الحبل المتین
في وجوب البراءة عن أعداء الدِّين
الجزء الثَّاني
احمدرضا المرتضوي
الطبعة الأولى
جميع الحقوق محفوظة للمناشير
1440 ه- 218 م
نشر المودة
محرر الرقمي: محمد منصوري
ص: 1
بِسْمِ اللّه الرَّحْمَنِ الرَّحِيمِ
ص: 2
الحبل المتین
في وجوب البراءة عن أعداء الدِّين
الجزء الثَّاني
احمدرضا المرتضوي
ص: 3
ص: 4
الطبعة الأولى
جميع الحقوق محفوظة للمناشير
1440 ه- 218 م
نشر المودة
ص: 5
ص: 6
في شكوى أميرالمؤمنين (عَلَيهِ السَّلَامُ) عن الثّلاثة وأتباعهم...33
ما بال أمير المؤمنين (عَلَيهِ السَّلَامُ) لم يقاتلهم ؟...41
في سبّهما ولعنهما...43
ما لهم ولفاطمة (عَلَيهَا السَّلَامُ)...44
في ظلامات الصِّديقة الشَّهيدة (عَلَيهَا السَّلَامُ)...45
ذلك الحطب عندنا...65
من شرائط الإيمان البراءة منهما...65
هم وأتباعهم فِي البرزخ...66
السامري والعجل...71
هم أصل كلّ شر...72
ذكرهم اللّه تعالى فِي كتابه...72
ص: 7
تعاقدوا على إغتصاب الخلافة...72
أسلما طمعاً...73
هم أصحاب تابوت النّار...75
ما جرى بينهما وبين أسامة...78
أرادوا قتل أميرهم...79
مناشدة الأمير (عَلَيهِ السَّلَامُ) فِي الشورى...81
رمي الجمرات...97
أول من يحكم فِيهِ يوم القيامة؛ محسن بن علي (عَلَيهِمَا السَّلَامُ).. 98
في إخراج جيفتهما من الأرض وإقامة المحكمة عليهما فِي يوم الظهور و يوم الرجعة...100
قتلة رسُول اللّه (صَلَّى اللّه عَلَيْهِ وَآلِهِ)...118
خطبة النّبيّ (صَلَّى اللّه عَلَيْهِ وَآلِهِ) يوم الغدير و إحتجاجه على الخلق أجمعين...119
خطبة سلمان الفارسي رحمة اللّه عليه فِي إستنكارهما...133
في ما فعلوا بالقرآن...134
من هُو أشقى من إبليس...135
كيف صار الأمر فِي تيم وعدِيّ...136
شغبوا على أميرهم...136
عملوا أكبر الكبائر...152
أبواب النّار...153
الثّلاثة وأتباعهم فِي يوم القيامة...154
قذفوا مارية القبطية...157
عذاب قنفذ ومولاه فِي يوم القيامة...158
أغضبا رسُول اللّه (صَلَّى اللّه عَلَيْهِ وَآلِهِ)...159
فضيحتهما...159
ص: 8
سیرهم إلى أصحاب الكهف...162
رء أهما الأمير (عَلَيهِ السَّلَامُ) فِي النوم معذّبين...168
الإمام الصادق (عَلَيهِ السَّلَامُ) أيّد المتبرّئ منهما...169
هل رضي أمير المؤمنين (عَلَيهِ السَّلَامُ) بإمامتهما...170
لم يتوبا أبداً...177
المعروف والمنكر الحقيقيين...180
الصديق والفاروق...180
هما وليلة القدر...181
أشد الناس عذاباً يوم القيامة...183
شيطانا رسُول اللّه (صَلَّى اللّه عَلَيْهِ وَآلِهِ)...184
أهانوا برسول اللّه (صَلَّى اللّه عَلَيْهِ وَآلِهِ)...184
شجاعتهم والصنم الّذي كانوا يعبدونه !...185
بدعتهم فِي نساء النّبيّ (صَلَّى اللّه عَلَيْهِ وَآلِهِ)...193
أنكرا حقّ آل محمّد (عَلَيهِم السَّلَامُ)...193
حديث حذيفة وفيه مثالبهما...194
وقائع السقيفة والهجوم إلى بيت الأمير سلام اللّه عليه...213
إنّ فاطمة (عَلَيهَا السَّلَامُ) ساخطة عليهما...241
شهدوا بالزور...242
لماذا دفنت فاطمة (عَلَيهَا السَّلَامُ) باللّيل؟...243
غصبهما الفدك وخطبة الزهراء (عَلَيهَا السَّلَامُ) الفدكية...244
نحن نأتم بفاطمة...272
هم عند الموت...272
إخبار النّبيّ (صَلَّى اللّه عَلَيْهِ وَآلِهِ) بظلمهما الأمير (عَلَيهِ السَّلَامُ)...277
ص: 9
ظلمت العيون العين...278
أول من يدخل النار...279
شر الأوّلين والأخرين وحديث الرايات...279
صنمي كفر و نفاق...283
حمارين فِي النّار...283
يلتمسان الرّحمة من الأمير...284
خلافهما الرسول (صَلَّى اللّه عَلَيْهِ وَآلِهِ)...284
حقيقة الولاية ؛ البرائة منهما...286
إنا لنبغض الأبناء لبغض الآباء...286
أتتبرءون من فاطمة (عَلَيهَا السَّلَامُ)...287
رأي الثَّاني فِي الأول...287
نقلا إلى واد فِي جهنَّم...291
علة إنتفاضة الناس على الثالث...291
لعن اللّه الإثنين...291
كانوا يستهزؤون برسول (صَلَّى اللّه عَلَيْهِ وَآلِهِ)...292
تعريف الوحدة والفرقة من منظرهما...298
قد إبتلوا ببلاء أبي جهل !...300
في إغتصابهم ألقاب الأمير (عَلَيهِ السَّلَامُ)...301
لا يفارقهم اللعن فِي الدنيا والآخرة...301
ما مات منا ميّت إِلّا ساخط عليهما...302
يتبرأ كلّ منهما من صاحبه...303
كان فلان شيطانا...304
مقالة الزهراء (عَلَيهَا السَّلَامُ) فِي إستنكار الظالمين...304
ص: 10
أبواب العذاب إليهم مفتوحة...309
لا يدخل الجنَّة من كان فِي قلبه مثقال ذرة من حبّهما...309
فائدة : فِي المختار الثقفي...310
أركان جهنَّم...311
القصيدة المؤيَّدة للسيد الحميري و فِي ضمنها البرائة من الثّلاثة...312
يوم الإثنين...317
يلعنهما سبعون ألف عالم والجن والملائكة...318
ولايتهم خطوات الشيطان...318
إحذروا على دينكم...318
أبغض الخلق إلى اللّه تعالى...319
أعرض عنهما الرسول (صَلَّى اللّه عَلَيْهِ وَآلِهِ) عند وفاته...322
ولايتهم هي الفاحشة...322
خطبة لأمير المؤمنين (عَلَيهِ السَّلَامُ) يذكر فيها بعض بدع الثّلاثة...323
أول من بايعهم إبليس...325
يردّون الناس عن الإسلام القهقرى...326
من أركان المعرفة البراءة من الأوثان الأربعة...326
مصائب أهل البيت (عَلَيهِم السَّلَامُ)...327
أئمة مضلّون...333
أشرّ من الكلب!...335
لعنهم الرسول (صَلَّى اللّه عَلَيْهِ وَآلِهِ)...335
حديث الجام...336
لا تقبل الولاية إلّا بالبرائة عنهما...336
شرط قبول لا إله الا اللّه...336
ص: 11
من قدمهما وإعتقد بإمامتهما فهُو ناصب...337
لأي علة لم يأخذ أميرالمؤمنين (عَلَيهِ السَّلَامُ) فدكاً لما ولي الناس...337
واللّه ما صلوا على رسُول اللّه (صَلَّى اللّه عَلَيْهِ وَآلِهِ)...338
النوادر...339
الفصل الخامس: فِي معاوية و بَنِي أمية / 355
بنو أمية فِي الآيات...357
لهم باب خاص للنار...374
أدب معاوية...375
خصائص بَنِي أمية...375
بنو أمية أعداء فاطمة (عَلَيهَا السَّلَامُ)...376
فلا تنحرف عن الصّلاة إلّا باللعن على بَنِي أمية...376
معاوية فِي البرزخ...376
في جهل معاوية...378
عداوة لا تزال مستمرة...380
بعض وقائع الظهور و الرجعة المتعلقة ببني أمية...380
خمسة من شر خلق اللّه...382
إنّ معاوية ليس من أصحاب النّبيّ (صَلَّى اللّه عَلَيْهِ وَآلِهِ)...382
ما جرى بين معاوية و أبي ذر...383
قلع معاوية منبر المدينة على قدر منبره بالشام...385
جناح الكفر...385
إنّ اللّه نزع الشهوة من رجال بَنِي أمية وجعلها فِي نسائهم...385
کلام معاوية مع عمر بن العاص...386
ص: 12
حديثه مع أميرالمؤمنين (عَلَيهِ السَّلَامُ)...386
دسيسة معاوية لقتل الإمام الحسن (عَلَيهِ السَّلَامُ)...399
فرح معاوية لقتل السبط النّبيّ (صَلَّى اللّه عَلَيْهِ وَآلِهِ) الحسن المجتبى (عَلَيهِ السَّلَامُ)...400
لعن رسُول اللّه (صَلَّى اللّه عَلَيْهِ وَآلِهِ) معاوية و بَنِي أمية ودعا عليهم...401
يمسخون وزغاً عند الموت...402
أشقى القاسطين وألعن الخارجين...403
من أدرك معاوية أميراً فليبقرنّ خاصرته...403
بيان الشيخ الصدوق رحمه اللّه فِي معاوية وكتابته الوحي...404
لعن أمير المؤمنين (عَلَيهِ السَّلَامُ) معاوية على منبره و فِي قنوت صلاته...405
لا يموت حتّى يعلق الصليب فِي عنقه...407
إنّه وأصحابه ملعونون...408
رأى النّبيّ (صَلَّى اللّه عَلَيْهِ وَآلِهِ) معاوية فِي رؤياه...409
كان معاوية يلعن الأمير (عَلَيهِ السَّلَامُ)...409
أخبث الناس...412
الّتي كانت فِي معاوية هي الشيطنة...413
إنّ معاوية حرّف أحكام اللّه وإنّه فرعون هذه الأمة...413
مصائب الأمة الّتي جرت على يدي معاوية...414
تركوا أمر النّبيّ (صَلَّى اللّه عَلَيْهِ وَآلِهِ) فِي معاوية...421
كفر الرابع...421
رؤيا أمير المؤمنين (عَلَيهِ السَّلَامُ)...422
دعاء النّبيّ (صَلَّى اللّه عَلَيْهِ وَآلِهِ) على معاوية وعمرو...422
ما جرى بين عقيل ومعاوية...422
تحريفه الآيات لتنقيص الأمير (عَلَيهِ السَّلَامُ)...423
ص: 13
في صفة معاوية...424
كلام البطل الشيعي مع معاوية...424
آية الجنَّة و آية النّار...428
شر الأوّلين والآخرين...428
معجزة الأمير (عَلَيهِ السَّلَامُ)...431
بغض معاوية لأمير المؤمنين (عَلَيهِ السَّلَامُ)...433
أول من تختم فِي يساره معاوية...433
كلام الإمام المجتبى فِي مجلس معاوية...434
صوم يوم عاشوراء...447
أمر النّبيّ (صَلَّى اللّه عَلَيْهِ وَآلِهِ) علياً (عَلَيهِ السَّلَامُ) بقتال معاوية...449
إخبار النّبيّ بظلم معاوية...449
عمر بن عبدالعزيز...450
حديث صحيفة السجادية...450
فائدة : فِي الفكرة الزيدية المنحرفة...454
كلام لأمير المؤمنين (عَلَيهِ السَّلَامُ) يخاطب فِيهِ معاوية...460
جواب صعصعة لمعاوية حينما تفاخر على الناس...461
لم يرض أميرالمؤمنين (عَلَيهِ السَّلَامُ) بولاية معاوية على الشام ولو يوماً واحداً...461
شكوى أميرالمؤمنين (عَلَيهِ السَّلَامُ) من بَنِي أمية والّذين قلبهم...462
كتاب أمير المؤمنين (عَلَيهِ السَّلَامُ) فِي جواب معاوية...463
كذب معاوية ورياؤه...465
يوم ندعوا كلّ أناس بإمامهم...466
ملک الروم و قصته مع معاوية...468
مروان بن الحكم...471
ص: 14
إحتجاج عبداللّه بن جعفر على معاوية...473
حديث ابن عباس مع معاوية...476
يا عمَّار تقتلك الفئة الباغية...479
بعض مثالب معاوية من لسان أبي عبداللّه الحُسين (عَلَيهِ السَّلَامُ)...479
النوادر...485
ص: 15
ص: 16
1- عن مسيب بن نجبة قال: أنّ أعرابيّاً أتى أمير المؤمنين (عَلَيهِ السَّلَامُ) وهُو فِي المسجد، فقال: مظلوم، قال: أُدن مِنّي، فدنا فقال: يا أمير المؤمنين مظلومٌ قال: أدن، فدنا حتّى وضع يديه على ركبتيه، قال: ما ظلامتك ؟ فشكا ظلامته. فقال: يا أعرابي أنا أعظم ظلامة منك، ظلمني المدرُو الوبرُ، و لم يبق بيت من العربِ إلّا وقد دخلت مظلمتي عليهم، وما زلتُ مظلوماً حتّى قعدت مقعدي هذا، إن كان عقيل بن أبِي طالِب يومه ليرمد فما يدعُهم يذرونه حتّى يأتوني فأُذرّوما بعيني مِن رمد ؛ ثمّ كتب له بظلامته ورحل، فهاج النّاس وقالوا: قد طعن على الرجلين، فدخل عليه الحسن (عَلَيهِ السَّلَامُ) :فقال : قد علمت ما شربت قلوب الناس من حبّ هذين.
فخرج (عَلَيهِ السَّلَامُ) فقال: الصّلاة جامعةً، فاجتمع الناس وصعد المنبر، فحمد اللّه وأثنى عليه و قال: أيّها النّاس إنّ الحرب خُدعة، فإذا سمعتُموني أقولُ: «قال رسُول اللّه (صَلَّى اللّه عَلَيْهِ وَآلِهِ)» فواللّه لإِنْ أخر من السّماء أحبُّ إليّ مِن أنْ أكذب على رسُول اللّه كذبةً، وإذا حدثتكم عن نفسي أن الحرب خُدعة؛ ثمّ ذكر غير ذلك.
فقام رجلٌ يُساوي برأسه رمانة المنبر، فقال: أنا أبرأُ من الإثنين والثّلاثة.
ص: 17
فالتفت إليه أمير المؤمنين فقال : بقرت العلم فِي غير أوانه، لتبقّرنّ كما بقرته، فلما قدم ابنُ سُميّة لعنه اللّه أخذه فشق بطنه، وحشّا جوفه حجارة و صلبه. (1)
2 - عن جعفر بن محمّد (عَلَيهِ السَّلَامُ) قال: خطب أمير المؤمنين (عَلَيهِ السَّلَامُ) فقال: سمعت رسُول اللّه (صَلَّى اللّه عَلَيْهِ وَآلِهِ) يقولُ: كيف أنَّهم إذا أُلبستُم الفتنة، ينشأ فيها الوليد، ويهرمُ فيها الكبير، و تجرِي النّاسُ عليها حتّى يتّخِذُوها سُنّةً، فإذا غُيّر منها شيءٌ قِيل : أتى النّاسُ بِمُنكَرِ غُيّرتِ السُّنْةُ. ثمّ تشتد البلية، وتنشأ فيها الدُّرّيّةُ، وتدقُهُمُ الفتن كما تدق النّار الحطب، وكما تدُقُّ الرّحى بثفالها. يتفقّه النَّاسُ لِغيرِ الدِّينِ، ويتعلّمُون لغير العمل ويطلُبُون الدُّنيا بعمل الآخِرة.
ثمّ أقبل أمير المؤمنين (عَلَيهِ السَّلَامُ)، ومعه ناسٌ مِن أهل بيته وخاصّ مِن شِيعَتِهِ، فصعد المنبر فحمد اللّه وأثنى عليه وصلّى على النّبيّ (صَلَّى اللّه عَلَيْهِ وَآلِهِ)، ثمّ قال:
لقد عملت [عمل ] الولاةُ قبلي بِأُمُورِ عظيمةٍ، خالفُوا فيها رسُول اللّه (صَلَّى اللّه عَلَيْهِ وَآلِهِ) مُتعمّدين لذلك، ولو حملتُ النّاس على تركها وحوّلتها إلى مواضِعِها الّتي كانت عليها على عهدِ رسُول اللّه (صَلَّى اللّه عَلَيْهِ وَآلِهِ)، لتفرّق عنِّي جُندِي! حتّى أبق وحدِي إِلَّا قَلِيلًا مِن شِيعَتِي الّذين عرفوا فضلي و إمامتِي مِن كِتابِ اللّه وسُنّة نبيّه (صَلَّى اللّه عَلَيْهِ وَآلِهِ).
أرأيتُم لو أمرتُ بِمقامِ إِبراهيم (عَلَيهِ السَّلَامُ) فرددتُهُ إلى المكانِ الّذي وضعه رسُول اللّه (صَلَّى اللّه عَلَيْهِ وَآلِهِ) فيه، و رددتُ فدك إلى ورثة فاطمة (عَلَيهَا السَّلَامُ)، ورددتُ صاع رسُول اللّه (صَلَّى اللّه عَلَيْهِ وَآلِهِ) و مُدّه إلى ما كان، و أمضيتُ قطائع كان رسُول اللّه (صَلَّى اللّه عَلَيْهِ وَآلِهِ) أقطعها لناسٍ مُسمّين، ورددتُ دار جعفر بن أبِي طالِب إلى ورثته وهدمتها [و أخرجتُها] مِن المسجِدِ، ورددتُ الخُمس إلى أهلِهِ، ورددتُ قضاء كلّ من قضى. بجور، وسبي ذراريّ بَنِي تغلب، ورددتُ ما قُسِم مِن أرض خيبر، و محوتُ ديوان العطاء، وأعطيتُ كما كان يُعطِي رسُول اللّه (صَلَّى اللّه عَلَيْهِ وَآلِهِ)، و لم أجعلها دُولةً بين الأغنياء (2)! واللّه لقد أمرتُ الناس أن لا يجمعُوا [ لا يجتمعُوا] فِي شهر رمضان إلّا فِي فريضةٍ، فنادى بعضُ أهل عسكري يمن يُقاتِلُ دُونِي، وسيفه معِي أنتِي بِهِ فِي الإِسلامِ وأَهْلِهِ: غُيّرت سُنَّةُ عُمرو نُهِي أَن يُصلّى فِي شهر
ص: 18
رمضان فِي جماعةٍ، حتّى خِفْتُ أن يثُور بِي ناحِيةُ عسكري ما لقيت هذِهِ الأُمّة مِن أئِمَّةِ الضَّلالَةِ والدُّعاةِ إِلى النَّارِ!.
وأعظمُ مِن ذلِك، سهم ذوي القربى الّذين قال اللّه تبارك وتعالى فِي حقهم: (واعلموا أنما غنِمْتُم مِن شيءٍ فأنّ للّه خُمُسهُ ولِلرَّسُولِ ولِذِي القُربى واليتامى والمساكين وابن السبيل إن كُنتُم آمنتُم بِاللّه و ما أنزلنا على عبدنا يوم الفُرقانِ) (1) نحنُ واللّه عنى بِذوِي القُربى الّذين قرنهُمُ اللّه بِنفسِهِ و نبيّه (صَلَّى اللّه عَلَيْهِ وَآلِهِ)، و لم يجعل لنا فِي الصدقة نصيباً، أكرم اللّه سبحانه وتعالى نبيّه، و أكرمنا أن يُطعمنا أوساخ أيدِي النَّاسِ.
فقال له رجُلٌ: إِنِّي سمِعتُ مِن سلمان وأبي ذر الغفاريّ والمقدادِ، أشياء من تفسير القُرآنِ و الرواية عن النّبيّ (صَلَّى اللّه عَلَيْهِ وَآلِهِ)، و سمعتُ مِنك تصديق ما سمِعتُ مِنهُم، ورأيتُ فِي أيدِي النَّاسِ أشياء كثيرةً من تفسير القُرآنِ والأحادِيثِ عن النّبيّ (صَلَّى اللّه عَلَيْهِ وَآلِهِ)، و أنتُم تُخالِفُونهم وتزعُمُونَ أَنّ ذلك باطل، أفترى الناس يكذبون مُتعمّدين على نبيّ اللّه (صَلَّى اللّه عَلَيْهِ وَآلِهِ) و يُفسرون القُرآن بآرائهم ؟
قال: فأقبل إليه أمير المؤمنين (عَلَيهِ السَّلَامُ) فقال له: قد سألت فافهم الجواب:
إِنَّ فِي أيدِي النّاسِ حقّاً و باطِلًا، وصدقاً و كذباً، وناسخاً و منشوخاً، وعامّاً وخاصّاً، ومُحكماً و متشابهاً، وحفظاً ووهماً، وقد كُذب على رسُول اللّه (صَلَّى اللّه عَلَيْهِ وَآلِهِ) وهُو حيٌّ، حتّى قام خطيباً فقال: «أيُّها النّاسُ قد كثرت على الكذّابة، فمن كذب علي متعمداً فليتبوأ مقعده من النّارِ». و إنّما أتاك بالحدِيثِ أَربعةُ رِجالٍ ليس لهم خامِس:
رجُلٌ مُنافِقٌ مُظهِرُ لِلإِيمانِ مُتصنع بِالإِسلام، لا يتأثّمُ ولا يتحرّجُ فِي أن يكذب على اللّه وعلى رسُول اللّه (صَلَّى اللّه عَلَيْهِ وَآلِهِ) مُتعمّداً، فلو علم النّاسُ أَنَّهُ مُنافِقٌ كاذِبٌ لم يقبلُوا مِنهُ ولم يُصَدِّقُوا قولهُ، ولكنّهم قالُوا: «صاحِبُ رسُول اللّه (صَلَّى اللّه عَلَيْهِ وَآلِهِ) و رآه و سمع مِنهُ ولقِف عنهُ ويَأْخُذُونَ بِقولِهِ و قد أخبرك اللّه عنِ المنافقين بما أخبرك ووصفهُم بِما وصفهُم بِهِ لك.
ثمّ بَقُوا بعده (صَلَّى اللّه عَلَيْهِ وَآلِهِ) فتقربوا إلى أئمَّةِ الضَّلالة، والدُّعاةِ إِلى النّار بِالنُّورِ والبُهتانِ، فولّوهُمُ
ص: 19
الأعمال وجعلُوهُم حُكّاماً على رِقابِ النّاسِ، وأكلُوا بِهِمُ الدُّنيا وإِما النَّاسُ مع الملوكِ والدُّنيا والقال تعيشا انه باف إلّا من عصمه اللّه.
فهذا أحد الأربعة.
و ثاني الأربعة رجُلٌ سمع من رسُول اللّه (صَلَّى اللّه عَلَيْهِ وَآلِهِ) شيئاً لم يحفظه على وجهه، فوهم فِيهِ ولم يتعمّد كذباً، وهُو فِي يديه يرويه ويعملُ بِهِ ويَقُولُ: «أنا سمِعتُ مِن رسُول اللّه (صَلَّى اللّه عَلَيْهِ وَآلِهِ)». فلو علم المسلِمُون أَنَّهُ وهِم فِيهِ لم يقبلُوا مِنهُ ولو علم هُو أنَّه كذلك لرفضه.
و رجُلٌ ثالِثُ سمِع مِن رسُول اللّه (صَلَّى اللّه عَلَيْهِ وَآلِهِ) شيئاً يا مُرُ بِهِ ثمّ نهى رسُول اللّه عنه وهولا يعلم، أو سمعه نهى عن شيءٍ ثمّ أمربِهِ وهُو لا يعلم، فحفظ المنشوخ ولم يحفظ النّاسِخ. فلو علم أنَّه منسُوخ لرفضه، و لو علم المسلِمُون إِذ سَمِعُوهُ مِنْهُ أَنَّهُ منسُوخ لرفضُوهُ.
و آخرُ رابع لم يكذب على اللّه ولا على رَسُولِهِ، مُبغِضُ لِلكذِبِ خوفاً للّه وتعظيماً لِرَسُولِ اللّه (صَلَّى اللّه عَلَيْهِ وَآلِهِ)، و لم يهمّ بِهِ، بل حفظ ما سمع على وجهِهِ، فجاء بِهِ على ما سمِعه، ولم يرد فِيهِ ولم ينقُص مِنهُ، وحفظ النّاسِخ فعمِل بِهِ و حفظ المنشوخ فجنب عنه، وعرف الخاص والعام فوضع كلّ شيءٍ موضعه، و عرف المتشابه و المحكم.
وقد يكُونُ مِن رسُول اللّه (صَلَّى اللّه عَلَيْهِ وَآلِهِ) الكلام له وجهان، فكلام خاص وكلام عام، فيسمعُهُ من لا يعرِفُ ما عنى اللّه بِهِ، ولا ما عنى بِهِ رسُول اللّه (صَلَّى اللّه عَلَيْهِ وَآلِهِ)، فيحمِلُهُ السّامِعُ ويُوجَهُهُ على غيرِ معرفة بمعناه ولا ما قصد به و ما خرج من أجله.
وليس كلّ أصحابِ رسُول اللّه (صَلَّى اللّه عَلَيْهِ وَآلِهِ) يسأله ويستفهمه، حتّى إن كانُوا ليُحِبُّون أن يجيء الأعرابيُّ أو الطّاري فيسأله (صَلَّى اللّه عَلَيْهِ وَآلِهِ) حتّى يسمعوا كلامه وكان لا يمُرُّ بي من ذلك شيءٌ إِلَّا سألتُ عنه وحفظتُه.
فهذه وُجُوه ما عليهِ النَّاسُ فِي اختلافهم و عللِهم فِي رواياتهم. (1)
3 - قال سُليمٌ شهدتُ عليّاً (عَلَيهِ السَّلَامُ) حين عاد زياد بن عُبيد بعد ظُهوره على أهل الجمل، وإنّ
ص: 20
البيت لمُمتلئٌ مِن أصحابِ رسُول اللّه (صَلَّى اللّه عَلَيْهِ وَآلِهِ) فيهم عمَّار و أَبو الهيثم بنُ التِهانِ وأبو أيوب و جماعةٌ مِن أهل بدر نحو مِن سبعين رجُلًا و زياد فِي بيتٍ عظيم شبه البهو إِذ أَتَاهُ رَجُلٌ بِكِتَابٍ مِن رجُلٍ مِن الشّيعة بالشّام: «إنّ مُعاوية استنفر النّاس ودعاهم إلى الطلبِ بِدمٍ عُثمان، وكان فيما يحُضُهُم بِهِ أَن قال: إِنّ عليّاً قتل عُثمان وأوى قتلته، وإنّه يطعن على أبي بكر و عُمرو يدّعِي أَنَّهُ خَلِيفَةُ رسُول اللّه و أنَّه أحق بالأمرِ مِنهُما فنفرتِ العامَّة والقُرّاء، واجتمعُوا على مُعاوِيَة إِلَّا قَلِيلًا مِنهُم».
قال: فحمد اللّه وأثنى عليه وقال: أما بعد، ما لقيتُ مِن الأُمّة بعد نبيها مُنذُ قُبض (صَلَّى اللّه عَلَيْهِ وَآلِهِ) :
فأقام عُمر و أصحابه الّذين ظاهرُوا علي أبا بكر فبايعُوهُ وأنا مشغولٌ بِغُسلِ رسُول اللّه (صَلَّى اللّه عَلَيْهِ وَآلِهِ) وكفنه ودفنه، و ما فرغتُ مِن ذلك حتّى بايعُوهُ و خاصمُوا الأنصار بِحُجّتِي وحقّي. واللّه إِنَّهُ ليعلمُ يقيناً والّذين ظاهرُوهُ «أنّي أحقُّ بِها مِن أبي بكر». فَلَمّا رأيتُ اجتِماعهم عليهِ و تركهم إياي ناشدتهم اللّه عزّ و جلّ و حملتُ فاطمة (عَلَيهَا السَّلَامُ) على حمارٍ و أخذتُ بِيدِ ابني الحسن و الحُسين لعلّهُم يرعوون، فلم أدع أحداً من أهل بدرٍ ولا أهل السابقة من المهاجرين والأنصار إِلَّا استعنتهم ودعوتهم إلى نُصرتي وناشدتهُمُ اللّه حقي فلم يُجِيبُونِي ولم ينصُرُونِي. أَنتُم تعلمون یا معاشر من حضر من أهلِ بدرٍ أنّي لم أقل إِلّا حقاً.
قالُوا: صدقت يا أمير المؤمنين و بررت، فنستغفر اللّه من ذلك ونتُوبُ إليه،
قال: وكان الناسُ قريبي عهدٍ بِالجاهِلِيّةِ فخشِيتُ فُرقة أُمَّةِ محمّد و اختلاف كلمتهم، وذكرتُ ما عهد إلي رسُول اللّه (صَلَّى اللّه عَلَيْهِ وَآلِهِ) لأنَّه أخبرني بما صنعُوا وأمرني: إن وجدتُ أعواناً جاهدتهم و إن لم أجد أعواناً كففتُ يدي و حقنتُ دمي.
ثمّ ردّها أبوبكر إلى عُمر و و اللّه إِنَّهُ ليعلم يقيناً أنّي أحقُّ بِها مِن عُمر فكرهت الفرقة فبايعت و سمعتُ وأطعتُ.
ثمّ جعلني عُمرُ سادِس سِتَّةٍ فولى الأمرابن عوف، فخلا بابن عفّان فجعلها له على أن يردّها عليهِ ثمّ بايعه، فكرهتُ الفُرقة والإختلاف.
ثمّ إِن عُثمان غدر بابن عوف و زواها عنه، فبرئ مِنهُ ابنُ عوف وقام خطيباً فخلعه كما خلع
ص: 21
نعله. ثمّ مات ابنُ عوفٍ و أوصى أن لا يُصلّي عليهِ عُثمانُ، وزعم وُلد ابنِ عوفٍ أَن عُثمان سمّهُ. تم قتل، واجتمع النّاسُ ثلاثة أيام يتشاورون فِي أمرِهِم. ثمّ أتوني فبايعوني طائعين غير مكرهين.
ثُمّ إنّ الزُّبير و طلحة أتياني يستأذناني فِي العُمرة، فأخذتُ عليهما ألا ينكُثا بيعتي ولا يغدرا بي و لا يبغيا عليّ غائِلةً. ثمّ توجّها إلى مكّة فسارا بعائشة إلى أهل مدرة كثِيرٌ جهلُهُم قلِيلٌ فِقهُهُم فحملُوهُم على نكث بيعتي و استحلال دمي.
ثم ذكر (عَلَيهِ السَّلَامُ) عائشة وخُرُوجها من بيتها و ما ركبت مِنهُ. فقال عمّار: «يا أمير المؤمِنِين، كُفّ عنها فإنّها أُمُّك» فترك ذكرها و أخذ فِي شيءٍ آخر، ثمّ عاد إلى ذِكرِها فقال أشدّ مِمّا قال أوّلًا، فقال عمّار: «يا أمير المؤمِنِين، كُفّ عنها فإنّها أُمُّك» فأعرض عن ذكرها ثمّ عاد الثالثة فقال أشدّ مِمّا قال. قال: فقال عمّار: «يا أمير المؤمنين، كُفَّ عنها فإنّها أُمُّكَ» فقال: كلا، إِنِّي مع اللّه على من خالفه، وإِن أُمَّكُم ابتلاكُمُ اللّه بِها ليعلم أمعه تكُونُون أم معها وقد أخبرني رسُول اللّه (صَلَّى اللّه عَلَيْهِ وَآلِهِ) أن الشهادة من ورائي، وأنّ حيتي ستخضبُ مِن دم رأسي، بل قاتلي أشقى الأوّلين و الآخريين رجُلٌ أُحيمر يعدِلُ عاقر الناقة ويعدِلُ قابيل قاتل أخيه هابيل و فرعون الفراعنة و الّذي حاج إبراهيم فِي ربّه ورجُلين من بَنِي إسرائيل بدلا كتابهم و غيرا سُنّتهم. ثمّ قال (صَلَّى اللّه عَلَيْهِ وَآلِهِ): ورجُلينِ مِن أمّتي.
ثمّ قال (عَلَيهِ السَّلَامُ): إن عليهما خطايا أُمّة محمّد. إِنّ كلّ دمٍ سفك إلى يوم القيامة و مالٍ يُؤكل حراماً و فرجٍ يغشى حراماً و حُكم يُجارُفِيهِ عليهِما من غير أن ينقص مِن إِثْم من عمِل بِهِ شيءٌ. قال عمّار: يا أمير المؤمنين، سهما لنا فنلعنهما. قال: يا عمّار، ألست تتولى رسُول اللّه (صَلَّى اللّه عَلَيْهِ وَآلِهِ) و تبرأُ من عدوّه قال: بلى. قال : وتتولاني وتبرأُ من عدوّي قال: بلى. قال: حسبك يا عمّار، قد برئت منهما و لعنتهما وإن لم تعرفهما بأسمائهما.
قال: يا أمير المؤمنين لو سميتهما لأصحابك فبرِءُوا مِنهما كان أمثل من ترك ذلك. قال: رحم اللّه سلمان و أبا ذر و المقداد، ما كان أعرفهم بهما وأشدّ براءتهم منهما و لعنتهم لهما.
قال: يا أمير المؤمِنِين جُعِلتُ فِداك، فسمّهِما فإنّا نشهد أن نتولّى من توليت و نتبرأ من تبرأت مِنهُ. قال: يا عمَّار إِذَا يُقتل أصحابي وتتفرّقُ عنِّي جماعتي وأهل عسكري وكثير من ترى حولي يا عمَّار من تولّى مُوسی و هارون و برِئ مِن عَدُوِّهِما فقد برئ من العجل والسامري، و
ص: 22
من تولّى العِجل و السّامِرِيّ و برِئ مِن عدوّهما فقد برئ مِن مُوسى وهارون مِن حيثُ لا يعلم.
يا عمّار، و من تولّى رسُول اللّه وأهل بيته وتولّاني وتبرأ من عدوّي فقد برئ منهما، و من برئ مِن عَدُوّهما فقد برئ مِن رسُول اللّه (صَلَّى اللّه عَلَيْهِ وَآلِهِ) مِن حيثُ لا يعلمُ. فقال محمّد بنُ أبي بكر: يا أمير المؤمِنِين، لاتُسمّهما فقد عرفتهما وتشهد اللّه أن نتولّاك و نبرأ من عدوك كلّهم، قريبهم و بعِيدِهِم وأولهم و آخِرِهِم و حيّهم و ميّتهم وشاهِدِهِم و غائبهم.
فقال أمير المؤمنين (عَلَيهِ السَّلَامُ) : يرحمك اللّه يا محمّد، إِنَّ لِكُلِّ قوم نجيباً وشاهداً عليهم وشافعاً لأماثِلِهم، وأفضلُ النُّجباءِ النّجِيبُ مِن أهلِ السّوءِ وإنّك يا محمّد لنجِيبُ أهل بيتك.
أما إِنِّي سأخبرك: دعاني رسُول اللّه (صَلَّى اللّه عَلَيْهِ وَآلِهِ) و عنده سلمان وأبوذرو المقداد، ثمّ أرسل النّبيّ (صَلَّى اللّه عَلَيْهِ وَآلِهِ) عائشة إلى أبيها وحفصة إلى أبيها و أمر ابنته فأرسلت إلى زوجها عُثمان فدخلوا.
فحمد اللّه وأثنى عليه وقال: يا أبا بكريا عُمرُيا عُثمانُ إِنّي رأيتُ اللّيلة اثني عشر رجلًا على منبري يردُّون أمتي عنِ الصِّراطِ القهقرى فاتَّقُوا اللّه و سلّمُوا الأمر لعلي بعدي ولا تُنازِعُوه فِي الخلافة، ولا تظلِمُوهُ ولا تُظاهِرُوا عليه أحداً. قالُوا:
يا نبيّ اللّه، نعُوذُ بِاللّه مِن ذلك أماتنا اللّه قبل ذلك قال صل اللّه علي موال: فإنِّي أُشْهِدُكُم جميعاً و من فِي البيت من رجل وامرأة:
«أن عليّ بن أبِي طالِب خليفتي فِي أُمّتي وأنَّه أولى بالمؤمِنِين مِن أَنفُسِهِم. فإذا مضى فابني هذا و وضع يده على رأس الحسن (عَلَيهِ السَّلَامُ) فإذا مضى فابني هذا و وضع يده على رأس الحُسين (عَلَيهِ السَّلَامُ) ثمّ تسعةٌ مِن وُلد الحُسين (عَلَيهِ السَّلَامُ) واحِدٌ بعد واحِدٍ وهُمُ الّذين عنى اللّه بِقولِهِ: (أَطِيعُوا اللّه وأطِيعُوا الرَّسُول وأولي الأمر منكم)، ثمّ لم يدع آيةً نزلت فِي الأنةِ إِلَّا تلاها رسُول اللّه (صَلَّى اللّه عَلَيْهِ وَآلِهِ).
فقام أبوبكر و عمر و عثمان وبقيت أنا و أصحابي أبوذرّو سلمان والمقدادُ وبقيت فاطمة و الحسنُ والحُسين، وقُمن نِساؤُهُ وبناتُه غير فاطمة، فقال رسُول اللّه (صَلَّى اللّه عَلَيْهِ وَآلِهِ): «رأيتُ هؤُلاءِ الثّلاثة وتسعةً مِن بَنِي أُميّة وفلانٌ مِن التّسعةِ مِن آلِ أبي سفيان وسبعةٌ مِن وُلدِ الحكمِ بنِ العاص بنِ أُميّة يردُّون أُمّتي على أدبارها القهقرى».
ص: 23
قال ذلك عليّ (عَلَيهِ السَّلَامُ) و بيتُ زِيادٍ ملآنُ مِن أصحابِ رسُول اللّه (صَلَّى اللّه عَلَيْهِ وَآلِهِ). ثمّ أقبل عليهم فقال: «اكتُمُوا ما سمِعتُم إِلَّا مِن مُسترشد يا زِيَادُ اتَّقِ اللّه فِي شِيعَتِي بعدِي» فلمّا خرج مِن عِند زِيادٍ أقبل علينا فقال: «إِنّ مُعاوِية سيدّعِيهِ، ويقتُلُ شِيعَتِي، لعنه اللّه». (1)
4 - أبان عن سُليم قال كُنّا جُلُوساً حول أمير المؤمنين (عَلَيهِ السَّلَامُ) و عنده جماعة من أصحابه فقال لهُ قائِل يا أمير المؤمِنِين لو استنفرت النّاس فقام وخطب فقال ألا إِنِّي قد استنفرتُكُم فلم تنفِرُوا ونصحتكم فلم تقبلوا و دعوتُكُم فلم تسمعُوا فأنتُم شُهُودٌ كغُيابٍ وأحياءٌ كأمواتٍ وصُمُّ ذوُو أسماع أتلو عليكُمُ الحكمة وأعِظُكُم بِالموعِظَةِ الشّافِيةِ الكافِيةِ وأحُتُكُم على الجهادِ لِأَهْلِ الجور فما آتي على آخر كلامي حتّى أراكُم مُتفرّقين حلقاً شتى تتناشدون الأشعار و تضربون الأمثال وتسألون عن سعر التّمر واللّبن تبت أيدِيكُم لقد سئمتم الحرب و الإستعداد لها و أصبحت قُلُوبُكُم فارِغةً مِن ذِكرِها شغلتُمُوها بِالأباطيل والأضاليل والأعالِيلِ ويحكم اغزُوهُم قبل أن يغزُوكُم فواللّه ما غُزِي قومٌ قط فِي عُقرِدارِهِم إِلّا ذَلُّوا وايمُ اللّه ما أَظُنُّ أن تفعلوا حتّى يفعلُوا ثمّ وددتُ أنّي قد رأيتُهم فلقِيتُ اللّه على بصيرتي ويقيني واسترحتُ مِن مُقاساتِكُم ومِن مُمارستِكُم فما أنتُم إِلَّا كابل جمّةٍ ضلّ راعِيها فكُلّما ضُمّت مِن جانب انتشرت من جانبٍ كأنّي بِكُم واللّه فيما أرى لوقد حمس الوغى و استحرّ الموتُ قد انفرجتم عن عليّ بن أبِي طالِب انفراج الرأس و انفراج المرأة عن ولدها لا تمنعُ يد لامس قال الأشعث بن قيس الكنديّ فهلا فعلت كما فعل ابن عفّان فقال عليّ (عَلَيهِ السَّلَامُ) يا عُرف النّار أو كما فعل ابن عفان رأيتُمُونِي فعلتُ أنا عائِذُ بِاللّه مِن شرما تقُولُ يا ابن قيس واللّه إِنَّ الّذي فعل ابنُ عفّان لمخزاةٌ لمن لا دين له ولا الحقّ فِي يدِهِ فكيف أفعل ذلك وأنا على بيّنةٍ مِن ربّي وحُجَّتُهُ فِي يَدِي والحقُّ معِي واللّه إِنَّ امراً مكن عدُوهُ مِن نفسِهِ حتّى يجُز لحمه ويفري جلده ويهشم عظمه ويسفك دمه وهُو يقدِرُ على أن يمنعه لعظِيمٌ وِزره وضعِيفٌ ما ضُمّت عليهِ جوانِحُ صدره فكُن أنت ذاك يا ابن قيس فأما أنا فدون و اللّه أن أعطي بِيدِي ضربٌ بِالمشرفي تطير له فراش الهام و تطِيحُ مِنْهُ الكف والمعصم و يفعل اللّه
ص: 24
بعد ما يشاء ويلك يا ابن قيس المؤمِنُ يموتُ بِكُلِ موتةٍ غير أنَّه لا يقتُلُ نفسه فمن قدر على حقنِ دمِهِ ثمّ خلى بينه وبين قاتِلِهِ فهُو قاتِلُ نفسه ويلك يا ابن قيس إنّ هذهِ الأُمّة تفترِقُ على ثلاث وسبعين فرقةً، فرقةٌ واحدةٌ مِنها فِي الجنَّة واثنتان وسبعون فِي النّار و شرها و أبغضُها إِلى اللّه وأبعدها مِنهُ السّامِرَةُ الّذين يقُولُون لا قِتال وكذبُوا قد أمر اللّه عزّ و جلّ بِقِتالِ هؤلاء الباغين فِي كتابهِ وسُنّة نبيّه وكذلك المارقة فقال الأشعث بن قيس و غضب مِن قوله فما يمنعك يا ابن أبِي طالِب حين بويع أخوتيم بن مُرّة وأخُو بَنِي عدي بن كعب وأخو بَنِي أمية بعدهما أن تُقاتِل وتضرب بسيفك وأنت لم تخطبنا خُطبةً مُنذُ كُنت قدمت العراق إِلَّا وقد قُلت فيها قبل أن تنزل عن منبرِك واللّه إِنِّي لأولى النّاسِ بِالنّاسِ و ما زِلتُ مظلُوماً مُنذُ قبض اللّه محمّداً (صَلَّى اللّه عَلَيْهِ وَآلِهِ) فما منعك أن تضرب بسيفك دون مظلمتِك.
فقال له عليّ (عَلَيهِ السَّلَامُ) يا ابن قيس قُلتَ فاسمع الجواب لم يمنعني من ذلك الجبن ولا كراهيةٌ لِلقاءِ ربّي وأن لا أكون أعلمُ أنّ ما عِند اللّه خيرٌ لِي مِن الدُّنيا و البقاء فيها ولكن منعني من ذلِك أمرُ رسُول اللّه (صَلَّى اللّه عَلَيْهِ وَآلِهِ) و عهده إليّ أخبرني رسُول اللّه (صَلَّى اللّه عَلَيْهِ وَآلِهِ) ما الأُمّة صانعة بي بعده فلم أكُ بما صنعُوا حِين عاينته بأعلم مِنّي ولا أشدّ يقيناً مِنِّي بِهِ قبل ذلك بل أنا يقول رسُول اللّه (صَلَّى اللّه عَلَيْهِ وَآلِهِ) أشدُّ يقيناً مِنِّي بِما عاينتُ و شهِدتُ فقُلتُ يا رسُول اللّه فما تعهد إلي إذا كان ذلك قال إن وجدت أعواناً فانبذ إليهم وجاهِدهُم وإن لم تجد أعواناً فاكفف يدك و احقِن دمك حتّى تجد على إقامة الدِّينِ وكِتابِ اللّه وسُنّتي أعواناً و أخبرني (صَلَّى اللّه عَلَيْهِ وَآلِهِ) أَن الأُمّة ستخذُلُنِي وتُبايِعُ غيري و تتّبع غيري وأخبرني (صَلَّى اللّه عَلَيْهِ وَآلِهِ) أَنِّي مِنْهُ بِمنزلة هارون مِن مُوسى وأنّ الأُمّة سيصِيرُون من بعدِهِ بِمِنزِلَةِ هَارُون و مَن تبعه والعِجل و من تبعه إذ قال لهُ مُوسى (يا هَارُونُ ما منعك إِذ رأيتهم ضلُّوا. ألا تتبعن أفعصيت أمري. قال يا بن أُمّ لا تأخُذ بلحيتي ولا بِرأْسِي إِنِّي خَشِيتُ أَن تقُول فرقت بين بَنِي إسرائيل و لم ترقب قولي) (1) و (قَالَ ابْنَ أُمَّ إِنَّ الْقَوْمَ اسْتَضْعَفُونِي وَكَادُوا يَقْتُلُونَنِي) (2) وإنما
ص: 25
يعني أن موسى أمر هارون حين استخلفه عليهم إن ضلُّوا فوجد أعواناً أن يُجاهِدهُم و إن لم يجد أعواناً أن يكف يده ويحقن دمهُ ولا يُفرّق بينهم وإِنِّي خَشِيتُ أَن يَقُول لي ذلِك أخي رسُول اللّه (صَلَّى اللّه عَلَيْهِ وَآلِهِ) لم فرقت بين الأُمّة ولم ترقُب قولي وقد عهدتُ إليك إن لم تجد أعواناً أن تكف يدك و تحقن دمك و دم أهل بيتك وشيعتك فَلَمّا قُبض رسُول اللّه (صَلَّى اللّه عَلَيْهِ وَآلِهِ) مال النَّاسُ إلى أبي بكر فبايِعُوهُ و أنا مشغُولٌ بِرسُولِ اللّه (صَلَّى اللّه عَلَيْهِ وَآلِهِ) بِغُسلِهِ و دفنِهِ ثمّ شغلتُ بِالقُرآنِ فآليتُ على نفسي أن لا أرتدي إِلَّا لِلصّلاةِ حتّى أجمعهُ فِي كِتابِ ففعلتُ ثمّ حملتُ فاطمة وأخذتُ بِيدِ ابني الحسن والحُسين فلم أدع أحداً من أهل بدر و أهل السابقة من المهاجرين والأنصارِ إِلّا ناشدتهُمُ اللّه فِي حقي ودعوتهم إلى نُصرتي فلم يستجب لي من جميع النّاسِ إِلّا أربعةُ رهط سلمان وأبوذرّ و المقداد و الزّبيرُو لم يكن معي أحدٌ مِن أهلِ بيتِي أَصُولُ بِهِ ولا أقوى بِهِ أمّا حمزة فقُتِل يوم أُحُدٍ وأمّا جعفر فقُتِل يوم موتة وبقيتُ بين جلفينِ جافِيينِ ذليلين حقِيرَينِ عاجِزَينِ العبّاسِ وعقيل وكانا قريبي العهدِ بِكُفر فأكرهوني و قهرُونِي فقُلتُ كما قال هارُونُ لِأخِيهِ (ابْنَ أُمَّ إِنَّ الْقَوْمَ اسْتَضْعَفُونِي وَكَادُوا يَقْتُلُونَنِي﴾ فَلِي بِهارُون أُسوةٌ حسنةٌ ولِي بِعهدِ رسُول اللّه (صَلَّى اللّه عَلَيْهِ وَآلِهِ) حُجّةٌ قويّةٌ قال فقال الأشعث كذلك صنع عُثمان استغاث بِالنّاسِ ودعاهُم إِلى نُصرتِهِ فلم يجد أعواناً فكف يده حتّى قُتِل مظلُوماً قال (عَلَيهِ السَّلَامُ) ويلك يا ابن قيس إن القوم حين قهرُوني واستضعفوني و كادوا يقتُلُونِنِي لو قالُوا لِي نقتُلُك البتة لامتنعتُ من قتلهم إياي ولو لم أجد غير نفسي وحدي ولكن قالوا إن بايعت كففنا عنك وأكرمناك وقربناك وفضلناك و إن لم تفعل قتلناك فلما لم أجد أحداً بايعتهم وبيعتي إياهم لا يُحِقُ لهم باطِلًا ولا يُوجِبُ لهم حقّاً فلو كان عُثمانُ حِين قال له النَّاسُ اخلعها ونكفّ عنك خلعها لم يقتُلُوهُ ولكنّه قال لا أخلعُها قالُوا فإنّا قاتِلُوك فكفّ يده عنهم حتّى قتلُوهُ ولعمرِي لخلعُهُ إياها كان خيراً لهُ لأنَّه أخذها بِغيرِ حقّ ولم يكُن لهُ فِيها نصيب وادعى ما ليس له و تناول حقّ غيره ويلك يا ابن قيس إِنَّ عُثمان لا يعدو أن يكون أحد رجلين إما أن يكون دعا النّاس إِلى نُصرتِهِ فلم ينصُرُوهُ وإما أن يكون القومُ دعوه إلى أن ينصُرُوهُ فنهاهم عن نُصرتِهِ فلم يكُن يحِلُّ له أن ينهى المسلمين عن أن ينصُرُوا إماماً هادِياً مُهتدياً لم يُحدِث حدثاً ولم يُؤوِ مُحدِثاً وبئس ما صنع
ص: 26
حين نهاهُم وبئس ما صنعُوا حِين أطاعُوهُ وإِما أن يكون جورُه وسُوءُ سريرته قضى أنَّهم لم يروه أهلًا لِنُصرتِهِ لجوره و حُكمِهِ بِخِلافِ الكِتابِ والسُّنّة وقد كان مع عُثمان مِن أهل بيته ومواليه و أصحابِهِ أكثر من أربعة آلاف رجُل ولو شاء أن يمتنع بهم لفعل فلم نهاهم عن نُصرتِهِ ولو كُنتُ وجدتُ يوم بويع أخُوتيم أربعين رَجُلًا مُطِيعِين لي لجاهدتهم و أما يوم بويع عُمرُو عُثمانُ فلا لأنّي قد كُنتُ بايعتُ ومِثلي لا ينكُتُ بيعته ويلك يا ابن قيس كيف رأيتني صنعتُ حين قُتِل عُثمان إذ وجدتُ أعواناً هل رأيت مني فشلاً أو تأخّراً أو جبناً أو تقصيراً فِي وقعتي يوم البصرة وهُم حول جملِهِمُ الملعُونِ من معه الملعُونِ من قُتِل حوله الملعُونِ من رجع بعده لا تائباً ولا مُستغفِراً فإنّهم قتلوا أنصارِي ونكثوا بيعتي ومثّلُوا بِعامِلي وبغوا عليّ وسِرتُ إليهم فِي اثني عشر ألفاً وهُم نتف على عِشرين ومائة ألفٍ فنصرني اللّه عليهم و قتلهم بأيدينا و شفى صُدُور قومٍ مُؤمِنِين وكيف رأيت يا ابن قيس وقعتنا بِصِفّين و ما قتل اللّه مِنهُم بِأيدينا خمسين ألفاً فِي صعِيدٍ واحِدٍ إِلى النّار وكيف رأيتنا يوم النهروان إذ لقيتُ المارقين و هُم مُستَمسِكُون يومَئِذٍ بِدِينِ (الَّذِينَ ضَلَّ سَعْيُهُمْ فِي الْحَيَاةِ الدُّنْيَا وَهُمْ يَحْسَبُونَ أَنَّهُمْ يُحْسِنُونَ صُنْعًا) (1) فقتلهُمُ اللّه بِأَيدينا فِي صعِيدٍ واحِدٍ إِلى النّار لم يبق منهم عشرةٌ ولم يقتُلُوا مِن المؤمِنِين عشرة ويلك يا ابن قيس هل رأيت لِي لِواءً رُدّ أو رايةً رُدّت إياي تُعيرُيا ابن قيس و أنا صاحِبُ رسُول اللّه (صَلَّى اللّه عَلَيْهِ وَآلِهِ) فِي جميع مواطِنِهِ و مشاهِدِهِ والمتقدّمُ إِلى الشَّدائِدِ بين يديهِ لا أَفِرُّولَا أَزُولُ ولا أعيا ولا أنحازُ و لا أمنحُ العدُو دُبُرِي لأَنَّهُ لا ينبغي لِلنّبي و لا للوصيّ إذا لبس لأمّته وقصد لعدوّه أن يرجع أو ينثني حتّى يُقتل أو يفتح اللّه له يا ابن قيس هل سمعت لي بفرار قط أو نبوة يا ابن قيس أما والّذي فلق الحبة وبرأ النسمة إنّي لو وجدتُ يوم بويع أخُوتيم الّذي عيّرتني بِدُخُولي فِي بيعته أربعين رجُلًا كُلُّهُم على مِثلِ بصِيرة الأربعة الّذين قد وجدتُ لما كففتُ يدي و لناهضت القوم و لكن لم أجد خامساً فأمسكتُ
قال الأشعتُ فمن الأربعةُ يا أمير المؤمنين قال (عَلَيهِ السَّلَامُ) سلمان وأبوذر و المقداد والربيرُ بنُ صفيّة
ص: 27
قبل نكيه بيعتي فإنّه بايعني مرتين أما بيعتُهُ الأُولى الّتي وفي بِها فَإِنَّهُ لَا بُويع أبوبكر أتاني أربعون رجُلا مِن المهاجرين والأنصارِ فبايعوني وفِيهِمُ الزُّبير فأمرتهم أن يُصبِحُوا عِند بابي مُحلّقين رُءُوسهم عليهِمُ السّلاحُ فما وفى لي ولا صدقنِي مِنهُم أحدٌ غير أربعة سلمان وأبوذرّو المقدادِ والزُّبير و أما بيعتُهُ الأخرى إياي فإنّهُ أتاني هُو و صاحِبُهُ طلحة بعد ما قُتِل عُثمانُ وله عمليات الانس وحسه بله أدلة المالك فبايعاني طائعين غير مكرهينِ ثمّ رجعا عن دِينِهِما مُرتدّينِ ناکثینِ مُکابِرينِ مُعاندینِ خاسِرِينِ فقتلهما اللّه إلى النّار وأمّا الثّلاثة سلمان وأبوذر و المقداد فثبتُوا على دين محمّد (صَلَّى اللّه عَلَيْهِ وَآلِهِ) و على مِلَّةِ إِبراهيم حتّى لِحِقُوا بِاللّه يرحمهُمُ اللّه يا ابن قيس والّذي فلق الحبة وبرأ النسمة لوأنّ أُولئِك الأربعين الّذين بايعوا وفوا لي وأصبحوا على بابي مُحلّقين رُءُوسهم قبل أن تجب لِعَتِيقٍ فِي عُنُقِي بيعتُه لناهضتُهُ وحاكمته إلى اللّه عزّوجلّ و لو وجدتُ قبل بيعة عُثمان أعوانا لناهضتهم وحاكمتُهُم إلى اللّه فإنّ ابن عوف جعلها لعثمان واشترط عليه فيما بينه وبينه أن يردّها عليهِ عِند موتِهِ و أما بعد بيعتي إياهم فليس إلى مُجاهدتِهِم سبِيلٌ
فقال الأشعتُ واللّه لئن كان الأمركما تقُولُ لقد هلكت أُمّة محمّد (صَلَّى اللّه عَلَيْهِ وَآلِهِ) غيرك وغيرُ الأُمّة إِلَّا شيعتك فقال له عليّ (عَلَيهِ السَّلَامُ) فإنّ الحقّ و اللّه معي يا ابن قيس كما أقُولُ وما هلك من النَّاصِبُون والنّاكِتُون والمكابِرُون والجاحِدُون والمعانِدُون فأما من تمسك بالتّوحيد و الإقرار بمحمّد (صَلَّى اللّه عَلَيْهِ وَآلِهِ) و الإسلام ولم يخرُج مِن الملةِ ولم يُظاهر علينا الظلمة ولم ينصب لنا العداوة و شكّ فِي الخلافة ولم يعرف أهلها وولاتها و لم يعرف لنا ولايةً و لم ينصب لنا عداوة فإن ذلك مُسلِمٌ مُستضعف يُرجى لهُ رحمةُ اللّه ويُتخوّفُ عليهِ ذُنُوبُهُ قال أبان قال سليم بن قيس فلم يبق يومئذ من شيعة عليّ (عَلَيهِ السَّلَامُ) أحد إلّا تهلل وجهه و فرح بمقالته إذ شرح أمير المؤمنين (عَلَيهِ السَّلَامُ) الأمر و باح به وكشف الغطاء وترك التقيّة ولم يبق أحدٌ مِن القُرَاءِ ممّن كان يشُكُ فِي الماضين ويكف عنهم ويدعُ البراءة منهم ورعاً وتأثّماً إلّا استيقن و استبصر و حسُن رأيه و ترك الشك يومئذ والوُقُوف ولم يبق حوله ممّن أبى بيعتهُ إِلّا على وجه ما بويع عليه عُثمان و الماضون قبلهُ إِلَّا رُتي ذلك فِي وجهِهِ و ضاق بِهِ أمرُه و كره مقالته ثمّ إِنَّهُ استبصر عامتهم و ذهب شكُهُم.
قال أبانٌ عن سُليم فما شهدتُ يوماً قط على رُءُوسِ العامَّة كان أقرّ لأعيُنِنَا مِن ذلك اليوم لما
ص: 28
كشف أمير المؤمنين (عَلَيهِ السَّلَامُ) لِلنَّاسِ مِن الغِطاء وأظهر فِيهِ مِن الحقّ وشرح فِيهِ من الأمرو العاقبة وألقى فِيهِ مِن التَّقِيّةِ وكثرتِ الشّيعة بعد ذلِك المجلِس مِن ذلك اليوم وتكلّمُوا وقد كانُوا أقلّ أهل عسكره وسائِرُ النَّاسِ يُقاتِلُون معه على غيرِ عِلمٍ بِمكانِهِ مِن اللّه و رَسُولِهِ وصارتِ الشّيعة بعد ذلِك المجلس أجلّ النّاس وأعظمهم وذلك بعد وقعة أهلِ النّهروان وهُو يأمُرُ بالتهيئة والمسير إلى معاوية ثمّ لم يلبث أن قُتِل صلوات اللّه عليه قتلهُ ابنُ مُلحِمٍ لعنهُ اللّه غِيلةٌ وفتكاً وقد كان سيفه مسموماً قد سمّه قبل ذلك وصلّى اللّه على سيّدِنا أمير المؤمِنِين وسلم تسليماً. (1)
5 - قال سليم: فلقِيتُ عليّاً صلواتُ اللّه عليهِ وآلِهِ فسألتُهُ عمّا صنع عُمرُ؟ فقال: هل تدري لم كفّ عن قنفذ ولم يُعْرِمهُ شيئاً؟!. قُلتُ:
قال: لأنّهُ هُو الّذي ضرب فاطمة صلوات اللّه عليها بِالسّوط حين جاءت لتحول بيني وبينهم فماتت صلوات اللّه عليها، وإنّ أثر السوط لفي عضُدِها مِثلُ الدُّملج. عالم المالية طلعين قال أبان عن سُليم قال انتهيتُ إلى حلقةٍ فِي مسجِدِ رسُول اللّه (صَلَّى اللّه عَلَيْهِ وَآلِهِ) ليس فيها إِلَّا هاشمي غير سلمان وأبي ذرو المقداد و محمّد بنِ أبي بكر و عُمر بن أبي سلمة و قيس بن سعد بن عبادة فقال العبّاسُ لعليّ (عَلَيهِ السَّلَامُ) ما ترى عُمر منعهُ مِن أن يُغرِم قُنفذاً كما أغرم جميع عُمَالِهِ فنظر عليّ (عَلَيهِ السَّلَامُ) إلى من حولهُ ثمّ اغرورقت عيناهُ بِالدُّمُوعِ ثمّ قال شكرله ضربةً ضربها فاطمة (عَلَيهَا السَّلَامُ) بالسوط فماتت وفي عضُدِها أَثرُهُ كأَنهُ الدُّملُجُ
ثمّ قال (عَلَيهِ السَّلَامُ) العجبُ مِمّا أُشرِبت قُلُوبُ هذِهِ الأُمّة مِن حُبّ هذا الرَّجُلِ وَصاحِبِهِ مِن قبلِهِ و التسليم لهُ فِي كلّ شيءٍ أحدثهُ لَئِن كان عُمّالُهُ خونةً وكان هذا المالُ فِي أيديهم خيانةً ما كان حلّ له تركُهُ و كان له أن يأخُذهُ كُلَّهُ فإِنَّهُ فِي المسلِمِين فما لهُ يَأخُذُ نِصفه ويترُكُ نِصفه ولئِن كانُوا غير خونة فما حلّ له أن يأخُذ أموالهم ولا شيئاً منهم قليلًا ولا كثيراً وإنّما أخذ أنصافها و لو كانت فِي أيدِيهِم خِيانةً ثمّ لم يُقِرُّوا بِها ولم تقم عليهِمُ البيّنة ما حلَّ لَهُ أَن يَأخُذ مِنهُم قَلِيلًا ولا كثِيراً و أعجبُ مِن ذلك إعادتُهُ إياهم إلى أعمالِهِم ليّن كانُوا خونةً ما حلّ له أن يستعملهم و لئِن كانُوا
ص: 29
غير خونةٍ ما حلّت له أمواهُم ثمّ أقبل عليّ (عَلَيهِ السَّلَامُ) على القوم فقال العجب لقوم يرون سُنّة نبيهم تتبدّلُ وتتغير شيئاً شيئاً وباباً باباً ثمّ يرضون ولا يُنكِرُون بل يغضبُون له ويعتِبُون على من عاب عليه وأنكره ثمّ يجيء قوم بعدنا فيتَّبِعُون بِدعته و جوره وأحداثه ويتَّخِذُون أحداثهُ سُنّةً ودِيناً يتقربون بِها إِلى اللّه فِي مِثلِ تحويله مقام إبراهيم (عَلَيهِ السَّلَامُ) من الموضع الّذي وضعهُ فِيهِ رسُول اللّه (صَلَّى اللّه عَلَيْهِ وَآلِهِ) إلى الموضعِ الّذي كان فِيهِ فِي الجَاهِلِيَّةِ الّذي حَوْلَهُ مِنْهُ رسُول اللّه (صَلَّى اللّه عَلَيْهِ وَآلِهِ) و فِي تغييره صاع رسُول اللّه (صَلَّى اللّه عَلَيْهِ وَآلِهِ) و مُدّهُ وفِيهما فرِيضةٌ وسُنّةٌ فما كان زيادتُهُ إِلَّا سُوءاً لأن المساكين فِي كفارة اليمين والظهار بهما يُعطون ما يجبُ مِن الزّرع وقد قال رسُول اللّه (صَلَّى اللّه عَلَيْهِ وَآلِهِ) اللّهمّ بارك لنا فِي مُدِّنا وصاعِنا لا يحُولُون بينه وبين ذلِك لكنّهم رضُوا و قبلوا ما صنع و قبضه وصاحِبِهِ فدك وهي فِي يد فاطمة (عَلَيهَا السَّلَامُ) مقبوضةً قد أكلت غلتها على عهدِ النّبيّ (صَلَّى اللّه عَلَيْهِ وَآلِهِ) فسألها البيّنة على ما فِي يدها ولم يُصدقها ولا صدق أُمّ أيمن وهُو يعلم يقيناً كما نعلم أنها فِي يدها ولم يكُن يحِلُّ له أن يسألها البيّنة على ما فِي يدها ولا أن يتّهمها ثمّ استحسن النّاسُ ذلِك وحمدُوهُ وقالوا إنّما حمله على ذلك الورع والفضلُ ثمّ حسن قُبح فعلهما أن عدلا عنها فقالا نظُنُّ أنّ فاطمة لن تقُول إِلّا حقّاً وأن علياً لم يشهد إِلَّا بِحَقِّ و لو كانت مع أُمّ أيمن امرأةٌ أُخرى أمضيناها لها فحظِيا بذلِكَ عِند الجُهَالِ ومَا هُما ومن أمرهما أن يكُونا حاكمين فيُعطيان أو يمنعان ولكنّ الأُمّة ابتُلُوا بِهما فأدخلا أنفُسهُما فيما لا حقّ لهُما فِيهِ ولا علم لهُما بِهِ وقد قالت فاطمة (عَلَيهَا السَّلَامُ) حين أراد انتزاعها وهي فِي يدها أليست فِي يدي و فيها وكيلي وقد أكلتُ غلتها و رسُول اللّه (صَلَّى اللّه عَلَيْهِ وَآلِهِ) حتي قالا بلى قالت فلم تسألاني البيّنة على ما فِي يدي قالا لأنها فِي المسلمين فإن قامت بيّنةٌ وإلا لم غُضِها قالت لهما والنّاسُ حولهما يسمعون أفتُريدان أن تردّا ما صنع رسُول اللّه (صَلَّى اللّه عَلَيْهِ وَآلِهِ) و تحكما فينا خاصّةً بِما لم تحكُما فِي سَائِرِ المسلمين أيّها النّاسُ اسمعوا ما ركباها أرأيتُما إنِ ادّعيتُ ما فِي أيدي المسلمين من أموالهم أ تسألوني البيّنة أم تسألونهم قالا بل نسألُكِ قالت فإن ادعى جميع المسلمين ما فِي يدي تسألُوهُمُ البيّنة أم تسألُونني فغضب عُمرُو قال إِنّ هذا فيءٌ لِلمُسلِمِين وأرضُهُم وهِي فِي يدي فاطِمة تأكُلُ غلتها فإن أقامت بيّنةٌ على ما ادعت أنّ رسُول اللّه (صَلَّى اللّه عَلَيْهِ وَآلِهِ) وهبها لها من بينِ المسلمين وهي فيتُهُم وحقُهُم نظرنا فِي ذلِك فقالت
ص: 30
حسي أنشُدُكُم بِاللّه أيّها النَّاسُ أما سمِعتُم رسُول اللّه (صَلَّى اللّه عَلَيْهِ وَآلِهِ) يَقُولُ إِنّ ابنتي سيّدةُ نِساءِ أهلِ الجنَّة قالُوا اللّهمّ نعم قد سمعناهُ مِن رسُول اللّه (صَلَّى اللّه عَلَيْهِ وَآلِهِ) قالت أفسيّدةُ نِساءِ أهلِ الجنَّة تدّعِي الباطل وتأخُذُ ما ليس لها أرأيتُم لو أن أربعة شهدوا عليّ بفاحِشةٍ أو رجُلانِ بِسرِقةٍ أكُنتُم مُصدِّقِين علي فأما أبوبكر فسكت أمّا عُمرُ فقال نعم و نُوقع عليك الحدّ فقالت كذبت و لومت إِلّا أن تُقرأنك لست على دِينِ محمّد (صَلَّى اللّه عَلَيْهِ وَآلِهِ) إِنَّ الّذي يُجِيزُ على سيّدةِ نِساءِ أهلِ الجنَّة شهادةً أو يُقِيمُ عليها حداً لملعُونٌ كافِرُبما أنزل اللّه على محمّد (صَلَّى اللّه عَلَيْهِ وَآلِهِ) لأن من أذهب اللّه عنهم الرجس وطهرهم تطهيراً لا تجوز عليهم شهادة لأنهم معصُومُون مِن كلّ سُوءٍ مُطهَّرُون مِن كلّ فاحِشَةٍ حدّثني يا عُمَرُ مِن أَهلِ هَذِهِ الآيَةِ لو أن قوماً شهِدُوا عليهم أو على أحدٍ مِنهُم بِشِرك أو كُفر أو فاحِشَةٍ كان المسلمون يتبرَّءُون مِنهُم ويحدُّونهم قال نعم وما هُم وسائِرُ النَّاسِ فِي ذلِك إِلَّا سواءً قالت كذبت و كفرت ما هم و سائر النّاسِ فِي ذلِك سواءً لأن اللّه عصمهُم ونزّل عِصمتهم وتطهيرهم وأذهب عنهم الرجس فمن صدق عليهم فإنّما يُكَذِّبُ اللّه ورسوله فقال أبوبكر أقسمت عليك يا عُمرُ ما سكتْ فَلَمّا أن كان اللّيل أرسلا إلى خالِدِ بنِ الوليد فقالا إِنَّا نُرِيدُ أن نُسِر إِليك أمراً و نحملكه لثقتنا بك فقال احملاني على ما شئتُما فإنّي طوعُ أيدِيكُما فقالا لهُ إِنَّهُ لا ينفعنا ما نحنُ فِيهِ مِن الملكِ والسُّلطانِ ما دام علي حيّاً أما سمعت ما قال لنا وما استقبلنا بِهِ ونحن لا نأمنُهُ أن يدعُو فِي السِّرِ فيستجيب له قومٌ فيُناهِضنا فإِنَّهُ أشجعُ العربِ وقد ارتكبنا مِنهُ ما رأيت و غلبناه على مُلكِ ابنِ عمّه ولا حقّ لنا فِيهِ وانتزعنا فدك مِن امرأتِهِ فإذا صلّيتُ بِالنَّاسِ صلاة الغداة فقم إلى جنبه وليكن سيفك معك فإذا سلمتُ فاضرِب عُنُقهُ قال عليّ (عَلَيهِ السَّلَامُ) فصلى خالد بن الوليد بِجني مُتقلّداً السّيف فقام أبوبكر فِي الصّلاة وجعل يُؤامِرُ نفسه وندم و أُسقِط فِي يدِهِ حتّى كادتِ الشمسُ أن تطلع ثمّ قال قبل أن يُسلّم لا تفعل ما أمرتك ثمّ سلّم فقُلتُ لِخالِدٍ وما ذاك قال كان قد أمرني إذا سلّم أن أضرِب عُنقك قُلتُ أو كُنت فاعِلًا قال إي ورتي إذا لفعلتُ قال سليم ثمّ أقبل (عَلَيهِ السَّلَامُ) على العبّاس و على من حوله ثمّ قال ألا تعجبون من حبسه و حبس صاحِبِهِ عنّا سهم ذِي القُربى الّذي فرضه اللّه لنا فِي القُرآنِ وقد علم اللّه أَنّهم سيظلِمُونَاهُ و ينتزِعُونهُ مِنّا فقال
ص: 31
(إِنْ كُنْتُمْ آمَنْتُمْ بِاللَّهِ وَمَا أَنْزَلْنَا عَلَى عَبْدِنَا يَوْمَ الْفُرْقَانِ يَوْمَ الْتَقَى الْجَمْعَانِ) (1) والعجب هدمِهِ منزِل أخِي جعفر و الحاقه فِي المسجِدِ ولم يُعطِ بَنِيهِ مِن ثمنِهِ قلِيلًا و لا كثيراً ثمّ لم يعب ذلِك عليهِ النَّاسُ ولم يُغيّرُوهُ فكأنما أخذ منزل رجُلٍ مِن الدّيلم والعجب لِجهلِهِ وجهلِ الأُمّة أَنَّهُ كتب إلى جميع عُمَالِهِ أَن الجُنُب إذا لم يجد الماء فليس له أن يُصلّي و ليس له أن يتيمم بِالصّعِيدِ حتّى يجد الماء و إن لم يجده حتّى يلقى اللّه ثمّ قبل النَّاسُ ذلِك ورضوا به وقد علم و علم النّاسُ أنّ رسُول اللّه (صَلَّى اللّه عَلَيْهِ وَآلِهِ) قد أمر عمّاراً و أمر أبا ذرّ أن يتيمما من الجنابة ويُصلّيا و شهدا بِهِ عِنده و غيرُهُما فلم يقبل ذلِك و لم يرفع بِهِ رأساً و العجبُ لِما خلط قضايا مُختلِفةً فِي الجدّ بِغيرِ عِلم تعشفاً وجهلًا و ادّعائِهِما ما لم يعلما جُرأةٌ على اللّه وقلة ورع ادعيا أنّ رسُول اللّه (صَلَّى اللّه عَلَيْهِ وَآلِهِ) مات ولم يقض فِي الجدّ شيئاً مِنهُ ولم يدع أحد يعلم ما للجدِ مِن الميراث ثمّ تابعوهما على ذلك وصدّقُوهُها و عِتقِهِ أُمهات الأولاد فأخذ النَّاسُ بِقولِهِ و تَرَكُوا أَمر رسُول اللّه (صَلَّى اللّه عَلَيْهِ وَآلِهِ) و ما صنع بنصر بن الحجاج وبجعدة مِن سُليم وبابن وبرة و أعجبُ مِن ذلك أن أبا كنف العبدي أتاه فقال إنّي طلقتُ امرأتي وأنا غائب فوصل إليها الطلاقُ ثمّ راجعتُها وهِي فِي عِدَّتِها وكتبتُ إليها فلم يصِلِ الكِتابُ إِليها حتّى تزوّجت فكتب له إن كان هذا الّذي تزوجها قد دخل بها فهي امرأتُه و إن كان لم يدخُل بِها فهي امرأتك وكتب له ذلك وأنا شاهِدٌ فلم يُشاوِرني ولم يسألني يرى استغناءهُ بِعِلمِهِ عنِّي فأردتُ أن أنهاهُ ثمّ قُلتُ ما أُبَالِي أن يفضحه اللّه ثمّ لم يعبهُ النَّاسُ بل استحسنُوهُ واتَّخَذُوهُ سُنّةً و قبِلُوهُ مِنهُ و رأوه صواباً و ذلك قضاء لوقضى. بِهِ مجنُونٌ نحيف سخِيفٌ لما زاد ثمّ تركه من الأذانِ حي على خير العمل فاتَّخَذُوهُ سُنّةٌ وتابعُوه على ذلك وقضيّتِهِ فِي المفقُودِ و أن أجل امرأته أربع سِنِين ثمّ تتزوّج فإن جاء زوجها خُيّر بين امرأتِهِ و بين الصداق فاستحسنه النَّاسُ واتَّخَذُوهُ سُنّةً وقبِلُوهُ مِنهُ جهلًا وقلة عِلمٍ بِكِتابِ اللّه عزّوجلّ وسنة نبيّه (صَلَّى اللّه عَلَيْهِ وَآلِهِ) و إخراجه من المدينة كلّ أعجمي و إرساله إلى عُماله بالبصرة بحبل طُولُهُ خمسة أشبارٍ و قولِهِ من أخذتُمُوهُ مِن الأعاجِمِ فبلغ طول هذا الحبل فاضرِبُوا عُنُقهُ وردِهِ سبايا تُستروهُنّ حبالى و إرساله بحبل فِي صبيان سرقُوا بِالبصرة وقوله من
ص: 32
بلغ طول هذا الحبل فاقطعُوهُ وأعجبُ مِن ذلِك أنّ كذاباً رُجم بِكِذابةٍ فقبلها وقبلها الجُهَالُ فزعموا أن الملك ينطِقُ على لِسانِهِ ويُلقِنُهُ و اعتاقه سبايا أهل اليمن و تخلَّفِهِ وصاحِبِهِ عن جيش أُسامة بن زيدٍ مع تسليمِهِما عليه بالإمرةِ ثمّ أعجبُ مِن ذلِك أنّه قد علم اللّه وعلمهُ النَّاسُ أَنَّهُ الّذي صدّ رسُول اللّه (صَلَّى اللّه عَلَيْهِ وَآلِهِ) عن الكتفِ الّذي دعاهُ بِهِ ثمّ لم يضُرَهُ ذلِك عِندهُم ولم ينقصه وأَنَّهُ صَاحِبُ صفية حين قال لها ما قال فغضب رسُول اللّه (صَلَّى اللّه عَلَيْهِ وَآلِهِ) حتّى قال ما قال وإِنَّهُ وصاحبه اللّذانِ كفا عن قتل الرّجُلِ الّذي أمرهما رسُول اللّه (صَلَّى اللّه عَلَيْهِ وَآلِهِ) بقتله ثمّ أمرني بعدهما و قال النّبيّ (صَلَّى اللّه عَلَيْهِ وَآلِهِ) فِي ذلك ما قال وأمر النّبيّ (صَلَّى اللّه عَلَيْهِ وَآلِهِ) أبا بكرينادِي فِي النَّاسِ أَنْهُ من لي اللّه مُوحِداً لا يُشرِكُ بِهِ شيئاً دخل الجنَّة فردّهُ عُمرُ و أطاعه أبوبكر و عُصِى رسُول اللّه (صَلَّى اللّه عَلَيْهِ وَآلِهِ) فلم تُنفذ أمرُهُ فقال رسُول اللّه فِي ذلِك ما قال فمساويه و مساوي صاحِبِهِ أَكثرُ مِن أن تُحصى. أو تُعدُّ ثمّ لم ينقصهم ذلك عِند الجهال والعامَّة وهُما أحبُّ إليهم من آبائهم وأمهاتهم وأنفُسِهِم و يُبغِضُون لهما ما لا يُبغِضُون لِرَسُولِ اللّه (صَلَّى اللّه عَلَيْهِ وَآلِهِ) قال عليّ (عَلَيهِ السَّلَامُ) ثمّ مررتُ بِالصُّها كي يوماً فقال لي ما مثل محمّد إِلَّا كمثلِ نخلةٍ نبتت فِي كُناسةٍ فأتيتُ رسُول اللّه (صَلَّى اللّه عَلَيْهِ وَآلِهِ) فذكرتُ لهُ ذلك فغضب النّبيّ وخرج فأتى المنبر و فزعت الأنصار فجاءت شاكةً فِي السّلاح لما رأت من غضب رسُول اللّه (صَلَّى اللّه عَلَيْهِ وَآلِهِ) فقال ما بال أقوامٍ يُعيرونني بقرابتي و قد سَمِعُوا مِنِّي ما قُلتُ فِي فضلِهِم وتفضيلِ اللّه إِيَّاهُم و ما اختصّهُمُ اللّه بِهِ مِن إِذهَابِ الرِّجس عنهم وتطهيرِ اللّه إِيَّاهُم و قد سمعتُم ما قُلتُ فِي أفضل أهل بيتي و خيرِهِم تِما خصّهُ اللّه بِهِ وأكرمه وفضّلهُ مِن سبقِهِ فِي الإِسلامِ وبلائِهِ فِيهِ و قرابتِهِ مِنّي وأنهُ مِنِّي بِمنزِلَةِ هَارُون مِن مُوسى ثمّ تزعُمُونَ أَنّ مثلِي فِي أَهلِ بيتي كمثل نخلةٍ نبتت فِي كُناسةٍ ألا إنّ اللّه خلق خلقه ففرقهُم فرقتين فجعلني فِي خير الفرقتين ثمّ فرق الفرقة ثلاث فرق شُعُوباً وقبائل وبُيُوتاً فجعلني فِي خيرها شعباً وخيرها قبيلة ثمّ جعلهم بُيُوتاً فجعلني فِي خيرها بيتاً فذلك قولُهُ (إنّما يُرِيدُ اللّه لِيُذهِب عنكُمُ الرِّجس أهل البيت ويُطهِّركُم تطهيراً) (1) فحصلت فِي أهل بيتي و عترتي و أنا وأخي عليّ بن أبِي طالِب ألا و إن اللّه نظر إلى أهل الأرض
ص: 33
نظرةً فاختارني منهم ثمّ نظر نظرةً فاختار أخي عليّاً ووزيري و وصيّي و خليفتي فِي أُمّتي وولي كلّ مُؤمِنٍ بعدِي فبعثني رسُولًا ونبيّاً ودليلًا فأوحى إليَّ أَنِ اتَّخِذ عليّاً أخاً و وليّاً ووصيّاً وخليفةً فِي أمتي بعدِي ألا وإنَّهُ وليُّ كلّ مُؤْمِنٍ بعدِي من والاه والاه اللّه و من عاداه عاداه اللّه و من أحبّهُ أحبّهُ اللّه و من أبغضه أبغضهُ اللّه لا يُحِبُّهُ إِلَّا مُؤْمِنٌ ولا يُبغِضُهُ إِلَّا كافِرُ ربّ الأَرْضِ بعدِي وسكنُها وهُو كلمةُ اللّه التَّقوى وعُروةُ اللّه الوُثق أتُرِيدُون أَن تُطْفِئُوا نُور اللّه بأفواهِكُم واللّه متمُّ نوره ولو كره المشركون ويُرِيدُ أعداء اللّه أَن يُطْفِئُوا نُورٍ أَخِي ويأبى اللّه إِلَّا أن يتمّ نُوره يا أيّها النَّاسُ لِيُبلغ مقالتي شاهِدُكُم غائبكُم اللّهمّ اشهد عليهم. يا أيّها النَّاسُ إن اللّه نظر نظرةً ثالثةً فاختار منهم بعدِي اثني عشر وصيّاً مِن أَهلِ بيتي وهُم خِيارُ أُمّتي مِنهُم أحد عشر إماماً بعد أخي واحِداً بعد واحِدٍ كُلّما هلك واحِدٌ قام واحِدٌ مِنهُم مثلهم كمثلِ النُّجُومِ فِي السّماء كُلّما غاب نجم طلع نجم لأنهم أيَّةٌ هُداةٌ مُهتدون لا يضُرُّهُم كيد من كادهم ولا خذلان من خذهُم بل يُضِرُّ اللّه بِذلِك من كادهُم وخذهُم فهُم حُجّةُ اللّه فِي أَرضِهِ و شُهداؤُهُ على خلقِهِ من أطاعهم أطاع اللّه و من عصاهم عصى اللّه هم مع القُرآنِ والقُرآنُ معهم لا يُفارِقُونه ولا يُفارِقُهُم حتّى يردوا علي حوضي أول الأمة أخعليّ (عَلَيهِ السَّلَامُ) خيرُهُم ثمّ ابني الحسنُ ثمّ ابني الحُسين ثمّ تسعةٌ مِن وُلد الحُسين وأُمُّهُمُ ابنتي فاطِمةُ (صَلَّى اللّه عَلَيْهِ وَآلِهِ) ثمّ من بعدِهِم جعفر بن أبِي طالِب ابنُ عمّي وأخُو أخِي وعمّي حمزة بن عبد المطلبِ ألا إِنِّي محمّد بنُ عبدِ اللّه أنا خير المرسلين والنبيّين وفاطمة ابنتي سيّدةُ نِساءِ أَهلِ الجنَّة وعلي و بنُوه الأوصِياءُ خير الوصِيِّين وأهل بيتي خيرُ أهلِ بُيُوتاتِ النبيّين وإبناي سيدا شباب أهلِ الجنَّة أيّها النَّاسُ إِنّ شفاعتي ليرجُوها رجاؤُكُم أ فيعجز عنها أهل بيتي ما مِن أحدٍ ولده جدي عبد المطلب يلقى اللّه مُوحِداً لا يُشرِكُ بِهِ شيئاً إِلَّا أُدخِلُهُ الجنَّة ولو كان فِيهِ مِن الذُّنُوبِ عددُ الحصى وزبد البحرأيُّها النَّاسُ عظمُوا أهل بيتي فِي حياتي ومِن بعدِي وأكرِمُوهُم وفَضِّلُوهُم فإِنَّهُ لا يُحِلُّ لأحد أن يقوم من مجلسِهِ لأحدٍ إلّا لأهل بيتِي إِنِّي لو أخذتُ بِحلقة بابِ الجنَّة ثمّ تجلى لي ربّي تبارك وتعالى فسجدتُ و أذِن لِي بِالشّفاعةِ لم أُوثِر على أهل بيتي أحداً أيّها النَّاسُ انسُبُوني من أنا؟ فقام رجُلٌ مِن الأنصارِ فقال:
نعُوذُ بِاللّه مِن غضبِ اللّه و مِن غضبِ رَسُولِهِ أخبرنا يا رسُول اللّه مَنِ الّذي آذَاكَ فِي أهل بيتك حتّى
ص: 34
نضرب عنقُهُ و ليُبر عِترتُهُ فقال انسبُوني أنا محمّد بنُ عبدِ اللّه بنِ عبدِ المطلب بن هاشم حتّى انتسب إلى نزارٍ ثمّ مضى فِي نسبه إلى إسماعيل بن إبراهيم خلِيلِ اللّه ثمّ قَالَ إِنِّي وأهلُ بيتي بطينة طيبة من تحت العرش إلى آدم نكاح غيرُ سِفاح لم يُخالِطنا نِكَاحُ الجَاهِلِيَّةِ فسلُونِي فو اللّه لا يسألني رجُلٌ عن أبيه و عن أُمِّهِ و عن نسبهِ إِلّا أخبرتُهُ بِهِ فقام إليهِ رَجُلٌ فقال من أبي فقال (صَلَّى اللّه عَلَيْهِ وَآلِهِ) أبوك فلانُ الّذي تُدعى إليهِ فحمد اللّه وأثنى عليه وقال لونسبتني إلى غيره الرضِيتُ وسلمتُ ثمّ قام إليهِ رجُلٌ آخر فقال له من أبي فقال أبوك فلانٌ لِغَير أَبِيهِ الّذي يُدعى إليه فارتدّ عن الإسلامِ ثمّ قام إليهِ رجُلٌ آخرُ فقال أ مِن أهل الجنَّة أنا أم مِن أهلِ النّار فقال مِن أهل الجنَّة ثمّ قام رجُلٌ آخر فقال أ مِن أهل الجنَّة أنا أم مِن أهلِ النّار.
فقال مِن أهلِ النّار ثمّ قال رسُول اللّه (صَلَّى اللّه عَلَيْهِ وَآلِهِ) و هُو مُغضب ما يمنعُ الّذي عيّر أفضل أهل بيتي وأخي و وزيري و وارثي و وصيّي وخليفتي فِي أُمّتي وولي كلّ مُؤمِن بعدِي أن يقوم فيسألني من أبوه وأين هُوا فِي الجنَّة أم فِي النّار فقام إليهِ عُمرُ بن الخطّابِ فقال أعُوذُ بِاللّه مِن سخط اللّه وسخطِ رَسُولِهِ أَعفُ عنّا يا رسُول اللّه عفا اللّه عنك أقلنا أقالك اللّه استرنا سترك اللّه اصفح عنّا صلّى اللّه عليك فاستحى رسُول اللّه (صَلَّى اللّه عَلَيْهِ وَآلِهِ) فكف قال عليّ (عَلَيهِ السَّلَامُ) وهُو صاحِبُ العبّاسِ الّذي بعثهُ رسُول اللّه (صَلَّى اللّه عَلَيْهِ وَآلِهِ) ساعياً فرجع وقال إنّ العبّاس قد منع صدقة مالِهِ فغضب رسُول اللّه (صَلَّى اللّه عَلَيْهِ وَآلِهِ) و قال الحمد للّه الّذي عافانا أهل البيتِ مِن شرّ ما يُلطِخُونَا بِهِ إِنّ العبّاس لم يمنع صدقة ماله و لكنك عجّلت عليه وقد عجّل زكاة سنين ثمّ أتاني بعد ذلك يطلُبُ أن أمشي. معهُ إِلى رسُول اللّه (صَلَّى اللّه عَلَيْهِ وَآلِهِ) شافعاً ليرضى عنه ففعلتُ وهُو صاحِبُ عبدِ اللّه بنِ أَبِي سَلُولٍ حِين تقدّم رسُول اللّه (صَلَّى اللّه عَلَيْهِ وَآلِهِ) ليُصلّي عليه فأخذ بثوبِهِ مِن ورائِهِ فدهُ إِليهِ مِن خلفه وقال قد نهاك اللّه أن تُصلّي عليهِ ولا يحلُّ لك أن تُصلّي عليه فقال له رسُول اللّه (صَلَّى اللّه عَلَيْهِ وَآلِهِ) ويلك قد آذيتني إنّما صلّيتُ عليهِ كرامةً لابنِهِ و إِنِّي لأرجو أن يُسلِم بِهِ سَبعُون رَجُلًا مِن بَنِي أَبِيهِ وأهل بيتِهِ وما يدريك ما قُلتُ إِنّما دعوتُ اللّه عليهِ وهُو صاحِبُ رسُول اللّه (صَلَّى اللّه عَلَيْهِ وَآلِهِ) يوم الحديبية حين كُتِب القضيّةُ إذ قال له أنُعطِي الدّنِيَّة فِي دِيننا ثمّ جعل يطوفُ فِي عسكر رسُول اللّه (صَلَّى اللّه عَلَيْهِ وَآلِهِ) يُشكِّكُهُم و يُحضّضُهُم ويَقُولُ أنُعطِي الدّنيَّة فِي دِيننا فقال
ص: 35
رسُول اللّه (صَلَّى اللّه عَلَيْهِ وَآلِهِ) أفرِجُوا عَنِّي أَتُرِيدُون أن أغدِر بِذِمّتي ولأني لهم بما كتبتُ لهُم خُذ يا شهيلُ بِيدِ أبي جندل فأخذه فشده وثاقاً فِي الحديدِ ثمّ جعل اللّه عاقبة أمرِ رسُول اللّه (صَلَّى اللّه عَلَيْهِ وَآلِهِ) إلى الخير و الرُّشدِ والهدى والعزة والفضل وهُو صاحِبُ يومِ غدِيرِ خُمّ إذ قال هُو و صاحِبُهُ حِين نصبنِي رسُول اللّه (صَلَّى اللّه عَلَيْهِ وَآلِهِ) ليولايتي فقال ما يألو أن يرفع خسيسته وقال الآخرُ ما يألُو رفعاً بِضبع ابنِ عمّهِ وقال لِصاحِبِهِ وأنا منصُوبٌ إِنَّ تعليقا هذه لهي الكرامة فقطب صاحِبُهُ فِي وجهه وقال لا واللّه لا أسمعُ لَهُ ولا أُطِيعُ أَبداً ثمّ اتكأ عليهِ ثمّ تمطى وانصرفا فأنزل اللّه فِيهِ (فَلَا صَدَّقَ وَلَا صَلَّى *وَلَكِنْ كَذَّبَ وَتَوَلَّى * ثُمَّ ذَهَبَ إِلَى أَهْلِهِ يَتَمَطَّى * أَوْلَى لَكَ فَأَوْلَى * ثُمَّ أَوْلَى لَكَ فَأَوْلَى) (1) وعِيداً مِن اللّه له وانتِهاراً وهُو الّذي دخل عليّ مع رسُول اللّه (صَلَّى اللّه عَلَيْهِ وَآلِهِ) يعُودُني فِي رهط مِن أصحابِهِ حِين غمزه صاحِبُه فقام وقال يا رسُول اللّه إنك قد كُنت عهدت إلينا فِي علي عهداً و إنّي لأراهُ لِما بِهِ فإن هلك فإلى من فقال رسُولُ اللّه (صَلَّى اللّه عَلَيْهِ وَآلِهِ) اجلس فأعادها ثلاث مراتٍ فأقبل عليهما رسُول اللّه (صَلَّى اللّه عَلَيْهِ وَآلِهِ) فقال إِيهِ واللّه إِنَّهُ لا يموتُ فِي مرضِهِ هذا واللّه لا يموتُ حتّى تملياه غيظاً وتُوسّعاه غدراً وظلماً ثمّ تحداه صابراً قواماً ولا يموتُ حتّى يلق مِنكُما هناتٍ وهناتٍ ولا يموتُ إِلَّا شهيداً مقتولًا وأعظمُ مِن ذلك كله أنّ رسُول اللّه (صَلَّى اللّه عَلَيْهِ وَآلِهِ) جمع ثمانين رجُلًا أربعين من العرب وأربعين من العجم وهُما فيهم فسلموا على بإمرة المؤمنين ثمّ قال إنّي أُشْهِدُكُم أن علياً أخي و وزيري و وارثي وخليفتي فِي أُمّتي ووصيّي فِي أهلي ووليُّ كلّ مُؤمِنٍ بعدي فاسمعوا له وأطِيعُوا وفيهم أبوبكر و عُمرُو عُثمان وطلحة والزّبيرو سعد وعبد الرحمن بن عوف وأبو عبيدة وسالِمٌ ومُعاذ بن جبلٍ و رهط من الأنصار ثمّ قال إِنِّي أُشْهِدُ اللّه عليكم ثمّ أقبل عليّ (عَلَيهِ السَّلَامُ) على القوم فقال سبحان اللّه يما أُشربت قُلُوبُ هذِهِ الأُمّة مِن بليّتِهما وفتنتهما مِن عِجلها وسامِرِتِها إِنَّهُم أقروا وادعوا أن رسُول اللّه (صَلَّى اللّه عَلَيْهِ وَآلِهِ) لم يستخلف أحداً و أنَّه أُمر بالشورى وقال من قال إن رسُول اللّه (صَلَّى اللّه عَلَيْهِ وَآلِهِ) لم يستخلف أحداً و إن نبيّ اللّه قال إن اللّه لم يكن ليجمع لنا أهل البيت بين النُّبُوَّةِ و الخلافة وقد قال لِأُولئِكَ الثمانين رجُلا سلّموا على على بامرة المؤمنين و أشهدهم على
ص: 36
ما أشهدهم عليهِ والعجبُ أنَّهم أقرُّوا ثمّ ادعوا أن رسُول اللّه (صَلَّى اللّه عَلَيْهِ وَآلِهِ) لم يستخلف أحداً وأنهم أُمِرُوا بِالشُّورى ثمّ أقروا أنَّهم لم يُشاوِرُوا فِي أبي بكرو أن بيعته كانت فلتةً وأَيُّ ذنبٍ أعظمُ مِن الفلتةِ ثمّ استخلف أبوبكرٍ عُمر و لم يقتدِ بِرسُولِ اللّه (صَلَّى اللّه عَلَيْهِ وَآلِهِ) فيدعهم بغير استخلاف فقيل له فِي ذلك فقال أدعُ أُمّة محمّد كالنّعل الخلقِ أدعُهُم بِغير أحدٍ أستخلف عليهم طعناً منه على رسُول اللّه (صَلَّى اللّه عَلَيْهِ وَآلِهِ) و رغبةً عن رأيِهِ ثمّ صنع عُمرُ شيئاً ثالثاً لم يدعهم على ما ادعى أن رسُول اللّه (صَلَّى اللّه عَلَيْهِ وَآلِهِ) لم يستخلف ولا استخلف كما استخلف أبوبكر و جاء بشيء ثالث وجعلها شورى بين ستة نفر و أخرج منها جميع العرب ثمّ حظي بذلك عند العامَّة فجعلهم مع ما أُشربت قُلُوبُهُم مِن الفتنة والصّلالة أقراني ثمّ بايع ابنُ عوفٍ عُثمان فبايعوه وقد سَمِعُوا مِن رسُول اللّه (صَلَّى اللّه عَلَيْهِ وَآلِهِ) فِي عُثمان ما قد سَمِعُوا مِن لعنِهِ إِيَّاهُ فِي غير موطن فعثمان على ما كان عليه خير منهما ولقد قال مُنذُ أيامٍ قولًا وقفتُ له و أعجبتني مقالته بينما أنا قاعِدٌ عِندَهُ فِي بيتِهِ إذ أتته عائشه و حفصة تطلُبانِ ميراثهما مِن ضِياع رسُول اللّه (صَلَّى اللّه عَلَيْهِ وَآلِهِ) و أمواله الّتي بيده فقال لا واللّه ولا كرامة لكما ولا نعمتُ عنه ولكن أُجِيزُ شهادتكُما على أنفُسِكُما فَإِنَّكُما شهد ما عِند أبويكُما أَنكُما سمعتُما من رسُول اللّه (صَلَّى اللّه عَلَيْهِ وَآلِهِ) يَقُولُ النّبيّ لا يُورِثُ ما ترك فهُو صدقةٌ ثمّ لقنتُما أعرابيّاً جلفاً يبُولُ على عقبيهِ يتطهَرُ بِبولِهِ مالك بن أوس بن الحدثان فشهد معكما ولم يكُن فِي أصحابِ رسُول اللّه (صَلَّى اللّه عَلَيْهِ وَآلِهِ) من المهاجرين ولا من الأنصار أحد شهد بِذلِك غيركُما و غيرُ أعرابي أما واللّه ما أشُكُ أنَّه قد كذب على رسُول اللّه (صَلَّى اللّه عَلَيْهِ وَآلِهِ) و كذبتُما عليه معه ولكِنِّي أُجِيزُ شهادتكُما على أنفُسِكُما فاذهبا فلا حقّ لكما فانصرفتا مِن عِندِهِ تلعنانِهِ و تشتُمانِهِ فقال ارجعا أليس قد شهدتُما بذلِك عِند أبي بكر قالتا نعم قال فإن شهدتُما بحق فلا حقّ لكُما وإِن كُنتُما شهدتُما بِباطِل فعليكُما وعلى من أجاز شهادتكُما على أهل هذا البيت لعنة اللّه والملائكة والنّاس أجمعين قال (عَلَيهِ السَّلَامُ) ثمّ نظر إلي فتبسم ثمّ قال يا أبا الحسنِ أشفيتك مِنهُما قُلتُ نعم واللّه وأبلغت وقلت حقّاً فلا يُرغمُ اللّه إِلَّا آنافهُما فرققتُ لِعُثمان و علِمتُ أَنَّهُ إنما أراد بِذلِك رِضاي و أنّهُ أقربُ مِنهُما رُحماً وأكف عنّا مِنهُما وإِن كان لا عُذر له ولا حُجّة بتأمِيرِهِ علينا وادّعائِهِ حقّنا و إنّ بعض من سميتُ ما كان ذا بلاء ولا سابقةٍ ولا مُبارزة قرنٍ ولا فتح و لا نصر غير مرة
ص: 37
واحدة ثمّ فرو منح عدُوهُ دُبُره ورجع يُجيّنُ أصحابه ويُجيِّنُونه وقد فرّ مراراً فإذا كان عِند الرّخاءِ والغنيمة تكلّم وتغيّر و أمرونهى و لقد نادى ابنُ عبدِ وُد يوم الخندق بِاسمِهِ فحاد عنه ولاذ بِأصحابِهِ حتّى تبسّم رسُول اللّه (صَلَّى اللّه عَلَيْهِ وَآلِهِ) ما رأى بِهِ مِن الرُّعب و قال (صَلَّى اللّه عَلَيْهِ وَآلِهِ) أين حبيبي على تقدّم يا حبيبي يا علي وهُو القائِلُ يوم الخندق لأصحابِهِ الأربعةِ أصحابِ الكِتابِ والرأي و اللّه أن ندفع محمّداً إليهِم بِرُمَتِهِ ونسلم من ذلك حين جاء العدو من فوقنا و من تحتِنا كما قال اللّه تعالى (و زُلزِلُوا زِلزالا شديداً و ظنُّوا بِاللّه الظُّنُونا وقال المنافِقُون وَالَّذِينَ فِي قُلُوبِهِمْ مَرَضٌ مَا وَعَدَنَا اللَّهُ وَرَسُولُهُ إِلَّا غُرُورًا) (1)، فقال له صاحِبُهُ لا ولكن نتَّخِذُ صنماً عظيماً نعبُدُهُ لأنا لا نأمنُ أن يظفر ابن أبي كبشة فيكون هلاكنا ولكن يكُونُ هذا الصنم لنا ذُخراً فإن ظفرت قريش أظهرنا عِبادة هذا الصنم وأعلمناهُم أنا لن تُفارِق ديننا و إن رجعت دولة ابن أبي كبشة كُنَّا مُقيمين على عِبادة هذا الصنم سِراً فنزل جبرئيل (عَلَيهِ السَّلَامُ) فأخبر النّبيّ (صَلَّى اللّه عَلَيْهِ وَآلِهِ) بذلك ثمّ خبّرني بِهِ رسُول اللّه (صَلَّى اللّه عَلَيْهِ وَآلِهِ) بعد قتلي ابن عبدِ وُد فدعاهما فقال كم صنم عبدتُما فِي الجاهليّة فقالا يا محمّد لا تُعيّرنا بما مضى فِي الجاهليّةِ فقال (صَلَّى اللّه عَلَيْهِ وَآلِهِ) لهما فكم صنم تعبُدان يومكما هذا فقالا والّذي بعثك بالحق نبيّاً ما نعبُدُ إِلَّا اللّه مُنذُ أَظهرنا مِن دينك ما أظهرنا فقال يا عليُّ خُذ هذا السيف فانطلق إلى موضع كذا و كذا فاستخرج الصنم الّذي يعبُدانِهِ فاهشِمهُ فإِن حال بينك وبينه أحدٌ فاضرِب عُنقه فانكبا على رسُول اللّه (صَلَّى اللّه عَلَيْهِ وَآلِهِ) فقالا استرنا سترك اللّه فقُلتُ أنا لهما اضمنا للّه ولِرَسُولِهِ أَن لا تعبدا إِلَّا اللّه ولا تُشرِكا بِهِ شيئاً فعاهدا رسُول اللّه (صَلَّى اللّه عَلَيْهِ وَآلِهِ) على ذلك وانطلقت حتّى استخرجتُ الصنم من موضِعِهِ و کسرتُ وجهه ويديه و جذمتُ رِجليهِ ثمّ انصرفتُ إلى رسُول اللّه (صَلَّى اللّه عَلَيْهِ وَآلِهِ) فواللّه لقد عرفتُ ذلك فِي وجههما علي حتّى ماتا ثمّ انطلق هُو و أصحابُهُ حِين قُبِض رسُول اللّه (صَلَّى اللّه عَلَيْهِ وَآلِهِ) فخاصموا الأنصار بحقي فإن كانُوا صدقُوا واحتجوا بحق أنَّهم أولى مِن الأنصارِ لأَنهم مِن قُريش و رسُول اللّه (صَلَّى اللّه عَلَيْهِ وَآلِهِ) من قريش فمن كان أولى بِرسُولِ اللّه (صَلَّى اللّه عَلَيْهِ وَآلِهِ) كان أولى بالأمرِو إنّما ظلموني حتي وإن كانُوا احتجوا بِباطِل فقد ظلمُوا
ص: 38
الأنصار حقّهم واللّه يحكم بيننا وبين من ظلمنا حقّنا و حمل الناس على رقابنا والعجب لما قد أُشرِبت قُلُوبُ هَذِهِ الأُمّة مِن حُتِهِم وحُتِ من صدهم عن سبيل ربّهم وردّهم عن دِينِهِم واللّه لو أنّ هذِهِ الأُمّة قامت على أرجلها على التُّرابِ ووُضِعَتِ الرّمادُ على رُءُوسِها و تضرّعت إلى اللّه ودعت إلى يوم القيامة على من أضلهُم وصدّهُم عن سبيل اللّه ودعاهُم إِلى النّار و عرضهم لسخط ربّهم وأوجب عليهم عذابهُ بِما أجرمُوا إِليهم لكانُوا مُقصِّرِين فِي ذلِك وذلك أن المحقِّ الصّادِق والعالِم بِاللّه ورسولِهِ يتخوّفُ إن غير شيئاً مِن بِدعِهِم وسُننِهِم وأحداثِهِم وعادتِهِ العامَّة ومتى فعل شاقُّوهُ و خالفُوهُ و تبره وا مِنهُ و خذلوه و تفرّقُوا عن حقه وإن أخذ يبدعِهِم وأقربها وزينها و دان بها أحبته و شرفته وفضلته واللّه لو ناديتُ فِي عسكري هذا بالحقِّ الّذي أنزل اللّه على نبيّه وأظهرتُهُ و دعوتُ إليهِ و شرحتُه وفسرته على ما سمِعتُ مِن نيّ اللّه (صَلَّى اللّه عَلَيْهِ وَآلِهِ) فِيهِ ما بِقِي فِيهِ إِلَّا أَقلُّهُ و أذلُّه وأرذلُهُ ولاستوحشُوا مِنهُ ولتفرّقُوا عني ولولا ما عاهد رسُول اللّه (صَلَّى اللّه عَلَيْهِ وَآلِهِ) إلي وسمعتُهُ منه وتقدم إلي فِيهِ لفعلتُ ولكن رسُول اللّه (صَلَّى اللّه عَلَيْهِ وَآلِهِ) قد قال يا أخي كلّ ما اضطر إليهِ العبدُ فقد أحله اللّه له وأباحه إياه وسمِعتُهُ يَقُولُ إنَّ التَّقِيَّة مِن دِينِ اللّه ولا دين لمن لا تقيَّة لهُ ثمّ أقبل (عَلَيهِ السَّلَامُ) عليّ فقال
أدفعُهم بالراح دفعا عني *** ثُلثان من حيٍّ وثُلُثٌ مِنِّي
فإن عوضني ربي فأعذرني
ثُم أقبل (عَلَيهِ السَّلَامُ) بوجهِهِ على ناسٍ مِن أهل بيتِهِ وشِيعَتِهِ فقال واللّه لقد عمِلتِ الأَيْتُةُ قبلي بِأُمُورٍ عظيمة خالفت فيها رسُول اللّه (صَلَّى اللّه عَلَيْهِ وَآلِهِ) مُتعمّدين لو حملتُ النّاس على تركها وتحويلها عن موضعها إلى ما كانت تجري عليهِ على عهدِ رسُول اللّه (صَلَّى اللّه عَلَيْهِ وَآلِهِ) لتفرّق عنِّي جُندِي حتّى لا يبقى فِي عسكري غيري و قلِيلٍ مِن شِيعَتِي الّذين إِنّما عرفُوا فضلي و إمامتِي مِن كِتابِ اللّه و سُنّة نبيّه لا من غيرهما أ رأيتُم لو أمرتُ بمقام إبراهيم (عَلَيهِ السَّلَامُ) فرددته إلى المكانِ الّذي وضعهُ فِيهِ رسُول اللّه (صَلَّى اللّه عَلَيْهِ وَآلِهِ) و رددتُ فدك إلى ورثة فاطمة (عَلَيهَا السَّلَامُ) ورددتُ صاع رسُول اللّه (صَلَّى اللّه عَلَيْهِ وَآلِهِ) و مُدّه إلى ما كان وأمضيتُ قطائع أقطعها رسُول اللّه (صَلَّى اللّه عَلَيْهِ وَآلِهِ) لأهلها و رددت دار جعفربن أبِي طالِب إلى ورثته وهدمتها من المسجِدِ ورددت قضايا من قضى من كان قبلي بجورٍ و رددتُ ما
ص: 39
قُسِم مِن أرض خيبرو محوتُ ديوان الأعطِيةِ وأعطيتُ كما كان يُعطِي رسُول اللّه (صَلَّى اللّه عَلَيْهِ وَآلِهِ) ولم أجعلهُ دُولةً بين الأغنياء وسبيتُ ذرارِيّ بَنِي تغلب و أمرتُ النّاس أن لا يجمعُوا فِي شهر رمضان إلّا فِي فريضة لنادى بعضُ النّاسِ مِن أهل العسكر من يُقاتِلُ مَعِي يا أهل الإسلام و قالُوا غيّرت سُنّة عُمر نهيتنا أن نُصلّي فِي شهر رمضان تطوعاً حتّى خِفْتُ أَن يَثُورُوا فِي ناحية عسكري بؤسى لما لقيتُ مِن هذِهِ الأُمّة بعد نبيها مِن الفُرقةِ و طاعةِ أئمَّةِ الضَّلالِ والدُّعاةِ إِلى النّارِ و لم أُعطِ سهم ذوي القُربى مِنهُم إِلّا لمن أمر اللّه بإعطائِهِ الّذينَ قَالَ اللّه إِن كُنتُمْ آمَنتُم بِاللّه وما أنزلنا على عبدنا يوم الفُرقان يوم التقى الجمعان فنحنُ الّذين عنى اللّه بِذِي القُربى و اليتامى والمساكين و ابنِ السَّبِيلِ كلّ هؤلاءِ مِنا خاصّةً لأَنه لم يجعل لنا فِي سهم الصدقة نصِيباً وأكرم اللّه نبيّه (صَلَّى اللّه عَلَيْهِ وَآلِهِ) وأكرمنا أن يُطعمنا أوساخ أيدِي النّاسِ. (1)
ص: 40
1- عن زرارة قال سمعت أبا جعفر (عَلَيهِ السَّلَامُ) يقُولُ إِنّما سار عليّ (عَلَيهِ السَّلَامُ) بالكفّ عن عدوه مِن أجل شيعتنا لأنَّه كان يعلم سيظهرُ عليهم بعده فأحبّ أن يقتدِي بِهِ من جاء بعده فيسير فيهم بسيرته ويقتدي بالكفِّ عنهم بعده. (1)
2 - عن محمّد بنِ أَبِي عُمير عمّن ذكره عن أبي عبد اللّه (عَلَيهِ السَّلَامُ) قال: قُلتُ لهُ ما بال أمير المؤمنين (عَلَيهِ السَّلَامُ) لم يُقاتِل فُلاناً وفُلاناً وفُلاناً قال لآيَةٍ فِي كِتابِ اللّه عزّوجلّ (لوتزيلُوا لعذبنا الّذين كفرُوا مِنهُم عذاباً أليماً) (2) قال قلتُ وما يعني بتزايلهم قال ودائع مُؤمِنِين فِي أصلاب قوم كافرين وكذلك القائم (عَلَيهِ السَّلَامُ) لن يظهر أبداً حتّى تخرج ودائع اللّه تعالى فإذا خرجت ظهر على من ظهر مِن أعداء اللّه فقتلهم. (3)
3 - عن إبراهيم الكرخي قال: قُلتُ لأبي عبد اللّه (عَلَيهِ السَّلَامُ) أو قال لهُ رجُلٌ أصلحك اللّه ألم يكُن عليّ (عَلَيهِ السَّلَامُ) قويّاً فِي دِينِ اللّه عزّو جلّ قال بلى قال فكيف ظهر عليه القوم وكيف لم يدفعهم وما منعهُ مِن ذلِك قال آيةٌ فِي كِتابِ اللّه عزّ و جلّ منعته قال قُلتُ وأَيُّ آيةٍ قال قوله تعالى (ولو تزيّلُوا لعذبنا الّذين كفرُوا مِنهُم عذاباً أليما) (4) إِنَّهُ كان اللّه عزّ و جلّ ودَائِعُ مُؤْمِنِين فِي أصلاب قومٍ كافرين ومُنافِقِين فلم يكُن عليّ (عَلَيهِ السَّلَامُ) ليقتل الآباء حتّى تخرج الودائع فلما خرج الودائع ظهر عليٌّ على من ظهر فقاتله وكذلك قائمنا أهل البيت لن يظهر أبداً حتّى تظهر ودائع اللّه عزّ و جلّ فإذا ظهرت ظهر على من ظهر فقتله. (5)
4- عن ابن مسعود قال: احتجُّوا فِي مسجِدِ الكُوفة فقالوا ما بال أمير المؤمِنين (عَلَيهِ السَّلَامُ) لم يُنازِعِ الثّلاثة كما نازع طلحة والزبيرو عائشة و مُعاوية فبلغ ذلك عليّاً (عَلَيهِ السَّلَامُ) فأمر أن يُنادى بِالصّلاة
ص: 41
جامعةً فلَمّا اجتمعُوا صعد المنبر فحمد اللّه وأثنى عليهِ ثمّ قال معاشر النّاسِ إِنَّهُ بلغني عنكُم كذا وكذا قالُوا صدق أمير المؤمِنِين قد قُلنا ذلك قال فإِنَّ لِي بِسُنّةِ الأنبياء أسوةً فيما فعلتُ قال اللّه عزّ و جلّ فِي كِتابِهِ (لَقَدْ كَانَ لَكُمْ فِي رَسُولِ اللَّهِ أُسْوَةٌ حَسَنَةٌ) (1) قالُوا و من هُم يا أمير المؤمنين قال أوهم إبراهيم (عَلَيهِ السَّلَامُ) إذ قال لِقومِهِ (وَأَعْتَزِلُكُمْ وَمَا تَدْعُونَ مِنْ دُونِ اللَّهِ) (2) فإن قُلتُم إِنّ إبراهيم اعتزل قومهُ لِغير مكروه أصابهُ مِنهُم فقد كفرتُم و إِن قُلتُم اعتزلهم لمكروه رآه منهم فالوصِيُّ أعذرُو لِي بِابنِ خالتِهِ لُوطٍ أُسوةٌ إِذ قال لِقومِهِ (لَوْ أَنَّ لِي بِكُمْ قُوَّةً أَوْ آوِي إِلَى رُكْنٍ شَدِيدٍ) (3) فإن قُلتُم إِن لُوطاً كانت له بهم قُوّةٌ فقد كفرتُم وإِن قُلتُم لم يكُن لَهُ قُوَّةٌ فالوصِيُّ أعدرُو لِي بِيُوسف (عَلَيهِ السَّلَامُ) أُسوة إذ قال (رب السِّجْنُ أَحَبُّ إِلَيَّ مِمّا يدعُونِنِي إِليهِ) (4) فإِن قُلتُم إِن يُوسُف دعا ربّه وسألهُ السّجن لسخط ربّه فقد كفرتُم و إِن قُلتُم إِنَّهُ أراد بِذلِكَ لئلّا يسخط ربّه عليهِ فاختار السجن فالوصِيُّ أعذرولي موسى (عَلَيهِ السَّلَامُ) أُسوة إذ قال (ففررتُ مِنكُم لَا خِفْتُكُم) (5) فإِن قُلتُم إِنّ مُوسى فرمِن قومِهِ بِلا خوف كان لهُ مِنهُم فقد كفرتُم و إن قُلتُم إِنَّ مُوسى خاف مِنهُم فالوصِيُّ أعذرُو لِي بِأخِي هارون (عَلَيهِ السَّلَامُ) أُسوةٌ إِذ قال لِأَخِيهِ (ابْنَ أُمَّ إِنَّ الْقَوْمَ اسْتَضْعَفُونِي وَكَادُوا يَقْتُلُونَنِي) (6)فإن قُلتُم لم يستضعفُوهُ ولم يُشرِفُوا على قتله فقد كفرتُم و إِن قُلتُم استضعفُوهُ وأشرفُوا على قتله فلذلك سكت عنهم فالوصِيُّ أعذرُو لِي بِمحمّد (صَلَّى اللّه عَلَيْهِ وَآلِهِ) أسوة حين فرّ من قومه ولحق بالغارِ مِن خوفِهِم و أنامني على فِراشِهِ فَإِن قُلتُم فرمِن قومِهِ لِغيرِ خوفٍ منهم فقد كفرتُم وإِن قُلتُم خافهم وأنا مني على فِراشِهِ ولحق هُو بالغارِ مِن خوفهم فالوصِيُّ أعذرُ. (7)
ص: 42
1- عن داود بن النُّعمان، قال: دخل الكميتُ فأنشده، فقال الكميت : يا سيّدي أسألك عن مسألة وكان متّكئاً فاستوى جالساً و كسر فِي صدره وسادةً ثمّ قال سل! فقال أسألك عنِ الرّجُلينِ فقال يا كميتُ بنُ زيدٍ ما أُهرِيق فِي الإسلامِ مِحجمةٌ مِن دمٍ ولا اكتُسِب مالٌ مِن غيرِ حِلِّهِ ولا نكح فرجُ حرام إلّا وذلك فِي أعناقهما إلى يوم يقُومُ قائمنا، ونحن معاشر بَنِي هاشم نأمرُ كِبارنا و صغارنا بِستِهما و البراءة منهما. (1)
2 - عن أبي جعفر (عَلَيهِ السَّلَامُ) قال: بينا أمير المؤمنين (عَلَيهِ السَّلَامُ) يوماً جالساً فِي المسجدِ وأصحابه حوله فأتاهُ رجُلٌ مِن شِيعَتِهِ فقال له يا أمير المؤمِنِين إِنّ اللّه يعلمُ أنّي أدِينُهُ بِحُبّك فِي السِّرِكما أدِينُهُ بِحُبّك فِي العلانية وأتولّاك فِي السّرّكما أتولّاك فِي العلانية فقال له أمير المؤمنين صدقت أما فاتخذ للفقرِ جِلباباً فانّ الفقر أسرعُ إلى شيعتِنا مِن السّيل إلى قرار الوادِي قال فولّى الرّجُلُ وهُو يبكي فرحاً لقول أمير المؤمنين (عَلَيهِ السَّلَامُ) صدقت قال وكان هناك رجُلٌ مِن الخوارج وصاحِباً لهُ قريباً مِن أمير المؤمنين (عَلَيهِ السَّلَامُ) فقال أحدُهُما تاللّه إِن رأيتُ كاليومِ قط إِنَّهُ أَتَاهُ رَجُلٌ فقال لَهُ إِنِّي أُحِبُّك فقال له صدقت فقال لهُ الآخرُ ما أنكرتُ ذلِك أتَجِدُ بُداً مِن أَن إِذَا قِيلَ لَهُ إِنِّي أُحِبُّكَ أَن يقُول صدقت أتعلمُ أنّي أُحِبُّهُ فقال لا قال فأنا أقومُ فأقُولُ لَهُ مِثل ما قال لهُ الرّجُلُ فِيرُدُّ علي مثل ما ردّ عليه قال نعم فقام الرّجُلُ فقال لهُ مِثل مقالةِ الرّجُلِ الأَولِ فنظر إليهِ مَلِيّاً ثمّ قال لهُ كذبت لا واللّه ما تُحِبُّني ولا أُحِبُّك قال فبكى الخارِجِيُّ ثمّ قال يا أمير المؤمِنين تستقبلني بهذا و قد علم اللّه خلافه ابسط يدك أُبايِعك فقال علي على ما ذا قال على ما عمِل بِهِ زُريق و حبترٌ فقال له اصفق لعن اللّه الاثنينِ واللّه لكأنّي بِك قد قُتِلت على ضلال و وطئ وجهك دواب العِراق و لا يعرِفُك قومك قال فلم يلبث أن خرج عليهِ أهلُ النّهروان و أن خرج الرّجُلُ معهم فقتل. (2)
ص: 43
3 - عنِ الصَّادِقِ عن أبيه عن جدّه (عَلَيهِم السَّلَامُ) قال قال رسُول اللّه (صَلَّى اللّه عَلَيْهِ وَآلِهِ) أنا ميزانُ العِلم و علي كفتاه والحسن والحُسين حِبالُهُ و فاطِمةُ عِلاقتُهُ والأمَّةُ مِن بعدِهِم يزنون المحبين والمبغضين النّاصِبين الّذين عليهم لعنة اللّه ولعنةُ اللّاعِنين. (1)
4- عن عبدِ اللّه بن العلاء قال: قلتُ لزيدِ بنِ علي رحمه اللّه عليه تقُولُ فِي الشّيخين قال ألعنهما قُلتُ فأنت صاحِبُ الأمرِقال لا ولكِنِّي مِن العِترةِ قُلتُ فإلى من تأمرنا قال عليك بِصاحِبِ الشعر و أشار إلى الصّادِقِ جعفر بن محمّد (عَلَيهِ السَّلَامُ). (2)
5 - عن محمّد بنِ الفُراتِ، قال: حدّثتني فاطمة الحنفيّة، عن فاطمة ابنة الحُسين أنها كانت تُبغِضُ فُلاناً وفُلاناً وتسبُّهُما. (3)
6 - عن أبي جعفر (عَلَيهِ السَّلَامُ) قال: قلتُ لهُ ما كان وُلد يعقوب أنبياء قال لا ولكنهم كانوا أسباط أولادِ الأنبياء ولم يكُن يُفارِقُوا الدُّنيا إلّا سُعداء تابوا وتذكّرُوا ما صنعُوا و إِنَّ الشّيخينِ فارقا الدُّنيا ولم يتوبا ولم يتذكرا ما صنعا بأمير المؤمنين (عَلَيهِ السَّلَامُ) فعليهما لعنة اللّه والملائِكَةِ والنَّاسِ أجمعين. (4)
1- عن ابن عبدِ الرحمنِ، قال: سمِعتُ شريكاً يقُولُ: ما هُم ولِفاطمة (عَلَيهَا السَّلَامُ)؟ واللّه ما جهّزت جيشاً ولا جمعت جمعاً، واللّه لقد أذيا رسُول اللّه (صَلَّى اللّه عَلَيْهِ وَآلِهِ) فِي قبره. (5)
ص: 44
1- عن ابن عبّاس قال النّبيّ (صَلَّى اللّه عَلَيْهِ وَآلِهِ) و أما ابنتي فاطمة فإنّها سيّدةُ نِساء العالمين مِن الأوّلين و الآخرين وهي بضعةٌ مِنّي و هِي نُورُ عيني وهي ثمرةُ فُؤادِي وهي رُوحِي الّتي بين جنبي وهي الحوراء الإِنسِيةُ متى قامت فِي محرابها بين يدي ربّها جلّ جلاله زهر نُورُها لِمَلائِكَةِ السّماء كما يزهرُ نُورُ الكواكِبِ لأهل الأرضِ ويَقُولُ اللّه عزّ و جلّ لِمَلائِكَتِهِ يا ملائكتي انظُرُوا إلى أمتي فاطمة سيّدة إمائي قائمة بين يدي ترتعِدُ فرائِصُها من خيفتي و قد أقبلت بقلبها على عِبادتي أشهدُكُم أني قد آمنتُ شِيعتها مِن النّار وإِنِّي لَمَّا رأيتُها ذكرتُ ما يُصنعُ بها بعدي كأني بها وقد دخل الذُّلُّ بيتها وانتهكت حُرمتها و غُصِبت حقّها و مُنعت إرثها وكُسِر جنبها وأسقطت جنينها و هي تُنادِي يا محمّداه فلا تُجابُ وتستغيتُ فلاتُغاتُ فلا تزال بعدِي محزونةً مكرُوبةً باكِيةً تتذكر انقطاع الوحي عن بيتها مرةً و تتذكرُ فِراقي أُخرى وتستوحش إذا جنّها اللّيل لفقد صوتي الّذي كانت تستمِعُ إليهِ إذا تهجدتُ بِالقُرآنِ ثمّ ترى نفسها ذليلةً بعد أن كانت فِي أيام أبيها عزِيزةً فعند ذلك يُؤنِسُها اللّه تعالى ذكرُهُ بِالملائكة فنادتها بما نادت بِهِ مريمُ بِنتُ عِمران فتَقُولُ يا فاطِمةُ إِنّ اللّه اصطفاكِ وطهرك واصطفاكِ على نساء العالمين يا فاطِمةُ اقنُتِي لِرَبِّكِ و اسجدي واركعي مع الرّاكِعِين ثمّ يبتدِى بِها الوجعُ فتمرضُ فيبعث اللّه عزّ و جلّ إِليها مريم بنت عمران تُمرِضُها وتُؤنِسُها فِي عِلَّتِها فتَقُولُ عِند ذلِك يا ربّ إِنِّي قد سئمت الحياة وتبرّمتُ بِأَهلِ الدُّنيا فألحقنِي بِأَبِي فيُلحِقُها اللّه عزّ و جلّ بِي فتكُونُ أوّل من يلحقُنِي مِن أهل بيتي فتقدمُ علي محزونةً مكرُوبةً معمُومةً مغصوبةٌ مقتولةً فأقُولُ عِند ذلك اللّهمّ العن من ظلمها وعاقب من غصبها وذلّل من أذها وخلّد فِي نارِك من ضرب جنبيها حتّى ألقت ولدها فتقول الملائكة عند ذلك آمين. (1)
أقول: ونحن أيضاً نقول آمين آمين.
2 - رُوِي أَنَّهُ لَمّا حضرتها الوفاة قالت لأسماء بنتِ عُميس: إذا أنا مِتُ فانظري إلى الدّارِ فإذا رأيت
ص: 45
سجفاً مِن سُندُسٍ مِن الجنَّة قد ضُرِب فسطاطاً فِي جانِبِ الدّارِ فاحمليني وزينب و أُمّ كلثوم فاجعلوني من وراء السجف و خلوا بيني وبين نفسي، فلمّا تُوُفِّيت (عَلَيهَا السَّلَامُ) وظهر الرّجفُ حملناها وجعلناها وراءه، فغُسّلت و كُفّنت و حُنّطت بالحنُوطِ، وكان كافُورٌ أنزله جبرئيل (عَلَيهِ السَّلَامُ) من الجنَّة فِي ثلاثِ صُررٍ، فقال: يا رسُول اللّه ! ربُّكَ يُقرِئُكَ السّلام ويَقُولُ لك: هذا حنوطك و حنوط ابنتِك و حنوط أخيك علي مقسُومٌ أثلاثاً، وإن أكفانها و ماءها وأوانيها من الجنَّة.
و رُوي أنها تُوُفِّيت (عَلَيهَا السَّلَامُ) بعد غُسلها وتكفينها وحنُوطِها، لأنها طاهرة لا دنس فيها، وأنها أكرمُ على اللّه تعالى أن يتولّى ذلِك مِنها غيرُها، وأنّهُ لم يحضُرها إلّا أمير المؤمِنِين والحسنُ والحُسين و زينبُ وأُمَّ كُلثوم وفِضَةٌ جارِيتُها وأسماءُ بِنتُ عُميس، وأن أمير المؤمنين عبد السلام أخرجها ومعه الحسنُ والحُسين فِي اللّيل وصلّوا عليها، ولم يعلم بها أحد، ولا حضروا وفاتها ولا صلّى عليها أحدٌ من سائر الناس غيرهم، لأنها (عَلَيهَا السَّلَامُ) أوصت بذلك، وقالت: لا تُصلّ على أُمَّةٌ نقضت عهد اللّه وعهد أبي رسُول اللّه (صَلَّى اللّه عَلَيْهِ وَآلِهِ) فِي أمير المؤمنين عليّ (عَلَيهِ السَّلَامُ)، وظلمُونِي حقي، وأخذُوا إرثي، وخرقُوا صحيفتي الّتي كتبها لِي أَبِي عِلكِ فدك، وكذَّبُوا شُهُودِي وهُم واللّه جبرئيل و ميكائيل وأمير المؤمنين (عَلَيهِ السَّلَامُ) و أُمُّ أيمن، وظفتُ عليهِم فِي بُيُوتِهم وأمير المؤمنين (عَلَيهِ السَّلَامُ) يحمِلُني ومعي الحسن والحُسين ليلا ونهاراً إلى منازلهم أذكِّرُهُم بِاللّه وَبِرَسُولِهِ أَلَّا تَظْلِمُونا ولا تغصِبُونا حقّنا الّذي جعله اللّه لنا، فيُجِيبُونَا ليلًا و يقعُدُون عن نُصرتِنا نهاراً، ثمّ يُنفِذون إلى دارنا قنفذاً و معهُ عُمرُ بنُ الخطاب و خالد بن الوليدِ لِيُخرِجُوا ابن عمي عليّاً إلى سقيفة بَنِي ساعدة لبيعتهم الخاسرة، فلا يخرُجُ إِليهم مُتشاغِلًا بِما أوصاهُ بِهِ رسُول اللّه (صَلَّى اللّه عَلَيْهِ وَآلِهِ) و بِأَزواجِهِ وبتألِيفِ القُرآنِ وقضاء ثمانين ألف درهم وصاه بقضائها عنهُ عِدات و ديناً، فجمعوا الحطب الجزل على بابنا و أتوا بِالنَّارِ لِيُحرِقُوهُ ويُحرِقُونا، فوقفتُ بعضادةِ البابِ وناشدتهم بِاللّه وبِأَبِي أن يكُفُّوا عنّا وينصُرُونا، فأخذ عُمر السوط من يدِ قُنفذ مولى أبي بكر فضرب به عضُدِي فالتوى السوط على عضُدِي حتّى صار كالدُّملج، وركل الباب برجله فرده علي و أنا حامل فسقطتُ لِوجهي والنَّارُ تُسعرُ و تسفعُ وجهي، فضربني بِيدِهِ حتّى انتشر قُرطي مِن أُذُنِي، وجاءني المخاض فأسقطتُ مُحسناً قتيلا بغيرِ جُرم، فهذهِ أُمَّةٌ تُصلّي علي ؟! و
ص: 46
قد تبرأ اللّه ورسولُهُ مِنهم، و تبرأتُ مِنهُم. فعمل أمير المؤمنين (عَلَيهِ السَّلَامُ) بوصيّتها ولم يُعلم أحداً بها فأُصنع فِي البقيع ليلة دُفِنت فاطِمةُ (عَلَيهَا السَّلَامُ) أربعون قبراً جُدداً.
ثُمّ إنّ المسلمين لما علموا بوفاة فاطمة ودفنها جاءوا إلى أمير المؤمِنين (عَلَيهِ السَّلَامُ) يُعزُّونَهُ بِها، :فقالُوا: يا أخا رسُول اللّه (صَلَّى اللّه عَلَيْهِ وَآلِهِ) ! لو أمرت بتجهيزها و حفر تُربتِها.
فقال (عَلَيهِ السَّلَامُ) : قد وُرّيت و لحقت بأبيها (صَلَّى اللّه عَلَيْهِ وَآلِهِ).
فقالُوا: ﴿إِنَّا للّه وَإِنَّا إِليهِ راجِعُون) (1)، تموتُ ابنة نبينا محمّد (صَلَّى اللّه عَلَيْهِ وَآلِهِ) ولم يُخلّف فينا ولداً غيرها، ولا نُصلّي عليها ! إن هذا لشيء عظيم.
فقال (عَلَيهِ السَّلَامُ) : حسبُكُم ما جنيتُم على اللّه وعلى رسُولِهِ (صَلَّى اللّه عَلَيْهِ وَآلِهِ) و على أهل بيته ولم أكن و اللّه لأعصِيها فِي وصِيَّتِها الّتي أوصت بها فِي أن لا يُصلّي عليها أحدٌ مِنكُم، ولا بعد العهد فأُعذر، فنفض القومُ أثوابهم، وقالوا:
لا بُدّ لنا مِن الصّلاة على ابنة رسُول اللّه (صَلَّى اللّه عَلَيْهِ وَآلِهِ)، ومضوا مِن فورهم إلى البقيع فوجدوا فِيهِ أربعين قبراً جُدداً، فاشتبه عليهم قبرها (عَلَيهَا السَّلَامُ) بين تلك القُبُورِ فصح [فضج] النَّاسُ ولام بعضُهم بعضاً، وقالوا: لم تحضُرُوا وفاة بِنتِ نبيّكم ولا الصّلاة عليها ولا تعرفون قبرها فتزُورُونه ؟.
فقال أبو بكر: هاتُوا مِن ثقاتِ المسلمين من ينبِشُ هذِهِ القُبُور حتّى تجدوا قبرها فنُصلّي عليها و نزورها، فبلغ ذلك أمير المؤمِنِين (عَلَيهِ السَّلَامُ)، فخرج مِن دارِهِ مُغضباً وقد احمر وجهه وقامت عيناه و درت أوداجه، و على يده قباهُ الأصفر الّذي لم يكُن يلبسُهُ إِلَّا فِي يوم كريهة يتوكَّأُ على سيفِهِ ذِي الفقار حتّى ورد البقيع، فسبق النّاس النَّذِيرُ، فقال لهم : هذا علي قد أقبل كما ترون يُقسِمُ بِاللّه لئِن بُحث مِن هذِهِ القُبُورِ حجرٌ واحِدٌ لأضعن السيف على غائِرِ هذِهِ الأُمّة، فولى القومُ هاربين قطعاً قطعاً. (2)
ص: 47
3 - عن عليّ ابن أبِي طالِب (عَلَيهِمَا السَّلَامُ) قال: قالت فاطمة (عَلَيهَا السَّلَامُ) لعليّ (عَلَيهِ السَّلَامُ) :
إِنَّ لِي إِليك حاجةً يا أبا الحسن.
فقال: تُقضى يا بنت رسُول اللّه (صَلَّى اللّه عَلَيْهِ وَآلِهِ).
فقالت: نشدتك بِاللّه وبحق محمّد رسُول اللّه أن لا يُصلّي علي أبوبكر ولا عُمرُ، فإِنِّي لأكتُمُك حديثاً، فقالت: قال لي رسُول اللّه (صَلَّى اللّه عَلَيْهِ وَآلِهِ) : يا فاطِمةُ : إِنَّكِ أَوّلُ من يلحق بِي مِن أهل بيتي، فكُنتُ أكره أن أسوءك.
قال: فلما قبضت أتاه أبوبكر و عمر و قالا لم لا تُخرِجُها حتّى تصلي عليها؟
فقال: ما أرانا إِلَّا ستُصبحُ، ثمّ دفنها ليلا، ثمّ صوّر برجله حولها سبعة أقبُرٍ.
قال : فلَمّا أصبحوا أتوه فقالا: يا أبا الحسن ! ما حملك على أن تدفن بنت رسُول اللّه (صَلَّى اللّه عَلَيْهِ وَآلِهِ) و لم نحصرها ؟
قال: ذلك عهدها إليّ.
قال: فسكت أبوبكر، فقال عُمرُ: هذا واللّه شيء فِي جوفك.
فشار إليه أمير المؤمنين (عَلَيهِ السَّلَامُ) فأخذ بتلابيبه، ثمّ جذبه فاسترخى فِي يدِهِ، ثمّ قال: واللّه لولا كِتابٌ سبق وقول مِن اللّه، واللّه لقد فررت يوم خيبرو فِي مواطن، ثمّ لم يُنزِلِ اللّه لك توبةً حتّى السّاعة.
فأخذه أبوبكر و جذبه وقال: قد نهيتك عنه. (1)
4- عن عمرو بن أبي المقدام و زِيَادِ بنِ عبدِ اللّه قالا أتى رجُلٌ أبا عبدِ اللّه (عَلَيهِ السَّلَامُ) فقال له يرحمك اللّه هل تُشيّعُ الجنازةُ بِنارٍ ويُمشى معها بمجمرة أو قنديلٍ أو غير ذلِكَ مِمّا يُضاءُ بِهِ قال فتغيّر لونُ أبي عبد اللّه (عَلَيهِ السَّلَامُ) من ذلك واستوى جالساً ثمّ قال إنه جاء شقي من الأشقياء إلى فاطمة بنتِ رسُول اللّه (صَلَّى اللّه عَلَيْهِ وَآلِهِ) فقال لها أما علمت أن عليّاً قد خطب بنت أبي جهل فقالت حقّاً ما تقُولُ فقال حقّاً ما أقُولُ ثلاث مرّاتٍ فدخلها من الغيرة ما لا تملك نفسها وذلك أن اللّه تبارك وتعالى
ص: 48
كتب على النِّساء غيرةً وكتب على الرِّجالِ جهاداً و جعل لِلمُحتسِبةِ الصَّابِرَة مِنهُنَّ مِن الأجرِما جعل لِلمُرابِطِ المهاجِرِ فِي سَبِيلِ اللّه قال فاشتد غم فاطِمة مِن ذلِك وبقيت مُتفكِّرةً هي حتّى أمست وجاء اللّيل حملت الحسن على عاتقها الأيمن والحُسين على عاتقها الأيسر وأخذت بيدِ أُمّ كُلتُومِ اليُسرى بِيدِها اليمنى ثمّ تحوّلت إلى حُجرة أبيها فجاء علي فدخل حجرته فلم ير فاطمة فاشتدّ لِذلِك عَمُّهُ وعظم عليه ولم يعلم القصّة ما هي فاستحى أن يدعُوها مِن منزِلِ أبيها فخرج إلى المسجِدِ يُصلّي فِيهِ ما شاء اللّه ثمّ جمع شيئاً مِن كَثِيبِ المسجِدِ واتكأ عليهِ فَلَمّا رأى النّبيّ (صَلَّى اللّه عَلَيْهِ وَآلِهِ) ما بفاطمة من الحزن أفاض عليها من الماء ثمّ لبس ثوبه ودخل المسجد فلم يزل يُصلّي بين راكع و ساجِدٍ و كُلّما صلى ركعتين دعا اللّه أن يُذهِب ما بِفاطِمة مِن الحُزنِ و الغمّ وذلِك أنّهُ خرج مِن عِندِها وهي تتقلّبُ وتتنفّسُ الصُّعداء فلَمّا رآها النّبيّ (صَلَّى اللّه عَلَيْهِ وَآلِهِ) أنها لا يُهنّيها النوم و ليس لها قرار قال لها قُومِي يا بُنيّةِ فقامت فحمل النّبيّ (صَلَّى اللّه عَلَيْهِ وَآلِهِ) الحسن و حملت فاطمة الحُسين وأخذت بِيدِ أُمّ كُلثوم فانتهى إلى عليّ (عَلَيهِ السَّلَامُ) وهُو نائم فوضع النّبيّ (صَلَّى اللّه عَلَيْهِ وَآلِهِ) رجله على رجل علي فغمزه و قال قم يا أبا تُراب فكم ساكن أزعجته ادعُ لِي أبابكرٍ من داره و عُمر مِن مجلسِهِ و طلحة فخرج علي فاستخرجهما من منزلهما و اجتمعُوا عِند رسُول اللّه (صَلَّى اللّه عَلَيْهِ وَآلِهِ) فقال رسُول اللّه (صَلَّى اللّه عَلَيْهِ وَآلِهِ) يا علي أما علمت أنّ فاطِمة بضعةٌ مِنِّي وأنا منها فمن آذاها فقد آذاني و من آذاني فقد آذى اللّه و من آذاها بعد موتي كان كمن آذاها فِي حياتي و من آذاها فِي حياتي كان كمن آذاها بعد موتي قال فقال علي بلى يا رسُول اللّه قال فما دعاك إلى ما صنعت فقال علي والّذي بعثك بالحق نبيّاً ما كان مِنّي ما بلغها شيء ولا حدثت بها نفسي فقال النّبيّ صدقت و صدقت ففرحت فاطمة (عَلَيهَا السَّلَامُ) بذلك وتبسمت حتّى رئي ثغرها فقال أحدُهُما لِصاحِبِهِ إِنَّهُ لعجب لِحِينِهِ ما دعاه إلى ما دعانا هذه السَّاعة قال ثمّ أخذ النّبيّ (صَلَّى اللّه عَلَيْهِ وَآلِهِ) بيد علي فشبّك أصابعه بأصابعه فحمل النّبيّ (صَلَّى اللّه عَلَيْهِ وَآلِهِ) الحسن و حمل الحُسين عليٌّ و حملت فاطِمةُ أُمّ كلثوم وأدخلهُمُ النّبيّ بيتهم ووضع عليهم قطيفةً واستودعهُمُ اللّه ثُمّم خرج وصلّى بقيّة اللّيل فَلَمّا مرضت فاطِمةُ مرضها الّذي ماتت فِيهِ أتياها عائدين واستأذنا عليها فأبت أن تأذن لهما فلما رأى ذلِك أبوبكر أعطى اللّه عهداً أن لا يُظِلَّهُ سقف بيتٍ حتّى يدخُل على
ص: 49
فاطمة ويتراضاها فبات ليلةٌ فِي البقيع ما يُظِلُّهُ شَيءٌ ثمّ إِنَّ عُمر أتى عليا (عَلَيهِ السَّلَامُ) فقال لهُ إِنّ أبا بكر شيخ رقيق القلبِ وقد كان مع رسُول اللّه (صَلَّى اللّه عَلَيْهِ وَآلِهِ) فِي الغارِ فله صحبةٌ وقد أتيناها غير هذه المرة مراراً نُرِيدُ الإذن عليها وهي تأبى أن تأذن لنا حتّى ندخل عليها فنتراضى فإن رأيت أن تستأذن لنا عليها فافعل قال نعم فدخل علي على فاطمة (عَلَيهَا السَّلَامُ) فقال يا بنت رسُول اللّه (صَلَّى اللّه عَلَيْهِ وَآلِهِ) قد كان من هذينِ الرّجُلين ما قد رأيتِ وقد تردّد مراراً كثيرةً و رددتهما و لم تأذني لهما وقد سألاني أن أستأذن لهما عليكِ فقالت واللّه لا آذَنُ هُما ولا أُكَلِّمُهُمَا كَلِمَةٌ مِن رأسى حتّى ألق أبي فأشكُوهُما إليه بما صنعاه وارتكباهُ مِنّي.
فقال عليّ (عَلَيهِ السَّلَامُ) فإنّي ضمِنتُ لهما ذلِكِ قالت إن كُنت قد ضمنت لهما شيئاً فالبيت بيتُك و النِّساء تتَّبع الرجال لا أُخالِفُ عليك بِشيءٍ فأذن لمن أحببت فخرج عليّ (عَلَيهِ السَّلَامُ) فأذن لهما فلما وقع بصرُهُما على فاطمة (عَلَيهَا السَّلَامُ) سلّما عليها فلم تردّ عليهما و حوّلت وجهها عنهما فتحوّلا واستقبلا وجهها حتّى فعلت مراراً و قالت يا علي جافِ التّوب وقالت لنسوة حولها حولن وجهي فلما حولن وجهها حوّلا إليها فقال أبوبكريا بنت رسُول اللّه إِنّما أتيناكِ ابتغاء مرضاتِكِ و اجتناب سخطِكِ نسألُكِ أن تغفِرِي لنا وتصفحي عمّا كان منا إليك قالت لا أُكلِمُكُما مِن من رأسي كلمةً واحِدةً أبداً حتّى ألق أبي وأشكُوكُما إِليهِ وأَشكُو صنِيعكُما وفِعالكُما و ما ارتكبتُما مِنّي قالا إِنَّا جِئنا مُعتذرين مبتغين [ مُبتغِيين] مرضاتكِ فاغفِرِي واصفحي عنّا و لا تُؤَاخِذِينا بما كان مِنا فالتفتت إلى عليّ (عَلَيهِ السَّلَامُ) وقالت إِنِّي لا أُكَلِّمُهُما مِن رأْسِي كَلِمَةً حتّى أسألهما عن شيءٍ سمِعاهُ مِن رسُول اللّه فإن صدقاني رأيتُ رأيي قالا اللّهمّ ذلِك لها و إِنَّا لَا تَقُولُ إلّا حقّاً ولا نشهدُ إلّا صِدقاً فقالت أنشُدُكُما اللّه أتذكران أن رسُول اللّه (صَلَّى اللّه عَلَيْهِ وَآلِهِ) استخرجكما فِي جوف اللّيل لشيء كان حدث من أمر علي فقالا اللّهمّ نعم فقالت أنشُدُكُما بِاللّه هل سمِعتُما النّبيّ (صَلَّى اللّه عَلَيْهِ وَآلِهِ) يقُولُ فاطمة بضعةٌ مِنّي وأنا منها من آذاها فقد آذاني و من آذاني فقد آذى اللّه و آذاها بعد موتي فكان كمن آذاها فِي حياتي و من آذاها فِي حياتي كان كمن آذاها بعد موتي قالا اللّهمّ نعم قالت الحمد للّه ثمّ قالتِ اللّهمّ إِنِّي أُشْهِدُك فاشهدوا يا من حضرني أنهما قد آذياني فِي حياتي وعند موتي واللّه لا أُكلّمُكُما مِن رَأْسِي كلمةً حتّى ألقى رتي فأشكُوكُما بِما صنعتُما بي و ارتكبتُما منّي فدعا أبوبكر بالويل والثُّبُورِ
ص: 50
وقال ليت أُمِّي لم تلدني فقال عُمرُ عجباً لِلنَّاسِ كيف ولوك أمورهم و أنت شيخ قد خرفت تجزعُ لِغضبِ امرأة و تفرح برضاها و ما لمن أغضب امرأة وقاما وخرجا قال فلمّا نُعِي إلى فاطمة نفسها أرسلت إلى أم أيمن و كانت أوثق نِسائِها عِندها و فِي نفسها فقالت لها يا أم أيمن إن نفسِي نُعِيت إلي فادعِي لِي عليّاً فدعته لها فلما دخل عليها قالت له يا ابن العمّ أُرِيدُ أن أُوصِيك بأشياء فاحفظها علي فقال لها قولي ما أحببت قالت له تزوّج فُلانة تكُونُ لِوُلدِي مُربّيةٌ مِن بعدِي مِثلي واعمل نعشاً رأيتُ الملائكة قد صوّرته لي فقال لها علي أريني كيف صُورتُهُ فأرته ذلك كما وصفت له [وصف لها] وكما أُمرت بِهِ ثمّ قالت فإذا أنا قضيتُ نحي فأخرجني من ساعتِك أي ساعةٍ كانت من ليل أو نهارٍ ولا يحضُرنّ مِن أعداء اللّه و أعداءِ رَسُولِهِ لِلصّلاةِ عليّ أحد قال عليّ (عَلَيهِ السَّلَامُ) أفعلُ فلَمّا قضت نحبها (صَلَّى اللّه عَلَيْهِ وَآلِهِ) وهُم فِي ذلك فِي جوف اللّيل أخذ علي فِي جهازها من ساعته كما أوصته فلَمّا فرغ من جهازها أخرج على الجنازة وأشعل النّار فِي جريد النخل ومشى. مع الجنازة بالنار حتّى صلّى عليها ودفنها ليلًا فلما أصبح أبوبكر و عُمرُ عاودا عائِدينِ لِفاطِمة فلقِيا رجُلًا مِن قُريش فقالا له مِن أين أقبلت قال عزّيتُ عليّاً بِفاطِمة قالا وقد ماتت قال نعم ودفنت فِي جوف اللّيل فجزعا جزعاً شديداً ثمّ أقبلا إلى عليّ (عَلَيهِ السَّلَامُ) فلقياه وقالا له واللّه ما تركت شيئاً من غوائلنا ومساءتِنا وما هذا إِلَّا مِن شيءٍ فِي صدرك علينا هل هذا إِلَّا كما غسلت رسُول اللّه (صَلَّى اللّه عَلَيْهِ وَآلِهِ) دوننا و لم تُدخلنا معك وكما علمت ابنك أن يصيح بأبي بكر أن انزل عن منبر أبي فقال لهما عليّ (عَلَيهِ السَّلَامُ) أتُصدّقاني إن حلفتُ لكُما قالا نعم فحلف فأدخلهما على المسجدِ فقال إن رسُول اللّه (صَلَّى اللّه عَلَيْهِ وَآلِهِ) لقد أوصاني و تقدّم إلى أنَّه لا يطلع على عورتِهِ أَحَدٌ إِلَّا ابْنُ عَمِّهِ فَكُنتُ أُغسِلُهُ والملائِكَةُ تُقلّبُهُ والفضل بن العبّاسِ يُناوِلُنِي الماء وهُو مربوط العينينِ بِالخِرقة ولقد أردتُ أن أنزع القميص فصاح بي صائح من البيتِ سمِعتُ الصّوت ولم أر الصورة لا تنزع قميص رسُولِ اللّه و لقد سمعتُ الصّوت يُكرِرُهُ عليّ فأدخلتُ يدِي مِن بينِ القَمِيصِ فغسلتُهُ ثمّ قُدّم إِليّ الكفنُ فكفّنتُهُ ثمّ نزعتُ القميص بعد ما كفّنتُهُ وأمّا الحسن ابني فقد تعلمان ويعلمُ أهل المدينةِ أَنَّهُ يتخطى الصُّفُوف حتّى يأتي النّبيّ (صَلَّى اللّه عَلَيْهِ وَآلِهِ) و هُو ساجِدٌ فيركب ظهره فيقُومُ النّبيّ (صَلَّى اللّه عَلَيْهِ وَآلِهِ) و يده على ظهر الحسن والأخرى على ركبتِهِ حتّى يتم الصّلاة قالا نعم قد علمنا ذلك
ص: 51
ثمّ قال تعلمان ويعلمُ أهل المدينة أنّ الحسن كان يسعى إلى النّبيّ ويركب على رقبتِهِ ويُدلي الحسنُ رِجليهِ على صدر النّبيّ (صَلَّى اللّه عَلَيْهِ وَآلِهِ) حتّى يُرى بريق خلخاليهِ مِن أقصى المسجِدِ والنّبِيُّ (صَلَّى اللّه عَلَيْهِ وَآلِهِ) يخطب ولا يزال على رقبته حتّى يفرغ النّبيّ (صَلَّى اللّه عَلَيْهِ وَآلِهِ) من خُطبتِهِ والحسن على رقبته فلما رأى الصّبِيُّ على منبر أبِيهِ غيره شقّ عليهِ ذلِك واللّه ما أمرتُهُ بِذلِك ولا فعله عن أمرِي وأمّا فاطِمةُ فهي المرأة الّتي استأذنتُ لكُما عليها فقد رأيتُما ما كان من كلامها لكُما واللّه لقد أوصتني أن لا تحضُرا جنازتها ولا الصّلاة عليها وما كُنتُ الّذي أُخَالِفُ أمرها و وصِيَّتها إلي فيكما وقال عُمرُدع عنك هذه الهمهمة أنا أمضي إلى المقابر فأنبشها حتّى أُصلّى عليها فقال له عليّ (عَلَيهِ السَّلَامُ) واللّه لو ذهبت ترُومُ مِن ذلِك شيئاً وعلمتُ أنك لا تصل إلى ذلك حتّى يندر عنك الّذي فِيهِ عيناك فإنّي كُنتُ لا أُعامِلُك إِلَّا بِالسّيف قبل أن تصل إلى شيء من ذلك فوقع بين علي و عُمر كلام حتّى تلاحيا واستبا واجتمع المهاجرون والأنصار فقالوا واللّه ما نرضى بهذا أن يُقال فِي ابنِ عمّ رسُول اللّه (صَلَّى اللّه عَلَيْهِ وَآلِهِ) و أخِيهِ ووصيه وكادت أن تقع فتنةٌ فتفرقا. (1)
5- عن ابن أبي هلال عن مروان بن عُثمان قال لما بايع النّاسُ أبابکردخل عليّ (عَلَيهِ السَّلَامُ) والزُّبيرو المقداد بيت فاطمة (عَلَيهَا السَّلَامُ) و أبوا أن يخرُجُوا فقال عُمرُ بنُ الخطاب أضرموا عليهم البيت ناراً فخرج الزُّبير و معه سيفه فقال أبوبكر عليكُم بِالكلب فقصدوا نحوه فزلت قدمه و سقط إلى الأرضِ ووقع السّيفُ مِن يدِهِ فقال أبوبكر اضرِبُوا بِهِ الحجر فضُرِب بسيفه الحجر حتّى انكسرو خرج عليّ بن أبِي طالِب (عَلَيهِ السَّلَامُ) نحو العالية فلقيه ثابِتُ بنُ قيس بن شماس فقال ما شأنك يا أبا الحسنِ فقال أرادوا أن يُحرِقُوا عليّ بيتي وأبوبكر على المنبرِ يُبايع له ولا يدفع عن ذلك ولا يُنكره فقال له ثابِتٌ ولا تُفارِقُ كنّي يدك حتّى أُقتل دونك فانطلقا جميعاً حتّى عادا إلى المدينة و إذا فاطمة (عَلَيهَا السَّلَامُ) واقفةٌ على بابها وقد خلت دارها مِن أحدٍ مِن القومِ وهي تقُولُ لا عهد لي يقوم أسوأ محضراً منكم تركتُم رسُول اللّه (صَلَّى اللّه عَلَيْهِ وَآلِهِ) جنازة بين أيدينا و قطعتُم أمركُم بينكم لم تستأمرونا و صنعتم بنا ما صنعتم و لم تروا لنا حقّاً. (2)
ص: 52
6- عن محمّد بنِ المفضّل قال سمعت أبا عبدِ اللّه (عَلَيهِ السَّلَامُ) يقُولُ جاءت فاطمة (عَلَيهَا السَّلَامُ) إلى سارية فِي المسجِدِ وهِي تَقُولُ وتُخاطِبُ النّبيّ (صَلَّى اللّه عَلَيْهِ وَآلِهِ)
قد كان بعدك أنباء وهنبثة *** لوكُنت شاهدها لم يكثر الخطب
إنّا فقدناك فقد الأرض وابلها *** و اختلّ قومك فاشهدهم ولا تغب (1)
7 - عن أبي جعفر (عَلَيهِ السَّلَامُ) قال: أحقُّ النّاسِ بِالصّلاة على المرأة إذا ماتت زوجها وإذا ماتتِ المرأةُ وقف المصلّي عليها عند صدرِها و مِن الرّجُلِ إذا صلّى عليهِ عِند رأسِهِ وإذا أُدخِلتِ المرأةُ القبر وقف زوجها فِي موضع يتناول وركها و لا شفيع للمرأة أنجحُ عِند ربّها مِن رِضا زوجها و لما ماتت فاطِمةُ (عَلَيهَا السَّلَامُ) قام أمير المؤمِنِين (عَلَيهِ السَّلَامُ) و قال اللّهمّ إِنِّي راضٍ عَنِ ابنةِ نبيّك اللّهمّ إِنها قد أوحِشت فآنِسها اللّهمّ إِنّها قد هُجرت فصلها اللّهمّ إِنّها قد ظلمت فاحكم لها و أنت خيرُ الحاكمين. (2)
8 - عن جعفر بن محمّد عن آبائِهِ (عَلَيهِم السَّلَامُ) قال: مكثت فاطمة (عَلَيهَا السَّلَامُ) بعد النّبيّ (صَلَّى اللّه عَلَيْهِ وَآلِهِ)
خمسة وسب و سبعين يوماً ثمّ مرضت فاستأذن عليها أبوبكر و عمرُ فلم تأذن لهما فأتيا أمير المؤمنين (عَلَيهِ السَّلَامُ) فكلماه فِي ذلك فكلّمها وكانت لا تعصيه فأذنت لهما فدخلا وكلّماها فلم تردّ عليهما جواباً و حوّلت وجهها الكريم عنهما فخرجا و هما يقُولانِ لعليَّ إِن حدثٌ بها حدث فلا تفُوتُنا فقالت عند خُرُوجِهِما لعليّ (عَلَيهِ السَّلَامُ) إِنَّ لِي إِليك حاجة فأحِبُّ أن لا تمنعنيها فقال (عَلَيهِ السَّلَامُ) و ما ذاكِ فقالت أسألك أن لا يُصلّي عليّ أبوبكر ولا عُمرُو ماتت من ليلتها فدفنها قبل الصّباحِ فجاءا حين أصبحا فقالا لا تترك عداوتك يا ابن أبِي طالِب أبداً ماتت بنت رسُول اللّه فلم تُعلمنا فقال أمير المؤمنين (عَلَيهِ السَّلَامُ) لئن لم ترجعا لأفضحنّكُما قالها ثلاثاً فلما قال انصرفُوا. (3)
9 - عن عليّ بن أسباط قال لَمّا ورد أبو الحسنِ مُوسى (عَلَيهِ السَّلَامُ) على المهدي رآه يَرُدُّ المظالم فقال يا أمير المؤمِنِين ما بالُ مظلمتِنا لا تُردُّ فقال له وما ذاك يا أبا الحسن قال إنّ اللّه تبارك و
ص: 53
تعالى لما فتح على نبيّه (صَلَّى اللّه عَلَيْهِ وَآلِهِ) فدك و ما والاها لم يُوجف عليهِ بِخيل ولا ركاب فأنزل اللّه على نبيّه (صَلَّى اللّه عَلَيْهِ وَآلِهِ) (و آتِ ذَا القُربى حقه) (1) فلم يدرِ رسُول اللّه (صَلَّى اللّه عَلَيْهِ وَآلِهِ) من هم فراجع فِي ذلك جبرئيل و راجع جبرئيل (عَلَيهِ السَّلَامُ) ربّه فأوحى اللّه إليه أن ادفع فدك إلى فاطمة (عَلَيهَا السَّلَامُ) فدعاها رسُول اللّه (صَلَّى اللّه عَلَيْهِ وَآلِهِ) فقال لها يا فاطِمةُ إِنّ اللّه أمرني أن أدفع إليكِ فدك فقالت قد قبِلتُ يا رسُول اللّه مِن اللّه ومِنك فلم يزل وكلاؤُها فيها حياة رسُول اللّه (صَلَّى اللّه عَلَيْهِ وَآلِهِ) فَلَمّا وُلّي أبوبكرٍ أخرج عنها وكلاءها فأتته فسألته أن يردّها عليها فقال لها ايتيني بأسود أو أحمر يشهد لكِ بِذلِكِ فجاءت بأمير المؤمنين (عَلَيهِ السَّلَامُ) و أمّ أيمن فشهدا لها فكتب لها بترك التعرُّض فخرجت و الكِتابُ معها فلقيها عُمرُ فقال ما هذا معكِ يا بنت محمّد قالت كِتابٌ كتب لي ابنُ أَبِي قُحافة قال أرينيه فأبت فانتزعه من يدها و نظرفِيهِ ثمّ تفل فِيهِ و محاه و خرقه فقال لها هذا لم يُوجِف عليه أبوكِ بِخيل و لا ركاب فضعي الجبال فِي رقابنا فقال له المهدِيُّ يا أبا الحسنِ حُدّها إِليّ فقال حدٌ مِنها جبلُ أُحَدٍ واحدٌ مِنها عريش مصرو حدٌ مِنها سِيفُ البحر و حدٌ مِنها دومةً الجندلِ فقال لهُ كلّ هذا قال نعم يا أمير المؤمِنِين هذا كُلُّهُ إِنَّ هذا ما لم يُوجِف أهلُهُ على رسُول اللّه بِخيل ولا ركاب (2) فقال كثِيرُ و أَنظُرُ فِيهِ. (3)
10 - عن النوفلي عنِ ابنِ البطائِنِي عن أبيه قال: سألتُ أبا عبدِ اللّه (عَلَيهِ السَّلَامُ) لِأَيِّ عِلَّةٍ دُفِنت فاطِمةُ (عَلَيهَا السَّلَامُ) باللّيل ولم تُدفن بِالنَّهارِ قال لأنها أوصت أن لا يُصلّي عليها الرّجُلانِ الأعرابِيانِ. (4)
11- وعن جعفر بن محمّد عن آبائِهِ (عَلَيهِم السَّلَامُ) قال: لما حضرت فاطمة الوفاةُ بكت فقال لها أميرُ المؤمِنِين يا سيدتي ما يُبكِيكِ قالت أبكي لما تلقى بعدِي فقال لها لا تبكي فواللّه إِنّ ذلِكِ لصغير عِندِي فِي ذاتِ اللّه قال وأوصته أن لا يُؤذِن بِها الشّيخين ففعل. (5)
ص: 54
12- روى الشهيد النيشابوري رحمة اللّه عليه: مرضت فاطمة (عَلَيهَا السَّلَامُ) مرضاً شديداً و مكثت أربعين ليلةً فِي مرضها إلى أن تُوُفِّيت صلواتُ اللّه عليها فلَمّا نُعِيت إليها نفسها دعت أُمّ أيمن و أسماء بنت عُميس ووجهت خلف علي و أحضرته فقالت يا ابن عمّ إِنَّهُ قد نُعِيت إلى نفسي و إنِّي لا أرى ما بي إلّا أني لاحق بأبي ساعةً بعد ساعة و أنا أُوصيك بأشياء فِي قلبي قال لها عليّ (عَلَيهِ السَّلَامُ) أوصِينِي بِما أحببت يا بنت رسُول اللّه فجلس عند رأسها وأخرج من كان فِي البيتِ ثمّ قالت يا ابن عمّ ما عهدتني كاذِبةً ولا خائِنةً ولا خالفتُك مُنذُ عاشرتني فقال (عَلَيهِ السَّلَامُ) معاذ اللّه أنتِ أعلمُ بِاللّه وأبرو أتق وأكرمُ وأشدُّ خوفاً من اللّه من أن أُوتِخك بِمخالفتي قد عزعلي مُفارقتُكِ وتفقُدُكِ إِلَّا أَنَّهُ أَمرُلا بُدّ مِنهُ واللّه جدّدت عليّ مُصِيبة رسُول اللّه (صَلَّى اللّه عَلَيْهِ وَآلِهِ) و قد عظمت وفاتُكِ وفقدُكِ ف (إِنَّا للّه وإنا إليهِ راجِعُون) (1) مِن مُصِيبةٍ ما أفجعها وآلمها وأمضها و أحزنها هذِهِ واللّه مُصِيبَةٌ لا عزاء لها ورزيّةٌ لا خلف لها ثمّ بكيا جميعاً ساعةً وأخذ على رأسها و ضمها إلى صدره ثمّ قال أُوصِينِي بِما شئتِ فإِنَّكِ تجدني [ تجديني] فيها أمضي. كما أمرتني به و أختار أمرك على أمرِي ثمّ قالت جزاك اللّه عني خير الجزاء يا ابن عمّ رسُول اللّه أُوصِيكِ أولا أن تتزوج بعدِي بِابنةِ أُختِي أُمامة فإنّها تكُونُ لِوُلدِي مِثلي فإن الرجال لا بد هم مِن النِّساء قال فين أجل ذلك قال أمير المؤمنين (عَلَيهِ السَّلَامُ) أربع ليس لي إِلى فِراقِهِ سَبِيلٌ بِنتُ أبي العاص أُمامةُ أوصتني بها فاطِمةُ بنتُ محمّد (صَلَّى اللّه عَلَيْهِ وَآلِهِ) ثمّ قالت أوصيك يا ابن عم أن تتخذ لي نعشاً فقد رأيتُ الملائكة صوّرُوا صُورته فقال لها صِفِيهِ لِي فوصفته فاتخذه لها فأوّلُ نعش عُمِل على وجهِ الأرض ذاك و ما رأى أحدٌ قبله ولا عمل أحدٌ ثمّ قالت أُوصيك أن لا يشهد أحد جنازتي من هؤُلاءِ الّذين ظلموني وأخذُوا حقي فإنّهُم عدُوّي و عدُو رسُول اللّه (صَلَّى اللّه عَلَيْهِ وَآلِهِ) و لا تتركُ أن يُصلّي عليّ أحدٌ مِنهُم ولا من أتباعهم وادفِنِّي فِي اللّيل إذا هدأتِ العُيُونُ ونامتِ الأَبصارُثُم تُوُفِّيت صلوات اللّه عليها وعلى أبيها وبعلها وبنيها فصاحت أهل المدينة صيحةً واحدةً واجتمعت نِساء بَنِي هاشم فِي دارِها فصرخُوا صرخةً واحِدةً كادت المدينةُ أن تتزعزع مِن صُراخِهِنَّ وهُنَّ يقلن يا سيدتاه يا بنت رسُول اللّه وأقبل النّاسُ مِثل عُرفِ الفرس إلى عليّ (عَلَيهِ السَّلَامُ) و هُو جالس و الحسن والحُسين (عَلَيهِمَا السَّلَامُ) بين يديه يبكيان فبكى النَّاسُ لِبُكائِهِما و خرجت أُمُّ
ص: 55
كُلْثُومٍ و عليها بُرقعةٌ و تجُرُّ ذيلها مُتجلّلةً بِرِداء عليها تُسبّجُها وهي تقُولُ يا أبتاه يا رسُول اللّه الآن حقّاً فقدناك فقداً لا لقاء بعده أبداً و اجتمع النّاسُ فجلسوا و هُم يَضِجُون وينتظِرُون أن تُخرج الجنازة فيُصلُّون عليها وخرج أبوذر و قال انصرِفُوا فإن ابنة رسُول اللّه (صَلَّى اللّه عَلَيْهِ وَآلِهِ) قد أُخر إخراجها في هذِهِ العشِيّةِ فقام النّاسُ وانصرفُوا فَلَمّا أن هدأتِ العُيُونُ ومضى شطر من اللّيل أخرجها علي والحسن والحُسين (عَلَيهِم السَّلَامُ) و عمَّار و المقداد و عقيل والزُّبير و أبوذر و سلمان وبُريدة ونفر من بَنِي هاشم و خواصه صلوا عليها و دفنُوها فِي جوف اللّيل وسوّى عليّ (عَلَيهِ السَّلَامُ) حواليها قُبُوراً مُزوّرةً مِقدار سبعةٍ حتّى لا يُعرف قبرها و قال بعضُهُم مِن الخواص قبرُها سُوّي مع الأرضِ مُستوِياً فمسح مسحاً سواءً مع الأرضِ حتّى لا يُعرف موضِعُهُ. (1)
أقول : فتال النيشابوري الّذي استشهد بيد رئيس النيشابور ذكر هذا الخبر فِي كتاب روضة الواعظين الّذي يعد من مصادر بحار الأنوار و اعتمد عليه العلماء لأنَّه أضمن فِي مقدمة كتابه أنَّه لا يذكر خبرا إلّا أن يكون مشهورا عند الشّيعة فعلى هذا القياس يكون هذا الخبر من مشهورات الشّيعة.
13 - عن جعفر بن محمّد عن آبائِهِ (عَلَيهِم السَّلَامُ) قال: بينما أبوبكر و عُمرُ عِند فاطمة (عَلَيهَا السَّلَامُ) يعودانِها، فقالت لهما: أسألُكُما بِاللّه الّذي لا إِله إِلّا هُو هل سمعتُما رسُول اللّه (صَلَّى اللّه عَلَيْهِ وَآلِهِ) يقُولُ: من آذى فاطمة فقد آذاني و من آذاني فقد آذى اللّه ؟ فقالا: اللّهمّ نعم، قالت: فأشهد أنكما آذيتماني. (2)
14 - عن أبي جعفر (عَلَيهِ السَّلَامُ) قال: دخلت فاطمة (عَلَيهَا السَّلَامُ) بنتُ محمّد (صَلَّى اللّه عَلَيْهِ وَآلِهِ) على أبي بكر، فسألته فدكاً، قال: النّبيّ لا يُوتِتُ، فقالت: قد قال اللّه تعالى ﴿و ورث سلیمان داؤد)(3).
فلَمّا حاجته أمر أن يُكتب لها، وشهد عليّ بن أبِي طالِب (عَلَيهِ السَّلَامُ) و أُمُّ أيمن.
قال: فخرجت فاطمة (عَلَيهَا السَّلَامُ)، فاستقبلها عُمرُ، فقال: من أين جئت يا بنت رسُول اللّه ؟ قالت: مِن عِندِ أبي بكر من شأن فدك، قد كتب لي بها.
ص: 56
فقال عُمرُ: هاتي الكتاب فأعطته، فبصق فِيهِ و محاه، عجّل اللّه جزاه.
فاستقبلها عليّ (عَلَيهِ السَّلَامُ) فقال: ما لكِ يا بنت رسُول اللّه غضبي ؟! فذكرت له ما صنع عُمرُ، فقال: ما ركبُوا مِنِّي و مِن أبِيكَ أعظمُ مِن هذا.
فمرضت فجاءا يعودانِها فلم تأذن لهما، فجاءا ثانيةً مِن الغدِ، فأقسم عليها أمير المؤمنين (عَلَيهِ السَّلَامُ) فأذنت لهما، فدخلا عليها فسلّما فردّت ضعيفاً.
ثم قالت لهما: سألتُكُما بِاللّه الّذي لا إِله إِلَّا هُو أ سمِعتُما يَقُولُ رسُول اللّه (صَلَّى اللّه عَلَيْهِ وَآلِهِ) فِي حقّي: من آذى فاطمة فقد آذاني و من آذاني فقد آذى اللّه.
قالا: اللّهمّ نعم قالت: فاشهد أنكما قد آذيتماني. (1)
15- عن أحدِهِما (عَلَيهِمَا السَّلَامُ) قال: إِنّ اللّه قضى الاختلاف على خلقِهِ و كان أمراً قد قضاهُ فِي عِلمِهِ كما قضى على الأمم مِن قبلِكُم وهي السُّننُ والأمثالُ يجري على الناس فجرت علينا كما جرت على الّذين من قبلنا وقولُ اللّه حقّ قال اللّه تبارك وتعالى لمحمّد (صَلَّى اللّه عَلَيْهِ وَآلِهِ) (سُنَّةَ مَنْ قَدْ أَرْسَلْنَا قَبْلَكَ مِنْ رُسُلِنَا وَلَا تَجِدُ لِسُنَّتِنَا تَحْوِيلًا) (2) وقال (فَهَلْ يَنْظُرُونَ إِلَّا سُنَّتَ الأوّلين فَلَنْ تَجِدَ لِسُنَّتِ اللَّهِ تَبْدِيلًا وَلَنْ تَجِدَ لِسُنَّتِ اللَّهِ تَحْوِيلًا) (3) وقال (فَهَلْ يَنْتَظِرُونَ إِلَّا مِثْلَ أَيَّامِ الَّذِينَ خَلَوْا مِنْ قَبْلِهِمْ قُلْ فَانْتَظِرُوا إِنِّي مَعَكُمْ مِنَ الْمُنْتَظِرِينَ) (4) وقال (عَلَيهِ السَّلَامُ) لا تبديل لقول اللّه وقد قضى اللّه على مُوسى (عَلَيهِ السَّلَامُ) و هُو مع قومِهِ يُرِيهِمُ الآيَاتِ والنُّذُر ثمّ مَرُّوا على قومٍ يَعْبُدُونِ أصناماً (قَالُوا يَا مُوسَى اجْعَلْ لَنَا إِلَهًا كَمَا لَهُمْ آلِهَةٌ قَالَ إِنَّكُمْ قَوْمٌ تَجْهَلُونَ) (5) فاستخلف موسى هارُون فنصبُوا عِجلًا جسداً لهُ خُوارٌ فقَالُوا (هذا إِلَهُكُم وإِلهُ مُوسى) (6) و تركُوا هارون فقال (يا قومِ إِنّما فُتِنتُم بِهِ و
ص: 57
إِنْ رَبِّكُمُ الرّحمنُ فاتَّبِعُونِي وأطِيعُوا أمرِي قَالُوا لَنْ نَبْرَحَ عَلَيْهِ عَاكِفِينَ حَتَّى يَرْجِعَ إِلَيْنَا مُوسَى) (1)، فضرب لكُم أمثالهم وبيّن لكُم كيف صنع بهم وقال إن نبيّ اللّه (صَلَّى اللّه عَلَيْهِ وَآلِهِ) لم يقض حتّى أعلم الناس أمر عليّ (عَلَيهِ السَّلَامُ) فقال من كنت مولاه فعلي مولاه و قال إِنَّهُ مِنِّي بِمنزِلِةِ هَارُون مِن مُوسى غير أنَّه لا نبيّ بعدي و كان صاحب راية رسُول اللّه (صَلَّى اللّه عَلَيْهِ وَآلِهِ) فِي المواطِنِ كُلّها وكان معه فِي المسجِدِ يدخُلُهُ على كلّ حالٍ وكان أوّل النَّاسِ إيماناً بِهِ فَلَمّا قبض نبيّ اللّه (صَلَّى اللّه عَلَيْهِ وَآلِهِ) كان الّذي كان لما قد قُضي من الاختلافِ وعمد عُمرُ فبايع أبا بكرو لم يُدفن رسُول اللّه (صَلَّى اللّه عَلَيْهِ وَآلِهِ) بعد فلما رأى ذلك عليّ (عَلَيهِ السَّلَامُ) و رأى الناس قد بايعوا أبا بكر خشي أن يفتتن النَّاسُ ففرغ إلى كِتابِ اللّه وأخذ يجمعُهُ فِي مُصحف فأرسل أبوبكر إليه أن تعال فبايع فقال عليّ (عَلَيهِ السَّلَامُ) لا أخرُجُ حتّى أجمع القُرآن فأرسل إليه مرّةً أُخرى فقال لا أخرُجُ حتّى أفرغ فأرسل إليهِ الثَّالِثة عُمرُ رجُلًا يُقالُ لَهُ قُنفُذُ فقامت فاطِمةُ بِنتُ رسُول اللّه صلواتُ اللّه عليها تحول بينه وبين عليّ (عَلَيهِ السَّلَامُ) فضربها فانطلق قنفُذٌ وليس معه على فخشي أن يجمع علىٌّ الناس فأمر يحطب فجعل حوالي بيتِهِ ثمّ انطلق عُمر ينارٍ فأراد أن يُحرق على على بيته و على فاطمة والحسن والحُسين صلواتُ اللّه عليهِم فَلَمّا رأى (عَلَيهِ السَّلَامُ) ذلك خرج فبايع كارهاً غير طائع. (2)
16 - عن عُروة بن الزُّبير قال : لَمَّا بايع النّاسُ أبا بكر خرجت فاطِمةُ بِنتُ محمّد (صَلَّى اللّه عَلَيْهِ وَآلِهِ) فوقفت على بابها وقالت ما رأيتُ كاليوم قط حضرُوا أسوأ محضر وتركوا نبيهم (صَلَّى اللّه عَلَيْهِ وَآلِهِ) جنازة بين أظهرنا واستبدوا بالأمر دوننا. (3)
17 - عن الكاظم (عَلَيهِ السَّلَامُ) قال : قُلتُ لأبي فما كان بعد خُرُوجِ الملائكة عن رسُول اللّه (صَلَّى اللّه عَلَيْهِ وَآلِهِ) قال فقال ثمّ دعا عليّاً وفاطمة والحسن والحُسين (عَلَيهِم السَّلَامُ) وقال لمن فِي بيتِهِ اخْرُجُوا عَنِّي و قال لأُمّ سلمة كُونِي على البابِ فلا يقربه أحدٌ ففلعت ثمّ قال يا عليُّ ادنُ مِنِّي فدنا مِنْهُ فأخذ بِيدِ فاطِمة
ص: 58
فوضعها على صدره طويلاً و أخذ بيد علي بيده الأُخرى فلما أراد رسُول اللّه (صَلَّى اللّه عَلَيْهِ وَآلِهِ) الكلام غلبته عبرته فلم يقدر على الكلام فبكت فاطمةُ بُكاءً شديداً و علي والحسن والحُسين (عَلَيهِم السَّلَامُ) لبكاء رسُول اللّه (صَلَّى اللّه عَلَيْهِ وَآلِهِ) فقالت فاطمة يا رسُول اللّه قد قطعت قلبي وأحرقت كبِدِي لِبُكائِك يا سيّد النبيّين من الأوّلين والآخِرِين و يا أمين ربّه ورسوله و يا حبيبه ونبيه من لولدي بعدك و لِذُلّ ينزِلُ بي بعدك من لعلي أخيك و ناصِرِ الدِّينِ من لوحي اللّه وأمرِهِ ثمّ بكت وأكبّت على وجهِهِ فقبلته وأكبّ عليهِ علي والحسن والحُسين صلوات اللّه عليهم فرفع رأسه (صَلَّى اللّه عَلَيْهِ وَآلِهِ) إليهم ويدها فِي يده فوضعها فِي يد علي وقال له يا أبا الحسنِ هذه وديعةُ اللّه و وديعةُ رَسُولِهِ محمّد عِندك فاحفظ اللّه واحفظني فيها وإنّك لِفَاعِلُهُ يا عَلِيُّ هَذِهِ وَاللّه سيّدةُ نِساءِ أهلِ الجنَّة مِن الأوّلين والآخِرِين هذِهِ واللّه مريمُ الكُبرى أما واللّه ما بلغت نفسي هذا الموضع حتّى سألتُ اللّه لها و لكُم فأعطاني ما سألتُهُ يا علي انفذ لِما أمرتك بِهِ فاطِمةُ فقد أمرتها بأشياء أمر بها جبرئيل (عَلَيهِ السَّلَامُ) و اعلم يا علي أنّي راض عمّن رضيت عنه ابنتي فاطمة وكذلك ربّي وملائكته يا علي ويلٌ لمن ظلمها وويل لمن ابتزها حقّها وويل لمن هتك حرمتها وويل لمن أحرق بابها وويل لمن آذى خليلها و ويل لمن شاقّها و بارزها اللّهمّ إِنِّي مِنهُم بِرِيءٌ وهُم مِنِّي بُرَاءُ ثمّ سَمّاهُم رسُول اللّه (صَلَّى اللّه عَلَيْهِ وَآلِهِ) وضمّ فاطمة إليه وعليّاً والحسن والحُسين (عَلَيهِم السَّلَامُ) و قال اللّهمّ إِنِّي لهم ولمن شايعهم سلم وزعيم بأنهم يدخُلُون الجنَّة و عدو وحرب لمن عاداهم و ظلمهم وتقدّمهم أو تأخر عنهم وعن شيعتهم زعيم بأنهم يدخُلُون النارثُم واللّه يا فاطمة لا أرضى حتّى ترضى ثمّ لا واللّه لا أرضى حتّى ترضى ثمّ لا واللّه لا أرضى حتّى ترضى قال عيسى - فسألتُ مُوسى (عَلَيهِ السَّلَامُ) و قُلتُ إِنّ النّاس قد أكثرُوا فِي أنّ النّبيّ (صَلَّى اللّه عَلَيْهِ وَآلِهِ) أمر أبا بكر أن يُصلّي بِالنَّاسِ ثمّ عُمر فأطرق عنّي طويلًا ثمّ قال ليس كما ذكرُوا و لكنك يا عيسى. كثير البحث عنِ الأُمور ولا ترضى عنها إلّا بكشفها فقُلتُ بأبي أنت وأُمِّي إِنّما أسأل عمّا أنتفِعُ بِهِ فِي دِينِي و أتّفقه مخافة أن أضل وأنا لا أدري و لكن متى أجِدُ مِثلك يكشِفُها لي فقال إِنَّ النّبيّ (صَلَّى اللّه عَلَيْهِ وَآلِهِ) لما ثقُل فِي مرضِهِ دعا عليّاً فوضع رأسه فِي حجره و أُغمي عليهِ و حضرتِ الصّلاة فأُوْذِن بِها فخرجت عائشةُ فقالت يا عُمرُ اخرج فصلِ بِالنّاسِ فقال أبوكِ أولى بها فقالت صدقت و لكِنَّهُ رجُلٌ ليّن وأكره أن يُوائِبه القومُ فصلّ أنت
ص: 59
فقال لها عُمرُبل يُصلّي هُو و أنا أكفِيهِ إِن وثب واثِبٌ أو تحرّك متحرك مع أن محمّداً (صَلَّى اللّه عَلَيْهِ وَآلِهِ) مُغمى عليهِ لا أراهُ يُفِيقُ مِنها والرّجُلُ مَسْغُولٌ بِهِ لا يقدِرُ أن يُفارِقهُ يُرِيدُ عليّاً (عَلَيهِ السَّلَامُ) فبادِرهُ بِالصّلاة قبل أن يُفيق فَإِنَّهُ إِن أَفاقَ خِفْتُ أَن يَأْمُر عَلِيّاً بِالصّلاة فقد سمِعتُ مُناجاتِهِ مُنذُ اللّيلة وفِي آخِرِ كلامِهِ الصّلاة الصّلاة قال فخرج أبوبكر ليُصلّي بِالنّاس فأنكر القومُ ذلِك ثمّ ظنُّوا أَنهُ بِأَمرِ رسُول اللّه (صَلَّى اللّه عَلَيْهِ وَآلِهِ) فلم يُكبّر حتّى أفاق (صَلَّى اللّه عَلَيْهِ وَآلِهِ) و قال ادعُوا لي العبّاس فدعِي فحمله هُو و علي فأخرجاه حتّى صلّى بِالنَّاسِ وَإِنَّهُ لقاعِدُ ثمّ جُمِل فَوُضِع على منبره فلم يجلس بعد ذلك على المنبر و اجتمع له جميعُ أهل المدينة من المهاجرين والأنصار حتّى برزتِ العواتِقُ مِن خُدُورِهِنَّ فبين باك و صائح و صارخ و مسترجع والنّبيُّ (صَلَّى اللّه عَلَيْهِ وَآلِهِ) يخطب ساعةً ويسكُتُ ساعةً و كان مِمّا ذكر فِي خُطبتِهِ أن قال يا معشر المهاجرين والأنصار و من حضرني فِي يومي هذا و فِي ساعتي هذِهِ مِن الجن والإنس فليُبلغ شاهِدُكُمُ الغائِب ألا قد خلّفتُ فِيكُم كِتاب اللّه فِيهِ النُّورُ والهدى والبيانُ ما فرط اللّه فِيهِ مِن شيءٍ حُجّةُ اللّه لِي عليكُم وخلّفتُ فِيكُمُ العلم الأكبر علم الدِّينِ ونُور الهدى وصيّ عليّ بن أبِي طالِب ألا هُو حبل اللّه فاعتصِمُوا بِهِ جميعاً ولا تفرّقُوا عنهُ ﴿واذْكُرُوا نِعمت اللّه عليكُم إِذ كُنتُم أعداء فألف بين قُلُوبِكُم فأصبحتُم بِنِعمتِهِ إخواناً) (1) أيّها النَّاسُ هذا عليّ بن أبِي طالِب كنز اللّه اليوم و ما بعد اليوم من أحبّه و تولاه اليوم و ما بعد اليوم (وَمَنْ أَوْفَى بِمَا عَاهَدَ عَلَيْهُ اللّه) (2) وأدّى ما وجب عليه و من عاداهُ اليوم و ما بعد اليوم جاء يوم القيامة أعمى وأصمّ لا حُجّة له عند اللّه أيّها النَّاسُ لا تأتوني غداً بالدُّنيا تزفُّونها زنّاً و يأتي أهلُ بيتي شعثاً غُبراً مقهورين مظلومين تسِيلُ دِماؤُهُم أمامكُم وبيعاتِ الضَّلالة والشُّورى للجهالة ألا وإنّ هذا الأمر له أصحابٌ و آياتٌ قد سماهُمُ اللّه فِي كِتابِهِ وعرفتُكُم وبلغتكُم ما أُرسلتُ بِهِ إِليكُم (وَلَكِنِّي أَرَاكُمْ قَوْمًا تَجْهَلُونَ) (3) لا ترجِعُن بعدِي كُفَّاراً مُرتدّين مُتأوّلين للكتاب على غيرِ معرفةٍ وتبتدِعُون السنة بالهوى لأن كلّ سُنّة وحدثٍ وكلامٍ خالف القُرآن فهُورةٌ وباطِلُ القُرآنُ إِمَامٌ هُدًى ولهُ قائِدٌ يهدِي إِليهِ ويدعُو
ص: 60
إِليهِ بِالحِكمة والموعظة الحسنة ولِيُّ الأَمرِ بعدِي وَلِيُّهُ ووارِثُ علمي و حكمتي وسري و علانيتي و ما ورثه النّبِيُّون مِن قبلي و أنا وارِثٌ و مُورِثٌ فلا تكذبنّكُم أنفُسُكُم أيّها النَّاسُ اللّه اللّه فِي أهل بيتي فإنّهم أركانُ الدِّينِ ومصابيحُ الظُلمِ ومعدِنُ العِلمِ علي أخي و وارثي و وزيري وأميني والقائم بأمري والموفي بعهدِي على سُنّتِي أَوّلُ النّاسِ بِي إيماناً و آخِرُهُم عهداً عِند الموتِ وأوسطهم لِي لِقاء يوم القيامةِ فليُبلّغ شاهِدُكم غائبكُم ألا و من أمّ قوماً إمامةً عمياء وفي الأُمّة من هُو أعلمُ مِنهُ فقد كفرأيُّها النَّاسُ ومن كانت له قبلي تبعةٌ فها أنا و من كانت له عُدّةٌ فلياتِ فِيها عليّ بن أبِي طالِب فإِنَّهُ ضامِنٌ لِذلِكَ كُلِّهِ حتّى لا يبقى لأحدٍ عليّ تباعة. (1)
18 - عن عليّ بن الحُسين (عَلَيهِمَا السَّلَامُ)، عن أبيه الحُسين (عَلَيهِ السَّلَامُ)، قال: لما مرضت فاطِمةُ بِنتُ محمّد رسُول اللّه (صَلَّى اللّه عَلَيْهِ وَآلِهِ) وصت إلى عليّ بن أبِي طالِب (عَلَيهِ السَّلَامُ) أن يكتم أمرها، ويُخفي خبرها، ولا يؤذن أحداً بمرضها، ففعل ذلك، وكان يُمرّضُها بِنفسِهِ، وتُعِينُهُ على ذلك أسماء بنتُ عُميس (رحمها اللّه) على استمرار بذلك، كما وصت بِهِ َفلَمّا حضرتها الوفاة وصّت أمير المؤمنين (عَلَيهِ السَّلَامُ) أن يتولّى أمرها ويدفنها ليلًا ويُعنّي قبرها، فتولّى ذلك أمير المؤمنين (عَلَيهِ السَّلَامُ) ودفنها و عنّى موضع قبرها، فلمّا نفض يدهُ مِن تُرابِ القبرِ هاج بِهِ الحُزنُ، وأرسل دُمُوعه على خدّيهِ، و حوّل وجههُ إِلى قبرِ رسُول اللّه (صَلَّى اللّه عَلَيْهِ وَآلِهِ) فقال: السّلام عليك يا رسُول اللّه، عَنِّي وعن ابنتك و حبيبتك، وقرة عينك و زائرتِك، والثَّابِتِةِ فِي الثّرى ببقعتِك، المختار اللّه لها سرعة اللحاق بك، قل يا رسُول اللّه عن صفيّتك صبري، وضعف عن سيّدة النِّساء تَجلُّدِي، إِلَّا أَن فِي التَّأْتِي لِي بِسُنّتِك والحُزنِ الّذي حلّ بِي لِفِراقك لموضع التّعنِّي، و لقد وشدتك فِي ملحود قبرك بعد أن فاضت نفسك على صدري، و غمضتك بيدِي، وتولّيتُ أمرك بنفسِي، نعم وفي كِتابِ اللّه نِعم القبُولُ وإِنَّا للّه و إِنَّا إِليهِ راجِعُون.
قد استُرجِعتِ الوديعةُ، و أخذتِ الرهينة، واختُلِست الزهراء، فما أقبح الخضراء و الغبراء، يا رسُول اللّه ! أمّا حُزني فسرمد، وأمّا ليلي فمسهّد، لا يبرح الحُزنُ مِن قلبي أو يختار اللّه لِي دارك الّتي فِيها أنت مُقِيمٌ، كمدٌ مُقيّح، و هم مُهيّج، سرعان ما فرّق بيننا وإِلى اللّه أَشكُو، وستُنبِئُك ابنتك
ص: 61
بتظاهرِ أُمَّتِك علي وعلى هضمها حقّها، فاستخبرها الحال، فكم من غليل معتلج بصدرها لم تجد إلى بيّهِ سَبِيلًا، وستقُولُ ويحكم اللّه بيننا وهُو خير الحاكِمِين.
سلام عليك يا رسُول اللّه، سلام مُودّع لا سئيم ولا قال، فإن أنصرف فلا عن ملالةٍ، وإن أُقيم فلا عن سوء ظن بما وعد اللّه الصّابِرِين، الصّبر أيمن وأجمل، ولولا غلبة المستولين علينا لجعلتُ المقام عند قبرك لزاماً، والتلبث عِنده معكوفاً، ولا عولتُ إعوال التكلى على جليل الرّزِيّة، فبعينِ اللّه تُدفنُ بِنتُك سراً، ويهتضم حقّها قهراً، ويُمنعُ إرثها جهراً، ولم يطل العهد، ولم يخلق مِنكَ الذِكرُ، فإلى اللّه يا رسُول اللّه المشتكى، وفيك أجمل العزاء، فصلواتُ اللّه عليها وعليك و رحمة اللّه و بركاته. (1)
19 - عن عبدِ اللّه بنِ العبّاس قال: لَمّا حضرت رسُول اللّه (صَلَّى اللّه عَلَيْهِ وَآلِهِ) الوفاة بكى حتّى بلت دُمُوعُهُ لحيته، فقيل له: يا رسُول اللّه، ما يبكيك فقال: أبكي لِذُرِّيَّتِي، وما تصنعُ بِهِم شِرارُ أُمّتي من بعدِي، كأنّي بِفاطمة ابنتي و قد ظلمت بعدِي وهِي تُنادِي" يا أبتاه، يا أبتاه" فلا يُعِينُها أحدٌ مِن أُمَّتِي.
فسمعت ذلك فاطِمةُ (عَلَيهَا السَّلَامُ)، فبكت فقال لها رسُول اللّه (صَلَّى اللّه عَلَيْهِ وَآلِهِ) : لا تبكين. يا بُنيّة. فقالت: لستُ أبكِي لِما يُصنعُ بِي مِن بعدِك و لكن أبكِي لِفِراقِك، يا رسُول اللّه. فقال لها: أبشري يا بنت محمّد بِسُرعةِ اللّحاقِ بِي، فإِنَّكَ أوّلُ من يلحق بِي مِن أهل بيتي. (2)
20 - قال سويدُ بنُ غفلة لَمَّا مرضت فاطمه (سلام اللّه عليها) المرضة الّتي تُوُفِّيت فيها دخلت عليها نِساءُ المهاجرين والأنصارِ يعُدنها فقُلن لها كيف أصبحتِ مِن عِلتِكِ يا ابنة رسُول اللّه فحمدت اللّه و صلت على أبيها ثمّ قالت أصبحتُ واللّه عائِفةً لِدُنياكُن قالِيةً لِرِجالِكُن لفظتُهم بعد أن عجمتهم وسيمتهم بعد أن سبرتهم فقُبحاً لِقُلُولِ الحدّ واللعِبِ بعد الجد و قرع الصفاة وصدع القناة وختلِ الآراء و زللِ الأهواء (لَبِئْسَ مَا قَدَّمَتْ لَهُمْ أَنْفُسُهُمْ أَنْ سَخِطَ اللَّهُ عَلَيْهِمْ وَفِي الْعَذَابِ
ص: 62
هُمْ خَالِدُونَ) (1) لا جرم لقد قلّدتهم ربقتها وحملتهم أوقتها و شننتُ عليهم غاراتها فجدعاً و عقراً (و بُعداً للقومِ الظَّالِمِين) (2) ويحهم أنّى زعزعُوها عن رواسِي الرِّسالة وقواعِدِ النُّبُوَّةِ والدلالة ومهبط الرُّوحِ الأمِينِ والطبينِ بِأُمُورِ الدُّنيا والدِّينِ ﴿أَلَا ذَلِكَ هُوَ الْخُسْرَانُ الْمُبِينُ) (3) و ما الّذي نقمُوا مِن أبي الحسن (عَلَيهِ السَّلَامُ) نقمُوا واللّه مِنهُ نكير سيفِهِ وقِلَّة مُبالَاتِهِ لِحتفِهِ وشِدّة وطأتِهِ ونكال وقعتِهِ وتنمره فِي ذاتِ اللّه وتاللّه لو مالُوا عن المحجّةِ اللائحة وزالُوا عن قبولِ الحُجّةِ الواضحة لردّهُم إليها وحملهم عليها والساريهم سيراً سُجُحاً لا يكلم حشاشه [ خشاشُهُ] ولا يكلُّ سائِرُهُ ولا يملُّ راكِبُهُ ولا وردهم منهلاً نيراً صافياً روياً تطفحُ ضفتاه ولا يترنّقُ جانباه ولا صدرهُم بِطاناً ونصح لهم سراً و إعلاناً ولم يكُن يتحلّى مِن الدُّنيا بِطائِلٍ ولا يحظى مِنها بِنائِلٍ غيرري النّاهِلِ وشُبعةِ الكافِلِ ولبان هُمُ الرّاهِدُ مِن الرّاغِبِ والصَّادِقُ مِن الكاذب (وَلَوْ أَنَّ أَهْلَ الْقُرَى آمَنُوا وَاتَّقَوْا لَفَتَحْنَا عَلَيْهِمْ بَرَكَاتٍ مِنَ السَّمَاءِ وَالْأَرْضِ وَلَكِنْ كَذَّبُوا فَأَخَذْنَاهُمْ بِمَا كَانُوا يَكْسِبُونَ) (4) (وَالَّذِينَ ظَلَمُوا مِنْ هَؤُلَاءِ سَيُصِيبُهُمْ سَيِّئَاتُ مَا كَسَبُوا وَمَا هُمْ بِمُعْجِزِينَ) (5) ألا هلم فاسمع و ما عشت أراك الدهر عجباً (وإن تعجب فعجب قولُهم) (6) ليت شعري إلى أيّ سِنادٍ استندوا و إلى أيّ عِمادٍ اعتمدوا و بِأيّةِ عُروة تمسكوا و على أيّةِ ذُرِّيَّةٍ أقدمُوا واحتنكُوا (لَبِئْسَ الْمَوْلَى) (وَلَبِئْسَ الْعَشِيرُ) (7) (بِئْسَ لِلظَّالِمِينَ بَدَلًا﴾ (8) استبدلوا واللّه الذنابى
ص: 63
بِالقوادِمِ والعجُز بالكاهِلِ فرغماً لِمعاطِسِ قومٍ (يحسبُونَ أَنَّهُم يُحسِنُون صُنعاً) (1) (أَلَا إِنَّهُمْ هُمُ الْمُفْسِدُونَ وَلَكِنْ لَا يَشْعُرُونَ) (2) ويحهم (أَفَمَنْ يَهْدِي إِلَى الْحَقِّ أَحَقُّ أَنْ يُتَّبَعَ أَمَّنْ لَا يَهِدِّي إِلَّا أَنْ يُهْدَى فَمَا لَكُمْ كَيْفَ تَحْكُمُونَ) (3) أما لعمري لقد لقحت فنظرة ريثما تُنتج ثمّ احتلبُوا ملء القعب دماً عبيطاً و ذعافاً مبيداً (هنالك يَخْسَرُ الْمُبْطِلُونَ) (4) ويُعرفُ الباطِلُون غبّ ما أُتسّس الأوّلُون ثمّ طيبوا عن دنياكم أنفساً واطمأنوا للفتنة جاشاً وأبشروا بِسيف صارِمٍ وسطوة مُعتدٍ غاشِمٍ وبهرج شامِل و استبدادٍ مِن الظالمين يدعُ فيئكُم زهيداً و جمعكم حصيداً فيا حسرتي لكُم وأنّى بِكُم وقد عميت عليكُم (أَنُلْزِمُكُمُوهَا وَأَنْتُمْ لَهَا كَارِهُونَ) (5) قال سويد بن غفلة فأعادتِ النِّساء قولها (عَلَيهِ السَّلَامُ) على رِجالِهِنَّ فجاء إليها قومٌ مِن المهاجرين والأنصارِ مُعتذِرِين وقالوا يا سيّدة النِّساء لو كان أبو الحسن ذكر لنا هذا الأمر قبل أن يُبرم العهدُ ويُحكم العقد لما عدلنا عنه إلى غيره فقالت (عَلَيهِ السَّلَامُ) إليكم عنِّي فلا عُذر بعد تعذيركُم ولا أمر بعد تقصيركُم. (6)
أقول : ستقرأ إن شاء اللّه ما يناسب هذا الباب فِي الأبواب الآتية سيما فِي باب "غصبهما الفدك ".
ص: 64
1- عن أبي الجارود، عن أبي جعفر (عَلَيهِ السَّلَامُ)، قال: سألتُه، متى يقُومُ قائكم ؟
قال: يا أبا الجارود، لا تُدرِكُون. فقُلتُ: أهل زمانه.
فقال: ولن تُدرِك أهل زمانِهِ، يَقُومُ قائِمُنا بِالحَقِّ بعد إياس مِن الشّيعة، يدعُو النَّاس ثلاثاً فلا يُجِيبُهُ أحد، فإذا كان اليوم الرابع تعلّق بأستار الكعبة، فقال: يا ربّ، انصرني، ودعوتُه لا تسقط، فيقُولُ (تبارك وتعالى) لِلملائِكَةِ الّذين نصرُوا رسُول اللّه (صَلَّى اللّه عَلَيْهِ وَآلِهِ) يوم بدر، ولم يحظوا سُرُوجهم، ولم يضعوا أسلحتهم فيُبايعونه، ثمّ يُبايِعُهُ مِن النّاس ثلاثمائة وثلاثة عشر رجُلًا، يسير إلى المدينة، فيسِيرُ النَّاسُ حتّى يرضى اللّه (عزّوجلّ)، فيقتُلُ ألفاً وخمسمائةٍ قُرشِيّاً ليس فيهم إلّا فرخُ زنيةٍ.
ثم يدخُلُ المسجد فينقُضُ الحائط حتّى يضعه إلى الأرضِ، ثمّ يُخرجُ الأزرق و زُريق غضّينِ طرِيّينِ، يُكَلِّمُهُما فيُجِيبانِهِ، فيرتابُ عِند ذلك المبطِلُون، فيقُولُون: يُكلّمُ الموتى ؟! فيقتُلُ مِنهُم خمسمائةِ مُرتابٍ فِي جوف المسجدِ ثمّ يُحرِقُهُما بالحطبِ الّذي جمعاهُ لِيُحرقا بِهِ عليّاً وفاطمة و الحسن والحُسين (عَلَيهِم السَّلَامُ)؛ وذلك الحطبُ عِندنا نتوارتُهُ، ويهدم قصر المدينة. الحديث (1).
1 - عنِ الصّادِقِ (عَلَيهِ السَّلَامُ) قال: من أقرّ بسبعة أشياء فهُو مُؤمِنُ البراءةِ مِن الجبتِ والطَّاغُوتِ والإقرار بالولاية والإيمان بالرّجعة والاستحلال للمتعة وتحريم الجرّيّ وترك المسح على الخفّينِ. (2)
ص: 65
1- عنِ الأصبغ بن نباتة و رشيد الهجريّ و أبي حديبة الأسديّ و غيرهم من أصحاب عليّ (عَلَيهِ السَّلَامُ) بأسانيد مُختلِفةٍ قالُوا: كُنَّا جُلُوساً فِي المسجِدِ إِذ خرج علينا أمير المؤمنين (عَلَيهِ السَّلَامُ) من الباب الصغير يهوِي بِيدِهِ عن يمينِهِ يَقُولُ : أما ترون ما أرى ؟!. قُلنا: يا أمير المؤمِنِين ! و ما الّذي ترى؟. قال: أرى أبا زريق فِي سدفِ النّار يُشِيرُ إِليَّ بِيدِهِ يقولُ: استغفر لي، لا غفر اللّه له، وزاد أبو كديبة كذا: إنّ اللّه لا يرضى عنهما حتّى يُرضِياني، وايمُ اللّه لا يُرضِياتي أبداً. وسُئِل عنِ السّدف ؟ فقال : الوهدة العظيمة. (1)
2 - عن جابر بن عبد اللّه (رحمة اللّه) قال: رأيتُ أمير المؤمنين عليّ بن أبِي طالِب (عَلَيهِ السَّلَامُ) وهُو خارج من الكوفة، فتبعتُهُ مِن ورائه حتّى إذا صار إلى جبانة اليهود فوقف فِي وسطها، و نادی يا يهودُ، يا يهودُ فأجابُوهُ مِن جوفِ القُبُورِ: لبّيك لبيك مطلاع [مطاعٌ]. يعنُون بِذلِك يا سيّدنا. قال: كيف ترون العذاب ؟ فقالوا: بعصياننا لك كهارون، فنحنُ ومن عصاك فِي العذاب إلى يوم القيامة.
ثم صاح صيحةً كادت السماوات يتفطرن، فوقعتُ مغشيّاً على وجهي من هول ما رأيتُ فَلَمّا أفقتُ رأيتُ أمير المؤمنين (عَلَيهِ السَّلَامُ) على سرير من ياقوتة حمراء، على رأسه إكليل من جوهر، و عليهِ حللٌ خُضر و صُفر، و وجهُهُ كدائرة القمر، فقُلتُ: يا سيّدِي، هذا مُلكٌ عَظِيمٌ ! قال: نعم يا جَابِرُ، إِنَّ مُلكنا أعظمُ مِن مُلكِ سُليمان بن داود، و سُلطاننا أعظمُ مِن سُلطانِهِ ثمّ رجع، ودخلنا الكوفة، ودخلتُ خلفه إلى المسجِدِ، فجعل يخطو خُطُواتٍ وهُو يقُولُ: لا واللّه لا فعلتُ، لا واللّه لا كان ذلك أبداً فقُلتُ: يا مولاي لمن تُكلّمُ، ولمن تُخاطِبُ وليس أرى أحداً! فقال (عَلَيهِ السَّلَامُ): يا جابِرُ، كُشف لي عن برهوت فرأيتُ شنبويه و حبتراً، وهُما يُعذِّبَانِ فِي جوفِ تَابُوتٍ، فِي برهوت، فنادياني: يا أبا الحسنِ يا أمير المؤمِنين، رُدّنا إلى الدُّنيا نُقرّ بفضلك، ونُقر بالولاية لك. فقُلتُ: لا واللّه لا فعلتُ لا واللّه لا كان ذلِك أبداً.
ص: 66
ثُم قرأ هذه الآية: ﴿ولو ردُّوا لعادُوا لِما نُهُوا عَنهُ وإِنَّهُم لكاذِبُون)(1). يا جابر! و ما مِن أحدٍ خالف وصيّ نبيّ إلّا حشره اللّه أعمى يتكبّب فِي عرصات القيامة. (2)
3 - عن عليّ بن رئاب، قال: سمعت أبا عبد اللّه (عَلَيهِ السَّلَامُ) يُحدّث عن آبائه أنَّه أتى آتِ الحسن بن علي (عَلَيهِمَا السَّلَامُ)، فقال: ما عجز عنه موسى (عَلَيهِ السَّلَامُ) من مسألة الخضر (عَلَيهِ السَّلَامُ) فقال: من الكنز الأعظم.
ثمّ ضرب بيده على منكبِ الرّجل فقال : إيه ثمّ ركض ما بين يديه، فانفلق عن إنسانين على صخرة، يرتفع منهما بخار أشدُّ نتناً من الخبالِ وفي عُنق كلّ واحدٍ منهما سلسلةٌ وشيطان مقرون به و هما يقولان يا محمّد يا محمّد. والشيطانان يردان عليهما كذبتما.
ثمّ قال: إنطبقي عليهما إلى الوقت المعلومِ الّذي لا يقدّم ولا يؤخر و هُو خُروجُ القائم المنتظر (عَلَيهِ السَّلَامُ)، فقال الرجلُ: سحر. ثمّ ولّى على أن يخبر بضد ذلك فخرس. (3)
4 - قال أمير المؤمنين (عَلَيهِ السَّلَامُ) للحارِثِ الأعور وهُو عِنده: هل ترى ما أرى ؟ فقال:
كيف أرى ما ترى وقد نوّر اللّه لك وأعطاك ما لم يُعطِ أحداً؟.
قال: هذا فلان الأول على تُرعَةٍ مِن تُرِعِ النّار يقُولُ: يا أبا الحسنِ ! استغفر لي، لا غفر اللّه له. قال: فمكث هُنيئةً ثمّ قال: يا حارِثُ ! هل ترى ما أرى ؟ فقال: وكيف أرى ما ترى وقد نور اللّه لك و أعطاك ما لم يُعطِ أحداً.
قال: هذا فلان الثَّاني على تُرعةٍ مِن تُرعِ النّار يقُولُ: يا أبا الحسن! استغفر لي لا غفر اللّه له. (4)
5 - عن عبدِ اللّه بن بكر الأرجاني قال: صحبتُ أبا عبد اللّه (عَلَيهِ السَّلَامُ) فِي طريق مكّة من المدينة فنزلنا
ص: 67
منزلًا يُقالُ لَهُ عُسفان ثمّ مررنا بجبل أسود عن يسار الطَّرِيقِ مُوحِش فقُلتُ لهُ يا ابن رسُولِ اللّه (صَلَّى اللّه عَلَيْهِ وَآلِهِ) ما أوحش هذا الجبل ما رأيتُ فِي الطَّرِيقِ مثل هذا فقال لي يا ابن بكراً تدري أي جبل هذا قُلتُ لا قال هذا جبل يُقالُ لهُ الكمد وهُو على وادٍ مِن أودِيةِ جهنَّم و فِيهِ قتله أبي الحُسين (عَلَيهِ السَّلَامُ) استودعهم فِيهِ تجري من تحتهم مياه جهنَّم من الغسلِينِ والصّدِيدِ و الحميم وما يخرُجُ مِن جُبِّ الجوي وما يخرُجُ مِن الفلقِ مِن أنام و ما يخرُجُ مِن طينة الخبال وما يخرُجُ مِن جهنَّم و ما يخرُجُ مِن لظى و مِن الحُطمة وما يخرُجُ مِن سقرو ما يخرُجُ مِن الحميم وما يخرُجُ مِن الهاوية وما يخرُجُ مِن السّعِيرو ما مررتُ بهذا الجبل فِي سفرِي فوقفتُ بِهِ إِلَّا رَأَيْتُهُما يستغيثان إلي وإنّي لا نظرُ إلى قتلة أبي وأقولُ لهما إنما هؤلاء فعلوا ما أسّستُما لم ترحمونا إذ وليتُم و قتلتُمُونا و حرمتمونا و وثبتُم على قتلنا [حقنا واستبددتم بالأمر دوننا فلا رحم اللّه من يرحمكما ذُوقا وبال ما قدّمتُما (وَ مَا اللّه بِظَلَّامٍ لِلعَبِيد) (1) وأشدُّهُما تضرُّعاً واستكانةً الثَّاني فَرُبّما وقفتُ عليهما ليتسلّى عنِّي بعضُ ما فِي قلبي ورُبّما طويتُ الجبل الّذي هُما فِيهِ وهُو جبل الكمدِ قال قُلتُ لهُ جُعِلتُ فِداك فإذا طويت الجبل فما تسمعُ قال أسمعُ أصواتهما يُنادِيانِ عرج علينا نُكلّمك فإنّا نتُوبُ وأسمعُ من الجبل صارخاً يصرخُ بِي أجبهما وقُل لهما (اخسَوا فِيهَا ولا تُكَلِّمُون) (2) قال قُلتُ لهُ جُعِلتُ فِداك ومن معهم قال كلّ فِرعونٍ عتا على اللّه وحكى اللّه عنهُ فِعاله وكُلُّ من من علم العِباد الكُفر فقُلتُ من هم قال نحو بُولِس الّذي علم اليهود أن يد اللّه معْلُولةٌ ونحو نسطور الّذي علم النصارى أنّ عيسى المسيح ابن اللّه وقال لهم هم ثلاثةٌ ونحو فرعونِ مُوسى الّذي قال (أنا رَبُّكُمُ الأعلى) (3) ونحو غُرُود الّذي قال قهرتُ أهل الأرض وقتلتُ من فِي السّماء وقاتل أمير المؤمِنين (عَلَيهِ السَّلَامُ) و قاتِل فاطمة و مُحسن وقاتِل الحسن والحُسين (عَلَيهِمَا السَّلَامُ) فأما مُعاوِيةُ وعمرو فما يطمعان فِي الخلاص و معهُم كلّ من نصب لنا العداوة
ص: 68
وأعان علينا بلسانه ويده و مالِهِ قُلتُ لهُ جُعِلتُ فِداك فأنت تسمعُ ذا كُلّه و لا تُقرع قال يا ابن بكرٍ إِنّ قُلُوبنا غيرُ قُلُوبِ النّاسِ إِنَّا مُطِيعُون مُصفّون مُصطفون نرى ما لا يرى الناس ونسمع ما لا يسمعُ النَّاسُ وإنّ الملائكة تنزِلُ علينا فِي رِحالِنا وتتقلّبُ فِي فُرُشِنا و تشهد طعامنا و تحضُرُ موتانا و تأتينا بأخبار ما يحدث قبل أن يكون وتُصلّي معنا وتدعولنا وتلقي علينا أجنحتها و تتقلب على أجنحتها صبيانُنا وتمنعُ الدّوابّ أن تصل إلينا وتأتينا مِمّا فِي الأَرْضِين مِن كلّ نباتٍ فِي زمانِهِ وتسقينا مِن ماءِ كلّ أرض نجِدُ ذلِك فِي آنِيتِنا وما مِن يوم ولا ساعة ولا وقتِ صلاةٍ إلّا وهي تتهيأ لها و ما من ليلةٍ تأتي علينا إِلَّا و أخبارُكُلّ أرضِ عِندنا وما يحدثُ فِيها وأخبارُ الجن و أخبار أهل الهوى مِن الملائِكَةِ و ما مِن مَلِكٍ يَمُوتُ فِي الأَرْضِ وَيَقُومُ غَيرُهُ إِلَّا أَتانا خبره و كيف سيرته فِي الّذين قبله وما مِن أرض مِن سِتَّةِ أرضين إلى السَّابِعَةِ إِلَّا ونحنُ نُؤْتَى بِخَبرِهِم فقُلتُ جُعِلتُ فِداك فأين مُنتهى هذا الجبل قال إلى الأرضِ السّابِعَةِ [السّادِسَةِ] وفيها جهنَّم على وادٍ مِن أودِيتِهِ عليهِ حفظةٌ أكثرُ مِن نُجُومِ السّماء وقطر المطر و عدد ما فِي البحار و عددِ القرى قد وكّل كلّ ملكٍ مِنهُم بِشيءٍ وهُو مُقِيمٌ عليهِ لا يُفارِقُهُ قُلتُ جُعِلتُ فِداك إليكُم جميعاً يُلقون الأخبار قال لا إنّما يُلقى ذلِك إلى صاحِبِ الأمرِو إنا لنحمل ما لا يقدِرُ العِباد على الحكومةِ فِيهِ فنحكُمُ فِيهِ فمن لم يقبل حُكومتنا جبرته الملائكة على قولنا و أمرت الّذين يحفظون ناحيةً أن يقسِرُوهُ على قولنا و إن كان من الجن مِن أَهلِ الخِلافِ والكُفْرِ أوثقته و عذبته حتّى يصير إلى ما حكمنا بِهِ قُلتُ جُعِلتُ فِداك فهل يرى الإمام ما بين المشرق والمغرب فقال يا ابن بكر فكيف يكُونُ حُجّة اللّه على ما بين قطريها وهُو لا يراهم ولا يحكُمُ فِيهِم و كيف يكُونُ حُجّةً على قومٍ غُيِّبٍ لا يقدِرُ عليهم ولا يقدِرُون عليهِ وكيف يَكُونُ مُؤدِّياً عَنِ اللّه و شاهِداً على الخلقِ وهُو لا يراهم وكيف يكُونُ حُجّةً عليهم وهُو محجُوبٌ عنهم وقد جعل بينهم وبينه أن يقوم بأمرِربِّهِ فِيهِم واللّه يقُولُ (وما أرسلناك إِلَّا كافَةً لِلنَّاسِ) (1) يعني بِهِ من على الأرضِ والحجّةُ مِن بعدِ النّبيّ (صَلَّى اللّه عَلَيْهِ وَآلِهِ) يقوم مقام النّبيّ (صَلَّى اللّه عَلَيْهِ وَآلِهِ) من بعدِهِ وهُو الدِّلِيلُ على ما تشاجرت فِيهِ
ص: 69
الأُمّة والآخِذُ بِحقوقِ النّاسِ والقيامُ بِأَمرِ اللّه والمنصف لبعضهم مِن بعض فإذا لم يكن معهم من ينفُذُ قوله و هُو يقُولُ (سَنُرِيهِمْ آيَاتِنَا فِي الْآفَاقِ وَفِي أَنْفُسِهِمْ) (1) فأيُّ آيةٍ فِي الآفاقِ غيرنا أراها اللّه أهل الآفاق وقال (ما نُرِيهِم مِنْ آيَةٍ إِلَّا هِي أكبرُ مِن أُخْتِهَا) (2) فأَيُّ آيَةٍ أكبرُ مِنَّا واللّه إِنّ بَنِي هاشم وقُريشاً لتعرف ما أعطانا اللّه ولكن الحسد أهلكهم كما أهلك إبليس و إنَّهم لياتوننا إذا اضطروا وخافُوا على أنفُسِهِم فيسألُونَا فَنُوضِّحُ لهم فيقُولُون نشهدُ أنْكُم أهلُ العِلمِ ثمّ يخرُجُون فيقُولُون ما رأينا أضلَّ ممّن اتَّبع هؤلاء ويقبلُ مقالتهم قُلتُ جُعِلتُ فداك أخبرني عن الحُسين (عَلَيهِ السَّلَامُ) لونُبش كانوا يجدون فِي قبره شيئاً قال يا ابن بكرما أعظم مسائلك الحُسين (عَلَيهِ السَّلَامُ) مع أبِيهِ و أُمِّهِ وأخِيهِ الحسن فِي منزِلِ رسُول اللّه (صَلَّى اللّه عَلَيْهِ وَآلِهِ) يُحبّون كما يُحبّى ويُرزقُون كما يُرزقُ فلونُبِش فِي أيامِهِ لوُجِد و أما اليوم فهُو حيٌّ عِندَ ربّه يُرزقُ وينظُرُ إِلى مُعسكره وينظُرُ إلى العرش متى يُؤمرُ أن يحمِلهُ وإِنَّهُ لعلى يمين العرشِ مُتعلّق يقُولُ يا ربّ أنجزلي ما وعدتني وإنَّهُ لينظر إلى زُوّاره و هُو أعرفُ بهم وبأسماء آبائهم وبدرجاتهم و بِمنزِلَتِهِم عِندَ اللّه مِن أحدِكُم بِولدِهِ و ما فِي رحلِهِ و إِنَّهُ ليرى من يبكيه فيستغفِرُ لَهُ رحمةً له و يسأل أباه الاستغفار له ويقُولُ لو تعلم أيّها الباكي ما أُعِدّ لك لفرحت أكثر مِمّا جزعت فليستغفِرُ لهُ كلّ من سمع بكاءهُ مِن الملائِكَةِ فِي السّماء وفي الحائر و ينقلب وما عليهِ مِن ذنبٍ. (3)
6 - عن داود الرقي قال قُلتُ لأبي عبد اللّه (عَلَيهِ السَّلَامُ) حدّثني عن أعداءِ أَمِيرِ المؤمِنِين وأهل بيتِ النُّبُوَّةِ فقال الحديث أحبُّ إليك أم المعاينة قُلتُ المعاينة فقال لأبي إبراهيم موسى (عَلَيهِ السَّلَامُ) ائتني بالقضيب فمضى وأحضره إياه فقال له يا مُوسى اضرِب بِهِ الأرض وأرهم أعداء أمير المؤمنين (عَلَيهِ السَّلَامُ) و أعداء نا فضرب بِهِ الأرض ضربةً فانشقتِ الأرضُ عن بحر أسود ثمّ ضرب البحر بالقضيب فانفلق عن صخرة سوداء فضرب الصخرة فانفتح منها باب فإذا بالقومِ جميعاً لا يحصون لكثرتهم ووُجُوهُهُم مُسودَةٌ وأعيُنُهُم
ص: 70
زُرقُ كلّ واحِدٍ مِنهُم مُصفّدٌ مشدُودٌ فِي جَانِبٍ من الصخرة وهُم يُنادون يا محمّد و الزّبانِيةُ تضرِبُ وُجُوهَهُم و يقُولُون لهم كذبتُم ليس محمّد لكُم ولا أنتُم له فقُلتُ لهُ جُعِلتُ فِداك من هؤلاء فقال الجبت والطاغوتُ والرّجسُ واللّعِينُ بن اللّعين ولم يزل يُعدّدُهُم كُلّهُم مِن أوّلهم إلى آخِرِهِم حتّى أتى على أصحاب السّقيفة و أصحاب الفتنة و بَنِي الأزرق والأوزاع و بَنِي أمية جدّد اللّه عليهِمُ العذاب بُكرةً و أصِيلًا ثمّ قال (عَلَيهِ السَّلَامُ) للصخرة انطبقي عليهم إلى الوقت المعلوم. (1)
1- عن موسى بن جعفر (عَلَيهِمَا السَّلَامُ)، قال: قُلتُ : جُعِلتُ فداك، حدّثني فيهما بحديث، فقد سمِعتُ مِن أبِيك فيهما بأحاديث عدةٍ. قال: فقال لي: يا إسحاقُ الأولُ بِنزِلَةِ العِجل، والثاني بمنزلة السّامريّ....(2)
2 - عن سُليم قال إِنِّي كُنتُ عِند عبدِ اللّه بنِ عبّاس فِي بيتِهِ و عِنده رهط من الشّيعة قال فذكرُوا رسُول اللّه (صَلَّى اللّه عَلَيْهِ وَآلِهِ) و موته فبكى ابنُ عباس و قال قال رسُول اللّه (صَلَّى اللّه عَلَيْهِ وَآلِهِ) يوم الإثنينِ وهُو اليومُ الّذي قُبِضَ فِيهِ وحوله أهل بيتِهِ وثلاثون رجُلا مِن أصحابِهِ ايْتُونِي بِكتِفٍ أكتُب لكُم فِيهِ كتاباً لن تضِلُّوا بعدِي ولن تختلِفُوا بعدِي فمنعهم فرعون هذِهِ الأُمّة فقال إِنّ رسُول اللّه يَهجُرُ فغضب رسُول اللّه (صَلَّى اللّه عَلَيْهِ وَآلِهِ) و قال إنّي أراكُم تُخالِفُونِي وأنا حي فكيف بعد موتي فترك الكتف قال سليم ثمّ أقبل علي ابنُ عبّاس فقال يا سليم لولا ما قال ذلك الرّجُلُ لكتب لنا كتاباً لا يضِلُّ أحد ولا يختلف فقال رجُلٌ مِن القومِ و من ذلِك الرَّجُلُ فقال ليس إلى ذلك سبيل فخلوتُ بِابنِ عبّاس بعد ما قام القومُ فقال هُو رمع فقُلتُ صدقت قد سمعتُ عليّاً (عَلَيهِ السَّلَامُ) و سلمان وأبا ذرو المقداد يقُولُون إِنَّهُ رمع فقال يا سليم اكتُم إِلَّا ممّن تَثِقُ بِهِم مِن إِخوانِكَ فَإِنَّ قُلُوب هذِهِ الأُمّة أُشرِبت حُبّ هذينِ الرّجُلين كما أُشرِبت قُلُوبُ بَنِي إسرائيل حُبّ العِجل و السامريّ. (3)
ص: 71
1 - عن أبي عبد اللّه (عَلَيهِ السَّلَامُ) أنَّه قال: نحنُ أصل كلّ خيرٍو مِن فُرُوعِنا كلّ بِرُو مِن البِرِّ التَّوحِيدُ و الصّلاة والصّيامُ وكظم الغيظ والعفو عن المسيء ورحمةُ الفقير و تعاهد الجار و الإقرار بالفضل لأهلِهِ و عدوّنا أصلُ كلّ شرو مِن فُرُوعِهم كلّ قبيح وفاحِشَةٍ فمنهُمُ الكَذِبُ والنَّمِيمَةُ والبُحْلُ و القطيعة وأكل الربا وأكل مال اليتيم بغير حقّه وتعدّي الحدود الّتي أمر اللّه عزّ و جلّ و ركوب الفواحش ما ظهر منها وما بطن من الزنا والسرقة وكُلُّ ما وافق ذلك من القبيح و كذب من قال إنه معنا و هُو متعلق بفرع غيرنا. (1)
2 - عن الصّادِق (عَلَيهِ السَّلَامُ) أنَّه قال: عدونا فِي كِتابِ اللّه الفحشاء والمنكر و البغي والأصنام والأوثان والجبتُ والطَّاغُوتُ. (2)
1- عن محمّد بنِ مُسلم قال قال أبو جعفر (عَلَيهِ السَّلَامُ) يا محمّد إذا سمعت اللّه ذكر أحداً من هذِهِ الأُمّة بخير فنحنُ هُم و إذا سمعت اللّه ذكر قوماً بِسُوءٍ ممّن مضى فهم عدوُّنا. (3)
1 - عن أبي جعفر (عَلَيهِ السَّلَامُ) قال: كُنتُ دخلتُ مع أبي الكعبة فصلى على الرخامة الحمراء بين العمودين فقال فِي هذا الموضع تعاقد القومُ إن مات رسُول اللّه (صَلَّى اللّه عَلَيْهِ وَآلِهِ) أن لا يردُّوا هذا الأمر فِي أحدٍ مِن أهل بيتِهِ أبداً قال قُلتُ ومن كان قال الأول والثاني وأبو عبيدة بن الجراح وسالم بن الحبيبة. (4)
ص: 72
1- قال سعد بنُ عبدِ اللّه القمّيُّ الأَشعَرِيُّ: بُلِيتُ بِأشدّ النّواصِبِ مُنازعةٌ، فقال لي يوماً بعد ما ناظرتُهُ : تبّاً لك ولأصحابك، أنتُم معاشر الروافض تقصدون المهاجرين والأنصار بالطعن عليهم والجُحُودِ لِمحبّة النّبيّ (صَلَّى اللّه عَلَيْهِ وَآلِهِ) لهم، فالصِّدِّيقُ هُو فوق الصحابة بسبب سبق الإسلام، ألا تعلمون أن رسُول اللّه (صَلَّى اللّه عَلَيْهِ وَآلِهِ) إنما ذهب بِهِ ليلة الغار لأنَّه خاف عليه كما خاف على نفسِهِ، ولما علم أنّهُ يَكُونُ الخليفة فِي أمّتِهِ أراد أن يصُون نفسه كما يصُونُ (عَلَيهِ السَّلَامُ) خاصة نفسِهِ، كيلا يختل حالُ الدِّينِ مِن بعدِهِ، ويكون الإسلام منتظماً، وقد أقام عليّاً على فِراشِهِ لِما كان فِي عِلمِهِ أنَّه لو قُتِل لا يختل الإسلامُ بِقتلِهِ، لأنَّه يكُونُ مِن الصّحابة من يقوم مقامه، لا جرم لم يُبالِ مِن قتلِهِ. قال سعد: إِنِّي قد قُلتُ على ذلِك أجوبةً لكنها غيرُ مُسكِتةٍ. ثمّ قال: معاشر الروافض تقُولُون: إِنَّ الأول والثاني كانا ينافقان، وتستدِلُّون على ذلك بليلة العقبة؟ ثمّ قال لي: أخبرني عن إسلامهما كان عن طوع ورغبةٍ أو كان عن إكراه و إجبار؟ فاحترزتُ عن جواب ذلك وقُلتُ مع نفسِي إِن كُنتُ أَجِيبُهُ بِأنه كان عن طوع فيقُولُ: لا يَكُونُ على هذا الوجهِ إيمانهما عن نِفاق، وإِن قُلتُ كان على إكراه و إجبار لم يكُن فِي ذلك الوقتِ لِلإِسلامِ قُوَّةٌ حتّى يكون إسلامهما بإكراه و قهر، فرجعتُ عن هذا الخصم على حالٍ يُقطعُ كبِدِي، فأخذتُ طوماراً وكتبتُ بِضعاً وأربعين مسألةً مِن المسائلِ الغامضةِ الّتي لم يكُن عِندِي جوابها، وقُلتُ: أدفعها إلى صاحِبِ مولاي أبي محمّد الحسن بن علي (عَلَيهِمَا السَّلَامُ) الّذي كان فِي قم، أحمد بن إسحاق، فلمّا طلبتُهُ كان هُو قد ذهب، فمشيتُ على أثره فأدركتُهُ، وقُلتُ الحال معه، فقال لي: تجيءُ معِي إلى سر من رأى حتّى تسأل عن هذه المسائل مولانا الحسن بن علي (عَلَيهِمَا السَّلَامُ)، فذهبت معه إلى سر من رأى، ثمّ جِئنا إلى باب دارِ مولانا (عَلَيهِ السَّلَامُ)، فاستأذنا بِالدُّخُولِ عليهِ فأذن لنا، فدخلنا الدار و كان مع أحمد بن إسحاق حراب قد ستره بِكِساء طبري، وكان فِيهِ مِائَةٌ وسِتُّون صُرَةً مِن الذهب والورق، على كلّ واحِدَةٍ مِنها خاتم صاحِبِها الّذي دفعها إليه، و لما دخلنا و وقع أعيننا على وجه أبي محمّد الحسن بن علي (عَلَيهِمَا السَّلَامُ) كان وجهه كالقمر ليلة البدر، وقد رأينا على فَخِذِهِ غُلاماً يُشبِهُ المشترِي فِي الحُسنِ والجمال...فأردتُ أن أسأله عن مسائل فقال: سل قُرّة عيني و أومأ إلى الغُلامِ عمّا بدا لك، فسألته عن مسائل فأجابني. ثمّ قال مبتدئاً: يا سعد! إِنّ من ادعى أن النّبيّ (صَلَّى اللّه عَلَيْهِ وَآلِهِ) و هُو
ص: 73
خصمك ذهب بِمُختارِ هذِهِ الأُمّة مع نفسه إلى الغار، فإنّهُ خاف عليهِ كما خاف على نفسِهِ، لِما علم أنَّهُ الخليفةُ مِن بعدِهِ على أُمَّتِهِ، لأنَّه لم يكُن مِن حُكمِ الاختفاء أن يذهب بغيره معه، و إنما أنام عليّاً (عَلَيهِ السَّلَامُ) على مبيتِهِ لِأَنَّهُ علِم أنهُ إِن قُتِل لا يكُون مِن الخللِ بِقتلِهِ ما يَكُونُ بِقتل أبي بكرٍ، لِأَنَّهُ يَكُونُ لِعَلِيَّ من يَقُومُ مقامهُ فِي الأُمُورِ، ألم تنقُض عليهِ بقولك: أو لستُم تَقُولُون إنّ النّبيّ (عَلَيهِ السَّلَامُ) قال: إنّ الخلافة من بعدي ثلاثون سنة ؟ وصيّرها موقوفةً على أعمار هذه الأربعة، أبي بكر، وعُمر، وعثمان، و علي.. فإنّهم كانوا على مذهبِكُم خُلفاء رسُول اللّه (صَلَّى اللّه عَلَيْهِ وَآلِهِ)؟ فإنّ خصمك لم يجد بداً من قوله: بلى. ثمّ قُلت: فإذا كان الأمر كذلك فلَمّا كان أبوبكر الخليفة مِن بعدِهِ كان هذِهِ الثّلاثة خُلفاء أُمَّتِهِ من بعدِهِ ؟ فلم ذهب بخليفة وحده وهُو أبوبكر إلى الغارِ ولم يذهب بهذه الثّلاثة، فعلى هذا الأساس يكُونُ النّبيّ (صَلَّى اللّه عَلَيْهِ وَآلِهِ) مُستخِفّاً بِهم دُون أبي بكرٍ، فإنّه يجب عليه أن يفعل ما فعل بأبي بكر، فلما لم يفعل ذلك بهم يكُونُ مُتهاوناً بِحُقوقِهم، وتاركاً للشّفقة عليهم بعد أن كان يجب عليه أن يفعل بهم جميعاً على ترتيب خلافتِهم ما فعل بأبي بكرو أما ما قال لك الخصم: بأنهما أسلما طوعاً أو كرهاً لِم لم تقل بل إنهما أسلما طمعاً، وذلِك أَنهما يُخالِطانِ مع اليهود و يُخبرانِ بِخُرُوج محمّد (صَلَّى اللّه عَلَيْهِ وَآلِهِ) و استيلائه على العرب مِن التّوراة والكُتُبِ المتقدّمة وملاحِمِ قِصَّةِ محمّد عليهِ وآلِهِ السّلامُ، ويقُولُون لهما: يكُونُ استيلاؤُه على العرب كاستيلاء بختنصر على بَنِي إسرائيل إِلّا أنَّه يدّعِي النُّبُوَّة ولا يكُونُ مِن النُّبُوّة فِي شيءٍ، فَلَمّا ظهر أمرُ رسُول اللّه (صَلَّى اللّه عَلَيْهِ وَآلِهِ) تساعدا معه على شهادة أن لا إله إلّا اللّه و أن محمّداً رسُول اللّه (صَلَّى اللّه عَلَيْهِ وَآلِهِ) طمعاً أن يجدا مِن جهةٍ رسُول اللّه (صَلَّى اللّه عَلَيْهِ وَآلِهِ) ولاية بلد إذا انتظم أمرُه و حسن حاله، واستقامت ولايته، فلَمّا أيسا من ذلِك وافقا مع أمثالِهِما ليلة العقبة، وتلثّما مثل من تلثّم منهم، ونفرُوا بِدابة رسُول اللّه (صَلَّى اللّه عَلَيْهِ وَآلِهِ) لتُسقطه ويسيرهالِكاً بِسُقُوطِهِ بعد أن صعدا العقبة فيمن صعد، فحفظ اللّه تعالى نبيّه مِن كيدِهِم ولم يقدِرُوا أن يفعلوا شيئاً، وكان حالهما كحال طلحة والزُّبير إذ جاءا عليّاً (عَلَيهِ السَّلَامُ) وبايعا طمعاً أن يكُون لِكُلِّ واحِدٍ مِنهُما ولايةٌ، فَلَمّا لم يكُن وأيسا مِن الولاية نكتا بيعته و خرجا عليه حتّى آل أمرُكُلّ واحِدٍ مِنهُما إلى ما يئُولُ أمرُ من ينكُثُ العُهود و المواثيق. (1)
ص: 74
1- عن يزيد بن هارون قال حدّثنا مشيختُنا وعُلماؤنا عن عبد القيس قالُوا: لَما كان يوم الجمل خرج عليّ بن أبِي طالِب (عَلَيهِ السَّلَامُ) حتّى وقف بين الصفين وقد أحاطت بالهودج بنُوضبّة فنادى أين طلحة وأين الزُّبير فبرز له الزُّبير فخرجا حتّى التقيا بين الصَّفِّينِ فقال يا زُبيرُ مَا الّذي حملك على هذا قال الطلب بدمِ عُثمان فقال (عَلَيهِ السَّلَامُ) قاتل اللّه أولانا بدم عُثمان أما تذكُرُ يوماً كُنا فِي بَنِي بياضة فاستقبلنا رسُول اللّه (صَلَّى اللّه عَلَيْهِ وَآلِهِ) مُتكئاً عليه فضحِكتُ إليك وضحكت إليّ فقلت يا رسُول اللّه إنّ علِيّاً لا يتركه زهوه فقال (عَلَيهِ السَّلَامُ) ما بِهِ زهوٌ و لكِنّكَ لتُقاتِلُهُ يوماً و أنت لهُ ظالم قال نعم ولكن كيف أرجِعُ الآن إِنَّهُ لهو العار قال ارجع بالعار قبل أن يجتمع عليك العارُو النّار قال كيف أدخلُ النّار وقد شهد لِي رسُول اللّه (صَلَّى اللّه عَلَيْهِ وَآلِهِ) بِالجنَّة قال متى قال سمعتُ سعيد بن زيدٍ يُحدِّثُ عُثمان بن عفان فِي خِلافتِهِ أَنه سمع رسُول اللّه (صَلَّى اللّه عَلَيْهِ وَآلِهِ) يقُولُ عشرةٌ فِي الجنَّة قال و من العشرة قال أبوبكر و عُمرُو عُثمان و أنا وطلحة حتّى عد تسعةً قال فمن العاشِرُ قال أنت قال أما أنت فقد شهدت لي بالجنَّة و أما أنا فلك ولأصحابِك من الجاحدين ولقد حدّثني حبيبي رسُول اللّه (صَلَّى اللّه عَلَيْهِ وَآلِهِ) قال إِن سبعةً من ذكرتهم فِي تابوت من نار فِي أسفل درك الجحيم على ذلِك التَّابُوتِ صخرة إذا أراد اللّه عزّ و جلّ عذاب أهلِ الجحيم رفعت تلك الصخرة قال فرجع الزّبيرُوهُو يقُولُ:
نادى علي بصوتٍ لستُ أجهلُهُ *** قد كان عُمر أبيك الحقّ مِن حِينٍ
فقُلتُ حسبُكَ مِن لُومِي أبا حسن *** فبعضُ ما قلته ذا اليوم يكفيني
فاخترت عاراً على نارٍ مُؤججة *** أنا بقومٍ لها خلوٌ من الطينِ
فاليوم أرجع من غي إلى رشد *** و من مغالطة البغضا إلى اللّين (1)
ص: 75
2 - عن جعيدِ همدان قال قال أمِيرُ المؤمِنِين (عَلَيهِ السَّلَامُ) إنّ فِي التَّابُوتِ الأَسفلِ سِتّةً مِن الأوّلين وسِتّةً مِن الآخِرِين فأما السِّتَّةُ مِن الأوّلين فابنُ آدم قاتِلُ أخِيهِ وفِرعون الفراعنة والسّامِرِيُّ والدجّالُ كِتابُهُ فِي الأوّلين و يخرُجُ فِي الآخِرِين وهامان وقارُونُ والسِّتَّةُ مِن الْآخِرِين فنعثلُ ومُعاوِيةُ و عمرُو بنُ العاصِ وأبو موسى الأشعريّ و نسي المحدّث اثنين. (1)
3 - قال أمير المؤمنين (عَلَيهِ السَّلَامُ) فِي يوم بيعة أبي بكر: لستُ بِقائِلٍ غير شيءٍ واحِدٍ أُذكِّرُكُم بِاللّه أيّها الأربعةُ يعنيني والزُّبير و أباذرّ و المقداد أسمعتُم رسُول اللّه (صَلَّى اللّه عَلَيْهِ وَآلِهِ) يَقُولُ: إِن تابوتاً من نار فِيهِ اثنا عشر رجُلا سِتَّةٌ مِن الأوّلين وسِتّةٌ مِن الآخِرِين فِي جُبِّ فِي قعر جهنَّم فِي تابوتِ مُقفّل، على ذلك الحب صخرة إذا أراد اللّه أن يُسعّر جهنَّم كشف تلك الصخرة عن ذلك الجب فاستعاذت جهنَّم من وهج ذلِك الجبّ، فسألناه عنهم وأنتُم شُهُودٌ، فقال النّبيّ (صَلَّى اللّه عَلَيْهِ وَآلِهِ) :
أمّا الأولُون فابنُ آدم الّذي قتل أخاه، وفرعون الفراعنة، و (الَّذِي حَاجَّ إِبْرَاهِيمَ فِي رَبِّهِ﴾(2)، و رجُلانِ مِن بَنِي إسرائيل بدلا كِتابهما وغيّرا سُنّتهما، أما أحدهما فهود اليهود، والآخر نصّر النّصارى، و إبليس سادِسُهُم، والدّجّالُ فِي الآخِرِين، وهؤلاء الخمسة أصحابُ الصَّحِيفة الّذين تعاهدوا وتعاقدوا على عداوتك يا أخي و التظاهر عليك بعدي هذا.. وهذا حتّى عددهم وسماهم. انطالياة ولعاً
فقال سلمان: فقُلنا: صدقت نشهدُ أنا سمعنا ذلِك مِن رسُول اللّه (صَلَّى اللّه عَلَيْهِ وَآلِهِ). (3)
4 - عن رجُلٍ مِن أصحاب أبي عبدِ اللّه (عَلَيهِ السَّلَامُ) قال سمعتُهُ يَقُولُ إِنْ أشدّ النَّاسِ عذاباً يوم القيامةِ لسبعةُ نفرٍ أَوهُمُ ابنُ آدم الّذي قتل أخاهُ ونُرُودُ (الَّذِي حَاجَّ إِبْرَاهِيمَ فِي رَبِّهِ) (4) واثنان فِي بَنِي إسرائيل هوّدا قومهم ونصراهُم و فرعونُ الّذي قال (أَنشا ربُّكُمُ الأَعلَى) (5) واثنانِ مِن هَذِهِ الأُمّة أحدُهُما شرُّهُما فِي تَابُوتٍ مِن قوارير تحت الفلق فِي بحار من نار. (6)
ص: 76
5- قال عليّ بن إبراهيم: (قُل أعُوذُ بِربِّ الفَلَقَ) (1) قال الفلقُ جُبُّ فِي جهنَّم يتعوّذُ أَهلُ النّار مِن شِدّةِ حرّه سأل اللّه أن يأذن له أن يتنفّس فأذن له فتنفّس فأحرق جهنَّم قال وفي ذلك الجب صُندُوقٌ مِن نارٍ يتعوّذُ أهلُ تِلك الجبّ مِن حرّ ذلِك الصُّندوقِ وهُو التَّابُوتُ وفِي ذلِكَ التّابوتِ ستةٌ مِن الأوّلين وسِتّةٌ مِن الآخِرِين فأما السِّتَّةُ مِن الأوّلين فابنُ آدم الّذي قتل أخاهُ وغُرُودُ إبراهيم الّذي ألقى إبراهيم فِي النّار وفرعونُ مُوسى و السّامِرِيُّ الّذي اتخذ العجل والّذي هود اليهود والّذي نصر النّصارى وأمّا السّتَّةُ مِن الآخرين فهُو الأوّل والثّاني والثَّالِثُ والرّابِعُ و صاحِبُ الخوارج و ابن ملجم (و مِن شَرِّ غَاسِقٍ إِذَا وَقَب) (2) قال الّذي يُلق فِي الجُبِّ يَقِبُ فِيهِ. (3)
6- عن إسحاق بن عمَّار عن أبي الحسن موسى (عَلَيهِ السَّلَامُ) فِي حدِيثِ طوِيلٍ يَقُولُ فِيهِ يا إِسحاق إن فِي النّار لوادِياً يُقالُ لَهُ سقرُ لم يتنفّس مُنذُ خلقه اللّه لو أذن اللّه عزّ و جلّ لَهُ فِي التَنفُسِ بِقدرِ مخيط لأحترق ما على وجه الأرض و إنّ أهل النّار ليتعوّذُون مِن حرذلك الوادي ونتنه وقذره و ما أعد اللّه فِيهِ لِأَهْلِهِ وإِنَّ فِي ذلِك الوادِي لجبلا يتعوّذُ جميعُ أهل ذلك الوادِي مِن حرذلك الجبل ونتنه وقذره و ما أعد اللّه فِيهِ لأهله و إِنَّ فِي ذلِك الجبلِ لَشِعباً يتعوّذُ جميعُ أهل ذلك الجبل من حرّذلك الشعب ونتنه وقذره وما أعد اللّه فِيهِ لِأهلِهِ وإِنَّ فِي ذلِك الشَّعبِ لَقليباً يتعوّذُ جميعُ أهل ذلك الجبل من حرّ ذلك القليب ونتنه وقذره وما أعد اللّه فِيهِ لِأَهْلِهِ وَ إِنَّ فِي ذلِكَ القَلِيبِ لحيّةً يتعوّذُ جميعُ أهل ذلِك القليبِ مِن خُبثِ تِلك الحيّة ونتنها وقدرها و ما أعد اللّه فِي أنيابها مِن السّمّ لأهلها و إنّ فِي جوفِ تِلك الحيّةِ لصناديق فيها خمسةٌ مِن الأُمم السالفة واثنانِ مِن هذِهِ الأُمّة قال قُلتُ جُعِلتُ فِداك ومن الخمسة و من الإثنان قال فأما الخمسة فقابِيلُ الّذي قتل هابيل و غُرُودُ الّذي حاج إبراهيم فِي ربّه فقال أنا أُحيِي وأُمِيتُ وفِرعونُ الّذي قال (أنا ربُّكُمُ الأعلى) ويهودُ الّذي هوّد اليهود و بولس الّذي نصر النّصارى ومن هذِهِ الأُمّة أعرابيان. (4)
ص: 77
1- عن الباقر (عَلَيهِ السَّلَامُ) أن عُمر بن الخطّاب قال لأبي بكرٍ اكتب إلى أُسامة بن زيد يقدم عليك فإنّ فِي قُدُومِهِ قطع الشّنيعة عنّا فكتب أبوبكر إليهِ مِن أبي بكر خليفة رسُول اللّه (صَلَّى اللّه عَلَيْهِ وَآلِهِ) إلى أسامة بن زيدٍ أما بعد فانظر إذا أتاك كتابي فأقبل إلي أنت و من معك فإنّ المسلمين قد اجتمعوا علي وولّوني أمرهم فلا تتخلّفنّ فتعصي ويأتيك مني ما تكره والسّلامُ قال فكتب أُسامةُ إِليهِ جواب كِتابِهِ مِن أُسامة بن زيد عامل رسُول اللّه (صَلَّى اللّه عَلَيْهِ وَآلِهِ) على غزوة الشام أما بعد فقد أتاني مِنكَ كِتابٌ ينقُضُ أوّلُهُ آخِره ذكرت فِي أوّلِهِ أَنّك خليفةُ رسُول اللّه و ذكرت فِي آخِرِهِ أن المسلمين قدِ اجتمعُوا عليك فولوك أمرهم ورضُوك فاعلم أنّي و من معِي مِن جماعة المسلمين والمهاجرين فلا و اللّه ما رضيناك ولا وليناك أمرنا و انظر أن تدفع الحقّ إلى أهلِهِ وتُخلّيهم وإِيَّاهُ فَإِنَّهُم أَحقُّ به منك فقد علمت ما كان من قول رسُول اللّه (صَلَّى اللّه عَلَيْهِ وَآلِهِ) فِي علي يوم الغدير فهما طال العهد فتنسى انظر مركزك و لا تُخالف فتعصي اللّه ورسوله و تعصي من استخلفه رسُول اللّه (صَلَّى اللّه عَلَيْهِ وَآلِهِ) عليك و على صاحبك ولم يعزلني حتّى قُبض رسُول اللّه (صَلَّى اللّه عَلَيْهِ وَآلِهِ) و إنك وصاحبك رجعتُما و عصيتُما فأقمتُما فِي المدينة بغير إذن فأراد أبوبكر أن يخلعها مِن عُنُقِهِ قال فقال لهُ عُمرُ لا تفعل قميص قصك اللّه لا تخلعه فتندم و لكن ألحّ عليهِ بِالكُتُبِ والرسائل و مُرفُلاناً و فُلاناً أن يكتُبُوا إلى أُسامة أن لا يُفرّق جماعة المسلمين وأن يدخُل معهم فيما صنعُوا قال فكتب إليهِ أبوبكر و كتب إليهِ النَّاسُ مِن المنافقين أن ارض بما اجتمعنا عليه وإياك أن تشتمل المسلمين فتنةٌ مِن قبلك فإنهم حدِيثو عهدٍ بِالكُفْرِ قال فَلَمّا وردتِ الكُتب على أُسامة انصرف بمن معه حتّى دخل المدينة فلما رأى اجتماع الخلقِ على أبي بكر انطلق إلى عليّ بن أبِي طالِب (عَلَيهِ السَّلَامُ) فقال له ما هذا؟ قال له علي هذا ما ترى ؟
قال له أُسامة فهل بايعته ؟ فقال نعم يا أُسامه فقال طائعاً أو كارهاً فقال لا بل كارها قال فانطلق أُسامة فدخل على أبي بكر و قال له السلام عليك يا خليفة المسلمين قال فردّ عليهِ أبوبكر و قال السّلامُ عليك أيّها الأمير. (1)
ص: 78
1- عن أبي عبد اللّه (عَلَيهِ السَّلَامُ) ؛ وذكر حديث فدك و ما جرى بين فاطمة (عَلَيهَا السَّلَامُ) و بين أبي بكرو عمرو قال فِي آخر الحديث: قال أبوبكر فها الرأي ؟ قال عُمرُ: الرّأي أن تأمر بقتله. قال: فمن يقتُلُهُ ؟ قال: خالد بن الوليد. فبعثا إلى خالِدِ، فأتاهما فقالا نُرِيدُ أن نحملك على أمر عظيم. قال: احملاني على ما شئتما، ولو قتل عليّ بن أبِي طالِب. قالا: فهُو ذاك. قال خالد: متى أقتُلُهُ؟ قال أبوبكر: إِذا حضر المسجِد، فقُم بِجنبِهِ فِي الصّلاة، فإذا أنا سلمتُ فقُم إليهِ فاضرِب عُنقه. قال: نعم.
فسمِعت أسماءُ بِنتُ عُميس ذلِك و كانت تحت أبي بكر، فقالت لجاريتها: اذهبي إلى منزل علي وفاطمة فأقرئيهما السّلام، وقولي لعلي: إن الملأ يا تمرُونَ بِكَ لِيَقْتُلُوك فاخرُج إِنِّي لك من الناصحين، فجاءت إليهما، فقالت لعليّ (عَلَيهِ السَّلَامُ) : إن أسماء بنت عُميس تقرأ عليكما السّلام، وتقُولُ: إِنّ الملأ يأْتِمرُون بِك ليقتُلُوك فاخرُج إِنِّي لك مِن النّاصِحِين. فقال عليّ (عَلَيهِ السَّلَامُ) : قولي لها: إن اللّه يُحِيلُ بينهم وبين ما يُرِيدُون.
ثم قام وتهيأ للصّلاة، وحضر المسجد، وصلى خلف أبي بكر، وخالدُ بن الوليد إلى جنبه معهُ السيف، فلمّا جلس أبوبكر للتّشهد ندم على ما قال، وخاف الفتنة، وشدّة عليّ (عَلَيهِ السَّلَامُ) وبأسه، ولم يزل مُتفكّراً لا يجسُرُ أن يُسلّم حتّى ظنّ النّاسُ أَنه قد سها، ثمّ التفت إلى خالِدٍ، فقال: يا خالد، لا تفعل ما أمرتك بِهِ، السّلام عليكم ورحمة اللّه وبركاتُهُ.
فقال أمير المؤمنين (عَلَيهِ السَّلَامُ): يا خالِدُ ما الّذي أمرك بِهِ؟ قال: أمرني بِضرب عُنُقِك. قال : وكُنت فاعلاً؟ قال:
إي واللّه، فلولا أنَّه قال: لا تفعل لقتلتُك بعد التسليم قال فأخذه عليّ (عَلَيهِ السَّلَامُ) فضرب به الأرض، واجتمع النّاسُ عليهِ، فقال عُمرُ: يقتُلُهُ، وربّ الكعبة. وقال النَّاسُ: يا أبا الحسن، اللّه اللّه، بحقِّ صاحِبِ هذا القبر. فخلّى عنه، فالتفت إلى عُمر، وأخذ بتلابيبه، وقال: يا بن صهاك، لولا عهدٌ مِن رسُول اللّه (صَلَّى اللّه عَلَيْهِ وَآلِهِ) وكِتابٌ مِن اللّه سبق، لعلمت أيُّنا أضعف ناصِراً وأقل عدداً ثمّ دخل منزله. (1)
ص: 79
2 - رُوي أن أبا بكر و عمر بعثا إلى خالد بن الوليد فواعداه و فارقاه على قتل عليّ (عَلَيهِ السَّلَامُ) و ضمن ذلك لهما فسمعت ذلك الخبر أسماءُ بِنتُ عُميس امرأة أبي بكر فِي خدرها فأرسلت خادِمة لها و قالت تردّدي فِي دار عليّ و قُولِي لهُ (الملأُ يأتمرُون بِك ليقتُلُوك) (1) ففعلتِ الجارية وسمعها عليّ (عَلَيهِ السَّلَامُ) فقال رحمها اللّه قُولِي لِمولاتِكِ فمن يقتُلُ النَّاكِثين والمارقين و القاسطين ؟ و وقعت المواعدة لصلاة الفجر إذ كان أخفى واختيرت لِلسُّدفةِ والشُّبهة فإِنّهم كانوا يغلسون بِالصّلاة حتّى لا تُعرف المرأةٌ مِن الرّجُلِ ولكن اللّه بالغ أمره و كان أبوبكر قال لخالد بن الوليد إذا انصرفتُ من صلاة الفجرِ فاضرب عُنُق على فصلّى إلى جنبهِ لأجل ذلك و أبوبكر فِي الصّلاة يُفكِّرُ فِي العواقب فندم فجلس فِي صلاته حتّى كادت الشمس تطلُعُ يتعقب الآراء ويخافُ الفِتنة ولا يأمن على نفسِهِ فقال قبل أن يُسلّم فِي صلاتِهِ يا خالد لا تفعل ما أمرتك بِهِ ثلاثاً وفي روايةٍ أُخرى لا يفعلن خالِدٌ ما أُمريه فالتفت عليّ (عَلَيهِ السَّلَامُ) فإذا خالد مُشتمِلٌ على السّيفِ إِلى جانبِهِ فقال يا خالِدُ ما الّذي أمرك بِهِ ؟ قال بقتلك يا أمير المؤمِنين قال أو كُنت فاعِلًا ؟ فقال إي واللّه لولا أنَّه نهاني لوضعتُهُ فِي أكثرك شعراً فقال له عليّ (عَلَيهِ السَّلَامُ) كذبت لا أُمّ لك من يفعله أضيقُ حلقة إستٍ مِنك أما والّذي فلق الحبّة وبرأ النّسمة لولا ما سبق بِهِ القضاءُ لعلمت أي الفريقين (شَرٌّ مَكَانًا وَأَضْعَفُ جُنْدًا) (2). وفي روايةٍ أُخرى لأبي ذرٍ رحمه اللّه : أن أمير المؤمنين (عَلَيهِ السَّلَامُ) أخذ خالِداً بإصبعيه السبابة والوسطى فِي ذلك الوقت فعصره عصراً فصاح خالِدٌ صيحةً مُنكرةٌ ففزع النّاسُ وهِمّتُهُم أَنفُسُهُم وأحدث خالِدٌ فِي ثِيَابِهِ و جعل يضرب برجليه الأرض ولا يتكلّم فقال أبوبكر لِعُمر هذِهِ مشورتك المنكوسة كأنّي كُنتُ أنظُرُ إلى هذا وأحمد اللّه على سلامتنا وكُلّما دنا أحدٌ لِيُخلّصهُ مِن يدِهِ لحظةً تنحى عنهُ رُعباً فبعث أبوبكر و عُمرُ إِلى العبّاس فجاء وتشفّع إليه وأقسم عليه فقال بحق هذا القبر و من فِيهِ و بحقِّ ولديه و أُمِّهِما إِلّا تركته ففعل ذلك وقبل العبّاسُ بين عينيه. (3)
ص: 80
1- عن عامر بن واثلة، قال: كُنتُ فِي البيت يوم الشورى، فسمعتُ عليّاً (عَلَيهِ السَّلَامُ) وهُو يقُولُ: استخلف النّاسُ أبابكرو أنا واللّه أحقُّ بِالأمر و أولى بِهِ مِنهُ، واستخلف أبوبكرٍ عُمرو أنا واللّه أحقُّ بالأمر و أولى بهِ مِنْهُ، إلّا أن عُمر جعلني مع خمسة أنا سادِسُهُم لا يُعرفُ لهم عليّ فضل و لو أشاءُ لأحتججتُ عليهم بما لا يستطيع عربيهم ولا عجمِيُّهم المعاهد منهم والمشرِكُ تغيير ذلك.
ثُمّ قال: نشدتُكُم بِاللّه أيّها النّفرُ! هل فِيكُم أحدٌ وحد اللّه قبلي؟!. قالُوا:
اللّهمّ لا.
قال: نشدتُكُم بِاللّه هل فِيكُم أحدٌ، قال له رسُول اللّه (صَلَّى اللّه عَلَيْهِ وَآلِهِ) :
أنت منّي بِمنزِلَةِ هَارُون مِن مُوسى إِلّا أنَّه لا نبيّ بعدِي، غيرِي؟!. قالُوا: اللّهمّ لا.
قال: نشدتُكُم بِاللّه هل فِيكُم أحدٌ ساق رسُول اللّه (صَلَّى اللّه عَلَيْهِ وَآلِهِ) لربّ العالمين هدياً فأشركه فيه، غيرِي؟! قالُوا: اللّهمّ لا.
قال: نشد تكُم بِاللّه هل فيكم أحدٌ أُتي رسُول اللّه (صَلَّى اللّه عَلَيْهِ وَآلِهِ) يطير يأكُلُ مِنهُ، فقال: اللّهمّ ابْتِنِي بِأحبّ خلقِك إليك يأكُلُ معي من هذا الطير، فجئتُه، فقال : اللّهمّ وإلى رسولك.. و إلى رسُولِك، غيري ؟!. قالُوا: اللّهمّ لا.
قال: نشدتُكُم بِاللّه هل فِيكُم أحدٌ قال له رسُول اللّه (صَلَّى اللّه عَلَيْهِ وَآلِهِ) حين رجع عُمرُ يُجيّنُ أصحابه و يُجبّنُونه قد ردّ راية رسُول اللّه (صَلَّى اللّه عَلَيْهِ وَآلِهِ) مُنهزماً فقال له رسُول اللّه (صَلَّى اللّه عَلَيْهِ وَآلِهِ): لأعطين الراية غداً رجُلا ليس بفرارٍ يُحِبُّهُ اللّه ورسولُهُ ويُحِبُّ اللّه ورسوله لا يرجِعُ حتّى يفتح اللّه عليهِ، فَلَمّا أصبح قال:
ادعُوا لِي علِيّاً. فقالُوا: يا رسُول اللّه هُو رمِد ما يطرِفُ. فقال:
جِيئُونِي، فَلَمّا قُمتُ بين يديه تفل فِي عيني وقال: اللّهمّ أذهِب عنه الحرّو البرد، فأذهب اللّه عنِّي الحرو البرد إلى ساعتي هذِهِ، وأخذتُ الراية فهزم اللّه المشركين وأظفرني بهم، غيري ؟!. قالوا:
اللّهمّ لا.
قال: نشدتُكُم بِاللّه هل فِيكُم أحدٌ لَهُ أَخٌ مِثلُ أخِي جعفر المزين بالجناحين فِي الجنَّة يحِلُّ فِيها حيث يشاءُ، غيري ؟!. قالُوا: اللّهمّ لا.
ص: 81
قال: نشدتُكُم بِاللّه هل فِيكُم أحدٌ لَهُ عمَّ مِثلُ عمّي حمزة أسدِ اللّه وأسدِ رَسُولِهِ وسيّدِ الشُّهداء، غيرِي؟!. قالُوا: اللّهمّ لا.
قال: نشدتُكُم بِاللّه هل فِيكُم أحدٌ لَهُ سبطانِ مِثلُ سبطي الحسن والحُسين ابني رسُول اللّه (صَلَّى اللّه عَلَيْهِ وَآلِهِ) وسيّدي شباب أهل الجنَّة، غيري ؟!. قالُوا:
اللّهمّ لا.
قال: نشدتُكُم بِاللّه هل فِيكُم أحدٌ له زوجةٌ مِثلُ زوجتي فاطمة بنتِ رسُول اللّه (صَلَّى اللّه عَلَيْهِ وَآلِهِ) و بضعةٍ مِنهُ وسيّدةِ نِساءِ أهل الجنَّة، غيري؟!. قالُوا:
اللّهمّ لا.
قال: نشدتُكُم بِاللّه هل فِيكُم أحدٌ قالَ لَهُ رسُول اللّه (صَلَّى اللّه عَلَيْهِ وَآلِهِ):
لمالية من فارقك فارقني و من فارقني فارق اللّه، غيري؟!. قالُوا: اللّهمّ لا.
قال: نشدتُكُم بِاللّه هل فِيكُم أحدٌ قال لَهُ رسُول اللّه (صَلَّى اللّه عَلَيْهِ وَآلِهِ) :
لينتهينّ بنُو وليعة أو لأبعثنّ إليهم رجُلًا كنفسِي طاعتُهُ كطاعتي و معصِيتُه كمعصيتي يغشاهم بِالسّيفِ، غيرِي؟!. قالُوا: اللّهمّ لا.
قال: نشدتُكُم بِاللّه هل فِيكُم أحدٌ قالَ لَهُ رسُول اللّه (صَلَّى اللّه عَلَيْهِ وَآلِهِ):
ما مِن مُسلِم وصل إلى قلبِهِ حُبِّي إِلَّا كفر اللّه عنهُ ذُنُوبه، و من وصل حبِّي إلى قلبه فقد وصل حُبُّك إلى قبله [ قلبِهِ]، وكذب من زعم أنهُ يُحِبُّنِي ويُبغِضُك، غيري ؟!. قالُوا:
اللّهمّ لا.
قال: نشدتُكُم بِاللّه هل فِيكُم أحدٌ قال له رسُول اللّه (صَلَّى اللّه عَلَيْهِ وَآلِهِ):
أنت الخليفةُ فِي الأهل والولد والمسلِمِين فِي كلّ غيبةٍ، عدوك عدُوّي وعدُوّي عدو اللّه، ووليّك وليّي و وليّي ولِيُّ اللّه، غيرِي؟!. قالُوا: اللّهمّ لا.
قال: نشدتُكُم بِاللّه هل فِيكُم أحد قال لهُ رسُول اللّه (صَلَّى اللّه عَلَيْهِ وَآلِهِ):
يا عليُّ ! من أحبّك و والاك سبقت له الرّحمةُ و من أبغضك و عاداك سبقت له اللّعنة، فقالت عائشة : يا رسُول اللّه (صَلَّى اللّه عَلَيْهِ وَآلِهِ) ! ادعُ اللّه لي ولأبي لا يكُونُ مِمَّن يُبغِضُهُ ويُعادِيهِ، فقال (صَلَّى اللّه عَلَيْهِ وَآلِهِ): اسكني، إن كُنتِ أنتِ وأبُوكِ من يتولّاهُ ويُحِبُّهُ فقد سبقت لكما الرحمةُ، وإِن كُنتُما ممّن يُبغِضُهُ ويُعادِيهِ فقد سبقت لكُما اللعنة، ولقد خبُثتِ أنتِ، وأبُوكِ أوّلُ من يَظْلِمُهُ و
ص: 82
أنتِ أوّلُ من يُقاتِلُهُ، غيرِي؟!. قالُوا: اللّهمّ لا.
قال: نشدتُكُم بِاللّه هل فِيكُم أحدٌ قال لهُ رسُول اللّه (صَلَّى اللّه عَلَيْهِ وَآلِهِ) مثل ما قال لي: يا عليُّ ! أنت أخي و أنا أخوك فِي الدُّنيا والآخرة ومنزلك مواجه منزلي كما يتواجه الإخوان فِي الخلدِ ؟!. قالوا: اللّهمّ لا.
قال: نشدتُكُم بِاللّه هل فِيكُم أحدٌ قال له رسُول اللّه (صَلَّى اللّه عَلَيْهِ وَآلِهِ):
يا عليُّ ! إنّ اللّه خصك بأمر و أعطاكه ليس من الأعمالِ شيءٌ أحبّ إليه ولا أفضل مِنهُ عِندهُ، الزُّهدُ فِي الدُّنيا، فليس تنالُ مِنها شيئاً ولا تنالُ مِنك وهِي زِينةُ الأبرارِ عِند اللّه عزّ و جلّ يوم القيامة، فطوبى لمن أحبّك وصدّق عليك، وويل لمن أبغضك وكذّب عليك، غيري؟!. قالُوا: اللّهمّ لا.
قال: نشدتُكُم بِاللّه هل فِيكُم أحدٌ بعثهُ رسُول اللّه (صَلَّى اللّه عَلَيْهِ وَآلِهِ) ليجيء بالماء كما بعثني، فذهبتُ حتّى حملت القربة على ظهري و مشيتُ بها فاستقبلتني رِيحٌ فردّتني حتّى أجلستني، ثمّ قُمتُ فاستقبلتني رِيحٌ فردّتني ثمّ أجلستني، ثمّ قُمتُ فجِئتُ إلى رسُول اللّه (صَلَّى اللّه عَلَيْهِ وَآلِهِ) فقال لي: ما حبسك ؟. فقصصت عليه القصّة، فقال: قد جاءني جبرئيل فأخبرني، أما الريحُ الأُولى فجبرئيل كان فِي ألفٍ مِن الملائِكَةِ يُسلّمُون عليك، وأمّا الثَّانِيةُ فيكائيل جاء فِي ألفٍ مِن الملائِكَةِ يُسلّمُون عليك، غيري ؟!. قالُوا: اللّهمّ لا.
قال: نشدتُكُم بِاللّه هل فِيكُم من قال له جبرئيل: يا محمّد ! أترى هذه المواساة من عليّ (عَلَيهِ السَّلَامُ)، فقال رسُول اللّه (صَلَّى اللّه عَلَيْهِ وَآلِهِ): إِنَّهُ مِنّي وأنا منه، فقال جبرئيل: وأنا مِنكُما، غيري ؟!. قَالُوا: اللّهمّ لا.
قال: نشدتُكُم بِاللّه هل فِيكُم أحدٌ كان يكتُبُ لِرَسُولِ اللّه (صَلَّى اللّه عَلَيْهِ وَآلِهِ) كما جعلتُ أكتُبُ فأغفي رسُول اللّه (صَلَّى اللّه عَلَيْهِ وَآلِهِ) فأنا أرى أنهُ يُملي عليّ، فلما انتبه قال له: يا علي ! من أملى عليك من هاهنا إلى هاهنا، فقُلتُ:
أنت يا رسُول اللّه. فقال: لا، ولكن جبرئيل أملى عليك غيري ؟!.
قالُوا: اللّهمّ لا
قال: نشدتُكُم بِاللّه هل فِيكُم أحدٌ قال لهُ رسُول اللّه (صَلَّى اللّه عَلَيْهِ وَآلِهِ) كما قال لي: لولا أن لا يبق أحدٌ
ص: 83
إِلَّا قبض مِن أثرِك قبضةً يطلُبُ بِها البركة لِعقِبِهِ مِن بعدِهِ لقُلتُ فِيك قولا لا يبق أحدٌ إِلَّا قبض مِن أثرك قبضة ؟!. فقالُوا:
اللّهمّ لا.
قال: نشدتُكُم بِاللّه هل فِيكُم أحدٌ قال لهُ رسُول اللّه (صَلَّى اللّه عَلَيْهِ وَآلِهِ):
احفظ الباب فإنّ زُوّاراً مِن الملائكة يزُورُني فلا تأذن لأحدٍ مِنهُم، فجاء عُمرُ فرددتُه ثلاث مراتٍ و أخبرته أن رسُول اللّه (صَلَّى اللّه عَلَيْهِ وَآلِهِ) مُحتجِبْ و عِندهُ زُوّار من الملائكة وعدتهم كذا وكذا، ثمّ أذنتُ له فدخل. فقال: يا رسُول اللّه ! إِنِّي جِئتُ غير مرّةٍ كلّ ذلِكَ يَرُدُّنِي عَلِيٌّ ويَقُولُ إِنَّ رسُول اللّه (صَلَّى اللّه عَلَيْهِ وَآلِهِ) مُحتجِبٌ و عِندَهُ زُوّار من الملائكة وعدّتُهم كذا وكذا، فكيف علم بِالعِدّة ؟
أعاينهم ؟!.
فقال: لا، يا علي! قد صدق، كيف علمت بِعِدّتِهم ؟. فقُلتُ: اختلفت علي التحيات و سمِعتُ الأصوات فأحصيتُ العدد. قال: صدقت، فإنّ فيك سُنّةٌ مِن أَخِي عِيسى، فخرج عُمرُو هُو يقُولُ: ضربه لابن مريم مثلا فأنزل اللّه عزّ و جلّ (وَلَمَّا ضُرِبَ ابْنُ مَرْيَمَ مَثَلًا إِذَا قَوْمُكَ مِنْهُ يَصِدُّونَ) قال يضجُّون (وَقَالُوا أَآلِهَتُنَا خَيْرٌ أَمْ هُوَ مَا ضَرَبُوهُ لَكَ إِلَّا جَدَلًا بَلْ هُمْ قَوْمٌ خَصِمُونَ * إِنْ هُوَ إِلَّا عَبْدٌ أَنْعَمْنَا عَلَيْهِ وَجَعَلْنَاهُ مَثَلًا لِبَنِي إِسْرَائِيلَ * وَلَوْ نَشَاءُ لَجَعَلْنَا مِنْكُمْ مَلَائِكَةً فِي الْأَرْضِ يَخْلُفُونَ) (1) غيري ؟!. قالُوا: اللّهمّ لا.
قال: نشدتُكُم بِاللّه هل فِيكُم أحدٌ قال لهُ رسُول اللّه (صَلَّى اللّه عَلَيْهِ وَآلِهِ) كما قال لي: إنّ طوبى شجرةٌ فِي الجنَّة أصلها فِي دارِ عليّ (عَلَيهِ السَّلَامُ) ليس مِن مُؤمِنٍ إِلَّا وفِي منزِلِهِ غُصنُ مِن أغصانها، غيري ؟!. قالُوا: اللّهمّ لا.
قال: نشدتُكُم بِاللّه هل فِيكُم أحدٌ قال لَهُ رسُول اللّه (صَلَّى اللّه عَلَيْهِ وَآلِهِ):
تُقاتِلُ على سُنّتى وتُبرِئُ ذمتي غيري ؟! قالُوا: اللّهمّ لا.
قال: نشدتُكُم بِاللّه هل فِيكُم أحدٌ قال لهُ رسُول اللّه (صَلَّى اللّه عَلَيْهِ وَآلِهِ):
تُقاتِلُ النَّاكِثِين والقاسطين والمارقين، غيري ؟!. قالُوا: اللّهمّ لا.
ص: 84
قال: نشدتُكُم بِاللّه هل فِيكُم أحد جاء إلى رسُول اللّه (صَلَّى اللّه عَلَيْهِ وَآلِهِ) و رأسه فِي حجر جبرئيل (عَلَيهِ السَّلَامُ) فقال لي: ادنُ دونك رأس ابنِ عمّك فأنت أولى بِهِ مِنِّي، غيري ؟!. قالُوا: اللّهمّ لا.
قال: نشدتُكُم بِاللّه هل فِيكُم أحدٌ وضع رسُول اللّه (صَلَّى اللّه عَلَيْهِ وَآلِهِ) رأسه فِي حجره حتّى غابتِ الشمس ولم يُصل العصر فلما انتبه رسُول اللّه (صَلَّى اللّه عَلَيْهِ وَآلِهِ) قال: يا علي ! صلّيت؟. قُلتُ: لا، فدعا رسُول اللّه (صَلَّى اللّه عَلَيْهِ وَآلِهِ) فردّتِ الشَّمسُ بيضاء نقيّةً فصليتُ ثمّ انحدرت، غيري ؟!. قالُوا: اللّهمّ لا.
قال: نشدتُكُم بِاللّه هل فِيكُم أحدٌ أَمر اللّه عزّو جلّ رسوله (صَلَّى اللّه عَلَيْهِ وَآلِهِ) أن يبعث ببراءة، فبعث بها مع أبي بكر فأتاه جبرئيل، فقال: يا محمّد! إنّهُ لا يُؤدّي عنك إلّا أنت أو رجُلٌ مِنك، فبعثني رسُولُ اللّه (صَلَّى اللّه عَلَيْهِ وَآلِهِ) فأخذتها من أبي بكر فضيتُ بِها وأديتُها عن رسُول اللّه (صَلَّى اللّه عَلَيْهِ وَآلِهِ وَسَلّم)، فأثبت اللّه على لِسانِ رَسُولِهِ : أَنِّي مِنْهُ، غيري ؟!. قالُوا: اللّهمّ لا.
قال: نشدتُكُم بِاللّه هل فِيكُم أحدٌ قال لهُ رسُول اللّه (صَلَّى اللّه عَلَيْهِ وَآلِهِ) :
أنت إمام من أطاعني، و نُورُ أوليائي، والكلمة الّتي ألزمتها المتقين، غيري ؟!.
قالُوا: اللّهمّ لا.
قال: نشدتُكُم بِاللّه هل فِيكُم أحدٌ قال لَهُ رسُول اللّه (صَلَّى اللّه عَلَيْهِ وَآلِهِ):
من سرُّه أن يحيا حياتي ويموت موتي ويسكُن جنّتي الّتي وعدني ربّي جنّاتِ عدنٍ قضيب غرسه اللّه بِيدِهِ، ثمّ قال له: كُن، فكان، فليوال عليّ بن أبِي طالِب (عَلَيهِ السَّلَامُ) و ذُرِّيَّتَهُ مِن بعدِهِ، فَهُمُ الأئمّة، وهُمُ الأوصِياءُ أعطاهُمُ اللّه عِلمي و فهمي، لا يُدخِلُونَكُم فِي بابِ ضَلالٍ، ولا يُخرِجُونَكُم مِن بابِ هُدًى، لا تُعلّمُوهُم فهم أعلمُ مِنكُم، يزُولُ الحقّ معهم أينما زالوا، غيرِي؟!. قالُوا: اللّهمّ لا.
قال: نشدتُكُم بِاللّه هل فِيكُم أَحدٌ قالَ لَهُ رسُول اللّه (صَلَّى اللّه عَلَيْهِ وَآلِهِ):
قضى فانقضى، إِنَّهُ لا يُحِبُّكَ إِلَّا مُؤمِنٌ ولا يُبغِضُكَ إِلَّا مُنافِقٌ، غيري ؟!.
قالُوا: اللّهمّ لا.
قال: نشدتُكُم بِاللّه هل فِيكُم أحدٌ قال له رسُول اللّه (صَلَّى اللّه عَلَيْهِ وَآلِهِ) مثل ما قال لي: أهل ولايتك يخرجون يوم القيامةِ مِن قُبُورِهِم على نُوقٍ بِيض، شراكُ نِعَالِهِم نُورٌيتلالا، قد سُهّلت عليهِمُ الموارد، وفُرّجت عنهُمُ الشَّدائِدُ وأُعطوا الأمان، وانقطعت عنهم الأحزانُ حتّى ينطلق بهم إلى
ص: 85
ظِل عرش الرحمنِ، تُوضعُ بين أيديهم مائدةٌ يأكُلُون منها حتّى يفرغ مِن الحِسابِ، يخافُ النَّاسُ ولا يخافون، ويحزنُ النّاسُ ولا يحزنون، غيري؟!. قالُوا: اللّهمّ لا.
قال: نشدتُكُم بِاللّه هل فِيكُم أحدٌ قال لهُ رسُول اللّه (صَلَّى اللّه عَلَيْهِ وَآلِهِ) حين جاء أبوبكر يخطب فاطمة (عَلَيهَا السَّلَامُ)، فأبى أن يُزوّجه، وجاء عُمرُ يخطبها فأبى أن يُزوّجه، فخطبتُ إِليه فزوجني، فجاء أبوبكر و عمر فقالا: أبيت أن تُزوّجنا و زوجته ؟! فقال رسُول اللّه (صَلَّى اللّه عَلَيْهِ وَآلِهِ): ما منعتكُما و زوجته، بل اللّه منعكُما و زوجه، غيري ؟!. قالُوا: اللّهمّ لا.
قال: نشدتُكُم بِاللّه هل سمعتُم رسُول اللّه (صَلَّى اللّه عَلَيْهِ وَآلِهِ) يقُولُ: كلّ سببٍ ونسبٍ مُنقطع يوم القِيامَةِ إلّا سبي ونسبي، فأيُّ سببٍ أفضلُ مِن مِن سَبِي؟
و أيُّ نسبٍ أفضلُ مِن نسبي؟ إن أبي و أبا رسُول اللّه (صَلَّى اللّه عَلَيْهِ وَآلِهِ) لا خوان، وإنّ الحسن والحُسين ابني رسُول اللّه (صَلَّى اللّه عَلَيْهِ وَآلِهِ) و سيّدي شباب أهلِ الجنَّة ابناي، وفاطمة بنت رسُول اللّه (صَلَّى اللّه عَلَيْهِ وَآلِهِ) زوجتي سيّدةُ نِساء أهلِ الجنَّة غيري ؟! قالُوا: اللّهمّ لا.
قال: نشدتُكُم بِاللّه هل فِيكُم أحدٌ قال له رسُول اللّه (صَلَّى اللّه عَلَيْهِ وَآلِهِ):
إن اللّه خلق الخلق ففرقهم فرقتين فجعلني فِي خير الفرقتينِ، ثمّ جعلهُم شُعُوباً فجعلني فِي خيرِ شعبةٍ، ثمّ جعلهم قبائل فجعلني فِي خير قبيلةٍ، ثمّ جعلهُمُ بُيُوتاً فجعلني فِي خير بيتٍ، ثمّ اختار من أهل بيتي: أنا و عليّاً و جعفراً، فجعلني خيرهم، فكنتُ نائماً بين ابني أبِي طالِب (عَلَيهِ السَّلَامُ) فجاء جبرئيل و معه ملك فقال: يا جبرئيل ! إلى أي هؤلاء أُرسلت؟. فقال: إلى هذا، ثمّ أخذ بيدي فأجلسني غيرِي؟! قالُوا: اللّهمّ لا.
قال: نشدتُكُم بِاللّه هل فِيكُم أحدٌ سدّ رسُول اللّه (صَلَّى اللّه عَلَيْهِ وَآلِهِ) أبواب المسلمين كُلّهم ولم يسُدّ بابي، فجاءه العبّاسُ وحمزة و قالا: أخرجتنا وأسكنته ؟.
فقال لهما : ما أنا أخرجتُكُم وأسكنتُهُ بلِ اللّه أخرجكُم وأسكنه، إِنَّ اللّه عزّ و جلّ أوحى إلى أخِي موسى (عَلَيهِ السَّلَامُ) أن اتخذ مسجِداً طهوراً واسكنه أنت وهارون و ابنا هارون، وإنّ اللّه عزّو جلّ أوحى إلي أن اتخذ مسجِداً طهوراً واسكنه أنت وعليٌّ وابنا علي، غيرِي؟!. قالُوا: اللّهمّ لا.
قال: نشدتُكُم بِاللّه هل فِيكُم أحدٌ قالَ لَهُ رسُول اللّه (صَلَّى اللّه عَلَيْهِ وَآلِهِ):
ص: 86
الحقُّ مَع عليّ وعليّ مع الحقّ لا يفترقانِ حتّى يَردا علي الحوض غيري؟!
قالُوا: اللّهمّ لا.
قال: نشدتُكُم بِاللّه هل فِيكُم أحدٌ وقى رسُول اللّه (صَلَّى اللّه عَلَيْهِ وَآلِهِ) حيث جاء المشرِكُون يُرِيدُون قتله، فأُضجِعتُ فِي مضجعه وذهب رسُول اللّه (صَلَّى اللّه عَلَيْهِ وَآلِهِ) نحو الغارِ وهُم يرون أنِّي أنا هو، فقالُوا: أين ابنُ عمّك ؟. فقُلتُ: لا أدري، فضربوني حتّى كادوا يقتُلُونِي؟!. قالُوا: اللّهمّ لا. :
قال: نشدتُكُم بِاللّه هل فيكم أحدٌ قال له رسُول اللّه (صَلَّى اللّه عَلَيْهِ وَآلِهِ) كما قال لي: إنّ اللّه أمرني بولاية عليّ فولايته ولايتي و ولايتي ولاية ربّي، عهدٌ عهده إلي ربّي وأمرني أن أُبلغكُمُوهُ، فهل سمعتُم؟. قالُوا: نعم قد سمعناه، قال: أما إنّ فِيكُم من يَقُولُ قد سمعتُ وهُو يحمِلُ النّاس على كتفيه و يُعادِيهِ. قالُوا: يا رسُول اللّه ! أخبرنا بهم. قال: أما إن ربي قد أخبرني بهم وأمرني بالإعراض عنهم لأمر قد سبق، وإنما يكتفي أحدُكُم بما يجدُ لِعلي فِي قلبِهِ ؟!. قالُوا: اللّهمّ لا.
قال: نشدتكُم بِاللّه هل فِيكُم أحدٌ قتل مِن بَنِي عبدِ الدّارِ تِسعةً مُبارزَةٌ غيرِي كُلُّهُم يَأْخُذُ اللواء، ثمّ جاء صواب الحبشيّ مولاهم و هُو يقُولُ: واللّه لا أقتُلُ بِسادتِي إِلَّا محمّداً، قد أزبد شدقاه و احمرتا عيناه، فاتقيتُمُوهُ وحدتُم عنه، وخرجتُ إليهِ فَلَمّا أقبل كأنَّهُ قُبّةٌ مبنيّةٌ، فاختلفتُ أنا و هُو ضربتين فقطعتُهُ بِنِصفين وبقيت رجلاه و عجزه و فخذاه قائمة على الأرضِ ينظُرُ إِليه المسلمون ويضحكُون مِنهُ ؟!. قالُوا: اللّهمّ لا.
قال: نشدتُكُم بِاللّه هل فِيكُم أحدٌ قتل مِن مُشرِكِي قُريش مثل قتلي ؟!
قالُوا: اللّهمّ لا.
قال: نشدتُكُم بِاللّه هل فِيكُم أحدٌ جاء عمرو بن عبدِ وُدٍ يُنادِي: هل مِن مُبارِزِ، فَكِعتُم عنهُ كُلُّكُم فقُمتُ أنا، فقال لي رسُول اللّه صلى اللّه علي والده: إلى أين تذهب؟. فقُلتُ: أَقُومُ إِلى هذا الفاسِقِ. فقال: إِنَّهُ عمرُو بنُ عبدِ وُدٍ، فقُلتُ: يا رسُول اللّه : إن كان هُو عمرو بن عبدِ وُدٌ فأنا عليّ بن أبِي طالِب، فأعاد علي (صَلَّى اللّه عَلَيْهِ وَآلِهِ) الكلام و أعدتُ عليهِ، فقال: امض على اسمِ اللّه، فَلَمّا قرُبتُ مِنهُ قال: منِ الرّجُلُ؟. قُلتُ: عليّ بن أبِي طالِب. قال: كُفو كريم ارجع يا ابن أخي فقد كان لأبيك معِي صُحبةٌ ومُحادثة فأنا أكره قتلك. فقُلتُ له: يا عمرو! إنك قد عاهدت اللّه أن لا
ص: 87
يُخيّرك أحد ثلاث خصالٍ إِلَّا اخترت إحداهنّ. فقال: اعرض عليّ. قُلتُ: تشهد أن لا إله إِلَّا اللّه وأن محمّداً رسُول اللّه، وتُقِرُبِما جاء مِن عِندِ اللّه. قال: هاتِ غير هذِهِ. قُلتُ: ترجِعُ مِن حيث جئت. قال: واللّه لا تُحدّث نِساء قريش بهذا أنّي رجعتُ عنك. فقُلتُ: فانزِل فأُقاتِلك. قال: أمّا هذِهِ فنعم، فنزل فاختلف أنا وهُو ضربتين فأصاب الحجفة وأصاب السيف رأسي، وضربتُهُ ضربةً فانكشفت رجليه فقتله اللّه على يدي، ففيكُم أحدٌ فعل هذا؟!. قالُوا: اللّهمّ لا.
قال: نشدتُكُم باللّه هل فِيكُم أحدٌ حِين جاء مرحبٌ وهُو يقُولُ:
أنا الّذي سمتني أمي مرحب [مرحباً] *** شاك السلاح بطل مجرب
أطعن أحياناً وحيناً أضرب
فخرجتُ إِليه فضربني وضربته وعلى رأسِهِ نقير من جبل حجر لم يكُن تصلُحُ على رأسِهِ بيضةٌ مِن عِظمِ رأسِهِ، فقلقتُ النّقير و وصل السّيفُ إلى رأسِهِ فقتلتُهُ، ففيكُم أحد فعل هذا؟!. قالُوا: اللّهمّ لا.
قال: نشدتُكُم بِاللّه هل فِيكُم أحدٌ أنزل اللّه فِيهِ آية التطهير على رَسُولِهِ (صَلَّى اللّه عَلَيْهِ وَآلِهِ): (إِنَّمَا يُرِيدُ اللَّهُ لِيُذْهِبَ عَنْكُمُ الرِّجْسَ أَهْلَ الْبَيْتِ وَيُطَهِّرَكُمْ تَطْهِيرًا) (1) فأخذ رسُول اللّه (صَلَّى اللّه عَلَيْهِ وَآلِهِ) كِيساءً خيبرياً فضمّنِي فِيهِ وفاطمة والحسن والحُسين، ثمّ قال: يا رب ! هؤلاء أهلُ بيتي فأذهِب عنهم الرجس وطهرهم تطهيراً؟!. قالُوا: اللّهمّ لا.
قال: نشدتُكُم بِاللّه هل فِيكُم أحدٌ قال لهُ رسُول اللّه (صَلَّى اللّه عَلَيْهِ وَآلِهِ):
أنا سيد ولد آدم و أنت يا علي سيّد العرب؟! قالُوا: اللّهمّ لا.
قال: نشدتُكُم بِاللّه هل فِيكُم أحدٌ كان رسُول اللّه (صَلَّى اللّه عَلَيْهِ وَآلِهِ) فِي المسجدِ إِذ نظر إلى شيءٍ ينزِلُ من السّماء فبادره و لحقه أصحابه فانتهى إلى سودانٍ أربعةٍ يحمِلُون سرِيراً، فقال لهم: ضعُوا، فوضعُوا. فقال: اكشِفُوا عنه، فكشفُوا فإذا أسودُ مُطوّقٌ بِالحَدِيدِ، فقال رسُول اللّه (صَلَّى اللّه عَلَيْهِ وَآلِهِ): من هذا؟. قالُوا:
غُلامُ الرِّياحِيّين كان قد أبق عنهم خُبثاً وفِسقاً فأمرُونا أن ندفنهُ فِي حَدِيدِهِ كما هو، فنظرتُ
ص: 88
إليهِ، فقُلتُ: يا رسُول اللّه ! ما رآني قط إلّا قال: أنا واللّه أُحِبُّكَ، وَاللّه مَا أَحبكَ إِلَّا مُؤْمِنٌ ولا أبغضك إِلّا كَافِرُ. فقال رسُول اللّه (صَلَّى اللّه عَلَيْهِ وَآلِهِ):
يا علي ! لقد أثابه اللّه بذا، هذا سبعُون قبيلا من الملائِكَةِ كلّ قبيل على ألفِ قبيل قد نزلوا يُصلُّون عليهِ، ففكّ رسُول اللّه (صَلَّى اللّه عَلَيْهِ وَآلِهِ) حديدته وصلّى عليهِ ودفنه؟!. قالُوا: اللّهمّ لا.
قال: نشدتُكُم بِاللّه هل فِيكُم أحدٌ قال له رسُول الله(صَلَّى اللّه عَلَيْهِ وَآلِهِ) مثل ما قال لي: أُذن لي البارحة في الدُّعاءِ فما سألت ربي شيئاً إلّا أعطانيه، وما سألتُ لنفسي شيئاً إِلَّا سألتُ لك مثله و أعطانيه. فقُلتُ: الحمدُ للّه ؟!. قالُوا:
اللّهمّ لا.
قال: نشدتُكُم بِاللّه هل علِمتُم أنّ رسُول اللّه (صَلَّى اللّه عَلَيْهِ وَآلِهِ) بعث خالد بن الوليد إلى بَنِي خزيمة ففعل ما فعل فصعد رسُول اللّه (صَلَّى اللّه عَلَيْهِ وَآلِهِ) المنبر فقال : إِنِّي أبرأُ إليك مِمّا صنع خالد بن الوليد.. ثلاث مراتٍ، ثمّ قال: اذهب يا عليُّ، فذهبتُ فوديتهم ثمّ ناشدتهم بِاللّه هل بقي شيء؟. فقالُوا: إِذ نشدتنا بِاللّه فيلغةُ كِلابِنا، وعِقالُ بعيرنا، فأعطيتُهم لهما، وبقي معي ذهب كثير فأعطيتهم إِياه، وقُلتُ: هذا لِذِمَّةِ رسُول اللّه (صَلَّى اللّه عَلَيْهِ وَآلِهِ) و لما تعلمون ولِما لا تعلمون ولروعاتِ النِّساء و الصّبيانِ، ثمّ جِئتُ إلى رسُول اللّه (صَلَّى اللّه عَلَيْهِ وَآلِهِ) فأخبرتُه، قال : واللّه ما يسرني يا عليُّ أَن لِي بِما صنعت حمر النعم ؟!. قالُوا: اللّهمّ نعم لا.
قال: نشدتُكُم بِاللّه هل سمعتم رسُول اللّه (صَلَّى اللّه عَلَيْهِ وَآلِهِ) يقُولُ: يا عليُّ ! عُرِضَتُ على أُمّتي البارحة فر أصحاب الرايات، فاستغفرتُ لك ولِشِيعَتِك ؟!. فقالُوا: اللّهمّ نعم.
قال: نشدتُكُم بِاللّه هل سمِعتُم رسُول اللّه (صَلَّى اللّه عَلَيْهِ وَآلِهِ) قال: يا أبا بكر! اذهب فاضرب عُنُق ذلك الرّجُلِ الّذي تَجِدُهُ فِي موضِعِ.. كذا وكذا، فرجع، فقال: قتلته؟. قال: لا، وجدتُهُ يُصلّي. قال: يا عُمرُ! اذهب فاقتله، فرجع قال له: قتلته؟. قال: لا، وجدتُهُ يُصلّي، فقال: آمُرُكُما بِقَتلِهِ، فتقُولانِ وجدناهُ يُصلّي ؟!، فقال : يا عليُّ ! اذهب فاقتله، فلما مضيتُ قال: إن أدركه قتله، فرجعتُ فقُلتُ: يا رسُول اللّه لم أجد أحداً. فقال: صدقت، أما إنك لو وجدته لقتلته؟!. فقالُوا: اللّهمّ نعم.
ص: 89
قال: نشدتُكُم بِاللّه هل فِيكُم أحدٌ قال له رسُول اللّه (صَلَّى اللّه عَلَيْهِ وَآلِهِ) كما قال لي: إنّ وليك فِي الجنَّة و عدوّك فِي النَّارِ؟!. قالُوا: اللّهمّ لا.
قال: نشدتُكُم بِاللّه هل علِمتُم أنّ عائشة قالت لِرَسُولِ اللّه (صَلَّى اللّه عَلَيْهِ وَآلِهِ): إن إبراهيم ليس منك و إِنَّهُ ابنُ ِفلانِ القِبطي. قال: يا عليُّ ! اذهب فاقتله.
فقُلتُ: يا رسُول اللّه ! إذا بعثتنِي أكُونُ كالمسمار المحمى فِي الوبر أو أتثبتُ؟. قال: لا، بل تثبت، فذهب فلَمّا نظر إلي استند إلى حائطٍ فطرح نفسهُ فِيهِ فطرحتُ نفسي على أثره، فصعد على نخل فصعِدتُ خلفه، فلما رآني قد صعدت رمى بإزاره فإذا ليس له شيءٌ لِمَا يَكُونُ لِلرِّجالِ، فجِئتُ فأخبرتُ رسُول اللّه (صَلَّى اللّه عَلَيْهِ وَآلِهِ)، فقال: الحمد للّه الّذي صرف عنّا السُّوء أهل البيت؟!.
فقالُوا: اللّهمّ نعم.
فقال: اللّهمّ اشهد. (1)
2 - عن أبي جعفر محمّد بن علي الباقر (عليه وعلى آبائه السلام) قال : إِن عُمر بن الخطّابِ لَمَّا حضرته الوفاة وأجمع على الشورى بعث إلى سِتَّةِ نفر من قريش إلى عليّ بن أبِي طالِب و إلى عُثمان بن عفان و إلى الزُّبير بن العوامِ و إلى طلحة بن عُبيدِ اللّه وعبد الرحمن بن عوف وسعد بن أبي وقاص و أمرهم أن يدخُلُوا إلى البيت ولا يخرُجُوا مِنهُ حتّى يُبايِعُوا لِأَحَدِهِم فإن اجتمع أربعة على واحِدٍ وأبى واحِدٌ أن يُبايِعهُم قُتِل وإِنِ امتنع اثنان وبايع ثلاثة قُتِلا فأجمع رأيهم على عُثمان فلَمّا رأى أمير المؤمنين (عَلَيهِ السَّلَامُ) ما هم القومُ بِهِ مِن البيعةِ لِعُثمان قام فيهم ليتَّخِذ عليهم الحجّة فقال (عَلَيهِ السَّلَامُ) لهم اسمعُوا مِنّي كلامي فإن يك ما أَقُولُ حقّاً فاقبلُوا و إن يك باطِلًا فأنكِرُوا ثمّ قال أنشُدُكُم بِاللّه الّذي يعلمُ صِدقكُم إِن صدقتُم ويعلمُ كَذِبكُم إِن كذبتُم هل فِيكُم أحد صلّى القبلتين كلتيهما غيري ؟ قالوا لا قال نشدتُكُم بِاللّه هل فِيكُم من بايع البيعتينِ كلتيهما الفتح وبيعة الرضوانِ غيرِي؟ قالوا لا قال نشدتُكُم بِاللّه هل فِيكُم أحدٌ أَخُوهُ المزيِّنُ بالجناحين فِي الجنَّة غيري ؟ قالوا لا قال نشدتُكُم بِاللّه هل فِيكُم أحدٌ عمه سيّد الشهداء غيري ؟ قالُوا لا قال نشدتُكُم بِاللّه هل فِيكُم أحدٌ زوجتُهُ سيّدةُ نِساءِ العالمين غيرِي؟ قالُوا لا قال نشدتُكُم بِاللّه هل فِيكُم أحد ابناه ابنا رسُول اللّه (صَلَّى اللّه عَلَيْهِ وَآلِهِ) و هما سيدا شباب أهل الجنَّة غيري ؟
ص: 90
قالُوا لا. قال نشدتُكُم بِاللّه هل فِيكُم أحدٌ عرف النّاسِخ من المنسوخ غيري ؟ قالوا لا قال نشدتكُم بِاللّه هل فِيكُم أحدٌ أذهب اللّه عنه الرجس وطهّره تطهيراً غيري ؟ قالوا لا قال نشدتكُم بِاللّه هل فِيكُم أحد عاين جبرئيل فِي مثال دحية الكلبيّ غيري ؟ قالوا لا قال نشدتُكُم باللّه هل فيكم أحد أدّى الزكاة وهُو راكِعٌ غيري ؟ قالوا لا قال نشدتُكُم بِاللّه هل فِيكُم أحدٌ مسح رسُول اللّه (صَلَّى اللّه عَلَيْهِ وَآلِهِ) عينيه وأعطاه الراية يوم خيبر فلم يجد حراً و لا برداً غيري ؟ قالوا لا قال نشدتُكُم بِاللّه هل فِيكُم أحد نصبهُ رسُول اللّه (صَلَّى اللّه عَلَيْهِ وَآلِهِ) يوم غدِيرِ خُمّ بِأمر اللّه تعالى فقال من كُنتُ مولاه فعلِيٌّ مولاه اللّهمّ وال من والاه وعاد من عاداه غيري ؟ قالُوا لا قال نشدتُكُم بِاللّه هل فِيكُم أحدٌ هُو أخُو رسُول اللّه فِي الحضر و رفِيقُهُ فِي السّفرِ غيري؟ قالوا لا قال نشدتُكُم بِاللّه هل فيكم أحد بارز عمرو بن عبدِ وُدّ يوم الخندق وقتله غيري ؟ قالوا لا قال نشدتُكُم بِاللّه هل فِيكُم أحدٌ قال له رسُول اللّه (صَلَّى اللّه عَلَيْهِ وَآلِهِ) أنت مِنِّي بِمنزلة هارون مِن مُوسَى إِلَّا أَنَّهُ لا نبيّ بعدي غيري ؟ قالُوا لا. قال نشدتُكُم بِاللّه هل فِيكُم أحدٌ سماه اللّه فِي عشر آياتٍ مِن القُرآنِ مُؤمِناً غيري ؟ قالوا لا. قال نشدتُكُم بِاللّه هل فِيكُم أحدٌ ناول رسُول اللّه (صَلَّى اللّه عَلَيْهِ وَآلِهِ) قبضةٌ مِن التُرابِ فرمى بها فِي وُجُوهِ الكُفَّارِ فانهزموا غيري ؟ قالوا لا قال نشدتُكُم بِاللّه هل فِيكُم أحدٌ وقفت الملائِكَةُ معه يوم أحدٍ حتّى ذهب النّاسُ غيري ؟ قالوا لا قال نشدتُكُم بِاللّه هل فِيكُم أحدٌ قضى دين رسُول اللّه (صَلَّى اللّه عَلَيْهِ وَآلِهِ) غيري ؟ قالوا لا قال نشدتُكُم بِاللّه هل فِيكُم أحد شهد وفاة رسُول اللّه (صَلَّى اللّه عَلَيْهِ وَآلِهِ) غيري ؟ قالُوا لا قال نشدتُكُم بِاللّه هل فِيكُم أحدٌ غسل رسُول اللّه وكفنه و لحده غيري ؟ قالوا لا قال نشدتُكُم بِاللّه هل فِيكُم أحدٌ ورِث سلاح رسُول اللّه (صَلَّى اللّه عَلَيْهِ وَآلِهِ) و رايته و خاتمه غيري ؟ قالوا لا قال نشدتُكُم بِاللّه هل فِيكُم أحدٌ جعل رسُول اللّه (صَلَّى اللّه عَلَيْهِ وَآلِهِ) طلاق نِسائِهِ بِيدِهِ غيرِي؟ قالُوا لا قال نشدتُكُم بِاللّه هل فِيكُم أحدٌ حمله رسُول اللّه (صَلَّى اللّه عَلَيْهِ وَآلِهِ) على ظهره حتّى كسر الأصنام على باب الكعبة غيري قالوا لا قال نشدتُكُم بِاللّه هل فِيكُم أحدٌ نُودِي باسمه من السّماء يوم بدر لا سيف إِلَّا ذُو الفقار ولا فتى إلّا علي غيري ؟ قالوا لا قال نشدتُكُم باللّه هل فِيكُم أحد أكل مع رسُول اللّه (صَلَّى اللّه عَلَيْهِ وَآلِهِ) من الطائر المشوي الّذي أُهدِي إِليه غيري ؟ قالُوا لا قال نشدتُكُم بِاللّه هل فِيكُم أحدٌ قال لهُ رسُول اللّه (صَلَّى اللّه عَلَيْهِ وَآلِهِ) أنت صاحِبُ رايتي فِي الدُّنيا وصاحِبُ لِوائِي فِي الآخِرَةِ غيري؟ قالُوا لا قال
ص: 91
نشدتُكُم بِاللّه هل فِيكُم أحدٌ قدم بين يدي نجواه صدقةً غيري ؟ قالوا لا قال نشدتُكُم بِاللّه هل فِيكُم أحد خصف نعل رسُول اللّه (صَلَّى اللّه عَلَيْهِ وَآلِهِ) غيري ؟ قالوا لا قال نشدتُكُم بِاللّه هل فِيكُم أحدٌ قال له رسُول اللّه (صَلَّى اللّه عَلَيْهِ وَآلِهِ) أنا أخُوك و أنت أخِي غيرِي قالوا لا. قال نشدتُكُم بِاللّه هل فِيكُم أحدٌ قال لَهُ رسُول اللّه (صَلَّى اللّه عَلَيْهِ وَآلِهِ) أنت أحبُّ الخلق إلي وأقولُهم بالحق غيري؟
قالُوا لا قال نشدتُكُم بِاللّه هل فِيكُم أحدٌ وجد رسُول اللّه (صَلَّى اللّه عَلَيْهِ وَآلِهِ) جائعاً فاستقى مائة دلوبِمائة تمرة وجاء بِالتّمر فأطعمه رسُول اللّه غيري ؟ و هُو جائع قالُوا لا قال نشدتكُم باللّه هل فِيكُم أحدٌ سلّم عليهِ جبرئيل وميكائيل وإسرافيل فِي ثلاثةِ آلافٍ مِن الملائكة يوم بدر غيري؟ قالوا لا قال نشدتكم باللّه هل فِيكُم أحدٌ غمض عين رسُول اللّه (صَلَّى اللّه عَلَيْهِ وَآلِهِ) غيري ؟ قالوا لا قال نشدتُكُم بِاللّه هل فِيكُم أحدٌ وحد اللّه قبلي غيري ؟ قالوا لا قال نشدتُكُم بِاللّه هل فِيكُم أحدٌ كان أول داخل على رسُول اللّه (صَلَّى اللّه عَلَيْهِ وَآلِهِ) و آخر خارج مِن عِندِهِ غيرِي؟ قالُوا لا قال نشدتُكُم بِاللّه هل فِيكُم أحدٌ مشى مع رسُول اللّه (صَلَّى اللّه عَلَيْهِ وَآلِهِ) فمر على حديقةٍ فقُلتُ ما أحسن هذه الحديقة فقال رسُول اللّه (صَلَّى اللّه عَلَيْهِ وَآلِهِ) و حديقتُك فِي الجنَّة أحسنُ مِن هذِهِ حتّى مررتُ على ثلاث حدائق كلّ ذلِك يَقُولُ رسُول اللّه حديقتك فِي الجنَّة أحسنُ مِن هذِهِ غيري؟ قالُوا لا.
قال نشدتُكُم بِاللّه هل فِيكُم أحدٌ قال له رسُول اللّه (صَلَّى اللّه عَلَيْهِ وَآلِهِ) أنت أوّلُ من آمن بي وصدقني وأول من يرد علي الحوض يوم القيامةِ غيري ؟ قالوا لا قال نشدتُكُم بِاللّه هل فِيكُم أحدٌ أخذ رسُول اللّه (صَلَّى اللّه عَلَيْهِ وَآلِهِ) بيده ويد امرأتِهِ و ابنيه حين أراد أن يُباهِل نصارى أهل نجران غيري قالُوا لا؟ قال نشدتُكُم بِاللّه هل فِيكُم أحد قال له رسُول اللّه (صَلَّى اللّه عَلَيْهِ وَآلِهِ) أول طالع يطلع عليكُم مِن هذا البابِ يا أَنسُ فَإِنَّهُ أَمِيرُ المؤمِنين وسيّد المسلمين وأولى النَّاسِ بِالنَّاسِ فقال أنسُ اللّهمّ اجعلهُ رجُلًا مِن الأنصارِ فكُنتُ أنا الطالع فقال رسُول اللّه (صَلَّى اللّه عَلَيْهِ وَآلِهِ) لأني ما أنت باول رجل أحبّ قومه غيري ؟ قالُوا لا قال
ص: 92
نشدتُكُم بِاللّه هل فِيكُم أحدٌ نزلت فِيهِ هَذِهِ الآيَةُ ﴿إِنَّمَا وَلِيُّكُمُ اللّه و رسُولُهُ و الّذينَ آمَنُوا الّذين يُقِيمُونَ الصّلاة ويُؤتُون الزّكاة وهُم راكِعُون) (1) غيري ؟ قالوا لا. قال نشدتُكُم بِاللّه هل فِيكُم أحدٌ أنزل اللّه فِيهِ و فِي وُلدِهِ إِنّ الأبرار يشربون من كأس كان مزاجها كافُوراً (2) إلى آخِرِ السُّورة غيري ؟ قالوا لا قال نشدتُكُم بِاللّه هل فِيكُم أحدٌ أنزل اللّه فِيهِ ﴿أَجَعَلْتُمْ سِقَايَةَ الْحَاجِّ وَعِمَارَةَ الْمَسْجِدِ الْحَرَامِ كَمَنْ آمَنَ بِاللَّهِ وَالْيَوْمِ الْآخِرِ وَجَاهَدَ فِي سَبِيلِ اللَّهِ لَا يَسْتَوُونَ عِنْدَ اللَّهِ) (3) غيري؟ قالوا لا قال نشدتُكُم بِاللّه هل فِيكُم أحدٌ علمهُ رسُول اللّه (صَلَّى اللّه عَلَيْهِ وَآلِهِ) ألف كلمةٍ كلّ كلمةٍ مِفتاح ألفِ كلمةٍ غيرِي؟ قالوا لا قال نشدتُكُم بِاللّه هَل فِيكُم أحدٌ ناجاهُ رسُول اللّه يوم الطَّائِفِ فقال أبوبكر و عُمريا رسُول اللّه ناجيت عليّاً دوننا؟ فقال لهما النّبيّ (صَلَّى اللّه عَلَيْهِ وَآلِهِ) ما أنا ناجيته بل اللّه أمرني بذلك غيري؟ قالوا لا قال نشدتُكُم باللّه هل فِيكُم أحد سقاه رسُول اللّه (صَلَّى اللّه عَلَيْهِ وَآلِهِ) من المهراس غيري ؟ قالوا لا. قال نشدتُكُم بِاللّه هل فِيكُم أحدٌ قال له رسُول اللّه (صَلَّى اللّه عَلَيْهِ وَآلِهِ) أنت أقرب الخلقِ مِنّي يوم القيامةِ يدخُلُ بِشفاعتِك الجنَّة أكثرُ مِن عددِ ربيعة و مُضر غيري ؟ قالوا لا قال نشدتُكُم بِاللّه هل فِيكُم أحدٌ قال له رسُول اللّه (صَلَّى اللّه عَلَيْهِ وَآلِهِ) يا علي أنت تُكسى حين أُكسى غيري؟ قالوا لا قال نشدتُكُم بِاللّه هل فِيكُم أحدٌ قال لهُ رسُول اللّه (صَلَّى اللّه عَلَيْهِ وَآلِهِ) أنت وشيعتك الفائِزُون يوم القيامةِ غيري ؟ قالوا لا قال نشدتُكُم باللّه هل فِيكُم أحدٌ قال لهُ رسُول اللّه (صَلَّى اللّه عَلَيْهِ وَآلِهِ) كذب من زعم أنهُ يُحِبُّنِي ويُبغِضُ هذا غيرِي؟ قالُوا لا قال نشدتُكُم بِاللّه هل فِيكُم أحدٌ قال له رسُول اللّه (صَلَّى اللّه عَلَيْهِ وَآلِهِ) من أحب شطراتي هذِهِ فقد أحبّني و من أحبّني فقد أحب اللّه فقيل له و ما شطراتك ؟ قال علي والحسن والحُسين و فاطمة غيري ؟
قالُوا لا قال نشدتُكُم بِاللّه هل فِيكُم أحدٌ قال له رسُول اللّه (صَلَّى اللّه عَلَيْهِ وَآلِهِ) أنت خير البشر بعد النبيّين غيري ؟
قالُوا لا. قال نشدتُكُم بِاللّه هل فِيكُم أحدٌ قال لهُ رسُول اللّه (صَلَّى اللّه عَلَيْهِ وَآلِهِ) أنت الفارُوقُ تفرّق بين الحقّ والباطِلِ غيرِي؟ قالُوا لا قال نشدتُكُم بِاللّه هل فِيكُم أحدٌ قال لَهُ رسُول اللّه (صَلَّى اللّه عَلَيْهِ وَآلِهِ) أنت أفضلُ الخلائِقِ عملًا يوم القيامةِ بعد النبيّين غيري ؟ قالوا لا قال نشدتُكُم بِاللّه هل فِيكُم
ص: 93
أحدٌ أخذ رسُول اللّه (صَلَّى اللّه عَلَيْهِ وَآلِهِ) كيساءه عليه و على زوجته وعلى ابنيهِ ثمّ قال اللّهمّ أنا وأهلُ بيتي إليك لا إلى النّار غيري ؟ قالوا لا قال نشدتُكُم بِاللّه هل فِيكُم أحدٌ كان يبعثُ إِلى رسُول اللّه (صَلَّى اللّه عَلَيْهِ وَآلِهِ) الطعام وهُو فِي الغارِ ويُخبِرُهُ بِالأخبار غيري ؟ قالوا لا قال نشدتُكُم بِاللّه هل فِيكُم أحدٌ قال له رسُول اللّه (صَلَّى اللّه عَلَيْهِ وَآلِهِ) أنت أخي و وزيري وصاحبي من أهلي غيري؟ قالوا لا قال نشدتُكُم بِاللّه هل فِيكُم أحدٌ قال له رسُول اللّه (صَلَّى اللّه عَلَيْهِ وَآلِهِ) أنت أقدمُهُم سِلماً وأفضلُهُم عِلماً وأكثرُهُم حِلماً غيري ؟ قالوا لا قال نشدتُكُم بِاللّه هل فِيكُم أحدٌ قتل مرحباً اليهودي فارس اليهود مبارزة غيري ؟ قالوا لا قال نشدتُكُم بِاللّه هل فيكم أحد عرض عليه النّبيّ (صَلَّى اللّه عَلَيْهِ وَآلِهِ) الإسلام فقال له أنظرني حتّى ألق والدي فقال له النّبيّ (صَلَّى اللّه عَلَيْهِ وَآلِهِ) فإنها أمانةٌ عِندك فقُلتُ فإن كانت أمانةً عِندِي فقد أسلمتُ غيري؟
قالُوا لا قال نشدتُكُم بِاللّه هل فِيكُم أحدٌ احتمل باب خيبر حين فتحها فمشى بِهِ مِائة ذراع ثمّ عالجه بعده أربعين رجلًا فلم يُطِيقُوهُ غيري ؟ قالوا لا. قال نشدتُكُم بِاللّه هل فِيكُم أحد نزلت فِيهِ هَذِهِ الآيَةُ (يا أيّها الّذين آمَنُوا إِذا ناجيتُمُ الرَّسُول فقدِّمُوا بين يدي نجواكم صدقة) (1) فكُنتُ أنا الّذي قدّم الصدقة غيرِي؟ قالوا لا قال نشدتُكُم بِاللّه هل فِيكُم أحدٌ قالَ لَهُ رسُول اللّه (صَلَّى اللّه عَلَيْهِ وَآلِهِ) من سبّ عليّاً فقد سبّني و من سبّني فقد سبّ اللّه غيرِي؟ قالُوا لا قال نشدتُكُم بِاللّه هل فِيكُم أحدٌ قال لهُ رسُول اللّه (صَلَّى اللّه عَلَيْهِ وَآلِهِ) منزلي مُواجِهُ منزلك فِي الجنَّة غيري؟ قالوا لا قال نشدتُكُم بِاللّه هل فِيكُم أحدٌ قال له رسُول اللّه (صَلَّى اللّه عَلَيْهِ وَآلِهِ) قاتل اللّه من قاتلك وعادى اللّه من عاداك غيري ؟ قالوا لا قال نشدتُكُم بِاللّه هل فِيكُم أحدٌ اضطجع على فراش رسُول اللّه (صَلَّى اللّه عَلَيْهِ وَآلِهِ) حين أراد أن يسير إلى المدينة ووقاهُ بِنفسِهِ مِن المشركين حين أرادوا قتله غيري ؟ قالُوا لا قال نشد تكُم بِاللّه هل فِيكُم أحدٌ قال له رسُول اللّه (صَلَّى اللّه عَلَيْهِ وَآلِهِ) أنت أولى النَّاسِ بِأُمَّتِي بعدِي غيري ؟
قالُوا لا قال نشدتُكُم بِاللّه هل فِيكُم أحدٌ قال لهُ رسُول اللّه (صَلَّى اللّه عَلَيْهِ وَآلِهِ) أنت يوم القيامة عن يمين العرش واللّه يكسوك ثوبين أحدُهُما أخضر و الآخرُ وردِيٌّ غيري ؟ قالُوا لا قال نشدتُكُم بِاللّه هل
ص: 94
فِيكُم أحدٌ صلّى قبل النَّاسِ بِسبعِ سِنِين و أشهرٍ غيري ؟ قالوا لا قال نشدتُكُم بِاللّه هل فِيكُم أحد قال له رسُول اللّه (صَلَّى اللّه عَلَيْهِ وَآلِهِ) أنا يوم القيامة آخِذٌ بِحُجزة ربي والحجزةُ النُّورُو أنت آخذ بِحُجزتي وأهل بيتي آخِذٌ بِحُجزتك غيري ؟ قالوا لا قال نشد تكُم بِاللّه هل فِيكُم أحد قال له رسُولُ اللّه (صَلَّى اللّه عَلَيْهِ وَآلِهِ) أنت كنفسي وحُبُّك حتي وبغضُك بُغضِي؟ قالوا لا. قال نشدتُكُم بِاللّه هل فِيكُم أحدٌ قال له رسُول اللّه (صَلَّى اللّه عَلَيْهِ وَآلِهِ) ولايتك كولايتي عهد عهده إلي ربّي وأمرني أن أُبلغكُمُوهُ غيري ؟ قالوا لا قال نشدتُكُم بِاللّه هل فِيكُم أحدٌ قال لَهُ رسُول اللّه (صَلَّى اللّه عَلَيْهِ وَآلِهِ) اللّهمّ اجعله لي عوناً و عضداً و ناصِراً غيري ؟ قالوا لا قال نشدتُكُم بِاللّه هل فِيكُم أحد قال له رسُول اللّه (صَلَّى اللّه عَلَيْهِ وَآلِهِ) المال يعسُوبُ الظلمة و أنت يعسُوبُ المؤمِنين غيري ؟ قالوا لا. قال نشدتُكُم بِاللّه هل فِيكُم أحدٌ قال له رسُول اللّه (صَلَّى اللّه عَلَيْهِ وَآلِهِ) لأبعثن إليكُم رَجُلًا امتحن اللّه قلبه للإيمانِ غيري ؟ قالُوا لا قال نشدتُكُم بِاللّه هل فِيكُم أحدٌ أطعمهُ رسُول اللّه (صَلَّى اللّه عَلَيْهِ وَآلِهِ) رُمانةٌ و قال هذهِ مِن رُمانِ الجنَّة لا ينبغي أن يأكُل مِنهُ إلّا نبيّ أو وصيّ نبيّ غيري ؟ قالوا لا قال نشدتُكُم بِاللّه هل فِيكُم أحدٌ قال له رسُول اللّه (صَلَّى اللّه عَلَيْهِ وَآلِهِ) ما سألتُ ربّي شيئاً إِلّا أعطانيه ولم أسأل ربي شيئاً إلّا سألتُ لك مثله غيري ؟ قالوا لا قال نشدتُكُم بِاللّه هل فِيكُم أحدٌ قال له رسُول اللّه (صَلَّى اللّه عَلَيْهِ وَآلِهِ) أنت أقومُهُم بِأمر اللّه وأوفاهُم بِعهدِ اللّه وأعلمُهُم بِالقضيّةِ وأقسمُهُم بِالسّوِيّةِ وأعظمُهُم عِند اللّه مزيّةٌ غيري ؟ قالوا لا قال نشدتُكُم بِاللّه هل فِيكُم أحدٌ قال له رسُول اللّه (صَلَّى اللّه عَلَيْهِ وَآلِهِ) فضلك على هذِهِ الأُمّة كفضلِ الشَّمس على القمر و كفضل القمر على النُّجُومِ غيرِي ؟ قالوا لا قال نشدتُكُم بِاللّه هل فِيكُم أحدٌ قال لَهُ رسُول اللّه (صَلَّى اللّه عَلَيْهِ وَآلِهِ) يُدخِلُ اللّه وليك الجنَّة و عدوّك النّار غيري؟ قالوا لا قال نشدتُكُم بِاللّه هل فِيكُم أحدٌ قالَ لَهُ رسُول اللّه (صَلَّى اللّه عَلَيْهِ وَآلِهِ) النَّاسُ مِن أشجار شتى و أنا و أنت من شجرةٍ واحدةٍ غيرِي قالوا لا قال نشدتُكُم بِاللّه هل فِيكُم أحدٌ قال لَهُ رسُول اللّه (صَلَّى اللّه عَلَيْهِ وَآلِهِ) أنا سيّدُ وُلدِ آدم و أنت سيّد العرب والعجم ولا فخر غيري؟ قالُوا لا. قال نشدتُكُم بِاللّه هل فِيكُم أحدٌ رضي اللّه عنهُ فِي الآيتينِ مِن القُرآنِ غيرِي؟ قالُوا لا قال نشدتُكُم بِاللّه هل فِيكُم أحدٌ قال لهُ رسُول اللّه (صَلَّى اللّه عَلَيْهِ وَآلِهِ) موعدك موعدي و موعِدُ شيعتك عند الحوض إذا خافتِ الأُمم و وُضِعتِ الموازِينُ غيرِي قالوا لا قال نشدتُكُم بِاللّه هل فِيكُم أحدٌ قال له رسُول اللّه (صَلَّى اللّه عَلَيْهِ وَآلِهِ) اللّهمّ إِنِّي أُحِبُّهُ فَأَحِبَهُ اللّهمّ إِنِّي أَستَودِعُكهُ غيرِي؟ قالُوا لا قال نشدتُكُم بِاللّه هل فِيكُم أحدٌ قال لهُ
ص: 95
رسُول اللّه (صَلَّى اللّه عَلَيْهِ وَآلِهِ) أنت تُحاجُ النّاس فتُحرِّجُهُم بِإقامة الصّلاة وإيتاء الزكاة والأمر بالمعروف والنهي عن المنكرو إقامِ الحُدُودِ و القسم بالسوية غيري ؟
قالُوا لا قال نشدتُكُم بِاللّه هل فِيكُم أحدٌ أخذ رسُول اللّه (صَلَّى اللّه عَلَيْهِ وَآلِهِ) بيده يوم بدر فرفعها حتّى نظر النّاسُ إلى بياض إبطيهِ وهُو يقُولُ أَلا إِنّ هذا ابنُ عمّي و وزيري فوازِرُوه و ناصِحُوه و صدِّقُوهُ فإِنَّهُ ولِيُّكُم غيرِي؟ قالوا لا قال نشدتُكُم بِاللّه هل فِيكُم أحد نزلت فِيهِ هَذِهِ الآيَةُ (ويُؤثِرُون على أنفُسِهِم ولو كان بِهم خصاصة و من يُوق شُحَ نفسِهِ فَأُولئِكَ هُمُ المفلِحُون) (1) غيري؟ قالوا لا قال نشدتُكُم بِاللّه فهل فِيكُم أحدٌ كان جبرئيل أحد ضيفانِهِ غيري ؟ قالُوا لا قال فهل فِيكُم أحدٌ أعطاهُ رسُول اللّه (صَلَّى اللّه عَلَيْهِ وَآلِهِ) حنوطاً مِن حنُوطِ الجنَّة ثمّ أقسمه أثلاثاً ثُلُثاً لِي تُحنِّطَنِي بِهِ وثُلُثاً لابنتي وثلثاً لك غيري ؟ قالوا لا قال فهل فيكم أحد كان إذا دخل على رسُول اللّه (صَلَّى اللّه عَلَيْهِ وَآلِهِ) حياه و أدناه و رحّب بِهِ وتهلّل له وجهُهُ غيري فقالوا لا قال فهل فِيكُم أحدٌ قال له رسُول اللّه (صَلَّى اللّه عَلَيْهِ وَآلِهِ) أنا أفتخر بك يوم القيامة إذا افتخرتِ الأنبياءُ بِأوصيائِها غيري ؟ قالُوا لا قال فهل فِيكُم أحدٌ سرحهُ رسُول اللّه (صَلَّى اللّه عَلَيْهِ وَآلِهِ) بسورة براءة إلى المشركين من أهل مكّة غيري ؟
قالُوا لا قال فهل فِيكُم أحدٌ قال له رسُول اللّه (صَلَّى اللّه عَلَيْهِ وَآلِهِ) إِنِّي لأرحمُكَ مِن ضغائن فِي صُدُورٍ أقوامٍ عليك لا يُظهِرُونها حتّى يفقِدُونِي فإذا فقدوني خالفُوا فيها غيري؟ قالُوا لا قال فهل فِيكُم أحدٌ قال له رسُول اللّه (صَلَّى اللّه عَلَيْهِ وَآلِهِ) أدّى اللّه عن أمانتك أدّى اللّه عَن ذِمَّتِكَ غيرِي؟ قالُوا لا
قال فهل فِيكُم أحدٌ قال لهُ رسُول اللّه (صَلَّى اللّه عَلَيْهِ وَآلِهِ) أنت قسيمُ النّار تُخْرِجُ مِنها من زكا و تذرفيها كلّ كافِرِ غيري ؟ قالُوا لا قال فهل فِيكُم أحدٌ فتح حصن خيبروسبي بنت مرحب فأداها إلى رسُول اللّه (صَلَّى اللّه عَلَيْهِ وَآلِهِ) غيري ؟
قالُوا لا قال فهل فِيكُم أحدٌ قال لهُ رسُول اللّه (صَلَّى اللّه عَلَيْهِ وَآلِهِ) ترد علي الحوض أنت وشيعتك رواءً مروتين مُبيضٌةً وُجُوهُهُم ويرِدُ على عدوك ظِماءً مُظمئِين مُقتحِمِين مُسودةً وُجُوهُهُم غيرِي؟
ص: 96
قالُوا لا قال لهم أمير المؤمنين (عَلَيهِ السَّلَامُ) أما إذا أقررتُم على أنفُسِكُم واستبان لكُم ذلك من قول نبيّكم فعليكُم بتقوى اللّه وحده لا شريك له وأنهاكُم عن سخطه و لا تعصُوا أمره ورُدُّوا الحقّ إلى أهلِهِ واتَّبِعُوا سُنّة نبيّكم فإِنَّكُم إن خالفتُم خالفتُم اللّه فادفعُوها إِلى من هُو أهلُهُ وهِي لَهُ قال فتغامرُوا فيما بينهم و تشاوروا و قالُوا قد عرفنا فضله و علمنا أنهُ أحقُّ النّاسِ بِها ولَكِنَّهُ رجُلٌ لا يُفضّلُ أحداً على أحدٍ فإن ولّيتُمُوها إياه جعلكُم وجميع الناس فيها شرعاً سواء ولكن ولُوها عُثمان فإِنَّهُ يهوى الّذي تهوون فدفعوها إليه. (1)
1- عن الحسن بن علي رجُلٌ كان فِي جباية مأمون قال دخلتُ أنا و رجُلٌ مِن أصحابنا على أبي طاهر عيسى بنِ عبدِ اللّه العلوي قال أبو الصخر و أظُنُّهُ مِن وُلدِ عُمر بن علي و كان نازلا فِي دارِ الصيدتين فدخلنا عليهِ عِند العصر و بين يديه ركوةٌ مِن ماءٍ وهُو يتمسّحُ فسلمنا عليهِ فردّ علينا السّلام ثمّ ابتدأنا فقال معكما أحدٌ فقُلنا لا ثمّ التفت يميناً وشمالا هل يرى أحداً ثمّ قال أخبرني أبي جندي عن جدّي أنَّه كان مع أبي جعفر محمّد بنِ علي (عَلَيهِمَا السَّلَامُ) يمنى وهُو يرمي الجمرات و أن أبا جعفر رمى الجمرات فاستتمّها وبقي فِي يديهِ بقيّة فعد خمس حصیات فرمی ثنتين فِي ناحِيةٍ وثلاثةٍ فِي ناحِيةٍ فقُلتُ لهُ أخبرني جُعِلتُ فِداك ما هذا فقد رأيتُك صنعت شيئاً ما صنعه أحد قط إنك رميت بخمس بعد ذلك ثلاثة فِي ناحية وثنتين فِي ناحية قال نعم إِنَّهُ إذا كان كلّ موسمِ أُخرجا الفاسقانِ غضيين [ غضّينِ] طريّينِ فَصُلبا هاهنا لا يراهما إِلَّا إِمَامُ عدل فرميتُ الأول ثنتين والآخر بثلاث لأن الآخر أخبتُ مِن الأول. (و فِي رواية الخرائج: فرميتُ الأول بثنتين والثّاني بثلاث لأنَّه أكفر و أظهر لعداوتنا والأول أدهى و أمرّ). (2)
ص: 97
1- عن أبي عبد اللّه (عَلَيهِ السَّلَامُ) قال: لما أُسري بالنبي (صَلَّى اللّه عَلَيْهِ وَآلِهِ) إلى السّماء قيل له إن اللّه تبارك و تعالى يختبرك فِي ثلاث لينظر كيف صبرُك قال أسلّمُ لأمرك يا ربّ ولا قوة لي على الصبرِ إِلَّا بِك
فما هُنّ قيل له أوّهُنَّ الجُوعُ والأثرةُ على نفسك وعلى أهلِك لأهل الحاجة قال قبلتُ يا ربّ و رضِيتُ وسلمتُ ومِنك التوفيق والصّبر و أمّا الثَّانِيةُ فالتكذيب والخوفُ الشَّدِيدُ وبذلك مُهجتك فِي مُحاربةِ أَهلِ الكُفْرِ بِمالك ونفسك والصبر على ما يُصِيبُكَ مِنهُم مِن الأذى ومِن أهلِ النّفاقِ والألم فِي الحرب و الجراح قال قبلت يا ربّ و رضِيتُ وسلمتُ ومِنك التوفيق و الصّبرُو أمّا الثَّالِثةُ فما يلق أهلُ بيتِكَ مِن بعدِك مِن القتل أما أخُوكَ على فيلق مِن أُمِّتِكَ الشّتم والتعنيف والتوبيخ والحرمان والجحد [و الجهد] والظلم وآخِرُ ذلك القتل فقال يا ربِّ قبلتُ ورضيت و منك التّوفيق والصبر و أما ابنتك فتُظلم وتُحرمُ ويُؤخذُ حقّها غصباً الّذي تجعلُهُ لها وتُضرب وهي حامِلٌ ويُدخل عليها وعلى حريمها و منزلها بِغَيرِ إِذنٍ ثمّ يمسها هوانٌ وذُلُّ ثمّ لا تجد مانعاً وتطرح ما فِي بطنها مِن الضّربِ وتموتُ مِن ذلِكَ الضّرْبِ قُلتُ إِنَّا للّه وَإِنَّا إِلَيهِ راجِعُون قبلت يا ربّ و سلمتُ ومِنك التوفيق والصبر اللصبرا ويكُونُ لها مِن أخِيكَ ابنانِ يُقتل أحدُهُما غدراً ويُسلبُ ويُطعن تفعلُ بِهِ ذلِك أُمّتك قُلتُ يا ربّ قبلتُ وسلمتُ (إِنَّا للّه و إِنَّا إِليهِ راجِعُون) (1) و مِنك التوفيق للصبر و أما ابنها الآخر فتدعُوهُ أُمِّتُكَ لِلجِهادِ ثمّ يَقتُلُونَهُ صبراً. ويقتُلُون وُلده و من معهُ مِن أهل بيتِهِ ثمّ يسلُبُون حرمه فيستعِينُ بي وقد مضى القضاءُ مِنِّي فِيهِ بِالشّهادةِ لهُ ولِمن معهُ ويَكُونُ قتلُهُ حُجّةً على من بين قطريها فيبكيهِ أهلُ السّماواتِ و أهل الأرضين جزعاً عليه وتبكيه ملائكة لم يُدركوا نُصرتهُ ثمّ أُخرجُ مِن صلبه ذكراً بِهِ أَنصُرُك و إِنَّ شبحهُ عِندِي تحت العرش و فِي نُسخةٍ أُخرى ثمّ أُخرجُ مِن صُلْبِهِ ذكراً أنتصِرُلهُ بِهِ وَ إِنَّ شبحه عِندِي تحت الأرش يملأُ الأرض بالعدل ويُطبقها بِالقِسطِ يسير معهُ الرُّعبُ يقتُلُ حتّى يُشكّ فِيهِ قُلتُ إِنَّا للّه فقيل ارفع رأسك فنظرتُ إلى رجُلٍ أحسنِ النّاسِ صُورةً وأطيبهم ريحاً و النُّورُيسطعُ مِن بينِ عينيهِ و مِن فوقهِ و مِن تحتِهِ فدعوتُهُ فأقبل إلي وعليهِ ثِيابُ النُّورِ وسِيماءُ كلّ خير حتّى قبل بين
ص: 98
عيني ونظرتُ إلى الملائكة قد حقُوا بِهِ لا يُحصِيهِم إِلَّا اللّه عزّوجلّ فقُلتُ يا ربّ لمن يغضبُ هذا و لمن أعددت هؤلاء وقد وعدتني النّصر فيهم فأنا أنتظرُهُ مِنك و هؤُلاءِ أهلي وأهلُ بيتي وقد أخبرتني مِمّا يلقون من بعدِي ولئِن [و لو شئت لأعطيتني النّصر فيهم على من بغى عليهم وقد سلمتُ وقبِلتُ و رضِيتُ ومِنك التوفيق والرضا والعون على الصّبرِ فقيل لي أما أخوك فجزاؤُهُ عِندِي جنّةُ المأوى نُزُلًا بصبره أفلح [ أَفْلِجُ] حُجّته على الخلائِقِ يوم البعث و أوليه حوضك يسقي مِنهُ أولياءكُم ويمنعُ مِنهُ أعداءكُم و أجعل عليه جهنَّم برداً و سلاماً يدخُلُها ويُخرجُ من كان فِي قلبه مثقال ذرةٍ من المودّة وأجعل منزلتكم فِي درجةٍ واحدةٍ فِي الجنَّة وأما ابنك المخذُولُ المقتول وابنك المغدور المقتولُ صبراً فَإِنَّهُما لِما أُرينُ بهما عرشي و لهما من الكرامة سوى ذلك يما لا يخطر على قلب بشر لما أصابهما من البلاء فعلي فتوكل و لِكُلِّ من أتى قبره من الخلقِ من الكرامة لأن زُوّارهُ زُوّارُك و زُوّارك زُوّارِي و عليّ كرامة زُوّارِي [زائري] و أنا أُعطِيهِ ما سأل و أجزِيهِ جزاءً يغبطه من نظر إلى عظمتي إياه وما أعددتُ لهُ مِن كرامتي و أما ابنتك فإِنِّي أُوقِفها عند عرشي فيُقالُ لها إن اللّه قد حكمكِ فِي خلقِهِ فمن ظلمكِ و ظلم وُلدكِ فاحكمِي فِيهِ بِما أحببت فإِنِّي أَجِيرُ حُكومتكِ فِيهِهم فتشهد العرصة فإذا وقف من ظلمها أمرتُ بِهِ إِلى النّار فيقُولُ الظالم واحسرتاه على ما فرطت فِي جنب اللّه ويتمنّى الكرة و يعضُّ الظالم على يديه ويقُولُ (يَا لَيْتَنِي اتَّخَذْتُ مَعَ الرَّسُولِ سَبِيلًا * يَا وَيْلَتَى لَيْتَنِي لَمْ أَتَّخِذْ فُلَانًا خَلِيلًا) (1) وقال (حَتَّى إِذَا جَاءَنَا قَالَ يَا لَيْتَ بَيْنِي وَبَيْنَكَ بُعْدَ الْمَشْرِقَيْنِ فَبِئْسَ الْقَرِينُ * وَلَنْ يَنْفَعَكُمُ الْيَوْمَ إِذْ ظَلَمْتُمْ أَنَّكُمْ فِي الْعَذَابِ مُشْتَرِكُونَ) (2) فيقُولُ الظالم (أَنْتَ تَحْكُمُ بَيْنَ عِبَادِكَ فِي مَا كَانُوا فِيهِ يَخْتَلِفُونَ﴾ (3) أوِ الحُكمُ لِغيرِك فيقال لهم (ألا لَعْنَةُ اللَّهِ عَلَى الظَّالِمِينَ * الَّذِينَ يَصُدُّونَ عَنْ سَبِيلِ اللَّهِ وَيَبْغُونَهَا عِوَجًا وَهُمْ بِالْآخِرَةِ كَافِرُونَ) (4) وأوّلُ من يُحكمُ فيهم محسنُ بنُ عليّ (عَلَيهِ السَّلَامُ) و فِي قاتِلِهِ ثمّ فِي قُنفذ فُيُؤْتِيانِ هُو و صاحِبُهُ فَيُضربانِ بِسِياطٍ مِن نار لو وقع
ص: 99
سوط منها على البحار لغلت من مشرقها إلى مغربها ولو وضعت على جِبالِ الدُّنيا لذابت حتّى تصير رماداً فيُضربانِ بِها ثمّ يحثوا أمير المؤمنين (عَلَيهِ السَّلَامُ) بين يدي اللّه لِلخُصُومة مع الرابع فيُدخلُ الثّلاثة فِي جُبٍ فيُطبق عليهم لا يراهم أحد ولا يرون أحداً فيقُولُ الّذين كانُوا فِي ولايتهم (رَبَّنَا أَرِنَا اللَّذَيْنِ أَضَلَّانَا مِنَ الْجِنِّ وَالْإِنْسِ نَجْعَلْهُمَا تَحْتَ أَقْدَامِنَا لِيَكُونَا مِنَ الْأَسْفَلِينَ)(1) قال اللّه عزّوجلّ (وَلَنْ يَنْفَعَكُمُ الْيَوْمَ إِذْ ظَلَمْتُمْ أَنَّكُمْ فِي الْعَذَابِ مُشْتَرِكُونَ) (2) فعِند ذلِك يُنادون بالويل والقُبُورِ ويأتيان الحوض فيسألان عن أمير المؤمنين (عَلَيهِ السَّلَامُ) و معهم حفظةٌ فيقولان اعفُ عنّا واسقِنا وتُخلِصُنا [خلّصنا] فيُقالُ لهُم (فَلَمَّا رَأَوْهُ زُلْفَةً سِيئَتْ وُجُوهُ الَّذِينَ كَفَرُوا وَقِيلَ هَذَا الَّذِي كُنْتُمْ بِهِ تَدَّعُونَ) (3) بإمرة المؤمنين ارجِعُوا ظِماء مُظمِئِين إِلى النّار فما شرابُكُم إِلَّا الحَمِيمُ والغِسلِينُ ﴿وما تنفعُكُم شفاعةُ الشَّافِعِين). (4) و (5)
1- عن محمّد بنِ سِنانٍ، قال: قال أمير المؤمنين (عَلَيهِ السَّلَامُ) للثاني: يا مغرُور! إِنِّي أراك فِي الدُّنيا قتيلًا بجراحةٍ مِن عبدِ أُمّ معمر تحكُمُ عليهِ جوراً فيقتُلُك توفيقاً، يدخُلُ بِذلِك الجنَّة على رغم منك، و إن لك ولِصاحِبِك الّذي قُمت مقامه صلباً وهتكاً تُخرجان عن جوارِ رسُول اللّه (صَلَّى اللّه عَلَيْهِ وَآلِهِ) فتُصلبانِ على أغصانِ جذعةٍ يابسة فتُورِقُ فيفتتِنُ بِذلِك من والاك. فقال عمر: ومن يفعل ذلك يا أبا الحسن؟ فقال: قوم قد فرّقُوا بين السُّيُوفِ وأَعْمادِها، فيُؤتى بِالنَّارِ الّتي أُضرِمت لإبراهيم (عَلَيهِ السَّلَامُ) و يأتي جرجيس و دانيال وكُلُّ نتي وصديقٍ، ثمّ يَأْتِي رِيحٌ فينسِفُكُما فِي اليم نسفاً. (6)
ص: 100
2 - عَن هارون بن سعيد، قال: سمعتُ أمير المؤمنين يقولُ لعمر بن الخطاب: من علّمك الجهالة يا مغرور، أما واللّه لو كنت بصيراً، أو كنت بما أمرك به رسُول اللّه (صَلَّى اللّه عَلَيْهِ وَآلِهِ) خبيراً، أو كنت فِي دينك تاجراً تحريراً لركبت العُقر، ولفرشت القصب، ولما أحببت أن تتمثل لك الرّجالُ قياماً، و لما ظلمت عترة النّبيّ (صَلَّى اللّه عَلَيْهِ وَآلِهِ) بقبيح الفعل غير أني أراك فِي الدُّنيا قتيلاً بجراحةٍ مِن عبد أمّ مُعمّر، تحكم عليه بالجور فيقتلك توفيقاً يُدخل به واللّه الجنان على الرغمِ مِنك.
(واللّه) لوكنت مِن رسُول اللّه (صَلَّى اللّه عَلَيْهِ وَآلِهِ) سامعاً ومطيعاً لما وضعت سيفك على عاتقك، ولما خطبت على المنبر، ولكأنّي بك وقد دعيت فأجبت، ونُودي بإسمك فأحجمت، وإن لك بعد القتل لهتك ستر، وصلباً ولصاحبك الّذي إختارك، وقمت مقامه من بعده.
فقال له عمر: يا أبا الحسن، أما تستحي لنفسك من هذا التّهكّن؟
فقال له أمير المؤمنين (عَلَيهِ السَّلَامُ) : واللّه ما قلتُ لك إلّا ما سمعتُ مِن رسُول اللّه (صَلَّى اللّه عَلَيْهِ وَآلِهِ) وما نطقتُ إلّا بما علمت.
قال: فمتى هذا، يا أمير المؤمنين ؟
قال: إذا أُخرجت جيفتكما عن رسُول اللّه (صَلَّى اللّه عَلَيْهِ وَآلِهِ) من قبريكما الّذين لم ترقدا فيهما نهاراً ولا ليلاً لئلّا يشكّ أحدٌ فيكما إذ نُبشتما و لودفنتما بين المسلمين لشكّ شاكّ، وإرتاب مُرتاب، و صلبتما على أغصانِ دوحاتِ شجرة يابسة فتورّق تلك الدّوحات بكما، وتفرع و تخضرّ فيكونُ علامةً لمن أحبكما ورضي بفعالكما، ليميز اللّه الخبيث من الطيّب، ولكأنّي أنظر إليكما والناسُ يسألون (ربهم) العافية مِمّا قد بليتُما به.
قال: فمن يفعل ذلك يا أبا الحسنِ ؟
قال: عصابة قد فرقت بين السّيوف و أغمادِها، وإرتضاهم اللّه لِنُصرة دينه، فما تأخُذُهم فِي اللّه لومة لائم، ولكأنّي أنظر إليكما وقد أخرجتُما من قبريكما غَضَّين طريِّين حتّى تصلبا على الدوحات، فيكون ذلك فتنةً لمن أحبكما.
ثم يُؤتى بالنار الّتي أُضرمت لإبراهيم (عَلَيهِ السَّلَامُ) ويحيى و جرجيس و دانيال وكل نبيّ وصدّيق و مؤمن، ثمّ يُؤمر بالنار وهي النّار الّتي أضرمتموها على باب داري لِتُحرقوني و فاطمة بنت رسُول اللّه (صَلَّى اللّه عَلَيْهِ وَآلِهِ) وإبنيّ الحسن والحُسين، وإبنتي زينب وأمّ كلثوم حتّى تُحرقا بها، ويُرسل
ص: 101
اللّه عليكم ريحاً مرّة فتنسِفُكما فِي اليمّ نسفا، بعد أن يأخذ السّيفُ منكما ما أخذ، ويصير مصير كما جميعاً إلى النار، وتُخرجان إلى البيداء إلى موضع الخسف الّذي قال اللّه عزّوجلّ: ﴿وَلَوْ تَرَى إِذْ فَزِعُوا فَلَا فَوْتَ وَأُخِذُوا مِنْ مَكَانٍ قَرِيبٍ) (1) يعني من تحت أقدامهم.
قال: يا أبا الحسن يُفرق بيننا وبين رسُول اللّه (صَلَّى اللّه عَلَيْهِ وَآلِهِ) ؟
قال: نعم.
قال: يا أبا الحسن إنك سمعت هذا وإنّه حقّ؟
قال: فحلف أمير المؤمنين (عَلَيهِ السَّلَامُ) أنَّه سمعه من النّبيّ (صَلَّى اللّه عَلَيْهِ وَآلِهِ) فبكى عُمرو قال: إنّي أعوذُ باللّه مِمّا تقول، فهل لك علامة ؟
قال: نعم، قتل فظيع وموتُ رضيع و طاعون شنيعٌ، ولا يبق من الناس فِي ذلك الزمان إلّا ثلثُهم، وينادي مُنادٍ مِن السّماء باسم رجلٍ مِن وُلدي، وتُكثر الآيات حتّى يتمنى الأحياء الموت مِمّا يرون من الأهوال، فمن هلك إستراح، و من كان له خير عند اللّه نجا ثمّ يظهر رجلٌ مِن وُلدي فيملأ الأرض عدلاً كما ملئت جورا وظلماً، يأتيه اللّه ببقايا قوم موسى، ويُحيى له أصحاب الكهفِ، ويُؤيّده اللّه بالملائكة والجن وشيعتنا المخلصين، وينزل من السّماء قطرها، وتُخرج الأرضُ نباتها.
فقال له عمر: يا أبا الحسن، أما إنّي أعلم إنك لا تحلف إلّا على حق، فواللّه لا تذوق أنت ولا أحد من ولدك حلو الخلافة أبداً.
فقال له أمير المؤمنين (عَلَيهِ السَّلَامُ) : ثمّ إنّكم لا تزدادون لي ولولدي إلّا عداوةً.
قال : فلَمّا حضرت عمر الوفاة أرسل إلى أمير المؤمنين (عَلَيهِ السَّلَامُ)، فقال له: يا أمير المؤمنين، يا أبا الحسن، إعلم أن أصحابي هؤلاء حلّلوني مِمّا ولّيتُ مِن أمورهم، فإن رأيت أن تُحلّلني.
فقال أمير المؤمنين (عَلَيهِ السَّلَامُ) : أرأيتُك إن حلّلتك أنا فهل لك فِي تحليل من مضى من رسُول اللّه (صَلَّى اللّه عَلَيْهِ وَآلِهِ) وإبنته، ثمّ ولى وهُو يقول: (وَأَسَرُّوا النَّدَامَةَ لَمَّا رَأَوُا الْعَذَابَ)(2). (3)
ص: 102
أقول: هذه الرواية مروية إلينا بسندين مع إختلاف بسيط فِي المتن. السند الأول الّذي نقله الطبري و الخصيبي رحمهما اللّه لينتهي إلى أبي طفيل عامر بن واثلة و هُو معروف ومذكور فِي كتب السيرة والرجال و قد عده الشيخ فِي رجاله من أصحاب أمير المؤمنين (عَلَيهِ السَّلَامُ) والبرقي فِي طبقاته من خواصه (عَلَيهِ السَّلَامُ) وهذا مدح عظيم. والسند الثَّاني الّذي نقله الديلمي و نقل عنه السيد هاشم البحراني رحمة اللّه عليهما يصل إلى هارون بن سعيد و هُو مجهول غير مذكور فِي كتبنا الرجالية و أنا ذكرت كلتا الروايتين؛ الأولى فِي الفصل الثَّاني و الثانية فِي هذا الفصل.
ولا يخفى عليك أن الشيخ البرسي رحمه اللّه يروى الرواية عن محمّد بن سنان و هذا بعيد لأنَّه لم ير أميرالمؤمنين (عَلَيهِ السَّلَامُ) و لم يرو عنه ولكن هُو فِي طريق السند و من المحتمل أن البرسي أحذف ما بعده من رجال الخبر و اللّه أعلم. فهناك سندين لخبر واحد. والّذي يقرب بالنظر أن الخبر والسند واحد لأن فِي سند الرواية الّتي رواها الخصيبي فِي الهداية الكبرى عن أبي طفيل يكون شخصا باسم مديح بن هارون بن سعد "عن أحمد بن الخصيب عن أبي المطّلِبِ جعفر بن محمّد بنِ المفضّل عن محمّد بنِ سِنانِ الزَّاهِرِي عن عبد اللّه بن عبد الرحمن الأصمّ عن مديح بن هارون بن سعد، قال: سمعت أبا الطفيل عامر بن واثلة يقولُ : سمعتُ أمير المؤمنين (عَلَيهِ السَّلَامُ)...." إلّا أنَّه لا يكون هذا الشخص فِي طريق الطبري إلى عامر بن واثلة وذاك السند يختلف مع هذا بتمامه. فالنتيجة: يمكن تقطيع السند فِي طريق الديملي بحيث قد أحذف عمَّار بن واثلة وتغير مديح بن هارون بن سعد إلى هارون بن سعيد مع إتحاد الخبرين فِي قسم أعظم منهما وإشتراك السندين فِي سائر رجالهما و مجهولية هارون بن سعيد و معروفية هارون بن سعد. واللّه تعالى أعلم بحقائق الأمور.
3 - عن أبي الجارود، عن أبي جعفر (عَلَيهِ السَّلَامُ)، قال: سألتُهُ، متى يقُومُ قائِكُم ؟
قال: يا أبا الجارود، لا تُدرِكُون. فقُلتُ: أهل زمانه
فقال: ولن تُدرك أهل زمانِهِ، يَقُومُ قائِمُنا بِالحَقِّ بعد إياس مِن الشّيعة، يدعُو النّاس ثلاثاً فلا يُجِيبُهُ أحد، فإذا كان اليومُ الرّابِعُ تعلّق بأستار الكعبة، فقال: يا ربّ، انصرني، ودعوته لا تسقُط، فيقُولُ تبارك وتعالى للملائِكَةِ الّذين نصرُوا رسُول اللّه (صَلَّى اللّه عَلَيْهِ وَآلِهِ) يوم بدر، ولم يحطُّوا
ص: 103
سُرُوجهم، ولم يضعُوا أسلحتهم فيُبايِعُونَهُ، ثمّ يُبايِعُهُ مِن النَّاسِ ثلاثمائة وثلاثة عشر رجلًا، يسير إلى المدينة، فيسِيرُ النَّاسُ حتّى يرضى اللّه (عزّوجلّ)، فيقتُلُ ألفاً وخمسمائةٍ قُرشِيّاً ليس فيهم إلّا فرخ زنية.
ثمّ يدخُلُ المسجد فينقُضُ الحائط حتّى يضعه إلى الأرضِ، ثمّ يُخرجُ الأزرق و زُريق غضّينِ طرِيّينِ، يُكَلِّمُهُما فيُجِيبانِهِ، فيرتابُ عِند ذلك المبطلون فيقُولُون : يُكلِّم الموتى ؟! فيقتُلُ مِنهُم خمسمائة مُرتاب فِي جوف المسجِدِ ثمّ يُحرِقُهُما بالحطبِ الّذي جمعاهُ لِيُحرِقابِهِ عَلِيّاً وفاطمة و الحسن والحُسين (عَلَيهِم السَّلَامُ)؛ وذلك الحطب عندنا نتوارثه، ويهدم قصر المدينة.
ويسير إلى الكوفة فيخرُجُ مِنها ستة عشر ألفاً من البتريّةِ، شاكين فِي السّلاحِ، قُرّاء القُرآنِ، فقهاء فِي الدين، قد قرحُوا جباههم و شمرُوا ثِيابهم وعمّهُم النِّفاقُ، وَكُلُّهُم يَقُولُون: يا ابن فاطمة إرجع لا حاجةَ لَنَا فِيك. فيضعُ السّيف فِيهِم على ظهرِ النّجفِ عشِيّة الإثنينِ مِن العصر إلى العِشاء، فيقتُلُهُم أسرع من جزر جزُورٍ، فلا يفُوتُ مِنهُم رجُلٌ، ولا يُصابُ مِن أصحابِهِ أَحدٌ دِماؤُهُم قُربانُ إِلى اللّه. ثمّ يدخُلُ الكوفة فيقتُلُ مُقاتليها حتّى يرضى اللّه عزّوجلّ.
قال: فلم أعقل المعنى، فكنتُ قليلًا، ثمّ قُلتُ وما يُدريه ؟ جُعِلتُ فِداك متى يرضى اللّه (عزّوجلّ).
قال: يا أبا الجارود، إن اللّه أوحى إلى أُمّ مُوسى، وهُو خيرٌ مِن أُمّ مُوسى، وأوحى اللّه إلى النّحل، و هُو خير مِن النّحل. فعقلتُ المذهب، فقال لي: أعقلت المذهب؟ قُلتُ: نعم.
فقال: إنّ القائم (عَلَيهِ السَّلَامُ) ليملكُ ثلاثمائة وتسع سنين، كما لبث أصحاب الكهف فِي كهفهم، يملأُ الأرض عدلا وقسطاً كما ملئت ظلما وجوراً و يفتحُ اللّه عليهِ شرق الأرضِ وغربها، يُقتل النّاسُ حتّى لا يُرى إلّا دين محمّد (صَلَّى اللّه عَلَيْهِ وَآلِهِ) يسيرُ بِسِيرة سليمان بن داود (عَلَيهِمَا السَّلَامُ)، يدعُو الشّمس والقمر فيُجِيبانِهِ، وتُطوى له الأرضُ، فيُوحِي اللّه إِليه فيعملُ بِأَمْرِ اللّه. (1)
4 - عنِ الصّادِقِ (عَلَيهِ السَّلَامُ) عن آبائه (عَلَيهِم السَّلَامُ) عن النّبيّ (صَلَّى اللّه عَلَيْهِ وَآلِهِ) قال: لما أُسري بي أوحى إليّ ربّي جلّ جلاله فقال: يا محمّد إنّي إطلعتُ إلى الأرض إطلاعاً فاخترتك منها فجعلتك نبيّاً وشققتُ
ص: 104
لك من إسمى إسماً فأنا المحمود وأنت محمّد ثمّ إطلعتُ الثانية فاخترتُ منها علي {عليّاً} و جعلته وصيك وخليفتك وزوج إبنتِك و أبا ذُرِّيّتك وشققت له إسماً مِن أسمائي فأنا العلى الأعلى وهُو على وجعلتُ فاطمة والحسن والحُسين من نُوركما ثمّ عرضتُ ولايتهم على الملائكة فمن قبلها كان عندي من المقربين يا محمّد لو أن عبداً عبدني حتّى ينقطع ويصير كالسن البالى ثمّ أتاني جاحداً لولايتهم أسكنته جنّتي ولا أظللته تحت عرشي يا محمّد أتحب أن تراهم ؟ قلتُ: نعم يا ربي فقال عزّ وجلّ: إرفع رأسك فرفعتُ رأسي فإذا أنا بأنوار علي وفاطمة والحسن و الحُسين و عليّ بن الحُسين و محمّد بنِ علي و جعفر بن محمّد و مُوسى بن جعفر و عليّ بن موسى و محمّد بن علي وعلي بن محمّد و الحسنِ بنِ علي والحجّةِ بنِ الحسن القائم فِي وسطهم كأنه كوكبٌ دُرِّيٌّ قُلْتُ يَا رَبِّ من هؤلاءِ قال هؤلاء الأتمه وهذا القائمُ الّذي يُحِلُّ حلالي ويُحرِّمُ حرامي و بِهِ أنتقم من أعدائي وهُو راحةٌ لأوليائي وهُو الّذي يشفي قُلُوب شِيعَتِكَ مِن الظَّالِمِين و الجاحِدِين و الكافِرِين فيُخرجُ اللّات والعُزَّى طريين فيُحرِقُهُما فلفِتنةُ النَّاسِ بِهِما يومَئِذٍ أَشدُّ من فتنة العجل و السّامِرِي (1).
5- عن بشير النبال عن أبي عبد اللّه (عَلَيهِ السَّلَامُ) قال: هل تدري أوّل ما يبدأُ بِهِ القائم (عَلَيهِ السَّلَامُ) قُلتُ لا قال يُخرجُ هذين رطبين غضّينِ فيُحرِقُهُما ويُذرِيهِما فِي الرّيحِ ويكسر المسجِد ثمّ قال إِنّ رسُول اللّه (صَلَّى اللّه عَلَيْهِ وَآلِهِ) قال عريش كعرِيش مُوسى (عَلَيهِ السَّلَامُ) و ذكر أنّ مُقدّم مسجِدِ رسُول اللّه (صَلَّى اللّه عَلَيْهِ وَآلِهِ) كان طيناً وجانبه جريد النخل. (2)
6- عن أبي عبدِ اللّه (عَلَيهِ السَّلَامُ) قال: إذا قَدِم القائم (عَلَيهِ السَّلَامُ) وثب أن يكسر الحائط الّذي على القبرِ فيبعث اللّه تعالى ريحاً شديدةً وصواعق و رُعُوداً حتّى يقُول النَّاسُ إِنَّما ذَا لِذا فيتفرّقُ أصحابُهُ عنه حتّى لا يبقى معه أحدٌ فياخُذُ المعول بِيدِهِ فيكُونُ أوّل من يضرِبُ بِالمِعول ثمّ يَرجِعُ إِليهِ أصحابه إذا رأوه يضرِبُ المعول بِيدِهِ فيكُونُ ذلِك اليوم فضل بعضهم على بعض بقدرِ سبقهم
ص: 105
إليهِ فيهدِمُون الحائِط ثمّ يُخرِجُهُما غَضّينِ رطبين فيلعنُهُما ويتبرأُ مِنهُما ويصلِبُهُما ثمّ يُنزِلهُما ويُحرِقُهُما ثمّ يُذرِيهِما فِي الرّيح. (1)
7 - عن عبد العظيم الحسني قال قُلتُ لِمحمّد بنِ عليّ بن موسى (عَلَيهِمَا السَّلَامُ) إِنِّي لأرجو أن تكون القائم مِن أهل بيتِ محمّد الّذي يملأُ الأرض قسطاً وعدلا كما ملئت ظلما وجوراً فقال (عَلَيهِ السَّلَامُ) يا أبا القاسِمِ ما مِنَّا إِلَّا قائم بِأَمْرِ اللّه عزّ و جلّ وهادٍ إِلى دِينِهِ وَلَكِنْ القَائِمِ الّذي يُطَهِّرُ اللّه بِهِ الأرض مِن أهلِ الكُفْرِ و الجُحُودِ ويملأها عدلًا وقسطاً هُو الّذي يخفى على النَّاسِ وِلادتُهُ ويَغِيبُ عنهم شخصُهُ ويحرُمُ عليهم تسميتُهُ وهُو سَمِيُّ رسُول اللّه وكنتُهُ وهُو الّذي تُطوى لهُ الأَرضُ و يذِلُّ لَهُ كلّ صعب يجتمع إليه أصحابُهُ عِدّة أهل بدر ثلاثمائة وثلاثة عشر رجلًا مِن أقاصي الأرضِ وذلك قول اللّه عزّ و جلّ (أَيْنَ مَا تَكُونُوا يَأْتِ بِكُمُ اللَّهُ جَمِيعًا إِنَّ اللَّهَ عَلَى كُلِّ شَيْءٍ قَدِيرٌ) (2) فإذا اجتمعت له هذهِ العِدَّةُ مِن أهل الإخلاص أظهر أمره فإذا أُكمِل له العقدُ وهُو عشرة آلَافِ رَجُلٍ بِإِذْنِ اللّه عزّ و جلّ فلا يزال يقتُلُ أعداء اللّه حتّى يرضى اللّه عزّ و جلّ قال عبد العظيم فقُلتُ لهُ يا سيّدي وكيف يعلمُ أنّ اللّه قد رضي قال يُلقي فِي قلبه الرحمة فإذا دخل المدينة أخرج اللات والعُزّى فأحرقهما. (3)
8 - عن أبي عبد اللّه الجدلي قال: دخلتُ على عليّ (عَلَيهِ السَّلَامُ) فقال أُحدثك بسبعة أحادِيث إِلّا أن يدخُل علينا داخل قال قُلتُ افعل جُعِلتُ فِداك قال أتعرِفُ أنف المهدِي وعينه قال قُلتُ أنت يا أمير المؤمِنِين قال وحاجبا الضّلالةِ تبدو مخازِيهِما فِي آخِرِ الزّمانِ قال قُلتُ أَظُنُّ واللّه يا أَمِير المؤمِنِين أنهما فُلانٌ وفُلانٌ فقال الدابةُ وما الدابةُ عِدها وصدقُها و موقِعُ بعثها واللّه مُهلِكٌ من ظلمها و ذكر الحديث. (4)
ص: 106
9 - فِي حديث طويل عن الصادق (عَلَيهِ السَّلَامُ)...إلى أن قال: قال المفضّل يا سيّدي ثمّ يَسِيرُ المهدي إلى أين قال (عَلَيهِ السَّلَامُ) إلى مدينة جدّي رسُول اللّه (صَلَّى اللّه عَلَيْهِ وَآلِهِ) فإذا وردها كان له فيها مقام عجيب يظهرُ فِيهِ سُرُورُ المؤمِنِين وخزي الكافِرِين قال المفضّلُ يا سيّدي ما هُو ذاك قال يرد إلى قبرِجدِهِ (صَلَّى اللّه عَلَيْهِ وَآلِهِ) فيقُولُ یا معاشر الخلائِقِ هذا قبر جدّي رسُول اللّه (صَلَّى اللّه عَلَيْهِ وَآلِهِ) فيقُولُون نَعم يا مهدِيّ آلِ محمّد فيقُولُ ومن معه فِي القبر فيقُولُون صاحباه وضجيعاه أبوبكر و عُمرُ فيقُولُ وهُو أعلمُ بهما والخلائِقُ كُلُّهُم جميعاً يسمعُون من أبوبكر و عُمرُو كيف دُفنا من بين الخلق مع جدّي رسُول اللّه (صَلَّى اللّه عَلَيْهِ وَآلِهِ) وعسى المدفُونُ غيرهما فيقُولُ النّاسُ يا مهدي آل محمّد (صَلَّى اللّه عَلَيْهِ وَآلِهِ) ما هاهنا غيرُهُما إِنَّهُما دُفِنا معه لأنهما خليفتا رسُول اللّه (صَلَّى اللّه عَلَيْهِ وَآلِهِ) و أبوا زوجتيه فيقُولُ لِلخلقِ بعد ثلاث أخرِجُوهُما مِن قبريهما فيُخرجانِ غضّينِ طرِيّين لم يتغيّر خلقُهُما ولم يشحُب لونهما فيقُولُ هل فِيكُم من يعرِفُهُما فيقُولُون نعرِفُهُما بِالصّفةِ وليس ضجيعا جدّك غيرهما فيقُولُ هل فِيكُم أحدٌ يَقُولُ غير هذا أو يشك فيهما فيقُولُون لا فيُؤخِّرُ إخراجهما ثلاثة أيامٍ ثمّ ينتشر الخبر فِي النّاسِ ويحضُرُ المهدِيُّ ويكشِفُ الجُدران عنِ القَبرينِ ويَقُولُ لِلنُّقباءِ ابحثوا عنهما وانبُشُوهُما فيبحثون بِأيدِيهِم حتّى يصلون إليهما فيُخرجانِ غضّينِ طَرِيَّين كصُورتِهما فيكشِفُ عنهما أكفانهما و يأمر برفعهما على دوحةٍ يابسةٍ نخرةٍ فيصلبُهما عليها فتحيا الشّجرةُ وتُورِقُ ويطولُ فرعُها فيقُولُ المرتابون من أهلِ ولايتهما هذا واللّه الشّرفُ حقّاً ولقد فزنا بمحبّتِهما وولايتهما و يُخبرُ من أخفى نفسهُ ممّن فِي نفسِهِ مِقياس حبّةٍ مِن محبّتِهما و ولايتهما فيحضُرُونهما ويرونهما ويُفتنون بهما ويُنادِي مُنادِي المهدي (عَلَيهِ السَّلَامُ) كلّ من أحبّ صاحِبي رسُول اللّه (صَلَّى اللّه عَلَيْهِ وَآلِهِ) و ضجيعيه فلينفرد جانباً فتتجزأُ الخلق جُزءين أحدهما موالٍ والآخرُ مُتبرِّئُ مِنهُما فيعرِضُ المهدي (عَلَيهِ السَّلَامُ) على أوليائهما البراءة مِنهُما فيقُولُون يا مهدِيّ آلِ رسُول اللّه (صَلَّى اللّه عَلَيْهِ وَآلِهِ) نحن لم نتبرأ منهما ولسنا نعلم أنّ لهُما عِند اللّه وعِندك هذِهِ المنزلة وهذا الّذي بدا لنا من فضلهما أ نتبرّأُ الساعة منهما وقد رأينا منهما ما رأينا فِي هذا الوقتِ مِن نضارتهما و غضاضتهما وحياة الشّجرة بهما بل و اللّه نتبرأُ منك ويمن آمن بك ومن لا يُؤْمِنُ بِهما و من صلبهما وأخرجهما و فعل بهما ما فعل فيامر المهدي (عَلَيهِ السَّلَامُ) ريحاً سوداء فتهب عليهم فتجعلُهُم كأعجاز نخل خاوِيةٍ ثمّ يأمر بإنزالهما فيُنزلان إليه فيُحييهما بِإِذنِ اللّه تعالى ويأمُرُ الخَلائِقِ بِالاجْتِمَاعِ ثمّ يَقُصُّ عليهم قصص فِعالِهِما فِي كلّ كُورٍ ودُورٍ حتّى
ص: 107
يقص عليهم قتل هابيل بن آدم (عَلَيهِ السَّلَامُ) و جمع النّار لإبراهيم (عَلَيهِ السَّلَامُ) و طرح يُوسُف (عَلَيهِ السَّلَامُ) فِي الجُب وحبس يُونس (عَلَيهِ السَّلَامُ) فِي الحوتِ وقتل يحيى (عَلَيهِ السَّلَامُ) و صلب عیسی (عَلَيهِ السَّلَامُ) و عذاب جرجیس و دانیال (عَلَيهِ السَّلَامُ) و ضرب سلمان الفارسي و إشعال النّار على بابِ أَمِيرِ المؤمِنين وفاطمة والحسن والحُسين (عَلَيهِمَا السَّلَامُ) لإحراقهم بها وضرب يدِ الصِّديقة الكُبرى فاطِمة بالسوط و رفس بطنها وإسقاطها محسناً وسم الحسن (عَلَيهِ السَّلَامُ) وقتل الحُسين (عَلَيهِ السَّلَامُ) و ذبح أطفالِهِ و بَنِي عمّهِ وأنصاره وسبي ذراري رسُول اللّه (صَلَّى اللّه عَلَيْهِ وَآلِهِ) وإراقة دماء آل محمّد (صَلَّى اللّه عَلَيْهِ وَآلِهِ) و كلّ دم سفك وكُلّ فرج نُكح حراماً و كلّ رين و خُبث و فاحِشَةٍ و إِثْمٍ وظُلم و جورٍ وغشمٍ مُنذُ عهدِ آدم (عَلَيهِ السَّلَامُ) إلى وقتِ قِيامِ قائمنا (عَلَيهِ السَّلَامُ) كلّ ذلِكَ يُعدّدُهُ (عَلَيهِ السَّلَامُ) عليهما ويُلزِمُهُما إِيَّاهُ فيعترِفانِ بِهِ ثمّ يَأْمُرُ بِهِما فيُقتصُّ مِنهُما فِي ذلك الوقتِ بِمظالم من حضرتُم يصلبهما على الشجرة ويأمرُ ناراً تخرج من الأرض فتحرقهما والشَّجَرَة ثمّ يَأمُرُريحاً فتنسِفُهُما فِي اليم نسفاً قال المفضّل يا سيّدي ذلِك آخِرُ عذابِهِما قال هيهات يا مُفضّلُ واللّه ليُردّن وليحضُرنّ السّيّد الأكبرُ محمّد رسُول اللّه (صَلَّى اللّه عَلَيْهِ وَآلِهِ) و الصِّدِّيقُ الأكبرُ أَمِيرُ المؤمِنِين و فاطمة والحسن والحُسين والأئمّة (عَلَيهِم السَّلَامُ) وكُلُّ من محض الإيمان محضاً أو محض الكفر محضاً وليقتصّنَ مِنهُما لِجميعِهِم حتّى إِنّهُما ليُقتلانِ فِي كلّ يومٍ وليلة ألف قتلةٍ ويُردّانِ إلى ما شاء ربُّهما....ثمّ يخرُجُ الصِّدِّيقُ الأكبرُ أَمِيرُ المؤمِنِين عليّ بن أبِي طالِب (عَلَيهِ السَّلَامُ) ويُنصبُ لَهُ القُبّةُ بِالنّجفِ ويُقامُ أركانها رُكن بِالنّجفِ ورُكن بهجر و رُكن بصنعاء و رُكن بِأرض طيبة لكأنّي أنظُرُ إلى مصابِيحِهِ تُشْرِقُ فِي السّماء والأرضِ كأضواء مِن الشَّمس و القمر فعندها (تبلى السرائر) (1) و (تذهلُ كلّ مُرضِعةٍ عمّا أرضعت) (2) إلى آخِرِ الآيَةِ ثمّ يخرُجُ السّيِّدُ الأكبرُ محمّد رسُول اللّه (صَلَّى اللّه عَلَيْهِ وَآلِهِ) فِي أنصاره والمهاجرين و من آمن به و صدّقه واستشهد معه ويحضُرُ مُكَذِّبُوهُ و الشّاكُون فِيهِ والرَادُّون عليهِ والقائِلُون فِيهِ إِنَّهُ ساحِرُو كاهِنُ و مجنون وناطق عن الهوى و من حاربه وقاتله حتّى يقتصّ مِنهُم بِالحقِّ ويُجازون بِأفعالِهِم مُنذُ وقت ظهر رسُول اللّه (صَلَّى اللّه عَلَيْهِ وَآلِهِ) إلى ظُهُورِ المهدِي مع إمام إمام و وقت وقت و يحق تأوِيلُ هذِهِ الْآيَةِ (وَنُرِيدُ أَنْ نَمُنَّ عَلَى الَّذِينَ
ص: 108
اسْتُضْعِفُوا فِي الْأَرْضِ وَنَجْعَلَهُمْ أَئِمَّةً وَنَجْعَلَهُمُ الْوَارِثِينَ * وَنُمَكِّنَ لَهُمْ فِي الْأَرْضِ وَنُرِيَ فِرْعَوْنَ وَهَامَانَ وَجُنُودَهُمَا مِنْهُمْ مَا كَانُوا يَحْذَرُونَ) (1) قال المفضّل يا سيّدي و من فرعون وهامان قال أبوبكر و عُمر قال المفضّلُ قُلتُ يا سيّدي ورَسُولُ اللّه وأمير المؤمنين (صَلَّى اللّه عَلَيْهِ وَآلِهِ) يكونان معهُ فقال لابد أن يطئا الأرض إي واللّه حتّى ما وراء الخافِ إي واللّه وما فِي الظُّلُماتِ وما فِي قعرِ البِحارِ حتّى لا يبق موضِعُ قدم إِلّا وطئا وأقاما فِيهِ الدِّين الواجب للّه تعالى ثمّ لكأنِّي أَنظُرُيا مُفضّل إلينا معاشر الأمة بين يدي رسُول اللّه (صَلَّى اللّه عَلَيْهِ وَآلِهِ) نشكو إليهِ ما نزل بنا مِن الأُمّة بعده و ما نالنا من التكذيب والرّدّ علينا وسبينا ولعننا وتخويفنا بالقتل و قصدِ طواغيتهم الولاة لأُمُورِهِم مِن مِن دُونِ الأُمّة بترحيلنا عنِ الحُرمةِ إلى دارِ مُلكِهم وقتلهم إيانا بالسم والحبس فيبكي رسُول اللّه (صَلَّى اللّه عَلَيْهِ وَآلِهِ) و يقُولُ يا بَنِي ما نزل بِكُم إِلّا ما نزل بِجِدِكُم قبلكُم ثمّ تبتدِيُّ فاطِمةُ (عَلَيهَا السَّلَامُ) وتشكوما نالها من أبي بكر و عمر و أخذ فدك منها ومشيها إليه فِي مجمع من المهاجرين و الأنصار و خطابها له فِي أمر فدك و ما ردّ عليها من قوله إنّ الأنبياء لا تُورث و احتجاجها بقولِ زكريا و يحيى (عَلَيهِ السَّلَامُ) وقصة داود وسليمان (عَلَيهِ السَّلَامُ) و قولِ عُمرهاتي صحيفتكِ الّتي ذكرت أن أباكِ كتبها لكِ وإخراجها الصحيفة و أخذه إياها منها و نشره لها على رُءُوسِ الأشهادِ مِن قُريش والمهاجرين والأنصار وسائر العرب وتفلِهِ فِيها وتمزيقه إياها وبُكائِها و رُجُوعِها إلى قبر أبيها رسُول اللّه (صَلَّى اللّه عَلَيْهِ وَآلِهِ) باكِيةً حزينةً تمشي على الرمضاء قد أقلقتها واستغاثتها باللّه وبأبيها رسُول اللّه (صَلَّى اللّه عَلَيْهِ وَآلِهِ) و تمثُّلها بقول رقيقة بنتِ صيفي
قد كان بعدك أنباء وهنبثة *** لوكُنت شاهدها لم يكبر الخطب
إِنّا فقدناك فقد الأرض وابلها *** واختل أهلك فاشهدهُم فقد لعبوا
أبدت رِجالٌ لنا فحوى صُدُورِهِم *** لما نأيت و حالت دونك الحُجُبُ
لِكُلّ قوم لهم قرب و منزلة *** عند الإله على الأدنين مُقترب
یالیت قبلك كان الموت حل بنا *** أملوا أَناسٌ فازُوا بِالّذي طلبوا
ص: 109
وتقُصُّ عليه قصة أبي بكر و إنفاذِهِ خالد بن الوليد و قُنفذاً و عُمر بن الخطّابِ وجمعِهِ النّاس لإخراج أمير المؤمنين (عَلَيهِ السَّلَامُ) من بيته إلى البيعة فِي سقيفة بَنِي ساعدة واشتغال أمير المؤمنين (عَلَيهِ السَّلَامُ) بعد وفاة رسُول اللّه (صَلَّى اللّه عَلَيْهِ وَآلِهِ) بضمّ أزواجه و قبره و تعزيتهم وجمع القُرآنِ وقضاء دينِهِ و إِنجاز عِداتِهِ وهِي ثمانون ألف درهم باع فيها تليده و طارفه و قضاها عن رسُول اللّه (صَلَّى اللّه عَلَيْهِ وَآلِهِ) و قول عُمر اخرج يا علي إلى ما أجمع عليهِ المسلِمُون و إِلّا قتلناك و قولِ فِضّة جارية فاطمة إنّ أمير المؤمِنين (عَلَيهِ السَّلَامُ) مشغول والحقُّ لهُ إِن أنصفتُم مِن أنفُسِكُم وأنصفتُمُوهُ و جمعِهِمُ الجزل و الحطب على الباب لإحراق بيت أمير المؤمنين وفاطمة والحسن والحُسين وزينب وأُمّ كُلثوم و فضة وإضرامِهِمُ النّار على الباب وخُرُوحِ فاطمة إليهم وخِطابها لهم من وراء الباب و قولها ويحك يا عُمرُ ما هذِهِ الجُرأة على اللّه وعلى رسُولِهِ تُرِيدُ أن تقطع نسله مِن الدُّنيا وتُفنِيهُ وتُطف نُور اللّه (واللّه مُتِمُّ نُورِهِ) (1) و انتهاره ها و قولِهِ كُنّي يا فاطمه فليس محمّد حاضراً و لا الملائكة آتيةً بالأمر والنهي والزجرِ مِن عِندِ اللّه وما عليُّ إِلَّا كأحد المسلمين فاختارِي إِن شِئتِ خُرُوجهُ لبيعة أبي بكرٍ أو إحراقكُم جميعاً فقالت وهي باكِيةٌ اللّهمّ إِليك نشكُو فقد نبيّك ورسولك و صفتك وارتداد أمّتِهِ علينا ومنعهم إيانا حقّنا الّذي جعلته لنا فِي كتابك المنزل على نبيّك المرسل فقال لها عُمرُ دعِي عنكِ يا فاطِمةُ حُمُقاتِ النِّساء فلم يكُنِ اللّه لِيجمع لَكُمُ النُّبُوّة و الخلافة وأخذتِ النّار فِي خشبِ البابِ و إدخالِ قُنفذ يده لعنه اللّه يرُومُ فتح البابِ و ضربِ عُمر لها بالسوط على عضُدِها حتّى صار كالدُّملُج الأسود وركل الباب برجله حتّى أصاب بطنها وهي حاملة بالمحسنِ لِسِتَّةِ أَشْهُرٍ و إسقاطها إِيَّاهُ وهُجُومِ عُمر و قُنفذ وخالد بن الوليد و صفقه خدّها حتّى بدا قُرطاها تحت خمارها و هي تجهرُ بِالبُكاءِ وتَقُولُ وا أبتاه وا رسُول اللّه ابنتك فاطِمةُ تُكذِّبُ وتُضربُ ويُقتل جنين فِي بطنها وخُرُوجِ أمير المؤمنين (عَلَيهِ السَّلَامُ) من داخل الدّارِ محمّر العين حاسِراً حتّى ألقی مُلاءته عليها وضمّها إلى صدره وقوله لها يا بنت رسُول اللّه قد علمتي أن أباكِ بعثه اللّه رحمة للعالمين فاللّه اللّه أن تكشفي خمارك وترفعي ناصيتكِ
ص: 110
فواللّه يا فاطمة لين فعلت ذلك لا أبقى اللّه على الأرض من يشهد أن محمّداً رسُول اللّه ولا مُوسى ولا عيسى ولا إبراهيم ولا نوح [نُوحاً] ولا آدم و لا دابةً تمشي على الأرضِ ولا طائراً فِي السّماء إِلَّا أهلكه اللّه ثمّ قال يا ابن الخطاب لك الويل من يومك هذا و ما بعده وما يليه اخرج قبل أن أشهر سيفي فأُفنِي غابر الأُمّة فخرج عُمرو خالد بن الوليد و قنفذ وعبد الرحمن بن أبي بكرٍ فصاروا من خارج الدار وصاح أمير المؤمِنِين بِفِضّة يا فِضَّةُ مولاتكِ فاقبلي منها ما تقبلُهُ النِّساء فقد جاءها المخاضُ مِن الرّفسة وردّ البابِ فأسقطت مُحسناً فقال أمير المؤمنين (عَلَيهِ السَّلَامُ) فإِنَّهُ لاحِقٌ بِجدِهِ رسُول اللّه (صَلَّى اللّه عَلَيْهِ وَآلِهِ) فيشكُو إِليه و حملِ أَمِيرِ المؤمِنِين لها فِي سوادِ اللّيل و الحسن والحُسين و زينب و أم كلثوم إلى دور المهاجرين والأنصارِ يُذكِّرُهُم بِاللّه ورسولِهِ و عهدِهِ الّذي بايعوا اللّه ورسوله وبايعُوهُ عليهِ فِي أربعةِ مواطن فِي حياة رسُول اللّه (صَلَّى اللّه عَلَيْهِ وَآلِهِ) و تسليمهم عليهِ بِإمرة المؤمِنِين فِي جميعها فكُلّ يعِدُهُ بِالنّصر فِي يومه المقبل فإذا أصبح قعد جمِيعُهُم عنهُ ثمّ يشكُو إِليهِ أمِيرُ المؤمِنين (عَلَيهِ السَّلَامُ) المحن العظيمة الّتي امتحن بها بعده و قوله لقد كانت قصتي مثل قصة هارون مع بَنِي إسرائيل و قولي كقوله لموسى (يا ابْنَ أُمَّ إِنَّ الْقَوْمَ اسْتَضْعَفُونِي وَكَادُوا يَقْتُلُونَنِي فَلَا تُشْمِتْ بِيَ الْأَعْدَاءَ وَلَا تَجْعَلْنِي مَعَ الْقَوْمِ الظَّالِمِينَ) (1) فصبرتُ مُحتسِباً وسلمتُ راضياً و كانتِ الحُجّةُ عليهم فِي خِلافي ونقضهم عهدِي الّذي عاهدتهم عليهِ يا رسُول اللّه و احتملت يا رسُول اللّه ما لم يحتمل وصيّ نبيّ مِن سائر الأوصياء مِن سَائِرِ الأُمم حتّى قتلُونِي بِضربة عبدِ الرحمنِ بنِ مُلجم و كان اللّه الرقيب عليهم فِي نقضهم بيعتي وخُرُوجِ طلحة والزُّبير بعائشة إلى مكّة يُظهِرانِ الحجّ والعُمرة و سيرهم بها إلى البصرة وخُرُوجِي إليهم و تذكيري لهم اللّه و إياك و ما جئت بِهِ يا رسُول اللّه فلم يرجعا حتّى نصرني اللّه عليهما حتّى أُهرقت دِماءُ عِشرين ألف [ألفاً] مِن المسلمين وقطعت سبعون كفاً على زمام الجمل فما لقِيتُ في غزواتك يا رسُول اللّه و بعدك أصعب يوماً مِنهُ أبداً لقد كان مِن أصعبِ الحُرُوبِ الّتي لَقِيتُها و أهولها وأعظمها فصبرتُ كما
ص: 111
أدّبنِي اللّه بِما أَدبك بِهِ يا رسُول اللّه فِي قوله عزّوجلّ (فَاصْبِرْ كَمَا صَبَرَ أُولُو الْعَزْمِ مِنَ الرُّسُلِ) (1) وقوله (وَاصْبِرْ وَمَا صَبْرُكَ إِلَّا بِاللَّهِ) (2) و حقّ واللّه يا رسُول اللّه تأْوِيلُ الآيَةِ الّتي أنزلها اللّه فِي الأُمّة مِن بعدِك فِي قولِهِ (وَمَا مُحَمَّدٌ إِلَّا رَسُولٌ قَدْ خَلَتْ مِنْ قَبْلِهِ الرُّسُلُ أَفَإِنْ مَاتَ أَوْ قُتِلَ انْقَلَبْتُمْ عَلَى أَعْقَابِكُمْ وَمَنْ يَنْقَلِبْ عَلَى عَقِبَيْهِ فَلَنْ يَضُرَّ اللَّهَ شَيْئًا وَسَيَجْزِي اللَّهُ الشَّاكِرِينَ﴾ (3) يا مُفضّل ويقُومُ الحسن (عَلَيهِ السَّلَامُ) إلى جدّه (صَلَّى اللّه عَلَيْهِ وَآلِهِ) فيقُولُ يا جدّاه كُنتُ مع أمير المؤمنين فِي دار هجرته بالكوفة حتّى استشهد بضربة عبد الرّحمن بن ملجم لعنه اللّه فوصاني بما وصيّته يا جدّاه وبلغ الّلعين مُعاوية قتل أبي فأنفذ الدّعِي اللّعين زياداً إلى الكُوفَةِ فِي مِائَةِ ألفٍ وخمسين ألف مُقاتِل فأمر بالقبض عليّ وعلى أخِي الحُسين وسائر إخواني وأهل بيتي وشيعتنا وموالينا و أن يأخُذ علينا البيعة لمعاوية فمن يأبى مِنّا ضرب عُنقه وسيّر إلى مُعاوِية رأسه فَلَمّا علِمتُ ذلِك مِن فِعل مُعاوِية خرجتُ مِن دارِي فدخلتُ جامع الكوفة لِلصّلاة ورقأتُ المنبر و اجتمع النّاسُ فحمدت اللّه وأثنيتُ عليهِ وقُلتُ معشر النّاسِ عفتِ الدّيارُو مُحِيتِ الآثارُ و قلّ الاصطبارُ فلا قرار على همزات الشّياطين وحُكمِ الخائنين السّاعة و اللّه صحتِ البراهِينُ و فُصِّلَتِ الآياتُ وبانتِ المشكِلاتُ ولقد كُنا نتوقّع تمام هذِهِ الآيَةِ تأويلها قال اللّه عزّو جلّ (وَمَا مُحَمَّدٌ إِلَّا رَسُولٌ قَدْ خَلَتْ مِنْ قَبْلِهِ الرُّسُلُ أَفَإِنْ مَاتَ أَوْ قُتِلَ انْقَلَبْتُمْ عَلَى أَعْقَابِكُمْ وَمَنْ يَنْقَلِبْ عَلَى عَقِبَيْهِ فَلَنْ يَضُرَّ اللَّهَ شَيْئًا وَسَيَجْزِي اللَّهُ الشَّاكِرِينَ) (4) فلقد مات و اللّه جدّي رسُول اللّه (صَلَّى اللّه عَلَيْهِ وَآلِهِ) و قتل أبي (عَلَيهِ السَّلَامُ) وصاح الوسواس الخنّاسُ فِي قُلُوبِ النَّاسِ و نعق ناعِقُ الفِتنة وخالفتُمُ السُّنّة فيا لها من فتنةٍ صمّاء عمياء لا يُسمعُ لِداعِيها ولا يُجاب مُنادِيها ولا يُخالف واليها ظهرت كلمةُ النِّفاقِ وسُيّرت راياتُ أهلِ الشَّقاقِ وتكالبت جُيُوشُ أهل المراقِ مِن الشّامِ والعِراقِ هلموا رحمكُمُ اللّه إلى الإفتتاح و النُّورِ الوضّاح و العِلم الجحجاح و النُّورِ الّذي لا يُطفى والحقِّ الّذي لا
ص: 112
يخفى أيّها النّاسُ تيقظوا من رقدة الغفلة و من تكاثُف الظّلمةِ فوالّذي فلق الحبّة وبرأ النسمة وتردّى بالعظمة لئِن قام إِليَّ مِنكُم عُصبةٌ بِقُلُوبِ صافيةٍ ونِياتٍ مُخلِصةٍ لا يَكُونُ فِيها شوبُ نِفاقٍ ولا نِيَّةُ افتراق لأجاهدنَ بِالسّيفِ قُدماً قُدماً ولأضيقنّ مِن السُّيُوفِ جوانبها و من الرماح أطرافها و مِن الخيل سنابكها فتكلّمُوا رحمكُمُ اللّه فكأنما أُلحِمُوا بِلِجامِ الصّمتِ عن إجابةِ الدّعوة إِلَّا عِشرُون رَجُلًا فَإِنَّهُم قَامُوا إِلَيَّ فقالوا يا ابن رسُول اللّه ما نملِكُ إِلَّا أَنفُسنا وسُيُوفنا فها نحنُ بين يديك لأمرك طائِعُون وعن رأيك صادِرُون فمرنا بما شئت فنظرتُ يمنةً ويسرةً فلم أر أحداً غيرهم فقُلتُ لِي أُسوةٌ بِجَدِي رسُول اللّه حِين عبد اللّه سِرّاً وهُو يومئِذٍ فِي تسعة وثلاثين رجُلًا فَلَمّا أكمل اللّه له الأربعين صار فِي عِدّةٍ وأظهر أمر اللّه فلو كان معي عدتهم جاهدتُ فِي اللّه حقّ جهادِهِ ثمّ رفعتُ رأسي نحو السّماء فقُلتُ اللّهمّ إنّي قد دعوتُ وأنذرتُ وأمرتُ ونهيت وكانوا عن إجابةِ الدّاعِي غافلين و عن نصرته قاعِدِين و عن طاعتِهِ مُقصِّرِين ولأعدائِهِ ناصِرِين اللّهمّ فأنزل عليهم رجزك وبأسك و عذابك الّذي لا يُردُّ عنِ القوم الظالمين ونزلتُ ثمّ خرجتُ مِن الكُوفَةِ راحِلًا إلى المدينة فجاءُونِي يقُولُون إنّ مُعاوِية أسرى سراياه إلى الأنبارِ والكُوفَةِ و شنّ غاراته على المسلمين وقتل من لم يُقاتِله وقتل النِّساء والأطفال فأعلمتهم أنَّه لا وفاء لهم فأنفذتُ معهم رِجالًا و جُيُوشاً و عرفتُهُم أنَّهم يستجِيبُون لِلمُعاوية وينقُضُون عهدِي وبيعتي فلم يكُن إِلَّا ما قُلتُ لهم وأخبرتهم ثمّ يقوم الحُسين (عَلَيهِ السَّلَامُ) مُخضّباً بِدمِهِ هُو و جميعُ من قُتِل معه فإذا رآه رسُول اللّه (صَلَّى اللّه عَلَيْهِ وَآلِهِ) بكى وبكى أهل السّماواتِ والأرضِ لِبُكائِهِ وتصرُخُ فاطِمةُ (عَلَيهَا السَّلَامُ) فتُزلزل الأرضُ ومن عليها و يقفُ أَمِيرُ المؤمِنِين والحسن (عَلَيهِ السَّلَامُ) عن يمينه و فاطمة عن شِمالِهِ ويُقبِلُ الحُسين (عَلَيهِ السَّلَامُ) فيضُمُّهُ رسُول اللّه (صَلَّى اللّه عَلَيْهِ وَآلِهِ) إلى صدره و يقُولُ يا حُسين فديتك قرت عيناك وعيناي فيك و عن يمينِ الحُسين حمزة أسدُ اللّه فِي أَرضِهِ و عن شِمالِهِ جعفر بن أبِي طالِب الطيارو يأتي محسن تحمله خديجة بنت خويلد وفاطِمةُ بنتُ أسدٍ أُمُّ أمير المؤمنين (عَلَيهِ السَّلَامُ) وهُنَّ صارخاتٌ وأُمُّهُ فاطِمةُ تَقُولُ (هذا يومُكُمُ الّذي كُنتُم تُوعَدُون) (1)
ص: 113
(يَوْمَ تَجِدُ كُلُّ نَفْسٍ مَا عَمِلَتْ مِنْ خَيْرٍ مُحْضَرًا وَمَا عَمِلَتْ مِنْ سُوءٍ تَوَدُّ لَوْ أَنَّ بَيْنَهَا وَبَيْنَهُ أَمَدًا بَعِيدًا) (1) قال فبكى الصّادِقُ (عَلَيهِ السَّلَامُ) حتّى اخضلّت لِحِيتُهُ بِالدُّمُوعِ ثمّ قال لا قرّت عين لا تبكي عند هذا الذِكرِ قال وبكى المفضّلُ بُكاءً طويلًا ثمّ قال يا مولاي ما فِي الدُّمُوعِ يا مولاي فقال ما لا يُحصى إذا كان مِن مُحِقِّ ثمّ قال المفضّلُ يا مولاي ما تقُولُ فِي قوله تعالى (و إذا الموؤدةُ سُئِلت بِأي ذنبٍ قُتِلت) (2) قال يا مُفضّل و الموؤدة و اللّه محسن لأنهُ مِنا لا غيرُ فمن قال غير هذا فكذِبُوهُ قال المفضَّلُ يا مولاي ثمّ ما ذا قال الصّادِقُ (عَلَيهِ السَّلَامُ) تقُومُ فاطِمةُ بِنتُ رسُول اللّه (صَلَّى اللّه عَلَيْهِ وَآلِهِ) فتقُولُ اللّهمّ أنجز وعدك و موعدك لي فيمن ظلمني وغصبني وضربني و جزعني بِكُل أولادي فتبكيها ملائكة السماوات السبع و حملة العرش وسُكّان الهواء ومن فِي الدُّنيا و من تحت أطباق الثرى صالحين صارخين إلى اللّه تعالى فلا يبقى أحد ممّن قاتلنا وظلمنا ورضي بما جرى علينا إِلَّا قُتِل فِي ذلك اليوم ألف قتلة دُون من قُتِل فِي سَبِيلِ اللّه فَإِنَّهُ لا يذُوقُ الموت وهُو كما قال اللّه عزّوجلّ (وَلَا تَحْسَبَنَّ الَّذِينَ قُتِلُوا فِي سَبِيلِ اللَّهِ أَمْوَاتًا بَلْ أَحْيَاءٌ عِنْدَ رَبِّهِمْ يُرْزَقُونَ * فَرِحِينَ بِمَا آتَاهُمُ اللَّهُ مِنْ فَضْلِهِ وَيَسْتَبْشِرُونَ بِالَّذِينَ لَمْ يَلْحَقُوا بِهِمْ مِنْ خَلْفِهِمْ أَلَّا خَوْفٌ عَلَيْهِمْ وَلَا هُمْ يَحْزَنُونَ).....(3) و قال الصّادِقُ (عَلَيهِ السَّلَامُ) يا مُفضّل لو تدبّر القُرآن شيعتنا لما شكُوا فِي فضلنا أما سمعوا قوله عزّوجلّ (وَنُرِيدُ أَنْ نَمُنَّ عَلَى الَّذِينَ اسْتُضْعِفُوا فِي الْأَرْضِ وَنَجْعَلَهُمْ أَئِمَّةً وَنَجْعَلَهُمُ الْوَارِثِينَ * وَنُمَكِّنَ لَهُمْ فِي الْأَرْضِ وَنُرِيَ فِرْعَوْنَ وَهَامَانَ وَجُنُودَهُمَا مِنْهُمْ مَا كَانُوا يَحْذَرُونَ) (4) واللّه يا مُفضّلُ إِنَّ تَنزِيلَ هَذِهِ الْآيَةِ فِي بَنِي إسرائيل و تأويلها فينا و إن فرعون وهامان تيم و عدِيٌّ. (5)
10 - روى أبوجعفر الطبري الشيعي بسنده المتصل عن عليّ بن إبراهيم بن مهزيار الأهوازي أنَّه قال: خرجتُ فِي بعض السنين حاجاً إذ دخلتُ المدينة وأقمتُ بِها أياماً، أسألُ وأستبحث عن
ص: 114
صاحِبِ الزمانِ (عَلَيهِ السَّلَامُ)، فما عرفتُ له خبراً، ولا وقعت لي عليه عين، فاغتممتُ غماً شديداً و خشِيتُ أَن يَفُوتني ما أملتُهُ مِن طلب صاحِبِ الزمانِ (عَلَيهِ السَّلَامُ)، فخرجت حتّى أتيت مكة، فقضيتُ حِجّتي واعتمرتُ بِها أُسبوعاً، كلّ ذلِك أطلبُ، فبينا أنا أُفَكِّرُ إِذ انكشف لِي بَابُ الكعبة، فإذا أنا بِإِنسانٍ كَأَنَّهُ غُصنُ بانٍ مُتَزِرٌ بِبُردةٍ، مُتشِحٌ بِأُخرى، قد كشف عِطف بُردتِهِ على عاتقه، فارتاح قلبي و بادرتُ لقصدِهِ، فانثني إلي وقال: مِن أين الرّجُلُ ؟
قُلتُ : من العراق.
قال: من أي العراق؟
قُلتُ: مِن الأهواز.
فقال: أتعرف الخصيبي ؟
قُلتُ: نعم.
قال رحمه اللّه، فما كان أطول ليله، وأكثر نيله، وأغزر دمعته !
قال: فابن المهزیار.
قُلتُ: أنا هو.
قال: حياك اللّه بالسلام أبا الحسن. ثمّ صافحني و عانقني، وقال: يا أبا الحسن، ما فعلت العلامة الّتي بينك وبين الماضي أبِي محمّد نضّر اللّه وجهه ؟
قُلتُ: معي وأدخلتُ يدي إلى جيبي وأخرجتُ خاتماً عليه «محمّد و عليّ» فَلَمّا قرأه استعبر حتّى بلَّ طِمرُهُ الّذي كان على يدِهِ، وقال: يرحمك اللّه أبا محمّد، فإنّك زينُ الأُمّة، شرفك اللّه بِالإِمامة، و توجك بتاج العلم والمعرفة، فإِنَّا إِليكُم صائِرُون. ثمّ صافحني و عانقني، ثمّ قال: ما الّذي تُرِيدُ يا أبا الحسن؟
قُلتُ: الإمام المحجوب عنِ العالم.
قال: ما هُو محجوب عنكم ولكن حجبه سُوءُ أعمالِكُم، قُم إلى رحلك، وكُن على أُهبةٍ مِن لقائه، إذا انحطتِ الجوزاء، و أزهرت نجُومُ السّماء، فها أنا لك بين الركن والصفا.
فطابت نفسي وتيقنتُ أنّ اللّه فضّلني فما زِلتُ أرقُبُ الوقت حتّى حان، وخرجت إلى مطيّتي، و
ص: 115
استويتُ على رحلي، واستويتُ على ظهرها، فإذا أنا بصاحِبِي يُنادِي إِلي: يا أبا الحسنِ. فخرجتُ فلحقتُ بِهِ، فحيانِي بِالسّلام، وقال: سربنا يا أخ.
فما زال يهبط وادِياً و يرقى ذروة جبل إلى أن علقنا على الطّائف، فقال: يا أبا الحسنِ انزل بنا نُصلّي باقي صلاة اللّيل. فنزلتُ فصلى بنا الفجر ركعتين، قُلتُ: فالركعتين الأوليين ؟ قال: هما من صلاة اللّيل، وأوتر فيهما، والقُنُوتُ فِي كلّ صلاةِ جائز.
و قال: سربنا يا أخ. فلم يزل يهبط بي وادِياً ويرقى بي ذروة جبل حتّى أشرفنا على وادٍ عظيم مثل الكافور، فأمُدُّ عيني فإذا ببيتٍ مِن الشّعرِيتوقد نُوراً، قال: المَح هل ترى شيئاً؟
قُلتُ: أرى بيتاً مِن الشّعرِ.
فقال: الأمل. وانحطّ فِي الوادِي واتبعث الأثر حتّى إذا صرنا بوسط الوادي نزل عن راحلته و خلاها، ونزلتُ عن مطيّتي، وقال لي: دعها.
قلت: فإن تاهت ؟
قال: هذا وادٍ لا يدخُلُهُ إِلَّا مُؤمِنٌ ولا يخرُجُ مِنهُ إِلَّا مُؤْمِنٌ. ثمّ سبقني و دخل الخباء وخرج إلي مسرعاً، وقال: أبشر، فقد أذن لك بِالدُّخُولِ. فدخلتُ فإذا البيتُ يسطعُ مِن جَانِبِهِ النُّورُ، فسلمت عليه بالإمامة، فقال لي: يا أبا الحسن، قد كُنا نتوقعك ليلا ونهاراً، فما الّذي أبطأ بك علينا ؟
قُلتُ: يا سيّدِي، لم أجد من يدلُّنِي إلى الآن.
قال لي: لم نجد أحداً يدلُّك ؟ ثمّ نكث بإصبعه فِي الأرض، ثمّ قال: لا ولكنّكُم كثرتُمُ الأموال، و تجبّرتُم على ضعفاء المؤمِنِين، وقطعتُمُ الرّحِم الّذي بينكُم، فأَيُّ عُذر لكم الآن ؟
فقُلتُ : التوبة التوبة الإقالة الإقالة.
ثمّ قال: يا ابن المهزيار لولا إستغفارُ بعضكم لبعض لهلك من عليها إِلَّا خواص الشّيعة الّذين تُشبِهُ أقوالهم أفعالهم.
ثمّ قال: يا ابن المهزيار و مدّ يدهُ ألا أُنبِّئُك الخبر أنَّه إذا قعد الصّبيُّ، وتحرك المغربيُّ، وسار العُمانيّ، وبويع السُّفياني يأذنُ لِولي اللّه، فأخرُجُ بين الصّفا والمروة فِي ثلاثمائة وثلاثة عشر رجُلًا
ص: 116
سواء، فأجِيءُ إلى الكوفة وأهدِمُ مسجدها و أبنيه على بِنائِهِ الأَوْلِ، وأهدِمُ ما حوله من بناء الجبابرة، وأحُجُ بِالنَّاسِ حِجّة الإسلام وأجيء إلى يثرب فأهدِمُ الحُجرة، وأُخرج من بها و هُما طَرِيانِ، فَآمُرُ بِهما تُجاه البقيع، وآمُرُ بِخشبتين يُصلبانِ عليهما، فتُورِقُ مِن تحتهما، فيفتتِنُ النَّاسُ بِهما أشدّ مِن الفتنةِ الأولى، فيُنادِي مُنادٍ مِن السّماء: «يا سماءُ أَبِيدِي، ويا أرضُ خُذِي» فيومئِذٍ لا يبق على وجهِ الأَرْضِ إِلَّا مُؤمِنٌ قد أخلص قلبه للإيمان.
قُلتُ: يا سيدي، ما يكُونُ بعد ذلك.
قال: الكرّةُ الكرّةُ الرّجعةُ الرّجعةُ، ثمّ تلا هذه الآية: (ثُمَّ رَدَدْنَا لَكُمُ الْكَرَّةَ عَلَيْهِمْ وَأَمْدَدْنَاكُمْ بِأَمْوَالٍ وَبَنِينَ وَجَعَلْنَاكُمْ أَكْثَرَ نَفِيرًا). (1) و (2)
ص: 117
1- عنِ الصّادِقِ (عَلَيهِ السَّلَامُ) فِي قوله تعالى (وَإِذْ أَسَرَّ النَّبِيُّ إِلَى بَعْضِ أَزْوَاجِهِ حَدِيثًا) هي حفصة قال الصَّادِقُ (عَلَيهِ السَّلَامُ) كفرت فِي قولها (مَنْ أَنْبَأَكَ هَذَا) وقال اللّه فِيها وفِي أُختِها (إِنْ تَتُوبَا إِلَى اللَّهِ فَقَدْ صَغَتْ قُلُوبُكُمَا) أي زاغت و الزّيعُ الكُفرُو فِي رِواية أنّه أعلم حفصة أن أباها وأبابكر يليان الأمر فأفشت إلى عائشة فأفشت إلى أبيها فأفشى إلى صاحبه فاجتمعا على أن يستعجلا ذلِك على أن يسقِياهُ سماً فَلَمّا أخبرهُ اللّه بِفِعلهما هم بقتلهما فحلفا له أنهما لم يفعلا فنزل (يَا أَيُّهَا الَّذِينَ كَفَرُوا لَا تَعْتَذِرُوا الْيَوْمَ)(1). (2)
2- عن أبي عبد اللّه (عَلَيهِ السَّلَامُ) قال : تدرون مات النّبيّ (صَلَّى اللّه عَلَيْهِ وَآلِهِ) أو قُتِل، إِنَّ اللّه يَقُولُ: ﴿أَفَإِنْ مَاتَ أَوْ قُتِلَ انْقَلَبْتُمْ عَلَى أَعْقَابِكُمْ) فسُم قبل الموتِ، إنهما سقتاه: فقُلنا: إنهما وأبويهما شرُّ من خلق اللّه. (3)
3- قال عليّ بن إبراهيم فِي قوله تعالى: ﴿فَلَمَّا نَبَّأَها بِهِ قالَت مَنْ أَنبَأَكَ هذا قالَ نَبَّأَنِيَ العَلِيمُ الخَبِير) (4) كان سببُ نُزُولها أنّ رسُول اللّه (صَلَّى اللّه عَلَيْهِ وَآلِهِ) كان فِي بعض بُيُوتِ نِسَائِهِ و كانت مارِيةُ القبطية معه تخدمُهُ وكان ذات يوم فِي بيت حفصة، فذهبت حفصة فِي حاجةٍ لها، فتناول رسُول اللّه (صَلَّى اللّه عَلَيْهِ وَآلِهِ) مارية، فعلمت حفصةُ بِذلِك، فغضبت وأقبلت على رسُول اللّه (صَلَّى اللّه عَلَيْهِ وَآلِهِ) و قالت: يا رسُول اللّه، هذا فِي يومي، وفي داري و على فراشي ! فاستحيا رسُول اللّه (صَلَّى اللّه عَلَيْهِ وَآلِهِ) منها، فقال: «كفّي فقد حرمت مارية على نفسي، ولا أطأها بعد هذا أبداً، وأنا أُفضِي. إليك سراً، فإن أنتِ أخبرتِ بِهِ فعليكِ لعنة اللّه والملائكة و النّاسِ أجمعين». فقالت: نعم، ما هو؟ فقال: إِنّ أبا بكر يلي الخلافة من بعدِي، ثمّ مِن بعدِهِ عُمرُ أَبُوكِ. فقالت: من أخبرك بهذا ؟ قال اللّه أخبرني. فأخبرت حفصة
ص: 118
عائشة من يومها بذلك، و أخبرت عائشة أبابكر، فجاء أبوبكر إلى عُمر، فقال لهُ: إِنّ عائشة أخبرتني عن حفصة كذا، ولا أثق بقولها، فسل أنت حفصة، فجاء عُمر إلى حفصة، فقال لها: ما هذا الّذي أخبَرتْ عنكِ عائِشةُ ؟ فأنكرت ذلك، وقالت: ما قُلتُ لها من ذلك شيئاً. فقال لها عُمرُ: إن كان هذا حقّاً فأخبرينا حتّى نتقدّم فِيهِ ؟ فقالت: نعم، قد قال ذلك رسُول اللّه. فاجتمع أربعة على أن يسُمُّوا رسُول اللّه (صَلَّى اللّه عَلَيْهِ وَآلِهِ). (1)
1- عن أبي جعفر محمّد بنِ عليّ (عَلَيهِمَا السَّلَامُ) أنَّه قال: حجّ رسُول اللّه (صَلَّى اللّه عَلَيْهِ وَآلِهِ) من المدينة وقد بلغ جميع الشرائع قومه غير الحجّ والولاية فأتاه جبرئيل (عَلَيهِ السَّلَامُ) فقال له يا محمّد إِنَّ اللّه جلّ اسْمُهُ يُقرِوك السّلام و يقُولُ لك إِنِّي لم أقبض نبيّاً مِن أنبيائي ولا رسُولًا مِن رُسُلِي إِلّا بعد إكمال دِينِي وتأكيد حُجّتي وقد بقي عليك من ذاك فريضتانِ مِمّا تحتاج أن تُبلّغهما قومك فريضة الحجّ و فريضة الولاية والخلافة من بعدك فإنّي لم أخل أرضِي مِن حُجّةٍ ولن أُخليها أبداً فإن اللّه جلّ ثناؤُهُ يَا مُرُك أن تُبلغ قومك الحجّ وتحج و يحجّ معك (مَنِ اسْتَطَاعَ إِلَيْهِ سَبِيلًا) (2) من أهل الحضرو الأطرافِ والأعرابِ وتُعلّمهُم مِن معالم حجّهم مثل ما علمتهم من صلاتهم و زكاتهم و صيامهم وتُوقِفهم من ذلك على مِثالِ الّذي أوقفتهم عليهِ مِن جميع ما بلغتهُم مِن الشّرائِعِ فنادى مُنادِي رسُول اللّه (صَلَّى اللّه عَلَيْهِ وَآلِهِ) فِي النّاسِ أَلا إِنّ رسُول اللّه يُرِيدُ الحجّ وأن يُعلّمكُم مِن ذلِك مثل الّذي علمكُم مِن شرائعِ دِينِكُم ويُوقفكُم مِن ذاك على ما أوقفكم عليه من غيره فخرج (صَلَّى اللّه عَلَيْهِ وَآلِهِ) و خرج معه النّاسُ وأصغوا إليه لينظُرُوا ما يصنعُ فيصنعُوا مِثله فحجّ بِهم و فحج بهم وبلغ من حجّ مع رسُول اللّه مِن أهل المدينة و أهلِ الأطرافِ والأعرابِ سبعين ألف إنسانٍ أو يزيدون على نحو عددِ أصحابِ مُوسى السبعين ألف الّذين أخذ عليهم بيعة هارون فنكثوا واتبعوا
ص: 119
العجل و السامري وكذلك أخذ رسُول اللّه (صَلَّى اللّه عَلَيْهِ وَآلِهِ) البيعة لعلي بالخلافة على عدد أصحابِ مُوسى فنكثوا البيعة واتبعوا العجل والسّامِرِي سُنّةً بِسُنّةٍ ومِثلًا مِثل واتصلت التلبية ما بين مكّة و المدينةِ فَلَمّا وقف بِالموقِفِ أتاه جبرئيل (عَلَيهِ السَّلَامُ) عنِ اللّه عزّ و جلّ فقال يا محمّد إِنَّ اللّه عزّوجلّ يُقرِوك السّلام ويقُولُ لك إِنَّهُ قد دنا أجلُك ومُدّتك وأنا مُستقدِمُكَ على ما لا بُدّ مِنهُ ولا عنهُ محيص فاعهد عهدك وقدّم وصيّتك واعمد إلى ما عندك مِن العِلم و مِيرَاثِ عُلُومِ الأَنبِياءِ مِن قبلك والسلاح والتابوتِ وجميع ما عندك مِن آياتِ الأنبياء فسلّمه إلى وصِيِّك وخليفتك من بعدك حُجّتِي البالغة على خلقي عليّ بن أبِي طالِب (عَلَيهِ السَّلَامُ) فأقهُ لِلنَّاسِ علماً وجدد عهده و ميثاقه وبيعته وذكّرهُم ما أخذتُ عليهِم مِن بيعتي وميثاقي الّذي واثقتُهُم و عهدِي الّذي عهدت إليهم من ولاية وليي و مولاهم و مولى كلّ مُؤمِنٍ و مُؤمِنة عليّ بن أبِي طالِب (عَلَيهِ السَّلَامُ) فإِنِّي لم أقبض نبيّاً من الأنبياءِ إِلَّا مِن بعدِ إِكمال دِينِي وحُجَّتِي و إتمامِ نِعمتي بولاية أوليائي و معاداة أعدائي وذلك كمال توحِيدِي ودِينِي و إتمامُ نِعمتي على خلقي بِاتِّباع ولتي وطاعته و ذلك أنّي لا أترك أرضي بِغير ولي ولا قيم ليكون حُجّةً لي على خلقي ف (الْيَوْمَ أَكْمَلْتُ لَكُمْ دِينَكُمْ وَأَتْمَمْتُ عَلَيْكُمْ نِعْمَتِي وَرَضِيتُ لَكُمُ الْإِسْلَامَ دِينًا) (1) بولاية ولتي و مولى كلّ مُؤْمِنٍ و مُؤمِنَةٍ علي عبدي ووصيّ نبيّي والخليفةِ مِن بعدِهِ و حُجّتِي البالغة على خلقي مقرُونٌ طاعتُهُ بطاعة محمّد نبيّ و مقرون طاعتُه مع طاعةِ محمّد بِطاعتي من أطاعه فقد أطاعني و من عصاه فقد عصاني جعلتُه علماً بيني وبين خلق من عرفه كان مُؤمِناً و من أنكره كان كافراً و من أشرك بيعته كان مشركاً و من لقيني بولايته دخل الجنَّة و من لقيني بعداوتِهِ دخل النّار فأقم يا محمّد عليّاً علماً و خُذ عليهِمُ البيعة وجيّد عهدِي وميثاقي لهُمُ الّذي واثقتُهُم عليهِ فَإِنِّي قابِضُك إليّ ومُستقدِمُك عليّ فخشِي رسُول اللّه (صَلَّى اللّه عَلَيْهِ وَآلِهِ) من قومِهِ وأهلِ النِّفاقِ والشّقاقِ أن يتفرّقُوا ويرجعوا إلى الجاهلية لما عرف من عداوتهم ولما ينطوي عليهِ أَنفُسُهُم لِعَلي مِن العداوة والبغضاء وسأل جبرئيل أن يسأل ربّه العصمة مِن النّاسِ وانتظر أن يأتيه جبرئيل بِالعِصمةِ مِن النّاسِ عَنِ اللّه جلّ اسمه فأخّر ذلِك إلى أن بلغ مسجد الخيف فأتاه جبرئيل (عَلَيهِ السَّلَامُ) فِي مسجد الخيف فأمره بأن
ص: 120
يعهد عهده ويقيم عليّاً علماً لِلنَّاسِ يهتدُون بِهِ ولم يأْتِهِ بِالعِصمةِ من اللّه جلّ جلالُهُ بِالّذي أراد حتّى بلغ كُراع الغميم بين مكّة والمدينة فأتاه جبرئيل وأمره بِالّذي أَتاهُ فِيهِ مِن قِبلِ اللّه ولم يأتِهِ بِالعِصمةِ فقال يا جبرئيلُ إِنِّي أخشى قومِي أَن يُكَذِّبُونِي و لا يقبلُوا قولي فِي عليّ (عَلَيهِ السَّلَامُ) فرحل فلما بلغ غدِير خُمّ قبل الجحفة بثلاثة أميال أتاه جبرئيل (عَلَيهِ السَّلَامُ) على خمس ساعات مضت من النهارِ بِالزّجر و الإنتِهارِ والعِصمةِ مِن النّاسِ فقال يا محمّد إِنَّ اللّه عزّ و جلّ يُقرِؤُكَ السّلام و يقُولُ لك (يا يَا أَيُّهَا الرَّسُولُ بَلِّغْ مَا أُنْزِلَ إِلَيْكَ مِنْ رَبِّكَ وَإِنْ لَمْ تَفْعَلْ فَمَا بَلَّغْتَ رِسَالَتَهُ وَاللَّهُ يَعْصِمُكَ مِنَ النَّاسِ) (1) و كان أوائِلُهُم قَرِيبٌ مِن الجُحفة فأمر بأن يُردّ من تقدّم مِنهُم ويُحبس من تأخّر عنهم فِي ذلك المكانِ لِيُقيم عليّاً علماً لِلنَّاسِ و يُبلغهم ما أنزل اللّه تعالى فِي علي وأخبره بأنّ اللّه عزّ و جلّ قد عصمهُ مِن النَّاسِ فأمر رسُول اللّه عِند ما جاءتهُ العِصمةُ مُنادِياً يُنادِي فِي النّاسِ بِالصّلاة جامِعةً ويُردُّ من تقدّم مِنهُم ويُحبس من تأخّرو تنحّى عن يمين الطريق إلى جنب مسجِدِ الغدِيرِ أمره بذلك جبرئيل عن اللّه عزّوجلّ وكان فِي الموضع سلماتٌ فأمر رسُول اللّه (صَلَّى اللّه عَلَيْهِ وَآلِهِ) أن يُقمّ ما تحتهُنَّ ويُنصب لهُ حِجارةٌ كهيئة المنبرِ لِيُشرف على النّاسِ فتراجع النّاسُ واحتُبِس أواخِرُهُم فِي ذلِك المكان لا يزالون فقام رسُول اللّه (صَلَّى اللّه عَلَيْهِ وَآلِهِ) فوق تلك الأحجارِ ثمّ حمد اللّه تعالى وأثنى عليه فقال الحمدُ للّه الّذي علا فِي توحدِهِ و دنا فِي تفرُّدِهِ و جلّ فِي سُلطانِهِ وعظم فِي أركانِهِ (وأحاط بِكُلِّ شيءٍ عِلماً) (2) وهُو فِي مكانه وقهر جميع الخلقِ بِقُدرتِهِ و بُرهانِهِ مجيداً لم يزل محموداً لا يزالُ بارئ المسموكاتِ و داحِي المدحواتِ وجبّار الأرضِين و السّماواتِ قُدُّوسٌ سُبُّوحٌ رَبُّ المَلائِكَةِ والرُّوحِ مُتفضّل على جميع من برأه متطوّل على جميع من أنشأه يلحظ كلّ عينٍ والعُيُونُ لا تراه كرِيمٌ حَلِيمٌ ذُو أناةٍ قد وسع كلّ شيءٍ رحمتُه و من عليهم بنعمتِهِ لا يُعجِلُ بِانتِقامِهِ ولا يُبادِرُ إليهم بما استحقُوا مِن عذابِهِ قد فهم السرائر و علم الضّمائر و لم تخف عليه المكنوناتُ ولا اشتبهت عليه الخفياتُ لهُ الإحاطةُ بِكُلِّ شيءٍ والغلبة على كلّ شيءٍ والقُوَّةُ فِي كلّ شيءٍ والقدرة على كلّ شيءٍ وليس مثله شيءٌ وهُو مُنشِئُ الشّيءِ حِين لا
ص: 121
شيء دائم قائم بِالقِسطِ (لا إِله إِلَّا هُو العزِيزُ الحكيمُ) (1) جلّ عن (أن تُدْرِكُهُ الْأَبْصَارُ وَهُوَ يُدْرِكُ الْأَبْصَارَ وَهُوَ اللَّطِيفُ الْخَبِيرُ) (2) لا يلحق أحد وصفهُ مِن مُعاينةٍ ولا يجِدُ أحدٌ كيف هُو مِن سِرٍّو علانيةٍ إِلَّا بِما دلّ عزّوجلّ على نفسِهِ وأشهدُ أنَّهُ اللّه الّذي ملأ الدهر قُدسُهُ وَالّذي يُغلّي الأبد نُورُهُ والّذي يُنفِذُ أمره بِلا مشاورة مشير و لا معه شرِيكٌ فِي تقدير و لا تفاوت فِي تدبير صوّر ما أبدع على غيرِ مِثالٍ و خلق ما خلق بِلا معُونة مِن أحد ولا تكلُّف ولا احتيال أنشأها فكانت وبرأها فبانت ف ﴿هُوَ اللّه الّذي لَا إِله إِلَّا هُو) (3) المتقنُ الصّنعة الحسنُ الصَّنِيعة العدلُ الّذي لا يجُورُ و الأكرمُ الّذي تَرجِعُ إِليهِ الأُمُورُو أَشْهَدُ أَنْهُ الّذي تواضع كلّ شيءٍ لِقُدرتِهِ وخضع كلّ شيءٍ هِيبتِهِ ملِكُ الأَمْلاكِ ومُهْلِكُ الأفلاكِ ومُسخّرُ الشمس والقمرِ (كُلٌّ يَجْرِي لِأَجَلٍ مُسَمًّى)(4) (يُكوّرُ اللّيل على النَّهارِ ويُكوِّرُ النّهار على اللّيل) (5) (يطلُبُهُ حثيثاً) (6) قاصِمُ كلّ جبّارٍ عنِيدٍ ومُهلِكُ كلّ شيطانٍ مَرِيدٍ لم يكُن معهُ ضِدُّ ولا ندٌّ أحدٌ صمد (لم يلد ولم يُولد و لم يكن لهُ كُفُواً أحدٌ) (7) إِلهُ واحِدٌ و ربِّ ماجد يشاءُ فيُمضي ويُرِيدُ فيقضي ويعلمُ فيُحصِي. ويُمِيتُ ويُحي ويُفقِرُويُغنِي ويُضحِكُ ويُبكِي و يمنعُ ويُعطي (لَهُ الْمُلْكُ وَلَهُ الْحَمْدُ وَهُوَ عَلَى كُلِّ شَيْءٍ قَدِيرٌ) (8) ﴿يُولِجُ اللّيل فِي النَّهارِ ويُولِجُ النّهار فِي اللّيل) (9) لا إِله إِلَّا هُو العزيز الغفّارُ مُحِيبُ الدُّعاءِ و مُجزِلُ العطاءِ مُحصِي الأنفاس وربُّ الجنَّة والنّاسِ لا يُشكل عليهِ شيءٌ ولا يُضجِرُهُ
ص: 122
صُراخُ المستصرخين ولا يُبرِمُهُ إلحاح الملحين العاصِمُ لِلصّالِحِين والموفّقُ لِلمُفلِحِين ومولى العالمين الّذي استحق مِن كلّ من خلق أن يشكُره ويحمده أحمده على السراء والضراء والشدّة والرّخاءِ وأَومِنُ بِهِ وَبِمَلائِكَتِهِ و كُتُبِهِ و رُسُلِهِ أسمعُ أمره و أُطِيعُ وأَبادِرُ إلى كلّ ما يرضاه وأستسلِمُ لِقضائِهِ رغبةً فِي طاعتِهِ و خوفاً مِن عُقُوبَتِهِ لأَنَّهُ اللّه الّذي لا يُؤْمِنُ مكرُهُ ولا يُخافُ جورُهُ وأُقِرُّ له على نفسِي بِالعُبُودِيَّةِ و أشهدُ لَهُ بِالرُّبُوبِيّةِ وأُودِي ما أوحى إلي حذراً من أن لا أفعل فتحُلّ بِي مِنهُ قارِعةٌ لا يدفعُها عني أحد وإن عظمت حيلته لا إله إلّا هُو لأنَّه قد أعلمني أني إن لم أبلغ ما أنزل إلي ما بلغتُ رسالته وقد ضمن لي تبارك وتعالى العصمة وهُو اللّه الكافِي الكريم فأوحى إلي بِسمِ اللّه الرّحمن الرّحيم...
(يَا أَيُّهَا الرَّسُولُ بَلِّغْ مَا أُنْزِلَ إِلَيْكَ مِنْ رَبِّكَ) فِي علي يعني فِي الخلافة لعلي بن أبِي طالِب (عَلَيهِ السَّلَامُ) (وإن لم تفعل فما بلغت رسالته واللّه يعصِمُكَ مِن النّاسِ) (1) معاشر الناس ما قصرتُ فِي تبليغ ما أنزل اللّه تعالى إلي وأنا مُبيّن لكُم سبب نُزُولِ هذِهِ الآيَةِ إِن جبرئيل (عَلَيهِ السَّلَامُ) هبط إلي مراراً ثلاثاً يامرني عنِ السّلام ربي وهُو السّلامُ أن أقوم فِي هذا المشهد فأُعلم كلّ أبيض وأسود أن عليّ بن أبِي طالِب (عَلَيهِ السَّلَامُ) أخي ووصيّي وخليفتي و الإمامُ مِن بعدِي الّذي محلُّهُ مِنِّي محل هارُون مِن مُوسى إِلَّا أَنَّهُ لا نبيّ بعدِي وهُو ولِيُّكُم مِن بعد اللّه و رسوله و قد أنزل اللّه تبارك و تعالى عليّ بِذلِكَ آيَةً مِن كِتَابِهِ (إِنَّمَا وَلِيُّكُمُ اللَّهُ وَرَسُولُهُ وَالَّذِينَ آمَنُوا الَّذِينَ يُقِيمُونَ الصَّلَاةَ وَيُؤْتُونَ الزَّكَاةَ وَهُمْ رَاكِعُونَ) (2) و عليّ بن أبِي طالِب (عَلَيهِ السَّلَامُ) أقام الصّلاة وآتى الزكاة وهُو راكع يُرِيدُ اللّه عزّو جلّ فِي كلّ حالٍ وسألتُ جبرئيل أن يستعني لي عن تبليغ ذلِك إِليكُم أيّها النَّاسُ لِعِلمِي بِقِلَّةِ المتَّقِين وكثرة المنافقين و إدغال الآثمين وختل المستهزءين بالإسلام الّذين وصفهُمُ اللّه فِي كِتَابِهِ بِأَنهم (یَقُولُونَ بِأَلْسِنَتِهِمْ مَا لَيْسَ فِي قُلُوبِهِمْ) (3) (وَتَحْسَبُونَهُ هَيِّنًا وَهُوَ عِنْدَ اللَّهِ عَظِيمٌ) (4) وكثرة
ص: 123
أذاهُم لِي فِي غير مرة حتّى سمّوني أُذُنا و زعَمُوا أَنِّي كَذلِكَ لِكثرة مُلازمتِهِ إياي وإقبالي عليه حتّى أنزل اللّه عزّ و جلّ فِي ذلك قُرآناً (و مِنهُمُ الّذينَ يُؤْذُونِ النّبيّ ويَقُولُونِ هُو أُذُنٌ) قُل أُذُنُ على الّذين يزعُمُون أَنَّهُ أُذُنٌ (خير لكُم يُؤْمِنُ بِاللّه ويُؤْمِنُ لِلمُؤْمِنِينَ﴾ (1) الآية و لوشِئتُ أن أُسمّي بِأسمائهم لسمّيتُ و أن أُومِي إِليهم بأعيانهم لأومأتُ وأن أدلّ عليهم لدللت و لكِنِّي واللّه فِي أُمُورِهِم قد تكرّمتُ وكُلّ ذلك لا يرضى اللّه مِنِّي إِلَّا أَن أُبلغ ما أنزل إِليَّ ثمّ تلا (صَلَّى اللّه عَلَيْهِ وَآلِهِ) (يَا أَيُّهَا الرَّسُولُ بَلِّغْ مَا أُنْزِلَ إِلَيْكَ مِنْ رَبِّكَ) فِي علي (وَإِنْ لَمْ تَفْعَلْ فَمَا بَلَّغْتَ رِسَالَتَهُ وَاللَّهُ يَعْصِمُكَ مِنَ النَّاسِ) (2) فاعلموا معاشر النّاسِأن اللّه قد نصبه لكُم ولِيّاً و إماماً مُفترضاً طاعته على المهاجرين والأنصارِ و على التَّابِعِين لهم بإحسانٍ وعلى البادِي و الحاضر و على الأعجميّ والعربيّ والحُرّ و المملوك و الصغير و الكبير و على الأبيض والأسود و على كلّ مُوحِدٍ ماضٍ حُكمُه جائِز قولُه نافذ أمرُهُ ملعون من خالفه مرحوم من تبِعهُ مُؤْمِنٌ من صدقه فقد غفر اللّه له ولمن سمع مِنهُ وأطاع له معاشر النّاسِ إِنَّهُ آخِرُ مقامٍ أَقُومُهُ فِي هذا المشهدِ فاسمعوا وأطِيعُوا و انقادوا لأمرِ ربِّكُم فإنّ اللّه عزّ و جلّ هُو مولاكُم وإلهُكُم ثمّ مِن دُونِهِ محمّد (صَلَّى اللّه عَلَيْهِ وَآلِهِ) وَلِيُّكُمُ القائم المخاطِبُ لكُم ثمّ مِن بعدِي عليّ ولِيُّكُم وإمامُكُم بِأمرِ ربِّكُم ثمّ الإمامةُ فِي ذُرِّيَّتِي من ولده إلى يوم تلقون اللّه ورسوله لا حلال إلّا ما أحله اللّه ولا حرام إلّا ما حرمه اللّه عرّفني الحلال والحرام و أنا أفضيتُ لِما علمني ربّي مِن كِتَابِهِ وحلاله و حرامِهِ إِليه معاشر النّاسِ ما مِن عِلم إلّا وقد أحصاه اللّه فِي وكُلُّ عِلمٍ علِمتُ فقد أحصيتُهُ فِي إِمام المتقين و ما مِن عِلمٍ إِلَّا علمته عليّاً وهُو الإمام المبين معاشر النّاسِ لا تضِلُّوا عنه ولا تنفِرُوا مِنهُ ولا تستكبِرُوا [ولا تستنكِفُوا] مِن ولايتِهِ فهُو الّذي يهدِي إِلى الحقّ ويعملُ بِهِ ويُرْهِقُ البَاطِلَ وينهى عنه ولا تأخُذُهُ فِي اللّه لومة لائم ثمّ إِنَّهُ أَوّلُ من آمن بِاللّه ورسولِهِ و هُو الّذي فدى رَسُولُهُ بِنفسِهِ وهُو الّذي كان مع رسُول اللّه ولا أحد يعبُدُ اللّه مع رسُولِهِ مِن الرِّجالِ غيرُه معاشِرَ النَّاسِ فضّلُوهُ فقد فضله اللّه و اقبلُوهُ فقد نصبه اللّه معاشر
ص: 124
النّاسِ إِنَّهُ إِمَامٌ مِن اللّه و لن يتوب اللّه على أحدٍ أنكر ولايته ولن يغفر اللّه له حتماً على اللّه أن يفعل ذلك بمن خالف أمره فِيهِ وأن يُعذِّبَهُ عذاباً شديداً تكراً أبد الآباد و دهر الدهور فاحذروا أن تُخالِفُوهُ فتصلوا ناراً وقودها النَّاسُ والحجارة أُعدّت للكافِرِين أيّها النَّاسُ بِي واللّه بُشِّر الأولُون مِن النبيّين و المرسلين و أنا خاتم الأنبياء والمرسلين و الحجة على جميع المخلوقين من أهلِ السَّماواتِ والأرضين فمن شك فِي ذلك فهُو كافِرٌ كُفر الجاهِلِيَّةِ الأُولى و من شكّ فِي شيءٍ مِن قولي هذا فقد شكّ فِي الكُلّ مِنهُ والشّالةُ فِي ذلِك فله النّار معاشر النَّاسِ حبانِي اللّه بِهذِهِ الفضيلة مناً مِنهُ عليّ وإِحساناً مِنْهُ إِلَيَّ ولا إِله إِلَّا هُولَهُ الحمد مِنّي أبد الآبدين و دهر الدّاهِرِين على كلّ حالٍ معاشر النَّاسِ فضّلُوا عليّاً فَإِنَّهُ أَفضلُ الناس بعدِي مِن ذكرو أُنثى بنا أنزل اللّه الرزق وبقي الخلق ملعُونٌ ملعُونٌ مغضُوبٌ مغضُوبٌ من ردّ عليّ قولي هذا و لم يُوافِقهُ أَلا إِن جبرئيل خبرني عن اللّه تعالى بِذلِك ويقُولُ من عادى علِيّاً ولم يتولّه فعليه لعنتي وغضي ف (لْتَنْظُرْ نَفْسٌ مَا قَدَّمَتْ لِغَدٍ وَاتَّقُوا اللَّهَ) (1) أَن تُخَالِفُوهُ (فَتَزِلَّ قَدَمٌ بَعْدَ ثُبُوتِهَا) (2) (إِنَّ اللَّهَ خَبِيرٌ بِمَا تَعْمَلُونَ) (3) معاشر النّاسِ إِنَّهُ جِنبُ اللّه الّذي ذكر فِي كِتابِهِ فقال تعالى (أَنْ تَقُولَ نَفْسٌ يَا حَسْرَتَا عَلَى مَا فَرَّطْتُ فِي جَنْبِ اللَّهِ) (4) معاشر النّاسِ تدبَّرُوا القُرآن وافهمُوا آيَاتِهِ و انظُرُوا إِلى مُحكماته ولا تَتَّبِعُوا مُتشابهه فواللّه لن يُبيِّن لكُم زواجِره ولا يُوضّحُ لَكُم تفسيره إِلَّا الّذي أَنَا آخِذٌ بِيدِهِ و مُصعِدُهُ إلى وشائِلٌ بِعضُدِهِ ومُعلِمُكُم أن من كُنتُ مولاه فهذا علي مولاه و هُو عليّ بن أبِي طالِب (عَلَيهِ السَّلَامُ) أخِي و وصيّ و مُوالاتُهُ مِن اللّه عزّو جلّ أنزلها على معاشر النّاسِ إِنّ علِيّاً والطَّيِّبين مِن وُلدِي هُمُ النّقل الأصغرُ و القُرآنُ الثّقلُ الأكبر فكُلُّ واحِدٍ مُنبِيٌّ عن صاحِبِهِ و مُوافِق له لن يفترقا حتّى يردا علي الحوض هُم أُمناءُ اللّه فِي خلقِهِ وحُكماؤُهُ فِي أرضِهِ ألا وقد أدّيتُ ألا وقد بلغتُ ألا وقد أسمعتُ ألا وقد أوضحت ألا وإنّ اللّه عزّ و جلّ قال وأنا قُلتُ عنِ اللّه عزّ و جلّ ألا إِنَّهُ ليس أمير المؤمِنِين
ص: 125
غير أخِي هذا ولا تحِلُّ إمرة المؤمِنِين بعدِي لأحدٍ غيرِهِ ثمّ ضرب بِيدِهِ إِلى عَضُدِهِ فرفعه وكان مُنذُ أوّل ما صعد رسُول اللّه (صَلَّى اللّه عَلَيْهِ وَآلِهِ) شال عليّاً حتّى صارت رِجلُه مع ركبةِ رسُول اللّه (صَلَّى اللّه عَلَيْهِ وَآلِهِ) ثمّ قال معاشر النّاسِ هذا عليّ أخي و وصيّ و واعِي عِلمي و خليفتي على أُمّتي و على تفسِيرِ كِتابِ اللّه عزّوجلّ و الدّاعِي إِليه والعامِلُ بِما يرضاه والمحارِبُ لأعدائِهِ والموالي على طاعتِهِ والنَّاهِي عن معصيته خليفةُ رسُول اللّه وأمِيرُ المؤمِنِين والإمامُ الهادِي وقاتِلُ النَّاكِثِين والقاسطين والمارقين بأمر اللّه أقُولُ (و مَا يُبَدَّلُ الْقَوْلُ لَدَيَّ) (1) بأمرِرتي أقُولُ اللّهمّ وال من والاه و عاد من عاداه والعن من أنكره واغضب على من جحد حقهُ اللّهمّ إنّك أنزلت عليّ أن الإمامة بعدي لعلي وليك عند تبياني ذلك ونصبي إياه بما أكملت لِعِبادِكَ مِن دِينِهِم وأتممت عليهم بنعمتِك ورضيت لهُمُ الإسلام ديناً فقُلت (وَمَنْ يَبْتَغِ غَيْرَ الْإِسْلَامِ دِينًا فَلَنْ يُقْبَلَ مِنْهُ وَهُوَ فِي الْآخِرَةِ مِنَ الْخَاسِرِينَ) (2) اللّهمّ إِنِّي أُشْهِدُك و كفى بِك شهيداً أنّي قد بلغتُ معاشر النَّاسِ إِنَّا أكمل اللّه عزّ و جلّ دِينَكُم بإمامته فمن لم يأتمّ بِهِ ومِن يَقُومُ مقامهُ مِن وُلدِي مِن صُلْبِهِ إِلى يوم القيامةِ والعرض على اللّه عزّو جلّ ف (أُولَئِكَ الَّذِينَ حَبِطَتْ أَعْمَالُهُمْ) (3) وفِي النّار هُم فِيها خالِدُونَ (لا يُخفّفُ عنهُمُ العذاب ولا هُم يُنظرُون) (4) معاشر النّاسِ هذا عليّ أنصرُكُم لِي وأحقُكُم بِي وأقربُكُم إِليَّ و أعزّكُم عليّ واللّه عزو جلّ و أنا عنه راضيانِ و ما نزلت آيةُ رِضًى إِلَّا فِيهِ وما خاطب اللّه الّذينَ آمنوا إلّا بدأ به ولا نزلت آية مدح فِي القُرآنِ إِلَّا فِيهِ ولا شهد بالجنَّة فِي هل أتى على الإنسانِ إِلَّا له و لا أنزلها فِي سواه و لا مدح بها غيره معاشِر النّاسِ هُو ناصِرُ دِينِ اللّه والمجادِلُ عن رسُول اللّه وهُو الّتي الّتي الهادي المهدي نبيّكم خيرني و وصِيكُم خيرُ وصيّ و بَنُوهُ خيرُ الأَوصِياءِ معاشر النَّاسِ ذُرِّيَّةُ كلّ نبيّ مِن صُلْبِهِ و ذُرِّيَّتِي مِن صُلب على معاشر الناس إنّ إبليس أخرج آدم من الجنَّة بالحسد فلا تحسُدُوهُ فتحبط أعمالُكُم وتزِلّ أقدامُكُم فإِنّ آدم أهبط إلى الأرضِ لِخطِيئة واحِدَةٍ
ص: 126
و هُو صفوة اللّه عزّوجلّ وكيف بِكُم وأنتم أنتُم و مِنكُم أعداءُ اللّه إِنَّهُ لَا يُبغِضُ عَلِيّاً إِلَّا شي و لا يتوالى عليّاً إِلَّا تقي ولا يُؤْمِنُ بِهِ إِلّا مُؤمِنٌ مُخلِص وفي علي واللّه نزلت سورةُ والعصرِ (بسم اللّه الرّحمنِ الرّحِيمِ * وَالْعَصْرِ * إِنَّ الْإِنْسَانَ لَفِي خُسْرٍ) (1) إلى آخرها معاشر الناس قدِ استشهدتُ اللّه وبلّغتُكُم رِسالّتي (وَمَا عَلَى الرَّسُولِ إِلَّا الْبَلَاغُ الْمُبِينُ) (2) معاشر النَّاسِ (اتَّقُوا اللّه حقّ تُقَاتِهِ وَلا تَمُوتُنَّ إِلَّا وَأَنتُم مُسلِمُون) (3) معاشر النّاسِ (آمِنُوا بِمَا نَزَّلْنَا مُصَدِّقًا لِمَا مَعَكُمْ مِنْ قَبْلِ أَنْ نَطْمِسَ وُجُوهًا فَنَرُدَّهَا عَلَى أَدْبَارِهَا) (4) معاشر النَّاسِ النُّورُ مِن اللّه عزّوجلّ فِي مسلُوك ثمّ فِي عليّ ثمّ فِي النّسلِ مِنهُ إلى القائم المهدي الّذي يَأخُذُ بِحقِ اللّه وَبِكُل حقّ هولنا لأن اللّه عزّوجلّ قد جعلنا حُجّةً على المقصرين والمعاندين والمخالفين والخائنين والآثمين و الظالمين من جميع العالمين معاشر النَّاسِ أُنذِركُم أنّي رسُول اللّه قد خلت مِن قبلي الرُّسُلُ أَفَإِن مِتُ أو قُتِلتُ انقلبتُم على أعقابِكُم (وَمَنْ يَنْقَلِبْ عَلَى عَقِبَيْهِ فَلَنْ يَضُرَّ اللَّهَ شَيْئًا وَسَيَجْزِي اللَّهُ الشَّاكِرِينَ) (5) ألا وإنّ علِيّاً هُو الموصوف بالصبر و الشُّكرِتُم مِن بعدِهِ وُلدِي مِن صُلْبِهِ مَعاشِر النّاسِ لا تمتنُّوا على اللّه إِسلامكُم فيسخط عليكُم ويُصِيبكُم بِعَذَابٍ مِن عِندِهِ إِنَّهُ لَبِالمِرصَادِ معاشر النّاسِ إِنَّهُ سيكُونُ مِن بعدِي أَيَّةٌ يدعُون إِلى النّار ويوم القيامةِ لا يُنصرون معاشر النَّاسِ إِنَّ اللّه و أنا بريئانِ مِنهُم معاشر النّاسِ إِنَّهُم وأنصارُهُم وأتباعُهُم وأشياعُهُم (فِي الدَّرْكِ الْأَسْفَلِ مِنَ النَّارِ)(6) (و لَبِئْسَ مَثْوَى الْمُتَكَبِّرِينَ) (7) ألا إنَّهم أصحابُ الصَّحِيفة فلينظر أحدُكُم فِي صحيفتِهِ قال فذهب على النّاسِ إِلَّا شِرذمةٌ مِنهُم أمرُ الصَّحِيفة معاشر النَّاسِ إِنِّي أدعُها إمامةً و وراثةً فِي عقبي إلى يوم القيامةِ وقد بلغتُ ما
ص: 127
أُمِرْتُ بِتبْلِيغِهِ حُجَةٌ على كلّ حاضِرٍ وغائب و على كلّ أحدٍ من شهد أو لم يشهد وُلِد أو لم يُولد فليبلغ الحاضر الغائب والوالد الولد إلى يوم القيامة وسيجعلونها ملكاً واغتصاباً ألا لعن اللّه الغاصبين والمغتصبين وعندها سنفرُغُ لَكُم أَيُّه التّقلانِ ف (يُرْسَلُ عَلَيْكُمَا شُوَاظٌ مِنْ نَارٍ وَنُحَاسٌ فَلَا تَنْتَصِرَانِ) (1) معاشر النّاسِ إِنّ اللّه عزّ و جلّ لم يكُن يذركُم على ما أنتُم عليهِ حتّى يميز الخبيث من الطيب (وَمَا كَانَ اللَّهُ لِيُطْلِعَكُمْ عَلَى الْغَيْبِ) (2) معاشر النّاسِ إِنَّهُ ما مِن قريةٍ إِلَّا وَاللّه مُهْلِكُها بِتَكذِيبِها و كذلك يُهلِكُ القُرى وهي ظالمة كما ذكر اللّه تعالى و هذا عليَّ إِمَامُكُم و ولِيُّكُم وهُو مَواعِيدُ اللّه واللّه يُصدقُ ما وعده معاشر النّاسِ قد ضل قبلكُم أكثر الأوّلين واللّه لقد أهلك الأوّلين وهُو مُهلِكُ الآخِرِين قال اللّه تعالى (أَلَمْ نُهْلِكِ الأوّلين * ثُمَّ نُتْبِعُهُمُ الْآخِرِينَ * كَذَلِكَ نَفْعَلُ بِالْمُجْرِمِينَ * وَيْلٌ يَوْمَئِذٍ لِلْمُكَذِّبِينَ) (3) معاشر النّاسِ إِنّ اللّه قد أمرني ونهاني وقد أمرتُ عليّاً ونهيتُه فعلم الأمر و النهي مِن ربّه عزّ و جلّ فاسمعُوا لِأمرِه تسلموا وأطِيعُوا تهتدوا و انتهوا لنهيه ترشُدُوا و صيّرُوا إِلى مُرادِهِ و لا تتفرّقُ بِكُمُ السُّبُلُ عن سَبِيلِهِ معاشِر النَّاسِ أنا صراط اللّه المستقِيمُ الّذي أمركُم بِاتِّبَاعِهِ ثمّ عليَّ مِن بعدِي ثمّ وُلدِي مِن صُلْبِهِ (أئِمَةٌ يَهْدُون إِلى الحقّ وَ بِهِ يَعْدِلُونَ) (4) ثمّ قرأ (الْحَمْدُ لِلَّهِ رَبِّ الْعَالَمِينَ) (5) إلى آخِرِها و قال فِي نزلت وفيهم نزلت ولهم عمّت وإياهم خُصّت (أُولئِكَ أَوْلِيَاءَ اللَّهِ لَا خَوْفٌ عَلَيْهِمْ وَلَا هُمْ يَحْزَنُونَ) (6) (ألا إن حِزْبَ اللَّهِ هُمُ الْغَالِبُونَ) (7) ألا إِنّ أعداء على هُم أهل الشّقاقِ والنِّفاقِ والحادُّون وهُمُ العادُّون و إِخْوانُ الشَّيَاطِينِ الّذين يُوحِي بعضُهُم إِلى بعض زُخرُف القولِ غُرُوراً أَلا إِنّ أولياءهُمُ الّذين ذكرهُمُ اللّه فِي كِتَابِهِ فقال
ص: 128
عزّ و جلّ (لَا تَجِدُ قَوْمًا يُؤْمِنُونَ بِاللَّهِ وَالْيَوْمِ الْآخِرِ يُوَادُّونَ مَنْ حَادَّ اللَّهَ وَرَسُولَهُ) (1) إِلَى آخِرِ الآيَةِ أَلا إن أولياءهُمُ الّذين وصفهُمُ اللّه عزّ و جلّ فقال (الَّذِينَ آمَنُوا وَلَمْ يَلْبِسُوا إِيمَانَهُمْ بِظُلْمٍ أُولَئِكَ لَهُمُ الْأَمْنُ وَهُمْ مُهْتَدُونَ) (2) أَلا إِنَّ أَولِياءهُمُ الّذين وصفهُمُ اللّه عزّو جلّ فقال (الّذين يدخُلُون الجنَّة آمِنِين تتلقَّاهُمُ الملائِكَةُ بِالتَّسْلِيمِ أن طبتُم فادخُلُوها خالِدِين) (3) ألا إن أولياءهُمُ الّذين قال لهُمُ اللّه عزّ و جلّ (يدخُلُون الجنَّة...بغيرِ حِساب) (4) ألا إن أعداء هُم يصلون سعِيراً أَلا إِنْ أعداءهُمُ الّذين يسمعُون لِجهنَّم شهيقاً وهِي تَفُورُوها زَفِيرٌ أَلا إِنّ أعداءهُمُ الّذين قال فِيهِم كُلّما دخلت أُمَّةٌ لعنت أُختها (5) الآية ألا إن أعداءهُمُ الّذين قال اللّه عزّ و جلّ ﴿كُلَّما أُلْقِي فِيهَا فَوجٌ سَأَلَهُم خزنتها ألم يأتِكُم نذِيرٌ. قالوا بلى قد جاءنا نذير فكذبنا وقُلنا ما نزَلَ اللّه مِن شَيْءٍ إِن أَنتُم إِلَّا في ضَلالٍ كَبِيرِ) ألا إن أولياءهُمُ (الَّذِينَ يَخْشَوْنَ رَبَّهُمْ بِالْغَيْبِ لَهُمْ مَغْفِرَةٌ وَأَجْرٌ كَبِيرٌ) (6) معاشر النّاس شتّان ما بين السّعِيرِ و الجنَّة عدونا من ذمّهُ اللّه ولعنه و ولِيُّنا من مدحه اللّه وأحبّهُ معاشر النّاسِ ألا و إِنِّي مُنذِرُو علي هادٍ معاشر النَّاسِ إِنِّي ني و عليٌّ وصيّ أَلا إِنْ خاتم الأئمّة مِنَا القائم المهدِيُّ ألا إِنَّهُ الظَّاهِرُ على الدِّينِ ألا إِنَّهُ المنتقمُ مِن الظَّالِمِين أَلا إِنَّهُ فاتِحُ الحُصُونِ و هادِمُها ألا إِنَّهُ قاتِلُ كلّ قبيلةٍ مِن أهل الشرك ألا إنّهُ مُدرك بكل نارٍ لِأُولِياءِ اللّه أَلَا إِنَّهُ النَّاصِرُ لِدِينِ اللّه أَلا إِنَّهُ الغرّافُ فِي بحر عمِيقٍ ألا إِنَّهُ يسِمُّ كلّ ذِي فضل بِفضلِهِ وكُلّ ذِي جهلٍ بِجهلِهِ ألا إِنَّهُ خِيرَةُ اللّه ومُختارُهُ أَلا إِنَّهُ وارِثُ كلّ عِلم والمحيط به ألا إِنَّهُ المخبر عن ربّه عزّ و جلّ و المنيّهُ بِأَمْرِ إِيمانِه أَلا إِنَّهُ الرّشِيدُ السّدِيدُ أَلا إِنَّهُ المفوّضُ إِليهِ ألا إِنَّهُ قد بُشِّربِهِ من سلف بين يديه ألا إِنَّهُ الباقي حُجّةً ولا حُجّة بعده ولا حقّ إلّا معه ولا نُورٍ إِلَّا عِندَهُ أَلَا إِنَّهُ لا غالِب لَهُ و لا منصور عليهِ
ص: 129
ألا و إِنَّهُ ولِيُّ اللّه فِي أَرضِهِ و حكمُهُ فِي خلقِهِ و أَمِينُهُ فِي سِرِّهِ وعلانيته معاشِر النّاسِ قد بيّنتُ لكُم وأفهمتُكُم وهذا عليُّ يُفهِمُكُم بعدِي ألا و إِنِّي عِند انقضاءِ خُطبتي أدعُوكُم إلى مصافقتي على بيعتِهِ والإقرارِ بِهِ ثمّ مُصافقتِهِ بعدِي ألا وإِنِّي قد بايعتُ اللّه وعلي قد بايعني وأنا آخِذُكُم بِالبيعةِ لهُ عنِ اللّه عزّ و جلّ (فَمَنْ نَكَثَ فَإِنَّمَا يَنْكُثُ عَلَى نَفْسِهِ﴾ (1) الآية معاشر النّاسِ إِنّ الحجّ والصفا والمروة و العُمرة من شعائر اللّه (فَمَنْ حَجَّ الْبَيْتَ أَوِ اعْتَمَرَ فَلَا جُنَاحَ عَلَيْهِ أَنْ يَطَّوَّفَ بِهِمَا) (2) الآية معاشر النّاسِ حُجُّوا البيت فما ورده أهل بيتٍ إِلَّا استغنوا ولا تخلّفُوا عنهُ إِلَّا افتقرُوا معاشر النَّاسِ ما وقف بِالموقِفِ مُؤمِنٌ إِلَّا غفر اللّه لَهُ ما سلف مِن ذَنبِهِ إِلى وقتِهِ ذلك فإذا انقضت حجّته استؤنف عمله معاشر النّاسِ الحُجَاجُ مُعاوِنُون ونفقاتهم مُخلّفةٌ و اللّه لا يُضِيعُ أجر المحسنين معاشر النّاسِ حُجُوا البيت بكمال الدِّينِ والتَّفقه ولا تنصرِفُوا عَنِ المشاهِدِ إِلّا بتوبة وإقلاع معاشر النّاسِ (وَأَقِيمُوا الصَّلَاةَ وَآتُوا الزَّكَاةَ) (3) كما أمركُمُ اللّه عزّ و جلّ لئِن طال عليكُمُ الأمد فقصرتُم أو نسيتُم فعليّ ولِيُّكُم و مُبيّنَ لَكُمُ الّذي نصبهُ اللّه عزّ وجلّ بعدي ومن خلفه اللّه مِنّي ومِنهُ يُخبِرُكُم بِما تسألون عنه ويُبيِّنُ لكُم ما لا تعلمون ألا إِنَّ الحلال والحرام أكثر من أن أحصيهما و أعرفهما فآمر بالحلال و أنهى عن الحرام فِي مقام واحِدٍ فأُمِرْتُ أن آخذ البيعة مِنكُم والصفقة لكُم بِقبُولِ ما جِئتُ بِهِ عَنِ اللّه عزّ و جلّ فِي عَلى أَمِيرِ المؤمِنِين والأئمّة مِن بعدِهِ الّذين هُم مِنِّي و مِنهُ أيَّةٌ قائِمةٌ مِنهُمُ المهدِي إِلى يومِ القِيامَةِ الّذي يقضي بالحق معاشر النّاسِ وكُلُّ حلال دللتكم عليهِ أو حرام نهيتُكُم عنهُ فإِنِّي لم أرجع عن ذلك ولم أُبَدِّل ألا فاذكُرُوا ذلك واحفظوه و تواصوا بِهِ ولا تُبَدِّلُوهُ ولا تُغيَرُوهُ أَلا وإِنِّي أُجدِّدُ القول ألا فأقِيمُوا الصّلاة وآتوا الزكاة و أمُرُوا بِالمعروف و انهوا عن المنكر ألا وإن رأس الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر أن تنتهوا إلى قولي وتُبلغُوهُ من لم يحضُر و تأمُرُوهُ بِقَبُولِهِ و تنهوه عن مُخالفتِهِ فَإِنَّهُ أَمر مِن اللّه عزّ و جلّ و مِنِّي و لا أمر
ص: 130
بمعرُوفٍ ولا نهي عن مُنكَرِ إِلَّا مع إِمَامٍ معصُومِ معاشر النّاسِ القُرآنُ يُعرِفُكُم أن الأئمّة من بعدِهِ وُلدُهُ و عَرَفتُكُم أَنَّهُ مِنِّي وأنا مِنهُ حيثُ يقُولُ اللّه فِي كِتَابِهِ (وَجَعَلَهَا كَلِمَةً بَاقِيَةً فِي عَقِبِهِ) (1) وقُلتُ لن تَضِلُّوا ما إن تمسكتم بهما معاشر النّاسِ التَّقوى التقوى احذروا الساعة كما قال اللّه عزّ و جلّ (نَّ زَلْزَلَةَ السَّاعَةِ شَيْءٌ عَظِيمٌ) (2) اذكُرُوا الممات والحساب والموازين والمحاسبة بين يدي ربّ العالمين و القواب و العِقاب فمن جاء بالحسنةِ أُثِيبُ عليها ومن جاء بالسيّئة فليس له فِي الجنانِ نصِيبٌ معاشر النَّاسِ إِنَّكُم أكثرُ مِن أن تُصافقُونِي بِكفٍ واحدةٍ وقد أمرني اللّه عزّ و جلّ أن آخذ مِن ألسنتِكُمُ الإقرار بما عقدت لعلي من إمرة المؤمِنِين ومن جاء بعده من الأئمّة مِنِّي ومِنهُ على ما أعلمتُكُم أن ذُرِّيَّتِي مِن صُلبِهِ فَقُولُوا بِأجمعِكُم إِنَّا سامِعُون مُطِيعُون راضُون مُنقادُون لِما بلغت عن ربَّنا و ربّك فِي أمر علي و أمرِوُلدِهِ مِن صُلبِهِ مِن الأَيَّةِ نُبايِعُك على ذلِك بِقُلُوبِنا وأنفُسِنا وألسنتنا و أيدينا على ذلِك نحيا و نمُوتُ ونُبعث ولا نُغيّرُ ولا تُبدِّلُ ولا نشك ولا نرتاب ولا نرجع عن عهد ولا ننقُضُ الميثاق نُطِيعُ اللّه ونُطِيعُك و عليّاً أمير المؤمِنِين وولده الأئمّة الّذين ذكرتهُم مِن ذُرِّيَّتِكَ مِن صُلبِهِ بعد الحسن والحُسين اللذين قد عرفتُكُم مكانهما مِنِّي ومحلّهُما عِندِي و منزلتهما من ربّي عزو جلّ فقد أدّيتُ ذلك إليكم وإنهما سيدا شباب أهلِ الجنَّة وإِنهما الإمامان بعد أبيهما علي و أنا أبوهما قبله وقُولُوا أطعنا اللّه بذلك وإياك وعليّاً والحسن و الحُسين والأئمّة الّذين ذكرت عهداً و ميثاقاً مأخوذاً لأمير المؤمِنِين مِن قُلُوبِنا وأَنفُسِنا وألسنتنا و مُصافقةِ أيدينا من أدركهُما بِيدِهِ وأقربهما بِلِسانِهِ ولا نبغِي بِذلِك بدلًا ولا نرى مِن أَنفُسِنا عنه حولًا أبداً أشهدنا اللّه وكفى باللّه شهيداً و أنت علينا بِهِ شَهِيدٌ وكُلُّ من أطاع ممّن ظهرو استتر و ملائِكَةُ اللّه وجُنُودُهُ وعبيده واللّه أكبرُ مِن كلّ شهيد معاشر النَّاسِ مَا تَقُولُون فإنّ اللّه يعلمُ كلّ صوتٍ و خافِية كلّ نفسٍ فمن اهتدى ف لِنفسِهِ ومن ضلّ فإِنّما يضِلُّ عليها ومن بايع فإِنّما يُبايِعُ اللّه يدُ اللّه فوق أيديهم معاشر النّاسِ فاتَّقُوا اللّه و بايِعُوا عليّاً
ص: 131
أمير المؤمنين و الحسن و الحُسين والأئمّة كلمةً طيّبةً باقِيةً يُهْلِكُ اللّه من غدر و يرحم اللّه من وفى و (فَمَنْ نَكَثَ فَإِنَّمَا يَنْكُثُ عَلَى نَفْسِهِ﴾ (1) الآية معاشِر النّاسِ قُولُوا الّذي قُلتُ لكُم وسلّمُوا على علي بإمرة المؤمنين و قُولُوا سمعنا وأطعنا غفرانك ربَّنا و إليك المصيرُو قُولُوا (الْحَمْدُ لِلَّهِ الَّذِي هَدَانَا لِهَذَا وَمَا كُنَّا لِنَهْتَدِيَ لَوْلَا أَنْ هَدَانَا اللَّهُ) (2) الآية معاشِرِ النّاسِ إِنّ فضائل عليّ بن أبِي طالِب (عَلَيهِ السَّلَامُ) عند اللّه عزّ و جلّ و قد أنزلها فِي القُرآنِ أكثر من أن أُحصيها فِي مقام واحِدٍ فمن أنبأكُم بها و عرفها فصدِّقُوهُ معاشر الناس من يُطِعِ اللّه ورسوله و عليّاً والأئمّة الّذين ذكرتهم فقد فاز فوزاً عظيماً معاشر النّاسِ السّابِقُونَ السَّابِقُون إِلى مُبايعتِهِ و مُوالاتِهِ والتسليم عليه بإمرة المؤمِنين أُولئِكَ هُمُ الفائزون...
في جنّاتِ النّعِيمِ معاشر النّاسِ قُولُوا ما يرضى اللّه بِهِ عنكُم مِن القولِ ف (إِنْ تَكْفُرُوا أَنْتُمْ وَمَنْ فِي الْأَرْضِ جَمِيعًا) (3)...(فَلَنْ يَضُرَّ اللَّهَ شَيْئًا)(4) اللّهمّ اغفِر لِلمُؤمِنين واغضب على الكافرين و الحمد للّه ربّ العالمين فناداه القومُ سمعنا وأطعنا على أمرِ اللّه وأَمْرِ رَسُولِهِ بِقُلُوبِنا و ألسنتنا و أيدينا و تداكُوا على رسُول اللّه وعلى عليّ (عَلَيهِ السَّلَامُ) فصافقُوا بِأيديهم فكان أوّل من صافق رسُول اللّه (صَلَّى اللّه عَلَيْهِ وَآلِهِ) الأول والثاني والثالث والرابع والخامس وباقي المهاجرين والأنصار وباقي النّاسِ على طبقاتِهِم وقدرِ منازِلِهِم إلى أن صلّيتُ المغرب والعتمة فِي وقتٍ واحدٍ ووصلوا البيعة والمصافقة ثلاثاً ورسُولُ اللّه يَقُولُ كُلّما بايع قوم الحمدُ للّه الّذي فضّلنا على جميع العالمين و صارت المصافَقةُ سُنّةً و رسماً و ربّما يستعملها من ليس له حقّ فِيها. (5)
ص: 132
1- عن جعفر بن محمّد عن أبيه عن آبائِهِ (عَلَيهِم السَّلَامُ) قال: خطب النّاس سلمان الفارسي رحمة اللّه عليه بعد أن دفن النّبيّ (صَلَّى اللّه عَلَيْهِ وَآلِهِ) ثلاثة أيام فقال فيها ألا أيّها النَّاسُ إسمعُوا عَنِّي حَدِيثِي ثمّ اعقِلُوهُ عنِّي ألا وإنِّي أُوتِيتُ عِلماً كثيراً فلو حدّثتُكُم بِكُلّ ما أعلمُ مِن فضائلِ أَمِيرِ المؤمِنِين (عَلَيهِ السَّلَامُ) لقالت طائِفَةٌ مِنكُم هُو مجنُونٌ وقالت طائِفةٌ أُخرى اللّهمّ اغْفِرْ لِقاتِلِ سلمان أَلَا إِنَّ لكُم منايا تتبعها بلايا ألا وإن عند عليّ (عَلَيهِ السَّلَامُ) علم المنايا و البلايا و ميراث الوصايا و فصل الخطاب وأصل الأنساب على مِنهاج هارُون بنِ عِمران مِن مُوسى (عَلَيهِ السَّلَامُ) إِذ يَقُولُ لَهُ رسُول اللّه لى اللّه عليه وله أنت وصيّي فِي أهل بيتي وخليفتي فِي أُمّتي و أنت مِنِّي بِمنزِلَةِ هَارُون مِن مُوسى و لكِنَّكُم أخذتكُم سُنّةُ بَنِي إسرائيل فأخطأتُمُ الحقّ فأنتُم تعلمون ولا تعلمون أما واللّه لتركبن طبقاً عن طبق حذو النّعلِ بِالنّعلِ والقُذَّةِ بِالقُذَّةِ أما والّذي نفسُ سلمان بِيدِهِ لو ولّيتُمُوها عليّاً لأكلتُم من فوقكم ومن تحت أقدامكم ولو دعوتُمُ الطير لأجابتكم فِي جوّ السّماء ولو دعوتُم الحيتان من البحار لأتتكُم ولما عال وليُّ اللّه ولا طاش لكُم سهم مِن فرائضِ اللّه ولا اختلف اثنانِ فِي حُكمِ اللّه و لكن أبيتُم فولّيتُمُوها غيره فأبشِرُوا بِالبلايا و اقنطوا من الرخاء وقد نابذتُكُم على سواء فانقطعت العصمة فيما بيني وبينكُم مِن الولاء عليكُم بِآلِ محمّد (صَلَّى اللّه عَلَيْهِ وَآلِهِ) فإنهم القادة إلى الجنَّة والدُّعاة إليها يوم القيامةِ عليكُم بِأمير المؤمنين عليّ بن أبِي طالِب (عَلَيهِ السَّلَامُ) فواللّه لقد سلمنا عليه بالولاية وإمرة المؤمِنِين مِراراً جمةً مع نبينا كلّ ذلِك يَأْمُرُنَا بِهِ و يُؤكّده علينا فما بال القومِ عرفُوا فضله فحسدُوهُ وقد حسد هابيل قابيل فقتله وكُفَّاراً قد ارتدّت أُمَّهُ مُوسى بن عمران فأمرُ هذِهِ الأُمّة كأمر بَنِي إسرائيل فأين يُذهَبُ بِكُم أيّها النَّاسُ ويحكم ما لنا وأبو فلان وفلان أجَهلتُم أم تجاهلتُم أم حسدتم أم تحاسد ثمّ واللّه لترتدن كفاراً يضرِبُ بعضُكُم رقاب بعض بِالسّيفِ يشهدُ الشَّاهِدُ على النّاجِي بالهلكة ويشهدُ الشَّاهِدُ على الكافر بالنّجاة ألا وإنِّي أظهرتُ أمري وسلّمتُ لِنبيّي واتبعت مولاي و مولى كلّ مُؤْمِنٍ و مُؤمِنَةٍ عليّاً أمير المؤمنين (عَلَيهِ السَّلَامُ) و سيّد الوصيين وقائد الغر المحجلين وإمام الصدّيقين و الشّهداء والصالحين. (1)
ص: 133
1- عن أبي ذر الغفاري أنَّه قال: لَمّا تُوُفِّي رسُول اللّه (صَلَّى اللّه عَلَيْهِ وَآلِهِ) جمع عليّ (عَلَيهِ السَّلَامُ) القرآن وجاء بِهِ إلى المهاجرين والأنصار وعرضه عليهم لما قد أوصاهُ بِذلِك رسُول اللّه (صَلَّى اللّه عَلَيْهِ وَآلِهِ) فَلَمّا فتحه أبو بكر خرج فِي أوّل صفحةٍ فتحها فضائح القومِ فوثب عُمرُو قال يا عليُّ اردده فلا حاجة لنا فِيهِ فأخذه (عَلَيهِ السَّلَامُ) و انصرف ثمّ أحضروا زيد بن ثابِتٍ وكان قارِياً لِلقُرآنِ فقال لهُ عُمرُ إِنَّ عَلِيّاً جاء بِالقُرآنِ وفِيهِ فضائح المهاجرين والأنصارِ وقد رأينا أن نُؤلّف القُرآن و نُسقِط مِنهُ ما كان فضيحةً وهتكاً لِلمُهاجرين والأنصارِ فأجابه زيدٌ إلى ذلِكَ ثمّ قال فإن أنا فرغتُ مِن القُرآنِ على ما سألتُم و أظهر عليُّ القُرآن الّذي ألفه أليس قد بطل كلّ ما عمِلتُم؟ قال عُمرُها الحِيلةُ ؟ قال زيد أنتُم أعلمُ بِالحيلةِ فقال عُمرُ ما حِيلتُهُ دُون أن نقتله و نستريح منه فدبّر فِي قتله على يد خالد بن الوليد فلم يقدر على ذلِك وقد مضى شرحُ ذلِك فلما استخلف عُمرُ سأل عليّاً (عَلَيهِ السَّلَامُ) السلام أن يدفع إليهِمُ القُرآن فيُحرِّفُوهُ فيما بينهم فقال يا أبا الحسنِ إِن جِئتَ بِالقُرآنِ الّذي كُنت قد جئت بِهِ إلى أبي بكر حتّى نجتمع عليه فقال (عَلَيهِ السَّلَامُ) هيهات ليس إلى ذلك سبيل إنّا جِئتُ بِهِ إلى أبي بكر لتقوم الحُجّة عليكم ولا تقُولُوا يوم القيامةِ (إِنَّا كُنَّا عَنْ هَذَا غَافِلِينَ) (1) أو تقُولُوا ما جِئتَنا بِهِ إِنّ القرآن الّذي عِندِي (لَا يَمَسُّهُ إِلَّا الْمُطَهَّرُونَ) (2) و الأوصِياءُ مِن وُلدِي قال عُمرُ فهل لإظهاره وقت معلوم ؟ فقال (عَلَيهِ السَّلَامُ) نعم إذا قام القائِمُ مِن وُلدِي يُظهِرُهُ ويحمِلُ النَّاس عليه فتجري السُّنةُ بِهِ (صَلَّى اللّه عَلَيْهِ وَآلِهِ) و قال سليم بن قيس بينا أنا وحُبشُ بن معمر بمكة إذ قام أبوذر و أخذ بحلقةِ البابِ ثمّ نادى بأعلى صوتِهِ فِي الموسم أيّها النَّاسُ من عرفني فقد عرفني و من جهلني فأنا جندب بن جنادة أنا أبوذرٍ أيّها النَّاسُ إِنِّي قد سمِعتُ نبيّكم يَقُولُ إِنّ مثل أهل بيتِي فِي أُمّتي كمثل سفينة نُوحٍ فِي قومه من ركبها نجا و من تركها غرق و مثل باب حطة فِي بَنِي إسرائيل أيّها النَّاسُ إِنِّي سمعتُ نبيّكم يقُولُ: إِنّي تركتُ فِيكُم أمرين لن تضِلُّوا ما إن تمسّكتم بهما كِتاب اللّه و
ص: 134
أهل بيتِي إِلى آخِرِ الحَدِيثِ فَلَمّا قدِم إلى المدينة بعث إليهِ عُثمان وقال له ما حملك على ما قمت بِهِ فِي الموسم ؟ قال عهد عهده إلي رسُول اللّه (صَلَّى اللّه عَلَيْهِ وَآلِهِ) و أمرني بِهِ فقال من يشهد بذلك؟ فقام عليّ و المقداد فشهدا ثمّ انصرفوا يمشُون ثلاثتهم فقال عُثمانُ إِنّ هذا وصاحِبيه يحسبون أنَّهم فِي شيءٍ. و رُوي أن يوماً من الأيّام قال عُثمان بن عفّان لعليّ بن أبِي طالِب (عَلَيهِ السَّلَامُ) إن تربّصت بي فقد تربّصت مِن هُو خيرٌ مِنّي ومِنك قال عليّ (عَلَيهِ السَّلَامُ) و من هُو خيرٌ مِنِّي ؟ قال أبوبكر و عُمر فقال عليّ (عَلَيهِ السَّلَامُ) كذبت أنا خيرٌ مِنك ومِنهُما عبدتُ اللّه قبلكُم و عبدتُهُ بعدكُم. (1)
1- عن أبي عبدِ اللّه عن أبيه (عَلَيهِمَا السَّلَامُ) عن أمير المؤمنين (عَلَيهِ السَّلَامُ) قال: خرجتُ ذات يوم إلى ظهرِ الكوفة وبين يدي قنبر فقُلتُ لهُ يا قنبرترى ما أرى فقال ضوا اللّه عزّ و جلّ لك يا أمير المؤمِنِين عمّا عمي عنه بصرِي فقُلتُ يا أصحابنا ترون ما أرى فقالوا لا قد ضوا اللّه لك يا أمير المؤمِنِين عمّا عمِي عنه أبصارُنا فقُلتُ والّذي فلق الحبة وبرأ النسمة لترونه كما أراه و لتسمعُن كلامه كما أسمع فما لبثنا أن طلع شيخ عظِيمُ الهامة مدِيدُ القامة له عينانِ بِالطُّولِ فقال السّلامُ عليك يا أمير المؤمنين ورحمة اللّه وبركاتُهُ فقُلتُ مِن أين أقبلت يا لِعِينُ قال مِن الأَنامِ فقُلتُ وأين تُرِيدُ قال الأنام فقُلتُ بِئس الشيخ أنت فقال لم تقُولُ هذا يا أمير المؤمِنِين فواللّه لأُحدّثتك بحدِيثٍ عَنِّي عنِ اللّه عزّ و جلّ ما بيننا ثالِث فقُلتُ يا لِعِينُ عنك عن اللّه عزّوجلّ ما بينكما ثالِثُ قال نعم إِنَّهُ لَمَّا هبطتُ بِخطيئتي إلى السّماء الرابعةِ ناديتُ إِلهِي وسيدي ما أحسبُك خلقت خلقاً هُو أشق مِنّي فأوحى اللّه تبارك وتعالى بلى قد خلقتُ مَن هُو أشق مِنكَ فانطلق إلى مالك يُرِيكه فانطلقتُ إلى مالِكِ فقُلتُ السّلامُ يقرأُ عليك السّلام ويَقُولُ أَرِنِي مَن هُو أشق مِنِّي فانطلق بي مالك إلى النّار فرفع الطبق الأعلى فخرجت نار سوداء ظننتُ أنها قد أكلتني و أكلت مالكاً فقال لها اهدئي فهدأت ثمّ انطلق بي إلى الطبق الثَّاني فخرجت نارهِي أَشدُّ مِن تلك سواداً و أشدُّ حمياً فقال لها اخدي فخمدت إلى أن انطلق بي إلى الطبق السابع وكُلُّ نارِ تخرُجُ مِن طبقٍ هِي أشدُّ مِن الأُولى
ص: 135
فخرجت نارظننتُ أنها قد أكلتني وأكلت مالكاً وجميع ما خلقه اللّه عزّ و جلّ فوضعت يدي على عيني وقُلتُ مُرها يا مالك أن تخمد وإلا خمدت فقال إنك لن تخمد إلى الوقت المعلُومِ فأمرها فخمدت فرأيتُ رجُلين فِي أعناقهما سلاسِلُ النِّيرانِ مُعلَّقِين بِها إِلى فوقُ و على رُءُوسِهِما قومُ معهُم مقامِعُ النِّيرانِ يقمعُونهما بِها فقُلتُ يا مالِكُ من هذان فقال أو ما قرأت على ساق العرش و كُنتُ قبل قد قرأته قبل أن يخلق اللّه الدُّنيا بِألفي عام لا إله إِلَّا اللّه محمّد رسُول اللّه أَيّدتُهُ و نصرتُهُ بِعلي فقال هذانِ مِن أعداء أُولئِكَ أو ظالميهم (1).
1- عنِ الفُضيل بن يسار، قال: قُلتُ لأبي عبدِ اللّه (عَلَيهِ السَّلَامُ): لمن كان الأمرُ حِين قُبض رسُول اللّه قال: لنا أهل البَيتِ فقُلتُ: فكيف صار فِي تيم وعدِي قال : إنك سألت فافهم الجواب، إنّ اللّه (تعالى) لَمّا كتب أن يُفسد فِي الأرض، وتُنكح الفُرُوجُ الحرام، ويُحكم بغير ما أنزل اللّه، خلّا بين أعدائنا وبين مُرادِهِم مِن الدُّنيا حتّى دفعُونا عن حقنا، وجرى الظلم على أيديهم دوننا. (2)
1- قال الإمام العسكري (عَلَيهِ السَّلَامُ) : قال العالم موسى بن جعفر (عَلَيهِمَا السَّلَامُ) إِنَّ رسُول اللّه (صَلَّى اللّه عَلَيْهِ وَآلِهِ) لا أوقف أمير المؤمنين عليّ بن أبِي طالِب (عَلَيهِ السَّلَامُ) فِي يوم الغدير موقفه المشهور المعروف ثمّ قال: يا عِباد اللّه انسُبُوني.
فقالُوا: أنت محمّد بنُ عبدِ اللّه بنِ عبدِ المطلب بن هاشم بن عبد مناف.
ثمّ قال: أيّها النَّاسُ ألستُ أولى بِكُم مِن أَنفُسِكُم ؟ قالوا بلى يا رسُول اللّه.
قال (صَلَّى اللّه عَلَيْهِ وَآلِهِ): مولاكُم أولى بِكُم مِن أَنفُسِكُم قالُوا: بلى يا رسُول اللّه.
فنظر إلى السّماء، وقال: اللّهمّ اشهد يقُولُ هُو ذلِك (صَلَّى اللّه عَلَيْهِ وَآلِهِ) و هم يقُولُون ذلِك ثلاثاً ثمّ قال:
ص: 136
ألا من كُنتُ مولاة و أولى بِهِ، فهذا علي مولاه و أولى بِهِ، اللّهمّ وال من والاه، و عاد من عاداه، و انصر من نصره، واخذُل من خذله.
ثُم قال: قم يا أبابكر، فبايع له بإمرة المؤمنين. فقام فبايع له بإمرة المؤمِنين.
ثُم قال: قم يا عُمرُ، فبايع لهُ بِإمرة المؤمنين. فقام فبايع له بإمرة المؤمنين.
ثمّ قال بعد ذلِك لِتمامِ التِّسعةِ، ثمّ لِرُؤساء المهاجرين والأنصارِ، فبايِعُوا كُلُّهُم.
فقام من بين جماعتِهِم عُمر بن الخطاب، فقال: بخ بخ لك يا ابن أبِي طالِب، أصبحت مولاي و مولى كلّ مُؤمِنٍ و مُؤمِنَةٍ. ثمّ تفرّقُوا عن ذلِك، وقد وكدت عليهِمُ العُهُودُ والمواثيق.
ثُمَّ إِن قوماً مِن مُتمردّيهم وجبابرتهم تواطئُوا بينهم: لئن كانت لمحمّد (صَلَّى اللّه عَلَيْهِ وَآلِهِ) كائنة، ليدفعُنّ هذا الأمر عن علي و لا يتركونه له. فعرف اللّه تعالى ذلِك مِن قبلهم و كانُوا يَأْتُون رسُول اللّه (صَلَّى اللّه عَلَيْهِ وَآلِهِ) و يقُولُون: لقد أقمت علينا أحبّ (خلق الله) إلى اللّه وإليك وإلينا، كفيتنا بِهِ مئونة الظلمة لنا و الجائرين فِي سياستِنا، وعلم اللّه تعالى مِن قُلُوبِهِم خِلاف ذلك، و مِن مُواطاةِ بعضهم لبعض أنَّهم على العداوة مُقِيمُون، ولِدفعِ الأَمرِ عن مُستحِقِّهِ مُؤثِرُون.
فأخبر اللّه عزّ و جلّ محمّداً عنهم، فقال : يا محمّد و مِن النّاسِ مَن يَقُولُ آمَنَّا بِاللّه الّذي أمرك ينصب علي إماماً، وسائِساً لِأُمتك و مُدبّراً و ما هُم بِمُؤْمِنِين بِذلِك، ولكنهم يتواطئُون على إهلاكك و إهلاكِهِ، يُوطِئُون أَنفُسهُم على التمرُّد على عليّ (عَلَيهِ السَّلَامُ) إن كانت بك كائنة.
قال (عَلَيهِ السَّلَامُ) : فاتصل ذلِك مِن مُواطاتِهِم وقيلهم فِي عليّ (عَلَيهِ السَّلَامُ)، وسوء تدبيرهم عليه بِرسُولِ اللّه (صَلَّى اللّه عَلَيْهِ وَآلِهِ)، فدعاهم وعاتبهم، فاجتهدوا فِي الأيمان.
و قال أوّلُهم : يا رسُول اللّه واللّه ما اعتددتُ بِشيءٍ كاعتدادِي بِهذه البيعة، ولقد رجوتُ أن يفسح اللّه بِها لِي فِي قُصُورِ الجِنانِ، ويجعلني فيها مِن أفضلِ النُّزالِ والسُّكّانِ.
وقال ثانيهم: بأبي أنت وأمي يا رسُول اللّه ما وثقتُ بِدُخُولِ الجنَّة، والنّجاةِ مِن النّار إِلَّا بِهَذِهِ البيعة، واللّه ما يسُرُّني إن نقضتُها أو نكثتُ بعد ما أعطيتُ من نفسي ما أعطيتُ، وإن كان لي طلاع ما بين القرى إلى العرش لآلي رطبة و جواهِرُ فاخرة.
وقال ثالِثُهم: واللّه يا رسُول اللّه لقد صِرتُ مِن الفرحِ بِهذِهِ البَيعَةِ مِن السُّرُورِ
ص: 137
و الفسح من الآمالِ فِي رِضوان اللّه ما أيقنتُ أنّهُ لو كانت ذُنُوبُ أَهلِ الأَرْضِ كُلُّها علي لحصت عنِّي بهذه البيعة.
و حلف على ما قال من ذلك، ولعن من بلّغ عنهُ رسُول اللّه (صَلَّى اللّه عَلَيْهِ وَآلِهِ) خلاف ما حلف عليه.
ثمّ تتابع مِثلِ هذا الاعتذارِ مِن بعدِهِم مِن الجبابرة و المتمرِّدِين.
فقال اللّه عزّ و جلّ لِلمحمّد (صَلَّى اللّه عَلَيْهِ وَآلِهِ) يُخادِعُون اللّه يعني يُخادِعُون رسُول اللّه (صَلَّى اللّه عَلَيْهِ وَآلِهِ) بِأَيمانهم خلاف ما فِي جوانحهم. و الّذين آمَنُوا كذلِك أيضاً الّذين سيِّدُهُم وفَاضِلُهُم عليّ بن أبِي طالِب (عَلَيهِ السَّلَامُ) ثمّ قال:
وما يخدعُون إِلّا أنفُسهُم وما يَضُرُّون بِتِلك الخديعةِ إِلّا أنفُسهُم، فَإِنَّ اللّه غني عنهم وعن نُصرتِهم، ولولا إمهاله لهم لما قدرُوا على شيءٍ مِن فُجُورِهِم وطغيانِهِم و ما يشعُرُون أن الأمر كذلك، وأن اللّه يُطلِعُ نبيّه على نِفاقهم و كذبهم و كُفْرِهِم ويَأْمُرُهُ بِلعنهم فِي لعنةِ الظَّالِمِين النَّاكِثِين، وذلك اللعنُ لا يُفارِقُهُم فِي الدُّنيا يلعنُهُم خِيارُ عِبادِ اللّه، وفِي الآخِرَةِ يُبتَلُونَ بِشدَائِدِ عقاب اللّه.
قال (عَلَيهِ السَّلَامُ) : إِنّ رسُول اللّه (صَلَّى اللّه عَلَيْهِ وَآلِهِ)، لما اعتذر هؤلاء المنافِقُون بما اعتذرُوا، تكرّم عليهم بأن قبل ظواهِرهُم ووكل بواطنهم إلى ربّهم، لكن جبرئيل (عَلَيهِ السَّلَامُ) أتاه فقال:
يا محمّد إن العلي الأعلى يقرأُ عليك السلام ويقُولُ: اخرُج بِهؤُلاء المردةِ الّذين اتصل بِك عنهم فِي عليّ (عَلَيهِ السَّلَامُ) : على نكثِهم لبيعتِهِ، وتوطينِهِم نُفُوسهم على مُخالفتهم عليّاً ليظهر من عجائِبِ ما أكرمه اللّه بِهِ، مِن طواعية الأرضِ و الجِبالِ و السّماء له وسائِرِ ما خلق اللّه لَا أوقفه موقفك و أقامه مقامك ليعلمُوا أن ولي اللّه عليّاً، غني عنهم، وأنَّهُ لَا يَكُفُّ عَنهُمُ انتِقَامَهُ مِنهُم إِلَّا بِأَمْرِ اللّه الّذي لَهُ فِيهِ وفِيهِمُ التّدبِيرُ الّذي هُو بالِغُهُ، والحكمةُ الّتي هُو عَامِلٌ بِها ومُمضِ لِما يُوجِبُها.
فأمر رسُول اللّه (صَلَّى اللّه عَلَيْهِ وَآلِهِ) الجماعة من الّذين اتصل بِهِ عنهم ما اتصل فِي أمر عليّ (عَلَيهِ السَّلَامُ) و المواطاة على مُخالفتِهِ بِالخروج.
فقال لعليّ (عَلَيهِ السَّلَامُ) لما استقر عند سفح بعض جبال المدينة: يا عليُّ إِنَّ اللّه عزّ و جلّ أمر هؤُلاءِ بِنُصرتك و مساعدتك، والمواظبة على خدمتِك، والجدّ فِي طاعتِك، فإن أطَاعُوك فهُو خيرٌ لهم،
ص: 138
يصِيرُون فِي جِنانِ اللّه مُلُوكاً خالِدِين ناعِمِين، وإن خالفوك فهُو شر لهم، يصِيرُون فِي جهنَّم خالِدِين مُعَذِّبِين.
ثم قال رسُول اللّه (صَلَّى اللّه عَلَيْهِ وَآلِهِ) لتلك الجماعة: إعلمُوا أَنْكُم إِن أطعتُم عليّاً (عَلَيهِ السَّلَامُ). السلام سعدتُم و إن خالفتُمُوهُ شَقِيتُم، و أغناهُ اللّه عنكُم بِمن سيُرِيكُمُوهُ، وبما سيُرِيكُمُوهُ.
ثمّ قال رسُول اللّه (صَلَّى اللّه عَلَيْهِ وَآلِهِ) : يا علي سل ربّك بِجاهِ محمّد وآلِهِ الطَّيِّبين، الّذين أنت بعد محمّد سيّدُهُم، أن يُقلب لك هذِهِ الجبال ما شئت.
فسأل ربّه تعالى ذلك فانقلبت فِضّةً.
تم نادته الجبالُ: «يا عليُّ يا وصيّ رسُول ربّ العالمين إنّ اللّه قد أعدنا لك إن أردت إنفاقنا فِي أمرك، فمتى دعوتنا أجبناك لِتُمضي فينا حُكمك، وتُنفذ فينا قضاءك» ثمّ انقلبت ذهباً أحمر كُلُّها، وقالت مقالة الفِضَّةِ، ثمّ انقلبت مسكاً و عنبراً [ وعبيراً] و جواهر و يواقيت، وكُلُّ شيءٍ مِنها ينقَلِبُ إِليهِ يُنادِيهِ:
يا أبا الحسنِ يا أخا رسُول اللّه (صَلَّى اللّه عَلَيْهِ وَآلِهِ) نحن المسخّراتُ لك، ادعُنا متى شئت لِتُنفقنا فيما شِئت نُجبك، ونتحوّل لك إلى ما شئت.
ثم قال رسُول اللّه (صَلَّى اللّه عَلَيْهِ وَآلِهِ): أرأيتُم قد أغنى اللّه عزّ و جلّ علياً بما ترون عن أموالِكُم ثمّ قال رسُول اللّه (صَلَّى اللّه عَلَيْهِ وَآلِهِ): بيا على سل اللّه عزّ و جلّ بمحمّد وآله الطيبين الّذين أنت سيدهم بعد محمّد رسُول اللّه أن يُقلب لك أشجارها رجالاً شاكي الأسلحة، وصُحُورها أُسوداً و نُشُوراً و أفاعي.
فدعا اللّه علي بذلك، فامتلأت تلك الجبال والهضاب وقرار الأرضِ مِن الرّجالِ الشاكي الأسلحةِ الّذين لا يغِي بِواحِدٍ مِنهُم عشرة آلافٍ مِن النّاسِ المعهودين، ومِن الأُسُودِ والنُّمُورِ و الأفاعي حتّى طبقت تلك الجبال والأرضُون والحِصَابُ بِذلِك وكُلُّ يُنادِي:
يا عليُّ يا وصيّ رسُول اللّه، ها نحن قد سخّرنا اللّه لك، و أمرنا بإجابتك كُلّما دعوتنا إلى اصطلامِ كلّ من سلطتنا عليه، فمتى شئت فادعُنا نحبك، وبما شئت فأمرنا بِهِ نُطِعك.
يا عليُّ يا وصيّ رسُول اللّه إِنّ لك عِند اللّه مِن الشّأنِ العظيم ما لو سألت اللّه أن يُصيّر لك أطراف الأرضِ و جوانبها هيئةً واحِدةً كصُرَةِ كيس لفعل، أو يحط لك السّماء إلى الأرض لفعل، أو يرفع
ص: 139
لك الأرض إلى السّماء لفعل، أو يُقلّب لك ما فِي بِحارِها الأجاج ماءً عذباً أو زئبقا بانا، أو ما شِئت من أنواع الأشرِبةِ والأدهانِ لفعل.
ولو شئت أن يُجمّد البحار و يجعل سائر الأرضِ هِي البِحار لفعل، فلا يحزنك تمرد هؤلاء المتمرِّدِين، وخِلافُ هؤلاء المخالفين، فكأنّهُم بِالدُّنيا إذا انقضت عنهم كأن لم يكُونُوا فِيها و كأنهم بِالآخِرة إذا وردت عليهم كأن لم يزالوا فيها.
يا عليُّ إِنَّ الّذي أمهلهم مع كُفْرِهِم وفِسقِهِم فِي تمرُّدِهِم عن طاعتك هُو الّذي أمهل فرعون ذا الأوتاد، و نمرود بن كنعان، و من ادعى الإلهية من ذوي الطغيانِ وأطغى الطغاة إبليس رأس الضلالات.
و ما خُلِقت أنت ولا هُم لِدارِ الفناء، بل خُلِقتُم لِدارِ البقاء، ولَكِنَّكُم تُنقلون مِن دارٍ إِلى دارٍ، و لا حاجة لربّك إلى من يسُوسُهُم ويرعاهم و لكنّه أراد تشريفك عليهم، و إبانتك بالفضل فيهم ولو شاء لهداهم.
قال (عَلَيهِ السَّلَامُ) : فمرضت قُلُوبُ القومِ لِما شاهدُوهُ مِن ذلِك، مُضافاً إلى ما كان فِي قُلُوبِهِم مِن مرضِ حسدِهِم له ولعلي بن أبِي طالِب (عَلَيهِ السَّلَامُ) فقال اللّه عِند ذلك.
فِي قُلُوبِهم مرضٌ أي فِي قُلُوبِ هؤلاء المتمرِّدِين الشّاكِين الناكثين لما أخذت عليهم من بيعة عليّ بن أبِي طالِب (عَلَيهِ السَّلَامُ) فزادهم اللّه مرضاً بحيثُ تاهت لهُ قُلُوبُهُم جزاءً بِما أريتهُم مِن هَذِهِ الآيات و المعجزاتِ ولهم عذابٌ أَلِيمٌ بِما كانُوا يكذِبُون محمّداً و يكذِبُون فِي قولهم: إنا على البيعةِ والعهدِ مُقِيمُون. قال الإمام (عَلَيهِ السَّلَامُ) : قال العالم موسى بن جعفر (عَلَيهِمَا السَّلَامُ) وإذا قيل لهؤُلاءِ النَّاكِثِين للبيعةِ فِي يومِ الغدِيرِ لا تُفْسِدُوا فِي الأرضِ بإظهارِ نكثِ البيعةِ لِعِبادِ اللّه المستضعفين فتُشوّشون عليهم دينهم، وتُحيّرونهم فِي مذاهبهم.
قالُوا إِنّما نحنُ مُصْلِحُون لأننا لا نعتقدُ دِين محمّد ولا غيردِينِ محمّد و نحنُ فِي الدِّينِ مُتحيّرُون فنحنُ نرضى فِي الظَّاهِرِ بِمحمّد بإِظهارِ قبُولِ دِينِهِ و شریعتِهِ، و نقضي فِي الباطن إلى شهواتنا، فنتمتعُ و نترقهُ ونُعتِقُ أَنفُسنا مِن رِقّ محمّد، ونفُكُّها مِن طاعةِ ابنِ عَمِّهِ علي، لكي إِن أُدِيل في الدُّنيا كُنا قد توجّهنا عِنده، وإِنِ اضمحل أمرُهُ كُنّا قد سلمنا (مِن سبي) أعدائِهِ.
ص: 140
قال اللّه عزّ و جلّ (ألا إِنَّهُم هُمُ المفسِدُون) (1) بِما يَقُولُون مِن أُمُورِ أَنْفُسِهِم لِأَنَّ اللّه تعالى يُعرِفُ نبيّه (صَلَّى اللّه عَلَيْهِ وَآلِهِ) نفاقهم، فهُو يلعنُهُم ويأمُرُ المؤمِنِين بِلعنهم، ولا يثق بهم أيضاً أعداء المؤمِنِين، لأنهم يظُنُّون أنّهُم يُنافِقُونهم أيضاً، كما يُنافِقُون أصحاب محمّد (صَلَّى اللّه عَلَيْهِ وَآلِهِ).
فلا يُرفعُ لهُم عِندهُم منزِلةٌ، ولا يحلُّون عِندهم محلّ أهل الثّقة.
قال (عَلَيهِ السَّلَامُ) وإذا قيل لهؤلاء النَّاكِثِين للبيعةِ قال لهم خِيارُ المؤمنين كسلمان والمقداد وأبي ذرّو عمّار: آمِنُوا بِرسُولِ اللّه و بِعلي الّذي أوقفه موقفه، و أقامه مقامه، وأناط مصالح الدِّينِ والدُّنيا كلها به.
فآمِنُوا بِهذا النّبي، وسلّمُوا هذا الإمامِ فِي ظاهِرِ الأمرِ و باطِنِهِ كما آمن الناس المؤمِنُون كسلمان و المقداد وأبي ذرّو عمّار.
قالُوا: فِي الجوابِ لمن يقُصُّون إليهِ لا لهؤلاء المؤمِنِين فإنهم لا يجترون على مكاشفتهم بهذا الجوابِ، ولكنّهم يذكُرُون لمن يقُصُّون إليهِم مِن أهْلِيهِمُ الّذين يثقون بِهِم مِن المنافِقِين، ومِن المستضعفين و من المؤمِنِين الّذين هُم بِالسّترِ عليهم واثِقُون فيقُولُون لهم.
أنُؤْمِنُ كما آمن السُّفهاء يعنُون سلمان وأصحابه لَمّا أعطوا عليّاً خالص وُدّهم، ومحض طاعتِهم، وكشفُوا رُءُ وسهُم بِمُوالاةِ أَولِيائِهِ و مُعاداة أعدائه حتّى إذا اضمحل أمر محمّد (صَلَّى اللّه عَلَيْهِ وَآلِهِ) طحطحهم أعداؤه، وأهلكهم سائر الملوك والمخالفين لمحمّد (صَلَّى اللّه عَلَيْهِ وَآلِهِ) أي فهم بهذا التّعرُّض لأعداءِ محمّد جاهِلُون سفهاء، قال اللّه عزّ و جلّ :
ألا إِنَّهُم هُمُ السُّفهاء الأخِفّاءُ العُقُولِ والآراء، الّذين لم ينظُرُوا فِي أمر محمّد (صَلَّى اللّه عَلَيْهِ وَآلِهِ) حقّ النظرِ فيعرِفُوا نُبُوّته، ويعرِفُوا بِهِ صحّة ما ناطه بعليّ (عَلَيهِ السَّلَامُ) من أمرِ الدِّينِ والدُّنيا، حتّى بقوا لتركهم تأمل حجج اللّه جاهِلِين، وصاروا خائفين وجلين من محمّد (صَلَّى اللّه عَلَيْهِ وَآلِهِ) وذويه و مِن مُخالفيهم، لا يأمنُون أَيُّهُم يغلِبُ فيهْلِكُون معه، فهُمُ السُّفهاء حيثُ لا يُسلَّمُ هُم بِنِفاقِهِم هذا لا محبّة محمّد و المؤمِنِين، و لا محبّة اليهودِ وسائر الكافِرِين.
ص: 141
لأنهم به وبهم يُظهِرُون لمحمّد (صَلَّى اللّه عَلَيْهِ وَآلِهِ) من مُوالاتِهِ و مُوالاةِ أَخِيهِ عليّ (عَلَيهِ السَّلَامُ) و مُعاداة أعدائهم اليهود والنصارى و النَّواصِبِ. كما يُظهِرُون هُم مِن مُعاداة محمّد و علي (صَلَّى اللّه عَلَيْهِ وَآلِهِ) و مُوالاةِ أعدائهم، فهم يقدِرُون فِيهِم أنّ نِفاقهم معهم كنفاقهم مع محمّد و علي (عَلَيهِمَا السَّلَامُ).
ولكن لا يعلمون أن الأمر كذلك، وأن اللّه يُطلِعُ نبيّه (صَلَّى اللّه عَلَيْهِ وَآلِهِ) على أسرارهم فيخشهم و يلعنُهُم ويُسقِطْهُم. [قال الإمام] (عَلَيهِ السَّلَامُ) : قال موسى بن جعفر (عَلَيهِمَا السَّلَامُ) «و إِذا لَقُوا» هؤلاء النَّاكِثُون للبيعةِ، المواطِئُون على مُخالفة عليّ (عَلَيهِ السَّلَامُ) و دفع الأمر عنه.
الّذين آمَنُوا قالُوا آمنا كإيمانِكُم، إذا لقوا سلمان والمقداد و أباذر و عماراً .
قالُوا لهم: آمنا بمحمّد (صَلَّى اللّه عَلَيْهِ وَآلِهِ) وسلمنا له بيعة عليّ (عَلَيهِ السَّلَامُ) وفضله، وانقدنا لأمره كما آمنتُم.
و إِنّ أوّلهم وثانيهم و ثالثهم إلى تاسِعِهِم رُبّما كانُوا يلتقون فِي بعض طرقهم مع سلمان و أصحابه، فإذا لقُوهُم اشمأزوا منهم، و قالُوا: هؤلاء أصحابُ السّاحِرِ و الأهوج يعنُون محمّداً و عليّاً صلى اللّه عليهما وألهما.
ثُمّ يقُولُ بعضُهُم [ لبعض]: احترِزُوا مِنهُم لا يقفُون مِن فلتات كلامِكُم على كُفر محمّد فِيما قاله فِي علي، فينموا عليكم فيكُون فِيهِ هلاكُكُم، فَيَقُولُ أَوهُم:
انظُرُوا إِليَّ كيف أسخرُ مِنهُم، وأكُفُّ عادِيتهم عنكُم.
فإذا التقوا، قال أولهم: مرحباً بِسلمان ابن الإسلام الّذي قال فِيهِ محمّد سيد الأنام «لوكان الدِّينُ مُعلّقاً بِالقُريا لتناولهُ رِجالٌ مِن أبناء فارس، هذا أفضلُهُم» يعنيك.
وقال فيه: (سلمانُ مِنّا أهل البيتِ)، فقرنهُ بِجبرئيل الّذي قال له يوم العباءِ لَمَّا قال لِرَسُولِ اللّه (صَلَّى اللّه عَلَيْهِ وَآلِهِ): و أنا مِنكُم فقال: «و أنت مِنّا»، حتّى ارتق جبرئيل إلى الملكُوتِ الأعلى يفتخِرُ على أهلِهِ ويَقُولُ: من مِثلي بخ بخ و أنا مِن أهل بيتِ محمّد (صَلَّى اللّه عَلَيْهِ وَآلِهِ).
ثمّ يقُولُ لِلمقداد: مرحباً بك يا مِقداد، أنت الّذي قال فيك رسُول اللّه (صَلَّى اللّه عَلَيْهِ وَآلِهِ) لعليّ (عَلَيهِ السَّلَامُ) : يا عليُّ المِقدادُ أَخُوكَ فِي الدِّينِ وقد قدّ مِنك فكأنه بعضُك، حُبّاً لك، وبغضاً لأعدائك و مُوالاةً لأوليائك، لكن ملائِكَةُ السّماواتِ والحُجُبِ أكثرُ حُبّاً لك مِنكَ لِعليّ (عَلَيهِ السَّلَامُ)، و وأشدُّ بُغضاً
ص: 142
على أعدائك منك على أعداء عليّ (عَلَيهِ السَّلَامُ) فطوباك ثمّ طُوباك.
ثُمَّ يَقُولُ لِأَبِي ذَرٍ: مرحباً بِك يا أباذر أنت الّذي قال فيك رسُول اللّه (صَلَّى اللّه عَلَيْهِ وَآلِهِ):
ما أقلتِ الغبراء و لا أظلّتِ الخضراء على ذِي لهجةٍ أصدق من أبي ذرٍ.
قيل: بما ذا فضّله اللّه تعالى بهذا وشرفه قال رسُول اللّه (صَلَّى اللّه عَلَيْهِ وَآلِهِ): لأنَّه كان بفضل علي أخِي رسُول اللّه قوّالا، و لهُ فِي كلّ الأحوالِ مداحاً، ولِشانئيه وأعدائِهِ شانِئاً، ولِأُولِيائِهِ وَأَحِبَائِهِ مُوالِياً، [و] سوف يجعله اللّه عزّ و جلّ فِي الجِنانِ مِن أفضلِ سُكّانِها، ويخدُمُهُ ما لا يعرِفُ عدده إلّا اللّه من وصائِفها و غلمانها و ولدانِها.
ثُمَّ يَقُولُ لِعمّار بن ياسر: أهلا و سهلا و مرحباً بك يا عمّار، نِلت بِمُوالاةِ أَخِي رسُول اللّه مع أنك وادِعٌ، رافِةٌ لا تزيدُ على المكتوباتِ والمسنُوناتِ مِن سائر العباداتِ ما لا ينالُهُ الكادُّ بدنه ليلًا و نهاراً، يعني اللّيل قياماً والنهار صياماً، والباذل أمواله و إن كانت جميع أموالِ الدُّنيا لَهُ.
مرحباً بك قد رضيك رسُول اللّه (صَلَّى اللّه عَلَيْهِ وَآلِهِ) لعلي أخِيهِ مُصافِياً، وعنهُ مُناوِياً حتّى أخبر أنك ستُقتل فِي محبّتِهِ، وتُحشرُيوم القيامةِ فِي خِيارِ زُمرتِهِ، وفقني اللّه تعالى لمثل عملك وعمل أصحابك ممّن يُوفّرُ على خدمة محمّد رسُول اللّه (صَلَّى اللّه عَلَيْهِ وَآلِهِ)، و أخي محمّد علي ولي اللّه، و مُعاداة أعدائهما بالعداوة، و مُصافاة أوليائهما بالموالاة والمتابعة سوف يُسعدنا اللّه يومنا هذا إذا التقيناكم.
فيقبلُ سلمان وأصحابه ظاهِرهُم كما أمرهم اللّه، ويجوزُون عنهم.
فيَقُولُ الأول لأصحابِهِ:
كيف رأيتُم سُخرِيَّتِي بهؤلاء، وكفّي عادِيتهم عني وعنكم !
فيقُولُون: لا تزالُ بِخير ما عشت لنا. فيقُولُ لهم فهكذا فلتكن مُعاملتكم لهم إلى أن تنتهزوا الفرصة فيهم مثل هذا فإن اللبّيب العاقِل من (تجرّع على الغُصّة حتّى ينال الفُرصة.
ثُمَّ يَعُودُون إلى أخدانِهِم مِن المنافِقِين المتمرِّدِين المشاركين لهم فِي تكذِيبِ رسُول اللّه (صَلَّى اللّه عَلَيْهِ وَآلِهِ) فيما أداه إليهم عن اللّه عزّ و جلّ مِن ذِكرِ و تفضيل أمير المؤمنين (عَلَيهِ السَّلَامُ) ونصبه إماماً على كافة المكلّفين.
«قالُوا هُم إِنَّا معكم إنما نحن» على ما واطأناكُم عليه من دفع علي عن هذا الأمر إن كانت
ص: 143
لمحمّد كائِنَةٌ، فلا يغُرّنّكُم ولا يهولنّكُم ما تسمعُونهُ مِنّا مِن تقريظهم و ترونا نجترى عليهم من مداراتهم ف «إنما نحنُ مُستهزون» بهم.
فقال اللّه عزّ و جلّ: يا محمّد «اللّه يستهزئ بهم» [و] يُجازيهم جزاء استهزائهم فِي الدُّنيا والآخِرَةِ «ويمدُّهُم فِي طُغيانِهِم» يُمهِلُهُم ويتأنّى بِهِم بِرِفقِهِ، ويدعُوهُم إلى التوبة، ويعِدُهُم إذا تابوا المغفرة [ و هم] «يعمهون» لا ينزعُون عن قبيح، ولا يتركون أَذًى لِمحمّد (صَلَّى اللّه عَلَيْهِ وَآلِهِ) و علي يُمكنُهُم إيصالُهُ إِليهما إِلّا بلغُوهُ.
قال الإمام العالم (عَلَيهِ السَّلَامُ) : فأما استهزاء اللّه تعالى بهم فِي الدُّنيا فهُو أنَّه مع إجرائِهِ إِيَّاهُم على ظاهر أحكام المسلمين لإظهارهم ما يُظهرونه من السمع والطاعة والموافقة يأمُرُ رسُول اللّه (صَلَّى اللّه عَلَيْهِ وَآلِهِ) بالتعريض لهم حتّى لا يخفى على المخلصين من المرادِ بِذلِك التعريض، ويَأْمُرُهُ بلعنهم.
و أمّا استهزاؤُهُ بِهم فِي الآخِرة فهُو أنّ اللّه عزّ و جلّ إذا أقرهُم فِي دارِ اللعنة والهوانِ وعذبهُم بِتِلك الألوان العجيبة من العذاب، و أقر هولاء المؤمِنين فِي الجنان بحضرة محمّد (صَلَّى اللّه عَلَيْهِ وَآلِهِ) صفي الملكِ الدّيانِ، أطلعهم على هؤلاء المستهزءين الّذين كانوا يستهزءون بهم فِي الدُّنيا حتّى يروا ما هُم فِيهِ مِن عجائِبِ اللعائِنِ وبدائِعِ النّقِماتِ، فتكُونُ لذّتُهُم وسُرُورُهُم بِشماتتهم بهم، كما كان لذتهم و سُرُورُهُم بِنعِيمِهِم فِي جِنانِ رَبِّهِم.
فالمؤمِنُون يعرِفُون أُولئِكَ الكافِرِين والمنافِقِين بأسمائهم وصِفاتِهم، وهم على أصناف:
مِنهُم مَن هُو بين أنيابٍ أَفَاعِيها تمضغُهُ.
ومِنهُم مَن هُو بين مَخَالِبِ سَباعِها تعبثُ بِهِ و تفترِسُه.
و مِنهم من هُو تحت سِياطِ زبانيتها و أعمدتها و مرزباتِها تقعُ مِن أيدِيها عليهِ [ما] تُشدِّدُ فِي عذابِهِ، وتُعظِمُ خِزيه ونكاله.
و مِنهُم من هُو فِي بِحارِ حِمِيمِها يغرقُ، ويسحب فيها.
ومِنهُم من هُو فِي غِسلِينِها و غسّاقِها يزجُرُهُ فِيها زبانِيتُها.
ومنهم من هُو فِي سائر أصنافِ عذابِها.
والكافِرُون والمنافِقُون ينظُرُون، فيرون هؤلاء المؤمِنِين الّذين كانُوا بِهِم فِي الدُّنيا يسخرون لِما كانُوا مِن مُوالاةِ محمّد وعلي وألهما (صَلَّى اللّه عَلَيْهِ وَآلِهِ) يعتقدون ویرون :
ص: 144
منهم من هُو على فُرُشِها يتقلّبُ.
ومِنهُم من هُو فِي فواكهها يرتعُ.
ومنهم من هُو فِي عُرفها أو فِي بساتينها و منتزهاتها [ متنزّهاتها] يتبحبح، والحور العين و الوصفاء و الولدان والجواري والغلمان قائمون بحضرتهم، وطائِفُون بالخدمة حواليهم، و ملائِكَةُ اللّه عزّوجلّ يأْتُونهُم مِن عِندِ ربّهِم بِالحِباءِ والكرامات و عجائِبِ التحف والهدايا و المبراتِ يَقُولُون [لهم]:
(سَلَامٌ عَلَيْكُمْ بِمَا صَبَرْتُمْ فَنِعْمَ عُقْبَى الدَّارِ) (1)
فيقُولُ هؤلاء المؤمِنُون المشرِفُون على هؤلاء الكافِرِين المنافِقِين : يا فُلانُ ! و يا فُلانُ ! ويا فُلانُ !
حتى يُنادونهم بأسمائهم ما بالكم فِي مواقِفِ خِزيِكُم ماكِتُون هلموا إلينا نفتح لكم أبواب الجنان لتخلّصوا من عذابِكُم، وتلحقُوا بِنا فِي نعيمها.
فيقُولُون: يا ويلنا أنّى لنا هذا فيقولُ المؤمنون: انظُرُوا إِلى هذِهِ الأبوابِ. فينظُرُون إلى أبوابِ مِن الجِنانِ مُفتحةً يُخيّل إليهم أنها إلى جهنَّم الّتي فيها يُعذِّبُون، ويقدِرُون أنَّهم يتمكنون أن يتخلّصوا إليها، فياخُذُون بِالسّباحة فِي بِحارِ حِميمِها، وعدواً بين أيدِي زَبانِيتِها وهُم يلحقونهم ويضرِبُونهم بأعمدتهم و مرزباتِهم وسِياطِهِم، فلا يزالون هكذا يسيرون هناك وهذه الأصناف من العذابِ تمسُّهُم، حتّى إذا قدروا أن قد بلغُوا تِلك الأبواب وجدوها مردُومةً عنهم وتُدهدِهُهُمُ الزبانية بأعمدتها فتنكُسُهُم إلى سواء الجحيم ويستلقي أُولئِك المؤمِنُون على فُرُشِهِم فِي مجالِسِهِم يضحكون مِنهُم مُستهزءين بهم فذلك قولُ اللّه تعالى (اللّه يستهزِئُ بِهِم) (2)، وقولُهُ عزّوجلّ: (فَالْيَوْمَ الَّذِينَ آمَنُوا مِنَ الْكُفَّارِ يَضْحَكُونَ * عَلَى الْأَرَائِكِ يَنْظُرُونَ) (3) و (4)
ص: 145
2 - عن أحمد بن همام قال: أتيتُ عُبادة بن الصّامِتِ فِي ولاية أبي بكر فقُلتُ: يا أبا عُمارة! كان النّاسُ على تفضيل أبي بكر قبل أن يستخلف؟
فقال: يا أبا ثعلبة ! إذا سكتنا عنكم فاسكُتُوا ولا تبحثوا فواللّه لعلي بن أبِي طالِب كان أحق بالخلافة من أبي بكر كما كان رسُول اللّه (صَلَّى اللّه عَلَيْهِ وَآلِهِ) أحق بِالنُّبُوَّةِ مِن أبي جهل قال: وأزيدك إِنَّا كُنا ذات يوم عند رسُول اللّه (صَلَّى اللّه عَلَيْهِ وَآلِهِ) فجاء عليّ (عَلَيهِ السَّلَامُ) و أبوبكر و عُمرُ إِلى بابِ رسُول اللّه (صَلَّى اللّه عَلَيْهِ وَآلِهِ)، فدخل أبوبكر ثمّ دخل عُمرُثُم دخل عليّ (عَلَيهِ السَّلَامُ) على إثرهما فكأنما شفني على وجهِ رسُول اللّه (صَلَّى اللّه عَلَيْهِ وَآلِهِ) الرّمادُ ثمّ قال: يا عليُّ ! أيتقدّمانِك هذان وقد أمرك اللّه عليهما ؟! قال أبوبكر: نسِيتُ يا رسُول اللّه، و قال عُمرُ: سهوتُ يا رسُول اللّه.
فقال رسُول اللّه (صَلَّى اللّه عَلَيْهِ وَآلِهِ): ما نسيتُما ولا سهوتُما، وكأنّي بِكُما قدِ استلبتُما ملكه و تحاربتُما ولته الكبر ويقال عنه الثمينة عليه، وأعانكما على ذلك أعداء اللّه وأعداء رسُولِهِ، وكأنّي بِكُما قد تركتما المهاجرين و الأنصار بعضُهُم يضرِبُ وُجُوه بعض بِالسَّيفِ على الدُّنيا، ولكأنِّي بِأَهلِ بيتي وهُمُ المقهورُون المتشتتون فِي أقطارها، وذلك لأمر قد قُضِي..
ثُم بكى رسُول اللّه (صَلَّى اللّه عَلَيْهِ وَآلِهِ) حتّى سالت دُمُوعُهُ، ثمّ قال: يا عليُّ ! الصّبر.. الصبر.. حتّى ينزل الأمرُ ولا قُوَّة إِلَّا بِاللّه العلي العظيم، فإنّ لك من الأجر فِي كلّ يومٍ ما لا يُحصيه كاتباك، فإذا أمكنك الأمر فالسّيف السّيف..
فالقتل القتل حتّى يفيئُوا إلى أمرِ اللّه وأمرِ رَسُولِهِ، فإنّك على الحقّ و من ناواك على الباطل، و كذلك ذُرِّيَّتُكَ مِن بَعْدِكَ إِلى يومِ القِيامَةِ. (1)
3 - عن أبي حمزة الثُّمالي عن أبي جعفر محمّد بن علي (عَلَيهِمَا السَّلَامُ) عن أبيه عن جدّه قال: إنّ اللّه جلّ جلالُهُ بَعث جبرئيل (عَلَيهِ السَّلَامُ) إلى محمّد (صَلَّى اللّه عَلَيْهِ وَآلِهِ) أن يشهد لعلي بن أبِي طالِب (عَلَيهِ السَّلَامُ) بالولاية فِي حياتِهِ ويُسمّيه بإمرة المؤمِنِين قبل وفاتِهِ فدعا نبيّ اللّه (صَلَّى اللّه عَلَيْهِ وَآلِهِ) تسعة رهط فقال إنّما دعوتُكُم لِتَكُونُوا شُهداء اللّه فِي الأرضِ أقتُم أم كتمتُم ثمّ قال يا أبابكرِقُم فسلم على علي
ص: 146
بإمرة المؤمِنين فقال أ عن أمرِ اللّه ورسولِهِ قال نعم فقام فسلّم عليهِ بِإِمرة المؤمِنِين ثمّ قال قُم يا عُمرُ فسلّم على علي بإمرة المؤمِنِين فقال أ عن أمر اللّه ورسولِهِ نُسمّيهِ أَمِير المؤمِنِين قال نعم فقامَ فسلّم عليهِ ثمّ قال للمقداد بن الأسود الكندِي قُم فسلّم على علي بإمرة المؤمنين فقام فسلّم و لم يقُل مِثل ما قال الرّجُلانِ مِن قبلِهِ ثمّ قال لأبي ذر الغفارِي قُم فسلّم على علي بإمرة المؤمنين فقام فسلّم عليهِ ثمّ قال حذيفة اليماني قُم فسلّم على أمير المؤمنين فقام فسلَّم عليهِ ثمّ قال لعمار بن ياسرقُم فسلّم على أمير المؤمنين فقام فسلّم عليهِ ثمّ قال لِعبدِ اللّه بنِ مَسْعُودٍ قُم فسلم على علي بإمرة المؤمنين فقام فسلّم عليهِ ثمّ قال لِبُريدة قُم فسلّم على أمير المؤمنين وكان بريدة أصغر القومِ سنّاً فقام فسلّم فقال رسُول اللّه (صَلَّى اللّه عَلَيْهِ وَآلِهِ) إنما دعوتكم لهذا الأمر لتكُونُوا شهداء اللّه أنتم أم تركتُم (1).
4 - عنِ الثَّمالي عنِ الصّادِقِ (عَلَيهِ السَّلَامُ) أن بريدة كان غائباً بِالشّامِ فقدم وقد بايع الناسُ أبابكرٍ فأتاه فِي مجلسه فقال يا أبابكر هل نسيت تسليمنا على علي بإمرة المؤمنين واجبةً من اللّه و رسُولِهِ قال يا بُريدةُ إِنَّكَ غِبت وشهدنا و إنّ اللّه يُحدِث الأمر بعد الأمرِو لم يكُنِ اللّه تعالى يجمعُ لأهل هذا البيتِ النُّبُوّة و الملك. (2)
5 - الثّقفِيُّ والسّرِيُّ بنُ عبدِ اللّه بِإِسنادِهِما أنّ عِمران بن الحصين و أبا بُريدة قالا لأبي بكرقد كُنت أنت يومئذٍ فيمن سلّم على علي بإمرة المؤمنين فهل تذكر ذلك اليوم أم نسيته قال بل أذكُرُه فقال بُريدةُ فهل يَنبَغِي لِأَحَدٍ مِن المسلمين أن يتأمر على أمِيرِ المؤمِنِين فقال عُمرُ إِنَّ النُّبُوَّة والإمامة لا تجتمِعُ فِي بيتٍ واحِدٍ فقال لهُ بُريدة (أَمْ يَحْسُدُونَ النَّاسَ عَلَى مَا آتَاهُمُ اللَّهُ مِنْ فَضْلِهِ فَقَدْ آتَيْنَا آلَ إِبْرَاهِيمَ الْكِتَابَ وَالْحِكْمَةَ وَآتَيْنَاهُمْ مُلْكًا عَظِيمًا) (3) فقد جمع اللّه لهُمُ النُّبُوَّةَ والملك قال فغضب عُمرُو ما زلنا نعرِفُ فِي وجهه الغضب حتّى مات. (4)
ص: 147
6 - عن بريدة بنِ الخصيب قال: إنّ رسُول اللّه (صَلَّى اللّه عَلَيْهِ وَآلِهِ) أمرني وأنا سابع سبعة، فيهم أبوبكرو عُمرو طلحة والزُّبير، فقال: سلّموا على علي بإمرة المؤمنين، فسلمنا عليه بذلك ورسول اللّه (صَلَّى اللّه عَلَيْهِ وَآلِهِ) حي بين أظهرنا. (1)
7 - سليم بن قيس الهلالي قال: قال عُمر لأبي بكر: أرسل إلى عليٍّ فليبايع، فإنا لسنا فِي شيءٍ حتّى يبايع، ولوقد بايع أمناه. فأرسل إليه أبوبكر: أجب خليفة رسُول اللّه، فأتاه الرسول فقال له ذلك، فقال له عليّ (عَلَيهِ السَّلَامُ) : سبحان اللّه ما أسرع ما كذِبتُم على رسُول اللّه (صَلَّى اللّه عَلَيْهِ وَآلِهِ) إنه ليعلمُ ويعلم الّذين حوله أنّ اللّه ورسوله لم يستخلفا غيري، فذهب الرّسول فأخبره بما قال له، فقال: إذهب فقُل له: أجب أمير المؤمنين أبا بكر، فَأَتاه فأخبره بذلك، فقال له عليّ (عَلَيهِ السَّلَامُ) : سبحان اللّه ! والحمد للّه ما طال العهد فيُنسى، واللّه إنّه ليعلم أنّ هذا الإسم لا يُصلح إلّا لي، ولقد أمره رسولُ اللّه (صَلَّى اللّه عَلَيْهِ وَآلِهِ) وهُو سابع سبعة، فسلّموا علي بإمرة المؤمنين، فاستفهمه هُو وصاحبه من بين السبعة، فقالا: أمر من اللّه ورسوله ؟
قال رسُول اللّه (صَلَّى اللّه عَلَيْهِ وَآلِهِ): نعم حقّاً حقاً مِن اللّه و من رسوله إنّه أمير المؤمنين، وسيّد المسلمين، وصاحِب لواء الغُر المحجلين، يُقعده اللّه عزّ و جلّ يوم القيامة على الصراط، فيُدخل أولياءه الجنَّة، وأعداءه النّار، فانطلق الرسول فأخبره بما قال، قال: فسكتوا عنه يومهم ذلك. (2)
أبان عن سليم قال شهِدتُ أباذر مرض مرضاً على عهدِ عُمر فِي إمارتِهِ فدخل عليهِ عُمَرُ يَعُودُهُ و عنده أمير المؤمنين (عَلَيهِ السَّلَامُ) و سلمان و المقداد و قد أوصى أبوذر إلى عليّ (عَلَيهِ السَّلَامُ) وكتب و أشهد فلَمّا خرج عُمرُ قال رجُلٌ مِن أهلِ أبي ذرّمِن بَنِي عَمِهِ بَنِي غِفارٍ ما مَنَعَكَ أَن تُوصِي إِلى أَمِيرِ المؤمِنِين عُمر قال قد أوصيتُ إلى أمِيرِ المؤمِنِين حقّاً حقاً أَمَرَنا رسُول اللّه (صَلَّى اللّه عَلَيْهِ وَآلِهِ) و نحنُ أَربعُون رجُلًا من العرب وأربعون رجُلًا من العجم فسلّمنا على عليّ (عَلَيهِ السَّلَامُ) بإمرة المؤمنين فينا هذا القائم الّذي سمّيته أمير المؤمنين ولا أحد من العرب ولا من الموالي العجم راجع رسُول اللّه (صَلَّى اللّه عَلَيْهِ وَآلِهِ) إِلَّا هذا وصُويحِبُهُ الّذي استخلفه فإنّهما قالا أحقُّ من اللّه و رَسُولِهِ فغضب رسُول اللّه (صَلَّى اللّه عَلَيْهِ وَآلِهِ) و قال اللّهمّ نعم حقّ مِن اللّه ورسولِهِ أمرني اللّه بِذلِك فأمرتُكُم بِهِ.
ص: 148
قال سليم فقُلتُ يا أبا الحسن وأنت يا سلمان وأنت يا مقداد أ تَقُولُون كما قال أبوذر قالُوا نعم صَدَق قُلتُ أربعةٌ عُدُولٌ ولو لم يُحدّثني غيرُ واحِدٍ ما شككتُ فِي صِدقِهِ ولكن أربعتكُم أَشدُّ لِنفسِي وبصيرتي قُلتُ أصلحك اللّه أتُسمُّون الثّمانِين مِن العرب والموالي فسماهم سلمان رجُلًا رجُلًا فقال عليّ (عَلَيهِ السَّلَامُ) و أبوذر و المقداد صدق سلمان رحمةُ اللّه ومغفِرتُهُ عليهِ وعليهم فكان من سمى أبوبكر و عُمرُ و أَبُو عُبيدة ومُعاذ وسالِمٌ والخمسةُ مِن أصحابِ الشُّورى وعمّارُ بن ياسرو سعد بن عبادة والباقي من أصحاب العقبة وأُبي بن كعب وأبوذرو المقداد وبقيّةٌ جُلُّهُم وأعظمُهُم مِن أهل بدر وأعظمُهُم مِن الأنصارِ فِيهِم أَبو الهيثم بنُ التَّيِهانِ وخالِدُ بنُ زِيدٍ و أبو أيُّوب وأُسيد بن حضير و بشير بن سعد قال سليم فأظن أني قد لقيت عامتهم فسألتهم و خلوت بهم رجلا رجلا فمنهم من سكت عني فلم يجبني بشيء وكتمني ومنهم من حدّثني ثمّ قالَ أَصابتنا فتنةٌ أخذَت بقلوبنا و أسماعنا و أبصارنا وذلك لما ادعى أبوبكر أنَّه سمع رسُول اللّه (صَلَّى اللّه عَلَيْهِ وَآلِهِ) يقولُ بعد ذلك إِنَّا أهل بيتٍ أَكْرَمَنا اللّه وَاختارَ لَنا الآخِرَةَ عَلى الدُّنيا وَإِنَّ اللّه أَبِي أَن يَجمَعَ لَنا أهلَ البَيت النبوة والخلافة فاحتجَّ بذلك أبوبكر على عليّ (عَلَيهِ السَّلَامُ) حين جيء به للبيعة وصدقه و شهِدَ له أربعة كانوا عندنا خياراً غيرَ متَهمين أبو عبيدة وسالم وعمرو معاذ و ظنَنَّا أَنَّهم قَد صَدقُوا فَلَمّا بايعَ عليّ (عَلَيهِ السَّلَامُ) أخبرنا أنّ رسُول اللّه (صَلَّى اللّه عَلَيْهِ وَآلِهِ) قال ما قاله وأخبر أنّ هؤُلاءِ الخمسة كتبوا بينهم كِتاباً تعاهدوا فِيهِ وتعاقدوا فِي ظل الكعبة إن مات محمّد (صَلَّى اللّه عَلَيْهِ وَآلِهِ) أو قتل أن يتظاهرُوا على عليّ (عَلَيهِ السَّلَامُ) فَيَزْوُوا عنه هذا الأمر و استُشهد أربعة سلمان و أبوذر و المقداد و الزُّبير و شهدوا بعد ما وجبت فِي أعناقنا لأبي بكر بيعتُه الملعُونَةُ الضَّالّةُ فعلمنا أن عليّاً (عَلَيهِ السَّلَامُ) لم يكُن لِيروي عن رسُول اللّه (صَلَّى اللّه عَلَيْهِ وَآلِهِ) باطلا وشهد له الأخيارُ مِن أصحابِ محمّد (صَلَّى اللّه عَلَيْهِ وَآلِهِ). (1)
9- سليم بن قيس قال شهدتُ أبا ذر بالزبدة حين سيّرة عُثمان وأوصى إلى عليّ (عَلَيهِ السَّلَامُ) فِي أهله و مالِهِ فقال لهُ قائِلٌ لو كُنت أوصيت إلى أمير المؤمنين عُثمان فقال قد أوصيتُ إلى أمير المؤمنين حقّاً أمير المؤمنين عليّ بن أبِي طالِب (عَلَيهِ السَّلَامُ) سلمنا عليه بإمرة المؤمنين على عهدِ رسُول اللّه بِأَمرِ رسُول اللّه (صَلَّى اللّه عَلَيْهِ وَآلِهِ) بأمر اللّه قال لنا سلّمُوا على أخي و وزيري و وارثي و خليفتي فِي أُمّتي ووليّ كلّ
ص: 149
مُؤْمِنٍ بعدِي بإمرة المؤمِنِين فإِنَّهُ زِرُّ الأَرْضِ الّذي تَسكُنُ إِليهِ ولو قد فقدتُمُوهُ أَنكرتُمُ الأرض و أهلها فرأيتُ عِجل هذِهِ الأُمّة وسامرتها راجعا رسُول اللّه (صَلَّى اللّه عَلَيْهِ وَآلِهِ) ثمّ قالا حقّ مِن اللّه وَرَسُولِهِ فغضب رسُول اللّه (صَلَّى اللّه عَلَيْهِ وَآلِهِ) ثمّ قال حقّ مِن اللّه ورسولِهِ أمرني اللّه بِذلِك فَلَمّا سلمنا عليهِ أقبلا على أصحابهما معاذ وسالم وأبي عُبيدة حين خرجا من بيت عليّ (عَلَيهِ السَّلَامُ) من بعد ما سلمنا عليه فقالا لهم ما بال هذا الرّجُلِ ما زال يرفع خسيسة ابن عمه وقال أحدُهُما إِنَّهُ ليُحسِنُ أمر ابن عمّه وقال الجميع ما لنا عِنده خير ما بقي علي قال فقُلتُ يا أبا ذرهذا التسليم بعد حجة الوداع أو قبلها فقال أما التسليمةُ الأُولى فقبل حِجّة الوداع وأما التسليمةُ الأُخرى فبعد حِجّة الوداع قُلتُ فيُعاقدة هؤلاء الخمسة متى كانت قال فِي حجة الوداع قُلتُ أخبرني أصلحك اللّه عن الاثني عشر أصحاب العقبة المتلقمين الّذين أرادوا أن ينفِرُوا بِرَسُولِ اللّه (صَلَّى اللّه عَلَيْهِ وَآلِهِ) النّاقة و متى كان ذلك قال بِعْدِيرِخُمّ مُقبل رسُول اللّه (صَلَّى اللّه عَلَيْهِ وَآلِهِ) مِن حِجّة الوداع قُلتُ أصلحك اللّه تعرِفُهُم قال إي واللّه كُلّهُم قُلتُ مِن أين تعرِفُهُم وقد أسرهم رسُول اللّه (صَلَّى اللّه عَلَيْهِ وَآلِهِ) إلى حذيفة قال عمَّار بن ياسركان قائِداً و حذيفة كان سائقاً فأمر حذيفة بالكتمان ولم يأمر بذلك عماراً قُلتُ تُسمّيهم لي قال خمسة أصحاب الصحيفة وخمسة أصحابُ الشورى و عمرُو بنُ العَاصِ و مُعاوِيةُ.
قُلتُ أصلحك اللّه كيف تردّد عمَّار و حذيفة فِي أمرهم بعد رسُول اللّه (صَلَّى اللّه عَلَيْهِ وَآلِهِ) حين رأياهُم قال إنَّهم أظهرُوا التوبة والندامة بعد ذلِك وادّعى عِجلُهُم منزلةً وشهد لهم سامِرِيُّهم والثّلاثة معهُم بِأَنْهُم سَمِعُوا رسُول اللّه (صَلَّى اللّه عَلَيْهِ وَآلِهِ) يقُولُ ذلِك فقالوا لعلّ هذا أمر حدث بعد الأول فشكّا فيمن شكّ مِنهُم إِلّا أنهما تابا و عرفا و سلّما قال سليم بن قيس فلقِيتُ عماراً فِي خلافة عُثمان بعد ما مات أبوذر فأخبرتُهُ بِما قال أبوذر فقال صدق أخي أبوذرّ إِنَّهُ لأبرو أصدقُ مِن أن يُحدِّث عن عمَّار بما لا يسمعُ منه فقُلتُ أصلحك اللّه بِما تُصدِّقُ أبا ذرّقال أشهد لقد سمعتُ رسُول اللّه (صَلَّى اللّه عَلَيْهِ وَآلِهِ) يقول ما أظلّتِ الخضراء و لا أقلتِ الغبراء على ذِي لهجةٍ أصدق من أبي ذرولا أبر قلتُ يا نبيّ اللّه ولا أهل بيتك قال إنّما أعني غيرهُم مِن النّاسِ ثمّ لَقيتُ حذيفة بِالمدائِنِ رحلتُ إليهِ مِن الكوفة فذكرتُ له ما قال أبوذر فقال سبحان اللّه أبوذر أصدق وأبرُّ مِن أن يُحدّث عن رسولِ اللّه (صَلَّى اللّه عَلَيْهِ وَآلِهِ) بغير ما قال. (1)
ص: 150
10 - عن زيد بن الجهم الهلالي عن أبي عبدِ اللّه (عَلَيهِ السَّلَامُ) قال سمعتُهُ يَقُولُ لَمَّا نزلت ولاية عليّ بن أبِي طالِب (عَلَيهِ السَّلَامُ) وكان من قولِ رسُول اللّه (صَلَّى اللّه عَلَيْهِ وَآلِهِ) سلّمُوا على علي بإمرة المؤمنين فكان يما أكد اللّه عليهما فِي ذلك اليوم يا زيد قول رسُول اللّه (صَلَّى اللّه عَلَيْهِ وَآلِهِ) لهما قوما فسلّما عليه بإمرة المؤمنين فقالا أ مِن اللّه أو مِن رَسُولِهِ يا رسُول اللّه فقال لهما رسُول اللّه (صَلَّى اللّه عَلَيْهِ وَآلِهِ) مِن اللّه و مِن رسُولِهِ فأنزل اللّه عزّ و جلّ ولا تنقُضُوا الأيمان بعد توكيدها وقد جعلتُمُ اللّه عليكُم كَفِيلًا إِنَّ اللّه يعلم ما تفعلون يعني بِهِ قول رسُول اللّه (صَلَّى اللّه عَلَيْهِ وَآلِهِ) لهما و قولهما أ من اللّه أو مِن رَسُولِهِ ولا تكُونُوا كالّتي نقضت غزلها مِن بعدِ قُوّةٍ أنكاثاً تتَّخِذُون أيمانكُم دخلًا بينكُم أن تكون أئمةٌ هِي أزكى مِن أئمّتِكُم قال قُلتُ جُعِلتُ فِداك أئمَةٌ قال إي واللّه أئمّةٌ قُلتُ فإنا نقرأ أربى فقال ما أربى و أومأ بِيدِهِ فطرحها إِنّما يبلُوكُمُ اللّه بِهِ يعني يعليّ (عَلَيهِ السَّلَامُ) و ليُبيِّننَ لَكُم يوم القيامةِ مَا كُنتُم فِيهِ تختلفون. ولو شاء اللّه لجعلكُم أُمَّةً واحِدةً ولكِن يُضِلُّ من يشاء ويهدي من يشاء و لتُسئلن يوم القيامةِ عمّا كُنتُم تعملُون. ولا تتخِذُوا أيمانكم دخلًا بينكُم فتزل قدم بعد ثُبُوتِها يعني بعد مقالة رسُول اللّه (صَلَّى اللّه عَلَيْهِ وَآلِهِ) فِي عليّ (عَلَيهِ السَّلَامُ) و تذُوقُوا السُّوء بما صددتُم عن سبيل اللّه يعني بِهِ عليّاً (عَلَيهِ السَّلَامُ) و لكُم عذابٌ عَظِيمٌ. (1)
11 - عن عمران بن الحصينِ أخِي بريدة بن حصيبٍ، قال: بينا أنا وأخي بُريدةُ عِند النّبيّ (صَلَّى اللّه عَلَيْهِ وَآلِهِ) إذ دخل أبوبكر، فسلم على رسُول اللّه (صَلَّى اللّه عَلَيْهِ وَآلِهِ) فقال: انطلق فسلم على أمير المؤمنين، فقال: يا رسُول اللّه، و من أمير المؤمنين قال : عليّ بن أبِي طالِب. قال: عن أمر اللّه وأمرِ رَسُولِهِ قال: نعم.
ثُم دخل عُمر فسلّم فقال: انطلق فسلّم على أمير المؤمنين. فقال: يا رسُول اللّه، و من أمير المؤمِنِين قال: عليّ بن أبِي طالِب قال: عن أمر اللّه وأمرِ رَسُولِهِ قال: نعم (2).
ص: 151
1- قال الصّادِقُ (عَلَيهِ السَّلَامُ) الكبائر سبعة فينا نزلت و مِنا استُحِلّت فأوّلُها الشَّرِكُ بِاللّه العظيم وقتل النفس الّتي حرم اللّه وأكل مال اليتيم و عُقُوقُ الوالِدينِ وقذف المحصنات والفِرارُ مِن الرّحفِ وإنكارُ حقّنا فأما الشّركُ بِاللّه فقد أنزل اللّه فِيهِ ما أنزل وقال رسُول اللّه فينا ما قال وكذَّبُوا رسُوله وأشرَكُوا بِاللّه وأمّا قتل النفس الّتي حرم اللّه فقد قتلوا الحُسين وأصحابه وأمّا أكل مالِ اليتيم فقد ذهبُوا بِفيئنا الّذي جعله اللّه لنا و أعطوه غيرنا و أمّا عُقُوقُ الوالِدين فقد أنزل اللّه فِي كتابهِ (النَّبِيُّ أَوْلَى بِالْمُؤْمِنِينَ مِنْ أَنْفُسِهِمْ وَأَزْوَاجُهُ أُمَّهَاتُهُمْ) (1) فَعقُّوا رسُول اللّه فِي ذُرِّيَّتِه وعَقُوا أُمَّهُم خديجة فِي ذُرِّيَّتِها وأمّا قذف المحصنات فقد قذفُوا فاطمة على منابرهم و أما الفرار من الرّحفِ فقد أعطوا أمير المؤمنين (عَلَيهِ السَّلَامُ) ببيعتِهم طائعين غير مُكرهين ففروا عنه وخذلُوهُ وأمّا إنكارُ حقّنا فهذا مالنا يتنازعُونَ فِيهِ. (2)
2 - عن عبدِ اللّه ابن أبي يعفور و معلى بن خنيس عن أبي الصامت عن أبي عبد اللّه (عَلَيهِ السَّلَامُ)، قال: أكبر الكبائر سبع: الشّرك باللّه العظيم، وقتل النّفس الّتي حرم اللّه عزّ و جلّ إِلَّا بِالحَقِّ، و أكل مال اليتيم، وعُقُوقُ الوالدين، وقذف المحصنات، والفِرارُ مِن الرّحفِ، وإِنكارُ ما أنزل اللّه. فأما الشرك باللّه العظيم فقد بلغكم ما أنزل اللّه فينا، و ما قال رسُول اللّه (صَلَّى اللّه عَلَيْهِ وَآلِهِ)، فرُدُّوهُ على اللّه وعلى رَسُولِهِ. وأما قتل النفس الحرام فقتل الحُسين (عَلَيهِ السَّلَامُ) وأصحابه. وأما أكل أموالِ اليتامى فقد ظلمنا فيئنا و ذهبُوا بِهِ. وأمّا عُقُوقُ الوالِدين فإنّ اللّه عزو جلّ قال فِي كتابه: (النَّبِيُّ أَوْلَى بِالْمُؤْمِنِينَ مِنْ أَنْفُسِهِمْ وَأَزْوَاجُهُ أُمَّهَاتُهُمْ) (3)، وهُو أبٌ هُم، فَعَقُوهُ فِي ذُرِّيَّتِهِ وفِي قرابته. و أما قذف المحصنات فقد قذفوا فاطمة (عَلَيهَا السَّلَامُ) على منابرهم. و أما الفِرارُ مِن الرّحفِ فقد أعطوا أمير المؤمنين (عَلَيهِ السَّلَامُ) البيعة طائعين غير مُكرهين، ثمّ فَرُّوا عنه وخذلُوهُ. وأَمَّا إِنكارُما أنزل
ص: 152
اللّه عزّ و جلّ، فقد أنكروا حقّنا وجحدوه وهذا ما لا يتعاجم فِيهِ أحدٌ، واللّه يَقُولُ: (إِنْ تَجْتَنِبُوا كَبَائِرَ مَا تُنْهَوْنَ عَنْهُ نُكَفِّرْ عَنْكُمْ سَيِّئَاتِكُمْ وَنُدْخِلْكُمْ مُدْخَلًا كَرِيمًا). (1) و (2)
1- عن جعفر بن محمّد، عن آبائِهِ (عَلَيهِم السَّلَامُ)، قال: قال رسُول اللّه (صَلَّى اللّه عَلَيْهِ وَآلِهِ): لجهنَّم سبعة أبواب و هي الأركانُ لِسبعة فراعنة: تُعُرودُ بنُ كنعان فرعون الخليلِ، و مُصعب بن الوليد فرعون موسى، وأبوجهل بن هشام، والأول والثاني، ويزيد قاتل ولدي، ورجل مِن وُلد العباس يُلقَبُ بالدوانيق اسمه المنصور. (3)
2 - عن أبي بصير عن جعفر بن محمّد (عَلَيهِ السَّلَامُ) قال: يُؤتى بجهنَّم لها سبعة أبواب، بابُها الأول : لِلظَّالِمِ وهُو زُريقٌ، وبابُها الثَّاني لِحبتر، والبابُ الثَّالِثُ لِلثَّالِثِ، والرابع: لمعاوية، والباب الخامس: لعبد الملكِ، والبابُ السّادِسُ لِعسكرِ بنِ هُوسِرٍ، والباب السابع: لأبي سلامة، فهم أبواب لمن اتبعهم. (4)
أقول: زريق بمعنى من كان فِي عينه الزرقة وبالفارسي "زاغ" والعرب يتشأم به والحبتر من أسماء الثعالب ولعل الأول كناية عن الأول والثاني عن الثَّاني وله قرائن كثيرة و أما عسكر بن هوسر ربما كناية عن فلانة لأنَّه كان إسم جملها عسكر و لا أدري ماذا قصد عن أبي سلامة وإحتمل المجلسي رحمه اللّه أن يكون كناية عن أبي مسلم الخراساني و هُو الّذي سلط بني العباس المجرمين على الأمة.
ص: 153
3- عن محمّد بنِ الفُضيلِ الزُّرقي، عن أبي عبد اللّه، عن أبيه، عن جدّه (عَلَيهِم السَّلَامُ) قال: لِلنَّارِ سبعة أبواب : بابٌ يدخُلُ مِنهُ فِرعون وهامان و قارون، وباب يدخل منه المشركون و الكفار من لم يُؤمن باللّه طرفة عينٍ، وباب يدخُلُ مِنهُ بنو أُميّة، هُو هم خاصةً لا يُزاحِمُهُم فِيهِ أحد، وهُو باب لظى، وهُو باب سقر، وهُو باب الهاوية، تهوي بهم سبعين خريفاً، فكلما فارت بهم فورةً، قذف بهم فِي أعلاها سبعين خريفاً فلا يزالون هكذا أبداً خالدين مُخلّدين، وبابٌ يدخُلُ مِنهُ مُبغِضُونا و مُحارِبُونا و خاذِلُونا، وإِنَّهُ لَأعظمُ الأبواب وأشدُّها حراً قال محمّد بن الفضيل الزُّرقي: فقلتُ لأبي عبد اللّه (عَلَيهِ السَّلَامُ) : الباب الّذي ذكرته عن أبيك عن جدّك (عَلَيهِمَا السَّلَامُ) أنَّه يدخُلُ مِنهُ بنو أُميّة، يدخُلُ مِنهُ من مات منهم على الشرك، أو من أدرك مِنهُمُ الإسلام ؟ فقال : لا أُمّ لك ألم تسمعه يقُولُ: وباب يدخُلُ مِنه المشركون والكفار، فهذا الباب يدخُلُ مِنهُ كلّ مُشرِك وكلُّ كافِرِ لا يُؤمنُ بِيوم الحِسابِ، و هذا الباب الآخريدخُلُ مِنهُ بنُو أُميّة لِأَنَّهُ هُو لأبي سفيان و مُعاوِية وآلِ مروان خاصةً، يدخُلُون من ذلك الباب، فتحطبهمُ النّار حطباً، لا تُسمعُ لهم فيها واعِيةٌ، و لا يحيون فيها ولا يموتون. (1)
1- عن خيثمة الجعفي، قال: كُنتُ عِند جعفر بن محمّد (عَلَيهِمَا السَّلَامُ) أنا ومُفضّلُ بنُ عُمر ليلا ليس عنده أحدٌ غيرنا، فقال لهُ مُفضّل الجعف: جُعِلتُ فداك، حدّثنا حديثاً نُسرُّبِهِ. قال: نعم، إذا كان يومُ القِيامةِ حشر اللّه الخلائق فِي صعيدٍ واحدٍ حُفاةٌ عُراةٌ غُرلاً
قال : فقُلتُ : جُعِلتُ فِداك ما الغُرلُ ؟ قال: فقال: كما خُلِقُوا أوّل مرة، فيقِفُون حتّى يُلجمهمُ العرق فيقُولُون:
ليت اللّه يحكُمُ بيننا ولو إلى النّار يرون أنّ فِي النّار راحةً فيما هُم فِيهِ، ثمّ يَأْتُون آدم (عَلَيهِ السَّلَامُ)، فيقُولُون: أنت أبونا و أنت نبي، فسل ربّك يحكم بيننا ولو إلى النَّارِ، فيقُولُ آدَمُ: لستُ بِصاحِبِكُم خلقني ربّي بيده، وحملني على عرشه، وأسجد لي ملائكتهُ، ثمّ أمرني فعصيتُ، ولكِنِّي أَدُلُّكُم
ص: 154
على ابني الصِّدِّيقِ الّذي مكث فِي قومِهِ ألف سنةٍ إِلّا خمسين عاماً يدعُوهُم، كُلّما كَذَّبُوا اشتدّ تصديقه، نُوحٍ قال فياتُون نُوحاً (عَلَيهِ السَّلَامُ) فيقولون: سل ربّك يحكم بيننا ولو إلى النار. قال: فيقُولُ: لستُ بِصاحِبِكُم إِنِّي قُلتُ: إِنّ ابني من أهلي ولكِنِّي أَدُلُّكُم إِلى مَنِ اتَّخَذَهُ اللّه خَلِيلاً فِي دارِ الدُّنيا، ائتوا إبراهيم قال فيأتون إبراهيم (عَلَيهِ السَّلَامُ) فيقُولُ: لستُ بِصاحِبِكُم، إِنِّي قُلتُ: إِنِّي سقيم؛ ولكِنِّي أدُلُّكُم على من كلّمه اللّه تكليماً، مُوسى؛ قال فياتُون مُوسى (عَلَيهِ السَّلَامُ) فيقُولُون لهُ، فيقُولُ لستُ: بِصاحِبِكُم إِنِّي قتلتُ نفساً، ولكني أدلُّكُم على من كان يخلُقُ بِإِذْنِ اللّه، ويُبرِئُ الأكمه والأبرص بإذنِ اللّه، عِيسى؛ فيأتُونَهُ، فَيَقُولُ:
لستُ بِصاحِبِكُم، ولكِنِّي أدلّكُم على من بشرتُكُم بِهِ فِي دارِ الدُّنيا؛ أحمد
ثمّ قال أبو عبد اللّه (عَلَيهِ السَّلَامُ): ما من نبيّ ولد مِن آدم إلى محمّد صلواتُ اللّه عليهم الأوهُم تحت لواء محمّد (صَلَّى اللّه عَلَيْهِ وَآلِهِ). قال: فياتُونه، ثمّ قال: فيقُولُون: يا محمّد، سل ربّك يحكم بيننا ولو إلى النّارِ؛ قال فيقُولُ:
نعم أنا صاحِبُكُم؛ فياتي دار الرّحمنِ وهِي عدن، وإنّ بابها سعته ما بين المشرق والمغرب، فيُحرّك حلقةً مِن الحلق، فيُقالُ: من هذا؟ وهُو أعلمُ بِهِ، فيقُولُ : أنا محمّد فيُقالُ: افتحُوا له؛ قال: فيُفتحُ لِي؛ قال: فإذا نظرتُ إلى ربّي مجدتُهُ تمجيداً لم يُجده أحدٌ كان قبلي، ولا يُجِدُهُ أحدٌ كان بعدِي، ثمّ أخِرُّ ساجداً، فيقُولُ: يا محمّد، ارفع رأسك، وقُل يُسمع قولك، واشفع تشفّع، وسل تعط ؛ قال : فإذا رفعتُ رأسي ونظرتُ إلى ربّي مجدتُهُ تمجيداً أفضل من الأولِ، ثمّ أخر ساجداً، فيقولُ: ارفع رأسك، وقُل يُسمع قولك، واشفع تشفّع، وسل تعط؛ فإذا رفعتُ رأسي ونظرتُ إلى ربّي مجدتُهُ تمجيداً أفضل من الأول والثاني، ثمّ أخِرُّ ساجداً، فيقُولُ: إرفع رأسك، وقُل يُسمع قولك، واشفع تشفع، وسل تعط؛ فإذا رفعت رأسي : ربّ احكم بين عِبادِك ولو إلى النّار فيقُولُ: نعم، يا محمّد. قال : ثمّ يُؤتى بِناقةٍ مِن ياقوت أحمر، و زمامها زبرجد أخضر، حتّى أركبها، ثمّ أتي المقام المحمود حتّى أقف عليه، وهُوتلٌ مِن مِسكٍ أذفريحِيالِ العرش؛ ثمّ يُدعى إبراهيم (عَلَيهِ السَّلَامُ) فيُحمل على مثلها، فيجيء حتّى يقف عن يمين رسُول اللّه (صَلَّى اللّه عَلَيْهِ وَآلِهِ)، ثمّ يرفع رسُول اللّه (صَلَّى اللّه عَلَيْهِ وَآلِهِ) يده فيضرِبُ على كتف عليّ بن أبِي طالِب (عَلَيهِ السَّلَامُ)، ثمّ قال: ثمّ تُؤتى واللّه يمثلها فتحمل عليها، ثمّ تجيء حتّى تقف بيني وبين أبيك إبراهيم.
ص: 155
ثمّ يخرُجُ مُنَادٍ مِن عِندِ الرحمنِ فيقُولُ: يا معشر الخلائق، أليس العدل مِن رَّبِّكُم أَن يُولّي كلّ قومٍ ما كانُوا يتولّون فِي دارِ الدُّنيا؟ فيقُولُون : بلى، وأيُّ شيءٍ عدل غيرُهُ؟ قال: فيقُومُ الشَّيطانُ الّذي أضل فرقةً مِن النَّاسِ حتّى زعموا أن عيسى (عَلَيهِ السَّلَامُ) هُو اللّه و ابنُ اللّه فيتبعُونَهُ إِلى النَّارِ، وَيَقُومُ الشَّيطانُ الّذي أضل فرقةً مِن النّاسِ حتّى زعموا أن عُزيراً ابنُ اللّه حتّى يتبعونهُ إِلى النَّارِ، فَيَقُومُ كلّ شيطانٍ أضل فرقةً فيتبعونهُ إِلى النّار حتّى تبقى هذِهِ الأُمّة.
ثمّ يخرجُ مُنَادٍ مِن عِندِ اللّه فيقُولُ: يا معشر الخلائِقِ، أليس العدل مِن رَّبِّكُم أَن يُولّي كلّ فرِيقٍ مَن كانُوا يتولّون فِي دارِ الدُّنيا؟ فيقولون : بلى، وأيُّ شيءٍ عدل غيرُهُ؟ فَيَقُومُ شَيطان فيتبعُهُ من كان يتولاه، ثمّ يقُومُ شيطان فيتبعُهُ من كان يتولاه، ثمّ يقُومُ شيطان ثالث فيتبعه من كان يتولاه، ثمّ يَقُومُ مُعاوِيةُ فيتبعُهُ من كان يتولاه، ويقوم علي فيتبعه من كان يتولاه، ثمّ يَقُومُ يَزِيدُ بنُ مُعاوية فيتبعُهُ من كان يتولاه، ويقُومُ الحسنُ فيتبعُهُ من كان يتولاه، ويقوم الحُسين فيتبعه من كان يتولاه، ثمّ يقوم مروان بن الحكم و عبد الملكِ فيتبعُهُما من كان يتولّاهُما، ثمّ يَقُومُ عليّ بن الحُسين فيتبعه من كان يتولاه، ثمّ يقوم الوليد بن عبد الملكِ، ويقوم محمّد بنُ علي فيتبعهما من كان يتولاهما، ثمّ أقوم أنا فيتبعني من كان يتولاني، وكأني بكما مَعِي، ثمّ يُؤتى بِنا فنجلس على عرش ربنا، ويُؤتى بِالكُتُبِ فتُوضعُ، فتشهد على عدوّنا، ونشفعُ لِمن كان مِن شِيعَتِنا مُرهقاً قال: قُلتُ : جُعِلتُ فِداك، فما المرهَقُ ؟ قال: «المذنِبُ فأمّا الّذينَ اتَّقوا مِن شِيعَتِنا فقد نجاهُمُ اللّه بمفازتهم، لا يمسُّهُمُ السُّوءُ ولا هم يحزنُون».
قال : ثمّ جاءته جاريةٌ له، فقالت: إن فلان القرشي بالباب، فقال: «اذنُوا له» ثمّ قال لنا: أسكتوا. (1)
ص: 156
1 - عنِ الرّضا (عَلَيهِ السَّلَامُ)، أنَّه قال لمن بحضرته مِن شِيعَتِهِ : هل علمتُم ما قذفتُ بِهِ مارِية القِبْطِيَّةِ، و ما ادعي عليها فِي ولادتها إبراهيم بن رسُول اللّه (صَلَّى اللّه عَلَيْهِ وَآلِهِ)؟ فقالوا: يا سيدنا، أنت أعلم، فخيّرنا. فقال: «إنّ مارية أهداها المقوقس إلى جدّي رسُول اللّه (صَلَّى اللّه عَلَيْهِ وَآلِهِ)، فحظي بها مِن دُونِ أصحابه، وكان معها خادِم ممسوح، يُقالُ لَهُ: جُريحٌ، وحسن إسلامهما وإيمانهما، ثمّ ملكت مارِيةُ قلب رسُول اللّه (صَلَّى اللّه عَلَيْهِ وَآلِهِ)، فحسدها بعض أزواجه، فأقبلت عائشه و حفصه تشكيان إلى أبويهما ميل رسُول اللّه (صَلَّى اللّه عَلَيْهِ وَآلِهِ) إلى مارية وإيثاره إياها عليهما، حتّى سولت لهما و لأبويهِما أَنفُسُهُما بأن يقذِفُوا مارية بأنها حملت بإبراهيم مِن جُريحٍ، وهُم لا يظنُّون أن جُريحاً خادِمٌ، فأقبل أبواهُما إِلى رسُول اللّه (صَلَّى اللّه عَلَيْهِ وَآلِهِ) وهُو جَالِسٌ فِي مسجِدِه، فجلسا بين يديهِ، ثمّ قالا: يا رسُول اللّه، ما يحِلُّ لنا، ولا يسعنا أن نكتُم عليك ما يظهر من خيانة واقعة بك. قال: ماذا تقُولان؟! قالا: يا رسُول اللّه، إن جريحاً يأتي مِن مارية بالفاحشة العُظمى، وإنّ حملها من جريح، وليس هُو منك. فاربد وجه رسُول اللّه (صَلَّى اللّه عَلَيْهِ وَآلِهِ) وتلوّن، وعرضت له سهوة لعظم ما تلقياه به، ثمّ قال:
ويحكما ما تقُولانِ ؟ قالا: يا رسُول اللّه، إنا خلفنا جُريحاً و مارية فِي مشربتِها يعنيانِ حُجرتها وهُو يُفاكِهُها، ويُلاعِبُها، ويرُومُ مِنها ما يرُومُ الرِّجالُ مِن النِّساء، فابعث إلى جُريح، فإنك تجده على هذه الحال، فأنفِذ فِيهِ حُكم اللّه. فانثنى النّبيّ إلى علي (عَلَيهِمَا السَّلَامُ)، ثمّ قال: يا أبا الحسنِ، قُم يا أخي ومعك ذُو الفقار، حتّى تمضي إلى مشربة مارية، فإن صادفتها وجُريحاً كما يصفانِ، فأحدهما بسيفك ضرباً.
فقام عليّ (عَلَيهِ السَّلَامُ)، واتشح بسيفِهِ وأخذه تحت ثيابِهِ فَلَمّا ولّى مِن بين يدي رسُول اللّه (صَلَّى اللّه عَلَيْهِ وَآلِهِ)، انثني إليه، فقال: يا رسُول اللّه، أكونُ فِي ما أمرتني كالسّكّة المحميّة فِي العهن، أو الشَّاهِدِ يرى ما لا يرى الغائِبُ ؟ فقال لهُ النّبيّ (صَلَّى اللّه عَلَيْهِ وَآلِهِ): فديتك يا عليُّ، بل الشاهِدِ يرى ما لا يرى الغائِبُ. فأقبل عليّ (عَلَيهِ السَّلَامُ)، وسيفُهُ فِي يَدِهِ، حتّى تسوّر من فوق مشربة مارية، و هي فِي جوف المشربة جالسةً، وجُريح معها يُؤدِّبُها بِآدابِ الملوكِ، ويقُولُ لها: عظمي رسُول اللّه (صَلَّى اللّه عَلَيْهِ وَآلِهِ)، ولبّيه، وكرّميه، ونحو هذا الكلام حتّى التفت جُريحٌ إِلى أَمِيرِ المؤمِنِين (عَلَيهِ السَّلَامُ)، و سيفه مشهورٌ فِي يَدِهِ، ففزع جُريحٌ إلى نخلةٍ فِي المشربةِ، فصعِد إلى رأسها، فنزل أمير المؤمنين (عَلَيهِ السَّلَامُ) إلى المشربة، و
ص: 157
كشفتِ الريحُ عن أثوابِ جُريحٍ، فإذا هُو خادِم ممسوح، فقال له: إنزِل يا جُريح.
فقال: يا أمير المؤمِنِين، آمِناً على نفسي؟ فقال: آمناً على نفسك.
فنزل جريح، وأخذ أمير المؤمنين (عَلَيهِ السَّلَامُ) بيدِهِ، و جاء بِهِ إِلى رسُول اللّه (صَلَّى اللّه عَلَيْهِ وَآلِهِ)، فأوقفه بين يديه، فقال له: يا رسُول اللّه، إِن جُريحاً خادِم ممسوح فولّى رسُول اللّه (صَلَّى اللّه عَلَيْهِ وَآلِهِ) وجهه إلى الجدار، فقال: حُلّ هُما نفسكِ لعنهما اللّه يا جُريح، حتّى يتبيّن كذِبُهما، وخِزيهما، وجُرأتُهما على اللّه، و على رسولِهِ. فكشف عن أثوابِهِ، فإذا هُو خادِم ممسوح، فأُسقِطا بين يدي رسُول اللّه (صَلَّى اللّه عَلَيْهِ وَآلِهِ) و قالا: يا رسُول اللّه، التّوبة، إستغفر لنا. فقال رسُول اللّه (صَلَّى اللّه عَلَيْهِ وَآلِهِ): لا تاب اللّه عليكما، فما ينفعُكُما إستغفارِي و معكما هذه الجرأة، فأنزل اللّه فيهِمَا: (الَّذِينَ يَرْمُونَ الْمُحْصَنَاتِ الْغَافِلَاتِ الْمُؤْمِنَاتِ لُعِنُوا فِي الدُّنْيَا وَالْآخِرَةِ وَلَهُمْ عَذَابٌ عَظِيمٌ * يَوْمَ تَشْهَدُ عَلَيْهِمْ أَلْسِنَتُهُمْ وَأَيْدِيهِمْ وَأَرْجُلُهُمْ بِمَا كَانُوا يَعْمَلُونَ) (1). (2)
1- عن أبي عبد اللّه (عَلَيهِ السَّلَامُ) فِي حديث طويل يصف فِيهِ حال قنفذ وصاحبه يوم القيامة: «فيؤتيان هُو وصاحبه، فيُضربان بسياطٍ من نار، لو وقع سوط منها على البحار لغلت من مشرقها إلى مغربها، ولو وضعت على جبالِ الدُّنيا لذابت حتّى تصير رمادا، فيُضربان بها، ثمّ يجثو أمير المؤمنين (عَلَيهِ السَّلَامُ) للخصومة بين يدي اللّه مع الرابع، ويذهبُ الثّلاثة فِي جبّ، فيُطبق عليهم، لا يراهم أحد ولا يرون أحداً، فيقول الّذين كانوا فِي ولايتهم: (رَبَّنَا أَرِنَا اللَّذَيْنِ أَضَلَّانَا مِنَ الْجِنِّ وَالْإِنْسِ نَجْعَلْهُمَا تَحْتَ أَقْدَامِنَا لِيَكُونَا مِنَ الْأَسْفَلِينَ)(3)، قال اللّه عزّوجلّ: (وَلَنْ يَنْفَعَكُمُ الْيَوْمَ إِذْ ظَلَمْتُمْ أَنَّكُمْ فِي الْعَذَابِ مُشْتَرِكُونَ) (4). (5)
ص: 158
1- عن أبي عبد اللّه (عَلَيهِ السَّلَامُ) قال: إن أبابكر و عُمر أتيا أُمّ سلمة فقالا لها يا أُمّ سلمة إِنَّكِ قد كُنتِ عِند رجل قبل رسُول اللّه (صَلَّى اللّه عَلَيْهِ وَآلِهِ) فكيف رسُول اللّه (صَلَّى اللّه عَلَيْهِ وَآلِهِ) من ذاكِ فقالت ما هُو إِلّا كسائر الرّجالِ ثمّ خرجا عنها و أقبل النّبيّ (صَلَّى اللّه عَلَيْهِ وَآلِهِ) فقامت إليهِ مُبادِرةً فرقاً أن ينزل أمر من السّماء فأخبرته الخبر فغضب رسُول اللّه (صَلَّى اللّه عَلَيْهِ وَآلِهِ) حتّى تربّد وجهه والتوى عِرقُ الغضب بين عينيه و خرج و هُو يجُرُّ رِداءه حتّى صعد المنبرو بادرت الأنصارُ بِالسّلاح وأمر بخيلهم أن تحضر فصعد المنبر فحمد اللّه وأثنى عليهِ ثمّ قال أيّها النَّاسُ ما بال أقوامٍ يَتَّبِعُون عيبي ويسألون عن عيبي واللّه إِنِّي لأكرمُكُم حسباً وأطهركُم مولِداً و أنصحُكُم للّه فِي الغيبِ ولا يسألني أحدٌ مِنكُم عن أبيه إلّا أخبرته فقام إليهِ رجُلٌ فقال من أبي فقال فُلانٌ الرَّاعِي فقام إليهِ آخر فقال من أبِي فقال غُلامُكُمُ الأسود فقام إليهِ الثَّالِثُ فقال من أبي فقال الّذي تُنسبُ إِليهِ فقالتِ الأنصاريا رسُول اللّه اعفُ عنّا عفا اللّه عنك فإنّ اللّه بعثك رحمةً فاعفُ عنّا عفا اللّه عنك وكان النّبيّ (صَلَّى اللّه عَلَيْهِ وَآلِهِ) إذا كُلّم استحيا و عرق و غضّ طرفه عنِ النّاسِ حياءٌ حِين كلّمُوهُ فنزل فلَمّا كان فِي السحرِ هبط عليهِ جبرئيل (عَلَيهِ السَّلَامُ) بصحفةٍ مِن الجنَّة فيها هريسة فقال يا محمّد هذِهِ عملها لك الحور العينُ فكلها أنت وعلي وذُرِّيَّتُكُما فَإِنَّهُ لا يَصلُحُ أن يأكلها غيركُم فجلس رسُول اللّه (صَلَّى اللّه عَلَيْهِ وَآلِهِ) و علي وفاطمة والحسن والحُسين (عَلَيهِم السَّلَامُ) فأكلوا فأُعطِيَ رسُول اللّه (صَلَّى اللّه عَلَيْهِ وَآلِهِ) فِي المباضعةِ مِن تِلك الأكلةِ قُوّة أربعين رجُلًا فكان إذا شاء غشي نِساءهُ كُلَّهُنَّ فِي ليلةٍ واحدةٍ. (1)
1 - عن أبي جعفر (عَلَيهِ السَّلَامُ) قال : لما أمر أمير المؤمنين (عَلَيهِ السَّلَامُ) بإنجاز عدات رسُول اللّه (صَلَّى اللّه عَلَيْهِ وَآلِهِ) و قضاء ديونه نادى مُنادي أمير المؤمنين (عَلَيهِ السَّلَامُ) ألا من كان له عند رسُول اللّه (صَلَّى اللّه عَلَيْهِ وَآلِهِ) دين أو عِدة فليقبل إلينا، فكان الرّجلُ يجيء وأمير المؤمنين (عَلَيهِ السَّلَامُ) لا يملك شيئاً فيقول: اللّهمّ إقض عن نبيّك، فيُصيب ما وعد رسُول اللّه (صَلَّى اللّه عَلَيْهِ وَآلِهِ) تحت البساطِ لا يزيد درهماً ولا ينقص درهماً.
ص: 159
فقال أبوبكر لعمر: هذا يُصيب ما وعد النّبيّ (صَلَّى اللّه عَلَيْهِ وَآلِهِ) تحت بساطه و نخشى أن تميل الناس إليه، فقال له عُمر: يُنادي مُناديك أيضاً فإنّك ستقضي كما قضى.
فنادی مناديه: ألا من كان له عِند رسُول اللّه (صَلَّى اللّه عَلَيْهِ وَآلِهِ) دين أو عدةٌ فليقبل، فسلّط اللّه عليهم أعرابيّ فقال: إنّ لي عند رسُول اللّه (صَلَّى اللّه عَلَيْهِ وَآلِهِ) ثمانون ناقة سوداء المقل، حمراء الوبر بأزمّتها و رحالها.
فقال أبوبكر و عمر: تحضُرُ عِندنا يا أعرابي فِي غدٍ، فمضى الأعرابيُّ، فقال أبوبكر لعمر: ألا ترى إلى هذا لا يزال يُلقينا فِي كلّ بدّة ويحك من أين فِي الدُّنيا ثمانون ناقةً سوداء المقل، حمراء الوبر بهذه الصفة ما تُريد إلّا أن يجعلنا كذابين عند النّاسِ.
فقال له عُمر: يا أبا بكرهاهنا حيلةٌ تُخلصك منه، قال: وما هي؟
قال: تقول له تُحضر بينتك على رسُول اللّه (صَلَّى اللّه عَلَيْهِ وَآلِهِ) بهذا الّذي ذكرته حتّى نُوفِّيك إياه فإنّ رسول اللّه (صَلَّى اللّه عَلَيْهِ وَآلِهِ) لا تقوم عليه بيّنةٌ فِي دين ولا عِدة.
فلَمّا كان من الغد حضر الأعرابي فقال: قد جئت للوعد.
فقال له أبوبكر و عُمر: يا أعرابي، إحضر لنا بينتك على رسُول اللّه (صَلَّى اللّه عَلَيْهِ وَآلِهِ) حتّى توفّيك، فقال الأعرابي: أترك رجلاً يُعطيني بلابينةٍ وأجيء إلى قوم لا يُعطوني إلّا ببينة ما أراكم إلّا وقد إنقطعت بكم الأسباب، وتزعمون أن رسُول اللّه (صَلَّى اللّه عَلَيْهِ وَآلِهِ) كان كذاباً لآتين أبا الحسن عليّاً فلين قال لي مثل ما قلتما لأرتدنَّ عن الإسلام.
فجاء إلى أمير المؤمنين (عَلَيهِ السَّلَامُ) وقال: إنّ لي عِند رسُول اللّه (صَلَّى اللّه عَلَيْهِ وَآلِهِ) عدة ثمانين ناقةً سوداء المقلِ حَمراء الوبر، فقال له أمير المؤمنين صلوات اللّه عليه: إجلس يا أعرابي فإنّ اللّه تبارك و تعالى سيقضي عن نبيّه (عليه وآله السلام).
ثم قال : يا حسن و يا حسين تعالا وإذهبا إلى وادِي آلِ فُلان و ناديا عند شفير الوادي بأنا رسولا رسُول اللّه (صَلَّى اللّه عَلَيْهِ وَآلِهِ) و حبيباه و وصيّاه وأنّ لِلأعرابي عند رسُول اللّه (صَلَّى اللّه عَلَيْهِ وَآلِهِ) ثمانون ناقةٌ سوداء المقل،
ص: 160
حمراء الوبر، فأجابهما مُجيب من الوادِي نشهد أنكما حبيبا رسُول اللّه (صَلَّى اللّه عَلَيْهِ وَآلِهِ) و وصيّاه كما قلتما فانتظرا حتّى نجمعها بيننا، فما جلسنا إلّا قليلاً حتّى ظهرت ثمانون ناقةً سوداء المقل، حمراء الوبر، و أنّ الحسن والحُسين (عَلَيهِمَا السَّلَامُ) ساقاها إلى أمير المؤمنين (عَلَيهِ السَّلَامُ) فدفعاها إلى الأعرابي. (1)
2- عن أبي حمزة الثّمالي، عن عليّ بن الحُسين، عن أبيه (عَلَيهِمَا السَّلَامُ) قال: كان عليّ (عَلَيهِ السَّلَامُ) يُنادي: من كان له عند رسُول اللّه (صَلَّى اللّه عَلَيْهِ وَآلِهِ) عدة أو دين فليأتِني، فكان كلّ من أتاه يطلب ديناً، أو عِدةً يرفع مُصلّاه، فيجد ذلك تحته فيدفعه إليه.
فقال الثَّاني للأول: ذهب هذا بشرفِ الدُّنيا مِن دُونِنا، فقال: فما الحيلة ؟ فقال: لعلك لوناديت كما نادى هُو كنت تجد ذلك كما يجد هو، إذ كان إنّما يقضي عن رسُول اللّه (صَلَّى اللّه عَلَيْهِ وَآلِهِ)، فنادى أبوبكر كذلك، فعرف أمير المؤمنين (عَلَيهِ السَّلَامُ) الحال، فقال: أما إنّه سيندم على ما فعل.
فلَمّا كان مِن الغدِ أتاه أعرابي وهُو جالس فِي جماعة من المهاجرين والأنصار، فقال: أيكم وصيّ رسول اللّه (صَلَّى اللّه عَلَيْهِ وَآلِهِ) ؟
فأشاروا إلى أبي بكر.
فقال: أنت وصيّ رسُول اللّه (صَلَّى اللّه عَلَيْهِ وَآلِهِ) وخليفته؟ قال: نعم، فما تشاءُ؟
قال: فهلمّ الثّمانين الناقة الّتي ضمن لي رسُول اللّه (صَلَّى اللّه عَلَيْهِ وَآلِهِ). قال: وما هذه النُّوق؟ قال:
ضمن لي رسُول اللّه ثمانين ناقة حمراء، كحل العيون.
فقال لعمر: كيف نصنع الآن ؟ قال : إنّ الأعرابَ جُهَّالٌ، فاسأله : ألك شهود بما تقولُه فتطلبهم منه ؟ فقال أبوبكر للأعرابي: ألك شهود بما تقولُ ؟ قال : ومثلي يُطلب منه الشُّهود على رسُول اللّه (صَلَّى اللّه عَلَيْهِ وَآلِهِ) بما يضمنه لي؟! واللّه ما أنت بوصيّ رسُول اللّه و لا خليفته.
فقام إليه سلمان وقال: يا أعرابي اتبعني حتّى أدلك على وصيّ رسُول اللّه (صَلَّى اللّه عَلَيْهِ وَآلِهِ) فتبعه الأعرابي حتّى انتهى إلى عليّ (عَلَيهِ السَّلَامُ) الحديث. (2)
ص: 161
1- عن جابر بن عبد اللّه، عن سلمان الفارسي (رضي اللّه عنه) قال: دخل أبوبكر و عمر و عثمان على رسُول اللّه (صَلَّى اللّه عَلَيْهِ وَآلِهِ) فقالوا: يا رسُول اللّه ما بالك تُفضّل عليّاً علينا فِي كلّ حالٍ ولا نرى معه فضلاً؟
فقال النّبيّ (صَلَّى اللّه عَلَيْهِ وَآلِهِ): ما أنا فضّلتُه، بل اللّه تعالى فضّله.
فقالوا: و ما الدليل على ذلك ؟
فقال (صَلَّى اللّه عَلَيْهِ وَآلِهِ): إذا لم تقبلوا مني فليس من الموتى عندكم أصدق من أهل الكهف وأنا أحملكم وعليا، وأجعل سلمان شاهداً عليكم إلى أصحاب الكهف حتّى تُسلّموا عليهم، فمن أحياهم اللّه له وأجابوه كان الأفضل.
فقالوا: رضينا، فبسط بساطاً ودعا بعلي فأجلسه وسط البساط، وأجلس كلّ واحدٍ منهم على قرنة و أجلس سلمان على القرنة الرابعة، ثمّ قال: يا ريحُ احمليهم إلى أصحاب الكهف ورُدّيهم عليّ فدخلتِ الرّيحُ تحت البِساطِ وسارت بنا، وإذا نحن بكهفٍ عظيم فحظتنا عليه.
فقال أمير المؤمنين (عَلَيهِ السَّلَامُ) : يا سلمان هذا الكهف والرقيم، فقُل للقوم يتقدمون أو أتقدم. فقالوا: نحن نتقدم، فقام كلّ واحدٍ منهم فصلّى ودعا وقال: السلام عليكم يا أصحاب الكهفِ، فلم يجبهم أحد.
وقام بعدهم أمير المؤمنين (عَلَيهِ السَّلَامُ) فصلى ركعتين و دعا بدعوات، فصاح الكهف وصاح القومُ من داخله بالتّلبية.
فقال أمير المؤمنين (عَلَيهِ السَّلَامُ) : السّلام عليكم أيّها الفتيةُ الّذين آمنوا بربهم و زادهم اللّه هدى فقالوا: وعليك السّلامُ يا أخا رسُول اللّه (صَلَّى اللّه عَلَيْهِ وَآلِهِ) و وصيّه يا أمير المؤمنين، لقد أخذ اللّه علينا العهد بعد إيماننا باللّه وبرسوله محمّد (صَلَّى اللّه عَلَيْهِ وَآلِهِ) لك يا أمير المؤمنين بالولاء إلى يوم الدين. فسقط القومُ على وجُوهِهِم.
فقالُوا: يا أبا الحسن رُدنا، قال (عَلَيهِ السَّلَامُ) : يا ريحُ رُدّينا إلى رسُول اللّه (صَلَّى اللّه عَلَيْهِ وَآلِهِ) فحملتنا فإذا نحنُ بين يديه، فقص عليهم رسُول اللّه (صَلَّى اللّه عَلَيْهِ وَآلِهِ) كلّما جرى، وقال: وهذا حبيبي جبرائيل (عَلَيهِ السَّلَامُ) أخبرني به، فقالوا: الآن علمنا فضل عليّ علينا مِن عِندِ اللّه عزّو جلّ لا منك. (1)
ص: 162
عن الصادق (عَلَيهِ السَّلَامُ) عن أبيه، عن آبائه (عَلَيهِم السَّلَامُ) قال: جرى بحضرة السيد محمّد (صَلَّى اللّه عَلَيْهِ وَآلِهِ) ذكرُ سُليمان بن داود (عَلَيهِمَا السَّلَامُ) والبساط، وحديث أصحاب الكهف وأنهم موتى أو غيرَ مَوتى، فقال (صَلَّى اللّه عَلَيْهِ وَآلِهِ) من أحب منكم أن ينظر باب الكهف ويُسلّم عليهم؟ فقال أبوبكر و عمر و عثمان: نحن يا رسُول اللّه.
فصاح (صَلَّى اللّه عَلَيْهِ وَآلِهِ): یا درجان بن مالك، وإذا بشاتٍ قد دخل بثياب عطرة، فقال له النّبيّ (صَلَّى اللّه عَلَيْهِ وَآلِهِ): ائتنا ببساط سلیمان (عَلَيهِ السَّلَامُ)، فذهب و وافى به بعد لحظة ومعه بساط طوله أربعون ذراعاً فِي أربعين من الشعر الأبيض، فألقاه فِي صحن المسجد و غابَ.
فقال النّبيّ (صَلَّى اللّه عَلَيْهِ وَآلِهِ) لبلال وثوبان موليّيه: أخرجا هذا البساط إلى المسجد وابسطاه، ففعلا ذلك، وقام (صَلَّى اللّه عَلَيْهِ وَآلِهِ) وقال لأبي بكر و عُمرو عُثمان وأمير المؤمنين وسلمان: قوموا و ليقعد كلّ واحدٍ منكم على طرف من البساط، و ليقعد أمير المؤمنين (عَلَيهِ السَّلَامُ) فِي وسطه، ففعلوا، و نادى يا منشية، وإذا بريح دخلت تحت البساط فرفعته حتّى وضعته بباب الكهف الّذي فِيهِ أصحاب الكهف.
فقال أمير المؤمنين (عَلَيهِ السَّلَامُ) لأبي بكر: تقدّم فسلم عليهم فإنَّك شيخ قريش !
فقال: يا علي ما أقولُ ؟ فقال (عَلَيهِ السَّلَامُ) قُل: السّلام عليكم أيَّتها الفتيةُ الّذين آمنوا بربهم، السلام عليكم يا نجباء اللّه فِي أرضه. فتقدّم أبوبكر إلى باب الكهف وهُو مسدود، فنادى بما قال له أميرُ المؤمنين (عَلَيهِ السَّلَامُ) ثلاث مرات، فلم يجبه أحد، فجاء وجلس فقال: يا أمير المؤمنين ما أجابوني.
فقال أمير المؤمنين (عَلَيهِ السَّلَامُ) : قُم يا عُمر ثمّ قُل كما قال صاحبك. فقام وقال مثل قوله ثلاث مرات، فلم يجب أحد مقالته، فجاء وجلس.
قال أمير المؤمنين (عَلَيهِ السَّلَامُ) لعثمان قُم أنت وقُل مثل قولهما، فقام وقال، فلم يُكلّمه أحد، فجاء و جلس.
ص: 163
فقال أمير المؤمنين (عَلَيهِ السَّلَامُ) لسلمان: تقدّم أنت وسلّم عليهم. فقام وتقدم فقال مثل مقالة الثّلاثة، وإذا بقائِلٍ يَقُولُ مِن داخل الكهف: أنت عبد إمتحن اللّه قلبك بالإيمان، وأنت من خيرٍ و إلى خير، و لكنا أمرنا أن لا نردّ إلّا على الأنبياء والأوصياء. فجاء وجلس.
فقام أمير المؤمنين (عَلَيهِ السَّلَامُ) وقال: السّلام عليكم يا نجباء اللّه فِي أرضه، الوافين بعهد اللّه، نعم الفتيةُ أنتُم. وإذا بأصواتِ جماعةٍ: وعليك السّلام يا أمير المؤمنين، وسيّد المسلمين، وإمام المتقين، وقائد الغر المحجلين فاز و اللّه من والاك، وخاب من عاداك.
فقال أمير المؤمنين (عَلَيهِ السَّلَامُ) : لِمَ لا تُجيبون أصحابي ؟ فقالُوا: يا أمير المؤمنين إنا نحن أحياء محجوبون عن الكلامِ ولا تُجيب إلّا نبيّاً أو وصيّ نبي، وعليك السلام و على الأوصياء من بعدك حتّى يظهر حقّ اللّه على أيديهم، ثمّ سكتوا، وأمر أمير المؤمنين (عَلَيهِ السَّلَامُ) المنشية فحملت البساط، ثم ردته إلى المدينة وهم عليه كما كانُوا، و أخبروا رسُول اللّه (صَلَّى اللّه عَلَيْهِ وَآلِهِ) بما جرى عليهم. (1)
2 - عن عبدِ اللّه بنِ مُوسى عن أبيه عن جدّه جعفر بن محمّد الصّادِقِ عن أبيه محمّد بنِ علي عن أبيه (عَلَيهِمَا السَّلَامُ) عن جابر بنِ عبدِ اللّه الأنصاري قال: خرج علينا رسُول اللّه (صَلَّى اللّه عَلَيْهِ وَآلِهِ) يوماً و نحنُ فِي مسجِدِهِ فقال من هاهنا فقُلتُ أنا يا رسُول اللّه و سلمان الفارسي فقال يا سلمان اذهب فادع لي مولاك عليّ بن أبِي طالِب قال جابر فذهب سلمان يبتدِرُبِهِ حتّى أخرج عليّاً من منزِلِهِ فلَمّا دنا مِن رسُول اللّه (صَلَّى اللّه عَلَيْهِ وَآلِهِ) قام فخلابه وأطال مناجاته و رسُول اللّه يقطرُ عرقاً كهيئة اللُّؤْلُؤ ويتهلّلُ حُسناً ثمّ انصرف رسُول اللّه (صَلَّى اللّه عَلَيْهِ وَآلِهِ) من مُناجاتِهِ وجلس فقال له أسمعت يا علي و وعيت قال نعم يا رسُول اللّه قال جابِرٌ ثمّ التفت إليّ وقال يا جابِرادعُ لِي أبا بكر و عمرو عبد الرحمن بن عوف الزهري قال جابِرٌ فذهبتُ مُسرِعاً فدعوتُهم فَلَمّا حضرُوا قال يا سلمان اذهب إلى منزلِ أُمّك أُمّ سلمة فأتِنِي ببساطِ الشعر الخيبريّ قال جابر فذهب سلمان فلم يلبث أن جاء بِالبِساطِ فأمر رسُول اللّه (صَلَّى اللّه عَلَيْهِ وَآلِهِ) سلمان فبسطهُ ثمّ قال لأبي بكر و عمر و عبدِ الرحمنِ إجلسوا على البساطِ فجلسوا كما أمرهُم ثمّ خلا رسُول اللّه سلمان فَلَمّا جَاءهُ أَسرَ إِليهِ شيئاً ثمّ قال له اجلس فِي الزاوية الرابعة فجلس سلمانُ ثمّ أمر عليّاً (عَلَيهِ السَّلَامُ) أن يجلس فِي وسطِهِ ثمّ قال لهُ قُل ما أمرتُك فوالّذي بعثني بالحق نبيّاً لوشِئتُ قُلتُ على الجبل لسار فحرك عليّ (عَلَيهِ السَّلَامُ) شفتيه قال جابر فاختلج البساط فربهم قال جابر فسألتُ سلمان فقُلتُ أين مربِكُمُ البساط قال واللّه ما شعرنا بِشيءٍ حتّى انقضّ بنا البساط فِي ذروة جبل شاهِقٍ وصرنا إلى بابِ كهفٍ
ص: 164
قال سلمان فقُمتُ وقُلتُ لأبي بكريا أبا بكر أمرني رسُول اللّه (صَلَّى اللّه عَلَيْهِ وَآلِهِ) أن نصرخ فِي هذا الكهفِ بِالفِتيةِ الّذين ذكرهُمُ اللّه فِي محكم كِتابِهِ فقام أبوبكر فصرح بهم بأعلى صوتِهِ فلم يُجِبهُ أحدٌ ثمّ قُلتُ لِعُمر قُم فاصرخ فِي هذا الكهف كما صرخ أبوبكر فصرخ عُمرُ فلم يُجِبهُ أحدٌ ثمّ قُلتُ لِعبدِ الرحمنِ قُم فاصرُخ فِيهِ كما صرخ أبوبكر و عُمرُ فقام وصرخ فلم يُجِبهُ أحدٌ ثمّ قُمتُ أنا و صرخت بهم بأعلى صوتي فلم يُحبني أحدٌ ثمّ قُلتُ لِعلي بن أبِي طالِب (عَلَيهِ السَّلَامُ) قم يا أبا الحسن واصرخ فِي هذا الكهفِ فَإِنَّهُ أمرني رسُول اللّه أَن آمرك كما أمرتهم فقام عليّ (عَلَيهِ السَّلَامُ) فصاح بهم بصوت خفيٍّ فانفتح باب الكهف و نظرنا إلى داخِلِهِ يتوقد نُوراً و ياتِلقُ إشراقاً وسمعنا ضجّةً و وجبةً شدِيدةً فملئنا رُعباً وولى القومُ هاربين فناداهم مهلا يا قومِ و ارجِعُوا فرجعُوا وقالوا ما هذا يا سلمانُ قُلتُ هذا الكهف الّذي وصفه اللّه جلّ و عزّ فِي كِتابِهِ والّذين نراهُم هُمُ الفِتَيةُ الّذين ذكرهُمُ عزّ و جلّ هُمُ الفتيةُ المؤمِنُون وعلى (عَلَيهِ السَّلَامُ) واقِفٌ يُكَلِّمُهُم فعادُوا إِلى موضِعِهِم قال سلمان وأعاد عليّ (عَلَيهِ السَّلَامُ) فقالُوا كُلُّهم وعليك السلام ورحمة اللّه وبركاتُهُ و على محمّد رسُول اللّه (صَلَّى اللّه عَلَيْهِ وَآلِهِ) خاتم النُّبُوَّةِ مِنَا السّلامُ أبلغهُ مِنَا السّلام وقُل لَهُ قد شهِدُوا لَكَ بِالنُّبُوَّةِ الّتي أُمِرْنا قبل وقتِ مبعثك بأعوام كثيرة و لك يا علي بالوصيّة فأعاد عليّ (عَلَيهِ السَّلَامُ) سلامه عليهم فقالُوا كُلُّهُم وعليك و على محمّد مِنّا السّلامُ نشهدُ بِأنك مولانا و مولى كلّ من آمن بمحمّد (صَلَّى اللّه عَلَيْهِ وَآلِهِ) قال سلمانُ فَلَمّا سمع القومُ أخذُوا بِالبُكاءِ وفَزِعُوا و اعتذرُوا إِلى أَمِيرِ المؤمِنين (عَلَيهِ السَّلَامُ) و قاموا كُلُّهُم إليهِ يقبلُون رأسه ويقُولُون قد علمنا ما أراد رسُول اللّه ومدُّوا أيديهم وبايِعُوهُ بِإِمرة المؤمِنِين و شهدوا له بالولاية بعد محمّد (صَلَّى اللّه عَلَيْهِ وَآلِهِ) ثمّ جلس كلّ واحِدٍ مكانه مِن البِساطِ وجلس عليّ (عَلَيهِ السَّلَامُ) فِي وسطِهِ ثمّ حرّك شفتيه فاختلج البساط فلم ندر كيف مرينا فِي البرأم فِي البحر حتّى انقضّ بِنا على بابِ مسجِدِ رسُول اللّه (صَلَّى اللّه عَلَيْهِ وَآلِهِ) قال فخرج إلينا رسُول اللّه (صَلَّى اللّه عَلَيْهِ وَآلِهِ) فقال كيف رأيتُم أبا بكر قالُوا نشهد يا رسُول اللّه كما شهد أهل الكهفِ ونُؤْمِنُ كما آمَنُوا فقال رسُول اللّه (صَلَّى اللّه عَلَيْهِ وَآلِهِ) اللّه أكبرُ لا تَقُولُوا (سُكِّرَتْ أَبْصَارُنَا بَلْ نَحْنُ قَوْمٌ مَسْحُورُونَ) (1) ولا تَقُولُوا ﴿يَوْمَ الْقِيَامَةِ إِنَّا كُنَّا عَنْ هَذَا غَافِلِينَ) (2) واللّه لئِن فعلتُم لتهتدون وما على الرَّسُولِ إِلَّا البلاغ
ص: 165
المبين(1) و إن لم تفعلوا تختلِفُوا و من وفى وفى اللّه له و من يكتُم ما سمعه فعلى عقبيه ينقلبُ ولن يضُر اللّه شيئاً أفبعد الحجّةِ والمعرفة و البيّنة خلف والّذي بعثني بالحق نبيّاً لقد أُمِرْتُ أَن آمُرَكُم بِبيعتِهِ و طاعتِهِ فبايِعُوهُ وأطِيعُوهُ بعدِي ثمّ تلا هذِهِ الآية (يا أيّها الّذينَ آمَنُوا أَطِيعُوا اللّه وَأَطِيعُوا الرَّسُولِ و أُولي الأمر منكم) (2) يعني عليّ بن أبِي طالِب قالوا يا رسُول اللّه قد بايعناه و شهد علينا أهلُ الكهفِ فقال النّبيّ (صَلَّى اللّه عَلَيْهِ وَآلِهِ) إن صدقتُم فقد أسقيتُم ماءً غدقاً و أكلتُم مِن فوقِكُم و مِن تحتِ أرجُلِكُم (أَوْ يَلْبِسَكُمْ شِيَعًا) (3) وتسلكون طريق بَنِي إسرائيل فمن تمسك بولاية علي لقيني يوم القيامةِ و أنا عنه راض قال سلمان و القومُ ينظُرُ بعضُهُم إِلى بعض فأنزل اللّه هذه الآية فِي ذلك اليوم (ألم يعلمُوا أَنّ اللّه يعلمُ سِرّهُم ونجواهُم وأنّ اللّه علّامُ الغُيُوبِ) (4) قال سلمان فاصفرت وُجُوهُهُم ينظُرُ كلّ واحِدٍ إِلى صاحِبِهِ فأنزل اللّه هذه الآية (يَعْلَمُ خَائِنَةَ الْأَعْيُنِ وَمَا تُخْفِي الصُّدُورُ * وَاللَّهُ يَقْضِي بِالْحَقِّ) (5) فكان ذهابُهُم إلى الكهف ومجِيئُهُم مِن زوالِ الشَّمس إلى وقت العصر. (6)
4 - عن أبي جعفر (عَلَيهِ السَّلَامُ) قال: صلى النّبيّ (صَلَّى اللّه عَلَيْهِ وَآلِهِ) ذات ليلةٍ ثمّ توجه إلى البقيع فدعا أبا بكرو عُمر و عُثمان وعليّاً فقال امضُوا حتّى تأتوا أصحاب الكهف وتُقرِءُ وهُم مِنِّي السّلام و تقدّم أنت يا أبا بكر فإنّك أسنُّ القومِ ثمّ أنت يا عُمرُثُم أنت يا عُثمانُ فإِن أجابوا واحِداً مِنكُم وإِلّا تقدّم أنت يا عليُّ كُن آخرهُم ثمّ أمر الريح فحملتهم حتّى وضعتهم على باب الكهف فتقدّم أبوبكر فسلّم فلم يرُدُّوا فتنحى فتقدّم عُمرُ فسلّم فلم يرُدُّوا عليه وتقدّم عُثمانُ وسلّم فلم يردُّوا عليهِ وتقدّم عليّ وقال السّلامُ عليكم ورحمة اللّه وبركاتُهُ أهل الكهفِ الّذينَ آمَنُوا بِرتِهم وزادهم هُدًى وربط على قُلُوبِهِم أنا رسُولُ رَسُولِ اللّه إِليكُم فقالُوا مرحباً بِرَسُولِ اللّه وبِرَسُولِهِ و
ص: 166
عليك السلام يا وصيّ رسُول اللّه ورحمة اللّه وبركاته قال فكيف علِمتُم أَنِّي وصيّ النّبيّ فَقَالُوا إِنَّهُ ضُرِب على آذاننا ألا تكلّم إلّا نبيّاً أو وصيّ نتي فكيف تركت رسُول اللّه (صَلَّى اللّه عَلَيْهِ وَآلِهِ) و كيف حشمه و كيف حاله و بالغُوا فِي السُّؤال و قالُوا خبر أصحابك هؤلاء أنا لا نُكَلِّمُ إِلَّا نبيّاً أو وصيّ ني فقال لهم أسمعتُم ما يقُولُون قالُوا نعم قال فاشهدوا ثمّ حوّلُوا وُجُوهَهُم قِبل المدينة فحملتهُمُ الرِّيحُ حتّى وضعتهم بين يدي رسُول اللّه فأخبرُوهُ بِالّذي كان فقال لهُمُ النّبيّ (صَلَّى اللّه عَلَيْهِ وَآلِهِ) قد رأيتُم و سمِعتُم فاشهدوا قالوا نعم فانصرف النّبيّ إِلى منزِلِهِ و قال لهم احفظوا شهادتكُم. (1)
4- عن الحسن بن عليّ بن أبِي طالِب (عَلَيهِ السَّلَامُ) و عن حذيفة بن اليمان قالا بينما النّبيّ (صَلَّى اللّه عَلَيْهِ وَآلِهِ) جاليش مع أصحابه إذ أقبلتِ الريحُ الدّبُورُ فقال لها النّبيّ (صَلَّى اللّه عَلَيْهِ وَآلِهِ) أيتها الريحُ إني أستودِعُكِ إخواننا فردّيهِم إلينا قالت قد أمرتُ بِالسّمع والطاعة لك فدعا ببساط كان أَهْدِي إِليهِ فبسطهُ ثمّ دعا بعلي بن أبِي طالِب (عَلَيهِ السَّلَامُ) فأجلسه عليهِ ثمّ دعا بِأَبِي ذرو المقدادِ بنِ الأسود و عمَّار بن ياسرو سلمان و طلحة والزُّبير و سعد بن أبي وقاص و عبدِ الرحمن بن عوف و أبي بكر و عمر و عثمان فأجلسهم عليهِ ثمّ قال أما إِنَّكُم سائِرُون إِلى موضع فِيهِ عِينٌ مِن ماءٍ فانزِلُوا و توضعُوا وصلوا ركعتين وأدُّوا إلي الرسالة كما تُؤدّى إِليكُم ثمّ قَالَ أيّها الرِّيحُ استعلِي بإذن اللّه فحملتهُمُ الرِّيحُ حتّى رمتهم إلى بِلادِ الرُّومِ عِند أصحاب الكهف فنزلوا و توضّئُوا و صلوا فأوّلُ من تقدّم إلى بابِ الكهفِ أبوبكر فسلّم فلم يرُدُّوا ثمّ عُمرُ [فسلم] فلم يردُّوا ثمّ تقدّم واحِدٌ بعد واحِدٍ يُسلّم فلم يردُّوا ثمّ قام عليّ بن أبِي طالِب (عَلَيهِ السَّلَامُ) فأفاض عليه الماء وصلّى ركعتين ثمّ مشى. إلى بابِ الغارِ فسلّم بِأحسن ما يكُونُ مِن السّلام فانصدع الكهف ثمّ قَامُوا إليه فصافحُوهُ وسلّموا عليه بإمرة المؤمِنين وقالوا يا بقيّة اللّه فِي أَرضِهِ بعد رَسُولِهِ فَعَلَّمَهُم ما أمره رسُول اللّه ثمّ رُدّ الكهف كما كان فحَمَلَتهُمُ الرِّيحُ فرمَتهُم فِي مسجِدِ رسُول اللّه (صَلَّى اللّه عَلَيْهِ وَآلِهِ) و قد خرج النّبيّ لصلاة الفجر فصلوا معه. (2)
ص: 167
6- عن شرِيكِ بنِ عبدِ اللّه وهُو يومئذ قاض أنّ النّبيّ (صَلَّى اللّه عَلَيْهِ وَآلِهِ) بعث علياً (عَلَيهِ السَّلَامُ) و أبا بكرو عُمر إلى أصحاب الكهف فقال انتُوهُم فأبلغُوهُم مِنّي السَّلام فَلَمَّا خرجُوا مِن عِندِهِ قَالُوا لِعَلِي تدري أين هم فقال ما كان رسُول اللّه (صَلَّى اللّه عَلَيْهِ وَآلِهِ) يبعثنا إلى مكانٍ إِلَّا هدانا اللّه لَهُ فَلَمّا أوقفهُم على بابِ الكهف قال يا أبا بكرسلّم فإنّك أستُنا فسلّم فلم يُجب ثمّ قال يا أبا حفص سلّم فإنّك أسنُ مِنِّي فسلّم فلم يُجب قال فسلم عليّ بن أبِي طالِب (عَلَيهِ السَّلَامُ) فردُّوا السلام و حيوه و أبلغهم سلام رسُول اللّه (صَلَّى اللّه عَلَيْهِ وَآلِهِ) فردوا عليه فقال أبوبكر سلهم ما لهم سلَّمنا عليهم فلم يُسلّمُوا علينا قال سلهم أنت فسألهم فلم يتكلّمُوا ثمّ سألهُم عُمَرُ فلم يُكَلِّمُوهُ فقالا يا أبا الحسنِ سلهم أنت.
قال عليّ (عَلَيهِ السَّلَامُ) إن صاحبي هذين سألاني أن أسألكُم لِم رددتُّم علي ولم تردوا عليهما قالوا لأنا لا نُكَلِّمُ إِلَّا نبيّاً أو وصيّ نبي. (1)
1- قال عليّ (عَلَيهِ السَّلَامُ) رأيتُ رسُول اللّه (صَلَّى اللّه عَلَيْهِ وَآلِهِ) فِي منامي وهُو يمسحُ الغُبار عن وجهي وهُو يقُولُ يا علي لا عليك لا عليك قد قضيت ما عليك فما مكث إلّا ثلاثاً حتّى ضُرِب وقال رأيتُ رسُول اللّه فِي منامي فشكوتُ إليهِ ما لَقِيتُ مِن أُمَّتِهِ مِن الأودِ واللددِ وبكيتُ فقال لا تبكِ والتفتُ فإذا رجُلانِ مُصفّدانِ وإِذا جلامِيدُ تُرضحُ بِها رُءُوسُهُما ثمّ قال للحسن والحُسين (عَلَيهِمَا السَّلَامُ) إذا مِتُ فاحملاني إلى الغرِي مِن نجفِ الكُوفَةِ وإحملا آخر سريري فالملائِكَةُ يحمِلُون أوله وأمرهما أن يدفناه هناك ويعفيا قبره لما يعلمُهُ مِن دولة بَنِي أُميّة بعده وقال ستريانِ صخرةً بيضاء تلمعُ نُوراً فاحتفرا فوجدا ساجةً مكتوباً عليها مِمّا ادخرها نُوحٌ لِعلي بن أبِي طالِب (عَلَيهِ السَّلَامُ) ففعلا ما أمرهُما بِهِ فدفناهُ فِيهِ و عفيا أثره. (2)
ص: 168
1- عن أبي بصير قال: كُنتُ جالساً عِند أبي عبد اللّه (عَلَيهِ السَّلَامُ) إذ دخلت عليهِ أُمُّ خالد الّتي كان قطعها يُوسُفُ بنُ عُمر تستأذِنُ عليه فقال أبو عبدِ اللّه (عَلَيهِ السَّلَامُ) أ يسرُّك أن تسمع كلامها فقُلتُ نعم فقال أما الآن فأذن لها قال وأجلسني معه على الطّنفسةِ ثمّ دخلت فتكلّمت فإذا امرأةٌ بليغة فسألته عنهما فقال لها تولّيهما قالت فأقُولُ لِربّي إذا لقيتُهُ إِنَّك أمرتني بولايتهما قال نعم قالت فإنّ هذا الّذي معك على الطنفسة يأمُرُنِي بِالبراءة منهما و كثِيرُ النّواءُ يَأْمُرُنِي بولايتهما فأيهما خير و أحبُّ إليك قال هذا و اللّه أحبُّ إليَّ مِن كَثِيرِ النّواءِ وأصحابِهِ إِنّ هذا يُخاصِمُ فيقُولُ (وَمَنْ لَمْ يَحْكُمْ بِمَا أَنْزَلَ اللَّهُ فَأُولَئِكَ هُمُ الْكَافِرُون * وَمَنْ لَمْ يَحْكُمْ بِمَا أَنْزَلَ اللَّهُ فَأُولَئِكَ هُمُ الظَّالِمُونَ * وَمَنْ لَمْ يَحْكُمْ بِمَا أَنْزَلَ اللَّهُ فَأُولَئِكَ هُمُ الْفَاسِقُونَ﴾. (1) و (2)
1- عن داود بن كثير الرّقّي قال: كُنتُ عِند الصّادِقِ (عَلَيهِ السَّلَامُ) أنا وأبو الخطاب والمفضّل وأبو عبدِ اللّه البلخِيُّ إِذ دخل علينا كثِيرُ النّواءُ فقال إنّ أبا الخطاب هذا يشتم أبا فلان وفلان ويُظهِرُ البراءة مِنهُما فالتفتَ الصَّادِقُ (عَلَيهِ السَّلَامُ) إلى أبي الخطاب وقال يا محمّد ما تقُولُ قال كذب واللّه ما سمع مِنِّي قط شتمهما فقال الصّادِقُ (عَلَيهِ السَّلَامُ) قد حَلَفَ ولا يحلف كاذباً فقال صدق لم أسمع أنا مِنهُ ولكن حدّثني الثّقةُ بِهِ عنه قال الصّادِقُ (عَلَيهِ السَّلَامُ) و إِنَّ الثّقة لا يُبلغ ذلِكَ فَلَمَّا خرج كثيرٌ قال الصّادِقُ (عَلَيهِ السَّلَامُ) أما واللّه لئن كان أبو الخطاب ذكر ما قال كثير لقد علم من أمرهما ما لم يعلمه كثير و اللّه لقد جلسا مجلس أمير المؤمنين (عَلَيهِ السَّلَامُ) غصباً فلا غفر اللّه لهما ولا عفا عنهما فبُهِت أبو عبد اللّه البلخي ونظر إلى الصّادِقِ (عَلَيهِ السَّلَامُ) متعجباً مِمّا قال فيهما فقال له الصّادِقُ (عَلَيهِ السَّلَامُ) أنكرت ما سمعت مِنّي فيهما قال قد كان ذلك فقال الصادق (عَلَيهِ السَّلَامُ) فهلا كان هذا الإنكار منك ليلة رفع إليك فُلان بن فلان البلخِيُّ جَارِيتهُ فُلانة لتبيعها لهُ فَلَمّا النهر افترشتها فِي أصل شجرة فقال البلخِيُّ قد مضى واللّه لهذا الحَدِيثِ أَكثرُ مِن عِشرين سنةً ولقد تُبتُ إِلى
ص: 169
اللّه مِن ذلِك فقال الصّادِقُ (عَلَيهِ السَّلَامُ) لقد ثبت وما تاب اللّه عليك ولقد غضب اللّه لِصاحِبِ الجارِيةِ ثمّ ركب وسار و البلخي معه فلما برزا قال الصادق (عَلَيهِ السَّلَامُ) و قد سمع صوت حمارٍ إن أهل النّار يتأذون بهما وبأصواتهما كما تتأذون بصوتِ الحِمارِ فلما برزنا إلى الصحراء فإذا نحنُ بِجُب كبير التفت الصّادِقُ (عَلَيهِ السَّلَامُ) إلى البلخي فقال اسقنا من هذا الجب فدنا البلخي ثمّ قال هذا جُبُّ بعِيدُ القعرِلا أرى ماءً بِهِ فتقدّم الصَّادِقُ (عَلَيهِ السَّلَامُ) فقال أيّها الجُبُّ السّامِعُ المطيعُ لِرَبِّهِ اسقِنا مِمّا جعل اللّه فيك من الماءِ بِإِذنِ اللّه فنظرنا الماء يرتفعُ مِن الجُبِ فشربنا منه ثمّ سار حتّى انتهى إلى موضع فِيهِ نخلةٌ يابسة فدنا منها فقال أيتُها النخلةُ أطعِمِينا مِمّا جعل اللّه فيك فانتشرت رُطباً جنِيّاً فأكلنا ثمّ جازها فالتفتنا فلم نرفيها شيئاً ثمّ سار فإذا نحنُ بظبي قد أقبل فبصبص بذنبه إلى الصّادِقِ (عَلَيهِ السَّلَامُ) و تبغم فقال أفعل إن شاء اللّه فانصرف الظَّبي فقال البلخي لقد رأينا شيئاً عجباً فما الّذي سألك الظبي فقال استجاربي وأخبرني أنّ بعض من يصِيدُ الظَّباء بِالمدينة صاد زوجته و أنّ لها خشفين صغيرين وسألني أن أشتريها و أطلقها للّه إليهِ فضمِنتُ لهُ ذلك واستقبل القبلة ودعا وقال الحمد للّه كثيراً كما هُو أهله و مُستحِقُه وتلا (أَمْ يَحْسُدُونَ النَّاسَ عَلَى مَا آتَاهُمُ اللَّهُ مِنْ فَضْلِهِ) (1) ثمّ قال نحنُ واللّه المحشودُون ثمّ انصرف و نحنُ معه فاشترى الطبية وأطلقها ثمّ قال لا تُذِيعُوا سِرّنا ولا تُحدِّثُوا بِهِ عِند غيرِ أهلِهِ فإنّ المذيع سرنا أشدُّ علينا من عدوّنا. (2)
1- قيل للباقر (عَلَيهِ السَّلَامُ) قد رضي أبوك إمامتهما لما استحلّ مِن سبيهما فأشار (عَلَيهِ السَّلَامُ) إلى جابر الأنصارِيّ فقال جابِرٌ رأيتُ الحنفية عدلت إلى تُربةِ رسُول اللّه فرنّت و زفرت ثمّ نادت السّلامُ عليك يا رسُول اللّه وعلى أهل بيتك مِن بعدِك هذِهِ أُمتك سبتنا سبي الكُفَّارِ وما كان لنا ذنب إِلَّا الميل إلى أهلِ بيتِك ثمّ قالت أيّها النَّاسُ لِمَ سبيتُمُونا و قد أقررنا الشهادتين فقال الزُّبير لحقِّ اللّه
ص: 170
فِي أيدِيكُم منعتُمُوناه قالت هب الرِّجالُ منعُوكُم فما بالُ النِّسوان فطرح طلحة عليها ثوباً و خالِدٌ ثوباً فقالت يا أيّها النّاسُ لستُ بِعُريانة فتكسُوني ولا سائلة فتتصدّقُون علي فقال الزُّبير إِنَّهُما يُرِيدانِكِ فقالت لا يكُونَانِ لِي بِبعلٍ إِلَّا من خبّرني بالكلامِ الّذي قُلتُهُ ساعة خرجتُ مِن بطنِ أُمِّي فجاء أمير المؤمنين و ناداها يا خولةُ اسمعي الكلام وعِي الخطّاب لَمّا كانت أُمُّكِ حاملةً بِك وضربها الطلقُ واشتدّ بها الأمرُ نادت اللّهمّ سلّمني من هذا المولودِ سالماً فسبقتِ الدعوة لكِ بِالنّجاةِ فَلَمّا وضعتكِ ناديتِ مِن تحتها لا إِله إِلَّا اللّه محمّد رسُول اللّه يا أُمَّاه لِم تدعين عليّ و عمّا قليل سيملِكُني سيِّدٌ يَكُونُ لِي مِنهُ ولدٌ فكتبت ذلك الكلام فِي لوحِ نُحاس فدفنته فِي الموضعِ الّذي سقطت فِيهِ فَلَمّا كانت فِي اللّيلةِ الّتي تغيبت أُمُّكِ فِيها أوصت إِليكِ بذلك فلما كان وقت سبيكِ لم تكن لكِ هِمَةٌ إِلّا أخذ ذلك اللوح فأخذتيه وشددتيه على عضُدِكِ هاتي اللوح فأنا صاحِبُ اللّوح و أنا أمير المؤمنين وأنا أبوذلِكَ الغُلامِ الميمُونِ واسْمُهُ محمّد فدفعت اللوح إلى أمير المؤمنين فقرأه عثمان لأبي بكر فو اللّه ما زاد على ما فِي اللوح حرفاً واحِداً ولا نقَصَ فقالُوا بِأجمعهم (صَدَقَ اللَّهُ وَرَسُولُهُ) (1) إذ قال أنا مدينةُ العِلمِ وعلي بابها فقال أبوبكر خُذها يا أبا الحسن بارك اللّه لك فيها فأنفذها عليّ (عَلَيهِ السَّلَامُ) إلى أسماء بنتِ عُميس فقال خُذِي هذِهِ المرأة فأكرِمِي مثواها و احفظيها فلم تزل عِندها إلى أن قدم أخوها فتزوجها مِنهُ وأمهرها أمير المؤمنين وتزوجها نكاحاً. (2)
2- عن الكلبي، قال: أخبرني ميمون بن صعب الكلبي، قال: كنا عند العباس بن سابور المكي فأجرينا حديث أهل الردّة، فذكرنا خولة الحنفية و نكاح على أمير المؤمنين (عَلَيهِ السَّلَامُ) لها.
فقال: أخبرني أبو الحسن الحسني، قال: بلغني أن مولانا الباقر (عَلَيهِ السَّلَامُ) كان جالساً فِي مجلسه إذ جاءه رجلان فقالا له يا أبا جعفر أليس ذكرت لنا أنّ أمير المؤمنين (عَلَيهِ السَّلَامُ) ما رضى بإمامة من تقدم عليه ؟
ص: 171
فقال لهما و ما الحجّة لكما فِي ذلك ؟
قالا: هذه خولة الحنفية نكحها من سبيهم، وقبل هديتهم ولم يُخالف على أمر أحدٍ منهم فِي أيّام حياته.
فقال أبو جعفر (عَلَيهِ السَّلَامُ) من فيكم يأتيني بجابر بن حزام، فأُتي به إليه، وكان الرجل قد أضر لا يدري أين يُوضع رجله، فسلّم و جلس، فقال له (عَلَيهِ السَّلَامُ) يا جابر، أتدري عمّا أريد أسألك به ؟ فقال: لا يا مولاي.
فقال له (عَلَيهِ السَّلَامُ) : عِندي رجُلان ذكرا أن أمير المؤمنين (عَلَيهِ السَّلَامُ) رضى بإمامة من تقدم عليه، فسألتهما عن الحجّةِ فِي ذلك، فذكرا لي خولة الحنفية. فبكى جابر حتّى إخضلت لحيته من دموعه، ثمّ قال: واللّه يا باقرُ، لقد خشِيتُ أن أخرُج مِن الدنيا ولا أُسأل عن هذِهِ المسألةِ.
فقال: أنا واللّه كنتُ جالساً من جانبِ أبي بكر و قد عُرض عليه سبي من سبي بَنِي حنيفة بعد قتل مالك بن نويرة، وكانت فيهم خولة الحنفية وهي جاريةٌ مُراهقة، فلما دخلت المسجد قالت: يا أيّها النّاس، ما فعل رسُول اللّه (صَلَّى اللّه عَلَيْهِ وَآلِهِ)؟
قالوا: قُبض، فقالت: أله بنيّةٌ تُقصد؟
فقالوا: نعم، و هذه حُجرته الّتي فيها قبره، فدخلت عليه، فنادت: السّلام عليك يا أحمد، السّلام عليك يا محمّد، السلام عليك يا رسُول اللّه، أشهد أنك تسمع كلامي، و تقدر على ان اللّه بميغا مليانه صلي نه لنية بين اليه أبي العالقة جوابي، وتعلم أنا سُبينا بعدك، وأنا أشهد أن لا إله إلّا اللّه، وأنك محمّد رسُول اللّه، وجلست، فوتب طلحة بن عبد اللّه والرُّبيرُ بنُ العُوّام، فطرحا ثوبيهما عليها.
فقالت: مالكم معاشر العرب تصونون حلائلكم وتهتكون حلائل الغير؟!
فقالا لها: لمخالفتكم اللّه ورسوله حتّى قُلتم إننا نُزَكِّي ولا نُصلّي، أو نُصلّي ولا نُزَكِّي.
فقالت لهما: واللّه ما قالها أحدٌ مِن بَنِي حنيفة، وإنا لنضرب صبياننا على الصّلاة من التِّسع، و على الصيام من السبع، وإنا لنخرج الزكاة من حيث أن يبق فِي جمادى الآخرة عشرة أيام، و يُوصي مريضنا بها لوصيه.
و اللّه يا قوم، ما نكثنا ولا غيرنا ولا بدلنا حتّى تقتلوا رجالنا، وتسبوا حريمنا، فإن كنت يا أبا
ص: 172
بكروليت بحق فما بال على لم يكن سبقك علينا، وإن كان راضياً بولايتك فلم لا تُرسله إلينا يقبضُ الزكاة منا ويسلّمها إليك.
واللّه ما رضى ولا يرضى قتلت الرّجال ونهبت الأموال، وقطعت الأرحام، فلا نجتمع معك فِي الدُّنيا ولا فِي الآخرة، إفعل ما أنت فاعله.
فضح الناسُ، وقال الرجلان اللذان طرحا ثوبيهما عليها: إِنَّا لمغالُون فِي ثمنكِ. فقالت: أقسمتُ باللّه ربّي، وبمحمّد نبتي أن لا يملكني إلّا من يُخبرني بما رأت أمِّي فِي منامها و هي جاهلة حاملة بي، و ما قالت لي عند الولادة، و ما العلامة الّتي بيني وبينها، وإلّا إن ملكني أحد منكم بقرتُ بطني بيدي فتذهب نفسي وماله، ويكون مطالبا بذلك فِي القيامة.
فقالوا: يا بُنيّة، أبدِي رؤياكِ الّتي رأت أمك و هي حاملة بكِ حتّى تُبدي لك العبارة، فأخذ الرجلان ثوبيهما وعادا إلى المسجد، ودخل المسجد عقيب ذلك أمير المؤمنين (عَلَيهِ السَّلَامُ) وقال: ما هذا الرجفُ فِي مسجد رسُول اللّه (صَلَّى اللّه عَلَيْهِ وَآلِهِ) ؟
فقالوا: إمرأة من بَنِي حنيفة حرمت نفسها على المسلمين، وقالت: ثمني من يُخبرني بالرُّؤيا الّتي رأتها أمي فِي منامها و العبارة لها.
فقال أمير المؤمنين (عَلَيهِ السَّلَامُ) : أخبروها تملكوها ما دعت إلى باطل.
فقالُوا: يا أمير المؤمنين، فينا من يعلم الغيب على أن إبن عمك قبض وأخبار السماوات و الأرضِ كان يُخبره بها جبرئيل (عَلَيهِ السَّلَامُ) ساعةً فساعة.
فقال أبو بكر: أخبرها، يا أمير المؤمنين.
فقال (عَلَيهِ السَّلَامُ) : أخبرها و أملكها بلا إعتداء على أحدٍ منكم؟
فقال أبوبكر و المسلمون: نعم.
فقال (عَلَيهِ السَّلَامُ) : يا حنفية، أخبرك وأملكك.
فقالت: نعم، من أنت الجري دون أصحابك ؟
فقال لها: أنا عليّ بن أبِي طالِب.
فقالت: لعلّك الرّجلُ الّذي نصبه رسُول اللّه (صَلَّى اللّه عَلَيْهِ وَآلِهِ) صبيحة يوم الجمعة بغديرخُمّ علماً للنّاس ؟
فقال: أنا ذلك.
ص: 173
فقالت: [إنّا من سبيلك أُصبنا، ومن نحوك أوتينا لأن رجالنا قالت: لا نُسلّمُ الصدقات من أموالنا ولا طاعة أنفسنا إلّا إلى الّذي نصبه محمّد (صَلَّى اللّه عَلَيْهِ وَآلِهِ) فينا وفيكم علماً.
فقال لها أمير المؤمنين (عَلَيهِ السَّلَامُ) : إن أجركم لغير ضائع، وإنّ اللّه تعالى يؤتي كلّ نفس ما اقترفت.
ثمّ قال (عَلَيهِ السَّلَامُ) : يا حنفية، ألم تحملكِ أمُّكِ فِي زمانٍ قحط، منعت السّماء فِيهِ قطرها، والأرضُ نباتها حتّى أن البهائم ترعى فلا تجد رعياً، وكانت أمّكِ تقولُ لكِ: إِنَّكِ حمل ميشوم، فِي زمانٍ غير مبارك، فلمّا كان بعد سبع شهور رأت أمُّكِ فِي منامها كأنها وقد وضعتكِ وهي تقولُ لكِ: إنكِ حمل ميشوم فِي زمان غير مبارك، وكأنكِ أنتِ تقولين لها: يا أماه، لا تتشأمي بي فإنّي حمل مُبارك أنشُو نشوءا حسناً، أملكني سيّد يولدني ولياً مباركاً يكون لبني حنيفة عزاً.
فقالت: صدقت يا أمير المؤمنين، إنه كذلك.
فقال (عَلَيهِ السَّلَامُ) : إنه من إخبار النّبيّ (صَلَّى اللّه عَلَيْهِ وَآلِهِ) لي.
فقالت: وما العلامة يا أمير المؤمنين بيني وبين أمي؟
فقال (عَلَيهِ السَّلَامُ) : لما وضعتكِ أمّكِ كتبت كلامكِ، والرؤيا فِي لوح من النُّحاس، وأودعته يمنة الباب، فلمّا كان بعد حولين عرضته عليكِ فأقررت به، فلَمّا كان بعد ثمان سنين عرضته عليكِ فأقررت به، فلما كان بعد ثمان سنين جمعت بينك وبينه، وقالت لكِ: يا بُنيّة، إذا نزل بساحتكم سافك لدمائكم، وناهب لأموالكم، وسابي لذراريكم، وسبيت فيمن يُسبى، فخُذي هذا اللوح معكِ، و أجهدي أن يملككِ من الجماعةِ إِلَّا من يُخبركِ بالرُّؤيا واللوح. فقالت: صدقت يا أمير المؤمنين، وأين اللوح؟
فقال: فِي عنقكِ، فرفعتِ اللوح إليه، فملكها واللّه يا أبا جعفر هذا ما ظهر من حجّته وبيّنته، ثمّ قالت: يا معاشر النّاس، إشهدوا أنّي قد جعلتُ نفسي له عبدةً.
فقال (عَلَيهِ السَّلَامُ) : لا بل قولي زوجةً.
فقالت: إشهدوا أنّي قد زوجته نفسي كما أمرني أهلي.
فقال (عَلَيهِ السَّلَامُ) : قد قبلتُكِ زوجةً، فهاج النّاسُ. (1)
ص: 174
3 - عن دعبل الخزاعي قال حدّثني الرضا عن أبيه عن جدّه (عَلَيهِ السَّلَامُ) قال: كُنتُ عِند أبي الباقِرِ (عَلَيهِ السَّلَامُ) إذ دخل عليه جماعةٌ مِن الشّيعة وفيهم جابِرُ بنُ يزيد فقالُوا هل رضي أبوك عليّ بن أبِي طالِب (عَلَيهِ السَّلَامُ) بإمامة الأولِ والثاني فقال اللّهمّ لا قالُوا فلم نكح من سبيهم خولة الحنفية إذا لم يرض بإمامتهم فقال الباقر (عَلَيهِ السَّلَامُ) امض يا جابر بن يزيد إلى منزل جابر بن عبد اللّه الأنصاري فقُل لَهُ إِنَّ محمّد بن علي يدعوك قال جابر بن يزيد فأتيتُ منزله و طرقتُ عليه الباب فناداني جابِرُ بنُ عبدِ اللّه الأَنصارِيُّ مِن داخِلِ الدّارِ اصبِريا جابر بن يزيد قال جابِرُ بنُ يَزِيد فقُلتُ فِي نفسِي مِن أين علم جابر الأنصارِيُّ أَنِّي جَابِرُ بنُ يَزِيد ولم يعرِفِ الدّلائِلِ إِلَّا الأئمّة مِنْ آلِ محمّد (عَلَيهِم السَّلَامُ) واللّه لأسألنَّهُ إِذا خرج إليّ فلَمّا خرج قُلتُ لهُ مِن أين علمت أنِّي جَابِرُو أنا على الباب و أنت داخِلُ الدّارِ قال قد خبّرني مولاي الباقِرُ (عَلَيهِ السَّلَامُ) البارحة أنك تسألُهُ عنِ الحنفيّة فِي هذا اليوم و أنا أبعثه إليك يا جابِرُبُكرة غدٍ أدعُوك فقُلتُ صدقت.
قال سربنا فسرنا جميعاً حتّى أتينا المسجد.
فلما بصر مولاي الباقر (عَلَيهِ السَّلَامُ) بنا ونظر إلينا قال للجماعةِ قُومُوا إِلى الشيخ فاسأَلُوهُ حتّى يُنبّتكُم بِما سمع و رأى وحدث فقالوا يا جابِرُهل رضي إمامك عليّ بن أبِي طالِب (عَلَيهِ السَّلَامُ) بإمامة من تقدم قال اللّهمّ لا قالُوا فلم نكح مِن سبيهم خولة الحنفية إذ لم يرض بإمامتهم.
قال جابر آه آه آه لقد ظننتُ أنّي أمُوتُ ولا أسأل عن هذا والآن إذ سألتُمُونِي فاسمعوا و عُوا حضرت الشبي وقد أُدخِلتِ الحنفية فيمن أُدخِل فلما نظرت إلى جميع النَّاسِ عدلت إلى تُربةِ رسُول اللّه (صَلَّى اللّه عَلَيْهِ وَآلِهِ) فرنّت رنّةً و زفرت زفرةً و أعلنت بِالبُكاءِ والنَّحِيبِ ثمّ نادتِ السّلامُ عليك يا رسُول اللّه صلى اللّه عليك وعلى أهل بيتك من بعدِك هؤُلاءِ أُمَتُك سبتنا سي النُّوبِ والدِّيلم واللّه ما كان لنا إليهم مِن ذنبٍ إِلَّا الميل إلى أهلِ بيتك فجعلت الحسنة سيّئة والسيّئة حسنةً فسبتنا.
ثُمّ انعطفت إلى النّاس وقالت لم سبيتُمُونا و قد أقررنا بشهادة أن لا إله إلّا اللّه وأن محمّداً رسُول اللّه (صَلَّى اللّه عَلَيْهِ وَآلِهِ) قالُوا منعتُمُونا الزكاة.
قالت هبوا الرّجال منعُوكُم فما بالُ النِّسوان.
ص: 175
فسكت المتكلّمُ كأنّما أُلقِم حجراً.
ثمّ ذهب إليها طلحة وخالِدُ بنُ عِنانِ فِي التَّزوج بها و طرحا إليها ثوبين فقالت لستُ بِعُريانة فتكسُوني قيل لها إنهما يُرِيدانِ أن يتزايدا عليكِ فأيهما زاد على صاحبه أخذك من السّبي.
قالت هيهات واللّه لا يكُونُ ذلِك أبداً ولا يملكني ولا يكُونُ لِي بِعَل إِلَّا مَن يُخبِرُنِي بِالكَلامِ الّذي قُلتُهُ ساعة خرجتُ مِن بطنِ أُمِّي.
فسكت النَّاسُ ينظُرُ بعضُهم إلى بعض و ورد عليهم من ذلك الكلام ما أبهر عُقُولهُم وأخرس ألسنتهم وبقي القومُ فِي دهشةٍ مِن أمرها.
فقال أبوبكر ما لكُم ينظُرُ بعضُكُم إِلى بعض قال الزُّبير لقولها الّذي سمعت.
فقال أبوبكر ما هذا الأمر الّذي أحصر أفهامكُم إنّها جاريةٌ من ساداتِ قومها ولم يكن لها عادة بما لقيت ورأت فلاشك أنها داخلها الفزع وتقول ما لا تحصيل له. .
فقالت لقد رميت بكلامك غير مرمي و اللّه ما داخلني فزع ولا جزع و واللّه مَا قُلتُ إِلَّا حقّاً ولا نطقتُ إِلَّا فصلا ولا بد أن يكون كذلِك وحق صاحِبِ هَذِهِ البنِيَّةِ ما كذبتُ ولا كُذِبتُ.
ثم سكتت وأخذ طلحة وخالِدٌ ثوبيهما وهي قد جلست ناحيةً من القومِ.
فدخل عليّ بن أبِي طالِب (عَلَيهِ السَّلَامُ) فذكروا له حالها فقال (عَلَيهِ السَّلَامُ) هي صادقة فيما قالت وكان من حالها وقصّتها كيت وكيت فِي حالِ ولادتِها وقال إِن كلّ ما تكلّمت بِهِ فِي حالِ خُرُوجِها من بطنِ أُمّها هُو كذا وكذا وكُلُّ ذلك مكتوب على لوح نحاس معها فرمت بِاللّوحِ إِليهم لا سمعت کلامه (عَلَيهِ السَّلَامُ) فقره وه فكان على ما حكى عليّ بن أبِي طالِب (عَلَيهِ السَّلَامُ) لا يزيد حرفاً ولا ينقُصُ.
فقال أبوبكر خُذها يا أبا الحسنِ بارك اللّه لك فيها.
فوثب سلمان فقال واللّه ما لأحدٍ هاهنا مِنْةٌ على أمِيرِ المؤمِنِين بل للّه المِنْةُ وَلِرَسُولِهِ و لِأَمِيرِ المؤمِنِين واللّه ما أخذها إِلَّا لِمُعجزه الباهر و عِلمِهِ القاهِر و فضلِهِ الّذي يعجز عنهُ كلّ ذِي فضل.
ثم قام المقداد فقال ما بال أقوامٍ قد أوضح اللّه لهم طريق الهداية فتركوه و أخذُوا طريق العمى و ما من يوم إلّا وتبيّن لهُم فِيهِ دلائِلُ أَمِيرِ المؤمِنِين.
ص: 176
و قال أبوذروا عجبا لمن يُعانِدُ الحقّ وما مِن وقتٍ إِلَّا وينظُرُ إلى بيانِهِ أيّها النَّاسُ إِنَّ اللّه قد بين لكُم فضل أهل الفضل ثمّ قال يا فلان أتمن على أهل الحقّ بحقهم وهم بما فِي يديك أحقُّ و أولى.
وقال عمَّار أُنا شِدُكُمُ اللّه أما سلمنا على أمير المؤمنين هذا عليّ بن أبِي طالِب (عَلَيهِ السَّلَامُ) فِي حياة رسُول اللّه (صَلَّى اللّه عَلَيْهِ وَآلِهِ) بإمرة المؤمِنِين فوثب عُمرُو زجره عن الكلام و قام أبوبكر فبعث عليّ (عَلَيهِ السَّلَامُ) خولة إلى دار أسماء بنتِ عُميس و قال لها خُذِي هذِهِ المرأة أكرمي مثواها فلم تزل خولة عِند أسماء إلى أن قدم أخوها و زوّجها من عليّ بن أبِي طالِب (عَلَيهِ السَّلَامُ)
فكان الدليل على عِلمٍ أمير المؤمنين (عَلَيهِ السَّلَامُ) و فسادِ ما يُورِدُه القومُ مِن سبيهِم وأنَّه (عَلَيهِ السَّلَامُ) تزوّج بها نكاحاً فقالت الجماعةُ يا جابر بن عبدِ اللّه أنقذك اللّه مِن حرّ النّار كما أنقذتنا من حرارة الشّكّ. (1)
1- قال أبان بن تغلب عنه (عَلَيهِ السَّلَامُ) : لَمَّا نصب رسُول اللّه عليا يوم غدير خم فقال: من كنت مولاه فعلي مولاه فهم رجلان مِن قُريش رءوسهما وقالا : واللّه لا نُسلّم له ما قال أبداً فأُخبر النّبيّ (عليه و آله السلام) فسألهما عمّا قالا فكذبا و حلفا باللّه ما قالا شيئاً، فنزل جبرئيل على رسُول اللّه (صَلَّى اللّه عَلَيْهِ وَآلِهِ) (يحلِفُون بِاللّه ما قالُوا) (2) الآية قال أبو عبد اللّه (عَلَيهِ السَّلَامُ) لقد توليا و ما تابا. (3)
2 - عن جعفر بن محمّد الخُزاعي عن أبيه سمعت أبا عبد اللّه (عَلَيهِ السَّلَامُ) يقولُ لَما قال النّبيّ (صَلَّى اللّه عَلَيْهِ وَآلِهِ) ما قال فِي غدِيرِ خُم و صارُوا بِالأخبِيةِ مر المقداد بجماعةٍ مِنهُم وهُم يَقُولُون واللّه إِن كنا أصحاب كسرى و قيصر لكنّا فِي الخز و الوشي و الديباج والنِّساجات وإنا معه فِي
ص: 177
الأخشنين نأكُلُ الخشن ونلبس الخشن حتّى إذا دنا موتُه وفنيت أيامه و حضر أجلُهُ أراد أن يُولّيها عليّاً من بعدِهِ أما واللّه ليعلمن قال فمضى المقداد و أخبر النّبيّ (صَلَّى اللّه عَلَيْهِ وَآلِهِ) به فقال الصّلاة جامعةً قال فقالُوا قد رمانا المقداد فنقُومُ نحلِفُ عليهِ قال فجاءوا حتّى جثوا بين يديهِ فقالُوا بِآبائنا و أُمهاتنا يا رسُول اللّه لا والّذي بعثك بالحق والّذي أكرمك بِالنُّبُوَّةِ ما قُلنا ما بلغك لا والّذي اصطفاك على البشر قال فقال النّبيّ (صَلَّى اللّه عَلَيْهِ وَآلِهِ) بسم اللّه الرحمن الرحيم (يَحْلِفُونَ بِاللَّهِ مَا قَالُوا وَلَقَدْ قَالُوا كَلِمَةَ الْكُفْرِ وَكَفَرُوا بَعْدَ إِسْلَامِهِمْ وَهَمُّوا) بِك يا محمّد ليلة العقبة (وَمَا نَقَمُوا إِلَّا أَنْ أَغْنَاهُمُ اللَّهُ وَرَسُولُهُ مِنْ فَضْلِهِ﴾ (1) كان أحدُهُم يبيعُ الرُّءُوس وآخرُ يبيعُ الكُراع وينقُلُ القرامِل فأغناهُمُ اللّه بِرَسُولِهِ ثمّ جعلوا حدّهُم وحديدهم عليه قال أبانُ بنُ تغلب عنه (عَلَيهِ السَّلَامُ) لما نصب رسُول اللّه (صَلَّى اللّه عَلَيْهِ وَآلِهِ) عليّاً (عَلَيهِ السَّلَامُ) يوم غدِيرِ خُمّ فقال من كُنتُ مولاه فعلي مولاه ضم رجُلانِ مِن قُريش رُءُوسها و قالا واللّه لا نُسلّمُ له ما قال أبداً فأُخبِر النّبيّ (صَلَّى اللّه عَلَيْهِ وَآلِهِ) فسألهم عمّا قالا فكذبا وحلفا باللّه ما قالا شيئاً فنزل جبرئيل على رسُول اللّه (صَلَّى اللّه عَلَيْهِ وَآلِهِ) يحلِفُون بِاللّه ما قالُوا الآية قال أبو عبد اللّه (عَلَيهِ السَّلَامُ) لقد تولّيا و ما تابا. (2)
3 - عن أبي جعفر (عَلَيهِ السَّلَامُ)، قال :.. إنّ الشّيخين فارقا الدُّنيا ولم يتوبا، ولم يذكرا ما صنعا بأمِيرِ المؤمنين (عَلَيهِ السَّلَامُ)، فعليهما لَعْنَةَ اللَّهِ وَالْمَلَائِكَةِ وَالنَّاسِ أَجْمَعِينَ. (3) و (4)
4- عن معاوية بن عمَّار الدهني قال: دخل أبوبكر على علي أمير المؤمنين (عَلَيهِ السَّلَامُ) فقال له إنّ رسُول اللّه (صَلَّى اللّه عَلَيْهِ وَآلِهِ) لم يُحدّث إلينا فِي أمرك شيئاً بعد أيام الولاية بالغدير و أنا أشهد أنك مولاي مُقِرّ لك بِذلِك وقد سلمتُ عليك على عهدِ رسُول اللّه (صَلَّى اللّه عَلَيْهِ وَآلِهِ) بإمرة المؤمنين و أخبرنا
ص: 178
رسُول اللّه (صَلَّى اللّه عَلَيْهِ وَآلِهِ) أَنك وصِيُّهُ و وارثُهُ و خليفتُهُ فِي أَهلِهِ و نِسائِهِ وأنك وارِثُهُ ومِيراثُهُ صار إليك ولم يُخبرنا أنك خليفتُهُ فِي أُمَّتِهِ مِن بعدِهِ ولا جُرم لِي فِيما بيني وبينك ولا ذنب لنا فيما بيننا و بين اللّه فقال له عليّ (عَلَيهِ السَّلَامُ) إن أريتُك رسُول اللّه (صَلَّى اللّه عَلَيْهِ وَآلِهِ) حتّى يُخبرك بِأَنِّي أولى بِالأمْرِ الّذي أنت فِيهِ مِنك وأنك إن لم تعتزل عنه فقد خالفت قال إن رأيتُهُ حتّى يُخبرني ببعض هذا اکتفیتُ بِهِ قال فنلتقي إذا صليت المغرب حتّى أُرِيكاه قال فرجع إليه بعد المغرب فأخذ بيدِهِ فأخرجه إلى مسجِدِ قُبا فإِذا هُو بِرسُولِ اللّه (صَلَّى اللّه عَلَيْهِ وَآلِهِ) جالِس فِي القِبلة فقال له يا فُلانُ وثبت على مولاك علي وجلست مجلسه و هُو مجلس النُّبوة لا يستحِقُهُ غيرُهُ لِأَنَّهُ وصيّي و نبذت أمرِي وخالفت ما قُلتُ لك وتعرّضت لِسخط اللّه وسخطي فانزع هذا السربال الّذي تسربلته بغيرِ حقّ ولا أنت من أهلِهِ و إِلَّا فموعِدُك النّار قال فخرج مذعوراً لِيُسلّم الأمر إليه وانطلق أمِيرُ المؤمنين فحدّث سلمان بما كان و خرج فقال له سلمانُ ليُبدِين هذا الحديث لِصاحِبِهِ و ليُخبِرنّهُ بِالخبر فضحِك أمِيرُ المؤمِنِين وقال أما إِنَّهُ سَيُخبِرُهُ ويمنعُهُ إِن هم بأن يفعل ثمّ قال لا و اللّه لا يذكرانِ ذلِك أبداً حتّى يموتا قال فلق صاحبه فحدّثه بالحدِيثِ كُلِّهِ وقال له ما أضعف رأيك و أخور قلبك أما تعلم أن ما أنت فِيهِ السّاعة من بعض سحرابن أبي كبشة أنسيت سحر بني هاشم فأقم على ما أنت عليه. (1)
5 - عن أبي عبد اللّه (عَلَيهِ السَّلَامُ) قال: إن أمير المؤمنين (عَلَيهِ السَّلَامُ) احتج على أبي بكر و قال هل ترضى بِرسُولِ اللّه بيني وبينك قال وكيف لِي بِهِ فأخذ بِيدِهِ وأخرجه حتّى أتى به مسجد قبا فإذا رسُول اللّه (صَلَّى اللّه عَلَيْهِ وَآلِهِ) فقضى لعليّ (عَلَيهِ السَّلَامُ) عليه وأمره أن يعتزل وقال له سلّم إليه تسلم فجاء مذعوراً إلى صاحِبِهِ فأخبره بالخبر فتضاحك مِنهُ وقال أنسيت سِحربني هاشم. (2)
ص: 179
1- عن محمّد بنِ السّائِبِ الكلبي قال : لما قدم الصّادِقُ (عَلَيهِ السَّلَامُ) العراق نزل الحيرة فدخل عليه أبو حنيفة وسأله عن مسائل وكان مِّما سأله أن قال لهُ جُعِلتُ فداك ما الأمر بالمعروف فقال (عَلَيهِ السَّلَامُ) المعروف يا أبا حنيفة المعرُوفُ فِي أهلِ السّماء المعرُوفُ فِي أَهلِ الأَرْضِ وذلِك أَمِيرُ المؤمِنِين عليّ بن أبِي طالِب (عَلَيهِ السَّلَامُ) قال جُعِلتُ فِداك فما المنكر قال اللذان ظلماه حقه وابتزّاهُ أمره وحملا النّاس على كتِفِهِ قال ألا ما هُو أن ترى الرّجُل على معاصِي اللّه فتنهاه عنها فقال أبو عبد اللّه (عَلَيهِ السَّلَامُ) ليس ذاك أمر بمعرُوفٍ ولا نهي عن مُنكَرِ إِنَّما ذلك خير قدمه قال أبو حنيفة أخبِرنِي جُعِلتُ فِداك عن قول اللّه عزّوجلّ (ثمّ لتُستَلُنَّ يومئِذٍ عنِ النَّعِيمِ﴾ (1) قال فما هُو عِندك يا أبا حنيفة قال الأمنُ فِي السّربِ وصِحّةُ البدنِ والقُوتُ الحاضِرُ فقال يا أبا حنيفة لئِن وقفك اللّه أو أوقفك يوم القيامة حتّى يسألك عن كلّ أكلةٍ أكلتها و شربةٍ شربتها ليطولنّ وُقُوفُك قال فما النّعِيمُ جُعِلتُ فِداك قال النَّعِيمُ نحنُ الّذين أنقذ اللّه النّاس بِنا مِن الضَّلالة وبصرهُم بِنا مِن العمى وعلمهُم بِنا مِن الجهل قال جُعِلتُ فِداك فكيف كان القُرآنُ جَدِيداً أبداً قال لأنَّه لم يُجعل لِزمانٍ دُون زمانٍ فتُخلِقهُ الأيّام ولو كان كذلِك لَفَنِي القُرآنُ قبل فناء العالم. (2)
1 - ذكر سليم بن قيس أنَّه جلس إلى سلمان وأبي ذرّ والمقداد فِي إمارة عُمر بن الخطاب، فجاء رجُلٌ مِن أهل الكوفة فجلس إليهِم مُسترشداً. فقالوا له: عليك بِكِتابِ اللّه فالزمه، و عليّ بن أبِي طالِب فإنّه مع الكِتابِ لا يُفارِقُهُ. و إنا نشهدُ أنا سمعنا رسُول اللّه (صَلَّى اللّه عَلَيْهِ وَآلِهِ) يقولُ: «إنّ عليّاً مع القُرآنِ والحقِّ، حيثما دار دار. إنّه أول من آمن بِاللّه وأوّلُ من يُصافحني يوم القيامةِ مِن أُمَّتِي، وهُو الصِّدِّيقُ الأكبر و الفارُوقُ بين الحقّ والباطل، و هُو وصيّي و وزيري و خليفتي فِي أُمّتي ويُقاتِلُ على سُنّتِي».
ص: 180
فقال لهُمُ الرّجُلُ: فما بالُ النَّاسِ يُسمون أبا بكر الصِّدِّيق وعُمر الفاروق فقالُوا لَهُ: نَحلَهُما النَّاسُ اسم غيرهما كما نحلُوهُما خِلافة رسُول اللّه (صَلَّى اللّه عَلَيْهِ وَآلِهِ) و إمرة المؤمِنين، وما هُو لهُما بِاسمِ لِأَنَّهُ اسمُ غيرِهما. إنّ علِيّاً لخليفة رسُول اللّه (صَلَّى اللّه عَلَيْهِ وَآلِهِ) و أمير المؤمنين. لقد أمرنا رسُول اللّه (صَلَّى اللّه عَلَيْهِ وَآلِهِ) و أمرهما معنا فسلّمنا على عليّ (عَلَيهِ السَّلَامُ) بإمرة المؤمنين. (1)
2 - قُلتُ لأبي عبد اللّه (عَلَيهِ السَّلَامُ) سمّى رسُول اللّه (صَلَّى اللّه عَلَيْهِ وَآلِهِ) ابابكر صديقاً فقال نعم إنه حيثُ كان معه أبوبكر فِي الغارِ قال رسُول اللّه (صَلَّى اللّه عَلَيْهِ وَآلِهِ) إنّي لأرى سفينة بَنِي عبد المطلبِ تَضطرِبُ فِي البحرِ ضالّةً فقال له أبوبكرو إنّك لتراها قال نعم فقال يا رسُول اللّه تقدِرُ أن تُرِينيها فقال ادنُ مِنِّي فدنا مِنهُ فمسح يده على عينيهِ ثمّ قال له انظر فنظر أبوبكر فرأى السّفينة تضطرب فِي البحر ثمّ نظر إلى قُصُورٍ أهل المدينة فقال فِي نفسِهِ الآن صدقتُ أنك ساحِرٌ فقال له رسُول اللّه (صَلَّى اللّه عَلَيْهِ وَآلِهِ) صِدِّيقُ أنت !! فقُلتُ لِم سُمّي عُمر الفاروق قال نعم ألا ترى أنَّه قد فرق بين الحقّ و الباطِلِ وأخذ النّاسُ بِالباطِلِ فقُلتُ فلم سُمّي سالماً الأمينُ قال لما أن كتبوا الكُتُب ووضعُوها على يد سالم فصار الأمين قُلتُ فقال اتَّقُوا دعوة سعدٍ قال نعم قُلتُ وكيف ذلك قال إن سعداً يكُر فيُقاتِلُ عليّاً (عَلَيهِ السَّلَامُ). (2)
1- عن أبي جعفر الثَّاني (عَلَيهِ السَّلَامُ) قال كان عليّ (عَلَيهِ السَّلَامُ) يقُولُ ما اجتمع الّتيمِيُّ والعدوي عند رسُول اللّه (صَلَّى اللّه عَلَيْهِ وَآلِهِ) و هُو يقرأ (إِنَّا أَنْزَلْنَاهُ فِي لَيْلَةِ الْقَدْرِ) (3) يتخشُعٍ وبُكاءٍ إِلَّا وَيَقُولَانِ مَا أَشدّ رقتك لهذهِ السُّورة فيقول لهما رسُول اللّه (صَلَّى اللّه عَلَيْهِ وَآلِهِ) لما رأت عيني ووعاه قلبي ولما يلق قلب هذا مِن بعدِي فيقولان وما الّذي رأيت وما الّذي يلق فيكتُبُ لهُما فِي التُّرابِ (تَنَزَّلُ الْمَلَائِكَةُ وَالرُّوحُ
ص: 181
فِيهَا بِإِذْنِ رَبِّهِمْ مِنْ كُلِّ أَمْرٍ) (1) قال ثمّ يَقُولُ هُما هل بقي شيء بعد قوله (مِنْ كُلِّ أَمْرٍ) (2) فيقولان لا فيقُولُ فهل تعلمان من المنزلُ إِليه ذلك الأمرُ فيقولان أنت يا رسُول اللّه فيقولُ نعم فيقولُ هل تكُونُ ليلة القدرِ مِن بعدِي وهل ينزِلُ ذلِك الأمر فيها فيقولان نعم فيقولُ فإلى من فيقولانِ لا نَدري فياخُذُ رسُول اللّه (صَلَّى اللّه عَلَيْهِ وَآلِهِ) برأسي ويقُولُ إن لم تدريا فادريا هُو هذا مِن بعدِي قال وإنهما كانا ليعرفان تلك اللّيلة بعد رسُول اللّه (صَلَّى اللّه عَلَيْهِ وَآلِهِ) مِن شِدّةِ ما يُداخِلُهُما مِن الرّعب. (3)
2 - عن أبي جعفر (عَلَيهِ السَّلَامُ) قال: سأل أبا عبدِ اللّه (عَلَيهِ السَّلَامُ) رجُلٌ مِن أَهلِ بَيْتِهِ عن سُورةِ إِنَّا أنزلناهُ فِي ليلة القدر فقال ويلك سألت عن عظيم إياك والسُّؤال عن مثل هذا فقام الرّجُلُ قال فأتيتُهُ يوماً فأقبلتُ عليهِ فسألتُه فقال إنا أنزلناهُ نُورُ عِند الأنبياء والأوصياء لا يُرِيدُون حاجةً مِن السّماء ولا من الأرضِ إِلَّا ذكرُوها لِذلِك النُّورِ فأتاهُم بِها فانّ يما ذكر عليّ بن أبِي طالِب (عَلَيهِ السَّلَامُ) من الحوائج أنَّه قال لأبي بكريوماً (لَا تَحْسَبَنَّ الَّذِينَ قُتِلُوا فِي سَبِيلِ اللَّهِ أَمْوَاتًا بَلْ أَحْيَاءٌ عِنْدَ رَبِّهِمْ) (4) فاشهد أنّ رسُول اللّه مات شهيداً فإياك أن تَقُولُ إِنَّهُ مِيِّتٌ واللّه لياتِينَّكَ فَاتَّقِ اللّه إذا جاءك الشّيطانُ غير مُتمثِّلِ بِهِ فبعث بِهِ أبوبكر فقال إِن جاءني واللّه أطعتُه و خرجتُ مِمّا أنا فيه قال و ذكر أمير المؤمنين (عَلَيهِ السَّلَامُ) لِذلِك النُّورِ فعرج إلى أرواحِ النبيّين فإذا محمّد (صَلَّى اللّه عَلَيْهِ وَآلِهِ) قد أُلبس وجهه ذلك النُّورُو أتى و هُو يقُولُ يا أبا بكر آمِن بِعليّ (عَلَيهِ السَّلَامُ) وبأحد عشر من وُلدِهِ إِنَّهُم مِثْلِي إِلَّا النُّبُوَّة وتُب إلى اللّه بِردِ ما فِي يديك إليهم فإِنَّهُ لا حقّ لك فِيهِ قال ثمّ ذهب فلم يُر فقال أبوبكر أجمعُ الناس فأخطبهم بما رأيتُ و أبرأُ إِلى اللّه مِمّا أنا فِيهِ إِليك يا علي على أن تُؤْمِنني قال ما أنت بِفاعِل و لولا أنك تنسى ما رأيت لفعلت قال فانطلق أبوبكر إلى عُمر و رجع نُورُ إِنَّا أنزلناه إلى عليّ (عَلَيهِ السَّلَامُ) فقال له قد اجتمع أبوبكر مع عُمر فقُلتُ أو علم النُّورُ قال إِنَّ لَهُ لِساناً ناطقاً و بصراً نافذاً
ص: 182
يتجسّس الأخبار للأوصياء ويستمع الأسرار ويأتيهم بتفسِيرِ كلّ أمريكتيم بِهِ أعداؤُهُم فلما أخبر أبوبكر الخبر عُمر قال سحرك و إنها لفي بَنِي هاشم لقدِيمةٌ قال ثمّ قاما يُخبِرانِ النّاس فما دريا ما يقُولانِ قُلتُ لِما ذا قال لأنهما قد نسياه وجاء النُّورُ فأخبر عليّاً (عَلَيهِ السَّلَامُ) خبرهما فقال بُعداً لهما (كَمَا بَعِدَتْ ثَمُودُ). (1) و (2)
3 - عنِ الباقر (عَلَيهِ السَّلَامُ) قال: ليس من يوم وليلةٍ إِلّا و جمِيعُ الجِنِّ والشَّيَاطِينِ تَزُورُ أَئِمَّة الضَّلالِ و يزور أئمة الهدى عددُهُم مِن الملائكة حتّى إذا أنت ليلة القدر فهبط فيها من الملائكة إلى أُولِي الأمر خلق اللّه أو قال قيض اللّه مِن الشَّيَاطِينِ بِعددِهِم ثمّ زارُوا ولِي الضَّلالَةِ فَأْتُوهُ بِالإِفك و الكذِبِ حتّى لعلّهُ يُصبحُ فيقُولُ رأيتُ كذا وكذا فلو سأل ولي الأمر عن ذلك لقال رأيت شيطاناً أخبرك بكذا وكذا حتّى يُفسّر له تفسيراً ويُعلِمهُ الضَّلالة الّتي هُو عليها. (3)
1- عن الحسن بن محبوب عن حَنّان بن سدير قال حدّثني رجلٌ مِن أصحابِ أَبِي عبدِ اللّه (عَلَيهِ السَّلَامُ) قال سمعتُهُ يَقُولُ إِنّ أشدّ النّاسِ عذاباً يوم القيامةِ سبعةُ نفر أوّلهُمُ ابنُ آدم الّذي قتل أخاهُ ونُمرُودُ (الَّذِي حَاجَّ إِبْرَاهِيمَ فِي رَبِّهِ) (4) واثنان من بَنِي إسرائيل هودا قومهم ونصّراهم و فرعونُ الّذي قال (أنا ربُّكُمُ الأعلى) (5) واثنانِ مِن هَذِهِ الأُمّة. (6)
ص: 183
1 - أبي عبد اللّه (عَلَيهِ السَّلَامُ) قال : ما بَعَثَ اللّه رسُولًا إِلّا وفي وقته شيطانانِ يُؤذِيانِهِ ويفتِنانِهِ و يُضِلّانِ النّاس بعده فأما الخمسةُ أُولُو العزمِ مِن الرُّسل نُوحٌ وإِبْراهِيمُ و مُوسى وعيسى و محمّد (صَلَّى اللّه عَلَيْهِ وَآلِهِ) و أما صاحبا نُوحٍ ففيطيفوس و خرام و أما صاحبا إبراهيم فمكيل و رذام و أما صاحبا موسى فالسّامِرِيُّ ومرعقيبا و أمّا صاحِبا عيسى فمولس و مريسا و أما صاحِبا محمّد فحبترُو زريق. (1)
1- عن أبي عبدِ اللّه (عَلَيهِ السَّلَامُ) قال: لما انهزم النَّاسُ عنِ النّبيّ (صَلَّى اللّه عَلَيْهِ وَآلِهِ) يوم أُحُدٍ نادى رسُول اللّه (صَلَّى اللّه عَلَيْهِ وَآلِهِ) إِنَّ اللّه قد وعدني أن يُظهِرني على الدِّينِ كُلِهِ فقال له بعضُ المنافقين وسمّاهما فقد هزمنا و يسخربنا. (2)
2 - عن أبي عبد اللّه (عَلَيهِ السَّلَامُ) قال: لمّا انهزَمَ النَّاسُ يوم أُحُدٍ عن النّبيّ (صَلَّى اللّه عَلَيْهِ وَآلِهِ) انصرف إليهم بوجهِهِ وهُو يقُولُ أنا محمّد أنا رسُول اللّه لم أُقتل ولم أمت فالتفت إليه فلان وفلانٌ فقالا الآن يسخرُ بِنا أيضاً وقد هُزمنا وبقي معه عليّ (عَلَيهِ السَّلَامُ) و سماك بن خرشة أبو دُجانة رحمه اللّه فدعاه النّبيّ (صَلَّى اللّه عَلَيْهِ وَآلِهِ) فقال يا با دُجانة انصرِف وأنت فِي حِلّ مِن بيعتِكَ فَأَمَّا عَلِيُّ فهوأنا وأنا هُو فتحوّل وجلس بين يدي النّبيّ (صَلَّى اللّه عَلَيْهِ وَآلِهِ) وبكى وقال لا واللّه ورفع رأسه إلى السّماء وقال لا
ص: 184
واللّه لا جعلتُ نفسِي فِي حِلّ مِن بيعتي إنّي بايعتك فإلى من أنصرف يا رسُول اللّه إلى زوجةٍ تموتُ أو ولد يموتُ أو دارٍ تخربُ و مالٍ يَفنى و أجلِ قدِ اقترَبَ فَرَقٌ لَهُ النّبيّ (صَلَّى اللّه عَلَيْهِ وَآلِهِ) فلم يزل يُقاتِلُ حتّى أثخنته الجراحة و هُو فِي وجه و علي فِي وجه فلَمّا أُسقِط احتمله عليّ (عَلَيهِ السَّلَامُ) فجاء بِهِ إلى النّبيّ (صَلَّى اللّه عَلَيْهِ وَآلِهِ) فوضعه عنده فقال يا رسُول اللّه أوفيتُ ببيعتي قال نعم و قال له النّبيّ (صَلَّى اللّه عَلَيْهِ وَآلِهِ) خيراً. الحديث (1)
1- عن أبان عن سليم قال: سمعتُ عليّ بن أبِي طالِب (عَلَيهِ السَّلَامُ) يقُولُ قبل وقعةِ صِفِّين: إِنّ هؤلاء القوم لن يُنيبُوا إِلى الحقّ ولا إلى كلمةٍ سواء بيننا وبينهم حتّى يُرامونا بالعساكر تتّبعها العساكر، وحتّى يُردفُونا بالكتائب تتبعها الكتائب، وحتى يجرّ بِبِلادِهِمُ الخميس تتبعها الخميس، وحتى ترعى الخيُولُ بِنواحِي أَرضِهِم وتنزل عن مسالحهم، وحتى يُشنّ الغارات عليهم من كلّ فج، وحتى يلقاهم قومٌ صُدّقٌ صُبَرُلا يزِيدُهُم هلاك من هلك مِن قَتلاهم و موتاهُم فِي سَبِيلِ اللّه إِلَّا جِدّاً فِي طاعة اللّه، واللّه لقد رأيتُنا مع رسُول اللّه (صَلَّى اللّه عَلَيْهِ وَآلِهِ) و سلّم نقتُلُ آباءنا وأبناءنا وأخوالنا وأعمامنا وأهل بُيُوتِنا ثمّ لا يزيدنا ذلك إلّا إيماناً وتسليماً وجداً فِي طاعة اللّه، واستقلالًا بمبارزة الأقران، و إن كان الرّجُلُ مِنّا و الرّجُلُ مِن عدونا ليتصاولانِ تصاول الفحلين يتخالسانِ أنفُسهُما أَيُّهما يسقي صاحِبه كأس الموتِ، فمرّةً لنا من عدوّنا، ومرّةً لِعَدُونَا مِنّا، فلما رأى اللّه مِنّا صِدقاً وصبراً أنزل الكتاب بِحُسنِ الثناء علينا والرّضا عنا، و أنزل علينا النصر، ولستُ أقُولُ إِنْ كلّ من كان مع رسُول اللّه (صَلَّى اللّه عَلَيْهِ وَآلِهِ) كذلك، ولقد كانت معنا بطانةٌ لا يألُونا خَبالًا، قال اللّه عزّوجلّ: (قَدْ بَدَتِ الْبَغْضَاءُ مِنْ أَفْوَاهِهِمْ وَمَا تُخْفِي صُدُورُهُمْ أَكْبَرُ) (2)و لقد كان منهم بعضُ من تُفضّلُهُ أنتَ وأصحابك يا ابن قيس، فارين، فلا رمى بسهم، ولا ضرب بسيف، ولا طعن برمح، إذا كان الموتُ والنزال توارى واعتلّ ولاذكما تلُوذُ
ص: 185
النعجة العوراء لا يدفعُ يد لامس وإذا ألقى العدو فر و منح العدو دُبُرهُ جُبناً و لُوْماً، وإِذا كان عند الرّخاءِ والغنيمة تكلّم كما قال اللّه:
(سَلَقُوكُمْ بِأَلْسِنَةٍ حِدَادٍ أَشِحَّةً عَلَى الْخَيْرِ) (1) فلا يزال قد استأذن رسُول اللّه (صَلَّى اللّه عَلَيْهِ وَآلِهِ) فِي ضرب عُنُقِ الرّجُلِ الّذي ليس يُرِيدُ رسُول اللّه (صَلَّى اللّه عَلَيْهِ وَآلِهِ)، قتله، فأبى عليه، ولقد نظر رسُول اللّه (صَلَّى اللّه عَلَيْهِ وَآلِهِ) يوماً و عليه السّلاحُ تام، فضحِك رسُول اللّه (صَلَّى اللّه عَلَيْهِ وَآلِهِ)، ثمّ قال يُكنِّيهِ: أبا فلانٍ اليوم يومك ؟.
فقال الأشعتُ : ما أعلمني من تعني! إِنَّ ذلِك يَفِرُّمِنهُ الشَّيطانُ.
قال: يا ابن قيس ! لا آمن اللّه روعة الشّيطانِ إِذا قال.
ثُمّ قال: ولو كُنا حِين كُنّا مع رسُول اللّه (صَلَّى اللّه عَلَيْهِ وَآلِهِ) و سلّم و قضينا الشّدائد والأذى والبأس فعلنا كما تفعلون اليوم لما قام اللّه دين، ولا أعز اللّه الإسلام، وايم اللّه لتحلبنّها دماً وندماً و حيرة، فاحفظوا ما أقُولُ لكُم واذكروه، فليُسلطن عليكُم شِرارَكُم والأدعِياءُ مِنكُم والطّلقاء و الظرداء والمنافِقُون فليقتُلُنّكُم، ثمّ لتدعُنّ اللّه فلا يستجيب لكُم، ولا يدفع البلاء عنكم حتّى تتُوبُوا و ترجِعُوا، فإن تتوبوا وترجعُوا فيستنقِذُكُم اللّه من فتنتهم وضلالتهم كما استنقذكُم مِن شرككُم وجهالتِكُم، إن العجب كلّ العجبِ مِن جُهّال هذِهِ الأُمّة وضُلالها وقادتها وساقتِها إلى النّارِ، إِنهم قد سمعوا رسُول اللّه (صَلَّى اللّه عَلَيْهِ وَآلِهِ) يقُولُ عوداً و بدءاً: ما ولّت أُمّةٌ رَجُلًاقظ أمرها و فِيهِم أعلمُ مِنهُ إِلَّا لم يزل أمرُهُم يذهب سفالًا حتّى يرجعوا إلى ما تركوا، فولوا أمرهم قبلي ثلاثة رهطٍ ما مِنهُم رجُلٌ جمع القرآن، ولا يدّعِي أنّ لهُ عِلماً بِكِتابِ اللّه ولا سُنّة نبيّه (صَلَّى اللّه عَلَيْهِ وَآلِهِ)، و قد علِمُوا أنّي أعلمُهُم بِكِتابِ اللّه وسُنّة نبيّه (صَلَّى اللّه عَلَيْهِ وَآلِهِ) و أفقههم وأقرؤُهم بِكِتابِ اللّه و أقضاهُم بِحُكمِ اللّه، وأنَّه ليس رجُلٌ مِن الثّلاثة لهُ سابقةٌ مع رسُول اللّه (صَلَّى اللّه عَلَيْهِ وَآلِهِ) ولا عناء معه فِي جميع مشاهده فرمى بسهم، ولا طعن برمح، ولا ضرب بِسيفٍ جُبناً و لُوْماً و رغبةً فِي البقاء، وقد علِمُوا أَنّ رسُول اللّه (صَلَّى اللّه عَلَيْهِ وَآلِهِ) قد قاتل بنفسِهِ فقتل أبي بن خلف، وقتل مسجع بن عوف و كان من أشجعِ النَّاسِ وأشدّهِم لِقاء وأحقهم بِذلِك وقد عَلِمُوا يقيناً أنَّه لم يكُن فِيهِم أحدٌ يَقُومُ مقامِي ولا يُبارِزُ الأبطال ويفتحُ الحصون غيري ولا نزلت بِرسُولِ اللّه (صَلَّى اللّه عَلَيْهِ وَآلِهِ)
ص: 186
شدِيدةٌ قط ولا كربه أمر ولا ضيق ولا مستضعف مستصعبٌ مِن الأمر إلّا قال: أين أخي على؟ أين سيق؟ أين ريجي ؟ أين المفرج عنِّي عن وجهي ؟
فيُقدِّمُنِي فأتقدم فأَقِيهِ بِنفسِي ويكشِفُ اللّه بِيدِي الكرب عن وجهه، ولله عزّ و جلّ ولِرَسُولِهِ (صَلَّى اللّه عَلَيْهِ وَآلِهِ) بذلك المن والطول حيثُ خصّنِي بِذلِك ووفقني له، وإن بعض من قد سميت ما كان له بلاء ولا سابقة ولا مُبارزة قرن، و لا فتح ولا نصر غير مرّةٍ واحدةٍ ثمّ فرو منح عدُوهُ دُبُرهُ و رجع يُجبّنُ أصحابه ويُجبّنُونه، وقد فرّ مِراراً، فإذا كان عند الرخاء والغنيمة تكلم وأمرو نهى، و لقد ناداهُ ابنُ عبدِ وُدٍ يوم الخندق بِاسمِهِ فحاد عنه ولاذ بأصحابِهِ حتّى تبسم رسُول اللّه (صَلَّى اللّه عَلَيْهِ وَآلِهِ) لما رأى بِهِ مِن الرُّعب، وقال: أين حبيبي علي ؟ تقدم يا حبيبي يا علي، ولقد قال لأَصحابِهِ الأربعة أصحابِ الكِتابِ: الرأي واللّه أن ندفع محمّداً بِرُمَتِهِ و نسلم من ذلك حين جاء العدوُّ مِن فَوقنا و مِن تحتِنا كما قال اللّه تعالى:
(و زُلزِلُوا زلزالا شدِيداً * و تظُنُّون بِاللّه الظُّنُّونا * وإذ يقُولُ المنافِقُون والّذينَ فِي قُلُوبِهِم مرضٌ ما وعدنا اللّه و رسُولُهُ إِلَّا غُرُوراً) (1)، فقال صاحِبُهُ : لا ولكن نتّخِذُ صنماً عظيماً نعبده، لأنا لا نأمنُ أن يظفرابن أبي كبشة فيكون هلاكنا، ولكن يكون هذا الصنم لنا زُخراً فإِن ظفرت قُريش أظهرنا عِبادة هذا الصنم و أعلمناهُم أنا لن نُفارِق ديننا، وإن رجعت دولة ابن أبي كبشة كُنّا مقيمين على عبادة هذا الصنم سراً، فنزل جبرئيل (عَلَيهِ السَّلَامُ) فأخبر النّبيّ (صَلَّى اللّه عَلَيْهِ وَآلِهِ) بذلك، ثمّ خبرني بِهِ رسُول اللّه (صَلَّى اللّه عَلَيْهِ وَآلِهِ) بعد قتلي ابن عبدِ وُد، فدعاهما، فقال: كم صنماً عبدتُما فِي الجاهلية؟
فقالا: يا محمّد ! لا تُعيّرنا بما مضى فِي الجاهليّة.
فقال: فكم صنم تعبُدانِ وقتكما هذا؟.
فقالا: والّذي بعثك بالحق نبيّاً ما نعبُدُ إِلَّا اللّه مُنذُ أظهرنا لك مِن دِينك ما أظهرنا.
فقال: يا عليُّ ! خُذ هذا السيف، فانطلق إلى موضع كذا.. وكذا فاستخرج الصنم الّذي يعبُدانِهِ
فاهشِمه، فإن حال بينك وبينه أحد فاضرِب عُنقه، فانكبا على رسُول اللّه (صَلَّى اللّه عَلَيْهِ وَآلِهِ)، فقالا: استرنا سترك اللّه.
ص: 187
فقُلتُ أنا لهما: اضمنا للّه ولِرَسُولِهِ أَلا تعبدا إِلَّا اللّه ولا تُشرِكا بِهِ شيئاً،
قال المياه و اس فعاهدا رسُول اللّه (صَلَّى اللّه عَلَيْهِ وَآلِهِ) على ذلك، وانطلقتُ حتّى استخرجتُ الصّنم مِن موضِعِهِ وكسرتُ وجهه ويديه و جزمتُ رِجليهِ ثمّ انصرفتُ إلى رسُول اللّه (صَلَّى اللّه عَلَيْهِ وَآلِهِ) و سلّم، فواللّه لقد عرفتُ ذلك فِي وجههما حتّى ماتا، ثمّ انطلق هُو و أصحابُهُ حِين قُبِض رسُول اللّه (صَلَّى اللّه عَلَيْهِ وَآلِهِ) فخاصمُوا الأنصار بحقِّي، فإن كانوا صدقوا واحتجوا بحق أنَّهم أولى من الأنصارِ لأَنهم مِن قُريش ورسُولُ اللّه (صَلَّى اللّه عَلَيْهِ وَآلِهِ) من قريش، فمن كان أولى بِرسُولِ اللّه (صَلَّى اللّه عَلَيْهِ وَآلِهِ) كان أولى بالأمر؟! و إنما ظلمُونِي حقّي.
و إن كانُوا احتجوا بِباطِل فقد ظلموا الأنصار حقهم، واللّه يحكُم بيننا وبين من ظلمنا و حمل الناس على رقابنا.
والعجبُ لِما قد أُشربت قُلُوبُ هذِهِ الأُمّة مِن حُبّهم وحُبّ من صدقهم وصدّهُم عن سبيل ربّهم وردّهم عن دينهم، واللّه لو أنّ هذِهِ الأُمّة قامت على أرجُلِها على التُّرابِ، والرَّماد واضِعةً على رُءُوسِها، و تضرّعت و دعت إلى يوم القيامةِ على من أضلَّهُم، وصدّهُم عن سَبِيلِ اللّه، و دعاهُم إِلى النّارِ، وعرضهم لسخط ربّهم، وأوجب عليهم عذابه بما أجرمُوا إليهم لكانُوا مُقصِّرِين فِي ذلك، وذلك أن المحِقِّ الصّادِق والعالم بِاللّه ورسولِهِ يتخوفان إن غيرا شيئاً من بدعهم وسننهم وأحداثِهِم عادية العامَّة، ومتى فعل شاقُوه وخالفُوهُ وتبرَّءُوا مِنهُ وخذلُوهُ و تفرّقُوا عن حقه، و إن أخذ يبدعِهِم وأقربها وزينها و دان بها أحبته وشرفته وفضلته، واللّه لو ناديتُ فِي عسكري هذا بالحقِ الّذي أنزل اللّه على نبيّه وأظهرته و دعوتُ إليه وشرحته و فسرته على ما سمعتُ مِن نبيّ اللّه عليهِ وآلِهِ السّلامُ فِيهِ ما بقي فِيهِ إِلَّا أَقلُّهُ وأذلُّهُ وأرذلُهُ، و لاستوحشُوا مِنهُ، و لتفرّقُوا مِنِّي، ولولا ما عاهد رسُول اللّه (صَلَّى اللّه عَلَيْهِ وَآلِهِ) إلى وسمعتُهُ مِنهُ، وتقدّم إلي فِيهِ لفعلتُ، و لكن رسُول اللّه (صَلَّى اللّه عَلَيْهِ وَآلِهِ) قد قال: كلّ ما اضطر إِليهِ العبدُ فقد أحلَّهُ اللّه لَهُ و أباحه إياه، وسمِعتُهُ يَقُولُ: إِنَّ التَّقِيَّة مِن دِينِ اللّه، ولا دين لمن لا تقيّة لهُ، ثمّ أقبل علي، فقال:
أدفعُهُم بِالرّاحِ دفعاً عنِّي ثُلُثَانِ مِن حي وثُلُثٌ مِنِّي، فَإِن عوّضنِي رَبِّي فأعذرني. (1)
ص: 188
2- عن سلمان قال: كان النّبيّ (صَلَّى اللّه عَلَيْهِ وَآلِهِ) ذات يوم جالساً بالأبطح وعنده جماعةٌ مِن أصحابه و هُو مُقبل علينا بالحديث إذ نظرنا إلى زوبعة قد إرتفعت، فأثارت الغُبار، وما زالت تدنو والغُبار يعلو إلى أن وقعت بحذاء النّبيّ (صَلَّى اللّه عَلَيْهِ وَآلِهِ) ثمّ برز منها شخص كان فيها، ثمّ قال:
يا رسُول اللّه، إنّي وافد قوم و قد استجرنا بك فأجرنا و ابعث معي من قبلك من يُشرف على قومنا، فإنّ بعضهم قد بغوا علينا، ليحكم بيننا وبينهم بحكم اللّه وبكتابه وخُذ عليّ العُهود و المواثيق المؤكّدة أن أرده إليك سالماً فِي غداة غد، إلّا أن تحدث علي حادثةٌ مِن عِندِ اللّه.
فقال له النّبيّ (صَلَّى اللّه عَلَيْهِ وَآلِهِ): من أنت و من قومك ؟
قال: أنا «عطرفة بن شمراخ» أنا و جماعة من أهلي كنا نسترق السمع، فَلَمّا مُنعنا عن ذلك آمنا، و لما بعثك اللّه نبيّاً آمنا بك وصدّقناك، وقد خالفنا بعض القوم، وأقاموا على ما كانوا عليه فوقع بيننا وبينهم الخلاف وهم أكثر منا عدداً وقوّةً، وقد غلبوا على الماء والكلاء فابعث معي من يحكم بيننا بالحقِّ.
فقال له النّبيّ (صَلَّى اللّه عَلَيْهِ وَآلِهِ): فاكشف لنا عن وجهك حتّى نراك على هيئتك الّتي أنت عليها.
قال: فكشف لنا عن صُورته فنظرنا فإذا شخص عليه شعر كثير، وإذا رأسه طويل، طويل العينين عيناه فِي طول رأسه، صغير الحدقتين، فِي فِيهِ أسنان كأنها أسنانُ السّباع ثمّ إنّ النّبيّ (صَلَّى اللّه عَلَيْهِ وَآلِهِ) أخذ عليه العهد والميثاق على أن يردّ عليه فِي غداة غدٍ من يُبعث به معه.
فلما فرغ من ذلك، إلتفت إلى أبي بكر و قال له صر مع عطرفة وأنظر إلى ما هم عليه وأحكُم بينهم بالحق.
ص: 189
فقال: يا رسُول اللّه ! أين هم؟ قال: هُم تحتُ الأَرضِ.
فقال أبوبكر: كيف أطيق النزول فِي الأرض؟ وكيف أحكم بينهم ولا أعرفُ كلامهم ؟
ثمّ إلتفت إلى عمر بن الخطاب وقال له مثل ما قال لأبي بكر فأجاب مثل جوابِ أبي بكر ثمّ أقبل على عُثمان وقال له مثل ما قال لهما، فأجاب مثل جوابهما.
ثم إستدعى بعليّ (عَلَيهِ السَّلَامُ) وقال له: يا علي صر مع عطرفة و أشرف من قومه وأنظر إلى ما هُم عليه وأحكم بينهم بالحقِّ.
فقام أمير المؤمنين (عَلَيهِ السَّلَامُ) مع عطرفة و قد تقلد سيفه.
قال سلمان: فتبعته إلى أن صار إلى الوادي فلما توسطاه نظر إلى أمير المؤمنين (عَلَيهِ السَّلَامُ) وقال: قد شكر اللّه تعالى سعيك يا أبا عبد اللّه فارجع.
فوقفتُ أنظر إليهما فانشقتِ الأرضُ ودخلا فيها وعادت إلى ما كانت، ورجعت وتداخلني من الحسرة ما اللّه أعلمُ بِه، كلّ ذلك إشفاقاً على أمير المؤمنين (عَلَيهِ السَّلَامُ).
فأصبح النّبيّ (صَلَّى اللّه عَلَيْهِ وَآلِهِ) وصلّى بالناس الغداة، وجاء وجلس على الصفا وحف به أصحابه، وتأخّر أمير المؤمنين (عَلَيهِ السَّلَامُ) وارتفع النّهارُ و أكثر الناسُ الكلام إلى أن زالتِ الشمس و قال المنافقون: قد أراحنا اللّه مِن أبي تُرابِ، وذهب عنّا افتخاره بابن عمّه علينا وأكثروا الكلام إلى أن صلّى النّبيّ (صَلَّى اللّه عَلَيْهِ وَآلِهِ) الصّلاة الأولى، وعاد إلى مكانه و جلس على الصفا و ما زال أصحابه بالحديث إلى أن وجبت صلاة العصر و أكثروا القوم الكلام، وأظهروا اليأس من أمير المؤمنين (عَلَيهِ السَّلَامُ) فصلى النّبيّ (صَلَّى اللّه عَلَيْهِ وَآلِهِ) صلاة العصر و جلس على الصفا، وأظهر الفكر فِي أمير المؤمنين (عَلَيهِ السَّلَامُ) وظهرت شماتة المنافقين بأمير المؤمنين (عَلَيهِ السَّلَامُ)، وكادت الشمس تغرب فتيقن القومُ أنّه قد هلك، فإذا انشقّ الصفا، وطلع أمير المؤمنين (عَلَيهِ السَّلَامُ) منه وسيفه يقطرُدماً ومعه عطرفة.
فقام إليه النّبيّ (صَلَّى اللّه عَلَيْهِ وَآلِهِ) وقبل ما بين عينيه و جبينه، وقال له:
ما الّذي حبسك عنّي إلى هذا الوقت؟
فقال (عَلَيهِ السَّلَامُ) : صرتُ إلى جنّ كثيرة قد بغوا على عطرفة وقومه من المنافقين فدعوتهم إلى ثلاث خصال فأبوا عليّ، وذلك أنّي دعوتهم إلى الإيمان باللّه تعالى والإقرار بنبوّتك ورسالتك فأبوا ذلك كلّه، ودعوتهم إلى أداء الجزية فأبوا، وسألتهم أن يُصالحوا عطرفة وقومه فيكون بعض المرعى لعطرفة وقومه وكذلك الماء فأبوا ذلك كله، فوضعتُ سيفي فيهم وقتلتُ منهم ثمانين ألفاً. فلما نظروا إلى ما حلّ بهم طلبوا الأمان والصلح ثمّ آمنوا وصاروا إخواناً و زال الخلاف، وما زلتُ معهم إلى السّاعة.
فقال عطرفة : يا رسُول اللّه جزاك اللّه وأمير المؤمنين عنّا خيراً. (1)
ص: 190
3- رُوي أنّ النّبيّ (صَلَّى اللّه عَلَيْهِ وَآلِهِ) لمّا بعث سريّة ذاتِ السّلاسل وعقد الراية وساريها أبوبكر حتّى إذا صار بها بِقُربِ المشركين اتّصل خبرُهُم فتحرَزُوا و لم يصل المسلمون إليهم فأخذ الراية عُمرُو خرج مع السّرِيّةِ فاتّصل بهم خبرُهُم فتحرَزُوا ولم يصل المسلِمُون إِليهم فأخذ الراية عمرُو بنُ العاص فخرج فِي السَّرِيّةِ فانهزموا فأخذ الراية لعلي وضمّ إليه أبابكر و عمر و عمرو بن العاص و من كان معه فِي تلك السّرِيّةِ و كان المشركون قد أقامُوا رُقباء على جِبَالِهِم يَنظُرُون إِلى كلّ عسكر يخرُجُ إِليهم من المدينةِ على الجادّةِ فياخُذُون حذرهم واستعدادهم فلما خرج عليّ (عَلَيهِ السَّلَامُ) ترك الجادّة وأخذ بِالسّرِيّةِ فِي الأودية بين الجِبالِ فَلَمّا رأى عمرو بن العاص وقد فعل على ذلك علم أنَّه سيظفرُبهم فحسده فقال لأبي بكرو عُمرو وُجُوهِ السَّرِيَّةِ إِنْ عَلِيّاً رَجُلٌ غِرُّلا خبرة لهُ بِهذِهِ المسالِكِ و نحنُ أعرفُ بِها مِنهُ وهذا الطرِيقُ الّذي توجّه فِيهِ كَثِيرُ السّباع وسيلق النّاسُ مِن معرّتِها أشدّ ما يُحاذِرُونهُ مِن العدو فسألُوهُ أن يرجع عنه إلى الجادة فعرفوا أمير المؤمنين (عَلَيهِ السَّلَامُ) ذلك قال من كان طائعاً للّه ولِرَسُولِهِ مِنكُم فليتبعني و من أراد الخلاف على اللّه ورسولِهِ فلينصرف عنِّي فسكتوا و ساروا معه فكان يسيرهم بين الجِبالِ فِي اللّيل ويَكمُنُ فِي الأودية بالنهار وصارت السّباعُ الّتي فِيها كالسنانير إلى أن كبس المشركين و هم غارون آمِنُون وقت الصُّبحِ فظفر بالرّجالِ والذراري و الأموال فحاز ذلِك كُله وشدّ الرجال فِي الحِبال كالسلاسل فلذلك سُمّيت غزاة ذاتِ السّلاسِلِ فَلَمّا كانتِ الصّبِيحةُ الّتي أغار فِيها أَمِيرُ المؤمِنِين (عَلَيهِ السَّلَامُ) على العدو و مِن المدينة إلى هناك خمس مراحل خرج النّبيّ (صَلَّى اللّه عَلَيْهِ وَآلِهِ) فصلّى بِالنَّاسِ الفجر و قرأ و العاديات فِي الركعة الأولى وقال هذِهِ سُورةٌ أنزلها اللّه عليّ فِي هذا الوقتِ يُخبِرُني فيها بإغارة على على العدو وجعل حسده لعلي حسداً له فقال (إن الإنسان لِرَبِّهِ لكنُودٌ) (1) و الكنُودُ الحسود و هُو عمرُو بنُ العاص هاهنا إذ هُو كان يُحِبُّ الخير و هُو الحياة حين أظهر الخوف من السّباع ثمّ هدّده اللّه (2).
ص: 191
4 - روى الراوندي : أنَّه لما سار إلى خيبر أخذ أبوبكر الراية إلى باب الحصن فحاربهم فحملت اليهود فرجع منهزماً يُجبّنُ أَصحابهُ ويُجبّنُونَهُ.
و لما كان مِن الغدِ أخذ عُمر الراية و خرج ثمّ رجع يُجيّنُ النّاس.
فغضب رسُول اللّه (صَلَّى اللّه عَلَيْهِ وَآلِهِ) و قال ما بال أقوام يرجعون منهزمين يُجبنون أصحابهم أما لأُعطِين الراية غداً رجُلًا يُحِبُّ اللّه ورسوله ويُحِبُّهُ اللّه ورَسُولُهُ كراراً غير فرار لا يرجع حتّى يفتح اللّه على يديه.
و كان عليّ (عَلَيهِ السَّلَامُ) أرمد العينِ فتطاول جميع المهاجرين والأنصارِ و قالُوا أَمَّا عَلِيٌّ فَإِنَّهُ لَا يُبْصِرُ شيئاً لا سهلًا ولا جبلًا.
فلَمّا كان مِن الغدِ خرج رسُول اللّه (صَلَّى اللّه عَلَيْهِ وَآلِهِ) من الخيمة والراية فِي يدِهِ فركزها و قال أين علي فقيل يا رسُول اللّه هُو رمد معصوب العينين قال هاتوه إلي فأَتِي بِهِ يُقادُ ففتح رسُول اللّه (صَلَّى اللّه عَلَيْهِ وَآلِهِ) عينيهِ ثمّ تفل فيهما فكأنما لم ترمدا قطّ.
ثُم قال اللّهمّ أذهب عنه الحرو البرد فكان علي يقُولُ ما وجدتُ بعد ذلك حراً و لا برداً فِي صيف ولا شِتاءٍ ثمّ دفع إليه الراية.
ثم قال له سر فِي المسلمين إلى بابِ الحِصنِ وادعُهُم إلى إحدى ثلاثِ خِصالٍ إِما أَن يدخُلُوا فِي الإِسلامِ ولهُم ما لِلمُسلِمِين وعليهم ما عليهم وأموالهم لهم.
و إما أن يُذعِنُوا بِالجزية والصُّلِحِ ولهمُ الذِمّة وأموالهم لهم.
و إما الحرب فإن هُمُ اختاروا الحرب فحاربهم.
فأخذها وساريها والمسلمون خلفه حتّى وافى باب الحِصن فاستقبله حماةُ اليَهُودِ وفِي أَوْلِهِم مرحب يهدر كما يهدِرُ البعير فدعاهم إلى الإسلام فأبوا ثمّ دعاهُم إِلى الدِّمَةِ فأبوا فحمل عليهم أمير المؤمِنِين (عَلَيهِ السَّلَامُ) فانهزموا بين يديه ودخلوا الحصن و ردُّوا بابه.
و كان البابُ حجراً منقُوراً فِي صخر و الباب من الحجر فِي ذلك الصخر المنقُورِ كأَنه حجررحى و فِي وسطِهِ ثقب لطِيفٌ فرمى أمِيرُ المؤمنين (عَلَيهِ السَّلَامُ) بقوسِهِ مِن يدِهِ اليسرى وجعل يده اليسرى فِي ذلك الثقبِ الّذي فِي وسط الحجرِدون اليمنى لأن السّيف كان فِي يده اليمنى ثمّ جذبهُ إِليهِ فانهار
ص: 192
الصخر المنقورُو صار البابُ فِي يده اليسرى فحملت عليه اليهود فجعل ذلك تُرساً له و حمل عليهم فضرب مرحباً فقتله وانهزم اليهود من بين يديه فرمى عند ذلك بالحجر بيده اليسرى إلى خلفِهِ فمرّ الحجرُ الّذي هُو البابُ على رُءُوسِ النّاسِ مِن المسلمين إلى أن وقع فِي آخِرِ العسكر.
وقال المسلمون فذرعنا المسافة الّتي مضى فيها الباب فكانت أربعين ذراعاً ثمّ اجتمعنا على ذلك الباب لنرفعه من الأرضِ و كُنّا أربعين رجُلًا حتّى تهيا لنا أن نرفعه قليلًا مِن الأَرضِ. (1)
1 - عنِ الحسن البصري أنّ رسُول اللّه (صَلَّى اللّه عَلَيْهِ وَآلِهِ) تزوّج امرأةً مِن بَنِي عامر بن صعصعة يُقال لها سناةُ وكانت مِن أجمل أهل زمانها فلما نظرت إليها عائشة وحفصة قالتا لتغلبنا هذِهِ على رسُول اللّه (صَلَّى اللّه عَلَيْهِ وَآلِهِ) بجمالها فقالتا لها لا يرى مِنكِ رسُول اللّه (صَلَّى اللّه عَلَيْهِ وَآلِهِ) حرصاً فلما دخلت على رسُول اللّه (صَلَّى اللّه عَلَيْهِ وَآلِهِ) تناولها بِيدِهِ فقالت أعُوذُ بِاللّه فانقبضت يد رسُول اللّه (صَلَّى اللّه عَلَيْهِ وَآلِهِ) عنها فطلقها وألحقها بأهلها و تزوّج رسُول اللّه (صَلَّى اللّه عَلَيْهِ وَآلِهِ) امرأةٌ من كندة بنت أبي الجون فلما مات إبراهِيمُ بنُ رسُول اللّه (صَلَّى اللّه عَلَيْهِ وَآلِهِ) ابنُ مارية القبطية قالت لو كان نبيّاً ما مات ابنه فألحقها رسُول اللّه (صَلَّى اللّه عَلَيْهِ وَآلِهِ) بأهلها قبل أن يدخُل بِها فَلَمّا قُبِض رسُول اللّه (صَلَّى اللّه عَلَيْهِ وَآلِهِ) و ولّي الناس أبوبكر أتته العامِرِيّةُ والكِندِيّةُ وقد خُطبتا فاجتمع أبوبكر و عُمرُ فقالا لهما اختارا إن شئتما الحِجاب و إن شئتما الباه فاختارتا الباه فتزوّجتا فجُذِم أحدُ الرّجُلينِ وجُنّ الآخرُ. (2)
1- عن أبي عبدِ اللّه (عَلَيهِ السَّلَامُ) قال: كانتِ امرأة من الأنصارِ تُدعى حسرة تغشى آل محمّد و تحن و إِنَّ زفر و حبتر لقياها ذات يوم فقالا أين تذهبين يا حسرة فقالت أذهب إلى آلِ محمّد فأقضي. مِن يقهم وأُحدِث بهم عهداً فقالا ويلكِ إِنَّهُ ليس لهم حقّ إِنَّما كان هذا على عهدِ رسُول اللّه لى اللّه عليه واله
ص: 193
فانصرفت حسرة و لبثت أياماً ثمّ جاءت فقالت لها أُمُّ سلمة زوجة النّبيّ (صَلَّى اللّه عَلَيْهِ وَآلِهِ) ما بطأ بِكِ عنّا يا حسرة فقالت استقبلني زُفَرُو حبتر فقالا أين تذهبين يا حسرة فقُلتُ أذهب إلى آلِ محمّد فأقضي مِن حقّهم الواجِبِ فقالا إنّهُ ليس لهم حقّ إنما كان هذا على عهدِ النّي (صَلَّى اللّه عَلَيْهِ وَآلِهِ) فقالت أم سلمة كذبا لعنهما اللّه لا يزال حقّهم واجباً على المسلمين إلى يوم القيامة. (1)
1- الديلمي بحذف الأسناد قال : لَمّا استُخلِف عُثمانُ بنُ عفّان آوى إليهِ عمّهُ الحكم بن العاص و ولده مروان و الحارث بن الحكم ووجّه عُمّالهُ فِي الأمصار و كان فيمن وجه عُمرُ بنُ سُفيان بن المغيرة بن أبي العاص بن أُميّة إلى مُشكان والحارث بن الحكم إلى المدائن فأقام فيها مُدةً يتعسّفُ أهلها ويُسِيءُ مُعاملتهم فوفد منهم إلى عُثمان وفد شكوا إليه وأعلمُوهُ بِسُوء ما يُعامِلُهُم بِهِ وأغلظوا عليهِ فِي القولِ فولّى حذيفة بن اليمان عليهم وذلك فِي آخِرِ أَيامِهِ فلم ينصرف حذيفة بن اليمان من المدائِنِ إلى أن قُتِل عُثمانُ واستخلف عليّ بن أبِي طالِب (عَلَيهِ السَّلَامُ) فأقام حذيفة عليها وكتب إِليهِ بِسمِ اللّه الرَّحمنِ الرَّحِيمِ مِن عبد اللّه على أمير المؤمنين (عَلَيهِ السَّلَامُ) إلى حذيفة بن اليمان سلامٌ عليك فإنّي ولّيتُك ما كُنت تليهِ لمن كان قبلُ مِن حرفِ المدائن وقد جعلتُ إليك أعمال الخراج و الرستاق و جباية أهلِ الدِّمَةِ فاجمع إليك ثقاتِك و من أحببت يمن ترضى دِينه وأمانته واستعن بهم على أعمالك فإنّ ذلِك أعزُّلك و لوليك وأكبتُ لِعَدُوّكَ وإِنِّي آمُرُكَ بِتقوى اللّه وطاعتِهِ فِي السّرّ والعلانية فاحذر عِقابه فِي المغيبِ والمشهد وأتقدم إليك بالإحسان إلى المحسنِ والشّدّة على المعاند و آمُرُكَ بِالرّفِقِ فِي أُمُورِك والدِّينِ و العدل فِي رعِيَّتِكَ فإنّك مسئول عن ذلك وإِنصافِ المظلُومِ والعفو عنِ النّاسِ و حُسنِ السّيرة ما استطعت فاللّه يجزي المحسنين و آمرك أن تجي خراج الأرضين على الحقّ و النصفة ولا تتجاوز ما تقدّمتُ بِهِ إليك ولا تدع منه شيئاً ولا تبتدع فِيهِ أمراً ثمّ اقسمه بين أهلِهِ بِالسَّوِيةِ والعدل واخفض لرعيّتك جناحك و واس بينهم فِي مجلسك وليكن القريب والبعيد عندك فِي الحقّ سواءً و احكم
ص: 194
بين النّاسِ بِالحقِ وأقم فيهم بِالقِسطِ ولا تتبع الهوى ولا تخف فِي اللّه لومة لائم ف- (إنّ اللّه مع الّذينَ اتَّقوا والّذين هُم مُحسِنُون) (1) وقد وجّهتُ إليك كتاباً لتقرأه على أهل مملكتك ليعلموا رأينا فيهم وفي جميع المسلمين فأحضرهم واقرأ عليهم وخُذِ البيعة لنا على الصغيرو الكبِيرِ مِنهُم إِن شاء اللّه تعالى فلما وصل عهد أمير المؤمنين (عَلَيهِ السَّلَامُ) إلى حذيفة جمع الناس فصلى بهم ثمّ أمرَ بِالكِتابِ فقُرِئ عليهم وهُو بِسمِ اللّه الرّحمنِ الرَّحِيمِ مِن عبد اللّه على أمِيرِ المؤمِنِين إلى من بلغه كتابي هذا من المسلمين سلامٌ عليكم فإنّي أَحمدُ إِليكُمُ اللّه الّذي لَا إِله إِلَّا هُو و أسألُهُ أن يُصلّي على محمّد وآلِهِ فأما بعد فإنّ اللّه تعالى اختار الإسلام ديناً لنفسه و ملائِكَتِهِ ورُسُلِهِ وإحكاماً لِصُنعِهِ و حُسنِ تدبيره ونظراً مِنهُ لِعِبَادِهِ وخصّ مِنهُ من أحبّ مِن خلقِهِ فبعث إليهم محمّداً (صَلَّى اللّه عَلَيْهِ وَآلِهِ) فعلمهُمُ الكِتاب والحكمة إكراماً وتفضُّلالهذِهِ الأُمّة و أدبهم لكي يهتدوا وجمعهُم لئلّا يتفرّقُوا وفقههم لئلّا يجُورُوا فَلَمّا قضى. ما كان عليه من ذلك مضى إلى رحمة ربّه جيداً محموداً ثمّ إنّ بعض المسلمين أقاموا بعده رجُلينِ رَضُوا بِهديهما و سيرتهما قاما ما شاء اللّه ثمّ توفّاهُما اللّه عزّ و جلّ ثمّ ولوا بعدهما الثالث فأحدث أحداثاً و وجدتِ الأُمّه عليهِ فِعالًا فاتفقوا عليهِ ثمّ نقمُوا مِنهُ فغيّرُوا ثمّ جَاءُونِي كتتابعِ الخيل فبايعُونِي فأنا أستهدِي اللّه بهداهُ وأستعِينُهُ على التقوى ألا وإنّ لكُم علينا العمل بِكِتابِ اللّه وسُنّةِ نبيّه والقيام بحقِّهِ وإحياء سُنّتِهِ والنُّصح لكُم بِالمغِيبِ والمشهد وباللّه نستعِينُ على ذلك و هُو حسبنا ونعم الوكيل وقد ولّيتُ أُمُورَكُم حذيفة بن اليمان وهُو من أرتضي بهديه وأرجو صلاحُه وقد أمرته بالإحسانِ إِلى مُحسِنِكُم والشّدّةِ على مُرِيبكُم وَالرِّفْقِ بِجَمِيعِكُم أسألُ اللّه لنا ولكم حُسن الخيرة والإحسان و رحمته الواسعة فِي الدُّنيا والآخِرَةِ والسّلامُ عليكم ورحمةُ اللّه و بركاته قال ثمّ إِنِ حذيفة صعد المنبر فحمد اللّه وأثنى عليه وصلى على النّبيّ وَآلِهِ ثمّ قال الحمدُ للّه الّذي أحيا الحقّ وأمات الباطل وجاء بالعدل وأدحض الجور وكبَتَ الظَّالِمين أيّها النَّاسُ (إِنَّما وَلِيُّكُمُ اللّه و رَسُولُهُ) (2) وأمير المؤمِنِين حقّاً حقاً وخير من نعلمه بعد نبينا محمّد رسُول اللّه وأولى النّاسِ بِالنّاس وأحقُهُم
ص: 195
بِالأمر و أقربهم إلى الصدق وأرشدهم إلى العدل و أهداهُم سبيلا و أدناهُم إِلى اللّه وسيلةً وأمسّهُم بِرَسُولِ اللّه (صَلَّى اللّه عَلَيْهِ وَآلِهِ) رحماً أنيبُوا إلى طاعةِ أَوَّلِ النّاسِ سِلماً وأكثرِهِم عِلماً و أقصدِهِم طريقاً وأسبقهم إيماناً وأحسنِهم يقيناً وأكثرهم معرُوفاً وأقدمهم جهاداً و أعزّهم مقاماً أخِي رسُول اللّه و ابنِ عمّه وأبي الحسن والحُسين و زَوجِ الزهراء البتُولِ سيّدةِ نِساءِ العالمين فقُومُوا أيّها النّاسُ فبايِعُوا على كِتابِ اللّه وسُنّة نبيّه (صَلَّى اللّه عَلَيْهِ وَآلِهِ) فَإِنّ للّه فِي ذلِك رِضى ولكُم مقنع وصلاح والسّلام فقام النّاسُ بِأجمعهم فبايعوا أمير المؤمنين (عَلَيهِ السَّلَامُ) أحسن بيعةٍ وأجمعها فلَمّا استتمّتِ البيعةُ قام إليهِ فتَّى مِن أبناء العجم وولاة الأنصارِ لمحمّد بنِ عُمارة بنِ التَّتِهانِ أخِي أبي الهيثم بنِ التَّيِّهانِ يُقالُ لَهُ مُسلِمٌ مُتقلّداً سيفاً فناداه مِن أقصى الناس أيّها الأمير إنا سمعناك تقُولُ إِنَّمَا وَلِيُّكُمُ اللّه ورسوله وأمير المؤمنين حقّاً حقاً تعريضاً بمن كان قبلهُ مِن الخلفاء أنَّهم لم يكُونُوا أمراء المؤمِنِين حقّاً فعرفنا ذلِك أيّها الأمير رحمك اللّه ولا تكتُمنا فإنّك ممّن شهد و عاين ونحنُ مُقلّدون ذلِك أعناقهم واللّه شَاهِدٌ عليكُم فِيمَا تَأْتُون بِهِ مِن النّصيحةِ لِأُمَّتِكُم وصدق الخبر عن نبيّكم (صَلَّى اللّه عَلَيْهِ وَآلِهِ) فقال حذيفةُ أيّها الرَّجُلُ أمّا إذا سألت و فحصت هكذا فاسمع وافهم ما أخبِرُك بِهِ أما من تقدّم من الخلفاء قبل عليّ بن أبِي طالِب (عَلَيهِ السَّلَامُ) ممّن تسمّى أمير المؤمنين فإنّهم تسموا بذلك فسمّاهُمُ النَّاسُ بِذلِكَ وأَمَّا عليّ بن أبِي طالِب (عَلَيهِ السَّلَامُ) فإنّ جبرئیل (عَلَيهِ السَّلَامُ) سماه بهذا الاسم عن اللّه تعالى وشهد له رسُول اللّه (صَلَّى اللّه عَلَيْهِ وَآلِهِ) عن سلام جبرئيل (عَلَيهِ السَّلَامُ) له بإمرة المؤمِنِين و كان أصحاب رسُول اللّه (صَلَّى اللّه عَلَيْهِ وَآلِهِ) يدعُونهُ فِي حياة رسُول اللّه (صَلَّى اللّه عَلَيْهِ وَآلِهِ) بإمرة المؤمِنِين قال الفتى خيّرنا كيف كان ذلك يرحمك اللّه قال حذيفةُ إِنّ النّاس كانوا يدخُلُون على رسُول اللّه (صَلَّى اللّه عَلَيْهِ وَآلِهِ) قبل الحِجابِ إذا شاءوا فنهاهم رسُول اللّه (صَلَّى اللّه عَلَيْهِ وَآلِهِ) أن يدخل أحدٌ إِليهِ وعِندَهُ دِحيةُ بن خليفة الكلي وكان رسُول اللّه (صَلَّى اللّه عَلَيْهِ وَآلِهِ) يُراسِلُ قيصرا [ قيصر] ملك الرُّومِ وبني حنيفة و مُلُوك بَنِي غسان على يده وكان جبرئيل (عَلَيهِ السَّلَامُ) يهبط على صُورتِهِ و لِذلِك نهى رسُول اللّه (صَلَّى اللّه عَلَيْهِ وَآلِهِ) أن يدخُل المسلمون عليهِ إذا كان عِندَهُ دِحية قال حذيفة و إنّي أقبلتُ يوماً لبعض أُمُورِي إِلى رسُول اللّه (صَلَّى اللّه عَلَيْهِ وَآلِهِ) مُهجّراً رجاء أن ألقاه خالِياً فَلَمّا صِرتُ بِالبابِ فإذا أنا بِالشّملةِ قد سُدِلت على الباب فرفعتها و هممتُ بِالدُّخُولِ وكذلِك كُنّا نصنعُ فإذا أنا بِدِحية قاعِدٌ عِند رسُول اللّه والنَّبِيُّ نائم ورأسُهُ فِي حجرِ دِحية فلَمّا رأيتُهُ انصرفتُ فلقيني عليّ بن أبِي طالِب (عَلَيهِ السَّلَامُ) فِي بعض الطريق فقال يا ابن
ص: 196
اليمان مِن أين أقبلت قُلتُ مِن عِندِ رسُول اللّه (صَلَّى اللّه عَلَيْهِ وَآلِهِ) قال وما ذا صنعت عِندهُ قُلتُ أردتُ الدُّخُول عليهِ فِي كذا وكذا فذكرتُ الأمر الّذي جِئتُ لهُ فلم يتهيا لي ذلك قال ولم قُلتُ كان عِندهُ دِحية الكلبِيُّ وسألتُ عليّاً (عَلَيهِ السَّلَامُ) معونتي على رسُول اللّه (صَلَّى اللّه عَلَيْهِ وَآلِهِ) فِي ذلك قال فارجع معِي فرجعتُ معهُ فَلَمّا صِرنا إلى بابِ الدّارِ جلستُ بِالبابِ و رفع علي الشملة ودخله وسلّم فسمِعتُ دِحية يقُولُ و عليك السّلامُ يا أمير المؤمنين ورحمة اللّه وبركاتُهُ ثمّ قال اجلس فخُذ رأس أخيك و ابنِ عمّكِ مِن حجرِي فأنت أولى النّاسِ بِهِ فجلس عليّ (عَلَيهِ السَّلَامُ) و أخذ رأس رسُول اللّه (صَلَّى اللّه عَلَيْهِ وَآلِهِ) فجعله فِي حجره و خرج دِحيةُ من البيتِ فقال علي ادخُل يا حذيفةُ فدخلتُ و جلست فما كان بأسرع أن انتبه رسُول اللّه (صَلَّى اللّه عَلَيْهِ وَآلِهِ) فضحك فِي وجه عليّ (عَلَيهِ السَّلَامُ) ثمّ قال يا أبا الحسن من حجر من أخذت رأسي فقال مِن حجرِدِحية الكلبي فقال ذلك جبرئيل (عَلَيهِ السَّلَامُ) فما قلت لهُ حِين دخلت و ما قال لك قال دخلتُ فسلمتُ فقال لي وعليك السّلامُ يا أمير المؤمِنِين ورحمة اللّه وبركاتُهُ فقال رسُول اللّه (صَلَّى اللّه عَلَيْهِ وَآلِهِ) يا علي سلمت عليك ملائكةُ اللّه و سكان سماواتِهِ بِإمرة المؤمِنِين مِن قبل أن يُسلّم عليك أهل الأرضِ يا عليُّ إِنّ جبرئيل (عَلَيهِ السَّلَامُ) فعل ذلك من أمر اللّه تعالى وقد أُوحِي إلي عن ربي عزّ و جلّ مِن قبل دُخُولِك أن أفرِض ذلِك على النّاس وأنا فاعِلٌ ذلِك إن شاء اللّه تعالى فلَمّا كان مِن الغدِ بعثني رسُول اللّه (صَلَّى اللّه عَلَيْهِ وَآلِهِ) إلى ناحيةِ فدك فِي حاجةٍ فلبثتُ أياماً فقدِمتُ فوجدتُ النّاس يتحدثون أن رسُول اللّه (صَلَّى اللّه عَلَيْهِ وَآلِهِ) أمر الناس أن يُسلّمُوا على عليّ (عَلَيهِ السَّلَامُ) بإمرة المؤمنين و أن جبرئيل أتاهُ بِذلِك عن اللّه عزّوجلّ فقُلتُ صدق رسُول اللّه (صَلَّى اللّه عَلَيْهِ وَآلِهِ) و أنا قد سمعت جبرئيل (عَلَيهِ السَّلَامُ) يُسلّم على عليّ (عَلَيهِ السَّلَامُ) بإمرة المؤمِنين وحدثتهم الحديث فسمعني عُمرُ بنُ الخطاب وأنا أُحدِثُ النَّاسِ فِي المَسجِدِ فقال لي أنت رأيت جبرئيل و سمعتهُ اتَّقِ القول فقد قُلت قولًا عظيماً أو قد خُولِط بِك فقُلتُ نعم أنا سمِعتُ ذلِك ورأيتُهُ فأرغم اللّه أنف من رغم فقال يا أبا عبدِ اللّه لقد رأيت وسمعت عجباً قال حذيفه و سمِعني بُريدةُ بنُ الحصيبِ الأسلمي و أنا أُحدِثُ بِبعض ما رأيتُ و سمِعتُ فقال لي و اللّه يا ابن اليمان لقد أمرهم رسُول اللّه (صَلَّى اللّه عَلَيْهِ وَآلِهِ) بالسّلام على عليَّ بِإِمرة المؤمِنِين قُلتُ يا بُريدةُ أكُنت شاهِداً ذلِك اليوم فقال نعم مِن أوّلِهِ إِلى آخِرِهِ فقُلتُ لهُ حدّثني بِهِ يرحمك اللّه تعالى فإِنِّي كُنتُ عن ذلك اليوم غائباً فقال بُريدةُ كُنتُ أنا و عمَّار أخِي مع رسُول اللّه (صَلَّى اللّه عَلَيْهِ وَآلِهِ) فِي نخيل بَنِي النّجارِ فدخل علينا عليّ بن أبِي طالِب (عَلَيهِ السَّلَامُ) فسلّم فردّ (عَلَيهِ السَّلَامُ) رسُول اللّه (صَلَّى اللّه عَلَيْهِ وَآلِهِ)
ص: 197
و ردنا [ رددنا ] ثمّ قال له يا عليُّ اجلس هناك فجلس و دخل رِجالٌ فأمرهم رسُول اللّه (صَلَّى اللّه عَلَيْهِ وَآلِهِ) بالسلام على على بإمرة المؤمِنين فسلّمُوا و ما كادُوا ثمّ دخل أبوبكر و عمر فسلما فقال لهما رسُول اللّه (صَلَّى اللّه عَلَيْهِ وَآلِهِ) سليما على عليّ (عَلَيهِ السَّلَامُ) بإمرة المؤمنين فقالا إِنَّ الأمر من اللّه ورسوله فقال نعم ثمّ دخل طلحة وسعد بن مالك فسلّما فقال لهما رسُول اللّه (صَلَّى اللّه عَلَيْهِ وَآلِهِ) سلّما على علي بإمرة المؤمِنِين فقالا أمرٌ مِن اللّه ورسوله فقال نعم قالا سمعنا وأطعنا ثمّ دخل سلمان الفارسي و أبو ذر الغفاري (رضي اللّه عنهما) فسلّما فردّ (عَلَيهِمَا السَّلَامُ) ثمّ قال سلّما على علي بإمرة المؤمِنِين فسلّما ولم يقُولا شيئاً ثمّ دخل خزيمةُ بنُ ثَابِتٍ وأبو الهيثم التيِّهانُ فسلّما فرد (عَلَيهِمَا السَّلَامُ) ثمّ قال سلّما على علي بإمرة المؤمِنين فسلّما ولم يقُولا شيئاً ثمّ دخل عمَّار و المقداد فسلّما فردّ (عَلَيهِمَا السَّلَامُ) وقال سلّما على علي بإمرة المؤمِنِين ففعلا و لم يقُولا شيئاً ثمّ دخل عُثمان وأبو عبيدة فسلّما فردّ (عَلَيهِمَا السَّلَامُ) ثمّ قال سلما على علي بإمرة المؤمنين قالا عن اللّه و رسولِهِ قال نعم ثمّ دخل فلان وفلانٌ و عدّ جماعة من المهاجرين والأنصارِ كلّ ذلِك يَقُولُ رسُول اللّه (صَلَّى اللّه عَلَيْهِ وَآلِهِ) سلّمُوا على على بِإِمرة المؤمِنِين فبعضُ يُسلّمُ ولا يقُولُ شيئاً وبعض يقُولُ لِلنّبِيِّ أعَنِ اللّه وَرَسُولِهِ فَيَقُولُ نعم حتّى غص المجلس بِأهلِهِ وامتلأت الحجرةُ وجلس بعض على البابِ وفي الطَّرِيقِ وكانوا يدخُلُون فيُسلّمُون ويخرجون ثمّ قال لي ولأخِي قم يا بُريدة أنت وأخوك فسلّما على عليّ (عَلَيهِ السَّلَامُ) بإمرة المؤمِنِين فقُمنا وسلمنا ثمّ عُدنا إلى مواضِعِنا قال ثمّ أقبل رسُول اللّه (صَلَّى اللّه عَلَيْهِ وَآلِهِ) عليهم جميعاً فقال اسمعُوا و عُوا إِنِّي أمرتُكُم أن تُسلّمُوا على عليّ بِإمرة المؤمِنِين و إِنَّ رِجالًا سألُونِي أذلِك عن أمر اللّه وأمرِ رَسُولِهِ ما كان لِمحمّد أن يأتي أمراً مِن تلقاء نفسه بل بوحي ربّه وأمره أفرأيتُم و الّذي نفسِي بِيدِهِ لَئِن أَبيتُم و نقضتُمُوهُ لتكفُرُن و لتُفارِقُنّ ما بعثنِي بِهِ رَبِّي فمن شاء فليُؤْمِن و من شاء فليكفر قال بُريدة فلما خرجنا سمعتُ بعض أُولئِكَ الّذين أُمِرُوا بِالسّلام على علي بإمرة المؤمِنِين يَقُولُ لِصاحِبِهِ و قدِ التفت بهما طائفة من الجفاةِ البِطاءِ عَنِ الإِسلامِ مِن قُريش أما رأيت ما صنع محمّد (صَلَّى اللّه عَلَيْهِ وَآلِهِ) بابنِ عمّهِ مِن عُلُوّ المنزلة والمكان ولويستطِيعُ واللّه لجعله نبيّاً من بعدِهِ فقال له صاحِبُهُ أمسِك لا يكبُرنّ عليك هذا الأمرُ فلو أنا فقدنا محمّداً لكان فعله هذا تحت أقدامنا فقال حذيفة ومضى بُريدة إلى بعض طُرُقِ الشّامِ ورجع وقد قُبِض رسُول اللّه (صَلَّى اللّه عَلَيْهِ وَآلِهِ) وبايع النّاسُ أبا بكر فأقبل بُريدة وقد دخل المسجد وأبوبكر على المنبر و عُمرُ دُونه يمرقاة فناداهُما مِن ناحية المسجِدِ يا أبا بكرو يا عُمرُ
ص: 198
قالا وما لك يا بُريدةُ أَجُنِنتَ فقال لهما و اللّه مَا جُنِنتُ ولكن أين سلامُكُما بِالأمس على عليّ (عَلَيهِ السَّلَامُ) بإمرة المؤمنين فقال له أبوبكريا بُريدةُ الأمْرُ يحدُثُ بعدهُ الأمرُو إِنّك غبت و شهدنا والشَّاهِدُ يرى ما لا يرى الغائب فقال لهما رأيتُما ما لم يره اللّه ورسوله و وفى لك صاحِبُك بقولِهِ لو فقدنا محمّداً لكان قوله هذا تحت أقدامنا ألا إنّ المدينة حرام عليّ أن أسكنها أبداً حتّى أموت فخرج بُريدةُ بِأَهلِهِ و وُلدِهِ فنزل بين قومِهِ بَنِي أسلم فكان يطلُعُ فِي الوقتِ دُون الوقتِ فَلَمّا أفضى الأمر إلى أمير المؤمنين (عَلَيهِ السَّلَامُ) سار إليه وكان معه حتّى قدم العِراق فلَمّا أُصِيب أمير المؤمنين (عَلَيهِ السَّلَامُ) صار إلى خُراسان فنزلها و لبث هناك إلى أن مات برحمة اللّه تعالى قال حذيفة فهذا نبأُ ما سألتني عنه فقال الفتى لا جزى اللّه الّذين شهدوا رسُول اللّه (صَلَّى اللّه عَلَيْهِ وَآلِهِ) و سمعوه يقُول هذا القول فِي علي خيراً فقد خانوا اللّه و رسوله و أزالُوا الأمر عن وصيّ رسُول اللّه (صَلَّى اللّه عَلَيْهِ وَآلِهِ) و أقرُّوهُ فيمن لم يره اللّه ولا رسُولُهُ لِذلِك أهلا لا جرم واللّه لن يُفْلِحُوا بعدها أبداً فنزل حذيفةُ مِن مِنبرِه فقال يا أخا الأنصار إنّ الأمر كان أعظم مِمّا تظُنُّ أَنَّهُ عزب واللّه البصر و ذهب اليقين وكثر المخالِفُ وقلّ النَّاصِرُ لأهل الحقّ فقال له الفتى فهلا انتضيتُم أسيافكُم و وضعتُمُوها على رِقابِكُم وضربتم بها الزائلين عن الحقّ قدماً قُدماً حتّى تموتُوا أو تُدرِكُوا الأمر الّذي تُحِبُّونَهُ مِن طاعةِ اللّه عزّو جلّ و طاعةِ رَسُولِهِ فقال لهُ أيّها الفتى إِنَّهُ أَخذ واللّه بِأسماعنا و أبصارنا وكرهنا الموت و زُيّنت عِندنا الدُّنيا وسبق عِلمُ اللّه بِإِمْرَةِ الظالمين ونحن نسأل اللّه التغمد لِذُنُوبِنا والعصمة فيما بقي مِنْ آجِلِنا فَإِنَّهُ مَالِكٌ رَحِيمٌ ثمّ انصرف حذيفة إلى منزله و تفرّق النَّاسُ قال عبد اللّه بن سلمة فبينا أنا ذات يوم عند حذيفة أعُودُهُ فِي مرضِهِ الّذي مات فِيهِ وقد كان يوم قدمت فِيهِ مِن الكوفة من قبل قُدُومِ عليّ (عَلَيهِ السَّلَامُ) إِلى العِراقِ فبينما أنا عِنده إذ جاء الفتى الأنصارِيُّ فدخل على حذيفة فرحب بهِ وأدناه وقربه من مجلسِهِ وخرج من كان عِند حذيفة مِن عُوّادِهِ وأقبل عليه الفتى فقال يا أبا عبد اللّه سمعتك يوماً تُحدّث عن بُريدة بن الحصيبِ الأسلمي أنَّه سمع بعض القومِ الّذين أمرهُم رسُول اللّه (صَلَّى اللّه عَلَيْهِ وَآلِهِ) أن يُسلّما على علي بإمرة المؤمِنِين يَقُولُ لِصاحِبِهِ أما رأيت اليوم ما صنع محمّد بابنِ عمِهِ مِن التّشرِيفِ وعُلُوّ المنزلة حتّى لو قدر أن يجعله نبيّاً لفعل فأجابه صاحِبُه فقال لا يكبرن عليك فلو فقدنا محمّداً لكان قولُه تحت أقدامنا وقد ظننتُ نِداء بُريدة لهما وهما على المنبر أنهما صاحِبا القول قال حذيفة أجل القائِلُ عُمرُو المجِيبُ أبوبكر فقال الفتى إِنَّا للّه وإنا إليهِ راجِعُون هلك و
ص: 199
اللّه القومُ وبطلت أعمالهم قال حذيفة ولم يزل القومُ على ذلك الارتداد و ما يعلمُ اللّه مِنهُم أكثر قال الفتى قد كُنتُ أُحِبُّ أن أتعرف هذا الأمر من فعلهم ولكني أحدُك مريضاً و أنا أكره أن أملك بِحدِيثي و مسالّتي وقام لينصرِف فقال حذيفة لا بل اجلس يا ابن أخي وتلق مني حديثهم و إن كربني ذلك فلا أحسبُنِي إِلَّا مُفارِقكُم إِنِّي لا أُحِبُّ أن تغتر بمنزلتِهما فِي النَّاسِ فهذا ما أقدِرُ عليهِ مِن النّصيحة لك ولأمير المؤمِنِين (عَلَيهِ السَّلَامُ) مِن الطاعة له و لرسول اللّه (صَلَّى اللّه عَلَيْهِ وَآلِهِ) و ذكر منزلته فقال يا أبا عبد اللّه حدّثني بِما عِندك مِن أُمُورِهِم لِأَكُون على بصيرة من ذلك فقال حذيفةُ إِذا واللّه لأُخبِرنّك بخبر سمِعتُهُ ورأيتُهُ ولقد واللّه دلّنا على ذلك من فعلهم على أنَّهم واللّه ما آمَنُوا بِاللّه ولا بِرسُولِهِ طرفة عين و أخبرك أن اللّه تعالى أمر رسوله فِي سنة عشر من مهاجرتِه مِن مكّة إلى المدينةِ أن يُحجّ هُو و يحُجّ النَّاسُ معه فأوحى إليهِ بِذلِك (وَأَذِّنْ فِي النَّاسِ بِالْحَجِّ يَأْتُوكَ رِجَالًا وَعَلَى كُلِّ ضَامِرٍ يَأْتِينَ مِنْ كُلِّ فَجٍّ عَمِيقٍ) (1) فأمر رسُول اللّه (صَلَّى اللّه عَلَيْهِ وَآلِهِ) المؤذنين فأذَنُوا فِي أَهلِ السّافِلِ و العالية ألا إِنّ رسُول اللّه (صَلَّى اللّه عَلَيْهِ وَآلِهِ) قد عزم على الحجّ فِي عامِهِ هذا لِيُفهم النّاس حجّهُم ويُعلّمهم مناسكهم فيكُون سُنَّةً لهُم إِلى آخِرِ الدّهرِ قال فلم يبق أحد ممّن دخل فِي الإِسلامِ إِلّا حجّ مع رسُول اللّه (صَلَّى اللّه عَلَيْهِ وَآلِهِ) السنة عشر ليشهدوا منافع هُم ويُعلّمهُم حجّهُم ويُعرّفهُم مناسكهم وخرج رسُول اللّه (صَلَّى اللّه عَلَيْهِ وَآلِهِ) بالناس وخرج بِنِسائِهِ معه و هي حجّة الوداع فلما استتم حجهم وقضوا مناسكهم وعرف الناس جميع ما يحتاجون إليه وأعلمهم أنَّه قد أقام لهُم مِلة إبراهيم (عَلَيهِ السَّلَامُ) وقد أزال عنهم جميع ما أحدثه المشركون بعده ورد الحجر [ الحج] إلى حالتِهِ الأولى ودخل مكّة فأقام بها يوماً واحداً فهبط جبرئيل (عَلَيهِ السَّلَامُ) بِأَوّلِ سُورة العنكبوتِ فقال يا محمّد اقرأ (بِسمِ اللّه الرّحمنِ الرَّحِيمِ* الم * أَحَسِبَ النَّاسُ أَنْ يُتْرَكُوا أَنْ يَقُولُوا آمَنَّا وَهُمْ لَا يُفْتَنُونَ * وَلَقَدْ فَتَنَّا الَّذِينَ مِنْ قَبْلِهِمْ فَلَيَعْلَمَنَّ اللَّهُ الَّذِينَ صَدَقُوا وَلَيَعْلَمَنَّ الْكَاذِبِينَ * أَمْ حَسِبَ الَّذِينَ يَعْمَلُونَ السَّيِّئَاتِ أَنْ يَسْبِقُونَا سَاءَ مَا يَحْكُمُونَ) (2) فقال رسُول اللّه (صَلَّى اللّه عَلَيْهِ وَآلِهِ) يا جبرئيل و ما هذِهِ الفِتنةُ فقال يا محمّد إِنّ اللّه يُقرِئُكَ السّلام و يقُولُ إِنِّي ما أرسلتُ نبيّاً قبلك إِلّا أمرتُهُ عِند انقضاء أجلِهِ أن يستخلف على أُمَّتِهِ مِن
ص: 200
بعدِهِ مَن يَقُومُ مقامه و يُحي لهم سُنّته وأحكامه فالمطِيعُون للّه فيما يأمُرُهُم بِهِ رسُول اللّه هُمُ الصَّادِقُون والمخالِفُون على أمره الكاذبون وقد دنا يا محمّد مصيرك إلى ربّك وجنّتِهِ وهُو يأْمُرُكَ أن تنصب لِأُمِّتِكَ مِن بعدك عليّ بن أبِي طالِب (عَلَيهِ السَّلَامُ) و تعهد إليه فهُو الخليفةُ القائِمُ بِرعِيَّتِكَ وأُمِّتِكَ إِن أَطَاعُوهُ و إن عصوه وسيفعلون ذلك وهي الفتنةُ الّتي تلوتُ الآي فيها و إِنَّ اللّه عزّو جلّ يَأْمُرُكَ أَن تُعلّمهُ جميع ما علمك وتستحفظه جميع ما حفظك واستودعك فإنَّهُ الأَمِينُ المؤتمنُ يا محمّد إِنِّي اخترتُكِ مِن عِبادِي نبيّاً واخترتُهُ لك وصيّاً قال فدعا رسُول اللّه (صَلَّى اللّه عَلَيْهِ وَآلِهِ) عليّاً (عَلَيهِ السَّلَامُ) يوماً فخلابه يوم ذلك وليلته و استودعه العِلم والحكمة الّتي آتاه إياها و عرفه ما قال جبرئيل (عَلَيهِ السَّلَامُ) وكان ذلك فِي يوم عائشة بنت أبي بكر فقالت يا رسُول اللّه لقد طالت استخلاؤُكَ بِعليّ (عَلَيهِ السَّلَامُ) منذُ اليوم قال فأعرض عنها رسُول اللّه (صَلَّى اللّه عَلَيْهِ وَآلِهِ) فقالت لم تُعرِضُ عنّي يا رسُول اللّه بأمر لعله يكُونُ لِي صلاحاً فقال صدقتِ وايمُ اللّه إِنَّهُ لأمر صلاح من أسعده اللّه بِقَبُوله والإيمان بِهِ وقد أُمِرْتُ بِدُعاءِ النّاس جميعاً إليهِ وستعلمين ذلك إذا أنا قُمتُ بِهِ فِي النَّاسِ قالت يا رسُول اللّه ولِم لا تُخْبِرْنِي بِهِ الآن لأتقدم بالعمل بِهِ والأخذ بما فِيهِ الصَّلاحُ قال سأُخبِرُكِ بِهِ فاحفظِيهِ إلى أن أومر بالقِيامِ بِهِ فِي النّاس جميعاً فإِنَّكِ إِن حفظتِيهِ حفظكِ اللّه فِي العاجِلةِ والآجلة جميعاً و كانت لكِ الفضيلةُ بِالسبقة والمسارعة إلى الإيمانِ بِاللّه ورسولِهِ وإِن أضعتِهِ وتركتِ رعاية ما الّتي إليكِ مِنهُ كفرتِ بِرَبِّكِ وحبط أجرُكِ و برئت مِنكِ ذِمَةُ اللّه وذِمَةُ رَسُولِهِ وكُنتِ مِن الخاسِرِين ولن يضُر اللّه ذلِكِ ولا رسوله فضمنت لهُ حِفظه والإيمان بِهِ ورعايته فقال إِنّ اللّه تعالى أخبرني أن عُمُرِي قد انقضى وأمرني أن أنصب عليّاً لِلنَّاسِ علماً وأجعله فيهم إماماً و أستخلفه كما استخلف الأنبياءُ مِن قبلي أوصياءهُم وإِنِّي صائِرٌ إِلى أَمرِرتي وآخِذُ فِيهِ بِأَمْرِهِ فليكُنِ الأمْرُمِنكِ تحت سُويداء قلبِكِ إلى أن يأذن اللّه بِالقِيامِ بِهِ فضمنت له ذلك وقد اطلع اللّه نبيّه على ما يكُونُ مِنها فِيهِ ومِن صاحبتها حفصة وأبويهما فلم تلبث أن أخبرت حفصة و أخبرت كلّ واحِدَةٍ مِنهُما أباها فاجتمعا وأرسلا إلى جماعةِ الطلقاء والمنافِقِين فخبّراهُم بِالأمرِ فأقبل بعضُهم على بعض وقالُوا إِنَّ محمّداً يُرِيدُ أن يجعل هذا الأمر فِي أهل بيته كسُنّة كسرى و قيصر إلى آخر الدهر ولا واللّه ما لكُم فِي الحياة من حظ إن أفضى. هذا الأمر إلى عليّ بن أبِي طالِب (عَلَيهِ السَّلَامُ) وإن محمّداً عاملكُم على ظاهِرِكُم و إنّ علِيّاً يُعامِلُكُم على ما يجِدُ فِي
ص: 201
نفسِهِ مِنكُم فأحسِنُوا النظر لأنفُسِكُم فِي ذلِك وقدِمُوا رأيكُم فِيهِ ودار الكلام فيما بينهم وأعادوا الخطاب وأجالُوا الرّأي فاتفقوا على أن ينفرُوا بِالنّبي (صَلَّى اللّه عَلَيْهِ وَآلِهِ) ناقته على عقبة هرشى وقد كانُوا عَمِلُوا مِثل ذلِك فِي غزوة تبوك فصرف اللّه الشَّر عن نبيّه (صَلَّى اللّه عَلَيْهِ وَآلِهِ) فاجتمعوا فِي أمررسُولِ اللّه (صَلَّى اللّه عَلَيْهِ وَآلِهِ) مِن القتل والاغتيال وإسقاءِ السّمّ على غيروجه وقد كان اجتمع أعداء رسُول اللّه (صَلَّى اللّه عَلَيْهِ وَآلِهِ) من الطلقاء مِن قُريش والمنافقين من الأنصار و من كان فِي قلبه الارتداد من العرب فِي المدينة وما حولها فتعاقدوا و تحالفوا على أن ينفِرُوا بِهِ ناقته و كانُوا أربعة عشر رجلا و كان من عزمِ رسُول اللّه (صَلَّى اللّه عَلَيْهِ وَآلِهِ) أن يُقيم عليّاً (عَلَيهِ السَّلَامُ) وينصبهُ لِلنَّاسِ بِالمدينة إذا قدم فسار رسُول اللّه (صَلَّى اللّه عَلَيْهِ وَآلِهِ) يومين وليلتين فلما كان فِي اليومِ الثَّالِثِ أتاه جبرئيل (عَلَيهِ السَّلَامُ) بِآخِرِ سُورةِ الحِجرِ فقال اقرأ (فَوَرَبِّكَ لَنَسْأَلَنَّهُمْ أَجْمَعِينَ * عَمَّا كَانُوا يَعْمَلُونَ * فَاصْدَعْ بِمَا تُؤْمَرُ وَأَعْرِضْ عَنِ الْمُشْرِكِينَ * إِنَّا كَفَيْنَاكَ الْمُسْتَهْزِئِينَ) (1) قال ورحل رسُول اللّه (صَلَّى اللّه عَلَيْهِ وَآلِهِ) وأغذ السير مسرعاً على دُخُولِهِ المدينة لينصب عليّاً (عَلَيهِ السَّلَامُ) علماً لِلنَّاسِ فَلَمّا كانت اللّيلةُ الرابعةُ هبط جبرئيل فِي آخِرِ اللّيل فقرأ عليهِ (يَا أَيُّهَا الرَّسُولُ بَلِّغْ مَا أُنْزِلَ إِلَيْكَ مِنْ رَبِّكَ وَإِنْ لَمْ تَفْعَلْ فَمَا بَلَّغْتَ رِسَالَتَهُ وَاللَّهُ يَعْصِمُكَ مِنَ النَّاسِ إِنَّ اللَّهَ لَا يَهْدِي الْقَوْمَ الْكَافِرِينَ) (2) و هُمُ الّذين همُّوا بِرَسُولِ اللّه (صَلَّى اللّه عَلَيْهِ وَآلِهِ) فقال رسُول اللّه (صَلَّى اللّه عَلَيْهِ وَآلِهِ) أما تراني يا جبرئيل أُعِدُّ السّير مُجدّاً فِيهِ لِأدخُل المدينة فأفرض ولايته على الشّاهِدِ والغائِبِ فقال له جبرئيلُ إنّ اللّه يأمُرُك أن تفرض ولايته غداً إذا نزلت منزلك فقال رسُول اللّه (صَلَّى اللّه عَلَيْهِ وَآلِهِ) نعم يا جبرئيل غداً أفعل إن شاء اللّه وأمر رسُول اللّه (صَلَّى اللّه عَلَيْهِ وَآلِهِ) بالرحيل من وقته وسار النَّاسُ معه حتّى نزل بِغدِيرِخُم وصلّى بِالنّاس وأمرهم أن يجتمِعُوا إِليه ودعا عليّاً (عَلَيهِ السَّلَامُ) و رفع رسُول اللّه (صَلَّى اللّه عَلَيْهِ وَآلِهِ) يد علي اليسرى بيدِهِ اليُمنى و رفع صوته بالولاء لعليّ (عَلَيهِ السَّلَامُ) على النّاس أجمعين و فرض طاعته عليهم وأمرهم أن لا يتخلّفُوا عليه بعده وخبّرهُم أنّ ذلك عن أمر اللّه عزّ و جلّ وقال لهم ألستُ أولى بالمؤمِنِين مِن أَنفُسِهِم قالوا بلى يا رسُول اللّه قال فمن كُنتُ مولاه فعلِيٌّ مولاه اللّهمّ وال من والاه وعاد من عاداه و انصر من نصره واخذل من خذلهُ
ص: 202
ثمّ أمر الناس أن يُبايِعُوهُ فبايعه النّاسُ جميعاً ولم يتكلم منهم أحد وقد كان أبوبكر و عُمرُ تقدما إلى الجحفة فبعث وردّهُما ثمّ قال لهما النّبيّ (صَلَّى اللّه عَلَيْهِ وَآلِهِ) تهجماً يا ابن أبي قحافة ويا عُمرُ بايِعا عليّاً بالولاية مِن بعدِي فقالا أمرُ مِن اللّه و مِن رَسُولِهِ فقال وهل يكُونُ مِثلُ هذا عن غير أمر اللّه نعم أمرُ مِن اللّه و مِن رسُولِهِ فقال وبايعا ثمّ انصرفا و سار رسُول اللّه (صَلَّى اللّه عَلَيْهِ وَآلِهِ) باقي يومِهِ وليلتِهِ حتّى إذا دنوا مِن عقبة هرشى تقدّمهُ القومُ فتواروا فِي ثنيّة العقبة وقد حملوا معهم دِباباً و طرحوا فيها الحصا فقال حذيفةُ فدعاني رسُول اللّه (صَلَّى اللّه عَلَيْهِ وَآلِهِ) و دعا عمَّار بن ياسر و أمره أن يسوقها و أنا أقُودُها حتّى إذا صرنا رأس العقبة ثار القومُ مِن ورائنا ودحرجُوا الدباب بين قوائم الناقة فذُعِرت وكادت أن تنفر برسول اللّه (صَلَّى اللّه عَلَيْهِ وَآلِهِ) فصاح بها النّبيّ (صَلَّى اللّه عَلَيْهِ وَآلِهِ) أن اسكني و ليس عليك بأس فأنطقها اللّه تعالى بقول عربي مُبِينٍ فصيح فقالت واللّه يا رسُول اللّه (صَلَّى اللّه عَلَيْهِ وَآلِهِ) لا أزلتُ يداً عن مُستقدِيدٍ ولا رجلًا عن موضع رجل و أنت على ظهري فتقدم القومُ إلى النَّاقة ليدفعُوها فأقبلتُ أنا وعمّارٌ نضرِبُ وُجُوهُهُم بِأسيافنا وكانت ليلةً مُظلِمةً فزالُوا عنّا و أيسُوا مِمّا ظنُّوا و قدّرُوا و دبَّرُوا فقُلتُ يا رسُول اللّه من هؤلاء القومُ الّذين يُرِيدُون ما ترى فقال (صَلَّى اللّه عَلَيْهِ وَآلِهِ) يا حذيفة هؤلاء المنافِقُون فِي الدُّنيا والآخِرَةِ فقُلتُ ألا تبعث إليهم يا رسُول اللّه رهطاً فياتُوا بِرُءُوسِهِم فقال إنّ اللّه أمرني أن أعرض عنهم فأكره أن تقُول النَّاسُ إِنَّهُ دعا أُناساً مِن قومه و أصحابِهِ إِلى دِينِهِ فاستجابوا فقاتل بهم حتّى إذا ظهر على عدوّه أقبل عليهم فقتلهم و لكن دعهم يا حذيفةُ فإنّ اللّه لهم بالمرصاد و سيُمهِلُهُم قليلًا ثمّ يضطرهم إلى عذابٍ عَلِيظٍ فقُلتُ و من هؤلاء القومُ المنافِقُون يا رسُول اللّه (صَلَّى اللّه عَلَيْهِ وَآلِهِ) أمن المهاجرين أم من الأنصار فسمّاهُم لِي رَجُلًا رجُلًا حتّى فرغ منهم وقد كان فيهم أُناسٌ أنا كارِةِ أَن يَكُونُوا فِيهِم فأمسكتُ عند ذلك فقال رسُول اللّه (صَلَّى اللّه عَلَيْهِ وَآلِهِ) يا حذيفةُ كأنك شالكٌ فِي بعض من سميت لك ارفع رأسك إليهم فرفعتُ طرفِي إِلى القومِ وهُم وُقُوفٌ على النّنِيّةِ فبرقت برقة فأضاءت جميع ما حولنا و ثبتت البرقةُ حتّى خلتها شمساً طالِعةً فنظرتُ واللّه إلى القومِ فعرفتهم رجُلًا رَجُلًا فإذا هُم كما قال رسُول اللّه (صَلَّى اللّه عَلَيْهِ وَآلِهِ) وعدد القوم أربعة عشر رجُلا تِسعةٌ مِن قُريش وخمسةٌ مِن سائِرِ النَّاسِ فقال له الفتى سَمِهِم لنا يرحمك اللّه تعالى قال حذيفةُ هُم واللّه أبوبكر و عُمرُو عُثمان وطلحه و عبد الرحمن بن عوف وسعد بن أبي وقاص وأبو عبيدة بن الجراح و مُعاوية بن أبي سفيان و عمرو بن العاص وهؤلاء مِن قُريش وأما الخمسةُ الأُخرُ فأَبُو
ص: 203
مُوسى الأَشعَرِيُّ والمغيرة بن شعبة الثّقيّ وأوس بنُ الحدثانِ البصري وأبو هريرة وأبو طلحة الأنصارِيُّ قال حذيفةُ ثمّ انحدرنا مِن العقبة وقد طلع الفجر فنزل رسُول اللّه (صَلَّى اللّه عَلَيْهِ وَآلِهِ) فتوضأ و انتظر أصحابه حتّى انحدرُوا مِن العقبة و اجتمعُوا فرأيتُ القوم بأجمعهم وقد دخلوا مع الناس وصلوا خلف رسُول اللّه (صَلَّى اللّه عَلَيْهِ وَآلِهِ) فلما انصرف من صلاته التفت فنظر إلى أبي بكر و عمر و أبي عبيدة يتناجون فأمر مُنادِياً فنادى فِي النَّاسِ لا تجتمع ثلاثة نفر من النّاسِ يتناجون فيما بينهم بِسِرو ارتحل رسُول اللّه (صَلَّى اللّه عَلَيْهِ وَآلِهِ) بالنَّاسِ مِن منزِلِ العقبة فلما نزل المنزل الآخر رأى سالم مولى حذيفة أبابكرو عُمر و أبا عُبيدة يُسار بعضُهم بعضاً فوقف عليهم وقال أليس قد أمر رسُول اللّه (صَلَّى اللّه عَلَيْهِ وَآلِهِ) أن لا تجتمع ثلاثة نفر من النّاسِ على سِرّواحِدٍ واللّه لتُخبِرُونِي فِيمَا أَنتُم وَ إِلَّا أَتيتُ رسُول اللّه (صَلَّى اللّه عَلَيْهِ وَآلِهِ) حتّى أخبره بذلك مِنكُم فقال أبوبكريا سالم عليك عهد اللّه وميثاقُهُ لَئِن خبرناك بِالّذي نحن فِيهِ وبما اجتمعنا له إن أحببت أن تدخُل معنا فِيهِ دخلت وكُنت رَجُلًا مِنًا وإِن كرهت ذلك كتمته علينا فقال سالِمٌ لَكُم ذلِك وأعطاهُم بِذلِك عهده و ميثاقه وكان سالم شديد البغض والعداوة لعلي بن أبِي طالِب (عَلَيهِ السَّلَامُ) و قد عرفوا ذلِكَ مِنهُ فقَالُوا لَهُ إِنَّا قد اجتمعنا على أن نتحالف ونتعاقد على أن لا نُطِيع محمّداً فيما فرض علينا من ولاية عليّ بن أبِي طالِب بعده فقال لهم سالِمٌ عليكم عهد اللّه وميثاقُهُ إِنَّ فِي هذا الأمرِ كُنتُم تَخُوضُون و تتناجون قالُوا أجل علينا عهدُ اللّه ومِيثاقُهُ إِنَّا إِنّما كُنَّا فِي هذا الأمر بعينه لا فِي شيء سواه قال سالم وأنا واللّه أوّلُ من يُعاقِدُكُم على هذا الأمر ولا يُخالِفُكُم عليهِ إِنَّهُ وَاللّه ما طلعتِ الشمس على أهل بيتٍ أبغض إِليَّ مِن بَنِي هاشم ولا فِي بَنِي هاشم أبغض إلي ولا أمقت من عليّ بن أبِي طالِب فاصنعُوا فِي هذا الأمر ما بدا لكُم فإنّي واحِدٌ مِنكُم فتعاقدُوا مِن وقتِهم على هذا الأمرِ ثمّ تفرّقُوا فَلَمّا أراد رسُول اللّه (صَلَّى اللّه عَلَيْهِ وَآلِهِ) المسير أتوه فقال لهم فيما كُنتُم تتناجون فِي يومكم هذا وقد نهيتُكُم عنِ النّجوى فقالوا يا رسُول اللّه ما التقينا غير وقتنا هذا فنظر إليهم النّبيّ (صَلَّى اللّه عَلَيْهِ وَآلِهِ) ملياً قال لهم أنتُم أعلمُ أمِ اللّه (وَمَنْ أَظْلَمُ مِمَّنْ كَتَمَ شَهَادَةً عِنْدَهُ مِنَ اللَّهِ وَمَا اللَّهُ بِغَافِلٍ عَمَّا تَعْمَلُونَ﴾ (1) ثمّ سار حتّى دخل المدينة واجتمع القومُ جميعاً وكتبوا صحيفةً بينهم على ذكر ما تعاهدوا عليه فِي هذا الأمر و كان أوّلُ ما فِي
ص: 204
الصحيفة النكث لولاية عليّ بن أبِي طالِب (عَلَيهِ السَّلَامُ) و أنّ الأمر إلى أبي بكر و عمر و أبي عبيدة وسالِمٌ معهم ليس بخارج منهم و شهد بِذلِك أربعة وثلاثون رجُلًا هؤلاء أصحابُ العقبة وعِشرُون رَجُلًا آخر و استودعُوا الصحيفة أبا عُبيدة بن الجراح و جعلُوهُ أمينهم عليها قال فقال الفتى يا أبا عبدِ اللّه يرحمك اللّه هبنا نقُولُ إِنَّ هؤلاء القوم رضُوا بِأبي بكر و عُمرو أبي عُبيدة لأنهم من مشيخة قُريش فما بِالهُم رَضُوا بِسالِمِ و هُو ليس مِن قُريش ولا مِن المهاجرين ولا من الأنصارِ وإِنَّما هُو عبدٌ لامرأةٍ مِن الأنصارِ قال حذيفه يا فتى إن القوم أجمع تعاقدوا على إزالة هذا الأمر عن عليّ بن أبِي طالِب (عَلَيهِ السَّلَامُ) حسداً منهم له و كراهة لأمره واجتمع لهم مع ذلك ما كان فِي قُلُوبِ قُريشٍ مِن سفكِ الدِّماءِ وكان خاصة رسُول اللّه (صَلَّى اللّه عَلَيْهِ وَآلِهِ) وكانوا يطلبون الثأر الّذي أوقعهُ رسُول اللّه بِهِم مِن علَي مِن بَنِي هاشم فإنما كان العقد على إزالة الأمر عن عليّ (عَلَيهِ السَّلَامُ) من هؤلاء الأربعة عشر و كانوا يرون أنّ سالِماً رجُلٌ مِنهُم فقال الفتى فخبّرني يرحمك اللّه عمّا كتب جمِيعُهُم فِي الصَّحِيفَةِ لأعرفه فقال حذيفة حدّثتني بِذلِك أسماء بنت عُميس الختعمية امرأة أبي بكر أن القوم اجتمعوا فِي منزل أبي بكر فتآمرُوا فِي ذلك وأسماء تسمعُهُم وتسمعُ جميع ما يُدبِّرُونه فِي ذلك حتّى اجتمع رأيهم على ذلك فأمروا سعيد بن العاص الأُموي فكتب هُو الصحيفة بِاتِّفاق منهم وكانت نُسخة الصحيفة بسم اللّه الرحمن الرحيم هذا ما اتفق عليه الملامن أصحابِ محمّد رسُول اللّه (صَلَّى اللّه عَلَيْهِ وَآلِهِ) من المهاجرين والأنصارِ الّذين مدحهُمُ اللّه فِي كِتابِهِ على لسان نبيّه (صَلَّى اللّه عَلَيْهِ وَآلِهِ) اتفقوا جميعاً بعد أن أجهدوا فِي رأيهم وتشاوروا فِي أمرهم وكتبوا هذه الصحيفة نظراً منهم إلى الإِسلام وأهلِهِ على غابِرِ الأيّام وباقي الدُّهُورِ لِيقتدِي بِهم من يأتي من المسلمين من بعدِهِم أما بعد فإنّ اللّه بِمنّه وكرمِهِ بعث محمّداً (صَلَّى اللّه عَلَيْهِ وَآلِهِ) رسُولًا إلى النَّاسِ كَافَّةً بِدِينِهِ الّذي ارتضاه لِعِبادِهِ فأدّى مِن ذلك وبلّغ ما أمره اللّه بِهِ وأوجب علينا القيام بجميعِه حتّى إذا أكمل الدين و فرض الفرائض و أحكم السنن اختار اللّه له ما عنده فقبضه إِليه مكرماً محبُوراً مِن غير أن يستخلف أحداً من بعدِهِ و جعل الاختيار إلى المسلمين يختارون لأنفُسِهِم من وثقوا برأيه و نُصحِهِ لهُم وإِنَّ لِلمُسلِمِين فِي رسُول اللّه أُسوةً حسنةً قال اللّه تعالى ﴿لَقَدْ كَانَ لَكُمْ فِي رَسُولِ اللَّهِ أُسْوَةٌ حَسَنَةٌ لِمَنْ كَانَ يَرْجُو اللَّهَ
ص: 205
وَالْيَوْمَ الْآخِرَ) (1) و إنّ رسُول اللّه (صَلَّى اللّه عَلَيْهِ وَآلِهِ) لم يستخلف أحداً لئلّا يجري ذلِك فِي أهل بيتٍ واحدٍ فيكون إرثاً دون سائر المسلمين ولئلا يكون دولة بين الأغنياءِ مِنهُم ولِئلا يقُول المستخلفُ إنّ هذا الأمرباقٍ فِي عقِبِهِ مِن والد إلى ولد إلى يوم القيامةِ والّذي يجب على المسلمين عند مُضِيّ - خليفة من الخلفاء أن يجتمع ذوو الرأي والصّلاحِ فيتشاورُوا فِي أُمُورِهِم فمن رأوهُ مُستحِقاً لها ولوهُ أُمُورهُم و جعلُوهُ القيم عليهم فإِنَّهُ لا يخفى على أهلِ كلّ زمانٍ من يصلُحُ مِنهُم لِلخلافة فإنِ ادّعى مُدّعٍ مِن النَّاسِ جَميعاً أن رسُول اللّه (صَلَّى اللّه عَلَيْهِ وَآلِهِ) استخلف رجُلًا بعينِهِ نصبهُ لِلنّاسِ ونصّ عليهِ بِاسمِهِ و نسبه فقد أبطل فِي قوله و أتى بِخِلافِ ما يعرِفُهُ أصحابُ رسُول اللّه (صَلَّى اللّه عَلَيْهِ وَآلِهِ) و خالف على جماعة المسلمين وإنِ ادّعى مُدّعٍ أن خلافة رسُول اللّه (صَلَّى اللّه عَلَيْهِ وَآلِهِ) إرث و أن رسُول اللّه (صَلَّى اللّه عَلَيْهِ وَآلِهِ) يُورث فقد أحال فِي قولِهِ لِأَنَّ رسُول اللّه قال نحن معاشر الأنبياء لا نُورث ما تركناه صدقةٌ وإِنِ ادّعى مُدّع أن الخلافة لا تصلُحُ إِلَّا لِرجُلٍ وَاحِدٍ مِن بينِ النّاسِ و أنها مقصورةٌ فِيهِ ولا تنبغِي لِغيرِهِ لِأَنها تتلو النُّبُوَّة فقد كذب لأن النّبيّ (صَلَّى اللّه عَلَيْهِ وَآلِهِ) قال أصحابي كالنُّجُومِ بِأَتِهم اقتديتم اهتديتُم و إِنِ ادّعى مُدّعٍ أَنْهُ مُستحِق لِلخلافة والإمامةِ بِقُربِهِ مِن رسُول اللّه (صَلَّى اللّه عَلَيْهِ وَآلِهِ) ثمّ هي مقصورةً عليه و على عقِبِهِ يرتها الولد منهم عن والِدِهِ ثمّ هِي كذلِك فِي كلّ عصر و زمانٍ لا تصلُحُ لغيرهم ولا ينبغي أن يكُون لِأَحَدٍ سِواهُم إلى أن يرث اللّه الأرض ومن عليها فليس له ولا لِوُلدِهِ و إِن دنا مِن النّبيّ نسبُهُ لِأنّ اللّه يَقُولُ وقولُهُ القاضي على كلّ أحدٍ (إِنَّ أَكْرَمَكُمْ عِنْدَ اللَّهِ أَتْقَاكُمْ) (2) وقال رسُول اللّه (صَلَّى اللّه عَلَيْهِ وَآلِهِ) إنّ ذمة المسلمين واحدةٌ يسعى بها أدناهُم وكُلُّهُم يد على من سِواهُم فمن آمن بِكِتابِ اللّه وأقربِسُنّةِ رسُول اللّه (صَلَّى اللّه عَلَيْهِ وَآلِهِ) فقد استقام وأناب و أخذ بالصواب و من كره ذلك من فعالهم فقد خالف الحقّ والكتاب و فارق جماعة المسلمين فاقتُلُوهُ فإِنّ فِي قتلِهِ صلاحاً للأُمة وقد قال رسُول اللّه (صَلَّى اللّه عَلَيْهِ وَآلِهِ) من جاء إلى أُمّتي وهُم جَمِيعٌ ففرّقهم فاقتُلُوهُ و اقتلُوا الفرد كائناً من كان من النَّاسِ فإنّ الاجتماع رحمةُ والفُرقة عذابٌ ولا تجتمعُ أُمّتي على الصّلالِ أبداً و إِنّ المسلِمِين يدٌ واحِدةٌ على من سواهم وإنّهُ لا يخرُجُ مِن جماعة المسلِمِين إِلَّا مُفارِقُ ومُعانِدٌ
ص: 206
لهُم ومُظاهِرُ عليهم أعداء هم فقد أباح اللّه ورسوله دمه وأحلّ قتله وكتب سعِيدُ بنُ العاصِ بِاتِّفاقِ ممّن أثبت اسمه و شهادتهُ آخِر هذه الصحيفة فِي المحرم سنة عشرة من الهجرة والحمد للّه ربّ العالمين وصلى اللّه على سيّدِنا محمّد وآلِهِ وسلَّم ثمّ دُفِعَتِ الصَّحِيفَةُ إِلى أبي عبيدة بن الجراح فوجه بها إلى مكّة فلم تزل الصحيفة فِي الكعبة مدفونة إلى أوانٍ عُمر بنِ الخطاب فاستخرجها من موضعها وهي الصَّحِيفَةُ الّتي تمنّى أمِيرُ المُؤمِنِين (عَلَيهِ السَّلَامُ) لَا تُوُفِّي عُمرُ فوقف بِهِ وهُو مُسجِّى بِثوبِهِ قال ما أحبّ إلي أن ألقى اللّه بصحيفة هذا المسجى ثمّ انصرفُوا و صلّى رسُول اللّه (صَلَّى اللّه عَلَيْهِ وَآلِهِ) بالناس صلاة الفجرِ ثمّ جلس فِي مجلسه يذكر اللّه تعالى حتّى طلعتِ الشمس فالتفت إلى أبي عبيدة بن الجراح فقال له بخ بخ من مثلك وقد أصبحت أمين هذِهِ الأُمّة ثمّ تلا (فَوَيْلٌ لِلَّذِينَ يَكْتُبُونَ الْكِتَابَ بِأَيْدِيهِمْ ثُمَّ يَقُولُونَ هَذَا مِنْ عِنْدِ اللَّهِ لِيَشْتَرُوا بِهِ ثَمَنًا قَلِيلًا فَوَيْلٌ لَهُمْ مِمَّا كَتَبَتْ أَيْدِيهِمْ وَوَيْلٌ لَهُمْ مِمَّا يَكْسِبُونَ) (1) لقد أشبه هؤُلاءِ رِجالٌ فِي هَذِهِ الأُمّة يستخفُون مِن النّاسِ ولا يستخفُون مِن اللّه (وَهُوَ مَعَهُمْ إِذْ يُبَيِّتُونَ مَا لَا يَرْضَى مِنَ الْقَوْلِ وَكَانَ اللَّهُ بِمَا يَعْمَلُونَ مُحِيطًا) (2) ثمّ قال لقد أصبح فِي هذه الأمة فِي يومي هذا قوم ضاهُوهُم فِي صحيفتِهِمُ الّتي كتبوها علينا فِي الجاهِلِيّةِ وعلّقوها فِي الكعبة وإِنَّ اللّه تعالى يُمتِّعُهُم لِيبتليهم و يبتلي من يأتي بعدهم تفرقةً بين الخبيث والطيِّبِ ولولا أنَّه سبحانه أمرني بالإعراض عنهم لِلأمرِ الّذي هُو بالِغُهُ لقدّمتُهُم فضربتُ أعناقهم قال حذيفة فواللّه لقد رأينا هؤلاء النفر عِند قولِ رسُول اللّه (صَلَّى اللّه عَلَيْهِ وَآلِهِ) هذه المقالة وقد أخذتهُمُ الرّعدة فما يملك أحدٌ مِنهُم مِن نفسِهِ شيئاً ولم يخف على أحد ممّن حضر مجلس رسُول اللّه (صَلَّى اللّه عَلَيْهِ وَآلِهِ) ذلك اليوم أن رسُول اللّه (صَلَّى اللّه عَلَيْهِ وَآلِهِ) إياهم عنى بِقولِهِ ولهم ضرب تلك الأمثال بِما تلا مِن القُرآنِ قال ولَما قدم رسُول اللّه (صَلَّى اللّه عَلَيْهِ وَآلِهِ) من سفره ذلك نزل منزل أم سلمة زوجتِهِ فأقام بها شهراً لا ينزِلُ منزلًا سِواهُ مِن منازِلِ أَزْواجِهِ كما كان يفعل قبل ذلك قال فشكت عائشة وحفصة ذلِك إلى أبويهما فقالا لهما إِنَّا لنعلمُ لِم صنع ذلك ولأيّ شيءٍ هُو امضيا إليه فلاطفاه فِي الكلام و خادِعاه عن نفسِهِ فَإِنَّكُما تَجِدانِهِ حيياً كريماً فلعلكُما تسلّانِ ما فِي قلبه وتستخرِجانِ
ص: 207
سخيمته قال فمضت عائشة وحدها إليهِ فأصابته فِي منزِلِ أمّ سلمة و عِنده عليّ بن أبِي طالِب (عَلَيهِ السَّلَامُ) فقال لها النّبيّ ما جاء بِكِ يا حميراء قالت يا رسُول اللّه أنكرتُ تخلفك عن منزلك هذه المرة و أنا أعُوذُ بِاللّه مِن سخطك يا رسُول اللّه فقال لو كان الأمر كما تقولين لما أظهرتِ سِرّاً أوصيتُكِ بِكتمانه لقد هلكت وأهلكتِ أُمَّةً مِن النّاسِ قال ثمّ أمر خادِمةٌ لِأُمّ سلمة فقال اجمعِي هؤلاء يعنِي نِساءه فجمعتهُنَّ فِي منزِلِ أُمّ سلمة فقال لهنّ اسمعن ما أقُولُ لكُن و أشار بيدِهِ إلى عليّ بن أبِي طالِب (عَلَيهِ السَّلَامُ) فقال لهنّ هذا أخي ووصيّي ووارثي والقائمُ فِيكُن وفي الأُمّة مِن بعدي فَأَطِعنهُ فِيمَا يَأْمُرُكُن بِهِ ولا تعصينه فتهلكن بمعصِيتِهِ ثمّ قال يا عليُّ أُوصِيكَ بِهِنّ فأمسكهُنَّ ما أطعن اللّه وأطعنك وأنفق عليهِنَّ مِن مالِك و مُرهُنَّ بِأمرك وانههُنَّ عمّا يريبُك وخل سبيلهن إن عصينك فقال عليّ (عَلَيهِ السَّلَامُ) يا رسُول اللّه إِنَّهُنَّ نِساء و فِيهِنّ الوهن وضعفُ الرّأي فقال ارفق بهنّ ما كان الرفق أمثل بهن فمن عصاك مِنهُنَّ فطلقها طلاقاً يبرأ اللّه ورسولُهُ مِنها قال وكُلُّ نِساءِ النّبيّ قد صمتن فلم يقُلن شيئاً فتكلّمت عائشة فقالت يا رسُول اللّه ما كُنا لِتأمرنا بِشيءٍ فنُخالِفهُ بِما سواه فقال لها بلى يا حميراء قد خالفت أمري أشدّ خِلافٍ وايمُ اللّه لتُخالِفِنّ قولي هذا و لتعصنّه بعدي و لتخرُجِنّ مِن البيتِ الّذي أُخلِفُكِ فِيهِ مُتبرِّجةً قد حفٌ بِكِ فِئامٌ مِن النَّاسِ فَتُخالِفِينَهُ ظالمةٌ لهُ عاصِيةً لِرَبِّكِ و لتنبحتكِ فِي طريقكِ كِلابُ الحوأب ألا إنّ ذلِكِ كَائِنْ ثمّ قال قُمن فانصرفن إلى منازِلِكُن قال فقُمن فانصرفن قال ثمّ إنّ رسُول اللّه (صَلَّى اللّه عَلَيْهِ وَآلِهِ) جمع أُولئك النفرو من مالأهم على عليّ (عَلَيهِ السَّلَامُ) وطابقهم على عداوتِهِ ومن كان من الطلقاء والمنافقين و كانُوا زُهاء أربعةِ آلَافٍ رجل فجعلهم تحت يدي أسامة بن زيدٍ مولاه وأمره عليهم وأمره بِالخُرُوجِ إِلى ناحِيةٍ مِن الشّامِ فقالوا يا رسُول اللّه إِنَّا قدمنا مِن سفرِنا الّذي كُنَّا فِيهِ معك ونحن نسألك أن تأذن لنا فِي المقام لِنُصلِح مِن شأننا ما يُصلِحُنا فِي سفرنا قال فأمرهم أن يكُونُوا فِي المَدِينَةِ رَيثَما يحتاجُون إِليهِ و أمر أُسامة بن زيدٍ فعسكريهم على أميال من المدينة فأقام بمكانِهِ الّذي حدّ لَهُ رسُول اللّه (صَلَّى اللّه عَلَيْهِ وَآلِهِ) منتظراً للقوم أن يُوافُوهُ إذا فرغوا مِن أُمُورِهِم و قضاء حوائجهم وإِنَّما أَراد رسُول اللّه (صَلَّى اللّه عَلَيْهِ وَآلِهِ) بما صنع من ذلك أن تخلو المدينةُ مِنهُم ولا يبقى بها أحدٌ مِن المنافقين قال فهم على ذلك من شأنهم ورسولُ اللّه (صَلَّى اللّه عَلَيْهِ وَآلِهِ) راتب يحتُهم و يأمُرُهُم بِالخُرُوحِ والتَّعجِيلِ إِلى الوجهِ الّذي ندبهم إليه إذ مرض رسُول اللّه (صَلَّى اللّه عَلَيْهِ وَآلِهِ) مرضه الّذي تُوُفِّي فِيهِ فَلَمّا رأوا ذلِك تباطئُوا
ص: 208
عمّا أمرهم رسُول اللّه (صَلَّى اللّه عَلَيْهِ وَآلِهِ) من الخروج فأمر قيس بن عُبادة وكان سباق [سياف] رسُول اللّه (صَلَّى اللّه عَلَيْهِ وَآلِهِ) و الحباب بن المنذر فِي جماعةٍ من الأنصارِ يرحلوا بهم إلى عسكرهم فأخرجهم قيس بن سعد والحباب بن المنذِرِ حتّى ألحقاهُم بِعسكرِهِم و قالا لِأُسامة إِنّ رسُول اللّه لم يُرخّص لك فِي التخلُّفِ فسر من وقتك هذا ليعلم رسُول اللّه (صَلَّى اللّه عَلَيْهِ وَآلِهِ) ذلك فارتحل بهم أسامه و انصرف قيس و الحباب إلى رسُول اللّه (صَلَّى اللّه عَلَيْهِ وَآلِهِ) فأعلماه برحلة القومِ فقال لهما إِنَّ القوم غيرُ سائرين قال فخلا أبوبكر و عُمرُ و أبو عُبيدة بِأُسامة وجماعةٍ مِن أصحابِهِ فقالُوا إِلى أين ننطلق و تُخلّي المدينة ونحنُ أحوج ما كُنا إليها و إلى المقام بها فقال لهم و ما ذلك قالُوا إِنّ رسُول اللّه قد نزل به الموتُ و واللّه لئِن خلّينا المدينة لتحدُثنّ بِها أَمُورٌ لا يُمكِنُ إِصلاحُها ننظُرُ ما يَكُونُ مِن أمرِ رسُول اللّه (صَلَّى اللّه عَلَيْهِ وَآلِهِ) ثمّ المسير بين أيدينا قال فرجع القومُ إلى المعسكر الأولِ وأَقَامُوا بِهِ و بعثوا رسُولًا يتعرفُ لهم أمر رسُول اللّه (صَلَّى اللّه عَلَيْهِ وَآلِهِ) فأتى الرّسُولُ إلى عائشة فسألها عن ذلِك سِرّاً فقالت امض إلى أبي وعُمرو من معهما وقُل لهما إنّ رسُول اللّه (صَلَّى اللّه عَلَيْهِ وَآلِهِ) قد ثقُل فلا يبرحنّ أحدٌ مِنكُم وأنا أُعلِمُكُم بالخبر وقتاً بعد وقت واشتدّت عِلَّهُ رسُول اللّه (صَلَّى اللّه عَلَيْهِ وَآلِهِ) فدعت عائشةُ صهيباً فقالت امض إلى أبي بكر و أعلمه أن محمّداً فِي حال لا يُرجى فهلم إلينا أنت و عُمرُو أبو عُبيدة و من رأيتُم أن يدخُل معكم وليكُن دُخُولُكُم فِي اللّيل سِرّاً قال فأتاهُمُ الخبرُ فأخذُوا بِیدِ صُهيب فأدخلُوهُ إلى أُسامة فأخبروه الخبر و قالوا له كيف ينبغي لنا أن نتخلف عن مُشاهدة رسُول اللّه (صَلَّى اللّه عَلَيْهِ وَآلِهِ) و استأذنُوهُ فِي الدُّخُولِ فأذن لهم وأمرهم أن لا يعلم بِدُخُوهِم أحدٌ و إن عُوفي رسُول اللّه رجعتُم إلى عسكركُم و إن حدث حادث الموتِ عَرِفُونا ذلك لنكون فِي جماعةِ النّاسِ فدخل أبوبكر و عُمرُ و أَبُو عُبيدة ليلًا المدينة و رسُول اللّه (صَلَّى اللّه عَلَيْهِ وَآلِهِ) قد ثقُل فأفاق بعض الإفاقة فقال لقد طرق ليلتنا هذه المدينة شرِّ عظيم فقيل له وما هُو يا رسُول اللّه فقال إِنّ الّذين كانوا فِي جيش أُسامة قد رجع مِنهُم نفريُخالِفُون عن أمرِي ألا إِنِّي إِلى اللّه مِنهُم بِرِيءٌ ويحكم نفّذُوا جيش أسامة فلم يزل يقُولُ ذلِك حتّى قالها مرّاتٍ كَثِيرةً قال وكان بِلالٌ مُؤذِّنُ رسُول اللّه (صَلَّى اللّه عَلَيْهِ وَآلِهِ) يُؤذِّنُ بِالصّلاة فِي كلّ وقتِ صلاةٍ فإن قدر على الخروج تحامل و خرج و صلّى بِالنَّاسِ و إِن هُولم يقدر على الخروج أمر عليّ بن أبِي طالِب (عَلَيهِ السَّلَامُ) فصلّى بالناس وكان عليّ بن أبِي طالِب (عَلَيهِ السَّلَامُ) و الفضل بن العبّاسِ لا يُزايلانِهِ فِي مرضِهِ ذلِك فَلَمّا أصبح رسُول اللّه (صَلَّى اللّه عَلَيْهِ وَآلِهِ) من ليلته تلك الّتي قدم فيها القومُ الّذين
ص: 209
كانُوا تحت يدي أُسامة أذن بِلالٌ ثمّ أتاهُ يُخبِرُهُ كعادتِهِ فوجده قد ثقُل فنِع مِن الدُّخُولِ إِليهِ فأمرت عائشةُ صُهيباً أن يمضي إلى أبيها فيُعلمه أن رسُول اللّه (صَلَّى اللّه عَلَيْهِ وَآلِهِ) قد ثقُل فِي مرضِهِ وليس يُطِيقُ النُّهوض إلى المسجِدِ و علي بن أبِي طالِب (عَلَيهِ السَّلَامُ) قد شغل بِهِ و بِمشاهدته عنِ الصّلاة بِالنَّاسِ فاخرج أنت إلى المسجِدِ فصل بِالنّاسِ فإنّها حالةٌ تهنئك و حُجّةٌ لك بعد اليوم قال فلم يشعُرِ النَّاسُ وهُم فِي المَسجِدِ ينتظرون رسُول اللّه (صَلَّى اللّه عَلَيْهِ وَآلِهِ) أو عليّاً (عَلَيهِ السَّلَامُ) يُصلّي بهم كعادتِهِ الّتي عرفُوها فِي مرضِهِ إِذ دخل أبوبكر المسجد وقال إنّ رسُول اللّه (صَلَّى اللّه عَلَيْهِ وَآلِهِ) قد ثقل وقد أمرني أن أصلّي بِالنَّاسِ فقال لهُ رجُلٌ من أصحاب رسُول اللّه (صَلَّى اللّه عَلَيْهِ وَآلِهِ) و أنّى لك ذلِك وأنت فِي جيش أُسامة ولا واللّه لا أعلمُ أحداً بعث إليك ولا أمرك بِالصّلاة ثمّ نادى النّاس بِلال فقال على رِسلِكُم رحمكُمُ اللّه لِأَسْتأْذِن رسُول اللّه (صَلَّى اللّه عَلَيْهِ وَآلِهِ) فِي ذلك ثمّ أسرع حتّى أتى الباب فدقّه دقّاً شديداً فسمِعهُ رسُول اللّه (صَلَّى اللّه عَلَيْهِ وَآلِهِ) فقال ما هذا الدّقُ العنيف فانظُرُوا ما هُو قال فخرج الفضل بن العباس ففتح الباب فإذا بِلال فقال ما وراءك يا بِلالُ فقال إنّ أبا بكر قد دخل المسجد وقد تقدّم حتّى وقف فِي مقامِ رسُول اللّه (صَلَّى اللّه عَلَيْهِ وَآلِهِ) و زعم أنّ رسُول اللّه (صَلَّى اللّه عَلَيْهِ وَآلِهِ) أمره بِذلِك قال أو ليس أبوبكر مع جيش أسامة هذا هُو و اللّه الشَّرُّ العظيمُ الّذي طرق البارحة المدينة لقد أخبرنا رسُول اللّه (صَلَّى اللّه عَلَيْهِ وَآلِهِ) بذلك ودخل الفضل وأدخل بلالا معه فقال ما وراءك يا بلال فأخبر رسُول اللّه الخبر فقال أقِيمُونِي أَقِيمُونِي أخرِجُوا بِي إِلى المسجِدِ والّذي نفسِي بِيدِهِ قد نزلت بِالإِسلامِ نازِلَةٌ وفِتنةٌ عظِيمةٌ مِن الفِتَنِ ثمّ خرج معصوب الرأس يتهادى بين علي و الفضل بن العباس ورجلاه تُجرَّانِ فِي الأرضِ حتّى دخل المسجد وأبوبكر قائم فِي مقامِ رسُول اللّه (صَلَّى اللّه عَلَيْهِ وَآلِهِ) و قد أطاف بِهِ عُمَرُ و أَبُو عُبيدة وسالِمٌ و صهيب والنفرُ الّذين دخلوا وأكثرُ النّاسِ قد وقفوا عنِ الصّلاة ينتظِرُون ما يأتِي بِلالٌ فَلَمّا رأى النّاسُ رسُول اللّه (صَلَّى اللّه عَلَيْهِ وَآلِهِ) قد دخل المسجد وهُو بتلك الحالة العظيمة من المرض أعظمُوا ذلك وتقدّم رسُول اللّه (صَلَّى اللّه عَلَيْهِ وَآلِهِ) فجذب أبا بكر من ورائه فنحاه عن المحراب و أقبل أبوبكرو النفر الّذين كانوا معه فتواروا خلف رسُول اللّه (صَلَّى اللّه عَلَيْهِ وَآلِهِ) وأقبل النّاسُ فصلّوا خلف رسُول اللّه (صَلَّى اللّه عَلَيْهِ وَآلِهِ) و هُو جالس و بِلالٌ يُسْمِعُ النّاس التكبير حتّى قضى صلاته ثمّ التفت فلم يرأبا بكر فقال أيّها النَّاسُ ألا تعجبون مِنِ ابنِ أبِي قُحافة وأصحابِهِ الّذين أنفذتهم وجعلتهم تحت يدي أُسامة وأمرتهم بالمسير إلى الوجهِ الّذي وُجّهوا إليه فخالفوا ذلك و رجعوا إلى
ص: 210
المدينة ابتغاء الفِتنة ألا وإنّ اللّه قد أركسهُم فِيها اعرُجُوا بي إلى المنبر فقام وهُو مربوط حتّى قعد على أدنى مرقاة فحمد اللّه وأثنى عليهِ ثمّ قال أيّها النَّاسُ إِنِّي قد جاءني مِن أمرِرتي ما النَّاسُ إِليه صائِرُون و إِنِّي قد تركتُكُم على الحجّةِ الواضحة ليلها كنهارها فلا تختلِفُوا مِن بعدِي كما اختلف من كان قبلكم من بَنِي إسرائيل أيّها النَّاسُ إِنَّهُ لا أُحِلُّ لَكُم إلّا ما أحلهُ القُرآن ولا أُحرم عليكم إلّا ما حرمه القرآن وإنِّي مُخلِفٌ فِيكُمُ الثّقلين ما إن تمسكتم بهما لن تضلوا و لن تزلُّوا كِتاب اللّه و عترتي أهل بيتي هما الخليفتانِ فِيكُم وإنّهما لن يفترقا حتّى يردا على الحوض فأُسائِلُكُم بِماذا خلفتُمُونِي فِيهما و ليُذادنّ يومئِذٍ رِجالٌ عن حوضي كما تُذادُ الغريبةُ مِن الإِبل فتقُولُ رِجالٌ أنا فلان وأنا فلانٌ فأقُولُ أما الأسماء فقد عرفتُ ولكنّكُمُ ارتددتُم مِن بعدِي فسُحقاً لكُم سُحقاً ثمّ نزل عن المنبر و عاد إلى حُجرته ولم يظهر أبوبكر و لا أصحابُهُ حتّى قُبِض رسُول اللّه (صَلَّى اللّه عَلَيْهِ وَآلِهِ) و كان من الأنصار وسعدٍ مِن السّقِيفةِ ما كان فمنعُوا أهل بيتِ نبيّهِم حُقُوقهُمُ الّتي جعلها اللّه عزّو جلّ لهُم وأَمَّا كِتابُ اللّه فَرِّقُوهُ كلّ مُمزّق وفيما أخبرتُك يا أخا الأنصارِ مِن خطبٍ مُعتبر لمن أحبّ اللّه هِدايته فقال الفتى سمّ لِي القوم الآخرين الّذين حضروا الصحيفة وشهدوا فيها فقال حذيفة أبوسفيان وعكرمة بن أبي جهل وصفوان بن أُمية بن خلف وسعيد بن العاص و خالد بن الوليد و عياش بن أبي ربيعة وبشير بن سعدٍ و سهيل بن عمرو و حكِيمُ بنُ حِزام و صهيبُ بنُ سِنانٍ وأبو الأعور السُّلَمِيُّ ومُطِيعُ بن الأسود المدرِيُّ و جماعةٌ مِن هؤلاء ممّن سقط عنِّي إِحصاء عددِهِم فقال الفتى يا أبا عبدِ اللّه ما هؤلاء فِي أصحابِ رسُول اللّه (صَلَّى اللّه عَلَيْهِ وَآلِهِ) حتّى قد انقلب الناس أجمعُون بِسببهم فقال حذيفةُ إِنَّ هَؤُلاءِ رُءُوسُ القبائل وأشرافها و ما مِن رَجُلٍ مِن هؤلاء إِلَّا و معهُ مِن النَّاسِ خلق عظيم يسمعُون لَهُ ويُطِيعُون و أُشْرِبُوا فِي قُلُوبِهِم مِن حُبِّ أبي بكر كما أُشرِب قُلُوبُ بَنِي إسرائيل من حُبّ العجل و السامِي حتّى تركوا هارون و استضعفُوهُ قال الفتى فإنّي أُقسِمُ بِاللّه حقّاً حقاً أنّي لا أزالُ هُم مُبْغِضَاً و إِلى اللّه مِنهُم ومِن أفعالِهِم مُتبرئاً ولا زِلتُ لأمير المؤمِنين (عَلَيهِ السَّلَامُ) متوالياً ولأعادِيهِ مُعادِياً ولألحقنَّ بِهِ وإِنِّي لَأُوْمِّلُ أن أُرزق الشهادة معه وشيكاً إن شاء اللّه تعالى ثمّ ودّع حذيفة و قال هذا وجهي إلى أمير المؤمنين (عَلَيهِ السَّلَامُ) فخرج إلى المدينة واستقبله وقد شخص مِن المدينةِ يُرِيدُ العِراق فسار معه إلى البصرة فلَمّا التقى أمير المؤمِنين (عَلَيهِ السَّلَامُ) مع أصحابِ الجمل كان ذلك الفتى أوّل من قُتِل من أصحابِ أَمِيرِ المؤمِنِين وذلِك أنّهُ لَا صافّ القومُ واجتمعوا على
ص: 211
الحرب أحبّ أمير المؤمنين (عَلَيهِ السَّلَامُ) أن يستظهر عليهم بِدُعَائِهِم إلى القُرآنِ وحُكمِهِ فدعا مصحف وقال من يأخُذُ هذا المصحف يعرِضُهُ عليهم ويدعُوهُم إِلى ما فِيهِ فيُحي ما أحياهُ ويُميت ما أماته قال وقد شرعتِ الرّماحُ بين العسكرين حتّى لو أراد امروٌ أن يمشي عليها لمشى قال فقام الفتى فقال يا أمير المؤمِنِين أنا أخُذُهُ وأعرِضُهُ عليهم وأدعُوهُم إلى ما فِيهِ قال فأعرض عنه أمير المؤمِنين (عَلَيهِ السَّلَامُ) ثمّ نادى الثانية من يأخُذُ هذا المصحف فيعرِضه عليهم ويدعُوهُم إِلى مَا فِيهِ فلم يقُم إِليهِ أحدٌ فقام الفتى وقال يا أمير المؤمِنين أنا أخُذُهُ وأعرِضُهُ عليهِم وأدعُوهُم إِلى ما فِيهِ قال فأعرض عنه أمير المؤمنين (عَلَيهِ السَّلَامُ) ثمّ نادى الثالثة فلم يقم إليهِ أحدٌ مِن النَّاسِ إِلَّا الفتى وقال أَنا أَخُذُهُ وأعرِضُهُ عليهم وأدعُوهُم إِلى ما فِيهِ فقال أمير المؤمِنِين (عَلَيهِ السَّلَامُ) إنك إن فعلت ذلك فإنك لمقتول فقال واللّه يا أمير المؤمِنِين (عَلَيهِ السَّلَامُ) ما شيء أحب إلي من أن أرزق الشهادة بين يديك و أن أقتل فِي طاعتك فأعطاه أمير المؤمنين (عَلَيهِ السَّلَامُ) المصحف فتوجّه به نحو عسكرهم فنظر إليهِ أمِيرُ المؤمِنِين (عَلَيهِ السَّلَامُ) وقال إنّ الفتى من حشا اللّه قلبهُ نُوراً و إيماناً وهُو مقتول ولقد أشفقتُ عليهِ مِن ذلِك ولن يُفلِح القومُ بعد قتلهم إياه فمضى الفتى بالمصحفِ حتّى وقف بإزاء عسكر عائشة وطلحة والزُّبير حِينَئِذٍ عن يمينِ الهودج و شِمالِهِ وكان له صوت فنادى بأعلا صوتِهِ معاشر النّاسِ هذا كِتابُ اللّه فَإِنّ أمير المؤمِنِين يدعُوكُم إِلى كِتابِ اللّه وَالحُكمِ بِما أَنزَلَ اللّه فِيهِ فأنيبُوا إلى طاعةِ اللّه والعملِ بِكِتابِهِ قال وكانت عائشة و طلحة والزبيريسمعُون قوله فأمسكُوا فَلَمّا رأى ذلِك أهل عسكرهم بادروا إلى الفتى والمصحفُ فِي يَمِينِهِ فقطعُوا يده اليمنى فتناول المصحف بيدِهِ اليُسرى و ناداهُم بِأعلا صوتِهِ مِثل نِدائِهِ أوّل مرّة فبادرُوا إِليه وقطعُوا يده اليسرى فتناول المصحف و احتضنه و دِماؤُهُ تجري عليه و ناداهُم مِثل ذلك فشدُّوا عليهِ فقتلوه و وقع ميتاً فقطعُوهُ إرباً إرباً و لقد رأينا شحم بطنِهِ أصفر قال وأمير المؤمنين (عَلَيهِ السَّلَامُ) واقف يراهم فأقبل على أصحابِهِ وقال إنّي واللّه ما كُنتُ فِي شلّ ولا لبس من ضلالة القومِ و باطِلِهم ولكن أحببتُ أن يتبيّن لكُم جميعاً ذلِك مِن بعدِ قتلِهِمُ الرّجُل الصالح حكيم بن جبلة العبدِي فِي رِجالٍ صالِحِين معه وتضاعُفُ ذُنُوبِهِم بهذا الفتى وهُو يدعُوهُم إِلى كِتابِ اللّه و الحكمِ بِهِ والعمل بموجبِهِ فتارُوا إِليهِ فقتلُوهُ ولا يرتابُ بِقتلِهِم مُسلِم و وقدتِ الحرب و اشتدت فقال أمير المؤمنين (عَلَيهِ السَّلَامُ) احمِلُوا بِأجمعِكُم عليهم بسم اللّه حم لا يُنصرون و حمل هُو بنفسِهِ والحسنانِ وأصحابُ رسُول اللّه (صَلَّى اللّه عَلَيْهِ وَآلِهِ) معه
ص: 212
فغاص فِي القومِ بِنفسِهِ فواللّه ما كان إِلَّا ساعة من نهار حتّى رأينا القوم كُلّهُ شلايا يميناً وشمالاً صرعى تحت سنابِكِ الخيل ورجع أمِيرُ المؤمِنِين (عَلَيهِ السَّلَامُ) مُؤيّداً منصُوراً وفتح اللّه عليه و منحه أكتافهم وأمر بذلك الفتى وجميع من قتِل معه فلقُوا فِي ثيابهم بدمائهم لم تُنزع عنهم ثيابهم وصلّى عليهم ودفنهم وأمرهم أن لا يُجهزوا على جريح ولا يتَّبِعُوا لهم مديراً و أمر بما حوى العسكر فجُمع له فقسمه بين أصحابِهِ و أمر محمّد بن أبي بكر أن يُدخل أخته البصرة فيُقيم بها أياماً ثمّ يُرجّلها إلى منزلها بالمدينة قال عبد اللّه بن سلمة كُنتُ ممّن شهد حرب أهل الجمل فلما وضعت الحرب أوزارها رأيتُ أُمّ ذلِك الفتى واقفةً عليه فجعلت تبكي عليهِ وتُقبّلُهُ وأنشأت تقُولُ
يا ربّ إِنّ مُسلِماً أَتاهُم *** يتلُوكِتاب اللّه لا يخشاهم
يأمُرُهُم بِالأَمرِ من مولاهم *** فخضبُوا مِن دمه قناهم
وأُمُّهُم قائِةٌ تراهم *** تأمُرُهُم بِالغي لا تنهاهم (1)
1- عن عبدِ اللّه بن عبدِ الرّحمنِ قال : ثمّ إِن عُمر احتزم بإزاره و جعل يطوفُ بِالمدينةِ ويُنادِي ألا إن أبا بكر قد بويع له فهلُمُّوا إلى البيعةِ فينثالُ النَّاسُ يُبايِعُون فعرف أن جماعةً فِي بُيُوتٍ مُستَتِرُون فكان يقصِدُهُم فِي جمع كثير و يكبِسُهُم ويُحضِرُهُمُ المسجد فيُبايِعُون حتّى إذا مضت أيام أقبل فِي جمع كثير إلى منزل عليّ (عَلَيهِ السَّلَامُ) فطالبه بالخروج فأبى فدعا عُمرُ بِحطب و نار وقال والّذي نفسُ عُمر بِيدِهِ ليخرُجنّ أو لأُحرِقنَّهُ على ما فِيهِ فقيل لهُ إِنّ فاطِمة بنت رسُول اللّه ووُلد رسُول اللّه و آثار رسُول اللّه (صَلَّى اللّه عَلَيْهِ وَآلِهِ) فِيهِ وأنكر النّاسُ ذلك من قولهِ فَلَمّا عرف إنكارهم قال ما بالكم أتروني فعلت ذلك؟ إنّما أردتُ التهويل فراسلهم عليٌّ أن ليس إلى خُرُوجِي حِيلةٌ لأنّي فِي جمع كِتابِ اللّه الّذي قد نبذتموه وألهتكُمُ الدُّنيا عنه وقد حلفتُ أن لا أخرج من بيتي و لا أدع ردائي على عاتقي حتّى أجمع القرآن قال و خرجت فاطِمةُ بِنتُ رسُول اللّه (صَلَّى اللّه عَلَيْهِ وَآلِهِ) إليهم فوقفت خلف
ص: 213
البابِ ثمّ قالت لا عهد لي بقوم أسوأ محضراً مِنكُم تركتُم رسُول اللّه (صَلَّى اللّه عَلَيْهِ وَآلِهِ) جنازة بين أيدينا و قطعتُم أمركُم فيما بينكم ولم تُؤْمِرُونا و لم تروا لنا حقّاً كأَنكُم لم تعلموا ما قال يوم غدِيرِخُمّ واللّه لقد عقد له يومئِذٍ الولاء ليقطع مِنكُم بِذلِك مِنها الرجاء و لكِنّكُم قطعتُمُ الأسباب بينكم وبين نبيّكم واللّه حسيب بيننا وبينكُم فِي الدُّنيا والآخِرَةِ. (1)
2 - عنِ الصّادِقِ (عَلَيهِ السَّلَامُ) أنَّه قال : لَمَّا استُخرج أمير المؤمنين (عَلَيهِ السَّلَامُ) من منزله خرجت فاطمة (صَلَّى اللّه عَلَيْهِ وَآلِهِ) خلفه فما بقيت امرأةٌ هاشِمِيّةٌ إِلَّا خرجت معها حتّى انتهت قريباً من القبر فقالت لهم خلُّوا عن ابن عمّى فوالّذي بعث محمّداً أبي (صَلَّى اللّه عَلَيْهِ وَآلِهِ) بالحق إن لم تخلوا عنه لأنشُرن شعري و لأضعنّ قميص رسُول اللّه (صَلَّى اللّه عَلَيْهِ وَآلِهِ) على رأسي ولأصرخن إلى اللّه تبارك وتعالى فما صالحٌ بأكرم على اللّه مِن أبي ولا الناقةُ بأكرم مني ولا الفصيل بأكرم على اللّه من ولدي قال سلمان رضي اللّه عنه كُنتُ قريباً مِنها فرأيتُ واللّه أساس حيطانِ مسجِدِ رسُول اللّه (صَلَّى اللّه عَلَيْهِ وَآلِهِ) تقلعت مِن أسفلها حتّى لو أراد رجُلٌ أن ينفذ مِن تحتِها لنفذ فدنوتُ مِنها فقُلتُ يا سيّدتي ومولاتي إنّ اللّه تبارك وتعالى بعث أباكِ رحمةً فلا تكُوني نقمةً فرجعت و رجعتِ الحيطان حتّى سطعت الغبرة من أسفلها فدخلت فِي خياشيمنا. (2)
3 - أبانُ بنُ أَبي عياش عن سليم بن قيس قال كُنتُ عِند عبدِ اللّه بنِ عباس فِي بيته ومعنا. جماعة من شيعة عليّ (عَلَيهِ السَّلَامُ) فحدّثنا فكان فيما حدّثنا أن قال يا إخوتي تُوُفِّي رسُول اللّه (صَلَّى اللّه عَلَيْهِ وَآلِهِ) يوم تُوُفِّي فلم يُوضع فِي حُفرته حتّى نكث النّاسُ وارتدّوا وأجمعوا على الخِلافِ و اشتغل عليّ بن أبِي طالِب (عَلَيهِ السَّلَامُ) بِرسُولِ اللّه (صَلَّى اللّه عَلَيْهِ وَآلِهِ) حتّى فرغ مِن غُسلِهِ وتكفينه و تحنيطِهِ و وضعهُ فِي حُفرتِهِ ثمّ أقبل على تأليف القرآنِ وشُغِل عنهُم بِوصِيّة رسُول اللّه (صَلَّى اللّه عَلَيْهِ وَآلِهِ) و لم يكُن هِمْتُهُ الملك لما كان رسُول اللّه (صَلَّى اللّه عَلَيْهِ وَآلِهِ) أخبره عن القومِ فَلَمَّا افتتن النَّاسُ بِالّذي افتتنُوا بِهِ مِن الرجلين فلم يبق إلّا علي وبنُوهاشم وأبوذر و المقداد وسلمانُ فِي أُناس معهم
ص: 214
يسيرقال عُمرُ لأبي بكريا هذا إنّ النّاس أجمعين قد بايعوك ما خلا هذا الرّجُل وأهل بيتِهِ وهؤلاء النفر فابعث إليه فبعث إليهِ ابن عمّ لِعُمر يُقالُ لَهُ قُنفُذٌ فقال لهُ يَا قُنفُذُ انطلِق إِلى عَلَى فَقُل لَهُ أجِب خليفة رسُول اللّه فانطلق فأبلغه فقال عليّ (عَلَيهِ السَّلَامُ) ما أسرع ما كذبتُم على رسُول اللّه نكثتُم و ارتددتُم و اللّه ما استخلف رسُول اللّه غيري فارجع يا قُنفُذُ فإِنّما أنت رسُول فقُل لَهُ قال لك علي واللّه ما استخلفك رسُول اللّه وإِنّك لتعلم من خليفةُ رسُول اللّه فأقبل قُنفُذُ إِلى أَبِي بكرٍ فبلغهُ الرّسالة فقال أبوبكر صدق علي ما استخلفني رسُول اللّه فغضب عُمرُو وثب وقام فقال أبوبكر اجلس ثمّ قال لِقُنفذ اذهب إليه فقُل له أجِب أمير المؤمِنِين أبا بكر فأقبل قنفذ حتّى دخل على عليّ (عَلَيهِ السَّلَامُ) فأبلغه الرّسالة فقال (عَلَيهِ السَّلَامُ) كذب واللّه انطلق إليهِ فقُل له واللّه لقد تسمّيت باسم ليس لك فقد علمت أن أمير المؤمنين غيرُك فرجع قُنفُذٌ فأخبرهما فوثب عُمرُ غضبان فقال واللّه إنِّي لعارف بسخفه وضعفِ رأيهِ وإِنَّهُ لا يستقيم لنا أمر حتّى نقتله فخلني آتِكَ بِرأْسِهِ فقال أبوبكراجلس فأبى فأقسم عليهِ فجلس ثمّ قال يا قُنفُذُ انطلق فقُل له أجِب أبا بكر فأقبل قُنفُذُ فقال يا علي أحب أبا بكر فقال على إِنِّي فِي شُغُلٍ عنه وما كُنتُ بِالّذي أترُكُ وصِيَّة خليلي و أخِي وأنطلِقُ إلى أبي بكرو ما اجتمعتُم عليهِ مِن الجور فانطلق قنفُذُ فأخبر أبا بكر فوثب عُمرُ غضبان فنادى خالد بن الوليد و قنفذاً فأمرهما أن يحملا حطباً و ناراً ثمّ أقبل حتّى انتهى إلى باب عليّ (عَلَيهِ السَّلَامُ) و فاطمة (عَلَيهَا السَّلَامُ) قاعدة خلف الباب قد عصبت رأسها و نحل جسمها فِي وفاة رسُول اللّه (صَلَّى اللّه عَلَيْهِ وَآلِهِ) فأقبل عُمر حتّى ضرب الباب ثمّ نادى يا ابن أبِي طالِب افتح الباب فقالت فاطِمةُ يا عُمرُ ما لنا ولك لا تدعُنا وما نحنُ فِيهِ قال افتحي الباب وإلّا أحرقناه عليكم فقالت يا عُمرُاً ما تتّقي اللّه عزّ و جلّ تدخُلُ على بيتي وتهجم على داري فأبى أن ينصرف ثمّ دعا عُمرُ بِالنَّارِ فأضرمها فِي البابِ فأحرق الباب ثمّ دفعه عُمرُ فاستقبلته فاطمة (عَلَيهَا السَّلَامُ) و صاحت يا أبتاه يا رسُول اللّه فرفع السيف وهُو فِي غِمدِهِ فوجاً بِهِ جنبها فصرخت فرفع السوط فضرب به ذراعها فصاحت يا أبتاه فوثب عليّ بن أبِي طالِب (عَلَيهِ السَّلَامُ) فأخذ بتلابِيبِ عُمر ثمّ هزّهُ فصرعه و وجأ أنفه و رقبته و هم بقتله فذكر قول رسُول اللّه (صَلَّى اللّه عَلَيْهِ وَآلِهِ) وما أوصى به من الصبرو الطاعةِ فقال والّذي كرّم محمّداً بِالنُّبُوَّةِ يا ابن صُهاك لولا كِتابٌ مِن اللّه سبق لعلمت أنك لا تدخُلُ بيتي
ص: 215
فأرسل عُمرُ يستغِيثُ فأقبل النّاسُ حتّى دخلوا الدار وسلّ خالد بن الوليد السيف ليضرب فاطمة (عَلَيهَا السَّلَامُ) فحمل عليه بسيفه فأقسم على عليّ (عَلَيهِ السَّلَامُ) فكف وأقبل المقداد وسلمان و أبوذر و عمّارُو بُريدة الأسلمي حتّى دخلوا الدار أعواناً لعليّ (عَلَيهِ السَّلَامُ) حتّى كادت تقعُ فتنةٌ فأُخرج عليّ (عَلَيهِ السَّلَامُ) و اتبعه النّاسُ واتَّبعه سلمان وأبوذر و المقداد و عمّارُو بُريدةُ الأَسلَمِيُّ رَحمهُمُ اللّه و هم يقولون ما أسرع ما خُنتُم رسُول اللّه (صَلَّى اللّه عَلَيْهِ وَآلِهِ) و أخرجتُمُ الضّغائِنِ الّتي فِي صُدُورِكُم و قال بُريدةُ بنُ الخصِيبِ الأَسلَمِيُّ يا عُمرُ أَتيبُ على أخِي رسُول اللّه و وصيّه و على ابنتِهِ فتضرِبُها و أنت الّذي يعرِفُكَ قُريضٌ بِما يعرِفُكَ بِهِ فرفع خالد بن الوليد السيف ليضرب بِهِ بُريدة وهُو فِي غِمدِهِ فتعلّق بِهِ عُمرُو منعه من ذلك فانتهوا بعلي إلى أبي بكرٍ مُليّباً فَلَمَّا بِصُربِهِ أبوبكر صاح خلُّوا سبيله فقال عليّ (عَلَيهِ السَّلَامُ) ما أسرع ما توتبتُم على أهل بيت نيتكُم يا أبا بكر بأي حقي و بأي مِيراتٍ وبأي سابقةٍ تحثُ النّاس إلى بيعتك ألم تُبايِعنِي بِالأمس بأمرِ رسُول اللّه (صَلَّى اللّه عَلَيْهِ وَآلِهِ) فقال عُمرُدع عنك هذا يا علي فواللّه إن لم تُبايع لنقتلنّك فقال عليّ (عَلَيهِ السَّلَامُ) إِذا واللّه أكونُ عبد اللّه و أخا رسُول اللّه المقتول فقال عمرُ أمّا عبد اللّه المقتُولُ فنعم وأمّا أخُو رسُول اللّه فلا فقال علي (عَلَيهِ السَّلَامُ) أما واللّه لولا قضاءُ مِن اللّه سبق وعهد عهده إلى خليلي لستُ أجُوزُهُ لعلمت أيُّنا (أَضْعَفُ نَاصِرًا وَأَقَلُّ عَدَدًا) (1) وأبوبكر ساكِتُ لا يتكلّم فقام بُريدة فقال يا عُمرُ أ لستُما اللذين قال لكُما رسُول اللّه (صَلَّى اللّه عَلَيْهِ وَآلِهِ) انطلقا إلى علي فسلّما عليه بإمرة المؤمِنِين فقُلتُما أ عن أمرِ اللّه وأمرِ رَسُولِهِ فقال نعم فقال أبوبكر قد كان ذلك يا بُريدة ولكنّك غِبت وشهدنا والأمر يحدث بعده الأمر فقال عُمرُو ما أنت وهذا يا بُريدةُ و ما يُدخِلُك فِي هذا فقال بُريدة واللّه لا سكنتُ فِي بلدة أنتُم فِيها أُمراء فأمربِهِ عُمرُ فضُرِب و أُخرج ثمّ قام سلمان فقال يا أبا بكراتقِ اللّه وقم عن هذا المجلس و دعهُ لِأَهْلِهِ يَأكُلُوا بِهِ رغداً إلى يوم القيامةِ لا يختلف على هذه الأمة سيفان فلم يُجِبهُ أبوبكر فأعاد سلمان فقال مثلها فانتهره عُمرُو قال مالك وهذا الأمرو ما يُدخِلُك فيما هاهنا فقال مهلا يا عُمرُ قُم يا أبابكر عن هذا المجلس ودعهُ لِأهلِهِ يَأكُلُوا بِهِ وَاللّه خُضراً إلى يومِ
ص: 216
القِيامَةِ و إن أبيتم لتحلبن به دماً و ليطمعن فِيهِ الطّلقاء والطُّرداءُ والمنافقون واللّه لو أعلم أني أدفعُ ضيماً أو أُعِزُّ للّه دِيناً لوضعتُ سيفي على عاتقي ثمّ ضربتُ بِهِ قُدُماً أتثِبُون على وصيّ رسُول اللّه (صَلَّى اللّه عَلَيْهِ وَآلِهِ) فأبشِرُوا بِالبلاء و اقنطوا مِن الرّخاءِ ثمّ قام أبوذرو المقداد و عمَّار فقالوا لعليّ (عَلَيهِ السَّلَامُ) ما تأمُرُو اللّه إن أمرتنا لنضر بن بِالسّيفِ حتّى تقتل فقال عليّ (عَلَيهِ السَّلَامُ) كُفُّوا رحمكُمُ اللّه واذْكُرُوا عهد رسُول اللّه (صَلَّى اللّه عَلَيْهِ وَآلِهِ) و ما أوصاكُم بِهِ فكفُّوا فقال عُمرُ لأبي بكر وهُو جالس فوق المنبرما يُجلِسُك فوق المنبر و هذا جالسٌ مُحارِبٌ لا يقُومُ فينا فيُبايِعك أو تأمُرُبِهِ فَيُضرب عُنْقُهُ و الحسن والحُسين (عَلَيهِمَا السَّلَامُ) قائمانِ على رأس عليّ (عَلَيهِ السَّلَامُ) فلما سمعا مقالة عمر بكيا و رفعا أصواتهما يا جدّاه يا رسُول اللّه فضمّهُما على إلى صدره وقال لا تبكيا فواللّه لا يقدِرانِ على قتل أبيكما هُما أقل وأذلُّ وأدخرُ من ذلك وأقبلت أم أيمن النُّوبية حاضنة رسُول اللّه (صَلَّى اللّه عَلَيْهِ وَآلِهِ) و أُمُّ سلمة فقالتا يا عتيق ما أسرع ما أبديتُم حسدكُم لِآلِ محمّد فأمر بهما عُمرُ أن تُخرجا مِن المسجِدِ وقال ما لنا وللنساء ثمّ قال يا علي قُم بايع فقال علي إن لم أفعل قال إِذا و اللّه نضرِبُ عُنُقك قال (عَلَيهِ السَّلَامُ) كذبت واللّه يا ابن صهاك لا تقدِرُ على ذلِك أنت ألأم وأضعفُ مِن ذلك فوثب خالِدُ بنُ الوليدِ و اخترط سيفه وقال واللّه إن لم تفعل لأقتلنّك فقام إليه عليّ (عَلَيهِ السَّلَامُ) وأخذ بمجامع ثوبِهِ ثمّ دفعه حتّى ألقاه على قفاه ووقع السيف من يدِهِ فقال عُمرُقُم يا عليّ بن أبِي طالِب فبايع قال (عَلَيهِ السَّلَامُ) فإن لم أفعل قال إذاً و اللّه نقتلك واحتج عليهم عليّ (عَلَيهِ السَّلَامُ) ثلاث مرّاتٍ ثمّ مد يده من غير أن يفتح كفّهُ فضرب عليها أبوبكر و رضي [مِنهُ] بِذلِك ثمّ توجه إلى منزِلِهِ وتبعه النّاسُ قال ثمّ إنّ فاطِمة (عَلَيهَا السَّلَامُ) بلغها أن أبا بكر قبض فدك فخرجت فِي نساء بَنِي هاشم حتّى دخلت على أبي بكر فقالت يا أبا بكرتُرِيدُ أن تأخذ مني أرضاً جعلها لِي رسُول اللّه (صَلَّى اللّه عَلَيْهِ وَآلِهِ) و تصدق بها علي مِن الوجِيفِ الّذي لم يُوجِفِ المسلمون عليهِ بِ (خَيْلٍ وَلَا رِكَابٍ) (1) أما كان قال رسُول اللّه (صَلَّى اللّه عَلَيْهِ وَآلِهِ) المرءُ يُحفظ فِي وُلدِهِ بعده وقد علمت أنَّه لم يترك لِوُلدِهِ شيئاً غيرها فلما سمع أبوبكر مقالتها والنِّسوة معها دعا بدواةٍ ليكتُب بِهِ لها فدخل عُمرُ
ص: 217
فقال يا خليفة رسُول اللّه لا تكتب لها حتّى تُقيم البيّنة بما تدّعِي فقالت فاطِمةُ (عَلَيهَا السَّلَامُ) نعم أُقِيمُ البيّنة قال من قالت علي و أُمُّ أيمن فقال عُمرُ لا تُقبل شهادة امرأة عجمِيةٍ لا تُفصِحُ وأَمَّا علي فيحُوزُ النّار إلى قُرصِهِ فرجعت فاطمة (عَلَيهَا السَّلَامُ) وقد جرعها من الغيظ ما لا يُوصف فمرضت و كان عليّ (عَلَيهِ السَّلَامُ) يُصلّي فِي المسجِدِ الصّلوات الخمس فكُلّما صلّى قال له أبوبكر و عُمرُ كيف بِنتُ رسُول اللّه إلى أن ثقلت فسألا عنها وقالا قد كان بيننا وبينها ما قد علمت فإن رأيت أن تأذن لنا فنعتذر إليها من ذنبنا قال (عَلَيهِ السَّلَامُ) ذاك إليكما فقاما فجلسا بالباب ودخل عليّ (عَلَيهِ السَّلَامُ) على فاطمة (عَلَيهَا السَّلَامُ) فقال لها أيّتُها الحُرّةُ فلان وفلانٌ بِالبابِ يُرِيدانِ أن يُسلّما عليكِ فما ترين قالت (عَلَيهَا السَّلَامُ) البيت بيتك والحُرّةُ زوجتك فافعل ما تشاءُ فقال شُدّي قناعكِ فشدّت قناعها و حوّلت وجهها إلى الحائط فدخلا و سلّما وقالا ارضي عنّا رضي اللّه عنكِ فقالت ما دعاكُما إلى هذا فقالا اعترفنا بالإساءة ورجونا أن تعني عنّا وتُخرِجي سخيمتكِ فقالت فإن كُنتُما صادِقينِ فأخبراني عمّا أسألُكُما عنه فإنّي لا أسألُكُما عن أمرٍ إِلَّا و أنا عارِفةٌ بِأَنَّكُما تعلمانِه فإن صدقتُما علمتُ أنّكُما صادِقانِ فِي مجِيئِكُما قالا سلي عمّا بدا لك قالت نشدتُكُما بِاللّه هل سمِعتُما رسُول اللّه (صَلَّى اللّه عَلَيْهِ وَآلِهِ) يقُولُ فاطِمةُ بضعةٌ مِنّي فمن آذاها فقد آذاني قالا نعم فرفعت يدها إلى السّماء فقالت اللّهمّ إنّهما قد آذياني فأنا أشكُوهُما إليك و إلى رسولك لا واللّه لا أرضى عنكما أبداً حتّى ألقى أبي رسُول اللّه و أُخبِرهُ بِما صنعتُما فيكون هُو الحاكم فِيكُما قال فعند ذلك دعا أبوبكر بالويل والقُبُورِ و جزع جزعاً شديداً فقال عُمرُ تجزعُ يا خليفة رسُول اللّه مِن قولِ امرأةٍ قال فبقيت فاطِمةُ (عَلَيهَا السَّلَامُ) بعد وفاة أبيها رسُول اللّه (صَلَّى اللّه عَلَيْهِ وَآلِهِ) أربعين ليلةٌ فَلَمّا اشتدّ بها الأمرُ دعت عليّاً (عَلَيهِ السَّلَامُ) و قالت يا ابن عم ما أراني إلّا لما بي وأنا أُوصيك أن تتزوج بنت أُختي زينب تكُونُ لِوُلدِي مِثلي وتتَّخِذُ لي نعشاً فإنّي رأيتُ الملائكة يصِفُونه لي وأن لا يشهد أحدٌ مِن أعداء اللّه جنازتي ولا دفني ولا الصّلاة علي قال ابنُ عبّاس وهُو قول أمير المؤمنين (عَلَيهِ السَّلَامُ) أشياء لم أجد إلى تركِهِنّ سبيلا لأنّ القُرآن بها أنزِل على قلبِ محمّد (صَلَّى اللّه عَلَيْهِ وَآلِهِ) قتالُ النَّاكِثِين و القاسطين والمارقين الّذي أوصاني و عهد إلي خليلي رسُول اللّه بِقِتالِهِم وتزويجُ أُمامة بنت زينب أوصتني بها فاطِمةُ (عَلَيهَا السَّلَامُ) قال ابنُ عبّاس فقُبِضت فاطمة (عَلَيهَا السَّلَامُ) من يومها فارتجّتِ المدينةُ
ص: 218
بِالبُكاءِ مِن الرّجالِ والنِّساءِ ودهش النَّاسُ كيومِ قُبِضَ فِيهِ رسُول اللّه (صَلَّى اللّه عَلَيْهِ وَآلِهِ) فأقبل أبوبكر و عُمرُ يُعزيان عليّاً (عَلَيهِ السَّلَامُ) و يقُولان له يا أبا الحسنِ لا تسبقنا بِالصّلاة على ابنة رسُول اللّه فلما كان فِي اللّيل دعا عليّ (عَلَيهِ السَّلَامُ) العباس والفضل والمقداد و سلمان وأبا ذر و عماراً فقدم العبّاس فصلّى عليها و دفنُوها فلما أصبح النّاسُ أقبل أبوبكر و عُمرُو النَّاسُ يُرِيدُون الصّلاة على فاطمة (عَلَيهَا السَّلَامُ)
فقال المقداد قد دفنا فاطمة البارحة فالتفت عُمرُ إلى أبي بكر فقال ألم أقل لك إنَّهم سيفعلون قال العباس إنها أوصت أن لا تُصلّيا عليها فقال عُمرُو اللّه لا تتركُون يا بَنِي هاشم حسدكُمُ القديم لنا أبداً إِنْ هذِهِ الضّغائن الّتي فِي صُدُورِكُم لن تذهب واللّه لقد هممتُ أن أنبشها فأُصلّي عليها فقال عليّ (عَلَيهِ السَّلَامُ) واللّه لورمت ذلِك يا ابن صهاك لأرجعتُ إليك يمينك واللّه لَئِن سللتُ سيفي لا غمدتُهُ دُون إِزهاق نفسك فرم ذلك فانكسر عُمرُ و سكت و علم أن علياً (عَلَيهِ السَّلَامُ) إذا حلف صدق ثمّ قال عليّ (عَلَيهِ السَّلَامُ) يا عُمراً لست الّذي همّ بِك رسُول اللّه (صَلَّى اللّه عَلَيْهِ وَآلِهِ) وأرسل إلي فجِئتُ مُتقلّداً بسيفي ثمّ أقبلتُ نحوك لأقتلك فأنزل اللّه عزّوجلّ ﴿فَلَا تَعْجَلْ عَلَيْهِمْ إِنَّمَا نَعُدُّ لَهُمْ عَدًّا) (1) فانصرفوا قال ابنُ عبّاس ثمّ إِنَّهُم تأمرُوا و تذاكرُوا فقالوا لا يستقيم لنا أمر ما دام هذا الرّجُلُ حياً فقال أبوبكر من لنا بقتلِهِ فقال عُمرُ خالِدُ بنُ الوَلِيدِ فأرسلا إليه فقالا يا خالِدُ ما رأيك فِي أمر نحمِلُك عليه قال احملاني على ما شئتُما فواللّه إن حملتماني على قتل ابن أبِي طالِب لفعلتُ فقالا واللّه ما نُرِيدُ غيره قال فإنّي له فقال أبوبكر إذا قُمنا فِي الصّلاة صلاة الفجرِ فقم إلى جانبه ومعك السيف فإذا سلمتُ فاضرِب عُنقه قال نعم فافترقُوا على ذلك ثمّ إِنَّ أبابك تفكر فيما أمريهِ مِن قتل عليّ (عَلَيهِ السَّلَامُ) و عرف أنَّه إن فعل ذلك وقعت حربٌ شديدة و بلاء طويل فندم على ما أمرهُ بِهِ فلم ينم ليلته تلك حتّى أصبح ثمّ أتى المسجد وقد أُقيمتِ الصّلاة فتقدّم فصلّى بِالنَّاسِ مُفكّراً لا يدري ما يقُولُ وأقبل خالد بن الوليدِ مُتقلّداً بِالسّيفِ حتّى قام إلى جانب عليّ (عَلَيهِ السَّلَامُ) وقد فطن عليّ (عَلَيهِ السَّلَامُ) ببعض ذلِك فلما فرغ أبوبكر من تشهدِهِ صاح قبل
ص: 219
أن يُسلّم يا خالد لا تفعل ما أمرتك فإن فعلت قتلتُك ثمّ سلّم عن يَمِينِهِ وشِمالِهِ فوثب عليّ (عَلَيهِ السَّلَامُ) فأخذ بتلابيب خالِدٍ وانتزع السيف مِن يدِهِ ثمّ صرعه و جلس على صدره و أخذ سيفه ليقتله واجتمع عليهِ أهلُ المسجِدِ لِيُخلّصوا خالِداً فما قدروا عليه فقال العباس حلِفُوهُ بِحَقِّ القبرِ لَما كففت فحلّفُوهُ بِالقبرِ فتركه وقام فانطلق إلى منزِلِهِ وجاء الزُّبير و العبّاسُ وأبوذر و المقداد وبنو هاشم و اخترطوا السُّيوف وقالوا واللّه لا تنتهون حتّى يتكلّم ويفعل و اختلف النّاسُ و ماجُوا و اضطربُوا و خرجت نسوة بَنِي هاشم فصرخن و قُلن يا أعداء اللّه ما أسرع ما أبديتُم العداوة لرسُولِ اللّه وأهل بيتِهِ لطالما أردتُم هذا من رسُول اللّه (صَلَّى اللّه عَلَيْهِ وَآلِهِ) فلم تقدِرُوا عليه فقتلتُم ابنته بالأمس ثمّ أنتُم تُرِيدُون اليوم أن تقتُلُوا أخاه وابن عمّه و وصيّه و أبا وُلدِهِ كذبتُم و ربّ الكعبة ما كُنتُم تَصِلُون إلى قتلِهِ حتّى تخوّف النَّاسُ أن تقع فتنةٌ عظيمة. (1)
4 - قال البراء بن عازب فلَمّا قُبِض رسُول اللّه (صَلَّى اللّه عَلَيْهِ وَآلِهِ) تخوّفتُ أن تتظاهر قُريش على إخراج هذا الأمر من بَنِي هاشم فلَمّا صنع النَّاسُ ما صنعُوا مِن بيعة أبي بكرٍ أخذني ما يأخُذُ الواله الثّكول مع ما بي مِن الحُزنِ لِوفاة رسُول اللّه (صَلَّى اللّه عَلَيْهِ وَآلِهِ) فجعلتُ أتردد و أرمُقُ وُجُوه النَّاسِ وقد خلا الهاشِمِيُّون بِرسُولِ اللّه (صَلَّى اللّه عَلَيْهِ وَآلِهِ) لِغُسلِهِ و تحنيطه و قد بلغني الّذي كان من قول سعدِ بنِ عُبادة و منِ اتَّبعهُ مِن جهلةِ أصحابِهِ فلم أحفِل بهم وعلمتُ أنّهُ لا يَئُولُ إلى شيءٍ فجعلتُ أتردّدُ بينهم وبين المسجدِ و أتفقد وُجُوه قُريش فإِنِّي لكذلِك إِذ فقدتُ أبا بكر و عُمر تُم لم ألبث حتّى إذا أنا بأبي بكر و عمر و أبي عُبيدة قد أقبلوا فِي أهل السقيفة وهُم مُحتجِرُون بِالأُررِ الصنعانية لا يربهم أحدٌ إِلَّا خبطوه فإذا عرفُوهُ مدُّوا يده فمسحُوها على يد أبي بكر شاء ذلك أم أبى فأنكرتُ عند ذلك عقلي جزعاً مِنه مع المصيبة بِرسُولِ اللّه (صَلَّى اللّه عَلَيْهِ وَآلِهِ) فخرجتُ مُسرِعاً حتّى أتيتُ المسجد ثمّ أتيتُ بَنِي هاشم والبابُ مُغلق دونهم فضربتُ الباب ضرباً عنيفاً و قُلتُ يا أهل البيتِ فخرج إلى الفضلُ بنُ العبّاس فقُلتُ قد بايع النّاسُ أبا بكر فقال العبّاسُ قد تربت أيدِيكُم مِنها إِلى آخِرِ الدهر أما إني قد أمرتكم فعصيتُمُونِي
ص: 220
فمكثتُ أُكابدُ ما فِي نفسي فلما كان اللّيل خرجتُ إلى المسجِدِ فَلَمَّا صِرتُ فِيهِ تَذكَّرتُ أَنِّي كُنتُ أسمعُ همهمة رسُول اللّه (صَلَّى اللّه عَلَيْهِ وَآلِهِ) بِالقُرآنِ فانبعثتُ مِن مكاني فخرجتُ نحو [الفضاء] فضاء بَنِي بياضة فوجدتُ نفراً يتناجون فلَمّا دنوتُ مِنهُم سكتُوا فانصرفتُ عنهم فعرفُونِي و ما عرفتهم فدعوني إليهم فأتيتُهم فإذا المقداد و أبوذر و سلمان و عمَّار بن ياسرو عبادة بن الصّامِتِ و حذيفة بن اليمان والزُّبير بن العوامِ وحذيفةُ يَقُولُ واللّه ليفعلُنَّ ما أخبرتُكُم بِهِ فواللّه ما كذبتُ ولا كُذِبتُ وإذا القومُ يُرِيدُون أن يُعِيدُوا الأمر شورى بين المهاجرين والأنصار فقال حذيفة انطلِقُوا بِنا إلى أَبي بن كعب فقد علم مثل ما علمتُ فانطلقنا إلى أُبي بن كعب فضربنا عليهِ بابه فأتى حتّى صار خلف البابِ ثمّ قال من أنتُم فكلّمه المقداد فقال ما جاء بِكُم فقال افتح بابك فإن الأمر الّذي جئنا فِيهِ أعظمُ مِن أن يجري وراء الباب فقال ما أنا بفاتح بابي و قد علمتُ ما جِئتُم له و ما أنا بفاتح بابي كأنكُم أردتُم النظر فِي هذا العقد فقلنا نعم فقال أفيكُم حذيفةُ فقُلنا نعم قال القولُ ما قال حذيفةُ فأما أنا فلا أفتح بابي حتّى يجري علي ما هوجارٍ عليه و لما يكون بعدها شرٌّ مِنها وإلى اللّه جلّ ثناؤُه المشتكى قال فرجعُوا ثمّ دخل أبي بن كعبٍ بيته قال وبلغ أبا بكر و عمر الخبر فأرسلا إلى أبي عبيدة بن الجراح والمغيرة بن شعبة فسألاهما الرأي فقال المغيرةُ بنُ شُعبة أرى أن تلقوا العبّاس بن عبد المطلبِ فَتُطْمَعُوهُ فِي أَن يَكُون لَهُ فِي هذا الأمرِنصِيبٌ يَكُونُ لهُ ولِعقِبِهِ مِن بعدِهِ فتقطعُوا عنكُم بِذلِك ناحية عليّ بن أبِي طالِب فإِنّ العباس بن عبد المطلب لو صار معكم كانت الحجّة على النّاسِ وهان عليكم أمرُ عليّ بن أبِي طالِب وحده قال فانطلق أبوبكر و عُمرُو أبو عُبيدة بن الجراح والمغيرة بن شعبة حتّى دخلوا على العبّاسِ بنِ عبدِ المطَّلِبِ فِي اللّيلةِ الثَّانِيةِ مِن وفاة رسُول اللّه (صَلَّى اللّه عَلَيْهِ وَآلِهِ) قال فتكلّم أبوبكر فحمد اللّه جلّ وعزّ و أثنى عليهِ ثمّ قال إنّ اللّه بعث لكُم محمّداً نبيّاً ولِلمُؤمِنِين وَلِيّاً فمن اللّه عليهِم بِكونِهِ بين ظهرانيهم حتّى اختار له ما عنده وترك لِلنَّاسِ أمرهم ليختارُوا لأنفُسِهم مصلحتهم متفقين لا مُختلِفين فاختارُوني عليهم والياً ولِأُمُورِهِم راعِياً فتولّيتُ ذلك وما أخافُ بِعونِ اللّه وهناً ولا حيرةً ولا جُبناً (وَمَا تَوْفِيقِي إِلَّا بِاللَّهِ) (1) غير أني لا أنفكُ مِن طَاعِنٍ يبلُغُنِي فيقُول بِخِلافِ قول
ص: 221
العامَّة فيتّخِذكُم لجاً فتكُونُون حِصنه المنيع وخطبه البديع فإما دخلتُم مع النّاسِ فيما اجتمعوا عليه أو صرفتُمُوهُم عمّا مالُوا إِليهِ فقد جِئناك ونحنُ نُرِيدُ أن نجعل لك فِي هذا الأمرِنصِيباً يكُونُ لك ولِعَقِبِك مِن بعدِك إذ كُنت عمّ رسُول اللّه (صَلَّى اللّه عَلَيْهِ وَآلِهِ) و إن كان النّاسُ أيضاً قد رأوا مكانك و مكان صاحبك فعدلوا بهذا الأمر عنكُما فقال عُمرُ إِي واللّه وأُخرى يا بَنِي هاشم على رسلِكُم فإنّ رسُول اللّه (صَلَّى اللّه عَلَيْهِ وَآلِهِ) منّا و مِنكُم و إنا لم نأتِكُم لحاجةٍ مِنّا إليكُم و لكن كرهنا أن يكون الطعن فيما اجتمع عليه المسلمون فيتفاقم الخطبُ بِكُم وبهم فانظُرُوا لأنفُسِكُم ولِلعامَّةِ ثمّ سكت فتكلّم العبّاسُ فقال إنّ اللّه تبارك و تعالى ابتعث محمّداً (صَلَّى اللّه عَلَيْهِ وَآلِهِ) كما وصفت نبيّاً و لِلمُؤمِنِين ولِيّاً فإِن كُنت بِرَسُولِ اللّه (صَلَّى اللّه عَلَيْهِ وَآلِهِ) طلبت هذا الأمر فحقنا أخذت و إِن كُنت بالمؤمِنِين طلبت فنحنُ مِن المؤمِنِين ما تُقدِّمُنا فِي أمرِك ولا تُشاوِرُنا و لا تُؤَامِرُنا ولا تُحِبُّ لك ذلِك إِذ كُنَّا مِن المؤمِنِين وكُنّا لك من الكارهين و أما قولك أن تجعل لي فِي هذا الأمر نصيباً فإن كان هذا الأمرُلك خاصّةً فأمسك عليك فلسنا محتاجين إليك وإن كان حقّ المؤمِنين فليس لك أن تحكم فِي حقّهم دُونهم و إن كان حقّنا فإنا لا نرضى مِنك ببعضِهِ دُون بعض وأما قولك يا عُمرُ إِنّ رسُول اللّه (صَلَّى اللّه عَلَيْهِ وَآلِهِ) مِنا و مِنكُم فَإِنّ رسُول اللّه شجرةٌ نحنُ أغصانها وأنتُم جيرانها فنحنُ أولى بِهِ مِنكُم وأما قولك إنا نخافُ تفاقم الخطب بكم وبنا فهذا الّذي فعلتُمُوهُ أوائل ذلِك (وَاللَّهُ الْمُسْتَعَانُ) (1) فخرجُوا مِن عِندِهِ وأنشأ العبّاسُ يَقُولُ
ما كُنتُ أحسبُ هذا الأمر منحرفاً *** عن هاشم ثمّ مِنهم عن أبي حسن
أليس أوّل من صلّى لِقِبلتِكُم *** وأعلم الناس بالآثار و السننِ
و أقرب الناس عهداً بالنبي ومن *** جبريل عون له فِي الغُسل والكفن
من فِيهِ ما فِي جميعِ النّاسِ كُلِّهِمُ *** وليس فِي النّاسِ مَا فِيهِ مِن الحُسنِ
من ذا الّذي ردكم عنه فنعرفه *** ها إن بيعتكُم مِن أول الفتنِ
5- ولم يحضر دفن رسُول اللّه (صَلَّى اللّه عَلَيْهِ وَآلِهِ) أكثرُ النَّاسِ لِما جرى بين المهاجرين والأنصار من التشاجُرِ فِي أمر الخلافة وفات أكثرهُمُ الصّلاة عليهِ لِذلِك و أصبحت فاطمة (عَلَيهَا السَّلَامُ) تُنادِي وا
ص: 222
سوء صباحاه فسمعها أبوبكر فقال لها إن صباحكِ لصباحُ سوء واغتنم القومُ الفُرصة لِشُغُلِ عليّ بن أبِي طالِب بِرسُولِ اللّه (صَلَّى اللّه عَلَيْهِ وَآلِهِ) و انقطاع بَنِي هاشم عنهُم بِمُصابهم بِرَسُولِ اللّه (صَلَّى اللّه عَلَيْهِ وَآلِهِ) فتبادروا إلى ولاية الأمر و اتفق لأبي بكرما اتفق لاختِلافِ الأنصار فيما بينهم وكراهة التلقاءِ والمؤلّفةِ قُلُوبُهُم مِن تأخر الأمر حتّى يفرغ بنُوهاشِمٍ فيستقر الأمر مقره فبايعوا أبا بكرٍ لِحُضُوره المكان وكانت أسباب معرُوفةٌ تيسّر منها للقومِ ما راموه ليس هذا الكتاب موضع ذكرها فنشرح القول فيها على التفصيل.
وقد جاءتِ الرّواية أنَّه لما تم لأبي بكرما تم وبايعه من بايع جاء رجُلٌ إلى أمير المؤمنين (عَلَيهِ السَّلَامُ) و هُو يسوي قبر رسُول اللّه (صَلَّى اللّه عَلَيْهِ وَآلِهِ) يمسحاةٍ فِي يَدِهِ فقال له إن القوم قد بايعوا أبابكر و وقعت الخذله فِي الأنصارِ لاختلافهم وبدر الطلقاء بِالعقدِ لِلرّجُلِ خوفاً مِن إِدراكِكُمُ الأمر فوضع طرف المسحاة فِي الأرضِ ويدُهُ عليها ثمّ قال (بِسمِ اللّه الرّحمنِ الرَّحِيمِ الم أَحَسِبَ النَّاسُ أَنْ يُتْرَكُوا أَنْ يَقُولُوا آمَنَّا وَهُمْ لَا يُفْتَنُونَ * وَلَقَدْ فَتَنَّا الَّذِينَ مِنْ قَبْلِهِمْ فَلَيَعْلَمَنَّ اللَّهُ الَّذِينَ صَدَقُوا وَلَيَعْلَمَنَّ الْكَاذِبِينَ * أَمْ حَسِبَ الَّذِينَ يَعْمَلُونَ السَّيِّئَاتِ أَنْ يَسْبِقُونَا سَاءَ مَا يَحْكُمُونَ) (1) وقد كان أبوسفيان جاء إلى بابِ رسُول اللّه (صَلَّى اللّه عَلَيْهِ وَآلِهِ) وعلي و العبّاسُ مُتوفّرانِ على النظر فِي أمره فنادى
بَنِي هاشم لا تُطمِعُوا النّاس فِيكُم *** ولا سيما تيم بن مرة أو عدي
فما الأمر إلّا فيكم وإليكم *** وليس لها إلّا أبو حسن علي
أبا حسن فاشدد بها كفّ حازم *** فإنّك بِالأمْرِ الّذي يُرتجى مليٌّ.
ثمَّ نادى بأعلى صوته يا بَنِي هاشم يا بَنِي عبد منافٍ أرضِيتُم أن يلي عليكم أبو فصيل الرّذل بن الرّذل أما واللّه لَئِن شِئتُم لأملأنّها خيلًا و رجلًا فناداه أمير المؤمنين (عَلَيهِ السَّلَامُ) ارجع یا با سفيان فو اللّه ما تُرِيدُ اللّه بما تقول وما زلت تكِيدُ الإسلام وأهله ونحنُ مشاغِيلُ بِرسُولِ اللّه (صَلَّى اللّه عَلَيْهِ وَآلِهِ) و على كلّ امرئ ما اكتسب و هُو وليُّ ما احتقب فانصرف أبو سفيان إلى المسجدِ فوجد بَنِي أُمتة مُجتمعين فِيهِ فحرّضهم على الأمرِو لم ينهضُوا له.
ص: 223
وكانت فتنة عمت وبلية شملت وأسباب سوء اتفقت تمكن بها الشيطان وتعاون فيها أهل الإفك و العدوان فتخاذل فِي إنكارها أهل الإيمان وكان ذلك تأويل قول اللّه عزاسمه (وَاتَّقُوا فِتْنَةً لَا تُصِيبَنَّ الَّذِينَ ظَلَمُوا مِنْكُمْ خَاصَّةً)(1). (2)
6 - سليم بن قيس قال سمِعتُ سلمان الفارسي رحمة اللّه عليه قال: لا أن قبض النّبيّ (صَلَّى اللّه عَلَيْهِ وَآلِهِ) و صنع الناس ما صنعوا جاء أبوبكر و عُمرُو أبو عُبيدة بن الجراح فخاصموا الأنصار فخصمُوهُم بِحُجّة علي فقالوا يا معشر الأنصارِ قُريش أحقُّ بِالأمْرِ مِنكُم لأن رسُول اللّه (صَلَّى اللّه عَلَيْهِ وَآلِهِ) من قريش والمهاجِرُون خيرٌ مِنكُم لأن اللّه بدأ بِهِم فِي كِتابِه وفضّلهم قال رسُول اللّه (صَلَّى اللّه عَلَيْهِ وَآلِهِ) الأئمّةُ مِن قريش وقال سلمان فأتيتُ عليّاً وهُو يُغسِّلُ رسُول اللّه (صَلَّى اللّه عَلَيْهِ وَآلِهِ) و قد كان رسُول اللّه (صَلَّى اللّه عَلَيْهِ وَآلِهِ) أوصى عليّاً (عَلَيهِ السَّلَامُ) أن لا يلي غُسله غيرُه فقال يا رسُول اللّه (صَلَّى اللّه عَلَيْهِ وَآلِهِ) من يُعِينُنِي على ذلك فقال جبرئيل فكان عليّ (عَلَيهِ السَّلَامُ) لا يُرِيدُ عُضواً إِلّا قُلِب لَهُ فَلَمّا غسله وحنطه و كفنه أدخلني وأدخل أبا ذرو المقداد وفاطمة والحسن والحُسين (عَلَيهِم السَّلَامُ) فتقدّم وصففنا خلفه وصلّى عليه والعائِشةُ فِي الحجرة لا تعلمُ قد أخذ اللّه ببصرها ثمّ أدخل عشرة من المهاجرين و عشرةً مِن الأنصارِ فكانوا يدخُلُون ويدعُون ويخرُجُون حتّى لم يبق أحد شهد من المهاجرين و الأنصارِ إِلّا صلّى عليه قال سلمان الفارسي فأخبرتُ عليّاً (عَلَيهِ السَّلَامُ) وهُو يُغسِلُ رسُول اللّه (صَلَّى اللّه عَلَيْهِ وَآلِهِ) بما صنع القومُ وقُلتُ إِنّ أبا بكر الساعة لعلى مِنبرِ رسُول اللّه (صَلَّى اللّه عَلَيْهِ وَآلِهِ) ما يرضون أن يُبايِعُوا لَهُ بِيدٍ واحِدَةٍ وإِنهم ليُبايِعُونَهُ بِيديه جميعاً بِيَمِينِهِ وشِمالِهِ فقال عليّ (عَلَيهِ السَّلَامُ) يا سلمان و هل تدري من أوّلُ من بايعه على مِنبرِ رسُول اللّه قُلتُ لا إِلّا أنّي رأيتُهُ فِي ظُلَّةِ بَنِي سَاعِدة حِين خصمتِ الأنصار وكان أوّل من بايعه المغيرة بن شعبة ثمّ بِشِيرُ بنُ سعدٍ ثمّ أَبُو عُبيدة بن الجراح ثمّ عُمر بن الخطّابِ ثمّ سالِمٌ مولى أبي حذيفة ومُعاذ بن جبل قال لستُ أسألك عن هؤلاء و لكن تدري من أول من بايعه حين صعد المنبر قُلتُ لا ولكن رأيتُ شيخاً كبيراً يتوكَّأُ على عصاه بين عينيه سجادة شدِيدُ التشمِيرِ صعد
ص: 224
المنبر أول من صعد وخروهُو يبكي و يقُولُ الحَمدُ للّه الّذي لم يُمتني حتّى رأيتُك فِي هذا المكان ابسط يدك فبسط يده فبايعه ثمّ قال يوم كيوم آدم ثمّ نزل فخرج من المسجد فقال عليّ (عَلَيهِ السَّلَامُ) يا سلمان أتدري من هُو قُلتُ لا ولقد ساءتني مقالتُهُ كأنه شامِتُ بِموتِ رسُول اللّه (صَلَّى اللّه عَلَيْهِ وَآلِهِ) قال عليّ (عَلَيهِ السَّلَامُ) فإنّ ذلِك إِبليس لعنه اللّه أخبرني رسُول اللّه (صَلَّى اللّه عَلَيْهِ وَآلِهِ) أَنَّ إِبليس و رُؤساء أصحابِهِ شهِدُوا نصب رسُول اللّه (صَلَّى اللّه عَلَيْهِ وَآلِهِ) إياي يوم غدِيرِ خُمّ بما أمره اللّه فأخبرهم بأني أولى بهم من أنفُسِهِم وأمرهم أن يُبلغ الشَّاهِدُ الغائِب فأقبل إلى إبليس أبالستُهُ و مردة أصحابِهِ فقالُوا إِنّ هذِهِ الأُمّة أُمَّةٌ مرحومةٌ معصُومةٌ فما لك ولا لنا عليهم سبيل وقد أُعلِمُوا مفزعهم وإمامهم بعد نبتهم فانطلق إبليش كئيباً حزيناً وقال أمِيرُ المؤمِنين (عَلَيهِ السَّلَامُ) فأخبرني رسُول اللّه (صَلَّى اللّه عَلَيْهِ وَآلِهِ) أن لو قُبض أن الناس سيُبايِعُون أبا بكر فِي ظُلَّةِ بَنِي ساعدة بعد تخاصُمِهِم بِحَقِّنا و حُجّتِنا ثمّ يأتون المسجد فيكُونُ أَوَّلُ من يُبَايِعُهُ على مِنبرِي إبليس فِي صورة شيخ كبيرٍ مُسْرِ يقُولُ كذا وكذا ثمّ يخرُجُ فيجمعُ شياطينه وأبالستهُ فيخِرُّون سجداً و يقُولُون يا سيدهم و يا كبيرهم أنت الّذي أخرجت آدم من الجنَّة فَيَقُولُ أَي أُمَّةٍ لم تضِلَّ بعد نبيها كلّا زعمتُم أن ليس لي عليهم سبيل فكيف رأيتُمُونِي صنعتُ بهم حين تركوا ما أمرهم اللّه بِهِ مِن طاعتِهِ وأمرهم رسُول اللّه (صَلَّى اللّه عَلَيْهِ وَآلِهِ) وذلك قوله تعالى (وَلَقَدْ صَدَّقَ عَلَيْهِمْ إِبْلِيسُ ظَنَّهُ فَاتَّبَعُوهُ إِلَّا فَرِيقًا مِنَ الْمُؤْمِنِينَ) (1) قال سلمان فلَمّا أن كان اللّيل حمل عليّ (عَلَيهِ السَّلَامُ) فاطمة (عَلَيهَا السَّلَامُ) على حمار و أخذ بيدِ ابنيه الحسن والحُسين (عَلَيهِمَا السَّلَامُ) فلم يدع أحداً من أهل بدر من المهاجرين ولا مِن الأنصارِ إِلّا أتاهُ فِي منزِلِهِ فذكّرهُم حقهُ ودعاهم إلى نُصرتِهِ فما استجاب له مِنهُم إِلّا أربعة وأربعون رجلًا فأمرهم أن يُصبِحُوا بُكرةً مُحلّقين رُءُوسهم معهُم سِلاحُهُم لِيُبايِعُوهُ على الموتِ فأصبحوا فلم يُوافِ مِنهُم أحدٌ إِلّا أربعةٌ فقُلتُ لسلمان من الأربعةُ فقال أنا وأبوذر و المقداد و الزُّبير بن العوامِ ثمّ أَتاهُم عليّ (عَلَيهِ السَّلَامُ) من اللّيلة المقبلة فناشدهم فقالوا نُصبِحُك بُكرةً فما مِنهُم أحدٌ أتاهُ غيرُنا ثمّ أتاهُمُ اللّيلة الثالثة فما أتاهُ غيرُنا فلَمّا رأى عليّ (عَلَيهِ السَّلَامُ) غدرهم وقلّة وفائهم لهُ لزِم بيته و أقبل على القُرآنِ يُؤلَّفَهُ ويجمعُهُ فلم يخرُج مِن بيتِهِ حتّى جمعه
ص: 225
وكان فِي الصُّحُفِ والشَّظاظ والأكتافِ والرِّقاعِ فَلَمّا جمعهُ كُلَّهُ و كتبهُ بِيدِهِ تنزيله و تأويله و النّاسِخ مِنهُ والمنسُوخ بعث إليه أبوبكر اخرج فبايع فبعث إليه عليّ (عَلَيهِ السَّلَامُ) أنِّي مشغول وقد آليتُ على نفسِي يميناً أن لا أرتدِي بِرِداءٍ إِلَّا لِلصَّلاةِ حتّى أُؤلف القُرآن وأجمعهُ فسكتوا عنه أياماً فجمعه فِي ثوبِ واحِدٍ و ختمهُ ثمّ خرج إِلى النَّاسِ وهُم مُجتمِعُون مع أبي بكرفي مسجِدِ رسُول اللّه (صَلَّى اللّه عَلَيْهِ وَآلِهِ) فنادى عليّ (عَلَيهِ السَّلَامُ) بأعلا صوتِهِ أيّها النَّاسُ أنّي لم أزل مُنذُ قُبض رسُول اللّه (صَلَّى اللّه عَلَيْهِ وَآلِهِ) مشغولا بِغُسلِهِ ثمّ بِالقُرآنِ حتّى جمعتُهُ كُلّهُ فِي هذا الثّوبِ الواحِدِ فلم يُنزِلِ اللّه على رسُولِهِ آيَةً مِنهُ إِلَّا وقد جمعتُها و ليست مِنهُ آيَةٌ إِلّا و قد أقرأنيها رسُول اللّه (صَلَّى اللّه عَلَيْهِ وَآلِهِ) وعلمني تأويلها ثمّ قال عليّ (عَلَيهِ السَّلَامُ) لئلّا تَقُولُوا غداً (إِنَّا كُنَّا عَنْ هَذَا غَافِلِينَ) (1) ثمّ قال لهم عليّ (عَلَيهِ السَّلَامُ) لا تقولوا يوم القيامةِ إِنِّي لم أدعُكُم إِلى نُصرتي ولم أُذكِّركُم حتي ولم أَدْعُكُم إِلى كِتابِ اللّه مِن فاتِحَتِهِ إلى خاتِمَتِهِ فقال لهُ عُمرُ ما أغنانا بِما معنا مِن القُرآنِ عمّا تدعونا إليهِ ثمّ دخل عليّ (عَلَيهِ السَّلَامُ) بيته وقال عُمرُ لأبي بكرٍ أرسل إلى على فليبايع فإنا لسنا فِي شيء حتّى يُبايع ولوقد بايع أمنّاه فأرسل إليه أبوبكر أجب خليفة رسُول اللّه (صَلَّى اللّه عَلَيْهِ وَآلِهِ) فأتاه الرّسُولُ فقال له ذلك فقال له عليّ (عَلَيهِ السَّلَامُ) سُبحان اللّه ما أسرع ما كذبتُم على رسُول اللّه (صَلَّى اللّه عَلَيْهِ وَآلِهِ) إِنَّهُ ليعلمُ ويعلمُ الّذين حوله أنّ اللّه ورسوله لم يستخلفا غيري وذهب الرّسُولُ فأخبره بما قال له فقال اذهب فقُل لهُ أجِب أمير المؤمنين أبا بكر فأتاه فأخبره بما قال فقال عليّ (عَلَيهِ السَّلَامُ) سبحان اللّه ما و اللّه طال العهد فينسى واللّه إِنَّهُ ليعلمُ أنّ هذا الإسم لا يصلُحُ إِلّا لي و لقد أمره رسُول اللّه (صَلَّى اللّه عَلَيْهِ وَآلِهِ) وهُو سابع سبعةٍ فسلّمُوا عليّ بِإِمرة المؤمِنِين فاستفهم هُو و صاحِبُهُ مِن بين السبعة فقالا أمر من اللّه و رسوله فقال لهم رسُول اللّه (صَلَّى اللّه عَلَيْهِ وَآلِهِ) نعم حقّاً من اللّه و رسولِهِ إِنَّهُ أَمِيرُ المؤمِنين وسيِّدُ المسلمين وصاحِبُ لِواءِ الغُر المحجلين يُقعِدُهُ اللّه عزّ و جلّ يوم القيامةِ على الصِّراطِ فيُدخِلُ أولياءه الجنَّة وأعداءه النّار فانطلق الرّسُولُ فأخبره بما قال فسكتوا عنه يومهم ذلك قال فَلَمّا كان اللّيل حمل عليّ (عَلَيهِ السَّلَامُ) فاطمة (عَلَيهَا السَّلَامُ) على حمار وأخذ بيد ابنيه الحسن والحُسين (عَلَيهِمَا السَّلَامُ) فلم يدع أحداً من أصحابِ رسُول اللّه (صَلَّى اللّه عَلَيْهِ وَآلِهِ) إِلَّا أَتَاهُ فِي مَنزِلِهِ فناشدهُمُ اللّه
ص: 226
حقَّهُ و دعاهُم إِلى نُصرته فما استجاب مِنهُم رجُلٌ غيرُنا أربعة فإنّا حلّقنا رُءُوسنا و بذلنا له نصرتنا و كان الزُّبير أشدّنا بصِيرةً فِي نُصرتِه فلَمّا أن رأى عليّ (عَلَيهِ السَّلَامُ) خذلان النَّاسِ إِياه وتركهم نُصرته و اجتماع كلمتهم مع أبي بكر و تعظيمهُم إِيَّاهُ لزِم بيته فقال عُمرُ لأبي بكر ما يمنعك أن تبعث إليهِ فيُبايع فإنّه لم يبق أحدٌ إِلا وقد بايع غيره وغير هؤلاء الأربعة وكان أبو بكر أرق الرّجُلين و أرفقهما وأدهاهُما وأبعدهما غوراً والآخرُ أفظهما وأغلظهما وأجفاهُما فقال له أبوبكر من نُرسِلُ إِليه فقال عُمرُ نُرسِلُ إِليهِ قُنفذاً فهُو رجُلٌ فضّل غلِيظٌ جافٍ مِن الطلقاء أحدُ بَنِي عدي بن كعبٍ فأرسله وأرسل معه أعواناً وانطلق فاستأذن على عليّ (عَلَيهِ السَّلَامُ) فأبى أن يأذن لهم فرجع أصحابُ قنفذ إلى أبي بكرٍو عُمر وهُما جالِسانِ فِي المسجِدِ والنَّاسُ حولهما فقالُوا لم يُؤذن لنا فقال عُمرُ اذهبوا فإِن أذن لكُم وإِلَّا فادخُلُوا بِغير إذن فانطلقُوا فاستأذنوا فقالت فاطمة (عَلَيهَا السَّلَامُ) أُحرّجُ عليكم أن تدخُلُوا على بيتِي بِغير إذن فرجعُوا و ثبت قُنفُذُ الملعُونُ فقالُوا إِنَّ فاطِمة قالت كذا و كذا فتحرّجنا أن ندخل بيتها بغيرِ إِذنٍ فغضب عُمرُو قال ما لنا ولِلنِّساءِ ثمّ أمر أُناساً حوله بتحصيل الحطب وحملوا الحطب و حمل معهم عُمرُ فجعلوه حول منزل عليّ (عَلَيهِ السَّلَامُ) و فِيهِ علي و فاطِمةُ وابناهما (عَلَيهِم السَّلَامُ) ثمّ نادى عُمر حتّى أسمع عليّاً وفاطمة واللّه لتخرجنّ يا عليُّ ولتبايعن خليفة رسُول اللّه وإِلّا أضرمت عليك النّار فقامت فاطمة (عَلَيهَا السَّلَامُ) فقالت يا عُمرُ ما لنا ولك فقال افتحي الباب وإلّا أحرقنا عليكم بيتكُم فقالت يا عُمرُاً ما تتقي اللّه تدخُلُ على بيتي فأبى أن ينصرف ودعا عُمرُ بِالنّارِ فأضرمها فِي البابِ ثمّ دفعه فدخل فاستقبلته فاطمة (عَلَيهَا السَّلَامُ) و صاحت يا أبتاه يا رسُول اللّه فرفع عُمرُ السّيف و هُو فِي غِمدِهِ فوجاً بِهِ جنبها فصرخت يا أبتاه فرفع السوط فضرب به ذراعها فنادت يا رسُول اللّه لبئس ما خلفك أبوبكر و عمر فوثب عليّ (عَلَيهِ السَّلَامُ) فأخذ بتلابيه فصرعه و وجأ أنفه ورقبته و هم بقتله فذكر قول رسُول اللّه (صَلَّى اللّه عَلَيْهِ وَآلِهِ) و ما أوصاهُ بِهِ فقال والّذي كرّم محمّداً (صَلَّى اللّه عَلَيْهِ وَآلِهِ) بِالنُّبوة يا ابن صهاك لولاكِتابٌ مِن اللّه سبق و عهد عهد إلي رسُول اللّه (صَلَّى اللّه عَلَيْهِ وَآلِهِ) لعلمت أنك لا تدخُلُ بيتي فأرسل عُمر يستغِيثُ فأقبل الناس حتّى دخلوا الدار و ثار عليّ (عَلَيهِ السَّلَامُ) إلى سيفه فرجع قُنفُذُ إلى أبي بكرٍو هُو يتخوّفُ أن يخرج عليّ (عَلَيهِ السَّلَامُ) بسيفه لما قد عرف من بأسِهِ و شِدّتِه فقال أبوبكر لِقُنفذ ارجع فإن خرج فاقتحم عليه بيته فإن امتنع فأضرم عليهم بيتهُمُ النّار فانطلق قُنفُذُ
ص: 227
الملعُونُ فاقتحم هوو أصحابه بغير إذن وثار عليّ (عَلَيهِ السَّلَامُ) إلى سيفِهِ فسبقُوهُ إِليهِ و كاثروه فتناول بعض سيوفهم فكاثرُوهُ فألقوا فِي عُنُقِهِ حبلًا و حالت بينهم وبينه فاطِمةُ (عَلَيهَا السَّلَامُ) عند باب البيت فضربها قنفذ الملعُونُ بِالسّوط فماتت حين ماتت وإنّ فِي عضُدِها مِثل الدُّملُجِ مِن ضربتِهِ لعنهُ اللّه ثمّ انطلقُوا بِعليّ (عَلَيهِ السَّلَامُ) يتل حتّى انتُهِي بِهِ إلى أبي بكر و عُمرُ قائِمَ بِالسّيفِ على رأْسِهِ و خَالِدُ بنُ الوليد وأبو عبيدة بن الجراح وسالم مولى أبي حذيفة ومُعاذ بن جبل والمغيرة بن شعبة وأُسيدُ بنُ حُضير و بشِيرُ بنُ سعدٍ وسائِرُ النَّاسِ حول أبي بكر عليهِمُ السّلاحُ قال قُلتُ لِسلمان أدخلوا على فاطمة بغيرِ إِذنٍ قال إي واللّه وما عليها خمار فنادت يا أبتاه يا رسُول اللّه فلبئس ما خلفك أبوبكر و عُمرُو عيناك لم تتفقّأ فِي قبرك تُنادِي بأعلى صوتها فلقد رأيتُ أبابكرو من حوله يبكون ما فِيهِم إِلّا باك غير عُمرو خالِدِ بنِ الوليد و المغيرة بن شعبة و عُمَرُ يَقُولُ إِنَّا لسنا مِن النِّساء و رأيهنّ فِي شيءٍ قال فانتهوا بعليّ (عَلَيهِ السَّلَامُ) إلى أبي بكر و هُو يقُولُ أما واللّه لو وقع سيفي فِي يدي لعلمتُم أنّكُم لم تصِلُوا إلى هذا أبداً أما واللّه ما ألوم نفسِي فِي جِهادِكُم ولو كُنتُ أستمسِكُ مِن أربعين رجُلًا لفرّقتُ جماعتكُم ولكن لعن اللّه أقواماً بايعُونِي ثمّ خذلُونِي ولَما أن بصربِهِ أبوبكر صاح خلوا سبيله فقال عليّ (عَلَيهِ السَّلَامُ) يا أبا بكر ما أسرع ما توثّبتُم على رسُول اللّه (صَلَّى اللّه عَلَيْهِ وَآلِهِ) بأيّ حقّ وبأي منزلةٍ دعوت النّاس إلى بيعتِك ألم تُبايِعنِي بِالأمس بِأَمْرِ اللّه وأمرِ رسُول اللّه وقد كان قنفُذُ لعنه اللّه ضرب فاطمة (عَلَيهَا السَّلَامُ) بِالسّوطِ حِين حالت بينه وبين زوجها وأرسل إليهِ عُمرُ إن حالت بينك وبينه فاطِمةُ فاضربها فألجأها قُنفُذُ إلى عِضادة بيتها ودفعها فكسر ضلعاً من جنبها فألقت جنيناً من بطنها فلم تزل صاحبة فراش حتّى ماتت صلى اللّه عليها من ذلك شهيدةً قال ولما انتهي بعليّ (عَلَيهِ السَّلَامُ) إلى أبي بكر انتهره عُمرُو قال له بايع ودع عنك هذِهِ الأباطيل فقال له عليّ (عَلَيهِ السَّلَامُ) فإن لم أفعل فما أنتُم صانِعُون قالُوا نقتُلُكَ ذُلَّا وصغاراً فقال إِذا تقتُلُون عبد اللّه وأخا رسُول اللّه (صَلَّى اللّه عَلَيْهِ وَآلِهِ) قال أبوبكر أما عبد اللّه فنعم وأمّا أَخُورَسُولِ اللّه (صَلَّى اللّه عَلَيْهِ وَآلِهِ) فما نُقِرُّ لك بهذا قال أتجحدون أن رسُول اللّه (صَلَّى اللّه عَلَيْهِ وَآلِهِ) آخى بيني و بينه قال نعم فأعاد ذلك عليه ثلاث مرّاتٍ ثمّ أقبل عليهم عليّ (عَلَيهِ السَّلَامُ) فقال يا معشر المسلمين والمهاجرين والأنصارِ أنشُدُكُمُ اللّه أسمعتُم رسُول اللّه (صَلَّى اللّه عَلَيْهِ وَآلِهِ) يَقُولُ يوم غدير خم كذا وكذا وفي غزوة تبوك كذا وكذا فلم يدع عليّ (عَلَيهِ السَّلَامُ) شيئاً قالهُ فِيهِ
ص: 228
رسُول اللّه (صَلَّى اللّه عَلَيْهِ وَآلِهِ) علانيةً لِلعامَّةِ إِلَّا ذكرهُم إِياه فقالُوا اللّهمّ نعم فلَمّا تخوّف أبوبكر أن ينصره النّاسُ وأن يمنعُوهُ بادرهم فقال كلّ ما قلت حقّ قد سمعناه بِآذاننا و وعتهُ قُلُوبُنا ولكن قد سمعتُ رسُول اللّه (صَلَّى اللّه عَلَيْهِ وَآلِهِ) يقولُ بعد هذا إِنَّا أهل بيت اصطفانا اللّه وأكرمنا و اختار لنا الآخِرة على الدُّنيا و إن اللّه لم يكُن ليجمع لنا أهل البيتِ النُّبُوَّة والخلافة فقال عليّ (عَلَيهِ السَّلَامُ) هل أحدٌ مِن أصحاب رسُول اللّه (صَلَّى اللّه عَلَيْهِ وَآلِهِ) شهد هذا معك فقال عُمرُ صدق خليفةُ َرسُولِ اللّه قد سمعنا هذا مِنهُ كما قال وقال أبو عبيدة وسالم مولى أبي حذيفة و معاذ بن جبل قد سمعنا ذلِك مِن رسُول اللّه (صَلَّى اللّه عَلَيْهِ وَآلِهِ) فقال عليّ (عَلَيهِ السَّلَامُ) لقد وفيتُم بِصحِيفتِكُم الملعونة الّتي قد تعاقدتُم عليها فِي الكعبة إن قتل اللّه محمّداً أو مات لتزون هذا الأمر عنّا أهل البيت فقال أبوبكر فما عِلمُك بذلك ما أطلعناك عليها فقال عليّ (عَلَيهِ السَّلَامُ) أنت يا زُبير و أنت يا سلمان وأنت يا أبا ذرو أنت يا مِقدادُ أسألُكُم بِاللّه و بِالإِسلامِ أما سمِعتُم رسُول اللّه (صَلَّى اللّه عَلَيْهِ وَآلِهِ) يقولُ ذلِك وأنتم تسمعُون إِن فُلاناً وفُلاناً حتّى عد هؤلاء الخمسة قد كتبوا بينهم كتاباً وتعاهدوا فِيهِ وتعاقدوا على ما صنعُوا فقالُوا اللّهمّ نعم قد سمعنا رسُول اللّه (صَلَّى اللّه عَلَيْهِ وَآلِهِ) يقُولُ ذلِك لك إنَّهم قد تعاهدوا وتعاقدوا على ما صنعوا وكتبوا بينهم كِتاباً إِن قُتِلتُ أَو مِتُّ أن يزوُوا عنك هذا يا عليُّ فقُلتُ بِأبي أنت يا رسُول اللّه فما تأمُرُني إذا كان ذلك أن أفعل فقال لك إن وجدت عليهم أعواناً فجاهدهم و نابذهم و إن لم تجد أعواناً فبايعهم و احقن دمك فقال عليّ (عَلَيهِ السَّلَامُ) أما واللّه لو أن أُولئِك الأربعين رجُلًا الّذين بايعُونِي وفوا لي لجاهدتُكُم فِي اللّه ولكِن أما واللّه لا ينالها أحدٌ مِن عقِبِكُما إلى يوم القيامة وفيما يُكَذِّبُ قولكم على رسُول اللّه (صَلَّى اللّه عَلَيْهِ وَآلِهِ) قولُ اللّه (أَمْ يَحْسُدُونَ النَّاسَ عَلَى مَا آتَاهُمُ اللَّهُ مِنْ فَضْلِهِ فَقَدْ آتَيْنَا آلَ إِبْرَاهِيمَ الْكِتَابَ وَالْحِكْمَةَ وَآتَيْنَاهُمْ مُلْكًا عَظِيمًا) (1) فالكِتابُ النُّبُوةُ والحِكمةُ السُّنّة والملك الخلافة و نحن آل إبراهيم فقام المقداد فقال يا عليُّ بِما تأمُرُو اللّه إن أمرتني لأضر بن بسيفي و إن أمرتني كففت فقال عليّ (عَلَيهِ السَّلَامُ) کف یا مقداد و اذكر عهد رسُول اللّه (صَلَّى اللّه عَلَيْهِ وَآلِهِ) و ما أوصاك بِهِ ثمّ قُمتُ و قُلتُ والّذي نفسِي بِيدِهِ لو أنّي أعلمُ أنّي أدفعُ ضيماً و أُعِ للّه دِيناً لوضعتُ سيفي على عُنُقِ ثمّ ضربتُ بِهِ قُدماً أتثِبُون على أخِي
ص: 229
رسُول اللّه (صَلَّى اللّه عَلَيْهِ وَآلِهِ) و وصِيِّهِ و خليفتِهِ فِي أُمِّتِهِ وأَبِي وُلدِهِ فأبشروا بالبلاء واقنطوا مِن الرّخاءِ وقام أبوذر فقال أيّتُها الأُمّة المتحيّرةُ بعد نبيها المخذُولة بِعِصيانها (إِنَّ اللَّهَ اصْطَفَى آدَمَ وَنُوحًا وَآلَ إِبْرَاهِيمَ وَآلَ عِمْرَانَ عَلَى الْعَالَمِينَ * ذُرِّيَّةً بَعْضُهَا مِنْ بَعْضٍ وَاللَّهُ سَمِيعٌ عَلِيمٌ) (1) و آل محمّد (صَلَّى اللّه عَلَيْهِ وَآلِهِ) الأخلافُ مِن نُوحٍ وآل إبراهيم مِن إبراهيم والصفوة و السُّلالة من إسماعيل و عترة النّبيّ (صَلَّى اللّه عَلَيْهِ وَآلِهِ) محمّد أَهلُ بيتِ النُّبُوَّةِ و موضِعُ الرّسالة ومُختلف الملائِكَةِ وهُم كالسّماء المرفوعةِ والجِبالِ المنصوبة والكعبة المستورة والعينِ الصَّافِيةِ والنُّجُومِ الهادية و الشجرة المباركةِ أضاء نُورُها وبُورِك زيتُها محمّد خاتم الأَنبِياءِ وسيِّدُ ولدِ آدم و عليٌّ وصيّ الأوصياء وإمام المتّقين وقائِدُ الغُر المحجلين وهُو الصِّدِّيقُ الأكبرُو الفارُوقُ الأعظمُ و وصيّ محمّد (صَلَّى اللّه عَلَيْهِ وَآلِهِ) و وارِثُ عِلمِهِ وأولى النَّاسِ بِالمُؤمِنِين مِن أَنفُسِهِم كما قال اللّه تعالى (النَّبِيُّ أَوْلَى بِالْمُؤْمِنِينَ مِنْ أَنْفُسِهِمْ وَأَزْوَاجُهُ أُمَّهَاتُهُمْ وَأُولُو الْأَرْحَامِ بَعْضُهُمْ أَوْلَى بِبَعْضٍ فِي كِتَابِ اللَّهِ) (2) فقدِّمُوا من قدّم اللّه وأخِّرُوا من أخّر اللّه واجعلوا الولاية والوزارة لمن جعل اللّه فقامَ عُمْرُ فقال لأبي بكرو هُو جالس فوق المنبرِ ما يُجلِسُك فوق المنبر و هذا جالس مُحارِبٌ لا يَقُومُ فيُبايِعك أو تأمُرُبِهِ فَنَضْرِب عُنُقهُ والحسنُ والحُسين (عَلَيهِمَا السَّلَامُ) قائِمَانِ فَلَمّا سمِعا مقالة عُمر بكيا فضتهما إلى صدره فقال لا تبكيا فواللّه ما يقدِرانِ على قتل أبِيكُما وأقبلت أُمُّ أيمن حاضنة رسُول اللّه (صَلَّى اللّه عَلَيْهِ وَآلِهِ) فقالت يا أبا بكر ما أسرع ما أبديتُم حسدكُم ونفاقكُم فأمربها عُمرُ فأُخرجت من المسجِدِ وقال ما لنا وللنّساءِ وقام بُريدةُ الأسلمِيُّ وقال يا عُمرُا تَثِبُ على أخِي رسُول اللّه وأبي وُلدِهِ وأنت الّذي نعرفك فِي قريش بما نعرفك أ لستما اللذين قال لكما رسُول اللّه (صَلَّى اللّه عَلَيْهِ وَآلِهِ) انطلقا إلى عليّ (عَلَيهِ السَّلَامُ) وسلّما عليه بإمرة المؤمِنِين فقُلتُما أ عن أمر اللّه و أمرِ رسولِهِ فقال نعم فقال أبو بكر قد كان ذلك ولكنّ رسُول اللّه (صَلَّى اللّه عَلَيْهِ وَآلِهِ) قال بعد ذلك لا يجتمعُ لأهل بيتي الخلافةُ والنُّبُوةُ فقال واللّه ما قال هذا رسُول اللّه (صَلَّى اللّه عَلَيْهِ وَآلِهِ) و اللّه لا سكنتُ فِي بلدة أنت فيها أمير فأمر بِهِ عُمَرُ فَضُرِب و طرِد ثمّ قال قم يا ابن أبِي طالِب فبايع
ص: 230
فقال (عَلَيهِ السَّلَامُ) فإن لم أفعل قال إذا واللّه نضرب عُنقك فاحتج عليهم ثلاث مرّاتٍ ثمّ مد يدهُ مِن غير أن يفتح كفّه فضرب عليها أبوبكر و رضي بِذلِك مِنهُ فنادى عليّ (عَلَيهِ السَّلَامُ) قبل أن يُبايع والحبلُ فِي عُنُقِهِ (يا ابْنَ أُمَّ إِنَّ الْقَوْمَ اسْتَضْعَفُونِي وَكَادُوا يَقْتُلُونَنِي) (1) وقيل لِلزُّبير بايع فأبى فوثب عُمرُو خالِدٌ و المغيرة بن شعبة فِي أُناسٍ فانتزعُوا سيفه فضربُوا بِهِ الأرض حتّى كسرُوهُ ثمّ لبَّبُوهُ فقال الزبيرُو عُمر على صدره يا ابن صهاك أما واللّه لو أنّ سيفي فِي يدي لحِدت عنِّي فبايع قال سلمان ثمّ أخذُونِي فوجتُوا عُنُقِي حتّى تركوها كالسّلعةِ ثمّ أخذُوا يدي وفتلُوها فبايعتُ مُكرهاً ثمّ بايع أبوذرو المقداد مكرهين و ما بايع أحدٌ مِن الأُمّة مُكرهاً غير علي وأربعتِنا ولم يكُن مِنا أحدٌ أَشدّ قولًا مِن الربيرِ فَإِنَّهُ لَنا بايع قال يا ابن صُهاك أما واللّه لولا هؤلاء الطغاة الّذين أعانوك لما كُنت تُقدِمُ عليّ ومعي سيفي لما أعرِفُ مِن جُبنك و لُؤمِك و لكن وجدت طغاة تقوى بهم وتصُولُ فغضب عُمرُ و قال أتذكُرُ صهاكا [صُهاك] فقال ومن صُهاك وما يمنعُنِي مِن ذِكرِها وقد كانت صُهاك زانية أو تُنكِرُ ذلِك أو ليس قد كانت أمةً حبشِيّةً لِجدّي عبد المطلب فزنى بها جدّك نُفيل فولدت أباك الخطاب فوهبها عبد المطلب له بعد ما زنى بها فولدتهُ وإِنَّهُ لعبدُ جدّي ولدُ زِنًا فأصلح بينهما أبوبكرو كفَ كلّ واحِدٍ مِنهُما عن صاحِبِهِ قال سليم فقُلتُ لِسلمان فبايعت أبا بكريا سلمان ولم تقل شيئاً قال قد قُلتُ بعد ما بايعت تباً لكُم سائر الدهر و تدرون ما صنعتُم بِأَنفُسِكُم أصبتُم وأخطأتُم أصبتُم سُنّة من كان قبلكُم مِن الفُرقة والاختِلافِ وأخطأتُم سنة نبيّكم (صَلَّى اللّه عَلَيْهِ وَآلِهِ) حتّى أخرجتُمُوها من معدِنِها وأهلها فقال عُمريا سلمان أما إذ بايع صاحِبك و بايعت فقُل ما شئت وافعل ما بدا لك وليقُل صاحِبك ما بدا له قال سلمان فقُلتُ إِنِّي سمعت رسُول اللّه (صَلَّى اللّه عَلَيْهِ وَآلِهِ) يقُولُ إِنّ عليك وعلى صاحِبِكَ الّذي بايعتهُ مِثل ذُنُوبِ أُمَّتِهِ إلى يوم القيامة ومثل عذابهم جميعاً فقال قُل ما شئت أليس قد بايعت ولم يُقر اللّه عينك بأن يليها صاحِبُك فقُلتُ أشهدُ أنّي قد قرأتُ فِي بعض كُتُبِ اللّه المنزلة أنَّه باسمك ونسبك وصفتِك باب من أبواب جهنَّم فقال لي قُل ما شئت أليس قد أزالها اللّه عن أهل البيتِ الّذينَ اتَّخذتُمُوهُم أرباباً
ص: 231
مِن دُونِ اللّه فقُلتُ لهُ أشهدُ أنّي سمعت رسُول اللّه (صَلَّى اللّه عَلَيْهِ وَآلِهِ) يَقُولُ وسألته عن هذِهِ الآيَةِ (فَيَوْمَئِذٍ لَا يُعَذِّبُ عَذَابَهُ أَحَدٌ * وَلَا يُوثِقُ وَثَاقَهُ أَحَدٌ) (1) فأخبرني أنك أنت هُو فقال لِي عُمرُ اسكت أسكت اللّه نأمتك أيّها العبد ابن اللخناءِ فقال لي عليّ (عَلَيهِ السَّلَامُ) أقسمت عليك يا سلمان لما سكت فقال سلمان واللّه لولم يأمرني عليّ (عَلَيهِ السَّلَامُ) بِالسُّكُوتِ الخَبَرْتُهُ بِكُلِّ شيءٍ نزل فِيهِ وكُلّ شيءٍ سمِعتُهُ مِن رسُول اللّه فِيهِ وفِي صاحِبِهِ فَلَمّا رآني عُمرُ قد سكتُ قَالَ إِنَّكَ لَهُ لَطِيعٌ مُسلّم فلما أن بايع أبوذرو المقداد ولم يقُولا شيئاً قال عُمريا سلمان ألا تكف كما كف صاحِباك واللّه ما أنت بأشدّ حُبّاً لأهل هذا البيتِ مِنهُما ولا أشدّ تعظيماً لِحقِّهم منهما وقد كفا كما ترى و بايعا قال أبوذراً فتُعيِّرُنا يا عُمرُ بِحُبّ آلِ محمّد (صَلَّى اللّه عَلَيْهِ وَآلِهِ) و تعظيمهم لعن اللّه وقد فعل من أبغضهم وافترى عليهم وظلمهم حقّهم وحمل الناس على رقابهم وردّ هذهِ الأُمّة القهقرى على أدبارها فقال عُمرُ آمِين لعن اللّه من ظلمهُم حُقُوقهم لا واللّه ما لهم فيها حقّ وما هُم فِيها و عُرضُ النَّاسِ إِلَّا سواءً قال أبوذر فلم خاصمتُمُ الأنصار بحقهم وحُجّتِهم فقال عليّ (عَلَيهِ السَّلَامُ) لعُمريا ابنُ صهاك فليس لنا فيها حقّ وهي لك ولابنِ آكِلَةِ الذِّبَانِ قَالَ عُمَرُكُفَ الآن يا أبا الحسنِ إِذ بايعت فإنّ العامَّة رضُوا بِصاحِبي ولم يرضوا بك فما ذنبي قال عليّ (عَلَيهِ السَّلَامُ) ولكن اللّه و رسوله لم يرضيا إِلَّا بِي فأبشر أنت وصاحِبُك و من اتبعكما و وازركُما بِسخط من اللّه و عذابِهِ و خزيه ويلك يا ابن الخطاب لو تدري ما خرجت وفيما دخلت و ماذا جنيت على نفسك وعلى صاحِبك فقال أبوبكريا عُمرُ أمّا إذ قد بايعنا و أمِنّا شره وفتكه و غائِلتهُ فدعهُ يَقُولُ ما شاء فقال عليّ (عَلَيهِ السَّلَامُ) لستُ بِقائِل غير شيء واحِدٍ أُذكِّرُكُم اللّه أيّها الأربعةُ قال لسلمان وأبي ذرّو الزُّبير و المقداد أسمعتُم رسُول اللّه (صَلَّى اللّه عَلَيْهِ وَآلِهِ) يَقُولُ إِنَّ فِي النّار لتابوتاً من نارٍ أرى فِيهِ اثني عشر رجُلًا سِتّةً مِن الأوّلين وسِتّةً مِن الآخِرِين فِي جُةٍ فِي قعرِ جهنَّم فِي تابوتِ مُقفّل على ذلك الجُبِّ صخرة فإذا أراد اللّه أن يُسعر جهنَّم كشف تلك الصخرة عن ذلك الجُبِّ فَاستَعَرت جهنَّم مِن وهج ذلك الحبّ و مِن حرّه قال عليّ (عَلَيهِ السَّلَامُ) فسألتُ رسُول اللّه (صَلَّى اللّه عَلَيْهِ وَآلِهِ) عنهم وأَنتُم شُهُودٌ فقال (صَلَّى اللّه عَلَيْهِ وَآلِهِ) أما الأولُون فابنُ آدم الّذي قتل أخاه و فرعون الفراعنة و (الَّذِي حَاجَّ
ص: 232
إِبْرَاهِيمَ فِي رَبِّهِ) (1) و رجُلانِ مِن بَنِي إسرائيل بدلاً كِتابهم وغيّرا سُنّتهم أما أحدهما فهود اليهود والآخر نصر النصارى وإبليس سادِسُهُم والدّجّالُ فِي الآخِرِين وهؤلاء الخمسة أصحابُ الصَّحِيفَةِ الّذين تعاهدوا وتعاقدوا على عداوتك يا أخي و تظاهرُوا عليك بعدِي هذا وهذا حتّى سماهم وعدّهُم لنا قال سلمان فقُلنا صدقت نشهدُ أنا سمعنا ذلِك مِن رسُول اللّه (صَلَّى اللّه عَلَيْهِ وَآلِهِ) فقال عُثمانُ يا أبا الحسنِ أما عِند أصحابِك هؤلاء حدِيث فِي فقال له عليّ (عَلَيهِ السَّلَامُ) بلى سمعت رسُول اللّه (صَلَّى اللّه عَلَيْهِ وَآلِهِ) يلعنك ثمّ لم يستغفر اللّه لك بعد ما لعنك فغضب عُثمانُ ثمّ قال ما لي وما لك لا تدعني على حالي على عهد النّبيّ (صَلَّى اللّه عَلَيْهِ وَآلِهِ) و لا بعده فقال الزُّبير نعم فأرغم اللّه أنفك فقال عُثمانُ فواللّه لقد سمعت رسُول اللّه (صَلَّى اللّه عَلَيْهِ وَآلِهِ) يَقُولُ إِنَّ الزُّبير يُقتل مُرتدّاً عن الإسلام قال سلمان فقال لي عليّ (عَلَيهِ السَّلَامُ) فيما بيني وبينه صدق عُثمان وذلِك أنّ الزُّبير يُبايِعُنِي بعد قتلِ عُثمان فينكُثُ بيعتي فيُقتل مُرتداً قال سليم ثمّ أقبل علي سلمان فقال إنّ النَّاسِ كُلَّهُم ارتدوا بعد رسُول اللّه (صَلَّى اللّه عَلَيْهِ وَآلِهِ) غير أربعةٍ إِنّ النّاس صاروا بعد رسُول اللّه (صَلَّى اللّه عَلَيْهِ وَآلِهِ) بمنزلة هارون و من تبعه و منزِلَةِ العِجل و مَن تَبِعهُ فعليُّ فِي سُنّةِ هَارُون و عَتِيقٌ فِي سُنّةِ العِجلِ وعُمرُ فِي سُنّةِ السّامِرِي وسَمِعتُ رسُول اللّه (صَلَّى اللّه عَلَيْهِ وَآلِهِ) يقُولُ لتجِيءُ قومٌ مِن أصحابي من أهلِ العِلية والمكانة مِنِّي لِيمُرُّوا على الصِّراطِ فإذا رأيتُهم ورأوني و عرفتهم و عرفُونِي اختُلِجُوا دُونِي فأقُولُ يَا رَبِّ أَصحابِي أَصحابِي فيُقالُ لا تدري ما أحدثوا بعدك إنَّهم (ارْتَدُّوا عَلَى أَدْبَارِهِمْ) (2) حيث فارقتهم فأقُولُ بُعداً و شحقاً وسمعت رسُول اللّه (صَلَّى اللّه عَلَيْهِ وَآلِهِ) يقولُ لتركبن أُمّتي سُنّة بَنِي إسرائيل حذو النّعل بالنّعل و حذو القُذّة بالقُذّة شبراً بشبر و ذراعاً بذراع وباعاً يباع إذ التوراة والقُرآنُ كتبه يد واحِدَةٌ فِي رقّ بقلم واحِدٍ و جرتِ الأمثالُ والسُّننُ سواء. (3)
7- عن عمر بن أبي مقدام عن أبيه عن جدّه قال: ما أتى على عليّ (عَلَيهِ السَّلَامُ) يوم قطُّ أعظمُ مِن يومين أتياه فأما أوّلُ يومٍ فيوم قبض رسُول اللّه (صَلَّى اللّه عَلَيْهِ وَآلِهِ) و أما اليوم الثَّاني فواللّه إِنِّي لجالس فِي
ص: 233
سقيفة بَنِي ساعدة عن يمين أبي بكرٍو النَّاسُ يُبايِعُونه إذ قال له عُمريا هذا ليس فِي يديك شيءٌ مِنهُ ما لم يُبايِعك علي فابعث إليه حتّى يأتيك فيُبايِعك فإنّما هؤلاء رعاعٌ فبعث إليهِ قُنفذاً فقال له اذهب فقُل لِعلي أجب خليفة رسُول اللّه (صَلَّى اللّه عَلَيْهِ وَآلِهِ) فذهب قنفُذُ فما لبث أن رجع فقال لأبي بكر قال لك ما خلف رسُول اللّه (صَلَّى اللّه عَلَيْهِ وَآلِهِ) أحداً غيري قال ارجع إليه فقُل أجب فإنّ الناس قد أجمعوا على بيعتهم إياه وهؤلاء المهاجرون والأنصارُ يُبايِعُونَهُ وقُرِيضٌ وإِنَّما أَنتَ رَجُلٌ من المسلمين لك ما لهم وعليك ما عليهم وذهب إليهِ قُنفُذُ فما لبث أن رجع فقال قال لك إِنّ رسُول اللّه (صَلَّى اللّه عَلَيْهِ وَآلِهِ) قال لي و أوصاني إذا واريتُهُ فِي حُفْرَتِهِ أَن لا أَخْرُج مِن بيتِي حتّى أُولِف كتاب اللّه فإِنَّهُ فِي جرائِدِ النّخلِ وفِي أكتافِ الإِبِلِ قال قال عُمرُ قُومُوا بِنَا إِلَيهِ فقام أبوبكر و عُمرُ و عُثمانُ و خالد بن الوليد و المغيرة بن شعبة وأبو عُبيدة بن الجراح و سالم مولى أبي حذيفة و قُنفُذُوقُتُ معهم فَلَمّا انتهينا إلى الباب فرأتهم فاطِمةُ صلوات اللّه عليها أغلقت الباب فِي وُجُوهِهِم وهي لا تشُكُّ أن لا يُدخل عليها إِلَّا بِإِذنِها فضرب عُمر الباب برجله فكسره و كان مِن سعف ثمّ دخلوا فأخرجوا عليّاً (عَلَيهِ السَّلَامُ) مُلبّباً فخرجت فاطمة (عَلَيهَا السَّلَامُ) فقالت يا أبا بكر أتُرِيدُ أن تُرمِلني من زوجي واللّه لئن لم تكفّ عنه لأنشُرنّ شعرِي ولأشقن جيبي ولآتين قبر أبي و لأصيحنّ إلى ربّي فأخذت بيد الحسن والحُسين (عَلَيهِمَا السَّلَامُ) و خرجت تُرِيدُ قبر النّبيّ (صَلَّى اللّه عَلَيْهِ وَآلِهِ) فقال عليّ (عَلَيهِ السَّلَامُ) لسلمان أدرك ابنة محمّد فإنّي أرى جنبتي المدينة تكفئانِ و اللّه إن نشرت شعرها وشقّت جيبها وأتت قبر أبيها وصاحت إلى ربّها لا يُناظرُ بِالمدينة أن يُخسف بها وبمن فيها فأدركها سلمان (رضي اللّه عنه) فقال يا بنت محمّد إِنّ اللّه بعث أباك رحمةً فارجعي فقالت يا سلمان يُريدون قتل علي ما علي صبر فدعني حتّى آتي قبر أبي فأنشر شعري وأشقّ جيبي و أصيح إلى ربّي فقال سلمانُ إِنِّي أخافُ أن يُخسف بالمدينةِ وعلي بعثنِي إِليكِ يَأْمُرُكِ أن ترجِعِي إلى بيتكِ وتنصر فِي فقالت إذا أرجِعُ وأصبرُ و أسمعُ له و أطِيعُ قال فأخرجُوهُ مِن منزِلِهِ مُلبّباً و مرُّوا بِهِ على قبر النّبيّ (صَلَّى اللّه عَلَيْهِ وَآلِهِ) قال فسمِعتُهُ يَقُولُ (يا ابْنَ أُمَّ إِنَّ الْقَوْمَ اسْتَضْعَفُونِي وَكَادُوا يَقْتُلُونَنِي) (1) و جلس
ص: 234
أبوبكر فِي سقيفة بَنِي ساعدة وقدم عليّ (عَلَيهِ السَّلَامُ) فقال له عُمرُ بايع فقال له عليّ (عَلَيهِ السَّلَامُ) فإن أنا لم أفعل فمه فقال لهُ عُمرُ إِذا أضرِب واللّه عُنقك فقال لَهُ عَلِيٌّ إِذا واللّه أَكُون عبد اللّه المقتول وأخا رسُول اللّه (صَلَّى اللّه عَلَيْهِ وَآلِهِ) فقال عُمرُ أمّا عبد اللّه المقتول فنعم وأمّا أَخُورَسُولِ اللّه (صَلَّى اللّه عَلَيْهِ وَآلِهِ) فلا حتّى قالها ثلاثاً فبلغ ذلك العبّاس بن عبد المطلب فأقبل مُسرِعاً يُهرول فسمِعتُهُ يَقُولُ ارفُقُوا بِابْنِ أخِي و لكُم عليّ أن يُبايِعكُم فأقبل العباس وأخذ بيد عليّ (عَلَيهِ السَّلَامُ) فمسحها على يد أبي بكرٍ ثمّ خلّوهُ مُغضباً فسمِعتُهُ يَقُولُ و رفع رأسهُ إِلى السّماء اللّهمّ إِنَّكَ تعلمُ أن النّبيّ (صَلَّى اللّه عَلَيْهِ وَآلِهِ) قد قال لي إن تمُّوا عشرين فجاهِدهُم وهُو قولُك فِي كِتابِك (إِنْ يَكُنْ مِنْكُمْ عِشْرُونَ صَابِرُونَ يَغْلِبُوا مِائَتَيْنِ) (1) قال وسمعتُهُ يَقُولُ اللّهمّ وإِنهم لم يتمُّوا عِشرِين حتّى قالها ثلاثاً ثمّ انصرف. (2)
8- عن عمرو بن أبي المقدامِ مِثله وزادَ بعد قوله فأخرجُوهُ مِن منزِلِهِ مُلبّباً قال وأقبل الزُّبير مخترطاً سيفه وهُو يقول يا معشر بَنِي عبد المطلب أيُفعل هذا بعليّ (عَلَيهِ السَّلَامُ) و أنتم أحياء وشدّ على عُمر ليضربه بالسيف فرماه خالِدُ بنُ الوَلِيدِ بِصخرة فأصابت قفاه وسقط السيفُ مِن يدِهِ فأخذهُ عُمرُو ضربه على صخرة فانكسر و مرعلي على قبر النّبيّ (صَلَّى اللّه عَلَيْهِ وَآلِهِ) فقال يا ابن أُمّ إلى آخر الخبر. (3)
9 - عن أبي المفضّل محمّد بنِ عبدِ اللّه الشيباني بإسنادِهِ الصَّحِيحِ عن رِجالِهِ ثِقةً عن ثقة أن النّبيّ (صَلَّى اللّه عَلَيْهِ وَآلِهِ) خرج فِي مرضِهِ الّذي تُوُفِّي فِيهِ إِلى الصّلاة مُتوكِّياً على الفضلِ بنِ العباس وغُلام لهُ يُقال له ثوبان وهي الصّلاة الّتي أراد التخلف عنها لثقلِهِ ثمّ حمل على نفسه (صَلَّى اللّه عَلَيْهِ وَآلِهِ) و خرج فلما صلى عاد إلى منزله فقال لِغُلامِهِ اجلس على الباب ولا تحجب أحداً من الأنصار و تجلّاه الغشي وجاءتِ الأنصار فأحدقُوا بِالبابِ وقالوا ائذن لنا على رسُول اللّه فقال هُو مغشِي - عليهِ و عِندَهُ نِسَاؤُهُ فجعلوا يبكون فسمع رسُول اللّه (صَلَّى اللّه عَلَيْهِ وَآلِهِ) البكاء
ص: 235
فقال من هؤلاء قالُوا الأنصار فقال (صَلَّى اللّه عَلَيْهِ وَآلِهِ) من هاهنا مِن أهل بيتي قالُوا علي و العبّاسُ فدعاهما وخرج مُتوكِّئاً عليهما فاستند إلى جذع من أساطين مسجده وكان الجذعُ جريد نخلة فاجتمع النّاسُ وخطب وقال فِي كلامِهِ إِنَّهُ لم يمت ني قطُّ إِلَّا خلف تركةً وقد خلّفتُ فِيكُمُ الثّقلينِ كِتاب اللّه وأهل بيتي فمن ضيّعهم ضيّعه اللّه ألا و إِنَّ الأنصار كرشي الّتي آوِي إليها وإنِّي أُوصِيكُم بتقوى اللّه والإحسان إليهم فاقبلوا من محسنهم و تجاوزوا عن مُسِينِهِم ثمّ دعا أُسامة بن زيد فقال سر على بركة اللّه والنصر و العافية حيثُ أمرتُكَ بِمن أمرتُك عليه وكان (صَلَّى اللّه عَلَيْهِ وَآلِهِ) قد أمره على جماعة من المهاجرين والأنصارِ فِيهِم أبوبكر و عُمرُ و جماعةٌ من المهاجرين الأوّلين وأمره أن يُغيروا على مؤتة وادٍ فِي فلسطين فقال له أُسامةُ بِأبي أنت و أُمّي يا رسُول اللّه أتأذن لي فِي المقام أياماً حتّى يَشفِيَكَ اللّه فإِنِّي متى خرجتُ و أنت على هذِهِ الحالة خرجتُ وفي قلبي منك قرحة فقال أنفذ يا أُسامةُ فَإِنَّ القُعُود عَنِ الجِهَادِ لا يَجِبُ فِي حالٍ من الأحوال فبلغ رسُول اللّه (صَلَّى اللّه عَلَيْهِ وَآلِهِ) أنّ النّاس طعنُوا فِي عمله فقال رسُول اللّه (صَلَّى اللّه عَلَيْهِ وَآلِهِ) بلغني أنكُم طعنتُم فِي عملٍ أُسامة وفي عمل أبِيهِ مِن قبلُ وَايْمُ اللّه إِنَّهُ لخَلِيقٌ بِالإِمَارَةِ وَ إِنَّ أَبَاهُ كان خليقاً بها وإِنَّهُ مِن أحبِّ النَّاسِ إِلى فَأُوصِيكُم بِهِ خيراً فلئِن قُلتُم فِي إمارتِهِ فقد قال قائِلُكُم فِي إمارة أبِيهِ ثمّ دخل رسُول اللّه (صَلَّى اللّه عَلَيْهِ وَآلِهِ) إلى بيته و خرج أُسامه من يومه حتّى عسكر على رأس فرسخ من المدينة و نادى مُنادِي رسُول اللّه (صَلَّى اللّه عَلَيْهِ وَآلِهِ) أن لا يتخلف عن أُسامة أحدٌ من أمْرتُهُ عليهِ فلحق النّاسُ بِهِ و كان أوّل من سارع إليه أبوبكر و عمر و أبو عبيدة بن الجراح فنزلوا فِي زُقاق واحِدٍ مع جملة أهل العسكر قال وثقل رسُول اللّه (صَلَّى اللّه عَلَيْهِ وَآلِهِ) فجعل النَّاسُ يمن لم يكُن فِي بعث أُسامة يدخُلُون عليهِ أرسالا وسعد بن عُبادة شاكٍ فكان لا يدخُلُ أحدٌ مِن الأنصارِ على النّبيّ (صَلَّى اللّه عَلَيْهِ وَآلِهِ) إلّا انصرف إلى سعد يعوده قال وقبض رسُول اللّه (صَلَّى اللّه عَلَيْهِ وَآلِهِ) وقت الضُّحى من يوم الإثنين بعد خُرُوجِ أسامة إلى معسكره بيومين فرجع أهل العسكر و المدينة قد رجفت بأهلها فأقبل أبوبكر على ناقة له حتّى وقف على باب المسجِدِ فقال أيّها النَّاسُ ما لكُم تموجُون إن كان محمّد قد مات فربُّ محمّد (صَلَّى اللّه عَلَيْهِ وَآلِهِ) لم يمست (وَمَا مُحَمَّدٌ إِلَّا رَسُولٌ قَدْ خَلَتْ مِنْ قَبْلِهِ الرُّسُلُ أَفَإِنْ مَاتَ أَوْ قُتِلَ انْقَلَبْتُمْ عَلَى أَعْقَابِكُمْ وَمَنْ
ص: 236
يَنْقَلِبْ عَلَى عَقِبَيْهِ فَلَنْ يَضُرَّ اللَّهَ شَيْئًا) (1) ثمّ اجتمعت الأنصار إلى سعدِ بنِ عُبادة و جاءُوا بِهِ إِلى سقيفة بَنِي ساعدة فلما سمع بذلك عُمر أخبريه أبا بكرو مضيا مُسرِعين إلى السقيفة و معهما أبو عبيدة بن الجراح وفي السقيفة خلق كثِيرٌ مِن الأنصارِ وسعدُ بنُ عُبادة بينهم مرِيضٌ فتنازعُوا الأمر بينهم فآلُ الأمرُ إلى أن قال أبو بكر فِي آخر كلامِهِ لِلأَنصارِ إِنّما أدعُوكُم إلى أبي عبيدة بن الجراح أو إلى عمرو كِلاهُما قد رضِيتُ هذا الأمرِو كلاهما أراهُ لَهُ أهلًا فقال عُمرُو أبو عُبيدة ما ينبغي لنا أن نتقدّمك يا أبا بكر أنت أقدمنا إسلاماً و أنت صاحِبُ الغارِ وثاني اثنين فأنت أحق بهذا الأمر و أولانا بِهِ فقالت الأنصار نحذر أن يغلب على هذا الأمر من ليس منا ولا مِنكُم فنجعلُ مِنّا أَمِيراً و مِنكُم أميراً و نرضى بِهِ على أنهُ إِن هلك اخترنا آخر من الأنصارِ فقال أبوبكر بعد أن مدح المهاجرين و أنتُم معاشر الأنصارِ تمن لا يُنكر فضلهم ولا نعمتهم العظيمةُ فِي الإِسلامِ رضِيكُم اللّه أنصاراً لِدِينِهِ ولِرَسُولِهِ و جعل إليكُم مُهاجرتهُ وفِيكُم محل أزواجه فليس أحد من الناس بعد المهاجرين الأوّلين بمنزِلِتِكُم فهُمُ الأمراء و أنتُمُ الوزراء فقام الحُباب بن المنذر الأنصارِيُّ فقال يا معشر الأنصار أملِكُوا على أيدِيكُم وإنّما النَّاسُ فِي فِيئِكُم وظِلالِكُم ولن يجترِى مُجترِيٌّ على خِلاقِكُم ولن يصدر النَّاسُ إلّا عن رأيكُم وأثنى على الأنصار ثمّ قال فإن أبى هؤلاء تأميركُم عليهم فلسنا نرضى تأميرهم علينا و لا نقنعُ بِدُونِ أن يكُون مِنّا أَمِيرُو مِنهُم أَمِيرٌ فقام عُمرُ بنُ الخطاب فقال هيهات لا يجتمعُ سيفانِ فِي غِمَدٍ َواحِدٍ إِنَّهُ لا ترضى العرب أن تُؤْمِرَكُم ونَبِيُّها مِن غيركُم و لكن العرب لا تمتنِعُ أن تُولّي أمرها من كانتِ النُّبُوةُ فِيهِم ولنا بِذلِك على من خالفنا الحُجّةُ الظَّاهِرةُ والسُّلطانُ البيّنُ فما يُنازِعُنا فِي سُلطانِ محمّد (صَلَّى اللّه عَلَيْهِ وَآلِهِ) و نحنُ أَولِياؤُهُ و عَشِيرتُهُ إِلَّا مُدلٍ بِباطِلٍ أو مُتجانِفٌ لإثم أو مُتورّط فِي الهلاكةِ يُحِبُّ لِلفتنة فقام الحُبابُ بنُ المنذِرِ ثانيةً فقال يا معاشر الأنصار أمسِكُوا على أيدِيكُم ولا تسمعُوا مقالة هذا الجاهل وأصحابِهِ فيذهبوا بنصِيبكُم مِن هذا الأمرو إن أبوا أن يكون مِنا أمِيرُو مِنهُم أَمِيرٌ فأَجِلُوهُم عن بِلادِكُم وتولّوا هذا الأمر عليهم فأنتُم واللّه أحقُّ بِهِ مِنهُم فقد دان بأسيافكُم قبل هذا الوقتِ من لم يكُن يدِينُ بغيرها
ص: 237
و أنا جُذيلُها المحكّك وعُذيقُها المرجّبُ واللّه لئِن ردّ أحد قولي لأحطمن أنفهُ بِالسّيفِ قال عُمرُ بن الخطّابِ فَلَمّا كان الحُبابُ هُو الّذي يُجِيبُنِي لم يكن لي معه كلام فإِنَّهُ جرت بيني و بينه منازعةٌ فِي حياةِ رسُول اللّه (صَلَّى اللّه عَلَيْهِ وَآلِهِ) فنهاني رسُول اللّه (صَلَّى اللّه عَلَيْهِ وَآلِهِ) عن مهاترتِهِ فحلفتُ أن لا أُكلّمهُ أبداً ثمّ قال عُمرُ لأبي عُبيدة يا أبا عُبيدة تكلم فقام أبو عبيدة بن الجراح و تكلم بكلام كثير ذكر فِيهِ فضائل الأنصار فكان بشير بن سعدٍ سيّداً من ساداتِ الأنصار لما رأى اجتماع الأنصارِ على سعدِ بن عُبادة لتأمِيرِه حسده و سعى فِي إفسادِ الأمر عليه وتكلّم فِي ذلك ورضي بتأمِيرِ قُريش وحثّ النّاس كُلّهُم لا سيّما الأنصارِ على الرضا بما يفعله المهاجرون فقال أبوبكر هذا عُمْرُو أبو عُبيدة شيخا قُريش فبايِعُوا أيهما شِئتُم فقال عُمرُو أبو عُبيدة ما نتولّى هذا الأمر عليك امدد يدك تبايعك فقال بشِيرُ بنُ سعدٍ وأنا ثالِثُكُما وكان سيّد الأوس وسعدُ بنُ عُبادة سيّد الخزرج فلَمّا رأتِ الأوسُ صنيع بشير و ما دعت إليهِ الخزرجُ مِن تأميرِ سعد أكبُّوا على أبي بكر بالبيعة وتكاثروا على ذلك وتزاحموا فجعلوا يطئُون سعداً من شدة الزحمة وهُو بينهم على فِراشِهِ مريض فقال قتلتُمُونِي قال عُمر اقتُلُوا سعداً قتلهُ اللّه فوثب قيس بن سعد فأخذ بلحية عُمر و قال واللّه يا ابن صهاك الجبان الفرّار فِي الحُرُوبِ اللّيث فِي الملا و الأمن لو حركت مِنهُ شعرةً ما رجعت و فِي وجهك واضحةٌ فقال أبوبكر مهلا يا عُمرُ فإِنّ الرّفق أبلغ وأفضل فقال سعد يا ابن صهاك وكانت جدّة عُمر حبشِيّةً أما واللّه لو أن لي قُوّةً على النُّهوض لسمِعتُما مِنِّي فِي سككها زئيراً يُزعجك وأصحابك منها ولألحقتكما بقومٍ كُنتُم فيهم أذناباً أذلاء تابعين غير متبوعين لقد اجترأتُما يا آل الخزرج احمِلُونِي مِن مكانِ الفِتنةِ فحملُوهُ فأدخلُوهُ منزِلهُ فَلَمّا كان بعد ذلك بعث إليه أبوبكر أن قد بايع النّاسُ فبايع فقال لا واللّه حتّى أرميكُم بِكُلِّ سهم فِي كِنانتي وأخضب مِنكُم سنان رُحِي و أضرِبكُم بِسيفي ما أقلت يدي فأُقاتِلُكُم بِمن تبِعَنِي مِن أهل بيتي وعشيرتي ثمّ وايم اللّه لو اجتمع الحِنُّ والإنس علي ما بايعتكُما أيّها الغاصِبانِ حتّى أعرض على ربّي و أعلم ما حِسابي فلَمّا جاءهُم كلامُهُ قال عُمَرُ لا بُدّ مِن بَيعَتِهِ فقال بِشِيرُ بنُ سعد إنّه قد أبى ولج وليس بمبايع أو يُقتل وليس بمقتول حتّى تقتل معه الخزرج والأوس فاتركُوه و ليس تركه بضائر فقبلوا قوله وتركوا سعداً و كان سعد لا يُصلّي بِصلاتِهِم ولا يقضي. بقضائهم و لو وجد أعواناً لصال بهم و لقاتلهم فلم يزل كذلك
ص: 238
فِي ولاية أبي بكر حتّى هلك أبوبكر ثمّ وُلِي عُمرُ فكان كذلِك فخشِي سعد غائلة عُمر فخرج إلى الشّامِ فمات بحوران فِي ولايةِ عُمرو لم يُبايع أحداً و كان سبب موتِهِ أَن رُمِي بِسهم فِي اللّيل فقتله و زُعم أن الجنّ رموه وقيل أيضاً إِنَّ محمّد بن مسلمة الأنصارِيّ تولّى قتلهُ بِجُعلٍ جُعِلت لهُ عليهِ و رُوي أنَّه تولّى ذلك المغيرةُ بنُ شعبة قال وبايع جماعةٌ من الأنصار و من حضر من غيرهم و عليّ بن أبِي طالِب (عَلَيهِ السَّلَامُ) مشغول بجهاز رسُول اللّه (صَلَّى اللّه عَلَيْهِ وَآلِهِ) فلما فرغ من ذلك وصلّى على النّبيّ (صَلَّى اللّه عَلَيْهِ وَآلِهِ) و الناسُ يُصلُّون عليه من بايع أبا بكرو من لم يبايع جلس فِي المسجِدِ فاجتمع إليهِ بنُوهاشِمٍ ومعه الزُّبير بن العوامِ واجتمعت بنُو أميّة إلى عُثمان بن عفان وبنُو زُهرة إلى عبد الرحمن بن عوف فكانوا فِي المسجِدِ مُجتمعين إذ أقبل أبوبكر و عُمرُو أبو عُبيدة بن الجراح فقالوا ما لنا نراكُم حلقاً شتّى قُومُوا فبايِعُوا أبا بكر فقد بايعه الأنصار و النّاسُ فقام عُثمان وعبد الرحمن بن عوف و من معهما فبايعوا و انصرف عليّ (عَلَيهِ السَّلَامُ) وبنُوهاشِمٍ إلى منزل عليّ (عَلَيهِ السَّلَامُ) و معهُمُ الرُّبير قال فذهب إليهم عُمر فِي جماعةٍ ممّن بايع فيهم أُسيد بن حضير و سلمة بن سلامة فالفوهُم مُجتمعين فقالُوا لهم بايِعُوا أبا بكر فقد بايعه النّاسُ فوثب الرُّبيرُ إِلى سيفِهِ فقال عُمرُ عليكُم بالكلب فاكفونا شرّه فبادر سلمة بن سلامة فانتزع السّيف مِن يدهِ فأخذهُ عُمرُ فضرب بِهِ الأرض فكسره وأحد قُوا بِمن كان هناك من بَنِي هاشم و مضوا بجماعتهم إلى أبي بكر فلما حضروا قالُوا بايعوا أبا بكر فقد بايعه النَّاسُ وايم اللّه لين أبيتُم ذلك لنُحاكِمنّكُم بِالسّيفِ فَلَمَّا رأى ذلِك بنُوهاشِمٍ أقبل رجُلٌ رجُلٌ فجعل يُبايِعُ حتّى لم يبق من حضر إلّا عليّ بن أبِي طالِب (عَلَيهِ السَّلَامُ) فقال له بايع أبابكر فقال علي أنا أحق بهذا الأمرِ مِنهُ وأَنتُم أولى بالبيعةِ لِي أخذتُم هذا الأمر من الأنصار و احتججتُم عليهم بالقرابة مِن رسُول اللّه وتأخُذُونَهُ مِنّا أهل البيتِ غصباً أ لستُم زعمتُم لِلأَنصارِ أنْكُم أولى بهذا الأمرِ مِنهُم لِمكانِكُم مِن رسُول اللّه (صَلَّى اللّه عَلَيْهِ وَآلِهِ) فأعطوكُمُ المقادة وسلّمُوا لكُمُ الإمارة و أنا أحتج عليكُم بِمثل ما احتججتُم على الأنصار أنا أولى بِرسُولِ اللّه حياً وميتاً و أنا وصيه و وزيره و مُستودعُ سِرِّهِ و عِلمِهِ و أنا الصِّدِّيقُ الأكبر أول من آمن بِهِ و صدقه وأحسنُكُم بلاءً فِي جهادِ المشركين و أعرفُكُم بِالكِتابِ والسُّنّةِ وأفقهُكُم فِي الدِّينِ و أعلمُكُم بعواقب الأُمُورِ وأذربُكُم لِساناً وأثبتُكُم جناناً فعلام تُنازِعُونَا هذا الأمر أنصِفُونا إن كُنتُم تخافون اللّه مِن أَنفُسِكُم واعرِفُوا
ص: 239
لنا من الأمر مثل ما عرفته الأنصار لكُم و إِلَّا فبُوءُوا بِالظُّلم وأنتم تعلمون فقال عُمرُاً ما لك بِأَهلِ بيتِكِ أسوةٌ فقال عليّ (عَلَيهِ السَّلَامُ) سلُوهُم عن ذلك فابتدر القومُ الّذين بايعُوا مِن بَنِي هاشم فقالُوا ما بيعتنا بِحُجّة على عليّ (عَلَيهِ السَّلَامُ) و معاذ اللّه أن نقُول إِنَّا نُوازِيهِ فِي الهِجرة و حُسنِ الجِهادِ والمحلِ مِن رسُول اللّه (صَلَّى اللّه عَلَيْهِ وَآلِهِ) فقال عُمرُ إِنَّك لست متروكاً حتّى تبايع طوعاً أو كرهاً فقال عليّ (عَلَيهِ السَّلَامُ) احلب حلباً لك شطره اشدد له اليوم ليرة عليك غداً إذا واللّه لا أقبل قولك ولا أحفل بِمقامك ولا أُبايع فقال أبوبكر مهلا يا أبا الحسنِ ما نُشدّدُ عليك ولا تكرهك فقام أبو عُبيدة إلى علي فقال يا ابن عم لسنا ندفع قرابتك ولا سابقتك ولا علمك ولا نُصرتك ولكنّك حدث السن وكان لعليّ (عَلَيهِ السَّلَامُ) يومئذ ثلاث و ثلاثون سنةً وأبوبكر شيخ مِن مشايخ قومِك وهُو أحمل لثقل هذا الأمر وقد مضى الأمرُ بِما فِيهِ فسلّم لهُ فإن عمرك اللّه لسلّمُوا هذا الأمر إليك ولا يختلف عليك اثنان بعد هذا إلّا وأنت بِهِ خليق وله حقيق ولا تبعث الفتنة قبل أوان الفتنة قد عرفت ما فِي قُلُوبِ العرب وغيرهم عليك فقال أمير المؤمنين (عَلَيهِ السَّلَامُ) يا معاشر المهاجرين والأنصار اللّه اللّه ! لا تنسوا عهد نبيّكم إليكُم فِي أمرِي ولا تُخْرِجُوا سُلطان محمّد مِن دارِهِ و قعرِ بيتِهِ إِلى دُورِكُم و قعرِبُيُوتِكُم وتدفعُوا أهله عن حقه و مقامِهِ فِي النَّاسِ يا معاشر الجمعِ إِنّ اللّه قضى وحكم ونبيه أعلمُ وأَنتُم تعلمون إِنَّا أهل البيتِ أحقُّ بِهذا الأمرِ مِنكُم أما كان مِنّا القارِئُ لِكِتابِ اللّه الفَقِيهُ فِي دِينِ اللّه المضطلِعُ بِأَمْرِ الرّعيّةِ واللّه إِنَّهُ لفينا لا فِيكُم فلا تتَّبِعُوا الهوى فتزدادُوا مِن الحقّ بُعداً و تُفسِدُوا قديمكُم بِشر من حدِيثِكُم فقال بشير بن سعد الأنصارِيُّ الّذي وطأ الأمر لأبي بكر و قالت جماعة الأنصارِ يا أبا الحسن لو كان هذا الكلام سمعته الأنصارُ مِنك قبل الانضمام لأبي بكرما اختلف فيك اثنان فقال عليّ (عَلَيهِ السَّلَامُ) يا هؤلاء أكُنتُ أدعُ رسُول اللّه (صَلَّى اللّه عَلَيْهِ وَآلِهِ) مُسجِّى لا أُوارِيهِ وأَخْرُجُ أَنازِعُ فِي سُلطانِهِ واللّه ما خِفْتُ أحداً يسمولهُ ويُنازِعُنا أهل البيتِ فِيهِ ويستحِلُّ ما استحللتُمُوهُ ولا علمتُ أنّ رسُول اللّه (صَلَّى اللّه عَلَيْهِ وَآلِهِ) تَركَ يوم غدِيرِخُمّ لأحدٍ حُجّةً ولا لِقائِل مقالًا فأنشُدُ اللّه رَجُلًا سمع النّبيّ (صَلَّى اللّه عَلَيْهِ وَآلِهِ) يوم غدِيرِخُمّ يَقُولُ من كُنتُ مولاه فهذا علي مولاه اللّهمّ وال من والاه و عاد من عاداه وانصر من نصره واخذُل من خذله أن يشهد بما سمع قال زيد بن أرقم فشهد اثنا عشر رجُلًا بدرِيّاً بذلِك وكُنتُ ممّن سمع القول مِن رسُول اللّه (صَلَّى اللّه عَلَيْهِ وَآلِهِ) فكتمتُ الشّهادة يومئِذٍ
ص: 240
فذهب بصري قال وكثر الكلام فِي هذا المعنى وارتفع الصّوتُ و خشِي عُمرُ أَن يُصغى إلى قولِ عليّ (عَلَيهِ السَّلَامُ) ففسخ المجلس وقال إنّ اللّه تعالى يُقلّبُ القُلُوب والأبصار ولا يزال يا أبا الحسن ترغب عن قول الجماعة فانصرفوا يومهم ذلك. (1)
21 - عن جعفر بن محمّد (عَلَيهِمَا السَّلَامُ) قال: واللّه ما بايع عليّ (عَلَيهِ السَّلَامُ) حتّى رأى الدخان قد دخل بيته. (2)
1- عن أبي عبدِ اللّه جعفر بن محمّد (عَلَيهِ السَّلَامُ)، قال:
ولدت فاطمة (عَلَيهَا السَّلَامُ) فِي جمادى الآخرة يوم العِشرِين منه، سنة خمس وأربعين من مولد النّبيّ (صَلَّى اللّه عَلَيْهِ وَآلِهِ).
وأقامت بمكّة ثمان سنين وبالمدينة عشرسنين وبعد وفاة أبيها خمسةً وسبعين يوماً.
وقبضت فِي جمادى الآخِرَةِ يوم الثلاثاءِ لِثلاث خلون مِنهُ، سنة إحدى عشرة من الهجرة.
و كان سبب وفاتها أن تُنفذاً مولى عُمر لكزها بنعل السّيفِ بِأمره، فأسقطت مُحسناً و مرضت من ذلك مرضاً شديداً، ولم تدع أحداً ممّن آذاها يدخُلُ عليها.
و كان الرّجُلانِ مِن أصحاب النّبيّ (صَلَّى اللّه عَلَيْهِ وَآلِهِ) سألا أمير المؤمنين أن يشفع لهما إليها، فسألها أمِيرُ المؤمِنِين (عَلَيهِ السَّلَامُ) فأجابت، فلَمّا دخلا عليها قالا لها كيف أنتِ يا بنت رسُول اللّه ؟
قالت: بخير بحمد اللّه.
ثمّ قالت لهما: ما سمِعتُما النّبيّ (صَلَّى اللّه عَلَيْهِ وَآلِهِ) يقُولُ: «فاطمة بضعةٌ مِنِّي، فمن آذاها فقد آذاني، و من آذاني فقد آذى الله» ؟ قالا: بلى.
قالت: فواللّه لقد أذيتُماني.
قال: فخرجا من عِندِها وهي ساخطة عليهما. (3)
ص: 241
2 - قال ابنُ عبّاس: فلما اشتدّت علّتُها (عَلَيهَا السَّلَامُ) قالَ عمرُ لأبي بكر: إذهب بنا حتّى نَعودَ فاطمةَ بنت محمّد (عَلَيهَا السَّلَامُ). فجاءا إلى أمير المؤمنين (عَلَيهِ السَّلَامُ) فسلّما عَليه وقالا له: إسْتَأْذِنَ لَنا عَلى بنتِ محمّد.
قال: أَفعَل و دخَلَ إليها فقال لها: يا بنتَ عمّي هَذا أبوبكر و عُمرقد جاءَا يعودانَكِ.
فقالت: لا وَاللّه لَا آذَنُ لَهما قالَ: فإنّي قَد ضَمنت لهما ذلكَ عَليكِ. قالت: أَمَّا أَنَا فَلَا آذَنُ لَهُما و البيت بيتك، والنِّساء معَ الرّجالِ، فَأبدر مَن أَحبَبت. فَأَذن لَهَمَا فَدخلا، فَسَلَّما عَليها فَلَم تَرَدَّ (عَلَيهِمَا السَّلَامُ)، وقالت: أنشدكما اللّه هل سمعتُما رسُول اللّه (صَلَّى اللّه عَلَيْهِ وَآلِهِ) يقُول: «فاطمةُ بَضعةٌ مي فَمَن آذاها فقد آذاني» قالا: نعم.
قالت: فَأَنشدكما اللّه هَل سَمعتُما رسُول اللّه (صَلَّى اللّه عَلَيْهِ وَآلِهِ) يقولُ: «فاطمةُ بَضعةٌ مِنِّي فَمَن أَسخَطَها فَقَد أَسخَطَني» قالا: نَعَم. فقالت: أنشدكما اللّه هل سمعتُما رسُول اللّه (صَلَّى اللّه عَلَيْهِ وَآلِهِ) يقولُ:
«فاطمة بضعةٌ مِنِّي مَن أَرضاها فقد أَرضاني» قال: نعم. قالت: فإِنِّي أشهد اللّه تعالى أنَّكما قد آذيتُماني و أسخطتُماني وما أَرضَيتُماني، واللّه لا أنازعُكما الفضيع مِن فِعلكما حتّى أَلقى رَبِّي و أَلقَ رسُول اللّه (صَلَّى اللّه عَلَيْهِ وَآلِهِ) فَأَشكوكما إليهما فإنّه أخبرني أبي (صَلَّى اللّه عَلَيْهِ وَآلِهِ) إِنِّي أَوَّل لاحق بِه مِن أهله (1)
3 - عن عليّ بن أسباط رفعه إلى الرضا (عَلَيهِ السَّلَامُ) أنّ رجُلا مِن أولاد البرامكة عرض لعلي بن موسى الرضا (عَلَيهِمَا السَّلَامُ) فقال له ما تقُولُ فِي أبي بكر قال له سُبحان اللّه والحَمدُ للّه ولا إِلَهَ إِلَّا اللّه واللّه أكبر فالح السّائلُ عليه فِي كشف الجوابِ فقال (عَلَيهِ السَّلَامُ) كانت لنا أُمّ صالحةٌ ماتت و هي عليهما ساخِطةٌ ولم يأتِنا بعد موتِها خبرٌ أَنّها رضيت عنهما. (2)
ص: 242
1 - أبانُ بنُ أَبي عياش قال لي أبو جعفر (عَلَيهِ السَّلَامُ) ما لقينا أهل البيتِ مِن ظُلمِ قُريش وتظاهرهم علينا وقتلهم إيانا و ما لقيت شيعتنا و مُحِبُّونا مِن النّاسِ إِنّ رسُول اللّه (صَلَّى اللّه عَلَيْهِ وَآلِهِ) قبض وقد قام بحقنا و أمر بطاعتنا و فرض ولايتنا و مودتنا و أخبرهُم بِأَنَّا أولى بهم مِن أَنفُسِهِم وأمر أن يُبلّغ الشَّاهِدُ الغائب فتظاهرُوا على عليّ (عَلَيهِ السَّلَامُ) فاحتج عليهم بما قال رسُول اللّه (صَلَّى اللّه عَلَيْهِ وَآلِهِ) فِيهِ و ما سمعتِ العامَّة فقالُوا صدقت قد قال رسُول اللّه (صَلَّى اللّه عَلَيْهِ وَآلِهِ) و لكن قد نسخه فقال إنا أهلُ بيت أكرمنا اللّه عزّو جلّ واصطفانا ولم يرض لنا بالدُّنيا وإنّ اللّه لا يجمعُ لنا النُّبُوّة والخلافة فشهد له بذلك أربعة نفر عمرُ و أبو عُبيدة ومُعاذ بن جبل و سالم مولى أبي حذيفة فشبّهوا على العامَّة وصدّقُوهُم وردُّوهُم على أدبارهم و أخرجوها من معدِنِها حيث جعلها اللّه واحتجوا على الأنصار بحقنا فعقدوها لأبي بكر ثُم ردّها أبوبكر إلى عُمر يُكافِيهِ بِها ثمّ جعلها عمر شورى بين ستّةٍ ثمّ جعلها ابنُ عوفٍ لِعُثمان على أن يرُدّها عليهِ فغدر بِهِ عُثمانُ وأظهر ابنُ عوفٍ كُفره و جهله و طعن فِي حياتِهِ وزعم أن عُثمان سمهُ فمات ثمّ قام طلحة والزُّبير فبايعا عليّاً (عَلَيهِ السَّلَامُ) طائِعين غير مكرهين ثمّ نكثا وغدرا و ذهبا بعائشة معهما إلى البصرة ثمّ دعا مُعاوِيةُ طُغاة أهل الشّامِ إِلى الطلبِ بِدمِ عُثمان و نصب لنا الحرب ثمّ خالفه أهلُ حروراء على أن يحكّم كِتاب اللّه وسنّة نبيّه (صَلَّى اللّه عَلَيْهِ وَآلِهِ) فلو كانا حكما بما شُرِط عليهما لحكما أن علياً أمير المؤمنين (عَلَيهِ السَّلَامُ) فِي كِتابِ اللّه وعلى لسان نبيّه (صَلَّى اللّه عَلَيْهِ وَآلِهِ) وفي سُنّتِهِ فخالفه أهلُ النّهروان وقاتلوه. (1)
1- عن الحسن بن عليّ بن أبي حمزة عن أبيه قال: سألتُ أبا عبدِ اللّه (عَلَيهِ السَّلَامُ) لِأَيِّ عِلَّةٍ دُفِنت فاطمة (عَلَيهَا السَّلَامُ) باللّيل ولم تُدفن بالنهار قال لأنها أوصت أن لا يُصلّى عليها الرجلان الأعرابيان (2).
ص: 243
2 - عن ابن نباتة قال: سُئل أمير المؤمنين عليّ بن أبِي طالِب (عَلَيهِ السَّلَامُ) عَن عَلَّة دَفنِه فاطمةَ بنتِ رسُول اللّه (صَلَّى اللّه عَلَيْهِ وَآلِهِ) ليلاً ؟ فقالَ: إِنّها كانت ساخطةٌ عَلى قوم كرهت حضورهم جنازتها، و حرامٌ عَلى مَن يَتولَّاهُم أَن يصلِّيَ عَلَى أَحدٍ مِن وُلِدِها. (1)
3 - روى النيشابوري فِي روضة الواعظين أنَّه قال أمير المؤمنين (عَلَيهِ السَّلَامُ) لفاطمة (عَلَيهَا السَّلَامُ) عند وفاتها : أوصينِي بِما شِئتِ فَإِنَّكِ تجديني وفِياً أُمضِي كلّ ما أمرتني بِهِ وأختارُ أمركِ على أمرِي ثمّ قالت جزاك اللّه عني خير الجزاء يا ابن عمّ أُوصيك أولا أن تتزوج بعدِي بِابنةِ أُمامة فإنّها تكُونُ لِوُلدِي مِثلي فإِنّ الرّجال لا بُدّ هُم مِن النِّساء قال فمن أجل ذلِك قال أمير المؤمنين (عَلَيهِ السَّلَامُ) أربعة ليس إلى فراقهِنَّ سَبِيلٌ بِنتُ أُمامة أوصتني بها فاطِمةُ ثمّ قالت أُوصِيك يا ابن عمّ أن تتخذ لي نعشاً فقد رأيتُ الملائكة صوّرُوا صُورتهُ فقال لها صِفِيهِ إِليّ فوَصَفَتهُ فَاتَّخَذَهُ لها فأوّلُ نعش عُمِل فِي وجه الأرض ذلك وما رأى أحد قبله ولا عمل أحدٌ ثمّ قالت أُوصِيك أن لا يشهد أحدٌ جِنازِتِي مِن هؤلاءِ الّذين ظلموني وأخذُوا حتي فإنّهم أعدائي وأعداء رسُول اللّه (صَلَّى اللّه عَلَيْهِ وَآلِهِ) و أن لا يُصلّي عليّ أحدٌ مِنهُم ولا من أتباعهم وادفِنِي فِي اللّيل إِذا هدأتِ العُيُونُ و نامتِ الأبصار (2).
1- عن زيد بن علي عن آبائه (عَلَيهِم السَّلَامُ) قالُوا: لما بلغ فاطمة (عَلَيهَا السَّلَامُ) إجماع أبي بكر على منعها فدك، وانصرف عامِلُها مِنها لاثت خمارها ثمّ أقبلت فِي لمةٍ من حفدتها ونساء قومها، تطأُ ذُيُولها، ما تخرِمُ مِشية رسُول اللّه (صَلَّى اللّه عَلَيْهِ وَآلِهِ) حتّى دخلت على أبي بكر و قد حقل حوله المهاجرون والأنصار، فنيطت دونها مُلاءةٌ، ثمّ أنت أنّةً أجهش لها القومُ بِالبُكاءِ ثمّ أُمهلتُ حتّى هدأت فورتُهم وسكنت روعتهم وافتتحت الكلام، فقالت:
«أبتدِئُ بِالحَمدِ لِمن هُو أولى بالحمد والمجد والطول ثمّ قالت: «الحمد للّه على ما أنعم، وله الشُّكرُ على ما ألهم، والتّناءُ على ما قدّم مِن عُمُومِ نِعم ابتداها، وسُبُوعِ آلاء أسداها، وإحسانِ
ص: 244
منن والاها، جمّ عن الإحصاء عددها، ونأى عن المجازاة أمدها و تفاوت عن الإدراك أبدها، استدعى الشَّكُورُ بِإفضالها، واستحمد إلى الخلائق بإجزالها، وأمر بالندب إلى أمثالها.
وأشهدُ أن لا إله إِلَّا اللّه كَلِمَةٌ جُعِل الإخلاص تأويلها وضمِن القُلُوبُ موصولها، وأبان فِي الفكرِ معقولها، الممتنع من الأبصارِ رُؤيتُهُ، وَ مِن الألسنِ صِفتُهُ، و من الأوهام الإحاطة به، ابتدع الأشياء لا من شيء كان قبلها، وأنشأها بِلا احتذاء أمثلة [امتثلها]، وضعها لغير فائدة زادته، بل إظهاراً لِقُدرتِهِ، وتعبداً لبريّتِهِ، و إعزازاً لأهل دعوتِهِ، ثمّ جعل الثّوابِ على طاعتِهِ، ووضع العقاب على معصيتِهِ، ذِيادةً لِعِبادِهِ عن نقِمَتِهِ، و حِياشةً لهُم إِلى جنّتِهِ.
وأشهدُ أنّ أبي محمّداً عبده ورسوله، اختاره قبل أن يجتبله، واصطفاه قبل أن يبتعثه، وسماه قبل أن يستنجبه، إذ الخلائِقُ فِي الغيب مكنونةٌ، وبِسدِّ الأوهام مصونة، وبنهاية العدمِ مقرُونةٌ، علماً مِن اللّه فِي عَامِضِ الأُمُورِ، وإحاطة من وراء حادثةِ الدُّهُورِ، و معرِفةٌ بِمواقع المقدُورِ.
ابتعثه اللّه إتماماً لِعِلمِهِ، وعزيمة على إمضاء حكيهِ، فرأى الأُمم فرقاً فِي أديانها، عكفاً على نيراها، عابدةً لأوثانِها، مُنكِرَةً للّه مع عِرفانِها، فأنار اللّه بمحمّد ظلمها، وفرّج عنِ القُلُوبِ بهمها، و جلا عنِ الأبصارِ عمهها و عنِ الأَنفُسِ عُممها.
ثمّ قبضه اللّه إليه قبض رأفة ورحمة، واختيار و رغبةٍ لمحمّد عن تعب هذِهِ الدّارِ، موضوعاً عنه أعباء الأوزارِ محفُوفاً بِالملائكة الأبرار، ورِضوانِ الرّبِ الغفّارِ ومُجاورة الملكِ الجبار؛ أمِينُهُ على الوحي، وصفيه ورضيه، و خيرتُهُ مِن خلقه ونجيه، فعليه الصّلاة والسلام ورحمة اللّه و بركاته».
ثمّ التفتت إلى أهلِ المجلس فقالت لجميعِ المهاجرين والأنصار:
«و أنتُم عِباد اللّه نُصب أمره ونهيه و حملةً دِينِهِ ووحيهِ، و أُمناء اللّه علَى أَنفُسِكُم، وبُلغاؤُهُ إِلى الأُمم، زعيم اللّه فِيكُم، وعهد قدّمه إليكم وبقيّةٌ استخلفها عليكُم: كِتابُ اللّه، بينةٌ بصائره، و آيّ مُنكَشِفةٌ سرائِرُهُ، وبُرهان فينا مُتجلّيةٌ ظواهِرُهُ، مُدِيمٌ لِلبريّة استماعُهُ وقائِدٌ إِلى الرِّضوانِ أتباعه، ومُؤد إلى النّجاةِ أشياعه، فِيهِ تبيانُ حُجج اللّه المنورة، ومواعظه المكررة، وعزائمه المفسّرة ومحارِمِهِ المحذرة، وأحكامه الكافية، وبيّناتِهِ الجالية، وفضائله المندوبة، و رُخصهِ الموهوبة، و رحمتِه المرجوة، وشرائعه المكتوبة.
ص: 245
ففرض اللّه عليكُمُ الإيمان تطهيراً لكُم مِن الشّرك؛ والصّلاة تنزيهاً لكُم عن الكبر؛ والزكاة تزييداً فِي الرزق؛ والصيام إثباتاً للإخلاص؛ والحجّ تشييداً للدِّينِ؛ والحق تسكيناً للقُلُوبِ، و تمكيناً لِلدّين، وطاعتنا نظاماً لِلمِلّة، وإمامتنا لَمَّا لِلفُرقة، والجهاد عِزّاً للإسلام، والصبر معُونةً على الإستيجاب، والأمر بالمعرُوفِ مصلحةً لِلعامة، والنهي عن المنكرتنزيهاً للدين، و البرّ بالوالدين وقايةً مِن السّخط، وصلة الأرحام منماةً لِلعددِ، وزيادةً فِي العُمُرِ، والقصاص حقّنا للدماء، والوفاء بالنُّذُورِ تعرُّضاً للمغفرة ووفاء المكيال و الميزان تغييراً للبخس و التطفيف، واجتناب قذف المحصنة حِجاباً عن اللعنة، والتناهي عن شُرِبِ الخُمُورِ تنزيهاً عَنِ الرّجس، ومُجانبة السّرقة إيجاباً لِلعِفّةِ، والتنزه عن أكل مال اليتيم والاستئثار بِهِ إِجارة من الظلم، والنهي عنِ الزّنا تحصُّناً من المقت، والعدل فِي الأحكام إيناساً للرعيّة، وترك الجور فِي الحكمِ إِثباتاً لِلوعِيدِ، والنهي عنِ الشِّرْكِ إِخلاصاً لهُ بِالرُّبُوبِيَّةِ.
فاتَّقُوا اللّه حقّ تُقاتِهِ، ولا تَمُوتُنَّ إِلَّا و أنتُم مُسلِمُون، ولا تتولّوا مُدبِرِين، وأطِيعُوهُ فِيما أمركُم و نهاكُم، فإنّما يخشى اللّه مِن عِبادِهِ العُلماءُ، فاحمدوا اللّه الّذي بِعظمتِهِ و نُورِهِ ابتغى من فِي السّماواتِ و من فِي الأَرْضِ إِليهِ الوسيلة، فنحنُ وسيلتُهُ فِي خلقِهِ، ونحنُ آلُ رَسُولِهِ، ونحنُ حُجَّةُ غيبه، وورثة أنبيائِهِ».
ثمّ قالت:
«أنا فاطمة وأبي محمّد، أقولها عوداً على بدء، و ما أقُولُ إِذ أقُولُ سرفاً و لا شططاً (لَقَدْ جَاءَكُمْ رَسُولٌ مِنْ أَنْفُسِكُمْ عَزِيزٌ عَلَيْهِ مَا عَنِتُّمْ حَرِيصٌ عَلَيْكُمْ بِالْمُؤْمِنِينَ رَءُوفٌ رَحِيمٌ﴾ (1) إِن تُعزُوهُ تَجِدُوهُ أبي دُون نِسائِكُم، وأخا ابن عمّي دُون رِجالِكُم، بلغ النذارة صادِعاً بالرسالة، ناكِباً عن سننِ المشركين، ضارباً لأثباجهم، آخذاً بأكظامهم، داعياً إلى سبيل ربّه بالحكمة والموعظة الحسنة، يجد الأصنام، وينكتُ الهام، حتّى انهزم الجمعُ، وولّوا الدُّبُر، وحتى تفرّى اللّيل عن صُبحهِ، و أسفر الحقّ عن محضه، ونطق زعيمُ الدّين، وهدأت فورةُ الكُفر، وخرست شقاشِقُ الشّيطان، و فهم بكلمة الإخلاص.
ص: 246
وكُنتُم على شفا حفرة من النّارِ، فأنقذكُم مِنها نبيُّه، تعبُدُون الأصنام، وتستقسِمُون بالأزلام، مذقة الشارب، و نُهزة الطّامع و قبسة العجلان، ومُوطِئ الأقدام، تشربون الزنق، وتقتاتون القدة، أذِلَّةٌ خاشِعِين، تخافُون أن يتخطفكُمُ النّاسُ مِن حولِكُم فأنقذكُم بِنبِيِّهِ محمّد (صَلَّى اللّه عَلَيْهِ وَآلِهِ) بعد اللّتيا والّتي، وبعد ما مُنِي بِبُهم الرّجالِ، و ذئبانِ العرب، (كُلَّمَا أَوْقَدُوا نَارًا لِلْحَرْبِ أَطْفَأَهَا اللَّهُ) (1)، أو نجم قرنُ الضَّلالة، أو فغرت فاغرة المشركين، قذف أخاه فِي لهواتها، فلا ينكفى حتّى يطأ صُماخها بِأخمصه، ويُخمِد لهبها بحدِهِ، مكدوداً فِي ذاتِ اللّه، قريباً مِن رسُول اللّه، سيّداً فِي أولياء اللّه، وأنتُم فِي بُلهنِيةٍ آمِنُون، وادِعُون فَرِحُون، تتوكَّفُون الأخبار، وتنكُصُون عِند النزال على الأعقاب حتّى أقام اللّه بِمحمّد (صَلَّى اللّه عَلَيْهِ وَآلِهِ) عمود الدِّينِ.
فلَمّا اختار اللّه (عزّ وجلّ) له دار أنبيائه و مأوى أصفيائه، ظهرت حسيكةُ النّفاق، وانسمل جلبابُ الدِّينِ، وأخلق ثوبه، و نحل عظمُه وأودت رُمّتُهُ، وظهر نابغ، ونبغ خامل، ونطق كاظم، وهدر فنِيقُ الباطِلِ يخطرُ فِي عرصاتِكُم، وأطلع الشّيطانُ رأسهُ مِن مُعرَسِهِ صارخاً بِكُم، فألفاكُم غُضّاباً، فخطمتُم غير إبلِكُم، وأوردتموها غير شُربكُم بِداراً، زعمتُم خوف الفتنة (أَلَا فِي الْفِتْنَةِ سَقَطُوا وَإِنَّ جَهَنَّمَ لَمُحِيطَةٌ بِالْكَافِرِينَ) (2).
هذا و العهد قريب و الكلم رحيب و الجُرحُ لما يندمل، فهيهات مِنكُم، وأين بِكُم، وأنّى تُؤفَكُون، وكِتابُ اللّه بين أظهرِكُم زواجِره لائحة و أوامره لايحةٌ، ودلائِلُهُ واضِحةٌ، وأعلامه بينةٌ، وقد خالفتُمُوهُ رغبةً عنه، فبئس لِلظَّالِمين بدلًا، ثمّ لم تلبثوا إلّا ريث أن تسكُن نفرتُها، و يسلس قيادها، تُسِرُّون حسواً بارتغاء، أو نصبِرُ مِنكُم على مِثل حزّ المدى، وزعمتم أن لا إرث لنا، أفحُكم الجاهليّة تبغُون، و من أحسنُ مِن اللّه حُكماً لِقومٍ يُوقِنُون (وَمَنْ يَبْتَغِ غَيْرَ الْإِسْلَامِ دِينًا فَلَنْ يُقْبَلَ مِنْهُ وَهُوَ فِي الْآخِرَةِ مِنَ الْخَاسِرِينَ)(3).
أيهاً معشر المسلمين؛ أ ابتزارت أبي يا ابن أبي قحافة؟! أبى اللّه (عزّ و جلّ) أن ترث أباك ولا أرث
ص: 247
أبي ؟! لقد جئت شيئاً فرِيّاً، جُرأةٌ مِنكُم على قطيعة الرحم، ونكث العهد، فعلى عمد ما تركتُم كِتاب اللّه بين أظهرِكُم ونبذتُمُوهُ، إِذ يَقُولُ اللّه (عزّوجلّ):
(وَوَرِثَ سُلَيْمَانُ دَاوُودَ)(1).
و مع ما قص من خبرِيحي و زكريا إذ يقُولُ ربِ.. (فَهَبْ لِي مِنْ لَدُنْكَ وَلِيًّا * يَرِثُنِي وَيَرِثُ مِنْ آلِ يَعْقُوبَ وَاجْعَلْهُ رَبِّ رَضِيًّا). (2)
وقال عزّوجلّ: ﴿يُوصِيكُمُ اللَّهُ فِي أَوْلَادِكُمْ لِلذَّكَرِ مِثْلُ حَظِّ الْأُنْثَيَيْنِ)(3) وقال (تعالى): (إِنْ تَرَكَ خَيْرًا الْوَصِيَّةُ لِلْوَالِدَيْنِ وَالْأَقْرَبِينَ)(4).
فزعمتُم أن لا حظ لي ولا أرث من أبي ! أفخصّكُمُ اللّه بِآيَةٍ أخرج أبي منها ؟! أم تَقُولُون أهل ملتين لا يتوارثون ؟! أو لستُ وأبى من أهل مِلّةٍ واحدةٍ؟! أم أنتم بخصوص القُرآنِ وعُمُومِهِ أعلمُ مِن النّبيّ ؟ ! دونكها مرحولةً مزمومةٌ تلقاك يوم حشرك، فنعم الحكمُ اللّه ونعم الزّعِيمُ محمّد، والموعد القيامة، وعما قليل تُؤفَكُون، وعِند السّاعة ما تحسّرُون، (لِكُلِّ نَبَإٍ مُسْتَقَرٌّ) (5) (فَسَوْفَ تَعْلَمُونَ مَنْ يَأْتِيهِ عَذَابٌ يُخْزِيهِ وَيَحِلُّ عَلَيْهِ عَذَابٌ مُقِيمٌ ﴾(6).
ثُم التفتت إلى قبر أبيها (صلوات اللّه عليهما)، مُتمتِّلَةٌ بِأبياتِ صفية بنت عبد المطلب (رحمها اللّه تعالى):
قد كان بعدك أنباء وهنبثة *** لوكُنت شاهدها لم تكثر الخطب
إنّا فقدناك فقد الأرض وابلها *** واجتُثّ أهلُك مُذ غُيّبت واعْتُصِبُوا
أبدت رِجالٌ لنا فحوى صُدُورِهِم *** لَما نأيت و حالت دونك الكُتُبُ
ص: 248
تهضّمتنا رجال و استخفّ بنا *** دهر فقد أدركوا فينا الّذي طلبوا
قد كُنت للخلق نُوراً يستضاءُ بِهِ *** عليك تنزِلُ مِن ذِي العِزّةِ الكُتُبُ
و کان جبريلُ بِالآياتِ يُؤنسنا *** فغاب عنّا فكُلُّ الخيرِ مُحتجب
فقال أبوبكر لها: صدقت يا بنت رسُول اللّه، لقد كان أبوكِ بِالمؤمِنين رءُ وفا رحيماً، وعلى الكافِرِين عذاباً أليماً، وكان واللّه إذا نسبناه وجدناه أباكِ دون النِّساءِ، وأخا ابنِ عَمِّكِ دُون الأخلاءِ آثره على كلّ حميم، وساعده على الأمر العظيم، وأنتُم عِترةُ نبيّ اللّه الطَّيِّبُون وخِيرتُهُ المنتجبون، على طرِيقِ الجنَّة أدِلَّتُنا، وأبواب الخيرِ لِسالكينا.
فأما ما سألتِ، فلكِ ما جعله أبُوكِ مُصدّق قولُكِ، ولا أظلِمُ حقكِ، وأما ما سألتِ مِن المِيراتِ فإِنّ رسُول اللّه قال: «نحن معاشر الأنبياء لا نُورثُ».
فقالت فاطمةُ: «يا سُبحان اللّه ! ما كان رسُول اللّه لِكِتابِ اللّه مُخالِفاً؛ ولا عن حُكمِهِ صادِقاً، لقد كان يلتقط أثره، ويقتني سيره، أفتجمعُون إلى الظُّلامة الشنعاء والغلبة الدهياء، اعتلالا بالكذِبِ على رسُول اللّه، و إضافةِ الحيفِ إِليهِ ؟!
ولا عجب إن كان ذلِك مِنكُم وفي حياتِهِ ما بغيتُم لهُ الغوائل، وترقبتُم بِهِ الدوائر، هذا كِتابُ اللّه حكم عدل، وقائِل فصل، عن بعض أنبيائه إذ قال: ﴿يَرِثُنِي وَيَرِثُ مِنْ آلِ يَعْقُوبَ﴾(1).
و فصل فِي بَرِيَّتِه الميراث مِمّا فرض من حظ الزّكارة و الإناث، فلم سوّلت لكُم أَنفُسُكُم أمراً؟! فصبر جميل، واللّه المستعان على ما تصفون.
قد زعمت أن النبوة لا تُورث، وإنّما يُورث ما دونها، فما لي امنعُ إرث أبي ؟ أ أنزل اللّه فِي كِتَابِهِ: إِلَّا فاطمة بنت محمّد؟ فدُلّني عليهِ أقنع بِهِ».
فقال لها أبوبكر: يا بنت رسُول اللّه، أنتِ عين الحجّة، ومنطق الحكمة، لا أُدلي بجوابِكِ، ولا أدفعُكِ عن صوابِكِ، ولكن المسلِمُون بيني وبينكِ هُم قلّدوني ما تقلّدتُ، وآتوني ما أخذتُ و
ص: 249
تركتُ. قال: فقالت فاطمة (عَلَيهَا السَّلَامُ) لمن بحضرته: «أيُّها النَّاسُ، أتجتمِعُون إِلى المقبل بالباطِلِ و الفعل الخاسِرِ ؟ ! لبئس ما اعتاض المبطلون، وما يسمعُ الصُّمُّ الدُّعاء إذا ولّوا مُدبِرِين أما واللّه لتجدنّ محملها ثقيلًا، وعبأها وبيلا، إذا كُشِف لكُمُ الغِطَاءُ، فحينئذ لات حين مناص، وبدا لكُم مِن اللّه مَا كُنتُم تَحذرُون».
قال: ولم يكُن عُمرُ حاضِراً، فكتب لها أبوبكر إلى عامله برد فدك كِتاباً، فأخرجته فِي يدها، فاستقبلها عُمرُ، فأخذه منها وتفل فِيهِ و مزّقه وقال: لقد خرف ابن أبي قحافة، وظلم.
فقالت له: «ما لك ؟ لا أمهلك اللّه وقتلك ومزّق بطنك». وأتت من فورها ذلك الأنصار، فقالت:
«معشر البقيّة وأعضاد الملّة وحضنة الإسلامِ ما هذِهِ الغميزة فِي حقي، والسُّنْةُ عن ظلامتي، أما كان رسُول اللّه أمر بحفظ المرء فِي وُلدِهِ ؟ فسرعان ما أحدثتُم وعجلان ذا إهالة.
أتقُولُون مات محمّد فخطب جليل استوسع وهيه و استنهر فتقُهُ، و فُقد راتِقُهُ، فأظلمتِ الأَرضُ لغيبتِهِ، واكتاب خِيرَةُ اللّه لِيُصِيبتِهِ، وأكدت الآمال، وخشعت الجبال وأضيع الحريم، و أُذِيلتِ الحُرمةُ بِموتِ محمّد، فتلك نازلةٌ أعلن بِها كِتابُ اللّه فِي أَفْنِيتِكُم مُمسَاكُم ومُصبحكُم هتافاً. و لقبل ما خلت بِهِ أَنبِياءُ اللّه و رُسُلُهُ (وَمَا مُحَمَّدٌ إِلَّا رَسُولٌ قَدْ خَلَتْ مِنْ قَبْلِهِ الرُّسُلُ أَفَإِنْ مَاتَ أَوْ قُتِلَ انْقَلَبْتُمْ عَلَى أَعْقَابِكُمْ وَمَنْ يَنْقَلِبْ عَلَى عَقِبَيْهِ فَلَنْ يَضُرَّ اللَّهَ شَيْئًا وَسَيَجْزِي اللَّهُ الشَّاكِرِينَ)(1).
أبني قيلة، أهتضمُ تُراث أبي وأنتم بمرأى ومسمع تلبسُكُمُ الدّعوة، ويشملُكُمُ الجُزْنُ، وفِيكُم العُدّةُ والعدد، ولكُمُ الدّارُ والجُننُ وأنتُم تُخبةُ اللّه الّتي امتحن، ونحلتُه الّتي انتحل، وخِيرتُهُ الّتي انتخب لنا أهل البيت، فنا بذتُم فينا العرب، وناهضتُمُ الأُمم وكافحت البهم، لا نبرحُ و تبرحُون، ونأمُرُكُم فتأتمرون، حتّى دارت بنا وبِكُم رحى الإسلام، و در حلبُ البِلادِ، وخضعت بغوة الشرك، و هدأت روعة الهرج، و خبت نار الحرب، و استوسق نظامُ الدِّينِ، فأنّى جُرتُم بعد
ص: 250
البيان، ونكصتُم بعد الإقدام عن قوم نكثوا أيمانهم من بعدِ عهدِهِم و طعنُوا فِي دِينِكُم (فَقَاتِلُوا أَئِمَّةَ الْكُفْرِ إِنَّهُمْ لَا أَيْمَانَ لَهُمْ لَعَلَّهُمْ يَنْتَهُونَ)(1).
ألا أرى واللّه أن قد أخلدتُم إلى الخفض، وركنتُم إلى الدّعةِ، فعُجتُم عنِ الدِّينِ و محجتُمُ الّذي استوعيتُم، و دسعتُم ما استرعيتُم، ألا و(إِنْ تَكْفُرُوا أَنْتُمْ وَمَنْ فِي الْأَرْضِ جَمِيعًا فَإِنَّ اللَّهَ لَغَنِيٌّ حَمِيدٌ * أَلَمْ يَأْتِكُمْ نَبَأُ الَّذِينَ مِنْ قَبْلِكُمْ قَوْمِ نُوحٍ وَعَادٍ وَثَمُودَ وَالَّذِينَ مِنْ بَعْدِهِمْ لَا يَعْلَمُهُمْ إِلَّا اللَّهُ جَاءَتْهُمْ رُسُلُهُمْ بِالْبَيِّنَاتِ فَرَدُّوا أَيْدِيَهُمْ فِي أَفْوَاهِهِمْ وَقَالُوا إِنَّا كَفَرْنَا بِمَا أُرْسِلْتُمْ بِهِ وَإِنَّا لَفِي شَكٍّ مِمَّا تَدْعُونَنَا إِلَيْهِ مُرِيبٍ)(2).
ألا و وقد قُلتُ الّذي قُلتُ على معرفةٍ مِنّي بِالخذلةِ الّتي خامرتكُم، ولكنّها فيضةُ النّفس، ونفثه الغيظ، وبنّةُ الصّدرِ، ومعذِرةُ الحُجّةِ، فدونكُم فاحتقِبُوها ديرة الظهر، ناقبة الخفّ، باقية العار، موسومةً بِشنارِ الأَبدِ، موصولةً بِنارِ اللّه الموقدة، الّتي تطلع على الأفئِدَةِ، إِنّها عليهِم مُؤصدةٌ، فِي عمدٍ مُمدّدة.
فيعين اللّه ما تفعلون، (وَسَيَعْلَمُ الَّذِينَ ظَلَمُوا أَيَّ مُنْقَلَبٍ يَنْقَلِبُونَ) (3)، وأنا ابنة نذيرلكُم بين يدي عذاب شديد، فاعملُوا إِنَّا عَامِلُون، و انتظِرُوا إِنَّا مُنتظِرُون، (وَسَيَعْلَمُ الْكُفَّارُ لِمَنْ عُقْبَى الدَّارِ)(4)، (وَقُلِ اعْمَلُوا فَسَيَرَى اللَّهُ عَمَلَكُمْ وَرَسُولُهُ وَالْمُؤْمِنُونَ)(5)، (وَكُلَّ إِنْسَانٍ أَلْزَمْنَاهُ طَائِرَهُ فِي عُنُقِهِ)(6)، (فَمَنْ يَعْمَلْ مِثْقَالَ ذَرَّةٍ خَيْرًا يَرَهُ * وَمَنْ يَعْمَلْ مِثْقَالَ ذَرَّةٍ شَرًّا يَرَهُ) (7) وكان الأمر قد قصر».
ثُم ولّت، فاتبعها رافع بن رفاعة الزرقي، فقال لها: يا سيّدة النِّساء، لوكان أبو الحسنِ تكلّم فِي
ص: 251
هذا الأمر و ذكر للنّاس قبل أن يجري هذا العقد، ما عدلنا به أحداً.
فقالت له يرُدّنّها: «إليك عنِّي، فما جعل اللّه لأحدٍ بعد غدِيرِ خُمّ مِن حُجّةٍ ولا عُذْرٍ».
قال: فلم يُرباك ولا باكية كان أكثر من ذلك اليوم، وارتجّتِ المدينة، وهاج النَّاسُ، وارتفعتِ الأصوات.
فلما بلغ ذلك أبا بكر قال لِعُمر: تربت يداك ما كان عليك لو تركتني، فربما رفأتُ الخرق ورتقتُ الفتق ؟! ألم يكن ذلك بنا أحقّ ؟!
فقال الرّجُلُ: قد كان فِي ذلك تضعيفُ سُلطانك، وتوهِينُ كِفْتِك، و ما أشفقتُ إِلّا عليك.
قال: ويلك فكيف بابنة محمّد وقد علم النّاسُ ما تدعُو إِليه، وما نحن لها من الغدرِ عليه.
فقال: هل هي إلّا غمرة انجلت، وساعة انقضت وكأن ما قد كان لم يكُن، وأنشده:
ما قد مضى ما مضى كما مضى *** و ما مضى ممّا مضى قد انقضى
أقِمِ الصّلاة وآتِ الزكاة، وأمر بالمعروف وانه عن المنكر، ووفر النيء، وصل القرابة، فإن اللّه يقُولُ: (إِنَّ الْحَسَنَاتِ يُذْهِبْنَ السَّيِّئَاتِ ذَلِكَ ذِكْرَى لِلذَّاكِرِينَ)(1). ويقُولُ: ﴿يَمْحُو اللَّهُ مَا يَشَاءُ وَيُثْبِتُ وَعِنْدَهُ أُمُّ الْكِتَابِ)(2) وقال: (وَالَّذِينَ إِذَا فَعَلُوا فَاحِشَةً أَوْ ظَلَمُوا أَنْفُسَهُمْ ذَكَرُوا اللَّهَ فَاسْتَغْفَرُوا لِذُنُوبِهِمْ وَمَنْ يَغْفِرُ الذُّنُوبَ إِلَّا اللَّهُ وَلَمْ يُصِرُّوا عَلَى مَا فَعَلُوا وَهُمْ يَعْلَمُونَ)(3) ذنبٌ واحِدٌ فِي حسنات كثيرة، قلدني ما يَكُونُ مِن ذلِك.
قال: فضرب بِيدِهِ على كتِفِهِ، ثمّ قال: رُبّ كُربةٍ فرّجتها، يا عُمرُ.
ثُم نادى الصّلاة جامعةً، فاجتمع النّاسُ، وصعد المنبر، فحمد اللّه وأثنى عليهِ، ثمّ قال:
أيّها النَّاسُ، ما هذِهِ الرّعةُ، ومع كلّ قالةٍ أُمنيّةٌ ؟! أين كانت هذه الأماني فِي عهدِ نبيّكم ؟! فن سمع فليقل، و من شهد فليتكلم كلا بل هُو تُعالةٌ شَهِيدُهُ ذنبُهُ لعن اللّه، وقد لعنهُ اللّه، مُرِبُّ
ص: 252
لِكُلِّ فِتنة، يقُولُ: كروها جذعةً؛ ابتغاء الفتنةِ مِن بعد ما همت، كامّ طحال أحبُّ أهلها الغوِيُّ، ألا لوشِئتُ أن أقول لقُلتُ، ولو تكلمتُ لبُحتُ، وإِنِّي ساكِتُ ما تُرِكتُ، يستعِينُون بِالصّبية، ويستنهضون النِّساء، وقد بلغني يا معشر الأنصارِ مقالةُ سُفهائِكُم فواللّه إِنّ أحق النَّاسِ بِلُزُومِ عَهدِ رسُول اللّه أَنتُم، لقد جاءكُم فآويتُم و نصرتُم، و أنتم اليوم أحق من لزم عهده، و مع ذلك فاغدوا على أعطياتِكُم، فإنّي لستُ كاشفاً قناعاً، ولا باسطاً ذراعاً، ولا لساناً إلّا على من استحق ذلك، والسّلامُ.
قال: فأطلعت أُمُّ سلمة رأسها من بابها وقالت: ألمثل فاطمة بِنتِ رسُول اللّه يُقالُ هذا، وهي الحوراء بين الإنس والأُنسُ لِلنّفس، رُبّيت فِي حُجُورِ الأنبياء، وتداولتها أيدي الملائكة، ونمت فِي حُجُورِ الظاهرات، ونشأت خير منشأ، و رُبّيت خير مُربّى ؟! أتزعُمُون أَنَّ رسُول اللّه حرّم عليها ميراثه و لم يُعلمها ؟! وقد قال اللّه له:
(وَأَنْذِرْ عَشِيرَتَكَ الْأَقْرَبِينَ)(1) ؟ أفأنذرها وجاءت تطلبُهُ وهِي خِيرَةُ النِّسوان، و أُمُّ سادة الشُّبَانِ، وعديلة مريم ابنة عمران و حليله ليث الأقران، تمت بأبيها رسالاتُ رَبِّهِ؛ فواللّه لقد كان يُشفق عليها من الحرّ والقُرِ، فيُوسّدُها يمينه، ويُلحِفُهَا بِشِمَالِهِ؛ رُويداً فرسُولُ اللّه بِمرأَى لِغيكُم، وعلى اللّه ترِدُون، فواها لكُم وسوف تعلمون.
قال: فحرمت أُمُّ سلمة تلك السنة عطاءها؛ ورجعت فاطمة (عَلَيهَا السَّلَامُ) إلى منزلها فتشكّت. (2)
2 - عنِ ابنِ أبِي عُميرٍ عن عُثمان بن عيسى و حمادِ بنِ عُثمان عن أبي عبد اللّه (عَلَيهِ السَّلَامُ) قال: لَا قُبض رسُول اللّه (صَلَّى اللّه عَلَيْهِ وَآلِهِ) و جلس أبوبكر مجلسه، بعث إلى وكيل فاطمة صلوات اللّه عليها فأخرجه من فدك.
فأتته فاطمة (عَلَيهَا السَّلَامُ) فقالت: يا أبابكر ! ادعيت أنك خليفة أبي وجلست مجلسه، وأنت بعثت إلى وكيلي فأخرجته من فدك، وقد تعلم أن رسُول اللّه (صَلَّى اللّه عَلَيْهِ وَآلِهِ) صدق بها عليّ، وأن لي بذلك
ص: 253
شُهُوداً. فقال: إِنَّ النّبيّ (صَلَّى اللّه عَلَيْهِ وَآلِهِ) لا يُورّثُ.
فرجعت إلى عليّ (عَلَيهِ السَّلَامُ) فأخبرته، فقال: إرجعِي إِليه وقُولِي له :
زعمت أن النّبيّ (صَلَّى اللّه عَلَيْهِ وَآلِهِ) لا يُورّت (وَوَرِثَ سُلَيْمَانُ دَاوُودَ)(1)، و ورث يحيى زكريا، وكيف لا أرِتُ أنا أبي ؟! فقال عُمرُ: أنت مُعلّمةٌ، قالت: وإِن كُنتُ مُعلّمةً فَإِما عَلَّمَنِي ابْنُ عَمِّي وبعلي.
فقال أبوبكر: فإن عائشة تشهد و عُمر أنهما سمعا رسُول اللّه (صَلَّى اللّه عَلَيْهِ وَآلِهِ) وهُو يقُولُ: النّبيّ لا يُورّث.
فقالت: هذا أول شهادةِ زُورٍ شهدا بها، وإنّ لِي بِذلِك شُهُوداً بِها فِي الإِسلام، ثمّ قالت: فإِنّ فدك إنّما هِي صدّق بها علي رسُول اللّه (صَلَّى اللّه عَلَيْهِ وَآلِهِ)، ولِي بِذلِك بينةٌ.
فقال لها: هلتِي بِبينتك. قال: فجاءت بِأُم أيمن وعلي عبد السلام، فقال أبو بكر: يا أُم أيمن! إِنَّكِ سمعتِ مِن رسُول اللّه (صَلَّى اللّه عَلَيْهِ وَآلِهِ) يقُولُ فِي فاطمة ؟ فقالت:
سمعت رسُول اللّه (صَلَّى اللّه عَلَيْهِ وَآلِهِ) يقُولُ: إِنّ فاطِمة سيّدةُ نِساءِ أهلِ الجنَّة، ثمّ قالت أُمُّ أيمن: فمن كانت سيّدة نساء أهل الجنَّة تدّعِي ما ليس لها ؟! و أنا امرأةٌ مِن أهلِ الجنَّة ما كُنتُ لأشهد بما لم أكُن سمعت من رسُول اللّه (صَلَّى اللّه عَلَيْهِ وَآلِهِ)، فقال عمر: دعينا يا أُم أيمن من هذه القصص، بِأيّ شيءٍ تشهدين؟.
فقالت: كُنتُ جالِسةً فِي بيتِ فاطمة (عَلَيهَا السَّلَامُ) و رسُول اللّه (صَلَّى اللّه عَلَيْهِ وَآلِهِ) جالس حتّى نزل عليهِ جبرئيل، فقال: يا محمّد ! قُم فإنّ اللّه تبارك وتعالى أمرني أن أخط لك فدكاً بجناحي، فقام رسُول اللّه (صَلَّى اللّه عَلَيْهِ وَآلِهِ) مع جبرئيل (عَلَيهِ السَّلَامُ)، فما لبث أن رجع، فقالت فاطمة (عَلَيهَا السَّلَامُ): يا أبت ! أين ذهبت ؟
فقال: خط جبرئيل (عَلَيهِ السَّلَامُ) لي فدكاً بِجناحِهِ وحدّ لِي حُدُودها، فقالت: يا أَبَتِ إِنِّي أَخافُ العيلة والحاجة من بعدك، فصدّق بها عليّ، فقال: هي صدقةٌ عليكِ، فقبضتها، قالت: نعم، فقال رسُول اللّه (صَلَّى اللّه عَلَيْهِ وَآلِهِ): يا أم أيمن اشهدِي ويا عليُّ اشهد.
فقال عُمرُ: أنتِ امرأةٌ ولا تُجيز شهادة امرأة وحدها، وأما على فيجُرُّ إِلى نفسِهِ.
قال: فقامت مُغضبةً وقالت: اللّهمّ إنهما ظلما ابنة نبيّك حقها، فاشدد وطأتك عليهما، ثمّ خرجت و حملها علي على أتانٍ عليهِ كِساءٌ له خمل، فدار بها أربعين صباحاً فِي بُيُوتِ المهاجرين والأنصار و
ص: 254
الحسن والحُسين (عَلَيهِمَا السَّلَامُ) معها، وهي تقُولُ : يا معشر المهاجرين والأنصار! انصُرُوا اللّه وابنة نبيّكم، وقد بايعتُم رسُول اللّه (صَلَّى اللّه عَلَيْهِ وَآلِهِ) يوم بايعتُمُوهُ أَن تَمَنعُوهُ وَذُرِّيَّتَهُ مِمّا تمنعُون مِنهُ أنفُسكُم و ذرارِيكُم، ففُوا لِرَسُولِ اللّه (صَلَّى اللّه عَلَيْهِ وَآلِهِ) ببيعتِكُم، قال: فما أعانها أحد ولا أجابها ولا نصرها.
قال: فانتهت إلى مُعاذ بن جبل فقالت: يا مُعاذ بن جبل ! إنّي قد جئتُكَ مُستنصرةً، وقد بايعت رسُول اللّه (صَلَّى اللّه عَلَيْهِ وَآلِهِ) على أن تنصُرُه وذُرِّيَّته وتمنع مِمّا تمنعُ مِنه نفسك و ذُرِّيَّتك، وإن أبا بكرقد غصبني على فدك و أخرج وكيلي منها، قال : فعِي غيري ؟ قالت: لا، ما أجابني أحد، قال: فأين أبْلُغُ أنا مِن نَصرِكِ؟ قال: فخرجت مِن عِندِهِ. ودخل ابنه، فقال: ما جاء بابنة محمّد إليك؟ قال: جاءت تطلب نصرتي على أبي بكر فإنّه أخذ منها فدكاً، قال: فما أجبتها بِهِ؟ قال: قُلتُ: وما يبلغ من نُصرتي أنا وحدي، قال: فأبيت أن تنصرها ؟
قال: نعم، قال: فأيّ شيءٍ قالت لك؟ قال: قالت لي: واللّه لا نازعتُك الفصيح من رأسي حتّى أرد على رسُول اللّه (صَلَّى اللّه عَلَيْهِ وَآلِهِ)، قال: فقال: أنا واللّه لا نازعتُك الفصيح من رأسي حتّى أرد على رسُول اللّه (صَلَّى اللّه عَلَيْهِ وَآلِهِ)، إذ لم تجب ابنة محمّد.
قال: و خرجت فاطمة صلوات اللّه عليها مِن عِندِهِ وهِي تَقُولُ: وَاللّه لَا أُكَلِّمُكَ كَلِمَةٌ حتّى أجتمع أنا و أنت عِند رسُول اللّه (صَلَّى اللّه عَلَيْهِ وَآلِهِ)، ثمّ انصرفت.
فقال عليّ (عَلَيهِ السَّلَامُ) لها: انتي أبا بكر وحده فإنّهُ أرقُ مِن الآخر، وقولي له: ادعيت مجلس أبي وأنك خليفته و جلست مجلسه، ولو كانت فدك لك ثمّ استوهبتُها مِنك لوجب ردُّها عليّ، فَلَمّا أتته و قالت له ذلك، قال: صدقت، قال :
فدعا بكتاب فكتبه لها برد فدك.
فخرجت و الكتاب معها، فلقيها عُمرُ فقال : يا بنت محمّد ! ما هذا الكِتابُ الّذي معكِ ؟ فقالت: كِتابٌ كتب لي أبوبكر برة فدك، فقال : هلمّيهِ إِليّ، فأبت أن تدفعه إليه، فرفسها برجله وكانت (عَلَيهَا السَّلَامُ) حاملةً بابن اسمُهُ : المحسنُ فأسقطت المحسن من بطنها، ثمّ لطمها، فكأنّي أنظر إلى قُرط فِي أذنها حين نقف، ثمّ أخذ الكِتاب فخرقه.
فمضت و مكثت خمسة وسبعين يوماً مريضةً مِمّا ضربها عُمرُ، ثمّ قُبِضَت.
ص: 255
فلَمّا حضرتها الوفاة دعت عليّاً صلواتُ اللّه عليهِ فقالت: إِمّا تضمنُ وَإِلَّا أوصيتُ إلى ابنِ الزُّبير، فقال عليّ (عَلَيهِ السَّلَامُ) : أنا أضمن وصيّتكِ يا بنت محمّد، قالت: سألتك بحق رسُول اللّه (صَلَّى اللّه عَلَيْهِ وَآلِهِ) إذا أنا مِتُّ أن لا يشهداني ولا يُصلّيا عليّ، قال: فلكِ ذلِكِ.
فلَمّا قُبِضت صلواتُ اللّه عليها، دفنها ليلًا فِي بيتها، وأصبح أهل المدينةِ يُرِيدُون حُضُور جنازتها، وأبوبكر و عُمرُ كذلك، فخرج إليهما عليّ (عَلَيهِ السَّلَامُ)، فقالا له: ما فعلت بابنة محمّد؟! أخذت فِي جهازها يا أبا الحسنِ ؟ فقال عليّ (عَلَيهِ السَّلَامُ) : قد و اللّه دفنتها، قالا: فما حملك على أن دفنتها و لم تُعلمنا بموتها؟ قال:
هي أمرتني.
فقال عُمرُ: واللّه لقد هممتُ بِنبشها و الصّلاة عليها، فقال علي صلواتُ اللّه عليهِ: أما واللّه ما دام قلبي بين جوانحي و ذُو الفقار فِي يدي فإنّك لا تصل إلى نبشها، فأنت أعلم، فقال أبو بكر:
اذهب، فإنّهُ أحقُ بِها مِنّا، وانصرف النَّاسُ. (1)
3- قال المفضّل قال مولاي جعفر الصادق (عَلَيهِ السَّلَامُ) : لَا وُلّي أبوبكر بن أبي قحافة قال لهُ عُمرُ: إنّ النّاس عبيد هذِهِ الدُّنيا لا يُرِيدُون غيرها، فامنع عن علي وأهل بيته الخمس، والفيء، و فدكاً، فإنّ شيعته إذا علِمُوا ذلِك تركوا عليّاً و أقبلُوا إِليك رغبةً فِي الدُّنيا وإيثاراً و مُحاباة عليها، ففعل أبوبكر ذلك وصرف عنهم جميع ذلك.
فلما قام أبوبكر بن أبي قحافة أمر مُنادِيهُ: من كان لهُ عِند رسُول اللّه (صَلَّى اللّه عَلَيْهِ وَآلِهِ) دين أو عدةٌ فلياتني حتّى أقضيه، وأنجز لِجابِرِ بنِ عبدِ اللّه ولِجرِيرِ بنِ عبدِ اللّه البجلي.
قال: قال عليّ (عَلَيهِ السَّلَامُ) لفاطمة (عَلَيهَا السَّلَامُ): صيري إلى أبي بكر و ذكريه فدكاً، فصارت فاطمة إليهِ وذكرت له فدكاً مع الخمس والفيء، فقال: هاتي بيّنةً يا بنت رسُول اللّه. فقالت: أما فدك، فإنّ اللّه عزّ و جلّ أنزل على نبيّه قُرآناً يَأْمُرُفِيهِ بِأن يُؤتِينِي ووُلدِي حق، قال اللّه تعالى: ﴿فَآتِ ذَا الْقُرْبَى حَقَّهُ) (2) فكنتُ أنا ووُلدِي أقرب الخلائِقِ إِلى رسُول اللّه (صَلَّى اللّه عَلَيْهِ وَآلِهِ) فنحلني وولدي فدكاً، فلَمّا تلا
ص: 256
عليهِ جبرئيل (عَلَيهِ السَّلَامُ) (وَالْمِسْكِينَ وَابْنَ السَّبِيلِ) (1)، قال رسُول اللّه (صَلَّى اللّه عَلَيْهِ وَآلِهِ): ما حقّ المسكين و ابنِ السَّبِيلِ ؟
فأنزل اللّه تعالى: (وَاعْلَمُوا أَنَّمَا غَنِمْتُمْ مِنْ شَيْءٍ فَأَنَّ لِلَّهِ خُمُسَهُ وَلِلرَّسُولِ وَلِذِي الْقُرْبَى وَالْيَتَامَى وَالْمَسَاكِينِ وَابْنِ السَّبِيلِ)(2)، فقسم الخمس على خمسة أقسام، فقال: ﴿مَا أَفَاءَ اللَّهُ عَلَى رَسُولِهِ مِنْ أَهْلِ الْقُرَى فَلِلَّهِ وَلِلرَّسُولِ وَلِذِي الْقُرْبَى وَالْيَتَامَى وَالْمَسَاكِينِ وَابْنِ السَّبِيلِ كَيْ لَا يَكُونَ دُولَةً بَيْنَ الْأَغْنِيَاءِ) (3) فما للّه فهُو لِرَسُولِهِ، و ما لِرَسُولِ اللّه فَهُولِذِي القُربى، ونحنُ ذُو القُربى. قال اللّه تعالى:
(قُلْ لَا أَسْأَلُكُمْ عَلَيْهِ أَجْرًا إِلَّا الْمَوَدَّةَ فِي الْقُرْبَى)(4). فنظر أبوبكر بن أبي قحافة إلى عُمر بن الخطّابِ وقال: ما تقُولُ ؟ فقال عُمرُ: و من اليتامى والمساكِينُ وأبناء السّبِيلِ؟ فقالت فاطمة (عَلَيهَا السَّلَامُ): اليتامى الّذين يأتون بِاللّه وبِرَسُولِهِ و بِذِي القُربى والمساكِينُ الّذين أسكنُوا معهم فِي الدُّنيا والآخرة، وابنُ السَّبِيلِ الّذي يسلك مسلكهم. قال عُمَرُ: فَإِذَا الخُمُسُ والوِءُ كُلُّهُ لكُم ولِمواليكُم وأشياعِكُم ؟! فقالت فاطمة (عَلَيهَا السَّلَامُ) : أما فدك فأوجبها اللّه لي و لِوُلدِي دُون موالينا وشيعتنا، وأمّا الخُمس فقسمه اللّه لنا والموالينا و أشياعِنا كما يُقرأُ فِي كِتابِ اللّه. قال عُمرُ: فما لِسائِرِ المهاجرين والأنصارِ والتَّابِعِين بإحسانٍ ؟ قالت فاطمة:
إن كانُوا موالينا و مِن أشياعِنا فلهُمُ الصّدقاتُ الّتي قسمها اللّه وأوجبها فِي كِتَابِهِ، فقال اللّه عزّ وجلّ: (إِنَّمَا الصَّدَقَاتُ لِلْفُقَرَاءِ وَالْمَسَاكِينِ وَالْعَامِلِينَ عَلَيْهَا وَالْمُؤَلَّفَةِ قُلُوبُهُمْ وَفِي الرِّقَابِ)(5).. إلى آخِرِ القِصَّةِ، قال عُمرُ: فدك لكِ خاصةً والفيء لكُم ولأوليائِكُم ؟ ما أحسبُ أصحاب محمّد يرضون بهذا!! قالت فاطمة: فإنّ اللّه عزّ و جلّ رضِي بِذلِكِ، ورسوله رضي بِهِ، و قسم على الموالاة والمتابعة لا على المعاداة والمخالفة، ومن عادانا فقد عادى اللّه، و من خالفنا فقد خالف اللّه، و
ص: 257
من خالف اللّه فقد استوجب من اللّه العذاب الأليم والعقاب الشّديد فِي الدُّنيا و الآخِرَةِ. فقال عُمَرُ: هاتي بيّنةً يا بنت محمّد على ما تدّعِين ؟! فقالت فاطمة (عَلَيهَا السَّلَامُ) :
قد صدّقتُم جابر بن عبدِ اللّه وجرير بن عبدِ اللّه ولم تسألُوهُما البيّنة! وبيّنتي فِي كِتابِ اللّه، فقال عُمرُ: إِنّ جابِراً و جرِيراً ذكرا أمراً هيناً، وأنت تدعين أمراً عظيماً يقعُ بِهِ الرّدة من المهاجرين و الأنصار!. فقالت (عَلَيهَا السَّلَامُ): إِنّ المهاجرين بِرسُولِ اللّه وأهل بيتِ رسُول اللّه هَاجَرُوا إِلى دِينِهِ، و الأنصارُ بِالإِيمانِ بِاللّه ورسولِهِ و بِذِي القُربى أحسنُوا، فلا هجرة إِلَّا إلينا، ولا نُصرة إلّا لنا، ولا اتِّباع بإحسانٍ إِلَّا بِنا، و من ارتد عنّا فإلى الجاهِلِيَّةِ. فقال لها عُمَرُ: دعينا مِن أباطيلكِ، و أحضرينا من يشهد لك بما تقولين !!. فبعثت إلى علي والحسن والحُسين و أُمّ أيمن وأسماء بنتِ عُميس وكانت تحت أبي بكر بن أبي قحافة فأقبلُوا إلى أبي بكر و شهدوا لها بجميع ما قالت و ادّعته. فقال: أما علي فزوجها، وأما الحسن والحُسين ابناها، وأمّا أُمُّ أيمن فولاتُها، وأما أسماءُ بنتُ عُميس فقد كانت تحت جعفرابن أبِي طالِب فهي تشهد لبني هاشم، وقد كانت تخدمُ فاطِمة، وكُلُّ هؤلاء يجُرُّون إلى أنفُسِهِم. فقال عليّ (عَلَيهِ السَّلَامُ) : أمّا فاطِمةُ فبضعةٌ مِن رسُول اللّه (صَلَّى اللّه عَلَيْهِ وَآلِهِ)، و من آذاها فقد آذى رسُول اللّه (صَلَّى اللّه عَلَيْهِ وَآلِهِ)، و من كذبها فقد كذب رسُول اللّه، و أما الحسن والحُسين فابنا رسُول اللّه (صَلَّى اللّه عَلَيْهِ وَآلِهِ) و سيّدا شبابِ أهل الجنَّة، من كذبهما فقد كذب رسُول اللّه (صَلَّى اللّه عَلَيْهِ وَآلِهِ) إذ كان أهل الجنَّة صادِقِين، وأما أنا فقد قال رسُول اللّه (صَلَّى اللّه عَلَيْهِ وَآلِهِ): أنت مني وأنا منك، وأنت أخي فِي الدُّنيا والآخرة، والرّاد عليك هُو الزاد علي، ومن أطاعك فقد أطاعني، ومن عصاك فقد عصاني، وأمّا أُمُّ أيمن فقد شهد لها رسُول اللّه (صَلَّى اللّه عَلَيْهِ وَآلِهِ) بالجنَّة، ودعا لأسماء بِنتِ عُميس و ذُرِّيَّتِها. قال عُمرُ: أنتُم كما وصفتُم أنفُسكُم، ولكن شهادة الجار إلى نفسه لا تُقبل. فقال عليّ (عَلَيهِ السَّلَامُ) : إذا كنا كما نحن كما تعرِفُون ولا تُنكِرُون، و شهادتنا لأنفُسِنا لا تُقبل، وشهادة رسُول اللّه لا تُقبل، ف إِنَّا للّه وإِنَّا إِليهِ راجِعُون، إذا ادعينا لأنفُسِنا تسألُنا البيّنة ؟! فما مِن مُعِينٍ يُعِينُ، وقد وثبتُم على سُلطانِ اللّه وسُلطانِ رَسُولِهِ، فأخرجتُموهُ مِن بيتِهِ إلى بيت غيره من غيرِ بيِّنةٍ ولا حُجّةٍ وسيعلمُ الّذين ظلموا أي منقلب ينقلبون. ثمّ قال لِفاطِمة : انصر فِي حتّى يحكُم اللّه بيننا وهُو خيرُ الحَاكِمِين. (1)
ص: 258
4 - روى عبد اللّه بن الحسنِ بإسنادِهِ عن آبائِهِ (عَلَيهِم السَّلَامُ) : أَنَّهُ لَا أجمع أبوبكر على منع فاطمة (عَلَيهَا السَّلَامُ) فدك، وبلغها ذلك لاثت خمارها على رأسها واشتملت بجلبابها وأقبلت فِي لمةٍ مِن حفدتها ونِساءِ قومها تطأ ذيولها، ما تخرِمُ مِشيتُها مِشية رسُول اللّه (صَلَّى اللّه عَلَيْهِ وَآلِهِ) حتّى دخلت على أبي بكرٍ وهُو فِي حشد من المهاجرين والأنصار و غيرهم فنيطت دُونها ملاءةٌ، فجلست ثمّ أَنْت أَنَّةً أجهش القومُ لها بِالبُكاءِ، فارتج المجلس، ثمّ أمهلت هنيئةً حتّى إذا سكن نشيجُ القومِ وهدأت فورتُهم، افتتحتِ الكلام بحمدِ اللّه والثّناءِ عليهِ والصّلاة على رسُول اللّه (صَلَّى اللّه عَلَيْهِ وَآلِهِ)، فعاد القومُ فِي بُكائِهِم فَلَمّا أمسكوا عادت فِي كلامها.
فقالت (عَلَيهَا السَّلَامُ) : الحمد للّه على ما أنعم، ولهُ الشُّكرُ على ما ألهم، والتّناءُ بِما قدّم مِن عُمُومِ نِعِمٍ ابتدأها، و سُبُوعٍ آلاء أسداها، و تمامِ مِنن والاها جمّ عن الإحصاء عددها، ونأى عن الجزاء أمدها، وتفاوت عن الإدراك أبدها، وندبهم لاستزادتها بالشُّكرِ لاتصالها، واستحمد إلى الخلائِقِ بإجزالها، و ثنّى بِالنّدبِ إلى أمثالها، و أشهد أن لا إله إلّا اللّه وحده لا شريك له كلمةٌ جُعِل الإخلاص تأويلها، وضُمّن القُلُوبُ موصولها، وأنار فِي الفكرة معقُولُها، الممتنِعُ مِن الأبصارِ رُؤيتُهُ، ومن الألسُنِ صِفتُهُ، و من الأوهام كيفيّتُهُ، ابتدع الأشياء لا من شيء كان قبلها، و أنشأها بِلا احتذاء أمثلة امتثلها، كونها بِقُدرتِهِ، وذرأها بمشيته، من غير حاجة منه إلى تكوينها، ولا فائدة له فِي تصويرها، إلّا تثبيتاً لحكمته، وتنبيهاً على طاعتِه، وإظهاراً لِقُدرتِهِ، وتعبداً لبريّتِهِ، و إعزازاً لدعوتِهِ، ثمّ جعل الثواب على طاعتِه، ووضع العقاب على معصيته، زيادةً لِعِبادِهِ عن نقمتِهِ و حِياشةً مِنهُ إِلى جنّتِهِ، وأشهدُ أن أبي محمّداً (صَلَّى اللّه عَلَيْهِ وَآلِهِ) عبده و رسُولُهُ، اختاره و انتجبه قبل أن أرسله، وسماه قبل أن اجتبله، واصطفاه قبل أن ابتعثه، إذ الخلائق بالغيب مكنونةٌ، وبِسترِ الأهاوِيلِ مصُونةٌ، وبنهاية العدمِ مقرونةٌ، علماً مِن اللّه تعالى بِمايِلِ الأُمُورِ، وإحاطةٌ بِحوادِثِ الدُّهُورِ، ومعرِفةٌ بِمواقع المقدور، ابتعثه اللّه تعالى إتماماً لأمره، و عزيمةً على إمضاء حُكمِهِ، و إنفاذاً لمقادير حتمِهِ، فرأى الأُمم فرقاً فِي أديانها، عُكفاً على نيرانها، عابدةً لأوثانها، مُنكِرةً للّه مع عرفانِها، فأنار اللّه بمحمّد (صَلَّى اللّه عَلَيْهِ وَآلِهِ) ظلمها، وكشف عن القلوب بهمها، و جلى عنِ الأبصارِ عُممها، وقام فِي النّاسِ بِالهِداية، وأنقذهم من الغواية، وبصرهُم مِن
ص: 259
العماية، وهداهم إلى الدِّينِ القويم، ودعاهم إلى الطريق المستقيم، ثمّ قبضه اللّه إِليهِ قبض رأفة واختيار، ورغبة و إيثار بمحمّد [ فيُحمّدٌ] (صَلَّى اللّه عَلَيْهِ وَآلِهِ) عن تعب هذِهِ الدّارِ فِي راحة، قد حُفّ بالملائكة الأبرار، ورضوانِ الرّبّ الغفّارِ ومُجاورة الملكِ الجبّارِ، صلى اللّه على أبِي نبيّه وأَمِينِهِ على الوحي وصفِيهِ و خِيرَتِهِ مِن الخلقِ و رضِيّهِ، والسّلامُ عليه ورحمة اللّه وبركاته.
ثمّ التفتت إلى أهلِ المجلس، و قالت: أنتُم عِباد اللّه نُصب أمره ونهيه، و حملةُ دِينِهِ ووحيه، و أمنا اللّه على أنفُسِكُم، وبلغاؤُهُ إلى الأمم، وزعمتُم حقّ لكُم للّه فِيكُم عهد قدمه إليكم و بقيّة استخلفها عليكُم كِتابُ اللّه النّاطِقُ، والقُرآنُ الصَّادِقُ، والنُّورُ السّاطِعُ، والضّياءُ اللامِعُ، بيّنةٌ بصائِرُهُ، مُنكَشِفةٌ سرائِرُهُ، مُتجلّيةٌ ظواهِرُهُ، مُغتبِطةٌ بِهِ أَشياعُهُ، قَائِدٌ إِلَى الرّضوانِ اتِّباعُهُ، مُوْدٌ إِلى النّجاةِ إِسماعُهُ بِهِ تُنالُ حُججُ اللّه المنوّرةُ، وعزائمه المفسّرة، ومحارمه المحذّرة، و بيّناتُهُ الجالية، وبراهِينُهُ الكافِيةُ، وفضائِلُهُ المندوبةُ، و رُخصُهُ الموهوبة، وشرائعه المكتوبة، فجعل اللّه الإيمان تطهيراً لكُم مِن الشّرك، والصّلاة تنزيهاً لكم عن الكبر، والزكاة تزكية لِلنّفس، ونماء فِي الرّزق، والصّيام تثبيتاً للإخلاص، والحج تشييداً للدِّين، والعدل تنسيقاً لِلقُلُوبِ، وطاعتنا نظاماً لِلمِلَّةِ، وإمامتنا أماناً من الفرقة، والجهاد عِزّاً للإسلام، والصبر معُونةً على استيجاب الأجر، والأمر بالمعرُوفِ مصلحةً لِلعامة، وبر الوالدين وقاية من السخط، وصلة الأرحام منماةً للعددِ، والقصاص حقّنا للدماء، والوفاء بالنذر تعريضا للمغفرة، وتوفية المكاييل والموازين تغييراً للبخس، والنهي عن شرب الخمر تنزيها عن الرّجس، واجتناب القذفِ حِجاباً عن اللعنة، وترك السّرقة إيجاباً لِلعِفّةِ، وحرم اللّه الشرك إخلاصاً لهُ بِالرُّبُوبِيَّةِ، ف(اتَّقُوا اللَّهَ حَقَّ تُقَاتِهِ وَلَا تَمُوتُنَّ إِلَّا وَأَنْتُمْ مُسْلِمُونَ)(1)، وأطِيعُوا اللّه فيما أمركُم بِهِ و نهاكُم عنه فإنّهُ (إِنَّمَا يَخْشَى اللَّهَ مِنْ عِبَادِهِ الْعُلَمَاءُ)(2).
ثمّ قالت: أيّها النَّاسُ! اعلموا أنّي فاطمة وأبي محمّد (صَلَّى اللّه عَلَيْهِ وَآلِهِ)، أقول عوداً وبدءاً، ولا أقولُ ما
ص: 260
أقُولُ غلطاً، ولا أفعل ما أفعل شططاً (لَقَدْ جَاءَكُمْ رَسُولٌ مِنْ أَنْفُسِكُمْ عَزِيزٌ عَلَيْهِ مَا عَنِتُّمْ حَرِيصٌ عَلَيْكُمْ بِالْمُؤْمِنِينَ رَءُوفٌ رَحِيمٌ)(1)، فإن تعزُوهُ وتعرِفُوهُ تَجِدُوهُ أَبِي دُون نِسَائِكُم، وأخا ابنِ عمّي دُون رِجالِكُم، ولنعم المعزي إليه (صَلَّى اللّه عَلَيْهِ وَآلِهِ)، فبلغ الرسالة، صادِعاً بِالنّذارة، مائِلًا عن مدرجةِ المشركين، ضارباً ثبجهم، آخذاً بأكظامهم، داعياً إلى سبيل ربّه (الْحِكْمَةِ وَالْمَوْعِظَةِ الْحَسَنَةِ)(2)، يكسر الأصنام، وينكُثُ الهام، حتّى انهزم الجمعُ وولّوا الدُّبُر، حتّى تفرى اللّيل عن صُبحِهِ، وأسفر الحقّ عن محضِهِ، ونطق زعيمُ الدّين، وخرست شقاشِقُ الشّياطين، وطاح وشِيظُ النِّفاقِ، وانحلت عُقد الكفر و الشّقاقِ، وفُهتُم بِكلمة الإخلاص فِي نفر من البيض الخماص، (وَكُنْتُمْ عَلَى شَفَا حُفْرَةٍ مِنَ النَّارِ)(3)، مذقة الشارب، ونهزة الطامع، وقبسة العجلان، و موطئ الأقدام، تشربون الطرق، وتقتاتون الورق، أذلّةً خاسِئِين، تخافون أن يتخطفكُمُ النّاسُ مِن حولِكُم، فأنقذكُمُ اللّه تبارك وتعالى بِمحمّد (صَلَّى اللّه عَلَيْهِ وَآلِهِ) بعد اللتيا والّتي، و بعد أن مُنِي بِبُهم الرّجالِ، و ذُوبان العرب و مردة أهل الكتاب (كُلَّمَا أَوْقَدُوا نَارًا لِلْحَرْبِ أَطْفَأَهَا اللَّهُ)(4)، أو نجم قرن لِلشَّيطان، و فغرت فاغرةٌ من المشركين، قذف أخاه فِي لهواتها، فلا ينكف حتّى يطأ صماخها بِأخمصه، ويُخمِد لهبها بِسيفه، مكدُوداً فِي ذاتِ اللّه، و مُجتهداً فِي أمرِ اللّه، قريباً من رسُول اللّه، سيّد أولياء اللّه، مُشمّراً ناصحاً، مُجدّاً كادحاً، وأنتم فِي رفاهية من العيش، وادِعُون فاكهون آمِنُون، تتربّصُون بنا الدوائر، وتتوكَّفُون الأخبار، وتنكِصُون عِند النّزال، وتفرُّون عند القِتالِ، فَلَمّا اختار اللّه لِنبِيّه دار أنبِيائِهِ، و مأوى أصفيائه، ظهر فِيكُم حسيكةُ النِّفاقِ، وسمل جِلبابُ الدِّينِ، ونطق كاظم الغاوين، ونبغ خامِلُ الأقلين، وهدر فنيقُ المبطلين، فخطر فِي عرصاتِكُم، وأطلع الشَّيطانُ رأسهُ مِن مغرزه هاتفاً بِكُم، فألفاكُم لدعوتِهِ مُستجيبين، وللغرة فِيهِ مُلاحظين، ثمّ استنهضكُم فوجدكُم خفافاً، وأحمشكُم فألفاكُم غِضاباً، فوسمتُم غير إيلكُم،
ص: 261
وأوردتُم غير شربكُم، هذا و العهد قريب، والكلم رحيب، و الجُرحُ لَا يندمل، والرّسُولُ لَمَّا يُقبر، ابتداراً زعمتُم خوف الفتنة (أَلَا فِي الْفِتْنَةِ سَقَطُوا وَإِنَّ جَهَنَّمَ لَمُحِيطَةٌ بِالْكَافِرِينَ)(1)، فهيهات منكم وكيف بِكُم؟! وأنّى تُؤفَكُون؟ وكِتابُ اللّه بين أظْهُرِكُم، أمُورُهُ ظَاهِرةٌ، وأحكامُهُ زاهرةٌ، و أعلامهباهِرَةٌ، و زواجِرُه لائحة، وأوامره واضحة، قد خلّفتُمُوهُ وراء ظُهُورِكُم، أرغبةً عنهُ تُرِيدُون..؟، أم بغيره تحكمون ؟! (بِئْسَ لِلظَّالِمِينَ بَدَلًا)(2)، (وَمَنْ يَبْتَغِ غَيْرَ الْإِسْلَامِ دِينًا فَلَنْ يُقْبَلَ مِنْهُ وَهُوَ فِي الْآخِرَةِ مِنَ الْخَاسِرِينَ)(3)، ثمّ لم تلبثوا إِلّا ريث أن تسكُن نفرتُها، ويسلس قيادُها، ثمّ أخذتُم تُورُون وقدتها، و تُهيّجون جمرتها، وتستجيبون لهتاف الشيطان الغوي، وإطفاء أنوار الدين الجلي، وإهمادِ سُننِ النّبي الصفي، تُسرُّون حصوا فِي ارتغاء، وتمشون لأهلِهِ ووُلدِهِ فِي الخمر و الضراء، ونصبِرُ مِنكُم على مثل حزّ المدى، ووخز السّنانِ فِي الحشا، وأنتُم تزعُمُون أَلا إِرث لنا (أَفَحُكْمَ الْجَاهِلِيَّةِ يَبْغُونَ وَمَنْ أَحْسَنُ مِنَ اللَّهِ حُكْمًا لِقَوْمٍ يُوقِنُونَ) (4) أفلا تعلمون ؟! بلى، تجلّى لكُم كالشمس الصّاحِيةِ أنِّي ابنتُهُ أيّها المسلمون، أ أغلب على إرثيه ؟!.
يا ابن أبي قحافة، أ فِي كتاب اللّه أن ترث أباك ولا أرث أبي ؟! لقد جئت شيئاً فريا أفعلى عمد تركتُم كِتاب اللّه و نبذتموه وراء ظُهُورِكُم إِذ يقُولُ: ﴿وَوَرِثَ سُلَيْمَانُ دَاوُودَ)(5) ؟؟! وقال فيما اقتص من خبر يحيى بن زكريا (عَلَيهِ السَّلَامُ) إذ قال:
(رب هَبْ لِي مِنْ لَدُنْكَ وَلِيًّا * يَرِثُنِي وَيَرِثُ مِنْ آلِ يَعْقُوبَ)(6)، وقال: ﴿وَأُولُو الْأَرْحَامِ بَعْضُهُمْ أَوْلَى بِبَعْضٍ فِي كِتَابِ اللَّهِ﴾(7)، وقال: ﴿يُوصِيكُمُ اللَّهُ فِي أَوْلَادِكُمْ لِلذَّكَرِ مِثْلُ حَظِّ الْأُنْثَيَيْنِ)(8)، و
ص: 262
قال: (إِنْ تَرَكَ خَيْرًا الْوَصِيَّةُ لِلْوَالِدَيْنِ وَالْأَقْرَبِينَ بِالْمَعْرُوفِ حَقًّا عَلَى الْمُتَّقِينَ)(1)، وزعمتُم أَلا حظوة لي ولا أرث من أبي و لا رحم بيننا أفخصّكُمُ اللّه بِآيَةٍ أخرج منها أبي (صَلَّى اللّه عَلَيْهِ وَآلِهِ) ؟ ! أم هل تقُولُون أهل مِلّتين لا يتوارثان ؟!، أو لستُ أنا وأبي من أهل ملةٍ واحدةٍ ؟ أم أنتم أعلم بِخُصُوص القُرآنِ وعُمُومِهِ مِن أبِي و ابنِ عمّي ؟! فدونكما مخطومةً مرحولةً تلقاك يوم حشرك، فنعم الحكمُ اللّه، والزّعِيمُ محمّد، والموعِدُ القِيامةُ، وعِند الساعة ما تخسرون، ولا ينفعُكُم إِذ تندمُون، ﴿لِكُلِّ نَبَإٍ مُسْتَقَرٌّ)(2) (فَسَوْفَ تَعْلَمُونَ مَنْ يَأْتِيهِ عَذَابٌ يُخْزِيهِ وَيَحِلُّ عَلَيْهِ عَذَابٌ مُقِيمٌ)(3).
.. ثمّ رمت بطرفها نحو الأنصار فقالت: يا معاشر الفتية وأعضاد الملة، وأنصار الإسلام، ما هذِهِ الغميزةُ فِي حقي، والسّنةُ عن ظلامتي، أما كان رسُول اللّه (صَلَّى اللّه عَلَيْهِ وَآلِهِ) أبي يقُولُ: المرءُ يُحفظ فِي ولده، سرعان ما أحدثتُم، وعجلان ذا إهالة، ولكم طاقةٌ بِما أُحاوِلُ، وقُوةٌ على ما أطلبُ و، زاوِلُ، أتقُولُون مات محمّد (صَلَّى اللّه عَلَيْهِ وَآلِهِ)، فخطب جليل استوسع وهنه، واستنهر فتقه، و، وانفتق رتقُهُ، وأظلمتِ الأرضُ لِغيبتِهِ، وكُسِفتِ النُّجُومُ لِمُصِيبَتِهِ، وأكدت الآمال، وخشعت الجبالُ، وأُضيع الحريم، وأُزيلتِ الحُرمة عند مماته، فتلك واللّه النَّازِلَةُ الكُبرى، والمصيبةُ العُظمى، لا مثلها نازلة، ولا بائِقة عاجلة، أعلن بِها كِتابُ اللّه جلّ ثناؤُهُ فِي أَفْنِيتِكُم فِي مُمساكُم و مُصبحِكُم، هتافاً وصُراخاً، وتلاوةً وإلحاناً، و لقبله ما حلّ بِأَنبِياءِ اللّه ورسلِهِ، حُكم فصل و قضاء حم: (وَمَا مُحَمَّدٌ إِلَّا رَسُولٌ قَدْ خَلَتْ مِنْ قَبْلِهِ الرُّسُلُ أَفَإِنْ مَاتَ أَوْ قُتِلَ انْقَلَبْتُمْ عَلَى أَعْقَابِكُمْ وَمَنْ يَنْقَلِبْ عَلَى عَقِبَيْهِ فَلَنْ يَضُرَّ اللَّهَ شَيْئًا وَسَيَجْزِي اللَّهُ الشَّاكِرِينَ)(4).
إيها بَنِي قيلة ! أ أهضم ثراث أبي وأنتم بمرأى مني ومسمع ومبتد [منتدى] و مجمع ؟، تلبشكُمُ الدّعوة، وتشملكُمُ الخبرة، وأنتُم ذا العدد والعُدة، والأداة والقُوَّةِ، وعِندَكُمُ السّلاحُ والجنَّة، تُوافِيكُمُ الدّعوة فلا تُجيبون، وتأتيكُمُ الصّرخةُ فلا تُغِيثُون، وأنتُم موصوفون بالكفاح،
ص: 263
معروفون بالخير و الصلاح، والنُّجبة الّتي انتجبت، والخيرة الّتي اختيرت، قاتلتُم العرب، و تحمّلتم الكد والتعب، وناطحتُمُ الأُمم، وكافحتُم البهم، فلا نبرحُ أو تبرحُون، نأمُرُكُم فتأتمرُون، حتّى إذا دارت بنا رحى الإسلام، و در حلب الأيّام، وخضعت ثغرة الشرك، وسكنت فورة الإفكِ، و خمدت نيران الكفر، وهدأت دعوة الهرج، واستوسق نظامُ الدِّينِ، فأنّى حُرتُم بعد البيان، و أسررتُم بعد الإعلان، و نكصتُم بعد الإقدام، وأشركتُم بعد الإيمان (ألا تُقاتِلُون قوماً نكثوا أيمانهم وهموا بإخراج الرَّسُولِ وهُم بدؤُكُم أوّل مرّةٍ أتخشونهم فاللّه أحقُّ أن تخشوهُ إِن كُنتُم مُؤمِنين)(1) ألا قد أرى أن قد أخلدتُم إلى الخفض، وأبعدتُم من هُو أحقُ بِالبسط والقبض، و خلوتُم بِالدّعة، ونجوتُم مِن الضّيقِ بِالسّعة، فهججتُم ما وعيتُم، و دسعتُمُ الّذي تسوّغتُم، ف: (إن تَكْفُرُوا أَنْتُمْ وَمَنْ فِي الْأَرْضِ جَمِيعًا فَإِنَّ اللَّهَ لَغَنِيٌّ حَمِيدٌ)(2) ألا وقد قُلتُ ما قُلتُ على معرفة مِنِّي بِالخذلة الّتي خامرتكُم، والغدرة الّتي استشعرتها قُلُوبُكُم، ولكنّها فيضةُ النّفس، ونفثةُ الغيظ.
وخور القنا، وبثّةُ الصدر، وتقدِمةُ الحُجّةِ، فدونكُمُوها فاحتقبُوها ديرة الظّهر، نقبة الخُفّ، باقية العارِ، موسومةً بِغضبِ اللّه و شنارِ الأبدِ، موصولةً بِ: ﴿نَارُ اللَّهِ الْمُوقَدَةُ * الَّتِي تَطَّلِعُ عَلَى الْأَفْئِدَةِ)(3) فبعينِ اللّه ما تفعلُون (وَسَيَعْلَمُ الَّذِينَ ظَلَمُوا أَيَّ مُنْقَلَبٍ يَنْقَلِبُونَ)(4).
وأنا ابنة نذير لكم بين يدي عذاب شديد (5) ف: (اعملوا...إنّا عامِلُون وانتظِرُوا إِنّا مُنتظِرُون)(6).
فأجابها أبوبكر عبدُ اللّه بنُ عُثمان فقال : يا ابنة رسُول اللّه (صَلَّى اللّه عَلَيْهِ وَآلِهِ) ! لقد كان أَبُوكِ بِالمؤمِنِين عطوفاً كريماً، رؤوفاً رحيماً، وعلى الكافِرِين عذاباً أليماً، وعِقاباً عظيماً، فإن عزوناه وجدناه أباكِ دُون النِّساءِ، وأخًا لِبعلِكِ دُون الأَخِلاءِ، آثره على كلّ هِيمٍ، وساعده فِي كلّ أمرٍجسيم، لا
ص: 264
يُحِبُّكُم إِلَّا كلّ سعِيدٍ، ولا يغضكم [يُبغِضُكُم] إِلَّا كلّ شَقٍ، فَأَنتُم عِترةُ رسُول اللّه (صَلَّى اللّه عَلَيْهِ وَآلِهِ) الطّيّبون، والخيرة المنتجبون، على الخير أدلّتنا، وإلى الجنَّة مسالِكُنا، وأنتِ يا خِيرة النِّساء و ابنة خير الأنبياء صادِقة فِي قولكِ، سابقةٌ فِي وُفُورِ عقلِكِ، غيرُ مردُودة عن حقّكِ، ولا مصدودة عن صدقِكِ، وواللّه ما عدوتُ رأي رسُول اللّه (صَلَّى اللّه عَلَيْهِ وَآلِهِ) و لا عملتُ إِلَّا بِإِذْنِهِ وإِنَّ الرّائد لا يكذِبُ أهله، وإِنِّي أُشْهِدُ اللّه وكفى بِهِ شهيداً أنّي سمعت رسُول اللّه (صَلَّى اللّه عَلَيْهِ وَآلِهِ) يَقُولُ: نحنُ معاشر الأنبياء لا نُورِثُ ذهباً ولا فِضَةً ولا داراً ولا عقاراً وإنّما نُورِثُ الكُتُب والحكمة والعِلم و النبوة، و ما كان لنا من طعمةٍ فلولي الأمر بعدنا أن يحكُم فِيهِ بِحُكمِهِ، وقد جعلنا ما حاولتِهِ فِي الكراعِ والسّلاحِ يُقاتِلُ بِهِ المسلِمُون ويُجاهِدُون الكفار، ويُجالِدُون المردة، ثمّ الفُجّار، وذلك بإجماع من المسلمين، لم أتفرد به وحدي، و لم أستبد بما كان الرأي فِيهِ عِندِي، وهذه حالي و مالي هي لكِ وبين يديكِ لا نزوي عنكِ ولا ندّخِرُدُونكِ، وأنتِ سيّدةُ أُمَّةٍ أَبِيكِ، والشجرةُ الطَّيِّبةُ لِبنِيكِ، لا يُدفعُ ما لكِ مِن فضلِكِ، ولا يُوضعُ مِن فرعِكِ وأصلِكِ، حُكمُكِ نافِذُ فِيما ملكت يداي، فهل ترين أن أُخالف فِي ذلِكِ أباك (صَلَّى اللّه عَلَيْهِ وَآلِهِ)
فقالت (عَلَيهَا السَّلَامُ) : سُبحان اللّه ! ما كان رسُول اللّه (صَلَّى اللّه عَلَيْهِ وَآلِهِ) عن كتاب اللّه صارِفاً، ولا لأحكامِهِ مُخالِفاً، بل كان يتبع أثره، ويقفُوسُوره، أفتجمعُون إلى الغدر اعتلالًا عليهِ بِالنُّورِ، وهذا بعد وفاتِهِ شَبِيةٌ بِما بُغِي لَهُ مِن الغوائِلِ فِي حياتِهِ، هذا كِتابُ اللّه حكماً عدلًا، و ناطقاً فصلا، يقُولُ:
(يرِثُنِي ويَرِثُ مِنْ آلِ يعقُوب) (1) (وَوَرِثَ سُلَيْمَانُ دَاوُودَ)(2) فبيّن عزّوجلّ فيما وُزّع عليه من الأقساط، وشرع من الفرائض و الميراث، و أباح من حظ الذكرانِ و الإناث ما أزاح علة المبطلين، وأزال التظنّي والشُّبُهَاتِ فِي الغابِرِين، كلّا! (بَلْ سَوَّلَتْ لَكُمْ أَنْفُسُكُمْ أَمْرًا فَصَبْرٌ جَمِيلٌ وَاللَّهُ الْمُسْتَعَانُ عَلَى مَا تَصِفُونَ)(3).
فقال أبوبكر: صدق اللّه وصدق رسُولُه وصدقت ابنته أنتِ معدن الحكمة، وموطن الهدى و
ص: 265
الرحمة، وركن الدِّينِ، وعين الحجّةِ، لا أُبعد صوابكِ، ولا أُنكِرُ خِطابكِ، هؤلاء المسلِمُون بيني و بينكِ قلّدوني ما تقلّدتُ، وبِاتِّفاقٍ مِنهُم أخذتُ ما أخذتُ، غير مُكابر ولا مُستبد ولا مستأثر، وهُم بِذلِكَ شُهُودٌ.
فالتفتت فاطِمةُ (عَلَيهَا السَّلَامُ) النّاس وقالت معاشر النّاس ! المسرعة إلى قيل الباطِلِ، المغضية على الفعل القبيح الخاسِرِ (أَفَلَا يَتَدَبَّرُونَ الْقُرْآنَ أَمْ عَلَى قُلُوبٍ أَقْفَالُهَا)(1)، كلا بل ران على قُلُوبِكُم، ما أسأتُم مِن أعمالِكُم، فأخذ يسمعكُم وأبصارِكُم، ولبنس ما تأوّلتُم، وساء ما بِهِ أشرتُم، و شرما مِنهُ اعتضتُم، لتجِدُنّ واللّه محمِلهُ ثقيلًا، وغبّهُ وبِيلًا، إذا كُشِف لكُمُ الغِطاء، و بان ما وراءه الضراء، وبدا لكُم مِن ربِّكُم ما لم تكُونُوا تحتسِبُون (وَخَسِرَ هُنَالِكَ الْمُبْطِلُونَ)(2).
ثُمّ عطفت على قبر النّبيّ (صَلَّى اللّه عَلَيْهِ وَآلِهِ) و قالت:
قد كان بعدك أنباء وهنبثة *** لوكُنت شاهدها لم تكبر الخطب
إنا فقدناك فقد الأرض وابلها *** و اختل قومك فاشهدهُم وقد نكبوا
وكُلُّ أهل له قربى و منزلة *** عند الإله على الأدنين مُقترب
أبدت رِجالٌ لنا نجوى صُدُورِهِم *** لما مضيت و حالت دونك التُربُ
تجهمّتنا رجال و استخف بنا *** لَمَا فُقدت وكُلُّ الْأَرْضِ مُغتصب
و كُنت بدراً و نُوراً يستضاء بهِ *** عليك تنزِلُ مِن ذِي العِزّةِ الكُتُبُ
و کان جِبريلُ بِالآياتِ يُؤنِسُنا *** فقد فُقدت فكل الخير محتجب
فليت قبلك كان الموتُ صادفنا *** لما مضيت و حالت دونك الكُتُبُ
إِنَّا رُزِينا بما لم يُرز ذُو شجن *** من البريّة لا عُجم ولا عرب
ثم انكفات (عَلَيهَا السَّلَامُ) وأمير المؤمنين (عَلَيهِ السَّلَامُ) يتوقعُ رُجُوعها إِليهِ ويتطلعُ طُلُوعها عليهِ فَلَمّا استقرت بها الدّارُ، قالت لأمير المؤمنين (عَلَيهِ السَّلَامُ) :
ص: 266
يا ابن أبِي طالِب عليك السّلامُ: اشتملت شملة الجنين، وقعدت حُجرة الظَّنِينِ، نقضت قادِمة الأجدل، فخانك ريش الأعزل، هذا ابن أبي قحافة يبتزني نحيلة أبي وبلغة ابني، لقد أجهر فِي خصامي، وألفيتُه ألد فِي كلامي، حتّى حبستني قيلةٌ نصرها، والمهاجرة وصلها، وغضّتِ الجماعةُ دُونِي طرفها، فلا دافع ولا مانع خرجتُ كاظمةً وعُدتُ راغِمةً، أضرعت خدّك يوم أضعت حدّك، افترستِ الذُّئاب و افترشت التُراب، ما كففت قائلًا، ولا أغنيت باطِلًا، ولا خيار لي، ليتني مِتُ قبل هنيئتي، ودون زلّتي، عذيري اللّه منك عادِياً، ومِنك حامياً، ويلاي! فِي كلّ شارق، مات العمد، و وهتِ العضُد شكواي إلى أبي و عدواي إلى ربّي، اللّهمّ أنت أشدُّ قُوَّةً و حولا، وأحد بأساً وتنكيلا.
فقال أمير المؤمنين (عَلَيهِ السَّلَامُ) : لا ويل عليكِ الويل لشانئِكِ نهنهي عن وجدِكِ يا ابنة الصفوة، و بقيّة النُّبوة، فما ونيتُ عن ديني، ولا أخطأتُ مقدوري، فإِن كُنتِ تُرِيدِين البلغة، فرزقُكِ مضمون، و كفِيلُكِ مأمُونٌ، وما أَعِدّ لكِ أفضلُ ما قُطِع عنك، فاحتسبي اللّه.
فقالت: حسبي اللّه.. وأمسكت. (1)
5- عن جعفر بن محمّد بن عمارة قال : أن أبا بكر لما سمع خُطبة فاطمة (عَلَيهَا السَّلَامُ) فِي فدك شق عليه مقالتها، فصعد المنبر فقال: أيّها النّاسُ! ما هذِهِ الرّعةُ إلى كلّ قالةٍ ! أين كانت هذِهِ الأماني فِي عهدِ رسُول اللّه (صَلَّى اللّه عَلَيْهِ وَآلِهِ)؟ ألا من سمع فليقُل، ومن شهد فليتكلّم، إِنّما هُو تُعالةٌ شهِيدُهُ ذنبُهُ، مُرِبُّ بِكُلِّ فِتنةٍ، هُو الّذي يَقُولُ: كروها جذعةً بعد ما هرمت، تستعِينُون بِالضّعفة وتستنصِرُون بِالنِّساءِ، كأَمّ طحالٍ أحبّ أهلُها إليها البغي. ألا إِنِّي لو أشاءُ أن أقول لقُلتُ، ولو قُلتُ لبُحتُ إِنِّي سَاكِتُ ما تُرِكتُ.
ثمّ التفت إلى الأنصار فقال: قد بلغني يا معاشر الأنصار مقالة شفهائِكُم، وأحقُّ من لزم عهد رسُول اللّه (صَلَّى اللّه عَلَيْهِ وَآلِهِ) وسلّم أنتُم، فقد جاءَكُمُ فآويتُم و نصرتُم، ألا وإني لستُ باسطاً يداً ولساناً على من لم يستحق ذلِك مِنا.. ثمّ نزل.
ص: 267
فانصرفت فاطمة (عَلَيهَا السَّلَامُ) إلى منزلها. (1)
أقول : قال ابن أبي الحديد وهُو من علمائهم :
قرأت هذا الكلام على النقيب يحيى بن أبي زيد البصري.
فقلت له: بمن يعرّض ؟.
فقال: بل يصرّح.
قلت: لوصرح لم أسألك ؟.
فضحك وقال: بعلي بن أبِي طالِب (عَلَيهِ السَّلَامُ).
قلت: أهذا الكلام كله لعليّ (عَلَيهِ السَّلَامُ) ؟!.
قال: نعم إنه الملك يا بَنِي !.
قلت : فما مقالة الأنصار؟
قال : هتفوا بذكر على فخاف من اضطراب الأمر عليه فنهاهم. (2)
6- عن أبي عبدِ اللّه (عَلَيهِ السَّلَامُ) قال: لما منع أبوبكر فاطمة (عَلَيهَا السَّلَامُ) فدكاً و أخرج وكيلها، جاء أميرُ المؤمنين (عَلَيهِ السَّلَامُ) إلى المسجِدِ و أبوبكر جالس وحوله المهاجرون والأنصار.
فقال : يا أبابكر ! لِم منعت فاطمة ما جعلهُ رسُول اللّه (صَلَّى اللّه عَلَيْهِ وَآلِهِ) لها و وكِيلُها فِيهِ مُنذُ سِنِين ؟!
فقال أبو بكر: هذا فِي لِلمُسلِمِين، فإن أتت بِشُهُودٍ عُدُولٍ، وإِلَّا فلاحق لها فِيهِ.
قال: يا أبابكر تحكُمُ فِينَا بِخِلافِ ما تحكُمُ فِي المسلمين ؟! قال: لا.
قال: أخبرني لوكان فِي يد المسلمين شيء فادعيتُ أنا فِيهِ، من كُنت تسألُ البيّنة ؟
قال: إياك كُنتُ أسأل.
قال: فإذا كان فِي يدي شيء فادّعى فِيهِ المسلِمُون، تسألُنِي فِيهِ البيّنة؟
قال: فسكت أبوبكر، فقال عُمرُ: هذا فِي لِلمُسلِمِين، و لسنا مِن خُصُومتِكَ فِي شيءٍ.
ص: 268
فقال أمير المؤمنين (عَلَيهِ السَّلَامُ) لأبي بكر: يا أبا بكر ! تُقِرُّ بِالقُرآنِ ؟
قال: بلى.
قال : أخبرني عن قول اللّه عزّوجلّ: ﴿إِنّما يُرِيدُ اللّه لِيُذهِب عنكُمُ الرِّجس أهل البيت و يُطهركم تطهيراً)(1) فينا أو فِي غيرنا نزلت ؟
قال: فِيكُم.
قال: فأخبرني لو أنّ شاهِدين من المسلمين شهدا على فاطمة (عَلَيهَا السَّلَامُ) بِفاحِشةٍ ما كنت صانعاً؟
قال كُنتُ أُقيم عليها الحد كما أُقِيمُ على نساء المسلمين !!! قال: كُنت إذا عند اللّه من الكافرين.
قال: ولم؟
قال : لأنك كُنت تردُّ شهادة اللّه وتقبل شهادة غيره، لأنّ اللّه عزّو جلّ قد شهد لها بالظهارة، فإذا رددت شهادة اللّه و قبلت شهادة غيرِهِ كُنت عند اللّه مِن الكافِرِين.
قال فبكى النّاسُ، وتفرّقُوا، و دمدموا...(2)
7- عن أبي عبدِ اللّه (عَلَيهِ السَّلَامُ) قال : لما بويع أبوبكر و استقام له الأمر على جميع المهاجرين و الأنصار، بعث إلى فدك من أخرج وكيل فاطمة بنتِ رسُول اللّه منها.
فجاءت فاطمة (عَلَيهَا السَّلَامُ) إلى أبي بكر فقالت: يا أبا بكر ! لم تمنعني ميراثي مِن أبِي رسُول اللّه (صَلَّى اللّه عَلَيْهِ وَآلِهِ)، و أخرجت وكيلي مِن فدك ؟! وقد جعلها لي رسُول اللّه (صَلَّى اللّه عَلَيْهِ وَآلِهِ) بأمر اللّه تعالى.
فقال: هاتي على ذلِك بِشُهُودٍ.
فجاءت بأم أيمن، فقالت: لا أشهد يا أبا بكر حتّى أحتج عليك بما
قال رسُول اللّه (صَلَّى اللّه عَلَيْهِ وَآلِهِ)، أنشدك باللّه ألست تعلم أن رسُول اللّه (صَلَّى اللّه عَلَيْهِ وَآلِهِ) قال: إِن أُمّ أيمن امرأةٌ مِن أهل الجنَّة ؟
ص: 269
فقال: بلی.
قالت: فأشهدُ أنّ اللّه عزّو جلّ أوحى إلى رسُول اللّه (صَلَّى اللّه عَلَيْهِ وَآلِهِ) (فآتِ ذَا القُربى حقه) (1) فجعل فدك لفاطمة بأمر اللّه.
وجاء علي فشَهِد مِثل ذلك.
فكتب لها كِتاباً ودفعه إليها.
فدخل عُمرُ، فقال: ما هذا الكِتابُ ؟
فقال: إنّ فاطمة ادعت فِي فدك و شهِدَت لها أُم أيمن وعلي فكتبتُهُ.
فأخذ عُمرُ الكِتاب مِن فاطمة فمزقُه.
فخرجت فاطِمةُ (عَلَيهَا السَّلَامُ) تبكِي.
فلَمّا كان بعد ذلك جاء عليّ (عَلَيهِ السَّلَامُ) إلى أبي بكر وهُو فِي المسجد وحوله المهاجرون والأنصار فقال: يا أبابكر ! لِم منعت فاطمة ميراثها من رسُول اللّه (صَلَّى اللّه عَلَيْهِ وَآلِهِ) وقد ملكته فِي حياة رسُول اللّه (صَلَّى اللّه عَلَيْهِ وَآلِهِ) ؟
فقال أبو بكر: إِنّ هذا فيءٌ لِلمُسلِمِين، فإن أقامَت شُهُوداً أنّ رسُول اللّه جعله لها، وإلا فلاحق لها فيه.
فقال أمير المؤمِنين صلوات اللّه عليه وآلِهِ: يا أبابكرٍ ! تحكُمُ فِينَا بِخِلَافِ حكم اللّه فِي المسلمين؟
قال: لا.
قال: فإن كان فِي يد المسلمين شيءٌ يملكونهُ ثمّ ادّعيتُ أنا فِيهِ، من تسألُ البيّنة ؟
قال: إياك كُنتُ أسألُ البيّنة.
قال: فما بال فاطِمة سألتها البيّنة على ما فِي يدها وقد ملكته فِي حياة رسُول اللّه (صَلَّى اللّه عَلَيْهِ وَآلِهِ) و بعده، ولم تسأل المسلمين البيّنة على ما ادعوها شُهُوداً كما سألتني على ما ادعيتُ عليهم ؟!
ص: 270
فسكت أبو بكر، فقال عُمرُ: يا علي ! دعنا من كلامك، فإنا لا نقوى على حُجّتِك، فإن أتيت بِشُهُودٍ عُدُولٍ، وإِلَّا فهُو فيءٌ لِلمُسلِمِين، لا حقّ لك ولا لفاطمة فِيهِ.
فقال عليّ (عَلَيهِ السَّلَامُ) : يا أبابكر ! تقرأُ كِتاب اللّه ؟
قال: نعم.
قال : أخبرني عن قول اللّه عزّوجلّ: (إِنَّمَا يُرِيدُ اللَّهُ لِيُذْهِبَ عَنْكُمُ الرِّجْسَ أَهْلَ الْبَيْتِ وَيُطَهِّرَكُمْ تَطْهِيرًا) (1) فينا نزلت أو فِي غيرنا؟! قال: بل فِيكُم.
قال: فلو أن شُهُوداً شهدوا على فاطمة بنتِ رسُول اللّه (صَلَّى اللّه عَلَيْهِ وَآلِهِ) بفاحشة ما كنت صانعاً بها؟! قال: كُنتُ أُقِيمُ عليها الحدّ كما أُقِيمُ على سائِرِ نِساء العالمين !!! قال: كُنت إِذا عِند اللّه مِن الكافرين.
قال: ولم؟
قال: لأنك رددت شهادة اللّه لها بالظهارة وقبلت شهادة النّاسِ عليها، كما رددت حكم اللّه و حكم رسوله أن جعل لها فدك وقبضته فِي حياتِهِ، ثمّ قبلت شهادة أعرابي بائل على عقبيه عليها، وأخذت منها فدكاً، وزعمت أنهُ فِي لِلمُسلمين، وقد قال رسُول اللّه (صَلَّى اللّه عَلَيْهِ وَآلِهِ): البيّنة على المدعي واليمين على المدعى عليه، فرددت قول رسُول اللّه (صَلَّى اللّه عَلَيْهِ وَآلِهِ): البيّنة على من ادعى واليمين على منِ ادعِي عليهِ.
قال: فدمدم النّاسُ وأنكر بعضُهم و قالُوا: صدق واللّه علي، ورجع عليّ (عَلَيهِ السَّلَامُ) إلى منزله.
قال: ودخلت فاطمة (عَلَيهَا السَّلَامُ) المسجد، وطافت على قبر أبيها، وهي تقول:
قد كان بعدك أنباء وهنبثة *** لوكنت شاهدها لم تكثر الخطب
إِنّا فقدناك فقد الأرض وابلها *** و اختل قومك فاشهدهم فقد نكبوا
قد كان جبريل بالآياتِ يُؤنسنا *** فغاب عنّا فكل الخير محتجب
قد كُنت بدراً و نُوراً يستضاءُ بِهِ** عليك تنزل من ذي العزة الكُتُبُ
ص: 271
تهجّمتنا رجال واستخف بنا *** إذ غبت عنّا فنحن اليوم تغتصب
فسوف نبكيك ما عشنا وما بقيت *** مِنّا العُيُونُ بِتهمال لها سكبّ (1)
1- عن مُخوّلِ بنِ إبراهيم، قال: أخبرني مُوسى بنُ عبدِ اللّه بنِ الحسن وذكرهما، فقال: قُل لهؤلاء نحن نأتم بفاطمة، فقد جاء البيتُ عنها أنها ماتت وهِي غَضِبَ عليهما، فنحنُ نغضبُ لغضبها و نرضى لرضاها، فقد جاء غضبها، فإذا جاء رضاها رضينا. (2)
1- عن عبدِ الرّحمنِ بنِ غنم الأزدي و ساق قصة وفاة مُعاذ بن جبل وأبي بكر إلى أن قال دعا بِالويل والنُّبُورِ وقال هذا محمّد و على صلواتُ اللّه عليهما يُبشِّرانِي بِالنَّارِ بِيدِهِ الصَّحِيفَةُ الّتي تعاهدنا عليها فِي الكعبة وهُو يقُولُ لقد وفيت بها فظاهرت على ولي اللّه [أنت] وأصحابك فأبشر بالنّارِ فِي أسفل السافلين قال سليم فقُلتُ لِمحمّد بنِ أبي بكر فن ترى حدث أمير المؤمنين عن هؤلاء الخمسة بما قالُوا قال رسُول اللّه (صَلَّى اللّه عَلَيْهِ وَآلِهِ) إِنَّهُ يراه فِي منامِهِ كلّ ليلةٍ وحَدِيثُهُ إِيَّاهُ فِي المنامِ مِثلُ حدِيثِهِ إِيَّاهُ فِي اليقظة فإِنّ رسُول اللّه (صَلَّى اللّه عَلَيْهِ وَآلِهِ) قال من رآني فِي المنام فقد رآني فإنّ الشيطان لا يتمثلُ بِي فِي نوم ولا يقظة ولا بِأحدٍ مِن أوصيائي إلى يوم القيامةِ قال سليم فقُلتُ لِمحمّد بنِ أبي بكر من حدثك بهذا قال عليّ (عَلَيهِ السَّلَامُ) فقُلتُ سمِعتُ أنا أيضاً كما سمعت أنت قُلتُ لمحمّد فلعل ملكاً من الملائكة حدثه قال أو ذاك وساقه إلى أن قال سليمٌ فَلَمَّا قُتِل محمّد بن أبي بكرٍ مصر و عزّينا أمير المؤمنين (عَلَيهِ السَّلَامُ) حدّثتُهُ بِما حدّثني بِهِ محمّد و خبّرتُهُ بِما خبّرني بِهِ عبدُ الرَّحمنِ بن غنم قال صدق محمّد رحمهُ اللّه أمَا إِنَّهُ شَهِيدٌ يُرزقُ الحديث. (3)
ص: 272
2 - عن عبدالرحمن ابن غنم الأشعري حين مات مُعاذ بن جبل وكانت إبنته تحت مُعاذ بنُ جبل وكان أفقه أهل الشّامِ وأشدّهُمُ اجتهاداً، قال : مات مُعاذ بن جبل بِالطَّاعُونِ، فشهِدتُ يوم مات والنّاسُ مُتشاغِلُون بِالطَّاعُونِ، قال : وسمِعتُهُ حِين احتضر و ليس فِي البيتِ غيري وذلِك فِي خِلافةِ عُمر بن الخطاب، فسمعتُهُ يَقُولُ:
ويلٌ لِي ! ويلٌ لِي!. فقُلتُ فِي نفسي: أصحابُ الطَّاعُونِ يهدون ويقُولُون الأعاجيب. فقُلتُ لَهُ: أتهذي؟. قال: لا، رحمك اللّه. قُلتُ: فلم تدعُو بِالويل والنُّبُورِ؟. قال: لِسُوالاتي عدو اللّه على ولي اللّه. فقُلتُ له: من هم؟. قال:
موالاتي عتيقاً و [ رُمعُ] على خليفة رسُول اللّه و وصيه عليّ بن أبِي طالِب (عَلَيهِ السَّلَامُ).
فقُلتُ: إِنَّكَ لتهجُرُ!. فقال: يا ابن غنم واللّه ما أهجُرُ هذان، رسُول اللّه (صَلَّى اللّه عَلَيْهِ وَآلِهِ) و عليّ بن أبِي طالِب (عَلَيهِ السَّلَامُ) يقولان لي يا مُعاد أبشر بالنّارِ أنتَ وأصحابك. أفليس قلتُم إن مات رسُول اللّه (صَلَّى اللّه عَلَيْهِ وَآلِهِ) أو قتل زوينا الخلافة عن عليّ بن أبِي طالِب (عَلَيهِ السَّلَامُ) فلن تصل إليه، فاجتمعت أنا و [ عتيق و رُمعُ] وأبو عبيدة وسالم، قال: قُلتُ: متى يا مُعاذ؟. قال: فِي حجة الوداع، قلنا: نتظاهرُ على عليّ (عَلَيهِ السَّلَامُ) فلا ينال الخلافة ما حيينا، فلمّا قُبِض رسُول اللّه (صَلَّى اللّه عَلَيْهِ وَآلِهِ) قُلتُ لهم: أنا أكفِيكُم قومي الأنصار فاكفُونِي قُريشاً، ثمّ دعوتُ على عهدِ رسُول اللّه (صَلَّى اللّه عَلَيْهِ وَآلِهِ) إلى هذا الّذي تعاهدنا عليه بشر بن سعيد و أسيد بن حصين فبايعاني على ذلك، فقُلتُ: يا مُعاذ! إِنَّكَ لتهجُرُ، فألصق خدّه بِالأرْضِ فلما زال يدعُو بِالويل والقُبُورِ حتّى مات.
فقال ابنُ غنيم: ما حدثتُ بهذا الحديث يا ابن قيس بن هلال أحداً إِلَّا ابنتي امرأة مُعادٍ و رَجُلًا آخر، فإنّي فزعتُ مِمّا رأيتُ وسَمِعتُ مِن مُعَادٍ.
قال: فحججتُ ولقِيتُ الّذي غمّض أبا عُبيدة وسالِماً فأخبراني أنَّه حصل لهما ذلك عند موتهما، لم يزد فِيهِ حرفاً ولم ينقص حرفاً، كأنهما قالا مثل ما قال معاذ بن جبل، فقُلتُ: أولم يُقتل سالم يوم التِهامة؟ قال: بلى، ولكنّا احتملناه و به رمق.
قال سُليم: فحدثت بحدِيثِ ابنِ غني هذا كُلّهِ محمّد بن أبي بكر، فقال لي: اكتم علي واشهد أن أبي قد قال عِند موتِهِ مِثل مقالتِهم، فقالت عائشة: إِنَّ أَبِي يهجُرُ.
ص: 273
قال محمّد : فلقِيتُ عبد اللّه بن عُمر فِي خِلافةِ عُثمان وحدّثتُهُ بِما سمِعتُ مِن أبِي عِند موتِهِ فأخذتُ عليهِ العهد والميثاق ألا يكتم علي. فقال لي ابنُ عُمر:
اكتُم عليّ، فواللّه لقد قال أبي مثل ما قال أبوك وما زاد ولا نقص، ثمّ تداركها ابن عُمر بعد و تخوّف أن أخبر بذلك عليّ بن أبِي طالِب (عَلَيهِ السَّلَامُ) لما علم مِن حُبّي لَهُ وانقِطَاعِي إِليهِ، فقال: إِنّا كان يهجُرُ. فأتيتُ أمير المؤمنين (عَلَيهِ السَّلَامُ) فأخبرتُهُ بِما سمِعتُهُ مِن أبِي و ما حدّثني بِهِ ابْنُ عُمر.
فقال عليّ (عَلَيهِ السَّلَامُ) : قد حدّثني بذلك عن أبيك و عن أبيه وعن أبي عُبيدة وسالم وعن مُعاذٍ من هُو أصدقُ مِنكَ ومِنِ ابْنِ عُمر. فقُلتُ: ومن ذاك يا أمير المؤمنين؟.
فقال: بعضُ من حدّثني. فعرفتُ ما عنى، فقُلتُ: صدقت، إنّما ظننتُ إنساناً حدثك، وما شهد أبِي وهُو يقُولُ ذلِك غيرِي.
قال سليم: قُلتُ لابنِ غنم : مات مُعاذ بِالطَّاعُونِ فيما مات أبو عُبيدة؟.
قال: مات بالدُّبيلة، فلقِيتُ محمّد بن أبي بكر فقُلتُ: هل شهد موت أبيك غيرك وأخيك عبدِ الرّحمنِ وعائشة وعُمر؟. قال : لا قُلتُ: وهل سمِعُوا مِنهُ ما سمعت؟. قال: سمعُوا مِنهُ طرفاً فبكوا. وقال [قالُوا]: هُو يهجُرُ، فأمّا كلّ ما سمِعتُ أنا فلا قُلتُ : فالّذي سَمِعُوا ما هو؟. قال: دعا بِالويل والنُّبُورِ، فقال له عُمَرُ: يا خليفة رسُول اللهِ! لِم تدعُو بِالويل والنُّبُورِ؟!. قال: هذا رسُول اللّه (صَلَّى اللّه عَلَيْهِ وَآلِهِ) و معه عليّ بن أبِي طالِب يُبشّرانِّي بِالنّارِ، ومعه الصحيفة الّتي تعاهدنا عليها فِي الكعبة، وهُو يقُولُ: قد وفيت بها و ظاهرت على ولي اللّه فأبشر أنت وصاحِبُك بِالنَّارِ فِي أسفل السّافِلِين، فلَمّا سمِعها عُمرُ خرج وهُو يقُولُ : إِنَّهُ ليهجُرُ! قال: لا واللّه لا أهجُرُ أين تذهب ؟. قال عُمرُ: كيف لا تهجرو أنت ثاني اثنين إذ هُما فِي الغار؟! قال: الآن أيضاً! أو لم أُحدِّثك أن محمّداً و لم يقل رسُول اللّه (صَلَّى اللّه عَلَيْهِ وَآلِهِ) قال لي وأنا معه فِي الغارِ: إِنِّي أرى سفينة جعفر و أصحابِهِ تعُومُ فِي البحر، فقُلتُ: أرنيها، فمسح يده على وجهه فنظرتُ إليها، و أضمرتُ عِند ذلك أنَّه ساحِرٌ، و ذكرتُ لك ذلِك بِالمدينة، فأجمع رأيي و رأيك أنَّه ساحِرٌ، فقال عُمَرُ: يا هؤلاء ! إِنْ أَبَاكُم يهجُرُ فاكتُمُوا ما تسمعون عنه لئلّا يشمت بِكُم أهل هذا البيت، ثمّ خرج و خرج أخي و خرجت عائشةُ ليتوفّئُوا لِلصّلاةِ، فأسمعني مِن قولِهِ ما لم يسمعُوا، فقُلتُ لَهُ لَمَّا خلوتُ بِهِ: يَا
ص: 274
أَبَتِ! قُل: لا إله إلّا اللّه، قال : لا أقُولُها ولا أقدر عليها أبداً حتّى أرد النّار فأدخل التابوت، فلما ذكر التابوت ظننتُ أنّه يهجُرُ، فقُلتُ لَهُ: أَيُّ تَابُوتٍ ؟ فقال : تابُوتُ مِن نارٍ مُقفّل بِقُفلِ مِن نَارِ فِيهِ اثنا عشر رجُلًا، أنا وصاحبي هذا قُلتُ عُمرُ؟ قال: نعم، وعشرةٌ فِي جُبِّ مِن جهنَّم عليه صخرة إذا أراد اللّه أن يُسعر جهنَّم رفع الصخرة.
قُلتُ: أتهذِي؟. قال: لا واللّه ما أهذِي، ولعن اللّه ابن صُهاك هُو الّذي (أَضَلَّنِي عَنِ الذِّكْرِ بَعْدَ إِذْ جَاءَنِي * فَبِئْسَ الْقَرِينُ)(1)، ألصق خدّي بالأرض، فألصقت خدّه بِالأَرضِ، فما زال يدعُو بِالويل و القُبُورِ حتّى غمّضتُهُ، ثمّ دخل عُمرُ علي، فقال: هل قال بعدنا شيئاً؟ فحدّثته.
فقال: يرحم اللّه خليفة رسُول اللّه (صَلَّى اللّه عَلَيْهِ وَآلِهِ)، اكتُم ! هذا كُلُّهُ هذيان، وأنتم أهل بيتٍ يُعرفُ لكُمُ الهذيان فِي موتِكُم ؟. قالت عائشة: صدقت، ثمّ قال لي عُمر: إياك أن يخرج منك شيءٌ مِمّا سمعت بِهِ إلى عليّ بن أبِي طالِب (عَلَيهِ السَّلَامُ) وأهل بيته. قال: قال سليم: قُلتُ لمحمّد: من تراه حدّث أمير المؤمنين (عَلَيهِ السَّلَامُ) عن هؤلاء الخمسة بما قالُوا، فقال: رسُول اللّه (صَلَّى اللّه عَلَيْهِ وَآلِهِ)، إنه يراه فِي كلّ ليلةٍ فِي المنام و حدِيثُهُ إِيَّاهُ فِي المنامِ مِثلُ حَدِيثِهِ إِيَّاهُ فِي اليقظة والحياة، وقد قال رسُول اللّه (صَلَّى اللّه عَلَيْهِ وَآلِهِ) من رآني فِي المنام فقد رآني فإنّ الشيطان لا يتمثّل بي فِي نوم ولا يقظة ولا بأحدٍ مِن أوصيائي إلى يوم القيامة.
قال سليم: فقُلتُ لِمحمّد: فمن حدّثك بهذا ؟ قال : علي. فقُلتُ : واللّه فلا نقتي أ بالعمالة و قد سمِعتُ أنا أيضاً مِنهُ كما سمعت أنت قُلتُ لمحمّد : فلعل ملكاً من الملائكة حدّثه. قال: أو ذاك ؟ قُلتُ: فهل تُحدّث الملائكةُ إِلَّا الأنبياء ؟!. قال: أما تقرأ كتاب اللّه و ما أرسلنا من قبلك من رسُول ولا نبيّ ولا تُحدّث.
قُلتُ أنا: أمِيرُ المؤمِنِين مُحدّت. قال: نعم، وفاطمة مُحدّثةٌ، ولم تكُن نبيّةً، ومريمُ مُحدّثةٌ ولم تكُن نبيّةً، وأُمُّ مُوسى مُحدّثة و لم تكُن نبيّةً، وسارة امرأة إبراهيم قد عاينت الملائكة ولم تكن نبية،
ص: 275
فبشّرُوها بإسحاق (وَمِنْ وَرَاءِ إِسْحَاقَ يَعْقُوبَ) (1) قال سليم: فَلَمّا قُتِل محمّد بنُ أَبي بكرٍ مصر و عزّينا أمير المؤمنين، جِئتُ إلى أمير المؤمنين (عَلَيهِ السَّلَامُ) و خلوتُ بِهِ فحدّثتُهُ بِما أخبرني بِهِ محمّد بن أبي بكرو بما حدّثني بِهِ ابن غنم.
قال: صدق محمّد رحمه اللّه، أما إِنَّهُ شَهِيدٌ حيّ مرزُوقٌ، يا سليم! إِنِّي وأوصِيائي أحد عشر رجُلًا مِن وُلدِي أَعْتَةُ هُدًى مهدِيُّون مُحدّثون.
قُلتُ: يا أمير المؤمنين ! و من هم؟.
قال: ابني [ابناي] الحسن والحُسين، ثمّ ابني هذا و أخذ بيد عليّ بن الحُسين (عَلَيهِم السَّلَامُ) و هُو رضِيعُ ثمّ ثمانيةٌ مِن وُلدِهِ واحِداً بعد واحِدٍ وهُمُ الّذين أقسم اللّه بهم فقال: ﴿وَوَالِدٍ وَمَا وَلَدَ)(2)، فالوالد رسُول اللّه (صَلَّى اللّه عَلَيْهِ وَآلِهِ) و أنا، و ما ولد يعني هؤلاء الأحد عشر وصيّاً صلوات اللّه عليهم.
قُلتُ: يا أمير المؤمنين ! يجتمعُ إمامانِ ؟.
قال: لا، إلّا وأحدهما صامت لا ينطِقُ حتّى يهلك الأول. (3)
ص: 276
1- عن عبادة بن صامت فِي حديث قال: كنّا ذات يومٍ عِند النّبيّ (صَلَّى اللّه عَلَيْهِ وَآلِهِ) فدخل أبوبكر، ثمّ دخل عُمر؛ ثمّ دخل عليّ (عَلَيهِ السَّلَامُ) على أثرهما؛ فكأنما سفي على وجه رسُول اللّه (صَلَّى اللّه عَلَيْهِ وَآلِهِ) الرماد، ثمّ قال: يا علي أيتقدّمك هذان وقد أمرك اللّه عليهما؛ فقال أبو بكر: نسيتُ يا رسُول اللّه، وقال عُمر: سهوتُ يا رسُول اللّه، فقال رسُول اللّه (صَلَّى اللّه عَلَيْهِ وَآلِهِ) : ما نسيتُما ولا سهوتما وكأني بكما قد سلبتُماه ملكه، وتحاربتُما عليه وأعانكما عليه أعداء اللّه وأعداء رسوله؛ وكأني بكما قد تركتُما المهاجرين والأنصار يضرب بعضُهم وجوه بعض بالسيف على الدُّنيا، وكأنّي بأهل بيتي وهُم المقهورون والمشتتون فِي أقطارها، وذلك لأمر قد قُضي ثمّ بكى رسُول اللّه (صَلَّى اللّه عَلَيْهِ وَآلِهِ) حتّى سالت دمُوعُه؛ ثمّ قال: يا علي الصبر الصبر! حتّى يُنزل الأمرُو لا حول ولا قوة إلّا باللّه العلي العظيم. (1)
2 - عن أنس بن مالك قال: مرض على (عَلَيهِ السَّلَامُ) فثقل، فجلستُ عِند رأسه فدخل رسُول اللّه (صَلَّى اللّه عَلَيْهِ وَآلِهِ) ومعه الناسُ، فامتلأ البيتُ فقُمتُ مِن مجلسي، فجلس فِيهِ رسُول اللّه (صَلَّى اللّه عَلَيْهِ وَآلِهِ)، فغمز أبوبكر عمر فقام فقال: يا رسُول اللّه إنك عهدت إلينا فِي هذا عهداً، وإنا لا نراه إلّا لما يه ؟ فإن كان شيء فإلى من ؟ فسكت رسُول اللّه (صَلَّى اللّه عَلَيْهِ وَآلِهِ) فلم يجبه، فغمزه الثانية فكذلك ثمّ الثالثة، فرفع رسُول اللّه (صَلَّى اللّه عَلَيْهِ وَآلِهِ) رأسه فقال: إن هذا لا يموتُ من وجعه هذا ولا يموتُ حتّى تملأه غيظاً و توسعاه غدراً و تجداه صابراً. (2)
3- عن عليّ (عَلَيهِ السَّلَامُ) فِي حديث أنّ رسُول اللّه (صَلَّى اللّه عَلَيْهِ وَآلِهِ) قال: يا أبابكرويا عُمرو يا عُثمان! إنِّي رأيتُ اللّيلة إثني عشر رجلاً على منبري يردّون أمتي عن الصراط القهقرى، فاتقوا اللّه و سلّموا الأمر لعلي بعدي، ولا تُنازعُوه فِي الخلافة ولا تظلموه، إلى أن قال: إن عليّ بن أبِي طالِب خليفتي فِي أمتي، وإنّه أولى بالمؤمنين من أنفسهم، فإذا مضى فإبني هذا و وضع يده على رأس الحسن فإذا مضى فإبني هذا و وضع يده على رأس الحُسين ثمّ تسعةٌ مِن وُلد الحُسين واحداً بعد واحد. (3)
ص: 277
1- عن أمير المؤمنين (عَلَيهِ السَّلَامُ) كان يقول لابن عبّاس: كيف أنت يا ابن عم إذا ظلمتِ العُيون العين؟
فقال: يا مولاي كلّمتني بهذا مراراً و لا أعلم معناه، فقال: عين عتيق وعُمرو عبد الرحمن ابن عوف، وعين عُثمان وستضم إليها عين عائشة، وعين معاوية وعين عمرو بن العاص، وعين عبد الرحمنِ بنِ مُلجم، وعين عُمر بن سعد لعنهم اللّه. (1)
2 - روي أنّ ابن مسعود حلف بحضرة عُثمان فقال: واللّه ما أنت على الحقّ ولا صاحباك، فإن شئت فاضربني، وإن شئت فدع فإنّي سمعت رسُول اللّه (صَلَّى اللّه عَلَيْهِ وَآلِهِ) يقول: علي مع الحقّ و الباطِلُ مع غيره، والويل لعيون تظلم عيناً فضربه أربعين درة، والعيون أبوبكر إسمه عبد اللات و عمرُو عُثمان يظلمون عيناً يعني بذلك عليّاً. (2)
3 - قال عليّ (عَلَيهِ السَّلَامُ) لحذيفة: كيف أنت وقد ظلمتِ العُيون العين؟ قال حذيفة لا أعلم تأويل كلامك، ثمّ فسرها له، بأن العين علي و العيون عتيق، وعُمر، وعثمان، وعبد الرحمن بن عوف، و عمرو بن العاص، وعبد الرحمن بن ملجم، وأوّل كلّ إسم عين (3).
4 - قال رسُول اللّه (صَلَّى اللّه عَلَيْهِ وَآلِهِ): إذا ظلمتِ العُيُونُ العين كان قتلُ العَينِ على يد الرابع مِن العُيُونِ، فإذا كان ذلك استحق الخاذِلُ لهُ (لَعْنَةَ اللَّهِ وَالْمَلَائِكَةِ وَالنَّاسِ أَجْمَعِينَ) (4) فقيل له: يا رسُول اللّه ! ما العينُ والعُيُونُ ؟ فقال: أما العين، فأخي عليّ بن أبِي طالِب (عَلَيهِ السَّلَامُ)، وأما العيونُ فأعداؤه، رابِعُهُم قاتِلُهُ ظُلماً و عُدواناً. (5)
ص: 278
1- عن أبي الجارود، قال: قُلتُ لأبي جعفر (عَلَيهِ السَّلَامُ) : أخبرني بأول من يدخُلُ النار؟. قال: إبليس و رجُلٌ عن يمينه ورجُلٌ عن يساره. (1)
2 - عن إبن عبّاس قال أمير المؤمنين (عَلَيهِ السَّلَامُ) أول من يدخلُ النّارفي مظلمتي عتيق وابن الخطّاب. (2)
1- عن أبي ذر الغفارِيّ: اجتمع هُو و عليّ بن أبِي طالِب وعبد اللّه بن مسعود و المقداد بن الأسود و عمَّار بن ياسر و حذيفة بن اليمان، قال : فقال أبو ذر: حدّثونا حدِيثاً نذكُرُ بِهِ رسُول اللّه (صَلَّى اللّه عَلَيْهِ وَآلِهِ) فنشهد له وندعُوله ونُصدِّقُهُ، فقالوا: حدّثنا.. يا عليُّ !.
قال: فقال عليّ (عَلَيهِ السَّلَامُ) : لقد علمتُم ما هذا زمان حديثي، قالُوا: صدقت. قال: فقالوا: حدّثنا.. يا حذيفة !. قال : لقد علِمتُم أنّي سُئِلتُ عنِ المعضلاتِ فحذرتُهن. قالوا: صدقت. قال: فقالوا: حدّثنا.. يا ابن مسعود قال: لقد علمتُم أنّي قرأتُ القُرآن لم أُسأل عن غيره. قالُوا: صدقت.
قال: فقالوا: حدّثنا.. يا مِقدادُ!. قال : لقد علمتُم إِنّا كُنتُ فارساً بين يدي رسُول اللّه (صَلَّى اللّه عَلَيْهِ وَآلِهِ) أُقاتِلُ، ولكن أنتم أصحابُ الحَدِيثِ. فقالُوا:
صدقت. قال: فقالوا: حدّثنا.. يا عمارا. قال: فقال: لقد علمتُم أَنِّي إِنسان نساءٌ إِلَّا أَن أُذكر فأذكر. قالُوا: صدقت.
قال: فقال أبوذر رحمةُ اللّه عليهِ: إِنّما أُحدِتُكُم بِحدِيثٍ سمِعتُمُوهُ أو من سمِعهُ مِنكُم بلغ، ألستُم تشهدون أن لا إله إلّا اللّه وأن محمّداً عبده ورسوله، (وَأَنَّ السَّاعَةَ آتِيَةٌ لَا رَيْبَ فِيهَا وَأَنَّ اللَّهَ يَبْعَثُ مَنْ فِي الْقُبُورِ)(3)، وأن البعث حق، وأن الجنَّة حقٌّ، وأن النّار حقّ ؟. قالوا نشهد قال و أنا من الشّاهدين.
ص: 279
قال: ألستُم تشهدون أنّ رسُول اللّه (صَلَّى اللّه عَلَيْهِ وَآلِهِ) حدّثنا أنّ شر الأوّلين والآخرين اثنا عشر: سِتّةٌ مِن الأوّلين وسِتَّةٌ مِن الآخِرِين، ثمّ سمّى مِن الأوّلين ابن آدم الّذي قتل أخاه، وفرعون، وهامان، و قارُون، والسّامِرِيّ، والدّجّال اسْمُهُ فِي الأوّلين ويخرُجُ فِي الآخِرِين، وسمّى مِن الآخرين ستةً: العجل وهو...وفرعون وهو...وهامان و هُو زياد بن أبي سفيان و قارون وهُو سعد بن أبي وقاص والسّامِرِي وهُو عبد اللّه بن قيس أبو مُوسى قيل: و ما السَّامِرِيُّ ؟. قال: قال السّامِرِيُّ: (ولا مساس)(1)، وهُو يقُولُ: لا قتال، والأبترو هُو عمرو بن العاص قالوا: وما أبترها؟. قال : لا دين له ولا نسب. قال: فقالُوا نشهد على ذلك. قال: وأنا على ذلِك مِن الشَّاهِدِين.
ثمّ قال: ألستم تشهدون أن رسُول اللّه (صَلَّى اللّه عَلَيْهِ وَآلِهِ) قال: إن مِن أُمّتي من يد علي الحوض على خمس راياتٍ أوّهُنّ رايةُ العِجل فأقُومُ فإذا أخذتُ بِيدِهِ اسود وجهه، ورجفت قدماه، و خفقت أحشاؤُه، وفعل ذلِك تبعُهُ، فأقُولُ :
ما خلفتُمُونِي فِي التّقلينِ بعدِي ؟ فيقولون: كذبنا الأكبر و مرّقناه واضطهدناه، والأصغر أبترناه حقَّهُ، فأَقُولُ: اسلُكُوا ذات الشّمالِ، فينصرِفُون ظماءً مُظمئِين مُسودةٌ وُجُوهُهُم لا يطعمُون مِنهُ قطرةً.
ثم يرد علي راية فرعونِ أُمّتي وهم أكثرُ النّاسِ البهرجِيُّون، فقُلتُ: يا رسُول اللّه (صَلَّى اللّه عَلَيْهِ وَآلِهِ) و ما البهرجيُّون ؟ أ بهرجُوا الطريق ؟. قال : لا ولكن بهرجُوا دِينهم، وهُمُ الّذين يغضبُونَ لِلدُّنيا ولها يرضون، ولها يسخطون، ولها ينصبون، فأقُومُ فَآخُذُ بِيدِ صاحِبِهم فإذا أخذتُ بِيدِهِ اسود وجهُهُ و رجفت قدماه و خفقت أحشاؤُهُ، وفعل ذلك تبعُهُ، فأقُولُ: ما خلفتُمُونِي فِي الثّقلين بعدِي؟ فيقُولُون:
كذّبنا الأكبر و مرّقناه وقاتلنا الأصغر و قتلناه، فأقُولُ: اسلُكُوا طريق أصحابِكُم، فينصرِفُون ظماءً مُظمئِين مُسودةً وُجُوهُهُم لا يطعمُون مِنهُ قطرةً.
ثمّ ترد علي رايةُ عبد اللّه بن قيس وهُو إمامُ خمسين ألفاً مِن أُمّتي فَأَقُومُ فَآخُذُ بِيدِهِ، فَإِذا أَخذتُ بِيدِهِ اسود وجهه و رجفت قدماه وخفقت أحشاؤُهُ وفعل ذلك تبعُهُ فأَقُولُ: ما خلفتُمُونِي فِي التّقلينِ بعدِي ؟ فيقُولُون: كذَّبنا الأكبر و عصيناه وخذلنا الأصغر و خذلنا مِنهُ فأَقُولُ: اسلُكُوا
ص: 280
طريق أصحابِكُم، فينصرِفُون ظِماءً مُظمئِين مُسودةً وُجُوهُهُم لا يطعمُون مِنهُ قطرةً.
ثم ترد علي راية المخدج وهُو إمام سبعين ألفاً مِن النَّاسِ فَأَقُومُ فَأَخُذُ بِيدِهِ، فإذا أخذتُ بِيدِهِ اسود وجهه و رجفت قدماه و خفقت أحشاؤُهُ وفعل ذلِك تبعُهُ فأَقُولُ: ما خلفتُمُونِي فِي الثّقلينِ بعدِي؟، فيقُولُون: كذَّبنا الأكبر و عصيناه، وقاتلنا الأصغر و قتلناه. فأقُولُ: اسلُكُوا سبيل أصحابِكُم، فينصرِفُون ظِماءً مُظمئِين مُسودَةٌ وُجُوهُهُم لا يطعمُون مِنْهُ قطرةٌ.
ثمّ تردُ علي راية عليّ بن أبِي طالِب (عَلَيهِ السَّلَامُ) أمير المؤمنين و إمامِ الغُر المحجلين، فأَقُومُ فَأَخُذُ بِيدِهِ فيبيض وجهه و وُجُوهُ أصحابِهِ، فأقُولُ: ما خلفتُمُونِي فِي التقلين بعدي ؟. فيقولون تبعنا الأكبر و صدقناه، و وازرنا الأصغر و نصرناه و قاتلنا معه، فأقُولُ: رِدُوا رواءً مروتين، فيشربون شربةً لا يظمتُون بعدها أبداً، وجه إمامِهِم كالشَّمس الطالِعةِ ووُجُوهُهُم كالقمر ليلة البدر، أو كأضوا نجم فِي السّماء.
ثم قال: ألستُم تشهدون على ذلك؟ قالوا: بلى، وإنا على ذلِك مِن الشَّاهِدِين.
قال لنا القاضي محمّد بنُ عبدِ اللّه : اشهدوا عليّ عِند اللّه أنّ الحُسين بن محمّد بنِ الفرزدق حدّثني بهذا، وقال الحُسين بن محمّد: اشهدوا علي بهذا عِند اللّه أنّ الحُسين بن عليّ بن بزيع حدّثني بهذا، وقال الحُسين بنُ عليّ بن بزِيعٍ:
اشهدوا عليّ بهذا عِند اللّه أن يحيى بن الحسنِ حدّثني بهذا، وقال يحيى بن الحسن:
اشهدُوا عليّ عِند اللّه أن أبا عبدِ الرحمنِ حدّثني بهذا عن الحارث بن حصيرة، وقال أبو عبدِ الرّحمنِ: اشهدُوا عليّ بِهذا عِند اللّه أن الحارث بن حصيرة حدّثني بهذا عن صخر بن الحكم، وقال الحارِثُ بنُ حصيرة: اشهدوا عليّ عِند اللّه أنّ صخر بن الحكم حدّثني بهذا عن حيان بن الحرث، و قال صخرُ بنُ الحكم: اشهدوا عليّ بِهذا عند اللّه أن حيان بن الحرث حدّثني بهذا عن الربيع بن جميل الصبي، وقال حيانُ بن الحرث : اشهدوا علي بهذا عند اللّه أن الربيع بن جميل الصبي حدّثني بهذا عن مالك بن ضمرة الرواسي، وقال الربيع بن جميل: اشهدوا عليّ بِهذا عند اللّه أن مالك بن ضمرة حدّثني بهذا عن أبي ذر الغفاري، وقال مالك بن ضمرة: اشهدوا علي بهذا عند اللّه أن أبا ذر الغفارِيّ حدّثني بهذا عن رسُول اللّه (صَلَّى اللّه عَلَيْهِ وَآلِهِ)، وقال أبو ذر: اشهدوا علي بهذا عِند اللّه أَنّ رسُول اللّه (صَلَّى اللّه عَلَيْهِ وَآلِهِ) حدّثني بهذا عن جبرئيل، وقال رسُول اللّه (صَلَّى اللّه عَلَيْهِ وَآلِهِ): اشهدوا عليّ
ص: 281
بهذا عن اللّه أنّ جبرئيل حدّثني بهذا عن اللّه جلّ وجهه و تقدست أسماؤه. (1)
2 - عن أبي ذر الغفاري (رضي اللّه عنه) قال : لما نزلت هذه الآية (يوم تبيضُّ وُجُوهٌ و تسودُّ وُجُوهٌ)، قال رسُول اللّه (صَلَّى اللّه عَلَيْهِ وَآلِهِ) يرد على أُمّتي يوم القيامةِ على خمس راياتٍ فرايةٌ مع عجل هذِهِ الأُمّة فأسألهم عنِ التّقلينِ مِن بعدِي فيقُولُون أما الأكبر فحرّفناه ونبذناه وراء ظهورنا وأما الأصغرُ فعاديناه وأبغضناه وقتلناه فأقُولُ لهُم رِدُوا النّار ظماء مُظْمَئِين مُسودةً وُجُوهُكُم ثمّ تَرِدُ علي رايةٌ مع فرعونِ هذِهِ الأُمّة فأقُولُ لهم ما فعلتُم بِالتّقلينِ مِن بعدِي فيقُولُون أما الأكبر فحرّفناه و مزقناه وخالفناه وأما الأصغر فعاديناه وقاتلناه فأقُولُ لهُم رِدُوا النّار ظِماء مُظمئِين مُسودةً وُجُوهُكُم ثمّ ترد علي رايةٌ مع سامري هذِهِ الأُمّة فأقُولُ لهم ما فعلتُم بِالتّقلينِ مِن بعدِي فَيَقُولُون أما الأكبر فعصيناه وتركناه وأما الأصغر فخذلناه وضيعناه وصنعنا بِهِ كلّ قبيح فأَقُولُ هُم رِدُوا النّار ظماءٌ مُظمئِين مُسودةٌ وُجُوهُكُم.
ثم ترد على رايةُ ذِي الثّديّةِ مع أول الخوارج وآخرها فأقُولُ لهم ما فعلتُم بِالثقلينِ مِن بَعدِي فيقُولُون أما الأكبر فمرّقناه وتبرأنا مِنهُ وأما الأصغر فقاتلناه وقتلناه فأقُولُ لهُم رِدُوا النّار ظماء مُظمئِين مُسودَةٌ وُجُوهُكُم ثمّ ترِدُ علي رايةٌ مع إمام المتّقين وسيد الوصيّين وقائِدِ الغُرّ المحجلين و وصيّ رسُول ربّ العالمين فأسألهم ما فعلتُم بِالتّقلينِ مِن بعدِي فيقُولُون أما الأكبر فاتّبعناه و أطعناه وأما الأصغر فأحببناه و واليناه و وازرناه و نصرناه حتّى أُهرِيقت فِيهِم دِمَاؤُنا فأَقُولُ لهُم رِدُوا الجنَّة رواءً مروتين مُبيضّةٌ وُجُوهُكُم ثمّ تلا هذِهِ الآيَةُ (يَوْمَ تَبْيَضُّ وُجُوهٌ وَتَسْوَدُّ وُجُوهٌ فَأَمَّا الَّذِينَ اسْوَدَّتْ وُجُوهُهُمْ أَكَفَرْتُمْ بَعْدَ إِيمَانِكُمْ فَذُوقُوا الْعَذَابَ بِمَا كُنْتُمْ تَكْفُرُونَ * وَأَمَّا الَّذِينَ ابْيَضَّتْ وُجُوهُهُمْ فَفِي رَحْمَةِ اللَّهِ هُمْ فِيهَا خَالِدُونَ). (2) و (3)
ص: 282
1- عن عبدِ اللّه بنِ سِنان عن جعفر بن محمّد (عَلَيهِمَا السَّلَامُ) قال: قال لي: فلان وفلانٌ صنما قُريش اللذان يعبدونهما. (1)
2 - عن بشير بن أراكة النّبالِ قال: سألتُ أبا جعفر (عَلَيهِ السَّلَامُ) عنهما فقال كهيئة المنتهي: ما تُرِيدُ مِن صنمي العرب؟! أنتُم تُقتَلُون على دمِ عُثمان بن عفان، فكيف لو أظهرتم البراءة منهما، إذا لما ناظرُوكُم طرفة عين ؟!. (2)
3- وعن حكيم بن جبير قال: قال عليّ بن الحُسين (عَلَيهِمَا السَّلَامُ): أنتُم تُقتَلُونَ فِي عُثمان مُنذُ سِتِّين سنةً، فكيف لوتبرأتُم مِن صنمي قريش ؟!. (3)
4 - عن أبي جعفر (عَلَيهِ السَّلَامُ) قال : ذاكرتُهُ شيئاً من أمرهما فقال: ضربُوكُم على دمِ عُثمان ثمانين سنةً و هُم يعلمون أنَّه كان ظالماً فكيف يا فروة إذا ذكرتُم صنميهم ؟. (4)
1 - فِي قوله تعالى: ﴿إِنَّ أَنْكَرَ الْأَصْوَاتِ لَصَوْتُ الْحَمِيرِ) (5) قال: سأل رجُلٌ أمير المؤمنين (عَلَيهِ السَّلَامُ) ما معنى هذه الحمير؟. فقال أمير المؤمنين (عَلَيهِ السَّلَامُ) : اللّه أكرمُ مِن أن يخلق شيئاً ثمّ يُنكِرهُ، إِنَّما هُو زريق وصاحِبُهُ فِي تابوتِ مِن نارٍ فِي صُورةِ حِمارين، إذا شهقا فِي النّار انزعج أهلُ النّار مِن شِدّةِ صراخهما. (6)
ص: 283
1- عن عليّ بن الحُسين (عَلَيهِمَا السَّلَامُ)، قال: إذا كان يوم القيامةِ أُخرجت أريكتانِ مِن الجنَّة فبسطتا على شفير جهنَّم، ثمّ يجيء عليّ (عَلَيهِ السَّلَامُ) حتّى يقعد عليهما، فإذا قعد ضحك وإذا ضحك انقلبت جهنَّم فصار عالیها سافلها، ثمّ يُخرجان فيُوقفانِ بين يديهِ فيقولان: يا أمير المؤمِنين ! يا وصيّ رسُول اللّه ! ألا ترحمنا ؟ ! ألا تشفع لنا عند ربك ؟!. قال: فيضحكُ مِنهُما، ثمّ يَقُومُ فيُدخلُ الأرِيكتانِ ويُعادانِ إلى موضِعِهما وذلك قوله عزّوجلّ: (فَالْيَوْمَ الَّذِينَ آمَنُوا مِنَ الْكُفَّارِ يَضْحَكُونَ * عَلَى الْأَرَائِكِ يَنْظُرُونَ * هَلْ ثُوِّبَ الْكُفَّارُ مَا كَانُوا يَفْعَلُونَ﴾. (1) و (2)
2 - قال عليّ (عَلَيهِ السَّلَامُ) يوماً للحسن: يا أبا محمّد ! أما ترى عِندِي تَابُوتُ مِن نَارِ يَقُولُ: يَا عَلِيُّ ! استغفر لي، لا غفر اللّه له. (3)
1- عن أنس بن مالِكِ، قال: كُنَّا جُلُوساً عِند رسُول اللّه (صَلَّى اللّه عَلَيْهِ وَآلِهِ) فتذاكرنا رجُلًا يُصلّي ويصُومُ و يتصدقُ ويُزَكّي فقال لنا رسُول اللّه (صَلَّى اللّه عَلَيْهِ وَآلِهِ) : لا أعرِفُهُ.. فقُلنا: يا رسُول اللّه ! إِنَّهُ عبد اللّه و يُسبّحُهُ ويُقدِّسُهُ ويُوحِدُهُ.
فقال رسُول اللّه (صَلَّى اللّه عَلَيْهِ وَآلِهِ): لا أعرِفُهُ، فبينا نحنُ فِي ذِكرِ الرّجُلِ إِذ قد طلع علينا، فقُلنا: هوذا، فنظر إليهِ رسُول اللّه (صَلَّى اللّه عَلَيْهِ وَآلِهِ)، فقال لأبي بكر: خُذ سيفي هذا وامض إلى هذا الرّجُلِ فاضرِب عُنقه، فإِنَّهُ أَوّلُ من يَأْتِيهِ مِن حِرْبِ الشَّيطانِ..
فدخل أبوبكر المسجد فرآه راكعاً، فقال: واللّه لا أقتُلُهُ، فإنّ رسُول اللّه (صَلَّى اللّه عَلَيْهِ وَآلِهِ) نهانا عن قتل المصلّين، فرجع إلى رسُول اللّه (صَلَّى اللّه عَلَيْهِ وَآلِهِ)، فقال:
يا رسُول اللّه ! إِنِّي رأيتُهُ يُصلّي.
ص: 284
فقال رسُول اللّه (صَلَّى اللّه عَلَيْهِ وَآلِهِ) اجلس، فلست بصاحِبِهِ، قُم يا عُمرُ! و خُذ سيفِي مِن يدِ أبي بكرو ادخُل المسجد فاضرب عنقه، قال عمر:
فأخذتُ السّيف من أبي بكر و دخلت المسجد فرأيتُ الرّجُل ساجِداً، فقُلتُ: واللّه لا أقتُلُهُ فقدِ استأمنه من هُو خيرٌ مِنِّي، فرجعتُ إلى رسُول اللّه (صَلَّى اللّه عَلَيْهِ وَآلِهِ) فقُلتُ: يا رسُول اللّه إِنِّي رأيتُ الرجل ساجداً.
فقال: يا عُمرُ! اجلس فلست بِصاحِبِهِ قُم يا عليُّ فإنك أنت قاتِلُهُ، إِن وجدتَهُ فاقتله، فإِنَّكَ إِن قتلته لم يقع بين أمّتي اختِلافُ أبداً.
قال عليّ (عَلَيهِ السَّلَامُ) : فأخذتُ السيف ودخلت المسجد فلم أره، فرجعتُ إِلى رسُول اللّه. (صَلَّى اللّه عَلَيْهِ وَآلِهِ)، فقُلتُ: يا رسُول اللّه (صَلَّى اللّه عَلَيْهِ وَآلِهِ) ! ما رأيتُهُ.
فقال: يا أبا الحسن! إِن أُمّة مُوسى افترقت إحدى و سبعين فرقةٌ، فرقة ناجية والباقون فِي النّارِ، وإِنّ أُمّة عیسی (عَلَيهِ السَّلَامُ) افترقت اثنتين وسبعين فرقةً، فرقةٌ ناجِيةٌ والباقون فِي النَّارِ، وَإِنْ أُمّتي ستفترق على ثلاث وسبعين فرقةً، فرقة ناجية والباقون فِي النّارِ. فقُلتُ: يا رسُول اللّه (صَلَّى اللّه عَلَيْهِ وَآلِهِ) ! و ما النّاجِيةُ ؟.
فقال : المتمسّك بما أنت عليه وأصحابك، فأنزل اللّه تعالى فِي ذلِك الرَّجُلِ: ثانِي عِطْفِهِ. يَقُولُ: هذا أول من يظهرُ مِن أصحاب البدع والضّلالات.
قال ابن عبّاس: واللّه ما قتل ذلِك الرّجُل إِلّا أمير المؤمنين (عَلَيهِ السَّلَامُ) يوم صفّين،
ثمّ قال: لهُ فِي الدُّنيا خِزي قال القتل ونُذِيقَهُ يوم القيامةِ عذاب الحريق بقتاله عليّ بن أبي طالب (عَلَيهِ السَّلَامُ) يوم صفين. (1)
ص: 285
1- عن سالم بن أبي حفصة، قال: دخلتُ على أبي جعفر (عَلَيهِ السَّلَامُ)، فقُلتُ: أمتنا وسادتنا نُوالِي من واليتم، وتُعادِي من عاديتُم، و نبرأُ من عدوّكم.
فقال: بخ بخ يا شيخ ! إن كان لقولك حقيقةٌ. قُلتُ: جُعِلتُ فِداك، إِنَّ لَهُ حقيقةً. قال: ما تقُولُ فيهما ؟. قال : إماما عدل رحمهما اللّه ؟. قال:
يا شيخُ ! واللّه لقد أشركت فِي هذا الأمر من لم يجعل اللّه لهُ فِيهِ نصِيباً. (1)
1- عن محمّد بنِ فُراتٍ الجرمي، قال: سمعتُ زيد بن علي يقولُ: إِنَّا لنلتقي وآل عُمر فِي الحَمامِ فيعلمون أنا لا تُحِبُّهم ولا يُحِبُّونَا، واللّه إِنَّا لَنُبَغِضُ الأبناء لِبُغض الآبَاءِ. (2)
2- عن فضيل بن الزبير، قال: قُلتُ لزيد بن عليّ (عَلَيهِ السَّلَامُ) : ما تَقُولُ فِي فُلانٍ وفُلانٍ؟. قال: قُل فيهما ما قال علي: كُفَّ كما كف لا تُجاوِز قوله.
قُلتُ: أخبرني عن قلبي أنا خلقتُهُ ؟. قال: لا.
قُلتُ: فإِنِّي أشهدُ على الّذي خلقه أنَّه وضع فِي قلبي بغضهما، فكيف لي بإخراج ذلك من قلبي ؟. فجلس جالساً وقال: أنا واللّه الّذي لا إله إِلَّا هُو إِنِّي لَأُبَغِضُ بَنِيهِمَا مِن بُغضِهِما، و ذلك لأنهم إِذا سَمِعُوا سب عليّ (عَلَيهِ السَّلَامُ) فرحوا. (3)
ص: 286
1 - عنِ الحُسين بنِ عثمان الرّواسيّ عن سدِيرٍ، قال: دخلتُ على أبي جعفر (عَلَيهِ السَّلَامُ) و معي سلمةُ بنُ كهيل وأبو المقدامِ ثابِتُ الحدّاد و سالم بن أبي حفصة وكثير النّواءُ وجماعة معهم، وعِند أبي جعفر (عَلَيهِ السَّلَامُ) أخوه زيد بن عليّ (عَلَيهِ السَّلَامُ) فقالوا لأبي جعفر (عَلَيهِ السَّلَامُ) نتولّى عليّاً وحسناً وحُسيناً و نتبرأُ من أعدائهم ؟ قال نعم قالُوا نتولّى أبا بكر و عمر و نتبرأُ مِن أعدائهم ؟! قال فالتفت إليهم زيد بن علي قال لهم أتتبرءُون من فاطمة بترتُم أمرنا بتركُمُ اللّه، فيومئِذٍ سُمُّوا البتريّة. (1)
1- عن عبدِ اللّه بن سلمة، عن أبي مُوسى الأشعريّ، قال: حَجَجْتُ مع عُمر بن الخطّابِ، فَلَمّا نزلنا و عظم النّاسُ، خرجتُ مِن رحلي أُرِيدُ عُمر فلقيني مُغِيرَةُ بنُ شُعبة فرافقني، ثمّ قال: أين تُرِيدُ؟ فقُلتُ: أمير المؤمِنِين عُمر، فهل لك ؟ قال: نعم، قال: فانطلقنا نُرِيدُ رحل عُمر، فإنّا لفي طريقنا إذ ذكرنا تولّي عُمر، وقيامهُ بِما هُو فِيهِ و حِياطته على الإسلام، ونهوضهُ بِما قبلهُ مِن ذلك ثمّ خرجنا إلى ذكر أبي بكر، فقُلتُ لِلمُغيرة، يا لك الخير! لقد كان أبوبكر مسدّداً فِي عُمر كأَنَّهُ يَنظُرُ إِلى قِيامِهِ مِن بَعدِهِ و جدّه و اجتِهادِهِ و عنائِهِ فِي الإسلام. فقال المغيرة: لقد كان ذلك، و إن كان قوم كرِهُوا ولاية عُمر ليزووها عنه، وما كان لهم فِي ذلِك مِن حَظِّ. فقُلتُ لَهُ: لا أبا لك ! و مَنِ القومُ الّذين كرِهُوا ذلِك مِن عُمر ؟. فقال لي المغيرة: للّه أنت كأنك فِي غفلة لا تعرِفُ هذا الحيّ مِن قُريش، وما قد خُصُّوا بِهِ مِن الحسد؟ فواللّه لو كان هذا الحسد يُدرك بِحِسابٍ لكان لِقُريش تسعة أعشار الحسدِ ولِلنَّاسِ كُلِهِم عُشرٌ. فقُلتُ: مه يا مُغِيرَةُ! فَإِنّ قُريشاً بانت يفضلها على النّاسِ.. ولم نزل فِي مِثلِ ذلِك حتّى انتهينا إلى رحلِ عُمر بن الخطّابِ فلم نجده، فسألنا عنه، فقيل: خرج آنفاً، فمضينا نقفوا [نقفُوا أثره حتّى دخلنا المسجد، فإذا عُمر يطوفُ بالبيت، فظفنا معه، فلما فرغ دخل بيني و بين المغيرة فتوكأ على المغيرة، وقال: من أين جئتُما ؟. فقُلنا: يا أمير المؤمِنِين ! خرجنا نُرِيدُك فأتينا رحلك فقيل لنا خرج يُرِيدُ المسجد فاتبعناك.
ص: 287
قال: تبعكُما الخيرُ، ثمّ إنّ المغيرة نظر إلي وتبسّم، فنظر إليهِ عُمر فقال: مم تبسمت أيّها العبد؟. فقال: مِن حدِيثٍ كُنتُ أنا و أبو مُوسَى فِيهِ آنِفَا فِي طَرِيقِنا إليك.
فقال: وما ذاك الحديث ؟.. فَقَصَصنا عليه الخبر حتّى بلغنا ذكر حسد قُريش و ذكر من أراد صرف أبي بكر عن استخلافه، فتنفّس الصعداء، ثمّ قال:
ثكلتك أمك يا مُغِيرَةُ، وما تسعة أعشار الحسد؟! إنّ فيها لتسعة أعشار الحسد كما ذكرت و تسعة أعشار العُشر، وفي النّاسِ عُشرُ العُشر، وقُريضٌ شُركاؤُهُم فِي عُشر العُشر أيضاً، ثمّ سكت مليّاً و هويتهادى بيننا، ثمّ قال: ألا أُخبِرُكُما بِأحسدِ قُريشي كُلّها؟!. قلنا: بلى يا أمير المؤمنين. قال: أو عليكُما ثِيابُكُما؟. قُلنا: نعم. قال:
وكيف بِذلِك وأنتما مُلبسانِ ثِيابكُمها؟!. قُلنا له: يا أمير المؤمِنِين ! و ما بالُ الثِيابِ؟.
قال: خوفُ الإذاعةِ مِن الثّيابِ. فقُلتُ له: أتخافُ الإذاعة مِن القِيابِ، فأنت واللّه مِن مُلبسِي. الثِيابِ أخوفُ، و ما الثياب أردت. قال : هُو ذلك، فانطلق وانطلقنا معه حتّى انتهينا إلى رحله فخلّى أيدينا مِن يدِهِ، ثمّ قال: لا تريما.. ثُمّ دخل، فقُلتُ لِلمُغيرة: لا أبا لك لقد عثرنا بكلامنا معه و ما كُنا فِيهِ و ما رآه [نراهُ] حبسنا إِلَّا لِيُذاكرنا إياها. قال: فإِنَّا لكذلِك إِذ خرج إلينا أَذِنُهُ، فقال: ادخُلا، فَدَخَلنا، فإذا عُمَرُ مُستلقٍ على برذعةِ الرّحل، فلما دخلنا أنشأ يتمثلُ بِبيتِ كعبٍ بنِ زُهير:
لا تُفشِ سِرّك إِلَّا عِند ذي ثقة *** أولى و أفضل ما استودعت أسراراً
صدراً رحيبا وقلباً واسعاً ضمنا *** لا تخش منه إذا أودعت إظهاراً
فعلمنا أنّهُ يُرِيدُ أن نضمن له كتمان حدِيثِهِ، فقُلتُ أنا له يا أمير المؤمِنِين ! أكرمنا وخُصنا و صلنا. فقال: بما ذا يا أخا الأشعرتين ؟. قُلتُ:
بإفشاء سِرّك إلينا و إشراكنا فِي همّك، فنعم المستسرّانِ نحن لك. فقال:
إِنَّكُما لكذلِك، فأَسأَلا عمّا بدا لكُما؟ ثمّ قال: فقام إلى البَابِ لِيُعْلِقَهُ، فَإِذَا أَذِنُهُ الّذي أَذِن لنا عليه فِي الحجرة، فقال: امض عنّا لا أُمّ لك، فخَرَج وأغلق الباب خلفه ثمّ جلس وأقبل علينا،
ص: 288
وقال: سلا تُخبرا. قُلنا: نُرِيدُ أن تُخبرنا يا أمير المؤمِنِين بِأحسدِ قُريش الّذي لم تأمن ثيابنا على ذكره لنا. فقال: سألتُما عن مُعضلةٍ وسأُخبِرُكُما، فليكُن عِندَكُما فِي ذِمَةٍ منيعةٍ وحِرزما بقيتُ، فإذا مِتُّ فشأنكُما وما أحببتُما من إظهار أو كتمان. قلنا: فإنّ لك عندنا ذلك. قال أبو موسى: و أنا أقُولُ فِي نفسي ما أظُنُّهُ يُرِيدُ إِلَّا الّذين كرِهُوا استخلاف أبي بكرله كطلحة و غيره، فإنّهم قالُوا: لا يستخلف علينا فظاً غليظاً، وإذا هُو يذهبُ إِلى غيرِما فِي نفسِي.
فعاد إلى التنفُسِ، فقال: مَن تريانِهِ؟.
قُلنا: واللّه ما ندرِي إِلَّا ظنّاً.
قال: و من تظنّان؟.
قلنا: عساك تُرِيدُ القوم الّذين أرادوا أبابكر على صرف هذا الأمر عنك.
قال: كلّا و اللّه، بل كان أبوبكر أَعَقَ وأَظلم، هُو الّذي سألتُما عنه، كان واللّه أحسد قُريش كلها، ثمّ أطرق طويلًا فنظر إلي المغيرة ونظرتُ إليه، وأطرقنا مليا لإطراقِهِ، وطال السُّكُوتُ مِنا و مِنهُ حتّى ظننا أنَّه قد ندم على ما بدا مِنْهُ، ثمّ قال: والهفاه على ضئيل بَنِي تميم بن مُرّة، لقد تقدّمني ظالِماً وخرج إلي مِنها أَئِماً. فقال له المغيرة: أمّا تقدُّمُهُ عليك يا أمير المؤمنين ظالماً فقد عرفناه، فكيف خرج إليك منها آثماً؟.
قال: ذلِكَ لِأَنَّهُ لم يخرُج إِليّ مِنها إِلّا بعد يَأْسٍ مِنها، أما واللّه لو كُنتُ أطعتُ زيد بن الخطاب و أصحابه لم يتلقظ من حلاوتِها بِشيءٍ أبداً، ولكنّي قدّمتُ وأخَّرتُ، وصعِدتُ وصوّبتُ، و نقضتُ و أبرمت، فلم أجد إلّا الإغضاء على ما نشب بِهِ مِنها والتلهف على نفسي، وأمَّلتُ إنابته و رُجُوعه، فواللّه ما فعل حتّى فرغ منها بشيماً.
قال المغيرةُ : فما منعك مِنها يا أمير المؤمنين ! وقد عرضها عليك يوم السقيفة بدعائك إليها ؟!. تم أنت الآن تنقِمُ وتتأسّفُ. فقال : ثكلتك أُمُّكَ يا مُغِيرَةُ! إِنِّي كُنتُ لأَعُدُّكَ مِن دُهَاةِ العربِ، كأنك كُنت غائباً عمّا هناك، إنّ الرّجُل كادني فكِدتُهُ، وماكرني فماكرتُه، وألفاني أحذر من قطاةٍ، إِنَّهُ لَمَّا رأى شغف النّاسِ بِهِ و إِقبالهُم بِوُجُوهِهِم عليهِ، أيقن أنَّهم لا يُرِيدُون بِهِ بدلًا، فأحبّ لَمّا رأى مِن حِرص النّاسِ عليهِ و شغفِهِم بِهِ أن يعلم ما عِندِي، وهل تُنازِعُني نفسي إليها، وأحبّ أن
ص: 289
يبلوني بإطماعِي فِيها والتّعرِيض لي بها، وقد علم وعلمتُ لو قبلتُ ما عرضه عليّ لم يُجِبِ النّاسُ إِلى ذلك، فألفاني قائماً على أخمصي مستوفزاً حذراً و لو أجبتُهُ إلى قبولها لم يُسلّم النَّاسُ إلى ذلك، واختبأها ضغناً عليّ فِي قلبه، ولم آمن غائلته ولو بعد حين مع ما بدا لي من كراهة النّاسِ لِي، أما سمعت نِداءهُم مِن كلّ ناحِيةٍ عِند عرضها علي: لا نُرِيدُ سواك يا أبا بكر، أنت لها، فرددتها إليه فعند ذلك رأيتُهُ وقدِ التَمَعِ وجَهُهُ لِذلِكَ سُرُوراً، ولقد عاتبني مرّةً على كلام بلغه عنِّي، وذلِك لَا قُدّم عليه بالأشعت أسيراً فمن عليه وأطلقه وزوجه أُختهُ أُمّ فروة بنت أبي قحافة، فقُلتُ لِلأَشعَثِ وهُو قاعِدٌ بين يديهِ:
يا عدو اللّه ! أكفرت بعد إسلامك، وارتَدَدتَ ناكِصاً على عقبيك، فنظر إلي الأشعثُ نظراً شزراً علمتُ أنَّه يُرِيدُ أن يُكلمني بكلام فِي نفسي، ثمّ لقيني بعد ذلك فِي بعض سكك المدينة فرافقني، ثمّ قال لي : أنت صاحِبُ الكلام يا ابن الخطاب؟!. فقُلتُ: نعم يا عدو اللّه، ولك عِندِي شرمِن ذلك. فقال: بئس الجزاء هذا لِي مِنك. فقُلتُ: علام تُرِيدُ مِنِّي حُسن الجزاء؟. قال: لأنفتي لك مِنِ اتِّباع هذا الرّجُلِ يُرِيدُ أبا بكر، واللّه ما جرأني على الخِلافِ عليهِ إِلَّا تَقدُّمُهُ عليك، ولو كنت صاحبها لما رأيت مِنّي خلافاً عليك. قُلتُ: ولقد كان ذلك فما تأمر الآن ؟. قال: إنه ليس بوقتِ أمر، بل وقت صبر، ومضى ومضيتُ، ولقي الأشعث الزبرقان بن بدرٍ السعدي فذكر له ما جرى بيني وبينه، فنقل الزبرقان ذلك إلى أبي بكرٍ، فأرسل إلى فأتيتُهُ فذكر ذلك لي، ثمّ قال:
إنّك لتشوق إليها يا ابن الخطاب. فقُلتُ: وما يمنعُنِي الشّوق إلى ما كُنتُ أحق بِهِ ممّن غلبني عليهِ ؟ أما واللّه لتكفن أو لأُكلّمن كلمةٌ بالِغةٌ بي وبك فِي النَّاسِ تَحْمِلُها الركبانُ حيثُ سارُوا، و إن شئت استدمنا ما نحنُ فِيهِ عفواً. فقال: بل تستديمه و إنها لصائرة إليك بعد أيام، فما ظننتُ أنَّه يأتي عليهِ جُمعةٌ حتّى يردّها علي، فتغافل واللّه، فما ذكرني بعد ذلك المجلس حرفاً حتّى هلك، و لقد مدّ فِي أمدها عاضّاً على نواجذه حتّى حضره الموتُ، فأيس منها فكان منه ما رأيتُما، فاكتُما ما قُلتُ لكُما عنِ النّاسِ كافَّةً و عن بَنِي هاشم خاصةً، وليكُن مِنكُما بِحيثُ و أمرتُكُما إذا شئتُما على بركة اللّه، فمضينا ونحن نعجبُ مِن قوله، فواللّه ما أفشينا سره حتّى هلك. (1)
ص: 290
1- عنِ الصَّادِقِ (عَلَيهِ السَّلَامُ) : أنهما لم يبيتا معه إلّا ليلةً ثمّ نُقلا إلى وادٍ فِي جهنَّم يُقال لها: واد [وادِي] الدّود. (1)
1- عن عُمر بن ثابِتٍ قال: حدّثني عبدُ اللّه بنُ محمّد بنِ عقيل بن أبِي طالِب قال: إنّ أبا بكر و عُمر عدلا فِي النّاس و ظلمانا فلم يغضبِ النّاسُ لنا وإنّ عُثمان ظلمنا وظلم الناس فغضب النّاسُ لِأَنفُسِهِم قَالُوا إِليهِ فقتلُوهُ. (2)
2 - عن أبي جعفر (عَلَيهِ السَّلَامُ)، قال : إنّ فُلاناً و فُلاناً غصبانا حقّنا و قسماه بينهم، فرضُوا بذلك عنهما، وإِن عُثمان لما منعهم واستأثر عليهم غضبُوا لِأَنفُسِهِم. (3)
1- عن أبي جعفر (عَلَيهِ السَّلَامُ) قال: بينا أمير المؤمنين (عَلَيهِ السَّلَامُ) يوماً جالساً فِي المسجِدِ و أصحابه حوله، فأتاه رجلٌ مِن شِيعَتِهِ فقال له: يا أمير المؤمنين إن اللّه يعلمُ أَنِّي أَدِينُهُ بِولايَتِكَ وأُحِبُّكَ فِي السِّرِ كما أُحِبُّك فِي العلانية، وأتولّاك فِي السركما أتولّاك فِي العلانية.
فقال له أمير المؤمنين (عَلَيهِ السَّلَامُ) : صدقت، أما للفقر فاتخذ جلباباً، فإنّ الفقر أسرع إلى شيعتنا من السيل إلى قرار الوادي ! قال: فولّى الرّجُلُ وهُو يبكي فرحاً لقول أمير المؤمنين (عَلَيهِ السَّلَامُ) له : «صدقت».
قال: وكان هناك رجُلٌ مِن الخوارج وصاحِبٌ له قريباً مِن أمِيرِ المؤمِنِين، فقال أحدهما: اللّه إن رأيتُ كاليوم قط، إِنَّهُ أَتاهُ رجُلٌ فقال له: إِنِّي أُحِبُّك فقال له: صدقت. فقال له الآخر: ما أنكرت
ص: 291
من ذلك ! أيجدُ بُداً من أن إذا قيل له: «إنّي أحبك» أن يقُول: صدقت؟ أتعلمُ أنّى أُحِبُّهُ فقال :
لا قال:
فأنا أقُومُ فأقولُ لهُ مِثل ما قال لهُ الرّجُلُ فيرُدُّ عليّ مِثل ما ردّ عليه. قال: نعم.
فقام الرّجُلُ فقال له مثل مقالةِ الرّجُلِ الأولِ، فنظر أمير المؤمِنِين إِليه مليّاً ثمّ قال: كذبت لا و اللّه ما تُحِبُّنِي ولا أحببتني يوماً.
قال: فبكى الخارجي ثمّ قال يا أمير المؤمنين تستقبلني بهذا وقد علم اللّه خِلافه ! ابسط يدك أُبايِعك. فقال علي: على ما ذا؟ قال: على ما عمل بِهِ أبوبكر و عُمرُ. قال: فمد يده فقال له: إصفِق لَعَنَ اللّه الاثنينِ واللّه لكأنّي بِك قد قُتِلت على ضلال و وطئ وجهك دوابُ العِراقِ ولا يعرِفُك قومك. قال: فلم يلبث أن خرج عليهِ أهلُ النّهروان وخرج الرّجُلُ معهم فقُتِل. (1)
1- جاء رجلٌ من من المؤمنين الى النّبيّ (صَلَّى اللّه عَلَيْهِ وَآلِهِ) فقال له: كيف تجد قلبك لإخوانك المؤمِنين الموافقين لك فِي محبّتِهما و عداوة أعدائهما قال: أراهم كنفسِي، يُؤْمِني ما يُؤلِهُم، ويسرّني ما يسُرُّهُم، ويُهمني ما يهمهم.
فقال رسُول اللّه (صَلَّى اللّه عَلَيْهِ وَآلِهِ): فأنت إذا وليُّ اللّه لا تُبالِ، فإنّك قد تُوفّر عليك ما ذكرت ما أعلمُ أحداً من خلق اللّه له ربح كرِيحِك إلّا من كان على مثل حالك، فليكن لك ما أنت عليه بدلًا من الأموال فافرح به، وبدلا من الولد والعيال فأبشريه، فإنّك من أغنى الأغنياء، وأحي أوقاتك بالصّلاة على محمّد و علي وآلهما الطيّبين.
ففرح الرجُلُ وجعل يقولها.
فقال ابنُ أبي هقاقم وقد رآه يا فلان قد زوّدك محمّد الجوع والعطش.
وقال له أبو الشُّرُورِ: قد زوّدك محمّد الأماني الباطلة، ما أكثر ما يقُوها ولا يجيءُ بِطائِلٍ.
ص: 292
وقد حضر الرّجُلُ السُّوق فِي غُدُةٍ وقد حضرا فقال أحدُهُما لِلآخرِ: هَلُمَّ نطئُزُ بِهذا المغرُورِ بِمحمّد.
فقال له أبو الشُّرور: يا عبد اللّه قدِ اتجر النّاسُ اليوم و ربحوا، فما ذا كانت تجارتك قال الرّجُلُ: كُنتُ من النظارة، ولم يكن لي ما أشتري ولا ما أبيعُ، لَكِنِّي كُنتُ أُصلّي على محمّد وعلي و آلهما الطّيّبين.
فقال له أبو الشُّرور: قد ربحت الخيبة واكتسبت الخرقة والحرمان، وسبقك إلى منزلك مائدة الجُوعِ عليها طعام مِن التّمنّي وإدام وألوان مِن أطْعِمةِ الخَيبَةِ الّتي تَتَّخِذُها لك الملائِكَةُ الّذين ينزِلُون على أصحابِ محمّد بالخيبة والجُوعِ والعطش والعُري والذِّلَّةِ.
فقال الرّجُلُ: كلّا و اللّه إِنّ محمّداً رسُول اللّه، و إنّ من آمن بِهِ فين المحِقِّين السّعِيدِين، سيُوفِّرُ اللّه من آمن بِهِ بِما يشاءُ مِن سعةٍ يكُونُ بِها مُتفضّلًا، ومِن ضِيقٍ يَكُونُ بِهِ عَادِلاً و مُحسناً لِلنّظرِ لهُ، وأفضلُهُم عِنده أحسنُهُم تسليماً لِحُكمِهِ.
فلم يلبث الرّجُلُ أن مربهم رجُلٌ بِيدِهِ سمكة قد أراحت، فقال أبو الشُّرُورِ وهُويطنُرُ: بِع هَذِهِ السّمكة من صاحبنا هذا. يعني صاحِب رسُول اللّه (صَلَّى اللّه عَلَيْهِ وَآلِهِ).
فقال الرّجُلُ: إِشتَرِها مِني فقد بارت عليّ. فقال: لا شيء معي.
فقال أبو الشُّرورِ: إِشتَرِها ليُؤدّي ثمنها رسُول اللّه وهُو يطنُزُاً لست تيْقُ بِرَسُولِ اللّه أفلا تبسّط إِليهِ فِي هذا القدر فقال : نعم يعنيها. فقال الرّجُلُ: قد بعثكها بِدائِق. فاشتراها بدانقين على أن يُحِيله على رسُول اللّه (صَلَّى اللّه عَلَيْهِ وَآلِهِ).
فبعث بِهِ إِلى رسُول اللّه، فأمر رسُول اللّه أُسامة بن حارث أن يُعطِيهُ دِرهماً.
فجاء الرّجُلُ فرحاً مسرُوراً بالدّرهم وقال: إنه أضعاف قيمة سمكتي.
فشقها الرّجُلُ بين أيديهم فوجد فيها جوهرتين نفيستين قُوّمتا مائتي ألف درهم فعظم ذلك على أبِي الشُّرُورِ و ابن أبي هقاقم، فسعيا إلى الرّجُلِ صاحِبِ السمكة وقالا له: ألم تر الجوهرتين إنّما بعته السمكة لا ما فِي جوفها فخُذْهُما مِنهُ. فتناولهما الرّجُلُ مِن المشتري، فأخذ إحداهما بِيمِينِهِ والأُخرى بِشِمالِهِ، فحوّلهما اللّه عقربين لدغتاه، فتأوه و صاح و رمى بهما من يده، فقال: ما أعجب سِحر محمّد.
ص: 293
ثمّ أعاد الرّجُلُ نظره إلى بطن السّمكة فإذا جوهرتان أخريان، فأخذها، فقالا لصاحِبِ السمكة: خُذهُما فهما لك أيضاً. فذهب يأخُذُهُما فتحوّلتا حيّتين و وثبتا عليه و لسعتاه فصاح وتأوه وصرخ، وقال لِلرّجُلِ : خُذْهُما عنّي.
فقال الرّجُلُ: هما لك على ما زعمت وأنت أولى بهما فقال الرّجُلُ: خُذ واللّه جعلتُهما لك. فتناولهما الرّجُلُ عنه، وخلّصه منهما، فإذا هما قد عادتا جوهرتين وتناول العقربين فعادتا جوهرتين.
فقال أبو الشرور لأبي الدّواهِي : أما ترى سحر محمّد و مهارتهُ فِيهِ وحِذقهُ بِهِ فقال الرّجُلُ المسلِمُ: يا عدو اللّه أو سِحراً ترى هذا لين كان هذا سحراً فالجنَّة والنار أيضاً تكُونَانِ بِالسّحر! فالويل لكُما فِي مقامِكُما على تكذِيبِ من يسحرُ مِثلِ الجنَّة والنَّارِ. فانصرف الرّجُلُ صاحِبُ السمكة و ترك الجواهر الأربعة على الرّجُلِ.
فقال الرّجُلُ لِأَبِي الشُّرورِ ولأبي الدّواهِي : يا ويلكُما آمنا من آثر نعم اللّه عليه (صَلَّى اللّه عَلَيْهِ وَآلِهِ) و على من يُؤْمِنُ بِهِ، أما رأيتُما العجب العجيب ثمّ جاء بالجواهِرِ الأربعةِ إِلى رسُول اللّه، وجاء تُجَارٌ غُرباء يتجرون فاشتروها مِنْهُ بِأربعمائة ألف درهم.
فقال الرّجُلُ: ما كان أعظم بركةً شوقي اليوم يا رسُول اللّه ! فقال رسُول اللّه (صَلَّى اللّه عَلَيْهِ وَآلِهِ): هذا بتوقيرِك محمّداً رسُول اللّه، وتعظيمك عليّاً (عَلَيهِ السَّلَامُ)، أخا رسُول اللّه ووَصِيَّهُ وهُو عاجِلُ ثوابِ اللّه لك، وربح عملك الّذي عملته، أفتُحِبُّ أن أدلّك على تجارة تشغل هذه الأموال بها قال: بلى يا رسُول اللّه.
قال رسُول اللّه (صَلَّى اللّه عَلَيْهِ وَآلِهِ) : اجعلها بذور أشجار الجنان. قال: كيف أجعلها قال: واس منها إخوانك المؤمنين المساوين لك فِي مُوالاتِنا و مُوالاة أوليائنا ومعاداة أعدائنا وآثربها إخوانك المؤمِنِين المقصِّرِين عنك فِي رُتب محبّتِنا، وساوِ فِيها إخوانك المؤمِنِين الفاضلين عليك فِي المعرفة بحقنا والتوقير لشأننا، والتعظيم لأمرنا، ومعاداة أعدائنا، ليكون ذلك بذور شجر الجنان.
أما إن كلّ حبّةٍ تُنفِقُها على إخوانِك المؤمِنِين الّذين ذكرتُهُم لتُربّى لك حتّى تُجعل كألفِ ضعفِ
ص: 294
أبي قبيس، وألفِ ضعفِ أحدٍ و ثور و ثبير فتُبنى لك بها قُصُورٌ فِي الجنَّة شرفها الياقوت وقُصُورُ الجنَّة شُرفُها الزبرجد.
فقام رجُلٌ وقال: يا رسُول اللّه فأنا فقير و لم أجد مثل ما وجد هذا، فما لي فقال رسُول اللّه (صَلَّى اللّه عَلَيْهِ وَآلِهِ): لك مِنّا الحُبُّ الخالص والشفاعة النافعة المبلغةُ أرفع درجاتِ العُلى بِمُوالاتِك لنا أهل البيت ومعاداتك أعداءنا. (1)
2 - عن محمّد بنِ عليّ عن جعفر بن محمّد (عَلَيهِمَا السَّلَامُ) قال: لَمّا أقام رسُول اللّه (صَلَّى اللّه عَلَيْهِ وَآلِهِ) أمير المؤمِنِين يوم غدِيرِ خُمّ كان بِحِذائِه سبعةُ نفرِ مِن المنافِقِين وهُم فلان وفلان وعبد الرحمن بن عوفٍ وسعد بن أبي وقاص وأبو عُبيدة وسالم مولى أبي حذيفة و المغيرة بن شعبة قال الثَّاني أ ما ترون عينه كأنما عينا مجنُونٍ يعني النّبيّ الساعة يقُومُ ويقُولُ قال لي ربِّي فَلَمّا قام قال أيّها النّاسُ من أولى بِكُم مِن أنفُسِكُم قالُوا اللّه ورسولُهُ قال اللّهمّ فاشهد ثمّ قال ألا من كُنتُ مولاة فعلي مولاه وسلّمُوا عليه بإمرة المؤمنين فنزل جبرئيل وأعلم رسُول اللّه بِمقالة القومِ فدعاهم و سألهم فأنكرُوا وحلفُوا فأنزل اللّه (يحلِفُون بِاللّه ما قَالُوا) (2) و (3)
3 - عن أبي عبد اللّه (عَلَيهِ السَّلَامُ) قال لما انهزم النّاس عن النّبيّ (صَلَّى اللّه عَلَيْهِ وَآلِهِ) يوم أُحد نادى رسُول اللّه (صَلَّى اللّه عَلَيْهِ وَآلِهِ) إنّ اللّه قد وعدني أن يُظهرني عَلى الدِّين كلّه، فقال له بعضُ المنافقين وسماهما فقد هزمنا و تسخربنا. (4)
4 - عن جابر بن أرقم قال: بينا نحن فِي مجلس لنا و أخي زيد بن أرقم يُحدّثنا إِذ أقبل رجُلٌ على فرسه عليه زي السفر فسلم علينا ثمّ وقف فقال أ فِيكُم زيد بن أرقم فقال زيد أنا زيد بن أرقم فما تُرِيدُ فقال الرّجُلُ أتدرِي مِن أين جِئتُ قال لا قال مِن فُسطاط مصر لأسألك عن حديث بلغني عَنكَ تذكُرُهُ عن رسُول اللّه (صَلَّى اللّه عَلَيْهِ وَآلِهِ) فقال له زيد و ما هُو قال حدِيثُ عَدِيرِخُمّ فِي ولاية عليّ بن
ص: 295
أبِي طالِب (عَلَيهِ السَّلَامُ) فقال يا ابن أخي إنّ قبل غدِيرِخُمّ ما أُحدِثُكَ بِهِ إِن جبرئيل الرُّوحِ الأَمِين (عَلَيهِ السَّلَامُ) نزل على رسُول اللّه (صَلَّى اللّه عَلَيْهِ وَآلِهِ) بولاية عليّ بن أبِي طالِب (عَلَيهِ السَّلَامُ) فدعا قوماً أنا فيهم فاستشارهُم فِي ذلِكَ لِيقُوم بِهِ فِي الموسمِ فلم ندرِ ما نقُولُ لهُ وبكى (صَلَّى اللّه عَلَيْهِ وَآلِهِ) فقال له جبرئيل (عَلَيهِ السَّلَامُ) ما لك يا محمّد أجزعت من أمر اللّه فقال كَلَّايا جبرئيل ولكن قد علم ربّي ما لقِيتُ مِن قُريش إذ لم يُقِرُّوا لِي بِالرّسالة حتّى أمرني بجهادِي وأهبط إِلى جُنُوداً مِن السّماء فنصرُونِي فكيف يقروا [يُقِرُّون] لعلي من بعدي فانصرف عنه جبرئيل ثمّ نزل عليهِ ﴿فَلَعَلَّكَ تَارِكٌ بَعْضَ مَا يُوحَى إِلَيْكَ وَضَائِقٌ بِهِ صَدْرُكَ) (1) فلما نزلنا الجُحفة راجِعِين وضربنا أخبيتنا نزل جبرئيل بهذِهِ الآيَةِ (يَا أَيُّهَا الرَّسُولُ بَلِّغْ مَا أُنْزِلَ إِلَيْكَ مِنْ رَبِّكَ وَإِنْ لَمْ تَفْعَلْ فَمَا بَلَّغْتَ رِسَالَتَهُ وَاللَّهُ يَعْصِمُكَ مِنَ النَّاسِ) (2) فبينا نحن كذلك إذ سمعنا رسُول اللّه (صَلَّى اللّه عَلَيْهِ وَآلِهِ) وهُو يُنادِي أيّها النَّاسُ أَجِيبُوا داعِي اللّه أَنا رسُول اللّه فأتيناهُ مُسرِعِين فِي شِدّةِ الحرّ فإذا هُو واضع بعض ثوبِهِ على رأسِهِ وبعضه على قدمِهِ مِن الحرّو أمر يقم ما تحت الدوح فقم ما كان ثمة من الشّوكِ والحجارة فقال رجُلٌ ما دعاه إلى قمّ هذا المكانِ وهُو يُرِيدُ أن يرحل مِن ساعتِهِ إِلَّا لِياتِينَّكُمُ اليوم بِداهِيةٍ فَلَمّا فرغُوا مِن القمّ أمر رسُول اللّه (صَلَّى اللّه عَلَيْهِ وَآلِهِ) أن يُؤتى بِأحلاس دواتنا وأقتاب إبلنا وحقائبنا فوضعنا بعضها على بعض ثمّ ألقينا عليها ثوباً ثمّ صعد عليها رسُول اللّه فحمد اللّه وأثنى عليهِ ثمّ قال يا أيّها النّاسُ إِنَّهُ نزل علي عشيّة عرفة أمرٌ ضِقتُ بِهِ ذرعاً مخافة تكذيب أهل الإفكِ حتّى جاءني فِي هذا الموضعِ وعِيدٌ مِن ربّي إِن لم أفعل ألا وإنّي غيرُهائِبِ لِقومِ ولا تُحابِ لقرابتي أيّها النَّاسُ من أولى بِكُم مِن أَنفُسِكُم قالُوا اللّه ورسولُهُ قال اللّهمّ اشهد وأنت يا جبرئيل
ص: 296
فاشهد حتّى قالها ثلاثاً ثمّ أخذ بيد عليّ بن أبِي طالِب (عَلَيهِ السَّلَامُ) فرفعه إليهِ ثمّ قال اللّهمّ من كُنتُ مولاه فعلي مولاه اللّهمّ وال من والاه و عاد من عاداه وانصر من نصره واخذُل من خذله قالها ثلاثاً ثمّ قال هل سمِعتُم فقالُوا اللّهمّ بلى قال فأقررتُم قالوا بلى ثمّ قال (صَلَّى اللّه عَلَيْهِ وَآلِهِ) اللّهمّ اشهد وأنت يا جبرئيل فاشهد ثمّ نزل فانصرفنا إلى رحالنا وكان إلى جانِبِ خِبائِي خِباءٌ لِنفرِ مِن قُريش وهُم ثلاثةٌ و معِي حذيفة بن اليمانِ فسمعنا أحد الثّلاثة وهُو يقُولُ واللّه إِنْ محمّداً لأحمق إن كان يرى أن الأمريستقيمُ لِعليّ مِن بعدِهِ و قال آخرُاً تجعله أحمق ألم تعلم أنَّه مجنون قد كاد أن يُصرع عند امرأة ابن أبي كبشة وقال الثّالِثُ دعُوهُ إن شاء أن يكون أحمق و إن شاء أن يكون مجنوناً واللّه ما يكُونُ ما يَقُولُ أبداً فغضب حذيفةُ مِن مقالتِهم فرفع جانِب الخباء فأدخل رأسه إليهم وقال فعلتموها و رسُول اللّه (صَلَّى اللّه عَلَيْهِ وَآلِهِ) بين أظهرِكُم ووحي اللّه يُنزِلُ عليكم واللّه لأُخبِرنّهُ بُكرةً بمقالتِكُم فقالوا له يا أبا عبدِ اللّه وإنّك لهاهنا وقد سمعت ما قُلنا اكتُم علينا فإِنَّ لِكُلِّ جِوارٍ أمانةً فقال لهم ما هذا مِن جِوارِ الأمانة ولا من مجالسها ما نصحت اللّه ورسوله إن أنا طويتُ عنه هذا الحديث فقالوا له يا أبا عبدِ اللّه فاصنع ما شئت فواللّه لنحلفنّ أنا لم نقل وأنك قد كذبت علينا أفتراهُ يُصدِّقُك ويُكذِّبُنا ونحن ثلاثة فقال لهم أما أنا فلا أُبالي إذا أدّيتُ النصيحة إلى اللّه و إلى رَسُولِهِ فَقُولُوا ما شئتُم أن تقُولُوا ثمّ مضى حتّى أتى رسُول اللّه (صَلَّى اللّه عَلَيْهِ وَآلِهِ) و علي إلى جانبٍ مُحتبِ بحمائِلِ سيفِهِ فأخبرهُ بِمقالة القومِ فبعث إليهم رسُول اللّه (صَلَّى اللّه عَلَيْهِ وَآلِهِ) فأتوه فقال لهم ما ذا قُلتُم فقالوا واللّه ما قُلنا شيئاً فإن كُنت بلغت عنّا شيئاً فكذُوبٌ علينا فهبط جبرئيلُ بِهذِهِ الآيَةِ (يَحْلِفُونَ بِاللَّهِ مَا قَالُوا وَلَقَدْ قَالُوا كَلِمَةَ الْكُفْرِ وَكَفَرُوا بَعْدَ إِسْلَامِهِمْ) (1) و قال عليّ (عَلَيهِ السَّلَامُ) عند ذلك لِيقُولُوا ما شاء وا واللّه إِنّ قلبي بين أضلاعِي و إِنَّ سيفي لفي عُنُقِي و لئِن هموا لأهمن فقال جبرئيل لِلنّبي (صَلَّى اللّه عَلَيْهِ وَآلِهِ) إصبر للأمرِ الّذي هُو كائن فأخبر النّبيّ (صَلَّى اللّه عَلَيْهِ وَآلِهِ) علياً بما أخبره به جبرئيل فقال إذا أصبر للمقادير قال أبو عبد اللّه (عَلَيهِ السَّلَامُ) وقال رجُلٌ مِن الملا شيخ لئِن كُنا بين أقوامِنا كما يقُولُ هذا لنحنُ أشرُّ مِن الحمِيرِ قال وقال آخرُشابٌ إِلى جنبِهِ لَئِن كُنت صادِقاً لنحنُ أشرُّ مِن الحمير (2).
5- عن صفوان الجمال قال قال أبو عبد اللّه (عَلَيهِ السَّلَامُ) لما نزلت هذِهِ الآيَةُ فِي الولاية أمر
ص: 297
رسُول اللّه (صَلَّى اللّه عَلَيْهِ وَآلِهِ) بالدوحات فِي غدِيرِ خُمّ فقُمِّمن ثمّ نُودِي الصّلاة جامِعةً ثمّ قال أيّها النَّاسُ من كُنتُ مولاه فعلي مولاه ألستُ أولى بِكُم مِن أَنفُسِكُم قالوا بلى قال من كُنتُ مولاه فعلي مولاه ربِّ والِ من والاه وعاد من عاداهُ ثمّ أمر الناس يُبايِعُون عليّاً فبايعه النَّاسُ لا يجيء أحدٌ إِلا بايعه ولا يتكلّمُ مِنهُم أحدٌ ثمّ جاء زُفْرُ و حَبتر فقال (صَلَّى اللّه عَلَيْهِ وَآلِهِ) له يا زفر بايع عليّاً بِالولاية فقال مِن اللّه و مِن رَسُولِهِ قال مِن اللّه و مِن رَسُولِهِ ثمّ جاء حبتر فقال (صَلَّى اللّه عَلَيْهِ وَآلِهِ) بايع عليّاً بالولاية فقال من اللّه و مِن رَسُولِهِ ثمّ ثنى عطفهُ مُلتفتاً فقال لزفر لشدّ ما يرفعُ بِضبع ابنِ عَمِهِ. (1)
6 - عن محمّد بن علي عن جعفر بن محمّد (عَلَيهِم السَّلَامُ) قال: لما أقام رسُول اللّه (صَلَّى اللّه عَلَيْهِ وَآلِهِ) أمير المؤمِنِين عليّاً يوم غدِيرِ خُمّ كان بِحِذائِهِ سبعةُ نفر من المنافِقِين منهم أبوفلان وفلان وعبد الرحمن بن عوف وسعد بن أبي وقاص وأبو عُبيدة وسالم مولى أبي حذيفة و المغيرة بن شعبة قال عُمراً ما ترون عينيه كأنهما عينا مجنون يعني النّبيّ (صَلَّى اللّه عَلَيْهِ وَآلِهِ) الساعة يقُومُ و يَقُولُ قال لي ربّي فلما قام قال أيّها النَّاسُ من أولى بِكُم مِن أَنفُسِكُم قالُوا اللّه وَرَسُولُهُ قال اللّهمّ فاشهد ثمّ قال ألا من كنت مولاه فعلي مولاه وسلّمُوا عليه بإمرة المؤمِنين فأُنزِل جبرئيل (عَلَيهِ السَّلَامُ) وأعلم رسُول اللّه (صَلَّى اللّه عَلَيْهِ وَآلِهِ) بِمقالة القومِ فدعاهُم فسألهم فأنكرُوا وحلفُوا فأنزل اللّه (يَحْلِفُونَ بِاللَّهِ مَا قَالُوا). (2) و (3)
1 - الشرِيّ بنِ عبدِ اللّه السُّلمِيّ عن عليّ بن خرور [ حزور] قال: دخلتُ أنا والعلاء بن هلال الخفاف على أبي إسحاق السبيعي حين قدم مِن خُراسان فجرى الحديث فقُلتُ أبا إسحاق أُحدثك بحديث حدّثنيهِ أخوك أبو داود عن عمران بن حصين الخزاعي وبُريدة بنِ حُصيبٍ الأسلمي قال نعم فقُلتُ حدّثني أبو داود أن بريدة أتى عمران بن حصين يدخُلُ عليهِ فِي منزِلِهِ حين بايع النّاسُ أبا بكر فقال يا عمران ترى القوم نسُوا ما سَمِعُوا مِن رسُول اللّه (صَلَّى اللّه عَلَيْهِ وَآلِهِ) فِي
ص: 298
حائِطِ بَنِي فلانٍ أهل بيتٍ مِن الأنصارِ فَجَعَلَ لا يدخُلُ عليهِ أحدٌ مِن المسلمين فيُسلّمُ عليهِ إِلَّا ردّ (صَلَّى اللّه عَلَيْهِ وَآلِهِ) ثمّ قال له سلّم على أمير المؤمنين عليّ بن أبِي طالِب فلم يردّ على رسُول اللّه يومَئِذٍ أحدٌ مِن النّاسِ إِلَّا عُمرُ فإِنَّهُ قال مِن أمرِ اللّه أو من أمرِ رسُول اللّه قال رسُول اللّه (صَلَّى اللّه عَلَيْهِ وَآلِهِ) بل مِن اللّه و مِن رَسُولِهِ قال عمران بلى قد أذكُرُ ذا فقال بُريدة فانطلق بنا إلى أبي بكر فنسأله عن هذا الأمر فإن كان عنده عهدٌ مِن رسُول اللّه (صَلَّى اللّه عَلَيْهِ وَآلِهِ) عهده إليه بعد هذا الأمر أو أمرٌ أَمر بِهِ فَإِنَّهُ لا يُخبِرُنا عن رسُول اللّه (صَلَّى اللّه عَلَيْهِ وَآلِهِ) بكذِبٍ ولا يكذب على رسُول اللّه (صَلَّى اللّه عَلَيْهِ وَآلِهِ) فانطلقنا فدخلنا على أبي بكر فذكرنا ذلك اليوم وقلنا له فلم يدخُل أحد من المسلمين فسلم على رسُول اللّه (صَلَّى اللّه عَلَيْهِ وَآلِهِ) إلّا قال له سلّم على أمير المؤمنين علي وكُنت أنت ممّن سلّم عليهِ بِإِمرة المؤمِنِين فقال أبوبكر قد أذكُرُ ذلك فقال له بُريدة لا ينبغي لأحدٍ مِن المسلمين أن يَتأَمر على أمِيرِ المؤمِنِين (عَلَيهِ السَّلَامُ) بعد أن سماه رسُول اللّه (صَلَّى اللّه عَلَيْهِ وَآلِهِ) بِأمِيرِ المؤمِنِين فإن كان عندك عهدٌ مِن رسُول اللّه عهده إليك أو أمرٌ أمرك به بعد هذا فأنت عِندنا مُصدّق فقال أبوبكرلا واللّه ما عِندِي عهد من رسُول اللّه (صَلَّى اللّه عَلَيْهِ وَآلِهِ) و لا أمر أمرني بِهِ ولكنّ المسلمين رأوا رأياً فتابعتهم بِهِ على رأيهم فقال له بريدة واللّه ما ذلك لك ولا لِلمُسلِمِين خِلافُ رسُول اللّه (صَلَّى اللّه عَلَيْهِ وَآلِهِ) فقال أبوبكر أُرسل لكُم إِلى عُمر فجاءه فقال له أبوبكر إنّ هذين سألاني عن أمرقد شهدته وقص عليه كلامهما فقال عُمرُ قد سمِعتُ ذلِك ولكن عِندِي المخرجُ مِن ذلِك فقال لهُ بُريدةُ عِندك قال عِندِي قال فما هُو قال لا يجتمِعُ النُّبُوَّةُ والملكُ فِي أهل بيتٍ واحدٍ قال فاغتنمها بُريدة و كان رَجُلًا مُفهّماً جرياً على الكلامِ فقال يا عُمرُ إِنّ اللّه عزّ و جلّ قد أبى ذلك عليك أما سمعت اللّه فِي كِتَابِهِ يَقُولُ (أَمْ يَحْسُدُونَ النَّاسَ عَلَى مَا آتَاهُمُ اللَّهُ مِنْ فَضْلِهِ فَقَدْ آتَيْنَا آلَ إِبْرَاهِيمَ الْكِتَابَ وَالْحِكْمَةَ وَآتَيْنَاهُمْ مُلْكًا عَظِيمًا) (1) فقد جمع اللّه هُمُ النُّبوّة والملك قال فغضب عُمَرُ حتّى رأيتُ عينيهِ يُوقدانِ ثمّ قال ما جِئتُما إِلَّا لِتُفرّقا جماعة هذِهِ الأُمّة وتُشتّتا أمرها فما زلنا نعرِفُ مِنهُ الغضب حتّى هلك. (2)
ص: 299
1- عن أبي عبد اللّه (عَلَيهِ السَّلَامُ) قال: دخل رجُلٌ على أبي عبد اللّه (عَلَيهِ السَّلَامُ) فقال السّلام عليك يا أمير المؤمِنِين فقام على قدميه فقال مه هذا اسمٌ لا يصلُحُ إِلَّا لِأَمِيرِ المؤمِنِين سَماهُ بِهِ ولم يُسمّ بِهِ أَحَدٌ غيره فرضِي بِهِ إِلَّا كان منكوحاً و إن لم يكُن بِهِ ابْتُلِي وهُو قولُ اللّه فِي كِتَابِهِ (إِنْ يَدْعُونَ مِنْ دُونِهِ إِلَّا إِنَاثًا وَإِنْ يَدْعُونَ إِلَّا شَيْطَانًا مَرِيدًا) (1) قال قُلتُ فما ذا يُدعى بِهِ قَائِمُكُم قال يُقالُ لَهُ السّلامُ عليك يا بقيّة اللّه السّلامُ عليك يا ابن رسُول اللّه. (2)
2 - قال رجُلٌ لِلصّادِقِ (عَلَيهِ السَّلَامُ) يا أمير المؤمنين فقال مه فإنّهُ لا يرضى بهذِهِ التَّسْمِيةِ أحدٌ إِلَّا ابتلاه ببلاء أبي جهل. (3)
أقول : لقد ابتلي أبو جهل بالأبنة وكان معروفا بها كما يصرح به القاضي نعمان المغربي من أعلام القرن الرابع الهجري فِي كتابه فهُو يقول:
المشهورين بالأبنة من قريش أبو جهل بن هشام و كان يخضب دبره بالحناء، فلذلك قال له عتبة بن ربيعة يوم بدر لَمّا حاوله عن الرجوع فأبى وقال: انتفخ سحرك. فقال عتبة: سيعلم مصفرا إسته من انتفخ سحره. (4)
ص: 300
1- عن سلمان وأبي ذرّ و المقدادِ أنْهُم أتاهُم رجُلٌ مُسترشِدٌ فِي زمانِ خِلافةِ عُمر بن الخطّابِ وهُو رجُلٌ مِن أهل الكوفة فجلس لديهم مسترشداً فقالوا عليك بِكِتابِ اللّه فالزمه وعليك بعلي بن أبِي طالِب فإنّه مع الكِتابِ لا يُفارِقُهُ فإِنّا نشهدُ أنا سمعنا رسُول اللّه (صَلَّى اللّه عَلَيْهِ وَآلِهِ) يَقُولُ إِنَّ عليّاً مع الحقّ والحق معه يدُورُ كيفما دار بِهِ فإنّهُ أوّلُ من آمن بِاللّه وأوّلُ من يُصافحني يوم القيامة وهُو الصِّدِّيقُ الأكبرُو الفارُوقُ بين الحقّ والباطِلِ وهُو وصيّي وخليفتي فِي أُمّتي مِن بعدي ويُقاتِلُ على سُنّتي فقال هُمُ الرّجُلُ ما بالُ النّاسِ يُسمون أبا بكر الصديق وعُمر الفاروق فقالوا له النَّاسُ تجهل حقّ على كما جهلا [جهلوا] خلافة رسُول اللّه (صَلَّى اللّه عَلَيْهِ وَآلِهِ) جهلا [ جهلُوا] حقّ أمير المؤمنين (عَلَيهِ السَّلَامُ) و ما هُما لهما باسم لأنهما اسم غيرِهما واللّه إِنَّ عَلِيّاً هُو الصِّدِّيقُ الأكبرُو الفارُوقُ الأزهرُو إِنَّهُ خليفةُ رسُول اللّه (صَلَّى اللّه عَلَيْهِ وَآلِهِ) و إِنَّهُ أمير المؤمِنين أمرنا و أمرهُم بِهِ رسُول اللّه فسلمنا إِليه جميعاً وهُما معاً بإمرة المؤمِنِين. (1)
1- قال الإمام العسكري (عَلَيهِ السَّلَامُ) قال موسى بن جعفر (عَلَيهِمَا السَّلَامُ) لما اتصل ذلِك مِن مُوالاتِهم و قيلهم فِي عليّ وسوء تدبيرهم عليهِ بِرسُولِ اللّه (صَلَّى اللّه عَلَيْهِ وَآلِهِ) دعاهم وعاتبهم فاجتهدوا فِي الإيمانِ فقال أوّلُهُم يا رسُول اللّه واللّه ما اعتددتُ بِشيءٍ كاعتدادِي بِهذِهِ البيعة ولقد رجوتُ أن يفسح اللّه بِها لِي فِي قُصُورِ الجنّات ويجعلني فيها مِن أفضلِ النُّزالِ والسُّكّانِ وقال ثانِيهِم بِأَبِي أَنتَ و أُمّي يا رسُول اللّه ما وثقتُ بِدُخُولِ الجنَّة والنّجاةِ مِن النّار إِلَّا بِهذِهِ البيعةِ واللّه مَا يَسُرُّنِي إِن نقضتها أو نكثتُ بعد ما أعطيتُ مِن نفسِي ولو أن لي طلاع ما بين القرى إلى العرش لئالي رطبة و جواهِرُ فاخرة وقال ثالِثُهُم واللّه يا رسُول اللّه لقد صِرتُ مِن الفرح بهذه البيعةِ والسُّرُورِ و الفسح من الآمال فِي رضوان اللّه تعالى وأيقنت أنَّه لو كانت ذُنوبُ أهلِ الأَرضِ كُلُّها على لمحصت عنِّي بهذه البيعة وحلف على ما قال من ذلك ولعن من بلغ عنه رسُول اللّه (صَلَّى اللّه عَلَيْهِ وَآلِهِ) خلاف ما حلف عليهِ
ص: 301
ثمّ تتابع مِثلِ هذِهِ الاعتذار من بعدِهِم الرّجالُ المتمردون فقال اللّه عزّ و جلّ لِمحمّد (صَلَّى اللّه عَلَيْهِ وَآلِهِ) يُخادِعُون اللّه يعني يُخادِعُون رسُول اللّه بِإِبدائِهِم خِلاف ما فِي جوانِحِهم والّذين آمَنُوا يعني سيّدُهُم وفاضِلُهُم عليّ بن أبِي طالِب (عَلَيهِ السَّلَامُ) ثمّ قال وما يخدعون إِلَّا أَنفُسهم وما يَضُرُّون بِتِلك الخديعةِ إِلّا أنفُسهم فإنّ اللّه غني عن نصرتهم ولولا إمهالهم لما قدرُوا على شيءٍ مِن فُجُورِهِم وطغيانِهِم وما يشعُرُون أنّ الأمر كذلك وأنّ اللّه يُطلِعُ نبيّه على نِفاقِهِم و كُفرهم و كِذبهم و يامُرُهُ بِلعَنِهِم فِي لعنة الظالمين النَّاكِثِين وذلِك اللعنُ لا يفارقهم فِي الدُّنيا يلعنُهُم خِيارُ عِبادِ اللّه وفِي الآخِرة يُبتلون بشدائِدِ عذابِ اللّه تعالى. (1)
1- عن حنانِ بنِ سدِيرِ عن أبيه قال: سألتُ أبا جعفر (عَلَيهِ السَّلَامُ) عنهما فقال يا أبا الفضل لا تسألني عنهما فواللّه ما مات مِنّا مِيِّتٌ إِلّا ساخط عليهما وما مِنّا اليوم إِلَّا ساخط عليهما يُوصِي بذلك الكبيرُ مِنّا الصغير لأنهما ظلمانا حقّنا وضيّعانا فيئنا وكانا أوّل من ركب أعناقنا و بثقا علينا بثقاً فِي الإسلام لا يُسدُّ أبداً حتّى يقوم قائمنا ثمّ قال أما واللّه لوقد قام قائمنا وتكلّم متكلمنا لأبدى مِن أُمورهما ما كان يُكتمُ و لكتم مِن أُمُورِهِما ما كان يُظهرُو اللّه ما أمست مِن يليّةٍ ولا قضيّةٍ تجري علينا أهل البيتِ إِلَّا هُما سببا أولها فعليهما (لَعْنَةَ اللَّهِ وَالْمَلَائِكَةِ وَالنَّاسِ أَجْمَعِينَ). (2) و (3)
ص: 302
1- عن جابر بن يزيد قال: دخلتُ على أبي جعفر (عَلَيهِ السَّلَامُ) فقُلتُ له يا ابن رسُول اللّه أمرضنِي اخْتِلافُ الشّيعة فِي مذاهبها فأجابه إلى أن بلغ قولهُ إِنّ أمير المؤمنين خطب الناس فقال فِي خُطبتِهِ و لئِن تقمصها دُونِي الأشقيانِ و نازعاني فيما ليس لهما بِحقِّ و ركباها ضلالةً واعتقداها جهالةً فلبئس ما عليه وردا و لبئس ما لأنفُسِهِما مهدا يتلاعنانِ فِي دُورِهِما و يتبرأُ كلّ واحِد مِن صاحِبِهِ يَقُولُ لِقرِينِهِ إذا التقيا (يَا لَيْتَ بَيْنِي وَبَيْنَكَ بُعْدَ الْمَشْرِقَيْنِ فَبِئْسَ الْقَرِينُ﴾ (1) فيُجِيبُهُ الأشق على وثوبه يا ليتني لم أتخذك خلِيلًا (لَقَدْ أَضَلَّنِي عَنِ الذِّكْرِ بَعْدَ إِذْ جَاءَنِي وَكَانَ الشَّيْطَانُ لِلْإِنْسَانِ خَذُولًا) (2) فأنا الذِكرُ الّذي عنه ضلّ والسَّبِيلُ الّذي عنه مال والإيمانُ الّذي بِهِ كفر و القُرآنُ الّذي إِياه حجر و الدِّينُ الّذي بِهِ كَذَّب و الصراط الّذي عنه نكب ولئِن رتعا فِي الحُطَامِ المنصرِمِ والغُرُورِ المنقطع وكانا مِنهُ على شفا حُفرة مِن النّار هُما على شرّ ِوُرُودٍ فِي أَخبثُ وقود و ألعن مورُودٍ ويتصارخانِ بِاللّعنة ويتناعقانِ بِالحسرة ما لهما من راحة ولا عن عذابهما مندوحة. (3)
2 - عن إبن عُمر أنّ عبد الرّحمن بن أبي بكر، إستأذن على عُمر بن الخطاب، فقال عمر: دويبةٌ سُوء وهُو خيرٌ مِن أبيه قال إبن عُمر فقلتُ: يا أبه عبد الرحمن خير من أبيه؟ قال: ومَن ليس خيراً من أبيه ؟ لا أم لك؟ إلى أن قال: أ فِي غفلةٍ أنت إلى يومك هذا من تقدّم أخي تيم علي وظلمه لي؟ فقلتُ: يا أبه أفلا تحكي عن فعله بموقف فِي الناس تبين لهم، إلى أن قال ابن عمر: ثمّ تجاسرو اللّه فجسربه فما دارتِ الجمعة حتّى قام فِي النّاس خطيباً، فقال: يا أيّها الناس! إنّ بيعة أبي بكر كانت فلتة وقى اللّه شرّها، فمن عاد إلى مثلها فاقتلوه. (4)
3 - عن الشعبي فِي حديث قال: لقد كان فِي صدر عُمر ضَبٌ على أبي بكر، ثمّ ذكر أن رجلا أنكر
ص: 303
ذلك، فقال له: كيف تصنع بالفلتة الّتي وقى اللّه شرها؟ أترى عدوّاً يقول فِي عدةٍ يُريد أن يهدم ما بنى لنفسه فِي النّاس أكثر من قولِ عُمر فِي أبي بكر. (1)
1 - عن أبي عبدِ اللّه (عَلَيهِ السَّلَامُ) فِي قولِ اللّه عزّ و جلّ (وَقَالَ الَّذِينَ كَفَرُوا رَبَّنَا أَرِنَا اللَّذَيْنِ أَضَلَّانَا مِنَ الْجِنِّ وَالْإِنْسِ نَجْعَلْهُمَا تَحْتَ أَقْدَامِنَا لِيَكُونَا مِنَ الْأَسْفَلِينَ) (2) قال هِي هُما ثمّ قال وكان فلانٌ شيطاناً. (3)
2 - عن أبي عبدِ اللّه (عَلَيهِ السَّلَامُ) فِي قوله (رَبَّنَا أَرِنَا اللَّذَيْنِ أَضَلَّانَا مِنَ الْجِنِّ وَالْإِنْسِ نَجْعَلْهُمَا تَحْتَ أَقْدَامِنَا لِيَكُونَا مِنَ الْأَسْفَلِينَ) قال يا سُورةُ هُما و اللّه هُما يقُوها ثلاثاً واللّه يا سورةُ إِنَّا مُخْزَانُ عِلمٍ اللّه فِي السّماء وخُزَانُ عِلمِ اللّه فِي الأَرْضِ. (4)
1- عن عبدِ اللّه بنِ الحسنِ عن أُمِّهِ فاطمة بنت الحُسين (عَلَيهِ السَّلَامُ) قالت: لما اشتدّت عِلَّةُ فاطمة بنتِ رسُول اللّه (صَلَّى اللّه عَلَيْهِ وَآلِهِ) و غلبها اجتمع عِندها نساء المهاجرين والأنصار فقُلن لها يا بنت رسُول اللّه كيف أصبحتِ عن عِلَّتِكِ فقالت (عَلَيهِ السَّلَامُ) أصبحتُ واللّه عائِفةٌ لدُنياكُم قالِيةً لِرِجالِكُم لفظتُهم قبل أن عجمتُهم و شنئتهم بعد أن سبرتهم فقُبحاً لِقُلُولِ الحد و خورِ القناة و خطل الرأي (لَبِئْسَ مَا قَدَّمَتْ لَهُمْ أَنْفُسُهُمْ أَنْ سَخِطَ اللَّهُ عَلَيْهِمْ وَفِي الْعَذَابِ هُمْ خَالِدُونَ) (5) لا جرم لقد قلّدتهم
ص: 304
ربقتها و شننتُ عليهم غارها فجدعاً و عقراً و سُحقاً للقوم الظالمين ويحهم أنّى زحزحوها عن رواسي الرّسالة وقواعِدِ النُّبُوَّةِ و مهبط الوحي الأَمِينِ والطَّبِينِ بِأَمْرِ الدُّنيا والدِّينِ ألا (ذَلِكَ هُوَ الْخُسْرَانُ الْمُبِينُ) (1) ما نقمُوا مِن أبي الحسنِ نقمُوا واللّه مِنْهُ نكيرسيفِهِ وشِدّة وطيه و نال وقعته وتنشره فِي ذاتِ اللّه عزّ و جلّ واللّه لوتكافُوا عن زمام نبذهُ رسُول اللّه (صَلَّى اللّه عَلَيْهِ وَآلِهِ) إليه لاعتلقه ولسار بهم سيراً سُجُحاً لا يكلم خشاشُهُ ولا يُتعتعُ راكِبُهُ ولأوردهُم منهلًا غيراً فضفاضاً تطفحُ ضفتاه ولأصدرهم بطاناً قد تحيّربِهِمُ الرِّي غير مُتحلّ مِنْهُ بِطَائِلٍ إِلَّا بغمر الماء وردعه شرره الساغب و لفتحت عليهم (بَرَكَاتٍ مِنَ السَّمَاءِ وَالْأَرْضِ) (2) و سيأخُذُهُمُ اللّه بِما كانُوا يَكسِبُون ألا هلم فاسمع و ما عِشت أراك الدهر العجب و إن تعجب فقد أعجبك الحادث إلى أيّ سِنادٍ استندوا و بِأيّ عُروة تمسكوا استبدلوا الذُّنابي واللّه بِالقوادِمِ و العجز بالكاهِلِ فرغماً لمعاطِس قومٍ (يَحْسَبُونَ أَنَّهُمْ يُحْسِنُونَ صُنْعًا﴾ (3) ﴿أَلَا إِنَّهُمْ هُمُ الْمُفْسِدُونَ و لَكِنْ لَا يَشْعُرُونَ) (4) (أَفَمَنْ يَهْدِي إِلَى الْحَقِّ أَحَقُّ أَنْ يُتَّبَعَ أَمَّنْ لَا يَهِدِّي إِلَّا أَنْ يُهْدَى فَمَا لَكُمْ كَيْفَ تَحْكُمُونَ) (5) أما لعمر إلهك لقد لقحت فنظرة ريثما تُنتج ثمّ احتلبُوا طِلاع القعبِ دماً عبيطاً وذُعافاً مُمقراً (هنالك يَخْسَرُ الْمُبْطِلُونَ) (6) ويُعرفُ التّالُون غِبّ ما سنّ الأولون ثمّ طِيبُوا عن أَنفُسِكُم أنفُساً وطأمِنُوا لِلفتنة جأشاً وأبشِرُوا بِسيف صارم و هرچ شامل و استبداد من الظالمين يدعُ فيئكُم زهيداً أو زرعكم حصيداً فيا حسرتي لكُم وأنّى بِكُم وقد عمِيت قُلُوبُكُم عليكم (أَنُلْزِمُكُمُوهَا وَأَنْتُمْ لَهَا كَارِهُونَ). (7) و (8)
ص: 305
2- قال سويد بن غفلة لما مرضت فاطِمةُ (عَلَيهَا السَّلَامُ) المرضة الّتي تُوُفِّيت فيها اجتمع إليها نِساءُ المهاجرين والأنصارِ يعُدنها فقُلن لها كيف أصبحتِ مِن عِلتِكِ يا ابنة رسُول اللّه فحمدت اللّه و صلت على أبيها (صَلَّى اللّه عَلَيْهِ وَآلِهِ) ثمّ قالت أصبحتُ واللّه عائِفةٌ لِدُنياكُن قالِيةٌ لِرِجالِكُن لفظتُهُم بعد أن عجمتهم وشنأتهم بعد أن سبرتهم فقُبحاً لِقُلُولِ الحدّ واللّعبِ بعد الجدّ وقرع الصفاة و صدع القناة وخطلِ الآراء و زللِ الأهواء (لَبِئْسَ مَا قَدَّمَتْ لَهُمْ أَنْفُسُهُمْ أَنْ سَخِطَ اللَّهُ عَلَيْهِمْ وَفِي الْعَذَابِ هُمْ خَالِدُونَ) (1) لا جرم لقد قلّدتهم ربقتها وحمّلتهم أوقتها و شننتُ عليهم غارها فجدعاً و عقراً و (بُعْدًا لِلْقَوْمِ الظَّالِمِينَ) (2) ويحهم أنّى زعزعُوها عن رواسِي الرسالة وقواعِدِ النُّبُوَّةِ والدلالة ومهبط الرُّوحِ الأمين والطبينِ بِأُمُورِ الدُّنيا والدِّينِ ﴿أَلَا ذَلِكَ هُوَ الْخُسْرَانُ الْمُبِينُ) (3) و ما الّذي نقمُوا مِن أبي الحسنِ نقمُوا مِنهُ واللّه نكيرسيفِهِ وقِلّة مُبالَاتِهِ بِحتفِهِ وشِدّة وطأتِهِ و نكال وقعته وتنمُّره فِي ذاتِ اللّه وتاللّه لو مالُوا عن المحجّةِ اللائحة وزالُوا عن قبولِ الحُجّةِ الواضحة لردّهُم إليها وحملهم عليها ولسار بهم سيراً سُجُحاً لا يكلُمُ خِشاشُهُ ولا يكِلُّ سائِرُهُ ولا يُمل راكِبُهُ ولأوردهم منهلا غيراً صافياً رويّاً تطفحُ ضفتاه ولا يترنّق جانباه ولأصدرهم بطاناً ونصح لهم سِرّاً و إعلاناً ولم يكُن يُحلّى مِن الغِنى بِطائِلٍ ولا يحظى مِن الدُّنيا بِنائِلٍ غير ريّ النّاهِلِ وشبعةِ الكل ولبان هُمُ الزّاهِدُ مِن الرّاغِبِ والصَّادِقُ مِن الكاذِبِ (وَلَوْ أَنَّ أَهْلَ الْقُرَى آمَنُوا وَاتَّقَوْا لَفَتَحْنَا عَلَيْهِمْ بَرَكَاتٍ مِنَ السَّمَاءِ وَالْأَرْضِ وَلَكِنْ كَذَّبُوا فَأَخَذْنَاهُمْ بِمَا كَانُوا يَكْسِبُونَ﴾ (4) ﴿وَالَّذِينَ ظَلَمُوا مِنْ هَؤُلَاءِ سَيُصِيبُهُمْ سَيِّئَاتُ مَا كَسَبُوا وَمَا هُمْ بِمُعْجِزِينَ) (5) ألا هلم فاستَمِع و ما عشت أراك الدّهرُ عجباً (وَإِنْ تَعْجَبْ فَعَجَبٌ قَوْلُهُمْ) (6) ليت شعري إلى أيّ سناد
ص: 306
استندوا و على أي عماد اعتمدوا و بِأَيَةِ عُروة تمسكوا و على أيّةِ ذُرِّيَّةٍ أَقدمُوا واحتنكُوا (لَبِئْسَ الْمَوْلَى)(1) (وَلَبِئْسَ الْعَشِيرُ)(2) (بِئْسَ لِلظَّالِمِينَ بَدَلًا)(3) استبدلوا واللّه الذنابي بالقوادِمِ و العجز بالكاهِلِ فرغماً لمعاطِس قومٍ يحسبون أنَّهم يُحسِنُون صُنعاً ﴿أَلَا إِنَّهُمْ هُمُ الْمُفْسِدُونَ وَلَكِنْ لَا يَشْعُرُونَ) (4) ويحهم (أَفَمَنْ يَهْدِي إِلَى الْحَقِّ أَحَقُّ أَنْ يُتَّبَعَ أَمَّنْ لَا يَهِدِّي إِلَّا أَنْ يُهْدَى فَمَا لَكُمْ كَيْفَ تَحْكُمُونَ) (5) أما لعمري لقد لقحت فنظرة ريثما تُنتج ثمّ احتلبُوا مِلء القعبِ دماً عبيطاً وذُعافاً مبيداً (هنالك يَخْسَرُ الْمُبْطِلُونَ) (6) ويُعرفُ التَّالُون غِبّ ما أُسّيس الأوّلون ثمّ طِيبُوا عن دُنياكُم أنفُساً و اطمئِنُّوا للفتنة جأشاً وأبشِرُوا بِسيف صارم وسطوة مُعتدٍ غاشِمٍ و بهرج شامل و استبداد من الظالمين يدعُ فيئكُم زهيداً و جمعكُم حصيداً فيا حسرةً لكُم وأنّى بِكُم وقد عميت عليكُم (أَنُلْزِمُكُمُوهَا وَأَنْتُمْ لَهَا كَارِهُونَ) قال سويد بن غفلة فأعادتِ النِّساء قولها (عَلَيهَا السَّلَامُ) على رِجالِهِنّ فجاء إليها قومٌ مِن وُجُوهِ المهاجرين والأنصارِ مُعتذرين و قالوا يا سيّدة النِّساء لو كان أبو الحسن ذكر لنا هذا الأمر من قبل أن نُبرم العهد وتُحكّم العقد لما عدلنا عنه إلى غيره فقالت (عَلَيهَا السَّلَامُ) إليكُم عنِّي فلا عُذر بعد تعذيركُم ولا أمر بعد تقصيركُم. (7)
3 - عن أبي عبدِ اللّه (عَلَيهِ السَّلَامُ) قال: قبضت فاطِمةُ (عَلَيهَا السَّلَامُ) فِي جمادى الآخِرَةِ يوم الثلاثاء لثلاث خلون منه سنة إحدى عشرة من الهجرة و كان سبب وفاتها أن قُنفذاً مولى عُمر لكزها بنعل السّيفِ بِأمرِه فأسقطت مُحسناً و مرضت من ذلك مرضاً شديداً و لم تدع أحداً من آذاها يدخُلُ عليها و كان الرّجُلانِ مِن أصحاب النّبيّ (صَلَّى اللّه عَلَيْهِ وَآلِهِ) سألا أمير المؤمنين (صَلَّى اللّه عَلَيْهِ وَآلِهِ) أن يشفع لهما
ص: 307
إليها فسألها أمير المؤمنين (عَلَيهِ السَّلَامُ) فلما دخلا عليها قالا لها كيف أنتِ يا بنت رسُول اللّه قالت بِخير بحمد اللّه ثمّ قالت لهما ما سمعتُما النّي يقُولُ فاطِمةُ بضعةٌ مِنِّي فمن آذاها فقد آذاني و من آذاني فقد آذى اللّه قالا بلى قالت فواللّه لقد آذيتُماني قال فخرجا مِن عِندِها (عَلَيهَا السَّلَامُ) وهي ساخطة عليهما قال محمّد بنُ همّامٍ ورُوي أنها قُبضت لعشر بقين من جمادى الآخرة وقد كمل عُمُرُها يوم قبضت ثماني عشرة سنةً و خمساً وثمانين يوماً بعد وفاة أبيها فغسلها أمير المؤمِنِين (عَلَيهِ السَّلَامُ) و لم يحضرها غيره والحسن والحُسين وزينب و أُمُّ كُلْثُومٍ وفِضَةً جَارِيتُها وأَسْمَاءُ بِنتُ عُميس وأخرجها إلى البقيع فِي اللّيل ومعه الحسن والحُسين وصلى عليها ولم يعلم بها ولا حضر وفاتها ولا صلّى عليها أحدٌ مِن سائِرِ النّاسِ غيرُهُم ودفنها بِالروضة وعمّى موضع قبرها وأصبح البقيعُ ليلة دفنت و فِيهِ أربعون قبراً جُدُداً و إن المسلمِين لَمَّا عَلِمُوا وفاتها جاءوا إلى البقيع فوجدوا فِيهِ أربعين قبراً فأشكل عليهم قبرها من سائِرِ القُبُورِ فضجّ النَّاسُ ولام بعضُهُم بعضاً و قالُوا لم يُخلّف نبيّكم فِيكُم إِلَّا بِنتاً واحِدةً تموتُ وتُدفنُ ولم تحضُرُوا وفاتها والصّلاة عليها ولا تعرِفُوا قبرها ثمّ قال ولاة الأمرِ مِنهُم هاتُم مِن نِساءِ المسلِمِين من ينبُشُ هَذِهِ القُبُورِ حتّى نجدها فنُصلّي عليها و نزُور قبرها فبلغ ذلك أمير المؤمنين صلوات اللّه عليه فخرج مُغضباً قدِ احمرت عيناه و درّت أوداجه وعليه قباه الأصفر الّذي كان يلبسُهُ فِي كلّ كَرِيةٍ وهُو مُتوكِّيُّ على سيفه ذي الفقار حتّى ورد البقيع فسار إلى النّاسِ النَّذِيرُ و قالُوا هذا عليّ بن أبِي طالِب قد أقبل كما ترونهُ يُقسِمُ بِاللّه لَئِن حُوّل مِن هذِهِ القُبُورِ حجرٌ ليضعن السيف على غابر الآخر فتلقاه عُمرُو من معهُ مِن أَصحابِهِ وقال له ما لك يا أبا الحسن واللّه لننبشن قبرها و لنُصلّين عليها فضرب عليّ (عَلَيهِ السَّلَامُ) بيدِهِ إِلى جوامع ثوبِهِ فهزّهُ ثمّ ضرب بِهِ الأرض وقال له يا ابن السوداء أمّا حتي فقد تركته مخافة أن يرتدّ النَّاسُ عن دِينِهِم و أما قبر فاطِمة فوالّذي نفسُ عليَّ بِيدِهِ لَئِن رُمت و أصحابك شيئاً من ذلِك لأسقِينَ الأرض مِن دِمائِكُم فإن شئت فاعرض يا عُمرُ فتلقاه أبوبكر فقال يا أبا الحسنِ بِحقِّ رسُول اللّه وبِحَقِّ من فوق العرشِ إِلَّا خليت عنهُ فَإِنَّا غيرُ فاعِلِين شيئاً تكرهُهُ قال فخلّى عنه وتفرّق النّاسُ ولم يعُودُوا إلى ذلك. (1)
ص: 308
1- عن أبي الحسن (عَلَيهِ السَّلَامُ) فِي حديث طويل عن آبائه عن النّبيّ (صَلَّى اللّه عَلَيْهِ وَآلِهِ) : إنَّ اللّه أَوحى إليه يا محمّد...وحولي وقوتي وسلطاني، لَأَفتَحَنَّ عَلى مَن يَعْصِبُ بعدَك عليَّاً وَصيَّك حقه ألفَ بابٍ مِن العذاب الأليم. (1)
1 عن أبي. أبي عبد اللّه (عَلَيهِ السَّلَامُ) فِي قوله : (وَإِنْ تُبْدُوا مَا فِي أَنْفُسِكُمْ أَوْ تُخْفُوهُ يُحَاسِبْكُمْ بِهِ اللَّهُ فَيَغْفِرُ لِمَنْ يَشَاءُ وَيُعَذِّبُ مَنْ يَشَاءُ) (2) قال: حقيق على اللّه أن لا يُدخِل الجنَّة من كان فِي قلبه مثقال حبّةٍ مِن خردلٍ مِن حُبّهما. (3)
2 - عن سماعة قال سمِعتُ أبا عبدِ اللّه (عَلَيهِ السَّلَامُ) يقُولُ إذا كان يومُ القِيامَةِ مررسُولُ اللّه بِشفِيرِ النّار وأمير المؤمِنِين والحسن والحُسين فيصِيحُ صائِحٌ مِن النّار يا رسُول اللّه أَغِثني يا رسُول اللّه ثلاثاً قال فلا يُجِيبُه قال فيُنادِي يا أمير المؤمِنِين يا أمير المؤمِنِين ثلاثاً أغثني فلا يُجِيبُهُ قال فيُنادِي يا حُسينُ يا حُسينُ يا حُسينُ أغِثني أنا قاتِلُ أعدائِكِ قال فيقُولُ لَهُ رسُول اللّه قد احتج عليك قال فينقضُّ عليهِ كأَنّهُ عُقاب كاسر قال فيُخرِجُهُ مِن النّار قال فقُلتُ لأبي عبدِ اللّه (عَلَيهِ السَّلَامُ) و من هذا جُعِلتُ فِداك قال المختارُ قُلتُ لهُ ولِم عُذِّب بِالنَّارِ وقد فعل ما فعل قال إنّه قال كان فِي قلبِهِ مِنهُما شيء والّذي بعث محمّداً بالحقِّ لو أن جبرئيل وميكائيل كان فِي قلبيهما شيءٌ لأكبّهما اللّه فِي النّار على وُجُوهِهِما. (4)
ص: 309
3 - عن أبي عبد اللّه (عَلَيهِ السَّلَامُ) قال: قال لي يجُوزُ النّبيّ الصِّراط يتلوه علي ويتلو عليّاً الحسنُ ويتلو الحسن الحُسين فإذا توسطوه نادى المختار الحُسين يا أبا عبدِ اللّه إِنِّي طلبتُ بِشَارِك فيقُولُ النّبيّ لِلحُسين (عَلَيهِ السَّلَامُ) أجبه فينقضُ الحُسين فِي النّار كأَنهُ عُقاب كاسِرٌ فيُخرجُ المختارَحُمةً ولوشق عن قلبِهِ لوُجِد حُبُّهُما فِي قلبِهِ. (1)
أقول : يقول العلامة المجلسي (رحمة اللّه عليه) فِي بيان هذا الخبر: كأن هذا الخبر وجه جمع بين الأخبار المختلفة الواردة فِي هذا الباب بأنه وإن لم يكن كاملا فِي الإيمان واليقين و لا مأذونا فيما فعله صريحا من أئمة الدين لكن لما جرى على يديه الخيرات الكثيرة و شفي بها صُدُور قومِ مُؤمِنين كانت عاقبة أمره آئلة إلى النجاة فدخل بذلك تحت قوله سبحانه (وَآخَرُونَ اعْتَرَفُوا بِذُنُوبِهِمْ خَلَطُوا عَمَلًا صَالِحًا وَآخَرَ سَيِّئًا عَسَى اللَّهُ أَنْ يَتُوبَ عَلَيْهِمْ) (2) و أنا فِي شأنه من المتوقفين و إن كان الأشهر بين أصحابنا أنَّه من المشكورين. (3) إنتهى كلامه
أقول: إن الأخبار فِي شأنه على قسمين مادحة و ذامة. أما الذامة فقد رأيت جزءا منها و أما المادحة فالأغلب فيها مدح فعله لا مدح مذهبه وعقيدته يعني أن اللّه تعالى و حججه (عَلَيهِم السَّلَامُ) قد فرحوا بقتل قتلة الحُسين (عَلَيهِ السَّلَامُ) و لو أن القاتل غير محمود فِي العقيدة ويؤيده ما رواه ابن نما الحلي رحمه اللّه عن إمامنا زين العابدين (عَلَيهِ السَّلَامُ) حين سأله الكوفييون عن المختار فهُو أجابهم : لو أنَّ عبداً زَنجيّاً تعصَّبَ لَنا أهل البيتِ لَوَجبَ عَلى النَّاسِ مُؤازَرَته (4) وقد يشم منها تأييد فعله لا شخصه و هذا حال أكثر الأخبار المدحية فِي حقه. و أما إذا أنت تنظر إلى سياسته و سيرته فِي الحكومة فتجده فِي كثير من الأمور غير موافقة لسيرة أمير المؤمنين (عَلَيهِ السَّلَامُ) بل سياسته كأكثر الأمراء والسلاطين
ص: 310
فِي إعطاء الأمان للمخالفين و نقضه بعد إبرام أمره وكذلك بيعته ونصرته لأعداء الشّيعة كآل زبير و لجوءه إلى المخالفين كآل عمر على أي حال هُو أدخل السرور فِي قلوب أهل البيت (عَلَيهِم السَّلَامُ) بقتل قتلة الحُسين (عَلَيهِ السَّلَامُ) وهذه خدمة عظيمة لأهل البيت (عَلَيهِم السَّلَامُ) يستحق بها الجزاء من قبلهم فلذا نتوقف فِي أمره ونعتبر عن حياته ومن اللّه التوفيق.
1- عن الأعمش أنّ المنصور حيثُ طلبه فتطهر و تكفّن وتحنط قال له حدّثني بِحَدِيثٍ سمِعتُهُ أنا وأنت من جعفرِ بنِ محمّد فِي بَنِي حِمان قال قُلتُ لهُ أي الأحادِيثِ قال حديث أركان جهنَّم قال قُلتُ أو تُعفِينِي قال ليس إلى ذلِك سبيل قال قُلتُ حدّثنا جعفر بن محمّد عن آبائِهِ (عَلَيهِم السَّلَامُ) أنّ رسُول اللّه (صَلَّى اللّه عَلَيْهِ وَآلِهِ) قال لجهنَّم سبعة أبواب وهي الأركانُ لِسبعة فراعِنةٍ ثمّ ذكر الأعمش نُمرُود بن كنعان فرعون الخليل و مُصعب بن الوليد فرعون موسى و أبا جهل بن هشام والأوّل والثّاني و السَّادس يزيد قاتِل ولدِي ثمّ سكتُ فقال لي الفرعونُ السّابِعُ قُلتُ رجُلٌ مِن وُلدِ العبّاسِ يلي الخلافة يُلقَبُ بِالدّوانيق اسمه المنصور قال فقال لي صدقت هكذا حدّثنا جعفر بن محمّد (عَلَيهِمَا السَّلَامُ) قال فرفع رأسه وإذا على رأسِهِ غُلامٌ أمردُ ما رأيتُ أحسن وجهاً مِنه فقال إن كُنتُ أحد أبواب جهنَّم فلم أستبق هذا وكان الغلام علوِيّاً حُسينياً فقال له الغلامُ سألتك يا أمير المؤمنين يحيّ آبائي إلّا عفوت عنّي فأبى ذلك وأمر المرزبان بِهِ فلما مدّ يده حرك شفتيه بكلام لم أعلمه فإذا هُو كأنه طير قد طار مِنهُ قال الأعمش فرّ عليّ بعد أيامٍ فقُلتُ أقسمت عليك بحقِّ أمِيرِ المؤمنين لما علمتني الكلام فقال ذاك دعاء المحنة لنا أهل البيت وهُو الّذي دعا بِهِ أَمِيرُ المؤمنين (عَلَيهِ السَّلَامُ) لما نام على فراش رسُول اللّه (صَلَّى اللّه عَلَيْهِ وَآلِهِ) ثمّ ذكر الدُّعاء قال الأعمش وأمر المنصُورُ فِي رجُلٍ بِأمرٍ غليظ فجلس فِي بيتٍ لِيُنفّذ فِيهِ أمرُهُ ثمّ فتح عنه فلم يُوجد فقال المنصُوراً سمِعتُمُوهُ يقُولُ شيئاً فقال الموكّل سمِعتُهُ يَقُولُ يا من لا إله غيرُه فأدعُوهُ ولا ربّ سواه فأرجُوهُ نجني الساعة فقال واللّه لقد استغاث بكريم فنجّاه. (1)
ص: 311
1- عن فضيل الرّسانُ، قال: دخلتُ على أبي عبد اللّه (عَلَيهِ السَّلَامُ) بعد ما قُتِل زيدُ بنُ علي رحمةُ اللّه عليه، فأُدخِلتُ بيتاً جوف بيتٍ فقال لي يا فضيل قُتِل عمّي زيدٌ قُلتُ نعم جُعِلتُ فداك، قال رحمهُ اللّه أَما إِنَّهُ كان مُؤمِناً و كان عارِفاً و كان عالماً و كان صدوقاً، أما إِنَّهُ لو ظفر لوفي، أما إِنَّهُ لو ملك لعرف كيف يضعُها، قُلتُ يا سيّدي ألا أُنشِدُك شعراً! قال أمهل، ثمّ أمر بشتُورٍ فسُدِلت و بِأبواب ففتحت، ثمّ قال أنشد! فأنشدته:
لِأُم عمالوى مربع *** طامسة أعلامُه بلقع
لما وقفت العيس فِي رسمه *** والعينُ مِن عِرفانِه تدمعُ
ذكرت من قد كُنتُ أهوى بِه *** فبتُّ والقلب شجّ مُوجع
عجبت من قوم أتوا أحمدا *** بِخطِه ليس لامدفع
قالُواله لوشِئت أخبرتنا *** إلى من الغاية والمفزع
إذا تولّيت و فارقتنا *** ومنهم فِي الملكِ من يطمعُ
فقال لو أخبرتكم مفزعاً *** ما ذا عسيتم فِيهِ أن تصنعوا
صنيع أهل العجل إذ فارقُوا *** هارون فالترك له أودعُ
فالنّاسُ يوم البعث راياتهم *** *خمس فمنها هالك أربع
قائدها العجل و فرعونها *** وسامِرِيُّ الأُمّة المفظعُ
و يخدع من دينه مارق *** أخدع عبد لكع أوكعُ
و راية قائدها وجهه *** كأنه الشّمس إذا تطلُعُ
قال فسمِعتُ نجيباً مِن وراء الستر، فقال من قال هذا الشّعر قُلتُ السّيّدُ بنُ محمّد الحِميرِيُّ، فقال رحمهُ اللّه، قُلتُ إِنِّي رأيتُهُ يشربُ النّبيذ ! فقال رحمه اللّه، قُلتُ إِنِّي رأيتُهُ يشربُ نبيذ الرُّستاقِ، قال تعني الخمر قُلتُ نعم، قال رحمه اللّه وما ذلك [عزِيز] على اللّه أن يغفِر لِحِبّ علي. (1)
ص: 312
2 - عن سهل بن ذُبيان قال: دخلتُ على الإمام عليّ بن موسى الرضا (عَلَيهِمَا السَّلَامُ) فِي بعض الأيّام قبل أن يدخُل عليهِ أحدٌ مِن النّاسِ فقال لي مرحباً بك يا ابن ذُبيان الساعة أراد رسولنا أن يأتيك لتحضر عندنا فقُلتُ لِما ذا يا ابن رسُول اللّه فقال لِمنام رأيتُهُ البارحة وقد أزعجني وأرقني فقُلتُ خيراً يكُونُ إن شاء اللّه تعالى فقال يا ابن ذُبيان رأيتُ كأنّي قد نُصِب لِي سُلَّمٌ فِيهِ مِائَةُ مِرقاةٍ فصعِدتُ إلى أعلاه فقُلتُ يا مولاي أُهنِّيكَ بِطُولِ العُمُرِو رُبّما تَعِيشُ مِائَة سنةٍ لِكُلِّ مِرقاةٍ سنةٌ فقال لي (عَلَيهِ السَّلَامُ) ما شاء اللّه كان ثمّ قال يا ابن ذُبيان فلَمّا صعدتُ إلى أعلى السُّلّم رأيتُ كأنّي دخلتُ فِي قُبّةٍ خضراء يُرى ظاهِرُها مِن باطِنِها ورأيتُ جدّي رسُول اللّه (صَلَّى اللّه عَلَيْهِ وَآلِهِ) جالساً فيها و إِلى يَمِينِهِ وشِمالِهِ غُلامانِ حسنانِ يُشرِقُ النُّورُ مِن وُجُوهِهِما و رأيت امرأة بهيّة الخلقة ورأيتُ بين يديه شخصاً بهي الخلقةِ جالساً عِنده و رأيتُ رَجُلًا واقفاً بين يديهِ وهُو يقرأُ هَذِهِ القصيدة
لأُمّ عمرو باللوى مربع
فلما رآني النّبيّ (صَلَّى اللّه عَلَيْهِ وَآلِهِ) قال لي مرحباً بك يا ولدي يا عليّ بن موسى الرضا سلم على أبيك علي فسلمتُ عليهِ ثمّ قال لي سلّم على أمّك فاطمة الزهراء فسلمتُ عليها فقال لي وسلّم على أبويك الحسن والحُسين فسلمتُ عليهما ثمّ قال لي وسلّم على شاعرنا و مادِحِنا فِي دارِ الدُّنيا السّيّدِ إسماعيل الحِميرِيّ فسلمتُ عليهِ و جلستُ فالتفت النّبيّ إلى السيد إسماعيل فقال لهُ عُد إلى ما كُنَّا فِيهِ مِن إنشادِ القصيدة فأنشد يَقُولُ
لأم عمرو باللّوى مربع *** طامِسةٌ أعلامُه بلقع
فبكى النّبيّ (صَلَّى اللّه عَلَيْهِ وَآلِهِ) فلما بلغ إلى قولِهِ
و وجهه كالشمس إذ تطلُعُ
بكى النّبيّ (صَلَّى اللّه عَلَيْهِ وَآلِهِ) و فاطمه (عَلَيهَا السَّلَامُ) معه ومن معه ولما بلغ إلى قولِهِ
قالوا له لوشِئت أعلمتنا *** إلى من الغاية والمفزع
رفع النّبيّ (صَلَّى اللّه عَلَيْهِ وَآلِهِ) يديه وقال إلهي أنت الشَّاهِدُ عليّ وعليهم أني أعلمتهم أنّ الغاية والمفزع عليّ بن أبِي طالِب وأشار بيدِهِ إِليهِ وهُو جالس بين يديهِ صلواتُ اللّه عليهِ قال عليّ بن موسى الرضا (عَلَيهِمَا السَّلَامُ) فلما فرغ السّيّدُ إِسماعِيلُ الحِميرِيُّ مِن إنشاء القصيدة التفت النّبيّ (صَلَّى اللّه عَلَيْهِ وَآلِهِ)
ص: 313
إلي و قال لي يا عليّ بن موسى احفظ هذه القصيدة و مُرشِيعتنا بحفظها وأعلمهم أن من حفظها و أدمن قراءتها ضمِنتُ له الجنَّة على اللّه تعالى قال الرّضا (عَلَيهِ السَّلَامُ) ولم يزل يُكررها علي حتّى حفظتُها مِنهُ والقصيدة هذِهِ
لِأُمّ عمرو اللوى مربع *** طامسة أعلامُه بلقع
ترُوحُ عنه الطير وحشِيّةً *** والأُسدُ مِن خِيفَتِهِ تفزع
برسم دار ما بها مونسٌ *** إلّا صلال فِي القرى وقع
رقش يخاف الموتُ نفثاتها *** والسم فِي أنيابها مُنقع
لما وقفن العِيسُ فِي رسمها *** والعينُ مِن عِرفانه تدمعُ
ذكرتُ من قد كُنتُ ألهوبِهِ *** فبتُّ والقلب شجا مُوجع
كأن بِالنّارِ لِما شفّني *** من حبٍّ أروى كيدي تلذعُ
عجبت من قوم أنوا أحمداً *** بخطة ليس لها موضع
قالُواله لوشِئت أعلمتنا *** إلى من الغاية والمفزع
إذا تُوفِّيت و فارقتنا *** وفيهم فِي الملكِ من يطمع
فقال لوأعلمتكم مفزعاً *** كُنتُم عيتم فِيهِ أن تصنعُوا
صنيع أهل العجل إذ فارقُوا *** هارون فالترك له أودعُ
وفي الّذي قال بيان لمن *** کان إذا يعقل أو يسمعُ
ثمّ أتته و إلّآ لم تکن مُبلغاً *** من ربّه ليس لها مدفع
أبلغ وإلا لم تكن مبلغاً *** واللّه منهم عاصم يمنعُ
فعِندها قام الني الّذي *** كان با يامه يصدعُ
يخطب مأموراً وفي كفه *** كف علي ظاهراً تلمع
رافِعُها أكرم بكف الّذي *** يرفعُ والكفّ الّذي يُرفعُ
يقُولُ والأملاك من حوله *** واللّه فيهم شاهد يسمعُ
من كُنت مولاه فهذا له *** مولّى فلم يرضوا و لم يقنعوا
ص: 314
فاتهموه و حنّت منهم *** على خلافِ الصّادِقِ الأضلعُ
وضل قوم غاظهم فعله *** كأنّما آنافُهُم تُجدعُ
تى إذا واروه فِي قبره *** و انصرفوا عن دفنه ضيعُوا
ما قال بالأمس وأوصى به *** واشتروا الضُّر بما ينفعُ
و قطعُوا أرحامه بعده *** فسوف يُجزون بما قطعُوا
وأزمعُوا غدراً بمولاهم *** تباً لما كان به أزمعُوا
لا هُم عليه يردوا حوضه *** غداً ولا هُو فيهم يشفع
حوض له ما بين صنعا إلى *** أيلة والعرض به أوسعُ
يُنصب فِيهِ علم للهدى *** والحوضُ من ماء لهُ مُترع
يفيضُ من رحمته كوثر *** أبيضُ كالفضّة أو أنصعُ
حصاه ياقوت و مرجانة *** ولُؤلُولم تجنه إصبع
بطحاؤُهُ مِسك وحافاته *** يهتزّ مِنها مُونق مربع
أخضر ما دون الورى ناضر *** وفاقع أصفر أو أنصعُ
فِيهِ أباريق وقدحانُهُ *** يذُبُ عنها الرجُلُ الأصلعُ
يُذب عنها ابن أبِي طالِب *** ذبّاً كجربا إيل شرع
والعطر و الريحان أنواعه *** زاك و قد هبت به زعزعُ
ريح من الجنَّة مأمورةٌ *** ذاهِبةٌ ليس لها مرجع
إذا دنوا منه لكي يشربوا *** قيل لهم تباً لكُم فارجعوا
دُونِكُم فالتمسوا منهلًا *** يُرويكُم أو مطعماً يشبعُ
هذا المن والى بَنِي أحمد *** ولم يكن غيرهم يتبعُ
فالفوز للشّارِبِ مِن حوضه *** والويل والل لمن يمنعُ
والنّاسُ يوم الحشر راياتهم *** خمسٌ فمنها هالك أربع
فراية العجل و فرعونها *** و سامِرِيُّ الأُمّة المشنعُ
ص: 315
و راية يقدمها أدلم *** عبد لئيم لكع أكوعُ
و راية يقدمها حبترٌ *** لِلزُّورِ والبُهتان قد أبدعُوا
و راية يقدمها نعثل *** لا يردّ اللّه له مضجع
أربعة فِي سقر أَودِعُوا *** ليس لها من قعرها مطلع
و راية يقدمها حيدر *** و وجهه كالشّمس إذ تطلُعُ
غداً يلاقي المصطفى حيدر *** و رايةُ الحمد له تفع
مولى له الجنَّة مأمورةٌ *** والنّارُ مِن إجلاله تفزع
إمامُ صِدق وله شيعة *** يرووا من الحوض ولم يُمنعوا
بذاك جاء الوحي من ربنا *** يا شيعة الحقّ فلا تجزعُوا
الحميري مادِحُكُم لم يزل *** ولو يقطع إصبع إصبع
وبعدها صلوا على المصطفى *** وصنوه حيدرة الأصلع (1)
ص: 316
1- عن عُمر بن سفيان رفع الحديث إلى أبي عبدِ اللّه (عَلَيهِ السَّلَامُ) أنَّه قال لِرَجُلٍ مِن مواليهِ يا فلانُ ما لك لم تخرج قال جُعِلتُ فِداك اليوم الأحد قال وما للأحدِ قال الرّجُلُ لِلحدِيثِ الّذي جاء عن النّبيّ (صَلَّى اللّه عَلَيْهِ وَآلِهِ) أنَّه قال احذروا حدّ الأحدِ فإنّ لهُ حدّاً مثل حد السيف قال كذبُوا كذبُوا ما قال ذاك رسُول اللّه (صَلَّى اللّه عَلَيْهِ وَآلِهِ) فإنّ الأحد اسم من أسماء اللّه عزّ و جلّ قال قُلتُ جُعِلتُ فِداك فالإثنين قال سُمِّي بِاسمِهما قال الرّجُلُ سُمِّي بِاسمِهِما ولم يكونا فقال له أبو عبدِ اللّه (عَلَيهِ السَّلَامُ) إذا حُدِّثت فافهم إنّ اللّه تبارك وتعالى قد علم اليوم الّذي يُقبضُ فِيهِ نبيّه (صَلَّى اللّه عَلَيْهِ وَآلِهِ) واليوم الّذي يُظْلَمُ فِيهِ وصِيُّهُ فسمّاهُ بِاسمِهِما قال قُلتُ فالثلاثاء قال خُلِقت يوم الثلاثاء النَّارُو ذلِك قوله عزّوجلّ (انطلِقُوا إلى ما كُنتُم بِهِ تُكَذِّبُون انطلِقُوا إِلى ظِلَّ ذِي ثلاثِ شُعبٍ لا ظليل ولا يُعْنِي مِن اللّهبِ) (1) قال قُلتُ فالأربعاء قال بُنيت أربعة أركان لِلنّارِ قال قُلتُ فالخميس قال خلق اللّه الخمسة يوم الخميس قال قُلتُ فالجُمُعةُ قال جمع اللّه عزّ و جلّ الخلق لولايتنا يوم الجمعة قال قُلتُ فالسبتُ قال سبت الملائكةُ لِربّها يوم السبت فوجدته لم يزل واحِداً. (2)
2 - عن عليّ بن جعفر قال: جاء رجُلٌ إلى أخِي مُوسى بن جعفر (عَلَيهَا السَّلَامُ) فقال له جُعِلتُ فِداك إِنِّي أُرِيدُ الخروج فادعُ لِي فقال و متى تخرُجُ قال يوم الإثنين فقال له ولم تخرُجُ يوم الإثنين قال أطلُبُ فِيهِ البركة لأنّ رسُول اللّه (صَلَّى اللّه عَلَيْهِ وَآلِهِ) ولد يوم الإثنين فقال كذبُوا وُلِد رسُول اللّه (صَلَّى اللّه عَلَيْهِ وَآلِهِ) يوم الجمعة و ما من يوم أعظم شُوْماً مِن يوم مات فِيهِ رسُول اللّه (صَلَّى اللّه عَلَيْهِ وَآلِهِ) و انقطع فِيهِ وحي السّماء وظلمنا فِيهِ حقّنا ألا أدلك على يوم سهل ألان اللّه لِداوُد فِيهِ الحديد فقال الرّجُلُ بلى جُعِلتُ فِداك فقال أخرج يوم الثلاثاء. (3)
3- عن أبي أيّوب الخزّاز قال: أردنا أن نخرج فجئنا نُسلّم على أبي عبدِ اللّه (عَلَيهِ السَّلَامُ) فقال كأَنكُم طلبتُم بركة الإثنين فقُلنا نعم قال وأيُّ يوم أعظمُ شُوْماً مِن يوم الإثنين يوم فقدنا فِيهِ نبينا و ارتفع فِيهِ الوحي لا تخرُجُوا يوم الإثنين و اخرُجُوا يوم الثلاثاء. (4)
ص: 317
1- عن أبي الحسنِ الرّضا (عَلَيهِ السَّلَامُ) قال سمعتُهُ يَقُولُ إِنّ اللّه خلف هذِهِ النّطاق زبرجدة خضراء منها اخضرتِ السّماء قُلتُ وما النطاق قال الحِجابُ واللّه عزّ و جلّ وراء ذلك سبعون ألف عالم أكثر من عددِ الجن والإنس وكُلُّهُم يلعنُ فُلاناً و فُلاناً. (1)
1- عنِ الصّادِقِ (عَلَيهِ السَّلَامُ) خُطُواتُ الشّيطانِ ولاية الأوّلِ والثَّانِي. (2)
1- عن سُليم بن قيس قال سمِعتُ أمير المؤمنين (عَلَيهِ السَّلَامُ) يقُولُ احذروا على دِينِكُم ثلاثةً رَجُلًا قرأ القُرآن حتّى إذا رأيت عليه بهجته اخترط سیفه على جاره و رماهُ بِالشِّرْكِ قُلتُ يا أمير المؤمِنِين أيهما أولى بالشرك قال الرامي ورجُلًا استخفته الأحاديثُ كُلّما حدثت أُحدُوثَةُ كذِب مدها بأطول مِنها ورجُلًا آتاه اللّه عزّ و جلّ سُلطاناً فزعم أن طاعته طاعةُ اللّه و معصيته معصِيةُ اللّه و كذب لأنَّه لا طاعة لمخلوق فِي معصية الخالقِ لا ينبغي للمخلُوقِ أَن يَكُون حُبُّهُ لِمعصِيَةِ اللّه فلاطاعة فِي معصيته ولا طاعة لمن عصى اللّه إنّما الطاعةُ للّه ولِرَسُولِهِ وَلِوُلاةِ الأَمرِو إِنّما أمر اللّه عزّ و جلّ بطاعة الرَّسُولِ لِأَنَّهُ معصُومٌ مُطَهَرُ لا يأمُرُ بِمعصية اللّه وإنّما أمر بطاعةِ أُولِي الأُمرِ لأَنهم معصُومُون مُطهَّرُون لا يَأْمُرُونَ بِمعصِيتِهِ. (3)
ص: 318
1- قال الإمام العسكري (عَلَيهِ السَّلَامُ) قال النّبيّ (صَلَّى اللّه عَلَيْهِ وَآلِهِ) عن جبرئيل عن اللّه تعالى....واعلموا أن أبغض الخلق إليّ من تمثل بي وادّعى رُبُوبِيّتي وأبغضهُم إِليّ بعده من تمثل بِمحمّد و نازعهُ نُبُوتَهُ وادّعاها وأبغضهم إلي بعده من تمثل بوصي محمّد و نازعه محله وشرفه وادّعاهُما وأبغضهم إِليّ بعد هؤلاء المدّعِين لِما هُم بِهِ لِسخطِي مُتعرِضُون من كان لهم على ذلك من المعاونين و أبغض الخلقِ إلي بعد هؤلاء من كان مِن الرّاضِين بِفِعْلِهِم و إن لم يكن لهم من المعاونين كذلك أحبُّ الخلق إلى القوامون بحقِّي وأفضلُهُم لدي وأكرمُهُم عليّ محمّد سيّد الورى وأكرمهم و أفضلُهُم بعده على أخُو المصطفى المرتضى ثمّ من بعده من القوّامِين بِالقِسطِ مِن أمة الحقّ و أفضلُ النّاسِ بعدهم من أعانهم على حقّهم وأحبُّ الخلقِ إلي بعدهم من أحبّهم وأبغض أعداءهُم و إن لم يُمكنه معونتهم قوله عزّو جلّ اهدنا الصراط المستقيم قال الإمام (عَلَيهِ السَّلَامُ) اهدنا الصّراط المستقيم نقُولُ أدم لنا توفيقك الّذي أطعناك فِي ماضي أيامنا حتّى نطيعك كذلك فِي مُستقبل أعمارنا و الصراط المستقيم هُو صراطانِ صِراط فِي الدُّنيا وصراط فِي الآخرة فأما الطَّرِيقُ المستقيمُ فِي الدُّنيا فهُو ما قصر عنِ الغُلُو وارتفع عن التقصير و استقام فلم يعدل إلى شيءٍ مِن الباطِلِ والطَّرِيقُ الآخرُ طَرِيقُ المؤمِنِين إِلى الجنَّة الّذي هُو مُستقِيمٌ لا يعدِلُون عنِ الجنَّة إلى النّار ولا إلى غيرِ النّار سِوى الجنَّة وقال جعفرُ بنُ محمّد الصّادِقُ (عَلَيهِ السَّلَامُ) قوله عزّوجلّ اهدنا الصراط المستقيم نقُولُ أرشدنا لِلصّراط المستقيم أي لِلُزُومِ الطَّرِيقِ المؤدّي إلى محبّتِك و المبلغ إلى جنتك والمانع أن نتبع أهواءنا فنعطب ونأخُذ بِآرائنا فنهلك ثمّ قال الصّادِقُ (عَلَيهِ السَّلَامُ) طوبى لِلَّذِين هم كما قال رسُول اللّه (صَلَّى اللّه عَلَيْهِ وَآلِهِ) يحمِلُ هذا العِلم مِن كلّ خلفٍ عُدُولٌ ينفُون عنه تحريف الغالين وانتحال المبطلين وتأويل الجاهلين فقال رجُلٌ يا ابن رسُول اللّه إِنِّي عَاجِز يبدنِي عن نُصرتِكُم و لستُ أملِكُ إِلَّا البراءة من أعدائِكُم واللعن لهُم فكيف حالي فقال له الصّادِقُ (عَلَيهِ السَّلَامُ) حدّثني أبي عن أبيه عن جدّه (عَلَيهِ السَّلَامُ) عن رسُول اللّه (صَلَّى اللّه عَلَيْهِ وَآلِهِ) أنَّه قال ضعُف عن نُصرتنا أهل البيت فلعن فِي خلواتِهِ أعداء نا بلّغ اللّه صوته جميع الأملاكِ مِن القرى إلى العرش فكُلّما لعن هذا الرّجُلُ أعداء نا لعناً ساعدُوهُ ولعنوا من يلعنُهُ ثمّ ثنوا فقالُوا اللّهمّ صلّ على عبدِك هذا الّذي قد بذل ما فِي وُسعهِ
ص: 319
ولو قدر على أكثر مِنهُ لفعل فإذا النِّداءُ مِن قِبل اللّه عزّو جلّ قد أجبتُ دُعاءكُم و سمِعتُ نِداءكُم وصلّيتُ على رُوحِهِ فِي الأرواح و جعلتُهُ عِندِي مِن المصطفين الأخيار قوله عزّ و جلّ (صِرَاطَ الَّذِينَ أَنْعَمْتَ عَلَيْهِمْ) (1) قال الإمام (عَلَيهِ السَّلَامُ) صراط الّذين أنعمت عليهم أي قُولُوا اهدنا الصراط الّذين أنعمت عليهم بالتوفيق لِدِينك وطاعتك وهُمُ الّذين قال اللّه تعالى (وَمَنْ يُطِعِ اللَّهَ وَالرَّسُولَ فَأُولَئِكَ مَعَ الَّذِينَ أَنْعَمَ اللَّهُ عَلَيْهِمْ مِنَ النَّبِيِّينَ وَالصِّدِّيقِينَ وَالشُّهَدَاءِ وَالصَّالِحِينَ وَحَسُنَ أُولَئِكَ رَفِيقًا) (2) ثمّ قال ليس هؤلاء المنعم عليهم بالمالِ وصِحَةِ البدنِ وإِن كان كلّ هذا نِعمةً مِن اللّه ظاهِرةً ألا ترون أن هؤلاء قد يكُونُونَ كُفَّاراً أو فُسّاقاً فا نُدِيتُم بِأن تدعُوا بِأَن تُرشدُوا إِلى صِراطِهِم وإِنَّما أُمِرْتُم بِالدُّعاءِ لأن تُرشدُوا إِلى صِراطِ الّذين أُنعِم عليهِم بِالإِيمان باللّه وتصديق رسُول اللّه (صَلَّى اللّه عَلَيْهِ وَآلِهِ) و بالولاية لمحمّد وآلِهِ الطَّيِّبين و بِالتَّقِيَّةِ الحسنةِ الّتي بِها يُسلّمُ مِن شَرِعِبادِ اللّه و مِن الزِيادَةِ فِي آنام أعداء اللّه وكُفرهم بأن تداريهم ولا تغريهم بأذاك وأذى المؤمنين وبالمعرفةِ بِحُقُوقِ الإخوانِ مِن المؤمِنِين فإِنَّهُ ما مِن عبد ولا أمةٍ والى محمّداً و آل محمّد و عادى من عاداهُم إِلّا كان قد اتخذ من عذابِ اللّه حِصناً منيعاً و جنّةً حصينةً وما من عبد ولا أمةٍ دارى عباد اللّه بأحسنِ المداراة ولم يدخُل بِها فِي باطِلٍ ولم يخرُج بِها مِن حقّ إِلّا جعل اللّه نفسه تسبيحاً و زَكّى عمله و أعطاه لصبره على كتمان سرنا و إحتِمالِ الغيظ لِما يسمعُهُ مِن أعدائنا ثواب المتشحِطِ بِدمِهِ فِي سبِيلِ اللّه و ما من عبدٍ أخذ نفسهُ بِحُقُوقِ إِخوانِهِ فوفّاهُم حُقُوقهم جهده وأعطاهُم مُمكِنه و رضي منهم بعفوهم وترك الإستقصاء عليهم فما يكُونُ مِن زللِهِم غفرها لهُم إِلّا قال اللّه عزّ و جلّ له يوم القيامة يا عبدي قضيت حُقُوق إِخوانك و لم تستقص عليهم فيما لك عليهم فأنا أجودُ وأكرمُ وأولى بِمثل ما فعلته من المسامحة والتكرُّمِ فأنا أقضيك اليوم على حقّ وعدتك به و أزيدك من فضلي الواسع و لا أستقصي عليك فِي تقصيرك فِي بعض حقوقي قال فيُلحِقُهُ محمّداً و آله وأصحابه ويجعلُهُ مِن خِيارِ شِيعَتِهِم ثمّ قال قال رسُول اللّه (صَلَّى اللّه عَلَيْهِ وَآلِهِ) البعض
ص: 320
أصحابه ذات یوم يا عبد اللّه أحِبّ فِي اللّه وأبغض فِي اللّه وعادِ فِي اللّه فَإِنَّهُ لا تُنالُ ولايَةُ اللّه إِلَّا بِذلِكَ ولا يجِدُ أحدٌ طعم الإيمان وإن كثرت صلاته وصِيامُهُ حتّى يكون كذلك وقد صارت مواخاةُ النَّاسِ يومكم هذا أكثرها فِي الدُّنيا عليها يتوادُّون وعليها يتباغضُون وذلك لا يُغني عنهُم مِن اللّه شيئاً فقال الرّجُلُ يا رسُول اللّه وكيف لي أعلمُ أنّي قد واليتُ و عاديتُ فِي اللّه و من ولِيُّ اللّه حتّى أُواليه ومن عدو اللّه حتّى أُعادِيه فأشار لهُ رسُول اللّه (صَلَّى اللّه عَلَيْهِ وَآلِهِ) إلى عليّ بن أبِي طالِب (عَلَيهِ السَّلَامُ) فقال أترى هذا قال بلى قال وليُّ هذا وليُّ اللّه فواله وعدو هذا عدو اللّه فعادِهِ و والِ ولي هذا و لو أنّهُ قاتِلُ أبيك ووُلدِك وعادِ عدو هذا ولو أنَّه أبوك وولدك قوله عزّوجلّ (غَيْرِ الْمَغْضُوبِ عَلَيْهِمْ وَلَا الضَّالِّينَ) (1) قال أمير المؤمنين (عَلَيهِ السَّلَامُ) أمر اللّه عباده أن يسألوه طريق المنعم عليهم و هُمُ النَّبِيُّون والصِّدِّيقُون والشُّهداء والصالحون وأن يستعِيذُوا مِن طريق المغضُوبِ عليهم و هُمُ اليهودُ الّذين قال اللّه تعالى فيهم (هَلْ أُنَبِّئُكُمْ بِشَرٍّ مِنْ ذَلِكَ مَثُوبَةً عِنْدَ اللَّهِ مَنْ لَعَنَهُ اللَّهُ وَغَضِبَ عَلَيْهِ) (2) و أن يستعِيذُوا بِهِ عن طرِيقِ الضَّالِّين وهُمُ الّذينَ قالَ اللّه فِيهِم (قُلْ يَا أَهْلَ الْكِتَابِ لَا تَغْلُوا فِي دِينِكُمْ غَيْرَ الْحَقِّ وَلَا تَتَّبِعُوا أَهْوَاءَ قَوْمٍ قَدْ ضَلُّوا مِنْ قَبْلُ وَأَضَلُّوا كَثِيرًا وَضَلُّوا عَنْ سَوَاءِ السَّبِيلِ) (3) وهُمُ النّصارى ثمّ قال أمير المؤمنين عليّ (عَلَيهِ السَّلَامُ) كلّ من كفر باللّه فهُو مغضُوبٌ عليهِ وضالٌ عن سبيل اللّه وقال الرّضا (عَلَيهِ السَّلَامُ) كذلك وزاد فِيهِ و من تجاوز بأمير المؤمنين العُبُودِيّة فهُو مِن المغضُوبِ عليهم و مِن الضَّالِّين. (4)
ص: 321
1- عن أبي عبد اللّه (عَلَيهِ السَّلَامُ) قال: قال رسُول اللّه (صَلَّى اللّه عَلَيْهِ وَآلِهِ) فِي مرضه الّذي تُوُفِّي فِيهِ ادْعُوا لِي خليلي فأرسلتا إلى أبويهما فلما نظر إليهما رسُول اللّه (صَلَّى اللّه عَلَيْهِ وَآلِهِ) أعرض عنهما ثمّ قال ادعُوالي خليلي فأُرسل إلى علي فلما نظر إليه أكبّ عليهِ يُحدِّثُهُ فَلَمَّا خرج لقِياهُ فقالا له ما حدثك خليلك فقال حدّثني ألف باب يفتحُ كلّ بابٍ ألف باب. (1)
1- عن أبي وهب عن محمّد بنِ منصُورٍ :قال: سألته عن قول اللّه عزّوجلّ (وَإِذَا فَعَلُوا فَاحِشَةً قَالُوا وَجَدْنَا عَلَيْهَا آبَاءَنَا وَاللَّهُ أَمَرَنَا بِهَا قُلْ إِنَّ اللَّهَ لَا يَأْمُرُ بِالْفَحْشَاءِ أَتَقُولُونَ عَلَى اللَّهِ مَا لَا تَعْلَمُونَ) (2) قال فقال هل رأيت أحداً زعم أنّ اللّه أمر بالزنا و شرب الخمر أو شيء من هذه المحارم فقُلتُ لا فقال ما هذِهِ الفاحِشةُ الّتي يَدْعُون أنّ اللّه أمرهُم بِها قُلتُ اللّه أعلمُ و وَلِيُّهُ قال فإِنّ هذا فِي أئمة الجورِ ادّعوا أن اللّه أمرهُم بِالإِئتِمامِ بِقومٍ لم يأمُرُهُمُ اللّه بِالإئتمامِ بهم فرد اللّه ذلك عليهم فأخبر أنَّهم قد قالُوا عليه الكذب وسمى ذلِك مِنهُم فَاحِشَةً. (3)
2- عن محمّد بنِ منصُورٍ قال: سألتُ عبداً صالحاً عن قول اللّه عزّ و جلّ ﴿قُلْ إِنَّمَا حَرَّمَ رَبِّيَ الْفَوَاحِشَ مَا ظَهَرَ مِنْهَا وَمَا بَطَنَ) (4) قال فقال إنّ القُرآن لهُ ظهر و بطن فجمِيعُ ما حرم اللّه فِي القُرآنِ هُو الظَّاهِرُ و الباطِنُ مِن ذلِك أَيَّةُ الجورِ وجميعُ ما أحلّ اللّه تعالى فِي الكِتابِ هُو الظَّاهِرُو الباطِنُ مِن ذلِك أمّةُ الحَقِّ. (5)
ص: 322
1- عن سليم بن قيس الهلالي قال: خطب أمير المؤمنين (عَلَيهِ السَّلَامُ) فحمد اللّه وأثنى عليهِ ثمّ صلّى على النّبيّ (صَلَّى اللّه عَلَيْهِ وَآلِهِ) ثمّ قال ألا إن أخوف ما أخافُ عليكم خلّتانِ اتِّباعُ الهوى وطُولُ الأمل أمّا اتِّباعُ الهوى فيصُدُّ عنِ الحقّ وأمّا طُولُ الأمل فيُنسي الآخِرة ألا إِنَّ الدُّنيا قد ترحلت مُدبرةً وإِنّ الآخِرة قد ترحّلت مُقبِلَةً ولِكُلِّ واحِدَةٍ بنُون فكُونُوا مِن أبناء الآخِرَةِ ولا تكُونُوا مِن أبناء الدُّنيا فإنّ اليوم عمل ولا حِساب و إن غداً حِساب ولا عمل وإنّما بَدءُ وُقُوعِ الفِتَنِ مِن أهواءٍ تُتَّبِعُ و أحكام تُبتدعُ يُخالف فيها حُكمُ اللّه يتولّى فيها رِجالٌ رِجالًا ألا إن الحقّ لو خلص لم يكن اختِلاف ولو أنّ الباطِل خلص لم يخف على ذِي حِجّى لكِنَّهُ يُؤخذُ مِن هذا ضِعْتُ ومِن هذا ضِعْتُ فيُمزجانِ فيُجلّلانِ معاً فهنالك يستولي الشَّيطانُ على أوليائِهِ ونجا الّذين سبقت لهم من اللّه الحسنى إِنِّي سمِعتُ رسُول اللّه (صَلَّى اللّه عَلَيْهِ وَآلِهِ) يقول كيف أنتُم إِذا لبستكُم فِتنةٌ يربُوفِيها الصغير و يهرمُ فيها الكبير يجري النّاسُ عليها ويتَّخِذُونها سُنّةً فَإِذَا غُيّر مِنها شيءٌ قِيل قد غُيّرتِ السُّنّة وقد أتى النّاسُ مُنكراً تم تشتد البليّة وتُسى الذُريّة وتدقُهُمُ الفِتنة كما تدقُ النّار الحطب وكما تدقُّ الرّحى بِثِفالها ويتفقهون لغير اللّه ويتعلمون لغير العمل ويطلبون الدُّنيا بِأعمالِ الآخِرَةِ ثمّ أقبل بوجهِهِ وحوله ناسٌ مِن أهل بيته وخاصته وشيعته فقال قد عمِلتِ الوُلاةُ قبلي أعمالا خالفُوا فيها رسُول اللّه (صَلَّى اللّه عَلَيْهِ وَآلِهِ) مُتعمدين لِخِلافِهِ ناقضين لِعَهْدِهِ مُغيِّرِينِ لِسُنّتِهِ ولو حملتُ النّاس على تركها وحوّلتها إلى مواضعها و إلى ما كانت فِي عهدِ رسُولِ اللّه (صَلَّى اللّه عَلَيْهِ وَآلِهِ) لتفرّق عنِّي جُندِي حتّى أبقى وحدي أو قلِيلٌ مِن شِيعَتِي الّذين عرفُوا فضلِي و فرض إمامتِي مِن كِتابِ اللّه عزّ و جلّ و سُنّةِ رسُول اللّه (صَلَّى اللّه عَلَيْهِ وَآلِهِ) أرأيتُم لو أمرت بمقام إبراهيم (عَلَيهِ السَّلَامُ) فرددته إلى الموضعِ الّذي وضعهُ فِيهِ رسُول اللّه (صَلَّى اللّه عَلَيْهِ وَآلِهِ) و رددت فدكا إلى ورثة فاطمة (عَلَيهَا السَّلَامُ) و رددتُ صاع رسُول اللّه (صَلَّى اللّه عَلَيْهِ وَآلِهِ) كما كان وأمضيتُ قطائع أقطعها رسُول اللّه (صَلَّى اللّه عَلَيْهِ وَآلِهِ) لأقوامٍ لم تمض لهم و لم تُنفذ ورددت دار جعفر إلى ورثته وهدمتها من المسجد ورددتُ قضايا مِن الجورِ قُضِي بِها و نزعتُ نِساء تحت رِجالٍ بِغیر حقّ فرددتهن إلى أزواجهن واستقبلتُ بهنّ الحكم فِي الفُرُوحِ والأحكام وسبيتُ ذراري بَنِي تغلب ورددتُ ما قسم من أرض خيبرو محوتُ دواوين العطايا و
ص: 323
أعطيتُ كما كان رسُول اللّه (صَلَّى اللّه عَلَيْهِ وَآلِهِ) يُعطِي بِالسَوِيّةِ ولم أجعلها دولةً بين الأغنياء وألقيتُ المساحة وسوّيتُ بين المناكح وأنفذتُ خُمس الرَّسُولِ كما أنزل اللّه عزّ و جلّ و فرضه و رددتُ مسجد رسُول اللّه (صَلَّى اللّه عَلَيْهِ وَآلِهِ) إلى ما كان عليه وسددتُ ما فُتِح فِيهِ مِن الأبوابِ وفتحتُ ما سُدّ مِنهُ وحرّمتُ المسح على الخفين وحددت على النبيذ و أمرتُ بإحلال المتعتين و أمرتُ بالتكبير على الجنائز خمس تكبيرات وألزمت الناس الجهربِ بِسمِ اللّه الرّحمنِ الرَّحِيم و أخرجتُ من أُدخل مع رسُول اللّه (صَلَّى اللّه عَلَيْهِ وَآلِهِ) فِي مسجِدِهِ من كان رسُول اللّه (صَلَّى اللّه عَلَيْهِ وَآلِهِ) أخرجه و أدخلتُ من أُخرج بعد رسُول اللّه (صَلَّى اللّه عَلَيْهِ وَآلِهِ) ممّن كان رسُول اللّه (صَلَّى اللّه عَلَيْهِ وَآلِهِ) أدخله وحملت الناس على حُكمِ القُرآنِ وعلى الطلاق على السُّنّة وأخذتُ الصدقات على أصنافها و حُدُودِها ورددتُ الوُضُوء والغُسل والصّلاة إلى مواقيتها وشرائعها و مواضعها و رددت أهل نجران إلى مواضِعِهِم ورددت سبايا فارس وسائِرِ الأُمم إلى كِتابِ اللّه و سُنّة نبيّه (صَلَّى اللّه عَلَيْهِ وَآلِهِ) إذاً لتفرّقُوا عني واللّه لقد أمرتُ النّاس أن لا يجتمعُوا فِي شهر رمضان إِلَّا فِي فرِيضةٍ وأعلمتُهم أنّ اجتِماعهم فِي النّوافِلِ بِدعةٌ فتنادى بعضُ أهل عسكري ممّن يُقاتِلُ مَعِي يا أهل الإسلامِ غُيّرت سُنّةُ عُمر ينهانا عنِ الصّلاة فِي شهر رمضان تطوعاً ولقد خفتُ أن يثوروا فِي ناحية جانِبِ عسكري ما لقِيتُ مِن هذِهِ الأمّة مِن الفُرقة و طاعةِ أئمةِ الضَّلالَةِ والدُّعاةِ إِلى النّار وأعطيتُ مِن ذلك سهم ذِي القُربى الّذي قال اللّه عزّ و جلّ (إِنْ كُنْتُمْ آمَنْتُمْ بِاللَّهِ وَمَا أَنْزَلْنَا عَلَى عَبْدِنَا يَوْمَ الْفُرْقَانِ يَوْمَ الْتَقَى الْجَمْعَانِ) (1) فنحنُ واللّه عنى بِذِي القُربى الّذي قرننا اللّه بنفسِهِ و بِرَسُولِهِ (صَلَّى اللّه عَلَيْهِ وَآلِهِ) فقال (فَلِلَّهِ وَلِلرَّسُولِ وَلِذِي الْقُرْبَى وَالْيَتَامَى وَالْمَسَاكِينِ وَابْنِ السَّبِيلِ كَيْ لَا يَكُونَ دُولَةً بَيْنَ الْأَغْنِيَاءِ مِنْكُمْ وَمَا آتَاكُمُ الرَّسُولُ فَخُذُوهُ وَمَا نَهَاكُمْ عَنْهُ فَانْتَهُوا وَاتَّقُوا اللَّهَ إِنَّ اللَّهَ شَدِيدُ الْعِقَابِ) (2) لمن ظلمهم رحمةً مِنهُ لنا وغنّى أغنانا اللّه بِهِ و وصّى بِهِ نبيّه (صَلَّى اللّه عَلَيْهِ وَآلِهِ) و لم يجعل لنا فِي سهم الصدقة نصيباً أكرم اللّه رسوله (صَلَّى اللّه عَلَيْهِ وَآلِهِ) و أكرمنا أهل البيت أن يُطعمنا من
ص: 324
أوساخ النَّاسِ فكذبوا اللّه وكذبوا رسوله و جحدوا كتاب اللّه الناطق بحقنا و منعونا فرضاً فرضهُ اللّه لَنَا مَا لِقِي أَهْلُ بيتِ نبيّ مِن أُمَّتِهِ مَا لقينا بعد نبينا (صَلَّى اللّه عَلَيْهِ وَآلِهِ) (و اللّه المستعان) (1) على من ظلمنا ولا حول ولا قوة إِلَّا بِاللّه العلي العظيم. (2)
1- عن سُليم بن قيس الهلاليّ قال سمعتُ سلمان الفارسي (رضِي اللّه عنهُ) يَقولُ لَمَّا قُبِض رسُول اللّه (صَلَّى اللّه عَلَيْهِ وَآلِهِ) و صنع الناس ما صنعوا وخاصم أبوبكر و عمر و أبو عبيدة بن الجراح الأنصار فخصمُوهُم بِحُجّةِ عليّ (عَلَيهِ السَّلَامُ) قالوا يا معشر الأنصارِ قُريش أحقُّ بِالْأَمْرِ مِنكُم لِأَنَّ رسُول اللّه (صَلَّى اللّه عَلَيْهِ وَآلِهِ) من قريش والمهاجرين مِنهُم إِنّ اللّه تعالى بدأ بهم فِي كِتابِه وفضلهم وقد قال رسُول اللّه (صَلَّى اللّه عَلَيْهِ وَآلِهِ) الأئمّة مِن قُريش قال سلمان رضي اللّه عنهُ فأَتيتُ عليّاً (عَلَيهِ السَّلَامُ) وهُو يُغسّل رسُول اللّه (صَلَّى اللّه عَلَيْهِ وَآلِهِ) فأخبرتُهُ بِما صنع النّاسُ وقُلتُ إنّ أبا بكر الساعة على منبرِ رسُول اللّه (صَلَّى اللّه عَلَيْهِ وَآلِهِ) و اللّه ما يرضى أن يُبايِعُوهُ بِيدٍ واحِدَةٍ إِنَّهُم ليُبايِعُونَهُ بِيديه جميعاً بِيَمِينِهِ وشِمالِهِ فقال لي يا سلمان هل تدري من أوّلُ من بايعه على مِنبرِ رسُول اللّه (صَلَّى اللّه عَلَيْهِ وَآلِهِ) قُلتُ لا أَدْرِي إِلَّا أني رأيتُ فِي ظُلَّةِ بَنِي ساعِدة حين خصمتِ الأنصارو كان أوّل من بايعه بشير بن سعدٍ وأبو عُبيدة بن الجراح ثمّ عُمرُثُمَّ سالم قال لستُ أسألك عن هذا و لكن تدري أوّل من بايعه حين صعد على منبرِ رسُول اللّه (صَلَّى اللّه عَلَيْهِ وَآلِهِ) قُلتُ لا ولكني رأيتُ شيخاً كبيراً متوكّئاً على عصاه بين عينيه سجادة شديدُ التشمِيرِ صعِد إليه أوّل من صعِد وهُو يبكي ويقُولُ الحَمدُ للّه الّذي لم يمتني من الدُّنيا حتّى رأيتُك فِي هذا المكانِ ابسط يدك فبسط يده فبايعه ثمّ نزل فخرج من المسجدِ فقال عليّ (عَلَيهِ السَّلَامُ) هل تدري من هُو قُلتُ لا ولقد ساءتني مقالته كأنه شامِتٌ بِموتِ النّبيّ (صَلَّى اللّه عَلَيْهِ وَآلِهِ) فقال ذاك إبليس لعنه اللّه أخبرني رسُول اللّه (صَلَّى اللّه عَلَيْهِ وَآلِهِ) أَن إبليس ورؤساء أصحابِهِ شهِدُوا نصب رسُول اللّه (صَلَّى اللّه عَلَيْهِ وَآلِهِ) إِياي لِلنَّاسِ بِغدِير خُمّ بِأَمْرِ اللّه عزّ و جلّ فأخبرهم أتي
ص: 325
أولى بهم مِن أَنفُسِهِم وأمرهم أن يُبلغ الشَّاهِدُ الغائِب فأقبل إلى إبليس أبالسته و مردةُ أصحابِهِ فقالُوا إِنّ هذهِ أُمَّةٌ مرحومةٌ ومعصومة وما لك ولا لنا عليهم سبيل قد أُعلِمُوا إمامهم و مفزعهم بعد نبيّهم فانطلق إبليس لعنه اللّه كئيباً حزيناً و أخبرني رسُول اللّه (صَلَّى اللّه عَلَيْهِ وَآلِهِ) أَنه لو قُبض أنّ النّاس يُبايِعُون أبا بكر فِي ظُلّة بَنِي ساعدة بعد ما يختصمون ثمّ يأتون المسجد فيكُونُ أوّل من يُبايِعُهُ على مِنبرِي إِبليس لعنه اللّه فِي صُورة رجلٍ شيخِ مُسْتِرِيقُولُ كذا وكذا ثمّ يخرُجُ فيجمعُ شياطينه وأبالِستهُ فينخُرُو يكسعُ ويَقُولُ كلّا زعمتم أن ليس لي عليهم سبيل فكيف رأيتُم ما صنعت بهم حتّى تركوا أمر اللّه عزّ و جلّ وطاعته وما أمرهُم بِهِ رسُول اللّه (صَلَّى اللّه عَلَيْهِ وَآلِهِ). (1)
1- عن جميل بن درّاج عن زرارة عن أحدهما (عَلَيهِمَا السَّلَامُ) قال: أصبح رسُول اللّه (صَلَّى اللّه عَلَيْهِ وَآلِهِ) يوماً كئيباً حزيناً فقال له عليّ (عَلَيهِ السَّلَامُ) ما لي أراك يا رسُول اللّه كئيباً حزيناً فقال وكيف لا أكونُ كذلك وقد رأيتُ فِي ليلتي هذِهِ أن بَنِي تيم وبني عدي وبني أُمية يصعدون منبرِي هذا يردُّون النّاس عنِ الإِسلام القهقرى فقُلتُ يا ربّ فِي حياتي أو بعد موتي فقال بعد موتك. (2)
1- عن أبي حمزة الثّمالي قال: قال أبو جعفر (عَلَيهِ السَّلَامُ) يا با حمزة إنّما يعبد اللّه من عرف اللّه، فأما من لا يعرفُ اللّه كأنّما يعبُدُ غيره هكذا ضالاً قلتُ: أصلحك اللّه وما معرفةُ اللّه قال: يُصدِّقُ اللّه و يصدق محمّداً رسُول اللّه (صَلَّى اللّه عَلَيْهِ وَآلِهِ) فِي موالاة على والإيتمام به، وبأئمة الهدى من بعده و البراءة إلى اللّه مِن عدوّهم، وكذلك عرفان اللّه، قال: قلتُ:
أصلحك اللّه أيُّ شيءٍ إذا عملته أنا إستكملت حقيقة الإيمان قال : تُوالي أولياء اللّه، وتُعادي
ص: 326
أعداء اللّه، وتكون مع الصادقين كما أمرك اللّه، قال : قلتُ: و من أولياء اللّه و من أعداء اللّه فقال: أولياء اللّه محمّد رسُول اللّه وعلي والحسن والحُسين و عليّ بن الحُسين، ثمّ انتهي الأمرُ إلينا ثمّ إبني جعفر، و أوماً إلى جعفر و هُو جالس فمن والى هؤلاء فقد والى اللّه و كان مع الصادقين كما أمره اللّه، قلتُ : و من أعداء اللّه أصلحك اللّه قال : الأوثان الأربعةُ، قال : قلتُ من هم قال: أبو الفصيل و رُمع ونعثل ومُعاوية و من دان بدينهم فمن عادى هؤلاء فقد عادى أعداء اللّه. (1)
1- عن ابن عباس عن النّبيّ (صَلَّى اللّه عَلَيْهِ وَآلِهِ) أنَّه بكى وقد أقبل الحسن والحُسين وفاطمة وعلي (عَلَيهِم السَّلَامُ) وقال: إنّي وإياهم أكرم الخلق على اللّه عزّوجلّ، وما فِي الأرضِ نسمة أحبُّ إليَّ مِنهم، أما عليّ بن أبِي طالِب فإنّه أخي وشقيقي، وإنّي بكيتُ حين أقبل لأنّي ذكرتُ غدر الأمة به حتّى إنه ليزال عن مقعدي وقد جعله اللّه له بعدي ثمّ لا يزال الأمرُ به حتّى يُضرب على قرنه ضربةً تُخضب مِنها لحيتُه فِي أفضل الشُّهور: شهر رمضان، وأمّا فاطمة فإنّها سيّدةُ نِساء العالمين وإنّي بكيتُ لِما يُصيبها بعدي كأنّي بها وقد دخل الذُّلُ بيتها وإنتهكت حُرمتُها وغُصب حقها، و مُنعت إرتُها وكُسِر جنبها وأُسقط جنينها وهي تُنادي يا محمّداه فلا تُجاب، وتستغيث فلا تغاث، فلا تزال بعدي محزونةً مكروبةً باكيةً ثمّ يبتدئ بها الوجع فتمرض فيلحقها اللّه بي فتكون أوّل من يُلحقني مِن أهل بيتي وأمّا الحسنُ فإنّه ابني و ولدي و مني وقرة عيني، وإنّي لما نظرتُ إليه تذكّرت ما يجري عليه مِن الذُّل بعدي فلا يزال الأمر به حتّى يُقتل بالسم ظلماً و عُدواناً، وأمّا الحُسين فإنّه مني وهُو ابني وإنّي لَمَّا رأيتُه تذكرت ما يُصنع به بعدي، كأني به و قد إستجار بحرمي و قبري فلايجار، فأضمه فِي منامه إلى صدري و آمره بالرحلة من دار هجرتي وأبشره بالشهادة فينصرفُ إلى أرض مقتله وموضع مصرعه أرض كرب و بلاء، تنصره عصابة من المسلمين كأنّي بِه و قد رُمي بسهم فخر عن فرسه صريعاً، ثمّ يُذبح كما يُذبح الكبش مظلوماً الحديث. (2)
ص: 327
2 - دخل النّبيّ (صَلَّى اللّه عَلَيْهِ وَآلِهِ) يوماً إلى فاطمة (عَلَيهَا السَّلَامُ) فهيات له طعاماً من تمرو قُرص وسمن فاجتمعوا على الأكل هُو و علي وفاطمة والحسن والحُسين (عَلَيهِم السَّلَامُ) فلما أكلُوا سجد رسُول اللّه (صَلَّى اللّه عَلَيْهِ وَآلِهِ) و أطال سُجُودهُ ثمّ بكى ثمّ ضحِك ثمّ جلس وكان أجرأهُم فِي الكلام عليّ (عَلَيهِ السَّلَامُ) فقال يا رسُول اللّه رأينا منك اليوم ما لم نره قبل ذلك فقال (صَلَّى اللّه عَلَيْهِ وَآلِهِ) إِنِّي لَا أكلتُ معكُم فرِحتُ وسُرِرتُ بِسلامتِكُم و اجتِماعِكُم فسجدت للّه تعالى شُكراً فهبط جبرئيل (عَلَيهِ السَّلَامُ) يقُولُ سجدت شكراً لفرحك بأهلِك فقُلتُ نعم فقال ألا أُخبِرُك بما يجري عليهم بعدك فقُلتُ بلى يا أخي يا جبرئيل فقال أما ابنتك فهي أوّلُ أهلِك لحاقاً بك بعد أن تُظلم ويُؤخذ حقّها وتمنع إرثها ويظلم بعلها ويُكسر ضلعُها وأمّا ابنُ عمّكَ فيُظلمُ ويُمنعُ حقَّهُ ويُقتل وأمّا الحسنُ فَإِنَّهُ يُظلمُ ويُمنعُ حقهُ ويُقتلُ بِالسّمّ وأمّا الحُسين فإِنَّهُ يُظلمُ ويُمنعُ حقَّهُ وتُقتلُ عِترتُهُ و تطلُّوهُ الخُيُولُ ويُنهب رحلهُ وتُسبى نِساؤُهُ وذرارِيُّهُ ويُدفنُ مُرمَلًا بِدمِهِ ويدفِنُهُ الغُرباء فبكيتُ وقُلتُ وهل يزُورُهُ أحدٌ قال يزُورُهُ الغُرباءُ قُلتُ فما لمن زاره مِن الثّوابِ قال يُكتبُ لَهُ ثوابُ الفِ حجّةٍ وألفِ عُمرةٍ كُلُّها معك فضحِك. (1)
3- عنِ ابنِ عباس قال: إنّ رسُول اللّه (صَلَّى اللّه عَلَيْهِ وَآلِهِ) كان جالساً ذات يوم إذ أقبل الحسن (عَلَيهِ السَّلَامُ) فلَمّا رآه بكى ثمّ قال إلي إلي يا بَنِي فما زال يُدنيه حتّى أجلسه على فَخِذِهِ اليُمنى ثمّ أقبل الحُسين (عَلَيهِ السَّلَامُ) فلما رآه بكى ثمّ قال إلي إلي يا بَنِي فما زال يُدنِيهِ حتّى أجلسه على فَخِذِهِ اليُسرى ثمّ أقبلت فاطمة (عَلَيهَا السَّلَامُ) فلما رآها بكى ثمّ قال إلي إلي يا بُنيّةِ فأجلسها بين يديهِ ثمّ أقبل أمِيرُ المؤمنين (عَلَيهِ السَّلَامُ) فلما رآه بكى ثمّ قال إلي إلي يا أخي فما زال يُدنِيهِ حتّى أجلسه إلى جنبه الأيمن فقال له أصحابه يا رسُول اللّه ما ترى واحِداً من هؤلاءِ إِلّا بكيت أو ما فِيهِم مِن تُسرُّ بِرُؤيَتِهِ فقال (صَلَّى اللّه عَلَيْهِ وَآلِهِ) و الّذي بعثني بِالنُّبُوَّةِ واصطفاني على جميع البرِيَّةِ إِنِّي وإياهُم لأكرمُ الخَلقِ على اللّه عزّوجلّ وما على وجهِ الأرْضِ نسمةٌ أحبّ إليَّ مِنهُم أما عليّ بن أبِي طالِب (عَلَيهِ السَّلَامُ) فإِنَّهُ أَخِي وشقيقي وصاحِبُ الأمرِ بعدِي وصاحِبُ لِوائِي فِي الدُّنيا والآخِرَةِ وصاحِبُ حوضي و
ص: 328
شفاعتي و هُو مولى كلّ مُسلِمٍ وإِمامُ كلّ مُؤْمِنٍ و قائِدُ كلّ تي و هُو وصيّي و خليفتي على أهلي و أُمّتي فِي حياتي و بعد موتي يُحِبُّهُ مُحِبّي و مُبغِضُهُ مُبغِضِي وبولايته صارت أُمّتي مرحومةً و بعداوتِهِ صارت المخالفة لهُ مِنها ملعونةً و إِنِّي بكيتُ حِين أقبل لأنّي ذكرتُ غدر الأُمّة بِهِ بعدِي حتّى إِنَّهُ ليُزالُ عن مقعدي وقد جعله اللّه له بعدِي ثمّ لا يزالُ الأمرُبِهِ حتّى يُضرب على قِرنِهِ ضربةً تُخضبُ مِنها لِحِيتُهُ فِي أفضلِ الشُّهُورِ (شَهْرُ رَمَضَانَ الَّذِي أُنْزِلَ فِيهِ الْقُرْآنُ هُدًى لِلنَّاسِ وَبَيِّنَاتٍ مِنَ الْهُدَى وَالْفُرْقَانِ) (1) وأمّا ابنتي فاطِمةُ فإنّها سيّدةُ نِساء العالمين من الأوّلين والآخرين وهِي بضعةٌ مِنِّي وهِي نُورُ عيني و هي ثمرةُ فُؤادِي و هِي رُوحِي الّتي بين جنبي و هي الحوراء الإِنسِيّةُ متى قامت فِي محرابها بين يدي ربّها جلّ جلاله ظهر نُورُها لِمَلائِكَةِ السّماء كما يظهرُنُورُ الكواكِبِ لِأهلِ الأرضِ ويَقُولُ اللّه عزّو جلّ لِمَلائِكَتِهِ يا ملائكتي انظُرُوا إِلى أمتي فاطمة سيّدة إمائي قائمةً بين يدي ترتعِدُ فرائِصُها مِن خِيفتي و قد أقبلت بقلبها على عِبادتي أشهدُكُم أنّي قد آمنتُ شيعتها من النّار وأنّي لما رأيتُها ذكرتُ ما يُصنعُ بها بعدِي كأَنِّي بِها وقد دخل الذُّلُّ بيتها و انتهكت حُرمتها وغُصِبت حقّها ومُنعت إرثها وكُسِر جنبها وأسقطت جنينها وهي تُنادِي يا محمّداه فلا تُجابُ وتستغِيتُ فلاتُغاتُ فلا تزالُ بعدِي محزونةً مكرُوبةً باكِيةً تتذكَّرُ انقطاع الوحي عن بيتها مرةً وتتذكرُ فِراقي أُخرى وتستوحش إذا جنّها اللّيل لِفقدِ صوتِي الّذي كانت تستمع إليه إذا تهجدتُ بِالقُرآنِ ثمّ ترى نفسها ذليلةً بعد أن كانت فِي أيام أبيها عزيزةً فعند ذلك يُؤنِسُها اللّه تعالى ذكرُهُ بِالملائكة فنادتها بما نادت به مريم بنت عمران فتقُولُ يا فاطمه (إِنَّ اللَّهَ اصْطَفَاكِ وَطَهَّرَكِ وَاصْطَفَاكِ عَلَى نِسَاءِ الْعَالَمِينَ) يا فاطِمةُ (اقْنُتِي لِرَبِّكِ وَاسْجُدِي وَارْكَعِي مَعَ الرَّاكِعِينَ) (2) ثمّ يبتدئ بها الوجعُ فتمرضُ فيبعث اللّه عزّ و جلّ إليها مريم بنت عمران تُمرّضُها وتُؤنِسُها فِي عِلّتِها فتقُولُ عِند ذلك يا ربّ إِنِّي قد سئمت الحياة و تبرّمتُ بِأهلِ الدُّنيا فألحقني بأبي فيلحقها اللّه عزّ و جلّ بي فتكُونُ أول من يلحقنِي مِن أهل بيتي فتقدمُ عليّ محرُونةً
ص: 329
مكرُوبةً معمُومةً مغصوبةً مقتولةً فأقُولُ عِند ذلك اللّهمّ العن من ظلمها و عاقب من غصبها وذلّل من أذلّها وخلّد فِي نارك من ضرب جنبها حتّى ألقت ولدها فتقُولُ الملائكةُ عِند ذلك آمين وأمّا الحسنُ فإِنَّهُ ابني ووُلدِي وبضعةٌ مِنِّي وقُرَّةُ عيني وضياءُ قلبي و ثمرةُ فُؤادِي و هُو سيد شباب أهلِ الجنَّة وحُجّةُ اللّه على الأُمّة أمرُهُ أَمرِي وقوله قولي من تبعه فإِنَّهُ مِني ومن عصاه فليس مني و إنِّي لَمَّا نظرتُ إليهِ تذكرتُ ما يجري عليهِ مِن الذُّلّ بعدي فلا يزالُ الأمرُبِهِ حتّى يُقتل بِالسّمّ ظلماً وعدواناً فعِند ذلك تبكي الملائكة والسبعُ الشّداد لموتِهِ ويبكيهِ كلّ شيءٍ حتّى الطيرُ فِي جوّ السّماء والحيتان فِي جوف الماء فمن بكاه لم تعم عينه يوم تعمى العُيونُ و من حزن عليهِ لم يحزن قلبه يوم تحزنُ القُلُوبُ ومن زارهُ فِي بِقِيعِهِ ثبتت قدمُهُ على الصّراطِ يوم تزِلُّ فِيهِ الأقدامُ و أمّا الحُسين فإنّهُ مِنِّي و هوابني وولدي وخير الخلقِ بعد أخِيهِ وهُو إمامُ المسلمين ومولى المؤمِنِين و خليفةُ ربّ العالمين وغياث المستغيثين وكهف المستجيرين وحُجّةُ اللّه على خلقِهِ أجمعين وهُو سيّد شباب أهلِ الجنَّة وباب نجاة الأُمّة أمرُهُ أمرِي وطاعتُهُ طاعتي من تبعهُ فإِنَّهُ مِنّي ومن عصاه فليس مِنِّي وإِنِّي لَمَّا رأيتُهُ تَذكَّرتُ ما يُصنعُ بِهِ بعدِي كأنِّي بِهِ وقد استجار بحرمِي و قُربِي فلا يُجارُ فَأَضُتُهُ فِي مَنامِهِ إِلى صدرِي و آمُرُهُ بِالرّحلة عن دارِ هِجرتي و أُبْشِرُهُ بِالشهادةِ فيرتحِلُ عنها إلى أرض مقتله و موضع مصرعِهِ أرض كرب و بلاء وقتل وفناء تنصُرُهُ عِصابةٌ مِن المسلمين أُولئِكَ مِن سادة شهداء أُمّتي يوم القيامةِ كأني أنظر إليه وقد رُمِي بِسهم فخر عن فرسه صريعاً ثمّ يُذبح كما يُذبح الكبش مظلُوماً ثمّ بكى رسُول اللّه (صَلَّى اللّه عَلَيْهِ وَآلِهِ) و بكى من حوله وارتفعت أصواتهم بِالصَّحِيحِ ثمّ قال (صَلَّى اللّه عَلَيْهِ وَآلِهِ) و هُو يقُولُ اللّهمّ إِنِّي أشكو إليك ما يلق أهلُ بيتي بعدِي ثمّ دخل منزله. (1)
4- عن أبي عبد اللّه (عَلَيهِ السَّلَامُ) قال: لما أسري بالنبي (صَلَّى اللّه عَلَيْهِ وَآلِهِ) قيل لهُ إِنَّ اللّه مُختبرك فِي ثلاث لينظر كيف صبرك قال أُسلّمُ لأمرك يا ربّ وأصبرُ ولا قوة لي على الصبر إلَّا بِك مَا هُنَّ قِيلَ لَهُ أوّهُنّ الجُوعُ والأثرةُ على نفسك و على أهلِك لأهل الحاجةِ قال قبلتُ يا ربّ ورَضِيتُ وسلمت ومِنك
ص: 330
التوفيق للصبر و أما الثانية فالتكذيب والخوفُ الشَّدِيدُ وبذلك مُهجتك فِي ومُحاربتك الكفار بمالك ونفسك والصبر على ما يُصِيبُك مِنهُم مِن الأذى و مِن أهل النِّفاقِ والألم فِي الحرب و الجراح قال يا ربّ قبلتُ و رضِيتُ وسلمتُ ومِنك التوفيق للصبر و أما الثالثة فما يلق أهلُ بيتك مِن بعدِك من القتل أما أخوك فيلق مِن أُمَّتِك الشتم والتعنيف والتوبيخ والحرمان و الجهد والظلم وآخِرُ ذلِك القتل فقال يا ربّ سلمتُ وقبلتُ ومِنك التوفيق للصبر و أما ابنتك فتُظلمُ وتُحرمُ ويُؤخذ حقّها غصباً الّذي تجعله لها وتُضرب وهي حامل ويدخُلُ عليها وعلى حريمها و منزلها بغير إذنٍ ثمّ يمسها هوانٌ وذُلُّ ثمّ لا تجد مانعاً وتطرح ما فِي بطنها من الضرب و تموتُ من ذلك الضّربِ قال فقُلتُ إِنَّا للّه وإنا إليهِ راجِعُون قبلتُ يا ربّ وسلمتُ ومِنك التوفيق لِلصّبرِ ويَكُونُ لها مِن أخِيكَ ابنانِ يُقتل أحدُهُما غدراً ويُطعنُ ويُسم تفعل بِهِ ذلِك أُمِّتُك قال قُلتُ قبلتُ يا ربّ وإِنا للّه وإنا إليهِ راجِعُون وسلمتُ ومِنك التوفيق للصبر وأمّا ابنُها الآخرُ فتدعُوهُ أَمتُك إلى الجهادِ ثمّ يقتلونه صبراً و يقتُلُون ولده و من معهُ مِن أَهلِ بيتِهِ ثمّ يسلبون حريمه فيستعِينُ بي وقد مضى القضاءُ مِنِّي فِيهِ بِالشَّهَادَةِ لَهُ ولِمن معهُ ويَكُونُ قتلُهُ حُجّةً على من بين قطريها فيبكيهِ أهلُ السّماواتِ وأهل الأرض جزعاً عليه وتبكيه ملائكةٌ لم يُدركُوا نُصرتهُ ثمّ أُخرجُ مِن صلبه ذكراً بهِ أَنصُرُك وإن شبحهُ عِندِي تحت العرش يملأ الأرض بالعدل ويُطبقها بِالقِسطِ يسير معهُ الرُّعبُ ويقتل حتّى يُسْكُ فِيهِ فَقُلتُ إِنَّا للّه وإنا إليهِ راجِعُون فقيل لي ارفع رأسك فنظرتُ إلى رجُلٍ مِن أحسنِ النّاسِ صُورةً وأطيبهم ريحاً و النُّورُ يسطعُ مِن فوقهِ و مِن تحته فدعوتُهُ فأقبل إلي و عليهِ ثِيابُ النُّورِ وسِيما كلّ خير حتّى قبل بين عيني و نظرتُ إلى ملائِكَةٍ قد حقُوا بِهِ لا يُحصِيهِم إِلَّا اللّه عزّ و جلّ فقُلتُ يَا رَبِّ لِمَن يغضبُ هذا ولمن أمددت هؤلاء الملائكة وقد وعدتني النّصر فيهم فأنا أنتظرُهُ مِنكَ هؤلاء أهلي وأهل بيتي و قد أخبرتني بما يلقون من بعدي ولو شئت لأعطيتني النصر على من بغى عليهم وقد سلمتُ وقبِلتُ ومِنك التوفيق والرّضا والعون على الصّبرِ فقيل لي أمَّا أَخُوك فجزاؤُهُ عِندِي جنّة المأوى نُزُلًا بِصبره و أُفلِجُ حُجَّتُهُ على الخلائِقِ يوم البعث و أُوليه حوضك يسقي مِنهُ أولياءكُم ويمنعُ مِنهُ أعداءكُم وأجعل جهنَّم عليه برداً وسلاماً يدخُلُها فيخرُجُ مِنها من كان فِي قلبِهِ ذرّةٌ مِن
ص: 331
المودّةِ لكُم وأجعل منزلتكُم فِي درجةٍ واحدةٍ مِن الجنَّة وأما ابنك المقتول المخذُولُ المسموم وابنك المعزور المقتول صبراً فإِنَّهُما لِما أُرينُ بِهما عرشي و لهما من الكرامة سوى ذلك ما لا يخطر على قلب بشر لما أصابهما من البلاء وعليّ لِكُلِّ من زار قبره مِن الخلائِقِ الكرامة لأن زُوّارهُ زُوّارُك و زُوّارك زُوّارِي و علي كرامة زائري و أن أعطيه ما سأل و أجزِيهُ جزاءً يغبطه من نظر إلى عطيّتي إياه وما أعددتُ لهُ مِن كرامتي و أما ابنتك ففَإِنِّي أُوقِفُها عِند عرشِي فيُقالُ لها إِنَّ اللّه قد حكمك فِي خلقِهِ فمن ظلمك وظلم وُلدك فاحكمِي فِيهِ بِما أحببت فإِنِّي أُجِيزُ حُكُومتك فِيهِم فتشهد العرضُ وإذا أُوقف من ظلمها أمرتُ بِهِ إِلى النّار فيقُولُ الظَّالِم واحسرتى على ما فرطتُ فِي جنب اللّه ويتمنّى الكرة (و يَعَضُّ الظَّالِمُ عَلَى يَدَيْهِ يَقُولُ يَا لَيْتَنِي اتَّخَذْتُ مَعَ الرَّسُولِ سَبِيلًا * يَا وَيْلَتَى لَيْتَنِي لَمْ أَتَّخِذْ فُلَانًا خَلِيلًا) (1) وقال (حَتَّى إِذَا جَاءَنَا قَالَ يَا لَيْتَ بَيْنِي وَبَيْنَكَ بُعْدَ الْمَشْرِقَيْنِ فَبِئْسَ الْقَرِينُ * وَلَنْ يَنْفَعَكُمُ الْيَوْمَ إِذْ ظَلَمْتُمْ أَنَّكُمْ فِي الْعَذَابِ مُشْتَرِكُونَ) (2) فيقُولُ الظَّالِم (أَنْتَ تَحْكُمُ بَيْنَ عِبَادِكَ فِي مَا كَانُوا فِيهِ يَخْتَلِفُونَ) (3) فيُقالُ لهما (أَلَا لَعْنَةُ اللَّهِ عَلَى الظَّالِمِينَ * الَّذِينَ يَصُدُّونَ عَنْ سَبِيلِ اللَّهِ وَيَبْغُونَهَا عِوَجًا وَهُمْ بِالْآخِرَةِ هُمْ كَافِرُونَ) (4) فأوّلُ من يحكُمُ فيهما محسنُ بنُ علي وفي قاتِلِهِ ثمّ فِي قُنفُذٍ فيُؤْتِيانِ هُو وصاحِبُهُ ويُضربانِ بِسِياطٍ مِن نارلو وقع سوط منها على البِحارِ لغلت من مشرقها إلى مغربها ولو وضع على جبالِ الدُّنيا لذابت حتى يصير رماداً فيُضرِبانِ بِها ثمّ يجثو أمير المؤمنين (عَلَيهِ السَّلَامُ) بين يدي اللّه لِلخُصُومة مع الرابع و يُدخلُ الثّلاثة فِي جُةٍ فيُطبق عليهم لا يراهم أحد ولا يرون أحداً فعندها يقُولُ الّذين فِي ولايتهم (رَبَّنَا أَرِنَا اللَّذَيْنِ أَضَلَّانَا مِنَ الْجِنِّ وَالْإِنْسِ نَجْعَلْهُمَا تَحْتَ أَقْدَامِنَا لِيَكُونَا مِنَ الْأَسْفَلِينَ) (5) فيقُولُ اللّه عزّوجلّ (وَلَنْ
ص: 332
يَنْفَعَكُمُ الْيَوْمَ إِذْ ظَلَمْتُمْ أَنَّكُمْ فِي الْعَذَابِ مُشْتَرِكُونَ) (1) فعند ذلك يُنادون بِالويل والنُّبُورِ ويأتيان الحوض يسألان عن أمير المؤمنين (عَلَيهِ السَّلَامُ) و معهما حفظةٌ فيقولان اعفُ عنّا واسقِنا وخلصنا فيُقالُ هُما (فَلَمَّا رَأَوْهُ زُلْفَةً سِيئَتْ وُجُوهُ الَّذِينَ كَفَرُوا وَقِيلَ هَذَا الَّذِي كُنْتُمْ بِهِ تَدَّعُونَ) (2) يعني بإمرة المؤمِنِين ارجِعُوا ظِماء مُظمِئِين إِلى النّار فَمَا شَرَابُكُم إِلَّا الحميم و الغسلِينُ (فَمَا تَنْفَعُهُمْ شَفَاعَةُ الشَّافِعِينَ)(3). (4)
1- عن أبي جعفر (عَلَيهِ السَّلَامُ) فِي قوله عزّوجلّ: (وَإِذْ أَسَرَّ النَّبِيُّ إِلَى بَعْضِ أَزْوَاجِهِ حَدِيثًا) (5)، قال : أسرّ إليهما أمر القبطية، وأسر إليهما أنّ فلان وفلان بليان أمر الأمة من بعدِهِ ظالمين فاجِرَينِ غادِرَينِ. (6)
2 - عن الباقر (عَلَيهِ السَّلَامُ) قول النّبيّ (صَلَّى اللّه عَلَيْهِ وَآلِهِ) الأئمّة بعدي إثنا عشر تسعةٌ مِن صُلب الحُسين، و التاسع قائِمُهُم يخرُج فِي آخِر الزمان قال: وإن النّبيّ (صَلَّى اللّه عَلَيْهِ وَآلِهِ) طلب دواةً و كتفاً ليكتب لهم كتاباً لا يختلفون بعده؛ فلَمّا أحسّ عمر بذلك منعه، وقال: إنّه يهجر! إلى أن قال:
وقد حدث علي طلحة أنَّه لا خرج عمر حدثه النّبيّ (صَلَّى اللّه عَلَيْهِ وَآلِهِ) بما أراد أن يكتب، ومنه: أنَّه سيلي الأمر إثنا عشر إماماً ضلالةً، عليهم مثل أوزار الأمة إلى يوم القيامة، وأوصى إليه بالإمامة وأن يدفعها إلى أولاده إلى تكملة إثني عشر إمام هُدى. (7)
ص: 333
3 - عن عبد اللّه بن جعفر فِي حديث رواه فِي مجلس مُعاوية أنّ رسُول اللّه (صَلَّى اللّه عَلَيْهِ وَآلِهِ) بعد النص على الأئمّة الإثني عشر (عَلَيهِم السَّلَامُ) بالإمامة قال: ولأُمتي إثنا عشر إمام ضلالة كلّهم ضالٌ مُضَلٌ، عشرة من بَنِي أمية ورجلان من قريش، وزر جميع الإثني عشر و ما أضلوا فِي أعناقهما ثمّ سماهما رسُول اللّه (صَلَّى اللّه عَلَيْهِ وَآلِهِ) و سمّى العشرة معهما قال: فسمّهم لنا قال: فلان و فلان وفلان وصاحب السلسلة منهم؛ وإبنه من آل أبي سفيان وسبعةٌ مِن وُلد حكم بن أبي العاص، أولهم مروان إلى أن قال ابنُ جعفر: فإنّ الّذي قلتُ واللّه حقّ سمعتُه مِن رسُول اللّه (صَلَّى اللّه عَلَيْهِ وَآلِهِ)، فأرسل إلى عمرو بن أم سلمة فشهد أنَّه سمعه مِن رسُول اللّه (صَلَّى اللّه عَلَيْهِ وَآلِهِ) كما سمعه. (1)
4 - قال ابنُ عبّاس كان رسُول اللّه (صَلَّى اللّه عَلَيْهِ وَآلِهِ) يحكم وعلي بين يديهِ مُقابلته ورجُلٌ عَن يَمِينِهِ و رجُلٌ عن شِمالِهِ فقال اليمين والسّمالُ مضلّةٌ والطرِيقُ المستوي الجادّة ثمّ أشار بيده وإنّ هذا صِراط على مُستقيم فاتَّبِعُوهُ. (2)
5- قال رسُول اللّه (صَلَّى اللّه عَلَيْهِ وَآلِهِ) فترقُ أُمّتي بعدِي ثلاث فرق فرقة أهل حقّ لا يشوبونه بِباطِل مثلهم كمثلِ الذهبِ كُلّما فتنتهُ بِالنّارِ ازداد جودةً وطيباً وإمامُهُم هذا لأحد الثّلاثة وهُو الّذي أمر اللّه بِهِ فِي كِتَابِهِ إماماً و رحمةً و فِرقة أهل باطِلٍ لا يشُوبُونهُ بِحَقِّ مثلُهُم كمثلِ خبثِ الحَدِيدِ كُلّما فتنتهم [فتنته] بِالنّارِ ازداد خبثاً ونتناً و إمامُهُم هذا لأحد الثّلاثة وفرقةٌ أهل ضلالةٍ (مُذَبْذَبِينَ بَيْنَ ذَلِكَ لَا إِلَى هَؤُلَاءِ وَلَا إِلَى هَؤُلَاءِ) (3) إمامُهُم هذا لأحد الثّلاثة قال فسألته عن أهل الحقّ و إمامهم فقال هذا عليّ بن أبِي طالِب إمام المتقين و أمسك عن الإثنين فجهدتُ أن يُسمّيهما فلم يفعل. (4)
ص: 334
1 - عَن أَبي هريرة قالَ صَلَّيت الغداةَ مع النّبيّ (صَلَّى اللّه عَلَيْهِ وَآلِهِ) فلمَّا فَرَغَ مِن صَلاتِهِ وتَسْبِيحِه أَقْبَلَ عَلَينا بوجهه الكريم وأخذ مَعَنا فِي الحديث فَأتاه رَجلٌ مِنَ الأَنصارِ فقالَ يَا رسُول اللّه كَلبُ فلانِ الأنصاريّ خَرَقَ ثَوبي وخَمَشَ ساقي ومَنَعَني من الصّلاة مَعَكَ فِي الجماعة فَعرض عنه و لما كان فِي اليوم الثَّاني جاءه رجل البيع وقال كلب أبو رواحة الأنصاري خَرَقَ ثَوبي وخَمَش ساقي و مَنَعَني مِنَ الصّلاة مَعك فقالَ النّبيّ (صَلَّى اللّه عَلَيْهِ وَآلِهِ) قُومُوا بنا إليه فإنَّ الكلبَ إذا كانَ عَقوراً وَجَبَ قَتْلُه فَقامَ (صَلَّى اللّه عَلَيْهِ وَآلِهِ) ونَحنُ مَعَه حتّى أَتَى منزلَ الرَّجل فَبادَرَأَنس بن مالك إلى البابِ فَدقَّه وقالَ النّبيّ بالبابِ فَأقبلَ الرَّجل مبادراً حتّى فَتَحَ بابَه وَ خَرَجَ إِلى النّبيّ (صَلَّى اللّه عَلَيْهِ وَآلِهِ) فقالَ فِداك أبي وأمي ما الّذي جاءَ بِكَ الّا وَجَهتَ الي فكنتُ أجيئك فقال له النّبيّ (صَلَّى اللّه عَلَيْهِ وَآلِهِ) أُخرج إلينا كلبَكَ العقور فَقَد وَجَبَ قَتله وقَد خَرَق ثياب فلان و عرق ساقه وكذا فعل اليوم بفلان بن فلان فبادَرَ الرَّجلُ إلى كليه وطَرَح فِي عُنقه حبلاً و أخرَجَه إليه وأوقفه بينَ يَدَيه، فلمَّا نظر الكلب إلى النّبيّ (صَلَّى اللّه عَلَيْهِ وَآلِهِ) واقفاً قال: يا رسُول اللّه ما الّذي جَاءَ بِكَ ولِمَ تَقتلني؟ فَأَحْبَرَه الخبر.
فقالَ: يا رسُول اللّه إِنَّ القومَ منافقون واصب، مبغِضُون لأمير المؤمنين عليّ بن أبِي طالِب (عَلَيهِ السَّلَامُ) ولولا أنَّهم كذلك ما تعرضتُ لِسبيلهم، فأوصى به النّبيّ (صَلَّى اللّه عَلَيْهِ وَآلِهِ) خيراً و ترکه و انصرف. (1)
1 - عن النّبيّ (صَلَّى اللّه عَلَيْهِ وَآلِهِ) قال لعلي بن أبِي طالِب فِي حديث طويل: إنّقِ الضّغائن الّتي لك فِي صُدُورِ من لا يُظهرُها لك إلّا بعد موتي، أولئك يلعنهم اللّه، ويلعنهم اللّاعِنُون. (2)
ص: 335
1- عن جعفر الصادق عن أبيه (عَلَيهِمَا السَّلَامُ) يرفعه إلى أمير المؤمنين (عَلَيهِ السَّلَامُ) : أن جبرائيل نزل على النّبيّ (صَلَّى اللّه عَلَيْهِ وَآلِهِ) بجامٍ من الجنَّة فِيهِ فاكهة كثيرة من فواكه الجنَّة، فدفعه إلى النّبيّ (صَلَّى اللّه عَلَيْهِ وَآلِهِ) فسبح الجامُ وكبرو هلل فِي يده، ثمّ دفعه إلى أبي بكر فسكت الجام، ثمّ دفعه إلى عُمر فسكت الجام، ثمّ دفع إلى أمير المؤمنين (عَلَيهِ السَّلَامُ) فسبح الحجام وهلل وكبر فِي يده، ثمّ قال الجام: إنِّي أُمرتُ أن لا أتكلم إلّا فِي يد نبيّ أو وصي. (1)
1- عن عُمارة، قال: كُنتُ جالِساً عِند أمير المؤمِنين (عَلَيهِ السَّلَامُ) و هُو فِي ميمنة مسجِدِ الكُوفَةِ و عِنده النّاسُ، إذ أقبل رجُلٌ فسلّم عليهِ ثمّ قال: يا أمير المؤمِنِين ! واللّه إِنِّي لأحِبُّك. فقال: لكِنِّي واللّه ما أُحِبُّك، كيف حُبُّك لأبي بكرو عُمر؟. فقال : واللّه إِنِّي لأُحِبُّهُما حُبّاً شَدِيداً. قال: كيف حُبُّك لِعُثمان ؟. قال: قد رسخ حُبُّهُ فِي السُّويداء من قلبي. فقال عليّ (عَلَيهِ السَّلَامُ) : أنا أبو الحسن...الحديث. (2)
1- عن أبِي سَعِيدٍ الخُدرِي قال: كان رسُول اللّه (صَلَّى اللّه عَلَيْهِ وَآلِهِ) ذات يوم جالساً و عنده نفر من أصحابِهِ فيهم عليّ بن أبِي طالِب (عَلَيهِ السَّلَامُ) إذ قال من قال لا إله إِلَّا اللّه دخل الجنَّة فقال رجُلانِ مِن أصحابِهِ فنحنُ نَقُولُ لا إله إلّا اللّه فقال رسُول اللّه (صَلَّى اللّه عَلَيْهِ وَآلِهِ) إِنَّما تُقبل شهادة أن لا إله إِلَّا اللّه مِن هذا و مِن شِيعَتِهِ الّذين أخذ ربَّنا ميثاقهم فقال الرّجُلانِ فنحنُ نقولُ لا إِله إِلَّا اللّه فوضع رسُول اللّه يده على رأس عليّ (عَلَيهِ السَّلَامُ) ثمّ قال علامة ذلِك أن لا تُحِلّا عقده ولا تجلسا مجلسه ولا تكذبا حديثه. (3)
ص: 336
1- موسى بن محمّد بن علي قال: كتبتُ إلى أبي الحسن (عَلَيهِ السَّلَامُ) أسألُهُ عنِ النَّاصِبِ هل أحتاجُ فِي امتحانِهِ إلى أكثر من تقديمه الجبت والطاغوت و اعتقادِ إمامتِهما فرجع الجواب من كان على هذا فهُو ناصِبٌ. (1)
1- عن إبراهيم الكرخي قال: سألتُ أبا عبد اللّه (عَلَيهِ السَّلَامُ) فقُلتُ لَهُ لِأَي عِلَّةٍ ترك عليّ بن أبِي طالِب (عَلَيهِ السَّلَامُ) فدك لما ولي النّاس فقال لِلِاقتِداءِ بِرَسُولِ اللّه (صَلَّى اللّه عَلَيْهِ وَآلِهِ) لما فتح مكّة وقد باع عقيل بن أبِي طالِب داره فقيل له يا رسُول اللّه ألا ترجع إلى دارك فقال (صَلَّى اللّه عَلَيْهِ وَآلِهِ) و هل ترك عقيل لنا داراً إنا أهل بيتٍ لا نسترجِعُ شيئاً يُؤخذُ مِنّا ظلماً فلِذلِك لم يسترجع فدك لمّا ولي. (2)
2 - عن أبي بصير عن أبي عبدِ اللّه (عَلَيهِ السَّلَامُ) قال: قُلتُ لهُ لِم لم يأخُذ أَمِيرُ المؤمِنِين (عَلَيهِ السَّلَامُ) فدك لَا ولي النّاس ولأيّ عِلَّةٍ تركها فقال لأن الظالم والمظلوم كانا قدما على اللّه عزّوجلّ وأثاب اللّه المظلوم و عاقب الظالم فكره أن يسترجع شيئاً قد عاقب اللّه عليه غاصِبه وأثاب عليه المغصُوب. (3)
3 - عليّ بن الحسنِ بنِ عليّ بن فضال عن أبيه عن أبي الحسن (عَلَيهِ السَّلَامُ) قال: سألته عن أمِيرِ المؤمِنِين لِم لم يسترجع فدكاً لما ولي النّاس فقال لأنا أهل بيت لا نأخُذُ حُقُوقنا من ظلمنا إلّا هُو و نحنُ أَولِياءُ المؤمِنِين إِنَّما نحكُمُ لهم ونأخُذُ حُقُوقهُم تِمن ظلمهم ولا نأخُذُ لأنفُسِنا. (4)
ص: 337
1- قال أبو جعفر (عَلَيهِ السَّلَامُ) قال النّاسُ كيف الصّلاة عليه فقال عليَّ إِنَّ رسُول اللّه إِمامٌ حياً وميتاً فدخل عليه عشرةً عشرةً فصلّوا عليه يوم الإثنين وليلة الثلاثاء حتّى الصباح ويوم الثلاثاء حتّى صلّى عليه الأقرباء والخواص ولم يحضُر أهلُ السّقِيفةِ وكان على أنفذ إليهم بريدة وإنّما تمت بيعتهم بعد دفنه. (1)
2. عن قُليبِ بنِ حَمَّادٍ، عن مُوسى بنِ عبدِ اللّه بنِ الحسنِ قال: كُنتُ مع أبي بمكة فلقِيتُ رَجُلًا مِن أهلِ الطَّائِفِ مولّى لِثقِيف نال مِن أبي بكرٍو عُمر...فقال :...فواللّه ما صلّيا على رسُول اللّه (صَلَّى اللّه عَلَيْهِ وَآلِهِ)، و لقد مكث ثلاثاً ما دفنُوهُ، إِنَّهُ شغلهم ما كانا يُبرِمانِ. (2)
3. قال الشيخ المفيد: ولم يحضر دفن رسُول اللّه (صَلَّى اللّه عَلَيْهِ وَآلِهِ) أكثرُ النّاسِ لِما جرى بين المهاجرين و الأنصارِ مِن التشاجُرِ فِي أمر الخلافة وفات أكثرهُمُ الصّلاة عليهِ لِذلِك وأصبحت فاطمة (عَلَيهَا السَّلَامُ) تُنادِي واسوء صباحاه فسمعها أبو بكر فقال لها إنّ صباحكِ لصباحُ سوء واغتنم القومُ الفرصة لِشُغُلِ عليّ بن أبِي طالِب بِرسُول اللّه (صَلَّى اللّه عَلَيْهِ وَآلِهِ) و انقطاع بَنِي هاشم عنهم بمصابهم بِرَسُولِ اللّه (صَلَّى اللّه عَلَيْهِ وَآلِهِ) فتبادروا إلى ولاية الأمرِ و اتفق لأبي بكر ما اتفق لاختِلافِ الأنصارِ فيما بينهم وكراهة الطلقاء والمؤلّفةِ قُلُوبُهُم مِن تأخُرِ الأمر حتّى يفرغ بنُوهاشِمٍ فيستقر الأمر مقره فبايعوا أبا بكرٍ لِحُضُوره المكان وكانت أسبابٌ معرُوفةٌ تيسّر منها للقومِ ما راموه ليس هذا الكِتابُ موضع ذكرها فنشرح القول فيها على التفصيل.
وقد جاءتِ الرّواية أنَّه لما تم لأبي بكرما تم وبايعه من بايع جاء رجُلٌ إلى
ص: 338
أمير المؤمنين (عَلَيهِ السَّلَامُ) و هُو يسوي قبر رسُول اللّه (صَلَّى اللّه عَلَيْهِ وَآلِهِ) يمسحاةٍ فِي يَدِهِ فقال لهُ إِنَّ القوم قد بايعوا أبا بكرو وقعتِ الخذله فِي الأنصارِ لاختلافهم وبدر الطلقاء بالعقدِ لِلرّجُلِ خوفاً مِن إِدراكِكُمُ الأمر فوضع طرف المسحاةِ فِي الأرضِ ويده عليها ثمّ قال (بِسْمِ اللّهِ الرَّحْمَنِ الرَّحِيمِ * الم * أَحَسِبَ النَّاسُ أَنْ يُتْرَكُوا أَنْ يَقُولُوا آمَنَّا وَهُمْ لَا يُفْتَنُونَ * وَلَقَدْ فَتَنَّا الَّذِينَ مِنْ قَبْلِهِمْ فَلَيَعْلَمَنَّ اللَّهُ الَّذِينَ صَدَقُوا وَلَيَعْلَمَنَّ الْكَاذِبِينَ * أَمْ حَسِبَ الَّذِينَ يَعْمَلُونَ السَّيِّئَاتِ أَنْ يَسْبِقُونَا سَاءَ مَا يَحْكُمُونَ ﴾ (1) و (2)
1- عن فضيلِ الرّسانِ، قال سمعت أبا داود، وهُو يقولُ حدّثني بريدة الأسلمي، قال: سمعتُ رسُول اللّه (صَلَّى اللّه عَلَيْهِ وَآلِهِ) يقُولُ إِنَّ الجنَّة تشتاق إلى ثلاثة، قال فجاء أبوبكر، فقيل له يا أبا بكر أنت الصِّدِّيقُ وأنت (ثَانِيَ اثْنَيْنِ إِذْ هُمَا فِي الْغَارِ) (3)، فلو سألت رسُول اللّه (صَلَّى اللّه عَلَيْهِ وَآلِهِ) من هؤلاء الثّلاثة قال إِنِّي أخافُ أن أسأله فلا أكون منهم فتعيرني بِذلِكَ بِنُوتيم، قال، ثمّ جاء عُمرُ، فقِيل له يا أبا حفص إِنّ رسُول اللّه (صَلَّى اللّه عَلَيْهِ وَآلِهِ) قال إنّ الجنَّة تشتاق إلى ثلاثة وأنت الفارُوقُ الّذي ينطِقُ الملِكُ على لسانك فلوسألت رسُول اللّه مِن هؤُلاءِ الثّلاثة فقال إِنِّي أخافُ أن أسأله فلا أكُون مِنهم فتعيرني بِذلِك بنُو عدِي. ثمّ جاء عليّ (عَلَيهِ السَّلَامُ) فقيل له يا أبا الحسنِ إِنَّ رسُول اللّه (صَلَّى اللّه عَلَيْهِ وَآلِهِ) قال إنّ الجنَّة لتشتاق إلى ثلاثة فلو سألتهُ مِن هؤلاء الثّلاثة فقال أسألُهُ إِن كُنت منهم حمدت اللّه وإن لم أكُن مِنهم حمدت بِاللّه، قال فقال عليّ (عَلَيهِ السَّلَامُ) يا رسُول اللّه إِنَّكَ قُلت إنّ الجنَّة لتشتاق إلى ثلاثة فمن هؤلاء الثّلاثة قال أنت منهم وأنت أولهم، وسلمان الفارسي فإِنَّهُ قلِيلُ الكِبر و هُو لك ناصِحٌ فاتخِذه لنفسك، وعمّار بن ياسر شهد معك مشاهد غير واحِدَةٍ ليس مِنها إِلَّا وهُو فيها، كثِيرٌ خيرُهُ، ضَوِيٌّ نُورُهُ، عَظِيمٌ أَجرُهُ. (4)
ص: 339
2 - قال الإمام (عَلَيهِ السَّلَامُ) : عن أبيه، عن جده، عن رسُول اللّه (صَلَّى اللّه عَلَيْهِ وَآلِهِ)، قال: ما من عبد ولا أمة أعطى بيعة أمير المؤمنين عليّ (عَلَيهِ السَّلَامُ) فِي الظاهِرِ، ونكثها فِي الباطِنِ وأقام على نِفاقِهِ إِلّا وإذا جاءه ملك الموتِ ليقبض روحه تمثل لَهُ إِبليس و أعوانه.
و تمثّل النّيرانُ وأصناف عذابِها لِعينيهِ وقلبه و مقاعِدِهِ مِن مضايقها.
و تمثّل له أيضاً الجنان و منازِلُهُ فِيها لو كان يقي على إيمانِهِ، و وفى بِبيعتِهِ فَيَقُولُ لهُ ملكُ الموتِ: انظر فتلك الجِنانُ الّتي لا يُقدِّرُ قدر سرائها وبهجتها وسُرُورِها إِلَّا اللّه ربُّ العالمين كانت مُعدّةً لك، فلو كُنت بقيت على ولايتك لأخِي محمّد رسُول اللّه (صَلَّى اللّه عَلَيْهِ وَآلِهِ) كان إليها مصيرك يوم فصل القضاء، لكنّك (نكثت وخالفت) فتلك النيران وأصناف عذابِها و زبانيتها و مرزباتُها و أفاعِيها الفاغرة أفواهها، وعقارِبُها النّصابةُ أذنابها، وسباعُها السّائِلِةُ مخالبها، وسائِرُ أصنافِ عذابها هولك و إليها مصيرك.
فعِند ذلك يقُولُ: (يَا لَيْتَنِي اتَّخَذْتُ مَعَ الرَّسُولِ سَبِيلًا) (1) فقبلتُ ما أمرني والتزمتُ مِن مُوالاةِ عليّ (عَلَيهِ السَّلَامُ) ما ألزمني. قال عليّ بن الحُسين (عَلَيهِمَا السَّلَامُ) وكان نظيرها لعلي بن أبِي طالِب (عَلَيهِ السَّلَامُ) مع جد بن قيس وكان تالي عبد اللّه بن أبي فِي النفاق، كما أن علياً تالي رسُول اللّه (صَلَّى اللّه عَلَيْهِ وَآلِهِ) فِي الكمال والجمال والجلال.
و تفرّد جد مع عبدِ اللّه بنِ أَبي بعد هذِهِ القِصَّةِ الّتي سلّم اللّه مِنها محمّداً وصحبه وقلبها على عبد اللّه بن أبي فقال له: إِنَّ محمّداً (صَلَّى اللّه عَلَيْهِ وَآلِهِ) ماهِرٌ بِالسّحر، وليس عليّ (عَلَيهِ السَّلَامُ) كمثلِهِ، فاتخذ أنت يا جد لعلي دعوةً بعد أن تتقدّم فِي تنبِيش أصل حائِطِ بُستانِك، ثمّ يقفُ رِجالٌ خلف الحائِطِ بِخشب يعتمدون بها على الحائط، ويدفعُونه على عليّ (عَلَيهِ السَّلَامُ) و من معهُ لِيمُوتُوا تحته. فجلس عليّ (عَلَيهِ السَّلَامُ) تحت الحائط فتلقاه بيسراه و دفعه وكان الطعام بين أيديهم فقال عليّ (عَلَيهِ السَّلَامُ) : كُلُوا بِسمِ اللّه. وجعل يأكل معهم حتّى أكلوا وفرغوا، وهُو مُسِكُ الحَائِط بِشِمَالِهِ و الحائط ثلاثون ذراعاً طوله فِي خمسة عشر ذراعاً سمكةً، فِي ذراعينِ غِلظة فجعل أصحاب
ص: 340
عليّ (عَلَيهِ السَّلَامُ) وهم يأكُلُون يقُولُون: يا أخا رسُول اللّه أفتُحامِي هذا و أنت تأكُلُ فإنّك تتعب فِي حبسك هذا الحائط عنا.
فقال عليّ (عَلَيهِ السَّلَامُ) : إِنِّي لستُ أجِدُ لَهُ مِن المس بيسارِي إِلّا أقلّ مِمّا أَجِدُهُ مِن ثِقل هذِهِ اللُّقَمَةِ بيميني.
و هرب جد بن قيس، وخشي أن يكون على قدمات وصحبه، وأن محمّداً يطلُبُهُ لِينتقم مِنهُ، واختبأ عِند عبدِ اللّه بن أبي، فبلغهم أن عليّاً قد أمسك الحائِط بِيسارِهِ وهُو يَأكُلُ بِيَمِينِهِ، و أصحابه تحت الحائط لم يموتُوا.
فقال أبو الشُّرورِ وأبو الدّواهِي اللذان كانا أصل التدبير فِي ذلك: إن عليّاً قد مهر بسحر محمّد فلا سبيل لنا عليه.
فلَمّا فرغ القومُ مال عليّ (عَلَيهِ السَّلَامُ) على الحائط بيساره فأقامه وسواه، ورأب صدعه، ولأم شعبه، و خرج هُو و القومُ فَلَمّا رآه رسُول اللّه (صَلَّى اللّه عَلَيْهِ وَآلِهِ). قال له: يا أبا الحسن ضاهيت اليوم أخي الخضر لما أقام الجدار، و ما سهل اللّه ذلِك لَهُ إِلَّا بِدُعَائِهِ بِنا أهل البيت. وأما تكثِيرُ اللّه القليل من الطعام لمحمّد (صَلَّى اللّه عَلَيْهِ وَآلِهِ) فإن رسُول اللّه (صَلَّى اللّه عَلَيْهِ وَآلِهِ) كان يوماً جالساً هُو و أصحابُهُ بِحضرة جمع مِن خِيار المهاجرين والأنصارِ إِذ قال رسُول اللّه (صَلَّى اللّه عَلَيْهِ وَآلِهِ):
إن شدقي يتحلّبُ، و أجِدُنِي أشتهي حرِيرةً مدوسةً مُلبّقةً بِسمن و عسل.
فقال عليّ (عَلَيهِ السَّلَامُ) : وأنا أشتهي ما يشتهيه رسُول اللّه (صَلَّى اللّه عَلَيْهِ وَآلِهِ).
قال رسُول اللّه (صَلَّى اللّه عَلَيْهِ وَآلِهِ) لأبي الفصيل ما ذا تشتهي أنت قال: خاصرة حمل مشوي.
و قال لأبي الشُّرُورِ و أبي الدواهي (ما ذا تشتهيان أنتما) قالا: صدر حمل مشوي.
فقال رسُول اللّه (صَلَّى اللّه عَلَيْهِ وَآلِهِ): أَيُّ عبدٍ مُؤمِنٍ يُضِيفُ اليوم رسُول اللّه (صَلَّى اللّه عَلَيْهِ وَآلِهِ) و صحبه و يُطْعِمُهم شهواتهم.
فقال عبد اللّه بن أبي : هذا واللّه اليومُ الّذي نَكِيدُ فِيهِ محمّداً و صحبه و[مُحِبيه] ونقتُلُهُ، و تُخلّص العِباد والبلاد مِنهُ، وقال: يا رسُول اللّه أنا أُضيفُكُم، عِندِي شيءٌ مِن بُرّو سمنٍ و عسلٍ، و عِندِي حملٌ أشويه لكُم.
ص: 341
قال رسُول اللّه (صَلَّى اللّه عَلَيْهِ وَآلِهِ): فافعل.
فذهب عبد اللّه بن أبي، وأكثر السم فِي ذلك البر الملبّقِ بالسمن والعسل، وفي ذلك الحمل المشوي، ثمّ عاد إلى رسُول اللّه (صَلَّى اللّه عَلَيْهِ وَآلِهِ) و قال: هلمُّوا إلى ما اشتهيتُم.
فقال رسُول اللّه (صَلَّى اللّه عَلَيْهِ وَآلِهِ): أنا و من قال ابن أبي أنت وعلي وسلمان وأبوذرو المقداد و عمار. فأشار رسُول اللّه (صَلَّى اللّه عَلَيْهِ وَآلِهِ) إلى أبي الشُّرُورِ وأبي الدواهي وأبي الملاهي وأبي النّكث وقال (صَلَّى اللّه عَلَيْهِ وَآلِهِ): يا ابن أبي دُون هؤلاء فقال ابنُ أَبي : نعم دون هؤلاء. وكرِه أَن يَكُونُوا معهُ لِأَنهم كانوا مُواطِئِين لابنِ أَبِي علي النِّفاقِ. (1)
3 - عن النّبيّ (صَلَّى اللّه عَلَيْهِ وَآلِهِ) قال: لا يُؤمَرُ رجُلٌ على عشرة فما فوقهُم إِلَّا جِيء بِهِ يوم القيامةِ مَغْلُولةً يده إلى عُنُقِهِ فإن كان مُحسناً فُكَ عنهُ وإِن كان مُسِيئاً زِيد غُلَّا إِلى غُلِّهِ. (2)
4 - عنِ المفضّل قال قال أبو عبد اللّه (عَلَيهِ السَّلَامُ) إِنّ اللّه تبارك و تعالى خلق الأرواح قبل الأجسادِ بألفي عام فجعل أعلاها و أشرفها أرواح محمّد و علي وفاطمة والحسن والحُسين والأئمّة بعدهم صلوات اللّه عليهم فعرضها على السّماواتِ والأرضِ و الجِبالِ فغشِيها نُورُهُم فقال اللّه تبارك و تعالى لِلسّماواتِ والأرض والجِبالِ هؤُلاءِ أحِبّائي وأوليائي و حُججي على خلقي وأئمّة برِيَّتِي ما خلقتُ خلقاً هُو أحبُّ إليَّ مِنهُم لهم ولمن تولّاهُم خلقتُ جنّتي ولمن خالفهم وعاداهُم خلقتُ ناري فمن ادعى منزلتهُم مِنّي و محلّهُم مِن عظمتي عذبتُهُ عذاباً لا أُعَذِّبُهُ أحداً من العالمين و جعلتُه والمشركين فِي أسفلِ دركِ مِن نارِي و من أقر بولايتهم ولم يدع منزِلتهُم مِنِّي ومكانهم مِن عظمتي جعلتُهُ معهم فِي روضاتِ جنّاتي وكان لهم فيها ما يشاءون عِندِي وأبحثهم كرامتي و أحللتهم جوارِي وشفّعتُهم فِي المذنبين مِن عِبادِي وإمائي فولايتهم أمانةٌ عِند خلقي فأَيُّكُم يحمِلُها بِأَثقالها ويدّعِيها لِنفسِهِ دُون خيراتي فأبتِ السّماوات والأرضُ والجبال أن يحملنها و أشفقن مِنِ ادّعاءِ منزِلَتِها وتمني محلّها مِن عظمة ربّها فلَمّا أسكن اللّه عزّ و جلّ آدم و زوجته الجنَّة
ص: 342
قال لهما (كُلَا مِنْهَا رَغَدًا حَيْثُ شِئْتُمَا وَلَا تَقْرَبَا هَذِهِ الشَّجَرَةَ) يعني شجرة الحنطة (فَتَكُونَا مِنَ الظَّالِمِينَ﴾ (1) فنظر إلى منزلة محمّد وعلي وفاطمة والحسن والحُسين والأئمّة بعدهم فوجداها أشرف منازِلِ أهل الجنَّة فقالا يا ربَّنا لمن هذِهِ المنزلة فقال اللّه جلّ جلاله ارفعا ره وسكُما إلى ساق عرشي فرفعا رُءُوسهما فوجدا اسم محمّد وعلي وفاطمة والحسن والحُسين (عَلَيهِم السَّلَامُ) و الأئمّة صلوات اللّه عليهم مكتوبةً على ساق العرش بِنُورِ مِن نُورِ الجبار جلّ جلاله فقالا يا ربَّنا ما أكرم أهل هذه المنزلة عليك وما أحبّهم إليك و ما أشرفهم لديك فقال اللّه جلّ جلاله لولاهم ما خلقتُكُما هؤُلاءِ خزنةُ عِلمِي وأُمنائي على سري إياكما أن تنظرا إليهم بعينِ الحسد و تتمنّيا منزلتهم عِندِي و محلّهُم مِن كرامتي فتدخُلا بذلك فِي نهي وعصياني فتكونا من الظالمين قالا ربَّنا و من الظالمون قال المدّعُون لِمنزِلَتِهِم بِغير حقّ قالا ربَّنا فأرنا منازل ظالميهم فِي نارك حتّى نراها كما رأينا منزلتهم فِي جنّتِك فأمر اللّه تبارك وتعالى النّار فأبرزت جميع ما فيها مِن ألوانِ النّكالِ والعذابِ وقال اللّه عزّ و جلّ مكانُ الظَّالِمين لهُمُ المدّعِين لِمَنزِلَتِهم فِي أسفلِ دركِ مِنها (كُلَّمَا أَرَادُوا أَنْ يَخْرُجُوا مِنْهَا أُعِيدُوا فِيهَا) (2) وكُلّما نضجت جُلُودُهُم بَدِّلُوا سواها ليذُوقُوا العذاب يا آدم و يا حوّاء لا تنظرا إلى أنوارِي و حُججي بِعين الحسد فأُهبِطكُما عن جواري و أُحِلَّ بِكُما هواني (فَوَسْوَسَ لَهُمَا الشَّيْطَانُ لِيُبْدِيَ لَهُمَا مَا وُورِيَ عَنْهُمَا مِنْ سَوْآتِهِمَا وَقَالَ مَا نَهَاكُمَا رَبُّكُمَا عَنْ هَذِهِ الشَّجَرَةِ إِلَّا أَنْ تَكُونَا مَلَكَيْنِ أَوْ تَكُونَا مِنَ الْخَالِدِينَ * وَقَاسَمَهُمَا إِنِّي لَكُمَا لَمِنَ النَّاصِحِينَ * فدلّا هُما بِغُرُور) (3) وحملهما على تمنّي منزِلِتِهم فنظرا إليهم بعين الحسد فخُذلا حتّى أكلا من شجرة الحنطة فعاد مكان ما أكلا شعِيراً فأصلُ الحِنطةِ كُلّها مِمّا لم يأكلاه و أصلُ الشَّعِيرِ كُلِّهِ مِمّا عاد مكان ما أكلاهُ فلَمّا أكلا من الشجرة طار الحلي والخلل عن أجسادِهِما وبقيا عريانين (وَطَفِقَا يَخْصِفَانِ عَلَيْهِمَا مِنْ وَرَقِ الْجَنَّةِ وَنَادَاهُمَا رَبُّهُمَا أَلَمْ أَنْهَكُمَا عَنْ تِلْكُمَا الشَّجَرَةِ وَأَقُلْ لَكُمَا إِنَّ
ص: 343
الشَّيْطَانَ لَكُمَا عَدُوٌّ مُبِينٌ) (1) ف (قَالَا رَبَّنَا ظَلَمْنَا أَنْفُسَنَا وَإِنْ لَمْ تَغْفِرْ لَنَا وَتَرْحَمْنَا لَنَكُونَنَّ مِنَ الْخَاسِرِينَ) (2) قال اهبطا من جواري فلا يُجاوِرُنِي فِي جَنَّتِي من يعصِينِي فهبطا موكُولين إلى أنفُسِهِما فِي طلب المعاش فلَمّا أراد اللّه عزّ و جلّ أن يتوب عليهما جاءهُما جبرئيل فقال لهما إِنَّكُما إِنّا ظلمتُما أنفُسكُما بِتمنِّي منزِلِةِ من فضّل عليكما فجزاؤُكُما ما قد عُوقِبْتُما بِهِ مِن الهُبُوطِ مِن جِوارِ اللّه عزّ و جلّ إِلى أَرضِهِ فسلا ربِّكُما بِحَقِّ الأسماءِ الّتي رأيتُمُوها على ساق العرش حتّى يتوب عليكما فقالا اللّهمّ إنا نسألك بحق الأكرمين عليك محمّد وعلي و فاطِمة والحسنِ والحُسين والأئمّة إِلّا تُبت علينا و رحمتنا فتاب اللّه عليهِما ﴿إِنَّهُ هُو التَّوَّابُ الرّحِيمُ) (3) فلم تزل أنبياءُ اللّه بعد ذلِك يحفظون هذه الأمانة ويُخبِرُون بها أوصياءهم و المخلصين مِن أُمِهِم فيابون حملها ويُشفِقُون من ادّعائِها وحملها الإنسانُ الّذي قد عُرِف فأصلُ كلّ ظُلمٍ مِنهُ إِلى يوم القيامةِ وذلك قول اللّه عزّوجلّ (إِنَّا عَرَضْنَا الْأَمَانَةَ عَلَى السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضِ وَالْجِبَالِ فَأَبَيْنَ أَنْ يَحْمِلْنَهَا وَأَشْفَقْنَ مِنْهَا وَحَمَلَهَا الْإِنْسَانُ إِنَّهُ كَانَ ظَلُومًا جَهُولًا) (4). (5)
5 - عن أبي جعفر (عَلَيهِ السَّلَامُ) فِي قوله عزّ و جلّ (ظَهَرَ الْفَسَادُ فِي الْبَرِّ وَالْبَحْرِ بِمَا كَسَبَتْ أَيْدِي النَّاسِ) (6) قال ذاك واللّه حين قالتِ الأنصارُ مِنَا أَمِيرُو مِنكُم أَمِيرٌ. (7)
6 - عن أبان بن تغلب عن مُسلِم قال سمعت أبا ذر و المقداد بن الأسود وسلمان (رضي اللّه عنهم) قالُوا كُنّا قُعُوداً عِند رسُول اللّه (صَلَّى اللّه عَلَيْهِ وَآلِهِ) ما معنا غيرُنا إذ أقبل ثلاثة رهط من المهاجرين البدريين فقال رسُول اللّه (صَلَّى اللّه عَلَيْهِ وَآلِهِ) تفترقُ أُمّتي ثلاث فرقٍ فِرقةٌ أهلُ حقّ لا يشُوبُون بِباطِل
ص: 344
مثلُهُم كمثلِ الذهبِ كُلّما فتنتهُ بِالنّارِ ازداد حُسناً و ثناءً إمامُهُم هذا لأحد الثّلاثة وفرقة أهل باطِل لا يشُوبُون بِحق مثلُهُم كمثلِ الحَدِيدِ كُلّما فتنتهُ بِالنّارِ ازداد خبثاً ونتناً وإمامهم هذا لأحد الثّلاثة وفرقةٌ أهل ضلالةٍ مُذبذبين بين ذلك لا إلى هؤلاء ولا إلى هؤلاء إمامُهُم هذا لأحد الثّلاثة قال فسألته عن أهلِ الحقّ وإِمامِهِم فقال عليّ بن أبِي طالِب إِمام المتقين وأمسك عن الإثنين فجهدتُ أن يفعل فلم يفعل (1).
7 - عن حكم بن جبير قال : قُلتُ لأبي جعفر محمّد بن علي (عَلَيهِمَا السَّلَامُ): إن الشعبي يروي عندنا بالكوفة أن علياً (عَلَيهِ السَّلَامُ) قال : خيرُ هذِهِ الأُمّة بعد نبيها أبوبكر و عُمرُ، فقال: إِنَّ الرّجُل يُفضّلُ على نفسه من ليس هُو مِثلهُ حُبّاً وكرامةً، ثمّ أتيتُ عليّ بن الحُسين (عَلَيهِمَا السَّلَامُ) فأخبرته ذلك فضرب على فَخِذِي و قال : هُو أفضلُ مِنهُما كما بين السّماء والأرض. (2)
8 - عن عامِرِ الجهنيّ قال: دَخَلَ رسُول اللّه (صَلَّى اللّه عَلَيْهِ وَآلِهِ) المسجد و نحنُ جُلُوسٌ وفِينا أبوبكر و عُمرُو عُثمان وعليّ (عَلَيهِ السَّلَامُ) فِي ناحية فجاء النّبيّ (صَلَّى اللّه عَلَيْهِ وَآلِهِ) فجلس إلى جانب عليّ (عَلَيهِ السَّلَامُ) فجعل ينظُرُ يميناً وشمالًا ثمّ قال إنّ عن يمين العرش وعن يسار العرش لرِجالًا على منابر مِن نُورٍ تَتلألةُ وُجُوهُهُم نُوراً قال فقام أبوبكر و قال بأبي أنت وأمي يا رسُول اللّه أنا مِنهُم قال إجلس ثمّ قام إليهِ عُمرُ فقال مِثل ذلِك فقال له إجلس فلما رأى ابن مسعودٍ ما قال لهما النّبيّ (صَلَّى اللّه عَلَيْهِ وَآلِهِ) قام حتّى استوى قائِماً على قدميهِ ثمّ قال بِأبي أنت و أُمِّي يا رسُول اللّه صفَهُم لنا نعرفهم بصفتهم قال فضرب على منكب عليّ (عَلَيهِ السَّلَامُ) ثمّ قال هذا و شيعتُهُ هُمُ الفائِزُون. (3)
9 - عَن عَائِشَةَ قَالَت كَانَ رسُول الله صلى الله عليه وآله فِي بَيْتِي إِذ طُرِقَ البَابُ فَقَالَ قُومِي فَافْتَحِي البَابَ لِأَبِيكَ يَا عَائِشَةُ فَقُمتُ وَفَتَحتُ لَهُ فَجَاءَ وَسَلَّمَ وَ جَلَسَ فَرَدَّ السَّلَامَ وَ لَم يَتَحَرَّكَ لَهُ ثُمَّ طُرِقَ البَابُ فَقَالَ قُومِي فَافْتَحِي البَابَ لِعُمَرَ فَقُمتُ وَفَتَحتُ لَهُ وَظَنَنتُ أَنَّهُ أَفَضَلُ مِن
ص: 345
أَبِي فَجَاءَ فَسَلَّمَ وَ جَلَسَ فَرَدَّ عَلَيْهِ وَ لَم يَتَحَرَّكَ لَهُ فَجَلَسَ قَلِيلًا وَ طُرِقَ البَابُ فَقَالَ قُومِي فَافْتَحِي البَابَ لِعُثمَانَ فَقُمتُ وَ فَتَحتُ فَسَلَّمَ فَرَدَّ عَلَيْهِ وَ لَم يَتَحَرَّكَ لَهُ وَ جَلَسَ ثُمَّ طُرِقَ البَابُ فَوَثَبَ النَّبِيُّ صلى الله عليه وآله وَفَتَحَ البَابَ فَإِذَا علي بن أبي طالِبٍ عليه السلام فَدَخَلَ وَ أَخَذَ بِيَدِهِ وَ عَلِيُّ أَجْلَسَهُ وَنَاجَاهُ طَوِيلًا ثُمَّ خَرَجَ وَ تَبِعَهُ إِلَى البَابِ فَلَمَّا خَرَجَ قُلْتُ يَا رَسُولُ اللَّهِ دَخَلَ أَبِي فَمَا قُمتَ لَهُ ثُمَّ جَاءَ عُمَرُوَ عُثمَانُ فَلَم تُوَكَّرِهُمَا وَ لَم تَقُم هَمَا ثُمَّ جَاءَ عَلِيٌّ فَوَثَبَتَ إِلَيْهِ قَائِاً وَ فَتَحتَ لَهُ البَابَ أَنتَ فَقَالَ يَا عَائِشَةُ لَمَّا جَاءَ أَبُوكَ كَانَ جَبْرَئِيلُ بِالبَابِ وَهَمَمْتُ أَن أَقُومَ فَسَنَعَنِي وَ لَمَّا جَاءَ عَلِيٌّ عليه السلام وَثَبَتِ المَلَائِكَةُ تَختَصِمُ فِي فَتحِ البَابِ لَهُ فَقُمتُ فَأَصْلَحتُ بَينَهُم وَ فَتَحتُ البَابَ لَهُ وَ أَجِلَستُهُ وَ قَرَّبْتُهُ عَن أَمرِ اللهِ فحدثني [فَحَدِّثِي] عَنِّي هَذَا الْحَدِيثَ وَاعْلَمِي أَنَّ مَن أَحيَاهُ اللهُ مُتَّبِعاً لِسُنَّتِي عَامِلًا بِكِتَابِ اللهِ مُوَالِياً لِعَلِي عليه السلام حَتَّى يَتَوَفَّاهُ اللَّهُ لَقِ اللَّهَ وَلَا حِسَابَ عَلَيْهِ وَكَانَ فِي الفِردَوسِ الأَعْلَى مَعَ النَّبِيِّينَ وَالصِّدِّيقِينَ (1)
10 - عَنِ ابْنِ عَبَّاسٍ وَ غَيرِهِ لَمَّا نَزَلَ قَولُهُ تَعَالَى {إِنَّمَا المُؤْمِنُونَ إِخْوَةٌ آخَى رسُول الله بَينَ الأَشْكَالِ وَ الأَمْثَالِ فَآخَى بَينَ أَبِي بَكْرٍ وَ عُمَرَوَ بَينَ عُثمَانَ وَ عَبدِ الرَّحْمَنِ وَبَينَ سَعِدِ بنِ أَبِي وَقَّاصٍ وَسَعِيدِ بنِ زَيدٍ وَبَينَ طَلْحَةَ وَالزُّبَيرِوَ بَينَ أَبِي عُبَيدَةَ وَ سَعدِ بنِ مُعَادٍ وَ بَينَ مُصْعَبِ بْنِ عُمَيرِوَ أَبِي أَيُّوبَ الأَنصَارِيِّ وَ بَينَ أَبِي ذَرٍوَ ابْنِ مَسْعُودٍ وَ بَينَ سَلَمَانَ وَحُذَيْفَةَ وَبَينَ حَمَزَةً وَ زَيدِ بنِ حَارِثَةَ وَ بَينَ أَبِي الدَّرْدَاءِ وَبِلَالٍ وَبَينَ جَعَفَرِ الطَّيَّارِ وَ مُعَاذِ بنِ جَبَلٍ وَبَينَ الْمِقدَادِ وَ عَمَّارٍ وَ بَينَ عَائِشَةَ وَ حَفْصَةَ وَبَينَ زَينَبَ بِنتِ جَحْشٍ وَ مَيْمُونَةَ وَبَينَ أُمِّ سَلَمَةَ وَصَفِيَّةَ حَتَّى آخَى بَينَ أَصْحَابِهِ بِأَجْمَعِهِم عَلَى قَدرِ مَنَازِهِم ثُمَّ قَالَ: أَنتَ أَخِي وَأَنَا أَخُوكَ يَا عَلِيُّ.(2)
11- قَالَ سُلَيمٌ سَأَلتُ المِقدَادَ عَن عَلِي عليه السلام قَالَ كُنَّا نُسَافِرُ مَعَ رَسُولِ اللَّهِ صلى اللَّهُ عليه واله قَبْلَ أَن يَأْمُرَ نِسَاءَهُ بِالحِجَابِ وَهُوَ يَخدُمُ رسُول الله صلى الله عليه وآله لَيسَ لَهُ خَادِمٌ غَيرُهُ وَكَانَ لِرَسُول الله صلى الله عليه وآله لِحَافٌ لَيسَ لَهُ لِحَافٌ غَيْرُهُ وَ مَعَهُ عَائِشَةُ فَكَانَ رَسُول الله صلى الله عليه وآله يَنَامُ بَينَ عَلَيَّ وَعَائِشَةَ لَيسَ عَلَيْهِم لِحَافٌ غَيْرُهُ فَإِذَا قَامَ رَسُولُ اللهِ مِنَ اللَّيلِ يُصَلِّي حَطَّ بِيَدِهِ الحَافَ مِن وَسَطِهِ بَينَهُ وَبَينَ
ص: 346
عَائِشَةَ حَتَّى يَمَسَّ اللَّحَافُ الفِرَاشَ الَّذِي تَحتَهُم وَ يَقُومُ رَسُولِ اللَّهِ فَيُصَلِّي فَأَخَذَت عَلِيّ عليه السلام الحُمَّى فَأَسهَرَتهُ فَسَهَرَ رَسُول الله صلى الله عليه واله بِسَهَرِهِ فَبَاتَ لَيلَهُ مَرَّةً يُصَلِّي وَ مَرَّةٌ يَأْتِي عَلِيّاً عَليه السلام يُسَلِّيهِ وَيَنظُرُ إِلَيهِ حَتَّى أَصْبَحَ فَلَمَّا صَلَّى بِأَصْحَابِهِ الغَدَاةَ قَالَ اللَّهُمَّ اسْفِ عَلِيّاً وَعَافِهِ فَإِنَّهُ قَد أَسهَرَنِي مِمَّا بِهِ مِنَ الوَجَعِ فَعُوفِيَ فَكَأَنَّمَا نَشِطَ مِن عِقَالٍ مَا بِهِ مِن عِلَّةٍ ثُمَّ قَالَ رَسُولُ اللَّهِ أَبْشِرِيَا أَخِي قَالَ ذَلِكَ وَ أَصْحَابُهُ حَولَهُ يَسْمَعُونَ فَقَالَ عَلِيٌّ عليه السلام بَشَّرَكَ اللَّهُ بِخَيرِيَا رَسُولُ اللَّهِ وَ جَعَلَنِي فِدَاكَ قَالَ إِنِّي لَم أَسأَلِ اللهَ اللَّيْلَةَ شَيئاً إِلَّا أَعْطَانِيهِ وَ لَم أَسأَلَ لِنَفْسِي شَيئاً إِلَّا سَأَلَتُ لَكَ مِثْلَهُ إِنِّي دَعَوتُ اللهَ أَن يُؤَاخِيَ بَيني وَبَينَكَ فَفَعَلَ وَسَأَلْتُهُ أَن يَجْعَلَكَ وَلِيَّ كُلِّ مُؤْمِنٍ بَعدِي فَفَعَلَ وَسَأَلْتُهُ إِذَا أَلبَسَنِي ثَوبَ النُّبُوَّةِ وَالرِّسَالَةِ أَن يُلبِسَكَ ثَوبَ الوَصِيَّةِ وَالشَّجَاعَةِ فَفَعَلَ وَسَأَلْتُهُ أَن يَجْعَلَكَ وَصِي وَ وَارِثِي وَ خَازِنَ عِلْمِي فَفَعَلَ وَ سَأَلْتُهُ أُقسِمُ بِاللهِ أَن يَجْعَلَكَ مِنِّي بِنزِلَةِ هَارُونَ مِن مُوسَى وَ أَن يَشُدَّ بِكَ أَزِرِي وَ يُشْرِكَكَ فِي أَمْرِي فَفَعَلَ إِلَّا أَنَّهُ لَا نَبِيَّ بَعْدِي فَرَضِيتُ وَ سَأَلْتُهُ أَن يُزَوجَكَ ابنَتِي وَ يَجْعَلَكَ أَبَا وُلدِي فَفَعَلَ فَقَالَ رَجُلٌ لِصَاحِبِهِ أَرَأَيْتَ مَا سَأَلَ فَوَاللَّهِ لَو سَأَلَ رَبَّهُ أَن يُنزِلَ عَلَيْهِ مَلَكاً يُعِينُهُ عَلَى عَدُوّهِ أَو يَفتَحَ لَهُ كَنزاً يُنفِقُهُ هُوَ وَ أَصْحَابُهُ فَإِنَّ بِهِ حَاجَةٌ كَانَ خَيرًا لَهُ مِمَّا سَأَلَ وَ قَالَ الْآخَرُ وَ اللَّهِ لَصَاعٌ مِن تَرِ خَيْرٌ مِمَّا سَأَل(1)
12- عَنِ ابْنِ عَبَّاسٍ أَنَّ النَّبِيَّ صلى اللهعليه واله اشتَرَى مِن أَعرَابِي نَاقَةً بِأَرْبَعِمِائَةِ دِرْهَم فَلَمَّا قَبَضَ الأَعْرَابِيُّ المَالَ صَاحَ الدَّرَاهِمُ وَ النَّاقَةُ لِي فَأَقْبَلَ عَلَى أَبِي بَكرٍ فَقَالَ اقْضِ فِيمَا بَينِي وَ بَينَ الْأَعْرَابِي فَقَالَ القَضِيَّةِ وَاضِحَةٌ تَطْلُبُ البَيِّنَةَ فَأَقْبَلَ عُمَرُ فَقَالَ كَالأَوَّلِ فَأَقْبَلَ عَلِيٌّ عَليه السلام فَقَالَ صلى الله عليه وال: أَتَقبَلُ الشَّابَ المُقبِلَ ؟ قَالَ نَعَم ! فَقَالَ الأَعْرَابِيُّ : النَّاقَةُ نَاقَتِي وَالدَّرَاهِمُ دَرَاهِمِي فَإِن كَانَ بِمُحَمَّدٍ شيئا [شَيٌّ فَليُقِمِ البَيِّنَةَ عَلَى ذَلِكَ فَقَالَ عَليه السلام خَلَّ عَنِ النَّاقَةِ وَ عَن رسول الله صلى الله عليه وآله ثَلَاثَ مَرَّاتٍ فَاندَفَعَ فَضَرَبَهُ ضَرَبَةً فَاجْتَمَعَ أَهْلُ الْحِجَازِ أَنَّهُ رَمَى بِرَأْسِهِ وَقَالَ بَعضُ أَهْلِ العِرَاقِ بَل قَطَعَ مِنْهُ عُضواً فَقَالَ: يَا رَسُول الله نُصَدِّقُكَ عَلَى الْوَحِي وَلَا نُصَدِّقُكَ عَلَى أَرْبَعِمِائَةِ دِرْهَم ؟ وَ فِي خَبَرِ عَن غَيْرِهِ فَالتَفَتَ النَّبِيُّ إِلَيهِمَا فَقَالَ هَذَا حُكمُ اللَّهِ لَا مَا حَكَمَتُمَا بِهِ(2)
ص: 347
13 - عَنِ ابنِ عَبَّاسٍ قَالَ: قَالَ النَّبِيُّ لِعَلِي صَلَوَاتُ اللَّه عَلَيْهِمَا والهما: قُم بِنَا إِلَى الصَّنَمِ فِي أَعلَى الكَعْبَةِ لِنَكَسِرَهُ فَقَامَا جَمِيعاً فَلَمَّا أَتَيَاهُ قَالَ لَهُ النَّبِيُّ صلى اله عليه واله قُم عَلَى عَاتِقِ حَتَّى أَرْفَعَكَ عَلَيهِ فَأَعْطَاهُ عَلِيٌّ ثَوبَهُ فَوَضَعَهُ رسُول الله صلى الله علیه وآله عَلَى عَاتِقِهِ ثُمَّ رَفَعَهُ حَتَّى وَضَعَهُ عَلَى البَيتِ فَأَخَذَ عَلِيُّ عليه السلام الصَّلَمَ وَ هُوَ مِن نُحَاسٍ فَرَمَى بِهِ مِن فَوقِ الكَعْبَةِ فَنَادَى رسول الله صلى الله عليه وآله انزل فَوَثَبَ مِن أَعلَى الكَعْبَةِ كَأَنَّمَا كَانَ لَهُ جَنَاحَانِ وَيُقَالُ إِنَّ عُمَرَ كَانَ تَمَنَّى ذَلِكَ فَقَالَ عَليه السلام م إِنَّ الَّذِي عَبَدَهُ لَا يَقلَعُهُ وَ لَمَّا صَعِدَ أَبُو بَكرٍ المِنبَرَ نَزَلَ مِرقَاةً فَلَمَّا صَعِدَ عُمَرُ نَزَلَ مِرْقَاةً فَلَمَّا صَعِدَ عُثمَانُ نَزَلَ مِرقَاةٌ (1)فَلَمَّا صَعِدَ عَلِيٌّ صَلَوَاتُ اللهِ عَلَيهِ صَعِدَ إِلَى مَوضِعٍ يَجْلِسُ عَلَيهِ رسول الله صلى الله عليه وآله فَسُمِعَ مِنَ النَّاسِ ضَوضَاءُ(2) فَقَالَ مَا هَذَا الَّذِي أَسْمَعُهَا قَالُوا لِصُعُودِكَ إِلَى موضع رسول الله صلى الله عليه واله الَّذِي لَم يَصعَدهُ الَّذِي تَقَدَّمَكَ فَقَالَ سَمِعتُ رسول الله صلى الله عليه وآله يَقُولُ مَن قَامَ مَقَامِي وَلَم يَعمَل بِعَمَلِي أَكَبَّهُ اللهُ فِي النَّارِ وَ أَنَا وَاللَّهِ العَامِلُ بِعَمَلِهِ المُمتَثِلُ قَولَهُ الْحَاكِمُ بِحُكمِهِ فَلِذَلِكَ قُمتُ هُنَا ثُمَّ ذَكَرَ فِي خُطْبَتِهِ مَعَاشِرَ النَّاسِ قُمتُ مَقَامَ أَخِي وَابْنِ عَمِّي لِأَنَّهُ أَعْلَمَنِي بِسِرِّي وَ مَا يَكُونُ مِنِّي فَكَأَنَّهُ قَالَ أَنَا الَّذِي وَضَعتُ قَدَمِي عَلَى خَاتِمِ النُّبُوَّةِ فَمَا هَذِهِ الأَعوَادُ أَنَا مِن مُحَمَّدٍ وَ مُحَمَّدٌ مِنِّي.(3)
14- سأل صفوان بن يحيى أبا الحَسنِ عليه السلام عَن عَهدِ الجنّ، فقال عليه السلام: إنّ رسول الله لَم يكن جاهلاً لكنَّه أَرادَ الحُجَّةَ عَلَيهِم فَبعثَ العَهِدَ معَ الأول إلى وادي الجنّ فَلَم يرد عليه أحد فبعتَ معَ الثَّاني فكان كذلكَ فَأوحى الله تعالى [... فقالَ] النَّبِيُّ صلى الله عليه وآله : لا يبلغ عنِّي غيرُ أمير المؤمنين فبعث العهد معَه وبَعثَهما [ لعنهما اللهُ مَعَ أمير المؤمنين فينادي : السَّلام عليكم ! فقالت الجنُّ : وعليك السلام ورحمة الله وبركاته يا أمير المؤمنين ! إهبط إِلَينا فَإِنَّا أُمِرْنا أَن لا نَرَدَّ السَّلَامَ إِلَّا عَلَى نبي أَو وصي نبي .
ص: 348
فَلَمَّا نَزَلَ إِليهم بسط له بساط ووُضِعَ له مِنبرٌ فصَعَدَ المنبر و فتَحَ الكتابَ فقَرأَ مِنهُ ما شاءَ اللهُ أَن يَقرأ و أقبلَ الثاني فيه على صاحبِهِ فقالَ: والله ما رأيتُ سِحراً أعجب من هذا! فقال صاحبه: وَأَيُّ شيءٍ رأيتَ مِن سحرِ علي فأَمرُ محمَّدٍ أعجب مِن أَمرِه ! إِنَّه لما كانَ ليلة الغارِ حملني قدامه فَاستَقبَلَه قومٌ مِن قُريش فقلتُ : قَد رَأونا ، فقال : ويلكَ ! لَو رَأونا لَم يَقعدوا بحذائِنا يُهرقون الماءَ فقالَ : إِنِّي لَأَرى سفينة جعفر و أصحابِه يَسيرون في البحر. فقلتُ : فَأرنيها ! فسحَ وَجهي فنظرتُ إليه ثم عاد المسحُ على وجهي فَإِذا أَنَا فِي الغارِ فَأضمرتُ عند ذلكَ أَنَّه ساحرٌ مَريد.(1)
15 - يقول الخواجة نصير الدين الطوسي فِي بيان عدم صلاحيتهم للإمامة : ان الجماعة غير على (عَلَيهِ السَّلَامُ) غير صالح للإمامة، لظلمهم، بتقدّم كفرهم. وخالف أبوبكر كتاب اللّه فِي منع إرث رسُول اللّه (صَلَّى اللّه عَلَيْهِ وَآلِهِ) بخبر رواه.
و منع فاطمة فدكا، مع ادعاء النّحلة وشهد بذلك على (عَلَيهِ السَّلَامُ) و أمّ ايمن وصدّق الأزواج فِي ادعاء الحجرة لهنّ ولهذا ردها عمر بن عبد العزيز و أوصت أن لا يصلى عليها أبوبكر، فدفنت ليلا و لقوله : أقيلونى فلست بخيركم و على فيكم ولقوله ان له شيطانا يعتريه ولقول عمر كانت بيعة أبى بكر فلتة وقى اللّه شرها فمن عاد الى مثلها فاقتلوه و شك عند موته فِي استحقاقه الإمامة و خالف الرسول (صَلَّى اللّه عَلَيْهِ وَآلِهِ) فى الاستخلاف عندهم و فى تولية من عزله (صَلَّى اللّه عَلَيْهِ وَآلِهِ)، و فى التخلف عن جيش أسامه مع علمهم بقصد التبعيد و ولى أسامه عليهم، فهُو أفضل وعلى (عَلَيهِ السَّلَامُ) لم يولّ عليه أحدا و هُو أفضل من أسامه ولم يتولّ عملا فی زمانه و اعطاه سوره براءه فنزل جبرئيل وأمر بردّه، وأخذ السورة منه، وان لا يقرأها إلّا هُو أو واحد من أهله فبعث بها عليا (عَلَيهِ السَّلَامُ)، ولم يكن عارفا بالأحكام حتّى قطع يسار سارق وأحرق بالنار ولم يعرف الكلالة ولا ميراث الجده ولم يحدّ خالدا ولا اقتص منه ودفن فى بيت رسُول اللّه (صَلَّى اللّه عَلَيْهِ وَآلِهِ)، وقد نهى اللّه تعالى دخوله فِي حياته وبعث الى بيت أمير المؤمنين (عَلَيهِ السَّلَامُ) لما امتنع من البيعه فأضرم فِيهِ النار، وفيه فاطمة، وجماعة من بنى هاشم وردّ عليه الحسنان (عَلَيهِمَا السَّلَامُ) لما بويع وندم على
ص: 349
کشف بيت فاطمة (عَلَيهَا السَّلَامُ). وأمر عمر برجم امرأة حامل، وأخرى مجنونة، فنهاه على (عَلَيهِ السَّلَامُ) فقال: لولا علی لهلک عمر و تشکک فی موت النّبيّ (صَلَّى اللّه عَلَيْهِ وَآلِهِ) حتّى علمه ابوبکر: «إنّک ميّت وإنّهم ميتون» فقال: كأنّى لم أسمع هذه الآيه وقال: كلّ الناس أفقه من عمر حتّى المخدرات، لما منع من المغالات فى الصداق وأعطى أزواج النّبيّ (صَلَّى اللّه عَلَيْهِ وَآلِهِ)، وأقرض ومنع اهل البيت من خمسهم وقضى فى الجدّ بمائة قضيّة، وفضّل فى القسمة ومنع المتعتين وحكم في الشورى بضدّ الصّواب و خرق كتاب فاطمة (عَلَيهَا السَّلَامُ).
و ولى عثمان من ظهر فسقه، حتّى أحدثوا فى أمر المسلمين ما أحدثوا و آثر أهله بالاموال و حمى لنفسه ووقع منه أشياء منكره فى حقّ الصحابة، فضرب «ابن مسعود» حتّى مات، وأحرق مصحفه و ضرب «أبا ذر» و نفاه الى الربذة وضرب «عمارا» حتّى أصابه فتق وأسقط القود عن ابن عمر، والحدّ عن «الوليد» مع وجوبهما، وخذلته الصحابة حتّى قتل وقال أمير المؤمنين (عَلَيهِ السَّلَامُ) : اللّه قتله، ولم يدفن إلّا بعد ثلاث وعابوا غيبته عن «أحد» و «بدر»، والبيعة. (1)
16 - يقول العلامة الشيخ يوسف البحراني: الشيخ الأجل إبراهيم ابن يحيى الإحسائي، كان من علماء دولة السلطان شاه عباس الماضي الصفوي، وكان والده أيضاً من العلماء وقد قال بعض العلماء فِي وصفه: انه كان عالما زاهداً فاضلا بارعاً، ثمّ قال: انه حكي لي ليلة أحد و عشرين من شهر رمضان من سنة سبع وتسعين وتسعمائة فِي الروضة المقدسة الرضوية عن أبيه فِي تفسير هذه اللعنة «اللّهمّ العن زبيلان و زقلل و عندقا» أن هذه الثّلاثة كانت القاب الثّلاثة فِي أيام الجاهلية ثمّ حكي عنه أيضاً أنَّه قال: قرأت فِي كتاب سماه أنَّه لما نزل قوله تعالى: (وَكَذَلِكَ جَعَلْنَا لِكُلِّ نَبِيٍّ عَدُوًّا شَيَاطِينَ الْإِنْسِ وَالْجِنِّ) (2) قيل: يا رسُول اللّه لك أيضاً شيطان من الأنس؟ قال: بلى، قيل: فمن هُو يا رسُول اللّه ؟ قال: زقلل، قال ابن عباس وهُو الراوي: فارتعدت فرائصنا و تعجبنا من قوله ذلك و لم ندر المعنى به إذ لم نسمع هذا الإسم من قبل حتّى توفي رسُول اللّه (صَلَّى اللّه عَلَيْهِ وَآلِهِ) وكان فِي زمن خلافة
ص: 350
الأول فكنا ذات يوم جلوس نتحدث عن أخبار الجاهلية إذا قال عمر: كنت فِي الجاهليه ملقبا بزقلل و أبوبكر بزبيلان و عثمان بعندقا، قال ابن عباس فتذكرنا قول رسُول اللّه (صَلَّى اللّه عَلَيْهِ وَآلِهِ) واطمأنت قلوبنا و علمنا انه (صَلَّى اللّه عَلَيْهِ وَآلِهِ) إنما عناه. انتهى. (1)
يقول الشيخ المذكور: نُقل فِي غير كتاب من كتب التواريخ و الأخبار أن المتوكل عليه اللعنة سهر ذات ليلة من الليالي و أقلقه السهر فطلب نديماً يفرج همه وغمه فأرسل من حضر له الحسن الكركدان المعروف بديك الجن، وكان الحسن المذكور شاعراً ماهراً أديباً و كان معروفاً بحب أهل البيت (عَلَيهِم السَّلَامُ) فلما وصلوا إلى داره طرق الشرطة الباب فقال: من بالباب؟
فقالوا: نحن رسل الخليفة إليك يدعوك إلى حضرته الشريفة، فلما سمع مقالتهم قال (لا حول و لا قوة إلّا باللّه العلي العظيم) وقام من وقته وساعته واغتسل غسل الأموات و تحنط بالذريرة والكافور و لبس كفنه و مضى إليه، فلما وصل إلى الخليفة قال: السلام عليك يا أمير المؤمنين فقال له المتوكل : لا سلام عليك ولا حياك ولا رعاك. فقال: على رسلك يا أميرالمومنين فما أمر اللّه عزّ وجلّ بهذا حيث يقول: (وَإِذَا حُيِّيتُمْ بِتَحِيَّةٍ فَحَيُّوا بِأَحْسَنَ مِنْهَا أَوْ رُدُّوهَا) (2) قال: فاستحسن المتوكل كلامه و خجل منه فقال: أدن مني قريباً فدنى فشم منه رائحة الكافور فقال له: ما لي أشم رائحة الموتى؟ فقال: لما دعوتني فِي هذا الوقت خفت على نفسي القتل فاغتسلت غسل الأموات و حضرت بين يديك فافعل ما بدا لك فقال: لا تخف إن كنت صادقا فقد بلغني عنك كلام وأنا أسألك عنه فاصدق تنج. قال : إسأل أخبرك بعون اللّه وحسن توفيقه. قال: بلغني أنك إذا خلوت بنفسك تنشد هذه الأبيات:
أصبحت جم بلابل الصدو *** وأبليت مطويا على الجمر
إن بحت يوماً ظل فِيهِ دم *** وإن سكت يضيق به صدري
قال: قل لي ما يطل به دمك ويضيق صدرك ؟ فقال : ولي الأمان ؟ فقال: قل ولك الأمان. فقال:
ص: 351
مما جناه على أبي حسن *** *عمرو ساحبه أبوبكر
جعلوك رابعهم أبا حسن *** منعوك حقّ الإرث والصهر
ولي الخلافة سابقوك وما *** سبقوك فِي أحد و لا بدر
وقتلت فِي بدر مشائخهم *** فلأجل ذا طلبوك بالوتر
فعلى الّذي يرضى بفعلهم *** أضعاف ما حملوا من الوزر
فقال المتوكل : قاتلك اللّه يا كركدان تشتمني فِي وجهي ؟ فقال: حاشا اللّه بل لا أقول إلّا الحقّ وشيمتك العدل والانصاف. فقال له: يا كركدان يجوز فِي مذهبك و اعتقادك أن يزيد بن معاوية كان كافراً؟ قال: نعم ورأسك العزيز. قال: بماذا قال لما قتل الحُسين (عَلَيهِ السَّلَامُ) و حمل إليه سبايا الحُسين والرأس معهم حط الرأس فِي طشت من الذهب قدامه؛ وبقي ينظر إلى الأوصاف الهاشمية والبهجة الفاطمية ويقرع ثناياه بقضيب كان عنده، فنسق غراب من أعلا القصر من أعلا حيطان داره؛ فاستوحش من كان فِي مجلسه من بَنِي أمية فأنشد يقول:
يا غراب البين ما شئت فقل *** إنما تندب أمراً قد فعل
ليت أشياخي ببدر شهدوا *** وقعة الخروج مع وقع الأسل
لأهلوا واستهلوا فرحا *** ثمّ قالوا يا يزيد لا تشل
قد قتلنا القوم من ساداتهم *** وعدلناه ببدر فاعتدل
لست من خندف إن لم أنتقم *** من بَنِي أحمد ما كان فعل
لعبت هاشم بالملك فلا *** خبر جاء ولا وحي نزل
قال: هذا شعر يزيد ؟ قال: نعم ورأسك العزيز. قال: قاتله اللّه ما كان أجرأه على الكفر، لكن يا حسن من أين أخذ هذا وإلى من استند و على رأي من اعتمد ؟ قال: على رأي معاوية. قال:
يجوز فِي مذهبك وإعتقادك أن معاوية كاتب الوحي كان كافراً ؟ قال: نعم. قال: وبماذا؟ قال: لأنَّه لما مرض مرض الموت عادته زوجته فقالت: وحقك لا أنكح بعدك بعلا فقال شعراً:
إذا مت يا أم الحميرة فانكحي *** فليس لنا بعد الممات تلاقيا
فإن كنت قد أخبرت عن مبعث لنا *** أساطير لهو يجعل القلب ساهياً
ص: 352
فقال المتوكل: هذا شعر معاوية ؟ قال : نعم هذا شعر معاوية ورأسك العزيز قال: يا حسن من أين أخذ هذا وإلى من استند و على رأي من اعتمد ؟ فقال: على رأي ابن الحبشية صهاك فقال: أيجوز فِي مذهبك و اعتقادك أنَّه كان كافراً ؟ قال : نعم. قال: بماذا؟ قال: لأنَّه دخل عليه يوم من شهر رمضان وهُو مخمور فقال لزوجته: إنبذي لنا تمراً فِي ماء لنشربه. فقال له: أما تستحي مر اللّه تشرب النبيذ فِي شهر رمضان ؟ فأنشد يقول:
أوعد فِي المعاد بشرب خمر *** وأنهى الان عن ماء وتمر
أبعث ثمّ حشرٌ ثمّ نشر *** حديث خرافة يا أم عمرو
قال المتوكل هذا شعره ؟ قال : نعم ورأسك العزيز. قال: قاتله اللّه ما أجرأه على الكفر لكن يا حسن من أين أخذ هذا وإلى من استند و على رأي من اعتمد ؟ فقال: اعتمد على رأي الأول. فقال المتوكل: ما بقي عند عبادان قرية؛ لكن يا حسن يجوز فِي مذهبك وإعتقادك أن الأول كان كافراً؟ قال: نعم قال : بماذا؟ قال: لأنَّه نادى زوجته فِي شهر رمضان أتينا بغدائنا فقالت له: أما تستحي من اللّه تأكل فِي شهر رمضان ؟ فانشأ يقول شعراً:
دعينا نصطبخ يا أم بكر *** فإن الموت نقب عن هشام
ونقب عن أبيك و كان قرماً *** شديد البأس شريب المدام
يخبرنا ابن كبشة أن سنحيا *** وكيف حياة امثلاء وهام
ولكن باطل قد قال هذا *** وافک من زخاريف الكلام
ولا يكفيه جمع المال حتّى *** أمرنا بالصّلاة وبالصيام
و يعجز أن يكف الموت عني *** ويحيني إذا بليت عظامي
فقل اللّه يمنعني شرابي *** وقل اللّه يمنعني طعامي
الاهل مخبر الرحمن عني *** بأني تارك شهر هر الصيام
و تارك كلما يوحى إليه *** حديث من أساطير الكلام
ولكن الحکيم رأي حميرا *** فالجمها فتاهت فِي اللجام
ص: 353
فقال المتوكل : ويلك يا كركدان لقد رفعت القناع، وأزلت الخداع لكن يا حسن أريد منك أن تخبرني من يكون يستحق أن يكون أمير المومنين ويسمي نفسه خليفة رب العالمين؟ وقال فِي نفسه إن قال عني سلم وإن عنى غيري قتلته فقال: يا أمير المؤمنين لا يستحق ذلك إلّا لمس العرق اليابس فأورقه ومسك الحمل والعنكبوت فأسحقه وقبض خالد بن الوليد فطوقه و تفضل على ابن أبي سفيان فاعتقه وملك نعيم الدنيا فطلقه و دفعه باب الشرك و أغلقه و هزم جيش المشركين و مزقه زين الزين وقرة العين و المصلي إلى القبلتين، الضارب بالسيفين الطاعن بالرمحين فارس أحد و بدر و حنين إمام الحرمين وأبوالحسن والحُسين صفر اليد من البيضاء واللجين المنزه من كلّ شين؛ عالي النسبين وإمام الثقلين ليث بَنِي غالب مظهر العجائب مفرق الكتائب، أعني به على بن أبِي طالِب قال: فلما سمع المتوكل ذلك قال: واللّه لقد كان ابن عم أفضل ممّن قالت؛ ثمّ أنَّه ملأ فم الحسن الكركدان من الدرر و الجوهر؛ ورده إلى عياله معافاً سالماً. (1)
ص: 354
الفصل الخامس: في معاوية وبني أميّة
ص: 355
ص: 356
1- عن جابر قال: سألتُ أبا جعفر (عَلَيهِ السَّلَامُ) عن هذه الآية من قول اللّه ﴿فَلَمَّا جَاءَهُمْ مَا عَرَفُوا كَفَرُوا بِهِ) قال تفسيرها فِي الباطِنِ لَما جاءهُم ما عرفُوا فِي علي كفرُوا بِهِ فقال اللّه فِيهِم فلعنةُ اللّه على الكافِرِين يعني بَنِي أُميّة هُمُ الكافِرُون فِي باطِنِ القرآن قال أبو جعفر (عَلَيهِ السَّلَامُ) نزلت هذه الآية على رسُول اللّه (صَلَّى اللّه عَلَيْهِ وَآلِهِ) هكذا (بِئْسَمَا اشْتَرَوْا بِهِ أَنْفُسَهُمْ أَنْ يَكْفُرُوا بِمَا أَنْزَلَ اللَّهُ) فِي علي (بَغْيًا﴾ وقال اللّه فِي علي أن يُنزّل اللّه من فضلِهِ على من يشاءُ مِن عِبادِهِ يعني عليا قال اللّه ﴿فَبَاءُوا بِغَضَبٍ عَلَى غَضَبٍ) يعني بَنِي أُميّة (وَلِلْكَافِرِينَ) يعني بَنِي أُميّة (عَذَابٌ مُهِينٌ)، وقال جابِرٌ قال أبو جعفر (عَلَيهِ السَّلَامُ) نزلت هذه الآية على محمّد (صَلَّى اللّه عَلَيْهِ وَآلِهِ) هكذا واللّه (وَإِذَا قِيلَ لَهُمْ آمِنُوا بِمَا أَنْزَلَ اللَّهُ مِن ربِّكُم) فِي علي يعني بَنِي أُميّة (قالُوا نُؤْمِنُ بِما أُنزِل علينا) يعني فِي قُلُوبِهِم بِما أنزل اللّه عليه (وَيَكْفُرُونَ بِمَا وَرَاءَهُ) بما أنزل اللّه فِي علي (وَهُوَ الْحَقُّ مُصَدِّقًا لِمَا مَعَهُمْ) (1) يعني عليّاً (عَلَيهِ السَّلَامُ). (2)
ص: 357
2 - عن جعفر بن محمّد، عن أبيه (عَلَيهِمَا السَّلَامُ) فِي قول اللّه عزّ و جلّ: (فمن أسلم فأُولئِك تحرّوا رشداً) : أي الّذين أقروا بولايتنا فأُولئِك تحروا رشداً و أما القاسطون فكانوا لجهنَّم حطباً معاوية وأصحابه (وأن لو استقاموا على الطريقةِ لأسقيناهُم ماءً غدقاً) فالطريقة: الولاية لعليّ (عَلَيهِ السَّلَامُ) لِنفتنهم فِيهِ قتل الحُسين (عَلَيهِ السَّلَامُ) (وَمَنْ يُعْرِضْ عَنْ ذِكْرِ رَبِّهِ يَسْلُكْهُ عَذَابًا صَعَدًا * وَأَنَّ الْمَسَاجِدَ لِلَّهِ فَلَا تَدْعُوا مَعَ اللَّهِ أَحَدًا) أي الأحد مع آل محمّد، فلا تتخذوا من غيرهم إماما. وأَنَّهُ لَمَا قام عبدُ اللّه يدعُوهُ يعني رسُول اللّه (صَلَّى اللّه عَلَيْهِ وَآلِهِ) يدعوهم إلى ولاية أمير المؤمنين (عَلَيهِ السَّلَامُ) (كادُوا) قريش (يَكُونُونَ عَلَيْهِ لِبَدًا)، أي يتعادون عليه، قال: ﴿قُل إِنّما ادْعُوا رَبّي)، قال: إنما أدعو أمر ربي (لَا أَمْلِكُ لَكُمْ) إن توليتم عن ولاية علي (ضَرًّا وَلَا رَشَدًا * قُلْ إِنِّي لَنْ يُجِيرَنِي مِنَ اللَّهِ أَحَدٌ) إن كتمت ما أمرت به و لن أجد مِن دُونِهِ مُلتحداً يعني مأوى (إلّا بلاغاً من اللّه) أبلغكم ما أمرني اللّه به من ولاية عليّ بن أبِي طالِب (عَلَيهِ السَّلَامُ) (وَمَنْ يَعْصِ اللَّهَ وَرَسُولَهُ) فِي ولاية عليّ (عَلَيهِ السَّلَامُ) (فَإِنَّ لَهُ نَارَ جَهَنَّمَ خَالِدِينَ فِيهَا أَبَدًا). قال النّبيّ (صَلَّى اللّه عَلَيْهِ وَآلِهِ): يا علي أنت قسيم النار، تقول: هذا لي وهذا لك قالوا: فمتى يكون ما تعدنا به من أمر علي والنار؟ فأنزل اللّه حتّى إذا رأوا ما يُوعدون يعني الموت والقيامة فسيعلمون يعني فلانا وفلانا وفلانا و معاوية وعمرو بن العاص وأصحاب الضغائن من قريش (مَنْ أَضْعَفُ نَاصِرًا وَأَقَلُّ عَدَدًا)(1). الحديث. (2)
3 - عن صدقة بن سعيد، عنِ النَّصْرِ بنِ مالِكِ، قال: قُلتُ لِلحُسين بن علي (عَلَيهِمَا السَّلَامُ): يا أبا عبد اللّه ! حدّثني عن قول اللّه عزّ و جلّ (هذانِ خصمانِ اختصمُوا فِي ربِّهم) (3)، قال: نحن وبنُو أُميّة اختصمنا فِي اللّه عزّوجلّ، قلنا: صدق اللّه، وقالوا: كذب اللّه، فنحنُ وَإِيَّاهُمُ الخصمانِ يوم القيامة. (4)
ص: 358
4- عليّ بن إبراهيم فِي قوله تعالى : (وَيُهْلِكَ الْحَرْثَ وَالنَّسْلَ) (1) قال: الحرتُ فِي هذا الموضعِ الدِّينُ والنّسلُ النّاسُ ونزلت فِي الثَّاني ويُقالُ فِي مُعاوِيَة. (2)
5 - قال عليّ بن إبراهيم (إِنْ نَشَأْ نُنَزِّلْ عَلَيْهِمْ مِنَ السَّمَاءِ آيَةً فَظَلَّتْ أَعْنَاقُهُمْ لَهَا خَاضِعِينَ) (3) عن أبي عبد اللّه (عَلَيهِ السَّلَامُ) قال: تخضعُ رقابهم يعني بَنِي أُميّة وهي الصيحةُ مِن السّماء بِاسمِ صاحِبِ الأمر (عَلَيهِ السَّلَامُ). (4)
6 - عن أبي جعفر (عَلَيهِ السَّلَامُ) قال سمعته يقولُ (وَلَمَنِ انْتَصَرَ بَعْدَ ظُلْمِهِ) يعني القائم وأصحابه (فَأُولَئِكَ مَا عَلَيْهِمْ مِنْ سَبِيلٍ) و القائم إذا قام انتصر من بَنِي أُميّة ومِن المكذِبِين والنُّصابِ هُو و أصحابه وهُو قولُ اللّه (إِنَّمَا السَّبِيلُ عَلَى الَّذِينَ يَظْلِمُونَ النَّاسَ وَيَبْغُونَ فِي الْأَرْضِ بِغَيْرِ الْحَقِّ أُولَئِكَ لَهُمْ عَذَابٌ أَلِيمٌ﴾ (5). (6)
7 - قال عليّ بن إبراهيم (إِنَّهُمْ يَكِيدُونَ كَيْدًا * وَأَكِيدُ كَيْدًا * فَمَهِّلِ الْكَافِرِينَ) يا محمّد (أَمْهِلْهُمْ رُوَيْدًا)(7) لوبعث القائم (عَلَيهِ السَّلَامُ) فينتقم لي مِن الجبارين والطواغيت مِن قُريش وبني أُمية وسائر الناس. (8)
8 - قال أبو جعفر (عَلَيهِ السَّلَامُ) فِي هذِهِ الآيَةِ (اليَومَ يئس الّذين كفرُوا مِن دِينِكُم فلا تخشوهم و اخشون) (9) يوم يقُومُ القائم (عَلَيهِ السَّلَامُ) يئس بنُو أُميّة فهُمُ الّذين كفروا بيشوا من آلِ محمّد (عَلَيهِم السَّلَامُ). (10)
ص: 359
9 - عن أبي بصير قال سمعت أبا جعفر (عَلَيهِ السَّلَامُ) يقول فِي قوله تعالى (إِنْ نَشَأْ نُنَزِّلْ عَلَيْهِمْ مِنَ السَّمَاءِ آيَةً فَظَلَّتْ أَعْنَاقُهُمْ لَهَا خَاضِعِينَ) (1) قال سيفعل اللّه ذلك بِهم قُلتُ من هم قال بنُو أُميّة و شِيعتهم قال قُلتُ وما الآيَةُ قال رُكُودُ الشَّمسِ مِن بين زوالِ الشَّمس إلى وقتِ العصر و خُرُوجُ صدر رجل ووجه فِي عينِ الشَّمسِ يُعرفُ بِحسبِهِ ونسبه وذلك فِي زمان السفياني وعندها يكُونُ بواره و بوار قومِه. (2)
10- عن عليّ بن إبراهيم فِي قوله تعالى (الَّذِينَ يَتَّخِذُونَ الْكَافِرِينَ أَوْلِيَاءَ مِنْ دُونِ الْمُؤْمِنِينَ أَيَبْتَغُونَ عِنْدَهُمُ الْعِزَّةَ فَإِنَّ الْعِزَّةَ لِلَّهِ جَمِيعًا) (3) أنَّه قال: نزلت فِي بَنِي أُميّة، حيثُ خالفُوهُم على أن لا يرُدُّوا الأمر فِي بَنِي هاشم، ثمّ قال: يبتغون عِندهُمُ العِزّة يعني القُوّة. (4)
11- عن عليّ بن إبراهيم فِي قوله تعالى (وَمَثَلُ كَلِمَةٍ خَبِيثَةٍ كَشَجَرَةٍ خَبِيثَةٍ اجْتُثَّتْ مِنْ فَوْقِ الْأَرْضِ مَا لَهَا مِنْ قَرَارٍ) (5) أنَّه قال فِي رواية أبي الجارود، قال: كذلك الكافِرُون لا تصعد أعمالهم إلى السّماء، وبنُو أُميّة لا يذكُرُون اللّه فِي مجلس ولا فِي مسجد ولا تصعد أعمالهم إلى السّماء إلّا قليلٌ مِنهُم. (6)
12- عن عليّ بن إبراهيم فِي قوله تعالى (وَسَكَنْتُمْ فِي مَسَاكِنِ الَّذِينَ ظَلَمُوا أَنْفُسَهُمْ) يعني يمن هلكوا من بَنِي أمية: (وَتَبَيَّنَ لَكُمْ كَيْفَ فَعَلْنَا بِهِمْ وَضَرَبْنَا لَكُمُ الْأَمْثَالَ * وَقَدْ مَكَرُوا مَكْرَهُمْ وَعِنْدَ اللَّهِ مَكْرُهُمْ وَإِنْ كَانَ مَكْرُهُمْ لِتَزُولَ مِنْهُ الْجِبَالُ)(7)، قال : مكرُ بَنِي فُلانٍ. (8)
ص: 360
13 - عليّ بن إبراهيم قال فِي قوله تعالى (فَكُبْكِبُوا فِيهَا هُمْ وَالْغَاوُونَ) فِي خبرهم بنو أمية، و الغاوون بنُوفُلانٍ ﴿قَالُوا وَهُمْ فِيهَا يَخْتَصِمُونَ * تَاللَّهِ إِنْ كُنَّا لَفِي ضَلَالٍ مُبِينٍ * إِذْ نُسَوِّيكُمْ بِرَبِّ الْعَالَمِينَ) (1) يقولُون لمن تبِعُوهُم: أطعناكُم كما أطعنا اللّه فصرتُم أرباباً. (2)
14- قال عليّ بن إبراهيم فِي قوله تعالى (إِنَّ الَّذِينَ كَفَرُوا) يعني بَنِي أُميّة (يُنَادَوْنَ لَمَقْتُ اللَّهِ أَكْبَرُ مِنْ مَقْتِكُمْ أَنْفُسَكُمْ إِذْ تُدْعَوْنَ إِلَى الْإِيمَانِ) يعني إلى ولاية عليّ (عَلَيهِ السَّلَامُ) (فَتَكْفُرُونَ)(3). (4)
15 - عن بدرِ بنِ خليل الأزدي قال سمعت أبا جعفر (عَلَيهِ السَّلَامُ) يقولُ فِي قوله عزّوجلّ ﴿فَلَمَّا أَحَسُّوا بَأْسَنَا إِذَا هُمْ مِنْهَا يَرْكُضُونَ * لَا تَرْكُضُوا وَارْجِعُوا إِلَى مَا أُتْرِفْتُمْ فِيهِ وَمَسَاكِنِكُمْ لَعَلَّكُمْ تُسْأَلُونَ) (5) قال إذا قام القائم (عَلَيهِ السَّلَامُ) و بعث إلى بَنِي أُميّة بِالشَّامِ هربُوا إِلى الرُّومِ فيقولُ لهُمُ الرُّومُ لا تُدخِلُكُم حتّى تتنصَرُوا فيُعلّقون فِي أعناقِهِمُ الصُّلبان ويُدخِلُونهم فإذا نزل بِحضرتِهم أصحاب القائم (عَلَيهِ السَّلَامُ) طلبوا الأمان والصلح فيقولُ أصحاب القائم (عَلَيهِ السَّلَامُ) لا نفعل حتّى تدفعُوا إلينا من قبلكُم مِنا قال فيدفعُونهم إليهم فذلك قوله تعالى ﴿لَا تَرْكُضُوا وَارْجِعُوا إِلَى مَا أُتْرِفْتُمْ فِيهِ وَمَسَاكِنِكُمْ لَعَلَّكُمْ تُسْأَلُونَ) قال يسألهم الكنوز و هُو أعلمُ بِها قال فيقولُون (یَا وَيْلَنَا إِنَّا كُنَّا ظَالِمِينَ * فَمَا زَالَتْ تِلْكَ دَعْوَاهُمْ حَتَّى جَعَلْنَاهُمْ حَصِيدًا خَامِدِينَ﴾ (6) بِالسّيفِ. (7)
16- عليّ بن إبراهيم فِي قوله تعالى: (فَإِذَا نَزَلَ بِسَاحَتِهِمْ فَسَاءَ صَبَاحُ الْمُنْذَرِينَ)(8) قال: يعني العذاب إذا نزل ببني أُميّة وأشياعِهِم فِي آخِرِ الزَّمانِ. (9)
ص: 361
17- عن أبي جعفر (عَلَيهِ السَّلَامُ) قال: ليس من مؤمِن إِلا وله قتلةٌ وموتةٌ إِنَّهُ من قُتِل نُشِر حتّى يموت و من مات نُشِر حتّى يُقتل ثمّ تلوتُ على أبي جعفر (عَلَيهِ السَّلَامُ) هذِهِ الآية ﴿كُلُّ نَفْسٍ ذَائِقَةُ الْمَوْتِ﴾ فقال و منشورةٌ قُلتُ قولُك و منشُورةً ما هُو فقال هكذا أنزل بها جبرئيل على محمّد (صَلَّى اللّه عَلَيْهِ وَآلِهِ) (كُلُّ نَفْسٍ ذَائِقَةُ الْمَوْتِ) (1) ومنشورةٌ ثمّ قال ما فِي هذِهِ الأُمّة أحدٌ برولا فاجر إلّا ويُنشر أما المؤمِنُون فيُنشرون إلى قرّة أعينهم وأمّا الفُجَارُ فيُنشرون إلى خزي اللّه إياهم ألم تسمع أن اللّه تعالى يقولُ: ﴿ولَنُذِيقنَّهُم مِن العذاب الأدنى دون العذاب الأكبر) (2) وقولهُ (يَا أَيُّهَا الْمُدَّثِّرُ * قُمْ فَأَنْذِرْ) (3) يعني بِذلِك محمّداً (صَلَّى اللّه عَلَيْهِ وَآلِهِ) قيامه فِي الرّجعة يُنذِرُ فِيها وقوله (إِنَّهَا لَإِحْدَى الْكُبَرِ * نَذِيرًا لِلْبَشَرِ) (4) يعني محمّداً (صَلَّى اللّه عَلَيْهِ وَآلِهِ) نذير للبشر فِي الرجعة وقولهُ ﴿هُوَ الَّذِي أَرْسَلَ رَسُولَهُ بِالْهُدَى وَدِينِ الْحَقِّ لِيُظْهِرَهُ عَلَى الدِّينِ كُلِّهِ وَلَوْ كَرِهَ الْمُشْرِكُونَ) (5) قال يُظهِرُهُ اللّه عزّ و جلّ فِي الرّجعة وقوله (حَتَّى إِذَا فَتَحْنَا عَلَيْهِمْ بَابًا ذَا عَذَابٍ شَدِيدٍ) (6) هُو عليّ بن أبِي طالِب صلواتُ اللّه عليه إذا رجع فِي الرّجعة قال جابر قال أبو جعفر (عَلَيهِ السَّلَامُ) قال أمير المؤمنين (عَلَيهِ السَّلَامُ) فِي قوله عزّو جلّ (رُبَمَا يَوَدُّ الَّذِينَ كَفَرُوا لَوْ كَانُوا مُسْلِمِينَ) (7) قال هُو أنا إذا خرجت أنا وشيعتي وخرج عُثمان بن عفان وشِيعتُهُ و نقتُلُ بَنِي أُميّة فعِندها (يَوَدُّ الَّذِينَ كَفَرُوا لَوْ كَانُوا مُسْلِمِينَ﴾(8).
18- عن أبي جعفر (عَلَيهِ السَّلَامُ) قال: سألته عن قول اللّه عزّوجلّ (إِنْ نَشَأْ نُنَزِّلْ عَلَيْهِمْ مِنَ السَّمَاءِ آيَةً فَظَلَّتْ أَعْنَاقُهُمْ لَهَا خَاضِعِينَ) (9) قال تخضعُ لها رقاب بَنِي أُميّة قال ذلك بارِزْعِند زوال الشمس
ص: 362
قال و ذلك عليّ بن أبِي طالِب (صَلَّى اللّه عَلَيْهِ وَآلِهِ) يبرزُ عِند زوالِ الشَّمس على رُءُوسِ النَّاسِ ساعةً حتّى يبرز وجههُ يعرِفُ النّاسُ حسبه ونسبه ثمّ قال أما إنّ بَنِي أُميّة ليحْبِينَ الرَّجُلُ مِنهُم إِلى جنبِ شجرة فتَقُولُ هذا رجُلٌ مِن بَنِي أُميّة فاقتُلُوهُ. (1)
19 - يوسف بن مازن الراسبي قال: قام رجُلٌ إلى الحسن بن علي (عَلَيهِمَا السَّلَامُ) فقال يا مُسوّد وجهِ المؤمِنِ فقال الحسن لا تُؤَتِنني رحمك اللّه فإنّ رسُول اللّه (صَلَّى اللّه عَلَيْهِ وَآلِهِ) رأى بَنِي أُمية يخطبون على مِنبره رجُلًا فرجُلًا فساءه ذلك فنزلت (إِنَّا أَعْطَيْنَاكَ الْكَوْثَرَ) (2) الكوثر نهر فِي الجنَّة ونزلت (إِنَّا أَنْزَلْنَاهُ فِي لَيْلَةِ الْقَدْرِ * وَمَا أَدْرَاكَ مَا لَيْلَةُ الْقَدْرِ * لَيْلَةُ الْقَدْرِ خَيْرٌ مِنْ أَلْفِ شَهْرٍ) (3) يعني ألف شهر تملِكُهُ بنُو أُميّة فحسبنا ذلك فإذا هُو لا يزيدُ ولا ينقُصُ. (4)
20 - عن سليم قال سمعت عليّاً (عَلَيهِ السَّلَامُ) يقولُ أسر إلي رسُول اللّه (صَلَّى اللّه عَلَيْهِ وَآلِهِ) يوم تُوُفِّي وقد أسندتُهُ إلى صدري ورأسُهُ عِند أُذُني وقد أصغتِ المرأتان لتسمعا الكلام فقال رسُول اللّه اللّهمّ سُدّ مسامِعهُما ثمّ قال يا علي أرأيت قول اللّه تعالى (إِنَّ الَّذِينَ آمَنُوا وَعَمِلُوا الصَّالِحَاتِ أُولَئِكَ هُمْ خَيْرُ الْبَرِيَّةِ) أتدري من هُم قُلتُ اللّه ورسولُهُ أعلمُ قال فإنّهُم شِيعتنا و أنصارك و موعِدِي و موعِدُهُمُ الحوض يوم القيامة إذا جنتِ الأُمم على ركبها و بدا للّه فِي عرض خلقه فيدعُوك و شيعتك فتجِيتُونِي غُرّاً مُحَجَّلين شباعاً مروِيّين يا علي (إِنَّ الَّذِينَ كَفَرُوا مِنْ أَهْلِ الْكِتَابِ وَالْمُشْرِكِينَ فِي نَارِ جَهَنَّمَ خَالِدِينَ فِيهَا أُولَئِكَ هُمْ شَرُّ الْبَرِيَّةِ) (5) فهُمُ اليَهُودُ وبنُو أُميّة وشِيعتهم يُبعثون يوم القيامةِ أشقياء جياعاً عِطاشاً مُسوداً وُجُوههم. (6)
21 - عنِ الحكم بن حُمران قال: سألت أبا عبداللّه (عَلَيهِ السَّلَامُ) عن قوله عزّ وجلّ (أَوْ كَظُلُمَاتٍ فِي بَحْرٍ
ص: 363
لُجِّيٍّ يَغْشَاهُ مَوْجٌ مِنْ فَوْقِهِ مَوْجٌ) قال أصحاب الجمل وصفين والنهروان (مِنْ فَوْقِهِ سَحَابٌ ظُلُمَاتٌ بَعْضُهَا فَوْقَ بَعْضٍ) قال بنُو أُميّة (إِذَا أَخْرَجَ يَدَهُ) يعني أمير المؤمنين فِي ظُلُماتِهم (لَمْ يَكَدْ يَرَاهَا)، أي إذا نطق بالحكمة بينهم لم يقبلها مِنهُ أحدٌ إِلا من أقرّ بولايتِهِ ثمّ بإمامته (وَمَنْ لَمْ يَجْعَلِ اللَّهُ لَهُ نُورًا فَمَا لَهُ مِنْ نُورٍ) (1) أي من لم يجعل اللّه لَهُ إماماً فِي الدُّنيا فما لَهُ فِي الآخرة مِن نُورٍ إِمَامٍ يُرْشِدُهُ ويَتَّبِعُهُ إِلى الجنَّة. (2)
22 - عن جابر بن يزيد قال قال أبو جعفر (عَلَيهِ السَّلَامُ) قول اللّه عزّوجلّ (وَكَذَلِكَ حَقَّتْ كَلِمَتُ رَبِّكَ عَلَى الَّذِينَ كَفَرُوا أَنَّهُمْ أَصْحَابُ النَّارِ) يعني بَنِي أُميّة هُم الّذينَ كَفَرُوا وهُم أصحابُ النّار ثمّ قال (الَّذِينَ يَحْمِلُونَ الْعَرْشَ) يعني الرسول والأوصياء من بعدِهِ (عَلَيهِ السَّلَامُ) يحمِلُون عِلم اللّه ثمّ قال (وَمَنْ حَوْلَهُ) يعني الملائكة (يُسبِّحُون بحمدِ ربِّهِم...و يستغفِرُونَ لِلَّذِينَ آمَنُوا) وَهُم شِيعَةُ آلِ محمّد (عَلَيهِم السَّلَامُ) (يقولُون رَبَّنَا وَسِعْتَ كُلَّ شَيْءٍ رَحْمَةً وَعِلْمًا فَاغْفِرْ لِلَّذِينَ تَابُوا) مِن ولايةِ هؤلاء وبني أُميّة (واتبعُوا سبيلك) وهُو أمير المؤمنين (عَلَيهِ السَّلَامُ) (وَقِهِمْ عَذَابَ الْجَحِيمِ * رَبَّنَا وَأَدْخِلْهُمْ جَنَّاتِ عَدْنٍ الَّتِي وَعَدْتَهُمْ وَمَنْ صَلَحَ مِنْ آبَائِهِمْ وَأَزْوَاجِهِمْ وَذُرِّيَّاتِهِمْ إِنَّكَ أَنْتَ الْعَزِيزُ الْحَكِيمُ * وَقِهِمُ السَّيِّئَاتِ) والسيئاتُ بنُو أُميّة وغيرهم وشِيعتُهُم ثمّ قَالَ (إِنَّ الّذينَ كَفَرُوا) يعني بنو أُميّة (يُنَادَوْنَ لَمَقْتُ اللَّهِ أَكْبَرُ مِنْ مَقْتِكُمْ أَنْفُسَكُمْ إِذْ تُدْعَوْنَ إِلَى الْإِيمَانِ فَتَكْفُرُونَ﴾ ثمّ قال ذلِكُم بِأَنَّهُ إِذا دُعِي اللّه بولاية عليّ (عَلَيهِ السَّلَامُ) وحده كفرتُم و إن يُشرك بِهِ يعني بعليّ (عَلَيهِ السَّلَامُ) تُؤمِنُوا أي إذا ذُكِر إمام غيره تُؤْمِنُوا بِهِ (فَالْحُكْمُ لِلَّهِ الْعَلِيِّ الْكَبِيرِ). (3) و (4)
23- عن أبي عبدِ اللّه (عَلَيهِ السَّلَامُ) فِي قوله تعالى (فَمَا لَهُ مِنْ قُوَّةٍ وَلَا نَاصِرٍ) قال ما لهُ مِن قُوَّةٍ يقوى بها على خالقه ولا ناصر من اللّه ينصرهُ إِن أراد بِهِ سُوءاً قُلتُ (إِنَّهُمْ يَكِيدُونَ كَيْدًا)قال كادوا رسُول اللّه (صَلَّى اللّه عَلَيْهِ وَآلِهِ) وكادوا عليّاً (عَلَيهِ السَّلَامُ) وكادوا فاطمة (عَلَيهَا السَّلَامُ) وقال اللّه يا محمّد (إِنَّهُمْ
ص: 364
يَكِيدُونَ كَيْدًا * وَأَكِيدُ كَيْدًا * فَمَهِّلِ الْكَافِرِينَ أَمْهِلْهُمْ رُوَيْدًا) (1) لوقتِ بعث القائم (عَلَيهِ السَّلَامُ) فينتقم لي مِن الجبارين والطواغيتِ مِن قُريش وبني أُمية وسائر النَّاسِ. (2)
24 - عن علي صلوات اللّه عليه أنَّه قال: سورة محمّد (صَلَّى اللّه عَلَيْهِ وَآلِهِ) آية فينا و آيةٌ فِي بَنِي أُمية. (3)
25 - عنِ العبدِ الصّالح (عَلَيهِ السَّلَامُ) قال: سألته عن قول اللّه عزّوجلّ (وَلَا تَسْتَوِي الْحَسَنَةُ وَلَا السَّيِّئَةُ)(4) فقال نحن الحسنة وبنُو أُميّة السيّئة. (5)
26- عن أبي عبد اللّه (عَلَيهِ السَّلَامُ) قال: سألته عن قول اللّه (أَلَمْ تَرَ إِلَى الَّذِينَ بَدَّلُوا نِعْمَتَ اللَّهِ كُفْرًا) (6) قال نزلت فِي الأفجرينِ مِن قُريش بَنِي أُميّة وبني المغيرة فأما بنو المغيرة فقطع اللّه دايرهم يوم بدر وأما بنُو أُميّة فتِّعُوا إِلى حِينٍ ثمّ قال ونحنُ واللّه نِعمةُ اللّه الّتي أَنعم اللّه بِها على عِبادِهِ وبِنا يَفُوزُ من فاز. (7)
27 - عن أبي عبدِ اللّه (عَلَيهِ السَّلَامُ) فِي قوله عزّوجلّ (أَفَرَأَيْتَ إِنْ مَتَّعْنَاهُمْ سِنِينَ * ثُمَّ جَاءَهُمْ مَا كَانُوا يُوعَدُونَ) قال خُرُوجُ القائم (مَا أَغْنَى عَنْهُمْ مَا كَانُوا يُمَتَّعُونَ) (8) قال هُم بِنُو أمية الّذين مُتِعُوا في دنياهم. (9)
28 - عن جعفر بن محمّد وأبي جعفر (عَلَيهِمَا السَّلَامُ) فِي قول اللّه: ﴿يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا لَا تُبْطِلُوا صَدَقَاتِكُمْ بِالْمَنِّ وَالْأَذَى) (10). إلى آخِرِ الآية، قال : نزلت فِي الثالث، و جرت فِي معاوية و أتباعهما. (11)
ص: 365
29 - عن أبي جعفر (عَلَيهِ السَّلَامُ) فِي قوله: ﴿إِنَّ شَرَّ الدَّوَابِّ عِنْدَ اللَّهِ الَّذِينَ كَفَرُوا فَهُمْ لَا يُؤْمِنُونَ)(1)، قال (عَلَيهِ السَّلَامُ) : نزلت فِي بَنِي أميّة، فهم أشرُّ خلقِ اللّه هُمُ الّذين كفرُوا فِي بَاطِنِ القُرآنِ فهم لا يُؤْمِنُون. (2)
30 - عليّ بن إبراهيم فِي قوله : (وَمَا جَعَلْنَا الرُّؤْيَا الَّتِي أَرَيْنَاكَ إِلَّا فِتْنَةً لِلنَّاسِ وَالشَّجَرَةَ الْمَلْعُونَةَ فِي الْقُرْآنِ)، قال: نزلت لما رأى النّبيّ (صَلَّى اللّه عَلَيْهِ وَآلِهِ) فِي نومه كان قُرُوداً تصعد منبره فساءه ذلك و غمّه غمّاً شديداً فأنزل اللّه: (وَمَا جَعَلْنَا الرُّؤْيَا الَّتِي أَرَيْنَاكَ إِلَّا فِتْنَةً لِلنَّاسِ) لهم ليعمهوا فيها (وَالشَّجَرَةَ الْمَلْعُونَةَ فِي الْقُرْآنِ) (3) كذلك نزلت، وهم بنُو أُميّة. (4)
31 - عن أبي جعفر (عَلَيهِ السَّلَامُ) فِي قوله: ﴿وَكَذَلِكَ حَقَّتْ كَلِمَتُ رَبِّكَ عَلَى الَّذِينَ كَفَرُوا أَنَّهُمْ أَصْحَابُ النَّارِ﴾ (5) يعني بَنِي أُميّة. (6)
32 - عن عليّ (عَلَيهِ السَّلَامُ)، قال: قوله عزّ و جلّ: (الم * غُلِبَتِ الرُّومُ)(7). هِي فِينا وفِي بَنِي أُميّة. (8)
33 - عن أبي عبد اللّه (عَلَيهِ السَّلَامُ)، قال: سألته عن تفسِيرِ (الم * غُلِبَتِ الرُّومُ). قال: هم بنو أُميّة، و إنّما أنزلها اللّه: (الم * غُلِبَتِ الرُّومُ) بنُو أُميّة (فِي أَدْنَى الْأَرْضِ وَهُمْ مِنْ بَعْدِ غَلَبِهِمْ سَيَغْلِبُونَ * فِي بِضْعِ سِنِينَ لِلَّهِ الْأَمْرُ مِنْ قَبْلُ وَمِنْ بَعْدُ وَيَوْمَئِذٍ يَفْرَحُ الْمُؤْمِنُونَ * بِنَصْرِ اللَّهِ) (9) عِند قيام القائم (عَلَيهِ السَّلَامُ). (10)
ص: 366
34 - عن جرير عمن سمع أبا جعفر (عَلَيهِ السَّلَامُ) (وَمَا جَعَلْنَا الرُّؤْيَا الَّتِي أَرَيْنَاكَ إِلَّا فِتْنَةً لهم) ليعمهوا فيها (وَالشَّجَرَةَ الْمَلْعُونَةَ فِي الْقُرْآنِ) (1) يعني بَنِي أُميّة. (2)
35- عن داود بن فرقد قال: قُلتُ لأبي عبد اللّه (عَلَيهِ السَّلَامُ) قولُ اللّه (قُلِ اللَّهُمَّ مَالِكَ الْمُلْكِ تُؤْتِي الْمُلْكَ مَنْ تَشَاءُ) (3) وتنزع الملك ممّن تشاء فقد أتى اللّه بَنِي أُميّة الملك فقال ليس حيث يذهب الناس. إليه إنّ اللّه آتانا الملك وأخذهُ بنُو أُميّة بِمنزِلِةِ الرّجُلِ يَكُونُ لهُ الثّوبُ ويَأْخُذُهُ الآخرُ فليس هُو لِلَّذِي أخذه. (4)
36 - عن عبدِ الرّحِيمِ القصير، عن أبي جعفر (عَلَيهِ السَّلَامُ) فِي قوله : (و ما جعلنا الرُّؤيا الّتي أريناك)....قال : أرى رِجالًا من بَنِي تيم وعدِي على المنابِرِيرُدُّون الناس عن الصراط القهقرى. قُلتُ: (و الشجرة الملعونة فِي القرآن). قال: هُم بِنُو أُميّة، يقولُ اللّه: ﴿وَنُحْوَفُهُم فَما يَزِيدُهُم إِلَّا طُغياناً كَبِيرَاً). (5)و (6)
37 - عن أبي العباس المكي، قال: سمعت أبا جعفر (عَلَيهِ السَّلَامُ) يقول: إن عُمر لقي أمير المؤمنين (عَلَيهِ السَّلَامُ)، فقال: أنت الّذي تقرأ هذه الآية: (بِأَيْيِكُمُ الْمَفْتُونُ)(7) تعرُّضاً بي وبصاحِي ؟!. قال: أ فلا أُخبِرُك بآية نزلت فِي بَنِي أُميّة: (فَهَلْ عَسَيْتُمْ إِنْ تَوَلَّيْتُمْ أَنْ تُفْسِدُوا فِي الْأَرْضِ وَتُقَطِّعُوا أَرْحَامَكُمْ)(8). فقال: كذبت، بنُو أُميّة أوصل للرّحِم منك، ولكنك أبيت إلّا عداوة لبني تيم و عدِيّ وبني أُميّة. (9)
ص: 367
38- عليّ بن إبراهيم فِي قوله تعالى: (وَإِمَّا تَخَافَنَّ مِنْ قَوْمٍ خِيَانَةً فَانْبِذْ إِلَيْهِمْ عَلَى سَوَاءٍ) (1) قال: نزلت فِي مُعاوِية لَمّا خان أمير المؤمنين (عَلَيهِ السَّلَامُ). (2)
39 - عنِ الحسن بن زيادٍ قال سمعت أبا عبدِ اللّه (عَلَيهِ السَّلَامُ) يقول فِي قولِهِ (وَأَنَّا لَا نَدْرِي أَشَرٌّ أُرِيدَ بِمَنْ فِي الْأَرْضِ أَمْ أَرَادَ بِهِمْ رَبُّهُمْ رَشَدًا) (3) فقال لا بل واللّه شر أُرِيد بهم حين بايعُوا مُعاوِية وتركوا الحسن بن علي صلوات اللّه عليهما. (4)
40 - عليّ بن إبراهيم قال : (فَلَا صَدَّقَ وَلَا صَلَّى) فإنّه كان سبب نُزُولِها أَنّ رسُول اللّه (صَلَّى اللّه عَلَيْهِ وَآلِهِ) دعا إلى بيعة علي يوم غدِيرِخُةٍ فَلَمّا بلّغ النّاس وأخبرهُم فِي علي ما أراد اللّه أن يُخبِرهُم بِهِ رجعُوا النّاسُ فاتكأ مُعاوِيةُ على المغيرة بن شعبة وأبي موسى الأشعري ثمّ أقبل يتمطى نحو أهلِهِ و يقولُ واللّه ما نُقِرُّ لِعَلي بِالولاية أبداً ولا نُصَدِّقُ محمّداً مقالتهُ فِيهِ فأنزل اللّه جلّ ذِكرُهُ ﴿فلا صدق ولا صلّى ولكن كذب وتولّى ثمّ ذهب إلى أهلِهِ يتمطى أولى لك فاولى) (5) وعيداً للفاسِقِ فصعِد رسُول اللّه المنبرو هُو يُرِيدُ البراءة مِنهُ فأنزل اللّه (لَا تُحَرِّكْ بِهِ لِسَانَكَ لِتَعْجَلَ بِهِ) (6) فسکت رسُول اللّه (صَلَّى اللّه عَلَيْهِ وَآلِهِ) ولم يُسمِّهِ. (7)
41 - عن أبي جعفر (عَلَيهِ السَّلَامُ) أنَّه قال: نزلت سورة الحاقة فِي أمير المؤمنين (عَلَيهِ السَّلَامُ) وفي مُعاوية عليهِ من اللّه جزاء ما عمله. (8)
ص: 368
42 - عن الحلبي عن أبي عبد اللّه (عَلَيهِ السَّلَامُ) أنَّه قال: قوله عزّ و جلّ (فَأَمَّا مَنْ أُوتِيَ كِتَابَهُ بِيَمِينِهِ﴾ إلى آخِرِ الآيَاتِ فهُو أمير المؤمنين (وَأَمَّا مَنْ أُوتِيَ كِتَابَهُ بِشِمَالِهِ) (1) فالشّامِيُّ. (2)
43 - عن أبي عبد اللّه (عَلَيهِ السَّلَامُ) فِي قوله عزّو جلّ (إِنَّ الَّذِينَ أَجْرَمُوا كَانُوا مِنَ الَّذِينَ آمَنُوا يَضْحَكُونَ) (3) إلى آخِرِ السُّورة نزلت فِي عليّ (عَلَيهِ السَّلَامُ) و فِي الّذين استهزءوا بِهِ مِن بَنِي أُمية وذلك أن عليّاً مرّ على قومٍ من بَنِي أمية والمنافقين فسخِرُوا مِنهُ. (4)
44 - عن بدرِ بنِ الخليلِ الأسدِيّ قال سمعت أبا جعفر (عَلَيهِ السَّلَامُ) يقولُ فِي قول اللّه عزّوجلّ ﴿فَلَمَّا أَحَسُّوا بَأْسَنَا إِذَا هُمْ مِنْهَا يَرْكُضُونَ * لَا تَرْكُضُوا وَارْجِعُوا إِلَى مَا أُتْرِفْتُمْ فِيهِ وَمَسَاكِنِكُمْ لَعَلَّكُمْ تُسْأَلُونَ) قال إذا قام القائم و بعث إلى بَنِي أُميّة بِالشّامِ فهربُوا إِلَى الرُّومِ فيقولُ لهُمُ الرُّومُ لا نُدخلنّكُم حتّى تتنصَرُوا فيُعلِقُون فِي أعناقِهِمُ الصُّلبان فيُدخِلُونهم فإذا نزل بحضرتهم أصحابُ القائم طلبوا الأمان والصُّلح فيقولُ أصحابُ القائم لا نفعل حتّى تدفعُوا إلينا من قبلكُم مِنا قال فيدفعونهم إليهم فذلك قوله (لَا تَرْكُضُوا وَارْجِعُوا إِلَى مَا أُتْرِفْتُمْ فِيهِ وَمَسَاكِنِكُمْ لَعَلَّكُمْ تُسْأَلُونَ) قال يسأهُمُ الكُنُوز و هُو أعلمُ بها قال فيقولون (يَا وَيْلَنَا إِنَّا كُنَّا ظَالِمِينَ * فَمَا زَالَتْ تِلْكَ دَعْوَاهُمْ حَتَّى جَعَلْنَاهُمْ حَصِيدًا خَامِدِينَ) (5) بِالسّيفِ. (6)
45 - عن أبي عبد اللّه (عَلَيهِ السَّلَامُ) قال: أري رسُول اللّه (صَلَّى اللّه عَلَيْهِ وَآلِهِ) فِي منامه بَنِي أمية يصعدون منبره من بعده ويضلون الناس عن الصراط القهقرى، فأصبح كئيباً حزيناً قال: فهبط عليه جبرئيل (عَلَيهِ السَّلَامُ) فقال: يا رسُول اللّه ما لي أراك كئيباً حزيناً؟ قال: يا جبرئيل ! إِنِّي رأيتُ بَنِي أمية فِي ليلتي هذه يصعدون منبري من بعدي يردّون النّاس عن الصّراطِ القهقرى فقال: والّذي بعثك
ص: 369
بالحق نبيا إنني ما اطلعت عليه، فعرج إلى السّماء فلم يلبث أن نزل عليه بآي مِن القُرآن يُؤنسه بها، قال: (أَفَرَأَيْتَ إِنْ مَتَّعْنَاهُمْ سِنِينَ * ثُمَّ جَاءَهُمْ مَا كَانُوا يُوعَدُونَ * مَا أَغْنَى عَنْهُمْ مَا كَانُوا يُمَتَّعُونَ)(1) ونزل عليه (إِنَّا أَنْزَلْنَاهُ فِي لَيْلَةِ الْقَدْرِ * وَمَا أَدْرَاكَ مَا لَيْلَةُ الْقَدْرِ * لَيْلَةُ الْقَدْرِ خَيْرٌ مِنْ أَلْفِ شَهْرٍ) (2) جعل اللّه ليلة القدر خيراً لنبيه (صَلَّى اللّه عَلَيْهِ وَآلِهِ) مِن ألفِ شهر مُلك بَنِي أمية. (3)
46 - عن أبي جعفر (عَلَيهِ السَّلَامُ) فِي قوله عزّ وجلّ (وَلَمَنِ انْتَصَرَ بَعْدَ ظُلْمِهِ فَأُولَئِكَ مَا عَلَيْهِمْ مِنْ سَبِيلٍ) (4)، قال: ذلك القائم (عَلَيهِ السَّلَامُ)، إذا قام إنتصر من بَنِي أمية و من المكذبين والنُّصابِ». (5)
47 - عن أبي عبد اللّه (عَلَيهِ السَّلَامُ)، فِي قوله عزّ و جلّ: (خَيْرٌ مِنْ أَلْفِ شَهْرٍ)، قال: مِن مُلك بَنِي أمية، قال: وقوله تعالى: ﴿تَنَزَّلُ الْمَلَائِكَةُ وَالرُّوحُ فِيهَا بِإِذْنِ رَبِّهِمْ﴾ (6) أي مِن عِند ربّهم على محمّد وآل محمّد بكل أمر سلام». (7)
48 - قال الباقِرُ (عَلَيهِ السَّلَامُ) قال أمير المؤمنين (عَلَيهِ السَّلَامُ) وهُو يُقاتِلُ مُعاوِية (فَقَاتِلُوا أَئِمَّةَ الْكُفْرِ إِنَّهُمْ لَا أَيْمَانَ لَهُمْ لَعَلَّهُمْ يَنْتَهُونَ) الآية هم هؤلاء ورب الكعبة. قال ابن مسعود قال النّبيّ (صَلَّى اللّه عَلَيْهِ وَآلِهِ) أيمةُ الكُفْرِ مُعاوِيةُ وعمرو. (8)
49 - عن جعفر بن محمّد وأبي جعفر (عَلَيهِم السَّلَامُ) فِي قول اللّه: ﴿يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا لَا تُبْطِلُوا صَدَقَاتِكُمْ بِالْمَنِّ وَالْأَذَى) (9) إلى آخر الآية قال: نزلت فِي فعلان و جرت فِي مُعاوية وأتباعهما. (10)
ص: 370
50 - عن أبي بصير عن أبي عبد اللّه بصير عن أبي عبد اللّه (عَلَيهِ السَّلَامُ) فِي قوله : (الَّذِينَ يُنْفِقُونَ أَمْوَالَهُمْ رِئَاءَ النَّاسِ) (1) فلان وفلان وفلانٌ ومعاوية و أشياعُهم. (2)
51 - عن جابر قال: قال أبو جعفر (عَلَيهِ السَّلَامُ) فِي هذه الآية (الْيَوْمَ يَئِسَ الَّذِينَ كَفَرُوا مِنْ دِينِكُمْ فَلَا تَخْشَوْهُمْ وَاخْشَوْنِ) (3) يوم يقُومُ القائم (عَلَيهِ السَّلَامُ) يُئِس بنو أمية فهم الّذين كفروا يئسوا من آل محمّد (عَلَيهِم السَّلَامُ). (4)
52 - عن أبي عبدِ اللّه (عَلَيهِ السَّلَامُ) أنَّه قال نزلت هذِهِ الآية (وَلَوْ تَرَى إِذِ الظَّالِمُونَ فِي غَمَرَاتِ الْمَوْتِ) (5) فِي معاوية وبني أمية وشركائهم وأئمّتهم. (6)
53- عن أبي ن أبي عبد اللّه (عَلَيهِ السَّلَامُ) قال تخضعُ رِقابُهُم يعني بَنِي أُميّة وهِي الصيحةُ مِن السّماء بِاسمِ صاحِبِ الأمر. (7)
54 - عن أبي عبد اللّه (عَلَيهِ السَّلَامُ) فِي قوله (إِنَّ الَّذِينَ ارْتَدُّوا عَلَى أَدْبَارِهِمْ عن الإيمان) بتركهم ولاية على أمير المؤمنين (عَلَيهِ السَّلَامُ) (الشَّيطانُ) يعني فلاناً (سَوَّلَ لَهُمْ) يعني بَنِي فلانٍ وبني فلانٍ وبني أميّة قوله (ذَلِكَ بِأَنَّهُمْ قَالُوا لِلَّذِينَ كَرِهُوا) ما نزل اللّه هُو ما افترض اللّه على خلقه من ولاية أمير المؤمنين (عَلَيهِ السَّلَامُ) (سَنُطِيعُكُمْ فِي بَعْضِ الْأَمْرِ) (8) قال دعوا بَنِي أمية إلى ميثاقهم ألا يُصيّرون لنا الأمر بعد النّبيّ (صَلَّى اللّه عَلَيْهِ وَآلِهِ) و لا يُعطونا من الخمس شيئاً وقالوا إن أعطيناهم الخمس إستغنوا به فقال سنطيعُكم فِي بعض الأمرِأي لا تُعطوهُم مِن الخمس شيئاً فأنزل اللّه على نبيّه
ص: 371
(أَمْ أَبْرَمُوا أَمْرًا فَإِنَّا مُبْرِمُونَ * أَمْ يَحْسَبُونَ أَنَّا لَا نَسْمَعُ سِرَّهُمْ وَنَجْوَاهُمْ بَلَى وَرُسُلُنَا لَدَيْهِمْ يَكْتُبُونَ)(1). (2)
55- عن جابر بن يزيد قال: سألتُ أبا جعفر (عَلَيهِ السَّلَامُ) عن هذِهِ الآية فقال (وَالَّذِينَ كَفَرُوا) بِنُو أُميّة (أَعْمَالُهُمْ كَسَرَابٍ بِقِيعَةٍ يَحْسَبُهُ الظَّمْآنُ مَاءً) والظمآنُ نعثل فينطلق بهم فيقولُ أُورِدُكُمُ الماء (حَتَّى إِذَا جَاءَهُ لَمْ يَجِدْهُ شَيْئًا وَوَجَدَ اللَّهَ عِنْدَهُ فَوَفَّاهُ حِسَابَهُ وَاللَّهُ سَرِيعُ الْحِسَابِ). ثمّ ضرب اللّه لأعدائهم مثلا آخر فقال (أَوْ كَظُلُمَاتٍ فِي بَحْرٍ لُجِّيٍّ يَغْشَاهُ مَوْجٌ مِنْ فَوْقِهِ مَوْجٌ مِنْ فَوْقِهِ سَحَابٌ ظُلُمَاتٌ بَعْضُهَا فَوْقَ بَعْضٍ إِذَا أَخْرَجَ يَدَهُ لَمْ يَكَدْ يَرَاهَا وَمَنْ لَمْ يَجْعَلِ اللَّهُ لَهُ نُورًا فَمَا لَهُ مِنْ نُورٍ)(3). (4)
56 - عن محمّد بن علي (عَلَيهِمَا السَّلَامُ) قال (إِنَّ الَّذِينَ آمَنُوا وَعَمِلُوا الصَّالِحَاتِ سَيَجْعَلُ لَهُمُ الرَّحْمَنُ وُدًّا * فَإِنَّمَا يَسَّرْنَاهُ بِلِسَانِكَ لِتُبَشِّرَ بِهِ الْمُتَّقِينَ) قال هُو علي (وَتُنْذِرَ بِهِ قَوْمًا لُدًّا) (5) قال بنُو أُميّة قومٌ ظلمة. (6)
57 - عن ابن عبّاس فِي قوله عزّوجلّ (إِنْ نَشَأْ نُنَزِّلْ عَلَيْهِمْ مِنَ السَّمَاءِ آيَةً فَظَلَّتْ أَعْنَاقُهُمْ لَهَا خَاضِعِينَ) قال هذه نزلت فينا و فِي بَنِي أُميّة تكون لنا دولةٌ تُذِلُّ أعناقهم لنا بعد صُعُوبَةٍ و هوان بعد عزّ. (7)
58 - عن جابر قال سألتُ أبا جعفر (عَلَيهِ السَّلَامُ) عن تفسير هذه الآية فِي قولِ اللّه: ﴿وَيُرِيدُ اللَّهُ أَنْ يُحِقَّ الْحَقَّ بِكَلِمَاتِهِ وَيَقْطَعَ دَابِرَ الْكَافِرِينَ)(8).
ص: 372
قال أبو جعفر (عَلَيهِ السَّلَامُ) تفسيرها فِي الباطِنِ يُرِيدُ اللّه فإِنَّهُ شيءٌ يُرِيدُهُ ولم يفعله بعد. وأمّا قولُهُ: يُحِق الحقّ بِكَلِماتِهِ فَإِنَّهُ يعني يُحِقُ حقّ آلِ محمّد، وأما قوله: بِكَلِماتِهِ قال: كلماتُهُ فِي الباطِنِ عليّ (عَلَيهِ السَّلَامُ) هُو كلمةُ اللّه فِي الباطِنِ، وأما قوله : ويقطع دابر الكافِرِين فهم بنُو أُميّة هم الكافرون، يقطعُ اللّه دابِرهُم، وأما قولُهُ: لِيُحِق الحقّ فإِنَّهُ يعني لِيُحِق حقّ آلِ محمّد حين يقومُ القائم (عَلَيهِ السَّلَامُ)، وأما قوله : ويُبطل الباطل يعني القائم (عَلَيهِ السَّلَامُ)، فإذا قام يُبطل باطل بني أمية، وذلك قوله: ليُحق الحقّ ويُبطل الباطل ولو كره المجرمون. (1)
59 - عن أبي جعفر (عَلَيهِ السَّلَامُ) فِي قوله: (إِنَّ شَرَّ الدَّوَابِّ عِنْدَ اللَّهِ الَّذِينَ كَفَرُوا فَهُمْ لَا يُؤْمِنُونَ﴾(2). قال: «نزلت فِي بَنِي أمية، فهم شر خلقِ اللّه هُم الّذين كفروا فِي باطن القُرآن، فهم لا يُؤمنون» (3).
60 - عن الحلبي، عن زرارة و حمران و محمّد بن مسلم، قالوا: سألناه عن قوله: ﴿وَمَا جَعَلْنَا الرُّؤْيَا الَّتِي أَرَيْنَاكَ). قال: «إنّ رسُول اللّه (صَلَّى اللّه عَلَيْهِ وَآلِهِ) رأى أنّ رجالاً على المنابر يردون الناس ضُلالاً زريق و زُفر».
وقوله : (وَالشَّجَرَةَ الْمَلْعُونَةَ فِي الْقُرْآنِ)(4)، قال : «هم بنو أمية»(5).
61 - أبي الطفيل، قال: كنتُ فِي مسجد الكوفة فسمعتُ عليّاً (عَلَيهِ السَّلَامُ) يقولُ، وهُو على المنبرو ناداه ابن الكواء، وهُو فِي مُؤخّر المسجد، فقال: يا أمير المؤمنين، أخبرني عن قول اللّه: ﴿وَالشَّجَرَةَ الْمَلْعُونَةَ فِي الْقُرْآنِ)(6)، فقال: «الأفجران مِن قُريش، و من بَنِي أمية». (7)
62 - عن ابن عبّاس فِي قول اللّه عزّ و جلّ (وَالشَّمْسِ وَضُحَاهَا) قال هُو النّبيّ (صَلَّى اللّه عَلَيْهِ وَآلِهِ) (وَالْقَمَرِ إِذَا تَلَاهَا) قال عليّ بن أبِي طالِب (عَلَيهِ السَّلَامُ) و النهار إذا جلاها قال الحسن والحُسين (عَلَيهِمَا السَّلَامُ) (وَ
ص: 373
اللَّيْلِ إِذَا يَغْشَاهَا) (1) بنُو أُميّة ثمّ قال ابنُ عبّاس قال رسُول اللّه (صَلَّى اللّه عَلَيْهِ وَآلِهِ) بعثني اللّه نبيّاً فأتيتُ بَنِي أُمية فقُلتُ يابني أُميّة إنّي رسُول اللّه إليكم قالوا كذبت ما أنت بِرسُولٍ ثمّ أتيتُ بَنِي هاشم فقلتُ إِنِّي رسُول اللّه إليكم فآمن بي عليّ بن أبِي طالِب (عَلَيهِ السَّلَامُ) سراً وجهراً و حماني أبو طالب (عَلَيهِ السَّلَامُ) جهراً و آمن بي سِرّاً ثمّ بعث اللّه جبرئيل بِلوائِهِ فركزه فِي بَنِي هاشم و بعث إبليس بلوائِهِ فركزه فِي بَنِي أُميّة فلا يزالون أعداءنا وشيعتهم أعداء شيعتنا إلى يوم القيامةِ. (2)
63 - روى هارُونُ بنُ الجهم وجابِرٌ عن أبي جعفر (عَلَيهِ السَّلَامُ) فِي قوله (فَاغْفِرْ لِلَّذِينَ تَابُوا) (3)قال : من ولاية جماعة وبني أُمية (وَاتَّبَعُوا سَبِيلَكَ) آمَنُوا بِولاية علي وعلى هُو السَّبِيل. (4)
64 - عن مجاهد فِي قوله (أَلَمْ تَرَ إِلَى الَّذِينَ بَدَّلُوا نِعْمَتَ اللَّهِ كُفْرًا) (5) كفرت بنُو أُميّة بِمحمّد وأَهلِ بيته. (6)
1- عن أبي عبدِ اللّه، عن أبيه، عن جدّه (عَلَيهِم السَّلَامُ)، قال : إِن لِلنَّارِ سبعة أبوابٍ: بَابٌ يدخُلُ مِنهُ فرعون وهامان و قارون، وباب يدخُلُ مِنهُ المشرِكُون والكُفَّارُ ممّن لم يُؤْمِن بِاللّه طرفة عين، و باب يدخُلُ مِنهُ بنُوأُميّة هُوهُم خاصّةً لا يُزاحِمُهُم فِيهِ أحد، وهُو باب لظى، وهُو باب سقر، وهُو باب الهاوية تهوي بهم سبعين خريفاً، فكلما هوى بهم سبعين خريفاً فصار بهم فورةٌ قذف بهم فِي أعلاها سبعين خريفاً، ثمّ هوى بهم كذلك سبعين خريفاً، فلا يزالون هكذا أبداً خالِدِين مُخلّدِين وباب يدخُلُ فِيهِ مُبغضُونا و مُحارِبُونا و خاذِلُونا، وإِنَّهُ لاعظم الأبواب و أشدها حراً.
ص: 374
قال محمّد بن الفضيلِ الزُّرق: فقُلتُ لأبي عبد اللّه (عَلَيهِ السَّلَامُ) : الباب الّذي ذكرت عن أبيك عن جدّك (عَلَيهِمَا السَّلَامُ) أنَّه يدخُلُ مِنهُ بنُو أُميّة، يدخُلُهُ من مات مِنهُم على الشّركِ أو ممّن أدرك مِنهُمُ الإسلام. فقال: لا أُمّ لك ! ألم تسمعه يقولُ : وبابٌ يدخُلُ مِنْهُ المشرِكُون والكُفَّارُ، فهذا الباب يدخُلُ فِيهِ كلّ مُشرِكٍ وكُلُّ كَافِرِ لا يُؤْمِنُ بِيومِ الحِسابِ، وهذا البابُ الآخرُ الّذي يَدخُلُ مِنهُ بنو أمية إنه هُو لأبي سفيان ومُعاوية وآل مروان خاصةً يدخُلُون من ذلك الباب فتحطِمُهُمُ النّار حطماً لا تُسمعُ لهم فيها واعية ولا يحيون فيها ولا يموتون. (1)
1- أنّ الحسن بن علي دخل على مُعاوِية يوماً فجلس عِند رِجْلِهِ وهُو مُضطجع فقال له يا أبا محمّد ألا أُعجِبُكَ مِن عائشة تزعُمُ أنّي لستُ لِلخلافة أهلًا فقال الحسن وأعجبُ مِن هذا جُلُوسِي عِند رجلك و أنت نائم فاستحيا مُعاوية واستوى قاعِداً و استعذره. (2)
1 - أنّ مروان بن الحكم قال للحسن بن علي (عَلَيهِمَا السَّلَامُ) بين يدي مُعاوية أسرع الشّيبُ إلى شاربك يا حسنُ ويُقالُ إِنّ ذلك مِن الخُرقِ فقال (عَلَيهِ السَّلَامُ) ليس كما بلغك و لكنا معشر بَنِي هاشم طيبةٌ أفواهنا عذبةٌ شِفاهنا فنساؤنا يُقبلن علينا بِأنفاسِهِنَّ وأَنتُم معشر بَنِي أُميّة فِيكُم بخر شدِيدٌ فيساؤُكُم يصرفن أفواههُنَّ وأنفاسهُنَّ إلى أصداغِكُم فإنّما يشِيبُ مِنكُم موضعُ العِذارِ مِن أجل ذلك قال مروان أما إن فِيكُم يا بَنِي هاشم خصلة سوءٍ قال وما هي قال الغُلمة قال أجل نُزعت مِن نِسائِنا و وُضعت فِي رِجالِنا ونُزِعَتِ الغُلمةُ مِن رِجالِكُم ووُضِعت فِي نِسَائِكُم فما قام لِأُموِيّةٍ إِلا هَاشِمِيٌّ ثمّ خرج يقولُ
ص: 375
و مارست هذا الدهر خمسين حِجّةً *** وخمساً أرجي قابلا بعد قابل
فما أنا فِي الدنيا بلغت جسيمها *** ولا فِي الّذي أهوى كدحتُ بِطائِل
وقد أشرعتني فِي المنايا أكفها *** وأيقنت أني رهن موتٍ مُعاجِل (1)
1- عن فُراتِ بن أحنف قال سمعت أبا عبد اللّه (عَلَيهِ السَّلَامُ) يقولُ ليس على وجه الأرض بقلةٌ أشرفُ ولا أنفعُ مِن الفرفح و هُو بقلةُ فاطمة (عَلَيهَا السَّلَامُ) ثمّ قال لعن اللّه بَنِي أُميّة هُم سموها بقلة الحمقاءِ بُغضاً لنا و عداوةً لفاطمة (عَلَيهَا السَّلَامُ) (2).
1- عن جابر عن أبي جعفر (عَلَيهِ السَّلَامُ) قال: إذا انحرفت عن صلاة مكتوبة فلا تنحرف إلّا بانصِرافِ لعن بَنِي أمية (3).
1- عن إدريس عن أخيه قال سمعت أبا عبد اللّه (عَلَيهِ السَّلَامُ) يقولُ بينا أنا وأبِي مُتوجِّهانِ إلى مكّة وأبي قد تقدّمني فِي موضع يُقالُ لَهُ ضجنانُ إِذ جاء رجُلٌ وفِي عُنُقِهِ سِلسِلةٌ تجرها {يجُرُّها} فأقبل علي فقال له اسقِنِي اسقِنِي اسقِني قال فصاح بي أبي لا تسقهِ لا سقاه اللّه قال فرجل {و فِي طلبِهِ رجُلٌ} يتبعه حتّى جذب سلسلة {سلسلته} جذبةً فألقاه و طرحه فِي أسفل دركِ مِن النّار (4).
2 - عن أبي عبد اللّه (عَلَيهِ السَّلَامُ) يقولُ بينا أنا وأبي مُتوجهين إلى مكّة وأبي قد تقدّمني فِي موضع يُقالُ له ضجنانُ إذ جاء رجُلٌ فِي عُنُقِهِ سِلسِلةٌ يَجُرُّها فأقبل عليّ فقال اسقني اسقني فصاح بي أبي لا تسقِهِ
ص: 376
لا سقاه اللّه قال وفي طلبِهِ رجُلٌ يتبعُهُ فجذب سِلسِلتهُ جذبةً طرحه بها فِي أسفل دركِ مِن النَّارِ. (1)
3- قال جابر بن عبد اللّه: لما عزم الحُسين بن علي (عَلَيهِمَا السَّلَامُ) على الخروج إلى العراقِ أتيتُه، فقلتُ له : أنت ولد رسُول اللّه (صَلَّى اللّه عَلَيْهِ وَآلِهِ) وأحد سبطيه لا أرى إلّا أنك تصالح كما صالح أخوك الحسن فإنّه كان موفقاً رشيداً.
فقال لي: يا جابرقد فعل ذلك أخي بأمر اللّه تعالى و أمر رسوله، وإنّي أيضاً أفعل بأمر اللّه تعالى و مرِ رسولِه، أتريد أن أستشهد رسُول اللّه (صَلَّى اللّه عَلَيْهِ وَآلِهِ) وأبي وأخي كذلك الآن؟ ثمّ نظرتُ فإذا السّماء قد إنفتح بابها، وإذا رسُول اللّه (صَلَّى اللّه عَلَيْهِ وَآلِهِ) وعلى أمير المؤمنين والحسن و حمزة و جعفر و زيد نازلين عنها حتّى استقروا على الأرض، فوثبت فزعاً مذعوراً. فقال رسُول اللّه (صَلَّى اللّه عَلَيْهِ وَآلِهِ): يا جابر، ألم أقل لك فِي أمر الحسنِ قبل الحُسين: إنك لا تكون مؤمناً حتّى تكون لأئمتك مسلّماً، ولا تكون معترضاً؟ أتُريد أن ترى إلى مقعد معاوية ومقعد الحُسين و مقعد يزيد قاتله؟
قلتُ: بلى يا رسُول اللّه.
قال فضرب برجله الأرض فانشقت، ثمّ ظهر بحر فانفلق، ثمّ ضرب فانشقت هكذا حتّى انشقت سبع أرضين، وانفلقت سبعة أبحر، ورأيتُ من تحتِ ذلك كله النّار وقد قرن فِي سلسلة الوليد بن المغيرة و أبو جهل ويزيد ومعاوية، وقرن بِهم فِي مردة الشّياطين لهم أشدّ أهل النّار عذاباً. ثمّ قال (صَلَّى اللّه عَلَيْهِ وَآلِهِ): إرفع رأسك، فرفعتُ فإذا أبواب السّماء مفتحة، وإذا الجنَّة أعلاها، ثمّ صعد رسُول اللّه (صَلَّى اللّه عَلَيْهِ وَآلِهِ) ومن معه إلى السّماء، فلمّا صار فِي الهواء صاح يا حسين، يا بَنِي ألحقني، فلحقه الحُسين وصعدوا، رأيتُهم دخلوا الجنَّة من أعلاها، ثمّ نظر إلى هناك رسُول اللّه (صَلَّى اللّه عَلَيْهِ وَآلِهِ) و قبض على يد الحُسين وقال: يا جابر، هذا ولدي معي هاهنا فسلم له أمره، ولا تشك لتكون مؤمناً.
ص: 377
قال جابر: فعميت عيناي إن لم أكن رأيتُ ما قلتُ. (1)
4 - عن عليّ بن أبي المغيرة قال: نزل أبوجعفر (عَلَيهِ السَّلَامُ) بضجنان فقال ثلاث مراتٍ لا غفر اللّه لك فلما قال ذلك قال أتدرون لمن قُلتُ أو قال له بعضُ أصحابنا فقال مربي مُعاوِيةُ بنُ أبي سفيان يجُرُّ سلسلة قد أدلع لسانه يسألني أن أستغفر لهُ ثمّ قال إِنَّهُ يُقالُ إِنَّهُ وادٍ مِن أودية جهنَّم. (2)
5 - عن أبي جعفر (عَلَيهِ السَّلَامُ) أنَّه قال: كُنتُ خلف أبي وهُو على بغلتِهِ فنفرت بغلتُهُ فإذا رجُلٌ شيخٌ فِي عُنُقِهِ سِلسِلةٌ ورجُلٌ يتبعُهُ فقال يا عليّ بن الحُسين اسقِني اسقِنِي فقال الرّجُلُ لا تسقِهِ لا سقاه اللّه قال و كان الشّيخُ مُعاوية. (3)
6 - عن أبي أبي عبد اللّه (عَلَيهِ السَّلَامُ) قال: كُنتُ أسير مع أبي فِي طريق مكّة و نحن على ناقتينِ فَلَمَّا صِرنا بوادِي ضجنان خرج علينا رجُلٌ فِي عُنُقِهِ سِلسِلةٌ يسحبُها فقال يا ابن رسُول اللّه اسقني سقاك اللّه فتبعه رجُلٌ آخرُ فاجتذب السلسلة وقال يا ابن رسُول اللّه لا تسقه لا سقاه اللّه فالتفت إليّ أبي فقال يا جعفر عرفت هذا ؟ هذا مُعاوِيةُ. (4)
7 - قال أبو عبد اللّه (عَلَيهِ السَّلَامُ) كُنتُ مع أبي بِعُسفان فِي وادٍ بها أو بضجنان فنفرت بغلتُهُ فإذا رجُلٌ فِي عُنُقِهِ سِلسِلةٌ وطرفُها فِي يد آخر يجُرُّهُ فقال اسقِنِي فقال الرّجُلُ لا تسقِهِ لا سقاهُ اللّه فقُلتُ لِأَبِي من هذا فقال هذا مُعاوِيةُ. (5)
8 - عن يحيى ابن أُمّ الطويل قال: صحبتُ عليّ بن الحُسين (عَلَيهِمَا السَّلَامُ) من المدينة إلى مكّة وهُو
ص: 378
على بغلتِهِ و أنا على راحِلةٍ فجُزنا وادِي ضجنان فإذا نحنُ بِرجُلٍ أسود فِي رقبتِهِ سِلسِلةٌ وهُو يقولُ يا عليّ بن الحُسين اسقني فوضع رأسه على صدره ثمّ حرّك دابته قال فالتفتُ فإذا بِرجُلٍ يجذبه و هُو يقولُ لا تسقِهِ لا سقاه اللّه قال فحرّكتُ راحِلتِي والحقتُ بِعلي بن الحُسين (عَلَيهِمَا السَّلَامُ) فقال لي أيّ شيءٍ رأيت فأخبرتُه فقال ذلك مُعاوِيةُ لعنه اللّه. (1)
1- عن أبي جعفر (عَلَيهِ السَّلَامُ) قال: بينا أمير المؤمنين (عَلَيهِ السَّلَامُ) فِي الرهبة والنَّاسُ عليه مُتراكِمُون فين بينِ مُستفت و مِن بينِ مُستعدٍ إذ قام إليهِ رجُلٌ فقال السّلامُ عليك يا أمير المؤمنين ورحمة اللّه وبركاتُهُ فنظر إليه أمير المؤمنين (عَلَيهِ السَّلَامُ) بعينيه هاتيك العظيمتين ثمّ قال وعليك السّلامُ ورحمة اللّه وبركاتُهُ من أنت فقال أنا رجُلٌ مِن رعِيَّتِك وأهلِ بِلادِك قال ما أنت من رعيتي ولا من أهلِ بِلادِي و لوسلّمت عليّ يَوماً واحداً ما خفيت علي فقال الأمان يا أمير المؤمنين فقال أمير المؤمنين (عَلَيهِ السَّلَامُ) هل أحدثت فِي مِصري هذا حدثاً مُنذُ دخلته قال: لا قال: فلعلك مِن رجال الحرب قال: نعم قال إذا وضعت الحرب أوزارها فلا بأس قال: أنا رجُلٌ بعثني إليك مُعاوِيةُ مُتغفّلًا لك أسألك عن شيءٍ بعث فِيهِ ابنُ الأصفرو قال له إن كُنت أحق بهذا الأمرو الخليفة بعد محمّد (صَلَّى اللّه عَلَيْهِ وَآلِهِ) فأجبني عمّا أسألك فإنّك إذا فعلت ذلك اتبعتُك وبعثتُ إليك بالجائزة فلم يكُن عنده جواب وقد أقلقه ذلك فبعثني إليك لأسألك عنها فقال أميرُ المؤمنين (عَلَيهِ السَّلَامُ) قاتل اللّه ابن آكلة الأكبادِ ما أضلهُ وأعماهُ ومن معه واللّه لقد أعتق جاريةً فما أحسَنَ أَن يَتزَوّج بِها حُكمُ اللّه بيني وبين هذِهِ الأُمّة قطعُوا رحمي وأضاعُوا أيامي و دفعُوا حقي و صغرُوا عظيم منزلتي و أجمعُوا على منازعتي عليّ بالحسن والحُسين ومحمّد فأحضروا فقال يا شامِيُّ هذان ابنا رسُول اللّه وهذا ابني فاسأل أيهم أحببت فقال أسألُ ذا الوفرة يعني الحسن (عَلَيهِ السَّلَامُ) وكان صبياً فقال له الحسن (عَلَيهِ السَّلَامُ) سلني عمّا بدا لك فقال الشامي كم بين الحقّ والباطل وكم بين السّماء والأرضِ وكم بين المشرق والمغرب و ما قوش قُزح و ما العين الّتي تأوي إليها أرواحُ المشركين و
ص: 379
ما العين الّتي تأوي إليها أرواح المؤمنين وما المؤنث و ما عشرة أشياء بعضُها أشدُّ مِن بعض فقال الحسن بن علي (عَلَيهِمَا السَّلَامُ) بين الحقّ والباطل أربع أصابع فما رأيته بعينك فهُو الحقّ وقد تسمعُ بِأُذنيك باطِلًا كثيراً قال الشامي صدقت قال و بين السّماء والأرضِ دعوة المظلُومِ و مد البصر فمن قال لك غير هذا فكذبه قال صدقت يا ابن رسُول اللّه قال و بين المشرق والمغرِبِ مسيرة يوم لِلشّمس تنظُرُ إِليها حين تطلُعُ مِن مشرقها و حين تغيب فِي مغرِبها قال السّامِيُّ صدقت فما قوسُ قُزح قال ويحك لا تقل قوس قُزح فإِنّ قُزح اسم شيطانٍ وهُو قوش اللّه وعلامة الخصب وأمان لأهل الأرضِ مِن الغرقِ و أما العينُ الّتي تأوِي إليها أرواحُ المشركين فهي عين يُقالُ لها برهُوتُ و أما العينُ الّتي تَأْوِي إليها أرواح المؤمنين فهي عين يُقالُ لها سلمى وأمّا المؤنّتُ فهُو الّذي لا يُدرى أذكر هُو أو أُنثى فَإِنَّهُ يُنتظرُبِهِ فإن كان ذكراً احتلم و إن كانت أُنثى حاضت وبدا ثديها وإلا قيل له بُل على الحائط فإن أصاب بولُهُ الحائط فهُو ذكر و إن انتكص بوله كما ينتكص بولُ البعِيرِ فهي امرأة و أمّا عشرة أشياء بعضُها أشدُّ مِن بعض فأشدُّ شيءٍ خلقه اللّه عزّ و جلّ الحجرُ و أَشدُّ مِن الحجر الحديد يُقطعُ بِهِ الحجرُو أَشدُّ مِن الحَدِيدِ النّار تُذِيبُ الحَدِيد وأشدُّ مِن النّار الماءُ يُطِقُ النّار وأشدُّ مِن الماءِ السّحابُ يحمِلُ الماء وأشدُّ مِن السّحابِ الرِّيحُ يحمِلُ السّحاب وأشدُّ مِن الرِّيحِ الملك الّذي يُرسلها وأشدُّ مِن الملكِ ملك الموتِ الّذي يُيتُ الملك وأشدُّ مِن ملكِ الموتِ الموتُ الّذي يُميتُ ملك الموتِ وأشدُّ مِن الموتِ أمر اللّه ربّ العالمين الّذي يُمِيتُ الموت فقال الشّامِيُّ أشهدُ أنك ابنُ رسُول اللّه حقّاً و أن علياً أولى بِالأمْرِ مِن مُعاوِيَة ثمّ كتب هذِهِ الجواباتِ وذهب بها إلى مُعاوِية فبعثها مُعاوِيةُ إِلى ابن الأصفر فكتب إليه ابن الأصفريا مُعاوِيةُ لِم تُكلّمُنِي بِغير كلامك و تُجِيبُنِي بِغيرِ جوابِك أُقسِمُ بِالمسيح ما هذا جوابك وما هُو إلّا من معدِنِ النُّبُوَّةِ وموضعِ الرِّسالَةِ وأمّا أنت فلو سألتني درهماً ما أعطيتك. (1)
ص: 380
1- عن أبي عبد اللّه (عَلَيهِ السَّلَامُ) قال إنا وآل أبي سفيان أهلُ بيتين تعادينا فِي اللّه قُلنا صدق اللّه و قالوا كذب اللّه قاتل أبو سفيان رسُول اللّه (صَلَّى اللّه عَلَيْهِ وَآلِهِ) و قاتل مُعاوِيةُ عليّ بن أبِي طالِب (عَلَيهِ السَّلَامُ) و قاتل يزيدُ بنُ مُعاوية الحُسين بن علي (عَلَيهِمَا السَّلَامُ) والسفياني يُقاتِلُ القائم (عَلَيهِ السَّلَامُ). (1)
1- عن أبي عبد اللّه (عَلَيهِ السَّلَامُ) قال إنّ لعليّ (عَلَيهِ السَّلَامُ) فِي الأرض كرّةً مع الحُسين ابنه صلوات اللّه عليهما يُقبِلُ برايته حتّى ينتقم لهُ مِن بَنِي أُميّة ومُعاوِية وآلِ مُعاوِية و من شهد حربهُ ثمّ يبعثُ اللّه إِليهِم بأنصاره يومئِذٍ مِن أهل الكوفة ثلاثين ألفاً و مِن سائِرِ النَّاسِ سبعين ألفاً فيلقاهُم بِصِفّين مثل المرّة الأولى حتّى يقتلهم ولا يبقى مِنهُم مُخبِراً ثمّ يبعثُهُمُ اللّه عزّ و جلّ فيُدخِلُهُم أَشدّ عذابِهِ مع فرعون و آل فرعون ثمّ كرّةً أُخرى مع رسُول اللّه (صَلَّى اللّه عَلَيْهِ وَآلِهِ) حتّى يكون خليفةً فِي الأَرْضِ وتكون الأئمّة (عَلَيهِم السَّلَامُ) عُمّاله وحتّى يبعثه اللّه علانيةً فتكون عِبادتُهُ علانيةً فِي الأرضِ كما عبد اللّه سراً فِي الأرض ثمّ قال إي واللّه وأضعاف ذلك ثمّ عقد بيدِهِ أضعافاً يُعطِي اللّه نبيّه (صَلَّى اللّه عَلَيْهِ وَآلِهِ) مُلك جميع أهلِ الدُّنيا مُنذُ يوم خلق اللّه الدُّنيا إلى يومِ يُفنِيها حتّى يُنجزله موعُودهُ فِي كِتَابِهِ كما قال (ليُظهِرهُ على الدِّينِ كُلِّهِ ولو كره المشرِكُون) (2). (3)
2- عن أبي جعفر (عَلَيهِ السَّلَامُ) قال : إذا بلغ السُّفياني أنّ القائم قد توجّه إليهِ مِن ناحية الكوفة يتجردُ بِخيله حتّى يلق القائم فيخرُجُ فيقولُ أخرِجُوا إلي ابن عمّي فيخرُجُ عليه السُّفياني فيُكلّمُهُ القائم (عَلَيهِ السَّلَامُ) فيجيءُ السُّفياني فيُبايِعُهُ ثمّ ينصرف إلى أصحابِهِ فيقولُون له ما صنعت فيقولُ أسلمتُ وبايعتُ فيقولُون له قبح اللّه رأيك بين ما أنت خليفةٌ متبوع فصرت تابعاً فيستقبلُهُ فيُقاتِلُهُ ثمّ يُمسون تلك اللّيلة ثمّ يُصبِحُون للقائم (عَلَيهِ السَّلَامُ) بالحرب فيقتتلون يومهم ذلك ثمّ إنّ
ص: 381
اللّه تعالى يمنح القائم وأصحابه أكتافهم فيقتُلُونهم حتّى يُفنُوهُم حتّى إِنَّ الرّجُل يختفي فِي الشّجرةِ والحجرة فتقُولُ الشجرةُ والحجرة يا مُؤمِنُ هذا رجُلٌ كَافِرٌ فاقتله فيقتُلُه قال فتشبعُ السّباعُ والطُّيُورُ مِن لُحُومِهِم فيُقِيمُ بها القائم (عَلَيهِ السَّلَامُ) ما شاء قال ثمّ يعقِدُ بها القائم (عَلَيهِ السَّلَامُ) ثلاث راياتٍ لِواءً إلى القُسطنطينية يفتحُ اللّه لَهُ ولِواءً إِلى الصِّينِ فيفتحُ له و لواءً إِلى جِبالِ الدّيلم فيفتحُ لَهُ.
3 - عن أبي بصير عن أبي جعفر (عَلَيهِ السَّلَامُ) فِي خبرٍ طويل إلى أن قال: وينهزم قوم كثير من بَنِي أُمية حتّى يلحقوا بأرض الروم فيطلبوا إلى ملكها أن يدخُلُوا إليهِ فيقولُ لهُمُ الملك لا تُدخِلُكُم حتّى تدخُلُوا فِي ديننا و تنكِحُونا وننكحكم وتأكُلُوا لحم الخنازير و تشربوا الخمر و تعلّقوا الصُّلبان فِي أعناقِكُم والزنانير فِي أوساطكُم فيقبلون ذلك فيُدخِلُونهم فيبعث إليهم القائم (عَلَيهِ السَّلَامُ) أن أخرِجُوا هؤلاءِ الّذين أدخلتُمُوهُم فيقولُون قومٌ رغبُوا فِي دِينِنا و زهِدُوا فِي دِينِكُم فيقولُ (عَلَيهِ السَّلَامُ) إِنَّكُم إِن لم تُخرِجُوهُم وضعنا السيف فِيكُم فيقولون له هذا كِتابُ اللّه بيننا وبينكُم فيقولُ قد رضِيتُ بِهِ فيخرُجُون إِليهِ فيقرأ عليهم وإذا فِي شرطِهِ الّذي شرط عليهم أن يدفعُوا إليه من دخل إليهم مُرتداً عنِ الإِسلام ولا يردّ إِليهم من خرج مِن عِندِهِم راغباً إلى الإسلام فإذا قرأ عليهم الكتاب ورأوا هذا الشرط لازماً لهم أخرجُوهُم إِليه فيقتُلُ الرِّجال ويبقُرُبُطُون الحبالى ويرفعُ الصُّلبان فِي الرماح قال واللّه لكأنّي أنظُرُ إِليه وإلى أصحابِهِ يقتسمون الدنانير على الجُحفة ثمّ تُسلِمُ الرُّومُ على يدِهِ فيبني فيهم مسجِداً و يستخلِفُ عليهم رجُلًا مِن أصحابِهِ ثمّ ينصرفُ. (1)
1- عن أبي حرب بن أبي الأسود عن رجُلٍ مِن أهلِ الشّامِ عن أبيه قال: سمعت النّبيّ (صَلَّى اللّه عَلَيْهِ وَآلِهِ) يقولُ مِن شَرِّ خلقِ اللّه خمسةٌ إِبليس و ابنُ آدم الّذي قتل أخاه و فرعونُ ذُو الأَوتادِ ورجُلٌ مِن بَنِي إسرائيل ردّهم عن دِينِهِم ورجُلٌ مِن هَذِهِ الأُمّة يُبايِعُ على كُفَرِ عِند بابِ لُةٍ قَالَ ثمّ قَالَ إِنِّي لَا رأيتُ مُعاوِيَة يُبايِعُ عِند بابِ لُةٍ ذكرتُ قول رسُول اللّه (صَلَّى اللّه عَلَيْهِ وَآلِهِ) فلحقت بعليّ (عَلَيهِ السَّلَامُ) فكُنتُ معه. (2)
ص: 382
1- عن أحمد بن محمّد بن إسحاق الطالقاني عن أبيه قال: حلف رجُلٌ بِخُراسان بالطلاقِ أنّ مُعاوِية ليس مِن أصحابِ رسُول اللّه (صَلَّى اللّه عَلَيْهِ وَآلِهِ) أيام كان الرّضا (عَلَيهِ السَّلَامُ) بها فأفتى الفقهاء بطلاقها فسُئِل الرّضا (عَلَيهِ السَّلَامُ) فأفتى أنها لا تُطلق فكتب الفقهاءُ رُقعةً فأنفذُوها إِليهِ وقَالُوا لَهُ مِن أين قلت يا ابن رسُول اللّه أنها لم تُطلق فوقع (عَلَيهِ السَّلَامُ) فِي رقعتِهِم قُلتُ هذا مِن رِوايتِكُم عن أبي. سعيد الخدري أن رسُول اللّه (صَلَّى اللّه عَلَيْهِ وَآلِهِ) قال لِلمُسلِمة الفتح وقد كثروا عليه أنتم خير و أصحابي خير و لا هجرة بعد الفتح فأبطل الهجرة ولم يجعل هؤلاء أصحاباً له فرجعوا إلى قوله. (1)
1- عن جلام بن جندل الغفاري قال كنت عاملا لمعاوية على قنسرين والعواصم فِي خلافة عثمان فجئت إليه يوما أسأله عن حال عملي إذ سمعت صارخا على باب داره يقول أتتكم القطار بحمل النّار اللّهمّ العن الأمرين بالمعروف التاركين له اللّهمّ العن الناهين عن المنكر المرتكبين له فازبار معاوية وتغير لونه وقال يا جلام أتعرف الصارخ فقلت اللّهمّ لا قال من عذيري من جندب بن جنادة يأتينا كلّ يوم فيصرخ على باب قصرنا بما سمعت ثمّ قال أدخلوه فجيء بأبي ذر بين قوم يقودونه حتّى وقف بين يديه فقال له معاوية يا عدو اللّه و عدو رسوله تأتينا فِي كلّ يوم فتصنع ما تصنع أما إني لو كنت قاتل رجل من أصحاب محمّد من غير إذن أمير المؤمنين عثمان لقتلتك ولكني أستأذن فيك قال جلام وكنت أحب أن أرى أبا ذر لأنَّه لقفل اللّه رجل من قومي فالتفت إليه فإذا رجل أسمر ضرب من الرجال خفيف العارضين فِي ظهره حناء فأقبل على معاوية وقال ما أنا بعدو اللّه ولا لرسوله بل أنت و أبوك عدوان اللّه ولرسوله أظهرتما الإسلام وأبطنتما الكفر و لقد لعنك رسُول اللّه (صَلَّى اللّه عَلَيْهِ وَآلِهِ) ودعا عليك مرات أن لا تشبع سمعت رسُول اللّه (صَلَّى اللّه عَلَيْهِ وَآلِهِ) يقول إذا ولي الأُمّة الأعينُ الواسِعُ البُلعُومِ الّذي يَأْكُلُ ولا يشبعُ فلتأْخُذِ الأُمه جذرها مِنْهُ.
ص: 383
فقال معاوية ما أنا ذلك الرجل قال أبو ذر بل أنت ذلك الرجل أخبرني بذلك رسُول اللّه (صَلَّى اللّه عَلَيْهِ وَآلِهِ)
وسمعته يقولُ وقد مررتُ بِهِ اللّهمّ العنه ولا تُشبِعهُ إِلا بِالتُّرابِ.
وسمعته يقولُ أُسَيتُ مُعاوِيَة فِي النَّارِ.
فضحك معاوية وأمر بحبسه وكتب إلى عثمان فِيهِ فكتب عثمان إلى معاوية أن احمل جنيدبا إلي على أغلظ مركب وأوعره فوجه به من سار به اللّيل والنهار و حمله على شارف ليس عليها إلّا قتب حتّى قدم به المدينة وقد سقط لحم فخذيه من الجهد فلما قدم بعث إليه عثمان أن الحقّ بأي أرض شئت قال بمكة قال لا قال ببيت المقدس قال لا قال بأحد المصرين قال لا قال و لكني مسيرك إلى الربذة فسيره إليها فلم يزل بها حتّى مات. وفي رواية الواقدي أن أبا ذر لما دخل على عثمان قال له
لا أنعم اللّه بقين عينا *** نعم ولا لقاه يوما زينا
تحية السخط إذا التقينا
فقال أبو ذر ما عرفت اسمي قينا.
و فِي رواية أخرى لا أنعم اللّه بك عينا يا جنيدب فقال أبو ذر أنا جندب وسماني رسُول اللّه (صَلَّى اللّه عَلَيْهِ وَآلِهِ) عبد اللّه فاخترت اسم رسُول اللّه (صَلَّى اللّه عَلَيْهِ وَآلِهِ) الّذي سماني به على اسمي فقال له عثمان أنت الّذي تزعم أنا نقول يد اللّه مغلولة وأن اللّه فقير و نحن أغنياء فقال أبو ذر لو كنتم لا تقولون هذا لأنفقتم مال اللّه على عباده و لكنّي أشهد ل سمعت رسُول اللّه (صَلَّى اللّه عَلَيْهِ وَآلِهِ) يقول إذا بلغ بنُوأبي العاص ثلاثين رجُلًا جعلُوا مال اللّه دُولًا و عِباده خولًا.
فقال عثمان لمن حضراً سمعتموها من رسُول اللّه (صَلَّى اللّه عَلَيْهِ وَآلِهِ) قالوا لا قال عثمان ويلك يا أبا ذراً تكذب على رسُول اللّه (صَلَّى اللّه عَلَيْهِ وَآلِهِ) فقال أبو ذر لمن حضر ما تدرون أني صدقت قالوا لا واللّه ما ندري فقال عثمان ادعوا لي عليا فلما جاء قال عثمان لأبي ذر اقصص عليه حديثك فِي بَنِي أبي العاص فأعاده فقال عثمان لعليّ (عَلَيهِ السَّلَامُ) أسمعت هذا من رسُول اللّه (صَلَّى اللّه عَلَيْهِ وَآلِهِ) قال لا وصدق أبو ذر فقال كيف عرفت صدقه قال لأني سمعت رسُول اللّه (صَلَّى اللّه عَلَيْهِ وَآلِهِ) يقولُ ما أظلّتِ الخضراء و لا أقلّتِ الغبراء مِن ذِي لهجةٍ أصدق من أبي ذرّ فقال من حضر أما هذا فسمعناه كلنا من رسُول اللّه (صَلَّى اللّه عَلَيْهِ وَآلِهِ).
ص: 384
فقال أبو ذر أحدثكم أني سمعت هذا من رسُول اللّه (صَلَّى اللّه عَلَيْهِ وَآلِهِ) فتتهموني ما كنت أظن أني أعيش حتّى أسمع هذا من أصحاب محمّد (صَلَّى اللّه عَلَيْهِ وَآلِهِ). (1)
1- عن معاوية بن وهب قال: سمعت أبا عبد اللّه (عَلَيهِ السَّلَامُ) يقولُ: لما كان سنة إحدى وأربعين أراد مُعاوِيةُ الحجّ فأرسل نجاراً و أرسل بِالآلة وكتب إلى صاحِبِ المدينة أن يقلع منبر رسُول اللّه (صَلَّى اللّه عَلَيْهِ وَآلِهِ) و يجعلوه على قدرِ مِنبرِهِ بِالشّامِ فَلَمَّا نهضُوا ليقلعُوه انكسفتِ الشمسُ وزُلْزِلَتِ الأرضُ فكفُّوا وكتبوا بذلك إلى مُعاوِية فكتب إليهم يعزِمُ عليهِم لَا فَعلُوهُ ففعلوا ذلك فينبرُ رسُول اللّه (صَلَّى اللّه عَلَيْهِ وَآلِهِ) المدخل الّذي رأيت. (2)
1- عن أبي عبد اللّه (عَلَيهِ السَّلَامُ)، قال: لِلكُفر جناحان بنُوأُميّة وآل المهلّب. (3)
1 - عن أبي عبد اللّه (عَلَيهِ السَّلَامُ)، قال: إن اللّه عزو جلّ نزع الشهوة مِن رِجالِ بَنِي أُمية وجعلها فِي نِسائِهِم وكذلك فعل بِشِيعَتِهِم، وإنّ اللّه عزّو جلّ نزع الشهوة مِن نِساء بَنِي هاشم وجعلها فِي رجالهم، وكذلك فعل بِشِيعتهم.. (4)
ص: 385
1- عن عديّ بن أرطاة قال: قال مُعاوِيةُ يوماً لعمرو بن العاص يا أبا عبدِ اللّه أَيُّنا أدهى قال عمرو أنا للبديهة وأنت لِلرّوِيّةِ قال مُعاوِيةُ قضيت لي على نفسك وأنا أدهى منك فِي البديهة قال عمرو فأين كان دهاؤُك يوم رفعتُ المصاحِف قال بها غلبتني يا أبا عبد اللّه أفلا أسألك عن شيءٍ تصدُقُنِي فِيهِ قال واللّه إِنَّ الكذب لقبيح فاسأل عمّا بدا لك أصدقك فقال هل غششتني منذُ نصحتني قال لا قال بلى واللّه لقد غششتني أما إِنِّي لا أقُولُ فِي كلّ المواطِنِ و لكِن فِي موطِنٍ واحِدٍ قال و أيُّ موطن قال يوم دعاني عليّ بن أبِي طالِب لِلمُبارزة فاستشرتك فقُلتُ ما ترى يا أبا عبد اللّه فقُلت كُفو كريم فأشرت عليّ بِمُبارزتِهِ وأنت تعلمُ من هُو فعلِمتُ أَنَّكَ غششتني قال يا أمير المؤمنين دعاك رجُلٌ إِلى مُبارزة عظِيمُ الشّرفِ جليل الخطر و كُنت مِن مُبارزتِهِ على إحدى الحُسنَيينِ إِما أن تقتله فتكون قد قتلت قتال الأقران وتزدادُ بِهِ شرفاً إلى شرفك و تخلُو بِمُلكِك إما أن تعجل إلى مرافقةِ الشُّهداء والصّالِحِين وحسن أُولئِك رفيقاً قال مُعاوِيَةُ هَذِهِ شَرٌّ مِن الأُولى واللّه إِنِّي لاعلمُ أنّي لو قتلته دخلتُ النّار و لوقتلني دخلت النّار قال له عمرو فما حملك على قِتالِهِ قال الملك عقِيمٌ ولن يسمعها مِنِّي أحدٌ بعدك. (1)
1- عن عُمر بن أبي سلمة قال: إِنّ مُعاوِية دعا أبا الدّرداء ونحنُ مع أميرالمؤمنين (عَلَيهِ السَّلَامُ) بِصِفّين و دعا أبا هريرة فقال لهما انطلقا إلى عليّ (عَلَيهِ السَّلَامُ) فأقرئاهُ مِنّي السّلام وقُولا له واللّه إِنِّي لاعلمُ أنك أولى النّاسِ بِالخِلافةِ وأحقُّ بِها مِنِّي لأنك من المهاجرين الأوّلين و أنا من الطلقاء وليس لِي مِثل سابقتك فِي الإسلام و قرابتك مِن رسُول اللّه (صَلَّى اللّه عَلَيْهِ وَآلِهِ) و عِلمِكَ بِكِتَابِ اللّه وسُنّةِ نبيّه عليه وآلِهِ السّلام و لقد بايعك المهاجرون والأنصار بعد ما تشاوروا قبل ثلاثةِ أيامٍ ثمّ أتوك فبايعوك طائعين غير مُكرهين وكان أوّل من بايعك طلحة والزُّبير ثُم نكثا بيعتك ظلماً وطلبا ما ليس لهما و بلغني أنك تعتذِرُ مِن قتلِ عُثمان وتتبرأُ مِن دمِهِ و تزعُمُ أَنَّهُ قُتِل وأنت قاعِدٌ فِي بيتك وأنك قد
ص: 386
قلت حين قُتِل اللّهمّ لم أرض ولم أُمالي وقلت له يوم الجمل حين نادوا يا لثاراتِ عُثمان قُلت كُبّت قتلةُ عُثمان اليوم لِوجهِهِم إِلى النّار أ نحن قتلناه إنّما قتلهُ هُما و صاحِبتُهما وأمرُوا بِقتلِهِ و أنا قاعِدٌ فِي بيتي وأنا ابنُ عمّ عُثمان والمطالِبُ بِدَمِهِ فإن كان الأمرُ كما قُلت فأمكنا من قتلةِ عُثمان وادفعهم إلينا نقتلهم بابن عمّنا وتبايعك ونُسلّم إليك الأمر هذِهِ واحدةٌ و أمّا الثَّانِيةُ فقد أنبأتني عُيُوني و أتتني الكُتُبُ عن أولِياءِ عُثمان مِن هُو معك يُقاتِلُ و تحسبُ أنَّه على رأيك وراض بِأمرك و هواه معنا و قلبُهُ عِندنا و جسده معك وأنك تُظهِرُ ولاية أبي بكر و عمر و تترحّم عليهما وتكفُّ عن عُثمان ولا تذكُرُهُ ولا تترحم عليه ولا تلعنُهُ وفي روايةٍ أُخرى ولا تشبه ولا تتبرأُ مِنهُ وبلغني أنك إذا خلوت ببطانتك الخبيثة وشيعتك و خاصتك الصالة المغيرة الكاذبة تبرأت عِندهُم مِن أبي بكر و عمر و عثمان و لعنتهم وادعيت أنك وصيّ رسُول اللّه فِي أُمَّتِهِ و خليفتُهُ فِيهم و أنّ اللّه تعالى جلّ اسمه فرض على المؤمنين طاعتك وأمر بولايتك فِي كتابه وسُنّة نبيّه (صَلَّى اللّه عَلَيْهِ وَآلِهِ) و أنَّه أمر محمّداً أَن يَقُوم بذلك فِي أُمَّتِهِ وَأَنَّهُ أَنزل عليهِ (يَا أَيُّهَا الرَّسُولُ بَلِّغْ مَا أُنْزِلَ إِلَيْكَ مِنْ رَبِّكَ وَإِنْ لَمْ تَفْعَلْ فَمَا بَلَّغْتَ رِسَالَتَهُ وَاللَّهُ يَعْصِمُكَ مِنَ النَّاسِ) (1) فجمع قُريشاً و الأنصار و بَنِي أُميّة بِغدِيرِخُم وفي روايةٍ أُخرى فجمع أُمَّتَهُ بِغَدِيرِخُمّ فبلغ ما أمريهِ فِيك عن اللّه وأمر أن يُبلغ الشَّاهِدُ الغائب وأخبرهم أنك أولى بهم مِن أَنفُسِهِم و أَنَّكَ مِنهُ بِمنزِلِةِ هَارُون مِن مُوسى وبلغني أنك لا تخطُبُ خُطبةً إِلا قُلت قبل أن تنزل عن منبرك واللّه إِنِّي لاولى بِالنَّاسِ و ما زِلتُ مظلُوماً مُنذُ قُبِض رسُول اللّه (صَلَّى اللّه عَلَيْهِ وَآلِهِ) و اللّه لئن كان ما بلغني عنك حقّاً فلظلم أبي بكر و عُمر إِياك أعظمُ مِن ظُلمِ عُثمان لِأَنَّهُ بلغني أنك تقُولُ لقد قبض رسُول اللّه و نحنُ شُهُود فانطلق عمرُو بايع أبا بكرو ما استأمرك ولا شاورك و لقد خاصم الرّجُلانِ الأنصار بحقِّك وحُجّتِك و قرابتك من رسُول اللّه (صَلَّى اللّه عَلَيْهِ وَآلِهِ) ولوسلما لك الأمرو بايعاك كان عُثمانُ أسرع النّاسِ إِلى ذلك لقرابتك مِنهُ وحقك عليه لأنَّه ابن عمك وابنُ عمتك ثمّ عمد أبوبكر فردّها إلى عُمر عِند موته ما شاورك و لا استأمرك حين استخلفه وبايع له ثمّ جعلك عُمرُ فِي الشُّورى بين سيّةٍ مِنكُم وأخرج منها جميع المهاجرين والأنصار وغيرهم فولّيتُمُ ابن عوف أمركُم فِي اليومِ الثَّالِثِ حِين رأيتُمُ النّاس قدِ
ص: 387
اجتمعُوا و اخترطوا سيوفهم وحلفوا بِاللّه لَئِن غابتِ الشمسُ ولم تختارُوا أحدكُم لنضر بن أعناقكم ولتُنفِذُ فِيكُم أمر عُمرو وصيّته فولّيتُم أمركُم ابن عوف فبايع عُثمان وبايعتُمُوهُ ثمّ حُصِر عُثمان فاستنصركم فلم تنصُرُوهُ و دعاكُم فلم تُجِيبُوهُ وبيعتُه فِي أعناقكم وأنتم يا معشر المهاجرين والأنصارِ حُضُورٌ شُهُودٌ فخلّيتُم بينه وبين أهل مصر فخلّيتُم حتّى قتلُوهُ وأعانهم طوائِفُ مِنكُم على قتله وخذله عامتكم فصرتُم فِي أمره بين قاتِل و آمِرو خاذِلٍ ثمّ بايعك النّاسُ وأنت أحقُ بِها مِنِّي فأمكِنِّي مِن قتلةِ عُثمان حتّى أقتلهُم وأُسلّم الأمرلك و أبايعك أنا وجميعُ من قِبلي مِن أهلِ الشّامِ فَلَمّا قرأ عليّ (عَلَيهِ السَّلَامُ) كتاب مُعاوية وبلّغه أبو الدرداء رسالته ومقالته قال عليّ (عَلَيهِ السَّلَامُ) لأبي الدرداء قد أبلغتماني ما أرسلكُما بِهِ مُعاوِيةُ فاسمعا مِنِّي ثمّ أبلغاهُ عنِّي وقُولا لَهُ إِنْ عُثمان بن عفان لا يعدو أن يكون أحد رجلين إما إمام هُدًى حرام الدّمِ واجب النُّصرة لا تحِلُّ معصِيتُهُ ولا يسعُ الأمة خِذلانه أو إمام ضلالة حلال الدم لا تحِلُّ ولايته ولا نُصرتُهُ فلا يخلُومِن إحدى الخصلتين و الواجِبُ فِي حُكمِ اللّه وحُكمِ الإِسلام على المسلمين بعد ما يموتُ إمامُهُم أو يُقتل ضالا كان أو مهتدياً مظلُوماً كان أو ظالِماً حلال الدم أو حرام الدّمِ أن لا يعملوا عملا ولا يُحدِثُوا حدثاً ولا يُقدِّمُوا يداً ولا رجلًا ولا يبدءُوا بِشيءٍ قبل أن يختارُوا لِأنفُسِهِم إماماً يجمعُ أمرهم عفيفاً عالِماً ورعاً عارفاً بالقضاء والسُّنَّةِ يجمعُ أمرهم ويحكم بينهم ويَأْخُذُ لِلمظلُومِ مِن الظَّالِمِ ويحفظ أطرافهم و يجي فيئهم ويُقيمُ حِجّتهم وجمعتهم ويجي صدقاتِهِم ثمّ يحتكِمُون إِليهِ فِي إِمَامِهِمُ المقتُولِ ظُلماً لِيحكُم بينهم بالحقِّ فإن كان إمامُهُم قُتِل مظلُوماً حكم لِأُولِيائِهِ بِدَمِهِ وإِن كان قتِل ظالماً أُنظر كيف كان الحكم فِي هذا و إنّ أوّل ما ينبغي لِلمُسلِمِين أن يفعلُوهُ أَن يختارُوا إماماً يجمعُ أمرهم إن كانتِ الخيرةُ لهُم ويُتابِعُوهُ ويُطِيعُوهُ وإن كانتِ الخِيرَةُ إِلى اللّه عزّ و جلّ و إلى رَسُولِهِ فإنّ اللّه قد كفاهُمُ النظر فِي ذلك و الاختيار و رسُول اللّه (صَلَّى اللّه عَلَيْهِ وَآلِهِ) قد رضي لهم إماماً و أمرهُم بِطاعَتِهِ وَ اتِّبَاعِهِ وقد بايعني النّاسُ بعد قتلِ عُثمان وبايعني المهاجرون والأنصار بعد ما تشاوروا بي ثلاثة أيامٍ وهُمُ الّذين بايعوا أبا بكر و عمر و عثمان وعقدوا إمامتهم ولي بذلك أهل بدر و السابقة من المهاجرين والأنصارِ غير أنَّهم بايعُوهُم قبلُ على غيرِ مشورةٍ مِن العامَّة و إنّ بيعتي كانت بِمشورة من العامَّة فإن كان اللّه جلّ اسمه جعل الإختيار إلى الأُمّة وهُمُ الّذين يختارون و
ص: 388
ينظُرُون لِأَنفُسِهِم واختيارُهُم لِأَنفُسِهِم ونظرُهُم لها خيرُهُم مِن إختِيارِ اللّه وَرَسُولِهِ لهم وكان من اختاروه و بايعُوهُ بيعته بيعةُ هُدًى وكان إماماً واجباً على النّاس طاعته و نُصرته فقد تشاوروا فِي واختارُوني بإجماع مِنهُم و إن كان اللّه جلّ وعزّهُ الّذي يختارُوله الخيرةُ فقد اختارنِي لِلأُمَّةِ واستخلفني عليهم وأمرهُم بِطاعتي ونُصرتي فِي كِتَابِهِ المنزلِ وسُنّةِ نبيّه (صَلَّى اللّه عَلَيْهِ وَآلِهِ) فذلك أقوى بِحُجّتي وأوجبُ بِحقِّي ولو أن عُثمان قُتِل على عهد أبي بكرٍو عُمراً كان لمعاوية قتالهما والخروج عليهما لِلطلب قال أبو هريرة وأبو الدرداء لا قال عليّ (عَلَيهِ السَّلَامُ) فكذلك أنا فإن قال مُعاوِية نعم فقولا له إذاً يجوز لِكُلِّ من ظُلِم بِمظْلِمةٍ أو قُتِل له قتيلا [قتِيل] أن يشُقّ عصا المسلمين ويُفرّق جماعتهم ويدعُو إلى نفسه مع أن وُلد عُثمان أولى بِطلبِ دمِ أبِيهِم مِن مُعاوية قال فسكت أبو الدرداء و أبو هريرة و قالا قد أنصفت من نفسك قال عليّ (عَلَيهِ السَّلَامُ) و لعمري لقد أنصفني مُعاوِيةُ إن تم عليّ قوله وصدق ما أعطاني فهؤلاء بنُوعُثمان رِجالٌ قد أدركوا ليسوا بأطفال ولا مولّى عليهم فلياتُوا أجمع بينهم وبين قتلة أبيهم فإن عجزوا عن حُجَتِهِم فليشهدوا المتعاوية بأنهُ ولِيُّهُم ووكِيلُهُم فِي خُصُومتهم وليقعُدُوا هُم وخُصماؤُهُم بين يدي مقعد الخصومِ إلى الإِمَامِ والوالِي الّذين يُقِرُّون بِحُكمِهِ ويُنفِذُون قضاءهُ فَأَنظُرُ فِي حُجَّتِهِم وحُجَّةِ خُصمائِهِم فإن كان أبوهُم قُتِل ظالِماً و كان حلال الدم أبطلت دمه وفي رواية أُخرى أهدرت دمه وإن كان أبوهُم قُتِل مظلُوماً حرام الدّم أقدتُهُم مِن قاتِلِ أَبِيهِم فإن شاءُ وا قتلُوا و إن شاء وا عفوا و إن شاءُوا قبلُوا الدّية و هؤُلاءِ قتلةُ عُثمان فِي عسكري يُقِرُّون بِقتلِهِ و يرضون بِحُكمِي عليهم فلياتِنِي وُلدُ عُثمان و مُعاوِيةُ إن كان وليهم ووكيلهم فليُخاصِمُوا قتلته و ليُحاكِمُوهُم حتّى أحكُم بينهم بِكِتابِ اللّه و سُنّة نبيّه (صَلَّى اللّه عَلَيْهِ وَآلِهِ) و إن كان مُعاوِيَةُ إِنّما يتجنّى ويطلُبُ الأعالِيل والأباطيل فليتجنّ ما بدا له فسوف يُعِينُ اللّه عليه قال أبو الدرداء و أبو هريرة قد و اللّه أنصفت من نفسك وزدت على النّصفةِ وأزحت عِلّته وقطعت حُجّته و جِئت بِحُجّةٍ قوية صادقة ما عليها لون ثمّ خرج أبو هريرة وأبو الدرداء فإذا نحو مِن عِشرين ألف رجُلٍ مُقنّعِين فِي الحديد فقالُوا نحنُ قتلةُ عُثمان مُقِرُّون راضُون بِحُكم عليّ (عَلَيهِ السَّلَامُ) علينا ولنا فليأتِنا أولِياءُ عُثمان فليُحاكِمُونا إلى أمير المؤمنين (عَلَيهِ السَّلَامُ) فِي دمِ أبيهم و إن وجب علينا القودُ أو الدِّيةُ اصطبرنا لحكمه وسلمنا فقالا قد أنصفتُم ولا يحِلُّ
ص: 389
لِعليّ (عَلَيهِ السَّلَامُ) دفعُكُم ولا قتلكُم حتّى يُحاكِمُوكُم إِليهِ فيحكُم بينكم وبين أصحابِكُم بِكِتابِ اللّه وسُنّة نبيّه (صَلَّى اللّه عَلَيْهِ وَآلِهِ) و انطلق أبو الدّرداء و أبو هريرة حتّى قدما على مُعاوية فأخبراه بِما قال عليّ (عَلَيهِ السَّلَامُ) و ما قال قتله عُثمان و ما قال أبو النُّعمان بن صمان فقال مُعاوِيةُ فما ردّ عليكما فِي ترحِهِ على أبي بكر و عمر و كفِّهِ عَنِ التّرحم على عُثمان وبراءتِهِ مِنهُ فِي السّرو ما يدّعِي مِنِ استخلافِ رسُول اللّه (صَلَّى اللّه عَلَيْهِ وَآلِهِ) إياه و أنَّه لم يزل مظلُوماً مُنذُ قُبض رسُول اللّه (صَلَّى اللّه عَلَيْهِ وَآلِهِ) قالا بلى قد ترحم على أبي بكر و عمر و عثمان عندنا ونحن نسمعُ ثمّ قال لنا فما يقول إن كان اللّه جعل الخيار إلى الأُمّة فَكَانُوا هُمُ الّذين يختارون وينظُرُون لِأَنفُسِهِم وكان اختيارُهُم لأنفُسِهِم ونظرُهُم لها خيراً لهم وأرشد مِن اختيار اللّه و اختیارِ رسُول اللّه (صَلَّى اللّه عَلَيْهِ وَآلِهِ) فقد اختارُوني وبايعوني فبيعتي بيعةُ هُدًى وأنا إمامٌ وَاجِبٌ على النّاسِ نُصرتي لأنهم قد تشاوروا فِي واختارُوني و إن كان اختيار اللّه و اختيار رسُولِهِ خيراً لهم وأرشد من اختيارِهِم لِأنفُسِهِم و نظرِهِم لها فقد اختارنِي اللّه وَرَسُولُهُ لِلأُمَّةِ واستخلفانِي عليهم وأمراهُم بِنُصرتي و طاعتِي فِي كِتابِ اللّه المنزل على لسان نبيّه المرسل وذلك أقوى بِحُجّتي وأوجب لحقِّ ثمّ صعد المنبر فِي عسكره وجمع النّاس و من بحضرته من النواحي و المهاجرين والأنصار ثمّ حمد اللّه وأثنى عليهِ ثمّ قال معاشر النَّاسِ إِنّ مناقي أكثرُ مِن أن تُحصى. و بعد ما أنزل اللّه فِي كِتَابِهِ مِن ذلك وما قال رسُول اللّه إِنِّي سأنتِتُكُم عن خِصال سبعةٍ قالها رسُول اللّه أكتفي بها من جميع مناقي وفضلي أتعلمون أنّ اللّه فضّل فِي كِتَابِهِ النَّاطِقِ السّابِق إلى الإسلام فِي غير آيةٍ مِن كِتَابِهِ على المسبُوقِ وأنهُ لم يسبقنِي إِلى اللّه وَرَسُولِهِ أحدٌ مِن الأُمّة قالُوا اللّهمّ نعم قال أنشُدُكُمُ اللّه أتعلمون ما سُئِل رسُول اللّه (صَلَّى اللّه عَلَيْهِ وَآلِهِ) عن قولهِ (وَالسَّابِقُونَ السَّابِقُونَ * أُولَئِكَ الْمُقَرَّبُونَ) (1) فقال رسُول اللّه (صَلَّى اللّه عَلَيْهِ وَآلِهِ) أنزلها اللّه فِي الأنبياء وأوصِيائِهِم وأنا أفضلُ أنْبِياءِ اللّه و رُسُلِهِ و وصيّ عليّ بن أبِي طالِب (عَلَيهِ السَّلَامُ) أفضل الأوصياء فقام نحو من سبعين بدرِيّاً جُلُّهُم مِن الأنصار وبقيّتُهُم مِن المهاجرين مِنهُم أَبو الهيثم بن التّيهان و خالِدُ بنُ زيد أبو أيوب الأنصارِيُّ وفي المهاجرين عمَّار بن ياسر فقالوا نشهد أنا قد سمعنا رسُول اللّه (صَلَّى اللّه عَلَيْهِ وَآلِهِ) قال ذلك قال فأنشُدُكُم بِاللّه فِي قول اللّه (يا أيّها الّذينَ آمَنُوا أَطِيعُوا اللّه وَأَطِيعُوا الرسول وأُولي الأمر مِنكُم) وقوله (إنّما
ص: 390
وَلِيُّكُمُ اللّه و رَسُولُهُ وَالّذينَ آمَنُوا الّذينَ يُقِيمُونَ الصّلاة ويُؤْتُون الزّكاة وهُم راكِعُون﴾ (1) الآية ثمّ قال (وَلَمْ يَتَّخِذُوا مِنْ دُونِ اللَّهِ وَلَا رَسُولِهِ وَلَا الْمُؤْمِنِينَ وَلِيجَةً) (2) فقال النّاسُ يا رسُول اللّه أخاص لبعض المؤمنين أم عام لجميعِهم فأمر اللّه عزّو جلّ رسُولهُ أن يُعلّمهم و أن يُفسّر لهُم مِن الولاية ما فسّرهُم مِن صلاتهم وصيامِهِم و زكاتِهِم و حجّهِم فنصبنِي لِلنّاسِ بِغدِيرِ خُمٍ وقال إِنّ اللّه أرسلني برسالة ضاق بها صدري و ظننتُ أنّ الناس مُكَذِّبِي بِها فأوعدني لأُبلغنّها أو يُعذِّبني قُم يا عليُّ ثمّ نادى بِأعلى صوتِهِ بعد أن أمر بلالا أن يُنادِي ب الصّلاة جامعة فصلى بهم الظهرثُم قال أيّها النَّاسُ إِنَّ اللّه مولاي وأنا مولى المؤمنين و أنا أولى بهم مِن أنفُسِهِم من كُنتُ مولاه فعلي مولاه اللّهمّ وال من والاه و عادِ من عاداه وانصر من نصره واخذُل من خذله فقام إليه سلمان الفارسي فقال يا رسُول اللّه ولاوه فيما ذا فقال ولاؤُه كولايتي من كُنتُ أولى بِهِ مِن نفسِهِ فعلِيٌّ أولى بِهِ مِن نفسِهِ وأنزل اللّه (الْيَوْمَ أَكْمَلْتُ لَكُمْ دِينَكُمْ وَأَتْمَمْتُ عَلَيْكُمْ نِعْمَتِي وَرَضِيتُ لَكُمُ الْإِسْلَامَ دِينًا) (3) فقال سلمان يا رسُول اللّه أنزلت هذهِ الآيَاتُ فِي عليّ خاصّةً فقال فِيهِ وفي أوصيائي إلى يوم القيامة فقال سلمان یا رسُول اللّه (صَلَّى اللّه عَلَيْهِ وَآلِهِ) بينهم لنا فقال عليّ (عَلَيهِ السَّلَامُ) أخي و وزيري و وصيّي و صنوي و وارثي وخليفتي فِي أُمّتي و وليُّ كلّ مُؤمِنٍ بعدِي وأحد عشر إماماً مِن وُلدِهِ الحسن ثمّ الحُسين (عَلَيهِ السَّلَامُ) ثمّ تسعةٌ مِن وُلدِ الحُسين (عَلَيهِ السَّلَامُ) واحِدٌ بعد واحِدٍ القُرآنُ معهم وهم مع القرآن لا يُفارِقُونه حتّى يردوا على الحوض فقام اثنا عشر رجُلًا مِن البدرتين فقالوا نشهد أنا سمعنا ذلك من رسُول اللّه (صَلَّى اللّه عَلَيْهِ وَآلِهِ) كما قلت سواءً لم تزد حرفاً و لم تنقص حرفاً وقال بقيّة السبعين قد سمعنا ذلك ولم نحفظهُ كُلَّهُ وهؤلاء الاثنا عشر خيارنا وأفضلُنا فقال صدقتُم ليس كلّ النَّاسِ يحفظ بعضُهُم أحفظ مِن بعض فقام من الإثني عشر أربعة أبو الهيثم بنُ التَّيِهانِ وأبو أيوب و عمَّار و خُزيمةُ بنُ ثَابِتٍ ذُو الشهادتين فقالوا نشهد أنا قد سمعنا قول رسُول اللّه (صَلَّى اللّه عَلَيْهِ وَآلِهِ) و حفظنا أنَّه قال يومئِذٍ و هُو قائم و عليّ (عَلَيهِ السَّلَامُ) قائم إلى جانبه أيّها النَّاسُ إِنَّ اللّه أمرني أن أنصب لكُم إماماً يكُونُ وصيّ
ص: 391
فِيكُم وخليفتي فِي أُمّتي و فِي أهل بيتي مِن بعدِي والّذي فرض اللّه على المؤمنين فِي كتابه طاعته وأمركُم فِيهِ بِولايته فراجعتُ ربّي خشية طعن أهلِ النّفاق وتكذيبهم فأوعدني لا بلغها أو ليُعذِّبِنّي أيّها النَّاسُ إِنّ اللّه أمركُم فِي كِتَابِهِ بِالصّلاة وقد بيّنتها لكُم و سننتها والزكاة والصوم والحج فبيّنتها وفسرتها لكُم وأَمرَكُم فِي كِتَابِهِ بِالولايةِ وإِنِّي أُشْهِدُكُم أيّها النَّاسُ أنها خاصة لعلي بن أبِي طالِب (عَلَيهِ السَّلَامُ) و الأوصياء مِن وُلدي و وُلد أخِي و وصيّ على أوّهُم ثمّ الحسن ثمّ الحُسين ثمّ تسعةٌ مِن وُلدِ الحُسين (عَلَيهِ السَّلَامُ) لا يُفارِقُون الكِتاب حتّى يرِدُوا علي الحوض أيّها النّاسُ إنّي قد أعلمتُكُم مفزعكُم وإمامكُم بعدي ودليلكُم وهادِيكُم وهُو أخي عليّ بن أبِي طالِب (عَلَيهِ السَّلَامُ) وهُو فِيكُم بِمنزلتي فقلِّدُوهُ دِينَكُم وَأَطِيعُوهُ فِي جَمِيعِ أُمُورِكُم فَإِنَّ عنده جميع ما علّمني اللّه عزّ و جلّ وأمرني اللّه أن أُعلِمهُ إِيَّاكُم وأُعلِمكُم أَنَّهُ عِندَهُ فَاسأَلُوهُ و تعلّمُوا مِنهُ ومِن أوصِيائِهِ بعده ولا تُعلّمُوهُم ولا تتقدّمُوهُم ولا تتخلّفُوا عنهم فإنهم مع الحقّ والحق معهم لا يُزايلونه ولا يُزايِلُهُم ثمّ قال عليّ (عَلَيهِ السَّلَامُ) لأبي الدرداء و أبي هريرة و من حوله يا أيّها النّاسُ أتعلمون أنّ اللّه تبارك وتعالى أنزل فِي كِتابِهِ (إِنَّمَا يُرِيدُ اللَّهُ لِيُذْهِبَ عَنْكُمُ الرِّجْسَ أَهْلَ الْبَيْتِ وَيُطَهِّرَكُمْ تَطْهِيرًا) (1) فجمعني رسُول اللّه (صَلَّى اللّه عَلَيْهِ وَآلِهِ) وفاطمة والحسن والحُسين فِي كِساءٍ وقال اللّهمّ هَؤُلاءِ [أحبّتي] و عترتي و حامّتي وأهل بيتي فأذهب عنهم الرجس وطهرهم تطهيراً فقالت أُم سلمة وأنا فقال إِنَّكِ إلى خير و إنّما أُنزلت فِي وفي أخي علي وابنتي فاطمة و ابني الحسن والحُسين (صلوات اللّه عليهم) خاصّةً ليس معنا غيرنا و فِي تسعةٍ مِن وُلد الحُسين من بعدِي فقام كُلُّهُم فقالُوا نشهد أن أُمّ سلمة حدثتنا بذلك فسألنا عن ذلك رسُول اللّه (صَلَّى اللّه عَلَيْهِ وَآلِهِ) فحدّثنا بِهِ كما حدثتنا أُمُّ سلمة ثمّ قال أنشُدُكُمُ اللّه هل تعلمُون أَنَّ اللّه جلّ اسْمُهُ أَنزل ﴿يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا اتَّقُوا اللَّهَ وَكُونُوا مَعَ الصَّادِقِينَ) (2) فقال سلمان يا رسُول اللّه أعامةٌ أم خاصّةٌ فقال أمّا المأمُورُون فعامّة لأن جماعة المؤمنين أُمِرُوا بذلك وأمّا الصَّادِقُون فخاصَّةٌ عليّ بن أبِي طالِب و أوصيائي مِن بعدِهِ إلى يوم القيامةِ وقُلتُ لِرَسُولِ اللّه (صَلَّى اللّه عَلَيْهِ وَآلِهِ) فِي غزوة تبوك يا رسُول اللّه لِم خلّفتني فقال إنّ المدينة لا تصلُحُ إلّا بي أو بِك و
ص: 392
أنت مِنِّي بِمنزِلِةِ هَارُون مِن مُوسَى إِلَّا النُّبُوَّةِ فَإِنَّهُ لا نبيّ بعدي فقام رجال يمن معه من المهاجرين والأنصارِ فقالُوا نشهدُ أنا سمعنا ذلك مِن رسُول اللّه (صَلَّى اللّه عَلَيْهِ وَآلِهِ) فِي غزوة تبوك فقال أنشُدُكُمُ اللّه أتعلمون أن اللّه أنزل فِي سُورةِ الحجّ ﴿يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا ارْكَعُوا وَاسْجُدُوا وَاعْبُدُوا رَبَّكُمْ) إِلى آخِرِ السُّورةِ فقام سلمان فقال يا رسُول اللّه من هؤلاء الّذين أنت عليهم شهِيدٌ وهُم شُهداء على النّاسِ الّذين اجتباهُمُ اللّه وما جعل عليهم فِي الدِّينِ مِن حرج مِلّة أبيهم إبراهيم قال عنى بذلك ثلاثة عشر إنساناً أنا و أخي وأحد عشر من وُلدِي قالُوا اللّهمّ نعم قال أنشُدُكُمُ اللّه أتعلمون أنّ رسُول اللّه (صَلَّى اللّه عَلَيْهِ وَآلِهِ) قام خطيباً ولم يخطب بعدها وقال إنّي قد تركتُ فِيكُم أيّها النَّاسُ أمرين لن تضِلُّوا ما تمسّكتُم بِهِمَا كِتاب اللّه وأهل بيتي فإنّه قد عهد إلى اللطِيفُ الخبير أنهما لن يفترقا حتّى يردا على الحوض فقالُوا اللّهمّ نعم قد شهدنا ذلك كله فقال حسبي اللّه فقام الاثنا عشر فقالوا نشهدُ أنّ رسُول اللّه (صَلَّى اللّه عَلَيْهِ وَآلِهِ) حين خطب فِي اليومِ الّذي قُبِضَ فِيهِ قام عُمرُ بن الخطّابِ شبه المغضبِ فقال يا رسُول اللّه أكُلُّ أهل بيتك فقال لا و لكن أوصِيائي منهم على أخي ووزيري و وارثي وخليفتي فِي أُمّتي ووليُّ كلّ مُؤمِنٍ بعدِي هذا أوّهُم وآخِرُهُم ثمّ وصيّي ابني هذا و أشار إلى الحسن ثمّ وصيه هذا وأشار إلى الحُسين ثمّ وصيّي ابني وسمّي أخِي ثمّ وصِيُّهُ سمتِ ثمّ سبعةٌ مِن وُلدِهِ واحد بعد واحِدٍ حتّى يبردوا علي الحوض شُهداء للّه فِي أرضِهِ و حُججه على خلقِهِ من أطاعهم أطاع اللّه و من عصاهم عصى اللّه فقام السبعُون البدرِيُّون ونحوُهُم مِن الآخرين فقالُوا أدركنا وما كُنّا نسينا نشهد أنا قد سمعنا ذلك من رسُول اللّه فلم يدع (عَلَيهِ السَّلَامُ) شيئاً إلّا ناشدهُم فِيهِ حتّى أتى على آخِرِ مناقِبِهِ و ما قال رسُول اللّه (صَلَّى اللّه عَلَيْهِ وَآلِهِ) فِيهِ كلّ ذلك يُصدِّقُونَهُ ويشهدون أنّه حقّ فَلَمّا حدث أبو الدّرداء و أبو هريرة مُعاوِية بِكُلِّ ذلك وبما ردّ عليه النّاسُ وجم من ذلك وقال يا أبا الدرداء و يا أبا هريرة لئِن كان ما تُحدّثاني عنه حقّاً لقد هلك المهاجِرُون والأنصار غيره و غير أهل بيتِهِ وشِيعَتِهِ ثمّ كتب مُعاوِيةُ إلى أمير المؤمنين (عَلَيهِ السَّلَامُ) لئن كان ما قلت وادعيت واستشهدت عليه أصحابك حقّاً لقد هلك أبوبكر و عُمرُو عُثمان وجميعُ المهاجرين والأنصار غيرك و غير أهل بيتك و شيعتك وقد بلغني ترحمك عليهم واستغفارُك لهم وإنهم لعلى وجهين ما لها ثالِثُ إِمَّا تقيَّةٌ إِن أنت تبرأت منهم خفت أن يتفرّق عنك أهل عسكرك الّذين تُقاتِلُني بهم و إن كان
ص: 393
الّذي ادعيت باطِلًا وكذِباً فقد جاءني بعضُ من تثقُ بِهِ مِن خاصّتِك بِأَنَّكَ تَقُولُ لِشِيعَتِك وبطانتِك بطانة السوء إِنِّي قد سميتُ ثلاثةً مِن بَنِي أبا بكر و عُمر و عُثمان فإذا سمعتموني أترحم على أحدٍ من أئمّةِ الضَّلالة فإنّما أعني بذلك بَنِي والدليل على ذلك وفي رواية أُخرى على صدق ما أتوني بِهِ و رقوه إلى أن قد رأيناك بأعيننا فلا نحتاج أن نسأل عن ذلك غيرنا و إلّا فلم حملت امرأتك فاطمة على حِمارٍ و أخذت بيدِ ابنيك الحسن والحُسين إذ بويع أبوبكر فلم تدع أحداً من أهل بدر و السابقة إلّا وقد دعوتهم واستنفرتهم عليه فلم تجد منهم إنساناً غير أربعة سلمان وأبوذرٍ والمقداد والزُّبير لعمري لو كُنت مُحِقاً لاجابوك وساعدوك ونصرُوك ولكن ادعيت باطِلًا وما لا يُقِرُّون بِهِ وسمعتك أُذُناي وأنت تقول لأبي سفيان حين قال لك غلبك عليه أذلُّ أحياء قُريش تيم وعدِيٌّ ودعاك إلى أن ينصرك فقلت لو وجدتُ أعواناً أربعين رجُلًا مِن المهاجرين و الأنصارِ مِن أهل السابقة لناهضتُ الرّجُل فإنّا لم نجد غير أربعة رهط بايعتُ مُكرهاً قال فكتب إليه أمير المؤمنين (عَلَيهِ السَّلَامُ) أما بعد فقد قرأتُ كِتابك فكثر ما يُعجِبُنِي مِمّا خطت فِيهِ يدك و أطنبت فِيهِ مِن كلامك و من البلاء العظيم والخطب الجليل على هذِهِ الأُمّة أَن يَكُون مِثلُك يتكلّمُ أو ينظُرُ فِي عامةِ أمرِهِم أو خاصّتِهِ وأنت من تعلمُ وابن من قد علمت و أنا من قد علمت وابنُ من تعلمُ وسأجِيبُك فيما قد كتبت بجواب لا أظُنُّك تعقِلُهُ أنت ولا وزيرك ابنُ النابغة عمرو الموافق لك كما وافق شن طبقة فإِنَّهُ هُو الّذي أمرك بهذا الكِتابِ وزيّنه لك أو حضركُما فِيهِ إبليس و مردة أصحابه وفي رواية أخرى و مردة أبالِستِهِ و إِنّ رسُول اللّه (صَلَّى اللّه عَلَيْهِ وَآلِهِ) قد كان خبرني أنَّه رأى على منبره اثني عشر رجُلا أَئِمّة ضلالةٍ مِن قُريش يصعدون على مِنبرِ رسُول اللّه (صَلَّى اللّه عَلَيْهِ وَآلِهِ) و ينزلون على صُورةِ القُرُودِ يردُّون أُمّته على أدبارهم عنِ الصّراط المستقيم اللّهمّ وقد خبّرني بِأسمائِهِم رَجُلًا رَجُلًا وكم يملِكُ كلّ واحِدٍ مِنهُم واحِدٌ بعد واحِدٍ عشرةٌ مِنهُم من بَنِي أُميّة و رجلينِ مِن حيين مُختلِفينِ مِن قُريش عليهما مِثلُ أوزارِ الأُمّة جميعاً إلى يوم القيامة ومثل جميع عذابهم فليس دم يُهراقُ فِي غير حقِّهِ ولا فرجٌ يُغشى. ولا حُكمُ بِغيرِ حقّ إِلا كان عليهما وزره و سمعته يقولُ إنّ بَنِي أبي العاص إذا بلغوا ثلاثين رَجُلًا جعلُوا كِتاب اللّه دخلًا و عِباد اللّه خولا و مال اللّه دُولا و قال رسُول اللّه (صَلَّى اللّه عَلَيْهِ وَآلِهِ) يا أخِي إِنَّك لست كمثلي إنّ اللّه أمرني أن أصدع بالحقِّ وأخبرني أنَّه يعصِمُنِي مِن النّاسِ فأمرني
ص: 394
أن أجاهد و لوبنفسي (فَقَاتِلْ فِي سَبِيلِ اللَّهِ لَا تُكَلَّفُ إِلَّا نَفْسَكَ) (1) وقال (حَرِّضِ الْمُؤْمِنِينَ عَلَى الْقِتَالِ) (2) وقد مكثت بمكة ما مكثتُ لم أُومر بقتال ثمّ أمرني بِالقِتالِ لِأَنَّهُ لا يُعرفُ الدِّينُ إِلا بِي ولا الشّرائِعُ ولا السُّننُ و الأحكام والحدود والحلال والحرام وإنّ النّاس يدعُون بعدِي ما أمرهُمُ اللّه بِهِ و ما أمرهُم فِيك من ولايتك و ما أظهرتُ من محبّتِك مُتعمّدين غير جاهِلِين مُخالِفةً لما أنزل اللّه فيك فإن وجدت أعواناً عليهم فجاهِدهُم فإن لم تجد أعواناً فاكفف يدك و احقن دمك فإنّك إن نابذتهم قتلوك و إن تابعُوك وأطاعُوك فاحملهم على الحقّ وإلا فادعُ النّاس فإن استجابوا لك و وازرُوك فنابذهُم و جاهِدهُم وإن لم تجد أعواناً فاكفف يدك و احقن دمك واعلم أنك إن دعوتهم لم يستجِيبُوا لك فلا تدعن عن أن تجعل الحُجّة عليهم إنّك يا أخي لست مثلي إِنِّي قد أقتُ حُجّتك و أظهرت لهم ما أنزل اللّه فيك وإِنَّهُ لم يُعلم أنِّي رسُول اللّه وأنّ حقّي وطاعتي واجِبانِ حتّى أظهرتُ ذلك وأما أنت فإنّي كُنتُ قد أظهرت حُجتك وقُمتُ بأمرك فإن سكت عنهم لم تأثم غير أنَّه أُحِبُّ أن تدعُوهُم و إن لم يستجيبوا لك ولم يقبلوا منك وتظاهرت عليك ظلمةُ قُريش فدعهم فإنّي أخافُ عليك إن ناهضت القوم و نابذتهم وجاهدتهم من غير أن يكون معك فِئَةٌ تقوى بهم أن يقتُلُوك والتَّقِيَّةُ مِن دِينِ اللّه ولا دِين لمن لا تقيّة لهُ وإِنَّ اللّه قضى. الاختلاف والفُرقة على هذِهِ الأُمّة ولو شاء (لَجَمَعَهُمْ عَلَى الْهُدَى) (3) ولم يختلف اثنان منها ولا من خلقه ولم يتنازع فِي شيءٍ مِن أمرِه ولم يجحد المفضُولُ ذا الفضل فضله و لوشاء عجّل مِنهُ النّقمة وكان مِنهُ التَّعْيِيرُ حِين يُكذِّبُ الظالم ويعلمُ الحقّ أين مصيره واللّه جعل الدُّنيادار الأعمال وجعل الآخرة دار الثّوابِ والعِقابِ (لِيَجْزِيَ الَّذِينَ أَسَاءُوا بِمَا عَمِلُوا وَيَجْزِيَ الَّذِينَ أَحْسَنُوا بِالْحُسْنَى) (4) فقُلتُ شُكراً للّه على نعمائِهِ و صبراً على بلائه وتسليماً ورِضى بقضائِهِ ثمّ قال يا أخِي أَبْشِر فإِنّ حياتك و موتك معي وأنت أخي و أنت وصيّي و أنت وزيري وأنت وارِثي و أنت تُقاتِلُ على سُنّتي و أنت
ص: 395
مِنِّي مِنزِلِةِ هَارُون مِن مُوسى و لك بِهارُون أُسوة حسنةٌ إِذ استضعفه أهلُهُ وتظاهرُوا عليه و كادوا يقتُلُونه فاصبِر لظلمِ قُريش إياك وتظاهرِهِم عليك فإِنّها ضغائِنُ فِي صُدُورِ قومٍ لهم أحقاد بدرٍ وتُراثُ أُحدٍ وإِنَّ مُوسى أمرهارُون حِين استخلفه فِي قومِهِ إِن ضلُّوا فوجد أعواناً أن يُجاهِدهُم بهم فإن لم يجد أعواناً أن يكف يده ويحقن دمه ولا يُفرّق بينهم فافعل أنت كذلك إن وجدت عليهم أعواناً فجاهِدهُم و إن لم تجد أعواناً فاكفف يدك و احقن دمك فإنّك إن نابذتهم قتلوك واعلم أنك إن لم تكف يدك و تحقن دمك إذن لم تجد أعواناً تخوفت عليك أن يرجع الناس إلى عبادة الأصنام والجُحُودِ بِأنّي رسُول اللّه فاستظهر بالحجة عليهم ودعهم ليهلِك النَّاصِبُون لك والباغُون عليك ويسلم العامَّة والخاصة فإذا وجدت يقوماً أعواناً على إقامةِ كِتابِ اللّه والسُّنّة فقاتل على تأويل القرآن كما قاتلت على تنزِيلِهِ فَإِنّما يُهْلِكُ مِن الأُمّة من نصب لك أو لأحدٍ مِن أوصيائِك و عادى وجحد و دان بخلاف ما أَنتُم عليه ولعمري يا مُعاوِيةُ لو ترحمت عليك و على طلحة والزبيركان ترحمي عليكم و استغفاري لكُم لعنة عليكم وعذاباً وما أنت وطلحة والزُّبير بأعظم جُرماً ولا أصغر ذنباً ولا أهون بدعةً وضلالةً مِن اللذين أتسا لك ولِصاحِبِك الّذي تطلُبُ بِدمِهِ ووطئا لكُما ظلمنا أهل البيت وحملاكُم على رقابنا قال اللّه تبارك وتعالى (أَلَمْ تَرَ إِلَى الَّذِينَ أُوتُوا نَصِيبًا مِنَ الْكِتَابِ يُؤْمِنُونَ بِالْجِبْتِ وَالطَّاغُوتِ وَيَقُولُونَ لِلَّذِينَ كَفَرُوا هَؤُلَاءِ أَهْدَى مِنَ الَّذِينَ آمَنُوا سَبِيلًا * أُولَئِكَ الَّذِينَ لَعَنَهُمُ اللَّهُ وَمَنْ يَلْعَنِ اللَّهُ فَلَنْ تَجِدَ لَهُ نَصِيرًا * أَمْ لَهُمْ نَصِيبٌ مِنَ الْمُلْكِ فَإِذًا لَا يُؤْتُونَ النَّاسَ نَقِيرًا * أَمْ يَحْسُدُونَ النَّاسَ عَلَى مَا آتَاهُمُ اللَّهُ مِنْ فَضْلِهِ﴾ فنحنُ النّاسُ ونحن المحسُودُون قال اللّه عزّ و جلّ (فَقَدْ آتَيْنَا آلَ إِبْرَاهِيمَ الْكِتَابَ وَالْحِكْمَةَ وَآتَيْنَاهُمْ مُلْكًا عَظِيمًا) (1) فالملك العظيم أن جعل مِنهُم أَيْةً من أطاعهم أطاع اللّه و من عصاهُم عصى اللّه والكِتابُ والحِكمةُ والنُّبُوَّةُ فلم يُقِرُّون بذلك فِي آلِ إبراهيم ويُنكِرُونَهُ فِي آلِ محمّد (صَلَّى اللّه عَلَيْهِ وَآلِهِ) يا مُعاوِيةُ فإن تكفُريها أنت وصاحِبُك ومن قبلك من طعام أهلِ الشّام واليمن والأعرابِ أعرابِ ربيعة و مُضر جُفاةِ الأُمّة فقد وكَّل اللّه بِها (قَوْمًا لَيْسُوا بِهَا بِكَافِرِينَ) (2) يا مُعاوِيةُ إِنَّ القُرآن حقّ و
ص: 396
نُورُو هُدًى ورحمةٌ وشِفَاءٌ لِلْمُؤْمِنِينَ ﴿وَالَّذِينَ لَا يُؤْمِنُونَ فِي آذَانِهِمْ وَقْرٌ وَهُوَ عَلَيْهِمْ عَمًى) (1) يا مُعاوِيةُ إِنّ اللّه لم يدع صنفاً مِن أصنافِ الضَّلالةِ والدُّعاةِ إلى النّار إلّا وقد ردّ عليهم واحتج عليهم فِي القرآن و نهى عن اتباعهم وأنزل فيهم قُرآناً ناطقاً عِلمُهُ مِن عِلمِهِ و جهلُهُ مِن جهلِهِ إِنِّي سمعت رسُول اللّه (صَلَّى اللّه عَلَيْهِ وَآلِهِ) يقولُ ليس من القرآن آيةٌ إلّا ولها ظهر و بطن و ما من حرفٍ إِلا وله تأويل وما يعلمُ تَأْوِيلَهُ إِلَّا اللّه والرّاسِخُون فِي العلم وفي رواية أُخرى و ما مِنهُ حرف إلّا وله حد مُطلع على ظهرِ القرآن وبطنِهِ وتَأْوِيلِهِ و ما يعلم تأوِيلَهُ إِلَّا اللّه والرّاسِخُون فِي العِلمِ الرَّاسِخُون فِي العِلمِ نحنُ آل محمّد وأمر اللّه سائر الأُمّة أن يقولُوا آمَنَّا بِهِ (كُلٌّ مِنْ عِنْدِ رَبِّنَا وَمَا يَذَّكَّرُ إِلَّا أُولُو الْأَلْبَابِ) (2) وأن يُسلِّمُوا إلينا و يردُّوا الأمر إلينا وقد قال اللّه (وَلَوْ رَدُّوهُ إِلَى الرَّسُولِ وَإِلَى أُولِي الْأَمْرِ مِنْهُمْ لَعَلِمَهُ الَّذِينَ يَسْتَنْبِطُونَهُ مِنْهُمْ) (3) هُمُ الّذين يُسألون عنه ويُطلبونه ولعمري لو أنّ النّاس حين قُبض رسُول اللّه (صَلَّى اللّه عَلَيْهِ وَآلِهِ) سلّمُوا لنا واتبعونا وقلدُونا أُمُورهُم (لَأَكَلُوا مِنْ فَوْقِهِمْ وَمِنْ تَحْتِ أَرْجُلِهِمْ) (4) ولما طمعت أنت يا معاوية فما فاتهم مِنا أكثر ما فاتنا منهم ولقد أنزل اللّه فِي وفِيكَ آيَاتٍ مِن سُورَةٍ خاصّةٍ الأُمّة يُؤوّلُونها على الظَّاهِرِ ولا يعلمون ما الباطِنُ وهي فِي سورة الحاقة (فَأَمَّا مَنْ أُوتِيَ كِتَابَهُ بِيَمِينِهِ)، (وَأَمَّا مَنْ أُوتِيَ كِتَابَهُ بِشِمَالِهِ) وذلك أنهُ يُدعى بِكُلِّ إِمَامٍ ضلالةٍ وإِمامِ هُدًى ومع كلّ واحِدٍ مِنهُما أصحابُهُ الّذين بايعوه فيُدعى بي وبك يا مُعاوِيةُ وأنت صاحِبُ السِلسِلةِ الّذي يقولُ (يَا لَيْتَنِي لَمْ أُوتَ كِتَابِيَهْ * وَلَمْ أَدْرِ مَا حِسَابِيَهْ) (5) سمعت رسُول اللّه (صَلَّى اللّه عَلَيْهِ وَآلِهِ) يقولُ ذلك وكذلك كلّ إمام ضلالةٍ كان قبلك أو يكُونُ بعدك لهُ مِثلُ ذلك مِن خِزيِ اللّه وعذابِهِ و نزل فِيكُم قول اللّه عزّوجلّ (وَمَا جَعَلْنَا الرُّؤْيَا الَّتِي أَرَيْنَاكَ إِلَّا فِتْنَةً لِلنَّاسِ وَ
ص: 397
الشَّجَرَةَ الْمَلْعُونَةَ فِي الْقُرْآنِ) (1) وذلك أنّ رسُول اللّه رأى اثني عشر إماماً مِن أعْةِ الضَّلالَةِ على مِنبرِهِ يَرُدُّون الناس على أدبارهم القهقرى رجُلانِ مِن قُريش و عشرةٌ مِن بَنِي أُميّة أوّلُ العشرة صاحِبُكَ الّذي تطلب بدمه وأنت وابنك وسبعةٌ مِن وُلدِ الحكم بن أبي العاص أوهم مروان وقد لعنهُ رسُول اللّه (صَلَّى اللّه عَلَيْهِ وَآلِهِ) و طرده و ما ولد حين أُسمع نبينا رسُول اللّه (صَلَّى اللّه عَلَيْهِ وَآلِهِ) إِنَّا أَهلُ بيت اختار اللّه لنا الآخرة على الدنيا و لم يرض لنا الدُّنيا ثواباً وقد سمعت رسُول اللّه أنت و وزيرك وصُويحِبك يقولُ إذا بلغ بنو أبي العاص ثلاثين َرجُلًا اتخذُوا كِتاب اللّه دخلا و عِباد اللّه خولا و مال اللّه دُولايا معاوية إن نبيّ اللّه زكريا نُشِر بِالمنشار و يحيى ذُبح وقتله قومُهُ وهُو يدعُوهُم إِلى اللّه عزّ و جلّ و ذلك لهوانِ الدُّنيا على اللّه إِنّ أولياء الشّيطان قد حاربوا أولياء الرّحمنِ قال اللّه (إِنَّ الَّذِينَ يَكْفُرُونَ بِآيَاتِ اللَّهِ وَيَقْتُلُونَ النَّبِيِّينَ بِغَيْرِ حَقٍّ وَيَقْتُلُونَ الَّذِينَ يَأْمُرُونَ بِالْقِسْطِ مِنَ النَّاسِ فَبَشِّرْهُمْ بِعَذَابٍ أَلِيمٍ) (2) يا معاوية إنّ رسُول اللّه قد أخبرني أن أُمته سيخضبُون لِحِيتِي مِن دمِ رأْسِي وأَنِّي مُستشهدٌ وستلي الأُمّة مِن بعدِي وأنك ستقتل ابني الحسن غدراً بالسم وأن ابنك يزيد لعنه اللّه سيقتل ابني الحُسين بلي ذلك مِنهُ ابنُ زانية و أنّ الأُمّة سيليها من بعدك سبعةٌ مِن وُلد أبي العاص و وُلدِ مروان بن الحكم وخمسةٌ مِن وُلدِهِ تكلمه [تُكمِلُهُ] اثنا عشر إماماً قد رآهم رسُول اللّه يتوائبون على منبره تواثب القردة يردُّون أُمته عن دِينِ اللّه على أدبارِهِمُ القهقرى وأَنَّهُم أَشدُّ الناس عذاباً يوم القيامةِ وأن اللّه سيُخرجُ الخلافة منهُم بِرايَاتٍ سُودٍ تُقبِلُ مِن المُشرِقِ يُذِهُمُ اللّه بهم ويقتلهم تحت كلّ حجرو أنّ رجُلا مِن وُلدِك ميشوم و ملعون جلف جافٍ منکوس القلبِ فظ غليظ قاسٍ قد نزع اللّه من قلبِهِ الرّأفة والرحمة أخوالُهُ مِن كلبٍ كأَنِّي أَنظُرُ إِليهِ ولو شِئتُ لسمّيته ووصفته وابن كم هُو فيبعث جيشاً إلى المدينة فيدخُلُونها فيُسرِفُون فيها فِي القتل والفواحش ويهرُبُ مِنهُم رجُلٌ مِن وُلدِي زَكِيٌّ تقيّ الّذي يملا الأرض عدلا وقسطاً كما مُلئت ظلما وجوراً و إِنِّي لاعرِفُ اسمه و ابن كم هُو يومئِذٍ و علامته وهُو مِن وُلدِ ابني الحُسين (عَلَيهِ السَّلَامُ) الّذي يقتُلُهُ ابنُكَ يَزِيدُ وهُو الشَّائِرُ بِدمِ أَبِيهِ فيهرُبُ إِلى مكّة ويقتل صاحِبُ ذلك الجيش رجُلًا مِن وُلدِي زَكِيّاً بريئاً عِند أحجارِ
ص: 398
الزّيتِ ثمّ يصِيرُ ذلك الجيش إلى مكّة وإِنِّي لأعلمُ اسم أمِيرِهِم وعِدّتهم وأسماءهُم وسِماتِ خُيُولِهِم فإذا دخلوا البيداء واستوت بِهِمُ الأَرضُ خُسِف بهم قال اللّه عزّوجلّ (وَلَوْ تَرَى إِذْ فَزِعُوا فَلَا فَوْتَ وَأُخِذُوا مِنْ مَكَانٍ قَرِيبٍ) (1) قال مِن تحتِ أقدامهم فلا يبقى من ذلك الجيش أحدٌ غيرُ رجُلٍ َواحِدٍ يُقلّبُ اللّه وجههُ مِن قِبل قفاهُ ويبعث اللّه للمهدي أقواماً يُجمعُون مِن أطرافِ الأَرضِ قزع كقزع الخريف واللّه إِنِّي لاعرِفُ أسماءهم و اسم أمِيرِهِم و مُناخ ركابهم فيدخُلُ المهدي الكعبة ويبكي ويتضرّعُ قال جلّ وعزّ (أَمَّنْ يُجِيبُ الْمُضْطَرَّ إِذَا دَعَاهُ وَيَكْشِفُ السُّوءَ وَيَجْعَلُكُمْ خُلَفَاءَ الْأَرْضِ) (2) هذا لنا خاصةً أهل البيت أما و اللّه يا مُعاوِية لقد كتبتُ إِليك هذا الكتاب وإنّي لأعلم أنك لا تنتفع به و أنك ستفرح إذا أخبرتك أنك ستلي الأمر وابنك بعدك لأن الآخِرة ليست من بالك وإِنَّكَ بِالآخِرَةِ لمن الكافِرِين و ستندمُ كما ندم من أسّس هذا الأمر لك وحملك على رقابنا حين لم تنفعه الندامة وممّا دعاني إلى الكِتابِ بِما كتبتُ بِهِ أني أمرتُ كاتي أن ينسخ ذلِك لِشِيعي وأصحابي لعل اللّه أن ينفعهم بذلك أو يقرأه واحِدٌ مِن قِبلك فخرج اللّه بِهِ مِن الضَّلالة إلى الهدى و من ظلمك وظلم أصحابك وفتنتِكُم وأحببتُ أن أحتج عليك فكتب إليهِ مُعاوِيةُ هنيئاً لك يا أبا الحسن تملُّكُ الآخِرة وهنيئاً لنا تملُّكُ الدُّنيا. (3)
1- عن مُغِيرة قال: أرسل مُعاوِيةُ إلى جعدة بِنتِ الأشعث بن قيس أنِّي مُزوّجُكِ يزيد ابني على أن تسمّي الحسن وبعث إليها مائة ألف درهم ففعلت و سمتِ الحسن (عَلَيهِ السَّلَامُ) فسوّغها المال ولم يُزوّجها من يزيد فخلف عليها رجُلٌ مِن آل طلحة فأولدها فكان إذا وقع بينهم وبين بطونِ قريش كلام عيّرُوهُم و قالُوا يَا بَنِي مُسمّةِ الأَزْواجِ. (4)
ص: 399
2 - عن سالم بن أبي الجعد قال حدّثني رجُلٌ مِنا قال: أتيتُ الحسن بن علي (عَلَيهِمَا السَّلَامُ) فقُلتُ يا ابن رسُول اللّه (صَلَّى اللّه عَلَيْهِ وَآلِهِ) أذللت رقابنا وجعلتنا معشر الشّيعة عبيداً ما بقي معك رجُلٌ فقال و مِمٌ ذاك قال قُلتُ بِتسليمك الأمر لهذا الطاغية قال واللّه ما سلمتُ الأمر إليه إلّا أني لم أجد أنصاراً و لو وجدتُ أنصاراً لقاتلتُهُ ليلي ونهاري حتّى يحكم اللّه بيني و بينه ولكِنِّي عرفتُ أهل الكوفة وبلوتُهم ولا يصلُحُ لِي مِنهُم ما كان فاسداً إنَّهم لا وفاء لهم ولا ذمة فِي قول ولا فعل إنَّهم لمختلفون ويقولون لنا إن قُلُوبهم معنا و إن سيوفهم المشهورة علينا قال وهُو يُكَلِّمُنِي إذا [ إذ] تنخّع الدم فدعا بطست فحُمِل مِن بين يديه ملئانُ لِما خرج مِن جوفِهِ مِن الدّمِ فَقُلتُ لهُ ما هذا يا ابن رسُول اللّه إِنِّي لاراك وجعاً قال أجل دس إلي هذا الطاغية من سقاني سماً فقد وقع على كبِدِي فهُو يخرُجُ قِطعاً كما ترى قُلتُ أفلا تتداوى قال قد سقاني مرتين و هذِهِ الثَّالثة لا أجِدُ لها دواءً و لقد رُقي إلي أنَّه كتب إِلى مَلِكِ الرُّومِ يسألُهُ أَن يُوجّه إليهِ مِن السّمّ القتالِ شربةً فكتب إليهِ ملِكُ الرُّومِ أنَّه لا يصلُحُ لنا فِي دِينِنا أن نُعِين على قتال من لا يُقاتِلُنا فكتب إليهِ أَنّ هذا ابنُ الرّجُلِ الّذي خرج بِأَرضِ تِهامة قد خرج يطلبُ مُلك أبِيهِ وأَنا أُرِيدُ أن أدسَّ إِليهِ من يسقيه ذلك فأريح العباد والبلاد منه ووجّه إليه بهدايا و ألطاف فوجّه إليه ملكُ الرُّومِ بِهذِهِ الشّربةِ الّتي دسّ بِها فسُقِيتُها واشترط عليه فِي ذلك شروطاً و رُوي أنّ مُعاوِيَة دفع السمّ إِلى امرأة الحسن بن علي (عَلَيهِمَا السَّلَامُ) جعدة بنت الأشعثو قال لها اسقيه فإذا مات هُو زوجتُكِ ابني يزيد فلَمّا سقته السّمّ ومات (صلوات اللّه عليهِ) جاءتِ الملعُونةُ إِلى مُعاوِية الملعُونِ فقالت زوّجني يزيد فقال اذهبي فإنّ امرأةٌ لا تصلُحُ لِلحسنِ بن علي (عَلَيهِمَا السَّلَامُ) لا تصلُحُ لابني يزيد. (1)
3 - عنِ الصّادِقِ عن آبائِهِ (عَلَيهِم السَّلَامُ) أنّ الحسن (عَلَيهِ السَّلَامُ) قال لأهل بيتِهِ إِنِّي أُمُوتُ بِالسّمّ كما مات رسُول اللّه (صَلَّى اللّه عَلَيْهِ وَآلِهِ) قالوا و من يفعل ذلك قال امرأتي جعدة بنتُ الأشعث بن قيس فَإِنَّ مُعَاوِية يدُشُ إِليها ويأمرُها بذلك قالُوا أخرجها من منزلك وباعدها من نفسك قال كيف أُخرِجُها ولم تفعل بعد شيئاً ولو أخرجتُها ما قتلني غيرُها و كان لها عُذر عند النَّاسِ فما ذهبت الأيّام حتّى بعث إليها مُعاوِيةُ مالاً جسيماً و جعل يُمنّيها بأن يُعطيها مائة ألف درهم أيضاً ويُزوّجها مِن
ص: 400
يزيد و حمل إليها شربة سمّ لتسقيها الحسن (عَلَيهِ السَّلَامُ) فانصرف إلى منزِلِهِ وهُو صائم فأخرجت وقت الإفطار و كان يقوماً حاراً شربة لبن وقد ألقت فيها ذلك السم فشربها وقال عدوة اللّه قتلتيني قتلكِ اللّه واللّه لا تُصيبين مني خلفاً و لقد غرّك وسخِرَمِنكِ وَاللّه يُحْزِيكِ وَيُحْزِيهِ فمكث (عَلَيهِ السَّلَامُ) يومانِ ثمّ مضى فغدر بها مُعاوِيةُ ولم يف لها بما عاهد عليه. (1)
1- عن ابن عبدِ رَبِّهِ: أَنَّهُ لَما بلغ مُعاوية موتُ الحسن بن علي (عَلَيهِمَا السَّلَامُ) سجد و سجد من حوله و كبّر و كبّرُوا معه فدخل عليه ابنُ عبّاس فقال له يا ابن عبّاس أمات أبو محمّد قال نعم رحمه اللّه و بلغني تكبيرك وسُجُودُك أما واللّه ما يسُدُّ جُثمانُهُ حُفرتك ولا يَزِيدُ انْقِضَاءُ أَجَلِهِ فِي عُمُرِكَ قال حسِبتُهُ تَرَكَ صِبيةً صِغاراً و لم يترك عليهم كثير معاش فقال إِنَّ الّذي وكلهم إليه غيرك و فِي روايةٍ كُنا صغاراً فكبرنا قال فأنت تكون سيّد القومِ قال أما أبو عبد اللّه الحُسين بن علي (عَلَيهِمَا السَّلَامُ) باقٍ. (2)
1 - عن صفية بنت عبد المطلب قالت لما سقط الحُسين (عَلَيهِ السَّلَامُ) من بطنِ أُمِّهِ فدفعتُهُ إِلى النّبيّ (صَلَّى اللّه عَلَيْهِ وَآلِهِ) فوضع النّبيّ (صَلَّى اللّه عَلَيْهِ وَآلِهِ) ليسانهُ فِي فِيهِ وأقبل الحُسين على لسان رسُول اللّه (صَلَّى اللّه عَلَيْهِ وَآلِهِ) يمصُّهُ قالت فما كُنتُ أحسبُ رسُول اللّه يغذُوهُ إلّا لبناً أو عسلًا قالت فبال الحُسين (عَلَيهِ السَّلَامُ) فقبل النّبيّ (صَلَّى اللّه عَلَيْهِ وَآلِهِ) بين عينيهِ ثمّ دفعه إلي وهُو يبكي ويقولُ لعن اللّه قوماً هُم قاتِلُوك يا بَنِي يقولها ثلاثاً قالت فقُلتُ فِداك أبي وأُمِّي ومن يقتُلُهُ قالَ بِقِيَّةُ الفِئَةِ الباغِيةِ مِن بَنِي أُميّة لعنهم اللّه. (3)
ص: 401
2- عن عبدِ اللّه بنِ عمرو أن أبا سفيان ركب بعِيراً لهُ ومُعاوِيةُ يَقُودُهُ ويَزِيدُ يَسُوقُ بِهِ فلعن رسُول اللّه (صَلَّى اللّه عَلَيْهِ وَآلِهِ) الرّاكب والقائد و السائق. (1)
3- عن البراء بن عازب قال: أقبل أبو سفيان و مُعاوِيةُ يتبعُهُ فقال رسُول اللّه (صَلَّى اللّه عَلَيْهِ وَآلِهِ) اللّهمّ العن التابع والمتبوع اللّهمّ عليك بِالأُقيعِس قال ابنُ البراء لأبيه من الأُقيعِسُ قال مُعاوِيةُ. (2)
4 - عن نصرِ بنِ عاصم الليثي عن أبيه قال: أتينا مسجِد رسُول اللّه (صَلَّى اللّه عَلَيْهِ وَآلِهِ) و النَّاسُ يقولُون نعُوذُ بِاللّه مِن غضب اللّه وغضبِ رَسُولِهِ فقُلتُ ما هذا قالُوا مُعاوِيةُ قام السّاعة فأخذ بِيدِ أَبِي سفيان فخرجا فقال رسُول اللّه (صَلَّى اللّه عَلَيْهِ وَآلِهِ) لعن اللّه التابع والمتبوع رُبّ يومٍ لِأُمَّتِي مِن مُعاوِيَة ذِي الأستاه قالُوا يعني كبير العجز. (3)
5- عن عليّ بن الحُسين (عَلَيهِمَا السَّلَامُ) قال حدّثني أسماءُ بِنتُ عُميس الخثعميّة قالت قبلت جدتك فاطمة بنت رسُول اللّه بالحسن والحُسين قالت فلما ولدت الحسن جاء النّبيّ (صَلَّى اللّه عَلَيْهِ وَآلِهِ) فقال يا أسماء هاتي ابني قالت فدفعته إليهِ فِي خِرقةٍ صفراء فرمى بها وقال ألم أعهد إليكم أن لا تلقُوا المولود فِي خرقةٍ صفراء و دعا بِخِرقةٍ بيضاء فلفهُ بِها ثمّ أَذَن فِي أُذُنِهِ اليُمنى وأقام فِي أُذُنِهِ اليُسرى وقال لعليّ (عَلَيهِ السَّلَامُ) بما سميت ابني هذا قال ما كُنتُ لأسبقك بِاسمِهِ يا رسُول اللّه قال وأنا ما كُنتُ لأسبق ربّي عزّ و جلّ قال فهبط جبرئيل قال إن اللّه يقرأُ عليك السلام ويقول لك يا محمّد علي منك بمنزلة هارون مِن مُوسى إلّا أنَّه لا نبيّ بعدك فسم ابنك باسم ابن هارون قال النّبيّ (صَلَّى اللّه عَلَيْهِ وَآلِهِ) وما اسم ابن هارون قال جبرئيل شبّر قال وما شبّر قال الحسن قالت أسماء فسمّاه الحسن قالت أسماءُ فلما ولدت فاطِمةُ الحُسين (عَلَيهِمَا السَّلَامُ) نفستُها بِهِ فجاءني النّبيّ فقال هلم [هلمّي] ابني يا أسماء فدفعتُهُ إِليهِ فِي خِرقةٍ بيضاء ففعل بِهِ كما فعل بالحسن قالت وبكى رسُول اللّه ثمّ قال إِنَّهُ سيكُونُ لكِ حدِيثُ اللّهمّ العن قاتِلهُ لا تُعلمي فاطمة بذلك قالت أسماء فلَمّا كان فِي يومِ سابِعِهِ جاءني النّبيّ فقال هلمي ابني فأتيتُهُ بِهِ ففعل بِهِ كما فعل بِالحسن و عق عنه كما عق
ص: 402
عن الحسن كبشاً أملح وأعطى القابلة الورك ورجلا و حلق رأسه وتصدّق بوزن الشعرِورقاً و خلق رأسهُ بِالخُلُوقِ وقال إنّ الدّم مِن فِعل الجاهليّةِ قالت ثمّ وضعه فِي حجرِهِ ثمّ قال يا أبا عبد اللّه عزيز علي ثمّ بكى فقُلتُ بِأبي أنت وأمي فعلت فِي هذا اليوم وفي اليوم الأول فما هُو قال أبكي على ابني هذا تقتُلُهُ فِئَةٌ باغِيةٌ كافِرَةٌ مِن بَنِي أُميّة لعنهُمُ اللّه لَا أَناهُمُ اللّه شفاعتي يوم القيامةِ يقتُلُهُ رجُلٌ يثلِمُ الدّين ويكفُرُ بِاللّه العظيم ثمّ قال اللّهمّ إِنِّي أسألُك فيهما ما سألك إبراهِيمُ فِي ذُرِّيَّتِهِ اللّهمّ أحِبّهُما وأحِبّ من يُحِبُّهما والعن من يُبغِضُهُما مِلء السّماء و الأرض. (1)
1- عن عبد اللّه بن طلحة قال: سألت أبا عبد اللّه (عَلَيهِ السَّلَامُ) عنِ الوزغ فقال رجسٌ وهُو مسخ كُلُّهُ فإذا قتلته فاغتسل وقال إن أبي كان قاعداً فِي الحجرو مَعَهُ رَجُلٌ يُحدِّثُهُ فَإِذَا هُو بِوزِعٍ يُولوِلُ بلسانه فقال أبي للرجل أتدري ما يقول هذا الوزغ فقال لا علم لي بما يقولُ قَالَ فَإِنَّهُ يَقولُ واللّه لئِن ذكرتُم عُثمان بشتيمةٍ لأشتمن عليّاً حتّى يقوم من هاهنا قال وقال أبي ليس يموتُ من بَنِي أُمية ميت إلّا مسخ وزغاً قال وقال إن عبد الملك بن مروان لما نزل بِهِ الموتُ مُسِخ وزغاً فذهب من بين يدي من كان عنده وكان عِندَهُ وُلدُهُ فَلَمّا أن فقدوه عظم ذلك عليهم فلم يدرُوا كيف يصنعون ثمّ اجتمع أمرُهُم على أن يأخُذُوا جذعاً فيصنعُوهُ كهيئة الرجل قال ففعلوا ذلك و ألبسوا الجذع درع حدِيدٍ ثمّ ألقوه فِي الأكفانِ فلم يطلع عليه أحدٌ مِن النَّاسِ إِلا أَنا ووُلدُهُ. (2)
2 - عنِ الباقِرِ (عَلَيهِ السَّلَامُ) قال: إنّ عبد الملِكِ لَما نزل بِهِ الموتُ مُسِخ وزغاً فكان عنده ولده ولم يدرُوا كيف يصنعون وذهب ثمّ فقدُوهُ فأجمعوا على أن أخذُوا جذعاً فصنعُوه كهيئةِ رَجُلٍ ففعلوا ذلك و ألبسوا الجذع ثمّ كفنوه فِي الأكفان لم يطلع عليه أحدٌ مِن النَّاسِ إلّا ولده و أنا. (3)
ص: 403
1- عن أبي حيان الّتيمي عن أبيه وكان مع عليّ بن أبِي طالِب (عَلَيهِ السَّلَامُ) يوم صفّين وفيما بعد ذلك قال: بينما عليّ بن أبِي طالِب (عَلَيهِ السَّلَامُ) يُعبّئُ الكتائب يوم صِفِّين ومُعاوِيةُ مُستقبِلُهُ على فرس له يتأكلُ تحته تأكُلا و عليّ (عَلَيهِ السَّلَامُ) على فرس رسُول اللّه (صَلَّى اللّه عَلَيْهِ وَآلِهِ) المرتجز و بِيدِهِ حربةُ رسُول اللّه (صَلَّى اللّه عَلَيْهِ وَآلِهِ) وهُو مُتقلّد سيفه ذا الفقارِ فقال رجُلٌ مِن أصحابِهِ احترس يا أمير المؤمنين فإنّا نخشى أن يغتالك هذا الملعُونُ فقال (عَلَيهِ السَّلَامُ) لن قُلت ذاك إِنَّهُ غير مأمون على دِينِهِ وإِنَّهُ لاشق القاسِطِين و ألعنُ الخارجين على الأئمّة المهتدين ولكن كفى بالأجل حارساً ليس أحد من النّاسِ إِلا ومعه لملائكةٌ حفظة يحفظونه من أن يتردّى فِي بِئر أو يقع عليهِ حائِط أو يُصِيبهُ سُوءٌ فإذا حان أجلُهُ خلّوا بينه وبين ما يُصِيبُهُ فكذلِك أنا إذا حان أجلي انبعث أشقاها فخضب هذِهِ مِن هذا وأشار إلى لِحِيتِهِ ورأسِهِ عهداً معهوداً و وعداً غير مكذوب. (1)
1- عن أبي جعفر (عَلَيهِ السَّلَامُ) قال: قال رسُول اللّه (صَلَّى اللّه عَلَيْهِ وَآلِهِ) ومُعاوِيةُ يكتُبُ بين يديهِ وأهوى بِيدِهِ إلى خاصرته بالسيف من أدرك هذا يقوماً أميراً فليبقُرنّ خاصرتهُ بِالسّيفِ فرآهُ رجُلٌ ممّن سمع ذلك من رسُول اللّه (صَلَّى اللّه عَلَيْهِ وَآلِهِ) يوماً وهُو يخطبُ بِالشّامِ على النّاسِ فاخترط سيفه ثمّ مشى إليهِ فحال النّاسُ بينه وبينه فقالوا يا عبد اللّه ما لك فقال سمِعتُ رسُول اللّه (صَلَّى اللّه عَلَيْهِ وَآلِهِ) يقولُ من أدرك هذا يقوما أميراً فليبقُر خاصِرتهُ بِالسّيفِ قال فقالُوا أتدري من استعمله قال لا قالُوا أمير المؤمنين عُمرُ فقال الرّجُلُ سمعاً وطاعة لأمير المؤمنين !. (2)
ص: 404
قال الصّدُوقُ رِضوان اللّه عليه إِنّ النّاس شُبّه عليهم أمرُ مُعاوية بأن يقولُوا كان كاتب الوحي و ليس ذاك بموجب له فضيلةً وذلك أنَّه قرن فِي ذلك إلى عبد اللّه بن سعد بن أبي سرح فكانا يكتبان له الوحي و هُو الّذي قال سأُنزِلُ مِثل ما أنزل اللّه فكان النّبيّ (صَلَّى اللّه عَلَيْهِ وَآلِهِ) يملي عليه (و اللّه غَفُورٌ رَحِيمٌ﴾ (1) فيكتُبُ واللّه عَزِيزٌ حَكِيمٌ ويُملي عليه (و اللّه عَزِيزٌ حَكِيمٌ) (2) فيكتُبُ واللّه عليم حكيم فيقولُ لهُ النّبيّ (صَلَّى اللّه عَلَيْهِ وَآلِهِ) هُو واحِدٌ فقال عبد اللّه بن سعدٍ إِنْ محمّداً لا يدري ما يقولُ إنَّه يقولُ وأنا أقول غير ما يقولُ فيقول لي هُو واحِدٌ هُو واحِدٌ إِن جاز هذا فإِنِّي سَأُنزِلُ مِثل ما أنزل اللّه فأنزل اللّه فِيهِ ومن قال (سَأُنْزِلُ مِثْلَ مَا أَنْزَلَ اللَّهُ) (3) فهرب وهجا النّبيّ (صَلَّى اللّه عَلَيْهِ وَآلِهِ) فقال النّبيّ (صَلَّى اللّه عَلَيْهِ وَآلِهِ) من وجد عبد اللّه بن سعد بن أبي سرح ولو كان مُتعلّقاً بأستار الكعبة فليقتله و إنما كان النّبيّ (صَلَّى اللّه عَلَيْهِ وَآلِهِ) يقولُ لهُ فيما يُغيّرُهُ هُو واحِدٌ هُو واحِدٌ لِأَنَّهُ لا ينكتِبُ ما يُرِيدُهُ عبدُ اللّه إِنّما كان ينكتِبُ ما كان يُمليه (عَلَيهِ السَّلَامُ) فقال هُو واحِدٌ غيّرت أم لم تُغيّر لم ينكتب ما تكتبه بل ينكتِبُ ما أُمليه عنِ الوحي و جبرئيل (عَلَيهِ السَّلَامُ) يُصلِحُهُ وفي ذلك دلالة لِلنّبي (صَلَّى اللّه عَلَيْهِ وَآلِهِ) و وجه الحكمة فِي استكتابِ النّبيّ (صَلَّى اللّه عَلَيْهِ وَآلِهِ) الوحي مُعاوية و عبد اللّه بن سعدٍ وهُما عدُوّانِ هُو أن المشركين قالُوا إِنَّ محمّداً يقولُ هذا القرآن مِن تلقاء نفسِهِ ويأتِي فِي كلّ حادِثةٍ بِآيَةٍ يزعُمُ أنها أُنزلت عليه وسبيل من يضعُ الكلام فِي حوادث يحدث فِي الأوقاتِ أن يُغير الألفاظ إذا استعيد ذلك الكلام ولا يأتي بِهِ فِي ثاني الأمرِو بعد مُرُورِ الأوقاتِ عليهِ إِلَّا مُغيّراً عن حالة الأولى لفظاً ومعنى أو لفظاً دون معنى فاستعان فِي كتب ما ينزِلُ عليه فِي الحوادث الواقعة بِعدُوّينِ لَهُ فِي دِينِهِ عدلينِ عِند أعدائِهِ ليعلم الكُفَّارُ و المشرِكُون أَن كلامه فِي ثاني الأمر كلامه فِي الأولِ غير مُغيّر و لا مُزالِ عن جهتِهِ فيكون أبلغ لِلحُجّةِ عليهم ولو استعان فِي ذلك بوليين
ص: 405
مثل سلمان وأبي ذرّو أشباههما لكان الأمرُ عِند أعدائه غير واقع هذا الموقع وكانت يُتخيّلُ فِيهِ التواطي والتطابق فهذا وجه الحكمة فِي استكتابهما واضح مُبيّن والحمد للّه. (1)
1- عن عبد اللّه بن معقل عن عليّ (عَلَيهِ السَّلَامُ) أنَّه قنت فِي الصُّبحِ فلعن معاوية وعمرو بن العاص و أبا مُوسى وأبا الأعور وأصحابهم. (2)
2 - عن نصر بن مزاحم كان عليّ (عَلَيهِ السَّلَامُ) إذا صلّى الغداة والمغرب و فرغ من الصّلاة يقُول اللّهمّ العن معاوية و عمرا {عمروا و أبا مُوسى و حبيب بن مسلمة والضّحاك بن قيس والوليد بن عقبة وعبد الرحمن بن خالد بن الوليد فبلغ ذلك معاوية فكان إذا قنت لعن عليّاً وابن عبّاس وقيس بن سعد والحسن والحُسين. (3)
3 - عن ذريح المحاربي قال: قال الحارث بن المغيرةِ النّضرِيُّ لأبي عبد اللّه (عَلَيهِ السَّلَامُ) إِنَّ أبا معقلٍ المزنيّ حدّثني عن أمير المؤمنين (عَلَيهِ السَّلَامُ) أنَّه صلّى بِالنّاسِ المغرب فقنت فِي الركعة الثانية ولعن مُعاوِية وعمرو بن العاص وأبا مُوسى الأشعرِيّ و أبا الأعور السُّلمي قال (عَلَيهِ السَّلَامُ) الشيخ صدق فالعنهم. (4)
أقول: حبيب بن مسلمة كان من أمراء جنود معاوية و هُو الّذي أرسله معاوية إلى نصرة عثمان و لكن حدث ما حدث ولم ينصره و جعله فِي حرب صفين أميرا لجانب اليسار و كان يخشاه كمال الخشية لأنَّه كان دائما يلح عليه بالعمل بسيرة أبي بكر و عمر وروى إبن عساكر عن ابن عجلان قال: "لما أتى معاوية موت حبيب بن مسلمة سجد، و لما أتاه موت عمرو بن العاص سجد"، فقال له قائل: " يا أمير المؤمنين سجدت لوفدين و هما مختلفان"، فقال "أما حبيب فكان يأخذني بسنة أبي بكر و عمر، و أما عمرو بن العاص فيأخذني بالإمرة، فلا أدري ما أصنع"! (5)
ص: 406
و أما الضحاك بن قيس كان أمينا و مشاورا لمعاوية و هُو أمير شرطته المخصوص لحمايته و كان أميرا لجيشه فِي حرب صفين و بعد الحرب أصبح أميراً للغارات فهجم على شيعة أميرالمؤمنين وقتلهم ونهب أموالهم و عمر كثيرا لعنه اللّه.
و أما الوليد بن عقبة هُو المسمى بالفاسق فِي القرآن وكان أخا لعثمان من الرضاعة و كان أمير الكوفة من قبله و قصة فساده وشرب خمره وصلاته وإجراء الحد عليه بيد أمير المؤمنين (عَلَيهِ السَّلَامُ) معروفة.
و أما عبد الرحمن بن خالد بن الوليد صاحب علم معاوية فِي حرب صفين مع أن أخيه مهاجر بن خالد كان فِي جيش أمير المؤمنين (عَلَيهِ السَّلَامُ) و عبدالرحمن هُو الّذي قُتل بالسّم بدسيسة معاوية لما رأى إقبال الناس إليه و خاف منه ليزيد ابنه.
و أما أبوالأعور السلمي لعنه اللّه كان من أشد أعدا أمير المؤمنين (عَلَيهِ السَّلَامُ) و شارك وقعة صفين و كان أميرا لمقدمة جيش معاوية.
و أما قيس بن سعد الّذي لعنه معاوية؛ كان من صحابة النّبيّ و أصحاب أميرالمؤمنين عليهما وألهما السلام و كان صاحب لواء أمير المؤمنين (عَلَيهِ السَّلَامُ) فِي معركة صفين.
4 - عن سليم قال: إنّ عمرو بن العاص خطب بِالشّامِ فقال بعثني رسُول اللّه (صَلَّى اللّه عَلَيْهِ وَآلِهِ) على جيشٍ فِيهِ أبوبكرٍو عُمرُ فظننتُ أنّهُ إِمّا بعثنِي لِكرامتي عليه فلَمّا قَدِمتُ قُلتُ يا رسُول اللّه أَيُّ النّاسِ أحبُّ إليك فقال عائشةُ فقُلتُ مِن الرِّجالِ قال أبوها أيّها النَّاسُ وهذا علي يطعن على أبي بكر و عمر و عثمان وقد سمعت رسُول اللّه (صَلَّى اللّه عَلَيْهِ وَآلِهِ) يقولُ إِنَّ اللّه ضرب بالحقِّ على لسانِ عُمر و قلبه وقال فِي عُثمان إنّ الملائكة لتستحيِي مِن عُثمان وقد سمعت عليّاً و إلّا فصمتا يعني أُذُنيه يروي على عهدِ عُمر أن نبيّ اللّه نظر إلى أبي بكر و عُمر مُقبلين فقال يا علي هذانِ سيّدا كُهُولِ أهلِ الجنَّة مِن الأوّلين والآخرين ما خلا النبيّين منهم والمرسلين ولا تُحدّثهما بذلك فيهلكا فقام عليّ (عَلَيهِ السَّلَامُ) فقال العجبُ لِطغاة أهلِ الشَّامِ حيث يقبلون قول عمرو و يُصدِّقُونه وقد بلغ مِن حدِيثِهِ و كَذِبِهِ وقِلَّةِ ورعِهِ أن يكذب على رسُول اللّه (صَلَّى اللّه عَلَيْهِ وَآلِهِ) و قد لعنه سبعين لعنة و لعن صاحبه الّذي يدعو إليه فِي غير موطن و ذلك أنَّه هجا رسُول اللّه (صَلَّى اللّه عَلَيْهِ وَآلِهِ) بقصيدة سبعين بيتاً
ص: 407
فقال رسُول اللّه (صَلَّى اللّه عَلَيْهِ وَآلِهِ) اللّهمّ إِنِّي لا أَقُولُ الشعر ولا أُحِلُّهُ فالعنه أنت وملائكتك بِكُلّ بيتٍ لعنةً تترى على عقِبِهِ إلى يومِ القِيامَةِ ثمّ لَمَّا مات إبراهِيمُ بنُ رسُول اللّه (صَلَّى اللّه عَلَيْهِ وَآلِهِ) قام فقال إنّ محمّداً قد صار أبتر لا عقب لهُ وإِنِّي لأشنأُ النَّاسِ لَهُ وأقوهُم فِيهِ سُوءاً فأنزل اللّه (إِنَّ شَانِئَكَ هُوَ الْأَبْتَرُ) (1) يعني أبتر من الإيمانِ ومِن كلّ خيرِ ما لَقِيتُ مِن هَذِهِ الأُمّة مِن كَذَّابِيها ومُنافِقِيها لكأنّي بِالقُرَاءِ الضّعفة المتهجدين رووا حديثه و صدقُوهُ فِيهِ و احتجوا علينا أهل البيت بِكذِبِهِ إِنَّا نقُولُ خيرُ هذِهِ الأُمّة أبوبكر و عُمرُو لوشِئتُ لسمّيتُ الثَّالِث و اللّه ما أراد بِقولِهِ فِي عائشة وأبيها إِلَّا رِضا مُعاوية بسخط اللّه عزّ و جلّ ولقد استرضاه بِسخط اللّه وأمّا حدِيثُهُ الّذي يزعُمُ أَنَّهُ سَمِعهُ مِنِّي فلا و الّذي فلق الحبة وبرأ النسمة إِنَّهُ ليعلمُ أنَّه قد كذب علي يقيناً و أنّ اللّه لم يسمعهُ مِنِّي سِرّاً و لا جهراً اللّهمّ العن عمرواً و العن مُعاوِية يصدّهما عن سبيلك وكذبهما على كتابك واستخفافهما بنبيك (صَلَّى اللّه عَلَيْهِ وَآلِهِ) وكذبهما عليه و علىّ. (2)
1- قال أمير المؤمنين (عَلَيهِ السَّلَامُ) : لا يموتُ ابنُ هِندٍ حتّى يُعلّق الصليب فِي عُنُقِهِ فكان كما قال (عَلَيهِ السَّلَامُ). (3)
1- عن ابن عبّاس فِي قوله أليس اللّه بِأحكم الحاكمين وقد دخلت الروايات بعضُها فِي بعض أن النّبيّ (صَلَّى اللّه عَلَيْهِ وَآلِهِ) انتبه من نومه فِي بيتِ أُمّ هانئ فزِعاً فسألته عن ذلك فقال يا أُمّ هاني إِنَّ اللّه عزّو جلّ عرض عليّ فِي منامي القيامة وأهوالها والجنَّة ونعيمها والنار وما فيها و عذابها فأطلعتُ فِي النّار فإذا أنا بِمُعاوية و عمرو بن العاص قائِمِينِ فِي حر جهنَّم ترضحُ رُءُوسهما الزبانية بحجارة من جمر جهنَّم يقولون لهما هل آمنتُما بولاية عليّ بن أبِي طالِب قال ابن عباس فيخرُجُ عليٌّ مِن حِجابِ العظمة ضاحِكاً مُستبشراً و يُنادِي حُكم لي وربّ الكعبة فذلك قوله (أَلَيْسَ اللَّهُ بِأَحْكَمِ الْحَاكِمِينَ) (1) فيُبعث الخبيث إلى النّار ويَقُومُ عليَّ فِي الموقِفِ يشفعُ فِي أصحابِهِ وأهل بيتِهِ وشِيعَتِهِ (2).
1- عن نصر بن مُزاحِمٍ التَّمِيمِي فِي كِتابِ صِفِّين قال: كان مُعاوِيةُ إذا قنت لعن عليّاً (عَلَيهِ السَّلَامُ) و ابن عباس وقيس بن سعد والحسن والحُسين (عَلَيهِمَا السَّلَامُ) ولم يُنكر ذلك عليه إما خوفا من مُؤمِنٍ أو اعتقاداً من جاهِلٍ وكان خالِدُ بنُ عبد اللّه بن يزيد بن أسد بن كريز بن عامر بن عبد اللّه بن عبد شمس بن عمعمة بن حريز بن شقِّ بن مُصعب بن يشكر بن دهم بن أفرك بن بدير بن قسر القسري يقول على المنبر العنوا عليّ بن أبِي طالِب فإِنَّهُ لُصُّ مِنْ لُصّ بِضم اللام فقام إليهِ أعرابي فقال واللّه ما أعلمُ مِن أيّ شيءٍ أعجبُ مِن سبّك عليّ بن أبِي طالِب أم من معرفتك بالعربية. (3)
2- روى عليّ بن محمّد المدائني فِي كتاب الأحداث قال كتب معاوية نسخة واحدة إلى عماله أن برئت الذمة ممّن يروي شيئا فِي فضل أبي تراب وأهل بيته، وقامت الخطباء فِي كلّ كورة، وعلى كلّ منبر يلعنون عليا (عَلَيهِ السَّلَامُ). (4)
ص: 409
3- عن جابر (رضي اللّه عنه) قال: لَمّا أفضت الخلافة إلى بَنِي أمية، سفكوا فِي أيامهم الدم الحرام و لعنوا أمير المؤمنين صلوات اللّه عليه على منابرهم ألف شهر، واغتالوا شيعته فِي البلدان، وقتلوهم و استأصلوا شأفتهم، ومالأتهم على ذلك علماء السوء رغبة فِي حطام الدنيا، وصارت محنتهم على الشّيعة لعن أمير المؤمنين صلوات اللّه عليه فمن لم يلعنه قتلوه. (1)
4- قال ابن شهرآشوب: الأصل فِي سبّهِ (عَلَيهِ السَّلَامُ) ما صحّ عِند أهلِ العِلمِ أَنْ مُعاوِية أمر يلعنه على المنابر فتكلّم فِيهِ ابنُ عبّاس فقال هيهات هذا أمردِين ليس إلى تركه سبيل أليس الغاش لِرَسُولِ اللّه (صَلَّى اللّه عَلَيْهِ وَآلِهِ) الشّتّام لأبي بكر المعيّر عُمر الخاذل عُثمان قال أتسُبُّه على المنابر وهُو بناها بسيفه قال لا أدعُ ذلك حتّى يموت عليه الكبير و يشبّ عليه الصّغِيرُ فبقي ذلك إلى أن وُلّي عُمرُ بن عبد العزيز فجعل بدل اللعنة فِي الخطبة قوله تعالى (إِنَّ اللَّهَ يَأْمُرُ بِالْعَدْلِ وَالْإِحْسَانِ وَإِيتَاءِ ذِي الْقُرْبَى) (2) فقال عمرُو بنُ شُعيب ويلٌ لِلأُمِّةِ رُفِعَتِ الجمعةُ وتُركتِ اللعنة وذهبتِ السُّنةُ. (3)
5 - قال الجاحظ: إنّ مُعاوِية كان يقولُ فِي آخِرِ خُطبةِ الجُمُعَةِ اللّهمّ إِنْ أَبَا تُرابِ ألحد فِي دِينِك و صد عن سبيلك فالعنه لعناً وبيلا وعذبه عذاباً أليماً وكتب بذلك إلى الآفاق فكانت هذهِ الكلماتُ يُنادى بها على المنابر إلى خلافة عمر بن عبد العزيز. (4)
6 - عنِ ابن عبّاس قال: كُنتُ عِند مُعاوِية وقد نزل بِذِي طُوًى فجاءه سعد بن أبي وقاص فسلم عليه فقال مُعاوِيةُ يا أهل الشّامِ هذا سعدٌ وهُو صدِيقٌ لِعلي قال فطأطأ القومُ رُءُوسهم وسبُّوا علِيّاً (عَلَيهِ السَّلَامُ) فبكى سعد فقال لهُ مُعاوِيةُ ما الّذي أبكاك قال ولِم لا أبكي لِرَجُلٍ مِن أصحابِ رسُول اللّه صل الل عليه اله يسب عندك ولا أستطيع أن أُغيّر و قد كان فِي علي خصال لان تكون فِي واحِدَةٌ مِنهُنّ أحبُّ إليَّ مِن الدُّنيا وما فيها أحدُها أنّ رجُلا كان باليمن فجفاه عليّ بن أبِي طالِب (عَلَيهِ السَّلَامُ) فقال لأشكُونك إلى رسُول اللّه (صَلَّى اللّه عَلَيْهِ وَآلِهِ) فقدم على رسُول اللّه (صَلَّى اللّه عَلَيْهِ وَآلِهِ) فسأله
ص: 410
عن عليّ (عَلَيهِ السَّلَامُ) فثنى عليه فقال أنشدك بِاللّه الّذي أنزل علي الكتاب واختصني بِالرّسالة أعن سخط تقُولُ ما تَقُولُ فِي عليّ (عَلَيهِ السَّلَامُ) قال نعم يا رسُول اللّه قال ألا تعلمُ أنّي أولى بِالمؤمنين مِن أنفُسِهِم قال بلى قال فمن كُنتُ مولاه فعلي مولاه والثانية أنَّه بعث يوم خيبر عُمر بن الخطاب إلى القِتالِ فهُزِم وأصحابه فقال (صَلَّى اللّه عَلَيْهِ وَآلِهِ) لأعطين الراية غداً إنساناً يُحِبُّ اللّه ورسولهُ ويُحِبُّهُ اللّه ورسُولُهُ فغدا المسلمون و علي أرمدُ فدعاه فقال خُذِ الرّاية فقال يا رسُول اللّه إِنّ عيني كما ترى فتفل فيها فقام فأخذ الراية ثمّ مضى بها حتّى فتح اللّه عليه والثَّالِثةُ أَنْهُ خلّفهُ فِي بعض مغازيه فقال عليّ (عَلَيهِ السَّلَامُ) يا رسُول اللّه خلّفتني مع النِّساء و الصبيانِ فقال رسُول اللّه (صَلَّى اللّه عَلَيْهِ وَآلِهِ) أ ما ترضى أن تكُون مِنِّي بِمنزِلِةِ هَارُون مِن مُوسى إِلا أَنَّهُ لا نبيّ بعدِي والرابعة سدّ الأبواب فِي المسجد إلّا باب علي والخامسة نزلت هذه الآيةُ ﴿إِنَّمَا يُرِيدُ اللَّهُ لِيُذْهِبَ عَنْكُمُ الرِّجْسَ أَهْلَ الْبَيْتِ وَيُطَهِّرَكُمْ تَطْهِيرًا) (1) فدعا النّبيّ (صَلَّى اللّه عَلَيْهِ وَآلِهِ) علياً وحسناً وحسيناً وفاطمة (عَلَيهِم السَّلَامُ) فقال اللّهمّ هؤلاء أهلي فأذهِب عنهم الرجس وطهرهم تطهيراً. (2)
7 - عن عكرمة صاحب ابن عبّاس قال: لَمَّا حجّ مُعاوِيةُ نزل المدينة فاستُؤذن لسعد بن أبي وقاص عليه، فقال لِجُلسائِهِ: إذا أذنتُ لِسعدٍ وجلس فخُذُوا مِن عليّ بن أبِي طالِب فأذن له، و جلس معه على السرير.
قال: وشتم القومُ أمير المؤمنين صلوات اللّه عليه فانسكبت عينا سعدِ بِالبُكاءِ، فقال له مُعاوِيةُ: ما يُبكيك يا سعد أتبكي أن يُشتم قاتِلُ أخِيكَ عُثمان بن عفان قال: واللّه ما أملك البكاء، خرجنا من مكّة مُهاجِرِين حتّى نزل [نزلنا] هذا المسجد يعني مسجد الرسول (صَلَّى اللّه عَلَيْهِ وَآلِهِ) وكان فِيهِ مبيتنا ومقيلنا، إذ أُخرجنا مِنهُ وتُرِك عليّ بن أبِي طالِب فيه، فاشتدّ ذلك علينا وهبنا ني اللّه (صَلَّى اللّه عَلَيْهِ وَآلِهِ) أن نذكر ذلك لهُ، فأتينا عائشة فقُلنا: يا أُمّ المؤمنين، إن لنا صُحبَةً مِثل صُحبةِ علي، وهجرة مثل هجرته، و إنا قد أُخرجنا من المسجدِ وتُرك فيه، فلاندري من سخط من اللّه، أو مِن غضبٍ مِن رسُول اللّه (صَلَّى اللّه عَلَيْهِ وَآلِهِ) فاذكري له ذلك فإنّا نهابه، فذكرت ذلك
ص: 411
لِرَسُولِ اللّه (صَلَّى اللّه عَلَيْهِ وَآلِهِ) فقال لها: يا عائشةُ، لا واللّه ما أنا أخرجتُهم، ولا أنا أسكنته، بل اللّه أخرجهم و أسكنه.و غزونا خيبر فانهزم عنها من انهزم فقال نبيّ اللّه (صَلَّى اللّه عَلَيْهِ وَآلِهِ): لاعطين الراية اليوم رجُلًا يُحِبُّ اللّه ورسوله، ويُحِبُّهُ اللّه و رسُولُهُ، فدعاه وهُو أرمد فتفل فِي عينه وأعطاه الراية ففتح اللّه له.
و غزونا تبوك مع رسُول اللّه (صَلَّى اللّه عَلَيْهِ وَآلِهِ) فودّع على النّبيّ (صَلَّى اللّه عَلَيْهِ وَآلِهِ) على ثنية الوداع وبكى، فقال له النّبيّ (صَلَّى اللّه عَلَيْهِ وَآلِهِ): ما يُبكيك فقال: كيف لا أبكي و لم أتخلّف عنك فِي غزاةٍ مُنذُ بعثك اللّه (تعالى)، فما بالك تُخلِفُني فِي هذِهِ الغزاة فقال له النّبيّ (صَلَّى اللّه عَلَيْهِ وَآلِهِ) : أما ترضى يا علي أن تكون مِنِّي بِمنزِلِةِ هَارُون مِن مُوسى إِلا أَنَّهُ لا نبيّ بعدي فقال عليّ (عَلَيهِ السَّلَامُ): بل رضيتُ. (1)
1- قال مُطرف بن المغيرة بن شعبة وفدتُ مع أبي المغيرة على مُعاوية وكان أبي يأتِيهِ فيتحدّتُ معهُ ثمّ ينصرِفُ إِليَّ فيذكُرُ مُعاوِية ويذكُرُ عقلهُ ويُعجبُ بِما يرى مِنهُ إذ جاء ذات ليلة فأمسك عن العشاء ورأيتُهُ مُغتمّاً فانتظرتُهُ ساعةً وظننتُ أنْهُ لِشيء حدث فينا وفي عملنا فقُلتُ ما لي أراك مُغتمّاً مُنذُ اللّيلة فقال يا بَنِي جِئتُ مِن عِندِ أخبثِ النّاسِ قُلتُ وما ذاك قال قُلتُ لهُ و خلوتُ بِهِ إِنّك قد بلغت سِنّاً فلو أظهرت عدلًا وبسطت خيراً فإنك قد كبرت و لو نظرت إلى إخوتك من بَنِي هاشم فوصلت أرحامهم فواللّه ما عندهُمُ اليوم شيء تخافه فقال هيهات هيهات ملك أخوتيم فعدل و فعل ما فعل فواللّه ما عدا أن هلك فهلك ذِكرُهُ إِلا أَن يقُول قائِلٌ أبوبكرتُم ملِك أخُو بَنِي عدي فاجتهد و شمر عشر سنين فواللّه ما عدا أن هلك فهلك ذكره إلّا أن يقُول قائِلٌ عُمرُثُمّ ملِك عُثمانُ فهلك رجُلٌ لم يكُن أحدٌ فِي مِثلِ نسبه و فعل ما فعل وعُمِل بِهِ ما عُمِل فواللّه ما عدا أن هلك فهلك ذكرُهُ وذِكرُ ما فُعِل بِهِ و إِنّ أخا بَنِي هَاشِمٍ يُصاحُ بِهِ فِي كلّ يوم خمس مراتٍ أشهدُ أن محمّداً رسُول اللّه فأي عمل يبقى بعد هذا لا أُمّ لك لا واللّه إلّا دفناً دفناً. (2)
ص: 412
1- عن بعض أصحابنا رفعه إلى أبي عبد اللّه (عَلَيهِ السَّلَامُ) قال: قُلتُ لهُ ما العقل قال ما عُبد بِهِ الرّحمن واكتُسِب بِهِ الجِنانُ قال قُلتُ فالّذي كان فِي مُعاوِية فقال تلك النكراء تلك الشيطنة و هي شبيهة بالعقل. (1)
1- عن أبي عبد اللّه عن أبيه عن علي (عَلَيهِم السَّلَامُ) : أنّ رسُول اللّه (صَلَّى اللّه عَلَيْهِ وَآلِهِ) نهى أهل مكّة أن يُواجِرُوا دُورهُم، وأن يُعلقوا عليها أبواباً، وقال: ﴿سَوَاءً الْعَاكِفُ فِيهِ وَالْبَادِ ﴾(2).
قال: «و فعل ذلك أبوبكر و عُمرُو عُثمان و عليّ (عَلَيهِ السَّلَامُ) حتّى كان فِي زمن مُعاوية». (3)
2- عن الحُسين بن أبي العلاء قال: قال أبو عبد اللّه (عَلَيهِ السَّلَامُ) : إِنَّ مُعَاوِيَة أوّلُ من علّق على بابِهِ مصراعين بمكة فمنع حاج بيت اللّه ما قال اللّه عزّوجلّ (سَوَاءً الْعَاكِفُ فِيهِ وَالْبَادِ) (4) وكان النّاسُ إذا قدِمُوا مكّة نزل البادِي على الحاضر حتّى يقضي حجّه وكان مُعاوِيةُ صاحِب السّلسِلةِ الّتي قال اللّه عزّوجلّ (فِي سِلْسِلَةٍ ذَرْعُهَا سَبْعُونَ ذِرَاعًا فَاسْلُكُوهُ * إِنَّهُ كَانَ لَا يُؤْمِنُ بِاللَّهِ الْعَظِيمِ) (5) و كان فرعون هذه الأمة. (6)
3- عن أبي عبد اللّه (عَلَيهِ السَّلَامُ) عن أبيه (عَلَيهِ السَّلَامُ) قال: لم يكُن لِدُورِ مكّة أبواب و كان أهل البلدانِ يأتون بِقُطوانِهِم فيدخُلُون فيضرِبُون بها و كان أوّلُ من بوبها مُعاوية. (7)
ص: 413
1- عن أبان عن سليمٍ وعُمر بن أبي سلمة قالا: قدم مُعاوِيةُ حاجاً فِي خِلافتِهِ المدينة بعد ما قُتِل أمير المؤمنين صلوات اللّه عليه و صالح الحسن وفي روايةٍ أُخرى بعد ما مات الحسن (عَلَيهِ السَّلَامُ) و استقبله أهل المدينة فنظر فإذا الّذي استقبلهُ مِن قُريش أكثرُ مِن الأنصارِ فسأل عن ذلك فقيل إنَّهم يحتاجون ليست لهم دوابُّ فالتفت مُعاوِيةُ إلى قيس بن سعد بن عُبادة فقال يا معشر الأنصارِ ما لكُم لا تستقبِلُونِي مع إخوانِكُم مِن قُريش فقال قيس وكان سيد الأنصار وابن سيّدِهِم أقعدنا يا أمير المؤمنين أن لم يكُن لنا دوابُّ قال مُعاوِيةُ فأين النّواضِحُ فقال قيس أفنيناها يوم بدر و يوم أُحُدٍ و ما بعدهما فِي مشاهِدِ رسُول اللّه حين ضربناك وأباك على الإسلام حتّى ظهر أمر اللّه وأنتُم كارِهُون قال مُعاوِيةُ اللّهمّ غفراً قال قيس أما إن رسُول اللّه (صَلَّى اللّه عَلَيْهِ وَآلِهِ) قال سترون بعدِي أثرةً ثمّ قال يا مُعاوِيةُ تُعيّرُنا بِنواضِحِنا واللّه لقد لقيناكُم عليها يوم بدر و أنتُم جاهِدُون على إطفاءِ نُورِ اللّه وأن يكون كلمةُ الشَّيطانِ هِي العُليا ثمّ دخلت أنت و أبوك كرهاً فِي الإسلام الّذي ضربناكم عليه فقال معاوية كانك تمُنُّ علينا بنصرتِكُم إيانا فلِلَّهِ وَلِقُريش بذلك المنُّ والطول ألستُم تئنُّون علينا يا معشر الأنصارِ بِنُصرتِكُم رسُول اللّه وهُو مِن قُريش و هُو ابن عمّنا و مِنا فلنا المنّ والطول أن جعلكُمُ اللّه أنصارنا وأتباعنا فهداكُم بِنا فقال قيس إِنّ اللّه بعث محمّداً (صَلَّى اللّه عَلَيْهِ وَآلِهِ) رحمةً لِلعالمين فبعثه إلى النّاسِ كافَّةً و إلى الجن والإنس والأحمرو الأسود والأبيض اختارهُ لِنُبُوتِهِ و اختصهُ بِرِسالتِهِ فكان أوّلُ من صدقه و آمن بِهِ ابن عمه عليّ بن أبِي طالِب وأبو طالِبٍ يذُبُ عنه ويمنعُهُ ويحول بين كُفَّارِ قُريش و بين أن يردعُوهُ ويُؤذُوهُ و أمر أن يُبلّغ رسالة ربّه فلم يزل ممنوعاً من الضيم والأذى حتّى مات عمُّهُ أبو طالِبٍ وأمر ابنه بموازرته فوازره و نصره و جعل نفسهُ دُونهُ فِي كلّ شدِيدةٍ وكُلّ ضِيقٍ وكُلّ خوفٍ واختص اللّه بذلك عليّاً (عَلَيهِ السَّلَامُ) من بين قريش وأكرمه من بين جميع العرب والعجم فجمع رسُول اللّه (صَلَّى اللّه عَلَيْهِ وَآلِهِ) جميع بَنِي عبد المطلبِ فِيهِم أبو طالب وأبو لهب وهُم يومَئِذٍ أربعون رجُلًا فدعاهم رسُول اللّه (صَلَّى اللّه عَلَيْهِ وَآلِهِ) و خادِمُهُ عليّ (عَلَيهِ السَّلَامُ) و رسُول اللّه (صَلَّى اللّه عَلَيْهِ وَآلِهِ) فِي حجر عمّه أبِي طالِب فقال أَيُّكُم ينتدب أن يكون أخِي و وزيري ووصيّي وخليفتي فِي أُمّتي و ولي كلّ مُؤْمِنٍ مِن بعدِي
ص: 414
فأمسك القومُ حتّى أعادها ثلاثاً فقال عليّ (عَلَيهِ السَّلَامُ) أنا يا رسُول اللّه فوضع رأسه فِي حجرِهِ و تفل فِي فِيهِ وقال اللّهمّ املا جوفه علماً وفهماً و حُكماً ثمّ قال لأبي طالب يا أبا طالب اسمع الآن لابنك وأطع فقد جعلهُ اللّه مِن نبيّه بِمنزِلَةِ هَارُون مِن مُوسى و آخى (صَلَّى اللّه عَلَيْهِ وَآلِهِ) بين علي و بين نفسه فلم يدع قيس شيئاً من مناقبِهِ إِلا ذكرها واحتج بها وقال مِنهُم جعفر بن أبِي طالِب الطيار فِي الجنَّة بِجناحين اختصّهُ اللّه بِذلك مِن بينِ النّاسِ ومِنهُم حمزةُ سيّدُ الشُّهداء ومِنهُم فاطِمةُ سيّدةُ نِساءِ أهل الجنَّة فإذا وضعت مِن قُريش رسُول اللّه (صَلَّى اللّه عَلَيْهِ وَآلِهِ) وأهل بيته وعترته الطيبين فنحنُ واللّه خير مِنكُم يا معشر قريش وأحبُّ إِلى اللّه و رَسُولِهِ وَإِلَى أَهْلِ بَيْتِهِ مِنكُم لقد قبض رسُول اللّه (صَلَّى اللّه عَلَيْهِ وَآلِهِ) فاجتمعت الأنصار إلى أبي ثمّ قالُوا تُبايِعُ سعداً فجاءت قُريش فخاصمونا بحقه و قرابته فما يعدو قُريش أن يكُونُوا ظلموا الأنصار أو ظلموا آل محمّد و لعمري ما لأحدٍ من الأنصار ولا لقريش ولا لأحدٍ من العرب والعجم فِي الخلافة حقّ مع عليّ بن أبِي طالِب (عَلَيهِ السَّلَامُ) و وُلدِهِ مِن بعدِهِ فغضب مُعاوِيةُ وقال يا ابن سعد عمن أخذت هذا و عمن رويته و عمن سمعته أبوك أخبرك بذلك وعنه أخذته فقال قيس سمعته وأخذتُهُ ممّن هُو خيرٌ مِن أبي وأعظم علي حقّاً من أبي قال من قال عليّ بن أبِي طالِب (عَلَيهِ السَّلَامُ) عالم هذهِ الأُمّة وصِدِّيقُها الّذي أَنزل اللّه فِيهِ ﴿قُلْ كَفَى بِاللَّهِ شَهِيدًا بَيْنِي وَبَيْنَكُمْ وَمَنْ عِنْدَهُ عِلْمُ الْكِتَابِ) (1) فلم يدع قيس آية نزلت فِي عليّ (عَلَيهِ السَّلَامُ) إلّا ذكرها قال مُعاوية فإن صديقها أبوبكرو فاروقها عُمرُو الّذي عِندهُ عِلمُ الكِتابِ عبد اللّه بن سلام قال قيس أحقُّ بِهذِهِ الأسماء وأولى بها الّذي أَنزَلَ اللّه فِيهِ (أَفَمَنْ كَانَ عَلَى بَيِّنَةٍ مِنْ رَبِّهِ وَيَتْلُوهُ شَاهِدٌ مِنْهُ) (2) و الّذي نصبه رسُول اللّه (صَلَّى اللّه عَلَيْهِ وَآلِهِ) بغدِيرِ خُمّ فقال من كُنتُ مولاه أولى بِهِ مِن نفسِهِ فعليُّ أولى بِهِ مِن نفسِهِ وقال فِي غزوة تبوك أنت مِنِّي بمنزلة هارون مِن مُوسى إلّا أنَّه لا نبيّ بعدي وكان مُعاوِيةُ يومئِذٍ بِالمدينة فعند ذلك نادى مُنادِيه وكتب بذلك نُسخةً إِلى عُمَالِهِ أَلا برئتِ الدِّمَةُ من روى حديثاً فِي مناقب علي وأهلِ بيتِهِ و قامتِ الخطبة فِي
ص: 415
كلّ مكانٍ على المنابر بلعن عليّ بن أبِي طالِب (عَلَيهِ السَّلَامُ) و البراءة منه و الوقيعة فِي أهل بيتِهِ واللعنة لهم بما ليس فيهم (عَلَيهِ السَّلَامُ) ثمّ إِنَّ مُعَاوِيَة مَرّ بِحلقةٍ مِن قُريشٍ فَلَمّا رأوه قامُوا إِليه غير عبد اللّه بن عبّاس فقال له يا ابن عبّاس ما منعك من القيام كما قام أصحابك إلّا لموجدة عليّ بِقِتالِي إِيَّاكُم يوم صِفّين يا ابن عباس إن ابن عمّي عُثمان قُتِل مظلُوماً قال ابنُ عبّاس فعُمرُ بنُ الخطاب قد قُتِل أيضاً مظلُوماً قال فتُسلَّمُ الأمر إلى وُلدِهِ وهذا ابنُهُ قال إِن عُمر قتلهُ مُشرِكٌ قال ابن عبّاس فمن قتل عُثمان قال قتله المسلمون قال فذلك أدحضُ لِحُجّتِك وأحلُّ لِدمِهِ إن كان المسلِمُون قتلُوهُ وخذلُوهُ فليس إلّا بحق قال فإنا قد كتبنا فِي الآفاق ننهى عن ذِكرِ مناقب علي وأهل بيتِهِ فكفَ لِسانك يا ابن عباس واربع على نفسك قال فتنهانا عن قراءة القرآن قال لا قال فتنهانا عن تأويله قال نعم قال فنقرؤُهُ ولا نسأل عن ما عنى اللّه بِهِ قال نعم قال فأيُّما أوجب علينا قراءتُهُ أو العملُ بِهِ قال العملُ بِهِ قال فكيف نعملُ بِهِ حتّى نعلم ما عنى اللّه بما أنزل علينا قال يُسأل عن ذلك من يتأوّلُهُ على غير ما تتأوّلُهُ أنت وأهل بيتك قال إنّما أُنزِل القرآنُ على أهل بيتي فأسأل عنه آل أبي سفيان وآل أبي معيط و اليهود والنصارى والمجوس قال فقد عدلتني بهؤلاء قال لعمري ما أعدِلُك بهم إلّا إذا نهيت اللّه يالك الأمة أن يعبدوا اللّه بالقرآن وبما فِيهِ من أمر أو نهي أو حلال أو حرام أو ناسخ أو منسوخ أو عام أو خاص أو محكم أو متشابه و إن لم تسأل الأمة عن ذلك هلكوا واختلفوا وتاهوا قال معاوية فاقرءوا القُرآن ولا تروُوا شيئاً مِمّا أنزل اللّه فِيكُم ومِمّا قال رسُول اللّه واروُوا ما سوى ذلك قال ابنُ عبّاس قال اللّه تعالى فِي القرآن (يُرِيدُون أَن يُطْفِوا نُور اللّه بِأَفواهِهِم ويأبى اللّه إِلَّا أَن يُتِمّ نُورَهُ ولو كره الكافِرُون) (1) قال مُعاوِيةُ يا ابن عبّاس اكفِنِي نفسك وكُفَّ عَنِّي لِسانك وإِن كُنت لا بُدّ فاعِلًا فليكُن سِراً فلا تُسمِعهُ أحداً علانيةً ثمّ رجع إلى منزله فبعث إليه بخمسين ألف درهم و فِي روايةٍ أُخرى مائة ألف درهم ثمّ اشتد البلاء بالأمصارِ كُلّها على شيعة علي وأهل بيته وكان أشدّ النّاسِ بلِيّةً أهلُ الكُوفَةِ لِكثرة من بِها مِن الشّيعة واستعمل عليها زياداً ضمها إليه مع البصرة وجمع له العِراقين وكان
ص: 416
يُتبعُ الشّيعة وهُو بِهم عالِمٌ لأنَّه كان منهم قد عرفهم وسمع كلامهم أول شيء فقتلهم تحت كلّ كوكب و تحت كلّ حجرو مدر و أخافهم و قطع الأيدي و الأرجل منهم وصلبهم على جُذوعِ النّخلِ و سمل أعينهم وطردهم و شردهم حتّى انتزحُوا عنِ العِراقِ فلم يبق بها أحدٌ مِنهُم إِلا مقتول أو مصلوب أو طرِيدٌ أو هارِبٌ وكتب مُعاوِيَةُ إِلى عُمَالِهِ ووُلاتِهِ فِي جميع الأرضين والأمصار أن لا يُجِيزُوا لأحدٍ مِن شيعة علي ولا مِن أهل بيته و لا مِن أَهلِ ولايتِهِ الّذين يروون فضله ويتحدّثون بِمناقِبِهِ شهادةً وكتب إلى عُمّاله انظروا من قبلكُم مِن شِيعَةِ عثمان ومُحِبّيهِ وأهل بيتِهِ وأهل ولايتِهِ الّذين يروون فضله ويتحدّثون بمناقبه فادنوا مجالسهم وأكرموهم وقربوهم وشرِفُوهُم واكتبُوا إِليَّ بِما يروي كلّ وَاحِدٍ مِنهُم فِيهِ باسمه واسم أبيه ومن هُو ففعلوا ذلك حتّى أكثرُوا فِي عُثمان الحديث وبعث إليهم بِالصّلاتِ والكِسى. وأكثر هُمُ القطائع من العرب والموالي فكتُرُوا فِي كلّ مِصرو تنافسوا فِي المنازل والضّياع واتسعت عليهِمُ الدُّنيافلم يكن أحد يأتي عامل مصر من الأمصار ولا قريةٍ فيروي فِي عُثمان منقبةً أو يذكُرُ لهُ فضِيلةً إِلا كُتِب اسمُهُ وقُرِب و شُفّع فمكثوا بذلك ما شاء اللّه تم كتب إلى عُمَالِهِ أن الحديث قد كثر فِي عثمان وفشا فِي كلّ مِصرو مِن كلّ ناحِيةٍ فإذا جاءَكُم كتابي هذا فادعُوهُم إلى الرواية فِي أبي بكر و عمر فإنّ فضلهما و سوابقهما أحبُّ إليَّ وأقرّ لعيني وأدحضُ لِحجّةِ أهل هذا البيتِ وأشدُّ عليهم من مناقب عثمان و فضلِهِ فقرأ كلّ قاض وأمِيرٍ مِن وُلاتِهِ كِتابه على النّاسِ وأخذ النَّاسُ فِي الرِّواياتِ فِيهِم وفي مناقبهم ثمّ كتب نسخةً جمع فيها جميع ما رُوِي فِيهِم مِن المناقِبِ و الفضائِلِ وأنفذهُما إِلى عُمّالِهِ وأمرهم بقراءتها على المنابر فِي كلّ كُورةٍ وفِي كلّ مسجد وأمرهم أن يُنفِذُوا إلى مُعلمي الكتاتيب أن يُعلِّمُوها صبيانهم حتّى يرؤوها ويتعلّمُوها كما يتعلّمُون القرآن حتّى علّمُوها بناتِهم ونساءهم وخدمهم وحشمهم فلبثوا بذلك ما شاء اللّه ثمّ كتب إلى عمال [ عُمَالِهِ] نُسخةً واحِدةً إلى جميع البلدانِ انظُرُوا من قامت عليه البيّنة أَنَّهُ يُحِبُّ عليّاً وأهل بيتِهِ فامحوهُ مِن الدِّيوانِ ولا تُجِيزُوا له شهادةً ثمّ كتب كِتاباً آخر من اتهمتموه و لم تقم عليه بيّنةٌ فاقتُلُوهُ فقتلُوهُم على التهم والظَّنِّ وَالشُّبه تحت كلّ كوكب حتّى لقد كان الرّجُلُ يسقط بِالكَلِمة فيُضربُ عُنْقُهُ ولم يكن ذلك البلاء فِي بلد أكبر ولا أشدّ مِنهُ بِالعِراقِ ولا سيما
ص: 417
بِالكُوفَةِ حتّى إِنّ الرّجُل مِن شيعة علي ويمن بقي من أصحابه بالمدينة وغيرها لياتيه من يثقُ بِهِ فيدخُلُ بيتهُ ثمّ يُلق عليه ستر فيخافُ مِن خادِمِهِ و مملوكِهِ فلا يُحدِّثُهُ حتّى يأخُذ عليه الأيمان المغلظة ليكتُمن عليه وجُعِل الأمرُلا يزدادُ إِلا شِدّةً وكثر عِندهُم عدُوهُم وأظهرُوا أحاديثهم الكاذبة فِي أصحابِهِم مِن النُّورِ والبهتانِ فينشأُ النَّاسُ على ذلك ولا يتعلّمُون إِلا مِنهُم ومضى على ذلك قُضاتهم وولاتهم وفقهاؤُهُم وكان أعظم النّاسِ فِي ذلك بلاءً و فتنةً القُرّاء المراءون المتصنِّعُون الّذين يُظهِرُون لهم الحزن والخشوع والنُّسُك و يكذبون ويُعلّمُون الأحاديث ليحظوا بذلك عِند وُلاتِهم ويدنُوا لِذلك مجالسهم ويُصِيبُوا بذلك الأموال والقطائع والمنازل حتّى صارت أحاديثهم تلك ورواياتهم فِي أيدِي من يحسبُ أنها حقّ وأنها صدق فرووها و قبلوها و تعلّمُوها و علّمُوها وأحبوا عليها وأبغضُوا وصارت بِأيدِي النَّاسِ المتدينين الّذين لا يستحِلُّون الكذب ويُبغِضُون عليه أهله فقبِلُوها وهم يرون أنها حقّ ولو علِمُوا أنها باطِلٌ لم يرووها و لم يتديّنوا بها فصار الحقّ فِي ذلك الزمانِ باطلا و الباطِلُ حقّاً والصّدقُ كذِباً والكذِبُ صِدقاً وقد قال رسُول اللّه (صَلَّى اللّه عَلَيْهِ وَآلِهِ) لتشملنّكُم فِتنةٌ يربوا فيها الوليد وينشأ فيها الكبير تجري النّاسُ عليها ويتَّخِذُونها سُنّةً فَإِذَا غُيّر منها شيءٌ قالُوا أتى النَّاسُ مُنكراً غُيِّرتِ السُّنةُ فلما مات الحسن بن علي (عَلَيهِمَا السَّلَامُ) لم يزل الفتنة والبلاء يعظمانِ ويشتدّانِ فلم يبق ولي للّه إلّا خائِفاً على دمِهِ وفي روايةٍ أُخرى إلّا خائِفاً على دمِهِ أَنْهُ مقتول وإلا طريداً و لم يبق عدُو للّه إِلا مُظهراً الحجّة غير مُستتِرِيبِدعتِهِ وضلالتِهِ فَلَمّا كان قبل موتِ مُعاوية بسنةٍ حجّ الحُسين بن علي صلوات اللّه عليه و عبد اللّه بنُ عبّاسٍ وعبد اللّه بنُ جعفر فجمع الحُسين (عَلَيهِ السَّلَامُ) بَنِي هاشم رجالهم ونساءهم ومواليهم و من حجّ مِنهم ومن الأنصارِ ممّن يعرِفُهُ الحُسين وأهل بيتِهِ ثمّ أرسل رُسُلًا لا تدعُوا أحداً ممّن حجّ العام من أصحابِ رسول اللّه (صَلَّى اللّه عَلَيْهِ وَآلِهِ) المعروفين بِالصّلاحِ و النُّسُكِ إِلا اجمعُوهُم لِي فاجتمع إِليهِ مِنِّى أَكثرُ مِن سبعمائةِ رَجُلٍ وهُم فِي سُرادِقِهِ عامّتُهُم مِن التَّابِعِين ونحومِن مِائتي رجُلٍ مِن أصحابِ النّبيّ (صَلَّى اللّه عَلَيْهِ وَآلِهِ) فقام فيهم خطيباً فحمد اللّه وأثنى عليهِ ثمّ قال أما بعد فإنّ هذا الطاغية قد فعل بنا و بشيعتنا ما قد رأيتُم وعلمتُم و شهِدتُم و إِنِّي أُرِيدُ أن أسألكُم عن شيءٍ فإن صدقت فصدِّقُونِي و إن كذبتُ فكذِبُونِي وأسألُكُم بِحق اللّه
ص: 418
عليكُم وحقِّ رسُولِهِ (صَلَّى اللّه عَلَيْهِ وَآلِهِ) و قرابتي من نبيّكم عليهِ وآلِهِ السّلامُ لَما سترتُم مقامي هذا و وصفتُم مقالتي ودعوتُم أجمعين فِي أمصارِكُم مِن قبائلكُم من أَمِنتُم مِن النَّاسِ وفي روايةٍ أُخرى بعد قولِهِ فكذِبُونِي اسمعُوام قالتي واكتُبُوا قولي ثمّ ارْجِعُوا إلى أمصارِكُم وقبائلِكُم فمن أمِنتُم مِن النَّاسِ ووثقتُم بِهِ فَادْعُوهُم إِلى ما تعلَمُون مِن حقّنا فإنّي أتخوّفُ أن يدرس هذا الأمرُو يذهب الحقّ ويُغلب (واللّه مُتِمُّ نُورِهِ ولو كره الكافِرُون) (1) و ما ترك شيئاً ما أنزل اللّه فِيهِم مِن القرآن إلّا تلاه وفسّره ولا شيئاً ما قاله رسُول اللّه (صَلَّى اللّه عَلَيْهِ وَآلِهِ) فِي أبِيهِ وأخِيهِ وأُمِّهِ وفي نفسِهِ وأهل بيتِهِ إِلا رواهُ وكُلّ ذلك يقولُ أصحابُهُ اللّهمّ نعم وقد سمعناهُ وشهدناه ويقولُ التَّابِعُ اللّهمّ قد حدّثني بِهِ مِن أُصدِّقُهُ وأئنتِمِنُهُ مِن الصحابة فقال أنشُدُكُمُ اللّه إلّا حدّثتُم بِهِ من تثقون بِهِ وبِدِينِهِ قال سليم فكان فيما ناشدهُمُ الحُسين (عَلَيهِ السَّلَامُ) و ذكرهم أن قال أنشُدُكُمُ اللّه أتعلمون أن عليّ بن أبِي طالِب (عَلَيهِ السَّلَامُ) كان أخا رسُول اللّه حِين آخى بين أصحابِهِ فآخى بينه وبين نفسه وقال أنت أخِي وأنا أخُوكَ فِي الدُّنياو الآخِرَةِ قالُوا اللّهمّ نعم قال أنشُدُكُمُ اللّه هل تعلمون أنّ رسُول اللّه (صَلَّى اللّه عَلَيْهِ وَآلِهِ) اشترى موضع مسجدِه و منازِلِهِ فابتناهُ ثمّ ابتنى فِيهِ عشرة منازل تسعةً له وجعل عاشرها فِي وسطها لأبي ثمّ سد كلّ بابٍ شارع إلى المسجِدِ غير بابِهِ فتكلّم فِي ذلك من تكلّم فقال ما أنا سددتُ أبوابكُم و فتحت بابه و لكن اللّه أمرني بِسدِ أبوابِكُم وفتح بابِهِ ثمّ نهى الناس أن يناموا فِي المسجدِ غيره و كان يُجنِبُ فِي المسجِدِ ومنزِلُهُ فِي منزِلِ رسُول اللّه (صَلَّى اللّه عَلَيْهِ وَآلِهِ) فولد لِرَسُولِ اللّه (صَلَّى اللّه عَلَيْهِ وَآلِهِ) فِيهِ أولاد قالُوا اللّهمّ نعم قال أفتعلمون أن عُمر بن الخطّابِ حرص على كُوّةٍ قدر عينه يدعُها مِن منزله إلى المسجد فأبى عليه ثمّ خطب فقال إنّ اللّه أمرني أن أبني مسجِداً طَاهِراً لا يسكنه غيري و غير أخِي و ابنيه قالُوا اللّهمّ نعم قال أنشُدُكُمُ اللّه أتعلمون أنّ رسُول اللّه (صَلَّى اللّه عَلَيْهِ وَآلِهِ) نصبه يوم غدِيرِخُمّ فنادى لهُ بِالولاية وقال لِيُبلّغ الشَّاهِدُ الغَائِب قالُوا اللّهمّ نعم قال أَنشُدُكُمُ اللّه أتعلمون أنّ رسُول اللّه (صَلَّى اللّه عَلَيْهِ وَآلِهِ) قال له فِي غزوة تبوك أنت مِنِّي بِمنزلة هارون مِن مُوسى و أنت ولِيُّ كلّ مُؤمِنٍ بعدِي قالُوا اللّهمّ نعم قال أنشُدُكُمُ اللّه أتعلمون أنّ
ص: 419
رسُول اللّه (صَلَّى اللّه عَلَيْهِ وَآلِهِ) حين دعا النّصارى من أهل نجران إلى المباهلةِ لم يأتِ إِلا بِهِ وبِصاحِبَتِهِ وابنيهِ قالُوا اللّهمّ نعم قال أنشُدُكُمُ اللّه أتعلمون أنَّه دفع إليه اللواء يوم خيبرثُمّ قال لأدفعُها إِلى رَجُلٍ يُحِبُّهُ اللّه و رسُولُهُ ويُحِبُّ اللّه ورسوله كرارٍ غيرِ فرار يفتحها اللّه على يديهِ قالُوا اللّهمّ نعم قال أتعلمون أنّ رسُول اللّه (صَلَّى اللّه عَلَيْهِ وَآلِهِ) بعثه ببراءة وقال لا يُبلّغ عني إلّا أنا أو رجُلٌ مِنّي قالُوا اللّهمّ نعم قال أ تعلمون أن رسُول اللّه (صَلَّى اللّه عَلَيْهِ وَآلِهِ) لم ينزل بِهِ َشدِيدةٌ قط إلّا قدّمه لها ثِقَةٌ بِهِ وَأَنَّهُ لم يدعُهُ بِاسْمِهِ قط إلّا يقول يا أخي وادعُوا إلي أخِي قالُوا اللّهمّ نعم قال أفتعلمون أن رسُول اللّه (صَلَّى اللّه عَلَيْهِ وَآلِهِ) قضى بينه وبين جعفر و زيدٍ فقال يا علي أنت مِنّي وأنا منك وأنت ولِيُّ كلّ مُؤْمِنٍ بَعدِي قَالُوا اللّهمّ نعم قال أتعلمون أنَّه كانت لهُ مِن رسُول اللّه (صَلَّى اللّه عَلَيْهِ وَآلِهِ) كلّ يومٍ خلوةٌ وكُلّ ليلة دخلةٌ إذا سأله أعطاه وإذا سكت ابتدأه قالُوا اللّهمّ نعم قال أتعلمون أنّ رسُول اللّه (صَلَّى اللّه عَلَيْهِ وَآلِهِ) فضّله على جعفر و حمزة حين قال لفاطمة زوّجتُكِ خير أهل بيتي أقدمهُم سلماً وأعظمهم حلماً وأكبرهم عِلماً قالُوا اللّهمّ نعم قال أتعلمون أنّ رسُول اللّه (صَلَّى اللّه عَلَيْهِ وَآلِهِ) قال أنا سيّدُ وُلدِ آدم و أخِي علي كله سيّد العربِ وفاطمة سيّدةُ نِساءِ أهلِ الجنَّة والحسن والحُسين ابناي سيدا شباب أهل الجنَّة قالُوا اللّهمّ نعم قال أتعلمون أنّ رسُول اللّه (صَلَّى اللّه عَلَيْهِ وَآلِهِ) أمره بِغُسلِهِ وأخبره أن جبرئيل (عَلَيهِ السَّلَامُ) يُعِينُهُ قالُوا اللّهمّ نعم قال أتعلمون أنّ رسُول اللّه (صَلَّى اللّه عَلَيْهِ وَآلِهِ) قال فِي آخِرِ خُطبةٍ خطبها إِنِّي قد تركتُ فِيكُمُ التقلينِ كِتاب اللّه وأهل بيتي فتمسكوا بهما لن تضِلُّوا قالُوا اللّهمّ نعم فلم يدع شيئاً أنزله اللّه فِي عليّ بن أبِي طالِب (عَلَيهِ السَّلَامُ) خاصةً و فِي أهل بيته من القرآن ولا على لسانِ نبيّه (صَلَّى اللّه عَلَيْهِ وَآلِهِ) إلّا ناشدهُم فِيهِ فيقولُ الصّحابةُ اللّهمّ نعم قد سمعنا ويقولُ التَّابِعُ اللّهمّ نعم قد حدّثنيهِ مِن أثِقُ بِهِ فُلانٌ وفُلانٌ ثمّ قد ناشدهُم أنَّهم قد سمعُوهُ يقولُ من زعم أَنَّهُ يُحِبُّنِي و يُبغِضُ عليّاً فقد كذب ليس يُحِبُّنِي ويُبغِضُ عليّاً فقال لهُ قائِلٌ يا رسُول اللّه وكيف ذلك قال لأنهُ مِنّي وأنا منه من أحبّهُ فقد أحبني ومن أبغضه فقد أبغضني و من أبغضني فقد أبغض اللّه فقالُوا اللّهمّ نعم قد سمعنا وتفرّقُوا على ذلك. (1)
ص: 420
1- عن عبدِ اللّه بنِ مسعود قال: قال رسُول اللّه (صَلَّى اللّه عَلَيْهِ وَآلِهِ): إذا رأيتُم مُعاوية بن أبي سفيان يخطب على مِنبرِي فاضرِبُوا عُنُقهُ قال الحسن فما فعلوا و لا أفلحوا. (1)
2- عن جعفرِ بنِ محمّد (عَلَيهِمَا السَّلَامُ) قال: دخل زيد بن أرقم على معاوية فإذا عمرو بن العاص جالس معه على السّرِيرِ فَلَمّا رأى ذلك زيد جاء حتّى رمى بنفسِهِ بينهما فقال له عمرُو بنُ العاص أما وجدت لك مجلساً إلّا أن تقطع بيني وبين أمير المؤمنين فقال زيد إنّ رسُول اللّه (صَلَّى اللّه عَلَيْهِ وَآلِهِ) غزا غزوةً و أنتما معه فرآكما مُجتمعين فنظر إليكما نظراً شديداً ثمّ رآكما اليوم الثَّاني واليوم الثَّالِث كلّ ذلك يُدِيمُ النّظر إليكما فقال فِي اليومِ الثَّالِثِ إِذا رأيتُم مُعاوِية وعمرو بن العاص مُجتمعينِ ففرّقُوا بينهما فإنّهما لن يجتمعا على خير. (2)
1- عن عمرو بن هند البجلي عن أبيه قال: فلما نظر عليّ (عَلَيهِ السَّلَامُ) إلى راياتِ مُعاوِية وأهلِ الشّامِ قال و الّذي فلق الحبة وبرأ النسمة ما أسلموا ولكن استسلموا وأسروا الكُفر فلما وجدوا عليه أعواناً رجعوا إلى عداوتِهِم مِنا إلّا أنَّهم لم يدعُوا الصّلاة. (3)
2 - روى أحمدُ بنُ أبي طاهِرِ فِي كِتابِ أخبار الملُوكِ أنّ مُعاوِية سمع المؤذن يقولُ أشهد أن لا إله إلّا اللّه فقالها فقال أشهدُ أنّ محمّداً رسُول اللّه فقال اللّه أبوك يا ابن عبد اللّه لقد كُنت عالي الهِمَةِ ما رضيت لِنفسِك إلّا أن تقرن اسمك باسم ربّ العالمين. (4)
3 - عن عبد اللّه بن عمرو قال: قال رسُول اللّه (صَلَّى اللّه عَلَيْهِ وَآلِهِ): يموتُ مُعاوِيةُ على غيرِ مِلَّةِ الإِسلام. (5)
ص: 421
4 - عن جابر بن عبدِ اللّه قال: قال رسُول اللّه (صَلَّى اللّه عَلَيْهِ وَآلِهِ) يموتُ مُعاوِيةُ على غيرِ مِلّتي. (1)
1- عن عليّ (عَلَيهِ السَّلَامُ) قال: رأيتُ النّبيّ (صَلَّى اللّه عَلَيْهِ وَآلِهِ) فِي النوم فشكوتُ إِليهِ مَا لَقِيتُ مِنْ أُمَّتِهِ مِن الأودِ واللددِ فقال انظر فإِذا عمرُو بنُ العاصِ و مُعاوِيةُ مُعلّقينِ مُنكَسِينِ تُشدخُ رُه وسُهُما بِالصّخر. (2)
1- عن أبا برزة الأسلمي أنَّهم كانُوا مع رسُول اللّه (صَلَّى اللّه عَلَيْهِ وَآلِهِ) فسمِعُوا غِناءً فتشرَفُوا له فقام رجُلٌ فاستمع له وذلك قبل أن تُحرم الخمر فأتاهُم ثمّ رجع فقال هُما مُعاوية وعمرو بن العاص يُجِيبُ أحدُهُما الآخرو هُو يقول
لا يزال حوارِي تَلُوحُ عِظامُهُ *** زوى الحرب عنه أن يُجنّ فيُقبرا
فرفع رسُول اللّه يديه فقال اللّهمّ اركُسهُم فِي الفِتنةِ ركسا اللّهمّ دُعَهُم إِلى النّار دعاً. (3)
1- عن عبد الصمد البارقي قال: قدم عقيل على عليّ (عَلَيهِ السَّلَامُ) وهُو جالس فِي صحن مسجِدِ الكوفة فقال السّلامُ عليك يا أمير المؤمنين ورحمةُ اللّه قال وعليك السّلامُ يا أبا يزيد ثمّ التفت إلى الحسن بن علي (عَلَيهِمَا السَّلَامُ) فقال قُم وأنزل عمّك فذهب بِهِ وأنزله وعاد إليه فقال له اشترله قميصاً جديداً و رداءً جديداً و إزاراً جديداً و نعلًا جديداً فغدا على عليّ (عَلَيهِ السَّلَامُ) فِي القِيابِ فقال السّلامُ عليك يا أمير المؤمنين قال وعليك السّلامُ يا أبا يزيد قال يا أمير المؤمنين ما أراك أصبت من الدُّنيا شيئاً إلّا هذه الحصباء قال يا أبا يزيد يخرُجُ عطائي فأُعطِيكَاهُ فارتحل عن عليّ (عَلَيهِ السَّلَامُ) إِلى مُعاوِية فلَمّا سمِع بِهِ مُعاوِيةُ نصب كراسيه وأجلس جلساءه فورد عليه فأمر لهُ بِمائة ألفِ
ص: 422
دِرهم فقبضها فقال لهُ مُعاوِيةُ أخبرني عن العسكرين قال مررتُ بعسكر أمير المؤمنين عليّ بن أبِي طالِب (عَلَيهِ السَّلَامُ) فإذا ليل كليل النّبيّ (صَلَّى اللّه عَلَيْهِ وَآلِهِ) و نهار كنهارِ النّبيّ إلّا أنّ رسُول اللّه (صَلَّى اللّه عَلَيْهِ وَآلِهِ) ليس فِي القومِ و مررتُ بعسكرك فاستقبلني قوم من المنافقين ممّن نفر برسُولِ اللّه (صَلَّى اللّه عَلَيْهِ وَآلِهِ) ليلة العقبة فقال من هذا الّذي عن يمينك يا مُعاوِيةُ قال هذا عمرو بن العاص قال هذا الّذي اختصم فِيهِ سِتَّةُ نفر فغلب عليهِ جزارُها فمن الآخرُ قال الضّحاك بن قيس الفهرِيُّ قال أما واللّه لقد كان أبوه جيّد الأخذ خسيس النفس فمن هذا الآخرُ قال أبو موسى الأشعري قال هذا ابنُ المراقةِ فَلَمّا رأى مُعاوِيَةُ أَنَّهُ قد أغضب جُلساءه قال يا أبا يزيد ما تقُولُ فِي قال دع عنك قال لتقولن قال أتعرفُ حمامة قال و من حمامة قال أخبرتك و مضى عقيل فأرسل مُعاوِيةُ إِلى النّسّابة فقال أخبرني من حمامة قال أعطني الأمان على نفسي وأهلي فأعطاه قال حمامة جدّتُك وكانت بغِيّةً فِي الجَاهِلِيَّةِ لها رايةٌ تُؤتى. (1)
1- قال أبو جعفر الإسكافِي ورُوي أنّ مُعاوِية بذل لِسمرة بن جندب مائة ألف درهم حتّى يروي أن هذه الآية نزلت فِي عليّ (عَلَيهِ السَّلَامُ) (و مِن النَّاسِ من يُعجِبُكَ قوله فِي الحياةِ الدُّنيا ويُشهِدُ اللّه على ما فِي قلبِهِ وهُو ألد الخِصام وإذا تولّى سعى فِي الأرضِ لِيُفسِد فيها ويُهلك الحرث والنسل و اللّه لا يُحِبُّ الفساد) وأنّ الآية الثانية نزلت فِي ابن مُلحِمٍ وهِي (وَمِنَ النَّاسِ مَنْ يَشْرِي نَفْسَهُ ابْتِغَاءَ مَرْضَاتِ اللَّهِ) (2) فلم يقبل فبذل لهُ مِائتي ألف درهم فلم يقبل فبذل له ثلاثمائة ألف فلم يقبل فبذل أربعمائة فقبل وروى ذلك.
وقال: إن مُعاوية وضع قوماً من الصحابة وقوماً من التابعين على رواية أخبار قبيحة فِي عليّ (عَلَيهِ السَّلَامُ) فاختلفوا ما أرضاه منهم أبو هريرة و عمرُو بنُ العاصِ والمغيرة بن شعبة ومِن التَّابِعِين عُروة بن الزبير. (3)
ص: 423
1- عن أنس بن مالك قال: سمعت رسُول اللّه يقولُ: سيظهرُ على النَّاسِ رَجُلٌ مِن أُمّتي عَظِيمُ السُّرَةِ واسِعُ البُلعُومِ يأكُل ولا يشبعُ يحمِلُ وزر الثقلين يطلب الإمارة يوماً فإذا أدركتُمُوهُ فابقُرُوا بطنه قال و كان فِي يدِ رسُول اللّه (صَلَّى اللّه عَلَيْهِ وَآلِهِ) قضيب قد وضع طرفه فِي بطنِ مُعاوية. (1)
1- قال جابر بن عبد اللّه الأنصارِيُّ (رضي اللّه عنه): كُنتُ أنا ومُعاوِيةُ بنُ أَبِي سُفيان بِالشّامِ فبينا نحنُ ذات يوم إذ نظرنا إلى شيخ و هُو مُقبِل مِن صدرِ البرِّيَّةِ مِن ناحيةِ العِراقِ فقال مُعاوِيَةُ عَرِجُوا بنا إلى هذا الشيخ لنسألهُ مِن أين أقبل وإلى أين يُرِيدُ وكان مع معاوية أبو الأعور السُّلَمِيُّ وولدا مُعاوِية خالِدٌ ويَزِيدُ و عمرو بن العاص قال فعرّجنا إليهِ فقال لهُ مُعاوِيةُ مِن أين أقبلت يا شيخ و إلى أين تُرِيدُ فلم يُجِبهُ الشَّيخُ فقال له عمرُو بنُ العاصِ لِما لا تُجِيبُ أمير المؤمنين فقال الشيخ إنّ اللّه جعل التحية غير هذِهِ فقال مُعاوِيةُ صدقت يا شيخ أصبت وأخطأنا وأحسنت و أسأنا السّلام عليك يا شيخُ فقال الشّيخُ وعليك السّلامُ فقال مُعاوِيةُ ما اسمك يا شيخُ فقال اسمي جبل وكان ذلك الشيخ طاعناً فِي السّنِ بِيدِهِ شيءٌ من الحديد ووسطه مشدُودٌ بِشرِيط من ليف المقل وفي رجليه نعلانِ مِن لِيفِ المثقل وعليه كِساء قد سقط لحمتُه وبقي سداته و قد بانت شراسيف خديه و قد غطت حواجِبُهُ على عينيهِ فقال مُعاوِيةُ يا شيخُ مِن أين أقبلت و إلى أين تُرِيدُ قال أتيتُ مِن العِراقِ أُرِيدُ بيت المقدِس قال معاوية كيف تركت العراق قال على الخير و البركة و النّفاق قال لعلك أتيت من الكوفة من الغرِي قال الشيخ وما الغري قال مُعاوِيةُ الّذي فِيهِ أَبُو تُرابِ قال الشيخ من تعني بذلك ومن أبو تُرابِ قال ابن أبِي طالِب قال له الشّيخُ أرغم اللّه أنفك ورضّ اللّه فاك و لعن اللّه أمّك وأباك ولم لا تَقُولُ الإمامُ العادِلُ والغيتُ الهاطِل يعسُوبُ الدِّينِ وقاتِلُ المشركين والقاسطين والمارقين وسيف اللّه المسلول ابنُ عم الرّسُولِ وزوجُ البتُولِ تاجُ الفقهاء و كنز الفقراء و خامِسُ أهل العباء واللّيث الغالِبُ أبو الحسنين عليّ بن أبِي طالِب عليه الصّلاة والسلام فعِندها قال مُعاوِيةُ يا شيخُ إِنِّي أرى لحمك ودمك قد خالط
ص: 424
لحم عليّ بن أبِي طالِب (عَلَيهِ السَّلَامُ) و دمِهِ حتّى لومات علي ما أنت فاعِلٌ قال لا أتهم فِي فقدِهِ ربّي و أُجدِّلُ فِي بُعدِهِ حُزني وأعلمُ أنّ اللّه لا يُميت سيّدي و إمامي حتّى يجعل من ولدهِ حُجّةٌ قائِةً إلى يوم القيامةِ فقال يا شيخ هل تركت من بعدك أمراً تفتخر به قال تركتُ الفرس الأشقر و الحجر و المدر و المنهاج لمن أراد المعراج قال عمرو بن العاص لعله لا يعرِفُك يا أمير المؤمنين فسألهُ مُعاوِيةُ فقال يا شيخ أتعرِفُني قال الشّيخُ و من أنت قال أنا مُعاوِيةُ بنُ أَبِي شفيان أنا الشجرة الزكيّةُ والفُرُوعُ العليّةُ سيّد بَنِي أُميّة فقال له الشيخ بل أنت اللعين على لِسانِ نبيّه وفِي كِتَابِهِ المبِينِ إِنَّ اللّه قال (وَالشَّجَرَةَ الْمَلْعُونَةَ فِي الْقُرْآنِ) (1) والشجرة الخبيثة و العُرُوقُ المجتنةُ الخسيسةُ الّذي ظلم نفسه و ربّه وقال فِيهِ نبيّه الخلافةُ مُحرّمةٌ على ابن أبي سفيان الزّنِيمِ بنِ الرِّنيم ابن آكلة الأكبادِ الفاشِي ظُلمُهُ فِي العِبادِ فَعِندها اغتاظ مُعاوِيةُ وحنق عليه فردّ يده إلى قائم سيفه و هم بقتلِ الشَّيخِ ثمّ قال لولا أن العفو حسن لاخذتُ رأسك ثمّ قال أ رأيت لو كُنتُ فاعِلا ذلك قال الشيخ إذن واللّه أفُوزُ بِالسّعادة وتفُوزُ أنت بِالشّقاوة وقد قتل من هُو أشرُّ مِنك من هُو خيرٌ مِنِّي وعُثمانُ شرِّمِنك قال مُعاوِيةُ يا شيخ هل كُنت حاضراً يوم الدّارِ قال وما يوم الدّارِ قال مُعاوِيةُ يوم قتل على عُثمان فقال الشيخ تاللّه ما قتله ولو فعل ذلك لعلاه بأسيافٍ حِدادٍ و سواعِد شِدادٍ وكان يكُونُ فِي ذلك مُطيعاً للّه وَلِرَسُولِهِ قالَ مُعاوِيةُ يا شيخ هل حضرت يوم صفّين قال وما غبتُ عنها قال كيف كُنت فيها قال الشيخ أيتمتُ منك. أطفالًا وأرملتُ مِنك إخواناً و كُنتُ كالليثِ أضرِبُ بِالسّيفِ تارةً و بِالرُّمح أُخرى قال مُعاوِيةُ هل ضربتني بِشيءٍ قط قال الشيخ ضربتك بثلاثة وسبعين سهماً فأنا صاحِبُ السهمينِ اللذين وقعا فِي بُردتِك وصاحِبُ السّهمينِ اللذين وقعا فِي مسجدِك وصاحِبُ السهمينِ اللذين وقعا فِي عضُدِك ولو كشفت الآن لأريتُك مكانهما فقال مُعاويه يا شيخ هل حضرت يوم الجمل قال وما يوم الجمل قال مُعاوِيةُ يوم قاتلت عائشة عليّاً قال وما غبت عنها قال مُعاوِيةُ يا شيخ الحقّ كان مع علي أم مع عائشة قال الشيخ بل مع علي قال مُعاوِيةُ ألم يقُلِ اللّه (و أزواجُهُ أُمهاتهم) (2) وقال
ص: 425
النّبيّ (صَلَّى اللّه عَلَيْهِ وَآلِهِ) لها أم المؤمنين قال الشَّيخُ أَلم يَقُلِ اللّه تعالى (يا نساء النَّبِي...وَقَرْنَ فِي بُيُوتِكُنَّ وَلَا تَبَرَّجْنَ تَبَرُّجَ الْجَاهِلِيَّةِ الْأُولَى) (1) وقال النّبيّ (صَلَّى اللّه عَلَيْهِ وَآلِهِ) أنت يا علي خليفتي على نِسواني وأهلي وطلاقُهُنَّ بِيدِك أفترى فِي ذلك معها حقّ حتّى سفكت دِماء المسلمين وأذهبت أموالهم فلعنه اللّه على القومِ الظالمين وهما كامرأةِ نُوحٍ فِي النّار ولبئس مثوى الكافِرِين قال مُعاوِيةُ يا شيخُ ما جعلت لنا شيئاً نحتج بِهِ عليك فتى ظُلمتِ الأُمّه و طفيت عنهم قنادِيلُ الرّحمةِ قال لَا صرت أميرها و عمرو بن العاص وزيرها قال فاستلق مُعاوِيةُ على قفاهُ مِن الضَّحِكِ وهُو على ظهرِ فرسه فقال يا شيخُ هل من شيء نقطعُ بِهِ لِسانك قال وما ذا قال عشرون ناقة حمراء محمِلهُ عسلًا وبُراً و سمناً و عشرة آلاف درهم تُنفِقُها على عيالك وتستعين بها على زمانك قال الشيخ لستُ أقبلها قال ولم ذلك قال الشيخ لأنّي. رسُول اللّه (صَلَّى اللّه عَلَيْهِ وَآلِهِ) يقول درهم حلال خير من ألف درهم حرام قال مُعاوِيةُ لئِن أقت فِي دمشق لأضرِبنَ عُنُقك قال ما أنا مُقِيمٌ معك فيها قال مُعاوِيةُ ولم ذلك قال الشيخ لأن اللّه تعالى يقولُ (وَلَا تَرْكَنُوا إِلَى الَّذِينَ ظَلَمُوا فَتَمَسَّكُمُ النَّارُ وَمَا لَكُمْ مِنْ دُونِ اللَّهِ مِنْ أَوْلِيَاءَ ثُمَّ لَا تُنْصَرُونَ﴾ (2) و أنت أوّلُ ظالِمٍ وآخِرُ ظالِمٍ ثمّ توجّه الشَّيخُ إلى بيت المقدس. (3)
2 - عن هشام بن محمّد عن أبيه قال: اجتمع الطّرِماحُ وهشام المرادِيُّ و محمّد بن عبد اللّه الحِميرِيُّ عِند مُعاوية بن أبي سفيان فأخرج بدرةً فوضعها بين يديهِ ثمّ قال يا معشر شُعراء العرب قُولُوا قولكم فِي عليّ بن أبِي طالِب ولا تَقُولُوا إلّا الحقّ وأنا نفي من صخر بن حرب إن أعطيتُ هذه البدرة إلّا من قال الحقّ فِي علي فقام الطرماح فتكلّم وقال فِي علي ووقع فِيهِ فقال مُعاوِيةُ اجلس فقد عرف اللّه نيّتك ورأى مكانك ثمّ قام هشام المرادِيُّ فقال أيضاً ووقع فِيهِ فقال مُعاوِيةُ اجلس مع صاحِبك فقد عرف اللّه مكانكما فقال عمرو بن العاص لمحمّد بنِ عبدِ اللّه الحميري وكان خاصاً بِهِ تكلم ولا تقل إلّا الحقّ ثمّ قال يا مُعاوِيةُ قد آليت ألا تُعطِي هَذِهِ
ص: 426
البدرة إلّا قائل الحقّ فِي علي قال نعم أنا نفي من صخر بن حرب إن أعطيتها منهم إلّا من قال الحقّ فِي عليّ فقام محمّد بن عبد اللّه فتكلّم ثمّ قال
بحقّ محمّد قُولُوا بحق *** فإنّ الإفك من شيم اللئامِ
أبعد محمّد بأبي وأمي *** رسُول اللّه ذِي الشّرفِ التّمامِ
أليس علي أفضل خلق ربّي *** وأشرف عند تحصيل الأنام
ولايته هي الإيمان حقّاً *** فذرني من أباطيل الكلام
وطاعة ربَّنا فيها وفيها *** شِفاءٌ لِلقُلُوبِ مِن السّقامِ
علي إمامنا بأبي وأمي *** أبو الحسن المطهر من حرامٍ
إِمامُ هُدى آتَاهُ اللّه عِلماً *** بِهِ عُرف الحلال من الحرامِ
ولو أني قتلت النفس حُبّاً *** له ما كان فيها من أثام
يحُلّ النّار قوم يُبغِضُوهُ *** و إن صاموا وصلوا ألف عام
فلا واللّه ما تزكو صلاة *** بغير ولاية العدل الإمام
أمير المؤمنين بك اعتمادي *** وبالغُررِ الميامين اعتصامي
برنت من الّذي عادى علياً *** و حاربه من أولاد الحرام
تناسوا نصبه فِي يوم خم *** من الباري و من خير الأنام
برغم الأنف من يشنأ كلامي *** علي فضه كالبحرطام
وأبرامن أناس أخّروه *** و كان هُو المقدم بالمقامِ
علي هزم الأبطال لما *** رأوا فِي كفه ماح الحسام
على آل الني صلاة ربّي *** صلاةً بالكمال وبالتمام
فقال معاوية أنت أصدقهم قولا فخُذ هذه البدرة. (1)
ص: 427
1- عمرو بن الحمِقِ يُحدِّثُ عن رسُول اللّه (صَلَّى اللّه عَلَيْهِ وَآلِهِ)، أنَّه سمع رسُول اللّه فِي المسجِدِ الحرام أو فِي مسجِدِ المدينة، يقول: يا عمرو! هل لك فِي أن أُريك آية الجنَّة يأكل الطعام و يشرب الشراب ويمشي فِي الأسواق وآية النّار يأكُلُ الطعام ويشرب الشراب ويمشي فِي الأسواق ؟ فقُلتُ : نعم بأبي أنت وأُمّي فأرنيها. فأقبل عليّ (عَلَيهِ السَّلَامُ) يمشي - حتّى سلّم وجلس، فقال النّبيّ : يا عمرو هذا وقومُهُ آيةُ الجنَّة. ثمّ أقبل مُعاوِيةُ حتّى سلّم فجلس، فقال النّبِيُّ: يا عمرو هذا وقومه آيةُ النَّارِ. كان عمرُو بنُ الحَمِقِ الخَزاعِيُّ شيعةً لِعلي بن أبِي طالِب (عَلَيهِ السَّلَامُ)، فلَمّا صار الأمرُ إِلى مُعاوِية انحاز إلى شهرزور من الموصل. (1)
1- عن مالك بن ضمرة الرواسي قال: لَمَّا سيّر أبوذر رحمة اللّه عليه اجتمع هُو و عليّ بن أبِي طالِب و المقداد بن الأسود و عمَّار بن ياسرو حذيفة بن اليمان وعبد اللّه بن مسعُودٍ فقال أبوذر حدِثُوا حدِيثاً نذكُرُ بِهِ رسُول اللّه ونشهد لهُ وندعُوله ونُصدِقُهُ بِالتَّوحِيدِ فقال عليّ (عَلَيهِ السَّلَامُ) لقد علمتُم ما هذا زمان حديثي قالُوا صدقت فقال حدّثنا يا حذيفة قال لقد علمتم أني سألتُ المعضلاتِ و خترتهن لم أسأل عن غيرها فقال حدّثنا يا ابن مسعود قال لقد علمتُم أَنِّي قرأتُ القُرآن لم أُسأل عن غيره ولكن أنتُم أصحاب الأحادِيثِ قالُوا صدقت قال حدّثنا يا مِقدادُ قال لقد علمتُم أنّي إنّما كُنتُ صاحِب الفتنِ لا أُسألُ مِن غيرها و لكن أنتُم أصحاب الأحادِيثِ قالُوا صدقت فقال حدّثنا يا عمَّار قال قد علمتُم أنّي رجُلٌ نسي إلّا أن أُذكر فأذكر فقال أبوذرحمة اللّه عليه أنا أُحدِّثُكُم بحديث قد سمعتموه أو من سمعهُ مِنكُم قال: قال رسُول اللّه (صَلَّى اللّه عَلَيْهِ وَآلِهِ) ألستم تشهدون أن لا إله إلّا اللّه وأن محمّداً رسُول اللّه (وَأَنَّ السَّاعَةَ آتِيَةٌ لَا رَيْبَ فِيهَا وَأَنَّ اللَّهَ يَبْعَثُ مَنْ فِي الْقُبُورِ) (2) وأَن البعث حقّ وأن الجنَّة حقّ والنار حقّ قالُوا نشهد قال (وَأَنَا مَعَكُمْ مِنَ الشَّاهِدِينَ) (3) ثمّ قال أ
ص: 428
لستُم تشهدون أن رسُول اللّه (صَلَّى اللّه عَلَيْهِ وَآلِهِ) قال شر الأوّلين والآخرين اثنا عشرستةٌ مِن الأوّلين و سِتّةٌ مِن الآخِرِين ثمّ سمّى السّنّة من الأوّلين ابن آدم الّذي قتل أخاه و فرعون و هامان و قارون و السّامِرِيّ والدّجّال اسْمُهُ فِي الأوّلين ويخرُجُ فِي الآخِرِين و أمّا السّنَّةُ مِن الْآخِرِين فالعِجلُ وهُو نعثل وفرعونُ و هُو مُعاوِيةُ وهامانُ هذِهِ الأُمّة وهُو زِيادٌ وقارُونُها وهُو سعد والسّامِرِيُّ وهُو أبو مُوسى عبد اللّه بن قيس لأنَّه قال كما قال سامِرِيُّ قومِ مُوسى لا مساس أي لا قتال والأبترُوهُو عمرو بن العاص أفتشهدون على ذلك قالوا نعم قال وأنا على ذلك مِن الشَّاهِدِين ثمّ قال أ لستُم تشهدون أن رسُول اللّه قال إِن أُمّتي ترد علي الحوض على خمس راياتٍ أولها راية العجل فأَقُومُ فَآخُذُ بِيدِهِ فإذا أخذتُ بِیدِهِ اسودّ وجهه و رجفت قدماه و خفقت أحشاؤُهُ و من فعل فعله يتبعُهُ فأَقُولُ بِماذا خلفتُمُونِي فِي الثقلينِ مِن بعدِي فيقولون كذبنا الأكبر و مزقنا واضطهدنا الأصغر و أخذنا حقهُ فأَقُولُ اسلُكُوا ذات السّمالِ فينصرِفُون ظِماءً مُظمئِين قدِ اسودت وُجُوهُهُم ولا يطعمُون مِنهُ قطرةً ثمّ ترد علي راية فرعونِ أُمّتي وهُم أكثرُ النَّاسِ ومِنهُمُ المبهرِجُون قِيل يا رسُول اللّه وما المبهرِجُون بهرجُوا الطريق قال لا ولكن بهرجُوا دِينهُم وهُمُ الّذين يغضبُون لِلدُّنيا ولها يرضون فأقُومُ فَآخُذُ بِيدِ صاحِبِهِم فإذا أخذتُ بِيدِهِ اسود وجهه و رجفت قدماه و خفقت أحشاؤُه و من فعل فعله يتبعُهُ فأَقُولُ بِما خلفتُمُونِي فِي الثقلين بعدي فيقولُون كذبنا الأكبر و مزقناه و قاتلنا الأصغر فقتلناه فأقُولُ اسلكوا سبيل أصحابِكُم فينصرفون ظماء مُظمئِين مُسودةٌ وُجُوهُهُم لا يطعمُون مِنهُ قطرةٌ قال ثمّ ترِدُ علي رايةُ هَامَانِ أُمّتي فأَقُومُ فَآخُذُ بِيدِهِ فإذا أخذتُ بِيدِهِ اسود وجهه و رجفت قدماه و خفقت أحشاؤُهُ و من فعل فعله يتبعُهُ فأَقُولُ بِما خلفتُمُونِي فِي الثّقلينِ بعدِي فيقولُون كذبنا الأكبر و عصيناه وخذلنا الأصغر وخذلنا عنه فأقُولُ اسلُكُوا سبيل أصحابِكُم فينصرِفُون ظِماءً مُظمئِين مُسودةً وُجُوهُهُم لا يطعمُون مِنهُ قطرةً ثمّ ترد علي رايةُ عبد اللّه بن قيس وهُو إمامُ خمسين ألفاً مِن أُمّتي فَأَقُومُ فَأَخُذُ بِيدِهِ فَإِذَا أخذتُ بِيدِهِ اسود وجهُهُ و رجفت قدماه و خفقت أحشاؤُهُ و من
ص: 429
فعل فعلهُ يتبعُهُ فأَقُولُ بِما القال خلفتُمُونِي فِي الثّقلينِ مِن بعدِي فيقولون كذبنا الأكبر و مرّقناه و عصيناه وخذلنا الأصغرو خذلنا عنه فأقُولُ اسلُكُوا سبيل أصحابِكُم فينصرِفُون ظماء مُظمئِين مُسودةٌ وُجُوهُهُم لا يطعمون مِنهُ قطرةٌ ثمّ ترد على المخدج برايتِهِ فَآخُذُ بِيدِهِ فإذا أخذتُ بِيدِهِ اسود وجهه و رجفت قدماه و خفقت أحشاؤُه ومن فعل فعله يتبعُهُ فأَقُولُ بِما خلفتُمُونِي فِي الثقلين بعدي فيقولُون كذبنا الأكبر و عصيناه وقاتلنا الأصغر و قتلناه فأقُولُ اسلُكُوا سبيل أصحابِكُم فينصرفون ظماء مُظمئِين مُسودةً وُجُوهُهُم لا يطعمُون مِنهُ قطرةً ثمّ ترد علي راية أمير المؤمنين و إمام المتّقين و قائِدِ الغُرّ المحجلين فأقُومُ فَآخُذُ بِيدِهِ فإذا أخذتُ بِيدِهِ ابيض وجههُ ووُجُوهُ أَصحابِهِ فَأَقُولُ بِما خلفتُمُونِي فِي الثّقلين بعدِي فيقولُون اتبعنا الأكبر و صدّقناه و وازرنا الأصغر و ناصرناه وقاتلنا معه فأقُولُ رِدُوا رواءً مروتين فيشربون شربةً لا يظمتُون بعدها أبداً وجه إمامهم كالشمس الطالِعةِ ووُجُوهُ أصحابِهِ كالقمر ليلة البدر وكأضواء نجم فِي السّماء ثمّ قال يعني أبوذرأ لستُم تشهدون على ذلك قالُوا نعم قال وأنا على ذلك مِن الشَّاهِدِين قال يحيى وقال عبّاد اشهدوا علي بهذا عِند اللّه عزّ و جلّ أن أبا عبد الرحمنِ حدّثنا بهذا وقال أبو عبدِ الرحمنِ اشهدوا علي بهذا عند اللّه عزّ و جلّ أنّ الحارث بن حصيرة حدّثني بهذا وقال الحارِثُ اشهدُوا عليّ بِهذا عند اللّه عزّ وجلّ أن صخر بن الحكم حدّثني بهذا و قال صخرُ بنُ الحكم اشهدوا عليّ بهذا عِند اللّه عزّ و جلّ أن حيان حدّثني بهذا وقال حيان اشهدوا عليّ بهذا عِند اللّه عزو جلّ أن الربيع بن الجميل حدّثني بهذا وقال الرّبِيعُ بنُ جَمِيل اشهدوا عليّ بهذا عِند اللّه عزّ و جلّ أن مالك بن ضمرة حدّثني بهذا وقال مالك بن ضمرة اشهدوا عليّ بِهذا عِند اللّه عزّ و جلّ أن أبا ذر الغفارِيّ حدّثني بهذا و قال أبوذر مثل ذلك وقال: قال رسُول اللّه (صَلَّى اللّه عَلَيْهِ وَآلِهِ) حدّثني بِهِ جبرئيل عن اللّه تبارك و تعالى. (1)
ص: 430
1- السيّد المرتضى فِي عيون المعجزات قال: روت الشّيعة من طرق شتى، أن قوماً إجتمعوا على أمير المؤمنين (عَلَيهِ السَّلَامُ) و قالُوا: قد أعطاك اللّه تعالى هذه القدرة الباهرة و أنت تستنهض النّاس إلى قِتالِ معاوية ؟! فقال: إنّ اللّه تعالى تعبّدهم بمجاهدة الكفّار والمنافقين والنّاكثين و القاسطين والمارقين، فواللّه لو شئتُ لمددتُ يدي هذه القصيرة فِي أرضكم هذه الطويلة و ضربتُ بها صدر معاوية بالشّام، وأخذتُ بها من شاربه أو قال: من لحيته فمد يده (عَلَيهِ السَّلَامُ) و ردها فإذا فيها شعرات كثيرة، فقاموا وتعجبوا من ذلك. ثمّ اتصل الخبر بعد مدة طويلة بأن معاوية سقط عن سريره فِي اليوم الّذي كان مديده فِيهِ أمير المؤمنين (عَلَيهِ السَّلَامُ) وغشي عليه، ثمّ أفاق وافتقد من شاربه ولحيته شعرات. (1)
2 - قال عليّ بن محمّد (عَلَيهِمَا السَّلَامُ) لما رجع أمير المؤمنين مِن صِفّين وسُقي القومُ مِن الماء الّتي تحت الصخرة الّتي قلبها ليقعد لحاجتِهِ فقال بعضُ مُنافِقِي عسكره سوف أنظُرُ إِلى سواتِهِ وإلى ما يخرُجُ مِنهُ فإنه يدعي مرتبة النّبيّ (صَلَّى اللّه عَلَيْهِ وَآلِهِ) لأخبر أصحابي بكذبه فقال عليّ (عَلَيهِ السَّلَامُ) ليقنبريا قنبر اذهب إلى تلك الشجرة و إلى الّتي تُقابِلُها وقد كان بينهما أكثر من فرسخ فنادِهِما إن وصيّ محمّد يأمرُكُما أن تتلاصقا فقال قنبريا أمير المؤمنين أو يبلغهما صوتي قال عليّ (عَلَيهِ السَّلَامُ) إنّ الّذي يُبلّغ بصر عينك السّماء وبينك وبينها مسيرة خمسمائة عام سيُبلِّغُهُما صوتك فذهب قنبر فنادى فسعت إحداهما إلى الأخرى سعي المتحابين طالت غيبة أحدهما عن الآخر واشتدّ شوقه وانضمّا فقال قوم مِن مُنافِقِ العسكرِ إِنْ علِيّاً يُضاهِي فِي سِحرِه رسُول اللّه ابن عمه ما ذاك رسُول اللّه ولا هذا إمامٌ وإِنَّما هُما ساحِرانِ لكنّا سندُورُ مِن خلفِهِ فننظُرُ إِلى عورتِهِ و ما يخرُجُ منه فأوصل اللّه عزو جلّ ذلك إلى أُذُنِ علي من قبلهم فقال جهراً يا قنبر إن المنافقين أرادوا مكايدة وصيّ رسُول اللّه (صَلَّى اللّه عَلَيْهِ وَآلِهِ) و ظنُّوا أَنْهُ لا يُمتنعُ مِنهُم إِلا بِالشَّجرتين فارجع إليهما يعني الشجرتين فقُل لهما إن وصيّ رسُول اللّه (صَلَّى اللّه عَلَيْهِ وَآلِهِ) يأمركما أن تعودا إلى مكانِكُما ففعل ما أمره فانقلعتا و عدت كلّ واحِدَةٍ تُفارِقُ الأُخرى كهزيمة الجبانِ مِن الشُّجاع البطل ثمّ ذهب عليّ (عَلَيهِ السَّلَامُ) و رفع ثوبه
ص: 431
ليقعد و قد مضى من المنافِقِين جماعةٌ لِينظُرُوا إِلَيهِ فَلَمّا رفع ثوبه أعمى اللّه تعالى أبصارهم فلم يُبصِرُوا شيئاً فولوا عنه وُجُوههم فأبصرُوا كما كانُوا يُبصِرُون فنظرُوا إِلى جهتِهِ فعمُوا فما زالوا ينظُرُون إلى جهتِهِ ويعمون و يصرِفُون عنهُ وُجُوهَهُم ويُبْصِرُون إِلى أن فرغ عليّ (عَلَيهِ السَّلَامُ) و قام و رجع وذلك ثمانون مرةً مِن كلّ واحِدَةٍ ثمّ ذهبوا ينظرون ما خرج عنه فاعتُقِلُوا فِي مواضِعِهِم فلم يقدِرُوا أن يروها فإذا انصرفوا أمكنهم الانصراف أصابهم ذلك مائة مرة حتّى نُودِي فِيهِم بِالرّحِيلِ فرحلُوا و ما وصلوا إلى ما أرادوا من ذلك ولم يزدهم ذلك إِلا عُتُواً و طغياناً و تمادياً فِي كفرهم و عِنادِهِم فقال بعضُهم لبعض انظُرُوا إِلى هذا العجب، من هذِهِ آيَاتُهُ و مُعجِزاتُهُ ويعجِزُ عن مُعاوِية وعمرو ويزيد فنظروا فأوصل اللّه عزّ و جلّ ذلك مِن قِبلهم إلى أُذُنِهِ فقال عليّ (عَلَيهِ السَّلَامُ) يا ملائكة ايتوني بمعاوية وعمرو و يزيد فنظروا فِي الهواء فإذا ملائكة كانهم السودان قد علق كلّ واحِدٍ مِنهُم بِواحِدٍ فأنزلُوهُم إلى حضرتِهِ فَإِذا أَحدُهُم مُعاوِيَةُ والآخرُ عمرو و الآخريزِيدُ فقال عليّ (عَلَيهِ السَّلَامُ) تعالوا فانظُرُوا إليهم أما لوشِئتُ لقتلتُهُم ولكِنِّي أُنظِرُهُم كما أنظر اللّه عزّ و جلّ إبليس إلى الوقتِ المعلُومِ إِنَّ الّذي ترونه بِصاحِبِكُم ليس لعجزو لا ذُلّ و لكِنَّهُ مِحنةٌ مِن اللّه عزّو جلّ لينظر كيف تعملون ولئِن طعنتُم على على فلقد طعن الكافرون و المنافِقُون قبلكُم على رسُول ربّ العالمين فقالُوا إِنّ من طاف ملكوت السماوات والجنان فِي ليلةٍ ورجع كيف يحتاجُ إلى أن يهرب ويدخُل الغار ويأتي إلى المدينة من مكّة فِي أحد عشر يوماً و إنما هُو من اللّه إذا شاء أراكُمُ القُدرة لتعرِفُوا صِدق أنبياء اللّه وإذا شاء امتحنكم بما تكرهون لينظر كيف تعملون ولِيُظهِرحُجّته عليكُم. (1)
ص: 432
1- قال معاوية لابن عباس إنا كتبنا فِي الآفاق ننهى عن ذكر مناقب عليّ (عَلَيهِ السَّلَامُ) فكف لسانك قال أفتنهانا عن قراءة القرآن قال لا قال أفتنهانا عن تأوِيلِهِ قال نعم قال أفنقرؤُهُ ولا نسألُ قال سل عن غير أهل بيتك قال إنّهُ مُنزل علينا أفنسألُ غيرنا أتنهانا أن نعبد اللّه فإذا تهلك الأُمّة قال اقرءوا و لا تروُوا ما أنزل اللّه فِيكُم (يُرِيدُون لِيُطْفِؤُا نُورَ اللّه بِأَفْوَاهِهِم) (1) ثمّ نادى مُعاوِيةُ أن برئتِ الدِّمَةُ مِن روى حديثاً من مناقب علي حتّى قال عبد اللّه بن شداد اللييُّ وددتُ أنّي أُترك أن أُحدّث بفضائل عليّ بن أبِي طالِب (عَلَيهِ السَّلَامُ) يقوماً إلى اللّيل وإِن عُنُقِ ضُرِبت فكان المحدث يُحدِّثُ بِحدِيث فِي الفِقهِ أو يأتي بحدِيثِ المبارزة فيقول قال رجُلٌ مِن قُريش و كان عبد الرحمن بن أبي ليلى يقول حدّثني رجُلٌ مِن أصحابِ رسُول اللّه (صَلَّى اللّه عَلَيْهِ وَآلِهِ) و كان الحسن البصرِيُّ يقولُ قال أبو زينبو سُئِل ابنُ جُبير عن حامِلِ اللّواء فقال كانك رخِيُّ البال ورأى رجُلٌ أعرابيّةً فِي مسجِد تقول يا مشهوراً فِي السّماواتِ و يا مشهوراً فِي الأرضِين و يا مشهوراً فِي الدُّنيا و يا مشهوراً فِي الآخِرَةِ جهدتِ الجبابرة والملوكُ على إطفاءِ نُورِك و إخمادِ ذِكرِك فأبى اللّه لِذِكرِك إلّا عُلُوّاً و لِنورك إلّا ضياءً ونماء ولو كره المشركون فقيل لمن تصفين قالت ذاك أمير المؤمنين (عَلَيهِ السَّلَامُ) فالتفت فلم ير أحداً و مِن ذلك ما طبقتِ الأرضُ بِالمشاهِدِ لِأولادِهِ و فشتِ المناماتُ مِن مناقبِهِ فيُبرِئُ الزّمنى ويُفرّجُ المبتلى و ما سُمع هذا لغيره (عَلَيهِ السَّلَامُ). (2)
1- كان النّبيّ (صَلَّى اللّه عَلَيْهِ وَآلِهِ) وأصحابه يتختمون فِي أيمانهم وأول من تختم فِي يساره معاوية. (3)
ص: 433
1- روى الشعبي أنّ مُعاوِية قدم المدينة فقام خطيباً فنال من عليّ بن أبِي طالِب (عَلَيهِ السَّلَامُ) فقام الحسن بن علي (عَلَيهِمَا السَّلَامُ) فخطب فحمد اللّه وأثنى عليه ثمّ قَالَ لَهُ إِنَّهُ لم يُبعث نيٌّ إِلا جُعِل لَهُ وصِيُّ مِن أهل بيته ولم يكُن ني إلّا وله عدو من المجرمين و إن علياً (عَلَيهِ السَّلَامُ) كان وصيّ رسُول اللّه (صَلَّى اللّه عَلَيْهِ وَآلِهِ) من بعدِهِ وأنا ابن علي و أنت ابن صخر و جدّك حرب و جدّي رسُول اللّه (صَلَّى اللّه عَلَيْهِ وَآلِهِ) و أُمُّك هند و أُمِّي فاطِمةُ وجدتي خديجة وجدّتُك نثيلةُ فلعن اللّه الأمنا حسباً و أقدمنا كفراً و أخملنا ذكراً و أشدّنا نفاقاً فقال عامة أهل المسجدِ آمِين فنزل مُعاوية فقطع خُطبته. (1)
2 - عن حبيب ابن أبي ثابِتٍ، قال: لَا بُويع مُعاوِيةُ خطب وذكر عليّاً عليه الصّلاة والسّلامُ فنال مِنهُ ونال من الحسن، فقام الحُسين (عَلَيهِ السَّلَامُ) ليرُدّ عليه، فأخذ الحسن (عَلَيهِ السَّلَامُ) بيده فأجلسه، ثمّ قام الحسن (عَلَيهِ السَّلَامُ) وقال: أيّها الذاكِرُ عليّاً، أنا الحسن، وأبي علي، وأنت مُعاوِيةُ، و أبوك صخر، و أُمِّي فاطِمةُ، و أُمُّك هند، وجدّي رسُول اللّه، وجدّك حرب، وجدتي خديجة، و جدتُك قتيله. فلعن اللّه أخملنا ذكراً، وألأمنا حسباً، وشرنا قدماً، وأقدمنا كفراً ونفاقاً. فقال طوائِفُ أهل المسجِدِ: آمين. قال: فقال ابنُ مُعِينٍ وأنا أقُولُ آمِين. قال ابنُ عبد الصمد: و أنا أقُولُ آمين. قال لنا القاضي: وأنا أقُولُ آمِين. فقُولُوا آمين. وقال محمّد بن عبد اللّه الحافظ: و أنا أقُولُ آمين آمين. قال السيّد والحِيرِيُّ : ونحنُ نَقُولُ آمِين، آمين، آمين. قال الشيخ المفيد عبد الرحمن: وأنا أقُولُ آمين آمين، فإن الملائكة تقول آمين قال السيد الصف وأنا أقول آمين. اللّهمّ آمين. قال ابن بابويه و أنا أقُولُ آمِين، ثمّ آمِين، ثمّ آمین ثمّ آمين. (2)
أقول : ونحن أيضا نقول بأجمعنا آمين آمين
3 - عن أبي عُمر زاذان قال: لا وادع الحسن بن علي (عَلَيهِمَا السَّلَامُ) مُعاوية صعد مُعاوِيةُ المنبرو جمع الناس فخطبهم وقال إنّ الحسن بن علي رآني للخلافة أهلا ولم ير نفسه لها أهلًا و كان
ص: 434
الحسن (عَلَيهِ السَّلَامُ) أسفل مِنهُ بِرقاةٍ فلما فرغ من كلامِهِ قام الحسن (عَلَيهِ السَّلَامُ) فحمد اللّه تعالى بِما هُو أهلُهُ ثمّ ذكر المباهلة فقال فجاء رسُول اللّه (صَلَّى اللّه عَلَيْهِ وَآلِهِ) من الأنفُسِ بِأبي و مِن الأبناء بي وبأخِي و من النِّساء بِأُمِّي وكُنا أهله ونحنُ الهُ وهُو مِنا ونحنُ مِنهُ ولَما نزلت آية التطهير جمعنا رسُول اللّه (صَلَّى اللّه عَلَيْهِ وَآلِهِ) فِي كِساءٍ لِأُم سلمة رضي اللّه عنها خيبري ثمّ قال اللّهمّ هَؤُلَاءِ أَهلُ بيتي و عترتي فأذهِب عنهم الرجس وطهرهم تطهيراً فلم يكن أحدٌ فِي الكساء غيري وأخِي وأبي وأُتِي ولم يكُن أحدٌ تُصِيبُهُ جنابةٌ فِي المسجِدِ ويُولد فِيهِ إِلا النّبيّ (صَلَّى اللّه عَلَيْهِ وَآلِهِ) و أبي تكرمةً من اللّه لنا و تفضيلا منه لنا وقد رأيتُم مكان منزلنا من رسُول اللّه (صَلَّى اللّه عَلَيْهِ وَآلِهِ) و أمر يسد الأبواب فسدها و ترك بابنا فقيل له فِي ذلك فقال أما إنّي لم أشدّها و أفتح بابه ولكنّ اللّه عزّ و جلّ أمرني أن أشدّها و أفتح بابهُ وإِنّ مُعاوِية زعم لكُم أنّي رأيتُهُ لِلخِلافةِ أهلا و لم أرنفسِي لها أهلًا فكذب مُعاوِيةُ نحن أولى بِالنّاسِ فِي كِتابِ اللّه عزّ و جلّ وعلى لِسانِ نبيّه (صَلَّى اللّه عَلَيْهِ وَآلِهِ) و لم نزل أهل البيت مظلومين مُنذُ قبض اللّه نبيّه (صَلَّى اللّه عَلَيْهِ وَآلِهِ) فاللّه بيننا وبين من ظلمنا حقّنا وتوتب على رقابنا و حمل الناس علينا ومنعنا سهمنا من الفيء ومنع أُمنا ما جعل لها رسُول اللّه (صَلَّى اللّه عَلَيْهِ وَآلِهِ) و أُقسِمُ بِاللّه لو أن الناس بايعوا أبي حين فارقهم رسُول اللّه (صَلَّى اللّه عَلَيْهِ وَآلِهِ) لاعطتهم السّماء قطرها و الأرضُ بركتها وما طمِعت فيها يا مُعاوِيةُ فَلَمّا خرجت من معدِنِها تنازعتها قُريش بينها فطمعت فيها الطلقاء وأبناء الطلقاء أنت وأصحابك وقد قال رسُول اللّه (صَلَّى اللّه عَلَيْهِ وَآلِهِ) ما ولّت أُمَّةٌ أمرها رجُلًا وفيهم من هُو أعلمُ مِنهُ إِلا لم يزل أمرُهُم يذهبُ سفالًا حتّى يرجعوا إلى ما تركوا فقد تركت بنُو إسرائيل هارون وهم يعلمون أنَّه خليفةُ مُوسى فيهم واتَّبَعُوا السَّامِرِي وقد تركت هذِهِ الأُمّة أبي و بايعوا غيره وقد سمعوا رسُول اللّه (صَلَّى اللّه عَلَيْهِ وَآلِهِ) يقولُ أنت مِنِّي بِمنزِلَةِ هَارُون مِن مُوسَى إِلَّا النُّبُوَّة و قد رأوا رسُول اللّه (صَلَّى اللّه عَلَيْهِ وَآلِهِ) نصب أبي يوم غدِيرِ خُمّ وأمرهم أن يُبلّغ الشَّاهِدُ مِنهُمُ الغائب و قد هرب رسُول اللّه (صَلَّى اللّه عَلَيْهِ وَآلِهِ) من قومِهِ وهُو يدعُوهُم إِلى اللّه تعالى حتّى دخل الغار ولو وجد أعواناً ما هرب وقد كفّ أبي يده حين ناشدهم واستغاث فلم يُغث فجعل اللّه هارون فِي سعةٍ حين استضعفوه و كادوا يقتُلُونه وجعل اللّه النّبيّ (صَلَّى اللّه عَلَيْهِ وَآلِهِ) فِي سعة حين دخل الغار و لم يجد أعواناً و كذلك أبي و أنا فِي سعةٍ مِن اللّه حين خذلتنا هذِهِ الأُمّة وبايِعُوكَ يَا مُعاوِيَةُ وإِنَّمَا هِي السُّننُ والأمثالُ يتبعُ بعضُها بعضاً أيّها النّاسُ إِنَّكُم لو التمستُم فيما بين المشرق والمغرب أن تجِدُوا رجُلا
ص: 435
ولده نبيّ غيري و أخِي لم تجدوا و إنّي قد بايعتُ هذا (وَإِنْ أَدْرِي لَعَلَّهُ فِتْنَةٌ لَكُمْ وَمَتَاعٌ إِلَى حِينٍ) (1). (2)
4 - عنِ الشّعبي وأبي مخنف ويزيد بن أبي حبيب المصري أنَّهم قالوا لم يكُن فِي الإِسلام يومٌ فِي مشاجرة قوم اجتمعوا فِي محفل أكثر ضجيجاً ولا أعلى كلاماً ولا أشدّ مُبالغةً فِي قول من يومٍ اجتمع فِيهِ عِند مُعاوية بن أبي سفيان عمرُو بنُ عُثمان بن عفان و عمرو بن العاص و عُتبةُ بنُ أبي سفيان والوليد بن عتبة بن أبي معيط و المغيرة بن شعبة وقد تواطئوا على أمر واحد فقال عمرو بن العاص لمعاوية ألا تبعث إلى الحسن بن علي فتُحضره فقد أحياسِيرة أبيه و خفقتِ التعالُ خلفه إن أمر فأُطِيع و إن قال فصُدّق وهذان يرفعانِ بِهِ إِلى ما هُو أعظمُ مِنهُما فلو بعثت إليهِ فقصرنا بِهِ وبِأَبِيهِ وسببناه وسببنا أباه وصغرنا بقدره و قدر أبيه وقعدنا لذلك حتّى صُدِق لك فِيهِ فقال لهُم مُعاوِيةُ إِنّي أخافُ أن يُقلّدكُم قلائد يبقى عليكم عارها حتّى تدخلكم [ يُدخِلكُم ] قُبُورِكُم واللّه ما رأيتُهُ قط إلّا كرهتُ جنابهُ وهِبتُ عِتابَهُ وإِنِّي إِن بعثتُ إِليهِ لا نصفتُهُ مِنكُم قال عمرو بن العاص أتخافُ أن يتسامى باطِلُه على حقّنا و مرضُهُ على صحتِنا قال لا قال فابعث إذا إليه فقال عُتبةُ هذا رأي لا أعرِفُهُ واللّه ما تستطِيعُون أن تلقوه بأكثر ولا أعظم مِمّا فِي أنفُسِكُم عليه ولا يلقاكُم إلّا بأعظم ما فِي نفسِهِ عليكم وإِنَّهُ لمن أهلِ بيتٍ خصِمٍ جدِلٍ فبعثوا إلى الحسن (عَلَيهِ السَّلَامُ) فلما أتاهُ الرّسُولُ قال له يدعُوكَ مُعاوِيةُ قال و من عِنده قال الرَّسُولُ عِندهُ فُلانٌ وفُلانٌ وسمّى كُلَّا مِنهُم بِاسمِه فقال الحسن (عَلَيهِ السَّلَامُ) ما لهم خر عليهم السقف من فوقهم (وَأَتَاهُمُ الْعَذَابُ مِنْ حَيْثُ لَا يَشْعُرُونَ﴾ (3) ثمّ قال يا جارِيةُ أَبْلِغِينِي ثيابي ثمّ قال اللّهمّ إني أدرأُ بِك فِي نحورهم وأعُوذُ بِك مِن شُرُورِهِم وأستعِينُ بِك عليهم فاكفِنِيهِم بِما شِئت وأنّى شئت من حولك وقوتك يا أرحم الراحمين وقال للرَّسُولِ هذا كلام الفرح فلما أتى معاوية رحّب بِهِ و حياه وصافحه فقال الحسن (عَلَيهِ السَّلَامُ) إِنَّ الّذي حُيِّيتُ بِهِ سلامة والمصافحة أمنةٌ فقال
ص: 436
مُعاوِيةُ أجل إنّ هؤلاء بعثوا إليك وعصونِي لِيُقررُوك أن عُثمان قُتِل مظلُوماً و أن أباك قتله فاسمع مِنهُم ثمّ أَجِبهُم عِثلِ ما يُكَلِّمُونك ولا يمنعك مكاني من جوابهم فقال الحسن (عَلَيهِ السَّلَامُ) سُبحان اللّه البيت بيتك والإذنُ فِيهِ إِليك واللّه لَئِن أَجبتهم إلى ما أرادوا إِنِّي لأستحي لك مِن الفُحش ولئن كانُوا غلبُوكَ إِنِّي لاستحي لك مِن الضَّعَفِ فَبِأَتِهِما تُقِرُّ من أيّهما تعتذِرُ أما إنّي لو علمتُ بِمكانِهِم واجتِماعِهِم لجئتُ بِعِدَّتِهِم مِن بَنِي هاشم ومع وحدتي هُم أوحشُ مِنّي مع جمعِهِم فإنّ اللّه عزّ و جلّ لولتي اليوم وفيما بعد اليوم فليقولُوا فأسمع و لا حول ولا قوة إلّا باللّه العلي العظيم فتكلّم عمرُو بنُ عُثمان بن عفان فقال ما سمعت كاليومِ أن يقي من بَنِي عبد المطلب على وجه الأرضِ مِن أحدٍ بعد قتل الخليفة عثمان بن عفان وكان من ابن أختهم والفاضل فِي الإسلام منزِلةً و الخاص بِرسُولِ اللّه (صَلَّى اللّه عَلَيْهِ وَآلِهِ) أثرةً فبئس كرامةُ اللّه حتّى سفكوا دمه اعتداءً وطلباً للفتنة وحسداً ونفاسةً وطلب ما ليسوا بِآهلين لذلك مع سوابقه و منزلتِهِ مِن اللّه و مِن رسُولِهِ و مِن الإِسلام فياذُلاه أن يكون حسن وسائر بَنِي عبد المطلب قتلةُ عُثمان أحياءً يمشون على مناكِب الأرضِ و عُثمَانُ مُصْرَجٌ بِدَمِهِ مَع أَنْ لَنا فِيكُم تسعة عشر دماً بقتلى بَنِي أُميّة ببدر ثُم تكلّم عمرو بن العاص فحمد اللّه وأثنى عليه ثمّ قال إِي يا ابن أبي تُرابِ بعثنا إليك لِنُقرّرك أن أباك سم أبا بكر الصديق واشترك فِي قتل عُمر الفاروقِ و قتلِ عُثمان ذا النُّورين مظلُوماً فادعى ما ليس لهُ بِحقٍ ووقع فِيهِ وذكر الفتنة و عيره بشأنها ثمّ قال إنّكُم يا بَنِي عبد المطلبِ لم يكُنِ اللّه لِيُعطِيكُمُ الملك فترتكِبُونَ فِيهِ ما لا يحِلُّ لَكُم ثمّ أنت يا حسنُ تُحدّث نفسك بأنك كائِنٌ أمير المؤمنين وليس عندك عقل ذلك ولا رأيه فكيف وقد سُلبته وتُركت أحمق فِي قريش وذلك لِسُوء عمل أبيك و إنّما دعوناك لِنسُبّك وأباك ثمّ أنت لا تستطيع أن تُعتب علينا ولا أن تُكذِّبنا فِي شيءٍ بِهِ فإن كُنت ترى أنا كذبناك فِي شيء وتقولنا عليك بِالباطِلِ وادّعينا خِلاف الحقّ فتكلم وإلا فاعلم أنك وأباك من شر خلقِ اللّه أما أبوك فقد كفانا اللّه قتله وتفرّد بِهِ وأمّا أنت فإنّك فِي أيدينا نتخيرُفِيك واللّه أن لو قتلناك ما كان فِي قتلك إِثْمٌ عِند اللّه ولا عيبٌ عِند النّاسِ ثمّ تكلّم عُتبةُ بنُ أبي سفيان فكان أوّلُ ما ابتدأ بِهِ أن قال يا حسنُ إِن أباك كان شر قُريش لِقُريش أقطعهُ لِأرحامها وأسفكهُ لِدِمائِها وإنّك لمن قتلة عُثمان وإنّ فِي الحقّ أن نقتلك بِهِ وإِن عليك القود فِي كِتابِ اللّه عزّ و جلّ و إِنَّا قَاتِلُوكَ بِهِ فَأَمَّا أبوك فقد تفرّد اللّه بِقتلِهِ
ص: 437
فكفاناه و أما رجاؤُك للخلافة فلست منها لا فِي قدحة زندك ولا فِي رجحة ميزانك ثمّ تكلّم الوليدُ بنُ عُقبة بن أبي معيط بنحو من كلام أصحابه وقال يا معاشربني هاشِمٍ كُنتُم أوّل من دبّ بِعِيبِ عُثمان وجمع الناس عليه حتّى قتلتُمُوهُ حِرصاً على الملكِ و قطيعةٌ لِلرّحِمِ واستهلاك الأُمّة وسفك دمائها حِرصاً على الملكِ وطلباً لِلدُّنيا الخسيسة وحُبّاً لها وكان عُثمان خالكُم فنِعم الخالُ كان لكُم وكان صهركُم فكان نعم الصّهرُ لكُم قد كُنتُم أوّل من حسده وطعن عليه ثمّ ولِيتُم قتله فكيف رأيتُم صُنع اللّه بِكُم ثمّ تكلّم المغيرةُ بنُ شُعبة و كان كلامه و قوله كُلُّهُ وُقُوعاً فِي عليّ (عَلَيهِ السَّلَامُ) ثمّ قال يا حسنُ إِن عُثمان قُتِل مظلُوماً فلم يكُن لأبيك فِي ذلك عُذرُ برِيءٍ ولا اعتذارُ مُذنِبِ غيرأنا يا حسنُ قد ظننا لِأَبِيكَ فِي ضَمِّهِ قتلته و إيوائِهِ لهُم وذبّهِ عنهُم أَنَّهُ بِقتلِهِ راض وكان واللّه طويل السّيف والنِّسانِ يَقتُلُ الحي ويعِيبُ الميت وبنُوأُميّة خير لبني هاشم من بَنِي هاشم لبني أُميّة ومُعاوِيةُ خيرٌلك يا حسنُ مِنك لمعاوية وقد كان أبوك ناصب رسُول اللّه (صَلَّى اللّه عَلَيْهِ وَآلِهِ) فِي حياتِهِ وأجلب عليه قبل موته وأراد قتله فعلم ذلك من أمره رسُول اللّه (صَلَّى اللّه عَلَيْهِ وَآلِهِ) ثمّ كره أن يُبايع أبا بكر حتّى أُتِي بِهِ قوداً ثمّ دسّ إليه فسقاه سماً فقتلهُ ثمّ نازع عُمر حتّى هم أن يضرب رقبتهُ فعمل فِي قتلِهِ ثمّ طعن على عُثمان حتّى قتلهُ كلّ هؤلاء قد شرِك فِي دمِهِم فأيُّ منزِلةٍ لهُ مِن اللّه يا حسنُ وقد جعل اللّه السُّلطان لولي المقتُولِ فِي كِتَابِهِ المنزلِ فَمُعاوِيةُ ولِيُّ المقتُولِ بِغيرِ حقّ فكان من الحقّ لوقتلناك وأخاك و اللّه ما دمُ عليّ بِخطِرِ مِن دمِ عُثمان و ما كان اللّه ليجمع فِيكُم يا بَنِي عبد المطلبِ الملك والنُّبُوَّة ثمّ سكت فتكلم أبو محمّد الحسن بن علي صلوات اللّه عليهما فقال الحمدُ للّه الّذي هدى أوّلكُم بِأَولِنا و آخركُم بِآخِرِنا وصلى اللّه على سيدنا محمّد النّبيّ وآلِهِ وسلّم ثمّ قال اسمعُوا مِنِّي مقالّتي و أعِيرُوني فهمكُم وبك أبدأُ يا مُعاوِيةُ ثمّ قال لِمُعاوِيَة إِنَّهُ لعمر اللّه يا أزرقُ ما شتمني غيرك و ما هؤُلاءِ شتموني ولا سبّنِي غيرُك و ما هؤلاء سبُّوني و لكن شتمتني وسببتني فُحشاً منك وسوء رأي و بغياً وعدواناً و حسداً علينا و عداوة لمحمّد (صَلَّى اللّه عَلَيْهِ وَآلِهِ) قديماً وحديثاً وإِنَّهُ واللّه لو كُنتُ أنا و هؤُلاءِ يا أزرقُ مُناوِرِين فِي مسجِدِ رسُول اللّه (صَلَّى اللّه عَلَيْهِ وَآلِهِ) و حولنا المهاجرون والأنصار ما قدروا أن يتكلّمُوا يمثل ما تكلّمُوا بِهِ ولا استقبلوني بما استقبلوني بِهِ فاسمعُوا مِنّي أيّها الملا المخيمون المعاونون علي ولا تكتُمُوا حقّاً علِمتُمُوهُ ولا تُصدِّقُوا بِباطِل نطقتُ بِهِ وسأبدأُ بِك يا مُعاوِيةُ فلا أَقُولُ فِيكَ إِلا
ص: 438
دُون ما فيك أنشُدُكُم بِاللّه هل تعلمون أنّ الرّجُل الّذي شتمتُمُوهُ صلّى القبلتين كلتيهما وأنت تراهما جميعاً ضلالةً تعبُدُ اللات والعُزّى وبايع البيعتين كلتيهما بيعة الرّضوانِ وبيعة الفتح وأنت يا مُعاوِيةُ بِالأُولى كافِرُو بالأخرى ناكِثٌ ثمّ قال أنشُدُكُم باللّه هل تعلمون أنّما أَقُولُ حقّاً إِنَّهُ لقِيكُم مع رسُول اللّه (صَلَّى اللّه عَلَيْهِ وَآلِهِ) يوم بدر و معه رايةُ النّبيّ (صَلَّى اللّه عَلَيْهِ وَآلِهِ) و معك يا معاوية راية المشركين تعبُدُ اللات والعُزّى وترى حرب رسُول اللّه (صَلَّى اللّه عَلَيْهِ وَآلِهِ) و المؤمنين فرضاً واجباً و لقيكُم يوم أُحُدٍ ومعه راية النّبيّ (صَلَّى اللّه عَلَيْهِ وَآلِهِ) و معك يا مُعاوِيةُ راية المشركين و لقِيكُم يوم الأحزاب ومعه رايةُ النّبيّ (صَلَّى اللّه عَلَيْهِ وَآلِهِ) ومعك يا معاوِيةُ رايةُ المشركين كلّ ذلك يُفْلِجُ اللّه حُجّتهُ ويُحِقُّ دعوتهُ ويُصدِّقُ أَحدُوثتهُ وينصُرُ رايتهُ وكُلّ ذلك رسُول اللّه (صَلَّى اللّه عَلَيْهِ وَآلِهِ) يرى عنهُ راضِياً فِي المواطِنِ كُلّها ثمّ أَنشُدُكُم بِاللّه هل تعلمون أن رسُول اللّه (صَلَّى اللّه عَلَيْهِ وَآلِهِ) حاصر بَنِي قريظة وبنِي النّضِيرِثُم بعث عُمر بن الخطاب ومعه راية المهاجرين وسعدُ بنُ مُعاذ ومعه راية الأنصارِ فأما سعد بن معاذ فجُرح و جُمِل جريحاً و أمّا عُمرُ فرجع وهُو يُجيّنُ أصحابه ويُجيِّنُهُ أصحابه فقال رسُول اللّه (صَلَّى اللّه عَلَيْهِ وَآلِهِ) لاعطين الراية غداً رجُلًا يُحِبُّ اللّه ورسوله ويُحِبُّهُ اللّه و رسُولُهُ كرّارٌ غيرُ فرارٍ ثمّ لا يرجعُ حتّى يفتح اللّه عليه فتعرض لها أبوبكر و عمر و غيرهما من المهاجرين والأنصار وعلي يومئِذٍ أرمد شدِيد الرمد فدعاه رسُول اللّه (صَلَّى اللّه عَلَيْهِ وَآلِهِ) فتفل فِي عينيهِ فبرأ مِن الرّمدِ فأعطاه الراية فمضى ولم يثنِ حتّى فتح اللّه عليه بمنّه و طولِهِ وأنت يومَئِذٍ بِمكّة عدُوٌّ للّه و رسُولِهِ فهل يُسوّى بين رجُلٍ نصح للّه و لِرَسُولِهِ و رجُلٍ عادى اللّه و رسوله (صَلَّى اللّه عَلَيْهِ وَآلِهِ) ثمّ أُقسِمُ بِاللّه ما أسلم قلبك بعد ولكنّ اللسان خائِف فهُو يتكلّمُ بِما ليس فِي القلبِ ثمّ أَنشُدُكُم بِاللّه أتعلمون أنّ رسُول اللّه (صَلَّى اللّه عَلَيْهِ وَآلِهِ) استخلفه على المدينة فِي غزوة تبوك ولا سخطه ذلك ولا كرهه وتكلّم فِيهِ المنافِقُون فقال لا تُخلفني يا رسُول اللّه فإِنّي لم أتخلّف عنك فِي غزوة قط فقال رسُول اللّه (صَلَّى اللّه عَلَيْهِ وَآلِهِ) أنت وصيّي وخليفتي فِي أهلي بمنزلة هارون مِن مُوسى ثمّ أَخذ بِيد عليّ (عَلَيهِ السَّلَامُ) ثمّ قال أيّها النّاسُ من تولاني فقد تولّى اللّه و من تولّى عليّاً فقد تولاني ومن أطاعني فقد أطاع اللّه ومن أطاع عليّاً فقد أطاعني و من أحبّني فقد أحب اللّه و من أحبّ عليّاً فقد أحبّنِي ثمّ قال أنشُدُكُم بِاللّه أتعلمون أن رسُول اللّه قال فِي حجّة الوداع أيّها النَّاسُ إِنِّي قد تركتُ فِيكُم ما لم تضِلُّوا بعدهُ كِتاب اللّه فأحِلُّوا حلاله وحرموا حرامه واعملوا بِمُحكمِهِ وآمِنُوا بِمُتشَابِهِهِ وقُولُوا آمنا بما أنزل اللّه مِن الكِتابِ و
ص: 439
أحِبُّوا أهل بيتي و عترتي و والوا من والاهم وانصُرُوهُم على من عاداهُم وإنّهما لم يزالا فِيكُم حتّى يردا على الحوض يوم القيامةِ ثمّ دعا وهُو على المنبر عليّاً فاجتذبهُ بِيدِهِ فقال اللّهمّ وال من والاه وعاد من عاداهُ اللّهمّ من عادى عليّاً فلا تجعل لهُ فِي الأرضِ مقعداً ولا فِي السّماء مصعداً واجعله فِي أسفل دركٍ مِن النّار أَنشُدُكُم بِاللّه أَتَعْلَمُونَ أَنّ رسُول اللّه (صَلَّى اللّه عَلَيْهِ وَآلِهِ) قال له أنت الدّائِدُ عن حوضي يوم القيامةِ تَذُود عنه كما يذُودُ أحدُكُمُ الغريبة مِن وسطِ إِبِلِهِ أَنشُدُكُم بِاللّه أتعلمون أنَّه دخل على رسُول اللّه (صَلَّى اللّه عَلَيْهِ وَآلِهِ) فِي مرضه الّذي تُونِي فِيهِ فبكى رسُول اللّه (صَلَّى اللّه عَلَيْهِ وَآلِهِ) فقال علي ما يُبكيك يا رسُول اللّه فقال يُبكِينِي أَنِّي أعلمُ أنّ لك فِي قُلُوبِ رِجالٍ مِن أُمّتي ضغائن لا يُبدونها حتّى أتولّى عنك أَنشُدُكُم بِاللّه أتعلمون أن رسُول اللّه (صَلَّى اللّه عَلَيْهِ وَآلِهِ) حين حضرته الوفاة واجتمع أهل بيته قال اللّهمّ هؤلاء أهلي و عترتي اللّهمّ وال من والاهم وانصرهم على من عاداهُم وقال إنّما مثلُ أهل بيتِي فِيكُم كسفينةِ نُوحٍ من دخل فيها نجا و من تخلف عنها غرق أنشُدُكُم بِاللّه أتعلمون أنّ أصحاب رسُول اللّه قد سلّمُوا عليه بالولاية فِي عهدِ رسُول اللّه وحياتِهِ (صَلَّى اللّه عَلَيْهِ وَآلِهِ) أَنشُدُكُم بِاللّه أتعلمون أنّ عليّاً أوّل من حرّم الشّهواتِ كُلها على نفسِهِ مِن أصحابِ رسُول اللّه (صَلَّى اللّه عَلَيْهِ وَآلِهِ) فأنزل اللّه عزّ و جلّ ﴿يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا لَا تُحَرِّمُوا طَيِّبَاتِ مَا أَحَلَّ اللَّهُ لَكُمْ وَلَا تَعْتَدُوا إِنَّ اللَّهَ لَا يُحِبُّ الْمُعْتَدِينَ * وَكُلُوا مِمَّا رَزَقَكُمُ اللَّهُ حَلَالًا طَيِّبًا وَاتَّقُوا اللَّهَ الَّذِي أَنْتُمْ بِهِ مُؤْمِنُونَ) (1) وكان عِندَهُ عِلمُ المنايا و عِلمُ القضايا و فصل الخطابِ ورُسُوخُ العِلمِ ومُنزّلُ القرآن وكان فِي رهط لا نعلمُهُم يتمُّون عشرةً نبأهُمُ اللّه أَنَّهُم بِهِ مُؤمِنُون وأَنتُم فِي رهط قريبٍ مِن عِدّة أُولئِكَ لُعِنُوا على لِسانِ رسُول اللّه (صَلَّى اللّه عَلَيْهِ وَآلِهِ) فأشهدُ لَكُم وأشهدُ عليكم أنّكُم لعناءُ اللّه على لِسانِ نبيّه (صَلَّى اللّه عَلَيْهِ وَآلِهِ) كُلّكم أهل البيتِ وأنشُدُكُم بِاللّه هل تعلمون أنّ رسُول اللّه (صَلَّى اللّه عَلَيْهِ وَآلِهِ) بعث إليك لتكتب لبني خُزيمة حين أصابهم خالد بن الوليد فانصرف إليهِ الرّسُولُ فقال هُو يأكُلُ فأعاد الرسول إليك ثلاث مراتٍ كلّ ذلك ينصرفُ الرَّسُولُ و يقولُ هُو يأكُلُ فقال رسُول اللّه (صَلَّى اللّه عَلَيْهِ وَآلِهِ) اللّهمّ لا تُشبع بطنه فهي واللّه فِي نهمتك وأكلك إلى يوم القيامةِ ثمّ قال أنشُدُكُم بِاللّه هل تعلمون أنما أقُولُ حقّاً إنك يا معاوية كُنت تسوق بأبيك على جمل أحمر و يقوده
ص: 440
أخوك هذا القاعِدُ وهذا يوم الأحزاب فلعن رسُول اللّه (صَلَّى اللّه عَلَيْهِ وَآلِهِ) التراكيب و القائد والسائق فكان أبوك الراكب وأنت يا أزرقُ السائق وأخُوك هذا القاعِدُ القائِد ثمّ أَنشُدُكُم بِاللّه هل تعلمون أنّ رسُول اللّه (صَلَّى اللّه عَلَيْهِ وَآلِهِ) لعن أبا سفيان فِي سبعة مواطن أوّهُنَّ حِين خرج مِن مكّة إلى المدينة وأبوسفيان جاء مِن الشّامِ فوقع فِيهِ أبو سفيان فسبه و أوعده و هم أن يبطش بِهِ ثمّ صرفهُ اللّه عزّ و جلّ عنه والثاني يوم العِيرِ حيثُ طردها أبو سفيان لِيُحرزها مِن رسُول اللّه (صَلَّى اللّه عَلَيْهِ وَآلِهِ) والثَّالِثُ يوم أُحُدٍ يوم قال رسُول اللّه (صَلَّى اللّه عَلَيْهِ وَآلِهِ) اللّه مولانا ولا مولى لكُم وقال أبو سفيان لنا العُزّى ولا لكُمُ العُزّى فلعنه اللّه وملائكته ورسوله والمؤمِنُون أجمعُون والرابع يوم حنين يوم جاء أبو سفيان بجمعِ قُريش و هوازن و جاء عُيينةُ بِغطفان واليهودِ فردّهُمُ اللّه عزّو جلّ (بِغَيْظِهِمْ لَمْ يَنَالُوا خَيْرًا) (1) هذا قول اللّه عزّ و جلّ لهُ فِي سُورتين فِي كلتيهما يُسمّي أبا سفيان و أصحابه كُفّاراً و أنت يا معاوية يومئِذٍ مُشرِكٌ على رأي أبيك بمكة و علي يومئِذٍ مع رسُول اللّه (صَلَّى اللّه عَلَيْهِ وَآلِهِ) وعلى رأيِهِ ودِينِهِ و الخامِسُ قولُ اللّه عزّوجلّ (وَالْهَدْيَ مَعْكُوفًا أَنْ يَبْلُغَ مَحِلَّهُ) (2) و صددت أنت و أبوك و مُشرِكُو قُريش رسُول اللّه (صَلَّى اللّه عَلَيْهِ وَآلِهِ) فلعنه اللّه لعنةٌ شملتهُ وذُرِّيَّتَهُ إِلى يومِ القيامة والسّادِسُ يوم الأحزاب يوم جاء أبو سفيان بِجمعِ قُريش وجاء عُيينةُ بنُ حِصْنِ بن بدرٍ يغطفان فلعن رسُول اللّه (صَلَّى اللّه عَلَيْهِ وَآلِهِ) القادة والأتباع والشاقة إلى يوم القيامة فقيل يا رسُول اللّه أ ما فِي الأتباع مُؤمِنٌ فقال لا تُصِيبُ اللعنةُ مُؤمِناً مِن الأتباع وأما القادةُ فليس فِيهِم مُؤْمِنٌ ولا مُجيب ولا ناج والسابع يوم القنيّة يوم شدّ على رسُول اللّه اثنا عشر رجلا سبعةٌ مِنهُم مِن بَنِي أُميّة وخمسةٌ مِن سائِرِ قُريش فلعن اللّه تبارك وتعالى ورسوله (صَلَّى اللّه عَلَيْهِ وَآلِهِ) من حلّ الثنية غير النّبيّ وسائِقِهِ و قائِدِهِ ثمّ أَنشُدُكُم بِاللّه هل تعلمون أن أبا سفيان دخل على عُثمان حين بويع فِي مسجدِ رسُول اللّه (صَلَّى اللّه عَلَيْهِ وَآلِهِ) فقال يا ابن أخي هل علينا من عين فقال لا فقال أبو سفيان تداولُوا الخلافة فتيان بَنِي أُميّة فوالّذي نفسُ أبي سفيان بِيدِهِ مَا مِن جَنَّةٍ ولا نارٍ وأَنشُدُكُم بِاللّه أتعلمون أن أبا سفيان أخذ بيد الحُسين حين بويع عُثمان وقال يا ابن أخي اخرج معِي إِلى بقيع الغرقد فخرج
ص: 441
حتّى إذا توسط القُبُور اجتره فصاح بأعلى صوتِهِ يا أهل القُبُورِ الّذي كُنتُم تُقَاتِلُونا عليه صار بأيدينا و أنتم رميم فقال الحُسين بن علي قبح اللّه شيبتك و قبح وجهك ثمّ نتريده و تركه فلولا النُّعمانُ بنُ بشِيرٍ أخذ بِيدِهِ و ردّه إلى المدينة لهلك فهذا لك يا معاوية فهل تستطِيعُ أن تردّ علينا شيئاً و مِن لعنتِك يا معاوية أن أباك أبا سفيان كان يهم أن يُسلم فبعثت إِليهِ بِشِعرٍ معرُوفٍ مروِي فِي قُريش عِندهُم تنهاهُ عنِ الإِسلامِ وتصُدُّهُ ومِنها أن عُمر بن الخطاب ولاك الشّام فخُنت بِهِ و ولاك عُثمان فتربّصت (بِهِ رَيْبَ الْمَنُونِ) (1) ثمّ أعظمُ مِن ذلك أنك قاتلت عليّاً صلوات اللّه عليه وآله وقد عرفت سوابقه و فضله و عِلمه على أمر هُو أولى بِهِ مِنك و مِن غيرك عِند اللّه و عِند النّاسِ ولا دنيّة بل أوطأت الناس عشوةً و أرقت دِماء خلق من خلق اللّه يخدعك وكيدك وتمويهك فعل من لا يُؤْمِنُ بِالمعادِ ولا يخشى العِقاب فلما بلغ الكِتابُ أجله صرت إلى شرّ مثوًى وعلي إلى خيرِ مُنقلب و اللّه لك بِالمرصاد فهذا لك يا معاوية خاصةً وما أمسكتُ عنهُ مِن مساويك وعُيُوبِك فقد كرهتُ بِهِ التطويل و أما أنت يا عمرو بن عثمان فلم تكُن حقيقاً لِحُمقِك أن تتبع هذِهِ الأُمور فإنّما مثلك مثل البعوضة إذ قالت للنّخلة استمسكي فإِنِّي أُرِيدُ أن أنزل عنك فقالت لها النخلةُ ما شعرتُ بِوُقُوعِك فكيف يشُقُّ عليّ نُزُولُك و إِنِّي و اللّه ما شعرتُ أَنَّكَ تُحسِنُ أن تُعادِي لِي فيشق علي ذلك وإِنِّي لَحَجِيبُكَ فِي الّذي قُلت إِنّ سبّك عليّاً أبنقص فِي حسبِهِ أو تباعُدِهِ مِن رسُول اللّه (صَلَّى اللّه عَلَيْهِ وَآلِهِ) أو بِسُوء بلاء فِي الإسلام أو بجورٍ فِي حُكم أو رغبةٍ فِي الدُّنيا فإن قلت واحِدةً منها فقد كذبت و أما قولُك إِنَّ لَكُم فينا تسعة عشر دماً بقتلى مُشرِكِي بَنِي أمية ببدر فإنّ اللّه ورسوله قتلهم ولعمرِي ليقتلن من بَنِي هاشم تسعة عشر وثلاثة بعد تسعة عشر ثمّ يُقتلُ مِن بَنِي أُميّة تسعة عشر و تسعة عشر فِي موطن واحِدٍ سوى ما قُتِل مِن بَنِي أُميّة لا يُحصِي. عددهُم إِلا اللّه إنّ رسُول اللّه (صَلَّى اللّه عَلَيْهِ وَآلِهِ) قال إذا بلغ وُلدُ الوزغ ثلاثين رجُلًا أخذُوا مال اللّه بينهم دُولًا و عِباده خولا وكتابه دغلا فاذا بلغوا ثلاثمائة و عشراً حقت عليهم اللعنة ولهم فإذا بلغُوا أربعمائة وخمسةً وسبعين كان هلاكهم أسرع من لوك تمرة فأقبل الحكم بن أبي العاص وهُم فِي ذلك الذكر و الكلام فقال [ قال] رسُول اللّه (صَلَّى اللّه عَلَيْهِ وَآلِهِ) اخفِضُوا
ص: 442
أصواتكم فإنّ الوزغ يسمعُ وذلك حين رآهم رسُول اللّه (صَلَّى اللّه عَلَيْهِ وَآلِهِ) و من يملك بعده منهم أمر هذِهِ الأُمّة يعني فِي المنام فساءه ذلك وشق عليه فأنزل اللّه عزّوجلّ فِي كتابه (لَيْلَةُ الْقَدْرِ خَيْرٌ مِنْ أَلْفِ شَهْرٍ) (1) فأشهد لكُم وأشهد عليكم ما سلطانُكُم بعد قتل علي إلّا ألف شهر الّتي أجلها اللّه عزّو جلّ فِي كِتابِهِ وأما أنت يا عمرو بن العاص الشّانِئ اللعِينِ الأبترِ فإنّما أنت كلب أوّلُ أمرِ أُمُّك لبغيّةٌ وإِنَّكَ وُلِدت على فراش مشترك فتحاكمت فيك رجالُ قُريش مِنهُم أبو سفيان بن حرب و الوليد بن المغيرة وعُثمان بن الحارث والنضر بن الحارث بن كلدة والعاص بن وائل كُلُّهُم يزعُمُ أنك ابنُهُ فغلبهم عليك مِن بين قريش الأمهم حسباً و أخبهُهُم منصباً وأعظمُهُم بُغيةً ثمّ قُمت خطيباً وقُلت أنا شانِى محمّد وقال العاص بن وائل إِنَّ محمّداً رجُلٌ أبترُلا ولد له فلوقد مات انقطع ذكرُهُ فأنزل اللّه تبارك وتعالى ﴿إِنَّ شَانِئَكَ هُوَ الْأَبْتَرُ) (2) فكانت أُمُّك تمشي إلى عبد قيس لطلب البغية تأتيهم فِي دورهم ورِحالِهِم وبُطُونِ أودِيتِهِم ثمّ كُنت فِي كلّ مشهدٍ يشهد رسُول اللّه عدُوهُ أَشدّهُم له عداوةً وأشدّهُم لَهُ تكذيباً ثمّ كُنت فِي أصحابِ السَّفِينةِ الّذين أتوا النّجاشِي و المهرج الخارج إلى الحبشة فِي الإشاطة بدم جعفر بن أبِي طالِب وسائر المهاجرين إلى النّجاشِي فحاق المكر السيِئ بك وجعل جدّك الأسفل و أبطل أُمنيّتك وخيّب سعيك وأكذب أحدوثتك (وَجَعَلَ كَلِمَةَ الَّذِينَ كَفَرُوا السُّفْلَى وَ كَلِمَةُ اللَّهِ هِيَ الْعُلْيَا) (3) وأما قولك فِي عُثمان فأنت يا قليل الحياء والدِّينِ ألهبت عليه ناراً تُم هربت إلى فلسطين تتربّصُ بِهِ الدوائر فلما أتتك خبر قتلِهِ حبست نفسك على مُعاوية فبعته دينك يا خبيثُ بِدنياغيرك و لسنا نلومك على بُغضنا ولا نُعاتبك على حُبّنا وأنت عدُو لِبني هاشم فِي الجاهليّة والإسلام وقد هجوت رسُول اللّه (صَلَّى اللّه عَلَيْهِ وَآلِهِ) بسبعين بيتاً من شعرفقال رسُول اللّه (صَلَّى اللّه عَلَيْهِ وَآلِهِ) اللّهمّ إنّي لا أُحسِنُ الشعر ولا ينبغي لي أن أقوله فالعن عمرو بن العاص بِكُلِّ بيتٍ ألف لعنةٍ ثمّ أنت يا عمرُو المؤثِرُ دُنيا غيرك على دِينك أهديت إلى النّجاشِي الهداياو رحلت إليه رحلتك الثانية ولم تنهك الأُولى
ص: 443
عنِ الثانية كلّ ذلك ترجِعُ مغلولًا حسِيراً تُرِيدُ بذلك هلاك جعفر و أصحابِهِ فَلَمّا أخطأك ما رجوت وأمّلت أحلت على صاحبك عُمارة بن الوليد و أما أنت يا وليد بن عُقبة فواللّه ما ألُومُك أن تُبغض عليّاً وقد جلدك فِي الخمر ثمانين وقتل أباك صبراً بِيدِهِ يوم بدرٍ أم كيف تسُبُّهُ فقد سماه اللّه مُؤمِناً فِي عشر آيات من القرآن وسماك فاسقاً و هُو قول اللّه عزّ و جلّ (فَمَنْ كَانَ مُؤْمِنًا كَمَنْ كَانَ فَاسِقًا لَا يَسْتَوُونَ) (1)و قوله (إِنْ جَاءَكُمْ فَاسِقٌ بِنَبَإٍ فَتَبَيَّنُوا أَنْ تُصِيبُوا قَوْمًا بِجَهَالَةٍ فَتُصْبِحُوا عَلَى مَا فَعَلْتُمْ نَادِمِينَ) (2) و ما أنت وذكر قريش و إنما أنت ابنُ عليج مِن أهلِ صفُورِية يُقالُ له ذكوان و أما زعمك أنا قتلنا عُثمان فواللّه ما استطاع طلحة والزبيرو عائشةُ أن يقولُوا ذلك لعلي بن أبِي طالِب فكيف تقُولُهُ أنت ولو سألت أُمّك من أبوك إذ تركت ذكوان فألصقتك بعقبة بن أبي معيط اكتست بذلك عند نفسها سناءً ورفعةً مع ما أعد اللّه لك ولأبيك و أُمّك من العارِ والخِزيِ فِي الدُّنياو الآخِرَةِ (وَمَا رَبُّكَ بِظَلَّامٍ لِلْعَبِيدِ)(3)، ثمّ أنت يا وليد و اللّه أكبر فِي الميلادِ من تدّعِي له النسب فكيف تسبُّ عليّاً ولوِ اشتغلت بنفسك لبيّنت نسبك إلى أبيك لا إلى من تدعي له و لقد قالت لك أُمُّكَ يا بَنِي أبوك و اللّه الأم وأخبتُ مِن عُقبة وأما أنت يا عُتبة بن أبي سفيان فواللّه ما أنت بحصِيفٍ فأُجاوبك ولا عاقل فأُعاتبك و ما عندك خير يُرجى ولا شرٌّ يخشى وما كُنتُ ولوسببت عليّاً لأغاربِهِ عليك لأنك عِندِي لست بكفو لعبد عبد عليّ بن أبِي طالِب (عَلَيهِ السَّلَامُ) فأرة عليك و أُعاتبك و لكن اللّه عزو جلّ لك ولأبيك وأُمِّك و أخيك بِالمرصاد فأنت ذُرِّيَّةُ آبَائِكَ الّذين ذكرهُمُ اللّه فِي القرآن فقال (عَامِلَةٌ نَاصِبَةٌ * تَصْلَى نَارًا حَامِيَةً * تُسْقَى مِنْ عَيْنٍ آنِيَةٍ) إلى قولهِ (مِن جُوعٍ) (4) وأمّا وعِيدُك إياي بقتلي فهلا قتلت الّذي وجدته على فراشك مع حليلتك وقد غلبك على فرجها و شركك فِي ولدها حتّى ألصق بك ولداً ليس لك ويلا لك لو شغلت نفسك يطلب شارك مِنهُ كُنت جدِيراً وبذلك حريّاً إذ تُسوّمُنِي القتل وتوعَدُنِي بِهِ ولا
ص: 444
ألُومُك أن تسبّ عليّاً وقد قتل أخاك مبارزة واشترك هُو و حمزة بن عبد المطلبِ فِي قتل جدّك حتّى أصلاهما اللّه على أيديهما نار جهنَّم وأذاقهما العذاب الأليم ونُفي عمك بِأَمرِ رسُول اللّه (صَلَّى اللّه عَلَيْهِ وَآلِهِ) و أما رجائي الخلافة فلعمرُ اللّه لَئِن رجوتُها فإنّ لي فيها لملتمساً وما أنت بنظير أخيك ولا خليفة أبيك لأن أخاك أكثر تمرداً على اللّه وأشدُّ طلباً لإراقة دماء المسلمين وطلب ما ليس لهُ بِأهل يُخادِعُ النّاس ويمكُرُهُم ويمكُرُ اللّه (وَاللَّهُ خَيْرُ الْمَاكِرِينَ) (1) و أما قولك إن عليّاً كان شرّ قُريش لِقُريش فواللّه ما حقر مرحوماً و لا قتل مظلُوماً و أما أنت يا مُغيرة بن شعبة فإِنَّكَ للّه عَدُوٌّ و لِكِتَابِهِ نَابِذْ وَلِنبِيِّهِ مُكَذِّبٌ وأنت الزاني وقد وجب عليك الرجم و شهد عليك العُدُولُ البررة الأتقياء فأُخر رجمك ودُفع الحقّ بِالباطِلِ والصَّدقُ بِالأغاليط وذلك لما أعد اللّه لك من العذاب الأليم (و الْخِزْيِ فِي الْحَيَاةِ الدُّنْيَا وَلَعَذَابُ الْآخِرَةِ أَخْزَى) (2) و أنت ضربت فاطمة بنت رسُول اللّه (صَلَّى اللّه عَلَيْهِ وَآلِهِ) حتّى أدميتها و ألقت ما فِي بطنها استدلالًا مِنكَ لِرَسُولِ اللّه (صَلَّى اللّه عَلَيْهِ وَآلِهِ) و مُخالفةً مِنكَ لِأمرِه وانتهاكاً لِحُرمتِهِ و قد قال لها رسُول اللّه (صَلَّى اللّه عَلَيْهِ وَآلِهِ) أنتِ سيّدةُ نِساءِ أهلِ الجنَّة واللّه مُصيِّرُكَ إِلى النّار وجَاعِلُ وَبِالِ ما نطقت بِهِ عليك فبأي الثّلاثة سببت عليّاً أنقصاً من حسبِه أم بعداً من رسُول اللّه (صَلَّى اللّه عَلَيْهِ وَآلِهِ) أم شوء بلاء فِي الإسلام أم جوراً فِي حكم أم رغبة فِي الدُّنيا إن قلت بها فقد كذبت و كذبك النّاسُ أتزعُمُ أنّ عليّاً قتل عُثمان مظلُوماً فعلي واللّه أتقى وأنقى من لايمه فِي ذلك و لعمري إن كان عليّاً قتل عُثمان مظلُوماً فواللّه ما أنت من ذلك فِي شيء فما نصرته حياً ولا تعصبت له ميتاً و ما زالت الطائف دارك تتبع البغايا و تُحي أمر الجاهِلِيَّةِ وتُميتُ الإسلام حتّى كان فِي أمس [ما كان] و أمّا اعتراضُك فِي بَنِي هاشم و بَنِي أميّة فهُو ادّعاؤُكَ إِلى مُعاوِية وأمّا قولك فِي شأن الإمارة وقولُ أصحابك فِي الملكِ الّذي ملكتُمُوهُ فقد ملك فرعون مصر أربعمائة سنة و مُوسى و هارُونُ (عَلَيهِ السَّلَامُ) نبِيانِ مُرسلانِ يلقيانِ ما يلقيانِ وهُو مُلكُ اللّه يُعطِيهِ البرو الفاجِر وقال اللّه عزّوجلّ (وَإِنْ أَدْرِي لَعَلَّهُ فِتْنَةٌ لَكُمْ وَمَتَاعٌ إِلَى حِينٍ) (3) وقال (وَإِذَا أَرَدْنَا أَنْ نُهْلِكَ قَرْيَةً أَمَرْنَا مُتْرَفِيهَا فَفَسَقُوا فِيهَا فَحَقَّ عَلَيْهَا الْقَوْلُ
ص: 445
فَدَمَّرْنَاهَا تَدْمِيرًا) (1) ثمّ قام الحسن (عَلَيهِ السَّلَامُ) فنفض ثِيابه وهُو يقولُ (الْخَبِيثَاتُ لِلْخَبِيثِينَ وَالْخَبِيثُونَ لِلْخَبِيثَاتِ) هُم واللّه يا معاوِيةُ أنت و أصحابك هؤلاء وشيعتك (والطيباتُ لِلطَّيِّبين والطيِّبُونَ لِلطَّيِّبَاتِ أُولئِكَ مُبرِّؤُن مِمّا يقولُون لهُم مغفِرةً و رِزْقٌ كَرِيمٌ﴾ (2) هُم عليّ بن أبِي طالِب وأصحابُهُ وشِيعتُهُ ثمّ خرج وهُو يقولُ ذُق وبال ما كسبت يداك و ما جنيت و ما قد أعد اللّه لك ولهُم مِن الخزي فِي الحياةِ الدُّنيا و العذابِ الأليم فِي الآخِرة فقال معاوية لأصحابِهِ وأنتُم فذُوقُوا وبال ما قد جنيتُم فقال له الوليد بن عُقبة و اللّه ما ذُقنا إلّا كما ذُقت ولا اجترأ إلّا عليك فقال معاوية ألم أقُل لَكُم إِنَّكُم لن تنتصِفُوا مِن الرّجُلِ فهل أطعتُمُونِي أوّل مرّةٍ أو انتصرتُم مِن الرّجُلِ إِذ فضحكُم واللّه ما قام حتّى أظلم علي البيت و هممتُ أن أسطوبِهِ فليس فِيكُم خير اليوم ولا بعد اليوم قال وسمع مروان بن الحكم بما لقي معاوية وأصحابه المذكورون من الحسن بن علي (عَلَيهِمَا السَّلَامُ) فأتاهُم فوجدهُم عِند مُعاوية فِي لمنشات ليه تالية بالة قليلة المقيمين إلى بله المجانية بدلتا اما حالة ينه ببالي حالة البيتِ فسألهم ما الّذي بلغني عن الحسن و زعله قالُوا قد كان ذلك فقال لهم مروان فهلا أحضرتُمُونِي ذلك فواللّه لأسبنّه ولأسبنّ أباه وأهل البيتِ سبّاً تُغنِّي بِهِ الإِماءُ والعبيد فقال معاوية والقومُ لم يفتك شيءٌ وهم يعلمُون مِن مروان بذر لِسانِ وفُحش فقال مروان فأرسل إليه يا معاوية فأرسل مُعاوِيةُ إلى الحسن بن علي (عَلَيهِمَا السَّلَامُ) فلما جاءهُ الرَّسُولُ قال له الحسن (عَلَيهِ السَّلَامُ) ما يُرِيدُ هذا الطاغيةُ مِنّي واللّه لئن أعاد الكلام لأوقرن مسامعه ما يبق عليه عاره و شناره إلى يوم القيامةِ فأقبل الحسن (عَلَيهِ السَّلَامُ) فلَمّا أن جاءهم وجدهُم بِالمجلس على حالتِهِمُ الّتي تركهم فيها غير أن مروان قد حضر معهم فِي هذا الوقتِ فمشى الحسن (عَلَيهِ السَّلَامُ) حتّى جلس على السرير مع معاوية وعمرو بن العاص ثمّ قال الحسن لِمعاوِية لم أرسلت إلي قال لستُ أنا أرسلتُ إليك و لكن مروان الّذي أرسل إليك فقال مروان أنت يا حسنُ السّبابُ رِجال قريش فقال و ما الّذي أردت فقال واللّه لأسبنك وأباك وأهل بيتك سبّاً تُغنِي بِهِ الإِماءُ والعبيد فقال الحسن بن علي (عَلَيهِمَا السَّلَامُ) أما أنت يا مروان فلستُ أنا سببتك ولا سببتُ أباك ولكن اللّه عزّو جلّ لعنك ولعن أباك وأهل بيتك وذُرِّيّتك و ما خرج مِن صُلبِ أبيك إلى يوم القيامةِ على
ص: 446
لِسانِ نبيّه محمّد (صَلَّى اللّه عَلَيْهِ وَآلِهِ) و اللّه يا مروان ما تُنكِرُ أنت ولا أحد ممّن حضر هذه اللعنة مِن رسُول اللّه (صَلَّى اللّه عَلَيْهِ وَآلِهِ) لك ولأبيك مِن قبلك و ما زادك اللّه يا مروان بما خوّفك إلّا طغياناً كبيراً صدق اللّه وصدق رسُولُهُ يقولُ (وَالشَّجَرَةَ الْمَلْعُونَةَ فِي الْقُرْآنِ وَنُخَوِّفُهُمْ فَمَا يَزِيدُهُمْ إِلَّا طُغْيَانًا كَبِيرًا) (1) و أنت يا مروانُ و ذُرِّيّتُك الشجرةُ الملعُونةُ فِي القرآن عن رسُول اللّه (صَلَّى اللّه عَلَيْهِ وَآلِهِ) فوتب مُعاوِيةُ فوضع يده على فم الحسن وقال يا با محمّد ما كُنت فحاشاً فنفض الحسن (عَلَيهِ السَّلَامُ) ثوبه و قام و خرج فتفرّق القومُ عن المجلس بِغيظ و حُزنٍ و سوادِ الوُجُوهِ. (2)
2 - روی ابن شهرآشوب : قال مُعاوِيةُ للحسن بن علي (عَلَيهِمَا السَّلَامُ) أنا أخيرُ منك يا حسن قال وكيف ذاك يا ابن هِندِ قال لأنّ النّاس قد أجمعوا عليّ ولم يُجمعُوا عليك قال هيهات هيهات لشرما علوت يا ابن آكلة الأكباد المجتمِعُون عليك رجُلانِ بين مُطِيعِ و مُكره فالطائعُ لك عاص للّه و المكره معذورٌ بِكِتابِ اللّه وحاش للّه أن أقول أنا خير منك فلا خير فيك ولكن اللّه برأني من الرذائل كما برأك من الفضائل. (3)
1- عن نجبةُ بنُ الحارِثِ العطار قال: سألت أبا جعفر (عَلَيهِ السَّلَامُ) عن صوم يوم عاشوراء فقال صوم متروك بِنُزُولِ شهر رمضان والمتروك بدعة قال نجبة فسألت أبا عبد اللّه (عَلَيهِ السَّلَامُ) من بعدِ أبِيهِ (عَلَيهِ السَّلَامُ) عن ذلك فأجابني بمِثلِ جوابِ أبِيهِ ثمّ قال أما إِنَّهُ صوم يوم ما نزل بِهِ كِتابٌ ولا جرت بِهِ سُنّةٌ إِلَّا سُنْةُ آلِ زِيادٍ بقتل الحُسين بن علي (صلوات اللّه عليهما). (4)
2 - عن محمّد بن عيسى بنِ عُبيد قال حدّثني جعفرُ بنُ عِيسى أخوه قال: سألتُ الرّضا (عَلَيهِ السَّلَامُ) عن صوم عاشوراء وما يقولُ النّاسُ فِيهِ فقال عن صوم ابن مرجانة تسألني ذلك يوم صامه الأدعِياءُ مِن آلِ زِيادٍ لِقتل الحُسين (عَلَيهِ السَّلَامُ) و هُو يوم يتشأَمُ بِهِ آل محمّد (صَلَّى اللّه عَلَيْهِ وَآلِهِ) و يتشامُ بِهِ
ص: 447
أهل الإسلام واليوم الّذي يتسلّمُ بِهِ أهلُ الإِسلام لا يُصامُ ولا يُتبركُ بِهِ ويوم الإثنين يوم نحس قبض اللّه عزّ و جلّ فِيهِ نبيّه وما أُصيب آل محمّد إلّا فِي يوم الإثنين فتشأمنا به وتبرك بِهِ عدونا و يوم عاشوراء قتل الحُسين (صلوات اللّه عليه) و تبرك به ابنُ مرجانة وتشأم بِهِ آل محمّد صلّى اللّه عليهم فمن صامهما أو تبرك بهما لقي اللّه تبارك وتعالى ممسوخ القلبِ وكان حشره مع الّذين سئُوا صومهما و التبرك بهما. (1)
3 - عن زيد النّرسيّ قال: سمعت عُبيد بن زرارة يسأل أبا عبد اللّه (عَلَيهِ السَّلَامُ) عن صوم يوم عاشوراء فقال صامه كان حظهُ مِن صِيام ذلك اليوم حظ ابن مرجانة وآلِ زِيادٍ قال قُلتُ وما كان حظهم من ذلك اليوم قال النّار أعاذنا اللّه مِن النّار و مِن عملٍ يُقرِّبُ مِن النَّارِ. (2)
4 - عن عبد الملِكِ قال: سألت أبا عبد اللّه (عَلَيهِ السَّلَامُ) عن صومِ تاسوعاء وعاشوراء من شهر المحرمِ فقال تاسوعاء يومٌ حُوصِر فِيهِ الحُسين (عَلَيهِ السَّلَامُ) و أصحابه رضي اللّه عنهم بكربلاء واجتمع عليه خيل أهل الشّامِ و أنا خُوا عليه و فرح ابن مرجانة وعُمر بن سعد بتوافر الخيل و كثرتها و استضعفُوا فِيهِ الحُسين صلوات اللّه عليه وأصحابه رضي اللّه عنهم وأيقنوا أن لا يأتي الحُسين (عَلَيهِ السَّلَامُ) ناصر ولا يُمدّه أهلُ العِراقِ بأبي المستضعف الغريب ثمّ قال وأما يوم عاشوراء فيوم أُصيب فِيهِ الحُسين (عَلَيهِ السَّلَامُ) صريعاً بين أصحابه وأصحابه صرعى حوله عُراةً أفصومٌ يَكُونُ فِي ذلك اليوم كلاورب البيت الحرام ما هُو يوم صوم و ما هُو إِلا يومُ حُزنٍ و مُصِيبةٍ دخلت على أهل السّماء و أهل الأرض و جميع المؤمنين و يوم فرح و سُرور لابن مرجانة و آلِ زِيادٍ وأهلِ الشّامِ غضب اللّه عليهم وعلى ذُرِّياتِهم وذلك يوم بكت عليه جميعُ بقاع الأرضِ خلابُقعةِ الشّامِ فمن صامه أو تبرك بِهِ حشره اللّه مع آلِ زِيادٍ ممسوخ القلبِ مسخُوط عليه و من ادخر إلى منزله ذخيرةً أعقبه اللّه تعالى نفاقاً فِي قلبِهِ إِلى يوم يلقاه و انتزع البركة عنه وعن أهل بيتِهِ و وُلدِهِ وشاركهُ الشَّيطانُ فِي جميع ذلك. (3)
ص: 448
1 - عن عبد اللّه بن شريك عن أبيه قال: صعد عليّ (عَلَيهِ السَّلَامُ) المنبريوم الجمعة فقال: أنا عبد اللّه و أخُو رسولِه لا يقولُها بعدي إلّا كذاب، ما زلتُ مظلوماً منذُ قبض رسُول اللّه (صَلَّى اللّه عَلَيْهِ وَآلِهِ) أمرني رسُول اللّه (صَلَّى اللّه عَلَيْهِ وَآلِهِ) بقتال الناكثين؛ طلحة والزُّبير والقاسطين؛ معاوية وأهل الشام و المارقين؛ وهُم أهلُ النّهروان ولو أمرني بقتال الرابعة لقاتلتُهم. (1)
1 - رُوي أنّ هند أم معاوية جاءت إلى دارِ رسُول اللّه (صَلَّى اللّه عَلَيْهِ وَآلِهِ) عند وقتِ الصُّبح، فدخلت، و جلست إلى جانب عائشة، وقالت: يا بنت أبي بكرإنّي رأيتُ رؤيا عجيبة، وأريد أن أقصها عليكِ، لتقصي على رسُول اللّه (صَلَّى اللّه عَلَيْهِ وَآلِهِ) وذلك قبل إسلام ولدها مُعاوية فقالت لها عائشة: خبريني بها، حتّى أخبر بها رسُول اللّه (صَلَّى اللّه عَلَيْهِ وَآلِهِ). فقالت: إنِّي رأيتُ فِي نومي شمساً مشرقةً على الدُّنيا كلها، فولد من تلك الشّمس قمر فأشرق نوره على الدُّنيا كلها، ثمّ وُلد (من) ذلكِ القمر نجمان زاهران، قد أزهر من نُورهما المشرق والمغرب، فبينما أنا كذلك إذ بدت سحابة سوداء مُظلمة كأنها اللّيل المظلم، فولد من تلك السّحابة السوداء، حية رقطاء، فدبت الحيّة إلى النجمين فابتلعتهما، فجعلوا النّاس يبكون، ويتأسفون ذلك على النجمين. قال: فجاءت عائشةُ إلى النّبيّ (صَلَّى اللّه عَلَيْهِ وَآلِهِ) وقصت الرُّؤيا عليه، فلما سمع النّبيّ (صَلَّى اللّه عَلَيْهِ وَآلِهِ) كلامها تغير لونه، وإستعبر وبكى، وقال: يا عائشة أما الشمس المشرقة فأنا وأما القمر فهي فاطمة ابنتي، وأما النجمان فهما الحسن والحُسين (عَلَيهِمَا السَّلَامُ)، وأمّا السحابة السوداء فهي مُعاوية (لعنه اللّه) وأمّا الحيّة الرقطاء فهي يزيد (لعنه اللّه). (2)
ص: 449
1- عن عبد اللّه بن عطا التميمي، قال: كنتُ مع عليّ بن الحُسين (عَلَيهِمَا السَّلَامُ) فِي المسجد، فمر عمر بن عبد العزيز، وعليه نعلان شراكهما فِضَّة، وكان من أمجن النّاس وهُو شاب، فنظر إليه عليّ بن الحُسين (عَلَيهِمَا السَّلَامُ)، ثمّ قال: يا عبد اللّه بن عطا أترى هذا المترفُ ؟ إنه لا يموت حتّى يلي النّاس. قلتُ: إنا للّه وإنا إليه راجعون، هذا الفاسق ؟ فقال : نعم ولا يلبث (عليهم) إلّا يسيراً حتّى يموت فاذا مات لعنه أهل السّماء وبكى عليه أهلُ الأرْضِ. (1)
1- عن عُمير بن متوكل التقني البلخي، عن أبيه متوكل بن هارون، قال: لقيتُ يحيى بن زيد بن عليّ (عَلَيهِ السَّلَامُ) و هُو متوجّه إلى خراسان، فسلّمت عليه، فقال لي: من أين أقبلت ؟
فقلتُ: مِن الحج، فسألني عن أهله و بَنِي عمه بالمدينة، وأحفى السؤال عن جعفر بن محمّد (عَلَيهِ السَّلَامُ)، فأخبرته بخبره و خبرهم، و حُزنُهم على أبيه زيد بن عليّ (عَلَيهِ السَّلَامُ).
فقال لي: قد كان عمّي محمّد بن عليّ أشار على أبي بترك الخروج، وعرفه إن هُو خرج و فارق المدينة ما يكون إليه مصير أمره، فهل لقيت ابن عمّي جعفر بن محمّد (عَلَيهِ السَّلَامُ)؟
قلت: نعم.
قال: فهل سمعته يذكر شيئاً مِن أمرِي؟
قلت: نعم.
قال: بِم ذكرني خبّرني ؟
قلتُ: جُعلتُ فِداك ما أحبُّ أن أستقبلك بما سمعتُه مِنه.
فقال: أبالموتِ تُخوّفُني؟ هات ما سمعته.
فقلتُ : سمعتُه يقولُ إنّك تُقتل وتُصلب كما قُتل أبوك وصلب، فتغير وجهه، فقال: ﴿يمحُوا اللّه ما يشاءُ ويُثبِتُ وعِندهُ أُمُّ الكِتابِ) (2).
ص: 450
يا متوكل، إنَّ اللّه عزّ و جلّ أيد هذا الأمر بنا، وجعل لنا العلم والسيف، فجُمِعا لنا، وخُصّ بنو عمنا بالعلم وحده.
فقلتُ: جعلتُ فداك، إنّي رأيتُ النّاس إلى ابن عمّك جعفر بن محمّد (عَلَيهِ السَّلَامُ) أميل منهم إليك و إلى أبيك.
فقال: إنّ عمّي محمّد بن علي وابنه جعفراً (عَلَيهِمَا السَّلَامُ) دعوُا النّاس إلى الحياة، ونحن دعوناهم إلى الموت.
فقلتُ: يابن رسُول اللّه، أهم أعلم أم أنتُم؟
فأطرق إلى الأرضِ مليا، ثمّ رفع رأسه وقال : كلُّنا له عِلم، غير أنَّهم يعلمون كلّما نعلم، ولا نعلم كلما يعلمون، ثمّ قال لي: أكتبت من ابن عمّي شيئاً؟
قلت: نعم.
قال: أرنيه، فأخرجتُ إليه وجهاً مِن العِلم، وأخرجتُ له دعاءً أملاه علي أبو عبد اللّه (عَلَيهِ السَّلَامُ)، و حدّثني أن أباه محمّد بن علي (عَلَيهِمَا السَّلَامُ) أملاه عليه، وأخبره أنَّه من دعاء أبيه عليّ بن الحُسين (عَلَيهِمَا السَّلَامُ) من دعاء الصّحيفة الكاملة، فنظر فِيهِ يحيى حتّى أتى على آخره، وقال لي: أتأذن لي فِي نسخه؟
فقلتُ: يابن رسُول اللّه، أتستأذن فيما هُو عنكم ؟ فقال : أما لأخرجن إليك صحيفةً مِن الدُّعاء الكامل، مِمّا حفظه أبي عن أبيه (عَلَيهِمَا السَّلَامُ)، وإنّ أبي أوصاني بصونها و منعها غير أهلها.
قال عُمير: قال أبي : فقمتُ إليه، فقبلت رأسه، وقلتُ له: واللّه يا بن رسُول اللّه، إنِّي لأدينُ اللّه بحبّكم وطاعتكم، وإنّي لارجو أن يُسعدني فِي حياتي و مماتي بولايتكم.
فرمى صحيفتي الّتي دفعتها إليه إلى غلامٍ كان معه، وقال له:
أُكتب هذا الدعاء بخط بيّن حسن، وأعرضه علي لعلّي أحفظه، فإنّي كنتُ أطلبه من جعفر حفظه اللّه فيمنعنيه.
قال المتوكل: فندمتُ على ما فعلتُ، ولم أدر ما أصنع، ولم يكن أبو عبد اللّه (عَلَيهِ السَّلَامُ) تقدم إلي ألا أدفعه إلى أحدٍ، ثمّ دعا بعيبة، فاستخرج منها صحيفةً مُقفلة مختومة، فنظر إلى الخاتم وقبله و بكى، ثمّ فضه وفتح القُفل، ثمّ نشر الصحيفة ووضَعَها على عينيه وأمرها على وجهه، وقال: و اللّه يا متوكل،
ص: 451
لولا ما ذكرت من قول ابن عمّي إنني أقتل وأُصلب لما دفعتها إليك، ولكنتُ بها ضنيناً، ولكنّي أعلم أن قوله حق، أخذه عن آبائه، وأنَّه سيصح، فخفت أن يقع مثل هذا العلم إلى بَنِي أمية فيكتموه ويدخروه فِي خزائنهم لأنفسهم، فاقبضها واكفنيها و تربص بها، فإذا قضى اللّه مِن أمري و أمر هؤلاء القوم ما هُو قاض، فهي أمانةٌ لي عندك حتّى توصلها إلى ابني عمّي محمّد و إبراهيم ابني عبد اللّه بن الحسن بن الحسن بن علي (عَلَيهِمَا السَّلَامُ) فإنّهما القائمان فِي هذا الأمر بعدي.
قال المتوكل: فقبضتُ الصحيفة، فلمّا قُتل يحيى بن زيد صِرت إلى المدينة، فلقيت أبا عبد اللّه (عَلَيهِ السَّلَامُ) فحدثته الحديث عن يحيى.
فبکی و اشتد وجده به و قال رحم اللّه ابن عمّي وألحقه بآبائه وأجداده.
و اللّه يا متوكل، ما منعني من دفع الدُّعاء إليه إلّا الّذي خافه على صحيفة أبيه، وأين الصحيفة ؟
فقلتُ: ها هي فَفَتحها، وقال: هذا واللّه خط عمّي زيد، ودعاء جدي عليّ بن الحُسين (عَلَيهِمَا السَّلَامُ)، ثمّ قال لابنه: قُم يا إسماعيل، فَائتني بالدُّعاء الّذي أمرتك بحفظه وصونه، فقامَ إسماعيل فأخرج صحيفةً كأنها الصحيفة الّتي دفعها إلي يحيى بن زيد، فقبلها أبو عبد اللّه (عَلَيهِ السَّلَامُ) و وضعها على عَينَيه، وقال : هَذا خط أبي، وإملاء جدي (عَلَيهِمَا السَّلَامُ) بمشهد منِّي.
فقلتُ: يا بن رسُول اللّه، إن رأيت أن أعرضها مع صحيفة زيدٍ ويحيى؟ فأذن لي فِي ذلك، وقال: قد رأيتُك لذلك أهلاً، فنظرتُ وإذا هُما أمر واحدٌ، و لم أجد حرفاً واحداً يُخالف ما فِي الصحيفة الأخرى، ثمّ استأذنتُ أبا عبد اللّه (عَلَيهِ السَّلَامُ) فِي دفع الصحيفة إلى ابني عبد اللّه بن الحسن، فقال: (إِنَّ اللَّهَ يَأْمُرُكُمْ أَنْ تُؤَدُّوا الْأَمَانَاتِ إِلَى أَهْلِهَا) (1) نعم، فادفعها إليهما، فلما نهضتُ للقائهما قال لي: مكانك، ثمّ وجّه إلى محمّد وإبراهيم فجاءا، فقال: هذا ميراث ابن عمّكما يحيي من أبيه، قد خصكما به دون إخوته، ونحنُ مشترطون عليكما فِيهِ شرطاً.
فقالا: رحمك اللّه قُل فقولك المقبول.
فقال: لا تُخرجا بهذه الصحيفة من المدينة.
ص: 452
قالا: ولم ذلك ؟
قال: إنّ ابنَ عمّكما خاف عليها أمراً أخافه أنا عليكما.
قالا: إنّما خاف عليها حينَ علم أنَّه يقتل.
فقال أبو عبد اللّه (عَلَيهِ السَّلَامُ) : وأنتما فلا تأمنا، فواللّه إنّي لاعلم أنكما ستخرجان كما خرج، و ستقتلان كما قُتِل، فقاما و هما يقُولان: لا حول ولا قوة إلّا باللّه العلي العظيم، فلما خرجا قال لي أبو عبد اللّه (عَلَيهِ السَّلَامُ): يا متوكل كيفقال لك يحيى إنّ عمّي محمّد بن علي وابنه جعفراً دعوا الناس إلى الحياة ودعوناهم إلى الموتِ؟
قال: نعم، أصلحك اللّه، قد قال لي ابن عمّك يحيى ذلك.
فقال: يرحم اللّه يحيى إن أبي حدّثني، عن أبيه، عن جدّه، عن علي (عَلَيهِم السَّلَامُ) أن رسُول اللّه (صَلَّى اللّه عَلَيْهِ وَآلِهِ) أخذته نعسةٌ وهُو على منبره، فرأى فِي منامه رجالاً ينزُون على منبره نزو القردة، يردون الناس على أعقابهم القهقرى، فاستوى رسُول اللّه (صَلَّى اللّه عَلَيْهِ وَآلِهِ) جالساً و الحزنُ يُعرفُ في وجهه فأتاه جبرئيل (عَلَيهِ السَّلَامُ) بهذه الآية (وَمَا جَعَلْنَا الرُّؤْيَا الَّتِي أَرَيْنَاكَ إِلَّا فِتْنَةً لِلنَّاسِ وَالشَّجَرَةَ الْمَلْعُونَةَ فِي الْقُرْآنِ وَنُخَوِّفُهُمْ فَمَا يَزِيدُهُمْ إِلَّا طُغْيَانًا كَبِيرًا) (1) يعني بَنِي أمية.
قال: يا جبرئيل، أعلى عهدي يكونون، وفي زمني؟ قال: لا، ولكن تدور رحى الإسلامِ مِن مُهاجرك، فتلبتُ بذلك عشرا، ثمّ تدور رحى الإسلام على رأس خمس وثلاثين من مهاجرك، فتلبتُ بذلك خمساً، ثمّ لا بُدّ مِن رحى ضلالة هي قائمة على قُطبها، ثمّ مُلكُ الفراعنة.
قال: وأنزل اللّه تعالى فِي ذلك: (إِنَّا أَنْزَلْنَاهُ فِي لَيْلَةِ الْقَدْرِ * وَمَا أَدْرَاكَ مَا لَيْلَةُ الْقَدْرِ * لَيْلَةُ الْقَدْرِ خَيْرٌ مِنْ أَلْفِ شَهْرٍ) (2) تملكها بنُو أميَّة ليس فيها ليلة القدر.
قال: فَأَطلَعَ اللّه عزو جلّ نبيّه (صَلَّى اللّه عَلَيْهِ وَآلِهِ) إن بَنِي أمية تملك سلطان هذه الأمة، وملكها طول هذه المدّة، فلو طاولتهم الجبالُ لطالوا عليها حتّى يأذن اللّه تعالى بزوال ملكهم، وهم فِي ذلك
ص: 453
يَستَشعرون عداوتنا أهل البيت و بغضنا أخبر اللّه نبيّه بما يلقى أهل بيتِ محمّد (صَلَّى اللّه عَلَيْهِ وَآلِهِ) و أهل مودتهم وشيعتهم منهم فِي أيامهم وملكهم.
قال: وأَنزل اللّه تعالى فيهم: (أَلَمْ تَرَ إِلَى الَّذِينَ بَدَّلُوا نِعْمَتَ اللَّهِ كُفْرًا وَأَحَلُّوا قَوْمَهُمْ دَارَ الْبَوَارِ * جَهَنَّمَ يَصْلَوْنَهَا وَبِئْسَ الْقَرَارُ) (1) و نعمةُ اللّه محمّد (صَلَّى اللّه عَلَيْهِ وَآلِهِ) وأهل بيته (عَلَيهِم السَّلَامُ)، حبُّهم إيمان يُدخل الجنَّة، وبعضُهم كفر و نفاق يُدخل النَّار، فأسرَّ رسُول اللّه (صَلَّى اللّه عَلَيْهِ وَآلِهِ) ذلك إلى عليّ و أهل بيته (عَلَيهِم السَّلَامُ).
قال: ثمّ قال أبو عبد اللّه (عَلَيهِ السَّلَامُ) : ما خرج ولا يخرج منا أهل البيت إلى قيام قائمنا أحد ليدفع ظلماً أو ينعش حقّاً إلّا اصطلمته البليّة، وكان قيامه زيادةً فِي مكروهنا و شيعتنا. قال المتوكل بن هارون ثمّ أملى علي أبو عبد اللّه (عَلَيهِ السَّلَامُ) الأدعية وذكرها. (2)
أقول: سأذكر هنا كم رواية تناسب ما نقلته آنفا من المتوكل بن هارون عن أبي عبد اللّه (عَلَيهِ السَّلَامُ) وأظن أن فائدتها أكثر من أن تحصى فدقق فِي الباب وسلّم الأمر إليهم (عَلَيهِم السَّلَامُ) فإنّه عندهم فصل الخطاب.
1- عن أبان قال: أخبرني الأحولُ أبو جعفر محمّد بنُ النُّعمانِ الملقَّبُ بِمُؤْمِنِ الطَاقِ أَنّ زيد بن عليّ بن الحُسين بعث إِليهِ وهُو مُختفٍ قال فأتيتُهُ فقال لي يا أبا جعفر ما تَقُولُ إِن طرقك طارِقٌ مِنّا أ تخرج معه ؟ قال قُلتُ لهُ إن كان أبوك أو أخوك خرجتُ معه قال فقال لي فأنا أُرِيدُ أن أخرج و أُجاهِد هؤلاء القوم فاخرج معي قال قُلتُ لا أفعلُ جُعِلتُ فداك قال فقال لي أترغب بنفسك عنِّي ؟ قال فقُلتُ لهُ إِنّما هي نفس واحدةٌ فإن كان اللّه تعالى فِي الأَرْضِ حُجّةٌ فالمتخلف عنك ناج والخارج معك هالك وإن لم يكُن للّه فِي الأَرْضِ حُجّةٌ فالمتخلف عنك والخارج معك سواء قال فقال لي يا أبا جعفر كُنتُ أجلس مع أبي على الخوانِ فيُلقِمُنِي اللُّقمة السّمِينة ويُبرِدُ لِي اللُّقمة الحارّة حتّى تبرد شفقةً عليّ ولم يُشفق عليّ مِن حرّ النّار إِذ أخبرك بِالدِّينِ ولم يُخبرني
ص: 454
بِهِ؟ قال قُلتُ لهُ مِن شفقتِهِ عليك مِن حرّ النّار لم يُخبرك خاف عليك أن لا تقبله فتدخُل النّار وأخبرني فإن قبلتُهُ نجوتُ وإن لم أقبل لم يُبالِ أن أدخل النّار ثمّ قُلتُ لَهُ جُعِلتُ فِداك أنتم أفضل أمِ الأنبياءُ؟ قال بل الأنبياءُ قُلتُ يقُولُ يعقوبُ لِيُوسُف (يَا بُنَيَّ لَا تَقْصُصْ رُؤْيَاكَ عَلَى إِخْوَتِكَ فَيَكِيدُوا لَكَ كَيْدًا)(1) لم لم يُخبِرهُم حتّى كانوا لا يكيدونه ولكن كتمه وكذا أبوك كتمك لأنَّه خاف عليك قال فقال أما واللّه لئن قُلت ذلك فقد حدّثني صاحِبُكَ بِالمدينةِ أَنِّي أُقتلُ وأُصلبُ بِالكُناسة وأنّ عِنده لصحيفةً فيها قتلي وصلبي قال فحججت وحدثت أبا عبد اللّه (عَلَيهِ السَّلَامُ) بِمقالة زيدٍ و ما قُلتُ لهُ فقال لي أخذتهُ مِن بين يديهِ و مِن. مِن بين يديهِ ومِن خلفه وعن يمينه وعن يساره و من فوق رأسِهِ و مِن تحت قدميه و لم تترك له مسلكاً يسلكه. (2)
2- عن عبدِ اللّه بنِ عَبدِ العَزيز قال: قال لي عليّ بن أبِي طالِب (عَلَيهِ السَّلَامُ) وَخَطبَ بالكوفة فقالَ أيّها النَّاسِ أَلْزِموا الأَرضَ مِن بَعدِي وَإِيَّاكم وَالشُّذَاذ مِن آلِ محمّد فَإِنَّه يَحْرِجُ شُدَّادَ آلِ محمّد فَلا يَرونَ ما يُحبُّون لعصيانهم أمري و نَبذهم عَهدي و تخرجُ رايةٌ مِن وُلد الحُسين تظهر بالكوفة بدعامة أميَّة وَيَشمل النَّاس البلاءُ ويَبتلى اللّه خير الخلق حتّى يَميزَ الحَبيتُ مِن الطَّيِّبِ ويَتَبرَّأ النَّاسِ بَعضُهم مِن بَعض ويَطولُ ذلكَ حتّى يَفرِّجَ اللّه عَنهم برجلٍ مِنْ آلِ محمّد (عَلَيهِم السَّلَامُ) وَ مَن خرَجَ مِن وُلدي فَعَمِلَ بِغَير عَمَلي وسارَ بِغَير سيرَتي فَأَنا مَنهُ بَرِيءٌ وَكُلُّ مَن خَرَجَ مِن وُلدي قَبلَ المهدي فَإِنَّا هُو جزور وإيّاكم والدَّجّالين مِن وُلد فاطمة فإِنَّ مِن وُلد فاطمة دجالين، و يَخرج دجال مِن دجلةِ البَصرة ولَيسَ منِّي وهُو مُقدِّمةُ الدَّجَّالين كلّهم. (3)
3 - عن أبي بصير عن أبي عبد اللّه (عَلَيهِ السَّلَامُ) قال: كلّ رايةٍ تُرفعُ قبل قيام القائم فصاحِبُها طاغوت يُعبدُ مِن دُونِ اللّه عزّ و جلّ. (4)
4 - عن عبد اللّه بن سنان قال : أردتُ الدُّخُول على أبي عبدِ اللّه (عَلَيهِ السَّلَامُ) فقال لي مُؤْمِنُ الطَّاقِ
ص: 455
استأذن لي على أبي عبد اللّه (عَلَيهِ السَّلَامُ) فدخلتُ عليه فأعلمته مكانه فقال لا تأذن له علي فقُلتُ جُعِلتُ فِداك انقِطاعُهُ إِليكُم و ولاؤُهُ لكُم وجدالُهُ فِيكُم ولا يقدِرُ أحدٌ مِن خلقِ اللّه أن يخصمهُ فقال بلى يخصمُهُ صيٌّ مِن صِبيانِ الكُتابِ فقُلتُ جُعِلتُ فِداك هُو أجدلُ مِن ذلك وقد خاصم جميع أهل الأديان فخصمهُم فكيف يخصِمُهُ غُلامٌ مِن الغلمان وصيّ مِن الصبيانِ فقال يقُولُ لهُ الصَّبِيُّ أخبرني عن إمامك أمرك أن تُخاصم النّاس فلا يقدِرُ أن يكذب علي فيقُولُ لا فيقُولُ لهُ فأنت تُخاصِمُ النّاس مِن غير أن يأمرك إمامك فأنت عاص له فيخصمُهُ يا ابن سنان لا تأذن لهُ عليّ فإنّ الكلام والخصوماتِ تُفسِدُ النّيّة وتمحقُ الدِّين. (1)
5 - عن سورة بن كليب عن أبي جعفر محمّد بن علي الباقر (عَلَيهِ السَّلَامُ) أنَّه قال: قولُ اللّه عزّ و جلّ ﴿وَيَوْمَ الْقِيَامَةِ تَرَى الَّذِينَ كَذَبُوا عَلَى اللَّهِ وُجُوهُهُمْ مُسْوَدَّةٌ أَلَيْسَ فِي جَهَنَّمَ مَثْوًى لِلْمُتَكَبِّرِينَ) قال من زعم أنَّه إمام وليس بإمام قُلتُ وإن كان علويّاً فاطِمِيّاً قال وإن كان علويّاً فاطميّاً. (2)
6 - عن سورة بنِ كُليب عن أبي جعفر الباقر (عَلَيهِ السَّلَامُ) فِي قوله (وَيَوْمَ الْقِيَامَةِ تَرَى الَّذِينَ كَذَبُوا عَلَى اللَّهِ وُجُوهُهُمْ مُسْوَدَّةٌ أَلَيْسَ فِي جَهَنَّمَ مَثْوًى لِلْمُتَكَبِّرِينَ) قال من قال إِنِّي إمام وليس بإمام قُلتُ وإن كان علوياً فاطِمِيّاً قال وإن كان علويّاً فاطِمِيّاً قُلتُ وإن كان من ولد عليّ بن أبِي طالِب (عَلَيهِ السَّلَامُ) قال و إن كان مِن وُلدِ عليّ بن أبِي طالِب (3)
7 - قال مُوسى بنُ إِسماعِيلَ بنِ مُوسى بن جعفر بن محمّد بنِ عليّ بن الحُسين بن عليّ بن أبِي طالِب (عَلَيهِم السَّلَامُ) عن أبيه إسماعيل عن أبِيهِ مُوسى بن جعفر (عَلَيهِ السَّلَامُ) أنَّه قال لِشِيعَتِهِ يا معشر الشّيعة لا تُذِلُّوا رِقابكُم بترك طاعةِ سُلطانِكُم فإِن كان عادِلا فاسألوا اللّه إبقاءهُ وإِن كان جائراً فاسألوا اللّه إصلاحه فإن صلاحكم فِي صلاح سلطائِكُم و إن السلطان العادِل بمنزلة الوالِدِ الرَّحِيمِ فأحِبُّوا لهُ ما تُحِبُّون لأنفُسِكُم واكرَهُوا له ما تكرهون لأنفُسِكُم. (4)
ص: 456
8 - عن أبي جعفر الباقر (عَلَيهِ السَّلَامُ) أنَّه قال: كلّ رايةٍ تُرفعُ قَبلَ راية القائم (عَلَيهِ السَّلَامُ) صاحِبُها طَاغُوتُ. (1)
9- قال أبو عبدِ اللّه جعفر (عَلَيهِ السَّلَامُ) من ادعى مقامنا يعني الإمامة فهُو كافر أو قال مُشرِكٌ. (2)
10 - عن أبي جارُودِ عن أبي جعفر (عَلَيهِ السَّلَامُ) قال: قُلتُ لهُ أوصني فقال أُوصِيك بتقوى اللّه وأن تلزم بيتك وتقعد فِي دهماء هؤلاءِ النّاسِ و إِيّاك والخوارج مِنّا فإِنّهم ليسوا على شيء ولا إلى شيء. و اعلم أنّ لِبني أُميّة مُلكاً لا يستطِيعُ النَّاسُ أن تردعه و أنّ لأهل الحقّ دولةً إِذا جاءت ولاها اللّه لمن يشاء مِنا أهل البيت فمن أدركها مِنكُم كان عندنا فِي السّنامِ الأعلى و إن قبضه اللّه قبل ذلك خارله واعلم أنَّه لا تقومُ عِصابة تدفع ضيماً أو تُعِزُّ دِيناً إِلَّا صرعتهم المنية والبلية حتّى تقوم عِصابةٌ شهدوا بدراً مع رسُول اللّه (صَلَّى اللّه عَلَيْهِ وَآلِهِ) لا يُوارى قتِيلُهُم ويُرفعُ صَرِيعُهُم ولا يُداوى جريحهم قُلتُ من هم قال الملائِكَةُ. (3)
11- عن أبي الجارود قال سمعت أبا جعفر (عَلَيهِ السَّلَامُ) يقُولُ ليس مِنّا أهل البيت أحدٌ يدفعُ ضَيماً و لا يدعو إلى حقي إلّا صرعته البلية حتّى تقوم عصابة شهدت بدراً لا يوارى قتيلها ولا يداوى جرِيحها قُلتُ من عنى أبو جعفر (عَلَيهِ السَّلَامُ) بذلك قال الملائكة (4).
12 - عن أبي المرهِفِ قال : قال أبو عبد اللّه (عَلَيهِ السَّلَامُ) هلكت المحاضير قال قُلتُ وما المحاضير قال المستعجلون ونجا المقربون وثبت الحصن على أوتادِها كُونُوا أحلاس بُيُوتِكُم فَإِنَّ الغَبَرَة على مَن أثارها وإنهم لا يُرِيدُونَكُم بِجائِحة إلّا أتاهُمُ اللّه بِشَاغِلٍ إِلَّا مَن تعرّض لهم. (5)
13 - عن أبي بكر الحضرمي قال: دخلتُ أنا و أبان على أبي عبد اللّه (عَلَيهِ السَّلَامُ) وذلك حين ظهرتِ الراياتُ السُّودُ بِخُراسان فقُلنا ما ترى فقال إجلِسُوا فِي بُيُوتِكُم فإِذا رأيتُمُونا قد اجتمعنا على رجُلٍ فانهدُوا إلينا بالسلاح. (6)
ص: 457
14 - عن أبي عبدِ اللّه (عَلَيهِ السَّلَامُ) أنَّه قال: كُفُّوا ألسنتكم والزمُوا بُيُوتِكُم فَإِنَّهُ لا يُصِيبُكُم أَمرٌ تُخَصُّون به أبداً و يُصِيبُ العامَّة ولا تزال الزيدية وقاءً لكُم أبداً. (1)
15 - عن عبد الرحمن بن كثير قال : كُنتُ عِند أبي عبد اللّه (عَلَيهِ السَّلَامُ) يوماً و عِنده مهزم الأسدِيُّ فَقالَ جَعَلَنِي اللّه فِداك متى هذا الأمرُ الّذي تنتظرُونه فقد طال علينا فقال يا مهزم كذب المتمنُّون وهلكَ المستعجِلُون ونجا المسلمون وإلينا يصِيرُون. (2)
16- عن أبي جعفر محمّد بنِ علي الباقر (عَلَيهِ السَّلَامُ) قال : مَثَلُ خُرُوحِ القَائِمِ مِنَّا أهل البيتِ كَخُرُوجِ رسُول اللّه (صَلَّى اللّه عَلَيْهِ وَآلِهِ) و مثل من خرج مِنّا أهل البيت قبل قيام القائم مثل فرخ طار فوَقَعَ مِن وكرِهِ فتَلاعَبت بِهِ الصّبيانُ. (3)
17 - عن أبي بصير عن أبي عبد اللّه (عَلَيهِ السَّلَامُ) أنَّه قال ذات يوم ألا أُخبِرُكُم بِما لا يقبلُ اللّه عزّ و جلّ مِن العِبادِ عملًا إِلَّا بِهِ فقُلتُ بلى فقال شهادة أن لا إله إلّا اللّه وأن محمّداً عبده ورسُولُهُ و الإقرار ما أمر اللّه والولاية لنا و البراءة من أعدائنا يعني الأئمّة خاصة والتسليم لهم والورع و الإجتهاد والظمأنينة والانتظار للقائم (عَلَيهِ السَّلَامُ) ثمّ قال إن لنا دولةً يجيء اللّه بِها إِذا شاء ثمّ قال مَن سَرَّهُ أن يكُون مِن أصحاب القائم فلينتظر و ليعمل بالورع و محاسن الأخلاقِ وهُو مُنتظِرُ فإِن مات وقام القائم بعده كان له من الأجر مثل أجر من أدركهُ فجِدُّوا و انتظِرُوا هنيئاً لكُم أيتُها العصابة المرحومة (4).
18 - عن أبي جعفر الباقر (عَلَيهِ السَّلَامُ) أنَّه قال : أسكُنُوا ما سكنتِ السَّماوات والأرضُ أي لا تخرُجُوا على أحدٍ فإنّ أمركُم ليس بِهِ خفاءٌ أَلا إِنّها آيةٌ مِن اللّه عزّ و جلّ ليست مِن النَّاسِ أَلا إِنّها أضوا من الشمس لا تخفى على برو لا فاجِراً تعرِفُون الصُّبح فإنّها كالصُّبحِ ليس بِهِ خفاءٌ. (5)
ص: 458
19 - عن أبي بصير عن أبي عبدِ اللّه (عَلَيهِ السَّلَامُ) قال إِنَّهُ قال لي أبي (عَلَيهِ السَّلَامُ) لا بد لنارٍ مِن آذربيجان لا يقوم لها شيء وإذا كان ذلك فكُونُوا أحلاس بُيُوتِكُم وألبِدُوا ما ألبدنا فإذا تحرك متحركنا فاسعوا إليه ولو حبوا واللّه لكأنّي أنظُرُ إِليهِ بين الركن والمقامِ يُبايِعُ الناس على كِتَابٍ جديدٍ على العرب شدِيدٌ وقال ويلٌ لِطغاة العربِ مِن شَرِّقدِ اقترَب. (1)
20 - أبو خالد الكابلي عن أبي جعفر (عَلَيهِ السَّلَامُ) أنَّه قال: كأنّي بقومٍ قد خَرَجُوا بِالمشرِقِ يطلُبُون الحقّ فلا يُعطونهُ ثمّ يطلُبُونَهُ فلا يُعطونه فإذا رأوا ذلِك وَضَعُوا سيوفهم على عواتقهم فيُعطون ما سألُوهُ فلا يقبلونه حتّى يقُومُوا ولا يدفعُونها إِلَّا إِلى صاحِبِكُم قتلاهُم شُهداء أما إِنِّي لو أدركتُ ذلك لاستبقيتُ نفسِي لِصاحِبِ هذا الأمرِ. (2)
21 - عن أبي جعفر (عَلَيهِ السَّلَامُ) قال دولتنا آخِرُ الدُّولِ ولن يبق أهل بيتٍ هُم دولةٌ إِلَّا مُلكُوا قبلنا لئلّا يقُولُوا إِذا رأوا سِيرتنا إذا ملكنا سِرنا مِثل سِيرة هؤلاء و هُو قولُ اللّه عزّ و جلّ (و العَاقِبَةُ لِلمُتَّقِين) (3).
22 - عن عيص بن القاسم قال: سمعت أبا عبدِ اللّه (عَلَيهِ السَّلَامُ) يقُولُ: عليكم بتقوى اللّه وحده لا شريك له إلى أن قال)...إن أتاكُم آتٍ مِنّا فانظُرُوا على أي شيءٍ تَخرُجُون ولا تَقُولُوا خرج زيد فإن زيداً كان عالماً و كان صدوقاً ولم يدعُكُم إلى نفسِهِ إنّما دعاكُم إلى الرضا مِن آلِ محمّد (عَلَيهِم السَّلَامُ) ولو ظهر لو فى بما دعاكُم إِليهِ إِنّما خرج إلى سلطانٍ مُجتمع لينقضه فالخارجُ مِنا اليوم إلى أيّ شيءٍ يدعُوكُم إِلى الرِّضا مِن آلِ محمّد (عَلَيهِم السَّلَامُ) فنحنُ نُشْهِدُكُم أنا لسنا نرضى بِهِ و هُو يعصينا اليوم وليس معه أحد و هُو إذا كانت الرايات والألوية أجدر أن لا يسمع مِنَّا إِلَّا مع من اجتمعت بنُو فاطمة معه فو اللّه ما صاحِبُكُم إِلَّا من اجتمعُوا عليه إذا كان رجب فأقبِلُوا على اسم اللّه عزّ و جلّ و إن أحببتُم أن تتأخّرُوا إلى شعبان فلا ضيرو إن أحببتُم أن تصُومُوا فِي أهاليكُم فلعل ذلك أن يكون أقوى لكُم وكفاكم بالسفياني علامة. (4)
ص: 459
23 - عَنْ عُمَرَ بْنِ حَنْظَلَةَ قَالَ: سَمِعْتُ أبا عبد الله عليه السلام يَقُولُ: خَمْسُ عَلَامَاتٍ قَبْلَ قِيَامِ الْقَائِمِ الصَّيْحَةُ وَالسُّفْيَانِيُّ وَالْخَسْفُ وَقَتْلُ النَّفْسِ الزَّكِيَّةِ وَالْيَمَانِيُّ فَقُلْتُ: جُعِلْتُ فِدَاكَ إِنْ خَرَجَ أَحَدٌ مِنْ أَهْلِ بَيْتِكَ قَبْلَ هَذِهِ الْعَلَامَاتِ أَتَخْرُجُ مَعَهُ؟ قَالَ: لَا(1)
1- عن أمير المؤمنين (عَلَيهِ السَّلَامُ) - فِي حديثٍ يُخاطب فِيهِ مُعاوية - قال له: لعمري يا معاوية لو ترحمت عليك و على طلحة والزُّبير ما كان ترحمي عليكم وإستغفاري لكم إلّا لعنة عليكم و عذاباً، وما أنت وطلحة والزُّبير بأحقر جرماً، ولا أصغر ذنباً، ولا أهون بِدعاً وضَلالةً ممّن استَوثَقا لكَ ولصاحبك الّذي تطلب بدمه، وهما وطئا لكما ظلمنا أهل البيت و حملاكما على رقابنا. فإن اللّه عزّ و جلّ يقُول: (أَلَمْ تَرَ إِلَى الَّذِينَ أُوتُوا نَصِيبًا مِنَ الْكِتَابِ يُؤْمِنُونَ بِالْجِبْتِ وَالطَّاغُوتِ وَيَقُولُونَ لِلَّذِينَ كَفَرُوا هَؤُلَاءِ أَهْدَى مِنَ الَّذِينَ آمَنُوا سَبِيلًا * أُولَئِكَ الَّذِينَ لَعَنَهُمُ اللَّهُ وَمَنْ يَلْعَنِ اللَّهُ فَلَنْ تَجِدَ لَهُ نَصِيرًا * أَمْ لَهُمْ نَصِيبٌ مِنَ الْمُلْكِ فَإِذًا لَا يُؤْتُونَ النَّاسَ نَقِيرًا * أَمْ يَحْسُدُونَ النَّاسَ عَلَى مَا آتَاهُمُ اللَّهُ مِنْ فَضْلِهِ فَقَدْ آتَيْنَا آلَ إِبْرَاهِيمَ الْكِتَابَ وَالْحِكْمَةَ وَآتَيْنَاهُمْ مُلْكًا عَظِيمًا * فَمِنْهُمْ مَنْ آمَنَ بِهِ وَمِنْهُمْ مَنْ صَدَّ عَنْهُ وَكَفَى بِجَهَنَّمَ سَعِيرًا) إلى آخر الآيات، فنحن الناس، و نحن المحسودون، و قوله: وآتيناهم ملكاً عظيماً فالملك العظيم أن يجعل فيهم أئمة من أطاعهم أطاع اللّه، و من عصاهم عصى اللّه، فلم قد أقرُّوا بذلك فِي آل إبراهيم و يُنكرونه فِي آلِ محمّد (صَلَّى اللّه عَلَيْهِ وَآلِهِ) ؟ ! يا معاوية، إن تكفربها أنت وصُويحبك، و من قبلُك مِن الطغاة من أهل اليمن و الشام، ومن أعرابِ ربيعة و مضر و جفاة الأمة، (فقد وكل اللّه بِهَا قَوْمًا لَيْسُوا بِهَا بِكَافِرِينَ). (2)
1- عن هشام بن السّائِبِ، عن أبيه، قال: خطب الناس يقوماً مُعاوِيةُ بِمسجِدِ دِمشق وفي الجامع يَومَئِذٍ مِن الوُفُودِ عُلماءُ قُريش و خُطباء ربيعة و مدارهها و صنادِيدُ اليمن و مُلُوكُها، فقال
ص: 460
مُعاوِيةُ: إنّ اللّه (تعالى) أكرم خُلفاءَهُ فأوجب لهُمُ الجنَّة فأنقذهُم مِن النَّارِ، ثمّ جعلنِي مِنهُم و جعل أنصاري أهل الشّامِ الذَّاتِين عن حُرمِ اللّه، المؤيدين بظفر اللّه، المنصورين على أعداء اللّه. قال: وفي الجامع من أهل العِراقِ الأحنف بن قيس وصعصعة بن صوحان، فقال الأحنف لصعصعة: أتكفيني أم أقُومُ أنا إليه فقال صعصعة بل أكفيكه أنا. ثمّ قام صعصعة فقال: يا ابن أبي سفيان، تكلمت فأبلغت ولم تُقصِّر دُونَ ما أردتَ، وكيف يكُونُ مَا تَقُولُ وقد غَلَبَتَنا قسراً و مَلَكتَنا تَجَبُّراً و دِنتَنا بِغير الحقِّ، واستَولَيتَ بِأسباب الفضل علينا فأما إطراؤُك أهل الشّامِ فما رأيتُ أطوع لمخلوق و أعصى لِخالِقٍ مِنهُم، قوم ابتعت منهم دينهم وأبدانهم بالمال، فإن أعطيتهم حاموا عنك و نصرُوك، وإن منعتهم قعدوا عنك و رفضُوك. فقال معاوية: اسكت يا ابن صوحان، فواللّه لولا أني لم أتجرع غُصّة غيظ قط أفضل من حلم و أحمد من كرم سيما فِي الكفِّ عن مثلك والاحتمالِ لِدُونِك لما عُدت إلى مِثلِ مقالتك. فقعد صعصعة فأنشأ مُعاوِية يقولُ:
قبلتُ جاهلهُم حِلماً وتكرمةً *** والحِلمُ عن قدرة فضل من الكرم (1)
1 - عَن جَبلة بن سُحيم، عن أبيه، قال: لما بويع أمير المؤمنين عليّ بن أبِي طالِب (عَلَيهِ السَّلَامُ) بلغه أنّ معاوية قد توقف عن إظهار البيعة له، وقال: إن أقرني على الشّامِ وأعمالي الّتي ولانيها عُثمانُ بايعته، فجاء المغيرة إلى أمير المؤمنين (عَلَيهِ السَّلَامُ) فقال له: يا أميرالمؤمنين، إن مُعاوية من قد عرفت، و قد ولاه الشّام من قد كان قبلك، فولهِ أنت كيما تتسق عُرى الأُمُورِ ثمّ اعْزِلَهُ إِن بدا لك.
فقال أمير المؤمنين (عَلَيهِ السَّلَامُ): أتضمنُ لِي عُمُرِي يا مُغِيرَةُ فِيما بين توليته إلى خلعه قال: لا. قال: لا يسألني اللّه عزّوجلّ عن توليتِهِ على رجُلينِ مِن المسلمين ليلةً سوداء أبداً: ﴿وَمَا كُنْتُ مُتَّخِذَ الْمُضِلِّينَ عَضُدًا) (2) لكن أبعثُ إِليهِ وأدعُوهُ إلى ما فِي يدي من الحقِّ، فإن أجاب فرجُلٌ مِن المسلمين له ما لهم وعليه ما عليهم و إن أبى حاكمته إلى اللّه، فولى المغيرة وهُو يقولُ: فحاكمه إذن وأنشأ يقولُ:
ص: 461
نصحتُ عليّاً فِي ابن حرب نصيحةً *** فرد فما منى له الدهر ثانيه
ولم يقبل النُّصح الّذي جئتُهُ بِهِ *** وكانت له تلك النصيحة كافيه
وقالوا له ما أخلص النصح كُله *** فقُلتُ له إنّ النّصيحة غاليه
فقام قيس بن سعد رحمه اللّه فقال: يا أمير المؤمنين، إنّ المغيرة أشار عليك بأمر لم يُرِدِ اللّه بِهِ، فقدّم فِيهِ رجُلًا و أَخِرِفِيهِ أُخرى، فإن كان لك الغلبة تقرب إليك بِالنّصيحة، وإن كانت لمعاوية تقرّب إليهِ بِالمشورة، ثمّ أنشأ يقولُ:
کاد و من أرسى ثبيراً مكانه *** مُغيرة أن يقوى عليك مُعاويه
وكُنت بحمد اللّه فينا مُوفّقاً *** وتلك الّتي أراكها غير كافيه
فسُبحان من علا السّماء مكانها *** وأرضاً دحاها فاستقرت كما هيه. (1)
1- عن هاشِمِ بنِ مُساحِقٍ، عن أبِيهِ : أَنَّهُ شهد يوم الجمل، وأنّ النّاس لَمَّا انهزموا اجتمع هُو و نفر مِن قُريش فيهم مروان، فقال بعضُهُم لبعض: واللّه لقد ظلمنا هذا الرجل ونكثنا بيعته على غير حدثٍ كان مِنهُ، ثمّ لقد ظهر علينا فما رأينا رجُلًا كان أكرم سيرةً ولا أحسنَ عَفواً بعد رسُول اللّه (صَلَّى اللّه عَلَيْهِ وَآلِهِ) مِنهُ، فتعالوا فندخُل عليه ولنعتذرن مِمّا صنعنا.
قال: فدخلنا عليه فلما ذهب مُتكلّمُنا يتكلّمُ قال : أنصِتُوا أكفكُم، إنما أنا رجُلٌ مِنكُم، فإِن قُلتُ حقّاً فصدقوني، وإن قُلتُ غير ذلك فرُدُّوهُ على أنشُدُكُمُ بِاللّه أتعلمون أنّ رسُول اللّه (صَلَّى اللّه عَلَيْهِ وَآلِهِ) قبض وأنا أولى النّاسِ بِهِ و بِالنَّاسِ قالُوا اللّهمّ نعم. قال: فبايعتُم أبابكر و عدلتُم عنِّي، فبايعتُ أبا بكر كما بايعتُمُوهُ، وكرهت أن أشق عصا المسلمين، وأن أُفرق بين جماعتهم، ثمّ إن أبابكرٍ جعلها لِعُمر مِن بعدِهِ، وأنتُم تعلمون أني أولى النَّاسِ برسولِ اللّه (صَلَّى اللّه عَلَيْهِ وَآلِهِ) وبِالنَّاسِ مِن بعدِهِ، فبايعتُ عُمر كما بايعتُمُوهُ، فوفيتُ لهُ بِبيعتِهِ حتّى لَا قُتِل جعلني سادِس ستة، فدخلتُ حيث أدخلني، وكرهت أن أُفرّق جماعة المسلمين و أشق عصاهُم، فبايعتُم عُثمان فبايعتُهُ، ثمّ طعنتُم
ص: 462
على عُثمان فقتلتُمُوهُ، وأنا جالس فِي بيتي، ثمّ أتيتُمُونِي غيرِداعِ لَكُم ولا مُستكره لأحدٍ مِنكُم، فبايعتموني كما بايعتم أبا بكر و عمر و عثمان، فما جعلكم أحق أن تقوا لأبي بكر و عمر و عثمان ببيعتِهِم مِنكُم بِبيعتي قالُوا: يا أمير المؤمنين، كُن كما قال العبد الصّالِحُ: (لَا تَثْرِيبَ عَلَيْكُمُ الْيَوْمَ يَغْفِرُ اللَّهُ لَكُمْ وَهُوَ أَرْحَمُ الرَّاحِمِينَ) (1) فقال : كذلك أقُولُ : " يغفر اللّه لكُم وهُو أرحمُ الراحمين" مع أنّ فِيكُم رَجُلًا لو بايعني بيدِهِ لنكث باسته يعني مروان. (2)
أما بعد فقد أتاني كِتابُك تذكُرُ فِيهِ اصطفاء اللّه تعالى محمّداً (صَلَّى اللّه عَلَيْهِ وَآلِهِ) لِدِينِهِ وتأييده إياه بمن أيّدهُ مِن أصحابِهِ فلقد خبّاً لنا الدّهرُ مِنك عجباً إِذ طفقت تُخبِرُنَا بِبَلاءِ اللّه عِندنا و نِعمتِهِ علينا فِي نبينا فكنت فِي ذلك كناقِلِ التَّمْرِ إِلى هجر أو داعِي مُسدّدِهِ إِلى النِّضال وزعمت أن أفضل النَّاسِ فِي الإِسلام فلان وفلانٌ فذكرت أمراً إن تم اعتزلك كُلُّهُ وإِن نقص لم يلحقك ثلمُهُ وما أنت والفاضل والمفضُول والسّائِس والمسوس وما لِلطلقاء وأبناء التلقاءِ والتمييز بين المهاجرين الأوّلين و ترتيب درجاتِهم وتعريف طبقاتهم هيهات لقد حنّ قدح ليس منها وطفق يحكُمُ فِيها من عليه الحكم لها ألا تربعُ أيّها الإنسان على ظلعِك و تعرِفُ قُصُور ذرعك وتتأخّرُ حيثُ أخرك القدرُ فما عليك غلبةُ المغلوبِ ولا لك ظفر الظافِرِ فإنّك لذاهِبٌ فِي التّيهِ رَوَاغُ عَنِ القصد ألا ترى غير مُخبِر لك لكن بنعمةِ اللّه أُحدّث أن قوما استشهدوا فِي سبيلِ اللّه مِن المهاجِرِين ولِكُلّ فضل حتّى إذا استُشهد شهيدُنا قِيل سيّدُ الشُّهداء و خصّهُ رسُول اللّه بِسبعِين تكبيرةً عند صلاتِهِ عليه أو لا ترى أن قوماً قطعت أيديهم فِي سَبِيلِ اللّه ولِكُلّ فضل حتّى إذا فُعِل بِواحِدِنا كما فُعِل بِوَاحِدِهِم قِيل الطيار فِي الجنَّة و ذُو الجناحين و لولا ما نهى اللّه عن تزكية المرء نفسه لذكر ذاكر فضائل جمّةً تعرِفُها قُلُوبُ المؤمنين ولا تمنحها آذانُ السّامِعِين فدع عنك مالت بِهِ الرّمِيَّةُ فَإِنَّا صنائعُ ربَّنا و النّاسُ بعد صنائعُ لنا لم يمنعنا قدِيمُ عِزّنا ولا عادِيُّ طولنا على قومك أن خلطناكم بأنفُسنا فنكحنا وأنكحنا فعل الأكفاء ولستُم هُناك وأنّى يَكُونُ
ص: 463
ذلك كذلك و مِنا النّبيّ ومِنكُمُ المكذِّبُ و مِنا أسدُ اللّه ومِنكُم أَسدُ الأحلافِ وَ مِنّا سيدا شبابِ أهلِ الجنَّة ومِنكُم صِبيةُ النّار ومِنا خيرُ نِساءِ العالمين ومِنكُم حمالة الحطب فِي كثِير مِمّا لنا عليكم فإسلامنا ما قد سُمِع وجاهِلِيّتُكُم لا تُدفعُ وكِتابُ اللّه يجمعُ لنا ما شنّ عنّا وهُو قوله تعالى ﴿وَأُولُو الْأَرْحَامِ بَعْضُهُمْ أَوْلَى بِبَعْضٍ فِي كِتَابِ اللَّهِ) و قوله تعالى (إنّ أولى النَّاسِ بِإِبراهيم للَّذِينَ اتَّبَعُوهُ وهذا النّبيّ وَالّذينَ آمَنُوا واللّه ولِيُّ المؤمنين) فنحنُ مرةً أولى بالقرابة وتارةً أولى بالطاعة و لما احتج المهاجِرُون على الأنصارِ يوم السّقِيفةِ بِرسُولِ اللّه (صَلَّى اللّه عَلَيْهِ وَآلِهِ) فَلَجُوا عليهم فإِن يَكُنِ الفَلَجُ بِهِ فالحق لنا دونكُم و إن يكن بغيره فالأنصار على دعواهم وزعمت أنّي لِكُلِّ الخلفاء حسَدتُ وعلى كُلِّهِم بَغيتُ فإن يكن ذلك كذلك فليس الجناية عليك فيكون العُذْرُ إليك
وتلك شكاةٌ ظاهِرُ عنك عارُها
وقُلت إنِّي كُنتُ أُقادُ كما يُقادُ الجمل المخشوش حتّى أبايع و لعمر اللّه لقد أردت أن تدم فدحت وأن تفضح فافتضحت وما على المسلم من غضاضة فِي أن يكون مظلوماً ما لم يكُن شاكاً فِي دِينِهِ ولا مرتاباً فِي يقينه و هذِهِ حُجّتِي إلى غيرك قصدُها ولكنّي أطلقتُ لك منها بقدر ما سنح من ذكرها ثمّ ذكرت ما كان من أمري و أمرِ عُثمان فلك أن تُجاب عن هذه لِرحمك مِنه فأيُّنا كان أعدى له وأهدى إلى مُقاتلتِهِ أم [أ] من بذل لهُ نُصرته فاستقعده واستكفه أم من استنصره فتراخى عنه وبثّ المنون إليه حتّى أتى عليه قدرُهُ كلا و اللّه لقد علم اللّه المعوقين مِنكُم والقائلين لإخوانهم هلم إلينا ولا يأتون البأس إلّا قليلا وما كُنتُ لأعتذر مِن أنِّي كُنتُ أنقِمُ عليه أحداثاً فإن كان الذنبُ إِليهِ إِرشادِي و هدايتي لهُ فرُبّ ملوم لا ذنب له
وقد يستفيدُ الظَّنّة المتنصّحُ
و ما أردتُ (إِلَّا الْإِصْلَاحَ مَا اسْتَطَعْتُ وَمَا تَوْفِيقِي إِلَّا بِاللَّهِ عَلَيْهِ تَوَكَّلْتُ وَإِلَيْهِ أُنِيبُ﴾ و ذكرت أنهُ ليس لي ولا لأصحابي عندك إلّا السّيف و لقد أضحكت بعد إستعبارٍ متى ألفيتَ بَنِي عَبدِ المطلب عنِ الأعداءِ ناكِلِين و بِالسُّيُوفِ مُخوَفِين
فالبث قليلا يلحق الهيجا حمل
فسيطلُبُك من تطلب ويقرُبُ مِنك ما تستبعِدُ وأنا مُرقِلٌ نحوك فِي جحفل من المهاجرين و الأنصار والتابعين بإحسانٍ شديدٍ زِحامُهُم ساطع قتامُهُم مُتسربلين سرابيل الموتِ أحبُّ اللّقاءِ
ص: 464
إليهم لقاء ربهم وقد صحبتهم ذُرِّيَّةٌ بدرِيَّةٌ وسيوف هاشِمِيّة قد عرفت مواقع نصالِها فِي أخيك وخالك وجدك وأهلك و ما هي من الظالمين ببعيد. (1)
1- حدّثنا عُبيدُ اللّه بنُ عبد اللّه الكندي حليف لبني أُميّة مِن أهل المدينةِ قال: حجّ مُعاوِيةُ بن أبي سفيان، فأتى [المدينة ] مجلس [فجلس] فِي حلقةٍ فجلس [بين] عبد اللّه بن عباس و عبد اللّه بن عُمر بن الخطاب، فضرب بِيدِهِ على فخذ ابن عبّاس ثمّ قال: أنا كُنتُ أحق وأولى بالأمر من ابن عمك. فقال ابنُ عبّاس: ولِمَ ؟ قال: لأنّي ابنُ عمّ الخليفة المظلُومِ المقتُولِ ظُلماً قال ابنُ عبّاس و ضرب بِيدِهِ على فَخِذِ ابن عُمر: هذا إِذًا أولى بالأمر منك، لأن أبا هذا قُتِل قبل ابن عمّك. قال: فانصاع، أو كلّمه نحو هذا. ثمّ إنّ مُعاوية أقبل على سعد بن أبي وقاص وكان حاضراً أيضاً فقال: وأنت يا سعدُ الّذي لم تعرف حقّنا مِن ِباطِلِ غيرنا، فتكون معنا أو علينا؟ قال سعد: إِنِّي لَمَّا رأيتُ الظُّلمة قد غَشِيتِ الأَرضَ قُلتُ: هبج [هيخ] فأنخته حتّى إذا أسفرت مضيتُ. قال مُعاوِيةُ : واللّه لقد قرأتُ المصحف أو ما بين الدّفتين ما وجدتُ [فيه] هبج [هيخ]. فقال سعد: أما إذا تنتهت فإنّي سمعت رسُول اللّه (صَلَّى اللّه عَلَيْهِ وَآلِهِ) يقولُ لِعلي بن أبِي طالِب (عَلَيهِ السَّلَامُ) : أنت مع الحقّ والحقُّ معك. قال مُعاوِيةُ: يا سعد لتجِيتُني بمن سمعه معك، أو لأفعلن بك كذا و كذا قال «أُمُّ سلمة» فقال: فقام، وقاموا معه حتّى دخل على أُم سلمة رضي اللّه عنها، قال: فبدأ مُعاوِيةُ فتكلّم، فقال: يا أُمّ المؤمنين إن الكذبة قد كثرت على رسُول اللّه (بعده) فلا يزال قائِل يقولُ : قال رسُول اللّه ما لم يقل، وإنّ سعداً الآن روى حديثاً زعم أنك سمِعتيه معه. قالت: ما هو؟ قال: زعم أن رسُول اللّه (صَلَّى اللّه عَلَيْهِ وَآلِهِ) قال لعلي: أنت مع الحقّ والحق معك. قالت: صدق، فِي بيتي قالهُ. فأقبل مُعاوِيةُ على سعدٍ وقال: الآن أنت أكرم علي مِمّا كُنت.
واللّه لو سمِعتُ هذا مِن رسُول اللّه ما زِلتُ خادِماً لعلي بن أبِي طالِب حتّى أموت. (2)
ص: 465
1 - عن خيثمة الجعفي، قال: كُنتُ عِند جعفر بن محمّد (عَلَيهِمَا السَّلَامُ)، أنا ومُفضّلُ بنُ عُمر ليلا ليس عِنده أحدٌ غيرُنا، فقال له مُفضّل الجعي : جُعِلتُ فداك، حدّثنا حديثاً نُسرُّبِهِ. قال: نعم، إذا كان يوم القيامةِ حشر اللّه الخلائق فِي صعِيدٍ وَاحِدٍ حُفاةً عُراةٌ غُرلاً.
قال: فقُلتُ: جُعِلتُ فِداك ما الغُرلُ ؟ قال: فقال: «كما خُلِقُوا أَوّل مرة، فيقِفُون حتّى يُلجمهُمُ العرق، فيقولون:
ليت اللّه يحكم بيننا ولو إلى النّارِ، يرون أن فِي النّار راحةً فيما هُم فِيهِ، ثمّ يَأْتُون آدم (عَلَيهِ السَّلَامُ)، فيقولون: أنت أبونا و أنت ني، فسل ربّك يحكم بيننا و لو إلى النّارِ، فيقول آدم: لستُ بصاحبكُم، خلقني ربّي بِيدِهِ، و حملني على عرشه، وأسجد لي ملائكته، ثمّ أمرني فعصيت، و لكني أدلُّكُم على ابني الصِّدِّيقِ الّذي مكث فِي قومِهِ ألف سنةٍ إِلا خمسين عاماً يدعُوهُم، كُلّما كذَّبُوا اشتدّ تصديقه، نُوحٍ قال فياتون نُوحاً (عَلَيهِ السَّلَامُ) فيقولون: سل ربّك يحكم بيننا ولو إلى النّارِ. قال: فيقول: لستُ بِصاحِبِكُم إِنِّي قُلتُ: إن ابني من أهلي؛ ولكِنِّي أَدُلُّكُم إلى منِ اتَّخذهُ اللّه خليلاً فِي دار الدنيا، انتوا إبراهيم قالفيأتون إبراهيم (عَلَيهِ السَّلَامُ) فيقول: لستُ بصاحبكُم، إِنِّي قُلتُ: إِنِّي سقِيمٌ؛ ولكِنِّي أدُلُّكُم على من كلّمه اللّه تكليماً، مُوسى؛ قال فيأتون موسى (عَلَيهِ السَّلَامُ) فيقولون له، فيقول لستُ: بِصاحِبِكُم إِنِّي قتلتُ نفساً، ولكِنِّي أَدُلُّكُم على من كان يخلُقُ بِإِذْنِ اللّه، و يُبرِئُ الأكمه والأبرص بإذنِ اللّه، عيسى؛ فياتُونه، فيقولُ:
لستُ بِصاحِبِكُم، ولكِنِّي أدُلُّكُم على من بشرتكم بِهِ فِي دار الدُّنيا، أحمد.
ثمّ قال أبو عبد اللّه (عَلَيهِ السَّلَامُ) : ما من نبيّ ولد مِن آدم إلى محمّد (صلوات اللّه عليهم) إلّا وهم تحت لواء محمّد (صَلَّى اللّه عَلَيْهِ وَآلِهِ). قال: فياتونه، ثمّ قال: فيقولون: يا محمّد، سل ربّك يحكم بيننا ولو إلى النّارِ؛ قال: فيقولُ:
نعم أنا صاحِبُكُم؛ فياتي دار الرحمن وهي عدن، وإنّ بابها سعته ما بين المشرق والمغرب، فيُحرِّكُ حلقةٌ مِن الحلق، فيُقالُ: من هذا ؟ وهُو أعلمُ بِهِ، فيقول: أنا محمّد؛ فيُقالُ: افتحوا له؛ قال: فيُفتحُ لِي؛ قال: فإذا نظرتُ إلى ربّي مجدتُهُ تمجيداً لم يُجده أحدٌ كان قبلي ولا يُجِدُهُ أحدٌ كان بعدي، ثمّ أخِرُّ ساجداً، فيقول: يا محمّد إرفع رأسك وقُل يُسمع قولك، واشفع تشفع وسل
ص: 466
تُعط: قال: فإذا رفعت رأسي و نظرتُ إلى ربّي مجدتُه تمجيداً أفضل من الأولِ ثمّ أخر ساجداً. فيقولُ: ارفع رأسك وقُل يُسمع قولك واشفع تشفّع وسل تعط؛ فإذا رفعت رأسي و نظرتُ إلى ربي مجدته تمجيداً أفضل من الأول والثاني، ثمّ أخِرُّ ساجداً، فيقولُ: إرفع رأسك، وقُل يُسمع قولُك، واشفع تشفّع، وسل تُعط ؛ فإذا رفعتُ رأسي أقولُ : ربّ احكم بين عِبادِك ولو إلى النار؛ فيقولُ: نعم، يا محمّد.
قال: ثمّ يُؤتى بناقةٍ مِن ياقوت أحمر، وزمامها زبرجد أخضر، حتّى أركبها، ثمّ أتي المقام المحمود حتّى أقف عليه، وهُوتل مِن مِسكٍ أذفر بِحِيالِ العرش؛ ثمّ يُدعى إبراهيم (عَلَيهِ السَّلَامُ) فيُحمل على مثلها، فيجيء حتّى يقف عن يمين رسُول اللّه (صَلَّى اللّه عَلَيْهِ وَآلِهِ)، ثمّ يرفعُ رسُول اللّه (صَلَّى اللّه عَلَيْهِ وَآلِهِ) يده فيضرب على كتف عليّ بن أبِي طالِب (عَلَيهِ السَّلَامُ)، ثمّ قال: ثمّ تُؤتى واللّه يمثلها فتحمل عليها، ثمّ تجيء حتّى تقف بيني و بين أبيك إبراهيم.
ثُمَّ يخرُجُ مُنَادٍ مِن عِندِ الرحمنِ فيقولُ: يا معشر الخلائِقِ، أليس العدل مِن رَّبِّكُم أَن يُوتِي كلّ قوم ما كانُوا يتولّون فِي دارِ الدُّنيا؟ فيقولون : بلى، وأيُّ شيءٍ عدلٌ غيره؟ قال: فيقومُ الشَّيطانُ الّذي أضلَّ فِرقةً مِن النّاسِ حتّى زعموا أن عيسى (عَلَيهِ السَّلَامُ) هُو اللّه و ابنُ اللّه فيتبعُونَهُ إِلى النّارِ، وَيَقُومُ الشَّيطانُ الّذي أَضلَّ فِرقةً مِن النّاسِ حتّى زعموا أنّ عُزيراً ابنُ اللّه حتّى يتبعُونَهُ إِلى النَّارِ، فيقومُ كلّ شيطانٍ أضل فرقةً فيتبعونه إلى النّار حتّى تبق هذه الأمة.
ثمّ يخرجُ مُنَادٍ مِن عِندِ اللّه فيقولُ: يا معشر الخلائقِ أليس العدل مِن رَّبِّكُم أن يُولّي كلّ فرِيقٍ من كانوا يتولّون فِي دار الدُّنيا؟ فيقولون : بلى، وأي شيءٍ عدلٌ غيره ؟ فيقوم شيطان فيتبعه من كان يتوله، ثمّ يقوم شيطان فيتبعُهُ من كان يتولاه، ثمّ يقُومُ شيطان ثالث فيتبعه من كان يتولاه، ثمّ يقُومُ مُعاوِيةُ فيتبعُهُ من كان يتولاه، ويقوم على فيتبعُهُ من كان يتولاه، ثمّ يقومُ يَزِيدُ بنُ مُعَاوِية فيتبعه من كان يتولاه ويقوم الحسن فيتبعُهُ من كان يتولاه، ويقوم الحُسين فيتبعه من كان يتولاه، ثمّ يقومُ مروان بن الحكم و عبد الملكِ فيتبعُهُما من كان يتولاهما ثمّ يقوم عليّ بن الحُسين فيتبعه من كان يتولاه، ثمّ يقوم الوليد بن عبد الملكِ، ويقوم محمّد بن علي فيتبعهما من كان يتولاهما ثمّ أقوم أنا فيتبعني من كان يتولاني، وكأني بكما معي، ثمّ يُؤتى بنا فنجلس على عرش ربنا، ويُؤتى بِالكُتُبِ فتوضعُ فتشهد على عدوّنا، ونشفعُ لمن كان من شيعتنا مُرهقاً.
ص: 467
قال : قُلتُ : جُعِلتُ فِداك، فما المرهَقُ ؟ قال : المذنِبُ فأما الّذين اتقوا مِن شِيعَتِنا فقد نجاهم اللّه بمفازتهم، لا يمسُّهُمُ السُّوءُ ولا هم يحزنون. قال: ثمّ جاءته جاريةٌ له، فقالت: إن فلان القُرشِيِّ بِالباب، فقال: «اذنوا له» ثمّ قال لنا:« اسکتوا» (1).
1- عن أبي عبا عبد اللّه (عَلَيهِ السَّلَامُ) عن آبائه (عَلَيهِم السَّلَامُ) قال لما بلغ أميرالمؤمنين (عَلَيهِ السَّلَامُ) أمرُ مُعاوِية وأَنَّهُ فِي مائة ألف قال من أي القوم قالُوا مِن أهلِ الشّام، قال (عَلَيهِ السَّلَامُ) لا تَقُولُوا مِن أهلِ الشّامِ ولكن قُولُوا مِن أهلِ السُّومِ هُم مِن أبناءِ مُضر لُعِنُوا على لِسانِ داؤد فجعل اللّه مِنهُمُ القردة والخنازير، ثمّ كتب (عَلَيهِ السَّلَامُ) إلى مُعاوية لا تقتُلِ النّاس بيني وبينك وهلم إلى المبارزة فإن أنا قتلتك فإلى النّار أنت وتستريحُ النّاسُ مِنك ومن ضلالتك و إن قتلتني فأنا إلى الجنَّة ويُغمد عنك السّيفُ الّذي لا يسعُنِي غِمدُهُ حتّى أردّ مكرك وبدعتك، وأنا الّذي ذكر اللّه اسمه فِي التوراة و الإنجيل بمؤازرة رسُول اللّه (صَلَّى اللّه عَلَيْهِ وَآلِهِ)، وأنا أوّلُ من بايع رسُول اللّه (صَلَّى اللّه عَلَيْهِ وَآلِهِ) تحت الشجرة فِي قوله: (لَقَدْ رَضِيَ اللَّهُ عَنِ الْمُؤْمِنِينَ إِذْ يُبَايِعُونَكَ تَحْتَ الشَّجَرَةِ)(2). فَلَمّا قرأ مُعاوِيةُ كِتابَهُ وعِندَهُ جلساؤُهُ قالُوا واللّه قد أنصفك فقال مُعاوِيةُ واللّه ما أنصفني واللّه لأَرْمِينَهُ بِمِائَةِ أَلْفِ سيفٍ مِن أهلِ الشّامِ مِن قبل أن يصل إليّ، وواللّه ما أنا مِن رِجالِهِ، ولقد سمعت رسُول اللّه (صَلَّى اللّه عَلَيْهِ وَآلِهِ) يقول واللّه يا عليُّ لو بارزك أهل الشرق والغرب لقتلتهم أجمعين، فقال له رجُلٌ مِن القوم فما يحمِلُك يا معاويةُ على قِتالِ من تعلمُ وتُخبِرُ فِيهِ عن رسُول اللّه (صَلَّى اللّه عَلَيْهِ وَآلِهِ) بِما تُخبِرُ ما أنت ونحنُ فِي قِتالِهِ إلّا على الضّلالة! فقال معاويةُ : إِنّما هذا بلاغ مِن اللّه ورِسالاتِهِ واللّه ما أستطِيعُ أنا و أصحابي رة ذلك حتّى يكون ما هُو كائن. قال: وبلغ ذلك ملك الرُّومِ وأُخبر أن رجلين قد خرجا يطلبان الملك فسأل من أين خرجا فقيل لهُ رجُلٌ بِالكُوفة ورجُلٌ بِالشّامِ قال : فلِمَنِ الملك الآن فأمر وزراءه فقال تخلّلُوا هل تُصِيبُون مِن تُجارِ العرب من يصِفُهُما لِي، فأُتِي بِرجُلينِ مِن تُجَارِ الشّامِ ورجُلينِ
ص: 468
مِن تُجارِ مكّة فسألهم عن صفتِهما فوصفوهما لهُ ثمّ قال لِخُزَانِ بُيُوتِ خزائِنِهِ أخرجوا إلي الأصنام فأخرجوها فنظر إليها فقال: الشَّامِيُّ ضال والكُوفِيُّ هادٍ، ثمّ كتب إلى مُعاوِية أن ابعث إلي أعلم أهل بيتك وكتب إلى أمير المؤمنين (عَلَيهِ السَّلَامُ) أن ابعث إلي أعلم أهل بيتك، فأسمع منهما ثمّ أنظر فِي الإِنجِيلِ كِتابِنا ثمّ أُخبِركُما من أحقُّ بِهذا الأمرِو خشِي. على مُلْكِهِ، فبعث مُعاوِيةُ يزيد ابنه و بعث أمير المؤمنين الحسن ابنه (عَلَيهِ السَّلَامُ) فلما دخل يزِيدُ على الملكِ أخذ بِيدِه و قبلها ثمّ قبل رأسه ثمّ دخل عليه الحسن بن علي (عَلَيهِمَا السَّلَامُ) فقال: الحمد للّه الّذي لم يجعلني يهودياً ولا نصرانياً ولا مجُوسِيّاً ولا عابداً للشمس والقمر ولا الصنم ولا البقرو جعلني حنيفاً مُسلِماً و لم يجعلني من المشركين تبارك اللّه ربُّ العرش العظيم و الحمد للّه ربّ العالمين، ثمّ جلس لا يرفعُ بصره، فلما نظر ملِكُ الرُّومِ إلى الرّجُلِينِ أخرجهما ثمّ فرّق بينهما ثمّ بعث إلى يزيد فأحضرهُ ثمّ أخرج من خزائِنِهِ ثلاثمائة وثلاثة عشر صُندوقاً فيها تماثيل الأنبياء و قد زُيّنت بِزِينَةِ كلّ نبيّ مرسل فأخرج صنماً فعرضه على يزيد فلم يعرفه ثمّ عرض عليه صنماً صنماً فلا يعرِفُ منها شيئاً ولا يُجِيبُ مِنها بِشيءٍ ثمّ سأله عن أرزاق الخلائق و عن أرواح المؤمنين أين تجتمعُ وعن أرواحِ الكُفَّارِ أين تكُونُ إذا ماتوا فلم يعرف من ذلك شيئاً ثمّ دعا الملك الحسن بن علي (عَلَيهِمَا السَّلَامُ) فقال: إنما بدأتُ بيزيد بن معاوية كي يعلم أنك تعلم ما لا يعلمُ و يعلمُ أبوك ما لا يعلمُ أبوه فقد وُصف لي أبوك وأبوه ونظرتُ فِي الإِنجِيلِ فرأيتُ فِيهِ محمّداً رسُول اللّه (صَلَّى اللّه عَلَيْهِ وَآلِهِ) و الوزير عليّاً (عَلَيهِ السَّلَامُ) فنظرتُ فِي الأوصياء فرأيتُ فِيها أباك وصيّ محمّد رسُولِ اللّه (صَلَّى اللّه عَلَيْهِ وَآلِهِ).
فقال له الحسن: سلني عمّا بدالك مِمّا تجده فِي الإنجيل وعما فِي التوراة وعمّا فِي القرآن أُخبرك بِهِ إن شاء اللّه تعالى، فدعا الملكُ بِالأصنام فأوّلُ صنم عرض عليه فِي صورة القمر فقال الحسن (عَلَيهِ السَّلَامُ) : هذه صفة آدم أبو البشرِثُم عرض عليه أُخرى فِي صفة الشمس فقال الحسن (عَلَيهِ السَّلَامُ) : هذِهِ صِفةُ حوّاء أُمّ البشرِثُم عرض عليه آخر فِي صُورة حسنة فقال: هذه صفة شيث بن آدم و كان أوّل من بُعِث و بلغ عُمُرُهُ فِي الدُّنيا ألف سنة وأربعين عاماً، ثمّ عرض عليه أُخرى فقال: هذه صفة نُوح صاحِبِ السفينة كان عُمُرُهُ ألفاً وأربعمائة سنة وليث فِي قومه ألف سنة إلّا خمسين عاماً، ثمّ عرض عليه آخر فقال: هذهِ صِفةُ إبراهيم عريض الصدرِ طويل الجبهة ثمّ عرض عليه صنماً آخر فقال: هذِهِ صِفةُ مُوسى بن عمران و كان عُمُرُهُ مِائتين وأربعين سنةً و كان بينه وبين إبراهيم
ص: 469
خمسمائة عامٍ ثمّ أخرج إليه صنماً آخر فقال: هذه صفة إسرائيل وهُو يعقُوبُ ثمّ أخرج إليهِ صنماً آخر فقال : هذِهِ صِفه إسماعيل ثمّ أخرج إليه صنماً آخر فقال: هذِهِ صفةُ يُوسف بن يعقوب بن إسحاق بن إبراهيم ثمّ أخرج إليه صنما آخر فقال: هذه صفة داوُد صاحِبِ المحرابِ [ الحرب] ثمّ أخرج إليهِ صنماً آخر فقال: هذِهِ صِفةُ شُعيبٍ ثمّ زَكَرِياثُمَّ يحى ثمّ عيسى ابن مريم روح اللّه وكلمتِهِ و كان عُمُرُهُ فِي الدُّنيا ثلاثا وثلاثين سنةً ثمّ رفعهُ اللّه إِلى السّماء ويهبط إلى الأرضِ بِدِمشق وهُو الّذي يقتُلُ الدّجّال. ثمّ عرض عليه صنماً صنماً فيُخبِرُ باسم نبيّ نبيّ ثمّ عرض عليه الأوصياء والوزراء فكان يُخبِرُ بِاسمِ وصيّ وصيّ و وزير وزير ثمّ عرض عليه أصناماً بِصِفة الملُوكِ فقال الحسن (عَلَيهِ السَّلَامُ) هذِهِ أصنام لم نجد صفتها فِي التّوراة ولا فِي الإِنجِيلِ ولا فِي الزِّبُورِ ولا فِي الفُرقانِ فلعلها مِن صِفةِ الملُوكِ فقال الملك : أشهد عليكم يا أهل بيت محمّد أنكُم قد أُعطِيتُم عِلم الأوّلين والآخرين و علم التوراة والإنجيل والزبورِ و صُحُفِ إبراهيم و ألواح مُوسى (عَلَيهِ السَّلَامُ) ثمّ عرض عليه صنماً يلُوحُ، فلما نظر إليه بكى بكاءً شدِيداً، فقال له الملِكُ ما يُبكيك فقال: هذِهِ صِفةُ جدّي محمّد (صَلَّى اللّه عَلَيْهِ وَآلِهِ) كثيف اللحية عرِيضُ الصّدرِ طوِيلُ العُنُقِ عرِيضُ الجبهة، أقنى الأنف، أفلجُ الأَسنانِ حسن الوجه قطط الشعرِطيِّبُ الرِّيحِ حسنُ الكلامِ فصِيحُ اللّسانِ، كان يأمُرُ بِالمعروف وينهى عن المنكر، بلغ عُمُرُهُ ثلاثاً وسِتِّين سنةً ولم يُخلّف بعده إلّا خاتماً مكتوب عليه لا إِله إِلا اللّه محمّد رسُول اللّه (صَلَّى اللّه عَلَيْهِ وَآلِهِ) و كان يختم [ يتختم بِيَمِينِهِ وخلّف سيفه ذا الفقار وقضيبه وجُبّة صُوفٍ وكساء صُوفٍ كان يتسرولُ بِهِ، لم يقطعه ولم يخطهُ حتّى لحق باللّه فقال الملِكُ : إِنَّا نجِدُ فِي الإِنجِيلِ أَنَّهُ يكُونُ له ما يتصدّقُ بِهِ على سبطيه فهل كان ذلك فقال له الحسن (عَلَيهِ السَّلَامُ) : قد كان ذلك، فقال الملك فبقي لكُم ذلك فقال لا، فقال الملِكُ أَوَّلُ فِتنة هذِهِ الأُمّة غلبا أباكما وهُما الأول والثاني على مُلكِ نبيّكم واختيار هذِهِ الأُمّة على ذُرِّيَّةِ نَبِتِهم، مِنكُمُ القَائِمُ بالحقِّ الأمر بالمعروف والنّاهِي عن المنكر. قال: ثمّ سأل الملك الحسن (عَلَيهِ السَّلَامُ) عن سبعة أشياء خلقها اللّه لم تركض فِي رحم، فقال الحسن (عَلَيهِ السَّلَامُ) أول هذِهِ آدَمُ ثمّ حَوَاءُ ثمّ كبش إبراهيم ثمّ ناقةُ صالح ثمّ إبليس الملعُونُ ثمّ الحيةُ ثمّ الغُراب الّتي ذكرها اللّه فِي القرآن، قال: ثمّ سأله عن أرزاق الخلائق، فقال الحسن (عَلَيهِ السَّلَامُ) : أرزاق الخلائِقِ فِي السّماء الرّابِعَةِ يُنزِلُ بِقدرٍ ويُبسط بِقدرٍ ثمّ سأله عن أرواح المؤمنين أين تكُونُ إذا ماتوا قال: تجتمعُ عِند صخرة بيت المقدِس فِي كلّ ليلة جمعة وهُو عرش
ص: 470
اللّه الأدنى منها بسط اللّه الأرض وإليها يطويها ومنها المحشرُو مِنها استوى ربَّنا إلى السّماء أي استولى على السّماء والملائِكَةِ، ثمّ سأله عن أرواحِ الكُفَّارِ أين تجتمعُ قال: تجتمع فِي وادي حضرموت وراء مدينة اليمنِ ثمّ يبعث اللّه ناراً من المشرق و ناراً من المغرب و يتبِعُهُما بِرِيحين شديدتين فيُحشرُ النَّاسُ عِند صخرة بيتِ المقدِس فيُحشر أهل الجنَّة عن يمين الصخرة ويُزلفُ الميعاد وتصير جهنَّم عن يسار الصخرة فِي تُخُومِ الأرْضِين السّابِعَةِ وفيها الفلقُ و السّحِينُ فتفرّقُ الخَلائِقُ مِن عِندِ الصّخرة فمن وجبت له الجنَّة دخلها و من وجبت له النّار دخلها وذلك قوله (فَرِيقٌ فِي الْجَنَّةِ وَفَرِيقٌ فِي السَّعِيرِ) (1) فلما أخبر الحسن (عَلَيهِ السَّلَامُ) بصفة ما عرض عليه من الأصنام وتفسير ما سأله التفت الملِكُ إِلى يَزِيد بن معاوية و قال: أشعرت أن ذلك عِلم لا يعلمه إلّا ني مُرسل أو وصيّ مُؤازر قد أكرمهُ اللّه بِمُؤازرة نبيّه أو عترة نبيّ مُصطفى و غيره فقد طبع اللّه على قلبه و آثر دنياه على آخِرَتِهِ و هواه على دِينِهِ وهُو مِن الظالمين. قال: فسكت يزيد و خمد قال: فأحسن الملك جائزة الحسن وأكرمه وقال له: ادعُ ربك حتّى يرزقني دِين نبيّك فإنّ حلاوة الملكِ قد حالت بيني وبين ذلك وأظُنُّهُ سَماً مُردِياً و عذاباً أليماً، قال: فرجع يزِيدُ إلى مُعاوية: وكتب إليهِ الملِكُ أنّهُ من آتَاهُ اللّه العِلم بعد نبيّه و حكم التّوراة وما فيها والإِنجِيلِ وما فِيهِ والزّبُورِ وما فِيهِ والفُرقانِ وما فِيهِ فالحق والخلافة له وكتب إلى عليّ (عَلَيهِ السَّلَامُ) أن الحقّ والخلافة لك وبيت النُّبُوةِ فِيك وفي ولدك فقاتل من قاتلك يُعذِّبهُ اللّه بِيدِك فإنّ مَن قاتَلَك نجده فِي الإنجيل أنّ عليه (لَعْنَةُ اللَّهِ وَالْمَلَائِكَةِ وَالنَّاسِ أَجْمَعِينَ)(2) وعليه لعنة أهل السّماواتِ والأرضين. (3)
1- عن عبدِ الرّحمنِ بنِ أبِي عبدِ اللّه، قال: سمعت أبا عبد اللّه (عَلَيهِ السَّلَامُ) يقولُ: خرج رسُول اللّه (صَلَّى اللّه عَلَيْهِ وَآلِهِ) من حجرته و مروان و أبوه يستمعان إلى حدِيثِهِ، فقال له: الوزغ بنُ الوزغ. قال أبو عبد اللّه (عَلَيهِ السَّلَامُ) : فمن يومئذ يرون أن الوزغ يسمعُ الحديث. (4)
ص: 471
2 - عن زرارة قال: سمعت أبا جعفر (عَلَيهِ السَّلَامُ) يقولُ : لَا وُلِد مروان عرضُوا بِهِ لِرسولِ اللّه (صَلَّى اللّه عَلَيْهِ وَآلِهِ) أن يدعُوله، فأرسلوا بِهِ إِلى عائشة ليدعُولهُ، فَلَمّا قربتهُ مِنهُ، قال: أخرِجُوا عنّي الوزغ بن الوزغ. قال زرارةُ: ولا أعلم إلّا أنَّه قال: ولعنه. (1)
3- عن محمّد بن السائب أنَّه قال: قال مروان بن الحكم يوماً للحسين بن علي (عَلَيهِمَا السَّلَامُ): لولا فخركم بفاطمة بما كنتُم تفتخرون علينا فوثب الحُسين (عَلَيهِ السَّلَامُ) وكان شديد القبضة فقبض على حلقه فعصره، ولوى عمامته على عُنقه حتّى غُشِي عليه ثمّ تركه. و أقبل الحُسين (عَلَيهِ السَّلَامُ) على جماعةٍ من قريش فقال : أنشدكُم باللّه الا صدقتموني إن صدقت؟ أتعلمون أنّ فِي الأرضِ حبيبين كانا أحبّ إلى رسُول اللّه (صَلَّى اللّه عَلَيْهِ وَآلِهِ) مني و مِن أخِي أو على ظهر الأرض ابن بنت نبيّ غيري و غير أخِي ؟ قالُوا: اللّهمّ لا. قال: وإنّي لا أعلم إنّ فِي الأرض ملعون بن ملعون غير هذا و أبيه طريد رسُول اللّه (صَلَّى اللّه عَلَيْهِ وَآلِهِ). واللّه ما بين جابرس و جابلق أحدهما بباب المشرق والآخر ببابِ المغربِ، رجُلان ممّن ينتحل الإسلام أعدى اللّه ولرسوله ولأهل بيته منك ومن أبيك إذا كان، وعلامة قولي فيك إنّك إذا غضبت سقط رداؤك عن منكبيك. قال: فواللّه ما قام مروان من مجلسه حتّى غضب فانتفض وسقط رداؤُه عن عاتقه. (2)
4- عن جابر بن عبدِ اللّه الأنصاري رضى اللّه عنه قال: صعد مروان بن الحكم منبر رسُول اللّه (صَلَّى اللّه عَلَيْهِ وَآلِهِ) وشتم أمير المؤمنين (عَلَيهِ السَّلَامُ)، قال فخرجت يد من قبرِ رسُول اللّه (صَلَّى اللّه عَلَيْهِ وَآلِهِ) مكتوب عليها: «يا عدو اللّه، أكفرت بالّذي خلقك من تراب ثمّ من نطفة ثمّ سوّاك رجُلاً، اللّه الّذي لا إله إلّا هُوربُّ العالمين»، ثمّ عقد بيده ثلاثة وعشرين عقدا فعرفتُها واللّه وهِي يدُ رسُول اللّه (صَلَّى اللّه عَلَيْهِ وَآلِهِ). قال: واللّه ما أتى عليه ثلاثة وعشرون يوماً إلّا دفنّاه. (3)
ص: 472
1- روى سليم بن قيس قال سمِعتُ عبد اللّه بن جعفر بن أبِي طالِب قال قال لي معاوية ما أشدّ تعظيمك للحسن والحُسين ما هُما بِخير منك ولا أبوهما بخير من أبيك ولولا أن فاطمة بنتُ رسُول اللّه لقُلتُ ما أُمُّك أسماءُ بِنتُ عُميس بِدُونها قال فغضبت من مقالته وأخذني ما لا أملِكُ فقُلتُ أنت لقليلُ المعرفة بهما وبأبيهما و أُمّهما بلى واللّه إِنَّهُما خَيرٌ مِنِّي وَأَبُوهُما خَيرٌ مِن أبي وأُمُّهُما خيرٌ مِن أُمّي ولقد سمعتُ رسُول اللّه (صَلَّى اللّه عَلَيْهِ وَآلِهِ) يقولُ فيهما وفي أبيهما وأنا غلام فحفظتُه مِنهُ ورعيتُهُ فقال مُعاوِيةُ وليس فِي المجلس غير الحسن والحُسين (عَلَيهِمَا السَّلَامُ) وابن جعفر رحمه اللّه وابن عبّاس و أخِيهِ الفضلِ هاتِ ما سمعت فواللّه ما أنت بِكَذَّابٍ فقال إِنَّهُ أعظمُ مِمّا فِي نفسك قال وإن كان أعظم مِن أُحدٍ و حرى فآتِهِ ما لم يكُن أحدٌ مِن أهلِ الشّامِ أما إذا قتل اللّه طاغيتكُم وفرّق جمعكُم وصار الأمرُ فِي أهلِهِ و معدِنِهِ فما نُبالِي مَا قُلتُم ولا يَضُرُّنا ما ادعيتُم قال سمعت رسُول اللّه (صَلَّى اللّه عَلَيْهِ وَآلِهِ) يَقُولُ : أنا أولى بالمؤمِنِين مِن أَنفُسِهِم فمن كُنتُ أولى بِهِ مِن نفسِهِ فأنت يا أخي أولى بِهِ مِن نفسِهِ وعلي بين يديه فِي البيت و الحسن والحُسين وعمرو [ عُمر] بنُ أُمّ سلمة وأسامة بن زيد وفي البيتِ فاطمة (عَلَيهَا السَّلَامُ) و وأُمُّ أيمن وأبو ذر و المقداد و الزُّبير بن العوامِ وضرب رسُول اللّه (صَلَّى اللّه عَلَيْهِ وَآلِهِ) على عضُدِهِ وأعاد ما قال فِيهِ ثلاثاً ثمّ نص بالإمامة على الأئمّة تمام الاثني عشر (عَلَيهِم السَّلَامُ) ثمّ قال (صَلَّى اللّه عَلَيْهِ وَآلِهِ) لأُمتي اثنا عشر إمام ضلالةٍ كُلُّهُم ضالّ مُضِلَّ عشرةٌ مِن بَنِي أمية ورجُلانِ مِن قُريش وزر جميع الاثني عشر و ما أضلُّوا فِي عُنُقِهِما ثمّ سَمَاهُما رسُول اللّه (صَلَّى اللّه عَلَيْهِ وَآلِهِ) وسمّى العشرة منهما قال فسمّهم لنا قال فلانٌ وفُلانٌ وفُلانٌ وصاحِبُ السّلسِلةِ وابنُهُ مِن آلِ أَبِي سُفيان وسبعةٌ مِن وُلدِ الحكمِ بنِ أبي العاص أوهم مروان قال مُعاوِيةُ لئِن كان ما قلت حقّاً هلكت و هلكت الثّلاثة قبلي وجمِيعُ من تولّاهُم مِن هذِهِ الأُمّة ولقد هلك أصحابُ رسُول اللّه مِن المهاجرين والأنصار والتابعين من غيرِكُم وأهل البيتِ وشِيعتِكُم قال ابنُ جعفر فإنّ الّذي قُلتُ واللّه حقّ سِمِعتُهُ مِن رسُول اللّه (صَلَّى اللّه عَلَيْهِ وَآلِهِ) قال مُعاوِيةُ للحسن والحُسين وابن عبّاس ما يقُولُ ابن جعفر؟ قال ابن عباس و مُعاوِيةُ بِالمدينةِ أوّل سنةٍ اجتمع عليهِ النَّاسُ بعد قتل عليّ (عَلَيهِ السَّلَامُ) أرسل إلى الّذي سمى فأرسل إلى عمرو [ عمّا بنِ أُمّ سلمة وأُسامة فشهِدُوا جميعاً أن الّذي قال ابنُ جعفر حقّ قد سَمِعُوا مِن رسُول اللّه (صَلَّى اللّه عَلَيْهِ وَآلِهِ) كما سمعهُ ثمّ أقبل مُعاوِيةُ إلى الحسن والحُسين وابن عباس
ص: 473
والفضل و ابنِ أُمّ سلمة وأُسامة قال كُلُّكُم على ما قال ابن جعفر؟ قالُوا نعم قال مُعاوِيةُ فَإِنَّكُم يَا بَنِي عبد المطلب لتدّعُون أمراً و تحتجون بِحُجّةٍ قويّةٍ إن كانت حقّاً و إنكم لتبصُرُون على أمرو تستُرُونهُ والنّاسُ فِي غفلةٍ وعمّى ولئِن كان ما تقُولُونه حقّاً لقد هلكتِ الأُمّه ورجعت عن دينها و كفرت بربّها وجحدت نبيّها إلّا أنتُم أهل البيت ومن قال بِقولِكُم وأُولئِكَ قلِيلٌ فِي النّاس فأقبل ابن عبّاس على مُعاوِية فقال قال اللّه تعالى و قلِيلٌ مِن عِبادِي الشَّكُورُ و قال وقليل ما هم وما تعجبُ مِنّي يا مُعاوِيةُ اعجب من بَنِي إسرائيل إن السحرة قالُوا لفرعون فاقض ما أنت قاض فآمَنُوا بِمُوسى وصدّقُوهُ ثمّ سار بهم و منِ اتَّبعهُم مِن بَنِي إسرائيل فأقطعهُمُ البحر و أراهُمُ العجائب وهُم مُصدّقون بوسى و بِالتَّوراةِ يُقِرُّون لهُ بِدِينِهِ ثمّ مَرُّوا بأصنامٍ تُعبد فقالوا يا موسى اجعل لنا إلهاً كما لهم آلهةٌ قال إِنَّكُم قوم تجهلون وعكفوا على العِجل جميعاً غير هارون فقالُوا هذا إلهكم وإلهُ مُوسى وقال لهم مُوسى بعد ذلك وادخُلُوا الأرض المقدّسة فكان من جوابهم ما قصّ اللّه عزّ و جلّ عليهم فقال مُوسى رَبِّ إِنِّي لا أَمْلِكُ إِلَّا نفسي وأخي فافرق بيننا وبين القوم الفاسِقِين فما اتِّباعُ هذِهِ الأُمّة رِجَالًا سَوَدُوهُم وأَطَاعُوهُم لهم سوابق مع رسُول اللّه (صَلَّى اللّه عَلَيْهِ وَآلِهِ) ومنازل قريبةٌ مِنها وأصهارُهُ مُقِرِّين بِدِينِ محمّد (صَلَّى اللّه عَلَيْهِ وَآلِهِ) و بِالقُرآنِ حملهُمُ الكبر و الحسد أن خالفوا إمامهم و ولِيَّهُم بِأَعجب مِن قومٍ صاغُوا مِن حُلتِهِم عِجلًا تُم عكفوا عليه يعبُدُونه ويسجدون له ويزعُمُون أَنَّهُ ربُّ العالمين و اجتمعُوا على ذلك كُلُّهُم غير هارون وحده وقد بقي مع صاحِبِنا الّذي هُو مِن نَبِيِّنَا مِنزِلَةِ هَارُون مِن مُوسى من أهل بيته ناش سلمان وأبو ذر و المقداد والزبيرثُم رجع الزبيرو ثبت هؤُلاءِ الثّلاثة مع إمامهم حتّى لقُوا اللّه وتَعجِبُ يا مُعاوِيةُ أن سمى اللّه من الأمة واحِداً بعد واحد وقد نص عليهم رسُول اللّه بِغدِيرِ خُم وفي غير موطن واحتج بهم عليهم وأمرهم بطاعتهم وأخبر أن أولهم عليّ بن أبِي طالِب ولِيّ كلّ مُؤمِنٍ و مُؤمِنَةٍ مِن بعدِهِ وَأَنْهُ خليفتُهُ فِيهِم و وصِيُّهُ وقد بعث رسُول اللّه (صَلَّى اللّه عَلَيْهِ وَآلِهِ) جيشاً يوم مؤتة فقال عليكم بجعفر فإن هلك فزيد فإن هلك فعبد اللّه بن رواحة فقُتِلُوا جميعاً أفترى يترك الأمة ولم يُبيّن هم من الخليفة بعده ليختارُوا هُم لأنفُسِهِمُ الخليفة كان رأيهم لأنفُسِهِم أهدى هُم وأرشد مِن رأيه و اختياره و ما ركب القومُ ما ركِبُوا إِلّا بعد ما بينه و ما تركهم رسُول اللّه (صَلَّى اللّه عَلَيْهِ وَآلِهِ) فِي عمّى ولا شُبهةٍ فأما ما قال الرهط الأربعةُ الّذين تظاهروا على عليّ (عَلَيهِ السَّلَامُ) و كذبوا على رسُول اللّه و زِعَمُوا أَنَّهُ قالَ إِنَّ اللّه لم
ص: 474
يكُن ليجمع لنا أهل البيتِ النُّبوة والخلافة فقد شبّهوا على النّاسِ بِشهادتهم و كذبهم و مكرهم قال مُعاوِيةُ ما تَقُولُ يا حسنُ قال يا مُعاوِيةُ قد سمعت ما قُلتُ وما قال ابن عباس العجبُ مِنك يا مُعاوِيةُ ومِن قِلَّةِ حيائِكَ ومِن جُرأتِك على اللّه حين قُلت قد قتل اللّه طاغيتكُم وردّ الأمر إلى معدِنِهِ فأنت يا مُعاوِيةُ معدِنُ الخِلافةِ دوننا؟ ويلٌ لك يا مُعاوِيَةُ ولِثلاثة قبلك الّذين أجلسُوك هذا المجلس وستُوا لك هذِهِ السُّنّة لأقولنّ كلاماً ما أنت أهلُهُ ولَكِنِّي أَقُولُ لِيسمَعهُ بنُوأَبِي هؤلاء حولي إن الناس قد اجتمعوا على أُمور كثيرة ليس بينهم اختِلافُ فِيها ولا تنازع ولا فُرقةٌ على شهادة أن لا إله إلّا اللّه وأن محمّداً رسُول اللّه وعبده والصلوات الخمس و الزكاة المفروضة و صوم شهر رمضان و حجّ البيتِ ثمّ أشياء كثيرة من طاعةِ اللّه لا تُحصى ولا يَعُدُّها إِلَّا اللّه و اجتمعُوا على تحريم الزنا والسّرقة والكذِبِ والقطيعة والخيانة وأشياء كثيرة من معاصي اللّه لا تُحصى ولا يعدُّها إلّا اللّه واختلفوا فِي سنن اقتتلوا فيها وصاروا فرقاً يلعن بعضُهم بعضاً و هي الولاية ويتبرأُ بعضُهم عن بعض ويقتل بعضُهم بعضاً أَيُّهم أحقُّ وأولى بِها إِلَّا فِرقةٌ تتبعُ كتاب اللّه وسنّة نبيّه (صَلَّى اللّه عَلَيْهِ وَآلِهِ) فمن أخذ بما عليهِ أهلُ القِبلةِ الّذي ليس فِيهِ اخْتِلافُ وردّ عِلم ما اختلفُوا فِيهِ إِلى اللّه سلم ونجا بِهِ مِن النّار و دخل الجنَّة و من وفقه اللّه ومن عليه و احتج عليهِ بِأن نور قلبهُ بِمعرفة وُلاةِ الأمرِ مِن أَيَّتِهِم ومعدِنِ العِلمِ أين هُو فهُو عِند اللّه سَعِيدٌ و للّه ولي وقد قال رسُول اللّه (صَلَّى اللّه عَلَيْهِ وَآلِهِ) رحم اللّه امراً علم حقّاً فقال أو سكت فسلم نحن نقول أهل البيتِ إِنّ الأئمّة مِنا و إنّ الخلافة لا تصلُحُ إِلّا فينا و إنّ اللّه جعلنا أهلها فِي كِتَابِهِ وسُنّةِ نبيّه و إن العلم فينا و نحنُ أهلُهُ وهُو عِندنا مجمُوعٌ كُلُّهُ بِحذافيره وإِنَّهُ لا يحدُتُ شيءٌ إِلى يومِ القيامة حتّى أرشُ الخدش إِلّا و هُو عِندنا مكتُوبٌ بِإِملاء رسُول اللّه (صَلَّى اللّه عَلَيْهِ وَآلِهِ) وبخط علي (عَلَيهِ السَّلَامُ) بيدِهِ و زعم قوم أنَّهم أولى بِذلِك مِنّا حتّى أنت يا ابن هِند تدّعِي ذلِك وتزعُمُ أَن عُمر أرسل إلى أبي أنِّي أُرِيدُ أن أكتب القرآن فِي مُصحف فابعث إلي بِما كتبت مِن القُرآنِ فأتاه فقال تضرِبُ واللّه عُنُقِي قبل أن يصل إليك قال ولم ؟ قال لأن اللّه تعالى قال (وَالرَّاسِخُونَ فِي الْعِلْمِ) إياي عنى ولم يعنك ولا أصحابك فغضب عُمرُثُم قال يا ابن أبِي طالِب تحسِبُ أن أحداً ليس عِندهُ عِلم غيرك من كان يقرأُ مِن القُرآنِ شيئاً فليأتِنِي بِهِ إِذا جاء رجُلٌ فقرأ شيئاً معهُ يُوافِقُهُ فِيهِ آخَرُ كتبه وإلا لم يكتبهُ ثمّ قالُوا قد ضاع مِنهُ قُرآن كثِيرٌ بل كذبُوا واللّه بل هُو مجموع محفوظ عِند أهلِهِ ثمّ أمر عُمرُ قضاته و ولاته اجتهدوا آراءكم
ص: 475
و اقضُوا بما ترون أنَّه الحقّ فلا يزال هُو و بعضُ وُلاتِهِ قد وقعوا فِي عظيمةٍ فيُخرِجُهُم مِنها أبي ليحتج عليهم بها فتجمعُ القُضاةُ عِند خليفتهم وقد حكموا فِي شيءٍ واحِدٍ بِقضايا مُختلِفةٍ فأجازها لهُم لأن اللّه تعالى لم يُؤتِهِ الحِكمة و فصل الخطاب وزعم كلّ صِنفٍ مِن مُخالفينا مِن أهل هذِهِ القِبلة أنَّهم معدِنُ الخِلافةِ والعِلمِ دوننا فنستعِينُ بِاللّه على من ظلمنا و جحدنا حقّنا وركب رقابنا وسنّ لِلنَّاسِ علينا ما يحتج بِهِ مِثلُك وحسبنا اللّه ونعم الوكيل إنّما النَّاسُ ثلاثةٌ مُؤمِنٌ يعرِفُ حقّنا ويُسلّمُ لنا ويأتمُّ بِنا فذلك ناج مُحِب للّه ولي وناصِبٌ لنا العداوة يتبرأُ مِنا ويلعتُنا ويستحِلُّ دِماءنا ويجحد حقّنا ويدِينُ اللّه بالبراءةِ مِنّا فهذا كافِرٌ مُشرِكٌ وإنّما كفر و أشرك من حيثُ لا يعلمُ كما يسُبُّوا اللّه عدواً بِغيرِ علم كذلك يُشرِكُ بِاللّه بِغيرِ عِلمٍ ورجُلٌ آخِذُ بِما لا يُختلفُ فِيهِ وردّ عِلم ما أشكل عليهِ إِلى اللّه مع ولايتنا ولا يأتم بنا ولا يُعادِينا ولا يعرِفُ حقّنا فنحن نرجو أن يغفر اللّه لَهُ ويُدخِلهُ الجنَّة فهذا مُسلِمٌ ضَعِيفٌ فلمّا سمِع مُعاوِيَةُ أَمر لِكُلّ مِنهُم بِمِائَةِ أَلْفِ درهم غير الحسن والحُسين و ابنِ جعفر فإنه أمر لِكُلِّ واحِدٍ مِنهُم بِألف ألف درهم. (1)
1- عن عبد الملك بن مروان قال: كُنَّا عِند مُعاوية ذات يوم وقد اجتمع عِنده جماعةٌ مِن قُريش و فيهم عِدَّةٌ مِن بَنِي هاشم فقال معاوِيةُ يا بَنِي هاشم بِمَ تَفخرون علينا أليس الأب والأم واحِداً و الدار و المولد واحِداً فقال ابنُ عبّاس نفخرُ عليكم بما أصبحت تفخرُبِهِ على سائِرِ قُريش و تفخرُ بِهِ قُريش على سائر الأنصار و تفخرُبِهِ الأنصار على سائر العرب و تفخربه العرب على سائر العجم برسول اللّه (صَلَّى اللّه عَلَيْهِ وَآلِهِ) و بما لا تستطيعُ له إنكاراً ولا مِنهُ فِراراً فقال مُعاوِيَةُ يا ابن عبّاس لقد أُعطيت لساناً ذلقاً تكاد تغلِبُ بِباطِلِك حقّ سواك فقال ابن عباس مه فإنّ الباطل لا يغلب الحقّ ودع عنك الحسد فلبئس السّعارُ الحسد فقال مُعاوِيةُ صدقت أما واللّه إِنِّي لاحِبُّك لخصال أربع مع مغفِرتي لك خصالًا أربعاً فأما أنّي أُحِبُّك فلقرابتك من رسُول اللّه (صَلَّى اللّه عَلَيْهِ وَآلِهِ) و أما الثانية فإِنَّكَ رجُلٌ مِن أُسرتي وأهل بيتي ومِن مُصاص عبد منافٍ وأمّا الثَّالِثةُ فأبي كان خِلَّا لأبيك وأما الرابعة فإِنَّكَ لِسانُ قريش وزعيمها وفقيهها و أما الأربعُ الّتي غفرت لك فعدوك
ص: 476
عليّ بِصِفّين فيمن عدا و إساءتك فِي خذلانِ عُثمان فيمن أساء وسعيك على عائشة أُمّ المؤمنين فيمن سعى ونفيك عنِّي زياداً فيمن نفى فضربتُ أنف هذا الأمرو عينه حتّى استخرجتُ عُذرك مِن كِتابِ اللّه عزّ و جلّ وقول الشُّعراء أما ما وافق كِتاب اللّه عزّو جلّ فقوله خلطوا عملًا صالحاً وآخرسيتاً وأما ما قالتِ الشُّعراء فقولُ أخِي بَنِي ذُبيان
ولستُ بِمُستبِق أخاً لا تلمُّه *** على شعث أيُّ الرِّجالِ المهذّب
فاعلم أني قد قبلت فيك الأربع الأولى وغفرتُ لك الأربع الأُخرى وكُنتُ فِي ذلك كما قال الأول
سأقبل ممّن قد أُحبُّ جميله *** وأغفِرُ ما قد كان من غير ذلكا
ثمّ أنصت فتكلّم ابن عبّاس فقال بعد حمدِ اللّه والثناء عليه وأما ما ذكرت أنك تُحِبُّنِي لقرابتي مِن رسُول اللّه (صَلَّى اللّه عَلَيْهِ وَآلِهِ) فذلك الواجِبُ عليك و على كلّ مُسلِمِ آمَن بِاللّه وَبِرَسُولِهِ لِأَنَّهُ الأَجْرُ الّذي سألكُم رسُول اللّه (صَلَّى اللّه عَلَيْهِ وَآلِهِ) على ما آتَاكُم بِهِ مِن الضّياءِ والبرهان المبين فقال عزّو جلّ (قُلْ لَا أَسْأَلُكُمْ عَلَيْهِ أَجْرًا إِلَّا الْمَوَدَّةَ فِي الْقُرْبَى) (1) فمن لم يُجب رسُول اللّه (صَلَّى اللّه عَلَيْهِ وَآلِهِ) إلى ما سأله خاب و خزي وكبا فِي جهنَّم و أما ما ذكرت أنّي رجُلٌ مِن أُسرتك وأهل بيتك فذلك كذلك و إنما أردت بِهِ صلة الرّحِمِ و لعمرِي إِنّك اليوم وصُولٌ مِمّا قد كان منك مِمّا لا تثريب عليك فِيهِ اليوم و أما قولُك إِنّ أبي كان خِلَّا لأبيك فقد كان ذلك وقد سبق فِيهِ قول الأول
سأحفظ من آخى أبي فِي حياته *** وأحفظه من بعده فِي الأقارب
ولستُ لمن لا يحفظ العهد وامقاً *** ولا هُو عِند النائباتِ بصاحِب
و أما ما ذكرت مِن أنِّي لِسانُ قريش وزعيمها وفقيهها فإِنِّي لم أُعط من ذلك شيئاً إلّا وقد أُوتِيته غير أنك قد أبيت بشرفك وكرمك إلّا أن تُفضّلني وقد سبق فِي ذلك قولُ الأَولِ
وكُلُّ كريم للكرامِ مُفضّل *** يراه له أهلا و إن كان فاضلا
و أما ما ذكرت من عدوي عليك بِصِفّين فواللّه لو لم أفعل ذلك لكُنتُ مِن ألأم العالمين أكانت
ص: 477
نفسك تُحدِتُك يا معاوية أنّي أخذُلُ ابن عمّي أمير المؤمنين وسيّد المسلمين وقد حشد له المهاجرون والأنصار و المصطفون الأخيارُ ولِم يا معاوية أشكٍّ فِي دِينِي أم حيرةٌ فِي سجيّتي أم ضن بنفسي و أما ما ذكرت مِن خِذلانِ عُثمان فقد خذله من كان أمس رحماً بِهِ مِنِّي ولِي فِي الأقربين و الأبعدين أُسوةً و إِنِّي لم أعد عليه فيمن عدا بل كففت عنه كما كفّ أهل المروءاتِ و الحجى و أما ما ذكرت من سعي على عائشة فإنّ اللّه تعالى أمرها أن تقرفي بيتها و تحتجب بسترها فلمّا كشفت جلباب الحياء وخالفت نبيّها (صَلَّى اللّه عَلَيْهِ وَآلِهِ) وسعنا ما كان منا إليها و أما ما ذكرت من نفي زيادٍ فإنّي لم أنفه بل نفاهُ رسُول اللّه (صَلَّى اللّه عَلَيْهِ وَآلِهِ) إذ قال الولد للفراش و للعاهر الحجر و إِنِّي مِن بعدِ هذا لاحِبُّ ما سرك فِي جميع أُمُورِك فتكلّم عمرو بن العاص فقال يا أمير المؤمنين و اللّه ما أحبّك ساعةً قط غير أنَّه قد أُعطي لساناً ذرباً فقلبه كيف شاء وإنّ مثلك ومثله كما قال الأول وذكر بيت شعر فقال ابنُ عبّاس إن عمراً داخِل بين العظم واللحم والعصا واللحاء وقد تكلّم فليستمع فقد وافق قرناً أما واللّه يا عمرُو إِنِّي لَأُبَغِضُكَ فِي اللّه وَمَا أَعتَذِرُمِنهُ إِنَّكَ قمت خطيباً فقُلت أنا شانِيُّ محمّد فأنزل اللّه عزّ وجلّ (إِنَّ شَانِئَكَ هُوَ الْأَبْتَرُ) فأنت أبترُ الدِّينِ و الدُّنيا و أنت شانِيُّ محمّد فِي الجاهليّة والإسلام وقد قال اللّه تبارك و تعالى ﴿لَا تَجِدُ قَوْمًا يُؤْمِنُونَ بِاللَّهِ وَالْيَوْمِ الْآخِرِ يُوَادُّونَ مَنْ حَادَّ اللَّهَ وَرَسُولَهُ) وقد حاددت اللّه ورسوله قديماً و حدِيثاً ولقد جهدت على رسُول اللّه جهدك و أجلبت عليه بخيلك ورجلك حتّى إذا غلبك اللّه على أمرك و ردّ كيدك فِي نحرك وأوهن قوتك وأكذب أحدوثتك نُزعت وأنت حسيرٌ ثمّ كدت بجهدك لعداوة أهل بيتِ نبيّه مِن بعدِهِ ليس بك فِي ذلك حُبُّ مُعاوِية ولا آلِ مُعَاوِيَة إِلا العداوة اللّه عزّو جلّ ولِرَسُولِهِ (صَلَّى اللّه عَلَيْهِ وَآلِهِ) مع بُغضِك و حسدِك القديم لأبناء عبد منافٍ ومثلك في ذلك كما قال الأول
تعرض لي عمرو و عمر و خزاية *** تعرض ضبع القفر للأسد الورد
فاهُولِي يد فأشتُم عرضه *** ولا هولي عبد فأبطش بالعبد
فتكلّم عمرو بن العاص فقطع عليه مُعاوِيةُ وقال أما واللّه يا عمرو ما أنت مِن رِجالِهِ فإن شِئت فقُل و إن شئت فدع فاغتنمها عمرو و سكت فقال ابن عباس دعه يا معاوية فواللّه لأسمنّه بميسمٍ يبقى عليه عارُه و شنارُهُ إلى يوم القيامةِ تتحدّثُ بِهِ الإِماءُ والعَبِيدُ ويُتغنّى بِهِ فِي
ص: 478
المجالس ويُتحدّثُ بِهِ فِي المحاقِلِ ثمّ قال ابن عباس يا عمرو وابتدأ فِي الكلام قد مُعاوية يده فوضعها على فِي ابن عبّاس وقال له أقسمتُ عليك يا ابن عباس إلّا أمسكت وكره أن يسمع أهل الشام ما يقولُ ابنُ عبّاس وكان آخِرُ كلامِهِ اخساً أيّها العبد وأنت مذموم وافترقوا. (1)
1- عن حنظلة بن خُويلد العنبري، قال: إِنّي لجالسٌ عِند مُعاوية إذ أتاهُ رجُلانِ يختصمانِ فِي رأسِ عمَّار يقولُ كلّ واحِدٍ مِنهُما أنا قتلته، فقال عبد اللّه بن عمرو ليطيب بِهِ أحدُكُم نفساً لِصاحِبِهِ فإنّي سمعت رسُول اللّه (صَلَّى اللّه عَلَيْهِ وَآلِهِ) يقولُ تقتُلُهُ الفِئةُ الباغيةُ، فقال مُعاوِيةُ ألا تُغني عنّا مخبرتك يا عمرو فما بالك معنا قال إنّي معكم ولستُ أُقاتِلُ، إن أبي شكاني إلى النّبيّ (صَلَّى اللّه عَلَيْهِ وَآلِهِ) فقال لِي رسُول اللّه (صَلَّى اللّه عَلَيْهِ وَآلِهِ) أطبع أباك ما دام حيّاً ولا تعصِهِ، فَإِنِّي معكم ولستُ أُقاتِلُ. (2)
1- قال الكشِيُّ: رُوي أن مروان بن الحكم كتب إِلى مُعاوِية وهُو عامِلُهُ على المدينة: أمّا بعدُ. فَإِنّ عمرو بن عثمان ذكر أنّ رِجالًا مِن أهلِ العِراقِ ووُجُوهِ أهلِ الحِجازِ يختلفون إلى الحُسين بن علي، و ذكر أنَّه لا يأمنُ وُثوبه، وقد بحثت عن ذلك فبلغني أنهُ لا يُرِيدُ الخلاف يومه هذا، ولستُ آمن أن يكون هذا أيضاً لما بعده، فاكتُب إلي برأيك فِي هذا ! و السّلامُ. فكتب إليهِ مُعاوِيةُ: أمّا بعد فقد بلغني كتابك و فهمتُ ما ذكرت فِيهِ مِن أمر الحُسين، فإياك أن تعرّض للحسين فِي شيءٍ واترك حُسيناً ما تركك، فإنّا لا نُرِيدُ أن تعرّض له فِي شيء ما وفى ببيعتنا ولم ينزّ على سلطاننا، فاكمن عنه ما لم يُبدِ لك صفحتهُ والسّلام. وكتب مُعاوِيةُ إلى الحُسين بن عليّ (عَلَيهِ السَّلَامُ) أما بعد فقد انتهت إلي أُمور عنك: إن كانت حقّاً فقد أظنُّك تركتها رغبةً فدعها و لعمرُ اللّه إِنْ مَن أعطى اللّه عهده و ميثاقه لجدير بالوفاء، وإن كان الّذي بلغني باطِلًا فإنك أنت أعزلُ النّاسِ لِذلك وعظ نفسك فاذكرو لعهد اللّه أوف ! فإنّك متى تُنكرني أُنكِرك ومتى
ص: 479
تكدني أكدك، فاتَّقِ شقك عصا هذِهِ الأُمّة وأن يردّهُمُ اللّه على يديك فِي فتنة، فقد عرفت النّاس وبلوتهم، فانظر لنفسك ودينك ولأُمّة محمّد (صَلَّى اللّه عَلَيْهِ وَآلِهِ) و لا يستخفنّك السُّفهاء و الّذين لا يعلمون.
فلما وصل الكِتابُ إلى الحُسين (عَلَيهِ السَّلَامُ) كتب إليه أما بعد فقد بلغني كتابك، تذكر أنَّه قد بلغك عنِّي أُمُورٌ أنت لي عنها راغب وأنا بغيرها عِندك جدير: فإن الحسنات لا يهدي لها ولا يُسدِّدُ إليها إلّا اللّه، وأما ما ذكرت أنَّه انتهى إليك عني فإنّهُ إِنّما رقاهُ إِليك الملاقُون المشّاءُون بِالنّمِيم، وما أُرِيدُ لك حرباً ولا عليك خلافاً، وايمُ اللّه إِنِّي لخَائِفُ للّه فِي ترك ذلك وما أَظُنُّ اللّه راضياً بترك ذلك ولا عاذِراً بِدُونِ الإعذارِ فِيهِ إِليك و فِي أوليائك القاسطين الملحدين حزبِ الظلمة و أولياء الشّياطين، ألست القاتل حُجربن عدي أخا كندة والمصلّين العابِدِين الّذين كانُوا يُنكرون الظلم ويستعظمون البدع ولا يخافون فِي اللّه لومة لائم ثمّ قتلتهم ظلماً و عُدواناً مِن بعدِ ما كُنت أعطيتهُمُ الأيمان المغلّظة والمواثيق المؤكّدة لا تأخُذُهُم بِحدث كان بينك و بينهم ولا بإحنةٍ تجدها فِي نفسك، أو لست قاتل عمرو بن الحمق صاحِبِ رسُول اللّه (صَلَّى اللّه عَلَيْهِ وَآلِهِ) العبد الصّالِحِ الّذي أبلتهُ العِبادة فنحِل جسمُهُ و اصفرّت لونُه بعد ما آمنته وأعطيته من عُهُودِ اللّه ومواثيقه ما لو أعطيته طائِراً لنزل إليك من رأس الجبل، ثمّ قتلته جُرأةً على ربّك و استخفافاً بذلك العهد، أو لست المدّعِي زِيَادِ ابن سُميّة المولودِ على فراش عُبيد ثقيف فزعمت أَنَّهُ ابنُ أَبِيك وقد قال رسُول اللّه (صَلَّى اللّه عَلَيْهِ وَآلِهِ) الولدُ لِلفراش وللعاهر الحجر، فتركت سُنّة رسُول اللّه (صَلَّى اللّه عَلَيْهِ وَآلِهِ) تعمداً وتبعت هواك بغيرِ هُدىً مِن اللّه، ثمّ سلّطته على العِراقينِ يقطعُ أيدِي المسلمين وأرجلهم ويسملُ أعينهم ويُصلّبُهم على جُذُوعِ النّخلِ كانك لست مِن هَذِهِ الأُمّة و ليسوا منك، أو لست صاحب الحضرميين الّذين كتب فيهم ابنُ سُميّة أنَّهم كانوا على دِينِ عليّ (عَلَيهِ السَّلَامُ) فكتبت إليه أن اقتل كلّ من كان على دِينِ علي ! فقتلهم و مثل بهم بأمرك، و دِينُ عليّ (عَلَيهِ السَّلَامُ) و اللّه الّذي كان يضرِبُ عليه أباك ويضرِبُك، و بِهِ جلست مجلسك الّذي جلست، و لولا ذلك لكان شرفك و شرفُ أبيك الرحلتين، وقُلت فيما قلت انظر لنفسك ولِدِينِكَ ولِأُمَّةِ محمّد واتَّقِ شق عصا هذِهِ الأُمّة وأن تردّهُم إلى فتنة: وإِنِّي لا أعلمُ فِتنةً أعظم على هذِهِ الأُمّة من ولايتك عليها و لا أعظم نظراً لنفسي ولِدِينِي ولأُمَّةِ محمّد (صَلَّى اللّه عَلَيْهِ وَآلِهِ) و علينا أفضل من أن
ص: 480
أُجاهدك، فإن فعلتُ فإنّهُ قُربةٌ إلى اللّه و إن تركتُهُ فإِنِّي أستغفِرُ اللّه لِدِينِي وأسألُهُ توفيقهُ لإرشادِ أمرِي، وقُلت فيما قُلت إِنِّي إِن أنكرتُك تُنكِرُني و إن أكدك تكدني فكدني ما بدا لك فإِنِّي أرجو أن لا يضُرّني كيدك فِي وأن لا يكون على أحدٍ أضرمنه على نفسك، على أنك قد ركبت بجهلك وتحرّضت على نقض عهدِك، و لعمري ما وفيت بشرط و لقد نقضت عهدك بقتلك هؤلاء النفر الّذين قتلتهم بعد الصُّلحِ والأيمانِ والعُهُودِ والمواثيق، فقتلتهم من غيرأن يكونوا قاتلوا وقتلوا، ولم تفعل ذلك بهم إلّا لذكرهم فضلنا وتعظيمهم حقنا، فقتلتهم مخافة أمر لعلك لو لم تقتلهم مِتّ قبل أن يفعلوا أو ماتوا قبل أن يُدركوا، فأبشريا مُعاوِيةُ بِالقِصاصِ و استيقن بِالحِسابِ واعلم أنّ للّه تعالى كِتاباً (لَا يُغَادِرُ صَغِيرَةً وَلَا كَبِيرَةً إِلَّا أَحْصَاهَا) (1)، وليس اللّه بِناسِ لِأخذك بِالظَّنّةِ وقتلك أوليائه على التهم ونفيك أوليائهُ مِن دُورِهِم إلى دارِ الغُربة، و أخذك للنّاس ببيعة ابنك غُلامٍ حدث يشرب الخمر و يلعبُ بِالكِلابِ، لا أعلمك إلّا وقد خسرت نفسك و تبرت دينك و غششت رعيّتك و أخربت أمانتك وسمعت مقالة السفيه الجاهل وأخفت الورع الّتي لأجلهم والسّلامُ.
فلَمّا قرأ مُعاوِيةُ الكِتاب، قال: لقد كان فِي نفسِهِ ضَبُّ ما أَشْعُرُبِهِ.
فقال يزيدُ يا أمير المؤمنين أجِبهُ جواباً تُصغِرُ إِليه نفسه وتذكُرُ فِيهِ أَبَاهُ بِسْرِفِعِلِهِ ! قال، ودخل عبد اللّه بن عمرو بن العاص، فقال لهُ مُعاوِيةُ: أما رأيت ما كتب بِهِ الحُسين قال وما هُو قال، فاقرأه الكتاب، فقال وما يمنعك أن تُجيبهُ بِما يُصعِرُ إِليه نفسهُ وإِنَّما قال ذلك فِي هوى مُعاوِية، فقال يزيد كيف رأيت يا أمير المؤمنين رأيي فضحِك مُعاوِيةُ فقال أما يزيدُ فقد أشار علي مِثلِ رأيك، قال عبد اللّه فقد أصاب يزِيدُ.
فقال مُعاوِيةُ أخطأ ما أرأيتُما لو أنّي ذهبتُ لِعيب على مُحقاً ما عسيتُ أن أقول فِيهِ، و مِثلي لا يُحسِنُ أن يعيب بِالباطِلِ وما لا يعرفُ، ومتى ما عِبتُ رجُلا بِما لا يعرِفُهُ النَّاسُ لم يحفل بِصاحِبِهِ ولا يراه النَّاسُ شيئاً كذَّبُوهُ، و ما عسيتُ أن أعِيب حُسيناً، وواللّه ما أرى لِلعيبِ فِيهِ موضعاً و قد رأيتُ أن أكتب إليه أتوعَدُهُ وأتهدّدُهُ ثمّ رأيتُ ألا أفعل ولا أُمحّله. (2)
ص: 481
معاوية الحال لا تجهل *** وعن سُبل الحق لا تعدل
نسيت احتيالي في جُلّق *** على أهلها يوم لبس الحلي ؟
وقد أقبلوا زمراً يهرعون *** مَهاليع كالبقر الجفّل
و قولي لهم : ان فرض الصلاة *** بغير وجودك لم تُقبَل
قولوا ولم يَعبَأوا بالصلاة *** و رمت النفار الى القسطل
ولما عصيت أمام الهدى *** و في جيشه كل مستفحل
أبالبقر البكم أهل الشام *** لأهل التقى والحجى أبتلي ؟
فقلت : نعم ، قم فاني أرى *** قتال المفضّل بالأفضل
في حارَبُوا سيد الأوصياء *** بقولي : دَم كُلَّ من نَعثَلِ
وكدتُ لهم ان أقاموا الرماح *** عليها المصاحف في القسطل
وعلمتهم كشف سوءاتهم *** لردّ الغَضَنفرة المقبل
فقام البغاة على حيدر *** وكُفُّوا عن المشعل المصطلي
نسيت محاورة الأشعري *** ونحن على دومة الجندل ؟
ألين فيطمع في جانبي *** وسهمي قد خاض في المقتَلِ
خَلَعتُ الخلافة من حيدر *** كخلع النعال من الأرجُلِ
وألبستها فيك بعد الأياس *** گلبس الخواتيم بالأنمل
و رَقّيْتُكَ المنبر المشمخر *** بلا حَدِ سيف ولا منصل
ولو لم تكن أنتَ من أهلِهِ *** و ربّ المقام ولم تكمل
وسَيّرت جيش نفاق العراق *** كسير الجنوب مع الشمال
و سيرتُ ذكرك في الخافقين *** كسير الحمير مع المحمل
وجهلك بي يابن أكلة ال- *** كبود لأعظم ما أبتلي
فلولا مؤازرتي لم تطع *** و لولا وجُودي لم تُقبل
وَ لَولايَ كُنتَ كمثل النساءِ *** تَعافُ الخروج من المنزل
ص: 482
نصرناك من جهلنا يابن هند *** على النبأ الأعظم الأفضل
وحيثُ رفعناك فوق الرؤوس *** نزلنا إلى أسفل الأسفل
وكم قد سمعنا من المصطفى *** وصايا مُخصصة في علي؟
و في يوم (خُمّ) رَق منبراً *** يُبَلّغ والركب لم يَرحَلِ
وفي كفّه كفّه مُعلناً *** ينادي بأمر العزيز العلي
ألَسْتُ بكم منكم في النفوس *** بأولى ؟ فقالوا : بلى فافعل
فأنحَلَه امرة *** من الله مستخلف المنحل
وقال : فمن كنت مولى له *** فهذا له اليوم نعم الولي
فوال مواليه يا ذا الجلال *** وعادِ معادي أخ المرسل
ولا تَنقُضوا العهد من عترتي *** فقاطعهم بي لم يُوصَلِ
فَبَخَبَحْ شيخك لما رأى *** عرى عقد حيدر لم تُحللِ
فقال: وليكُم فَاحْفَظُوهُ *** فدخله فيكم مدخلي
وانا و ما كان من فعلنا *** لي النار في الدرك الأسفل
وَما دَمُ عُثمان مُنج لَنا *** من الله في الموقف المخجل
و إن عليّاً غداً خَصْمُنا *** ويَعتز بالله والمرسل
يُحاسبنا عن أمور جَرَت *** ون حنُ عن الحقِّ فِي مَغزلِ
فما عُذرنا يوم كشف الغطا؟ *** لك الويل منه غداً ثم لي
ألا يابن هند أبعت الجنان *** بعهد عهدت ولم توف لي
وأخَسَرْتَ أخراك كيما تنال *** يَسير الحطام من الأجزل
وأصبحت بالناس حتى استقام *** لك الملك من ملك محول
و كنت كمقتنص في الشراك *** تذود الظماء عن المنهل
كأنك أنسيت ليل الهرير *** بصفين مع هولها المهول
وقد بثّ تَذرق ذرَق الحمام *** حذاراً من البطل المقبل
وحين أزاح جيوش الضلا *** ل وافاك كالأسد المبسل
ص: 483
وقد ضاق منك عليك الخناق *** وصار بك الرحب كالفلفل
و قولك يا عمرو ابن المفر *** من الفارس القسور المسبل ؟
عسى حيلة منك عن ثنيه *** فان فؤادي في عسعل
و شاطرتني كلّما يستقيم *** من الملك دهرك لم يكمل
فقمت على عجلتي رافعاً *** واكشف عن س----أتي أذيلي
فستر عن وجهه وأنثنى *** حياءً وروعك لم يُعقل
و أنتَ لِخَوفِكَ من بأسه *** هناك ملات من الأفكل
ولما ملكت حماة الأنام *** و نالت عصاك يد الأول
منحت لغيري وَزْنَ الجبال *** وَ لم تعطني زنة الخردل
وانحلت مضراً لعبد الملك *** و أنت عن الغي لم تعدل
و أن كنت تطمع فيها فقد *** تخلى القطا من يد الأجدل
و ان لم تسامح الى ردّها *** فاني لحوبكم مضطلي
بخيل جياد وشم الأنوف *** و بالمرهفات وبالذبل
واكشف عنك حجاب الغرور *** وأيقظ نائمة الأثكل
فإنك من امرة المؤمنين *** ودعوى الخلافة في معزلِ
و مالك فيها ولا ذرّة *** ولا لجدودك في الأول
فإن كان بينكما نسبة *** فأين الحسام من المنجل ؟
وأين الحصا من نجوم السما ؟ *** وأين معاوية من علي ؟
فإن كنت فيها بلغت المنى *** ففي عنق علق الجلجل(1)
ص: 484
1- قدم وفد العِراقيين على مُعاوِية فقدِم فِي وفدِ أهلِ الكُوفِةِ عدي بن حاتم الطائي و فِي وفدِ أهل البصرة الأحنف بن قيس وصعصعة بن صوحان فقال عمرو بن العاص لمعاوية هؤلاء رجالُ الدُّنيا وهم شيعة عليّ (عَلَيهِ السَّلَامُ) الّذين قاتلوا معه يوم الجمل ويوم صفّين فكُن منهم على حذرٍ فأمر لِكُلِ رَجُلٍ مِنهُم بِمجلس سري واستقبل القوم بالكرامة فلما دخلوا عليه قال لهم أهلا وسهلا قدِمتُم أرض المقدسة والأنبياء والرُّسُلِ والحشر و النشر فتكلّم صعصعة وكان من أحضر النّاسِ جواباً فقال يا مُعاوِيةُ أما قولُك أرض المقدّسة فإِنّ الأرض لا تُقدِّسُ أهلها وإنّما تُقدِّسُهُمُ الأعمالُ الصّالِحِةُ وأمّا قولُك أرض الأنبياء و الرُّسُلِ فمن بِها مِن أهلِ النِّفاقِ والشّركِ و الفراعنة والجبابرة أكثر من الأنبياء و الرُّسُلِ و أمّا قولُك أرض الحشر و النشرِ فإِنّ المؤمِن لا يضُرُّهُ بعد المحشر و المنافق لا ينفعُهُ قُربُهُ فقال مُعاوِيةُ لو كان النّاسُ كُلُّهُم أولدهُم أبو سفيان لما كان فيهم إلّا كيساً رشيداً فقال صعصعة قد أولد النّاس من كان خيراً من أبي سفيان فأولد الأحمق و المنافق والفاجر والفاسق والمعتوه والمجنون آدم أبو البشرِ فخجِل مُعاوِيةُ. (1)
2- عن سهل بن شعيب عن المنهال بن عمرو قال: حججنا مع معاوية بن أبي سفيان فمر بالمدينة فدخل المسجد فجلس بين عبد اللّه بن عباس و عبد اللّه بن عمر ثمّ إلتفت إلى ابن عباس فقال له: أنا واللّه كنت أحق بهذا الامر من ابن عمك ! قال: فقال له ابن عباس: وكيف ذلك؟ قال: لأني ابن عم الخليفة المقتول ظلما. قال : فقال له ابن عباس: إن كان الامر كما تقول فإن هذا أولى بالأمر منك يعني ابن عمر قال: فقال له معاوية : وكيف ذلك؟ قال: فقال ابن عباس: لأن أبا هذا قتل قبل ابن عمك. فقال له معاوية: إن أبا هذا قتله المشركون وابن عمي قتله المسلمون؟ قال: فقال له ابن عباس فهذا أوكد فانصاع عنه ثمّ التفت معاوية إلى سعد بن أبي وقاص فقال له: هيه و أنت يا سعد لم تعرف حقّنا من باطل غيرنا لا معنا ولا علينا! قال: فقال له سعد: إني لما رأيت الظلمة قد غشيت الأرض قلت لبعيري هيخ فأنخت بعيري فلما تجلت سرت ! قال: فقال معاوية: واللّه لقد قرأت الكتاب وما بين لابتي المصحف وما رأيت " هيخ "؟! قال: فغضب سعد
ص: 485
من ذلك ثمّ قال: وإذ أبيت يا معاوية فإني سمعت رسُول اللّه (صَلَّى اللّه عَلَيْهِ وَآلِهِ) يقول: " علي مع الحقّ والحق معه " قال: فقال له معاوية: لئن لم تأتني بمن سمع هذا من رسُول اللّه (صَلَّى اللّه عَلَيْهِ وَآلِهِ) معك لأفعلن ولأفعلن. قال: فقال له سعد: هذه أم سلمة زوج النّبيّ (صَلَّى اللّه عَلَيْهِ وَآلِهِ) سمعت هذا قال: فقاما جميعا حتّى دخلا على أم سلمة فابتدأ معاوية الكلام فقال: يا أم سلمة إن الكذابة قد كثرت على رسُول اللّه (صَلَّى اللّه عَلَيْهِ وَآلِهِ) من بعده فلا يزال قائل يقول : " قال رسُول اللّه (صَلَّى اللّه عَلَيْهِ وَآلِهِ) " ما لم يقل وإن سعدا حدث بحديث زعم أنك سمعته أنت وهُو من رسُول اللّه (صَلَّى اللّه عَلَيْهِ وَآلِهِ) ؟ قال: فقالت أم سلمة : وما قال سعد عن رسُول اللّه ؟ قال : زعم أنك سمعت أنت وهُو قول النّبيّ (صَلَّى اللّه عَلَيْهِ وَآلِهِ) فِي علي: " إنه مع الحقّ والحق معه ". قال: فقالت أم سلمة: فِي بيتي واللّه قال هذا. قال: فقال معاوية لسعد: ألوم واللّه ما كنت عندي الساعة لو سمعت هذا من رسُول اللّه ما زلت خادما لعلي حتّى أموت ! ! (1)
3 - عن عبد اللّه بن شريك فِي حديث له اختصرناه قال مر الحُسين على حلقة من بَنِي أُمية و هُم جُلُوسٌ فِي مسجد الرسول (صَلَّى اللّه عَلَيْهِ وَآلِهِ) فقال أما واللّه لا يذهبُ الدُّنيا حتّى يبعث اللّه مِنِّي رجُلًا يقتُلُ مِنكُم ألفاً ومع الألف ألفاً ومع الألف ألفاً فقُلتُ جُعِلْتُ فِدَاكَ إِنّ هؤلاء أولاد كذا و كذا لا يبلغون هذا فقال ويحك إِنَّ فِي ذلِك الزمانِ يكونُ لِلرَّجُلِ مِن صُلْبِهِ كذا وكذا رَجُلًا وإِنّ مولى القوم من أنفسهم. (2)
4 - روى العلامة البحراني أن أبا سفيان حضر مجلس عثمان. وقد كف بصره. فأذن المؤذن وكان عليّ (عَلَيهِ السَّلَامُ) حاضراً فقال أبوسفيان: هل علينا من عين، قال عثمان: لا، وإنما قال ذلك لأنَّه لا يمكنه أن يقول علي عين علينا. فقال: انظروا أخا هاشم أين وضع اسمه ؟ فقال عليّ (عَلَيهِ السَّلَامُ) : أسخن اللّه عينك أبا سفيان ما وضع اسمه حيث وضعه إلّا بعد أن وضعه اللّه حيث يقول: (وَرَفَعْنَا لَكَ ذِكْرَكَ) (3) فقال أبو سفيان: بل أسخن اللّه عين نعثل قال: ما علينا من عين.
وحكى أيضاً فِي مقاماته أن أبا سفيان حضر مجلس عثمان بعد ما كف بصره و هناك علي
ص: 486
صلوات اللّه عليه، فتذاكر الإمام السير فقال أبوسفيان لعثمان: هل علينا من عين ؟ فقال له عثمان: لا، ولم يمكنه أن يقول نعم لمكان عليّ (عَلَيهِ السَّلَامُ) فقال له أبو سفيان: تلقفوها يا بَنِي أمية و حقّ فِي هذه البنية ما ثمّ جنة ولا نار ولا حساب ولا عقاب فقال عليّ (عَلَيهِ السَّلَامُ) : أسخن اللّه عينك يا أبا سفيان. فقال أبوسفيان: بل أسخن اللّه عين نعثل حيث قال: ما علينا من عين. (1)
5 - و روى الشيخ المذكور أن معاوية كان يخطب على منبره يوم الجمعة فضرط ضرطة عظيمة فتعجب الناس من وقاحته فقطع الخطبة وقال: الحمد للّه الّذي خلق أبداننا وجعل فيها رياحا و جعل خروجها راحة، فربما انفلتت فِي غير وقتها فلا جناح على من جاء منه ذلك والسلام، فقام إليه صعصعة وقال: أن اللّه تعالى خلق أبداننا وجعل فِيهِ رياحا و جعل خروجها للنفس راحة، ولكن جعل أرسالها فِي الكنيف سنة وعلى المنبر بدعة، ثمّ قال: قوموا يا أهل الشام فقد خرى أميركم فلا صلاة له ولا لكم ثمّ توجه إلى المدينة. (2)
ص: 487