضين السبع و من عليهن وما خلقتُ موضعاً أعظم من الركن والمقامِ ولو أن عبداً دعانِي مُنذُ خلقتُ السّماوات و الأرض ثُمّ لقيني جاحِداً لولاية علي صلوات اللّه عليه لأكتبتُهُ فِي سقر. (1)
12- عن ابن أبي العلاء قال سمعت أبا عبد اللّه (عَلَيهِ السَّلَامُ) يقول لو جحد أمِير المؤمنين (عَلَيهِ السَّلَامُ) جميع من في الأرضِ لَعَذَّبهُمُ اللّه جميعاً وأدخلهُمُ النّار. (2)
13- عن عبد الكريم بن عمرو وإبراهيم بن ناحة البصري جميعاً قالا حدّثنا مُيسر قال: قال لي أبو عبد اللّه جعفر بن محمّد (عَلَيهَا السَّلَامُ) ما تقُولُ فِيمن لا يعصي اللّه فِي أمره ونهيهِ إِلا أَنَّهُ يبرأُ منك و من أصحابك على هذا الأمر قال قُلتُ وما عسيتُ أن أقول وأنا بحضرتك قال قُل فإِنِّي أنا الّذي آمُرُك أن تقُول قال قُلتُ هُو فِي النَّارِ قال يا مُيسّرُ ما تَقُولُ فِيمَن يَدِينُ اللّه بِمَا تَدِينُهُ بِهِ و فِيهِ من الذُّنُوبِ ما فِي النّاس إِلا أَنَّهُ مُجتنب الكبائر قال قُلتُ وما عسيتُ أن أقول وأنا بحضرتك قال قُل فإِنِّي أنا الّذي آمُرُك أن تقُول قال قُلتُ فِي الجنّة قال فلعلك تتحرّجُ أن تقول هُو فِي الجنّة قال قُلتُ لا قال لا تحرّج فإِنَّهُ فِي الجنّة إِنَّ اللّه يقول (إِنْ تَجْتَنِبُوا كَبَائِرَ مَا تُنْهَوْنَ عَنْهُ نُكَفِّرْ عَنْكُمْ سَيِّئَاتِكُمْ وَنُدْخِلْكُمْ مُدْخَلًا كَرِيمًا). (3) و (4)
14 - عن عُمر بن الخطاب قال: كُنا بين يدي رسول اللّه (صَلَّى اللّه عَلَيْهِ وَآلِهِ) فِي مسجده وقد صلّى بِالنَّاسِ صلاة الظهر و استند إلى مِحرابِهِ كانه البدر فِي تمامِهِ وأصحابه حوله إذ نظر إلى السماء وأطال النظر إليها ونظر إلى الأرض وأطال النظر إليها ثُمّ نظر سهلًا وجبلًا وقال معاشر المسلمين أنصِتُوا يرحمكم اللّه واعلموا أنّ فِي جهنَّم وادِياً يُعرفُ بِوادِي الضّباع وفي ذلك الوادِي بِئرُوفي تلك البئرِحيّة فشكت جهنَّم من ذلك الوادِي إلى اللّه عزّ و جلّ وشكا الوادِي من تلك البئرو شكا تِلكُ البِئرُ من تِلك الحيّةِ إِلى اللّه تعالى فِي كلّ يوم سبعين مرّةً فقيل يا رسول اللّه ولمن هذا
ص: 123
العذابُ المضاعفُ الّذي يشكُو بعضُهُ عن بعض قال هُو لمن يأتي يوم القيامةِ وهُو غيرُ مُلتزم بولاية عليّ بن أبِي طالِب (عَلَيهِ السَّلَامُ). (1)
15 - قال أمِير المؤمنين (عَلَيهِ السَّلَامُ) سمعت رسول اللّه (صَلَّى اللّه عَلَيْهِ وَآلِهِ) يقولُ قال اللّه تعالى لأعذِّبن كلّ رعيّة دانت بطاعة إمام ليس مِنّي و إن كانتِ الرّعيّةُ فِي نفسها برّةً ولأرحمن كلّ رعيّةٍ دانت بإمام عادِل مِنّي و إن كانتِ الرّعِيَّةُ غير برةٍ ولا تقِيّةٍ ثُمّ قال لي يا علي أنت الإمام والخليفة بعدِي حربك حربي وسلمك سلمي و أنت أبو سبطي وزوج ابنتي و من ذُرِّيَّتِكَ الأئمّة المطهَّرُون و أنا سيّد الأنبياء و أنت سيّد الأوصياء و أنا و أنت من شجرةٍ واحدةٍ لولانا لم يخلق اللّه الجنّة ولا النار ولا الأنبياء ولا الملائكة قال قُلتُ يا رسُول اللّه فنحنُ أفضلُ أَمِ الملائِكَةُ فقال يا علي نحنُ أفضل خير خليقةِ اللّه على بسيط الأرضِ وخِيرَةُ ملائِكَةِ اللّه المقربين وكيف لا نكون خيراً منهم وقد سبقناهم إلى معرفة اللّه وتوحيدِهِ فينا عرفوا اللّه و بنا عبدوا اللّه و بنا اهتدوا السبيل إلى معرفةِ اللّه يا عليُّ أنت مِنّي وأنا منك و أنت أخي و وزيري فإذا مِتُ ظهرت لك ضغائِنُ فِي صُدُورِ قوم وسيكُونُ فِتنةٌ صيلمّ صمّاءُ يسقط منها كلّ ولِيجةٍ وبطانة وذلك عِند فقدانِ شيعتك الخامس من وُلدِ السابع من وُلدِك يحزنُ لِفقدِهِ أهلُ الأَرْضِ وَالسَّماءِ فكم من مُؤْمِنٍ مُتلهّفٍ مُتأسّف حيران عِند فقدِهِ. (2)
16 - عن أبي بصير قال سمعت أبا جعفر (عَلَيهِ السَّلَامُ) يقول إن قوماً يُحرَقُونَ فِي النَّارِ حتّى إِذا صارُوا حُمماً أدركتهم الشفاعةُ قال فيُنطلقُ بهم إلى نهر يخرُجُ من رشحِ أَهلِ الجنّة فيغتسِلُون فِيهِ فتنبُتُ حومُهم ودِماؤُهُم وتذهب عنهم قشفُ النّارِ ويدخُلُون الجنّة فيُسمّون الجهنَّميُّون فينادون بِأجمعِهِم اللّهمّ أذهب عنا هذا الإسم قال فيُذهِبُ عنهم ثُمّ قال يا أبا بصِيرِ إِنّ أعداء علي هُمُ الخالِدُون فِي النّارِ لا تُدرِكُهُمُ الشّفاعةُ. (3)
ص: 124
17- عن أبي حمزة عن أحدهما (عَلَيهِمَا السَّلَامُ) فِي قول اللّه عزّوجلّ (بَلَى مَنْ كَسَبَ سَيِّئَةً وَأَحَاطَتْ بِهِ خَطِيئَتُهُ) قال إذا جحد إمامة أمِير المؤمنين (فأُولئِكَ أصحابُ النَّارِ هُم فِيها خالِدُون) (1). (2)
18 - عن النَّبيّ (صَلَّى اللّه عَلَيْهِ وَآلِهِ) قال: إن اللّه يبعث يوم القيامة أقواماً يمتلى من جهة السيّئاتِ موازِينُهُم فيُقالُ هُم هذِهِ السَّيِّئاتُ فأين الحسناتُ وإلا فقد عصيتُم فيقولون يا ربنا ما نعرِفُ لنا حسناتٍ فإذا النّداءُ من قِبل اللّه عزّ و جلّ لن لم تعرِفُوا لِأَنفُسِكُم عِبادِي حسناتٍ فَإِنِّي أعرِفُها لكُم وأُوفّرها عليكم ثُمّ يأتي بصحيفة صغيرة يطرحها فِي كفة حسناتهم فترجح بسيئاتهم بأكثر مِمّا بين السماء والأرضِ فيُقالُ لِأحَدِهِم خُذ بيد أبيك و أُمِّك و إخوانك و أخواتك وخاصتك وقراباتِك و أخدامك ومعارفك فأدخِلهُمُ الجنّة فيقولُ أهل المحشرِيا ربّ أمّا الذُّنُوبُ فقد عرفناها فما ذا كانت حسناتهم فيقولُ اللّه عزّوجلّ يا عِبادِي مشى أحدُهُم بِبَقِيَّةِ دين لأخِيهِ إلى أخِيهِ فقال خُذها فإِنِّي أُحِبُّكَ بِحُبّك عليّ بن أبِي طالِب فقال له الآخر قد تركتها لك بِحُبّك عليّاً ولك من مالي ما شئت فشكر اللّه تعالى ذلك لهما فحطّ بِهِ خطاياهما وجعل ذلك فِي حشو صحيفتهما و موازينهما وأوجب لهما و لِوالِديهما الجنّة ثُمّ قال يا بُريدة يدخُلُ النار ببغض علي أكثر من حصى الخذفِ الّذي يُرمى عند الجمرات فإياك أن تكون منهم. (3)
19- قال الإمام العسكري (عَلَيهِ السَّلَامُ) فِي قوله تعالى (ولكنّ البِرّ مَن آمَنَ بِاللّه واليومِ الآخِرِ) (4) قال آمن باليوم الآخر يوم القيامةِ الّتي أفضلُ من يُوافِيها محمّد سيّد النَّبِيِّين وبعده على أخُوهُ و صفيه سيّد الوصيين والتي لا يحضُرُها من شِيعةِ محمّد أحدٌ إلّا أضاءت فيها أنواره فسار فيها إلى جنّاتِ النّعِيمِ هُو و إخوانه وأزواجُهُ وذُرِّياتُهُ و المحسِنُون إِليهِ والدَّافِعُون فِي الدُّنياعنه ولا يحضُرُها من أعداءِ محمّد أحدٌ إِلا غشيتهُ ظُلُماتها فتسِيرُ فيها إلى العذاب الأليم هُو و شُرَكَاؤُهُ فِي عقده ودينه ومذهبه والمتقرِّبُون كانُوا فِي الدُّنيا إليهِ لِغيرِتقِيَّةٍ لَخَفَتْهُم مِنهُ الّتي تُنادِي الْجِنانُ
ص: 125
فيها إلينا أولياء محمّد وعلي صلوات اللّه عليهما وشيعتهما و عنا أعداء محمّد و علي (عَلَيهِمَا السَّلَامُ) وأهل مُخالفتِهما وتُنادِي النيران عنا عنا أولياء محمّد و علي (عَلَيهِمَا السَّلَامُ) وشيعتهما و إلينا إلينا أعداء محمّد و علي وشيعتهما تقولُ الجِنان يا محمّد ويا عليُّ إِنَّ اللّه أمرنا بطاعتِكُما وأن تأذنا فِي الدُّخُولِ إِلينا من تُدخِلانِهِ فاملئانا بِشِيعتِكُما مرحباً بهم وأهلا وسهلا و تقُولُ النِّيرانُ يا محمّد و يا علي إنّ اللّه تعالى أمرنا بطاعتِكُما وأن تُحرق بِنا من تأمُرانِنا بحرقِهِ بِنا فاملئانا بأعدائِكُما. (1)
20 - عن الحسن بن الحسن، عن أبيه الحسن بن عليّ بن أبِي طالِب (عَلَيهِم السَّلَامُ) قال: كان رسولُ اللّه (صَلَّى اللّه عَلَيْهِ وَآلِهِ) فِي بقيع الغرقد إذ مربه جعفر بن أبي طالب، ذُو الجناحين فقال النَّبيّ (صَلَّى اللّه عَلَيْهِ وَآلِهِ): صلّ جناح أخيك.
ثُمّ تقدم النَّبيّ فصليا خلفه، فلما انفتل النَّبيّ (صَلَّى اللّه عَلَيْهِ وَآلِهِ) من صلاته أقبل بوجهه عليهما ثُمّ قال: يا جعفرُ هذا جبرئيل يُخبِرُني عنِ الدّيانِ عزّ و جلّ أنّه قد جعل لك جناحين منشوجين فِي الجنان، ويُسيّرك ربُّك يوم خميس. قال:
فقال علي: فداك أبي و أُمِّي يا رسول اللّه هذا لجعفر أخي، فما لِي عِند ربّي عزّو جلّ؟
فقال النَّبيّ (صَلَّى اللّه عَلَيْهِ وَآلِهِ): بخ بخ يا علي إنّ اللّه خلق خلقاً يستغفرون لك إلى أن تقوم الساعةُ.
قال: فقال عليّ (عَلَيهِ السَّلَامُ) : بِأبي أنت وأمي يا رسول اللّه و ما ذلك الخلقُ ؟
قال: المؤمنون الّذين يقولون: ربَّنا اغفر لنا ولإخواننا الّذين سَبقُونَا بِالإِيمانِ فهل سبقك أحدٌ بالإيمان ؟
يا علي إذا كان يومُ القِيامة ابتدرت إليك اثنا عشر ألف ملك من الملائِكَةِ فيختطِفُونك اختطافاً حتّى تقوم بين يدي ربّي عزو جل، فيقول الربُّ جل جلاله:
سل يا عليُّ فقد آليتُ على نفسي أن أقضي لك اليوم ألف حاجةٍ.
قال: فابدأ بِذُرِّيتي وأهل بيتي يا رسُول اللّه ؟
قال النَّبيّ (صَلَّى اللّه عَلَيْهِ وَآلِهِ): إنّهم لا يحتاجون إليك يومئِذٍ ولكِنِ ابدأ بِمُحِبّيك، أو أحِبّائِك وأشياعِك ثُمّ قال النَّبيّ (صَلَّى اللّه عَلَيْهِ وَآلِهِ): واللّه ثُمّ واللّه ثُمّ واللّه لو أنّ الرّجُلُ جاء يوم القِيامَةِ وذُنُوبُهُ أَكثرُ من
ص: 126
ورق الشجر و قطر المطروما فِي الأرضِ من حجرٍ أو مدرٍ، ثُمّ لقي اللّه يُحِبّاً لك ولأهل بيتك لأدخله اللّه الجنّة.
ثُمَّ قال النَّبيّ (صَلَّى اللّه عَلَيْهِ وَآلِهِ): واللّه ثُمّ واللّه ثُمّ واللّه لو أنّ الرّجُل صام النهار وقام الليل وحمل على الجياد فِي سبيلِ اللّه، ثُمّ لقي اللّه مُبغِضاً لك ولأهل بيتك لكبّهُ اللّه على منخِريهِ فِي النّار. (1)
21 - عن علي أمِير المؤمنين (عَلَيهِ السَّلَامُ): أن رسول اللّه (صَلَّى اللّه عَلَيْهِ وَآلِهِ) تلا هذه الآية (لَا يَسْتَوِي أَصْحَابُ النَّارِ وَأَصْحَابُ الْجَنَّةِ أَصْحَابُ الْجَنَّةِ هُمُ الْفَائِزُونَ) (2) فقال: أصحاب الجنّة من أطاعني، و سلّم لعليّ بن أبِي طالِب بعدِي، وأقرّ بولايته. فقيل: وأصحاب النار قال: من سخط الولاية، و نقض العهد، وقاتله بعدِي. (3)
22 - دخل سماعةُ بنُ مِهران على الصَّادق (عَلَيهِ السَّلَامُ)، فقال له يا سماعة، من شر النّاس قال: نحنُ یا ابن رسُولِ اللّه. قال: فغضب حتّى احمرت وجنتاه، ثُمّ استوى جالساً، وكان متكئاً، فقال: يا سماعةُ، من شرُّ النّاس فقُلتُ: واللّه ما كذبتك يابن رسُولِ اللّه، نحنُ سُرُّ النّاس عِند النَّاسِ، لأنّهم ستمونا كفاراً ورفضةً، فنظر إلي ثُمّ قال : كيف بِكُم إذا سيق بِكُم إلى الجنّة، وسيق بهم إلى النّارِ، فينظُرُون إِليكُم فيقولون: (مَا لَنَا لَا نَرَى رِجَالًا كُنَّا نَعُدُّهُمْ مِنَ الْأَشْرَارِ) (4) يا سماعة بن مهران، إِنَّهُ واللّه من أساء مِنكُم إِساءةً مشينا إلى اللّه يوم القيامةِ بِأقدامنا فنشفعُ فِيهِ فَنُشفّعُ، وَاللّه لا يدخُلُ النّار مِنكُم عشرةُ رِجالٍ، واللّه لا يدخُلُ النّارِ مِنكُم خمسةُ رِجالٍ، واللّه لا يدخُلُ النّار مِنكُم ثلاثةُ رِجالٍ، واللّه لا يدخُلُ النّار مِنكُم رجُلٌ واحِدٌ، فتنافسوا فِي الدرجات وأكمدوا عدُوّكُم بالورع. (5)
23 - عن عبد اللّه بن العبّاس، قال : سمعت رسول اللّه (صَلَّى اللّه عَلَيْهِ وَآلِهِ) يقولُ: أعطاني اللّه تبارك وتعالى
ص: 127
خمساً، وأعطى عليّاً خمساً: أعطاني جوامع الكلم، وأعطى عليّاً جوامع العِلم، وجعلني نبياً و جعله وصيّاً، وأعطاني الكوثر، وأعطاه السلسبيل، وأعطاني الوحي، وأعطاه الإلهام، وأسرى ي إِليه، وفتح له أبواب السّماءِ والحُجُبِ حتّى نظر إِلى فنظرتُ إليهِ.
قال: ثُمّ بكى رسُولُ اللّه (صَلَّى اللّه عَلَيْهِ وَآلِهِ)، فقُلتُ له: ما يُبكيك فداك أمي وأبي فقال: يابن عبّاس، إن أول ما كلّمني بِهِ أن قال: يا محمّد انظر تحتك، فنظرتُ إلى الحُجُبِ قد انخرقت، و إلى أبوابِ السماء قد فُتِحت، و نظرتُ إلى علي و هُو رافع رأسه إليّ، فكلّمني وكلمته، وكلّمني ربّي (عزّوجلّ). فقُلتُ: يا رسول اللّه، بِم كلّمك ربُّك قال: قال لي: يا محمّد إنّي جعلتُ عليّاً وصيك و وزيرك و خليفتك من بعدك فأعلمه، فها هُو يسمع كلامك، فأعلمتُهُ وأنا بين يدي ربّي (عزّوجلّ)، فقال لي قد قبلتُ وأطعتُ. فأمر اللّه الملائكة أن تُسلّم عليه، ففعلت، فردّ (عَلَيهِم السَّلَامُ)، ورأيتُ الملائكة يتباشرون بِهِ، و ما مررتُ بِملائِكَةٍ من ملائِكَةِ السّماءِ إِلا هنْئُونِي وقالُوا: يا محمّد، و الّذي بعثك بالحق، لقد دخل السُّرُورُ على جميع الملائِكَةِ بِاستِخلافِ اللّه عزّوجلّ لك ابن عمك. و رأيتُ حملة العرش قد نكسُوا رءوسهم إلى الأرض، فقُلتُ: يا جبرئيل، لم نكس حملة العرش رءُوسهم فقال : يا محمّد، ما من ملك من الملائكة إلّا وقد نظر إلى وجه عليّ بن أبِي طالِب استبشاراً بِهِ ما خلا حملة العرش، فإنّهم استأذنوا اللّه عزّ وجلّ فِي هذِهِ السّاعةِ، فأذن لهم أن ينظُرُوا إلى عليّ بن أبِي طالِب فنظروا إليه، فلما هبطتُ جعلتُ أُخبِرُهُ بِذلك وهُو يُخبِرُنِي بِهِ، فعلِمتُ أني لم أطأ موطئاً إلّا وقد كُشِف لِعِليَّ عنهُ حتّى نظر إِليهِ.
قال ابن عبّاس: فقُلتُ: يا رسول اللّه، أوصني. فقال: عليك مودة عليّ بن أبِي طالِب، والّذي بعثني بالحقّ نبياً، لا يقبلُ اللّه من عبدٍ حسنةً حتّى يسأله عن حُبّ عليّ بن أبِي طالِب (عَلَيهِ السَّلَامُ) و هو تعالى أعلمُ، فإن جاء بولايته قبل عملِهِ على ما كان مِنهُ، وإن لم يأتِ بِولايَتِهِ لم يسأله عن شيءٍ، ثُمّ أمربِهِ إلى النّار. يا ابن عبّاس، والّذي بعثني بالحقّ نبياً، إن النار لاشدُّ غضباً على مبغض على منها على من زعم أنّ اللّه ولداً. يابن عبّاس، لو أن الملائكة المقربين والأنبياء المرسلين اجتمعوا على بغض علي، ولن يفعلُوا، لَعَذَّبهُمُ اللّه بِالنَّارِ.
قُلتُ: يا رسول اللّه، وهل يُبغِضُهُ أحدٌ قال: يابن عبَّاس نعم، يُبغِضُه قوم يذكُرُون أَنهُم مِن،أُمّتي،
ص: 128
لم يجعل اللّه لهم فِي الإسلام نصيباً. يابن عبّاس، إِنَّ من علامةِ بُغضِهِم تفضيلهم من هُو دونه عليه، والّذي بعثني بالحقّ نبياً، ما بعث اللّه نبياً أكرم عليهِ مِنّي، ولا وصيّاً أكرم عليه من وصتي علي.
قال ابن عباس: فلم أزل له كما أمرني رسُولُ اللّه (صَلَّى اللّه عَلَيْهِ وَآلِهِ) و وصاني بمودَتِهِ، وَإِنَّهُ لأكبرُ عملي عِندِي.
قال ابن عباس: فلما مضى من الزّمانِ ما مضى و حضرت رسول اللّه (صَلَّى اللّه عَلَيْهِ وَآلِهِ) الوفاةُ حضرته، فقُلتُ له: فداك أبي وأمي يا رسول اللّه، قد دنا أجلك، فما تأمرني فقال: يابن عبّاس، خالف من خالف عليّاً، ولا تكُوننّ لهم ظهيراً، و لا ولِيّاً.
قُلتُ: يا رسول اللّه، فلم لا تأمُرُ النّاس بتركِ مُخالفتِهِ قال: فبكى عليه وآله السلام حتّى أُعْمِي عليهِ، ثُمّ قال: يابن عبّاس، قد سبق فِيهِم عِلمُ ربّي، والّذي بعثني بالحقّ نبياً لا يخرُجُ أحدٌ مِمن خالفه من الدُّنيا وأنكر حقهُ حتّى يُغيّر اللّه ما بِهِ من نِعْمَةٍ.
يابن عبّاس، إذا أردت أن تلقى اللّه وهو عنك راض، فاسلك طريقة عليّ بن أبِي طالِب، ومل معه حيث مال، وارض بِهِ إماماً وعاد من عاداه، و وال من والاه.
يابن عبّاس، إحذر أن يدخُلك شكٍّ فِيهِ، فَإِنَّ الشَّكَ فِي عَلي كُفْرٌ بِاللّه (تعالى). (1)
24 - قال الباقر (عَلَيهِ السَّلَامُ) :...حُبُّنا إيمانٌ وبُعْضُنا كفر مُحِبُّنا فِي الجنّة ومُبغضنا فِي النّارِ (2).
25 - أبي جعفر (عَلَيهِ السَّلَامُ) قال قال رسُولُ اللّه (صَلَّى اللّه عَلَيْهِ وَآلِهِ) الكرة المباركةُ النَّافِعَةُ لأهلها يوم الحِسابِ ولايتي و اتباع أمري و ولاية علي والأوصياء من بعدِهِ و اتِّباعُ أَمرِهِم يُدخِلُهُمُ اللّه الجنّة بِها مَعِي و مع علي وصي و الأوصياء من بعده والكرة الخاسرة عداوتي و ترك أمري و عداوة علي و الأوصِياءِ من بعدِهِ يُدخِلُهُمُ اللّه بِها النّارِ فِي أَسفلِ السَّافِلِين. (3)
ص: 129
26- أبي عبد اللّه (عَلَيهِ السَّلَامُ) قال: إِنّ حدِيثنا صعبٌ مُستصعبٌ لا يحتمِلُهُ إِلا صُدُورٌ مُنِيرةٌ أو قُلُوبٌ سليمة أو أخلاق حسنةٌ إِنّ اللّه أخذ من شيعتنا الميثاق كما أخذ على بَنِي آدم (ألست بربكم)(1)فمن وفى لنا وفي اللّه له بالجنّة و من أبغضنا ولم يؤد إلينا حقنا ففِي النّارِ خالِداً مخلّداً. (2)
27 - قال النَّبيّ (صَلَّى اللّه عَلَيْهِ وَآلِهِ) يا ابن عبَّاس والّذي بعثني بالحقّ نبياً إن النار لأشدُّ غضباً على مبغضي على منها على من زعم أن اللّه ولداً. (3)
1- عن أبي بصير قال: قال أبو عبدِ اللّه (عَلَيهِ السَّلَامُ) يا أبا محمّد أيّ شيءٍ يقولُ الرّجلُ مِنكم إِذا دخلت عليه امرأتُه قُلتُ جُعِلتُ فِداك أيستطِيعُ الرّجُلُ أن يقول شيئاً فقال ألا أُعلمُك ما تقُولُ قُلتُ بلى قال تقولُ بِكلماتِ اللّه استحللت فرجها وفي أمانةِ اللّه أخذتُها اللّهمّ إِن قضيت لِي فِي رجمها شيئاً فاجعله باراً تقياً واجعلهُ مُسلِماً سوياً ولا تجعل فِيهِ شِركاً لِلشَّيطانِ قُلتُ وبِأَيِّ شيءٍ يُعرف ذلك قال أما تقرأُ كِتاب اللّه عزّ وجلّ ثُمّ ابتدأ هُو (وَشَارِكْهُمْ فِي الْأَمْوَالِ وَالْأَوْلَادِ) (4) ثُمّ قال إن الشّيطان ليجيء حتّى يقعد من المرأة كما يقعُدُ الرّجُلُ مِنها ويُحدِث كما يُحدِثُ وينكحُ كما ينكح قُلتُ بِأي شيءٍ يُعرفُ ذلك قال بِحُتِنا وبُغضنا فمن أحبّنا كان نُطفة العبد و من أبغضنا كان نطفة الشّيطان. (5)
2 - عن أبي عبد اللّه (عَلَيهِ السَّلَامُ) قال: إِنّ الرّجُل إذا أتى المرأة وجلس مجلسه حضره الشّيطان فإن هُو ذكر اسم اللّه تنحى الشّيطان عنه وإن فعل ولم يُسمّ أدخل الشّيطان ذكره فكان العمل منهما جميعاً و النطفة واحِدةٌ قُلتُ فبِأَيِّ شيءٍ يُعرفُ هذا جُعِلتُ فِداك قال بِحُبّنا وبُغضنا. (6)
3- عن جابر عن أبي جعفر (عَلَيهِ السَّلَامُ) قال رسولُ اللّه (صَلَّى اللّه عَلَيْهِ وَآلِهِ) يا علي ائت الوادي فدخل الوادي و دار فيه فلم ير أحداً حتّى إذا صار على بابِهِ لقِيه شيخ فقال ما تصنعُ هنا قال أرسلني
ص: 130
رسُولُ اللّه (صَلَّى اللّه عَلَيْهِ وَآلِهِ) قال تعرفني قال ينبغي أن تكون أنت الملعون فقال ما ترى أُصارعُك فصارعه فصرعه عليّ (عَلَيهِ السَّلَامُ) فقال قُم عنِّي حتّى أُبشرك فقام عنه فقال بِم تُبشِّرُني يا ملعون قال إذا كان يوم القيامةِ صار الحسن عن يمين العرش والحسين عن يسار العرشِ يُعطون شِيعتهم الجواز من النّارِ فقام إليه فقال أُصارِعُك مرةً أُخرى قال نعم فصرعه مرةً أُخرى أمِير المؤمنين (عَلَيهِ السَّلَامُ) فقال قم عنِّي حتّى أُبشرك فقام عنه قال لما خلق اللّه تعالى آدم أخرج ذُرِّيَّته عن ظهرِهِ مِثل الذرّ فأخذ ميثاقهم (الستُ بِرَبِّكُم قالوا بلى) (1) فأشهدهم على أنفُسِهِم فأخذ ميثاق محمّد و ميثاقك فعرف وجهك الوُجُوه و رُوحك الأرواح فلا يقول لك أحدٌ يُحِبُّك إلّا عرفتُهُ ولا يقول لك أحدٌ أبغضك إلّا عرفتُهُ قال قُم صارِعِنِي ثالثةً قال نعم فصارعه فاعتنقه ثُمّ صارعه فصرعه أمِير المؤمنين (عَلَيهِ السَّلَامُ) قال يا علي لا تنقضي قُم عنِّي حتّى أُبشرك فقال أبرأُ مِنك وألعنُك قال واللّه يا بن أبي طالب ما أحد يُبغِضُك إلّا شركتُ أباه فِي رحم أُمِّهِ ووُلدِهِ وماله أما قرأت كتاب اللّه (وَشَارِكْهُمْ فِي الْأَمْوَالِ وَالْأَوْلَادِ) (2) الآية. (3)
4 - عن أنس بن مالك أنّ رسُول اللّه (صَلَّى اللّه عَلَيْهِ وَآلِهِ) كان ذات يوم جالساً على بابِ الدّارِ ومعه عليُّ بنُ أبي طالب (عَلَيهِ السَّلَامُ) إذ أقبل شيخ فسلم على رسُولِ اللّه (صَلَّى اللّه عَلَيْهِ وَآلِهِ) ثُمّ انصرف فقال رسولُ اللّه (صَلَّى اللّه عَلَيْهِ وَآلِهِ) لعليّ (عَلَيهِ السَّلَامُ) أ تعرفُ الشيخ فقال عليّ (عَلَيهِ السَّلَامُ) ما أعرِفُهُ فقال (صَلَّى اللّه عَلَيْهِ وَآلِهِ) هذا إبليسُ فقال عليّ (عَلَيهِ السَّلَامُ) لو علمت يا رسول اللّه لضربته ضربةً بِالسّيفِ فخلّصتُ أُمّتك مِنهُ قال فانصرف إبليس إلى عليّ (صَلَّى اللّه عَلَيْهِ وَآلِهِ) فقال له ظلمتني يا أبا الحسن أما سمعت اللّه عزّ و جلّ يقولُ (وَشَارِكْهُمْ فِي الْأَمْوَالِ وَالْأَوْلَادِ) (4) فواللّه ما شرِكتُ أحداً أحبّك فِي أُمِّهِ. (5)
5- عن جابر بن عبد اللّه الأنصارِي قال: كُنَّا مِنّى مع رسُولِ اللّه (صَلَّى اللّه عَلَيْهِ وَآلِهِ) إذ بصرنا برجل
ص: 131
ساجِدِ و راكِعٍ و متضرّع فقُلنا يا رسول اللّه ما أحسن صلاته فقال (صَلَّى اللّه عَلَيْهِ وَآلِهِ) هُو الّذي أخرج أباكُم من الجنّة فمضى إليه عليّ (عَلَيهِ السَّلَامُ) غير مكترث فهره هزةً أدخل أضلاعه اليمني فِي اليُسرى و اليُسرى فِي اليُمنى ثُمّ قال لأقتلنّك إن شاء اللّه فقال لن تقدر على ذلك إلى أجل معلُومٍ من عِندِ ربّي ما لك تُرِيدُ قتلي فواللّه ما أبغضك أحدٌ إِلَّا سبقت نُطفتي إلى رحِمِ أُمِّهِ قبل نُطفة أبِيهِ ولقد شاركتُ مُبغضيك فِي الأموال والأولادِ وهُو قولُ اللّه عزّو جلّ فِي مُحكمِ كِتَابِهِ (وَشَارِكْهُمْ فِي الْأَمْوَالِ وَالْأَوْلَادِ)(1) الخبر (2).
6- عن سلمان الفارسي قال: مرإبليس لعنه اللّه بنفر يتناولون أمِير المؤمنين (عَلَيهِ السَّلَامُ) فوقف أمامهم، فقالوا من الّذي وقف أمامنا ؟ فقال:
أنا أبو مرة. فقالوا: يا أبا مرّة أما تسمع كلامنا ؟ قال : سوءة لكم تسبّون أمِير المؤمنين عليّ بن أبِي طالِب ! فقالوا له: من أين علمت أنّه مولانا ؟ فقال : من قول نبيّكم (صَلَّى اللّه عَلَيْهِ وَآلِهِ): من كنت مولاه فعلي مولاه، اللّهمّ وال من والاه، وعاد من عاداه، وانصر من نصره، واخذل من خذله فقالوا له فأنت من مواليه وشيعته؟ فقال: ما أنا من مواليه ولا من شيعته، ولكنّي احبه وما يبغضه أحد إلّا شاركته فِي المال والولد. فقالوا له: يا أبا مرّة فتقول فِي عليّ شيئا؟
فقال لهم: إسمعوا مني معاشر الناكثين والقاسطين والمارقين عبدت اللّه عزّ و جلّ فِي الجان اثنتي عشرة ألف سنة، فلمّا أهلك اللّه الجانّ شكوت إلى اللّه عزّ و جلّ الوحدة فعرج بي إلى السماء الدُّنيا فعبدت اللّه عزّو جلّ فِي السماء الدُّنيا اثنتي عشرة ألف سنة اخرى فِي جملة الملائكة.
فبينما نحنُ كذلك نسبّح اللّه عزّ و جلّ ونقدّسه إذ مربنا نور شعشعاني فخرت الملائكة لذلك النور
ص: 132
سجدا فقالوا: سبوح قدوس نور ملك مقرب أو نبي مرسل؟ فإذا النداء من قبل اللّه عزّو جلّ: لا نور ملك مقرب، و لا (نور) نبي مرسل هذا نور طينة عليّ بن أبِي طالِب. (1)
1- عن أبي عبد اللّه (عَلَيهِ السَّلَامُ) قال : من طَعن فِي دِينِكُم هذا فقد كفر قال اللّه (وطعنُوا فِي دِينِكُم﴾ إلى قوله ينتهون. (2) و (3)
2 - عن محمّد بن جعفر عن أبيه قال: عليّ (عَلَيهِ السَّلَامُ) باب الهدى من خالفه كان كافراً و من أنكره دخل النار و فِي رواية أبي حمزة قال سمعت أبا جعفر (عَلَيهِ السَّلَامُ) يقول قال رسولُ اللّه (صَلَّى اللّه عَلَيْهِ وَآلِهِ) التّارِكُون ولاية علي المنكِرُون لِفضلِهِ والمظاهِرُون أعداءه خارِجُون عنِ الإِسلام من مات منهم على ذلك. (4)
3 - عن محمّد بن مُسلم قال سمعت أبا جعفر (عَلَيهِ السَّلَامُ) يقولُ إنّ أئمّة الجورِ وأتباعهم لمعزُولُون عن دين اللّه والحق قد ضلُّوا بِأعمالِهِمُ الّتي يعملونها (كَرَمَادٍ اشْتَدَّتْ بِهِ الرِّيحُ فِي يَوْمٍ عَاصِفٍ لَا يَقْدِرُونَ مِمَّا كَسَبُوا عَلَى شَيْءٍ ذَلِكَ هُوَ الضَّلَالُ الْبَعِيدُ). (5)و (6)عن الرضا عن آبائه (عَلَيهِم السَّلَامُ) قال قال النَّبيّ (صَلَّى اللّه عَلَيْهِ وَآلِهِ) بغض على كُفَرُو بُعْضُ بَنِي هَاشِمٍ نفاق. (7)
5 - قال الصَّادق (عَلَيهِ السَّلَامُ) من شكّ فِي كفر أعدائنا والظالمين لنا فهو كافر (8).
ص: 133
6 - عنِ الصَّادق عن أبيه (عَلَيهِمَا السَّلَامُ) قال: إنّ اللّه تبارك وتعالى جعل عليّاً (عَلَيهِ السَّلَامُ) علماً بينه وبين خلقِهِ ليس بينهم وبينه علم غيرُهُ فمن تبعه كان مُؤمِناً و من جحده كان كافراً و من شكّ فِيهِ كان مشركاً. (1)
7- عن أبي عبدِ اللّه (عَلَيهِ السَّلَامُ) قال: من أشرك مع إمام إمامتُه من عِندِ اللّه من ليست إمامتُهُ من اللّه كان مُشرِكاً بِاللّه. (2)
8 - قال الصَّادق (عَلَيهِ السَّلَامُ) إن اللّه تبارك وتعالى جَعَلَنا حُجَجَهُ على خلقِهِ و أُمَناءَهُ على عِلمِهِ فن جحدنا كان بمنزلة إبليس فِي تعنُّتِهِ على اللّه حِين أمرهُ بِالسُّجُودِ لآدم و من عرفنا و اتبعنا كان بمنزلة الملائِكَةِ الّذين أمرهُمُ اللّه بِالسُّجُودِ لآدم فأطاعوه. (3)
9 - عن حمزة و محمّد ابني حُمران قالا قال أبو عبد اللّه (عَلَيهِ السَّلَامُ) لِحُمران التُرتُرُّ حُمران مُد المطمر بينك وبين العالم قُلتُ يا سيّدِي و ما المطمر فقال أنتُم تُسمُّونه خيط البنّاء فمن خالفك على هذا الأمر فهو زِندِيقُ فقال حُمران و إن كان علويّاً فاطِمِيّاً فقال أبو عبد اللّه وإن كان محمّديّاً علوياً فاطميّاً. (4)
10- قال النَّبيّ (صَلَّى اللّه عَلَيْهِ وَآلِهِ) فِي حديث المعراج...ثُمّ التفت فإذا أنا بِرِجالٍ يُقذِفُ بِهِم فِي نارِ جهنَّم قال فقُلتُ من هؤلاء يا جبرئيل فقال لي هؤلاء المرجئة والقدرِيّةُ والحُرُورِيَّةُ وبنو أمية و النّواصِبُ لِذُرِّيَّتِك العداوة هؤلاء الخمسة لا سهم لهم فِي الإسلامِ. (5)
11- عن عبد اللّه بن سنان قال : قال أبو عبد اللّه (عَلَيهِ السَّلَامُ) ليس بينكم وبين من خالفكُم إِلا المَطمَرُ قُلتُ وأي شيءٍ المطمر قال الّذي تُسمونه الترفى خالفكم وجازه فابرء وا مِنهُ وإن كان علويّاً فاطميّاً. (6)
ص: 134
12- عنِ الرّضا عن آبائه (عَلَيهِم السَّلَامُ) قال: قال رسُولُ اللّه (صَلَّى اللّه عَلَيْهِ وَآلِهِ) فِي قوله عزّو جل (أَلْقِيَا فِي جَهَنَّمَ كُلَّ كَفَّارٍ عَنِيدٍ﴾(1) قال نزلت فِي وفي عليّ بن أبِي طالِب وذلك أنّه إذا كان يومُ القِيامة شفعني ربّي و شفّعك يا علي و كساني وكساك يا عليُّ ثُمّ قال لي ولك يا عليُّ القِيا فِي جهنَّم كلّ من أبغضكما وأدخلا فِي الجنّة كلّ من أحبكما فإن ذلك هُو المؤمِنُ. (2)
13 - عن الصَّادق جعفر بن محمّد عن أبيه عن آبائِهِ (عَلَيهِم السَّلَامُ) قال قال رسولُ اللّه (صَلَّى اللّه عَلَيْهِ وَآلِهِ) حدّثني جبرئيل عن ربّ العزة جل جلاله أنّه قال من علم أنّه لا إله إلّا أنا وحدي وأن محمّداً عبدي ورسولي وأن عليّ بن أبِي طالِب خليفتي و أن الأئمّة من وُلدِهِ حُججي أدخلته الجنّة برحمتي ونجيتُهُ من النّارِ بعفوي و أبحتُ لهُ جِوارِي وأوجبتُ له كرامتي وأتممتُ عليه نعمتي و جعلتُهُ من خاصتي و خالصتي إن ناداني لبّيتُهُ وإن دعاني أجبتُهُ وإِن سألني أعطيتُهُ وإِن سكت ابتدأته و إن أساء رحمتُهُ وإن فرمني دعوتُهُ و إن رجع إلي قبلته وإن قرع بابي فتحتُه و من لم يشهد أن لا إله إلّا أنا وحدي أو شهد و لم يشهد أن محمّداً عبدي ورسولي أو شهد بذلك ولم يشهد أن عليّ بن أبِي طالِب خليفتي أو شهد بذلك ولم يشهد أن الأئمّة من وُلدِهِ حُججِي فقد جحد نعمتي وصغر عظمتي وكفربآياتي وكُتُبِي إن قصدني حجبته و إن سألني حرمتُه وإِن ناداني لم أسمع نداءه و إن دعاني لم أسمع دعاءه وإن رجاني خيبتُهُ وذلك جزاؤُهُ مِنِّي (وما أنا بظلام للعبيد) (3). (4)
14- قال داوُدُ الرّقّي بلغ السّيّدُ الحِميرِيُّ أنْهُ ذُكِر عِند الصَّادق (عَلَيهِ السَّلَامُ) فقال السيد كافر فأتاه و
ص: 135
قال يا سيدي أنا كافر مع شِدّةِ حُتِي لكُم ومعاداتِي النّاس فِيكُم قال وما ينفعك ذاك وأنت كافِرٌ بِحُجّةِ الدّهرِ و الزّمانِ ثُمّ أخذ بِيدِهِ وأدخله بيتاً فإذا فِي البيتِ قبر فصلى ركعتين ثُمّ ضرب بِيدِهِ على القبر فصار القبر قطعاً فخرج شخص من قبره ينفُضُ التُّراب عن رأْسِهِ و لِحِيتِهِ فقال لهُ الصَّادق (عَلَيهِ السَّلَامُ) من أنت قال أنا محمّد بن علي المسمّى بابن الحنفيّة فقال فمن أنا قال جعفر بن محمّد حجّة الدّهرِ و الزمانِ فخرج السّيّد يقولُ
تجعفرتُ باسم اللّه فيمن تجعفرا (1)
15- عن جابر عن أبي جعفر (عَلَيهِ السَّلَامُ) قال قال رسُولُ اللّه (صَلَّى اللّه عَلَيْهِ وَآلِهِ) التاركون ولاية عليّ (عَلَيهِ السَّلَامُ) المنكرون لفضله المظاهِرُون أعداءه خارِجُون عنِ الإِسلام من مات منهم على ذلك. (2)
16 - عن أبي عبد اللّه (عَلَيهِ السَّلَامُ) قال: الإمامُ علم بين اللّه عزّ و جلّ وبين خلقِهِ فمن عرفه كان مُؤمِناً و من أنكره كان كافراً. (3)
17- عن محمّد بن مُسلِمٍ عن أبي جعفر (عَلَيهِ السَّلَامُ) قال: قُلتُ له أرأيت من جحد إماماً مِنكُم ما حاله قال من جحد إماماً من اللّه وبرِئ مِنهُ ومِن دِينِهِ فَهُو كَافِرٌ مُرتد عنِ الإِسلامِ لِأَنَّ الإِمام من اللّه و دِينَهُ دِينُ اللّه و من برِئ من دِينِ اللّه فدمُهُ مُباحٌ فِي تِلك الحال إلّا أن يرجع أو يتوب إلى اللّه مِمّا قال. (4)
18- عن جابر بن عبد اللّه الأنصاري و عن ابن عمر قالا: قال رسول اللّه (صَلَّى اللّه عَلَيْهِ وَآلِهِ) : من فضّل أحداً من أصحابي على علي فقد كفر. (5)
19- عن ابنِ عبَّاس قال: قال رسول اللّه (صَلَّى اللّه عَلَيْهِ وَآلِهِ) : من أنكر إمامة علي بعدي كان كمن أنكر نبوّتي فِي حياتي، و من أنكر نُبوّتي كان كمن أنكر ربوبية ربّي عزو جل. (6)
ص: 136
20 - عن الصَّادق (عَلَيهِ السَّلَامُ) قال: خطب أمِير المؤمنين (عَلَيهِ السَّلَامُ) فقال فيما يقولُ أَيُّها النّاس سلُونِي قبل أن تفقِدُونِي أَيُّها النّاس أنا قلبُ اللّه الواعِي ولِسانُهُ النَّاطِقُ وأَمِينُهُ على سِرّه وَحُجَّتُهُ على خلقِهِ و خليفتُهُ على عِبادِهِ وعينُهُ النَّاظِرةُ فِي برِيَّتِهِ ويده المبسوطة بالرأفة والرحمة ودِينُهُ الّذي لا يُصدِّقُنِي إِلا من محض الإيمان محضاً ولا يُكذِّبُنِي إِلا من محض الكُفر محضاً. (1)
21 - عن الفضيل بن يسار قال: سألت أبا جعفر (عَلَيهِ السَّلَامُ) عن المرأةِ العارِفةِ هل أُزْوِّجُها النَّاصب قال لا لأنّ النَّاصب كافِرٌ قال فأُرْوجُها الرجُل غير النَّاصب ولا العارفِ فقال غيره أحبُّ إليَّ مِنه. (2)
22 - عن أبي خالد الكابلي عن علي بن الحسين (عَلَيهِمَا السَّلَامُ) قال: قُلتُ له كمِ الأمَّة بعدك قال ثمانيةٌ لأن الأئمّة بعد رسولِ اللّه (صَلَّى اللّه عَلَيْهِ وَآلِهِ) اثنا عشر إلى أن قال و من أبغضنا وردنا أو ردّ واحداً مِنًا فَهُو كَافِرُ بِاللّه وبِآيَاتِهِ. (3)
23 - قال رسول اللّه (صَلَّى اللّه عَلَيْهِ وَآلِهِ)...يا أباذر هذا راية الهدى وكلمة التقوى والعُروةُ الوُثقی وإمامُ أوليائي و نُورُ من أطاعني وهو الكلمة الّتي ألزمتها المتَّقين فمن أحبه كان مُؤمِناً و من أبغضه كان كافراً و من ترك ولايته كان ضالًا مُضِلَّا و من جحد حقه كان مُشرِكاً يا أبا ذريؤتى بِجاحِدِ حقِ علي و ولايته يوم القيامةِ أصم وأبكم وأعمى يتكبكبُ فِي ظُلُماتِ يومِ القِيامَةِ يُنادِي مُنادٍ (يَا حَسْرَتَا عَلَى مَا فَرَّطْتُ فِي جَنْبِ اللَّهِ) (4) وأُلقي [يُلق فِي عُنُقِهِ طوقٌ من نارٍ [النّارا ولذلك الطوقِ ثلاثمائةِ شُعبة على كلّ شُعبةٍ شيطان يتفُلُ فِي وجهِهِ الكلح [و يكلحُ] من جوف قبره إلى النّار.(5)
24 - عن أبي هريرة قال: كُنتُ عِند النَّبيّ (صَلَّى اللّه عَلَيْهِ وَآلِهِ) و أبوبكر و عُمرُ و الفضل بن العبّاس وزيدُ بنُ حارثة و و عبد اللّه بن مسعودٍ إِذ دخل الحسين بن علي (عَلَيهِمَا السَّلَامُ) فأخذه النَّبيّ (صَلَّى اللّه عَلَيْهِ وَآلِهِ) و قبلهُ ثُمّ قال حُزُقَةٌ حُزُقَةٌ ترقّ عين بقّة ووضع فمه على فِيهِ وقال اللّهمّ إِنِّي أَحِبُّهُ فَأَحِبَهُ وأَحِبّ من يُحِبُّهُ
ص: 137
يا حسين أنت الإمامُ ابنُ الإمامِ أبو الأئمّة تسعةٌ من وُلدِكَ أَيْمَةٌ أبرار فقال له عبدُ اللّه بنُ مسعودٍ ما هؤلاء الأمَّة الّذين ذكرتهم فِي صُلب الحسين فأطرق مليّاً ثُمّ رفع رأسه فقال يا عبد اللّه سألت عظِيماً ولكِنِّي أُخبِرك أن ابني هذا ووضع يده على كتف الحسين (عَلَيهِ السَّلَامُ) يخرجُ من صلبِهِ ولدٌ مُبارك سمِيُّ ِجدِهِ عليّ (عَلَيهِ السَّلَامُ) يُسمّى العابد و نُور الرُّهَادِ ويُخرجُ اللّه من صُلب علي ولداً اسمه اسمي وأشبهُ النّاس بي يبقُرُ العِلم بقراً وينطِقُ بالحقّ وَيَأْمُرُ بِالصّوابِ ويُخرجُ اللّه من صلبِهِ كلمة الحقّ ولِسان الصّدقِ فقال لهُ ابنُ مَسْعُودٍ فما اسمُهُ يا رسول اللّه قال يُقالُ لَهُ جعفر صادِقٌ فِي قولِهِ وفِعِلهِ الطاعِنُ عليهِ كالطاعِنِ عليّ والرّادُّ عليه كالرّادِ علي ثُمّ دخل حسان بن ثابِتٍ وأنشد فِي رسُولِ اللّه (صَلَّى اللّه عَلَيْهِ وَآلِهِ) شعراً و انقطع الحديث فَلَمّا كان من الغدِ صلّى بِنا رَسُولُ اللّه (صَلَّى اللّه عَلَيْهِ وَآلِهِ) ثُمّ دخل بيت عائِشة ودخلنا معه أنا و عليّ بن أبِي طالِب وعبد اللّه بن العبّاس وكان (صَلَّى اللّه عَلَيْهِ وَآلِهِ) من دأبه إذا سُئل أجاب وإذا لم يُسأل ابتدأ فقُلتُ لَهُ بِأَبِي أنت و أُمِّي يا رسُول اللّه ألا تُخبرني بباقي الخلفاءِ من صُلبِ الحسينِ قال نعم يا أبا هريرة ويُخرجُ اللّه من صُلْبِ جعفر مولوداً نقياً طاهراً أسمر ربعةً سميّ مُوسى بنِ عِمران ثُمّ قال لهُ ابنُ عبَّاس ثُمّ من يا رسُول اللّه قال يخرجُ من صُلبِ مُوسى علي ابنُهُ يُدعى بِالرِّضا موضِعُ العِلم و معدِنُ الحِلمِ ثُمّ قال (عَلَيهِ السَّلَامُ) بأبي المقتول فِي أرضِ الغُربة ويخرج من صُلب على ابنُهُ محمّد المحمود أطهر النّاس خلقا و أحسنُهُم خُلُقاً و يخرُجُ من صُلبِ محمّد علي ابنُهُ طَاهِرُ الحسبِ صادِقُ اللهجة ويخرُجُ من صلب على الحسن الميمونُ النَّبيّ الظَّاهِرُ النّاطِقُ عَنِ اللّه وأبوحُجَّةِ اللّه ويُخرجُ اللّه من صُلبِ الحسن قائمنا أهل البيت يملؤُها قسطاً وعدلا كما ملئت جوراً و ظُلماً له هيبةُ مُوسى وحُكمُ داود و بهاء عِيسى ثُمّ تلا (صَلَّى اللّه عَلَيْهِ وَآلِهِ) (ذُرِّيَّةً بَعْضُهَا مِنْ بَعْضٍ وَاللَّهُ سَمِيعٌ عَلِيمٌ) (1) فقال له على بن أبي طالب (عَلَيهِ السَّلَامُ) بأبي أنت و أُمّي يا رسُول اللّه من هؤلاءِ الّذين ذكرتهم قال يا علي أسامي الأوصياء من بعدك والعترة الطاهرةُ والذُريَّةُ المباركة ثُمّ قال (صَلَّى اللّه عَلَيْهِ وَآلِهِ) والّذي نفس محمّد بِيدِهِ لو أنّ رجُلًا عبد اللّه ألف عامٍ ثُمّ ألف عامٍ ما بين الركن والمقامِ ثُمّ أتاني جاحِداً لولايتهم لأكبّهُ اللّه فِي النّارِ كائناً من كان. (2)
ص: 138
1- عن أبي بصير قال: سألت أبا عبد اللّه (عَلَيهِ السَّلَامُ) عنِ الرّجُلِ يشتري اللحم من السُّوقِ وعنده من يذبح و يبيعُ من إخوانِهِ فيتعمّد الشّراء من النصّاب فقال أي شيء تسألني أن أقول ما يأكُلُ إلّا مثل الميتة والدم ولحم الخنزيرِ قُلتُ سُبحان اللّه مِثلُ الميتة والدم ولحم الخنزير فقال نعم و أعظمُ عِند اللّه من ذلك ثُمّ قال إنّ هذا فِي قلبِهِ على المؤمنين مرضٌ. (1)
2 - عن أبي بصير قال سمعت أبا عبد اللّه (عَلَيهِ السَّلَامُ) يقولُ ذبيحةُ النَّاصب لا تحِلُّ. (2)
1 - عن أبي عبد اللّه (عَلَيهِ السَّلَامُ) قال: إنّ نوحاً حمل فِي السفينة الكلب والخنزير و لم يحمل فيها ولد الزنا و إِنَّ النَّاصب شرٌّ من ولد الزنا. (3)
1- عن عبد اللّه بن المغيرة قال: قُلتُ لأبي الحسن (عَلَيهِ السَّلَامُ) إنّ لي جارين أحدهما ناصِبٌ والآخرُ زيدي ولا بُدّ من مُعاشرتهما فن أُعاشِر فقال هما سيانِ من كذب بِآيَةٍ من كِتابِ اللّه فقد نبذ الإسلام وراء ظهره وهو المكذِّبُ بِجميع القرآن والأنبياء والمرسلين قال ثُمّ قال إنّ هذا نصب لك و هذا الزيدي نصب لنا. (4)
2 - عن حريز عن رجل قال: قُلتُ لأبي عبد اللّه (عَلَيهِ السَّلَامُ) أ أُطعِمُ رَجُلًا سائِلا لا أعرِفُهُ مُسلِماً قال نعم أطعمه ما لم تعرفه بولاية ولا بعداوة إِنَّ اللّه يقولُ (وقُولُوا لِلنَّاسِ حُسنا) (5) ولا تُطعِم من ينصِبُ لشيءٍ من الحقّ أو دعا إلى شيءٍ من الباطِلِ. (6)
ص: 139
3 - عن محمّد بن مُسلِمٍ قال: دخلتُ على أبي عبد اللّه (عَلَيهِ السَّلَامُ) و عِنده أبو حنيفة فقُلتُ لهُ جُعِلتُ فداك رأيتُ رُؤيا عجيبةً فقال يا ابن مُسلِمِ هاتِها فإنّ العالم بها جالس و أومأ بيده إلى أبي حنيفة قال فقُلتُ رأيتُ كأني دخلت داري وإذا أهلي قد خرجت علي فكسرت جوزاً كثيراً و نشرته علي فتعجبتُ من هذِهِ الرُّؤيا فقال أبو حنيفة أنت رجُلٌ تُخاصِمُ و تُجَادِلُ لِناماً فِي موارِيتِ أهلك فبعد نصب شديد تنال حاجتك مِنها إن شاء اللّه فقال أبو عبد اللّه (عَلَيهِ السَّلَامُ) أصبت واللّه يا أبا حنيفة قال ثُمّ خرج أبو حنيفة من عِندِهِ فقُلتُ جُعِلتُ فِداك إنّي كرهت تعبير هذا النَّاصب فقال يا بن مُسلِمٍ لا يسؤك اللّه فما يُواطِيُّ تعبيرهم تعبيرنا ولا تعبيرنا تعبيرهم وليس التعبير كما عبّره قال فقُلتُ لهُ جُعِلتُ فِداك فقولُك أصبت و تحلِفُ عليهِ وهُو مُخطِئُ قال نعم حلفتُ عليه أنّه أصاب الخطاء قال فقُلتُ لهُ فما تأْوِيلُها قال يابن مُسلِم إنّك تتمتعُ بِامرأة فتعلمُ بها أهلك فتخرقُ عليك ثياباً جُدداً فإنّ القِشر كسوةُ اللّبِّ قال ابنُ مُسلِم فواللّه ما كان بين تعبيره و تصحِيحِ الرُّؤيا إِلَّا صبيحةُ الجُمُعَةِ فَلَمّا كان غداة الجمعة أنا جالس بالبابِ إذ مرت بي جاريةٌ فأمرتُ غُلامِي فردّها ثُمّ أدخلها دارِي فتمتعتُ بها فأحست بي وبها أهلي فدخلت علينا البيت فبادرت الجارية نحو الباب فبقِيتُ أنا فرّقت علي ثياباً جُدداً كُنتُ ألبسها فِي الأعياد وجاء مُوسى الزوار العطار إلى أبي عبد اللّه (عَلَيهِ السَّلَامُ) فقال له يابن رسولِ اللّه رأيتُ رُؤيا هالتني رأيتُ صهراً لي ميتاً وقد عانقني وقد خفت أن يكون الأجل قد اقترب فقال يا موسى توقع الموت صباحاً ومساءً فإِنَّهُ مُلاقينا و مُعانقة الأمواتِ لِلأحياء أطولُ لِأعمارِهِم فما كان اسم صهرك قال حسين فقال أما إن رُؤياك تدُلُّ على بقائك و زيارتك أبا عبد اللّه (عَلَيهِ السَّلَامُ) فإنّ كلّ من عانق سمي الحسين (عَلَيهِ السَّلَامُ) يزوره إن شاء اللّه تعالى وذكر إسماعيل بن عبد اللّه القُرشِيُّ قال أتى إلى أبي عبد اللّه (عَلَيهِ السَّلَامُ) رجُلٌ فقال يابن رسُولِ اللّه رأيتُ فِي منامي كأنّي خارج من مدينة الكوفة فِي موضع أعرِفُهُ وكان شيخاً من خشب أو رجُلًا منحوتاً من خشب على فرس من خشب يُلوّحُ بِسيفِهِ و أنا أُشاهِدُهُ فزعاً مذعوراً مرغوباً فقال (عَلَيهِ السَّلَامُ) أنت رجُلٌ تُرِيدُ اغتيال رجُلٍ فِي مَعِيشتِهِ فَاتَّقِ اللّه الّذي خلقك ثُمّ يُمِيتُك فقال الرّجُلُ أشهدُ أنك قد أُوتِيت عِلماً و استنبطتهُ من معدِنِهِ أُخبِرك يابن رسُولِ اللّه عمّا قد فسرت لِي إِنّ رجُلًا من جيراني جاءني و عرض علي ضيعته فهممتُ أن
ص: 140
أملكها بوكس كثير لما عرفتُ أنّه ليس لها طالب غيري فقال أبو عبد اللّه (عَلَيهِ السَّلَامُ) وصاحِبُك يتولانا و يبرأ من عدوّنا فقال نعم يا ابن رسُولِ اللّه رجلٌ جيِّدُ البصيرة مُستحكمُ الدِّينِ وأنا تائِبُ إِلى اللّه عزّوجلّ و إِليكَ مِمّا هممتُ بِهِ و نویتُهُ فأخبرني يا ابن رسُولِ اللّه لو كان ناصِبِيّاً حلّ لي اغتياله فقال أيّ الأمانة لمن ائتمنك و أراد منك النّصيحة ولو إلى قاتل الحسين (عَلَيهِ السَّلَامُ). (1)
4- موسى بن محمّد بن علي قال: كتبتُ إلى أبي الحسن (عَلَيهِ السَّلَامُ) أسألُهُ عنِ النَّاصب هل أحتاجُ فِي امتحانِهِ إلى أكثر من تقديمه الجبت والطاغوت و اعتقادِ إمامتهما فرجع الجواب من كان على هذا فهو ناصِبٌ. (2)
5 - عن أبي عبد اللّه (عَلَيهِ السَّلَامُ) أنّه قال: ليس النَّاصب من نصب لنا أهل البيت لأنّک لا تجد رجُلًا يقول أنا أُبغِضُ محمّداً وآل محمّد ولكِنَّ النَّاصب من نصب لكُم وهو يعلمُ أَنكُم تتولونا و تتبرّءُون من عدُوّنا وأَنْكُم من شِيعَتِنا. (3)
1- عن سليمان الأعمش قال: حدّثنا سهيل بن أبي صالح عن أبيه عن أبي هريرة قال: صليتُ الغداة مع النَّبيّ (صَلَّى اللّه عَلَيْهِ وَآلِهِ) فلما فرغ من صلاته وتسبيحه أقبل علينا بوجهه الكريم وأخذ معنا فِي الحديث، فأتاه رجلٌ من الأنصار، فقال: يا رسول اللّه كلب فلان الأنصاري خرق ثوبي، و خمش ساقي ومنعني من الصَّلاة معك فِي الجماعة، فعرض عنه، ولما كان من اليوم الثاني جاء رجل البيع وقال: كلب أبي رواحة الأنصاري خرق ثوبي، و خمش ساقي، ومنعني من الصَّلاة معك.
فقال النَّبيّ (صَلَّى اللّه عَلَيْهِ وَآلِهِ): قوموا بنا إليه فإنّ الكلب إذا كان عقورا وجب قتله، فقام (صَلَّى اللّه عَلَيْهِ وَآلِهِ) و
ص: 141
نحنُ معه حتّى أتى منزل الرّجل، فبادر أنس بن مالك إلى الباب فدقه، وقال: النَّبيّ بالباب، فأقبل الرجلُ مبادراً حتّى فتح بابه وخرج إلى النَّبيّ (صَلَّى اللّه عَلَيْهِ وَآلِهِ) فقال: فداك أبي وأمي ما الّذي جاء بك الا وجهت إلي فكنت أجيبك. فقال له النَّبيّ (صَلَّى اللّه عَلَيْهِ وَآلِهِ): أخرج إلينا كلبك العقور، فقد وجب قتله، وقد خرق ثياب فلان و عرق ساقه، وكذا فعل اليوم بفلان بن فلان.
فبادر الرجل إلى كليه وطرح فِي عُنقه حبلا، وأخرجه إليه، وأوقفه بين يديه، فلما نظر الكلب إلى النَّبيّ (صَلَّى اللّه عَلَيْهِ وَآلِهِ) واقفاً قال: يا رسول اللّه ما الّذي جاء بك، ولم تقتلني ؟ فأخبره الخبر. فقال: يا رسول اللّه إن القوم منافقون نواصب مبغضون لأمِير المؤمنين عليّ بن أبِي طالِب، ولولا أنهم كذلك ما تعرضت لسبيلهم، فأوصى به النَّبيّ (صَلَّى اللّه عَلَيْهِ وَآلِهِ) خيراً و ترکه و انصرف. (1)
2 - محمّد بن الحنفِيَّةِ يُحدِّثُ عن أبيه قال: ما خلق اللّه عزو جل شيئاً أشرّ من الكلبِ والنَّاصِبُ أشرُّ منه. (2)
1- عن أبي بصير قال قال أبو عبد اللّه (عَلَيهِ السَّلَامُ) مُدمِنُ الخمرِ كعابِدِ الوثنِ والنَّاصِبُ لِآلِ محمّد شَرٌّ مِنهُ قُلتُ جُعِلتُ فِداك و من شرٌّ من عابِدِ الوثنِ فقال إنّ شارِب الخمرِ تُدرِكُهُ الشفاعة يوماً ما و إِنّ النَّاصب لوشفع فِيهِ أهلُ السّماوات والأَرضِ لم يُشفّعُوا. (3)
أقول: إنّه يختلف أقوال علمائنا فِي تعيين مصداق النَّاصب فهم من بين المضيق و الموسّع. يقول العلامة الحلي فِي كتاب كشف المراد :
«المحارب لعليّ (عَلَيهِ السَّلَامُ) كافر لقول النَّبيّ (صَلَّى اللّه عَلَيْهِ وَآلِهِ) حربك يا علي حربي و لا شك فِي كفر من حارب النَّبيّ (صَلَّى اللّه عَلَيْهِ وَآلِهِ). وأما مخالفوه فِي الإمامة فقد اختلف قول علمائنا فيهم. فمنهم من
ص: 142
حكم بكفرهم لأنّهم دفعوا ما علم ثبوته من الدين ضرورة و هُو النص الجلي الدال على إمامته مع تواتره و ذهب آخرون إلى أنهم فسقة و هُو الأقوى. ثُمّ اختلف هؤلاء على أقوال ثلاثة أحدها أنهم مخلدون فِي النار لعدم استحقاقهم الجنّة. الثاني قال بعضهم إنّهم يخرجون من النار إلى الجنّة. الثالث ما ارتضاه ابن نوبخت و جماعة من علمائنا أنهم يخرجون من النار لعدم الكفر الموجب للخلود و لا يدخلون الجنّة لعدم الإيمان المقتضي لاستحقاق الثواب. (1)».
أقول : والّذي يقرب بالذهن أنّما يستنبط من الأخبار تقسيم النّاس بين العارف المؤمن و الجاهل الضال المستضعف والمنكر النَّاصب الكافر. فالّذي يعرف هذا الأمر أعني الولاية فهو مؤمن و من لم يعرف ولم ينكر فهو ضال جاهل و الّذي ينكر فهو ناصبي كافر و من تلك الأخبار، حديث الإمام الحسن (عَلَيهِ السَّلَامُ) حيث يقول: «إنّما النّاس ثلاثةٌ مُؤمِنٌ يعرِفُ حقنا و يُسلّمُ لنا ويأتم بنا فذلك ناج نجيب اللّه ولي وناصِبٌ لنا العداوة يتبرأُ مِنًا ويلعننا ويستحِلُّ دِماءنا ويجحد حقنا ويَدِينُ بِالبراءةِ مِنّا فهذا كافِرُ بِهِ مُشرِكٌ ملعُونٌ ورَجُلٌ آخِذٌ بِما لا يختلفون فِيهِ وردَّ عِلم ما أشكل عليه إلى اللّه من ولايتنا ولم يُعادِنا فنحنُ نرجُولَهُ فأَمرُهُ إِلى اللّهِ» (2).
أقول: أكثر النّاس فِي الصدر الأول عند وفاة النَّبيّ (صَلَّى اللّه عَلَيْهِ وَآلِهِ) مع علمهم بولاية سيّد الأوصياء أنكروها و جحدوها فأصبحوا كافرين و هذا ما تقوله الروايات بعينه حيث تقول: إرتد النّاس بعد رسول اللّه (صَلَّى اللّه عَلَيْهِ وَآلِهِ) إلّا ثلاثة أو أربعة و أما بعد مضي زمان حيث أخفوها الأمراء و الخلفاء والفقهاء الخونة و بعد فتوحات كثيرة بحيث كثرت عدّة المسلمين الّذين أخذوا دينهم من بَنِي أمية و من بَنِي العبّاس صاروا لا يعرفون هذا الأمر و لا ينكرونه. فهؤلاء فِي ذلك الزمان حكمهم حكم المسلم الضال الّذي أمره إلى اللّه و أما الأكثر فِي عصرنا هذا فِي حكم النَّاصب لوجود التواصل الإجتماعي الواسع بحيث لا يكاد يوجد أحد أنّه لم يسمع حديث الغدير و أدلتنا المبرهنة العقلية والنقلية. و لا نخاف من أن يقال لنا: نتيجة هذا القول رمي كثير من هذا السواد الأعظم بالكفر!
ص: 143
لأنا نقول : وماذا يكون ذنبنا إذا هؤلاء لم يقبلوا الولاية فأصبحوا كافرين و ماذا يكون ذنبنا إذا اللّه تعالى و أولياؤه يسمّيهم بهذا الإسم فِي كتابه و أحاديثهم. و جوابنا كجواب سعيد الخدري (رضيَ اللّهُ عنهُ) بعد أن روى عن رسول اللّه أنّه قال بَنِي الإسلام على شهادة أن لا إله إلّا اللّه وأن محمّداً رسولُ اللّه وإقام الصَّلاة وإيتاء الزكاة وصوم شهر رمضان والحجّ إلى بيت اللّه الحرام والجهادِ وولاية عليّ بن أبِي طالِب قال الراوي قلتُ لأبي سعيد ما أظنُّ القوم إلّا هلكوا إذ تركوا الولاية قال فما يصنعُ أبوسعِيدٍ إذا هلكوا. (1)
فأقول أيضاً فما أصنع إذا هم أرادوا التهلكة.
أيها القارئ العزيز !
إنّ كثيرا من العلماء بذلوا جهدهم فِي هذا الموضوع و ألفوا كتبا أو بحثوا حوله فِي كتبهم الفقهية و الكلامية وغيرهما. و من ذلك العلماء، العلامة المحقق و الفقيه المتكلم ؛ الشيخ حسن الكركي العاملي ابن المحقق الثاني «طيب اللّه مضجعهما» فإنّه ألف " عمدة المقال فِي كفر أهل الضلال " وقال فِي مقدمة الكتاب : " ألفت كتابا ضمنته شيئا من مثالب أعدائهم الكفرة الفجرة الّذين ألزم محادتهم و البراءة منهم و من المنتمين إليهم و المعتقدين إمامتهم ؛ لدخولهم فِي زمرة الكافرين بإنكارهم كثيرا من ضروريات الدين، كما شهدت به الآيات والأخبار المتواترة النبوية." (2) ثُمّ أثبت كفر جميع المخالفين لوجوه كثيرة و إدعى لقوله الشهرة بل الإجماع و يقول : " لَمّا انتفى الإيمان عن كلّ مخالف الحقّ الشريف الّذي أشرنا إليه إنتفى عنهم الإسلام لا محالة بناءً على قول الأكثر بل المجمع عليه و لهذا ذهب إلى الحكم بكفرهم جمع كثير من الفضلاء و جم غفير من العلماء و ممن إدعى كثرة الذاهبين إليه العلامة الحلي) فِي كتاب أنوار الملكوت فِي شرح الياقوت فِي الكلام (3) ". إنتهى كلامه شكر اللّه تعالى سعيه.
ص: 144
أقول : مم : ممن صرّح بكفرهم الشيخ المفيد «رحمة اللّه عليه » فإنه يقول فِي المقنعة :" ولا يجوز لأحد من أهل الإيمان أن يغسل مخالفا للحق فِي الولاية و لا يصلي عليه...وإذا صلى عليه لعنه فِي صلاته ولا يدع له فيها. (1)
وإحتجّ له الشيخ الطوسي فِي تهذيب الأحكام فِي شرح كلامه : فالوجه فيه أن المخالف لأهل الحقّ كافر فيجب أن يكون حكمه حكم الكفار إلّا ما خرج بالدليل، وإذا كان غسل الكافر لا يجوز فيجب أن يكون غسل المخالف أيضا غير جايز و أما الصَّلاة عليه فيكون على حد ما كان يصلي النَّبيّ (صَلَّى اللّه عَلَيْهِ وَآلِهِ) و الأئمّة (عَلَيهِم السَّلَامُ) على المنافقين. (2)
و نقل كثير من العلماء كالمحقق الثاني وصاحب الحدائق عن السيد المرتضى (قدس اللّه اسرارهم) أنّه قد حكم بتكفير كلّ من خالف الحقّ (3)
و قال تلميذ السيد و الشيخ ؛ أبوصلاح الحلبي فِي الكافي : "و إن كان مخالفا للحق بجبر أو تشبيه أو إعتزال أو خارجية أو إنكار إمامة لعنه بعد الرابعة وانصرف. ولا يجوز الصَّلاة على من هذه حاله إلّا لتقية " (4).
و الشيخ محمّد بن إدريس فإنه قال فِي السرائر : "الكافر من خالف المؤمن" (5).
وقال الشهيد فِي الألفية : فمن لم يعتقد ما ذكرناه (يعني الولاية)، ولم يأخذ كما وصفناه فلا صلاة له (6).
و منهم الفقيه السلار الديلمي حيث شرط فِي الغسل والصَّلاة إعتقاد الميت للحق. (7)
ص: 145
و قال صاحب الحدائق الناضرة : "لا شك ان المنكر لشيء من ذلك ليس بمؤمن ولا مسلم لأن الغلاة والخوارج و إن كانوا من فرق المسلمين نظرا إلى الإقرار بالشهادتين إلّا انهما من الكافرين نظرا الى جحودهما ما علم من الدين و ليكن منه بل من أعظم أصوله إمامة أمِير المؤمنين ((عَلَيهِ السَّلَامُ)) و ممن صرح بهذه المقالة أيضا الفاضل المولى المحقق أبو الحسن الشريف ابن الشيخ محمّد طاهر المجاور بالنجف الأشرف حيا وميتا فِي شرحه على الكفاية حيث قال فِي جملة كلام فِي المقام فِي الإعتراض على صاحب الكتاب حيث أنّه من المبالغين فِي القول بإسلام المخالفين وليت شعري أي فرق بين من كفر باللّه تعالى و رسوله و من كفر بالأئمّة (عَلَيهِم السَّلَامُ) مع أن كلّ ذلك من أصول الدين ؟ إلى أن قال: "و لعل الشبهة عندهم زعمهم كون المخالف مسلما حقيقة و هُو توهم فاسد مخالف للأخبار المتواترة، والحق ما قاله علم الهدى من كونهم كفارا مخلدين فِي النار، ثُمّ نقل بعض الأخبار فِي ذلك" و قال " و الأخبار فِي ذلك أكثر من أن تحصى وليس هنا موضع ذكرها و قد تعدت عن حد التواتر و عندي إن كفر هؤلاء من أوضح الواضحات فِي مذهب أهل البيت (عَلَيهِم السَّلَامُ) انتهى.
هذا، والمفهوم من الأخبار المستفيضة هُو كفر المخالف الغير المستضعف و نصبه و نجاسته و ممن صرح بالنصب و النجاسة أيضا بالنصب و النجاسة أيضا جمع من أصحابنا المتأخرين: منهم شيخنا الشهيد الثاني فِي بحث السؤر من الروض حيث قال بعد ذكر المصنف نجاسة سؤر الكافر و النَّاصب ما لفظه و المراد به من نصب العداوة لأهل البيت (عَلَيهِم السَّلَامُ) أو لأحدهم وأظهر البغضاء لهم صريحا أو لزوما ككراهة ذكرهم ونشر فضائلهم والإعراض عن مناقبهم من حيث أنها مناقبهم والعداوة لمحبيهم بسبب محبتهم " (1).
أقول : هذا بعض أقوال فحول العلماء الكرام ولكن العجيب أن جماعة من المتأخرين و المعاصرين قد حكموا بكفر من أنكر فرعا من فروع الدين كالحجاب والصَّلاة ولا يحكمون بكفر من أنكر الولاية و هي أصل الدين بل يسمونهم بالاخوة مع أن هذه العبارة لا توجد فِي أخبارنا و كتب علماءنا المتقدمين والمتأخرين و هم يسمون هؤلاء بالعامَّة و المخالفين و نظائرهما و
ص: 146
لعل منشأ هذا القول بعض ما روي عنهم (عَلَيهِم السَّلَامُ) و لكن الفقيه حق الفقيه من عرف أحاديثهم و إستأثر هواهم على هوى نفسه و حمل رأيه على رأيهم فلذا إنّ أفضل ما وجدت من مباحث العلماء من جهة جمع الأقوال و البحث عن الأدلة و الإستنباط، ما ألفيت فِي كتاب الشهاب الثاقب من العلامة الجليل المحدث الفقيه و النحرير الخبير ؛ الشيخ يوسف البحراني زاد اللّه شرفه و نور اللّه مضجعه» و للّه درّه حيث يقول
(إعلم أنّه قد إشتهر بين جملة من أصحابنا رضوان اللّه عليهم تقسيم الضروري إلى ضروري المذهب و ضروري الدين و مرادهم بضروري الدين هُو ما إجمعت عليه الأمَّة كالصَّلاة و الزكاة والحجّ ونحوها و ضروري المذهب هوما إختصت ضروريته بأهل مذهب مخصوص من تلك الأمَّة كتحريم المسح على الخفين و تحليل المتعتين ونحوهما مِمّا علم ضروريته من مذهب أهل البيت سلام اللّه عليهم خاصّة قالوا و الكفر إنّما يلزم إنكار الأول دون الثاني و مسألة الإمامة إنّما هي من قبيل الثاني دون الأول فإنكارها لا يستلزم الكفر و قد إستند جماعة ممن عاصرناهم عند وقوع البحث بيننا وبينهم فِي هذه المسألة إلى ذلك.
و ما ذكروه منظور فيه من وجوه:
الأول: إنّه لا دليل عليه من كتاب ولا سنة ولا عقل ولا نقل ممن يعتمد عليه بل الدليل قائم على خلافه كما لا يخفى على من نظر فِي هذه الرسالة و يغلب على الظن أن هذا الكلام مأخوذ من أصول العامَّة وقواعدهم إتخذوه لأجل دفع الشنعة عن أنفسهم بلزوم الكفر لهم بإنكار الإمامة فأخذه غيرهم غفلة عن تحقيق الحال فِي ذلك المجال.
الثاني: إنّک قد عرفت مِمّا أسلفنا تواتر النص من جهة الخصوم و إن إرتكبوا فيها ما أشرنا إليه من التأويلات البعيدة والتمحلات الغير السديدة، فإنها غير مجدية فِي إبطال الإستدلال و إن كثر بها القيل والقال ولا مخرجة لمن تمسك بها عن طريق الغواية والضلال، وبذلك تكون الإمامة بالنظر غلى ذلك الدليل من أضرّ الضروريات الدينية و أظهر الأوامر المحمّدية.
الثالث: إستفاضة الأخبار بأنهم خذلهم اللّه تعالى خارجون عن جادة الدين المبين و أنهم ليسوا من الحنفية على شيء و أنّه لم يبق فِي يدهم إلّا إستقبال القبلة و أنهم ليسوا إلّا مثل
ص: 147
الجدر حتّى وردت الأخبار عنهم صلوات اللّه عليهم أنّه عند إختلاف الأخبار الواردة فِي الأحكام تعرض على مذهبهم ويؤخذ بما خالفه بل ورد ما هُو أعظم من ذلك و هُو أنّه إذا وردت عليك قضية لا تعرف حكمها و لم يكن فِي البلد من تستفتيه عنها فإستفت قاضي البلد وخذ بخلافه. رواه الصدوق (رحمه اللّه) فِي كتاب عيون أخبار الرضا (عَلَيهِ السَّلَامُ) و الشيخ فِي التهذيب.
وللّه در شيخنا أبي الحسن الشيخ سليمان البحراني أفاض اللّه تعالى عليه سوانح المنن حيث قال فِي بعض فوائده بعد ما نقل الخبر المشار اليه ما صورته أنظر أيدك اللّه بإرشاده و جعلك من خواص عباده إلى هذا الخبر بعين البصيرة وتناوله بيد غير قصيرة وتأمل كيف سوّغ (عَلَيهِ السَّلَامُ) الأخذ بخلاف ما يفتي به أهل الضلال مطلقا تنبيها على أنهم خذلهم اللّه تعالى في كلّ أحوالهم و فِي جميع أقوالهم وأعمالهم ناكبون عن الصراط القويم و المنهاج المستقيم يعولون فِي جليل الأمور و دقيقها على الآراء الباطلة و أهوائهم السخيفة و عقولهم الضعيفة وه يحسبون أنهم يحسنون صنعاً إنتهى.
ولنعم ما قال أيضاً صاحب الفوائد المدنية رحمه اللّه تعالى بألطافه السنية حيث قال بعد إيراد الخبر المشاراليه، أقول: من جملة نعم اللّه تعالى على الطائفة المحقة أنّه خلى بين الشّيطان و بين علماء العامَّة ليضلّهم عن الحقّ فِي كلّ مسألة نظرية ليكون الأخذ بخلافهم لنا ضابطة كلية إنتهى.
فإذا كان الأمر على ما ترى فأي دين لأولئك الفجرة حتّى يقسم الضروري إلى ذينك القسمين و يعتد بخلافهم فِي البين ؟ فليس ثمة إلّا أمر واحد و هُو ما ثبت عن أهل العصمة سلام اللّه عليهم فهو الدين و هُو المذهب و ما جاوزه فهو باطل عاطل لا يعوّل عليه ولا يلتفت فِي خلاف ولا وفاق إليه ويؤكد ذلك أيضا الأخبار الواردة ببطلان جميع عباداتهم و أعمالهم.
من هناا استعمال الرابع: أنّه يلزم بناء على ما ذكروه من التقسيم مغايرة دينه (صَلَّى اللّه عَلَيْهِ وَآلِهِ) لمذهب أهل بيته إما بالتبائن أو بالعموم لأنّهم إذا جعلوا بعض الأشياء ضروري مذهبهم (عَلَيهِم السَّلَامُ) وليس ضروري دينه (صَلَّى اللّه عَلَيْهِ وَآلِهِ) لزم أن يكون مذهبهم: إما مباينا لدينه أو أخص منه لا محالة وهذا ظاهر الفساد والبطلان عند كلّ من يتسمّى بسيماء الإيمان فضلا عن العلماء الأعيان؛ لأنا لا نعرف من دينه (صَلَّى اللّه عَلَيْهِ وَآلِهِ) إلّا ما دان به وأمر به وهذا هُو مذهبهم سلام اللّه عليهم فضروري أحدهما ضروري الآخر البتة.
ص: 148
نعم يبقى الكلام فِي ثبوت ذلك ضرورة فإن قام الدليل على ثبوته على ذلك الوجه تم المطلوب، وإلا فلا فالكلام و البحث هنا. وهذه المسألة بحمد اللّه تعالى قد ظهر دليلها من طرق القوم وإستبان سبيله من كتبهم و رواياتهم و لكن القوم غلب عليهم سنخ تلك الطينة الردية فقادتهم هناك يد الحمية إلى الوقوع فِي الشقاوة الأبدية.
الخامس : أنّه لو قال المعصوم (عَلَيهِ السَّلَامُ) : هذا الحكم من ضروريات مذهبنا أهل البيت، و قال المخالف: أنّه لم يثبت من دين النَّبيّ (صَلَّى اللّه عَلَيْهِ وَآلِهِ) فبمقتضى ما ذكروه يرجح كلام المخالف: أنّه لم يثبت من دين النَّبيّ (صَلَّى اللّه عَلَيْهِ وَآلِهِ) وفي التزامه من الشناعة، بل الخروج عن جادة الإسلام ما لا يخفى على أحد من الأنام.
السادس: تصريح جملة من علماءنا المتقدمين و المتأخرين بكون الإمامة من ضروريات الدين وسيأتي شطر من عبائرهم صريحة الدلالة فِي ذلك بل صرّح بعضهم بأنه مجمع عليه و حينئذ فلا يلتفت بعده إلى ذلك التفصيل العاري عن الدليل.
السابع: إستفاضة الأخبار كما سيأتي نقل طرف منها بأن الإسلام بَنِي على الولاية كما بَنِي على الصوم والصَّلاة و الحج و نحوها و معلوم أنّ كلّ واحد مِمّا عداها من ضروريات الدين دون المذهب بل صرّحت تلك الأخبار بأن الولاية أفضلهن وأنه رخص فيما عداها و لم يرخص فيها بوجه.
الثامن: أنّه لا خلاف بين أولئك القائلين بإسلام المخالفين فِي كفر الخوارج و النواصب بالمعنى الّذي ذكروه؛ لإنكارهم بعض ما علم من ضروريات الدين الّذي هُو حب مولانا أميرالمؤمنين و أولاده الميامين (عَلَيهِم السَّلَامُ) فللقائل أن يقول: إن أردتم بضرورية محبتهم (عَلَيهِم السَّلَامُ) من الدين أنّه مِمّا إجتمعت عليه الأمَّة، كما تقدّم من تفسير ضروري الدين، فهذا باطل؛ لأن هؤلاء المنكرين بعض الأمَّة، و إن أردتم بها ثبوتها من الدين بالدليل الواضح و البرهان اللائح من غير التفات إلى خلاف من خالف، أو وفاق من وافق فهذا بعينه جار فِي مسألة الإمامة، كما حققناه و نحققه إن شاء اللّه تعالى على أنّه قد ثبت بالأدلة الصحيحة الصريحة بغض هؤلاء المخالفين لأئمتنا المعصومين (عَلَيهِم السَّلَامُ) كما ستأتيك أخباره مشيّدة الأركان وثيقة البيان.)
أقول : ثُمّ يقول نوّر اللّه مضجعه فِي الفائدة الرابعة من كتابه:
(إعلم أنّه قد إستفاضت الأخبار عن السادة الأطهار بأنّ الإمامة من أضر ضروريات الدين
ص: 149
المحمّدي وقد بَنِي عليها الإسلام الّذي جاء به النَّبيّ (صَلَّى اللّه عَلَيْهِ وَآلِهِ). فروى ثقة الإسلام فِي الكافي فِي الصحيح عن زُرارة عن أبي جعفر قال بَنِي الإسلام على خمسة أشياء: على الصَّلاة والزكاة والحجّ و الصوم والولاية، فقلت: وأيّ شيء من ذلك أفضل؟ قال: الولاية أفضل لأنها مفتاحهن والوالي هُو الدليل عليهنّ.)
ثم أضاف بعد أن ذكر عدّة روايات :
(دلّت هذه الأخبار المستفيضة على أنّ الولاية إحدى ضروريت الدينية بل هي أعظمها شأناً وأرفعها مكاناً، لكونها هي الأصل فِي ذلك كما صرحت به صحيحة زُرارة و أنّ النداء بها وقع مكرّراً و أما غيرع من تلك الفرائض فلم يقع النص عليها والتأكيد فِي أمرها و التنويه بشأنها كذلك ولعلّ ذلك لعلمه (صَلَّى اللّه عَلَيْهِ وَآلِهِ) بما يحدث فيها من المخالفة فأكد الأمر فيها و كرّر النداء تأكيداً للحجة و إيضاحاً للمحجة.
و المراد بالإسلام هنا هُو الدين المحمّدي المشار إليهما فِي قوله سبحانه إنّ الدين عند اللّه الإسلام وقوله سبحانه اليوم أكملت لكم دينكم و الإسلام بهذا المعنى إنّما إستقرّ فب آخر عمره (صَلَّى اللّه عَلَيْهِ وَآلِهِ) بإعتبار دخول الولاية الّتي إنّما وقع الأمريها يوم غدير خم و قد أشارت إلى ذلك الآية الشريفة المتضمّنة لإكمال الدين بدخول الولاية.
لا يقال: إنّه يلزم الزيادة والنقصان فِي الإسلام.
لأنا نقول: إنّ تلك الفرائض الّتي جعلت مع الولاية مبنياً عليها الإسلام لم تنزل دفعة واحدة و إنّما نزلت تدريجاً فلا منافاة.
لا يقال: إنّ الإسلام هنا إنّما بمعنى الإيمان و هُو أخص من الإسلام المدعى لأولئك المخالفين فلا يلزم من أخذ الإمامة فيه الموجب إنكارها لكفر من أنكرها أخذها فِي المعنى العام حتّى يلزم الحكم بكفرهم وخروجهم عن جادة الإسلام العام.
لأنا نقول: لا شك أن المراد من الإسلام فِي هذه الأخبار هُو الدين المحمّدي الّذي أشرنا إليه و هُو الّذي جاء به (صَلَّى اللّه عَلَيْهِ وَآلِهِ) من عند اللّه سبحانه الّذي من قام به وصدق به فهو مؤمن و من قام به ظاهراً من تصديقه فهو منافق مسلم ظاهراً كافر باطناً.
ص: 150
و من أنكره أو أنكر شيئاً منه فهو خارج عن ربقة الإسلام بكليته و يدخل فِي حد المرتد و زمرته كما أن من أنكر واحدة من هذه الفرائض المعدودة معها من صلاة أو زكاة أو نحوهما فهو كافر مرتد و هذا المعنى من هذه الأخبار ظاهر غاية الظهور بل هُو كالنور على الطور مع قطع النظر عن خلاف ذوي الخلاف أو وفاق ذوي النفاق على أنك قد عرفت فِي الفائدة الثانية تواتر أخبار الخصوم بضروريّة الولاية وإن جحدها عناداً و إستكباراً ذوو الجهل و الغواية.
فإذا إجتمعت على الدلالة أخبار الطرفين وتواترت عليها من الجانبين لم يبق لإنكار الحكم بكفر منكرها مجال الا مجرّد إرتكاب جادّة القيل والقال أو عدم إعطاء المسألة حقها من التحقيق وعدم التدبر فيها على الوجه الصائب الدقيق.
و بذلك يتبين لك ما فِي كلام جملة من علمائنا الأعلام من الخلل الواقع فِي هذا المقام والبعد عن ساحة أخبار أهل الذكر (عَلَيهِم السَّلَامُ) حيث أنّهم إختلفوا فِي حكم المخالفين فِي الإمامة.
فذهب جماعة منهم إلى أنّهم كفرة لإنكارهم ما علم من الدين ضرورة و هي الأمامة.
و ذهب آخرون إلى أنّهم فسقة و إختاره المحقق فِي التجريد و نقل أيضاً عن العلامةفي شرحه ثُمّ إختلف هؤلاء فِي أحوالهم فِي الآخرة.
فذهب بعض إلى أنهم مخلدون فِي النار لعدم إستحقاقهم الجنّة.
و ذهب بعض آخر إلى أنهم يخرجون من النار ويدخلون الجنّة و نقله إبن نوبخت فِي كتابه فض الياقوت عن شذوذ من أصحابنا.
و ذهب الآخرون إلى أنهم يخرجون من النار لعدم كفرهم الموجب للخلود و لا يدخلون الجنّة لعدم الإيمان المقتضي لإستحقاق الثواب و إختاره ابن نوبخت فِي الكتاب المشار إليه.
و أنت خبير بما فِي هذه الأقوال من البعد عن ساحة الأخبار المعصومية و إبتنائها على وجوه مخترعة وهمية كما سيظهر لك فِي أثناء مباحث هذه الرسالة و يتضح لك من مطاوي تحقيقاتها بأضح دلالة.
و القول المؤيد المنصور هُو أول القولين كما ستمر بك إن شاء اللّه تعالى أدلته الواضحة النجدين و هُو القول المشهور بين المتقدمين من أصحابنا و ممن حكى ذلك ونقله الشيخ إبن
ص: 151
نوبخت فِي الكتاب المشار إليه حيث قال : دافعوا النص كفرة عند جمهور أصحابنا و من أصحابنا من يفسّقهم.
قال العلامة فِي شرحه أما دافعوا النص على أميرالمؤمنين (عَلَيهِ السَّلَامُ) بالإمامة فقد ذهب أكثر أصحابنا إلى تكفيرهم؛ لأنّ النص معلوم بالتواتر من دين محمّد (صَلَّى اللّه عَلَيْهِ وَآلِهِ) فيكون ضرورياً أي معلوماً من دينه (صَلَّى اللّه عَلَيْهِ وَآلِهِ) ضرورة فجاحده كافر لكونه يجحد وجوب الصَّلاة وصوم شهر رمضان ثُمّ نقل تلك الأقوال الّتي قدمناها.
و إختار ذلك (قدّس سرّه) فِي كتاب منتهى المطلب فقال فِي كتاب الزكاة فِي بيان إشتراط وصف المستحق بالإيمان ما صورته إن الإمامة من أركان الدين وأصوله و قد علم ثبوتها من النَّبيّ (صَلَّى اللّه عَلَيْهِ وَآلِهِ) ضرورة فالجاحد لها لا يكون مصدّقاً للرسول فِي جميع ما جاء به فيكون كافراً.
و قال الشيخ المفيد فِي المقنعة : ولا يجوز لأحد من أهل الإيمان أن يغسل مخالفاً للحق فِي الولاية ولا يصلّي عليه.
و نحوه قال إبن البراج.
قال الشيخ فِي التهذيب بعد نقل عبارة المقنعة الوجه فيه أن المخالف لأهل الحقّ كافر فيجب أن يكون حكمه حكم الكافر إلّا ما خرج بالدليل.
و قال إبن إدريس فِي السرائر بعد أن إختار مذهب الشيخ المفيد فِي عدم جواز الصَّلاة عليه ما لفظه و يعضده القرآن و هُو قوله تعالى (وَلَا تُصَلِّ عَلَى أَحَدٍ مِنْهُمْ مَاتَ أَبَدًا) يعني الكفّار و المخالف لأهل الحقّ كافر بلا خلاف بيننا و قال الفاضل ملّا محمّد صالح المازندراني فِي شرح أصول الكافي: و من أنكرها يعني الولاية هُو كافر بها حيث أنكر أعظم ما جاء به الرسول (صَلَّى اللّه عَلَيْهِ وَآلِهِ) و أصلاً من أصوله.
و قال الشريف القاضي نور اللّه الشوشتري المشهور بالشهيد الثالث فِي كتاب مصائب النواصب بعد كلام فِي البين يتعلّق بشأن اللصوص الثلاثة ما صورته : و نحنُ إنّما نحكم بتخليد هؤلاء الأشرار لإعتقادنا بأنهم لم يؤمنوا باللّه ورسوله المختار أو آمنوا و إرتدوا على الأدبار إذ دفعوا ما علم ثبوته ضرورة من دين النَّبيّ المختار و هُو النص الجلي سمعوه فِي شأن إمام الأبرار.
ص: 152
و قال فِي كتاب إحقاق الحقّ ومن المعلوم أنّ الشهادتين بمجردها غير كافيتين إلّا مع الإلتزام بجميع ما جاء به النَّبيّ (صَلَّى اللّه عَلَيْهِ وَآلِهِ) من أحوال المعاد والإمامة كما يدلّ عليه ما أشتهر من قوله (صَلَّى اللّه عَلَيْهِ وَآلِهِ) "من مات و يعرف إمام زمانه مات ميتة جاهلية" ولا شك أنّ المنكر لشيء من ذلك ليس بمؤمن و لا مسلم فإنّ الغلاة والخوارج و إن كانوا من فرق المسلمين نظراً إلى الإقرار بالشهادتين فهما من قبيل الكافرين نظراً إلى جحودهما إلى ما علم من الدين و ليكن منه بل من أعظم أصوله إمامة أميرالمؤمنين (عَلَيهِ السَّلَامُ). إنتهى
و مال إلى ذلك شيخنا العلّامة أبو الحسن سليمان بن عبد اللّه البحراني (قدس سره) كما صرّح به فِي جملة من مصنّفاته...و هُو ظاهر شيخنا الحرّ العاملي والمحدث السيد نعمة اللّه الجزائري و المفهوم من كلام صاحب الكافي كما سيأتي بيان ذلك فِي كلامهم إن شاء اللّه.)
أقول : ثُمّ أثبت (رضوان اللّه تعالى عليه) أن محبّة آل اللّه عليهم صلوات اللّه من ضروريات الدين بعد أن أثبت أنّ الإعتقاد بالإمامة من أضر ضرورياته فيقول:
(إعلم أن من جملة ضروريات الدين المحمّدي محبّة أهل البيت صلوات اللّه عليهم لقوله " قل لا أسئلكم عليه أجراً إلّا المودة فِي القربى")
أقول : فيذكر فِي إثبات قوله كم رواية من طرق المخالفين و يكمل قوله فيقول:
(أنت خبير بأن المعلوم عند ذوي العقول أنّ ثمرة الحب والبغض هي طاعة المحبوب و عدمها وأن من أحب أحداً و إعتقد فيه وقف على حدود أوامره و نواهیه و حینئذ فدعوی هؤلاء النصاب محبّة أهل البيت (عَلَيهِم السَّلَامُ) مع كونهم لا يأخذون بأمر من أوامرهم و لا يعتقدون بواحد منهم و لا يسألون عن حكم من أحكامهم إن لم نقل بأنهم يتعمدون الخلاف عليهم والعداوة لهم مع إقتدائهم فِي جميع أعمالهم بما لا يقاس بتراب نعالهم و إتفاقهم قديماً وحديثاً على ما عليه أهل البيت من العلم والورع والتقوى و لم يكن أحد من أعدائهم على كثرتهم والحرص على الإهانة بهم و صرف قلوب النّاس عنهم أن يطعنوا فيهم برذيلة و لا منقصة ولا ذمّ بوجه من الوجوه و رواياتهم فِي من أخذوا معالم دينهم نهم من الرذائل والمعائب وتعدي الحدود الشرعية و أخذوا فِي تحصيل وجوه الإعذار عن ذلك الإنحدار.)
ص: 153
أقول : ثُمّ يقول رحمه اللّه تعالى فِي بيان معنى الإيمان والإسلام:
الشهرة (إعلم أنّه قد ورد عن أهل العصمة سلام اللّه عليهم أخبار فِي معنى الإيمان و الإسلام لكنها لا تخلو بحسب ظاهرها عن غموض وإبهام بل تناف و تناقض فِي المقام فتحتاج إلى بيان به يحصل الجمع بينها والإنتظام على وجه يسهل تناوله لجميع الأفهام.
روى ثقة الإسلام فِي الكافي بسنده إلى حمران بن أعين عن أبي جعفر (عَلَيهِ السَّلَامُ) قال سمعته يقول : الإيمان ما إستقر فِي القلب وأفضى به إلى اللّه وصدّقه العمل بالطاعة إلى اللّه والتسليم لأمر اللّه والإسلام ما ظهر من قول أو فعل وهو الّذي عليه عامة النّاس من الفرق كلّها وبه حقنت الدماء وعليه جرت المواريث وجاز النكاح و إجتمعوا على الصَّلاة والزكاة والصوم و الحج فخرجوا بذلك من الكفر و أضيفوا إلى الإيمان.
والإسلام لا يشارك الإيمان والإيمان يشارك الإسلام وهما فِي القول والفعل يجتمعان كما صارت الكعبة فِي المسجد والمسجد ليس فِي الكعبة وكذلك الإيمان يشرك الإسلام والإسلام لا يشرك الإيمان وقد قال اللّه تعالى " قالت الأعراب آمنا قل لم تؤمنوا و لكن قولوا أسلمنا و لما يدخل الإيمان فِي قلوبكم" فقول اللّه عزّ وجلّ أصدق القول.
قلت : فهل للمؤمن فضل على المسلم فِي شيء من الفضائل والأحكام والحدود وغير ذلك ؟ فقال: لا هما يجريان فِي ذلك مجرى واحد و لكن للمؤمن فضل على المسلم فِي أعمالهما وما يتقربان به إلى اللّه تعالى اساس است
قلت: أليس اللّه تعالى يقول: " مَنْ جَاءَ بِالْحَسَنَةِ فَلَهُ عَشْرُ أَمْثَالِهَا " وزعمت أنهما يجتمعان على الصَّلاة والزكاة والصوم والحجّ مع المؤمن قال : أليس قد قال اللّه تعالى " فَيُضَاعِفَهُ لَهُ أَضْعَافًا كَثِيرَةً " فالمؤمنون هم الّذين يضاعف اللّه تعالى لهم حسناتهم لكل حسنة سبعون ضعفاً فهذا فضل للمؤمن ويزيده اللّه فِي حسناته على قدر صحة إيمانه أضعافاً كثيرة و يفعل اللّه بالمؤمنين ما يشاء من الخير.
قلت: أرأيت من دخل فِي الإسلام أليس هُو داخلاً فِي الإيمان ؟ فقال: لا ولكنّه قد أضيف إلى الإيمان و خرج من الكفر الحديث.
ص: 154
دلّ هذا الحديث الشريف على أنّ الإيمان عبارة عن التصديق بالتوحيد و الرسالة و الإمامة لأنّه هُو المفضي إلى اللّه تعالى أي الموصول إليه.
و قوله : «وصدقه العمل بالطاعة» فيه إشارة إلى دخول الأعمال فِي الإيمان من حيث كونها دليلاً على ذلك بالتصديق القلبي و كاشفة عنه و أن الإيمان بدونها ليس بإيمان و هذا القول و إن كان خلاف المشهور بين أصحابنا إلّا أنّه المؤيد بالأخبار و إليه ذهب بعض علمائنا الأخيار و قد أوضحنا الحال فِي رسالتنا الّتي كتبناها فِي المسألة.
و الإسلام ما ظهر من القول و الإقرار بالشهادتين أو فعل الطاعات كالصَّلاة والصوم و نحوهما فيدلّ على أنّه يحكم بالإسلام على جميع من سمع منه الأقرار بالشهادتين أو رؤي منه القيام بتلك العبادات أعم من أن يكون عن تصديق أم لا وهو الّذي عليه جماعة النّاس يعني: أن الحكم بإلام أولئك النّاس من هذه الفرق كلّها الموجب لإجراء تلك الأحكام عليهم من حقن الدم وحفظ الأموال ونحوهما وقع من حيث ظهر ذينك الأمرين.
و ينبغي أن يعلم أن الحكم بذلك مع عدم معلومية إنكار شيء مِمّا علم من الدين ضرورة ومنه الإمامة ونحوها فهذا الحديث وأمثاله إنّما ورد بالنسبة إلى الجاهلين بأمر الإمامة...وروى فِي الكافي أيضاً بسنده إلى سفيان بن السمط قال سأل رجل أباعبداللّه (عَلَيهِ السَّلَامُ) عن الإسلام والإيمان ما الفرق بينهما ؟ إلى أن قال : فقال : الإسلام هُو الظاهر الّذي عليه النّاس شهادة أن لا إله إلّا اللّه وحده لا شريك له وأن محمّداً رسول اللّه (صَلَّى اللّه عَلَيْهِ وَآلِهِ) واقام الصَّلاة وايتاء الزكاة وحج البيت وصيام شهر رمضان فهذا الإسلام وقال : الإيمان معرفة هذا الأمر مع هذا فإن أقربها ولم يعرف هذا الأمر كان مسلماً وكان ضالاً.
دلّ هذا الخبر المعتبر على أن الإسلام عبارة عن إظهار الشهادتين مع تلك العبادات.
قيل : وذلك أعم من أن يكون معه تصديق أم لا.
وفيه أن قوله بعد «والإيمان معرفة هذا الأمر مع هذا ينافي ذلك ؛ لأن الإيمان الّذي هو عبارة عن معرفة الإمام والقول به لا يجامع عدم التصديق كما لا يخفى.
و فِي قوله (عَلَيهِ السَّلَامُ) «فإن أقرّ بها ولم يعرف» ما يرشدك إلى صحة ما قلناه من حمل المسلم المدلول عليه بالإسلام المعرّف يعني إن أقرّ ذلك المظهر لتلك الأعمال وقام بها مع عدم المعرفة
ص: 155
فهو مسلم ضال فالقدر المتيقن منه هُو الحكم بالإسلام على من كان كذلك. وأما من أنكر الإمامة وإن أقام بتلك الأعمال فلا دلالة عليه بوجه وحكمه يعلم من الأدلة الأخرى الدالة على أنّ الإمامة قد جعلت معيار الإيمان والإسلام والكفر فالمقر بها مؤمن والجاهل بها مسلم والجاحد لها كافر.)
أقول : ثُمّ يقول فِي بيان معنى الكفر:
أحدها: كفر الجحود...وثانيها : كفر النعمة...وثالثها : الكفر بترك ما أمر اللّه كتارك الصَّلاة...ورابعها كفر البراءة.....
إذا عرفت ذلك فاعلم أن الكفر الّذي ورد فِي الأخبار فِي حق هؤلاء الفجار هُو القسم الأول من هذه الأقسام وهو كفر الجحود حيث أنهم قد جحدوا أضر ضروريات الدين المحمّدي و أنكروه كما هُو على صفحات وجوههم واضح جلي وهو الولاية وحبّ أهل بيت العصمة والهداية.)
فيجيب عن روايات تدل على إسلام هؤلاء ويقول :
(أن مورد تلك الأخبار إنّما هُو بالنسبة إلى من لا يعتقد الإمامة من الجاهلين بها و هم أكثر النّاس فِي ذلك الوقت...لا بالنسبة إلى من يعتقد عدمها من أولئك الجاحدين بها والمنكرين لها. ومنشأ الشبهة عند من حكم بإسلام المخالفين حتّى أستدل على إسلامهم بهذه الأخبار عدم التفطن لثبوت هذا الفرد فِي النّاس بل النّاس عنده إما مؤمن وهو المقرّ بالإمامة أو مسلم مخالف و هُو منكر للأمامة أو ناصب عدو وهو المعلن بالعداوة لأهل البيت (عَلَيهِم السَّلَامُ) وإن جلّ الموجودين فِي عصر الأئمّة (عَلَيهِم السَّلَامُ) الّذين خرجت هذه الأخبار فِي شأنهم هم أهل القسم الثاني وأنه لا فرق بينهم فِي ذلك الوقت فكما حكم الأئمّة (عَلَيهِم السَّلَامُ) بإسلام أولئك مه عدم علمهم بإنكارهم الإمامة فهؤلاء مثلهم.
ونحن أوضحنا لك المقام (من أن النّاس إما عارف مؤمن وإما جاحد منكر كافر وإما مستضعف غير عارف وغير منكر وهو مسلم فإن النّاس بالنسبة إلى الأمامة على ثلاثة أقسام كما هُو بالنسبة إلى النبوة فِي تلك الأيام :
ص: 156
أحدها : من دان بها و تمسك بوثيق عروتها وهم المؤمنون الّذين لا خوف عليهم ولا هم يحزنون.
وثانيها : من أنكرها وجحدها وقدّم من إختاره الشّيطان له فيها و هم النصاب الكافرون الّذين إلى جهنَّم يحشرون.
وثالثها : من لم يعرف و لم ينكر وهم الجاهلون بها والمستضعفون الّذين هم لأمر اللّهمرجون.
فروى الكليني (قدّس سرّه) فِي الكافي بسنده عن هشام صاحب البريد قال: كنت أنا ومحمّد بن مسلم وأبو الخطاب مجتمعين فقال لنا أبو الخطاب ما تقولون فيمن لم يعرف هذا الامر؟ فقلت: من لم يعرف هذا الامر فهو كافر، فقال أبو الخطاب ليس بكافر حتّى تقوم عليه الحجة، فإذا قامت عليه الحجة فلم يعرف فهو كافر، فقال له محمّد بن مسلم: سبحان اللّه ماله إذا لم يعرف ولم يجحد يكفر؟! ليس بكافر إذا لم يجحد، قال: فلما حججت دخلت على أبي عبد اللّه (عَلَيهِ السَّلَامُ) فأخبرته بذلك، فقال: إنّک قد حضرت وغابا ولكن موعدكم الليلة الجمرة الوسطى بمنى.
فلما كانت الليلة اجتمعنا عنده وأبو الخطاب ومحمّد بن مسلم فتناول وسادة فوضعها فِي صدره ثُمّ قال لنا ما تقولون فِي خدمكم ونساءكم وأهليكم أليس يشهدون أن لا إله إلّا اللّه ؟ قلت: بلى، قال: أليس يشهدون أن محمّدا رسول اللّه (صَلَّى اللّه عَلَيْهِ وَآلِهِ)؟ قلت: بلى، قال: أليس يصلون ويصومون ويحجون ؟ قلت بلى قال فيعرفون ما أنتم عليه؟ قلت: لا، قال: فما هم عندكم؟ قلت : من لم يعرف هذا الامر فهو كافر.
قال: سبحان اللّه أما رأيت أهل الطريق وأهل المياه ؟ قلت: بلى، قال: أليس يصلون ويصومون ويحجون ؟ أليس يشهدون أن لا إله إلّا اللّه وأن محمّدا رسول اللّه قلت: بلى، قال: فيعرفون ما أنتم عليه ؟ قلت: لا، قال: فما هم عندكم؟ قلت: من لم يعرف هذا الامر فهو كافر.
ص: 157
قال: سبحان اللّه أما رأيت الكعبة والطواف وأهل اليمن وتعلقهم بأستار الكعبة ! قلت: بلى، قال أليس يشهدون أن لا إله إلّا اللّه وأن محمّدا رسول اللّه (صَلَّى اللّه عَلَيْهِ وَآلِهِ) ويصلون ويصومون ويحجون؟ قلت: بلى، قال: فيعرفون ما أنتم عليه قلت لا قال: فما تقولون فيهم؟ قلت: من لم يعرف فهو كافر. قال: سبحان اللّه هذا قول الخوارج، ثُمّ قال: إن شئتم أخبرتكم، فقلت أنا: لا، فقال: أما إنّه شر عليكم أن تقولوا بشئ ما لم تسمعوه منا، قال: فظننت أنّه يديرنا على قول محمّد بن مسلم.
أنظر أيدك اللّه تعالى بعين البصيرة إلى ما تضمنه هذا الخبر من كون جمهور النّاس فِي ذلك الوقت من الجاهلين بأمر الإمامة لا معرفة لهم بها ولم يسعوا بذكرها وصيبها، سيما سكان البوادي وأصحاب الحرف والصناعات ومن شغلته الدُّنيا عن النظر فِي أمر الآخرة و البله من النساء والرجال...
قال الفاضل الشارح ملّا صالح المازندراني فِي شرحه على الكافي بعد ذكر هذا أن غير العارف كافر سواء قامت عليه الحجة أم لم تقم، وسواء جحد أم لم يجحد وعلى هذا لا واسط بين المؤمن والكافر.
وذهب أبو الخطاب إلى أنّه كافر إن قامت عليه الحجة سواء جحد أم لم يجحد وعلى هذا بينهما واسطة و هي غير العارف قبل قيام الحجة عليه ولكن يلزم أن لا يكون قبله مع الإنكار أيضاً كافراً وليس كذلك.
و ذهب محمّد بن مسلم إلى أنّه كافر إذا جحد وبدون الجحد ليس بكافر وعلى هذا بينهما واسطة وهي من لم يعرف ولم يجحد ويسمى مستضعفا وضالاً والمراد بالضال فِي هذا الباب هُو هذا المعنى وإن كان يطلق كثيرا على المعنى الأعم منه وهو من لم يتمسك بالحق وخرج عن سبيله فإنه يصدق على جميع أرباب المذاهب الباطلة.
والظاهر أن مرادهم بالكافر هنا من يجري عليه أحكام الكفر فِي الدُّنيا مثل النجاسة وعدم جواز المباشرة والمناكحة وغيرها كما هُو مذهب بعض العلماء وإلا فلا خلاف فِي إستحقاق العقوبة وخلود بعضهم فِي النّار. إنتهى.
و روى الثقة الجليل علي بن جعفر وهو من الأصول المعتمدة المشهورة إلى الآن عن أخيه سألته عن نبي اللّه هل كان يقول على اللّه شيئا قط أو ينطق عن هوى، أو يتكلف ؟ فقال : لا، فقلت : أرأيتك قوله لعليّ (عَلَيهِ السَّلَامُ) : من كنت مولاه فعلي مولاه، اللّه أمره به ؟ قال : نعم، قلت : فأبرء إلى اللّه ممن أنكر ذلك منذ يوم أمر به رسول اللّه (صَلَّى اللّه عَلَيْهِ وَآلِهِ) ؟ قال : نعم، قلت : هل يسلم
الناس حتّى يعرفوا ذلك ؟
ص: 158
قال : لا، إلّا المستضعفين من الرجال والنساء والولدان الّذين لا يستطيعون حيلة ولا يهتدون سبيلا. قلت : من هو؟ قال : أرأيتم خدمكم ونساءكم ممن لا يعرف ذلك أتقتلون خدمكم وهم مقرون لكم؟ وقال : من عرض عليه ذلك فأنكره فأبعده اللّه وأسحقه لا خير فيه. الحديث
فانظر إلى نفيه (عَلَيهِ السَّلَامُ) عمن لا يعرف ذلك وإستثنائه المستضعفين من البين...
و روى أيضا فِي الكافي فِي الصحيح عن زُرارة قال: دخلت أنا وحمران أو أنا وبكير على أبي جعفر (عَلَيهِ السَّلَامُ) قال فقلنا له: إنا نمد المطمار قال: وما المطمار؟ قلت: التر، فمن وافقنا من علوي أو غيره توليناه ومن خالفنا من علوي أو غيره برئنا منه فقال لي: يا زُرارة قول اللّه أصدق من قولك، فأين الّذين قال اللّه عزّوجلّ: " إلّا المستضعفين من الرجال والنساء والوالدان لا يستطيعون حيلة ولا يهتدون سبيلا أين المرجون لأمر اللّه ؟ أين الّذين خلطوا عملا صالحا وآخر سيئا؟ أين أصحاب الأعراف أين المؤلفة قلوبهم؟...
و روى فِي الكافي فِي الصحيح عن زُرارة قال قلت لأبي جعفر (عَلَيهِ السَّلَامُ) إني أخشى أن لا يحل لي أن أتزوج من لم تكن على أمري فقال : ما يمنعك من البله من النساء ؟ فقلت : وما البله من النساء ؟ فقال : هن المستضعفات اللاتي لا ينصبن ولا يعرفن ما أنتم عليه.)
أقول : ثُمّ يبدأ فِي بيان كفر الناصبين والمخالفين فيصرّح:
(قد إستفاضت الأخبار عن السادة الأبرار بكفر أولئك الفجار.
فروى الكليني فِي الكافي بسنده إلى أبي جعفر (عَلَيهِ السَّلَامُ) : إن اللّه عزّوجلّ نصب عليّاً (عَلَيهِ السَّلَامُ) علماً بينه وبين خلقه فمن عرفه كان مؤمنا ومن أنكره كان كافرا ومن جهله كان ضالا.
و روى فيه أيضا عن أبي إبراهيم (عَلَيهِ السَّلَامُ) : إن عليّاً (عَلَيهِ السَّلَامُ) باب من أبواب الجنّة فمن دخل بابه كان مؤمنا ومن خرج من بابه كان كافرا ومن لم يدخل فيه ولم يخرج منه كان فِي الطبقة الّتي للّه فيهم المشيئة.
و روى فيه عن أبي عبد اللّه (عَلَيهِ السَّلَامُ) : من عرفنا كان مؤمنا ومن أنكرنا كان كافرا، ومن لم يعرفنا ولم ينكرنا كان ضالا حتّى يرجع إلى الهدى الّذي افترض اللّه عليه من طاعتنا الواجبة فإن يمت على ضلالته يفعل اللّه به ما يشاء.
ص: 159
وأنت خبير بما فِي هذه الأخبار الثلاثة من الدلالة على ما ذكرناه من تقسيم النّاس بالنسبة إلى الإمامة إلى تلك الأقسام....
و روى فِي كتاب كمال الدين عن الصَّادق (عَلَيهِ السَّلَامُ) قال : الإمام علم فِي ما بين اللّه عزّوجلّ وبين خلقه من عرفه كان مؤمنا ومن أنكره كان كافرا.
و روى فِي كتاب المجالس بسنده فيه عن النَّبيّ (صَلَّى اللّه عَلَيْهِ وَآلِهِ) أنّه قال لحذيفة بن اليمان : يا حذيفة إن الحجة اللّه عليك بعدي عليّ بن أبِي طالِب، الكفربه كفر باللّه والشرك به شرك باللّه والشك فيه شك فِي اللّه والإلحاد فيه..
فهذه جملة من الأخبار الواردة عن الأئمّة الأطهار (عَلَيهِم السَّلَامُ) فِي هذا المضمار وكلها كما ترى صريحة الدلالة واضحة المنار فِي كفر أولئك الفجار.
والمتبادر من الكفر حيث يطلق هُو المعنى المقابل للإسلام بالمعنى الأعم.
و اعلم أنّه قد إستفاضت عن أهل العصمة (عَلَيهِم السَّلَامُ) بإرتداد الصحابة بعد رحلته (صَلَّى اللّه عَلَيْهِ وَآلِهِ) من بين أظهرهم و هُو مصداق قوله "سبحانه أفإن مات أو قتل إنقلبتم على أعقابكم " و من المعلوم أنّه ليس منشأ ذلك الإرتداد إلّا العكوف على عجل السامري ونقض بيعة الوصي.
وحينئذ فما الفرق بينهم وبين الموجودين فِي هذ الأزمان بعد قيام الحجة وسطوع البرهان وإن تعامت عنه الأعين وصمت دونه الآذان فكل من نقض منهم تلك البيعة وخلع من عنقه تلك الربقة المنيعة خرج من الإسلام بكليته فاستوجب حد المرتد بجملته وليست تلك البيعة المؤكدة خاصّة بأولئك الموجودين بل هي جارية فِي الأعناق إلى يوم الدين.
فمن الأخبار الواردة بذلك ما رواه بسنده إلى عبد الرحيم القصير قال : قلت لأبي جعفر (عَلَيهِ السَّلَامُ) إن النّاس عادوا بعد ما قبض رسول اللّه (صَلَّى اللّه عَلَيْهِ وَآلِهِ) أهل الجاهلية...
و روى الكافي بسنده عن الحارث بن المغيرة قال: سمعت عبد الملك بن أعين يسأل أبا عبد اللّه (عَلَيهِ السَّلَامُ) فلم يسأله حتّى قال: فهلك النّاس إذا ؟ قال إي واللّه يا بن أعين فهلك النّاس أجمعون فقلت : من فِي المشرق ومن فِي المغرب ؟ فقال : إنّها فتحت بضلال إي واللّه لهلكوا إلّا ثلاثة.
ص: 160
و روى فيه أيضاً بسنده إلى أبي جعفر (عَلَيهِ السَّلَامُ) قال: كان النّاس أهل ردّة بعد النَّبيّ (صَلَّى اللّه عَلَيْهِ وَآلِهِ) إلّا ثلاثة فقلت من هم ؟ فقال المقداد بن أسود وأبوذر الغفاري وسلمان الفارسي رحمة اللّه وبركاته عليهم ثُمّ عرف النّاس بعد يسير وقال : هؤلاء الّذين دارت عليهم الرحى وأبو أن يبايعوا حتّى جاؤوا أمِير المؤمنين (عَلَيهِ السَّلَامُ) مكرهاً فبايع وذلك قوله تعالى " وما محمّد الّا رسول..."). (1)
أقول : هذه خلاصة ما تفضل به واللّه درّه وأسأل اللّه تعالى أن يجعله قدوة لمن بعده وحشره مع من تولاه وأحبه.
1- قال الإمام العسكري (عَلَيهِ السَّلَامُ) : فقيل لِرَسُولِ اللّه (صَلَّى اللّه عَلَيْهِ وَآلِهِ) فمن يستحق الزكاة قال: المستضعفُون من شِيعةِ محمّد وآلِهِ الّذين لم تقو بصائِرُهُم. فأما من قويت بصيرته، و حسنت بالولاية لأوليائه والبراءة من أعدائِهِ معرفتُهُ، فذاك أخوكم فِي الدِّينِ، أمس بِكُم رحماً من الآباء و الأُمّهاتِ المخالفين. (2)
1- حدّثنا جابِرُ بنُ عبد اللّه الأنصاري قال خطبنا رسولُ اللّه (صَلَّى اللّه عَلَيْهِ وَآلِهِ) فقال : أيُّها النّاس من أبغضنا أهل البيت بعثه اللّه يوم القيامةِ يهودياً قال: قُلتُ يا رسول اللّه و إن صام وصلّى وزعم أنّه مُسلِمٌ فقال وإن صام وصلّى وزعم أنهُ مُسلِمٌ. (3)
2 - عن بهز بن حكيم، عن أبيه، عن جدّه مُعاوية بن حيدة قال: قال رسولُ اللّه (صَلَّى اللّه عَلَيْهِ وَآلِهِ) لعليّ بن أبِي طالِب (عَلَيهِ السَّلَامُ) : يا علي ما كُنتُ أُبالِي من مات من أُمَّتِي وهُو يُبغِضُك، مات يهودياً أو نصرانياً.
ص: 161
قال محمّد بن الحارث، قال يزيدُ بنُ زُريعٍ قُلتُ لِبهز بن حكيم: باللّه أبوك حدّثك عن جدّك عن رسُولِ اللّه (صَلَّى اللّه عَلَيْهِ وَآلِهِ) بهذا الحديثِ ؟ قال : نعم، وإلا فسمر اللّه أذُنِيهِ بِسمارٍ من نارٍ. (1)
3 - قال أبو جعفر (عَلَيهِ السَّلَامُ) أنّه جاء رجُلٌ إِلى رَسُولِ اللّه (صَلَّى اللّه عَلَيْهِ وَآلِهِ) فقال يا رسول اللّه من قال لا إله إلّا اللّه مُؤْمِنٌ قال إن أعداء نا تلحق باليهود والنصارى إنّكُم لا تدخُلُون الجنّة حتّى تُحِبُّوني و كذب من زعم أنّه يُحِبُّنِي ويُبغِضُ هذا يعني عليّاً (عَلَيهِ السَّلَامُ). (2)
4- قال رسُولُ اللّه (صَلَّى اللّه عَلَيْهِ وَآلِهِ) من أبغضنا أهل البيت بعثه اللّه يهوديّاً ولو أن عبداً عبد اللّه بين الركن والمقام ألف سنةٍ ثُمّ لقي اللّه بغير ولايتنا لأكبهُ اللّه على منخِريهِ فِي النّار. (3)
5 - عن الصَّادق عن آبائِهِ (عَلَيهِم السَّلَامُ) قال قال رسول اللّه (صَلَّى اللّه عَلَيْهِ وَآلِهِ) من أبغضنا أهل البيتِ بعثهُ اللّه يهُودِيّاً قِيل يا رسول اللّه و إن شهد الشهادتين قال نعم فإنّما احتجز بهاتين الكلمتين عن سفكِ دمِهِ أو يُؤدّي الجزية عن يد وهو صاغِرُثُم قال من أبغضنا أهل البيتِ بعثه اللّه يهودياً قيل كيف يا رسول اللّه قال إن أدرك الدجّال آمن بِهِ. (4)
1- قال النَّبيّ (صَلَّى اللّه عَلَيْهِ وَآلِهِ) من أبغضنا أهل البيتِ فهُو مُنافِقٌ. (5)
ص: 162
1- عن زُرارة عن أبي عبد اللّه (عَلَيهِ السَّلَامُ) قال: قُلتُ أرأيت قولهُ ﴿ إِنَّما الصّدقات) (1) إِلَى آخِرِ الآيَةِ كلّ هؤلاء يُعطى إن كان لا يعرِفُ قال إنّ الإمام يُعطِي هؤلاء جميعاً لأنّهم يُقِرُّون لهُ بِالطاعة قال قُلتُ له و إن كانوا لا يعرفون فقال يا زُرارة لو كان يُعطِي من يعرِفُ دُون من لا يعرِفُ لم يُوجد لها موضعٌ وإِنما كان يُعطي من لا يعرِفُ لِيرغبَ فِي الدِّينِ فيثبت عليه وأما اليوم فلاتُعطِها أنت و أصحابك إلّا من يعرفُ. (2)
2 - قال الصَّادق (عَلَيهِ السَّلَامُ) : من أشبع عدواً لنا فقد قتل ولياً لنا. (3)
3 - عنِ الصَّادق (عَلَيهِ السَّلَامُ) قال: لا يحِلُّ أن تُدفع الزكاة إلّا إلى أهل الولاية و المعرفة. (4)
4- قال الرضا (عَلَيهِ السَّلَامُ) : لا يجوز أن يُعطى الزكاة غير أهل الولاية المعروفين. (5)
5 - فقه الرضا (عَلَيهِ السَّلَامُ) : إياك أن تُعطِي زكاة مالك غير أهل الولاية ولا تُعطى من أهل الولاية الأبوانِ والولد والزوجة والمملوك وكُلُّ من هُو فِي نفقتِك فلا تُعطِهِ. (6)
6- قال الإمام العسكري (عَلَيهِ السَّلَامُ) قيل لِرسولِ اللّه (صَلَّى اللّه عَلَيْهِ وَآلِهِ) من يستحقّ الزكاة قال المستضعفون من شِيعةِ محمّد وَآلِهِ الّذين لم تقو بصائِرُهُم فأما من قويت بصيرته و حسنت بالولاية لأوليائِهِ و البراءة من أعدائه معرفتُهُ فذاك أخوكم فِي الدِّينِ أمسُّ بِكُم رحماً من الآباء والأُمّهاتِ المخالفين فلا تُعطوه زكاةً ولا صدقةً فإنّ موالينا وشيعتنا مِنّا كالجسدِ الواحِدِ يحرم على جماعتِنا الزكاة و الصَّدقة وليكن ما تُعطونه إخوانكُمُ المستبصرين البِرّو ارفعوهم عن الزّكوات والصّدقات و نزِّهُوهُم عن أن تصُبُّوا عليهم أوساخكُم أ يُحِبُّ أحدُكُم أن يغسل وسخ بدنِهِ ثُمّ يَصُبّهُ على أخِيهِ المؤمنِ إِنّ وسخ الذُّنُوبِ أعظمُ من وسخ البدنِ فلا تُوسِحُوا بِها إِخوانكُمُ المؤمنين ولا تقصدوا أيضاً بصدقاتكم وزكواتِكُم المعاندين لآلِ محمّد المحبّين لأعدائهم عليهم فإنّ المتصدق على
ص: 163
أعدائنا كالسّارِقِ فِي حرم ربّنا عزّ و جلّ و حرمِي قِيل يا رسول اللّه والمستضعفون من المخالفين الجاهلين لا هُم فِي مُخالفتِنا مُستبصرون ولا هُم لنا مُعانِدُون قال فيُعطى الواحِدُ من الدّراهم ما دون الدرهم و من الخبز ما دُون الرغيف قال رسولُ اللّه (صَلَّى اللّه عَلَيْهِ وَآلِهِ) ثُمّ كلّ معروف بعد ذلك ما وقيتُم بِهِ أعراضكُم و صُنتُمُوها من ألسنةِ كِلابِ النّاس كالشعراء و الوقاعين فِي الأعراض تكفونهم فهو محسُوبُ لَكُم فِي الصّدقات. (1)
7- عن جعفر بن محمّد (عَلَيهِمَا السَّلَامُ) أنهُ سُئِل عن قول اللّه (إِنَّمَا الصَّدَقَاتُ لِلْفُقَرَاءِ وَالْمَسَاكِينِ) (2) فقال الفقيرُ الّذي لا يسألُ والمِسكِينُ أجهدُ مِنهُ والبائس الفقير أجهدُ مِنهما حالا ولا يُعطى الزكاة إلّا أهل الولاية من المؤمنين قيل له فإذا لم يكن بالموضعِ ولِيُّ مُحتاج إليها قال يُبعث بها إلى موضع آخر فيُقسم فِي أهل الولاية ولا يُعطى قوماً إن دعوتهم إلى أمرك لم يُجِيبُوك ولو كان الذبح وأهوى بِيدِهِ إِلى حلقِهِ قِيل له فإذا لم يُوجد مُؤمِنٌ مُستحِقٌ قال يُعطى المستضعفون الّذين لا ينصِبُون ويُعطى المؤمِنُ من الزَّكَاةِ ما يأكُلُ مِنهُ ويشربُ ويكتسي. ويتزوّج ويحجُّ و يتصدّقُ ويُوفي دينه. (3)
8 - عن زيد النرسي عن أبي عبد اللّه (عَلَيهِ السَّلَامُ) قال: سُئِل إذا لم يجد [ نجد] أهل الولاية يجوز لنا أن نصدّق على غيرهم فقال إذا لم يجدوا أهل الولاية فِي المصرِتكُونُون فِيهِ فابعثُوا بِالزَّكَاةِ المفروضة إلى أهل الولايةِ من غير أهلِ مِصركُم فأمّا ما كان فِي سِوى المفروض من صدقةٍ فإن لم تجدوا أهل الولاية فلا عليكم أن تُعطوه الصّبيان و من كان فِي مِثلِ عُقُولِ الصَّبيانِ ممن لا ينصِبُ ولا يعرف ما أنتم عليه فيُعادِيكُم ولا يُعرف خلاف ما أنم عليه فيتّبعه ويدين به وهُم المستضعفون من الرِّجالِ والنِّساءِ والولدانِ تُعطونهم دون الدّرهم ودُون الرَّغِيفِ فأمّا الدّرهم التّامّ فلا تُعطِي إلّا أهل الولاية قال فقُلتُ جُعِلتُ فِداك فما تقُولُ فِي السّائِلِ يسأل على البابِ و على الطريق و نحنُ لا نعرف ما هُو فقال لا تُعطِهِ ولا كرامة ولا تُعطِ غير أهل الولاية إلّا أن يرق قلبك عليه
ص: 164
فتُعطيه الكسرة من الخبز و القطعة من الورق فأما النَّاصب فلا يرقن قلبك عليه ولا تطعمه ولا تسقه وإن مات جوعاً أو عطشاً ولا تُغثهُ وإن كان غرقاً أو حرقاً فاستغاث فغطسه ولا تُغِثْهُ فإِنّ أبي نِعم المحمّديُّ كان يقولُ من أشبع ناصِباً ملأ اللّه جوفه ناراً يوم القيامةِ مُعذِّباً كان أو مغفُوراً له. (1)
9 - قال الإمام العسكري (عَلَيهِ السَّلَامُ) قوله عزّوجلّ (أَقِيمُوا الصَّلاة وَآتُوا الزَّكَاةَ) (2) آتوا الزكاة مُستحِقها لا تُؤتُوها كافِراً ولا مُنافِقاً قال رسُولُ اللّه (صَلَّى اللّه عَلَيْهِ وَآلِهِ) المتصدّق على أعدائنا كالسّارِقِ فِي حرم اللّه. (3)
10- عنِ الصَّادق (عَلَيهِ السَّلَامُ) قال: زكاة الفطرة واجبة على كلّ رأس صغير أو كبير حُرٍّ أو عبد ذكر أو أنثى أربعة أمداد من الحنطة والشّعير و التّمر و الزّبيب وهو صاع تامٌّ ولا يجوزُ دفع ذلك إِلَّا إلى أهل الولاية و المعرفة. (4)
11- عن مُعلى بن خنيس قال: خرج أبو عبد اللّه (عَلَيهِ السَّلَامُ) فِي ليلةٍ قد رشّتِ السَّماءُ وهُو يُرِيدُ ظُلّة بَنِي ساعدة فاتبعتُهُ فإذا هُو قد سقط مِنهُ شيءٌ فقال بِسمِ اللّه اللّهمّ رُدَّهُ علينا قال فأتيتُهُ فسلمتُ عليه فقال مُعلّى قُلتُ نعم جُعِلتُ فِداك فقال لي التمس بيدك فما وجدت من شيء فادفعه إلي قال فإذا أنا بِخُبز مُنتثِرِ فجعلتُ أدفعُ إِليهِ ما وجدتُ فإذا أنا بِجِرابٍ من خُبز فقُلتُ جُعِلتُ فِداك احمله عليّ فقال لا أنا أولى بِهِ مِنك ولكِنِ امض معي قال فأتينا ظلّة بَنِي ساعدة فإذا نحنُ بِقومٍ نِيام فجعل يدش الرغيف والرغيفين تحت ثوبِ كلّ واحِدٍ مِنهُم حتّى أتى على آخِرِهِ ثُمّ انصرفنا فقُلتُ جُعِلتُ فِداك يعرِفُ هؤلاء الحقّ فقال (عَلَيهِ السَّلَامُ) لو عرفُوا لَواسيناهُم بِالدُّقَةِ و الدُّقَةُ هِي المِلحُ إِنّ اللّه لم يخلق شيئاً إلّا وله خازن يخزنه إلّا الصَّدقة فإنّ الرب تبارك وتعالى يليها بنفسه وكان أبي إذا تصدّق بِشيءٍ وضعه فِي يدِ السّائِلِ ثُمّ ارتدهُ مِنهُ فقبله و شمهُ ثُمّ ردّهُ
ص: 165
فِي يد السائل وذلك أنها تقع فِي يد اللّه قبل أن تقع فِي يدِ السّائِلِ فأحببتُ أن أُناوِل ما وليها اللّه تعالى إن إذا ناولها اللّه وليها إن صدقة الليلِ تُطف غضب الرّبّ وتمحو الذنب العظيم وتهوّنُ الحِساب وصدقة النّهارِ تُثمِرُ المال وتزيدُ فِي العُمُرِ إِنَّ عِيسى ابن مريم (عَلَيهِ السَّلَامُ) لما أن مر على شاطئ البحر ألق بِقُرص من قُوتِهِ فِي الماءِ فقال له بعضُ الحواريين يا روح اللّه وكلمته لم فعلت هذا فإنّما هُو من قُوتِك قال فعلتُ هذا لتأكُله دابةٌ من دواتِ الماءِ وثوابُهُ عِندِ اللّه عَظِيمٌ. (1)
12- عن عُمر بن يزيد قال: سألت أبا عبد اللّه (عَلَيهِ السَّلَامُ) عنِ الصَّدقة على النَّاصب وعلى الزّيديّة فقال لا تصدق عليهم بشيءٍ ولا تُسقِهم من الماء إن استطعت وقال لي الزّيديّة هُم النُّصّاب. (2)
1- عن ابن رئاب قال: دخل زُرارة على أبي عبد اللّه (عَلَيهِ السَّلَامُ) فقال يا زُرارة مُتأهل أنت قال لا قال و ما يمنعك عن ذلك قال لأنّي لا أعلمُ تطِيبُ مُناكحة هؤلاء أم لا قال فكيف تصبرو أنت شاب قال أشتري الإماء قال ومن أين طابت لك نكاحُ الإماء قال إن الأمَّة إن رابني من أمرها شيء بعثها قال لم أسألك عن هذا ولكن سألتك من أين طاب لك فرجها قال له فتأمُرُني أن أتزوّج قال له ذاك إليك قال فقال له زُرارة هذا الكلام ينصرف على ضربين إما أن لا تُبالي أن أعصي. اللّه إذ لم تأمرني بذلك والوجه الآخرُ أن يكون [تكُون] مُطلقاً لي قال فقال عليك بالبلهاء قال فقُلتُ مِثلُ الّتي يكون [تكُونُ] على رأي الحكم بن عتيبة وسالم بن أبي حفصة قال لا الّتي لا تعرف ما أنتم عليه ولا تنصِبُ قد زوّج رسُولُ اللّه (صَلَّى اللّه عَلَيْهِ وَآلِهِ) أبا العاص بن الربيع وعُثمان بن عفان و تزوّج عائِشة وحفصة وغيرهما فقال لستُ أنا بمنزلة النَّبيّ الّذي كان يجري عليه حُكمُهُ و ما هُو إِلّا مُؤمِنٌ أو كافِرُ قال اللّه عزّوجلّ (فمِنكُم كافِرُو مِنكُم مُؤْمِنٌ) (3) فقال له أبو عبد اللّه (عَلَيهِ السَّلَامُ) فأين أصحاب الأعراف وأين المؤلّفةِ قُلُوبُهُم وأين الّذين (خلطوا عملا صالحاً
ص: 166
و آخرسيّئاً) (1) وأين الّذين لم يدخُلُوها وهم يطمعون قال زُرارة أيدخُلُ النَّارِ مُؤْمِنٌ فقال أبو عبد اللّه (عَلَيهِ السَّلَامُ) لا يدخُلُها إلّا أن يشاء اللّه قال زُرارة فيدخُلُ الكافِرُ الجنّة قال أبو عبد اللّه لا فقال زُرارة هل يخلو أن يكون مؤمناً أو كافراً فقال أبو عبد اللّه (عَلَيهِ السَّلَامُ) قولُ اللّه أصدقُ من قولك يا زُرارة يقول اللّه أَقُولُ يقولُ اللّه تعالى (لم يدخُلُوها و هم يطمعون) (2) لو كانُوا مُؤمِنِين لدخلوا الجنّة ولو كانُوا كافِرِين لدخلوا النار قال فما ذا فقال أبو عبد اللّه (عَلَيهِ السَّلَامُ) أرجمهم حيثُ أرجاهُمُ اللّه أما إِنَّكَ لو بقيت لرجعت عن هذا الكلام وتحلّلت عنك عُقدك قال فأصحاب زُرارة يقولون لرجعت عن هذا الكلام وتحلّلت عنك عُقد الإيمانِ فكُلُّ من أدرك زُرارة بن أعين فقد أدرك أبا عبد اللّه فَإِنَّهُ مات بعد أبي عبد اللّه (عَلَيهِ السَّلَامُ) بشهرين أو أقلّ و تُوُفِّي أبو عبد اللّه (عَلَيهِ السَّلَامُ) و زُرارة مريض مات فِي مرضه ذلك. (3)
2 - عن أبي عبد اللّه (عَلَيهِ السَّلَامُ) قال: سأله أبي وأنا أسمع عن نكاح اليَهوديَّة و النصرانية فقال نِكاحهما أحبُّ إليَّ من نِكاح النَّاصِبِيَّةِ وما أُحِبُّ لِلرَّجُلِ المسلم أن يتزوج اليَهوديَّة ولا النصرانية مخافة أن يتهوّد ولده أو يتنصّر. (4)
3 - عن أبي بصير عن أبي عبد اللّه (عَلَيهِ السَّلَامُ) أنّه قال: تزوج اليَهوديَّة والنّصرانية أفضل أو قال خيرٌ مِن تزوج النَّاصب والنَّاصِبِيَّةِ. (5)
4 - عن أبي عبد اللّه (عَلَيهِ السَّلَامُ) قال: لا يتزوّج المؤمِنُ النّاصبة المعروفة بذلك. (6)
5 - عن أبي عبد اللّه (عَلَيهِ السَّلَامُ) قال: قال له الفضيل أتزوّجُ النّاصِبة قال لا ولا كرامة قُلتُ جُعِلتُ فداك واللّه إِنِّي لأقُولُ لك هذا ولو جاءني ببيتٍ ملآن دراهم ما فعلتُ. (7)
ص: 167
6 - عبد اللّه بن سِنانِ قال: سألتُ أبا عبد اللّه (عَلَيهِ السَّلَامُ) عنِ النَّاصب الّذي قد عُرِف نصبُهُ وعداوتُهُ هل تُزوّجُهُ المؤمِنة وهُو قادِرٌ على ردّهِ و هُو لا يعلمُ بِردِهِ قال لا يُزوّج المؤمِنُ النّاصِبة ولا يتزوّج النَّاصب المؤمنة ولا يتزوّج المستضعفُ مُؤمِنةً. (1)
7 - عن الفضيل بن يسار قال: سألتُ أبا عبد اللّه (عَلَيهِ السَّلَامُ) عن نِكَاحِ النَّاصب فقال لا واللّه ما يَحِلُّ قال فضيلٌ ثُمّ سألتُهُ مرّةً أُخرى فقُلتُ جُعِلتُ فِداك ما تقُولُ فِي نِكَاحِهِم قال والمرأةٌ عارِفةٌ قُلتُ عارِفةٌ قال إنّ العارفة لا تُوضعُ إِلا عِند عارف. (2)
8 - عنِ الفضل بن يسار قال: سألتُ أبا جعفر (عَلَيهِ السَّلَامُ) عن مُناكحةِ النَّاصب والصَّلاة خلفه فقال لا تُناكِحه ولا تُصلّ خلفه. (3)
1 - قال الحسين بن علي (عَلَيهِمَا السَّلَامُ) من وضع دِينهُ على القياس لم يزل الدهر فِي الإرتماس مائِلًا عنِ المنهاج ظاعناً فِي الإعوجاج ضالًا عن السبيل قائلًا غير الجميل الخبر. (4)
2 - قال النَّبيّ (صَلَّى اللّه عَلَيْهِ وَآلِهِ) تعمل هذِهِ الأمَّة بُرهةً بِالكِتابِ وبُرهةً بِالسُّنّةِ وبُرهةً بِالقِياسِ فإذا فعلُوا ذلك فقد ضلُّوا. (5)
1- عن أبي جعفر (عَلَيهِ السَّلَامُ) قال: إن النّاس لما صنعوا ما صنعوا إذ بايعوا أبابكر لم يمنع أمِير المؤمنين (عَلَيهِ السَّلَامُ) من أن يدعو إلى نفسِهِ إِلّا نظراً لِلنَّاسِ وتخوفاً عليهم أن يرتدوا عن الإسلام فيعبُدوا الأوثان و لا يشهدوا أن لا إله إلّا اللّه وأن محمّداً رسول اللّه (صَلَّى اللّه عَلَيْهِ وَآلِهِ) وكان الأحب إليه أن يُقرهُم
ص: 168
على ما صنعُوا من أن يرتدوا عن جميع الإسلام وإنّما هلك الّذين ركبوا ما ركبوا فأما من لم يصنع ذلك ودخل فيما دخل فِيهِ النّاس على غيرِ عِلمٍ ولا عداوة لأمِير المؤمنين (عَلَيهِ السَّلَامُ) فإنّ ذلك لا يُكفره ولا يُخرِجُهُ من الإسلام ولذلك كتم عليّ (عَلَيهِ السَّلَامُ) أمره وبايع مُكرهاً حيث لم يجد أعواناً. (1)
2 - عن عبد الرحيم القصير قال: قُلتُ لأبي جعفر (عَلَيهِ السَّلَامُ) إِنّ النّاس يفزعُون إِذا قُلنا إِنَّ النّاس ارتدوا فقال يا عبد الرّحِيمِ إنّ النّاس عادوا بعد ما قُبض رسُولُ اللّه (صَلَّى اللّه عَلَيْهِ وَآلِهِ) أهل جاهِلِيّةٍ إِنَّ الأنصار اعتزلت فلم تعتزل بخير جعلُوا يُبايِعُون سعداً وهُم يرتجزون ارتجاز الجاهلية يا سعد أنت المرجى و شعرك المرجّل وفحلك المرجّمُ. (2)
3 - عن هاشم صاحِبِ البريدِ قال: كُنتُ أنا و محمّد بنُ مُسلِمٍ وأبو الخطابِ مُجتمعين فقال لنا أبو الخطاب ما تقولون فيمن لم يعرف هذا الأمر فقُلتُ من لم يعرف هذا الأمر فهو كافر فقال أبو الخطابِ ليس بِكافِرِ حتّى تقوم عليهِ الحُجّةُ فإذا قامت عليه الحُجّةُ فلم يعرف فهو كافر فقال لهُ محمّد بن مُسلِمٍ سُبحان اللّه ما له إذا لم يعرف ولم يجحد يكفُرُليس بكافِرٍ إذا لم يجحد قال فلمّا حججت دخلت على أبي عبد اللّه فأخبرتُهُ بذلك فقال إنّك قد حضرت وغابا ولكن موعدكم اللّيلة الجمرةُ الوسطى بمِنِّى فَلَمّا كانت الليلةُ اجتمعنا عِنده وأبو الخطّاب و محمّد بن مُسلِمٍ فتناول وسادةً فوضعها فِي صدره ثُمّ قال لنا ما تقُولُون فِي خدمكُم ونِسائِكُم وأهلِيكُم أليس يشهدون أن لا إله إلّا اللّه قُلتُ بلى قال أليس يشهدون أن محمّداً رَسُولُ اللّه (صَلَّى اللّه عَلَيْهِ وَآلِهِ) قُلتُ بلى قال أليس يُصلّون ويصُومُون و يحُجُون قُلتُ بلى قال فيعرفُون ما أنتُم عليه قُلتُ لا قال فما هُم عِندَكُم قُلتُ من لم يعرف هذا الأمر فهو كافرٌ قال سبحان اللّه أما رأيت أهل الطّريق وأهل المياهِ قُلتُ بلى قال أليس يُصلُّون ويصُومُون ويحجُّون أليس يشهدون أن لا إله إلّا اللّه وأَن محمّداً رَسُولُ اللّه قُلتُ بلى قال فيعرِفُون ما أنتُم عليهِ قُلتُ لا قال فما هُم عِندَكُم قُلتُ من لم يعرف هذا الأمر فهو كافر قال سبحان اللّه أما رأيت الكعبة والطواف وأهل اليمن وتعلقهم بأستار الكعبة قُلتُ بلى قال أليس يشهدون أن لا إله
ص: 169
إلّا اللّه وأن محمّداً رَسُولُ اللّه (صَلَّى اللّه عَلَيْهِ وَآلِهِ) و يُصلُّون ويصُومُون ويحجُّون قُلتُ بلى قال فيعرفُون ما أنتُم عليه قُلتُ لا قال فما تَقُولُون فيهم قُلتُ من لم يعرف فهو كافرٌ قال سبحان اللّه هذا قول الخوارج ثُمّ قال إِن شِئْتُم أخبرتكم فقُلتُ أنا لا فقال أما إِنَّهُ شرّ عليكم أن تقُولُوا بِشيءٍ ما لم تسمعُوهُ مِنا قال فظننتُ أَنَّهُ يُدِيرُنا على قول محمّد بن مُسلِم. (1)
4 - روى سليم بن قيس فيما جرى بين أمِير المؤمنين (عَلَيهِ السَّلَامُ) و بين الأشعثِ بن قيس لعنه اللّه أَنّ الأشعث قال له (عَلَيهِ السَّلَامُ) و اللّه لئن كان الأمرُ كما تقُولُ لقد هلكتِ الأُمه غيرك وغير شيعتك قال فإنّ الحقّ واللّه معي يا ابن قيس كما أقُولُ و ما هلك من الأمَّة إِلا النَّاصِبُون والمكابرون و الجاحِدُون والمعانِدُون فأما من تمسك بِالتَّوحِيدِ والإقرار بمحمّد والإِسلام ولم يخرُج من المِلَّةِ ولم يُظاهر علينا الظّلمة ولم ينصب لنا العداوة وشكّ فِي الخلافة ولم يعرف أهلها ووُلاتها ولم يعرف لنا ولايةً ولم ينصب لنا عداوةً فإنّ ذلك مُسلِمٌ مُستضعف يُرجى له رحمةُ اللّه ويُتخوّفُ عليه ذُنُوبُه. (2)
5 - ضُريس الكُناسِي قال: سألت أبا جعفر (عَلَيهِ السَّلَامُ) أنّ النّاس يذكُرُون أن فُراتنا يخرُجُ من الجنّة فكيف هُو و هُو يُقبِلُ من المغرِبِ وتُصبُّ فِيهِ العُيُونُ والأودية قال فقال أبو جعفر (عَلَيهِ السَّلَامُ) وأنا أسمعُ أنّ للّه جنَّةٌ خلقها اللّه فِي المغرب و ماءُ فُراتِكُم هذِهِ يخرُجُ مِنها وإليها تخرُجُ أرواح المؤمنين من حُفَرِهِم عِند كلّ مساءٍ فتسقط على ثمارها وتأكُلُ مِنها وتتنعم فيها وتتلاقى وتتعارفُ فإذا طلع الفجرُ هاجت من الجنّة فكانت فِي الهِواء فيما بين السّماءِ والأرض تطِيرُ ذاهبةً وجائيةً و تعهد حفرها إذا طلعتِ الشَّمس وتتلاقى فِي الهواء وتتعارفُ قال وإنّ للّه ناراً فِي المشرِقِ خلقها ليُسكنها أرواح الكُفَّارِ ويأكُلُون من زقُومِها ويشربون من حميمها ليلهم فاذا طلع الفجرُ هاجت إلى وادٍ بِاليمن يُقالُ لهُ برهُوتُ أشدُّ حرّاً من نِيرانِ الدُّنيا كانُوا فِيهِ يتلاقون ويتعارفون فإذا كان المساء عادوا إلى النّارِ فهم كذلك إلى يوم القيامةِ قال قُلتُ أصلحك اللّه ما حال الموحدين المقرين بِنُبُوَّةِ محمّد (صَلَّى اللّه عَلَيْهِ وَآلِهِ) من المسلمين المذنبين الّذين يموتُون وليس لهُم
ص: 170
إِمَامٌ و لا يعرِفُون ولايتكُم فقال أما هؤلاء فإِنَّهُم فِي حُفرِهِم لا يخرُجُون مِنها فمن كان مِنهُم لَهُ عمل صالح و لم تظهر منه عداوةٌ فإِنَّهُ يُخدُّ لَهُ خدّ إلى الجنّة الّتي خلقها اللّه فِي المغرب فيدخُلُ عليه مِنها الرّوحُ فِي حُفرتِهِ إِلى يوم القيامةِ فيلق اللّه فيُحاسِبُهُ بِحسناتِهِ وسيِّئاتِهِ فَإِما إلى الجنّة أو إلى نارٍ فهؤلاء موقُوفُون لأمر اللّه قال وكذلك يفعل اللّه بالمستضعفين والبله والأطفال وأولادِ المسلمين الّذين لم يبلغوا الحلم فأما النُّصَابُ من أهل القبلة فإِنَّهُم يُخدُّ لهم خدٌّ إلى النَّارِ الّتي خلقها اللّه فِي المشرق فيدخُلُ عليهم منها اللّهبُ والشّررو الدخان و فورةُ الحميم إلى يوم القيامةِ ثُمّ مصيرهم إلى الحميم ثُمّ فِي النَّارِ يُسجرُون ثُمّ قِيل هُم أين ما كُنتُم تدعُون من دُونِ اللّه أين إمامكم الّذي اتّخذتُمُوهُ دُون الإِمامِ الّذي جعلهُ اللّه لِلنَّاسِ إِماماً. (1)
1- عن الصَّادق (عَلَيهِ السَّلَامُ) فِي حديث طويل يقولُ فِي آخِرِه وإذا احتضر الكافِرُ حضره رسُولُ اللّه (صَلَّى اللّه عَلَيْهِ وَآلِهِ) و عليّ (عَلَيهِ السَّلَامُ) و جبرئيل و ملك الموتِ (عَلَيهِ السَّلَامُ) فيدنُو إِليه عليّ (عَلَيهِ السَّلَامُ) فيقول يا رسُول اللّه إِنّ هذا كان يُبغِضُنا أهل البيتِ فأبغضه فيقولُ رَسُولُ اللّه يا جبرئيلُ إِنَّ هذا كان يُبغِضُ اللّه ورسوله وأهل بيتِ رسُولِهِ فأبغضه فيقولُ جبرئيلُ لِملكِ الموتِ إِنّ هذا كان يُبغِضُ اللّه ورسوله و أهل بيتِهِ فأبغضه واعنف بِهِ فيدنُو مِنهُ ملك الموتِ فيقولُ يا عبد اللّه أخذت فكاك رقبتك أخذت أمان براءتك تمسّكت بالعِصمةِ الكُبرى فِي دار الحياةِ الدُّنيا فيقول وما هي فيقولُ ولايةُ عليّ بن أبِي طالِب (عَلَيهِ السَّلَامُ) فيقول ما أعرِفُها ولا أعتقدُ بِها فيقولُ له جبرئيل يا عدوّ اللّه وما كُنت تعتقد فيقولُ كذا وكذا فيقول له جبرئيل أبشريا عدو اللّه بِسخط اللّه وعذابِه فِي النَّارِو أما ما كُنت ترجو فقد فاتك و أما الّذي كُنت تخافُهُ فقد نزل بِك ثُمّ يَسُلُ نفسه سلًا عنيفاً ثُمّ يُوكَّلُ بِرُوحِهِ مِائَةُ شيطانٍ كُلُّهُم يبصُقُ فِي وجهِهِ ويتأذى بِرِيحِهِ فَإِذَا وُضِع فِي قبرِهِ فُتِح له باب من أبوابِ النَّارِ يدخُلُ عليه من فوحِ رِيحها ولهبها ثُمّ إِنَّهُ يُؤْتِى بِرُوحِهِ إِلَى جِبَالِ بِرَهُوت ثُمّ إِنَّهُ يصير فِي المركبات حتّى إِنَّهُ يصِيرُ فِي دُودةٍ بعد أن يجري فِي كلّ مسخ
ص: 171
مسخُوطٍ عليه حتّى يقوم قائمنا أهل البيتِ فيبعثه اللّه ليضرب عُنقه وذلك قوله (رَبَّنَا أَمَتَّنَا اثْنَتَيْنِ وَأَحْيَيْتَنَا اثْنَتَيْنِ فَاعْتَرَفْنَا بِذُنُوبِنَا فَهَلْ إِلَى خُرُوجٍ مِنْ سَبِيلٍ) (1) واللّه لقد أُتِي بِعُمر بن سعدٍ بعد ما قُتِل و إِنَّهُ لَفِي صُورةِ قِردٍ فِي عُنُقِهِ سِلسِلةٌ فجعل يعرِفُ أهل الدّارِ وهُم لا يعرِفُونَهُ واللّه لا يذهبُ الدُّنياحتى يُمسخ عدونا مسخاً ظاهِراً حتّى إنّ الرّجُل مِنهُم ليُمسخُ فِي حياتِهِ قرداً أو خِنزِيراً و من ورائهم عذابٌ غليظ و من ورائهم جهنَّم (وَسَاءَتْ مَصِيرًا). (2) و(3)
2 - عن حنان بن سدِيرٍ عن أبيه قال سمعت أبا جعفر (عَلَيهِ السَّلَامُ) يقول إن عدو عليّ (عَلَيهِ السَّلَامُ) لا يخرُجُ من الدُّنيا حتّى يجرع جُرعةً من الحميم و قال سواء على من خالف هذا الأمر صلي أوزنى. (4)
3 - قال الإمام العسكري (عَلَيهِ السَّلَامُ) قال رسولُ اللّه (صَلَّى اللّه عَلَيْهِ وَآلِهِ) ما من عبد ولا أمةٍ أُعطِي بيعة أمِيرِ المؤمنين عليّ (عَلَيهِ السَّلَامُ) فِي الظَّاهِرِ و نكثها فِي الباطن وأقام على نِفاقه إلّا وإذا جاءه ملك الموتِ لقبض رُوحِه تمثّل لهُ إِبليس وأعوانه و تمثّلت النّيران وأصناف عفاريتها لعينيه وقلبه و مقاعِدِهِ من مضايقها وتمثّل له أيضاً الجنان و منازِلُهُ فيها لو كان بقي على إيمانه ووفى ببيعتِهِ فيقولُ لهُ ملك الموتِ انظر إلى تلك الجِنانِ الّتي لا يُقادِرُ قدر سرائها وبهجتها وسُرُورِها إِلا اللّه ربّ العالمين كانت مُعدّةً لك فلو كُنت بقيت على ولايتك لأخِي محمّد رسُولِ اللّه (صَلَّى اللّه عَلَيْهِ وَآلِهِ) كان يكون إِليها مصيرُك يوم فصل القضاء ولكن نكثت وخالفت فتِلك النيران وأصناف عذابها و زبانِيتِها وأفاعِيها الفاغرة أفواهها وعقاربها النّاصِبةِ أذنابها و سباعها الشّائِلةِ مخالِبُها وسائِرُ أصنافِ عذابِها هولك وإليها مصيرك فعند ذلك يقول يا ليتني اتخذتُ مع الرَّسُولِ سبيلا و قبلتُ ما أمرني بِهِ والتزمتُ من مُوالاةِ عليّ (عَلَيهِ السَّلَامُ) ما ألزمني. (5)
ص: 172
4 - القاسم بن عُبيدِ بِإِسنادِهِ إِلى أبي عبد اللّه (عَلَيهِ السَّلَامُ) أنّه قرأ (مَنْ جَاءَ بِالْحَسَنَةِ فَلَهُ عَشْرُ أَمْثَالِهَا) (1) فقال إذا جاء بها مع الولاية فله عشر أمثالها وإذا جاء بالسيّئة فلا يُجزى إلّا مثلها وأمّا قوله (مَنْ جَاءَ بِالْحَسَنَةِ فَلَهُ خَيْرٌ مِنْهَا وَهُمْ مِنْ فَزَعٍ يَوْمَئِذٍ آمِنُونَ) فالحسنةُ ولايتنا وحُبُّنا و (من جاء بِالسَّيِّئَةِ فكُبّت وُجُوهُهُم فِي النّارِ)(2)، فهي بُعْضُنا أهل البيت لا يقبلُ اللّه لهم عملا ولا صرفاً و لا عدلا وهُم فِي نار جهنَّم (لا يُخرجُون منها)(3) (ولا يُخفّفُ عنهم العذاب). (4) و (5)
5 - عن أبي جعفر عن آبائه (عَلَيهِم السَّلَامُ) عن النَّبيّ (صَلَّى اللّه عَلَيْهِ وَآلِهِ) قال يحيى بن مُساوِرٍ أخبرنا أبو خالد الواسِطِيُّ عن زيد بن عليّ عن أبيه (عَلَيهِ السَّلَامُ) قالُوا قال رسُولُ اللّه (صَلَّى اللّه عَلَيْهِ وَآلِهِ) والّذي نفسِي بِيَدِهِ لا تُفارِقُ رُوحٌ جسد صاحِبِها حتّى تأكُل من ثِمار الجنّة أو من شجرة الزقوم و حين ترى ملك الموتِ تراني وترى عليّاً وفاطمة وحسناً وحسيناً (عَلَيهِم السَّلَامُ) فإن كان يُحِبُّنا قُلتُ يا ملك الموتِ ارفُق بِهِ إِنَّهُ كان يُحِبُّنِي ويُحِبُّ أهل بيتي و إن كان يُبغِضُنا قُلتُ يا ملك الموتِ شدّد عليهِ إِنَّهُ كان يُبغِضُني ويُبغِضُ أهل بيتي. (6)
6- عن عمَّار بن مروان قال حدّثني من سمع أبا عبد اللّه (عَلَيهِ السَّلَامُ) يقولُ مِنكُم واللّه يُقبلُ ولَكُم واللّه يُغفرُ إِنَّهُ ليس بين أحدِكُم وبين أن يغتبِط ويرى السُّرُور وقُرّة العينِ إِلَّا أَن تبلغ نفسُه هاهنا و أومأ بِيدِهِ إلى حلقهِ ثُمّ قال إنّه إذا كان ذلك واحتضر حضره رسُولُ اللّه (صَلَّى اللّه عَلَيْهِ وَآلِهِ) و علي و جبرئيل و ملك الموتِ (عَلَيهِمَا السَّلَامُ) فيدنُو مِنهُ عليّ (عَلَيهِ السَّلَامُ) فيقول يا رسول اللّه إِنّ هذا كان يُحِبُّنا أهل البيتِ فأحِبّه ويقول رسولُ اللّه (صَلَّى اللّه عَلَيْهِ وَآلِهِ) يا جبرئيل إنّ هذا كان يُحِبُّ اللّه ورسوله وأهل بيتِ رَسُولِهِ فَأحِبّهُ ويقولُ جبرئيلُ لِملكِ الموتِ إِنّ هذا كان يُحِبُّ اللّه ورَسُولَهُ وأهل بيتِ رَسُولِهِ فأحِبّهُ وارفُق
ص: 173
بِهِ فيدنُو مِنهُ ملك الموتِ فيقولُ يا عبد اللّه أخذت فكاك رقبتك أخذت أمان براءتك تمسكت بالعصمةِ الكُبرى فِي الحياةِ الدُّنيا قال فيُوفّقُهُ اللّه عزّ و جلّ فيقول نعم فيقولُ و ما ذاك فيقولُ ولاية عليّ بن أبِي طالِب فيقول صدقت أمّا الّذي كُنت تحذرُهُ فقد آمنك اللّه عنهُ و أما الّذي كُنت ترجُوهُ فقد أدركته أبشر بالسّلفِ الصّالِحِ مُرافقة رسُولِ اللّه (صَلَّى اللّه عَلَيْهِ وَآلِهِ) و علي و فاطِمة (عَلَيهِمَا السَّلَامُ) ثُمّ يسُلُّ نفسه سلّا رفيقاً ثُمّ يُنزِلُ بِكفنِهِ من الجنّة وحَنُوطِهِ من الجنّة بِمِسكِ أذفر فيُكفّنُ بذلك الكفن ويُحنّط بذلك الحنُوطِ ثُمّ يُكسى. حُلّةً صفراء من حُلل الجنّة فإذا وضع فِي قبره فتح اللّه له باباً من أبواب الجنّة يدخُلُ عليه من روحها و ريحانها ثُمّ يُفسح له عن أمامه مسيرة شهرو عن يمينه وعن يساره ثُمّ يُقال له نم نومة العروس على فراشها أبشر بروح و ريحان و جنّة نعيم و ربّ غيرِ غضبان ثُمّ يزُورُ آل محمّد فِي جِنانِ رضوى فياكُلُ معهُم من طعامهم ويشرب معهم من شرابهم ويتحدّث معهم فِي مجالِسِهِم حتّى يقوم قائمنا أهل البيتِ فإذا قام قائمنا بعثهُمُ اللّه فأقبلُوا معهُ يُلبون زُمراً زُمراً فعِند ذلك يرتاب المبطلون ويضمحِلُّ المحِلُّون وقليل ما يكُونُون هلكت المحاضِيرُو نجا المقربون من أجل ذلك قال رسُولُ اللّه (صَلَّى اللّه عَلَيْهِ وَآلِهِ) ليعليّ (عَلَيهِ السَّلَامُ) أنت أخي و ميعاد ما بيني وبينك وادِي السّلامِ قال وإذا احتضر الكافِرُ حضره رسُولُ اللّه (صَلَّى اللّه عَلَيْهِ وَآلِهِ) و علي و جبرئيل و ملك الموتِ (عَلَيهِمَا السَّلَامُ) فيدنُو مِنه عليّ (عَلَيهِ السَّلَامُ) فيقول يا رسول اللّه إنّ هذا كان يُبغِضُنا أهل البيت فأبغضه ويقولُ رَسُولُ اللّه (صَلَّى اللّه عَلَيْهِ وَآلِهِ) يا جبرئيل إنّ هذا كان يُبغِضُ اللّه ورسوله وأهل بيتِ رسُولِهِ فأبغضه ويقولُ جبرئيل يا ملك الموتِ إِنّ هذا كان يُبغِضُ اللّه ورسوله وأهل بيتِ رَسُولِهِ فأبغضه وأعنف عليه فيدنُو مِنهُ ملك الموتِ فيقولُ يا عبد اللّه أخذت فكاك رهانك أخذت أمان براءتك من النار تمسكت بالعصمة الكُبرى فِي الحياةِ الدُّنيا فيقولُ لا فيقولُ أبشريا عدو اللّه بِسخط اللّه عزّوجلّ وعذابِهِ والنَّارِ أَمّا الّذي كُنت تحذره فقد نزل بك ثُمّ يسُلُّ نفسه سلًا عنيفاً ثُمّ يُوكَّلُ بِرُوحِهِ ثلاثمائة شيطانٍ كُلُّهُم يبزُقُ فِي وجهِهِ ويتأذًى بِرُوحِهِ فإذا وُضِع فِي قبرِهِ فُتِح له باب من أبوابِ النَّارِ فيدخُلُ عليه من قيحها ولهبها. (1)
ص: 174
7 - عن ابن أبي يعفُورٍ أنّه قال: كان خطاب الجهني خليطاً لنا و كان شديد النّصبِ لِآلِ محمّد (صَلَّى اللّه عَلَيْهِ وَآلِهِ) وكان يصحب نجدة الحرُورِيّ قال فدخلتُ عليه أعُودُهُ لِلخُلطة والتَّقِيّة فإذا هُو مغمى عليه فِي حد الموت ف سمعته يقول ما لي ولك يا علي فأخبرتُ بذلك أبا عبد اللّه (عَلَيهِ السَّلَامُ) فقال أبو عبد اللّه (عَلَيهِ السَّلَامُ) رآه و ربّ الكعبة رآه و ربّ الكعبة رآه و ربّ الكعبة. (1)
8- قال رسولُ اللّه (صَلَّى اللّه عَلَيْهِ وَآلِهِ) و إن كان لأوليائنا مُعادِياً، ولأعدائِنا مُوالِياً، ولأضدادِنا بِألقابنا مُلقباً، فإذا جاءه ملك الموتِ لنزع رُوحِهِ مثل اللّه عزّ و جلّ لِذلِك الفاجِر سادتهُ الّذينَ اتَّخذهُم أرباباً من دُونِ اللّه، عليهِم من أنواع العذابِ ما يكادُ نظرُهُ إِليهِم يُهْلِكُهُ، ولا يزال يصِلُ إِلَيْهِ من حرّ عذابهم ما لا طاقة لهُ بِهِ.
فيقُولُ لهُ ملكُ الموتِ: يا أيُّها الفاجِرُ الكافِرُ تركت أولياء اللّه إلى أعدائِهِ فاليوم لا يُعْنُون عنك شيئاً، ولا تجد إلى مناص سبيلا.
فيرد عليهِ من العذابِ ما لوقُسِم أدناه على أهلِ الدُّنيا لأهلكهم.
ثُمّ إذا أُدلي فِي قبره رأى باباً من الجنّة مفتوحاً إلى قبره يرى مِنهُ خيراتها، فيقُولُ لَهُ مُنكَرُو نَكِيرٌ: انظر إلى ما حُرِمتهُ من تِلك الخيرات.
ثُمَّ يُفتحُ له فِي قبره بابٌ من النّارِ يدخُلُ عليهِ مِنهُ من عذابِها. فيقُولُ: يا ربّ لا تُقِمِ السّاعة يا ربّ لا تُقِمِ السّاعة. (2)
ص: 175
1- عن فُراتِ بن أحنف قال: كُنتُ عِند أبي عبد اللّه (عَلَيهِ السَّلَامُ) إذ دخل عليهِ رَجُلٌ من هؤلاء الملاعِينِ فقال واللّه لاسوءنّهُ فِي شِيعَتِهِ فقال يا أبا عبد اللّه أقبِل إِليَّ فلم يُقبل إليه فأعاد فلم يُقبل إليهِ ثُمّ أعاد الثّالثة فقال ها أنا ذا مُقبِل فقُل ولن تقُول خيراً فقال إنّ شيعتك يشربون النبيذ فقال و ما بأش بِالنّبيذ أخبرني أبي عن جابر بن عبد اللّه أن أصحاب رسُولِ اللّه (صَلَّى اللّه عَلَيْهِ وَآلِهِ) كانوا يشربون النبيذ فقال ليس أعنيك النبيذ أعنيك المسكر فقال شيعتنا أزكى وأطهر من أن يجري للشيطان فِي أمعائهم رسيس و إن فعل ذلك المخذول منهم فيجِدُ ربّاً رءوفاً ونبياً بالاستغفار لهُ عطوفاً و وليّاً له عند الحوض ولوفاً وتكون أنت وأصحابك ببرهوت ملُوفاً قال فأفحِم الرّجُلُ و سكت ثُمّ قال ليس أعنيك المسكر إنّما أعنيك الخمر فقال أبو عبد اللّه (عَلَيهِ السَّلَامُ) سلبك اللّه لسانك ما لك تُؤذينا فِي شِيعَتِنا مُنذُ اليوم أخبرني أبي عن علي بن الحسين عن عليّ بن أبِي طالِب عن رسُولِ اللّه عن جبرئيل (صَلَّى اللّه عَلَيْهِ وَآلِهِ) عن اللّه عزّ و جلّ أنّه قال يا محمّد إنني حظرتُ الفردوس على جميعِ النّبِيِّين حتّى تدخلها أنت وعلي وشيعتكما إلّا من اقترف مِنهُم كبيرةٌ فَإِنِّي أبلُوهُ فِي مَالِهِ أو بِخوفٍ من سُلطانِهِ حتّى تلقاه الملائكةُ بِالرّوحِ والريحان وأنا عليه غيرُ غضبان فيكُونُ ذلك حِلَّا لِما كان مِنهُ فهل عِند أصحابك هؤلاء شيءٌ من هذا فلم أودع. (1)
2 - أنّ رجُلًا من المنافقين قال لأبي الحسن الثاني (عَلَيهِ السَّلَامُ) إِنَّ من شِيعَتِكُم قوماً يشربون الخمر على الطَّرِيقِ فقال الحمدُ للّه الّذي جعلهم على الطَّرِيقِ فلا يزِيغُون عنه واعترضه آخرُ فقال إِنَّ من شيعتك من يشرب النبيذ فقال (عَلَيهِ السَّلَامُ) قد كان أصحابُ رَسُولِ اللّه (صَلَّى اللّه عَلَيْهِ وَآلِهِ) يشربون النبيذ فقال الرّجُلُ ما أعني ماء العسل وإنّما أعني الخمر قال فعرِق وجهُهُ ثُمّ قال اللّه أكرمُ من أن يجمع فِي قلب المؤمِن بين رسيس الخمر و حُبّنا أهل البيتِ ثُمّ صبر هنيئةً وقال فإن فعلها المنكوب منهم فإنّه يجد رباً رئوفاً ونبياً عطوفاً و إماماً له على الحوض عرُوفاً و سادةٌ لهُ بِالشّفاعةِ وُقُوفاً و تجد أنت روحك فِي برهوت ملُوفاً. (2)
ص: 176
3- عن أنس بن مالك قال: رأيتُ رسول اللّه (صَلَّى اللّه عَلَيْهِ وَآلِهِ) يقوما مقبلا على عليّ بن أبِي طالِب (عَلَيهِ السَّلَامُ) وهو يتلو هذه الآية (ومن الليل فتهجد به نافلةٌ لك عسى أن يبعثك ربُّك مقاماً محموداً) (1) فقال: يا علي، إن ربّي عزّوجلّ ملكني الشفاعة فِي أهل التوحيدِ من أُمّتِي وحظر ذلك عمن ناصبك و ناصب وُلدك من بعدِك. (2)
4 - حذيفة بن منصور قال: كُنتُ عِند أبي عبد اللّه (عَلَيهِ السَّلَامُ) إذ دخل عليه رجُلٌ فقال جُعِلتُ فِداك إِنَّ لِي أخاً لا يُؤتى من محبّتِكُم وإجلالِكُم وتعظيمِكُم غير أنّه يشرب الخمر فقال الصَّادق (عَلَيهِ السَّلَامُ) أما إنّه لعظيم أن يكون يُحِبُّنا بهذه الحالة ولكن ألا أُنبِّئُكُم بِشَرِ من هذا؟ النَّاصب لنا شرمِنهُ وإنّ أدنى المؤمنين و ليس فيهم دنِي ليُشفّعُ فِي مائتي إنسان ولو أن أهل السّماوات السبع و الأرضين السبع والبحارِ السّبع شفعُوا فِي ناصِي ما شُفَعُوا فِيهِ أَلَا إِنَّ هذا لا يخرُجُ من الدُّنيا حتّى يتوب أو يبتليهُ اللّه بِبلاء فِي جسدِهِ فيكون تحبيطاً لخطاياه حتّى يلق اللّه عزّوجلّ لا ذنب له إنّ شيعتنا على السبيل الأقومِ إِنّ شيعتنا لفي خيرثُم قال (عَلَيهِ السَّلَامُ) إن أبي كان كثيراً ما يقول أحبب حبيب آلِ محمّد و إن كان مُرهقاً ذيالًا وأبغض بغيض آل محمّد و إن كان صوّاماً قواماً. (3)
5- عن زيد الترسي، قال: قُلتُ لأبي الحسن موسى (عَلَيهِ السَّلَامُ) الرّجُلُ من مواليكُم يَكُونُ عارِفاً يشربُ الخمر و يرتكب الموبِق من الذنبِ نتبرأُ مِنه فقال تبرءُوا من فِعْلِهِ ولا تبرَّءُوا مِنْهُ أَحِبُّوهُ و أَبْغِضُوا عملهُ قُلتُ فيسعُنا أن نقُول فَاسِقٌ فاجِرٌ فقال لا الفاسِقُ الفاجِرُ الكافِرُ الجاحِدُ لنا النَّاصب لأوليائنا أبى اللّه أن يكون وليُّنا فاسقاً فاجِراً و إن عمل ما عمِل ولكنّكُم تَقُولُون فاسِقُ العمل فاجِرُ العملِ مُؤمِنُ النّفسِ خبِيثُ الفِعلِ طيِّبُ الرُّوحِ والبدنِ واللّه ما يخرُجُ ولِيُّنا من الدُّنيا إلّا و اللّه ورسولُهُ ونحنُ عنه راضُون يحشُرُهُ اللّه على ما فِيهِ من الذُّنُوبِ مُبيضٌاً وجهه مستورةً عورتُهُ آمِنةً روعته لا خوفٌ عليه ولا حُزن وذلك أنّه لا يخرُجُ من الدُّنيا حتّى يُصفّ من الذُّنُوبِ إِمّا بمصيبة فِي مالٍ أو نفس أو ولد أو مرض و أدنى ما يُصفّى بِهِ وُلِيُّنا أَن يُرِيهُ اللّه
ص: 177
رُؤيا مهولةٌ فيُصبحُ حزيناً لِما رأى فيكون ذلك كفّارةً له أو خوفاً يرد عليه من أهل دولةِ الباطِلِ أو يُشدّدُ عليه عِند الموت فيلق اللّه طاهراً من الذُّنُوبِ آمِناً روعتُهُ بمحمّد (صَلَّى اللّه عَلَيْهِ وَآلِهِ) و أمِير المؤمنين (عَلَيهِ السَّلَامُ) ثُمّ يكُونُ أمامه أحد الأمرين رحمةُ اللّه الواسعةُ الّتي هِي أوسعُ من ذُنُوبِ أَهلِ الأَرضِ جميعاً وشفاعةُ محمّد و أمِير المؤمنين صلى اللّه عليهما إن أخطأته رحمةُ ربّهِ أدركته شفاعة نبيه و أمِير المؤمنين (صَلَّى اللّه عَلَيْهِ وَآلِهِ) فعندها تُصِيبُهُ رحمةُ رَبِّهِ الواسعةُ. (1)
6 - يعقوب بن شعيب قال: قُلتُ لأبي عبد اللّه رجُلٌ يعمل بكذا وكذا و لم أدع شيئاً إِلا قُلتُهُ وهُو يعرف هذا الأمر فقال هذا يُرجى لهُ والنّاصِبُ لا يُرجى له و إن كان كما تَقُولُ لا يخرُجُ من الدُّنيا حتّى يُسلّط اللّه عليه شيئاً يُكفِّرُ اللّه عنهُ بِهِ إِمّا فقراً و إِمَّا مرضاً. (2)
7 - عن أبي جعفر (عَلَيهِ السَّلَامُ) قال: لو أن كلّ ملك خلقه اللّه عزّ و جلّ و كلّ ني بعثهُ اللّه وكُلّ صِدِيقٍ وكُلّ شهيد شفعُوا فِي ناصِبٍ لنا أهل البيتِ أن يُخرِجهُ اللّه جل وعزّ من النَّارِ ما أخرجه اللّه أبداً واللّه عزّ و جلّ يقولُ فِي كِتابِهِ (مَاكِثِين فِيهِ أَبَدَاً). (3) و (4)
8 - عن أبي عبد اللّه (عَلَيهِ السَّلَامُ) قال: من سعى فِي حاجة أخِيهِ المسلِمِ طلب وجه اللّه كتب اللّه عزّو جل له ألف حسنةٍ يغفِرُ فِيها لأقاربه و جيرانه و معارفه و من صنع إليه معرُوفاً فِي الدُّنيا فإذا كان يوم القيامة قيل له ادخُلِ النّار فمن وجدته فيها صنع إليك معرُوفاً فِي الدُّنيا فأخرجهُ بِإِذْنِ اللّه عزّو جلّ إلّا أن يكون ناصباً. (5)
9 - قال أبو عبد اللّه (عَلَيهِ السَّلَامُ) إنّ المؤمِن ليشفعُ لِحَمِيمِهِ إلّا أن يكون ناصِباً ولو أن ناصِباً شفع لهُ كلّ نبي مرسل و ملكٍ مُقربِ ما شُفِّعُوا. (6)
ص: 178
10- قال أبو عبد اللّه (عَلَيهِ السَّلَامُ) إنّ الجار يشفع لجاره و الحميم لحميمه ولو أنّ الملائكة المقرّبين و الأنبياء المرسلين شفعُوا فِي ناصِبٍ ما شُفّعُوا. (1)
11- عن عبدالحميد عن أبي جعفر (عَلَيهِ السَّلَامُ) قال: قُلتُ لهُ إنّ لنا جاراً ينتهك المحارم كلها حتّى إِنَّهُ ليترك الصَّلاة فضلا عن غيرها فقال سبحان اللّه وأعظم ذلك ألا أُخبِرُكُم بِمِن هُو شرمِنهُ قلت بلى قال النَّاصب لنا شرمِنهُ أَما إِنَّهُ ليس من عبدٍ يُذكرُ عِندَهُ أَهل البيتِ فيرِقُ لِذِكرِنا إِلَّا مسحت الملائكة ظهره وغفر لهُ ذُنُوبُهُ كُلُّها إلّا أن يجيء بذنب يُخرجُه من الإيمان وإن الشفاعة لمقبولةٌ وما تُقُتِل فِي ناصِبٍ و إنّ المؤمِن ليشفعُ لِجارِهِ و ماله حسنةٌ فيقول يا ربّ جاري كان يكف عنِّي الأذى فيشفعُ فِيهِ فيقولُ اللّه تبارك وتعالى أنا ربك و أنا أحقُّ من كافى عنك فيُدخِلُهُ الجنّة وما لهُ من حسنةٍ و إنّ أدنى المؤمنين شفاعةً ليشفع لثلاثين إنساناً فعِند ذلك يقولُ أهلُ النَّارِ (فَمَا لَنَا مِنْ شَافِعِينَ * وَلَا صَدِيقٍ حَمِيمٍ) (2). (3)
1- عن عبد اللّه الأصمّ عن مسمع كردين قال: قال لي أبو عبد اللّه يا مسمعُ أنت من أهلِ العِراقِ أ ما تأتي قبر الحسين قُلتُ لا أنا رجُلٌ مشهورٌ من أهل البصرة و عِندنا من يتبع هوى هذا الخليفة و أعداؤنا كثِيرةٌ من أهلِ القبائلِ من النُّصابِ وغيرِهم و لستُ آمنهم أن يرفعُوا علي حالي عند ولدِ سليمان فيُمثّلُون علي قال لي أفهما تذكرُ ما صُنع بِهِ قُلتُ بلى قال فتجزعُ قُلتُ إِي واللّه و أستعبر لذلك حتّى يرى أهلي أثر ذلك عليّ فأمتنِعُ من الطعام حتّى يستبين ذلك فِي وجهي قال رحم اللّه دمعتك أما إِنَّكَ من الّذين يُعدُّون فِي أهل الجزع لنا والّذين يفرحون لفرحِنا و يحزنُون لحزننا و يخافون لخوفنا ويأمنُون إذا أمنا أما إنّك سترى عِند موتك و حضور آبائي لك و وصيّتهم ملك الموتِ بِك وما يلقونك بِهِ من البشارة ما تقرُّبِهِ عينك قبل الموتِ فملك الموتِ أرقُ عليك و
ص: 179
أشدُّ رحمةً لك من الأُمِّ الشَّفيقة على ولدها قال ثُمّ استعبر و استعبرتُ معه فقال الحمد لِلَّهِ الّذي فضّلنا على خلقِهِ بِالرّحمةِ وخصّنا أهل البيتِ بِالرّحمة يا مسمعُ إِنّ الأرض والسماء لتبكي مُنذُ قُتِل أمِير المؤمنين رحمةً لنا وما بكى لنا من الملائكة أكثرُو ما رقأت دُمُوعُ الملائِكَةِ مُنذُ قُتِلنا وما بكى أحدٌ رحمةً لنا ولِما لقينا إلّا رحمه اللّه قبل أن تخرج الدمعة من عينهِ فإذا سال دموعُه على خدّهِ فلو أن قطرةً من دُمُوعِهِ سقطت فِي جهنَّم لاطفأت حرّها حتّى لا يُوجد لها حرو إنّ الموجع قلبه لنا ليفرح يوم يرانا عِند موتِهِ فرحةً لا تزال تلك الفرحة فِي قلبه حتّى يرد علينا الحوض و إنّ الكوثر ليفرحُ بِمُحِبّنا إذا ورد عليه حتّى إِنَّهُ ليُذِيقُهُ من ضُرُوبِ الطَّعامِ ما لا يشتهي أن يصدر عنه يا مسمعُ من شرب مِنهُ شربةً لم يظمأ بعدها أبداً ولم يشق بعدها أبداً و هُو فِي برد الكافور وريح المسكِ و طعمِ الزّنجبيل أحلى من العسل وألينُ من الرُّبدِ و أصفى من الدّمعِ وأذكى من العنبر يخرُجُ من تسنيم و يمُرُّ بأنهار الجنان تجري على رضراض الدُّرو الياقُوتِ فيه من القدحان أكثر من عددِ تُجومِ السّماءِ يُوجد رِيحُهُ من مسيرة ألفِ عامٍ قدحانُهُ من الذهبِ والفِضَّةِ وألوان الجوهرِيفُوحُ فِي وجهِ الشّارِبِ مِنهُ كلّ فائِحِةٍ يقولُ الشَّارِبُ مِنهُ ليتني تُرِكتُ هاهنا لا أبغي بهذا بدلا ولا عنه تحويلا أما إنّک يا كردين ممن تروى منه و ما من عين بكت لنا إلّا نُعِمت بِالنّظر إلى الكوثر و سُقِيت مِنهُ من أحبّنا فإنّ الشّارِب مِنه ليُعطى من اللَّذَّةِ والطعم والشّهوة له أكثر مِمّا يُعطاه من هُودُونهُ فِي حُبّنا و إنّ على الكوثر أمِير المؤمنين (عَلَيهِ السَّلَامُ) و فِي يده عا من عوسجٍ يحطم بها أعداءنا فيقولُ الرّجُلُ مِنهُم إِنِّي أشهدُ الشهادتين فيقولُ انطلق إلى إمامك فُلانٍ فاسأله أن يشفع لك فيقولُ يتبرأُ مِنِّي إِمامِي الّذي تذكُرُهُ فيقولُ ارجع وراءك فقُل لِلَّذِي كُنت تتولاه وتُقدِّمُهُ على الخلقِ فاسأله إذ كان عندك خير الخلق أن يشفع لك فإنّ خير الخلقِ حقيق أن لا يُردّ إذا شفع فيقولُ إنّي أهلِكُ عطشاً فيقولُ زادك اللّه ظماً وزادك اللّه عطشاً قُلتُ جُعِلتُ فِداك وكيف يقدِرُ على الدُّنُو من الحوض ولم يقدر عليه غيره قال ورع عن أشياء قبيحةٍ وكف عن شتمنا إذا ذكرنا وترك أشياء اجترأ عليها غيره وليس ذلك لِحُبّنا و لا هوًى مِنهُ ولكن ذلك لشدّة اجتِهادِهِ فِي عِبادتِهِ وتديُّنِهِ ولِما قد شغل به نفسه عن ذكرِ النّاس فأَما قلبُهُ فَنافِق ودِينُهُ النّصبُ بِاتِّباع أهلِ النّصبِ وولاية الماضين وتقدمه لهما على كل أحد. (1)
ص: 180
2 - قال الإمام العسكري (عَلَيهِ السَّلَامُ) قال الصَّادق (عَلَيهِ السَّلَامُ) و أعظمُ من هذا حسرةً رجُلٌ جمع مالا عظِيماً بِكةٍ شديد، و مُباشرة الأهوالِ، وتعرُّض الأخطارِ ثُمّ أفنى ماله فِي صدقات و مبرّاتٍ، و أفنى شبابه وقوته فِي عِباداتٍ وصلوات، وهو مع ذلك لا يرى لعليّ بن أبِي طالِب (عَلَيهِ السَّلَامُ) حقه، ولا يعرِفُ لَهُ من الإِسلام محله، ويرى أن من لا بِعُشره ولا بِعُشرِ عشِيرِ مِعشاره أفضلُ مِنه (عَلَيهِ السَّلَامُ) يُوقف على الحجج فلا يتأمّلُها، ويُحتج عليهِ بِالآياتِ والأخبار فيابى إِلّا مادِياً فِي غيّه، فذاك أعظمُ من كلّ حسرة يأتي يوم القيامةِ، وصدقاتُهُ مُملَةٌ لَهُ فِي مِثالِ الأَفَاعِي تنهشُهُ، وصلواتُه وعِباداتُهُ مُملَةٌ لَهُ فِي مِثالِ الزّبانِيةِ تدفعُهُ حتّى تدعه إلى جهنَّم دعاً يَقُولُ: يا ويلي ألم أكُ من المصلين ألم أكُ من المزكّين ألم ألتُ عن أموالِ النّاس ونسائهم من المتعففين، فلما ذا دُهِيتُ بِما دُهِيتُ فيُقالُ لَهُ : يا شي ما نفعك ما عملت، وقد ضيّعت أعظم الفُرُوضِ بعد توحِيدِ اللّه تعالى والإِيمَانِ بِنُبُوَّةِ محمّد رَسُولِ اللّه (صَلَّى اللّه عَلَيْهِ وَآلِهِ): ضيّعت ما لزمك من معرفة حق عليّ بن أبِي طالِب ولي اللّه، و التزمت ما حرم اللّه عليك من الائتمام بعد اللّه. فلوكان لك بدل أعمالك هذهِ عِبادة الدّهرِ من أوله إلى آخِرِه، وبدل صدقاتك الصَّدقة بِكُل أموالِ الدُّنيا بل بملء الأرض ذهباً لما زادك ذلِك من رحمة اللّه تعالى إِلّا بُعداً و من سخطِ اللّه عزّ و جلّ إِلَّا قُرباً. (1)
3 - عن أبي جعفر (عَلَيهِ السَّلَامُ) يقول من أبغض عليّاً دخل النار ثُمّ جعل اللّه فِي عُنُقِهِ اثني عشر ألف شعبة على كلّ شُعبةٍ منها شيطانُ يبزُقُ فِي وجهِهِ و يكلح. (2)
4 - قال الإمام العسكري (عَلَيهِ السَّلَامُ)، قال: قال رسول اللّه (صَلَّى اللّه عَلَيْهِ وَآلِهِ) :...فقال رسول اللّه (صَلَّى اللّه عَلَيْهِ وَآلِهِ) يا أبا الحسن، إن اللّه عزّوجلّ أوجب لك من الفضائل والثّوابِ ما لا يعرِفُه غيره، يُنادِي مُنادٍ يوم القيامة: أين مُحِبو عليّ بن أبِي طالِب ؟ فيقومُ قومٌ من الصّالِحِين، فيُقال لهم: خُذوا بأيدي من شئتُم من عرصات القيامة، فأدخِلُوهُم الجنّة، وأقل رجُل منهم ينجو بشفاعتِهِ من أهل تلك العرصات ألفُ أَلْفِ رَجُلٍ.
ثُمَّ يُنادِي مُنادٍ أين البقيَّةُ من مُحِبّي عليّ بن أبِي طالِب؟ فيقُومُ قومٌ مُقتَصِدُون، فيُقالُ هُم : تمنّوا
ص: 181
على اللّه تعالى ما شئتُم، فيتمنون، فيُفعلُ لِكُلِّ واحِدٍ مِنهُم مَا تَنَّاهُ، ثُمّ يُضعَفُ لَهُ مِائَةُ أَلْفِ ضعفٍ. ثُمّ يُنادِي مُنادٍ: أين البقيَّةُ من مُحِي عليّ بن أبِي طالِب ؟ فيقوم قوم ظالمون لأنفسهم، مُعتدون عليها، ويُقال: أين المبغضون لعليّ بن أبِي طالِب؟ فيُؤتى بهم جم غفير، و عدد كثِيرٌ، فيُقالُ : ألا نجعل كلّ ألفٍ من هؤلاءِ فِداءً لِواحِدٍ من مُحبّي عليّ بن أبِي طالِب (عَلَيهِ السَّلَامُ) ليدخلوا الجنّة ؟ فيُنجي اللّه عزّ و جلّ مُحِبّيك، ويجعل أعداءهم فداءهم. ثُمّ قال رسول اللّه (صَلَّى اللّه عَلَيْهِ وَآلِهِ): هذا الفضل الأكرم، مُحِبُّه محِبُّ اللّه و محِبُّ رسوله، ومبغضه مبغِضُ اللّه و مبغِضُ رَسُولِهِ هُم خِيارُ خلقِ اللّه من أمّة محمّد. (1)
5- عن أبي عبد اللّه (عَلَيهِ السَّلَامُ) قال قال أمِير المؤمنين (عَلَيهِ السَّلَامُ) أصبح عدونا على شفا حفرة قد تهاوت به فِي نار جهنَّم فتعساً لأهلِ النّارِ وبئس مثواهم إنّ اللّه عزّ و جلّ يقُولُ( فبئس مثوى المتكبّرين) (2) و ما من أحدٍ يقصُرُ [ عن حُبّنا بخير إِلَّا جعل [جعلهُ] اللّه عِنده. (3)
6 - عن ابن عبَّاس أنّه قال : مُبغِضُ عليّ (عَلَيهِ السَّلَامُ) يخرُجُ من قبره وفِي عُنُقِهِ طوقٌ من نار و على رأسِهِ شياطِينُ يلعنُونه حتّى يرد الموقف. (4)
7 - عن النَّبيّ (صَلَّى اللّه عَلَيْهِ وَآلِهِ) يا أبا ذريؤتى بِجاحِدِ علي يوم القيامةِ أعمى أبكم يتكبكبُ فِي ظُلُماتِ يومِ القِيامةِ يُنادِي يا حسرتى على ما فرّطتُ فِي جنب اللّه. (5) و (6)
8- عن مالك الجهني قال قال أبو عبد اللّه (عَلَيهِ السَّلَامُ) إِنَّهُ ليس من قوم ائتمُّوا بِإِمامِهِم فِي الدُّنيا إِلَّا جاء يوم القيامةِ يلعنُهُم ويلعنُونه إلّا أنتُم و من كان على مِثلِ حالِكُم. (7)
ص: 182
9 - عن مالِكِ الجُهَنِيِّ عن أبي عبد اللّه قال: يا مالك أما ترضون أن تُقِيمُوا الصَّلاة وتُؤدُّوا الزكاة و تكُفُّوا أيدِيكُم وتدخُلُوا الجنّة ثُمّ قال يا مالِكُ إِنَّهُ ليس من قومِ انتمُّوا بِإِمامٍ فِي دَارِ الدُّنيا إِلَّا جاء يوم القيامة يلعنهم ويلعنونهُ إِلا أَنتُم و من كان مِثلِ حالِكُم ثُمّ قال يا مالِكُ إِنّ الميت مِنكُم على هذا الأمرِ شَهِيدٌ بِمنزِلِةِ الضّارِبِ بِسيفِهِ فِي سَبِيلِ اللّه قال وقال مالك بينما أنا عِنده ذات يوم جالس وأنا أُحدّث نفسِي بِشيءٍ من فضلِهِم فقال لِي أَنتُم وَاللّه شِيعتنا لا تظنّنّ أَنَّكَ مُفرِط فِي أمرنا يا مالِكُ إِنَّهُ لا يُقدر على صفة اللّه فكما لا يُقدر على صفةِ اللّه كذلك لا يُقدرُ على صفةِ الرّسُولِ (صَلَّى اللّه عَلَيْهِ وَآلِهِ) وكما لا يُقدر على صِفةِ الرَّسُولِ فكذلك لا يُقدر على صفتِنا و كما لا يقدر على صفتِنا فكذلك لا يُقدر على صفة المؤمِنِ يا مَالِكُ إِنّ المؤمن ليلق أخاه فيُصافِحُهُ فلا يزالُ اللّه ينظُرُ إِليهما والذُّنُوبُ تتحاتُ عن وُجُوهِهِما حتّى يتفرقا و إِنَّهُ لن يُقدر على صفة من هُو هكذا وقال إنّ أبي (عَلَيهِ السَّلَامُ) كان يقول لن تطعم النَّارُ من يصِفُ هذا الأمر. (1)
10 - عن محمّد بن صالح عن مُجاهِدٍ عن ابن عبَّاس فِي قول اللّه تبارك وتعالى (يَوْمَ نَدْعُو كُلَّ أُنَاسٍ بِإِمَامِهِمْ) (2) فقال يُنادى يوم القيامة أين أمِير المؤمنين فلا يُجِيبُ أحدٌ أحداً ولا يقُومُ إِلا عليّ بن أبِي طالِب (عَلَيهِ السَّلَامُ) و من معه وسائِرُ الأُمم كُلُّهُم يُدعون إِلى النّار. (3).
11- عن كثير بن طارق قال: سألتُ زيد بن علي بن الحسين (عَلَيهِمَا السَّلَامُ) عن قول اللّه تعالى لا تدعُوا اليوم تُبُوراً واحِداً و ادعُوا تُبُوراً كثيراً فقال يا كثِيرُ إنَّك رجُلٌ صالح و لست بِمُتهم وإِنِّي أخافُ عليك أن تهلك إِن كلّ إِمام جائر فإنّ أتباعهم إذا أمر بهم إلى النَّارِ نادوا بِاسمِهِ فقالُوا يَا فُلانُ يا من أهلكنا هلم الآن فخلصنا مِمّا نحنُ فِيهِ ثُمّ يدعُون بِالويل والنُّبُورِ فَعِندها يُقالُ لهم (لا تَدْعُوا الْيَوْمَ ثُبُورًا وَاحِدًا وَادْعُوا ثُبُورًا كَثِيرًا) (4) ثُمّ قال زيدُ بنُ علي رحمهُ اللّه حدّثني أبي عليُّ بنُ الحسين
ص: 183
عن أبيه الحسين بن علي قال قال رسولُ اللّه صلى ال عليه واله لعلي عليه اسلام يا علي أنت و أصحابك فِي الجنّة أنت وأتباعُك يا عليُّ فِي الجنّة. (1)
12- عن أبي عبد اللّه (عَلَيهِ السَّلَامُ) قال قال رسولُ اللّه (صَلَّى اللّه عَلَيْهِ وَآلِهِ) يجيء كلّ غادر يوم القيامة بإمام مائِلٍ شِدقُهُ حتّى يدخُل النار و يجيءُ كلّ ناكِثٍ بِبيعةِ إِمَامٍ أجدم حتّى يدخُل النّار. (2)
13 - عن خيثمة الجعفي قال: كُنتُ عِند جعفر بن محمّد (عَلَيهِمَا السَّلَامُ) أنا ومُفضّلُ بنُ عُمر ليلًا ليس عِنده أحدٌ غيرُنا فقال لهُ مُفضّل الجُعِي جُعِلتُ فِداك حدّثنا حديثاً نُسرُّبِهِ قال نعم إذا كان يوم القيامةِ حشر اللّه الخلائق فِي صعِيدٍ َواحِدٍ حُفاةً عُراةٌ غُرلًا قال فقُلتُ جُعِلتُ فِداك ما الغُرلُ قال كما خُلِقُوا أَوّل مرة فيقِفُون حتّى يُلجِمهُمُ العرقُ فيقولون ليت اللّه يحكم بيننا ولو إلى النَّارِ يرون أن فِي النَّارِ راحةً فيما هُم فِيهِ ثُمّ يأتون آدم فيقولون أنت أبونا و أنت نبي فاسأل ربّك يحكم بيننا و لو إلى النّارِ فيقول آدم لستُ بِصاحِبِكُم خلقني ربّي بِيده و حملني على عرشه و أسجد لي ملائكته ثُمّ أمرني فعصيتُهُ ولكِنِّي أدُلُّكُم على ابني الصِّدِّيقِ الّذي مكث فِي قومِهِ ألف سنةٍ إِلَّا خمسين عاماً يدعُوهُم كُلّما كذَّبُوا اشتدّ تصدِيقُهُ (نوح) قال فياتُون نُوحاً فيقولون سل ربّك يحكم بيننا ولو إلى النَّارِ قال فيقولُ لستُ بِصاحِبِكُم إِنِّي قُلتُ إِنَّ ابني من أَهلِي ولكِنِّي أَدُلُّكُم على من اتخذه اللّه خلِيلًا فِي دارِ الدُّنيا إيتُوا إِبراهيم قال فيأتون إبراهيم فيقولُ لستُ بِصاحِبِكُم إِنِّي قُلتُ (إِنِّي سقيم) (3) ولكني أدُلُّكُم على من كلّم اللّه تكليما (موسى) قال فياتُون موسى فيقولُون له فيقولُ لستُ بصاحبكُم إنّي قتلت نفساً ولكني أدُلُّكُم على من كان يخلُقُ بِإِذنِ اللّه ويُبرِئُ الأكمه والأبرص بِإِذنِ اللّه (عيسى) فياتُونه فيقولُ لستُ بِصاحِبِكُم ولكِنِّي أَدُلُّكُم على من بشرتكُم بِهِ فِي دارِ الدُّنيا (أحمد) ثُمّ قال أبو عبد اللّه (عَلَيهِ السَّلَامُ) ما من نبي ولد من آدم إلى محمّد (صلوات اللّه عليهم) إلّا وهم تحت لواء محمّد قال فياتُونهُ ثُمّ قال فيقولون يا محمّد سل ربّك يحكم
ص: 184
بيننا و لو إلى النّارِ قال فيقول نعم أنا صاحِبُكُم فياتي دار الرّحمن وهِي عدنٌ وإِنّ بابها سعتُهُ بُعد ما بين المشرق والمغرِبِ فيُحرّك حلقةٌ من الحلقِ فيُقالُ من هذا وهُو أعلمُ بِهِ فيقولُ أَنا محمّد فيُقالُ افتحوا له قال فيُفتحُ لِي قال فإذا نظرتُ إلى ربّي مجدتُه تمجيداً لم يُجده أحدٌ كان قبلي ولا يُجده أحدٌ كان بعدِي ثُمّ أخِرُّ ساجداً فيقول يا محمّد ارفع رأسك وقُل يُسمع قولك واشفع تشفّع وسل تعط قال فإذا رفعتُ رأسي و نظرتُ إلى ربّي مجدتُهُ تمجيداً أفضل من الأولِ ثُمّ أَخِرُّ ساجداً فيقولُ ارفع رأسك وقُل يُسمع قولك واشفع تشفّع وسل تعط فإذا رفعتُ رأسي و نظرتُ إلى ربّي مجدتُه تمجيداً أفضل من الأول والثاني ثُمّ أخِرُّ ساجداً فيقولُ ارفع رأسك وقُل يُسمع قولُك واشفع تشفّع وسل تعط فإذا رفعتُ رأسي أقُولُ ربّ احكم بين عِبادِك ولو إلى النّارِ فيقول نعم يا محمّد قال ثُمّ يُؤتى بناقةٍ من ياقوت أحمر و زمامُها زبرجد أخضر حتّى أركبها ثُمّ آتِي المقام المحمود حتّى أقضي عليه وهو تلٌ من مِسك أذفر بحيالِ العرشِ ثُمّ يُدعى إبراهيم فيُحمل على مثلها فيجيء حتّى يقف عن يمين رسُولِ اللّه (صَلَّى اللّه عَلَيْهِ وَآلِهِ) ثُمّ رفع رسُولُ اللّه (صَلَّى اللّه عَلَيْهِ وَآلِهِ) بيده فضرب على كتف عليّ بن أبِي طالِب ثُمّ قال ثُمّ تُؤتى واللّه مِثلِها فتُحمل عليه ثُمّ تَجِيءُ حتّى تقف بيني و بين أبيك إبراهيم ثُمّ يخرُجُ مُنَادٍ من عِندِ الرّحمن فيقول يا معشر الخلائِقِ أليس العدلُ من ربِّكُم أن يُولّي كلّ قوم ما كانوا يتولون فِي دار الدُّنيا فيقولون بلى وأي شيءٍ عدل غيرُه قال فيقُومُ الشّيطان الّذي أَضلَّ فِرقةً من النّاس حتّى زعموا أن عِيسى هُو اللّه وابنُ اللّه فيتَّبِعُونه إلى النّارِ ويَقُومُ الشّيطان الّذي أضلَّ فِرقةً من النّاس حتّى زعَمُوا أَنْ عُزيزاً ابنُ اللّه حتّى يتبعونه إلى النّارِ و يقُومُ كلّ شيطانٍ أضل فرقةً فيتَّبِعُونه إلى النَّارِ حتّى تبق هذِهِ الأمَّة ثُمّ يخرُجُ مُنادٍ من عِندِ اللّه فيقولُ يا معشر الخلائِقِ أليس العدلُ من رَّبِّكُم أَن يُوتِي كلّ فرِيقٍ من كانُوا يتولون فِي دار الدُّنيا فيقولُون بلى فيقُومُ شيطان فيتَّبِعُهُ من كان يتولاه ثُمّ يَقُومُ شيطان فيتَّبِعُهُ من كان يتولاه ثُمّ يقُومُ شيطان ثالث فيتَّبِعُهُ من كان يتولاهُ ثُمّ يَقُومُ مُعاوِيَةُ فِيتَّبِعُهُ من كان يتولاه ويقوم علي فيتَّبِعُهُ من كان يتولاه ثُمّ يَزِيدُ بنُ مُعاوِية فيتّبِعُهُ من كان يتولاه ويقُومُ الحسن فيتَّبِعُهُ من كان يتولاه ويقومُ الحسين فيتَّبِعُهُ من كان يتولاه ثُمّ يَقُومُ مروان بن الحكم وعبدُ الملكِ فيتَّبِعُهما من كان يتولاهما ثُمّ يقُومُ علي بن الحسين فيتَّبِعُهُ من كان يتولاهُ ثُمّ يَقُومُ الوليد بن عبد الملكِ و
ص: 185
يقومُ محمّد بن علي فيتَّبِعُهُما من كان يتولاهما ثُمّ أَقُومُ أنا فيتَّبِعُني من كان يتولاني وكأنّي بِكُما معِي ثُمّ يُؤتى بِنا فيجلس على العرش ربُّنا ويُؤتى بِالكُتُبِ فنرجعُ فنشهدُ على عدوّنا ونشفعُ لِمن كان من شِيعَتِنا مُرهقاً قال قُلتُ جُعِلتُ فِداك فما المرهق قال المذنب فأما الّذين اتقوا من شِيعتنا فقد نجاهُمُ اللّه (بِمَفَازَتِهِمْ لَا يَمَسُّهُمُ السُّوءُ وَلَا هُمْ يَحْزَنُونَ) (1) قال ثُمّ جاءته جاريةٌ له فقالت إنّ فُلاناً القُرشِي بِالبابِ فقال ائذنُوا لَهُ ثُمّ قال لنا اسكُتُوا. (2)
14 - النَّبيّ (صَلَّى اللّه عَلَيْهِ وَآلِهِ) يذُودُ علي عنه يوم القيامة من ليس من شِيعَتِهِ و من شرب مِنهُ لم يظمأ أبداً. (3)
15- عن عبد اللّه بن عبَّاس (رضيَ اللّهُ عنهُ) قال قال رسولُ اللّه (صَلَّى اللّه عَلَيْهِ وَآلِهِ) إذا كان يوم القيامة أقف أنا و علي على الصّراطِ وبِيدِ كلّ واحِدٍ مِنّا سيف فلا يمر أحدٌ من خلقِ اللّه إِلا سألناه عن ولاية علي فمن كان معه شيءٌ مِنها نجا و فاز و إلّا ضربنا عُنُقهُ وألقيناهُ فِي النّار. (4)
16 - عن عليّ بن أبِي طالِب (عَلَيهِ السَّلَامُ) فِي قوله تعالى (أَلْقِيَا فِي جَهَنَّمَ كُلَّ كَفَّارٍ عَنِيدٍ) (5) فقال النّبِيُّ. قال (صَلَّى اللّه عَلَيْهِ وَآلِهِ) إنّ اللّه تبارك وتعالى إذا جمع النّاس يوم القيامةِ فِي صَعِيدٍ وَاحِدٍ كُنتُ أنا و أنت يومئذ عن يمين العرش فيُقالُ لي و لك قوما فألقيا من أبغضكُما وخالفكما وكذّبكُما فِي النّار. (6)
17- عن سلام بن المستنير قال: سألتُ أبا جعفر (عَلَيهِ السَّلَامُ) عن قوله تعالى (يَوْمَ يَقُولُ الْمُنَافِقُونَ وَالْمُنَافِقَاتُ لِلَّذِينَ آمَنُوا ﴾ الآية قال فقال أما إنّها نزلت فينا وفي شيعتنا وفي المنافقين الكُفَّارِ أما إِنَّهُ إذا كان يوم القيامةِ وحُبِس الخلائِقُ فِي طرِيقِ المحشرِ ضرب اللّه سُوراً من ظُلمةٍ فِيهِ بَابٌ فِيهِ الرّحمةُ يعني النُّور و ظاهِرُهُ من قِبلِهِ العذابُ يعني الظُّلمة فيُصيّرنا اللّه وشِيعتنا فِي باطِنِ
ص: 186
السُّورِ الّذي فِيهِ الرّحمةُ والنُّورُو عدونا والكُفَّار فِي ظاهِرِ السُّورِ الّذي فِيهِ الظُّلمةُ فَيُنَادِيكُم عدونا و عدُوكُم من البابِ الّذي فِي السُّورِ من ظاهِرِه و (ألم نكن معكم فِي الدُّنيا نَبِيُّنا) و نبيّكم واحِدٌ وصلاتنا وصلاتكم وصومُنا وصومُكُم وحجنا و حبُّكُم واحِدٌ قال فيُنادِيهِمُ الملك من عِندِ اللّه (بَلَى وَلَكِنَّكُمْ فَتَنْتُمْ أَنْفُسَكُمْ ﴾ بعد نبيّكم ثُمّ تولّيتُم و تركتُمُ اتباع من أمركُم بِهِ نبيّكم وتربّصتُم بِهِ الدوائر و ارتبتُم فيما قال فِيهِ نبيّكم (وغَرَتكُمُ الأَمانِي)، وما اجتمعتُم عليه من خِلافِكُم على أهلِ الحقّ وغرَكُم حِلمُ اللّه عنكُم فِي تِلك الحال حتّى جاء الحقّ ويعني بالحقّ ظُهور عليّ بن أبِي طالِب ومن ظهر من الأئمّة (عَلَيهِم السَّلَامُ) بعده بالحقّ وقوله (و غرّكُم بِاللّه الغرُورُ) يعني الشّيطان فاليوم لا يُؤخذُ مِنكُم فِديةٌ ولا من الّذين كفروا أي لا تُؤخذُ لكُم حسنةٌ تُفدُون بِها أَنفُسكُم (مَأْوَاكُمُ النَّارُ هِيَ مَوْلَاكُمْ وَبِئْسَ الْمَصِيرُ) (1). (2)
18 - أبي عبد اللّه (عَلَيهِ السَّلَامُ) قال: إنّ فِي النَّارِ لناراً تتعوّذُ مِنها أهلُ النَّارِ مَا خُلِقَت إِلا لِكُلِ مُتكبّرٍ جبّارٍ عنِيدٍ ولِكُلِ شيطانٍ مَرِيدٍ ولِ كلّ مُتكبّرِ لا يُؤْمِنُ بِيومِ الحِسابِ وكُلِّ ناصِبِ لِآلِ محمّد و قال إن أهون النّاس عذاباً يوم القيامةِ لرجُلٌ فِي ضحضاح من نار عليه نعلان من نار و شراكان من نارٍ يغلي مِنها دِماغه كما يغلي المرجلُ ما يرى أنّ فِي النَّارِ أحداً أشد عذاباً مِنهُ وما فِي النَّارِ أحد أهون عذاباً منه. (3)
19 - قال الإمام العسكري (عَلَيهِ السَّلَامُ) قوله عزّوجلّ (قُلْ مَنْ كَانَ عَدُوًّا لِجِبْرِيلَ فَإِنَّهُ نَزَّلَهُ عَلَى قَلْبِكَ بِإِذْنِ اللَّهِ مُصَدِّقًا لِمَا بَيْنَ يَدَيْهِ وَهُدًى وَبُشْرَى لِلْمُؤْمِنِينَ * مَنْ كَانَ عَدُوًّا لِلَّهِ وَمَلَائِكَتِهِ وَرُسُلِهِ وَجِبْرِيلَ وَمِيكَالَ فَإِنَّ اللَّهَ عَدُوٌّ لِلْكَافِرِينَ) (4) قال (عَلَيهِ السَّلَامُ) قال الحسين بن عليّ بن أبِي طالِب (عَلَيهِ السَّلَامُ) إنّ اللّه تعالى ذم اليهود فِي بُغضِهِم لِجبرئيل الّذي كان يُنفِّذُ قضاء اللّه فِيهِم بِما يكرهون وذمّهُم أيضاً و ذمّ النّواصِب فِي بُغضِهِم لِجبرئيل وميكائيل (عَلَيهِمَا السَّلَامُ) و ملائِكَةِ اللّه
ص: 187
النّازِلين لتأييد عليّ بن أبِي طالِب (عَلَيهِ السَّلَامُ) على الكافِرِين حتّى أذلّهم بِسِيفِهِ الصّارِمِ فقال قُل يا محمّد من كان عدُوا لِجِبريل من اليهودِ لِرفعِهِ من بُخت نَصِّر أن يقتله دانيال من غيرِ ذنبٍ كان جناه بُحْتُ نُصِّرُ حتّى بلغ كِتابُ اللّه فِي اليهود أجله وحلّ بهم ما جرى فِي سابِقِ عِلمِهِ ومن كان أيضاً عدُوّاً لجبرئيل من سائر الكافِرِين و من أعداء محمّد و على النّاصِبِين لأن اللّه تعالى بعث جبرئيل لعليّ (عَلَيهِ السَّلَامُ) مُؤيّداً وله على أعدائه ناصِراً و من كان عدواً لجبرئيل لمظاهرتِهِ محمّداً و عليّاً عليهما الصَّلاة والسلام ومُعاونتِهِ هُما و إنفاذِهِ لِقضاءِ رَبِّهِ عزّو جلّ فِي إهلاكِ أعدائه على يد من يشاءُ من عِبادِهِ فَإِنَّهُ يعني جبرئيل نزله يعني نزل هذا القُرآن على قلبك يا محمّد بِإِذْنِ اللّه بِأَمْرِ اللّه و هُو كقوله (نَزَلَ بِهِ الرُّوحُ الْأَمِينُ * عَلَى قَلْبِكَ لِتَكُونَ مِنَ الْمُنْذِرِينَ * بِلِسَانٍ عَرَبِيٍّ مُبِينٍ) (1) مُصدِّقاً لما بين يديه نزل هذا القُرآن جبرئيل على قلبك يا محمّد مُصدّقاً مُوافِقاً لما بين يديهِ من التّوراة و الإِنجِيلِ والزِّبُورِ وصُحُفِ إِبراهيم وكُتُبِ شيءٍ و غيرِهِم من الأنبياءِ ثُمّ قال من كان عدُوا للّه لإنعامِهِ على محمّد وعلي وآلِهِما الطيبين وهؤلاءِ الّذين بلغ من جهلِهِم أن قالُوا نحنُ نُبَغِضُ اللّه الّذي أكرم محمّداً و عليّاً بِما يدّعِيان و جبرئيل ومن كان عدوّاً لِجِبريل لأنّه جعله ظهيراً لمحمّد وعلي عليهما الصَّلاة والسلام على أعداء اللّه وظهيراً لسائر الأنبياء والمرسلين كذلك وملائكته يعني و من كان عدواً لملائكة اللّه المبعُونِين لِنُصرَةِ دِينِ اللّه وتأييد أولياء اللّه وذلك قول بعض النُّصابِ والمعاندين برئتُ من جبرئيل النَّاصِرِ لعليّ (عَلَيهِ السَّلَامُ) و هُو قوله ورُسُلِهِ و من كان عدوّاً لِرُسُلِ اللّه موسى وعيسى وسائر الأنبياء الّذين دعوا إلى نبوة محمّد (صَلَّى اللّه عَلَيْهِ وَآلِهِ) و إمامة عليّ (عَلَيهِ السَّلَامُ) ثُمّ قال و جبريل وميكال ومن كان عدوّاً لجبرئيل وميكائيل وذلك كقول من قال من النَّواصِبِ لَما قال النَّبيّ (صَلَّى اللّه عَلَيْهِ وَآلِهِ) فِي عليّ (عَلَيهِ السَّلَامُ) جبرئيل عن يمينه وميكائيل عن يساره و إسرافِيلُ من خلفِهِ وملك الموتِ أمامه واللّه تعالى من فوق عرشِهِ ناظِرُ بِالرِّضوانِ إِليهِ ناصِرُهُ قال بعضُ النواصب فأنا أبرأُ من اللّه و من جبرئيل وميكائيل والملائكةِ الّذين حالهم مع عليّ (عَلَيهِ السَّلَامُ) ما قاله محمّد (صَلَّى اللّه عَلَيْهِ وَآلِهِ) فقال من كان عدواً لهؤلاء تعصباً على عليّ بن أبِي طالِب (عَلَيهِ السَّلَامُ) فإنّ اللّه عدوٌّ لِلكافِرِين فاعِلٌ بِهم ما يفعل العدوُّ بِالعدُو من إحلالِ النّقِماتِ
ص: 188
وتشدِيدِ العُقُوباتِ وكان سببُ نُزُولِ هاتين الآيتين ما كان من اليهود أعداء اللّه من قول سي فِي جبرئيل و ميكائيل وما كان من أعداء اللّه النُّصابِ من قول أسوأ مِنهُ فِي اللّه وفِي جبرئيل وميكائيل و سائِرِ ملائِكَةِ اللّه وأما ما كان من النُّصابِ فهو أنّ رسُول اللّه (صَلَّى اللّه عَلَيْهِ وَآلِهِ) لما كان لا يزال يقولُ فِي عليّ (عَلَيهِ السَّلَامُ) الفضائل الّتي خصه اللّه عزّ و جلّ بها و الشرف الّذي أَهْلَهُ اللّه تعالى له وكان فِي كلّ ذلك يقولُ أخبرني بِهِ جبرئيل عنِ اللّه ويقولُ فِي بعض ذلك جبرئيل عن يمينه وميكائيل عن يساره و يفتخر جبرئيل على ميكائيل فِي أنّه عن يمين عليّ (عَلَيهِ السَّلَامُ) الّذي هُو أفضلُ من اليسارِ كما يفتخِرُندِيمُ مَلِكٍ عَظِيمٍ فِي الدُّنيا يُجلِسُهُ الملِكُ عن يمينِهِ على النديم الآخرِ الّذي يُجلِسُهُ على يساره ويفتخرانِ على إسرافيل الّذي خلفه فِي الخدمة وملك الموتِ الّذي أمامه بالخدمة و أن اليمين والشمال أشرفُ من ذلك كافتِخار حاشية الملكِ على زيادةِ قُربِ محلّهم من ملكهم و كان يقول رسُولُ اللّه (صَلَّى اللّه عَلَيْهِ وَآلِهِ) فِي بعض أحاديثه إنّ الملائكة أشرفُها عِند اللّه أشدُّها لعليّ بن أبِي طالِب حُبّاً و إن قسم الملائِكَةِ فيما بينها والّذي شرّف عليّاً على جميع الورى بعد محمّد المصطفى ويقول مرّةً إِنّ ملائكة السّماوات والحُجُبِ ليشتاقون إلى رؤيةِ عليّ بن أبِي طالِب كما تشتاقُ الوالِدةُ الشَّفيقةُ إلى ولدها البارِ الشَّفِيقِ آخِرِ من بقي عليها بعد عشرة دفنتهم فكان هؤلاءِ النُّصَابُ يقولُون إلى متى يقولُ محمّد جبرئيل وميكائيل والملائِكَةُ كلّ ذلك تفخيم لِعلي و تعظيم لشأنه ويقولُ اللّه تعالى خاص لعلي دون سائر الخلق برثنا من ربّ و من ملائكة ومِن جبرئيل وميكائيل هُم لِعليّ (عَلَيهِ السَّلَامُ) بعد محمّد (صَلَّى اللّه عَلَيْهِ وَآلِهِ) مُفضّلون و بِرِبْنَا من رُسُلِ اللّه الّذين هم لعليّ (عَلَيهِ السَّلَامُ) بعد محمّد (صَلَّى اللّه عَلَيْهِ وَآلِهِ) مُفضّلون وأما ما قاله اليهود فهو أن اليهود أعداء اللّه فإِنَّهُ لَما قدم النَّبيّ (صَلَّى اللّه عَلَيْهِ وَآلِهِ) المدينة أتوه بعبد اللّه بن صوريا فقال يا محمّد كيف نومك فإنّا قد أُخبرنا عن نوم النَّبيّ الّذي يأتي فِي آخر الزمان فقال رسولُ اللّه (صَلَّى اللّه عَلَيْهِ وَآلِهِ) تنام عيني وقلبي يقظان قال صدقت يا محمّد قال أخبرني يا محمّد الولد يكُونُ من الرّجُلِ أو من المرأةِ فقال النَّبيّ (صَلَّى اللّه عَلَيْهِ وَآلِهِ) أمّا العِظامُ والعصبُ والعُرُوقُ فِمِن الرّجُلِ وأمّا اللحمُ والدّمُ والشعر فن المرأة قال صدقت يا محمّد ثُمّ قال يا محمّد فما بال الولدِ يُشبِهُ أعمامه ليس فِيهِ من شبه أخواله شيءٌ و يُشبِهُ أخواله ليس فِيهِ من شِبهِ أعمامِهِ شيءٌ فقال رسُولُ اللّه (صَلَّى اللّه عَلَيْهِ وَآلِهِ) أَيُّهما علاماؤُهُ
ص: 189
ماء صاحِبِهِ كان الشّبه له قال صدقت يا محمّد فأخبرني عمن لا يُولد له و من يُولد له فقال إذا مغرتِ النُّطفة لم يُولد له إذا احمرت و كدِرت وإذا كانت صافيةً وُلِد له فقال أخبرني عن ربّك ما هو فنزلت ﴿قُل هُو اللّه أحدٌ) (1) إلى آخِرِها فقال ابنُ صُورِيا صدقت يا محمّد بقيت خصلةٌ إِن قُلتها آمنتُ بِك واتبعتُك أيُّ ملكٍ ياتيك بما تقُولُهُ عنِ اللّه قال جبرئيل قال ابنُ صُورِيا كان ذلك عدونا من بين الملائكة ينزِلُ بِالقتل والشّدّة والحرب ورسُولُنا ميكائيل يأتي بِالسُّرورِ والرّخاءِ فلوكان ميكائيل هُو الّذي يأتيك آمنا بك لأن ميكائيل كان يشُدُّ مُلكنا و جبرئيل كان يُهْلِكُ ملكنا فهو عدونا لِذلك فقال له سلمان الفارِسِيُّ فما بدءُ عداوتِهِ لك قال نعم يا سلمان عادانا مراراً كثيرةً و كان من أشدّ ذلك علينا أنّ اللّه أنزل على أنبيائِهِ أنّ بيت المقدِسِ يُخرِّبُ على يدِ رجُلٍ يُقالُ لَهُ بُخت نُضِّرُو فِي زمانِهِ وأخبرنا بِالحِينِ الّذي يُحْرَبُ فِيهِ واللّه يُحدِثُ الأمر بعد الأمرِ فيمحو ما يشاءُ ويُثبِتُ فلَمّا بلغنا ذلك الحين الّذي يَكُونُ فِيهِ هلاكُ بيتِ المقدِسِ بعث أوائِلُنا رجُلًا من أقوياء بَنِي إسرائيل وأفاضلِهِم نبيّاً كان يُعدُّ من أنْبِيَائِهِم يُقالُ لَهُ دَانِيالُ فِي طلبِ بخت نصر ليقتله فحمل معه وقر مالٍ لِيُنفِقهُ فِي ذلك فلما انطلق فِي طلبِهِ لَقِيهُ بِبابِل غُلاماً ضعِيفاً مسكيناً ليس لهُ قُوّةٌ ولا منعةٌ فأخذه صاحِبُنا ليقتله فدفع عنه جبرئيل وقال لِصاحِبِنا إن كان ربُّكُم هُو الّذي أمر هلاكِكُم فإِنَّهُ لا يُسلّطك عليه وإن لم يكن هذا فعلى أيّ شيء تقتُلُه فصدّقه صاحِبُنا وتركه و رجع إلينا و أخبرنا بذلك وقوي بخت نُصَّرُو ملك و غزانا و خرّب بيت المقدس فلهذا نتخِذُهُ عدواً و ميكائيل عدوّ لجبرئيل فقال سلمان يا ابن صُورِيا بهذا العقلِ المسلُوكِ بِهِ غيرُ سبِيلِهِ ضللتم أرأيتُم أوائلكُم كيف بعثوا من يقتُلُ بخت نصر و قد أخبر اللّه تعالى فِي كُتُبِهِ وعلى ألسنةِ رُسُلِهِ أَنَّهُ يملكُ ويُخرب بيت المقدِس أرادوا تكذيب أَنبِياءِ اللّه تعالى فِي أخبارِهِم واتّهمُوهُم فِي أخبارِهِم أو صدّقُوهُم فِي الخبر عن اللّه ومع ذلك أرادوا مُغالبة اللّه هل كان هؤلاء ومن وجهُوهُ إِلا كفاراً بِاللّه وأيُّ عداوة تجُوزُ أَن يُعتقد لجبرئيل وهو يصُدُّ عن مغالبة اللّه عزّ و جلّ وينهى عن تكذِيبِ خبر اللّه تعالى فقال ابنُ صُورِ ياقد كان اللّه تعالى أخبر بذلك على ألسنِ أنْبِيائِهِ لكِنَّهُ يمحُوما يشاءُ ويُثبِتُ قال سلمان فإذا لا تقُوا بِشيءٍ لِمَا فِي التوراة من
ص: 190
الأخبار عمّا مضى و ما يستأنف فإنّ اللّه يمحو ما يشاءُ ويُثبِتُ وإِذا لعل اللّه قد كان عزل موسى وهارون عنِ النُّبُوَّةِ وأبطلا فِي دعوتِهما لأن اللّه يمحُو ما يشاءُ ويُثبِتُ ولعلّ كلّ ما أخبراكُم أنّهُ يَكُونُ لا يكُونُ و ما أخبراكُم أنّه لا يكُونُ يَكُونُ وكذلك ما أخبراكُم عمّا كان لعلّهُ لم يكُن وما أخبراكُم أنّه لم يكن لعله كان و لعل ما وعده من الثّوابِ يمحوه و لعل ما توعد بِهِ مِن العِقابِ يمحُوهُ فإِنَّهُ يمحو ما يشاءُ ويُثبِتُ أنّكُم جهلتُم معنى (يمحُوا اللّه مَا يَشَاءُ وَيُثْبِتُ) (1) فلِذلِكُم أَنتُم بِاللّه كَافِرُون و لإخباره عنِ الغُيُوبِ مُكَذِّبُون وعن دِينِ اللّه مُنسلِخُون ثُمّ قال سلمان فإنّي أشهد أن من كان عدُوّاً لجبرئيل فإنّه عدُوّ لميكائيل وأنهما جميعاً عدوّانِ لِمن عاداهُما سِلمانِ لِمن سالمهُما فأنزل اللّه تعالى عِند ذلك مُوافِقاً لقول سلمان رحمةُ اللّه عليه قُل من كان عدوا لجبريل فِي مُظاهرتِهِ لِأُولِياءِ اللّه على أعدائِهِ و نُزُولِهِ بِفَضائِلِ علي ولي اللّه من عِندِ اللّه فَإِنَّهُ نزلهُ فإِن جبرئيل نزل هذا القُرآن على قلبك بِإِذنِ اللّه و أَمرِهِ مُصدِّقاً لِما بين يديهِ من سائِرِ كُتُبِ اللّه وهُدىً من الضَّلالَةِ وبُشرى لِلمُؤمِنِين بِنُبُوّة محمّد (صَلَّى اللّه عَلَيْهِ وَآلِهِ) و ولاية علي و من بعده من الأتمتة بأنهم أولياء اللّه حقّاً إذا ماتوا على مُوالاتِهم لمحمّد وعلى والهما الطيبين ثُمّ قال رسُولُ اللّه (صَلَّى اللّه عَلَيْهِ وَآلِهِ) يا سلمان إنّ اللّه صدّق قيلك و وفّق رأيك فإن جبرئيل عنِ اللّه يقولُ يا محمّد إنّ سلمان والمقداد أخوانِ مُتصافيان فِي ودادِك و وداد علىّ أخيك ووصيّك وصفيّك و هما فِي أصحابِك كجبرئيل وميكائيل فِي الملائِكَةِ عُدوّانِ لِمن أبغض أحدهما ولِيانِ لِمن والاهما والى محمّداً و عليّاً عدوّانِ من عادى محمّداً و عليّاً و أولياءهما و لو أحبّ أهلُ الأَرضِ سلمان و المقداد كما تُحِبُّهما ملائِكَةُ السّماوات والحُجُبِ والكُرسي و العرش لمحض ودادِهِما لمحمّد و علي وموالاتهما لأوليائهما ومعاداتهما لأعدائهما لما عذّب اللّه تعالى أحداً منهُم بعذابٍ البتّة. (2)
ص: 191
1- عن سلام بن المستنير قال سمعت أبا جعفر (عَلَيهِ السَّلَامُ) يُحدِّثُ إذا قام القائم (عَلَيهِ السَّلَامُ) عرض الإيمان على كلّ ناصِبٍ فإن دخل فِيهِ بِحقِيقةٍ وإِلّا ضَرب عُنُقَهُ أو يُؤدِّي الجزية كما يُؤدِّيها اليوم أهلُ الذّمّةِ ويَشُدُّ على وسطِهِ الهِميان ويُخرِجُهُم من الأمصار إلى السّواد. (1)
2 - عن أبي بصير عن أبي عبد اللّه (عَلَيهِ السَّلَامُ) قال قال لي يا أبا محمّد كأَنِّي أرى نُزُول القائم (عَلَيهِ السَّلَامُ) فِي مسجِدِ السّهلةِ بِأَهلِهِ و عِيالِه قُلتُ يكُونُ منزِلهُ جُعِلتُ فِداك قال نعم كان فيه منزل إدريس و كان منزل إبراهيم خليلِ الرّحمن و ما بعث اللّه نبياً إلّا وقد صلّى فِيهِ وفِيهِ مسكنُ الخضِرِ و المقِيمُ فِيهِ كالمقِيمِ فِي فُسطاط رسُولِ اللّه (صَلَّى اللّه عَلَيْهِ وَآلِهِ) وما من مُؤْمِنٍ وَلَا مُؤْمِنَةٍ إِلا وقلبُهُ يحِنُّ إليهِ قُلتُ جُعِلتُ فِداك لا يزالُ القائِمُ فِيهِ أبداً قال نعم قُلتُ فين بعدِهِ قال هكذا من بعدِهِ إلى انقضاء الخلقِ قُلتُ فما يَكُونُ من أهلِ الدِّمَةِ عِنده قال يُسالمهم كما سالمهم رسُولُ اللّه (صَلَّى اللّه عَلَيْهِ وَآلِهِ) ويُؤدُّون (الجزية عن يد وهُم صاغِرُون﴾ (2) قُلتُ فمن نصب لكُم عداوةً فقال لا يا با محمّد ما لمن خالفنا فِي دولتنا من نصيب إنّ اللّه قد أحل لنا دِماءهُم عِند قِيامِ قائمنا فاليوم مُحرّم علينا وعليكم ذلك فلا يغُرّنّك أحدٌ إذا قام قائمنا انتقم للّه ولِرَسُولِهِ و لنا أجمعين. (3)
3 - قال الصَّادق (عَلَيهِ السَّلَامُ) : إذا قام القائم (عَلَيهِ السَّلَامُ) أتى رحبة الكوفة فقال بِرِجْلِهِ هكذا و أومأ بِيدِهِ إلى موضع ثُمّ قال احفِرُوا هاهنا فيحفرون فيستخرجون اثني عشر ألف درعٍ و اثني عشر ألف سيف و اثني عشر ألف بيضةٍ لِكُلِّ بيضةٍ وجهانِ ثُمّ يدعُواثني عشر ألف رجُلٍ من الموالي من العرب و العجم فيُلبِسُهُم ذلك ثُمّ يقولُ من لم يكُن عليه مِثلُ ما عليكم فاقتُلُوهُ. (4)
ص: 192
1- عن أبي عبد اللّه (عَلَيهِ السَّلَامُ) قال: لا يُبالي النَّاصب صلّى أم زنى، وهذه الآية نزلت فيهم: (عاملة ناصبة تصلى ناراً حامية) (1). (2)
2 - قال الصَّادق (عَلَيهِ السَّلَامُ) إِنَّ النَّاصب لنا أهل البيت لا يُبالي صام أم صلّى زنى أم سرق إِنَّهُ فِي النَّارِ إِنَّهُ فِي النّار. (3)
1 - أبي بصير قال: قُلتُ لأبي عبد اللّه (عَلَيهِ السَّلَامُ) أرأيت الرّاد عليّ هذا الأمر كالرّاد عليكم فقال يا أبا محمّد من ردّ عليك هذا الأمر فهو كالرّادِ على رسُولِ اللّه (صَلَّى اللّه عَلَيْهِ وَآلِهِ). (4)
1- روى أنّ الحجّاج كان مثفارا: أي ذا أبنة، وكان يمسك الخنفساء حيّة ليشفي بحركتها فِي الموضع حكاكه وقالوا: ولا يكون صاحب هذا الداء إلّا شانئا مبغضا لأهل البيت (عَلَيهِم السَّلَامُ). قالوا: و لسنا نقول كلّ مبغض فيه هذا الداء، بل [نقول : ] كلّ من فيه هذا الداء فهو مبغض. وعن أبي خزيمة الكاتب قال ما فتشنا أحدا فيه هذا الداء إلّا وجدناه ناصبيا.
قال أبو عمرو أخبرني العطافي عن رجاله قالوا سئل جعفر بن محمّد (عَلَيهِ السَّلَامُ) عن هذا الصنف من النّاس فقال رحم منكوسة يؤتى ولا يأتي وما كانت هذه الخصلة فِي ولي اللّه تعالى قط ولا تكون أبدا وإنما تكون فِي الكفار والفساق والناصب للطاهرين.
و كان أبو جهل عمرو بن هشام المخزومي من القوم وكان أشد النّاس عداوة لرسول اللّه (صَلَّى اللّه عَلَيْهِ وَآلِهِ) قالوا ولذلك قال له عتبة بن ربيعة يوم بدر يا مصفّر إسته. (5)
ص: 193
أقول : هذا كله عن كتاب شرح نهج البلاغة لمؤلفه ابن أبي الحديد الشافعي من أعلامهم فِي القرن السابع الهجري
2 - عن أبي ميثم بن أبي يحيى عن جعفر بن محمّد (عَلَيهِ السَّلَامُ) قال: ما من مولودٍ يُولد إِلَّا و إبليس من الأَبالِسةِ بِحَضرتِهِ فَإِن عَلِمَ اللّه أَنَّهُ من شِيعَتِنا حَجَبَهُ من ذلك الشّيطان وإِن لم يكُن من
شِيعَتِنا أثبتَ الشّيطان إصبعهُ السَّبَّابة فِي دُبُرِهِ فكان مأبوناً فإن كان امرأة أثبت فِي فرجها فكانت فاجرة فعند ذلك يبكي الصبي بُكاء شديداً إذا هُو خرج من بطنِ أُمِّهِ وَاللّه بعد ذلك يمحُوما يشاءُ و يُثبِتُ وعِندهُ أُمُّ الكِتاب (1).
عن محمّد بن مروان عن أبي عبد اللّه (عَلَيهِ السَّلَامُ) قال سمعته يقولُ إِنَّ اللّه خلقنا من نُورِ عظمتِهِ ثُمّ صوّر خلقنا من طينةٍ مخزونةٍ مكنُونةٍ فأسكن ذلك النُّورِ فِيهِ فَكُنّا نحنُ خلقاً وبشراً نُورانيّين لم يُجعل لأحدٍ فِي مِثلِ الّذي خُلِقنا نصِيبٌ وخلق أرواح شيعتنا من طينتنا وأبدانهم من طِينةٍ مخزونةٍ مكنونة أسفل من ذلك الطِّينة ولم يجعل اللّه لِأَحَدٍ فِي مِثلِ الّذي خَلَقَهُم مِنهُ نصِيباً إِلَّا لِلأنبياء فلذلك صرنا نحنُ و هُمُ النّاس وسائِرُ النّاس همجٌ لِلنَّارِ و إِلى النّار. (2)
1- عن أبي عبد اللّه (عَلَيهِ السَّلَامُ) قال: ثلاثةُ مجالس يمقُتها اللّه ويُرسِلُ نقمته على أهلها فلا تُقاعِدُوهُم ولا تُجالِسُوهُم مجلساً فِيهِ من يصِفُ لِسانُهُ كذباً فِي فتياه و مجلساً ذِكرُ أعدائنا فِيهِ جديد و ذِكرُنا فِيهِ رثٌ و مجلِساً فِيهِ من يصُدُّ عنا وأنت تعلم قال ثُمّ تلا أبو عبد اللّه (عَلَيهِ السَّلَامُ) ثلاث آياتٍ من كِتابِ اللّه كَانّما كُنْ فِي فِيهِ أو قال كفِّهِ (وَلَا تَسُبُّوا الَّذِينَ يَدْعُونَ مِنْ دُونِ اللَّهِ فَيَسُبُّوا اللَّهَ عَدْوًا بِغَيْرِ عِلْمٍ) (3) (وَإِذَا رَأَيْتَ الَّذِينَ يَخُوضُونَ فِي آيَاتِنَا فَأَعْرِضْ عَنْهُمْ حَتَّى يَخُوضُوا فِي حَدِيثٍ
ص: 194
غَيْرِهِ) (1) (وَلَا تَقُولُوا لِمَا تَصِفُ أَلْسِنَتُكُمُ الْكَذِبَ هَذَا حَلَالٌ وَهَذَا حَرَامٌ لِتَفْتَرُوا عَلَى اللَّهِ الْكَذِبَ). (2) و (3)
2 - عنِ الحسن بن أبي فاختة قال: كُنتُ أنا وأبو سلمة السّراجُ ويُونُسُ بنُ يعقُوب والفُضيلُ بنُ يسار عند أبي عبد اللّه جعفر بن محمّد (عَلَيهِمَا السَّلَامُ) فقُلتُ لهُ جُعِلتُ فِدَاكَ إِنِّي أَحضُرُ مجالس هؤُلاءِ القومِ فأذكُركُم فِي نفسِي فأيّ شيءٍ أقُولُ فقال يا حسين إذا حضرت مجالس هؤُلاءِ فقُلِ اللّهمّ أَرِنا الرّخاء والسُّرُور فإِنّك تأتي على ما تُرِيدُ. (4)
3 - أبي عبد اللّه (عَلَيهِ السَّلَامُ) قال: إذا ابتليت بِأهلِ النّصبِ و مُجالستهم فكُن كانك على الرّضفِ حتّى تقوم فإنّ اللّه يمقُتُهم ويلعنُهُم فإذا رأيتهم يخُوضُون فِي ذِكرِ إِمَامٍ من الأئمّة فقُم فإِنّ سخط اللّه ينزِلُ هُناك عليهم. (5)
4 - أبي جعفر (عَلَيهِ السَّلَامُ) قال: من قعد فِي مجلس يُسبُّ فِيهِ إِمَامٌ من الأئمّة يقدِرُ على الانتصافِ فلم يفعل ألبسهُ اللّه الذُّلّ فِي الدُّنيا و عذبهُ فِي الآخِرَةِ وسلبه صالح ما من بِهِ عليهِ من معرفتنا. (6)
1- عن أبي عبد اللّه (عَلَيهِ السَّلَامُ) قال : لإطعامُ مُؤمِنٍ أحبُّ إليَّ من عِتق عشر رقابٍ و عشرِ حجج قال قُلتُ عشر رقابٍ و عشرِ حِججٍ قال فقال يا نصر إن لم تُطعِمُوهُ مات أو تُذِلُّونَهُ فِياتِي إِلى ناصِبٍ فيسأله والموتُ خير له من مسألة ناصِب يا نصرُ من أحيا مُؤمِناً فكانما أحيا النّاس جميعاً فإن لم تطعموه فقد أمتُّموه فإن أطعمتموه فقد أحييتُمُوهُ. (1)
1- قال تعالى: (أَفَمَنْ زُيِّنَ لَهُ سُوءُ عَمَلِهِ فَرَآهُ حَسَنًا فَإِنَّ اللَّهَ يُضِلُّ مَنْ يَشَاءُ وَيَهْدِي مَنْ يَشَاءُ فَلَا تَذْهَبْ نَفْسُكَ عَلَيْهِمْ حَسَرَاتٍ إِنَّ اللَّهَ عَلِيمٌ بِمَا يَصْنَعُونَ). (2)
2- عن زيد النرسي عن أبي عبد اللّه (عَلَيهِ السَّلَامُ) قال: سُئِل إذا لم يجد [ نجد] أهل الولاية يجوز لنا أن نصدّق على غيرهم فقال إذا لم يجدوا أهل الولايةِ فِي المصر تكونون فيه فابعثوا بالزكاة المفروضة إلى أهل الولاية من غير أهلِ مِصْرِكُم فأما ما كان فِي سِوى المفروض من صدقة فإن لم تجدوا أهل الولاية فلا عليكم أن تُعطوه الصّبيان و من كان فِي مِثلِ عُقولِ الصَّبيانِ من لا ينصِبُ ولا يعرف ما أنتم عليه فيُعادِيكُم ولا يعرِفُ خِلاف ما أنتم عليه فيتبعه ويدين بِهِ وَهُمُ المستضعفون من الرِّجالِ والنِّساءِ والوِلدانِ تُعطونهم دون الدّرهم و دُون الرَّغِيفِ فأمّا الدّرهم التّامّ فلاتُعطِي إلّا أهل الولاية قال فقُلتُ جُعِلتُ فِداك فما تقولُ فِي السّائِلِ يسأل على البابِ و على الطريق ونحن لا نعرف ما هُو فقال لا تُعطِهِ ولا كرامة ولا تُعطِ غير أهل الولايةِ إِلّا أن يرِق قلبك عليهِ فتُعطِيهِ الكسرة من الخبز و القطعة من الورق فأما النَّاصب فلا يرقن قلبك عليه ولا تطعمه ولا تسقه وإن مات جوعاً أو عطشاً ولا تُغثه وإن كان غرقاً أو حرقاً فاستغاث فغطسه ولا تُغِثهُ فإِنّ أبي نعم المحمّديُّ كان يقولُ من أشبع ناصِباً ملا اللّه جوفه ناراً يوم القيامةِ مُعذِّباً كان أو مغفوراً له. (3)
ص: 196
2- عن جابر قال: لما أفضتِ الخلافة إلى بَنِي أُميّة سفكوا فِي أيامهم الدم الحرام و لعنوا أمِير المؤمنين صلوات اللّه عليه على منابرهم ألف شهر و اغتالوا شِيعته فِي البلدانِ وقتلُوهُم و استأصلُوا شأفتهم ومالأتهم على ذلك عُلماء السوء رغبةً فِي حُطامِ الدُّنيا وصارت مِحنتهم على الشّيعة لعن أمِير المؤمنين (عَلَيهِ السَّلَامُ) فمن لم يلعنهُ قتلُوهُ فَلَمّا فشا ذلك فِي الشّيعة وكثرو طال اشتكتِ الشّيعة إلى زينِ العابِدِين (عَلَيهِ السَّلَامُ) و قالوا يا بن رسُولِ اللّه أجلونا عن البلدان وأفنونا بالقتل الذريع وقد أعلنوا لعن أمِير المؤمنين (عَلَيهِ السَّلَامُ) فِي البلدان وفي مسجد رسول اللّه (صَلَّى اللّه عَلَيْهِ وَآلِهِ) وعلى مِنبرِه ولا يُنكِرُ عليهم مُنكِرُ ولا يُغِيرُ عليهمُ مُغِيرُ فإِن أنكر واحِدٌ مِنّا على لعنه قالُوا هذا تُرابِيٌّ ورُفع ذلك إلى سُلطانِهِم وكُتِب إليه أنّ هذا ذكر أبا تُرابِ بِخير حتّى ضُرِب وحُبِس ثُمّ قُتِل فلَمّا سمع ذلك (عَلَيهِ السَّلَامُ) نظر إلى السّماءِ وقال سبحانك ما أعظم شأنك إنّک أمهلت عبادك حتّى ظنُّوا أنك أهملتهم وهذا كُلُّهُ بعينك إِذ لا يُغلب قضاؤُكَ ولا يُردُّ تدبِيرُ محتوم أمرك فهو كيف شِئت وأنّى شِئت لِما أنت أعلمُ بِهِ مِنًا ثُمّ دعا بابنه محمّد بن علي الباقِرِ (عَلَيهِمَا السَّلَامُ) فقال يا محمّد، قال لبيك قال إذا كان غداً فاغدُ إلى مسجِدِ رَسُولِ اللّه (صَلَّى اللّه عَلَيْهِ وَآلِهِ) و خُذِ الخيط الّذي نزل بِهِ جبرئيل على رسول اللّه (صَلَّى اللّه عَلَيْهِ وَآلِهِ) فحركه تحريكاً ليناً ولا تُحرّكه تحريكاً شديداً فيهلِكُوا جميعاً قال جابِرٌ رِضوانُ اللّه عليه فبقِيتُ مُتعجباً من قوله لا أدري ما أقُولُ فلَمّا كان من الغدِ جِئتُهُ وكان قد طال علي ليلي حِرصاً لأنظر ما يكون من أمر الخيط فبينما أنا بالبابِ إذ خرج (عَلَيهِ السَّلَامُ) فسلمتُ عليه فردّ السّلام و قال ما غدا بك يا جابر و لم تكن تأتينا فِي هذا الوقتِ فقُلتُ لهُ لِقول الإمام (عَلَيهِ السَّلَامُ) بِالأمس خُذِ الخيط الّذي أتى بِهِ جبرئيل (عَلَيهِ السَّلَامُ) و صر إلى مسجِدِ جدّك (صَلَّى اللّه عَلَيْهِ وَآلِهِ) و حركه تحريكاً ليناً ولا تُحرّكه تحريكاً شديداً فتُهلك النّاس جميعاً قال الباقر (عَلَيهِ السَّلَامُ) لولا الوقت المعلُومُ والأجل المحتوم والقدر المقدورُ لخسفتُ بِهذا الخلقِ المنكوس فِي طرفة عين بل فِي لحظة ولكنّا عِبَادٌ مُكرمون لا نسبِقُهُ بِالقول و بأمره نعمل يا جابر قال فقُلتُ يا سيّدِي ومولاي و لِمَ تفعلُ بهم هذا فقال لي أما حضرت بالأمس والشيعة تشكو إلى أبي ما يلقون من هؤلاء فقُلتُ يا سيدي ومولاي نعم فقال إِنَّهُ أمرني أن أُرعبهم لعلهم ينتهون وكُنتُ أُحِبُّ أن تهلك طائِفَةٌ مِنهُم ويُطهر اللّه البلاد والعباد منهم قال جابِرٌ (رِضوانُ اللّه عليه) فقُلتُ سيّدِي
ص: 197
ومولاي كيف تُرعِبُهم وهم أكثرُ من أن يُحصوا فقال الباقر (عَلَيهِ السَّلَامُ) امض بنا إلى مسجِدِ رسول اللّه (صَلَّى اللّه عَلَيْهِ وَآلِهِ) لأريك قدرةٌ من قدرة اللّه تعالى الّتي خصنا بها و ما من بِهِ علينا من دُونِ النّاس فقال جابِرٌ رِضوان اللّه عليه فمضيتُ معه إلى المسجدِ فصلى ركعتين ثُمّ وضع خدّه على التراب وتكلم بكلام ثُمّ رفع رأسه وأخرج من كُتِهِ خيطاً دقيقاً فاحت مِنه رائحة المسكِ فكان فِي المنظر أدق من سمّ الخياطِ ثُمّ قال لِي خُذ يا جابِرُ إِليك طرف الخيط وامض رويداً و إياك أن تُحرّكه قال فأخذتُ طرف الخيط ومشيتُ رويداً فقال (عَلَيهِ السَّلَامُ) قف يا جابِرُ فوقفتُ ثُمّ حرّك الخيط تحريكاً خفيفاً ما ظننتُ أَنَّهُ حرَّكَهُ من لِينِهِ ثُمّ قال (عَلَيهِ السَّلَامُ) ناولني طرف الخيط فناولتُه وقُلتُ ما فعلت بِهِ يا سيدي قال ويحك اخرج فانظر ما حال النّاس قال جابر رضوان اللّه عليه فخرجتُ من المسجِدِ وإذا النّاس فِي صِياح واحِدٍ والصّائِحَةُ من كلّ جَانِبِ فإذا بالمدينة قد زُلزلت زلزلةٌ شدِيدةً وأخذتهُمُ الرجفة والهدمة وقد خربت أكثرُ دُورِ المدينة وهلك منها أكثر من ثلاثين ألفاً رِجالا ونساءً دون الولدانِ وإِذِ النّاس فِي صِياح و بُكاءٍ وعويل وهم يقولون (إِنَّا لِلَّهِ وَإِنَّا إِلَيْهِ رَاجِعُونَ) (1) خربت دارُ فُلانٍ و خرِب أهلها ورأيتُ النّاس فزعين إلى مسجِدِ رَسُولِ اللّه (صَلَّى اللّه عَلَيْهِ وَآلِهِ) و هم يقولون كانت هدمةً عظيمةً وبعضُهم يقول قد كانت زلزلةٌ وبعضُهُم يقول كيف لا تُخسفُ وقد تركنا الأمر بالمعروف والنهي عنِ المنكرو ظهر فينا الفسق والفجور و ظلم آلِ رسُولِ اللّه (صَلَّى اللّه عَلَيْهِ وَآلِهِ) واللّه ليُزلزِلُ بِنا أَشدّ من هذا و أعظم أو نُصلِح من أنفُسِنا ما أفسدنا قال جابِرٌ فبقِيتُ مُتحيّراً أنظُرُ إِلى النّاس حيارى يبكون فأبكاني بكاؤُهُم وهم لا يدرون من أين أتوا فانصرفتُ إلى الباقر (عَلَيهِ السَّلَامُ) وقد حفّ بِهِ النّاس فِي مسجد رسُول اللّه (صَلَّى اللّه عَلَيْهِ وَآلِهِ) و هم يقولون يا ابن رسولِ اللّه أما ترى إلى ما نزل بنا فادعُ اللّه لنا فقال لهم افزعُوا إلى الصَّلاة والدُّعاءِ والصَّدقة ثُمّ أخذ (عَلَيهِ السَّلَامُ) بيدي وساربي فقال لي ما حالُ النّاس فقُلتُ لا تسأل يابن رسُولِ اللّه خرِبتِ الدُّورُو المساكِنُ وهلك النّاس ورأيتُهُم بحال رحمتهم فقال (عَلَيهِ السَّلَامُ) لا رحمهُمُ اللّه أما إنّه قد أبقيتُ عليك بقيّةً ولولا ذلك لم ترحم أعداؤنا وأعداء
ص: 198
أولِيائِنا ثُمّ قال سُحقاً سُحقاً (و بُعداً للقوم الظَّالِمِين) (1) واللّه لولا مخافةُ مُخالفة والِدِي ِلزِدتُ فِي التحريكِ وأهلكتهم أجمعين وجعلتُ أعلاها أسفلها فكان لا يبق فيها دارو لا جدار فا أنزلونا و أولياء نا من أعدائنا هذه المنزلة غيرهم ولكني أمرني مولاي أن أُحرك تحريكاً ساكناً ثُمّ صعد (عَلَيهِ السَّلَامُ) المنارة و أنا أراه و النّاس لا يرونه فمد يده وأدارها حول المنارة فزُلزلتِ المدينةُ زلزلةً خفيفةً وتهدّمت دُور ثُمّ تلا الباقِرُ (صلوات اللّه عليه) (وذلك جزيناهم ببغيهم) (2) (و هل تجازي إلّا الكفُور) (3) وتلا أيضاً (فَلَمَّا جَاءَ أَمْرُنَا جَعَلْنَا عَالِيَهَا سَافِلَهَا) (4) وتلا (فَخَرَّ عَلَيْهِمُ السَّقْفُ مِنْ فَوْقِهِمْ وَأَتَاهُمُ الْعَذَابُ مِنْ حَيْثُ لَا يَشْعُرُونَ) (5) قال جابر فخرجت العواتق من خُدُورِهِنَّ فِي الزَلزلةِ الثَّانِيةِ يبكين ويتضرّعن منكشِفاتٍ لا يلتفتُ إليهِنَّ أَحدٌ فَلَمّا نظر الباقر (عَلَيهِ السَّلَامُ) إلى تحير العواتِقِ رق لهُنّ فوضع الخيط فِي كُمِّهِ وسكنتِ الزلزلة ثُمّ نزل عنِ المنارة والنّاسُ لا يرونه وأخذ بيدِي حتّى خرجنا من المسجِدِ فمررنا بحداد اجتمع النّاس بِبابِ حانُوتِهِ والحداد يقولُ أما سمعتم الهمهمة فِي الهدم فقال بعضُهم بل كانت همهمةً كثيرةً و قال قوم آخرون بل واللّه كَثِيرٌ إلّا أنا لم نقف على الكلام قال جابر (رضوان اللّه عليه) فنظر إلي الباقر و تبسم ثُمّ قال يا جابر هذا لِما طغوا و بغوا فقُلتُ يابن رسول اللّه ما هذا الخيط الّذي فِيهِ العجب فقال (بَقِيَّةٌ مِمَّا تَرَكَ آلُ مُوسَى وَآلُ هَارُونَ تَحْمِلُهُ الْمَلَائِكَةُ) (6) و نزل به جبرئيل (عَلَيهِ السَّلَامُ) ويحك يا جابِرُ إِنَّا من اللّه تعالى بمكان و منزلةٍ رفيعةٍ فلولا نحنُ لم يخلُقِ اللّه تعالى سماء ولا أرضاً ولا جنّةً ولا ناراً ولا شمساً ولا قرأ و لا جناً ولا إنساً ويحك يا جابر لا يُقاسُ بِنا أحدٌ يا جابِرُبنا واللّه أنقذكم اللّه وبنا نعشكُم وبنا هداكُم ونحنُ واللّه دللنا لكم على رَبِّكُم فَقِفُوا عِند أمرنا و نهينا و لا تردُّوا علينا ما أوردنا
ص: 199
عليكم فإنّا بنعم اللّه أجلُّ وأعظمُ من أن يُردّ علينا وجميعُ ما يرِدُ عليكم مِنا فما فهمتُمُوهُ فاحمدوا اللّه عليه و ما جهلتموه فرُدُّوهُ إِلَينا وَقُولُوا أَيْتَتُنَا أَعلَمُ بِما قَالُوا قال جابر (رضوان اللّه عليه) ثُمّ استقبله أمير المدينة المقيم بها من قِبل بَنِي أُميّة قد نُكِب ونُكِب حواليهِ حُرمتُهُ وهُويُنادِي معاشر النّاس احضُرُوا ابن رسُولِ اللّه (صَلَّى اللّه عَلَيْهِ وَآلِهِ) علي بن الحسين (عَلَيهِمَا السَّلَامُ) و تقربُوا بِهِ إِلى اللّه تعالى وتضرّعُوا إِليه وأظهِرُوا التّوبة والإنابة لعل اللّه يصرِفُ عنكُمُ العذاب قال جابر رفع اللّه درجته فلَمّا بصر الأميرُ بِالباقِرِ محمّد بن علي (عَلَيهِمَا السَّلَامُ) سارع نحوه فقال يابن رسول اللّه أما ترى ما نزل بِأُمّة محمّد (صَلَّى اللّه عَلَيْهِ وَآلِهِ) و قد هلكوا و فنُوا ثُمّ قال له أين أبوك حتّى نسأله أن يخرج معنا إلى المسجِدِ فنتقرب بِهِ إِلى اللّه تعالى فيرفع عن أُمّة محمّد (صَلَّى اللّه عَلَيْهِ وَآلِهِ) البلاء فقال الباقر (عَلَيهِ السَّلَامُ) يفعل إن شاء اللّه تعالى ولكن أصلِحُوا من أَنفُسِكُم وعليكم بِالتّوبةِ والنُّزوع عمّا أنتُم عليه فإِنَّهُ (فَلَا يَأْمَنُ مَكْرَ اللَّهِ إِلَّا الْقَوْمُ الْخَاسِرُونَ) (1) قال جابر رضوانُ اللّه عليه فأتينا زين العابدين (عَلَيهِ السَّلَامُ) بِأجمعنا و هُو يصلّي فانتظرنا حتّى انفتل وأقبل علينا ثُمّ قال لابنهِ سِرّاً يا محمّد كِدت أن تُهلِك النّاس جميعاً قال جابِرٌ قُلتُ واللّه يا سيدي ما شعرتُ بتحريكه حين حركة فقال (عَلَيهِ السَّلَامُ) یا جابر لو شعرت بتحریکه ما بقي عليها نافخ نار فما خبرُ النّاس فأخبرناه فقال ذلك مِمّا استحلُّوا مِنا محارم اللّه وانتهكُوا من حُرمتِنا فقُلتُ يابن رسولِ اللّه إن سلطانهم بالباب قد سألنا أن نسألك أن تحضُر المسجد حتّى تجتمع النّاس إِليك يدعُون و يتضرّعُون إليه ويسألونه الإقالة فتبسّم (عَلَيهِ السَّلَامُ) ثُمّ تلا (أَوَلَمْ تَكُ تَأْتِيكُمْ رُسُلُكُمْ بِالْبَيِّنَاتِ قَالُوا بَلَى قَالُوا فَادْعُوا وَمَا دُعَاءُ الْكَافِرِينَ إِلَّا فِي ضَلَالٍ) (2) قُلتُ يا سيدي ومولاي العجب أنهم لا يدرُون من أين أُتُوا فقال (عَلَيهِ السَّلَامُ) أجل ثُمّ تلا (فَالْيَوْمَ نَنْسَاهُمْ كَمَا نَسُوا لِقَاءَ يَوْمِهِمْ هَذَا وَمَا كَانُوا بِآيَاتِنَا يَجْحَدُونَ﴾ (3) هِي واللّه يا جابِرُ آياتنا و هذِهِ واللّه إحداها وهِي مِمّا وصف اللّه تعالى فِي كتابه
ص: 200
(بَلْ نَقْذِفُ بِالْحَقِّ عَلَى الْبَاطِلِ فَيَدْمَغُهُ فَإِذَا هُوَ زَاهِقٌ وَلَكُمُ الْوَيْلُ مِمَّا تَصِفُونَ﴾ (1) ثُمّ قال (عَلَيهِ السَّلَامُ) يا جابِرُ ما ظنُّك بقوم أماتُوا سُنتنا وضيّعُوا عهدنا و والُوا أعداءنا و انتهكُوا حُرمتنا وظلمونا حقنا وغصبونا إرثنا و أعانُوا الظالمين علينا و أحيوا سُنّتهم وساروا سيرة الفاسقين الكافِرِين فِي فسادِ الدِّينِ وإِطفاءِ نُورِ الحقّ قال جابِرٌ فقُلتُ الحمد للّه الّذي من عليّ بِمعرفتِكُم وعرّفني فضلكُم وألهمني طاعتكم ووفقني لموالاة أولِيائِكُم ومُعاداة أعدائِكُم فقال (صَلَّى اللّه عَلَيْهِ وَآلِهِ) يا جابرأ تدري ما المعرفة فسكت جابر....(2)
1- سليمان بن خالِدٍ عن أبي عبد اللّه (عَلَيهِ السَّلَامُ) قال سمعته يقولُ إِنَّ للّه فِي كلّ يوم وليلةٍ مِائة ألفِ لحظةٍ إِلى الأَرْضِ (يَغْفِرُ لِمَن يَشَاءُ مِنهُ ويُعذِّبُ مَن يَشَاءُ) (3) مِنهُ ويغفر لزائري قبر الحسين بن علي (عَلَيهِمَا السَّلَامُ) خاصّة ولأهل بيتهم ولمن يشفع له يوم القيامة كائناً من كان قُلتُ وإن كان رجُلًا قدِ استوجب النّار؟ قال وإن كان ما لم يكُن ناصِبيّاً. (4)
2 - عن الصَّادق (عَلَيهِ السَّلَامُ) فِي حديث زيارة عاشوراء:...وقد آلى اللّه على نفسِهِ عزّو جلّ أنّ من زار الحسين (عَلَيهِ السَّلَامُ) بهذه الزيارة من قُربِ أو بُعد و دعا بهذا الدُّعاءِ قَبِلتُ مِنهُ زِيارتهُ وشفّعتُهُ فِي مسألته بالغاً ما بلغت وأعطيتُهُ سُؤلهُ ثُمّ لا ينقلب عنِّي خائباً و أقلبُهُ مسروراً قريراً عينه بقضاء حاجتِهِ والفوز بالجنّة والعِتقِ من النّارِ وشفّعتُهُ فِي كلّ من شفع خلا ناصب لنا أهل البيت آلى اللّه تعالى بذلك على نفسِهِ وأشهدنا بما شهدت بِهِ ملائِكَةُ ملكُوتِهِ على ذلِك (5).
ص: 201
1- عن عبد الحميد بن أبي العلاء قال: دخلت المسجد الحرام فرأيتُ مولّى لأبي عبد اللّه (عَلَيهِ السَّلَامُ) فيلتُ إليهِ لأسأله عن أبي عبد اللّه (عَلَيهِ السَّلَامُ) فإذا أنا بأبي عبد اللّه (عَلَيهِ السَّلَامُ) ساجداً فانتظرته طويلًا فطال سُجُودُهُ على فقُمتُ وصليت ركعات و انصرفتُ وهُو بعد ساجد فسألتُ مولاه متى سجد فقال من قبل أن تأتينا فلما سمع كلامي رفع رأسهُ ثُمّ قال أبا محمّد ادنُ مِنِّي فدنوتُ مِنهُ فسلمتُ عليه فسمع صوتاً خلفه فقال ما هذِهِ الأصواتُ المرتفعة فقُلتُ هؤُلاءِ قوم من المرجئة والقدرية و المعتزلة فقال إِنّ القوم يُرِيدُونِي فقُم بنا فقُمتُ معهُ فلَمّا أن رأوه نهضوا نحوه فقال لهم كُفُّوا أنفُسكُم عنِّي ولا تُؤذُوني و تعرِضُونِي لِلسُّلطانِ فَإِنِّي لستُ بِفتٍ لَكُم ثُمّ أَخذ بِيدِي وتركهم و مضى فلما خرج من المسجدِ قال لي يا أبا محمّد و اللّه لو أن إبليس سجد للّه عذكره بعد المعصية والتكبرِ عُمُر الدُّنياما نفعه ذلك ولا قبلهُ اللّه عزّ ذِكرُهُ ما لم يسجد لآدم كما أمره اللّه عزّ وجلّ أن يسجد له وكذلك هذِهِ الأمَّة العاصِيةُ المفتونه بعد نبيّها (صَلَّى اللّه عَلَيْهِ وَآلِهِ) و بعد تركهم الإمام الّذي نصبه نبِيُّهم (صَلَّى اللّه عَلَيْهِ وَآلِهِ) لهم فلن يقبل اللّه تبارك وتعالى لهم عملا و لن يرفع لهم حسنةً حتّى يأتوا اللّه عزّ و جلّ من حيث أمرهم ويتولَّوُا الإمام الّذي أُمِرُوا بِولايَتِهِ ويدخُلُوا من البابِ الّذي فتحه اللّه عزّ و جلّ و رسُولُهُ لهُم يا أبا محمّد إن اللّه افترض على أُمّة محمّد (صَلَّى اللّه عَلَيْهِ وَآلِهِ) خمس فرائض الصَّلاة والزكاة والصيام و الحج و ولايتنا فرخّص لهم فِي أشياء من الفرائض الأربعةِ ولم يُرخّص لأحدٍ من المسلمين فِي تركِ ولايتنا لا واللّه ما فيها رُخصةٌ. (1)
2 - عن معاذ بن كثير قال: نظرتُ إلى الموقفِ والنَّاسُ فِيهِ كثِير فدنوتُ إلى أبي عبد اللّه (عَلَيهِ السَّلَامُ) فقُلتُ لهُ إنّ أهل الموقف لكثير قال فصرف ببصره فأداره فِيهِم ثُمّ قال ادنُ مِنِّي يا أبا عبد اللّه غُثاء يأتِي بِهِ الموجُ من كلّ مكانٍ لا واللّه ما الحج إلّا لكُم لا واللّه ما يتقبلُ اللّه إِلَّا مِنكُم. (2)
3 - عن محمّد بن مُسلم قال سمعت أبا جعفر (عَلَيهِ السَّلَامُ) يقولُ كلّ من دان اللّه بِعِبادةٍ يُجهِدُ فِيها نفسه ولا إمام له من اللّه فسعيه غير مقبول وهو ضالّ مُتحيّرٌ و اللّه شانيٌ لأعماله ومثلهُ كمثل شاةٍ ضلّت
ص: 202
عن راعِيها وقطيعها فهجمت ذاهِبةً وجائيةً يومها فلَمّا جنّها الليلُ بصُرت بقطيع مع غيرِ راعِيها فحنّت إليها واغترت بها فباتت معها فِي ربضتها فلما أن ساق الرّاعِي قطيعه أنكرت راعيها و قطيعها فهجمت مُتحيّرةً تطلب راعِيها و قطيعها فبصرت بغنم مع راعيها فحنّت إليها واغترّت بها فصاح بها الرّاعِي الحقي بِراعِيكِ وقطِيعِكِ فَإِنَّكِ تَائِهَةٌ مُتحيّرةٌ عن راعِيكِ وقطِيعِكِ فهجمت ذعِرةً مُتحيّرةً نادةً لا راعِي لها يُرشِدُها إلى مرعاها أو يردُّها فبينا هي كذلك إذا اغتنم الذِّئبُ ضيعتها فأكلها وكذلك واللّه يا محمّد من أصبح من هَذِهِ الأمَّة لا إمام لهُ من اللّه جل وعزّ ظاهِراً عادِلًا أصبح ضالا تائهاً و إن مات على هذه الحال مات ميتة كفر و نفاق واعلم يا محمّد إنّ أئمة الجور و أتباعهم لمعزولون عن دِينِ اللّه قد ضلوا وأضلُّوا فأعماهُمُ الّتي يعملونها (كَرَمَادٍ اشْتَدَّتْ بِهِ الرِّيحُ فِي يَوْمٍ عَاصِفٍ لَا يَقْدِرُونَ مِمَّا كَسَبُوا عَلَى شَيْءٍ ذَلِكَ هُوَ الضَّلَالُ الْبَعِيدُ). (1) و (2)
4 - عن أبي عبد اللّه (عَلَيهِ السَّلَامُ) قال: من صلّى الصّلواتِ المفروضات فِي أوّلِ وقتِها فأقام حُدُودها رفعها الملك إلى السماء بيضاء نقيّةً وهِي تهتِفُ بِهِ حفظك اللّه كما حفظتني أستودِعُك اللّه كما استودعتني ملكاً كريماً و من صلاها بعد وقتِها من غيرِ عِلَّةٍ فلم يُقِم حُدُودها رفعها الملكُ سوداء مُظلِمةً وهِي تهتِفُ بِهِ ضيعتني ضيعك اللّه كما ضيعتني و لا رعاك اللّه كما لم ترعني ثُمّ قال الصَّادق (عَلَيهِ السَّلَامُ) إنّ أوّل ما يُسأل عنه العبد إذا وقف بين يدي اللّه جل جلالُهُ عنِ الصلواتِ المفروضات وعن الزكاة المفروضة و عنِ الصّيامِ المفروض و عنِ الحج المفروض و عن ولايتنا أهل البيت فإن أقر بولايتنا ثُمّ مات عليها قبلت مِنهُ صلاته وصومُهُ وزَكَاتُهُ وحجهُ وإِن لم يُقر بولايتنا بين يدي اللّه جلّ جلالُهُ لم يقبل اللّه عزّ و جلّ مِنه شيئاً من أعمالِهِ. (3)
5- عن صالح بن ميثم عن أبيه قال سمعت ابن عبَّاس يقول سمعت رسول اللّه (صَلَّى اللّه عَلَيْهِ وَآلِهِ) يقولُ من لقي اللّه تعالى وهو جاحِدٌ ولاية عليّ بن أبِي طالِب (عَلَيهِ السَّلَامُ) لقي اللّه وهو عليهِ غضبانُ لا يقبلُ اللّه مِنه شيئاً من أعمالِهِ فيُوكَّلُ بِهِ سبعون ملكاً يتفُلُون فِي وجهِهِ و يحشُرُهُ اللّه أسود الوجه أزرق
ص: 203
العينِ قُلنا يابن عبَّاس أ ينفعُ حُبُّ عليّ بن أبِي طالِب فِي الآخِرة قال قد تنازع أصحابُ رَسُولِ اللّه (صَلَّى اللّه عَلَيْهِ وَآلِهِ) فِي حُبّهِ حتّى سألنا رسول اللّه (صَلَّى اللّه عَلَيْهِ وَآلِهِ) فقال دعُونِي حتّى أسأل الوحي فلما هبط جبرئيل (عَلَيهِ السَّلَامُ) سأله فقال أسألُ ربّي عزّو جلّ عن هذا فرجع إلى السّماءِ ثُمّ هبط إلى الأرضِ فقال يا محمّد إن اللّه تعالى يقرأُ عليك السلام ويقول أحِبّ عليّاً فمن أحبه فقد أحبني و من أبغضه فقد أبغضني يا محمّد حيثُ تكُن يكُن على وحيث يكُن على يكُن يُحِبُّوه و إِنِ اجترحوا و إن اجترحوا. (1)
6 - عن أبي جعفر (عَلَيهِ السَّلَامُ) فِي قوله تعالى (وَمَنْ يَكْفُرْ بِالْإِيمَانِ فَقَدْ حَبِطَ عَمَلُهُ وَهُوَ فِي الْآخِرَةِ مِنَ الْخَاسِرِينَ) (2) قال الإيمانُ فِي بطنِ القرآن عليّ بن أبِي طالِب (عَلَيهِ السَّلَامُ) فمن كفر بولايته فقد حبط عمله. (3)
7- عن الحارث بن المغيرة قال: كُنتُ عِند أبي عبد اللّه (عَلَيهِ السَّلَامُ) جالساً فدخل عليه داخل فقال يابن رسول اللّه ما أكثر الحاج العام فقال إن شاءُوا فليكثرُوا و إن شاءُ وا فليقِلُّوا واللّه ما يقبلُ اللّه إلّا مِنكُم ولا يغفِرُ إلّا لكُم. (4)
8 - عنِ الصَّادق عن أبيه عن جدّه (عَلَيهِم السَّلَامُ) قال: مرّ أمِير المؤمنين (عَلَيهِ السَّلَامُ) فِي مسجد الكوفة و قنبر معه فرأى َرجُلًا قائِماً يُصلّي فقال يا أمِير المؤمنين ما رأيتُ رجُلًا أحسن صلاةً من هذا فقال أمِير المؤمنين يا قنبر فو اللّه لرجُلٌ على يقين من ولايتنا أهل البيت خير ممن لهُ عِبادةُ أَلفِ سنةٍ و لو أن عبداً عبد اللّه ألف سنة لا يقبلُ اللّه مِنهُ حتّى يعرف ولايتنا أهل البيت ولو أن عبداً عبد اللّه ألف سنةٍ وجاء بعمل اثنين وسبعين نبياً ما يقبلُ اللّه مِنهُ حتّى يعرف ولايتنا أهل البيت و إلّا أكبهُ اللّه على منخِريهِ فِي نارِ جهنَّم. (5)
ص: 204
9 - عنِ الفُضيلِ :قال: دخلتُ مع أبي جعفر (عَلَيهِ السَّلَامُ) المسجد الحرام و هُو مُتَّكِيُّ علي فنظر إلى النّاس و نحنُ على بابِ بَنِي شيبة فقال يا فُضيل هكذا كان يطوفُون فِي الجاهِلِيَّةِ لا يعرِفُون حقّاً ولا يدِينُون دِيناً يا فُضيل انظر إليهم مُكِبّين على وُجُوهِهِم لعنهُمُ اللّه من خلقٍ مسخورٍ بِهم مُكِبّين على وُجُوهِهِم ثُمّ تلا هذه الآية (أَفَمَنْ يَمْشِي مُكِبًّا عَلَى وَجْهِهِ أَهْدَى أَمَّنْ يَمْشِي سَوِيًّا عَلَى صِرَاطٍ مُسْتَقِيمٍ) (1) يعني واللّه عليّاً (عَلَيهِ السَّلَامُ) والأوصياء ثُمّ تلا (عَلَيهِ السَّلَامُ) هذِهِ الآية ﴿فَلَمّا رأوهُ زُلفةً سِيئت وُجُوهُ الّذين كفرُوا وقيل هذا الّذي كُنتُم بِهِ َتدْعُون) (2) أمِير المؤمنين (عَلَيهِ السَّلَامُ) يا فضيل لم يتسم بهذا الاسم غير عليّ (عَلَيهِ السَّلَامُ) إِلا مُفترِ كذَّابٌ إِلى يومِ النّاس هذا أما واللّه يا فُضيلُ ما للّه عزّ ذكره حاج غيركم ولا يغفِرُ الذُّنُوب إلّا لكُم ولا يتقبلُ إِلَّا مِنكُم وَ إِنَّكُم لِأَهْلُ هَذِهِ الْآيَةِ (إِنْ تَجْتَنِبُوا كَبَائِرَ مَا تُنْهَوْنَ عَنْهُ نُكَفِّرْ عَنْكُمْ سَيِّئَاتِكُمْ وَنُدْخِلْكُمْ مُدْخَلًا كَرِيمًا) (3) يا فضيل أما ترضون أن تُقِيمُوا الصَّلاة وتُؤْتُوا الزكاة وتكفُّوا ألسنتكم وتدخُلُوا الجنّة ثُمّ قرأ (أَلَمْ تَرَ إِلَى الَّذِينَ قِيلَ لَهُمْ كُفُّوا أَيْدِيَكُمْ وَأَقِيمُوا الصَّلاة وَآتُوا الزَّكَاةَ) (4) أَنتُم واللّه أهلُ هَذِهِ الآيَةِ. (5)
10- عن حسّان عن عبد الرّحمن يعني ابن كثير قال: حججت مع أبي عبد اللّه (عَلَيهِ السَّلَامُ) فلما صرنا فِي بعض الطريق صعد على جبل فأشرف فنظر إلى النّاس فقال ما أكثر الضجيج وأقل الحجيج فقال له داوُدُ الرّق يابن رسُولِ اللّه هل يستجِيبُ اللّه دعاء هذا الجمع الّذي أرى قال ويحك يا باسليمان (إِنَّ اللَّهَ لَا يَغْفِرُ أَنْ يُشْرَكَ بِهِ) (6) الجاحِدُ لِولاية عليّ (عَلَيهِ السَّلَامُ) كعابد وثن قال قُلتُ جُعِلتُ فِداك هل تعرفون مُحِبّكُم و مُبغِضكُم قال ويحك يا باسليمان إِنَّهُ ليس من عبدٍ يُولدُ إِلَّا
ص: 205
كُتِب بين عينيهِ مُؤْمِنٌ أو كافِرُو إِنّ الرّجُل ليدخُلُ إلينا بولايتنا وبالبراءة من أعدائنا فنرى مكتوباً بين عينيهِ مُؤمِنٌ أو كافِرُ قال اللّه عزّوجلّ (إِنَّ فِي ذَلِكَ لَآيَاتٍ لِلْمُتَوَسِّمِينَ) (1) نعرِفُ عدونا من وليِّنا. (2)
11 - عنِ الباقر عن آبائه (عَلَيهِم السَّلَامُ) قال قال رسولُ اللّه (صَلَّى اللّه عَلَيْهِ وَآلِهِ) ما بال أقوام إذا ذكرُوا آل إبراهيم و آل عمران استبشروا و إذا ذكروا آل محمّد اشمأزت قُلُوبُهُم والّذي نفس محمّد بِيدِهِ لو أن أحدهم وافى بعمل سبعين نبياً يوم القيامة ما قبل اللّه منه حتّى يوافي بولايتي و ولاية علي بن أبي طالب. (3)
12- عن أبي جعفر (عَلَيهِ السَّلَامُ) قال: يبعث اللّه يوم القيامة قوماً بين أيدِيهِم نُورُ كالقباطِي ثُمّ يُقالُ لَهُ كُن هباءً منثوراً ثُمّ قال أما واللّه يا أبا حمزة إنّهم كانوا يصومون ويُصلُّون ولكن كانوا إذا عرض لهم شيءٌ من الحرام أخذُوهُ وإذا ذُكِر لهم شيءٌ من فضل أمِير المؤمنين (عَلَيهِ السَّلَامُ) أنكروه و قال و الهباء المنثورُهُو الّذي تراه يدخُلُ البيت فِي الكُوّةِ من شُعاعِ الشَّمس. (4)
13 - عن عمَّار بن موسى الساباطي قال: قُلتُ لأبي عبد اللّه (عَلَيهِ السَّلَامُ): إِن أبا أُميّة يُوسُف بن ثابِتٍ حدّث عنك أنك قلت: لا يضُرُّ مع الإيمانِ عمل ولا ينفعُ مع الكُفْرِ عمل فقال (عَلَيهِ السَّلَامُ): إِنَّهُ لم يسألني أبو أُميّة عن تفسيرها، إنّما عنيتُ بهذا أنّه من عرف الإمام من آل محمّد (عَلَيهِم السَّلَامُ) و تولاه ثُمّ عمِل لِنفسِهِ بِما شاء من عمل الخيرِ قُبِل منه ذلك، وضُوعِف له أضعافاً كثيرةً، فانتفع بأعمال الخير مع المعرفةِ، فهذا ما عنيتُ بذلك، وكذلك لا يقبلُ اللّه من العِبادِ الأعمال الصّالحة الّتي يعملونها إذا تولّوا الإمام الجائر الّذي ليس من اللّه (تعالى). فقال له عبد اللّه بنُ أَبِي يعفُورٍ: أليس اللّه (تعالى) قال: (مَنْ جَاءَ بِالْحَسَنَةِ فَلَهُ خَيْرٌ مِنْهَا وَهُمْ مِنْ فَزَعٍ يَوْمَئِذٍ آمِنُونَ﴾ فكيف لا ينفعُ العمل الصّالِحُ مِمن تولّى أئمة الجورِ فقال له أبو عبد اللّه (عَلَيهِ السَّلَامُ): وهل تدري ما الحسنةُ الّتي عناها اللّه (تعالى) فِي هذِهِ الآية، هي واللّه معرفة الإمامِ وطاعته، وقال (عزّوجلّ): (وَمَنْ جَاءَ بِالسَّيِّئَةِ فَكُبَّتْ
ص: 206
وُجُوهُهُمْ فِي النَّارِ هَلْ تُجْزَوْنَ إِلَّا مَا كُنْتُمْ تَعْمَلُونَ) (1) و إنّما أراد بِالسّيّئة إنكار الإمامِ الّذي هُو من اللّه (تعالى). ثُمّ قال أبو عبد اللّه (عَلَيهِ السَّلَامُ): من جاء يوم القيامةِ بولاية إمام جائر ليس من اللّه وجاء مُنكِراً لحقنا جاحِداً بولايتنا أكبهُ اللّه (تعالى) يوم القيامةِ فِي النّار. (2)
14 - عن معاذ بن كثيرٍ، قال: نظرتُ إلى الموقفِ والنَّاسُ فِيهِ كثِيرٌ فدنوتُ إلى أبي عبد اللّه (عَلَيهِ السَّلَامُ) فقُلتُ: إِنّ أهل الموقف لكثيرٌ، قال: فصوّب ببصره فأداره فِيهِم ثُمّ قال: ادنُ مِنِّي يا أبا عبد اللّه، فدنوت منه فقال: غُثاء يأتِي بِهِ الموجُ من كلّ مكانٍ لا واللّه ما الحجُّ إِلا لَكُم ولا واللّه ما يتقبلُ اللّه إِلا مِنكُم. (3)
15- عن الصَّادق (عَلَيهِ السَّلَامُ) قال إن عليّاً (عَلَيهِ السَّلَامُ) كان يقول لا خير فِي الدُّنيا إِلَّا لِأَحدِ رَجُلينِ رَجُلٍ يزدادُ كلّ يوم إحساناً ورجُلٍ يتدارك سيّئتهُ بِالتّوبة و أنّى لهُ بِالتّوبة واللّه لوسجد حتّى ينقطع عُنْقُهُ ما قبل اللّه مِنهُ إِلا بولايتنا أهل البيت. (4)
16- عن أبي حمزة قال سمعت أبا عبد اللّه (عَلَيهِ السَّلَامُ) يقولُ من خالفكُم و إن تعبّد واجتهد منسوب إلى هذه الآية (وُجُوهٌ يَوْمَئِذٍ خَاشِعَةٌ * عَامِلَةٌ نَاصِبَةٌ * تَصْلَى نَارًا حَامِيَةً). (5) و (6)
17- عن علي بن الحسين (عَلَيهِمَا السَّلَامُ) قال قال رسولُ اللّه (صَلَّى اللّه عَلَيْهِ وَآلِهِ) ما بال أقوامٍ إِذا ذُكِر عِندهم آلُ إبراهيم (عَلَيهِم السَّلَامُ) فرحوا و استبشروا وإذا ذُكِر عِندهم آل محمّد اشمأزت قُلُوبُهُم والّذي نفس محمّد بیده لو أن عبداً جاء يوم القيامةِ بِعمل سبعين نبياً ما قبل اللّه ذلك مِنهُ حتّى يلقاهُ بولايتي و ولاية أهل بيتي. (7)
ص: 207
18- عن مُيسِرِ بياعِ النُّطِيّ أنّه قال: دخلتُ على أبي عبد اللّه (عَلَيهِ السَّلَامُ) فقُلتُ لَهُ جُعِلتُ فِدَاكَ إِنَّ لِي جاراً لستُ أنتبه إلّا بِصوتِهِ إِمَّا تالِياً كِتابُهُ يُكرِرُهُ ويبكي ويتضرّعُ وإِما داعِياً فسألتُ عنهُ فِي السّرو العلانية فقيل لِي إِنَّهُ مُجتَنِبُ لِجَمِيعِ المحارم قال فقال يا مُيسر يعرِفُ شيئاً مِمّا أنت عليه قال قُلتُ اللّه أعلمُ قال فحججتُ من قابل فسألتُ عنِ الرّجُلِ فوجدتُهُ لا يعرِفُ شيئاً من هذا الأمر فدخلتُ على أبي عبد اللّه (عَلَيهِ السَّلَامُ) فأخبرتُهُ بِخبرِ الرّجُلِ فقال لي مثل ما قال فِي العامِ الماضي يعرِفُ شيئاً ما أنت عليه قُلتُ لا قال يا مُيسّر أيُّ البِقاعِ أعظمُ حُرمةٌ قال قُلتُ اللّه و رسُولُهُ و ابنُ رَسُولِهِ أعلمُ قال يا مُيسّرُ ما بين الركن والمقامِ روضة من رياض الجنّة وما بين القبرِ والمنبرِ روضة من رياض الجنّة و لو أن عبداً عمره اللّه فيما بين الركن والمقامِ وفيما بين القبرو المنبر يعبُدُهُ ألف عامٍ ثُمّ ذُبح على فِراشِهِ مظلُوماً كما يُذبح الكبش الأملحُ ثُمّ لي اللّه عزّ و جلّ بغير ولايتنا لكان حقيقاً على اللّه عزّ و جلّ أن يُكِبّهُ على منخِريهِ فِي نارِ جهنَّم. (1)
1- عن عليّ (عَلَيهِ السَّلَامُ) قال: بلغه أن أناساً ينزعون بِسمِ اللّه الرّحمن الرَّحِيمِ فقال: «هي آيةٌ من كتابِ اللّه أنساهم إيّاها الشّيطان». (2)
2 - عن أبي عبدِ اللّه (عَلَيهِ السَّلَامُ) قال : إذا أمّ الرّجُلُ القوم، جاء شيطانُ إِلى الشّيطان الّذي هُو قَرِيبٌ إلى الإمام، فيقول: هل ذكر اللّه ؟ يعني هل قرأ بسم اللّه الرّحمن الرحيم فإن قال: نعم، هرب منه، و إن قال: لا، ركب عُنُق الإمام، ودلّى رجليه فِي صدره، فلم يزل الشّيطان إِمام القومِ حتّى يفرغوا من صلاتهم. (3)
3 - ابن شهر آشوب قال فِي حديث طويل - : عن علي بن محمّد الصوفي أنّه لق إبليس وسأله فقال له: من أنت؟ قال: أنا من ولد آدم. فقال:
ص: 208
لا إله إلّا اللّه أنت من قوم يزعمون أنهم يحبّون اللّه ويعصونه، ويبغضون إبليس ويطيعونه، فقال: فمن أنت؟
قال: أنا صاحب الميسم و الإسم الكبير و الطبل العظيم أنا قاتل هابيل، أنا الراكب مع نوح فِي الفلك، أنا عاقر ناقة صالح، أنا صاحب نار إبراهيم، أنا مدبّر قتل يحيى، أنا ممكن قوم فرعون يوم النيل، أنا مخيّل السحرو قائده إلى موسى أنا صانع العجل لبني إسرائيل، أنا صاحب منشار زكريا، أنا السائر مع أبرهة إلى الكعبة بالفيل، أنا المجمع لقتال محمّد (صَلَّى اللّه عَلَيْهِ وَآلِهِ) يوم أحد و حنين، أنا ملقي الحسد يوم السقيفة فِي قلوب المنافقين، أنا صاحب الهودج يوم البصرة و البعير، أنا صاحب المواقف فِي عسكر صفّين، أنا الشامت يوم كربلاء بالمؤمنين، أنا إمام المنافقين، أنا مهلك الأولين، أنا مضلّ الآخرين، أنا شيخ الناكثين، أنا ركن القاسطين، أنا ظل المارقين، أنا أبو مرّة مخلوق من نار لا من طين، أنا الّذي غضب عليه ربّ العالمين.
فقال الصوفي: بحق اللّه عليك إلّا دللتني إلى عمل أتقرب به إلى اللّه، وأستعين به على نوائب دهري. فقال: اقنع من دنياك بالعفاف والكفاف، واستعن على الآخرة بحبّ عليّ بن أبِي طالِب و بغض أعدائه، فإنّي عبدت اللّه فِي سبع سماواته، وعصيته فِي سبع أرضيه فما وجدت ملكا مقربا، ولا نبيا مرسلا إلّا وهو يتقرب بحبّه. قال : ثُمّ غاب عن بصري فأتيت أبا جعفر (عَلَيهِ السَّلَامُ) فأخبرته بخبره فقال آمن الملعون بلسانه، وكفر بقلبه. (1)
1 - الوشّاء عمن ذكره عن أبي عبد اللّه (عَلَيهِ السَّلَامُ) أنّه كره سُور ولد الزّنا واليهوديّ والنّصرانيّ و المشرِكِ وكُلّ من خالف الإسلام وكان أشدُّ ذلك عِندهُ سُؤر النّاصِبِ. (2)
ص: 209
1 - عن أبي بكر الحضرمي قال: قُلتُ لأبي عبد اللّه (عَلَيهِ السَّلَامُ) أهلُ الشَّامِ شرأم أهلُ الرُّومِ فقال إِنَّ الرُّوم كفرُوا و لم يُعادونا و إن أهل الشّامِ كفرُوا و عادونا. (1)
2 - عن أبي عبد اللّه (عَلَيهِ السَّلَامُ) قال: أهلُ الشّامِ شرٌّ من أهلِ الرُّومِ وأهل المدينة شرٌّ من أهل مكّة و أهل مكّة يكفُرُون بِاللّه جهرةً. (2)
3 - أبي عبد اللّه (عَلَيهِ السَّلَامُ) قال: سأله أبي وأنا أسمع عن نِكاح اليَهوديَّة والنَّصرانِيَّةِ فقال نِكَاحُهُما أحبُّ إليَّ من نِكَاحِ النَّاصِبِيَّةِ وما أحِبُّ لِلرَّجُلِ المسلم أن يتزوّج اليَهوديَّة ولا النصرانية مخافة أن يتهوّد ولده أو يتنصّر. (3)
4 - أبي بصير عن أبي عبد اللّه (عَلَيهِ السَّلَامُ) أنّه قال: تزوج اليَهوديَّة والنّصرانية أفضلُ أو قال خير من تزوج النَّاصب والنّاصبيّة. (4)
5 - عن إسحاق بن يزداد قال: أتى رجُلٌ أبا عبد اللّه (عَلَيهِ السَّلَامُ) فقال إِنِّي قد ضربتُ على كلّ شيءٍ لِي ذهباً وفِضّةٌ وبِعتُ ضِياعِي فقُلتُ أنزِلُ مكّة فقال لا تفعل فإنّ أهل مكّة يكفرون باللّه جهرةً قال ففِي حرم رسُولِ اللّه (صَلَّى اللّه عَلَيْهِ وَآلِهِ) قال هم شرمِنهُم قال فأين أنزِلُ قال عليك بِالعِراق الكوفة فإنّ البركة منها على اثني عشر ميلًا هكذا وهكذا وإلى جانبها قبرما أتاه مكروب قط ولا ملهوفٌ إِلَّا فرج اللّه : اللّه عنه. (5)
6 - عن أبي بصير عن أحدهما (عَلَيهِمَا السَّلَامُ) قال: إنّ أهل مكّة ليكفُرُونَ بِاللّه جهرةً و إِنَّ أهل المدينةِ أخبثُ من أهل مكّة أخبثُ مِنهُم سبعين ضعفاً. (6)
ص: 210
7 - عَنْ حَمَّادٍ السَّمَنَدَرِي قَالَ: قُلْتُ لِأَبِي عبد الله جَعْفَرِ بْنِ مُحَمَّدٍ عليه السلام إِنِّي أَدْخُلُ بِلَادَ الشِّرْكِ وَإِنَّ مَنْ عِنْدَنَا يَقُولُونَ إِنَّ مِتَ ثَمَ حُشِرْتَ مَعَهُمْ قَالَ فَقَالَ لِي: يَا حَمَّادُ إِذَا كُنتَ ثُمَّ تَذْكُرُ أَمْرَنَا وَ تَدْعُو إِلَيْهِ قَالَ قُلْتُ: نَعَمْ قَالَ فَإِذَا كُنْتَ فِي هَذِهِ الْمُدُنِ مُدنِ الْإِسْلَامِ تَذْكُرُ أَمْرَنَا وَ تَدْعُو إِلَيْهِ قَالَ قلْتُ: لَا ! فَقَالَ لِي: إِنَّكَ إِن تَمَّتْ ثُمَّ تُحْشَرُ أُمَّةٌ وَحْدَكَ وَيَسْعَى نُورُكَ بَيْنَ يَدَيْكَ.
1 - إِسماعِيلُ بنُ عبد اللّه القُرشِيُّ قال: أتى إلى أبي عبد اللّه (عَلَيهِ السَّلَامُ) رجُلٌ فقال له يابن رسُولِ اللّه رأيتُ فِي منامي كأنّي خارجٌ من مدينة الكوفة فِي موضع أعرِفُهُ و كان شبحاً من خشب أو رجُلًا منحوتاً من خشب على فرس من خشبِ يُلوّحُ بِسيفِهِ وأنا أَشاهِدُهُ فزِعاً مرعُوباً فقال له (عَلَيهِ السَّلَامُ) أنت رجُلٌ تُرِيدُ اغتيال رجُلٍ فِي مَعِيشتِهِ فَاتَّقِ اللّه الّذي خلقك ثُمّ يُيتُك فقال الرجُلُ أشهد أنك قد أُوتيت عِلماً و استنبطتهُ من معدِنِهِ أُخبِرُك يا ابن رسُولِ اللّه عمّا [قد] فسّرت لِي إِنَّ رَجُلًا من جيراني جاءني و عرض علي ضيعته فهممتُ أن أملكها بوكس كثير لما عرفت أنّه ليس لها طالب غيري فقال أبو عبد اللّه (عَلَيهِ السَّلَامُ) وصاحِبُك يتولانا ويبرأ من عدوّنا فقال نعم يا ابن رسُولِ اللّه رَجُلٌ جيّد البصيرة مُستحكمُ الدِّينِ وأنا تائِبُ إِلى اللّه عزّو جلّ و إِلَيكَ مِمّا هممتُ بِهِ و نويتُه فأخبرني يا ابن رسُولِ اللّه لو كان ناصِباً حلّ لِي اغتياله فقال أد الأمانة لمن ائتمنك وأراد منك النّصيحة ولو إلى قاتل الحسين (عَلَيهِ السَّلَامُ). (1)
1- عن الأصبغ بن نباتة (رضى اللّه عنه)، قال: سمعتُ مولاي أمِير المؤمنين يقولُ: من ضحك فِي وجهِ عدّة لنا من النواصب و المعتزلة والخارجيّة والقدرية ومخالفي مذهب الإمامية ومن يتولاهم لا يقبلُ اللّه عزّ و جلّ طاعته أربعين سنةً. (2)
ص: 211
1- عن عمَّار السّجستانيّ، قال: زاملتُ أبا بحير عبد اللّه بن النّجاشِيّ من سجستان إلى مكّة، و كان يرى رأي الزيديّة، فلما صرنا إلى المدينةِ مضيتُ أنا إلى أبي عبد اللّه (عَلَيهِ السَّلَامُ) ومضى هُو إِلى عبد اللّه بن الحسن، فلما انصرف رأيتُهُ مُنكَسِراً يتقلب على فِراشِهِ ويتأوّهُ، قُلتُ ما لك أبا بحيرٍ فقال استأذن لي على صاحِبك إذا أصبحت إن شاء اللّه، فلَمّا أصبحنا دخلتُ على أبي عبد اللّه (عَلَيهِ السَّلَامُ) فقُلتُ هذا عبد اللّه بن النّجاشِي سألني أن أستأذن له عليك وهويرى رأي الزيدية، فقال ائذن له ! فلما دخل عليه قرّبهُ أبو عبد اللّه (عَلَيهِ السَّلَامُ)، فقال له أبوبُحيرِ جُعِلتُ فِداك إِنِّي لم أزل مُقراً بفضلكم أرى الحقّ فيكُم لا فِي غيركُم وإنّي قتلتُ ثلاثة عشر رجُلا من الخوارج كُلُّهُم سمعتهم يتبرأ من عليّ بن أبِي طالِب (عَلَيهِ السَّلَامُ)، فقال له أبو عبد اللّه (عَلَيهِ السَّلَامُ) سألت عن هذهِ المسألة أحداً غيري فقال نعم سألتُ عنها عبد اللّه بن الحسن فلم يكن عنده فيها جواب و عظم عليه، وقال لي أنت مأخُوذُ فِي الدُّنيا والآخِرَةِ، فقُلتُ أصلحك اللّه فعلى ما ذا عادينا النّاس فِي عليّ (عَلَيهِ السَّلَامُ) ! فقال له أبو عبد اللّه (عَلَيهِ السَّلَامُ) وكيف قتلتهم يا أبابحير فقال منهم من كُنتُ أصعد سطحهُ بِسُلّم حتّى أقتله، ومنهم من دعوتُهُ بِاللّيل على بابِهِ فإذا خرج علي قتلته، ومنهم من كُنتُ أصحبُهُ فِي الطَّرِيقِ فإذا خلالي قتلتُه، وقد استتر ذلك كُلُّهُ علي، فقال أبو عبد اللّه (عَلَيهِ السَّلَامُ) يا أبا بحير لو كُنت قتلتهم بأمر الإمام لم يكُن عليك فِي قتلهم شيءٌ ولكنّك سبقت الإمام، فعليك ثلاث عشرة شاةً تذبحها مِنًى و لتُصدّق بِلحمها لسبقك الإمام، وليس عليك غير ذلك، ثُمّ قال أبو عبد اللّه (عَلَيهِ السَّلَامُ) يا أبا بحيرٍ أخبرني حين أصابك الميزاب و عليك الصُّدرةُ من فِراء فدخلت النهر فخرجت وتبعك الصبيانُ يُعيّطون بك، أيُّ شيءٍ صيرك على هذا! فقال عمار، فالتفت إلي أبو بحير فقال أيُّ شيءٍ كان هذا من الحديثِ حتّى تُحدّثه أبا عبد اللّه (عَلَيهِ السَّلَامُ) ! فقُلتُ لا واللّه ما ذكرتُ له ولا لغيره وهذا هُو يسمع كلامي، فقال له أبو عبد اللّه (عَلَيهِ السَّلَامُ) لم يُخبرني بشيء يا أبا بحير، فلما خرجنا من عِندِهِ، قال لي أبو بحيريا عمَّار أشهد أن هذا عالم آلِ محمّد، و أنّ الّذي كُنتُ عليه باطِلٌ، وأنّ هذا صاحِبُ الأمرِ. (1)
ص: 212
1- عن أبي عبد اللّه الصَّادق (عَلَيهِ السَّلَامُ) عن أبيه محمّد بن عليّ عن جدّه علي بن الحسين (صلوات اللّه عليهم) أنّ رجلاً من شيعته دخل عليه، فقال: يا ابن رسولِ اللّه بما فُضّلنا على أعدائنا ونحن وهم سواء، بل مِنهم من هُو أجمل منا، وأحسنُ ريّاً، وأطيب رائحةً، فما لنا عليهم من الفضل ؟
قال (عَلَيهِ السَّلَامُ) : تريد أريك فضلك عليهم ؟
قال: نعم.
قال: أدنُ منّي، فدنا منه، فأخذ يده و مسح عينيه، و روح بكفّه عن وجهه، وقال: أنظرما تری؟
فنظر إلى مسجد رسول اللّه (صَلَّى اللّه عَلَيْهِ وَآلِهِ) وما رأى فيها إلّا قرداً أو خِنزيراً، أو دُبّاً وضباً.
فقال : جعلت فداك ردني كما كنتُ، فإنّ هذا منظر صعب
قال: فسمح عينيه فرده كما كان. (1)
2 - قال أبوبصير للباقر (عَلَيهِ السَّلَامُ) ما أكثر الحجيج وأعظم الضّجيج قال: بل ما أكثر الضجيج وأقل الحجيج، أ تُحبُّ أن تعلم صدق ما أقولُه وتراه عياناً ؟ فمسح يده على عينيه ودعا بدعوات فعاد بصيراً قال: أنظريا أبا بصير الى الحجيج.
قال : فنظرتُ فإذا أكثر النّاس قردةً و خنازير و المؤمنُ بينهم كالكوكب اللامع فِي الظلماء، فقال أبو بصير: صدقت يا مولاي ما أقل الحجيج وأكثر الضّجيج، ثُمّ دعا بدعوات فعاد ضريراً، فقال أبو بصير: فِي ذلك.
فقال (عَلَيهِ السَّلَامُ) ما بخلنا عليك يا أبا بصير، وإن كان اللّه تعالى ما ظلمك وإنّما أخارُلك وخشينا فتنة النّاس بنا، وأن يجهلوا فضل اللّه علينا و يجعلونا أرباباً من دونِ اللّه، ونحن له عبيد لا نستكبر عن عبادته، ولا نسأم من طاعته، ونحن له مسلمون. (2)
3 - عن مولانا وسيدنا وإمامنا موسى بن جعفر (عَلَيهِ السَّلَامُ) قال: قال يحيى ابن زكريا الصيقل للإمام الصَّادق (عَلَيهِ السَّلَامُ) : واللّه يا ابن رسولِ اللّه ما نرى لنا على أعدائنا فضلاً، فهم أنكروا فضل مولانا
ص: 213
أمِير المؤمنين و ولايته و أنا ما أشكُ فِي كفرهم بجحود الولاية، وهُم أحسنُ مِنا حالاً وأكثر أموالاً و أجودُ ثياباً وزِيّاً و هيئة !
قال: فغضب الصَّادق (عَلَيهِ السَّلَامُ) وقال: تريد أن أُريك فضلكم على هذا الخلق المنكوس ؟ قلتُ: بلى، فمسح يده على وجهي ثُمّ قال: أنظر إليهم.
قال: فنظرتُ وإذا جماعة على بابِ عامل المدينة من قِبل بَنِي أمية قردة وخنازيرو كلاب و ذئاب، فقلتُ: يا ابن رسولِ اللّه، هذا واللّه أمر عظيم منكر، اللّه اللّه رُدني إلى ما كنتُ وإلّا زال عقلي.
قال: فمسح يده على وجهي فرأيتُهم ناساً كما كان قد رأيتُهم.
فقال الإمام (عَلَيهِ السَّلَامُ) : عن قريب يصير حالهم كما رأيت، ولو كشف الغطاء لم تُؤاكلُوهُم ولم تُشاربوهم ولم تُجالِسُوهُم و لم تُخالطوهم، هذا فضلكم عليهم. (1)
4 - روى البرسي أن رجلًا قال لعلي بن الحسين (عَلَيهِمَا السَّلَامُ) بما ذا فُضّلنا على أعدائنا وفيهم من هُو أجملُ مِنا فقال له الإمام (عَلَيهِ السَّلَامُ) أتُحِبُّ أن ترى فضلك عليهم فقال نعم فمسح يده على وجهه و قال انظر فنظر فاضطرب و قال جُعِلتُ فِداك رُدّني إلى ما كُنتُ فإِنِّي لم أر فِي المسجِدِ إِلا دُبّاً و قرداً و كلباً فمسح يده على وجهِهِ فعاد إلى حالِهِ. (2)
5 - عن أبي بصير قُلتُ لأبي عبد اللّه (عَلَيهِ السَّلَامُ) ما فضلنا على من خالفنا فواللّه إِنِّي أرى الرّجُل منهم أرخى بالا و أنعم عيشاً و أحسن حالا وأطمع فِي الجنّة قال فسكت عنِّي حتّى كُنّا بِالأبطح من مكّة ورأينا النّاس يضحون إلى اللّه قال يا أبا محمّد هل تسمعُ ما أسمعُ قُلتُ أسمعُ ضجيج النّاس إِلى اللّه قال ما أكثر الضّجيج والعجيج وأقل الحجيج والّذي بعث بِالنُّبُوَّةِ محمّداً وعجّل بِرُوحِهِ إِلى الجنّة ما يتقبّلُ اللّه إِلا مِنك و من أصحابك خاصّة قال ثُمّ مسح يده على وجهي فنظرتُ فإذا أكثرُ النّاس خنازير و حمير و قردة إلّا رجُلٌ بعد رجُلٍ. (3)
6- عن أبي بصير قال: قُلتُ لأبي جعفر (عَلَيهِ السَّلَامُ) أنا مولاك و من شيعتك ضعيف ضريرٌ اضمن لي
ص: 214
الجنّة قال أو لا أعطيك علامة الأئمّة قُلتُ وما عليك أن تجمعها لي قال و تُحِبُّ ذلك قُلتُ كيف لا أُحِبُّ فما زاد أن مسح على بصري فأبصرتُ جميع ما فِي السقيفة الّتي كان فيها جالساً قال يا أبا محمّد مُدّ بصرك فانظر ما ذا ترى بعينيك قال فواللّه ما أبصرتُ إِلّا كلباً و خِنزيراً و قرداً قُلتُ ما هذا الخلقُ الممسوخ قال هذا الّذي ترى هذا السّواد الأعظم لو كُشف الغِطاءُ لِلنَّاسِ ما نظر الشّيعة إلى من خالفهم إلّا فِي هذِهِ الصُّورِ ثُمّ قال يا أبا محمّد إن أحببت تركتك على حالك هكذا وحسابك على اللّه و إن أحببت ضمِنتُ لك على اللّه الجنّة ورددتك إلى حالتك الأولى قُلتُ لا حاجة لي إلى النظر إلى هذا الخلقِ المنكُوسِ رُدّنِي رُدّنِي فما لِلجَنَّةِ عِوضٌ فمسح يده على عيني فرجعت كما كنتُ. (1)
7 - عن أبي بصير قال حججتُ مع أبي عبد اللّه (عَلَيهِ السَّلَامُ) فلَمّا كُنَّا فِي الطُّوافِ قُلتُ يابن رسُولِ اللّه يغفر اللّه لهذا الخلقِ قال إنّ أكثر من ترى قردةً وخنازير قلتُ أَرِنِيهِم فتكلّم بِكَلِماتٍ ثُمّ أمريده على بصري فرأيتُهم قردةً و خنازير كما قال قُلتُ فرُدّ بصري فدعا فرأيتُهم كما رأيتُهم فِي المرّة الأُولى خلقاً سوياً ثُمّ قال أنتُم فِي الجنّة تُحبرون وبين أطباقِ النَّارِ تُطلبُون فلا تُوجدُون واللّه لا يجتمعُ فِي النَّارِ مِنكُم اثنانِ لا واللّه ولا واحِدٌ. (2)
8- عن سدير الصيرفي قال: سمعت أبا عبد اللّه (عَلَيهِ السَّلَامُ) يقول: إن فِي صاحب هذا الأمر شبهاً من یوسف (عَلَيهِ السَّلَامُ)، قال قلتُ له: لعلك تذكرُ حياته أو غيبته؟ فقال لي: وما تُنكر من ذلك هذه الأمَّة أشباه الخنازير، إن أخوة يوسف كانُوا أسباطاً أولاد أنبياء تاجروا يوسف و بايعوه، و خاطبهم وخاطبوه، وهُم أخوتُه وهو أخوهم، فلم يعرفوه حتّى قال: أنا يوسف وهذا أخي، فما تنكر هذه الأمَّة الملعونة أن يفعل اللّه بحجّته فِي وقتٍ من الأوقاتِ كما فعل بيوسف «الحديث». (3)
ص: 215
1- عن أبي جعفر عن آبائه (عَلَيهِم السَّلَامُ) أن الحسين بن علي (عَلَيهِمَا السَّلَامُ) قال كُنَّا قُعُوداً ذات يومٍ عِند أمِير المؤمنين (عَلَيهِ السَّلَامُ) وهناك شجرةُ رُمّانٍ يابِسَةٌ إِذ دخل عليه نفر من مُبْغِضِيهِ و عِنده قومٌ من يُحِبّيه فسلّمُوا فأمرهُم بِالجُلوس فقال عليّ (عَلَيهِ السَّلَامُ) إِنِّي أُرِيكُمُ اليوم آيةٌ تَكُونُ فِيكُم كمثل المائِدَةِ فِي بَنِي إسرائيل إذ يقولُ اللّه (إِنِّي مُنَزِّلُهَا عَلَيْكُمْ فَمَنْ يَكْفُرْ بَعْدُ مِنْكُمْ فَإِنِّي أُعَذِّبُهُ عَذَابًا لَا أُعَذِّبُهُ أَحَدًا مِنَ الْعَالَمِينَ﴾ (1) ثُمّ قال انظروا إلى الشجرة وكانت يابسةً وإذا هي قد جرى الماء فِي عُودِها ثُمّ احْضَرت و أَورَقَت وعقدت وتدلّى حملها على رُءُوسِنا ثُمّ التفت إلينا فقال للقوم الّذين هُم يُحِبُّوهُ مُدُّوا أيدِيكُم و تناولُوا وكُلُوا فقُلنا بسم اللّه الرّحمن الرحيم وتناولنا وأكلنا رُماناً لم نأكل قط شيئاً أعذب مِنهُ وأطيب ثُمّ قال لِلنّفرِ الّذين هُم مُبغِضُوهُ مُدُّوا أَيدِيكُم وتناولُوا فمدوا أيديهم فارتفعت و كُلّما مد رجُلٌ مِنهُم يده إلى رُمّانة ارتفعت فلم يتناولوا شيئاً فقالوا يا أمِير المؤمنين ما بالُ إخواننا مدُّوا أيديهم و تناولوا وأكلوا و مددنا أيدينا فلم ننل فقال (عَلَيهِ السَّلَامُ) و كذلك الجنّة لا ينالها إلّا أولياؤنا و يُحِبُّونا ولا يبعُدُ مِنها إِلّا أعداؤنا و مُبغِضُونَا فَلَمّا خرجُوا قالوا هذا من سحر عليّ بن أبِي طالِب قليل قال سلمان ما ذا تَقُولُون (أفسحر هذا أم أنتُم لا تُبصِرُون). (2) و (3)
1- عن ميثم رحمه اللّه، قال: قال سمعت عليّاً أمِير المؤمنين (عَلَيهِ السَّلَامُ) وهو يجودُ بِنفسِهِ يقولُ: يا حسنُ. فقال الحسن: لبيك يا أبتاه. فقال: إنّ اللّه أخذ ميثاق أبيك على بُغضِ كلّ مُنافِقٍ وفاسِقٍ، و أخذ مِيثاق كلّ مُنافِقٍ وفاسِقِ على بُعْض أَبِيك. (4)
ص: 216
2 - عن عليّ (عَلَيهِ السَّلَامُ) أَنَّهُ قال: إِنَّ الحَسَنَ وَالحُسَينَ اسْتَرَكَ فِي حُتِهِمَا البَرُّو الفاجِرُو المؤمِنُ والكَافِرُ وأَنَّهُ كُتِبَ لِي أَن لا يُحِبُّنِي كَافِرُو لا يُبغِضُنِي مُؤْمِنٌ. (1)
1- عن ضريس الكناسي، قال: قال أبو عبد اللّه (عَلَيهِ السَّلَامُ): من أين دخل على النّاس الزنا؟ قلتُ: لا أدري، جُعلت فداك. قال: من قِبل خمسنا أهل البيت، إلّا شيعتنا الأطيبين، فإنّه محلل لهم بميلادهم. (2)
2 - عن أبي عبد اللّه (عَلَيهِ السَّلَامُ) قال: واللّه لا يُحِبُّنا من العرب والعجمِ إِلَّا أَهلُ البُيُوتَاتِ والشّرفِ و المعدِنِ ولا يُبغِضُنا من هؤلاء وهؤلاءِ إِلَّا كلّ دنسٍ مُلْصَقٍ. (3)
3 - عن أبي حمزة عن أبي جعفر (عَلَيهِ السَّلَامُ) قال: قُلتُ لهُ إِنّ بعض أصحابنا يفترون ويقذفون من خالفهم فقال لي الكف عنهم أجملُ ثُمّ قال واللّه يا أبا حمزة إِنَّ النّاس كُلَّهُم أولاد بغايا ما خلا شيعتنا قُلتُ كيف لي بالمخرج من هذا فقال لي يا أبا حمزة كِتابُ اللّه المنزل يدلُّ عليه إِنَّ اللّه تبارك و تعالى جعل لنا أهل البيت سهاماً ثلاثةً فِي جميع الفيء ثُمّ قال عزّوجلّ (وَاعْلَمُوا أَنَّمَا غَنِمْتُمْ مِنْ شَيْءٍ فَأَنَّ لِلَّهِ خُمُسَهُ وَلِلرَّسُولِ وَلِذِي الْقُرْبَى وَالْيَتَامَى وَالْمَسَاكِينِ وَابْنِ السَّبِيلِ) (4) فنحنُ أصحابُ الخُمُسِ والفيء وقد حرمناه على جميع النّاس ما خلا شيعتنا واللّه يا أبا حمزة ما من أَرضِ تُفتح ولا خُمسٍ يُخمسُ فيُضربُ على شيءٍ مِنهُ إِلَّا كان حراماً على من يُصِيبُهُ فرجاً كان أو مالا ولوقد ظهر الحقّ لقد بيع الرّجُلُ الكريمةُ عليهِ نفسُهُ فِيمَن لا يَزِيدُ حتّى إِنّ الرّجُلَ منهم ليفتدِي بِجميعِ مالِهِ ويطلُبُ النّجاة لِنفسِهِ فلا يصِلُ إلى شيء من ذلك و قد أخرجونا و شيعتنا من حقنا ذلك بِلاعُذر ولا حقّ ولا حجّة قُلتُ قوله عزّ و جلّ هل تربصون بنا إلّا إحدى الحسنيين قال إما موتُ فِي طاعةِ اللّه أو إدراك ظُهورِ إمام ونحن نتربّص بهم مع ما نحنُ فِيهِ من الشّدّةِ أَن
ص: 217
يُصِيبهُمُ اللّه بِعذابٍ من عِندِهِ قال هُو المسخُ أو بأيدينا وهو القتل قال اللّه عزّو جل لنبيه (صَلَّى اللّه عَلَيْهِ وَآلِهِ) (قُل تربّصُوا) (1) (إِنَّا مَعَكُمْ مُتَرَبِّصُونَ) (2) والتَّرَبُّصُ انتِظارُ وقوعِ البلاءِ بأعدائهم. (3)
4 - عن علي بن أسباط يرفعُهُ إلى أبي عبد اللّه (عَلَيهِ السَّلَامُ) قال: إن اللّه تبارك وتعالى يبدأُ بِالنّظر إلى زُوّار قبر الحسين بن علي (عَلَيهِمَا السَّلَامُ) عشيّة عرفة قال قُلتُ قبل نظره إلى أهل الموقف قال نعم قُلتُ وكيف ذاك قال لأن فِي أُولئِكَ أولاد زنا و ليس فِي هؤلاء أولاد زناً. (4)
5- عنِ الصَّادق (عَلَيهِ السَّلَامُ) أنّه قال: علاماتُ وَلدِ الزّنا ثلاث سُوءُ المحضر و الحنينُ إِلى الزِّنَا وبُعْضُنا أهل البيت. (5)
6 - عنِ الصَّادق (عَلَيهِ السَّلَامُ) أنّه قال: إِنّ لِولدِ الزّنى علامات أحدُها بُعْضُنا أهل البيتِ وثانيها أنهُ يحِنُّ إلى الحرامِ الّذي خُلِقَ مِنهُ وثالثها الاستخفافُ بِالدِّينِ ورابِعُها سُوءُ المحضرِ لِلنَّاسِ ولا يُسيءُ محضر إخوانِهِ إِلا من وُلد على غيرِ فِراشِ أَبِيهِ أو حملت بِهِ أُمُّهُ فِي حيضها. (6)
7 - عن ابن أبي عميرة قال قال الصَّادق (عَلَيهِ السَّلَامُ) من لم يُبالِ بِما قال وما قيل له فهو شِرك الشّيطان ومن شغف بمحبّة الحرام وشهوة الزنى فهو شِركُ الشّيطان ثُمّ قال (عَلَيهِ السَّلَامُ) إِنَّ لِولدِ الزنى علاماتٍ أحدها بغضنا أهل البيت وثانيها أنّه يُحِنُّ إلى الحرامِ الّذي خُلِقَ مِنهُ وثالثها الإستخفافُ بِالدِّينِ ورابِعُها سُوءُ المحضرِ لِلنَّاسِ ولا يُسِيءُ محضر إخوانه إلّا من ولد على غيرِ فراش أبِيهِ أو من حملت بِهِ أُمُّهُ فِي حيضها. (7)
ص: 218
8 - عن أبي جعفر (عَلَيهِ السَّلَامُ) عن جابر قال: قال رسولُ اللّه (صَلَّى اللّه عَلَيْهِ وَآلِهِ) العليّ بن أبِي طالِب (عَلَيهِ السَّلَامُ) ألا أُبْشِرُك ألا أَمنَحُك قال بلى يا رسول اللّه قال فإنّي خُلِقتُ أنا و أنت من طِينةٍ واحِدَةٍ فَفَضَلَتْ مِنها فَضلةٌ فخلق منها شيعتنا فإذا كان يوم القيامةِ دُعِي النّاس بِأُمّهاتِهِم إِلَّا شِيعتك فإِنَّهُم يُدعون بأسماءِ آبائِهِم لِطِيبِ مولدهم. (1)
9- عن أنس قال: قال رسُولُ اللّه (صَلَّى اللّه عَلَيْهِ وَآلِهِ) إذا كان يوم القيامةِ نُصِب لِي مِنبرٌ طُولُهُ ثلاثون مِيلًا ثُمّ يُنادِي مُنادٍ من بُطنانِ العرش أين محمّد فأُجِيبُ فيُقالُ لِي إرقَ فأكونُ فِي أعلاهُ ثُمّ يُنَادِي الثانية أين عليّ بن أبِي طالِب فيكُونُ دُونِي مِرقاة فيعلم جميع الخلائِقِ بِأن محمّداً سيّد المرسلين و أنّ عليّاً سيّد الوصِيِّين فقام إليهِ رجلٌ فقال يا رسُول اللّه فمن يُبغِضُ عليّاً بعد هذا فقال يا أخا الأنصارِ لا يُبغِضُهُ من قُريش إِلَّا سفحِيٌّ ولا من الأنصارِ إِلّا يَهُودِيٌّ ولا من العربِ إِلَّا دَعِيُّ و لا من سائر النّاس إِلّا شقيٌّ. (2)
10 - رُوي عن النَّبيّ (صَلَّى اللّه عَلَيْهِ وَآلِهِ) أنّه قال لعليّ بن أبِي طالِب (عَلَيهِ السَّلَامُ) يا عليُّ لا يُحِبُّكَ إِلَّا من طابت ولادته ولا يُبغِضُك إِلَّا من خبئت ولادتُهُ ولا يُوالِيكَ إِلَّا مُؤْمِنٌ ولا يُعادِيكَ إِلَّا كَافِرُ. (3)
11- عن الرّضا (عَلَيهِ السَّلَامُ) عن آبائه (عَلَيهِم السَّلَامُ) قال قال عليّ (عَلَيهِ السَّلَامُ) كُنتُ جالساً عِند الكعبة فإذا شيخ مُحْدَودِبٌ قد سقط حاجباه على عينيهِ من شِدّةِ الكِبرِو فِي يَدِهِ عُكّارَةٌ و على رأْسِهِ بُرنُسٌ أَحمرُو عليه مدرعةٌ من الشَّعرِفدنا إلى النَّبيّ (صَلَّى اللّه عَلَيْهِ وَآلِهِ) و النَّبيّ مُسند ظهره على الكعبة فقال يا رسُول اللّه أدعُ لِي بِالمغفرة فقال النَّبيّ (صَلَّى اللّه عَلَيْهِ وَآلِهِ) خاب سعيك يا شيخُ وضلّ عملك فَلَمّا تولّى الشَّيخُ قال لي يا أبا الحسن أتعرِفُهُ قُلتُ لا قال ذلك اللّعِينُ إِبليس قال عليّ (عَلَيهِ السَّلَامُ) فعدوتُ خلفه حتّى لحقتُهُ وصرعتُهُ إلى الأرضِ و جلستُ على صدره و وضعتُ يدي فِي حلقِهِ لِأخنُقه
ص: 219
فقال لي لا تفعل يا أبا الحسن فإنّي من المنظرين (إِلَى يَوْمِ الْوَقْتِ الْمَعْلُومِ) (1) واللّه يا عَلِيُّ إِنِّي لأحِبُّكَ جِدّاً و ما أبغضك أحدٌ إِلا شرِكتُ أباهُ فِي أُمِّهِ فصار ولد زناً فضحكت و خلّيتُ سبيله. (2)
12 - عن منصور بن حازم قال سمعت أبا عبد اللّه (عَلَيهِ السَّلَامُ) يقولُ من لم يكُن لنا شِيعَةٌ فهو واللّه عَبدٌ قن فمن شاء أم أبى. (3)
13 - عن عليّ (عَلَيهِ السَّلَامُ) قال: إذا كان يوم القيامةِ يُدعى النّاس بِأَسْمَائِهِم إِلَّا شِيعَتِي ومُحِي فَإِنَّهُم يُدعون بأسماء آبائِهِم لِطِيبِ مواليدهم. (4)
14 - عن أبي عبد اللّه (عَلَيهِ السَّلَامُ) قال: إذا كان يوم القيامة يُدعى النّاس جميعاً بِأسمائهم وأسماء أمهاتهم ستراً من اللّه عليهم إلّا شيعة عليّ (عَلَيهِ السَّلَامُ) فإنهم يدعون بأسمائهم وأسماء آبائهم وذلك أن ليس فيهم عهرٌ. (5)
15- عن زيد بن يُثيع قال: سمعت أبا بكريقولُ : رأيتُ رسول اللّه (صَلَّى اللّه عَلَيْهِ وَآلِهِ) قال وقد خيم خيمة و هُو مُتكى على قوس عربيّة وفي الخيمة علي وفاطمة والحسن والحسين (عَلَيهِم السَّلَامُ): أنا سلم لمن سالم أهل الخيمة حرب لمن حاربهم ولي من والاهم لا يُحِبُّهُم إِلَّا سَعِيدُ الجدِ طَيِّبُ المولد ولا يُبغِضُهُم إِلّا شي الجدِ ردِيءُ الولادة. فقال رجُلٌ: يا زيد أنت سمعت من أبي بكر هذا؟ قال: إي و ربّ الكعبة. (6)
16 - يقول العلامة البحراني (رحمة اللّه عليه):
إن جماعة من حاضري مجلس أبي دلف القاسم بن عِيسى العجلي تذاكروا الحديث الوارد عنهم (عَلَيهِم السَّلَامُ) أنّه قال لعليّ (عَلَيهِ السَّلَامُ) : يا علي لا يبغضك إلّا ابن زنا و ابن حيضة. فقال ابن لأبي دلف: هذا الحديث غير صحيح وبالغ فِي إنكاره وقال: أى خان الأمير فِي أهله ؟ فقالوا: لا. فقال: ها أنا أبغض عليّاً أشد البغض فدخل أبو دلف المجلس وهم يتشاجرون فِي ذلك فسألهم عمّا يتشاجرون فيه فكتموا فحلف عليهم إلّا أخبروه فاخبروه بالخبر و بما قال ابنه ثُمّ قال أبو دلف: الخبر صحيح، ثُمّ قال لابنه: أنت ابن زنا و ابن حيضة معاً، وحكى لهم أنّه كان مريضاً عند أخيه و إن أم الغلام المذكور كانت جارية أخيه فبعثها إليه لتخدمه و تحمل إليه طعامه وشرابه، فمالت نفسه إلى مخالطتها فدعا إلى ذلك فأبت واعتذرت بأنها حائض قال: فلم التفت إليها و أكرهتها وجامعتها حائضاً فحملت بالولد المذكور. انتهى.
ص: 220
قد اطلعت قديماً على هذه الحكاية على وجه أبسط من هذا النقل إلّا أنّه لا يحضرني الآن اسم الكتاب المنقول عنه وملخص ذلك، أن الجماعة الحاضرين فِي المجلس تذاكروا الحديث المشار إليه بزيادة ملوط فِي عجانه على ابن الزنا وابن الحيضة، فلما دخل أبودلف المجلس و سأل عمّا يتشاجرون عنه فيه كتموا الأمر عنه لما ألح عليهم فأخبروه فقال: نعم أن هذا الملعون. يعني ابنه. كمل الثلاث الخصال، فحكى لهم أن إن أخاه كان ببلدة بعيدة عنه و أنّه أشتاق إلى لقائه فسافر إليه، ثُمّ اتفق أن مرض هناك فعين له أخوه حجرة على حدة و عين له جارية تخدمه، فلما طاب من مرضه مالت نفسه إلى الجارية فواقعها واتفق أنها حائض ثُمّ أنّه سافر بعد ذلك ورجع إلى بلده فما مضت الأيام حتّى ظهر الحمل بالجارية المشار إليه، فأنكر منها سيدها فأخبرته أن أخوه هُو الّذي فعل بها ذلك يوم كان عنده فلما سمع ذلك أرسل إلى أخيه و أعطاه إيّاها فوضعت عنده بهذا الغلام قال: اني فِي بعض الأيام خرجت إلى المكان الّذي فيه الخدم فإذا واحد من الخدم يلوط بهذا الملعون، فلا تعجبوا من بغضه عليّاً فتعجب الحاضرون من ذلك أتم العجب.
أقول: والّذي وقفت عليه من الأخبار فِي هذا المعنى ما رواه شيخنا الصدوق عطر اللّه مرقده فِي كتاب العلل باسناده عن جابر الجعفي عن إبراهيم القرشي قال كنت عند أم سلمة فقالت: سمعت عن رسول اللّه (صَلَّى اللّه عَلَيْهِ وَآلِهِ) يقول: يا علي لا يبغضنك إلّا ثلاثة ولد الزنا والمنافق و من حملته أمه و هي حائض.
و ما رواه فيه أيضاً باسناده عن جابر قال: قال أبو أيوب الأنصاري: اعرضوا حب علي على أولادكم فمن أحبه فهو منكم ومن لم يحبه فسألوا أمه من أين جاءت به فإني سمعت رسول اللّه (صَلَّى اللّه عَلَيْهِ وَآلِهِ) يقول لعليّ بن أبِي طالِب (عَلَيهِ السَّلَامُ) : لا يحبك إلّا مؤمن ولا يبغضك إلّا منافق أو ولد زنية أو من حملت به أمه وهي حائض.
و ما رواه الحميري فِي كتاب قرب الاسناد عن عبد اللّه بن ميمون القداح عن أبي جعفر (عَلَيهِ السَّلَامُ) عن أبيه قال: جاء رجل إلى عليّ (عَلَيهِ السَّلَامُ) فقال: جعلني اللّه فداك إني أحبكم أهل البيت. قال: وكان فيه لين فأثنى عليه عدّة فقال له: كذبت ما يحبنا مخنث ولا ديوث ولا ولد زنا و لا من حملت به أمه وهي فِي حيضها. (1)
ص: 221
1- عن جعفر عن أبيه عن جدّه (عَلَيهِم السَّلَامُ) قال: قام رجُلٌ إلى عليّ (عَلَيهِ السَّلَامُ) فقال يا أمِير المؤمنين أخبرنا عن النّاس و أشباه النّاس والنسناس قال عليّ (عَلَيهِ السَّلَامُ) يا حسن أحبه قال فقال له الحسن (عَلَيهِ السَّلَامُ) سألت عنِ النّاس فرسُولُ اللّه (صَلَّى اللّه عَلَيْهِ وَآلِهِ) النّاس لِأَنَّ اللّه يَقولُ (ثُمَّ أَفِيضُوا مِنْ حَيْثُ أَفَاضَ النَّاسُ) (1) ونحنُ مِنهُ وسألت عن أشباه النّاس فهُم شِيعَتُنا وهُم مِنّا وهُم أَشباهنا وسألت عنِ النّسناس وهم هذا السواد الأعظمُ وهُو قولُ اللّه تعالى (أُولئِكَ كَالْأَنْعَامِ بَلْ هُمْ أَضَلُّ سَبِيلًا). (2) و (3)
2 - عن سعيد بن المسيب قال سمعت علي بن الحسين (عَلَيهِمَا السَّلَامُ) يقولُ إِنَّ رَجُلًا جاء إلى أمِير المؤمنين (عَلَيهِ السَّلَامُ) فقال له أخبرني إن كنت عالِماً عنِ النّاس و عن أشباه النّاس وعن النسناس فقال أمِير المؤمنين (عَلَيهِ السَّلَامُ) يا حسينُ أجِبِ الرّجُل فقال له الحسين (عَلَيهِ السَّلَامُ) أما قولك عن النّاس فنحنُ النّاس ولذلك قال اللّه فِي كِتابهِ (ثُمَّ أَفِيضُوا مِنْ حَيْثُ أَفَاضَ النَّاسُ) (4) فرسُولُ اللّه (صَلَّى اللّه عَلَيْهِ وَآلِهِ) الّذي أفاض بالنّاس وأما قولك عن أشباءِ النّاس فهم شيعتنا و هم موالينا وهم مِنّا ولذلك قال إبراهيم (عَلَيهِ السَّلَامُ) (فمن تبعنِي فَإِنَّهُ مِنِّي) (5) وأمّا قولك عن النسناس فهُمُ السّوادُ الأعظم وأشار بيدِهِ إلى جماعةِ النّاس ثُمّ قال (إِنْ هُمْ إِلَّا كَالْأَنْعَامِ بَلْ هُمْ أَضَلُّ سَبِيلًا). (6) و (7)
ص: 222
1- عن أحمد بن إدريس عن حنانٍ قال سمعت أبا جعفر (عَلَيهِ السَّلَامُ) يقُولُ لا تسألوهم فتُكلّفونا قضاء حوائجهم يوم القيامة. (1)
2 - قال أبو جعفر (عَلَيهِ السَّلَامُ) : لا تسألُوهُم الحوائج فتكونوا لهم الوسيلة إلى رسول اللّه (صَلَّى اللّه عَلَيْهِ وَآلِهِ) فِي القيامة. (2)
1 - عن أبي جعفر (عَلَيهِ السَّلَامُ) قال قال أمِير المؤمنين (عَلَيهِ السَّلَامُ) بعد وفاة رسُولِ اللّه (صَلَّى اللّه عَلَيْهِ وَآلِهِ) فِي المسجِدِ و النّاس مُجتَمِعُون بِصوتٍ عالٍ (الَّذِينَ كَفَرُوا وَصَدُّوا عَنْ سَبِيلِ اللَّهِ أَضَلَّ أَعْمَالَهُمْ) (3) فقال لهُ ابن عبّاس: يا أبا الحسن لم قُلت ما قلت قال قرأتُ شيئاً من القرآن، قال لقد قلته لأمر، قال نعم إنّ اللّه يقولُ فِي كِتَابِهِ (وَمَا آتَاكُمُ الرَّسُولُ فَخُذُوهُ وَمَا نَهَاكُمْ عَنْهُ فَانْتَهُوا) (4) أفتشهدُ على رسُولِ اللّه (صَلَّى اللّه عَلَيْهِ وَآلِهِ) أنّه استخلف فُلاناً قال: ما سمعت رسول اللّه (صَلَّى اللّه عَلَيْهِ وَآلِهِ) أوصى إلّا إليك. قال: فهلا بايعتني ؟ قال : إجتمع النّاس عليه فكُنتُ مِنهُم، فقال أمِير المؤمنين (عَلَيهِ السَّلَامُ) كما اجتمع أهلُ العِجل على العِجلِ هاهنا فتنتُم و مثلُكُم (كَمَثَلِ الَّذِي اسْتَوْقَدَ نَارًا فَلَمَّا أَضَاءَتْ مَا حَوْلَهُ ذَهَبَ اللَّهُ بِنُورِهِمْ وَتَرَكَهُمْ فِي ظُلُمَاتٍ لَا يُبْصِرُونَ * صُمٌّ بُكمٌ عُميٌ فَهُم لا يرجِعُون). (5) و (6)
ص: 223
1 - رُوي عن الإمام عليّ (عَلَيهِ السَّلَامُ) أنّه كان يطلب قوماً من الخوارج فلما بلغ الموضع المعروف اليوم بساباط وكان هُو و من تابعه من الخوارج مِنهُم عبد اللّه بن وهب و عمرُو بنُ جُرمُوزِ أَتاهُ رَجُلٌ من شِيعَتِهِ و قال يا أمِير المؤمنين أنا لك شيعةٌ و يُحِبُّ ولي أخ و كُنتُ شفِيقاً عليهِ فبعثهُ عُمرُ فِي جُنُودِ سعد بن أبي وقاص إلى قِتالِ أهل المدائِنِ فقُتِل هناك و كان من وقتِ مقتله إلى اليوم سنين كثيرة فقال أمِير المؤمنين (عَلَيهِ السَّلَامُ) فا الّذي تُرِيدُ مِنهُ قال أُرِيدُ أن تُحيِيهُ لِي قال عليّ (عَلَيهِ السَّلَامُ) لا فائدة لك فِي حياتِهِ قال لا بُدّ من ذلِك يا أمِير المؤمنين قال له إِذا أبيت إِلَّا ذلِك فأرِنِي قبره و مقتله فأراهُ إِيَّاهُ فقد الرُّمح وهُو راكِبُ بغلتِهِ الشهباء فركز القبر بأسفل الرُّمح فخرج رجُلٌ أسمرُ طوِيلٌ يتكلّمُ بِالعُجمة فقال له أمِير المؤمنين (عَلَيهِ السَّلَامُ) لم تتكلّمُ بِالعُجمة وأنت رجُلٌ من العرب فقال بلى ولكن بُغضُك فِي قلبي ومحبّةُ أعدائك فِي قلبي فانقلب لساني فِي النَّارِ فقال الرّجُلُ يا أمِير المؤمنين رُدَّهُ من حيث جاء فلاحاجة لنا فِيهِ فقال له أمِير المؤمنين (عَلَيهِ السَّلَامُ) إرجع فرجع إلى القبر و انطبق عليه أعاذنا اللّه من ذلك الحال والحمد للّه على ولاية علي (عَلَيهِ السَّلَامُ). (1)
2 - عن علي بن أبي حمزة قال: سألتُ أبا عبد اللّه (عَلَيهِ السَّلَامُ) كيف أصنعُ إذا خرجتُ مع الجنازة أمشي. أمامها أو خلفها أو عن يمينها أو عن شمالها قال إن كان مُخالِفاً فلا تمش أمامه فإن ملائكة العذاب يستقبلونه بألوان العذاب. (2)
3 - روى أبو عتيبة قال: كُنتُ عِند أبي جعفر (عَلَيهِ السَّلَامُ) فدخل رجُلٌ فقال أنا من أَهلِ الشَّامِ أَتولّا كُم و أبرأُ من عدُوكُم وأبي كان يتولّى بَنِي أُميّة وكان له مالٌ كَثِيرٌ ولم يكُن له ولدٌ غيري وكان مسكنُهُ بِالرّملة وكان له جنينةٌ يتخلّى فِيها بنفسِهِ فَلَمّا مات طلبت المال فلم أظفربه ولا أشُكُ أَنَّهُ دفنه وأخفاهُ مِنِّي قال أبو جعفراً فتُحِبُّ أن تراه وتسأله أين موضِعُ مالِهِ قال إي واللّه إنّي لفقير محتاج فكتب أبو جعفر كتاباً و ختمهُ بِخاتِمِهِ ثُمّ قال انطلق بهذا الكِتابِ الليلة إلى البقيع حتّى تتوسطه ثُمّ تُنادِي يا درجان يا درجان فإنّه يأتيك رجُلٌ مُعتم فادفع إِليهِ كِتابِي وقُل
ص: 224
أنا رسُولُ محمّد بن علي بن الحسين فإنّه يأتيك فاسأله عمّا بدا لك فأخذ الرَّجُلُ الكِتاب و انطلق قال أبو عُتيبة فلَمّا كان من الغد أتيتُ أبا جعفر لأنظر ما حال الرّجُلِ فإذا هُو على البابِ ينتظر أن يُؤذن لهُ فأُذن له فدخلنا جميعاً فقال الرّجُلُ اللّه يعلمُ عِند من يضعُ العِلم قد انطلقتُ البارحة وفعلتُ ما أمرت فأتاني الرّجُلُ فقال لا تبرح من موضعك حتّى آتيك بِهِ فأتاني بِرجُلٍ أسود فقال هذا أبوك قُلتُ ما هُو أبي قال غيره اللَّهبُ ودُخانُ الجحِيمِ والعذاب الأليم قُلتُ أنت أبي قال نعم قُلتُ فما غيرك عن صُورتِك و هيئتك قال يا بَنِي كُنتُ أتولّى بَنِي أُميّة وأُفَضِّلُهُم على أهل بيت النَّبيّ بعد النَّبيّ (صَلَّى اللّه عَلَيْهِ وَآلِهِ) فعذبني اللّه بذلك وكُنت أنت تتولاهم وكُنتُ أبغضتُك على ذلك وحرمتك مالي فزويتُهُ عنك و أنا اليوم على ذلك من النّادِمِين فانطلق يا بَنِي إلى جنّتي فاحفر تحت الزيتونة وخُذِ المال مِائة ألفِ دِرهم فادفع إلى محمّد بن علي (عَلَيهِمَا السَّلَامُ) خمسين ألفاً و الباقي لك ثُمّ قال وأنا منطلق حتّى آخذ المال وآتيك بمالك قال أبو عتيبة فلَمّا كان من قابِل سألت أبا جعفر (عَلَيهِ السَّلَامُ) ما فعل الرّجُلُ صاحِبُ المال قال قد أتاني بخمسين ألف درهم فقضيتُ مِنها ديناً كان عليّ وابتعتُ مِنها أرضاً بِناحِيةٍ خيبرو وصلتُ منها أهل الحاجة من أهل بيتي. (1)
4- عن أبي الحسن موسى (عَلَيهِ السَّلَامُ) قال: يُقالُ لِلْمُؤْمِنِ فِي قبرِهِ من رَبُّكَ قال فيقولُ اللّه فيُقالُ لَهُ ما دِينُك فيقولُ الإِسلامُ فيُقالُ من نبيّك فيقولُ محمّد (صَلَّى اللّه عَلَيْهِ وَآلِهِ) فيُقالُ من إِمَامُكَ فيقولُ فُلانٌ فيُقالُ كيف علمت بذلك فيقولُ أمر هداني اللّه له وثبتني عليه فيُقالُ لهُ نم نومةٌ لا حُلُم فِيها نومة العرُوسِ ثُمّ يُفتح له باب إلى الجنّة فيدخُلُ إِليهِ من روحِها و ريحانها فيقول يا ربّ عجل قيام الساعةِ لعلّي أرجع إلى أهلي ومالي ويُقالُ لِلكافِرِمَن ربُّك فيقولُ اللّه فيُقالُ من نبيّك فيقولُ محمّد فيُقالُ ما دِينُك فيقولُ الإسلامُ فيُقالُ من أين علمت ذلك فيقول سمعت النّاس يقولُون فقُلتُ فيضرِبانِهِ مِرزبة لو اجتمع عليها الثّقلانِ الإنسُ والجِنُّ لم يُطِيقُوها قال فيذُوبُ كما يذُوبُ الرصاص ثُمّ يُعِيدان فيهِ الرُّوح فيُوضع قلبه بين لوحين من نار فيقول يا ربّ أخر قيام الساعة. (2)
ص: 225
5- عن عبد اللّه بن سنان قال: سألت أبا عبد اللّه (عَلَيهِ السَّلَامُ) عن الحوض فقال لي حوض ما بين بصرى إلى صنعاء أتُحِبُّ أن تراهُ قُلتُ نعم جُعِلتُ فِداك قال فأخذ بيدي وأخرجني إلى ظهرِ المدينةِ ثُمّ ضرب رجله فنظرتُ إلى نهر يجري لا تُدرك حافتيهِ إِلَّا الموضع الّذي أَنَا فِيهِ قَائِمٌ فَإِنَّهُ شبية بالجزيرة فكُنتُ أنا وهو وُقُوفاً فنظرتُ إلى نهر يجرِي من جانِبِهِ هذا ماءً أبيضُ من الثّلج و من جانبِهِ هذا لبن أبيضُ من الثّلج وفي وسطه خمر أحسنُ من الياقُوتِ فما رأيتُ شيئاً أحسن من تِلك الخمرِبين اللّبن والماءِ فقُلتُ لهُ جُعِلتُ فِداك من أين يخرج هذا و من أين مجراه فقال هذِهِ العُيُونُ الّتي ذكرها اللّه فِي كِتَابِهِ أنهارُ فِي الجنّة عينٌ من ماءٍ وعين من لبن وعينٌ من خمرٍ تجري فِي هذا النهرو رأيتُ حافتيهِ عليهما شجرٌ فِيهِنَّ حُورٌ مُعلّقاتُ بِرُءُوسِهِنَّ شعر ما رأيتُ شيئاً أحسن مِنهُنَّ وبِأَيْدِيهِنَّ آنِيةٌ ما رأيتُ آنيةً أحسن منها ليست من آنِيةِ الدُّنيافدنا من إحداهنّ فأومأ إليها بِيدِهِ لِتسقيه فنظرتُ إليها وقد مالت لتغرِف من النهر فمال الشجر معها فاغترفت ثُمّ ناولته فشرب ثُمّ ناولها و أومأ إليها فمالت لتغرف فمالتِ الشجرةُ معها فاغترفت ثُمّ ناولته فناولني فشرِبتُ فما رأيتُ شراباً كان ألين مِنهُ ولا ألذ منه وكانت رائحته رائحة المسك فنظرتُ فِي الكأس فإذا فيه ثلاثة ألوانٍ من الشّرابِ فقُلتُ لهُ جُعِلتُ فِداك ما رأيتُ كاليوم قط ولا كُنتُ أرى أن الأمر هكذا فقال لي هذا أقلُّ ما أعدَهُ اللّه لِشِيعتِنا إِنَّ المُؤمِن إِذا تُوُفِّي صارت رُوحُهُ إلى هذا النّهر و رعت فِي رِياضِهِ و شربت من شرابِهِ و إِنّ عدوّنا إِذا تُوُفِّي صارت رُوحُهُ إِلى وَادِي برهوت فأُخلِدت فِي عذابِهِ و أُطعِمت من زَقُومِهِ و أُسقِيت من حِيمِهِ فاستعِيذُوا بِاللّه من ذلك الوادي. (1)
6- قال الإمام العسكري (عَلَيهِ السَّلَامُ) (إنّ الّذين كفرُوا و ماتُوا وهُم كُفَّارٌ أُولئِكَ عليهم لعنةُ اللّه و الملائِكةِ والنَّاسِ أجمعين خالِدِين فيها لا يُخفّفُ عنهم العذاب ولا هُم يُنظرُون) (2) قال الإمام (عَلَيهِ السَّلَامُ) قال اللّه تعالى إِنَّ الّذين كفرُوا بِاللّه فِي ردّهِم نُبُوَّة محمّد (صَلَّى اللّه عَلَيْهِ وَآلِهِ) و ولاية عليّ بن أبِي طالِب (عَلَيهِ السَّلَامُ) و آلهما (عَلَيهِم السَّلَامُ) و ماتوا على كُفرهم وهُم كُفَّارٌ أُولئِكَ عليهم لعنةُ اللّه يُوجِبُ اللّه تعالى لهُمُ البُعد من الرّحمةِ والسحق من الثّوابِ والملائكة وعليهم لعنة
ص: 226
الملائكة يلعنُونهم و النّاس أجمعين كلّ يلعنُهُم لأن كُلَّا من المأمورين المنتهين يلعنون الكافِرِين والكافِرُون أيضاً يقولون لعن اللّه الكافرين فهم فِي لعن أنفُسِهِم أيضاً خالِدِين فيها فِي اللعنة فِي نار جهنَّم لا يُخفّفُ عنهم العذاب يقوماً ولا ساعةً ولا هُم يُنظرُون لا يُؤخِّرُونَ سَاعَةً إِلَّا يَحِلُ بِهِمُ العَذَابُ قال علي بن الحسين (عَلَيهِمَا السَّلَامُ) قال رسولُ اللّه (صَلَّى اللّه عَلَيْهِ وَآلِهِ) إِنَّ هؤلاء الكاتمين لِصِفَةِ رَسُولِ اللّه (صَلَّى اللّه عَلَيْهِ وَآلِهِ) و الجاحدين لِحِليةِ علي ولي اللّه إذا أتاهُم ملك الموتِ ليقبض أرواحهم أتاهُم بِأفظع المناظر و أقبح الوُجُوهِ فيُحيط بهم عِند نزع أرواحهم مردةُ شياطِينِهِم الّذينَ كَانُوا يَعرِفُونَهُم ثُمّ يقول ملك الموت أبشري أيّتُها النفسُ الخبيثة الكافِرةُ بِرتِها بجحد نُبُوَّة نبيها (صَلَّى اللّه عَلَيْهِ وَآلِهِ) و إمامة علي وصيّه (عَلَيهِ السَّلَامُ) بلعنة من اللّه وغضب ثُمّ يقولُ ارفع رأسك و طرفك وانظر فيرى دون العرشِ محمّداً (صَلَّى اللّه عَلَيْهِ وَآلِهِ) على سرير بين يدي عرش الرّحمن و يرى عليّاً (عَلَيهِ السَّلَامُ) على كرسي بين يديه وسائر الأئمّة (عَلَيهِم السَّلَامُ) على مراتبهمُ الشَّرِيفةِ بِحضرتِهِ ثُمّ يرى الجنان قد فتحت أبوابها و یری القصور والدرجات والمنازل الّتي تقصُرُ عنها أماني المتمنين فيقولُ له لو كُنت لأوليائك موالياً كانت رُوحُك يُعرجُ بها إلى حضرتهم وكان يكُونُ مأواك فِي تلك الجِنانِ وكانت تكُونُ منازِلُك فيها وأولياؤك و [ أُولئِك ] مُجاوِرُوك و مُقارِبُوك فانظر فيُرفعُ حُجُبُ الهَاوِيةِ فيراها بما فيها من بلایاها و دواهیها و عقاربها و حياتِها وأفاعِيها وصُرُوفِ عذابها ونكالها فيُقالُ لَهُ فتِلك إذا منازِلُك ثُمّ تمثلُ لهُ شَياطِينُهُ هؤُلاءِ الّذين كانُوا يُغوُونه ويقبلُ مِنهُم مُقرَّنِين هُناكَ فِي الأصفادِ والأغلال فيكُونُ موتُهُ بِأَشدّ حَسرةٍ وأعظمِ أَسفٍ. (1)
7- عن عِيسى بن شلقان قال سمعت أبا عبد اللّه (عَلَيهِ السَّلَامُ) يقولُ إنّ أمِير المؤمنين عليّاً (عَلَيهِ السَّلَامُ) كانت لهُ خُتُولةٌ فِي بَنِي مخزوم و إن شاباً مِنهُم أتاه فقال يا خالي إنّ أخي وابن أبي مات وقد حزنتُ عليه حُزناً شديداً قال فتشتهي أن تراه قال نعم قال فأرِنِي قبره فخرج و معهُ بُردُ رَسُولِ اللّه السّحابُ فلما انتهى إلى القبر تململت شفتاه ثُمّ ركضهُ بِرِجْلِهِ فخرج من قبره و هُو يقولُ رميكا بِلِسانِ الفُرس فقال له عليّ (عَلَيهِ السَّلَامُ) ألم تمئت وأنت رجُلٌ من العرب قال بلى ولكنا متنا على سُنّةِ فُلانٍ وفُلانٍ فانقلبت ألسنتُنا. (2)
ص: 227
1- عن آدم أخي أيوب عن حُمران قال: قُلتُ لأبي عبد اللّه (عَلَيهِ السَّلَامُ) إِنَّهُم يقولُون لا تعجبون من قوم يزعُمُون أن اللّه يُخرجُ قوماً من النّارِ فيجعلُهُم من أصحاب الجنّة مع أوليائه فقال أما يقرءون قول اللّه تبارك وتعالى (و من دُونِهِما جنّتَانِ) (1) إِنّها جنّةٌ دُون جَنَّةٍ ونارُدُون نارٍ إِنهم لا يُساكِنُون أولياء اللّه وقال بينهما واللّه منزِلَةٌ ولكن لا أستطيع أن أتكلّم إِنْ أمرهم لأضيقُ من الحلقةِ إِنّ القائم لو قام لبدأ بهؤلاء. (2)
2 - عن محمّد بن سُليمان عن أبيه قال: قُلتُ لأبي عبد اللّه (عَلَيهِ السَّلَامُ) (هَل أَتَاكَ حَدِيثُ الغَاشِيَة) قال يغشاهُمُ القائِمُ بِالسّيفِ قال قُلتُ (وُجُوهٌ يومئِذٍ خاشِعةٌ) قال يقول خاضعةٌ لا تُطِيقُ الامتناع قال قُلتُ (عَامِلَةُ) قال عمِلت بِغير ما أنزل اللّه عزّ و جلّ قُلتُ (نَاصِبةٌ)، قال نصب غير ولاة الأمر قال قُلتُ( تَصلَى نَارَاً حَامِيَة) (3) قال تصلى نار الحرب فِي الدُّنيا على عهد القائم و فِي الآخرة نار جهنَّم (4).
1- عن أبي الجارُودِ قال سمعت أبا عبد اللّه (عَلَيهِ السَّلَامُ) يقول من مات وليس عليه إمام حي ظاهِرٌ مات ميتةً جاهِلِيّةً قال قُلتُ إمامٌ حيّ جُعِلتُ فِداك ؟ قال إمام حي إمام حيٌّ. (5)
2 - عن علي بن موسى الرضا عن آبائه (عَلَيهِم السَّلَامُ) عن أمِير المؤمنين (عَلَيهِ السَّلَامُ) قال قال رسُولُ اللّه (صَلَّى اللّه عَلَيْهِ وَآلِهِ) من مات وليس لهُ إِمَامٌ من وُلدِي مات مِيتةً جاهِلِيَّةً يُوْخِذُ بِما عَمِل فِي الجَاهِلِيَّةِ و الإسلام. (6)
ص: 228
3 - عنِ الفُضيل بن يسارٍ قال: ابتدأنا أبو عبد اللّه (عَلَيهِ السَّلَامُ) يوماً و قال قال رسُولُ اللّه (صَلَّى اللّه عَلَيْهِ وَآلِهِ) من مات وليس عليه إمام فيتتُهُ مِيتةٌ جاهِلِيّةٌ فقُلتُ قال ذلك رسُولُ اللّه (صَلَّى اللّه عَلَيْهِ وَآلِهِ) فقال إي و اللّه قد قال قُلتُ فكُلُّ من مات وليس لهُ إِمَامٌ فِيتتُهُ مِيتةٌ جاهِلِيَّةٌ قال نعم. (1)
4 - عن ابن أبي يعفُورٍ قال: سألت أبا عبد اللّه (عَلَيهِ السَّلَامُ) عن قول رسول اللّه (صَلَّى اللّه عَلَيْهِ وَآلِهِ) من مات و ليس لهُ إِمَامٌ فِيتتُهُ مِيتةٌ جاهِلِيّةٌ قال قُلتُ مِيتةُ كُفرقال مِيتة ضلالٍ قُلتُ فمن مات اليوم و ليس له إمامٌ فِيتتُهُ مِيتةٌ جاهِلِيّةٌ فقال نعم. (2)
5- عن الحارث بن المغيرة قال: قُلتُ لأبي عبد اللّه (عَلَيهِ السَّلَامُ) قال رسولُ اللّه (صَلَّى اللّه عَلَيْهِ وَآلِهِ) من مات لا يعرِفُ إمامه مات ميتةً جاهِلِيّةً قال نعم قلتُ جاهِلِيّةً جهلاء أو جاهِلِيَّةً لا يعرِفُ إمامه قال جاهلية كُفرونِفاق وضلال. (3)
1 - عن أبي عبد اللّه (عَلَيهِ السَّلَامُ) عن أبيه (عَلَيهِم السَّلَامُ) قال: قال إذا كان يوم القيامةِ و جمع اللّه الخلائق من الأولين والآخرين فِي صعِيدٍ وَاحِدٍ خَلَعَ قول لا إله إلّا اللّه من جميع الخلائِقِ إِلا من أقر بولاية علي (عَلَيهِ السَّلَامُ) وهو قوله تعالى (يَوْمَ يَقُومُ الرُّوحُ وَالْمَلَائِكَةُ صَفًّا لَا يَتَكَلَّمُونَ إِلَّا مَنْ أَذِنَ لَهُ الرَّحْمَنُ وَقَالَ صَوَابًا). (4) و (5)
ص: 229
1- عن سعيد بن أبي سعيد قال سمعت أبا الحسن (عَلَيهِ السَّلَامُ) يقولُ إِنَّ اللّه عزّوجلّ فِي كلّ وقتٍ صلاةً يُصلّيها هذا الخلقُ يلعنُهُم قال قُلتُ جُعِلتُ فِداك ولِمَ ؟ قال بِجُحُودِهِم حقنا و تكذيبهم إيانا. (1)
1- روى يحيى بن عبد اللّه بن الحسن عن أبيه عبد اللّه بن الحسن قال: كان أمِير المؤمنين (عَلَيهِ السَّلَامُ) يخطب بالبصرة بعد دُخُولِها بِأيامٍ فقام إليهِ رجُلٌ فقال يا أمِير المؤمنين أخبرني من أهلُ الجماعةِ ومَن أهلُ الفُرقةِ ومَن أهل البدعةِ ومَن أهلُ السُّنّةِ فقال أمِير المؤمنين (عَلَيهِ السَّلَامُ) ويحك أما إذا سألتني فافهم عنِّي ولا عليك أن لا تسأل عنها أحداً بعدِي أما أهل الجماعة فأنا ومن اتبعني و إن قلوا وذلك الحقّ عن أمرِ اللّه و عن أمرِ رَسُولِهِ وأمّا أهلُ الفُرقة فالمخالِفُون لي ولمن اتبعني و إن كثروا و أما أهلُ السُّنّة فالمتمسكون بما سنّهُ اللّه لهم ورَسُولُهُ وإن قلوا وأما أهل البدعة فالمخالِفُون لأمر اللّه تعالى وكِتابِهِ ولِرَسُولِهِ والعامِلُون برأيهم وأهوائهم و إن كثرُوا وقد مضى مِنهُمُ الفوج الأول وبقيت أفواج و على اللّه فضُّها و استيصالها عن جددِ الأَرضِ فقام إليهِ عمَّار فقال يا أمِير المؤمنين إنّ النّاس يذكُرُون الفيء ويزعُمُون أن من قاتلنا فهو و مالُهُ ووُلدُهُ فيءٌ لنا فقام رجُلٌ من بكر بن وائل يُدعى عباد بن قيس وكان ذا عارضة ولسانٍ شديد فقال يا أمِير المؤمنين و اللّه ما قسمت بالسويّةِ ولا عدلت بِالرّعيّة فقال ولم ويحك قال لأنّک قسمت ما فِي العسكر و تركت النساء والأموال والذُرِّيَّة فقال (عَلَيهِ السَّلَامُ) أيُّها النّاس من كانت بِهِ جِراحةٌ فليداوِها بِالسّمن فقال عبّاد جئنا نطلب غنائنا فجاءنا بِالتُّرّهاتِ فقال له أمِير المؤمنين (عَلَيهِ السَّلَامُ) إن كُنت كاذباً فلا أماتك اللّه حتّى يُدركك غُلامُ ثقيف فقيل و من غُلامُ ثَقِيفٍ فقال رجُلٌ لا يدعُ للّه حُرمةٌ إِلَّا انتهكها فقيل أفيمُوتُ أو يُقتل فقال يقصِمُهُ قاصِمُ الجبارين بِموتٍ فاحِش يحترِقُ مِنهُ دُبُرُهُ لِكثرة ما يجرِي من بطنِهِ يا أخا بكر أنت امرؤٌ ضَعِيفُ الرّأي أو ما علمت أنا لا نأخُذُ
ص: 230
الصغير بذنب الكبير و أن الأموال كانت لهم قبل الفُرقة و تزوّجُوا على رِشدةٍ و ولِدُوا على فِطرةٍ وإنّما لكُم ما حوى عسكرُهُم و أما ما كان فِي دُورِهِم فَهُو مِيرَاتٌ لِذُرِّيَّتِهِم فَإِن عدا علينا أحدٌ مِنهُم أخذناهُ بِذنبِهِ وإِن كفّ عنّا لم نحمل عليه ذنب غيره يا أخا بكر لقد حكمتُ فِيهِم بِحُكمِ رَسُولِ اللّه (صَلَّى اللّه عَلَيْهِ وَآلِهِ) فِي أهل مكّة فقسم ما حوى العسكر و لم يتعرّض لما سوى ذلك و إنّما اتبعتُ أثره حذو النعل بالنعل يا أخا بكرأ ما علمت أن دار الحرب يحِلُّ ما فيها و أن دار الهجرة يحرم ما فيها إلّا بحق فمهلا مهلًا رحمكُمُ اللّه فإن لم تُصدِّقُونِي وأكثرتُم علي وذلك أنَّهُ تكلّم فِي هذا غيرُ واحِدٍ فأيُّكُم يأخُذُ عائِشة بسهمِهِ فقالُوا يا أمِير المؤمنين أصبت وأخطأنا و علمت و جهلنا فنحن نستغفر اللّه تعالى ونادى النّاس من كلّ جَانِبِ أصبت يا أمِير المؤمنين أصاب اللّه بِك الرشاد والسداد فقام عمَّار فقال أيُّها النّاس واللّه إِنِ اتَّبعتُمُوهُ وأطعتُمُوهُ لن يضِلّ عن منهل نبيّكم (عَلَيهِ السَّلَامُ) حتّى قيس شعرة وكيف لا يكُونُ ذلك وقد استودعه رسُولُ اللّه (صَلَّى اللّه عَلَيْهِ وَآلِهِ) علم المنايا والوصايا وفصل الخطاب على منهج هارون (عَلَيهِ السَّلَامُ) وقال له أنت مِنّي بمنزلة هارون من مُوسى إلّا أنّه لا نبي بعدِي فضلا خصّهُ اللّه بِهِ و إِكراماً مِنهُ لِنبيه (صَلَّى اللّه عَلَيْهِ وَآلِهِ) حيثُ أعطاه ما لم يُعطِهِ أحداً من خلقِهِ ثُمّ قال أمِير المؤمنين انظُرُوا رَحمكُمُ اللّه ما تُؤْمِرُونَ بِهِ فامضُوا له فإنّ العالم أعلمُ بِما يأْتِي بِهِ من الجاهِلِ الخسِيس الأخسَ فَإِنِّي حَامِلُكُم إِن شاء اللّه إِن أطعتُمُونِي على سَبِيلِ النّجاةِ و إن كانت فِيهِ مشقة شديدة و مرارة عتيدة والدُّنيا حلوة الحلاوة لمن اغتربها من الشقوة والندامة عمّا قليلٍ ثُمّ إِنِّي أُخبِرُكُم أَنْ جِيلًا من بَنِي إِسرائيل أمرهُم نَبِيُّهُم أن لا يشربُوا من النَّهرِ فلجُوا فِي تركِ أمرِه فشرِبُوا مِنهُ إِلَّا َقلِيلًا مِنهُم فَكُونُوا رَحمكُمُ اللّه من أُولئِكَ الّذين أطاعُوا نبيّهم ولم يعصُوا ربهم وأمّا عائِشة فأدركها رأي النِّساءِ ولها بعد ذلك حُرمتها الأولى والحِسابُ على اللّه يعفو عمن يشاء ويُعذِّبُ من يشاء. (1)
ص: 231
1- عن بعض أصحابنا عن أحدِهِما قال: لَمّا كان أمِير المؤمنين (عَلَيهِ السَّلَامُ) فِي الكوفة أتاه النّاس فقالُوا: اجعل لنا إماماً يومنا فِي شهر رمضان. فقال: لا. ونهاهم أن يجتمِعُوا فِيهِ، فَلَمّا أمسوا جعلوا يقولون: ابكُوا فِي رمضان وا رمضاناه. فأتاه الحارث الأعورُ فِي أُناس فقال: يا أمِير المؤمنين ضجّ النّاس و كرهوا قولك. فقال (عَلَيهِ السَّلَامُ) : دعوهم وما يُريدون ليُصلّي بهم من شاءوا. ثُمّ قال: (وَيَتَّبِعْ غَيْرَ سَبِيلِ الْمُؤْمِنِينَ نُوَلِّهِ مَا تَوَلَّى وَنُصْلِهِ جَهَنَّمَ وَسَاءَتْ مَصِيرًا). (1)و (2)
2 - عن أبي عبد اللّه (عَلَيهِ السَّلَامُ) قال: سألتُهُ عنِ الصَّلاة فِي شهر رمضان فِي المساجد. قال: لما قدم أمِير المؤمنين (عَلَيهِ السَّلَامُ) الكوفة أمر الحسن بن علي أن يُنادِي فِي النّاس لا صلاة فِي شهر رمضان فِي المساجد جماعةً، فنادى فِي النّاس الحسن بن عليّ (عَلَيهِ السَّلَامُ) بما أمره بِهِ أمِير المؤمنين (عَلَيهِ السَّلَامُ)، فلَمّا سمع النّاس مقالة الحسن بن عليّ (عَلَيهِ السَّلَامُ)، صاحوا وا عُمراه وا عُمراه. فلما رجع إلى أمِير المؤمنين (عَلَيهِ السَّلَامُ) قال له: ما هذا الصّوتُ ؟ فقال: يا أمِير المؤمنين النّاس يصِيحُون وا عُمراه وا عُمراه فقال أمِير المؤمنين: قُل لهم : صلُّوا. (3)
1- عن عمرو بن غزوان عن ابن مُسلِمٍ قال: خرجتُ مع الحسن البصري وأنس بن مالك حتّى أتينا باب أم سلمة فقعد أنس على الباب ودخلتُ مع الحسن البصري فسمعت الحسن وهو يقولُ السّلام عليك يا أُماه ورحمة اللّه وبركاته فقالت له وعليك السلام من أنت يا بَنِي قال أنا الحسن البصري فقالت فيما جئت يا حسنُ فقال لها جِئتُ لِتُحدِّثِينِي بِحدِيث سمعتِيهِ من رسولِ اللّه (صَلَّى اللّه عَلَيْهِ وَآلِهِ) فِي عليّ بن أبِي طالِب فقالت أُم سلمة واللّه لاحدثتك بِحدِيثٍ سمِعتهُ أُذناي مِن
ص: 232
رسُولِ اللّه وإِلّا فصمتا ورأته عيناي و إلّا فعميتا و وعاه قلبي وإلا فطبع اللّه عليه وأخرس لِسانِي إِن لم أكُن سمعت رسول اللّه (صَلَّى اللّه عَلَيْهِ وَآلِهِ) يقولُ لِعليّ بن أبِي طالِب (عَلَيهِ السَّلَامُ) يا علي ما من عبد لقي اللّه يوم يلقاه جاحِداً لولايتك إلّا لي اللّه بِعِبادة صنم أو وثن قال فسمعت الحسن البصري وهو يقولُ اللّه أكبر أشهدُ أنّ عليّاً مولاي ومولى المؤمنين فلما خرج قال له أنسُ بنُ مالك ما لي أراك تُكبّر قال سألتُ أُمنا أُمّ سلمة أن تُحدّثني بِحَدِيثٍ سمعتهُ من رَسُولِ اللّه (صَلَّى اللّه عَلَيْهِ وَآلِهِ) فِي علي فقالت لي كذا وكذا فقُلتُ اللّه أكبر أشهدُ أن عليّاً مولاي و مولى كلّ مُؤْمِنٍ قال فسمعت عِند ذلك أنس بن مالِكٍ و هُو يقولُ أشهدُ على رسُولِ اللّه (صَلَّى اللّه عَلَيْهِ وَآلِهِ) أَنه قال هذِهِ المقالة ثلاث مراتٍ أو أربع مرّات. (1)
1 - عنِ الصَّادق عن آبائِهِ (صَلَّى اللّه عَلَيْهِ وَآلِهِ) قال قال رسولُ اللّه (صَلَّى اللّه عَلَيْهِ وَآلِهِ) إنّ الجنّة لتشتاق ويشتد ضوؤُها لأحباء عليّ (عَلَيهِ السَّلَامُ) وهُم فِي الدُّنيا قبل أن يدخُلُوها و إِنَّ النَّار لتغِيظُ ويشتد زفِيرُها على أعداء عليّ (عَلَيهِ السَّلَامُ) وهُم فِي الدُّنيا قبل أن يدخُلُوها. (2)
1- عن ابن نباتة قال: سُئِل أمِير المؤمنين عليّ بن أبِي طالِب (عَلَيهِ السَّلَامُ) عن عِلَّةٍ دفنِهِ لِفاطِمة بنتِ رسُولِ اللّه (صَلَّى اللّه عَلَيْهِ وَآلِهِ) ليلا فقال إنّها كانت ساخطةً على قوم كرهت حضورهم جنازتها و حرام على من يتولاهم أن يُصلّي على أحدٍ من وُلدها. (3)
ص: 233
1- عن أبي عبد اللّه (عَلَيهِ السَّلَامُ) قال: إذا صلّيتَ على عدوّ اللّه فقُلِ «اللّهمّ إِنْ فُلاناً لا نعلمُ مِنهُ إِلا أَنَّهُ عدُوٌّ لك ولِرَسُولِكَ اللّهمّ فَاحش قبره ناراً و احش جوفه ناراً و عَجِّل بِهِ إِلَى النَّارِ فَإِنَّهُ كَان يتولّى أعداءك ويُعادِي أولياءك ويُبغِضُ أهل بيتِ نبيّك اللّهمّ ضيّق عليه قبره» فإذا رُفِع فقُلِ اللّهمّ لا ترفعه ولا تُزَكّه». (1)
2- عن حريز عن محمّد بن مُسلم عن أحدِهِما (عَلَيهِمَا السَّلَامُ) قال: إن كان جاحِداً للحقِّ فقُلِ اللّهمّ املأ جوفه ناراً وقبره ناراً وسلّط عليه الحيَّاتِ والعقارب » و ذلك قاله أبوجعفر (عَلَيهِ السَّلَامُ) لإمرأة سوء من بَنِي أُميّة صلّى عليها أبي وقال هذه المقالة « واجعل الشّيطان لها قريناً» قال محمّد بن مُسلِمٍ فقُلتُ لهُ لِأيّ شيءٍ يجعل الحيّاتِ والعقارب فِي قبرها فقال إن الحياتِ يَعضَضنَها والعقارِب يَلسَعنَها والشّياطين تُقارِنُها فِي قبرها قُلتُ تجد ألم ذلك ؟ قال نعم شديداً. (2)
3 - عن أحمد بن محمّد بن أبي نصرٍ قال : تَقُولُ «اللّهمّ أخزِ عبدك فِي عِبادِكَ وبِلادِكَ اللّهمّ أصلِهِ نارك و أذقهُ أشدّ عذابِك فإنّهُ كان يُعادِي أولياءك ويُوالِي أعداءك ويُبغِضُ أهل بيتِ نبيّك (صَلَّى اللّه عَلَيْهِ وَآلِهِ)». (3)
4 - عن أبي عبد اللّه (عَلَيهِ السَّلَامُ) قال: ماتت امرأة من بَنِي أُميّة فحضرتُها فلما صلوا عليها ورفعوها و صارت على أيدِي الرّجالِ قال «اللّهمّ ضعها ولا ترفعها و لا تُزكّها قال وكانت عدُوّةً للّه قال و لا أعلمه إلّا قال ولنا. (4)
5- عن أبي عبد اللّه (عَلَيهِ السَّلَامُ) قال: مات رجُلٌ من المنافقين فخرج الحسين بن علي (عَلَيهِمَا السَّلَامُ) يمشي. فلقي مولّى له فقال أين تذهب فقال أفِرُّ من جنازة هذا المنافِقِ أن أُصلِّي عليه قال قُم إِلى جَنبِي فما
ص: 234
سَمِعتني أقُولُ فقُل قال فرفع يده و قال « اللّهمّ العَن عبدك ألفَ لَعنةٍ مُختلِفةِ اللّهمّ أَحْزِ عبدك فِي بِلادِك وعِبادِكَ اللّهمّ أصلِهِ حزنارِك اللّهمّ أذقهُ أشد عذابِك فإنّه كان يُوالِي أعداءك و يُعادِي أولياءك ويُبغِضُ أهل بيتِ نبيّك». (1)
6 - عن أبي عبد اللّه (عَلَيهِ السَّلَامُ) أنّ رجُلًا من المنافقين مات فخرج الحسين بن علي (عَلَيهِمَا السَّلَامُ) يمشي معه فلقيه مولّى له فقال له الحسين أين تذهب يا فُلانُ قال فقال له مولاه أفر من جنازة هذا المنافِقِ أن أُصلّي عليها فقال له الحسين (عَلَيهِ السَّلَامُ) انظر أن تقوم على يميني فما تسمعُنِي أَقُولُ فقُل مِثلَهُ فَلَمّا أن كبر عليه وليه قال الحسين (عَلَيهِ السَّلَامُ) اللّه أكبر اللّهمّ العن فُلاناً عبدك ألف لعنةٍ مُؤتِلِفةٍ غيرِ مُختلفة اللّهمّ اخز عبدك فِي عِبادِك و بِلادِك وأصلِهِ حرّنارِك و أذقهُ أشد عذابِك فإنّه كان يتولّى أعداءك ويُعادِي أولياءك ويُبغِضُ أهل بيت نبيّك. (2)
7 - عن صالح بن كيسان قال : لما قتل مُعاوِيةُ حُجر بن عدي وأصحابه حج ذلك العام فلقي الحسين بن علي (عَلَيهِمَا السَّلَامُ) فقال يا أبا عبد اللّه هل بلغك ما صنعنا بِحُجرو أصحابه وأشياعِهِ و شيعة أبيك فقال وما صنعت بهم قال قتلناهم وكفناهم وصلينا عليهم فضَحِك الحسين (عَلَيهِ السَّلَامُ) ثُمّ قال خَصَمَك القومُ يا مُعاوِيةُ لكِنّنا لو قتلنا شيعتك ما كفناهم ولا صلّينا عليهم ولا أقبرناهم و لقد بلغني وقيعتُك فِي عليّ (عَلَيهِ السَّلَامُ) وقيامك بنقصنا واعتِراضُك بَنِي هَاشِمٍ بِالْعُيُوبِ فإذا فعلت ذلك فارجع فِي نفسك ثُمّ سلها الحقّ عليها ولها فإن لم تجدها أعظم عيباً فما أصغر عيبك فيك فقد ظلمناك يا مُعاوِيةُ ولا تُوتِرَنَّ غير قوسِك ولا ترمين غير غرضك و لا ترمنا بالعداوة من مكان قريبٍ فإنّك واللّه قد أطعت فينا رجُلًا ما قَدم إسلامُهُ ولا حَدَثَ نِفَاقُهُ ولا نظر لك فَانظُر لِنفسك أو دَع يعني عمرو بن العاص. (3)
ص: 235
1 - عن محمّد بن عِيسى بن عُبيد قال حدّثنا جعفرُ بنُ عِيسى أخُوهُ قال: سألتُ الرّضا (عَلَيهِ السَّلَامُ) عن صوم عاشوراء و ما يقولُ النّاس فِيهِ فقال عن صوم ابن مرجانة تسألني ذلك يوم صامه الأدعِياءُ من آلِ زِيادٍ لِقتل الحسين (عَلَيهِ السَّلَامُ) و هُو يوم يتشاءم بِهِ آل محمّد (صَلَّى اللّه عَلَيْهِ وَآلِهِ) و يتشاءمُ بِهِ أهل الإسلام واليوم الّذي يتشاءم بِهِ أهلُ الإِسلام لا يُصامُ ولا يُتبركُ بِهِ ويوم الإثنين يوم نحس قبض اللّه عزّوجلّ فِيهِ نبيّه و ما أُصِيب آل محمّد إِلَّا فِي يوم الإثنين فتشاءمنا بِهِ وتتبركُ بِهِ عدونا و يوم عاشوراء قُتِل الحسين (عَلَيهِ السَّلَامُ) و تبرك به ابن مرجانة وتشاءم بِهِ آل محمّد فمن صامهما أو تبرك بهما لقي اللّه تبارك و تعالى ممسوخ القلب وكان محشره مع الّذين سنوا صومهما و التّبرُّك بهما. (1)
2 - عن محمّد بن سنان عن أبان عن عبد الملِكِ قال: سألت أبا عبد اللّه (عَلَيهِ السَّلَامُ) عن صومِ تاسوعا و عاشوراء من شهر المحرّم فقال تاسوعا يومٌ حُوصِرفِيهِ الحسين وأصحابه بكربلاء و اجتمع عليه خيلُ أهل الشّامِ و أناخُوا عليه وفرح ابن مرجانة وعُمر بن سعد بتوافر الخيل و كثرتها واستضعفوا فيه الحسين (عَلَيهِ السَّلَامُ) وأصحابه وأيقنوا أنّه لا يأتي الحسين ناصِرُ ولا يُده أهلُ العِراقِ بِأبي المستضعف الغريب ثُمّ قال وأما يوم عاشوراء فيوم أصيب فيه الحسين (عَلَيهِ السَّلَامُ) صريعاً بين أصحابه وأصحابه حوله صرعى عُراةً أفصومٌ يكُونُ فِي ذلك اليوم كلّا وربّ البيتِ الحرامِ ما هُو يوم صوم و ما هُو إِلّا يوم حُزنٍ و مُصِيبةٍ دخلت على أهلِ السّماءِ وأهل الأرضِ و جميع المؤمنين و يوم فرح و سُرُورٍ لابن مرجانة و آلِ زِيادٍ وأهلِ الشّامِ غضب اللّه عليهم وعلى ذُرِّياتِهم وذلك يوم بكت جميعُ بِقاعِ الأرْضِ خلابُقعةِ الشّامِ فمن صامه أو تبرك بِهِ حشره اللّه مع آلِ زِيادٍ ممسوخ القلبِ مسخُوطاً عليه ومن اذخر إلى منزِلِهِ ذخيرةٌ أعقبه اللّه تعالى نفاقاً فِي قلبِهِ إلى يوم يلقاه و انتزع البركة عنه وعن أهل بيتِهِ و وُلدِهِ وشاركه الشّيطان فِي جميع ذلك. (2)
3 - عن الحسين بن أبِي غُندرٍ عن أبيه عن أبي عبد اللّه (عَلَيهِ السَّلَامُ) قال: سألته عن صوم يوم
ص: 236
عاشوراء فقال ذاك يوم قتل الحسين (عَلَيهِ السَّلَامُ) فإن كُنت شامِتاً فصُم ثُمّ قال إِن آل أُميّة لعنهُمُ اللّه و من أعانهم على قتل الحسين من أهلِ الشّامِ نذروا نذراً إن قتل الحسين (عَلَيهِ السَّلَامُ) وسلم من خرج إلى الحسين وصارت الخلافةُ فِي آلِ أبي سفيان أن يتَّخِذُوا ذلك اليوم عِيداً لهم يصُومُون فِيهِ شُكراً فصارت فِي آل أبي سفيان سُنّةٌ إلى اليوم فِي النّاس واقتدى بِهِمُ النّاس جميعاً لذلك فلذلك يصومونه ويُدخلون على عيالاتهم وأهاليهِمُ الفرح فِي ذلك اليوم الخبر. (1)
1- عن عبد اللّه بن لطيف التفليسي قال قال الصَّادق (عَلَيهِ السَّلَامُ) لما ضُرِب الحسين بن علي (عَلَيهِمَا السَّلَامُ) بِالسّيفِ ثُمّ ابْتُدِر لِيُقطع رأسُهُ نادى مُنادٍ من قِبل ربّ العزّة تبارك وتعالى من بطنانِ العرش فقال ألا أيتها الأمَّة المتحيّرةُ الظالمة بعد نبيها لا وفقكُمُ اللّه لِأَضحى ولا فِطر قال ثُمّ قال أبو عبد اللّه (عَلَيهِ السَّلَامُ) لا جرم واللّه ما وفّقُوا ولا يُوفّقُون أبداً حتّى يقوم ثائر الحسين (عَلَيهِ السَّلَامُ). (2)
2 - عن محمّد بن إسماعيل الرّازِيّ عن أبي جعفر الثّاني (عَلَيهِ السَّلَامُ) قال: قُلتُ جُعِلتُ فِداك ما تقُولُ فِي العامَّة فإنّه قد رُوي أنهم لا يُوفّقُون لصوم فقال لي أما إنّهم قد أُجِيبت دعوة الملكِ فيهم قال قُلتُ وكيف ذلك جُعِلتُ فِداك قال إن النّاس لما قتلوا الحسين بن علي (عَلَيهِمَا السَّلَامُ) أمر اللّه عزّ و جلّ ملكاً يُنادِي أيّتُها الأمَّة الظالمةُ القاتِلةُ عِترة نبتها لا وفقكُمُ اللّه لِصومِ ولا فِطرو فِي حديث آخر لِفِطر و لا أضحى. (3)
ص: 237
1- عن عُثمان بن يُوسُف قال أخبرني عبد اللّه بن كيسان عن أبي عبد اللّه (عَلَيهِ السَّلَامُ) قال: قُلتُ لهُ جُعِلتُ فِداك أنا مولاك عبد اللّه بن كيسان قال أمّا النّسب فأعرِفُهُ و أما أنت فلستُ أعرِفُك قال قُلتُ لهُ إِنِّي وُلِدتُ بِالجبل ونشأتُ فِي أرض فارس و إنني أُخالط النّاس فِي التجارات وغيرِ ذلك فأُخالِطُ الرّجُل فأرى لهُ حُسن السمتِ وحُسن الخُلُقِ وكثرة أمانةٍ ثُمّ أُفَتِشُهُ فَأَتبَيِّنُهُ عن عداوتِكُم وأُخالِطُ الرّجُل فأرى مِنهُ سُوء الخُلُقِ وقلة أمانةٍ وزعارَةً ثُمّ أُفَتِّشُهُ فَأَتبَيِّنُهُ عن ولايتكُم فكيف يكون ذلك فقال لي أما علمت يا ابن كيسان أنّ اللّه عزّ و جلّ أخذ طينةً من الجنّة وطينةٌ من النّارِ فخلطهما جميعاً ثُمّ نزع هذِهِ من هذِهِ و هَذِهِ من هَذِهِ فما رأيت من أُولئِكَ من الأمانةِ وحُسنِ الخُلُقِ وحُسنِ السّمتِ فِيمّا مستهُم من طِينةِ الجنّة وهُم يعودون إلى ما خُلِقُوا مِنهُ و ما رأيت من هؤلاءِ من قِلَّةِ الأمانةِ وسُوءِ الخلُقِ والزعارَةِ فِيمَا مَسَتهُم من طِينةِ النَّارِ وهُم يعودون إلى ما خُلِقُوا مِنهُ. (1)
2 - عن أبي جعفر و أبي عبد اللّه (عَلَيهِمَا السَّلَامُ) قال: إنّ اللّه خلق محمّداً (صَلَّى اللّه عَلَيْهِ وَآلِهِ) من طينةٍ من جوهرة تحت العرش و إنّه كان لِطِينتِهِ نضج فجبل طينة أمِير المؤمنين (عَلَيهِ السَّلَامُ) من نضح طينة رسولِ اللّه (صَلَّى اللّه عَلَيْهِ وَآلِهِ) و كان لِطِينة أمِير المؤمنين (عَلَيهِ السَّلَامُ) نضج فجبل طينتنا من فضلِ طِينةِ أمِير المؤمنين (عَلَيهِ السَّلَامُ) وكانت لطينتِنا نضج فجبل طينة شيعتِنا من نصْحِ طِينتِنا فَقُلُوبُهُم تَحِنُّ إِلينا وقُلُوبُنا تعطف عليهم تعطف الوالِدِ على الولد ونحنُ خيرُهُم وهُم خير لنا و رسُولُ اللّه لنا خيرٌ ونحنُ له خير. (2)
3 - عن أبي جعفر (عَلَيهِ السَّلَامُ) :قال إنّا وشيعتنا خُلِقنا من طِينةٍ من عِلّيّين وخُلِق عدُونَا من طِينة خبالٍ (من حما مسنُون). (3) و (4)
ص: 238
4 - عن أبي عبد اللّه (عَلَيهِ السَّلَامُ) قال: إنّ اللّه تبارك وتعالى خلقنا من نُورٍ مُبتدع من نُورٍ رسخ ذلك النُّورُ فِي طِينةٍ من أعلى عِلّيّين وخلق قُلُوب شِيعَتِنا تِما خلق منه أبداننا وخلق أبدانهم من طِينةٍ دُون ذلك فقُلُوبُهم تهوى إلينا لأَنها خُلِقت مِمّا خُلِقنا مِنهُ ثُمّ قرأ: (كَلَّا إِنَّ كِتَابَ الْأَبْرَارِ لَفِي عِلِّيِّينَ * وَمَا أَدْرَاكَ مَا عِلِّيُّونَ * كِتَابٌ مَرْقُومٌ * يَشْهَدُهُ الْمُقَرَّبُونَ) (1) وإنّ اللّه تبارك وتعالى خلق قُلُوب أعدائِنا من طِينةٍ من سِجّينٍ وخلق أبدانهم من طِينةٍ من دُونِ ذلك وخلق قُلُوب شيعتهم مِمّا خلق منه أبدانهم فقُلُوبُهُم تهوى إليهِم ثُمّ قرأ (إنّ كتاب الفُجَارِ لَفِي سِجِّينٍ وما أدراك ما سِجِّينٌ كِتابٌ مرقُومٌ ويلٌ يومئِذٍ لِلمُكَذِّبِين). (2) و (3)
5 - عن أبي بكر الحضرمي عن علي بن الحسين عليهما السلام أنه قال: أخذ الله ميثاق شيعتنا معنا على ولايتنا لا يزيدون ولا ينقُصُون إن الله خلقنا من طينة عليين وخلق شيعتنا من طينة أسفل من ذلك وخلق عدونا من طينةِ سِجّينٍ وخلق أولياء هُم مِن طينة أسفل من ذلك .(4)
6 - عن إسحاق القمّي قال: دخلت على أبي جعفر الباقر (عَلَيهِ السَّلَامُ) فقُلتُ لهُ جُعِلتُ فِداك أخبرني عنِ المؤمِنِ يزني قال لا قُلتُ فيلوط قال لا قُلتُ فيشرب المسكر قال لا، قُلتُ فيُذنِبُ قال نعم قُلتُ جُعِلتُ فِداك لا يزني ولا يلُوطُ ولا يرتكِبُ السَّيِّئاتِ فأيُّ شيءٍ ذنبُهُ فقال يا إِسحاقُ قال اللّه تبارك وتعالى: (الَّذِينَ يَجْتَنِبُونَ كَبَائِرَ الْإِثْمِ وَالْفَوَاحِشَ إِلَّا اللَّمَمَ) (5) وقد يُلِمُّ المؤمِنُ بالشَّيءِ الّذي ليس فِيهِ مُراد قُلتُ جُعِلتُ فِداك أخبرني عنِ النَّاصب لَكُم يُظهرُ بِشيءٍ أبداً قال لا قُلتُ جُعِلتُ فِداك فقد أرى المؤمِن الموحد الّذي يقولُ بِقولي ويدين اللّه بولايتِكُم وليس بيني وبينه خلاف يشرب المسكرو يزني ويلوط و آتيه فِي حاجةٍ واحدةٍ فأُصِيبُهُ مُعبّس الوجه كامح اللون ثقيلًا فِي حاجتي بطيئاً فيها وقد أرى النَّاصب المخالف لما أنا عليه ويعرِفُني بذلك فآتِيهِ فِي حاجةٍ
ص: 239
فأُصِيبُهُ طلق الوجه حسن البشرِ مُتسرّعاً فِي حاجتي فرحاً بِها يُحِبُّ قضاءها كثير الصَّلاة كَثِير الصّومِ كثِير الصَّدقة يُؤدّي الزكاة ويُستودعُ فيُؤدّي الأمانة قال يا إسحاق ليس تدرون من أين أُوتِيتُم قُلتُ لا واللّه جُعِلتُ فِداك إلّا أن تُخبرني فقال يا إِسحاقُ إِنَّ اللّه عزّ و جلّ لمّا كان متفرداً بالوحدانية ابتدأ الأشياء لا من شيءٍ فأجرى الماء العذب على أرض طيبة طاهرة سبعة أيام مع لياليها ثُمّ نضب الماء عنها فقبض قبضةً من صفاوة ذلك الطين وهي طينتنا أهل البيتِ ثُمّ قبض قبضةً من أسفلِ ذلك الطينة وهي طينةُ شِيعَتِنا ثُمّ اصطفانا لِنفسِهِ فلو أنّ طينة شيعتنا تُرِكت كما تُرِكت طينتُنا لما زنى أحدٌ مِنهُم ولا سرق ولا لاط ولا شرب المسكرو لا اكتسب شيئاً ما ذكرت ولكن اللّه عزّ و جلّ أجرى الماء المالح على أرض ملعونة سبعة أيامٍ و لياليها ثُمّ نضب الماءُ عنها ثُمّ قبض قبضةً وهِي طِينةٌ ملعونةٌ من حما مسنُونٍ وهِي طِينة خبال وهي طينة أعدائنا فلو أن اللّه عزّ و جلّ ترك طينتهم كما أخذها لم تروهم فِي خلقِ الآدميين ولم يُقِرُّوا بِالشهادتين ولم يصُومُوا ولم يُصلُّوا ولم يُزكُوا ولم يحجوا البيت ولم تروا أحداً مِنهُم بِحُسنِ خُلُقٍ ولكنّ اللّه تبارك وتعالى جمع الطينتين طينتكُم و طينتهم فخلطهما و عركهما عرك الأديم ومزجهما بالماءين فما رأيت من أخِيكَ من شر لفظ أو زِنا أو شيء ما ذكرت من شُرب مُسكِرٍ أو غيره فليس من جوهرِيَّتِهِ ولا من إِيمانِهِ إِنّما هُو بِمسحةِ النَّاصب اجترح هذِهِ السيِّئات الّتي ذكرت و ما رأيت من النَّاصب من حُسنِ وجه و حُسنِ خُلُقٍ أو صومٍ أو صلاةٍ أو حج بيت أو صدقة أو معروف فليس من جوهريّتِهِ إِنّما تِلك الأفاعيل من مسحة الإيمانِ اكتسبها وهو اكتسابُ مسحةِ الإِيمانِ قُلتُ جُعِلتُ فِداك فإذا كان يوم القيامة فمه قال لي يا إسحاق أيجمع اللّه الخير و الشر فِي موضع واحِدٍ إذا كان يوم القيامة نزع اللّه عزو جل مسحة الإيمان مِنهُم فردّها إِلى شِيعَتِنا ونزع مسحة النَّاصب بِجميع ما اكتسبوا من السيِّئاتِ فردّها على أعدائنا و عاد كلّ شيءٍ إِلى عُنصُرِهِ الأولِ الّذي مِنهُ ابتدأ أ ما رأيت الشَّمس إذا هي بدت ألا ترى لها شُعاعاً زاجِراً مُتصلا بها أو بائِناً مِنها قُلتُ جُعِلتُ فِداك الشَّمس إذا هي غربت بدأ إليها الشُّعاع كما بدأ منها ولو كان بايناً منها لما بدأ إليها قال نعم يا إِسحاقُ كلّ شيءٍ يَعُودُ إِلى جوهرِهِ الّذي مِنه بدأ قُلتُ جُعِلتُ فِداك تُؤخذ حسناتهم فتُردُّ إِلينا وتُؤْخَذُ سَيِّئاتُنا فتُردُّ إِليهم قال إِي واللّه الّذي لا إِله إِلا هُو قُلتُ جُعِلتُ فِداك أجِدُها فِي كِتابِ
ص: 240
اللّه عزّ و جلّ قال نعم يا إسحاق قُلتُ فِي أي مكان قال لي يا إسحاق أما تتلو هذه الآية (فَأُولئِكَ يُبَدِّلُ اللّه سَيِّئَاتِهِم حسناتٍ وكان اللّه غَفُوراً رحيماً) (1) فلم يُبدِلِ اللّه سيّئاتِهِم حسناتٍ إلّا لكُم واللّه يُبدِّلُ لكُم. (2)
7 - عن أبي إسحاق الليثي قال : قُلتُ لِلإمام الباقر محمّد بن علي (عَلَيهِمَا السَّلَامُ) يا ابن رسول اللّه أخبِرنِي عَنِ المؤمِنِ من شِيعَةِ أمِير المؤمنين إذا بلغ وكمُل فِي المعرفة هل يزني قال (عَلَيهِ السَّلَامُ) لا قُلتُ فيلُوط قال لا قُلتُ فيسرِقُ قال لا قُلتُ فيشرب خمراً قال لا قُلتُ فيُذنب ذنباً قال لا قال الراوي فتحيّرت من ذلك وكثر تعجُبِي مِنهُ قُلتُ يا ابن رسُولِ اللّه إِنِّي أَجِدُ من شِيعَةِ أمِير المؤمنين و من مواليكُم من يشرب الخمر و ياكُلُ الرِّبا ويزني ويلُوطُ ويتهاونُ بِالصَّلاة والزَّكَاةِ و الصومِ و الحج و الجهادِ و أبوابِ البِرحتَّى إِنّ أخاه المؤمِن يأتيه فِي حاجةٍ يسيرة فلا يقضيها له فكيف هذا يا ابن رسولِ اللّه و من أيّ شيءٍ هذا قال فتبسّم الإمام (عَلَيهِ السَّلَامُ) وقال يا أبا إسحاق هل عندك شيء غير ما ذكرت قُلتُ نعم يا بن رسُولِ اللّه وإِنِّي أَجِدُ النَّاصب الّذي لَا أَشُكُ فِي كفره يتورع عن هذه الأشياء لا يستحِلُّ الخمر و لا يستحِلُّ دِرهماً لِلمُسلِم ولا يتهاونُ بِالصَّلاة و الزكاة والصّيامِ والحجّ والجهادِ ويقومُ بِحوائج المؤمنين والمسلمين اللّه وفي اللّه تعالى فكيف هذا و لم هذا فقال (عَلَيهِ السَّلَامُ) يا إبراهيم لهذا أمر باطِنٌ وهُو سِر مكنون وبابٌ مُغلق مخزون و قد خفي عليك و على كثير من أمثالك وأصحابك و إنّ اللّه عزّ و جلّ لم يُؤذِن أن يخرُج سِرُّهُ وغَيبُهُ إِلَّا إلى من يحمِلُهُ وهُو أهلُهُ قُلتُ يا ابن رسُولِ اللّه إِنِّي واللّه لمُحتمِل من أسرارِكُم و لستُ بِمُعانِدٍ و لا بِناصِبٍ فقال (عَلَيهِ السَّلَامُ) يا إبراهيم نعم أنت كذلك ولكن عِلمُنا صعبٌ مُستصعبٌ لا يحتمله إلّا ملك مُقرّب أو نيٌّ مُرسَلٌ أو مُؤْمِنٌ امتحن اللّه قلبهُ لِلإِيمان و إِنَّ التَّقِيَّة من دِيننا و دِينِ آبائنا و من لا تقيّة لهُ فلادِين لهُ يا إبراهِيمُ لو قُلتُ إنّ تارك التَّقِيّةِ كتارِكِ الصَّلاة لكُنتُ صادِقاً يا إبراهيم إن من حديثنا و سرنا و باطِنِ عِلمنا ما لا يحتمله ملكٌ مُقرَبٌ ولا ني مُرسَلٌ ولا مُؤْمِنٌ ممتحن قُلتُ يا سيدي ومولاي فمن يحتمله إذا قال ما شاء اللّه وشِئنا ألا من أذاع سِرنا إلّا إلى أهلِهِ
ص: 241
فليس منا ثلاثاً ألا من أذاع سرنا أذاقه اللّه حر الحديدِ ثُمّ قال يا إبراهِيمُ خُذ ما سألتني عِلماً باطِناً مخرُوناً فِي عِلمِ اللّه تعالى الّذي حَبا اللّه جل جلالُهُ بِهِ رسوله (صَلَّى اللّه عَلَيْهِ وَآلِهِ) و حَبابِهِ رَسُوله
وصيّه أمِير المؤمنين (عَلَيهِ السَّلَامُ) ثُمّ قرأ (عَلَيهِ السَّلَامُ) هذه الآية (عَالِمُ الْغَيْبِ فَلَا يُظْهِرُ عَلَى غَيْبِهِ أَحَدًا * إِلَّا مَنِ ارْتَضَى مِنْ رَسُولٍ)(1) ويحك يا إبراهِيمُ إِنّك قد سألتني عنِ المؤمنين من شيعة مولانا أمِير المؤمنين عليّ بن أبِي طالِب وعن زُهّادِ النّاصِبةِ وعُبَادِهِم من هاهنا قال اللّه عزّوجلّ (وَقَدِمْنَا إِلَى مَا عَمِلُوا مِنْ عَمَلٍ فَجَعَلْنَاهُ هَبَاءً مَنْثُورًا) (2) و من هاهنا قال اللّه عزّوجلّ (عَامِلَةٌ نَاصِبَةٌ * تَصْلَى نَارًا حَامِيَةً * تُسْقَى مِنْ عَيْنٍ آنِيَةٍ) (3) وهذا النَّاصب قد جُبل على بغضنا وردّ فضلنا ويُبطِلُ خِلافة أبينا أمِير المؤمنين (عَلَيهِ السَّلَامُ) ويُثبِتُ خِلافة مُعاوِية وبني أُميّة ويزعُمُ أَنَّهُم خُلفاء اللّه فِي أَرضِهِ و يزعُمُ أنّ من خرج عليهم وجب عليه القتل ويروي فِي ذلك كذباً و زُوراً ويروي أن الصَّلاة جائزة خلف من غلب و إن كان خارجياً ظالماً ويروي أن الإمام الحسين بن علي صلوات اللّه عليهما كان خارجيّاً خرج على يزيد بن مُعاوِية ويزعُمُ أَنَّهُ يجِبُ على كلّ مُسلِم أن يدفع زكاة مالِهِ إِلى السلطان و إن كان ظالِماً يا إبراهِيمُ هذا كُلُّهُ رةٌ على اللّه تعالى و على رسوله (صَلَّى اللّه عَلَيْهِ وَآلِهِ) شسبحان اللّه قد افتروا على اللّه الكذب وتقولوا على رسُولِ اللّه (صَلَّى اللّه عَلَيْهِ وَآلِهِ) الباطل وخالفوا اللّه وخالفوا رسوله و خُلفاءه يا إبراهيم لاشر حنّ لك هذا من كِتابِ اللّه الّذي لا يستطِيعُون لَهُ إِنكاراً ولا مِنْهُ فِراراً و من ردّ حرفاً من كِتابِ اللّه فقد كفر باللّه و رسُولِهِ فقُلتُ يابن رسُولِ اللّه إِنَّ الّذي سألتُكَ فِي كِتابِ اللّه قال نعم هذا الّذي سألتني فِي أمرِ شيعة أمِير المؤمنين صلوات اللّه عليه و أمر عدوّه النَّاصب فِي كِتابِ اللّه عزّ و جلّ قُلتُ يا ابن رسُولِ اللّه هذا بعينِهِ قال نعم هذا بعينِهِ فِي كِتابِ اللّه الّذي (لَا يَأْتِيهِ الْبَاطِلُ مِنْ بَيْنِ يَدَيْهِ وَلَا مِنْ خَلْفِهِ تَنْزِيلٌ مِنْ حَكِيمٍ حَمِيدٍ) (4) يا إبراهيم اقرأ هذهِ الآية (الَّذِينَ يَجْتَنِبُونَ
ص: 242
كَبَائِرَ الْإِثْمِ وَالْفَوَاحِشَ إِلَّا اللَّمَمَ إِنَّ رَبَّكَ وَاسِعُ الْمَغْفِرَةِ هُوَ أَعْلَمُ بِكُمْ إِذْ أَنْشَأَكُمْ مِنَ الْأَرْضِ) (1) أتدري ما هذِهِ الأرْضُ قُلتُ لا قال (عَلَيهِ السَّلَامُ) اعلم أن اللّه عزّ و جلّ خلق أرضاً طيبةً طاهِرةً وفجر فيها ماءً عذباً زُلالًا فُراتاً سائغاً فعرض عليها ولايتنا أهل البيت فقبلتها فأجرى عليها ذلك الماء سبعة أيامٍ ثُمّ نضب عنها ذلك الماء بعد السابع فأخذ من صفوة ذلك الطِينِ طِيناً فجعله طين الأئمّة (عَلَيهِم السَّلَامُ) ثُمّ أخذ جلّ جلالُهُ تُفل ذلك الطِينِ فخلق مِنهُ شِيعتنا و محبونا [ مُحبّينا] من فضلِ طِينتِنا فلوترك يا إبراهيم طينتكُم كما ترك طينتنا لكُنتُم أَنتُم ونحنُ سواءً قُلتُ يا ابن رسُولِ اللّه ما صنع بطينتِنا قال مزج طينتكُم ولم يمزج طينتنا قُلتُ يا ابن رسُولِ اللّه وبما ذا مزج طينتنا قال (عَلَيهِ السَّلَامُ) خلق اللّه عزّ و جلّ أيضاً أرضاً سيخةً خبيثةً مُنتِنةً وفجّرفِيها ماءً أُجاجاً مالِحاً آسناً ثُمّ عرض عليها جلّت عظمتُه ولاية أمِير المؤمنين (عَلَيهِ السَّلَامُ) فلم تقبلها و أجرى ذلك الماء عليها سبعة أيامٍ ثُمّ نضب ذلك الماء عنها ثُمّ أَخذ من كُدُورة ذلك الطينِ المنتِنِ الخَبِيثِ و خلق مِنهُ أمَّة الكُفْرِ و الطغاة والفجرة ثُمّ عمد إلى بقيّةِ ذلك الطِينِ فزج بِطِينتِكُم و لو ترك طينتهم على حالِهِ ولم يمزج بِطِينتِكُم ما عمِلُوا أبداً عملا صالحاً ولا أدوا أمانةً إلى أحدٍ و لا شهدُوا الشّهادتين ولا صاموا ولا صلوا و لا زكوا ولا حجوا و لا أشبهوكُم فِي الصُّورِ أَيضاً يا إبراهيم ليس شيءٌ أعظم على المؤمِنِ أن يرى صُورةً حسنةً فِي عدّة من أعداء اللّه عزّوجلّ والمؤمِنُ لا يعلمُ أنّ تلك الصُّورة من طِينِ المؤمِنِ ومِزاجِهِ يا إبراهِيمُ ثُمّ مُزج الطينتانِ بِالماءِ الأَوْلِ والماءِ الثاني فما تراهُ من شِيعَتِنا من رِبًا وزنا و لواطةٍ وخِيانة و شُرب خمرو ترك صلاة وصيام وزكاة و حج و جهادٍ فهي كُلُّها من عَدُوّنا النَّاصب و سِنخِهِ و مِزاجِهِ الّذي مُرْجِ بِطِينتِهِ و ما رأيتهُ فِي هذا العدو النَّاصب من الزُّهدِ والعِبادة والمواظبة على الصَّلاة و أداء الزكاة والصوم والحجّ والجهادِ وأعمال البرو الخير فذلك كُلُّهُ من طِينِ المؤمِنِ و سنخِهِ و مِزاجِهِ فإذا عُرِض أعمال المؤمِنِ و أعمالُ النَّاصب على اللّه يقول جل وعزّأنا عدل لا أجُورُو مُنصِف لا أظلِمُ و عِزّتي وجلالي و ارتفاع مكاني ما أظلِمُ مُؤمِناً بِذنبٍ مُرتكبٍ من سِنخِ النَّاصب وطِينِهِ و مِزاجِهِ هَذِهِ الأعمالُ الصَّالِحَةُ كُلُّها من طِينِ المؤمِنِ ومِزاجِهِ والأعمالُ الرِّدِيّةُ الّتي كانت من المؤمِنِ من طِينِ العدو
ص: 243
النَّاصب ويُلزِمُ اللّه تعالى كلّ واحِدٍ مِنهُم ما هُو من أصلِهِ و جوهره وطينتِهِ وهُو أعلمُ بِعِبادِهِ من الخلائِقِ كُلّهم أفترى هاهنا ظلماً وجوراً وعدواناً ثُمّ قرأ (عَلَيهِ السَّلَامُ) (مَعَاذَ اللَّهِ أَنْ نَأْخُذَ إِلَّا مَنْ وَجَدْنَا مَتَاعَنَا عِنْدَهُ إِنَّا إِذًا لَظَالِمُونَ) (1) يا إبراهِيمُ إِنّ الشَّمس إذا طلعت فبدا شُعاعُها فِي البلدانِ كُلّها أهو بائِنٌ من القُرصةِ أم هُو مُتَصِلٌ بِها شُعاعُها تبلُغُ فِي الدُّنيا فِي المشرِقِ والمغرِبِ حتّى إذا غابت يعُودُ الشُّعاع ويرجِعُ إليها أليس ذلك كذلك قُلتُ بلى يا ابن رسول اللّه قال فكذلك يرجعُ كلّ شيءٍ إلى أصلِهِ و جوهره و عُنصُرِهِ فإذا كان يوم القيامة ينزع اللّه تعالى من العدو النَّاصب سنخ المؤمِنِ ومِزاجه و طينته و جوهره و عُنصُره مع جميع أعمالِهِ الصَّالِحِةِ ويَرُدُّهُ إِلى المؤمِنِ وينزِعُ اللّه من المؤمِنِ سنخ النَّاصب و مِزاجه و طينته و جوهره و عُنصُره مع جميع أعمالِهِ السَّيِّئَةِ الرّدِيَّةِ ويَرُدُّهُ إِلى النَّاصب عدلًا مِنهُ جلّ جلاله وتقدست أسماؤه ويقولُ لِلنَّاصِبِ لا ظلم عليك هذِهِ الأعمال الخبيثة من طينتك ومِزاجك وأنت أولى بها و هذِهِ الأعمالُ الصَّالِحَةُ من طِينةِ المؤمِنِ ومِزاجِهِ وهُو أولى بها اليوم (تُجْزَى كُلُّ نَفْسٍ بِمَا كَسَبَتْ لَا ظُلْمَ الْيَوْمَ إِنَّ اللَّهَ سَرِيعُ الْحِسَابِ) (2) أفترى هاهنا ظلما وجوراً قُلتُ لا يا ابن رسُولِ اللّه بل أرى حكمةٌ بالِغةً فاضلةً وعدلًا بيّناً واضحاً ثُمّ قال (عَلَيهِ السَّلَامُ) أزيدك بياناً فِي هذا المعنى من القرآن قُلتُ بلى يا ابن رسُولِ اللّه قال أليس اللّه عزّوجلّ يقول (الخبيثاتُ لِلخبيثين والخبيثُونَ لِلخَبِيثَاتِ والطَّيِّبَاتُ لِلطَّيِّبِين والطَّيِّبُونَ لِلطَّيِّباتِ أُولئِكَ مُبرِّؤُن مِمّا يقولون لهم مغفِرةٌ ورِزْقٌ كريم) (3) و قال عزّوجلّ (وَالَّذِينَ كَفَرُوا إِلَى جَهَنَّمَ يُحْشَرُونَ * لِيَمِيزَ اللَّهُ الْخَبِيثَ مِنَ الطَّيِّبِ وَيَجْعَلَ الْخَبِيثَ بَعْضَهُ عَلَى بَعْضٍ فَيَرْكُمَهُ جَمِيعًا فَيَجْعَلَهُ فِي جَهَنَّمَ أُولَئِكَ هُمُ الْخَاسِرُونَ) (4)، فقُلتُ سُبحان اللّه العظيم وما أوضح ذلك من فهمه و ما أعمى قُلُوب هذا الخلقِ المنكوس عن معرفتِهِ فقال (عَلَيهِ السَّلَامُ) يا إبراهيمُ من هذا قال اللّه تعالى ﴿إِنْ هُمْ إِلَّا كَالْأَنْعَامِ بَلْ هُمْ أَضَلُّ سَبِيلًا) ما رضي اللّه تعالى أن يُشبّههُم
ص: 244
بِالحَمِيرِ و البقر و الكِلابِ والدوات حتّى زادهُم فقال (بَلْ هُمْ أَضَلُّ سَبِيلًا) (1) يا إبراهِيمُ قال اللّه عزّ و جلّ ذِكرُهُ فِي أعدائنا النّاصِبةِ (وَقَدِمْنَا إِلَى مَا عَمِلُوا مِنْ عَمَلٍ فَجَعَلْنَاهُ هَبَاءً مَنْثُورًا) (2) وقال عزّوجلّ (يَحْسَبُونَ أَنَّهُمْ يُحْسِنُونَ صُنْعًا) (3) وقال جل جلاله (يَحْسَبُونَ أَنَّهُمْ عَلَى شَيْءٍ أَلَا إِنَّهُمْ هُمُ الْكَاذِبُونَ) (4) وقال جل وعزّ (وَالَّذِينَ كَفَرُوا أَعْمَالُهُمْ كَسَرَابٍ بِقِيعَةٍ يَحْسَبُهُ الظَّمْآنُ مَاءً حَتَّى إِذَا جَاءَهُ لَمْ يَجِدْهُ شَيْئًا)، كذلك النَّاصب يحسب ما قدّم من عملِهِ نافعةً حتّى إذا جاءه لم يجده شيئاً ثُمّ ضرب مثلا آخر (أَوْ كَظُلُمَاتٍ فِي بَحْرٍ لُجِّيٍّ يَغْشَاهُ مَوْجٌ مِنْ فَوْقِهِ مَوْجٌ مِنْ فَوْقِهِ سَحَابٌ ظُلُمَاتٌ بَعْضُهَا فَوْقَ بَعْضٍ إِذَا أَخْرَجَ يَدَهُ لَمْ يَكَدْ يَرَاهَا وَمَنْ لَمْ يَجْعَلِ اللَّهُ لَهُ نُورًا فَمَا لَهُ مِنْ نُورٍ) (5) ثُمّ قال (عَلَيهِ السَّلَامُ) يا إبراهيم أزيدك فِي هذا المعنى من القرآن قُلتُ بلى يا ابن رسُولِ اللّه قال (عَلَيهِ السَّلَامُ) قال اللّه تعالى ﴿يُبَدِّلُ اللَّهُ سَيِّئَاتِهِمْ حَسَنَاتٍ وَكَانَ اللَّهُ غَفُورًا رَحِيمًا) (6) يُبدِّلُ اللّه سيِّئاتِ شیعتِنا حسناتٍ و حسناتِ أعدائنا سيّئاتٍ (يَفْعَلُ اللَّهُ مَا يَشَاءُ) (7) (و يحكُمُ مَا يُرِيدُ) (8) (لا مُعقب لِحُكمِهِ) (9) ولا راد لقضائِهِ (لا يُسئل عمّا يفعلُ وهُم يُسئلون) (10) هذا يا إبراهيمُ من باطِنِ عِلمِ اللّه المكنونِ ومِن سِرّه المخزُونِ ألا أزِيدُك من هذا الباطِنِ شيئاً فِي الصُّدُورِ قلت بلى يا ابن رسُولِ اللّه قال (عَلَيهِ السَّلَامُ) (قَالَ الَّذِينَ كَفَرُوا لِلَّذِينَ آمَنُوا اتَّبِعُوا سَبِيلَنَا وَلْنَحْمِلْ خَطَايَاكُمْ وَمَا هُمْ بِحَامِلِينَ مِنْ خَطَايَاهُمْ مِنْ شَيْءٍ إِنَّهُمْ لَكَاذِبُونَ * وَلَيَحْمِلُنَّ أَثْقَالَهُمْ وَأَثْقَالًا مَعَ
ص: 245
أَثْقَالِهِمْ وَلَيُسْأَلُنَّ يَوْمَ الْقِيَامَةِ عَمَّا كَانُوا يَفْتَرُونَ) (1) واللّه الّذي لا إِله إِلا هُو فالِقُ الإِصْباحِ (فاطِرُ السّماوات والأرض) (2) لقد أخبرتك بالحقّ وأنبأتك بِالصّدقِ واللّه أعلم وأحكمُ. (3)
8 - عن جعفر بن محمّد عن جدّه (عَلَيهِمَا السَّلَامُ) قال قال علي بن الحسين (عَلَيهِ السَّلَامُ) إِنَّ اللّه بعث جبرئيل إلى الجنّة فأتاهُ بِطِينةٍ من طِينِها وبعث ملك الموتِ إلى الأرض فجاءه بِطِينةٍ من طِينِها فجمع الطينتينِ ثُمّ قسمها نصفين فجعلنا من خير القسمين وجعل شيعتنا من طينتنا فما كان من شيعتِنا تِما يُرغبُ بهم عنهُ من الأعمال القبيحةِ فذاك تِما خالطهم من الطينة الخبيثة و مصيرها إلى الجنّة وما كان فِي عدُوّنا من برو صلاة وصوم و من الأعمال الحسنة فذاك لما خالطهم من طينتنا الطيّبة ومصيرهم إلى النّار. (4)
9 - عن أبي عبد اللّه (عَلَيهِ السَّلَامُ) قال: إِنّ اللّه خلق المؤمِن من طِينةِ الجنّة وخلق النَّاصب من طِينة النّارِ وقال إذا أراد اللّه بعبد خيراً طيب رُوحه و جسده فلا يسمعُ شيئاً من الخير إلّا عرفه ولا يسمعُ شيئاً من المنكر إلّا أنكره قال وسمعته يقولُ الطيناتُ ثلاثةٌ طينةُ الأَنبِياءِ والمؤمِنُ من تلك الطينةِ إِلّا أنّ الأنبياء هُم صَفوتُها وهُمُ الأصل و هم فضلُهُم والمؤمِنُون الفرعُ (من طِينٍ لازب) (5) كذلك لا يُفرّقُ اللّه بينهم وبين شيعتهم وقال طينةُ النَّاصب (مِنْ حَمَإٍ مَسْنُونٍ) (6) و أما المستضعفون فمِن تُرابِ لا يتحوّلُ مُؤمِنٌ عن إيمانِهِ ولا ناصِبٌ عن نصبِهِ ولله المشيّةُ فِيهِم جميعاً. (7)
10- عن محمّد بن إسماعيل عنِ الشُّمالي قال سمعت أبا جعفر (عَلَيهِ السَّلَامُ) يقولُ إنّ اللّه خلقنا من أعلى عِلّيّين وخلق قُلُوب شيعتِنا ما خلقنا مِنهُ وخلق أبدانهم من دُونِ ذلك فقُلُوبُهُم تهوي إلينا لأَنها خُلِقت مِمّا خُلِقنا مِنهُ ثُمّ تلا هذِهِ الآية: (كَلَّا إِنَّ كِتَابَ الْأَبْرَارِ لَفِي عِلِّيِّينَ * وَمَا أَدْرَاكَ مَا
ص: 246
عِلِّيُّونَ * كِتَابٌ مَرْقُومٌ * يَشْهَدُهُ الْمُقَرَّبُونَ) (1) و خلق عدوّنا من سِجِّينٍ وخلق قُلُوب شِيعَتِهِم مِمّا خلقهُم مِنهُ وأبدانهم من دُونِ ذلك فقُلُوبُهم تهوي إليهم لأنها خُلِقَت لِمَا خُلِقُوا مِنْهُ ثُمّ تَلا هذِهِ الآية (كلّا إِنْ كِتاب الفُجّارِ لَفِي سِجّينٍ وما أدراك ما سِجِينٌ كِتابٌ مرقُومٌ). (2) و (3)
11- عن أبي جعفر (عَلَيهِ السَّلَامُ) قال: يا فضيل أما علمت أنّ رسُول اللّه (صَلَّى اللّه عَلَيْهِ وَآلِهِ) قال إِنَّا أَهلُ بيتٍ خُلِقنا من عِلّيّين وخُلِق قُلُوبُنا من الّذي خُلِقنا مِنهُ وخُلِقَ شِيعتنا من أسفل من ذلك وخُلِق قُلُوبُ شِيعَتِنا مِنهُ وإِن عدوّنا خُلِقُوا من سِجّينٍ وخُلِق قُلُوبُهُم من الّذي خُلِقوا مِنهُ وخُلِق شيعتُهُم من أسفل من ذلك وخُلِقَ قُلُوبُ شِيعَتِهِم من الّذي خُلِقُوا مِنهُ فهل يستطِيعُ أَحدٌ من أهلِ عِلّيّين أن يكون من أهلِ سِجّينٍ وهل يستطِيعُ أهلُ سِجِّينٍ أن يكونُوا من أهلِ عِليِّين. (4)
12- عن أبي بكر الحضرمي عن علي بن الحسين (عَلَيهِمَا السَّلَامُ) أنّه قال: أخذ اللّه ميثاق شيعتنا معنا على ولايتنا لا يزيدون ولا ينقُصُون إنّ اللّه خلقنا من طِينةِ عِلّيين وخلق شيعتنا من طينة أسفل من ذلك وخلق عدوّنا من طِينةِ سِجّينٍ وخلق أولياءهُم من طِينة أسفل من ذلك. (5)
1- عن سليمان الجعفري قال: قُلتُ لأبي الحسن الرضا (عَلَيهِ السَّلَامُ) ما تَقُولُ فِي أعمال السلطانِ فقال يا سليمانُ الدُّخُولُ فِي أعمالهم والعون لهم والسعي فِي حوائجهم عديل الكفر و النظر إليهم على العمد من الكبائر الّتي يُستحقُ بِها النّار. (6)
1- عن عبد اللّه بن سنان قال: قُلتُ لأبي عبد اللّه (عَلَيهِ السَّلَامُ) جُعِلتُ فِداك إِنِّي لأرى بعض أصحابنا يعتريه النزقُ والحدةُ والطيش فأغتُم لِذلك غمّاً شديداً و أرى من خالفنا فأراهُ حَسَنَ السَّمتِ قال لا تقُل حَسَنَ السَّمتِ فإِنّ السَّمت سَمتُ الطَّرِيقِ ولكِن قُل حَسَنَ السّيمَاءِ فَإِنّ اللّه عزّو جل
ص: 247
يقولُ (سِيمَاهُم فِي وُجُوهِهِم) (1) قال قُلتُ فأراه حسن السّيماء له وقار فأغتم لذلك قال لا تغتم لما رأيت من نزقِ أصحابِك ولِما رأيت من حُسنِ سيماء من خالفك إنّ اللّه تبارك وتعالى لما أراد أن يخلق آدم خلق تلك الطينتينِ ثُمّ فرقهُما فِرقتين فقال لأصحاب اليمين كونوا خلقاً بإذني فكانُوا خلقاً بِمنزِلِةِ الدّرِّيسعى وقال لأصحابِ السّمالِ كُونُوا خلقاً بِإِذنِي فكانُوا خلقاً بمنزِلَةِ الذّرِ يدرُجُ ثُمّ رفع لهم ناراً فقال ادخُلُوها بإذني فكان أوّل من دخلها محمّد (صَلَّى اللّه عَلَيْهِ وَآلِهِ) ثُمّ اتبعه أُولُو العزمِ من الرُّسُلِ وأوصِياؤُهُم وأتباعُهُم ثُمّ قال لأصحابِ الشِّمَالِ ادْخُلُوهَا بِإِذْنِي فقالُوا ربنا خلقتنا لِتُحرقنا فعصوا فقال لأصحابِ اليَمِينِ اخْرُجُوا بِإِذنِي من النّارِ فخرجُوا لم تكلم مِنهُمُ النَّارُ كلماً و لم تُؤثر فيهم أثراً فَلَمّا رَآهُم أصحابُ السّمالِ قالُوا ربنا نرى أصحابنا قد سلموا فأقلنا و مُرْنا بِالدُّخُولِ قال قد أقلتُكُم فادخُلُوها فلما دنوا و أصابهم الوهج رجعوا فقالوا يا ربنا لا صبر لنا على الإحتراق فعصوا فأمرهُم بِالدُّخُولِ ثلاثاً كلّ ذلك يعصُون ويرجعُون وأمر أُولئِكَ ثلاثاً كلّ ذلك يُطِيعُون ويخرجون فقال لهم كونوا طيناً بإذني فخلق منه آدم قال فمن كان من هؤلاء لا يكُونُ من هؤلاء ومن كان من هؤلاء لا يكُونُ من هؤلاء و ما رأيت من نزق أصحابِك وخُلُقِهِم فيما أصاب من لطخ أصحاب الشمال وما رأيت من حُسنِ سيماء من خالفكم ووقارهم فيما أصابهم من لطخ أصحاب اليمين. (2)
2- قال الصَّادق (عَلَيهِ السَّلَامُ) قال أمِير المؤمنين (عَلَيهِ السَّلَامُ) لعبد اللّه بن يحيى الحمد للّه الّذي جعل تمحيص ذُنُوبِ شِيعَتِنا فِي الدُّنيا محنتِهم لتسلم بها طاعاتهم ويستحِقُوا عليها ثوابها فقال عبد اللّه بنُ يحيى يا أمِير المؤمنين و إنا لا تُجازى بِذُنُوبِنا إلّا فِي الدُّنيا قال نعم أما سمعت قول رسول اللّه (صَلَّى اللّه عَلَيْهِ وَآلِهِ) الدُّنيا سجن المؤمِنِ وجنَّةُ الكافِرِ إِنَّ اللّه تعالى يُطهِّرُ شِيعتنا من ذُنُوبِهِم فِي الدُّنيا ما يبتليهم بِهِ من المحن وبما يغفِرُهُ هُم فإنّ اللّه يقولُ (وَمَا أَصَابَكُمْ مِنْ مُصِيبَةٍ فَبِمَا كَسَبَتْ أَيْدِيكُمْ وَيَعْفُو عَنْ كَثِيرٍ) (3) حتّى إذا وردوا القيامة توفّرت عليهم طاعاتهم وعباداتهم
ص: 248
وإنّ أعداء آلِ محمّد يُجازيهم عن طاعةٍ تكُونُ مِنهُم فِي الدُّنيا و إن كان لا وزن لها لأنهُ لا إِخلاص معها و إذا وافوا القيامة حملت عليهم ذُنُوبُهُم وبُعْضُهُم لِلمحمّد وآلِهِ و خِيارِ أَصحابِهِ فَقُذِفُوا فِي النّارِ و لقد سمعت محمّداً رسول اللّه (صَلَّى اللّه عَلَيْهِ وَآلِهِ) يقولُ إِنَّهُ كان فيما مضى قبلكُم رجُلانِ أحدُهُما مُطِيعٌ للّه مُؤمِنٌ والآخرُ كافِرُ بِهِ مُجاهِرٌ بِعداوة أولِيائِهِ و مُوالاةِ أعدائِهِ وكُلُّ وَاحِدٍ مِنهُما مِلِكٌ عظِيمٌ فِي قُطْرِ من الأَرْضِ فَرِض الكافِرُ فاشتهى سمكةً فِي غير أوانها لأن ذلك الصنف من السمكِ كان فِي ذلك الوقت فِي اللجج بحيثُ لا يُقدر عليه فآيستهُ الأَطِبَاءُ من نفسِهِ و قالُوا استخلف فِي مُلكِك من يَقُومُ بِهِ فلست بأخلد من أصحابِ القُبُورِ فإنّ شفاءك فِي هذه السمكة الّتي اشتهيتها ولا سبيل إليها فبعث اللّه ملكاً و أمره أن يُزعج تلك السمكة إلى حيث يسهل أخذها فأُخِذت له تلك السمكة فأكلها وبرأ من مرضِهِ وبقي فِي مُلْكِهِ سِنِين بعدها ثُمّ إِنَّ ذلك الملك المؤمن مرض فِي وقت كان جنسُ ذلك السمكِ بِعِينِهِ لا يُفارِقُ الشُّطُوط الّتي يسهل أخذُهُ مِنها مثل عِلَّةِ الكافِرِ فاشتهى تلك السمكة ووصفها له الأطباء و قالُوا طِب نفساً فهذا أوانُهُ تُؤْخَذُ لك فتأكُلُ مِنها وتبرأ فبعث اللّه ذلك الملك فأمره أن يُزعج جنس تلك السمكة عنِ الشُّطُوطِ إلى اللُّجج لئلا يقدر عليه فلم تُوجد حتّى مات المؤمِنُ من شهوته وبعدمِ دوائِهِ فعجب من ذلك ملائِكَةُ السّماءِ وأهل ذلك البلد فِي الأرضِ حتّى كادوا يفتنون لأن اللّه تعالى سهل على الكافِرِ ما لا سبيل له إليه وعسّر على المؤمِنِ ما كان السّبِيلُ إِليه سهلًا فأوحى اللّه إلى ملائِكَةِ السّماءِ و إلى ني ذلك الزمانِ فِي الأرْضِ إِنِّي أنا اللّه الكريم المتفضّل القادِرُ لا يَضُرُّني ما أُعطِي ولا ينقُصُنِي ما أمنع ولا أظلِمُ أحداً مث قال ذرة فأما الكافِرُ فإنّما سهلتُ لهُ أخذ السّمكةِ فِي غير أوانها ليكون جزاءً على حسنةٍ كان عملها إذ كان حقّاً ألا أُبطل لأحدٍ حسنةً حتّى يرد القيامة و لا حسنة فِي صحيفتِهِ ويدخُل النّار بِكُفْرِهِ ومنعتُ العابد ذلك السمكة بعينها لخطيئة كانت منه فأردتُ تمحيصها عنهُ بِمنع تلك الشهوة وإعدام ذلك الدواء ولياتيني ولا ذنب عليه فيدخُل الجنّة. (1)
ص: 249
3 - عن محمّد بن سُليمان عن أبيه قال:...يا أبا محمّد ما من آيةٍ نزلت تقود إلى الجنّة ولا يُذكرُ أهلها بخير إلّا وهي فينا و فِي شيعتنا و ما من آية نزلت تذكُرُ أهلها بِشر ولا تسوقُ إِلى النَّارِ إِلَّا و هي فِي عدوّنا و من خالفنا فهل سررتُك يا أبا محمّد قال قُلتُ جُعِلتُ فِدَاكَ زِدني فقال يا أبا محمّد ليس على مِلَّةِ إِبراهيم إلّا نحنُ وشيعتنا وسائِرُ النّاس من ذلك بِراءٌ يا أبا محمّد فهل سررتُك وفي رواية أُخرى فقال حسبي. (1)
1- عن بشير فِي حديثِ سُليمان مولى طربال قال: ذكرتُ هذه الأهواء عند أبي عبد اللّه (عَلَيهِ السَّلَامُ) قال لا واللّه ما هم على شيءٍ مِمّا جاء بِهِ رَسُولُ اللّه (صَلَّى اللّه عَلَيْهِ وَآلِهِ) إلّا استقبال الكعبة فقط. (2)
1- عن زُرارة قال: قُلتُ لأبي جعفر (عَلَيهِ السَّلَامُ) قوله (لَأَقْعُدَنَّ لَهُمْ صِرَاطَكَ الْمُسْتَقِيمَ * ثُمَّ لَآتِيَنَّهُمْ مِنْ بَيْنِ أَيْدِيهِمْ وَمِنْ خَلْفِهِمْ وَعَنْ أَيْمَانِهِمْ وَعَنْ شَمَائِلِهِمْ وَلَا تَجِدُ أَكْثَرَهُمْ شَاكِرِينَ)(3) فقال أبو جعفر (عَلَيهِ السَّلَامُ) یا زُرارة إنّما صمد لك و لأصحابك فأما الآخرين فقد فرغ منهم. (4)
1- عن علي بن عُقبة عن أبيه قال قال أبو عبد اللّه (عَلَيهِ السَّلَامُ) اجعلوا أمركم هذا للّه ولا تجعلوه لِلنَّاسِ فإِنَّهُ ما كان اللّه فهوله وما كان لِلنَّاسِ فلا يصعد إلى السّماءِ ولا تُخَاصِمُوا بِدِينِكُم النّاس فَإِنّ المخاصمة ممرضةٌ لِلقلبِ إِنّ اللّه عزّ و جلّ قال لنبيه (صَلَّى اللّه عَلَيْهِ وَآلِهِ) (إِنَّكَ لَا تَهْدِي مَنْ
ص: 250
أَحْبَبْتَ وَلَكِنَّ اللَّهَ يَهْدِي مَنْ يَشَاءُ) (1)وقال (أ فأنت تُكرِهُ النّاس حتّى يكُونُوا مُؤْمِنِين) (2) ذَرُوا النّاس فإنّ النّاس أخذُوا عنِ النّاس و إِنَّكُم أخذتُم عن رسُولِ اللّه (صَلَّى اللّه عَلَيْهِ وَآلِهِ) و عليّ (عَلَيهِ السَّلَامُ) ولا سواء و إنّني سمعت أبي يقول إذا كتب اللّه على عبد أن يُدخِلهُ فِي هذا الأمر كان أسرع إليه من الطير إلى والعاالمعال وكره. (3)
1- عن سفيان بن السمط قال: سأل رجُلٌ أبا عبد اللّه (عَلَيهِ السَّلَامُ) عن الإسلام والإيمان ما الفرقُ بينهما فلم يُجِبهُ ثُمّ سأله فلم يُجِبهُ ثُمّ التقيا فِي الطريق وقد أزف من الرّجُلِ الرّحِيلُ فقال له أبو عبد اللّه (عَلَيهِ السَّلَامُ) كانه قد أزف منك رحِيلٌ فقال نعم فقال فالقني فِي البيت فلقيه فسأله عنِ الإسلام والإيمانِ ما الفرق بينهما فقال الإسلام هُو الظَّاهِرُ الّذي عليه النّاس شهادة أن لا إله إلّا اللّه وأنّ محمّداً رسُولُ اللّه وإقامُ الصَّلاة وإيتاء الزكاة و حِجُّ البيت وصيام شهر رمضان فهذا الإسلام وقال الإيمانُ معرفةُ هذا الأمر مع هذا فإن أقربها و لم يعرف هذا الأمر كان مسلماً و كان ضالًا. (4)
1- عن أبي سعِيدٍ الخُدرِي أَنه قال قال رسولُ اللّه (صَلَّى اللّه عَلَيْهِ وَآلِهِ) بَنِي الإسلام على شهادة أن لا إله إلّا اللّه وأنّ محمّداً رسُولُ اللّه وإقامُ الصَّلاة وإيتاء الزكاة وصوم شهر رمضان والحجّ إلى البيت و الجهاد وولاية عليّ بن أبِي طالِب قال أبو سعيد ما أظنُّ القوم إِلَّا هَلَكُوا بِترك الولاية قال (صَلَّى اللّه عَلَيْهِ وَآلِهِ) ما تصنع يا باسعِيد إذا هلكوا. (5)
ص: 251
2 - عن فضيل بن عياض عن أبي عبد اللّه (عَلَيهِ السَّلَامُ) قال قُلتُ لَهُ من الورعُ من النّاس فقال الّذي يتورع عن محارم اللّه ويتجنّب هؤلاء وإذا لم يتَّقِ الشُّبُهَاتِ وقع فِي الحرام وهو لا يعرِفُهُ وإذا رأى المنكرو لم يُنكره وهو يقوى عليه فقد أحبّ أن يُعصى اللّه ومن أحب أن يُعصى اللّه فقد بارز اللّه بالعداوة و من أحبّ بقاء الظالمين فقد أحبّ أن يُعصى اللّه إِنَّ اللّه تبارك وتعالى حَمد نفسه على هلاكِ الظلمة فقال (فَقُطِعَ دَابِرُ الْقَوْمِ الَّذِينَ ظَلَمُوا وَالْحَمْدُ لِلَّهِ ربّ الْعَالَمِينَ)(1). (2)
1- عن علي بن عبد العزيز قال قال أبو عبد اللّه (عَلَيهِ السَّلَامُ) يا علي بن عبد العزيز لا يغرنّك بُكاؤُهُم فإنّ التقوى فِي القلب. (3)
1 - عن أبي عبد اللّه (عَلَيهِ السَّلَامُ) قال: إنّ الكبائر سبع فينا نزلت و مِنا استُحِلَّت فَأَوّلُها الشَّرْكُ بِاللّه العظيم وقتل النفس الّتي حرم اللّه وأكل مال اليتيم وعُقُوقُ الوالدين وقذف المحصنة والفِرارُ من الرّحفِ وإِنكارُ حقِنا فأما الشّركُ بِاللّه فقد أنزل اللّه فينا ما أنزل وقال رسُولُ اللّه (صَلَّى اللّه عَلَيْهِ وَآلِهِ) فينا ما قال فكذَّبُوا اللّه وكذَّبُوا رسوله و أشرَكُوا بِاللّه عزّ و جلّ وأمّا قتل النفس الّتي حرم اللّه فقد قتلوا الحسين بن علي (عَلَيهِمَا السَّلَامُ) وأصحابه وأمّا أكل مال اليتيم فقد ذهبُوا بِفِيئِنا الّذي جعلهُ اللّه لنا فأعطوه
ص: 252
غيرنا و أما عقوق الوالدين فقد أنزل اللّه عزّوجلّ فِي كِتَابِهِ (النَّبيّ أولى بالمؤمنين مِن أَنفُسِهِم و أزواجُهُ أُمَّهَاتُهُم) (1) فعقُّوا رسول اللّه (صَلَّى اللّه عَلَيْهِ وَآلِهِ) فِي ذُرِّيَّتِهِ وعقُّوا أُمَّهُم خديجة فِي ذُرِّيَّتِها وأمّا قذف المحصنة فقد قذفوا فاطِمة على منابرهم وأمّا الفِرارُ من الزّحف فقد أعطوا أمِير المؤمنين بيعتهم طائعين غير مُكرهين ففروا عنه و خذلوه وأما إنكار حقنا فهذا ما لا يتنازعون فيه. (2)
1- عنِ المعلى بن خنيس عن أبي عبد اللّه (عَلَيهِ السَّلَامُ) فِي قولهِ ﴿إِنَّ الّذينَ فَرَقُوا دِينَهُم وكَانُوا شيعاً) (3) قال فارقَ القومُ واللّه دِينَهُم. (4)
2 - عمرُو بنُ ثابِتٍ قال: سألتُ أبا جعفر (عَلَيهِ السَّلَامُ) عن قول اللّه (وَمِنَ النَّاسِ مَنْ يَتَّخِذُ مِنْ دُونِ اللَّهِ أَنْدَادًا يُحِبُّونَهُمْ كَحُبِّ اللَّهِ) قال : فقال : هُم واللّه أَولِياءُ فُلانٍ و فُلانٍ وفُلانٍ اتَّخَذُوهُم أَئِمَّةً دُون الإمامِ الّذي جعلهُ اللّه لِلنّاسِ إماماً فذلك قول اللّه (وَلَوْ يَرَى الَّذِينَ ظَلَمُوا إِذْ يَرَوْنَ الْعَذَابَ أَنَّ الْقُوَّةَ لِلَّهِ جَمِيعًا وَأَنَّ اللَّهَ شَدِيدُ الْعَذَابِ * إِذْ تَبَرَّأَ الَّذِينَ اتُّبِعُوا مِنَ الَّذِينَ اتَّبَعُوا وَرَأَوُا الْعَذَابَ وَتَقَطَّعَتْ بِهِمُ الْأَسْبَابُ * وَقَالَ الَّذِينَ اتَّبَعُوا لَوْ أَنَّ لَنَا كَرَّةً فَنَتَبَرَّأَ مِنْهُمْ كَمَا تَبَرَّءُوا مِنَّا كَذَلِكَ يُرِيهِمُ اللَّهُ أَعْمَالَهُمْ حَسَرَاتٍ عَلَيْهِمْ وَمَا هُمْ بِخَارِجِينَ مِنَ النَّارِ)(5) ثُمّ قال أبو جعفر (عَلَيهِ السَّلَامُ) هُم واللّه يا جابِرُ أئمَةُ الظُّلمة وأشياعُهُم. (6)
ص: 253
1- عن إسحاق بن يعقوب فيما خرج إليهِ من النّاحِيةِ المقدّسة على يد محمّد بن عُثمان العمريّ و أما المتلبسون بأموالنا فمن استحلّ منها شيئاً فأكله فإنّما يَأكُلُ النيران وأمّا الحُمُسُ فقد أُبيح لشيعتِنا وجُعِلُوا مِنهُ فِي حِلّ إِلى وقتِ ظُهُورِ أمرنا لتطيب ولادتهم ولا تخبث. (1)
2- روى محمّد بن جعفر الأسدِيُ فيما ورد عليه من النّاحِيةِ المقدّسة على يد محمّد بن عُثمان أمّا ما سألت عنه من أمر الوقف على ناحيتنا وما يُجعل لنا ثُمّ يحتاجُ إِليهِ صَاحِبُهُ فَكُلُّ ما لم يُسلم فصاحِبهُ فِيهِ بِالخِيارِ وكُلّما سلّم فلا خيار لِصاحِبِهِ فِيهِ احتاج أو لم يحتج افتقر إليه أو استغنى عنه وأما ما سألت عنه من أمر من يستحِلُّ ما فِي يَدِهِ من أموالنا ويتصرفُ فِيهِ تصرُّفه فِي ماله من غير أمرنا فمن فعل ذلك فهو ملعون ونحنُ خُصماؤُه يوم القيامة وقد قال النَّبيّ (صَلَّى اللّه عَلَيْهِ وَآلِهِ) المستحِلَّ من عِترتي ما حرم اللّه ملعون على لساني ولِسانِ كلّ نِي مُجَابٍ فمن ظلمنا كان فِي جملة الظالمين لنا وكانت لعنة اللّه عليه لقوله عزّوجلّ (أَلَا لَعْنَةُ اللَّهِ عَلَى الظَّالِمِينَ). (2) و (3)
3- عن أبي علي بن أبي الحسين الأسدي عن أبيه قال: ورد علي توقيع من الشيخ محمّد بن عُثمان ابتداءً لم يتقدّمهُ سُؤالٌ بِسمِ اللّه الرّحمن الرَّحِيم لعنة اللّه والملائكة والناس أجمعين على من استحلّ من أموالنا درهماً قال أبو الحسن [الحسين] الأسدِيُّ رحمه اللّه فوقع فِي نفسِي أَنّ ذلك فيمنِ استحلّ من مالِ النّاحِيةِ درهماً دُون من أكل مِنهُ غير مُستَحِلَّ لَهُ وقُلتُ فِي نفسِي إِنّ ذلك فِي جميع من استحلّ مُحرّماً فأي فضل فِي ذلك لِلحُجّةِ (عَلَيهِ السَّلَامُ) على غيره قال فوالّذي بعث محمّداً بالحقّ بشيراً لقد نظرتُ بعد ذلك فِي التوقيع فوجدتُهُ قد انقلب إلى ما كان فِي نفسي بسم اللّه الرّحمن الرَّحِيمِ لعنة اللّه والملائكة والنّاس أجمعين على من أكل من مالنا درهماً حراماً. (4)
ص: 254
4- عن علي بن إبراهيم فِي قوله تعالى: (وَلَمْ نَكُ نُطْعِمُ الْمِسْكِينَ) (1) قال حقوق آلِ محمّد (صَلَّى اللّه عَلَيْهِ وَآلِهِ) من الخُمُسِ لِذوِي القُربى واليتامى والمساكين وابن السَّبِيلِ وهُم آل محمّد صلواتُ اللّه عليهم. (2)
5- عن أبي عبد اللّه (عَلَيهِ السَّلَامُ) قال: النّاس كُلُّهُم يعيشون فِي فضل مظلمتِنا إِلّا أنا أحللنا شيعتنا من ذلك. (3)
6- عن علي بن أبي حمزة عن أبي بصير قال: قُلتُ لأبي جعفر (عَلَيهِ السَّلَامُ) أصلحك اللّه ما أيسرما يدخُلُ بِهِ العبدُ النّار قال من أكل من مال اليتيم درهماً و نحنُ اليتيم (4)
7 - عن أبي عبد اللّه (عَلَيهِ السَّلَامُ) قال: إِنّ أشدّ ما يكُونُ النّاس حالا يوم القيامة إذا قام صاحِبُ الخُمُسِ فقال يا ربّ خُمُسِي وإِنْ شِيعتنا من ذلك فِي حِلّ. (5)
8 -عن عبد اللّه بن بُكيرِ يرفعُهُ إِلى أبي عبد اللّه (عَلَيهِ السَّلَامُ) (وَيلٌ لِلمُطفِّفِين) المطفّفين النَّاقِصِين لِخُمُسِكَ يا محمّد (الَّذِينَ إِذَا اكْتَالُوا عَلَى النَّاسِ يَسْتَوْفُونَ﴾ أي إذا صارُوا إِلى حُقُوقِهِم من الغنائم يستوفون (وإذا كالُوهُم أو وزَنُوهُم يُخسِرُون﴾ أي إذا سألوهُم خُمس آلِ محمّد نقصوهُم و قال (ويلٌ يومئِذٍ لِلمُكَذِّبِين) (6) بوصيك يا محمّد. (7)
9 - عنِ التَّلْعُكبري بإسنادِهِ عنِ الكاظم (عَلَيهِ السَّلَامُ) قال: قال لي هارُونُ أَتَقُولُونَ إِنّ الخمس لكُم قُلتُ نعم قال إِنَّهُ لِكَثِيرٌ قال قُلتُ إِنَّ الّذي أعطاناهُ عَلِم أَنَّهُ لنا غيرُ كَثِيرٍ. (8)
ص: 255
10 - عن أبي الحسن موسى عن أبيه (عَلَيهِمَا السَّلَامُ) أنّ رجُلًا سأل أباه محمّد بن علي (عَلَيهِمَا السَّلَامُ) عن قول اللّه عزّ و جلّ ﴿والّذين فِي أموالهم حق معلُومٌ لِلسّائِلِ والمحرُومِ) (1) فقال أبي احفظ يا هذا و انظر كيف تروي عنِّي إِنّ السّائِل والمحرُوم شأنهما عظيم أمّا السّائِلُ فهو رسُولُ اللّه فِي مسألتِهِ اللّه حقه والمحرُومُ هُو من حُرِم الخمس أمِير المؤمنين عليّ بن أبِي طالِب (عَلَيهِ السَّلَامُ) و يه السلام و ذُرِّيتُهُ الأئمّة صلوات اللّه عليهم هل سمعت و فهمت ليس هُو كما يقولُ النّاسُ. (2)
1- عن أبي حمزة قال: سألتُ أبا جعفر (عَلَيهِ السَّلَامُ) عن قول اللّه عزّ و جلّ: ﴿وَالَّذِينَ كَذَّبُوا بِآيَاتِنَا صُمٌّ وَبُكْمٌ فِي الظُّلُمَاتِ مَنْ يَشَإِ اللَّهُ يُضْلِلْهُ وَمَنْ يَشَأْ يَجْعَلْهُ عَلَى صِرَاطٍ مُسْتَقِيمٍ). (3) فقال (عَلَيهِ السَّلَامُ): نزلت فِي الّذين كذبوا بأوصيائِهِم صُمٌّ وبُكم كما قال اللّه فِي الظُّلُماتِ من كان من ولد إبليس فإنّه لا يصدّق بالأوصياء، ولا يُؤمن بهم أبداً، وهُم الّذين أضلّهم اللّه، ومن كان من ولد آدم آمن بالأوصياء فهم على صِراطٍ مُستقيم. قال: وسمعته يقُول: كذبوا بآياتنا كلها، فِي بطن القُرآن أن كذبوا بالأوصياء كلّهم. (4)
2 - عن أبي جعفر (عَلَيهِ السَّلَامُ)، فِي قول اللّه: ﴿يُرِيدُ اللّه بِكُمُ اليُسر ولا يُرِيدُ بِكُمُ العُسر) (5). قال: اليُسر: عليّ (عَلَيهِ السَّلَامُ)، وفلان وفلانُ العُسر، فمن كان من وُلد آدم (عَلَيهِ السَّلَامُ) لم يدخل فِي ولاية فلانٍ و فلان. (6)
ص: 256
-1 عن أبي عبد اللّه (عَلَيهِ السَّلَامُ) فِي قوله تعالى : (وَإِنْ تُبْدُوا مَا فِي أَنْفُسِكُمْ أَوْ تُخْفُوهُ يُحَاسِبْكُمْ بِهِ اللَّهُ فَيَغْفِرُ لِمَنْ يَشَاءُ وَيُعَذِّبُ مَنْ يَشَاءُ) (1). قال : حقيق على اللّه أن لا يُدخل الجنّة من كان فِي قلبه مثقال حبة من خردلٍ من حبّهما. (2)
1- عن محمّدِ بنِ عليّ (عَلَيهِ السَّلَامُ) قال: ما من أحدٍ من هذه الأمَّة يُدين بدين إبراهيم (عَلَيهِ السَّلَامُ) غيرنا و شيعتنا. (3)
1- عن سليمان بن خالد، عن أبي عبد اللّه (عَلَيهِ السَّلَامُ) قال: سمعته يقول: إن الأعمال تُعرض كلّ خميس على رسول اللّه (صَلَّى اللّه عَلَيْهِ وَآلِهِ) فإذا كان يوم عرفة هبط الرب تبارك وتعالى وهو قولُ اللّه تبارك وتعالى: (وَقَدِمْنَا إِلَى مَا عَمِلُوا مِنْ عَمَلٍ فَجَعَلْنَاهُ هَبَاءً مَنْثُورًا)(4). فقلتُ : جُعلتُ فداك، أعمالُ من هذه ؟ فقال : أعمالُ مُبغضينا و مُبغضي شيعتنا». (5)
ن أبي مسروق، عن أبي عبد اللّه (عَلَيهِ السَّلَامُ) قال: قلت: إنا نكلّم النّاس فنحتج عليهم بقول اللّه عزّوجلّ: (أَطِيعُوا اللَّهَ وَأَطِيعُوا الرَّسُولَ وَأُولِي الْأَمْرِ مِنْكُمْ) (6) فيقولون: نزلت فِي أمراء السرايا. فنحتج عليهم بقوله عزّ و جلّ (إنّما وَلِيُّكُمُ اللّهُ وَ رَسُولُهُ) (7) إلى آخر الآية، فيقولون: نزلت فِي
ص: 257
المؤمنين. ونحتج عليهم بقولِ اللّه عزّو جلّ: (قُلْ لَا أَسْأَلُكُمْ عَلَيْهِ أَجْرًا إِلَّا الْمَوَدَّةَ فِي الْقُرْبَى)(1)، فيقولون: نزلت فِي قُربى المسلمين. قال : فلم أدع شيئاً مِمّا حَضَرني ذكره من هذا و شبهه إلّا ذكرتُه، فقال لي: إذا كان ذلك فادعُهم إلى المباهلة.
قلتُ: وكيف أصنع ؟ قال: أصلح نفسك ثلاثاً وأظنُّه قال : وصُم واغتسل وأبرز أنت وهو إلى الجبان، فشبّك أصابعك من يدك اليمنى فِي أصابعه ثُمّ أنصفه وأبدأ بنفسك، وقُل: اللّهمّ ربّ السّماوات السبع و ربّ الأرضين السبع، عالم الغيب والشهادة الرّحمن الرحيم إن كان أبو مسروق جحد حقّاً وادعى باطلاً فأنزل عليه حُسباناً من السماء و عذاباً أليماً. ثُمّ ردّ الدّعوة عليه، فقُل: وإن كان فلان جحد حقّاً وادّعى باطلاً فأنزل عليه حسباناً من السّماء وعذاباً أليماً. ثُمّ قال لي: فإنّك لا تلبث أن ترى ذلك فيه. فواللّه ما وجدتُ خلقاً يُجيبني إليه. (2)
1- عبد اللّه بن سنان قال: دخلتُ على سيّدي أبي عبد اللّه جعفر بن محمّد (عَلَيهِمَا السَّلَامُ) فِي يوم عاشوراء فألفيتُه كاسِف اللّونِ ظاهِر الحزن ودموعُه تنحدِرُ من عينيه كاللؤلؤ المتساقط فقُلتُ: يا بن رسولِ اللّه مِمّ بكاؤك ؟ لا أبكى اللّه عينيك، فقال لي: أو فِي غفلة أنت؟ أما علمت أن الحسين بن علي أصيب فِي مِثلِ هذا اليوم؟ فقُلتُ: يا سيّدِي فما قولك فِي صومه ؟ فقال لي: صمه من غير تبييتٍ، و أفطره من غير تشمِيتٍ، ولا تجعله يوم صوم كملا و ليكن إفطارك بعد صلاة العصر بساعةٍ على شربةٍ من ماءٍ، فإِنّه فِي مِثلِ ذلِك الوقتِ من ذلك اليوم تجلّتِ الهيجاء عن آل رسول اللّه و انكشفت الملحمة عنهم، وفي الأرضِ مِنهم ثلاثون صريعاً فِي مواليهم يعِزُّ على رسولِ اللّه (صَلَّى اللّه عَلَيْهِ وَآلِهِ) مصرعُهم ولو كان فِي الدُّنيا يومئِذٍ حيّاً لكان (صلواتُ اللّه عليهِ) هُو المعزّى بهم، قال: وبكى أبو عبد اللّه (عَلَيهِ السَّلَامُ) حتّى اخضلّت لحيتُه بِدُموعِهِ، ثُمّ قال: إِنَّ اللّه جل ذكره لَمَّا خلق النور خلقه يوم الجمعةِ فِي تقديره فِي أول يوم من شهر رمضان، وخلق الظلمة فِي يوم الأربعاء يوم عاشوراء فِي مثل ذلك يعني يوم العاشر من شهر المحرم فِي تقديره، وجعل لِكُلّ
ص: 258
مِنهما شرعةً و مِنهاجاً، يا عبد اللّه بن سنان إنّ أفضل ما تأتي بِهِ فِي هذا اليوم أن تعمد إلى ثياب طاهرة فتلبسها وتتسلب، قُلتُ: وما التسلُّبُ ؟ قال: تُحلّل أزرارك وتكشف عن ذراعيك كهيئة أصحاب المصائب، ثُمّ تخرجُ إلى أرض مُقفرة أو مكان لا يراك بِهِ أحدٌ أو تعمد إلى منزل لك خال، أو فِي خلوة مُنذُ حِين يرتفِعُ النَّهارُ فتُصلّي أربع ركعاتٍ تُحسِنُ ركوعها و سجودها و خشوعها وتُسلّم بين كلّ ركعتين تقرأ فِي الأولى سورة الحمد، وقُل يا أيُّها الكافرون، وفي الثانية الحمد، وقُل هُو اللّه أحدٌ، ثُمّ تُصلي ركعتين أخريين تقرأُ فِي الأُولى الحمد، وسورة الأحزاب، وفي الثانية الحمد، وإذا جاءك المنافقون، أو ما تيسر من القرآنِ، ثُمّ تُسلّمُ وتُحوّل وجهك نحو قبر الحسين (عَلَيهِ السَّلَامُ) و مضجعه، فتُمثل لنفسك مصرعه و من كان معه من وُلده وأهله وتُسلّمُ و تُصلّي عليه وتلعنُ قاتِليه وتبرأ من أفعالهم، يرفعُ اللّه عزّ و جلّ لك بِذلِك فِي الجنّة من الدرجات ويحط عنك من السَّيِّئاتِ، ثُمّ تسعى من الموضع الّذي أنت فيه إن كان صحراء أو فضاءً أو أي شيءٍ كان خطواتٍ، تقولُ فِي ذلِك إِنَّا للّه و إنا إليه راجعون، رِضاً بقضائه وتسليماً لأمره، وليكن عليك فِي ذلك الكآبة والحزنُ وأكثر من ذِكرِ اللّه سبحانه والإسترجاع فِي ذلك اليوم.
فإذا فرغت من سعيك و فعلك هذا، فقف فِي موضعِك الّذي صلّيت فِيهِ، ثُمّ قُل: اللّهمّ عزّبِ الفجرة الّذين شاقوا رسولك و حاربوا أولياءك و عبدوا غيرك واستحلُّوا محارمك، والعن القادة و الأتباع و من كان مِنهُم فَخَبّ وأَوضَع معهم أو رَضِي بِفِعلهم لعنا كثيراً. اللّهمّ وعجل فرج آلِ محمّد و اجعل صلواتك عليه وعليهم واستنقذهم من أيدِي المنافقين المضلين والكفرة الجاحِدِين وافتح لهم فتحاً يسيراً و أتح لهم روحاً و فرجاً قريباً واجعل لهم من لدنك على عدوّك و عدوّهم سلطاناً نصيراً.
ثُم ارفع يديك و اقنت بهذا الدُّعاءِ وقُل وأنت تُومِيَّ إِلى أعداءِ آلِ محمّد.
اللّهمّ إن كثِيراً من الأمَّة (1) ناصبتِ المستحفظين من الأئمّة وكفرت بالكلمة وعكفت على القادة الظلمة وهجرتِ الكِتاب والسُّنّة وعدلت عن الحبلين اللذين أمرت بطاعتهما و التمسُّكِ بِهما
ص: 259
فأماتتِ الحقّ وجارت عنِ القصدِ و مالأتِ الأحزاب و حرفتِ الكتاب و كفرت بالحقِّ لَما جاءها وتمسكت بالباطِلِ لَما اعترضها وضيّعت حقك وأضلّت خلقك وقتلت أولاد نبيّك وخيرة عِبادِك وحملة عِلمك وورثة حكمتك و وحيك اللّهمّ فزلزل أقدام أعدائك وأعداء رسولك وأهل بيت رسولك اللّهمّ وأخرِب ديارهم وأفلل سلاحهم وخالف بين كلمتهم وفُتِ فِي أعضادِهِم وأوهن كيدهم و اضرِ بهم بسيفك القاطع وارمهم بحجرِك الدّامِعِ وطمهُم بِالبلاء طماً وقتهم بالعذابِ قا وعذبهم عذاباً نُكراً و خُذهُم بِالسِّنِين والمثلاتِ الّتي أهلكت بها أعداءك إِنَّكَ ذُو نقمةٍ من المجرمين اللّهمّ إنّ سُنّتك ضائعةٌ وأحكامك مُعطلةٌ وعِترة نبيّك فِي الأَرْضِ هائِمةُ، اللّهمّ فأعِنِ الحقّ وأهله واقع الباطل وأهله ومن علينا بِالنّجاة واهدِنا إلى الإيمان و عجل فرجنا و انظمه بفرج أوليائك واجعلهم لنا وُدّاً و اجعلنا لهم وفداً، اللّهمّ وأهلك من جعل يوم قتل ابن نبيّك وخيرتك عِيداً و استهلّ بِهِ فرحاً و مرحا و خُذ آخرهم كما أخذت أوّلهم وضاعِفِ اللّهمّ العذاب و التنكيل على ظالمي أهل بيت نبيّك، وأهلك أشياعهم و قادتهم، وأبر حماتهم وجماعتهم، اللّهمّ وضاعف صلواتِك ورحمتك وبركاتك على عترة نبيّك العترة الصّائِعةِ الخائفة المستذلّة بقيّة الشّجرة الطيبة الزاكية المباركة، وأعلِ اللّهمّ كلمتهم و أفلج حُجّتهم واكشِف البلاء واللأواء و حنادِس الأباطيل والعمى عنهم، وثبت قلوب شيعتهم وحزبك على طاعتهم وولايتهم ونُصرتهم و مُوالاتِهم وأعنهم وامنحهم الصبر على الأذى فيك واجعل لهم أياماً مشهودةً و أوقاتاً محمودةً مسعودةً تُوشِكُ فِيها فرجهم وتُوجِبُ فِيها تمكينهم ونصرهم كما ضمنت لأوليائك فِي كتابك المنزل فإنّك قُلت وقولك الحق: وعد اللّه الّذين آمنوا مِنكُم و عمِلُوا الصّالِحاتِ ليستخلفنّهم فِي الأرضِ كما استخلف الّذين من قبلهم و ليُمكّننّ لهم دِينهُمُ الّذي ارتضى لهم وليُبدِّلنّهم من بعدِ خوفهم أمناً يعبدونني لا يُشركون بي شيئاً. اللّهمّ فاكشِف غُمّتهم يا من لا يملك كشف الضُّرِ إِلّا هُو يا واحد يا أحد يا حي يا قيوم و أنا يا إلهي عبدك الخائِفُ مِنك والراجِعُ إِليك السّائِلُ لك المقبل عليك اللاجِيُّ إِلى فِنائِك العالِم بِأَنَّهُ لا ملجأ مِنكَ إِلّا إليك، اللّهمّ فتقبل دعائي واسمع ندائي يا إلهي وعلانيتي و نجواي واجعلني يمن رضيت عمله و قبلت نُسُكه ونجيتهُ بِرحمتِك إنّك أنت العزيز الكريم. اللّهمّ و صل أوّلاً وآخراً على محمّد وآلِ محمّد و بارك على محمّد و آلِ محمّد و ارحم محمّداً و آل محمّد بأكمل وأفضل ما صليت وباركت و ترحمت
ص: 260
على أنبيائك ورسلك وملائكتك وحملة عرشك بِلا إِله إِلّا أنت، اللّهمّ ولا تُفرّق بيني و بين محمّد وآلِ محمّد صلواتك عليه وعليهم، واجعلني يا مولاي من شيعة محمّد وعلي وفاطمة والحسن والحسين وذُريتهم الظاهرة المنتجبة، وهب لي التمسك بحبهم [بِحبلِهِم] و الرّضا بِسبِيلِهِم والأخذ بطريقتهم إِنَّكَ جواد كريم.
ثُمّ عفّر وجهك فِي الأرضِ، وقُل: يا من يحكم ما يشاء ويفعل ما يريد، أنت حكمت فلك الحمد محموداً مشكوراً فعجل يا مولاي فرجهم و فرجنا بهم، فإنّك ضمنت إعزازهم بعد الذِلّة و تكثِيرهم بعد القِلَّةِ وإظهارهم بعد الخمول يا أصدق الصَّادقين و يا أرحم الراحمين. فأسألك يا إلهي وسيّدِي مُتضرّعاً إليك بجودك وكرمك بسط أملي والتجاوز عني و قبول قليل عملي و كثِيرِه والزيادة فِي أيامي و تبليغي ذلك المشهد، وأن تجعلني ممن يُدعى فيُجِيبُ إِلى طاعتِهم و موالاتهم ونصرهم و تُرِيني ذلِك قريباً سريعاً فِي عافيةٍ إِنَّكَ على كلّ شيءٍ قدير.
ثُمّ ارفع رأسك إلى السماء وقُل: أعُوذُ بِك أن أكون من الّذين لا يرجُون أيامك فأعِذْنِي يا إلهي برحمتك من ذلك. فإنّ هذا أفضل يا ابن سنانٍ من كذا وكذا حجّةً، وكذا وكذا عُمرةً تتطوّعُها وتُنفِقُ فيها مالك وتنصب فيها بدنك وتُفارِقُ فيها أهلك ووُلدك. واعلم أنّ اللّه تعالى يُعطِي من صلّى هذِهِ الصَّلاة فِي هذا اليوم و دعا بهذا الدُّعاءِ مُخلِصاً، وعمل هذا العمل مُوقِناً مُصدّقاً عشر خصالٍ مِنها أن يقيهُ اللّه مِيتة السوء، ويُؤمنهُ من المكارِه والفقر، ولا يُظهر عليه عدوّاً إلى أن يموت، و يُوقِيه اللّه من الجنونِ والجذامِ والبرص فِي نفسِهِ ووُلدِهِ إلى أربعة أعقاب له، ولا يجعل للشيطان ولا لأوليائه عليهِ ولا على نسلِهِ إلى أربعة أعقاب سبيلا. قال ابنُ سِنانٍ:
فانصرفتُ و أنا أقولُ: الحمدُ للّه الّذي من علي بمعرفتكم و حُبّكُم وأسأله المعونة على المفترض عليّ من طاعتِكم بمنّه و رحمتِهِ. (1)
أقول: هذه الرواية وصلت إلينا بسند صحيح كما صرح به العلامة المجلسي فِي زاد المعاد حيث يقول : " و منها: الّتي رواها بسند صحيح عبد اللّه بن سنان قال...."(2)
ص: 261
أرجوك أن تتأمل فيها كمال التأمل والتعمق حتّى تجد أن ولي اللّه وحجته سلام اللّه عليه كيف يدعوا على هذه الأمَّة بقلب مجروح وعين باكية. أنظر كيف يدعوا عليهم بقوله" اللّهمّ و إن كثيرا من الأمَّة ناصبت وكفرت" مضافا بما أن كلمة "كثير" لا يكون فِي نقل ابن طاووس و هُو يروي " إن الأمَّة..." بالنتيجة الإمام (عَلَيهِ السَّلَامُ) يرميهم بالنصب والكفر، فماذا يجيب الّذي يستأكل بدينه المدعى لولاية آل اللّه ومع هذا قد إنحرف عنهم و تمسك بحبل حبّ هؤلاء الظلمة فعبّر ثُمّ عبّر.
1- عن أبي عبد اللّه عن أبيه عن جدّه (عَلَيهِم السَّلَامُ) قال للنّارِ سبعةُ أبواب بابٌ يدخُلُ مِنهُ فِرعونُ وهامان و قارون وباب يدخُلُ مِنهُ المشرِكُون والكُفَّارُ ممن لم يُؤمِن بِاللّه طرفة عين وباب يدخُلُ مِنهُ بنُو أُميّة هُو لهم خاصّة لا يُزاحِمُهُم فِيهِ أحدٌ وهُوبَابُ لظى وهُوبَابُ سقروهو باب الهاوية تهوي بهم سبعين خريفاً وكلما هوى بهم سبعين خريفاً فار بهم فورةً قذف بهم فِي أعلاها سبعين خريفاً ثُمّ تهوي بهم كذلك سبعين خريفاً فلا يزالون هكذا أبداً خالِدِين مُخلّدِين وبابٌ يدخُلُ مِنهُ مُبغِضُونا ومُحارِبُونا و خاذِلُونا وإِنَّهُ لأعظم الأبواب وأشدُّها حرّاً قال محمّد بن الفضيل الرِّزْقِ فقُلتُ لأبي عبد اللّه (عَلَيهِ السَّلَامُ) الباب الّذي ذكرت عن أبيك عن جدّك (عَلَيهِ السَّلَامُ) أنّه يدخُلُ مِنهُ بنو أُميّة يدخُلُهُ من مات مِنهُم على الشّركِ أو من أدرك مِنهُمُ الإسلام فقال لا أُمّ لك ألم تسمعه يقول وبابٌ يدخُلُ مِنهُ المشركون والكُفَّارُ فهذا الباب يدخُلُ فِيهِ كلّ مُشرِكٍ وكلُّ كَافِرٍ (لا يُؤْمِنُ بِيومِ الحِسَابِ) (1) وهذا البابُ الآخرُيدخُلُ مِنهُ بنو أُميّة لِأَنَّهُ هُو لِأَبِي سُفيان و مُعاوِية وآل مروان خاصّة يدخُلُون من ذلك البابِ فتحطِمُهُم النّارُ حطماً لا تسمعُ لهم فيها واعِيةً ولا يحيون فيها ولا يموتون. (2)
ص: 262
الجهاد مع هؤلاء حرام
1- عن سماعة عن أبي عبدِ اللّه (عَلَيهِ السَّلَامُ) قال: لَقِي عبّاد البصري علي بن الحسين (عَلَيهِ السَّلَامُ) فِي طريق مكّة فقال له يا عليَّ بن الحسين تركت الجهاد و صُعُوبته وأقبلت على الحج ولينتِهِ إِنَّ اللّه عزّ و جلّ يقُولُ: (إِنَّ اللَّهَ اشْتَرَى مِنَ الْمُؤْمِنِينَ أَنْفُسَهُمْ وَأَمْوَالَهُمْ بِأَنَّ لَهُمُ الْجَنَّةَ يُقَاتِلُونَ فِي سَبِيلِ اللَّهِ فَيَقْتُلُونَ وَيُقْتَلُونَ وَعْدًا عَلَيْهِ حَقًّا فِي التَّوْرَاةِ وَالْإِنْجِيلِ وَالْقُرْآنِ وَمَنْ أَوْفَى بِعَهْدِهِ مِنَ اللَّهِ فَاسْتَبْشِرُوا بِبَيْعِكُمُ الَّذِي بَايَعْتُمْ بِهِ وَذَلِكَ هُوَ الْفَوْزُ الْعَظِيمُ) (1) فقال له علي بن الحسين (عَلَيهِ السَّلَامُ) أتم الآية فقال : (التَّائِبُونَ الْعَابِدُونَ الْحَامِدُونَ السَّائِحُونَ الرَّاكِعُونَ السَّاجِدُونَ الْآمِرُونَ بِالْمَعْرُوفِ وَالنَّاهُونَ عَنِ الْمُنْكَرِ وَالْحَافِظُونَ لِحُدُودِ اللَّهِ وَبَشِّرِ الْمُؤْمِنِينَ) (2) فقال علي بن الحسين (عَلَيهِ السَّلَامُ) إِذا رأينا هؤلاء الّذين هذِهِ صِفتهم فالجهاد معهم أفضلُ من الحجّ. (3)
2 - عن عبدِ اللّه بنِ المغيرة قال: قال محمّد بنُ عبدِ اللّه لِلرّضا (عَلَيهِ السَّلَامُ) و أنا أسمعُ : حدّثني أبي عن أهل بيته عن آبائِهِ (عَلَيهِم السَّلَامُ) أنّه قال لبعضهم : إنّ فِي بِلادِنا موضع رِبَاطٍ يُقالُ لَهُ قزوين و عدُوّاً يُقالُ لهُ الدّيلم فهل من جهادٍ أو هل من رباط ؟ فقال عليكم بهذا البيتِ فحُجُوه فأعاد عليه الحديث فقال عليكم بهذا البيتِ فحُجُوهُ أ ما يرضى أحدُكُم أَن يَكُون فِي بيتِهِ يُنفِقُ على عيالِهِ من طولِهِ ينتظر أمرنا فإن أدركه كان كمن شهد مع رسُولِ اللّه (صَلَّى اللّه عَلَيْهِ وَآلِهِ) بدراً و إن مات منتظراً لأمرنا كان كمن كان مع قائمنا (عَلَيهِ السَّلَامُ) هكذا فِي فُسطاطه و جمع بين السبابتين ولا أقُولُ هكذا و جمع بين السبّابة والوسطى فإنّ هذِهِ أطولُ من هذِهِ فقال أبو الحسن (عَلَيهِ السَّلَامُ) صدق. (4)
3- عن عبد الملك بن عمرو قال: قال لي أبو عبد اللّه (عَلَيهِ السَّلَامُ): يا عبد الملكِ ما لي لا أراك تخرُجُ إِلى هذِهِ المواضع الّتي يخرُجُ إِليها أهلُ بِلادِك ؟ قال : قُلتُ : و أين ؟ فقال : جُدّةً و عَبّادانُ و المصيصة و قزوين و قزوين. فقُلتُ : انتظاراً لأمرِكُم والإقتداء بِكُم. فقال : إي واللّه لو كان خيراً ما سبقونا إليهِ.
ص: 263
قال : قُلتُ لهُ : فإنّ الزّيدِيّة يقُولُون ليس بيننا وبين جعفرٍ خِلافُ إِلَّا أَنَّهُ لا يرى الجهاد فقال أنا لا أراه بلى واللّه إنّي لأراه ولكن أكره أن أدع عِلمِي إلى جهلهم. (1)
4 - عن بشير الدّهانِ عن أبي عبدِ اللّه (عَلَيهِ السَّلَامُ) قال: قُلتُ لهُ إِني رأيتُ فِي المنامِ أَنِّي قُلتُ لك : إِنّ القِتال مع غيرِ الإِمَامِ المفرُوضِ طاعتُهُ حرامٌ مِثل الميتة والدم ولحم الخنزير فقُلتَ لِي هُو كذلِك فقال أبو عبدِ اللّه (عَلَيهِ السَّلَامُ) : هُو كذلك هُو كذلك. (2)
5- قال أمِير المؤمنين (عَلَيهِ السَّلَامُ): لا يخرُجُ المسلِمُ فِي الجهادِ مع من لا يُؤْمِنُ على الحكم ولا يُنفِذُ فِي القيء ما أمر اللّه عزّ و جلّ فإِنَّهُ إِن مات فِي ذلك المكان كان مُعِيناً لِعَدُوّنا فِي حبس حقنا و الإشاطة بدمائنا وميتتُهُ مِيتةٌ جاهِلِيَّة (3).
6 - عن يُونُس عن أبي الحسنِ الرّضا (عَلَيهِ السَّلَامُ) قال: قُلتُ لهُ جُعِلتُ فِداك إِنَّ رَجُلًا من مواليك بلغه أنّ رجُلا يُعطِي السّيف والفرس فِي سَبِيلِ اللّه فأتاه فأخذهُما مِنهُ وهُو جَاهِلٌ بِوجهِ السَّبِيلِ ثُمّ لقيه أصحابه فأخبرُوهُ أن السبيل مع هؤلاء لا يَجُوزُو أَمَرُوهُ بِردِهِما فقال فليفعل قال قد طلب الرّجُل فلم يجده وقيل له : قد شخص الرّجُلُ. قال : فليُرابِط ولا يُقاتِل قال : ففِي مثل قزوين والديلم و عسقلان وما أشبه هذهِ الشُّغُور ؟ فقال : نعم. فقال له : يُجاهِدُ ؟ قال : لا إِلَّا أَن يخاف على ذراري المسلمين [فقال] أرأيتك لو أنّ الرُّوم دخلوا على المسلمين لم ينبغ لهم أن يمنعُوهُم قال يُرابِط ولا يُقاتِلُ وإِن خاف على بيضةِ الإِسلام و المسلِمِين قاتل فيكُونُ قِتَالُهُ لنفسِهِ وليس للسلطان قال قُلتُ فإن جاء العدو إلى الموضِعِ الّذي هُو فِيهِ مُرابِطُ كيف يصنعُ قال يُقاتِلُ عن بيضةِ الإِسلامِ لا عن هؤلاءِ لِأَنْ فِي دُرُوسِ الإِسلامِ دُرُوس دِينِ محمّد (صَلَّى اللّه عَلَيْهِ وَآلِهِ). (4)
أقول : لا يجوز الجهاد مع العامَّة كما لا يجوز الإعانة بهم و بدولتهم إطلاقا بل يجوز الإعانة عليهم إن كان فيها منفعة للمؤمنين كما يستنبط من الرواية الآتية و عليه إستقرت سيرة أصحابنا
ص: 264
الماضين قدس اللّه أسرارهم كما ينقل عن محمّد بن محمّد الخواجة نصير الدين الطوسي رحمه اللّه حيث أنّه أعان بالمغول على خليفة العبّاسي الجائر. فعلى أي حال مساعدة هؤلاء الظلمه حرام و به صرحت رواياتهم (عَلَيهِم السَّلَامُ). و اما لو هجم الكفار إلى أصل الإسلام لابد لنا أن نقاتلهم و لكن فِي صفوف مختلفة عن العامَّة و لا نركن إلي الّذين ظلموا كما أمرنا اللّه تعالى به : (وَلَا تَرْكَنُوا إِلَى الَّذِينَ ظَلَمُوا فَتَمَسَّكُمُ النَّارُ وَمَا لَكُمْ مِنْ دُونِ اللَّهِ مِنْ أَوْلِيَاءَ ثُمَّ لَا تُنْصَرُونَ﴾ (1) وأصل الإسلام لا يكون بلد مشخص أو قوم خاص أو منطقة جغرافية محددة.
يقول العالم النحرير ابن إدريس الحلي رحمه اللّه : والجهاد مع أئمة الجور، أو من غير إمام خطأ يستحق فاعله به الإثم، وإن أصاب لم يوجر، و إن أصيب كان مأثوما، اللّهمّ إلّا أن يدهم المسلمين والعياذ باللّه أمر من قبل العدو يخاف منه على بيضة الإسلام، و يخشى بواره و بيضة الإسلام مجتمع الإسلام و أصله، أو يخاف على قوم منهم، وجب حينئذ أيضا جهادهم ودفاعهم، غير أنّه يقصد المجاهد و الحال ما وصفناه الدفاع عن نفسه، و عن حوزة الإسلام و عن المؤمنين، ولا يقصد الجهاد مع السلطان الجائر، و لا مجاهدتهم ليدخلهم فِي الإسلام، و هكذا حكم من كان فِي دار الحرب و دهمهم عدو يخاف منه على نفسه، جاز أن يجاهد مع الكفار دفعا عن نفسه و ماله دون الجهاد الّذي يجب فِي الشرع. (2)
انتهى
7 - عن مُسلِم مولى أبي الحسن (عَلَيهِ السَّلَامُ) قال: سألهُ رجُلٌ فقال له التُركُ خير أم هؤلاء ؟ فقال إِذا صِرتُم إِلى التَّركِ يُخَلُّون بينكُم و بين دِينكُم ؟ قال: قُلتُ : نعم جُعِلتُ فِداك. قال : هؤلاءِ يُخَلُّون بينكم وبين دينكم ؟ قال: قُلتُ : لا بل يجهدون على قتلنا قال : فإن غزوهم أُولئِك فاغروهم معهُم أو أعِينُوهُم عليهِم. الشّكُ من مولى أبي الحسن (عَلَيهِ السَّلَامُ) (3).
ص: 265
1 - يقول السيد في كتاب الطرائف و من طرائف أمورهم بعد هذا كله أنهم يسمون أنفسهم أهل السنة والجماعة وقد اختلفوا بينهم أشد اختلاف و كفر بعضهم بعضا و عملوا في شريعتهم بما أحدثوه من الآراء و القياسات وقد تقدم بعض ذلك فيما سلف من الروايات مع أنني رأيت في كتبهم ما يدل على هذا الاسم وسببه.
فمن ذلك ما ذكره ابن بطة في كتابه المعروف بالإبانة أنه قال: الحجاج سمى السنة الجماعة وكانت سنة أربعين؛ لأن كان الاجتماع على معاوية.
و من ذلك ما ذكره الكرابيسي و هو من أهل الظاهر فقال إنما سمى هذا الاسم يزيد بن معاوية لما دخل عليه رأس الحسين عليه السلام وكان كل من دخل من ذلك الباب سمى سنيا.
و من ذلك ما ذكره الشيخ العسكري في كتاب الزواجر و هو من علماء السنة قال إن معاوية سمى ذلك العام عام السنة ومن ذلك ما ذكر ابن عبد ربه في كتاب العقد قال لما صالح الحسن معاوية سمي ذلك العام عام الجماعة (1)
أقول: إن كان هذا أصل تسميتهم فبئس الأصل و هو غاية الجهل و إن كان لدعواهم أنهم ملتزمون بسنة نبيهم فأين الالتزام مع هذا الإختلاف و الإفتراق وما يقع بينهم من مساوئ الأخلاق بل أنهم ملتزمون بسنة أبي بكر و عمر.
2 - عَلِيَّ بْن خَشْرَمٍ يَقُولُ: كُنْتُ فِي مَجْلِسِ أَحْمَدَ بْنِ حَنْبَلٍ فَجَرَى ذِكْرُ عَلِيِّ بْنِ أَبِي طَالِبٍ عليه السلام ، فَقَالَ: لَا يَكُونُ الرَّجُلُ سُنِيّاً حَتَّى يُبْغِضَ عَلِيّاً قَلِيلًا ! قَالَ عَلِيُّ بْنُ خَشْرَمٍ: فَقُلْتُ: لَا يَكُونُ الرَّجُلُ سَنِيّاً حَتَّى يُحِبَّ عَلِيّاً كَثِيراً وَ فِي غَيْرِ هَذِهِ الْحِكَايَةِ قَالَ عَلِيُّ بْنُ خَشْرَمٍ: فَضَرَبُونِي وَ طَرَدُونِي مِنَ الْمُجْلِسِ.(2)
نقل الشيخ حسن الكركي عن السيد بن طاووس رحمة الله عليهما في وجه تسميتهم بأهل السنة والجماعة وكانوا يكنون عن أنفسهم بأهل السنة والجماعة يعنون أنهم من أهل سنّة سبّ
ص: 266
علي عليه السلام و جماعة بني أمية ثم لما شنع عليهم محبوا أهل البيت عليهم السلام في زمن بني العباس دلوا و قالوا: مرادنا بأهل السنة سنة النبي صلى الله عليه وآله و الجماعة جماعة الصحابة. وأول من أحدث هذه التسمية يزيد لعنه الله لما دخل عليه رأس الحسين عليه السلام وكان من دخل من ذلك الباب سمي سنياً (1)
1- قال الإمام العسكري (عَلَيهِ السَّلَامُ) : و لقد حضر رجُلٌ عِند علي بن الحسين (عَلَيهِ السَّلَامُ) فقال له: ما تَقُولُ فِي رَجُلٍ يُؤْمِنُ بِما أنزل اللّه على محمّد (صَلَّى اللّه عَلَيْهِ وَآلِهِ): و ما أنزل على من قبله، ويُؤْمِنُ بِالآخِرة، و يُصلّي ويُزكّي، ويصل الرجم، ويعمل الصالحات ولكنه مع ذلِك يَقُولُ: لا أدري الحقّ لعلي أو لِفُلانٍ فقال له علي بن الحسين (عَلَيهِ السَّلَامُ) : ما تَقُولُ أنت فِي رجُلٍ يفعل هذِهِ الخيراتِ كُلّها إِلَّا أَنْهُ يقُولُ: لا أدرِي النَّبيّ محمّد أو مسيلمة هل ينتفعُ بِشيءٍ من هذه الأفعال فقال: لا.
قال: فكذلك صاحبك هذا، فكيف يكُونُ مُؤمِناً بِهذِهِ الكُتُبِ من لا يدري أ محمّد النَّبيّ أم مُسيلمة الكذاب وكذلك كيف يكُونُ مُؤمِناً بِهذِهِ الكُتُبِ و بِالآخِرة أو مُنتفِعاً (بِشيءٍ مِن أَعمَالِهِ) من لا يدري أعلى مُحِق أم فُلانٌ. (2)
2 - عن الحسن بن النَّصْرِ قال قال الرّضا (عَلَيهِ السَّلَامُ) ما العِلّةُ فِي التَّكبير على الميت خمس تكبيرات قُلتُ رووا أنها قد اشتقت من خمس صلوات فقال هذا ظاهِرُ الحدِيثِ فأما باطِنُهُ فإِنّ اللّه عزّو جل فرض على العِبادِ خمس فرائض الصَّلاة والزكاة والصيام والحجّ والولاية فجعل للميت من كلّ فريضةٍ تكبيرةً واحِدةً فمن قبل الولاية كبّر خمساً و من لم يقبل الولاية كبّر أربعاً فمن أجل ذلك تُكبّرون خمساً و من خالفكُم يُكبّر أربعاً. (3)
ص: 267
3 - قال ابنُ عبَّاس قال النَّبيّ (صَلَّى اللّه عَلَيْهِ وَآلِهِ) إِنما رفع اللّه القطر عن بَنِي إسرائيل بسوء رأيهم فِي أنبيائهم و إن اللّه يرفع القطر عن هذهِ بِبُغضهم عليّ بن أبِي طالِب فقام رجل فقال يا رسول اللّه وهل يُبغِضُ عليّاً أحدٌ قال نعم، القعود عن نصرته بغض. (1)
4- قال عليّ (عَلَيهِ السَّلَامُ) : والّذي فلق الحبة وبرأ النسمة لعهد النَّبيّ (صَلَّى اللّه عَلَيْهِ وَآلِهِ) إلى أنّه ستغدِرُيك الأمَّة من بعدِي. (2)
5 - عن سدِيرِ قال: قال لي أبو جعفر (عَلَيهِ السَّلَامُ) يا سدِيرُ بلغني عن نِساءِ أَهلِ الكُوفَةِ جمالٌ وحُسنُ تبعل فابتغ لي امرأة ذات جمالٍ فِي موضع فقُلتُ قد أصبتُها جُعِلتُ فِدَاكَ فُلانة بنت فُلانِ بنِ محمّد بنِ الأَشعث بن قيس فقال لي يا سدِيرُ إِنّ رسُول اللّه (صَلَّى اللّه عَلَيْهِ وَآلِهِ) لعن قوماً فجرت اللعنة فِي أعقابهم إلى يوم القيامةِ و أنا أكره أن يُصِيب جسدي جسد أحدٍ من أهلِ النّار. (3)
6 - عن أبي عبدِ اللّه جعفر بن محمّد (عَلَيهِمَا السَّلَامُ)، قال : إذا كان يومُ القِيامة نادى مُنَادٍ من بُطنانِ العرش :
أين خليفةُ اللّه فِي أرضِهِ فيقُومُ داوُدُ النَّبيّ (عَلَيهِ السَّلَامُ)، فياتي النِّداءُ من عِندِ اللّه (عزّوجلّ):
لسنا إياك أردنا، وإن كنت للّه خليفةً.
ثُمّ يُنادِي مُنادٍ ثانياً: أين خليفةُ اللّه فِي أَرضِهِ فيقُومُ أمِير المؤمنين عليّ بن أبِي طالِب (عَلَيهِ السَّلَامُ)، فياتي النداء من قِبل اللّه عزّوجلّ يا معشر الخلائق، هذا عليّ بن أبِي طالِب، خليفةُ اللّه فِي أَرضِهِ، و حُجَّتُهُ على عِبادِهِ، فمن تعلّق بِحبلِهِ فِي دارِ الدُّنيا فليتعلّق بِحبلِهِ فِي هذا اليوم، يستضيءُ بِنُورِه، وليتبعه إلى الدرجاتِ العُلا من الجِنانِ.
قال: فيقُومُ النّاس الّذين قد تعلّقُوا بِحبلِهِ فِي الدُّنيا فيتَّبِعُونَهُ إِلى الجنّة.
ثُمّ يأتي النداءُ من عِندِ اللّه عزّوجلّ: ألا من تعلّق بإمام فِي دار الدُّنيا فليتبعه إلى حيثُ يذهبُ بِهِ، فحِينَئِذٍ يتبرأ (الَّذِينَ اتُّبِعُوا مِنَ الَّذِينَ اتَّبَعُوا وَرَأَوُا الْعَذَابَ وَتَقَطَّعَتْ بِهِمُ الْأَسْبَابُ * وَقَالَ الَّذِينَ
ص: 268
اتَّبَعُوا لَوْ أَنَّ لَنَا كَرَّةً فَنَتَبَرَّأَ مِنْهُمْ كَمَا تَبَرَّءُوا مِنَّا كَذَلِكَ يُرِيهِمُ اللَّهُ أَعْمَالَهُمْ حَسَرَاتٍ عَلَيْهِمْ وَمَا هُمْ بِخَارِجِينَ مِنَ النَّارِ). (1) و (2)
7 - رسالة أبي جعفر (عَلَيهِ السَّلَامُ) إلي سعد الخير...فاعرف أشباه الأحبار والرهبانِ الّذين ساروا بكتمان الكتاب و تحريفه (فَمَا رَبِحَتْ تِجَارَتُهُمْ وَمَا كَانُوا مُهْتَدِينَ ﴾ (3) ثُمّ اعرف أشباههُم من هذِهِ الأمَّة الّذين أقاموا حُرُوف الكِتابِ وحرّفُوا حُدُوده فهم مع السادة والكُبُرَةِ فإذا تفرّقت قادة الأهواء كانُوا مع أكثرهم دنيا (وذلك مبلغهم من العلم) (4) لا يزالون كذلك فِي طبع وطمع لا يزالُ يُسمعُ صوتُ إِبليس على ألسنتهم بِباطِل كثِير يصبِرُ مِنهُمُ العُلماء على الأذى و التّعنِيفِ ويعيبون على العُلماءِ بِالتكليف والعُلماءُ فِي أَنفُسِهِم خانةٌ إِن كتمُوا النَّصِيحَة إِن رأوا تائهاً ضالاً لا يهدونه أو ميتاً لا يُحيُونه فبئس ما يصنعون لأن اللّه تبارك وتعالى أخذ عليهِمُ الميثاق فِي الكِتابِ أن يا مُرُوا بِالمعرُوفِ وبِما أُمِرُوا بِهِ وأن ينهوا عمّا نُهُوا عنه و أن يتعاونوا على البرّو التقوى ولا يتعاونوا على الإثم والعُدوانِ فالعُلماءُ من الجُهّال فِي جهدٍ وجِهادٍ إن وعظت قالُوا طغت و إن علّمُوا الحقّ الّذي تركُوا قالُوا خالفت و إن اعتزلُوهُم قالُوا فارقت وإن قالُوا هَاتُوا بُرهانكُم على ما تُحدّثون قالُوا نافقت وإن أطاعُوهُم قالُوا عصتِ اللّه عزّ و جلّ فهلك جُهّالٌ فيما لا يعلمون أُمِيُّون فيما يتلون يُصدِّقُون بِالكِتابِ عِند التعريف ويُكذِّبُون بِهِ عِند التحريف فلا يُنكرون أُولئِك أشباه الأحبار والرهبان قادةٌ فِي الهوى سادة فِي الردى وآخرون مِنهُم جُلُوس بين الضّلالة والهدى لا يعرِفُون إحدى الطائفتينِ من الأُخرى يقُولُون ما كان النّاس يعرِفُون هذا و لا يدرون ما هُو و صدّقوا تركهم رسول اللّه (صَلَّى اللّه عَلَيْهِ وَآلِهِ) على البيضاء ليلها من نهارها لم يظهر فيهم بدعةٌ ولم يُبدّل فِيهِم سُنّةٌ لا خِلاف عِندهم ولا اختلاف فَلَمَّا غشِي. النّاس ظلمةُ خطاياهم صارُوا إِمامين داع إلى اللّه تبارك وتعالى وداع إلى النار فعند ذلك نطق الشّيطان فعلا صوتُهُ على لِسانِ أَولِيائِهِ و كثر خيلُه ورجله وشارك فِي المال والولد من أشركه فعُمِل بالبدعة وترك الكِتابُ والسُّنّة و نطق
ص: 269
أولِياءُ اللّه بِالحُجَّةِ وأخذُوا بِالكِتابِ والحِكمةِ فتفرق من ذلك اليوم أهل الحقّ وأهل الباطل و تخاذل و تهادن أهل الهدى وتعاون أهل الضّلالة حتّى كانتِ الجماعةُ مع فلانٍ و أشباهه فاعرف هذا الصنف وصنف آخرُ فأبصرهُم رأي العينِ تُجباءُ والزمهم حتّى ترد أهلك ف(إِنَّ الْخَاسِرِينَ الَّذِينَ خَسِرُوا أَنْفُسَهُمْ وَأَهْلِيهِمْ يَوْمَ الْقِيَامَةِ أَلَا ذَلِكَ هُوَ الْخُسْرَانُ الْمُبِينُ)...(1) و (2)
8 - قال أبو جعفر الباقر(عَلَيهِ السَّلَامُ) لم نزل أهل البيتِ مُنذُ قُبِض رَسُولُ اللّه (صَلَّى اللّه عَلَيْهِ وَآلِهِ) نُذلُّ و نُقصى و تُحرَمُ ونُقتل و نُطرد ووجد الكذابون لكذِبِهم موضعاً يتقربون إِلى أَولِيائِهِم وقُضاتِهِم وعُمَالِهِم فِي كلّ بلدةٍ يُحدِّثُون عدونا ووُلاتِهم الماضين بالأحادِيثِ الكاذِبةِ الباطِلةِ ويُحدِّثُون ويروون عنا ما لم نقل تهجيناً منهم لنا وكذِباً مِنهُم علينا و تقرُّباً إلى وُلاتِهِم وقُضاتِهِم بِالنُّورِ والكَذِبِ و كان عُظم ذلك وكثرتُهُ فِي زمنٍ مُعاوية بعد موت الحسن (عَلَيهِ السَّلَامُ) ثُمّ قال (عَلَيهِ السَّلَامُ) بعد كلام تركناه و رُبّما رأيت الرّجُل يُذكرُ بِالخير و لعله أن يكون ورعاً صدوقاً يُحدِّثُ بِأحاديث عظيمةٍ عجيبةٍ من تفضيل بعض من قد مضى من الوُلاةِ لم يخلق اللّه منها شيئاً قط وهو يحسبُ أَنّها حق لكثرة من قد سمعها مِنهُ من لا يُعرفُ بِكذِبٍ ولا بِقِلَّةِ ورع و يروون عن عليّ (عَلَيهِ السَّلَامُ) أشياء قبيحةً و عن الحسن والحسين (عَلَيهِمَا السَّلَامُ) ما يعلمُ اللّه أنهم رووا فِي ذلك الباطل والكذب والنُّور قُلتُ لهُ أصلحك اللّه سمّ لِي من ذلِك شيئاً قال رِوايتُهُم هُما سيّدا كُهُولِ أَهلِ الجنّة وأَن عُمر مُحدّت وأن الملك يُلقِنُهُ وأنّ السّكينة تنطِقُ على لِسانِهِ وأنّ عُثمان الملائِكَةُ تستحي مِنهُ و اثبت حرى فما عليك إلّا نبي وصديقٌ وشهيد حتّى عدد أبو جعفر (عَلَيهِ السَّلَامُ) أكثر من مائتي روايةٍ يحسبون أنها حق فقال هي واللّه كُلُّها كذب و زُورٌ قُلتُ أصلحك اللّه لم يكُن مِنها شيءٌ قال منها موضُوعٌ ومِنها مُحرّف فأما المحرفُ فإنّما عنى أن عليك نبي وصديق وشهيد يعني عليّاً (عَلَيهِ السَّلَامُ) ومثله وكيف لا يُبارك لك وقد علاك ني وصديق وشهيد يعني عليّاً (عَلَيهِ السَّلَامُ) و عامها كذِبٌ وزُورُو باطِلٌ. (3)
ص: 270
9 - عن الصَّادق (عَلَيهِ السَّلَامُ) أنّه قال: قوله عزّو جل (اهْدِنَا الصِّرَاطَ الْمُسْتَقِيمَ) (1) يقُولُ أرشدنا لِلزومِ الطريق المؤدي إلى محبّتِك و المبلغ إلى جنّتِك من أن نتبع أهواء نا فنعطب و نأخُذ بِآرائنا فنهلك فإنّ من اتبع هواه و أُعجب برأيه كان كرجل سمعتُ غُثاء النّاس تُعظِمُهُ وتصِفُهُ فَأَحببتُ لِقاءَهُ من حيثُ لا يعرِفُني لأنظر مقداره و محله فرأيتُهُ فِي موضع قد أحدقُوا بِهِ جماعةٌ من غُثاء العامَّة فوقفتُ مُنتبِذاً عنهم مُتغشِياً بِلِثام أنظرُ إِليه وإليهم فما زال يُراوِغُهُم حتّى خالف طريقهم و فارقهم ولم يقر فتفرقت جماعةُ العامَّة عنه لحوائجهم وتبعتُهُ أقتني أثره فلم يلبث أن مريخبّاز فتغفله فأخذ من دكانِهِ رغيفينِ مُسارقةً فتعجّبتُ مِنهُ ثُمّ قُلتُ فِي نفسِي لعلّهُ مُعاملةٌ ثُمّ مرّ بعدهُ بِصاحِبِ رُمانِ فما زال بِهِ حتّى تغفله فأخذ من عِندِهِ رُمانتينِ مُسارقةً فتعجّبتُ مِنهُ ثُمّ قُلتُ فِي نفسي لعلّهُ مُعاملةٌ ثُمّ أقُولُ و ما حاجتُهُ إِذا إلى المسارقةِ ثُمّ لم أزل أتَّبِعُهُ حتّى مر بمريض فوضع الرغيفينِ والرُّمّانتين بين يديه ومضى وتبعثه حتّى استقر فِي بُقعةٍ من صحراء فقُلتُ لهُ يا أبا عبد اللّه لقد سمعتُ بك و أحببتُ لِقاءك فلقِيتُك لكنّي رأيتُ مِنك ما شغل قلبي و إنِّي سائلك عنهُ لِيزُول بِهِ شُغُلُ قلبي قال ما هو؟ قُلتُ رأيتُك مررت بخباز و سرقت مِنه رغيفينِ ثُمّ بِصاحِبِ الرُّمَانِ فسرقت مِنهُ رُمانتين فقال لي قبل كلّ شيءٍ حدّثني من أنت ؟ قُلتُ رجُلٌ من وُلدِ آدم من أُمَّةِ محمّد (صَلَّى اللّه عَلَيْهِ وَآلِهِ) قال حدّثني من أنت ؟ قُلتُ رجُلٌ من أَهلِ بيتِ رَسُولِ اللّه قال أين بلدك؟ قُلتُ المدينةُ قال لعلك جعفرُ بنُ محمّد بنِ علي بن الحسين بن عليّ بن أبِي طالِب (عَلَيهِ السَّلَامُ) قُلتُ بلى قال لي فما ينفعك شرفُ أصلك مع جهلِك بِما شُرِفتُ بِهِ وتركُك عِلم جدّك و أبِيكَ لِأَنَّهُ لا يُنكرُ ما يجب أن يُحمد ويُمدح فاعِلُهُ قُلتُ وما هو؟ قال القُرآنُ كِتابُ اللّه قُلتُ و ما الّذي جهلتُ؟ قال قولُ اللّه عزّوجلّ (مَنْ جَاءَ بِالْحَسَنَةِ فَلَهُ عَشْرُ أَمْثَالِهَا) (2) ومن جاء بِالسَّيِّئَةِ فلا يُجزى إِلَّا مِثلها وإِنِّي لَمَّا سرقتُ الرّغيفين كانت سيّئتين و لما سرقتُ الرُّمانتين كانت
ص: 271
سيئتين فهذه أربع سيِّئاتٍ فَلَمّا تصدّقتُ بِكُلِّ واحِدٍ مِنها كانت أربعين حسنةً أُنقص من أربعين حسنةً أربع سيئاتٍ بقي ست وثلاثون قُلتُ ثكلتك أُمُّكَ أنت الجاهِلُ بِكِتابِ اللّه أما سمعت قول اللّه عزّو جل (إِنَّمَا يَتَقَبَّلُ اللَّهُ مِنَ الْمُتَّقِينَ) (1)؟ إِنَّكَ لَما سرقت رغيفين كانت سيئتين و لما سرقت الرمانتين كانت سيّئتين ولما دفعتها إلى غيرها من غيرِرضا صاحِبِها كُنت إِنّما أضفت أربع سيِّئاتٍ إلى أربع سيِّئاتٍ ولم تُضِف أربعين حسنةً إلى أربع سيِّئاتٍ فجعل يُلاحِينِي فانصرفت و تركته. (2)
10- عن أبي ذر (رضيَ اللّهُ عنهُ) قال: رأيتُ رسول اللّه (صَلَّى اللّه عَلَيْهِ وَآلِهِ) قد ضرب كتف عليّ بن أبِي طالِب (عَلَيهِ السَّلَامُ) بيدِه و قال يا عليُّ من أحبّنا فهو العربي ومن أبغضنا فهو العِلجُ فشِيعتنا أهلُ البُيُوتاتِ والمعادن و الشرف ومن كان مولده صحيحاً وما على ملة إبراهيم (عَلَيهِ السَّلَامُ) إِلَّا نحنُ وشيعتنا و سائِرُ النّاس مِنها براء إنّ اللّه وملائكته يهدِمُون سيِّئاتِ شِيعتنا كما يهدِمُ القدوم البنيان. (3)
11 - عَنْ زُرَارَةَ عَنْ أَبِي جَعْفَرٍ عليه السلام قَالَ: إِنَّ النَّاسَ لَمَّا صَنَعُوا مَا صَنَعُوا إِذْ بَايَعُوا أَبَابَكْرٍ لَمْ يُمْنَعْ أَمِيرُ الْمُؤْمِنِينَ عليه السلام مِنْ أَنْ يَدْعُوَ إِلَى نَفْسِهِ إِلَّا نَظَراً لِلنَّاسِ وَ تَخَوُّفَاً عَلَيْهِمْ أَنْ يَرْتَدُّوا عَنِ الْإِسْلَامِ فَيَعْبُدُوا الْأَوْثَانَ وَ لَا يَشْهَدُوا أَنْ لَا إِلَهَ إِلَّا اللهُ وَ أَنَّ مُحَمَّداً رَسُولُ اللَّهِ صلى الله عليه وآله وَ كَانَ الْأَحَبَّ إِلَيْهِ أَنْ يُقِرَّهُمْ عَلَى مَا صَنَعُوا مِنْ أَنْ يَرْتَدُّوا عَنْ جَمِيعِ الْإِسْلَامِ وَ إِنَّا هَلَكَ الَّذِينَ رَكِبُوا مَا رَكِبُوا فَأَمَّا مَنْ لَمْ يَصْنَعْ ذَلِكَ وَ دَخَلَ فِيمَا دَخَلَ فِيهِ النَّاسُ عَلَى غَيْرِ عِلْمٍ وَ لَا عَدَاوَةٍ لِأَمِيرِ الْمُؤْمِنِينَ عليه السلام فَإِنَّ ذَلِكَ لَا يُكْفِرُهُ وَ لَا يُخْرِجُهُ مِنَ الْإِسْلَامِ وَلِذَلِكَ كَتَمَ عَلِيٌّ أَمْرَهُ وَ بَايَعَ مُكْرَها حَيْثُ لَمْ يَجِدْ أَعْوَاناً.
12- روى البحراني: حجّ خراسانيّ من أهل السنة فلما حضر الموسم أخذ دليلاً يدله على المناسك، فلما فرغ أعطاه شيئاً قليلاً لا يرضيه فأخذه من عنده ثُمّ جاء به إلى ركن شديد ثُمّ نطح الركن برأسه فقال الخراساني: ما هذا؟ قال : كان معاوية كلما أتى هذا الركن نطحه برأسه و كلما كانت النطحة أشد كان الأجر أعظم، ثُمّ شد الخراساني على وسطه ونطحه نطحة عظيمة حتّى سال الدم على وجهه وسقط مغشياً عليه، فتركه الرجل وراح عنه. (4)
ص: 272
ص: 273
ص: 274
1- عن حَسّان المدائني قال: سألتُ جعفر بن محمّد عنِ المسح على الخفّين، فقال: لا تمسح، ولا تُصلّ خلف من يمسح. (1)
2 - عن زُرارة قال: سألتُ أباجعفر (عَلَيهِ السَّلَامُ) عن الصَّلاة خلف المخالفين فقال ما هُم عِندِي إِلَّا بِمنزِلَةِ الجدر. (2)
3 - قال علي بن الحسين (عَلَيهِمَا السَّلَامُ) يا ثُمالِيُّ إِنَّ الصَّلاة إذا أُقيمت جاء الشّيطان إلى قرين الإمامِ فيقول هل ذكر ربه فإن قال نعم ذهب و إن قال لا ركب على كتفيه فكان إمام القومِ حتّى ينصرِفُوا قال: فقُلتُ: جُعِلتُ فداك ليس يقرءون القرآن قال بلى ليس حيثُ تذهب يا ثُمالِيُّ إِنّا هُو الجهرُبِ بِسمِ اللّه الرّحمن الرّحِيم. (3)
4- عن إسحاق بن أحمر، قال: سألتُ محمّد بن الحسن بن علي بن الحسين (عَلَيهِمَا السَّلَامُ)، قُلتُ: أُصلّي خلف من يتوالى فلاناً و فُلاناً ؟. قال: لا ولا كرامة. (4)
ص: 275
5- عن سعيد بن أبي سعيد البلخي قال سمعت أبا الحسن (عَلَيهِ السَّلَامُ) يقُولُ إِنَّ للّه فِي وقتِ كلّ صلاةٍ يُصلّيها هذا الخلقُ لعنةً قال قُلتُ: جُعِلتُ فِداك ولِمَ ؟ قال بِجُحُودِهِم حقنا وتكذيبهم إيانا. (1)
6- عن أبي عبد اللّه (عَلَيهِ السَّلَامُ) قال: إِنَّا مَثَلُ على ومَثَلُنَا من بعدِهِ من هَذِهِ الأمَّة كمثلِ مُوسَى النَّبيّ على نبينا و آله و (عَلَيهِ السَّلَامُ) و العالِمِ حِين لقيه واستنطقه وسأله الصحبة فكان من أمرهما ما اقتصهُ اللّه لِنبِيِّهِ (صَلَّى اللّه عَلَيْهِ وَآلِهِ) فِي كتابه وذلك أن اللّه قال لموسى (إِنِّي اصْطَفَيْتُكَ عَلَى النَّاسِ بِرِسَالَاتِي وَبِكَلَامِي فَخُذْ مَا آتَيْتُكَ وَكُنْ مِنَ الشَّاكِرِينَ﴾(2) ثُمّ قال (وَكَتَبْنَا لَهُ فِي الْأَلْوَاحِ مِنْ كُلِّ شَيْءٍ مَوْعِظَةً وَتَفْصِيلًا لِكُلِّ شَيْءٍ) (3) وقد كان عند العالِم عِلم لم يُكتب لموسى فِي الألواح وكان مُوسى يَظُنُّ أنّ جميع الأشياء الّتي يحتاجُ إليها وجميع العِلمِ قد كُتب له فِي الألواحِ كما يظُنُّ هؤلاءِ الّذين يدّعُون أنّهُم فُقهاء وعُلماءُ وأنهم قد أثبتوا جميع العِلمِ والفِقهِ فِي الدِّينِ مِمّا يحتاجُ هذِهِ الأُمّه إليه وصح لهم عن رسُولِ اللّه (صَلَّى اللّه عَلَيْهِ وَآلِهِ) و علِمُوهُ و لفظوه و ليس كلّ عِلمٍ رسُولِ اللّه (صَلَّى اللّه عَلَيْهِ وَآلِهِ) علموه ولا صار إليهم عن رسولِ اللّه (صَلَّى اللّه عَلَيْهِ وَآلِهِ) ولا عرفوه وذلك أنّ الشيء من الحلال والحرام والأحكام يرد عليهم فيُسألون عنه ولا يَكُونُ عِندَهُم فِيهِ أَثر عن رسُولِ اللّه (صَلَّى اللّه عَلَيْهِ وَآلِهِ) ويستحيون أن ينسبهُمُ النّاس إلى الجهل ويكرهون أن يُسأَلُوا فلا يُجِيبُوا فيطلب النّاس العِلم من معدِنِهِ فلِذلِك استعملوا الرأي والقياس فِي دِينِ اللّه وتركوا الآثار و دانوا للّه بِالبدع وقد قال رسولُ اللّه صلى اللهعليه واله كلّ بدعة ضلالة فلو أنهم إِذ سُئِلُوا عن شيءٍ من دِينِ اللّه فلم يكُن عِندهُم مِنهُ أثر عن رسُولِ اللّه (صَلَّى اللّه عَلَيْهِ وَآلِهِ) ردُّوهُ إِلى اللّه و إِلَى الرَّسُولِ وإِلى أُولِي الأمرِ مِنهُم (لَعَلِمَهُ الَّذِينَ يَسْتَنْبِطُونَهُ مِنْهُمْ) (4) من آلِ محمّد والّذين منعهم من طلبِ العِلمِ مِنّا العداوة و الحسد لنا و لا واللّه ما حسد مُوسى العالِم و مُوسى نَبِيُّ اللّه يُوحَى إِلَيهِ حيثُ لَقِيه و استنطقه و عرفهُ بِالعِلم ولم يحشده كما حسدتنا هذهِ الأمَّة بعد رسُولِ اللّه (صَلَّى اللّه عَلَيْهِ وَآلِهِ) علمنا و ما
ص: 276
ورثنا عن رسُولِ اللّه (صَلَّى اللّه عَلَيْهِ وَآلِهِ) و لم يرغبُوا إلينا فِي عِلمنا كما رغب مُوسى إلى العالم وسأله الصُّحبة لِيتعلّم مِنْهُ العِلم ويُرشِده فلَمّا أن سأل العالم ذلِك علم العالم أنّ مُوسى لا يستطِيعُ صُحبته ولا يحتمِلُ عِلمه ولا يصبِرُ معهُ فعِند ذلك قال العالم (وَكَيْفَ تَصْبِرُ عَلَى مَا لَمْ تُحِطْ بِهِ خُبْرًا) (1) فقال لهُ مُوسى وهُو خاضع له يستنطِقُهُ على نفسه كي يقبله (سَتَجِدُنِي إِنْ شَاءَ اللَّهُ صَابِرًا وَلَا أَعْصِي لَكَ أَمْرًا) (2) وقد كان العالم يعلمُ أنّ مُوسى لا يصبِرُ على عِلمِهِ فكذلك واللّه يا إِسحاق بن عمَّار قُضاة هؤلاء و فُقهاؤُهُم وجماعتهم اليوم لا يحتملون واللّه عِلمنا ولا يقبلونه ولا يُطِيقُونَهُ ولا يأخُذُونَ بِهِ ولا يصبِرُون عليه كما لم يصير موسى على علم العالِمِ حِين صحِبه ورأى ما رأى من عِلمِهِ وكان ذلِك عِند مُوسى مكروهاً و كان عند اللّه رِضًا و هُو الحقّ وكذلِك عِلمُنا عِند الجهلة مكروه لا يُؤخذُ وهُو عِند اللّه الحقُّ. (3)
1 - عن أبي عبد اللّه (عَلَيهِ السَّلَامُ)، قال: إذا أمّ الرّجلُ القوم، جاء شيطان إلى الشّيطان الّذي هُو قريب إلى الإمام، فيقولُ: هل ذكر اللّه ؟ يعني هل قرأ بِسمِ اللّه الرّحمن الرّحيم فإن قال: نعم، هرب منه، و إن قال: لا، ركب عُنق الإمام، ودلّى رجليه فِي صدره، فلم يزل الشّيطان إمام القوم حتّى يفرغوا من صلاتهم. (4)
2 - قال علي بن الحسين (عَلَيهِمَا السَّلَامُ) يا مالِيُّ إِنَّ الصَّلاة إذا أُقيمت جاء الشّيطان إلى قرين الإمام فيقُولُ هل ذكر ربه فإن قال نعم ذهب وإن قال لا ركب على كتفيه فكان إمام القوم حتّى ينصرِفُوا قال فقُلتُ جُعِلتُ فداك ليس يقرءون القرآن قال بلى ليس حيثُ تذهبُ يا تُمالِيُّ إِنَّا هُو الجهرُبِ بِسمِ اللّه الرّحمن الرَّحِيمِ. (5)
ص: 277
1- عن زُرارة أنّه قال: قُلتُ لأبي جعفر (عَلَيهِ السَّلَامُ) إن أُناساً رووا عن أمِير المؤمنين (عَلَيهِ السَّلَامُ) أنّه صلّى أربع ركعات بعد الجمعةِ لم يفصل بينهنّ بتسليم فقال يا زُرارة إِنّ أمِير المؤمنين (عَلَيهِ السَّلَامُ) السلام صلّى خلف فاسِقِ فلمّا سلّم وانصرف قام أمِير المؤمنين (عَلَيهِ السَّلَامُ) فصلّى أربع ركعات لم يفصل بينهنّ بتسليم فقال لهُ رجُلٌ إِلى جنبِهِ يا أبا الحسن صليت أربع ركعات لم تفصل بينهنّ فقال إنّها أربع ركعات مُشبّهات وسكت فواللّه ما عقل ما قال له. (1)
2 - عن حُمران بن أعين أنّه قال : قُلتُ لأبي جعفر (عَلَيهِ السَّلَامُ) جُعِلتُ فِدَاكَ إِنَّا نُصلّي مع هؤلاء يوم الجمعةِ وهُم يُصلُّون فِي الوقتِ فكيف نصنع فقال صلُّوا معهم فخرج حُمُرانُ إِلى زُرارة فقال لهُ قد أُمرنا أن نُصلّي معهُم بِصلاتهم فقال زُرارة ما يكون هذا إِلَّا بِتَأْوِيل فقال له حُمران قم حتّى تسمع منه قال فدخلنا عليه فقال لهُ زُرارة جُعِلتُ فِداك إنّ حمران زعم أنك أمرتنا أن نُصلّي معهم فأنكرتُ ذلِك فقال لنا كان عليُّ بنُ الحُسين (عَلَيهِ السَّلَامُ) يُصلّي معهُمُ الركعتين فإذا فرغوا قام فأضاف إليهما ركعتين. (2)
1- عن جعفر بن محمّد عن أبيه (عَلَيهِم السَّلَامُ) قال: كان الحسن والحسين (عَلَيهِمَا السَّلَامُ) يقرءان خلف الإمامِ. (3)
أقول: يقول شيخنا الصدوق عليه الرحمة فِي كتاب الهداية : يجب أن نعتقد فيمن يعتقد ما وصفناه أنّهُ على الهدى و الطريقة المستقيمة و أنّهُ أخٌ لنا فِي الدِّينِ و نقبل شهادتهُ و نُجيز الصَّلاة خلفهُ ونُحرِّمُ غِيبتهُ ونعتقدُ فيمن يُخالِفُ ما وصفنا أنّه على غير الهدى ولا نری قبول شهادته و لا الصَّلاة خلفهُ إِلَّا فِي حالِ التَّقِيَّةِ فنُصلّي خلفهم إذا جاء الخوف وقال رِضوانُ اللّه عليهِ فِي
ص: 278
موضع آخر لا تُصلِ خلف أحدٍ إِلّا خلف رجلينِ أحدُهُما من تثقُ بِدِينِهِ و ورعِهِ و آخرُ تتقي سيفه و سوطه و شناعته على الدِّينِ فصلِ خلفهُ على سبيل التقية والمداراة و أذن لنفسك وأقم و اقرأ فيها غير مُؤتمٌ بِهِ وإِن فرغت من قِراءةِ السُّورة قبله فبق مِنها آيةً و مجدِ اللّه فإذا ركع الإمامُ فاقرء الآية واركع بها فإن لم تلحق القراءة وخشيت أن يركع فقُل ما حذفه الإمامُ من الأذان والإقامة واركع. (1)
2 - عن زُرارة قال: كُنتُ جالساً عِند أبي جعفر (عَلَيهِ السَّلَامُ) عبد اللّه ذات يوم فدخل عليهِ رجُلٌ فقال له جُعِلتُ فِداك إِنِّي رجُلٌ جارُ مسجِدٍ لِقومٍ فإذا أنا لم أُصل معهم وقعُوا فِي و قالُوا هُو كذا وهو كذا فقال أما إِن قُلت ذاك لقد قال أمِير المؤمنين (عَلَيهِ السَّلَامُ) من سمع النداء فلم يُجِبهُ من غيرِ عِلَّةٍ فلا صلاة لهُ لا تدع الصَّلاة خلفهم وخلف كلّ إِمَامٍ فَلَمّا خرج قُلتُ لهُ جُعِلتُ فِداك كبر علي قولك لهذا الرّجُلِ حين استفتاك فإن لم يكُونُوا مُؤمِنِين قال فضحِك أبو جعفر (عَلَيهِ السَّلَامُ) ثُمّ قال ما أراك بعدُ إِلَّا هاهنا يا زُرارة فأيّة عِلَّةٍ تُرِيدُ أعظم من أَنَّهُ لا يُوْتُم بِهِ. (2)
3 - عن أبي عبد اللّه (عَلَيهِ السَّلَامُ) قال: إذا صليت خلف إمام لا تقتدِي بِهِ فاقرأ خلفه سمعت قراءته أو لم تسمع. (3)
1- عن إبراهيم بن أبي محمود أنّه قال: قُلتُ لِلرِّضا (عَلَيهِ السَّلَامُ) يا بن رسُولِ اللّه إِنَّ عِندنا أخباراً فِي فضائل أمِير المؤمنين (عَلَيهِ السَّلَامُ) و فضلكُم أهل البيت و هِي من رِوايةِ مُخالِفِيكُم ولا نعرِفُ مِثلها عنكم أفندين بها فقال يا ابن أبي محمود لقد أخبرني أبي عن أبيه عن جدّه (عَلَيهِ السَّلَامُ) أن رسول اللّه (صَلَّى اللّه عَلَيْهِ وَآلِهِ) قال من أصغى إلى ناطِقِ فقد عبده فإن كان النّاطِقُ عَنِ اللّه عزّو جلّ فقد
ص: 279
عبد اللّه و إن كان النَّاطِقُ عن إبليس فقد عبد إبليس ثُمّ قال الرّضا (عَلَيهِ السَّلَامُ) يا بن أبي محمُودٍ إِنَّ مُخالِفِينا وضعُوا أخباراً فِي فضائلنا وجعلوها على أقسام ثلاثة أحدُها الغُلُووثانيها التقصِيرُ فِي أمرنا و ثالثها التصريح بمثالِبِ أعدائنا فإِذا سمع النّاس الغُلُوفِينا كفّروا شيعتنا ونسبُوهُم إِلى القولِ بِرُبُوبِيّتنا و إذا سَمِعُوا التقصير اعتقدُوهُ فينا و إذا سمعوا مثالب أعدائنا بأسمائهم ثلبونا بأسمائنا و قد قال اللّه عزّ وجل (وَلَا تَسُبُّوا الَّذِينَ يَدْعُونَ مِنْ دُونِ اللَّهِ فَيَسُبُّوا اللَّهَ عَدْوًا بِغَيْرِ عِلْم) (1) يا بن أبي محمود إذا أخذ النّاس يميناً وشمالا فالزم طريقتنا فإِنَّهُ من لزمنا لزمناه و من فارقنا فارقناه إنّ أدنى ما يُخرجُ الرّجُل من الإيمان أن يقول للحصاة هذِهِ نواةٌ ثُمّ يَدِينُ بِذلِك ويبرأُ من خالفه يا بن أبي محمود احفظ ما حدثتك بِهِ فقد جمعتُ لك فيه خير الدُّنيا والآخرة. (2)
2 - هارون بن خارجة قال: قُلتُ لأبي عبد اللّه (عَلَيهِ السَّلَامُ) إنا نأتي هؤلاء المخالفين فنسمعُ مِنهُمُ الحديث يكُونُ حجّة لنا عليهم قال لا تأتِهم ولا تسمع منهم لعنهم اللّه و لعن مِللَهمُ المشركة. (3)
1- وعن عُمر بن حنظلة قال: سألت أبا عبدِ اللّه (عَلَيهِ السَّلَامُ) عن رجلينِ من أصحابنا بينهما منازعةٌ فِي دين أو ميراث فتحاكما إلى السُّلطانِ أو إلى القضاة أيحِلُّ ذلك قال (عَلَيهِ السَّلَامُ) من تحاكم إليهم فِي حق أو باطل فإنّما تحاكم إلى الجبت والطاغُوتِ المنهيّ عنه وما حكم لهُ بِهِ فَإِنّما يَأخُذُ سُحقاً وإن كان حقه ثابتاً لأنّه أخذهُ بِحُكمِ الطَّاغُوتِ ومن أمر اللّه عزّ وجل أن يُكفربه قال اللّه عزّوجلّ (يُرِيدُونَ أَنْ يَتَحَاكَمُوا إِلَى الطَّاغُوتِ وَقَدْ أُمِرُوا أَنْ يَكْفُرُوا)(4) بِهِ قُلتُ فكيف يصنعان وقد اختلفا قال ينظران إلى من كان مِنكُم ممن قد روى حديثنا و نظر فِي حلالنا و حرامنا و عرف أحكامنا فليرض بِهِ حكماً فإنّي قد جعلتُه عليكم حاكماً فإذا حكم بحكم ولم يقبلهُ مِنهُ فإِنّما بِحُكمِ اللّه استخف و علينا ردّ والرّاد علينا كافر راةٌ على اللّه وهُو على حدٍ من الشرك باللّه فقُلتُ
ص: 280
فإن كان كلّ واحِدٍ مِنهُما اختار رجُلا من أصحابنا فرضيا أن يكونا الناظرين في حقهما فاختلفا فيما حكما فإنّ الحكمين اختلفا فِي حديثكُم قال إن الحكم ما حكم بِهِ أعدهما وأفقهُهُما وأصدقُهُما فِي الحديث وأورعُهُما ولا يُلتفتُ إلى ما يحكُمُ بِهِ الآخرُ قُلتُ فإنهما عدلانِ مرضيانِ عُرِف بِذلِك لا يفضُلُ أحدُهُما صاحبه قال يُنظر الآن إلى ما كان من روايتهما عنا فِي ذلك الّذي حكما المجمع عليه بين أصحابِكَ فيُوْخِذُ بِهِ من حُكمِهِما ويُتركُ الشاةُ الّذي ليس بمشهور عند أصحابك فإن المجمع عليه لا ريب فِيهِ فَإِنّما الأمور ثلاثة أمريين رُشدُهُ فيُتبع وأمر بين غيهُ فيُجتنب و أمرٌ مُشكِلٌ يُردُّ حُكمُهُ إِلى اللّه عزّ و جلّ و إِلى رَسُولِهِ (صَلَّى اللّه عَلَيْهِ وَآلِهِ) و قد قال رسول اللّه (صَلَّى اللّه عَلَيْهِ وَآلِهِ) حلال بتن و حرام بن وشُبُهاتٌ تتردد بين ذلك فمن ترك الشُّبُهَاتِ نجا من المحرمات و من أخذ بِالشُّبُهَاتِ ارتكب المحرمات و هلك من حيثُ لا يعلمُ قُلتُ فإن كان الخبرانِ عنكما مشهورين قد رواهُما التِّقاتُ عنكُم قال يُنظرُ ما وافق حُكمُهُ حكم الكِتابِ والسُّنّةِ وخالف العامَّة فيُؤخذُ بِهِ ويُترك ما خالف حُكمه حكم الكِتابِ و السُّنّةِ ووافق العامَّة قُلتُ جُعِلتُ فِداك أرأيت إن كان الفقيهانِ عرفا حُكمهُ من الكِتابِ و السُّنّةِ ثُمّ وجدنا أحد الخبرين يُوافِقُ العامَّة والآخريخالِفُ بِأتِهِما نأخُذُ من الخبرين قال يُنظرُ إلى ما هُم إِليهِ يميلون فإنّ ما خالف العامَّة ففِيهِ الرّشادُ قُلتُ جُعِلتُ فِداك فإن وافقهُمُ الخبرانِ جميعاً قال انظُرُوا إلى ما يميل إليهِ حُكّامُهُم وقُضاتُهُم فاتركُوهُ جانباً وخُذُوا بِغَيرِهِ قُلتُ فإن وافق حُكّامُهُمُ الخبرين جميعاً قال إذا كان كذلك فأرجِهِ وقِف عِنده حتّى تلقى إمامك فإنّ الوقوف عِند الشُّبُهَاتِ خيرٌ من الإقتحام فِي الهلكاتِ واللّه المرشد. (1)
1- عنِ الفُضيل بن عياض قال: سألت أبا عبد اللّه (عَلَيهِ السَّلَامُ): : عن أشياء من المكاسب فنهاني عنها فقال: يا فضيل واللّه لضررُ هؤلاء على هذه الأمَّة أشدّ من ضرر الترك والديلم قال: وسألته من الورعُ من النّاس ؟ فقال: الّذي يتورع عن محارِمِ اللّه ويجتَنِبُ هؤلاء وإذا لم يتَّقِ الشُّبُهَاتِ وقع
ص: 281
فِي الحرام و هُو لا يعرِفُهُ وإذا رأى المنكر فلم يُنكره وهو يقوى عليه فقد أحبّ أن يُعصى اللّه و من أحبّ أن يعصى اللّه فقد بارز اللّه بالعداوة و من أحب بقاء الظالِم فقد أحبّ أن يُعصى اللّه، إِنَّ اللّه تبارك وتعالى حمد نفسه على هلاكِ الظالمين فقال: فقُطِع دَابِرُ القومِ الّذين ظلموا والحمد اللّه ربّ العالمين. (1)
2 - عن جهمِ بنِ حُميد قال: قال لي أبو عبدِ اللّه (عَلَيهِ السَّلَامُ) أ ما تغشى سُلطان هؤُلاءِ قال قُلتُ لا قال فلِمَ قُلتُ فِراراً بِدِيني قال قد عزمت علَى ذلِك قُلتُ نعم فقال الآن سلم لك دِينُك. (2)
3 - عن حديد المدائني عن أبي عبد اللّه (عَلَيهِ السَّلَامُ) قال صُونُوا دِينكم بِالورع وقُوة التى و الإستغناء باللّه عن طلب الحوائج من السُّلطانِ واعلموا أنّه أما مُؤْمِنٍ خضع لِصاحِبِ سُلطانٍ أو من يُخالِفُهُ على دِينِهِ طالباً لِما فِي يديه أخملهُ اللّه و مقتهُ ووكلهُ اللّه إِليهِ وإِن هُو غلب على شيءٍ من دُنياه وصارفِي يَدِهِ مِنهُ شيءٌ نزع اللّه البركة مِنهُ ولم يُؤجِرهُ على شيءٍ يُنفِقُهُ فِي حَجّ ولا عُمرةٍ ولا عتق. (3)
4 - عنِ ابنِ أبِي عُمير عن هشام بن سالم، عن أبي بصير، قال : سألت أبا جعفر (عَلَيهِ السَّلَامُ) عن أعمالهم ؟ فقال لي: يا أبا محمّد لا ولا مَدَةً بقلم ؛ إن أحدهم لا يُصِيبُ من دُنياهُم شيئاً إِلا أصابوا من دِينِهِ مِثلهُ أو قال حتّى يُصِيبُوا من دِينِهِ مِثلَهُ الوهمُ من ابْنِ أَبِي عُميرٍ. (4)
5 - عن محمّد بنِ مُسلِمٍ، قال : كُنتُ قاعِداً عِند أبي جعفر (عَلَيهِ السَّلَامُ) على باب داره بالمدينة، فنظر إلى النّاس يمرون أفواجاً، فقال لبعض من عِنده : حدث بالمدينة أمر؟. فقال : جُعِلتُ فِداك وُلّي المدينة وال، فغدا النّاس يُهنئونه. فقال: إِنّ الرّجُل ليُغدى عليهِ بِالأَمرِتهنّا بِهِ وَإِنَّهُ لبابُ من أبواب النّار. (5)
ص: 282
6 - عن أبي عبدِ اللّه (عَلَيهِ السَّلَامُ)، قال : حقٌّ على اللّه عزّ وجلّ أن تصيرُوا مع من عِشتُم معه فِي دنياه. (1)
1- عن سماعة بن مهران قال: سألت أبا عبد اللّه (عَلَيهِ السَّلَامُ) قُلتُ يرد علينا حديثانِ واحِدٌ يَأمُرُنا بالأخذِ بِهِ والآخرينهانا عنه قال لا تعمل بواحِدٍ مِنهُما حتّى تلق صاحبك فتسأله قال قُلتُ لا بد من أن نعمل بِأحدِهِما قال خُذ بِما فِيهِ خِلافُ العامَّة. (2)
2 - علي بن أسباط قال: قُلتُ لِلرّضا (عَلَيهِ السَّلَامُ) يحدثُ الأمرُلا أجِدُ بُداً من معرفتِهِ وليس فِي البلدِ الّذي أنا فِيهِ أحدٌ أستفتِيهِ من مواليك قال فقال (عَلَيهِ السَّلَامُ) ائتِ فقيه البلد فاستفته فِي أمرك فإذا أفتاك بِشيءٍ فخُذ بِخِلافِه فإنّ الحقّ فِيهِ. (3)
3 - قال أبو عبد اللّه (عَلَيهِ السَّلَامُ) إذا ورد عليكم حدِيثانِ مُختلِفانِ فخُذُوا بِما خالف القوم. (4)
4 - عن الحسن بن جهم قال: قُلتُ لِلعبدِ الصّالِحِ (عَلَيهِ السَّلَامُ) هل يسعنا فيما يرد علينا مِنكُم إِلَّا التسليم لكُم فقال (عَلَيهِ السَّلَامُ) لا واللّه لا يسعُكُم إِلّا التسليم لنا قُلتُ فيُروى عن أبي عبدِ اللّه (عَلَيهِ السَّلَامُ) شيء ويروى عنهُ خِلافُهُ فبِأَتِهِما نأخُذُ قال خُذ بما خالف القوم و ما وافق القوم فَاجتَنِبه. (5)
5 - عن محمّد بنِ عبدِ اللّه قال: قُلتُ لِلرّضا (عَلَيهِ السَّلَامُ) كيف نصنعُ بِالخبرين المختلفين فقال إذا ورد عليكم حديثانِ مُختلفان فانظروا ما يُخالِفُ مِنهُما العامَّة فخُذوه و انظروا ما يُوافِقُ أخبارهم فدعُوهُ. (6)
6- عن أبي عبد اللّه (عَلَيهِ السَّلَامُ) قال: إذا ورد عليكم حديثانِ مُختلِفانِ فاعرِضُوهُما على كِتابِ اللّه فما
ص: 283
وافق كِتاب اللّه فَخُذُوهُ و ما خالف كِتاب اللّه فذرُوهُ فإِن لم تَجِدُوهُما فِي كِتابِ اللّه فَاعْرِضُوهُما على أخبار العامَّة فما وافق أخبارهم فذرُوهُ و ما خالف أخبارهم فخُذوه. (1)
7 - عن الرّضا (عَلَيهِ السَّلَامُ) قال: شيعتنا المسلّمُون لأمرنا الآخِذُون بقولنا المخالِفُون لأعدائنا فمن لم يكُن كذلك فليس منّا. (2)
8 - قال الصَّادق (عَلَيهِ السَّلَامُ) كذب من زعم أنهُ من شِيعتنا و هُو مُتمتِكَ بِعُروة غيرنا. (3)
9- عن أبي عبد اللّه (عَلَيهِ السَّلَامُ) قال: ما أنتم واللّه على شيءٍ لِما هُم فِيهِ ولا هُم على شيءٍ مِمّا أَنتُم فِيهِ فخالِفُوهُم فما هُم من الحنيفِيَّةِ على شيءٍ. (4)
10 - عن أبي عبد اللّه (عَلَيهِ السَّلَامُ) قال : واللّه ما جعل اللّه لأحدٍ خِيرَةً فِي اتباع غيرنا و إن من وافقنا خالف عدوّنا و من وافق عدُوّنا فِي قول أو عمل فليس مِنّا ولا نحنُ مِنهُم. (5)
11 - قَالَ عليه السلام: دَعُوا مَا وَافَقَ الْقَوْمَ، فَإِنَّ الرُّشْدَ فِي خِلَافِهِم (6)
1- عن أحمد بن إدريس عن أبي إسحاق الأرجائي رفعه قال: قال لي أبو عبد اللّه (عَلَيهِ السَّلَامُ) أتدري لِم أُمِرْتُم بِالأخذِ بِخِلافِ ما تَقُولُ العامَّة فقُلتُ لا ندري فقال إنّ عليّاً (عَلَيهِ السَّلَامُ) لم يكُن يدِينُ اللّه بِدِين إلّا خالف عليهِ الأُمّه إلى غيره إرادة لإبطال أمره وكانوا يسألون أمِير المؤمنين (عَلَيهِ السَّلَامُ) عنِ الشيء لا يعلمونه فإذا أفتاهُم جعلوا لهُ ضِدّاً من عِندِهِم ليلبِسُوا على النّاسِ. (7)
ص: 284
1- عن علي بن سويد الشائي قال: كتب إلي أبو الحسن الأول وهو فِي السجن، وأما ما ذكرت يا علِيُّ من تأخُذُ معالِم دِينِك: لا تأخُذن معالم دينك عن غيرِ شِيعَتِنا فإِنَّكَ إِن تعدّيتهم أخذت دِينك عنِ الخائنين الّذين خانُوا اللّه ورسوله و خانوا أماناتهم، إِنَّهُمُ اؤْتُمِنُوا على كِتابِ اللّه جل و علا فحرّفُوهُ وبدلُوهُ فعليهم لعنة اللّه ولعنةُ رَسُولِهِ ولعنة ملائِكَتِهِ ولعنة آبائي الكرام البررة و لعنتي و لعنةُ شِيعَتِي إلى يوم القيامةِ فِي كِتابِ طويل. (1)
2 - عن عبد السّلامِ بنِ صالح الهروي قال: سمعت أبا الحسن علي بن موسى الرضا (عَلَيهِ السَّلَامُ) يقولُ رحم اللّه عبداً أحيا أمرنا فقُلتُ له وكيف يُحيِي أمركُم قال يتعلَّمُ عُلُومنا ويُعَلِّمُهَا النّاس فَإِنَّ النّاس لو علموا محاسن كلامنا لاتبعونا قال قُلتُ يا بن رسولِ اللّه فقد رُوي لنا عن أبي عبد اللّه (عَلَيهِ السَّلَامُ) أنّه قال من تعلّم عِلماً لِيُمارِي بِهِ السُّفهاء أو يُباهِي بِهِ العلماء أو لِيُقبِل بِوُجُوهِ النّاس إليه فهو فِي النّارِ فقال (عَلَيهِ السَّلَامُ) صدق جدّي (عَلَيهِ السَّلَامُ) أفتدري من السُّفهاء فقُلتُ لا يا بن رسول اللّه قال (عَلَيهِ السَّلَامُ) هُم قُصَاصُ مُخالِفِينا أو تدري من العلماء فقُلتُ لا يا بن رسُولِ اللّه (صَلَّى اللّه عَلَيْهِ وَآلِهِ) فقال هُم عُلماء آلِ محمّد (عَلَيهِم السَّلَامُ) الّذين فرض اللّه طاعتهم وأوجب مودتهم ثُمّ قال أو تدري ما معنى قولِهِ أو لِيُقبِل بِوُجُوهِ النّاس إِليهِ فقُلتُ لا فقال (عَلَيهِ السَّلَامُ) يعني واللّه بذلك ادّعاء الإمامة بغير حقها و من فعل ذلك فهو فِي النّار. (2)
3 - قال الإمام العسكري (عَلَيهِ السَّلَامُ) فِي قوله عزّوجلّ (إِنَّ الَّذِينَ يَكْتُمُونَ مَا أَنْزَلَ اللَّهُ مِنَ الْكِتَابِ وَيَشْتَرُونَ بِهِ ثَمَنًا قَلِيلًا أُولَئِكَ مَا يَأْكُلُونَ فِي بُطُونِهِمْ إِلَّا النَّارَ وَلَا يُكَلِّمُهُمُ اللَّهُ يَوْمَ الْقِيَامَةِ وَلَا يُزَكِّيهِمْ وَلَهُمْ عَذَابٌ أَلِيمٌ * أُولَئِكَ الَّذِينَ اشْتَرَوُا الضَّلَالَةَ بِالْهُدَى وَالْعَذَابَ بِالْمَغْفِرَةِ فَمَا أَصْبَرَهُمْ عَلَى النَّارِ * ذَلِكَ بِأَنَّ اللَّهَ نَزَّلَ الْكِتَابَ بِالْحَقِّ وَإِنَّ الَّذِينَ اخْتَلَفُوا فِي الْكِتَابِ لَفِي شِقَاقٍ بَعِيدٍ) (3) قال :
ص: 285
قال اللّه عزّ و جلّ فِي صفة الكاتمين لفضلِنا أهل البيتِ إنّ الّذينَ يَكتُمُون ما أنزل اللّه من الكِتابِ المشتمل على ذِكرِ فضلِ محمّد (صَلَّى اللّه عَلَيْهِ وَآلِهِ) على جميعِ النّبيّين وفضل عليّ (عَلَيهِ السَّلَامُ) على جميع الوصيين ويشترون بِهِ بِالكِتمان ثمناً قلِيلًا يكتُمُونهُ لِياخُذُوا عليهِ عرضاً من الدُّنيا يسيراً وينالُوا بِهِ فِي الدُّنيا عِند جُهَالِ عِبادِ اللّه رِئاسةً قال اللّه تعالى أُولئِكَ ما يَاكُلُون فِي بُطُونِهِم يوم القيامةِ إِلَّا النَّار بدلًا من إصابتِهِمُ اليسير من الدُّنيا لكتمانِهِمُ الحقّ ولا يُكَلِّمُهُمُ اللّه يوم القيامةِ بِكلام خير بل يُكلّمُهم بأن يلعنهم ويُخزيهم ويقُولُ بِئس العِبادُ أَنتُم غيرتُم ترتيبي و أخرتُم من قدّمتُهُ وقدّمتُم من أخرتُه وواليتُم من عاديته وعاديتُم من واليتُهُ ولا يُزَكِّيهِم من ذُنُوبِهِم لِأَنَّ الذُّنوب إنّما تذُوبُ وتضمحِلُّ إذا قرن بِها مُوالاة محمّد و عليّ (عَلَيهِ السَّلَامُ) فأما ما يقرِنُ مِنها بِالزّوالِ عن مُوالاةِ محمّد وآلِهِ فتِلك ذُنُوبُ تتضاعف وأجرام تتزايد و عُقُوباتها تتعاظم و لهم عذابٌ أَلِيمٌ مُوجِعٌ فِي النَّارِ أُولئِكَ الّذين اشتروا الضَّلالة بالهدى أخذُوا الضَّلالة عوضاً عن الهدى و الرّدى فِي دارِ البوارِ بدلًا من السعادة فِي دار القرار و محلّ الأبرار والعذاب بالمغفرة اشتروا العذاب الّذي استحقُوا بِمُوالاتِهم لأعداء اللّه بدلًا من المغفرة الّتي كانت تكُونُ لهم لو والوا أولياء اللّه فما أصبرهم على النّارِ ما أجرأهُم على عملٍ يُوجِبُ عليهم عذاب النّارِ ذلِك بِأنهم يعني ذلك العذاب الّذي وجب على هؤلاءِ بِآتَامِهِم وأجرامِهِم لِمخالفتهم لإمامهم وزوالهم عن موالاة سيّد خلقِ اللّه بعد محمّد نَبِيِّهِ أَخِيهِ و صفِيهِ بِأَنّ اللّه نزّل الكِتاب بالحقّ نزل الكتاب الّذي توعد فِيهِ من خالف المحِقِّين وجانب الصَّادقين و شرع فِي طاعةِ الفاسِقِين نزل الكتاب بالحقّ أن ما يُوعَدُون بِهِ يُصِيبُهُم ولا يُخطِئُهُم وإنّ الّذين اختلفُوا فِي الكِتابِ فلم يُؤْمِنُوا بِهِ وقال بعضُهُم إِنَّهُ سِحرٌ و بعضُهُم إِنَّهُ شِعرُو بعضُهُم إِنَّهُ كِهانةٌ لفِي شِقَاقٍ ِبعِيدٍ مُخالفة بعيدة عن الحقّ كان الحقّ فِي شِقٍ وهُم فِي شِقٍ غيره يُخالِفُهُ قال علي بن الحسين (عَلَيهِ السَّلَامُ) هذا أحوال من كتم فضائلنا و جحد حُقُوقنا وتسمّى بِأسمائنا وتلقب بألقابنا وأعان ظالمنا على غصب حُقُوقِنا ومالاً علينا أعداءنا والتَّقِيّه عليكم لا تُزعِجُه و المخافة على نفسِهِ و مالِهِ وإخوانِهِ لا تبعثه فاتَّقُوا اللّه معاشر شيعتنا لا تستعمِلُوا الهوينا ولا تقيّة عليكم ولا تستعمِلُوا المهاجرة والتَّقِيَّةُ تمنعُكُم و سأحدثكم فِي ذلك بما يردعُكُم ويعِظُكُم دخل على أمِير المؤمنين (عَلَيهِ السَّلَامُ) رجُلانِ من أصحابِهِ
ص: 286
فوطئ أحدُهُما على حيّةٍ فلدغته ووقع على الآخر فِي طريقهِ من حائط عقرب فلسعته وسقطا جميعاً فكأنهما لِما بهما يتضرّعانِ ويبكيان فقيل لأمِير المؤمنين (عَلَيهِ السَّلَامُ) فقال دعُوهُما فَإِنَّهُ لم يحن حِينُهُما ولم تتم مِحنتهما فحُمِلا إلى منزلهما فبقيا عليلينِ ألِيمين فِي عذابٍ شَدِيدٍ شهرينِ ثُمّ إِنَّ أمِير المؤمنين (عَلَيهِ السَّلَامُ) بعث إليهما فحُمِلا إليهِ والنَّاسُ يَقُولُون سيموتان على أيدي الحاملين لهما فقال كيف حالكما قالا نحنُ بِألم عظيم وفي عذاب شديد قال لهما استغفرا اللّه من ذنبٍ أداكُما إلى هذا وتعوّذا بِاللّه ما يُحبط أجركُما ويُعظِمُ وزركما قالا وكيف ذلك يا أمِير المؤمنين فقال عليّ (عَلَيهِ السَّلَامُ) ما أصيب واحِدٌ مِنكُما إِلَّا بِذنبِهِ أما أنت يا فُلانُ وأقبل على أحدِهِما أتذكُرُ يوم غمز على سلمان الفارسي فلان و طعن عليهِ لِمُوالاتِهِ لنا فلم يمنعك من الرّة و الإستخفاف به خوف على نفسك ولا على أهلك ولا على ولدك ومالك أكثر من أن استحييته فلذلك أصابك فإن أردت أن يُزيل اللّه ما بك فاعتقد أن لا ترى مزرثاً على ولي لنا تقدر على نصرتِهِ بظهر الغيبِ إِلّا نصرتهُ إِلّا أن تخاف على نفسك وأهلك ووُلدِك ومالك وقال للآخر فأنت أ تدري لما أصابك ما أصابك قال لا قال أما تذكُرُ حيث أقبل قنبر خادِمي وأنت بحضرة فُلانٍ العاتي فقمت إجلالاً له لإجلالِك لي فقال لك أو تقوم هذا بِحضرتي فقلت له و ما بالي لا أقُومُ ومَلائِكَةُ اللّه تضعُ لَهُ أجنحتها فِي طريقه فعليها يمشي فلَمّا قُلت هذا له قام إلى قنبرو ضربه وشتمه وآذاه وتهدّدني و الزمني الإغضاء على قدّى فلهذا سقطت عليك هذه الحية فإن أردت أن يُعافيك اللّه تعالى من هذا فاعتقد أن لا تفعل بنا ولا بأحدٍ من موالينا بحضرة أعدائنا ما يُخافُ علينا وعليهم مِنهُ أما إنّ رسُول اللّه (صَلَّى اللّه عَلَيْهِ وَآلِهِ) كان مع تفضِيلِهِ لِي لم يكُن يَقُومُ لِي عن مجلسِهِ إذا حضرته كما كان يفعلُهُ بِبعض من لا يقيسُ مِعشار جُزءٍ من مِائَةِ أَلْفِ جُزءٍ من إيجابِهِ لِي لِأَنَّهُ علِم أنّ ذلِك يحمِلُ بعض أعداء اللّه على ما يغُمُّهُ ويغُمُّنِي ويغُمُّ المؤمِنِين وقد كان يقُومُ لقوم لا يخافُ على نفسِهِ ولا عليهم مثل ما خافه علي لو فعل ذلك بي. (1)
ص: 287
1- عن سالم بن أبي الجعد، أنّه قال: حضرتُ مجلس أنس بن مالِك بِالبصرة وهُو يُحدِّثُ، فقام إليه رجُلٌ من القوم، وقال: یا صاحِب رسول اللّه (صَلَّى اللّه عَلَيْهِ وَآلِهِ) ما هذه النمشة الّتي أرى بِك ؟ فإِنَّهُ حدّثني أبي عن رسُولِ اللّه (صَلَّى اللّه عَلَيْهِ وَآلِهِ) أنّه قال: «البرصُ والجُذام لا يبلُو اللّه تعالى بِهِ مُؤمِناً». قال: فعند ذلك أطرق أنس بن مالك إلى الأرضِ و عيناه تذرِفانِ بِالدُّمُوعِ، ثُمّ رفع رأسه، وقال: دعوة العبدِ الصّالِحِ عليّ بن أبِي طالِب (عَلَيهِ السَّلَامُ) نفذت فيّ.
قال: فعند ذلك قام النّاس من حوله، و قصدُوهُ وقالوا: يا أنس، حدّثنا ما كان السبب ؟ فقال هم الهوا عن هذا قالُوا لَهُ لا بُدّ أن تُخبرنا بذلك. فقال: اِجلِسُوا مواضعكُم واسمعوا مِنِّي حديثاً كان هُو السّبب لدعوة عليّ (عَلَيهِ السَّلَامُ).
إعلموا أن النَّبيّ (صَلَّى اللّه عَلَيْهِ وَآلِهِ) قد أُهدِي لهُ بِساط شعرِ من قرية كذا وكذا من قُرى المشرِقِ، يُقالُ لها: هندق فأرسلني رسُولُ اللّه (صَلَّى اللّه عَلَيْهِ وَآلِهِ) إلى أبي بكر و عمر و عثمان وطلحة والزُّبيرو سعد و سعيد و عبد الرّحمن بن عوف الزُّهْرِيِّ فأتيتُهُ بِهِم وعِندَهُ ابنُ عَمِّهِ عليّ بن أبِي طالِب (عَلَيهِ السَّلَامُ) فقال لي: يا أنس ابسُطِ البِساط واجلس حتّى تُخبرني بما يكونُ مِنهُم». ثُمّ قال: «يا عليُّ، قُل: يا ريحُ احملينا». قال: فقال الإمام عليّ (عَلَيهِ السَّلَامُ): «يا رِيحُ، احملينا» فإذا نحنُ فِي الهواء فقال: «سِيروا على بركة الله» قال: فسرنا ما شاء اللّه، ثُمّ قال: «يا ريحُ، ضعينا» فوضعتنا، فقال: أتدرون أين أنتم؟ قلنا: اللّه ورسوله وعلى أعلمُ فقال : هؤلاء أصحاب الكهفِ والرَّقِيمِ الّذين كانوا من آيات اللّه عجباً، قوموا بنا يا أصحاب رسُولِ اللّه حتّى نُسلّم عليهم فعند ذلك قام أبوبكر و عُمرُ فقالا: السّلامُ عليكم يا أصحاب الكهف والرقيم. قال: فلم يجبهما أحد، قال: فقام طلحة والزُّبير فقالا: السّلامُ عليكم يا أصحاب الكهف والرقيم. فلم يجبهما أحدٌ، قال أنس: فقُمتُ أنا وعبد الرّحمن بن عوفٍ فقُلتُ: أنا أنس خادِمُ رَسُولِ اللّه (صَلَّى اللّه عَلَيْهِ وَآلِهِ) السّلامُ عليكم يا أصحاب الكهف والرقيم فلم يُجِبنا أحدٌ.
قال : فعند ذلك قام الإمام عليّ (عَلَيهِ السَّلَامُ) و قال : السّلامُ عليكُم يا أصحاب الكهف والرقيم الّذين كانوا من آياتِ اللّه عجباً. فقالوا: وعليك السلام ورحمة اللّه و بركاته يا وصِيَّ رَسُولِ اللّه (صَلَّى اللّه عَلَيْهِ وَآلِهِ) فقال : يا أصحاب الكهف لم لا رددتُّم على أصحاب رسول اللّه (صَلَّى اللّه عَلَيْهِ وَآلِهِ) السّلام ؟ فقالُوا: يا خليفة
ص: 288
رسُولِ اللّه، إِنَّا فِتيةٌ آمَنُوا بِرتِهم وزادهُمُ اللّه هُدًى، و ليس معنا إِذنٌ أن نرُدّ السلام إلّا على نبي أو وصي نبي، وأنت وصي خاتم النبيين، وأنت سيّد الوصيين. ثُمّ قال: أ سمِعتُم يا أصحاب رسُولِ اللّه ؟ قلنا: نعم يا أمِير المؤمنين. قال : فخُذوا مواضعكُم و اقعدوا فِي مجالِسِكُم. قال: فقعدنا فِي مجالسنا.
ثُم قال: يا رِيحُ احملينا فحملتنا و سرنا ما شاء اللّه إلى أن غربتِ الشَّمس، ثُمّ قال: يا رِيحُ ضَعِينا فإذا نحنُ فِي أرض كالزعفران ليس بها حسيس ولا أنيس نباتُها القيصوم والشّيحُ وليس فيها ماءً، فقلنا يا أمِير المؤمنين دنتِ الصَّلاة وليس عندنا ماءً نتوضّأُ بِهِ؟ ثُمّ قام وجاء إلى موضعِ من تلك الأرض فركض برجلهِ فنبعت عينُ ماءٍ عذب فقال: دُونكُم و ما طلبتُم، ولولا طلبتُكُم لجاءنا جبرئيل (عَلَيهِ السَّلَامُ) بماءٍ من الجنّة. قال:
فتوضّأنا به وصلينا و وقف (عَلَيهِ السَّلَامُ) يُصلّي إلى أن انتصف الليل ثُمّ قال : فخُذُوا مواضعكُم ستُدرِكُون الصَّلاة مع رسُولِ اللّه (صَلَّى اللّه عَلَيْهِ وَآلِهِ) أو بعضها.
ثُمّ قال: يا ريحُ إحملينا. فإذا نحنُ فِي الهواء، ثُمّ سرنا ما شاء اللّه، فإذا نحنُ بِمسجِدِ رَسُولِ اللّه (صَلَّى اللّه عَلَيْهِ وَآلِهِ) وقد صلّى من صلاة الغداة ركعةً واحِدةً فقضينا ما كان قد سبقنا بها رسُولُ اللّه (صَلَّى اللّه عَلَيْهِ وَآلِهِ)، ثُمّ التفت إلينا فقال لي:
يا أَنسُ تُحدّثني أم أُحدِتُك ؟ قُلتُ: بل من فِيك أحلى يا رسول اللّه. قال: فابتدأ بالحديثِ من أوْلِهِ إلى آخِرِه كأنه كان معنا.
قال (صَلَّى اللّه عَلَيْهِ وَآلِهِ): يا أنس أتشهد لابن عمّي بها إذا استشهدك ؟ فقُلتُ: نعم يا رسول اللّه. قال: فلَمّا وُلّي أبوبكر الخلافة أتى عليّ (عَلَيهِ السَّلَامُ) إلى وكُنتُ حاضراً عند أبي بكرو النّاس حوله، فقال لي: يا أنس ألست تشهد بفضيلةِ البِساطِ، ويوم عينِ الماءِ ويوم الجُبِ ؟ فقُلتُ له: يا عليُّ قد نسِيتُ لِكِبَري فعِندها قال لي: يا أنسُ إِن كُنت كتمتها مُداهنةً بعد وصيّة رسُولِ اللّه (صَلَّى اللّه عَلَيْهِ وَآلِهِ) لك رماك اللّه ببياض فِي وجهك، و لظى فِي جوفك، و عمى فِي عينيك. فما قُمتُ من مقامِي حتّى برِصتُ و عمِيتُ، و أنا الآن لا أقدِرُ على الصّيامِ فِي شهر رمضان ولا غيره، لأن الزاد لا يبق في جوفي و لم يزل على ذلك حتّى مات بالبصرة. (1)
ص: 289
1 - عن محمّد بن ثابت قال: كنتُ جالساً فِي مجلس سيدنا أبي الحسين علي بن الحسين زين العابدين صلوات اللّه عليه إذ وقف به عبد اللّه بن عمر بن الخطاب فقال له: يا علي بن الحسين بلغني أنك تدعي أن يونس بن متى عرض عليه ولاية أبيك فلم يقبل وحبس فِي بطن الحوت.
قال له علي بن الحسين: يا عبد اللّه بن عُمر ما أنكرت من ذلك ؟ قال: إنّي لا أقبله، فقال: أتريد أن يصح لك ذلك ؟ قال له: نعم قال له: فاجلس ثُمّ دعا غلامه فقال له: جئنا بعصابتين، و قال لي: يا محمّد بن ثابت شدّ عيني عبد اللّه بإحدى العصابتين واشدد عينيك بالأُخرى، فشددنا فتكلم بكلام، ثُمّ قال: حلّا أعينكما، فحللناها فوجدنا أنفسنا على بساط ونحن على ساحل البحر فتكلم بكلام فاستجاب له حيتان البحر و ظهرت بينهنّ حوتة عظيمة.
فقال لها: ما اسمك ؟ فقالت: إسمي نون، فقال لها: لم حُبس يونس فِي بطنك ؟ فقالت له: عُرضت عليه ولاية أبيك فأنكرها، فحبس فِي بطني، فلما أقربها وأذعن أمرتُ فقذفته وكذلك من أنكر ولايتكم أهل البيت يخلد فِي نار الجحيم.
فالتفت إلى عبد اللّه وقال له: يا عبد اللّه أسمعت و شهدت ؟ فقال له: نعم. فقال: شدوا أعينكم، فشددناها، فتكلّم ثُمّ قال : حلوها، فحللناها، فإذا نحنُ على البساط فِي مجلسه، فودعه عبد اللّه وانصرف، فقلتُ له: يا سيّدي لقد رأيتُ فِي يومي عجباً و آمنتُ به فترى عبد اللّه بن عمر يؤمنُ بما آمنتُ به ؟ قال: لا أتحبُّ أن تعرف ذلك ؟ فقلتُ: نعم.
قال: قُم فاتبعه وماشه و اسمع ما يقُول، فتبعته فِي الطريق ومشيتُ معه. فقال لي: إنّک لو عرفت سحر بَنِي عبد المطلب لما كان هذا بشيءٍ فِي نفسك، هؤلاء قوم يتوارثون السحر من كابر إلى كابر، فرجعتُ و أنا عالم أن الإمام لا يقولُ إلّا حقاً. (1)
ص: 290
1- عن الفضيل بن يسار، قال سمعت أبا جعفر (عَلَيهِ السَّلَامُ) يقُولُ قال أمِير المؤمنين (عَلَيهِ السَّلَامُ) اللّهمّ العن ابني فلانٍ و أعم أبصارهما كما عمِيت قُلُوبُهُما الأكلين فِي رقبتي واجعل عمى أبصارهما دليلا على عمى قُلُوبهما. (1)
2 - عنِ الزُّهري، قال سمعتُ الحارث يقُولُ : استعمل عليّ (عَلَيهِ السَّلَامُ) على البصرة عبد اللّه بن عبّاس، فحمل كلّ مالٍ فِي بيت المال بالبصرة ولحق بمكّة وترك عليّاً (عَلَيهِ السَّلَامُ) وكان مبلغه ألفي ألف درهم، فصعد عليّ (عَلَيهِ السَّلَامُ) المنبرحين بلغه ذلك فبكى، فقال هذا ابن عم رسول اللّه (صَلَّى اللّه عَلَيْهِ وَآلِهِ) فِي عِلمِهِ وقدره يفعلُ مِثل هذا فكيف يُؤمنُ من كان دُونَهُ، اللّهمّ إِنِّي قد مللتُهُم فأرحني منهم واقبضني إليك غير عاجز و لا ملول. (2)
3 - عنِ الشعبي قال: لما احتمل عبد اللّه بن عبَّاس بيت مال البصرة وذهب به إلى الحجاز كتب إليهِ عليّ بن أبِي طالِب من عبد اللّه عليّ بن أبِي طالِب إلى عبد اللّه بن عبّاس، أما بعد: فإنّي قد كُنتُ أشركتك فِي أمانتي ولم يكن أحدٌ من أهل بيتي فِي نفسي أوثق لمواساتي و مُؤازرتي وأداءِ الأمانة إليّ، فلما رأيت الزّمان على ابن عمّك قد كلب والعدوّ عليه قد حرب و أمانة النّاس قد عرت و هذه الأمور قد فشت: قلبت لابن عمّك ظهر المجن وفارقته مع المفارقين وخذلته أسوأ خِذلانِ الخاذلين، فكأنك لم تكُن تُرِيدُ اللّه بِجِهادِك وكأنك لم تكن على بينةٍ من ربّك وكأنك إنّما كُنت تكِيدُ أُمّة محمّد (صَلَّى اللّه عَلَيْهِ وَآلِهِ) على دنياهم وتنوِي غِرَتهُم، فَلَمّا أمكنتك الشّدّةُ فِي خِيانة أمّةِ محمّد (صَلَّى اللّه عَلَيْهِ وَآلِهِ) أسرعت الوثبة وعجّلت العدوة فاختطفت ما قدرت عليه اختطاف الذئب الأزلِ رمية المعزى الكثير كأنك لا أبا لك إنّما جررت إلى أهلك تُراثك من أبِيك و أُمّك سبحان اللّه ! أما تُؤْمِنُ بِالمعادِ أو ما تخافُ من سُوءِ الحِسابِ أو ما يكبر عليك أن تشتري الإماء و تنكح النِّساء بِأموالِ الأرامل والمهاجرين الّذين أفاء اللّه عليهم هذه البلاد، اردد إلى قوم أموالهم ! فواللّه لئِن لم تفعل ثُمّ أمكنني اللّه مِنك لأعذرنّ اللّه فيك، فواللّه لو أن حسناً وحُسيناً فعلا مثل الّذي
ص: 291
فعلت لما كان لهُما عِندِي فِي ذلِك هوادةٌ ولا لِواحِدٍ مِنْهُما عِندِي فِيهِ رُخصةٌ حتّى آخذ الحقّ وأُريح الجور عن مظلومها والسّلامُ.
قال، فكتب إليهِ عبد اللّه بنُ عبَّاس أما بعد فقد أتاني كتابك تعظم على إصابة المالِ الّذي أخذته من بيت مال البصرة و لعمرِي إِنَّ لِي فِي بيتِ مالِ اللّه أكثر مِمّا أخذتُ والسّلامُ.
قال، فكتب إليهِ عليّ بن أبِي طالِب (عَلَيهِ السَّلَامُ) أما بعد فالعجبُ كلّ العجبِ من تزيين نفسِك إِنَّ لك فِي بيتِ مالِ اللّه أكثر مِمّا أخذت و أكثر مِمّا لرجُلٍ من المسلمين: فقد أفلحت إن كان تمنيك الباطل وادّعاؤُك ما لا يكُونُ يُنجِيكَ من الإثم ويُحِلُّ لك ما حرم اللّه عليك، عمرك اللّه إِنَّكَ لأنت العبد المهتدي إذا! فقد بلغني أنك اتخذت مكّة وطناً وضربت بها عطناً تشتري مُولّدات مكّة والطائِفِ تختارُهُنّ على عينك وتُعطى فِيهِنّ مال غيرك، و إِنِّي لَأُقْسِمُ بِاللّه ربّي و ربِّكَ ربّ العِزّة: ما يسرني أنّ ما أخذت من أموالهم لي حلالٌ أدعُهُ لِعَقِي مِيراثاً فلا غرو و أشدُّ بِاعْتِباطِك تأكُلُهُ رُويداً رويداً، فكأنّ قد بلغت المدى وعُرضت على ربّك والمحل الّذي يتمنى الرّجعة و المضيّعِ لِلتَّوبة كذلِك وما ذلِك ولات حين مناص والسّلام.
قال فكتب إليه عبد اللّه بن عبَّاس أما بعد فقد أكثرت علي فواللّه لأن ألقى اللّه بجميع ما فِي الأَرْضِ من ذهبِها و عِقيانِها أحبُّ إِلي أن ألقى اللّه بِدمِ رَجُلٍ مُسلِمٍ. (1)
4- عن طاووس قال: كُنّا على مائدةِ ابنِ عبَّاس و محمّد بنُ الحنفيّة حاضر، فوقعت جرادة فأخذها محمّد، ثُمّ قال هل تعرِفُون ما هذِهِ النُّقط السُّودُ فِي جناحِها قالُوا اللّه أعلم. فقال أخبرني أبي عليّ بن أبِي طالِب (عَلَيهِ السَّلَامُ) أنّه كان مع النَّبيّ (صَلَّى اللّه عَلَيْهِ وَآلِهِ) ثُمّ قال: هل تعرِفُ يا علي هذِهِ النُّقط السُّود فِي جناح هذه الجرادة قال قُلتُ اللّه ورسوله أعلم. فقال (عَلَيهِ السَّلَامُ) مكتوب فِي جناحها (أَنَا اللَّهُ رَبُّ الْعَالَمِينَ)(2)، خلقتُ الجراد جُنداً من جُنودِي أُصِيبُ بِهِ من أشاءُ من عِبادِي، فقال ابنُ عبّاس: فما بال هؤلاء القوم يفتخرون علينا يقُولُونَ إِنَّهُم أعلمُ مِنّا، فقال محمّد ما ولّدهُم إِلَّا من ولدني، قال، فسمع ذلك الحسن بن عليّ (عَلَيهِ السَّلَامُ) فبعث إليهما و هما بالمسجد الحرام، فقال لهما
ص: 292
أما إِنَّهُ قد بلغني ما قُلتُما إذ وجدتُما جرادةً، فأما أنت يا ابن عبَّاس ففيمن نزلت ف (لَبِئْسَ الْمَوْلَى وَلَبِئْسَ الْعَشِيرُ) (1). فِي أبي أو فِي أبيك وتلا عليهِ آيَاتٌ من كِتابِ اللّه كَثِيراً، ثُمّ قال: أما واللّه لولا ما تعلم لأعلمتك عاقبة أمرك ما هُو و ستعلمُهُ، ثُمّ إنّك بقولك هذا مُستنقص فِي بدنِك ويَكُونُ الجُرمُوزُ من وُلدِك، و لو أُذِن لِي فِي القول لقُلتُ ما لو سمع عامة هذا الخلق لجحدوه وأنكروه. (2)
5 - عن أبي جعفر (عَلَيهِ السَّلَامُ) قال: قال أمِير المؤمنين (عَلَيهِ السَّلَامُ)، بعد وفاة رسول اللّه (صَلَّى اللّه عَلَيْهِ وَآلِهِ) فِي المسجد والنّاس مجتمعون بصوت عال: (الَّذِينَ كَفَرُوا وَصَدُّوا عَنْ سَبِيلِ اللَّهِ أَضَلَّ أَعْمَالَهُمْ)(3)، فقال له ابنُ عبّاس: يا أبا الحسن لم قلت ما قلت؟ قال: قرأتُ شيئاً من القُرآن. قال: لقد قلته لأمر. قال: نعم إنّ اللّه تعالى يقول فِي كتابه: (وَمَا آتَاكُمُ الرَّسُولُ فَخُذُوهُ وَمَا نَهَاكُمْ عَنْهُ فَانْتَهُوا) (4) أفتشهد على رسولِ اللّه (صَلَّى اللّه عَلَيْهِ وَآلِهِ) أنّه استخلف أبا بكر؟ قال: ما سمعتُ رسول اللّه (صَلَّى اللّه عَلَيْهِ وَآلِهِ) أوصى إلّا إليك. قال: فهلا با يعتني ؟ قال: إجتمع النّاس على أبي بكر، فكنتُ منهم. فقال أمِير المؤمنين (عَلَيهِ السَّلَامُ): كما إجتمع أهل العجل على العجل، هاهنا فتنتم، و مثلكم: (كَمَثَلِ الَّذِي اسْتَوْقَدَ نَارًا فَلَمَّا أَضَاءَتْ مَا حَوْلَهُ ذَهَبَ اللَّهُ بِنُورِهِمْ وَتَرَكَهُمْ فِي ظُلُمَاتٍ لَا يُبْصِرُونَ * صُمٌّ بُكْمٌ عُمْيٌ فَهُمْ لَا يَرْجِعُونَ)(5). (6)
6 - عن ابنِ عبَّاس قال رأيتُ الحسين قبل أن يتوجّه إلى العِراقِ على باب الكعبة وكف جبرئيل فِي كفِّهِ و جبرئيل يُنادِي هَلُمُّوا إلى بيعةِ اللّه عزّو جلّ وعنف ابنُ عبَّاس على تركه الحسين فقال إنّ أصحاب الحسين لم ينقُصُوا رجلًا ولم يزيدُوا رجلًا نعرفُهُم بِأسمائِهِم من قبل شهودِهِم. (7)
ص: 293
7 - عن الفضيل بن يسار (وبطريق آخر عن إبن أبي عمير)، عن أبي جعفر (عَلَيهِ السَّلَامُ) قال أتى رجل أبى (عَلَيهِ السَّلَامُ) فقال: إن فلاناً يعنى عبد اللّه بن العبّاس يزعم أنّه يعلم كلّ آية نزلت فِي القرآن فِي أى يوم نزلت وفيم نزلت قال فسله فيمن نزلت (وَمَنْ كَانَ فِي هَذِهِ أَعْمَى فَهُوَ فِي الْآخِرَةِ أَعْمَى وَأَضَلُّ سَبِيلًا). وفيم نزلت (وَلَا يَنْفَعُكُمْ نُصْحِي إِنْ أَرَدْتُ أَنْ أَنْصَحَ لَكُمْ). وفيم نزلت (يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا اصْبِرُوا وَصَابِرُوا وَرَابِطُوا). فأتاه الرجل. وقال وددتُ الّذي أمرك بهذا واجهني به فأسأله و لكن سله ما العرش ومتى خُلق وكيف هُو فانصرف الرّجل إلى أبى فقال له ما قال، فقال وهل أجابک فی الآیاتِ قال لا قال ولكنّي أُجیبک فیها نور و علم غير المدعی و المنتحل، أما الأوليان فنزلتا فى أبيه و أما الأخيرة فنزلت فِي أبى وفينا و ذكر الرباط الّذي أمرنا به بعد وسيكون ذلك من نسلنا المرابط و من نسله المرابط،...إلى أن قال أما إن فِي صلبه وديعة قد ذُرئت لِنارِ جهنَّم سيخرجون أقوامٌ من دينِ اللّه أفواجاً كما دخلوا فيه، وستصبغ الأرضُ بدماء الفراخ من فراخ آلِ محمّد تنهض تلك الفراخ فِي غير وقت و تطلب غير ماتدرک، و يُرابط الّذين آمنوا و يصبرون لما يرون حتّى يحكُّم اللّه وهُو خيرُ الحَاكِمِين. (1)
أقول: قد صرّح العلامة المجلسي بإنحراف عبد اللّه بن العبّاس و إرتداده فِي مجلد 63 الصفحة 225 من كتاب بحار الأنوار. ولكن الأمر فِي هذا الرجل مبهم مع أن بعض الفضلاء المعاصرين ألف مجموعة وسعى فِي تطهير وجهه ولكن الّذي يقرب الذهن أنّه كان من زمرة أصحاب الأمير (عَلَيهِ السَّلَامُ) وتتلمذ عليه و إستفاد كثيرا من محضره الشريف و ربما بسبب العلم الّذي كان عنده أبتلي بالعجب و إنحرف عن مولاه وادعى العلم وفتح دكانا مقابيل أئمته (عَلَيهِم السَّلَامُ) فلذا مع كثرة روايته عن رسول اللّه وأمِير المؤمنين عليهما وآلهما السلام لم يرو عن الأئمّة من بعده (عَلَيهِ السَّلَامُ) إلّا قليلا و سيما عن الإمام زين العابدين (عَلَيهِ السَّلَامُ) حيث أدرك زمانه ولم يتشرف بحضوره ولم يستفد من محضره.
ولا يخفى عليك أنّه كان من أسباب الصلح بين الإمام المجتبى الحسن (عَلَيهِ السَّلَامُ) وبين معاوية ونصح الإمام الحسين (عَلَيهِ السَّلَامُ) حين خروجه إلى كوفة عوضا من قبول مرافقته و إستدل بدليل عجيب مِمّا يشم منه الجبر فِي جواب من إعترض إليه فِي عدم نصرة إمامه !
ص: 294
إنما أعتقد أنّه قد شرب من مشربين؛ السنة والشيعة بحيث كلاهما يعدونه منهم و يعترف بعدم إخلاصه لهم كمال الإخلاص ومع هذا أنت ترى أكثر روايات السنة بعد عائِشة (1)مروية عن إبن عبَّاس وفي الحقيقة هُو من أكابرهم الروائية. فالأمر فيه فِي غاية الإشكال للعبه فِي أرض الطرفين و نردّ أمره إلى اللّه وأنا فيه من المتوقفين كما أتوقف فِي أمر المختار الثقفي ولا حول ولا قوة إلّا باللّه العلي العظيم.
1- عن أمِير المؤمنين (عَلَيهِ السَّلَامُ) أنّه رأى الحسن البصري و هُو يتوضأ للصلاة وكان ذا وسوسة، فصب على أعضائه ماءً كثيراً، فقال له: أرقت ماءً كثيراً يا حسن ! قال : ما أراق أمِير المؤمنين من دِماء المسلمين أكثر. قال: أوساءك ذلك؟ قال: نعم، قال: فلازلت مسوءاً قال : فما زال الحسن عابساً قاطباً مهموماً إلى أن مات(2).
2 - عن ابنِ عبَّاس قال: مرأمِير المؤمنين (عَلَيهِ السَّلَامُ) بالحسن البصري وهو يتوضّأُ فقال يا حسنُ أسبغ الوضوء فقال يا أمِير المؤمنين لقد قتلت بالأمس أُناساً يشهدون أن لا إِله إِلَّا اللّه وحدهُ لا شَرِيكَ له وأن محمّداً عبده ورسولُهُ يُصلُّون الخمس ويُسبِغُون الوضوء فقال له أمِير المؤمنين (عَلَيهِ السَّلَامُ) قد كان ما رأيت فما منعك أن تُعِين علينا عدوّنا فقال واللّه لأصدقنّك يا أمِير المؤمنين لقد خرجتُ فِي أول يوم فاغتسلتُ وتحنطتُ وصببتُ علي سلاحِي وأنا لا أشكُ فِي أَن التخلف عن المؤمِنين عائِشة هُو الكُفرُ فلما انتهيتُ إلى موضِع من الخُريبةِ نادى مُنادٍ يا حسنُ إِلى أين ارجع فإنّ القاتل والمقتول فِي النّارِ فرجعتُ ذُعراً و جلستُ فِي بيتِي فَلَمّا كان اليومُ الثَّانِي لم أشُكّ أنّ التخلُّف عن أُمّ المؤمِنين عائِشة هُو الكُفرُ فتحنّطتُ وصببت علي سلاحي وخرجتُ إلى القتال حتّى انتهيتُ إلى موضع من الخريبة فناداني مُنادٍ من خلفي يا حسن إلى أين مرة بعد
ص: 295
أُخرى فإنّ القاتل والمقتول فِي النّارِ قال عليّ (عَلَيهِ السَّلَامُ) صدقت أفتدري من ذلك المنادي قال لا قال (عَلَيهِ السَّلَامُ) ذاك أخوك إبليس وصدقك أنّ القاتل منهم والمقتول فِي النّارِ فقال الحسن البصري الآن عرفتُ يا أمِير المؤمنين أنّ القوم هلكي. (1)
3- عن أبي يحيى الواسطي قال: لما افتتح أمِير المؤمنين (عَلَيهِ السَّلَامُ) البصرة اجتمع النّاس عليه و فِيهِمُ الحسن البصري ومعه ألواح فكان كُلّما لفظ أمِير المؤمنين (عَلَيهِ السَّلَامُ) بكلمةٍ كتبها فقال له أمِير المؤمنين (عَلَيهِ السَّلَامُ) بأعلى صوتِهِ ما تصنعُ قال نكتُبُ آثاركُم لِنُحدّث بها بعدكُم فقال لهُ أمِير المؤمنين (عَلَيهِ السَّلَامُ) أما إنّ لِكُلِّ قوم سامِرِيّاً وهذا سامِرِيُّ هذِهِ الأمَّة إِلَّا أَنَّهُ لا يَقُولُ (لا مساس) (2) و لكِنَّهُ يَقُولُ لا قتال. (3)
4 - عن عبد اللّه بنِ سُليمان قال: كُنتُ عِند أبي جعفر (عَلَيهِ السَّلَامُ) فقال لهُ رجُلٌ من أهل البصرة يُقالُ لهُ عُثمانُ الأعمى إنّ الحسن البصري يزعُمُ أنّ الّذين يكتُمُونِ العِلم تُؤذِي رِيحُ بُطُونِهِم من يدخُلُ النار فقال أبو جعفر (عَلَيهِ السَّلَامُ) فهلك إذاً مُؤْمِنُ آلِ فِرعون و اللّه مدحه بِذلِك و ما زال العِلمُ مكتوماً مُنذُ بعث اللّه عزّو جلّ رسُولهُ نُوحاً فليذهب الحسن يميناً وشمالا فواللّه ما يُوجدُ العِلمُ إلّا هاهنا. (4)
5 - رُوي أن عليّاً (عَلَيهِ السَّلَامُ) أتى الحسن البصري يتوضأ فِي ساقيةٍ فقال أسبِعْ ظُهُورك يا كَفْتِيُّ قال لقد قتلت بالأمس رِجالًا كانُوا يُسبِغُون الوُضُوء قال وإِنّك لحزين عليهم قال نعم قال فأطال اللّه حُزنك قال أيُّوبُ السّجستاني فما رأينا الحسن قط إلّا حزيناً كأنه يرجعُ عن دفنِ هميم أو خربندج ضلّ حِمارُهُ فقُلتُ لهُ فِي ذلِك فقال عمِل فِي دعوة الرّجُلِ الصّالِحِ وكفتِي بِالنَّبطِيَّةِ الشّيطان وكانت أُمُّهُ سمتهُ بِذلِك ودعته فِي صغره فلم يعرف ذلك أحد حتّى دعاهُ بِهِ علي (عَلَيهِ السَّلَامُ). (5)
ص: 296
6 - شاهد علي بن الحسين (عَلَيهِمَا السَّلَامُ) يوماً الحسن البصري و هُو يقُصُّ عِند الحِجرِ فقال أ ترضى يا حسنُ نفسك للموتِ قال لا فعملك لِلحِسابِ قال لا قال فتم دار للعملِ غيرُ هذه قال لا قال فلِلَّهِ فِي الأرضِ معاذ غيرُ هذا البيتِ قال لا قال فلم تشغل النّاس عن الطوافِ. (1)
1- من خط الشهيد رفع اللّه درجه قال: قال أبو حنيفة النعمان بن ثابِتٍ جِئْتُ إِلى حِجَامٍ مِنِّى ليحلق رأسي فقال أدنِ ميامنك واستقبل القبلة وسمّ اللّه فتعلمتُ مِنهُ ثلاث خصالٍ لم تكُن عِندِي فقُلتُ له مملوك أنت أم حُرِّ فقال مملواً قُلتُ لمن قال لجعفر بن محمّد العلوي (عَلَيهِ السَّلَامُ) قُلتُ أ شاهِدٌ هُو أم غائِب قال شاهِدٌ فصرتُ إلى بابِهِ واستأذنتُ عليهِ فحجبني وجاء قوم من أهل الكوفة فاستأذنُوا فأذن لهم فدخلتُ معهُم فَلَمّا صِرتُ عِندهُ قُلتُ لهُ يا ابن رسُولِ اللّه لو أرسلت إلى أهل الكوفة فنهيتهم أن يشتموا أصحاب محمّد (صَلَّى اللّه عَلَيْهِ وَآلِهِ) فإنّي تركتُ بها أكثر من عشرة آلافٍ يشتمونهم فقال لا يقبلون مِنِّي فقُلتُ ومن لا يقبلُ مِنك وأنت ابنُ رسُولِ اللّه (صَلَّى اللّه عَلَيْهِ وَآلِهِ) فقال أنت يمن لم تقبل مني دخلت داري بغير إذني وجلست بغير أمري و تكلمت بغير رأيي وقد بلغني أنك تقُولُ بِالقِياسِ قُلتُ نعم بِهِ أَقُولُ قال ويحك يا نُعمانُ أوّل من قاس اللّه تعالى إبليس حين أمره بِالسُّجُودِ لآدم (عَلَيهِ السَّلَامُ) و قال خلقتني من نار و خلقتهُ من طِينٍ أَيُّما أكبرُيا نُعمانُ القتل أو الزنا قُلتُ القتل قال فلم جعل اللّه فِي القتلِ شاهِدين و فِي الزّنا أربعةً أينقاش لك هذا قُلتُ لا قال فأيُّما أكبر البول أو المنيُّ قُلتُ البولُ قال فلم أمر اللّه فِي البولِ بِالوُضُوءِ وفي المني بِالغُسلِ أ ينقاش لك هذا قُلتُ لا قال فأيُّما أكبر الصَّلاة أو الصّيامُ قُلتُ الصَّلاة قال فلم وجب على الحائض أن تقضي الصوم ولا تقضي الصَّلاة أينقاش لك هذا قُلتُ لا قال فأيُّما أضعفُ المرأة أمِ الرّجُلُ قُلتُ المرأةُ قال فلم جعل اللّه تعالى فِي الميراثِ لِلرّجُلِ سهمين وللمرأة سهماً أ ينقاش لك هذا قُلتُ لا قال فلم حكم اللّه تعالى فيمن سرق عشرة دراهم بالقطع وإذا قطع رجُلٌ يد رجُلٍ
ص: 297
فعليهِ دِيتُها خمسة آلاف درهم أينقاش لك هذا قُلتُ لا قال وقد بلغني أنك تُفسِرُآيَةً فِي كِتابِ اللّه و وهِي (ثُمّ لَتُستَلُنْ يَومَئِذٍ عنِ النّعِيمِ﴾ (1) أنّه الطعام الطيب والماء البارد فِي اليوم الصّائِفِ قُلتُ نعم قال له دعاك رجُلٌ و أطعمك طعاماً طيباً وأسقاك ماء بارداً ثُمّ امتن عليك بِهِ ما كُنت تنسُبُهُ إِليهِ قُلتُ إلى البُخلِ قال أفيبخلُ اللّه تعالى قُلتُ فما هُو قال حُبُّنا أهل البيت. (2)
2 - قيل إنّ مؤمن الطاق دخل على أبي حنيفة يوماً فقال له أبو حنيفة بلغني عنكم معشر الشّيعة شيء فقال فما هُو قال بلغني أن الميت مِنكُم إذا مات كسرتُم يده اليسرى لكي يُعطى كِتابه بِيَمِينِهِ، فقال مكذُوبٌ علينا يا نُعمانُ ! ولكنّي بلغني عنكم معشر المرجئة أن الميت مِنكُم إذا مات قعتُم فِي دُبُرِه قمعاً فصببتُم فِيهِ جيّةً من ماءٍ لكي لا يعطش يوم القيامة، فقال أبو حنيفة مكذُوبٌ علينا وعليكم. (3)
3 - عن محمّد بنِ نوفل بن عائذ الصيرفي قال كُنتُ عِند الهيثم بن حبيب الصيرفي فدخل علينا أبو حنيفة النعمانُ بنُ ثَابِتٍ فذكرنا أمِير المؤمنين عليّ بن أبِي طالِب (عَلَيهِ السَّلَامُ) و دار بيننا كلام فِي غدِيرِخُةٍ فقال أبو حنيفة قد قُلتُ لأصحابنا لا تُقِرُّوا لهُم بِحدِيثِ عَدِيرِ خُةٍ فيحْصِمُوكُم فتغيّر وجه الهيثم بن حبيب الصيرفي و قال لهُ لِم لا يُقِرُّون بِهِ أما هُو عِندك يا نُعمانُ قال بلى هُو عِندِي وقد رُويتُهُ قال فلم لا يُقِرُّون بِهِ وقد حدّثنا بِهِ حبيبُ بنُ أَبِي ثَابِتٍ عن أبي الطُّفيل عن زيد بن أرقم أن عليّاً (عَلَيهِ السَّلَامُ) نشد اللّه فِي الرحبة من سمعه فقال أبو حنيفة أفلا ترون أنّه قد جرى فِي ذلك خوض حتّى نشد علي النّاس لِذلِك فقال الهيثم فنحنُ نُكَذِّبُ عليّاً أو نرُدُّ قوله فقال أبو حنيفة ما نُكَذِّبُ عليّاً ولا نرُدُّ قولًا قاله ولكنّك تعلم أنّ النّاس قد غلا منهم قوم فقال الهيثم يقُولُهُ رسُولُ اللّه (صَلَّى اللّه عَلَيْهِ وَآلِهِ)و يخطبُ بِهِ ونُشفِقُ نحنُ مِنهُ ونتَّقِيهِ بِغُلُو عَالٍ أو قولِ قَائِلٍ ثُمّ جاء من قطع الكلام بمسألة سأل عنها ودار الحديث بالكوفة وكان معنا فِي السُّوقِ حبيب بن نِزارِ بن حيان فجاء إلى الهيثم فقال له قد بلغني ما دار عنك فِي عليّ (عَلَيهِ السَّلَامُ) و قول من قال وكان
ص: 298
حبيب مولّى لبني هاشم فقال له الهيثم النظريمُرُّ فِيهِ أكثرُ من هذا فخفّض الأمر فحججنا بعد ذلك ومعنا حبيب فدخلنا على أبي عبد اللّه جعفر بن محمّد (عَلَيهِمَا السَّلَامُ) فسلمنا عليه فقال له حبيب يا أبا عبد اللّه كان من الأمر كذا وكذا فتبيّن الكراهية فِي وجه أبي عبد اللّه (عَلَيهِ السَّلَامُ) فقال له حبيب هذا محمّد بن نوفل حضر ذلك فقال له أبو عبد اللّه (عَلَيهِ السَّلَامُ) أي حبيبُ كُفّ خالِقُوا النّاس بِأخلاقِهِم وخالِفُوهُم بِأعمالِكُم فإِن لِكُلِّ امرئ ما اكتسب وهو يوم القيامة مع من أحبّ لا تحمِلُوا النّاس عليكم وعلينا و ادخُلُوا فِي دهماء النّاس فإِن لنا أياماً ودولةً يأتي بها اللّه إذا شاء فسكت حبيب فقال (عَلَيهِ السَّلَامُ) أفهمت يا حبيب لا تُخالِفُوا أمري فتند موا فقال لن أُخالف أمرك قال أبو العبّاس وسألتُ علي بن الحسنِ عن محمّد بنِ نوفل فقال كُوفِي قُلتُ من قال أحسبُهُ مولّى لبني هاشم وكان حبِيبُ بنُ نِزارِ بنِ حيان مولى لبني هاشم وكان الخبر فيما جرى بينه وبين أبي حنيفة حين ظهر أمر بَنِي العبّاس فلم يُمكنهم إظهار ما كان عليهِ آل محمّد (عَلَيهِم السَّلَامُ). (1)
4 - عن أبي الحسن (عَلَيهِ السَّلَامُ) قال: إنّما هلك من كان قبلكُم بِالقِياس إنّ اللّه تبارك وتعالى لم يقبض نبيه حتّى أكمل له جميع دِينِهِ فِي حلالِهِ و حرامِهِ فجاءَكُم مِمّا تحتاجون إليه فِي حياتِهِ و تستغيثون بِهِ وبِأهل بيتِهِ بعد موتِهِ وإِنّها مُصحف عِند أهلِ بيتِهِ حتّى إِنَّ فِيهِ لأرش خدش الكفّ ثُمّ قال إن أبا حنيفة العنه اللّه يمن يقُولُ قال علي وأنا قُلتُ. (2)
5 - قال أبو حنيفة يوماً من الأيام لمؤمن الطاق إنّكم تقولون بالرّجعة؟ قال نعم قال أبو حنيفة فأعطني الآن ألف درهم حتّى أعطيك ألف دينار إذا رجعنا قال الطاقي لأبي حنيفة فأعطني كفيلاً بأنك ترجع إنساناً و لا ترجع خنزيراً. وقال له يوم آخر لِم لم يطالب عليّ بن أبِي طالِب بحقه بعد وفاة رسول اللّه إن كان له حقٌّ فأجابه مؤمنُ الطاق خاف أن يقتله الجن كما قتلوا سعد بن عبادة بسهم المغيرة بن شعبة وفي روايةٍ بسهم خالد بن الوليد. وكان أبو حنيفة يوماً آخر يتماشى مع مؤمن الطاق فِي سكة من سكك الكوفة إذا مناد ينادي من يدلّني على صبي ضال ؟ فقال مؤمنُ الطاق أما الصبي الضّال فلم نره وإن أردت شيخاً ضالاً فخُذ هذا عنى به أباً حنيفة وكما مات
ص: 299
الصَّادق (عَلَيهِ السَّلَامُ) رأى أبو حنيفة مؤمن الطاق فقال له مات إمامك ؟ قال نعم أمّا إمامك من المنظرين (إِلَى يَوْمِ الْوَقْتِ الْمَعْلُومِ)(1). (2)
6 - أن الصَّادق (عَلَيهِ السَّلَامُ) قال لأبي حنيفة لما دخل عليه من أنت ؟ قال أبو حنيفة قال (عَلَيهِ السَّلَامُ) مُفتي أهلِ العِراقِ قال نعم قال بِما تُفتِيهم ؟ قال بِكِتابِ اللّه قال (عَلَيهِ السَّلَامُ) وإنك لعالم بكتاب اللّه ناسِخِهِ و منسوخِهِ و مُحكمِهِ و مُتشابهه ؟ قال نعم قال فأخبرني عن قول اللّه عزّوجلّ؛ (وَقَدَّرْنَا فِيهَا السَّيْرَ سِيرُوا فِيهَا لَيَالِيَ وَأَيَّامًا آمِنِينَ). (3) أيُّ موضع هو؟ قال أبو حنيفة هوما بين مكّة و المدينةِ فالتفت أبو عبدِ اللّه إِلَى جُلسائِهِ و قال نشدتُكُم بِاللّه هل تسيرون بين مكّة والمدينة ولا تأمنُون على دِمائِكُم من القتل وعلى أموالِكُم من السّرق؟ فقالوا اللّهمّ نعم فقال أبو عبدِ اللّه ويحك يا أبا حنيفة إن اللّه لا يقُولُ إِلّا حقّاً أخبرني عن قول اللّه عزّوجلّ؛ (وَمَنْ دَخَلَهُ كَانَ آمِنًا) (4) أي موضع هو؟ قال ذلِك بيت اللّه الحرام فالتفت أبو عبد اللّه إِلى جُلسائِهِ وقال نشدتُكُم بِاللّه هل تعلمون أن عبد اللّه بن الزُّبير و سعيد بن جبير دخلاه فلم يأمنا القتل؟
قالُوا اللّهمّ نعم فقال أبو عبدِ اللّه (عَلَيهِ السَّلَامُ) ويحك يا أبا حنيفة إِنَّ اللّه لا يقولُ إِلَّا حقّاً فقال أبو حنيفة ليس لي عِلم بِكِتابِ اللّه إِنّما أنا صاحِبُ قِياس قال أبو عبدِ اللّه فَانظُر فِي قِياسِك إِن كُنت مُقيساً أيُّما أعظمُ عِند اللّه القتل أو الزنا؟ قال بل القتل قال فكيف رضي فِي القتل بشاهدين ولم يرض فِي الزنا إِلَّا بِأربعةٍ ؟ ثُمّ قال لهُ الصَّلاة أَفضلُ أَمِ الصّيام؟ قال بلِ الصَّلاة أفضل قال (عَلَيهِ السَّلَامُ) فيجِبُ على قياس قولك على الحائض قضاء ما فاتها من الصَّلاة فِي حالِ حيضها دون الصيام وقد أوجب اللّه تعالى عليها قضاء الصّومِ دُون الصَّلاة قال له (عَلَيهِ السَّلَامُ) البول أقذر أمِ المنيُّ ؟ قال البول أقذر قال (عَلَيهِ السَّلَامُ) يجب على قياسك أن يجب الغُسلُ من البول دون المني و قد أوجب اللّه تعالى الغُسل من المني دون البول قال إنّما أنا صاحِبُ رأي قال (عَلَيهِ السَّلَامُ) فما ترى فِي رجُلٍ كان له
ص: 300
عبد فتزوّج وزوّج عبده فِي ليلةٍ واحدةٍ فدخلا بامرأتيهما فِي ليلةٍ واحدةٍ ثُمّ سافرا و جعلا امرأتيهما فِي بيتٍ واحِدٍ وولدتا غُلامينِ فسقط البيت عليهم فقتل المرأتين و يقِي الغُلامانِ أَيُّهُما فِي رأيك المالك وأيهما المملوك وأيهما الوارث وأيُّهما الموروث ؟ قال إنّما أنا صاحِبُ حدود قال فما ترى فِي رجُلٍ أعمى فقأ عين صحيح وأقطع قطع يد رجُلٍ كيف يُقامُ عليهما الحدُّ ؟ قال إنّما أنا رجُلٌ عالِم بِمباعِثِ الأَنبِياءِ قال فأخبرني عن قولِ اللّه لِمُوسى وهارون حين بعثهما إلى فرعون (لَعَلَّهُ يَتَذَكَّرُ أَوْ يَخْشَى) (1) ولعلّ مِنك شكٌ ؟ قال نعم قال وكذلك من اللّه شكٍّ إِذ قال لعلّهُ قال أبو حنيفة لا عِلم لِي قال (عَلَيهِ السَّلَامُ) تزعُمُ أَنَّكَ تُفتِي بِكِتابِ اللّه ولست يمن ورثه و تزعُمُ أَنك صاحِبُ قِياس وأوّلُ من قاس إبليس لعنه اللّه ولم يبن دين الإسلام على القياس وتزعُمُ أنك صاحِبُ رأي وكان الرأي من رسُولِ اللّه (صَلَّى اللّه عَلَيْهِ وَآلِهِ) صواباً و من دُونِهِ خطاً لأن اللّه تعالى قال (لِتَحْكُمَ بَيْنَ النَّاسِ بِمَا أَرَاكَ اللَّهُ) (2) ولم يقُل ذلِكَ لِغيرِهِ وتزعُمُ أَنَّكَ صَاحِبُ حُدُودٍ و من أُنزِلت عليهِ أولى بِعِلمِها مِنك وتزعُمُ أنك عالِم بِمباعِثِ الأنبياء و لخاتم الأنبياء أعلمُ بِمباعِثِهِم مِنك و لولا أن يُقال دخل على ابنِ رسُولِ اللّه فلم يسأله عن شيءٍ ما سألتك عن شيءٍ فقس إِن كُنت مُقِيساً قال أبو حنيفة لا أتكلّمُ بِالرّأي والقياس فِي دِينِ اللّه بعد هذا المجلس قال كلّا إِنّ حُبّ الرِّئاسةِ غير تاركك كما لم يترك من كان قبلك تمام الخبر. (3)
7- وعن عِيسى بنِ عبدِ اللّه القُرشِي قال: دخل أبو حنيفة على أبي عبد اللّه (عَلَيهِ السَّلَامُ) فقال يا أبا حنيفة قد بلغني أنك تقيس فقال نعم فقال لا تقس فإنّ أوّل من قاس إبليس لعنه اللّه حِين قال (خَلَقْتَنِي مِنْ نَارٍ وَخَلَقْتَهُ مِنْ طِينٍ) (4) فقاس بين النَّارِ والطين ولوقاس نُورِيّة آدم بِنُورِيّةِ النّارِ عرف ما بين النُّورينِ وصفاء أحدِهِما على الآخر. (5)
ص: 301
8- و عن الحسن بن محبوب عن سماعة قال: قال أبو حنيفة لأبي عبد اللّه (عَلَيهِ السَّلَامُ) كم بين المشرق والمغرب قال مسيرة يوم لِلشَّمس بل أقل من ذلك قال فَاستَعظَمهُ قال يا عاجِزُلِمَ تُنكِرُ هذا إنّ الشَّمس تطلُعُ من المشرِقِ وتغرب فِي المغرب فِي أقل من يوم تمام الخبر. (1)
9 - قال: و سمِعتُ الرّضا (عَلَيهِ السَّلَامُ) يقُولُ: قال أبو حنيفة لأبي عبدِ اللّه (عَلَيهِ السَّلَامُ) : تجتزء ون بشاهِدٍ واحدٍ و يمين ؟ قال: نعم قضى بِهِ رَسُولُ اللّه (صَلَّى اللّه عَلَيْهِ وَآلِهِ) و قضى بِهِ عليّ (عَلَيهِ السَّلَامُ) بين أظهركُم بِشَاهِدٍ و يمين.
فتعجب أبو حنيفة. فقال أبو عبد اللّه (عَلَيهِ السَّلَامُ) : أعجبُ من هذا أنكم تقضُون بِشاهِدٍ واحدٍ فِي مائة شاهد، و تجتزؤون بشهادتهم بقوله.
فقال له: لا نفعلُ.
فقال بلى تبعثون رجُلًا واحِداً فيسأل عن مِائَةِ شاهِدٍ فتُجِيزُون شهاداتِهِم بِقولِهِ وإِنما هُو رجل واحِدٌ.
فقال أبو حنيفة: أيش فرق ما بين ظِلالِ المحرم والخباء ؟
فقال له أبو عبد اللّه (عَلَيهِ السَّلَامُ) : إِنّ السُّنّة لا تُقاسُ. (2)
10 - عن محمّد بنِ مُسلِمٍ :قال دخلتُ على أبي عبدِ اللّه (عَلَيهِ السَّلَامُ) و عِنده أبو حنيفة فقُلتُ لهُ جُعِلتُ فِداك رأيتُ رُؤيا عجيبةً فقال لي يا بن مُسلِمِ هاتِها فإنّ العالم بها جالس و أومأ بيدِهِ إلى أبي حنيفة قال فقُلتُ رأيتُ كأني دخلتُ داري و إذا أهلي قد خرجت علي فكسرت جوزاً كثيراً و نشرته علي فتعجبتُ من هذِهِ الرُّؤيا فقال أبو حنيفة أنت رجُلٌ تُخاصِمُ و تُجَادِلُ لِئاماً فِي مواريث أهلِك فبعد نصب شدِيدٍ تنالُ حاجتك منها إن شاء اللّه فقال أبو عبدِ اللّه (عَلَيهِ السَّلَامُ) أصبت واللّه يا أبا حنيفة قال ثُمّ خرج أبو حنيفة من عِندِهِ فقُلتُ جُعِلتُ فِداك إنّي كرهت تعبير هذا النَّاصب فقال يا ابن مُسلِمٍ لا يسُؤكَ اللّه فما يُواطِي تعبيرُهُم تعبيرنا ولا تعبيرنا تعبيرهم وليس التعبير كما عبّرهُ قال فقُلتُ لهُ جُعِلتُ فِداك فقولُك أصبت و تحلِفُ عليهِ وهُو مُخطِيٌّ قال نعم حلفتُ عليهِ
ص: 302
أنّه أصاب الخطأ قال فقُلتُ لهُ فما تأْوِيلُها قال يا بن مُسلِم إِنَّكَ تتمتعُ بِامرأةٍ فتعلمُ بها أهلك فتُمرِّقُ عليك ثياباً جُدداً فإنّ القِشر كسوةُ اللُّبِ قال ابنُ مُسلِم فواللّه ما كان بين تعبيره و تصحِيحِ الرُّؤيا إِلَّا صبيحة الجمعةِ فَلَمّا كان غداة الجمعة أنا جالس بالبابِ إِذ مرت بي جاريةٌ فأعجبتني فأمرتُ غُلامِي فردّها ثُمّ أدخلها دارِي فتمتعتُ بها فأحست بي وبها أهلي فدخلت علينا البيت فبادرت الجارية نحو الباب وبقيتُ أنا فمرّقت علي ثياباً جُدُداً كُنتُ ألبسها فِي الأعيادِ وجاء موسى الزوار العطار إلى أبي عبد اللّه (عَلَيهِ السَّلَامُ) فقال له يا ابن رسُولِ اللّه رَأيتُ رُؤيا ها لتني رأيتُ صهراً لي ميّتاً وقد عانقني وقد خفتُ أن يكون الأجل قد اقترب فقال يا موسى توقع الموت صباحاً ومساءً فإِنَّهُ مُلاقِينا و مُعانقة الأمواتِ لِلأحياء أطولُ لِأعمارِهِم فما كان اسمُ صهرك قال حسين فقال أما إن رُؤياك تدلُّ على بقائك وزيارتك أبا عبد اللّه (عَلَيهِ السَّلَامُ) فإنّ كلّ من عانق سمي الحسينِ يَزُورُهُ إِن شاء اللّه. (1)
11 - شرِيكُ بنُ عبدِ اللّه النّخعِيُّ القاضي قال: كُنَّا عِند الأعمش فِي مرضه الّذي مات فيه، فدخل عليه أبو حنيفة وابن أبي ليلى فالتفت أبو حنيفة وكان أكبرهم وقال له: يا أبا محمّد اتَّقِ اللّه فإنَّك فِي أول يوم من أيامِ الآخِرة، وآخِرِيوم من أيامِ الدُّنيا، وقد كُنت تُحدِّثُ فِي عليّ بن أبِي طالِب بأحاديث لو أمسكت عنها لكان خيراً لك. قال: فقال الأعمش : المثلي يُقالُ هذا؟ أسندوني أسندوني حدّثني أبو المتوكل النّاجِي عن أبي سعيد الخدري، قال: قال رسولُ اللّه (صَلَّى اللّه عَلَيْهِ وَآلِهِ): إذا كان يوم القيامةِ، قال اللّه عزّ و جلّ لي ولعليّ بن أبِي طالِب: أدخلا النار من أبغضكما وأدخلا الجنّة من أحبّكُما، وذلك قوله تعالى (ألقيا فِي جهنَّم كلّ كفّارِ عنيد) (2). قال: فقام أبو حنيفة وقال: قوموا، لا يجيءُ بِما هُو أطم من هذا. قال: فواللّه ما جُزنا بابه حتّى مات الأعمش، (رحمة اللّه عليه). (3)
12 - الحارث بن التيهان، قال: قال لي ابنُ شُبرمة : دخلتُ أنا وأبو حنيفة على جعفربن محمّد (عَلَيهِمَا السَّلَامُ)،
ص: 303
فسلمتُ عليهِ، وكُنتُ له صديقاً، ثُمّ أقبلتُ على جعفر (عَلَيهِ السَّلَامُ) فقُلتُ: أمتع اللّه بك، هذا رجُلٌ من أهلِ العِراقِ لهُ فِقهُ وعقل. فقال له جعفر (عَلَيهِ السَّلَامُ): لعلّهُ الّذي يَقيسُ الدِّينِ بِرابِهِ ثُمّ أقبل عليّ فقال: هذا النعمان بن ثابِتٍ فقال أبو حنيفة: نعم، أصلحك اللّه تعالى. فقال (عَلَيهِ السَّلَامُ): اتَّقِ اللّه ولا تقسِ الدِّين برأيك فإنّ أوّل من قاس إبليس إذ أمره اللّه بِالسُّجودِ فقال: (أنا خيرٌ مِنه خلقتني من نار و خلقتهُ من طِينٍ). (1)
ثم قال له جعفر (عَلَيهِ السَّلَامُ): هل تُحسِنُ أن تقيس رأسك من جسدك قال: لا.
قال: فأخبرني عن الملوحة فِي العينين، وعن المرارة فِي الأذنين و عن الماء فِي المنخرين، وعن العُذوبة فِي الشفتينِ، لِأيّ شيءٍ جُعِل ذلك قال: لا أدري.
قال جعفر (عَلَيهِ السَّلَامُ): إِنّ اللّه عزّ وجلّ خلق العينين فجعلهما شحمتين وجعل الملوحة فيهما مناً مِنهُ على ابن آدم، ولولا ذلك لذابتا، وجعل المرارة فِي الأُذنين منّا مِنهُ على ابنِ آدم و لولا ذلك لقحمتِ الدّوابُ فأكلت دماغه، وجعل الماء فِي المنخِرين ليصعد النفس وينزل، ويجد منه الريح الطيبة من الرّيحِ الرّدِيّةِ وجعل عزّوجلّ العُذُوبة فِي الشفتين ليجد ابن آدم لذة طعمِهِ و شُربه.
ثُم قال له جعفر (عَلَيهِ السَّلَامُ): أخبرني عن كلمةٍ أوّلُها شرك، وآخِرُها إيمان. قال : لا أدري. قال: لا إله إِلَّا اللّه.
ثُم قال له: أيُّما أعظمُ عِند اللّه عزّ وجلّ، قتل النّفس، أو الزنا قال: بل قتل النفس.
قال له جعفر (عَلَيهِ السَّلَامُ): فإنّ اللّه تعالى قد رضي فِي قتل النفسِ بِشاهِدٍ، ولم يقبل فِي الرِّنَا إِلَّا بِأربعةٍ. ثُمّ قال له: أَيُّما أعظمُ عِند اللّه الصّومُ أوِ الصَّلاة قال: لا بل الصَّلاة. قال: فما بال المرأة إذا حاضت تقضي الصيام، ولا تقضي الصَّلاة اتَّقِ اللّه يا عبد اللّه فإنا نحنُ وأنتُم غداً و من خالفنا بين يدي اللّه عزّوجلّ، فنقُولُ:
قلنا: قال رسولُ اللّه (صَلَّى اللّه عَلَيْهِ وَآلِهِ) وتقول أنت وأصحابك: حدّثنا وروينا، فيفعل بنا وبِكُم ما شاء اللّه عزّوجلّ. (2)
ص: 304
13 - عن حريز قال دخلتُ على أبي حنيفة وعندهُ كُتُب كادت تحول فيما بينه وبيني فقال لِي هذِهِ الكُتُبُ كُلُّها فِي الطلاق واليمين فأقبل يَقْلِبُ بِيديهِ قال فقُلتُ نحنُ نجمعُ هذا كُلَّهُ فِي كلمةٍ واحدةٍ فِي حرفٍ قال و ما هُو قُلتُ قولُهُ (يَا أَيُّهَا النَّبِيُّ إِذَا طَلَّقْتُمُ النِّسَاءَ فَطَلِّقُوهُنَّ لِعِدَّتِهِنَّ وَأَحْصُوا الْعِدَّةَ) (1) فقال لي فأنت لا تعمل شيئاً إِلَّا بِرِواية قُلتُ أجل فقال لي ما تَقُولُ فِي مُكاتب كانت مكاتبتُه ألف درهم و أدّى تسعمائة وتسعةً وتسعِين ثُمّ أحدث يعني الزناء كيف تحدُّهُ فقُلتُ عِندِي بِعينها حديث حدّثني محمّد بنُ مُسلِمٍ عن أبي جعفر (عَلَيهِ السَّلَامُ) أن عليّاً (عَلَيهِ السَّلَامُ) كان يضرِبُ بِالسوط وبِثْلُثِهِ وبِنِصفِهِ و بِبعضِهِ بِقدر استحقاقِهِ فقال لي أما إِنِّي أسألك عن مسألة لا يكون عندك فيها شيء ما تقُولُ فِي جملٍ أَخرج من البحر فقُلتُ إن شاء فليكن جملا و إن شاء فبقرةً إن كانت عليهِ فُلُوسٌ أكلناه و إِلَّا فلا. (2)
14 - عن محمّد بنِ مُسلِمٍ قال: إنّي ذات ليلةٍ لنائم على السّطح إذ طرق الباب طارق فقُلتُ من هذا فقال أشرف رحمك اللّه فأشرفتُ فإذا امرأةٌ فقالت لي ابنة عروس يضرِبُها الطلقُ فما زالت تُطلق حتّى ماتت والولد يتحرّك فِي بطنها ويذهب و يجيء فما أصنعُ فقُلتُ لها يا أمة اللّه سُئِل محمّد بن علي بن الحسينِ الباقِرُ (عَلَيهِم السَّلَامُ) عن مثل هذا فقال يُشقُ بطنُ المَيِّتِ ويُستخرج الولد يا أمة اللّه افعلي مثل ذلك يا أمة اللّه إِنِّي رَجُلٌ فِي سِترِ من وجهكِ إلي قالت لي رحمك اللّه جِئتُ إلى أبي حنيفة صاحِبِ الرّأي فقال لي ما عِندِي فِيها شيء ولكن عليكِ بِمحمّد بنِ مُسلِم التقني فإِنَّهُ يُخبِرُكِ فما أفتاكِ بِهِ من شيءٍ فعُودِي إِليّ فأعلمنيهِ فقُلتُ لها امضِي بِسلامٍ فَلَمّا كان الغد خرجتُ إِلى المسجِدِ فإذا أبو حنيفة يسألُ أصحابه عنها فتنحنحتُ فقال اللّهمّ غفراً دعنا نعِيشُ. (3)
15 - عن سماعة قال: سأل رجُلٌ أبا حنيفة عنِ الشَّيء وعن لا شيءٍ وعَنِ الّذي لا يقبلُ اللّه غيره فأخبر عنِ الشّيء وعجز عن لا شيءٍ فقال اذهب بِهذِهِ البغلةِ إِلى إِمامِ الرافضة فبعها مِنهُ بِلا شيءٍ واقبض الثّمن فأخذ بِعِذارها وأتى بها أبا عبد اللّه (عَلَيهِ السَّلَامُ) فقال له أبو عبد اللّه (عَلَيهِ السَّلَامُ) استأمر
ص: 305
أبا حنيفة فِي بيع هذه البغلة قال قد أمرني ببيعها قال بِكم قال بِلاشيءٍ قال لهُ ما تَقُولُ قال الحقّ أقُولُ فقال قد اشتريتُها مِنك بِلاشيءٍ قال وأمر غُلامه أن يُدخِله المربط قال فبقي محمّد بنُ الحسنِ ساعةً ينتظِرُ الثّمن فلَمّا أبطأه الشَّمنُ قال جُعِلتُ فِداك الثّمن قال الميعاد إذا كان الغداة فرجع إلى أبي حنيفة فأخبره فسُرِّ بِذلِك فرضِيهُ مِنهُ فلَمّا كان من الغدِ وافى أبو حنيفة فقال أبو عبد اللّه (عَلَيهِ السَّلَامُ) جئت لتقبض ثمن البغلة لا شيء قال نعم ولا شيء ثمنها قال نعم فركب أبو عبد اللّه (عَلَيهِ السَّلَامُ) البغلة وركب أبو حنيفة بعض الدواب فتصحرا جميعاً فلما ارتفع النّهار نظر أبو عبد اللّه (عَلَيهِ السَّلَامُ) إلى السّرابِ يجري قد ارتفع كأنه الماء الجاري فقال أبو عبد اللّه (عَلَيهِ السَّلَامُ) يا أبا حنيفة ما ذا عِند الميل كأنّه يجري قال ذاك الماء يا ابن رسُولِ اللّه فَلَمّا وافيا الميل وجداه أمامهما فتباعد فقال أبو عبد اللّه (عَلَيهِ السَّلَامُ) اقبض ثمن البغلة قال اللّه تعالى (كَسَرَابٍ بِقِيعَةٍ يَحْسَبُهُ الظَّمْآنُ مَاءً حَتَّى إِذَا جَاءَهُ لَمْ يَجِدْهُ شَيْئًا وَوَجَدَ اللَّهَ عِنْدَهُ) (1) قال فخرج أبو حنيفة إلى أصحابِهِ كَثِيباً حزيناً فقالوا له ما لك يا أبا حنيفة قال ذهبت البغلة هدراً و كان قد أعطى بالبغلة عشرة آلاف درهم. (2)
16 - ذكروا أنّ أبا حنيفة أكل طعاماً مع الإمامِ الصَّادق جعفر بن محمّد عليهما الصَّلاة والسّلامُ فَلَمّا رفع الصَّادق (عَلَيهِ السَّلَامُ) يده من أكلِهِ قال الحمد للّه ربّ العالمين اللّهمّ هذا مِنك ومِن رسُولِك (صَلَّى اللّه عَلَيْهِ وَآلِهِ) فقال أبو حنيفة يا أبا عبد اللّه أجعلت مع اللّه شريكاً فقال (عَلَيهِ السَّلَامُ) له ويلك إِنّ اللّه تبارك يقُولُ فِي كِتَابِهِ (وَمَا نَقَمُوا إِلَّا أَنْ أَغْنَاهُمُ اللَّهُ وَرَسُولُهُ مِنْ فَضْلِهِ) (3) ويَقُولُ عزّوجلّ فِي موضع آخر (وَلَوْ أَنَّهُمْ رَضُوا مَا آتَاهُمُ اللَّهُ وَرَسُولُهُ وَقَالُوا حَسْبُنَا اللَّهُ سَيُؤْتِينَا اللَّهُ مِنْ فَضْلِهِ وَرَسُولُهُ) (4) فقال أبو حنيفة واللّه لكأني ما قرأتُهما قط من كِتابِ اللّه ولا سمِعتُهُما إِلّا فِي هذا الوقت فقال أبو عبد اللّه (عَلَيهِ السَّلَامُ) بلى قد قرأتهما وسمعتهما ولكن اللّه تعالى أنزل فيك وفي
ص: 306
أشباهك (أَمْ عَلَى قُلُوبٍ أَقْفَالُهَا) (1) و قال اللّه تعالى (كَلَّا بَلْ رَانَ عَلَى قُلُوبِهِمْ مَا كَانُوا يَكْسِبُونَ)(2). (3)
17 - عن محمّد بنِ مُسلم قال: دخل أبو حنيفة على أبي عبد اللّه (عَلَيهِ السَّلَامُ) فقال إِنِّي رأيتُ ابنك مُوسى يُصلّي والنّاسُ يرون بين يديهِ فلا ينهاهم وفِيهِ ما فِيهِ فقال أبو عبد اللّه (عَلَيهِ السَّلَامُ) ادعُ فلَمّا جاءه قال يا بَنِي إِنّ أبا حنيفة يذكُرُ أنّك تُصلّي والنّاسُ يمرون بين يديك فلا تنهاهم قال نعم يا أبتِ إِنَّ الّذي كُنتُ أُصلّي لهُ كان أقرب إلي مِنهُم يَقُولُ اللّه تعالى ﴿ وَنَحْنُ أَقْرَبُ إِلَيْهِ مِنْ حَبْلِ الْوَرِيدِ﴾(4) قال فضمّه أبو عبد اللّه (عَلَيهِ السَّلَامُ) إلى نفسه وقال بأبي أنت وأُمِّي يا مُودع الأسرارِ فقال أبو عبد اللّه (عَلَيهِ السَّلَامُ) يا أبا حنيفة القتلُ عِندكُم أشدُّ أمِ الزنا فقال بل القتل قال فكيف أمر اللّه تعالى فِي القتلِ بِالشَّاهِدينِ وفي الزنا بأربعة كيف يُدرك هذا بالقياس يا أبا حنيفة ترك الصَّلاة أشدُّ أم ترك الصّيامِ فقال بل ترك الصَّلاة قال فكيف تقضي.المرأة صيامها و لا تقضي. صلاتها كيف يُدرك هذا بِالقِياسِ ويحك يا أبا حنيفة النساءُ أضعفُ عَنِ المكاسب أمِ الرِّجالُ فقال بل النِّساء قال فكيف جعل اللّه تعالى للمرأة سهماً و لِلرّجُلِ سهمينِ كيف يُدرك هذا بالقياس يا أبا حنيفة الغائط أقذر أم المنيُّ قال بل الغائط قال فكيف يستنجى من الغائِطِ و يغتسل من المني كيف يُدرك هذا بِالقِياسِ تَقُولُ سأُنزِلُ مِثل مَا أُنزِلَ اللّه قالَ أَعُوذُ بِاللّه أَن أَقُولَهُ قال بلى تقُولُهُ أنت وأصحابك من حيثُ لا تعلمون قال أبو حنيفة جُعِلتُ فِداك حدّثني بِحدِيثٍ أرويه عنك قال حدّثني أبي محمّد بن علي عن أبيه علي بن الحسين عن جدّه الحسين بن علي عن أبيه عليّ بن أبِي طالِب صلوات اللّه عليهم أجمعين قال قال رسُولُ اللّه (صَلَّى اللّه عَلَيْهِ وَآلِهِ) إِنّ اللّه أخذ ميثاق أهل البيتِ من أعلى عِلّيّين وأخذ ينة شيعتِنا مِنهُ ولوجهد أهل السّماءِ وأهل الأرضِ أن يُغيِّرُوا من ذلك شيئاً ما استطاعُوهُ قال فبكى أبو حنيفة بكاءً شديداً و بكى أصحابُهُ ثُمّ خرج و خرجُوا. (5)
ص: 307
18 - عن بعض الأئمّة الظاهرين (عَلَيهِم السَّلَامُ) والصَّلاة أنّه قال: أتى أبو حنيفة إلى أبي عبد اللّه جعفرِ محمّد عليه أفضل الصَّلاة والسلام فخرج إليه يتوكّاً على عصا فقال له أبو حنيفة ما هذه العصا يا أبا عبد اللّه ما بلغ بك من السِّنِ ما كُنت تحتاجُ إليها قال أجل ولكنّها عصا رسُولِ اللّه (صَلَّى اللّه عَلَيْهِ وَآلِهِ) فأردتُ أن أتبرك بها قال أما إنّي لو علِمتُ ذلِك و أنها عصا رسُولِ اللّه (صَلَّى اللّه عَلَيْهِ وَآلِهِ) لقُمتُ وقبلتُها فقال أبو عبد اللّه عليهِ الصَّلاة والسّلامُ سُبحان اللّه و حسر عن ذراعِهِ و قال واللّه يا نُعمانُ لقد علمت أنّ هذا من شعرِ رسُولِ اللّه (صَلَّى اللّه عَلَيْهِ وَآلِهِ) ومن بشره فما قبلته فتطاول أبو حنيفة لِيُقبّل يده فاستل كُمّه وجذب يده ودخل منزله. (1)
19 - سأل أبو حنيفة أبا جعفر محمّد بن النعمان صاحِب الطَّاقِ فقال له يا أبا جعفر ما تَقُولُ فِي المتعةِ أتزعُمُ أنّها حلالٌ قال نعم قال فما يمنعُك أن تأمر نساءك أن يستمتعن ويكتسبن عليك فقال له أبو جعفر ليس كلّ الصناعاتِ يُرغب فيها و إن كانت حلالا وللنَّاسِ أقدارو مراتب يرفعُون أقدارهُم و لكن ما تقُولُ يا أبا حنيفة فِي النّبِيذِ أتزعُمُ أَنَّهُ حلال فقال نعم قال فما يمنعك أن تُقعِد نِساءك فِي الحوانيت نباذاتٍ فيكتسبن عليك فقال أبو حنيفة واحدة بواحِدَةٍ وسهمك أنفذُ ثُمّ قال له يا أبا جعفر إنّ الآية الّتي فِي سأل سائل تنطِقُ بِتحريم المتعة والرواية عن النَّبيّ (صَلَّى اللّه عَلَيْهِ وَآلِهِ) قد جاءت بنسخها فقال له أبو جعفريا أبا حنيفة إن سورة سأل سائِلٌ مكّيّةٌ وآيه المتعة مدنيّة وروايتك شادةٌ ردِيّةٌ فقال له أبو حنيفة وآية الميراث أيضاً تنطق بنسخ المتعة فقال أبو جعفر قد ثبت النّكاحُ بغيرِ مِيراتٍ قال أبو حنيفة من أين قلت ذاك فقال أبو جعفر لو أنّ رَجُلًا من المسلمين تزوج امرأَةٌ من أهلِ الكِتابِ ثُمّ تُوفّي عنها ما تقُولُ فِيها قال لا ترِثُ مِنهُ قال فقد ثبت النكاح بغير ميراث ثُمّ افترقا. (2)
20 - عَنِ ابنِ أَبِي عُمَيرٍ عَن مُحَمَّدِ بنِ حَكِيمٍ قَالَ: قُلتُ لِأَبِي الحَسَنِ مُوسَى عليه السلام: جُعِلْتُ فِدَاكَ فُقِهِنَا فِي الدِّينِ وَأَعْنَانَا اللهُ بِكُم عَنِ النَّاسِ حَتَّى إِنَّ الجَمَاعَةَ مِنَّا لَتَكُونُ فِي المَجْلِسِ مَا يَسأَلُ رَجُلٌ صَاحِبَهُ تَحضُرُهُ المَسأَلةُ وَيَحضُرُهُ جَوَابُهَا فِيمَا مَنَّ اللَّهُ عَلَيْنَا بِكُم فَرُبَّمَا وَرَدَ
ص: 308
عَلَيْنَا الشَّيءُ لَم يَأْتِنَا فِيهِ عَنكَ وَ لَا عَن آبَائِكَ شَيءٌ فَنَظَرْنَا إِلَى أَحْسَنِ مَا يَحْضُرُنَا وَ أُوفَقِ الْأَشْيَاءِ لِمَا جَاءَنَا عَنكُم فَتَأخُذُ بِهِ فَقَالَ: هَيهَاتَ هَيهَاتَ ! فِي ذَلِكَ وَاللَّهِ هَلَكَ مَن هَلَكَ يَا ابنَ حَكِيمٍ قَالَ ثُمَّ قَالَ لَعَنَ اللهُ أَبَا حَنِيفَةَ كَانَ يَقُولُ: "قَالَ عَلِيٌّ وَ قُلتُ" قَالَ مُحَمَّدُ بنُ حَكِيمٍ هِشَامِ بنِ الحَكَمِ وَاللَّهِ مَا أَرَدتُ إِلَّا أَن يُرَخِّصَ لِي فِي القِيَاسِ .
21 - نقل الشيخ يوسف البحراني رحمة اللّه عليه من شرح كتاب التوحيد للسيد المحدث العلامة نعمة اللّه الجزائري: اتفق علماء الإسلام - كما قاله ابن عبد البر فِي كتاب الاستيعاب - على أن كلمة «سلوني قبل أن تفقدوني» ما قالها أحد غير عليّ بن أبِي طالِب إلّا كان كاذباً، وفي الأثر أن قتادة لما قدم من الشام إلى الكوفة وقعد فِي المسجد قال: إن عليّ بن أبِي طالِب قال فِي هذا المسجد «سلوني قبل أن تفقدوني و أنا أقول مثلما قال فاتصل الخبر بأبي حنيفة فقال سلوه عن النملة الّتي كلمت سليمان أذكر أم أنثى، فسألوه فلم يرد جواباً فلما رجعوا إلى أبي حنيفة قال: إنّها كانت أنثى لقول اللّه تعالى: قالت نملة ولم يقل قال نمل، وذلك إن النملة تقع على الذكر و الأنثى كالحمامة والشاة وإنما تميز بينها بعلامة التأنيت، فنظر إلى هذا المعجب بنفسه كيف انقطع هكذا. وجه صاحب الكشاف تحقيق جواب أبي حنيفة وقال ابن الحاجب فِي بعض تصانيفه: إن مثل الشاة والنملة والحمامة تأنيث لفظي، ولذلك كان قول من زعم أن النملة فِي قوله تعالى: قالت نملة أنثى لورود تاء التأنيث فِي قالت وهماً، لجواز أن يكون مذكراً فِي الحقيقة ووردناه التأنيث فِي قالت معهما كورودها فِي فعل المؤنث اللفظي، ولذا قيل افحام قتادة خير من جواب أبي حنيفة.انتهى.
و قواه السيد (الجزائري) وعلى هذا فقد افتضح المدعي وصاحب الجواب بالافحام والغلط. (1)
22 - يقول البحراني رحمة اللّه عليه فِي بعض ما يتعلق بالشافعي وأبي حنيفة: نقل بعض علمائهم أن أم محمّد بن إدريس لما غاب عنها زوجها جاء بعد أربع سنين فوجدها حاملاً بمحمّد فوضعته، فلما بلغ هذا المبلغ من العلم و الرئاسة وعرف ذلك الحال ذهب إلى هذا القول و بعض محققيهم جعل العلة فيه أن أبا حنيفة كان فِي الوجود ولا يجتمع إمامان ناطقان فِي عصر واحد، فاستتر
ص: 309
الشافعي فِي بطن أمه أربع سنين ولما علم بموت أبي حنيفة خرج إلى عالم الوجود.
فانظر رحمك اللّه إلى هذا المولود المبارك و ما جرى من أحواله، وإلى تلك المرأة العفيفة و كيف ألصقت ذلك بزوجها وإلى العلة المذكورة وتلق أسماعهم لها بالقبول فِي شأن هذا الرجل الّذي صار إماماً فِي المذهب.
جملة الأربعين: وأغلب النّاس فِي هذه الأعصار وما قبلها ثابتين على دينه و فتاواه (يا من ناعي الإسلام قم فأنعه)
و هذا الرجل مع وضوح هذا النسب المبارك أوفق بمذهبنا وحب أهل البيت (عَلَيهِم السَّلَامُ) من باقي أئمتهم؛ لأنّه كان يحب أمِير المؤمنين (عَلَيهِ السَّلَامُ) وله من الأشعار و النثر فِي مدائحه و مناقبه كثيرة.
و أما أبو حنيفة: فكان يقول: قال عليّ (عَلَيهِ السَّلَامُ) و أنا أقول خلافاً لقوله. وحكي عنه أنّه كان يقول: خالفت جعفر بن محمّد فِي جميع أقواله و فتاواه ولم يبق إلّا حالة السجود فما أدري أنّه يغمض عينيه أو يفتحهما؛ حتّى أذهب إلى خلافه و أفتي النّاس بنقيض فعله. (1)
أبيات للشافعي والرد عليها من الشيخ يوسف البحراني رحمة اللّه عليه
مما نسب للشافعي:
يا راكبا قف بالمحصب من *** واهتف بساكن خيفها والناهض
سحراً إذا فاض الحجيج إلى منى *** *فيضاً كملتطم الفرات الفايض
لو كان رفضي حب ال محمّد *** فليشهد الثقلان أني رافضي
وله أيضاً:
قالوا ترفضت قلت کلا *** ما الرفض ديني ولا اعتقادي
لوكان حب الوصي رفضاً *** فاني أرفض العباد
وله أيضاً:
لوشق قلبي لراؤا وسطه *** خطان قد خطا بلا كاتب
الشرع والتوحيد فِي جانب *** *وحب أهل البيت فِي جانب
جوابه: للبحراني الجامع لهذا التألیف.
ص: 310
كذبت فِي دعواك يا شافعي *** فلعنة اللّه على الكاذب
بل حب أشياخك فِي جانب *** و بغض أهل البيت فِي جانب
عبدتم الجبت و طاغوته *** دون الإلها الواحد الواجب
فالشرع والتوحيد فِي معزل *** عن معشر النصاب يا ناصبي
قدمتم العجل مع السامري *** على الأميرابن أبي طالب
محضتم بالود عداءه *** من جالب الحرب و من غاصب
و تدعون الحب ما هكذا *** فعل اللبيب الحازم الصايب
قد قرروا فِي الحب شرطاً له *** إن تبغض البغض للصاحب
و شاهدي القران فِي (لاتجد) *** أکرم به من نير ثاقب
وكلمة التوحيد إن لم يكن *** عن الطريق الحقّ بالناكب
و أنتم قررم ضابطاً *** لتدفعوا العيب من الغائب
بأننا نسكت عمّا جری *** من الخلاف السابق الذاهب
ونحمل الكل على محمل *** الخير لنحظى برضى الواهب
تباً لعقل عن طريق الهدى *** أصبح فِي تي تیه الهوى عازب (1)
أقول: إن في فتاوى هذا الشيخ الضال المضل أعني أبا حنيفة عجائب يضحك بها الثكلى ذكر الشيخ العاملي (2) رحمه اللّه شطرا منها من مصادرهم فيقول:
ص: 311
1 . أتاه رجل من المشرق بكتاب سمعه منه فرجع عنه فنادى عام الأول أفتيتني بهذا فهرقت به الدماء و أبحت به النساء قال أبو حنيفة: هذا رأي رجعت عنه قال: أ فيجوز أن ترى من قول غيره أيضا ؟ قال : لا أدري قال: لكني أدري إن من أخذ عنك فهو ضال.
2 . قال الغزالي أجاز أبو حنيفة وضع الحديث على وفق مذهبه.
3 . يوسف بن أسباط قال : قال أبو حنيفة : لو أدركني رسول الله لأخذ بكثير من أقوالي.
4 . الحكم بن هشام قال: قلت لأبي حنيفة ما تقول هو الحق بعينه؟ قال: لا أدري و لعله الباطل بعينه.
5 . في تاريخ بغداد قال شعبة كف من تراب خير من أبي حنيفة.
6 . قال الشافعي نظرت في كتب أصحاب أبي حنيفة فإذا فيها مائة و ثلاثون ورقة خلاف
الكتاب و السنة .
7 . قال سفيان و مالك و حماد والأوزاعي والشافعي ما ولد في الإسلام أشأم من أبي حنيفة.
8 . قال مالك: كانت فتنة أبي حنيفة أضرّ على الأمة من فتنة إبليس.
9 . قال ابن مهدي : ما فتنة على الإسلام بعد الدجال أعظم من فتنة أبي حنيفة. .
10 . قال له الأصمعي : توضأت قال وصلات ؟ قال : أفسدت الفقه فلا تفسد اللغة .
11 . قال له ابن أبي ليلى أ يحل النبيذ والغناء؟ قال : نعم قال أ فيسرك أن تكون أمك نباذة أو مغنية ؟ .
12 . في مجالس ابن مهدي؛ كان أبو حنيفة يشرب مع مساور فلما تنسك عاب مساورا فكتب إليه شعرا
إن كان فقهك لا يتم *** بغير شتمي و انتقاضي
فاقعد و قم بي حيث شئت *** من الأداني و الأقاصي
فلطال ما زكيتني و *** أنا المقيم على المعاصي
أيام تعطيني وتأخذ *** في أباريق الرصاص
ص: 312
فأنفذ إليه أبو حنيفة بمال فكف عنه.
13 . طهر جلد الميتة و الكلب بالدباغ
14 . لو ماتت فأرة في بئر نزح منها عشرون دلوا و لو وقع فيها ذنبه نزحت كلها و لو مات فيها مؤمن طاهر نزحت كلها فسوى بينه و بين ذنب الفأرة.
15 . لو بالت فأرة في بئر فيها ألف قربة نجستها.
16 . يملك المسلم الخمر بشراء وكيله الذمي.
17 . يصح إبراء الوكيل بغير إذن الموكل .
18 . لو زرع بيده الأرض المغصوبة فلا أجرة عليه و لو آجره فالأجرة له.
19 . لو غير المغصوب عن صفته ملكه.
20 . إذا وجب البيع فلا خيار للمجلس بعده.
21 . جوز قبض الموهوب بدون إذن الواهب في المجلس.
22 . النضر بن شميل في كتاب الحيل ثلاثمائة وثلاثون حيلة قال الشافعي كلها كفر منها من قبل حمأته انفسخ نکاح زوجته و من حلف ليتزوجن بريء بالعقد على كافرة أو إحدى محارمه و من حلف ليصومن أو ليصلين فصام بعض يوم أو سجد سجدة لم يحنث في يمينه و من حلف ليطأن زوجته صائمين من غير عذر يلف حريرة و يطأ و لا ينقض صومه و من طلق ثلاثا فأراد زوجها إرجاعها أمرها بالردة فإذا فعلت نكحها.
لكم من فرج محصنة عفيفة *** أحل حرامه بأبي حنيفة
و كم من كل مسألة ظريفة *** تجهمها بآراء سخيفة
فصیر حسنها في الناس قبحا *** و صير طيبها فيهم كجيفة .
23 . جوز الطلاق قبل النكاح.
24 . أوقع سائر العقود من المكرهين مع قوله لا إِكْرَاهَ فِي الدِّينِ و روت عائشة لا طلاق و لا عتاق في إغلاق والإغلاق هنا الإكراه والسكر.
25 . لو تزوج و طلق عقيب العقد بلا فصل و لا دخول لحق به الولد لستة أشهر.
ص: 313
26 . لو عقد عليها بمصر و هي ببغداد لحق به الولد.
27 . لو غاب عن زوجته مدة طويلة و لم يفارق أصحابه فجاءت بولد لحق به. .
28 . لا قود على من قتل بغير حديد من خنق و رض رأس و غيره حتى قيل له في رجل رمى آخر بحجر فقتله فقال لو رماه بأبي قبيس لم أقتله به.
29 . الجنايات الموجبة للحدود إذا تقادم عهدها سقطت .
30 . الشارب إذا زال سكره سقط حده
31 . المثلث الذي لا يسكر حلال و شربه سنة و تحريمه بدعة.
32 . لو سرق بعض الجماعة قطع الجميع حكاه المفيد في المحاسن فأسقط الحد مع وجوبه و أوجبه مع سقوطه.
33 . أسقط النبي صلي الله عليه و آله الزكاة عن الأوقاص والخيل و الرقيق و الخضراوات و الناقص عن خمسة أوسق من الغلات و أوجبها أبو حنيفة في ذلك كله.
ثمّ يذكر قبائح فتاوى الشافعي (1) و يقول:
1 . لو مس المؤمن التقي فرجه أو فرج كلب أو خنزير أو فرج بهيمة أو صغير أو بدن امرأة أجنبية انتقض وضوؤه.
2 . سن مسح الرأس ثلاثا و بمرة لعدم اقتضاء الأمر التكرار.
3 . جوز أكل دود الطعام معه .
4 . کل حیوان طاهر في حياته يطهر جلده إذا مات بدباغه
5 . لا بأس بالصلاة خلف الخوارج لأنهم متأولون و خلف الفاسق و المبدع.
6 . أبطل الصلاة في السفينة إذا كان حبلها مشدودا في موضع نجس.
7 . لو تشهد أو سلم بالفارسية أجزأه
8 . لو جمع بين الظهرين في وقت العصر جاز أن يبدأ بالعصر.
ص: 314
9 . جوز الاعتكاف بغير صوم.
10 . من أفطر في رمضان عمدا لا لعذر قضى ولا كفارة.
11 . من أسلم في بعض يوم و لم يصمه قضاه.
12 . صرف المال إلى النكاح أولى من الحج.
13 . للأبوين منع الولد من حج الإسلام.
14 . لو ذبح الهدي ذمي أجزأه.
15 . اللواط أو إيتاء بهيمة لا يفسد الحج قال ابن الحجاج فرعون لم يحكم بهذا و لا جرت به سنة هامان .
16 . للسلطان أن يقطع شيئا من الشوارع و رحبات الجوامع.
17 . العجم ليسوا أكفاء للعرب و لا العرب لقريش و لا قريش لبني هاشم.
18 . يجوز نكاح البنت من الزنا.
19 . نسب نبينا إلى الرغبة في الحرام حيث قال إذا أبصر امرأة و أعجبته وجب على زوجها طلاقها قال ابن الحجاج
أنت فقيه عالم أحب أن تفتيني *** من قبل أن أضطر في شرح كتاب المزني
20 . أحل أكل الطين الأبيض.
21 . أجاز سماع الغناء بالقصب و شبهه.
22 . الجلاد لا عهدة عليه عند جهله بالحال.
23 . إذا تغلب الفسقة على الولاية فكل من ولوه نفذ حكمه.
و في ذكر آراء مالك بن أنس يقول:
1 . في كامل المبرد و عقد ابن ربه كان مالكا يذكر عليا وعثمان و طلحة والزبير ويقول والله ما اقتتلوا إلا على الثريد الأعفر.
2 . دخل محمد بن الحسن على مالك ليسمع منه الحديث فسمع في داره المزمار و الأوتار فأنكر عليه فقال: إنا لا نرى به بأسا.
ص: 315
3 . في حلية الأولياء و غيرها عن ابن حنبل و أبي داود أن جعفر بن سليمان ضرب مالکا و حلقه و حمله على بعير و روي أنه كان على رأي الخوارج فسئل عنهم فقال ما أقول في قوم ولونا فعدلوا فينا.
4 . قتل شخص أخاه فقال أبوه أنا الوارث و قد عفوت عنه قال مالك ليس لك ذلك وكان الأب إذا سئل يقول أحدهما قتل صاحبه و الآخر قتله مالك .
5 . لو تيقن الطهارة و شك في الحدث بنى على الشك و عن الشافعي لا يحل لمالك أن يفتي.
6 . سؤر الكلب و الخنزير من المائعات مباح و من الماء مكروه.
7 . من لم يجد إلا ماء ولغ فيه كلب توضأ منه .
8 . لعاب الكلب طاهر.
9 . كره التسمية في الصلاة إلا في رمضان.
10 . جعل الاستعاذة بعد القراءة أخذه من ظاهر فَإذا قَرَأْتَ الْقُرْآنَ فَاسْتَعِذْ بِاللَّهِ وجميع أهل المعاني قالوا معناه إذا أردت أن تقرأ مثل إذا أكلت فسم.
11 . جوّز هو والشافعي تقدّم المأموم على الإمام.
12 . لو حلف لا يأكل لحما فأكل شحما حنث ولو عكس لم يحنث و هذا تناقض .
13 . البحري كله حلال و لو طفا . ( يعني السمك الذي مات في الماء فيعلو و يظهر على الماء)
14 . سائر سباع الطير ذي المخلاب وغيره لا بأس بأكله وكذا الوحشي كله إلا الخنزير
15 . لو قال أنت طالق يوم أموت أو تموتين أو يموت زيد ، طلقت في الحال.
16 . لو اعتقد الطلاق بقلبه وقع.
17 . لو طلق الأجنبية ثم تزوجها وقع.
18 . لو قال أنت علي كظهر أمي أو ظهر زيد أو ظهر الدابة وقع.
19 . لو قال كل من أتزوجها فهي طالق فتزوج واحدة طلقت فلو عاد و تزوجها طلقت أيضا.
20 . أكثر الحمل سبع سنين أو خمس أو أربع.
21 . من قطع ذنب حمار القاضي لزم كمال قيمته .
ص: 316
22 . للمخنث أن يستعمل لأنه مالك نفسه.
23 . يحل وطء النساء في أحشاشهن شعر
فحاولها من خلفها فتمنعت *** و قالت معاذ الله من فعل ذلك
فقالت رماك الله في يد مالك *** فقال لها جازت على قول مالك
و في أراء الباطلة لإبن حنبل يقول:
1 . قال الكشي: هو من أولاد ذي الثدية ( رئيس الخوارج الذين حاربوا أميرالمؤمنين عليه السلام) جاهل شديد النصب، يستعمل الحياكة لا يعد من الفقهاء.
2 . هجر الحارث المحاسبي في رده على المبتدعة وقال إن ترد عليهم فقد حكيت قولهم.
3 . في قوت القلوب أنه قال علماء أهل الكلام زنادقة و قال لا يفلح صاحب الكلام أبدا.
4 . في فضائل الصحابة قال صالح بن أحمد بن حنبل لأبيه لم لا تلعن يزيد فقال و متى رأيتني لعنت أحدا فقال ألا تلعن من لعنه الله في كتابه قال أين قال قوله فَهَلْ عَسَيْتُمْ إِنْ تَوَلَّيْتُمْ أَنْ تُفْسِدُوا فِي الْأَرْضِ وَتُقَطِعُوا أَرْحَامَكُمْ أُولئِكَ الَّذِينَ لَعَنَهُمُ اللَّهُ فَأَصَمَّهُمْ وَ أَعْمَى أَبْصَارَهُمْ فهل قطيعة أعظم من القتل.
5 . في مسند جعفر قال أحمد لا يكون الرجل سنيا حتى يبغض عليا و لو قليلا.
6 . منتحل الجدل للغزالي أفتى أحمد بوجوب قتل رجل قال بخلق القرآن فروجع فيه فقال إن رجلا رأى في منامه أن إبليس مر على باب ذلك الرجل فقيل لم لا تدخلها فقال فيها رجل يقول بخلق القرآن أغناني عن دخولها فقام الرجل و قال لو أفتى إبليس بقتلى في اليقظة قبلتموه قالوا لا قال و النوم أولى.
7 . قال الله جوارح من عين ويد و جنب وقدم و ينزل إلى السماء كل ليلة وأفعال العباد منه .
8 . من زعم أن محمدا و عليا خير البشر فهو كافر.
9 . من لا يرى الترحم على معاوية فهو ضال مبتدع .
10 . يجزي المسح على العمامة كإسحاق والأوزاعي و الثوري.
11 . يجوز مسح الرأس بيد غيره و بآلة و مطر يمر على رأسه.
ص: 317
قلْ إِنَّمَا حَرَّمَ رَبِّيَ الْفَوَاحِشَ مَا ظَهَرَ مِنْهَا وَمَا بَطَنَ وَالْإِثْمَ وَالْبَغْيَ بِغَيْرِ الْحَقِّ وَأَنْ تُشْرِكُوا بِاللَّهِ مَا لَمْ يُنَزِّلُ بِهِ سُلْطَانًا وَأَنْ تَقُولُوا عَلَى اللَّهِ مَا لَا تَعْلَمُونَ
1- عن زُرارة قال: شهد أبو كريبة الأزدي و محمّد بنُ مُسلِمٍ التَّقيُّ عِند شريك بشهادة وهو قاضٍ فنظر فِي وجههما مليّاً ثُمّ قال جعفرِيانِ فاطِمِيان فبكيا فقال لهما ما يُبكِيكُما فقالا له نسبتنا إلى أقوامٍ لا يرضون بأمثالنا أن نكون من إخوانهم لما يرون من سخيف ورعنا و نسبتنا إلى رجُلٍ لا يرضى بأمثالنا أن نكون من شِيعَتِهِ فإن تفضّل وقبلنا فلهُ المن علينا والفضل قديماً فتبسّم شرِيكَ ثُمّ قال إذا كانتِ الرّجالُ فلتكن أمثالكم يا وليد أجزهما هذه المرة ولا يعودا ثانيةً قال فحججنا فخبّرنا أبا عبد اللّه (عَلَيهِ السَّلَامُ) بِالقِصَّةِ فقال وما لشريك شركه اللّه يوم القيامةِ بِشِراكينِ من نار. (1)
1- عن أبي كهمش قال: دخلتُ على أبي عبد اللّه (عَلَيهِ السَّلَامُ) فقال لي شهد محمّد بنُ مُسلِم الواسِطِيُّ القصيرُ عِند ابن أبي ليلى بشهادة فردّ شهادتهُ فقُلتُ نعم فقال إذا صرت إلى الكوفة فائت ابن أبي ليلى وقُل له أسألك عن ثلاث مسائل لا تُفتِني فيها بِالقِياسِ ولا تقل قال أصحابنا ثُمّ سلهُ الرّجُلِ يشُكُ فِي الركعتين الأولتينِ من الفريضة و عنِ الرّجُلِ يُصِيبُ جسده أو ثيابه البول كيف يغسِلُهُ و عنِ الرّجُلِ يرمي الجمار بسبع حصياتٍ فتسقط منها واحدةٌ كيف يصنعُ فإذا لم يكُن عِندَهُ فِيها شيء فقُل له يقُولُ لك جعفر بن محمّد ما حملك على أن رددت شهادة رجل أعرف بأحكام اللّه منك وأعلم بِسُنّةِ رَسُولِ اللّه (صَلَّى اللّه عَلَيْهِ وَآلِهِ) منك فقال أبو كهمش فلما قدمتُ الكوفة أتيتُ ابن أبي ليلى قبل أن أصير إلى المنزلِ فقُلتُ لهُ أسألُك عن ثلاث مسائل لا تُفتِنِي فيها بالقياس ولا تقل قال أصحابنا قال هاتِ قُلتُ ما تقُولُ فِي الرّجُلِ يَشُکُ فِي الركعتينِ الأولتين من
ص: 318
الفريضة فأطرق ثُمّ رفع رأسه إلي فقال قال أصحابنا فقُلتُ له هذا شرطي عليك أن لا تقول قال أصحابنا فقال ما عِندِي فِيها شيءٌ فقُلتُ لهُ ما تَقُولُ فِي الرَّجُلِ يُصِيبُ جسده أو ثِيابه البول كيف يغسِلُهُ فأطرق ثُمّ رفع رأسه فقال قال أصحابنا فقُلتُ هذا شرطي عليك فقال ما عِندِي فِيها شيءٌ فقُلتُ فرجُلٌ رمي الجمار بِسبع حصيات فسقطت منه حصاةٌ كيف يصنعُ فطأطأ رأسهُ ثُمّ رفع رأسه فقال قال أصحابنا فقُلتُ أصلحك اللّه هذا شرطي عليك فقال ليس عِندِي فِيها شيءٌ فقُلتُ يَقُولُ لك جعفر بن محمّد (عَلَيهِمَا السَّلَامُ) ما حملك على أن رددت شهادة رجل أعرف بأحكام اللّه منك و أعرف بِسُنّةِ رَسُولِ اللّه (صَلَّى اللّه عَلَيْهِ وَآلِهِ) منك فقال ومن هُو فقُلتُ محمّد بنُ مُسلِم الواسِطِيُّ القصيرُ قال فقال اللّه جعفر بن محمّد قال لك هذا قال فقُلتُ اللّه لقال لي جعفر بن محمّد (عَلَيهِمَا السَّلَامُ) هذا قال فأرسل إلى محمّد بنِ مُسلِمٍ فدعاه فشهد عندهُ بِتِلك الشهادة فأجاز شهادته. (1)
2 - عن سعيد بن أبي الخصيب و غيره أنّه قال الصَّادق (عَلَيهِ السَّلَامُ) لإبن أبي ليلى أتقضي بين النّاس يا عبد الرّحمن قال نعم يا ابن رسُولِ اللّه قال بِأيّ شيءٍ تقضي قال بِكِتابِ اللّه قال فما لم تجد فِي كِتابِ اللّه قال من سُنّةِ رَسُولِ اللّه (صَلَّى اللّه عَلَيْهِ وَآلِهِ) وما لم أجدهُ فِيهما أخذتُهُ عنِ الصحابة بما اجتمعوا عليه قال فإِذا اختلفُوا فيقول من تأخُذُ مِنهُم قال بقول من أردتُ و أُخَالِفُ الباقين قال فهل تُخالِفُ عليّاً فيما بلغك أنّه قضى بهِ قال رُبّما خالفتُهُ إلى غيره منهم قال أبو عبدِ اللّه (عَلَيهِ السَّلَامُ) ما تقولُ يوم القيامةِ إِذا رسُولُ اللّه (صَلَّى اللّه عَلَيْهِ وَآلِهِ) قال أي ربّ إِنّ هذا بلغهُ عنِّي قول فخالفه قال و أين خالفتُ قوله يا ابن رسُولِ اللّه قال فبلغك أنّ رسُول اللّه قال أقضاكُم علي قال نعم قال فإذا خالفت قوله لم تُخالف قول رسول اللّه (صَلَّى اللّه عَلَيْهِ وَآلِهِ) فاصفر وجه ابن أبي ليلى وسكت. (2)
3 - عن داود بن فرقد قال حدّثني رجُلٌ عن سعيد بن أبي الخضيب البجلي قال: كُنتُ مع ابن أبي ليلى مُزامِلهُ حتّى جِئنا إلى المدينة فبينا نحنُ فِي مسجِدِ الرّسولِ (صَلَّى اللّه عَلَيْهِ وَآلِهِ) إذ دخل جعفربن محمّد (عَلَيهِ السَّلَامُ) فقُلتُ لابن أبي ليلى تقُومُ بِنا إليه فقال وما نصنعُ عِندَهُ فَقُلتُ نُسَائِلُهُ وتُحدِّتُهُ فقال قُم فقُمنا إليهِ
ص: 319
فساء لني عن نفسي وأهلي ثُمّ قال من هذا معك فقُلتُ ابن أبي ليلى قاضي المسلمين فقال له أنت ابن أبي ليلى قاضي المسلمين قال نعم قال تأخُذُ مال هذا فتُعطيه هذا و تقتل وتفرق بين المرء وزوجه لا تخافُ فِي ذلك أحداً قال نعم قال فبأي شيء تقضي قال بما بلغني عن رسول اللّه (صَلَّى اللّه عَلَيْهِ وَآلِهِ) و عن عليّ (عَلَيهِ السَّلَامُ) و عن أبي بكر و عمر قال فبلغك عن رسول اللّه (صَلَّى اللّه عَلَيْهِ وَآلِهِ) أنّه قال إِن عليّاً (عَلَيهِ السَّلَامُ) أقضاكُم قال نعم قال فكيف تقضي. بغير قضاء عليّ (عَلَيهِ السَّلَامُ) وقد بلغك هذا فما تقُولُ إِذا جِيء بِأَرضِ من فِضَّةٍ وسماءٍ من فِضَّةٍ ثُمّ أَخذ رَسُولُ اللّه (صَلَّى اللّه عَلَيْهِ وَآلِهِ) بيدك فأوقفك بين يدي ربّك فقال يا ربّ إنّ هذا قضى بغير ما قضيت قال فاصفر وجه ابن أبي ليلى حتّى عاد مثل الزعفرانِ ثُمّ قال لي التمس لنفسك زميلًا و اللّه لا أُكَلِّمُكَ من رَأْسِي كلمةً أبداً. (1)
1- عن رجُلٍ من قُريش من أهل مكّة قال: قال سفيان الثوري اذهب بنا إلى جعفر بن محمّد (عَلَيهِمَا السَّلَامُ) قال فذهبتُ معه إليه فوجدناه قد ركب دابته فقال له سُفيان يا أبا عبد اللّه حدّثنا بِحدِيثِ خُطبة رسُولِ اللّه (صَلَّى اللّه عَلَيْهِ وَآلِهِ) فِي مسجِدِ الخيفِ قال دعني حتّى أذهب فِي حاجتي فإنّي قد ركبتُ فإذا جئتُ حدّثتك فقال أسألك بقرابتك من رسُولِ اللّه (صَلَّى اللّه عَلَيْهِ وَآلِهِ) لما حدّثتني قال فنزل فقال لهُ سُفيانُ مُرلِي بِدواةٍ وقرطاس حتّى أُثبته فدعا بِهِ ثُمّ قال اكتُب بِسمِ اللّه الرّحمن الرَّحِيمِ خُطبةُ رسُولِ اللّه (صَلَّى اللّه عَلَيْهِ وَآلِهِ) فِي مسجِدِ الخيفِ نصر اللّه عبداً سمع مقالتي فوعاها وبلّغها من لم تبلغه يا أيُّها النّاس لِيُبلّغ الشَّاهِدُ الغائِب فرُبّ حامِلِ فِقهِ ليس بِفقِيهِ ورُبِّ حَامِلِ فِقهِ إِلى من هُو أفقه مِنهُ ثلاث لا يُغِلُّ عليهِنَّ قلب امرِي مُسلِمٍ إخلاص العمل للّه والنصيحة لأئمة المسلمين و اللُّزُومُ لِجماعتِهِم فإنّ دعوتهم مُحيطةٌ من ورائهم المؤمِنُون إِخوة تتكافى دِمَاؤُهُم وهُم يد على من سواهم يسعى بِذِمَّتِهم أدناهُم فكتبهُ ثُمّ عرضه عليهِ و ركب أبو عبد اللّه (عَلَيهِ السَّلَامُ) و وجِئتُ أنا و سُفيانُ فلَمّا كُنّا فِي بعض الطَّرِيقِ فقال لي كما أنت حتّى أنظر فِي هذا الحديث فقُلتُ له قد و اللّه ألزم أبو عبد اللّه (عَلَيهِ السَّلَامُ) رقبتك شيئاً لا يذهب من رقبتك أبداً فقال وأيُّ شيءٍ ذلك فقُلتُ له
ص: 320
ثلاث لا يُغِلُّ عليهِنَّ قلب امرِيَّ مُسلِمٍ إِخلاص العمل للّه قد عرفناه والنصيحة لأيمة المسلمِين من هؤلاء الأئمّة الّذين تجِبُ علينا نصيحتهم مُعاوِيَةُ بنُ أَبِي سُفيان ويَزِيدُ بنُ مُعَاوِيَة و مروان بن الحكم وكُلُّ من لا تجوز شهادتهُ عِندنا ولا تجوز الصَّلاة خلفهم وقوله واللُّرُومُ لجماعتِهم فأيُّ الجماعةِ مُرجِيٌّ يَقُولُ من لم يُصلِّ ولم يصم ولم يغتسل من جنابة و هدم الكعبة ونكح أُمّه فهو على إيمان جبرئيل وميكائيل أو قدرِيٌّ يَقُولُ لَا يَكُونُ ما شاء اللّه عزّو جل ويكون ما شاءه إبليس أو حرُورِي يبرأُ من عليّ بن أبِي طالِب و شهد عليه بالكفر و جهمِيُّ يَقُولُ إِنّا هِي معرفة اللّه وحده ليس الإيمان شيء غيرها قال ويحك وأي شيءٍ يَقُولُون فقُلتُ يقولون إن عليّ بن أبِي طالِب واللّه الإمامُ الّذي يجب علينا نصيحتُهُ ولُزُومُ جماعةِ أَهلِ بيته قال فأخذ الكتاب فخرقه ثُمّ قال لا تُخبر بها أحداً. (1)
ص: 321
1 - عَن زَيدِ الشَّحَامِ قَالَ: دَخَلَ قَتَادَةُ بْنُ دِعَامَةَ (1) عَلَى أَبِي جعفر علیه السلام فَقَالَ: يَا قَتَادَةُ أَنتَ فَقِيهُ أَهْلِ البَصَرَةِ ؟ فَقَالَ هَكَذَا يَرْعُمُونَ! فَقَالَ أَبُو جَعْفَرٍ عليه السلام بَلَغَنِي أَنَّكَ تُفَسِرُ القُرْآنَ فَقَالَ لَهُ قَتَادَةُ نَعَم ! فَقَالَ لَهُ أَبو جعفر عليه السلام بِعِلمٍ تُفَسِّرُهُ أَمْ بِجَهْلٍ قَالَ لَا بِعِلمٍ فَقَالَ لَهُ أَبُو جَعْفَرٍ عَليه السلام فَإِن كُنتَ تُفَسِّرُهُ بِعِلمٍ فَأَنتَ أَنتَ وَ أَنَا أَسْأَلُكَ قَالَ قَتَادَةُ سَل قَالَ أَخبِرْنِي عَن قَولِ اللَّهِ عزَّوجَل فِي سَبَإٍ وَ قَدَّرْنا فِيهَا السَّيرَسِيرُوا فِيها لَيالِي وَأَيَّاماً آمِنِينَ فَقَالَ قَتَادَةُ ذَلِكَ مَن خَرَجَ مِن بَيْتِهِ بِزَادٍ حَلَالٍ وَ رَاحِلَةٍ وَكِرَاءٍ حَلَالٍ يُرِيدُ هَذَا البَيتَ كَانَ آمِناً حَتَّى يَرجِعَ إِلَى أَهْلِهِ فَقَالَ أَبُو جَعْفَرٍ عليه السلام نَشَدتُكَ اللَّهَ يَا قَتَادَةُ هَل تَعلَمُ أَنَّهُ قَد يَحْرُجُ الرَّجُلُ مِن بَيتِهِ بِزَادٍ حَلَالٍ وَ رَاحِلَةٍ وَ كِرَاءٍ حَلَالٍ يُرِيدُ هَذَا البَيتَ فَيُقطَعُ عَلَيْهِ الطَّرِيقُ فَتُذهَبُ نَفَقَتُهُ وَيُضْرَبُ مَعَ ذَلِكَ ضَرَبَةً فِيهَا اجْتِيَاحُهُ قَالَ قَتَادَةُ اللَّهُمَّ نَعَم فَقَالَ أَبُو جَعَفَرِ عَليه السلامِ وَيْحَكَ يَا قَتَادَةُ إِن كُنتَ إِنَّمَا فَسَّرتَ القُرآنَ مِن تِلقَاءِ نَفْسِكَ فَقَد هَلَكتَ وَ أَهْلَكتَ وَ إِن كُنتَ قَد أَخَذْتَهُ مِنَ الرِّجَالِ فَقَد هَلَكتَ وَ أَهْلَكتَ وَيْحَكَ يَا قَتَادَةُ ذَلِكَ مَن خَرَجَ مِن بَيْتِهِ بِزَادٍ وَ رَاحِلَةٍ وَ كِرَاءٍ حَلَالٍ يَرُومُ هَذَا البَيتَ عَارِفاً بِحَقِّنَا يَهْوَانَا قَلْبُهُ كَمَا قَالَ اللهُ عَزَوجَل فَاجْعَل أَفْئِدَةً مِنَ النَّاسِ تَهْوِي إِلَيهِم وَ لَم يَعنِ البَيتَ فَيَقُولَ إِلَيهِ فَنَحْنُ وَاللَّهِ دَعوَةُ إِبْرَاهِيمَ عليه السلام الَّتِي مَن هَوَانَا قَلبُهُ قُبِلَت حَجَّتُهُ وَإِلَّا فَلَا يَا قَتَادَةُ فَإِذَا كَانَ كَذَلِكَ كَانَ آمِناً مِن عَذَابِ جَهَنَّمَ يَوْمَ الْقِيَامَةِ قَالَ قَتَادَةُ لَا جَرَمَ وَاللَّهِ لَا فَسَّرْتُهَا إِلَّا هَكَذَا فَقَالَ أَبُو جَعْفَرٍ عَليه السلام وَيْحَكَ يَا قَتَادَةُ إِنَّمَا يَعرِفُ القُرآنَ مَن خُوطِبَ بِهِ.(2)
2 - عَن أَبِي حَمْزَةَ الثَّمَالِي قَالَ: كُنتُ جَالِساً فِي مَسجِدِ الرَّسُولِ صلى اللَّهُ عليهِ ووَلَهِ إِذَا أَقْبَلَ رَجُلٌ فَسَلَّمَ فَقَالَ مَن أَنتَ يَا عبد الله ؟ قُلتُ رَجُلٌ مِن أَهلِ الكُوفَةِ فَقُلتُ: مَا حَاجَتُكَ ؟ فَقَالَ لِي: أَتَعرِفُ أَبَا جَعْفَرٍ مُحَمَّدَ بنَ عَلِي عليه السلام؟ فَقُلْتُ: نَعَم ! فَمَا حَاجَتُكَ إِلَيْهِ ؟ قَالَ: هَيَّأْتُ لَهُ أَرْبَعِينَ مَسأَلَةً أَسْأَلُهُ عَنهَا فَمَا كَانَ مِن حَقِّ أَخَذْتُهُ وَ مَا كَانَ مِن بَاطِلٍ تَرَكْتُهُ قَالَ أَبُو حَمْزَةَ فَقُلتُ لَهُ هَل تَعرِفُ مَا بَينَ الحَقِّ وَالبَاطِلِ قَالَ نَعَم فَقُلتُ لَهُ فَمَا حَاجَتُكَ إِلَيْهِ إِذَا كُنتَ تَعرِفُ مَا بَينَ الحَقِّ وَالبَاطِلِ فَقَالَ لِي يَا أَهْلَ الكُوفَةِ أَنتُم قَوْمٌ مَا تُطَاقُونَ إِذَا رَأَيْتَ أَبَا جَعْفَرٍ عليه السلام فَأَحْبِرْنِي
ص: 322
فَمَا انقَطَعَ كَلَامِي مَعَهُ حَتَّى أَقْبَلَ أَبُو جَعْفَرٍ عليه السلام وَ حَولَهُ أَهلُ خُرَاسَانَ وَغَيْرُهُم يَسْأَلُونَهُ عَن مَنَاسِكِ الحَجّ فَمَضَى حَتَّى جَلَسَ مَجلِسَهُ وَ جَلَسَ الرَّجُلُ قَرِيباً مِنهُ قَالَ أَبُو حَمْزَةَ فَجَلَسْتُ حَيثُ أَسْمَعُ الكَلَامَ وَ حَولَهُ عَالَمٌ مِنَ النَّاسِ فَلَمَّا قَضَى حَوَائِجَهُم وَانصَرَفُوا التَفَتَ إِلَى الرَّجُلِ فَقَالَ لَهُ مَن أَنتَ قَالَ أَنَا قَتَادَةُ مِنْ دِعَامَةَ البَصْرِيُّ فَقَالَ لَهُ أَبُو جَعْفَرٍ عَليه السلام: أَنتَ فَقِيهُ أَهْلِ البَصرَةِ قَالَ نَعَم فَقَالَ لَهُ أَبُو جَعْفَرٍ عليه السلام : وَيْحَكَ يَا قَتَادَةُ إِنَّ اللَّهَ جَلَّ وَعَزَّ خَلَقَ خَلَقاً مِن خَلقِهِ فَجَعَلَهُم حُجَجاً عَلَى خَلْقِهِ فَهُم أَوتَادٌ فِي أَرْضِهِ قُوَامٌ بِأَمْرِهِ نُجَبَاءُ فِي عِلْمِهِ اصْطَفَاهُم قَبْلَ خَلْقِهِ أَظِلَّةٌ عَن يَمِينِ عَرشِهِ قَالَ فَسَكَتَ قَتَادَةُ طَوِيلًا ثُمَّ قَالَ أَصْلَحَكَ اللَّهُ وَاللَّهِ لَقَد جَلَستُ بَينَ يَدَي الفُقَهَاءِ وَ قُدَّامَ ابْنِ عَبَّاسٍ فَمَا اضْطَرَبَ قَلِي قُدَّامَ وَاحِدٍ مِنهُم مَا اضْطَرَبَ قُدَّامَكَ قَالَ لَهُ أَبُو جَعفَرِع وَيْحَكَ أَتَدرِي أَينَ أَنتَ أَنتَ بَينَ يَدَيِ بُيُوتٍ أَذِنَ اللَّهُ أَن تُرْفَعَ وَ يُذْكَرَ فِيهَا اسْمُهُ يُسَبِّحُ لَهُ فِيها بِالغُدُةِ وَالآصَالِ . رِجالٌ لا تُلهِيهِم تِجَارَةٌ وَلا بَيعٌ عَن ذِكرِ اللَّهِ وَإِقَامِ الصَّلَاةِ وَإِيتَاءِ الزَّكَاةِ فَأَنتَ ثَمَّ وَ نَحْنُ أُولَئِكَ فَقَالَ لَهُ قَتَادَةُ صَدَقَتَ وَاللهِ جَعَلَنِيَ اللهُ فِدَاكَ وَ اللَّهِ مَا هِيَ بُيُوتُ حِجَارَةٍ وَ لَا طِينٍ قَالَ قَتَادَةُ فَأَخبِرنِي عَنِ الْجُبْنِ قَالَ فَتَبَسَّمَ أَبُو جَعْفَرٍ عَليه السلام ثُمَّ قَالَ رَجَعَت مَسَائِلُكَ إِلَى هَذَا قَالَ ضَلَّت عَلَيَّ فَقَالَ لَا بَأْسَ بِه ...(1)
1- عن القاسِمِ بنِ مُعاوية قال: قُلتُ لأبي عبد اللّه (عَلَيهِ السَّلَامُ) هؤلاء يروون حدِيثاً فِي مِعراجِهِم أَنَّهُ لَا أُسري برسول اللّه (صَلَّى اللّه عَلَيْهِ وَآلِهِ) رأى على العرش لا إله إلّا اللّه محمّد رَسُولُ اللّه أبو بكر الصِّدِّيقُ فقال سُبحان اللّه غيرُوا كلّ شيءٍ حتّى هذا قُلتُ نعم قال إنّ اللّه عزّ و جلّ لما خلق العرش كتب على قوائمهِ لا إله إلّا اللّه محمّد رَسُولُ اللّه عليُّ أمِير المؤمنين و لما خلق اللّه عزّ و جلّ الماء كتب فِي مجراه لا إله إلّا اللّه محمّد رسولُ اللّه عليُّ أمِير المؤمنين ولَما خلق اللّه عزّ و جلّ الكرسي كتب على قوائمه لا إِله إِلَّا اللّه محمّد رَسُولُ اللّه علي أمِير المؤمنين و لَمَّا خلق اللّه عزّ و جلّ اللوح كتب فِيهِ لا إِله إِلَّا اللّه محمّد رَسُولُ اللّه على أمِير المؤمنين و لما خلق اللّه عزّ و جلّ إسرافيل كتب على جبهتِهِ لا إِله إِلَّا اللّه محمّد رَسُولُ اللّه على أمِير المؤمنين و لما خلق اللّه عزّ و جلّ جبرئيل كتب على جناحِهِ لا إله إلّا اللّه
ص: 323
محمّد رسُولُ اللّه على أمِير المؤمنين ولما خلق اللّه السّماوات كتب فِي أكنافها لا إِله إِلَّا اللّه محمّد رَسُولُ اللّه عليُّ أمِير المؤمنين و لما خلق اللّه عزّ و جلّ الأرضين كتب فِي أطباقها لا إله إلّا اللّه محمّد رَسُولُ اللّه عليُّ أمِير المؤمنين ولَما خلق اللّه عزّ و جلّ الجبال كتب فِي رُءُوسِها لا إِله إِلَّا اللّه محمّد رَسُولُ اللّه على أمِير المؤمنين و لما خلق اللّه عزّوجلّ الشَّمس كتب عليها لا إِله إِلَّا اللّه محمّد رَسُولُ اللّه على أمِير المؤمنين و لما خلق اللّه عزّ و جلّ القمر كتب عليهِ لا إِله إِلَّا اللّه محمّد رَسُولُ اللّه علي أمِير المؤمنين و هُو السّوادُ الّذي ترونه فِي القمر فإذا قال أحدُكُم لا إِله إِلَّا اللّه محمّد رَسُولُ اللّه فليقل علي أمِير المؤمنين وليُّ اللّه. (1)
1 - طلحة بن عميرة قال: نشد عليّ (عَلَيهِ السَّلَامُ) النّاس فِي قولِ النَّبيّ (صَلَّى اللّه عَلَيْهِ وَآلِهِ) من كُنتُ مولاه فعليٌّ مولاه فشهد اثنا عشر رجلًا من الأنصار و أنس بن مالك حاضر لم يشهد فقال عليّ (عَلَيهِ السَّلَامُ) يا أنس ما منعك أن تشهد وقد سمعت ما سَمِعُوا قال كبِرتُ ونسِيتُ فقال له (عَلَيهِ السَّلَامُ) اللّهمّ إن كان كاذباً فاضربه ببياض أو بوضح لا تُوارِيهِ العمامة قال أبو عميرة فأشهدُ بِاللّه لقد رأيتُهُ بيضاء بين عينيه. (2)
2 - عن زيد بن أرقم أنّه قال: نشد عليّ (عَلَيهِ السَّلَامُ) النّاس فِي المسجدِ فقال أنشُدُ رَجُلًا سمع من النَّبيّ (صَلَّى اللّه عَلَيْهِ وَآلِهِ) يقُولُ من كُنتُ مولاه فعلي مولاه اللّهمّ وال من والاه و عاد من عاداه فقام اثنا عشر بدرِيّاً ستة من الجانب الأيمن وستّةٌ من الجانب الأيسر فشهِدُوا بِذلِك قال زيد وكُنتُ فيمن سمع ذلك فكتمتُهُ فذهب اللّه بِبصري وكان يتندّمُ على ما فاتهُ من الشّهادة ويستغفر. (3)
ص: 324
1- رُوي أنّ الحجّاج بن يُوسُف لَمّا خرّب الكعبة بسببٍ مُقاتلة عبد اللّه بنِ الزُّبيرثُمَّ عمرُوها فَلَمّا أُعِيد البيتُ و أرادوا أن ينصبوا الحجر الأسود فكلما نصبه عالم من علمائهم أو قاض من قُضاتِهم أو زاهِدٌ من زُهّادِهِم يتزلزل ويضطرِبُ ولا يستقِرُّ الحجر فِي مكانه فجاءه علي بن الحسين (عَلَيهِمَا السَّلَامُ) وأخذهُ من أيديهم وسمى اللّه ثُمّ نصبه فاستقر فِي مكانه وكبّر النّاس ولقد ألهم الفرزدق فِي قوله (1)
يكادُ يُمسكه عرفان راحته *** ركن الحطيم إذا ما جاء يستلم
1- عن سدير قال: سمعت أبا جعفر (عَلَيهِ السَّلَامُ) وهو داخِل و أنا خارج و أخذ بيدي ثُمّ استقبل البيت فقال يا سدِيرُ إِنّما أَمِر النّاس أن يأتوا هذِهِ الأحجار فيطوفُوا بِها ثُمّ يَأْتُونا فيُعلِمُونا ولايتهم لنا وهُو قولُ اللّه (وَإِنِّي لَغَفَّارٌ لِمَنْ تَابَ وَآمَنَ وَعَمِلَ صَالِحًا ثُمَّ اهْتَدَى)(2) ثُمّ أومأ بيده إلى صدره إلى ولايتنا ثُمّ قال يا سدِيراً فأُرِيك الصّادِين عن دِينِ اللّه ثُمّ نظر إلى أبي حنيفة وسُفيان الثوري فِي ذلك الزمانِ وهُم حلق فِي المسجِدِ فقال هؤلاءِ الصّادُّون عن دِينِ اللّه بِلا هُدًى من اللّه ولا كِتابٍ مُبِينٍ إِنّ هؤلاء الأخابث لو جلسُوا فِي بُيُوتِهم فجال النّاس فلم يجدوا أحداً يُخبِرُهم عنِ اللّه تبارك وتعالى وعن رسوله (صَلَّى اللّه عَلَيْهِ وَآلِهِ) حتّى يأتونا فتخبرهم عن اللّه تبارك وتعالى و عن رسُولِهِ (صَلَّى اللّه عَلَيْهِ وَآلِهِ). (3)
ص: 325
1- عن أبي ولاد الحنّاطِ قال: إكتريتُ بغلًا إلى قصر ابن هبيرة ذاهباً و جائياً بكذا وكذا و خرجتُ فِي طلب غريم لي فلَمّا صِرتُ قُرب قنطرة الكوفة أُخبِرتُ أن صاحبي توجه إلى النيل فتوجهتُ نحوالنيل فلما أتيتُ النيل أُخبِرتُ أنّ صاحِي توجّه إلى بغداد فاتبعتُهُ و ظَفِرتُ بِهِ و فرغتُ مِمّا بيني وبينه و رجعنا إلى الكوفة وكان ذهابي ومجيئي خمسة عشر يوماً فأخبرتُ صاحب البغل بِعُذرِي وأردتُ أن أتحلّل مِنهُ تِما صنعتُ و أرضِيهُ فبذلتُ خمسة عشر درهما فابى أن يقبل فتراضينا بأبي حنيفة فأخبرتُهُ بِالقِصَّةِ وأخبره الرّجُلُ فقال لي ما صنعت بالبغل فقُلتُ قد دفعته إليهِ سَلِيماً قال نعم بعد خمسة عشر يوماً قال فما تُرِيدُ من الرّجُلِ قال أُرِيدُ كِرى بغلي فقد حبسه على خمسة عشر يوماً فقال ما أرى لك حقّاً لأنّه اكتراه إلى قصر ابن هبيرة فخالف وركبه إلى النِّيلِ وإلى بغداد فضمِن قيمة البغل وسقط الكرى فلَمّا ردّ البغل سليماً وقبضته لم يلزمه الكرى قال فخرجنا من عِندِهِ وجعل صاحِبُ البغل يسترجِعُ فرحمتُهُ مِمّا أفتى بِهِ أبو حنيفة فأعطيتُه شيئاً وتحلّلتُ مِنهُ فحججتُ تِلك السنة فأخبرتُ أبا عبد اللّه (عَلَيهِ السَّلَامُ) بما أفتى بِهِ أَبُو حنيفة فقال لِي فِي مِثلِ هذا القضاء و شبهه تحبِسُ السّماءُ ماءها وتمنع الأرضُ بركتها قال فقُلتُ لأبي عبد اللّه (عَلَيهِ السَّلَامُ) فما ترى أنت قال أرى له عليك مثل كرى بغل ذاهباً من الكوفة إلى النِّيلِ ومِثل كرى بغل راكِباً من النِّيلِ إِلى بغداد و مِثل كرى بغل من بغداد إلى الكُوفَةِ تُوفِّيهِ إياه قال فقُلتُ جُعِلتُ فِداك قد علفتُهُ بِدراهم فلي عليهِ علفُه فقال لا لأنّک غاصِبٌ فقُلتُ أ رأيت لو عطب البغل ونفق أليس كان يلزمني قال نعم قيمةُ بغل يوم خالفتهُ قُلتُ فإن أصاب البغل كسر أو دبر أو غمز فقال عليك قيمةُ ما بين الصحة والعيب يوم تردُّهُ عليهِ قُلتُ فمن يعرِفُ ذلك قال أنت وهُو إما أن يحلف هُو على القِيمة فيلزمك فإن رد اليمين عليك فحلفت على القيمة لزمه ذلِك أو يأتي صاحِبُ البغلِ بِشُهُودٍ يشهدون أن قيمة البغل حين أكرى كذا و كذا فيلزمك قُلتُ إِن كُنتُ أعطيتُه دراهم ورضي بها وحلّلني فقال إنّما رضي بها وحلّلك حين قضى عليه أبو حنيفة بالجور والظلم ولكن ارجع إليه فأخبره بما أفتيتُك بِهِ فإن جعلك فِي حِلّ بعد معرفتِهِ فلا شيء عليك بعد ذلك قال أبو ولادٍ فلما انصرفتُ من وجهي ذلك لقيتُ المكاري فأخبرتُهُ بِما أفتاني بِهِ أبو عبد اللّه (عَلَيهِ السَّلَامُ) وقُلتُ
ص: 326
لهُ قُل ما شئت حتّى أعطيكه فقال قد حبّبت إلي جعفر بن محمّد (عَلَيهِمَا السَّلَامُ) و وقع فِي قلبي له التفضيل وأنت فِي حِلّ و إن أحببت أن أردّ عليك الّذي أخذتُهُ مِنك فعلتُ. (1)
1- عن أبي عبد اللّه (عَلَيهِ السَّلَامُ) قال: لعن اللّه أصحابَ القِياس فإنهم غيّروا كلام اللّه وسنّة رَسُولِهِ (صَلَّى اللّه عَلَيْهِ وَآلِهِ) واتهموا الصَّادقين فِي دِينِ اللّه عزّو جلّ. (2)
2 - عن عِيسى بن عبد اللّه القُرشِيّ قال: دخل أبو حنيفة على أبي عبد اللّه (عَلَيهِ السَّلَامُ) فقال له يا أبا حنيفة بلغني أنك تقيس قال نعم قال لا تقس فإنّ أوّل من قاس إبليس حين قال (خَلَقْتَنِي مِنْ نَارٍ وَخَلَقْتَهُ مِنْ طِينٍ) (3) فقاس ما بين النّارِ والطين ولوقاس نُورِيّة آدم بِنُورِيَّةِ النَّارِ عرف فضل ما بين النُّورينِ وصفاء أحدِهِما على الآخر. (4)
3 - عن سماعة عن عن العبد الصّالح (عَلَيهِ السَّلَامُ) قال: سألتُهُ فقُلتُ إِنْ أُناساً من أصحابنا قد لقُوا أباك وجدك و سَمِعُوا مِنهُما الحديث فرُبّما كان شيءٌ يُبتلى بِهِ بعضُ أصحابنا وليس فِي ذلِك عِندهم شيءٌ يُفتِيهِ و عِندهُم ما يُشبِهُهُ يسعُهُم أن يأخُذُوا بِالقِياسِ فقال لا إما هلك من كان قبلكم بِالقِياس فقُلتُ لهُ لِم لا يُقبلُ ذلِك فقال لأنّه ليس من شيءٍ إِلّا وجاء فِي الكتابِ والسُّنّةِ. (5)
ص: 327
1 - قال أبو عبد اللّه (عَلَيهِ السَّلَامُ) لا خير فيمن لا يتفقّهُ من أصحابنا يا بشِيرُ إِنَّ الرّجُل مِنهُم إِذا لم يستغنِ بِفقههِ احتاج إليهم فإذا احتاج إليهم أدخلُوهُ فِي بابِ ضلالتهم وهو لا يعلمُ. (1)
2 - عن محمّد بنِ حكيم قال: قُلتُ لأبي الحسنِ مُوسى (عَلَيهِ السَّلَامُ) جُعِلتُ فِداك فُقِهنا فِي الدِّينِ و أغنانا اللّه بِكُم عنِ النّاس حتّى إن الجماعة مِنا لتكون فِي المجلس ما يسأل رجل صاحِبه تحضُره المسألة ويحضُره جوابها فيما من اللّه علينا بِكُم فربّما ورد علينا الشّيءُ لم يأتِنا فِيهِ عنك و لا عن آبائِك شيء فنظرنا إلى أحسن ما يحضُرنا و أوفق الأشياء لما جاءنا عنكُم فنأخُذُ بِهِ فقال هيهات هيهات فِي ذلك واللّه هلك من هلك يا بن حكيم قال ثُمّ قال لعن اللّه أبا حنيفة كان يقُولُ قال علي وقُلتُ: قال محمّد بنُ حكيم هشام بن الحكم واللّه ما أردتُ إِلَّا أَن يُرخّص لِي فِي القياس. (2)
1 - عن ميمُونِ بنِ عبد اللّه، قال: أتى قوم أبا عبد اللّه (عَلَيهِ السَّلَامُ) يسألونه الحديث من الأمصار، وأنا عِنده فقال لي: أتعرفُ أحداً من القومِ قُلتُ لا، فقال فكيف دخلوا عليّ قُلتُ هؤلاءِ قومٌ يطلُبُون الحديث من كلّ وجهِ لا يُبالون من أخذُوا الحديث، فقال لِرَجُلٍ مِنهم: هل سمعت من غيرِي من الحديثِ قال نعم، قال: فحدّثني ببعض ما سمِعت قال إنّما جِئتُ لأسمع منك لم أَجِيْ أُحدِتُك و قال للآخر: ذاك ما يمنعُهُ أن يُحدّثني ما سمعت، قال : وتتفضّل أن تُحدّثني ما سمعت ! أجعل الّذي حدّثك حديثه أمانةٌ لا تُحدِّثُ بِهِ أحداً قال لا، قال فأسمعنا بعض ما اقتبست من العلم حتّى تفيدك إن شاء اللّه ! قال حدّثني سُفيانُ الثّورِيُّ عن جعفر بن محمّد قال: النّبيذُ كُلُّهُ حلال إِلَّا الخمر، ثُمّ سكت، فقال أبو عبد اللّه (عَلَيهِ السَّلَامُ) زدنا ! قال حدّثني سُفيان عمّن حدّثه عن محمّدِ بنِ عليٍّ أنّه قال: من لا يمسحُ على خُفِّيهِ فهو صاحِبُ بِدعةٍ، ومن لم يشرب النبيذ فهو مُبتدِعٌ و من لم ياكل الجريث وطعام أهلِ الدِّمَةِ و ذبائحهم فهو ضال، أمّا النَّبِيذُ فقد شرِبهُ عُمرُنبِيذ زبيب
ص: 328
فرشّحه بالماء، وأمّا المسحُ على الخفّينِ : فقد مسح عُمرُ على الخفِّينِ ثلاثاً فِي السفرِو يوماً و ليلةً فِي الحضر، وأمّا الذبائح: فقد أكلها عليّ (عَلَيهِ السَّلَامُ) فقال كُلوها فإنّ اللّه تعالى يقولُ: (الْيَوْمَ أُحِلَّ لَكُمُ الطَّيِّبَاتُ وَطَعَامُ الَّذِينَ أُوتُوا الْكِتَابَ حِلٌّ لَكُمْ وَطَعَامُكُمْ حِلٌّ لَهُمْ) (1)، ثُمّ سكت.
فقال أبو عبد اللّه (عَلَيهِ السَّلَامُ) زِدنا ! فقال قد حدثتك بما سمِعتُ، قال: أكلُّ الّذي سمعت هذا قال لا، قال: زدنا ! قال حدّثنا عمرُو بنُ عُبيد، عن الحسن قال أشياء صدّق النّاس بِها وأخذُوا بِها و ليس فِي الكِتابِ لها أصل منها عذاب القبر، ومنها الميزان، ومنها الحوض، ومنها الشفاعة، و مِنها النّيّةُ ينوي الرّجلُ من الخير والشَّرِ فلا يعمله فيثاب عليه، ولا يُتَابُ الرَّجُلُ إِلَّا بِما عَمِل إن خيراً فخيراً و إن شراً فشراً، قال، فضحِكتُ من حدِيثِهِ، فغمزني أبو عبد اللّه (عَلَيهِ السَّلَامُ) أن كُفّ حتّى نسمع ! قال، فرفع رأسه إلى فقال ما يُضحِكُك من الحقّ أو من الباطِلِ قُلتُ لهُ أصلحك اللّه وأبكي! وإِنّما يُضحِكُنِي مِنك تعجباً كيف حفظت هذِهِ الأحاديث! فسكت، فقال له أبو عبد اللّه (عَلَيهِ السَّلَامُ) زدنا ! قال حدّثني سُفيانُ الثّورِيُّ، عن محمّد بنِ المنكدِرِ، أَنه رأى عليّاً (عَلَيهِ السَّلَامُ) على منبر الكوفة و هُو يقُولُ: لَئِن أتيت بِرجُلٍ يُفضّلني على أبي بكر و عمر لأجلدنّه حدّ المفتري، فقال أبو عبد اللّه (عَلَيهِ السَّلَامُ) زدنا فقال حدّثني سُفيانُ، عن جعفر، أنّه قال حُبُّ أبي بكرٍو عُمر إيمان وبُعْضُهُما كُفر، قال أبو عبد اللّه (عَلَيهِ السَّلَامُ) زدنا ! فقال حدّثني يُونُسُ بنُ عُبيدٍ، عَنِ الحسنِ، أَنّ عليّاً (عَلَيهِ السَّلَامُ) أبطأ عن بيعة أبي بكرٍ، فقال له عتيق ما خلفك يا علي عن البيعة، واللّه لقد هممتُ أن أضرِب عُنُقك ! فقال له عليّ (عَلَيهِ السَّلَامُ) يا خليفة رسُولِ اللّه لا تثريب! قال لا تثريب قال له أبو عبد اللّه (عَلَيهِ السَّلَامُ) زدنا ! قال حدّثني سُفيانُ الثّورِيُّ، عن الحسن، أن أبا بكر أمر خالد بن الوليد أن يضرب عُنُق عليّ (عَلَيهِ السَّلَامُ) إذا سلّم من صلاةِ الصُّبحِ، وأن أبا بكرسلّم بينه وبين نفسِهِ، ثُمّ قال يا خالِدُ لا تفعل ما أمرتك! قال له أبو عبد اللّه (عَلَيهِ السَّلَامُ) زدنا ! قال حدّثني نُعِيمُ بنُ عبد اللّه، عن جعفر بن محمّد، أَنه قال : ودَّ عليّ بن أبِي طالِب أَنَّهُ بِنخِيلَاتِ ينبع يستظِلَّ بِظِلِهِنَّ ويأكُلُ من حشفِهِنَّ ولم يشهد يوم الجمل ولا النّهروان، وحدّثني بِهِ سُفيانُ، قال أبو عبد اللّه (عَلَيهِ السَّلَامُ) زدنا ! قال حدّثنا عباد، عن جعفربن محمّد، أنّه قال : لما رأى عليّ بن أبِي طالِب يوم الجمل كثرة الدّماء، قال لإبنه
ص: 329
الحسن: يا بَنِي هلكتُ قال له الحسن يا أبتِ أليس قد نهيتك عن هذا الخروج ! فقال عليّ (عَلَيهِ السَّلَامُ) : يا بَنِي لم أدرِ أنّ الأمر يبلغ هذا المبلغ، قال له أبو عبد اللّه (عَلَيهِ السَّلَامُ) زدنا ! قال حدّثني سُفيانُ الثّوري، عن جعفر بن محمّد، أن عليّاً (عَلَيهِ السَّلَامُ) لما قتل أهل صفّين، بكى عليهم ثُمّ قال: جمع اللّه بيني وبينهم فِي الجنّة.
قال، فضاق بي البيت و عرقتُ وكِدتُ أن أخرج من مسكي، فأردتُ أن أقوم إليه وأتوظأُهُ، ثُمّ ذكرتُ غمزة أبي عبد اللّه (عَلَيهِ السَّلَامُ) فكففت.
فقال له أبو عبد اللّه (عَلَيهِ السَّلَامُ) من أيّ البِلادِ أنت قال من أهل البصرة، قال فهذا الّذي تُحدّث عنه وتذكُرُ اسمه جعفر بن محمّد، تعرفه قال لا، قال:
فهل سمعت منه شيئاً قط قال لا، قال: فهذِهِ الأحادِيثُ عِندك حق قال نعم، قال: فمتى سمعتها قال لا أحفظ، قال، إلّا أنّها أحادِيثُ أهلِ مِصرنا مُنذُ دهرٍ لا يمترون فيها، قال له أبو عبد اللّه
(عَلَيهِ السَّلَامُ) : تم : لو رأيت هذا الرّجُل الّذي تُحدّث عنه، فقال لك هذِهِ الّتي ترويها عنِّي كَذِبٌ لا أعرِفُها و أُحدّث بها، هل كُنت تُصدِّقُهُ قال لا، قال: لم قال لأنّه شهد على قولِهِ رِجالٌ لو شهد أحدُهُم على عتق رجُل لجاز قوله، قال: اكتُب بِسمِ اللّه الرّحمن الرّحيم حدّثني أبي عن جدي، قال ما اسمك قال: ما تسألُ عنِ اسمِي إِنّ رسُول اللّه (صَلَّى اللّه عَلَيْهِ وَآلِهِ) قال : خلق اللّه الأرواح قبل الأجسادِ بِألني عام، ثُمّ أسكنها الهواء فما تعارف منها ائتلف هاهنا وما تناكر منها ثُمّ اختلف هاهنا، ومن كذب علينا أهل البيت حشره اللّه يوم القيامةِ أعمى يهوديّاً، و إن أدرك الدّجال آمن بِهِ وإِن لم يُدرِكَهُ آمَن بِهِ فِي قبره، يا غُلامُ ضع لي ماءً، و غمزني فقال لا تبرح، وقام القوم فانصرفوا وقد كتبوا الحديث الّذي سَمِعُوا مِنهُ، ثُمّ إِنَّهُ خرج و وجهُهُ مُنقبض، قال: أما سمعت ما يُحدِّثُ بِهِ هؤلاءِ قُلتُ أصلحك اللّه ما هؤلاء وما حدِيثهم قال : أعجب حدِيثهم، كان عِندِي الكذِبُ علي والحكاية عنِّي ما لم أقل ولم يسمعهُ عنِّي أحدٌ، وقوهُم لو أنكر الأحاديث ما صدقناه:
ما لهؤلاء لا أمهل اللّه لهم ولا أملي لهم، ثُمّ قال لنا: إن عليّاً (عَلَيهِ السَّلَامُ) لما أراد الخروج من البصرة قام على أطرافها، ثُمّ قال: لعنكِ اللّه يا أنتن الأرض تُراباً و أسرعها خراباً وأشدّها عذاباً فِيكِ الدّاءُ الدّوِيُّ ! قالُوا و ما هُو يا أمِير المؤمنين قال : كلامُ القدرِ الّذي فِيهِ الفِرِيةُ على اللّه، وبُعْضُنا أهل
ص: 330
البيت، وفيه سخط اللّه وسخط نبيه (عَلَيهِ السَّلَامُ)، وكذبُهم علينا أهل البيت، واستحلاهم الكذب علينا. (1)
2 - عن جابر بن عبد اللّه الأنصاري قال: خطبنا عليّ بن أبِي طالِب (عَلَيهِ السَّلَامُ) فحمد اللّه وأثنى عليه ثُمّ قال أيُّها النّاس إِنّ قُدّام مِنبرِكُم هذا أربعةُ رهط من أصحاب محمّد (صَلَّى اللّه عَلَيْهِ وَآلِهِ) مِنهُم أَنسُ بنُ مالك والبراء بن عازب و الأشعث بن قيس الكندِيُّ وخالد بن يزيد البجلي ثُمّ أقبل على أنس فقال يا أنسُ إِن كُنت سمعت رسول اللّه (صَلَّى اللّه عَلَيْهِ وَآلِهِ) يقُولُ من كُنتُ مولاه فهذا علي مولاه ثُمّ لم تشهد لي اليوم بالولاية فلا أماتك اللّه حتّى يبتليك بِبرص لا تُعْطِيهِ العِمامة وأما أنت يا أشعتُ فإن كُنت سمعت رسول اللّه (صَلَّى اللّه عَلَيْهِ وَآلِهِ) يقُولُ من كُنتُ مولاه فهذا علي مولاه ثُمّ لم تشهد لي اليوم بالولاية فلا أماتك اللّه حتّى يذهب بكريمتيك و أما أنت يا خالد بن يزيد فإن كُنت سمعت رسول اللّه (صَلَّى اللّه عَلَيْهِ وَآلِهِ) يَقُولُ من كُنتُ مولاه فهذا على مولاه اللّهمّ وال من والاه و عاد من عاداهُ ثُمّ لم تشهد لي اليوم بالولاية فلا أماتك اللّه إِلَّا مِيتةً جاهِلِيّةً وأمّا أنت يا براء بن عازب فإن كُنت سمعت رسول اللّه (صَلَّى اللّه عَلَيْهِ وَآلِهِ) يقُولُ من كُنتُ مولاه فهذا على مولاه اللّهمّ وال من والاه و عادِ من عاداهُ ثُمّ لم تشهد لي اليوم بالولاية فلا أماتك اللّه إلّا حيث هاجرت مِنهُ قال جابِرُ بنُ عبد اللّه الأنصارِيُّ واللّه لقد رأيتُ أنس بن مالك وقد ابتلي بِبرص يُعْطِيهِ بِالعِمامة فما تستُرُه ولقد رأيتُ الأشعث بن قيس وقد ذهبت كريمتاه و هُو يقُولُ الحمدُ للّه الّذي جعل دعاء أمِير المؤمنين عليّ بن أبِي طالِب علي بالعمى فِي الدُّنيا ولم يدعُ عليّ بالعذابِ فِي الآخِرة فأُعذب وأمّا خالِدُ بنُ يزيد فإنّهُ مات فأراد أهلُهُ أن يدفِنُوهُ وحُفِرلَهُ فِي منزله فدُفن فسمعت بذلك كندة فجاءت بالخيل والإِبِلِ فعقرتها على باب منزله فمات ميتةً جاهِلِيّةً وأمّا البراءُ من عَازِبٍ فَإِنَّهُ وَلَاهُ مُعَاوِيةُ اليمن فمات بها ومنها كان هاجر. ! (2)
3 - عن ابنِ أُذينة عن أبي عبد اللّه (عَلَيهِ السَّلَامُ) قال قال: ما تروي هذِهِ النَّاصِبةُ فقُلتُ جُعِلتُ فِداك
ص: 331
فيما ذا فقال فِي أذانهم وركوعِهِم وسُجُودِهِم فقُلتُ إِنَّهُم يَقُولُونَ إِن أُبي بن كعبٍ رَآهُ فِي النُّومِ فقال كذبُوا فَإِنَّ دِين اللّه عزّ و جلّ أعزُّ من أن يُرى فِي النّومِ قال فقال له سدِيرُ الصّيرِ فِي جُعِلتُ فداك فأحدث لنا من ذلِك ذكراً فقال أبو عبد اللّه (عَلَيهِ السَّلَامُ) إن اللّه عزّ و جلّ لما عرج بِنبِيِّهِ (صَلَّى اللّه عَلَيْهِ وَآلِهِ) إلى سماواتِهِ السبع أمّا أُولاهُنّ فبارك عليهِ والثانية علمه فرضه فأنزل اللّه محملًا من نُورٍ فِيهِ أربعون نوعاً من أنواع النُّورِ كانت مُحدِقةً بعرش اللّه تغشى أبصار النَّاظِرِين أما واحِدٌ منها فأصفر فمن أجل ذلِك اصفرّتِ الصُّفرةُ و واحِدٌ مِنها أحمرُ فين أجل ذلك احمرتِ الحُمرة و واحِدٌ مِنها أبيضُ فمن أجل ذلِك ابيض البياضُ والباقي على سائِرِ عددِ الخلقِ من النُّورِ والألوانِ فِي ذلك المحمل حلق وسلاسِلُ من فِضَّةٍ ثُمّ عرج بِهِ إِلى السماء فنفرتِ الملائكةُ إلى أطرافِ السّماءِ وخرّت سُجّداً وقالت سُبُّوحٌ قُدُّوسٌ ما أشبه هذا النُّور بِنورِ ربّنا فقال جبرئيل (عَلَيهِ السَّلَامُ) اللّه أكبر اللّه أكبرُتُم فُتحت أبواب السماء و اجتمعت الملائكة فسلمت على النَّبيّ (صَلَّى اللّه عَلَيْهِ وَآلِهِ) أفواجاً وقالت يا محمّد كيف أخوك إذا نزلت فأقرئه السلام قال النَّبيّ (صَلَّى اللّه عَلَيْهِ وَآلِهِ) أفتعرِفُونه قالوا وكيف لا نعرفه وقد أُخِذ ميثاقك وميثاقُهُ مِنا وميثاقُ شِيعَتِهِ إِلى يوم القيامة علينا و إنا لنتصفّحُ وُجُوه شِيعَتِهِ فِي كلّ يوم وليلةٍ خمساً يعنُون فِي كلّ وقتِ صلاةٍ وإِنا لنُصلّي عليك و عليه قال ثُمّ زادني ربّي أربعين نوعاً من أنواع النُّورِ لا يُشبِهُ النُّور الأول وزادني حلقاً وسلاسل و عرج بي إلى السّماءِ الثَّانِيةِ فَلَمّا قربتُ من بابِ السّماءِ الثَّانية نفرتِ الملائكة إلى أطرافِ السماء وخرّت سُجّداً و قالت سُبُّوحٌ قُدُّوسٌ ربّ الملائِكَةِ والرُّوحِ ما أشبه هذا النُّورِ بِنورِ ربّنا فقال جبرئيل (عَلَيهِ السَّلَامُ) أشهد أن لا إله إلّا اللّه أشهد أن لا إله إِلَّا اللّه فاجتمعت الملائِكَةُ وقالت يا جبرئيل من هذا معك قال هذا محمّد (صَلَّى اللّه عَلَيْهِ وَآلِهِ) قالوا و قد بعث قال نعم قال النَّبيّ (صَلَّى اللّه عَلَيْهِ وَآلِهِ) فخرجُوا إِلى شِبه المعانيقِ فسلّمُوا عليّ وقالُوا أقرئ أخاك السّلام قُلتُ أتعرِفُونَهُ قالُوا وكيف لا نعرِفُه وقد أُخِذ ميثاقك وميثاقه وميثاق شِيعَتِهِ إلى يوم القيامةِ علينا و إِنَّا لنتصفّحُ وُجُوه شِيعَتِهِ فِي كلّ يوم وليلةٍ خمساً يعنُون فِي كلّ وقتِ صلاةٍ قال ثُمّ زادني ربّي أربعين نوعاً من أنواع النُّورِ لا تُشبه الأنوار الأُولى ثُمّ عرج بي إلى السّماءِ الثَّالِثة فنفرتِ الملائكة وخرت سُجّداً و قالت سُبُّوحٌ قُدُّوس ربّ الملائِكَةِ والرُّوحِ ما هذا النُّورُ الّذي يُشبِهُ نُور ربّنا فقال جبرئيل (عَلَيهِ السَّلَامُ) أشهدُ أنّ محمّداً رَسُولُ اللّه أشهدُ أنّ محمّداً
ص: 332
رسُولُ اللّه فاجتمعت الملائكة وقالت مرحباً بالأول و مرحباً بالآخر و مرحباً بالحاشر و مرحباً بِالنَّاشِرِ محمّد خير النّبِيِّين وعلي خير الوصيين قال النَّبيّ (صَلَّى اللّه عَلَيْهِ وَآلِهِ) ثُمّ سلّموا على وسألوني عن أخي قُلتُ هُو فِي الأرض أفتعرفونه قالوا وكيف لا نعرفه وقد نحج البيت المعمور كلّ سنةٍ و عليهِ رقّ أبيضُ فِيهِ اسم محمّد واسم علي والحسن و الحسين والأئمّة (عَلَيهِم السَّلَامُ) وشيعتهم إلى يوم القيامةِ و إنا لنُبارك عليهم كلّ يوم وليلةٍ خمساً يعنون فِي وقتِ كلّ صلاةٍ ويمسحُون رُءوسهُم بِأَيْدِيهِم قال ثُمّ زادني ربّي أربعين نوعاً من أنواع النُّورِ لا تُشبه تلك الأنوار الأولى ثُمّ عرج بي حتّى انتهيتُ إِلى السَّماءِ الرابعةِ فلم تقُلِ الملائِكَةُ شيئاً و سمِعتُ دويّاً كأنهُ فِي الصُّدُورِ فاجتمعت الملائِكَةُ فَفُتِحت أبواب السماء و خرجت إليّ شبه المعانيقِ فقال جبرئيل (عَلَيهِ السَّلَامُ) حيّ على الصَّلاة حيّ على الصَّلاة حيّ على الفلاح حي على الفلاح فقالتِ الملائِكَةُ صوتانِ مقرونانِ معرُوفانِ فقال جبرئیل (عَلَيهِ السَّلَامُ) قد قامتِ الصَّلاة قد قامتِ الصَّلاة فقالت الملائِكَةُ هِي لِشِيعَتِهِ إِلى يومِ القِيامةِ ثُمّ اجتمعت الملائكة وقالت كيف تركت أخاك فقُلتُ لهُم وتعرِفُونَهُ قالُوا نعرِفُهُ وشِيعته وهُم نُور حول عرشِ اللّه وإِنَّ فِي البيتِ المعمور لرقّاً من نُورٍ فِيهِ كِتابٌ من نُورٍ فِيهِ اسم محمّد وعليّ والحسن والحسين والأئمّة و شيعتهم إلى يوم القيامةِ لا يَزِيدُ فِيهِم رجلٌ ولا ينقُصُ مِنهُم رجُلٌ وإِنَّهُ لميثاقنا و إِنَّهُ ليُقرأُ علينا كلّ يومٍ جُمعةٍ ثُمّ قِيل لي ارفع رأسك يا محمّد فرفعتُ رأسي فإذا أطباق السماء قد خُرِقت و الحُجُبُ قد رُفعت ثُمّ قال لي طأطئ رأسك انظر ما ترى فطأطأتُ رأسي فنظرتُ إلى بيتٍ مِثلِ بيتكم هذا و حرم مثل حرمِ هذا البيت لو ألقيتُ شيئاً من يدِي لم يقع إِلّا عليهِ فقيل لي يا محمّد إن هذا الحرم و أنت الحرامُ ولِكُلِّ مِثلِ مِثالٌ ثُمّ أوحى اللّه إلي يا محمّد ادنُ من صادٍ فاغسل مساجدك وطهرها وصل لربّك فدنا رسُولُ اللّه (صَلَّى اللّه عَلَيْهِ وَآلِهِ) من صادٍ وهُو ماءٌ يَسِيلُ من ساقِ العرش الأيمن فتلقى رسُولُ اللّه (صَلَّى اللّه عَلَيْهِ وَآلِهِ) الماء بِيدِهِ اليُمنى فمِن أجل ذلك صار الوضوءُ بِاليمين ثُمّ أوحى اللّه عزّ و جلّ إِليهِ أَنِ اغسل وجهك فإنّك تنظر إلى عظمتِي ثُمّ اغسل ذراعيك اليُمنى و اليُسرى فإنك تلقى بيدك كلامي ثُمّ امسح رأسك بِفضل ما بقي فِي يديك من الماء ورجليك إلى كعبيك فإِنِّي أُبارك عليك وأُوطِئُك موطئاً لم يطأه أحدٌ غيرك فهذا عِلةُ الأذانِ والوضوء ثُمّ أوحى اللّه عزّ و جلّ إِليهِ يا محمّد استقبل الحجر الأسود وكترني
ص: 333
على عددِ حُجُي فمن أجل ذلك صار التكبير سبعاً لأن الحُجُب سبع فافتتح عِند انقطاعِ الحُجُبِ فمن أجل ذلك صار الإفتتاح سُنَّةً و الحُجُبُ مُتطابقة بينهنّ بِحارُ النُّورِ و ذلِك النُّورُ الّذي أنزله اللّه على محمّد (صَلَّى اللّه عَلَيْهِ وَآلِهِ) فين أجل ذلك صار الافتتاح ثلاث مرّاتٍ لافتتاح الحُجُبِ ثلاث مرّاتٍ فصار التكبير سبعاً والافتتاح ثلاثاً فلما فرغ من التكبير و الإفتتاح أوحى اللّه إليهِ سمّ بِاسمِي فمن أجل ذلِكَ جُعِل بِسمِ اللّه الرّحمنِ الرَّحِيمِ فِي أوّلِ السُّورة ثُمّ أوحى اللّه إليهِ أَنِ احمدني فلما قال الحمد للّه ربّ العالمين قال النَّبيّ فِي نفسِهِ شُكراً فأوحى اللّه عزّ و جلّ إِليه قطعت حمدي فسمّ بِاسمِي فمن أجل ذلِك جُعِل فِي الحمدِ الرّحمن الرَّحِيمِ مرتين فلما بلغ ولا الضالين قال النَّبيّ (صَلَّى اللّه عَلَيْهِ وَآلِهِ) الحمد للّه ربّ العالمين شكراً فأوحى اللّه إليه قطعت ذكري فسم باسمي فمن أجل ذلِكَ جُعِل بِسمِ اللّه الرّحمن الرَّحِيمِ فِي أوّلِ السُّورة ثُمّ أوحى اللّه عزّ و جلّ إِليه اقرأ يا محمّد نسبة ربّك تبارك وتعالى ﴿قُل هُو اللّه أحدٌ. اللّه الصمد لم يلد ولم يُولد. و لم يكن لهُ كُفُواً أحدٌ﴾ ثُمّ أمسك عنه الوحي فقال رسُولُ اللّه (صَلَّى اللّه عَلَيْهِ وَآلِهِ) الواحد الأحد الصمد فأوحى اللّه إليه لم يلد ولم يولد ولم يكُن لَهُ كُفُواً أحدٌ.
ثُمّ أمسك عنه الوحي فقال رسُولُ اللّه (صَلَّى اللّه عَلَيْهِ وَآلِهِ) كذلك اللّه كذلِكَ اللّه ربُّنا فَلَمّا قال ذلِك أوحى اللّه إليه اركع لربك يا محمّد فركع فأوحى اللّه إليه وهو راكعٌ قُل سُبحان ربّي العظيم ففعل ذلك ثلاثاً ثُمّ أوحى اللّه إليهِ أَنِ ارفع رأسك يا محمّد ففعل رسُولُ اللّه (صَلَّى اللّه عَلَيْهِ وَآلِهِ) فقام مُنتصِباً فأوحى اللّه عزّو جلّ إِليهِ أَنِ اسجد لربك يا محمّد فخر رسُولُ اللّه (صَلَّى اللّه عَلَيْهِ وَآلِهِ) ساجداً فأوحى اللّه عزّو جلّ إِليهِ قُل سُبحان ربّي الأعلى ففعل ذلك ثلاثاً ثُمّ أوحى اللّه إليه استو جالِساً يا محمّد ففعل فلَمّا رفع رأسهُ من سُجُودِهِ واستوى جالساً نظر إلى عظمتِهِ تجلّت له فخر ساجداً من تلقاءِ نفسِهِ لا لأمرِ أُمِربِهِ فسبح أيضاً ثلاثاً فأوحى اللّه إليه انتصب قائِماً ففعل فلم يرما كان رأى من العظمة فمن أجل ذلك صارتِ الصَّلاة ركعةً و سجدتينِ ثُمّ أوحى اللّه عزّ و جلّ إِليهِ اقرأ بِالحَمدِ للّه فقرأها مثل ما قرأ أولًا ثُمّ أوحى اللّه عزّ و جلّ إِليهِ اقرأ إِنَّا أنزلناه فإِنّها نِسبتك ونسبةُ أَهلِ بيتك إلى يوم القيامة و فعل فِي الركوع مثل ما فعل فِي المرة الأُولى ثُمّ سجد سجدةً واحِدةً فَلَمّا رفع رأسه تجلت لهُ العظمة فخر ساجداً من تلقاء نفسِهِ لا لِأَمْرِ أُمِربِهِ فسبّح أيضاً ثُمّ أوحى اللّه إليه ارفع رأسك يا محمّد ثبّتك ربُّك فلَمّا ذهب لِيقُوم قيل يا محمّد اجلس فجلس فأوحى اللّه إليهِ يا محمّد إذا ما أنعمت عليك فسم باسمي فأُهم أن قال بِسمِ فأُهم أن قال بِسمِ اللّه وَبِاللّه ولا إِله إِلَّا اللّه و الأسماء الحسنى كُلُّها اللّه ثُمّ أوحى اللّه
ص: 334
إليهِ يا محمّد صلّ على نفسك و على أهل بيتك فقال صلّى اللّه عليّ و على أهل بيتي وقد فعل ثُمّ التفت فإذا بِصُفُوفٍ من الملائكة والمرسلين والنبيين فقِيل يا محمّد سلّم عليهم فقال السّلامُ عليكم و رحمة اللّه وبركاتُهُ فأوحى اللّه إليهِ أَنّ السّلام و التَّحيّة والرّحمة والبركات أنت وذُرِّيَّتُكَ ثُمّ أوحى اللّه إليه أن لا يلتفت يساراً وأوّلُ آيَةٍ سمعها بعد قُل هُو اللّه أحدٌ وإِنَّا أنزلناه آيةُ أصحاب اليمين وأصحاب الشّمال فمن أجل ذلك كان السّلامُ واحِدةً تُجاه القبلة و من أجل ذلِك كان التكبِيرُ فِي السُّجُودِ شُكراً و قولُهُ سَمِع اللّه لِمن حمده لأن النَّبيّ (صَلَّى اللّه عَلَيْهِ وَآلِهِ) مع ضجّة الملائكة بالتسبيح والتحميد والتهليل فمن أجل ذلك قال سمع اللّه لمن حمده و من أجل ذلِك صارتِ الركعتانِ الأوليانِ كُلّما أحدث فيهما حدثاً كان على صاحبهما إعادتهما فهذا الفرضُ الأول فِي صلاةِ الزّوالِ يعني صلاة الظهر. (1)
1 - عن سعد بن طهمان الفقراني، قال: سمعتُ أبا معاوية يقولُ : أدركتُ خطباء أهل الشّام بواسط فِي زمن بَنِي أمية، وكان إذا مات لهم ملك، وقام مقامه آخر، قام خطيبهم فذكر القائم فيهم، ثُمّ يذكر عليّاً (عَلَيهِ السَّلَامُ) ويسبُّه. فحضرتُ يوماً معهم فِي مسجد الجامع وقد قام خطيبهم، فحمد اللّه وأثنى عليه وذكر طاعتهم لوليّهم وذكر عليّاً (عَلَيهِ السَّلَامُ) فسبّه، فدخل علينا ثور من باب المسجدِ، فشق الصفوف حتّى صعد المنبر، فوضع قُرونه فِي صدر الخطيب و الزقه بالحائط و عصره فقتله لعنة اللّه عليه والملائكة والنّاس أجمعين، ثُمّ نزل راجعاً وشق الصفوف شقاً وخرج، فتبعه العالم إلى أن وصل دجلة فنزلها و عبرها، فنزلوا فِي السُّفُن ليعاينوه أين يمضي، فصعد من الماء و فقدوه. (2)
2 - عن إبن أبي ليلى عن أبي جعفر المنصور :قال كان عندنا بالشراة قاض، إذا فرغ من قصصه ذكر عليّاً (عَلَيهِ السَّلَامُ) فشتمه، فبينا هُو كذلك إذ ترك ذلك يوماً و من الغد فقالوا: نسي، فلما كان اليوم الثالث تركه أيضا، فقالوا له أو سألوه، فقال : لا واللّه لا أذكره بشتيمة أبداً، بينما أنا نائم والناس
ص: 335
قد جمعوا فياتون النَّبيّ (صَلَّى اللّه عَلَيْهِ وَآلِهِ) فيقولُ لِرجل: إسقهم، حتّى وردت على النَّبيّ (صَلَّى اللّه عَلَيْهِ وَآلِهِ) فقال له: إسقه فطردني، فشكوتُ ذلك إلى النَّبيّ (صَلَّى اللّه عَلَيْهِ وَآلِهِ)، فقلتُ: يا رسول اللّه، مُره فليُسقني.
قال: إسقه، فسقاني قطراناً، فأصبحت وأنا أتجشؤه، ورواه ابن شهرآشوب: عن أبي جعفر المنصور، و فِي آخر الحديث : فسقاني قطراناً، وأصبحتُ وأنا أتجشؤه وأبُوله. (1)
3- عن الحسن بن عطية، قال: كان أبي ينال من عليّ بن أبِي طالِب (عَلَيهِ السَّلَامُ) فأتي فِي المنام، فقيل له: أنت السّابّ عليّاً ؟ فخنق حتّى أحدث فِي فراشه ثلاثاً يعني صُنع به ذلك ثلاثا فِي المنام ثلاث ليال. (2)
4- عن مناقب إسحاق العدل، أنّه كان فِي خلافة هشام خطيب يلعن عليّاً (عَلَيهِ السَّلَامُ) على المنبر، قال: فخرجت كف من قبر رسول اللّه (صَلَّى اللّه عَلَيْهِ وَآلِهِ) يُرى الكف ولا يُرى الذراع، عاقدة على ثلاث وستين، وإذا كلام من قبرِ النَّبيّ (صَلَّى اللّه عَلَيْهِ وَآلِهِ): ويلك من أموي (أَكَفَرْتَ بِالَّذِي خَلَقَكَ مِنْ تُرَابٍ ثُمَّ مِنْ نُطْفَةٍ ثُمَّ سَوَّاكَ رَجُلًا) (3) وألقت ما فيها فإذا دخان أزرق. قال: فما نزل عن المنبر إلّا وهو أعمى يُقاد. قال: فما مضت له إلّا ثلاثة أيام حتّى مات. (4)
5- عن إبن أبي سلمى قال: قال ابن أبي غاضية: طلبنا نشتم أمِير المؤمنين (صلوات اللّه عليه)، فهربتُ فبعث إلي محمّد بن صفوان من وُلد أبي بن خلف الجمحي أن أعرني بغلتك.
فقلتُ: لَإِن أَعَرتُك بغلتي إِنِّي لكم شبه.
قال: فمشى واللّه على رجليه أربعة أميال فوافى خالد عامل هشامِ بنِ عبدِ الملك على المدينة يشتم أمِير المؤمنين (صلوات اللّه عليه) على المنبر، فقال لابن صفوان قُم يا ابن صفوان، فقام فصعد مرقاة من المنبر ثمّ استقبل القبلة بوجهه وقال: اللّهمّ من كان يسبُّ عليّاً لترة يطلبها عِنده أو لذحل فإنّي لا أسبه إلّا فيك ولقد كان صاحب القبر يأتمنه وهو يعلم أنّه خائن، فكان فِي المسجد رجل فغلبته عينه فرأى أنّ القبر انفرج و خرجت منه كف قائل وهو يقول : إن كنت كاذباً فلعنك اللّه،
ص: 336
و إن كنت كاذباً فأعماك اللّه.
فنزل الجمحي من المنبر فقال لإبنه و هُو جالس إلى ركن البيت قُم، فقام إليه.
فقال: أعطني يدك أتكى عليها فمضى به إلى المنزل، فلما خرجا من المسجد نحو المنزل قال لابنه: هل نزل بالنّاسِ شر أو غشيهم ظلمة ؟
قال: وكيف ذلك ؟
قال: لأني لا أبصر شيئاً.
قال: ذلك واللّه بجرأتك على اللّه، وقولُك الكذب على مِنبرِ رسول اللّه (صَلَّى اللّه عَلَيْهِ وَآلِهِ)، فما زال أعمى
حتى مات (لعنة اللّه عليه). (1)
6 - قال زياد بن كليب: كنتُ جالساً فِي نفر، فمربنا محمّد بن صفوان مع عبيد اللّه بن زياد، فدخلا المسجد، ثُمّ رجعا إلينا وقد ذهبت عينا محمّد بن صفوان، فقُلنا: ما شأنه ؟
فقال: إنّه قام فِي المحراب، وقال: إنّه من لم يسبّ عليّاً بنيّة فإنّني أسبُّ بِنيّة، فطمس اللّه على بصره. (2)
7 - عن الحسين بن علي بن الحسين بن عليّ بن أبِي طالِب (عَلَيهِم السَّلَامُ)، كان إبراهيم بن هاشم المخزومي والياً على المدينة، وكان يجمعنا كلّ يوم جمعة قريباً من المنبر ويشتم عليّاً، فلصقت بالمنبر فأغفيت، فرأيتُ القبر وقد انفرج و خرج منه رجل عليه ثياب بيض، فقال لي: يا أبا عبد اللّه ألا يحزنك ما يقول هذا؟
قلتُ: بلى واللّه.
قال: إفتح عينيك أنظر ما يصنع اللّه به، وإذا هُو قد ذكر عليّاً فرمی به من فوق المنبر فمات. (3)
8 - عن محمّد بن عمر الواقدي، قال: كان هارون الرشيد يقعد للعلماء فِي يوم عرفة، فقعد ذات يومٍ وحضره الشافعي، وكان هاشمياً يقعد إلى جنبه، وحضر محمّد بن الحسن وأبويوسف
ص: 337
فقعدا بين يديه، وغص المجلس بأهله، فيهم سبعون رجلاً من أهل العلم، كلّ منهم يصلح أن يكون إمام صقع من الأصقاع.
قال الواقدي: فدخلتُ فِي آخر النّاس، فقال الرشيد: لم تأخّرت ؟
فقلتُ: ما كان لإضاعة حقّ، ولكنّي شغلتُ بِشغل عاقني عمّا أحببتُ.
قال: فقربني حتّى أجلسني بين يديه، وقد خاض النّاس فِي كلّ فن من العلم، فقال الرشيد للشّافعي: يابن عمّي، كم تروي فِي فضائل عليّ بن أبِي طالِب؟
فقال: أربعمائة حديث وأكثر.
فقال له: قُل ولا تخف.
قال: يبلغ خمسمائة أو يزيد.
ثم قال لمحمّد بنِ الحسن: كم تروي يا كوفي من فضائله؟
قال: نحو ألف حديث أو أكثر.
فأقبل على أبي يوسف فقال: كم تروي أنت يا كوفي من فضائله؟
أخبِرني ولا تخش.
قال: يا أمِير المؤمنين لولا الخوف لكانت روايتنا فِي فضائله أكثر من أن تُحصى.
قال: مِم تخاف ؟
قال: منك و من عُمّالك وأصحابك.
قال: أنت آمن فتكلّم و أخبرني كم فضيلة تروي فيه ؟
قال: خمسة عشر ألف خبراً مُسنداً، وخمسة عشر ألف حديثاً مُرسلاً.
قال الواقدي: فأقبل علىَّ.
فقال: ما تعرفُ فِي ذلك أنت؟
فقلتُ مثل مقالة أبي يوسف.
قال الرّشيدُ: لكنّي أعرفُ له فضيلةً رأيتُها بعيني وسمعتُها بأذني، أجلّ من كلّ فضيلة تروونها أنتُم، وإنّي لتائِبُ إلى اللّه تعالى مِمّا كان منّي من أمر الطالبيّة ونسلهم.
ص: 338
فقُلنا بأجمعنا وفّق اللّه أمِير المؤمنين وأصلحه، إن رأيت أن تُخبرنا بما عندك.
قال: نعم وليت عاملي يوسف بن الحجاج بدمشق، وأمرته بالعدل فِي الرّعيّة، والإنصاف فِي القضيّة، فاستعمل ما أمرته، فرفع إليه أن الخطيب الّذي يخطب بدمشق يشتم أمِير المؤمنين عليّ بن أبِي طالِب (عَلَيهِ السَّلَامُ) فِي كلّ يوم وينتقصه، قال: فأحضره وسأله عن ذلك، فاقرله بذلك، فقال له: و ما حملك على ما أنت عليه ؟
قال: لأنّه قتل آبائي وسبى الذراري، فلذلك الحقد له فِي قلبي، ولستُ أفارق ما أنا عليه.
فقيّده و غلغله وحبسه وكتب إليّ بخبره، فأمرته أن يحمله إليّ على حالته من القيود، فلمّا مثل بين يدي زبرته وصحتُ به، وقلتُ: أنت الشاتم لعليّ بن أبِي طالِب؟!
فقال: نعم.
قلتُ: ويلك قتل من قتل، وسبى من سبي بأمر اللّه تعالى، وأمر النَّبيّ (صَلَّى اللّه عَلَيْهِ وَآلِهِ). قال: ما أفارق ما أنا عليه، ولا تطيب نفسي إلّا به.
فدعوتُ بالسياط والعقابين فأقمته بحضرتي هاهنا، وظهره إليّ، فأمرت الجلّاد فجلده مائة سوط، فأكثر الصياح والغياث، فبال فِي مكانه، فأمرتُ به فنحي عن العقابين، وأدخل ذلك البيت وأومئ بيده إلى بيت فِي الإيوان وأمرتُ أن يغلق الباب عليه وإقفاله، ففعل ذلك و مضى النّهار، وأقبل الليل، و لم أبرح من موضعي هذا حتّى صليت العتمة.
ثُمّ بقيتُ ساهراً أفكر فِي قتله و فِي عذابه و بأي شيءٍ أعذبه، مرةً أقولُ: أعذِّبُه على عداوته؛ و مرّةً أقولُ : أقطع أمعاءه، ومرّةً أفكّر فِي تغريقه، أو قتله بالسوط، وأستمر الفكر فِي أمره حتّى غلبتني عيني [فنمت] فِي آخر الليل، فإذا أنا ببابِ السّماء وقد إنفتح وإذا النَّبيّ (صَلَّى اللّه عَلَيْهِ وَآلِهِ) قد هبط و عليه خمس حُلل.
ثم هبط عليّ (عَلَيهِ السَّلَامُ) و عليه ثلاث حُلل.
ثُمّ هبط الحسن (عَلَيهِ السَّلَامُ) و عليه ثلاث حُلل.
ثم هبط الحسين (عَلَيهِ السَّلَامُ) و عليه حُلّتان.
ثم نزل جبرئيل (عَلَيهِ السَّلَامُ) و عليه حُلّة واحدة، فإذا هُو [ من] أحسن الخلق، فِي نهاية الوصف، ومعه
ص: 339
كأسٌ فيه ماء كأصفى ما يكونُ من الماء وأحسنه، فقال النَّبيّ (صَلَّى اللّه عَلَيْهِ وَآلِهِ): أعطني الكأس، فأعطاه، فنادى بأعلى صوته يا شيعة محمّد وآله، فأجابوه من حاشيتي وغلماني وأهل الدار أربعون نفسا أعرفهم كلّهم، وكان فِي داري أكثر من خمسة آلاف إنسان، فسقاهم من الماء و صرفهم.
ثم قال: أين الدمشقي فكأنّ الباب قد انفتح، فأخرج إليه، فلما رآه عليّ (عَلَيهِ السَّلَامُ) أخذه بتلابيبه و قال (عَلَيهِ السَّلَامُ) : يا رسول اللّه، هذا يظلمني ويشتمني من غير سببٍ أوجب ذلك، فقال: خله يا أبا الحسن.
ثم قبضَ النَّبيّ (صَلَّى اللّه عَلَيْهِ وَآلِهِ) على زنده بيده و قال: أنت الشاتم عليّ بن أبِي طالِب؟!
فقال: نعم.
قال: اللّهمّ امسخه و امحقه وانتقم منه.
قال : فتحول و أنا أراه كلباً، ورد إلى البيت كما كان، وصعد النَّبيّ (صَلَّى اللّه عَلَيْهِ وَآلِهِ)، و جبرئيل (عَلَيهِ السَّلَامُ) (و عليّ (عَلَيهِ السَّلَامُ)) ومن كان معهم.
فانتبهت فزعاً مرعوباً مذعوراً فدعوتُ الغلام وأمرتُ بإخراجه إليّ، فأخرج وهو كلب، فقلتُ له: كيف رأيت عقوبة ربّك ؟ فأومأ برأسه كالمعتذر، و أمرتُ برده. وها هوذا فِي البيت.
ثُمّ نادى و أمر بإخراجه فأخرج وقد أخذ الغُلام بإذنه، فإذا أُذناه كأذني الإنسان، وهو فِي صورة الكلب، فوقف بين أيدينا يلوك بلسانه، ويُحرّك بشفتيه كالمعتذر.
فقال الشافعي للرشيد : هذا مسخ و لستُ آمِنْ من أن يحلّ العذابُ بِه.
(فأمر بإخراجه عنّا) فأمر به فرد إلى البيت، فما كان بأسرع من أن سمعنا وجبةً وصيحةً، فإذا صاعقة قد سقطت على سطح البيت فأحرقته و أحرقتُ البيت فصار رماداً، وعجّل اللّه بروحه إلى نار جهنَّم.
قال الواقدي: فقلتُ للرشيد: يا أمِير المؤمنين هذه مُعجزةٌ وعِظَةٌ وعظت بها فاتق اللّه فِي ذرّيّة هذا الرجل.
فقال الرّشيدُ: أنا تائب إلى اللّه تعالى مِمّا كان منّي وأحسنتُ توبتي. (1)
ص: 340
1- عن فضالة بن أيوب عن سدير الصيرفي :قال: سمعت أبا عبد اللّه الصَّادق (عَلَيهِ السَّلَامُ) يقُولُ إِنَّ فِي صاحِب هذا الأمر لشبهاً من يوسف فقُلتُ فكأنك تُخبرنا بِغيبةٍ أو حيرةٍ فقال ما يُنكِرُ هذا الخلق الملعون أشباه الخنازير من ذلك إنّ إخوة يُوسُف كانُوا عُقلاء ألبّاء أسباطاً أولاد أنبياء دخلوا عليه فكلّمُوه و خاطبوه و تاجرُوهُ وراودوه و كانُوا إخوته وهُو أَخُوهُم لم يعرِفُوهُ حتّى عرفهم نفسه وقال لهم أنا يُوسُفُ فعرفُوهُ حِينَئِذٍ فما تُنكِرُ هَذِهِ الأمَّة المتحيّرةُ أَن يَكُون اللّه جلّ و عزّ يُرِيدُ فِي وقتٍ من الأوقاتِ أن يستُرحُجّتهُ عنهم لقد كان يُوسُفُ إِليهِ مُلكُ مِصرو كان بينه وبين أبيه مسيرة ثمانية عشر يوماً فلو أراد أن يُعلِمهُ بِمكانِه لقدر على ذلك واللّه لقد سار يعقُوبُ ووُلدُهُ عِند البشارة تسعة أيام من بدوهم إلى مصرفا تُنكِرُ هذِهِ الأمَّة أَن يَكُون اللّه يفعلُ بِحُجّتِهِ ما فعل بِيُوسُف و أن يكون صاحِبُكُمُ المظلوم المجحود حقه صاحب هذا الأمر يتردد بينهم ويمشي فِي أسواقهم ويطأُ فُرُشهُم ولا يعرفُونهُ حتّى يأذن اللّه لَهُ أَن يُعرفهم نفسه كما أذن ليُوسُف حِين قال له إخوتُهُ (إنّكَ لَأنَتَ يُوسُفُ قَالَ أَنَا يُوسُفُ) (1) و (2)
يقول الشيخ العاملي في الصراط المستقيم في تعريف علمائهم .... منهم أبو حنيفة قال الغزالي: أجاز أبو حنيفة وضع الحديث على وفق مذهبه و قال إشعار البدن مثله وقد روت عائشة أن النبي ص أشعر بدنه و قال لو تزوج إنسان أمه على عشرة دراهم لم يكن زانيا ! و لولف ذكره بحريرة و أدخله فرج إمرأة لم يكن زانيا و لو غاب عن إمرأة عشرين سنة ثم قدم وبها حبل كان منه .
و منهم هشام السني زعم أن شرب النبيذ سنة وتركها مروة فقد جعل ترك السنة مروة و أن الروح التي في عيسى غير مخلوقة فأراد قاضي الري أن ينكل به فهرب.
ص: 341
و منهم محمد بن سيرين كان مؤدبا للحجاج على ولده وكان يسمعه يلعن عليا فلا ينكر عليه
فلما لعن الناس الحجاج خرج من المسجد وقال لا أطيق أسمع شتمه .
و منهم سفيان الثوري كان في شرطة هشام بن عبد الملك. و منهم الزهري قال سفيان بن وكيع إنه كان يضع الأحاديث لبني مروان و كان مع عبد الملك يلعن عليا و روى الشاذكوني بطريقين أنه قتل غلاما له.
و منهم سعيد بن المسيب فقيه الحجاز روى أبو معشر أنه تأبى من حضور جنازة الحسين عليه السلام وهو ابن ناقل هذا الدين و محمود عند سائر المسلمين و قال ركعتين أحب إلي من حضور علي بن الحسين.
ر منهم خالد الواسطي روى الجنة والنار يخربان.
ومنهم منصور بن المعتمركان شرطيا لهشام بن عبد الملك .
ومنهم سعيد بن جبيركان على عطاء الخيل في زمرة الحجاج وتخلف عن الحسين عليه السلام. ومنهم الحسن البصري خرج مع ابن الأشعث وتخلف عن الحسين عليه السلام و خرج في جند الحجاج إلى خراسان وقال في عثمان قتله الكفار و خذله المنافقون فنسب جميع المهاجرين والأنصار إلى النفاق. ومنهم مسروق بن الجذع ومرة الهمدانيان لم يخرجا مع علي عليه السلام إلى صفين بل أخذا عطاء هما منه و هربا إلى قزوين و كان مسروق يلي الجسر بالبصرة لعبيد الله بن زياد يأخذ له المكس.
و منهم أبو موسى الأشعري رويتم عن حذيفة بن اليمان أنه شهد عليه بالنفاق.
ومنهم المغيرة بن شعبة شهد عليه ثلاثة بالزنا فلقن عمر الرابع فتلجلج حتى رفع الحد عنه . و منهم أبو هريرة ضرب عمر بن الخطاب رأسه بالدرة وقال أراك قد أكثرت الرواية و لا أحسبك إلا كذابا وقال له يا عدو الله وعدو الإسلام أخنت ماله و غرمه اثني عشر ألف درهم. وقال فيه علي عليه السلام أكذب رجل على رسول الله صلى الله عليه وآله هذا الغلام الدوسي. وروى أحمد بن مهدي عن نعيم عن أبي حازم عن أبيه عن أبي صالح قال سب أبو هريرة فقال له النبي صلى الله عليه وآله إن فيك لشعبة من الكفر فسأل النبي أن يستغفر له فلم يعلم أحد أنه استغفرله وحلف لا يسب مسلما وكان بعد ذلك يلعن عليا عليه السلام .
ص: 342
و في المعارف كان يلاعب الصبيان و يقرعهم برجليه ويؤاكلهم و يركب الحمار و في رأسه حلية من ليف ويقول الطريق جاء الأمير.
و في نزهة الأبصار قيل له يا أبا هريرة يا سارق الذريرة و في ربيع الأبرار عن الزمخشري أنه كان يقول اللهم ارزقني ضرسا طحونا و معدة هضوما و دبرا نثورا ! .
وروى الثوري عن منصور عن إبراهيم أنهم كانوا لا يأخذون عن أبي هريرة إلا ما كان من ذكر جنة أو نار قال صاحب المصالت عائشة جاءت تكذبه فقال: اسكتي غيرت فضائل علي.
وقال أبو حنيفة كل الأصحاب آخذ عنهم الحديث ما خلا أنس وأبي هريرة. و أعطي أربعمائة ألف درهم على وضع أربعمائة حديث و قدم العراق مع معاوية فقال أشهد أن عليا أحدث في المدينة وقد قال النبي صلى الله عليه وآله من أحدث فيها فعليه لعنة الله .
و قال له رجل شهدت قول النبي صلى الله عليه وآله لعلي اللهم وال من والاه و عاد من عاداه ؟ قال: نعم قال: فبرئ الله منك إذ عاديت وليه و واليت عدوه وتولى خلافة معاوية بين يدي بسر بن أرطاة.
ومنهم كعب الأحبار ضربه أبو ذر بمحجنه فشجه وقال له ما خرجت اليهودية من قلبك. و منهم إبراهيم النخعي تخلف عن الحسين عليه السلام و خرج مع ابن الأشعث و في جيش عبيد الله بن زياد إلى خراسان .
ومنهم أبو إسحاق السبيعي خرج إلى قتال الحسين عليه السلام. ومنهم الشعبي خرج مع ابن الأشعث و تخلف عن الحسين عليه السلام وأسند الشاذ كوني أنه سرق من بيت المال مائة درهم في خفية و أن شريحا و مسروقا و مرة كانوا لا يؤمنون على دعائه.
وأسند العطار إلى بهلول إلى أبي حنيفة قال دخلت على الشعبي و بين يديه شطرنج و نبیذ و روی أبو بكر الكوفي عن المغيرة أن الشعبي كان لا يهون عليه أن تقوم الصلاة وهو يلعب بالشطرنج و النرد و روى الفضل بن سليمان عن النضر بن محارب أنه رأى الشعبي يلعب بالشطرنج فإذا مر عليه من يعرفه أدخل رأسه في قطيفته.
و منهم سفيان الثوري روي أنه قيل له كيف تروي عن أبي مريم وهو يسكر فقال لأنه لا يكذب في الحديث.
ص: 343
و منهم خالد الحذاء روى عنه أبو عاصم النيلي أنه أول من وضع العشور. و رووا فقهاؤهم مثل حماد بن زید و غيره أنا لنرى عليا بمنزلة العجل الذي اتخذه بنو إسرائيل.
فهؤلاء ( علماؤهم و ( رواة حديثهم وقد رموهم بالبدعة والضلالة.(1)
روى الشيخ الكبير البحراني عن أحد علمائنا أنه قال: وقد نازعني في بعض ما رأيت من علمائهم فمنه أنني في عشر الستين بعد الألف سافرت مع سلطان البصرة إلى موضع شط بغداد لأجل التنزه، فكنت يوماً أعقب بعد صلاة الصبح إلى أن طلعت الشمس فأتي الخبر أن السلطان لم يصل إلى هذا الوقت، فسألت خواصه عن السبب فقالوا: أن أمام جماعته مشغول في الغسل عن الجنابة وكان اسمه الشيخ يحيى و فسطاطه قريب من فسطاطنا وكان رجلاً قد طعن في السن حتى تجاوز الثمانين فتعجبت وقلت: أن الإمام رجل كبير السن فكيف يحتلم فضحك من كان حاضراً من خواصه و قال: ليس إغتساله من الإحتلام وإنما هو من ولد يخدمه اسمه قادر قد لاط فيه البارحة و ما سخن له الماء إلى هذا الوقت فلما فرغ من الغسل مضى إلى السلطان وصفت الصفوف خلفه فكبروا قام وصلی تلک الصلاة المقبولة بذلك الغسل المشروع أعاذنا الله من ثوابها وكان هذا الشيخ شافعي لا مالكي حتى يحلل هذا وأمثاله.
و من ذلك أيضاً: أن رجلاً من علمائهم و هو موجود في مشهد الحسين عليه السلام وهو أمام الجماعة في المشهد المقدس واسمه ملاحسین و عنده أولاد موجودين رأيناهم ورأينا أباههم وقد حكي لي رجل عابد زاهد أثق بنقله وصلاحه عن ذلك الإمام فقال: أن هؤلاء وأولاده ولما كان وقتهم قبل البلوغ و كان الفساق يأخذونهم إلى منازلهم ويلوطون بهم، و كان إذا قدم إلى ذلك المشهد الشريف جماعة من أقوام بغداد ارسلوا إلى أولاد ذلك الإمام فبقوا عندهم ليلاً حتى يخرجوا من المشهد، فأتى يوماً جماعة من خواص ذلك الإمام إليه وقالوا له: أن أولادك يفعلون هذا الفعل و أنت غير عالم بهم فانهاهم عنه، فقال لهم قولوا لي الصدق أن أحدهم إذا بات ليلة عند من يفعل به ذلک کم یعطیه درهما؟ قال: يعطيه در همين، فقال لهم ويل لكم والله أن أباهم . يعني نفسه الشريفة . لما كان في سنهم كان يرضى طول ليلة بنصف درهم فإذا أعطوا أحدهم درهمين ما يريد،
ص: 344
فسكتوا عنه، فهذا حال أئمتهم أهل العبادة والزهادة و الجمعة والجماعة، و أما علماؤهم من أرباب العقول كان فاضلهم ميرزا خان صاحب الحواشي و التحقيقات وكان عنده ولد يلوطونه فاخبره بعض تلاميذه عن حال ابنه فأجاب بأن هذا الفعل لا ينقص من قوته الداركة شيئا و الأصل في الإنسان تلك القوة وقد خلق لحراستها وأعمالها في العلم والمعارف، وأما هذه الأعضاء اللحمية فلا يبالي العاقل بما يجري عليها.(1)
و روى الشيخ المذكور رحمه الله تعالى أن الشيخ عبدالله سلام الذي كان في البصرة وبلغ في الزهد و علو الدرجة حتى كتب سلاطينهم اسمه على الأعلام التي تنشر في الحروب لا إله ألا الله محمد رسول الله شيخ الإسلام عبد السلام ولي الله قد صعد المنبر ذات يوم فقال: من أراد أن يشتري مكانا في الجنة فليقبل، واقبلت إليه البهائم فباع مواضع في الجنة و مساكنها كل على قدر حاله حتى أخذ منهم أموالا كثيرة، فلما فرغ من بيعها أقبل إليه رجل لم يكن حاضر البلد فقال له: يا شيخ أريد اشتري مكانا في الجنة و عندي أموال جزيلة أبذلها كلها على مكان فيها، فأجابه الشيخ بانه لم يبق من الجنة الّا مكاني ومكان دابتي، فقال: بعني مكانك وأكتف بمكان دابتك فباعه مكانه ويقي ولا مكان له في الجنة، وقد كان هذا الشيخ يصلى ذات يوم في المسجد فقال في أثناء الصلاة كخ كخ ، فلما فرغ سأله أصحابه عن ذلك القول في الصلاة؟ فقال: أني رأيت و أنا في الصلاة كلبا قد دخل المسجد الحرام وانتهى إلى باب الكعبة فزجرته حتى خرج، فتعجب الحاضرون من هذا الكشف العظيم حتى رأى و هو في البصرة كلبا في الكعبة فأتى رجل من الحاضرين إلى زوجته وكانت شيعية و كان الرجل سني و حكي لها كرامة الشيخ وحثها على متابعة دينه، فقالت له: إن كنت تريد أن تحولني إلى دينك فاطلب هذا الشيخ إلى الضيافة يوما حتى أتحول إلى مذهبك في حضوره، ففرح الرجل فوعد الشيخ يوماً فقال للمرأة: اصنعي هذا اليوم طعاماً للشيخ و أصحابه، فلما جلسوا وضعت الصحون بين أيديهم و على رأس كل صحن دجاجة ودجاجة صحن الشيخ وضعتها تحت الطعام، فلما نظر الشيخ إلى صحنه غضب غضبا شديداً و امتنع عن الأكل وقال: كيف ما وضعتم لي دجاجة؟ وكانت المرأة واقفة تنظر إلى ما يصنع
ص: 345
الشيخ، فلما رأت حالة الغضب أتت إلى صحنه و أخرجت الدجاجة من تحت الطعام قالت: يا شيخ إنك بالبصرة ورأيت الكلب وهو في مكة حتى قطعت الصلاة لأجله فكيف لا ترى الدجاجة التي هي أمامک و ما بينك و بينها حائل سوى لقمة من الطعام، فقال الشيخ: هذه رافضية خبيثة، فقام و خرج و رجع زوج المرأة إلى دين زوجته .
ومن ذلك: أن الشيخ حبيب الكهمري قد كان في البصرة وكان من أعاظم عبادهم و زهادهم وقد كان فيه حصر البول، فكان يوماً من الأيام جالساً مع الناس فأخذه حصر البول فتعصر و تشخب عروقه ويقي ساعة على ذلك الحال حتى خرج منه البول ابتلت منه ثيابه فقيل له: لم جرى عليك هذا الحال ؟ فقال: أن مركباً من مراكب البحر كان قد اشرف على الغرق فرأيته وهو في البحر فتناولت حبال ذلك المركب حتى نجيتهم من الغرق وقد ابتل ثيابي من ماء ذلك البحر، فأتوا إلى ثيابه و مسحوا ذلك الماء الذي في ثوبه على وجوههم و لحاهم . (1)
وقال الشيخ المذكور قصة قد أعجبته فقال: وانه يعجبني نقل حكاية فعلها رجل بحراني مع ذلك الشيخ ( حبيب الكهمري ) : و هو أن ذلك الرجل البحراني قال لأصحابه يوماً: امضوا بنا إلى الشيخ حبيب حتى نضحك على لحيته ونأخذ منه مبلغاً من الدراهم، فقالوا له: ما نقدر على هذا الحال ، فقال لهم: لكني أنا أقدر فأتوا إلى الشيخ و هو جالس بين تلاميذه فسلم عليه و قال: يا شيخ أنا رجل من الشيعة أمنتك أمانة وأريدها الان فقال: و ما هي؟ فقال: أنني ركبت البحر في اليوم الفلاني وقد اشرفت السفينة على الغرق فرمت التجار أموالهم في الماء وقالوا يا ماء هذا أمانة الشيخ حبيب فلما رأيتهم صنعت أنا مثلهم وكان المال ألف درهم و أظن الماء لا يخونك في الأمانة بل قد أداها إليك، ففكر الشيخ في نفسه وأتباعه جالسون حوله، فقال: نعم يا بحراني صدقت في كلامك هذا ألا أن البحر قد دفع إلي أمانات كثيرة من أهل تلك السفينة فعلم علائم أمانتك، فقال: انها مصرورة في خرقة خضراء كذا و كذا صفتها، فقال: صدقت يا بحراني عندنا هذه الأمانه فدخل البيت و وضع دراهما من ماله في خرقة خضراء فأتى بها إلى البحراني ودفعها إليه، فقال البحراني نعم هذه أمانتنا.
ص: 346
و أما الكرامات التي ظهرت من قبور ائمتهم الأربعة فهي أكثر من أن تحصى وأعظمها الكرامات التي شاهدها الناس من قبر أبي حنيفه، وذلك أن السلطان الأعظم شاه عباس الأول لما فتح بغداد أمر أن يجعل قبرأبي حنيفة كنيفاً وقد أوقف وقفاً شرعياً بغلتين وامريربطهما على رأس السوق حتى أن كل من يريد الغايط يركبها و يمضي إلى قبر أبي حنيفة لأجل قضاء الحاجة، وقد طلب خادم قبره يوماً فقال له: ما تخدم في هذا القبر و أبو حنيفة الآن في درك الجحيم؟ فقال: أن في هذا القبر كلبا أسوداً دفنه جدك الشاه إسماعيل لما فتح بغداد فأخرج عظام أبي حنيفة وجعل موضعها كلباً أسوداً فأنا أخدم ذلك الكلب، وكان صادق في مقالته لأن المرحوم الشاه إسماعيل فعل مثل هذا.
و من كراماته أن حاكم بغداد طلب علماء أهل السنة وعبادهم و قال لهم: كيف ذلك الرجل الأعمى إذا بات تحت قبة موسى بن جعفر عليه السلام يرتد إليه بصره و أبو حنيفة مع أنه الإمام الأعظم لم نسمع له بمثل هذه الكرامة ؟ فأجابوه بأن هذا يصير أيضاً من بركات أبي حنيفة، فقال لهم : أحب أن أرى مثل هذا لأكون على بصيرة من ديني، فأتوا رجلاً فقيراً و قالوا له: أنا نعطيك كذا وكذا من الدراهم والدنانير و قل أني اعمى و أمش متكئاً على العصا يومين أو ثلاثة ثم تأت ليلة الجمعة عند قبر أبي حنيفة فإذا أصبحت فقال: الحمد لله أرتد بصري ببركات صاحب هذا القبر فقبل كلامهم ثم بات تلك الليلة تحت قبته فلما أصبح بحمد الله وهو أعمى لا يبصر شيئاً، فصاح وقال: أيها الناس حكايتي كذا و كذا و أنا رجل صاحب عيال وحرفة ، فاتصل خبره بصاحب البلد الحاكم فأرسل إليه فقص قصته و احتيالهم عليه فألزمهم بما يحتاج إليه من المعاش مدة حياته، ونحو ذلك من الكرامات التي لا يحتملها المقام . (1)
حكى البحراني: أن تاجراً عبر إلى حمص فسمع مؤذناً يقول: أشهد أن لا إله إلا الله وأهل حمص يشهدون أن محمداً رسول الله . فقال : والله لأمضين إلى الخطيب، فجاء إليه فوجده قد قام وهو يصلي على فرد رجل ورجله الأخرى متلوثة بالعذرة ، فمضى إلى المحتسب ليخبره بالخبر فسأل عنه فقيل هو في الجامع الفلاني يبيع الخمر فمضى إليه فوجده و بين يديه باطية مملوءة بالخمرو في حجره مصحف و هو يحلف للناس بحق المصحف أنه خمر صرف و ليس فيه ماء و قد ازدحمت
ص: 347
الناس عليه وهو يبيع، فقال والله لأمضين للقاضي فمضى إليه فوجده نائماً و على ظهره غلام يفعل به فقال التاجر قلب الله حمص. فقال القاضي: لم تقول هذا؟ فأخبره بجميع ما رأى فقال: يا جاهل أما المؤذن فإن مؤذناً مرض فاستأجرنا يهودياً يؤذن مكانه وهو يقول ما سمعت ، وأما الإمام فتلوث رجله بالعذرة وضاق الوقت وأخرجها من الصلاة واعتمد على رجله الأخرى و لما فرغ غسلها، وأما المحتسب فإن الجامع ليس له وقف إلا كرم و عنبه ما يؤكل فهو يعص----ره و يبيعه خمراً و يحلف عليه ويصرف ثمنه في مصالح الجامع و أما أنا فهذا الغلام مات أبوه و خلف مالاً كثيراً و هو تحت الحجرو قد كبر و جاء جماعة وشهدوا عندي أنه بلغ فأنا أمتحنه. فخرج التاجر من البلد و حلف ألا يعود إليها .(1)
و منه أيضاً: كان رجل من قضاة العامة يقرأ علي في علوم العربية في شيراز فبقي مدة طويلة في شيراز، فسألته يوماً: ألا تسافر إلى بلادك؟ فضحك ثم قال: ما أقدر على معاشرة أهل بلادي لقضية وقعت علي بها. فقلت ما هي ؟ قال : إن المتعة في بلادي حرام وقد غلبت علي العزوبية و شبق الجماع و ما كنت قادراً على التزويج فمضيت إلى خارج القرية فرأيت رجلاً يرعى حيوانات تلک القرية فحكيت له قصتي فقال: في هذه الحيوانات أتان صبور، يعني حمارة فعينها لي و قال: خذها إلى المكان المنخفض واقض حاجتك منها فأعطيته بعض الفلوس و أتيت إلى الحمارة في ذلك الموضع فلما أوقفتها لقضاء الحاجة خفت أنها في الأثناء تركض عني وكانت لي عمامة طويلة فشددت مئزري في رقبتها وأخذت طرفيه من الطرفين وشددت بهما وسطي حتى ألصق بها وقت الحاجة، فلما شرعت في حاجتي أخذت الأتان بالزقط بالجوز و ركضت و أنا محلول السراويل وأخذت تسحبني على الشوك فما شعرت إلا و أنا في وسط السوق و الحمارة تجرني مكشوف العورة، فصاح عليّ أهل السوق هذا القاضي فخلصوني منها، و في ذلك اليوم خرجت إلى شيراز فكيف أطيق الرجوع إليها . (2)
و روی صاحب الكشكول : حكى بعض من يوثق به أن رجلاً من المسلمين كانت عنده امرأة
ص: 348
حسنة و كانت تحب رجلاً يهوديان فاحتالت في إخراج زوجها إلى السفر حتى تخلو باليهودي فقالت لليهودي: اعطه بضاعة يخرج بها إلى بعض البلدان: فطلبه اليهودي و قال: أقرضک دراهم و استرهن من بدنك مائة مثقال من اللحم ، فكتب عليه كتاباً و أعطاه الدراهم و خرج إلى التجارة وبقيت امرأته مع اليهودي، فلما خرج من البلد قطع عليه الطريق وأخذ المال منه فرجع وسمع به اليهودي فخرج إليه يطلب ماله أو الرهن فلزمه و أراد إحضاره عند القاضي فمرا على رجل كان حماره في الوحل فاستعان بالرجل فلزم ذنب حماره ليخرجه من الوحل فانقطع فلزمه بقيمة الحمار فصارا مدعيين، فأتوا إلى مسجد ينامون فيه إلى الصباح فجعل الرجل داخل المسجد و باتا على الباب لئلا يهرب منهما، فلما ناما صعد على سطح المسجد ورمى بنفسه ليخلص منهما فاتفق أن رجلاً مع ولده كانا نائمين تحت جدار المسجد فوقع على الرجل النائم فأهلكه فلزمه الولد بدم أبيه وصاح حتى انتبه الرجلان فصاروا ثلاثة، فأخذوه إلى بيت القاضي فسألوا عن القاضي فقيل لهم: إنه في خلوته ، فلما جلسوا قال ذلك الرجل: أنا أرمي بنفسي إلى القاضي في خلوته لعله يفتكر في حالي فركض ودخل على القاضي فوجد غلاماً يلوط به فجلس حتى فرغ القاضي وحكى له الحكايه فقال له القاضي اشرط على نفسك أن لا تحكي بما رأيت و أنا أخلصك من هذه الدعاوي كلها، فشرط له وحلف فخرج القاضي إلى دار القضاء فتقدم اليهودي وقد كان شرط عليه القاضي أن لا ينكر شيئاً من الدعاوي فقال اليهودي: أريد أما دراهمي أو رهني مئة مثقال من لحمه ، فصدقه الرجل فقال القاضي: خذ واقطع من لحمه مئة مثقال لا تزيد و لا تنقص وإلا فعليك القصاص فتحير اليهودي ثم قال: أسقطت عنه دعواي عليه ، فقال القاضي: ألا كنت أسقطت عنه قبل حضورك دار القضاء، فأخذ منه القاضي مثل الدراهم الذي يطلبها من الرجل وخلى عنه .
ثم تقدم طالب الدم فأقر الرجل بأنه قتل أباه بالسقوط عليه فقال القاضي: امض إلى الرجل واضجعه مكان أبيك و أسقط عليه من فوق السطح واقتله كما قتل أباك، فتحير الرجل بالسقوط و أنه ربما مات من السقطة فقال : وهبته دم أبي فقال القاضي: ألا كان ذلك قبل حضور دار القضاء، فأخذ منه القاضي مالاً كثيراً وخلى عنه، فلما رأى صاحب الحمار قضية
ص: 349
الرجلين أسرع في العدو فقال له القاضي: إلى أين؟ قال: أتى بشهود يشهدون على أن حماري ما كان له ذنب حتى لا تقضي علي بهذا القضاء .(1)
نقل الشيخ يوسف البحراني عن السيد المحدث العلامة السيد نعمة الله الجزائري من كتاب شرح التهذيب، قال: وقع فيما قارب عصرنا أن رجلاً من أهل بغداد سافر إلى الشام وبقي أعواماً و لما قدم على امرأته وجد عندها أولاداً فتعجب، فقالت: هلم نتحاكم إلى القاضي الحنفي. فلما تحاكما إليه ألحق الأولاد به ، وقال : الولد للفراش فلما ضاق على الرجل فضاء الأرض إحتال على القاضي وقال : إني أعلم أن هؤلاء أولادي بحكم مولانا الحنفي لكني رجل فقير و عاجز عن نفقة هؤلاء الأطفال فإن رأى مولانا القاضي من يتكفل بأحوالهم، فعمد القاضي إلى الثروة من الحاضرين فقال كل رجل منك يأخذ واحد؛ من أولاد هذا الفقير يتكفل بتربيته حتى يكبر، فرفع كل رجل واحداً و كان بين الحاضرين رجل خصي فقال له: ارفع واحداً فأخذ ولداً من الصغار و خرج به واضعاً له على كتفه، فلقيه رجل في السوق فسألوه ما هذا الولد؟ فقال: كنا في مجلس القاضي و كان يقسم أولاد الزنا بين أهل المجلس؛ فكان هذا سهمي، والخير عنده كثير لمن أراد.
ص: 350
ص: 351
ص: 352
1- عن عبد اللّه بن بكر الأرجاني قال: صحبتُ أبا عبد اللّه (عَلَيهِ السَّلَامُ) فِي طريق مكّة من المدينة فنزلنا منزِلَّا يُقالُ لَهُ عُسفانُ ثُمّ مررنا بجبل أسود عن يسارِ الطَّرِيقِ مُوحِشٍ فَقُلتُ لَهُ يا ابن رسُولِ اللّه ما أوحش هذا الجبل ما رأيتُ فِي الطُّرُقِ مِثل هذا فقال لي يا بن بكر تدري أي جبل هذا قُلتُ لا قال هذا جبل يُقال له الحمد وهو على وادٍ من أودية جهنَّم و فيه قتله أبي الحسين (عَلَيهِ السَّلَامُ) استودعهُم فِيهِ تَجْرِي من تحتِهِم مِياه جهنَّم من الغِسلِينِ والصّدِيدِ والحَمِيمِ و ما يخرُجُ من جُبِّ الحوى و ما يخرُجُ من الفلقِ من آثامٍ و ما يخرُجُ من طِينةِ الخبال و ما يخرُجُ من جهنَّم و ما يخرُجُ من لَظَى من الحُطَمَةِ و ما يخرجُ من سقرو ما يخرُجُ من الجحيم وما يخرُجُ من الهاوية وما يخرُجُ من الشعيرو فِي نُسخةٍ أُخرى و ما يخرُجُ من جهنَّم و ما يخرُجُ من لظى و من الحطمة وما يخرُجُ من سقرو ما يخرُجُ من الحميم و ما مررتُ بهذا الجبل فِي سفري فوقفتُ بِهِ إِلَّا رأيتُهُما يستغِيثَانِ إلي و إنِّي لأنظر إلى قتلة أبي فأقُولُ هما هؤلاء إنّما فعلوا ما أتستُما لم ترحمونا إِذ وُلّيتُم و قتلتُمُونا و حرمتمونا و وثبتُم على حقنا واستبددتُم بِالأمرِدوننا فلا رحم اللّه من يرحمكما ذُوقا وبال ما قدّمتُما و ما اللّه بظلام للعبيد فقُلتُ لهُ جُعِلتُ فِداك أين منتهى هذا الجبل قال إِلى الأَرْضِ السادسة وفيها جهتم على وادٍ من أودِيتِهِ عليهِ حفظةً أكثرُ من نُجُومِ السّماءِ وقطر المطر و عددِ ما فِي البحار وعددِ القرى وقد وكّل كلّ ملكٍ مِنهُم بِشيءٍ وهُو مُقِيمٌ عليهِ لا يُفارِقُهُ. (1)
ص: 353
1 - عن أبي جعفر (عَلَيهِ السَّلَامُ) قال قال رسول اللّه (صَلَّى اللّه عَلَيْهِ وَآلِهِ) إِنَّ فِي النَّارِ منزِلةً لم يكُن يستحِقُها أحدٌ مِن النّاس إِلا بقتل الحسين بن عليّ و يحيى بن زكريا (عَلَيهِ السَّلَامُ). (1)
2 - عنِ الرّضا عن آبائه (عَلَيهِم السَّلَامُ) قال : قال رسول اللّه (صَلَّى اللّه عَلَيْهِ وَآلِهِ): إن قاتل الحسين بن علي (عَلَيهِمَا السَّلَامُ) فِي تابوتٍ من نار عليهِ نِصف عذابِ أهلِ الدُّنيا وقد شدّ يداه ورجلاه بِسلاسل من نارٍ مُنكِّسُ فِي النَّارِ حتّى يقع فِي قعر جهنَّم و لهُ رِيحٌ يتعوّذُ أَهلُ النَّارِ إِلَى رَبِّهِم من شِدَّةِ نتنِهِ وهُو فيها خالِدٌ ذائِقُ العذاب الأليم مع جميع من شايع على قتلِهِ (كُلَّمَا نَضِجَتْ جُلُودُهُمْ) (2) بَدِّل اللّه عزّ و جلّ عليهِمُ الجُلُود غيرها حتّى يذُوقُوا العذاب الأليم (لا يُفْتَرُ عنهُم) (3) ساعةً ويُسقون من حميم جهنَّم فالويلُ لهُم من عذابِ النّار. (4)
3 - عن أبي عبد اللّه (عَلَيهِ السَّلَامُ) قال : إذا كان يومُ القِيامةِ جَمَعَ اللّه الأولين والآخِرِين فِي صعِيدٍ وَاحِدٍ فيُنادِي مُنادٍ غُضُّوا أبصاركُم ونكّسُوا رُه وسكُم حتّى تجوز فاطمة بنت محمّد (صَلَّى اللّه عَلَيْهِ وَآلِهِ) الصِّراط قال فتغُضُّ الخلائِقُ أبصارهم فتأتي فاطمة (عَلَيهَا السَّلَامُ) على نجيبٍ من تُجبِ الجنّة يُشيّعُها سبعون ألف ملك فتَقِفُ موقفاً شريفاً من مواقِفِ القِيامَةِ ثُمّ تَنزِلُ عن نجيبها فتأخُذُ قميص الحسين بن علي (عَلَيهِمَا السَّلَامُ) بيدها مُضمّخاً بدمِهِ و تَقُولُ يا ربّ هذا قميص ولدي وقد علمت ما صُنع بِهِ فياتِيها النّداءُ من قِبل اللّه عزّ و جلّ يا فاطِمةُ لكِ عِندِي الرّضا فتقُولُ يا ربّ انتصرلي من قاتِلِهِ فيامُرُ اللّه تعالى عُنُقاً من النّارِ فتخرُجُ من جهنَّم فتلتقط قتلة الحسين بن عليّ (عَلَيهِمَا السَّلَامُ) كما يلتقط الطير الحبّ ثُمّ يَعُودُ العُنُق بهم إلى النَّارِ فَيُعَذِّبُونِ فِيها بِأنواع العذابِ ثُمّ تركب فاطِمةُ (عَلَيهَا السَّلَامُ) نجيبها حتّى تدخل الجنّة ومعها الملائِكَةُ المشيعون لها و ذُرِّيَّتُها بين يديها وأولياؤُهُم من النّاس عن يمينها وشمالها. (5)
ص: 354
4 - عن أبي عبد اللّه (عَلَيهِ السَّلَامُ) قال قال رسول اللّه (صَلَّى اللّه عَلَيْهِ وَآلِهِ) إذا كان يوم القيامةِ نُصِب لفاطمة (عَلَيهَا السَّلَامُ) قبةٌ من نُورٍ و أقبل الحسين صلوات اللّه عليهِ رأسه فِي يدِهِ فإذا رأته شهقت شهقةً لا يبقى فِي الجمع ملك مقرب و لا نبي مرسل ولا عبدٌ مُؤمِنٌ إِلا بكى لها فيُمتِّلُ اللّه عزّ و جلّ رَجُلًا لها فِي أحسنِ صورةٍ وهُو يُخاصِمُ قتلتهُ بِلا رأس فيجمعُ اللّه قتلته والمجهزين عليه و من شرك فِي قتله فيقتُلُهُم حتّى أتى على آخِرِهِم ثُمّ يُنشرون فيقتُلُهُم أمِير المؤمنين (عَلَيهِ السَّلَامُ) ثُمّ يُنشرون فيقتُلُهُمُ الحسن (عَلَيهِ السَّلَامُ) ثُمّ يُنشرون فيقتُلُهُمُ الحسين (عَلَيهِ السَّلَامُ) ثُمّ يُنشرون فلا يبق من ذُرِّيَّتِنا أَحدٌ إِلَّا قتلهم قتلةً فعِند ذلك يكشِفُ اللّه الغيظ ويُنسِي الحُزن ثُمّ قال أبو عبد اللّه (عَلَيهِ السَّلَامُ) رَحِمَ اللّه شيعتنا شيعتنا واللّه هُمُ المؤمِنُون فقد واللّه شركُونا فِي المصيبة بطولِ الحُزنِ والحسرة. (1)
5 - عن المفضل عن الصَّادق (عَلَيهِ السَّلَامُ)....ثُمّ يقُومُ الحسين (عَلَيهِ السَّلَامُ) مُخضّباً بِدَمِهِ هُو و جميعُ من قُتِل معه فإذا رآهُ رسُولُ اللّه (صَلَّى اللّه عَلَيْهِ وَآلِهِ) بكى وبكى أهلُ السّماوات والأَرْضِ لِبُكائِهِ وتصرخُ فاطمه (عَلَيهَا السَّلَامُ) فتُزلزل الأرضُ ومن عليها ويقفُ أمِير المؤمنين والحسن (عَلَيهِمَا السَّلَامُ) عن يمينه و فاطِمةُ عن شِمالِهِ ويُقبل الحسين (عَلَيهِ السَّلَامُ) فيضُمُّهُ رسُولُ اللّه (صَلَّى اللّه عَلَيْهِ وَآلِهِ) إلى صدره و صدره ويقول يا حسين فديتُك قرَّت عيناك وعيناي فيك وعن يمين الحسين حمزة أسدُ اللّه فِي أَرضِهِ و عن شِمالِهِ جعفر بن أبي طالب الطيارُو يأتي مُحسنٌ تَحْمِلُهُ خديجة بنتُ خُويلد وفاطِمةُ بِنتُ أسدٍ أُمُّ أمِير المؤمنين (عَلَيهِ السَّلَامُ) وهُنّ صارِخاتٌ وأُمُّهُ فاطِمةُ تَقُولُ (هذا يومُكُمُ الّذي كُنتُم تُوعَدُونَ﴾ (2) اليوم (تَجِدُ كُلُّ نَفْسٍ مَا عَمِلَتْ مِنْ خَيْرٍ مُحْضَرًا وَمَا عَمِلَتْ مِنْ سُوءٍ تَوَدُّ لَوْ أَنَّ بَيْنَهَا وَبَيْنَهُ أَمَدًا بَعِيدًا) (3) قال فبكى الصَّادق (عَلَيهِ السَّلَامُ) حتّى اخضلّت لحيتُهُ بِالدُّمُوعِ ثُمّ قال لا قرت عين لا تبكي عند هذا الذّكرِ قال وبكى المفضّلُ بُكاءً طويلًا ثُمّ قال يا مولاي ما فِي الدُّمُوعِ يا مولاي فقال ما لا يُحصى إذا كان من مُحِقِّ ثُمّ قال المفضّل يا مولاي ما تقول فِي قوله تعالى (وَإِذَا الْمَوْءُودَةُ سُئِلَتْ * بِأَيِّ
ص: 355
ذَنْبٍ قُتِلَتْ) (1) قال يا مُفضّل و الموودةُ واللّه مُحسَنٌ لِأَنَّهُ مِنَّا لا غيرُ فمن قال غير هذا فكذِبُوهُ قال المفضّل يا مولاي ثُمّ ماذا قال الصَّادق (عَلَيهِ السَّلَامُ) تقُومُ فاطِمةُ بِنتُ رَسُولِ اللّه (صَلَّى اللّه عَلَيْهِ وَآلِهِ) فتقُولُ اللّهمّ أنجز وعدك وموعدك لي فيمن ظلمني وغصبني وضربني و جزعني بِكُل أولادي فتبكيها ملائكةُ السّماوات السّبع وحملة العرش و سُكَّانُ الهواء و من فِي الدُّنيا و من تحت أطباق النّرى صائِحِين صارخين إلى اللّه تعالى فلا يبقى أحد يمن قاتلنا وظلمنا ورضي بما جرى علينا إِلَّا قُتِل فِي ذلك اليوم ألف قتلةٍ دون من قُتِل فِي سَبِيلِ اللّه فَإِنَّهُ لا يَذُوقُ الموت و هُو كما قال اللّه عزّوجلّ (وَلَا تَحْسَبَنَّ الَّذِينَ قُتِلُوا فِي سَبِيلِ اللَّهِ أَمْوَاتًا بَلْ أَحْيَاءٌ عِنْدَ رَبِّهِمْ يُرْزَقُونَ * فَرِحِينَ بِمَا آتَاهُمُ اللَّهُ مِنْ فَضْلِهِ وَيَسْتَبْشِرُونَ بِالَّذِينَ لَمْ يَلْحَقُوا بِهِمْ مِنْ خَلْفِهِمْ أَلَّا خَوْفٌ عَلَيْهِمْ وَلَا هُمْ يَحْزَنُونَ)(2). (3)
6 - عن شرِيكٍ يرفعُهُ قال: قال رسُولُ اللّه (صَلَّى اللّه عَلَيْهِ وَآلِهِ) إذا كان يومُ القِيامة جاءت فاطِمةُ فِي لُمةٍ من نِسائِها فيُقالُ لها ادخُلِي الجنّة فتقُولُ لا أدخُلُ حتّى أعلم ما صُنع بولدِي من بعدِي فيُقالُ لها انظُرِي فِي قلبِ القِيامَةِ فتنظُرُ إلى الحسين صلوات اللّه عليهِ قائماً ليس عليه رأس فتصرخ صرخةً فأصرُخُ لِصُراخها وتصرخُ الملائِكَةُ لِصُراخنا فيغضب اللّه عزّ وجلّ لنا عِند ذلك فيأمُرُ ناراً يُقالُ لها هبهب قد أوقد عليها ألف عام حتّى اسودت لا يدخُلُها روح أبداً ولا يخرُجُ مِنها غمَّ أبداً فيُقالُ التقطي قتلة الحسين (عَلَيهِ السَّلَامُ) فتلتقطهم فإذا صاروا فِي حوصلتِها صهلت وصهلوا بها و شهقت و شهقُوا بِها و زفرت و زفرُوا بِها فينطِقُون بِالسِنةٍ ذلقةٍ طلقة يا ربّنا لِمَ أوجبت لنا النار قبل عبدة الأوثان فياتِيهِمُ الجواب عنِ اللّه عزّوجلّ أنّ من علم ليس كمن لم يعلم. (4)
ص: 356
1 - عن إسماعيل بن جابر عن أبي عبد اللّه (عَلَيهِ السَّلَامُ) قال سمعتُهُ يَقُولُ تُقتل واللّه ذرارِيُّ قتلة الحسين بفعل آبائها. (1)
2 - عنِ الهروي قال قُلتُ لأبي الحسنِ الرّضا (عَلَيهِ السَّلَامُ) يا ابن رسولِ اللّه ما تَقُولُ فِي حَدِيثٍ رُوِي عَنِ الصَّادق (عَلَيهِ السَّلَامُ) أنّه قال إذا خرج القائم قتل ذراري قتلة الحسين (عَلَيهِ السَّلَامُ) بفعالِ آبائها فقال (عَلَيهِ السَّلَامُ) هُو كذلِك. فقُلتُ وقولُ اللّه عزّوجلّ (وَلَا تَزِرُ وَازِرَةٌ وِزْرَ أُخْرَى) (2) ما معناه ؟ قال صدق اللّه فِي جميع أقواله ولكن ذراري قتلة الحسين (عَلَيهِ السَّلَامُ) يرضون بِفعالِ آبائهم ويفتخرون بها و من رضي شيئاً كان كمن أتاه و لو أنّ رجُلًا قُتِل بِالمشرِقِ فرضِي بِقتلِهِ رَجُلٌ بِالمغرِبِ لكان الراضي عِند اللّه عزّو جلّ شريك القاتِلِ وإِنما يقتُلُهُمُ القائم (عَلَيهِ السَّلَامُ) إذا خرج لرضاهُم بِفِعل آبائهم قال قُلتُ لهُ بِأَيِّ شيءٍ يبدأُ القائمُ مِنكُم إِذا قام قال يبدأُ بِبني شيبة فيقطعُ أيديهم لأنّهم سُرَاقُ بيتِ اللّه عزّوجلّ. (3)
1- قال علي بن إبراهيم فِي قوله تعالى : ﴿ وَوَصَّيْنَا الْإِنْسَانَ بِوَالِدَيْهِ) إنّما عنى الحسن والحسين (عَلَيهِمَا السَّلَامُ) ثُمّ عطف على الحسين فقال (حَمَلَتْهُ أُمُّهُ كُرْهًا وَوَضَعَتْهُ كُرْهًا) (4) و ذلك أن اللّه أخبر رسول اللّه و بشره بالحسين قبل حمله و أن الإمامة يكُونُ فِي وُلدِهِ إِلى يومِ القِيامَةِ ثُمّ أَخبرهُ بِما يُصِيبُهُ من القتل والمصيبة فِي نفسِهِ و وُلدِهِ ثُمّ عوّضهُ بِأن جعل الإمامة فِي عقِبِهِ وأعلمهُ أَنَّهُ يُقتل ثُمّ يردُّهُ إِلى الدُّنيا وينصُرُهُ حتّى يقتل أعداءه ويُملكهُ الأَرض وهو قولُهُ (وَنُرِيدُ أَنْ نَمُنَّ عَلَى الَّذِينَ اسْتُضْعِفُوا فِي الْأَرْضِ) (5) الآية وقولُه (وَلَقَدْ كَتَبْنَا فِي الزَّبُورِ) (6) الآية فبشر اللّه نبيّه (صَلَّى اللّه عَلَيْهِ وَآلِهِ)
ص: 357
أن أهل بيتك يملكون الأرض ويرجِعُون إليها ويقتُلُون أعداء هم فأخبر رسُولُ اللّه (صَلَّى اللّه عَلَيْهِ وَآلِهِ) فاطمة (عَلَيهَا السَّلَامُ) بخبر الحسين (عَلَيهِ السَّلَامُ) و قتله فحملته كُرها ثُمّ قال أبو عبد اللّه (عَلَيهِ السَّلَامُ) فهل رأيتُم أحداً يُبشِّرُ بولدٍ ذكر فيحمِلُهُ كُرهاً أي إنّها اغتمّت وكرهت لَمّا أُخبِرت بقتلِهِ و وضعته كُرها لما علمت من ذلك وكان بين الحسن والحسين (عَلَيهِمَا السَّلَامُ) ظهر واحِد و كان الحُسين (عَلَيهِ السَّلَامُ) فِي بطنِ أُمِّهِ سِتَّة أَشْهُرٍ و فِصالُهُ أربعةٌ وعِشرُون شهراً وهو قولُ اللّه (وَحَمْلُهُ وَفِصَالُهُ ثَلَاثُونَ شَهْرًا)(1). (2)
1- عن أبي عبد اللّه (عَلَيهِ السَّلَامُ) فِي قولِ فرعون (ذَرُونِي أَقْتُلْ مُوسَى) (3) من كان يمنعه قال منعته رشدتُهُ ولا يقتُلُ الأنبياء وأولاد الأنبياء إلّا أولاد ُالزّنا. (4)
2 - قال أبو عبد اللّه (عَلَيهِ السَّلَامُ) وكذلك الحسين (عَلَيهِ السَّلَامُ) لم يكن لهُ من قبلُ سَمِي ولم تبكِ السَّمَاءُ إِلَّا عليهما أربعين صباحاً قيل له وما بُكاؤُها قال كانت تطلُعُ حمراء وتغيب حمراء وكان قاتِلُ يحيى (عَلَيهِ السَّلَامُ) ولد زناً وقاتِلُ الحُسين (عَلَيهِ السَّلَامُ) ولد زناً. (5)
3 - عن أبي جعفر (عَلَيهِ السَّلَامُ) قال: إنّ عاقر ناقة صالح كان أزرق ابن بغي و إن قاتل يحيى بن زكريا (عَلَيهِ السَّلَامُ) ابن بغي و إن قاتل عليّ (عَلَيهِ السَّلَامُ) ابن بغي وكانت مُرادٌ تَقُولُ ما تعرِفُ لَهُ فِينا أباً ولا نسباً و إن قاتل الحسين بن علي (عَلَيهِمَا السَّلَامُ) ابن بغي و إِنَّهُ لم يقتُلِ الأنبياء ولا أولاد الأنبياءِ إِلَّا أولاد البغايا. (6)
ص: 358
4 - عن أبي جعفر (عَلَيهِ السَّلَامُ) قال : لا يقتُلُ النّبِيِّين و لا أولادهم إلّا أولاد الزِّنا. (1)
5- عن ابن عبَّاس قال سمعتُ أمِير المؤمنين عليّ بن أبِي طالِب (عَلَيهِ السَّلَامُ) يقُولُ دخل رسُولُ اللّه (صَلَّى اللّه عَلَيْهِ وَآلِهِ) ذات يوم على فاطمة (عَلَيهَا السَّلَامُ) وهي حزينة فقال لها ما حُزنُكِ يا بُنيّةِ قالت يا أبتِ ذكرتُ المحشر و وُقُوف النّاس عُرأَةً يوم القيامةِ قال يا بُنيّةِ إِنَّهُ ليومٌ عَظِيمٌ ولكن قد أخبرني جبرئيل عن اللّه عزّ و جلّ أنّه قال أوّل من تنشق عنه الأرضُ يوم القِيامَةِ أَنا ثُمّ أبي إبراهِيمُ ثُمّ بعدكِ عليّ بن أبِي طالِب (عَلَيهِ السَّلَامُ) ثُمّ يبعث اللّه إليكِ جبرئيل فِي سبعين ألف ملك فيضرِبُ على قبرك سبع قبابٍ من نُورٍ ثُمّ يَأْتِيكِ إِسرافيلُ بِثلاثِ حُللِ من نُورٍ فيقِفُ عِند رأْسِكِ فَيُنَادِينكِ يا فاطِمةُ بنت محمّد قُومِي إِلى محشرِكِ فتقومين آمِنةً روعتكِ مستورةً عورتُكِ فيُناوِلُكِ إِسرافِيلُ الخلل فتلبسينها وياتِيكِ زُوقَائِيلُ بِنجِيبَةٍ من نُورٍ زِمَامُها من لُؤْلُو رطب عليها مِحفَّةٌ من ذَهَبٍ فتركبينها و يقود زُوقائيلُ بِزِمامها و بين يديكِ سبعون ألف ملك بأيديهم ألوية التسبيح فإذا جد بِكِ السير استقبلتكِ سبعون ألف حوراء يستبشِرُون بِالنَّظر إليكِ بِيدِ كلّ وَاحِدَةٍ مِنهُنّ مجمرة من نُورٍ يسطعُ مِنها رِيحُ العُودِ من غير نار و عليهن أكاليل الجوهر المرصع بالزبرجد الأخضر فيسرن عن يمينكِ فإِذا سِرت مثل الّذي سِرت من قبركِ إلى أن لقينكِ استقبلتكِ مريم بنتُ عِمران فِي مِثلِ من معكِ من الحُورِ فتُسلّمُ عليكِ وتسِيرُهي ومن معها عن يسارِكِ ثُمّ تستقبِلُكِ أَمُّكِ خدِيجَةُ بِنتُ خُويلِدٍ أَوّلُ المؤمِناتِ بِاللّه ورسولِهِ ومعها سبعون ألف ملك بأيديهم ألوية التكبير فإذا قربت من الجمع استقبلتكِ حوّاء فِي سبعين ألف حوراء ومعها آسِيةُ بِنتُ مُزاحِمٍ فتسِيرُ هِي و من معها معكِ فإذا توسطت الجمع و ذلِكِ أَنّ اللّه يجمعُ الخلائق فِي صعِيدٍ واحدٍ فيستوي بهمُ الأقدامُ ثُمّ يُنادِي مُنَادٍ من تحتِ العرشِ يُسْمِعُ الخَلائِقِ غُضُّوا أبصاركُم حتّى تجوز فاطِمةُ الصِّدِيقَةُ بِنتُ محمّد ومن معها فلا ينظُرُ إِليكِ يومَئِذٍ إِلَّا إِبْراهِيمُ خليل الرّحمن صلوات اللّه وسلامه عليه و عليّ بن أبِي طالِب ويطلُبُ آدم حوّاء فيراها مع أُمِّكِ خديجة أمامكِ ثُمّ يُنصب لكِ مِنبر من النُّورِ فِيهِ سبع مراقي بين المرقاة إلى المرقاة صُفُوفُ الملائكة بِأَيديهم ألوِيةُ النُّورِ ويصطفُ الحُورُ العِينُ عن يمين المنبر و عن يساره و أقربُ النِّساء معكِ عن يسارك حواء و آسية فإذا صِرتِ فِي أعلى المنبر أتاكِ جبرئيل (عَلَيهِ السَّلَامُ) فيقُولُ لكِ يا فاطِمةُ سلي حاجتك فتقولين يا ربّ أرني الحسن
ص: 359
والحسين فياتِيانِكِ وأوداجُ الحسين تشخُبُ دما و هُو يقُولُ يا ربّ خُذ لِي اليوم حقي ممن ظلمني فيغضبُ عِند ذلِكِ الجليل ويغضبُ لِغضبِهِ جهنَّم و الملائكة أجمعُون فتزفر جهنَّم عِند ذلِكِ زفرةٌ ثُمّ يخرُجُ فوج من النار و يلتقط قتلة الحسين و أبناءهم وأبناء أبنائِهِم و يقُولُون يا ربّ إنّا لم نحضُرِ الحسين فيقُولُ اللّه لِزِبانِيةِ جهنَّم خُذُوهُم بِسِيمَاهُم بِزُرقةِ الأعيُنِ وسوادِ الوُجُوهِ خُذُوا بِنواصِيهِم فألْقُوهُم فِي الدّركِ الأَسفلِ من النَّارِ فَإِنَّهُم كانُوا أشدّ على أولياء الحسينِ من آبائِهِمُ الّذين حاربوا الحسين فقتلُوهُ ثُمّ يَقُولُ جبرئيل (عَلَيهِ السَّلَامُ) يا فاطِمةُ سلي حاجتكِ فتقولين يا ربّ شِيعَتِي فيقُولُ اللّه عزّ و جلّ قد غفرت لهم فتقولين يا ربّ شِيعةُ وُلدِي فيقُولُ اللّه قد غفرت لهم فتقولين يا ربّ شِيعَةُ شِيعَتِي فيَقُولُ اللّه انطلقي فنِ اعتصم بِكِ فهو معكِ فِي الجنّة فعِند ذلِكِ يودُّ الخلائِقُ أنهم كانوا فاطميين فتسيرين و معكِ شِيعتُكِ وشِيعةُ وُلدِكِ و شِيعَةُ أمِير المؤمنين آمِنةً روعاتِهم مستورةً عوراتهم قد ذهبت عنهم الشّدائِدُ وسهلت لهُمُ الموارِدُ يخافُ النّاس وهم لا يخافون ويظمأُ النّاس وهم لا يظمتُون فإذا بلغتِ باب الجنّة تلقتكِ اثنتا عشرة ألف حوراء لم يلتقين أحداً قبلك ولا يتلقين أحداً كان بعدكِ بأيدِيهِم حِرابٌ من نُورٍ على نجائِب من نُورٍ رحائِلُها من الذهب الأصفر واليا قُوتِ أَزِمَتُها من لُؤلُوِ رطب على كلّ نجِيبٍ غُرُقَةٌ من سُندُسٍ منضُودٍ فإذا دخلت الجنّة تُباشِرُبِكِ أهلها و وُضِع لِشِيعَتِكِ موائِدُ من جوهرٍ على أعمدةٍ من نُورٍ فياكُلُون مِنها والنَّاسُ فِي الحِسابِ وهُم فِي ما اشتهت أنفُسُهُم خالِدُون وإذا استقر أولياء اللّه فِي الجنّة زارك آدم و من دُونِهُ من النَّبِيِّين وإِنَّ فِي بطنانِ الفِردوس لؤلؤتان [لُؤْلُؤتِينِ] من عِرقٍ واحِدٍ لُؤْلُوْةً بيضاء ولُؤْلُوْةً صفراء فِيهِما قُصُورُو دُورٌ فِي كلّ واحِدةٍ سبعون ألف دارِ فالبيضاء منازِلُ لنا ولِشِيعتنا و الصفراء منازِلُ لإِبراهيم وآلِ إبراهيم صلوات اللّه عليهم أجمعين قالت يا أبتِ فما كُنتُ أُحِبُّ أن أرى يومكِ ولا أبقى بعدكِ قال يا ابنتي لقد أخبرني جبرئيل عنِ اللّه عزّ و جلّ أنكِ أوّلُ من تلحقني من أَهلِ بيتي فالويلُ كُلُّهُ من ظلمكِ و الفوز العظيم لمن نصركِ قال عطاء كان ابن عبَّاس إذا ذكر هذا الحديث تلا هذه الآية ﴿والّذين آمَنُوا واتَّبعتهُم ذُرِّيَّتُهُم بِإِيمان ألحقنا بِهِم ذُرِّيَّتهُم و ما ألتناهُم من عملِهِم من شَيءٍ كلّ امرِيَّ بِما كسب رهين)(1). (2)
ص: 360
1- روى أبو مخنف لوط بن يحيى بن سعيد بن مخنف بن سالم الأزدي: قال: قال محفّربن ثعلبة صاحبُ عُبيد اللّه بن زياد استدعى يزيد لعنه اللّه منا أربعين رجلاً، وسلّم إليهم رأس الحسين (عَلَيهِ السَّلَامُ) فِي سفط، و ضُرِب لهم فسطاط كبير فِي رحبة دمشق، وأمرنا بأن نكون مع الرأس إلى أن يرى فيه رأيه، فأمرنا بحفظه وأطلق لنا إقامة، وأمر لكل واحد منا بألف دينار.
فبينما نحنُ كذلك ليلةً من الليالي، وكنتُ مُوجعا، فأكلُوا أصحابي وشربوا، و أنا لم أقدر على أكل وشرب. ولما كان من نِصفِ الليل وإذا قد نامُوا أصحابي وأنا ساهر من شدة المرض، ولا أقدر أن تغمض عيني. فبينما أنا كشبه الشاهي، وإذا قد سمعتُ بكاءً وصياحاً ودوياً شديداً، فهالني من ذلك أمر عظيم.
ثم إني سمعتُ هاتفاً يهتف بصوت حزين، وهو ينشُدُ بهذه الأبيات يقولُ:
عين بكى على الحسين غريبا *** وجودي بدمع ساكب و عويل
سوف يصلى بقتله ابن زیاد *** نار جحيم بعد ظل ظليل
قال محفر بنُ ثعلبة : فلَمّا سمعتُ ذلك رعب قلبي رعباً شديداً، وإذا بهاتف آخرينشُدُ ويقولُ:
نبکیه حزنا ثُمّ نسبل دمعة *** ونندبه فِي كلّ عيد و مشهد
فلاقدس الرّحمن أرواح معشر *** أطاعوا عبيد اللّه فِي قتل سيدي
قال محفّرُ بنُ ثعلبة: فلما سمعتُ بذلك، لم أتمالك نفسي من الفزع والجزع والهلع، وبقي لا تغمض عينه، وإذا بهدة عظيمة من السماء، فارتعدتُ من شدتها، وسمعت عند ذلك كلاماً، وإذا بصوتٍ أسمعه يقولُ: إهبط يا آدم. ففتحت عيني و نظرتُ، وإذا هُو قائم ببابِ الفسطاط وهو يقولُ: السّلام عليك يا أبا عبد اللّه الحسين (عَلَيهِ السَّلَامُ) لعن اللّه أمةً قتلتك، ثُمّ قام يُصلّي، فبقيتُ متعجباً مِمّا سمعتُ، ولساني أخرس ولم أقدر أتكلّم.
فبين أنا كذلك، وإذا أنا قد سمعتُ هدّة أخرى أعظم من الأولى، وقائل يقول: إهبط يا نُوح. ففتحت عيني وإذا هُو قائم ببابِ الفُسطاط وهو يقولُ: السّلام عليك يا أبا عبد اللّه الحسين، لعن اللّه قوماً قتلوك، ثُمّ وقف إلى جانب آدم (عَلَيهِ السَّلَامُ) يصلّي.
فبين أنا كذلك إذ سمعتُ هدةً عظيمةً، وجلبةً شديدةً، وقائل يقولُ: إهبط يا إبراهيم فنظرتُ
ص: 361
إليه فإذا هُو قائم بباب الفُسطاط وهو يقولُ: السّلامُ عليك يا أبا عبد اللّه الحسين، لعن اللّه قوماً قتلوك يا ولدي والصفوة من ذُرِّيَّتي، فقام إلى جانبِ نوحٍ يُصلي.
ثمّ إنّي سمعت صيحةً عظيمة و لها دويٌّ عظيم، وقائل يقولُ : إهبِط يا موسى، فعميت عيناي، و صمّت أُذناي إن لا يراه ببابِ الفُسطاط وقال: السّلام عليك يا أبا عبد اللّه الحسين، لعن اللّه قوماً قتلوك، ثُمّ قام إلى جانب إبراهيم يُصلّي.
فبينما أنا متعجب مِمّا رأيتُ وإذا بصيحةٍ عظيمة، وقائل يقولُ:
إهبط يا أمِير المؤمنين عليّ بن أبِي طالِب عليك السّلام، فنزل وبيده سيف، فلَمّا رأيتُه ارتعدت فرائصي من خوفه، فدخل وقال السّلام عليك يا أبا عبدِ اللّه الحسين، لعن اللّه قوماً قتلوك يا بنيّ، ثُمّ وقف إلى جانبِ مُوسى يصلّي.
فبينما أنا كذلك وإذا لنا بهدّةٍ عظيمة أعظم من الجميع، وسمعتُ جلبةً عظيمةً، وقائلاً يقولُ: إهبط يا محمّد، فعميت عيناي وصمت أذناي لكي لا يراه قائماً بباب الفسطاط، ثُمّ دخل على الرأس وأخذه وجعل يقتِلُه ويبكي حتّى اخضلّت لحيته من الدموع وهو كئيب حزين، وهو يقولُ: عزيز علي ما نالك يا ولدي، وجعل يرشُفُ ثناياه.
ثُمّ إنّه أخرج الرأس إلى بابِ الفُسطاط ووضعُوا بينهم فبكوا عليه جميعُهم، ثُمّ إنّهم أقاموا فصلوا عليه، وكان إمامهم رسول اللّه (صَلَّى اللّه عَلَيْهِ وَآلِهِ) فبينما هم كذلك وإذا بملك يُسلّم من السّماءِ، فسلّم عليهم، وقال:
يا محمّد، العليُّ الأعلى يقروك السلام، ويخصك بالتحية والإكرام، ويقول لك: إن أحببت أن أجعل عاليها سافلها ولا تُرجع أبداً فعلتُ ذلك.
فقال محمّد (صَلَّى اللّه عَلَيْهِ وَآلِهِ): يا أخي جبرائيل، قُل لرتي جل جلاله إِلهي وسيدي يُؤخِّرُهُم إِلى يومِ القصاص، قال : وعرج جبرائيل إلى السماء، ثُمّ هبط وقال: (العليُّ) الأعلى يقروك السّلام و يقول لك:
يا رسول اللّه، إنّي أقولُ لك عن ربّك: أمرني أن أقتل هؤلاء الّذين معنا فِي الفُسطاط.
قال: فنزلت الملائكة على عددهم وبيد كلّ واحدٍ منهم حربةً يلوح منها الموتُ، فتقدم كلّ واحدٍ منهم لواحدٍ من أصحابي فقتله بحريته، فلما هم بي واحد صحت يا رسول اللّه أغثني.
فقال: يا ملعون أنت حيّ، فنم لا غفر اللّه لك، وجعلك من أهلِ النّار.
ص: 362
ثُمّ إنّهم غابوا عنّي فبقيتُ مُتعجباً مِمّا رأيتُ، فوسوس قلبي، فقلتُ: إِنِّي رأيتُ مثل ما يرى النائم، فلما أصبح الصُّبحُ إنتبهتُ فبينما أنا أُشاوِر نفسي - إذ طلعت عليهم الشَّمس ولم أر أحداً يتحرك. فقمتُ وجعلتُ أنتِههم واحداً بعد واحدٍ فوجدتُهم أمواتاً ولم أر منهم أحداً بالحياة. وطلعت خارجاً من عِندهم فأتيتُ إلى يزيد بن معاوية لعنه اللّه و أخبرته بالحال من أوله إلى آخره، فقال: أكتُم هذا الأمر ولا تُحدّث به أحداً، فإن سمعتُه من أحدٍ غيرك ضربت عنقك، ألم تعلم أن قاتله (عَلَيهِ السَّلَامُ) فِي النار؟! فقال له: إمض وأقم عندهم حتّى يأتيك أمري، فإن أتى إليك أحد و سأل عنهم فقُل: إنّهم سكارى خُمارى من كثرة الخمر الّذي شربوه هذه الليلة. (1)
2 - عن خالد الربعي قال حدّثني من سمع كعباً يقُولُ أوّلُ من لعن قاتل الحسين بن علي (عَلَيهِمَا السَّلَامُ) إبراهيم خليل الرّحمن وأمر ولده بذلك وأخذ عليهم العهد والميثاق ثُمّ لعنه مُوسى بن عمران و أمر أُمّتهُ بِذلِك ثُمّ لعنهُ داود و أمر بَنِي إسرائيل بِذلِك ثُمّ لعنه عِيسى وأكثر أن قال يا بَنِي إسرائيل العنُوا قاتِلهُ وإِن أدركتُم أيامه فلا تجلسوا عنه فإنّ الشَّهِيد معه كالشَّهِيدِ مع الأنبياءِ مُقبل غيرِ مديرو كأني أنظر إلى بُقعتِهِ و ما من نبي إلّا وقد زار كربلاء ووقف عليها وقال إنكِ لبقعة كثيرة الخيرِ فِيكِ يُدفنُ القمر الأزهر. (2)
3 - رُوِي مُرسلًا أن آدم لَا هبط إلى الأرضِ لم يرحوّاء فصار يطوفُ الأرض فِي طلبها فمر بكربلاء فاغتم و ضاق صدره من غير سبب و عثر فِي الموضعِ الّذي قُتِل فِيهِ الحسينُ حتّى سال الدّمُ من رجله فرفع رأسه إلى السماء وقال الهي هل حدث مِنِّي ذنب آخرُ فعاقبتِنِي بِهِ فَإِنِّي طُفتُ جَمِيع الأرض و ما أصابني سُوءٌ مِثلُ ما أصابني فِي هذه الأرض فأوحى اللّه إليهِ يَا آدَمُ ما حدث منك ذنب ولكن يُقتل فِي هذِهِ الأرضِ ولدك الحسين ظلماً فسال دمك مُوافقةً لِدمِهِ فقال آدمُ يَا ربّ أيكُونُ الحسين نبياً قال لا ولكنّه سبط النَّبيّ محمّد فقال ومن القاتِلُ لهُ قال قاتِلُهُ يَزِيدُ لعِينُ أهلِ السّماوات والأرض فقال آدمُ فأيُّ شيءٍ أصنعُ يا جبرئيل فقال العنهُ يا آدم فلعنه أربع مرّاتٍ ومشى خُطُواتٍ إلى جبل عرفات فوجد حوّاء هناك. (3)
ص: 363
4 - رُوي أنْ نُوحاً لما ركب فِي السفينة طافت بِهِ جميع الدُّنيا فلما مرت بكربلاء أخذته الأرضُ و خاف نُوح الغرق فدعا ربه وقال إلهي طفتُ جميع الدُّنيا و ما أصابني فزع مِثلُ وما أصابني فِي هذِهِ الأرض فنزل جبرئيل وقال يا نُوحُ فِي هذا الموضع يُقتل الحسين سبط محمّد خاتم الأنبياء و ابنِ خاتم الأوصياء فقال ومن القاتِلُ له يا جبرئيلُ قال قاتِلُهُ لِعِينُ أهل سبع سماوات وسبع أرضين فلعنهُ نُوحٌ أربع مراتٍ فسارت السفينة حتّى بلغتِ الجُودِيّ و استقرّت عليه. (1)
5 - رُوي أنّ إبراهيم (عَلَيهِ السَّلَامُ) مر فِي أرض كربلاء وهو راكب فرساً فعثرت بِهِ وسقط إبراهيم و شُجّ رأسه و سال دمه فأخذ فِي الإستغفار وقال إلهي أيُّ شيءٍ حدث مِنّي فنزل إليه جبرئيل و قال يا إبراهيم ما حدث منك ذنب ولكن هنا يُقتل سبط خاتم الأنبياء وابن خاتم الأوصياء فسال دمُك مُوافقةً لِدمِهِ قال يا جبرئيل ومن يكُونُ قاتِلُهُ قال لعِينُ أهل السّماوات والأَرضِين والقلم جرى على اللوح بلعنه بغيرِ إِذْنِ رَبِّهِ فأوحى اللّه تعالى إلى القلم أنك استحققت القناء بهذا اللعن فرفع إبراهيم (عَلَيهِ السَّلَامُ) يديه و لعن يزيد لعناً كثيراً و أمن فرسُهُ بِلسان فصيح فقال إبراهيم لفرسه أيّ شيءٍ عرفت حتّى تُؤْمِنُ على دُعائي فقال يا إبراهيم أنا أفتخِرُ بِرُكُوبِك عليَّ فَلَمّا عثرتُ و سقطت عن ظهري عظمت خجلتي وكان سبب ذلِكَ من يزيد لعنه اللّه تعالى. (2)
6 - رُوي أنّ إسماعيل كانت أغنامُهُ ترعى بِسْطِ الفُراتِ فأخبره الراعي أنها لا تشرب الماء من هذِهِ المشرعةِ مُنذُ كذا يوماً فسأل ربه عن سبب ذلك فنزل جبرئيل وقال يا إِسماعيل سل غنمك فإنّها تُجيبك عن سبب ذلك فقال لها لم لا تشربين من هذا الماء فقالت بلسان فصيح قد بلغنا أن ولدك الحسين (عَلَيهِ السَّلَامُ) سبط محمّد يُقتلُ هُنا عطشاناً فنحن لا نشربُ من هذه المشرعة حزناً عليهِ فسألها عن قاتلهفقالت يقتُلُهُ لِعِينُ أهلِ السّماوات والأرضين والخلائِقِ أجمعين فقال إِسماعِيلُ اللّهمّ العن قاتِل الحسين (عَلَيهِ السَّلَامُ). (3)
7 - رُوي أنّ مُوسى كان ذات يوم سائِراً و معهُ يُوشحُ بنُ نُونٍ فَلَمّا جاء إلى أرض كربلاء انخرق نعلُهُ
ص: 364
و انقطع شِراكُهُ ودخل الخسكُ فِي رِجليهِ وسال دمُهُ فقال إِلهِي أَيُّ شيءٍ حدث مِنِّي فأوحى إليهِ أنّ هنا يُقتل الحسينُ وهنا يُسفك دمُهُ فسال دمُك مُوافقةً لِدمِهِ فقال ربّ و من يَكُونُ الحسين فقيل له هُو سبط محمّد المصطفى و ابن علي المرتضى فقال ومن يَكُونُ قاتِلُهُ فَقِيلَ هُو لِعِينُ السّمكِ فِي البِحارِ والوُحُوشِ فِي القِفارِ والطير فِي الهواء فرفع مُوسى يديه ولعن يزيد و دعا عليه و أمن يُوشعُ بنُ نُونٍ على دُعائِهِ ومضى لِشأنِهِ. (1)
8 - رُوي أن سليمان كان يجلس على بِساطِهِ ويسير فِي الهواء فذات يوم وهو سائر فِي أرضِ كربلاء فأدارتِ الريحُ بِساطه ثلاث دورات حتّى خاف السُّقوط فسكنتِ الريحُ و نزل البساط فِي أرض كربلاء فقال سليمانُ لِلرِّيحِ لِم سكنتي فقالت إنّ هنا يُقتل الحسين (عَلَيهِ السَّلَامُ) فقال ومن يكُونُ الحسين فقالت هُو سبط محمّد المختار و ابنُ علي الكرار فقال و من قاتِلُهُ قالت لعِينُ أَهلِ السّماوات والأَرضِ يَزِيدُ فرفع سليمان يديه ولعنه و دعا عليه وأمن على دُعَائِهِ الإِنسُ والجِنُّ فهبّتِ الريحُ وسار البساط. (2)
9 - رُوي أنّ عِيسى كان سائحاً فِي البراري ومعه الحواريون فمرُّوا بِكربلاء فرأوا أسداً كاسراً قد أخذ الطريق فتقدّم عِيسى إلى الأسدِ فقال لهُ لِم جلست فِي هذا الطريق وقال لا تدعنا نُرُّفِيهِ فقال الأسد بلسان فصيحٍ إِنِّي لم أدع لكُمُ الطريق حتّى تلعنُوا يزيد قاتل الحسين (عَلَيهِ السَّلَامُ) فقال عِيسى (عَلَيهِ السَّلَامُ) و من يكُونُ الحسين قال هُو سبط محمّد النَّبيّ الأمي وابنُ على الولي قال ومن قاتِلُهُ قال قاتِلُهُ لِعِينُ الوُحُوشِ والذُّبابِ والسِّباع أجمع خُصُوصاً أيام عاشوراء فرفع عِيسى يديه ولعن يزيد ودعا عليه وأمن الحواريون على دُعائِهِ فتنحى الأسد عن طريقهم ومضوا لشأنهم. (3)
10 - عن أبي عبد اللّه (عَلَيهِ السَّلَامُ) قال: كان الحسين مع أُمِّهِ تحمِلُهُ فأخذه النَّبيّ (صَلَّى اللّه عَلَيْهِ وَآلِهِ) و قال لعن اللّه قاتِلك و لعن اللّه سالِبك وأهلك اللّه المتوازرين عليك و حكم اللّه بيني و بين من أعان عليك قالت فاطمة الزهراء يا أبتِ أيّ شيءٍ تَقُولُ قال يا بنتاه ذكرتُ ما يُصِيبُهُ بعدِي وبعدكِ مِن
ص: 365
الأذى والظُّلمِ والغدر والبغي وهو يومئِذٍ فِي عُصبةٍ كأنهم نُجُومُ السّماءِ يتهادون إلى القتل وكأنّي أنظُرُ إِلى مُعسكرِهِم و إلى موضعِ رِحالِهِم وتُربتِهِم قالت يا أبه وأين هذا الموضِعُ الّذي تصِفُ قال موضع يُقالُ له كربلاء وهي دارُ كرب و بلاء علينا و على الأمَّة يخرج عليهم شرارُ أُمّتي لو أن أحدهم شفع له من فِي السّماوات والأَرضِين ما شُقِّعُوا فِيهِ وهُمُ المَخلَّدُونَ فِي النَّارِ قالت يا أبه فيُقتل قال نعم يا بنتاه وما قُتِل قتلته أحدٌ كان قبله ويبكيه السّماوات والأرضُون والملائكة والوحش والنباتات والبحار و الجبال ولويؤذن لها ما بقي على الأَرْضِ مُتنفّس و يأتِيهِ قوم من مُحبّينا ليس فِي الأرضِ أعلمُ بِاللّه ولا أقومُ بِحقنا منهم وليس على ظهر الأرضِ أحد يلتفت إليه غيرُهُم أُولئِكَ مصابِيحُ فِي ظُلُماتِ الجورِ وهُمُ الشُّفعاء وهُم وارِدُون حوضِي غداً أعرِفُهُم إِذا وردوا عليّ بِسِيمَاهُم وكُلُّ أهلِ دِين يطلبون أَئمّتهُم وهُم يطلُبُوننا لا يطلُبُون غيرنا وهُم قِوامُ الأرضِ وبهم ينزِلُ الغيتُ فقالت فاطمة الزهراء (عَلَيهَا السَّلَامُ) يا أبه إِنَّا للّه وبكت فقال لها يا بنتاه إنّ أفضل أهل الجِنانِ هُمُ الشُّهداء فِي الدُّنيا بذلُوا أَنفُسهم وأموالهم (بأنّ لهُمُ الجنّة يُقاتِلُون فِي سبيلِ اللّه فيقتُلُون ويُقتلون وعداً عليهِ حقًّا) (1) فما عِند اللّه خيرٌ من الدُّنيا وما فيها قتلةٌ أهونُ من مِيتةٍ و من كُتِب عليه القتل خرج إلى مضجعه و من لم يُقتل فسوف يموتُ يا فاطِمةُ بِنتُ محمّد أ ما تُحِبّين أن تأمرين غداً بِأمرٍ فتُطاعِين فِي هذا الخلق عند الحساب أما ترضين أن يكون ابنكِ من حملة العرش أما ترضين أن يكون أبوكِ يَأْتُونَهُ يسألُونَهُ الشّفاعة أما ترضين أن يكون بعلُكِ يذُودُ الخلق يوم العطش عنِ الحوض فيسقي مِنهُ أولياءه ويذُود عنهُ أعداءه أما ترضين أن يكون بعلُكِ قسيم النّارِ يأمُرُ النّار فتُطِيعُهُ يُخرجُ مِنها من يشاءُ ويترُكُ من يشاء أما ترضين أن تنظرين إلى الملائِكَةِ على أرجاء السّماءِ يَنظُرُون إِليكِ وإلى ما تأمُرِين بِهِ وينظُرُون إِلى بعلِكِ قد حضر الخلائِقُ وهُو يُخاصِمُهُم عِند اللّه فما ترين اللّه صانع بِقاتِلِ وُلدِكِ وقاتليكِ وقاتِلِ بعلِكِ إذا أُفلِجت حُجَّتُهُ على الخلائِقِ وأُمِرْتِ النَّارُ أَن تُطِيعه أما ترضين أن يكون الملائكة تبكي لابنك وتأسف عليهِ كلّ شيءٍ أما ترضين أن يكون من أناه زائراً فِي ضمانِ اللّه ويَكُون من أتاهُ بِمنزِلِةِ من حجّ إلى بيت اللّه واعتمر ولم يخل من الرحمة طرفة عين و إذا مات مات شهيداً
ص: 366
و إن بقي لم تزل الحفظة تدعُوله ما بقي ولم يزل فِي حِفظ اللّه وأَمنِهِ حتّى يُفارِق الدُّنيا قالت يا أبه سلمتُ و رضِيتُ وتوكَّلتُ على اللّه فمسح على قلبها و مسح عينيها و قال إِنِّي وبعلكِ وأنتِ وابنيكِ فِي مكانٍ تقرُّ عيناكِ ويفرح قلبكِ. (1)
عنِ ابنِ عبَّاس قال: لما اشتدّ بِرسُولِ اللّه (صَلَّى اللّه عَلَيْهِ وَآلِهِ) مرضُهُ الّذي مات فِيهِ ضم الحسين (عَلَيهِ السَّلَامُ) إلى صدره يسيل من عرقِهِ عليهِ وهُو يَجُودُ بِنفسِهِ ويَقُولُ مَا لِي وَلِيزِيد لا بارك اللّه فِيهِ اللّهمّ العن يزيد ثُمّ غُشِي عليه طويلًا وأفاق وجعل يُقتل الحسين وعيناه تذرفانِ ويَقُولُ أما إِنَّ لِي ولِقاتِلك مُقاماً بين يدي اللّه عزّوجلّ. (2)
1 - عن الرضا (عَلَيهِ السَّلَامُ) قال: يا ابن شبيب إن سرك أن تسكن الغُرف المبنية فِي الجنّة مع النَّبيّ وَآلِهِ فالعن قتلة الحسين (عَلَيهِ السَّلَامُ) يا ابن شبِيبٍ إِن سرّك أن يكون لك من الثّوابِ مِثلُ ما لمن استشهد مع الحسين (عَلَيهِ السَّلَامُ) فقُل متى ما ذكرته يا ليتني كُنتُ معهم (فأفُوز فوزاً عظيماً) (3) الخبر (4).
1 - عن الرضا عن آبائه (عَلَيهِم السَّلَامُ) قال قال النَّبيّ (صَلَّى اللّه عَلَيْهِ وَآلِهِ) يقتل الحسين شر الأمَّة و يتبرأُ من وُلدِهِ من يكفُرُبِي (5).
ص: 367
1- عن داود الرقي قال: كُنتُ عِند أبي عبد اللّه (عَلَيهِ السَّلَامُ) إذا استسق الماء فلما شربه رأيتُه قد استعبرو اغرورقت عيناهُ بِدُمُوعِهِ ثُمّ قال لي يا داوُدُ لعن اللّه قاتِل الحسين (عَلَيهِ السَّلَامُ) فما من عبد شرب الماء فذكر الحسين و لعن قاتِلهُ إِلّا كتب اللّه لَهُ مِائة ألفِ حسنةٍ وحط عنهُ مِائة ألفِ سَيِّئَةٍ ورفع لهُ مائة ألف درجةٍ وكأنّما أعتق مائة ألف نسمةٍ و حشره اللّه يوم القيامةِ ثلج الفُؤادِ. (1)
1- قال الإمام العسكري (عَلَيهِ السَّلَامُ) قال رسولُ اللّه (صَلَّى اللّه عَلَيْهِ وَآلِهِ) لما نزلت (وَإِذْ أَخَذْنَا مِيثَاقَكُمْ لَا تَسْفِكُونَ دِمَاءَكُمْ﴾ (2) الآية فِي اليهودِ أَي الّذين نقضُوا عهد اللّه وكَذَّبُوا رُسُل اللّه وقتلُوا أولياء اللّه أفلا أُنبِّئُكُم من يُضاهِيهِم من يهود هذِهِ الأمَّة قالوا بلى يا رسُول اللّه قال قومٌ من أُمَّتِي ينتحِلُون أنهم من أهلِ مِلّتي يقتُلُون أفاضل ذُرِّيَّتِي وأطايب أرومتي ويُبدِّلُون شريعتي و سُنّتي و يقتُلُون ولدي الحسن والحسين كما قتل أسلاف اليهودِ زكريا و يحيى ألا وإن اللّه يلعنهم كما لعنهم ويبعث على بقايا ذراريهم قبل يوم القيامةِ هادِياً مهديّاً من وُلد الحسين المظلُومِ يُحرِقُهُم بِسُيُوفِ أَولِيائِهِ إِلى نار جهنَّم ألا و لعن اللّه قتلة الحسين (عَلَيهِ السَّلَامُ) ومحبيهم وناصِرِيهم و السّاكِتِين عن لعنِهِم من غيرتقِيّةٍ يُسكِتُهُم ألا وصلّى اللّه على الباكين على الحسين رحمةً و شفقة واللّاعِنين لأعدائهم والممتلئين عليهم غيظاً وحنقا ألا وإن الراضين بقتل الحسين شُرَكَاءُ قتلتِهِ ألا وإن قتلته وأعوانهم وأشياعهم والمقتدين بهم بِراءٌ من دِينِ اللّه إِنَّ اللّه ليامُرُ ملائِكته المقربين أن يتلقوا دُمُوعهُمُ المصبوبة لِقتل الحسينِ إِلى الخُزَانِ فِي الجِنانِ فيمرُجُوها بِماءِ الحيوانِ فتزِيدُ عُذُوبتُها وطيبُها ألف ضعفها وإنّ الملائكة ليتلقون دُمُوع الفرحين الصّاحِكِين لقتل الحسين يتلقونها فِي الهاوية ويمزجونها بِحَمِيمِها وصدِيدِها وغسّاقِها وغسلينها فيزِيدُ فِي شدّة حرارتها وعظيم عذابِها ألف ضعفها يُشدّدُ بِها على المنقولين إليها من أعداء آلِ محمّد عذابهم. (3)
ص: 368
1 - عنِ الفضل قال سمِعتُ الرّضا (عَلَيهِ السَّلَامُ) يقُولُ لَمَّا جُمل رأسُ الحسين إلى الشّامِ أمر يزيد لعنه اللّه فوضع ونصب عليهِ مائِدةً فأقبل هُو و أصحابُهُ يأكلون ويشربون الفقاع فَلَمّا فرغُوا أَمر بِالرَّأْسِ فوضع فِي طست تحت سريره وبسط عليهِ رُقعةُ الشّطرنج و جلس يزيد لعنه اللّه يلعبُ بالشطرنج ويذكر الحسين وأباه وجده صلوات اللّه عليهم ويستهزئ بذكرهم فمتى قمر صاحبه تناول الفقاع فشربه ثلاث مرّاتٍ ثُمّ صبّ فضلتهُ مِمّا يلي الطست من الأرض فمن كان من شيعتنا فليتورع عن شرب الفقاع واللعبِ بِالشَّطرنج و من نظر إلى الفقاع أو إلى الشطرنج فليذكر الحسين (عَلَيهِ السَّلَامُ) وليلعن يزيد و آل زيادٍ يمحو اللّه عزّ و جلّ بِذلِكَ ذُنُوبه ولو كانت كعددِ النُّجُومِ. (1)
1 - الحكمُ بنُ محمّد بنِ القاسِمِ النّقفِيُّ، قال: حدّثني أبي، عن أبِيهِ : أَنه حضر عُبيد اللّه بن زِيادٍ حين أُتي برأس الحسين صلوات اللّه عليه، فجعل ينكُتُ بِقضيب ثناياه ويَقُولُ: إِنَّهُ كان لحسن التَّعْرِ. فقال له زيد بن أرقم: إرفع قضيبك فطالما رأيتُ رسول اللّه (صَلَّى اللّه عَلَيْهِ وَآلِهِ) يلثم موضعه. قال: إِنّك شيخ قد خَرِفت. فقام زيد يجُرُّ ثِيابه، ثُمّ عُرِضُوا عليه، ثُمّ أمر بضرب عُنُقِ علي بن الحسين (عَلَيهِمَا السَّلَامُ) فقال له عليّ (عَلَيهِ السَّلَامُ): إن كان بينك وبين هؤلاءِ النِّساءِ رحِم فأرسل معهُنَّ من يُؤدِّيهِنَّ، فقال تُؤدِّيهِنّ أنت، وكأنه استحيا، و صرف اللّه عزّوجلّ عن علي بن الحسين (عَلَيهِ السَّلَامُ) القتل. قال القاسِمُ بنُ محمّد: ما رأيتُ منظراً قط أفزع من إلقاء رأس الحسين (عَلَيهِ السَّلَامُ) بين يديهِ وهُوينكُتُهُ. (2)
2 - عن سعدِ بنِ مُعَادٍ وعُمر بنِ سهل أنهما حضرا عُبيد اللّه يضرِبُ بِقضيبِهِ أَنفَ الحسينِ و عينيهِ ويطعنُ فِي فَمِهِ فقال له زيد بن أرقم ارفع قضيبك إنّي رأيتُ رسول اللّه (صَلَّى اللّه عَلَيْهِ وَآلِهِ) واضعاً شفتيه على موضع قضيبك ثُمّ انتحب باكياً فقال له أبكى اللّه عينيك يا عدُوّ اللّه لولا أنّك شيخٌ
ص: 369
قد خرفت و ذهب عقلك لضربتُ عُنقك فقال زيد لأُحدّثتك حديثاً هُو أغلظ عليك من هذا رأيتُ رسُول اللّه (صَلَّى اللّه عَلَيْهِ وَآلِهِ) أقعد حسناً على فَخِذِهِ اليُمنى وحسيناً على فَخِذِهِ اليُسرى فوضع يده على يافُوخِ كلّ واحِدٍ مِنهُما و قال إِنِّي أستودِعُكَ إِيَّاهُما وصالح المؤْمِنِين فكيف كانت وديعتُكَ لِرَسُولِ اللّه (صَلَّى اللّه عَلَيْهِ وَآلِهِ) (1).
3 - روى شيخ صدوق من مشايخ بَنِي هاشم وغيرُهُ من النّاس : أَنَّهُ لَما دخل علي بن الحسينِ (عَلَيهِمَا السَّلَامُ) و حرمه على يزيد وجيء برأس الحسين (عَلَيهِ السَّلَامُ) ووضع بين يديه فِي طست فجعل يضرِبُ ثناياه مخصرة كانت فِي يَدِهِ وهُو يَقُولُ:
لَعِبت هاشِمُ بِالملك فلا *** خبر جاء ولا وحي نزل
ليت أشياخي ببدر شهدُوا *** جزع الخزرج من وقع الأسل
لأهلُّوا و استهلُّوا فرحاً *** ولقالوا يا يزيد لا تشل
فجزيناه ببدر مثلاً *** وأقمنا مثل بدر فاعتدل
لستُ من خندف إن لم أنتقم *** من بَنِي أحمد ما كان فعل
قالُوا فلما رأت زينب ذلك فأهوت إلى جيبها فشقتهُ ثُمّ نادت بِصوتٍ حزِينٍ تُقرِعُ القُلُوب يا حُسیناه یا حبیب رسُولِ اللّه یا ابن مكّة و مِنًى يا ابن فاطمة الزهراء سيّدة النِّساء يا ابن محمّد المصطفى.
قال فأبكت واللّه كلّ من كان ويزيدُ ساكِتٌ ثُمّ قامت على قدميها و أشرفت على المجلس و شرعت فِي الخطبة إظهاراً لكمالاتِ محمّد (صَلَّى اللّه عَلَيْهِ وَآلِهِ) و إعلاناً بِأَنَّا نصبِرُ لِرِضاء اللّه لا لِخوفٍ ولا دهشة فقامت إليه زينبُ بِنتُ علي و أُمُّها فاطِمةُ بِنتُ رَسُولِ اللّه و قالت الحمد للّه ربّ العالمين والصَّلاة على جدّي سيّد المرسلين صدق اللّه سبحانه كذلِك يَقُولُ (ثُمَّ كَانَ عَاقِبَةَ الَّذِينَ أَسَاءُوا السُّوأَى أَنْ كَذَّبُوا بِآيَاتِ اللَّهِ وَكَانُوا بِهَا يَسْتَهْزِئُونَ) (2) أظننت يا يزيد حين أخذت علينا أقطار
ص: 370
الأرضِ وضيّقت علينا آفاق السّماءِ فأصبحنا لك فِي إسارِنُساقُ إِليك سوقاً فِي قطارو أنت علينا ذُو اقتدار أنّ بنا من اللّه هواناً و عليك مِنهُ كرامةً و امتناناً و أن ذلك لعظم خطرك و جلالةِ قدرِك فشمخت بأنفك ونظرت فِي عطفك تضرب أصدريك فرحاً و تنفُضُ مِذرويك مرحاً حِين رأيت الدُّنيا لك مُستوسِقةً والأمور لديك مُتّسِقةً و حِين صفا لك مُلكُنا وخلص لك سُلطانُنا فيهلًا مهلًا لا تطش جهلًا أنسيت قول اللّه عزّوجلّ (وَلَا يَحْسَبَنَّ الَّذِينَ كَفَرُوا أَنَّمَا نُمْلِي لَهُمْ خَيْرٌ لِأَنْفُسِهِمْ إِنَّمَا نُمْلِي لَهُمْ لِيَزْدَادُوا إِثْمًا وَلَهُمْ عَذَابٌ مُهِينٌ) (1) أَ من العدل يا ابن الطلقاء تخدِيرُك حرائرك و إماءك وسوقك بناتِ رسُولِ اللّه سبايا قد هتكت سُتُورهنّ وأبديت وُجُوهُهُنّ تحدو بهنّ الأعداء من بلد إلى بلد و تستشرِفُهُنّ المناقل و يتبرزن لأهل المناهل و يتصفّحُ وُجُوهُهُنَّ القريب والبعيد والغائبُ والشَّهِيدُ والشّرِيفُ والوضِيعُ والدّنِيُّ والرَّفِيعُ ليس معهُنَّ من رِجالِهِنّ ولي ولا من مُمَاتِهِنَّ حِيٌّ عُتُواً مِنك على اللّه وجُحُوداً لِرَسُولِ اللّه ودفعاً لما جاء بِهِ من عِندِ اللّه ولا غرو مِنك ولا عجب من فِعلك و أنّى تُرتجى مُراقبةُ من لفظ فُوهُ أكباد الشُّهداء ونبت لحمُهُ بِدِماءِ السُّعداء ونصب الحرب لِسيّدِ الأنبياء و جمع الأحزاب و شهر الحراب و هز السيوف فِي وجهِ رَسُولِ اللّه (صَلَّى اللّه عَلَيْهِ وَآلِهِ) أشدّ العربِ جُحُوداً و أنكرِهِم لَهُ رسُولًا و أظهرهم لهُ عُدواناً و أعتاهُم على الرّبّ كُفراً وطغياناً ألا إنّها نتيجةُ خِلالِ الكُفْرِ وصبّ يُجرجِرُ فِي الصدر لقتلى يومِ بدرٍ فلا يستبطِئُ فِي بُغضنا أهل البيت من كان نظره إلينا شنفاً و إحناً و أضغانا يُظهِرُ كُفرهُ بِرَسُولِ اللّه ويُفصِحُ ذلِك بِلِسانِهِ وهُو يقُولُ فرحاً بقتل ولده وسبي ذُرِّيَّتِهِ غير متحوّبٍ ولا مُستعظِمٍ يهتِفُ بِأَشْياخِهِ
لأهلوا واستهلُّوا فرحاً *** و لقالوا يا يزيد لا تشل
مُنحَنِياً على ثنايا أبي عبد اللّه وكان مُقبل رسُولِ اللّه (صَلَّى اللّه عَلَيْهِ وَآلِهِ) بينكتها مخصرته قد التمع السُّرُورُ بِوجهِهِ لعمرِي لقد نكأت القرحة واستأصلت الشّافة بإراقتك دم سيّد شباب أهل الجنّة و ابنِ يعسُوبِ دِينِ العربِ و شمس آل عبد المطلبِ و هتفت بأشياخك و تقربت بِدمِهِ إِلى الكفرة من أسلافِكِ ثُمّ صرخت بندائِك و لعمري لقد ناديتهم لو شهِدُوك و وشيكاً تشهدهم و لن يشهدوك و لتودُّ يمينك كما زعمت شلت بك عن مرفقها وجُنّت وأحببت أُمِّك لم تحملك و إياك لم تلد أو
ص: 371
حين تصير إلى سخط اللّه و مُخاصِمُك رسُولُ اللّه (صَلَّى اللّه عَلَيْهِ وَآلِهِ) اللّهمّ خُذ بِحقنا و انتقم من ظالِمنا واحلل غضبك على من سفك دماءنا ونفض ذمارنا وقتل حماتنا وهتك عنا شدولنا وفعلت فعلتك الّتي فعلت وما فريت إلّا جلدك و ما جزرت إلّا لحمك وستردُّ على رسُولِ اللّه بِما تحملت من دمِ ذُرِّيَّتِهِ وانتهكت من حُرمتِهِ وسفكت من دِمَاءِ عِترتِهِ و مُحمَتِهِ حيثُ يجمعُ بِهِ شملهم ويلُمُّ بِهِ شعتهم وينتقِمُ من ظالِمِهِم ويأخُذُ هُم بِحَقِّهِم من أعدائهم فلا يستفزنك الفرحُ بقتلهم (ولا تحسبنّ الّذينَ قُتِلُوا فِي سَبِيلِ اللّه أمواتا بل أحياءٌ عِند ربّهِم يُرزقُون فرِحِين بِمَا آتَاهُمُ اللّه من فَضلِهِ) (1) و حسبُك بِاللّه ولِيّاً و حاكماً و بِرسُولِ اللّه خصماً وبجبرائيل ظهيراً وسيعلمُ من بوّأك ومكّنك من رقاب المسلمين أن (بئس لِلظَّالِمِين بدلًا) (2) ﴿وأَيُّكُم شَرٌّ مَكَانًا وَأَضَلُّ سَبِيلًا) (3) و ما استصغاري قدرك ولا استعظامي تقريعك توهماً لانتجاعِ الخطابِ فيك بعد أن تركت عُيُون المسلمين بِهِ عبری و صدرهُم عِند ذكره حتّى فتلك قُلُوبٌ قاسِيةٌ و نُفُوسٌ طَاغِيةٌ و أجسام محشُوّةٌ بِسَخط اللّه و لعنةِ الرَّسُولِ قد عشش فيها الشّيطان و فرخ و من هناك مثلك ما درج فالعجبُ كلّ العجبِ لِقتل الأتقياء وأسباط الأنبياء وسليل الأوصياء بِأيدي الطلقاء الخبيثة ونسلِ العهرة الفجرة تنطِفُ أكُفُهُم من دِمَائِنا وتتحلّبُ أفواهُهُم من لحومِنا تلك الجنتُ الرّاكِيةُ على الجيوب الصّاحِيةِ تنتابها العواسِلُ وتعفرُها أُمَّهَاتُ الفواعِلِ فلئِنِ اتّخذتنا مغنماً لتجد بنا وشيكاً مغرماً حين لا تجِدُ إِلَّا ما قدمت يداك (و ما اللّه بِظَلَّامٍ للعبيد) (4) فإلى اللّه المشتكى والمعوّل وإليه الملجأُ و المؤمّلُ ثُمّ كد كيدك واجهد جهدك فواللّه الّذي شرفنا بالوحي و الكِتابِ والنُّبُوّة والانتخابِ لا تُدرِكُ أمدنا و لا تبلغ غايتنا ولا تمحو ذكرنا و لا يُرحضُ عنك عارنا و هل رأيك إلّا فند وأيامك إلّا عدد و جمعُكَ إِلّا بدد يوم يُنادِي المنادِي ألا لعن اللّه الظالم العادِي والحمد للّه الّذي حكم لأوليائِهِ بِالسّعادة وختم لأصفيائِهِ بالشهادةِ بِبُلُوغ الإرادة نقلهم إلى الرحمة والرأفة والرضوان و المغفرة و لم يشق بهم غيرك ولا ابتلي بهم سواك ونسأله أن يُكيل لهُمُ الأجر و يُجزِل لهُمُ الثواب والنُّخر و نسألُهُ حُسن الخِلافةِ و جميل الإنابة إِنَّهُ رَحِيمٌ ودُودُ فقال يَزِيدُ مُجيباً لها
ص: 372
يا صيحةً تُحمد من صوائِحِ *** ما أهون الموت على النوائح
ثُمّ أمر بردّهم وقيل إنّ فاطِمَةَ بِنتَ الحسين كانت وضيئة الوجه وكانت جالسةً بين النِّساءِ فقام إلى يزيد رجُلٌ من أهلِ الشَّامِ أحمرُ فقال يا أمِير المؤمنين هَب لي هذِهِ الجارية يعني فاطمة بنت الحسين فأخذت بِثِياب عمتها زينب بنت عليّ بن أبِي طالِب (عَلَيهِ السَّلَامُ) فقالت أُوتم و أستخدم فقالت زينبُ لِلشَّامِي كذبت و لومت واللّه ما ذاك لك ولا لهُ فغضب يَزِيدُ ثُمّ قال إِنّ ذلِكِ لي ولوشِئتُ أن أفعل لفعلتُ قالت زينبُ كلّا و اللّه ما جعل اللّه ذلك لك إِلَّا أَن تخرج من مِلّتِنا وتدِين بغيرِ دِينِنا فقال يزِيدُ إِنّما خرج من الدِّينِ أبوك وأخُوك قالت زينبُ بِدِينِ اللّه و دِينِ أبي ودِينِ أخِي اهتديت أنت إن كُنت مُسلِماً قال يزِيدُ كذبتِ يا عدوة اللّه فقالت زينب أنت أمير تشتم ظلماً و تقهر بِسُلطانك فكأنه استحيا فسكت فعاد الشامي فقال يا أمِير المؤمنين هب لي هذِهِ الجارية فقال يزيدُ اعزب وهب اللّه لك حتفاً قاضياً. (1)
4 - روت ثقاتُ الرُّواةِ وعُدُولُهم : أَنَّهُ لَا أُدخل علي بن الحسين زين العابدين (عَلَيهِمَا السَّلَامُ) فِي جملة من حمل إلى الشامِ سبايا من أولاد الحسين بن علي (عَلَيهِمَا السَّلَامُ) وأهاليه على يزيد قال له يا عليُّ الحمد للّه الّذي قتل أباكقال عليّ (عَلَيهِ السَّلَامُ) قتل أبي النّاس قال يَزِيدُ الحمدُ للّه الّذي قتله فكفانِيهِ قال عليّ (عَلَيهِ السَّلَامُ) على من قتل أبي لعنة اللّه ؟ أفتراني لعنتُ اللّه عزّوجلّ؟ قال يزِيدُ يا عليُّ اصعدِ المنبر فأعلم النّاس حال الفتنة وما رزق اللّه أمِير المؤمنين من الظفر فقال علي بن الحسين ما أعرفني بما تُرِيدُ فصعد المنبر فحمد اللّه وأثنى عليه وصلّى على رسُولِ اللّه (صَلَّى اللّه عَلَيْهِ وَآلِهِ) ثُمّ قال أَيُّها النّاس من عرفني فقد عرفني و من لم يعرفني فأنا أُعرِفُهُ بنفسِي أنا ابن مكّة و مِنِّى أنا ابن المروة و الصفا أنا ابنُ محمّد المصطفى أنا ابنُ من لا يخف أنا ابن من علا فاستعلى فجاز سدرة المنتهى فكان من ربه قاب قوسين أو أدنى فضجّ أهل الشّامِ بِالبُكاء حتّى خشِي يَزِيدُ أن يُرحل من مقعدِهِ فقال لِلمُؤذِّنِ أَذِن فلَمّا قال المؤذِّنُ اللّه أكبر اللّه أكبر جلس علي بن الحسين على المنبر فقال أشهد أن لا إله إلّا اللّه وأشهدُ أنّ محمّداً رَسُولُ اللّه بكى علي بن الحسين (عَلَيهِمَا السَّلَامُ) ثُمّ التفت
ص: 373
إلى يزيد فقال يا يزيدُ هذا أبي أم أبوك ؟ قال بل أبوك فانزل فنزل (عَلَيهِ السَّلَامُ) فأخذ بناحية بابِ المسجِدِ فلقيه مكحُولٌ صاحِبُ رسُولِ اللّه (صَلَّى اللّه عَلَيْهِ وَآلِهِ) فقال كيف أمسيت يا ابن رسول اللّه ؟ قال أمسينا بينكُم مِثل بَنِي إسرائيل فِي آلِ فِرعون (يُذَبِّحُونَ أَبْنَاءَكُمْ وَيَسْتَحْيُونَ نِسَاءَكُمْ وَفِي ذَلِكُمْ بَلَاءٌ مِنْ رَبِّكُمْ عَظِيمٌ) (1) فلما انصرف يزِيدُ إِلى منزِلِهِ دعا بعلي بن الحسين (عَلَيهِمَا السَّلَامُ) فقال يا علي أنصارعُ ابني خالداً ؟ قال (عَلَيهِ السَّلَامُ) و ما تصنعُ بِمصارعتي إياه أعطِنِي سِكِيناً و أعطِهِ سِكِيناً فليقتُل أقوانا أضعفنا فضمّهُ يَزِيدُ إلى صدره ثُمّ قال : لا تلد الحيّةُ إِلَّا الحيّة، أشهد أنك ابنُ عليّ بن أبِي طالِب (عَلَيهِ السَّلَامُ) ثُمّ قال له علي بن الحسين (عَلَيهِمَا السَّلَامُ) يا يزيد بلغني أنك تُرِيدُ قتلي فإِن كُنت لا بُدّ قاتلي فوجه مع هؤلاءِ النِّسوة من يُؤدِّيهِنَّ إِلى حرمِ رَسُولِ اللّه (صَلَّى اللّه عَلَيْهِ وَآلِهِ) فقال له يزِيدُ لعنه اللّه لا يُؤدِّيهِنّ غيرك لعن اللّه ابن مرجانة فواللّه ما أمرتُهُ بقتل أبيك و لو كُنتُ مُتولّياً لِقِتالِهِ ما قتلتُهُ ثُمّ أحسن جائزته و حمله والنِّساء إلى المدينة. (2)
5 - عن بُريدِ بنِ مُعاوِية قال سمعت أبا جعفر (عَلَيهِ السَّلَامُ) يقُولُ إِنّ يزيد بن معاوية دخل المدينة وهو يُرِيدُ الحج فبعث إلى رجُلٍ من قُريش فأتاه فقال له يزيدُ أتُقِرُّ لِي أنك عبد لِي إِن شئتُ بعثك و إن شئتُ استرقيتُك فقال له الرّجُلُ واللّه يا يزِيدُ ما أنت بأكرم مني فِي قريش حسباً ولا كان أبوك أفضل من أبي فِي الجاهليّة والإسلام وما أنت بأفضل مِنّي فِي الدين ولا بخير مني فكيف أُقِرُّ لك بِما سألت فقال له يزِيدُ إِن لم تُقلي واللّه قتلتك فقال له الرّجُلُ ليس قتلك إياي بأعظم من قتلك الحسين بن عليّ (عَلَيهِ السَّلَامُ) ابن رسول اللّه (صَلَّى اللّه عَلَيْهِ وَآلِهِ) فأمربِهِ فقُتِل ثُمّ أرسل إلى علي بن الحسين (عَلَيهِمَا السَّلَامُ) فقال لهُ مِثل مقالتِهِ لِلقُرشي فقال له علي بن الحسين (عَلَيهِمَا السَّلَامُ) أرأيت إن لم أُقرلك أليس تقتلني كما قتلت الرّجُل بِالأمس فقال لهُ يَزِيدُ لعنهُ اللّه بلى فقال لهُ علي بن الحسين (عَلَيهِمَا السَّلَامُ) قد أقررتُ لك بما سألت أنا عبد مُكرة فإِن شئت فأمسك وإِن شئت فبع فقال له يزيدُ لعنه اللّه أولى لك حقنت دمك و لم ينقصك ذلك من شرفك. (3)
ص: 374
6 - عن الهروي قال سمعتُ الرّضا (عَلَيهِ السَّلَامُ) يقُولُ أوّلُ من اتَّخِدْ لَهُ الفُقَاعُ فِي الإِسْلامِ بِالشَّامِ يَزِيدُ بن معاوية لعنة اللّه عليه فأحضر و هُو على المائدة وقد نصبها على رأس الحسين بن علي (عَلَيهِمَا السَّلَامُ) فجعل يشربُهُ ويسقي أصحابه و يقُولُ اشربوا فهذا شرابٌ مُباركٌ من بركتِهِ أَنا أول تناولناه ورأسُ عدوّنا بين أيدينا و مائِدتُنا منصُوبةٌ عليهِ ونحن نأكُلُ ونُفُوسُنا ساكِنةٌ وقُلُوبُنَا مُطْمَئِنّةٌ فن كان من شيعتنا فليتورع عن شُربِ الفُقَاعِ فَإِنَّهُ شرابُ أعدائنا الخبر (1).
7 - عن الفضل بن شاذان قال سمِعتُ الرّضا (عَلَيهِ السَّلَامُ) يقُولُ لَا جُمل رأس الحسين (عَلَيهِ السَّلَامُ) إلى الشّامِ أمريزِيدُ لعنه اللّه فوضع ونُصِب عليهِ مائِدةٌ فأقبل هُو و أصحابه يأكُلُون ويشربون الفقاع فلما فرغوا أمر بالرأس فوضع فِي طست تحت سريرة وبسط عليه رقعة الشطرنج و جلس يزيد لعنه اللّه يلعبُ بِالشَّطرنج ويذكر الحسين بن علي وأباه وجده (عَلَيهِم السَّلَامُ) ويستهزِئُ بِذِكرِهِم فمتى قامر صاحبه تناول الفُقاع فشرِبهُ ثلاث مرّاتٍ ثُمّ صَبَّ فضلَتهُ على ما يلي الطست من الأرض فمن كان من شيعتنا فليتوزع عن شُرب الفقاع واللعبِ بِالشطرنج و من نظر إلى الفقاع أو إلى الشطرنج فليذكر الحسين (عَلَيهِ السَّلَامُ) وليلعن يزيد وآل زِيادٍ يمحو اللّه عزّ و جلّ بِذلِك ذُنُوبه ولو كانت بِعددِ النُّجُومِ. (2)
1 - عن ابنِ مسعود قال: بينا نحنُ جلوسٌ عِند رسولِ اللّه (صَلَّى اللّه عَلَيْهِ وَآلِهِ) فِي مسجده إذ دخل علينا فتيةٌ من قُريش ومعهم عُمرُ بنُ سعد لعنه اللّه فتغيّر لون رسولِ اللّه (صَلَّى اللّه عَلَيْهِ وَآلِهِ).
فقُلنا له: يا رسول اللّه ما شأنك ؟
فقال: إنا أهل بيت إختار اللّه لنا الآخرة على الدُّنيا، وإنّي ذكرتُ ما يلق أهلُ بيتي من أُمتي من بعدي من قتل و ضرب و شتم و سبّ و تطريد و تشريد.
وإنّ أهل بيتي سيشردون ويطردون ويقتلون، وإن أول رأس يُحمل على (رأس) رمح فِي الإسلام،
ص: 375
رأس ولدي الحسين (عَلَيهِ السَّلَامُ) أخبرني بذلك أخي جبرائيل عنِ الرّبِّ الجليل.
وكان الحسين (عَلَيهِ السَّلَامُ) حاضراً عند جدّه فِي ذلك الوقت فقال: يا جدّاه فمن يقتُلُنِي من أُمتِك ؟
فقال: يقتلك شرارُ النّاسِ، وأشار النَّبيّ (صَلَّى اللّه عَلَيْهِ وَآلِهِ) إلى عُمر بن سعد لعنه اللّه.
فصار أصحاب رسول اللّه (صَلَّى اللّه عَلَيْهِ وَآلِهِ) إذا رأوا عُمر بن سعد داخلا من باب المسجد يقولون: هذا قاتل الحسين (عَلَيهِ السَّلَامُ).
قال: وجعل عمرُ بنُ سعدٍ كلَّما لَقي الحسين (عَلَيهِ السَّلَامُ) يقولُ: يا أبا عبدِ اللّه إِنّ فِي قومنا أناساً سفهاء، يزعمون أنّي أقتلك.
فيقول له الحسين (عَلَيهِ السَّلَامُ) : واللّه إنّهم ليسوا بِسُفهاء، ولكنّهم أُناس حلماء، أما إنّه ستقرّ عيني حيث لا تأكل من بالزي من بعد قتلي إلّا قليلاً، ثُمّ تُقتل من بعدي عاجلاً. (1)
2 - روي أنّه لَمّا جمع ابن زيادٍ قومه لعنهم اللّه جميعاً لحرب الحسين (عَلَيهِ السَّلَامُ) كانوا سبعين ألف فارس، فقال ابن زياد أيها النّاس من مِنكُم يتولّى قتل الحسين (عَلَيهِ السَّلَامُ) و له [ولاية ] أي بلد شاء، فلم يجبه أحدٌ مِنهُم، فاستدعى بعُمر بن سعد (لعنه اللّه)، وقال [له]:
يا عُمر أريد أن تتولّى حرب الحسين (عَلَيهِ السَّلَامُ) بنفسك فقال له: أعفني عن ذلك.
فقال ابنُ زيادٍ: قد أعفيتُك يا عُمر فاردد علينا عهدنا الّذي كتبناه لك بولاية الريّ.
فقال عُمرُ بنُ سعد: أمهلني الليلة، فقال له: قد أمهلتك، فانصرف عمر بن سعد إلى منزله، و جعل يستشير قومه وإخوانه و من يثق به من أصحابه، فلم يُشِر عليه أحدٌ بذلك.
و كان عِند عُمر بن سعدٍ رجلٌ من أهل الخيرِيُقالُ له كامِل وكان صديقا لأبيه من قبله، فقال: يا عُمر مالي أراك بهيئة وحركة، فما الّذي أنت عازم عليه؟ و كان كامل كإسمه ذا رأي و عقل و دين كامل.
فقال له عُمرُ بنُ سعد لعنه اللّه: إِنِّي وُلّيتُ أمر هذا الجيش فِي حرب الحسين (عَلَيهِ السَّلَامُ)، وإنما قتله عِندي وأهل بيته كأكلةِ آكل أو كشربة ماء، و إذا قتلته خرجتُ إلى مُلكِ الرِّي.
فقال له كامل أفٍ لك يا عُمرُ بنُ سعدٍ تُريدُ أن تقتل الحسين ابن بنتِ رسولِ اللّه (صَلَّى اللّه عَلَيْهِ وَآلِهِ) أفٍّ
ص: 376
لك ولدينك يا عمر أسفهت الحق، وضللت الهدى، أما تعلم إلى حرب من تخرج ولمن تُقاتِل ؟ إِنَّا اللّه وإنا إليه راجعون، واللّه لو أُعطيتُ الدُّنيا وما فيها على قتل رجل واحدٍ من أُمةِ محمّد (صَلَّى اللّه عَلَيْهِ وَآلِهِ)، لما فعلتُ، فكيف تُريدُ قتل الحسين (عَلَيهِ السَّلَامُ) ابنِ بنتِ رسول اللّه (صَلَّى اللّه عَلَيْهِ وَآلِهِ)، و ما الّذي تقول غداً لرسول اللّه (صَلَّى اللّه عَلَيْهِ وَآلِهِ) إذا أوردت عليه وقد قتلت ولده وقرة عينه و ثمرة فُؤادِه، ابن بنته سيّدة نساء العالمين، وابن سيّد الوصيين، وهو سيّد شباب أهل الجنّة من الخلقِ أجمعين ؟
وإنّه فِي زماننا هذا بمنزلة جدّه (صَلَّى اللّه عَلَيْهِ وَآلِهِ) فِي زمانه وطاعته فرض (طاعته) علينا كطاعته، و إنّه باب الجنّة والنار، فاختر لنفسك ما أنت مُختار، وإنّي أُشْهِدُ بِاللّه إِن حاربته أو قتلته أو أعنت عليه أو على قتله لا تلبث بعده فِي الدُّنيا إلّا قليلاً.
فقال له عمر بن سعد: أفبالموتِ تُخوّفُني ؟ وإنّي إذا فرغتُ من قتله، أكون أميراً على سبعين ألف فارس وأتولّى مُلك الرّيّ.
فقال له كامل: إِنِّي أُحدثك بحديث صحيح، أرجو لك فيه النجاة إن وُفّقت لقبوله، إعلم أنّي سافرتُ مع أبيك سعد بن أبي وقاص إلى الشّام، فانقطعت بي مطيتي عن أصحابي، وتهت و عطشتُ، فلاح لي دير راهب فملتُ إليه، و نزلتُ عن فرسي و أتيتُ إلى باب الدير لأشرب ماءً، فأشرف علي راهب من ذلك الدير، وقال: ما تُريدُ؟
فقلتُ له: إنّي عطشان.
فقال لي: أنت من أمة هذا النَّبيّ الّذين يقتل بعضُهم بعضاً على حُت الدُّنيا مكالبة، و يتنافسون فيها على حُطامها ؟
فقلتُ له: أنا من الأمَّة المرحومة أمة محمّد (صَلَّى اللّه عَلَيْهِ وَآلِهِ).
فقال: إنّكم أشرُّ أُمَّةٍ، فالويل لكم يوم القيامة، وقد سددتم إلى عترة نبيّكم، فقتلتُمُوهُم و شرد توهم و إِنِّي أَجِدُ فِي كُتُبِنا إنكُم تقتُلُون ابن بِنتِ نبيّكم) وتسبون نسائه وتنهبون أمواله. فقلتُ له: يا راهب نحنُ نفعل ذلك ؟
قال: نعم، وإنكم إذا فعلتُم ذلك ضجّتِ السّماوات والأرضُون والبحار و الجبال والبراري و القفار [و الوحوش] والأطيار باللعنة على قاتله، ثُمّ لا يلبث قاتله فِي الدُّنيا إلّا قليلاً، ثُمّ يظهرُ رجلٌ يطلبُ بِثأره فلا يدعُ أحداً شرك فِي أمرِه بِسُوءٍ إِلّا قتله، وعجّل اللّه بِروحِهِ إِلى النّار.
ص: 377
ثُمّ قال الراهب : إِنِّي لأرى لك قرابةً من قاتل هذا الإبن الطيب واللّه لوانّي أدركتُ أيامه لوقيتُه بنفسي من حرّ السُّيُوفِ.
فقلتُ: يا راهب إِنِّي أُعيذ نفسي أن أكون من يُقاتل ابن بِنتِ رسول اللّه (صَلَّى اللّه عَلَيْهِ وَآلِهِ). فقال: إن لم تكن أنت فرجُلٌ قريبٌ مِنك (بسببٍ أو نسبٍ) و إنّ قاتِله عليه نصف عذابِ أهلِ النّارِ، وإنّ عذابه أشدُّ عذاباً من عذاب فرعون و هامان.
ثم ردّ الباب فِي وجهي، ودخل يعبد اللّه تعالى وأبى أن يسقيني الماء. قال كامل فركبتُ فرسي ولحقتُ أصحابي، فقال لي أبوك سعد: ما أبطأك عنا يا كامل ؟ فحدثته بما سمعته من الراهب. فقال لي:
صدقت.
ثمّ إنّ سعداً أخبرني أنّه نزل بدير هذا الراهب مرة من قبلي، فأخبره أنّه هُو الرجل الّذي (يقتلُ) ابن بنت رسول اللّه (صَلَّى اللّه عَلَيْهِ وَآلِهِ) فخاف أبوك سعد من ذلك، وخشي أن تكون أنت قاتله،
فأبعدك عنه وأقصاك، فاحذريا عُمر أن تخرج عليه فإن خرجت عليه) يكون عليك نصفُ عذاب أهل النّار.
قال: فبلغ الخبر إلى ابن زياد، فاستدعى بكامل، وقطع لسانه، فعاش يوماً أو بعض يوم، و مات رحمه اللّه تعالى. (1)
1- قال علي بن الحسين (عَلَيهِمَا السَّلَامُ) بَلَغَنِي يا زائِدَةُ أنك تزُورُ قبر أبي عبد اللّه أحياناً فقُلتُ إِن ذلك لَكَما بَلَغك فقال لي فلما ذا تفعل ذلك ولك مكان عند سُلطانك الّذي لا يحتمل أحداً على محبتنا وتفضيلنا وذكر فضائلنا و الواجِبِ على هذِهِ الأمَّة من حقنا فقُلتُ واللّه مَا أُرِيدُ بِذلِك إِلَّا اللّه ورسوله و لا أحفِلُ بِسخط من سخط ولا يكبُرُ فِي صدري مكروه ينالُنِي بِسببِهِ فقال و اللّه إِنّ ذلِك لكذلِك فقُلتُ واللّه إنّ ذلِك لكذلِك يقُوها ثلاثاً وأقولُها ثلاثاً فقال أبشرثُم أبشرتُم أبشر فلا خبرتك بخبر كان عِندِي فِي النُّخب المخرُونِ إِنَّهُ لَا أصابنا بِالطَّفِّ ما أصابنا وقُتِل أبي (عَلَيهِ السَّلَامُ) و قتل من كان معهُ
ص: 378
من وُلدِهِ و إِخوتِهِ وسائِرِ أَهلِهِ و جُملت حرمُهُ ونِساؤُهُ على الأقتابِ يُرادُ بِنا الكوفة فجعلتُ أنظُرُ إليهم صرعى ولم يُواروا فيعظم ذلك فِي صدري ويشتدُّ لِما أرى منهم قلقي فكادت نفسي تخرُجُ و تبيّنت ذلِك مِنّي عمتي زينبُ بِنتُ علي الكُبرى فقالت ما لي أراك تجُودُ بِنفسِك يا بقيّة جدّي وأبي وإخوتي فقُلتُ وكيف لا أجزع وأهلعُ وقد أرى سيّدِي و إخوتي و عُمُومتي و وُلد عمّي وأهلي مُضرّجِين بِدِمائِهِم مُرمّلين بالعراء مُسلّبِين لا يُكفّنُون ولا يُوارون ولا يُعرّج عليهم أحد ولا يقربهم بشر كأنهم أهل بيتٍ من الدّيلم والخزرِ فقالت لا يجزعنّك ما ترى فواللّه إنّ ذلِك لعهدٌ من رسُولِ اللّه إِلى جدّك وأبيك وعمّك ولقد أخذ اللّه ميثاق أُناسٍ من هذه الأمَّة لا تعرِفُهُم فراعنة هذهِ الأَرْضِ و هُم معرُوفُون فِي أهل السّماوات أنّهم يجمعُون هذِهِ الأعضاء المتفرّقة فيُوارُونها و هذِهِ الجُسُوم المضرّجة وينصبون لهذا الطفِ علماً لِقبر أبيك سيّد الشُّهداء لا يدرسُ أثرُهُ ولا يعفُورسُمُهُ على كُرُورِ اللّيالي والأيام و ليجتهدنّ أئمة الكفر و أشياعُ الضّلالة فِي محوه وتطمِيسه فلا يزدادُ أَتْرُهُ إِلَّا ظُهُوراً و أَمْرُهُ إِلَّا عُلُوّاً فقُلتُ وما هذا العهد و ما هذا الخبر فقالت حدّثتني أُمُّ أيمن أن رسول اللّه (صَلَّى اللّه عَلَيْهِ وَآلِهِ) زار منزل فاطمة (عَلَيهَا السَّلَامُ) فِي يومٍ من الأيامِ فعملت له حرِيرةً صلّى اللّه عليها وأتاه عليّ (عَلَيهِ السَّلَامُ) بِطبقٍ فِيهِ تمرُثُم قالت أُمُّ أيمن فأتيتُهُم بِعُسَلٍ فِيهِ لبنُ و زُبد فأكل رسُولُ اللّه وعلي وفاطمة والحسن و الحسين (عَلَيهِم السَّلَامُ) من تلك الحريرة وشرب رسُولُ اللّه (صَلَّى اللّه عَلَيْهِ وَآلِهِ) و شرِبُوا من ذلك اللبنِ ثُمّ أكل و أكلُوا من ذلِكَ التّمرِ بِالرُّيدِ ثُمّ غسل رسُولُ اللّه يده وعلى يصُبُّ عليه الماء فلما فرغ من غسل يدِهِ مسح وجهه ثُمّ نظر إلى علي وفاطمة والحسن والحسين نظراً عرفنا فِيهِ السُّرُور فِي وجهِهِ ثُمّ رمق بِطرفِهِ نحو السّماءِ مليّاً ثُمّ وجّه وجهه نحو القبلة وبسط يديهِ يدعُوثُم خر ساجداً وهُو ينشِجُ فأطال النُّشُوج وعلا نجيبه وجرت دُمُوعُهُ ثُمّ رفع رأسه وأطرق إِلى الأَرْضِ و دُمُوعُهُ تقطرُ كأنّها صوب المطر فحزنت فاطِمةُ وعلي والحسن والحسين وحزنتُ معهُم لِما رأينا من رَسُولِ اللّه وهبناه أن نسأله حتّى إذا طال ذلك قال له علي وقالت له فاطِمةُ ما يُبكيك يا رسُول اللّه لا أبكى اللّه عينيك وقد أقرح قُلُوبنا ما نرى من حالك فقال يا أخِي سُرِرتُ بِكُم و قال مُزاحِمُ بنُ عبد الوارِثِ فِي حديثه هاهنا فقال يا حبيبي إِنِّي سُرِرتُ بِكُم سُرُوراً ما سُرِرتُ مِثله قط وإِنِّي لأنظُرُ إِليكُم وأحمد اللّه على نِعمتِهِ عليّ فِيكُم إِذ هبط علي جبرئيل فقال يا محمّد إِنّ اللّه تبارك و تعالى اطلع على ما فِي نفسك وعرف سُرُورك بأخيك و ابنتِك وسبطيك فأكمل لك النِّعمة و هناك العطِيّة بأن جعلهُم وذُرِّياتِهم ومُحِبّيهم وشيعتهم معك فِي الجنّة لا يُفرِّقُ بينك وبينهم يحيون كما تحيا ويعطون كما تُعطى حتّى ترضى و فوق الرّضا
ص: 379
على بلوى كثيرة تنالهم فِي الدُّنيا و مكارِهِ تُصِيبُهُم بِأيدِي أُناس ينتحِلُون مِلتك ويزعُمُونَ أَنَّهُم من أُمِّتِكَ بِراءٌ من اللّه و مِنكَ خبطاً خبطاً وقتلًا قتلاشتى مصارِعِهِم نائِيةٌ قُبُورُهُم خِيرةٌ من اللّه لهم ولك فِيهِم فاحمد اللّه جل و عز على خيرته و ارض بقضائِهِ فحمدت اللّه ورضيتُ بِقَضائِهِ بِما اختاره لكُم ثُمّ قال جبرئيل يا محمّد إِن أخاك مُضطهد بعدك مغلُوبٌ على أُمِّتِك متعُوبٌ من أعدائِكَ ثُمّ مَقتُولٌ بعدك يقتُلُهُ أشرُّ الخلق والخليقة وأشق البريّةِ نظِيرُ عاقِرِ النّاقةِ بِبلدٍ تَكُونُ إِلَيهِ هِجرتُهُ وهُو مغرِسُ شِيعَتِهِ وشِيعةِ وُلدِهِ و فِيهِ على كلّ حالٍ يكتُرُ بلواهُم ويعظُمُ مُصابهم وإِن سبطك هذا و أومأ بيده إلى الحسين (عَلَيهِ السَّلَامُ) مقتول فِي عِصابةٍ من ذُرِّيَّتِك وأهل بيتك وأخيارٍ من أُمِّتِكَ بِضفّةِ الفُراتِ بِأَرضِ تُدعى كربلاء من أجلها يكثر الكرب والبلاء على أعدائك وأعداءِ ذُرِّيَّتِكَ في اليومِ الّذي لا ينقضي كربُهُ ولا تفنى حسرتُه وهِي أطهر بقاع الأرضِ وأعظمُها حُرمةً وإِنّها من بطحاء الجنّة فإذا كان ذلك اليومُ الّذي يُقتلُ فِيهِ سِبطُك وأهله وأحاطت بهم كتائِبُ أهلِ الكُفْرِ و اللعنة تزعزعتِ الأرضُ من أقطارها و مادتِ الجِبالُ وكثر اضطرابها واصطفقت البحار بأمواجها و ماجتِ السّماوات بِأهلها غضباً لك يا محمّد ولِذُرِّيَّتِك واستعظاماً لِما يُنتهكُ من حُرمتِك ولشرما يُتكافى بِهِ فِي ذُرِّيَّتِك و عترتك ولا يبقى شيءٌ من ذلِك إِلَّا استأذن اللّه عزّو جل فِي نُصرة أهلك المستضعفين المظلُومِين الّذين هُم حجّة اللّه على خلقِهِ بعدك فيُوحِي اللّه إِلى السّماوات والأرضِ و الجِبالِ والبِحارِ و من فِيهِنَّ إِنِّي أنا اللّه اللّه الملِكُ القَادِرُو الّذي لَا يَفُوتُهُ هارب ولا يُعجِرُهُ مُمتنع وأنا أقدر على الإنتصار والإنتقام و عزتي وجلالي لأعذبن من وتر رسُولي وصفتي و انتهك حرمته وقتل عترته ونبذ عهده وظلم أهله عذاباً (وَ لَا أُعَذِّبُهُ أَحَدًا مِنَ الْعَالَمِينَ) (1) فعند ذلك يضجُ كلّ شيءٍ فِي السّماوات والأرضِين بلعن من ظلم عترتك واستحل حُرمتك فإذا برزت تلك العصابة إلى مضاجِعِها تولّى اللّه جل وعزقبض أرواحِها بيده و هبط إلى الأرضِ ملائِكَةٌ من السّماءِ السَّابِعَةِ معهُم آنِيةٌ من الياقوتِ والزُّمُرُّدِ مملوءةٌ من ماءِ الحياة و حُللٌ من حُللِ الجنّة وطيبٌ من طِيبِ الجنّة فغسلُوا جُثتهم بذلك الماء وألبسوها الخلل و حنطوها بذلك الطيب وصلّى الملائكة صفاً صفاً عليهم ثُمّ يبعث اللّه قوماً من أُمَّتِك لا يعرِفُهُمُ الكُفَّارُ لم يشركُوا فِي تِلك الدّماءِ بِقول ولا فِعل ولا نِيَّةٍ فيُوارون أجسامهم ويُقِيمُون رسماً لِقبرِ سيّد الشُّهداءِ بِتِلك البطحاءِ يَكُونُ علماً لِأهلِ الحقّ و
ص: 380
سبباً لِلمُؤمِنِين إِلى الفوز و تَحْقُهُ مَلائِكَةٌ من كلّ سماءٍ مِائة ألفِ ملكٍ فِي كلّ يوم وليلةٍ ويُصلُّون عليهِ ويُسبِّحُون اللّه عِنده و يستغفرون اللّه لِزُوّارِه ويكتُبُون أسماء من يَأْتِيهِ زائِراً من أُمِّتِكَ مُتقرِباً إِلَى اللّه وإِليكَ بِذلِك و أسماء آبائِهِم و عشائِرِهِم وبلدانِهِم ويُوسُمُون فِي وُجُوهِهِم بِمِيسمِ نُورِ عرشِ اللّه هذا زائر قبر خير الشُّهداء وابنِ خير الأنبياءِ فإذا كان يومُ القِيامةِ سطع فِي وُجُوهِهِم من أُثرِ ذلِك الميسم نُورٌ تغشى مِنْهُ الأبصارُيُدلُّ عليهم ويُعرفُون بهو كأنّي بِك يا محمّد بيني وبين ميكائيل وعلي أمامنا و معنا من ملائكة اللّه ما لا يُحصى عدده ونحن نلتقط من ذلِك الميسم فِي وجهِهِ من بينِ الخلائِقِ حتّى يُنجِيهُمُ اللّه من هولِ ذلِك اليوم وشدائِدِهِ وذلك حُكمُ اللّه وعطاؤُهُ لِمن زار قبرك يا محمّد أو قبر أخيك أو قبر سبطيك لا يُرِيدُ بِهِ غير اللّه جل وعروسيجِدُ أُناس يمن حقت عليهِم من اللّه اللعنة والسخط أن يعفُوا رسم ذلك القبر و يمحُوا أثره فلا يجعل اللّه تبارك وتعالى لهم إلى ذلك سبيلا ثُمّ قال رسُولُ اللّه (صَلَّى اللّه عَلَيْهِ وَآلِهِ) فهذا أبكاني و أحزَنِي قالت زينب فلما ضرب ابنُ مُلجم لعنه اللّه أبي (عَلَيهِ السَّلَامُ) و رأيتُ أثر الموتِ مِنهُ قُلتُ لهُ يا أبه حدّثتني أم أيمن بكذا وكذا و قد أحببتُ أن أسمعهُ مِنك فقال يا بُنيّة الحديث كما حدثتكِ أُمُّ أيمن وكأَنِّي بِكِ وَبِبناتِ أَهْلِكِ سبايا بهذا البلد أذلاء خاشِعِين (تَخَافُونَ أَنْ يَتَخَطَّفَكُمُ النَّاسُ) (1) فصبراً صبراً فوالّذي فلق الحبّة وبرأ النسمة ما للّه على ظهرِ الأَرضِ يومئِذٍ ولي غيركُم وغيرُ مُحِبّيكُم وشِيعَتِكُم ولقد قال لنا رسُولُ اللّه حِين أخبرنا بهذا الخبر إنّ إبليس فِي ذلك اليوم يطير فرحاً فيجُولُ الأَرض كُلّها فِي شياطِينِهِ و عفاريته فيقول يا معشر الشّياطين قد أدركنا من ذُرِّيَّةِ آدم الطلبة وبلغنا فِي هلاكِهِمُ الغاية وأورثناهُمُ النّار إِلّا من اعتصم بهذِهِ العِصابة فاجعلُوا شُغُلكُم بِتشكِيكِ النّاس فيهم وحملهم على عداوتهم وإغرائهم بهم وأوليائهم حتّى تستحكم ضلالةُ الخلق وكُفْرُهُم ولا ينجو منهم ناجٍ (وَلَقَدْ صَدَّقَ عَلَيْهِمْ إِبْلِيسُ) (2) و هُو كذُوبٌ أَنَّهُ لا ينفعُ مع عداوتكُم عمل صالح ولا يضُرُّ مع محبّتِكُم و مُوالاتِكُم ذنب غير الكبائر قال زائِدَةُ ثُمّ قال علي بن الحسين بعد أن حدّثني بهذا الحديثِ خُذهُ إِليك أما لو ضربت فِي طلبه آباط الإبل حولًا لكان قليلاً. (3)
ص: 381
1 - عن جبلة المكية قال سمعتُ مِيثم التمارِ قدس اللّه رُوحهُ يَقُولُ واللّه لتقتُلُ هَذِهِ الأمَّة ابن نبيها فِي المحرمِ لعشر يمضين مِنهُ وليتَّخِذن أعداء اللّه ذلك اليوم يوم بركة و إن ذلك لكائن قد سبق فِي عِلمِ اللّه تعالى ذكرُهُ أعلمُ ذلِك لِعهدٍ عهده إلى مولاي أمِير المؤمنين (صلوات اللّه عليه) و لقد أخبرني أنّه يبكي عليهِ كلّ شيءٍ حتّى الوحوش فِي الفلوات و الحيتان فِي البحر و الطير فِي السماء و يبكي عليهِ الشَّمس والقمرُ و النُّجُومُ والسَّماءُ والأرضُ و مُؤمِنُو الإِنسِ والجِنِّ وجَمِيعُ ملائِكَةِ السّماوات والأرضين ورضوانُ و مالِكٌ و حملة العرش و تمطر السماء دماً ورماداً ثُمّ قال وجبت لعنة اللّه على قتلة الحسين كما وجبت على المشركين (الّذين يجعلُون مع اللّه إِلهاً آخر) (1) وكما وجبت على اليهود والنصارى و المجُوسِ قال جبلة فقُلتُ له يا ميثم فكيف يتَّخِذُ النّاس ذلِك اليوم الّذي قُتِل فِيهِ الحسين يوم بركةٍ فبكى ميثم (رضيَ اللّهُ عنهُ) ثُمّ قَالَ يَرْعُمُون لِحِدِيثٍ يَصْعُونَهُ أنهُ اليومُ الّذي تاب اللّه فِيهِ على آدم وإنّما تاب اللّه على آدم فِي ذِي الحِجَّةِ ويزعُمُون أَنَّهُ اليوم الّذي قَبِل اللّه فِيهِ توبة داوُدو إِنّما قبل اللّه عزّ و جلّ توبتهُ فِي ذِي الحِجَّةِ ويزعُمُونَ أَنَّهُ اليومُ الّذي أخرج اللّه فِيهِ يُونُس من بطنِ الحُوتِ و إِنّما أخرج اللّه عزّوجلّ يُونُس من بطنِ الحُوتِ فِي ذِي الحِجّةِ و يزعُمُون أَنْهُ اليومُ الّذي استوت فِيهِ سفينةُ نُوحٍ على الجُودِيّ وإِنما استوت على الجُودِي فِي يومِ الثّامن عشر من ذِي الحِجّةِ ويزعُمُون أَنْهُ اليومُ الّذي فلق اللّه (عزّوجلّ) فيه البحر لبني إسرائيل و إنّما كان ذلك فِي ربيع الأولِ ثُمّ قال ميثم يا جبله اعلمي أن الحسين بن علي سيّد الشهداء يوم القيامة ولأصحابه على سائر الشُّهداء درجة يا جبلة إذا نظرت إلى الشَّمس حمراء كأنها دم عبيط فاعلمي أنّ سيّد الشُّهداء الحسين قد قُتِل قالت جبلة فخرجتُ ذات يوم فرأيتُ الشَّمس على الحيطان كأنّها الملاحِفُ المعصفرة فصحتُ حِينئِذٍ وبكيتُ وقُلتُ قد واللّه قُتِل سيّدنا الحسين بن علي (عَلَيهِمَا السَّلَامُ). (2)
ص: 382
2 - قال رسول اللّه (صَلَّى اللّه عَلَيْهِ وَآلِهِ): قوم من أُمتي ينتحلون بأنهم من أَهلِ مِلَّتِي، يَقتُلُون أفاضِل ذُرِّيَّتِي، و أطايب أرُومتي، ويُبدِّلُون شريعتي و سُنّتي، ويقتُلُون ولدي الحسن والحسين، كما قتل أسلافُ هؤلاء اليهودِ زكريا ويحيى. ألا وإنّ اللّه يلعنهم كما لعنهم، ويبعث على بقايا ذراريهم قبل يوم القيامة هادِياً مهدِيّاً من ولد الحسين المظلُومِ، يُحرِّفُهُم بِسُيُوفِ أَولِيائِهِ إِلى نار جهنَّم. ألا و لعن اللّه قتلة الحسين ومُحِبّيهم وناصِرِيهِم، والسّاكِتِين عن لعنهم من غيرِتِقِيَّةٍ تُسكِتُهُم. ألا وصلى اللّه على الباكين على الحسين بن علي رحمة وشفقة واللاعنين لأعدائهم و الممتلئين عليهم غيظاً وحنقاً. ألا وإنّ الرّاضِين بقتل الحسينِ شُركاءُ قتلتِهِ. (1)
1- عن عُروة بن الزُّبير قال: سمعت أبا ذر و هُو يومئِذٍ قد أخرجه عثمان إلى الربذة فقال له النّاس يا أبا ذر أبشر فهذا قلِيلٌ فِي اللّه فقال ما أيسر هذا و لكن كيف أنتُم إِذا قُتِل الحسين بن علي قتلاً أو قال ذُبح ذبحاً و اللّه لا يكُونُ فِي الإِسلام بعد قتل الخليفة أعظم قتِيلًا مِنهُ وإِنَّ اللّه سيسُلُّ سيفه على هذِهِ الأمَّة لا يعْمِدُهُ أبداً و يبعث ناقِاً من ذُرِّيَّتِهِ فينتقِمُ من النّاس وَإِنَّكُم لو تعلمون ما يدخُلُ على أهلِ البحار وسُكّانِ الجِبالِ فِي الغِياض والآكام وأهلِ السَّماءِ من قتلِهِ لبكيتُم و اللّه حتّى تزهق أنفُسُكُم و ما من سماءٍ يَمُرُّبِهِ رُوحُ الحسين (عَلَيهِ السَّلَامُ) إِلَّا فزع له سبعون ألف ملك يقُومُون قياماً تُرعد مفاصِلُهُم إلى يوم القيامةِ وما من سحابة تمرُّو تُرعِدُ وتُبرِقُ إِلَّا لعنت قاتِلهُ و ما من يومٍ إِلَّا وتُعرضُ رُوحُهُ على رَسُولِ اللّه فيلتقِيانِ. (2)
1 - عن أبي عبد اللّه (عَلَيهِ السَّلَامُ) قال: سألتُهُ فِي طَرِيقِ المدينةِ ونحنُ نُرِيدُ مكّة فقُلتُ يا ابن رسُولِ اللّه ما لي أراك كثِيباً حزيناً منكسراً فقال لو تسمع ما أسمعُ لشغلك عن مسألتِي قُلتُ فما الّذي تسمعُ قال ابتهال الملائِكَةِ إِلى اللّه عزّ و جلّ على قتلة أمِير المؤمنين وقتلة الحسين (عَلَيهِ السَّلَامُ) و نوح الجن وبكاء
ص: 383
الملائِكَةِ الّذين حوله وشدّة جزعِهِم فمن يتهنأ مع هذا بطعام أو بشراب أو نوم وذكر الحديث. (1)
2 - عن جعفر بن محمّد عن أبيه عن جدّه (عَلَيهِم السَّلَامُ) قال: قال النَّبيّ (صَلَّى اللّه عَلَيْهِ وَآلِهِ) ليلة أُسري بي إلى السّماءِ فبلغتُ السّماء الخامسة نظرتُ إلى صُورةِ عليّ بن أبِي طالِب فقُلتُ حبيبي جبرئيل ما هذه الصورة فقال جبرئيل يا محمّد اشتهت الملائكة أن ينظُرُوا إِلى صُورَةِ علي فقالُوا رَبَّنَا إِنَّ بَنِي آدم فِي دنياهم يتمتعون غدوة وعشيّة بالنظر إلى عليّ بن أبِي طالِب حبيب حبيبك محمّد (صَلَّى اللّه عَلَيْهِ وَآلِهِ) و خليفته و وصيّهِ وأمِينِهِ فتعنا بِصُورتِهِ قدر ما تمتّع أهل الدُّنيا بِهِ فصوّر لهم صُورتهُ من نُورِ قُدسِهِ عزّوجلّ فعليّ (عَلَيهِ السَّلَامُ) بين أيديهم ليلا و نهاراً يزُورُونه وينظُرُون إِليهِ غُدوةً و عشِيّةً قال فأخبرني الأعمش عن جعفر بن محمّد عن أبيه (عَلَيهِم السَّلَامُ) قال فلما ضربهُ اللعِينُ ابنُ ملجم على رأسِهِ صارت تلك الضّربةُ فِي صُورتِهِ الّتي فِي السّماءِ فالملائِكَةُ يَنظُرُون إِليهِ غُدوةٌ و عشيّة يلعنون قاتله ابن ملجم فلما قُتِل الحسين بن علي صلوات اللّه عليه هبطت الملائكة وحملته حتّى أوقفته مع صُورةِ عليّ فِي السّماءِ الخامِسةِ فكُلّما هبطت الملائِكَةُ من السّماوات من عُلا و صعدت ملائِكَةُ السّماءِ الدُّنيا فمن فوقها إلى السّماءِ الخامِسةِ لِزِيارة صورة عليّ (عَلَيهِ السَّلَامُ) والنظرِ إليه و إلى الحسين بن علي متشحطاً بدمِهِ لعنوا يزيد و ابن زياد و قاتل الحسين بن علي صلوات اللّه عليه إلى يوم القيامة قال الأعمش قال لي الصَّادق (عَلَيهِ السَّلَامُ) هذا من مكنُونِ العِلم و مخزونِهِ لا تُخرجه إلَّا إلى أهلِهِ. (2)
1- عن سعيد بن المسيّب قال لَمَّا استُشهد أبو عبدِ اللّه الحسين (عَلَيهِ السَّلَامُ) وحجّ النّاس من قابل دخلتُ على سيدي علي بن الحسين (عَلَيهِمَا السَّلَامُ) فقُلتُ له يا مولاي قد قرب الحج فما ذا تأمرني قال امض على نيّتك فحججتُ فبينما أنا أطُوفُ بالكعبة فإذا نحنُ بِرجُلٍ مقطوع اليدين ووجهه كقِطعِ اللّيلِ المظلم مُتعلّقاً بأستار الكعبة وهُو يقُولُ اللّهمّ ربّ هذا البيت الحرامِ اغفر لي وما أحسبُك تغفِرُ لِي ولو شفع لِي سُكّانُ سماواتِك وجميعُ من خلقت لِعِظم جُرمي قال سعِيدُ بنُ
ص: 384
المسيبِ فشغلنا وشغل جميع النّاس من الطوافِ حتّى حفٌ بِهِ النّاس واجتمعنا عليهِ وقُلنا له يا ويلك لو كُنت إبليس لعنه اللّه لكان ينبغي أن لا ييأس من رحمة اللّه فمن أنت وما ذنبك فبكى وقال يا قوم أنا أُعرفُ بِنفسي وذني وما جنيتُ فقُلنا له تذكُرُهُ لنا فقال إِنِّي كُنتُ جَمالًا لأبي عبد اللّه الحسين بن علي (عَلَيهِمَا السَّلَامُ) لما مر من المدينةِ إِلى العِراقِ وكُنتُ أراه إذا أراد الوضوء لِلصّلاةِ فإذا يضعُ سراويله فأرى التِّكة تُغشِي الأبصار بِحُسنِ إشراقها وألوانها وكُنتُ أتمناها إلى أن صرنا بكربلاء فقُتِل الحسين بن علي (صلواتُ اللّه عليهِ) وأنا معه فدفنتُ نفسي فِي مكانٍ من الأرضِ ولم أطلب إِلَّا مِثالِي قال فلَمّا جنّ علينا الليل خرجتُ من مكاني فرأيتُ تلك المعركة بها نُوراً لا ظلمة و نهاراً لا ليلًا و القتلى مطرُوحِين على وجهِ الأرْضِ فذكرتُ لشقاوتي التكة فقُلتُ و اللّه لأطلبنّ الحسين فأرجو أن تكون التِّكَةُ عليهِ فِي سراوِيلِهِ فَآخُذها ولم أزل أنظُرُ فِي وُجُوهِ القتلى حتّى وجدتُهُ جدِيلًا فإذا التِّكَةُ فِيها فدنوتُ مِنهُ و ضربتُ بِيدِي إِلى التِّكْةِ فإذا هُو قد عقدها عُقدةً قويّةً فلم أزل أحُلُّ حتّى حللت منها عُقدةً فمد يده اليمين [اليُمنى] وقبض على التِّكْةِ فلم أقدر على أخذ يده عنها ولا أصِلُ إليها فدعتني نفسي الملعونة إلى أن طلبت فوجدتُ قطعةً من سيفٍ مطرُوحةٍ فأخذتها وانكببتُ على يدِهِ فلم أزل أحُزُها من يدِهِ حتّى فصلتُها عن التِّكْةِ ثُمّ حللتُ عُقدةً أُخرى فمدّ يده اليسرى فقطعتُها ثُمّ نحيتُها عنِ التِّكْةِ ومددت يدي إلى التِّكْةِ لأخُذها وإذا بِالأَرضِ ترجُفُ والسّماء وإذا بِجلبةٍ عظيمةٍ وبُكاءٍ ونِدَاءٍ يَقُولُ وا ابناه وا حسيناه فصعِقتُ و رميتُ نفسِي بين القتلى فإذا ثلاث نفرو امرأة، وحولهم خلائِقُ وفِرقُ قدِ امتلأت مِنهُمُ الأرضُ والسَّماءُ فِي صُورِ النّاس و أجنحة الملائِكَةِ وإذا بواحِدٍ مِنهُم يَقُولُ وا ابناه يا حسين فداك جدّك وأبوك وأمك وأخوك وإذا بالحسين قد جلس ورأسه على بدنِهِ وهو يقُولُ لبيك يا جدّاه يا رسُول اللّه و يا ابتاه يا أمِير المؤمنين و يا أُماه يا فاطِمةُ و يا أخاه المقتول بالسم قبلي وإذا هُم قد جلسوا حوله و فاطِمةُ تَقُولُ يا أبي يا رسُول اللّه أتأذن لي حتّى آخذ من دمِ شيبته وأخضب ناصيتي وألقى اللّه يوم القيامةِ قال لها افعلي فرأيتُهم ياخُذُون و فاطِمةُ تمسحُ ناصيتها والنَّبيّ وعلي والحسن (عَلَيهِم السَّلَامُ) يمسحون نحورهم وصُدُورهُم وأيديهم إلى المرافق و سمِعتُ رسول اللّه (صَلَّى اللّه عَلَيْهِ وَآلِهِ) يقُولُ فديتك يا حسين فما كان من قطع يدك اليمنى وثنى باليسرى قال يا جداه كان معي جمّالٌ
ص: 385
صحبنِي من المدينة و كان ينظُرُ إِلى سراويلي ووُضُوءِ الصَّلاة فيتمنى أن يكون له فما منعني أن أدفعها إليهِ إِلَّا لِعِلمِي أَنَّهُ صَاحِبُ هذا الفِعلِ فَلَمَّا قتلت خرج يطلبني فوجدني بلا رأس فتفقد سراويلي و رأى التِّكْة وقد كُنتُ عقدتُها عُقدةً صعبةً فضرب يده إلى العُقدة منها فحلّها فمددت يدي اليمنى فقبضتُ على التِّكْةِ فطلب فِي المعركة فوجد قطعةً من سيف فقطع بها يدي اليمنى ثُمّ حلّ عُقدةً أُخرى فضربتُ بِيدِي اليُسرى على التِّكْةِ لِئلا يحلّها فتنكشف عورتي فأخذيدِي اليُسرى فلما أن حلّ العُقدة الأُخرى أحس بك فرمى بنفسه بين القتلى فقالُوا أُنّ لك جمالا سود اللّه وجهك فِي الدُّنيا و الآخِرة و قطع يديك وجعلك فِي حزبِ من سفك دماءنا و حايش على اللّه فِي قتلنا فما استتم دعاءه حتّى انتشرت يداي وحسستُ بِوجهي أنهُ أُلبِس قِطعاً من النَّارِ مُسودَةً فَجِئْتُ إِلى هذا البيت أستشفع وأعلمُ بِأَنَّهُ لا يغفِرُ لِي أبداً فلم يبق بمكّة أحدٌ من سمِع بِحَدِيثِهِ إِلَّا تقرب إلى اللّه بِلعنِهِ وكُلُّ يَقُولُ حَسبُك ما أنت فِيهِ. (1)
2 - رُوي أنّ عُبيد اللّه بن زياد لعنه اللّه كتب إلى يزيد لعنه اللّه و أخبره بما وقع منه فِي الحسين (عَلَيهِ السَّلَامُ) و رد الجواب يشكره على فعله، ويأمره فيه بحمل رأس الحسين (عَلَيهِ السَّلَامُ) و رُءُوسِ من قُتِل معه و حمل أثقاله ونسائه وعياله، فاستدعى ابن زيادٍ لعنه اللّه بحجامٍ يُقال له طارق، وقيل: إلى عمر بن الحارث المخزومي لعنهم اللّه و أخزاهم فأمره أن يقور الرأس و يخرج دماغه و ما حول الدّماغ من اللحم، ففعل ذلك، ثُمّ همّ يقطع اللحم الّذي حول الرّأس فيبست يداه و ورمت عليه و انتفخت، وقيل وقعت فيها الآكلة، فتقطعت يداه ومات فيها لا رحمه اللّه و كان له ولد يُعيرون به و كنّاه ابنُ زياد بأبي أمية و له ولد يعرفون به، وأمر أن يحشى الرأس مسكاً وكافوراً و صبراً و عنبراً، ففعل به ذلك. (2)
ص: 386
1- روي: أن رجلا كان فِي الطواف، وإذا برجل يطوفُ، و هُو يقول: اللّهمّ إنّي أعوذ بك من دركِ الشّقاء، اللّهمّ إغفر لي وأظنّك لا تفعل.
فقال له : يا عبد اللّه إتّقِ اللّه ولا تيأس من رحمة اللّه، فلو أنّ ذُنوبك عدد قطر السماء، ثُمّ استغفرت اللّه لوجدته رحيماً.
فقال له: أدنُ مِنِّي فدنا مِنه فقال له: يا أخي إعلم أنّي كنتُ من أصحابِ عُبيد اللّه بن زيادٍ و يزيد بن معاوية لعنهم اللّه وكنتُ قريباً منهم، فلما أوتي برأس الحسين (عَلَيهِ السَّلَامُ) وطافوا به، أمر أن يُوضع فِي طشتٍ من اللجين وجعل ينكتُ ثناياه بالقضيب، وجعل يقولُ: قد شفيت فيك و في أبيك غير أن أباك خرج على أبي بأرض العراق، فنصر اللّه أبي عليه، وهو خير الحاكمين.
ثُمّ إن أهل العِراقِ خدعُوك و أخرجُوك فنصرني اللّه عليك فالحمد للّه الّذي أظفرني عليك، و مكنني مِنك، فحسبت قد ذبتُ حُزناً على الحسين و جنقاً على أعدائه.
ثُمّ جمع النّاس لياخذ بِقُلُوبِهِم ثُمّ قال: يعزّ عليّ يا أبا عبدِ اللّه إِنّ أهل العِراقِ خدعوك وقتلوك، و عزيز علي قتلك أو يُصيبك ما أصابك، وقد نفذ فيك حُكمُ اللّه.
ثم دعا بِرَأْسِهِ، وغسله بيده، ثُمّ دعا بحنوط فحنطه وطيبه و كفنه، وجعله فِي صندوق وغلق علیه بابه، ثُمّ قال: ضعوه بين يدي قصري و اضربوا عليه سُرادقاً و مسجدا يدعو اللّه أن يرضى النّاس ويكفيهم عنه، ففعلوا ذلك وجعل على السّرادق حرساً خمسين رجلاً و وكلني أنا بهم.
فلما كان الليل أرسل الملعون إلينا طعاماً و خمراً فشربوا أصحابي، وأنا لم أشرب، ولم أنم جزعاً على الحسين (عَلَيهِ السَّلَامُ)، ولكن إستلقيتُ على ظهري، وقد هدأ الليل وأنا مُفكّر فيما فعل اللعين، إذ سمعت صوت رعد، فنظرتُ إلى السماء و أبوابها مفتوحة وإذا قد أقبلت سحابة بيضاء لها نُور قد أضاء، وإذا قائل يقولُ : إهبط يا آدم، فهبط، فأحاطت به صفوف من الملائكة.
وإذا سحابة أخرى وقائل يقُولُ: إهبط يا نُوحُ، فهبط، وأحاطت به صفوف الملائكة، وإذا قد أقبلت سحابةُ أخرى وقائل يقولُ: إهبط يا إبراهيم فهبط، وأحاطت به صفوف الملائكة، وإذا قد أقبلت سحابة أخرى وقائل يقولُ : إهبط يا موسى، فهبط، وأحاطت به صفوف الملائكة، و إذا قد أقبلت سحابةٌ أُخرى وقائل يقول: إهبط يا عيسى، فهبط، وأحاطت به صُفُوفُ الملائكة.
ص: 387
فنظرتُ إلى سحابة أخرى هي أعظمُ نُوراً من الجميع، وإذا بقائلٍ يقول: إهبط يا محمّد، فهبط و دخل الخيمة، فسلم على من فيها فردُّوا (عَلَيهِ السَّلَامُ) و عزّوه بِأهل بيته، وتقدم إلى الصندوق، ففتحه وأخرجه منه، وجعل يُقبله ويبكي بكاءً شديداً، ويقُولُ: يا أبي آدم و يا أبي نُوح، ويا أبي إبراهيم، و يا أخي مُوسى، و يا أخي عيسى، أما ترون ما فعلت أُمتي بولدي من بعدي؟ لا أنالهم اللّه شفاعتي.
ثم نظرت إلى نُورٍ ملأ ما بين السماء والأرض، وإذا بملائكة قد أحاطوا بالخيمة ودخلوها، و قالُوا: يا محمّد العلي الأعلى يقرتُك السّلام، ويقول لك: إخفض من صوتك، فقد أبكيتُ لبُكائِك، الملائكة فِي السّموات والأرض، وقد أُرسلنا إليك نمتثل أمرك.
فقال: من اللّه بدأ السّلامُ، وإليه يعُودُ السّلامُ، من أَنتُم رحمكُمُ اللّهُ؟
فقال أحدُهُم: أنا ملك الشَّمس إن أردت أن أحرق هذه الأمَّة، فعلتُ.
وقال الآخر: أنا ملك البحار إن أمرتني أن أُغرقهم، فعلتُ.
وقال الآخر: أنا ملك الأرض إن أمرتني أن أخسفها وأقلب عاليها سافلها، فعلتُ.
فقال رسول اللّه (صَلَّى اللّه عَلَيْهِ وَآلِهِ): دعوهم إنّ لي و لهم موقفاً بين يدي ربّي، يحكم بيننا وهو خيرُ الحاكمين.
فقال جميع من حضر: جزاك اللّه خيراً يا محمّد عن أمتك ما أرأفك بهم ؟! ثُمّ أقبل فوج من الملائكة، فقالُوا: يا محمّد، إنّ اللّه يقرئك السّلام، وقد أمرنا بقتل هؤلاء الخمسين.
فقال النَّبيّ (صَلَّى اللّه عَلَيْهِ وَآلِهِ): شأنكم بهم، فأقبل على كلّ رجلٍ مِنهم ملك، وبيده حربةٌ من نار، و أقبل لي ملك، فقلتُ: يا رسول اللّه الأمان، فقال: إذهب لا غفر اللّه لك فانتبهتُ، فإذا أصحابي رماداً وقد أصبحتُ مُتخلّياً من الدُّنيا بصحبتي لأعداء اللّه. (1)
2 - روى عبد الملك بن عُمير أنّه كان لي جارٌ من بَنِي مُساعدة جسدُهُ و وجهُهُ أسود، ورأسه أبيض، فقلتُ له يوماً: ما هذا الّذي بك يا فُلان؟ قال: يا أخي إعلم أنّي شهدتُ عسكرابن زيادٍ لعنه اللّه، وأخذتُ من بعض الرُّءُوس الّذي لأصحاب الحسين، فأصبحتُ كما تراني، ومع ذلك أنّي أرى فِي
ص: 388
منامي أن الرّأس كلّ ليلةٍ يُكَلِّمُني ويرميني فِي النار، وقد علموا بذلك أهلي، فإذا علموا أنّي قد نمتُ أيقظوني. (1)
3 - عنِ الحسنِ بنِ محبوب عن عبدِ اللّه بنِ يُونُس عنِ المنهال بن عمرو، قال: دخلتُ على عليّ بنِ الحُسين (عَلَيهِمَا السَّلَامُ) منصر فِي من مكّة فقال لي: يا منهال، ما صنع حرملة بن كاهلة الأسدي فقُلتُ: تركتُهُ حيّاً بِالكُوفة، قال فرفع يديه جميعاً، فقال:" اللّهمّ أذقهُ حرّ الحَدِيدِ، اللّهمّ أذقه حرّ الحديد، اللّهمّ أذقه حرّ النّار". قال المنهال: فقدِمتُ الكوفة، وقد ظهر المختار بن أبي عبيد [ عُبيدة]، وكان لي صديقاً، قال : فكُنتُ فِي منزلي أياماً حتّى انقطع النّاس عنِّي، وركبتُ إليه فلقِيتُهُ خارجاً من داره، فقال: يا مِنهال، لم تأتِنا فِي ولايتنا هذه، ولم تُهنّنا بها، ولم تشركنا فيها فأعلمتُه أنِّي كُنتُ بمكّة، وأنّي قد جِئتُك الآن، وسايرته ونحن نتحدث حتّى أتى الكناس، فوقف وُقُوفاً كأنه ينتظر شيئاً، وقد كان أُخبر بمكان حرملة بن كاهلة، فوجه فِي طلبه، فلم نلبث أن جاء قوم يركُضُون وقوم يشتدون حتّى قالُوا: أيُّها الأميرُ، البشارة، قد أخذ حرملةُ بنُ كاهلة، فما لبثنا أن جيء بِهِ، فلما نظر إليه المختار قال الحرملة: الحمد للّه الّذي مكَّننِي مِنك. ثُمّ قال: الجزار الجزار، فأُتِي بِجزَارٍ، فقال له: اقطع يديه، فقُطعتا، ثُمّ قال له: اقطع رجليهِ، فقُطِعتا، ثُمّ قال: النار النّار، فأُتِي بِنارٍ وقصبٍ فأُلقي عليه و اشتعلت فِيهِ النّار. فقُلتُ: سُبحان اللّه ! فقال لي: يا منهالُ، إِنَّ التسبيح لحسن، ففيم سبحت فقُلتُ: أيُّها الأمير، دخلت فِي سفرتي هذِهِ منصر فِي من مكّة على علي بن الحسين (عَلَيهِمَا السَّلَامُ) فقال لي: يا مِنهال، ما فعل حرملة بن كاهلة الأسدِيُّ فقُلتُ: تركتُهُ حيّاً بالكوفة، فرفع يديه جميعاً فقال: " اللّهمّ أَذِقَهُ حرَ الحَدِيدِ، اللّهمّ أَذِقَهُ حر الحديد، اللّهمّ أذقهُ حرّ النَّارِ".
فقال لي المختارُ: أسمعت علي بن الحسين (عَلَيهِمَا السَّلَامُ) يقُولُ هذا فقُلتُ: واللّه لقد سمِعتُهُ قال، فنزل عن دابته وصلّى ركعتين فأطال السُّجُود، ثُمّ قام فركب، وقد احترق حرمله، وركبتُ معه و سرنا فحاذيتُ داري، فقُلتُ: أيُّها الأميرُ، إن رأيت أن تُشرّفني وتُكرمني و تنزل عِندِي و تحرّم بطعامي. فقال: يا منهالُ، تُعلِمُني أن علي بن الحسين دعا بأربع دعوات فأجابه اللّه على يديّ ثُمّ تأمُرُني أن آكُل هذا يومُ صومِ شُكراً للّه عزّوجلّ على ما فعلتُهُ بِتوفيقِهِ.
ص: 389
حرملة: هُو الّذي حمل رأس الحسين (عَلَيهِ السَّلَامُ). (1)
4 - قال الحارِثُ بنُ أَبِي أُسامة قال: حدّثنا المدائني، عن رِجالِهِ: أن المختار بن أبي عبيد الثقفِي (رحمة اللّه) ظهر بالكوفة ليلة الأربعاء لأربع عشرة ليلةً بقيت من شهر ربيع الآخر سنة ست وستين، فبايعه النّاس على كِتابِ اللّه وسُنّةِ رَسُولِ اللّه (صَلَّى اللّه عَلَيْهِ وَآلِهِ) والطلب بدم الحسين بن علي (عَلَيهِمَا السَّلَامُ) و دِمَاءِ أَهلِ بيتِهِ رحمة اللّه عليهم والدفع عنِ الضُّعفاء، فقال الشّاعِرُ فِي ذلِك:
ولما دعا المختارُ جِئنا لنصره *** على الخيل تردى من كُميت و أشقرا
دعايا لثارات الحسين فأقبلت *** تُعادِي بِفُرسان الصباح لتثأرا
و نهض المختار إلى عبدِ اللّه بنِ مُطِيعِ، وكان على الكُوفَةِ من قبلِ ابنِ الزُّبير فأخرجه وأصحابه منها منهزمين، و أقام بالكوفة إلى المحرم سنة سبع وستّين، ثُمّ عمد على إنفاذ الجيوش إلى ابنِ زيادٍ و كان بأرض الجزيرة، فصيّر على شرطِهِ أبا عبدِ اللّه الجدلِيّ و أبا عمرة كيسان مولى عُرينة، و أمر إبراهيم بن الأشتر (رحمة اللّه) بالتأهبِ لِلمسير إلى ابنِ زِيادٍ (لعنة اللّه)، وأمره على الأجنادِ، فخرج إبراهيم يوم السبت لسبع خلون من المحرم سنة سبع و وستين فِي ألفين من مذحج وأسد، و ألفين من تميم و همدان، وألف وخمسمائةٍ من قبائل المدينة، وألف وخمسمائة من كندة و ربيعة، وألفين من الحمراء. وقال بعضُهم : كان ابن الأشتر فِي أربعةِ آلافٍ من القبائل، وثمانية آلاف من الحمراء، وشيّع المختارُ إبراهيم بن الأشتر (رحمهما اللّه) ماشياً، فقال له إبراهيم: اركب رحمك اللّه، فقال: إنّي لأحتسب الأجر فِي خطاي معك، وأُحِبُّ أن تغبر قدماي فِي نصر آل محمّد (عَلَيهِم السَّلَامُ)، ثُمّ ودّعه و انصرف
فسار ابنُ الأشتر حتّى أتى المدائن، ثُمّ سار يُرِيدُ ابن زياد، فشخص المختار عنِ الكُوفَةِ لِما أتاه أنّ ابن الأشترِقدِ ارتحل من المدائِنِ، وأقبل حتّى نزل المدائن، فلما نزل ابنُ الأشتر نهر الخازر بالموصل أقبل ابنُ زِيادٍ فِي الجُمُوع، ونزل على أربعة فراسخ من عسكر ابن الأشتر، ثُمّ التقوا فحض ابنُ الأشتر أصحابه وقال: يا أهل الحقّ وأنصار الدّين، هذا ابنُ زِيادٍ قاتل الحسين بن، علي وأهل بيتِهِ (عَلَيهِم السَّلَامُ) قد أتاكُمُ اللّه بِهِ و بِحِزبِهِ حِزبِ الشّيطان، فقاتِلُوهُم بِنِيَّةٍ وصبرٍ، لعلّ اللّه يقتُلُهُ
ص: 390
بأيدِيكُم، ويشفي صُدُوركُم. و تزاحفُوا ونادى أهل العِراق: يا لثارات الحسين، فجال أصحاب ابنِ الأشترِ جولةً، فناداهم يا شُرطة اللّه الصبر الصبر، فتراجعوا فقال لهم عبدُ اللّه بنُ يسارِ بنِ أَبِي عقب الدولي: حدّثني خليلي أنا نلقی أهل الشام على نهر يقال له الخازِرُ فيكشِفُونّا حتّى تَقُول:
هي هي، ثُمّ نكِرُّ عليهم فنقتُلُ أميرهم، فأبشِرُوا واصبِرُوا فَإِنَّكُم لهم قاهِرُون. ثُمّ حمل ابنُ الأَسْترِ حمه اللّه عشيّاً فخالط القلب، وكسرهُم أهل العِراقِ فركِبُوهُم يقتُلُونهم، فانجلتِ الغُمّةُ وقد قُتِل عُبيدُ اللّه بنُ زِيَادٍ وحُصين بن نمير و شرحبِيلُ بنُ ذِي الكلاعِ و ابن حوشب و غالب الباهليُّ و عبد اللّه بن إياس السُّلَمِيُّ و أبو الأشرسِ الّذي كان على خُراسان وأعيان أصحابِهِ (لعنهم اللّه).
فقال ابن الأشترِ: إِنِّي رأيتُ بعد ما انكشفتِ النّاس طائِفةً مِنهُم قد صبرت تُقاتِلُ، فأقدمتُ عليهم، وأقبل رجُلٌ آخرُ فِي كبكبةٍ كأنه بغل أقر، يفري النّاس، لا يدنُو مِنهُ أحدٌ إِلَّا صرعه فدنا مِنِّي فضربتُ يده فأبنتُها، وسقط على شاطئ النهر، فشرقت يداه و غربت رجلاه، فقتلته و وجدتُ مِنهُ رِيح المسكِ وأظُنُّهُ ابن زِيادٍ فاطلُبُوهُ، فجاء رجُلٌ فنزع خُفِّيهِ وتأملهُ، فَإِذَا هُو ابنُ زيادٍ (لعنه اللّه) على ما وصف ابن الأشتر، فاحتزّ رأسه واستوقدوا عامة الليل بجسده، فنظر إليهِ مِهران مولى زِيادٍ وكان يُحِبُّهُ حُبّاً شديداً، فحلف ألا ياكُل شحماً أبداً و أصبح النّاس فحووا ما فِي العسكر و هرب غُلامٌ لِعُبيدِ اللّه إِلى الشّامِ، فقال له عبد الملك بن مروان: متى عهدك بابنِ زيادٍ فقال: جال النّاس وتقدّم فقاتل، وقال: ائتني بجرة فيها ماء، فأتيتُه فاحتملها فشرب منها وصب الماء بين درعه و جسدِهِ وصبّ على ناصية فرسه فصهل ثُمّ أقحمه، فهذا آخِرُ عهدِي بِه.
قال: وبعث ابن الأشتر برأس ابنِ زِيادٍ إلى المختار و أعيانِ من كان معه، فقدم بِالرُّءُوسِ و المختار يتغدّى، فأُلقيت بين يديه، فقال: الحمد للّه ربّ العالمين، وُضِع رأس الحسينِ بنِ (عَلَيهِ السَّلَامُ) بين يدي ابنِ زِيادٍ لعنه اللّه و هُو يتغدى، و أُتِيتُ برأس ابن زيادٍ وأنا أتغدّى.
قال: رأينا حيّةً بيضاء تخلّلُ الرُّءُوس حتّى دخلت فِي أنف ابنِ زِيادٍ و خرجت من أُذُنِهِ، ودخلت فِي أُذُنِهِ و خرجت من أنفه، فلما فرغ المختارُ من الغداء قام فوطئ وجه ابنِ زِيادٍ بِنعِلِهِ ثُمّ رمى بها إلى مولَّى له وقال : اغسلها فإِنِّي وضعتها على وجه نجس كافِرٍ.
و خرج المختار إلى الكوفة، وبعث برأس ابنِ زيادٍ ورأسِ حُصين بن نميرو رأس شُرحبيل بن ذي
ص: 391
الكلاعِ مع عبدِ الرّحمن بنِ أَبِي عُمير التقني و عبد اللّه بن شداد الجشمِيّ والسَّائِبِ بنِ مالِكِ الأشعرِيّ إلى محمّد بنِ الحنفِيّة بمكّة وعليُّ بنُ الحُسين (عَلَيهِ السَّلَامُ) يومئِذٍ بمكّة، وكتب إليه معهم: "
أما بعد، فإنّي بعثتُ أنصارك وشيعتك إلى عدوّك يطلبونه بدم أخيك المظلُومِ الشَّهِيدِ، فخرجُوا مُحتسِبِين مُحنِّقِين آسِفِين فلقُوهُم دُون نصيبين فقتلهم ربّ العِبادِ، والحمدُ للّه ربّ العالمين الّذي طلب لكُمُ القار، وأدرك لكُم رُؤساء أعدائِكُم فقتلهم فِي كلّ فج و غرقهُم فِي كلّ بحرٍ، فشفى بِذلِكَ صُدُور قومٍ مُؤْمِنِين، و أذهب غيظ قُلُوبِهِم.
و قدِمُوا بِالكِتابِ والرُّءُوسِ عليهِ فبعث برأس ابنِ زِيادٍ إلى علي بن الحسين (عَلَيهِمَا السَّلَامُ) فأدخل عليهِ وهو يتغدّى، فقال علي بن الحسين (عَلَيهِمَا السَّلَامُ):
أُدخِلتُ على ابنِ زِيادٍ وهو يتغدى و رأس أبي بين يديه فقُلتُ: اللّهمّ لَا تُتِنِي حتّى تُرِينِي رأس ابنِ زيادٍ و أنا أتغدى، فالحمد للّه الّذي أجاب دعوتي. ثُمّ أمر فرُمِي بِهِ، فحُمِل إِلى ابنِ الزُّبير فوضعهُ ابنُ الزُّبير على قصبة، فحركتها الرّيحُ فسقط، فخرجت حيّةٌ من تحتِ السّتارِ فأخذت بِأَنفِهِ فأعادوا القصبة فحركتها الرّيحُ فسقط، فخرجت الحيّة فأزمت بأنفه، فعل ذلك ثلاث مراتٍ، فأمر ابنُ الزُّبير فأُلقي فِي بعض شعاب مكّة.
قال: وكان المختار (رحمه اللّه) قد سُئِل فِي أمانٍ عُمر بن سعد بن أبي وقاص، فآمنه على أن لا يخرج من الكوفة فإن خرج منها فدمُهُ هدر. قال: فأتى عُمر بن سعدٍ رجُلٌ فقال: إِنِّي سَمِعتُ المختار يحلف ليقتلنّ رجُلًا، واللّه ما أحسبُهُ غيرك. قال : فخرج عُمر حتّى أتى الحمام فقيل له: أ ترى هذا يخفى على المختارِ فرجع ليلًا فدخل داره، فلمّا كان الغد غدوتُ فدخلت على المختار و جاء الهيثم بن الأسود فقعد فجاء حفص بن عُمر بن سعدٍ، فقال لِلمُختارِ: يَقُولُ لك أبو حفص: أنزلنا بِالّذي كان بيننا وبينك.
قال: اجلس، فدعا المختار أبا عمرة فجاء رجُلٌ َقصِيرٌ يتخشخشُ فِي الحديد فساره و دعا برجلينِ فقال : اذهبا معه، فذهب فواللّه ما أحسبُهُ بلغ دار عُمر بن سعدٍ حتّى جاء برأسه، فقال المختارُ لحفص: أتعرِفُ هذا فقال: إنا للّه وإنا إليهِ راجِعُون، نعم. قال: يا أبا عمرةُ الحقهُ بِهِ فقتله. فقال المختارُ (رحمه اللّه): عمرُ بِالحسين وحفص بعلي بن الحسين، ولا سواء.
ص: 392
قال: واشتدّ أمر المختار بعد قتلِ ابنِ زِيادٍ وأخاف الوجوه وقال: لا يسوغ لي طعام ولا شراب حتّى أقتل قتلة الحسين بن عليّ (عَلَيهِ السَّلَامُ) وأهل بيته، و ما من دِينِي أترك أحداً منهم حياً. وقال:
أعلِمُونِي من شرِك فِي دمِ الحسين وأهل بيتِهِ، فلم يكُن يُؤْتُونَهُ بِرجُلٍ فَيَقُولُون هذا من قتلة الحسينِ أو ممن أعان عليهِ إِلَّا قتله، وبلغه أنّ شمر بن ذي الجوشن لعنه اللّه أصاب مع الحسينِ إِبلا فأخذها، فلما قدم الكوفة نحرها و قسم لحومها. فقال المختارُ: أحصُوا لِي كلّ دارٍ دخل فيها شيء من ذلك اللحم، فأحصوها فأرسل إلى من كان أخذ منها شيئاً فقتلهم وهدم دوراً بالكوفة.
و أتي المختار بعبدِ اللّه بنِ أُسيد الجهني و مالك بن الهيثم البدائي من كندة و حمل بن مالك المحاربي، فقال: يا أعداء اللّه، أين الحسين بن علي قالُوا: أكرهنا على الخروج إليه. قال: أفلا مننتُم عليهِ وسقيتُمُوهُ من الماء، وقال للبدائي: أنت صاحِبُ بُرنُسِهِ لعنك اللّه. قال: لا. قال: بلى. ثُمّ قال: اقطعوا يديه ورجليه ودعوه يضطرب حتّى يموت، فقطعوه، وأمر بالآخرين فضُرِبت أعناقهما، و أُتِي بِقُرادِ بنِ مالِكِ و عمرو بن خالد وعبد الرّحمن البجلي و عبد اللّه بنِ قيس الخولاني فقال لهم: يا قتلة الصّالِحِين، ألا ترون اللّه بريئاً مِنكُم، لقد جاءَكُمُ الورسُ بِيومٍ نحس، فأخرجهم إلى السُّوقِ فقتلهم.
و بعث المختارُ مُعاذ بن هاني الكندي و أبا عمرة كيسان إلى دار خولي بن يزيد الأصبحي وهو الّذي حمل رأس الحسين (عَلَيهِ السَّلَامُ) إلى ابن زياد فأتوا داره فاستخفى فِي المخرج، فدخلوا عليه فوجدوه قد أكبّ على نفسِهِ قوصرَةً، فأخذُوهُ و خرجُوا يُرِيدُون المختار، فتلقاهم فِي ركب، فردُّوهُ إلى داره و قتله عِندها و أحرقه.
وطلب المختار شمر بن ذي الجوشن فهرب إلى البادِيةِ، فشعِي بِهِ إلى أبي عمرة، فخرج إليه مع نفرٍ من أصحابِهِ فقاتلهم قتالًا شديداً فأثخنته الجراحة، فأخذه أبو عمرة أسيراً، وبعث به إلى المختارِ فضرب عُنُقه، وأغلى لهُ دُهناً فِي قدرٍ وقذفهُ فِيها فتفسخ، ووطئ مولّى لِآلِ حارثة بنِ مُضَرِّبٍ وجهه ورأسه، ولم يزل المختاريتتبّعُ قتلة الحسين (عَلَيهِ السَّلَامُ) وأهلِهِ حتّى قتل منهم خلقاً كثيراً، و هرب الباقون فهدم دورهم، وقتلت العبيد مواليهم الّذين قاتلوا الحسين (عَلَيهِ السَّلَامُ)، فأتوا المختار فأعتقهم. (1)
ص: 393
5 - عن يوسف بن يحيى، عن أبيه، عن جدّه قال: رأيتُ رجلاً بمكّة شديد السواد، له بدن و خلق غابرو هوينادي: أيها الناس! دلوني على أولادِ محمّد، فأشار بعضُهم وقال: مالك ؟
قال: أنا فلانُ بنُ فلانُ، قالوا: كذبت إن فلاناً كان صحيح البدنِ، صبيح الوجه، وأنت شديد السواد، غابر الخلق.
قال: وحقِ محمّد إِنِّي لَفلانٌ إسمعُوا حديثي، إعلمُوا إنّي كنتُ جمال الحسين (عَلَيهِ السَّلَامُ)، فلما أن صرنا إلى بعض المنازل، برز للحاجة و أنا معه فرأيتُ تِكّة لباسِهِ، وكان أهداها له ملك فارس حين تزوج بنت أخيه شاه زنان بنت يزدجرد، فمنعني هيبته أن أسأله إياها، فدرت حوله لعلّ أن أسرقها فلم أقدر عليها.
فلما صار القوم بكربلاء وجرى ما جرى، وصارت أبدانهم ملقاة تحت سنابك الخيل، وأقبلنا نحو الكوفة راجعين، فلما أن صِرتُ إلى بعض الطريق ذكرتُ التّكة فقلتُ فِي نفسي: قد خلاما عنده.
فصرتُ إلى موضع المعركة، فقربتُ مِنه فإذا هُو مُرملٌ بِالدّماء، قد جزرأسه من قفاه، وعليه جراحات كثيرة من السهام والرماح، فمددت يدي إلى التِّكة وهممتُ أن أحل عقدها، فرفع يده وضرب بها يدي، فكادت أوصالي وعُروقي تتقّطع.
ثُمّ أخذ التِّكة من يدي فوضعت رجلي على صدره و جهدتُ جهدي لأزيل إصبعاً من أصابعه فلم أقدر، فأخرجتُ سِكِيناً كان معي فقطعتُ أصابعه ثُمّ مددت يدي إلى التِّكة، وهممتُ بحلها ثانيةً، فرأيتُ خيلاً أقبلت من نحو الفُرات، و شممت رائحةً لم أشم رائحةً أطيب مِنها.
فلما رأيتُهم قلتُ: إنا للّه وإنا إليه راجعون إنّما أقبلوا هؤلاء لينظروا إلى كلّ إنسان به رمق، فصرتُ بين القتلى وغاب عني عقلي من شِدّةِ الجزع، فإذا رجلٌ يُقدِّمُهُم كأن وُجهُهُ الشَّمس، وهو يُنادي: أنا محمّد رسولُ اللّه، والثَّاني :يُنادي: أنا حمزةُ أسدُ اللّه والثالثُ يُنادي: أنا جعفر الطيار والرابع يُنادي: أنا الحسن بن علي، وكذلك عليّ.
و أقبلت فاطمة وهي تبكي، و تقُولُ: حبيبي وقرة عيني أبكي على رأسك المقطوع، أم على يديك المقطوعتين أم على بدنك المطروح، أم على أولادك الأسارى.
ثم قال النَّبيّ (صَلَّى اللّه عَلَيْهِ وَآلِهِ): أين رأس حبيبي وقرة عيني الحسين ؟
ص: 394
فرأيتُ الرأس فِي كفّ النَّبيّ (صَلَّى اللّه عَلَيْهِ وَآلِهِ) ووضعه على بدن الحسين، فاستوى جالساً فاعتنقه النَّبيّ (صَلَّى اللّه عَلَيْهِ وَآلِهِ) وبكى، ثُمّ قال : يا بَنِي أراك جائعاً عطشاناً، ما لهم أجاعُوك وأظمتُوك لا أطعمهم اللّه ولا أسقاهُم يوم الظمأ.
قد عرفتُ قاتلك، فمن قطع أصابعك ؟
ثم قال: حبيبي فقال الحسين: هذا الّذي بجنبي يا جداه، فقيل لي : أجِب رسول اللّه يا شي فأفقتُ بين يديه.
فقال : يا عدو اللّه ما حملك على قطعِ أصابع حبيبي وقرة عيني الحسين ؟
فقلتُ: يا رسول اللّه ! لستُ ممن أعان على قتله.
قال: الّذي قطع إصبعاً واحدةً أكبر.
ثم قال النَّبيّ (صَلَّى اللّه عَلَيْهِ وَآلِهِ): إخس يا عدوّ اللّه غيّر اللّه لونك، فقُمتُ فإذا أنا بهذه الحالة، فما بقي أحدٌ ممن حضر إلّا لعنه ودعا عليه. ألا لعنة اللّه على القوم الظّالمين. (1)
6 - عن هلال بن نافع قال: إِنِّي لواقف مع أصحابِ عُمر بنِ سعد لعنه اللّه إذ صرخ صارخ أبشر أيها الأمير فهذا شمر قد قتل الحسين (عَلَيهِ السَّلَامُ).
قال: فخرجتُ بين الصّفّين فوقفتُ عليه وإنّه ليجُودُ بنفسِهِ، فواللّه ما رأيتُ قط قتيلاً مُضمّخاً بدمه أحسن منه، ولا أنور من وجهِهِ و لقد شغلني نُورُوجِهِهِ وجمال هيئته عن الفكرة فِي قتله، فاستسقى فِي ذلك الحال ماءً، وسمعت رجلاً يقول له : لا واللّه لا تذوق الماء حتّى ترد الحامية، من حميمها، فسمعته يقول: يا ويلك أنا لا أردُ الحامية ولا أشرب من حميمها، بل أرد على جدّي رسولِ اللّه (صَلَّى اللّه عَلَيْهِ وَآلِهِ) فأسكنُ معه فِي دارهِ فِي مقعد صدق عند مليك مقتدر، و أشربُ من ماءٍ غير آسنٍ، وأشكو إليه ما ارتكبتُم مِنّي وفعلتُم بِي.
قال: فغضبوا بأجمعهم حتّى كأنّ اللّه لم يجعل فِي قلب أحدٍ مِنهُم من الرّحمةِ شيئاً، فاجتزوا رأسه، وإنه ليُكلّمُهُم، فتعجبتُ من قلّة رحمتهم له وقلتُ: واللّه لا أُجامِعكُم على أمر أبداً.
قال: ثُمّ أقبلُوا على سلب الحسين (عَلَيهِ السَّلَامُ) فأخذ قميصه إسحاق ابن حوية الحضرمي، فلبسه فصار أبرص و امتعط شعره، [ و رُوي أنّه وُجد فِي قميصه مائةٌ وبضع عشرة ما بين رمية، و
ص: 395
طعنة سهم و ضربةٍ، وقال الصَّادق (عَلَيهِ السَّلَامُ) وُجد بالحسين (عَلَيهِ السَّلَامُ) ثلاث وثلاثون طعنةً وأربعة و ثلاثون ضربةً] و أخذ سراويله بحر بن كعبِ السّيمي و رُوي أنّه صار زمناً مقعداً من رجليه، و أخذ عمامته أخنس بن مرثدِ بنِ علقمة الحضرمي، وقيل جابر بن يزيد الأودي (لعنهما اللّه) فاعتم بها فصار معتوها.
وأخذ نعليه الأسود بن خالد لعنه اللّه وأخذ خاتمه بجدل بن سليم الكلبي لعنه اللّه وقطع إصبعه (عَلَيهِ السَّلَامُ)، مع الخاتم، وهذا (الملعُون) أخذه المختارُ، وقطع يديه ورجليه، وتركه يتشحط فِي دمه، حتى هلك لا رحمه اللّه.
وأخذ قطيفةً له (عَلَيهِ السَّلَامُ) كانت من خزّقِيسُ بنُ أشعث لعنه اللّه، وأخذ درعه البتراء عمر بن سعد لعنه اللّه، فلما قُتِل عمر بن سعد لعنه اللّه وهبها المختار لأبي عمرة قاتله.
وأخذ سيفه جميع بن الخلق الأزدي لعنه اللّه ويُقالُ: رجلٌ من بَنِي تميم، يُقال له: الأسود بنُ حنظلة (لعنه اللّه) وفي رواية ابن سعد: إنّه أخذ سيفه القلافش النّهشلي، وزاد محمّد بن زكريا: إنّه وقع بعد ذلك إلى بنتِ حبيب بن بديل، وهذا الشيف المنهوب [ المشهور ليس هُو ذُو الفقار فإن ذلك مذخُورٌ و مصون مع أمثاله مع ذخائر النُّبوة والإمامة، وقد نقل الرواة تصديق ما قلناه وصورة ما حكيناه.
قال [الراوي]: وجاءت جاريةٌ من ناحية خِيم الحسين (عَلَيهِ السَّلَامُ) فقال لها رجل: يا أمة اللّه إنّ سيدكِ قد قُتِل.
قالت الجارية : فأسرعتُ إلى سيّدتي وأنا أصيحُ فقمن فِي وجهي وصحن.
قال: وتسابق القومُ على نهب بيوتِ آلِ الرّسول (صَلَّى اللّه عَلَيْهِ وَآلِهِ) وقرة عين (الزَّهراء) البتول (عَلَيهَا السَّلَامُ)
حتى جعلوا ينتزعون ملحفة المرأة عن ظهرها و خرجن بناتُ رسول اللّه وحريمه يتساعدن على البكاء ويندبن لفراق الحماة و الأحباء.(1)
7 - قال أبو مخنف حدّثني عمرُو بنُ شُعيب عن محمّد بنِ عبدِ الرّحمن أنْ يدي أبجر بن كعبٍ كانتا فِي الشّتاء تنضحانِ الماء و فِي الصيف تيبسانِ كأَنهما عُودان وفي رواية غيره كانت يداه تقطرانِ فِي الشّتاء دماً و كان هذا الملعُونُ سلب الحسين (عَلَيهِ السَّلَامُ) و يُروى أنّه أخذ عمامته جابِرُ بن زيد الأزدي و تعمّم بها فصار فِي الحالِ معتوهاً و أخذ ثوبه جعُوبَةُ بنُ حُويّة الحضرمِيُّ ولبِسهُ
ص: 396
فتغيّر وجهه و حُصّ شعرُهُ و برِص بدنُهُ وأخذ سراويله الفوقانيّ بحير بن عمرو الجرمي و تسرول بِهِ فصار مقعداً. (1)
8 - عن القاسِمُ بنُ الأصبغ قُلتُ لِرَجُلٍ من بَنِي دارِمِ ما غيّر صُورتك قال قتلتُ رجُلًا من أصحاب الحسين و ما نمتُ ليلةٌ مُنذُ قتلتُهُ إِلّا أتاني فِي منامي آتٍ فينطلِقُ بِي إِلى جهنَّم فيقذِفُ بِي فِيها حتى أصبحُ قال فسمِعتُ بِذلِك جارةٌ لهُ فقالت ما يدعُنا ننام الليل من صياحِهِ. (2)
9 - سُئِل عبدُ اللّه بنِ رباح القاضي الأعمى عن عمائه، فقال: كنتُ حضرت كربلاء، وما قاتلتُ فنمت فرأيتُ شخصاً هائلًا قال لي أجب رسول اللّه فَقُلتُ لا أُطِيقُ فجرنِي إِلى رَسُولِ اللّه فوجدتُهُ حزيناً و فِي يَدِهِ حربةٌ وبسط قدامه نطع و ملكٌ قِبلهُ قائِمٌ فِي يَدِهِ سيفٌ من النَّارِ يضرِبُ أعناق القومِ وتقعُ النَّارُفِيهِم فتُحرِقُهُم ثُمّ يُحيون ويقتُلُهُمُ أيضاً هكذا فقُلتُ السّلامُ عليك يا رسول اللّه واللّه ما ضربتُ بِسيفٍ ولا طعنتُ بِرُّمح ولا رميت سهماً فقال النَّبيّ (صَلَّى اللّه عَلَيْهِ وَآلِهِ) ألست كثرت السواد فسلّمني و أخذ من طستٍ فِيهِ دمٌ فكحْلنِي من ذلك الدّمِ فاحترقت عيناي فلَمّا انتبهتُ كُنتُ أعمى. (3)
10 - أبو عبدِ اللّه الدّامغانِيُّ فِي شُوفِ العروس عن جماعة أنهم تذاكروا ليلة أمر الحسين وأنه من قتله رماهُ اللّه بِبلية فِي جسدِهِ فقال رجُلٌ فأنا من قتله وما أصابني سُوءٌ ثُمّ إِنَّهُ قام لِيُصلح الفتيلة بإصبعِهِ فأخذتِ النّارُكفّهُ فخرج صارخاً حتّى ألقى نفسهُ فِي الفُراتِ فواللّه رأيناهُ يُدخِلُ رأسه الماء و النّار على وجه الماءِ فإذا خرج رأسُهُ سرتِ النّارُ إِليه وكان ذلِك دأبه حتّى هلك. (4)
11- عن أبي رجاء العطاردي قال: كان لي جارٌ من بَنِي الجهم، فلما قتل الحسين (صلوات اللّه عليه)، قال: أترون الفاسق بن الفاسق، فرماه اللّه عزو جل بكوكبين من نارٍ فطمسا بصره. (5)
12 - قال الفضل بن الزُّبير: كنتُ قاعِداً عِند السدي، فجاء رجُلٌ، فجلس إليه، فإذا مِنهُ ريحُ القطران.
ص: 397
قال: فقال له السدي: أتبيع قطراناً ؟
قال: لا.
قال له: ما هذه الرائحةُ ؟
قال: شهدتُ عسكر عُمر بن سعد، فكنتُ أبيعُ منهم أوتاد الحديد، فلما قُتِل الحسين (عَلَيهِ السَّلَامُ) يوم عاشوراء، أتيتُ فِي العسكر فرأيتُ رسول اللّه (صَلَّى اللّه عَلَيْهِ وَآلِهِ) فِي النّوم، والحسين (عَلَيهِ السَّلَامُ) و علي معهما، وهو يسقي الماء من قُتِل من أصحاب الحسين (عَلَيهِ السَّلَامُ)، فاستسقيتُه فأبى أن يسقيني. قال: فقال لي: ألست ممن أعان علينا؟
فقلتُ: بلى كنتُ أبيعُهم أوتاد الحديد، فقال لعليّ (عَلَيهِ السَّلَامُ): إسقه قطراناً.
قال: فناولني قدحاً فشربتُ منه، فكنتُ ثلاثة أيامٍ أبولُ القطران، ثُمّ ذهب عنِّي وبقيت هذه الرائحة علي.
قال: فقال السّدّي: كلّ من خبز البروكل من كلّ النّبات واشرب من ماء الفرات، فما أراك تعاين الجنّة ولا محمّداً أبداً. (1)
13 - رُوي أنّ رجلاً من كندة أخذ البيضة الّتي على رأس الحسين (عَلَيهِ السَّلَامُ)، فانطلق إلى منزله، وقال لزوجته : خُذي هذه البيضة الّتي كانت على رأس الحسين، فاغسليها من الدم، وتكونُ عِندكِ وديعة. قال: فبكت وقالت يا ويلك قتلت الحسين (عَلَيهِ السَّلَامُ)، وسلبته البيضة واللّه لا اجتمعتُ أنا وأنت أبداً فوثب إليها فانزاحت عن اللطمة فأصابت يده الباب فدخل فيها مسمار، فعملت عليه فقطعها من مرفقه، ولم يزل فقيراً حتّى مات وعجّل اللّه بروحه إلى النار وبئس القرار. (2)
14 - عن السيد السدّي قال: ضافاني رجلٌ فِي ليلةٍ، كنتُ أُحبُّ الجليس، فرحبتُ بهِ و قربتُه (و أدنيته) وكرّمتُه وجلسنا نتسامر، وإذا به ينطلق بالكلام كالسيل إذا قصد الحضيض، فطرقتُ له فانتهى فِي سمره طفّ كربلاء، وكان قريب العهدِ بقتل الحسين (عَلَيهِ السَّلَامُ)، فتأوهتُ الصُّعداء، و
ص: 398
تزفرت كمدا، فقال: ما بالك ؟
قلتُ: ذكرتُ مُصاباً يهون عنده، كلّ مُصابٍ.
قال: أما كنت حاضراً يوم الطف؟.
قلتُ: لا والحمد للّه.
قال: أراك تحمد على أي شيء؟
قلتُ: على الخلاص من دم الحسين (عَلَيهِ السَّلَامُ)، لأن جدّه (صَلَّى اللّه عَلَيْهِ وَآلِهِ) قال: إنّ من طُولب بدم ولدي الحسين (عَلَيهِ السَّلَامُ) يوم القيامة تخفيفُ الميزان.
قال: هكذا قال جدّه ؟
قلتُ: نعم، وقال (صَلَّى اللّه عَلَيْهِ وَآلِهِ) ولدي الحسين (عَلَيهِ السَّلَامُ) يُقتل ظُلماً و عُدواناً، ألا و من قتله يدخُلُ فِي تابوتِ من نار ويُعذِّبُ بِعذابِ نصف أهلِ النّار، وقد غلّت يداه ورجلاه، وله رائحة يتعوذُ أهلُ النَّارِ مِنها، هُو و من شايع و بايع أو رضى بذلك، كلما نضجت جلودهم، بدلوا بجلود غيرها لِيذُوقُوا (العذاب الأليم) لا يفترُ عنهم ساعةً، ويُسقون من حميم جهنَّم، فالويل لهم من عذابِ جهنَّم.
قال: لا تصدّق هذا الكلام يا أخي.
قلتُ: كيف هذا وقد قال (صَلَّى اللّه عَلَيْهِ وَآلِهِ) : لا كذبتُ ولا كُذّبتُ؟
قال: ترى قالوا قال رسولُ اللّه (صَلَّى اللّه عَلَيْهِ وَآلِهِ) قاتل ولدي الحسين (عَلَيهِ السَّلَامُ) لا يطول عمره وها أنا و حقِّك قد تجاوزت التسعين مع أنّك ما تعرفُني؟
قلتُ: لا واللّه.
قال: أنا الأخنس بن زيد.
قلتُ: و ما صنعت يوم الطف؟
قال: أنا الّذي أمرتُ على الخيل الّذين أمرهم ابن سعد لعنه اللّه بوطء جسم الحسين (عَلَيهِ السَّلَامُ) بسنابك الخيل، و هشمتُ أضلاعه و جررتُ نطعا من تحتِ علي بن الحسين، وهو عليلٌ، حتّى كببته على وجهِهِ، و خرمتُ أُذُني صفية بنت الحسين (عَلَيهِ السَّلَامُ) ليقرطين كانا فِي أُذنيها.
قال السّدي: فبكى قلبي جوعاً و عيناي دموعاً، وخرجتُ أعالج على إهلاكه، وإذا بالسراج قد
ص: 399
ضعفت فقُمتُ أظهرها فقال: إجلس وهو يحكي لي متعجباً من نفسه وسلامته ومد إصبعه ليظهرها فاشتعلت به ففركها بِالتُّراب، فلم تنطف فصاح بي أدركني يا أخي، فكببت الشّربة عليها، وأنا غير محبّ لذلك، فلما سمت النّارُ رائحة الماء،
ازدادت قوّةً، فصاح بي: ما هذه النّارو ما يطفهها ؟
فقلتُ: ألق نفسك فِي النّهر، فرمى بنفسه فكلما ركس جسمه بالماء اشتعلت فِي جميع بدنه كالخشبة البالية فِي الريح البارح وأنا أنظُرُه فواللّه الّذي لا إله إلّا هُولم تطفأ حتّى صار فحماً، و صار على وجهِ الماءِ ألا لعنةُ اللّه على الظالمين (وَسَيَعْلَمُ الَّذِينَ ظَلَمُوا أَيَّ مُنْقَلَبٍ يَنْقَلِبُونَ)(1). (2)
15 - عن رجلٍ كُوفي حدّادٍ قال: لما خرج العسكر من الكوفة لحرب الحسين بن علي جمعتُ حدِيداً عِندِي و أخذتُ الّتي وسِرتُ معهم فلما وصلوا وطنبُوا خِيمهُم بنيتُ خيمةٌ وصِرتُ أعملُ أوتاداً للخيم وسككاً و مرابط للخيل و أسِنَةً لِلرِّماح و ما اعوج من سنانٍ أو خنجر أو سيف كُنتُ بِكُلّ ذلك بصيراً فصار رِزقي كثيراً و شاع ذكري بينهم حتّى أتى الحسين مع عسكره فارتحلنا إلى كربلاء وخيمنا على شاطئ العلقميّ وقام القتال فيما بينهم وحموا الماء عليه و قتلُوهُ وأنصاره و بنيه وكان مُدَّةُ إقامتِنا وارتحالنا تسعة عشر يوماً فرجعتُ غنيّاً إلى منزلي و السبايا معنا فعرضتُ على عُبيدِ اللّه فأمر أن يشهرُوهُم إِلى يزيد إلى الشّامِ فلبثتُ فِي منزلي أياماً قلائل وإذا أنا ذات ليلة راقد على فِراشِي فرأيتُ طيفاً كأنّ القيامة قامت والنّاسُ يموجُون على الأرض كالجراد إذا فقدت دليلها وكُلُّهم دالِعٌ لِسانه على صدرهِ من شِدّةِ الظماء و أنا أعتقدُ بأن ما فيهم أعظم مِنّي عطشاً لأنهُ كلّ سمعي وبصرِي من شِدّته هذا غير حرارة الشَّمس يغلي مِنها دِماغِي والأرضُ تغلي كأنها القِيرُ إذا أُشعِل تحته نارٌ فخِلتُ أن رجلي قد تقلعت قدماها فو اللّه العظيم لو أنّي خُيّرتُ بين عطشي. وتقطيع لحمي حتّى يسيل دمي لأشربه لرأيتُ شُربهُ خيراً من عطشي فبينا أنا فِي العذاب الأليم و البلاء العميم إذا أنا بِرجُلٍ قد عمّ الموقف نُورُه و ابتهج الكونُ
ص: 400
بِسُرُورِهِ راكِبٌ على فرس و هُو ذُو شيبةٍ قد حقت بِهِ أُلُوفٌ من كلّ ني و وصي و صِدِّيق و شهيد وصالِحٍ فركانهُ رِيحٌ أو سيرانُ فلك فمرت ساعةً وإذا أنا بفارس على جواد أغزله وجة كتمامِ القمر تحت ركابِهِ ألُوفٌ إن أمر ائتمرُوا و إن زجر انزجرُوا فاقشعرتِ الأجسام من لفتاتِهِ و ارتعدت الفرائِصُ من خطراتِهِ فتأسّفتُ على الأولِ ما سألتُ عنهُ خِيفَةً من هذا وإذا به قد قام فِي ركابه وأشار إلى أصحابِهِ و سمِعتُ قولهُ خُذُوهُ وإذا بِأحدِهِم قاهِرُ بِعضُدِي كلبة حدِيدٍ خارجةً من النَّارِ فمضى بِي إِليهِ فَخِلتُ كتفي اليُمنى قدِ انقلعت فسألتُهُ الخِفَّة فزادنِي ثِقلًا فقُلتُ لهُ سألتُك بمن أمرك عليّ من تكون قال ملكٌ من ملائِكَةِ الجبّارِ قُلتُ ومن هذا قال علي الكرار قُلتُ والّذي قبله قال محمّد المختارُ قُلتُ والّذي حوله قال النّبِيُّون والصِّدِّيقُون والشُّهداء و الصّالِحون و المؤمِنُون قُلتُ أنا ما فعلتُ حتّى أمرك علي قال إليه يرجِعُ الأَمرُو حالك حال هؤلاءِ فحققت النظر و إذا بِعُمر بن سعدٍ أمير العسكر و قومٍ لم أعرفهم و إِذا بِعُنُقِهِ سِلسِلةٌ من حَدِيدٍ و النَّارُ خارِجةٌ من عينيهِ و أُذُنيه فأيقنتُ بِالهلاكِ وباقي القومِ مِنهُم مُغلّلٌ ومِنهُم مُقيّدٌ ومِنهُم مقهورٌ بِعضُدِهِ مِثلي فبينا نحنُ نسِيرُ و إذا بِرَسُولِ اللّه (صَلَّى اللّه عَلَيْهِ وَآلِهِ) الّذي وصفه الملك جالس على كُرسي عالٍ يزهو أَظُنُّهُ من اللُّؤْلُؤِ و رجُلينِ ذِي شيبتينِ بِهِيَّتين عن يَمِينِهِ فسألت الملك عنهما فقال نُوحٌ وإِبْراهِيمُ و إِذا بِرسُولِ اللّه (صَلَّى اللّه عَلَيْهِ وَآلِهِ) يقُولُ ما صنعت يا علي قال ما تركتُ أحداً من قاتلي الحسينِ إِلّا وأتيتُ بِهِ فحمدتُ اللّه تعالى على أنّي لم أكُن مِنهُم ورُدّ إِليَّ عقلي وإِذا بِرَسُولِ اللّه (صَلَّى اللّه عَلَيْهِ وَآلِهِ) يقُولُ قدّمُوهُم فقدّمُوهُم إليه وجعل يسألهم ويبكي ويبكي كلّ من فِي الموقِفِ لِبُكائِهِ لِأَنَّهُ يَقُولُ لِلرّجُلِ ما صنعت بِطفٌ كربلاء بِولدِي الحسينِ فيُجِيبُ يا رسُول اللّه أنا حميتُ الماء عنه وهذا يقُولُ أنا قتلتُهُ وهذا يقُولُ أنا وطئتُ صدره بِفرسي و مِنهُم من يَقُولُ أنا ضربت ولده العليل فصاح رسُولُ اللّه (صَلَّى اللّه عَلَيْهِ وَآلِهِ) وا ولداه واقلة ناصراه واحسيناه وا علياه هكذا جرى عليكم بعدي أهل بيتي انظريا أبي آدم انظريا أخِي نُوح كيف خلفُونِي فِي ذُرِّيَّتِي فبكوا حتّى ارتج المحشر فأمر بهم زبانية جهنَّم يجُرُّونهم أولا فأولا إلى النَّارِ وإذا بهم قد أتوا بِرجُلٍ فسأله فقال ما صنعتُ شيئاً فقال أما كُنت نجاراً قال صدقت يا سيدي لكني ما عملتُ شيئاً إلّا عمود الخيمة الحصين بن نمير لأنّه انكسر من ريح عاصف فوصلته فبکی و قال کثرت السواد على ولدِي خُذُوهُ إِلى النّارِ
ص: 401
وصاحوا لا حُكم إلّا للّه ولِرَسُولِهِ و وصِيِّهِ قال الحداد فأيقنتُ بالهلاكِ فأمربي فقدمُونِي فاستخبرني فأخبرتُهُ فأمر بي إِلى النَّارِ فما سحبُونِي إِلَّا وانتبهت و حكيتُ لِكُلِّ من لقِيتُه وقد يبس لِسانُه و مات نِصفُهُ وتبرأ مِنْهُ كلّ من يُحِبُّهُ ومات فقيراً لا رحمه اللّه (وَسَيَعْلَمُ الَّذِينَ ظَلَمُوا أَيَّ مُنْقَلَبٍ يَنْقَلِبُونَ)(1). (2)
16 - روى هلال بن معاوية، قال: رأيتُ رجلاً يحمل رأس الحسين (عَلَيهِ السَّلَامُ)، فِي مخلاة فرسه، فسمعت أذناي، ووعى قلبي، والرّأسُ يقولُ : فرقت بين رأسي وجسدي فرق اللّه بين لحمك وعظمك و جعلك آيةً ونكالاً للعالمين، فرفع سوطاً كان معه ولم يزل يضرب به الرأس حتّى سكن.
قال: فرأيتُ ذلك الرجل وقد أُتي به إلى المختار بن أبي عبيد، فشرح لحمه، وألقاه للكلاب وهو حي، وكلما قطعت منه قطعةً صاح و غلب على عقله، فيتوسّل حتّى يتوب إليه عقله، ثُمّ يفعل به مثل ذلك حتّى جعله عظاماً مجردةً، ثُمّ أمر به فقُطِعت مفاصله، فأتيتُ المختار فأخبرته يفعله وبما سمعتُ من كلامِ الرّأسِ. (3)
ص: 402
ص: 403
ص: 404
أقول : نفهم من الآيات والروايات أن للعالم غير الثقلين نوعا من الإختيار كما يظهر من بعض الآيات منها:
(ثُمَّ استَوَى إِلَى السَّمَاءِ وَهِيَ دُخَانٌ فَقَالَ لَها ولِلأَرضِ ابْتِيَا طُوعًا أَو كَرْهًا قَالَتَا أَتَيْنَا طائِعِينَ) (1).
وقوله تعالى: ﴿إِنَّا عَرَضْنَا الأَمانَةَ عَلَى السّماوات وَالأَرضِ وَالجِبالِ فَأَبَينَ أَن يَحْمِلْنَهَا وَأَشْفَقْنَ مِنها وَحَمَلَهَا الإِنسانُ إِنَّهُ كَانَ ظَلُومًا جَهُولًا) (2).
والروايات كثيرة فِي الموضوع منها مدح كلب أصحاب الكهف و حمار بلعم بن باعوراء و ناقة زين العابدين ودخولهم الجنّة و لا أقول تلك الجنّة الّتي وعد المتقون و منها مدح الحمام الراعبي و ذم الوزغ و منها مدح بعض الأحجار والأنهار و ذمهم بقبولهم الولاية أو رفضها و أنت تعلم أن إستحقاق المدح والذم والثواب والعقاب يبتني على وجود الإختيار ولكن الإختيار أمر مشكك به بحيث أن الدرجة الأولى فِي الإرادة و الإختيار للإنسان و الثانية للجن و الثالثة للحيوان والرابعة للنباتات والخامسة للمياه وللجمادات وهذا بحث مهم لا مجال لذكره هنا مع أنّه لا بأس للمدقق أن يدقق فيه واللّه هُو المستعان.
ص: 405
1 - عن محمّد بنِ مسلم قال: سرتُ مع أبي جعفر (عَلَيهِ السَّلَامُ) من مكّة إلى المدينة وهو على بغلٍ له و أنا على حِمارٍ له، إذ أقبل ذئب يهوي من رأس الجبل حتّى دنا من أبي جعفر (عَلَيهِ السَّلَامُ)، فجلس البغل و دنا الذِّئبُ حتّى وضع يده على قربوس السرج وتطاول يُخاطبه، وأصغى إليه أبو جعفر (عَلَيهِ السَّلَامُ) بِإِذنِهِ مَليّا، ثُمّ قال: إذهب فقد فعلتُ ما سألت، فرجع وهو يهرول، فقلتُ له: يا سيدي ما شأن هذا الذِّئب سارك ؟ فقال: إنّه قال لي: يا بن رسولِ اللّه إِنّ زوجتي فِي ذلك الجبل وقد تعشرت عليها الولادة، فادع اللّه أن يُخلّصها ولا يُسلّط شيء من نسلي على أموال شيعتك، ففعلت ذلك.
فسرنا قليلاً فِي قاع مُجدب يتوقد حرّاً، فاذا نحنُ بعصافير قد طارت من ذلك القاع نحوه (عَلَيهِ السَّلَامُ)، ولم تزل ترفرف بأجنحتها وتصيح حول بغلته فسمعته قد زجرها و قال لها : لا ولا كرامة، فسرنا إلى الموضع الّذي أراده و عُدنا فِي ذلك القاع، فإذا تلك العصافير قد طارت و دارت حوله، فسمعته وهو يقُول: إشربي وإروي، فنظرتُ وإذا قد ظهر لي فِي ذلك القاع ضحضاح ماء على وجه الأرض، فتهافتت فيه فشربت.
فقلت: يا مولاي لقد رأيتُ منك عجباً، فقال: و ما رأيت ؟ فقلتُ:
رأيتُ العصافير فِي المرة الأولى قد طارت و دارت حولك، فقلت لها: لا ولا كرامة، وفي هذه النوبة قلت لها: إشربي وإروي، فقال: إعلم إن فِي هذه النّوبة خالطها شيء من القنابر، ولولا القنابر لما سقيتُها أبداً، فقلتُ : يا مولاي و ما الفرق بين العصافير و القنابر؟ فقال: ويحك العصافير تتوالى عُمر لأنها منه، والقنابر تتوالى أهل البيت، وتقول فِي صفيرها: بوركتُم أهل البيت وبوركت شيعتكم فِي الدُّنيا والآخرة، و لعن اللّه أعداءكم من العالمين، فقلتُ: يا مولاي أستغفر اللّه من أكلي القنابر، فقال لي: ويحك لا تأكلها ولا الوراشين و لا الهدهد ولا الجارح من الطيور، ولا الرحمة فإنها مسوخ، فقلتُ: أنا أستغفر اللّه. (1)
ص: 406
2 - عن محمّد بنِ مُسلم قال خرجتُ مع أبي جعفر (عَلَيهِ السَّلَامُ) فإذا نحنُ بِقاعِ مُجدِبٍ يتوقد حراً و هناك عصافير فتطايرن حول بغلته فزجرها فقال لا ولا كرامة قال ثُمّ سار إلى مقصدِهِ فَلَمّا رجعنا من الغدِ وعُدنا إلى القاعِ فإذا العصافير قد طارت و دارت حول بغلته و رفرفت فسمعته يقُولُ إشربي واروي قال فنظرتُ وإذا فِي القاع ضحضاح من الماء فقُلتُ يا سيدي بِالأمس منعتها واليوم سقيتها فقال اعلم أن اليوم خالطها القنابِرُ فسقيتُها ولولا القنابِرُ لما سقيتُها فقُلتُ يا سيدي و ما الفرق بين القنابر و العصافير فقال ويحك أما العصافير فإنهم موالي عُمر لأنهُم مِنهُ وأمّا القنابِرُ فإِنَّهُم من موالينا أهل البيت وإنهم يقُولُون فِي صفِيرِهِم بُورِكتُم أهل البيتِ و بوركت شيعتُكُم و لعن اللّه أعداءكُم ثُمّ قال عادانا من كلّ شيءٌ حتّى من الطُّيُورِ الفَاخِته ومِن الأيام الأربعاء. (1)
3 - عن قنبر مولى أمِير المؤمنين (عَلَيهِ السَّلَامُ) :قال كُنتُ عِند أمِير المؤمنين (عَلَيهِ السَّلَامُ) إذ دخل رجُلٌ فقال يا أمِير المؤمنين أنا أشتهي بطيخاً قال فأمرني أمِير المؤمنين بشراء فوجهت بِدرهم فجاء ونا بثلاثِ بِطِيخاتٍ فقطعتُ واحِداً فإذا هُو مُرّ فقُلتُ مُرّيا أمِير المؤمنين فقال ارمِ بِهِ من النَّارِ و إلى النّارِ قال وقطعتُ الثّاني فإذا هُو حامِضٌ فقُلتُ حامِضٌ يا أمِير المؤمنين فقال ارمِ بِهِ من النَّارِ إلى النّارِ قال فقطعتُ الثالثة فإذا مدودةٌ فقُلتُ مدودة يا أمِير المؤمنين قال إرمِ بِهِ من النَّارِ إلى النّارِ قال ثُمّ وجّهتُ بِدِرهم آخر فجاءونا بِثلاثِ بِيخات فوثبتُ على قدمي فقُلتُ أعفني يا أمِير المؤمنين عن قطعِهِ كأنه تألّم بقطعِهِ فقال له أمِير المؤمنين اجلس يا قنبرُ فإِنها مأمورةٌ فجلستُ فقطعتُ فإذا هُو حُلو فقُلتُ حُلوّيا أمِير المؤمنين فقال كلّ وأطعمنا فأكلتُ ضلعاً وأطعمتُهُ ضلعاً وأطعمتُ الجليس ضلعاً فالتفت إلي أمِير المؤمنين (عَلَيهِ السَّلَامُ) فقال يا قنبر إنّ اللّه تبارك و تعالى عَرَضَ ولايتنا على أهلِ السّماوات وأهلِ الأَرضِ من الجِنِّ والإنس والقمر و غير ذلك فما قبل منه ولايتنا طاب وطهرو عذب وما لم يقبل مِنهُ خَبُثَ و رَدِيَ ونَتُن. (2)
ص: 407
4 - عن محمّد بن الحنفية عن أمِير المؤمنين (عَلَيهِ السَّلَامُ) فِي قوله تعالى إنا عرضنا الأمانة عرض اللّه أمانتي على السّماوات السّبع بِالثّوابِ والعِقابِ فقُلن ربّنا لا تَحْمِلَنَّهَا بِالثّوابِ والعِقَابِ لَكِنّها نحمِلُها بلا ثواب ولا عِقاب و إنّ اللّه عرض أمانتي و ولايتي على الطُّيُورِ فَأَوّلُ من آمن بها البُزاةُ البيضُ والقنابِرُو أوّل من جحدها البُومُ والعنقاء فلعنهما اللّه تعالى من بينِ الطُّيُورِ فأَما البُومُ فلا تقدِرُ أن تظهر بالنَّهارِ لِبُغض الطيرلها و أمّا العنقاء فغابت فِي البِحارِ لا تُرى و إنّ اللّه عرض أمانتي على الأرضين فكُلُّ بُقعةٍ آمنت بولايتي جعلها طيبةً زكيّةً وجعل نباتها وثمرتها حلواً عذباً وجعل ماءها زُلالا و كلّ بُقعةٍ جحدت إمامتي وأنكرت ولايتي جعلها سيخاً وجعل نباتها مُرّاً علقماً و جعل ثمرها العوسج والحنظل وجعل ماءها ملحاً أُجاجاً ثُمّ قال وحملها الإنسانُ يعني أُمتك يا محمّد ولاية أمِير المؤمنين وإمامته بما فيها من الثّوابِ والعِقَابِ إِنَّهُ كَان ظَلُوماً لِنفسِهِ جهُولًا لِأَمرِ ربِّهِ من لم يُؤدِّهَا بِحَقِّها فهو ظَلُومٌ عَشُومٌ. (1)
1 - روى أبو بصير قال: كنتُ عند الإمام محمّد الباقر (عَلَيهِ السَّلَامُ) ذات يوم وقد سام أبرص على الحائط ينعق، فقال صلى اللّه عليه: هل فيكُم أحد يدري ما يقُولُ هذا المسخُ ؟ قلنا: يا مولاي، لا ندري، فقال الإمام (عَلَيهِ السَّلَامُ) : واللّه إنّي أدري وهو يقُول: واللّه إن شتمتُم مُعاوية لأشتمن عليّاً.
قلنا: يا ابن رسول اللّه لو أمرت بقتله فقال لِغُلامِه: اقتل يا غُلامُ هذا الوزغ فإنه مسخّ وهو عدوُّ مولانا أمِير المؤمنين.
قلتُ : جُعلتُ فِداك يا ابن رسولِ اللّه، أهذا الوزغ ؟! لِمَ يُبغِضُ أمِير المؤمنين ؟
:قال تدري يا أبا بصير ما كان هذا الوزغ قبل أن يُمسخ فِي هذه الصورة؟
قلت: اللّه ورسوله وابن رسوله أعلم.
قال: كان رجلاً من بَنِي أمية لعنه اللّه وكان جباراً عصيّاً ذا سلطانٍ شديد و حشمٍ و عبيدٍ،
ص: 408
فسخه اللّه عزّ و جلّ كما ترى. ثُمّ قال: أيما رجل قتل وزغاً وعاد مريضاً ومشى على أثر جنازة مؤمن فِي يومٍ واحدٍ أوجب اللّه عزو جل له الجنّة بلا خلاف. (1)
2 - عن فُضيل الأعور عن بعض أصحابنا قال: كان رجُلٌ عِند أبي جعفرٍ (عَلَيهِ السَّلَامُ) من هذه العصابة يُحادِثُهُ فِي شيءٍ من ذِكرِ عُثمان فإذا وزع قد قرقر من فوق الحائط فقال أبو جعفر (عَلَيهِ السَّلَامُ) أتدري ما يَقُولُ قُلتُ لا قال يقُولُ لتكُفّنّ عن ذِكرِ عُثمان أو لأسبنَ عَلِيّاً. (2)
3 - عبد اللّه بن طلحة قال: سألتُ أبا عبد اللّه (عَلَيهِ السَّلَامُ) عن الوزغ قال هُو الرجسُ مسخ فإذا قتلته فاغتسل يعني شكراً و قال إن أبي كان قاعداً فِي الحجرو معه رجُلٌ يُحدِّثُهُ فإذا هُو الوزغ يُولول بلسانه فقال أبي (عَلَيهِ السَّلَامُ) لِلرَّجُلِ أتدري ما يقُولُ هذا الوزغ قال الرّجُلُ لا أعلم ما يقول قال فإنَّهُ يقُولُ لئِن ذكرت عُثمان لأسبن عليّاً وقال إِنَّهُ ليس يموتُ من بَنِي أُميّة مِيِّتٌ إِلَّا مُسِخ وزغاً و قال (عَلَيهِ السَّلَامُ) إنّ عبد الملك لما نزل بِهِ الموتُ مُسِخ وزغاً فكان عنده ولده ولم يدرُوا كيف يصنعون وذهب ثُمّ فقدوه فأجمعوا على أن أخذُوا جذعاً فصنعوه كهيئة رجُل ففعلوا ذلك و ألبسوا الجذع ثُمّ كفّنُوهُ فِي الأكفان لم يطلع عليهِ أحدٌ من النّاس إِلَّا وُلدُهُ وأنا. (3)
1- عن ابنِ نُباتة قال: إنّ أمِير المؤمنين (عَلَيهِ السَّلَامُ) جاءه نفر من المنافقين فقالُوا لَهُ أنتَ الّذي تَقُولُ إِنَّ هذا الجري مسخ حرام فقال نعم فقالُوا أرنا بُرهانه فجاء بهم إلى الفُراتِ ونادى هناس هناس فأجابهُ الجِرِّيُّ لبّيك فقال لهُ أمِير المؤمنين (عَلَيهِ السَّلَامُ) من أنت فقال من عُرضت عليه ولايتك فأبى و مُسِخ و إِنَّ فِيمن معك لمن يُسخُ كما مُسِخنا ويصير كما صرنا فقال أمِير المؤمنين (عَلَيهِ السَّلَامُ) بيّن
ص: 409
قصّتك ليسمع من حضر فيعلم فقال نعم كُنّا أربعاً و عِشرِين قبيلةٌ من بَنِي إسرائيل وكُنا قد تمردنا و عصينا وعُرضت ولايتك علينا فأبينا و فارقنا البلاد واستعملنا الفساد فجاءنا آتٍ أنت واللّه أعلمُ بِهِ مِنّا فصرخ فينا صرخةً فجمعنا جمعاً واحِداً و كُنا متفرّقين فِي البراري فجمعنا لصرختِهِ ثُمّ صاح صيحةً أُخرى وقال كُونُوا مُسُوخاً بِقُدرةِ اللّه فَسِخنا أجناساً مُختلِفةً ثُمّ قال أيُّها القِفارُ كُونُوا أنهاراً تُسكنك هذِهِ المسوخ واتَّصِلِي بِبِحارِ الأرضِ حتّى لا يبق ماءً إِلَّا وَفِيهِ من هذه المسوخ فصرنا مشوخاً كما ترى. (1)
ص: 410
ص: 411
ص: 412
1- عن أبي محمّد العسكري (عَلَيهِ السَّلَامُ) قال : قال رجُلٌ من خواص الشّيعة لموسى بن جعفر (عَلَيهِمَا السَّلَامُ) و هُو يرتعِدُ بعد ما خلابِهِ يا ابن رسُولِ اللّه (صَلَّى اللّه عَلَيْهِ وَآلِهِ) ما أخوفني أن يكون فُلانُ بنُ فُلانٍ يُنافِقُك فِي إظهاره و اعتقادِ وصيّتك وإمامتك فقال موسى (عَلَيهِ السَّلَامُ) وكيف ذاك قال لأنّي حضرتُ معه اليوم فِي مجلسِ فُلانٍ رجُلٍ من كِبارِ أهلِ بغداد فقال له صاحِبُ المجلس أنت تزعُمُ أنّ مُوسى بن جعفر إمام دون هذا الخليفة القاعِدِ على سريره قال له صاحِبُك هذا ما أقُولُ هذا بل أزعُمُ أنّ موسى بن جعفر غيرُ إِمَامٍ وإِن لم أكن أعتقدُ أنهُ غيرُ إِمَامٍ فعليّ وعلى من لم يعتقد ذلك لعنة اللّه والملائِكَةِ والنَّاسِ أجمعين قال له صاحِبُ المجلس جزاك اللّه خيراً و لعن من وشى بك فقال له موسى بن جعفر ليس كما ظننت و لكن صاحِبك أفقهُ مِنكَ إِنّما قَالَ مُوسى غيرُ إِمَامٍ أَي إِنَّ الّذي هُو غيرُ إِمَامٍ فوسى غيرُه فهُو إِذاً إمامٌ فإنّما أثبت بقوله هذا إمامتي ونفى إمامة غيري يا عبد اللّه متى يزُولُ عنك هذا الّذي ظننتهُ بِأخِيك هذا من النِّفاقِ تُب إِلى اللّه ففهم الرّجُلُ ما قاله و اغتم و قال يا ابن رسُولِ اللّه ما لِي مالٌ فأُرضِيهُ بِهِ و لكن قد وهبتُ له شطر عملي كُلِّهِ من تعبدِي وصلاتي عليكم أهل البيت و من لعنتي لأعدائِكُم قال موسى (عَلَيهِ السَّلَامُ) الآن خرجت من النّار. (1)
ص: 413
2 - دخل على أبي الحسنِ الرّضا (عَلَيهِ السَّلَامُ) رجُلٌ فقال له يا ابن رسول اللّه لقد رأيتُ اليوم شيئاً عجبتُ مِنهُ قال وما هُو قال رجُلٌ كان معنا يُظهر لنا أنّه من الموالين لآل محمّد المتبرين من أعدائهم فرأيتُه اليوم وعليه ثيابٌ قد خُلِعت عليهِ وهُوذا يُطافُ بِهِ بِبغداد ويُنادِي المنادِي بين يديه معاشر النّاس اسمعُوا توبة هذا الرافِضِي. ثُمّ يَقُولُونَ لَهُ قُل فِيقُولُ خِيرُ النّاس بعد رسُولِ اللّه (صَلَّى اللّه عَلَيْهِ وَآلِهِ) أبا بكر فإذا قال ذلك ضحوا وقالوا قد تاب و فضل أبا بكر على عليّ بن أبِي طالِب (عَلَيهِ السَّلَامُ) فقال الرّضا (عَلَيهِ السَّلَامُ) إذا خلوتُ فأعِد عليّ هذا الحديث فلما خلا أعاد عليه فقال لهُ إِنّما لم أُفسّر لك معنى كلامِ الرّجُلِ بِحضرة هذا الخلق المنكوس كراهة أن ينقل إليهم فيعرِفُوه و يُؤذُوهُ لم يقُلِ الرّجُلُ خيرُ النّاس بعد رسُولِ اللّه (صَلَّى اللّه عَلَيْهِ وَآلِهِ) أبوبكر فيكون قد فضل أبا بكر على عليّ بن أبِي طالِب (عَلَيهِ السَّلَامُ) و لكن قال خيرُ النّاس بعد رسُولِ اللّه أبا بكر فجعله نِداءً لأبي بكرٍ ليرضى من يمشي بين يديهِ من بعض هؤلاء الجهلةِ لِيتوارى من شُرُورِهِم إِنَّ اللّه تعالى جعل هذِهِ التورية مِمّا رحم بها شيعتنا و مُحبّينا. (1)
3 - قال أبو يعقوب وعلي حضرنا عند الحسن بن علي أبي القائم (عَلَيهِ السَّلَامُ) فقال له بعض أصحابِهِ جاءني رجُلٌ من إِخواننا الشّيعة قدِ امْتُحِن بِجُهّالِ العامَّة يمتحِنُونَهُ فِي الإِمامةِ ويُحلِفُونَهُ فكيف يُصنع حتّى يتخلّص منهم فقُلتُ كيف يقُولُون قال يقُولُون لي أتقُولُ إِن فُلاناً هُو الإمام بعد رسُولِ اللّه فلابد لي أن أقول نعم وإلّا أثخنوني ضرباً فإذا قلت نعم قالُوا لِي قُل واللّه قُلتُ فإذا قُلت لهم نعم تُرِيدُ بِهِ نعماً من الأنعامِ الإِبِلِ والبقر و الغنم وقُلتُ فإذا قالُوا قُل واللّه فقُل واللّه أي ولتي تُرِيدُ فِي أمر كذا فإنهم لا يُميّزُون وقد سلمت فقال لي فإن حققوا علي و قالُوا قُل واللّه و بين الهاء فقلت قُل و اللّه برفع الهاء فإنّهُ لا يَكُونُ يميناً إذا لم تخفض فذهب ثُمّ رجع إلى فقال عرضُوا علي وحلّفُونِي فقُلتُ كما لقنتني فقال له الحسن (عَلَيهِ السَّلَامُ) أنت كما قال رَسُولُ اللّه الدّال على الخيرِ كفاعِلِهِ لقد كتب اللّه لِصاحِبك بتقيّتِهِ بِعددِ كلّ من استعمل التَّقِيَّة من شِيعَتِنا و موالينا و مُحِبّينا حسنةً وبِعددِ كلّ من ترك التقيّة منهم حسنةً أدناها حسنةً لو قُوبِل بِها ذُنُوبُ مائة سنة لغُفِرت و لك بإرشادِك إيَّاهُ مِثلُ ما لَهُ. (2)
ص: 414
4 - عن سَعِيدِ بنِ السَّمانِ قال: كُنتُ عِند أبي عبد اللّه (عَلَيهِ السَّلَامُ) إذ دخل عليهِ رجُلانِ من الرِّيدِيَّةِ فقالا له أ فِيكُم إمامٌ مُفترضٌ طاعته قال فقال لا فقالا له قد أخبرنا عنك النّقاتُ أَنَّكَ تَقُولُ بِهِ و سموا قوماً و قالُوا هم أصحابُ ورع وتشميرو هم ممن لا يكذِبُ فغضب أبو عبد اللّه (عَلَيهِ السَّلَامُ) و قال ما أمرتهم بهذا فلمّا رأيا الغضب بوجهه خرجا. الخبر. (1)
5 - عن أبي محمّد العسكري (عَلَيهِ السَّلَامُ) أنّه قال: قال بعضُ المخالفين بحضرة الصَّادق (عَلَيهِ السَّلَامُ) لِرَجُلٍ من الشّيعة : ما تَقُولُ فِي العشرة من الصحابة قال أقُولُ فِيهِمُ الخير الجميل الّذي يُحطُ اللّه به سيئاتي و يرفعُ لي درجاتي قال السّائِلُ الحمد للّه على ما أنقذنِي من بُعْضِكَ كُنتُ أَظُنُّك رافِضِيّاً تُبغِضُ الصّحابة فقال الرّجُلُ ألا من أبغض واحِداً من الصحابة فعليه لعنةُ اللّه قال لعلك تتأوّلُ ما تقُولُ فيمن أبغض العشرة فقال من أبغض العشرة فعليه لعنة اللّه والملائكة و النّاس أجمعين فوثب فقبل رأسه وقال اجعلني فِي حِلّ مِمّا قذفتُك بِهِ من الرفض قبل اليوم قال أنت فِي حِلّ و أنت أخي ثُمّ انصرف السائل فقال له الصَّادق (عَلَيهِ السَّلَامُ) جودت اللّه درك لقد أعجبتِ الملائِكَةُ من حُسنِ توريتك وتلفظك بما خلّصك ولم تثلم دِينك زاد اللّه فِي مُخالِفِينا غمّاً إلى غمّ و حجب عنهم مُراد مُنتحِلي مودّتِنا فِي بقيّتِهم فقال بعضُ أصحابِ الصَّادق (عَلَيهِ السَّلَامُ) يا ابن رسُولِ اللّه ما عقلنا من كلام هذا إِلَّا مُوافقتهُ هذا المتعنِّتِ النَّاصب فقال الصَّادق (عَلَيهِ السَّلَامُ) لئِن كُنتُم لم تفهموا ما عنى فقد فهمناه نحنُ وقد شكرهُ اللّه لهُ إِن ولينا الموالي لأوليائنا المعادِي لأعدائنا إذا ابتلاه اللّه بِمن يمتحِنُهُ من مُخالِفِيهِ وفَقهُ لِجواب يسلم معهُ دِينُهُ وعِرضُهُ ويُعظِمُ اللّه بِالتَّقِيّةِ ثوابه إنّ صاحِبكُم هذا قال من عاب واحِداً مِنهُم فعليه لعنة اللّه أي من عاب واحِداً مِنهُم هُو أمِير المؤمنين عليّ بن أبِي طالِب (عَلَيهِ السَّلَامُ) وقال فِي الثانية من عابهم وشتمهم فعليهِ لعنة اللّه وقد صدق لأن من عابهم فقد عاب عليّاً (عَلَيهِ السَّلَامُ) لأنّه أحدُهُم فإذا لم يعب عليّاً ولم يذُمّه فلم يعبهم وإنّما عاب بعضهم و لقد كان الحزقيل المؤمِنِ مع قومِ فرعون الّذين وشوا بِهِ إِلى فرعون مِثلُ هذِهِ التَّورِيةِ كان حِرْقِيلُ يدعُوهُم إِلى توحِيدِ اللّه و نُبُوَّةِ مُوسى و تفضيل محمّد (صَلَّى اللّه عَلَيْهِ وَآلِهِ) على جميع رُسُلِ اللّه و خلقِهِ و تفضيل عليّ بن أبِي طالِب (عَلَيهِ السَّلَامُ) و الخيار من الأئمّة على سائر أوصياء
ص: 415
النّبِيِّين وإلى البراءةِ من رُبُوبيّةِ فرعون فوشى بِهِ واشون إلى فرعون و قالُوا إِنَّ حِرْقِيل يدعُو إِلى مُخالفتِك و يُعِينُ أعداءك على مُضادّتِك فقال لهم فرعون ابن عمّي وخليفتي على مُلكِي و ولي عهدِي إِن فعل ما قُلتُم فقد استحق العذاب على كُفْرِهِ نِعمتِي فإِن كُنتُم عليهِ كاذبين فقد استحققتُم أشدّ العِقابِ لإيشارِكُمُ الدُّخُول فِي مساءته فجاء بحزقيل وجاء بهم فكاشفُوهُ وقالوا أنت تجحدُ رُبُوبِيَّة فرعون عن الملكِ وتكفُرُ نعماءه فقال حزقيلُ أَيُّها الملك هل جربت علي كذباً قط قال لا قال فسلهم من ربُّهم فقالُوا فرعون قال ومن خالِقُكُم قالُوا فِرعون هذا قال و من رازِقُكُمُ الكافِلُ لِلمعايِشِكُم والدّافِعُ عنكُم مكارِهكُم قالُوا فِرعون هذا قال حِرْقِيلُ أيُّها الملك فأشهدُك وكُلّ من حضرك أن ربهم هُورتي وخالقهم هُو خالق و رازقهم هُو رازقي و مُصلِح معايِشِهِم هُو مُصلِحُ معايشي لا ربّ لي ولا خالق ولا رازق غيرُرتهم وخالقهم و رازقهم و أُشهِدُك و من حضرك أنّ كلّ ربّ و خالق و رازق سوى ربّهم وخالقهم ورازقهم فأنا برِيءٌ مِنهُ و من رُبُوبيّتِهِ و كَافِرُ بِالهِيَتِهِ يقولُ حِزقيل هذا و هُو يعنِي أَنَّ رَبَّهُم هُو اللّه ربّي ولم يقُل إن الّذي قالوا إن ربّهم هورتي وخفي هذا المعنى على فرعون و من حضره و توهموا أنّه يقُولُ فرعون ربّي و خالتي و رازقي فقال لهم فرعون يا رجال الشرويا طلاب الفسادِ فِي مُلكِي و مُريدي الفتنة بيني و بين ابنِ عمّي وهو عضُدِي أنتم المستحِقُون لعذابي لإرادتِكُم فساد أمري و هلاك ابن عمّي والفتّ فِي عضُدِي ثُمّ أمر بالأوتاد فجُعِل فِي ساقٍ كلّ وَاحِدٍ مِنهُم وَتِدٌ وفِي صدره وتدٌ و أمر أصحاب أمشاط الحدِيدِ فشقُوا بِها لُحُومهُم من أَبدانهم فذلك ما قال اللّه تعالى (فَوَقَاهُ اللَّهُ سَيِّئَاتِ مَا مَكَرُوا) لَا وشوا بِهِ إِلى فرعون لِيُهْلِكُوهُ (وَحَاقَ بِآلِ فِرْعَوْنَ سُوءُ الْعَذَابِ) (1) وهُمُ الّذين وشوا بحزقيل إِليهِ لَما أوتد فِيهِمُ الأوتاد و مشط عن أبدانهم لحومها بالأمشاط. (2)
6 - عن أحمد بن عمرة قال: خرجتُ إلى الرّضا و امرأتي حُبلى فقُلتُ لهُ إِنِّي قد خلّفتُ أهلي وهي حامل فادع اللّه أن يجعله ذكراً فقال لي وهُو ذكر فسمّهِ عُمر فقُلتُ نويتُ أن أُسَمِّيه عليّاً وأمرتُ الأهل بِهِ قال (عَلَيهِ السَّلَامُ) سمهِ عُمر فوردتُ الكوفة وقد وُلِد ابن لي وسُمِّي عليّاً فسمّيتُهُ عُمر فقال
ص: 416
لي جيراني لا نُصدّق بعدها بشيءٍ مِمّا كان يُحكى عنك فعلِمتُ أنّه كان أنظر إلي من نفسِي. (1)
7 - عن موسى بن جعفر (عَلَيهِ السَّلَامُ) قال صلّى حسن و حسين وراء مروان و نحنُ نُصلّي معهم. (2)
أقول : قد مرّ آنفا أنهما (عَلَيهِمَا السَّلَامُ) إذا صلّيا خلف الفاسق صلّيا صلاتهما بدون أن يقتديا به فلذا كانا يقرء آن خلفه...
8 - عن أبي بصير قال: كُنتُ جالساً عِند أبي عبد اللّه (عَلَيهِ السَّلَامُ) إذ دخلت علينا أُمُّ خالد الّتي كان قطعها يُوسُفُ بنُ عُمر تستأذِنُ عليهِ فقال أبو عبد اللّه (عَلَيهِ السَّلَامُ) أ يسرك أن تسمع كلامها قال فقُلتُ نعم قال فأذن لها قال وأجلسني معه على الظنفسة قال ثُمّ دخلت فتكلّمت فإذا امرأةٌ بليغة فسألته عنهما فقال لها تولّيهما قالت فأقُولُ لِرتي إذا لقيتُهُ إِنَّكَ أمرتني بولايتهما قال نعم قالت فإنّ هذا الّذي معك على الطنفسةِ يأمُرُنِي بِالبراءة منهما و كثِيرُ النّواءُ يَأْمُرُنِي بولايتهما فأيهما خير و أحبُّ إليك قال هذا واللّه أحبُّ إليَّ من كثِير النوّاء وأصحابِهِ إِنّ هذا تخاصم فيقُولُ (وَمَنْ لَمْ يَحْكُمْ بِمَا أَنْزَلَ اللَّهُ فَأُولَئِكَ هُمُ الْكَافِرُونَ * وَمَنْ لَمْ يَحْكُمْ بِمَا أَنْزَلَ اللَّهُ فَأُولَئِكَ هُمُ الظَّالِمُونَ * وَمَنْ لَمْ يَحْكُمْ بِمَا أَنْزَلَ اللَّهُ فَأُولَئِكَ هُمُ الْفَاسِقُونَ) (3) و (4)
9 - أنّ الصَّادق (عَلَيهِ السَّلَامُ) سُئِل عنهما، فقال : كانا إمامين قاسطين عادلين كانا على الحقّ وماتا عليه، فرحمةُ اللّه عليهما يوم القيامةِ، فلَمّا خلا المجلس، قال له بعضُ أصحابِهِ: كيف قُلت يا ابن رسُولِ اللّه ؟!.
فقال: نعم أما قولي كانا إمامين، فهو مأخُوذٌ من قوله تعالى: ﴿ وَجَعَلْنَاهُمْ أَئِمَّةً يَدْعُونَ إِلَى النَّارِ) (5)، وأما قولي قاسطين، فهُو من قولِهِ تعالى: ﴿ وَأَمَّا الْقَاسِطُونَ فَكَانُوا لِجَهَنَّمَ حَطَبًا) (6)، و
ص: 417
أما قولي عادِلين، فهو مأخُوذُ من قولِهِ تعالى: ﴿الَّذِينَ كَفَرُوا بِرَبِّهِمْ يَعْدِلُونَ)(1)، وأما قولي كانا على الحقِّ، فالحق عليّ (عَلَيهِ السَّلَامُ)، وقولي ماتا عليه المراد أنّه لم يتوبا عن تظاهرهما عليه، بل ماتا على ظلمِهِما إياه، وأما قولي فرحمة اللّه عليهما يوم القيامة، فالمراد به أن رسول اللّه (صَلَّى اللّه عَلَيْهِ وَآلِهِ) ينتصفُ لَهُ مِنهُما آخذاً من قولِهِ تعالى (وَمَا أَرْسَلْنَاكَ إِلَّا رَحْمَةً لِلْعَالَمِينَ) (2) و (3)
10 - عن هشام بن سالم عن أبي عبدِ اللّه (عَلَيهِ السَّلَامُ) أن سعيد بن جبير كان يأتم بعلي بن الحسينِ (عَلَيهِ السَّلَامُ) وكان علي يُثني عليه وما كان سبب قتل الحجّاج لهُ إِلّا على هذا الأمرِو كان مُستقِيماً وذُكِر أنهُ لَمَّا أُدخل على الحجاج بن يوسف فقال له أنت شي بن كسير قال أُمِّي كانت أعرف باسمي سمتني سعيد بن جبير قال ما تقُولُ فِي أبي بكر و عُمراً هُما فِي الجنّة أو فِي النّارِ قال لو دخلتُ الجنّة فنظرتُ إلى أهلها لعلِمتُ من فيها ولو دخلتُ النّار و رأيتُ أهلها لعلمتُ من فيها قال فما تقُولُ فِي الخلفاء قال لستُ عليهم بوكيل قال فأيُّهم أحبُّ إليك قال أرضاهم لخالي قال فأيهم أرضى للخالِقِ قال عِلمُ ذلِك عِند الّذي يعلمُ سِرّهُم ونجواهم قال أبيت أن تصدقني قال بلى لم أحب أن أكذبك (4).
1 - عن أبي عُمر الأعجمي قال قال لي أبو عبد اللّه (عَلَيهِ السَّلَامُ) يا أبا عُمر إن تسعة أعشار الدِّينِ فِي التقية ولا دين لمن لا تقيّة لهُ والتَّقِيَّةُ فِي كلّ شيءٍ إِلَّا فِي النَّبِيذ و المسح على الخفّينِ. (5)
2 - عن أبي بصير قال قال أبو عبد اللّه (عَلَيهِ السَّلَامُ) التَّقِيَّةُ من دِينِ اللّه قُلتُ من دِينِ اللّه قالَ إِي واللّه من دِينِ اللّه ولقد قال يُوسُفُ (عَلَيهِ السَّلَامُ) (أَيَّتُهَا الْعِيرُ إِنَّكُمْ لَسَارِقُونَ) (6)واللّه ما كانُوا سرقُوا شيئاً و
ص: 418
لقد قال إبراهيم (عَلَيهِ السَّلَامُ) (إِنِّي سقيم) (1) واللّه ما كان سقيما (2).
3 - عن حبيبِ بنِ بِشر قال قال أبو عبد اللّه (عَلَيهِ السَّلَامُ) سمِعتُ أبي يَقُولُ لا واللّه ما على وجهِ الأَرْضِ شيء أحبّ إليَّ من التَّقِيَّةِ يا حبيبُ إِنَّهُ من كانت له تقيَّةٌ رفعهُ اللّه يا حَبِيبُ من لم تكُن لَهُ تَقِيَّةٌ وضعه اللّه يا حبيبُ إِنّ النّاس إنّما هُم فِي هُدنة فلوقد كان ذلك كان هذا. (3)
4 - عن أبي عبد اللّه (عَلَيهِ السَّلَامُ) قال: اتَّقُوا على دِينِكُم فاحجُبُوهُ بِالتَّقِيَّةِ فَإِنَّهُ لا إِيمان لمن لا تقيَّة لهُ إنّما أنتُم فِي النّاس كالنحل فِي الطير لو أن الطير تعلم ما فِي أجواف النحل ما بقي منها شيء إِلَّا أكلته ولو أن النّاس علموا ما فِي أجوافِكُم أنّكُم تُحِبُّونَا أهل البيت لأكلُوكُم بِألسنتهم و لنحلُوكُم فِي السّرو العلانية رحم اللّه عبداً مِنكُم كان على ولايتنا. (4)
5 - عن أبي عبد اللّه (عَلَيهِ السَّلَامُ) فِي قول اللّه عزّ و جلّ (وَلَا تَسْتَوِي الْحَسَنَةُ وَلَا السَّيِّئَةُ) قال الحسنة التقيّة والسيّئة الإذاعة وقوله عزّ و جلّ (ادْفَعْ بِالَّتِي هِيَ أَحْسَنُ السيِّئة) قال الّتي هي أحسنُ التَّقِيّةُ ﴿فَإِذَا الَّذِي بَيْنَكَ وَبَيْنَهُ عَدَاوَةٌ كَأَنَّهُ وَلِيٌّ حَمِيمٌ)(5). (6)
6 - عن عبد الأعلى قال سمعت أبا عبد اللّه (عَلَيهِ السَّلَامُ) يقُولُ إِنَّهُ ليس من احتمالِ أمرنا التصدِيقُ له و القبُولُ فقط من احتِمالِ أمرنا ستره وصيانتُهُ من غير أهلِهِ فأقرِئهُمُ السّلام وقُل لهم رحم اللّه عبداً اجترمودة النّاس إلى نفسِهِ حَدِثُوهُم بِما يعرِفُون واستُرُوا عنهم ما يُنكِرُونَ ثُمّ قال واللّه ما النَّاصب لنا حرباً بأشدّ علينا مئونةً من النّاطِقِ علينا بما نكره فإذا عرفتُم من عبدِ إِذاعة فامشوا إِليهِ ورُدُّوهُ عنها فإن قبل مِنكُم و إلّا فتحمّلُوا عليهِ بِمن يثقُلُ عليهِ ويسمعُ مِنْهُ فَإِنّ الرّجُل مِنكُم يطلُبُ الحاجة فيلطف فيها حتّى تُقضى له فالطفُوا فِي حاجتِي كما تلطفون فِي حوائِحِكُم
ص: 419
فإن هُو قبل مِنكُم وإلا فادفنُوا كلامه تحت أقدامكم ولا تقولوا إِنَّهُ يَقُولُ ويَقُولُ فَإِنّ ذلِك يُحمل علي وعليكم أما واللّه لو كُنتُم تقُولُون ما أقُولُ لأقررتُ أنكُم أصحابي هذا أبو حنيفة لهُ أصحاب وهذا الحسن البصري لهُ أصحاب و أنا امرةٌ من قُريش قد ولدني رسُولُ اللّه (صَلَّى اللّه عَلَيْهِ وَآلِهِ) و علِمتُ كِتاب اللّه و فِيهِ تِبيانُ كلّ شيءٍ بدء الخلق و أمرِ السّماء و أمر الأرض و أمر الأولين وأمرِ الآخرين وأمر ما كان وما يكُونُ كأني أنظر إلى ذلك نصب عيني. (1)
7 - عن محمّد بنِ مُسلِمٍ قال سمِعتُ أبا جعفر (عَلَيهِ السَّلَامُ) يقُولُ يُحشر العبد يوم القيامة و ما ندي دماً وما فيُدفعُ إِليهِ شِبه المحجمة أو فوق ذلِك فيُقالُ له هذا سهمُكَ من دمِ فُلانٍ فَيَقُولُ يَا ربّ إِنَّكَ لتعلم أنك قبضتني و ماسفكتُ دماً فيقولُ بلى سمعت من فُلانٍ رواية كذا و كذا فرويتها عليهِ فنُقلت حتّى صارت إلى فُلانٍ الجبّارِ فقتله عليها وهذا سهمك من دمِهِ. (2)
8 - عن أبي عبد اللّه (عَلَيهِ السَّلَامُ) فِي قول اللّه عزّوجلّ (وَيَقْتُلُونَ الْأَنْبِيَاءَ بِغَيْرِ حَقٍّ) (3) فقال أما واللّه ما قتلُوهُم بِأسيافهم و لكن أذاعُوا سِرهُم وأفشوا عليهم فقُتِلُوا. (4)
9 - عن أبي عبد اللّه (عَلَيهِ السَّلَامُ) قال: من أذاع علينا شيئاً من أمرنا فهو كمن قتلنا عمداً و لم يقتلنا خطأً (5).
10 - عن أبي عبد اللّه (عَلَيهِ السَّلَامُ) قال: من استفتح نهاره بإذاعةِ سِرِّنا سلّط اللّه عليهِ حرّ الحديد وضيق المحابس. (6)
11 - قال الإمام العسكري (عَلَيهِ السَّلَامُ) قال رسول اللّه (صَلَّى اللّه عَلَيْهِ وَآلِهِ) : ألا وإن أعظم فرائض اللّه عليكم بعد فرض مُوالاتِنا و مُعاداة أعدائنا استعمالُ التَّقِيّة على أنفُسِكُم وإخوانِكُم و معارفكم و
ص: 420
قضاءُ حُقُوقِ إِخوانِكُم فِي اللّه ألا وإنّ اللّه يغفِرُ كلّ ذنبٍ بعد ذلك ولا يستقصي فأما هذان فقل من ينجُومِنهُما إِلّا بعد مش عذابٍ شَدِيدٍ إِلّا أن يكون لهم مظالم على النّواصِبِ والكُفَّارِ فيكون عذاب هذين على أُولئِكَ الكُفَّارِ والنَّواصِبِ قِصاصاً بِما لكُم عليهم من الحقوق وما لهُم إِليكُم من الظُّلمِ فاتَّقُوا اللّه ولا تتعرضوا لمقت اللّه بتركِ التَّقِيَّةِ والتَّقصِيرِ فِي حُقُوقِ إِخوانِكُمُ المؤمنين. (1)
12 - قال الإمام العسكري (عَلَيهِ السَّلَامُ) فِي قوله عزّ و جلّ (وَقُولُوا لِلنَّاسِ حُسْنًا) : قال الصَّادق (عَلَيهِ السَّلَامُ) (وَقُولُوا لِلنَّاسِ حُسْنًا)(2) أي لِلنَّاسِ كُلِهِم مُؤمِنِهِم و مُخالِفِهِم أَمّا المؤمِنُون فيبسُط لهم وجهه و أما المخالِفُون فيُكَلِّمُهُم بِالمداراة لاجتذابهم إلى الإيمانِ فَإِنَّهُ بِأَيسر من ذلِك يَكُف شُرُورهم عن نفسه و عن إخوانِهِ المؤمِنين قال الإمام (عَلَيهِ السَّلَامُ) إِنَّ مُداراة أعداء اللّه من أفضل صدقة المرء على نفسه و إخوانِهِ كان رسُولُ اللّه (صَلَّى اللّه عَلَيْهِ وَآلِهِ) فِي منزِلِهِ إِذا استأذن عليهِ عبدُ اللّه بنُ سلول فقال رسولُ اللّه (صَلَّى اللّه عَلَيْهِ وَآلِهِ) بئس أخو العشيرة ائذنُوا لَهُ فَلَمّا دخل أجلسه وبشر فِي وجهِهِ فَلَمّا خرج قالت له عائِشة يا رسُول اللّه (صَلَّى اللّه عَلَيْهِ وَآلِهِ) قُلت فِيهِ ما قُلت و فعلت بِهِ من البِشرِ ما فعلت فقال رسُولُ اللّه (صَلَّى اللّه عَلَيْهِ وَآلِهِ) يا عويش يا حميراءُ إِنّ شرّ النّاس عِند اللّه يوم القيامة من يُكرم اتقاء شره. وقال أمِير المؤمنين (عَلَيهِ السَّلَامُ) إِنَّا لَنَبشِرُ فِي وُجُوهِ قَومٍ وإِن قُلُوبَنَا تَقْلِيهِم أُولَئِكَ أعداء اللّه نتقيهم على إخوانِنا لا على أنفُسِنا. وقالت فاطمة (عَلَيهَا السَّلَامُ) بِشر فِي وجهِ المؤمِنِ يُوجِبُ لِصاحِبِهِ الجنّة وبشر فِي وجه المعائِدِ المعادِي يقي صاحِبه عذاب النّار. وقال الحسن بن علي (عَلَيهِمَا السَّلَامُ) قال رسول اللّه (صَلَّى اللّه عَلَيْهِ وَآلِهِ) إنّ الأنبياء إنّما فضّلهُمُ اللّه على خلقِهِ بِشِدّةِ مُداراتِهم لأعداءِ دِينِ اللّه وحُسنِ تقيتهم لأجلِ إِخوانِهِم فِي اللّه. وقال محمّد بنُ علي (عَلَيهِمَا السَّلَامُ) من أطاب الكلام مع مُوافِقِيهِ لِيُؤنسهم وبسط وجههُ لِمُخالفِيهِ لِيامنهم على نفسِهِ وإخوانه فقد حوى من الخيراتِ والدرجاتِ العالِيةِ عِند اللّه ما لا يُقادِرُ قدره غيرُه و قال رجُلٌ لِلمحمّد بنِ علي (عَلَيهِمَا السَّلَامُ) يا ابن رسولِ اللّه مررتُ اليوم بالكرخ فقالوا هذا نديم محمّد بنِ علي إمامِ الرّفضةِ فاسألُوهُ من خيرُ النّاس
ص: 421
بعد رسُولِ اللّه فإن قال علي فاقتُلُوهُ وإن قال أبوبكر فدعُوهُ فانثال علي مِنهُم خلق عظيم و قالُوا لِي من خير النّاس بعد رسُولِ اللّه فقُلتُ مُجيباً أخيرُ النّاس بعد رسُولِ اللّه أبوبكر و عُمرُو عُثمان وسكت ولم أذكر عليّاً فقال بعضُهم قد زاد علينا نحنُ نَقُولُ هاهنا و علي فقُلتُ فِي هذا نظر لا أقُولُ هذا فقالُوا بينهم إنّ هذا أشدُّ تعصُّباً لِلسُّنّةِ مِنّا قد غلطنا عليه ونجوتُ بهذا مِنهُم فهل عليّ يا ابن رسُولِ اللّه فِي هذا حرجٌ وإِنّما أردتُ أخيرُ النّاس أي أهو خير استفهاماً لا إخباراً فقال محمّد بنُ علي (عَلَيهِمَا السَّلَامُ) قد شكر اللّه لك بجوابِك هذا لهم وكتب لك أجره و أثبته لك فِي الكِتابِ الحَكِيمِ وأوجب لك بِكُلّ حرفٍ من حُرُوفِ ألفاظِك بجوابك هذا هم ما تعجز عنه أماني المتمنين ولا يبلُغُهُ آمالُ الآملين.
قال: وجاء رجُلٌ إِلى عليّ بنِ محمّد (عَلَيهِمَا السَّلَامُ) فقال يا ابن رسُولِ اللّه بُلِيتُ اليوم بِقومٍ من عوامِ البلدِ أخذُونِي وقالُوا أنت لا تقولُ بإمامة أبي بكر بن أبي قحافة فخفتُهُم يا ابن رسُولِ اللّه وأردتُ أن أقول بلى أقُولُها لِلتَّقِيّةِ فقال لي بعضُهُم ووضع يده على فِي وقال أنت لا تتكلّمُ إِلَّا بِخِرقةٍ أجب عمّا أُلقِنُكَ قُلتُ قُل فقال لي أتقولُ إن أبا بكر بن أبي قحافة هُو الإمامُ بعد رسُولِ اللّه إِمَامٌ حق عدل ولم يكُن لِعلي فِي الإمامة حق البتة فقُلتُ نعم و أُرِيدُ نعماً من الأنعامِ الإِبل والبقرو الغنم فقال لا أقنع بهذا حتّى تحلف قُل واللّه الّذي لا إِله إِلّا هُو الطالِبُ الغَالِبُ المدرِكُ المهلك يعلمُ من السّرما يعلمُ من العلانية فقُلتُ نعم وأُرِيدُ نعماً من الأنعامِ فقال لا أقنعُ مِنكَ إِلَّا بِأَن تقول أبو بكر بن أبي قحافة هُو الإمامُ واللّه الّذي لا إِله إِلَّا هُو و ساق اليمين فقُلتُ أبو بكر بنُ أَبِي قحافة إمام أي هُو إمامُ من ائتم بِهِ واتخذهُ إماماً واللّه الّذي لَا إِله إِلَّا هُو و مضيتُ فِي صِفاتِ اللّه فقنعُوا بِهذا مِنّي و جزوني خيراً و نجوتُ مِنهم فكيف حالي عند اللّه قال خير حال قد أوجب اللّه لك مُرافقتنا فِي أعلى عليين لِحُسنِ يقينك. (1)
13 - عن داود الصرمي قال: قال لي أبو الحسن (عَلَيهِ السَّلَامُ) يا داود لو قُلتُ إِن تارك التقيّة كتارِكِ الصَّلاة لكُنتُ صادِقاً. (2)
ص: 422
14 - قال علي بن الحسين (عَلَيهِمَا السَّلَامُ) يغفِرُ اللّه لِلمُؤمِنِين كلّ ذنبٍ ويُطْهَرُ مِنهُ فِي الدُّنيا والآخِرة ما خلا ذنبين ترك التقيّة وتضييع حقوقِ الإخوان. (1)
15 - عن أبي عبد اللّه (عَلَيهِ السَّلَامُ) فِي قوله تعالى (إِنَّ أَكْرَمَكُمْ عِنْدَ اللَّهِ أَتْقَاكُمْ) (2)، قال أعملُكُم بالتقيّة. (3)
16 - قال الصَّادق (عَلَيهِ السَّلَامُ) من صلّى معهم فِي الصّفّ الأوّلِ فكأنما صلّى مع رسُولِ اللّه (صَلَّى اللّه عَلَيْهِ وَآلِهِ) فِي الصّفّ الأوّل. (4)
17 - عن هشام الكندي قال سمعت أبا عبد اللّه (عَلَيهِ السَّلَامُ) يقُولُ إِيَّاكُم أن تعملُوا عملا نُعيّرُ بِهِ فَإِنَّ ولد السوء يُعيرُ والدُهُ بِعملِهِ كُونُوا لِمن انقطعتُم إِليه زيناً ولا تكُونُوا عليه شينا صلوا فِي عشائرهم و عُودُوا مرضاهم واشهدوا جنائزهُم ولا يسبِقُونكُم إِلى شيءٍ من الخير فأنتُم أولى بِهِ مِنهُم واللّه ما عُبد اللّه بِشيءٍ أحبّ إِليهِ من الخبءِ فقُلتُ وما الخبءُ قال التَّقِيَّةُ. (5)
18 - عن أبي جعفر (عَلَيهِ السَّلَامُ) قال: التَّقِيَّةُ فِي كلّ ضرورة وصاحِبُها أَعلَمُ بِها حِين تنزِلُ بِهِ. (6)
19 - عن أبي عبد اللّه (عَلَيهِ السَّلَامُ) قال كان أبي يقُولُ و أيُّ شيءٍ أقرُّ لِعِينِي من التَّقِيَّةِ إِنَّ التَّقِيَّة جُنَّةُ المؤمن. (7)
20 - عن محمّد بنِ مروان قال: قال لي أبو عبد اللّه (عَلَيهِ السَّلَامُ) ما مُنِع ميثم رحمهُ اللّه من التَّقِيَّةِ فواللّه لقد علم أن هذه الآية نزلت فِي عمَّار وأصحابه (إِلَّا مَنْ أُكْرِهَ وَقَلْبُهُ مُطْمَئِنٌّ بِالْإِيمَانِ ﴾(8). (9)
ص: 423
21 - عن عبد اللّه بنِ عطاء قال: قُلتُ لأبي جعفر (عَلَيهِ السَّلَامُ) رجُلانِ من أهل الكوفة أُخِذا فقِيل لهما ابرءا من أمِير المؤمنين (عَلَيهِ السَّلَامُ) فبرئ واحِدٌ مِنهُما وأبى الآخرُ فخُلّي سَبِيلُ الّذي برِئ وقُتِل الآخرُ فقال أما الّذي برِئ فرجُلٌ فقِيهُ فِي دِينِهِ و أما الّذي لم يبرأ فرجُلٌ تعجّل إلى الجنّة. (1)
22 - عنِ ابنِ مُسكان قال: قال لي أبو عبد اللّه (عَلَيهِ السَّلَامُ) إِنِّي لأحسبُك إذا شُتِم علي بين يديك لو تستطِيعُ أن تأكُل أنف شاتمه لفعلت فقُلتُ إِي واللّه جُعِلتُ فِدَاكَ إِنِّي لهكذا وأهل بيتي فقال لي فلا تفعل فواللّه لربّما سمِعتُ من يشتم عليّاً وما بيني وبينهُ إِلَّا أُسطوانةٌ فأستَتِرُبِها فإذا فرغتُ من صلواتِي فَأَمُرُ بِهِ فَأُسلَّمُ عليهِ و أَصافِحُهُ. (2)
23 - عن أبي بصير قال سمعتُ أبا جعفر (عَلَيهِ السَّلَامُ) يقُولُ لا خير فيمن لا تقيّة له ولقد قال يُوسُفُ (أيْتُها العِيرُ إِنَّكُم لسارِقُون) (3) و ما سَرقُوا. (4)
24 - عن علي بن عبد اللّه عن مُعاذ قال: قُلتُ لأبي عبد اللّه (عَلَيهِ السَّلَامُ) إنّي أجلس فِي المجلس فياتيني الرّجلُ فإذا عرفتُ أَنَّهُ يُخالِفُكُم أخبرتُهُ بِقولِ غيركُم و إن كان من يَقُولُ بِقولِكُم فإن كان يمن لا أدري أخبرتُهُ بِقولِكُم و قولِ غيركُم فيختارُ لِنفسِهِ قال رحمك اللّه هكذا فاصنع. (5)
25 - قال أبو عبد اللّه جعفرُ بنُ محمّد صلوات اللّه عليهم عليكم بالصَّلاة فِي المساجِدِ وحُسنِ الجِوارِ للناس وإقامة الشّهادةِ وحُضُورِ الجنائِزِ إِنَّهُ لا بُدّ لكُم من النّاس إِنْ أحداً لا يستغني عن النّاس بِجنازته فأما نحنُ نأتي جنائزهُم وإنّما ينبغي لكُم أن تصنعُوا مِثل ما يصنعُ من تأتون بِهِ والناس لا بد لبعضهم من بعض ما داموا على هذه الحال حتّى يكون ذلك ثُمّ ينقطِعُ كلّ قومٍ إلى أهل أهوائهم ثُمّ قال عليكم بِحُسنِ الصَّلاة واعملوا لِآخِرَتِكُم واختارُوا لِأَنفُسِكُم فَإِنّ الرّجُل قد يكُونُ كيساً فِي أمرِ الدُّنيا فيُقالُ ما أكيس فُلاناً إِنما الكيس كيّس الآخِرَةِ. (6)
ص: 424
26 - عن أبي عبد اللّه (عَلَيهِ السَّلَامُ) أَنَّهُ كتب بِهذِهِ الرِّسالة إلى أصحابِهِ وأمرهم بمدارستِها والنّظرِفِيها و تعاهدها والعمل بها فكانوا يضعُونها فِي مساجِدِ بُيُوتِهم فإذا فرغوا من الصَّلاة نظرُوا فِيها : بِسمِ اللّه الرّحمن الرَّحِيمِ أما بعد فاسألُوا رَبَّكُمُ العافية وعليكم بِالدّعة والوقار والسكينة وعليكم بالحياء والتنزه عمّا تنزّه عنه الصّالِحُون قبلكُم وعليكم بمجاملة أهلِ الباطِلِ تحمّلُوا الضّيم مِنهُم وإياكُم و مُماظتهُم دِينُوا فيما بينكم وبينهم إذا أنتم جالستُمُوهُم وخالطتُمُوهُم و نازعتُمُوهُمُ الكلام فإنّهُ لا بُدّ لكُم من مُجالستهم ومُخالطتهم ومُنازِعَتِهِمُ الكلام بِالتَّقِيَّةِ الّتي أمرَكُمُ اللّه أن تأخُذُوا بِها فيما بينكم وبينهم فإذا ابتليتُم بِذلِك مِنهُم فَإِنَّهُم سَيُؤذُونَكُم وتَعرِفُون فِي وُجُوهِهِمُ المنكرو لولا أن اللّه تعالى يدفعُهُم عنكم لسطوا بِكُم و ما فِي صُدُورِهِم من العداوة و البغضاء أكثر مِمّا يُبدون لكُم مجالِسُكُم و مجالِسُهُم واحدةٌ وأرواحُكُم وأرواحُهُم مُختلِفةٌ لا تأتلف لا تُحِبُّونهم أبداً ولا يُحِبُّونَكُم غير أن اللّه تعالى أكرمكُم بالحقّ و بصركُموه ولم يجعلهم من أهلِهِ فتُجامِلونهم وتصبرون عليهم وهم لا مُجاملة لهم ولا صبر لهم على شيءٍ وحِيلُهُم وسواسُ بعضهم إلى بعض فإِنّ أعداء اللّه إِنِ استطاعُوا صَدُّوكُم عنِ الحقّ فيعصِمُكُم اللّه من ذلِك فاتَّقُوا اللّه وكُفُّوا ألسنتكُم إِلَّا من خير...الحديث. (1)
27 - قال الإمام العسكري (عَلَيهِ السَّلَامُ) قال (صَلَّى اللّه عَلَيْهِ وَآلِهِ) قال النَّبيّ (صَلَّى اللّه عَلَيْهِ وَآلِهِ) عند حنين الجذع بمفارقته (صَلَّى اللّه عَلَيْهِ وَآلِهِ) و صُعُودِهِ المنبر و الّذي بعثني بالحقّ نبياً إِنْ حَنِين خُزَانِ الْجِنانِ وحُورِها و قُصُورِها إلى من يُوالِي محمّداً و عليّاً والهما الطيبين ويبرأُ من أعدائهما لَأَشدُّ من حنين هذا الجذع إلى رسُولِ اللّه (صَلَّى اللّه عَلَيْهِ وَآلِهِ) و إنّ الّذي يُسكّنُ حنينهم وأنينهم ما يرد عليهم من صلاة أحدِكُم معاشِر شيعتنا على محمّد وآلِهِ الطَّيِّبين أو صلاة نافِلةٍ أو صوم أو صدقةٍ وإِن من عظيم ما يُسكِّنُ حنينهم إلى شِيعَةِ محمّد وعلى ما يتصِلُ بِهِم من إحسانهم إلى إخوانهم المؤمِنِين و معونتهم لهم على دهرِهِم يقُولُ أهلُ الجِنانِ بعضُهم لبعض لا تستعجِلُوا صاحِبكُم فما يُبْطِئُ عنكُم إِلَّا لِلزّيادة فِي الدرجات العاليات فِي هذه الجنانِ بإسداء المعروف إلى إخوانه المؤمنين و أعظمُ من ذلِك مِمّا يُسكِّنُ حنين سُكّانِ الجِنانِ وحُورِها إِلى شِيعَتِنا ما يعرِفُهُمُ اللّه من صبرِ
ص: 425
شِيعَتِنا على التَّقِيَّةِ فَحِينَئِذٍ تَقُولُ خُزَانُ الجِنانِ وحُورُها لنصبِرنّ على شوقنا إليهم كما يصبرون على سماع المكروه فِي ساداتِهم وأيتهم وكما يتجرّعُون الغيظ ويسكتون عن إظهار الحقّ لِما يُشاهِدُون من ظُلم من لا يقدِرُون على دفع مضرته فعِند ذلِكَ يُنادِيهِم رَبُّنا عزّو جلّ يا سُكّان جناني و يا خُزان رحمتي ما لبخلٍ أخّرتُ عنكُم أزواجكُم و ساداتِكُم ولكن ليستكملوا نصيبهم من كرامتي بِمُواساتِهِم إِخوانهُمُ المؤمِنِين والأخذِ بِأيدِي الملهوفين والتنفيس عن المكروبين و بالصبر على التَّقِيَّةِ من الفاسِقِين الكافِرِين حتّى إذا استكملوا أجزل كراماتي نقلتهم إليكم على أسر الأحوال و أغبطها فأبشِرُوا فعِند ذلك يسكُنُ حنينُهُم وأَنِينُهُم. (1)
28 - قال الإمام العسكري (عَلَيهِ السَّلَامُ) نظر الباقِرُ (عَلَيهِ السَّلَامُ) إِلى بعض شِيعَتِهِ وقد دخل خلف بعض المنافقين إلى الصَّلاة وأحسّ الشَّيعِيُّ بِأنّ الباقر (عَلَيهِ السَّلَامُ) قد عرف ذلك مِنهُ فقصده وقال أعتذِرُ إِليك يا ابن رسُولِ اللّه من صلاتي خلف فُلانٍ فإِنِّي أَتَّقِيهِ ولولا ذلك لصليتُ وحدي فقال له الباقِرُ (عَلَيهِ السَّلَامُ) يا أخِي إِنّما كُنت تحتاج أن تعتذر لو تركت يا عبد اللّه المؤمِن ما زالت ملائِكَةُ السّماوات السّبع والأرضين السبع تُصلّي عليك وتلعن إمامك ذاك و إن اللّه تعالى أمر أن تُحسب لك صلاتك خلفهُ لِلتَّقِيّة بسبعمائة صلاةٍ لو صلّيتها وحدك فعليك بالتقيّة واعلم أنّ اللّه تعالى يمقُتُ تاركها كما يمقُتُ المتّق مِنهُ فلاترض لنفسك أن تكون منزِلتُك عِنده كمنزلة أعدائه. (2)
29 - قال الإمام العسكري (عَلَيهِ السَّلَامُ) : قال علي بن الحسين (عَلَيهِمَا السَّلَامُ) هذا أحوال من كتم فضائلنا و جحد حُقُوقنا وتسمّى بِأسمائنا وتلقب بألقابنا وأعان ظالمنا على غصب حُقُوقِنا ومالاً علينا أعداءنا والتقيّة عليكم لا تُزعجه والمخافة على نفسه وماله و إخوانِهِ لا تبعثه فاتَّقُوا اللّه معاشر شيعتنا لا تستعمِلُوا الهوينا ولا تقيّة عليكم ولا تستعملوا المهاجرة والتقية تمنعكم و سأحدثكم فِي ذلك بما يردعُكُم ويعظكم دخل على أمِير المؤمنين (عَلَيهِ السَّلَامُ) رجُلانِ من أصحابِهِ فوطئ أحدُهُما على حيّةٍ فلَدغته ووقع على الآخر فِي طريقه من حائط عقرب فلسعته وسقطا جميعاً فكأنهما لما بهما يتضرّعانِ ويبكيان فقيل لأمِير المؤمنين (عَلَيهِ السَّلَامُ) فقال دعُوهُما فَإِنَّهُ لم
ص: 426
يحن حِينُهما ولم تتم مِحنتهما فحُمِلا إلى منزلهما فبقيا عليلين أليمين فِي عذابٍ شَدِيدٍ شهرينِ ثُمّ إِنَّ أمِير المؤمنين (عَلَيهِ السَّلَامُ) بعث إليهما فحُمِلا إليهِ والنَّاسُ يَقُولُون سيموتان على أيدي الحاملين لهما فقال كيف حالكما قالا نحنُ بِألم عظيم وفي عذابٍ شَدِيدٍ قال لهما استغفيرا اللّه من ذنبٍ أداكُما إلى هذا وتعوّذا بِاللّه ما يُحبط أجركُما ويُعظِمُ وِزركُما قالا وكيف ذلك يا أمِير المؤمنين فقال عليّ (عَلَيهِ السَّلَامُ) ما أُصيب واحِدٌ مِنكُما إِلَّا بِذنبِهِ أما أنت يا فلانُ وأقبل على أحدِهِما أتذكُرُ يوم غمز على سلمان الفارسي فُلانٌ و طعن عليهِ لِمُوالاتِهِ لنا فلم يمنعك من الرد والإستخفاف به خوفٌ على نفسك ولا على أهلك و لا على ولدك و مالِك أكثرُ من أنِ استحييتهُ فلِذلِك أصابك فإن أردت أن يُزيل اللّه ما بك فاعتقد أن لا ترى مزرئاً على ولي لنا تقدر على نصرته بِظهر الغيبِ إِلّا نصرتهُ إِلّا أن تخاف على نفسك وأهلك ووُلدِك ومالك وقال للآخر فأنت أ تدري لما أصابك ما أصابك قال لا قال أما تذكر حيثُ أقبل قنبر خادِمي وأنت بحضرة فلان العاتي فقمت إجلالا له لإجلالِك لي فقال لك أو تقُومُ هذا بِحضرتي فقلت له و ما بالي لا أقُومُ ومَلائِكَةُ اللّه تضعُ له أجنحتها فِي طريقه فعليها يمشي فلَمّا قُلت هذا له قام إلى قنبرو ضربه و شتمه وآذاه و تهددني و الزمني الإغضاء على قذىً فلهذا سقطت عليك هذه الحيّة فإن أردت أن يُعافيك اللّه تعالى من هذا فاعتقد أن لا تفعل بنا ولا بأحدٍ من موالينا بحضرة أعدائنا ما يُخافُ علينا وعليهم مِنهُ أما إنّ رسُول اللّه (صَلَّى اللّه عَلَيْهِ وَآلِهِ) كان مع تفضيلِهِ لِي لم يكُن يَقُومُ لِي عن مجلسِهِ إذا حضرته كما كان يفعلُهُ بِبعض من لا يقيسُ مِعشار جُزءٍ من مِائَةِ أَلْفِ جُزءٍ من إيجابِهِ لِي لِأَنَّهُ علم أنّ ذلِك يحمِلُ بعض أعداء اللّه على ما يغُمُّهُ ويغُمُّنِي ويغُمُّ المؤمِنِين وقد كان يقُومُ لِقومٍ لا يخافُ على نفسِهِ ولا عليهم مثل ما خافه علي لو فعل ذلك بِي. (1)
ص: 427
1- عنِ المفضّل قال سألتُ الصَّادق (عَلَيهِ السَّلَامُ) عن قولهِ أجعل بينكم وبينهم ردماً قال التَّقِيَّة فما اسطاعُوا أن يظهرُوهُ و ما استطاعُوا له نقباً قال ما استطاعوا له نقباً إِذا عُمِل بِالتَّقِيَّةِ لم يقدِرُوا فِي ذلك على حِيلةٍ وهُو الحصن الحصين وصار بينك وبين أعداء اللّه سدّاً لا يستطِيعُون لهُ نقباً قال وسألته عن قوله (فَإِذَا جَاءَ وَعْدُ رَبِّي جَعَلَهُ دَكَّاءَ)(1) قال رفع التقيّة عِند قيام القائم فينتقم من أعداء اللّه. (2)
2- قال الرّضا (عَلَيهِ السَّلَامُ) لا ديين لمن لا ورع له ولا إيمان لمن لا تقيّة لهُ إِنَّ أكرمكم عند اللّه عزّ و جلّ أعملُكُم بِالتَّقِيَّةِ قبل خُرُوحِ قائمنا فمن تركها قبل خُرُوحِ قائمنا فليس منا. (3)
3 - عن عبد اللّه بنِ أَبِي يعفُورٍ قال سمعت أبا عبد اللّه عليه الصَّلاة والسلام يقُولُ التَّقِيَّةُ تُرسُ المؤمِنِ و التَّقِيَّةُ حِرزُ المؤمِنِ ولا إيمان لمن لا تقيّة لهُ إِنّ العبد ليقعُ إِليه الحديث من حدِيثنا فيدِينُ اللّه عزّ وجل فيما بينه وبينه فيكُونُ لَهُ عِزّاً فِي الدُّنيا و نُوراً فِي الآخِرة و إن العبد ليقعُ إِليه الحديث من حديثنا فيُذِيعُهُ فيكُونُ لهُ ذُلَّا فِي الدُّنيا وينزِعُ اللّه عزّ و جلّ ذلِكَ النُّورِ مِنهُ. (4)
1- عن الصَّادق (عَلَيهِ السَّلَامُ) أَنَّهُ قِيل لهُ إِنَّا نرى فِي المسجِدِ َرجُلًا يُعلِنُ بِستِ أعدائِكُم ويَسُبُّهُم فقال ما له لعنهُ اللّه تعرض بنا قال اللّه (وَلَا تَسُبُّوا الَّذِينَ يَدْعُونَ﴾ (5) الآية قال وقال الصَّادق (عَلَيهِ السَّلَامُ) في تفسير هذه الآية لا تسُبُّوهُم فإنّهُم يسُبُّوا عليكم فقال من سبّ ولي اللّه فقد سب اللّه. (6)
ص: 428
2 - عنِ الصَّادق (عَلَيهِ السَّلَامُ) و جامِلُوا النّاس ولا تحمِلُوهُم على رِقابِكُم تجمعوا مع ذلك طاعة ربِّكُم و إياكم وسبّ أعداء اللّه حيثُ يسمعُونكُم (فَيَسُبُّوا اللَّهَ عَدْوًا بِغَيْرِ عِلْمٍ) (1) و قد ينبغي لكُم أن تعلمُوا حد سبّهِم للّه كيف هُو إِنَّهُ من سب أولياء اللّه فقد إنتهك سبّ اللّه و من أظلمُ عِندَ اللّه ممن استسب للّه ولأوليائِهِ فهلا مهلا فاتَّبِعُوا أَمر اللّه ولا حول وقُوَّة إِلَّا بِاللّه. (2)
أقول : إن مورد النهي فِي الآية الشريفة ما ينتهي إلى سبّ اللّه تعالى و سبّ أولياءه بغير علم. يعني إذا تسبّوا آلهتهم فيسبوا اللّه تعالى شأنه عنادا لكم بغير أن يعرفوا اللّه فيكون منشأ سبّهم الجهل و العصبية فلا تسبوا حيث تحصل على هذه النتيجة و أما إذا لم يسمعوا السب فالآية ساكتة عن الموضوع وكذلك سكتت الآية بالنسبة إلى اللعن إذا يُسمع أم لا. بل ألفينا من سيرة الأنبياء (عَلَيهِم السَّلَامُ) التبري من المشركين و اللعنة عليهم و الإهانة إلى آلهتهم بمرآهم و مسمعهم كما أن نبينا (صَلَّى اللّه عَلَيْهِ وَآلِهِ) و نبي اللّه إبراهيم الخليل (عَلَيهِ السَّلَامُ) و...تبرؤوا
عن آلهة المشركين و أهانوا إليهم :
قوله تعالى: ﴿وَأَذَانٌ من اللّه وَرَسُولِهِ إِلَى النّاس يَومَ الحَجِّ الأَكبَرِ أَنَّ اللّه بَرِيءٌ من الْمُشْرِكِينَ وَرَسُولُهُ) (3)
و قوله تعالى: (تَبَّتْ يَدا أَبِي لَهَبٍ وَتَبَّ...) (4)
و قوله تعالى : (يا أَيُّهَا الّذينَ آمَنُوا إِنَّمَا الْمُشْرِكُونَ نَجَسٌ فَلا يَقرَبُوا الْمَسجِدَ الحَرامَ بَعدَ عَامِهِم هَذَا).
وقوله تعالى : ﴿إِنَّكُم وَمَا تَعْبُدُونَ من دُونِ اللّه حَصَبُ جهنَّم أَنتُم لَها وَارِدُونَ﴾ (5)
وقوله تعالى : ﴿قَالَ أَفَتَعْبُدُونَ من دُونِ اللّه مَا لا يَنفَعُكُم شَيئًا وَلا يَضُرُّكُم. أُفْ لَكُم وَلِمَا تَعْبُدُونَ من دُونِ اللّه أَفَلا تَعْقِلُونَ) (6)
ص: 429
و قوله تعالى : ﴿قَد كَانَت لَكُم أُسوَةٌ حَسَنَةٌ فِي إِبْرَاهِيمَ وَالّذينَ مَعَهُ إِذ قَالُوا لِقَومِهِم إِنَّا بُرَآءُ مِنكُم وَمِمَّا تَعْبُدُونَ من دُونِ اللّه كَفَرنَا بِكُم وَ بَدَا بَينَنَا وَبَينَكُمُ العَدَاوَةُ وَالبَعْضَاءُ أَبَدًا حتّى تُؤْمِنُوا بِاللّه وَحدَهُ﴾ (1)
وقوله تعالى : ﴿وَإِذْ قَالَ إِبْرَاهِيمُ لِأَبِيهِ وَقَومِهِ إِنَّنِي بَرَاءٌ مِمّا تَعْبُدُونَ﴾ (2)
و هذه سيرته (صَلَّى اللّه عَلَيْهِ وَآلِهِ) حتّى روى القاضي نعمان فِي كتابه:
«إن هندا كانت بذلت نفسها لوحشي ليقتل حمزة (رضيَ اللّهُ عنهُ) وكانت من العواهر اللواتي يتحزبن على أعينهن، و كان أحب الرجال إليها.السودان. و فيها يقول حسان بن ثابت لَمّا استأذن رسول اللّه (صَلَّى اللّه عَلَيْهِ وَآلِهِ) فِي هجاء قريش فأذن له و قال: «قل فإن اللّه تعالى أيدك بروح القدس» و قال فِي هند:
لعن الإله و زوجها معها *** هند الهنود طويلة البظر
خرجت مرقصة إلى أحد *** بأبيك و ابنك يوم ذي بدر
و بعمك المستوه يعطي دبره *** شبان مكّة غير ذي ستر»
انتهى كلامه
و هذا هُو السب الّذي أيد اللّه قائله بروح القدس.
فغاية ما نستتفيده من الآية أن السب الّذي ينتهي إلى سب اللّه تعالى وسب أوليائه ممنوع البتة، أما بالنسبة إلى اللعن فأقول: لا علاقة بين الآية و اللعن لأن مورد الآية هُو السب و اللعن غير السبّ فالسب هُو الشتم الوجيع (3) و لكن اللعن هُو طلب الطرد والإبعاد من رحمة اللّه (4).
مع هذا لا بأس لقائل أن يقول : أن السب واللعن بأي نحو كان من سوء القول، ولا شك بأنه مبغوض عند اللّه تعالى، فنقول: نعم، لكن هنالك إستثناء فالشتم محرم إلّا أنّه إذا كان من المظلوم للظالم فهو محبوب عند اللّه تعالى فقد قال سبحانه: (لَا يُحِبُّ اللَّهُ الْجَهْرَ بِالسُّوءِ مِنَ الْقَوْلِ إِلَّا مَنْ ظُلِمَ وَكَانَ اللَّهُ سَمِيعًا عَلِيمًا﴾ (5)
ص: 430
يعني لا يحب اللّه هذا العمل إلّا أنّه تعالى يحب من المظلوم للظالم وهذا مِمّا لا يختلف فيه أحد من العلماء.
هذا أولاً.
و كذلك الحال بالنسبة إلى الأخبار فإن نهاية ما نستفيد منها النهي عن السب حيث يسمع عدو اللّه وهذا مبين من قوله (عَلَيهِ السَّلَامُ) فِي ما مرّ آنفا "حيث يسمعونكم "و "يعلن بسب أعدائكم (1) و هكذا يستفيد العلامة المجلسي رحمه اللّه من الآيات و الرويات كما يقول فى مرآة العقول : قوله (عَلَيهِ السَّلَامُ) : حيث يسمعونكم بفتح الياء، أي يسمعون منكم، بل سبّوا أعداء اللّه فِي الخلوات و فِي مجامع المؤمنين.». (2)
فلا يخفى على الفقيه المحقق أنّه لا بأس بالسب و سيما اللعن على أعداء اللّه في الخلوات، بل من الأمور الواجبة أو المستحبة على إختلاف الموارد و الشرايط و ذكرت لكم في بداية هذا الكتاب النصوص المرغبة بهذا العمل ومنها ما روى الكشي عن الكميت عن الإمام الصَّادق المصدّق (عَلَيهِ السَّلَامُ) أنّه يقول : نحنُ معاشر بَنِي هاشم نأمُرُ كِبارنا و صغارنا بسبِّهما و البراءةِ مِنهُما. ومنها ما روى الديلمي و المجلسي و كثير من علماءنا عن تفسير الإمام (عَلَيهِ السَّلَامُ) : أنّه قال للصادق (عَلَيهِ السَّلَامُ) رجُلٌ: يا ابن رسولِ اللّه إِنِّي عاجز يبدني عن نُصرتِكُم، و لستُ أملِكُ إِلَّا البراءة من أعدائِكُم، واللعن عليهم، فكيف حالي فقال له الصَّادق (عَلَيهِ السَّلَامُ) : حدّثني أبي عن أبيه عن جدّه (عَلَيهِم السَّلَامُ) عن رسُولِ اللّه (صَلَّى اللّه عَلَيْهِ وَآلِهِ) أَنَّهُ قال: من ضَعُف عن نُصرتنا أهل البيتِ، فَلَعَن فِي خلَواتِه أعداءنا، بلّغ اللّه صوتهُ جميع الأملاك من الثّرى
ص: 431
إلى العرش، فكُلّما لعن هذا الرّجُلُ أعداءنا لَعناً ساعدُوهُ فلعنُوا من يلعنُهُ، ثُمّ ثنوا فقالُوا : اللّهمّ صلّ على عبدك هذا، الّذي قد بذل ما فِي وسعه، و لو قدر على أكثر منه لفعل. فإذا النِّداءُ من قِبلِ اللّه تعالى: قد أجبتُ دُعاءكُم، و سمِعتُ نِداءكُم، وصلّيتُ على رُوحِهِ فِي الأرواح و جعلتُهُ عِندِي من المصطفين الأخيار. إنتهى
و كيف يكون اللعن فِي الخلوات ممنوعا و أدعيتنا و زياراتنا المأثورة، مشحونة من اللعن والتبري بحيث تترك تماما إذا نمنع من اللعن المخفي و بالتالي لا يبقى فِي أيدينا شيء من الأدعية والزيارات فخذ النبراس حتّى تخلص من الوسواس و ليس المقصود من الخلوة ما يخلوا الإنسان بنفسه أو مكان الإنفراد بحيث يكون هُو و نفسه بل المراد المكان الخالي من الأغيار كمجامع المؤمنين وبه صرّح المجلسي رحمه اللّه كما مضى. هذا ما أوصلني اللّه إليه واللّه أعلم بالصواب.
1 - عن محمّد بنِ مُسلِمٍ عن أبي عبدِ اللّه (عَلَيهِ السَّلَامُ) قال: كُلّما تقارب هذا الأمرُكان أشدّ للتقيّة (1)
2 - عن محمّد بنِ أبِي عُميرٍ، عنِ الحسين بن أبي فاختة، قال: كُنتُ أنا وأبو سلمة السّراجُ و يُونُسُ بن يعقوب و الفضيل بن يسار عِند أبي عبد اللّه جعفر بن محمّد (عَلَيهِمَا السَّلَامُ) فقُلتُ له: جعلت فداك، إنّي أحضُرُ مجالس هؤلاء القوم، فأُذكِّرُكُم فِي نفسي، فأي شيءٍ أقولُ فقال : يا حسين، إذا حضرت مجالسهم فقُل:" اللّهمّ أرنا الرخاء والسُّرُور" فإنّك تأتي على ما تُرِيدُ.
قال: فقُلتُ : جُعِلتُ فِداك، إِنِّي أذكُرُ الحسين بن علي (عَلَيهِمَا السَّلَامُ) فأي شيءٍ أَقُولُ إِذا ذكرتُه فقال: قُل:" صلى اللّه عليك يا أبا عبدِ اللّه " تُكرِرُها ثلاثاً. ثُمّ أقبل علينا وقال: إنّ أبا عبد اللّه الحسين (عَلَيهِ السَّلَامُ) لَمّا قُتِل بكت عليه السّماوات السبع والأرضُون السبع، وما فيهن وما بينهنّ، ومن يتقلب فِي الجنّة و النّارِ، وما يُرى و ما لا يُرى، إلّا ثلاثة أشياء، فإنّها لم تبكِ عليه.
فقُلتُ: جُعِلتُ فداك و ما هذِهِ الثلاثة أشياء الّتي لم تبكِ عليه فقال: البصرة، ودمشق، وآل الحكم بن أبي العاص. (2)
ص: 432
ص: 433
ص: 434
الفصل الثاني عشر: المناظرات
عن جعفر بن محمّد عن أبيه عن جدّه (عَلَيهِم السَّلَامُ) قال لما كان من أمر أبي بكروبيعة النّاس له و فعلهم بعلي لم يزل أبوبكر يظهر له الإنبساط ويرى مِنهُ الإنقباض فكبر ذلك على أبي بكرو أحبّ لقاءه و استخراج ما عنده والمعذرة إليهِ مِمّا اجتمع النّاس عليه وتقلِيدِهِم إِياه أمر الأمَّة و قِلَّةِ رغبتِهِ فِي ذلِك و زُهَدِهِ فِيهِ أتاه فِي وقتِ غفلةٍ وطلب منه الخلوة فقال يا أبا الحسن واللّه ما كان هذا الأمرُ عن مُواطَاةٍ مِنّي ولا رغبةٍ فِيما وقعتُ عليهِ ولا حِرص عليه ولا ثقة بنفسي فيما تحتاجُ إِليهِ الأمَّة ولا قوة لِي بِمالٍ ولا كثرة لعشيرة ولا استيثار بِهِ دُون غيري فما لك تُضمِرُ علي ما لم أستحِقَّهُ مِنكَ وتُظهِرُ لِي الكراهة لِما صِرتُ فِيهِ و تنظُرُ إِليَّ بِعِينِ الشَّنئانِ قال فقال أمِير المؤمنين (عَلَيهِ السَّلَامُ) فما حملك عليه إذ لم ترغب فِيهِ ولا حرصت عليهِ ولا وثقت بنفسك فِي القِيامِ بِهِ قال فقال أبوبكر حديث سمعتُهُ من رسول اللّه (صَلَّى اللّه عَلَيْهِ وَآلِهِ) إن اللّه لا يجمعُ أُمّتي على ضلالٍ و لما رأيتُ إِجماعهم اتبعتُ قول النَّبيّ (صَلَّى اللّه عَلَيْهِ وَآلِهِ) و أحلتُ أن يكُون إِجماعُهُم على خِلافِ الهدى من ضلالٍ فأعطيتهم قود الإجابة ولو علمتُ أن أحداً يتخلف لامتنعتُ فقال عليّ (عَلَيهِ السَّلَامُ) أما ما ذكرت من قول النَّبيّ (صَلَّى اللّه عَلَيْهِ وَآلِهِ) إن اللّه لا يجمعُ أُمَّتِي على ضلالٍ فكُنتُ من الأمَّة أم لم أكُن ؟ قال بلى قال وكذلك العصابة الممتنعة عنك من سلمان و عمَّار وأبي ذرو المقداد و ابنِ عبادة ومن
ص: 435
معه من الأنصارِ قال كلّ من الأمَّة قال عليّ (عَلَيهِ السَّلَامُ) فكيف تحتج بحديث النَّبيّ و أمثال هؤلاء قد تخلّفُوا عنك وليس لِلأُمَّةِ فيهم طعن ولا فِي صُحبةِ الرَّسُولِ لِصُحبتِهِ مِنهُم تقصير قال ما علمتُ بتخلَّفِهِم إِلّا بعد إبرامِ الأمر و خفتُ إِن قعدت عن الأمر أن يرجع النّاس مُرتدين عنِ الدِّينِ وكان مُمارستُهُم إِلى إِن أجبتُهُم أهون متُونةً على الدِّينِ وإِبقاءً لَهُ من ضَرْبِ النّاس بعضهم ببعض فيرجعُون كفاراً و علمتُ أنك لست بدوني فِي الإبقاء عليهم و على أديانِهِم فقال عليّ (عَلَيهِ السَّلَامُ) أجل ولكن أخبِرُونِي عن الّذي يستحقُ هذا الأمر بما يستحقه فقال أبوبكر بالنصيحة والوفاء ودفع المداهنة و حُسنِ السّيرة وإظهار العدل والعلم بالكتاب و السُّنّةِ وفصل الخطابِ مع الزُّهْدِ فِي الدُّنيا وقِلَّةِ الرّغبة فيها وانتِصافِ المظلُومِ من الظَّالِمِ لِلقريب والبعِيدِ ثُمّ سكت فقال عليّ (عَلَيهِ السَّلَامُ) و السابقة و القرابة فقال أبوبكرو السابقة والقرابة فقال عليّ (عَلَيهِ السَّلَامُ) أنشدك باللّه يا أبا بكراً فِي نفسك تجد هذه الخصال أو فِي ؟ فقال أبوبكربل فيك يا أبا الحسن قال فأنشُدُك بِاللّه أنا المجِيبُ لِرَسُولِ اللّه (صَلَّى اللّه عَلَيْهِ وَآلِهِ) قبل ذكران المسلمين أم أنت؟ قال بل أنت قال (عَلَيهِ السَّلَامُ) فأنشدك باللّه أنا صاحِبُ الأذان لأهل الموسم والجمع الأعظم لِلأُمَّةِ بِسُورة براءة أم أنت؟ قال بل أنت قال فأنشدك بِاللّه أنا وقيتُ رسول اللّه (صَلَّى اللّه عَلَيْهِ وَآلِهِ) بنفسِي يوم الغارِ أم أنت ؟ قال بل أنت قال فأنشُدُك بِاللّه أنا المولى لك ولِكُلِّ مُسلِمٍ بِحَدِيثِ النَّبيّ (صَلَّى اللّه عَلَيْهِ وَآلِهِ) يوم الغدير أم أنت؟ قال بل أنت.
قال فأنشدك باللّه ألي الولاية من اللّه مع رسُولِهِ فِي آية الزكاة بالخاتم أم لك ؟ قال بل لك قال فأنشدك باللّه ألي الوزارةُ مع رسُولِ اللّه (صَلَّى اللّه عَلَيْهِ وَآلِهِ) و المثلُ من هَارُون من مُوسى أم لك؟
قال بل لك قال فأنشُدُك بِاللّه أبي برز رسُولُ اللّه (صَلَّى اللّه عَلَيْهِ وَآلِهِ) و بِأهلي ووُلدِي فِي مُباهلة المشركين أم بك.
وبأهلك ووُلدِك ؟ قال بل بِكُم قال فأنشُدُك بِاللّه ألي ولأهلي ووُلدِي آية التطهير من الرّجس أم لك ولأهل بيتك ؟ قال بل لك ولأهل بيتك قال فأنشدك بِاللّه أنا صاحِبُ دعوة رسُولِ اللّه (صَلَّى اللّه عَلَيْهِ وَآلِهِ) وأهلي ووُلدِي يوم الكِساءِ اللّهمّ هؤلاءِ أهلي إليك لا إلى النّارِ أم أنت ؟ قال بل أنت وأهلك وولدك قال فأنشُدُك بِاللّه أنا صاحِبُ آيَةٍ يُوفُون بِالنَّذرِ ويخافون يوماً كان شره مُستطِيراً أم أنت؟ قال بل أنت
قال فأنشُدُك بِاللّه أنت الّذي رُدّت عليهِ الشَّمس لِوقتِ صلاته فصلّاها ثُمّ توارت أم أنا؟
ص: 436
قال بل أنت قال فأنشدك باللّه أنت الفتى نُودِي من السّماءِ لا سيف إِلَّا ذُو الفقار ولا فتى إِلّا علي أم أنا؟ قال بل أنت
قال فأنشُدُك بِاللّه أنت الّذي حباك رسُولُ اللّه (صَلَّى اللّه عَلَيْهِ وَآلِهِ) برايته يوم خيبر ففتح اللّه له أم أنا؟ قال بل أنت قال فأنشُدُك بِاللّه أنت الّذي نفست عن رسُولِ اللّه و عَنِ المسلمين بقتل عمرو بنِ عبدِ وُدٍ أم أنا؟
قال بل أنت
قال فأنشُدُك بِاللّه أنت الّذي ائتمنك رسُولُ اللّه (صَلَّى اللّه عَلَيْهِ وَآلِهِ) على رسالته إلى الجن فأجابت أم أنا؟ قال بل أنت قال فأنشُدُك بِاللّه أنا الّذي طَهِّرَهُ اللّه من السّفاحِ من لَدُن آدم إِلى أَبِيهِ بِقولِ رسول اللّه (صَلَّى اللّه عَلَيْهِ وَآلِهِ) خرجتُ أنا و أنت من نكاح لا من سفاح من لدن آدم إلى عبد المطلب أم أنت؟ قال بل أنت
قال فأنشُدُك بِاللّه أنا الّذي اختارني رسُولُ اللّه وزوجنِي ابنته فاطمة (عَلَيهَا السَّلَامُ) و قال اللّه زوجك إيّاها فِي السماء أم أنت ؟ قال بل أنت قال فأنشُدُك بِاللّه أنا والد الحسن والحسينِ سبطيه وريحانتيهِ إِذ يَقُولُ هُما سيّدا شبابِ أهلِ الجنّة وأبُوهُما خيرٌ منهما أم أنت ؟ قال بل أنت قال فأنشُدُك بِاللّه أَخُوك المزيّنُ بِالجناحين يطير فِي الجنّة مع الملائكة أم أخِي؟ قال بل أخُوك
قال فأنشُدُك بِاللّه أنا ضمِنتُ دِين رسُولِ اللّه وناديتُ فِي المواسم بإنجاز موعِدِهِ أم أنت ؟ قال بل أنت قال فأنشُدُك بِاللّه أنا الّذي دعاهُ رَسُولُ اللّه (صَلَّى اللّه عَلَيْهِ وَآلِهِ) و الطيرُ عِندَهُ يُرِيدُ أكلهُ يَقُولُ اللّهمّ ائتِنِي بِأحبّ خلقِك إليّ وإليك بعدِي يأكُل معِي من هذا الطير فلم يأتِهِ غيري أم أنت ؟ قال بل أنت
قال فأنشُدُك بِاللّه أنا الّذي بشرني رَسُولُ اللّه (صَلَّى اللّه عَلَيْهِ وَآلِهِ) بقتال الناكثين والقاسطين و المارقين على تأوِيلِ القُرآنِ أم أنت؟ قال بل أنت قال فأنشُدُك بِاللّه أنا الّذي دلّ عليهِ رَسُولُ اللّه (صَلَّى اللّه عَلَيْهِ وَآلِهِ) بعلم القضاء وفصل الخطابِ بِقولِهِ على أقضاكُم أم أنت؟ قال بل أنت قال فأنشدك باللّه أنا الّذي أمر رسُولُ اللّه (صَلَّى اللّه عَلَيْهِ وَآلِهِ) أصحابه بِالسّلام عليه بالإمرة فِي حياته أم أنت ؟
قال بل أنت قال فأنشدك باللّه أنا الّذي شهدت آخر كلام رسُولِ اللّه (صَلَّى اللّه عَلَيْهِ وَآلِهِ) وولّيتُ غُسله ودفنه أم أنت؟ قال بل أنت قال فأنشُدُك بِاللّه أنت الّذي سبقت له القرابةُ من رسُولِ اللّه (صَلَّى اللّه عَلَيْهِ وَآلِهِ)
ص: 437
أم أنا؟ قال بل أنت قال فأنشدك باللّه أنت حباك اللّه بِالدِّينارِ عِند حاجتِهِ إِليهِ و باعك جبرئيل وأضفت محمّداً فأطعمت وُلده أم أنا قال فبكى أبوبكر و قال بل أنت
قال فأنشُدُك بِاللّه أنت الّذي جعلك رسُولُ اللّه (صَلَّى اللّه عَلَيْهِ وَآلِهِ) على كتفه فِي طرح صنم الكعبة و كسره حتّى لوشِئتُ أن أنال أُفق السّماءِ لنلتها أم أنا قال بل أنت (صَلَّى اللّه عَلَيْهِ وَآلِهِ) قال فأنشدك بِاللّه أنت الّذي قال لك رسُولُ اللّه (صَلَّى اللّه عَلَيْهِ وَآلِهِ) أنت صاحِبُ لِوائِي فِي الدُّنيا والآخِرَةِ أم أنا؟ قال بل أنت
قال فأنشدك اللّه أنت الّذي أمرك رسول اللّه صل اللّه عليه واله يفتح بابه فِي مسجِدِهِ عند ما أُمِر بِسدِ أبوابِ جميع أهل بيته و أصحابِهِ وأحل لك فِيهِ ما أحل اللّه له أم أنا؟ قال بل أنت قال فأنشُدُك بِاللّه أنت الّذي قدّمت بين يدي نجوى رسُولِ اللّه (صَلَّى اللّه عَلَيْهِ وَآلِهِ) صدقةً فناجيته إِذ عاتب اللّه قوماً فقال أ أشفقتُ أن تُقدِّمُوا بين يدي نجواكُم صدقات أم أنا؟ قال بل أنت قال فأنشدك بِاللّه أنت قال رسُولُ اللّه (صَلَّى اللّه عَلَيْهِ وَآلِهِ) لفاطمة زوجتُكِ أوّل النّاس إيماناً و أرجحهم إسلاماً فِي كلام له أم أنا؟ قال بل أنت
قال فأنشدك باللّه يا أبا بكر أنت الّذي سلّمت عليه ملائكة سبع سماوات يوم القليب أم أنا قال بل أنت قال فلم يزل يُورِدُ مناقبهُ الّتي جعل اللّه له ورَسُولُهُ دُونه و دون غيرِهِ وَيَقُولُ لَهُ أبوبكر بل أنت قال فيهذا و شبهه تستحِقُ القِيام بِأُمُورِ أُمَّةِ محمّد مَا الّذي عَرَكَ عَنِ اللّه وعن رسُولِهِ ودِينه وأنت خلو مِمّا يحتاجُ إِليهِ أهلُ دِينِهِ قال فبكى أبوبكر و قال صدقت يا أبا الحسنِ أنظرني قيام يومي فأُدتِر ما أنا فيه و ما سمعتُ مِنك فقال عليّ (عَلَيهِ السَّلَامُ) لك ذلك يا أبا بكر فرجع من عِندِهِ وطابت نفسُهُ يومه ولم يأذن لأحدٍ إِلى اللَّيلِ وعُمرُ يتردّدُ فِي النّاس لِما بلغهُ من خلوتِهِ بعلي فبات فِي ليلته فرأى فِي منامه كأنّ رسُول اللّه (صَلَّى اللّه عَلَيْهِ وَآلِهِ) تمثل له فِي مجلسه فقام إليهِ أبوبكرِيُسلّمُ عليهِ فولّى عنه وجهه فصار مُقابِل وجهِهِ فسلم عليه فولّى وجهه عنه فقال أبوبكريا رسول اللّه أمرت بأمر لم أفعله فقال أرُدُّ عليك السّلام و قد عاديت من والاه اللّه ورسوله رُدّ الحقّ إلى أهلِهِ فقُلتُ من أهلُهُ قال من عاتبك عليهِ على قُلتُ فقد رددتُهُ عليهِ يا رسُول اللّه ثُمّ لم يره فأصبح وبكر إلى عليّ (عَلَيهِ السَّلَامُ) و قال ابسط يدك يا أبا الحسنِ أُبايِعك و أخبره بما قد رأى قال فبسط على يده فمسح عليها أبوبكرو بايعه وسلّم إليه وقال له اخرُج إِلى مسجِدِ رَسُولِ اللّه (صَلَّى اللّه عَلَيْهِ وَآلِهِ) فأخبرهم بما رأيتُ من ليلتي وما
ص: 438
جرى بيني وبينك وأخرج نفسي من هذا الأمرو أُسلّمُهُ إليك قال فقال عليّ (عَلَيهِ السَّلَامُ) نعم فخرج من عِندِهِ مُتغيّراً لونُهُ عاتباً نفسهُ فصادفهُ عُمرُو هُو فِي طلبِهِ فقال له ما لك يا خليفة رسُولِ اللّه فأخبره بما كان وما رأى و ما جرى بينه وبين علي فقال له أنشدك باللّه يا خليفة رسُولِ اللّه والإغترار بسحر بَنِي هاشم والثقة بهم فليس هذا بِأَوّلِ سِحرِ مِنهُم فما زال بِهِ حتّى ردّه عن رأيه و صرفه عن عزمِهِ ورَغْبَهُ فِيما هُو بِالشّباتِ عليهِ و القِيامِ بِهِ قال فأتى على المسجد على الميعاد فلم يرفيهِ مِنهُم أحداً فأحس بشيء منهم فقعد إلى قبرِ رسُولِ اللّه (صَلَّى اللّه عَلَيْهِ وَآلِهِ) قال فمرّبِهِ عُمرُ فقال يا عليُّ دُون ما تُرِيدُ خرط القتاد فعلم (عَلَيهِ السَّلَامُ) بالأمرو رجع إلى بيته (1).
يقول العلامة المجلسي رضوان اللّه عليه: وجدتُ فِي بعض مُؤلّفاتِ قُدماءِ أَصحابِنا فِي الأخبارِ ما هذا لفظه مناظرة الحروري و الباقر (عَلَيهِ السَّلَامُ) قال الحرورِيُّ إِنّ فِي أبي بكر أربع خصال استحق بها الإمامة قال الباقر (عَلَيهِ السَّلَامُ) ما هُن قال فإنّهُ أوّلُ الصِّدِّيقين ولا نعرِفُهُ حتّى يُقال الصِّدِّيقُ و الثانيةُ صاحِبُ رَسُولِ اللّه (صَلَّى اللّه عَلَيْهِ وَآلِهِ) فِي الغار و الثالثة المتولّي أمر الصَّلاة والرابعةُ ضجِيعُهُ فِي قبره قال أبو جعفر (عَلَيهِ السَّلَامُ) أخبرني عن هذِهِ الحِصالِ هُنَّ لِصاحِبك بان بها من النّاس أجمعين قال نعم قال أبو جعفر (عَلَيهِ السَّلَامُ) ويحك هذه الخصال تظُنُّ أنهنّ مناقِبُ لِصاحِبِك وهي مثالِبُ لهُ أما قولُهُ كان صِدِّيقاً فاسألُوهُ من سماه بهذا الاسم قال الحرُورِيُّ اللّه ورَسُولُهُ قال أبو جعفر (عَلَيهِ السَّلَامُ) اسألِ الفقهاء هل أجمعُوا على هذا من رِواياتِهم أنّ أبا بكر أول من آمن بِرسُولِ اللّه قالتِ الجماعةُ اللّهمّ لا وقد رُوينا أن ذلك عليّ بن أبِي طالِب قال الحرورِيُّ أو ليس قد زعمتم أن علي بن أبي طالب لم يُشرِك بِاللّه فِي وقتٍ من الأوقاتِ فإن كان ما رُوّيتُم حقّاً فأحرى أن يستحق هذا الإسم قالتِ الجماعةُ أجل قال أبو جعفر (عَلَيهِ السَّلَامُ) يا حروري إن كان سُمّي صاحِبُكَ صِدِّيقاً بِهذِهِ الخصلة فقد استحقها غيره قبله فيكُونُ المخصُوص بهذا الإسم دون أبي بكر إذ كان أوّل المؤمنين من جاء
ص: 439
بِالصّدقِ وهُو رسُولُ اللّه (صَلَّى اللّه عَلَيْهِ وَآلِهِ) وكان عليّ (عَلَيهِ السَّلَامُ) هُو المصدّق فانقطع الحروري قال أبو جعفر (عَلَيهِ السَّلَامُ) و أما ما ذكرت أنّه صاحِبُ رَسُولِ اللّه (صَلَّى اللّه عَلَيْهِ وَآلِهِ) فِي الغارِ فذلك رذيلة لا فضيلةٌ من وُجُوهِ الأول أنا لا نجد لهُ فِي الآية مدحاً أكثر من خُرُوجِهِ مَعهُ وصُحبتِهِ لَهُ وقد أخبر اللّه فِي كِتابِهِ أنّ الصُّحبة قد يكُونُ لِلكافِرِمع المؤمِن حيثُ يقُولُ (قَالَ لَهُ صَاحِبُهُ وَهُوَ يُحَاوِرُهُ أَكَفَرْتَ) وقولُه (أَنْ تَقُومُوا لِلَّهِ مَثْنَى وَفُرَادَى ثُمَّ تَتَفَكَّرُوا مَا بِصَاحِبِكُمْ مِنْ جِنَّةٍ) ولا مدح لهُ فِي صُحبتِهِ إِذ لم يدفع عنه ضيماً ولم يُحارب عنه عدُوّاً الثّاني قوله تعالى (لَا تَحْزَنْ إِنَّ اللَّهَ مَعَنَا) (1) وذلك يدلُّ على قلقِهِ و ضرعِهِ وقِلَّةِ صبره و خوفِهِ على نفسِهِ و عدمِ وُتُوقِهِ بِما وعدهُ اللّه ورَسُولُهُ من السلامة والظفر و لم يرض بمساواتِهِ لِلنّبيّ (صَلَّى اللّه عَلَيْهِ وَآلِهِ) حتّى نهاه عن حالِهِ ثُمّ إِنِّي أسألُك عن حزنه هل كان رِضاً للّه تعالى أو سخطاً لهُ فإِن قُلت إِنَّهُ رِضا للّه تعالى خُصِمت لِأَنَّ النَّبيّ (صَلَّى اللّه عَلَيْهِ وَآلِهِ) لا ينهى عن شيءٍ للّه فِيهِ رِضًا وإِن قُلت إِنَّهُ سخط فما فضل من نهاه رسُولُ اللّه (صَلَّى اللّه عَلَيْهِ وَآلِهِ) عن سخط اللّه وذلِك أَنَّهُ إِن كان أصاب فِي حُزنهِ فقد أخطأ من نهاه و حاشا النَّبيّ (صَلَّى اللّه عَلَيْهِ وَآلِهِ) أن يكون قد أخطأ فلم يبق إلّا أنّ حُزنه كان خطأ فنهاه رسُولُ اللّه (صَلَّى اللّه عَلَيْهِ وَآلِهِ) عن خطائِهِ الثَّالِثُ قوله تعالى إنّ اللّه معنا تعريف لِجاهِلٍ لم يعرف حقيقة ما يهم فِيهِ ولو لم يعرِفِ النَّبيّ (صَلَّى اللّه عَلَيْهِ وَآلِهِ) فساد اعتقادِهِ لم يحسن مِنهُ القولُ إِنّ اللّه معنا وأيضاً فإنّ اللّه تعالى مع الخلقِ كُلّهم حيث خلقهُم ورزقهُم وهُم فِي عِلمِهِ كما قال اللّه تعالى: (مَا يَكُونُ مِنْ نَجْوَى ثَلَاثَةٍ إِلَّا هُوَ رَابِعُهُمْ وَلَا خَمْسَةٍ إِلَّا هُوَ سَادِسُهُمْ) (2) فلا فضل لِصاحِبِك فِي هذا الوجه و الرابع قوله تعالى (فَأَنْزَلَ اللَّهُ سَكِينَتَهُ عَلَيْهِ وَأَيَّدَهُ بِجُنُودٍ لَمْ تَرَوْهَا) (3) فيمن نزلت قال على رَسُولِ اللّه قال له أبو جعفر (عَلَيهِ السَّلَامُ) فهل شاركه أبوبكر فِي السكينة قال الحروري نعم قال له أبو جعفر (عَلَيهِ السَّلَامُ) كذبت لأنّه لو كان شريكاً فيها لقال تعالى عليهما فلمّا قال عليهِ دلّ على اختصاصها بِالنَّبيّ (صَلَّى اللّه عَلَيْهِ وَآلِهِ) لما خصّهُ بِالتأييد بالملائكة لأن التأييد بِالملائِكَةِ لا يَكُونُ لِغيرِ النَّبيّ (صَلَّى اللّه عَلَيْهِ وَآلِهِ) بالإجماع و لو كان أبوبكر من يستحق المشاركة هنا
ص: 440
لأشركه اللّه فيها كما أشرك فيها المؤمِنين يوم حنينٍ حيثُ يقُولُ (ثُمَّ وَلَّيْتُمْ مُدْبِرِينَ * ثُمَّ أَنْزَلَ اللَّهُ سَكِينَتَهُ عَلَى رَسُولِهِ وَعَلَى الْمُؤْمِنِينَ) (1) ممّن يستحق المشاركة لأنّه لم يصبر مع النَّبيّ (صَلَّى اللّه عَلَيْهِ وَآلِهِ) غير تسعة نفر عليّ (عَلَيهِ السَّلَامُ) وستة من بَنِي هاشم وأبي دُجانة الأنصارِيّ و أيمن ابنِ أم أيمن فبان بهذا أنّ أبا بكرلم يكُن من المؤمِنِين ولو كان مُؤمِناً لأشركه مع النَّبيّ (صَلَّى اللّه عَلَيْهِ وَآلِهِ) فِي السكينة هنا كما أشرك فيها المؤمِنِين يوم حنين فقال الحرُورِيُّ قُومُوا فقد أخرجه من الإيمانِ فقال أبو جعفر (عَلَيهِ السَّلَامُ) ما أنا قُلتُهُ وإِنما قالهُ اللّه تعالى فِي مُحكمِ كِتَابِهِ قالتِ الجماعةُ خُصِمت يا حرورِيُّ قال أبو جعفر (عَلَيهِ السَّلَامُ) و أما قولك فِي الصَّلاة بِالنَّاسِ فإنّ أبا بكر قد خرج تحت يد أُسامة بن زيد بأمر رسول اللّه (صَلَّى اللّه عَلَيْهِ وَآلِهِ) بإجماع الأمَّة وكان أُسامة قد عسكر على أميال من المدينة فكيف يتقدّرُ أن يأمر رسُولُ اللّه (صَلَّى اللّه عَلَيْهِ وَآلِهِ) رجُلا قد أخرجه تحت يد أسامة وجعل أُسامة أمِيراً عليه أن يُصلّي بِالنَّاسِ بِالمدينةِ ولم يأمرِ النَّبيّ (صَلَّى اللّه عَلَيْهِ وَآلِهِ) برة ذلِك الجيش بل كان يقُولُ نفّذوا جيش أُسامة لعن اللّه من تأخّر عنهُ ثُمّ أَنتُم تَقُولُونَ إِنّ أبا بكرٍ لَا تقدّم بالنّاس وكبر و سمع رسُولُ اللّه (صَلَّى اللّه عَلَيْهِ وَآلِهِ) التكبير خرج مسرعاً يتهادى بين علي و الفضل بنِ العبّاس و هُو مُعصِّبُ الرّأسِ ورجلاه يخطانِ الأرض من الضّعف قبل أن يركع بهم أبوبكر حتّى جاء رسُولُ اللّه (صَلَّى اللّه عَلَيْهِ وَآلِهِ) و نحاه عن المحراب فلو كان النَّبيّ أمره بِالصَّلاة لم يخرُج إِليهِ مُسرِعاً على ضعفِهِ ذلِك أن لا يتم لهُ ركُوعٌ ولا سُجُودٌ فيكُونُ ذلِك حجّة لَهُ فدلّ على أنّه لم يكُن أمره و الحديث الصّحِيحُ أنّ رسُول اللّه (صَلَّى اللّه عَلَيْهِ وَآلِهِ) فِي حالِ مرضِهِ كان إذا حضر وقتُ الصَّلاة أتاهُ بِلال بالة فيقُولُ الصَّلاة يا رسُول اللّه فإن قدر على الصَّلاة بنفسِهِ تحامل وخرج وإلّا أمر عليّاً (عَلَيهِ السَّلَامُ) يُصلِّي بِالنَّاسِ قال أبو جعفر (عَلَيهِ السَّلَامُ) الرابعةُ زعمت أنّه ضجِيعُهُ فِي قبره قال نعم قال أبو جعفرٍ (عَلَيهِ السَّلَامُ) و أين قبر رسول اللّه (صَلَّى اللّه عَلَيْهِ وَآلِهِ) قال الحرورِيُّ فِي بيتِهِ قال أبو جعفراً وليس قال اللّه تعالى (يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا لَا تَدْخُلُوا بُيُوتَ النَّبِيِّ إِلَّا أَنْ يُؤْذَنَ لَكُمْ) (2) فهل استأذنه فِي ذلك قال الحرورِيُّ نعم قال أبو جعفر (عَلَيهِ السَّلَامُ) كذبت لأنّ رسُول اللّه (صَلَّى اللّه عَلَيْهِ وَآلِهِ) سد بابه عن المسجدِ وباب صاحِبِهِ عُمر فقال عُمريا رسُول اللّه اترك لِي كُوّةً أنظرك مِنها قال له ولا مِثل قُلامةِ ظُفُرٍ
ص: 441
فأخرجهما وسدّ أبوابهما فأقم البيّنة على أنّه أذن لهما فِي ذلك فقال أبو جعفر (عَلَيهِ السَّلَامُ) بأيّ وحيٍ وبأيّ نصٍّ قال بِما لا يُدفعُ بِمِيراتِ ابنتيهما قال أبو جعفر (عَلَيهِ السَّلَامُ) أصبت أصبت يا حروري استحقا بِذلِكَ تُسعاً من تُن وهُو جُزءٌ من اثنين وسبعين جُزءاً لأنّ رسول اللّه (صَلَّى اللّه عَلَيْهِ وَآلِهِ) مات عن ابنته فاطمة (عَلَيهَا السَّلَامُ) و عن تسع نسوةٍ وأنتُم رُوّيتُم أن الأنبياء لا تُورثُ فانقطع الحرورِيُّ. (1)
عن عِيسى بنِ عبدِ اللّه العلوي قال وحدّثني الأُسيدِي وَ محمّد بنُ مُبشِّرِ أَنْ عبد اللّه بن نافِعِ الأزرق كان يقُولُ لو أنّي علمتُ أنّ بين قطريها أحداً تُبلِغُنِي إِليه المطايا يخصِمُنِي أَنْ عليّاً قتل أهل النّهروان وهُو هُم غيرُ ظالِمِ لرحلتُ إليهِ فقيل له ولا ولده فقال أ فِي وُلدِهِ عالِمٌ فقيل له هذا أوّلُ جهلِك وهُم يخلون من عالم قال فمن عالمهُمُ اليوم قيل محمّد بنُ علي بن الحسينِ بنِ عليّ (عَلَيهِ السَّلَامُ) قال فرحل إليه فِي صنادِيدِ أصحابِهِ حتّى أتى المدينة فاستأذن على أبي جعفر (عَلَيهِ السَّلَامُ) فقيل له هذا عبد اللّه بن نافع فقال وما يصنعُ بِي وهو يبرأُ مِنِّي و من أبِي طرفي النَّهارِ فقال له أبو بصيرِ الكُوفِيُّ جُعِلتُ فِداك إنّ هذا يزعُمُ أنّهُ لو علم أنّ بين قطريها أحداً تُبلِغُهُ المطايا إليهِ يخصمُهُ أن عليّاً (عَلَيهِ السَّلَامُ) قتل أهل النّهروان وهُو هُم غيرُ ظالِمِ لرحل إليه فقال له أبو جعفرٍ (عَلَيهِ السَّلَامُ) أتراه جاءني مناظراً قال نعم قال يا غُلامُ اخرُج فحط رحله وقُل له إذا كان الغدُ فأَتِنا قال فلما أصبح عبد اللّه بن نافع غدا فِي صنادِيدِ أصحابِهِ وبعث أبو جعفر (عَلَيهِ السَّلَامُ) إلى جميع أبناء المهاجرين والأنصارِ فجمعهُم ثُمّ خرج إلى النّاس فِي ثوبينِ مُمشّرين وأقبل على النّاس كأنه فلقةُ قمرٍ فقال الحمد للّه مُحيّثِ الحيثِ و مُكتِفِ الكيف ومُؤتِنِ الأينِ الحَمدُ للّه الّذي لا تَأخُذُهُ سنةٌ ولا نوم له ما فِي السّماوات و ما فِي الأرضِ إِلى آخِرِ الآيةِ وأشهدُ أن لا إِله إِلَّا اللّه وحده لا شريك له وأشهدُ أنّ محمّداً (صَلَّى اللّه عَلَيْهِ وَآلِهِ) عبده ورسوله اجتباه و هداه إلى صراط مستقيم الحمد للّه الّذي أكرمنا بِنُبُوتِهِ و اختصنا بولايتِهِ يا معشر أبناء المهاجرين والأنصارِ من كانت عنده منقبة فِي عليّ بن أبِي طالِب (عَلَيهِ السَّلَامُ)
ص: 442
فليقُم وليتحدّث قال فقام النّاس فسردُوا تلك المناقب فقال عبد اللّه أنا أروى لِهذِهِ المناقبِ من هؤلاء وإنّما أحدث على الكفر بعد تحكيمه الحكمينِ حتّى انتهوا فِي المناقبِ إلى حدِيثِ خيبر لأُعطِينَ الراية غداً رجُلا يُحِبُّ اللّه ورسوله ويُحِبُّهُ اللّه و رسوله كراراً غير فرار لا يرجعُ حتّى يفتح اللّه على يديه فقال أبو جعفر (عَلَيهِ السَّلَامُ) ما تقُولُ فِي هذا الحدِيثِ فقال هُو حق لا شكّ فِيهِ ولكن أحدث الكُفر بعد فقال له أبو جعفر (عَلَيهِ السَّلَامُ) ثكلتك أُمُّك أخبرني عن اللّه عزّ و جلّ أحب عليّ بن أبِي طالِب يوم أحبّهُ وهُو يعلمُ أَنَّهُ يَقتُلُ أهل النّهروان أم لم يعلم قال ابن نافع أعِد علي فقال له أبو جعفر (عَلَيهِ السَّلَامُ) أخبرني عن اللّه جل ذكرُهُ أحبّ عليّ بن أبِي طالِب يوم أحبّهُ وهُو يعلمُ أنّه يقتُلُ أهل النّهروان أم لم يعلم قال إن قلت لا كفرت قال فقال قد علم قال فأحبّهُ اللّه على أن يعمل بطاعتِهِ أو على أن يعمل بمعصيته فقال على أن يعمل بطاعتِهِ فقال له أبو جعفر (عَلَيهِ السَّلَامُ) فقُم مخصُوماً فقام وهو يقُولُ حتّى يتبيّن لكُمُ الخيط الأبيضُ من الخيط الأسود من الفجر (اللَّهُ أَعْلَمُ حَيْثُ يَجْعَلُ رِسَالَتَهُ). (1)
عن عبد الكريم عتبة الهاشمي قال: كُنتُ قاعِداً عِند أبي عبد اللّه (عَلَيهِ السَّلَامُ) بمكّة إذ دخل عليهِ أُناسٌ من المعتزلة فيهم عمرُو بنُ عُبيدٍ وواصل بن عطاء وحفص بن سالم مولى ابنِ هبيرة و ناسٌ من رُؤسائهم وذلك حدثانُ قتل الوليدِ واختِلافِ أهلِ الشَّامِ بينهم فتكلّمُوا و أكثرُوا وخطبوا فأطالوا فقال لهم أبو عبد اللّه (عَلَيهِ السَّلَامُ) إِنَّكُم قد أكثرتُم علي فأسندوا أمرَكُم إلى رجُلٍ مِنكُم وليتكلّم بِحُججكُم و يُوجِزُ فأسندوا أمرهم إلى عمرو بن عُبيد فتكلم فأبلغ وأطال فكان فيما قال أن قال قد قتل أهلُ الشّامِ خليفتهم وضرب اللّه عزّ و جلّ بعضهم ببعض و شتت اللّه أمرهم فنظرنا فوجدنا رجُلاله دِين و عقل و مُرُوةٌ وموضع و معدِنٌ لِلخِلافةِ وهُو محمّد بنُ عبدِ اللّه بنِ الحسنِ فأردنا أن نجتمع عليهِ فنُبايعهُ ثُمّ نظهر معه فمن كان بايعنا فهُومِنَا وكُنَّا مِنهُ و من اعتزلنا كففنا عنه و من نصب لنا جاهدناه ونصبنا له على بغيه وردِهِ إِلى الحقّ وأهله وقد
ص: 443
أحببنا أن نعرض ذلك عليك فتدخُل معنا فإنّهُ لا غِنى بِنا عن مِثلِك لِموضِعِك و كثرة شيعتك فلما فرغ قال أبو عبد اللّه (عَلَيهِ السَّلَامُ) أكُلُّكُم على مثل ما قال عمرو قالوا نعم فحمد اللّه وأثنى عليه وصلّى على النَّبيّ (صَلَّى اللّه عَلَيْهِ وَآلِهِ) ثُمّ قال إِنّا نسخط إِذَا عُصِي اللّه فَأَمَّا إِذَا أُطِيع رضينا أخبرني يا عمرُو لو أنّ الأمَّة قلّدتك أمرها و ولتك بغيرِ قِتال ولا متونةٍ وقيل لك ولها من شِئت من كُنت تُولّيها قال كُنتُ أجعلُها شورى بين المسلمين قال بين المسلمين كُلّهم قال نعم قال بين فقهائهم و خيارِهِم قال نعم قال قُريش و غيرِهِم قال نعم قال والعرب والعجم قال نعم قال أخبرني يا عمرو أ تتولى أبا بكر و عُمر أو تتبرأُ منهما قال أتولّاها فقال فقد خالفتهما ما تقُولُون أنتُم تتولّونهما أو تتبرّءُون منهما قالوا نتولّاهما قال يا عمرُو إِن كُنت رجُلًا تتبرأُ مِنهُما فإنّهُ يَجُوزُلك الخِلافُ عليهما وإن كُنت تتولّاهُما فقد خالفتهما قد عهد عُمرُ إِلى أبي بكر فبايعه ولم يُشاوِر فِيهِ أحداً ثُمّ ردّها أبو بكر عليهِ ولم يُشاوِر فِيهِ أحداً ثُمّ جعلها عُمَرُ شورى بين ستة وأخرج منها جميع المهاجرين والأنصارِ غير أُولئِكَ السِّتَّةِ من قُريش و أوصى فيهم شيئاً لا أراك ترضى بِهِ أنت ولا أصحابك إذ جعلتها شورى بين جميع المسلمين قال وما صنع قال أمر طهيباً أن يُصلّي بِالنَّاسِ ثلاثة أيام وأن يُشاوِر أُولئِك السيئة ليس معهم أحدٌ إِلَّا ابنُ عُمر يشاورونه وليس لهُ من الأمرِ شيء و أوصى من بِحضرته من المهاجرين والأنصار إن مضت ثلاثة أيام قبل أن يفرغوا أو يُبايِعُوا رجُلا أن يضربوا أعناق أُولئِكَ السِّنَّةِ جميعاً فإن اجتمع أربعة قبل أن تمضي ثلاثة أيام وخالف اثنان أن يضربوا أعناق الإثنين أفترضون بهذا أنتُم فيما تجعلون من الشورى فِي جماعةٍ من المسلمين قالوا لا ثُمّ قال يا عمرو دع ذا أرأيت لو بايعت صاحِبك الّذي تدعُونِي إلى بيعتِهِ ثُمّ اجتمعت لكُمُ الأمَّة فلم يختلف عليكم رجُلانِ فيها فأفضتُم إلى المشركين الّذين لا يُسلِمُون ولا يُؤدُّون الجزية أكان عِندَكُم وعِند صاحِبِكُم مِن العِلمِ ما تسِيرُون بِسِيرة رسُولِ اللّه (صَلَّى اللّه عَلَيْهِ وَآلِهِ) فِي المشركين فِي حُرُوبِهِ قال نعم قال فتصنعُ ما ذا قال ندعُوهُم إِلى الإِسلام فإن أبوا دعوناهُم إِلى الجزية قال وإِن كانُوا مجوساً ليسوا بِأَهلِ الكِتابِ قال سواء قال وإِن كانُوا مُشرِكِي العربِ و عبدة الأوثان قال سواء قال أخبرني عن القُرآنِ تقرؤُهُ قال نعم قال اقرأ (قاتِلُوا الّذين لا يُؤْمِنُون بِاللّه ولا بِاليومِ الآخِرِ ولا يُحرِّمُون ما حرّم اللّه و رَسُولُهُ ولا يدِينُون دِين الحقّ من
ص: 444
الّذين أُوتُوا الكِتاب حتّى يُعطوا الجزية عن يد وهُم صاغِرُون) (1) فاستثناء اللّه عزّ و جلّ واشتراطهُ من الّذين أُوتُوا الكِتاب فهُم والّذين لم يُؤتوا الكتاب سواء قال نعم قال عمّن أخذت ذا قال سمعتُ النّاس يَقُولُون قال فدع ذا فإِن هُم أَبَوا الجزية فقاتلتهم فظهرت عليهم كيف تصنعُ بِالغنيمة قال أُخرجُ الخُمس وأقسم أربعة أخماس بين من قاتل عليهِ قال أخبرني عن الخمس من تُعطِيهِ قال حيثما سمى اللّه قال فقرأ (وَاعْلَمُوا أَنَّمَا غَنِمْتُمْ مِنْ شَيْءٍ فَأَنَّ لِلَّهِ خُمُسَهُ وَلِلرَّسُولِ وَلِذِي الْقُرْبَى وَالْيَتَامَى وَالْمَسَاكِينِ وَابْنِ السَّبِيلِ) (2) قال الّذي لِلرَّسُولِ من تُعطِيهِ و من ذُو القُربى قال قدِ اختلف فيه الفقهاء فقال بعضُهم قرابة النَّبيّ (صَلَّى اللّه عَلَيْهِ وَآلِهِ) وأهل بيته وقال بعضُهُمُ الخليفة وقال بعضُهُم قرابةُ الّذين قاتلُوا عليه من المسلمين قال فأي ذلِك تقول أنت قال لا أدري قال فأراك لا تدري فدع ذا ثُمّ قال أرأيت الأربعة أخماس تقسِمُها بين جميع من قاتل عليها قال نعم قال فقد خالفت رسول اللّه (صَلَّى اللّه عَلَيْهِ وَآلِهِ) فِي سيرته بيني وبينك فُقهاء أهل المدينةِ ومشيختهم فاسألهم فإِنّهم لا يختلفون و لا يتنازعُون فِي أَنّ رسُول اللّه (صَلَّى اللّه عَلَيْهِ وَآلِهِ) إنّما صالح الأعراب على أن يدعهم فِي دِيارِهِم ولا يُهَاجِرُوا على إِن دهِمَهُ من عَدُوِّهِ دهم أن يستنفرهُم فيُقاتِل بهم وليس لهم فِي الغنيمة نصيبٌ و أنت تقولُ بين جميعهم فقد خالفت رسُول اللّه (صَلَّى اللّه عَلَيْهِ وَآلِهِ) فِي كلّ ما قُلت فِي سيرته فِي المشركين و مع هذا ما تقُولُ فِي الصَّدقة فقرأ عليه الآية (إِنَّمَا الصَّدَقَاتُ لِلْفُقَرَاءِ وَالْمَسَاكِينِ وَالْعَامِلِينَ عَلَيْهَا) (3) إلى آخر الآية قال نعم فكيف تقسِمُها قال أقسِمُها على ثمانية أجزاء فأُعطِي كلّ جُزءٍ من الثّمانِيةِ جُزءاً قال وإن كان صِنف مِنهُم عشرة آلافٍ وصِنف مِنهُم رَجُلًا واحِداً أو رجُلين أو ثلاثةً جعلت هذا الواحِدِ مِثل ما جعلت للعشرة آلافٍ قال نعم قال و تجمع صدقات أهل الحضر و أهل البوادي فتجعلُهم فيها سواءً.
قال نعم قال فقد خالفت رسُول اللّه (صَلَّى اللّه عَلَيْهِ وَآلِهِ) فِي كلّ ما قُلت فِي سيرته كان رسُولُ اللّه (صَلَّى اللّه عَلَيْهِ وَآلِهِ) يقسِمُ صدقة أهلِ البوادِي فِي أهل البوادِي و صدقة أهل الحضر فِي أهل الحضر ولا يقسِمُهُ بينهُم
ص: 445
بِالسَّوِيَّةِ وإِنما يقسِمُهُ على قدر ما يحضُرُهُ مِنهُم وما يرى وليس عليه فِي ذلك مُوقَتُ مُوظف وإِنما يصنعُ ذلِك بِما يرى على قدر من يحضُرُهُ مِنهُم فإِن كان فِي نفسِك مِمّا قُلتُ شيءٌ فالق فقهاء أهل المدينةِ فإِنّهم لا يختلفون فِي أنّ رسُول اللّه (صَلَّى اللّه عَلَيْهِ وَآلِهِ) كذا كان يصنعُ ثُمّ أقبل على عمرِو بنِ عُبيد فقال لهُ اتَّقِ اللّه و أنتُم أَيُّها الرهط فاتَّقُوا اللّه فإنّ أبي حدّثني و كان خير أهل الأرضِ وأعلمهُم بِكِتابِ اللّه عزّو جلّ و سُنّة نبيه (صَلَّى اللّه عَلَيْهِ وَآلِهِ) أَن رسول اللّه (صَلَّى اللّه عَلَيْهِ وَآلِهِ) قال من ضرب النّاس بسيفِهِ ودعاهُم إِلى نفسِهِ وفِي المسلِمِين من هُو أعلمُ مِنْهُ فَهُو ضالٌ مُتكلّف. (1)
عن يونس بن يعقوب قال: كُنتُ عِند أبي عبد اللّه (عَلَيهِ السَّلَامُ) فورد عليهِ رجُلٌ من الشّامِ فقال إِنِّي صاحِبُ كلام وفقه وفرائض وقد جِئتُ لِمناظرة أصحابك فقال له أبو عبد اللّه (عَلَيهِ السَّلَامُ) كلامك هذا من كلامِ رسُولِ اللّه (صَلَّى اللّه عَلَيْهِ وَآلِهِ) أو من عِندِك فقال من كلامِ رَسُولِ اللّه بعضُهُ ومِن عِندِي بعضُهُ فقال له أبو عبدِ اللّه (عَلَيهِ السَّلَامُ) فأنت إذا شرِيكُ رسُولِ اللّه (صَلَّى اللّه عَلَيْهِ وَآلِهِ) قال لا قال فسمعت الوحي عنِ اللّه قال لا قال فتجِب طاعتك كما تجب طاعةُ رسُولِ اللّه (صَلَّى اللّه عَلَيْهِ وَآلِهِ) قال لا قال فالتفت إلي أبو عبد اللّه (عَلَيهِ السَّلَامُ) فقال يا يُونُسُ هذا خصم نفسه قبل أن يتكلّم ثُمّ قال يا يُونُسُ لو كُنت تُحسِنُ الكلام كلّمته قال يُونُسُ فيا لها من حسرة فقُلتُ جُعِلتُ فِداك سمِعتُك تنهى عنِ الكلام وتقُولُ ويلٌ لأصحابِ الكلام يقُولُون هذا ينقاد وهذا لا ينقاد وهذا ينساقُ و هذا لا ينساق وهذا نعقِلُه وهذا لا نعقِلُه فقال أبو عبدِ اللّه (عَلَيهِ السَّلَامُ) إِنّما قُلتُ ويلٌ لِقومٍ ترَكُوا قولي بالكلام وذهبوا إلى ما يُرِيدُون بِهِ ثُمّ قال اخرج إلى الباب من ترى من المتكلمين فأدخله قال فخرجتُ فوجدتُ حمران بن أعين وكان يُحسِنُ الكلام ومحمّد بن النعمان الأحول فكان مُتكلّماً وهشام بن سالم وقيس الماصر و كانا مُتكلّمين وكان قيس عِندِي أحسنهم كلاماً و كان قد تعلم الكلام من علي بن الحسين (عَلَيهِمَا السَّلَامُ) فأدخلتُهم عليهِ فَلَمّا استقربِنا المجلس وكُنّا فِي خيمة لأبي عبد اللّه (عَلَيهِ السَّلَامُ) فِي طرفِ جبل فِي طرِيقِ الحرمِ وذلك قبل الحج بِأيام أخرج أبو عبدِ اللّه (عَلَيهِ السَّلَامُ) رأسه من الخيمة فإذا هُو بِبعِيرِ يخُبُّ قال هشام ورب الكعبة قال وكُنا ظننا أن
ص: 446
هشاماً رجُلٌ من وُلدِ عَقِيلٍ كان شديد المحبّةِ لأبي عبد اللّه (عَلَيهِ السَّلَامُ) فإذا هشام بن الحكم قد ورد و هُو أوّل ما اختطت لِحِيتُهُ وليس فينا إِلَّا من هُو أكبرُ سِنّاً مِنهُ قال فوسع له أبو عبدِ اللّه (عَلَيهِ السَّلَامُ) و قال له ناصِرُنا بقلبه ويدِهِ ولِسانِهِ ثُمّ قال لِحُمران كلّم الرّجُل يعني الشّامِي فكلّمهُ حُمران و ظهر عليهِ ثُمّ قال يا طاق كلّمه فكلّمه فظهر عليه يعني بِالطَّاقِي محمّد بن النُّعْمَانِ ثُمّ قَالَ هِشَامِ بنِ سالِمٍ فكلّمهُ فتعارفا ثُمّ قال لقيس الماصِرِ كلّمه فكلّمه فأقبل أبو عبد اللّه (عَلَيهِ السَّلَامُ) تبسّم من كلامهما وقد استخذل الشامِيُّ فِي يَدِهِ ثُمّ قال لِلشَّامِيّ كلّم هذا الغُلام يعني هشام بن الحكم فقال نعم ثُمّ قال الشامِيُّ هشام يا غُلامُ سلني فِي إمامة هذا يعني أبا عبد اللّه (عَلَيهِ السَّلَامُ) فغضب هشام حتّى ارتعد ثُمّ قال له أخبرني يا هذا أ ربُّك أنظرُ لِخلقِهِ أم خلقُهُ لِأَنفُسِهِم فقال الشّامِيُّ بل ربّي أنظرُ لِخلقِهِ قال ففعل بنظرِهِ لهُم فِي دِينِهم ما ذا قال كلّفهُم وأقام لهُم حجّة ودليلا على ما كلّفهم وأزاح فِي ذلِك عِللهم فقال لهُ هِشام فما هذا الدِّلِيلُ الّذي نصبه لهم قال الشَّامِيُّ هُو رسُولُ اللّه قال هشام فبعد رسُولِ اللّه (صَلَّى اللّه عَلَيْهِ وَآلِهِ) من قال الكِتابُ والسُّنَّةُ فقال هشام فهل نفعنا اليوم الكِتابُ والسُّنةُ فيما اختلفنا فِيهِ حتّى رفع عنا الاختِلاف ومكننا من الاتفاق فقال الشّامِيُّ نعم قال هشام فلم اختلفنا نحنُ وأنت جئتنا من الشّامِ فخالفتنا و تزعُمُ أنّ الرّأي طرِيقُ الدِّينِ وأنت مُقِرٌّ بِأنّ الرّأي لا يجمعُ على القول الواحِدِ المختلفين فسكت الشامي كالمفكّر فقال أبو عبدِ اللّه (عَلَيهِ السَّلَامُ) ما لك لا تتكلّمُ قال إن قُلتُ إِنَّا ما اختلفنا كابرتُ وإِن قُلتُ إنّ الكتاب والسُّنّة يرفعان عنا الإختلاف أبطلتُ لأنهما يحتملانِ الوجوه وإِن قُلتُ قدِ اختلفنا وكُلُّ واحِدٍ مِنا يدعي الحقّ فلم ينفعنا إذا الكِتابُ والسُّنةُ و لكِن لِي عليهِ مِثلُ ذلِك فقال لهُ أبو عبد اللّه (عَلَيهِ السَّلَامُ) سله تجده ملِيّاً فقال الشّامِيُّ هِشام من أنظر للخلقِ رَبُّهُم أَم أَنفُسُهُم فقال بل ربُّهم أنظرُهُم فقال السّامِيُّ فهل أقام لهم من يجمعُ كلمتهم ويرفع اختلافهُم ويُبيِّنُ لهُم حقهُم من باطِلِهِم فقال هشام نعم قال الشّامِيُّ من هُو قال هشام أمَّا فِي ابتداءِ الشَّرِيعَةِ فَرسُولُ اللّه (صَلَّى اللّه عَلَيْهِ وَآلِهِ) وأما بعد النَّبيّ (صَلَّى اللّه عَلَيْهِ وَآلِهِ) فغيرُه قال الشّامِيُّ من هُو غيرُ النَّبيّ القائم مقامه فِي حُجّتِهِ قال هِشَامٌ فِي وقتنا هذا أم قبله قال السّامِيُّ بل فِي وقتنا هذا قال هشام هذا الجالس يعني أبا عبد اللّه (عَلَيهِ السَّلَامُ) الّذي نشُدُّ إِليهِ الرّحال ويُخبِرُنا بِأخبار السّماءِ وِراثةً عن أب عن جدّ قال الشّامِيُّ وكيف لِي بِعِلمِ ذلِك فقال هشام سلهُ عمّا بدا لك قال قطعت عُذرِي
ص: 447
فعلي السُّؤالُ فقال أبو عبدِ اللّه (عَلَيهِ السَّلَامُ) أنا أكفيك المسألة يا شامِيُّ أُخبرك عن مسيرك و سفرك خرجت يوم كذا وكان طريقك كذا و مررت على كذا ومربك كذا فأقبل الشّامِيُّ كُلّما وصف له شيئاً من أمرِه يَقُولُ صدقت واللّه ثُمّ قال الشّامِيُّ أسلمتُ اللّه الساعة فقال له أبو عبدِ اللّه بل آمنت بِاللّه السّاعة إنّ الإسلام قبل الإيمان وعليه يتوارثون ويتناكحون والإيمان عليهِ يُتابون قال الشامي صدقت فأنا الساعة أشهدُ أن لا إله إلّا اللّه وأن محمّداً رَسُولُ اللّه وأَنَّكَ وصِيُّ الأَنبِياءِ قال فأقبل أبو عبد اللّه (عَلَيهِ السَّلَامُ) على حمران فقال يا حمرانُ تُجري الكلام على الأثر فتُصِيبُ و التفت إلى هشام بن سالم فقال تُرِيدُ الأثر و لا تعرفُ ثُمّ التفت إلى الأحول فقال قياس رواغ تكسِرُ باطِلًا بِباطِلٍ إِلّا أنّ باطِلك أظهرُ ثُمّ التفت إلى قيس الماصِرِ فقال تتكلّمُ و أقرب ما تكُونُ من الخبر عن الرسول (صَلَّى اللّه عَلَيْهِ وَآلِهِ) أبعد ما تكونُ مِنهُ تمزج الحقّ بالباطل وقليل الحقّ يكفي عن كثير الباطل أنت والأحولُ قفازانِ حاذقانِ قال يُونُسُ بنُ يعقُوب فظننتُ واللّه أَنَّهُ واللّه أَنْه (عَلَيهِ السَّلَامُ) يقُولُ هشام قريباً مِمّا قال لهما فقال (عَلَيهِ السَّلَامُ) يا هشام لا تكاد تقعُ تلوي رجليك إذا هممت بالأرضِ طرت مِثلُك فليُكلِّم النّاس اتَّقِ الزّلّة والشّفاعةُ من ورائك (1)
عن أحمد الطوسي عن أشياخِهِ فِي حديث أنّه انتدب للرّضا (عَلَيهِ السَّلَامُ) قوم يُناظرونه فِي الإمامةِ عِند المأمُونِ فأذن لهم فاختارُوا يحيى بن الضَّحَاكِ السَّمرقنديّ فقال سل يا يحيى قال يحيى بل سل أنت يا ابن رسُولِ اللّه لِتُشرفني بِذلِك فقال (عَلَيهِ السَّلَامُ) يا يحيى ما تقول فِي رجل ادعى الصدق لنفسِهِ وكذب الصَّادقين أيكُونُ صادِقاً مُحِقاً فِي دِينِهِ أم كاذباً فلم يُحِر جواباً ساعةً فقال المأمونُ أجِبهُ يا يحيى فقال قطعني يا أمِير المؤمنين فالتفت إلى الرّضا فقال ما هذه المسألة الّتي أقريحي بالإنقطاع فيها فقال (عَلَيهِ السَّلَامُ) إن زعم يحيى أنّه صدق الصَّادقين فلا إمامة لمن شهد بالعجز على نفسِهِ فقال على مِنبرِ الرَّسُولِ ولّيتُكُم و لستُ بِخِيرَكُم والأَمِيرُ خَيرُ من الرّعِيّةِ و إن زعم يحيى أنّه صدق الصَّادقين فلا إمامة لمن أقر على نفسِهِ على منبر الرسول (صَلَّى اللّه عَلَيْهِ وَآلِهِ) أن لي شيطاناً يعتريني والإمامُ لا يَكُونُ فِيهِ شيطان و إن زعم يحيى أنّه صدق الصَّادقين فلا إمامة لمن أقر
ص: 448
عليه صاحبه فقال كانت إمامة أبي بكر فلتةً وقى اللّه شرها فمن عاد إلى مِثلها فاقتُلُوهُ فصاح المأمون عليهم فتفرقوا ثُمّ التفت إلى بَنِي هاشم فقال لهم ألم أقل لكُم أن لا تُفاتِحُوهُ ولا تجمعوا عليه فإنّ هؤلاءِ عِلمُهُم من عِلمِ رَسُولِ اللّه (1).
و روى الشيخ الصدوق هذه الرواية وكذلك الطبرسي عن محمّد بن يحي الصولي أنّه قال:...كان المأمُونُ فِي باطِنِه يُحِبُّ سقطاتِ الرّضا (عَلَيهِ السَّلَامُ) وأن يعلُوهُ المحتج وإن أظهر غير ذلك فاجتمع عِنده الفقهاء والمتكلمون فدسّ إليهم أن ناظِرُوهُ فِي الإمامة فقال لهم الرضا (عَلَيهِ السَّلَامُ) اقتصروا على واحِدٍ مِنكُم يلزمُكُم ما يلزمُهُ فرضُوا بِرجُلٍ يُعرفُ بِيحي بنِ الضَّحَاكِ السمرقندِي و لم يكُن بِخُراسان مِثلُهُ فقال له الرضا (عَلَيهِ السَّلَامُ) يا يحيى سل عمّا شِئت فقال نتكلّمُ فِي الإمامة كيف ادعيت لمن لم يؤُمّ وتركت من أمّ ووقع الرّضا بِهِ فقال له يا يحيى أخبرني عمّن صدق كاذباً على نفسِهِ أو كذب صادِقاً على نفسِهِ أيكُونُ مُحِقَّاً مُصِيباً أو مُبطِلًا مُخطِئاً فسكت يحيى فقال له المأمون أجِبهُ فقال يُعفيني أمِير المؤمنين من جوابِهِ فقال المأمونُ يا أبا الحسنِ عرفنا الغرض فِي هذه المسألة فقال لا بُدّ ليحيى من أن يُخبر عن أئِمَّتِهِ أَنهم كذبُوا على أنفُسِهِم أو صدقوا فإن زعم أنهم كذبوا فلا أمانة لكذاب و إن زعم أنهم صدقوا فقد قال أَوهُم وُلّيتُكُم و لستُ بِخيرِكُم و قال تاليه كانت بيعته فلتةً فمن عاد لمثلها فاقتُلُوهُ فو اللّه ما رضي لمن فعل مثل فِعلِهِم إِلَّا بِالقتل فمن لم يكُن بِخيرِ النّاس والخيرِيَّةُ لا تقعُ إِلَّا بِنُعُوتٍ مِنها العِلم و مِنها الجِهَادُ و مِنها سائِرُ الفضائل وليست فيه و من كانت بيعته فلتةً يجب القتل على من فعل مثلها كيف يُقبل عهده إلى غيرِهِ و هذِهِ صُورتُهُ ثُمّ يَقُولُ على المنبرِ إِنّ لي شيطاناً يعتريني فإذا مال بي فقومُونِي و إذا أخطأتُ فأرشِدُوني فليسوا أئِمَةً بِقولِهِم إِن صدقوا أو كذبوا فما عند يحيى فِي هذا جواب فعجب المأمونُ من كلامِهِ و قال يا أبا الحسنِ ما فِي الأرضِ من يُحسِنُ هذا سواك. (2)
ص: 449
رُوي أنّ المأمون بعد ما زوج ابنته أُمّ الفضل أبا جعفر كان فِي مجلس و عنده أبو جعفر (عَلَيهِ السَّلَامُ) ويحيى بن أكثم وجماعة كثيرة فقال له يحيى بن أكثم ما تقُولُ يا ابن رسولِ اللّه فِي الخبرِ الّذي رُوِي أَنْهُ نزل جبرئيل (عَلَيهِ السَّلَامُ) على رسول اللّه (صَلَّى اللّه عَلَيْهِ وَآلِهِ) و قال يا محمّد إِنَّ اللّه عزّوجلّ يُقرِئُكَ السّلام و يقُولُ لك سل أبا بكرهل هُو عنّي راضٍ فإنّي عنه راض ؟ فقال أبو جعفر (عَلَيهِ السَّلَامُ) لستُ بمنكر فضل أبي بكر و لكن يجب على صاحِبِ هذا الخبر أن يأخُذ مِثال الخبرِ الّذي قاله رسُولُ اللّه (صَلَّى اللّه عَلَيْهِ وَآلِهِ) فِي حجّة الوداع قد كثرت على الكذابةُ وستكتُرُ بعدي فمن كذب علي متعمداً فليتبوأ مقعده من النّارِ فإذا أتاكُمُ الحَدِيثُ عَنِّي فاعرِضُوهُ على كِتابِ اللّه وسُنّتي فما وافق كِتاب اللّه وسُنّتي فخُذُوا بِهِ و ما خالف كتاب اللّه وسُنّتي فلا تأخُذُوا بِهِ وليس يُوافِقُ هذا الخبر كتاب اللّه قال اللّه تعالى (وَلَقَدْ خَلَقْنَا الْإِنْسَانَ وَنَعْلَمُ مَا تُوَسْوِسُ بِهِ نَفْسُهُ وَنَحْنُ أَقْرَبُ إِلَيْهِ مِنْ حَبْلِ الْوَرِيدِ) (1) فاللّه عزّ و جلّ خفي عليهِ رِضاءُ أبي بكر من سخطه حتّى سأل عن مكنون سره؟ هذا مُستحِيلٌ فِي العُقُولِ ثُمّ قال يحيى بن أكثم وقد رُوي أن مثل أبي بكر و عمر فِي الأرض كمثل جبرئيل وميكائيل فِي السماء ؟ فقال وهذا أيضاً يجب أن يُنظر فيه لأن جبرئيل وميكائيل ملكانِ للّه مُقرّبانِ لم يعصِيا اللّه قطّ ولم يُفارِقا طاعته لحظةً واحِدةً و هُما قد أشركا بِاللّه عزّ و جلّ و إن أسلما بعد الشّركِ فكان أكثر أيامهما الشّرك باللّه فحال أن يُشبِهُما بِهما قال يحيى وقد رُوي أيضاً أنهما سيّدا كُهُولِ أهل الجنّة فما تقُولُ فِيهِ ؟ فقال (عَلَيهِ السَّلَامُ) وهذا الخبرُ مُحالٌ أيضاً لأن أهل الجنّة كُلَّهُم يَكُونُون شُبّاناً ولا يكُونُ فيهم كهل وهذا الخبر وضعهُ بنُو أُميّة لِلمُضادّةِ الخبرِ الّذي قالهُ رسُولُ اللّه (صَلَّى اللّه عَلَيْهِ وَآلِهِ) فِي الحسن والحسين (عَلَيهِمَا السَّلَامُ) بأنهما سيدا شباب أهل الجنّة فقال يحيى بن أكثم و رُوي أنّ عُمر بن الخطابِ سِراجُ أهل الجنّة فقال (عَلَيهِ السَّلَامُ) وهذا أيضاً مُحالٌ لأن فِي الجنّة ملائكة اللّه المقربين وآدم و محمّد [ محمّداً] و جميع الأنبياء والمرسلين لا تُضيء الجنّة بِأنوارِهِم حتّى تُضِيء بِنُورِ عُمر؟
فقال يحيى وقد رُوي أنّ السّكينة تنطِقُ على لِسانِ عُمر؟ فقال (عَلَيهِ السَّلَامُ) لستُ بمنكر فضل عُمر و لكن أبا بكر أفضلُ من عُمر فقال على رأس المنبر إن لي شيطاناً يعتريني فإذا مِلتُ فسدّدوني فقال
ص: 450
يحيى قد رُوي أن النَّبيّ (صَلَّى اللّه عَلَيْهِ وَآلِهِ) قال لولم أُبعث لبعث عُمرُ؟ فقال (عَلَيهِ السَّلَامُ) كِتابُ اللّه أصدقُ من هذا الحدِيثِ يَقُولُ اللّه فِي كِتَابِهِ (وَإِذْ أَخَذْنَا مِنَ النَّبِيِّينَ مِيثَاقَهُمْ وَمِنْكَ وَمِنْ نُوحٍ) (1) فقد أخذ اللّه ميثاق النّبِيِّين فكيف يُمكن أن يُبدِّل مِيثَاقَهُ وكُلُّ الأَنبِياءِ (عَلَيهِم السَّلَامُ) لم يُشركوا باللّه طرفة عين فكيف يُبعثُ بِالنُّبُوَّةِ من أشرك وكان أكثر أيامه مع الشرك باللّه وقال رسُولُ اللّه (صَلَّى اللّه عَلَيْهِ وَآلِهِ) نبنتُ وآدم بين الرُّوحِ و الجسدِ فقال يحيى بن أكثم وقد رُوي أيضاً أنّ النَّبيّ (صَلَّى اللّه عَلَيْهِ وَآلِهِ) قال ما احتُبِس عنِّي الوحي قط إلّا ظننتُه قد نزل على آلِ الخطاب؟
فقال (عَلَيهِ السَّلَامُ) و هذا مُحالٌ أيضاً لأنّه لا يجوز أن يشكّ النَّبيّ (صَلَّى اللّه عَلَيْهِ وَآلِهِ) فِي نُبُوتِهِ قالَ اللّه تعالى (اللَّهُ يَصْطَفِي مِنَ الْمَلَائِكَةِ رُسُلًا وَمِنَ النَّاسِ) (2) فكيف يُمكن أن تنتقل النُّبُوةُ من اصطفاه اللّه تعالى إلى من أشرك بِهِ ؟ قال يحيى رُوي أنّ النَّبيّ (صَلَّى اللّه عَلَيْهِ وَآلِهِ) قال لونزل العذاب لما نجا مِنهُ إِلَّا عُمر فقال (عَلَيهِ السَّلَامُ) وهذا مُحالٌ أيضاً لأن اللّه تعالى يَقُولُ ﴿وَمَا كَانَ اللَّهُ لِيُعَذِّبَهُمْ وَأَنْتَ فِيهِمْ وَمَا كَانَ اللَّهُ مُعَذِّبَهُمْ وَهُمْ يَسْتَغْفِرُونَ﴾ (3) فأخبر سُبحانهُ أَنَّهُ لا يُعذِّبُ أحداً مادام فيهم رسُولُ اللّه (صَلَّى اللّه عَلَيْهِ وَآلِهِ) و ماداموا يستغفرون (4)
ص: 451
عن يونس بن يعقوب قال: كان عِند أبي عبدِ اللّه الصَّادق (عَلَيهِ السَّلَامُ) جماعة من أصحابِهِ فيهم حمرانُ بنُ أعين و مُؤمِنُ الطَّاقِ وهشام بن سالم و الطيار و جماعةٌ من أصحابِهِ فِيهِم هِشام بن الحكم وهو شاب فقال أبو عبد اللّه (عَلَيهِ السَّلَامُ) يا هشام قال لبيك يا ابن رسُولِ اللّه قال ألا تُحدّثني كيف صنعت بعمرِو بنِ عُبيد وكيف سألته قال هشام جُعِلتُ فِداك يا ابن رسُولِ اللّه إِنِّي أُجِلُّك وأستحييك و لا يعمل لساني بين يديك فقال أبو عبدِ اللّه الصَّادق (عَلَيهِ السَّلَامُ) يا هِشَامُ إذا أمرتُكُم بِشيءٍ فافعلُوهُ قال هشام بلغني ما كان فِيهِ عمرُو بنُ عُبيدٍ وجُلُوسُهُ فِي مَسجِدِ البصرة وعظم ذلك عليّ فخرجتُ إليهِ ودخلت البصرة فِي يوم الجمعة فأتيتُ مسجد البصرة فإذا أنا بحلقةٍ كبيرة و إذا أنا بعمرِو بنِ عُبيد عليهِ شملةٌ سوداءُ مُتَزِرُبِها من صُوفٍ وشملةٌ مُرتد بها والنَّاسُ يسألونه فاستفرجتُ النّاس فأفرجُوا لِي ثُمّ قعدتُ فِي آخِرِ القومِ على ركبتي ثُمّ قُلتُ أيُّها العالم أنا رجُلٌ غريب تأذن لي فأسألك عن مسألةٍ قال فقال نعم قال قُلتُ لهُ ألك عين قال يا بَنِي أيُّ شيءٍ هذا من السُّؤالِ فقُلتُ هكذا مسألتي فقال يا بَنِي سل وإن كانت مسألتك حمقاً قال فقُلتُ أجبني فيها قال فقال لي سل فقُلتُ ألك عين قال نعم قال قُلتُ فما ترى بها قال الألوان والأشخاص قال فقُلتُ ألك أنف قال نعم قال قُلتُ فما تصنعُ بها قال أتشمّمُ بها الرائحة قال قُلتُ ألك فمّ قال نعم قُلتُ وما تصنعُ بِهِ قال أعرِفُ بِهِ طعم الأشياء قال قُلتُ أ لك لسان قال نعم قُلتُ وما تصنعُ بِهِ قال أتكلّمُ بِهِ قال قُلتُ ألك أُذُنٌ قال نعم قُلتُ وما تصنعُ بها قال أسمعُ بها الأصوات قال قُلتُ ألك يد قال نعم قُلتُ وما تصنعُ بها قال أبطش بها وأعرِفُ بِها الليّن من الخشِنِ قال قُلتُ ألك رِجلانِ قال نعم قُلتُ ما تصنعُ بهما قال أنتقل بهما من مكان إلى مكان قال قُلتُ ألك قلب قال نعم قُلتُ وما تصنعُ بِهِ قال أَمتِرُ بِهِ كلّ ما ورد على هذه الجوارح قال قُلتُ أفليس فِي هذِهِ الجوارحِ غِنّى عنِ القلبِ قال لا قُلتُ وكيف ذلك و هِي صحيحةٌ سليمةٌ قال يا بَنِي إنّ الجوارح إذا شكت فِي شيءٍ شمته أو رأته أو ذاقته أو سمعته أو لمسته ردّته إلى القلب فتقن [فيستيقِنُ] اليقين ويُبطِلُ الشّك قال فقُلتُ إِنّما أقام اللّه القلب لشكّ الجوارحِ قال نعم قال قُلتُ فلابُدّ من القلبِ وإلا لم يستقم الجوارح قال نعم قال فقُلتُ يا أبا مروان إنّ اللّه تعالى
ص: 452
ذكره لم يترك جوارحك حتّى جعل لها إماماً يُصحِحُ لها الصّحِيح ويُتقِنُ ما شك فيه ويترك هذا الخلق كُلّهُم فِي حيرتهم وشكّهم واختِلافِهِم لا يُقِيمُ لهم إماماً يردُّون إليهم شكهم و حيرتهم ويُقيم لك إماماً لجوارحك تردُّ إليه حيرتك وشكك قال فسكت ولم يقُل شيئاً قال ثُمّ التفت إليّ فقال أنت هِشام فقُلتُ لا فقال لي أجالسته فقُلتُ لا فقال فن أين أنت قُلتُ من أهل الكوفة قال فأنت إذا هُو قال ثُمّ ضمّنِي إِليهِ وأقعدني فِي مجلسِهِ وما نطق حتّى قُمتُ فضحِك أبو عبدِ اللّه (عَلَيهِ السَّلَامُ) ثُمّ قال يا هشام من علمك هذا قال فقُلتُ يا ابن رسُولِ اللّه جرى على لساني قال يا هشام هذا واللّه مكتُوبٌ فِي صُحُفِ إِبراهيم و مُوسى. (1)
عن جماعة ثقات أنّه لما وردت حرة بنت حليمة السعدية على الحجاج بن يوسف الثقفي فمثلت بين يديه قال لها أنت حرة بنت حليمة السعدية قالت له فراسة من غير مؤمن فقال لها اللّه جاء بك فقد قيل عنك إنّک تفضلين عليّاً على أبي بكر و عمر و عثمان فقالت لقد كذب الّذي قال إني أفضله على هؤلاء خاصّة قال وعلى من غير هؤلاء قالت أفضله على آدم و نوح و لوط وإبراهيم و داود وسليمان و عیسی ابن مریم (عَلَيهِم السَّلَامُ) فقال لها ويلك إنّک تفضلينه على الصحابة وتزيدين عليهم سبعة من الأنبياء من أولي العزم من الرسل إن لم تأتيني ببيان ما قلت ضربت عنقك فقالت ما أنا مفضّلَتَه على هؤلاء الأنبياء ولكن اللّه (عزّوجلّ) فضله عليهم فِي القرآن بقوله عزّوجلّ فِي حق آدم (وَعَصَى آدَمُ رَبَّهُ فَغَوَى) (2) وقال فِي حق علي (وَكَانَ سَعْيُكُمْ مَشْكُورًا) (3) فقال أحسنت يا حرة فبما تفضلينه على نوح و لوط فقالت اللّه عزّ وجلّ فضله عليهما بقوله (ضَرَبَ اللَّهُ مَثَلًا لِلَّذِينَ كَفَرُوا امْرَأَتَ نُوحٍ وَامْرَأَتَ لُوطٍ كَانَتَا تَحْتَ عَبْدَيْنِ مِنْ عِبَادِنَا صَالِحَيْنِ فَخَانَتَاهُمَا فَلَمْ يُغْنِيَا عَنْهُمَا مِنَ اللَّهِ شَيْئًا وَقِيلَ ادْخُلَا النَّارَ مَعَ الدَّاخِلِينَ) (4) وعلي بن أبي
ص: 453
طالب زوجته بنت محمّد فاطمة الزهراء الّتي يرضى اللّه تعالى لرضاها ويسخط لسخطها فقال الحجاج أحسنت يا حرة فبما تفضلينه على أبي الأنبياء إبراهيم خليل اللّه فقالت اللّه (عزّوجلّ) فضله بقوله (وَإِذْ قَالَ إِبْرَاهِيمُ رَبِّ أَرِنِي كَيْفَ تُحْيِي الْمَوْتَى قَالَ أَوَلَمْ تُؤْمِنْ قَالَ بَلَى وَلَكِنْ لِيَطْمَئِنَّ قَلْبِي)(1) ومولاي أمِير المؤمنين قال قولا لا يختلف فيه أحد من المسلمين لوكشف الغطاء ما ازددت يقينا وهذه كلمة ما قالها أحد قبله ولا بعده فقال أحسنت يا حرة فبما تفضلينه على موسى كليم اللّه قالت يقول اللّه عزّوجلّ (فَخَرَجَ مِنْهَا خَائِفًا يَتَرَقَّبُ) (2) و عليّ بن أبِي طالِب (عَلَيهِ السَّلَامُ) بات على فراش رسول اللّه (صَلَّى اللّه عَلَيْهِ وَآلِهِ) لم يخف حتّى أنزل اللّه تعالى فِي حقه (وَمِنَ النَّاسِ مَنْ يَشْرِي نَفْسَهُ ابْتِغَاءَ مَرْضَاتِ اللَّهِ) (3)قال الحجاج أحسنت يا حرة فبما تفضلينه على داود وسليمان (عَلَيهِمَا السَّلَامُ) قالت اللّه تعالى فضله عليهما بقوله عزّ وجلّ (يَا دَاوُودُ إِنَّا جَعَلْنَاكَ خَلِيفَةً فِي الْأَرْضِ فَاحْكُمْ بَيْنَ النَّاسِ بِالْحَقِّ وَلَا تَتَّبِعِ الْهَوَى فَيُضِلَّكَ عَنْ سَبِيلِ اللَّهِ) (4) قال لها فِي أي شيء كانت حكومته قالت فِي رجلين رجل كان له كرم والآخر له غنم فنفشت الغنم بالكرم فرعته فاحتكما إلى داود (عَلَيهِ السَّلَامُ) فقال تباع الغنم وينفق ثمنها على الكرم حتّى يعود إلى ما كان عليه فقال له ولده لا يا أبه بل يؤخذ من لبنها و صوفها قال اللّه تعالى (فَفَهَّمْنَاهَا سُلَيْمَانَ) (5) و إن مولانا أمِير المؤمنين عليّاً (عَلَيهِ السَّلَامُ) قال سلوني عمّا فوق العرش سلوني عمّا تحت العرش سلوني قبل أن تفقدوني وإنه (عَلَيهِ السَّلَامُ) دخل على رسول اللّه (صَلَّى اللّه عَلَيْهِ وَآلِهِ) يوم فتح خيبر فقال النَّبيّ (صَلَّى اللّه عَلَيْهِ وَآلِهِ) للحاضرين أفضلكم وأعلمكم وأقضاكم علي فقال لها أحسنت فبما تفضلينه على سليمان فقالت اللّه تعالى فضله عليه بقوله تعالى (ربّ هَبْ لِي مُلْكًا لَا يَنْبَغِي لِأَحَدٍ مِنْ بَعْدِي) (6) ومولانا أمِير المؤمنين عليّ (عَلَيهِ السَّلَامُ) قال طلقتك يا دنيا ثلاثا لا حاجة لي فيك فعند ذلك أنزل اللّه
ص: 454
تعالى فيه (تِلْكَ الدَّارُ الْآخِرَةُ نَجْعَلُهَا لِلَّذِينَ لَا يُرِيدُونَ عُلُوًّا فِي الْأَرْضِ وَلَا فَسَادًا) (1) فقال أحسنت يا حرة فبما تفضلينه على عِيسى ابن مريم (عَلَيهِ السَّلَامُ) قالت اللّه تعالى عزّ وجلّ فضله بقوله تعالى (وَإِذْ قَالَ اللَّهُ يَا عِيسَى ابْنَ مَرْيَمَ أَأَنْتَ قُلْتَ لِلنَّاسِ اتَّخِذُونِي وَأُمِّيَ إِلَهَيْنِ مِنْ دُونِ اللَّهِ قَالَ سُبْحَانَكَ مَا يَكُونُ لِي أَنْ أَقُولَ مَا لَيْسَ لِي بِحَقٍّ إِنْ كُنْتُ قُلْتُهُ فَقَدْ عَلِمْتَهُ تَعْلَمُ مَا فِي نَفْسِي وَلَا أَعْلَمُ مَا فِي نَفْسِكَ إِنَّكَ أَنْتَ عَلَّامُ الْغُيُوبِ * مَا قُلْتُ لَهُمْ إِلَّا مَا أَمَرْتَنِي بِهِ﴾ الآية (2) فأخر الحكومة إلى يوم القيامة و عليّ بن أبِي طالِب لما ادعوا النصيرية فيه ما ادعوه قتلهم ولم يؤخر حكومتهم فهذه كانت فضائله لم تعد بفضائل غيره قال أحسنت يا حرة خرجت من جوابك و لولا ذلك لكان ذلك ثُمّ أجازها و أعطاها و سرحها سراحا حسنا رحمة اللّه عليها. (3)
قال رجل لعبد الملك بن مروان أناظرك و أنا آمن قال نعم فقال له أخبرني عن هذا الأمر الّذي صار إليك أبنص من اللّه ورسوله قال لا قال اجتمعت الأمَّة فتراضوا بك فقال لا قال فكانت لك بيعة فِي أعناقهم فوفوا بها قال لا قال فاختارك أهل الشورى قال لا قال أفليس قد قهرتهم على أمرهم واستأثرت بفيئهم دونهم قال بلى قال فبأي شيء سميت أمِير المؤمنين ولم يؤمرك اللّه ولا رسوله و لا المسلمون قال له اخرج عن بلادي وإلا قتلتك قال ليس هذا جواب أهل العدل والإنصاف ثُمّ خرج عنه. (4)
قال القاضي الشوشتري فِي كتاب المجالس : بينما القاضي عبد الجبار ذات يوم فِي مجلسه فِي بغداد و مجلسه مملوء من علماء الفريقين إذ حضر الشيخ وجلس فِي صف النعال، ثُمّ قال للقاضي إن لي سؤالا، فإن أجزت بحضور هؤلاء الأئمّة.
ص: 455
فقال له القاضي: سل.
فقال: ما تقول فِي هذا الخبر الّذي ترويه طائفة من الشيعة «من كنت مولاه فعلي مولاه» أهو مسلم صحيح عن النَّبيّ (صَلَّى اللّه عَلَيْهِ وَآلِهِ) يوم الغدير؟
فقال: نعم خبر صحيح.
فقال الشيخ: ما المراد بلفظ المولى فِي الخبر؟
فقال : هُو بمعنى أولى.
فقال الشيخ فما هذا الخلاف والخصومة بين الشيعة والسنة؟
فقال الشيخ: أيها الأخ هذه رواية، وخلافة أبي بكر دراية، والعادل لا يعادل الرواية بالدراية. فقال الشيخ: ما تقول فِي قول النَّبيّ (صَلَّى اللّه عَلَيْهِ وَآلِهِ) لعليّ (عَلَيهِ السَّلَامُ) : «حربك حربي، وسلمك سلمي»؟
قال القاضي: الحديث صحيح.
فقال: ما تقول فِي أصحاب الجمل؟
فقال القاضي: أيها الأخ إنّهم تابوا.
فقال الشيخ: أيها القاضي الحرب دراية، والتوبة رواية، وأنت قررت فِي حديث الغدير أن الرواية لا تعارض الدراية.
فبهت الشيخ القاضي، ولم يحرجوابا، ووضع رأسه ساعة ثُمّ رفع رأسه، وقال: من أنت؟
فقال: خادمك محمّد بن محمّد بن النعمان الحارثي.
فقام القاضي من مقامه، وأخذ بيد الشيخ وأجلسه على مسنده وقال: أنت المفيد حقا، فتغيرت وجوه علماء المجلس، فلما أبصر القاضي ذلك منهم قال: أيها الفضلاء والعلماء، إن هذا الرجل ألزمني، و أنا عجزت عن جوابه، فإن كان أحد منكم عنده جواب عمّا ذكره فليذكر ليقوم الرجل ويرجع مكانه الأول.
فلما انفصل المجلس شاعت القصة واتصلت بعضد الدولة، فأرسل إلى الشيخ فأحضره، و سأله عمّا جرى فحكى له ذلك، فخلع عليه خلعة سنية، وأخذ له بفرس محلى بالزينة، وأمر له بوظيفة تجري عليه (1).
ص: 456
يقال: إن السطان محمّد الجايتو (الشاه خدابنده) غضب يوماً على إمرأته فقال لها: أنت طالق ثلاثاً، ثُمّ ندم وجمع العلماء.
فقالوا: لابد من المحلل.
فقال: عندكم فِي كلّ مسألة أقاويل مختلفة أو ليس لكم هنا اختلاف ؟
فقالوا: لا.
فقال أحد وزرائه: إن عالماً بالحلّة وهو يقول ببطلان هذا الطلاق.
فبعث كتابه إلى العلامة وأحضره، فلمّا بعث إليه.
قال علماء العامَّة: إنّ له مذهباً باطلاً، ولا عقل للروافض ولا يليق بالملك أن يبعث إلى طلب رجل خفيف العقل.
قال الملك حتّى يحضر.
فلمّا حضر العلامة بعث الملك إلى جميع علماء المذاهب الأربعة وجمعهم.
فلما دخل العلامة أخذ نعليه بيده، ودخل المجلس، وقال: السلام عليكم وجلس عند الملك.
فقالوا للملك: ألم نقل لك إنّهم ضعفاء العقول.
قال الملك: إسألوا عنه فِي كلّ ما فعل.
فقالوا له: لم ما سجدت للملك وتركت الآداب ؟
فقال: إنَّ رسول اللّه (صَلَّى اللّه عَلَيْهِ وَآلِهِ) كان ملكاً وكان يسلّم عليه وقال اللّه تعالى فإذا دخلتم بيوتاً فسلّموا على أنفُسِكم تحيّةً من عند اللّه مباركةً ولا خلاف بيننا وبينكم أنّه لا يجوز السجود
لغير اللّه.
ثم قال له: لم جلست عند الملك ؟
قال: لم يكن مكان غيره، وكلّما يقوله العلامة بالعربي كان المترجم يترجم للملك.
قالوا له: لأيّ شيء أخذت نعلك معك، وهذا مِمّا لا يليق بعاقل بل إنسان ؟
قال: خفت أن يسرقه الحنفية كما سرق أبو حنيفة نعل رسول اللّه !!
ص: 457
فصاحت الحنفية: حاشا وكلاً، متى كان أبو حنيفة فِي زمان رسول اللّه - (صَلَّى اللّه عَلَيْهِ وَآلِهِ) - بل كان تولّده بعد المأة من وفاته (صَلَّى اللّه عَلَيْهِ وَآلِهِ).
فقال: فنسيت فلعله كان السارق الشافعي !!
فصاحت الشافعية كذلك وقالوا: كان تولّد الشافعي فِي يوم وفاة أبي حنيفة، وكانت نشوءه في المأتين من وفاة رسول اللّه (صَلَّى اللّه عَلَيْهِ وَآلِهِ)
وقال: لعلّه كان مالك !!
فصاحت المالكية كالأولين.
فقال : لعلّه كان أحمد ففعلت الحنبلية كذلك.
فأقبل العلامة إلى الملك وقال: أيها الملك علمت أن رؤساء المذاهب الأربعة لم يكن أحدهم فِي زمن رسول اللّه - (صَلَّى اللّه عَلَيْهِ وَآلِهِ) و لا الصحابة، فهذا أحد بدعهم أنهم اختاروا من مجتهديهم هذه الأربعة، ولو كان فيهم من كان أفضل منهم بمراتب لا يجوزون أن يجتهد بخلاف ما أفتى واحد منهم.
فقال الملك: ما كان واحد منهم فِي زمان رسول اللّه (صَلَّى اللّه عَلَيْهِ وَآلِهِ) و الصحابة ؟!
فقال الجميع: لا.
فقال العلامة : ونحن معاشر الشيعة تابعون لأمِير المؤمنين (عَلَيهِ السَّلَامُ) نفس رسول اللّه (صَلَّى اللّه عَلَيْهِ وَآلِهِ) وأخيه وابن عمه ووصيّه، وعلى أي حال فالطلاق الّذي أوقعه الملك باطل لأنة لم يتحقّق شروطه، ومنها العدلان فهل قال الملك بمحضرهما ؟
قال: لا.
ثم شرع فِي البحث مع العلما حتّى ألزمهم جميعاً، فتشيّع الملك، وبعث إلى البلاد والأقاليم حتّى يخطبوا بالأئمّة الإثني عشر (عَلَيهِم السَّلَامُ)، ويضربوا السكك على أسمائهم وينقشوها على أطراف المساجد والمشاهد منهم. (1)
ص: 458
جاء فِي كتاب التحفة الشاهية : أنّه بعد أن ذاع صيت إجتهاد شيخ الطائفة الإمامية فِي زمانه، ووجههم ورئيسهم فِي ذلك الزمان، وهو جمال الملة والدين، الحسن بن المطهر الحلي، روح اللّه روحه، وأسكنه بحبوحة جنّاته. أنّه قدم أحد المشائخ، وكان ساكناً بأرض الشام، فحينما سمع بأن العلامة على مذهب الأئمّة الاثني عشر، وأن الأحاديث والأخبار الشريفة تدل على أحقيتهم، وأنهم على سنّة رسول اللّه سافر من بلده إلى الحلة قاصداً مناظرة العلامة عليه الرحمة وإفحامه.
وحينما وصل خبر وصوله إلى الحلّة خرج اثنان من تلامذة العلامة لاستقباله، وليمتحنوا قدرته على مناظرة العلامة، ومدى معرفته بالعلوم ليخبروا العلامة بذلك.
وحينما التقوا بالشيخ الشامي سألوه عن الحديث المروي المشهور : ستفترق أمتي على ثلاث وسبعين فرقة، كلّهم فِي النار إلّا واحدة وأنه هل ثبت صحة هذا الحديث عنده أم لا؟
فقال : نعم.
فسألوه : هل أن الأئمّة الاثني عشر الّذين يعتقد فيهم الشيعة العصمة والطهارة، وأنهم أئمة تجب طاعتهم داخلون فِي هذه الفرقة، أم أنهم داخلون فِي الفرقة الهالكة ؟
فلم يلتفت إليهم الشيخ الشامي ولم يجبهم، ثُمّ قفل عائداً إلى الشام وتركهم.
ويقال : إنّه حينما سألوه عن السبب فِي عدم إجابتهم قال لهم : لأني كنت عاجزاً عن إجابتهم شقي السؤال ; لأنّه لو أجبتهم بدخول هؤلاء فِي الفرقة الناجية فإنه يستلزم الإعتراف بنجاة الفرقة الإماميّة، وأدخل نفسي فِي الفرقة الهالكة، وإن لم أعترف بدخولهم. والعياذ باللّه.
في الفرقة الناجية فإني أدخل فِي زمرة الكفرة و المخلدين فِي النار (1).
ص: 459
كانت لمؤمن الطاق مع أبي حنيفة حكايات كثيرة فمنها: أنّه قال له يوما: يا أبا جعفر تقول بالرجعة؟ قال: نعم.
فقال له: اقرضني من كيسك هذا خمسمائة دينار فإذا عدت أنا و أنت رددتها إليك.
فقال له فِي الحال: أريد ضمينا يضمن لي أنك تعود إنسانا، وأني أخاف أن تعود قردا فلا أتمكن من استرجاع ما أخذت مني. (1)
قال السيد المرتضى (رضيَ اللّهُ عنهُ) فِي كتاب الفصول، أخبرني الشيخ أيده اللّه قال دخل ضرار بن عمرو الضبي على يحيى بن خالد البرمكي فقال له يا أبا عمرو هل لك فِي مناظرة رجل هُو ركن الشيعة فقال ضرار هلم من شئت فبعث إلى هشام بن الحكم فأحضره فقال يا أبا محمّد هذا ضرار و هُو من قد علمت فِي الكلام والخلاف لك فكلمه فِي الإمامة فقال نعم ثُمّ أقبل على ضرار فقال يا أبا عمرو خبرني على ما تجب الولاية والبراءة على الظاهر أم على الباطن فقال ضرار بل على الظاهر فإن الباطن لا يدرك إلّا بالوحي فقال هشام صدقت فخبرني الآن أي الرجلين كان أذب عن وجه رسول اللّه (صَلَّى اللّه عَلَيْهِ وَآلِهِ) بالسيف وأقتل لأعداء اللّه عزّ و جلّ بين يديه وأكثر آثارا فِي الجهاد عليّ بن أبِي طالِب أو أبوبكر فقال عليّ بن أبِي طالِب ولكن أبا بكر كان أشد يقينا فقال هشام هذا هُو الباطن الّذي قد تركنا الكلام فيه وقد اعترفت لعليّ (عَلَيهِ السَّلَامُ) بظاهر عمله من الولاية ما لم يجب لأبي بكر فقال ضرار هذا الظاهر نعم ثُمّ قال هشام أفليس إذا كان الباطن مع الظاهر فهو الفضل الّذي لا يدفع فقال ضرار بلى فقال هشام ألست تعلم أن النَّبيّ (صَلَّى اللّه عَلَيْهِ وَآلِهِ) قال لعليّ (عَلَيهِ السَّلَامُ) إنّه مني بمنزلة هارون من موسى إلّا أنّه لا نبي بعدي فقال ضرار نعم فقال له هشام أيجوز أن يقول له هذا القول إلّا وهو عنده فِي الباطن مؤمن قال لا فقال هشام فقد صح لعليّ (عَلَيهِ السَّلَامُ) ظاهره وباطنه ولم يصح لصاحبك ظاهر و لا باطن والحمد للّه. (2)
ص: 460
سأل أبو الحسن علي بن ميثم أبا الهذيل العلاف فقال له: أليس تعلم أن إبليس ينهى عن الخير كله ويأمر بالشركله فقال نعم قال أ فيجوز أن يأمر بالشر كله وهو لا يعرفه وينهى عن الخير كله وهو لا يعرفه قال لا فقال له أبو الحسن رحمه اللّه قد ثبت أن إبليس يعلم الشركله والخير كله قال أبو الهذيل أجل قال فأخبرني عن إمامك الّذي تأتم به بعد الرسول (صَلَّى اللّه عَلَيْهِ وَآلِهِ) هل يعلم الخير كله والشركله قال لا قال له فإبليس أعلم من إمامك إذن فانقطع أبوالهذيل. و قال أبو الحسن علي بن ميثم يوما آخر لأبي الهذيل أخبرني عمن أقر على نفسه بالكذب وشهادة الزور هل تجوز شهادته فِي ذلك المقام على آخرين قال أبو الهذيل لا يجوز ذلك قال له أبو الحسن أفلست تعلم أن الأنصار ادعت الإمرة لنفسها ثُمّ أكذبت أنفسها فِي ذلك المقام وشهدت عليها بالزور ثُمّ أقرت بها لأبي بكرو شهدت بها له فكيف تجوز شهادة قوم قد أكذبوا أنفسهم وشهدوا عليها بالزور مع ما أخذنا رهنك به من القول فِي ذلك. (1)
جاء ضرار إلى أبي الحسن علي بن ميثم رحمه اللّه فقال له يا أبا الحسن قد جئتك مناظرا فقال له أبو الحسن وفيم تناظرني فقال فِي الإمامة فقال ما جئتني واللّه مناظرا ولكنك جئت متحكما قال له ضرار و من أين لك ذلك قال أبو الحسن علي البيان عنه أنت تعلم أن المناظرة ربما انتهت إلى حد يُغمضُ فيه الكلام فتتوجه الحجة على الخصم فيجهل ذلك أو يعاند وإن لم يشعر بذلك أكثر مستمعيه بل كلهم ولكني أدعوك إلى منصفة من القول وهو أن تختار أحد الأمرين إما أن تقبل قولي فِي صاحبي وأقبل قولك فِي صاحبك فهذه واحدة قال ضرار لا أفعل ذلك قال له أبو الحسن ولم لا تفعله قال لأنني إذا قبلت قولك فِي صاحبك قلت لي إنّه كان وصي رسول اللّه (صَلَّى اللّه عَلَيْهِ وَآلِهِ) و أفضل من خلفه وخليفته على قومه وسيد المسلمين فلا ينفعني بعد إن قبلت ذلك منك أن صاحبي كان صديقا و اختاره المسلمون إماما لأن الّذي قبلته منك يفسد
ص: 461
هذا علي قال له أبو الحسن فاقبل قولي فِي صاحبك و أقبل قولك فِي صاحبي قال ضرار و هذا لا يمكن أيضا لأني إذا قبلت قولك فِي صاحبي قلت لي كان ضالا مضلا ظالما لآل محمّد (عَلَيهِم السَّلَامُ) قعد فِي غير مجلسه ودفع الإمام عن حقه وكان فِي عصر النَّبيّ (صَلَّى اللّه عَلَيْهِ وَآلِهِ) منافقا فلا ينفعني قبولك قولي فيه إنّه كان خيرا صالحا وصاحبا أمينا لأنّه قد انتقض بقبولي قولك فيه بعد ذلك إنّه كان ضالا مضلا فقال له أبو الحسن رحمه اللّه فإذا كنت لا تقبل قولك فِي صاحبك ولا قولي فيه ولا قولك فِي صاحبي فما جئتني إلّا متحكما ولم تأتني مباحثا مناظرا (1).
سأل أبو الهذيل العلاف أبا الحسن علي بن ميثم رحمه اللّه عند علي بن رياح فقال له ما الدليل على أن عليّاً كان أولى بالإمامة من أبي بكر فقال له الدليل على ذلك إجماع أهل القبلة على أن عليّاً (عَلَيهِ السَّلَامُ) كان عند وفاة رسول اللّه (صَلَّى اللّه عَلَيْهِ وَآلِهِ) مؤمنا عالما كافيا ولم يجمعوا بذلك على أبي بكر فقال له أبوالهذيل ومن لم يجمع عليه عافاك اللّه قال له أبو الحسن أنا وأسلافي من قبل وأصحابي الآن فقال له أبوالهذيل فأنت وأصحابك ضلال تائهون قال له أبو الحسن ليس جواب هذا الكلام إلّا السباب ثُمّ اللطام (2).
ذكر السيد المرتضى (رحمه اللّه) فِي كتاب الفصول مناظرة الشيخ المفيد فِي إبطال إمامة أبي بكر من جهة الإجماع، سأله المعروف بالكتبي فقال له ما الدليل على فساد إمامة أبي بكر.
فقال له الأدلة على ذلك كثيرة وأنا أذكر لك منها دليلا يقرب إلى فهمك وهو أن الأمَّة مجمعة على أن الإمام لا يحتاج إلى إمام وقد أجمعت الأمَّة على أن أبا بكر قال على المنبروليتكم و لست بخيركم فإن استقمت فاتبعوني وإن اعوججت فقوموني.
فاعترف بحاجته إلى رعيته و فقره إليهم فِي تدبيره ولا خلاف بين ذوي العقول أن من احتاج إلى
ص: 462
رعيته فهو إلى الإمام أحوج وإذا ثبت حاجة أبي بكر إلى الإمام بطلت إمامته بالإجماع المنعقد على أن الإمام لا يحتاج إلى إمام.
فلم يدر الكتبي بم يعترض وكان بالحضرة رجل من المعتزلة يعرف بعزرالة فقال ما أنكرت على من قال لك إن الأمَّة أيضا مجمعة على أن القاضي لا يحتاج إلى قاض والأمير لا يحتاج إلى أمير فيجب على هذا الأصل أن توجب عصمة الأمراء والقضاة أو تخرج عن الإجماع.
فقال له الشيخ أدام اللّه عزه إن سكوت الأول أحسن من كلامك هذا و ما كنت أظن أنّه يذهب عليك الخطأ فِي هذا الفصل أو تحمل نفسك عليه مع العلم بوهنه وذلك أنّه لا إجماع فيما ذكرت بل الإجماع فِي ضده لأن الأمَّة متفقة على أن القاضي الّذي هُو دون الإمام يحتاج إلى قاض هُو الإمام والأمير من قبل الإمام يحتاج إلى أمير هُو الإمام وذلك مسقط ما تعلقت به اللّهمّ إلّا أن تكون أشرت بالأمير و القاضي إلى نفس الإمام فهو كما وصفت غير محتاج إلى قاض يتقدمه أو أمير عليه وإنما استغنى عن ذلك لعصمته وكماله فأين موضع إلزامك عافاك اللّه فلم يأت بشيء.
و أيضا سأله رجل من المعتزلة يعرف بأبي عمرو الشطوي فقال له أليس قد أجمعت الأمَّة على أن أبا بكر و عمر كان ظاهرهما الإسلام فقال له الشيخ نعم قد أجمعوا على أنهما قد كانا على ظاهر الإسلام زمانا فاما أن يكونوا مجمعين على أنهما كانا فِي سائر أحوالهما على ظاهر الإسلام فليس فِي هذا إجماع للاتفاق على أنهما كانا على الشرك و لوجود طائفة كثيرة العدد تقول إنهما كانا بعد إظهارهما الإسلام على ظاهر كفر بجحد الن (صَلَّى اللّه عَلَيْهِ وَآلِهِ) و أنّه كان يظهر منهما النفاق فِي حياة النَّبيّ (صَلَّى اللّه عَلَيْهِ وَآلِهِ) فقال الشطوي قد بطل ما أردت أن أورده على هذا السؤال بما أوردت و كنت أظن أنك تطلق القول على ما سألتك.
فقال له الشيخ أدام اللّه عزه قد سمعت ما عندي وقد علمت ما الّذي أردت فلم أمكنك نه و لكني أنا أضطرك إلى الوقوع فيما ظننت أنك توقع خصمك فيه أليس الأمَّة مجمعة على أنّه من اعترف بالشك فِي دين اللّه والريب فِي نبوة رسول اللّه (صَلَّى اللّه عَلَيْهِ وَآلِهِ) فقد اعترف بالكفر و أقر به على نفسه فقال بلى.
فقال له الشيخ أدام اللّه عنه فإن الأمَّة مجمعة لا خلاف بينها على أن عُمر بن الخطاب قال ما
ص: 463
شككتُ مُنذُ يومٍ أسلمتُ إِلَّا يوم قاضى فِيهِ رَسُولُ اللّه (صَلَّى اللّه عَلَيْهِ وَآلِهِ) أهل مكّة فإِنِّي جِئتُ إِلَيهِ فقُلتُ له يا رسُول اللّه ألست بنتي فقال بلى فقُلتُ ألسنا بالمؤمِنِين قال بلى فقُلتُ فعلى م تُعطي هذه الدّنِيَّة من نفسِك فقال إنّها ليست بدنِيّةٍ ولكنّها خيرٌ لك فقُلتُ له أليس قد وعدتنا أن ندخُل مكّة قال بلى قُلتُ فما بالنا لا ندخُلُها قال أوعدتك أن تدخلها العام قُلتُ لا قال فسندخُلُها إن شاء اللّه تعالى.
فاعترف بشكه فِي دين اللّه ونبوة رسول اللّه (صَلَّى اللّه عَلَيْهِ وَآلِهِ) و ذكر مواضع شكوكه و بين عن جهاتها وإذا كان الأمر على ما وصفناه فقد حصل الإجماع على كفره بعد إظهار الإيمان و اعترافه بموجب ذلك على نفسه ثُمّ ادعى خصومنا من الناصبة أنّه تيقن بعد الشك و رجع إلى الإيمان بعد الكفر فأطرحنا قولهم لعدم البرهان عليه واعتمدنا على الإجماع فيما ذكرناه.
فلم يأت بشيء أكثر من أن قال ما كنت أظن أن أحدا يدعي الإجماع على كفر عمر بن الخطاب حتّى الآن.
فقال الشيخ أدام اللّه عزه فالآن قد علمت ذلك وتحققته ولعمري أن هذا مِمّا لم يسبقني إلى استخراجه أحد فإن كان عندك شيء فأورده فلم يأت بشيء (1).
عن الشيخ المفيد أبي عبد اللّه محمّد بن محمّد بن النعمان ره أنّه قال رأيت فِي المنام سنة من السنين كأني قد اجتزت فِي بعض الطرق فرأيت حلقة دائرة فيها ناس كثير فقلت ما هذا؟ قالوا هذه حلقة فيها رجل يقص. فقلت من هو؟
قالوا عمر بن الخطاب ففرقت النّاس ودخلت الحلقة فإذا أنا برجل يتكلم على النّاس بشيء لم أحصله فقطعت عليه الكلام وقلت أيها الشيخ أخبرني ما وجه الدلالة على فضل صاحبك أبي بكر عتيق بن أبي قحافة من قول اللّه تعالى (ثَانِيَ اثْنَيْنِ إِذْ هُمَا فِي الْغَارِ)(2). فقال وجه الدلالة على
ص: 464
فضل أبي بكر من هذه الآية فِي ستة مواضع الأول أن اللّه تعالى ذكر النَّبيّ (صَلَّى اللّه عَلَيْهِ وَآلِهِ) وذكر أبا بكر فجعله ثانيه فقال ثاني اثنين إذ هُما فِي الغارِ. والثاني أنّه وضعهما بالاجتماع فِي مكان واحد لتأليفه بينهما فقال إِذهُما فِي الغارِ. والثالث أنّه أضافه إليه بذكر الصحبة ليجمعه بينهما بما يقتضي الرتبة فقال إِذ يَقُولُ لِصاحِبِهِ.
و الرابع أنّه أخبر عن شفقة النَّبيّ (صَلَّى اللّه عَلَيْهِ وَآلِهِ) عليه و رفقه به لموضعه عنده فقال لا تحزن.
والخامس أنّه أخبر أن اللّه معهما على حد سواء ناصرا لهما و دافعا عنهما فقال إنّ اللّه معنا.
والسادس أنّه أخبر عن نزول السكينة على أبي بكر لأن رسول اللّه (صَلَّى اللّه عَلَيْهِ وَآلِهِ) لم تفارقه السكينة قط فقال فأنزل اللّه سكينته عليه.
فهذه ستة مواضع تدل على فضل أبي بكر من آية الغار لا يمكنك ولا لغيرك الطعن فيها فقلت له حبرت بكلامك فِي الاحتجاج لصاحبك عنه وإني بعون اللّه سأجعل جميع ما أتيت به (كَرَمَادٍ اشْتَدَّتْ بِهِ الرِّيحُ فِي يَوْمٍ عَاصِفٍ). أما قولك إن اللّه تعالى ذكر النَّبيّ (صَلَّى اللّه عَلَيْهِ وَآلِهِ) و جعل أبا بكر ثانيه فهو إخبار عن العدد لعمري لقد كانا اثنين فما فِي ذلك من الفضل ونحن نعلم ضرورة أن مؤمنا و مؤمنا أو مؤمنا وكافرا اثنان فما أرى لك فِي ذكر العدد طائلا تعتمده.
و أما قولك إنّه وصفهما بالاجتماع فِي المكان فإنه كالأول لأن المكان يجمع المؤمن والكافر كما يجمع العدد المؤمنين والكفار وأيضا فإن مسجد النَّبيّ (صَلَّى اللّه عَلَيْهِ وَآلِهِ) أشرف من الغار وقد جمع المؤمنين والمنافقين والكفار و فِي ذلك قوله عزّوجلّ (فَمَالِ الَّذِينَ كَفَرُوا قِبَلَكَ مُهْطِعِينَ * عَنِ الْيَمِينِ وَعَنِ الشِّمَالِ عِزِينَ) (1) وأيضا فإن سفينة نوح قد جمعت النَّبيّ والشّيطان والبهيمة والكلب والمكان لا يدل على ما أوجبت من الفضيلة فبطل فضلان.
و أما قولك إنّه أضافه إليه بذكر الصحبة فإنه أضعف من الفضلين الأولين لأن اسم الصحبة يجمع بين المؤمن والكافر و الدليل على ذلك قوله تعالى (قَالَ لَهُ صَاحِبُهُ وَهُوَ يُحَاوِرُهُ أَكَفَرْتَ بِالَّذِي خَلَقَكَ مِنْ تُرَابٍ ثُمَّ مِنْ نُطْفَةٍ ثُمَّ سَوَّاكَ رَجُلًا) (2) وأيضا فإن اسم الصحبة تطلق بين
ص: 465
العاقل وبين البهيمة والدليل على ذلك من كلام العرب الّذي نزل القرآن بلسانهم فقال اللّه عزو جل (وَمَا أَرْسَلْنَا مِنْ رَسُولٍ إِلَّا بِلِسَانِ قَوْمِهِ ﴾ (1) إنّهم سموا الحمار صاحبا فقالوا:
إن الحمار مع الحمار مطية *** فإذا خلوت به فبئس الصاحب
و أيضا قد سموا الجماد مع الحي صاحبا قالوا ذلك فِي السّيف شعرا
زرت هندا وذاك غير اختيان *** ومعي صاحب كتوم اللسان
يعني السيف فإذا كان اسم الصحبة يقع بين المؤمن والكافروبين العاقل والبهيمة وبين الحيوان والجماد فأي حجّة لصاحبك فيه.
و أما قولك إنّه قال لا تحزن فإنه وبال عليه ومنقصة له ودليل على خطئه لأن قوله لا تحزن نهي وصورة النهي قول القائل لا تفعل لا يخلو أن يكون الحزن وقع من أبي بكر طاعة أو معصية فإن كان طاعة فإن النَّبيّ (صَلَّى اللّه عَلَيْهِ وَآلِهِ) لا ينهى عن الطاعات بل يأمر بها ويدعو إليها و إن كان معصية فقد نهاه النَّبيّ (صَلَّى اللّه عَلَيْهِ وَآلِهِ) عنها وقد شهدت الآية بعصيانه بدليل أنّه نهاه.
وأما قولك إنّه قال إنّ اللّه معنا فإن النَّبيّ (صَلَّى اللّه عَلَيْهِ وَآلِهِ) قد أخبر أن اللّه معه و عبر عن نفسه بلفظ الجمع كقوله (إِنَّا نَحْنُ نَزَّلْنَا الذِّكْرَ وَإِنَّا لَهُ لَحَافِظُونَ)(2) وقيل أيضا فِي هذا إن أبا بكر قال يا رسول اللّه حزني على أخيك عليّ بن أبِي طالِب ما كان منه فقال له النَّبيّ (صَلَّى اللّه عَلَيْهِ وَآلِهِ) لا تحزن إنّ اللّه معنا أي معي و مع أخي عليّ بن أبِي طالِب (عَلَيهِ السَّلَامُ).
و أما قولك إن السكينة نزلت على أبي بكر فإنه ترك للظاهر لأن الّذي نزلت عليه السكينة هُو الّذي أيده بالجنود وكذا يشهد ظاهر القرآن فِي قوله (فأنزل اللّه سكينتهُ عليهِ وأيّدهُ بِجُنُودٍ لم تروها)(3) فإن كان أبو بكر هُو صاحب السكينة فهو صاحب الجنود وفي هذا إخراج للنبي (صَلَّى اللّه عَلَيْهِ وَآلِهِ) من النبوة على أن هذا الموضع لوكتمته عن صاحبك كان خيرا لأن اللّه تعالى أنزل السكينة على النَّبيّ (صَلَّى اللّه عَلَيْهِ وَآلِهِ) فِي موضعين كان معه قوم مؤمنون فشركهم فيها فقال فِي أحد الموضعين
ص: 466
(فَأَنْزَلَ اللَّهُ سَكِينَتَهُ عَلَى رَسُولِهِ وَعَلَى الْمُؤْمِنِينَ وَأَلْزَمَهُمْ كَلِمَةَ التَّقْوَى) (1) وقال فِي الموضع الآخر (أَنْزَلَ اللَّهُ سَكِينَتَهُ عَلَى رَسُولِهِ وَعَلَى الْمُؤْمِنِينَ وَأَنْزَلَ جُنُودًا لَمْ تَرَوْهَا) (2) و لما كان فِي هذا الموضع خصه وحده بالسكينة قال فأنزل اللّه سكينته عليه فلوكان معه مؤمن لشركه معه في السكينة كما شرك من ذكرنا قبل هذا من المؤمنين فدل إخراجه من السكينة على خروجه من الإيمان فلم يحرجوابا وتفرق النّاس واستيقظت من نومي (3).
روي فِي الحديث أن فضال بن الحسن بن فضال الكوفي مربأبي حنيفة وهو فِي جمع كثير يملي عليهم شيئا من فقه حديثه فقال فضال لصاحبه كان معه واللّه لا أبرح حتّى أخجل أبا حنيفة. فقال صاحبه إن أبا حنيفة من قد علمت حاله و ظهرت حجته فقال فضال هل علت حجّة على المؤمن ثُمّ دنا منه فسلم عليه وقال يا أبا حنيفة يرحمك اللّه إن لي أخا يقول إن خير النّاس بعد رسول اللّه (صَلَّى اللّه عَلَيْهِ وَآلِهِ) عليّ بن أبِي طالِب وأنا أقول أبوبكر و بعده عمر فما تقول أنت يرحمك اللّه فأطرق أبو حنيفة مليا ثُمّ رفع رأسه فقال كفى بمكانهما من رسول اللّه (صَلَّى اللّه عَلَيْهِ وَآلِهِ) كرما و فخرا أما علمت أنهما ضجيعاه فأي حجّة أوضح لك من هذا. فقال له فضال إني قد قلت لأخي هذا فقال واللّه لئن كان الموضع لى رسول اللّه (صَلَّى اللّه عَلَيْهِ وَآلِهِ) دونهما فقد ظلما بدفنهما فِي موضع ليس لهما وإن كان لهما فوهبا لرسول اللّه (صَلَّى اللّه عَلَيْهِ وَآلِهِ) لقد أساءا وما أحسنا فِي ارتجاعهما هبتهما ونكثهما عهدهما فأطرق أبو حنيفة ساعة ثُمّ قال لم يكن لهما خاصّة ولكنهما نظرا فِي حق عائِشة وحفصة فاستحقا الدفن فِي ذلك الموضع بحق ابنتيهما فقال فضال قد قلت له ذلك فقال أنت تعلم أن النَّبيّ (صَلَّى اللّه عَلَيْهِ وَآلِهِ) مات عن تسع فنظرنا فإذا لكل واحدة منهن تسع الثمن ثُمّ نظرنا فِي تسع الثمن فإذا هُو شبر فِي شبر فكيف يستحق الرجلان أكثر من ذلك وبعد فما بال
ص: 467
عائِشة وحفصة ترثان رسول اللّه (صَلَّى اللّه عَلَيْهِ وَآلِهِ) وفاطمة ابنته تمنع الميراث فصاح أبو حنيفة يا قوم نحوه عني فإنه رافضي (1).
قال ابن الجوزي يوما على منبره: سلوني قبل أن تفقدوني، فسألته امرأة عمّا روي أن عليّاً (عَلَيهِ السَّلَامُ) سار فِي ليلة إلى سلمان فجهزه و رجع؟ فقال: روي ذلك. قالت: فعثمان ثُمّ ثلاثة أيام منبوذا فِي المزابل و عليّ (عَلَيهِ السَّلَامُ) حاضر؟ قال: نعم. قالت: فقد لزم الخطأ لأحدهما. فقال: إن كنت خرجت من بيتك بغير إذن زوجك فعليك لعنة اللّه وإلّا فعليه. فقالت: خرجت عائِشة إلى حرب عليّ (عَلَيهِ السَّلَامُ) بإذن النَّبيّ (صَلَّى اللّه عَلَيْهِ وَآلِهِ) أو لا ؟ فانقطع ولم يحر جوابا (2).
عن الأعمش قال إجتمعت الشيعة والمحكمة عند أبي نعيم النخعي بالكوفة وأبو جعفر محمّد بن النعمان مؤمن الطاق حاضر فقال ابن أبي حذرة أنا أقرر معكم أيتها الشيعة أن أبا بكر أفضل من علي ومن جميع أصحاب النَّبيّ بأربع خصال لا يقدر على دفعها أحد من النّاس هُو ثان مع رسول اللّه فِي بيته مدفون و هُو ثاني اثنين معه فِي الغار و هُو ثاني اثنين صلى بالنّاس آخر صلاة قبض بعده رسول اللّه (صَلَّى اللّه عَلَيْهِ وَآلِهِ) و هُو ثاني اثنين الصديق من هذه الأمَّة.
قال أبو جعفر مؤمن الطاق (رحمة اللّه عليه) يا ابن أبي حذرة وأنا أقرر معك أن عليّاً أفضل من أبي بكر و جميع أصحاب النَّبيّ (صَلَّى اللّه عَلَيْهِ وَآلِهِ) من ثلاث جهات من القرآن وصفا و من خبر الرسول نصا و من حجّة العقل اعتبارا و وقع الاتفاق على إبراهيم النخعي و على أبي إسحاق السبيعي وعلى سلیمان بن مهران الأعمش.
فقال أبو جعفر مؤمن الطاق أخبرني يا ابن أبي حذرة عن النَّبيّ (صَلَّى اللّه عَلَيْهِ وَآلِهِ) كيف ترك بيوته الّتي
ص: 468
أضافها اللّه إليه ونهى النّاس عن دخولها إلّا بإذنه ميراثا لأهله وولده أو تركها صدقة على جميع المسلمين قل ما شئت.
فانقطع ابن أبي حذرة لما أورد عليه ذلك وعرف خطأ ما فيه.
فقال أبو جعفر مؤمن الطاق إن تركها ميراثا لولده و أزواجه فإنه قبض عن تسع نسوة وإنما لعائِشة بنت أبي بكرتسع ثمن هذا البيت الّذي دفن فيه صاحبك ولا يصيبها من البيت ذراع فِي ذراع وإن كان صدقة فالبلية أطم وأعظم فإنه لم يصب من البيت إلّا ما لأدنى رجل من المسلمين فدخول بيت النَّبيّ (صَلَّى اللّه عَلَيْهِ وَآلِهِ) بغير إذنه فِي حياته وبعد وفاته معصية إلّا لعليّ بن أبِي طالِب (عَلَيهِ السَّلَامُ) و ولده فإن اللّه أحل لهم ما أحل للنبي (صَلَّى اللّه عَلَيْهِ وَآلِهِ) ثُمّ قال لهم إنّکم تعلمون أن النَّبيّ أمر بسد أبواب جميع النّاس الّتي كانت مشرعة إلى المسجد ما خلا باب عليّ (عَلَيهِ السَّلَامُ) فسأله أبو بكر أن يترك له كوة لينظر منها إلى رسول اللّه فأبى عليه وغضب عمه العبّاس من ذلك فخطب النَّبيّ (صَلَّى اللّه عَلَيْهِ وَآلِهِ) خُطبةً وقال إنّ اللّه تبارك وتعالى أمر لموسى وهارون أن تبوءا لِقومِكُما بِمصر بُيُوتاً وأمرهما أن لا يبيت فِي مسجِدِهِما جُنُب ولا يقرب فِيهِ النِّسَاء إِلَّا مُوسى وهارون و ذُرِّيَّتُهُما وإنّ عليّاً هُو بِمنزِلِةِ هَارُون من مُوسى و ذُرِّيَّتُهُ كَذُرِّيَّةِ هَارُون ولا يحِلُّ لأحدٍ أن يقرب النِّساء فِي مسجِدِ رَسُولِ اللّه (صَلَّى اللّه عَلَيْهِ وَآلِهِ) ولا يبيت فِيهِ جُنُبْ إِلَّا عَلِيٌّ وذُرِّيَّتُهُ (عَلَيهِم السَّلَامُ) فقالوا بأجمعهم كذلك كان. قال أبو جعفر ذهب ربع دينك يا ابن أبي حذرة وهذه منقبة لصاحبي ليس لأحد مثلها و مثلبة لصاحبك و أما قولك ثاني اثنين إذهُما فِي الغارِ أخبرني هل أنزل اللّه سكينته على رسوله وعلى المؤمنين فِي غير الغار؟ قال ابن أبي حذرة نعم قال أبو جعفر فقد خرج صاحبك فِي الغار من السكينة وخصه بالحزن ومكان علي فِي هذه الليلة على فراش النَّبيّ (صَلَّى اللّه عَلَيْهِ وَآلِهِ) وبذل مهجته دونه أفضل من مكان صاحبك فِي الغار فقال النّاس صدقت فقال أبو جعفريا ابن أبي حذرة ذهب نصف دينك و أما قولك ثاني اثنين الصديق من الأمَّة فقد أوجب اللّه على صاحبك الإستغفار لعليّ بن أبِي طالِب (عَلَيهِ السَّلَامُ) فِي قوله عزّوجلّ (وَالَّذِينَ جَاءُوا مِنْ بَعْدِهِمْ يَقُولُونَ رَبَّنَا اغْفِرْ لَنَا وَلِإِخْوَانِنَا الَّذِينَ سَبَقُونَا بِالْإِيمَانِ) إلى آخر الآية والّذي ادعيت إنّما هُو شيء سماه النّاس و من سماه القرآن وشهد له بالصدق والتصديق أولى به ممن سماه النّاس وقد قال عليّ (عَلَيهِ السَّلَامُ) على منبر
ص: 469
البصرة أنا الصِّدِّيقُ الأكبر آمنتُ قبل أن آمن أبوبكر و صدّقتُ قبله قال النّاس صدقت قال أبو جعفر مؤمن الطاق يا ابن أبي حذرة ذهب ثلاثة أرباع دينك.
و أما قولك فِي الصَّلاة بالنّاس كنت ادعيت لصاحبك فضيلة لم تتم له وإنها إلى التهمة أقرب منها إلى الفضيلة فلو كان ذلك بأمر رسول اللّه (صَلَّى اللّه عَلَيْهِ وَآلِهِ) لما عزله عن تلك الصَّلاة بعينها أما علمت أنّه لما تقدم أبو بكر ليصلي بالنّاس خرج رسول اللّه (صَلَّى اللّه عَلَيْهِ وَآلِهِ) فتقدم وصلى بالنّاس وعزله عنها ولا تخلو هذه الصَّلاة
من أحد وجهين إما أن تكون حيلة وقعت منه فلما أحس النَّبيّ (صَلَّى اللّه عَلَيْهِ وَآلِهِ) بذلك خرج مبادرا مع علته فنحاه عنها لكيلا يحتج بها بعده على أمته فيكونوا فِي ذلك معذورين.
وإما أن تكون هُو الّذي أمره بذلك وكان ذلك مفوضا إليه كما فِي قصة تبليغ براءة فنزل جبرئیل (عَلَيهِ السَّلَامُ) وقال لا يؤديها إلّا أنت أو رجل منك فبعث عليّاً فِي طلبه وأخذه منه وعزله عنها و عن تبليغها فكذلك كانت قصة الصَّلاة و فِي الحالتين هُو مذموم لأنّه كشف عنه ما كان مستورا عليه و فِي ذلك دليل واضح أنّه لا يصلح للإستخلاف بعده ولا هُو مأمون على شيء من أمر الدين فقال النّاس صدقت.
قال أبو جعفر مؤمن الطاق يا ابن أبي حذرة ذهب دينك كله و فضحت حيث مدحت فقال النّاس لأبي جعفرهات حجتك فيما ادعيت من طاعة عليّ (عَلَيهِ السَّلَامُ) فقال أبو جعفر مؤمن الطاق أما من القرآن وصفا فقوله عزّوجلّ (يا أيُّها الّذين آمَنُوا اتَّقُوا اللّه وكُونُوا مع الصَّادقين)، فوجدنا عليا بهذه الصفة فِي القرآن فِي قوله عزّ وجلّ (وَالصَّابِرِينَ فِي الْبَأْسَاءِ وَالضَّرَّاءِ وَحِينَ الْبَأْسِ) يعني فِي الحرب والشغب (أُولَئِكَ الَّذِينَ صَدَقُوا وَأُولَئِكَ هُمُ الْمُتَّقُونَ) فوقع الإجماع من الأمَّة بأن عليّاً (عَلَيهِ السَّلَامُ) أولى بهذا الأمر من غيره لأنّه لم يفرمن زحف قط كما فرغيره فِي غير موضع فقال النّاس صدقت.
وأما الخبر عن رسول اللّه (صَلَّى اللّه عَلَيْهِ وَآلِهِ) نصا فقال: إنّي تاركٌ فِيكُم الثقلين ما إن تمسكتم بهما لن تضِلُّوا بعدِي كِتاب اللّه و عترتي أهل بيتي فإنهما لن يفترقا حتّى يردا علي الحوض قوله (صَلَّى اللّه عَلَيْهِ وَآلِهِ) إنّما مثل أهل بيتي كمثل سفينة نُوحٍ من ركبها نجا ومن تخلف عنها غرق ومن تقدّمها مرق و
ص: 470
من لزمها لحق فالمتمسك بأهل بيت رسول اللّه (صَلَّى اللّه عَلَيْهِ وَآلِهِ) هاد مهتد بشهادة من الرسول والمتمسك بغيرها ضال مضل.
قال النّاس صدقت يا أبا جعفر و أما من حجّة العقل فإن النّاس كلهم يستعبدون بطاعة العالم و وجدنا الإجماع قد وقع على عليّ (عَلَيهِ السَّلَامُ) بأنه كان أعلم أصحاب رسول اللّه (صَلَّى اللّه عَلَيْهِ وَآلِهِ) و كان النّاس يسألونه ويحتاجون إليه وكان علي مستغنيا عنهم هذا من الشاهد والدليل عليه القرآن قوله عزّوجلّ (أَفَمَنْ يَهْدِي إِلَى الْحَقِّ أَحَقُّ أَنْ يُتَّبَعَ أَمَّنْ لَا يَهِدِّي إِلَّا أَنْ يُهْدَى فَمَا لَكُمْ كَيْفَ تَحْكُمُونَ).
فما اتفق يوم أحسن منه ودخل فِي هذا الأمر عالم كثير.
وقد كانت لأبي جعفر مؤمن الطاق مقامات مع أبي حنيفة فمن ذلك ما روي أنّه قال يوما من الأيام لمؤمن الطاق إنّکم تقولون بالرجعة ؟ قال نعم قال أبو حنيفة فأعطني الآن ألف درهم حتّى أعطيك ألف دينار إذا رجعنا قال الطاقي لأبي حنيفة فأعطني كفيلا بأنك ترجع إنسانا ولا ترجع خنزيرا.
و قال له يوم آخر لم لم يطالب عليّ بن أبِي طالِب بحقه بعد وفاة رسول اللّه إن كان له حق فأجابه مؤمن الطاق خاف أن يقتله الجن كما قتلوا سعد بن عبادة بسهم المغيرة بن شعبة وفي رواية بسهم خالد بن الوليد. وكان أبو حنيفة يوما آخريتماشى مع مؤمن الطاق فِي سكة من سكك الكوفة إذا مناد ينادي من يدلني على صبي ضال ؟ فقال مؤمن الطاق أما الصبي الضال فلم نره و إن أردت شيخا ضالا فخذ هذا عنى به أبا حنيفة ولما مات الصَّادق (عَلَيهِ السَّلَامُ) رأى أبو حنيفة مؤمن الطاق فقال له مات إمامك ؟ قال نعم أما إمامك من المنظرين إلى يوم الوقت المعلومِ. (1)
ص: 471
عن عُثمان بن سهيل أنّ الرّشيد أمر يحيى بن خالِدٍ أن يجمع المتكلمين فِي داره و أن يكون من وراء السِّتر من حيثُ يسمع كلامهم ولا يُعلمهم بمكانه ففعل ذلك فسأل بيان الحروري هشام بن الحكم فقال أخبرني أصحاب علي وقت حكم الحكمين أي شيء كانُوا مُؤمِنين أم كافِرِين قال كانُوا ثلاثة أصنافٍ صِنف مُؤمِنُون و صِنف مُشْرِكُون وصِنف ضُلّالٌ فأما المؤمِنُون فالّذين عرفوا إمامة عليّ (عَلَيهِ السَّلَامُ) من كِتابِ اللّه جل و عزّ و نصّ رسُولِ اللّه (صَلَّى اللّه عَلَيْهِ وَآلِهِ) و قليلًا ما كانُوا و أما المشرِكُون فقوم مالُوا إلى إمامةِ مُعاوِيَة بِصُلحٍ فَأَشرَكُوا إِذ جَعَلُوا مُعاوِية مع علي و أمّا الضَّلال فمن خرج على سبيل العصبية والحمية للقبائل والعشائرلا لِلدِّينِ قال فما كان أصحابُ مُعاوِية قال ثلاثة أصنافٍ صِنف كَافِرُون و صِنف مُشرِكُون و صنف ضُلال فأما الكافرون فقوم قالُوا مُعاوِيةُ إمام وعلي لا يصلُحُ فكفروا وجحدوا إماماً من اللّه عزّ و جلّ ذِكرُهُ ونصبوا إماماً من غير اللّه وأما المشركون فقوم قالُوا مُعاوِيةُ إِمَامٌ وعلي يصلُحُ لولا قتل عُثمان وأمّا الضُّلّالُ فقوم خرجُوا على سبيل العصبيّة والحمية للقبائل والعشائر لا للدين قال فانبرى له ضِرار بن عمرو الصّبِيُّ و كان من المعتزلة ممن يزعُمُ أن عقد الإمام ليس بفرض و لا واجب و إنّما هي ندبةٌ حسنةٌ إِن فعلوها جاز و إن لم يفعلوها جاز فقال أسألك يا هشام قال إذا تكُونُ ظالِماً فِي السُّؤالِ قال ولم قال لأنكُم مُجمِعُون على رفعِ إمامة صاحِبِي و خِلافِي فِي الأصل وقد سألتُم مسألةً فيجِبُ أن أسألكُم قال له سل قال أخبرني عن اللّه عزّوجلّ لو كلّف الأعمى قراءة الكُتُبِ والنظر فِي المصاحِفِ وكلّف المقعد المشي إلى المساجد والجهاد فِي سبِيلِ اللّه وكلّف ذوِي الزماناتِ ما لا يُوجدُ فِي وُسعهم أكان جابراً أم عادِلا قال لم يكن ليفعل ذلك قال قد علمتُ أنّ اللّه عزّ و جلّ لا يفعل ذلك ولكني سألتك على طريق الجدل و الخصومة لو فعل ذلك كان جابِراً أم عادِلا قال بل جابراً قال أصبت فخرني الآن هل كلف اللّه العباد من أمر الدين أمراً واحداً يسألهم عنه يوم القيامةِ لا اختلاف فيه قال نعم قال فجعل لهم على إصابة ذلك دليلا فيكون داخلا فِي باب العدل أم لا فيكون داخِلا فِي بابِ الجورِ فأطرق ضِرار ساعةً ثُمّ رفع رأسه وقال لا بُدّ من دليل وليس بصاحبك
ص: 472
فتبسم هشام وقال صرت إلى الحقّ ضرُورةً ولا خلاف بيني وبينك إلّا فِي التسمية قال فإِنِّي أَرجِعُ سائِلًا قال هشام سل قال ضرار كيف تعقد الإمامة قال كما عقد اللّه عزّ و جلّ النُّبُوَّة قال ضِرار فهُو إِذا ني قال هِشام لا إِنّ النُّبُوَّة يعقِدُها بِالملائِكَةِ والإِمامة بِالأَنبِياءِ فعقدُ النُّبُوَّةِ إِلى جبرئيل وعقد الإمامة إلى رسول اللّه (صَلَّى اللّه عَلَيْهِ وَآلِهِ) وكُلُّ من عقدِ اللّه قال ضرار فما الدليل على ذلِك الرَّجُلِ بِعِينِهِ إِذا كان الأمرُ إِلى اللّه وَرَسُولِهِ قال ثمانِيَةُ أَدِلّةٍ أربعةُ فِي نعتِ نفسِهِ وأربعةُ فِي نعتِ نسبِهِ فأما الّتي فِي نعتِ نسبِهِ فهو أن يكون مشهور الجنس مشهور النّسبِ مشهور القبيلة مشهور البيت وأمّا الّتي فِي نعتِ نفسه فأن يكون أعلم النّاس بِدَقِيقِ الأشياء وجليلها معصُوماً من الذُّنوبِ صغيرها و كبيرها أسخى أهلِ زمانِهِ وأشجع أهلِ زمانِهِ فَلَمّا اضطر الأمرُ إِلى هذا لم نجد جنساً فِي هذا الخلقِ أشهر جنساً من العربِ الّذي مِنهُ صاحِبُ المِلَّةِ والدعوة المنادى باسمه على الصوامع فِي كلّ يوم خمس مراتٍ فتصل دعوتُهُ إِلى كلّ برو فاجر و عالم و جاهل مُقر و منكر فِي شرق الأرضِ وغربها ولو جاز أن يكُون فِي غير هذا الجنسِ من الحبش و البربر و الرُّومِ والخزر و التُّركِ و الديلم لأتى على الطالب المرتادِ دهرٌ من عُمُرِهِ ولا يجِدُ إِلى وُجُودِهِ سَبِيلًا فَلَمّا لم يجب أن يكون إِلَّا فِي هذا الجنس لِهذِهِ العِلةِ وجب أن لا يكون من هذا الجنس إلّا فِي هذا النّسب و من هذا النسبِ إِلَّا فِي هذه القبيلة و من هذه القبيلةِ إِلَّا فِي هذا البيت وأن يكون من النَّبيّ (صَلَّى اللّه عَلَيْهِ وَآلِهِ) إشارة إليهِ وإِلّا ادّعاها جميعُ أهل هذا البيت وأمّا الّتي فِي نعتِ نفسه فهو كما وصفناه قال له عبد اللّه بن زيد الإباطِيُّ لِم زعمت أن الإمام لا يكُونُ إِلَّا معصوماً قال إن لم يكن معصوماً لم يُؤمن عليهِ أن يدخُل فِي الذُّنوبِ والشَّهواتِ فيحتاجُ إلى من يُقِيمُ عليهِ الحُدُود كما يُقِيمُها هُو على سائر النّاس وإذا استوت حاجة الإمامِ وحاجةُ الرّعيّة لم يَكُونُوا بِأحوج إِليهِ مِنْهُ إِليهم وإِذا دخل فِي الذُّنُوبِ والشَّهوات لم يُؤمن عليه أن يكتمها على حِيمِهِ و قرابته ونفسه فلا يكونُ فِيهِ سد حاجةٍ قال فلم زعمت أنّهُ أعلمُ النّاس بِدَقِيقِ الأشياء وجليلها قال لأنّه إذا لم يكن كذلك لم يُؤمن عليه أن يقلب الأحكام والسنن فمن وجب عليه الحدُّ قطعه و من وجب عليه القطع حده و من وجب عليه الأدب أطلقه و من وجب عليه الإطلاق حبسه فيكُونُ فساداً بلاصلاح قال فلم زعمت أنّه
ص: 473
أسخى النّاس قال لأنّه خازِنُ المسلمين الّذي يجتمعُ عِنده أموال الشّرقِ و الغرب فإن لم تهن عليهِ الدُّنيا بما فيها شخ على أموالهم فأخذها قال فلم قُلت إِنَّهُ أَشجعُ النّاس قال لِأَنَّهُ فِئَةٌ لِلمُسلِمِين الّذين يرجِعُون إِليهِ واللّه تبارك وتعالى يَقُولُ (وَمَنْ يُوَلِّهِمْ يَوْمَئِذٍ دُبُرَهُ إِلَّا مُتَحَرِّفًا لِقِتَالٍ أَوْ مُتَحَيِّزًا إِلَى فِئَةٍ فَقَدْ بَاءَ بِغَضَبٍ مِنَ اللَّهِ) (1) فلا يجوز أن يجبن الإمام كما تجبُنُ الأمَّة فيبُوء بِغضبٍ من اللّه وقد قُلتُ إِنَّهُ معصُومٌ ولا بُدّ فِي كلّ زمانٍ من وَاحِدٍ بِهذِهِ الصّفةِ فقال الرّشِيدُ لبعض الخدم اخرُج إِليهِ فقُل لهُ من فِي هذا الزّمانِ بِهذِهِ الصفة قال أمِير المؤمنين صاحب القصر يعني الرشيد فقال الرّشِيدُ واللّه لقد أعطاني من جرابٍ فارغ و إِنِّي لأعلمُ أنّي لستُ بِهذِهِ الصَّفةِ فقال جعفرُ بنُ يحيى وكان معه داخِل السّترِ إِنما يعني موسى بن جعفر قال ما عداها وقام يحيى بن خالد فدخل الستر فقال له الرشيد ويحك يا يحيى من هذا الرجُلُ قال من المتكلمين قال ويحك مثل هذا باقٍ ويبق لِي مُلكِي واللّه للسانُ هذا أبلغُ فِي قُلُوبِ العامَّة من مائة ألفِ سيف ما زال مُكرّراً صِفة صاحِبِهِ و نعتِهِ حتّى هممتُ أن أخرج إليه فقال تُكفى يا أمِير المؤمنين وكان يحيى يُحِبّاً هشام مكرّماً لهُ وعلم أن هشاماً قد غلط على نفسه فخرج إليهِ فغمزه فقام هشام و ترك رداءه و نهض كأنه يقضي حاجةً وتهيا له الخلاص فخرج من وقتِهِ إِلى الكوفة فمات بها رحمه اللّه (2).
قال العلامة الميانجي : نقل السيّد المحقق العلامة الحاج السيد مهدي الروحاني : أن فِي بغداد انعقدت حفلة عرس حضرها كثير من الشيعة والسنة، وحضرها العالم الكبير والمحقق التقي الشيخ محمّد حسين الكاظمي، ومن أهل السنة الشيخ محمود شكري الآلوسي، فالتفت الآلوسي إلى الشيخ فقال : كان الماضون من العلماء يباحثون فِي مسائل دينية فِي المجالس فيستفيد منه الناس، فهل لك أن تناظرني فِي بعض المسائل الشرعية حتّى يستفيد هؤلاء؟
ص: 474
قال الشيخ : باختياركم.
قال الآلوسي : فهل فِي الأصول أو الفروع ؟
قال الشيخ : باختياركم.
قال : فإذن نبحث فِي الأصول، ولكن فِي أي أصل منها؟ فهل نجعلها مناظرة ؟
قال الشيخ : باختياركم.
قال الآلوسي : لم لا يقول الشيعة بإمامة الشيخين ؟
قال الشيخ : للمدعي أن يأتي بدليل، فإنّا نسأل أهل السنة : لم اختاروا إمامة الشيخين؟
قال الآلوسي : لأنَّ النَّبيّ (صَلَّى اللّه عَلَيْهِ وَآلِهِ) نصبه للصلاة فِي أيام مرضه. وهنا أخذ الشيخ يذكّر الآلوسي بأن بعض الصحابة زعم أن النَّبيّ (صَلَّى اللّه عَلَيْهِ وَآلِهِ) فِي مرضه كان يهجر (وذلك لما قال لهم آتوني بدواة وكتف...)
سكت الآلوسي و بهت وتحير، وبان على وجهه الانكسار و العيُّ، وفهمه الحاضرون، وانكسر أهل السنّة الموجودون فِي المجلس، وسرَّ وفرح الشيعة، فأراد الآلوسي أن يجبر الإنكسار بشيء ينسيه فقال : هلموا بالطعام، فجاءوا بالطعام إليَّ وإليه، فأراد الآلوسي جبران مافات بالمزاح، وأخذ يأكل من الطعام.
فقال الألوسي : قال رسول اللّه (صَلَّى اللّه عَلَيْهِ وَآلِهِ): من أكل وحده فشريكه شيطان.
فقال الشيخ : صدق رسول اللّه (صَلَّى اللّه عَلَيْهِ وَآلِهِ) فانكسر الآلوسي أيضاً وضحك الحاضرون.
وكان على رأس الأرز المطبوخ الموضوع أمام كلّ من الحاضرين دجاجة، فأكل الآلوسي و أخذ من الأرز فانهارت الدجاجة إليه، فقال : عرف الحقّ أهله فتقدّم، فقال الشيخ : لا بل حفر الشيخ تحته فتهدَّم.
نقل السيّد الروحاني هذا فِي منزلي فِي محلة خاك فرج ليلة الجمعة فِي شهر ربيع الأول من 1406 ه- ق (1)
ص: 475
أبو عبد اللّه الصائغ قال: كنت بالصعيد فِي مدينة يقال لها أشترط، و كان فِي جامعها رجل يعرف بأبي أحمد الشيرازي، وكان فِي المسجد رجل يعرف بأبي عبد اللّه الأنصاري وكان مشتهرا بحب أمِير المؤمنين صلى اللّه عليه، وكان يقول بإمامته وإمامة أولاده الطاهرين، فتناظرا يوما من الأيام وكان الشيرازي لا يثبت إمامتهم وكان كلّ ما أتى الشيرازي بشيء أبطله الأنصاري، فقهره الأنصاري وأبطل دعواه.
فلَمّا لم يجد الشيرازي حجّة قال : فبما تبطلون ما أنفقوا على النَّبيّ و عاضدوه و ظاهروه ؟ فأبطل الأنصاري دعواه بحجج يطول شرحها، فقال الشيرازي: أنا لا أقبل منك هذا الأمر و الخبر حتّى تورد من كتاب اللّه عزّ و جلّ آية تدلّ على ذلك. قال: فبقيت متحيرا فِي أمري وبت مهموما مغموما، فرأيت فِي منامي كأن أهل المدينة يهرعون نحو الجامع، فقلت: ما شأنكم؟ فقالوا: هذان محمّد و عليّ جالسان فِي الجامع صلوات اللّه عليهما، فدخلت مع النّاس فرأيت شخصين قد علا الجامع نورهما والناس محدقون بهما، فلما أبصراني قالا: ما شأنك؟ قلت: سيّداي، إنّ هاهنا رجل ناصبي وإنّي ناظرته على ذلك، فقال لي: بما تبطلون ما أنفقوا على النَّبيّ من أموالهم و عاضدوه، فاحتججت عليه بالحجّة الواضحة فقال لي أنا لا أسلّم إليك هذا الأمر حتّى توردني إليه من كتاب اللّه عزّوجلّ يبطل ذلك ويدحضه، فأنا لم أدر ما أجيبه، وأنا مع النَّبيّ فِي ذلك إذ سمعت من بعض رواقات الجامع صوتا لم أسمع قط أطيب نغمة منه و هُو يقرأ القرآن، قوله تعالى: (قُلْ أَنْفِقُوا طَوْعًا أَوْ كَرْهًا لَنْ يُتَقَبَّلَ مِنْكُمْ إِنَّكُمْ كُنْتُمْ قَوْمًا فَاسِقِينَ) (1)، فقال النَّبيّ (صَلَّى اللّه عَلَيْهِ وَآلِهِ): هم فلان وفلان وفلان»، ثُمّ قرأ الرجل (وَمَا مَنَعَهُمْ أَنْ تُقْبَلَ مِنْهُمْ نَفَقَاتُهُمْ إِلَّا أَنَّهُمْ كَفَرُوا بِاللَّهِ وَبِرَسُولِهِ وَلَا يَأْتُونَ الصَّلَاةَ إِلَّا وَهُمْ كُسَالَى وَلَا يُنْفِقُونَ إِلَّا وَهُمْ كَارِهُونَ) (2)، فقال النَّبيّ (صَلَّى اللّه عَلَيْهِ وَآلِهِ): «هم فلان وفلان وفلان لعنهم اللّه»، ثُمّ قرأ الرجل: (فَلَا تُعْجِبْكَ أَمْوَالُهُمْ وَلَا أَوْلَادُهُمْ إِنَّمَا يُرِيدُ اللَّهُ لِيُعَذِّبَهُمْ بِهَا فِي الْحَيَاةِ الدُّنْيَا وَ
ص: 476
تَزْهَقَ أَنْفُسُهُمْ وَهُمْ كَافِرُونَ﴾ (1)،
فقال (صَلَّى اللّه عَلَيْهِ وَآلِهِ): هم فلان و فلان و فلان و غیرهم کافرون».
قال: فانتبهت من نومي و أنا فرح مسرور مستبشر و قد حفظت الآيات كلّها كأنّي لقنتها تلقينا.
قال: فلما أضاء الصبح مضيت إلى الجامع، فقلت: إنّ اللّه تعالى قد أمكنني منك و من أصحابك وإبطال دعواك من كتاب اللّه عزّوجلّ، وحدثته حديث المنام والآيات، فقال لي: هاتها، فنسيتها كلّها حتّى كأنني لم أقرأها قط، فقال لي: ما لك؟ فاستعنت باللّه وبمحمّد وعلي و أنا معه فِي الكلام إذ سمعت القارئ الّذي كان يقرأ الآيات فِي المنام وهو يتلوها بعينها فِي ذلك الرواق بعينه و نحنُ نسمعه جميعا و أنا أقول عند رأس كلّ آية: قال النَّبيّ (صَلَّى اللّه عَلَيْهِ وَآلِهِ): هم فلان وفلان وفلان قال فقهرته بمحضر من النّاس و قبضت على يده و نهضنا نحو الموضع ننظر الرجل فلم نر أحدا، قلت: إنّ هذا الرجل قد بعثه اللّه عزّ و جلّ لإثبات الحجة عليك وعلى أمثالك، وحمدت اللّه تعالى على ذلك. (2)
في ذكر المجلس الّذي جرى للشيخ الإمام أبي جعفر محمّد بن علي بن الحسين بن بابوية القمي مع الملك ركن الدولة أبي علي الحسين بن بابويه الديلمي، قيل: انه وصف الملک المذکور حال أبي جعفر محمّد بن علي بن الحسين بن بابويه وما يقعده فِي المجالس و ما عليه من الآثار وما يجيب عنه من المسائل و الأخبار و رجوع الإمامية إليه وإلى أقواله فِي البلدان والإمصار، فأحب لقاءه ومساءلته فقدم إلى حاجبه البرمكي أحضاره، فركب الحاجب إليه و احضره إلى مجلس السلطان فلما دخل عليه قربه وادناه و أكرمه و رفع مجلسه، فلما استقر به المجلس قال له السلطان: أيها الشيخ الفقيه العالم اختلف الحاضرون فِي القوم الّذين طعنوا فيهم الشيعة، فقال بعضهم: يجب الطعن وقال بعضهم لا يجب ولا يجوز فما عندك فِي هذا؟ فقال الشيخ : أيها الملك ان اللّه تعالى لم يقبل من عباده الاقرار بتوحيده حتّى ينفوا كلّ إله سواه وكل صنم عبد من
ص: 477
دون اللّه الم تر إنا أمرنا أن نقول: «لا إله إلّا اللّه» فلا إله ني كلّ إله عبد من دونه و قوله إلّا اللّه إثبات اللّه عزّوجلّ، وكذلك لم يقبل الإقرار بنبوة محمّد نبينا (صَلَّى اللّه عَلَيْهِ وَآلِهِ) حتّى ينفوا كلّ متنبئ كان فِي وقته مثل مسيلمة الكذاب و سجاح بنت الأسود العبسي و أشباههم، وهكذا لا يقبل القول بإمامة أمير المومنين عليّ بن أبِي طالِب (عَلَيهِ السَّلَامُ) الا بعد نفي كلّ ضد نصب للإماة دونه، قال الملك هذا هُو الحقّ و أخبرني أيها الشيخ بشيء جلي واضح من أمر انتصب للإمامة دونه قال الشيخ: أيها الملك اجتمعت الأمَّة على نقل خبر سورة براءة و فيه خروج أبي بكر من الإسلام وفيه نزول ولاية أمِير المؤمنين (عَلَيهِ السَّلَامُ) من السماء وعزل أبي بكروفيه أنّه لم يكن من النبي، قال الملك و کیف ذلك ؟ فقال الشيخ : روى جميع أهل النقل منا و من مخالفينا انه لما نزلت سورة براءة على رسوله (صَلَّى اللّه عَلَيْهِ وَآلِهِ) دعا أبا بكر فقال: يا أبا بكر خذ هذه السورة فأدها عني بالموسم بمكّة، فأخذها أبوبكرو سار فلما بلغ بعض الطريق هبط جبرائيل (عَلَيهِ السَّلَامُ) فقال: يا محمّد أن ربك يقرئک السلام و يقول لك لا يؤدي عنك ألا أنت أو رجل منک، فدعا رسول اللّه (صَلَّى اللّه عَلَيْهِ وَآلِهِ) أمِير المؤمنين (عَلَيهِ السَّلَامُ) وأمره أن يلحق أبا بكرو يأخذ منه سورة براءة و يؤديها عن اللّه تعالى ايام الموسم بمكّة فلحقه أمِير المؤمنين (عَلَيهِ السَّلَامُ) وأخذ منه سورة براءة و أداها عن اللّه تعالى حيث أنهم أخروا من قدمه اللّه تعالى وقدموا من أخره اللّه استهانة باللّه سبحانه، وقد صح أن أبابكر ليس من النَّبيّ (صَلَّى اللّه عَلَيْهِ وَآلِهِ) لقول جبرائيل (عَلَيهِ السَّلَامُ) : لا يؤدي عنک ألا أنت أو رجل منك فإذا لم يكن من النَّبيّ (صَلَّى اللّه عَلَيْهِ وَآلِهِ) لم يكن تابعا له، قال اللّه تعالى: ﴿فَمَن تَبِعَنِي فإِنَّهُ مِنِّي) (1) وإن لم يكن متبعا للنبي (صَلَّى اللّه عَلَيْهِ وَآلِهِ) لم يكن محبا للّه عزّ وجلّ لقوله تعالى: (قُل إن كُنتُم تُحِبُّون اللّه فاتَّبِعُونِي يُحبِبكُمُ اللّه ويغفِرْلكُم ذُنُوبَكُم) (2) وإذا لم يكن محبا كان مبغضا و بغض النَّبيّ (صَلَّى اللّه عَلَيْهِ وَآلِهِ) كفر، وقد صح بنفس هذا الخبر أن عليّاً (عَلَيهِ السَّلَامُ) من النبي، هذا مع ما رواه المخالف فِي تفسير قوله: (أَ فَمَن كَانَ عَلَى بيِّنةٍ من ربِّهِ ويَتْلُوهُ شَاهِدٌ مِنهُ﴾ (3) أَنَّ الّذي على بينة من ربه رسول اللّه (صَلَّى اللّه عَلَيْهِ وَآلِهِ) والشاهد الّذي يتلوه أمِير المؤمنين عليّ بن أبِي طالِب (عَلَيهِ السَّلَامُ)، و ما رواه عن النَّبيّ (صَلَّى اللّه عَلَيْهِ وَآلِهِ) أنّه قال: علي مني و أنا من علي، و ما رواه من النَّبيّ (صَلَّى اللّه عَلَيْهِ وَآلِهِ) لينتهين
ص: 478
أو لأبعثن عليه رجلا نفسه نفسي و طاعته كطاعتي و معصيته كمعصيتي، و مِمّا روي عن جبرائيل (عَلَيهِ السَّلَامُ) فِي عزاة أحد انه نزل على النَّبيّ (صَلَّى اللّه عَلَيْهِ وَآلِهِ) فنظر إلى عليّ (عَلَيهِ السَّلَامُ) و جهاده بين يدي رسول اللّه فقال جبرائيل هذه المواساة، فقال: يا جبرائيل لأنّه منى وأنا منه فقال جبرائيل وأنا منكما، فكيف يصلح أيها الملك للإمامة، رجل لم يأتمنه اللّه تعالى على تبليغ آيات من كتابه أن يؤديها إلى النّاس أيام الموسم فكيف يجوز أن يكون مؤتمن على أن يؤدي جميع دين اللّه عزّوجلّ بعد النَّبيّ ويكون واليا عليهم وقد عزله اللّه عزّوجلّ وولي عليّاً (عَلَيهِ السَّلَامُ) وكيف لا يكون عليّاً مظلوما وقد أخذوا ولايته وقد نزل بها جبرائيل من السماء ؟ فقال الملك: هذا بين واضح.
و كان رجل واقف على رأس الملك يقال «أبوالقاسم» فاستأدنه فِي كلامه فأذن له فقال: أيها الشيخ كيف يجوز أن تجتمع هذه الأمَّة على خطأ مع قول رسول اللّه (صَلَّى اللّه عَلَيْهِ وَآلِهِ): لا تجتمع أمتي على ضلالة ؟ فقال الشيخ: إن صح هذا الحديث فيجب أن تعرفه الأمَّة و معناها أن الأمَّة في اللغة هي الجماعة وأقل الجماعة رجل وإمرأة وقد قال اللّه تعالى: (إِنَّ إِبْرَاهِيمَ كَانَ أُمَّةً قَانِتًا) (1) فسمى واحداً أمة، قال النَّبيّ (صَلَّى اللّه عَلَيْهِ وَآلِهِ): رحم اللّه قُسّاً يحشر يوم القيامة أمة واحدة فما ينكر أن النَّبيّ (صَلَّى اللّه عَلَيْهِ وَآلِهِ) إن كان قال هذا الحديث عني به عليّاً (عَلَيهِ السَّلَامُ) و من تبعه، فقال: عني به الأعظم و من هُو كان أكثر عدداً؟ فقال قوله (عزّوجلّ): (لَا خَيْرَ فِي كَثِيرٍ مِنْ نَجْوَاهُمْ)(2)، (وَأَكْثَرُهُمْ لَا يَعْقِلُونَ)(3)، (وَلَكِنَّ أَكْثَرَهُمْ لَا يَعْلَمُونَ)(4)، (بَلْ أَكْثَرُهُمْ لَا يَعْلَمُونَ﴾(5)، ﴿و لكن أَكْثَرَهُمْ لَا يَشْكُرُونَ)(6)، (وَلَكِنَّ أَكْثَرَهُمْ يَجْهَلُونَ)(7)، (وَأَنَّ أَكْثَرَكُمْ فَاسِقُونَ)(8)، (وَمَا وَجَدْنَا
ص: 479
لِأَكْثَرِهِمْ مِنْ عَهْدٍ وَإِنْ وَجَدْنَا أَكْثَرَهُمْ لَفَاسِقِينَ)(1)، وقال اللّه تعالى فِي مدح القلة: (إِلَّا الَّذِينَ آمَنُوا وَعَمِلُوا الصَّالِحَاتِ وَقَلِيلٌ مَا هُمْ)(2)، وذكر تعالى فِي قول موسى: (وَمِنْ قَوْمِ مُوسَى أُمَّةٌ يَهْدُونَ بِالْحَقِّ وَبِهِ يَعْدِلُونَ)(3).
قال الملک كيف يجوز الإرتداد على العدد الكثير مع قرب العهد يموت صاحب الشريعة ؟
فقال الشيخ : وكيف لا يجوز الإرتداد عليهم مع قوله تعالى (وَمَا مُحَمَّدٌ إِلَّا رَسُولٌ قَدْ خَلَتْ مِنْ قَبْلِهِ الرُّسُلُ أَفَإِنْ مَاتَ أَوْ قُتِلَ انْقَلَبْتُمْ عَلَى أَعْقَابِكُمْ وَمَنْ يَنْقَلِبْ عَلَى عَقِبَيْهِ فَلَنْ يَضُرَّ اللَّهَ شَيْئًا وَسَيَجْزِي اللَّهُ الشَّاكِرِينَ)(4)و ليس إرتدادهم ذلك بأعجب من إرتداد بَنِي إسرائيل حين مضى موسی (عَلَيهِ السَّلَامُ) لميقات ربه و استخلف عليهم أخاه هارون وقال: (اخْلُفْنِي فِي قَوْمِي وَأَصْلِحْ وَلَا تَتَّبِعْ سَبِيلَ الْمُفْسِدِينَ)(5) و وعد قومه بأنه يعود إليهم بعد ثلاثين ليلة وأتمها اللّه بعشر فتم ميقات ربه أربعين ليلة فلم يصبر قومه إلى أن خرج فيهم السامري ووضع لهم من حليهم عجلا جسداً له خوار فقال لهم هذا إلهكم وإله موسى، واستضعفوا هارون خليفة موسى وأطاعوا السامري في عبادة العجل، ولم يحفظوا فِي هارون وصية موسى به ولا خلافته عليهم، فرجع موسى إلى قومه غضبان أسفا قال: بئسما خلفتموني من بعدي أعجلتم أمر ربكم وألقى الألواح وأخذ برأس أخيه يجرّه إليه، (قَالَ ابْنَ أُمَّ إِنَّ الْقَوْمَ اسْتَضْعَفُونِي وَكَادُوا يَقْتُلُونَنِي فَلَا تُشْمِتْ بِيَ الْأَعْدَاءَ وَلَا تَجْعَلْنِي مَعَ الْقَوْمِ الظَّالِمِينَ).
هذا مِمّا قص اللّه تعالى من تمام هذه القصة، وإذا جاز على بَنِي إسرائيل وهم من أمة أولى العزم أن يرتدوا بغيبة موسى (عَلَيهِ السَّلَامُ) بزيادة عشر ليال حتّى خالفوا وصيه و أطاعوا السامري فِي عبادة العجل فكيف لا يجوز على هذه الأمَّة بعد موت النَّبيّ (صَلَّى اللّه عَلَيْهِ وَآلِهِ) لن تخالف وصيه و خلیفته و خیر الخلق بعده و تطیع سامري هذه الأمَّة ؟ وإنما عليّ (عَلَيهِ السَّلَامُ) بمنزلة هارون من موسى إلّا انه لا بَنِي بعد محمّد (صَلَّى اللّه عَلَيْهِ وَآلِهِ) لما روي عن جميع اهل النقل.
ص: 480
فقال الملك للشيخ الفاضل: ما سمعت فِي المعنى كلاماً أحسن من هذا ولا أبين، فقال الشيخ : أيها الملك زعم القائلون بإمامة سامري هذه الأمَّة أن النَّبيّ (صَلَّى اللّه عَلَيْهِ وَآلِهِ) مضى. ولم يستخلف واستخلفوا رجلا و أقاموه، فان كان ما فعله النَّبيّ (صَلَّى اللّه عَلَيْهِ وَآلِهِ) على زعمهم من ترك الإستخلاف حقّاً فالّذي اثبته القوم من الإستخلاف باطل، وإن كان الّذي اثبته الأمَّة من الإستخلاف صوابا فالّذي فعله النَّبيّ (صَلَّى اللّه عَلَيْهِ وَآلِهِ) خطأ فمن لم يحكم بالخطأ عليه يحكم به على النَّبيّ (صَلَّى اللّه عَلَيْهِ وَآلِهِ) و عليهم، فقال الملک بل عليهم، قال الشيخ : فكيف يجوز أن يخرج النَّبيّ (صَلَّى اللّه عَلَيْهِ وَآلِهِ) من الدُّنيا ولا يوصي بأمر الأمَّة إلى أحد و نحنُ لا نرضى من عقل أكار فِي قريه إذا مات و خلف مسحاة وفأسا لايوصي به إلى أحد من بعده؟
فقال الملك: القول كما تقوله لا كما يقوله المخالفون، فقال الشيخ: وهنا حكاية أخرى و هي أنهم زعموا أن النَّبيّ (صَلَّى اللّه عَلَيْهِ وَآلِهِ) لم يستخلف فخالفوه باستخلافهم من أقاموه وخالف النَّبيّ من أقامه بالأمر فلما حضرته الوفاة لم يعتد بالنَّبيّ (صَلَّى اللّه عَلَيْهِ وَآلِهِ) فِي ترك الإستخلاف على رغمه و استخلف بعده الثاني، والثاني لم يعتدوا به ولا بالنَّبيّ (صَلَّى اللّه عَلَيْهِ وَآلِهِ) حتّى جعل الأمر شورى فِي قوم معدودين و، وأي بيان أوضح من هذا ؟ فقال الملك : هذا بين واضح فأي شبهة ولدوها فِي إمامة هذا الرجل وإقامته ؟ فقال الشيخ: أنهم زعموا أن النَّبيّ (صَلَّى اللّه عَلَيْهِ وَآلِهِ) قدمه للصلاة وهذا خبر لا يضر و قد اختلفوا فيه فمنهم من روى أن النَّبيّ (صَلَّى اللّه عَلَيْهِ وَآلِهِ) قال لعائِشة: أمرت أباك أن يصلي بالناس، وإن النَّبيّ (صَلَّى اللّه عَلَيْهِ وَآلِهِ) لما عرف تقدم أبي بكر خرج متكئاً على عليّ (عَلَيهِ السَّلَامُ) و على الفضل بن العبّاس حتّى دخل المسجد فنحى أبا بكر وصلى بالنّاس قاعداً وأبوبكر خلفه والناس كانت خلف أبي بكر و منهم من روى أن النَّبيّ (صَلَّى اللّه عَلَيْهِ وَآلِهِ) أمر حفصة أن تأمر أباها أن يصلي بالناس، وهذا الخبر لا يصح لأن المهاجرين والأنصار لم يحتجوا به ولا ذكروه يوم السقيفة، ولو صح هذا الخبر لما وجبت إمامة أبي بكر ولو وجبت الإمامة بالتقديم إلى الصَّلاة لوجب أن يكون عبد الرّحمن بن عوف أولى بالإمامة، لأنّهم رووا عن النَّبيّ (صَلَّى اللّه عَلَيْهِ وَآلِهِ) أنّه صلى خلفه ولم يختلفوا فِي ذلك، وكيف يلزمنا أيها الملك قبول خبر عائِشة وحفصة بجرهما النفع إلى أبيهما والى أنفسهما ؟ ولا يلزمهم قبول قول فاطمة (عَلَيهِ السَّلَامُ) وهي سيدة نساء العالمين فيما ادعته من أمر
ص: 481
فدك وإن أباها نحلها إياه مع كون فدك فِي يدها سنين من حياته (صَلَّى اللّه عَلَيْهِ وَآلِهِ) مع شهادة علي والحسن والحسين (عَلَيهِ السَّلَامُ) وشهادة أم أيمن لها؟ وكيف يصح هذا الخبر عندهم وقد رووا أن شهادة البنت لأبيها غير جائزة، وقولهم أن شهادة النساء لا تجوز فِي عشرة دراهم ولا أقل إذا لم يكن معهن رجل، و مع قولهم: أن شهادة النساء لا تجوز فِي عشرة دراهم و لا أقل إذا لم یکن معهن رجل، و مع قولهم: أن شهادة النساء على النصف من شهادة الرجال ؟ فقال الملک قولهم فِي هذا غير صحيح والحق والصدق فيما قاله الشيخ الفاضل.
ثُمّ قال :الملك أيها الشيخ لم قلت أن الأئمّة اثنا عشر و اللّه عزّوجلّ مائة ألف نبي وأربعة و عشرون ألف نبي؟ فقال الشيخ: أيها الملك أن الإمامة فريضة من فرائض اللّه و ما أوجب اللّه فريضة غير معدودة، ألا ترى أن فرض الصَّلاة فِي اليوم والليلة سبعة عشر ركعة، وفرض الزكاة معلوم وهي عندنا على تسعة أشياء، ووجوب الصوم معلوم وهو ثلاثون يوماً، وبين مناسک الحج وهي معدودة، وكذلك تكون الأئمّة عدداً لا يجوز أن يقال باكثر ولا أقل، فقال الملك فهل بيّن اللّه لذلك مجملاً و النَّبيّ (صَلَّى اللّه عَلَيْهِ وَآلِهِ) بين عددها فِي سنته لأن السنن إلى النَّبيّ (صَلَّى اللّه عَلَيْهِ وَآلِهِ) ؟ فقال الشيخ: نعم قد بين الفرائض والسنن كلها بأمر اللّه تعالى قال اللّه تعالى: (و أَنْزَلْنا إِليك الذّكر لتُبيّن لِلنَّاسِ ما نُزِّل إليهم) (1) وإن اللّه تعالى قال: (و أقِيمُوا الصَّلاة) (2) ولم يبين عدد ركعاتها وبينها النَّبيّ (صَلَّى اللّه عَلَيْهِ وَآلِهِ) وقال تعالى: (خُذْ من أموالهم صدقةً تُطهِّرُهُم وتُزكِّيهِم بها) (3) ولم يبين عدد الأصناف الّتي تجب عليها الزكاة وقال اللّه تعالى: ﴿كُتِبَ عَلَيْكُمُ الصِّيَامُ كَمَا كُتِبَ عَلَى الَّذِينَ مِنْ قَبْلِكُمْ) (4) ولم يبين حدوده و هيئته وبينها النَّبيّ (صَلَّى اللّه عَلَيْهِ وَآلِهِ) وقال اللّه تعالى: ﴿وَلِلَّهِ عَلَى النَّاسِ حِجُّ الْبَيْتِ مَنِ اسْتَطَاعَ إِلَيْهِ سَبِيلًا) (5) ولم يبين مناسك الحج فبينها النَّبيّ كذلك قال اللّه
ص: 482
تعالى: (يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا أَطِيعُوا اللَّهَ وَأَطِيعُوا الرَّسُولَ وَأُولِي الْأَمْرِ مِنْكُمْ) (1) و (الّذينَ آمَنُوا الّذين يُقِيمُون الصَّلاة ويُؤْتُون الزّكاة وهُمْ رَاكِعُون) (2) ولم يبيّن عدد الأئمّة فبينها النَّبيّ (صَلَّى اللّه عَلَيْهِ وَآلِهِ) فِي سننه كما بين سائر الفرائض.
فقال الملك : أن الإمامة لم يوافقكم عليها مخالفوكم كما وافقوكم على عدد الفرائض، فقال الشيخ: ليس يبطل قولنا فِي الإمامة بمخالفة مخالفينا كما لا يبطل الإسلام ومعجزات النَّبيّ بمخالفة اليهود والنصارى والمجوس والبراهمة ولو بطل بشيء من مخالفة المخالفين لم يثبت فِي العالم شيء لأن ما من شيء إلّا وفيه خلاف فقال الملک صدقت هذا هُو الحقّ وأنتم عليه و والى الملك فِي تلك الساعة لأمِير المؤمنين (عَلَيهِ السَّلَامُ) وسب أعداءه و من شايعهم على ذلك؛ والحمد للّه ربّ العالمين. (3)
ذكر العلامة البحراني مناظرة مفيدة بعنوان كتاب "يوحنا" فِي كتابه الكشكول وهذا عينه :
بسم اللّه الرّحمن الرحيم الحمد للّه الّذي أنقذني من الملل الباطلة، ونجاني من النحل العاطلة، وبصرني مزالق الآراء الواهية، وأرشدني إلى الفرقة الناجية من الفرقة الهاوية، وعرفني الأئمّة المعصومين ومراتبهم الجالية فواليت من والاهم وعاديت من عاداهم فِي السر والعلانية فصل اللّهمّ على خاتم أنبيائك الماضية وقائد أولئك الآتية محمّد المنعوت فِي كتب الخالية، و المبعوث بالملة الزاهرة، صلاة دائمة باقية هامرة، وعلى عترته الطاهرة، سادات الدُّنيا والآخرة.
وبعد: فيقول يوحنا بن إسرائيل الذمي: إني كنت رجلاً ذمياً متقناً للفنون العقلية ممتعاً من العلوم النقلية لا يحيدني عن الحقّ مموهات الدلائل ولا يلقيني فِي الباطل مزخرفات العبارات و منمقات الرسائل، أنجرينابيع التحقيق من أطواد الحلوم و استخرج بالفكر الدقيق المجهول من العلوم، أتصفح بنظر الاعتبار و معتقد فريق فريق وأميز بين ذلك بين سواء الطريق، والناس إذ ذاك
ص: 483
قد مزقوا دينهم وكانوا شيعاً وتمزقوا كلّ ممزق وتبروا قطعاً، فلهم قلوب لا يفقون بها و لهم أعين لا يبصرون بها و لهم آذان لا يسمعون بها، يخبطون خبط عشواء فهم لا يبصرون و يتعسفون مهانة الضلالة فهم فِي ريبهم يترددون، فبعضهم دينه صابئي وغيرهم مجوسي و هذا يهودي و هذا نصراني و آخر محمّدي، وبعض عبدوا الكواكب و بعض عبدوا الشَّمس، وطائفة عبدوا النار وقوم عبدوا العجل، وكل فرقة من هؤلاء صاروا فرقاً لا تحصى. فلما رأيت تشعب القول وشاهدت تناقض النقول طابقت المنقول بالمنقول وميزت الصحيح من المعلول وأقمت الدليل على وجوب اتباع ملة الإسلام والإقتداء بها إلى يوم الحساب والقيام، فأظهرت كلمة الشهادة وألزمت نفسي بما فيه من العبادة وجمعت الكتب الإسلامية من التفاسير و الأحاديث و الأصول والفروع من جميع الفرق المختلفة وجعلت أطالعها ليلا ونهارا و أتفكر فِي المناقضات الّتي وقعت فِي دين الإسلام، فقال بعضهم: إن صفات اللّه تعالى عين ذاته، وبعض قال: لا عين ذاته ولا زائدة، وبعض قال: إن اللّه عزّ وجلّ أراد الشرو خلقه و بعض نزهه عن ذلك، وبعض جوز على الأنبياء الصغائر، وبعض جوّز الكبائر، وبعض جوّز الكفر، وبعض أوجب عصمتهم و بعض أوجب النص بالإمامة، وبعض أنكره وبعض قال بإمامة أبي بكرو أنّه أفضل وبعض کفره و بعض قال بإمامة عليّ (عَلَيهِ السَّلَامُ) و بعض قال بالهيته وبعض ساق الإمامة فِي أولاد الحسن (عَلَيهِ السَّلَامُ)، وبعض ساقها فِي أولاد الحسين، وبعض وقف على موسى الكاظم (عَلَيهِ السَّلَامُ)، وبعضهم قال بإثني عشر إماماً إلى غير ذلك من الأقوال الّتي لا تحصى.
وكل هذه الاختلافات إنّما نشأت من استبدادهم بالرأي فِي مقابلة النص واختيارهم الهوى فِي معارضة النفس و تحكيم العقل على من لا يحكم عليه العقل وكان الأصل فيما اختلف فيه جميع الأمم السالفة واللاحقة من الأصول شبهة إبليس، وكان الأصل فِي جميع ما اختلفت فيه المسلمون من الفروع مخالفة وقعت من عمر بن الخطاب لرسول اللّه (صَلَّى اللّه عَلَيْهِ وَآلِهِ) و استبداده برأي منه فِي مقابلة الأمر النبوي فصارت تلك الشبهة والمخالفة مبدأ كلّ بدعة و منبع كلّ ضلالة.
أما شبهة إبليس فتشعبت منها سبع شبه فصارت فِي الخلائق و فتنت العقلاء و تلک الشبهات السبع مسطورة فِي شرح الأناجيل مذكور فِي التوراة متفرقة على شكل مناظرة بين إبليس وبين الملائكة بعد الأمر بالسجود والإمتناع منه، فقال إبليس للملائكة: إني سلمت أن
ص: 484
الباري تعالى إلهي وإله الخلق عالم قادر ولا يسأل عن قدرته ومشيئته و أنّه مهما أراد شيئاً قال له كن فيكون وهو حكيم إلّا أنّه يتوجه على مساق حكمته أسئلة.
قالت الملائكة وما هي ؟ وكم هي ؟ قال ابليس: سبع.
الأول: أنّه قد علم قبل خلقي أي شيء يصدر عني ويحصل مني فلم خلقني أولاً و ما الحكمه في خلقه إياي ؟
الثاني: إذ خلقني على مقتضى إرادته ومشيئته فلم كلفني بطاعته وأماط الحكمة فِي التكليف بعد أن لا ينتفع بطاعته ولا يتضرر بمعصيته ؟.
الثالث: إذ خلقني وكلفني فالتزمت تكليفه بالمعرفة و الطاعة فعرفت وأطعت فلم كلفني بطاعة آدم و السجود له و ما الحكمة فِي هذا التكليف على الخصوص بعد أن لا يزيد ذلك فِي طاعتي و معرفتي ؟
الرابع: إذ خلقني وكلفني بهذا التكليف على الخصوص فإذا لم أسجد لعنني وأخرجني من الجنّة، ما الحكمة فِي ذلك بعد إذ لم أرتكب قبيحاً إلّا قولي لا أسجد لك؟.
الخامس: إذ خلقني وكلفني مطلقاً وخصوصاً فلما لم أطع فِي السجود فلعنني وطردني فلم طرقني إلى آدم حتّى دخلت الجنّة و غررته بوسوستي فأكل من الشجرة المنهي عنها ولم أخرجه معي و ما الحكمة فِي ذلك بعد أن لو منعني من دخول الجنّة امتنع استخراجي لآدم وبقي فِي الجنّة ؟.
السادس: إذ خلقني وكلفني عموماً و خصوصاً و لعنني ثُمّ طرقني إلى الجنّة و كانت الخصومة بيني و بين آدم فلم سلطني على أولاده حتّى أراهم من حيث لا يروني وتؤثر فيهم وسوستي و لا يؤثر فِي حولهم ولا قوتهم ولا استطاعتهم وما الحكمة فِي ذلك بعد أن لوخلاهم على الفطرة دون من يغتالهم عنها فيعيشون طاهرين سالمين مطيعين كان أليق وأحرى بالحكمة ؟.
السابع: سلمت لهذا كله خلقني وكلفني مطلقاً ومقيداً وإذا لم أطع طردني و لعنني وإذا أردت دخول الجنّة مكنني و طرقني وإذا عملت عملي أخرجني ثُمّ سلطني على بَنِي آدم فلم إذ استمهلته أمهلني فقلت: (فأنْظِرني إلى يومِ يُبعثُون) (1) قال: (قَالَ فَإِنَّكَ مِنَ الْمُنْظَرِينَ) (2) (إِلَى يَوْمِ
ص: 485
الْوَقْتِ الْمَعْلُومِ) (1) و ما الحكمة فِي ذلك بعد إذ لو أهلكني فِي الحال إستراح الخلق مني وما بقي شرفي العالم أليس ببقاء العالم على نظام الخير خير من امتزاجه بالشر؟ قال: فهذه الحجّة حجّتي على ما ادعيته من كلّ مسألة.
قال شارح الإنجيل: فأوحى اللّه تعالى إلى الملائكة قولوا له : أما تسليمك الأولى إني إلهك و إله الخلق فإنك غير صادق فيه ولا مخلص إذ لو صدقت إني إله العالمين لما احتكمت علي بلم و أنا اللّه الّذي لا إله إلّا هُو لا أسأل عمّا أفعل والخلق يسألون. قال يوحنا و هذا الّذي ذكره من التوراة فِي الإنجيل مسطور على الوجه الّذي ذكرته.
و أما المخالفة الّتي وقعت من عمر بن الخطاب أنّه لما مرض رسول اللّه (صَلَّى اللّه عَلَيْهِ وَآلِهِ) مرضه الّذي توفي فيه دخل عليه جماعة من الصحابة وفيهم عمر بن الخطاب و عرف رسول اللّه (صَلَّى اللّه عَلَيْهِ وَآلِهِ) رحلته من الدُّنيا و اختلاف أمته بعده وضلال كثير منهم فقال للحاضرين: «إئتوني بدواة وبيضاء لأكتب لكم كتاباً لن تضلوا بعدي قال عمر بن الخطاب: إن النَّبيّ قد غلب عليه الوجع وإن الرجل ليهجرو عندكم القرآن حسبكم كتاب اللّه، فلو أن عمر لم يحل بينه وبين الكتاب لكتب الكتاب ولو كتبه لأرتفع الضلال عن الأمَّة لكن عمر منعه من الكتابة فكان هُو السبب فِي وقوع الضلال، و أنا واللّه لا أقول هذا تعصباً للرافضة ولكني أقول ما وجدته فِي كتب أهل السنة الصحيحة و هُو مصرح فِي صحيح مسلم الّذي يعتمدون عليه.
و من الخلاف الّذي جرى بين عمرو بعض الصحابة أنّه لما مرض رسول اللّه (صَلَّى اللّه عَلَيْهِ وَآلِهِ) مرضه الّذي توفي فيه جهز جيشاً إلى الروم إلى موضع يقال له مؤته وبعث فيه وجوه الصحابة مثل أبي بكر و عمر و غيرهما فأمر عليهم أسامة بن زيد فولاه و برزوا عن المدينة، فلما ثقل المرض على رسول اللّه (صَلَّى اللّه عَلَيْهِ وَآلِهِ) تثاقل الصحابة عن السير و تسللوا و بقي أبوبكر و عمر يجيئان و يتجسسان أحوال صحة رسول اللّه (صَلَّى اللّه عَلَيْهِ وَآلِهِ) ومرضه ليلاً و يذهبان إلى المعسكر نهاراً و رسول اللّه يصيح بهم: «جهزوا جيش أسامة لعن اللّه المتخلف عنه» حتّى قالها ثلاثاً، فقال قوم: يجب علينا إمتثال أمره، وقال قوم: لا تسع قلوبنا المفارقة. ولا يخفى على العاقل قصد النَّبيّ (صَلَّى اللّه عَلَيْهِ وَآلِهِ) فِي بعث أبي بكر و عمر تحت ولاية أسامة فِي مرضه وحثهم على المسير، ولا يخفى أيضاً مخالفتهم ورجوعهم
ص: 486
من غير إذنه لما كان ذلك، ولا يخفى لعن النَّبيّ (صَلَّى اللّه عَلَيْهِ وَآلِهِ) المتخلف عن جيش أسامة فلما ذا كان ؟ فإنها لا تعمى الأبصار ولكن تعمى القلوب الّتي فِي الصدور.
و من الخلاف أنّه لما مات النَّبيّ (صَلَّى اللّه عَلَيْهِ وَآلِهِ) قال عمر: «واللّه ما مات محمّد و لن يموت و من قال أن محمّداً مات قتلته بسيني هذا وإنما رفع إلى السماء كما رفع عِيسى بن مريم»، فلما تلا عليه أبوبكر (إنك ميت وإنّهُمْ ميتون) (1) رجع عمر وقال : كأني لم أسمع بهذه حتّى قرأها أبوبكر.
و من الخلاف الواقع فِي الإمامة أنّه ما سل سيف فِي الإسلام على قاعدة دينية مثلما سل على الإمامة، وهو أنّه لما مات النَّبيّ (صَلَّى اللّه عَلَيْهِ وَآلِهِ) اشتغل علي بتجهیزه و دفنه و ملازمته ذلک و مضى أبوبكر و عمر إلى سقيفة بَنِي ساعدة فحمد عمريده فبايع أبا بكرو بايعه الناس، وتخلف عليّ (عَلَيهِ السَّلَامُ) عن البيعة وعمه. العبّاس والزُّبير و بنوهاشم وسعد بن عبادة الأنصاري و وقع الخلاف الّذي سفك فيه الدماء، ولوترک عمر بن الخطاب الإستعجال و صبر حتّى تجتمع الحل والعقد ويبايعوا الأول لكان أولى ولم يحصل الخلاف لمن بعدهم فِي الإستخلاف.
و من الخلاف أنّه لما مات النَّبيّ (صَلَّى اللّه عَلَيْهِ وَآلِهِ) و فِي يد فاطمة (عَلَيهَا السَّلَامُ) فدک متصرفة فيه من عند أبيها فرفع أبوبكريدها عنه وعزل وكلاءها فأتت إلى أبي بكر و طلبت ميراثها من أبيها فمنعها واحتج بأن النَّبيّ (صَلَّى اللّه عَلَيْهِ وَآلِهِ) قال: ما تركناه يكون صدقة، واحتجت فاطمة (عَلَيهَا السَّلَامُ) فلم يجبها فولت غضبانة عليه و هجرته فلم تكلمه حتّى ماتت، و فِي أثناء المحاجة أذعن أبوبكر لقولها فكتب لها بفدك كتاباً فلما راه عمر مزق الكتاب و كان هذا هُو السبب الأعظم فِي الإعتراض على الصحابة والتشنيع عليهم بايذاء فاطمة (عَلَيهَا السَّلَامُ) مع روايتهم أن من آذاها فقد آذى رسول اللّه (صَلَّى اللّه عَلَيْهِ وَآلِهِ)، و فِي الحقيقة ما كان لائقاً من الصحابة أن يعطي رسول اللّه (صَلَّى اللّه عَلَيْهِ وَآلِهِ) ابنته مِمّا أفاء اللّه عليه فينزعه أبوبكر و عمر منها مع علمهم أنها كانت تطحن الشعير بيدها، وإنما كانت تريد بالّذي ادعته من فدک صرفه للحسن والحسين (عَلَيهِ السَّلَامُ) فيحرمونها ذلك ويتركونها محتاجة كئيبة حزينة، وعثمان بن عفان يعطي مروان بن الحكم طريد رسول اللّه (صَلَّى اللّه عَلَيْهِ وَآلِهِ) مائتي مثقال من الذهب من بيت مال المسلمين ولا ينكرون عليه ولا على أبي بكر، ولو أن عمر لم يمزق الكتاب
ص: 487
أو أنّه ساعد فاطمة فِي دعواها لكان لهم أحمد عاقبة ولم تبلغ الشنيعة ما بلغت.
قال يوحنا و من الخلاف الّذي وقع كان سببه عمر الشورى، فإنه جعلها فِي ستة وقال: إذا افترقوا فريقين فالّذي فيهم عبدالرحمن بن عوف فهم على الحق، وعبد الرّحمن لا يترك جانب عثمان كما هُو معلوم حتّى قال عليّ (عَلَيهِ السَّلَامُ) للعباس: يا عم عدل بها عني فيا ليته تركها هملاً كما يزعم أن رسول اللّه (صَلَّى اللّه عَلَيْهِ وَآلِهِ) تركها أو كان ينص بها كما نص أبوبكر فخالف الأمرين حتّى أفضت الخلافة إلى عثمان فطرد من آواه رسول اللّه (صَلَّى اللّه عَلَيْهِ وَآلِهِ) و آوی من طرده رسول اللّه (صَلَّى اللّه عَلَيْهِ وَآلِهِ) و أحدث أموراً قتل بها و فتح بها باب القتال إلى يوم القيامة، وأفضت الخلافة إلى معاوية الّذي ألب عائِشة وطلحة والزُّبير على حرب عليّ (عَلَيهِ السَّلَامُ) حتّى قتل يوم الجمل ستون ألفاً ثُمّ حارب عليّاً (عَلَيهِ السَّلَامُ) ثمانية عشر شهراً وقتل فِي حربه مئة وخمسون ألفاً، وأفضت الخلافة إلى ولده يزيد فقتل الحسين (عَلَيهِ السَّلَامُ) بتلك الشناعة وحاصر عبداللّه بن الزُّبير فِي مكّة فلجأ إلى الكعبة فنصب بمكّة المناجيق وهدم الكعبة ونهب المدينة وأباحها لعسكره ثلاثة أيام.
وقد روى البخاري ومسلم فِي صحيحهما عن النَّبيّ (صَلَّى اللّه عَلَيْهِ وَآلِهِ) أنّه قال: «المدينة حرم ما بين عاير إلى وعير، و من أحدث فيه حدثاً فعليه لعنة الله» فما ظنك بمن يقتل أولاده ويرفع رؤوسهم على الرماح ويطوف بها فِي البلاد جهراً، وأفضى الأمر إلى أنهم أمروا بسب علي على المنابر ألف شهر و طلب العلويين فقتلوهم وشردهم، وأفضى الأمر إلى الوليد بن عبدالملک الّذي تفأل يوماً بالمصحف فظهر له قوله تعالى: ﴿وَاسْتَفْتَحُوا وَخَابَ كُلُّ جَبَّارٍ عَنِيدٍ) (1) فنصب المصحف يوماً فرماه بالنشاب وأنشد شعراً:
تهددني بجبار عنيد *** فها أنا ذاك جبار عنيد
إذا ما جئت ربک یوم حشر *** فقل يا ربّ مزقني الوليد
فإذا نظر العاقل إلى هذه المفاسد كلها لرأى أن أصلها مع رسول اللّه (صَلَّى اللّه عَلَيْهِ وَآلِهِ) عن كتابة الكتاب وجعل الخلافة باختيار النّاس من غير نص ممن له النص فكل السبب من عمر بن
ص: 488
الخطاب. ولا يظن أحد أني أقول هذا بغضاً لعمر لا واللّه وإنما هُو مسطور فِي كتبهم والحال كذلك فما يسعني أن أنكر شيئاً مِمّا وقع و مضى.
قال يوحنا فلما رأيت هذه الاختلافات من كبار الصحابة الّذين يذكرون مع رسول اللّه (صَلَّى اللّه عَلَيْهِ وَآلِهِ) فوق المنابر عظم علي الأمرو غم علي الحال كدت أفتتن فِي ديني، فقصدت بغداد و قبة الإسلام لأفاوض فيما رأيت من اختلاف علماء المسلمين لأنظر الحقّ وأتبعه، فلما اجتمعت بعلماء المذاهب الأربعة قلت لهم: إني رجل ذمي وقد هداني اللّه إلى الإسلام فأسلمت و قد أتيت إليكم لأنقل عنكم معالم الدين و شرايع الإسلام والحديث لازداد بصيرة فِي ديني. فقال كبيرهم وكان حنفياً يا يوحنا مذاهب الإسلام أربعة فاختر واحداً منها ثُمّ اشرع فِي قراءة ما تريد. فقلت له : إني رأيت تخلفاً و علمت أن الحقّ منها واحد فاختاروا لي ما تعلمون أنّه الحقّ الّذي كان عليه نبيّكم. قال الحنفي: إنا لا نعلم يقيناً ما كان عليه نبينا بل نعلم أن طريقته ليست خارجة من الفرق الإسلامية وكل من أربعتنا يقول أنّه محق لكن يمكن أن يكون مبطلاً، ويقول أن غيره مبطل لكن يمكن أن يكون محقاً، وبالجملة إن مذهب أبي حنيفة أنسب المذاهب و أطبقها للسنة و أوفقها بالعقل وأرفعها عند النّاس إن مذهبه مختار أكثر الأمَّة بل مختار سلاطينها فعليک به تنجي.
قال يوحنا فصاح به إمام الشافعية وأظن أنّه كان بين الشافعي و الحنفي منازعات فقال له: اسكت لا نطقت واللّه لقد كذبت وتقولت و من أين أنت والتمييز بين المذاهب وترجيح المجتهدین؟ ویلک شکلتک امک و این لک وقوفاً على ما قاله أبو حنيفة و ما قاسه برأيه، فإنه المسمى بصاحب الرأي يجتهد فِي مقالة النص ويستحسن فِي دين اللّه ويعمل به حتّى أوقعه رأيه الواهي فِي أن قال: لو عقد رجل فِي بلاد الهند على امرأة كانت فِي الروم عقداً شرعياً ثُمّ أتاها بعد سنين فوجدها حاملة وبين يديها صبيان يمشون ويقول لها: ما هؤلاء ؟ وتقول له: أولادك فيرافعها فِي ذلك إلى القاضي الحنفي فيحكم أن الأولاد من صلبه ويلحقونه ظاهراً و باطناً يرثهم ويرثونه، فيقول: ذلك الرجل وكيف هذا ولم أقربها قط ؟ فيقول القاضي: يحتمل أنك أجنبت أو تكون أمنيت فطار منيک فِي قطعة فوقعت فِي فرج هذه المرأة هل هذا يا حنفي مطابق للكتاب والسنة ؟ قال الحنفي: نعم إما يلحق به لأنها فراشه و الفراش يلحق ويلتحق
ص: 489
بالعقد ولا يشترط فيه الوطي. وقال النَّبيّ (صَلَّى اللّه عَلَيْهِ وَآلِهِ): «الولد للفراش و للعاهر الحجر» فمنع الشافعي أن يصير فراشاً بدون الوطي وغلب الشافعي الحنفي بالحجة.
ثُمّ قال الشافعي: وقال أبو حنيفة: لو أن امرأة زفت إلى زوجها فعشقها رجل فادعي عند قاضي الحنفية أنّه عقد عليها قبل الرجل الّذي زفت إليه وأرشى المدعي فاسقين حتّى شهدا له كذباً بدعواه فحكم القاضي له، تحرم على زوجها الأول ظاهراً وباطناً و ثبتت زوجية تلك المرأة للثاني وأنها تحل عليه ظاهراً وباطناً و تحل منها على الشهود الّذين تعمدوا الكذب فِي الشهادة فانظروا أيها النّاس هل هذا مذهب من عرف قواعد الإسلام؟ قال الحنفي: لا اعتراض لك عندنا إن حكم القاضي ينفذ ظاهراً وباطناً و هذا متفرع عليه، فخصمه الشافعي ومنع أن ينفذ حكم القاضي ظاهراً وباطناً بقوله تعالى: ﴿و أنِ احْكُمْ بَيْنَهُمْ بِمَا أَنْزَلَ اللّه﴾ (1) ولم ينزل اللّه ذلک.
ثم قال الشافعي وقال أبو حنيفة: لو أن امرأة غاب عنها زوجها فانقطع خبره فجاء رجل فقال لها: إن زوجك قدمات فاعتدي، فاعتدت ثُمّ بعد العدة عقد عليها آخر و دخل عليها و جاءت منه بالأولاد ثُمّ غاب الرجل الثاني وظهر حياة الرجل الأول وحضر عندها فإن جميع أولاد الرجل الثاني أولاد للرجل الأول يرثهم ويرثونه، فيا أولي العقول فهل يذهب إلى هذا القول من له دراية وفطنة ؟ فقال الحنفي، إنّما أخذ أبو حنيفة هذا من قول النَّبيّ (صَلَّى اللّه عَلَيْهِ وَآلِهِ) : «الولد للفراش و للعاهر الحجر» فاحتج عليه الشافعي بكون الفراش مشروطاً بالدخول فغلبه.
ثُمّ قال الشافعي وإمامك أبو حنيفة قال : أيما رجل رأى امرأة مسلمة فادعى عند القاضي بأن زوجها طلقها وجاءت بشاهدين شهدا له كذباً فحكم القاضي بطلاقها حرمت على زوجها وجاز للمدعي نكاحها و للشهود أيضاً، وزعم أن حكم القاضي ينفذ ظاهراً وباطناً. ثُمّ قال الشافعي وقال إمامك أبو حنيفة: إذا شهد أربعة رجال على رجل بالزنا فإن صدقهم سقط عنه الحد وإن كذبهم لزمه وثبت الحد فاعتبروا يا أولي الأبصار. ثُمّ قال الشافعي: وقال أبوحنيفة: لولاط رجل بصبي و أوقبه فلاحد عليه بل يعزر، وقال رسول اللّه (صَلَّى اللّه عَلَيْهِ وَآلِهِ) : «من عمل عمل قوم لوط فاقتلوا الفاعل والمفعول». وقال أبو حنيفة: لوغصب أحد حنطة فطحنها ملكها بطحنها فلو أراد أن
ص: 490
يأخذ صاحب الحنطة طحينها ويعطي الغاصب الأجرة لم يجب على الغاصب إجابته وله منعه فإن قتل صاحب الحنطه كان دمه هدرا ولو قتل الغاصب قتل صاحب الحنطه به. وقال ابو حنيفة : لوسرق سارق ألف دينار و سرق آخر ألفاً آخر من آخرو مزجها ملک الجميع و لزمه البدل وقال أبوحنيفة: لوقتل المسلم والتقى العالم كافراً جاهلاً قتل المسلم به واللّه يقول: (ولن يجعل اللّه للكافِرِين على المؤمِنِين سبيلاً) (1). وقال أبو حنيفة: لو اشترى أحد أمه أو أخته ونكحهما لم يكن عليه حد وإن علم وتعمد. وقال أبوحنيفة: لوعقد أحد على أمه أو أخته عالماً بها أنها أمه أو أخته ودخل بها لم يكن عليه حد لأن العقد شبهة. و قال أبو حنيفة: لو نام جنب على طرف حوض من نبيذ فانقلب فِي نومه و وقع فِي الحوض ارتفعت جنابته وطهر، وقال أبو حنيفة : لاتجب النية فِي الوضوء ولا فِي الغسل وفي الصحيح: «إنما الأعمال بالنيات». وقال أبوحنيفة: لا تجب البسملة فِي الفاتحة وأخرجها منها مع أن الخلفاء كتبوها فِي المصاحف بعد تحرير القرآن. وقال أبو حنيفة: لوسلخ جلد الكلب الميت و دبغ طهرو أن له الشراب فيه ولبسه فِي الصَّلاة، وهذا مخالف للنص بتنجيس العين المقتضى لتحريم الإنتفاع به.
ثُمّ قال: يا حنفي يجوز فِي مذهبك للمسلم إذا أراد الصَّلاة أن يتوضأ بنبيذ ويبدأ بغسل رجليه و يختم بیدیه و یلبس جلد کلب میت مدبوغ ويسجد على عذرة يابسة ويكبر بالهندية و يقرأ فاتحة الكتاب بالعبرانية ويقول بعد الفاتحة دو برگ" "سبز" يعني مدهامتان ثُمّ يركع ولا يرفع رأسه ثُمّ يسجد ويفصل بين السجدتين بمثل حد السّيف وقبل السلام يتعمد خروج الريح فإن صلاته صحيحة وإن أخرج الريح ناسياً بطلت صلاته. ثُمّ قال: نعم يجوز هذا (فَاعْتَبِرُوا يَا أُولِي الْأَبْصَارِ) هل يجوز التعبد بمثل هذه العبادة أم يجوز لنبي أن يأمر أمته بمثل هذه العبادة افتراء على اللّه ورسوله.
فافحم الحنفي و امتلأ غيظاً وقال: يا شافعي اقصر فض اللّه فاك و أين أنت عن الأخذ على أبي حنيفة وأين مذهبك من مذهبه ؟ فإنما مذهبك بمذهب المجوس أليق لأن فِي مذهبک يجوز للرجل أن ينكح ابنته من الزنا، وأخته ويجوز أن يجمع بين الأختين من الزنا و يجوز أن ينكح أمه
ص: 491
من الزنا و كذا عمته وخالته من الزنا واللّه يقول: ﴿ حُرِّمَتْ عَلَيْكُمْ أُمَّهَاتُكُمْ وَبَنَاتُكُمْ وَأَخَوَاتُكُمْ وَعَمَّاتُكُمْ وَخَالَاتُكُمْ)(1)، و هذه صفات حقيقية لا تتغير بتغير الشرائع و الأديان، ولا تظن يا شافعي يا أحمق إن منعهم من التوريث يخرجهم من هذه الصفات الذاتية الحقيقية ولذا تضاف إليه فيقال بنته وأخته من الزنا، وليس هذا التقييد موجباً لمجازيته كما فِي قولنا أخته من النبس بل لتفصيله، وإنما التحريم شامل للذي يصدق عليه الألفاظ حقيقة و مجازاً اجتماعاً، فإن الجدة داخلة تحت الأم اجماعاً و كذا بنت البنت ولا خلاف فِي تحريمها بهذه الآية، فانظروا يا أولي الألباب هل هذا إلّا مذهب المجوس يا خارجي.
وأما يا شافعي إمامك أباح للناس لعب الشطرنج مع أن النَّبيّ (صَلَّى اللّه عَلَيْهِ وَآلِهِ) قال: «لا يحب الشطرنج إلّا عابد وثن» و أما يا شافعي إمامك أباح للناس الرقص والدف و القصب فقبح اللّه مذهبك مذهباً ينكح فيه الرجل أمه وأخته ويلعب بالشطرنج و يرقص ويدف، فهل هذا الظاهر الافتراء على اللّه ورسوله، وهل يلزم بهذا المذهب إلّا أعمى القلب وأعمى عن الحق.
قال يوحنا وطال بينهما الجدال و احتمى الحنبلي للشافعي واحتمى المالكي للحنفي ووقع النزاع بين المالكي والحنبلي وكان فيما وقع بينهم أن الحنبلي قال: إن مالكاً أبدع فِي الدين بدعاً أهلك اللّه عليها أمماً وهو أباحها وهو لواط الغلام وأباح لواط المملوك وقد صح أن رسول اللّه (صَلَّى اللّه عَلَيْهِ وَآلِهِ) قال: «من لاط بغلام فاقتلوا الفاعل والمفعول» و مالك يقول فِي المنظومة:
وجائزنيك الغلام الأمرد *** مجوز للرجل المجرد
هذا إذا كان وحيداً فِي السفر و *** لم يجد أنثى تفي إلّا الذكر
وأنا رأيت مالكياً ادعى عند القاضي على آخر أنّه باعه مملوكاً و المملوك لا يمكنه و من وطئه فأثبت القاضي أنّه عيب فِي المملوك ويجوز له رده، أفلا تستحي من اللّه يا مالكي يكون لک مذهب مثل هذا وأنت تقول مذهبي خير من مذهبك ؟ و إمامك أباح لحم الكلاب فقبح اللّه مذهبک و اعتقادک.
ص: 492
فرجع المالكي عليه و صاح به اسکت یا مجسم يا حلولي یا حولي يا فاسق بل مذهبک أولى بالقبح وأحرى بالتعبير إذ عند إمامك أحمد بن حنبل أن اللّه جسم يجلس على العرش و يفصل عن العرش بأربع أصابع، وأنه ينزل كلّ ليلة جمعة من سماء الدُّنيا على سطوح المساجد فِي صورة أمرد قطط الشعر له نعلان شراكهما من اللؤلؤ الرطب راكبا على حمار له ذوائب، و رأيت علماء الحنابلة يبيتون على سطوح المساجد ويبنون عليها معالف ويضعون فيها شعيراً ليأكل منه حمار اللّه تعالى و هُو منزه عن هذا عزّوجلّ.
و من المشهور أن ليلة جمعة صعد رجل من زهاد الحنابلة على سطح مسجد الجامع و يترجى أن اللّه ينزل عليه، فاتفق أنّه رأى على سطح المسجد غلام نغاظ وكان مليح الوجه قطط الشعر، فلما وقع نظر الحنبلي عليه ظنه ربه فوقع الحنبلي على قدميه يقبلهما ويقول: سيدي ارحمني ولا تعذبني ويبكي ويتضرع، فبهت الغلام وظن أنّه يريد منه فعلا قبيحاً فصاح بالنّاس إن هذا يريد أن يفسق بي فِي سطح المسجد، فأتى إليه جماعة النغاطين وأوجعوه ضرباً و مضوا به إلى الحاكم فحبسه إلى الغد لينظر فِي حاله، فأقبل جماعة من لماء الحنابلة إلى الحاكم و أقسموا باللّه أن هذا الرجل مِمّا لا يظن فيه هذا الأم وإنما ظن أنّه ربه فأراد أن يقبل قدميه، فقبح اللّه مذهبک یا حنبلي و معتقدک.
قال يوحنا فوقع بين الحنبلي والمالكي والشافعي و الحنفي النزاع فعلت أصواتهم وأظهروا قبائحهم ومعايبهم حتّى ساء كلّ من حضر كلامهم الّذي بدا منهم وعاب العامَّة عليهم. فقلت لهم : على رسلكم فواللّه قسماً أني نفرت من اعتقاداتكم فإن كان الإسلام هذا فيا ويلاه، و اسوأتاه، لكني أقسم عليكم باللّه الّذي لا إله إلّا هُو أن تقطعوا هذا البحث وتذهبوا فإن العوام قد أنكروا عليكم. قال يوحنا: فقاموا وتفرقوا وسكتوا أسبوعاً لا يخرجون من بيوتهم فإذا خرجوا أنكر النّاس عليهم، ثُمّ بعد أيام اصطلحوا واجتمعوا فِي المستنصرية فجلست غداً إليهم و فاوضتهم فكان فيما جرى إن قلت لهم: كنت أريد عالماً من علماء الرافضة نناظره فِي مذهبه فهل عليكم أن تأتونا بواحد منهم فنبحث معه ؟ فقال العلماء يا يوحنا الرافضة فرقة قليلة لا يستطيعون أن يتظاهروا بين المسلمين لقلتهم وكثرة مخالفيهم ولا يتظاهرون فضلاً إن يستطيعوا المحاجة عندنا على مذهبهم منهم الأرذلون الأقلون ومخالفوهم الأكثرون، فهذا مدح
ص: 493
لهم لأن اللّه سبحانه وتعالى مدح القليل وذم الكثير بقوله : (وَقَلِيلٌ مِنْ عِبَادِيَ الشَّكُورُ﴾ ﴿ وَمَا آمَنَ مَعَهُ إِلَّا قَلِيلٌ) (وَإِنْ تُطِعْ أَكْثَرَ مَنْ فِي الْأَرْضِ يُضِلُّوكَ عَنْ سَبِيلِ اللَّهِ) (وَلَا تَجِدُ أَكْثَرَهُمْ شَاكِرِينَ)، (وَلَكِنَّ أَكْثَرَ النَّاسِ لَا يَشْكُرُونَ) (وَلَكِنَّ أَكْثَرَهُمْ لَا يَعْلَمُونَ) (ولكن أَكْثَرُهُمْ لَا يُؤْمِنُونَ) إلى غير ذلك من الآيات.
قالت العلماء يا يوحنا حالهم أعظم من يوصف لأنّهم لو علمنا بأحد منهم فلا نزال نتربص به الدوائر حتّى نقتله لأنّهم عندنا كفرة تحل علينا دماءهم، وفي علمائنا من يفتي بحل أموالهم و نسائهم. قال يوحنا اللّه أكبر هذا أمر عظيم أتراهم بما استحقوا هذا فهم ينكرون الشهادتين ؟
قالوا: لا. قال: أفهم لا يتوجهون إلى قبلة الإسلام؟ قالوا: لا. قال: إنّهم ينكرون الصَّلاة أم الصيام أم الحج أم الزكاة أم الجهاد؟ قالوا: لا بل هم يصلون ويصومون و يزكون و يحجون و يجاهدون. قال : إنّهم ينكرون الحشر و النشر و الصراط والميزن والشفاعة؟ قالوا: لا بل مقرون بذلك بأبلغ وجه. قال : أفهم يبيحون الزنا واللواط وشرب الخمر و الربا و المزامر و أنواع الملاهي؟ قالوا: بل يجتنبون عنها و يحرمونها، قال يوحنا فياللّه والعجب قوم يشهدون الشهادتين ويصلون إلى القبلة ويصومون شهر رمضان ويحجون البيت الحرام ويقولون بالحشر والنشر و تفاصيل الحساب كيف تباح أموالهم و دماؤهم ونساؤهم ونبيّكم يقول: «أمرت أن أقاتل النّاس حتّى يشهدوا أن لا إله إلّا اللّه وأن محمّداً رسول اللّه فإذا قالوها عصموا مني دماءهم وأموالهم ونساءهم إلّا بحق وحسابهم على اللّه».
قال العلماء: يا يوحنا إنّهم أبدعوا فِي الدين بدعاً فمنها أنهم يدعون أن عليّاً أفضل النّاس بعد رسول اللّه (صَلَّى اللّه عَلَيْهِ وَآلِهِ) و يفضلونه على الخلفاء الثلاثة، والصدر الأول أجمعوا على أن أفضل الخلفاء كبيرتيم. قال يوحنا: افترى إذا قال أحد أن عليّاً (عَلَيهِ السَّلَامُ) يكون خيراً من أبي بكرو أفضل منه تكفرونه؟ قالوا نعم لأنّه خالف الإجماع. قال يوحنا فما تقولون فِي محدثكم الحافظ أبي بكر أحمد بن موسى بن مردويه؟ قال العلماء : هُو ثقة مقبول الرواية صحيح المثل.
قال يوحنا: هذا كتابه المسمى بكتاب المناقب روى فيه أن رسول اللّه قال: «علي خير البشر و من أبى فقد كفر» و فِي كتابه أيضاً يسأل حذيفة عن عليّ (عَلَيهِ السَّلَامُ) قال: «أنا خير هذه الأمَّة بعد نبيها ولا يشك فِي ذلك إلّا منافق» و فِي كتابه أيضاً عن سلمان عن النَّبيّ (صَلَّى اللّه عَلَيْهِ وَآلِهِ) أنّه قال: «عليّ بن
ص: 494
أبِي طالِب خير من أخلفه بعدي» و فِي كتابه أيضاً عن أنس بن مالك أن رسول اللّه (صَلَّى اللّه عَلَيْهِ وَآلِهِ) قال: «أخي و وزيري و خير من أخلفه بعدي عليّ بن أبِي طالِب» وعن أمامكم أحمد بن حنبل روى فِي مسنده أن النَّبيّ (صَلَّى اللّه عَلَيْهِ وَآلِهِ) قال لفاطمة: «أما ترضين أني زوجتك أقدم أمتي سلما وأكثرهم علماً وأعظمهم حلماً» و روى فِي مسند أحمد بن حنبل أيضاً أن النَّبيّ (صَلَّى اللّه عَلَيْهِ وَآلِهِ) قال: «اللّهمّ ائتني بأحب خلقك إليك» فجاء عليّ بن أبِي طالِب فِي حديث الطائر، و ذكر هذا الحديث النسائي والترمذي فِي صحيحهما وهما من علمائكم. وروى أخطب خوارزم في كتاب المناقب وهو من علمائكم عن معاذ بن جبل قال: قال رسول اللّه (صَلَّى اللّه عَلَيْهِ وَآلِهِ) : «یا علي أخصمك بالنبوة ولا نبوة بعدي و تخصم النّاس بسبع فلا يحاجك أحد من قريش: أنت أولهم إيماناً باللّه، وأوفاهم بأمر اللّه و بعهده، وأقسمهم بالسوية، وأعدلهم بالرعية، وأبصرهم بالقضية، وأعظمهم يوم القيامة عند اللّه عزّوجلّ فِي المزية» وقال صاحب كفاية الطالب من علمائكم : هذا حديث حسن عال رواه الحافظ أبونعيم فِي حلية الأولياء.
قال يوحنا فيا أئمة الإسلام فهذه أحاديث صحاح روتها أئمتكم وهي مصرحة بأفضلية علي و خيرته على جميع النّاس فما ذنب الرافضة ؟ وإنما الذنب لعلمائكم والّذين يروون ما ليس بحق ويفترون الكذب على اللّه ورسوله.
قالوا: يا يوحنا أنهم لم يرووا غير الحقّ ولم يفتروا بل الأحاديث لها تأويلات و معارضات. قال يوحنا: فأي تأويل تقبل هذه الأحاديث بالتخصيص على البشر، فإنه نص فِي أنّه خير من أبي بكر إلّا أن تخرجوا أبا بكر من البشر. سلمنا أن الأحاديث لا تدل ذلك فأخبروني أيهم أكثر جهاداً؟ فقالوا: علي. قال يوحنا: قال اللّه تعالى: ﴿وَفَضَّلَ اللَّهُ الْمُجَاهِدِينَ عَلَى الْقَاعِدِينَ أَجْرًا عَظِيمًا)(1) وهذا نص صريح. قالوا: أبوبكر أيضاً مجاهد فلا يلزم تفضيله عليه. قال يوحنا: الجهاد الأقل إذا نسب إلى الجهاد الأكثر بالنسبة إليه قعود وهب أنّه كذلك فما مرادكم بالأفضل؟ قالوا: الّذي تجتمع فيه الكمالات والفضائل الجبلية والكسبية كشرف الأصل والعلم والزهد والشجاعة والكرم وما يتفرع عليها. قال يوحنا فهذه الفضائل كلها لعليّ (عَلَيهِ السَّلَامُ) بوجه هُو أبلغ من حصولها لغيره.
ص: 495
قال يوحنا: أما شرف الأصل فهوابن عم النَّبيّ (صَلَّى اللّه عَلَيْهِ وَآلِهِ) و زوج ابنته وأبوسبطيه. وأما العلم فقال النَّبيّ (صَلَّى اللّه عَلَيْهِ وَآلِهِ): «أنا مدينة العلم و علي بابها» وقد نقرر فِي العقل أن أحداً لا يستفيد من المدينة شيئاً إلّا إذا أخذ من الباب، فانحصر طريق الاستفادة من النَّبيّ (صَلَّى اللّه عَلَيْهِ وَآلِهِ) فِي عليّ (عَلَيهِ السَّلَامُ) وهذه مرتبة عالية وقال (صَلَّى اللّه عَلَيْهِ وَآلِهِ): «أقضاكم علي» وإليه تعزى كلّ قضية و تنتهي كلّ فرقة وتنحاد إليه كلّ طائفة، فهو رئيس الفضائل وينبوعها وأبو عذرها وسابق مضمارها و مجلي حلبتها، كلّ من برع فيها فمنه أخذ و به اقتفى و على مثاله احتذى، وقد عرفتم أن أشرف العلوم العلم الإلهي و من كلامه اقتبس وعنه نقل و منه ابتدأ. فإن المعتزلة الّذين هم أهل النظر و منهم تعلم النّاس هذا الفن هم تلامذته، فإن كبيرهم واصل بن عطا تلميذ أبي هاشم عبداللّه بن محمّد الحنفية وأبوهاشم عبداللّه تلميذ أبيه و أبوه تلميذ عليّ بن أبِي طالِب (عَلَيهِ السَّلَامُ) و أما الأشعريين فإنهم ينتهون إلى أبي الحسن الأشعري و هُو تلميذ أبي علي الجبائي وهو تلميذ واصل بن عطا، وأما الإمامية والزيدية فانتهاؤهم إليه ظاهر.
وأما علم الفقه فهو أصله وأساسه وكل فقيه فِي الإسلام فإليه يعزي نفسه أما مالک فأخذ الفقه عن ربيعة الرأي و هُو أخذ عن عكرمة وهو أخذ عن عبداللّه وهو أخذ عن علي (عَلَيهِ السَّلَامُ)، و لام، وأما أبو حنيفة فعن الصَّادق (عَلَيهِ السَّلَامُ)، وأما الشافعي فهو تلميذ مالک، و الحنبلي تلميذ الشافعي و أما فقهاء الشيعة فرجوعهم إليه ظاهر و أما فقهاء الصحابة فرجوعهم إليه ظاهر كابن عبَّاس و غیره و ناهیكم قول عمر غير مرة: «لا يفتين أحد فِي المسجد و علي حاضر» و قوله: «لا بقيت لمعضلة ليس لها أبو الحسن» وقوله: «لولا علي هلك عمر» و قال الترمذي فِي صحيحه والبغوي عن أبي بكر قال: قال رسول اللّه (صَلَّى اللّه عَلَيْهِ وَآلِهِ): «من أراد أن ينظر إلى آدم فِي علمه وإلى نوح فِي فهمه والي يحيى بن زكريا فِي زهده و إلى موسى بن عمران فِي بطشه فلينظر إلى عليّ بن أبِي طالِب» وقال البيهقي بإسناده إلى رسول اللّه (صَلَّى اللّه عَلَيْهِ وَآلِهِ): «من أراد أن ينظر إلى آدم فِي علمه وإلى نوح فِي تقواه وإلى إبراهيم فِي خلقه وإلى موسى فِي هيبته وإلى عيسى. فِي عبادته فلينظر إلى عليّ بن أبِي طالِب» وهو الّذي بين حد الشرب، وهو الّذي أفتى فِي المرأة الّتي وضعت لستة أشهر، و بقسمة الدراهم على صاحب الأرغفة والأمر بشق الولد نصفين، والأمر بضرب عنق العبد، والحاكم فِي ذي الرأسين ومبين أحكام البغاة، وهو الّذي أفتى فِي الحامل الزانية.
ص: 496
و من العلوم علم التفسير و قد علم النّاس حال ابن عبَّاس فيه وكان تلميذ عليّ (عَلَيهِ السَّلَامُ). و سئل فقيل له: این علمک من علم ابن عمک؟ فقال: كبشة مطرفي البحر المحيط.
و من العلوم علم الطريقة والحقيقة و علم التصوف و قد علمتم أن أرباب هذا الفن فِي جميع بلاد الإسلام إليه ينتهون وعنده يقفون، وقد صرح بذلك الشبلي والحنبلي وسرى السقطي و أبوزيد البسطامي وأبو محفوظ معروف الكرخي و غيرهم، ويكفيكم دلالة على ذلك الخرقة الّتي هي شعارهم وكونهم يسندونها بإسناد معنعن إليه أنّه واضعها.
و من العلوم علم النحو و العربية وقد علم النّاس كافة أنّه هُو الّذين ابتدعه وأنشأه، و أملى على أبي الأسود الدؤلي جوامع تكاد تلحق بالمعجزات لأن القوة البشرية لا تفي بمثل هذا الإستنباط. فأين من هُو بهذه الصفة من رجل يسألونه ما معنى (أبا) فيقول: لا أقول فِي كتاب اللّه برأيي، ويقضي فِي ميراث الجد بمائة قضية يغاير بعضها بعضاً، ويقول: إن زغت فقوموني و استقمت فاتبعوني. وهل يقيس عاقل مثل هذا إلى من قال: سلوني قبل أن تفقدوني وإن استقمت فاتبعوني. وهل يقيس عاقل مثل هذا إلى من قال: سلوني قبل أن تفقدوني سلوني عن طرق السماء فواللّه إني لأعلم بها منكم من طرق الأرض ؟ وقال: إن هاهنا لعلماً جماً و ضرب بيده على صدره وقال لوكشف الغطاء ما ازددت يقيناً. فقد ظهر أنّه أعلم.
و أما الزهد فإنه سيّد الزهاد و بدل الأبدال وإليه تشد الرحال وتنقص الأحلاس، وما شبع من طعام قط، وكان أخشن النّاس لبساً ومأكلاً. قال عبد اللّه بن أبي رافع: دخلت على عليّ (عَلَيهِ السَّلَامُ) يوم عيد فقدم جراباً مختوماً فوجد فيه خبزاً شعيراً يابساً مرضوضاً فتقدم فأكل، فقلت: يا أمِير المؤمنين فكيف تختمه وإنما هُو خبز شعير؟ فقال: خفت هذين الولدين يلتانه بزيت أو سمن. وكان ثوبه مرقوعا بجلد تارة وبليف أخرى ونعلاه من ليف، وكان يلبس الكرباس الغليظ فإن وجد كمه طويلاً قطعه بشفرة ولم يخيطه، وكان لا يزال ساقطاً على ذراعيه حتّى يبق سدى بلالحمة، وكان يأتدم إذا إنتدم بالخل والملح فإن ترقى عن ذلك فبعض نبات الأرض فإن ارتفع عن ذلك فبقليل من ألبان الإبل، ولا يأكل اللحم إلّا قليلاً و يقول : لا تجعلوا بطونكم مقابر الحيوانات، وكان مع ذلك أشد النّاس قوة وأعظمهم يداً.
و أما العبادة فمنه تعلم النّاس صلاة الليل وملازمة الأوراد و قیام النافلة، و ما ظنک برجل كانت
ص: 497
جبهته كثفنة البعير، و من محافظته على ورده إن بسط له نطع بين الصفين ليلة الهرير فيصلي عليه والسهام تقع عليه ويمر على صماخيه يميناً وشمالاً فلا يرتاع لذلك ولا يقوم حتّى يفرغ من وظيفته. فأنت إذا تأملت دعواته ومناجاته و وقفت على ما فيها من تعظيم اللّه سبحانه وتعالى واجلاله وما تضمنته من الخضع لهيبته والخشوع لعزته عرفت ما ينطوي عليه من الإخلاص و كان زين العابدين (عَلَيهِ السَّلَامُ) يصلي فِي كلّ ليلة ألف ركعة ويقول: أنّى لي بعبادة عليّ (عَلَيهِ السَّلَامُ).
و أما الشجاعة فهو ابن جلاها وطلاع ثنياها نسي النّاس فيها ذكر من قبله و محى اسم من يأتي بعده ومقاماته فِي الحروب مشهورة تضرب بها الأمثال إلى يوم القيامة، وهو الشجاع الّذي ما فرقط و لا ارتاع من كتيبة ولا بارز أحداً إلّا قتله ولا ضرب ضربة قط فاحتاجت إلى ثانية. وجاء فِي الحديث إذا ضرب و اعتلاقد وإذا ضرب و اعترض قط. وفي الحديث كانت ضرباته وتراً و كان المشركون إذا أبصروه فِي الحرب عهد بعضهم إلى بعض و بسيفه شيدت مباني الدين وثبتت دعائمه وتعجبت الملائكة من شدة ضرباته وحملاته. وفي غزوة بدر الداهية العظمى على المسلمين قتل فيها صناديد قريش كالوليد بن عتبة والعاص بن سعيد ونوفل بن خويلد الّذي قرن أبا بكر و طلحة قبل الهجرة وعذبهما، وقال رسول اللّه (صَلَّى اللّه عَلَيْهِ وَآلِهِ): «الحمد للّه الّذي أجاب دعوتي فيه ولم يزل فِي ذلك يصرع صنديداً بعد صنديد حتّى قتل صف المقتولين فكان سبعين وقتل المسلمون كافة مع ثلاث آلاف من الملائكة متسومين النصف الآخر»، وفيه نادى جبرائيل (عَلَيهِ السَّلَامُ) : «لا سيف إلّا ذوالفقار و لا فتى إلّا علي». ويوم أحد لما انهزم المسلمون عن النَّبيّ (صَلَّى اللّه عَلَيْهِ وَآلِهِ) و رمي رسول اللّه (صَلَّى اللّه عَلَيْهِ وَآلِهِ) إلى الأرض وضربه المشركون بالسيوف والرماح و عليّ (عَلَيهِ السَّلَامُ) مصلت سيفه قدامه، ونظر النَّبيّ (صَلَّى اللّه عَلَيْهِ وَآلِهِ) بعد افاقته من غشوته فقال : يا علي ما فعل المسلمون ؟ فقال : نقضوا العهود و ولوا الدبر. فقال: اكفني هؤلاء فكشفهم عنه ولم يزل يصادم كتيبة بعد كتيبة وهو ينادي المسلمين حتّى تجمعوا و قال جبرائيل (عَلَيهِ السَّلَامُ) : إن هذه هي المواساة لقد عجبت الملائكة من حسن موالاة علي لك بنفسه، فقال رسول اللّه (صَلَّى اللّه عَلَيْهِ وَآلِهِ): و ما يمنعه من ذلك وهو مني وأنا منه. ولثبات عليّ (عَلَيهِ السَّلَامُ) رجع بعض المسلمين و رجع عثمان بعد ثلاثة أيام فقال له النَّبيّ (صَلَّى اللّه عَلَيْهِ وَآلِهِ): فقد ذهبت بها مريضة. و فِي غزوة الخندق إذ أحدق المشركون بالمدينة كما قال اللّه تعالى: (إذ جَاءُوكُمْ مِنْ فَوْقِكُمْ وَمِنْ أَسْفَلَ مِنْكُمْ وَإِذْ زَاغَتِ
ص: 498
الْأَبْصَارُ وَبَلَغَتِ الْقُلُوبُ الْحَنَاجِرَ)(1) ودخل عمرو بن عبد ود الخندق على المسلمين و نادى بالبراز فأحجم عنه المسلمون وبرز عليّ (عَلَيهِ السَّلَامُ) متعمماً بعمامة رسول اللّه (صَلَّى اللّه عَلَيْهِ وَآلِهِ) وبيده سيف فضربه ضربة كانت توازن عمل الثقلين إلى يوم القيامة، وأين هناك أبوبكر و عم و عثمان. و من نظر غزوات الواقدي و تاريخ البلاذري علم محله من رسول اللّه من الجهاد وبلاءه يوم الأحزاب وهو يوم بَنِي المصطلق ويوم قلع باب خيبرو فِي غزوة خيبر و هذا باب لا يغني الإطناب فيه لشهرته.
و روى أبوبكر الأنباري فِي أماليه أن عليّاً (عَلَيهِ السَّلَامُ) جلس إلى عمر فِي المسجد وعنده أناس، فلما قام عرض واحد بذكره و نسبه إلى التيه والعجب فقال عمر: لمثله أن يتيه واللّه لولا سيفه لما قام عمود الدين و هُو بعد أقضى الأمَّة وذو سابقتها وذو شأنها فقال له ذلك القائل: فما منعكم يا أمِير المؤمنين منه ؟ فقال ما كرهناه إلّا على حداثة سنه وحبه لبني عبدالمطلب وحمله سورة براءة إلى مكة. ولما دعى معاوية إلى البراز لتسريح النّاس من الحرب بقتل أحدهما فقال له عمرو: قد أنصفك الرجل، فقال له معاوية ما غششتني كلما نصحتني إلّا اليوم أتأمرني بمبارزة أبي الحسن و أنت تعلم أنّه الشجاع المطوق ؟ أراك طمعت فِي إمارة الشام بعدي. وكانت العرب تفتخر لوقوعها فِي الحرب فِي مقابلته، فأما قتلاه فافتخر رهطهم لأنّه (عَلَيهِ السَّلَامُ) قتلهم وأظهر و أكثر من أن يحصى وقالت فِي عمرو بن عبد ود مرثية :
لوكان قاتل عمر و غير قاتله *** *بكيته أبداً ما عشت فِي الأبد
لكن قاتله من لا نظير له *** قد كان يدعى أبوه بيضة البلد
وجملة الأمر أن كلّ شجاع فِي الدُّنيا إليه ينتمي وباسمه من مشارق الأرض ومغاربها.
و أما كرمه و سخاؤه فهو الّذي كان يطوي فِي صيامه حتّى صام طاوياً ثلاثة أيام يؤثر السؤال كلّ ليلة بطعامه حتّى أنزل اللّه فيه : (هل أتى على الإنسان) (2) وتصدق بخاتمه فِي الركوع فنزلت
ص: 499
الآية: (إنّما ولِيُّكُمُ اللّه ورَسُولُهُ والّذين آمَنُوا الّذين يُقِيمُون الصَّلاة ويُؤْتُونَ الزَّكاة وهُم راكِعُون) (1) تصدق بأربعة دراهم فأنزل اللّه فيه الآية: (الَّذِينَ يُنْفِقُونَ أَمْوَالَهُمْ بِاللَّيْلِ وَالنَّهَارِ سِرًّا وَعَلَانِيَةً) (2) و تصدق بعشرة دراهم يوم النجوى فخفف اللّه سبحانه عن سائر الأمَّة بها، وهو الّذي كان يستسقي للنخل بيده ويتصدق بأجرته، وفيه قال معاويه بن أبي سفيان الّذي كان عدوه لمحفن الضبي لما قال له: جئتك من عند أبخل النّاس فقال: ویحک کیف قلت؟ تقول له أبخل النّاس ولو ملک بيتاً من تبرو بيتاً من تبن لأنفق تبره قبل تبنه، وهو الّذي يقول: يا صفراء و يا بيضاء غرّي غيري بي تعرضت أم لي تشوقت هيهات هيهات قد طلقتك ثلاثاً لا رجعة فيها، وهو الّذي جاد بنفسه ليلة الفراش و فدى النَّبيّ (صَلَّى اللّه عَلَيْهِ وَآلِهِ) حتّى نزل فِي حقه: (وَمِنَ النَّاسِ مَنْ يَشْرِي نَفْسَهُ ابْتِغَاءَ مَرْضَاتِ اللَّهِ) (3).
قال يوحنا فلما سمعوا هذا الكلام لم ينكره أحد منهم وقالوا: صدقت أن هذا الّذي قلت قرأناه من كتبنا ونقلناه عن أئمتنا لكن محبة اللّه ورسوله و عنايتهما أمر وراء هذا كله فعسى اللّه أن يكون له عناية بأبي بكر أكثر من علي فيفضله عليه. قال يوحنا: إنا لا نعلم الغيب ولا يعلم الغيب إلّا اللّه تعالى وهذا الّذي قلتموه تخرص و قال اللّه تعالى: (قُتِل الخراصون) (4) ونحن إنّما نحكم بالشواهد الّتي لعليّ (عَلَيهِ السَّلَامُ) على أفضليته فذكرناها وأما عناية اللّه به فتحصل من هذه الكمالات دليل قاطع عليها، فأي عناية خير من أن يجعل بعد نبيه أشرف النّاس نسباً و أعظمهم حلماً وأشجعهم قلباً وأكثرهم جهاداً و زهداً و عبادة و كرماً و ورعا و غير ذلك من الكمالات القديمة، هذا هُو العناية. وأما محبة اللّه ورسوله فقد شهد بها رسول اللّه (صَلَّى اللّه عَلَيْهِ وَآلِهِ) فِي مواضع.
منها: الموقف الّذي لم ينكرو هُو يوم خيبر إذ قال النَّبيّ (صَلَّى اللّه عَلَيْهِ وَآلِهِ)؛ لأعطين الراية غداً رجلاً يحب اللّه ورسوله ويحبه اللّه ورسوله» فأعطاها علياً.
ص: 500
و روى عالمكم أخطب خوارزم فِي كتاب المناقب أن النَّبيّ (صَلَّى اللّه عَلَيْهِ وَآلِهِ) قال: «يا علي لو أن عبداً عبداللّه عزّوجلّ مثلما قام نوح فِي قومه وكان له مثل جبل أحد ذهباً فأنفقه فِي سبيل اللّه و مد فِي عمره حتّى حج ألف حجّة على قدميه ثُمّ قتل ما بين الصفا والمروة مظلوماً ثُمّ لم یوالیک یا علي لم يشم رائحة الجنّة ولم يدخلها» و فِي الكتاب المذكور قال رسول اللّه (صَلَّى اللّه عَلَيْهِ وَآلِهِ): «لو اجتمع النّاس على حب علي ابن أبي طالب لم يخلق اللّه النار». وفي كتاب الفردوس: حب علي حسنة لا تضر معها سيئة ولا تنفع معها حسنة وفي كتاب ابن خالويه عن حذيفة ابن اليمان قال: قال رسول اللّه (صَلَّى اللّه عَلَيْهِ وَآلِهِ): «من أراد أن يتصدق بفصة الياقوت الّتي خلق اللّه بیده ثُمّ قال لها كوني فكانت فليتوال عليّ بن أبِي طالِب بعدي».
و فِي مسند أحمد بن حنبل فِي المجلد الأول: أن رسول اللّه (صَلَّى اللّه عَلَيْهِ وَآلِهِ) أخذ بيد حسن و حسين وقال: «من أحبني و أحب هذين و أحب أباهما كان معي فِي درجتي يوم القيامة».
قال يوحنا يا أئمة الإسلام هل بعد هذا كلام فِي قول اللّه تعالى ورسوله فِي محبته وفي تفضيله على من هُو عاطل عن هذه الفضائل.
قالت الأئمّة: يا يوحنا الرافضة يزعمون أن النَّبيّ (صَلَّى اللّه عَلَيْهِ وَآلِهِ) أوصى بالخلافة إلى عليّ (عَلَيهِ السَّلَامُ) و نص عليه بها، وعندنا أن النَّبيّ (صَلَّى اللّه عَلَيْهِ وَآلِهِ) لم يوص إلى أحد بالخلافة. قال يوحنا: هذا كتابكم فيه (كُتِبَ عَلَيْكُمْ إِذَا حَضَرَ أَحَدَكُمُ الْمَوْتُ إِنْ تَرَكَ خَيْرًا الْوَصِيَّةُ لِلْوَالِدَيْنِ وَالْأَقْرَبِينَ)(1). و فِي بخاريكم يقول: قال رسول اللّه (صَلَّى اللّه عَلَيْهِ وَآلِهِ) : «ما من حق امرىء مسلم أن يبيت إلّا وصيته تحت رأسه» أفتصدقون أن نبيّكم يأمر بما لا يفعل مع أن فِي كتابكم تقريعا للذي يأمر بما لا يفعل من قوله (أَتَأْمُرُونَ النَّاسَ بِالْبِرِّ وَتَنْسَوْنَ أَنْفُسَكُمْ وَأَنْتُمْ تَتْلُونَ الْكِتَابَ أَفَلَا تَعْقِلُونَ) (2) فواللّه إن كان نبيّكم قد مات بغير وصية فقد خالف أمر ربه و ناقض قول نفسه و لم يقتد بالأنبياء الماضى من ايصائهم إلى من يقوم بالأمر من بعدهم، على أن اللّه تعالى يقول: (فبِهُداهُمُ اقتده) (3) لكنه حاشاه
ص: 501
من ذلك وإنما تقولون هذا لعدم علم منكم وعناد فإن إمامكم أحمد بن حنبل روى فِي مسنده أن سلمان قال يا رسول اللّه فمن وصیک؟ قال: یا سلمان من كان وصي أخي موسى (عَلَيهِ السَّلَامُ) ؟ قال: يوشع بن نون. قال: فإن وصي و وارثي عليّ بن أبِي طالِب.
و فِي كتاب المغازلي الشافعي بإسناده عن رسول اللّه (صَلَّى اللّه عَلَيْهِ وَآلِهِ) قال: لكل نبي وصي و وارث وإنما وصي و وراثي عليّ بن أبِي طالِب.
و هذا الإمام الغزالي محيي سنة الدين و هُو من أعاظم محدثيكم و مفسريكم وقد روى فِي تفسيره المسمى بمعالم التنزيل عند قوله تعالى: ﴿ وَأَنْذِرْ عَشِيرَتَكَ الْأَقْرَبِينَ) (1) عن عليّ (عَلَيهِ السَّلَامُ) أنّه قال: لما نزلت هذه الآية أمرني رسول اللّه (صَلَّى اللّه عَلَيْهِ وَآلِهِ) أن أجمع له بَنِي عبد المطلب فجمعتهم و هم يومئذ أربعون رجلاً يزيدون رجالاً أو ينقصون، فقال لهم بعد أن أضافهم برجل شاة وعس لبن شبعاً ورياً وأنه كان أحدهم ليأكله ويشربه : يا بَنِي عبد المطلب إني قد جئتكم بخير الدُّنيا والآخرة وقد أمرني ربّي أن أدعوكم إليه فأيكم يؤازرني عليه ويكون أخي ووصي و خليفتي من بعدي، فلم يجبه أحد قال علي فقمت إليه وقلت أنا أجيبك يا رسول اللّه. فقال لي: أنت أخي ووصي وخليفتي من بعدي فاسمعوا له وأطيعوا فقاموا يضحكون ويقولون لأبي طالب قد أمرك أن تسمع لابنك وتطيع.
و هذه الرواية قد رواها أيضاً إمامكم أحمد بن حنبل فِي مسنده و محمّد ابن اسحاق الطبري فِي تاريخه و الخركوشي أيضاً رواها، فإن كانت كذباً فقد شهدتم على أئمتكم بأنهم يروون الكذب على اللّه ورسوله واللّه تعالى يقول: (أَلَا لَعْنَةُ اللَّهِ عَلَى الظَّالِمِينَ * الَّذِينَ يَفْتَرُونَ عَلَى اللَّهِ الْكَذِبَ) و قال اللّه تعالى فِي كتابه (فَنَجْعَلْ لَعْنَتَ اللَّهِ عَلَى الْكَاذِبِينَ) (2) وإن كان لم يكذبوا و كان الأمر على ذلك فما ذنب الرافضة، إذاً فاتقوا اللّه يا أئمة الإسلام باللّه عليكم ماذا تقولون فِي خبر الغدير الّذي تدعيه الشيعة ؟ قال الأئمّة أجمع علماؤنا على أنّه كذب مفترى. قال يوحنا: اللّه أكبر فهذا إمامكم ومحدثكم أحمد بن حنبل روى فِي مسنده إلى البراء بن عازب قال: كنا مع رسول اللّه (صَلَّى اللّه عَلَيْهِ وَآلِهِ) فِي سفر فنزلنا بغدير خم فنودي فينا الصَّلاة جامعة وكشح لرسول اللّه (صَلَّى اللّه عَلَيْهِ وَآلِهِ) تحت شجرتين و
ص: 502
صلى الظهر و أخذ بيد عليّ (عَلَيهِ السَّلَامُ) فقال : ألستم تعلمون أني أولى بكل مؤمن من نفسه؟ قالوا بلى، فأخذ بيد علي ورفعها حتّى بان بياض إبطيهما وقال لهم: من كنت مولاه فعلي مولاه اللّهمّ وال من والاه وعاد من عاداه وانصر من نصره واخذل من خذله فقال له عمر بن الخطاب: هنيئاً لك يا بن أبي طالب أصبحت مولاي و مولى كلّ مؤمن ومؤمنة. ورواه فِي مسنده بطريق آخر و أسنده إلى أبي الطفيل. ورواه بطريق آخر و أسنده إلى زيد بن أرقم. ورواه ابن عبد ربه فِي كتاب العقد و رواه سعيد بن وهب وكذا الثعالبي فِي تفسيره وأكد الخبر مِمّا رواه من تفسير (سَأَلَ سَائِلٌ) إن حارث بن النعمان الفهري أتى رسول اللّه (صَلَّى اللّه عَلَيْهِ وَآلِهِ) فِي ملأ من أصحابه فقال : يا محمّد أمرتنا أن نشهد أن لا إله إلّا اللّه وإنك محمّد رسول اللّه. فقبلنا و أمرتنا أن نصلي خمساً فقبلنا منك و أمرنا أن نصوم شهر رمضان فقبلنا و أمرتنا أن نحج البيت فقبلنا ثُمّ لم ترض حتّى رفعت بضبعي ابن عمک ففضلته علينا وقلت: «من كنت مولاه فعلي مولاه» فهذا شيء منك أم من اللّه ؟ فقال : واللّه الّذي لا إله إلّا هُو أنّه أمر من اللّه تعالى، فولى الحارث بن النعمان وهو يقول: اللّهمّ إن كان ما يقول محمّداً حقّاً فأمطر علينا حجارة من السماء، فما وصل إلى راحلته حتّى رمى اللّه بحجر فسقط على رأسه و خرج من دبره فخر صريعاً، فنزل: (سَأَلَ سَائِلٌ بِعَذَابٍ وَاقِعٍ) (1) فكيف يجوز منكم أن يروى أئمتكم و أنتم تقولون أنّه مكذوب غير صحيح؟.
قال الأئمّة: يا يوحنا قد روت أئمتنا ذلك لكن إذا رجعت إلى عقلك و فکرک علمت أنّه من المحال أن ينص رسول اللّه (صَلَّى اللّه عَلَيْهِ وَآلِهِ) على عليّ بن أبِي طالِب الّذي هُو كما وصفتم ثُمّ يتفق كلّ الصحابة على كتمان هذا النص ويتراخون عنه ويتفقون على إخفائه ويعدلون إلى أبي بكر التيمي الضعيف القليل العشيرة، مع أن الصحابة كانوا إذا أمرهم رسول اللّه (صَلَّى اللّه عَلَيْهِ وَآلِهِ) بقتل أنفسهم فعلوا فكيف يصدق عاقل هذا الحال من المحال ؟ قال يوحنا: لا تعجبوا من ذلك فأمة موسى (عَلَيهِ السَّلَامُ) كانوا ستة أضعاف أمة محمّد (صَلَّى اللّه عَلَيْهِ وَآلِهِ) واستخلف عليهم أخاه هارون وكان نبيهم أيضاً و كانوا يحبونه أكثر من موسى، فعدلوا عنه إلى السامري و عكفوا على عبادة عجل جسد له خوار، فلا يبعد من أمة محمّد أن يعدلوا عن وصيه بعد موته إلى شيخ كان رسول اللّه (صَلَّى اللّه عَلَيْهِ وَآلِهِ) تزوج ابنته، ولعله لو لم يرد القرآن بقصة عبادة العجل لما صدقتموها.
ص: 503
قال الأئمّة: يا يوحنا فلم لم ينازعهم بل سكنت عنهم وبايعهم ؟ قال يوحنا: لا شك أنّه لما مات رسول اللّه (صَلَّى اللّه عَلَيْهِ وَآلِهِ) كان المسلمون قليلاً و اليمامة فيها مسيلمة الكذاب وتبعه ثمانون ألفاً والمسلمون الّذين فِي المدين حشوهم منافقون، فلو أظهر النزاع بالسيف لكان لكل من قتل عليّ بن أبِي طالِب بنيه أو أخيه كان عليه وكان النّاس يومئذ قليلاً من لم يقتل علي من قبيلته وأصحابه وأنسابه قتيلاً أو أزيد و كانوا يكونون عليه، فلذلك صبر و شاققهم على سبيل الحجة ستة أشهر بلا خلاف بين أهل السنة ثُمّ بعد جرى من طلب البيعة منهم فعند أهل السنة ثُمّ بعد جرى من طلب البيعة منهم فعند أهل السنة أنّه بايع و عند الرافضة أنّه لم يبايع، و تاريخ الطبري يدل على أنّه لم يبايع وإنما العبّاس لما شاهد الفتنة صاح: بايع ابن أخي و أنتم تعلمون أن الخلافة لولم تكن لعلي لما ادعاها ولو ادعاها بغير حق لكان مبطلاً، وأنتم تروون عن رسول اللّه (صَلَّى اللّه عَلَيْهِ وَآلِهِ) أنّه قال: «علي مع الحقّ والحق مع علي» فكيف يجوز منه أن يدعى ما ليس بحق فيكذب نبيّكم يومئذٍ ما هذا بصحيح. وأما تعجبكم من مخالفة بَنِي إسرائيل نبيهم فِي خليفته و عدولهم إلى العجل والسامري ففيه سر عجيب أنكم رويتم ان نبيّكم قال: ستحذو أمتي حذو النعل بالنعل والقذة بالقذة حتّى لو دخلوا جحر ضب لدخلتم فيه» وقد ثبت فِي كتابكم أن بَنِي إسرائيل خالفت نبيها فِي خليفته و عدلوا عنه إلى ما لا يصلح لها.
قال العلماء: يا يوحنا أفتدري أنت أن أبا بكر لا يصلح للخلافة ؟ قال يوحنا أما أنا فواللّه لم أر أبا بكر يصلح للخلافة ولا أنا متعصب للرافضة لكني نظرت الكتب الإسلامية فرأيت أن أئمتكم أعلمونا أن اللّه ورسوله أخبر أن أبا بكر لا يصلح للخلافة. قال الأئمّة: وأين ذلك؟ قال يوحنا رأيت فِي بخاريكم وفي الجمع بين الصحاح الستة وفي صحيح أبي داود وصحيح الترمذي و مسند أحمد بن حنبل أن رسول اللّه (صَلَّى اللّه عَلَيْهِ وَآلِهِ) بعث سورة براءة مع أبي بكر إلى أهل مكّة فلما بلغ ذي الخليفة دعى عليّاً (عَلَيهِ السَّلَامُ) ثُمّ قال له : أدرك أبا بكر و خذ الكتاب منه فاقرأه عليهم، فلحقه بالجحفة فأخذ الكتاب منه و رجع أبوبكر إلى النَّبيّ (صَلَّى اللّه عَلَيْهِ وَآلِهِ) فقال: يا رسول اللّه أنزل فِي شيء؟ قال: لا ولكن جاءني جبرائيل (عَلَيهِ السَّلَامُ) وقال: لن يؤدي عنك إلّا أنت أو رجل منک. فإذا كان الأمر هكذا وأبوبكر لا يصلح لأداء آيات يسيرة عن النَّبيّ (صَلَّى اللّه عَلَيْهِ وَآلِهِ) فِي حياته فكيف يصلح أن يكون خليفته بعد مماته ويؤدي عنه كله، وعلمنا من هذا أن عليّاً (عَلَيهِ السَّلَامُ) يصلح أن يؤدي عن
ص: 504
النَّبيّ (صَلَّى اللّه عَلَيْهِ وَآلِهِ). فيا أيها المسلمون لم تتعامون عن الحقّ الصريح ولم تركنوا إلى هؤلاء وكم ترهبون الأهوال.
قال الحنفي منهم: يا يوحنا واللّه إنّک لتنظر بعين الإنصاف وإن الحقّ لكما تقول وأزيدك فِي معنى هذا الحديث، وهو أن اللّه تعالى أراد أن يبين للناس أن أبا بكر لا يصلح للخلافة فترك رسول اللّه حتّى أخرج أبا بكر بسورة براءة على رؤوس الأشهاد ثُمّ أمر رسول اللّه (صَلَّى اللّه عَلَيْهِ وَآلِهِ) أن يخرج عليّاً وراءه ويعزله عن هذا المنصب العظيم ليعلم النّاس أن أبا بكر لا يصلح لها وأن الصالح لها عليّ (عَلَيهِ السَّلَامُ)، فقال لرسول اللّه (صَلَّى اللّه عَلَيْهِ وَآلِهِ) : واللّه لا يبلغ عنك إلّا أنت أو رجل منك فما تقول أنت يا مالكي؟ قال المالكي: واللّه فإنه لم يزل يختلج فِي خاطري أن عليّاً نازع أبا بكر فِي خلافته مدة ستة أشهر و كلّ تنازعين فِي الأمر لا بد وأن يكون أحدهما محقاً، فإن قلنا أن أبا بكركان محقاً فقد خالفنا مدلول قول النَّبيّ (صَلَّى اللّه عَلَيْهِ وَآلِهِ)؛ «علي مع الحقّ والحق مع علي وهذا حديث صحيح لا خلاف فيه، فما تقول يا حنبلي ؟ قال الحنبلي: يا أصحابنا كم نتعامى عن الحقّ واللّه أن اليقين أن أبا بكر و عمر غصباً حق عليّ (عَلَيهِ السَّلَامُ) فكانا آئمين غادرين خائنين، فقال له الحنفي ولا بهذه العبارة، فقال الحنبلي يا حنفي تيقظ لأمرك فإن البخاري ومسلم أوردا فِي صحيحهما أنّه لما توفي أبوبكر و جلس عمر مكانه أتى العبّاس و علي أمر عمر و طلبا ميراثهما من رسول اللّه فغضب عمرو قال كلاماً يقول فيه: فلما توفي رسول اللّه (صَلَّى اللّه عَلَيْهِ وَآلِهِ) قال أبوبكر أنا ولي ورسول اللّه فجئت أنت تطلب ميراثك من ابن أخيک ويطلب علي هذا ميراث امرأته من أبيها ما فقال لكما أبوبكر: إن رسول اللّه (صَلَّى اللّه عَلَيْهِ وَآلِهِ) قال: «نحن معاشر الأنبياء لا نورث ما تركناه يكون صدقة» فرأيتماه كاذباً آثماً غادراً خائنا، ثُمّ توفي أبوبكر فقلت أنا ولي رسول اللّه (صَلَّى اللّه عَلَيْهِ وَآلِهِ) من بعده و ولي أبي بكر فجئت أنت و علي و أنتما جميعاً أمركما واحد فقلتم الأمر لنا دونكم. فقلت لكما مقالة أبي بكر فرأيتماني كاذباً آثماً غادراً خائناً. وقول عمر هذا لعليّ (عَلَيهِ السَّلَامُ) كان بمحضر أنس بن مالک و عثمان وعبدالرحمن بن عوف و الزُّبير و سعد ولم يعتذر أمِير المؤمنين عليّ (عَلَيهِ السَّلَامُ) ولا العبّاس عمّا نسب إليهما من الإعتقاد الّذي ذكره عمر و لا أحد من الحاضرين إعتذر إلى أبي بكر، فيا حنفي إن كان عمر صدق فيما نسب إلى أبي بكر و إلى نفسه فمن يعتقد فيه العبّاس و علي أنّه كاذب آثم خائن غادر فكيف يصلح للخلافة، وإن قلت أن عمركان کاذباً فِي ذلك فكفاه ذلك. قال يوحنا يا أئمة الإسلام هذه الرواية هي سبب تجري النّاس على أبي بكر فِي الطعن عليه وعلى عمر، فإذا سمعت الرافضة أن فِي بخاريكم
ص: 505
أن عمرقد شهد على نفسه أن عليّاً هُو الّذي رويتم فيه أن رسول اللّه (صَلَّى اللّه عَلَيْهِ وَآلِهِ) قال فِي حقه «علي مع الحقّ والحق مع علي والعبّاس عم رسول اللّه (صَلَّى اللّه عَلَيْهِ وَآلِهِ) شهد على أبي بكر و عمر أنهما كاذبان آثمان خائنان فكيف لا يتجرأون عليهم ويجعلون هذه مبدأ أشياء أخر.
قالت العلماء: يا يوحنا إن الرافضة يطعنون فِي أكثر الصحابة، وهذا هُو الّذي أوجب قتلهم إن رسول اللّه (صَلَّى اللّه عَلَيْهِ وَآلِهِ) مدح الصحابة وقال: «أصحابي كالنجوم بأيهم اقتديتم اهتديتم» فكيف يصح للرافضة أن يطعنوا فيهم قال يوحنا علماء الإسلام لا تقولوا هذا فمن الجائز أن يكون هذا المدح لهم فِي زمن رسول اللّه (صَلَّى اللّه عَلَيْهِ وَآلِهِ) و بعد رسول اللّه حصل لبعضهم الإرتداد، فإن إمامكم ومحدثكم الحميدي روى فِي الجمع بين الصحيحين من المتفق عليه عندكم من الحديث الستين من مسند عبد اللّه بن العبّاس قال: إن النَّبيّ (صَلَّى اللّه عَلَيْهِ وَآلِهِ) قال: ألا أنّه سيجيء برجال من أمتي فيؤخذ بهم ذات الشمال فأقول: يا ربّ أصحابي أصحابي، فيقال لي: إنّک لا تدري ما أحدثوا بعدك، فأقول لهم كما قال العبد الصالح: (وَكُنْتُ عَلَيْهِمْ شَهِيدًا مَا دُمْتُ فِيهِمْ فَلَمَّا تَوَفَّيْتَنِي كُنْتَ أَنْتَ الرَّقِيبَ عَلَيْهِمْ وَأَنْتَ عَلَى كُلِّ شَيْءٍ شَهِيدٌ * إِنْ تُعَذِّبْهُمْ فَإِنَّهُمْ عِبَادُكَ وَإِنْ تَغْفِرْ لَهُمْ فَإِنَّكَ أَنْتَ الْعَزِيزُ الْحَكِيمُ) (1) فيقال : أنهم لم يزالوا مرتدين على أعقابهم منذ فارقتهم.
و روى الحميدي فِي الجمع بين الصحيحين فِي مسند عائِشة عن عبد اللّه الحديث الحادي عشر من أفراد مسلم قال: إن النَّبيّ (صَلَّى اللّه عَلَيْهِ وَآلِهِ) قال : إذا فتحت عليكم خزائن فارس و الروم أي قوم أنتم؟ قال عبدالرحمن: نكون كما أمرنا رسول اللّه (صَلَّى اللّه عَلَيْهِ وَآلِهِ) فقال رسول اللّه (صَلَّى اللّه عَلَيْهِ وَآلِهِ):
بل تتنافسون و تتحاسدن ثُمّ تتدابرون ثُمّ تتباغضون وتنطلقون إلى مساكن المهاجرين فتحملون المهاجرين فتحملون بعضهم على رقاب بعض. أليس هذا وعد بإرتدادهم، و ناهیک بقوله تعالى: ﴿وَمَا مُحَمَّدٌ إِلَّا رَسُولٌ قَدْ خَلَتْ مِنْ قَبْلِهِ الرُّسُلُ أَفَإِنْ مَاتَ أَوْ قُتِلَ انْقَلَبْتُمْ عَلَى أَعْقَابِكُمْ وَمَنْ يَنْقَلِبْ عَلَى عَقِبَيْهِ فَلَنْ يَضُرَّ اللَّهَ شَيْئًا) (2) قالت العلماء يا يوحنا هذا الّذي ذكرته يدل على أن ذلك البعض أبوبكر و عمر و اتباعهما وما ندري ما الّذي جرأهم على ذلك و من أين جاز لهم ذلك؟ قال :يوحنا جرأهم على ذلك أئمتكم وعلماؤكم كالبخاري ومسلم، فإنهم أوردوا أنّه لما مات رسول
ص: 506
اللّه (صَلَّى اللّه عَلَيْهِ وَآلِهِ) أرسلت فاطمة صلوات اللّه عليها إلى أبي بكر تسأله ميراثها من أبيها (صَلَّى اللّه عَلَيْهِ وَآلِهِ) مِمّا أفاء اللّه عليه بالمدينة من فدک و ما بقي من خمس خيبر، فأبى أبوبكر أن يرد على فاطمة (عَلَيهِ السَّلَامُ) شيئاً منه، فوجدت فاطمة على أبي بكر مِمّا أقلقها و أحزنها فهجرته ولم تكلم مِمّا وقع عليها منه من الأذى وما زالت تتنفس حتّى ماتت وأنها عاشت بعد أبيها ستة أشهر فلما توفيت دفنها (عَلَيهِ السَّلَامُ) ليلاً سراً ولم يؤذن بها أبا بكر. ومع هذه الشناعة روى أئمتكم فِي الصحيحين أن رسول اللّه (صَلَّى اللّه عَلَيْهِ وَآلِهِ) قال: «فاطمة بضعة مني من آذاها فقد آذاني. ويؤذيني ما آذاها فأخذ الرافضة هذين الحديثين و ركبوا منهما مقدمتين وهو: أبوبكر أذى فاطمة، ومن أذى فاطمة فقد آذى رسول اللّه (صَلَّى اللّه عَلَيْهِ وَآلِهِ)، ولا شك إن اللّه سبحانه يقول: ﴿إِنَّ الَّذِينَ يُؤْذُونَ اللَّهَ وَرَسُولَهُ لَعَنَهُمُ اللَّهُ فِي الدُّنْيَا وَالْآخِرَةِ وَأَعَدَّ لَهُمْ عَذَابًا مُهِينًا) (1) ولو احتج عليكم أحد بهذه الحجة لم يسعكم إنكار مقدمة من مقدماتها ولا إنكار نتيجتها.
و قال يوحنا فاختبط القوم وكثر بينهم النزاع لكن كان مآل كلامهم، إن الحقّ فِي طرف الرافضة وكان أقربهم إلى الحقّ اذن إمام الشافعية فقال لهم : أراكم تشكون أن النَّبيّ (صَلَّى اللّه عَلَيْهِ وَآلِهِ) قال: من مات ولم يعرف إمام زمانه فليمت إن شاء يهودياً أو نصرانياً فما المراد بإمام الزمان و من هو؟ قالوا: إمام زماننا القرآن فإنا به نقتدي فقال الشافعي: أخطأتم لأن النَّبيّ (صَلَّى اللّه عَلَيْهِ وَآلِهِ) قال: الأئمّة من قريش ولا يقال للقرآن أنّه قريشي فقالوا: النَّبيّ (صَلَّى اللّه عَلَيْهِ وَآلِهِ) إمامنا. فقال الشافعي أخطأتم لأن علماء نا لما اعترض عليهم بأن كيف يجوز لأبي بكر و عمر أن يتركا رسول اللّه (صَلَّى اللّه عَلَيْهِ وَآلِهِ) مسجى غير مغسل ويذهبا لطلب الخلافة وهذا دليل على حرصهم عليها وهو قادح فِي صحة خلافتهما أجاب علماؤنا أنهم لمحوا أقوال النَّبيّ (صَلَّى اللّه عَلَيْهِ وَآلِهِ): «من مات ولم يعرف إمام زمانه مات ميتة جاهلية» و لم يجوزوا على أنفسهم الموت قبل تعيين الإمام فبادروا لتعيينه هرباً من ذلك الوعيد، فعلمنا أن ليس المراد بالإمام هذا النَّبيّ فقالوا للشافعي: فأنت من إمامك يا شافعي؟ قال: إن كنت من قبيلتكم فلا إمام لي وإن كنت من قبيل الإثني عشرية فإمامي محمّد بن الحسن. فقال العلماء هذا واللّه أمر بعيد كيف يجوز أن يكون واحد من مدة لا يعيش أحد مثله ولا يراه أحد هذا بعيد جداً. فقال الشافعي هذا الدجال من الكفرة تقولون أنّه حي و موجود و هُو قبل المهدي و
ص: 507
السامري كذلک و وجود ابليس لا تنكرونه و هذا الخضر و هذا عِيسى تقولون أنهما حيان، وقد ورد عندكم ما يدل على التعمير فِي حق السعداء والأشقياء، و هذا القرآن ينطق أن أهل الكهف ناموا ثلاث مائة سنة وتسع سنين لا يأكلون ولا يشربون، أفبعيد أن يعيش من ذرية محمّد (صَلَّى اللّه عَلَيْهِ وَآلِهِ) واحد مدة طويلة يأكل ويشرب إلّا أنّه لا يخبرنا أحد أنّه رآه و استبعادكم هذا بعيد جداً.
قال يوحنا فأطرق القوم فقالوا يا شافعي النّاس اختلفوا وكل أحد منهم أخذ طرفا واللّه ما ندري ماذا نصنع؟ قال يوحنا: أن نبيّكم قال: «ستفترق أمتي من بعدي ثلاث وسبعين واحدة ناجية واثنتان وسبعون فِي النار» فهل تعرف الناجية من هي؟ قالوا: إنّهم أهل السنة والجماعة لقول النَّبيّ (صَلَّى اللّه عَلَيْهِ وَآلِهِ) لما سئل عن الفرقة الناجية من هم فقال: «الّذين هم على ما أنا عليه اليوم وأصحابي» قال يوحنا فمن أين لكم أنكم أنتم اليوم على ما كان عليه النَّبيّ (صَلَّى اللّه عَلَيْهِ وَآلِهِ) ؟ قالوا: ينقل ذلك الخلف عن السلف فقال يوحنا فمن الّذي يعتمد على نقلكم؟ قالوا وكيف ذلك قال: لوجهين.
الأول: إن علماءكم نقلوا كثيراً من الأحاديث الّتي تدل على إمامة عليّ (عَلَيهِ السَّلَامُ) وأفضليته و أنتم تقولون أنّه مكذوب عليه، وشهدتم على علمائكم أنهم ينقلون الكذب فربما يكون هذا يتفق أيضاً كذباً ولا مرحج لكم.
الثاني: إن النَّبيّ (صَلَّى اللّه عَلَيْهِ وَآلِهِ) كان يصلي كلّ يوم الصلوات الخمس فِي المسجد ولم يضبط له أنّه هل كان يبسمل للحمد أم لا وهل كان يعتقد وجوبها أم لا، وهل كان يسبل يديه أم لا ولو كان يعقدهما فهل يعقدهما تحت السرة أو فوقها، وهل كان يمسح فِي الوضوء ثلاث شعرات أو ربع الرأس أم جميع الرأس، حتّى أن أئمتكم اختلفوا فبعض أوجب البسملة وبعض استحبها و بعض كرهها و بعض أسبل يديه وبعض عقدها تحت السرة وبعض فوقها وبعض أوجب مسح ثلاث شعرات و بعض ربع الرأس وبعض جميعه، فإذا كان سلفكم لم يضبط شيئاً كان رسول اللّه (صَلَّى اللّه عَلَيْهِ وَآلِهِ) يفعله فِي اليوم والليلة مراراً متعددة فكيف يضبطون شيئاً لم يفعله فِي العمر إلّا مرة واحدة أو مرتين هذا بعيد وكيف تقولون أن أهل السنة هم على ما كان عليه النَّبيّ (صَلَّى اللّه عَلَيْهِ وَآلِهِ) والحال أنهم يناقض بعضهم بعضاً فِي اعتقاداتهم و اجتماع النقيضين محال.
قال يوحنا فأطرقوا جميعاً ودار الكلام بينهم وارتفعت الأصوات بينهم وقالوا: الصحيح أنا لا
ص: 508
نعرف الفرقة الناجية من هي وكل منا يزعم أنّه هُو الناجي وأن غيره هُو الهالك ويمكن أن يكون هُو الهالک و غیره الناجي.
قال يوحنا: هذه الرافضة الّذين تزعمون أنهم ضالون يجزمون بنجاتهم و هلاک من سواهم ويستدلون على ذلك بأن اعتقادهم أو فى للحق وأبعد عن الشك. قالت العلماء: یا یوحنا قل و أنا واللّه لا نتهمک لعلمنا أنك تجادلنا على اظهار الحق. قال يوحنا: أنا أقول باعتقاد الشيعة إن اللّه قديم ولا قديم سواه وإنه واجب الوجود وأنه ليس بجسم ولا فِي محل وهو منزه عن الحلول واعتقادكم أنكم تثبتون معه ثمانية قدماء هي الصفات حتّى أن إمامكم الفخر الرازي شنع عليكم وقال إن النصارى واليهود كفروا حيث جعلوا مع اللّه إلهين اثنين قديمين و أصحابنا أثبتوا قدماء تسعة، وابن حنبل أحد أئمتكم قال : إن اللّه جسم وأنه على العرش وأنه ينزل فِي صورة أمرد، فباللّه عليكم أليس الحال كما قلت؟ قالوا: نعم.
قال يوحنا: فاعتقادهم إذا خير من اعتقادكم و اعتقاد الشيعة إن اللّه سبحانه لا يفعل قبيحا ولا يخل بواجب وليس فِي فعله ظلم ويرضون بقضاء اللّه لأنّه لا يقضي إلّا بالخير، ويعتقدون أن فعله لغرض لا لعبث وأنه لا يكلف نفسا إلّا وسعها ولا يضل أحدا من عباده ولا يحيل بينهم وبين عبادته، وأنه أراد الطاعة ونهى عن المعصية وأنهم مختارون فِي أفعال أنفسهم، و اعتقادكم أنتم أن الفواحش كلها من اللّه تعالى اللّه عن ذلك علواً كبيراً و أنّه كلما يقع فِي الوجود من الكفر و الفسوق والمعصية والقتل والسرقة و الزنا فإنه خلقه اللّه تعالى فِي فاعليه و أراده منهم و قضى عليهم به و رفع اختيارهم ثُمّ يعذبهم عليه، و أنتم لا ترضون بقضاء اللّه بل إن اللّه تعالى لا يرضى بقضاء نفسه، وأنه هُو الّذي أضل العباد و حال بينهم وبين العبادة و الإيمان، وإن اللّه تعالى قال (وَلَا يَرْضَى لِعِبَادِهِ الْكُفْرَ وَإِنْ تَشْكُرُوا يَرْضَهُ لَكُمْ وَلَا تَزِرُ وَازِرَةٌ وِزْرَ أُخْرَى) (1) فاعتبروا أهل اعتقادهم خير من اعتقادهم أو اعتقادكم خير من اعتقادكم وأنتم تتلون الكتاب أفلا تعقلون.
وقالت الشيعة: أنبياء اللّه معصومون من أول عمرهم إلى آخره عن الصغائر و الكبائر فيما يتعلق بالوحي وغيره عمداً و خطاً، واعتقادكم أنّه يجوز عليهم الخطأ و النسيان، و نسبتم أن رسول
ص: 509
اللّه (صَلَّى اللّه عَلَيْهِ وَآلِهِ) سهى فِي القرآن بما يجب الكفر فقلتم أنّه صلى الصبح فقرأ فِي سورة النجم: (أَفَرَأَيْتُمُ اللَّاتَ وَالْعُزَّى * وَمَنَاةَ الثَّالِثَةَ الْأُخْرَى) (1) تلك الغرانيق العلى منها الشفاعة ترجى و هذا کفرو شرک جلي، حتّى أن بعض علماءكم صنف كتاباً فيه تعداد ذنوب نسبها للأنبياء (عَلَيهِ السَّلَامُ) فأجابته الشيعة عن ذلك الكتاب بكتاب سموه بتنزيه الأنبياء، فماذا تقولون أي الإعتقادين أقرب إلى الصواب وأدنى من الفوز؟
و اعتقاد الشيعة أن رسول اللّه (صَلَّى اللّه عَلَيْهِ وَآلِهِ) لم يقبض حتّى أوصى إلى من يقوم بأمره بعده وأنه لم يترك أمته هملاً ولا يخالف قوله تعالى واعتقادكم أنّه ترك أمته هملاً و لم يوص إلى من يقوم بالأمر بعده و من كتابكم الّذي أنزل عليكم فيه وجوب الوصية وفي حديث نبيّكم وجوب الوصية، فلزم على اعتقادكم أن يكون النَّبيّ (صَلَّى اللّه عَلَيْهِ وَآلِهِ) أمر النّاس بما لا يفعله، فأي الإعتقادين أولى بالنجاة ؟
واعتقاد الشيعة أن رسول اللّه (صَلَّى اللّه عَلَيْهِ وَآلِهِ) لم يخرج من الدُّنيا حتّى نص بالخلافة على عليّ بن أبِي طالِب (عَلَيهِ السَّلَامُ) و لم يترك أمته هملاً فقال له يوم الدار: «أنت أخي ووصي وخليفتي من بعدي فاسمعوا له وأطيعوا أمره» و أنتم نقلتموه ونقله إمام القراء و الطبري و الخركوشي و ابن اسحق.
وقال فيه يوم غدير خم «من كنت مولاه فهذا علي مولاه» حتّى قال عمر: بخ بخ لک يا علي أصبحت مولاي و مولى كلّ مؤمن ومؤمنة نقله إمامكم أحمد بن حنبل فِي مسنده. وقال فيه لسلمان: «إن وصي و وارثي عليّ بن أبِي طالِب» واه إمامكم أحمد بن حنبل. وقال فيه: «إن الأنبياء ليلة المعراج قالوا لي بعثنا على الاقرار بنبوتك و الولاية لعليّ بن أبِي طالِب و رويتموه فِي الجمع بين الصحيحين. وقال فيه: «أنت مني بمنزلة هارون من موسى إلّا أنّه لا نبي بعدي» و رويتموه فِي البخاري. وأنزل اللّه فيه: (هَلْ أَتَى عَلَى الْإِنْسَانِ حِينٌ مِنَ الدَّهْرِ) (2) وأنزل فيه: (إِنَّمَا وَلِيُّكُمُ اللَّهُ وَرَسُولُهُ وَالَّذِينَ آمَنُوا الَّذِينَ يُقِيمُونَ الصَّلَاةَ وَيُؤْتُونَ الزَّكَاةَ وَهُمْ رَاكِعُونَ) (3) وأنه صاحب آية الصَّدقة، وضربته لعمرو بن عبدود العامري أفضل من عمل الأمَّة إلى يوم القيامة،
ص: 510
وهو أخو رسول اللّه (صَلَّى اللّه عَلَيْهِ وَآلِهِ) وزوج ابنته وباب المدينة إمام المتَّقين ويعسوب الدين وقائد الغر المحجلين حلال المشكلات وفكاك المعضلات هُو الإمام بالنص الإلهي ثُمّ من بعده الحسن والحسين اللذان قال فيهما النَّبيّ (صَلَّى اللّه عَلَيْهِ وَآلِهِ) «هذان إمامان قاما أو قعدا وأبوهما خير منهما» وقال النَّبيّ (صَلَّى اللّه عَلَيْهِ وَآلِهِ): «الحسن والحسين سيدا شباب أهل الجنّة» ثُمّ علي زين العابدين ثُمّ أولاده المعصومين الّذين خاتمهم الحجة القائم المهدي إمام الزمان الّذي من مات و لم يعرفه مات ميتة جاهلية، وأنتم رويتم فِي صحاحكم عن جابر بن سمرة أنّه قال: سمعت رسول اللّه (صَلَّى اللّه عَلَيْهِ وَآلِهِ) يقول: «يكون بعدي اثني عشر أميراً»، وقال كلمة لم أسمعها و فِي بخاريكم قال رسول اللّه (صَلَّى اللّه عَلَيْهِ وَآلِهِ): «لا يزال أمر النّاس ماضياً ما وليهم اثني عشر رجلاً، ثُمّ تكلم بكلمة خفيفة خفيت علي. وفي صحيح مسلم لايزال أمر الدين قائماً حتّى تقوم الساعة ويكون عليهم اثني عشر خليفة كلهم من قريش» و فِي الجمع بنى الصحيحين والصحاح الستة أن (صَلَّى اللّه عَلَيْهِ وَآلِهِ) قال: «إن هذا الأمر لا ينقضي حتّى يمضي اثني عشر خليفة كلهم من رسول اللّه قريش».
و روى عالمكم ومحدثكم وثقتكم صاحب كفاية الطالب فإنه قال: حدّثنا أبو الحسن علي بن الحسن بن محمّد وحدثنا أبو محمّد هارون بن موسى سنة احدى وثمانين وثلاث مائة و حدّثنا أبو علي محمّد بن الأشعث أبو همام وحدثنا عامر بن كثير البصري قال هارون: حدّثنا ابن نعيم السمرقندي قال: حدّثنا أبو النظر محمّد بن مسعود العياشي عن يوسف بن اسحاق البصري عن محمّد بن بشار عن محمّد بن جعفر بن هشام بن يزيد عن الحسين بن محمّد عن أبي شعيب عن مسكين بن نكير أبو بسطام عن شعبة بن مسعد بن الحجاج عن هاشم بن يزيد عن أنس بن مالك قال كنت أنا وأبو ذر وسلمان وزيد بن ثابت و زيد بن أرقم عند النَّبيّ (صَلَّى اللّه عَلَيْهِ وَآلِهِ) إذ دخل الحسن والحسين (عَلَيهِ السَّلَامُ) فقبلهما رسول اللّه وقام أبوذر فانكب عليهما وقبل أيديهما و رجع فقعد معنا، فقلنا له سراً: يا أباذر رأيت شيخاً من أصحاب رسول اللّه (صَلَّى اللّه عَلَيْهِ وَآلِهِ) يقوم إلى صبيين من بَنِي هاشم فينكب عليهما ويقبلهما ويقبل أيديهما؟ فقال: نعم لو سمعتم ما سمعت لفعلتم بهما أكثر مِمّا فعلت. فقلنا: وما سمعت فيهما عن رسول اللّه (صَلَّى اللّه عَلَيْهِ وَآلِهِ) يا أباذر؟ فقال: سمعته يقول لعلي ولهما: «واللّه لو أن عبداً صلى وصام حتّى يصير كالشن البالي إذاً ما نفعه صلاته ولا صومه إلّا بحبكم والبراءة من عدوكم. يا علي من توسل إلى اللّه بحقكم فحق على
ص: 511
اللّه أن لا يرده خائباً. يا علي من أحبكم وتمسك بكم فقد تمسک بالعروة الوثقی» قال: ثُمّ قام أبوذر و خرج فتقدمنا إلى رسول اللّه (صَلَّى اللّه عَلَيْهِ وَآلِهِ) فقلنا: يا رسول اللّه أخبرنا أبوذر بكيت وكيت فقال: صدق أبوذر واللّه ما أقلت الغبراء و لا أظلت السماء على ذي لهجة أصدق من أبي ذر. ثُمّ قال (صَلَّى اللّه عَلَيْهِ وَآلِهِ): خلقني اللّه تعالى وأهل بيتي من نور واحد قبل أن يخلق اللّه آدم بسبعة الاف عام ثُمّ نقلنا من صلبه فِي أصلاب الطاهرين إلى أرحام الطاهرات. قلت يا رسول اللّه وأين كنتم وعلى أي شأن كنتم؟ فقال رسول اللّه (صَلَّى اللّه عَلَيْهِ وَآلِهِ) : كنا أشباحاً من نور تحت العرش نسبح اللّه ونقدسه. ثُمّ قال (صَلَّى اللّه عَلَيْهِ وَآلِهِ): لما عرج بي إلى السماء وبلغت إلى سدرة المنتهى ودعني جبرائيل فقلت يا حبيبي جبرائيل فِي مثل هذا المقام تفارقني ؟ فقال: يا محمّد إني لا أجوز هذا الموضع فتحترق أجنحتي ثُمّ زج بي من النور إلى النور ماشاء اللّه تعالى فأوحي اللّه تعالى إلى محمّد (صَلَّى اللّه عَلَيْهِ وَآلِهِ)؛ إني اطلعت إلى الأرض اطلاعة فاخترتك منها و جعلتک نبیاً ثُمّ اطلعت ثانياً فاخترت منها عليّاً و جعلته وصیک و وارث علمک و إماما من بعدك و أخرج من أصلابكم الذرية الطاهرة والأئمّة المعصومين خزان علمي ولولاهم ما خلقت الدُّنيا ولا الآخرة و لا الجنّة ولا النار أتحب أن تراهم؟ فقلت نعم یا ربّ فنودیت یا محمّد ارفع رأسك فرفعت رأسي فإذا أنا بأنوار علي والحسن والحسين و علي بن الحسين و محمّد بن علي و جعفر بن محمّد و موسى بن جعفر و علي بن موسى و محمّد بن علي و علي ابن محمّد و الحسن بن علي والحجة بن الحسن يتلألأ من بينهم كأنه كوكب دري. فقلت: يا ربّ من هؤلاء من فقلت يا ربّ من هؤلاء من هذا؟ فقال سبحانه و تعالى: هؤلاء الأئمّة من بعدك المطهرين من صلبك و هذا هُو الحجة الّذي يملأ الأرض قسطاً و عدلاً كما ملئت ظلما وجوراً ويشف صدور قوم مؤمنين. فقلنا: بآبائنا وأمهاتنا أنت يا رسول اللّه لقد قلت عجباً. فقال (صَلَّى اللّه عَلَيْهِ وَآلِهِ) وأعجب من هذا أن أقواماً يسمعون هذا مني ثُمّ يرجعون على أعقابهم بعد إذ هداهم اللّه ويؤذونني فيهم لا أنالهم اللّه شفاعتي.
قال يوحنا وإعتقادكم أنتم أن رسول اللّه (صَلَّى اللّه عَلَيْهِ وَآلِهِ) لما مات مات على غير وصية ولم ينص على خليفته وإن عمر بن الخطاب اختار أبا بكرو بايعه وتبعته الأمَّة وأنه سمى نفسه خليفة رسول اللّه (صَلَّى اللّه عَلَيْهِ وَآلِهِ)، و أنتم تعلمون كلكم أن أبا بكر و عمر لما مات رسول اللّه (صَلَّى اللّه عَلَيْهِ وَآلِهِ) تركوه بغير غسل ولا كفن و ذهبا إلى سقيفة بَنِي ساعدة فنازعا الأنصار و فِي الخلافة وولى أبوبكر الخلافة و
ص: 512
رسول اللّه (صَلَّى اللّه عَلَيْهِ وَآلِهِ) مسجى، ولا شك أن رسول اللّه (صَلَّى اللّه عَلَيْهِ وَآلِهِ) لم يستخلفه و أنّه كان يعبد الأصنام قبل أن يسلم أربعين سنة، واللّه تعالى يقول: (لا ينالُ عَهْدِي الظَّالِمِين) (1)
و منع فاطمة ارثها من أبيها رسول اللّه (صَلَّى اللّه عَلَيْهِ وَآلِهِ) بخبر روى هُو حتّى بخبر. قالت فاطمة؛ يا أبا بكرترث أباك ولا أرث أبي لقد جئت شيئاً فرياً وعارضته بقول اللّه: ﴿يرِثُنِي ويَرِثُ من آلِ يعقوب) (2). (وَوَرِثَ سُلَيْمَانُ دَاوُودَ) (3) وقال اللّه تعالى: ﴿يُوصِيكُمُ اللّه فِي أولادِكُم) (4) ولو كان حديث أبي بكر صحيحاً لم يمسك عليّ بن أبِي طالِب (عَلَيهِ السَّلَامُ) سيف رسول اللّه (صَلَّى اللّه عَلَيْهِ وَآلِهِ) و بغلته و عمامته و نازع العبّاس عليّاً بعد موت فاطمة فِي ذلك، ولو كان هذا الحديث معروفاً لم يجز لهم ذلك، وأبوبكر منع فاطمة فدكاً لأنها ادعت ذلك وذكرت أن النَّبيّ (صَلَّى اللّه عَلَيْهِ وَآلِهِ) نحلها إياه فلم يصدقها فِي ذلك مع أنها من أهل الجنّة وإن اللّه تعالى أذهب عنها الرجس الّذي هُو أعم من الكذب وغيره، واستشهدت عليّاً (عَلَيهِ السَّلَامُ) و أم أيمن مع شهادة النَّبيّ (صَلَّى اللّه عَلَيْهِ وَآلِهِ) لها بالجنّة فقال: رجل مع رجل وامرأة، وصدق الأزواج فِي ادعاء الحجرة و لم يجعل الحجرة صدقة فأوصت فاطمة وصية مؤكدة أن يدفنها علي ليلاً حتّى لا يصلي عليها أبوبكر. وأبوبكر قال: أقيلوني فلست بخيركم وعلي فيكم، فإن صدق فلا يصح له التقدم على عليّ بن أبِي طالِب و إن كذب فلا يصلح للإمامة، ولا يحمل هذا على التواضع لجعله شيئاً موجباً لفسخ الإمامة و حاملاً له عليه. وأبوبكر قال: إن لي شيطاناً يعتريني فإذا زغت فقوموني. ومن يعتريه الشّيطان فلا يصلح للإمامة. وأبوبكر قال فِي حقه عمر: إن بيعة أبي بكركانت فلتة ووقى اللّه المسلمين شرها فمن عاد إلى مثلها فاقتلوه، فتبين أن بيعته كانت خطأ على غير الصواب وإن مثلها مِمّا يجب المقاتلة عليها. وأبوبكر تخلف عن جيش أسامة وولاه عليه ولم يول النَّبيّ (صَلَّى اللّه عَلَيْهِ وَآلِهِ) على علي أحداً. و أبوبكر لم يوله رسول اللّه (صَلَّى اللّه عَلَيْهِ وَآلِهِ) عملاً فِي زمانه قط إلّا سورة براءة و حين ما خرج أمر اللّه تعالى
ص: 513
رسوله بعزله وأعطاها علياً. وأبوبكر لم يكن عالماً بالأحكام الشرعية حتّى قطع يسار سارق وأحرق بالنار الفجأة السلمي التيمي وقد قال رسول اللّه (صَلَّى اللّه عَلَيْهِ وَآلِهِ): «لا يعذب بالنار إلّا ربّ النار» و لما سئل عن الكلالة لم يعرف ما يقول فيها فقال: أقول برأيي فإن كان صواباً فمن اللّه وإن كان خطأ فمن الشّيطان. وسألته جدة عن ميراثها فقال: لا أجد لك فِي کتاب اللّه شيئاً ولا فِي سنة محمّد ارجعي حتّى أسأل فأخبره المغيرة بن شعبة أن النَّبيّ (صَلَّى اللّه عَلَيْهِ وَآلِهِ) أعطاه السدس وكان يستفتي الصحابة فِي كثير من الأحكام وأبوبكر لم ينكر على خالد بن الوليد فِي قتل مالك بن نويرة ولا فِي تزويج امرأته ليلة قتله من غير عدة. وأبوبكر بعث إلى بيت أمِير المؤمنين (عَلَيهِ السَّلَامُ) لما امتنع من البيعة فإضرم فيه النار وفيه فاطمة (عَلَيهَا السَّلَامُ) وجماعة من بَنِي هاشم وغيرهم فأنكروا عليه. و أبوبكر لما صعد المنبرجاء الحسن والحسين وجماعة من بَنِي هاشم وغيرهم وأنكروا عليه وقال له الحسن والحسين (عَلَيهِمَا السَّلَامُ) : هذا مقام جدنا ولست أهلاً له. وأبوبكر لما حضرته الوفاة قال: يا ليتني تركت بيت فاطمة لم أكشفه وليتني كنت سألت رسول اللّه (صَلَّى اللّه عَلَيْهِ وَآلِهِ) هل للأنصار فِي هذا الأمرحق. وقال: ليتني فِي ظلة بَنِي ساعدة ضرب على يد أحد الرجلين و كان هُو الأمير و أنا الوزير و أبوبكر عندكم إنّه خالف رسول اللّه (صَلَّى اللّه عَلَيْهِ وَآلِهِ) فِي الإستخلاف لأنّه إستخلف عمر بن الخطاب ولم يكن النَّبيّ (صَلَّى اللّه عَلَيْهِ وَآلِهِ) ولاه قط عملاً إلّا غزوة خيبر فرجع منهزماً و ولاه الصّدقات فشكا العبّاس فعزله النَّبيّ (صَلَّى اللّه عَلَيْهِ وَآلِهِ) و أنكر الصحابة على أبي بكرتولية عمر حتّى قال طلحة وليت عمر فظاً غليظاً.
وأما عمر فإنه أتي إليه بامرأة زنت و هي حاملة فأمر برجمها فقال عليّ (عَلَيهِ السَّلَامُ) : إن کان لک عليها سبيل فليس لك على حملها من سبيل، فأمسك وقال لولا علي لهلک عمر و عمر شک فِي موت النَّبيّ (صَلَّى اللّه عَلَيْهِ وَآلِهِ) وقال ما مات محمّد ولا يموت حتّى تلا عليه أبوبكر الآية: (انک ميتْ وإِنَّهُم ميتون) (1) فقال: صدقت، وقال كأني لم أسمعها. وجاءوا إلى عمر بامرأة مجنونة قد زنت فأمر برجمها فقال له عليّ (عَلَيهِ السَّلَامُ) : القلم مرفوع عن المجنون حتّى يفيق، فأمسك فقال: لولا علي لهلک عمر، وقال فِي خطبة له من غالي فِي مهر امرأته جعلته فِي بيت مال المسلمين، فقالت له امرأة تمنعنا ما
ص: 514
أحل اللّه لنا حيث يقول: ﴿و آتيتُم إحداهُنَّ قِنطاراً فلا تأخُذُوا مِنهُ شيئاً أ تأخُذُونَهُ بُهتاناً وإثماً) (1) فقال : كلّ أفقه من عمر حتّى المخدرات فِي البيوت. وكان يعطي حفصة و عائِشة كلّ واحدة منها مائتي ألف درهم وأخذ مائتي ألف درهم من بيت المال فأنكر عليه المسلمون فقال: أخذته على وجه القرض. و منع الحسن و الحسين إرثهما من رسول اللّه (صَلَّى اللّه عَلَيْهِ وَآلِهِ) و منعهما الخمس.
و عمر قضى فِي الحد بسبعين قضية وفضل فِي العطاء والقسمة. ومنع المتمتعين وقال: متعتان كانتا على عهد رسول اللّه (صَلَّى اللّه عَلَيْهِ وَآلِهِ) حلالتان و أنا محرمهما و معاقب من فعلهما و خالف النَّبيّ (صَلَّى اللّه عَلَيْهِ وَآلِهِ) وأبابكر فِي النص وعدمه وجعل الخلافة فِي ستة نفرثم ناقض نفسه و جعلها فِي أربعة نفرثم فِي الثلاثة ثُمّ فِي واحد فجعل إلى عبد الرّحمن بن عوف الإختيار بعد أن وصفه بالضعف والقصور ثُمّ قال: إن اجتمع علي وعثمان فالقول ما قالا وإن صاروا ثلاثة ثلاثة فالقول للذين فيهم عبد الرّحمن بن عوف لعلمه أن عليّاً وعثمان لا يجتمعان على أمرو إن عبد الرّحمن بن عوف لا يعدل بالأمر من ابن أخته وهو عثمان ثُمّ أمر بضرب عنق من تأخر عن البيعة ثلاثة أيام. وعمر أيضاً مزق الكتاب كتاب فاطمة (عَلَيهَا السَّلَامُ) وهو أنّه لما طالت المنازعة بين فاطمة وأبي بكررد عليها فدك والعوالي وكتب لها كتاباً فخرجت و الكتاب فِي يدها فلقيها عمر فسألها عن شأنها فقصت قصتها فأخذ منها الكتاب و مزقه و دعت عليه فاطمة، فدخل على أبي بكر ولامه على ذلك و اتفقا على منعها.
وأما عثمان بن عفان فجعل الولايات بين أقاربه فاستعمل الوليد أخاه لأمه على الكوفة فشرب الخمر و صلى بالنّاس وهو سكران فطرده أهل الكوفة فظهر منه ما ظهر، وأعطى الأموال العظيمة أزواج بناته الأربع فأعطى كلّ واحد من أزواجهن مائة ألف مثقال من الذهب من بيت مال المسلمين وأعطى مروان ألف ألف درهم من خمس افريقية، وعثمان حمى لنفسه عن المسلمين منعهم عنه ورقع منه أشياء منكرة فِي حق الصحابة، وضرب ابن مسعود حتّى مات وأحرق مصحفه و كان ابن مسعود يطعن فِي عثمان و يكفره، وضرب عمَّار بن ياسر صاحب رسول اللّه (صَلَّى اللّه عَلَيْهِ وَآلِهِ) حتّى صار به فتق و استحضر أباذر من الشام لهوى معاوية وضربه و نفاه
ص: 515
إلى الربذة مع أن النَّبيّ (صَلَّى اللّه عَلَيْهِ وَآلِهِ) كان يقب هذه الثلاثة، وعثمان أسقط القود. عن ابن عمر. لما قتل النوار بعد الإسلام، وأراد أن يسقط حد الشراب عن الوليد بن عتبة الفاسق فاستوفى منه عليّ (عَلَيهِ السَّلَامُ) وخذلته الصحابه حتّى قتل ولم يدفن إلّا بعد ثلاثه أيام ودفنوه فِي حش كوكب، وغاب عن المسلمين يوم بدر و يوم أحد وعن بيعه الرضوان، وهو كان السبب فِي أن معاويه حارب عليّاً (عَلَيهِ السَّلَامُ) على الخلافه ثُمّ آل الأمر إلى أن سب بنو أميه عليّاً (عَلَيهِ السَّلَامُ) على المنبر و ستموا الحسن و قتلوا الحسين و شهروا أولاد النَّبيّ (صَلَّى اللّه عَلَيْهِ وَآلِهِ) وذريته فِي البلاد يطاف بهم على المطايا، فآل الأمر إلى الحجاج حتّى أنّه قتل من آل محمّد اثني عشر ألفاً و بنى كثيراً منهم فِي الحيطان وهم أحياء، وكل السبب فِي هذا أنهم جعلوا الإمامة بالاختيار و الإرادة ولو أنهم اتبعوا النص فِي ذلك ولم يخالف عمر بن الخطاب النَّبيّ (صَلَّى اللّه عَلَيْهِ وَآلِهِ) فِي قوله: «ائتوني بدواة وبيضاء لأكتب لكم كتاباً لن تضلوا بعدي أبداً» لما حصل الخلاف وهذا الضلال.
قال يوحنا يا علماء الدين هؤلاء الفرقة الّذين يسمون الرافضة هذا اعتقادهم الّذي ذكرنا و أنتم هذا اعتقادكم الّذي قررناه ودلائلهم هذه الّتي سمعتموها و دلائلكم هذه الّتي نقلتموها. فباللّه عليكم أي الفريقين أحق بالأمر إن كنتم تعلمون ؟.
فقالوا بلسان واحد : واللّه إن الرافضة على الحقّ وأنهم المصدقون على أقوالهم لكن الأمر جرى على ما جرى فإنه لم يزل أصحاب الحقّ مقهورين، وأشهد علينا يا يوحنا إنا على موالاة آل محمّد و نتبرأ من أعدائهم إلّا أنا نستدعي منك أن تكتم علينا أمرنا لأن النّاس على دين ملوكهم.
قال يوحنا فقمت عنهم و أنا عارف بدليلي واثق باعتقادي بيقين. فلله الحمد والمنة ومن يهدي اللّه فهو المهتد فسطرت هذه الرسالة لتكون هداية لمن طلب سبيل النجاة، فمن نظر فيها بعين الانصاف أرشد إلى الصواب و كان بذلك مأجوراً، ومن ختم على قلبه ولسانه فلاسبيل إلى هدايته كما قال اللّه تعالى (إِنَّكَ لَا تَهْدِي مَنْ أَحْبَبْتَ وَلَكِنَّ اللَّهَ يَهْدِي مَنْ يَشَاءُ) (1) فإن أكثر المتعصبين (سَوَاءٌ عَلَيْهِمْ أَأَنْذَرْتَهُمْ أَمْ لَمْ تُنْذِرْهُمْ لَا يُؤْمِنُونَ * خَتَمَ اللَّهُ عَلَى قُلُوبِهِمْ وَعَلَى سَمْعِهِمْ وَ عَلَى أَبْصَارِهِمْ غِشَاوَةٌ وَلَهُمْ عَذَابٌ عَظِيمٌ).
ص: 516
اللّهمّ إنا نحمدك على نعمك الجسام و نصلي على محمّد واله المطهرين من الآثام مدى الأيام على الدوام إلى يوم القيام إلى هنا ما وقفنا عليه من الكتاب المذكور واللّه سبحانه الحمد والمنة. (1)
1- أن المتوكل قيل لهُ إِنّ أبا الحسنِ يعني علي بن محمّد بنِ علي الرضا (عَلَيهِ السَّلَامُ) يُفسر قول اللّه عزّو جل: (وَيَوْمَ يَعَضُّ الظَّالِمُ عَلَى يَدَيْهِ)...(2) الآيتين، فِي الأول والثاني. قال: فكيف الوجه فِي أمره ؟.
قالُوا: تجمع له النّاس وتسألُهُ بِحضرتهم، فإن فسّرها بهذا كفاك الحاضرون أمره، وإن فسّرها بِخِلافِ ذلك افتضح عِند أصحابِهِ، قال: فوجّه إلى القُضاة وبني هاشم والأولياء، و سُئِل (عَلَيهِ السَّلَامُ)، فقال: هذان رجُلانِ كنى اللّه عنهما و من بِالسّترِ عليهما، أفيُحِبُّ أمِير المؤمنين أن يكشف ما ستره اللّه ؟ فقال : لا أُحِبُّ.. (3)
2- سأل سليمان بن حريز هشام بن الحكم أخبرني عن قول علي لأبي بكر يا خليفة رسول اللّه (صَلَّى اللّه عَلَيْهِ وَآلِهِ) أ كان صادقا أم كاذبا ؟! فقال هشام وما الدليل على أنّه قال؟ ثُمّ قال: وإن كان قاله فهو كقول إبراهيم: (إني سقيم)(4)، و كقوله: (بَلْ فَعَلَهُ كَبِيرُهُمْ)(5)، و كقول يوسف: (أَيَّتُهَا الْعِيرُ إِنَّكُمْ لَسَارِقُونَ) (6).
وقيل لعلي بن ميثم لمصلى علي خلف القوم ؟ قال : جعلهم بمنزلة السواري. قيل: فلم ضرب الوليد بن عقبة بين يدي عثمان؟ قال: لأن الحد له وإليه، فإذا أمكنه إقامته أقامه بكل حيلة. قيل : فلم أشار على أبي بكر و عمر؟.
ص: 517
قال: طلبا منه أن يحيي أحكام القرآن وأن يكون دينه القيم كما أشار يوسف (عَلَيهِ السَّلَامُ) على ملك مصر نظرا منه للخلق، ولأن الأرض والحكم فيها إليه، فإذا أمكنه أن يظهر مصالح الخلق فعل، وإن لم يمكنه ذلك بنفسه توصل إليه على يدي من يمكنه طلبا منه لإحياء أمر اللّه. قيل: لم قعد فِي الشورى؟. قال اقتدارا منه على الحجة و علما بأنهم إن ناظروه أو أنصفوه كان هُو الغالب، ومن كان له دعوى فدعي إلى أن يناظر عليه فإن ثبتت له الحجة أعطيه، فإن لم يفعل بطل حقه وأدخل بذلك الشبهة على الخلق، وقد قال (عَلَيهِ السَّلَامُ) يومئذ: اليوم أدخلت فِي باب إذا أنصفت فيه وصلت إلى حقي، يعني أن الأول استبد بها يوم السقيفة ولم يشاوره، قيل: فلم زوج عمر ابنته ؟. قال : لإظهاره الشهادتين وإقراره بفضل رسول اللّه (صَلَّى اللّه عَلَيْهِ وَآلِهِ) وإرادته استصلاحه وكفه عنه، وقد عرض نبي اللّه لوط (عَلَيهِ السَّلَامُ) بناته على قومه و هم كفار ليردهم عن ضلالتهم، فقال: (هَؤُلَاءِ بَنَاتِي هُنَّ أَطْهَرُ لَكُمْ)(1)، ووجدنا آسية بنت مزاحم تحت فرعون.
وسئل الشيخ المفيد: لم أخذ عطاءهم، وصلى خلفهم، ونكح سبيهم، وحكم فِي مجالسهم ؟. فقال : أما أخذه العطاء فأخذ بعض حقه، وأما الصَّلاة خلفهم فهو الإمام، من تقدم بين يديه فصلاته فاسدة، على أن كلا مؤد حقه، وأما نكاحه من سبيهم فمن طريق الممانعة، إن الشيعة روت أن الحنفية زوجها أمِير المؤمنين (عَلَيهِ السَّلَامُ) محمّد بن مسلم الحنفي، و استدلوا على ذلك بأن عمر بن الخطاب لما رد من كان أبو بكر سباه لم يرد الحنفية، فلو كانت من السبي لردها و من طريق المتابعة أنّه لونكح من سبيهم لم يكن لكم ما أردتم، لأن الّذين سباهم أبو بكر كانوا عندكم قادحين فِي نبوة رسول اللّه،كفارا، فنكاحهم حلال لكل أحد، ولو كان الّذين سباهم يزيد و زياد، وإنما كان يسوغ لكم ما ذكرتموه إذا كان الّذين سباهم قادحين فِي إمامته ثُمّ نكح أمِير المؤمنين (عَلَيهِ السَّلَامُ)، وأما حكمه فِي مجالسهم فإنه لوقدر أن لا يدعهم يحكمون حكما لفعل، إذ الحكم إليه و له دونهم. (2)
3- سئل أبو محمّد الفضل بن شاذان النيسابوري رحمه اللّه قيل له ما الدليل على إمامة أمِير المؤمنين عليّ بن أبِي طالِب فقال الدليل على ذلك من كتاب اللّه (عزّوجلّ) و من سنة نبيه (صَلَّى اللّه عَلَيْهِ وَآلِهِ) و من إجماع المسلمين فأما كتاب اللّه سبحانه وتعالى قوله (عزّوجلّ) (ي يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا أَطِيعُوا اللَّهَ وَأَطِيعُوا
ص: 518
الرَّسُولَ وَأُولِي الْأَمْرِ مِنْكُمْ) (1) فدعانا سبحانه وتعالى إلى إطاعة أولي الأمر كما دعانا إلى طاعة نفسه وطاعة رسوله (صَلَّى اللّه عَلَيْهِ وَآلِهِ) فاحتجنا إلى معرفة أولي الأمركما وجبت علينا معرفة اللّه و معرفة رسوله (صَلَّى اللّه عَلَيْهِ وَآلِهِ) فنظرنا فِي أقاويل الأمَّة فوجدناهم قد اختلفوا فِي أولي الأمر و أجمعوا فِي الآية على ما يوجب كونها فِي عليّ بن أبِي طالِب (عَلَيهِ السَّلَامُ). فقال بعضهم أولو الأمرهم أمراء السرايا وقال بعضهم هم العلماء وقال بعضهم هم القوام على النّاس والآمرون بالمعروف والناهون عن المنكرو قال بعضهم هم عليّ بن أبِي طالِب والأئمّة من ذريته (عَلَيهِم السَّلَامُ) فسألنا الفرقة الأولى فقلنا لهم أليس عليّ بن أبِي طالِب من أمراء السرايا فقالوا بلى فقلنا للثانية ألم يكن عليّ (عَلَيهِ السَّلَامُ) من العلماء قالوا بلى وقلنا للثالثة أليس عليّ (عَلَيهِ السَّلَامُ) قد كان من القوام على النّاس بالأمر بالمعروف والنهي عن المنكر فقالوا بلى فصار أمِير المؤمنين (عَلَيهِ السَّلَامُ) معنيا بالآية باتفاق الأمَّة وإجماعها وتيقنا ذلك بإقرار المخالف لنا فِي إمامته (عَلَيهِ السَّلَامُ) و الموافق عليها فوجب أن يكون إماما بهذه الآية لوجود الاتفاق على أنّه معني بها ولم يجب العدول إلى غيره والاعتراف بإمامته لوجود الاختلاف فِي ذلك وعدم الاتفاق وما يقوم مقامه فِي البرهان.
و أما السنة فإنا وجدنا النَّبيّ (صَلَّى اللّه عَلَيْهِ وَآلِهِ) استقضى عليّاً (عَلَيهِ السَّلَامُ) على اليمن وأمره على الجيوش و ولاه الأموال و أمره بأدائها إلى بَنِي جذيمة الّذين قتلهم خالد بن الوليد ظلما و اختاره (عَلَيهِ السَّلَامُ) لأداء رسالات اللّه عزّوجلّ والإبلاغ عنه فِي سورة البراءة واستخلفه عند غيبته على من خلف ولم نجد النَّبيّ (صَلَّى اللّه عَلَيْهِ وَآلِهِ) سن هذه السنن فِي غيره ولا اجتمعت هذه السنن فِي أحد بعد النَّبيّ (صَلَّى اللّه عَلَيْهِ وَآلِهِ) كما اجتمعت فِي عليّ (عَلَيهِ السَّلَامُ) وسنة رسول اللّه (صَلَّى اللّه عَلَيْهِ وَآلِهِ) بعد موته واجبة كوجوبها فِي حياته وإنما تحتاج الأمَّة إلى الإمام لهذه الخصال الّتي ذكرناها فإذا وجدناها فِي رجل قد سنها الرسول (صَلَّى اللّه عَلَيْهِ وَآلِهِ) فيه كان أولى بالإمامة ممن لم يسن النَّبيّ (صَلَّى اللّه عَلَيْهِ وَآلِهِ) فيه شيئا من ذلك.
و أما الإجماع فإن إمامته تثبت من جهته من وجوه منها أنهم قد أجمعوا جميعا على أن عليّاً (عَلَيهِ السَّلَامُ) قد كان إماما و لويوما واحدا ولم يختلف فِي ذلك أصناف أهل الملة ثُمّ اختلفوا فقالت طائفة كان إماما فِي وقت كذا دون وقت كذا وقالت طائفة كان إماما بعد النَّبيّ (صَلَّى اللّه عَلَيْهِ وَآلِهِ) فِي جميع أوقاته و لم تجتمع الأمَّة على غيره أنّه كان إماما فِي الحقيقة طرفة عين والإجماع أحق أن يتبع من الخلاف.
ص: 519
ومنها:
أنهم أجمعوا جميعا على أن عليّاً (عَلَيهِ السَّلَامُ) كان يصلح للإمامة وأن الإمامة تصلح لبني هاشم و اختلفوا فِي غيره وقالت طائفة لم تكن تصلح لغير عليّ بن أبِي طالِب (عَلَيهِ السَّلَامُ) و لا تصلح لغير بَنِي هاشم والإجماع حق لا شبهة فيه والاختلاف لا حجّة فيه.
ومنها:
أنهم أجمعوا على أن عليّاً (عَلَيهِ السَّلَامُ) كان بعد النَّبيّ (صَلَّى اللّه عَلَيْهِ وَآلِهِ) ظاهر العدالة واجبة له الولاية ثُمّ اختلفوا فقال قوم إنّه كان مع ذلك معصوما من الكبائر و الضلال وقال آخرون لم يك معصوما ولكن كان عدلا برا تقيا على الظاهر لا يشوب ظاهره الشوائب فحصل الإجماع على عدالته و اختلفوا فِي نفي العصمة عنه ثُمّ أجمعوا كلهم جميعا على أن أبا بكر لم يك معصوما واختلفوا فِي عدالته فقالت طائفة كان عدلا وقالت أخرى لم يكن عدلا لأنّه أخذ ما ليس له فمن أجمعوا على عدالته واختلفوا فِي عصمته أولى بالإمامة ممن اختلفوا فِي عدالته و أجمعوا على نفي العصمة عنه (1).
4 - يقول العلامة البحراني : حكى لي أيضاً بعض الأجلاء الثقات ممن يتكرر سفره إلى بلاد الهند أنّه وقع ذات يوم بين رجل شيعي و آخر سني منازعة فِي أفضلية عليه (عَلَيهِ السَّلَامُ) على أبي بكرو بالعكس، وكان بالإتفاق هناک قرد مربوط بقربهما فاتفقا إلى المحاكمة إليه وكتبا رقعة فيها اسم عليّ بن أبِي طالِب (عَلَيهِ السَّلَامُ) و رقعة أخرى فيها اسم أبي بكر بن أبي قحافة وضعاها بين يدي القرد، فعمد القرد إلى واحدة منهما ووضعاها على رأسه والثانية جعلها تحت رجله، فلما أخذوا التي على راسه إذا هي الّتي فيها اسم عليّ (عَلَيهِ السَّلَامُ). (2)
5 - محمّد بن يحيى و موسى بن محمّد الأنصارِيُّ قالا حدّثنا إسماعيل بن إسحاق بنِ إسماعيل القاضي قال حدّثني أبي إسماعيل بن إسحاق بن حمادٍ واللفظ له قال: بعث إلي و إلى عدّة من المشايخ يحيى بن أكثم القاضي فأحضرنا وقال إنّ أمِير المؤمنين يعني المأمون أمرني أن أُحضر غداً مع الفجرِ أربعين رَجُلًا كُلُّهُم فقية يفهمُ ويُحسِنُ الجواب فسموا من تعرِفُون فسمينا له قوماً فأحضرهم و أمرنا بِالبُكورِ فغدونا عليهِ قبل طلوع الشَّمس فركب وركبنا معه فدخل
ص: 520
إلى المأمُونِ وأمرنا أن نُصلّي فلم نستتم الصَّلاة حتّى خرج الآذن فقال ادخُلُوا فدخلنا وإذا أمِير المؤمنين جالس على فِراشِهِ وعلى سوادِهِ والعمامة الطويلةِ فَلَمَّا سلّمنا ردّ السّلام ثُمّ حدر عن عرشه و نزع عمامته و سواده وأقبل علينا وقال إنّ أمِير المؤمنين أحبّ مُناظرتكم على مذهبِهِ الّذي هُو عليهِ ودِينِهِ الّذي يَدِينُ اللّه بِهِ قُلنا لِيقُل أمِير المؤمنين أَيده اللّه فقال إِنِّي أَدِينُ اللّه عزّ و جلّ بِأنّ أمِير المؤمنين عليّ بن أبِي طالِب (عَلَيهِ السَّلَامُ) خير خلقِ اللّه بعد رسُولِ اللّه (صَلَّى اللّه عَلَيْهِ وَآلِهِ) و أولى النّاس بِمقامِ رسُولِ اللّه وأحقُّهُم بِالخِلافةِ من بعدِهِ فأطرقنا جميعاً فقال يحيى أجِيبُوا أمِير المؤمنين فَلَمّا رأيتُ سُكُوت القومِ جثوتُ على ركبتي ثُمّ قُلتُ يا أمِير المؤمنين إِنَّ فِينا من لا يعرِفُ ما ذكر أمِير المؤمنين من أمر علي وقد دعانا للمُناظرة و نحنُ مُناظِرُوهُ على ما ذكر فقال يا إسحاقُ إِن شئت سألتُك وإِن شئت فاسألني فاغتنمتُها مِنهُ وقُلتُ بل أسألُ فقال سل قُلتُ من أين قال أمِير المؤمنين إِن عليّ بن أبِي طالِب (عَلَيهِ السَّلَامُ) أفضل النّاس من بعد رسول اللّه و أحقُهُم بِالخِلافةِ من بعدِهِ قال أخبرني عنِ النّاس بِماذا يتفاضلون قُلتُ بِالأعمالِ الصَّالِحَةِ قال فأخبرني عمّن فضل صاحبه على عهدِ رَسُولِ اللّه ثُمّ إنّ المفضُول عمل بعد وفاة رسولِ اللّه (صَلَّى اللّه عَلَيْهِ وَآلِهِ) بأكثر من عمل الفاضل على عهدِ رَسُولِ اللّه (صَلَّى اللّه عَلَيْهِ وَآلِهِ) أ يلحق بِهِ قُلتُ لا يلحق المفضُولُ على عهدِ رَسُولِ اللّه (صَلَّى اللّه عَلَيْهِ وَآلِهِ) بِالفاضل أبداً قال فانظر ما رواه أصحابك ممن أخذت دينك عنهم وجعلتهم قدوة لك من فضائل عليّ (عَلَيهِ السَّلَامُ) فقس إليها ما أُنزِلَ بِهِ من فضائل أبي بكر فإن وجدت فضائل أبي بكرٍ تُشاكل فضائل على فقُل إِنَّهُ أَفضلُ لا واللّه ولكن قس فضائله إلى ما رُوي لك من فضائل أبي بكرٍو عُمر فإن وجدت لهما من المفاضِيلِ مِثل الّذي لعلي وحده فقُل إنهما أفضلُ لا بل فقس فضائلهُ إلى فضائلِ العشرة الّذين شُهِد لهُم بِالجنّة فإن وجدتها تُشاكِلُ فضائله فقُل إِنّهُما أفضلُ مِنهُ يا إسحاق أيُّ الأعمال كانت أفضل يوم بعث اللّه عزّوجلّ رسُولهُ قُلتُ الإخلاص بِالشّهادة والسبق إلى الإسلام قال صدقت إنّ ذلك فِي كِتابِ اللّه عزّوجلّ (السَّابِقُونَ السَّابِقُونَ * أُولَئِكَ الْمُقَرَّبُونَ * فِي جَنَّاتِ النَّعِيمِ) (1) إِنما عنى السَّابِق إلى الإسلام فهل علمت أحداً سبق عليّاً إلى الإسلامِ قُلتُ يا أمِير المؤمنين أسلم علي وهو حدت صغِيرُ السّنّ لا يجُوزُ عليهِ الحُكمُ وأسلم أبوبكر و قد تكامل
ص: 521
عقله وجاز عليه الحكم قال أجبني أيهما أسلم قبل صاحِبِهِ حتّى أناظِرك من بعد فِي الحداثةِ قُلتُ على أسلم قبل أبي بكر على هذهِ الشّريطة قال فأخبرني حِين أسلم أيخلو أن يكون رسُولُ اللّه (صَلَّى اللّه عَلَيْهِ وَآلِهِ) دعاه فأجاب أو يكون إلهاماً من اللّه لعلي فأطرقتُ مُفكّراً وقُلتُ إِن قُلتُ إلهاماً قدمته على رسُولِ اللّه لِأَنَّ رسُول اللّه لم يعرِفِ الإِسلام حتّى جاء بِهِ جبرئيل عن اللّه عزّوجلّ فقُلتُ بل دعاهُ رسُولُ اللّه (صَلَّى اللّه عَلَيْهِ وَآلِهِ) قال فيخلُو النَّبيّ أن يكون دعا عليّاً بِأَمرِ اللّه أو تكلّف ذلِك من قِبلِ نفسِهِ قُلتُ لا أُنسِبُ النَّبيّ (صَلَّى اللّه عَلَيْهِ وَآلِهِ) إلى التكلُّف لأن اللّه عزّوجلّ يقُولُ ﴿وما كان لِرَسُولٍ أَن يَأْتِي بِآيَةٍ إِلَّا بِإِذنِ اللّه) (1) وَلكِن دعاهُ بِأَمرِ اللّه : قال يا إِسحاقُ فِمِن صِفةِ الجبّارِ أن يُكلّف رُسُلهُ ما لا طاقة لهُم بِهِ قُلتُ أعوذُ بِاللّه قال أو لا ترى أنّ اللّه عزّو جلّ فِي قولك أسلم علي وهو صغير لا يجوزُ عليهِ الحُكمُ قد كلّف رسول اللّه (صَلَّى اللّه عَلَيْهِ وَآلِهِ) من دُعاءِ الصّبيانِ ما لا يُطِيقُ وشغلهُ بِصِبِيَّ لا يَجُوزُ عَليهِ الحُكمُ فهو يدعوه الساعة ويرتدُّ بعد ساعةٍ ثُمّ يُعاوِدُ ويُعاوِدُ الصَّبِيُّ الإرتداد فلا حكم يجُوزُ عليهِ ولا النَّبيّ (صَلَّى اللّه عَلَيْهِ وَآلِهِ) يفْرُغُ مِنهُ لِدُعاءِ غيره أرأيت هذا جائزاً عِندك أن تنسبه إلى ربّنا سُبحانهُ قُلتُ أَعُوذُ باللّه قال فأراك إنّما قصدت فضيلةً فضّل اللّه بها عليّاً (عَلَيهِ السَّلَامُ) على هذا الخلق جميعاً آتاها له لِيُعرف بها مكانه وفضله بأن لم يُشرِكَ بِهِ ساعةً قط فجعلتها نقصاً عليه ولو كان اللّه عزّوجلّ أمر نبيّه أن يدعُو الصّبيان ألم يكن دعاهم كما دعا عليّاً (عَلَيهِ السَّلَامُ) قُلت بلى قال فهل بلغك أن النَّبيّ (صَلَّى اللّه عَلَيْهِ وَآلِهِ) دعا أحداً من صبيان الجاهلية و قرابته بدأ بهم لئلا يقال هذا ابنُ عَمِّهِ أو من سائر النّاس كما فعل بعلي قُلتُ لا قال ثُمّ أيُّ الأفعال كانت أفضل بعد السبق إلى الإسلامِ قُلتُ الجهاد فِي سبيل اللّه قال صدقت فهل تجد لأحدٍ فِي الجهادِ إِلَّا دُون ما تَجِدُ لِعَلِي قُلتُ فِي أَيِّ وقت يا أمِير المؤمنين قال فِي أيّ الأوقاتِ شِئت قُلتُ فِي يوم بدر قال نعم لا أزيدك عليها كم قتلى بدر يوم بدرِ قُلتُ نيف وستون رجُلًا من الكُفَّارِ قال كم قتلى علي وحدهُ مِنهُم قُلتُ نيف و عشرون رجُلًا وأربعون لِسائِرِ النّاس قال فأيُّ النّاس أفضل جهاداً قُلتُ إِنّ أبا بكر كان مع رسُولِ اللّه (صَلَّى اللّه عَلَيْهِ وَآلِهِ) فِي عريشِهِ قال يصنعُ ما ذا قُلتُ يُدبّر الأمر قال ويلك دون رسُولِ اللّه أو شريكاً مع رسُولِ اللّه أو افتقاراً من رسُولِ اللّه إلى أبي بكرٍ قُلتُ أعوذُ بِاللّه من أَن يُدبّر أبوبكرِدُون
ص: 522
رسُولِ اللّه أو يكون شريكاً مع رسُولِ اللّه (صَلَّى اللّه عَلَيْهِ وَآلِهِ) أو يكون رسُولُ اللّه (صَلَّى اللّه عَلَيْهِ وَآلِهِ) فقيراً إِليهِ قال فما الفضيلة فِي العريش إن كان الأمر على ما وصفت أليس من ضرب بسيفه أفضل من جلس قُلتُ كلّ الجيش كان مُجاهِداً قال صدقت إلّا أنّ الضّارِب بالسيف المحامي عن رسُولِ اللّه و عن الجيش كان أفضل من الجيش أما قرأت كتاب اللّه (عزّوجلّ) (لَا يَسْتَوِي الْقَاعِدُونَ مِنَ الْمُؤْمِنِينَ غَيْرُ أُولِي الضَّرَرِ وَالْمُجَاهِدُونَ فِي سَبِيلِ اللَّهِ بِأَمْوَالِهِمْ وَأَنْفُسِهِمْ فَضَّلَ اللَّهُ الْمُجَاهِدِينَ بِأَمْوَالِهِمْ وَأَنْفُسِهِمْ عَلَى الْقَاعِدِينَ دَرَجَةً وَكُلًّا وَعَدَ اللَّهُ الْحُسْنَى وَفَضَّلَ اللَّهُ الْمُجَاهِدِينَ عَلَى الْقَاعِدِينَ أَجْرًا عَظِيمًا) (1) قُلتُ أفكان أبوبكر و عُمرُ مُجاهدين أم لا قال بلى ولكن أخبرني هل كان لأبي بكرو عُمر فضل على من لم يشهد ذلك المشهد قُلت نعم قال فكذلك يسبق الباذل نفسه على أبي بكرو عُمر قُلتُ أجل قال يا إسحاق أتقرأُ القُرآن قُلتُ نعم قال اقرأ (هَلْ أَتَى عَلَى الْإِنْسَانِ حِينٌ مِنَ الدَّهْرِ) فقرأتُ إلى قولِهِ (وَيُطْعِمُونَ الطَّعَامَ عَلَى حُبِّهِ مِسْكِينًا وَيَتِيمًا وَأَسِيرًا) إلى قوله (وَإِذَا رَأَيْتَ ثَمَّ رَأَيْتَ نَعِيمًا وَمُلْكًا كَبِيرًا)، قال على رسلك فيمن أُنزِل هذا قُلتُ فِي علي قال هل بلغك أنّ عليّاً حين أطعم المسكين واليتيم والأسير قال (إنّما نُطْعِمُكُم لِوجهِ اللّه﴾ على ما سمعت اللّه يقُولُ فِي كِتَابِهِ قُلتُ لا قال صدقت إِنَّ اللّه جل ثناؤه عرف سريرة علي ونيته فأظهر ذلك فِي كتابه تعريفاً مِنهُ الخلقِهِ حال علي و مذهبه و سريرته فهل علمت أن اللّه عزّوجلّ وصف شيئاً مِمّا وصف فِي الجنّة غير هذِهِ السُّورة قواريرا من فِضَّةٍ قُلتُ لا قال أجل و هذِهِ فضيلةٌ أُخرى أنّ اللّه وصف لهُ فِي الجنّة ما لم يصفه لغيره أو تدري ما معنى قواريرا من فِضَّةٍ قُلتُ لا قال آنِيةٌ من فِضَّةٍ ينظُرُ النّاظِرُ ما فِي داخِلِها كما يرى فِي القواريريا إسحاق ألست ممن يشهد أن العشرة فِي الجنّة قُلتُ بلى قال أرأيت لو أنّ رجُلًا قال ما أدري هذا الحديث صحيح أم لا و ما أدري لعل رسُول اللّه (صَلَّى اللّه عَلَيْهِ وَآلِهِ) قاله أم لم يقُلهُ أكان عِندك كافِراً قُلتُ أعُوذُ بِاللّه قال فلو أنّ رَجُلًا قال و اللّه ما أَدرِي هذِهِ السُّورَةُ من القُرآنِ أم لا أكان عندك كافراً قُلتُ نعم قال يا إسحاقُ أرى أثرهم هاهنا مُتأكّداً القُرآنُ يشهد هذا والأخبار تشهد هؤلاءِ ثُمّ قال أتروي يا إسحاق حديث الطائِرِ قُلتُ نعم قال حدّثني بِهِ فحدّثتُهُ بِهِ قال أتُؤْمِنُ أنّ هذا الحديث صحيح قُلتُ رواه من لا يُمكِنُنِي بأن أرد حديثه ولا أشلُّ فِي صِدقِهِ
ص: 523
قال أفرأيت من أيقن أن هذا الحديث صحيحٌ ثُمّ زعم أن أحداً أفضلُ من عليّ أيخلُو من أن يقُول دُعاءُ النَّبيّ (صَلَّى اللّه عَلَيْهِ وَآلِهِ) مردود أو إنّ اللّه عرف الفاضل من خلقِهِ فكان المفضُولُ أحبّ إليهِ مِنهُ أو يقُول إِنّ اللّه عزّو جلّ لم يعرِفِ الفاضِل من المفضُولِ فأيُّ الثلاثةِ أحبُّ إليك أن تقول فإنّك إن قلت منها شيئاً استبذيت فإن كان عندك فِي الحديثِ تأوِيلٌ غيرُ هذِهِ الثلاثةِ أوجُهِ فقُل قُلتُ لا أعلمُ وإِن لأبي بكر فضلًا قال أجل لولا أن لأبي بكرٍ فضلا لم أقل عليّ أفضلُ مِنهُ فما فضلُهُ الّذي قصدت بِهِ السّاعة قُلتُ قولُ اللّه (عزّ وجلّ) (ثَانِيَ اثْنَيْنِ إِذْ هُمَا فِي الْغَارِ إِذْ يَقُولُ لِصَاحِبِهِ لَا تَحْزَنْ إِنَّ اللَّهَ مَعَنَا) (1) فنسبه اللّه عزّوجلّ إِلى صُحبةِ النَّبيّ (صَلَّى اللّه عَلَيْهِ وَآلِهِ) قال يا إسحاق أما إنّي لا أحملك على الوعرِ من طريقك فإنّي وجدتُ اللّه جلّ ثناؤُهُ نسب إلى صُحبة من رضيه ورضي عنه كافراً فقال (إذ يقُولُ لِصاحِبِهِ وَهُوَ يُحَاوِرُهُ أَكَفَرْتَ بِالَّذِي خَلَقَكَ مِنْ تُرَابٍ ثُمَّ مِنْ نُطْفَةٍ ثُمَّ سَوَّاكَ رَجُلًا) (2) قُلتُ إن ذلك كان كافراً وأبوبكر كان مُؤمِناً قال فإذا جاز أن ينسب إلى صُحبةِ من رضِيهُ و رضي عنه كافراً جاز أن ينسب إلى صُحبة نبِيِّهِ مُؤمِناً وليس بِأفضل المؤمِنِين ولا بِالثَّاني ولا بِالثَّالِثِ قُلتُ إِنَّ اللّه جل وعلا يقُولُ (ثَانِيَ اثْنَيْنِ إِذْ هُمَا فِي الْغَارِ إِذْ يَقُولُ لِصَاحِبِهِ لَا تَحْزَنْ إِنَّ اللَّهَ مَعَنَا فَأَنْزَلَ اللَّهُ سَكِينَتَهُ عَلَيْهِ) قال يا إسحاق إنّک تأبى إلّا أن أخرجك إلى الإستقصاء عليك أخبرني عن حُزنِ أبي بكراً كان اللّه رِضًا أو كان معصِيةً قُلتُ إِنّ أبا بكرٍ إِنّما حزن من أجلِ رسُولِ اللّه خوفاً عليهِ من أن يصل إليهِ شيءٌ من المكروه قال فحُزنُهُ كان اللّه رِضًا أو معصِيةً قُلتُ بل اللّه رِضًا قال فكان بعث إليهِ رَسُولًا ينهاه عن طلب رضاه و عن طاعتِهِ قُلتُ أعُوذُ بِاللّه قال ألم تزعم أن حُزن أبي بكرِرِضًى قُلتُ بلى قال أو لم تجد أن القُرآن يشهد أن النَّبيّ (صَلَّى اللّه عَلَيْهِ وَآلِهِ) يقُولُ لا تحزن نهياً لهُ عَنِ الحُزنِ والحُزنُ للّه رِضَى أَ فلا تراه قد نهى عن طلب رضى اللّه إن كان الأمر على ما وصفت وأعُوذُ بِاللّه أن يكون كذلِك فانقطعتُ عن جوابِهِ قال يا إسحاقُ إِنّ مذهي الرِّفْقُ بِك لعل اللّه أن يردّك فأخبرني عن قول اللّه جلّ ثناؤُهُ (فَأَنْزَلَ اللَّهُ سَكِينَتَهُ عَلَيْهِ) من عنى بِذلِك رسول اللّه (صَلَّى اللّه عَلَيْهِ وَآلِهِ) أو أبا بكر قُلتُ بل رسُول اللّه قال صدقت فأخبرني عن قول اللّه (وَيَوْمَ حُنَيْنٍ إِذْ
ص: 524
أَعْجَبَتْكُمْ كَثْرَتُكُمْ فَلَمْ تُغْنِ عَنْكُمْ شَيْئًا وَضَاقَتْ عَلَيْكُمُ الْأَرْضُ بِمَا رَحُبَتْ ثُمَّ وَلَّيْتُمْ مُدْبِرِينَ * ثُمَّ أَنْزَلَ اللَّهُ سَكِينَتَهُ عَلَى رَسُولِهِ وَعَلَى الْمُؤْمِنِينَ) (1) أتعلمُ المؤمِنِينَ الّذين أرادهُمُ اللّه فِي هذا الموضعِ قُلتُ لا قال إِنَّ النّاس انهزموا يوم حنين فلم يبق مع رسُولِ اللّه (صَلَّى اللّه عَلَيْهِ وَآلِهِ) إِلَّا سبعةٌ من بَنِي هَاشِمٍ عَلِيٌّ يضرِبُ بِسيفِهِ و العبّاس آخِذٌ بِلِجامِ بغلتِهِ والباقون يحدقون برسولِ اللّه (صَلَّى اللّه عَلَيْهِ وَآلِهِ) خوفاً أن يناله من سِلاح القومِ شيء حتّى أعطى اللّه رسُوله النصر فالمؤمِنُون فِي هذا الموضع علي خاصّة ثُمّ من حضره من بَنِي هاشم وقد قيل إنّ سلمان الفارسي وعماراً كانا فيهم فمن أفضل يا إسحاق من كان مع النَّبيّ (صَلَّى اللّه عَلَيْهِ وَآلِهِ) فنزلت السكينة على النَّبيّ (صَلَّى اللّه عَلَيْهِ وَآلِهِ) و عليه أم من كان مع رسُولِ اللّه (صَلَّى اللّه عَلَيْهِ وَآلِهِ) و نزلت السكينة على النَّبيّ (صَلَّى اللّه عَلَيْهِ وَآلِهِ) و لم يره موضعاً لتنزيلها عليه معه قُلتُ بل من أُنزِلَتِ السّكِينةُ عليه مع النَّبيّ (صَلَّى اللّه عَلَيْهِ وَآلِهِ) قال فمن أفضل عندك من كان معه فِي الغار أم من نام على فِراشِهِ و وقاه بنفسِهِ إِنَّ اللّه عزّ و جلّ أمر النَّبيّ (صَلَّى اللّه عَلَيْهِ وَآلِهِ) أن يأمر عليّاً (عَلَيهِ السَّلَامُ) بِالنّومِ على فِراشِهِ وأن بقي النَّبيّ (صَلَّى اللّه عَلَيْهِ وَآلِهِ) بنفسه فأمره بذلك فبكى على فقال له النَّبيّ (صَلَّى اللّه عَلَيْهِ وَآلِهِ) ما يُبكيك يا علي قال الخوف عليك أفتسلم يا رسُول اللّه قال نعم فاستبشر عليّ (عَلَيهِ السَّلَامُ) وقال سمعاً وطاعة لرتي طابت نفسِي بِالفداء لك يا رسول اللّه ثُمّ أتى علي مضجعه فاضطجع و تسجى بثوبه وجاء المشرِكُون من قُريش فأحد قُوا بِهِ ولا يشكُون أَن النَّبيّ (صَلَّى اللّه عَلَيْهِ وَآلِهِ) حاصِل فِي أيديهم قد أجمعوا أن يضرِبهُ كلّ بطنٍ من قُريش بِالسّيفِ لِئلا يطلب بنُوهاشِمٍ بطناً من بُطُونِ قُريشٍ بِدَمِهِ وهُو يسمعُ ما القومُ فِيهِ من تلفِ نفسِهِ فلم يدعُه ذلك إلى الجزع كما جزع صاحِبُهُ فِي الغارِ ولم يزل صابراً مُحتسِباً و بعث اللّه إليه ملائِكَةٌ تمنعُهُ من مُشْرِكِي قُريش حتّى أصبح فلما أصبح قام فنظر القومُ إِليه فقالوا أين محمّد قال لا أعلمُ أين هُو قالُوا لا نراك إِلَّا كُنت تغُرُّنا مُنذُ اللَّيلةِ ثُمّ لحِق بِرَسُولِ اللّه (صَلَّى اللّه عَلَيْهِ وَآلِهِ) فلم يزل علي أفضل لما بدا مِنْهُ يَزِيدُ ولا ينقُصُ حتّى قبضهُ اللّه إِليهِ يا إسحاق أتروي حديث الولايةِ قُلتُ نعم قال اروه فرويتُه فقال أ ليس هذا الحديث قد أوجب لعلي على أبي بكر و عُمر ما لم يجب لهما عليهِ قُلتُ نعم إِلَّا أَنْ النّاس لا يقُولُون بِذلِك وقالُوا بِأنّ هذا الحديث إنّما كان بِسببِ زيد بن حارثة لشيء جرى بينه وبين علي فأنكر ولاء علي فقال
ص: 525
النَّبيّ (صَلَّى اللّه عَلَيْهِ وَآلِهِ) هذا القول عند ذلك قال يا سبحان اللّه لِهذِهِ العُقُولِ متى قال رسول اللّه (صَلَّى اللّه عَلَيْهِ وَآلِهِ) ليعليّ (عَلَيهِ السَّلَامُ) من كُنتُ مولاه فعلي مولاه وفي أي موضع قُلتُ بِعْدِيرِ خُمٌ عِند مُنصرفِهِ من حجّة الوداعِ قال أجل فمتى قُتِل زيد بن حارثة قال موضع بموته قال فكم كان بين قتل زيد و بين غدِيرِخُةٍ قُلتُ سبعُ سِنِين أو ثماني سنين (1) قال ويحك كيف رضيت لنفسك بهذا وقد علمت أنّ خطابهُ لِلمُسلِمِين كافةً ألستُ أولى بِكُم من أنفُسِكُم قالوا بلى يا رسُول اللّه قال من كُنتُ مولاه فعلي مولاه اللّهمّ وال من والاه و عاد من عاداه ويلكُم لا تجعلُوا فُقهاءكُم أربابكُم إِنّ اللّه عزّوجلّ يقُولُ (اتَّخَذُوا أَحْبَارَهُمْ وَرُهْبَانَهُمْ أَرْبَابًا مِنْ دُونِ اللَّهِ) (2) ولم يُصلُّوالهُم ولم يصُومُوا ولا زعموا أنهم آلهة ولكنهم أمرُوهُم فأطاعُوهُم أفتوا بِغَيرِ حق فضلُّوا وأضلُّوا: أتروي يا إسحاق حديث أنت مِنِّي بِمنزلة هارون من مُوسى قُلتُ نعم قال اروه فرويتُهُ قال فهل يُمكن أن يكون النَّبيّ (صَلَّى اللّه عَلَيْهِ وَآلِهِ) فرح بهذا القولِ قُلتُ أعوذُ بِاللّه قال أفها تعلمُ أنّ هارُون من مُوسى أخوهُ لِأَبِيهِ و أُمِّهِ قُلتُ بلى قال فعليُّ أَخُو رَسُولِ اللّه (صَلَّى اللّه عَلَيْهِ وَآلِهِ) لِأَبِيهِ و أُمِّهِ قُلتُ لا قال أو ليس هارون نبياً قُلتُ نعم قال وعلي غيرني قُلتُ بلى قال فهذانٍ معدومانِ فِي علي من الحال الّتي كانت فِي هارون فما معنى قوله لعلي أنتَ مِنِّي بِمنزِلَةِ هَارُون من مُوسى قُلتُ لَهُ إِنّما أراد أن يُطيِّب نفس علي لا قال المنافِقُون استخلفه استثقالا له قال فأراد أن يُطيِّب قلب علي بقول لا معنى له فسكت فقال إنّ لهُ معنّى فِي كِتابِ اللّه جلب ثناؤُهُ ظاهِراً بيناً قُلتُ وما هُو قال غلبت عليكُمُ الأهواء والعمايةُ هُو قولُ اللّه عزّوجلّ يُخبِرُ عَنِ مُوسَى حِيثُ يَقُولُ (اخْلُفْنِي فِي قَوْمِي وَأَصْلِحْ وَلَا تَتَّبِعْ سَبِيلَ الْمُفْسِدِينَ) (3) قُلتُ إِنَّ مُوسى استخلف هارُون فِي قومِهِ وهو حي ومضى إلى ربّهِ و إِنّ النَّبيّ (صَلَّى اللّه عَلَيْهِ وَآلِهِ) استخلف عليّاً (عَلَيهِ السَّلَامُ) حين خرج إلى غزوتِهِ قال كلاليس كما قُلت أخبرني عن موسى حين استخلف هارون هل كان معه حين ذهب إلى ربِّهِ أحدٌ من أصحابِهِ أو من بَنِي إسرائيل قُلتُ لا قال أو ليس استخلفه على جماعتِهِم قُلتُ نعم قال فأخبرني عن النَّبيّ (صَلَّى اللّه عَلَيْهِ وَآلِهِ) حين خرج إلى غزوته هل خلف إِلَّا الضُّعفاء و
ص: 526
النِّساء و الصبيان فأنّى يكُونُ هذا مِثل ذلك و ما معنى الإستخلافِ هاهنا و على أن النَّبيّ (صَلَّى اللّه عَلَيْهِ وَآلِهِ) قد بين ذلِك بِقولِهِ إِلَّا أَنه لا نبي بعدي فقد كشف ذلك بأنه استخلفهُ من بعدِهِ على كلّ حالٍ إِلَّا على النُّبُوَّة إذ كان خاتم النبيين (صَلَّى اللّه عَلَيْهِ وَآلِهِ) و لم يكن قول النَّبيّ (صَلَّى اللّه عَلَيْهِ وَآلِهِ) ليبطل أبداً أتروي يا إسحاق حديث المباهلةِ قُلتُ نعم قال أتروي حديث الكِساءِ قُلتُ نعم قال ففكّر فِي هذا أو هذا واعلم أيُّ شيءٍ فيهما ثُمّ قال من ذا الّذي تصدّق وهُو راكِعٌ قُلتُ علي تصدّق بِخاتِمِهِ قال أ تعرِفُ غيرهُ قُلتُ لا قال فما قرأت (إِنَّمَا وَلِيُّكُمُ اللَّهُ وَرَسُولُهُ وَالَّذِينَ آمَنُوا الَّذِينَ يُقِيمُونَ الصَّلَاةَ وَيُؤْتُونَ الزَّكَاةَ وَهُمْ رَاكِعُونَ﴾(1) قُلتُ نعم قال أفها فِي هذِهِ الآيَةِ نص اللّه على عليَّ بِقولِهِ (إِنَّمَا وَلِيُّكُمُ اللَّهُ وَرَسُولُهُ وَالَّذِينَ آمَنُوا الَّذِينَ يُقِيمُونَ الصَّلَاةَ وَيُؤْتُونَ الزَّكَاةَ وَهُمْ رَاكِعُونَ﴾ قُلتُ يا أمِير المؤمنين قد جمع بقولِهِ الّذينَ آمَنُوا قال القُرآنُ عربي ونزل بِلُغَاتِ العرب والعربُ تُخاطِبُ الواحد بخطاب الجمع و يقُولُ الواحِدُ فعلنا وصنعنا وهو من كلامِ الملكِ والعالم والفاضل و كذلك قال اللّه (خلقنا السّماوات) (2) و (بنينا فوقكم سبعاً)(3)، و هُو اللّه الواحِدُ وقال جل ثناؤُهُ حِكايةً من خِطابِهِ سُبحانهُ (قال ربّ ارْجِعُونِ) (4) ولم يقل ارجعني هذِهِ العِلةِ ثُمّ قال يا إِسحاق و ما علمت أن جماعةً من أصحابِ رسُولِ اللّه (صَلَّى اللّه عَلَيْهِ وَآلِهِ) لما أشاد بذكر علي وبفضله و طوّق أعناقهم ولايته وإمامته وبيّن لهم أنهُ خيرُهُم من بعدِهِ وأنه لا يتمُّ هُم طَاعَةُ اللّه إِلَّا بِطَاعَتِهِ و كان فِي جميع ما فضّلهُ بِهِ نص على أنهُ ولِيُّ الأمر بعده قالُوا إِنما ينطِقُ النَّبيّ (صَلَّى اللّه عَلَيْهِ وَآلِهِ) عن هواهُ وقد أضلهُ حُبُّهُ ابن عمّه وأغواه وأطنبُوهُ فِي القولِ سِرّاً فأنزل اللّه المطلع على السرائر (و النّجم إذا هوى ما ضل صاحِبُكُم و ما غوى وما ينطق عن الهوى إن هُو إِلَّا وَحْيٌ يُوحى﴾ ثُمّ قال يا إسحاقُ إِنَّ النّاس لا يُرِيدُون الدِّين إنّما أرادوا الرئاسة وطلب ذلك أقوام فلم يقدرُوا عليه بِالدُّنيا فطلبوا ذلِك بِالدِّينِ ولا حرص لهم عليهِ ولا رغبة هُم فِيهِ أما تروي أن النَّبيّ (صَلَّى اللّه عَلَيْهِ وَآلِهِ) قال
ص: 527
يُذادُ قوم من أصحابي عنِ الحوض فأقُولُ يا ربّ أصحابي أصحابي فيُقالُ لِي إِنَّكَ لا تدري ما أحدثوا بعدك رجعوا القهقرى قُلتُ نعم قال ففكّر فِي هذا فقال النّاس ما أرادوا و طال المجلس و علت الأصوات وارتفع الكلام فقال يحيى بن أكثم يا أمِير المؤمنين قد أوضحت لمن أراد اللّه بِهِ الخير وبيّنت واللّه ما لا يقدِرُ أحدٌ على دفعِهِ فأقبل علينا فقال ما تقُولون قُلنا كُلُّنا يقولُ بِقولِ أمِير المؤمنين وفّقهُ اللّه قال واللّه لولا أنّ رسُول اللّه (صَلَّى اللّه عَلَيْهِ وَآلِهِ) قبل القول من النّاس لم أكُن لأقبلهُ مِنكُم اللّهمّ إِنِّي قد نصحتُ اللّهمّ إنّي قد أرشدتُ اللّهمّ إِنِّي قد أخرجتُ الأمر من عُنُقِ اللّهمّ إِنِّي أدِينُ لك وأتقرب إليكِ بِحُبّ على وولايته فنهضنا من عِندِهِ وكان هذا آخر مجلسنا منه. (1)
6 - نقل بعض أصحابنا فِي كتاب له فِي الإمامة عن رجلين اختصما فِي الإمامة ثُمّ تراضيا بحكومة أول من لقياه بالباب، فطلعا على يهودي فتحاكما إليه فقال: أنا يهودي فتحاكما إلى غيري فقالا: لابد من ذلك فأنا قد تراضينا بأول من تلقاه قل ما شئت فقل تطع. فقال: أما أنت أيها السني فقدمت من اختلف فيه هل هُو كافر أو مسلم فويل لك إن كان كافراً، وأما أنت أيها الشيعي فقد قدمت من اختلف فيه هل هُو ربّ أو إمام فطوبى لك فِي إعتقادك بتقدمه. (2)
7 - قال العلّامة البحراني (رحمة اللّه عليه) : حكى لي بعض اخواني قال: كنت جالساً بعض الأيام عند قاضي بغداد الحنفي فسمعنا سائلاً يقرأ قصيدة التصدق بالخاتم فقال لي: اسمع هؤلاء الروافض كيف نظموا القصائد فِي مدح عليّ بن أبِي طالِب (عَلَيهِ السَّلَامُ) على تصدقه بخاتمه ما يبلغ قيمته أربعة دراهم و أبوبكر تصدق بجميع ماله ولا يذكره أحد فِي نظم ولا نثر؟ فقلت له: أصلح اللّه القاضي ليس للروافض ذنب فِي هذا المعنى، إن كان شيء فهو من عالم الملكوت لأنّه أنزل فِي ذلك الخاتم قراناً يتلى إلى يوم القيامة، ولم ينزل فِي شأن أبي بكرآية ولا سورة مع تصدقه بالمال الجزيل فحرك يده فقال: يا أخي خطر هذا فِي بالي إلى يوم القيامة ولكن كيف الحيلة. (3)
8 - روى الشيخ العلامة البحراني رحمه اللّه من كتاب زهر الربيع للسيد المحدث نعمة اللّه الجزائري أنّه قال: حكى لي بعض من أثق به أن العالم الجليل الأمير أبوالقاسم الفندرسكي لما
ص: 528
كان فِي الهند عند سلطانها فاتفق أنّه كان فِي السفر مع علماء العامَّة فبال فِي البرية ولم يتفق له الماء فجفف موضع البول بالتراب وقام، فقال له اعلم علمائهم: هذا الّذي صنعت إنّما يوافق مذهبنا لا مذهبكم. فقال الأمير أبوالقاسم : نعم بلت اليوم على مذهبكم.
و كان حاضر الجواب فقال له سلطان الهند يوماً لأي شيء تجوزون اللعن على معاوية وهو خال المؤمنين ومن جملة كتاب الوحي ؟ فقال: أعز اللّه السلطان إذا اتفق لک عسکران يتحاربان و كان مقدم أحدهما أمِير المؤمنين (عَلَيهِ السَّلَامُ) و مقدم الآخر معاوية فيكون السلطان أعزه اللّه مع أي عسكريقاتل؟ فقال: فِي عسكر أمِير المؤمنين أقاتل من يقاتله. فقال: إذا أتى معاوية يضرب أمِير المؤمنين بسيفه فقال لك أمِير المؤمنين اقتل معاوية تقتله أم لا فقال: نعم يجب علي أن أضرب عنقه فقال أعز اللّه السلطان إذا وجب قتله فكيف لا يجوز لعنه، فضحک السلطان ولعن معاوية. عليه وعلى ابنه يزيد من تضاعيف اللعن مِمّا يربو على ذلك و يزيد (1).
لبعض النواصب :
قول الروافض نحق أطيب مولداً *** *قول جرى بخلاف دین محمد
نكحوا النساء تمتعاً فولدن من *** ذاک النکاح فإن طيب المولد
فأجابه: الشيخ الشهيد، وقيل المرتضى :
إن التمتع سنة مفروضة *** ورد الكتاب بها وسنة أحمد
و روى الروافض أن ذلك قد جرى *** من غير شك فِي زمان محمّد
ثم استمر الحال فِي تحليلها *** قد صح ذلك من حديث المسند
عن جابر و عن ابن مسعود و عن *** نقل ابن عبَّاس الكريم المولد
حتى نهی عمر بغير دلالة *** عنه فكدر صفو ذاك المورد
لكن مواليد النواصب جددت *** *دين المجوس فأين دين محمّد
ص: 529
لفّ الحرير على الأيور وغمسها *** فِي الأمهات دليل طيب المولد (1)
والحمد للّه على الإتمام وصلى اللّه على سيدنا محمّد وآله خير الأنام ألحقنا اللّه بهم فِي دار السلام.
ص: 530
1. القرآن الكريم
2. إثبات الهداة بالنصوص والمعجزات ؛ الحر العاملي محمّد بن الحسن (1104 ق) الأعلمي. بيروت (1425)
3. إثبات الوصية ؛ المسعودي علي بن الحسين (346) ق) الأنصاريان. قم (1426 ق)
4. الإحتجاج على أهل اللجاج ؛ الطبرسي أحمد بن علي (588 ق) نشر المرتضى.قم (1403)
5. إحقاق الحقّ وإزهاق الباطل ؛ الشوشتري المرعشي قاضي نور اللّه (1019 ق) مكتبة آية اللّه المرعشي. قم (1409 ق)
6. الإختصاص ؛ المفيد محمّد بن محمّد (413 ق) المؤتمر العالمي لألفية الشيخ المفيد (1413 ق)
7. الأربعون حديثا ؛ منتجب الدين علي بن عبيد اللّه بن بابويه الرازي (القرن السادس) نشر مدرسة الإمام المهدي (عَلَيهِ السَّلَامُ)
8. إرشاد القلوب إلى الصواب ؛ الديلمي الحسن بن محمّد (841 ق) دار الأسوة (1424 ق).
9. الإرشاد فِي معرفة حجج اللّه على العباد ؛ المفيد محمّد بن محمّد (413 ق) مؤسسة آل البيت. قم (1413 ق)
ص: 531
10. الإستبصار فِي ما اختلف من الأخبار؛ الطوسي محمّد بن الحسن (460 ق) دارالكتب الإسلامية. قم (1390ق)
11. الأصول الستة عشر؛ جمع من العلماء (القرن الثالث) دار الحديث الثقافية. قم (1423 ق)
12. الإعتقادات ؛ المفيد محمّد بن محمّد (413 ق) المؤتمر العالمي لألفية الشيخ المفيد (1413 ق)
13. الإعتقادات ؛ الصدوق محمّد بن علي بن بابويه (381) ق (المؤتمر العالمي لألفية الشيخ المفيد (1413 ق)
14. أعلام الدين فِي صفات المؤمنين ؛ الديلمي حسن بن محمّد (841 ق) مؤسسة آل البيت. قم (1408ق)
15. إعلام الورى بأعلام الهدى ؛ الطبرسي فضل بن الحسن (548 ق) نشر آل البيت. قم (1417 ق)
16. الإقبال بالأعمال الصالحة فِي ما يعمل مرة بالسنة ؛ ابن طاووس السيد علي بن موسى الحسني الحسيني الحلي (664 ق)
17. الألفية : الشهيد الأول محمّد بن مكي العاملي (786) ق) مركز التحقيق الإسلامي
18. الأمالي ؛ الطوسي محمّد بن الحسن (460) ق) دار الثقافة. قم (1414 ق)
19. الأمالي ؛ الشريف المرتضى علي بن الحسين الموسوي (436 ق) مكتبة آية اللّه المرعشي النجفي. قم (1403 ق)
20. الأمالي ؛ الصدوق محمّد بن علي بن بابویه (381 ق) نشر کتابچي. طهران (1379 ش)
21. الأمالي ؛ المفيد محمّد بن محمّد (413 ق) المؤتمر العالمي لألفية الشيخ المفيد (1413 ق)
22. الإمامة والتبصرة من الحيرة ؛ ابن بابويه، (والد الصدوق) علي بن الحسين (329 ق) مدرسة الإمام المهدي (عَلَيهِ السَّلَامُ) (1404 ق)
23. الأمان من أخطار الأسفار والزمان ؛ ابن طاووس السيد علي بن موسى الحسني الحسيني الحلي (664 ق) مؤسسة آل البيت. قم (1409 ق)
24. الإنصاف فِي النص على الأئمّة الإثني عشر من آل محمّد الأشراف ؛ البحراني السيد هاشم بن سلیمان (1107 ق) مكتب نشر الثقافة الإسلامية. طهران
25. الإيضاح ؛ فضل بن شاذان المحدث الأرموي) (260 ق) مؤسسة الأعلمي (1402 ق)
ص: 532
26. الإيقاظ من الهجعة بالبرهان على الرجعة ؛ الحر العاملي محمّد بن الحسن (1104 ق) دليل ما. قم (1428 ق)
27. بحار الأنوار الجامعة لدرر أخبار الأئمّة الأطهار المجلسي محمّد باقر(1110 ق) دار إحياء التراث العربي. بيروت (1403 ق)
28. البرهان فِي تفسير القرآن ؛ البحراني السيد هاشم (1107) ق) مؤسسة البعثة. قم (1374 ش)
29. بشارة المصطفى الشيعة المرتضى ؛ الطبري الأملي عماد الدين أبوجعفر محمّد بن أبي القاسم (553 ق)
30. بصائر الدرجات فِي فضائل آل محمّد علیهم السلام ؛ الصفار محمّد بن الحسن (290 ق)
31. البلد الأمين والدرع الحصين ؛ الكفعمي إبراهيم بن علي العاملي (900 ق) الأعلمي. بيروت (2004 م)
32. تاريخ مدينة دمشق ؛ ابن عساكر علي بن الحسن الشافعي (571 ق) دار الفكر. بيروت
33. تأويل الآيات الظاهرة فِي فضائل العترة الطاهرة ؛ الأسترآبادي النجفي السيد شرف الدين علي (940 ق) مؤسسة النشر الإسلامي. قم (1409 ق)
34. تجريد الإعتقاد ؛ الطوسي محمّد بن الحسن (672 ق) مكتب الإعلام الإسلامي. قم (1407 ق)
35. التحصين لأسرار ما زاد من كتاب اليقين ؛ ابن طاووس السيد علي بن موسى الحسني الحسيني الحلي (664 ق) مؤسسة دار الكتاب. قم (1413 ق)
36. تحف العقول عن آل الرسول (صَلَّى اللّه عَلَيْهِ وَآلِهِ) ؛ إبن شعبة الحراني الحسن بن علي (القرن الرابع) مؤسسة النشر الإسلامي. قم (1404 ق)
37. تسلية المجالس وزينة المجالس ؛ الحسيني الموسوي أحمد بن أبي طالب (القرن 10 ق) مؤسسة المعارف الإسلامية. قم (1418 ق)
38. التفسير الصافي ؛ الفيض الكاشاني محمّد محسن بن مرتضی (1091 ق)
39. تفسير العياشي ؛ العياشي محمّد بن مسعود (320 ق) المطبعة العلمية. طهران (1380 ق)
40. تفسير الفرات الكوفي الكوفي فرات بن إبراهيم (307 ق) مؤسسة الطبع والنشر فِي وزارة الإرشاد الإسلامي. طهران (1410 ق)
ص: 533
41. تفسير القمي ؛ القمي علي بن إبراهيم (القرن الثالث) دارالكتاب. قم (1404 ق)
42. تفسيركنزالدقائق وبحر الغرائب ؛ القمي المشهدي محمّد بن محمّد رضا (1125 ق) الوزارة الثقافة والإرشاد الإسلامي (1368ش)
43. تفسير نور الثقلين : العروسي الحويزي عبد علي بن جمعة (1112 ق) الإسماعيليان. قم (1415 ق)
44. التفسير المنسوب إلى الأمام العسكري (عَلَيهِ السَّلَامُ) ؛ الإمام العسكري الحسن بن عليّ (عَلَيهِ السَّلَامُ) (260 ق) مؤسسة الإمام المهدي (عَلَيهِ السَّلَامُ). قم (1409 ق)
45. تفصيل وسائل الشيعة إلى تحصيل مسائل الشريعة ؛ الحر العاملي محمّد بن الحسن (1104 ق) مؤسسة آل البيت. قم (1409 ق)
46. تقريب المعارف ؛ الحلبي أبو الصلاح تقي بن نجم (447 ق) نشر الهادي. قم (1404)
47. تهذيب الأحكام ؛ الطوسي محمّد بن الحسن (460) دار الكتب الإسلامية. قم (1407 ق)
48. التوحيد ؛ الصدوق محمّد بن علي بن بابويه (381 ق) جماعة المدرسين. قم (1398 ق)
49. الثاقب فِي المناقب ؛ إبن حمزة الطوسي محمّد بن علي (حوالي 566 ق) الأنصاريان. قم (1419 ق).
50 ثواب الأعمال وعقاب الأعمال ؛ الصدوق محمّد بن علي بن بابویه (381 ق) دار الشريف الرضي للنشر. قم (1406 ق)
51. جامع الأخبار ؛ الشعيري محمّد بن محمّد القرن السادس) المطبعة الحيدرية. النجف
52. جمال الأسبوع بكمال العمل المشروع ؛ ابن طاووس السيد علي بن موسى الحسني الحسيني الحلي (664 ق) دار الرضي. قم (1330 ق)
53 الجمل والنصرة لسيد العترة فِي حرب البصرة ؛ المفيد محمّد بن محمّد (413 ق) المؤتمر العالمي لألفية الشيخ المفيد (1413 ق)
54. الجواهر السنية فِي الأحاديث القدسية ؛ الحر العاملي محمّد بن الحسن (1104 ق) منشورات دهقان. طهران (1422 ق)
55. جواهر الكلام فِي شرح شرائع الإسلام ؛ النجفي محمّد حسن (1266 ق) دار الكتب الإسلامية (1365 ش)
ص: 534
56. الحدائق الناضرة فِي أحكام العترة الطاهرة : البحراني الشيخ يوسف (1186 ق) مؤسسة النشر الإسلامي
57. حديقة الشيعة ؛ الأردبيلي أحمد بن أحمد (993 ق) مؤسسة الأنصاريان. قم (1419 ق)
58. حلية الأبرار فِي أحوال محمّد وآله الأطهار (عَلَيهِم السَّلَامُ) ؛ البحراني السيد هاشم بن سلیمان (1107 ق) مؤسسة المعارف الإسلامية. قم (1417 ق)
59. الخراجيات ؛ المحقق الكركي والمقدس الأردبيلي والفاضل القطيفي والفاضل الشيباني. مؤسسة النشر الإسلامي (1413 ق)
60. الخرائج والجرائح ؛ الراوندي قطب الدين سعيد بن هبة اللّه (573 ق) مؤسسة الإمام المهدي (عَلَيهِ السَّلَامُ). قم (1409)
61. الخصال ؛ الصدوق محمّد بن علي بن بابويه (381 ق) نسیم کوثر. قم (1382 ش)
62. الدر النظيم فِي مناقب الأئمّة اللهاميم ؛ الشامي يوسف بن حاتم (القرن 7 ق) مؤسسة النشر الإسلامي. قم (1420 ق)
63. دعائم الإسلام والحلال والحرام والقضايا والأحكام ؛ إبن حيون نعمان بن محمّد المغربي (363 ق) مؤسسة آل البيت. قم (1427 ق)
64. دلائل الإمامة ؛ الطبري الآملي محمّد بن جریر بن رستم (القرن الخامس) نشر البعثة. قم (1413 ق)
65. ذوب النضار فِي شرح الثأر؛ الحلي جعفر بن محمّد بن نما (القرن 7 ق) مؤسسة النشر الإسلامي. قم (1416 ق)
66. رجال البرقي (الطبقات) ؛ البرقي أحمد بن محمّد (274) ق) منشورات جامعة طهران. طهران (1383 ق)
67. رجال الطوسي ؛ الطوسي محمّد بن الحسن (460 ق) مؤسسة النشر الإسلامي. قم (1415 ق)
68. رجال الكشي (إختيار معرفة الرجال) ؛ الكشي محمّد بن عمر (القرن الرابع) مؤسسة الأعلمي بيروت (2009 م)
69. رجال النجاشي ؛ النجاشي أحمد بن علي (450 ق) مؤسسة النشر الاسلامي التابعة لجامعة المدرسين. قم (1365 ش)
ص: 535
70. روضات الجنات فِي أحوال العلماء والسادات ؛ الموسوي الخوانساري سيّد محمّد باقر (1313 ق) مكتبة اسماعيليان
71. روضة المتَّقين فِي شرح من لا يحضره الفقيه ؛ المجلسي محمّد تقي بن مقصود علي (1070 ق) دار الكتب الإسلامي
72 روضة الواعظين وبصيرة المتعظين؛ فتال النيشابوري محمّد بن أحمد (508 ق) منشورات الرضي. قم (1417 ق)
73. الروضة فِي فضائل أميرالمؤمنين عليّ بن أبِي طالِب (عَلَيهِمَا السَّلَامُ) ؛ ابن شاذان القمي أبوالفضل شاذان بن جبرئیل (600 ق) مكتبة الأمين (1423 ق)
74. رياض الأبرار فِي مناقب الأئمّة الأطهار ؛ الجزائري السيد نعمت اللّه بن عبداللّه (1112 ق) مؤسسة التاريخ العربي. بيروت (1427 ق)
75 رياض السالكين فِي شرح صحيفة سيّد الساجدين (عَلَيهِ السَّلَامُ) ؛ المدني السيد علي خان بن أحمد (1120 ق) مؤسسة النشر الإسلامي. قم (1409 ق)
76. زاد المعاد ؛ المجلسي محمّد باقر بن محمّد تقي (1110 ق) مؤسسة الأعلمي. بيروت (1423 ق)
77. السرائر الحاوي لتحرير الفتاوي ؛ إبن إدريس محمّد بن أحمد (598 ق) مؤسسة النشر الإسلامي. قم (1410 ق)
78. سرور أهل الإيمان فِي علامات ظهور صاحب الزمان (عَلَيهِ السَّلَامُ) ؛ بهاء الدين النيلي النجفي علي بن عبد الكريم (803) ق) دليل ما. قم (1426 ق)
79. سعد السعود لنفوس المنضود ؛ ابن طاووس السيد علي بن موسى الحسني الحسيني الحلي (664 ق) دار الذخائر. قم
80. السقيفة وفدك ؛ الجوهري البصري أحمد بن عبد العزيز (323 ق) مكتبة النينوى الحديثة
81. سلوة الحزين؛ قطب الدين الراوندي سعيد بن هبة اللّه (573 ق) مدرسة الإمام المهدي (عَلَيهِ السَّلَامُ). قم (1407 ق)
82. الشافي فِي الإمامة ؛ الشريف المرتضى علي بن الحسين الموسوي (436 ق) مؤسسة الصَّادق. طهران (1410 ق)
ص: 536
83. شرح الأخبارفي فضائل أئمة الأطهار (عَلَيهِم السَّلَامُ) ؛ ابن حيون النعمان بن محمّد المغربي (363) ق (المؤسسة النشر الإسلامي. قم (1409)
84. شرح الكافي؛ المازندراني محمّد بن صالح (1181 ق) المكتبة الإسلامية (1382 ش)
85. شرح نهج البلاغة ؛ إبن أبي الحديد عبد الحميد بن هبة اللّه (656 ق) مكتبة آية اللّه المرعشي (1404 ق)
86. شفاء الصدور فِي شرح زيارة العاشور؛ الكلانتري الطهراني ابوالفضل بن ابي القاسم (1316 ق) انتشارات أسوة (1387 ش)
87. الشهاب الثاقب فِي بيان معنى النَّاصب ؛ البحراني الدرازي يوسف بن أحمد (1186 ق) الأمير. قم (1419 ق)
88. صحیح ؛ البخاري محمّد بن إسماعيل (256 ق) دار إحياء التراث العربي. بيروت (1422 ق)
89. صحيح ؛ النيشابوري مسلم بن حجاج (261) ق) دار إحياء التراث العربي. بيروت (1420 ق)
90. الصحيفة السجادية ؛ علي بن الحسين (عَلَيهِ السَّلَامُ) الإمام الرابع (95 ق) الهادي. قم (1418 ق)
91 الصراط المستقيم إلى مستحقي التقديم ؛ العاملي النباطي علي بن محمّد (877 ق) المكتبة الحيدرية. النجف (1384 ق)
92. صفات الشيعة ؛ الصدوق محمّد بن علي بن بابويه (381 ق) الأعلمي. طهران (1362 ش)
93. الطبقات الكبرى : إبن سعد أبو عبد اللّه محمّد بن سعد بن منيع (230 ق) دار الكتب العلمية - بيروت (1410 ق)
94. الطرائف فِي معرفة مذاهب الطوائف؛ ابن طاووس السيد علي بن موسى الحسني الحسيني الحلي (664 ق) الخيام. قم (1400 ق)
95. طرف من الأنباء والمناقب ؛ ابن طاووس السيد علي بن موسى الحسني الحسيني الحلي (664 ق) نشر تاسوعا. مشهد (1420)
96. عدّة الداعي ونجاح الساعي ؛ ابن فهد الحلي أحمد بن محمّد (841 ق) دار الكتب الإسلامي. قم (1407 ق)
ص: 537
97. العدد القوية لدفع المخاوف اليومية ؛ الحلي رضي الدين علي بن يوسف بن المطهر (730 ق) مكتبة آية اللّه المرعشي. (1408)
98. علم اليقين ؛ الفيض الكاشاني محمّد محسن بن مرتضی (1091 ق) بيدار. قم (1418) قم
99. عمدة المقال فِي كفر أهل الضلال : الكركي العاملي حسن بن علي (القرن العاشر) مكتبة المرعشي النجفي. قم المقدسة (1389 ش)
100. عوالم العلوم والمعارف والأحوال من الآيات والأخبار والأقوال؛ البحراني الإصفهاني (القرن 12) مدرسة الإمام المهدي (عَلَيهِ السَّلَامُ). قم (1424 ق)
101. عين الحياة ؛ المجلسي محمّد باقربن محمّد تقي (1110 ق) مؤسسة النشر الإسلامي. قم
102. عين العبرة فِي غبن العترة : ابن طاووس السيد أحمد بن موسى (673ق) دارالشهاب. قم المقدسة
103. عيون أخبار الرضا (عَلَيهِ السَّلَامُ) ؛ الصدوق محمّد بن علي ابن بابويه (381 ق) نشر جهان. قم (1378 ش)
104. عيون الحكم والمواعظ ؛ الليثي الواسطي علي بن محمّد (القرن 6 ق) دارالحديث. قم (1418 ق)
105. عيون المعجزات ؛ حسين بن عبد الوهاب (القرن الخامس) مكتبة الداوري. قم
106. الغارات الثقفي إبراهيم بن محمّد بن سعيد بن هلال (283 ق) انتشارات انجمن آثار ملي (1353 ش)
107. غاية المرام وحجة الخصام فِي تعيين الأمام فِي طريق الخاص والعام ؛ البحراني السيد هاشم بن سليمان (1107 ق) مؤسسة التاريخ العربي (1422ق)
108. الغيبة ؛ الطوسي محمّد بن الحسن (460 ق) دار المعارف الإسلامية. قم (1411 ق)
109. الغيبة ؛ النعماني ابن أبي زينب محمّد بن إبراهيم (360 ق) نشر الصدوق. قم (1397 ق)
110. فرحة الغري فِي تعيين قبر أمِير المؤمنين عليّ بن أبِي طالِب (عَلَيهِ السَّلَامُ) فِي النجف؛ ابن طاووس عبد الكريم بن أحمد (693 ق) منشورات الرضي. قم
111. الفصول المختارة ؛ المفيد محمّد بن محمّد (413 ق) المؤتمر العالمي لألفية الشيخ المفيد (1413 ق)
ص: 538
112. الفصول المهمة ؛ المفيد محمّد بن محمّد (413 ق) المؤتمر العالمي لألفية الشيخ المفيد (1413 ق)
113. الفضائل ؛ ابن شاذان القمي، أبو الفضل شاذان بن جبرئيل (600 ق) الرضي. قم (1404)
114. فضائل الشيعة ؛ الصدوق محمّد بن علي بن بابويه (381 ق) منشورات الأعلمي
115. فضائل أمِير المؤمنين (عَلَيهِ السَّلَامُ) ؛ إبن عقدة الكوفي أحمد بن محمّد (332 ق) دليل ما. قم (1424 ق)
116. فقه الرضا (عَلَيهِ السَّلَامُ) ؛ أبا الحسن الإمام علي بن موسى الرضا (203 ق) مؤسسة آل البيت. مشهد (1406)
117. قرب الإسناد ؛ الحميري عبد اللّه بن جعفر (القرن الثالث) مؤسسة آل البيت. قم (1413 ق)
118. قصص الأنبياء (عَلَيهِم السَّلَامُ) ؛ قطب الدين الراوندي سعيد بن هبة اللّه (573 ق) مركز الدراسات الاسلامية. مشهد (1409 ق)
119. الكافي؛ الكليني محمّد بن يعقوب (329 ق) دار الكتب الإسلامية. قم (1407 ق)
120. الكافي فِي الفقه الحلبي تقي الدين بن نجم (447 ق) منشورات مكتبة الإمام أمِير المؤمنين (عَلَيهِ السَّلَامُ)
121. الكافئة فِي إبطال توبة الخاطئة ؛ المفيد محمّد بن محمّد (413 ق) المؤتمر العالمي لألفية الشيخ المفيد (1413 ق)
122. كامل البهائي ؛ الطبري عماد الدين الحسن بن علي بن محمّد (القرن السابع) تعريب : محمّد شعاع فاخر. المكتبة الحيدرية. النجف (1426 ق)
123. كامل الزيارات إبن قولويه جعفر بن محمّد (367 ق) دارالمرتضوية. النجف (1397 ق)
124. كتاب الأربعين فِي الإمامة ؛ الشيرازي القمي محمّد طاهر بن محمّد حسین (1098 ق) مكتبة العقائد. قم (1418 ق)
125. كتاب الزهد ؛ الكوفي الأهوازي حسين بن سعيد (القرن الثالث) المطبعة العلمية. قم (1402 ق)
126. الكتاب العتيق (المناقب العلوي) ؛ العلوي محمّد بن علي بن الحسين (القرن الخامس) منشورات دليل ما. قم (1428 ق)
ص: 539
127. كتاب العين ؛ الفراهيدي خليل بن أحمد (157 ق) نشر الهجرة. قم (1409 ق)
128. كتاب المزار؛ المفيد محمّد بن محمّد (413 ق) المؤتمر العالمي لألفية الشيخ المفيد (1413 ق)
129. كتاب سليم؛ الهلالي سليم بن قيس (76 ق) دليل ما. (1424 ق)
130. کشف اليقين فِي فضائل أميرالمؤمنين (عَلَيهِ السَّلَامُ) ؛ الحلي الحسن بن يوسف (726 ق) وزارة الإرشاد (1411 ق)
131. كشكول البحراني ؛ البحراني الدرازي يوسف بن أحمد (1186 ق) منشورات الفجر بيروت (1430ق)
132. كفاية الأثر فِي النص على الأئمّة الإثني عشر ؛ الخزاز الرازي علي بن محمّد (القرن الرابع)
133. كمال الدين وتمام النعمة ؛ الصدوق محمّد بن علي ابن بابويه (381 ق) الإسلامية. قم (1395 ق)
134. كنز العمال فِي سنين الأقوال والأفعال ؛ الهندي علاء الدين المتقي بن حسام (975 ق) مؤسسة الرسالة. بيروت (1409 ق)
135. كنز الفوائد ؛ الكراجكي محمّد بن علي (449 ق) دار الذخائر. قم (1410 ق)
136. كشف المراد فِي شرح تجريد الإعتقاد ؛ الحلي الحسن بن يوسف (726 ق) منشورات الشكوري. قم (1372 ش)
137. لسان العرب ؛ ابن منظور محمّد بن مکرم (711 ق) دار الفكر. بيروت (1414 ق)
138. اللهوف على قتلى الطفوف ؛ ابن طاووس السيد علي بن موسى الحسني الحسيني الحلي (664 ق)
139. مائة منقبة من مناقب أمِير المؤمنين والأئمّة من ولده (عَلَيهِم السَّلَامُ) من طريق العامَّة؛ ابن شاذان محمّد بن أحمد (460 ق) مدرسة الإمام المهدي. قم (1407)
140. مثير الأحزان ؛ إبن نما الحلي جعفر بن محمّد (841 ق) مدرسة الإمام المهدي (عَلَيهِ السَّلَامُ). قم (1406 ق)
141. مجالس المؤمنين ؛ الحسيني الشوشتري سيّد نور اللّه (1019 ق) الإسلامية. طهران (1377 ش)
ص: 540
142. المجدي فِي أنساب الطالبيين ؛ العلوي العمري السيد نجم الدين ابي الحسن علي بن محمّد (460 ق) مكتبة آية اللّه المرعشي (1422 ق)
143. مجمع البحرين ؛ الطريحي فخرالدين بن محمّد (1085 ق) منشورات المرتضوي. طهران (1417 ق)
144. مجمع البيان فِي تفسير القرآن ؛ الطبرسي أبو علي الفضل بن الحسن (548 ق) دار إحياء الثراث العربي. بيروت (1379 ق)
145. مجمع النورين وملتقى البحرين ؛ المرندي النجفي ابوالحسن بن محمّد (1349 ق) الهادي. قم
146. مجموعة ورام (تنبيه الخواطر ونزهة النواظر)؛ ورام بن أبي فراس مسعود بن عِيسى (605 ق) مكتبة الفقيه. قم (1410 ق) 147. المحاسن ؛ البرقي أحمد بن محمّد بن خالد (280 ق) دار الكتب الإسلامية. قم)(1371 ق)
148. المحتضر؛ الحلي حسن بن سليمان بن محمّد القرن الثامن (المكتبة الحيدرية. النجف (1951 م)
149. المحجة البيضاء فِي تهذيب الأحياء ؛ الفيض الكاشاني محمّد محسن بن مرتضى (1091 ق) مؤسسة النشر الإسلامي. قم (1383 ق)
150 مختصر بصائر الدرجات ؛ الحلي حسن بن سليمان بن محمّد (القرن الثامن) مؤسسة النشر الإسلامي. قم (1421 ق)
151. مدينة معاجز الأئمّة الإثني عشر البحراني السيد هاشم بن سليمان (1107 ق) مؤسسة المعارف الإسلامية. قم (1413 ق)
152 مرآة العقول فِي شرح أخبار الرسول (عَلَيهِم السَّلَامُ) : المجلسي محمّد باقر (1110 ق) دار الكتب الإسلامية. قم (1404)
153. المراسم فِي الفقه الإمامي : السلار حمزة بن عبد العزيز الديلمي (463 ق) منشورات الحرمين. بيروت (1980 م)
154. المزار الكبير؛ إبن المشهدي محمّد بن جعفر (610 ق) مؤسسة النشر الإسلامي. قم (1419 ق)
ص: 541
155. المزار فِي كيفية زيارات النَّبيّ والأئمّة (عَلَيهِم السَّلَامُ) ؛ الشهيد الأول محمّد بن مكي (786 ق) مدرسة الإمام المهدي (عَلَيهِ السَّلَامُ). قم (1410)
156. مسار الشيعة ؛ المفيد محمّد بن محمّد (413 ق) المؤتمر العالمي لألفية الشيخ المفيد (1413 ق)
157. المسائل السروية ؛ المفيد محمّد بن محمّد (413 ق) المؤتمر العالمي لألفية الشيخ المفيد (1413 ق)
158. مسائل علي بن جعفر ؛ العريضي علي بن جعفر (220) ق) مؤسسة آل البيت. قم (1409 ق)
159 مستدرك الوسائل و مستنبط المسائل ؛ النوري حسين بن محمّد تقي (1320 ق) مؤسسة آل البيت. قم (1408)
160. المسترشد فِي إمامة عليّ بن أبِي طالِب (عَلَيهِ السَّلَامُ) ؛ الطبري الآملي محمّد بن جرير بن رستم (326 ق) كوشانبور. قم (1415 ق)
161. مشارق أنوار اليقين فِي أسرار أمِير المؤمنين (عَلَيهِ السَّلَامُ) ؛ الحافظ البرسي رجب بن محمّد (813 ق) الأعلمي. بيروت (1422 ق)
162. مشكاة الأنوار فِي غرر الأخبار؛ الطبرسي علي بن الحسن (600 ق) المكتبة الحيدرية. النجف (1385 ق)
163. المصباح ؛ الكفعمي إبراهيم بن علي العاملي (900 ق) الأعلمي. بيروت (2003 م)
164. مصباح الزائر؛ ابن طاووس السيد علي بن موسى الحسني الحسيني الحلي (664 ق) مؤسسة آل البيت. قم
165 مصباح المتهجد ؛ الطوسي محمّد بن الحسن (460 ق) الأعلمي. بيروت (2004 م)
166. معاني الأخبار ؛ الصدوق محمّد بن علي بن بابويه (381 ق) مؤسسة النشر الإسلامي. قم (1403 ق)
167. مفردات ألفاظ القرآن ؛ الراغب الإصفهاني حسين بن محمّد (425 ق) ذوي القربى. بيروت (1416 ق)
168. المقنعة ؛ المفيد محمّد بن محمّد (413 ق) المؤتمر العالمي لألفية الشيخ المفيد (1413 ق)
ص: 542
169. الملاحم والفتن فِي ظهور الإمام المنتظر (عَلَيهِ السَّلَامُ) ؛ ابن طاووس السيدعلي بن موسى الحسني الحسيني الحلي (664 ق) منشورات الرضي. قم (1978 م)
170. ملاذ الأخيار فِي فهم تهذيب الأخبار؛ المجلسي محمّد باقر بن محمّد تقي (1110 ق) مكتبة آية اللّه المرعشي النجفي. قم (1406 ق)
171. من لا يحضره الفقيه ؛ الصدوق محمّد بن علي ابن بابويه (381 ق) مؤسسة النشر الإسلامي التابعة لجماعة المدرسين. قم (1413 ق)
172. مناظرات فِي الإمامة ؛ عبد اللّه الحسن. دليل ما. قم (1427 ق)
173. مناقب آل أبي طالب ؛ ابن شهر آشوب المازندراني محمّد بن علي (588 ق) نشر العلامة. قم (1379 ش)
174. مناقب أمِير المؤمنين (عَلَيهِ السَّلَامُ) ؛ الكوفي محمّد بن سليمان (القرن 3) مجمع إحياء الثقافة الإسلامية (1412 ق)
175 المناقب والمثالب ؛ القاضي نعمان المغربي (363 ق) مؤسسة الأعلمي للمطبوعات. بيروت (1423 ق)
176. منهاج البراعة فِي شرح نهج البلاغة ؛ الهاشمي الخوئي الميرزا حبيب اللّه (1324 ق) المكتبة الإسلامية
177. مهج الدعوات ومنهج العبادات ؛ ابن طاووس السيد علي بن موسى الحسني الحسيني الحلي (664 ق) دارالذخائر. قم (1411 ق)
178. مواقف الشيعة ؛ الأحمدي الميانجي علي (1421 ق) مؤسسة النشر الإسلامي. قم (1422 ق)
179. مؤامرة علماء بغداد؛ مقاتل بن عطية (505 ق) منشورات زنبق (1386 ش)
180. نفحات اللاهوت فِي لعن الجبت والطاغوت : الكركي علي بن الحسين (940 ق)
181. نهج البلاغة ؛ الشريف الرضي محمّد بن الحسين (406 ق) الهجرة. قم (1414 ق)
182. نهج الحقّ وكشف الصدق ؛ الحلي الحسن بن يوسف (726 ق) دار الكتب اللبناني. بيروت (1982 م)
ص: 543
183. النوادر ؛ الأشعري القمي أحمد بن محمّد بن عِيسى (القرن 3 ق) مدرسة الإمام المهدي. قم (1408 ق)
184. نوادر الأخبار فِي ما يتعلق بأصول الدين؛ الفيض الكاشاني محمّد محسن بن مرتضى (1091 ق) مؤسسة الأبحاث الثقافية. طهران (1413 ق)
185. الهدايا لشيعة أئمة الهدى (شرح الكافي) : المجذوب التبريزي شرف الدين محمّد (1193 ق) دار الحديث. قم (1429 ق)
186. هداية الأمَّة ؛ الحر العاملي محمّد بن الحسن (1104 ق) الروضة الرضوية المقدسة. مشهد (1414 ق)
187. الهداية الكبرى ؛ الخصيبي حسين بن الحمدان (334 ق) البلاغ. بيروت (1419 ق)
188. الهداية فِي الأصول والفروع ؛ الصدوق محمّد بن علي بن بابويه (381 ق) مؤسسة الإمام الهادي (عَلَيهِ السَّلَامُ). قم
189. الوافي ؛ الفيض الكاشاني محمّد محسن بن مرتضی (1091 ق) مكتبة الإمام أمِير المؤمنين (عَلَيهِ السَّلَامُ). أصفهان (1406 ق)
190. وقعة الجمل ؛ المدني ضامن بن شدقم (القرن 11 ق) منشورات محمّد. قم (1420 ق)
191. وقعة الطف، أبو مخنف الكوفي لوط بن يحيى (158) ق) جماعة المدرسين. قم (1417 ق)
192 وقعة صِفّين ؛ نصر بن مزاحم (212) ق) مكتبة آية اللّه المرعشي. قم (1404ق)
193. اليقين باختصاص مولانا عليّ (عَلَيهِ السَّلَامُ) بإمرة المؤمنين؛ ابن طاووس السيد علي بن موسى الحسني الحسيني الحلي (664 ق) دار الكتاب. قم (1413ق)
194 ينابيع المعاجز وأصول الدلائل ؛ البحراني السيد هاشم بن سليمان (1107 ق) مؤسسة المعارف الإسلامية
195. مثالب النواصب ( الصوالب القواصب في مطاعن النواصب)؛ محمد بن علي بن شهر آشوب المازندراني ( 588 ق). دار الوفاق الوطني ببغداد. 1436
ص: 544
ما يتعلق بالتمهيد الثاني : أعتق الإمام الصَّادق (عَلَيهِ السَّلَامُ) غلامه بشرط البراءة
1- عن إبراهيم بن أبي ال بِلادِ قال: قرأتُ عِتق أبي عبد اللّه (عَلَيهِ السَّلَامُ) فإذا هُو شرحه هذا ما أَعتَق جعفر بن محمّد أَعتَقَ فلاناً غُلامَهُ لِوَجهِ اللّه لا يُرِيدُ بِهِ جزاءً ولا شُكوراً عَلى أَن يُقِيمُ الصَّلاة ويُؤتِي الزَّكاة و يَحُجّ البَيت ويَصُوم شهر رمضان ويَتَوَلَّى أَولياء اللّه ويَتَبَرَّأْ من أَعداءِ اللّه شَهِد فُلانٌ وفُلانٌ وفُلانٌ ثلاثَةٌ. (1)
ما يتعلق بالفصل الثاني، باب : إنّه مرعوب لمعاجز أمِير المؤمنين (عَلَيهِ السَّلَامُ)
1- عن شقيق بنِ سلمة قال : كان عُمرُ يمشي فالتفت إلى ورائه وعدا فسألته عن ذلك فقال ويحك أما ترى الهزبر بن الهبرِ القُثَم بن القُيَّمِ الفَلّاق لِلمُهَمِ الضارب على هامة من طغَى و ظلم ذا السيفين ورائي فقُلتُ هذا عليّ بن أبِي طالِب فقال ثكلتك أُمُّكَ إِنَّكَ تُحقِّرُهُ بايعنا رسُول اللّه (صَلَّى اللّه عَلَيْهِ وَآلِهِ) يوم أُحدٍ أن من فرمِنّا فهو ضال ومن قُتِل فهو شَهِيدٌ وَرَسُولُ اللّه يضمن له الجنّة فلما التق الجمعان هزمونا و هذا كان يُحارِبُهم وحيداً حتّى انسد نفس رسُولِ اللّه (صَلَّى اللّه عَلَيْهِ وَآلِهِ) و جبرئيل ثُمّ قال عاهدتُموه و خالفتُمُوهُ و رمى بقبضة رمل و قال شاهتِ الوُجُوهُ فواللّه ما كان مِنَّا إِلَّا وأصابت عينه رملةٌ فرجعنا نمسحُ وُجُوهنا قائِلين اللّه اللّه يا أبا الحسن أقلنا أقالك اللّه فالكرو الفر عادة العرب فاصفح و قل ما أراهُ وحيداً إِلَّا خِفْتُ مِنهُ وقال النَّبيّ (صَلَّى اللّه عَلَيْهِ وَآلِهِ) من قتل قتيلًا فله سلبُهُ وكان أمِير المؤمنين (عَلَيهِ السَّلَامُ) يتورّعُ عن ذلك وإنّهُ لم يتبع مُنهزماً وتأخر عمّن استغاث ولم يكُن يُجهز على جريح. (2)
ما يتعلق بالفصل الثاني، باب: شجاعته و وفاؤه
1- عن أبي عبدِ اللّه (عَلَيهِ السَّلَامُ) قال : لما انهزم النّاس يوم أُحُدٍ عن النَّبيّ (صَلَّى اللّه عَلَيْهِ وَآلِهِ) انصرف إليهم بِوجْهِهِ وهُو يَقُولُ أنا محمّد أنا رسُولُ اللّه لم أقتل ولم أمت فالتفت إليه فُلانٌ وفُلانٌ فقالا الآن يسخربنا أيضاً وقد هُزمنا وبَقِي معه عليّ (عَلَيهِ السَّلَامُ) و سماك بن خرشة أبو دُجانة رحمه اللّه فدعاه النَّبيّ (صَلَّى اللّه عَلَيْهِ وَآلِهِ) فقال يا أبا دُجانة انصرف و أنت فِي حِلّ من بيعتك فأما علي فأنا هُو و هُو أنا فتحوّل وجلس بين يدي النَّبيّ (صَلَّى اللّه عَلَيْهِ وَآلِهِ) وبكى وقال لا واللّه ورفع رأسه إلى السماء وقال لا واللّه لا جعلتُ نفسِي فِي حِلَّ من بيعتِي إِنِّي بايعتك فإلى من أنصرِفُ يا رسول اللّه إلى زوجةٍ تموتُ أو ولد يموت أو دار تخرب و مال يفنى وأجل قد اقترب فرق لهُ النَّبيّ (صَلَّى اللّه عَلَيْهِ وَآلِهِ) فلم يزل يُقاتِلُ حتّى أثخنته الجراحة وهو فِي وجه و عليّ (عَلَيهِ السَّلَامُ) فِي وجه فلمّا أُسقط احتمله عليّ (عَلَيهِ السَّلَامُ) فجاء بِهِ إِلى النَّبيّ (صَلَّى اللّه عَلَيْهِ وَآلِهِ) فوضعه عنده فقال يا رسول اللّه أوفيتُ بِبيعتي قال نعم وقال له النَّبيّ (صَلَّى اللّه عَلَيْهِ وَآلِهِ) خيراً و كان النّاس يحملون على النَّبيّ (صَلَّى اللّه عَلَيْهِ وَآلِهِ) الميمنة فيكشِفُهُم عليّ (عَلَيهِ السَّلَامُ) فإذا كشفهم أقبلت الميسرة إلى النَّبيّ (صَلَّى اللّه عَلَيْهِ وَآلِهِ) فلم يزل كذلك حتّى تقطع سيفه بثلاث قطع فجاء إلى النَّبيّ (صَلَّى اللّه عَلَيْهِ وَآلِهِ) فطرحه بين يديه وقال هذا سيفي قد تقطع فيومئذ أعطاه النَّبيّ (صَلَّى اللّه عَلَيْهِ وَآلِهِ) ذا الفقار و لما رأى النَّبيّ (صَلَّى اللّه عَلَيْهِ وَآلِهِ) اختلاج ساقيهِ من كثرة القِتالِ رفع رأسه إلى السماء وهو يبكي وقال:
يا ربّ وعدتني أن تُظهر دينك و إن شئت لم يُعيك فأقبل عليّ (عَلَيهِ السَّلَامُ) إلى النَّبيّ (صَلَّى اللّه عَلَيْهِ وَآلِهِ) فقال يا رسول اللّه أسمع دوياً شديداً و أسمعُ أقدم حيرُومُ و ما أهُمُّ أضرِبُ أحداً إِلَّا سقط ميتاً قبل أن أضربه فقال هذا جبرئيل وميكائيل وإسرافيل فِي الملائِكَةِ ثُمّ جاء جبرئيل (عَلَيهِ السَّلَامُ) فوقف إلى جنب رسُولِ اللّه (صَلَّى اللّه عَلَيْهِ وَآلِهِ) فقال يا محمّد إِنْ هذِهِ هِي المواساة فقال إنّ عليّاً مِنِّي وأنا مِنهُ فقال جبرئيل و أنا مِنكُما ثُمّ انهزم النّاس فقال رسُولُ اللّه (صَلَّى اللّه عَلَيْهِ وَآلِهِ) لعليّ (عَلَيهِ السَّلَامُ) يا علي امض بسيفك حتّى تُعارِضهُم فإن رأيتهم قد ركبوا القلاص و جنبوا الخيل فإنّهُم يُرِيدُون مكّة وإن رأيتهم قد ركبوا الخيل وهُم يجنُبُون القلاص فإنّهُم يُرِيدُون المدينة فأتاهُم عليّ (عَلَيهِ السَّلَامُ) فكانوا على القلاص فقال أبو سفيان لعليّ (عَلَيهِ السَّلَامُ) يا عليُّ ما تُرِيدُ هُوذا نحنُ ذاهبون إلى مكّة فانصرف إلى صاحبك – إلى أن قال (عَلَيهِ السَّلَامُ) - ورحل النَّبيّ (صَلَّى اللّه عَلَيْهِ وَآلِهِ) والرايةُ مع عليّ (عَلَيهِ السَّلَامُ) وهو بين يديه فلما أن أشرف بالراية من العقبة ورآه النّاس نادى عليّ (عَلَيهِ السَّلَامُ) أيُّها النّاس هذا محمّد لم يئت ولم يقتل فقال صاحِبُ الكلام الّذي قال الآن يسخربنا وقد هُزمنا هذا علي والرايةُ بِيدِهِ حتّى هجم عليهِمُ النَّبيّ (صَلَّى اللّه عَلَيْهِ وَآلِهِ) و نساء الأنصار فِي أفنيتهم على أبواب دُورِهِم و خرج الرّجالُ إِليهِ يَلُوذُونَ بِهِ وَيَتُوبُون إليه والنِّساءُ نِساء الأنصارِ قد خدشن الوُجُوه و نشرن الشُّعُور و جززن النواصي و خرقن الجيوب و حزمن البطون على النَّبيّ (صَلَّى اللّه عَلَيْهِ وَآلِهِ) فلما رأينه قال لهنّ خيراً و أمرهن أن يستترن و يدخُلن منازلهن وقال إنّ اللّه عزّ و جلّ وعدني أن يُظهر دِينه على الأديانِ كُلّها وأَنزل اللّه على محمّد (صَلَّى اللّه عَلَيْهِ وَآلِهِ) (وَمَا مُحَمَّدٌ إِلَّا رَسُولٌ قَدْ خَلَتْ مِنْ قَبْلِهِ الرُّسُلُ أَفَإِنْ مَاتَ أَوْ قُتِلَ انْقَلَبْتُمْ عَلَى أَعْقَابِكُمْ وَمَنْ يَنْقَلِبْ عَلَى عَقِبَيْهِ فَلَنْ يَضُرَّ اللَّهَ شَيْئًا) (3) الآية. (4)
ما يتعلق بالفصل الرابع، باب : النوادر
1- عن عائِشة قالت كان رسولُ اللّه (صَلَّى اللّه عَلَيْهِ وَآلِهِ) فِي بيتي إذ طرق الباب فقال قومي فافتحي الباب لأبيك يا عائِشة فقُمتُ وفتحت له فجاء وسلّم و جلس فرة السلام ولم يتحرك لهُ ثُمّ طرق الباب فقال قومي فافتحي الباب لِعُمر فقُمتُ وفتحتُ له وظننتُ أنّهُ أَفضلُ من أبِي فجاء فسلم وجلس فردّ عليه ولم يتحرك له فجلس قليلا و طرق الباب فقال قومي فافتحي الباب لِعُثمان فقُمتُ و فتحتُ فسلّم فردّ عليه ولم يتحرك له و جلس ثُمّ طرق الباب فوتب النَّبيّ (صَلَّى اللّه عَلَيْهِ وَآلِهِ) و فتح الباب فإذا عليّ بن أبِي طالِب (عَلَيهِ السَّلَامُ) فدخل وأخذ بِيدِهِ وأجلسه وناجاه طوِيلًا ثُمّ خرج وتبعه إلى البابِ فلما خرج قُلتُ يا رسُول اللّه دخل أبي فاقت لَهُ ثُمّ جاء عُمرُو عُثمانُ فلم تُوقِرهما ولم تقم لهما ثُمّ جاء على فوثبت إليهِ قائِماً و فتحت له الباب أنت فقال يا عائِشة لما جاء أبوك كان جبرئيلُ بِالبابِ و همتُ أن أقوم فمنعني ولما جاء عليّ (عَلَيهِ السَّلَامُ) وثبتِ الملائكةُ تختصم فِي فتح البابِ له فقُمتُ فأصلحتُ بينهم وفتحت الباب له وأجلسته و قربتُهُ عن أمرِ اللّه فحدّثي عنِّي هذا الحديث واعلمي أن من أحياه اللّه مُتَّبِعاً لِسُنّتي عاملاً بكِتابِ اللّه مُوَالِياً لِعَلي حتّى يَتوفَّاهُ اللّه لقي اللّه ولا حِساب عليه وكان فِي الفردوس الأعلى مع النبيين والصديقين. (5)
2- عن ابن عبَّاس و غيره لما نزل قوله تعالى (إِنَّمَا الْمُؤْمِنُونَ إِخْوَةٌ) (6) آخى رسُولُ اللّه بين الأشكال والأمثال فآخى بين أبي بكر و عمر و بين عُثمان و عبد الرّحمن و بين سعد بن أبي وقاص وسعيد بن زيد و بين طلحة والزُّبيرو بين أبي عُبيدة وسعدِ بنِ مُعاذ و بين مُصعَبِ بْنِ عُمير و أبي أيوب الأنصارِيّ و بين أبي ذرّوابنِ مسعود و بين سلمان و حذيفة وبين حمزة وزيد بن حارثة وبين أبي الدرداء و بِلالٍ وبين جعفر الطيار و مُعاذ بن جبل و بين المقداد و عمَّار وبين عائِشة وحفصة و بين زينب بنت جحش و ميمونة وبين أم سلمة وصفيّة حتّى آخى بين أصحابه بأجمعهم على قدرِ منازلهم ثُمّ قال أنت أخي و أنا أخوك يا علي (7).
3- عن ابن عبَّاس أن النَّبيّ (صَلَّى اللّه عَلَيْهِ وَآلِهِ) اشترى من أعرابي ناقة بأربعمائة درهم فلما قبض الأعرابي المال صاح: الدراهم و النّاقةُ لي. فأقبل على أبي بكر فقال اقض فيما بيني وبين الأعرابي فقال القضيّةِ واضحةٌ تطلُبُ البيّنة فأقبل عُمرُ فقال كالأول فأقبل علي فقال أتقبل الشّابّ المقبل قال نعم فقال الأعرابِيُّ الناقةُ ناقتي و الدراهم دراهمي فإن كان بِمحمّد شيئا [شي] فليُقِمِ البينة على ذلك فقال (عَلَيهِ السَّلَامُ) خل عنِ النّاقة و عن رسُولِ اللّه (صَلَّى اللّه عَلَيْهِ وَآلِهِ) ثلاث مرات فاندفع فضربه ضربةً فاجتمع أهلُ الحِجاز أنّهُ رمى بِرأْسِهِ وقال بعضُ أهلِ العِراقِ بل قطع مِنهُ عُضواً فقال يا رسول اللّه نُصَدِّقُك على الوحي ولا نُصَدِّقُك على أربعمائة درهم و فِي خبر عن غيره فالتفت النَّبيّ إليهما فقال هذا حكم اللّه لا ما حكمتُما به. (8)
4- عنِ ابنِ عبَّاس قال قال النَّبيّ (صَلَّى اللّه عَلَيْهِ وَآلِهِ) لعلي قُم بنا إلى صنم فِي أعلى الكعبة لنكسره فقاما جميعاً فلما أتياه قال له النَّبيّ (صَلَّى اللّه عَلَيْهِ وَآلِهِ) قُم على عاتقي حتّى أرفعك عليه فأعطاه علي ثوبه فوضعه رسُولُ اللّه (صَلَّى اللّه عَلَيْهِ وَآلِهِ) على عاتِقِهِ ثُمّ رفعه حتّى وضعه على البيت فأخذ عليّ (عَلَيهِ السَّلَامُ) الصنم وهُو من نُحَاسٍ فرمى بِهِ من فوق الكعبة فنادى رسُولُ اللّه انزل فوثب من أعلى الكعبة كأنّما كان لهُ جناحانِ ويُقالُ إِنّ عُمر كان تمنّى ذلك فقال (صَلَّى اللّه عَلَيْهِ وَآلِهِ) إِنَّ الّذي عِبَدهُ لا يقلعُهُ.
و لما صعد أبو بكر المنبر نزل مرقاةً فلما صعِد عُمرُ نزل مِرقاةً فلما صعد عُثمان نزل مرقاةً فلما صعد على صعد إلى موضع يجلس عليهِ رَسُولُ اللّه فسمع من النّاس ضوضاء فقال ما هذِهِ الّذي أسمعُها قالُوا لِصُعُودِك إلى موضع رسُولِ اللّه الّذي لم يصعدهُ الّذي تقدمك فقال سمعت رسول اللّه يقُولُ من قام مقامي ولم يعمل بِعَمَلِي أكبهُ اللّه فِي النَّارِ وأنا واللّه العامِلُ بِعَمَلِهِ المُمتثل قولهُ الحَاكِمُ بِحُكمِهِ فَلِذلِكَ قُمتُ هُنا ثُمّ ذكر فِي خُطبتِهِ معاشر النّاس قُمتُ مقام أخي وابن عمّي لأنّه أعلمني بِسِري وما يكُونُ مِنِّي. (9)
ما يتعلق بالفصل الخامس، باب : فائدة فِي الفكرة الزيدية
1- عن عُمر بن حنظلة قال سمعت أبا عبد اللّه (عَلَيهِ السَّلَامُ) يقُولُ : خمس علامات قبل قيام القائم الصيحةُ والسُّفياني والخسف وقتل النّفسِ الزَّكِيَّةِ واليماني فقلتُ جُعِلتُ فِداك إن خرج أحدٌ من أهلِ بيتك قبل هذِهِ العلاماتِ أنخرُجُ معه قال لا فلمّا كان من الغدِ تلوتُ هذه الآية: ﴿إِن نَشَأ تُنزّل عليهم من السّماءِ آيةً فظلت أعناقهم لها خاضعين) (10) فقلتُ لهُ أهي الصيحة فقال أما لو كانت خضعت أعناق أعداء اللّه عزّوجلّ. (11)
ما يتعلق بالفصل السابع، باب : فائدة فِي بيان معنى النَّاصب
1- عن زُرارة عن أبي جعفر (عَلَيهِ السَّلَامُ) قال: إنّ النّاس لما صنعوا ما صنعُوا إِذ بايعوا أبا بكر لم يُمنع أمِير المؤمنين (عَلَيهِ السَّلَامُ) من أن يدعُو إِلى نفسِهِ إِلّا نظراً لِلنَّاسِ و تخوفا عليهم أن يرتدوا عن الإسلام فيعبُدُوا الأوثان ولا يَشهدُوا أن لا إله إلّا اللّه وأن محمّداً رسُولُ اللّه (صَلَّى اللّه عَلَيْهِ وَآلِهِ) وكان الأحبّ إليهِ أن يُقرهُم على ما صنعُوا من أن يرتدوا عن جميعِ الإِسلامِ وإِنما هلك الّذين ركبوا ما ركبوا فأما من لم يصنع ذلك ودخل فيما دخل فِيهِ النّاس على غيرِ عِلمٍ ولا عداوة لأمِير المؤمنين (عَلَيهِ السَّلَامُ) فإنّ ذلِك لا يُكفِرُه ولا يُخْرِجُه من الإِسلامِ ولذلك كتم عليّ (عَلَيهِ السَّلَامُ) أمره وبايع مكرهاً حيث لم يجد أعواناً. (12)
ما يتعلق بالفصل الثامن
1- عن زيد الشحام قال: دخل قتادة بن دِعامة على أبي جعفر (عَلَيهِ السَّلَامُ) فقال: يا قتادة أنت فقيه أهل البصرة فقال هكذا يزعُمُون فقال أبو جعفر (عَلَيهِ السَّلَامُ) بلغني أنك تُفسِرُ القُرآن فقال لهُ قتادة نعم فقال له أبو جعفر (عَلَيهِ السَّلَامُ) بِعِلمٍ تُفسّرُهُ أم يجهل قال لا بِعِلم فقال له أبو جعفر (عَلَيهِ السَّلَامُ) فإن كُنت تُفسّرُه بِعِلم فأنت أنت و أنا أسألك قال قتادة سل قال أخبرني عن قول اللّه عزّوجلّ فِي سبا : (وَقَدَّرْنَا فِيهَا السَّيْرَ سِيرُوا فِيهَا لَيَالِيَ وَأَيَّامًا آمِنِينَ) (13) فقال قتادة ذلك من خرج من بيته بزاد حلال و راحِلةٍ وكراء حلالٍ يُريدُ هذا البيت كان آمناً حتّى يرجع إلى أهله فقال أبو جعفر (عَلَيهِ السَّلَامُ) نشدتك اللّه يا قتادة هل تعلمُ أنّه قد يخرُجُ الرّجُلُ من بيتِهِ بِزادٍ حلال و راحِلةٍ وكِراءِ حلالٍ يُرِيدُ هذا البيت فيُقطعُ عليهِ الطَّرِيقُ فتُذهب نفقتُهُ ويُضرب مع ذلِك ضربةً فيها اجتياحه قال قتادة اللّهمّ نعم فقال أبو جعفر (عَلَيهِ السَّلَامُ) ويحك يا قتادة إن كُنت إنّما فسرت القُرآن من تلقاء نفسك فقد هلكت وأهلكت وإن كُنت قد أخذتهُ من الرِّجالِ فقد هلكت وأهلكت ويحك يا قتادة ذلك من خرج من بيتِهِ بِزادٍ و راحِلةٍ وكِراءٍ حلالٍ يرُومُ هذا البيت عارِفاً بحقنا يهوانا قلبه كما قال اللّه عزّ وجلّ: (فَاجْعَلْ أَفْئِدَةً مِنَ النَّاسِ تَهْوِي إِلَيْهِمْ) (14) و لم يعن البيت فيقول إليه فنحن و اللّه دعوة إبراهيم (عَلَيهِ السَّلَامُ) الّتي من هوانا قلبُهُ قُبلت حجّتُهُ وإِلّا فلا يا قتادة فإذا كان كذلك كان آمناً من عذاب جهنَّم يوم القيامةِ قال قتادة لا جرم واللّه لا فسرتُها إِلّا هكذا فقال أبو جعفر (عَلَيهِ السَّلَامُ) ويحك يا قتادة إنّما يعرِفُ القُرآن من خُوحِب بِهِ. (15)
ما يتعلق بالفصل الثامن، باب : أبو حنيفة
1- عن ابن أبي عُمير عن محمّد بن حكيم قال: قُلتُ لأبي الحسن موسى (عَلَيهِ السَّلَامُ) جُعِلتُ فداك فقهنا فِي الدِّينِ وأغنانا اللّه بكم عنِ النّاس حتّى إنّ الجماعة منا لتكون فِي المجلس ما يسأل رجُلٌ صاحِبه تحضُرُهُ المسألة ويحضُرُه جوابها فيما من اللّه علينا بكم فربّما ورد علينا الشيء لم يأتِنا فيه عنك ولا عن آبائك شيء فنظرنا إلى أحسن ما يحضُرُنا و أوفق الأشياء لما جاءنا عنكم فنأخُذُ بِهِ فقال: هيهات هيهات فِي ذلك واللّه هلك من هلك يا ابن حكيم قال ثُمّ قال لعن اللّه أبا حنيفة كان يقُولُ : قال علي وقُلتُ. قال محمّد بن حكيم لهشام بن الحكم واللّه ما أردتُ إِلَّا أَن يُرخّص لِي فِي القِياسِ. (16)
2- عن سماعة بن مهران عن أبي الحسن موسى (عَلَيهِ السَّلَامُ) قال: قُلتُ أصلحك اللّه إِنَّا نجتمع فئتتذاكر ما عندنا فلا يرد علينا شيءٌ إِلّا و عِندنا فِيهِ شيءٌ مُسطّر و ذلِكَ مِمّا أَنعم اللّه بِهِ علينا بِكُم ثُمّ يرد علينا الشيء الصغير ليس عندنا فِيهِ شيءٌ فينظُرُ بعضنا إلى بعض و عِندنا ما يُشبِهُهُ فنقيس على أحسنه فقال: وما لكُم ولِلقِياسِ إِنّما هلك من هلك من قبلِكُم بِالقياس ثُمّ قال إذا جاءَكُم ما تعلمون فقُولُوا بِهِ وإِن جاءكُم ما لا تعلمون فها وأهوى بِيدِه إِلى فِيهِ ثُمّ قال لعن اللّه أبا حنيفة كان يقُولُ: قال علي وقُلتُ أنا وقالت الصحابة وقُلتُ ثُمّ قال أكُنت تجلس إليهِ؟ فقُلتُ لا ولكن هذا كلامه فقلت أصلحك اللّه أتى رسولُ اللّه (صَلَّى اللّه عَلَيْهِ وَآلِهِ) النّاس بما يكتفون به فِي عهده قال: نعم وما يحتاجون إليهِ إلى يومِ القِيامةِ فقُلتُ فضاع من ذلِك شيءٌ فقال لا هُو عِند أهله. (17)
ما يتعلق بالفصل الخامس: ما أنشد عمرو بن العاص فِي مثالب معاوية ومناقب الأمير (عَلَيهِ السَّلَامُ) (18)
معاوية الحال لا تجهل *** و عن سُبُلِ الحقّ لا تعدِل
سيت إحتيالي فِي جلّق *** على أهلها يوم لبس الخلي
وقد أقبلوا زُمَراً يهرعونَ *** مهاليع كالبقر الجفل
وقولي لهم إنَّ فرضَ الصَّلاة *** بغير وجودِكَ لم تُقبل
فَوَلَّوا ولم يعبأوا بالصَّلاة *** و رمت النفار إلى القَسْطل
و لما عصيت إمام الهدى *** و فِي جيشِهِ كلّ مُستفحل
أبالْبَقر البُكْمِ أهل الشام *** لأهل التقى والحجا ابتلي ؟
فقلت نعم قم فإنّي أرى *** قتال المفضّل بالأفضل
فِي حاربوا سيّد الأوصياء *** بقولي دم كلّ من نعثل
و كدتُ لهم إن أقاموا الرماح *** عليها المصاحف فِي القَسْطَلِ
و علمتُهمْ كشف سواتِهم *** لرةدّ الغَضَنفَرَةِ المقبل
فَقامَ البغاة على حيدر *** و كفّوا عن المِشعَلِ المصطلي
نسيت محاورة الأشعري *** ونحن على دَوْمَهِ الجَنْدَلِ
ألين فيطمع فِي جانبي *** و سهمى قد خاض فِي المُقْتَلِ
خلعت الخلافة من حيدر *** كخلع النعال من الأرجل
و ألبستها فيك بعد الأياس *** كَلبس الخواتيم بالأنملِ
و رقيتُكَ المنبر المُشْمَخِرَ *** بلا حد سيف ولا مُنصِل
و لو لم تكن أنت من أهلِهِ *** و ربّ المقام ولم تكمل
و سيرتُ جيش نفاق العراقِ *** كَسَيرِ الجنوب مع الشمال
و سيرتُ ذِكرَك فِي الخافقين *** کسير الحمير مع المحمل
و جهلك بي يا ابن آكله ال *** كبود لأعظم ما ابتلي
فلولا موازرتي لم تُطَعْ *** ولولا وجودي لم تقبل
و لولاي كنتَ كَمِثْل النساء *** تعافُ الخروج من المنزل
نصرناك من جَهْلِنا يا ابن هند *** على النبا الأعظم الأفضل
وحيث رفعناك فوق الرؤوس *** نَزَلْنا إلى أسفل الأسفل
و كم قد سمعنا من المصطفى *** وصايا مُخصصة فِي علي
وفي يومِ خُمّ رقى منبراً *** يبلغ و الركب لم يرحل
و فِي كفِّهِ كفَّهُ معلناً *** ينادي بامر العزيز العلي
ألستُ بكم منكم فِي النفوس *** بأولى فقالوا بلى فافعل
فَأَنْحَلهُ إمرة المؤمنينَ *** من اللّه مستخلف المنحل
و قال فمن كنتُ مولى لَهُ *** فهذاله اليوم نعم الولي
فوالِ مُواليهِ يا ذا الجلال *** وعادِ مُعادي أخي المُرْسَلِ
ولا تَنْقضُوا العهد من عترتي *** فقاطِعُهُمْ بي لم يوصِلِ
فَبِخْبَخَ شيخُكَ لَما رأى *** عُرى عقد حيدر لم تُخلَلِ
فقال وليكم فاحفظوه *** فَقَدْخَلُهُ فِيكُمُ مَدْخَلي
وإنّا وما كان من فعلنا *** لفي النار فِي الدرك الأسفل
وما دَمُ عثمانَ مُنْج لنا *** من اللّه فِي الموقف المخجل
و إنَّ عليّاً غداً خصمنا *** ويعتز باللّه والمرسل
يحاسبنا عن أُمور جَرَتْ *** و نحنُ عن الحقّ فِي مَعْزل
فما عُذْرُنا يومَ كشف الغطا *** لك الويل منه غداً ثُمّ لي
ألا يا ابن هند إبعت الجنان *** بعهد عهدتَ و لم تُوفِ لي
و أخسرتَ أُخراك كيما تنال *** يسير الحُطام من الأجزلِ
وأصبحت بالنّاس حتّى إستقام *** لك الملك من ملك محول
و كنتَ كمقتنص فِي الشراكِ *** تذودُ الظماء عن المنهل
كأنك أُنسيت ليل الهرير *** بصفّينَ مَعْ هولها المهول
و قد بثّ تذرقُ ذَرقَ النعامِ *** حذاراً من البطل المقبل
و حين أزاحَ جيوش الضلالِ *** وافاك كالأسد المبسل
وقد ضاق منك عليك الخناق *** و صارَ بكَ الرحب كالفلفل
و قولك يا عمرو أين المفر *** من الفارس القَسْوَرِ المُسبل
عسى حيلة منك عن ثنيه *** فإنَّ فؤادي فِي عسعل
و شاطرتني كلّ ما يستقيمُ *** من الملك دهرك لم يكمل
فقمتُ على عَجْلَتي رافعا *** *و أكشِفُ عن سواتي أُذيلي
فستر عن وجهه وانثني *** حياء و روعُك لم يعقل
وأنتَ لخوفك من باسِهِ *** هناك ملئت من الإفكل
ولما ملكت حماة الأنامِ *** نالث عصاك يد الأوّل
منحت لغيري وزن الجبال *** و لم تُعْطِني زِنةَ الخردل
وانحلت مصراً لعبد الملک *** و أنت عن الغي لم تَعدِلِ
و إن كنتَ تطمع فيها فقد *** تخلى القطا من يدِ الأجدل
و إن لم تسامح إلى ردّها *** فإنّي لحوبِكم مُصطلي
بِخَيل جياد وشم الأنوف *** بالمرهفات و بالذبل
وأكشفُ عنك حجاب الغرور *** و أوقظ نائمة الأثكل
فإنّك من إمرة المؤمنين *** و دعوی الخلافة فِي مَغْزلِ
ومالك فيها ولا ذرّة *** و لا لجدودك بالأوّل
فإن كان بينكما نسْبة *** فأينَ الحُسامُ من المنجل
و أين الحصى من نجوم السما *** و أين معاوية من علي
فإن كنتَ فيها بلغت المنى *** ففي عُنقي على الجلجل
ص: 545