شرح بر درر الفوائد حايری
سایر عناوین:شرحی بر درر الفوائد حائری / درر الفوائد. شرح / رسالة في الرد علی من أنکر الرجعة الحسينية (عليه السلام) / رسالة وجيزة في نجاسة أهل الکتاب
شارح: آشتیانی، محمود
سایر نویسندگان
نویسنده: حائری، عبد الکریم
تعداد جلد: 2
زبان:عربی
ناشر: کنگره علامه آشتیانی (ره) - قم - ایران
سال نشر: 1390 هجری شمسی
کد کنگره: /ح2 د4041 159/8 BP
تنظیم متن دیجیتال میثم حیدری
ص: 1
بسم اللّه الرّحمن الرّحيم
ص: 2
ص: 3
ص: 4
المبحث الاول فى الحجية القطع 7
المبحث الثانى فى الاصالة البرائة 53
المبحث الثالث فى الاستصحاب 225
المبحث الرابع فى التعادل و التراجج 459
رسالة فى الرّد على من انكر الرجعة الحسينية (عليه السلام) 545
رسالة و جيزة فى نجاسة اهل الكتاب 553
ص: 5
ص: 6
ص: 7
ص: 8
بسم اللّه الرّحمن الرّحيم
و به نستعين و الحمد اللّه رب العالمين و صلى اللّه على محمد و آله المعصومين، و بعد فهذه حواشى علقتها على حجية القطع من كتاب درر الفوائد الذى صنفه حجة الاسلام و المسلمين بطول بقائه قبل تشرفى ببلدة قم و الاستفادة من مجلس بحثه (قوله دام ظله و الاخذ بالاحكام المتعلقة بالشك ليس مشروطا الخ) و الالزم بطلان عمل الاخذ بها من دون فحص مع مطابقته للواقع قوله الثالث انه هل يقبل تعلق الامر المولوى الخ لا يخفى انه قديتوهم رجوع هذا المقام الى المقام الاول، من حيث ان البحث عن قابلية العمل بالقطع و الجرى على طبقه لتعلق الامر المولوى الشرعى به، عين البحث فى احتياج القطع فى الحجية الى جعل الشارع، اذلا معنى للحجية الا وجوب العمل على وفقه و الجرى على طبقه و يندفع هذا التوهم بما سيجئى فى التكلم فى هذا المقام من تفسيره العمل بالعلم بقوله اعنى الاطاعة، و حاصل مراده انه بعد الفراغ عن عدم قابلية حجية القطع و كاشفيته عن متعلقه و تنجيزه له للجعل الشرعى وضعا و رفعا، هل يكون اطاعة ما تنجز بتعلق القطع به من التكاليف الشرعية قابلة لورود الحكم الشرعى المولوى عليها ام لا قوله و هذا ينافى الظن الخ لا يخفى ان كون الحكم الواقعى الذى تعلق به الظن فعليا، انما هو مع قطع النظر عن الادلة المانعة، لا مطلقا كى يلزم التنافى كما لا يخفى قوله كك رتبة العلم به الخ لا يخفى ان العلم بالحكم كالظن و الشك به، و ان كان متأخرا عن نفس الحكم تأخرا ذاتيا، الا ان هذا لا يكفى فى رفع التنافى بين الحكم الواقعى و الحكم المجعول على خلافه فى مورد القطع به، بداهة ان القاطع يرى المقطوع نفس الواقع، و لذا لا يجعل قطعه وسطا لا ثبات متعلقه، فلا يقول ان هذا مقطوع الخمرية مثلا، و معه كيف يمكن ان يجعل له حكم مخالف للواقع، و هذا بخلاف مورد الشك و الظن بالواقع كما هو ظاهر قوله و يمكن ان يجاب عليهذا المبنى الخ و يمكن ان يجاب ايضا بناء عليه بان
ص: 9
الترتب بين الموضوعين و ان اندفع به التنافى و المضادة بين الحكمين لاختلاف الموضوعين، الا انه يثبت الامتناع من جهة اخرى، و هى استلزام المنع عن العمل بالقطع لسلب قدرة المكلف على الامتثال بالنسبة الى كلا الحكمين كما هو واضح قوله و هى موجودة هنا اى بالامر الاول المتعلق بالفعل قوله و يستحيل ان يصير الامر المتعلق الخ لا يخفى ان هذا انما يلزم لو كان الامر بالاطاعة متعلقا بهذا المفهوم العنوانى، و ليس كك بل متعلقه ما يكون اطاعة بالحمل الشايع، و ليس هو الا اتيان الفعل بداعى امره، فيكون دعوته الى اتيان الفعل كك عين دعوته الى ما تعلق به لا غيرها، و من هنا يظهر ان اتيان الفعل بداعى امره يكون اطاعة لكلام الامرين، لا ستلزامها بالنسبة الى احدهما لها بالنسبة الى الاخر كما هو واضح قوله الى ايجاد غير ذلك بل لا بد ان يكون داعيا الى اتيان الفعل بداعى امره قوله هى ايجاد للفعل لان بها يتسبب و يتوصل الى ايجاده قوله على وجه الاطلاق و من اى سبب حصل قوله و اما غير الاستصحاب من الاصول فواضح، بداهة انها احكام شرعية او عقلية مجعولة او منجعلة وظيفة للشاك فى مقام العمل من دون نظر لها الى الواقع اصلا و اما الاستصحاب فهو و ان كان ايضا وظيفة للشاك فى مقام العمل، الا انه جعل فى ادلته وظيفة له بلسان ابقاء الواقع، فللاستصحاب جهتان يكون بهما برزخا بين الامارات و الاصول، و لذا يكون محكوما بالنسبة الى الامارات و حاكما بالنسبة الى سائر الاصول الغير التنزيلية قوله و على الثانى و هو كون القطع الموضوعى ملحوظا على نحو الطريقية (قوله مصداق ما هو الموضوع و هو الطريق المعتبر قوله فان قلت لولم يكن العنوان الواقعى موضوعا الخ) لا يخفى ان المعقول من جعل القطع موضوعا لحكم يتصور على قسمين، احدهما ما جعل القطع بموضوع غير ذى حكم فى نفسه موضوعا لحكم مترتب على ذاك الموضوع، كان يقال البول المعلوم او الخمر المعلوم نجس، ثانيهما ما جعل القطع بحكم او بموضوع ذى حكم موجبا لثبوت حكم لموضوع آخر، كان يقال
ص: 10
اذا قطعت بحرمة شئى او بولية مايع يجب عليك التصدق مثلا، و ما يمكن اخذه موصوعا على وجه الصفتية و الطريقية، هو هذا القسم، دون الاول فانه لا يمكن اخذه موضوعا الاعلى وجه الصفتية فقط، بداهة ان اخذه موضوعا على وجه الطريقية مستلزم للحاظه طريقيا اليا بالنسبة الى ذات متعلقه، و لحاظه استقلاليا بالنسبة الى حكمه، و لا شبهة فى تضاد اللحاظين فلا يكاد يجتمعان فى انشاء واحد، هذا مع ان جعله تمام الموضوع الذى مرجعه الى دوران الحكم مداره سواء طابق الواقع و كان متعلقه متحققا واقعا ام لا، ينافى جعله موضوعا بلحاظ طريقيته الى متعلقه كما لا يخفى، و مما ذكرنا ظهر ان المتصور من اخذ القطع موضوعا على وجه الريقية، هو ما اذا تعلق بحكم او بموضوع ذى حكم جعل موجبا لثبوت حكم لموضوع آخر، و عليه فلا مجال لما اورده على نفسه بقوله فان قلت الخ، و لا لتسليم وروده فيما كان العلم تمام الموضوع و لم يكن لمتعلقه اثر، و ذلك لما عرفت من انه اذا لم يكن لمتعلقه اثر، لا يمكن اخذه موضوعا على وجه الطريقية لحكم مترتب على متعلقه باعتبار تعلقه به، كى يبحث فى امكان قيام الامارات و مثل الاستصحاب مقامه و عدمه فتدبر، هذا فيما اذا جعل القطع بحكم او بموضوع ذى حكم فى موضوع شخص ذلك الحكم او مثله او ضده فكل ذلك محال اما الاول فللزوم الدور، و اما الثانى فللزوم الخلف، و اما الثالث فللزوم اجتماع المثلين، و اما الرابع فللزوم اجتماع الضدين و وجه الكل واضح قوله و مما قررنا من ان المراد من اخذ القطع موضوعا على وجه الطريقية، هو اخذه من حيث كونه احد مصاديق الطريق المعتبر (يظهر لك الجواب الخ قوله طريقا بالمعنى الذى سبق) و هو كونه احد مصاديق الطريق المعتبر.
(قوله فالجزء الوحدانى ليس مما اخذ الخ) حاصله انه لا شك فى ان الموضوع للحكم فى الدليل الواقعى هو العلم بالخمر الواقعى لا العلم بالاهم منه و من الخمر التعبدى، فاذا قام الدليل الظاهرى كالبينة على خميرية مايع، و ان حصل لنا العلم الوجدانى
ص: 11
بان هذا المايع خمر تعبدا، الا ان هذا العلم لا يكفى فى احراز تمام ما هو الموضوع للحكم الواقعى، و ذلك لما عرفت من ان موضوعه هو خصوص العلم بالخمر الواقعى، لا الاعم منه و من العلم بالخمر التعبدى، كى يقال ان دليل حجية البنية يوجب ثبوت خمرية هذا المايع تعبدا، و العلم بان هذا المايع خمر تعبدا وجدانى فيتحقق موضوع الحكم بعضه بواسطة دليل حجية البينة و بعضه بالوجدان، بل لا بد فى ترتيب اثر العلم بالخمر الواقعى على العلم بالخمر التعبدى، من تنزيل آخر مفقود فى المقام، و توهم ان دليل حجية البينة كما يدل على تنزيل المؤدى منزلة الواقع بالمطابقة، كك يدل على تنزيل القطع به منزلة القطع بالواقع بالالتزام، مدفوع بان دليل التنزيل انما يصلح لتنزيل ما كان من لوازم المؤدى مع قطع النظر عن دليل التنزيل، لا الاعم منه و ما كان من لوازمه بلحاظ قيام دليل التنزيل كما لا يخفى وجهه، و منه يظهر اندفاع توهم دلالة ما يدل على تنزيل المؤدى على تنزيل القطع به منزلة القطع بالواقع، بدعوى الملازمة العرفية بين التنزيلين و ذلك لان هذه الملازمة على تقدير تسليمها انما تتحقق بعد تنزيل المؤدى، فلا يكاد يشمله ما يدل على تنزيل المؤدى، هذا مع ما عرفت من منع ثبوت هذه الملازمة.
(قوله انما رتب على المقيد اى على العنوان البسيط الانتزاعى قوله لا يوجب اثبات المقيد لابتنائه على القول بالاصل المثبت قوله و لو سلمنا كون الموضوع هو البسيط الخ) لا يخفى ان مع تسليم كون الموضوع هو العنوان البسيط الانتزاعى، لا نحتاج فى احرازه الى اجراء الاصل فى منشاء انتزاعه، كى يردان اجراء الاصل فى المنشاء لا يوجب اثباته الاعلى القول بالاصل المثبت، حتى نتمسك فى دفعه بذيل ما هو المعروف فى السنة بعض من حجية الاصل المثبت فيما كانت الواسطه خفية مع ان ما فيه من الاشكال، بل نحرزه باجراء الاصل فى نفسه، بان نقول هذا الماء كان متصفا بالكرية و الاصل بقاء اتصافه بها قوله و هذا لا يتم فى الخمر المعلومة الخ اى ما تفصينا به عن
ص: 12
اشكال الاصل المثبت بالنسبة الى الموضوعات المقيدة كالماء الكر مثلا، من منع كون الموضوع هو العنوان البسيط الانتزاعى اولا، و كونه من الوسائط الخفية ثانيا، لا يتم بالنسبة الى عنوان الخمر المعلومة، بداهة ان ما يكون منشاء لانتزاع هذا العنوان هو العلم بكون هذا المايع خمرا، و اما مجرد تعلق العلم بهذا المايع مع عدم العلم بخمريته بل قيام الامارة على كونه خمرا واقعا، لا يوجب انتزاع هذا العنوان عنه، كى يقال ان الموضوع للحكم هو المنشاء لانتزاع ذلك العنوان و هو العلم بهذا المايع و كونه خمرا واقعا، فاذا احرز احد جزئيه و هو كونه خمرا واقعا بقيام الامارة و الاخر بالوجدان يتم الموضوع و يترتب عليه حكمه او يقال ان الموضوع و ان كان ذلك العنوان و لا يمكن اثباته باجراء الاصل فى منشائه، الا انه من الوسائط الخفية التى لا يراها العرف واسطة فتدبر.
(قوله فيكون راجعا الى النزاع فى المسئلة الكلامية الخ) بداهة ان البحث عن استحقاق العقوبة و المثوبة على العصيان و الاطاعة مطلقا اى سواء كانتا حقيقتيين او اعتقاديتين، راجع الى البحث عن صحة وقوعهما عن اللّه تعالى و عدمها، فيكون راجعا الى النزاع فى مسئلة كلامية التى يبحث فيها عن احوال المبدء و المعاد.
(قوله فتكون المسئلة من المسائل الفقهية الخ) بداهة ان الضابط فى كون المسئلة اصولية هو وقوع نتيجتها فى طريق استنباط الحكم الشرعى، و لا ريب فى انه يمكن بضميمة قاعدة الملازمة الثابتة بين حكم العقل و الشرع، استنباط حرمة الفعل المتجرى به من حكم العقل بقبحه قوله اختياريا للفاعل كى يقع البحث عن صحة العقوبة عليه او عن قبحه او حرمته، و ليس المراد من عدم كونه اختياريا هو كونه اضطراريا، بل المراد منه عدم كونه عن علم و التفات كما هو واضح قوله ضرورة ان مجرد الخ تعليل لكون الاخير من العناوين الباقية و هو عنوان كون شرب المايع اختياريا، لا لكون جميع العناوين الباقية اختياريا، بداهة ان هذا التعليل لا ربط له بكون عنوان شرب مقطوع الخمرية او مقطوع
ص: 13
الحرمة اختياريا كما هو واضح قوله و وجوب الاطاعة التى قد عرفت عدم قابليتها للحكم الشرعى المولوى قوله و بعضها اختيارية الخ توضيحه ان الفعل الاختيارى لا بد له من مقدمات و مبادى مترتبة بعضها على بعض، الاولى تصور ذلك الفعل و الالتفات اليه، الثانية الميل اليه الذى هو عبارة عن الحب به الناشى عن موافقة الفعل و ملائمته للقوة الشهوانية او العقلانية، الثالثة الجزم به الذى هو عبارة عن حكم القلب بان الفعل مما ينبغى ايجاده، الرابعة العزم الذى هو عبارة عن البناء على إيجاده، الخامسة الارادة التى هى عبارة عن الشوق المؤكد الموجب لتحريك العضلات نحو الفعل، فالارادة لا بد ان تسبقها دائما تلك المقدمات الاربع لما عرفت من ترتبها عليها، و ما تكون من هذه المقدمات الاربع خارجة عن تحت القدرة و الاختيار، هى الاوليان منها و هما التصور و الميل، دون الاخيرتين، بداهة تمكن الفاعل من عدم ايجادهما بالتأمل فيما يوجب صرف عنان ميله عن الفعل مما يترتب عليه من المفاسد و المضار الدنيوية او الاخروية او الامور المنافية للغرض المقصود منه، و حينئذ لولم يقدم على التأمل فيما يوجب صرف ميله، بل اقدم على ما اوجب تأكده الى ان تخطى مرتبتى الجزم و العزم و وصل الى مرتبة الارادة، فتتصف ارادته بالقبح عقلا و يستحق العقوبة عليها كك، و ان لم يكن صدورها عنه بعد اقدامه على ما اوجب تأكد ميله باختياره، بداهة كفاية القدرة على عدم ايجاد بعض مقدمات الفعل فى استناده الى الفاعل استناد الفعل الاختيارى الى فاعله، و ان لم يكن صدوره عنه بعد ايجاد تمام مقدماته باختياره، كمن اسقط نفسه من السطح الى الارض فمات و هذا واضح و مما ذكرنا اتضح اندفاع ما وجهه المصنف دامت بركاته على نفسه من الاشكال، بقوله فان قلت كيف يمكن ان تكون الارادة اختيارية الخ، و ذلك لما عرفت من انه يكفى فى اختيارية الارادة التمكن من عدم ايجاد بعض مباديها الاختيارية من الجزم و العزم، بالتأمل فيما يوجب صرف ميله من المفاسد المترتبة على ما تصوره من الفعل، هذا مع أن اختيارية كل شئى بالارادة و اختياريتها بنفسها، كما ان موجودية كل
ص: 14
شئى بالوجود و هو موجود بذاته، بداهة ان كل ما بالعرض لا بدان ينتهى الى ما بالذات، و اما ما اجاب به عن الاشكال، فهو و ان كان دافعا لاشكال الدور، الا انه لا يكون كافيا فى دفع الاشكال على اختيارية الارادة، و انه كيف يمكن و يصح المؤاخذة عليها مع انها ليست باختيارية، بداهة ان ما افاده يرجع الى ان الارادة دائما مستندة الى المصالح الموجودة فى متعلقاتها او فى نفسها، و من المعلوم استنادها الى تلك المصالح و الخواص الملائمة للطبع او الموافقة للعقل لو لم يوجب عدم اختياريتها لا يؤثر فى اختياريتها كما هو واضح.
(قوله فلو فرضنا كون الفعل مشتملا الخ) كما اذا كان ذات الاقامة فى مكان خاص عشرة ايام مستلزمة لنفع كثير ملائم لطبع المقيم، و كان قصدها الى العشرة مستلزما لوجوب الصوم عليه المخالف لطبعه.
قوله بل هى من اوضح مصاديقه، لانها خيانة بالنسبة الى المولى فتكون ظلما عليه قوله للالة اللفظية الدالة على البرائة كحديث الرفع و غيره.
قوله هل يستفاد منها الترخيص فى ترك الاحتياط قى اطراف الشبهة المقرونة بالعلم الاجمالى اولا.
(قوله و ذكرنا هنا عدم الفرق بين مثل هذه القيود الخ) و ذلك لان تقييد موضوع الحكم بالقيود المتأخرة رتبة عن الحكم و ان كان ممتنعا، فلا يمكن التمسك باطلاق دليل الحكم لدفع احتمالها، بناء على ان التقابل بين الاطلاق و التقييد هو تقابل العدم و الملكة كما هو الحق، بداهة ان معنى الاطلاق حينئذ هو عدم التقييد عما من شأنه ان يقيد، ففيما ليس من شأنه ان يقيد لا متناع التقييد فيه، لا معنى للتمسك بالاطلاق فيه، لكن امتناع تقييد الموضوع بها، انما هو فيما اذا اريد تقييده بها بالتقييد اللحاظى، لا فيما اذا اريد تقييده بها بنحو نتيجة التقييد اى بدليل آخر غير دليل الحكم، فانه فى غاية الامكان بل
ص: 15
واقع فى الشرعيات، و حينئذ فلا مانع من الرجوع الى الاصل فى دفع احتمالها بعد الفحص عن ذلك الدليل و اليأس عنه.
قوله يجب عليه ترك المخالفة القطعية فيكون التخيير فى حقه ابتدائيا لا استمراريا.
قوله مسلوقا للعلم بوجوده و ذلك لان معنى الامكان الوقوعى حينئذ هو عدم لزوم محذور عقلى من فرض وجوده اصلا، و هذا لا يمكن الا مع فرض وجود مقتضيه و عدم موانعه، و بعبارة اخرى الا مع تحقق علته التامة، بداهة انه لو كان مقتضيه معدوما أو كان موانعة موجودة، للزوم من فرض وجوده اما وجوده مع عدم مقتضيه او مع وجود موانعه و كلاهما محالان، و من البديهى ان العلم بالامكان فى شئى بهذا المعنى مساوق للعلم بوجوده، لاستحالة انفكاك العلم بالعلة التامة عن العلم بمعلولها كما هو اوضح من ان يخفى.
(قوله و الجواب منع بطلان التالى الخ) هذا مضافا الى المنع عن الملازمة بين جواز التعبد به فى الاخبار عن النبى صلى اللّه عليه و آله و سلم و امكان التعبد به فى الاخبار عنه تعالى، بداهة ان الاخبار عن النبى صلى اللّه عليه و آله و سلم لا يحتاج الى ازيد من السماع عنه صلى اللّه عليه و آله، و هو مما يمكن حصوله لكل احد ممن كان موجودا فى زمانه صلى اللّه عليه و آله، و هذا بخلاف الاخبار عنه تعالى فانه يتوقف على كون المخبر واجدا لمرتبة الولاية الكلية الالهية يكون قابلا لنزول الخطابات الالهية على قلبه بطريق الوحى او الالهام، و هذه المرتبة لا يمكن حصولها لكل احد، و لا طريق الى ثبوتها للمخبر عنه تعالى الا باتيانه بالمعجزات و الخارق للعادات، فكيف يمكن قياس الاخبار عنه صلى اللّه عليه و آله و سلم على الاخبار عنه تعالى، مع هذا الفرق الذى لو لم يكن هو فارقا لم يكن فرق بفارق.
قوله من دون وقوع الكسر الخ و الا للزم انتفاء كليهما لو كانا متساويين فى المصلحة،
ص: 16
او انتفاء احدهما لو كان الاخر اهم، و هذا خلاف ما هو المفروض كما لا يخفى.
قوله لعدم المقتضى فى ذلك المقيد اى فيما قيد و هو المطلق.
(قوله و لا يمكن الجمع بين لحاظ الخ) لا يخفى ان موضوع الحكم و ان امتنع تقييده بالاوصاف المتأخرة عن الحكم كالعلم بالحكم و الشك فيه و نحوهما بالتقييد اللحاظى، الا انه لا بد ان يكون بحسب اللب و الواقع، اما مطلقا بالنسبة اليها او مقيدا، اذا لاهمال فى مقام اللب ممتنع كما برهنا عليه فى مقامه، و كذا التزمنا بتقييد الموضوع فى التعبديات بقصد القربة و نحوها مما يترتب على الامر، غاية الامر بنحو نتيجة التقييد و بدليل منفصل، فاذا امكن ان يقيد فى مقام اللب بها و ان يطلق عنها، فيكون لا محالة مقسما لها و لنفيضها، و المقسم لا بد ان يتحقق فى ضمن اقسامه، و الالم يكن مقسما لها كما هو واضح، فاذا كان موضوع الحكم الواقعى متحققا و محفوظا مع تلك الاوصاف و كان حكمه ثابتا بثبوته، فلا يمكن ان يحكم عليه بحكم آخر بملاحظة اتصافه بتلك الاوصاف، لاستلزامه لاجتماع النقيضين او المثلين كما هو واضح.
(قوله و هو ان الاوامر الظاهرية ليست باوامر حقيقية الخ) لا يخفى ان هذا الوجه انما يجدى بالنسبة الى الامارات، لا الاصول التعبدية كاصالة الاباحة و نحوها بداهة انها ليست اوامرار شادية طريقية الى الواقع، و انما هى احكام مولوية ظاهرية مجعولة للشاك فى مقام العمل من دون نظر الى الواقع، فيلزم اجتماع الضدين او المثلين لو كان للمشكوك حكم فى الواقع.
فوله كالظن فى حال الانسداد بناء على الحكومة، اذ هو حينئذ كالقطع فى عدم كونه مما تناله يد الجعل.
(قوله و اثباتا ان قلنا بان الحجة نفس الشك الخ) لا يخفى ان الحجة ليس هى نفس الشك، بل هى حكم العقل بصحة العقاب على الواقع المشكوك قبل الفحص و
ص: 17
اليأس، و هذا الحكم منه منجز للواقع على تقدير وجوده و لو لم يكن له دليل شرعى موجود فى الواقع يمكن الظفر به لو تفحص عنه، بداهة صحة المؤاخذة و العقوبة على ترك الواقع، مع امكان امتثاله بالطريق العقلى و هو الاحتياط، و عدم ما يوجب رفع كلفته عنه من ادلة البرائة لاختصاصها بما بعد الفحص، نعم لو لم يكن فى الواقع حكم الزامى للمشكوك، لا يكون ارتكابه موجبا لصحة العقاب عليه، الا بناء على حرمة الفعل المتجرى به.
قوله ففيمالم يكن الدليل الواقعى كك اى فليس بحجة اثباتا فيما لم يكن الدليل الواقعى بحيث لو تفحص عنه لظفربه.
(قوله و هما قد تتفقان الخ) لا يخفى ان استعمال اللفظ فى المعنى، ليس له قسمان بحيث يستعمل و يراد منه المعنى بالارادة الاستعمالية تارة و بالارادة الجدية اخرى بداهة ان استعمال اللفظ ليس الا القاء المعنى و المدرك العقلانى الذى يتصوره العقل من الاشياء المعبر عنه بالمفهوم، باللفظ و ايجاده به، و هذا لا فرق فيه بحسب الموارد، و انما الفرق بين دواعى الاستعمال من الجد و الامتحان و التعجيز و نحوها، و لا يمكن اخذ دواعى الشىء فيه كما هو واضح.
(قوله لان الاطلاق امر زائد الخ) و ذلك لما حقق فى محله من ان الموضوع له فى المطلق هو اللابشرط المقسمى و هى المهية من حيث هى المعراة عن كل قيد؛ و هى بهذه الحيثية لا تكون مطلقة و لا مقيدة، بداهة انها من حيث هى ليست الا هى، و من هنا قالوا بجواز ارتفاع النقيضين فى المرتبة، و حينئذ فاستفادة الاطلاق او التقييد لا بد ان تكون قرنية خارجية عقلية او لفظية، بنحو تعدد الدال و المدلول، لا باستعمال اللفظ الموضوع لنفس المهية المبهمة فى المهية المرسلة او المقيدة، بحيث كانت القرنية العقلية او اللفظية كاشفة عن المجازية.
ص: 18
(قوله و لا يناط بالظن الفعلى الخ) هذا انما يتم فيما لم يكن الاخذ بظاهر اللفظ من حيث مجرد كاشفيته عن المراد النفس الامرى، بل كان فيه جهة موضوعية ايضا، كما فى الظواهر التى يؤخذ بها فى مقام الاحتجاج و المخاصمة، كظواهر الخطابات الصادرة عن الموالى بالنسبة الى عبيدهم، فان بناء العقلاء فى هذا القسم على الاخذ بظاهر الكلام، و لومع عدم الظن الفعلى بالمراد، بل مع قيام الظن الغير المعتبر على الخلاف، و هذا بخلاف ما لو كان الاخذ بظاهره من حيث مجرد الطريقية و الكاشفية عن الواقع و المراد النفس الامرى، كما فى الاخذ بظاهر قول الطبيب بالنسبة الى المريض و كلام المعلم بالنسبة الى المتعلم و نحوهما، فان بنائهم فيه ليس على الاخذ به مطلقا و لو لم يفد الظن الفعلى بالمراد، و هذا الذى ذكرنا من الفرق بين المقامين يظهر بادنى مراجعة الى الوجدان، فلا نحتاج الى كلفة اقامة البرهان.
(قوله و على الثانى تخصيصها بها معلوم الخ) و ذلك لان طريقة العقلاء و سيرتهم مستمرة على حجية خصوص ظواهر الالفاظ، و هذه الايات تدل على عدم حجية غير العلم مطلقا، فالنسبة بينهما عموم مطلق، فيجب تخصيص العام و هو الايات الناهية بالخاص و هى السيرة العقلائية هذا، و لا يخفى ان تعين الخاص لتخصيص العام، انما هو فيما ورد الخاص بعد العام و قبل العمل به، و اما فيما ورد العام بعد العمل بالخاص كما نحن فيه فلا يتعين الخاص للتخصيص، بل يدور الامر بين كونه مخصصا للعام او كون العام ناسخا للخاص فيدور الامر فيما نحن فيه بين كون السيرة مخصصة للعمومات الناهية او كون العمومات رادعة عنها، و لا مرجح فى البين، الا ان يتمسك بذيل كثرة التخصيص و ندرة النسخ، و مما ذكرنا من دوران الامر فى المقام بين التخصيص بالسيرة او الردع بالايات، و سقوط كل منهما عن الاعتبار بذلك، التجاء بعض لاثبات حجية الظواهر باستصحاب حجيتها الثابتة قبل نزول الايات الناهية فتدبر، و الاولى فى الجواب هو المنع
ص: 19
عن شمول الايات الناهية عن العمل بغير العلم للعمل بالظواهر، بداهة ان العمل بها عند العرف و العقلاء ليس من العمل بغير العلم، فالعمل بها خارج عن مدلول تلك الايات موضوعا و من باب التخصص لا التخصيص فتدبر.
(قوله فبعد تسليمه الخ) اشارة الى المنع عن وقوع التحريف فى غير آيات الاحكام ايضا، كما يدل على نفيه بعض الاخبار ايضا على ما نقله بعض الا عاظم.
قوله عند العلم الاجمالى بالخلاف الموجب لا جمال تلك الظواهر.
قوله فلبس من هذه الجهة من اهل الخبرة و ذلك لا مكان الاطلاع عليه هكذا لكل احد، فلا يختص باللغرى كى يكون خبرة بالنسبة اليه.
قوله بانه فى المثال يرجع الشك الى الشك فى المراد الخ لانه لو كان المشكوك داخلا واقعا فى عنوان العام، و كان خروجه من باب التخصيص، لما كان العموم مرادا جديا للمتكلم بالعام.
قوله و بقى الباقى و منه ما لم يعلم انه عن حدس قريب او غيره.
(قوله و من المعلوم انه ليس الا من جهة قوة احتمال تعمد الكذب الخ) حاصله ان تعليل وجوب التبين فى خصوص خبر الفاسق باحتمال الوقوع فى الندم، لا بد ان يكون من جهة قوة احتمال تعمده فى الكذب بملاحظة عدم الرادع له عن التعمد فيه، بخلاف العادل فان ملكة العدالة رادعة له من التعمد فى ذلك، لا من جهة احتمال خطائه فى حدسه و اعتقاده ايضا، كى يكون مفهوم الاية هو عدم الاعتناء باحتمال خطاء العادل مطلقا حتى فى حدسه، و ذلك لبداهة اشتراكهما فى احتمال الخطاء من جهة الحدس و الاعتقاد، و معه لا يستقيم تعليل التبين فى خصوص خبر الفاسق باحتمال الوقوع فى الندم من جهة احتمال خطائه فى حدسه، لاستقلال العقل بقبح التعليل بالعلة المشتركة الراجع الى نفى علية العلة كما هو واضح.
ص: 20
قوله تحصيل الاجماع و كون الاخبار عنه عن حس.
(قوله و هذا الظاهر حجة الخ) لاستقرار بناء العقلاء على الاخذ بالخبر و عملهم به مطلقا و لو مع احتمال كونه مستندا الى حدس المخبر، و ليس ذلك الا لاجل تعويلهم على ما هو الظاهر منه من كونه مستندا الى الحس، اوالى ما يقرب منه كما فى الاخبار بالملكات النفسانية كالاجتهاد و العدالة، و نحوهما مما لا يكون محسوسا و لكن له آثار محسوسة كاشفة عنه.
(قوله الا اذا كان الاجماع المنقول بحيث الخ) و بعبارة اخر الا اذا كان المخبر به تمام السبب او جزئه مع كون جزئه الاخر محرزا بالوجدان، اما فيما اذا كان تمام السبب، فلان حجية الخبر الواحد حيث تكون من باب الطريقية و الكاشفية عن الواقع، فادلة حجيته كما تقتضى ترتيب آثار مادل عليه بالمطابقة و هو المخبر به، كك تقتضى ترتيب آثار مادل عليه بالالتزام من لوازم المخبر به و ملازماته، بداهة ان الاخبار عن الشئى اخبار عن اوازمه و ملزوماته و ملازماته، فاذا اخبر العادل عما يلازم قول الامام عليه السّلام، يجب ترتيب جميع ما يترتب على الاخبار عن قوله عليه السّلام، كما يجب ترتيبه على الاخبار عن قوله عليه السلام ابتداء، و اما فيما اذا كان المخبر به جزء السبب، فلان مقتضى اطلاق ادلة حجية الخبر هو ترتيب آثار مادل عليه مطلقا، سواء كان ثبوت تلك الاثار له بالاستقلال او بضميمة شئى آخر، و بعبارة اخرى سواء كان المخبر به تمام الموضوع لتلك الاثار او جزء الموضوع لها، و لذا لم يتأمل احد فى اعتباره بالنسبة الى ماله مدخلية فى الحكم الشرعى.
قوله ليست متعرضة للحجية الفعلية، لأنها تتوقف على الغاء جميع الاحتمالات من الخطاء و السهو و النسيان و نحوها، و لا يكفى فيها مجرد الغاء احتمال التعمد فى الكذب كما هو ظاهر.
ص: 21
قوله لما ادعيناه من ان الاية الشريفة ليست متعرضة منطوقا و مفهوما، الا للاعتناء باحتمال تعمد الفاسق فى الكذب، و عدم الاعتناء باحتمال تعمد العادل فيه.
(قوله بل هو خصوص البينة الخ) فليس الموضوع للحكم هو الواقع من حيث هو كى نرتبه عليه بمجرد احرازه بشهادة الفاسق المتحرز عن الكذب، بل الموضوع للحكم هو الواقع الذى قامت البينة العادلة عليه، فلها مدخلية فى موضوع الحكم، و لا يخفى ان هذا مناف لما حقق فى كتاب القضاء و الشهادات، من جواز عمل الحاكم بعلمه فى مقام فصل الخصومة، و من هنا امر المصنف دام ظله بالتدبر.
قوله ليس كالامور الواقعية، بل هو من الامور الوجدانية.
قوله انها سيقت لبيان اعتبار مطلق الظن، كى تدل على حجية ما كان منه اقوى بالاولوية و مفهوم الموافقة.
قوله كون الشهرة مرجحة فى مقام التعارض.
قوله امور متعلقة بعلم الكلام، كحجية قول المعصوم عليهم السلام و وجوب اطاعته عقلا قوله بين ما يكون مفروغا عنه، و هو الامر الثانى و الرابع اما الاول فلا صالة عدم صدور الالفاظ المروية عنهم عليه السلام لغير افادة الاحكام الواقعية و بيانها، و هذا الاصل مما استقر عليه بناء العقلاء، لاستقرار و سيرتهم على حمل كلام كل متكلم على كونه صادر البيان مطلوبه الواقعى، لا لدواع اخر كالتقية و الخوف او غيرهما و اما الثانى فلما مر من استقرار بناء العقلاء على الاخذ بظواهر الالفاظ و كونها طريقا الى احراز مرادات المتكلم بها عندهم.
قوله و ما يكون محلا للنظر و هو الامر الثالث، و ذلك لما مر من ان الظن فى تشخيص ظواهر الالفاظ و احراز ما هو المتفاهم منها عرفا، اما يحصل من قول اللغوى، او من احراز ما هو المتفاهم منها عرفا، اما يحصل من قول اللغوى او من احراز موارد الاستعمال
ص: 22
بضميمة اصالة عدم القرنية، و لا دليل على حجية شئى منهما فراجع قوله فلا وجه لجعل الموضوع هو السنة الخ، هذا اشارة الى ما النزم به شيخ مشايخنا الانصارى قدس سره، من ارجاع البحث فى المقام الى البحث عن ثبوت السنة التى هى عبارة عن قول الحجة عليه السلام و فعله و تقريره بالخبر الواحد، دفعا لما اوردوه على القائلين بان موضوع علم الاصول هو الادلة الاربعة، من انه لو كان الموضوع لهذا العلم هو خصوص الادلة الاربعة، للزوم خروج البحث عن حجية الخبر الواحد عن مسائل علم الاصول، بداهة انه بحث عن حجية الخبر الواحد لا عن حجية السنة، فيكون بحثا عن عوارضه لا عن عوارضه السنة توضيح الدفع بما افاده قدس سره، هو ان البحث فى المقام بحث عن ثبوت السنة بالخبر، و ثبوت السنة من عوارض السنة لا من عوارض الخبر، واورد عليه فى الكفاية بما حاصله، ان المراد من ثبوت السنة، ان كان هو الثبوت الواقعى، فمع انه لا يثبت بالخبر الواحد كما هو واضح، مستلزم لكون البحث عنه بحثا عن وجود الموضوع بمفاد كان التامة و الهلية البسيطة، فيكون من مبادى العلم لا من مسائله، بداهة ان البحث فى المسائل لا بد ان يكون عن عوارض الموضوع و عما هو مفاد كان الناقصة و الهلية المركبة، و ان كان المراد هو الثبوت التعبدى الذى هو عبارة عن وجوب ترتيب آثار السنة على الخبر الواحد، ففيه انه من عوارض الخبر لا من عوارض السنة هذا و اجيب عنه تارة بان البحث عن ثبوت السنة بالخبر، ليس يحثا عن وجود الموضوع و عدمه مفاد كان و ليس التامتين، كى يرجع الى البحث عن الميادى، بل بحث عن اثبات الموضوع به و عدمه، اى السنة المفروضة المفروغة عن وجودها يقينا، هل يثبت بالخبر الواحد او لا بد من ثبوته بالمتواتر، و من المعلوم ان البحث عن اثبات الشئى فى مرحلة التطبيق بعد الفراغ عن اصل ثبوته، بحث عن حالاته و عوارضه هذا و لا يخفى ان هذا الجواب انما يتم لو كان بحثا عن اثبات السنة بالخبر حقيقة، لا تعبدا الذى مرجعه الى وجوب ترتيب آثار السنه على الخبر، بداهة ان البحث عن اثبات السنة بهذا المعنى، بحث عن عوارض الخبر و انه يجب الاخذ
ص: 23
به و حجة ام لا و اجيب عنه اخرى بان ذات السنة ليست موضوعا بل باعتبار وصولها الينا، بداهة ان الموضوع لعلم الاصول هو الدليل الفعلى، و ذات السنة ليست الا حجة شأنية، و انما تصير حجة فعلية بصولها الينا، و حينئذ فيقع البحث فى ان هذه الشأنية هل تصير فعلية بنقل زرارة اولا، و لا شبهة فى ان هذه الكيفية من البحث راجعة الى البحث عن حالات السنه و فيه ان هذا البحث و ان كان راجعا الى البحث عن عوارض السنة و حالاتها، الا انه لا يوجب كونة بحثا عن عوارض الموضوع، و ذلك لما اعترف به المجيب عن ان الموضوع ليس هو ذات السنة، بل السنة الواصلة لانها الحجة الفعلية، و عليه فيكون البحث عن صيرورة السنة حجة فعلية بنقل الزرارة، بحثا عن تحقق ما هو الموضوع بنقله، فيرجع الى البحث عن المبادى كما هو واضح و مما ذكر ناكله ظهران الاول جعل الموضوع المبحث فى هذا المبحث، هو الخبر الواحد و يبحث فى حجيته و عدمها، و لا يلزم منه كون هذا المبحث خارجا عن المسائل الاصولية، و ذلك لمامر من ان المناط فى كون المسئلة من مسائل هذا العلم، هو وقوع نتيجتها فى طريق الاستنباط.
(قوله فبانها بعد تسليم دلالتها الخ) اشارة الى المنع عن دلالتها على النهى عن اتباع غير العلم مطلقا، و انما الظاهر او المتيقن منها هو المنع عن اتباعه فى خصوص الاصول الاعتقادية، لا الاعم منها و من الفروع الشرعية.
قوله لا يجوز التمسك بها فى مقام الاستدلال، لعدم حجية الخبر الواحد.
قوله لا يثبت المنع عن العمل مطلقا لاختصاص المنع فيها بالعمل به عند التعارض.
قوله الاخذ بالاخص و هو الدال على طرح المخالف.
(قوله و التزام التخصيص الخ) اى الالتزام بتخصيص مادل على طرح ما خالف الكتاب. بما صدر عنهم عليه السلام فى موارد كثيرة من الاخبار المخالفة للكتاب على نحو العموم و الخصوص او الاطلاق و التقييد ممتنع جدا، لا لكثرة تلك الاخبار الصادرة
ص: 24
و لزوم تخصيص الاكثر المستهجن، بل لان الى آخر ما افاده فى الكتاب.
قوله و القول بعدم صدور ما يباين الكتاب من الجاعلين، المستلزم للغوية الاخبار الدالة على طرح ما خالف الكتاب، مدفوع بان هذا الاستبعاد الى آخر ما افاده فى الكتاب توضيح الاشكال انا لو حملنا المخالفة فى الاخبار الدلالة على طرح ما خالف الكتاب على المخالفة على نحو التبائن لزم لغوية تلك الاخبار لعدم بقاء مورد لها حينئذ، بداهة استبعاد نقل الجاعلين ما يخالف الكتاب عليهذا النحو عنهم عليهم السلام، لأنهم لا ينقلون عنهم عليهم السّلام ما فيه امارة الكذب و الجعل الموجبة لنقض اغراضهم الفاسدة.
قوله و اما فى الاول، و هو التمسك بمفهوم الشرط.
قوله فالشرط مسوق لبيان تحقق الموضوع، اقول الضابط لتشخيص كون القضية الشرطية مسوقة لبيان تحقق الموضوع كيلا يكون لها مفهوم، او كونها غير مسوقة لذلك كى يكون لها مفهوم، هو ان كل شرط لا يمكن تحقق الجزاء عقلا الا بتحققه، فتعليق الجزاء عليه فى القضية ليس الالبيان تحقق الموضوع، و كل شرط يمكن تحقق الجزاء عقلا مع وجوده و عدمه، فتعليق الجزاء عليه لا بد ان يكون لبيان دخله فى ترتب الجزاء على موضوعه، بداهة انه لولم يكن له دخل فى ترتبه على موضوعه، لكان تعليقه عليه مع امكان ترتبه عليه بدونه لغو اذا عرفت هذا ظهر لك، ان تعليق التبين فى الاية الشريفة على الشرط و هو مجيئى الفاسق بالنباء، ليس الالبيان تحقق الموضوع، بداهة عدم امكان التبين مع عدم مجيئى الفاسق بالنباء كما هو واضح.
(قوله لا يقال ان كلمة ان الخ) حاصل الاشكال هو ان لادوات الشرط ظهورين، احدهما ظهورها فى الدلالة على ثبوت الحكم للموضوع عند وجود الشرط و عدمه له عند عدمه، ثانيهما ظهورها فى علية الشرط لسنخ الحكم المتعلق بالموضوع المستفاد من المحمول، و عدم امكان ابقائها على جميع مراتب ظهورها كما نحن فيه، حيث لا يكون
ص: 25
فيه وجود شرط خارج عن الموضوع، كى يقال بدلالة الاداة على ثبوت الحكم للموضوع عند وجود الشرط و عدمه له عند عدمه لا يستلزم رفع اليد عن بعض مراتب ظهورها مما يمكن ابقائها عليه، و هو ظهورها فى علية الشرط لسنخ الحكم المستفاد من المحمول، فيجب حمل القضية فيما نحن فيه على كونها فى مقام بيان علية الموضوع لسنخ الحكم المستفاد من المحمول، حفظا لبعض ما يمكن ابقاء الاداة عليها من مراتب الظهور و حاصل الدفع انه ليس للاداة ظهور الا فى العلية المنحصرة للشرط للحكم المتعلق بالموضوع فى القضية، و ارتفاع الحكم عن ذلك الموضوع من اللوازم العقلية لكون الشرط علة منحصرة، فاذا لم تكن القضية الشرطية مسوقة لبيان دخل الشرط فى ترتب الجزاء و كونه علة منحصرة لترتبه، بل كانت مسوقة لبيان تحقق الموضوع كما نحن فيه، فينتفى ظهور الاداة بجميع مراتبه، لا متناع انفكاك اللازم عن الملزوم.
(قوله لانا نقول ان كان المراد الخ) حاصله انه لا يخلوا، اما ان يكون المراد هو كون الموضوع لوجوب التبين هو طبيعة النباء، او النباء الموجود فى الخارج، فعلى الاول يلزم عند مجيئى الفاسق بخبر، وجوب التبين فى طبيعة النباء و انكانت متحققة فى ضمن خبر العادل، لانه مقتضى تعليق التبين فى الطبيعة على مجيئى الفاسق البناء، لان معناه وجوب التبين فى طبيعة الخبر فى اى فرد تحققت، عند تحقق مجيئى الفاسق، و هذا خلاف المقصود، و على الثانى يلزم ان يكون التعبير باداة الشرط باعتبار الترديد، لان النباء الخارجى الشخصى ليس قابلا لان يتصف بمجيئى الفاسق به و عدم مجيئه به الاعلى سبيل الترديد، و عليه فينبغى التعبير بما يدل على المضى، لان الترديد فى كيفية وجود الشئى لا يصح الا بعد الفراغ عن اصل وجوده، و لفظ جاء و ان كان فعلا ماضيا، الا انه لوقوعه بعداداة الشرط يدل على الاستقبال هذا و فيه انا تحتاران الموضوع هو طبيعة النبأ، لكن نمنع عن استلزامه لوجوب التبين فى الطبيعة اينما تحققت، و ذلك لما عرفت من ان
ص: 26
تعليق الجزاء على الشرط فيما لا يتوقف تحقق الجزاء على الشرط، لا بد ان يكون لبيان دخل الشرط بنحو العلية فى ثبوت الجزاء، و الا لكان التعليق عليه لغوا، و معه كيف يمكن الحكم بوجوب التبين فى طبيعة النباء و ان كانت متحققة فى ضمن خبر العادل، مع كونه مستلزما لانفكاك المعلول عن علته كما هو واضح، و بعبارة اخرى استلزام كون الموضوع لوجوب التبين هى طبيعة النباء لما ذكر من المحذور، انما هو فيما اذا لم يكن الشرط تحقق الطبيعة فى ضمن خصوص فرد، و اما اذا كان الشرط تحققها كك، كما فيما نحن فيه حيث ان الشرط فيه طبيعة نباء الفاسق فلا يلزم ما ذكر من المحذور، كما لا يخفى.
(قوله و لا شك ان التعليل اظهر الخ) بل الحق عدم دلالة القضية على المفهوم اصلا مع هذا التعليل، بداهة ان القضية انما تدل على المفهوم بعد تماميتها، و هذا التعليل حيث يكون من متممات القضية، فيمنع عن انعقاد الظهور لها فى المفهوم، لا انه ينعقد لها ظهور فى المفهوم، و يقدم ظهور التعليل عليه لا ظهريته فى العموم من ظهور القضية فى المفهوم.
(قوله فلو دلت الاية بمفهومها على حجية الخ) لا يخفى ان دلالة الاية بمفهومها على حجية خبر العادل، تتوقف على عدم عموم التعليل لخبر العادل، فلو توقف عدم عمومه له على دلالة الاية على حجية خبره لزم الدور و بعبادة اخرى ظهور الاية فى المفهوم و حجية خبر العادل، متوقف على عدم كون التعليل قرنية صارفة عن انعقاد ظهور الاية فى المفهوم، و من المعلوم ان عدم كونه قرينة صارفة متوقف على ظهور الاية فى المفهوم و هذا دور فالاولى فى الجواب، هو المنع عن كون العمل بخبر العادل عند العرف و العقلاء، من العمل بغير العلم و الاقدام على اصابة القوم بجهالة و على ما يكون معرضا لحصول الندامة، بداهة ان خبر الثقة او العادل من الطرق العقلائية المحرزة عندهم للواقعيات، من حيث انّ احتمال خلافه ملغى فى نظرهم، فهو عندهم بمنزلة العلم، فلا يصدق على العمل به العمل بغير العلم و الاقدام على ما يكون معرضا لحصول الندامة، فهو
ص: 27
خارج عن عموم التعليل موضوعا، هذا بناء على كون المراد من الجهالة فى الاية هو عدم العلم، و اما بناء على كون المراد منها هى السفاهة و فعل ما لا ينبغى كما هو المتبادر منها فالمنع عن عموم التعليل لخبر العادل اظهر كما لا يخفى
(قوله و هذا لا يدفع بما افاده الخ) قد يتوهم ان ما افاده كاف فى دفع هذ المحذور ايضا، بداهة انه بناء على ما افاده لا يكون الكلام فى مقام ارادة عدم الحجية مطلقا، كى يقال ان القاء الكلام الدال على الحجية فى مقام عدم ارادتها مستهجن لا ينبغى صدوره عن المتكلم الحكيم، بل فى مقام ارادة الحجية الى زمان صدور خبر السيد و عدمها بعد ذلك الزمان، و هذا مما لا بشاعة فيه و فيه ان شمول ما دل على حجية الخبر لخبر السيد، انما هو لاجل دلالته على حجية الخبر، مع انه لم يرد من شموله له الا عدم حجية الخبر، فيلزم ما ذكر من القاء الكلام الدال على الحجية فى مقام عدم ارادتها، هذا مع ان مدلول خبر السيد ليس عدم الحجية من بعد زمان صدوره، كى يكون شمول العام له مفيدا لانتهاء الحكم فى هذا الزمان، بل مدلوله عدم الحجية رأسا، فيكون شمول العام له مفيد العدم الحجية كك، فيلزم المحذور المذكور كما هو واضح.
قوله موضوعا لهذا الحكم و هو وجوب تصديق العادل.
(قوله و الجواب ان وجوب تصديق العادل الخ) حاصله انه ليس مفاد ادلة حجية الخبر هو وهوب الجرى العملى و ترتيب الاثر، كما هو كك فى ادلة الاصول العملية، كيلا يصح اعتباره الا فيما كان لنفس مؤداه اثر شرعى، بل مفادها جعله واسطة فى الاثبات و طريقا الى الواقع، و هذا لا يتوقف على كون نفس المؤدى ذا اثر شرعى، بل يكفى فى صحته و خروجه عن اللغوية، الانتهاء الى اثبات ماله اثر كك و لو بالف واسطة، و حينئذ لواخبر العادل بشئى لم يكن لنفسه اثر شرعا، و لكن كان للازمه او لازم لازمه اثر كك، ناخذ بخبره و نترتب على لازم ذلك الشئى او لازم لازمه الاثر المترتب عليه شرعا و
ص: 28
السر فى ذلك، هو ان حجية الخبر حيث تكون من باب الطريقية و الكاشفية عن الواقع، و الكاشف عن الشئى كاشف عن جميع لوازمه و ملزوماته و ملازماته، فادلة حجيته كما تقتضى ترتيب آثار نفس المخبر به، كك تقتضى ترتيب آثار لوازمه و ملزوماته و ملازماته لا يقال ما ذكرت انما يتم فيما اذا قطع بمطابقة ما وقع واسطة كخبر المفيد مثلا للواقع، اذ ليس بين اخبار المفيد و مطابقته للواقع ملازمة عادية و لا عقلية، كى يترتب على المخبر بقول الشيخ اثر شرعى و لو مع الواسطة و اثبات الملازمة بين اخبار المفيد و مطابقته للواقع بنفس صدق العادل، موجب لكون هذا الحكم باعتبار تعلقه بخبر الشيخ ناظرا الى نفسه، بداهة انه ليس حينئذ لما اخبر به الشيخ و هو خبر المفيد اثر الا وجوب التصديق، و بعبارة اخرى لو كان لخبر المفيد اثر آخر غير وجوب التصديق، لكان صدق العادل بالنسبة الى خبر الشيخ ناظرا الى ذلك الاثر، و اما لو لم يكن لخبر المفيد اثر غير وجوب التصديق، لكان صدق العادل ناظرا الى نفسه، و هو محال لاستلزامه تقدم الشئى على نفسه لانا نقول ان قضية صدق العادل، و ان كانت قضية واحدة منشاة بانشاء واحد، الا انها حيث تكون قضيد حقيقية، فتنحل الى قضايا متعددة حسب تعدد الاخبار الصادرة عن العدول، فعند وجود كل خبر يتحقق قضية غير ما تحققت عند وجود خبر آخر، و حينئذ فلا تكون قضيد صدق العادل بالنسبة الى خبر الشيخ ناظرة الى نفسها، بل تكون ناظرة الى قضية اخرى من سنخها توجد عند اخبار المفيد، و لا محذور فيه اصلا كما هو اوضح من ان يخفى.
(قوله و لا ينافى ذلك صدورها ممن هو عالم الخ) و ذلك لان المستحيل فى حقه تعالى هو الترجى الحقيقى الواقعى، و اما الترجى الايقاعى الانشائى بداعى اظهار المحبوبية فلا استحالة فيه كما هو واضح.
(قوله لما افاده صاحب المعالم الخ) حاصل ما افاده قدس سره فى الاستدلال بالاية
ص: 29
على حجية الخبر، هو انه بعد وضوح استحالة الترجى الواقعى بالنسبة اليه تعالى، فلا بد من حمله على محبوبية الحذر، و هى ملازمة لوجوبه عقلا، بداهة ان المقتضى للحذر و هو الدليل على التكليف، اما ان يكون موجودا فيجب الحذر عقلا لتمامية البيان، و اما لا يكون مقتضيه موجودا فلا يحسن الحذر بل لا يمكن، لان مع عدم الدليل نجزم بعدم استحقاق العقاب، و معه لا يمكن التحدر فضلا عن ان يحسن لان التحذر عن المقطوع العدم غير معقول، فمحبوبية الحذر عقيب الانذار، تدل على حجية الانذار و الاخبار، و كونه موجبا لتنجز المخبر به، و الالما امكن التحذر فضلا عن ان يحسن.
قوله فلا مكان كون الحذر، حاصله انه يحتمل ان يكون الحذر بملاحظة عدم فوت المصالح او الوقوع فى المفاسد الكامنة فى الاشياء، و لا شك فى ان هذا حسن و ليس بواجب، بداهة ان الملازمة انما تكون عقلا بين حسن الحذر و وجوبه، فيما كان حسنه بملاحظة العقوبة على العصيان، لا فيما كان بملاحظة عدم فوت المصالح او الوقوع فى المفاسد المترتبة على ذوات الاشياء.
قوله و ليس الكلام مسوقاله، اى ليست الاية مسوقة لبيان وجوب الحذر، كى تتم مقدمات الحكمة و يصح التمسك باطلاق وجوبه، و لو مع عدم افادة الانذار العلم بالواقع، و انما هى مسوقة لبيان وجوب النفر و الثفقه.
قوله و لا شك فى ان مجرد هذا اى نقل الالفاظ عن الحجة عليه السّلام.
قوله يصدق انه منذر، فلا يتوقف صدق الانذار على كون المنذر ممن يكون نظره حجة بالنسبة المنذر بالفتح، كى ينحصر مصداقه بفتوى المجتهد بالنسبة الى مقلّديه.
(قوله نعم يبقى الكلام، بعد تسليم دلالة الاية على حجية الخبر فى نقل الاخبار الخ.)
(قوله لا تلازم وجوب قبول السامع الخ) و ذلك لاحتمال ان يكون المقصود و
ص: 30
الغرض من وجوب اظهار الحق، هو وضوحه بسبب كثرة المظهرين له ليتكون للّه تعالى على الناس الحجة التامة البالغة و لا يكون لهم عليه تعالى حجة.
(قوله و هو حاصل قبل الفراغ الخ) اذمع احتمال كونها رادعة لانقطع بامضاء الشارع.
(قوله احدها انا نعلم اجمالا الخ) توضيح هذا الوجه هوانا كما نعلم اجمالا بوجود تكاليف الزامية فعلية فيما بايدينا من الاخبار و سائر الامارات، كك نعلم اجمالا بصدور كثير من الاخبار المثبتة للتكليف و النافية له فبما بايدينا من الاخبار عن المعصوم عليه السّلام، بحيث لو علمنا تفصيلا بالصادرات المثبتة منها للتكليف، لا نحل علمنا الاجمالى الاولى، و لم يبق لنا علم بتكليف فعلى زائد على تضمنته هذه المثبتات من الاخبار الصادرة، و مقتضى هذا العلم الاجمالى الثانوى وجوب الاخذ عقلا بالاخبار المثبتة للتكليف، دون غيرها من سائر الامارات، لانحلال العلم الاجمالى بالتكليف فى مطلق الامارات، الى العلم الاجمالى به فى مورد الاخبار و الشك البدوى فى غيرها كما ان مقتضاه جواز الاخذ عقلا بالاخبار النافية للتكليف، لخروج مواردها عن اطراف العلم، و لا يخفى ان مقتضى هذا الوجه على تقدير تماميته، و عدم المنع عن كون المعلوم بالاجمال من الاحكام فى الاخبار بمقدار المعلوم بالاجمال منها فى مطلق الامارات كما يظهر من شيخ مشايخنا المرتضى قدس سره، هو لزوم الاخذ بالاخبار المثبتة عقلا، من باب الاحتياط و وجوب دفع الضرر المحتمل، لا حجيتها بالخصوص كما هو المقصود من البحث فى المقام، و عليه فينحصر مورد وجوب الاخذ بالخبر، بما اذا لم يكن هناك اصل شرعى ينافى مقتضاه، و الا لكان المتعين هو العمل بالاصل مطلقا، اى سواء كان مثبتا للتكليف ايضا او نافيا له، بداهة ورود الاصول الشرعية مطلقا على الاصول العقلية مطلقا، هذا فيما اذا لم يعلم اجمالا بخلاف الاصول الشرعية الواردة فى موارد الاخبار، و اما لو
ص: 31
علم بذلك، فلا يخلو اما ان يكون هذا العلم الاجمالى فى الاصول المثبتة او النافية، و على كل منهما اما ان يكون الاصول فى موارد الاخبار المثبتة او النافية، فان قلنا بجريان الاصل مع هذا العلم، فمقتضى القاعدة فى موارد الاخبار المثبتة، هو التخيير فى العمل بالاصل او الاخذ بالخبر لدوران الامر بين مخالفة الاحتياط فى محتملات ما علم به اجمالا من وجود الاصل المعتبر فى بعض موارد الاخبار، او مخالفته فى محتملات ما علم به كك من الخبر الصادر، و لا مرجح لاحديهما على الاخرى، كما ان مقتضاها تعين العمل بالاصل فى موارد الاخبار النافية و ان قلنا بعدم جريان الاصل مع هذا العلم، للزوم المناقضة فى مدلول دليله كما قيل، فيسقط الاصل عن الاعتبار، و حينئذ فيجب العمل بالخبر المثبت و يجوز العمل بالخبر النافى، و ان كان العلم الاجمالى بخلاف الاصول النافية فى موارد الاخبار المثبتة او النافية، ففى موارد الاخبار المثبتة يجب طرحها رأسا، سواء قلنا بجريانها مع العلم بالخلاف ام لا، اما على الثانى فواضح، و اما على الاول فلان العمل بالكل موجب للمخالفة القطعية بالنسبة الى التكليف المعلوم بالاجمال فى موارد الاخبار المثبتة، و العمل ببعض معين ترجيح بلا مرجح، و بغير معين لا دليل عليه، و فى موارد الاخبار النافية يتعين العمل بها على ما ذكرنا من الخلاف فى جريانها مع العلم الاجمالى بالخلاف و عدمه، فان قلنا بالاول تعين العمل بها، و ان قلنا بالثانى تعين الاخذ بالاخبار.
قوله مضافا الى ما يرد على الاول، من منع انحصار العلم الاجمالى بوجود الاجزاء و الشرائط فى خصوص هذه الاخبار، و من ان مقتضى هذا الوجه هو العمل بالاخبار المثبتد للجزء او الشرط، دون النافية لهما لخروجها عن اطراف العلم الاجمالى، و من ان مقتضاه على تقدير تماميته، هو لزوم الاخذ بالاخيار المثبتة لهما عقلا من باب الاحتياط و وجوب دفع الضرر المحتمل، لا حجيتها بالخصوص بحيث يخصص بها غيرها من العمومات و الاطلاقات كما هو المقصود بالبحث فى المقام.
ص: 32
قوله و اما الكبرى، حاصله ان وجوب دفع الضرر المظنون بل المحتمل المعتنى به لا سيما فيما كان اخرويا، مما يحكم به العقل الفطرى بحيث لا ينكره احد حتى المنكر لاستقلال العقل العقل بالتحسين و التقبيح، و من هنا يستقل العقل بوجوب الاحتياط فى الشبهات الحكمية و الموضوعية المقرونة بالعلم الاجمالى، و فى الشبهات الحكمية البدوية قبل الفحص.
(قوله و الجواب ان الضرر الخ) هذا الجواب راجع الى منع الصغرى، و هى كون الظن بالوجوب او الحرمة مستلزما للظن بالعقوبة او المفسدة، اما الاول فلبداهة انه لا ملازمة بين نفس التكليف و العقوبة على مخالفته، كى يكون الظن به مستلزما للظن بها، بداهة انفكاكهما فيما اذا كان التكليف مجهولا لا عن تقصير، و انما الملازمة بين عصيانه و استحقاق العقوبة عليه، و من البديهى ان الصيان لا يتحقق الا بعد البيان و اتمام الحجة، و الظن الغير المعتبر ليس بحجة و لا بيان، فلا يكون العقاب محتملا فضلا عن ان يكون منظونا، لاستقلال العقل بقيحه بلا بيان، و اما الثانى فلمنع كون الظن بالحرمة او الوجوب، موجبا للظن بالمفسدة، الملازمة لفعل الحرام او ترك الواجب، لمنع كون الاحكام تابعة للمصالح و المفاسد فى متعلقاتها، بل تابعة لمصالح فى نفس الاحكام، سلمنا كونها تابعة لمصالح و مفاسد فى متعلقاتها، لكن لا يلزم ان يكون كل ما يوجب قبح الفعل من المفاسد داخلا فى عنوان الضرر، كى يجب التحرز عنه بحكم العقل الفطرى، بل الموجب لقبحه او حسنه يكون غالبا من المفاسد و المصالح الراجعة الى النوع، من دون استلزام للضرر على شخص المكلف، بل مع اجتماعه للمنفعة الشخصية كما فى الاخماس و الزكوات و نحوهما، سلمنا كونها مستلزما للضرر على شخص المكلف، الا ان تحرز العقلاء عن الضرر الدنيوى انما هو لمكان حبّهم بالنفس و المال، لا لحكم العقل بقبح الاقدام على ما يوجب الضرر كحكمه بقبح الاقدام على الظلم كى يستلزم الحرمة و صحة العقوبة.
ص: 33
(قوله و لكن قبح ذلك موقوف الخ) حاصله ان قبح ترجيح الوهم على الظن، انما هو فيما دار الامر بين لزوم الاخذ باحدهما كما اذاتم مقدمات دليل الانسداد، و اما مع عدم لزوم الاخذ بشئى منهما، كما اذا لم يكن هناك علم اجمالى باحكام واقعية او كان و كان امتثالها بالقطع او بالطريق المعتبر او الاحتياط ممكنا، فلا دوران بينهما كى يلزم من عدم الاخذ بالظن ترجيح المرجوح على الراجح كما لا يخفى.
(قوله الثانية عدم لزوم الخ) و بعبارة اخرى واضحة عدم لزوم الامتثال التفصيلى و لا الاجمالى، لنفس تلك التكاليف المعلومة اجمالا، و لالما يكون بدلا عنها من مؤديات الطرق المعتبرة و الاصول المثبتة للتكليف، اما عدم لزوم الامتثال التفصيلى بالنسبة اليهما، فلعدم التمكن منه مع فرض انسداد باب العلم بهما، و اما عدم لزوم امتثالهما اجمالا بالاحتياط الكلى، فلعدم جوازه فيما اوجب اختلال النظام، او عدم وجوبه فيما لم يوجب ذلك، و لكن كان موجبا للعسر و الحرج المنفيين شرعا.
قوله بواسطة عدم التمكن بالنسبة الى الامتثال التفصيلى، لانسداد باب العلم و العلمى.
قوله ام بواسطة الاذن بالنسبة الى الامتثال الاجمالى لكونه موجبا للعسر و الحرج.
قوله مضرلنا فيما نحن بصدده، من انحلال العلم الاجمالى بالرجوع الى الاصول المثبتة
قوله اما الثانى فواضح، اى كون العلم الاجمالى بثبوت تكليف مضاد لمؤدى الاصول، مضرا لما نحن بصدده من انحلال العلم الاجمالى بالتكاليف بالرجوع الى الاصول المثبتة واضح، بداهة ان مع العلم اجمالا بتكليف مضاد لمؤدياتها، كيف يكون الرجوع اليها موجبا لانحلال العلم الاجمالى بالتكاليف الى معلوم تفصيلى فى مواردها و شك بدوى فى غيرها، هذا مع ان اجرائها مع هذا العلم موجب للمخالفة القطعية بالنسبة الى ذلك التكليف المعلوم المضاد لمؤديها، و حينئذ تسقط الاصول عن الاعتبار رأسا، بداهة ان العمل بكلها موجب لما عرفت من المخالفة القطعية التى هى قبيحة عقلا، و العمل ببعضها
ص: 34
المعين ترجيح بلا مرجح، و بعضها تخيير او على التعيين لا دليل عليه، مع انه ليس فردا ثالثا.
قوله صدق ما ادعيناه من اختلاف النظام.
قوله بين موارد الامارات المثبتة الموجودة فى الكتب الاربعة.
(قوله اذ يمكن ان يقال ان ظاهرها الخ) هذا الايراد نظيرها اورده صاحب الكفاية قدس سره على شيخ مشايخنا الانصارى قدس سره، من ان التمسك بادلة نفى العسر و الحرج، لرفع الاحتياط الغير الموجب لاختلال النظام، محل نظر بل منع بداهة ان مفاد ادلة نفيهما كادلة نفى الضرر، هو نفى الحكم تكليفيا كان او وضعيا عن الموضوع الموجب للعسر و الحرج بلسان نفى العسر و الحرج، لا نفى الحكم الناشى من قبله العسر و الحرج، و بعارة اخرى مفاد ادلة نفيهما هو نفى الحكم عن الموضوع الضررى لا نفى الحكم الضررى، و من المعلوم ان الموضوع فى المقام ليس فى نفسه حرجيا كى يكون ادلة نفى الحرج حاكمة على الاحتياط العقلى، و انما نشاء الحرج من تنجز الحكم و اشتباهه على المكلف الموجب للجمع بين محتملاته، ثم الفرق بين هذا الايراد و ما اورده صاحب الكفاية قدس سره واضح، حيث ان ما اورده فى الكفاية يرجع الى المنع عن كون مفاد ادلة نفى العسر و الحرج هو نفى الحكم الحرجى، بل مفادها نفى الحكم عن الموضوع الحرجى، و هذا الايراد يرجع الى المنع عن كون مفادها نفى الحكم الحرجى مطلقا و لو كان ايجاد للحرج من جهة الامور الخارجية كاشتباهه على المكلف و نحوه، بل مفادها نفى الحكم الموجب للحرج بنفسه فلا تغفل.
قوله بوجهين، و لا يخفى ما فى كلا الوجهين من تطرق المنع، اما الاول فلان المنة فيهذه الموارد لو لم تكن اعظم و اتم منها فى غيرها كما هو واضح فلا اقل من التساوى، و اما الثانى فلان العمل بعد هذا الالتزام مستند الى الزام الشارع الوفاء بالعقد، و لو لا ذلك لم
ص: 35
يكن له ملزم بايجاده كما هو واضح.
(قوله فان تمسكنا فى المقدمة الثالثة بالعلم الاجمالى الخ) هذه اشارة الى ما هو المنشاء للقول بكون نتيجة المقدمات هى حجية الظن من باب الحكومة، و القول بكون نتيجتها حجيته من باب الكشف، و حاصله انه ان تمسكنا فى المقدمة الثالثة، و هى وجوب التعرض لامتثال التكاليف الواقعيه و عدم جواز اهمالها، بالعلم الاجمالى و لم نقل بذهاب تأثيره رأسا من جهة الترخيص فى بعض اطرافه بادلة نفى العسر و الحرج كما توهم، فيكون نتيجة المقدمات حجية الظن عقلا من باب الحكومة، بداهة ان العقل لا يتنزل فى مقام الامتثال الى الامتثال الشكى او الوهى الاّ، بعد تعذر الامتثال الظنى، و اما ان قلنا بذهاب تأثير العلم الاجمالى بذلك، و تمسكنا فى المقدمة الثالثة بالاجماع او لزوم الخروج عن الدين، فحينئذ ان كان الاجماع منعقدا على مجرد حرمة المخالفة القطعية، فتكون نتيجة المقدمات هو التبعيض فى الاحتياط و لو باتيان المشكوكات و الموهومات، و ان كان منعقدا على وجوب الاخذ بالظن فتكون النتيجة حجية الظن شرعا، و ان كان الاجماع منعقدا على امرين احدهما حرمة المخالفة القطعية ثانيهما عدم جواز الاكتفاء بالامتثال الشكى او الوهمى فنستكشف من هذا الاجماع ان الشارع جعل لامتثال الواقعيات طريقا و اصلا الى المكلف، بداهة استحالة تنجيز الشارع لها و عدم رضاه بترك التعرض لامتثالها مع عدم وصولها بنفسها و لا بطريقها الى المكلف، و حيث ان الطريق الواصل الى المكلف القابل للسلوك الى الواقع فيهذه الحال منحصر فى الظن، فيحكم العقل بحجيته عند الشارع فيهذه الحال، و عليه فتكون النتيجة حجية الظن شرعا من باب الكشف.
(قوله فاذا دل الدليل على الترخيص الخ) هذا اشارة الى دفع ما ذكره صاحب الكفاية قدس سره، من ان ترخيص الشارع فى الاقتحام فى احد اطراف المعلوم بالاجمال على نحو التخيير، يوجب ذهاب اثر العلم الاجمالى فى التنجيز، لمنافاة الترخيص كك مع
ص: 36
الطلب الجدى و الزجر الفعلى بالنسبة الى الواجب او الحرام المعلوم بين الاطراف، و معه كيف يمكن ان يكون العلم الاجمالى منجزا، مع انه لا يكون كك الا فيما تعلق بحكم فعلى، و حاصل ما افاده فى الدفع، هو ان الترخيص فى بعض الاطراف، انما يوجب رفع حكم العقل بوجوب الاحتياط فى تمام الاطراف، فيما اذا ارتفع الاضطرار الموجب للترخيص، بنفس متعلق التكليف المستلزم لارتفاعه، و اما لو ارتفع بغيره لابه فلا يوجب الترخيص رفع حكم العقل، بداهة بقائه ببقاء موضوعه و هو التكليف المعلوم بالاجمال الموجود حسب الفرض.
(قوله و محصل الاشكال الخ) حاصله ان ابراء الذمة و اسقاط العقوبة، ان كان من لوازم جعل الحجة و ثبوتها فى الواقع و لو لم يعلم بها المكلف، لكان الظن بها موجبا للظن بالابراء، لاستحالة انفكاك الظن بالملزوم عن الظن بلازمه، و اما ان كان من لوازم العلم بالحجة، و بعبارة اخرى من لوازم الحجة الفعلية كما هو الحق، فلا يوجب الظن بها للظن به كما هو واضح، و توهم كفاية تعلق الظن بها فى وصولها الى مقام الفعلية، بداهة ان ثبوتها بالحجة كثبوتها بالعلم فى التأثير فى ابرار الذمة، مدفوع بان حجية الظن هنا موقوف على تعلقه بما هو حجة فعلية و مبرء للذمة، فلا يمكن اثبات مبرئيته بحجية الظن الاعلى وجه دائر كما هو ظاهر.
قوله اطراف تمام المحتملات من الاحكام الواقعية.
(قوله و كان من غير نوعه الخ) و بعبارة اوضح و لم يكن المتعارضان من الطرق من نوع واحد، كان كان المثبت الخبر مثلا و كان النافى الشهرة الفتوائية.
قوله فالعمل على الاصل فى غير الخبر مطلقا اى سواء كان لاحد المتعارضين مرجح ام لا، و وجه الرجوع الى الاصل و هى البرائة، هو خلو المورد عن الحجة بعد سقوط الامارتين بسبب التعارض عن الحجية.
ص: 37
(قوله و فى الخبر على التخيير ان لم يكن للمثبت مرجح الخ) يمكن ان يقال ان مقتضى القاعدة هو الرجوع الى الاصل فى تعارض الخبرين ايضا، لا الرجوع الى المرجحات و الاخذ بالراجح و مع فقده التخيير، بداهة ان ما ثبت من الترجيح و التخيير، هو فى خصوص المتعارضين من الاخبار التى ثبت حجيتها بالخصوص، لا الاعم منهما و من المتعارضين من الاخبار التى يجب الاخذ بها من باب الاحتياط كما نحن فيه، الا ان يقال ان ما ثبت من الترجيح و التخيير انما هو فى المتعارضين مما بايدينا من الاخبار، و ان اختلفت فى وجه حجيتها و انها من باب الظن الخاص او مطلق الظن فتدبر.
قوله بمعنى عدم صحة العقاب عليه، لان تفويت الواقع حينئذ مستند الى الشارع.
(قوله مما ذكرنا سابقا الخ) من ان ابراء الذمة و اسقاط العقاب من لوازم العلم بحجية الطريق، لا من لوازم ثبوته واقعا و ان لم يعلم به المكلف.
قوله لا يجب على الشارع جعل الطريق بل لا يصح، و ذلك لما عرفت من ان هذا الحكم من العقل فى مقام الامتثال الذى ليس قابلا للحكم المولوى.
قوله اما بناء على عدم المنافاة، من جهة تعدد الموضوع و اختلاف المرتبة، كما مربيانه فى الجمع بين الحكم الظاهرى و الواقعى فراجع.
(قوله هذا اذا قلنا، اى كون نتيجة المقدمات حجية الظن على نحو الحكومة اذا قلنا الخ.)
(قوله و ليس هذا من الاحكام العقلية التى يستكشف منها الحكم الشرعى الخ) و ذلك لبداهة ان استكشاف حكم الشرع من حكم العقل بقاعدة الملازمة، انما هو فيما كان المورد قابلا للحكم الشرعى المولوى، لا فى مثل المقام الذى ليس قابلا له فان ما يستقل به العقل من كفاية الامتثال الظنى فى حال الانداد، معناه عدم جواز مؤاخذة الشارع بازيد منه فى هذا الحال، و عدم جواز اقتصار المكلف بما دونه من الامتثال الشكى او الوهمى،
ص: 38
و من البديهى عدم قابلية المؤاخذة بلزيد من ذلك و لا الاقصار بمادونه، قابلا للحكم الشرعى المولوى، اما الاول فلان ما يكون قابلا الاقتصاد للحكم الشرعى هو افعال المكلفين، و المؤاخذة فعل للشارع فلا يصح ان تكون موضوعا لحكمه بالجواز و عدمه، و اما الثانى فلان العقل كما يكون مستقلا بلزوم الاكتفاء بالامتثال الظنى فى هذا الحال و كونه موجبا للثواب، كك يكون مستقلا بعدم جواز الاقتصار بمادونه و كونه موجبا للعقاب، فلا يكون حينئذ حكم الشارع فيه مولويا الا بلاملاك، بداهة ان الملاك فى الحكم المولوى هو البعث نحو المطلوب الموجوب لاستحقاق الثواب عند الاطاعة و الاتيان و العقاب عند المخالفة و العصيان، و المفروض ان الامتثال الظنى فى هذا الحال، مما يبعث اليه العقل و يحكم بكونه موجبا للثواب، و يزجر عن الاقتصار على مادونه و يحكم بكونه موجبا للعقاب، فيكون حكم الشارع بوجوبه و حرمة الاقتصار على ما دونه حينئذ لغوا و بلاملاك.
قوله او على نحو التقييد بظن خاص كالاطمينانى.
(قوله اما ان نقول بحرمة المخالفة الى قوله و اما ان نقول ان الحرج اوجب الخ) توضيح هذا التفصيل، هو انه ان كان كل من مظنونات التكليف و مشكوكاته و موهوماته بمقدار التكاليف المعلومة بالاجمال، و كان التعدى من كل منها موجبا للعسر و الحرج فيدور الامر حينئذ بين الامتثال الظنى و الشكى و الوهى، و لا ريب ان الاول متعين بحكم العقل الذى هو الحاكم بالاستقلال فى باب الاطاعة، و حينئذ فتكون النتيجة حجية الظن (من باب الحكومة، و هذا هو المراد من قوله دام بقاه و اما ان نقول ان الحرج اوجب الخ) و ان لم يكن كل من المظنونات و المشكوكات و الموهومات بمقدار التكاليف المعلومة، او كان كل منها بذالك المقدار، و لكن لم يكن التعدى من كل منها موجبا للحرج على المكلف، بل كان الاحتياط فى جميعها موجبا لذلك، فلا يدور الامر حينئذ
ص: 39
بين الامتثال الظنى و غيره، بل يدور بين ترك الاحتياط فى مظنونات عدم التكليف و تركه فى غيرها من مشكوكاته و موهوماته، و لا ريب فى تعين الاول عند العقل، فتكون النتيجة حينئذ هى التبعيض فى الاحتياط و هذا هو المراد من (قوله اما ان نقول بحرمة المخالفة الخ).
(قوله دون الطريق الواقعى الذى يبقى مجهولا الخ) اشارة الى دفع ما افاده صاحب الكفاية قدس سره من اهمال النتيجة بحسب السبب و المرتبة و المورد، بناء على القول بكونها هو نصب الطريق و لو لم يصل اصلا لا بنفسه و لا بطريقه، و حاصل الدفع هو ان مقدمات دليل الانسداد على القول بالكشف، انمار تبت لا ستكشاف نصب الشارع طريقا الى الواقعيات، رافعا لتحير المكلف الحاصل له بسبب انسداد باب العلم و العلمى اليها، فاستكشاف نصب طريق غير واصل من تلك المقدمات نقض للغرض، فكيف يمكن ان يلتزم به القائل بالكشف، و بعبارة اخرى تحير المكلف فى الاحكام الواقعية من جهة انسداد باب العلم و العلمى اليها، الجأه الى ترتيب تلك المقدمات لاستكشاف حجية طريق اليها يرفع تحيره، و من المعلوم ان استكشاف طريق غير واصل، لو لم يوجب زيادة فى التحيّر، لا يوجب رفعه، و اى نقض غرض اعظم من هذا.
قوله ان يؤخذ بالقدر المتيقن و لو فى حال الانسداد، اى و لو كان يتقن اعتباره فى حال الانسداد و من قبل دليل الانسداد، لاجل اليقين بانه لو كان شئى حجة فى هذا الحال شرعا لكان هذا الشىء حجة قطعا، فلا يقال انه لو كان القدر المتيقن الوافى فى البين، لما كان مجال لدليل الانسداد، حيث ان من مقدماته انسداد باب العلمى ايضا.
(قوله ثم انه على تقدير القول بحجية الطرق الواقعية و ان لم يعلم بها فاللازم الاحتياط الخ.)
(قوله و الالم يقل بالطرق الشرعية، الخ) لا يخفى انه لا منافاة بين القول بجعل
ص: 40
الطرق الشرعية فى حال الانسداد، و القول بحكومة العقل من جهة كونه طريقا الى تلك الطرق المجعولة شرعا، نعم لو قلنا بان نتيجة المقدمات هو خصوص الطريق الواصل بنفسه، لكان لما ذكره وجه، لكن دليل هذا القائل لا يدل الاعلى انه لا بد من كون النتيجة هو الطريق الواصل اعم من ان يكون وصوله بنفسه او بطرقه التى منها حكومة العقل بترتيب المقدمات فى الطريق المجعول شرعا فتدبر.
قوله و نختار الشق الاول، و هو عدم ملاك الحجية.
قوله اما على الاول، و هو القول بالتبعيض.
قوله تلك الظنون اى الاطمينانية.
(قوله فلا اشكال فى ان الاتيان بمؤدى الظن الممنوع الخ) هذا فيما اذا كان هذا الحكم اى حرمة العمل بذلك الظن من اطراف التكاليف المعلومة بالاجمال، كى يكون الظن به حجة بدليل الانسداد، و الا فلا يلازم الظن بحرمة العمل به الظن بان التكاليف المعلومة بالاجمال فلا فى غير مؤدى الظن الممنوع، بداهة انه انما يلازم ذلك، فيما اذا كان حجة كى يكشف عن اكتفاء الشارع عن التكاليف المعلومة بالاجمال ببعض محتملاتها، دون ما اذا لم يكن كك كما هو واضح.
قوله عدم فعلية الواقع، لكشف حرمة العمل به عن اكتفاء الشارع عن المعلوم بالاجمال ببعض محتملاته و هو مؤدى غير ذلك الظن الممنوع.
(قوله قال شيخنا الاستاد دام بقاه فى الكفاية فى هذا المقام الخ) لا يخفى ان ان ما افاده فى الكفاية مبنى على ما بنى عليه فى الجمع بين الحكم الواقعى و الظاهرى من سقوط الاحكام الواقعية عن الفعلية مع وجود الاحكام الظاهرية، و ان الحكم الواقعى الذى يكون فى مورد الطرق حكم انشائى لا فعلى، فانه بناء عليهذا المبنى يكون الظنون التى ظن عدم اعتبارها ظنا بالحكم الانشائى، و معه لا يحكم العقل بحجيتها مع وجود القدر
ص: 41
المتيقن الكافى بالمقدار المعلوم بالاجمال فى البين، و هى الظنون التى لم يظن عدم اعتبارها فان العقل لا يتنزل فى مقام الامتثال من الظن بالتكليف الفعلى الى الظن بالتكليف الانشائى فتدبر و قوله قدس سره و منه انقدح انه لا يتفاوت الحال الخ، اشارة الى دفع ما يتوهم من التفصيل بين القول بكون نتيجة دليل الانسداد هى حجية الظن فى الاحكام او فى الطرق او فى كليهما، و ان الاشكال يختص بالقول الثالث دون الاولين، بداهة لزوم الاخذ بالطن الممنوع على الاول و الاخذ بالمانع على الثانى، و وجه الدفع على ما افاده قدس سره واضح.
قوله فى جنس التكليف او لا سواء كان الشك فى نوع التكليف او فى المكلف به، انما عدل دام بقائه عما ذكره شيخ مشايخنا الانصارى قدس سره فى مقام بيان الضابط لمجارى الاصول، بقوله قدس سره و الثانى اما ان يكون الشك فيه فى التكليف احتراز عما اوردوه عليه قدس سره من النقض بما اذا كان الشك فى نوع التكليف لا فى جنسه، كما اذا دار الامر بين وجوب الجلوس فى المسجد و حرمته فى السوق فى يوم الجمعة مثلا، فانه من موارد الاحتياط قطعا، مع انه يدخل فى البرائة على الضابط المذكور فى كلام الشيخ قدس سره، لان كلا من وجوب الجلوس و حرمته فى المثال مشكوك.
(قوله لانه لا يخلو عن مناقشة و اختلال الخ) لان ما ذكره قدس سره مستلزم لتداخل الاقسام بحسب الحكم، مع ان غرضه قدس سره بيان الضابط بحسبه، حيث انه جعل الاقسام ثلثة باعتبار القطع و الظن و الشك، ثم جعل مجارى الاصول منحصرا فى الشك، مع ان رب ظن يجرى فيه احكام الشك كالظنون الغير المعتبرة، و رب شك لا يجرى عليه احكامه كما فى موارد الامارات المعتبرة الغير المفيدة للظن فعلا، هذا مضافا الى ما عرفت فى الحاشية السابقة من استلزام ما ذكره لتداخل مجارى البرائة و الاحتياط.
(قوله و ان اختص بعض منها الخ) و ذلك كما اذا كان الشك من جهة تعارض
ص: 42
النصين فان مقتضى القاعدة الاولية فى تعارضهما بناء على الطريقية كما هو المختار، و ان كان التسافط و الرجوع الى الاصل و هو البرائة، لخلو المورد بعد تساقطهما عن الحجة، الا انه دل الدليل على لزوم الاخذ باحدهما تعيينا مع المزية و تخييرا بدونها، و معه لا مجال لاصالة البرائة كما لا يخفى.
قوله يرتفع موضوع تلك القاعدة و هو عدم الحجة و البيان، و ذلك لان مع حكم العقل بوجوب الدفع الضرر المحتمل، يصح العقاب على مخالفة الحكم المحتمل اذمعه لا يكون العقاب عليها بلا حجة و بيان.
قوله ما يكون لازما لفعل كل حرام و ترك كل واجب، من المفاسد و المصالح النفس الامرية الكامنة فى ذوات الافعال على ما ذهب اليه العدلية.
(قوله و قد يجاب ايضا بان الشبهة فى المفسدة الخ) توضيح الجواب، هو انا و لو سلمنا ان دفع الضرر مطلقا و لو كان دنيويا واجب بحكم العقل، الا ان فى موارد الشبهة حيث يكون الشك فى اصل المفسدة، و ان هذا الفعل هل هو مما يكون فى فعله او تركه مفسدة اولا، فتكون الشبهة فيها من الشبهات الموضوعية التى لا يجب فيها الاحتياط اتفاقا حتى من الاخباريين.
(قوله و لكنه مخدوش الخ) حاصل ما افاده من الخدشة فى الجواب، هو ان المتيقن من مورد اتفاقهم على البرائة فى الشبهات الموضوعية، انما هو فى الشبهات التى لا يكون كشفها من وظائف الشارع، كالشبهات الحاصلة من اختلاط الامور الخارجية مثل كون هذا المايع ماء اوبولا، دون مثل هذه الشبهة التى لا يمكن كشفها الالعلام الغيوب هذا، و لا يخفى ان مجرد كون الشبهة مما لا يمكن كشفها لغير علام الغيوب، لا يوجب ان يكون كشفها من وظيفة الشارع كى تكون خارجة عن مورد اتفاقهم على البرائة فى الشبهات الموضوعية فلا تغفل.
ص: 43
قوله فالاولى فى الجواب ما ذكرناه من منع الشمول.
(قوله فلا ربط حينئذ لتلك الاخبار الخ) و ذلك لعدم احتمال الخطر فى الشبهات البدوية، و ثبوته بنفس هذه الاخبار مستلزم للدور المحال كمامر بيانه.
قوله حمل الرواية على المعنى الاول، و هو ان يكون المشار اليه بهذا هو السئوال، و يكون المراد من قوله عليه السلام فعليكم بالاحتياط ايجاب الافتاء بالاحتياط
قوله او على المعنى الثانى، و هو ان يكون المشار اليه بهذا نفس الواقعة، و يكون المراد من قوله عليه السلام بمثل هذا جميع الوقايع المشكوك فيها.
قوله مضافا الى عدم ترجيح هذا الاحتمال، و مضافا الى ان الظاهر من الصحيحة صدر او ذيلا سؤالا و جوابا، هو كون الواقعة المشكوك فيها من الشبهات البدوية قبل الفحص التى يجب فيها الاحتياط اتفاقا، فلا ربط لها بما نحن فيه كما لا يخفى.
قوله فيكون هذا ايضا شاهدا على التقية، حيث ان التعبير بقوله عليه السلام ارى لك الظاهر فى الاستحباب، مع كون التأخير واجبا واقعا، اقوى شاهد على كونه عليه السلام فى مقام التقية، من جهة كون وجوبه منافيا لمذهب العامة القائلين بكفاية استتار القرص فى تحقق الغروب.
قوله على نحو الاحتياط اى على نحو لا يلتفت احد الى انتظارك كى يطلع على مذهبك.
قوله و لا يدفع ما ندعيه، لان ما ندعيه مستند الى الحكم القطعى من العقل بقبح العقاب بلا بيان فليس قولا بما لا يعلم.
قوله فاللازم حمله على الارشاد، لا على حكم العقل بالاحتياط فى الشبهات البدوية قبل الفحص و فى المقرونة بالعلم الاجمالى.
قوله يقتضى عدم المخالفة، و هو لا يتحقق الا باحتياط التام.
ص: 44
(قوله فان قلت هذا لو اطلع على الادلة بعد العلم الخ) حاصل الاشكال هو ان العلم بوجود التكاليف الفعلية التى تكون مؤديات للطرق و الامارات فى بعض اطراف العلم الاجمالى، انما يمنع عن تأثيره فى وجوب الاحتياط، لو كان العلم بها قبل العلم الاجمالى و اما لو كان العلم بها بعده كما نحن فيه، فلا يمنع عن تأثيره فى تنجز الواقعيات و وجوب الخروج عن عهدتها بالامتثال لقطعى و الاحتياط التام كما هو واضح، و حاصل الدفع هو ان العلم بها و ان كان بعد العلم الاجمالى الا ان نفس تلك التكاليف ليست حادثة بعده، فان الطرق و الامارات كاشفة عن ثبوت مؤدياتها من الاول الامر، لا محدثة اياها من حين قيامها عليها فاذا كانت تلك التكاليف ثابتة قبله و احتمل انطباق المعلوم بالاجمال عليها، فلا محالة يمنع عن تأثيره، لانه لو كان التكليف المعلوم بالاجمال منطبقا عليها، لم يحدث بسببه تكليف آخر بالنسبة اليها، و معه لا يكون العلم الاجمالى مؤثرا فى تنجيز المعلوم و وجوب الاحتياط فى محتملاته، بداهة انه انما يكون مؤثرا فى ذلك، فيما لو اثر فى تنجيز المعلوم على كل تقدير، بان يكون بحيث لوا نطبق على كل واحد من محتملاته حدث بسببه تكليف منجز بالنسبة اليه، و من هنا اعتبروا فى تنجيزه عدم كون بعض الاطراف خارجا عن محل الابتلاء، و عدم كونه مسبوقا بتكليف آخر، و عدم كونه مضطرا اليه.
قوله و قد بينا الفرق بينهما اى بين القطع الطريقى و الصفتى.
قوله الافعال المجهولة العنوان، فتنحصر فى الشبهات الموضوعية.
(قوله و اما حمل النسبة على التجوز الخ) و ذلك بان يقدر المؤاخذة، فيكون نسبة الرفع الى ما لا يعلمون على وجه المجاز و الى غير ما هو له، و هذا هو المراد من حمل النسبة على التجوز فلا تغفل.
(قوله و مما ذكرنا ظهر الخ) اى و مما ذكرنا من ان المتعين جعل مما يقبل الرفع ادعاء
ص: 45
كما ذهب اليه السكاكى ثم نسبة الرفع الى الجميع حقيقة، ظهر ما فيما افاده شيخنا الاستاد من ان اسناد الرفع الى الحكم على وجه الحقيقة و اسناده الى الموضوع على وجه المجاز، فلا يمكن ارادة الحكم و الموضوع معا من الموصول الابارادة كل منهما مستقلا، فيكون من قبيل استعمال اللفظ فى المعنيين، و ذلك لما عرفت من ان نسبة الرفع الى كل من الحكم و الموضوع على ما افاده المصنف دام بقاه على وجه الحقيقة و الى ما هو له.
قوله اذهو غير واقع فى بعض العناوين المذكورة، و ذلك لما سيجيئى من ان بعض تلك العناوين كالنسيان و الخطاء و العجز، مما يستقل العقل بقبح التكليف معها مطلقا و لو بالنسبة الى غير هذه الامة من الامم الماضية، فلم يكن التكليف معها ثابتا بالنسبة الى الامم السابقة كى يرفع عن هذه الامة.
(قوله فاذا لم يوجب الاحتياط يرتفع المؤاخذة الخ) لا يخفى ان مجرد عدم ايجاب الاحتياط، لا يوجب رفع المؤاخذة ما لم ينضم اليه حكم العقل بقبح العقاب بلا بيان، بداهة انه لولاه لما امكن اثبات عدم تنجز المجهول بمجرد عدم ايجاب الشارع للاحتياط كما هو واضح، و معه لا يصح اسناد رفعها الى الشارع بمجرد عدم ايجابه للاحتياط، نعم حيث يكون ايجابه علة لاستحقاق المؤاخذة، يصح استناد عدمها الى عدم ايجاب الاحتياط من باب استناد عدم المعلول الى عدم العلة مسامحة، و الافلا علية و لا معلولية بين الاعدام حقيقة.
(قوله الا انها قابلة له من جهة منشاء انتزاعها الخ) لا يقال غاية ما يستفاد من حديث الرفع عدم جزئية المنسى او عدم وجوب المركب منه او المقيد به، و مجرد هذا لا يثبت كون الفاقد هو المأمور به فى حال النسيان، كى يكون مجزيا عن المأمور به و هو الصلوة الواجدة لجميع الاجزاء و الشرائط، فانا نقول ان دليل جزئية المنسى او شرطيته او دليل وجوب المركب منه او المقيد به، و ان كان مطلقا غير مقيد بحال الذكر الا ان مثل
ص: 46
حديث الرفع حيث يكون حاكما على دليل الجزئية و الشرطية و على دليل وجوب المركب و المقيد، فيدل على اختصاص اعتبار المنسى بحال الذكر و ان المطلوب فى حال النسيان هو الخالى عنه، و ان ابيت عن الحكومة فلا افل من ظهور مجموع دليل المركب او المقيد و دليل رفع جزئية المنسى او شرطيته، ظهورا عرفيا ثانويا فى مطلوبية ما عدا المنسى فى هذا الحال.
(قوله اذ يستحيل تخصيص المانع بما اذا علم مانعيته الخ) و ذلك لتوقف العلم بالمانع على ما نعيته، فلو توقف مانعيته على العلم به لزم الدور، و لا يلزم هذا المحذور فى الثانى، بداهة ان المانعية فيه متوفقة على العلم بذات المانع بعنوانه الاولى و هو كونه من غير المأكول، لا على العلم به بعنوان كونه مانعا كى يلزم الدور هذا و لكن يمكن دعوى اختصاص المانعية بما علم ما نعيته على وجه لا يلزم منه الدور، و هو بان يقال باختصاص المانع بمرتبته الفعلية بما اذا تعلق العلم بمرتبة الانشائية، الا انها مبنية على القول بتعدد مراتب الحكم كما ذهب البه صاحب الكفاية قدس سره، و لعل امره دام بقائه بالتدبر اشارة اما ذكرنا، او الى امكان تخصيص المانع بما اذا علم مانعيته بدليل آخر كحديث لا تعاد.
قوله الا ان يحمل الجهالة على الغفلة و الجهل المركب، فيخرج عما نحن فيه من الجهل البسيط.
قوله بعد الالتفات فافهم لعله اشارة الى تمكنه عن التدارك فى الاول ايضا، فيما لو التفت قبل انقضاء العدّة بان لا يتزوجها ثانيا، و يمكن ان يكون اشارة الى انه بناء عليهذا الحمل تسقط الرواية عن الاستدلال بها لما نحن بصدده من بيان حكم الجاهل بالحكم جهلا بسيطا.
قوله هى بالنسبة الى الحكم الوضعى، لا بالنسبة الى الحكم التكليفى و المؤاخذة الذى
ص: 47
كلا منافيه قوله فى المعنى العام و هو الجهل بالواقع الشامل للبسيط و المركب.
قوله من جهة الشك فى اندراجه تحت كلى علم حكمه كما فى الشبهة الموضوعية ام لا كما فى الشبهة الحكمية.
(قوله و لا يكون منشاء للاشتباه كى بكون له دخل فى تحقق الموضوع و هو المشتبه قوله فوجود القسمين فى اللحم صار منشاء انح حاصله انه لو كان مطلق اللحم حراما و حلالا فى الشرع و لم يكن له فيه قسمان، لم يكن شك فى لحم الحمير، فالشك فى لحمه انما نشاء من وجود القسمين فى اللحم بحسب الشرع قوله لو تم دلالته الخ) اشارة الى ما اورده صاحب الكفاية قدس سرة على الاستدلال بهذه المرسلة على البرائة، و حاصله ان الاستدلال بها مبنى على كون المراد من ورود النهى هو وروده بحيث يعلم به المكلف، و اما لو كان المراد وروده واقعا و فى نفس الامر كما هو الظاهر منها، فلا يمكن الئمسك بها لما هو محل الكلام و النزاع من وجوب الاحتياط و عدمه فى الشبهات التحريمية، الابناء على جواز التمسك بالعام فى الشبهة المصداقية بداهة ان النزاع فى وجوب الاحتياط فيها و عدمه، انما هو من جهة احتمال ورود النهى فيها، فلا يكون عدم وروده فيها محرزا، كى يصح التمسك على البرائة فيها بهذه المرسلة، الابناء على ما ذكرنا من جواز التمسك بالعام فى الشك فى المصداق، و توهم ان بضميمة عدم ورود النهى يصح التمسك بها على ما هو المطلوب، لكفاية احراز المصداق بالاصل فى الاستدلال بالعام، مدفوع اولا بان المجهول بضميمة هذا الاصل، يكون بمنزلة ما علم بعدم ورود النهى فيه، و حينئذ فيخرج عما نحن بصدده من جواز فعل المشكوك بعنوان كونه مشكوك الحرمة، و ثانيا ان هذا الاصل معارض باصالة عدم ورود غير النهى من سائر الاحكام، بداهة انّ البحث فى المقام انما هو فى ان الشئى الذى ورد حكمه فى الشرع و تردد بين الاباحة و التحريم هل يجب الاجتناب عنه ام لا، و
ص: 48
ثالثا ان هذا الاصل لا يجرى فيما اذا كان الشك فى الحرمة، من جهة الاشتباه فيما هو المتقدم و المتاخر من النهى و الاباحة، بعد العلم بورود النهى عنه، و ذلك لما حقق فى محله من عدم جريان الاستصحاب مع هذا الاشتباه، فهذا الرواية انما وردت لبيان القاعدة المعروفة بينهم من ان الاصل فى الاشياء عقلا قبل ورود الشرع هل هو الحظر او الاباحة، و لا ربط لها بما نحن فيه الذى قد عرفت ان البحث فيه بعد ورود حكم الشرع و تردده بين التحريم و الاباحة، و من هنا يظهر اشكال اخر فى استحصاب عدم ورود النهى لاحراز حال المشكوك، بداهة ان الحظر او الاباحة الثابت للاشياء قبل وروو حكم الشرع، ليس من الاحكام الشرعية كى يصح ترتيبه على المشكوك بهذا الاصل كما لا يخفى، انتهى ما افاده فى الكفاية فى مقام الرد على الاستدلال بالمرسلة على البرائة ملخصا، و فيه ما لا يخفى، بداهة انه لا شبهة فى ان الاطلاق و الاباحة التى دلت عليها المرسلة هى الاباحة الظاهرية، و حينئذ فلا محالة يكون المراد من ورود النهى وروده بحيث يعلم به المكلف و يصل اليه، لا وروده فى الواقع و نفس الامر، و ذلك لبداهة استحالة جعل الاباحة الظاهرية، مغياة بورود النهى واقعا كما لا يخفى وجهها على المتامل، و حينئذ فيتم الاستدلال بها على المطلوب بدون ضميمة اصالة العدم كما هو واضح، بل لا مجال لهاهنا اصلا، لان الاطلاق و الاباحة كما عرفت مترتبة على نفس الشك فى ورود النهى و عدم العلم به ليس الا، لا على عدم وروده فى الواقع كك و لا على الاعم منهما، و لا مجال للاستصحاب فيما اذا لم يكن الاثر مترتبا الاعلى نفس الشك فى الواقع، بداهة عدم جريانه فيما لا يترتب على مؤداه اثر شرعى كما حقق فى محله.
(قوله بل هى عبارة عن غير المذكى الى اخره فهى من الامور العدمية) لا الامور الوجودية كى يقع التعارض بين استصحاب عدمها و استصحاب عدم التذكية.
(قوله فاذا شككنا فى تحقق ما هو الموجب للحلية نستصحب عدمه) لا يخفى انه
ص: 49
قد حقق فى محله انه اذا كان الحكم فى الدليل معلقا على وصف وجودى، يكون ذلك الدليل بنفسه ظاهرا عرفانى انتفاء الحكم عند الشك فى تحقق ما علق عليه من الوصف الوجودى، و معه لا تصل النوبة الى استصحاب عدمه كمالا يخفى، و هذا هو السرفى ذهابهم الى وجوب الاحتياط فى الشبهات المصداقية من النفوس و الاعراض و الاموال، حيث على الحكم فيها على امور وجودية فان جواز القتل علق على كونه بالحق و حل الوطى على العقد و ملك اليمين و حلية المال على طيب النفس.
(قوله مدفوع بان الغاية صيرورة المشكوك معلوما) فان الظاهر من قوله عليه السلام حتى تعرف انه حرام هو العلم بحرمة نفس المشكوك، لا المردد بينه و ين غيره.
(قوله فان المفروض تحقق العلم بخطاب فعلى من الشارع الخ) و هذا الخطاب معلوم تفصيلا لا ترديد فيه اصلا، و انما الترديد فى متعلقه، و لذا يصح الترخيص فى بعض الاطراف، حيث ان مرتبة الحكم الظاهرى بالنسبة الى البعض محفوظة، لعدم العلم بمخالفته للخطاب المعلوم بالاجمال، و هذا بخلافه بالنسبة الى الجميع، فانه مخالف للعلم بالخطاب المنجز بينها، فلا تكون معه مرتبة الحكم الظاهرى محفوظة
(قوله و فيه ان البعض الغير المعين لا يكون الخ) حاصل الجواب ان ادلة البرائة انما دلت على الترخيص فى كل مشتبه تعيينا، لا على الترخيص فى البعض المبهم تخييرا، فلم يكن البعض الغير المعين مشمولا لها من اول الامر كى يحفظ عمومها بالنسبة اليه، فلا بد فى الحكم بالترخيص فيه من التماس دليل آخر
(قوله لزم المحذور المذكور فافهم الخ) العله اشارة الى دفع ما قد يتوهم من ان ثبوت الخطابين فى الحال المفروض المستلزم للمحذور المذكور، ليس لاطلاق الخطاب بالنسبة الى حال ترك متعلقه، كى يمنع عن اطلاقه بالنسبة الى هذا الحال، بل لثبوت شرط كل منهما فى الحال المفروض، و حاصل الدفع ان ثبوتهما فى الحال المفروض، و انكان
ص: 50
لثبوت شرط كل منهما فيه، الا انه مستلزم لشمول الاطلاق للفعل فى حال تركه، لان المدعى ثبوتهما فى حال ترك كلا الواجبين.
(قوله لان المفروض الشك فى ان خطاب الشرع الخ) و بعبارة اخرى عموم الخطاب لهذا المورد، يتوقف على حسنه بالنسبة اليه، فلا يمكن التمسك بعمومه لاثبات حسنه بالنسبة اليه الاعلى وجه دائر فتدبر.
ص: 51
ص: 52
ص: 53
ص: 54
بسم اللّه الرحمن الرحيم و الصلوة و السلام على اشرف الانبياء و المرسلين محمد و اله طيبين الطاهرين و اللعنة الدائمة على اعدائهم اجمعين الى يوم الدين و بعد فهذه نبذة مما استفدته من بحث حجة الاسلام و المسلمين و اية اللّه الملك العليم الحاج الشيخ عبد الكريم اليزدى الحائرى متعنا اللّه بدوام افاضاته فى اصالة البرائة و حيث كان عنوان بحثه دام ظله ما اشتمل عليه كتابه المستطاب السمى بدرر الفرائد فالاولى تحرير ما استفدته من جنابه على نحو الحاشية عليه.
(قوله دام ظله اعلم ان من وضع عليه قلم التكليف الخ) انما عدل دام ظله عما عبر به شيخ مشايخنا الانصارى قدس سره فى هذا المقام بقوله اعلم ان المكلف اذا التفت الى حكم شرعى الى اخره تبنيها على ان مراده قدس سره من المكلف لا بد ان يكون من وضع عليه قلم التكليف لا من تنجز عليه التكليف، و الا لم يصح جعله مقسما لما ذكره من الاقسام، اذبينها من ليس عليه تكليف اصلا، او ان كان فليس بمنجز قطعا كالشاك فى اصل التكليف، و عدل عما ذكرة قدس سره من التقسيم حيث جعل قدس سره الاقسام ثلثة باعتبار القطع و الظن و الشك ثم جعل قدس سره مجارى الاصول منحصرة فى الشك، الى ما ذكره دام ظله فى الكتاب، احتراز اعما اورد عليه قدس سره من ان ما ذكره مستلزم لتداخل الاقسام بحسب مالها من الاحكام مع ان غرضه قدس سره بيان الضابط بحسبها، و ذلك لان رب ظن يجرى عليه احكام الشك كالظنون الغير المعتبرة، و رب شك لا يجرى عليه احكامه كما فى موارد الامارات و الطرق المعتبرة الغير المفيدة للظن فعلا، و عدل عما ذكره قدس سره فى مقام بيان الضابط لمجارى الاصول بقوله و الثانى اما ان يكون الشك فيه فى التكليف الى اخره.
(الى قوله دام ظله و الثانى اما ان يكون الشك فيه فى جنس التكليف) تنبيها على
ص: 55
ان مراده قدس سره من التكليف، لا بد ان يكون جنسه لا نوعه و الا يرد عليه النقض بما اذا كان الشك فى نوعه لا فى جنسه، كما اذا دار الامر بين وجوب شئى و حرمة شئى آخر فان جنس التكليف و هو الجامع بين الوجوب و الحرمة معلوم و انما الشك فى نوعه و هو خصوص الحرمة او الوجوب فانه من موارد الاحتياط قطعا، مع انه يدخل فى البرائة على الضابط المذكور فى كلامه قدس سره و توهم ان التكليف المردد بين وجوب شئى او حرمة شىء اخر لا يتنجز، اذا لقدر المشترك و هو الالزام الشرعى امر انتزاعى من الوجوب و الحرمة، و هو ليس تكليفا مولويا، و التكليف المولوى و هو خصوص الوجوب او الحرمة مجهول فلا يتنجز مدفوع بان المناط فيما يحكم به العقل من حرمة المخالفة، هو العلم بالالزام الشرعى لا العلم بالملزم به، فتردد الملزم به بين الوجوب و الحرمة، لا يوجب الفرق بينه و بين مالو علم نوع التكليف كالوجوب او الحرمة، و كما يحرم الخالقة القطعية للتكليف المعلوم بالاجمال فى الثانى، فكك يحرم مخالفته فى الاول هذا، و لكن يمكن دفع ايرادا لنقض عليه قدس سره بما ذكر، و لو على تقدير كون مراده قدس سره من التكليف نوعه، بان بناء على ما هو المختار عنده قدس سره من ان المراد من العلم الرافع لموضوع الاصول اعم من العلم الاجمالى، لا تكون الاصول جارية فى اطراف العلم الاجمالى، لا انها نكون جارية و تتساقط بالتعارض، فاذا لم نكن الاصول جارية فى اطراف العلم الاجمالى على مختاره قدس سره، فيكون مجرى الاصل عنده قدس سره منحصرا بالشكوك البدوية، ففيما كان الشك فى نوع التكليف لا فى جنسه، حيث يكون الشك فيه ناشئا عن العلم الاجمالى، فلا يكون من موارد الاصل عنده قدس سره، كى يرد عليه النقض بانه من موارد الاحتياط لا الاصول فتبصر و لا يرد عليه قدس سره ايضا، حيث جعل قدس سره ما اذا حصل للمكلف القطع بالتكليف، موردا لقاعدة الاحتياط ان امكن الاحتياط فيه، و موردا للتخيير ان لم يمكن الاحتياط بانه منقوض بما اذا دار الامر بين وجوب شئى و حرمته و اباحته، فان الاحتياط فيه غير ممكن، مع انه مورد البرائة لا
ص: 56
التخيير اذفيه اولا ان المثال انما يكون مورد اللقطع بالتكليف فيه، لو كانت الاباحة تكليفا شرميا ناشئا من مصلحة كالتسهيل على العباد، و لكن لمانع ان يمنع عن ذلك و يقول ليست الاباحة الاعبارة عن عدم الوجوب و الحرمة، و عليه فلا يكون فى المثل الا مجرد الشك فى التكليف الالزامى الذى هو مورد البرائة و ثانيا ان البحث فى هذا المقصد حيث يكون عن البرائة و الاشتغال و البحث عنهما انما يصح فيما اذا كان متعلق الشك و القطع حكما الزاميا ففيما كان متعلقهما مرددا بين حكم الزامى و غير الزامى كما فى المثل و ان كان موردا للبرائة لكنه خارج عما يجث عنه فى هذا المقصد، و معه لا مجال لا يراد النقض عليه بما ذكر كما هو واضح ثم ان حصر مجارى الاصول فيما افاده دام ظله كنفسها، و ان لم يكن عقليا لا مكان تصوبر قسم خامس كما لا يخفى، الا انه لا يضر بعد كون المهم تعيين ماله حكم عقلا او شرعا من الاقسام، هذا مع امكان ان يقال بان حصر مجاريها فيما افاده عقلى، ضرورة دورانها على ما افاده بين النفى و الاثبات، بل يمكن ان يقال يكون حصر نفس الاصول ايضا غير الاستصحاب عقليا، لان فى كل شك فى التكليف، اما ان يؤخذ باحتمال وجوده فهو الاشتغال، و اما ان يؤخذ باحتمال عدمه فهو البرائة، و اما ان يخير بين الاخذ بكل من الاحتمالين فهو قاعدة التخيير، فيكون الحصر عقليا اذ لا يخلو المكلف عقلا من الاخذ باحد من هذه الامور الثلثة و لا يرد على ما ذكرنا من حصر الاصول، النقض بقاعدتى التجاوز و الفراغ و لا بقاعدة الطهارة، اما الاوليان فلان الكلام فى المقام فى الاصل الاولى، مع قطع النظر عن الاصول الواردة عليه، هذا مضافا الى ان الملحوظ فيها طرف عدم التكليف فيرجع الحكم فيهما الى البرائة، و من هنا ظهر اندفاع النقض بقاعدة الطهارة، حيث ان الملحوظ فيها ايضا طرف العدم اى عدم التكليف كاصالة الحل كما لا يخفى.
(قوله دام ظله و ان حكمه بعد الفحص و الياس الخ) التقييد بما بعد الفحص،
ص: 57
للشارة الى ان محل النزاع بين المجتهدين و الاخباريين فى الشهاب البدوية، انما هو ما بعد الفحص عن الدليل بمقدار يحصل الياس عن الظفر به، و اما قبله فلا اشكال فى وجوب الاحتياط فى جميع الصور للمسئلة، اى سواء كان الامر دائرا بين الوجوب و غير الحرمة او الحرمة و غير الوجوب، و سواء كان الشك فى التكليف من جهة فقد النص او اجماله او تعارض النصين، و سيجئى انشاء اللّه تعالى فى محله الاشارة الى وجه هذا التفصيل مفصلا و اجماله هو ان لكل من المولى و العبد بحكم العقل الضرورى وظيفة، فوظيفة المولى بيان احكامه على النحو المتعارف، بان يجلس كل يوم مقدارا من الزمان فى المكان المعد لبيان الحكامه و يبينها للحاضرين و يامرهم بتبليغها الى الغائبين، و يدوّنها فى كتاب و يجعله فى مكان او عند شخص يمكن الوصول اليه و لو بالفحص. و وظيفة العبد هو الفحص عن او امر مولاه بالذهاب الى بابه و السؤال عنه، او الحضور فى المكان المعد لبيان احكامه، او الرجوع الى الكتاب الذى دونها فيه، و لو لا هذا الحكم من العقل، للزم افحام الانبياء و بطلان اساس الشرع و الشريعة، ضرورة ان وجوب النظر الى المعجزة ليس الا لهذا الحكم فاذا اتمت الوظيفة المولوية بان بين احكامه على النحو المتعارف، فلا يكون العبد التارك للفحص عنها معذورا فى مخالفتها، و لا مجال حينئذ لحكم العقل يقبح العقاب بلا بيان لاختصاص مورده بعدم البيان على النحو المتعارف، و المفروض وجوده عليهذا النحو و كذا اذا تمت الوظيفة العبودية بان تفحص عن احكام المولى و لم يظفر بها، فليس للمولى ان يؤاخذه فى مخالفتها، ضرورة ان ئفحصه عنها و عدم ظفر بها، يكشف عن ان المولى لم يقم بما هو وظيفته من بيان احكامه على نحو يصل يد العبد اليها ثم لا يخفى اختصاص محل النزاع ايضا بالشبهات الحكمية التحريمية، و اما الشبهات الحكمية الوجوبية و الشبهات الموضوعية مط، فالكل متفقون على ان المرجع فيها هى البرائة.
ص: 58
(قوله دام ظله سواء كان الامر دائرا بين الحرمة و غير الوجوب الخ) انما عدل دام ظله عما فى رسالة شيخ مشايخنا الانصارى قدس سره، من جعله لكل شبهة عنوانا مستقلا و افراد كل منها بالبحث، و جمعها دام ظله تحت عنوان واحد، اما افاده دام ظله من ان المقصود بيان ما للشبهات الحكمية البدوية من الحكم عقلا او شرعا، و بعد كونها جميع شقوقها و صورها مشتركة فيما لها من الحكم كك، لا وجه لافراد كل صورة منها بالبحث و جعل كل منها تحت عنوان مستقل فانه تطويل بلاطائل اى بلا منفعة فيه.
قوله دام ظله و ان اختص بعض منها بحكم آخر الخ و ذلك كما اذا كان الشك فى التكليف من جهة تعارض النصين، فان مقتضى القاعدة الاولية فى تعارضهما بناء على الطرقية، و آن كان التساقط و الرجوع الى الاصل القاضى بالبرائة لخلوا المورد بعد تساقطهما عن الحجة، الا انه دل الدليل على لزوم الاخذ باحدهما تعيينا مع المزية و تخييرا بدونها، و معه لا مجال لاصالد البرائة كما لا يخفى.
(قوله دام ظله لنا على ذلك حكم العقل بقبح العقاب من دون حجة و بيان الخ) لا يخفى انهم استدلوا على البرائة فى الشبهات البدوية مطلقا، بالاجماع و حكم العقل بقبح العقاب بلا بيان و الكتاب و السنة اما الاجماع فتقريره بوجهين، الاول دعوى انعقاده على ان ما لم يصدر فيه بيان من الشارع فالاصل فيه البرائة، الثانى دعوى انعقاده على ان ما لم يرد فيه من الشارع ما يتم به الحجة على العبد، اما لفقد النص او أجماله او تعارضه، مع قيام العبد بما هو وظيفته من الفحص عن احكام المولى، فالاصل فيه البرائة و لا يخفى ان التقرير الاول خارج عن محل البحث بين المجتهدين و الاخباريين، ضرورة ان الاخباريين كالمجتهدين يسلّمون ان الاصل فيما لم يصدر فيه بيان من الشارع اصلا هو البرائة، لانه مما سكت اللّه عنه الذى امروا عليه السلام بالسكوت عنه، الا انهم يدعون وجود ما يكون بيانا و رافعا لموضوع هذا الاصل، من قاعدة وجوب دفع الضرر المحتمل
ص: 59
و العلم الاجمالى و اخبار الاحتياط، و المجتهدون ينكرونه، فالنزاع بينهم فى الصغرى، و الا فاصل الكبرى مسلمة عند الفريقين، و من المعلوم ان الاجماع على الكبرى مع الاختلاف فى الصغرى، لا يجدى فى حصول النتيجة المطلوبة كما هو واضح و اما التقرير الثانى فهو و ان لم يكن خارجا عن محل البحث، الا انه موهون بحسب اصل انعقاده، بمخالفة الاخباريين الذين اغلبهم من اعاظم علماء الاسلام، و بحسب كشفه عن قول المعصوم عليه السلام او عن وجود حجة معتبرة بحيث لو ظفرنا بها لعملنا بها، باحتمال ابتنائه على اجتهادات المجمعين المستندة الى سائر الادلة التى تمسك بها على البرائة، من الكتاب و السنة و حكم العقل بقبح العقاب بلا بيان، ضرورة ان الاجماع انما يكون كاشفا قطعيا عن رأى المعصوم عليه السّلام، فيما كان مدركه مجرد اتفاق المجمعين و استقرار ارائهم بحيث كان ذلك منشئا لاجتهاداتهم، لا فيما كان اجتهاداتهم فى فهم الحكم من المدارك منشئا لذلك، فانه حينئذ لا يكون كاشفا عن رأيه عليه السلام قطعا، و لا يصح الاستناد اليه و الاعتماد عليه اصلا، و مما ذكرنا ظهر الوجه فى عدم تعرض الاستاد دام ظله للاجماع هذا و اما حكم العقل، فان اريد منه حكمه بقبح العقاب فيما لم يصدر البيان اصلا، فقد تبين مما ذكرنا فى التقرير الاول للاجماع خروجه عن محل البحث، و ان قبح العقاب بلا صدور بيان اصلا من المولى من الكبريات المسلمة عند الكل، و انما الاختلاف و النزاع بينهم فى صغرى هذه الكبرى المسلمة، و من البديهى ان حكم العقل بالكبرى، لا يجدى فى انتاج المطلوب، مع عدم احراز الصغرى كما هو اوضح من ان يخفى و ان اريد منه حكمه بقبح العقاب فيما لم يصل البيان الى المكلف و لو كان صادرا عن الشارع، فهو و ان لم يكن خارجا عن محط البحث، الا ان ادلة الاحتياط من الكتاب و السنة و العقل، على تقدير تماميتها، تكون واردة على هذا الحكم العقلى و رافعة لموضوعه و هو عدم البيان كما لا يخفى، لكن سيجيئى انشاء اللّه تعالى عدم تماميتها.
ص: 60
(قوله دام ظله احدها وجوب دفع الضرر المحتمل الخ) توضيحه هو ان احتمال الخطاب ملازم لاحتمال الضرر، و دفع الضرر المحتمل لازم بحكم العقل، و العقل رسول من الباطن كما ان النبى صلى اللّه عليه و آله و سلم رسول فى الظاهر، فيكون حكمهم بيانا عقليا فيرتفع به موضوع قاعدة قبح العقاب بلا بيان.
(قوله دام ظله و الجواب ان الضرر المأخوذ فى موضوع القاعدة الثانية الخ) توضيح الجواب، هو ان المراد من الضرر، ان كان هو الضرر الاخر وى اى العقاب، ففيه ان هذا الضرر غير محتمل حتى يجب دفعه، ضرورة ان العقاب ليس من آثار مخالفة الحكم الواقعى، بل هو من آثار الحكم المنجز، و مجرد احتمال الخطاب لا يوجب تنجزه، بل لا بد من تنجزه من ورود بيان و المفروض عدمه، و نفس هذه القاعدة لا تصلح لان تكون بيانا الاعلى وجه دائر، بداهة توقف جريانها على تحقق موضوعها و هو احتمال الضرر المتوقف على تنجز الواقع على تقدير وجوده، المتوقف على جريانها اذلا بيان بالفرض غيرها فتحصل مما ذكرنا ان هذه القاعدة لا يمكن ان تكون بيانا و رافعا لموضوع قاعدة القبح الاعلى وجه دائر، بل قاعدة القبح واردة عليهذه القاعدة و رافعة لموضوعها و هو احتمال الضرور فتحقق الموضوع لهذه القاعدة يتوقف على عدم حكم العقل بقبح العقاب بلا بيان، اذ لا احتمال للضرر الاخروى مع حكمه به، و لا عكس اى لا يتوقف تحقق الموضوع لقاعدة القبح، على عدم حكم العقل بوجوب دفع الضرر المحتمل لا لما قيل من ان موضوعها هو الشك فى التكليف الحاصل وجدانا، ضرورة ان موضوعها ليس هو الشك فى التكليف، بل هو العقاب بلا بيان المعلوم توقف تحققه على عدم حكم العقل بوجوب دفع الضرر المحتمل، و الا لكان حكمه بذلك بيانا و لم يكن العقاب معه بلا بيان كى يتحقق موضوع قاعدة القبح بل لما مر من ان حكم العقل بوجوب دفع الضرر المحتمل، لا يصح ان يكون بيانا رافعا لموضوع قاعدة القبح، الا على وجه دائر محال،
ص: 61
ضرورة ان موضوعه هو الضرر الاخروى المحتمل، فلا يمكن ان يكون بيانا بالنسبة اليه، كى يكون عقابا مع البيان و يرتفع به موضوع قاعدة القبح، و ذلك لان الضرر انما يكون محتملا مع البيان؛ اذ بدونه يكون قبيحا لا يمكن صدوره عنه تعالى شأنه فلا يكون محتملا؛ فلو جعل نفس حكم العقل بوجوب دفع الضرر المحتمل بيانا بالنسبة اليه كى يصير محتملا، لزم الدور، لتوقف حكم العقل بوجوب دفع الضرر المحتمل على احتمال الضرر توقف المحمول على موضوعه، فلو توقف احتمال الضرر على حكمه، لزم الدور، و اللازم باطل قطعا فالملزوم مثله.
و ان كان المراد من الضرر ما يكون ملازما لفعل كل حرام و ترك كل واجب، من الوقوع فى المفاسد النفس الامرية الكامنة فى ذات الحرام، او فوت المصالح النفس الامرية الكامنة فى ذات الواجب ففيه ان احتماله و ان كان ملارما لاحتمال التكليف، بناء على ما ذهب اليه المحققون من العدلية من تبعية الاحكام الشرعية للمصالح و المفاسد الكامنتين فى متعلقاتها، الا ان استيفاء الملاكات غير لازم عقلا الا من بيان الشارع، ضرورة ان العقل لا يدرك ان لهذا المشتبه ملاكا ام لا، و على تقدير كونه ذا ملاك هل ملاكه علينحو لا يجوز فوته عن المكلف او على نحو يجوز فوته عنه و بعبارة اخرى ان العقل و ان كان حاكما بلزوم استيفاء المصالح الملزمة و التحذر عن الوقوع فى المفاسد الملزمة، الا ان مجرد حكم بالكبرى لا يجدى شيئا، مالم يجرز الصغرى و ان اى فعل يكون ذا مصلحة ملزمة او مفسدة كك، و من المعلوم ان العقل لا طريق له الى احراز ذلك الابيان الشارع، كما بدل عليه ايضا ماورد من ان دين اللّه لا يصاب بالعفول، و انه لا شئى ابعد عن عقول الرجال من دين اللّه، ففى كل مورد احرز ذلك ببيانه يحكم العفل يلزوم استيفاء ما فيه من المصلحة او التحذر عما فيه من المفسدة، و فى كل مورد لم يحرز ذلك لعدم بيان من الشارع كما فى الشبهات البدوية لا يحكم به، لانه لا يدرى ان هذا المورد هل له مصلحة او مفسدة ام لا، و على تقدير ان يكون له مصلحة او مفسدة، هل تكون
ص: 62
مصلحته او مفسدته ملزمة و على نحو لا يجوز فوتها عن المكلف او وقوعه فيها او ليست كك سلمنا حكمه بذلك حتى فى المشتبه، الا ان حكمه به فيه ليس الا لاجل الخوف عن فوت المصالح الواقعية او الوقوع فى المفاسد الواقعية، و لا يكفى هذا الحكم فى اثبات العقاب من المولى، اذا لعقاب من اثار المخالفة المترتبة على النهى، و لا يتصور هنا نهى، الا بان يلتزم بان القاء النفس فى المفسدة المحتملة من الاعمال القبيحة عند العقل مطلقا سواء كانت فى الواقع مفسدة ام لا، حتى سيتكشف بقاعدة الملازمة تعلق النهى الشرعى بهذا العنوان و يصير اتيانه مخالفة للنهى، و ليس الامر كك و الاللزم ان يكون محتمل المفسدة مقطرح المفسدة عند العقل و هذا واضح البطلان فتدبر سلمنا ان العقل فيما كانت المضرة مضرة عظيمة مهمة يحكم حكما مولويا طريقيا بوجوب الاجتناب عن محتملاتها ايضا، الا ان للمنع عن قاعدة الملازمة مجالا واسعا، اذلا يحيط العقل بجميع جهات الواقع، فلعل الشارع يرى فى الفعل مصلحة تكون بمراتب اعظم مما ادركه العقل فيه من المضرة، و معه لا يترتب على الحكم المولوى الطريقى من العقل، الا استحقاق اللوم و الذم و الوقوع فى المضرة المحتملة على تقدير تحققها واقعا، و هذا غير ما بصدده الاخباريون من استلزام الاقتحام فى الشبهات الحكمية للضرر الاخروى و العقوبة هذا ثم انه قد اجيب عن ذلك ايضا، بان المفسدة و انكانت محتملة فى الشبهة الحكمية، الا ان العقل انما يحكم بوجوب دفع المفسدة و لو كانت غير معلومة، فيما اذا لم تكن منجيرة بمصلحة اعظم واهم كما نحن فيه، حيث ان من ترخيص الشارع فى الاقتحام فى الشبهات، نستكشف ان فى الا اقتحام فيها مصلحة جابرة لمفسدتها، و الا لقبح عليه الترخيص فيها و فيه ما لا يخفى، فان استكشاف تدارك المفسدة، من شمول ادلة البرائة للشبهة الحكمية التحريمية، لا يمكن الاعلى وجه دائر، لان شمولها يتوقف على ان يكون حكم من العقل بوجوب دفع المفسدة المحتملة، و الا لكان حاكما على ادلتها، و عدم حكمه يتوقف على شمولها لها و بالجملة لو سلم احتمال المفسدة فى الشبهة، و حكم العقل بلزوم دفعها، و حكم الشرع
ص: 63
بوجوب دفعها بقاعدة الملازمة، فكيف يمكن ان تكون اذلة البرائة جارية فيها، حتى يستكشف منها تدارك المفسدة على تقدير تحققها هذا و اجيب عن ذلك ايضا، بان المفسدة و انكانت محتملة فى الشبهات الحكمية، بناء على ما ذهب اليه بعض المحققين من العدلية من تبعية الاحكام الشرعية للمصالح و الفاسد الكامنتين فى ذوات الافعال، و سلمنا ان العقل يحكم بلزوم دفع تلك المفاسد المحتملة و قبح الاقتحام فيها، الا ان هذا الحكم العقلى لا يجدى فى استكشاف وجوب الاحتياط شرعا فى الشبهات الحكمية، الا بالنسبة الى خصوص من ذهب من المجتهدين الى مقالة ذلك البعض من العدلية، دون غيرهم من العوام فضلا عن المجتدين الغير القائلين بتلك المقالة، و ذلك لان غيرهم من المجتهدين المكتفين بكون المصلحة فى نفس الاحكام كما ذهب اليه بعض اخرى من العدلية، او القائلين بعدم لزوم المصلحة اصلا لا فى نفس الاحكام و لا فى متعلقاتها كما ذهب اليه الاشاعرة فضلا عن العوام الغير الملتفتين الى مثل هذه المطالب الدقيقة اصلا، لا يحتملون المفسدة فى الفعل المحتمل الحرمة، و معه كيف يشملهم حكم العقل بلزوم دفع الضرر المحتمل، مع ان موضوعه و هو احتمال الضرر منتف بالنسبة اليهم و لا يخفى ان ما ذكره من عدم اجداء هذا الحكم العقلى فى استكشاف وجوب الاحتياط بالنسبة الى من يقول من المجتهدين بتبعية الاحكام لمصالح كامنه فى ذوات الافعال، و انكان صحبحا، الا ان ما ذكره من عدم اجدائه فى استكشاف ذلك بالنسبة الى العوام ايضا، يمكن الخدشه فيه اما او لا فبالنقض بالاستصحاب الجارى فى الشبهات الحكمية، كاستصحاب نجاسته الماء المتغير بالنجاسته بعد زوال تغيره، حيث ان الشك فى نجاسته بعد زوال تغيره انما يحصل للمجتهددون العامى، و مع ذلك يكون الحكم بالنجاسته بعد زوال التغير مشتركا بينه و بين العوام من مقلديه، و لذا يفتى لهم بان الماء المتغير بالنجاسته بعد زوال تغيره نجس، و كون الحكم بالنجاسته قبل زوال التغيير مشتركا بينهما، لا يجدى فى دفع النقض، بعد كون الماخوذ فى موضوع الحكم بها بعد زوال التغير، هو الشك الغير الحاصل لغير
ص: 64
المجتهد كمالا يخفى و اما ثانيا فبالحل و هو ان يقال ان الاصول الجارية فى الشبهات الحكمية من الاستصحاب و البرائة و اصالة الحل، كلها تكون من المسائل الاصولية المختصة بالمجتهدين، و الحكم الفرعى المشترك انما هو ما يستنبط منها من النجاسته و الحلية و الطهارة، و لذا لا يفتى فى الماء المتغير الذى زال تغيره بمفاد لا تنقض، و كذا لا يفتى فى المتولد من الحبوانين احدهما نجس العين بمفاد كلشئى حلال و طاهر، بل يفتى بنجاسة ذالك الماء و بحلية هذا الحيوان و طهارته، و يجعل الاستصحاب مدركا للفتوى بنجاسة الماء، و قاعدتى الحل و الطهارة مدركا للفتوى بحلية الحيوان و طهارته فالاصول الجارية فى الشبهات الحكمية مدرك لفتوى المجتهد، و ما كان مدركا للفتوى و دليلا للاستنباط، لا يكون حكما فرعيا مشتركا بين المجتهد و المقلد، بل الحكم الفرعى هو الحكم المستنبط ببركته فاذا لم يكن الاصول الجارية فى الشبهات الحكمية حكما فرعيا مشتركا بين المجتهد و المقلد، بل كان حكما اصوليا مختصا بالمجتهد، فيكون الشك الماخوذ فى موضوعها هو الشك الحاصل للمجتهد دون المقلد، اذا لشك ما اخذ فى موضوع الحكم الفرعى و هو نجاسته الماء الزائل عنه التغير، حتى يلحظ شك كل مكلف بلحاظ نفسه، بل اخذ فى موضوع دليله و هو لا تنقص، فاذا حصل الشك للمجتهد و توجه اليه خطاب لا تنقض، يتم الدليل على الحكم الفرعى و هو نجاسته الماء، فيشترك بينه و بين مقلديه و ان كان المراد من الضرر هو الضرر الدنيوى من تلف النفس و العرض و المال الخطير، ففيه انه لا ملازمة بين مخالفة التكليف و بين الضرر الدنيوى، كى يكون مخالفة التكليف المحتمل ملازما لاحتمال الوقوع فى الضرر، اذا لتكاليف منها ما ليس فى مخالفته ضرر على المكلف، بل فيها منفعة له كالاخماس و الزكواة و الجهاد و نحوها مما يكون منفعة راجعة الى النوع، و منها ما لا يكون فى مخالفته ضرر على المكلف و لا منفعة له، كالعبادات من الصلوة و الصوم و نحوهما من العبادات، سلمنا ان فى امتثالها منفعة دنيوية، الا ان استيفاء منافعها حيث لا يمكن الا بقصد الامتثال و القربة الممتنع فى
ص: 65
المقام لمكان الشك فى الامر، فالضرر بفوتها لا محة وارد و لا يمكن دفعه حتى يحب دفعه، لما عرفت من توقف استيفاء منا فعها على قصد القربة و الامتثال الممتنع مع الشك فى الامر فتدبر و اما التوصليات و ان امكن استيفاء منافعها الا ان فى مخالفتها ليس الاعدم النفع لا الضرر، و عدم النفع فيما اذا كان قريبا من الحصول، و ان كان يعد من الضرر عرفا، الا ان وجود هذا النفع فى كل واجب حتى يكون فى مخالفته الضرر ممنوع جدا فتدبر فلم يبق الا المحرمات، و هى ايضا مختلفة، فبعضها ليس فى ارتكابه ضرر على المكلف، بل يكون فيه منفعة، كما يدل عليه قوله تعالى وَ إِثْمُهُمٰا أَكْبَرُ مِنْ نَفْعِهِمٰا، و بعضها لا يكون فى ارتكابه ضرر و لا منفعة كالكذب على اللّه تعالى فتدبر و هكذا سائر المحرمات فتدبر، سلمنا فى مخالفة التكليف ضررا دنيويا، الا ان حكم العقل بلزوم دفعه ليس الا للارشاد، و قدمران هذا النحو من الحكم العقلى لا يستتبع حكما شرعيا مولويا كى بترتب على مخالفته العقاب، و سره ان التحرز عن الضرر الدنيوى من الامور الجبلية للحيوانات فضلا عن الانسان، فليس الحكم بلزوم دفعه مبتنيا على التحسين و التقبيح العقليين، حتى يستكشف منه بقاعدة الملازمة حكما مولويا شرعيا بوجوب دفعه او حرمة الاقتحام فيه، و اما قوله تعالى وَ لاٰ تُلْقُوا بِأَيْدِيكُمْ إِلَى اَلتَّهْلُكَةِ فسيجيئى انشاء اللّه تعالى الجواب عنه.
(قوله دام ظله و قد يجاب ايضا بان الشبهة فى المفسدة الخ) توضيح هذا الجواب، هو انا لو سلمنا ان دفع الضرر مطلقا و لو كان دنيويا واجب بحكم العقل، الا ان فى مورد الشبهة حيث يكون الشك فى اصل المفسدة، و ان هذا الفعل هل هو مما يكون فى اتيانه او تركه مفسدة اولا، فتكون الشبهة فيما من هذه الجهة موضوعية، و لا يجب الاحتياط فيها اتفاقا حتى من الاخباريين.
(قوله دام ظله و لكنه مخدوش الخ) حاصل ما افاده من الخدشة فى الجواب
ص: 66
المزبور، هو ان المتيقن من مورد اتفاقهم على البرائة فى الشبهات الموضوعية، انما هو الشبهات التى لا يكون كشفها من وظائف الشارع، كالشبهات الحاصلة من اختلاط الامور الخارجية، مثل كون هذا المائع بولا اوماء، دون مثل هذه الشبهة التى لا يمكن كشفها الالعلام الغيوب، كيف و الخصم يستدل على دغواه بوجوب دفع المفسدة المحتملة، فلو كان الرجوع الى البرائة فى الشبهات الموضوعية مطلقا متفقا عليه بين الكل، لم يكن لهذا الاستدلال مجال كما لا يخفى، هذا و تدبر فان مجرد كون الشبهة مما لا يمكن كشفها لغيره تعالى، لا يوجب كون كشفها من وظائفه، حتى تكون خارجة عن مورد اتفاقهم على البرائة فى الشبهات الموضوعية، بل لو كان كشف مثل تلك الشبهات الموضوعية من وظيفة الشارع، و مع ذلك لم يقم بما هو وظيفته من كشفها، لكانت اولى بجريان البرائة فيها من الشبهات الحاصلة من اختلاط الامور الخارجية التى كشفها خارج عن وظيفته، و مع ذلك رخص فى ارتكابها من دون فحص عن حالها، و من هنا قلنا فى الشك فى المحصل انه لو كان المحصل مما يكون بيانه من وظيفة الشارع، يكون الاصل فيه البرائة لا الاحتياط ثم انه قد يقال من قبل الاخباريين، بان مجرد احتمال الخطاب يكفى فى حكم العقل بوجوب الاحتياط و هذا الحكم منه وارد على حكمه بقبح العقاب بلا بيان لانه بيان، و معه لانحتاج فى التخلص عن قاعدة القبح، الى دعوى ان احتمال الخطاب ملازم لاحتمال الضرر الواجب بحكم العقل دفعه حتى يقال فى منعها بما افاده دام ظله فى الجواب كما هو واضح، بيان ذلك هو انه لا شبهة فى ان بناء العقلاء فى المقاصد و الاغراض الراجعة اليهم، على لزوم تحصيل محتملاتها فيما اذا كانت لها اهمية، كحفظ النفس و العرض و المال الخطير، و لو مع وقوع التزاحم بين محتملاتها و بين المعلوم مما ليست له اهمية منها، و على الذم على من اقدم على ما يحتمل معه فوت شئى منها، فاذا حكموا بلزوم تحصيل مشكوكات ماله اهمية من اغراضهم، فلا محالة يحكمون بلزوم تحصيل مشكوكات اغراض الشارع مطلقا بطريق اولى ضرورة تقدم ادنى غرض من
ص: 67
اغراض المولى عقلا على اعلى و اهم غرض من اغراض العبد، و بعد ثبوت هذا الحكم منهم من جهة كونهم عقلاء، يرتفع موضوع قاعدة القبح كما لا يخفى و يمكن دفعه، اولا بان احتمال الخطاب و ان كان ملازما لاحتمال الملاك، على ما ذهب اليه المحققون من العدلية، الا ان استيفاء الملاك غير لازم عقلا و ان كان حسنا راجحا ضرورة ان ما هو اللازم بحكم العقل، انما هو تحصيل الامن من العقاب و مؤاخذة المولى، لا تحصيل اغراضه، و المفروض الا من منه مع احتمال الخطاب حاصل بحكم العقل المستقل بقبح العقاب بلا بيان و ثانيا ان حكم العقل بلزوم تحصيل غرض المولى انما هو فيما احرزه بالعلم او العلمى، و اما مع مجرد احتماله فلا يحكم بذلك، الا مع احراز انه على تقدير وجوده واقعا مماله اهمية بحيث بحث لا يرضى الشارع بفوته على المكلف فى حال من الحالات، و اما بدون ذلك فلا ضرورة ان ملاكات الاحكام مختلفة، فمنها على نحو لا يجوز فوته من المكلف و لو مع جهله به، و منها على نحو يجوز فوته منه مع الجهل به، و العقل لا يدرك ان ملاك هذا المشتبه من اى نحو منهما، و مجرد احتمال كونه من الاول لا يجدى فى لزوم استيفائه فتدبر، بل لا بد من احرازه ببيان الشارع لان كشفه لا يمكن لغيره ان قلت قد مر انفا فى بيان الاستدلال ان العقلاء يحكمون بلزوم تحصيل المحتملات من اغراضهم المهمة، و ان ادنى غرض المولى مقدم عقلا على اهم و اعظم غرض من العبد، و لازم هاتين المقدمتين هو الحكم بلزوم تحصيل المحتملات من اغراض الشارع مطلقا بطريق اولى قلت ان العبد لا يكون اولى من نفس المولى فى تحصيل اغراضه، و نرى بالوجدان ان المولى ليس بصدد تحصيل المحتملات من اغراضه اذا لم تكن لها اهمية، و معه كيف يحكم العقل بلزوم تحصيلها مطلقا على العبد، و هل هذا الا من زيادة الفرع على الاصل التى يعبر عنها فى الفارسية (بكاسه كرم ترازاش)، و السر فى ذلك هو ان المناط فى لزوم تحصيل الغرض المحتمل، هو اهميته بالنسبة من له الغرض لا مطلقا، فاغراض الشارع مطلقا و انكانت لها اهمية عندنا، الا انه لا يحكم العقل الا بوجوب
ص: 68
تحصيل ما كان له منها اهمية عند الشارع بحيث لا يرضى بفوته على المكلف فى حال من الحالات لا مطلقا ا لا ترى ان العقلاء يلومون من ترك الاقدام على ما يحتمل معه انتفاع مقدار من المال كمأة درهم مثلا، اذا كان التارك من الرعايا، و لا يلومونه على ذلك لو كان من الامراء و السلاطين، بل قد يلومونه على الاقدام على مثل ذلك، و ليس ذلك الا لما ذكرنا من ان المناط فى لزوم تحصيل الغرض المحتمل عقلا، هو اهميته بالنسبة الى ذيه لا مطلقا و ثالثا ان هذا النزاع لا يبتنى على ما ذهب اليه المحققون من العدلية من تبعية الاحكام للمصالح و المفاسد النفس الامرية الكامنة فى متعلقاتها، بل يجرى على مذهب بعضهم الاخر المكتفين بكون المصلحة فى نفس الاحكام كالاوامر الامتحانية، و على مذهب الاشاعرة الغير الشاعرة ايضا.
(قوله دام ظله اما الايات فهى على صنفين الخ) لا يخفى ان الايات التى استدل بها الاجباريون على ثلث طوائف، فمنها مادلت على النهى عن القول بغير علم كقوله تعالى لِمَ تَقُولُونَ مٰا لاٰ تَفْعَلُونَ، و منها مادلت على النهى عن الالقاء فى التهلكة كقوله تعالى وَ لاٰ تُلْقُوا بِأَيْدِيكُمْ إِلَى اَلتَّهْلُكَةِ و منها مادلت على الامر بالاتقاء و التورع كقوله تعالى اِتَّقُوا اَللّٰهَ حَقَّ تُقٰاتِهِ و قوله تعالى فَاتَّقُوا اَللّٰهَ مَا اِسْتَطَعْتُمْ اما الجواب عن الاستدلال بالطائفة الاولى، فهو ان المجتهدين لا يقولون ان المشكوك محكوم بالحلية واقعا و فى نفس الامر حتى يكون قولا بغير علم، بل يقولون ان المشكوك بعد الفحص عن الدليل و اليأس عنه، محكوم بالبرائة و عدم ايجابه استحقاق العقاب بحكم العقل، و محكوم بالحلية ظاهرا بحكم النقل، فليس شئى منهما قولا بغير علم كى يكون منهيا عنه بالاية المباركة و منه ظهر ما فى الاستدلال لوجوب الاحتياط بقوله تعالى فَإِنْ تَنٰازَعْتُمْ فِي شَيْ ءٍ فَرُدُّوهُ إِلَى اَللّٰهِ وَ اَلرَّسُولِ صلى اللّه عليه و سلم، اذ المراد منه هو الرجوع فى الحكم الواقعى للشئى الى اللّه و الى رسوله، و عدم الالتزام بحكم لذلك الشئى المتنازع فيه من عند انفسهم، و هذا لا
ص: 69
ربط له بما يقول به المجتهدون، بعد ما عرفت من انهم لا يقولون ان المشكوك حكمه الواقعى هو الحلية و الاباحة، بل يقولون انه بعد الفحص عن الدليل و الياس عنه لا مؤاخذة على ارتكابة عقلا، و يكون مرخصا فيه شرعا، هذا مضافا الى اختصاص هذه الاية بصورة التمكن من الفحص و استعلام حكم المشكوك بالرجوع الى الرسول صلى اللّه عليه و آله و سلم اوالى من بحكمه من اوصيائه صلوات اللّه و سلامه عليهم اجمعين و اما الجواب عن الطائفة الثانية، فهو ان الهلاك بمعنى العقاب معلوم العدم، بعد حكم العقل بقبح العقاب بلا بيان، و دلالة النقل، على الاباحة و الترخيص فى الاتيان و لا يمكن ان يكون هذا النهى بيانا الاعلى وجه دائر، لان موضوعه هى التهلكة و لا يمكن ان يتحقق الموضوع بواسطة حكمه، لتوقف تحقق الحكم على تحقق موضوعه فلو توقف تحقق موضوعه عليه لزم الدور و اما الهلاك بمعنى المضار و المفاسد الذاتية المترتبة على اتيان الحرام و ترك الواجب، فهو و ان كان محتملا، الا ان الحق ان الاية لا تشمله، لانه بهذا المعنى ممالم يقل به الا الاوحدى من الناس بالبرهان العقلى، فكيف يحمل الخطابات المنزلة على فهم العرف عليه هذا و تأمل(1).
و قد يقال ان الاية على فرض شمولها للمفاسد الذاتية، لا تدل على دعوى الخصم، لانها تدل على حرمة القاء النفس فى الهلكة الواقعية، فلا يصح التمسك بها لمورد الشك الابناء على جواز التمسك بالعام فى الشبهة المصداقية و فيه ان الظاهر ان الاقدام على ما لا يؤمن من الوقوع فى هلكته، يكون ايضا اقداما على الهلكة عرفا فلا يكون التمسك بالاية لحرمته من التمسك بالعام فى الشبهة المصداقية و توهم عدم صدق الاقدام على الهلكة فى الاقدام على الشبهة، بعد ترخيص الشارع فيها بادلة البرائة الملازم لانجبار مضارها على تقدير تحققها فيه ما لا يخفى اذ بعد تسليم صدق الفاء النفس فى الهلكة
ص: 70
على الاقدام على الهلكة المحتملة عرفا، و شمول هذه الاية الشريفة له، لا يبقى مجال لادلة البرائة حتى يستكشف منها انجبار المفسدة على تقدير تحققها، اذ الاية الشريفة حاكمة على ادلة البرائة او مخصصة لها فالاولى فى الجواب ما افاده الاستاد دام ظله، من منع شمول الاية للهلاك بمعنى المفاسد الذاتية هذا و تدبر، و اما الجواب عن الطائفة الثالثة، فهو انا نمنع عن كون ارتكاب الشبهة منافيا للتقوى، فانها عبارة عن الاتيان بالواجبات و ترك المحرمات، فلا تشمل المحتمل منهما، سلمنا شمولها له ايضا كما يدل عليه قوله تعالى حق تقاته و قوله ما استطعتم، الا انها تشمل حينئذ فعل المندوبات و ترك المكروهات المعلوم عدم وجوبهما، فيدور الامر بين رفع اليد عن اطلاق المادة بتقييده بغيرهما، و بين التصرف فى هيئة الطلب بحملها على مطلق الرجحان، حتى لا ينافى اطلاق المادة الشامل لفعل المندوب و ترك المكروه و لا شبهة فى اولوية الثانى من جهة كثرة استعمال الهيئة فى غير الوجوب، لا اقل من التساوى فتسقط الايات لاجمالها عن صحة التمسك بها هذا و قد يستدل على مذهب الاخباريين، بقوله تعاليو لا تقف ما ليس لك به علم، و فيه ان الاستدلال به ان كان لاثبات النهى عن القول بالاباحة فى محتمل الحرمة و الاباحة، حيث انه اقتفاء لاثر الاباحة الغير المعلومة ففيه مامر من ان المجتهدين لا يحكمون باباحة المشكوك واقعا، بل يحكمون بها ظاهرا المادل عليها كك من الادلة النقلية، فلا يكون حكمهم بها كك اقتفاء لما ليس لهم به علم و ان كان الاستدلال به لاثبات وجوب الاحتياط و الكف عما يحتمل الحرمة، ففيه انه حينئذ على خلاف المقصود ادل، اذ الكف عما يحتمل الحرمة عين الاقتفاء لاثر الحرمة الغير المعلومة كما لا يخفى سلمنا ان المراد من النهى عن الاقتفاء لغير المعلوم، هو التوقف و عدم الحركة نحوه حتى يكون معناه الكف عن المشتبه، الا ان الاية معارضة بما هو اخص منها ممادل على حلية المشتبه، لاختصاصه بالشبهات البدوية بعد الفحص، بخلافها لانها نعم البدوية قبله و المحصورة ايضا سلمنا اختصاصها ايضا بالشبهات البدوية، لاجل ان شمولها للبدوبة قبل
ص: 71
الفحص و المحصورة يكون لغوا، بعد حكم العقل بوجوب الاحتياط فيهما، كى تكون المعارضة بينها و بين مادل على الاباحة و الحلية على نحو التبائن، الا انه لا بد من حملها حينئذ على الكزاهة، حيث انها ظاهرة فى الحرمة و نص فى الكراهة بمعنى مطلق المنع، فيرفع اليد عن ظاهرها بادلة البرائة حيث انها نص فى الحلية و الاباحة، او حملها على الشبهات البدوية قبل الفحص، بشهادة قوله عليه السلام فى بعض الروايات هلا تعلمت، الدال على ان المؤاخذة على ترك الواجب و فعل الحرام، انما هو مع التمكن من التعلم و الفحص.
(قوله دام ظله و اما الاخبار فهى على اصناف الخ) اقول لا يخفى ان الاخبار التى استدل بها الاخباريون على طوائف اربع احديها مادل على النهى عن القول بغير علم، و جوابها ظاهر مما مر فى استدلالهم بالايات فلا نطيل ثانيتها مادل على وجوب التوقف فى الشبهة معللابان الاقدام فيها موجب للاقتحام فى الهلكة، و لا يخفى اختصاص هذه الطائفة بالشبهة التحريمية، لان التوقف عبارة عن عدم المضى و الحركة نحو الفعل ثالثتها التى جعلها الشيخ قدس سره رابعتها، هى اخبار التثليث المروية عن النبى صلى اللّه عليه و آله و سلم و الوصى عليه السلام و بعض الائمة عليهم السلام، الدالة على وجوب ترك الشبهات و حرمة الاخذ بها معللا باستلزام الاخذ بها للهلاك من حيث لا يعلم رابعتها اخبار الاحتياط الدالة بظاهرها على وجوبه فى الشبهات اما ما دل منها على وجوب التوقف فهى اكثر من ان تحصى، و نقريب الاستدلال بها، هو ان الظاهر من هذه الاخبار الكثيرة ان الاقدام على ما يحتمل الحرمة موجب للاقتحام فى الهلكة، و الظاهر من الهلكة العقوبة الاخروية، فتدل على ان الاقدام على محتمل الحرمة موجب لثبوت العقاب عليه لو كان محرما واقعا لا يقال ان المراد من الهلكة فيهذه الاخبار لا يمكن ان يكون هو العقاب، اذ مقتضى التعليل فيها هو ان الهلكة المحتلة فى الشبهة صارت علة للحكم بوجوب
ص: 72
التوقف فيها، فلا بد ان تكون الهلكة متحققة قبل هذا الحكم كى تصير علة لثبوته، و المفروض انا نقطع بحكم العقل بعدم تحقق الهلكة الاخروية فيها لكونها بلا بيان، و توهم كفاية نفس هذه الاوامر فى اتمام الحجة و البيان و استحقاق العقوبة على العصيان، مدفوع بانها انما جائت من قبل احتمال العقوبة و الهلكة بمقتضى التعليل، فكيف يمكن ان يكون بيانا و منشاء لثبوت احتمالها مع كونه مسلزما للدور كما هو واضح، و حينئذ فلا بد ان يكون المراد من الهلكة فيها، اما الهلكة الدنيوية اعنى المفاسد الذاتية للفعل الحرام، و اما الهلكة المتحققة قبل هذا الحكم فى الشبهات المحصورة، و على اى حال فلا ربط لهذه الاخبار بما هو محل النزاع لانا نقول ان مقتضى اطلاق هذا الاخبار احتمال التهلكة فى كل مشتبه الحكم و لو كان من الشبهات البدوية، اذا الحكم اذا تعلق بطبيعة و علل بعلة و كان المتكلم فى مقام بطبيعة البيان، فالظاهر ان تلك الطبيعة فى اى فرد تحققت تكون محكومة بذلك الحكم، و ان العلة سارية فى جميع افرادها، من غير فرق فى ذلك بين كون الحكم المذكور فى القضية مولويا و بين كونه ارشاديا الا ترى ان الطبيب اذا قال للمريض كل الرمان لانه مزيل للصفراء، يفهم منها ان ازالة الصفراء سارية فى تمام افراده، و ان هذه الطبيعة من دون تقييدها بشئى تصلح لذلك المريض و الحاصل انه لا اشكال فى وضوح ما قلنا، و ان الاخبار ندل على ان مطلق الشبهة يجب فيها التوقف، لان عدم التوقف فيها موجب للاقتحام فى الهلكة، و الظاهر المتبادر من الهلكة فى موارد الاحكام الشرعية هى الهلكة اخروية، فيستكشف انا من اطلاق هذه الاخبار بضميمة حكم العقل بقبح العقاب بلا بيان، ان الشارع قد كان اوجب الاحتياط فى الشبهات البدوية على المخاطبين بهذه الخطابات، كيلا يكون العقاب عليها بلا بيان، و يصح التعليل المذكور فى الاخبار و بعبارة اخرى شمول اطلاق هذه الاخبار للشبهات البدوية و ظهورها فى ترتب العقاب على مخالفة الواقع المحتمل بينها، مع حكم العقل بان العقاب على التكليف الواقعى لا يصح الامع البيان، يكشف كشفا قطعيا عن تحقق البيان من الشارع بايجابه الاحتياط
ص: 73
فيها على المخاطبين بهذه الخطابات، لبداهة ان الكاشف عن اللازم و هو العقاب كاشف عن الملزوم و هو البيان بالملازمة، فهذه الاخبار بمدلولها الالتزامى تدل على ان الشارع قد كان اوجب الاحتياط فى الشبهات البدوية على المخاطبين بهذه الخطابات، فاذا ثبت وجوب الاحتياط فى حقهم ثبت وجوبه علينا ايضا بقاعدة الاشتراك ان قلث استكشاف ايجاب الشارع للاحتياط فى الشبهة البدوية من هذه الاخبار، يتوقف على شمول اطلاقها لها، و هو يتوقف على ايجابه الاحتياط، و الا لكان العقاب عليها بلا بيان فاستكشاف ايجاب الاحتياط من هذه الاخبار مستلزم للدور المحال قلت ان الطراف الدور مختلفة، لان ما يتوقف عليه استكشاف ايجاب الاحتياط، هو شمول اطلاق هذه الروايات للشبهات البدوية، و ما يتوقف عليه شمول اطلاقها لها، هو ايجاب الاحتياط لا استكشاف ايجابه ان قلت ان المتوقف عليه شمول اطلاقها لها هو العلم بايجاب الاحتياط و احرازه، لا ايجابه واقعا و لو لم يحرزه المكلف، و الا لكان العقاب عليه بلا بيان، فاتحد طرفا الدور كما واضح قلت ما بتوقف عليه شمول اطلاقها لها هو علم المخاطبين بايجاب الاحتياط، و ما يتوقف على شمول اطلاقها لها هو استكشافنا ابجابه عليهم فاخثلف طرفا الدور كما هو واضح هذه غاية ما يمكن ان يقال فى تقريب الاستدلال بهذه الاخبار و اجاب عنها الاستاد دام ظله، بانا نمنع ظهور الشبهة فى كل محتمل، لانها قد تطلق على خصوص فعل يحتمل فيه الخطر، كما فى اطراف الشبهة المحصورة و الشبهة البدوية قبل الفحص، و نحو هما مما يوجب ثبوت العقاب عليه لو كان محرما فى الواقع و بعد احتمال ارادة خصوص ذلك من لفظ الشبهة، لا يتعين ارادة المعنى الاول العام، بل يتعين ارادة الثانى، بقرنية ما فى تلك الاخبار من التعليل بقوله عليها السّلام فان الوقوف عند الشبهة خير من الاقتحام فى التهلكة سلمنا ظهورها فى كل محتمل، الا انه قد ادىّ فى الاخبار بعض ما لا يجب الاجتناب عنه قطعا من الشبهات بهذه العبارة اى بعبارة الشبهة على سبيل التعليل، كما فى النكاح فى الشبهة الذى فسره الصادق عليه السلام بقوله اذا بلغك انك قدر ضعت من
ص: 74
لبنها او انها لك محرمة و ما اشبه ذلك، حيث انه عليه السلام علل قوله فى صدر الرواية لا تجامعوا فى النكاح على الشبهة، بقول عليهم السّلام فان الوقوف عند الشبهة خير من الاقتحام فى الهلكة اذ لا شبهة فى ان هذه الشبهة من الشبهات الموضوعية التى يرجع فيها الى الاصل اتفاقا فتدبر(1).
مع انه عليه السلام علل النهى عنها بقوله عليه السلام فان الوقوف عند الشبهة خير من الاقتحام فى الهلكة فلا بد من حمل قولهم عليه السلام فان الوقوف عند الشبهات خير من الاقتحام فى الهلكات، الذى استعمل فى موارد وجوب التوقف و فى موارد عدم وجوبه، على ارادة مطلق الرجحان، و حمل الهلكة فيه على الاعم من العقاب و غيره من المفاسد كى يلائم كلا الموردين و مع الاغماض عن ذلك، نقول انا نعلم من الخارج بعدم وجوب التوقف فى بعض من الشبهات التحريمية كالموضوعية، منها باعنراف من الخصم، فيدور الامر بين تخصيص الموضوع اى التوقف بغيرها، او التصرف فى هيئة الطلب بحملها على مطلق الرجحان، و لا ريب فى عدم اولوية الاول، ان لم نقل باولوية الثانى، من جهة تعليل الحكم فيهذه الاخبار بما تابى معه عن التخصيص، كما لا يخفى على من راجعها، و على اى حال تسقط الروايات عن الدلالة على ما ادعاه الخصم هذا و اجيب عنها ايضا بان النسبة بين هذه الاخبار و اخبار البرائة و ان كانت عموما من وجه، لاختصاص هذه بالشبهات التحريمية و عمومها للشبهات البدوية و غيرها، و اختصاص ادلة البرائة بالشبهات البدوية و عمومها للشبهات الوجوبية و التحريمية، الا انه لا بد من رفع اليد عن ظهور هذه الاخبار فى وجوب الاحتياط، و حملها على الاستحباب، بادلة البرائة التى
ص: 75
تكون نصا فى الرخصة و الاباحة، او على الارشاد و تخصيصها بالموارد التى ثبتت الحجة فيها على الواقع، كما فى الشبهة البدوية قبل الفحص و المقرونة بالعلم الاجمالى سلمنا ان المعارضة بينها و بين ادلة البرائة على نحو العموم من وجه، او على نحو التبائن من جهة شمول اطلاق كل منهما الجميع الشبهات، و عدم استلزام خروج بعضها عن اطلاقها بقرائن خارجية لانقلاب النسبة بينهما، و سلمنا انه لا مرجح لشئى منهما على الاخرى، سند التواتر كل منهما اجمالا، و لا دلالة لكون هذه نصا فى الوجوب، بلحاظ ما فيها من التعليل باحتمال العقاب الذى لا يمكن ان تحمل معه على الاستحباب، و كون ادلة البرائة نصا فى الرخصة و الاباحه، الا ان ذلك لا يوجب الاتكا فوئهما، المستلزم لسقوطهما، و خلو المورد عن الحجة و البيان، الذى يكون المرجع فيه ما هو المسلم بين الفريقين من قاعدة قبح العقاب بلا بيان ان قلت هذه الاخبار مختصة بالشبهات التحريمية، فتكون اخص مطلقا من ادلة البرائة قلت فى ادلنها ايضاما يكون مختصا بالشبهة التحريمية، فيكون التعارض بينه و بين هذه الاخبار على نحو التبائن، و مع عدم المرجح كما هو المفروض يرجع الى قاعدة القبح ان قلت المرجح فى البين موجود لمخالفة هذه الاخبار للعامة القائلين بالبرائة قلت قد مرانفا ان كلا من ادلة البرائة و الاحتياط متواترة اجمالا، فتكون مقطوعة سندا، و معه لا مجال للترجيح بمخالفتهم التى هى من المرجحات السندية فتامل جيدا(1) ان قلت ما ذكرت من التكافوء و الرجوع الى حكم العقل بقبح العقاب بلا بيان، انما يصح على القول بكون الاحتياط واجبا طريقيا، و اما على القول بكونه واجبا نفسيا فلا معارضة فى البين كى يدّعى التكافوء او الترجيح، ضرورة ان ادلته حينئذ تكون حاكمة على ادلة البرائة، لان الماخوذ فى موضوع ادلة البرائة هو عدم العلم بحكم الشئى مطلقا لا بعنوانه الذاتى الاولى و لا بعنوانه الطارى الثانوى، و ادلة الاحتياط بناء على هذا القول
ص: 76
موجبة للعلم بالحكم بالعنوان الثانوى و هو عنوان الاحتياط، فتكون ادلته واردة على ادلة البرائة و رافعة لموضوعها قلت اولا ان وجوب الاحتياط نفسيا مخالف لنفس هذه الاخبار الظاهرة فى ان وجوبه للتحذر عن الهلكة المترتبة على مخالفة الواقع مع ان الاخباريين ايضا لا يلتزمون بذلك، و انما يقولون بوجوبه به طربقا لاجل عدم الوقوع فى هلكة مخالفة الواقع احيانا من حيث لا يعلم و ثانيا ان فى ادلة البرائة ما يدل على رفع التكاليف الواقعية و نفى وجوب الاحتياط فيها و لو بعناوينها الثانوية، مثل قوله عليه السلام فى مرسلة الفقبه كل شئى مطلق حتى يرد فيه نهى، حيث انه ظاهر فى ان الغاية للاباحة و الاطلاق هى ورود النهى فى الشئى بعنوانه الاولى الخاص، الا الاعم منه و من العناوين الطارية عليه، ككونه مجهول الحكم كما لا يخفى.
و حينئذ فيكون معارضا مع هذه الاخبار لا محكوما و مورودا بالنسبة اليها كما لا يخفى هذه خلاصة ما افاده بعض الاجلة من المعاصرين فى المقام، و لا يخفى ما فيه، ضرورة انه لو سلم دلالة هذه الاخبار على وجوب الاحتياط على وجه النصوصية بلحاظ التعليل المذكور فيها، فلا يكون محيص عن تقديمها على ادلة البرائة، لكونها اقوى منها سندا و دلالة اما سندا مع ما مر من دعوى تواتر كل منهما اجمالا، فلان القضع يصور واحد من ادلة السرائه الذى هو معنى تواترها اجمالا، انما يجدى فى تكافوء ادلتها سندا مع هذه الاخبار المتواترة اجمالا، فيما كانت ادلتها متحدة مفاد له، او كان بينها ما يكون مفاده و مؤده هو القدر المتين من جميعها كما الى كان مفاده اخص من مفاد الكل و جامعا لجميع الخصوصيات المأخوذة فى مفادها، و كان هو المعارض لهذه الاخبار و من المعلوم اختلاف مفاد ادلة البرائة، لاختصاص بعضها بالشبهة الموضوعية، و بعضها بالحكمية مطلقا، و بعضها بالوجوبية، و بعضها بالتحريمية، و معه كيف يمكن حصول القطع بصدور خصوص مادل على البرائة فى خصوص الشبهة الحكمية التحريمية، كى يكافوء سندا لهذه الاخبار المتواترة و منه ظهر انه ليس بينها ما يكون مفاده اخص من مفاد الكل و جامعا لجميع
ص: 77
الخصوصيات المأخوذة فى مفادها كى يكافوء سندا لهذا الاخبار، سلمنا تكافوئهما سندا و كون كليهما مقطوعى الصدور، الا ان القطع بالصدور لا بلازم القطع بجهة الصدور، كيلا يصح ترجيح هذه الاخبار بمخالفتها للعامة التى هى من مرجحات جهة الصدور كما اشرنا اليه سابقا، اللهم الا ان اخبار البرائة و ان كانت موافقة للعامة، الا انها لكثرتها و ورودها فى موارد متعددة كثيرة تابى عن الحمل على التقية فتدبر و اما كون هذه الاخبارا قوى من ادلة البرائة دلالة، فلاختصاص هذه بالشبهة التحريمية، بخلاف ادلتها فانه ليس فيها ما يكون مختصابها، الامر سلة الفقيه و صحيحة ابن سنان و رواية عبد اللّه بن سليمان و موثقة مسعدة بن صدقة، اما المرسلة فسيجيئى انشاء اللّه تعالى ما فيها من الاشكال فى اصل دلالتها على ما هو محل الكلام، و اما الروايات الثلث فسيجيئى اختصاصها بالشبهة الموضوعية، هذا كله فى الاخبار الدالة على وجوب التوقف فى الشبهة على نحو الاطلاق و اما الامرة بالتوقف فيها وردها الى الائمة عليهم السلام، فالجواب عنها واضح بعد اختصاصها بزمان التمكن من الفحص و استعلام حكم المسئلة عنهم عليهم السلام كما لا يخفى و اما الطائفة الثالثة من الاخبار، فهى اخبار التثليث المروية عن النبى صلى اللّه عليه و آله و سلم و الوصى عليه السلام و بعض الائمة عليهم السلام، الدالة على وجوب ترك الشبهات و حرمة الاخذ بها، معللا باستلزام الاخذ بها للهلاكة كه من حيث لا يعلم و الجواب عنها يظهر مما ذكرناه فى الجواب عن اخبار التوقف، حيث يجرى فيهذه جميع ما قلناه فى الجواب عن تلك الاخبار، مضافا الى اختصاص هذه بان فيها ما يكون ظاهرا فى الارشاد او الاستحباب، مثل قول النبى صلى اللّه عليه و آله و سلم فى رواية نعمان لكل ملك حمى و حمى اللّه حلاله و حرامه و المشبهات بين ذلك لو ان راعيا رعى جانب الحمى لم يثبت غنمه ان يقع فى وسطه فدعوا الشبهات و قول الوصى عليه السلام فى خطبته حلال بين و حرام بين و شبهات بين ذلك فمن ترك ما اشتبه عليه من الاثم فهو لما استبان له اترك و المعاصى حمى اللّه فمن يرتع حولها يوشك ان يدخلها، و قول
ص: 78
ابى جعفر الباقر عليه السلام قال جدى رسول اللّه صلى اللّه عليه و آله و سلم فى حديث يأمر بترك الشبهات بين الحلال و الحرام من رعى غنمه قرب الحمى نازعته نفسه الى ان يرعيها فى الحمى الاوان لكل ملك حمى الاوان حمى اللّه محارمه فاتقوا حمى اللّه و محارمه فان الظاهر من هذه الروايات انها فى مقام بيان رجحان ترك الشبهات لئلايهون على مرتكبها ارتكاب المحرمات، حيث ان المداومة على ارتكاب الشبهات ربما يجعل النفس مائلة الى المحرمات، و لذا ورد ان الاتى بالمكروهات قد لا يبالى عن اتيان المحرمات و يؤيد ذلك بل يدل عليه، ما ورد من ان فى حلال الدنيا حسابا و فى حرامها عقابا و فى الشبهات عتابا، فان فى تخصيص الشبهات بالعتاب دون العقاب، دلالة ظاهرة على عدم وجوب تركها و الا لكان فيها ايضا العقاب على تقدير الوقوع فى المحرم الواقعى الا انه لا بأس بالتعرض للموارد التى استدل بها من خبر التثليث على وجوب الاجتناب عن الشبهات المرددة بين الحلال و الحرام، ثم الجواب عنه اقتفاء للاستاد دام ظله فنقول من تلك الموارد يجابه عليه السلام فى مقبولة ابن حنظلة الواردة فى الخبرين المتعارضين، الاخذ بالمشهور منهما و طرح الشاذ النادر، معللا بان المجمع عليه لا ريب فيه، حيث يستفاد من التعليل ان الوجه فى وجوب طرح الشاذ هو كونه مما فيه ريب، و بمقتضى عموم التعليل يجب رفع اليد عن كل ما فيه الريب، و هذا مفاد ما ورد من قولهم عليهم السلام دع ما يريبك الى ما لا يريبك، فشرب النتن مثلا مما فيه الريب و عدم شربه مما لا ريب فيه فيجب بمقتضى قوله عليه السلام طرح الاول و الاخذ بالثانى و منها تقسيم الامام عليه السلام فى المقبولة الامور على ثلاثة اقسام، و الحكم بوجوب رد الشبهات الى اللّه و رسوله صلى اللّه عليه و آله و سلم و منها النبوى الذى استشهد به الامام عليه السلام فى المقبولة، و هو قوله صلى اللّه عليه و آله و سلم حلال بيّن و حرام بيّن و شبهات بين ذلك فمن ترك الشبهات نجى من المحرمات و من اخذ بالشبهات وقع فى المحرمات و هلك من حيث لا يعلم و الجواب عن الاول، هو ان السؤال انما هو عن
ص: 79
الخبرين المتعارضين و انه بايهما يجب الاخذ على انه طريق و حجة فيستفاد من الجواب بملاحظة عموم التعليل، أن الاخذ بكل ما فيه الريب بعنوان انه حجة بينه و بين اللّه غير جائز، و هذا مما لا ريب فيه، و لا دخل له بما يقول به الاخبارى من لزوم الاحتياط فى مقام العمل و الجواب عن الثانى هو ان ظاهر حكم الامام عليه السلام برد الشبهات الى اللّه و رسوله صلى اللّه عليه و آله و سلم هو عدم القول بما لا يعلم، و هذا ايضا مما ريب فيه و لا يضر بما ندعيه، بعد كونه مستندا الى الحكم القطعى من العقل بقبح العقاب بلا بيان، لانه ليس حينئذ قولا بما لا يعلم و الجواب عن الثالث و هو النبوى، هو انه كان المراد من الهلكة فيه العقاب كما هو الظاهر، فلا بد من حمله على الارشاد و تخصيصه بموارد ثبوت الحجة على الواقع، كالشبهات البدوية قبل الفحص و المقرونة بالعلم الاجمالى، و ذلك لان الوقوع فى المحرمات الواقعية كيفما كانت و لو لم يكن بيان بالنسبة اليها، لا يلازم الهلكة و العقاب، و الا للزم العقاب بلا بيان و هو قبيح عقلا و منفى شرعا، فلا بد ان يكون المراد من المحرمات هى المحرمات المنجزة التى بثتت الحجة و البيان عليها، و حينئذ فيكون الامر بترك الشبهات للارشاد الى حكم العقل بوجوب الاجتناب فى الموارد التى تمت الحجة على الواقع المحتمل، و ان كان المراد منها ما يعم المفاسد الذاتية، فاللازم حمل الطلب فيه على مطلق الرجحان، فيتبع خصوصيات هذا الرجحان المطلق، خصوصيات الهلكة المحتملة فى الموارد الخاصة، فانكانت عقابا فيحكم بوجوب الاحتياط، و انكات غيره من المماسد فيحكم بحسن الاحتياط.
و اما الطائفة الرابعة من الاخبار التى دلت بظاهرها وجوب الاحتياط، فهى كثيرة جدا منها صحيحة عبد الرحمن بن الحجاج قال سئلت ابا الحسن عليه السلام عن رجلين اصابا صيد او هما محرمان الجزاء بينهما او على كل واحد منهما جزاء، قال عليها السّلام بل عليهما ان يحزى كل واحد منهما الصبد، فقلت ان بعض اصحابنا سئلنى عن ذلك فلم ادر ما عليه، قول عليه السلام اذا اصبتم بمثل هذا فلم تدروا فعليكم الاحتياط حتى
ص: 80
تسئلو او تعلموا و منها موثقة عبد اللّه بن و ضاح، قال كتبت الى العبد الصالح عليه السلام يتوارى عنا القرص و يقبل الليل و يزيد الليل ارتفاعا و يستر عنا الشمس و يرتفع فوق الجبل حمرة و يؤذن عندنا المؤذنون فاصلى حينئذ و افطران كنت صائما او انتظر حتى تذهب الحمرة الى فوق الجبل، فكتب عليها السّلام الى ارى لك ان تنتظر حتى تذهب الحمرة و تاخذ بالحائط لدينك الخبر و منها سائر الاخبار الامرة بالاحتياط فى الدين، مثل ماورد من قول امير المؤمنين عليه السلام لكميل بن زياد رضى اللّه عنه اخوك دينك فاحتط لدينك بماشئت و امثال ذلك و الجواب اما عن الصحيحة فبعدم الدلالة، لان المشار اليه فى قوله عليها السّلام اذا اصبتم بمثل هذا يحتمل معنيين احدهما ان يكون هو السؤال عن حكم المسئلة، فيكون المعنى حينئذ اذا سئلتم عن مثل هذه المسئلة من المسائل التى لا ندرون حكمها فعليكم بالاحتياط، ثانيهما ان يكون المشار اليه نفس واقعة الصيد، فيكون المعنى اذا ابتليتم بالوقايع المشكوك فيها فعليكم بالاحتياط ثم على المعنى الاول، يحتمل ان يكون المراد من قوله عليهم السّلام فعليكم الاحتياط، هو ايجاب التوقف عن الافتاء و ترك القول بما لا يعلم، و ان يكون المراد ايجاب الافتاء بالاحتياط على ابعد الوجهين لكمال بعده عن مساق الرواية كما هو ظاهر و على المغى الثانى يحتمل ان يكون المراد من قوله عليه السلام بمثل هذا جميع الوقايع المشكوك فيها، و ان يكون المراد خصوص ما كان مماثلا لواقعة جزاء الصيد، فى كونه مرددا بين الاقل و الاكثر و استدلال الاخباريين بالصحيحة مبنى على حملها اما على المعنى الاول بالوجه الثانى، و هو ان يكون المشار اليه بهذا هو السؤال، و يكون المراد من قوله عليها السّلام فعليكم بالاحتياط ايجاب الافتاء بالاحتياط، الذى قد عرفت انه ابعد الوجهين و اما على المعنى الثانى بالوجه الاول، و هو ان يكون المشار اليه بهذا نفس الواقعة، و يكون المراد منقوله عليهم السّلام بمثل هذا جميع الوقايع المشكوك فيها اما الاول منهما ففى غاية البعد عن مساق الرواية و اما الثانى فلازمه الحكم بالاحتياط فى الشبهات الوجوبية ايضا، و لم يلتزم
ص: 81
اكثر الاخباريين بذلك، هذا مضافا الى انه لامر جح لهذا الاحتمال، و مجرد احتماله لا يوجب رفع اليد عن مقتضى مادل على البرائة فيما لا نص فيه من العقل و النقل، هذا كله مضافا الى اختصاص الرواية بالتمكن من تحصيل العكم بالسئوال، فلا تعلق لها بما هو محل البحث بين المجتهدين و الاخباريين كما هو واضح و اما عن الموثقة فبانها مع اضطرابها لا دلالة لها على المطلوب، لانها ان حملت على بيان حكم الشبهة الموضوعية، بان كانت كفاية استتار القرص فى تحقق المغرب و جواز الصلوة و الافطار مغروغا عنها عنها عند السائل، و انما اشكل عليه الامر من جهة الاشتباه فى الاستتار لاجل حيلولة الجبل، فسئل الامام عليها السّلام عن حكم هذا الموضوع المشتبه فحكم عليه السلام بوجوب الانتظار حتى يعلم بتحقق الاستتار ففيه مضافا الى بعده عن ظاهرها، حيث ان الظاهر منها هو كون السئوال عما يعتبر فى تحقق المغرب شرعا، انها لا تدل حينئذ الا ان فى امثال المقام مما اشتغلت ذمة المكلف بتكليف، يجب عليه ان يحتاط حتى يحصل له اليقين بالبرائة، و هذا لا ربط له بما نحن فبه من الشك فى اصل التكليف، و ان حملت على بيان حكم الشبهة الحكمية، بان كانت شبهة السائل فى تحقق الغروب و انه باى شئى يحصل شرعا، كى يكون حكمه عليه السلام بانتظار ذهاب الحمرة معللا بكونه مقتضى الاحتياط، دالا على وجوبه فى كل شبهة حكمية ففيه ان هذا و ان كان هو الظاهر منها، الا انه يشكل حينئذ بان حكمه عليها السّلام بالاحتياط مع كون المورد من الشبهة الحكمية، مناف لما هو وظيفته عليه السلام من ازالة الشبهة عن حكم الوقايع ببيان احكامها، فلا بد حينئذ ان يحمل هذا التعبير منه عليهم السّلام على التقية، بمعنى انه عليها السّلام ارى و اوهم ان حكمه بانتظار ذهاب الحمرة ليس لاجل عدم كفاية الاستتار، بل من جهة حصول القطع بتحققه لمكان الاحتياط اللازم فى المقام، بل يمكن ان يقال ان التعبير بقوله عليها السّلام ارى لك الظاهر فى الاستحباب مع كون التأخير واجبا واقعا، اقوى شاهد على كونه عليه السلام فى مقام التقية، من جهة كون الحكم بوجوبه منا فيالمذهب العامة
ص: 82
المكتفين باستتار القرص فى تحقق الغروب، هذا مضافا الى انه يحتمل قريبا ان يكون قوله عليها السّلام و تأخذ الحائطة لدينك، متمما للفقرة الاولى لا تعليلا لها، فيكون المراد على هذا انه يجب عليك الانتظار على نحو الاحتياط، اى على نحو لا يلتفت احد الى انتظارك حتى يطلّع على مذهبك، فتكون الرواية حينئذ فى مقام بيان الحكم الواقعى للقضية المسئول عنها، لا الظاهرى كى تكون دالة من حيث التعليل على وجوب الاحتياط فى الشبهة الحكمية هذا و اما الجواب عن سائر الاخبار الامرة بالاحتياط، فهو انها شاملة باطلاقها للشبهات الموضوعية التى ليس الاحتياط فيها واجبا اتفاقا، فيدور الامر حينئذ بين التصرف فى المامور به، بحمله على الاحتياط فى غير الشبهات الموضوعية، و بين التصرف فى هيئة الامر بحملها على ارادة مطلق الرجحان، و لا شبهة فى عدم او لوية الاول ان لم يكن الثانى اولى، فتسقط حينئذ هذه الاخبار عن صحبة الاستدلال، هذا مضافا الى ما فى كلها او جلها من القرائن الدالة على كونها للاستحباب، كما لا يخفى على من راجعها.
(قوله دام ظله الامر الرابع من الامور التى تمسك بها الخصص العلم الا جمالى الخ) تقرير هذا الامر، هو انا نعلم اجمالا بوجود احكام كثيرة الزامية وجوبية و تحريمية فى الشرع، و لا سبيل الى انكار هذا العلم الا المكابرة، ضرورة حصوله لكل من علم ببعث النبى صلى اللّه عليه و آله و سلم كما هو واضح، و مقتضى هذا العلم الاحتياط فى كل شبهة وجوبية كانت او تحريمية، لان الاشتغال اليقينى بالتكاليف المعلومة بالاجمال، يستدعى البرائة اليقينية منها بحكم العقل، و لا تحصل البرائة منها كك الا بالاحتياط التام فى جميع الشبهات، الا مادل دليل شرعى على حليته منها، كما فى الشبهات الوجوبية التى اتفق المجتهدون و الاخباريون على عدم وجوب الاحتياط فيها، اذ حينئذ نقطع بعدم العقاب على ترك المشتبه على تقدير وجوبه واقعا و توهم ان هذا العلم الاجمالى انما
ص: 83
يكون قبل مراجعة الادلة الشرعية، و اما بعد المراجعة اليها، فالمعلوم هو اشتغال الذمة بمقتضى مد اليلها، و يكون الزائد عليه مشكوكافيه، فالعلم الاجمالى بعد المراجعة الى الادلة الشرعية، ينحل الى العلم التفصيلى و الشك البدوى مدفوع بان انحلال العلم الاجمالى بعد مراجعة الادلة، ان كان لاجل انها توجب القطع التفصيلى بالاحكام الواقعية، بمقدار ينحل به ذاك العلم الاجمالى الى العلم التفصيلى و الشك البدوى، ففيه انه مما يقطع كل منصف بخلافه، كيف و اغلب الادلة الشرعية انما تكون من الامارات المعتبرة من باب الظن النوعى، فلا توجب الظن الشخصى بالاحكام الواقعية بذلك المقدار، فضلا عن القطع بها كك، و ما يفيد القطع بها منها فى غابة الندرة، فكيف ينحل ببركته العلم الاجمالى بتلك الاحكام الواقعية الكثيرة غاية الكثرة سلمنا كونها موجبة للقطع بالاحكام الواقعية بمقدار المعلوم بالاجمال، الا ان مجرد ذلك لا يوجب رفع اثر ذاك العلم الاجمالى ما لم يعلم بانطباق ما علم تفصيلا على ما علم اجمالا، ضرورة ان مع القطع التفصيلى بالاحكام الواقعية بذاك المقدار، و ان زال الترديد و الدوران الكاشف عن زوال العلم الاجمالى و ارتفاعه، الا ان مجرد ارتفاع العلم الاجمالى بسبب طر و العلم التفصيلى بحرمة بعض الاطراف، لا يوجب ارتفاع اثره ما لم يعلم بانطباق المعلوم بالتفصيل على المعلوم بالاجمال، ضرورة ان العقل يحكم بلزوم تحصيل الفراغ عن التكليف الذى تنجز بالعلم الاجمالى مطلقا، سواء كان العلم الاجمالى بعد تاثيره فى ذلك باقيا ام مرتفعا، و لذا لو فقد بعض الاطراف او خرج عن محل الابتلاء او اضطر اليه بعد العلم الاجمالى، يجب الاجتناب عن باقيها مع احتمال انطباق المعلوم بالاجمال على ذاك البعض الذى لا يبقى معه علم اجمالى بتكليف فعلى فى الاطراف، كما لا يخفى.
و ان كان انحلال العلم الاجمالى بعد مراجعة الادلة، لاجل انها و ان لم توجب القطع التفصيلى بالاحكام الواقعية بمقدار المعلوم بالاجمال، الا ان مع وجودها فى بعض الاطراف بذاك المقدار و احتمال انطباق مواردها على المعلوم بالاجمال، لا يبقى علم
ص: 84
اجمالى كى يكون اصالة الحل فى غير مواردها معارضة بالمثل ففيه ان مجرد قيام الامارة على حرمة بعض الاطراف، لا يوجب ارتفاع العلم الاجمالى، ضرورة بقاء الترديد و الدوران مع قيامها ايضا، اذ يصح بعد قيامها فى بعض الاطراف، ان يقال ان المحرم الواقعى المعلوم بالاجمال اما هذا الطرف الذى قامت الامارة على حرمته او ذاك الطرف، و هذا بخلاف ما لو علم تفصيلا بحرمة بعض الاطراف، فانه لا يجئى فيه هذا الترديد كما لا يخفى فتدبر، سلمنا لكن قيامها على حرمة بعض الاطراف لا يزيد على العلم التفصيلى بحرمة بعضها، و قد عرفت ان مجرد ارتفاع العلم الاجمالى بسبب طرو العلم التفصيلى بحرمة بعض الاطراف، لا يوجب ارتفاع اثره ما لم يعلم بانطباق ما علم تفصيلا على ما علم اجمالا، و ليس مفاد ادلة حجية الامارات الا وجوب الاخذ بمؤدياتها، لا حصر التكاليف الواقعية بمواردها، حتى يحصل العلم بالبرائة بموافقتها نعم لو كان هناك علم بانحصار التكاليف الواقعية بالمعلوم بالاجمال، لكان فيام الامارات على حرمة بعض الاطراف بمقدار المعلوم بالاجمال، ملازما عقلا لعدم وجود محرم فى غير مواردها، فتكون ادلة حجيتها بضميمة هذا العلم، دالة على حصر التكاليف الواقعية فى مواردها لكن دعوى وجود هذا العلم فى غاية الفساد، فلا تدل ادلة حجيتها الاعلى مجرد وجوب الاخذ بمؤدياتها، و حينئذ فلا بد من الاخذ بمؤدياتها، و حينئذ فلا بد من الاخذ بمؤدى الامارات بمقتضى ادلة اعتبارها، و الاحتياط فى الاطراف الخالية عنها، بمقتضى العلم الاجمالى الذى تنجز الواقعيات به، هذه غاية ما يمكن ان يقال فى تقرير هذا الامر و يمكن الجواب عنه بوجوه احدها انا و ان سلمنا عدم انحلال العلم الاجمالى بسبب قيام الامارات الشرعية على حرمة بعض الاطراف بمقدار المعلوم بالاجمال، الا انا نمنع عن تأثيره الا فى لزوم الموافقة و الاتيان بالمقدار المعلوم، اما حقيقة كما لو علم بالمقدار المعلوم تفصيلا و اتى به، و اما حكما كما لواتى بمؤديات الطرق التى جعلها الشارع، بدلا عن الواقع و نزلها منزلته هذا، و يمكن الخدشة فى هذا الوجه اولا بان العلم الاجمالى انما يؤثر فى لزوم
ص: 85
عدم المخالفة بالمقدار المعلوم اجمالا، و هو لا يحصل الا بالاحتياط التام، لا الموافقة بذلك المقدار و من هنا قلنا فى مبحث دليل الانسداد، ان نتيجة المقدمات هو التبعيض فى الاحتياط اذلا وجه للقول به الا ذلك كما هو واضح و ثانيا بان لازم هذا الوجه، هو انه لو لم يأت بمؤدى الامارات القائمة على بعض الاطراف، و اجرى البرائة فى الاطراف الخالية عنها، مع كون التكليف المعلوم بالاجمال واقعا فيها، لم يستحق العقاب اصلا، لا على مخالفة الامارة لفرض مخالفتها للواقع، و لا على الواقع لمكان اصل البرائة، و هذا مما لا يمكن الالتزام به ان قلت ان العلم الاجمالى انما لا يمنع على هذا الوجه، من الرجوع الى البرائة فى الاطراف الخالية عن الامارة، فى صورة حصول الموافقة بالاتيان بالمقدار المعلوم بالاجمال الذى قامت الامارات عليه، لا مطلقا و لو مع عدم الاتيان به، فقبل الاتيان به يكون العلم الاجمالى باقيا على مقتضاه من التنجيز للواقع و حرمة مخالفته الاحتمالية، و معه لا مجال لجريان البرائة، كى يلزم عدم استحقاقه للعقاب فيما لم يأت بمؤديات الامارات مع كون الواقع فى الاطراف الخالية عنها، هذا مع ان هذا اللازم لا محذور فى الالتزام به مع البرائة الشرعية، اذ لا محذور فى مخالفة الوافع اذا كانت بترخيص الشارع قلت ان محل الكلام هى البرائة العقلية، و على ما ذكرت فى دفع الاشكال، لا يجدى هذا الوجه للاصوليين القائلين باجراء البرائة العقلية فى غير موارد الامارات، و لو قبل العمل بها و الاتيان بمؤدياتها الوجه الثانى انه بعد قيام الادلة على الاحكام الالزامية بالمقدار المعلوم بالاجمال، ينحل العلم الاجمالى الى العلم التفصيلى و الشك البدوى توضيح ذلك هو ان المعلوم بالاجمال، تارة يكون معنونا بعنوان خاص، كما اذا علم اجمالا بنجاسة احد هذين الانائين بوقوع دم فيه، و تارة لا يكون معنونا بعنوان خاص بل يكون بلا عنوان كما اذا علم اجمالا بنجاسة احد الانائين من دون علم بسبب النجاسة اما القسم الاول، فلا يكون العلم التفصيلى فيه بنجاسة احدا الانائين فضلا عن قيام الامارة عليها، موجبا لانحلال العلم الاجمالى، الا مع العلم بانطباق المعلوم
ص: 86
بالاجمال عليه و اما القسم الثانى فيكون مجرد العلم التفصيلى بنجاسة احد الانائين فيه موجبا لانحلال العلم الاجمالى ضرورة انه لو كان فى الفرض كلا الانائين نجسين فى الواقع، كان تخصيص العلم الاجمالى باحدهما دون الاخر تخصيصا بلا مخصص فمع التفصيلى بنجاسة احدهما سواء كان النجس منحصرا به واقعا اولم يكن، ينطبق المعلوم بالاجمال عليه قهرا، اما على الاول فواضح، و اما على الثانى فلما عرفت من ان نسية العلم الاجمالى الى كلا الانائين فيما كانا نجسين واقعا واحدة، اذلا مرجح لتخصيصه باحدهما دون الاخر، هذا فيما علم تفصيلا بنجاسة احد الائين و هكذا الامر فيما لو قامت الامارة المعتبرة على نجاسة احدهما، ضرورة ان المجعول بادلة حجية الامارة ليس الاحكما طريقيا فى طول الحكم الواقعى، فلو صادفه كان عين الواقع، و قد عرفت ان الحكم الواقعى سواء كان منحصرا بالمعلوم بالاجمال اولم يكن منحصرا به، ينطبق عليه المعلوم بالاجمال قهرا، و لازمه انطباقه قهرا على ما يكون عين الحكم الواقعى و توهم ان مؤدى الامارة انما يكون عين الواقع مع المصادفة و هى غير محرزة مدفوع بان المصادفة و ان لم تكن محرزة بالوجدان و القطع، لكنها محرزة تعبدا بوجوب تصديق العادل و الغاء احتمال كذبه و توهم ان الحكم الظاهرى قد اخذ فى موضوعه الشك، فكيف يكون عين الحكم الواقعى مع وضوح تعدد الحكم بتعدد موضوعه مدفوع بان ما اخذ فى موضوعه الشك هو الحكم الظاهرى الذى يكون مؤدى الاصول العملية التعبدية، دون ما يكون مؤدى للطرق و الامارات، ضرورة ان الطرق لم تؤخذ فى موضوعها الشك، و ان كان مورد جعلها هو الشك، لكن مجرد ذلك لا يوجب تعدد الحكم كما لا يخفى هذا الوجه الثالث انه بعد قيام الادلة على الواجبات و المحرمات بالمقدار المعلوم بالاجمال، و العلم بوجوب الاتيان بمادلت على وجوبه، و الترك لما دلت على حرمته، و احتمال انطباق المعلوم بالاجمال على مؤدياتها، ينحل العلم الاجمالى الى العلم التفصيلى و الشك البدوى، ضرورة انه لا يبقى لنا حينئذ علم بالتكليف زائدا على ما علم تفصيلا بوجوب
ص: 87
اتيانه او تركه من مؤديات الامارات و توهم ان العلم الاجمالى و ان انحل بعد قيام الادلة على احكام الزامية بالمقدار المعلوم اجمالا، بمجرد احتمال الانطباق، الا ان مجرد ذلك لا يوجب المنع عن تأثيره فى تنجيز ما تعلق به من الواقعيات، الا فيما كان الاطلاع على الادلة قبل العلم الاجمالى او مقار ناله، و اما لو كان الاطلاع عليها بعده كما هو المفروض فى محل البحث، فلا يكفى مجرد احتمال الانطباق فى رفع ما اثر فيه من تنجيز الواقعيات، الا فيما كان الاطلاع على الادلة قبل العلم الاجمالى او مقار ناله، و اما لو كان الاطلاع عليها بعده كما هو المفروض فى محل البحث، فلا يكفى مجرد احتمال الانطباق فى رفع ما اثر فيه من تنجيز الواقعيات و حكم العقل بوجوب امتثالها القطعى مدفوع بانه يشترط فى بقاء اثر العلم الاجمالى فى الزمان الثانى كونه باقيافيه ايضا، بمعنى ان يكون فى الزمان الثانى ايضا عالما اجمالا بوجود التكليف فى الزمان الاول، و ان لم يكن عالما به اجالا بملاحظة الزمان الثانى، من جهة انعدام بعض الاطراف او خروجه عن محل الابتلاء او الاضطرار اليه و لذا لو شك فى الزمان الثانى فى ثبوت التكليف على نحو سرى الشك الى ثبوته فى الزمان الاول، لم يكن اثر للعلم الاجمالى الذى تعلق به فى الزمان الاول، و من المعلوم ان هذا الشرط ينعدم بعد الاطلاع على الامارات الشرعية القائمة على الاحكام الالزامية بالمقدار المعلوم بالاجمال، ضرورة انها تكشف عن ثبوت مؤدياتها من اول الامر، فاذا دل الدليل على وجوب البناء على مضمونها، يرتفع ببركته الاجمال عن البين بملاحظة الحالة السابقة و الزمان الاول اذبه يعلم فى الحال بثبوت التكليف فى موارد الامارات الشرعية من اول الامر و يشك فى الزائد كك، فالظفر بالامارات بعد العلم الاجمالى، من قبيل حصول العلم التفصيلى بعده بثبوت تكاليف واقعية من اول الامر، فكما انه يوجب انحلال العلم الاجمالى، كك الظفر بها لانها تكشف عن ثبوت تكاليف قطعية على طبق مقتضاها من اول الامر هذا و قد يخدش فيه، بان مجرد كون الامارة كاشفة عن ثبوت مؤداها من اول الامر، لا يجدى فى المنع عن تأثير العلم الاجمالى فى تنجيز ما
ص: 88
تعلق به من الواقعيات توضيح ذلك هو ان كل منجز سواء كان وجدانيا عقليا كالعلم او تعبديا شرعيا كالامارات و الاصول انما يكون تنجيزه لما تعلق به من التكليف الفعلى، دائرا مدار وجوده و يكون علة له حدوثا و بقاء فلا يمكن ان يؤثر قيام منجر على حكم فى زمان فى تنجيز ذلك الحكم فى غير ذلك الزمان مع انتفاء ذاك المنجز فيه، فحصول العلم فى اليوم بتكليف فعلى او قيام امارة عليه كك، لا يؤثر فى تنجيزه فى غير ذلك اليوم من الغد و الامس، مع انتفاء العلم به او الامارة عليها فيهما، كيف و الالزم عدم صحة الرجوع الى الاستصحاب و غيره من الاصول مثبئة كانت او نافية، فيما لوشك فى بقاء التكليف الذى علم به سابقا او قامت امارة عليه كك، ضرورة ان تعلق العلم به سابقا او قيام الامارة عليه كك على هذا، يكفى فى تنجزه فى اللاحق على تقدير وجوده، و معه لا حاجة الى الاستحاب و غيره من الاصول المثبتة، و لا مجال للاصول النافية، فيكون الرجوع الى الاصول مطلقا لغوا و بلا مورد و هو كما ترى فقيام المنجز عقليا كان او شرعيا على بعض اطراف المعلوم او بقاء مع العلم الاجمالى، و ان كان كاشفا عن ثبوت متعلقه قبل العلم الاجمالى، و ذلك لان المانع عن تاثير العلم الاجمالى هو ثبوت التكليف المنجز فى بعض الاطراف قبل العلم الاجمالى، لا مجرد ثبوته فى بعضها و لو لم يكن منجزا، فالامارات المثبتة للاحكام و ان كانت كاشفة عن ثبوت مؤدياتها من اول الامر واقعا، الا انها لا تجدى فى تنحيز مؤدياتها الا من حين قيامها عليها كامربيانه، و مجرد ثبوتها من اول الامر واقعا مع عدم تنجزها على المكلف، لا يكفى فى المنع عن تأثير العلم الاجمالى اللهم الا ان يقال ان مجرد كشف الامارات عن ثبوت مؤدياتها من اول الامر واقعا و ان لم يكن مجديا فى تنجيز مؤدياتها، الا ان مؤدياتها كانت حين العلم الاجمالى بالاحكام الواقعيتة منجزة بمجرد احتمال وجودها لكونه قبل الفحص قتدبر هذا مضافا الى ان هذا الوجه على تقدير تماميته، و ان كان نافعا فى الشبهات الحكمية التى كلامنا فيها، حيث ان الادلة و الامارات القائمة على التكاليف الواقعية، كانت ثانية فى
ص: 89
الواقع مقدمة على العلم الاجمالى، غاية الامر لم يكن المكلف مطلعا عليها و لكنه غير نافع فى الشبهات الموضوعية، فان قيام البينة على بعض اطراف العلم الاجمالى متاخرة، عن العلم، لا يكشف عن التكليف القطعى قبله كى بوجب الانحلال الوجدانى، ضرورة ان التكليف القطعى الذى هو عبارة عن وجوب اتباع البينة، لا يمكن ان يكون سابقا على نفس البيّنة، و مجرد لسان البينة بكون هذا المشتبه موضوعا للحكم سابقا، لا يجدى فى الانحلال الوجدانى كما لا يخفى فتدبر ثم لا يخفى سلامة هذا الوجه كسابقه عن الخدشة التى اوردناها ثانيا على الوجه اول و ذلك لما عرفت من انحلال العلم الاجمالى على هذين الوجهين، بمجرد قيام الامارات الشرعية على بعض الاطراف بالمقدار المعلوم بالاجمال، الى العلم التفصيلى بالتكليف فى مواردها و الشك البدوى فيه فى الموارد الخالية عنها، لا بقائه على مقتضاه كى يلزم مالزى من المحذور على الوجه الاول، و هو عدم استحقاق العقاب على مخالفة التكليف الفعلى المنجر بالعلم الاجمالى، فيما لو لم يات بمؤدى الامارات و اجرى البرائة فى الموارد الخالية عنها مع كون التكليف المعلوم بالاجمال متحققا فيها دون موارد الامارات هذا.
الوجه الرابع هو انا قد بينا فى اول مبحث حجة القطع، ان القطع الماخوذ فى موضوع الحكم، تارة يكون ملحوظا على انه صفة خاصة و هى كونه كشفاتا ما عن متعلقه، و اخرى يكون ملحوظا على انه طريق الى متعلقه و من مصاديق الطريق المعتبر، و ان القسم الاول لا يقوم مقامه سائر الامارات و الاصول بواسطة ادلة حجيتها، بخلاف القسم الثانى، فان قيام الامارات المعتبرة مقامه لا مانع منه، بعد كونه ملحوظا باعتبار ما هو الجامع بنيه و بين سائر الطرق المعتبرة، و لا شك ان العلم مطلقا سواء كان تفصيليا او اجماليا، انما يعتبر فى موضوع حكم العقل بلزوم اتباعه، من حيث انه طريق قاطع للعذر، لا من حيث انه صفة خاصة، و لذا يقوم مقامه الامارات المتبرة و على هذا لو قامت امارة معتبرة على بعض اطراف العلم الاجمالى، فالمعلوم بالاجمال بصفة انه معلوم و ان كان بعد مرددا، لكن
ص: 90
ما قام عليه الطريق القاطع للعذر ليس مرددا، فمع قيام الامارة المعتبرة على بعض الاطراف، يكون ما هو ملاك لحكم العقل بوجوب الامتثال مفصلا، و ما يكون باقيا على اجماله ليس ملا كالحكم العقل، و بعبارة اخرى بعد قيام الامارة على بعض الاطراف، لا يكون موضوع حكم العقل بوجوب الامتثال، و هو الطريق القاطع للعذر متحققا، الا فيما قامت الامارة عليه دون غيره، و ليس ما ذكرنا من ان اعتبار العلم فى موضوع حكم العقل بلزوم الاتباع، من حيث كونه احد مصاديق الطريق القاطع للعذر، لاجل ما ذهب اليه الحكماء من ان المتبائنات بما هى متبائنات، لا يمكن ان تكون علة لشئى واحد و لو بالنوع، لبداهة ان بين العلة و المعلوم لا بد ان تكون مناسبة و سنخية، و الا لزم صدور كل شئى عن كل شئى و هو واضح البطلان، فلا بد فيما استند الشئى الواحد الى المتبائنات، ان تكون العلّة لذلك الشئى ما هو الجامع بين المتبائنات، كى يمنع عن ذلك و يقال لا مانع من كون العلم و سائر الطرق و الامارات بخصوصياتها موضوعها لحكم العقل بوجوب الاتباع لا بجامعها، بل لاجل الوجدان، فانا ترى فيما اذا قطع العبد بصدور امر من مولاه او قام عنده طريق معتبر اليه، يكون احتمال عدمه ملغى عند العقلاء او الشارع، على نحو لا يصح لكل من المولى و العبد الاحتجاج به على الاخر، ان العقل يحكم بلزوم اتباع كل من القطع و الطريق المعتبر بملاك واحد، و هو كون كل منهما طريقا قاطعا للمعذر و توهم ان حكم العقل بلزوم اتباع كل من العلم الاجمالى و الطريق المعتبر و ان كان بملاك واحد، الا ان ذلك لا يوجب انحلال العلم الاجمالى بمجرد قيام طريق معتبر على بعض اطرافه، بعد كون كل منها مصداقا للطريق القاطع للعذر و متعلقا بغير ما تعلق به الاخر، حيث ان متعلق العلم هى الطبيعة السارية القابلة للانطباق على كل واحد من الاطراف على البدل، و متعلق الطريق هى الحصة المتحققة منها فى ضمن ذلك البعض مدفوع بان العلم الاجمالى و ان كان متعلقا بالطبيعة السارية القابلة للانطباق على كل واحد من الاطراف البدل، الا انه مع قيام منجر على بعض اطرافه، لا يكون متعلقه و هى الطبيعة المرسلة قابلا لعروض
ص: 91
التنجز عليه من قبل العلم الاجمالى، ضرورة نته لو كان عروضه عليه من قبل العلم، لزم سرايته الى تمام الاطراف، فان العارض للطبيعة لا بد ان يعرض لجميع افرادها و يسرى الى تمامها و من المعلوم عدم امكان سرايته الى الطرف الذى قام المنجيز عليه، لاستلزامها لاجتماع المثلين، و استناد معلول واحد شخصى الى علتين مستقلتين، لو كان كل من العلم الاجمالى و ذاك المنجز علة تامة لعروض التنجز على ذاك الطرف، و استلزامها عدم كون العلم الاجمالى علة لعروض التنجز على متعلقه و هى الطبيعة المرسلة، لو كان كل منها جزء العلة لعروض التنجز على ذلك الطرف، ضرورة ان علة عروض العارض على الطبيعة، لو كانت هى العلة التامة له، لزم ان يكون عروضه على افرادها مستندا الى تلك العلة، قلو استند عروضه لبعض الافراد الى علة اخرى اوالى مجموع العلتين، لكان كاشفا عن عدم كون العلة الاولى علة تامة لعروضه على الطبيعة كما هو واضح هذا و لا يخفى انه لا تفاوت فى انحلال هذا العلم الاجمالى عليهذا الوجه، بين كون قيام الامارة على بعض الاطراف مقارنا للعلم الاجمالى او سابقا عليه اولا حقابه، و كذا لا تفاوت فيه بين الشبهات الحكمية و بين الشبهات الموضوعية، و ذلك لان بعد قيام النبية على بعض الاطراف، لا يكون موضوع حكم العقل بوجوب الامتثال متحققا، الا فى خصوص ما قامت البينة عليه، دون غيره من الاطراف ضرورة ان البينة حيث تكون كاشفة عن كون المشتبه موضوعا للحكم سابقا، فبدليل اعتبارها يكون الطريق القاطع للعذر متحققا فيما قامت عليه.
(قوله دام ظله و ها انا اشرع فى ذكر الادلة الشرعية الخ) لا يخفى ان الادلة الشرعية التى تمسك بها المجتهدون على البرائة فى الشبهات الحكمية البدوية و ان كانت كثيرة، الا انه دام ظله اقتصر على التعرض لما هو العمدة منها رعاية للاختصار، و نحن تذكر اولا ما تعرض له دام ظله منها، ثم نتعرض لبعض اخر منها ليستغنى به عن الرجوع
ص: 92
الى المطولات.
قوله دام ظله منها الخبر المروى عن النبى صلى اللّه عليه و آله و سلم بسند صحيح فى الخصال كما عن التوحيد رفع عن امتى تستعة اشياء الخطاء و النسيان و ما استكر هو عليه و ما لا يعلمون و ما لا يطيقون الخ اقول تقريب الاستدلال بالحديث الشريف المعمول به عند الاصحاب المستغنى به عن التكلم فى سنده واضح، سواء كان المراد من نسبة الرفع الى المذكورات فيه بملاحظة رفع خصوص المؤاخذة عليها، او رفع جميع اثارها التى منها المؤاخذة، و ذلك لان حرمة ما لا دلاله على حرمته عير معلومة، فيكون جميع اثارها التى منها المؤاخذة او خصوص المؤاخذة عليها مرفوعا، و اورد عى الاستدلال به للشبهات الحكمية التى هى محل النزاع بوجوه الاول ما اورده شيخ مشايخنا الانصارى قدس سره من ان المراد من الموصول فى سائر التسعة المرفوعة، هو ما يصدر عن الممكلف من الافعال، اذ لا معنى للاكراه على الحكم او الاضطرار اليه، فقرينية وحدة السياق تقتضى ان يكون المراد من الموصول فيما لا يعلمون ايضا هو الافعال، فيكون الحديث حجة على البرائة فى خصوص الشبهات الموضوعية الثانى ما اورده قده ايضا، من ان الظاهر المتبادر من رفع التسعة، بعد عدم امكان رفعها حقيقة، هو رفع خصوص المؤاخذة عليها، فلا بد حينئذ من تقدير المؤاخذة فى جميع الامور التسعة، فيكون المراد رفع المواخذة على نفس تلك الامور، اذا الظاهر من رفع المؤاخذة على شئى هو كون ذلك الشئى بنفسه متعلقا للمؤاخذة المرفوعة، و من المعلوم انه لو قلنا بشمول الموصول فيما لا يعملون للحكم ايضا، لم يصح هذا التقدير بالنسبة اليه، اذلا معنى للمؤاخذة على نفس الحكم الذى هو فعل للشارع، و انما المؤاخذة على متعلق الحكم الذى هو فعل المكلف، فلا بد ان يكون المراد من الموصول فيما لا يعلمون، هو الافعال المجهولة للمكلف المشتبهة، عليه كشرب المايع الذى لا يعلم انه شرب خمر او شرب ماء، حفظا لوحدة السياق و ظهوره فى تعلق المؤاخذة المرفوعة بنفس التسعة الثالث ما اورده
ص: 93
صاحب الكفاية قده، من ان اسناد الرفع الى الحكم اسناد الى ما هو له، ضرورة ان رفع الحكم كوضعه من وظيفة الشارع، و اسناده الى الموضوع اسناد الى غير ماهوله فيكون اسناد مجازيا، فارادة الحكم و الموضوع معا من الموصول لا تجوز، و ارادة كل منهما منه مستقلا استعمال لللفظ فى المعيين هذا و لكن الانصاف عدم ورود شئى مما ذكر على الاستدلال بالحديث للشبهات الحكمية اما عدم ورود ما ذكره الشيخ قده من الوجه الاول، و هو ان مقتضى وحدة السياق ان يكون المراد من الموصول فيما لا يعلمون ايضا هو الموضوع، فلما حقق فى محله من ان عموم الموصول كغيره من الالفاظ الدالة على العموم، انما يكون بحسب ما يراد من متعلقه، فيكون تا بعاله سعة و ضيقا، و لذا لا ينافيه تقييد المتعلق بقيود كثيرة، فعدم تحقق الاكراه و الاضطرار فى الاحكام، لا يوجب عدم استعمال الموصول فى قوله صلى اللّه عليه و آله و سلم ما اضطروا اليه و قوله صلى اللّه عليه و آله و سلم ما استكر هو عليه فى العموم، كى يوجب ذلك بقرنية وحدة السياق، رفع اليد عن عموم الموصول فيما لا يعلمون، و حمله على خصوص الموضوعات المشتبهة فقوله صلى اللّه عليه و آله و سلم ما اضطروا اليه اريد منه كل ما اضطر اليه فى الخارج و صدق عليه هذا العنوان خارجا، فعدم تحقق الاضطرار بالنسبته الى الحكم خارجا، لا يضر بارادة العموم من الموصول، فاذا كان المراد من الموصول فيما اضطروا اليه، هو كل ما صدق عليه هذا العنوان خارجا، فلا بدان يكون المراد من الموصول فيما لا يعلمون ايضا بمقتضى وحدة السياق، هو كل ما صدق عليه هذا العنوان خارجا موضوعا كان ام حكما، ا لا ترى انه اذا قيل ما يؤكل و ما يرى فى قضية واحدة، لا يتوهم احد كون انحصار افراد الاول فى الخارج ببعض الاشياء، مستلزما لتخصيص الثانى ايضا بذلك البعض و هذا واضح غاية الوضوح سلمنا ان مقتضى وحدة السياق كون المراد من الموصول فيما لا يعلمون هو الموضوع، لكن نقول ان المراد منه بمناسبة الحكم و الموضوع، هو الموضوع، بعنوان خاص و هو كونه حراما او واجبا، فاذا كان المراد مما لا
ص: 94
يعلمون الواجب و الحرام، فيعم الشبهة الموضوعية و الحكمية معا، ضرورة ان عدم العلم بحرمة الفعل او وجوبه، تارة يكون لاجل عدم العلم بعنوانه، كما فى شرب المايع المردد بين كونه خمرا اوماء، و تارة يكون لاجل عدم العلم بحكمه، كما فى شرب التتن المردد بين كونه حراما او مباحا و اما عدم ورود ما ذكر الشيخ قده من الوجه الثانى، فلان التحقيق ان كون المراد من الرفع هو رفع المواخذة لا يحتاج الى تقدير فى القضية اصلا توضيح ذلك هوانا، تارة نلتزم بما هو الحق من اشتراك الحكم الفعلى بين العالم و الجاهل، و ان الاحكام الواقعية لا بد ان تكون باقية على فعليتها فى حال الجهل بها ايضا، و ان قيام اصل او امارة لا يمكن ان يكون موجبا لاختلاف حكم العالم و الجاهل، و الالزم التصويب المجمع على بطلانه، و اخرى لا نلتزم بذلك، بل نقول ان الاحكام الواقعية، فى حال الجهل بها تكون انشائية محضة، و انما تبلغ الى مرتبة الفعلية بالعلم بها، و على اى حال نقول اسناد الرفع الى نفس ما لا يعلمون، لا بد ان يكون بنحو من المسامحة و التجوز، اذ على الاول ليس المجهول سواء كان موضوعا او حكما مرفوعا حقيقة، اما فيما كان موضوعا فواضح، و اما فيما كان حكما فلان المفروض بقاء الاحكام الواقعية على فعليتها حال الجهل بها، فلا بد فى اسناده الى نفس ما لا يعلمون من احدى المسامحتين، اما جعل المجهول الذى لا يقبل الرفع حقيقة، مما يقبل الرفع ادعاء كما ذهب اليه السكاكى، ثم نسبة الرفع اليه على وجه الحقيقة و اما حمل النسبة على التجوز، لا بان يقدر المؤاخذة حتى يكون نسبة الرفع الى المجهول على وجه المجاز و الى غيره ما هو له، بل بان ينسب الرفع المستند الى المؤاخذة حقيقة الى المجهول مجازا و على الثانى ان كان المجهول حكما فيمكن رفعه بمرتبته الفعلية حقيقة، و اما ان كان موضوعا فلا يكون قابلا للرفع حقيقة، فلا بد من جعله مما يقبل الرفع ادعاء ثم نسبة الرفع اليه و الى الحكم حقيقة و مما ذكرنا ظهر اندفاع ما اورده صاحب الكفاية قدس سره من الوجه الثالث، و ذلك لما عرفت من ان نسبة الرفع الى كل من الحكم و الموضوع بعد جعله مما يقبل الرفع ادعاء،
ص: 95
تكون على وجه الحقيقة والى ما هو له، هذا مع ان رفع الموضوع شرعا عبارة عن رفع حكمه و يمكن الجواب عن الكل بوجه آخر، و توضيح ذلك يحتاج الى تمهيد مقدمة، و هى انهم اختلفوا فى انه لو توقف صون كلام الحكيم عن اللغوية على تقدير فيه، فهل يكون المقدر امرا عاما او خاصا، او يختلف ذلك باختلاف المقامات، فقد يكون المناسب تقدير العام، و قد يكون المناسب الخاص، او يحكم باجمال الكلام و الاخذ بالقدر المتيقن لو كان، ففى مثل قوله تعالى وَ سْئَلِ اَلْقَرْيَةَ، يقال هل المقدر هو الامر العام كالاهل كى يكون المعنى و اسئل اهل القرية، او الخاس كالعالم او الحاكم، كى يكون المعنى و اسئل عالم القرية او حاكمها او انه مجمل اذا تمهدت هذه المقدمة، فنقول ان قوله صلى اللّه عليه و آله و سلم فى الحديث الشريف رفع عن امتى تسعة اشياء، ان كان اخبارا عن رفع التسعة فيما سبق رفعا تكوينيا، توقف صون كلامه صلى اللّه عليه و آله و سلم عن اللغوية و الكذب، لوجود هذه التسعة فى الخارج وجدانا، على تقدير امر، فيقع البحث حينئذ عن ان المقدر هل هو جميع الاثار، لانه اقرب الى نفى الحقيقة و الذات، او خصوص المؤاخذة لانها اظهر الاثار، او انه مجمل فيؤخذ بالقدر المتيقن و هو المؤاخذة و اما لو كان الحديث الشريف فى مقام الانشاء، لرفع هذه التسعة الواقعة فى عالم التكوين تشريعا، الذى هو عبارة اخرى عن رفع الاثر الشرعى الثابت لهذه الامور التسعة لو لا هذا الحديث كما هو الظاهر، فلا يحتاج الى تقدير امر كى يقع البحث فى ان المقدر ما هو، ضرورة ان الرفع التشريعى لهذه الامور يصح بلا رعاية عناية، فمفاد هذا الحديث فى غير ما لا يعلمون من سائر الامور التسعة، هو رفعها تشريعا اى الحكم الثابت للشئى بما هو هو مجردا عما يطرء عليه من عنوان العمد و الخطاء و الاختيار و الاضطرار و طيب النفس و الاكراه و الذكر و النسيان و اما فيما لا يعلمون فحيث لا يمكن ان يراد من رفعه رفع الحكم المجهول لما عرفت من اشتراك الحكم الواقعى الفعلى بين العالم و الجاهل، فلا بد ان يراد من رفعه رفع تنجزه فى حال الجهل؛ فى مقابل وضعه فى هذا الحال بايجاب الاحتياط، و لذا قيل ان
ص: 96
الرفع فى الحديث اريد منه الاعم من الدفع، فاذا كان المراد من الرفع فى الحديث هو الرفع الحديث الريد منه الاعم من الدفع، فاذا كان المراد من الرفع فى الحديث هو الرفع التشريعى، فلا يرد على الاستدلال به للبرائة فى الشبهات الحكمية، باستلزامه لاختلاف السياق او استعمال الموصول فيما لا يعلمون فى اكثر من معنى واحد، ضرورة ان هذه الاشكالات انما ترد لو كان المراد من الرفع هو الرفع التكوينى، و اما لو كان المراد منه هو الرفع التشريعى فلا يرد اشكال اصلا، بداهة ان الرفع التشريعى يصح اسناده الى جميع هذه الامور التسعة بنسق واحد، اذ معناه ان ما هو محقق فى عالم التكوين من الخطاء و النسيان و الاضطرار و الحكم المجهول و الطيرة و الحسد و نحوها مرفوع فى عالم التشريع، و الرفع التشريعى عبارة اخرى عن رفع الحكم الثابت لولا هذا الحديث نعم يختلف اثر الرفع التشريعى باختلاف هذه الامور، حيث انه فى الخطاء و النسيان و ما استكر هوا عليه و ما لا يطيقون و ما اضطروا اليه، ينتج حكومة حديث الرفع على ادلة الاحكام الواقعية الثابتة لموضوعاتها بعناوينها الاولية، و فيما لا يعلمون ينتج حكما ظاهريا، لان رفع الحكم فى مرتبة الشك ليس الارفعا ظاهريا، لمامر من اشتراك الحكم الفعلى بين العالم و الجاهل، و ان قيام اصل و امارة لا يمكن ان يكون موجبا عليه السلام لاختلاف حكم العالم و الجاهل المستلزم للتصويب الباطل، و فى الطيرة و الحسد و الوسوسة ينتج عدم وضع حكم لها، لانها حيث لم تكن محكومة بحكم فلا محة يراد من رفعها عدم وضع حكم لها لكن اختلاف اثره باختلاف الموارد، لا يوجب اختلافه معنى بالنسبة اليها كما لا يخفى هذا.
(قوله دام ظله ثم انك بعد ما عرفت ان نسبة الرفع الى ما لا يعلمون و اخواته تحتاج الى وجه من المسامحة اعلم ان المصحح لهذه المسامحة الخ) لا يخفى ان احتياج نسبة الرفع الى الامور التسعة الى وجه من المسامحة، و انكان مبنيا على كون
ص: 97
المراد من الرفع هو الرفع التكوينى لا التشريعى كما مر بيانه، الا ان كون الرفع بلحاظ الاثر لا بد منه على اى تقدير، اما على الاول فلما افاده دام ظله، من ان المسامحة فى نسبة الرفع الى الامور المذكورة بجعلها مما يقبل الرفع ادعاء، يحتاج الى مصحح و اما على الثانى فلما مر من ان الرفع التشريعى كالوضع التشريعى، لا بد ان يكون بلحاظ الاثار الشرعية، و لذا قلنا بعدم حجية الاستصحاب فيما لم يكن للمستصحب اثر شرعى، فاذا كان الرفع مطلقا بلحاظ الاثر، فيقع البحث فى ان المصحح للمسامحة فى نسبة الرفع التكوينى الى المذكورات، و الملحوظ فى نسبة الرفع الشريعى اليها، هل هو رفع جميع الاثار، او خصوص المؤاخذة فى الجميع، او الاثر المناسب لكل من المذكورات و لا يخفى ان ارادة رفع الجميع، و ان كان اقرب الى رفع الحقيقة، و الذات، لكن المناسب لرفع المذكورات امتنانا، هو ارادة رفع خصوص المؤاخذة فتدبر(1)، و ذلك لان الامتنان انما يكون فى رفع ما يكون فى ثبوته ثقلا و كلفة على المكلف، و من المعلوم ان جميع الاثار للامور المذكورة ليس فى ثبوتها ثقل و كلفة على المكلف و اما ارادة الاثر المناسب لكل منها، فيبعدها مضافا الى عدم كون الاثر المناسب لكل منها مما فى ثبوته ثقل على المكلف كى يكون فى رفعه منة عليه، انه محتاج الى تعدد اللحاظ فى انشاء واحد، و على اى حال فان قلنا بالاول فلازمه فيما اذا كان لشئى واحد آثار شرعية متعددة، ان يرتفع كلها عند الجهل و النسيان و الاضطرار، فلو اضطر الى لبس الحرير الذى له الحرمة النفسية و المانعية عن الصلوة، او جهل بكونه حريرا او كونه محرما الذى له الحرمة النفسية و المانعية عن الصلوة، او جهل بكونه حريرا او كونه محرما و مانعا عن الصلوة نحكم بصحة صلوته و عدم استحقاقه للعقاب و ان قلنا بالثانى فينحصر مورد الرفع بماله خصوص الاثر
ص: 98
المذكورا عنى المؤاخذة، و يكون ما ليس له ذلك خارجا عن مورد الحديث و ان قلنا بالثالث فيشمل غير المؤاخذة ايضا من الاثر المناسب لكل منها دون جميع الاثار هذا ثم ان الظاهر من نسبة الرفع الى المذكورات و ان كان هو كونها بملاحظة رفع خصوص المؤاخذة كما مر بيانه، لكن ينافيه ما روى عن الصفوان و البزنطى عن ابى الحسن عليه السلام بطريق صحيح فى رجل يستكره على اليمين فيحلف بالطلاق و العتاق و صدقة ما يملك يلزمه ذلك، قال عليه السلام لا قال رسول اللّه صلى اللّه عليه و آله و سلم رفع عن امتى ما اكرهوا عليه و ما لا يطيقون و ما اخطئوا الخبر فان الحلف على الامور المذكورة فى الخبر و ان كان باطلا عندنا مطلقا و لو لم يكن عن اكراه، الا ان استدلال الامام عليه السلام بالنبوى صلى اللّه عليه و آله و سلم على عدم لزومها مع الاكراه على الحلف بها، يدل على ان المراد من الرفع ليس رفع خصوص المؤاخذة، و الا لماتم ا لاستدلال كما لا يخفى فعليهذا يدور الامر بين ان يكون المراد رفع جميع الاثار، او الاثر المناسب لكل من الامور التسعة، لكن الثانى قد عرفت ما فيه فيتعين ارادة الاول و توهم ان ما يظهر من الخبر لا ينافى تقدير خصوص المؤاخذة، اذ من القريب ان يكون المراد من المؤاخذة الاعم من المؤاخذة المرتبة على ذات الفعل، و المترتبة عليه بواسطة اثره الوضعى، كما فى الطلاق و العتاق و الصدقة، فانها مستتبعة للمؤاخذة بواسطة ما يلازمها من حرمة الوطى فى المطلقة و مطلق التصرف فى المعتق و الصدقة واضح الفساد، لا لاجل عدم تمامية استدلاله عليه السلام بالنبوى حينئذ لرفع الحكم الوضعى و هو صحة الحلف على الطلاق و العتاق و الصدقة، لو كان المراد من الرفع فيه هو رفع خصوص المؤاخذة.
و ذلك لان رفع المواخذة فى المقام يكشف كشفا قطعيا، عن عدم صحة الحلف على الطلاق و العتاق و الصدقة اذا لحلف عليها لو كان صحيحا نافذ الكان و طى المطلقه و التصرف فى المعتق و الصدقة حراما مقتضيا لثبوت المؤاخذة لا لرفعها، فالاستدلال
ص: 99
بالنبوى لرفع الحكم الوضعى و هو صحة الحلف على المذكورات، انما هو بمدلوله الالتزامى، بل لاجل ان استناد الرفع الى شئى لا يقبل الرفع بنفسه كاستناد الوضع الى شئى لا يقبل الوضع كلك، ينصرف الى الاثر المترتب على ذلك الشئى بلا واسطة، و لذا قلنا فى الاستصحاب ان الاخبار الدالة على وجوب ابقاء ما كان، تنصرف الى ابقاء الاثار المترتبة على المستصحب بلا واسطة هذا و لكن لا يخفى انه بناء على ما افاده الاستاد دام ظله، من ان المراد من رفع الامور التسعة فى الحديث هو رفعها عن عالم التشريع الذى مرجعه الى رفع ما لها من الاحكام تكليفية كانت او وضيعية، لا نحتاج فى نسبة الرفع اليها الى تقدير شئى اصلا، اذ لا يلزم من نسبة الرفع التشريعى اليها كذب كى نحتاج حفظا لكلام الحكيم عن الكذب الى تقدير فيه كما هو واضح، و حينئذ لا يكون حديث الرفع منافيا لهذه الصحيحة، كى نحتاج الى حمل الرفع فى الحديث على ارادة رفع جميع الاثار او اظهرها هذا و تبصر بقى هنا امور لا باس بالتنبيه عليها الاول ان الرفع معناه الحقيقى اعدام ما كان نايتا، و هذا المعنى لا يمكن ارادته من الحديث الشريف، اذ هو غير واقع فى بعض العناوين المذكورة فيه قطعا، لوجوده فيهذه الامة وجدانا، فلا بد ان يكون المراد من الرفع فى الحديث هو الدفع الذى معناه المنع عن تاثير المقتضى فى ثبوت مقتضاه اى عن تحقق ما يقتضى الثبوت، او يكون المراد هو الاعم منه و من الرفع، فان الرافع بلحاظ طرده الشئى عما كان سابقا رافع، و بلحاظ اعدامه فى الان اللاحق دافع، و لذا قد يطلق كل منهما على الاخر الثانى ان الاثر المرفوع بهذا الحديث، لا بد ان يكون هو الاثر الشرعى المترتب على هذه المذكورات بلا واسطة، اما اعتبار كونه اثرا شرعيا، فلان الاثار العقلية ليست قابلة للتصرف الشرعى وضعا و رفعا، و اما اعتبار كونه مترتبا عليهذه المذكورات بلا واسطة، فلما مرانفا من ان اسناد الرفع الى شئى لا يقبل الرفع بنفسه، منصرف الى الاثر المترتب عليه بلا واسطة، و عليهذا فالاثار العقلية او الشرعية المترتبة عليهذه المذكورات مع الواسطة خارجة عن مفادا الحديث ان قلت فعلى هذا كيف تستدلون بالحديث على البرائة فى
ص: 100
الشبهات الحكمية، مع انها على ما ذكرت من اعتبار كون المرفوع قابلا للتصرف الشرعى تكون خارجة عن مورده، و ذلك نفس الحرمة المجهولة مثلا و ان كان رفعها كاثباتها بيد الشارع، لكن رفعها عن مورد الشك مستلزم لتخصيصها بصورة العلم بها، و هو محال لاستلزامه الدور و التصويب الباطل و المستلزم للباطل باطل، و اما المؤاخذة عليها فهى ليست من الاثار اصلا لانها فعل المؤاخذ، و على تقدير كونها منها ليست قابلة للتصرف الشرعى قلت ليس المراد من الاثر الشرعى ما يكون قابلا للرفع و الوضع بنفسه، بل المراد منه ما يكون قابلا لان تناله يد تصرف الشارع بالوضع و الرفع و لو بواسطة، و من المعلوم ان المؤاخذة قابلة لهما بواسطة منشائها، فان للشارع ان يوجب الاحتياط فى حال الجهل كى يترتب على تركه المؤاخذة، فاذا لم يوجبه و لم يترتب عليه المؤاخذة صح اسناد رفعها اليه، فالمرفوع اولا و بالذات امر شرعى يترتب على رفعه الاثر العقلى المزبور و لا محذور فيه و توهم ان المرفوع اولا و بالذات لا يمكن ان يكون هو ايجاب الاحتياط، ضرورة ان رفعه يتوقف على ثبوته، و لم يدل دليل على ثبوته فى الشبهات الحكمية قبل صدور الحديث كى يرفع به مدفوع بانه يكفى فى صحة اسناد الرفع الى شئى وجود المقتضى لثبوته و لا يتوقف على ثبوته، و من المعلوم اين ايجاب الاحتياط مماله مقتضى الثبوت، ضرورة ان الاحكام الواقعية المجعولة على ذوات الافعال من حيث هى هى مجردة عن العلم و الجهل، لما كانت فى حال الجهل بها ثابتة لها واقعا و مرادة عن المكلفين كك، و كانت ادلتها قاصرة عن اثباتها فى هذا الحال ايضا، اقتضى ثبوتها الواقعى النفس الامرى لايجاب الشارع الاحتياط رعاية لوجودها الواقعى النفس الامرى، فنسبة الرفع الى ايجاب الاحتياط لكونه مما له مقتضى الثبوت، لا لكونه ثابتا فعلا كى يمنع عن ثبوته كك، و لذا قلنا ان المراد من الرفع فى الحديث هو الدفع او ما يعمه و الرفع و مما ذكرنا ظر اندفاع ما اورد من ان شمول حديث الرفع للشبهة الحكمية مستلزم لتخصيص الاحكام الواقعية، بالعالم بها، و هو مستلزم للدور و التصويب الباطل توضيح الاندفاع هو
ص: 101
ما عرفت انفا من ان الاحكام الواقعية بمرتبها الفعلية ثابتة فى حق الجاهل بها ايضا، و ان ادلة البرائة رافعة لتنجزها على الجاهل بها، لا لنفسها كى يستلزم ما ذكر من الدور و التصويب الباطل الثالث لا اشكال فى ان المؤاخذة على كثير مما ذكر فى الحديث، كالخطاء و النسيان و ما لا يطيقون و ما اضطروا اليه، قبيحة بحكم العقل من غير فرق بين الامم، و عليهذا يشكل فى الحديث من جهتين احديهما عدم اختصاص رفع المواخذة عليهذه المذكورات بهذه الامة، و هو خلاف ظاهر الحديث الشريف المسوق فى مقام الامتنان على الامة المرحومة و الثانية ان الحديث الشريف على ما مرت الاشارة اليه وارد فى مقام الامتنان، و اى معنى للمنة فى رفع ما هو قبيح عند العقل و قد تفصى عن هذا الاشكال بعض بان اختصاص الرفع بالامة المرحومة و كونه امتنانا عليهم، انما هو باعتبار مجموع التسعة من حيث المجموع، فلاينا فى كون بعضها مرفوعا فى جميع الامم، و اورد عليه شيخ مشايخنا الانصارى قده بان هذا التوجيه شطط من الكلام، اى بعيد عن الصواب لان انضمام ما لا يصح رفعه الى ما يصح دفعه كك كضم الحجر بجنب الانسان ثم تفصى هو قده عن الاشكال بجعل المرفوع جميع الاثار، كى يكون رفعه جميعها من خواص الامة المرحومة، و انكانت المؤاخذة مرفوعة عن جميع الامم و لا يخفى ان ما اورده قدس سره على التوجيه الاول، بعينه وارد عليهذا التوجيه ايضا، لان انضمام الاثار التى يصح رفعها امتنانا الى ما لا يصح رفعه كك و هى المؤاخذة ايضا غير صحيح قندبر فانه يمكن ان يكون مراده قده، هو انه اذا جعل المرفوع تمام الاثار، يتحقق الامتنان بالنسبة الى كل واحد من المذكورات، من جهة اثره الذى يكون فى رفعه الامتنان، و ان لم يتحقق الامتنان بالنسبة اليه من جهة سائر اثاره، و معه يصدق على كل واحد منها انه رفع امتنانا كما لا يخفى و الاولى التفصى عن الاشكال، بما افاده قده اخيرا من ان المؤاخذة على الامور المذكورة ليست قبيحة عقلا مطلقا، بل القبيح عقلا هو المؤاخذة عليها فى الجملة، لان المواخذة على النسيان و الخطاء المستندين الى ترك التحفظ لا قبح فيها عقلا، و انما
ص: 102
القبيح مؤاخذة الناسى و المخطى مثلا، اذا لم يكن نسيان الاول و خطاء الثانى مستندين الى عدم المبالات بالتحفظ، فيصح ان يرفع الشارع المؤاخذة عن الناسى و المخطى بعدم ايجاب التحفظ عليهما هذا الرابع ان بنينا على ان المرفوع بالحديث تمام الاثار، امكن الاستدلال به فى الحكم بصحة العبادة و اجزائها فيمالونسى بعض اجزائها او شرائطها و اتى بالباقى منها، لان انجزئية و الشرطية من جملة الاثار فتكونان مرفوعتين فى حال النسيان و الاشكال بان الجزئية و الشرطية غير قابلتين للرفع، لانهما من الاحكام الواضعية التى قلنا بعدم قابليتها للجعل، فاذا لم تكونا قابلتين للجعل لم تكونا قابلتين للرفع ايضا مدفوع بمامر فى رفع المؤاخذة من انها و ان لم تكن بنفسها قابلة للوضع و الرفع، الا انها قابلة لهما بواسطة منشائها، فان الجزئية و الشرطية و ان لم تكونا قابلتين للوضع و الرفع، الا انهما قابلتان لهما بواسطة منشاء انتزاعهما، و هو الحكم التكليفى المجعول على المركب المشتمل على الجزء و الشرط المنسيين، فالمرفوع اولا و بالذات هو الامر بالمركب المشتمل عليهما، و يترتب على رفعه رفع جزئية احدهما و شرطية الاخر و توهم ان مجرد ارتفاع الامر بالمركب المشتل عليهما لا يقتضى الامر بالخالى عنهما، و معه كيف يحكم بصحة الخالى عنهما و لا معنى للصحة الاموافقة الامر مدفوع بان معنى رفع جزئية الجزء و شرطية الشرط حال النسيان، ليس الا كون المامور به فى هذا الحال ما عداهما، ضرورة انه لو لم يكن ما عداهما مامورا به فى هذا الحال، لكان المرفوع فى هذا الحال هو الامر بالكل لا جزئية الجزء و شرطية الشرط، فالدار على رفعهما دال على كون المامور به ماعدا المنسى من الاجزاء و الشرائط و توهم ان الدال على رفعهما انما يكون دالا على كون ما عداهما مامورا به، فيما امكن تعلق الامر بما عداهما، و امكان تعلقه به ممنوع، و لذا قلنا بامتناع التنويع بحسب الذكر و النسيان مدفوع بان امتناع التنويع بحسب الذكر و النسيان لا دليل عليه، بل مفاد حديث لا تعاد من ادلة امكانه هذا و لكن التحقيق مع ذلك عدم امكان التمسك بالحديث لتصحيح العبادة المنسى جزئها او شرطها، و ذلك لان ترك
ص: 103
الجزء و الشرط ليس له اثر الاعدم الاجزاء عقلا، و هذا الاثر ليس مجعولا شرعيا حتى يرتفع بتركهما نسيانا و الجزئية و الشرطية و ان كانتا من المجعولات الشرعية بتبع جعل منشاء انتزاعهما، الا انهما غير منسيتين و الا لرجع الى الجهل بوجوبهما، و الحاصل ان ما جعله الشارع من الجزئية و الشرطية بتبع منشاء انتزاعهما ليس منسيا، و ما هو منسى من اتيان الجزء و الشرط ليس له اثر شرعى مجعول، هذا مضافا الى عدم تعقل تعلق الرفع بالترك، لان معنى الرفع كمامر هو اعدام الامر الثابت الموجود، لا اعدام الامر المتروك المعدوم، و ارجاع رفع المتروك الى جعله ماتيا به خلاف مفاد الحديث، ضرورة ان مفاده رفع لا وضع فالتمسك بالحديث لرفع الجزء و الشرط المنسيين فى غاية الاشكال نعم التمسك به لرفع مانعية المانع لو صدر نسيانا لا بأس به لان الشاربع رتب على وجوده اثر او جعل المأمور به مقيدا بعدمه، فحديث الرفع يدل على رفع ما نعيته حال النسيان و ان وجوده نسيانا كالعدم هذا الخامس لو شك فى ما نعية شئى للصلوة من جهة الشبهة الحكمية، فبناء على كون المرفوع بالحديث هو تمام الاثار، يمكن ان يقال بصحة صلوته ما دام شاكا ظاهرا لا واقعا كى يوجب الاجزاء، لان معنى رفع مانعيته فى حال الجهل، هو عدم وضع ما يوجب تنجيزها من ايجاب الاحتياط، لا رفع اصل المانعية فى هذا الحال كى يستلزم الاجزاء، كيف و الا لزم تخصيص ما نعية المانع بما اذا علم ما نعيته، و هو محال بداهة توقف العلم بما نعيد المانع على ما نعيته، فلو توقف ما نعيته على العلم بما نعيته لزم الدور المحال، و لذا قلنا ساستحالة التنويع بحسب العلم و الجهل بالنسبة الى الاحكام، فعليهذا لو علم بكونه مانعا يجب عليه أعادة تلك الصلوة فى الوقت و قضائها فى خارجه، و ذلك لبقاء الامر بالصلوة حسب الفرض و اقتضائه عقلا للامتثال باتيانها ثانيا فيما اذا علم فى الوقت، و لفوت الصلوة المأمور بها و اقتضائه شرعا للاتيان بها ثانيا فيما اذا علم فى خارج الوقت و اما لو شك فى ما نعيته للصلوة من جهة الشبهة المصداقية، كما اذا شك فى لباس انه متخذ من اجزاء مايؤ كل لحمه او من اجزاء غيره،
ص: 104
فلا يبعد القول بصحة صلوته فى ذاك اللباس واقعا، لان مقتضى رفع تمام الاثار عن هذا اللبأس المشكوك التى منها ما نعيته للصلوة على تقدير كونه من اجزاء غير المأكول، هو تخصيص المانعية بما علم انه غير مأكول من غير استلزامه ما ذكرنا فى الاول من محذور الدور، ضرورة ان المانعيته هنا متوقفة على العلم بذات المانع بعنوانه الاولى و هو كونه من غير الماكول لا على العلم به بعنوان كونه مانعا كى يلزم الدور هذا و لكن لا يخفى ان التنويع بحسب العلم و الجهل، و ان كان معقولا بالنسبة الى الموضوعات لعدم استلزامه الدور كما بيانه انفا، لكنه موجب المتصويب بالنسبة اليها الذى اتفق الفريقان على بطلانه فيها، و قد تفطن لهذا الاشكال صاحب الكفاية قدس سره فى مبحث الاجزاء، حيث انه بعد ان اختار اجزاء الامر الظاهرى فى موارد الاصول الجارية فى الموضوعات كقاعدة الطهارة و استصحابها، و علله بان دليله يكون حاكما على ادلة الاحكام الواقعية و مبينا لدائرة موضوعاتها سعة و ضيقا، قال ما حاصله و المراد من حكومة قاعدة الطهارة و استصحابها على دليل الشرط و توسعته الى الطهارة الظاهرية هو حكومتهما عليه فى المرتبة الفعلية، لا الاقتضاء و الانشاء كى يلزم التصويب المجمع على بطلانه و لا يخفى ان ما افاده فى دفع الاشكال، انما يتم بناء على ما ذهب قدس سره اليه من تعدد مراتب الحكم، اذ عليه يمكن القول بالاجزاء فى الشك فى المانعية ايضا على وجه لا يلزم منه الدور، و هو بان باختصاص المانعية بمرتبتها الفعلية بما اذا تعلق العلم بمرتبتها الانشائية، لكن المبنى مخدوش على ما بيناه فى محله سلمنا ان التنويع بحسب العلم و الجهل بالنسبة الى الموضوعات ممكن و جائز، لكن استفادة ذلك من الحديث ممنوعة جدا، اذ المراد من رفع ما لا يعلمون بناء على عمومه للشبهات الموضوعية ايضا، يحتمل ان يكون هو رفع جميع الاثار عن الموضوع المشتبه واقعا، كى يدل على اختصاص تلك الاثار واقعا بالموضوع المعلوم، و يحتمل ان يكون المراد من رفع ما لا يعلمون هو رفع جميع الاثار عن الموضوع المشتبه ظاهرا، و لا ريب انه لو لم يكن الظاهر منه هو الاحتمال
ص: 105
الثانى، من جهد ظهور الحكم المجعول على الموضوع المشكوك، فى كونه عذريا مجعولا للمتحير الشاك فى الواقع، فلا اقل من مساواته للاحتمال الاول، فيصير الحديث من هذه الجهة مجملا لا يصلح للاعتماد عليه، فى رفع اليد عن اطلاق ادلة الاحكام الواقعية المقتضى لثبوتها على ذوات الموضوعات من حيث هى هى لا بشرط و توهم ان تقييد اطلاق ادلة الاحكام الواقعية بالحديث، لازم على كل تقدير سواء قلنا بظهوره فى رفع تمام الاثار عن الموضوع المشتبه واقعا او ظاهرا، اما على الاول فواضح، و اما على الثانى فلان ادلة الاحكام الواقعية، و ان لم يكن لها اطلاق بالنسبة الى ما يعرض لموضوعاتها من الاوصاف المتأخرة عن الحكم ككونها معلوم الحكم او مشكوكه، لكنها بالنسبة الى الاوصاف العارضة لموضوعاتها مع قطع النظر عن الحكم، ككونها معلومة الذات او مجهولها مطلقة لا محة، مثلا دليل حرمة شرب الخمر و ان لم يكن له اطلاق بالنسبة الى كون الخمر مشكوك الحرمة او معلوم الحرمة، لكنه بالنسبة الى كونه مشكوك الخمرية او معلوم الخمرية يكون مطلقا، فاذا دل الحديث على ان مشكوك الخمرية حكمه مرفوع، فلا محة يقيد به اطلاق دليل حرمته مرفوع بان حديث الرفع انما يكون مقيدا لاطلاق دليل حرمة الخمر، فيما اذا دل على رفع الحكم عن مشكوك الخمرية بما هو مشكوك الخمرية، و ليس كك بل رفعه الحكم عن المشكوك الخمرية، انما هو بلحاظ ان الشك فى خمريته مستلزم للشك فى حرمته، فمرجع رفع الحكم عن المشكوك الخمرية فى الحقيقه، الى رفعه عن المشكوك الحرمة، و قد مر انفا انكون الموضوع مشكوك الحرمة من الاوصاف المتأخرة عن الحكم، فلا يمكن ان يؤخذ موضوع الحكم مطلقا بالنسبة اليه هذا كله مضافا الى امكان منع كون المرفوع بالحديث هو تمام الاثار، و ذلك لما عرفت من ظهوره فى رفع خصوص المؤاخذة، و لا ينافى ظهوره فى ذلك صحيحة البزنطى المتقدمة، و ذلك لاحتمال كون استشهاد الامام عليه السلام بحديث الرفع لبطلان الحلف بالطلاق و العتاق عن اكراه من باب التقية، كما كان عدم تعرضه عليه السلام لبيان بطلانه مطلقا و لو عن
ص: 106
غير اكراه من هذا الباب، و بعبارة اخرى كما يحتمل كون استشهاده عليه السلام بالحديث من جهة دلالته على رفع جميع الاثار، كذلك يحتمل كونه لبيان بطلان الحلف بالطلاق و العتاق مطلقا، بادخاله تحت هذه الكبرى مع عدم كون الحكم فيها رفع جميع الاثار، فالتقية حصلت بادراج الصغرى تحت الكبرى، لا بعدم بيان بطلان الحلف بالطلاق و العتاق فتدبر.
(قوله دام ظله و من جملة ما استدل به على البرائه صحيحة عبد الرحمن بن حجاج فيمن تزوج امراة فى عدتها الخ تقريب الاستدلال بها) هو انه عليه السلام حكم يمعذورية الجاهل بالعدة مطلقا اعنى سواء كان جاهلا بالموضوع و انها فى العدة، مع العلم باصل العدة و مقدارها و حرمة التزويج فيها شرعا، او كان جاهلا بالحكم و اصل العدة او مقدارها او حرمة التزويج فيها و بؤيد ذلك سؤال الراوى بعد ذلك بقوله باى الجهالتين اعذر بجهالته ان ذلك محرم عليه ام بجهالته انها فى العدة و اورد عليه باشكالات منها ان المراد بالجهالة المفروضة فى الصحية ان كان هو الشك، فحكمه عليه السلام بالمعذورية لا ينطبق على القواعد المسلمة، و ذلك لان الشك ان كان فى الحكم الشرعى الكلى و هو حرمة التزويج فى العدة، فالشاك فيه لا يكون معذورا الا بعد الفحص و الياس عنه، و ان حملنا الصحيحة على ما بعد الفحص، فيشكل بانه كيف يمكن ان يكون شاكا فى هذا الحكم بعد الفحص عنه مع وضوحه بين المسلمين و ان كان المراد بالجهالة هو الشك فى الموضوع و انها فى العدة ام لا، فتارة يكون الشك فيه من جهة الشك فى اصل مقدار العدة بحسب الشرع و اخرى من جهة الشك فى انقضائها مع العلم بمقدارها شرعا، و ثالثته من جهة الشك فى اصل تحققها مع العلم بمقدارها شرعا، و لا يخفى ان الحكم بالمعذورية انما يصح فى خصوص الاخير و هو الشك فى اصل التحقق، لكن لا مطلقا بل بعد الفحص لوجوبه اتفاقا فى الدماء و الفروج و الاموال مطلقا سواء كانت
ص: 107
الشبهة حكمية او موضوعية، و اما الاولان فيكون الحكم المعذورية فيهما على خلاف القاعدة، لان مقتضى استصحاب الحكم فى الاول و استصحاب الموضوع او كليهما، فالحكم بالمعذورية حينئذ و ان كان مطابقا للقواعد، الا انه يخرج الصحيحة حينئذ عن صحة الاستدلال بها لما نحن فيه من الجهل البسيط و دعوى الحكم بالمعذورية لعله من جهة مدخلية العلم فى الموضوع اذ حينئذ يكون الحكم بها على طبق القاعدة مطلقا سواء اريد بالجهالة الجهل البسيط او المركب، لانتفاء الحكم را سامع الجهل حينئذ مدفوعة بان الحكم بالمعذورية انما يناسب مع بقاء الحكم، لا مع ارتفاعه بارتفاع مرضوعه كما لا يخفى و منها ان تعليله عليه السلام اهونية الجهالة بالحكم و ان اللّه تعالى حرم عليه التزويج فى العدة، من الجهالة بالموضوع و انها ذاة العدة، بقوله عليه السلام لانه لا يقدر على الاحتياط معها، لا يستقيم بناء على كون الجهالة فى الموضعين بمعنى واحد، لانها ان كانت بمعنى الغفلة فلا اشكال فى عدم قدرته على الاحتياط معها فى كلا الموضعين، و ان كانت بمعنى الشك فلا اشكال فى قدرته على الاحتياط معه فى كليهما، و التفكيك بين الجهالتين بحسب المعنى بان يجعل الجهالة بالحكم بمعنى الغفلة و الجهالة بالموضوع بمعنى الشك، و ان كان يستقيم معه التعليل، الا انه خلاف الظاهر لظهورها فى انها بمعنى واحد و ارادة المعنى العام منها فى الموضعين و هو مطلق الجهل الشامل للجهل البسيط و المركب كيلا يلزم التفكيك فيها بحسب المعنى فيهما، و ان كانت ممكنة، لكن لا يستقيم مع ارادة هذا المعنى العام منها ايضا ذلك التعليل، لان المتردد فى كل من الموضوع و الحكم قادر على الاحتياط، و الغافل عنهما غير قادر عليه، فلا يصح الحكم باهونية الجهل بالحكم لاجل هذه العلة الغير المطردة المشتركة بين الموضعين، و توهم ان ذلك التعليل يستقيم و لو مع ارادة هذا المعنى العام، بتقريب ان المراد من الجهالة فى الموضعين و ان كان هو المعنى الجامع الاعم، الا انه لما كان غالب مصاديق هذا المعنى العام فى الجهل بالحكم هو الغفلة، اذ مع وضوح هذا الحكم بين المسلمين بحيث بعد من ضروريات الدين،
ص: 108
قلما يتقق مع الالتفات اليه الشك فيه، بخلاف الجهل بالموضوع فانه يتحقق غالبا مع التفات، اذا العالم بحرمة تزويج ذات العدة، قلما يخلو عند ارادة تزويج امراة، عن التفات الى كونها فى العدة ام لا، و كان الامام عليه السلام بصدد بيان حكم ما هو الغالب دون ما يتفق نادرا، خص عليه السلام الجاهل بالحكم بالا عذرية معللا بكونه غير قادر على الاحتياط، نظرا الى ان الغالب فيه الغفلة، بخلاف الجاهل بالموضوع مدفوع بان وضوح الحكم بين المسلمين كما يوجب عدم الشك مع الالتفات، كك غلبة الالتفات الى كون المراة ذات العدة ام لا، توجب الفحص و التفتيش غالبا عن حالها، و معه قلما يتفق ان يبقى الشك بحاله، هذا مضافا الى انها غالبا مسبوقة اما بالعدة او بعدمها، فيكون حالها غالبا محرزة بالاستصحاب، و حينئذ فيكون التعرض لحكم الشاك فى العدة كالتعرض لحكم الشاك فى الحكم تعرضا للفرد النادر، و هذا ينافى ما فرع عليه المتوهم دفع الاشكال، من كون الامام عليه السلام بصدد بيان حكم ما هو الغالب هذا و اجاب المصنف الاستاد دام ظله عن هذين الاشكالين، بان المراد من الجهالة ان ذلك محرم عليه هو الجهالة فى الحكم التكليفى، و بقوله ام بجهالته انها فى العدة هو الجهالة فى الحكم الوضعى و ان النكاح فى العدة موجب للحرمة الا بدية، كما يدل عليه قوله عليهم السّلام فى ذيل الصحيحة نعم اذا انقضت عدتها فهو معذور فله ان يزوجها، و حينئذ يكون وجه قدرته على الاحتياط فى الثانى و عدمها فى الاول، هو تمكنه فى الثانى بعد الالتفات الى الحكم الوضعى من رفع اليد عن المراة، و هذا بخلاف الاول فانه اتى بالفعل المحرم شرعا و لا يتمكن من تداركه بعد الالتفات و توهم تمكن الاول ايضا من التدارك فيما لو التفت قبل انقضاء العدة بان لا يتزوجها ثانيا، مدفوع بان عدم تزويجها ثانيا لو التفت فى الاثناء هو ترك فعل محرم مستقل، و لا معنى لوقوعه تداركا لما صدر عنه من التزويج فى العدة المحرم شرعا عليه، ان قلت بناء على ما افاده المصنف دام ظله، و ان اندفع اشكال كون الحكم بالمعذورية فى الموضعين على خلاف القواعد، و اشكال عدم استقامة التعليل
ص: 109
للحكم بالا عذرية فى الموضع الاول بعدم القدرة على الاحتياط فيه، لكن يرد حينئذ ان مقتضى حمل الجهالة فى الموضعين على الغفلة، هو تخصيص الحكم بالمعذورية بالغافل مطلقا، و هذا مخالف لما هو ظاهر الاخبار الواردة فى باب التزويج فى العدة و كلمات الاصحاب، من تخصيص الحكم بالحرمة الابدية بالعالم و ان غيره سواء كان غافلا ام شاكا لا تحرم عليه ابدا ما لم يدخل قلت تخصيص الحكم بالحرمة الا بدية قبل الدخول بالعالم، ليس لاجل طريقية العلم الى الواقع، كى يمنع عن شموله للشاك من جهة عدم كون الاستصحاب طريقا. بل لاجل كونه منجزا للواقع، و حينئذ فيعم الحكم بالحرمة الابدية للشاك، من جهة وجود المنجز له، و هو حكم العقل بالاحتياط فيما كان شاكا فى الحكم الشرعى الكلى اعنى حرمة تزويج المعتدة، و استصحاب الحكم فيما كان شاكا فى مقدار العدة بحسب جعل الشرع، و استصحاب الموضوع فيما كان شاكا فى نقضاء العدة مع العلم بمقدارها شرعا فتدبر جدا و لكن لا يخفى انه بناء على ما افاده دام ظله من حمل الجهالة على الغفلة، و ان اندفع الاشكالات الواردة على فقه الحديث، لكن يسقط حينئذ عن صحة الاستدلال به لما نحن يصدده من بيان حكم الجاهل بالحكم جهلا بسيطا، و لعله دام ظله اشار الى ذلك بقوله فافهم و منها ان الظاهر من قوله عليه السلام فى ذيل الصحيحة نعم اذا انقضت عدتها فهو معذور فله ان يزوجها، انه عليه السلام بصدد بيان المعذورية، من حيث الحكم الوضعى و هو تأثير العقد، الواقع فى العدة فى الحرمة الابدية، لا من حيث المؤاخذة و الحكم التكليفى الذى كلامنا فيه و توهم ان ظهور قوله عليه السلام فى ذلك لا يضر بالاستدلال بها لما نحن فيه، لظهور قوله عليه السلام اذا كان بجهالة الخ فى علية الجهل للمعذورية مطلقا، و دلالة قوله عليه السلام فقد بعذر الناس بما هو اعظم من ذلك على المعذورية من حيث المؤاخذة و الحكم التكليفى ايضا، حيث انه لا اعظم من الحرمة الوضعية الا الحرمة التكليفية المستلزمة للعقاب مدفوع بان ظهور قوله عليه السلام اذا كان بجهالة فى علية الجهل للمعذورية مطلقا، مبنى على كونه
ص: 110
بمنزلة العلة المنصوصة و هو ممنوع جدا كما هو واضح، كما ان دلالة قوله عليه السلام فقد بعذر الناس الخ على المعذورية من حيث المؤاخذة، مبنية على كون المراد بمن قوله عليهم السّلام بما هو اعظم هو الحكم التكليفى المستلزم للمواخذة، و هو ممنوع جدا الاحتمال كون المراد منه ما يكون اشد و اعظم منه من حيث الاثار الوضعية، كقتل النفس المحترمة الموجب للقصاص و نحوه مما يكون موجبا له او للحد و التعزير هذا.
(قوله دام ظله و مما استدلوا به عليا لبرائة قوله عليه السلام كلشئى فيه حلال و حرام فهو لك حلال حتى تعرف الحرام منه بعينه الخ) تقريب الاستدلال بالصيحة، بعد حمل قوله عليه السلام فيه حلال و حرام، على ما فيه صلاحية الاتصاف بالحلية و الحرمة، من جهة استحالة اتصاف الشئى الواحد و لو بالنوع بما هو واحد الا بحكم واحد، هو ان معنى الصحيحة ان كل شئى يحتمل كونه متصفا بالحلية او الحرمة، و يصح ان يطلق عليه انه اما حرام او حلال، فى قبال مالا يصلح لذلك من الافعال الضرورية و الاعيان التى لا يتعلق بها فعل المكلف، فهو لك حلال ما لم تعرف حرمته، و حينئذ فتعم الصحيحة الشبهة الموضوعية كاللحم المردد بين كونه من المذكى او الميتة و الشبهة الحكمية كلحم المتولد من الحيوانين احدهما محرم الاكل و الاخر محلله، فانه يصدق على كل من اللحمين المشتبهين انه شئى يحتمل كونه حراما او حلا و اورد عليه شيخ مشيا نحنا الانصارى قده بما محصله، ان هذا التقريب خلاف ظاهرا الصحيحة، حيث ان الظاهر من قوله عليه السلام فيه حلال و حرام، هو وجود القسمين فيه فعلا لا قابليته للاتصاف بهما، و حينئذ فلا بد من حمل الشئى على الكلى الذى يكون مشتملا على الحلال و الحرام، اما خارجا كما اذا كان لللحم فى الخاج فردان احدهما مذكى و الاخر متية و اشتبه احدهما بالاخر، او ذهنا كما اذا كان هناك كلى تحته صنفان احدهما محرم و الاخر محلل، و اشتبه فرديين كونه مصداقا للصنف المحرم الو المحلل، فعلى الاول تختص الصحيحة
ص: 111
بالشبهات المقرونة يالعلم الاجمالى، و على الثانى تختص بالشبهات الموضوعية، فتخرج الصحيحة على كل حال عما هو محل البحث من الشبهات الحكية البدوية و اما ما يقال كما فى الفصول، من ان حمل قوله عليها السّلام فيه حلال و حرام على الانقسام الفعلى اليهما، لاينا فى شمول الصحيحة للشبهات الحكمية ايضا، كما اذا فرضنا شيئا كمطلق اللحم فيه قسم حرام فعلا كلحم الخزيز، و قسم حلال كك كلحم الغنم، و قسم مشتبه الحكم كلحم الحمير مثلا، فان يصدق ان فى اللحم حلالا و حراما، فتدل الصحيحة على ان لحم الحمير الذى هو من مطلق اللحم حلال حتى تعرف حرمته، و هكذا نقول فى كل شبهة حكمية، اذما من شبهة الا و يندرج تحت عنوان كلى مشتمل على قسم حرام و قسم حلال، و عليه فلا نحتاج فى الحاق غير ما ذكرنا من الفرض به، الى عدم القول بالفصل كما لا يخفى ففيه او لا ان قوله عليهم السّلام فيه حلال و حرام، انما جيئى به لبيان منشاء الاشتباه، ضرورة تمامية الكلام بدونه، كما فى قوله عليهم السّلام فى موثقة مسعدة بن صدقة كل شئى لك حلال حتى تعلم انه حرام، فلو لم يكن المقصود بيان منشاء الاشتباه، لزم ان يكون التقييد به بعد ما عرفت من تمامية الكلام بدونه، لغوا لا ينبغى بل يستحيل صدوره عن الامام عليه السلام و من المعلوم ان وجود القسمين لا يكون منشاء للشبهة، الا فى الشبهات الموضوعية حيث ان وجود هما صار منشاء للشبهة فى ذلك الامر الخارجى المردد امره بين الاندراج فى احد القسمين، بخلاف الشبهات الحكمية، حيث ان الاشتباه فيها لم ينشاء من وجود قسمين قسم حلال و قسم حرام، بل انما نشاء من جهة عدم قيام ما يدل على حكم ذلك القسم الثالث و ثانيا ان الظاهر من قوله عليه السلام حتى تعرف الحرام منه بعينه، هو كون معرفة الحرام غاية لحلية المشتبه، فيلزم من شمول الصحيحة للشبهات الحكمية، ان يكون العلم بحرمة لحم الخنزير مثلا غاية لحلية لحم الحمير و هو كما ترى اذ لا معنى لجعل العلم بحرمة بعض الموضوعات الكلية، غاية لحلية الموضوع الكلى الاخر المشتبه، مع عدم كون العلم بحرمة ذلك البعض موجبا لرفع
ص: 112
الاشتباه عن الموضوع المشتبه اصلا هذه خلاصة ما افاده قده فى مقام الرد على استدلال بالصحيحة على البرائة فى الشبهات الحكمية و لا يخفى انه يمكن التفصى عما اورده قده من الاشكالين على صاحب الفصول قده اما عن الاول، فبان يقال كما ان وجود القسمين صار منشاء للاشتباه فى الشبهة الموضوعية، كل وجود هما صار منشاء له فى الشبهة الحكمية، بداهة انه لو كان مطلق اللحم حراما او حلالا فى الشرع، و لم يكن له قسمان، لم يبق مجال للشك فى لحم الحمير، فالشك فى لحمه انما نشاء من وجود القسمين فى اللحم بحسب الشرع و اما عن الثانى، فبان معرفة الحرام، انما جعلت غاية للحكم بالحلية على المطلق المشتمل على الحلال و الحرام، او للحكم بها على ذلك المشتبه الذى عرف حرمته، كيف و الالزم الاشكال على تقدير اختصاص الصحيحة بالشبهة الموضوعية ايضا، اذ بعد معرفة فرد من افراد القسم الحرام، يصدق انه عرف الحرام، فيلزم ارتفاع الحكم بالحلية عن الافراد المشتبهة ايضا فتدبر نعم يرد على صاحب الفصول، ان الظاهر من قوله عليهم السّلام حتى تعرف الحرام بعينه، هو الاختصاص بالشبهة الموضوعية من وجهين احدهما ظهور اللام فى الحرام فى كونه للعهد بفرنية سبق ذكر، فيدل حينئذ على ان الغاية هى معرفة الحرام المفروض وجوده، و لا ينطبق المعنى الا على الشبهة الموضوعية، بداهة ان معرفة حرمة لحم الحمير ليست معرفة الحرام المفروض وجوده كما لا يخفى و توهم ان هذا انما يرد فيما اذا علم بوجود القسمين تفصيلا، كما اذا علم بحرمة لحم الخنزير و حلّية لحم الغنم، و اما لو علم بوجودهما اجمالا، كما اذا علم اجمالا بان فى اللحم قسما حلالا و قسما حراما، و لم يتميز بالادلة الشرعية عنوان الحلال عن الحرام، فلا يرد هذا الاشكال، اذ بعد معرفة حرمة لحم الخنزير يصدق انه عرف الحرام المفروض وجوده، مدفوع بان وجود القسمين على هذا الوجه فى الشبهة الحكمية مع انه مجرد فرض، يوجب الحكم بوجوب الاحتياط فى جميع اللحوم المرددة بينهما، اذا العلم الاجمالى بوجود الحرام فى مطلق اللحم مع عدم العلم التفصيلى به، يوجب دخوله فى الشك فى
ص: 113
المكلف به، فيخرج عما هو محال البحث من الشك فى التكليف ثانيهما ظهور قوله عليه السلام بعينه فى تاكيد معرفة شخص المشتبه لا حكمه، و الا لكان المتعين ان يعبر عنه بقوله عليهم السّلام حتى تعرف الحرمة بعينها كما لا يخفى ثم انك قد عرفت ان الصحيحة بناء على ما هو الظاهر منها من وجود القسمين فعلا، يحتمل حملها على وجود القسمين خارجا حتى تنطبق على الشبهة المقرونة بالعلم الاجمالى، و يحتمل حملها على وجود هما ذهنا حتى تنطبق على الشبهة الموضوعية، لكن الظاهر من قوله عليه السلام فى ذيلها بعينه، هو الاحتمال الاول، لظهوره فى انه جيئى به لقد لالة على ان المعتبر فى الغابة هو معرفة الحرام تفصيلا بعد ما كان معلوما دجوده اجمالا، لل للتاكيد لدفع توهم الاشتباه نظير التاكيد فى مثل رأيت زيدا بعينه، و عليه فتكون الصحيحة دالة على الترخيص فى جميع اطراف الشبهة المحصوره تعيينا لكن الترخيص فى جميع الاطراف كك حيث يكون مستلزما للاذن المعصية و هو قبيح بحكم العقل، فلا بد من رفع اليد عن ظهورها فى الترخيص فى كل واحد واحد من الاطراف على سبيل التعيين، اما بحملها على الترخيص فى كل واحد من الاطراف على سبيل البدلية و التخيير، او بابقاء ظهورها فى الترخيص فى الكل على سبيل التعيين بحاله، لكن يقيد الترخيص فى كل واحد بما اذا لم يرتكب الطرف الاخر، لكن هذا كله خلاف ما هو الظاهر من الصحيحة من اثبات الترخيص مطلقا فى كل مشتبه على سبيل التعيين، فلا بد حينئذ من حملها على وجود القسمين ذهنا، و عليه و ان لم تكن مختصة بالشبهة الموضوعية، بل تعم المقرونة بالعلم الاجمالى ايضا، كما اذا علم اجمالا بوجود القسمين ذهنا و لم يعلم تفصيلا بالعنوان المحرم و المحلل، و لك فى عنوان انه هو العنوان المحرم او المحلل، لكن تخصيصها بالشبهة الموضوعية بقرينة حكم العقل القطعى بقيح الاذن فى المعصية لا مخدور فيه، هذا مضافا الى امكان حملها على الحكم الحيثى بمعنى انها فى مقام بيان حكم المشتبه من حيث هو مع قطع النظر عن طروما يقتضى الاحتياط فيه كالعلم الاجمالى، و هذا لا يجرى بناء على حملها على
ص: 114
وجود القسمين خارجا، لان المفروض حينئذ كونها متعرضة لحال وجود العلم الاجمالى، و معه لا يمكن حملها على الحكم الحيثى مع قطع النظر عن العلم الاجمالى كما هو واضح.
(قوله دام ظله و من جملة ما استدوا به على البرائة قوله عليه السلام فى المرسلة كل شئى مطلق حتى يرد فيه نهى الخ) اعلم ان شيخ مشايخنا الانصارى قدس سره، ادعى ان هذه الرواية اوضح دلالة على المقصود من جميع الروايات التى استدل بها عليه، اذا الظاهر من قوله عليه السلام حتى يرد فيه نهى هو ورود النهى فى الشئى من حيث هو و بعنوانه الاولى الذاتى، لا الاعم منه و من العناوين الثانوية العرضية ككونه مجهول الحكم، حتى يكون ادلة الاحتياط على فرض تماميتها واردة على المرسلة و بعبارة اخرى هذه الرواية حيث تدل على ان الاشياء مرسلة و مطلقة حتى يرد النهى فيها بعناوينها الاولية، فتكشف انا عن عدم وجوب الاحتياط فيها و لو نفسا، لمنافاة وجوبه و لوكك، لمفهوم الرواية الدال على اطلاق الاشياء و ارسالها و لو مع ورود النهى فيها بعناوينها الثانوية، فهذه الرواية تكون معارضة مع ادلة الاحتياط و لو بناء على كون وجوبه نفسيا، بخلاف سائر الروايات التى استدل بها على البرائة، فانها تكون محكومة بالنسبة ادلة الاحتياط على تقدير تماميتها كما لا يخفى و اورد عليه الاستاد دام ظله، بما حاصله ان المرسلة انما تدل على المقصود، بناء على كون المراد من ورود النهى هو وروده بحيث يصل الينا و نعلم به، كى تكون القضية باعتبار كونها مغياة بالعلم، متكفلة لبيان الحكم الظاهرى فى مقام الشك فى الحكم الشرعى، من جهة تردده بين الاباحة و الحرمة و اما بناء على كون المراد من وروده هو وروده واقعا و ان لم نعلم به كما هو الظاهر منه فتدبر(1)،
ص: 115
فلا تكون متكفلة الا لبيان الحكم الواقعى للاشياء، و انها قبل ورود النهى فيها من الشارع مرسلة مطلقة و عليه فلا يصح التمسك بها لما هو محل النزاع من وجوب الاحتياط و عدمه فى الشبهات التحريمية، الابناء على جواز التمسك بالعام فى الشبهة المصداقية، بداهة ان النزاع فى وجوب الاحتياط و عدمه فيها انما هو من جهة احتمال ورود النهى فيها، فلا يكون عدم وروده محرزاكى يصح التمسك على البرائة فيها بهذه المرسلة الابناء على ما ذكرنا من جواز التمسك بالعام فى الشبهة المصداقية و توهم ان الصحيحة بضميمة اصالة عدم ورود النهى يصح التمسك بها على المطلوب، لكفاية احراز المصداق بالاصل فى الاستدلال بالعام مدفوع اولا بان هذا الاصل معارض باصالة عدم ورود غير النهى من سائر الاحكام، لان البحث فى المقام انما هو فى ان الشئى الذى ورد حكمه فى الشرع و تردد بين الاباحة و الحرمة، هل يجب الاجتناب عنه ام لا و ثانيا بان هذا الاصل على تقدير صحته كما هو الحق من جريان استصحاب عدم التكليف، يثبت به الاطلاق اذ لا معنى للاطلاق الا عدم التكليف، و معه لا نحتاج فى الحكم به الى التمسك بالرواية اللهم الا ان يقال ان المراد من الاطلاق فى الرواية ليس مجرد عدم التكليف، بل المراد هو الاباحة الشرعية، و هى لا تثبت بمجرد استصحاب عدم ورود النهى، و لو على القول بالاصل المثبت، اذ لا ملازمة بين عدم ورود النهى فى شئى و كونه مباحا شرعا هذا مضافا الى ما عرفت من ان هذه الرواية بناء على حمل قوله عليه السلام فيها حتى يرد فيه النهى على ورود النهى واقعا كما هو الظاهر منه، تكون دالة على ان الاشياء قبل ورود النهى فيها من الشارع مطلقة واقعا فلا دلالة لها على ان الشئى قبل ثبوت حكمه عند المكلف مرسل ظاهرا، كى يقال بان الظاهر من ورود النهى فى الشئى وروده فيه بعنوانه الاولى الذاتى، فتعارض هذه الرواية مع ادلة الاحتياط و لو بناء على كون وجوبه نفسيا
ص: 116
فهذه الرواية انما يتجه الاستدلال بها، لما فى القاعدة المعروفة بينهم من ان الاصل فى الاشياء قبل ورود الشرع هل هو الحظر او الاباحة، و كذا لما فى قاعدة الملازمة من ان كل ما حكم به العقل حكم به الشرع، فان هذه الرواية باطلاقه تدل على ان الاشياء مطلق قبل ورود النهى فيها من الشارع، سواء حكم العقل بقبحها ام لا و مما ذكرنا ظهر اندفاع ما قد يتوهم، من ان حمل المرسلة على بيان اطلاق الاشياء واقعا قبل ورود الشرع، مستلزم لكونها فى مقام توضيح الواضحات و لغوا، و ذلك لما عرفت من ترتب الثمرة المهمة عليها فى مسئلة الخطر و الاباحة و فى قاعدة الملازمة، و معه كيف تكون لغوا و بلا فائدة فتدبر جيدا و قد يتوهم امكان الاستدلال بالرواية على المطلوب، و لو على كون الغاية فيها ورود النهى واقعا، يتقريب ان كون الغاية هو ورود النهى واقعا، انما يستلزم كون الحكم المغيى بها واقعيا، فيما كان النهى الوارد كاشفا قطيعا عن الكراهة و المبغوضية الواقعية، ان حينئذ تكون الغاية حكما واقعيا فيستحيل ان يكون المغيّى بها حكما ظاهريا، بداهة ان غاية الشئى هى امتداده فلا يمكن ان تكون مبائنة معه و اما اذا كان النهى الوارد كاشفا ظنيا عن المبغوضية، مستندا الى الاصول اللفظية المحرزة للظهور وجهة الصدور، فلامحة يكون نهيا ظاهريا و معه لا يمكن ان يكون المغيى به و هو اطلاق الاشياء حكما واقعيا لمامر وجهه انفا فالمرسلة باطلاقها متكفلة الحكمين احدهما واقعى مغيى بغاية واقعية و هو ارسال الاشياء و اطلاقها واقعا الى ورود نهى فيها و ثانيهما ظاهرى معنى بغاية ظاهرية و هو ارسال الاشياء ظاهرا الى ورود نهى فيها كك، و هذا الحكم الظاهرى و ان لم يمكن شموله للشك فى نفسه الا انه يتعدى عنه الى صورة الشك فيه بعدم القول بالفصل و بتنقيح المناط و الملاك و انه ليس الا الجهل بالواقع المتحقق مع العلم بهذا الحكم الظاهرى و الشك فيه هذا و لا يخفى ما فيه من المواقع للنظر منها ما ذكره من ان الغاية اذا كانت حكما ظاهريا يستحيل ان يكون المغيى بها حكما واقعيا، لان غاية الشئى هى امتداده و انتهائه فلا يمكن ان تكون مبائنة معه، اذ فيه ان هذا انما يتم فيما هو غاية
ص: 117
عقلا، لا فى الغاية بمعنى مدخول حتى و الى كما هو محل البحث هنا، و ذلك لما حقق فى محله من ان مدخولهما اذا جعلت غاية للحكم يكون خارجا عن المغيى، فاذا كان خارجا عنه فلا يستحيل ان يكون مبائنا معه، كيف و الاحكام الظاهرية كلها مغياة بالعلم بالحكم الواقعى، مع ان العلم به موجب لانعدامها بانعدام موضوعها اعنى الشك، و الموجب لانعدام الشئى لا بد ان يكون مبائنا معه كما هو واضح، بل محذور كون الحكم الواقعى مغى بالحكم الظاهرى شئى آخر، و هو كون الشئى غاية لما يتوقف عليه اصل وجوده، المستلزم لكون الشئى معدما لنفسه و منها ما ذكره من ان المرسلة باطلاقها متكفلة لحكمين احدهما واقعى و ثانيهما ظاهرى، اذ فيه ان الاطلاق الظاهرى متأخرى عن الاطلاق الواقعى بمرتبتين، بداهة تأخره عن موضوعه الذى هو الشك فى الاطلاق الواقعى المتأخر عن الاطلاق الواقعى ضرورة تأخر الشك عن المشكوك، و معه كيف يمكن ان ينشاء الاطلاق الظاهرى بعين ما ينشاء به الاطلاق الواقعى، فلا يمكن ان تكون المرسلة متكفلة الا لاثبات حكم واحد، و حينئذ فلا يتم الاستدلال بها لما نحن فيه، الابان يكون المراد من ورود النهى، هو بلوغه الى المكلف و وصوله اليه المتوقف على علمه به، و قد عرفت ان هذا خلاف الظاهر منها هذا تمام الكلام فيما تعرض له الاستاد دام ظله من بعض الاخبار التى استدل بها على البرائة فى الشبهات المكية بقى الكلام فيما التعرض له منها مما لم يتعرض هو مد ظله لها رعاية للاختصار، فنقول منها قوله عليه السلام ما حجب اللّه علمه عن العباد فهو موضوع عنهم، بتقريب ان الحكم المجهول وجوبيا كان او تحريميا بعد التفحص عنه و عدم العثور بما يدل عليه، يكون على تقدير وجوده واقعا مما حجب اللّه علمه عن العباد، فهو موضوع عنهم فعلا، فلا مؤاخذة عليه قطعا، لانها من آثار فعلية الحكم و تنجزه هذا و لا يخفى انه ان كان المراد بما حجب اللّه الاشارة الى الاحكام الواقعية المجهولة، فتكون نسبة الوضع اليه على وجه الحقيقة، حيث ان وضع الحكم عن العباد كوضعه عليهم مما امره بيد الشارع، الا انه عليهذا يختص
ص: 118
الحديث بالشبهة الحكمية، و ان كان المراد منه نفس هذا العنوان اى عنوان ما حجب سواء كان حيثية الحجب تعليلية او تقييدية، فيعم الشبهة الموضوعية ايضا، بداهة ان ما حجب كما يعم الحكم المحجوب كك يعم العنوان المحجوب، الا ان نسبة الوضع اليه حينئذ لا يصح، الا بان يراد من وضعه وضع ايجاب الاحتياط عنهم فى مورده، هذا ما افاده بعض الافاضل من المعاصرين دام بقائه و لكن يمكن ان يقال ان المراد من الموصول هو الحكم المحجوب مطلقا، سواء كان منشاء حجبه عدم وصول البيان من الشارع اما لاجل فقدان النص او اجماله او تعارضه كما فى الشبهات الحكمية، او كان منشائه اختلاط الامور الخارجية كما فى الشبهات الموضوعية فتدبر، و عليه يصح نسبة الوضع الى الموصول من غير احتياج الى ان يراد من وضعه وضع ايجاب الاحتياط فى مورده، المخالف لظهور الحديث فى وضع نفسه، فتامل فان فيه انه بناء على كون المراد مما حجب هو المعنى الثانى كما هو الظاهر، و ان كان يعم الموصول فى نفسه للشبهة الموضوعية، الا ان الظاهر من نسبة الحجب اليه تعالى، هو ان المراد من الموصول ما كان حجبه ناشئا عن عدم تمامية البيان من قبل الشارع كما فى الشبهة الحكمية، فلا يعم ما كان حجبه ناشئا عن الاشتباه و الاختلاط فى الامور الخارجية كما فى الشبهة الموضوعية، الا ان يراد من وضعه عنهم وضع ايجاب الاحتياط فيها عنهم، كما افاده ذلك البعض من المعاصرين، لكنه خلاف ظهور الحديث فى وضع نفس ما حجب هذا و اورد شيخ مشايخنا الانصارى قدس سره على الاستدلال بهذا الحديث، بما حاصله ان الظاهر من اسناده عليه السلام الحجب الى اللّه تعالى، هو وضع خصوص الاحكام الشأنية الاقتضائية التى لم يبينها تعالى و لم يتعلق ارادته باطلاع العباد عليها و لم يأمر رسله بتبليغها اليهم، لا الاعم منها و من الاحكام الفعلية التى بينها و بلغها رسله بامره، و اختفت علينا بسبب عروض بعض الاسباب الخارجية لكتمان الحق و اخفائه، فانها ليست مما حجب اللّه تعالى علمه علينا كما لا يخفى، فانه تعالى و ان كان مسبب الاسباب و ينتهى الكل اليه، الا ان الشئى يستند
ص: 119
الى سببه القريب، و السبب القريب لاختفاء الاحكام الفعلية التى بينها الشارع، هو ظلم الظالمين الذين عصوا اللّه تعالى فى كتمان الحق و اخفائه، فهذا الحديث مساوق لما ورد من ان اللّه تعالى سكت عن اشياء لم يسكت عنها نسيانا لها فلا تتكلفوها رحمة من اللّه لكم، فلا ربط لهذا الحديث بما هو محل الكلام بين الاعلام من المجتهدين و الاخباريين لان محل كلامهم انما هو ما اذا كان الحكم بالغا بمرتبة من العفلية، بحيث يدعو الشارع الى حفظ وجوده مع الشك فيه، بايجابه الاحتياط فيه، او تعليقه على عنوان وجودى كما دعاه الى ذلك فى الدماء و الفروج و الاموال، و الاخباريون يدعون دلالة اخبار الاحتياط على بلوغ الاحكام المجهولة بهذه المرتبة من الفعلية، و المجتهدون يمنعون عن تمامية دلالتها على ذلك، و يحملونها على الشبهات المقرونة بالعلم الاجمالى و اما اذا لم يكن فى عالم التشريع حكم اصلا، و ان علم بوجود الملاك و المحبوبية، كما فى المهم المتزاحم بالاهم، بناء على انكار الترتب، او كان هناك حكم و لكن لم يكن بالغا الى مرتبة الفعلية اصلا، كما فى الاحكام المودعة عند الاوصياء عليهم السلام، التى يظهرها امام العصر عجل اللّه تعالى فرجه و اوراحنا فداه فى زمان ظهوره، او كان بالغا الى مرتبة لم يدعو الشارع الى حفظ وجوده، الا بمجرد انشائه الغير القابل للشمول لمورد الشك فيه، فهو خارج عن محل الكلام بين هؤلاء الاعلام لا يقال نعم لكن هذا الحديث بضميمة اصالة عدم صدور البيان من الشارع يجدى لاثبات ما هو المقصود للمجتهدين، من اباحة مجهول الحرمة، فيما كان الشك من جهة عدم النص، و يتم فى غيره بعدم القول بالفصل فانا نقول و ان كان هذا الحديث بضميمة ذلك الاصل مجديا فى اثبات ما هو المهم، الا انه واقعا تمسك بالاستصحاب فى اثبات المدعى لا بهذا الحديث، انتهى ما اورده قده على التمسك بهذا الحديث ملخصا و اجاب عنه بعض الا فاضل ممن عاصر ناه دام بقائه بعد تمهيد مقدمتين احديهما ان الظاهر من الحجب هو الستر الذى لا يتحقق الا بعد الفراغ عن اصل وجود المستور، بداهة عدم صحة نسبة الستر الى المعدوم ثانيتهما ان العلم من
ص: 120
الامور التى لاوعاء لوجودها الا الوجدان، فلا يمكن ان يكون له وجود و كان مستورا على العالم، فلا يصح نسبة الحجب الى العلم بما حاصله ان المنسوب اليه الحجب فى الحديث، لا يصح ان يكون نفس العلم بحكم المقدمة الثانية، فلا بدان يكون هو ما يتعلق به العلم من الاحكام الواقعية، لتعارف اطلاق العلم على المعلوم، و لا بد بحكم المقدمة الاولى ان تكون تلك الاحكام مما بينها الشارع، فيكون الحديث حينئذ ظاهرا فى وضع خصوص الاحكام الفعلية التى بينها الشارع و اختفت علينا بظلم الظالمين، و ظهوره بدوا فى رفع خصوص الاحكام الشأنية، بملاحظة اسناد الحجب اليه تعالى، يندفع بما ذكرنا من الدليل القاطع نعم لو صرفنا الحجب عما هو ظاهره من الستر و قلنا انه هنا بمعنى المنع، صح نسبته عرفا الى العلم، باعتبار مقتضيه و هو انشاء الخطاب و الحكم، حيث ان القوه القريبة من الفعلية ملحقة عرفا بالفعلية، لا باعتبار ذاته، بداهة ان العلم من الامور التوليدية الغير القابلة لتعلق القدرة بها، الا بواسطة تعلقها بعللها، فلا يمكن المنع عن حصول العلم، الا بالمنع عن حصول علته التامة، اما بعدم ايجاد مقتضيه الذى هو فى المقام انشاء الخطاب و الحكم، او بايجاد المانع عن تأثير مقتضيه، بالمنع عن وصول الخطاب الى المكلف، اما بعدم الامر بتبليغه، او النهى عن ذلك، كما ورد النهى عن امر النساء بالغسل للجنابة الحاصلة لهن بالاحتلام، معللا بانهن تتخذنه علة و عليه فيكون معنى الحديث ما منع اللّه علمه عن العباد من الاحكام بعدم انشائها فهو موضوع عنهم، و حينئذ يكون الحديث مساوقا لقوله عليه السلام اسكتوا عما سكت اللّه عنه، و لا يكون له ربط بها هو محل النزاع بين المجتهدين و الاخباريين، لكن التصرف فى الحديث باسناد الحجب المستند الى العلم متعلقه من الاحكام الواقعية على ما بيناه، اولى من التصرف فيه بجعل الحجب الظاهر فى الستر بمعنى المنع فتدبر(1).
ص: 121
سلمنا عدم اولوية التصرف الاول، لكن المنع عن حصول العلم، لا ينحصر بعدم ايجاد المقتضى كى ينطبق الحديث على قوله عليه السلام اسكتوا عما سكت اللّه عنه، بل يتحقق المنع عن حصوله بايجاد المانع كما مرت الاشارة اليه، فحينئذ اذا منع الشارع فى مورد عن حصول العلم بالحكم بايجاده المانع عنه، كما فى الشبهة الناشئة عن اجمال النص الناشى عن احتفاف الكلام بما يصلح للقرينية، فان عدم حصول العلم فيهذه الصورة مستند الى ايجاد الشارع المانع عن حصوله، و هو ذكره ما يصلح لصرف الكلام عن ظاهره، بحيث لولاه لكان الكلام مؤثرا فى حصول العلم بالمراد، فيصير ذاك المورد مجرى للبرائة بمقتضى هذا الحديث كما هو واضح، و يتم فى غيره من موارد الشبهة بعدم القول بالفصل، اذ كل من قال بالبرائة فى الشبهة الناشئة عن اجمال النص، قال بها فى غيرها من الشبهات فتدبر(1).
هذا كله الى ان استظهار كون الحديث فى مقام وضع الاحكام الشأنية من اسناد الحجب اليه تعالى، مبنى على اختصاصه بالشبهات الحكمية، و كون المراد مما حجب الاشارة الى الواقع المجهول، و اما بناء على ما استظهرناه من عمومه للشبهات الموضوعية، و ان عنوان الحجب علة للحكم، فلا يمكن استظهار ذلك منه، لان الحكم و هو الوضع حينئذ يكون ظاهريا كما هو واضح، لا واقعياكى يكون من قبيل ما سكت اللّه عنه فتدبر(2).
و لا يخفى ان ما مهده من المقدمتين لاستظهار كون الحديث فى مقام وضع خصوص الاحكام الفعلية لا الشأنية، انما ينتج لذلك بناء على كون المراد مما حجب هو الحكام، و هو ممنوع لا مكان كون المراد مما حجب المصالح و المفاسد النفس الامرية الكامنة فى
ص: 122
ذوات الافعال التابعة لعللها التكوينية، من غير مدخلية لانشاء الشارع و بيانه فيها اصلا، لانها علة للتشريع فيكف يمكن ان يكون له مدخلية فيها فتدبر(1).
و يؤيد ذلك نسبة حجب علمها اليه تعالى، حيث انه لا طريق الى المصالح و المفاسد، الا بيان الشارع لها بجعله الاحكام على طبقها، فعدم بيانه لها ابقاء لجهلنا و عدم علمنا بها، و هذا هو المراد من حجب علمها علينا فتدبر و توهم ان المصالح و المفاسد من الامور التكوينية الغير القابلة للجعل الا تكوينا بجعل ما تقوم هى به، فكيف تصح نسبة الوضع اليها تشريعا مدفوع بان المراد من وضع تلك المصالح و المفاسد، هو وضع المؤاخذة على ترك ما يكون ذا مصلة ملزمة و على فعل ما يكون ذا مفسدة كك، و صحة المؤاخذة و ان كانت من الاحكام العقلية الغير القابلة للجعل التشريعى اصالة، الا انها قابلة له تبعا بجعل ايجاب الاحتياط طريقيا كما لا يخفى، هذا مضافا الى ما فى كلامه من المواقع للنظر اشرنا الى بعضها اجمالا و منها قوله عليه السلام الناس فى سعة ما لا يعلمون، و لا يخفى انه يحتمل كون كلمة سعة منونة، و عليه تكون كلمة ما ظرفية مصدرية، و يكون معنى الرواية الناس فى سعد مادام لا يعلمون، و هذا انسب بسوق العبارات العربية و يحتمل كونها غير منونة بان تكون مضافة الى كلمة ما، و عليه تكون ما موصولة و يكون المراد منها الاحكام المجهولة و الموضوعات المجهول حكمها، و يكون معنى الرواية حينئذ الناس فى سعة الاحكام التى لا يعلمونها و الموضوعات المجهول حكمها فعلى الاول يحتمل ان يكون المراد من متعلق العلم هو الوظائف المقررة من جانب الشارع لهم فى امتثال احكامه الواقعية، و حينئذ يكون مفاد الرواية مفاد ادلة البرائة العقلية، فتكون ادلة الاحياط على تقدير تماميتها واردة عليها لكونها معينة لوظيفة الشاك و يحتمل ان يكون متعلق العلم الاحكام الواقعية، و حينئذ يكون مفادها مفاد ادلة البرائة الشرعية، فتكون معارضة مع ادلة
ص: 123
الاحتياط، كما يكون مفادها كك على الاحتمال الثانى، و هو كون كلمة سعة غير منونة مضافة الى كلمة ما الموصولة و اظهر الاحتمالات هو الاحتمال الثانى من الاحتمال الاول، فعليه تكون الرواية معارضة مع ادلة الاحتياط، كما تكون كك على الاحتمال الثانى و توهم ان ادلة الاحتياط و ان لم توجب العلم بالواقع المشكوك بعنوانه الاولى الذاتى، الا انها موجبة للعلم به بعنوان الاحتياط، فحينئذ تكون ادلته واردة عليهذه الرواية مدفوع بان الظاهر من نسبة عدم العلم بالحكم او الموضوع الذى له حكم، هو عدم العلم بهما بعنوانهما الاولى، لا الاعم منه و من عدم العلم بهما بعناوينهما الطارية عليهما، كى تكون ادلة الاحتياط واردة عليهذه الرواية نعم لو قلنا بان الاحتياط واجب نفسى فى مورد الشك فى الاحكام الواقعية، كان وجوبه موجبا لوقوعهم فى الضيق لاجله، لا لاجل الاحكام الواقعية لكن الاخباريين ايضا لا يلتزمون بذلك، و انما يقولون بوجوبه طريقيا، لاجل عدم الوقوع فى هلكة مخالفة الواقع احيانا من حيث لا يعلم، و حينئذ فتكون ادلته معارضة بهذه الرواية الدالة على عدم الضيق على الناس من ناحية الاحكام المجهولة فتدبر و منها رواية عبد الاعلى فال سئلته عليه السلام عمن لم يعرف شيئا هل عليه شئى قال عليه السلام لا و لا يخفى ان التنوين فى الّشئى الاول، يحتمل ان يكون للتنكير فيكون المراد به فردا خاصا مفروض الوجود فى الخارج، فلا يفيد العموم فى النفى، و يحتمل ان يكون للتمكن كما هو الظاهر، فيكون المراد به طبيعة الشئى، فيفيد عموم النفى فعلى الاحتمال الاول يكون معنى الرواية من لم يعرف شيئا خاصا سواء كان حكما او عنوانا ذا حكم هل عليه شئى من قبل ذاك الشئى المجهول ام لا، و حينئذ فتكون الرواية معارضة مع ادلة الاحتياط، بناء على كون وجوبه طريقيا، و اما على كونه نفسيا فتكون مورودة بالنسبة الى ادلته كما مر بيانه و على الاحتمال الثانى، فان جعلنا المراد بالشئى المنفى الاحكام الواقعية كى يكون معنى الرواية لا يعرف شيئا من الاحكام الواقعية، فتكون الرواية معارضة ايضا مع ادلة الاحتياط بناء على كون وجوبه طريقيا، و ان جعلنا المراد بالشئى مطلق
ص: 124
الوظيفة الشرعية، فتكون ادلة الاحتياط واردة على الرواية، و ان جعلنا المراد بالشئى مطلق الاشياء كى يكون معنى الرواية لا يدرك شيئا من الاشياء، فيكون موردها الجاهل القاصر الذى هو خارج عن محل النزاع و منها قوله عليه السلام ايما امرء ركب امرا بجهالة فلا شئى عليه و اورد عليه شيخ مشايخنا الانصارى قدس سره بان الظاهر من الجهالة فيهذه الرواية هو اعتقاد الصواب و الجهل المركب، فان الباء فى قوله عليه السلام بجهالة ظاهرة فى السببية التى لا تتحقق الا مع الجهل المركب، اذ الشك و الجهل البسيط لو لم يوجب عدم ارتكاب المجهول، لا يوجب ارتكابه كما هو واضح ثم ايد قدس سره ما استظهره منها، بان تعميم الجهالة الى الجهل البسيط، موجب التخصيص الرواية بالجاهل الغير المقصر، لان المقصر غير معذور قطعا، و سياقها آب عن التخصيص ثم امر قدس سره بالتأمل و وجهه واضح، حيث ان هذا التخصيص لا مناص عنه على كل تقدير سواء جعلنا الجهالة بمعنى الجهل المركب او الجهل البسيظ، اذ لا شك فى ثبوت المؤاخذة على الجاهل المقصر، سواء كان مترددا شاكا و جاهلا بسيطا و معتقدا للصواب و جاهلا مركبا هذا و لا يخفى ان الجهالة فى الرواية و ان كانت بملاحظة ما ذكره قدس سره ظاهرة فى الجهل المركب، لكن يمكن رفع اليد عن هذا الظهور، بعد العثور على نظائر هذه العبارة، و قد استعمل فيها الجهالة فى الاعم من الجهل المركب و البسيط، كما فى صحيحة عبد الرحمن السابقة، حيث قال عليه السلام بعد السؤال عمن تزوج امرأة فى عدتها، اما اذا كان بجهالة فليزوجها بعد ما تنقضى عدتها، فان كلمة بجهالة اريد منها الاعم من الجهل البسيط و المركب، بقرنية قوله عليه السلام بعد قول السائل باى الجهالتين اعذر بجهالته ان ذلك محرم عليه ام بجهالته انها فى العدة، الجهالة بان اللّه حرم عليه ذلك اهون من الاخرى، و ذلك لانه لا يقدر معها على الاحتياط، فان هذا التعليل قرنية على ان المراد
ص: 125
بالجهالة بكونها فى العدة هو الجهل البسيط المتمكن معه على الاحتياط، و الالم يصح التعليل بالعلة المشتركة كما لا يخفى فتدبر(1).
و منها قوله عليه السلام ان اللّه يحتج على العباد بما اتاهم و عرفهم و الاستدلال به مبنى على كون المراد بكلمة ما الموصولة هى الاحكام الواقعية لا مطلق الوظيفة، و كون المراد بما اتاهم و عرفهم وصول البيان اليهم لا مجرد انشاء الاحكام واقعا و الا لكان ادلة الاحتياط واردة عليه بناء على كون المراد بكلمة مطلق الوظيفة، و كان خارجا عن محل البحث بناء على كون المراد بما اتاهم و عرفهم هو مجرد انشاء الاحكام واقعا، اذ حينئذ يكون مساوقا لقوله عليه السلام اسكتوا عما سكت اللّه عنه كما لا يخفى و منها قوله عليه السلام فى رواية عبد اللّه بن سليمان بعد السؤال عن الجبن، كل ما فيه حلال و حرام فهو لك حلال حتى تعرف انه حرام بعينه، و فى دلالتها على المقصود ما مر فى الاستدلال عليه بصحيحة ابن سنان فلا نعيد و منها قوله عليه السلام فى موثقة مسعدة بى صدقة، كل شئى لك حلال حتى تعلم انه حرام بعينه فتدعه من قبل نفسك، مثل الثوب يكون عليك قد اشتريته و هو سرقة، او مملوك عندك و هو حر قد باع نفسه او خدع فبيع او قهر فبيع، او امرأة تحتك و هى اختك او رضيعتك، و الاشياء كلها عليهذا حتى يستبين لك غير ذلك او تقوم به البينة و دلالة صدرها على المقصود واضحة، بداهة ان المراد من الشئى هو الافعال التى هى المعروضة للاحكام حقيقة و بالذات، و نسبتها الى الموضوعات الخارجية بالعرض و المجاز، فتدل الرواية على ان كل فعل مشتبه الحكم، سواء كان اشتباه حكمه لاجل عدم الدليل عليه من ناحية الشارع، او لاجل الاشتباه فى الامور الخارجية كتردد متعلقه بين كونه مصداقا للعناوين المحرمة او العناوين المحللة، فذاك الفعل حلال حتى تعلم انه حرام الا ان ذيلها من حيث التأكيد بكلمة بعينه، و من حيث التمثيل بمثل الثوب و المملوك و الامرأة التى كلها من الشبهة الموضوعية، يوجب صرف ظهور صدرها فى الشمول للشبهة الحكميته، و تخصيصها بالشبهة الموضوعية هذا و
ص: 126
فى الرواية اشكال آخر لا بأس بالتعرض له، و هو عدم انطباق ما بينه عليه السلام من قاعدة اصالة الحل على ما ذكره عليه السلام لها من الامثلة، لان الحلية فى تلك الامثلة ليست مستندة الى نفس الشك و احتمال الحلية كما تكون كك فى القاعدة، بل تكون مستندة الى الاصول الموضوعية، كاصالة عدم تحقق الرضاع و النسب و قاعدة اليد هذا مع ان اصالة الحل من الاصول الحكمية المتعرضة لحكم المشكوك، فكيف يصح فى مقام جعلها التمثيل لها بما يرفع موضوعها من الاصول الموضوعية الحاكمة على الاصول الحكمية قال بعض الافاضل من المعاصرين دام بقائه، ان هذا الاشكال مما لا محيص عنه، الا بحمل كون الامام عليه السلام فى مقام الاخبار عن القواعد التى يكون مفادها الحلية التى منها اصالة الحل، لا فى مقام انشاء الحلية فى مورد الشك فيها و لا يخفى ان حملها على الاخبار بعيد الى النهاية، فالاولى حمل الحلية فيها على القدر الجامع بين الحلية الثابتة بنفس هذه الرواية، و المستندة الى الاصول الموضوعية، فينطبق حينئذ الامثلة على الممثل فتدبر(1).
و الاولى منه ابقاء الحلية على ظاهرها من التمثيل، و حملها على انها انما ذكرت للتقريب الى ذهن المخاطب، و رفع استبعاده حكمه عليهم السّلام بالحلية فى مورد احتمال الحرمة، لا للتمثيل، بل يمكن ان يدعى ان الرواية بنفسها تكون ظاهرة فيما ذكرنا، بناء على ضبطها كما نقل عن بعض النسخ هكذا و ذلك مثل الثوب الخ، بزيادة لفظ و ذلك كما لا يخفى.
(قوله دام ظله ينبغى التكلم فى الموضوعية من هذا القسم ايضا الخ)
لا يخفى ان التكلم فى الشبهات الموضوعية مطلقا و ان لم يكن مناسبا للمقام، اذ لا شبهة فى ان التكلم فيها من التكلم فى المسئلة الفرعية التى يكون محل التكلم فيها علم الفقه، الا انه لا بأس بالتكلم فيها هنا استطراد الما فيه من الفائدة المهمة فنقول ان متعلق
ص: 127
التكليف سواء كان امرا او نهيا على قسمين احدهما ما يكون من الامور القائمة بذات المكلف و يكون ايجاده تحت قدرته، كالتكلم و الركوع و السجود و نحوها، من الاقوال و الافعال الصلوتية و هذا القسم فيما اذا كان مبينا مفهوما او مرددا بين محصور كالظهر و الجمعة يكفى فى تنجز التكليف المتعلق به مجرد العلم بالتكليف و شرائطه الشرعية عامة كانت كالبلوغ او خاصة كالخلو من الحدث و الاستطاعة، فان الشك فى تحققها يوجب الشك فى اصل التكليف، اذ الشرائط الشرعية لها دخل فى الملاك، فمع الشك فيها يشك فى اصل التكليف، و لا يتصور و فى هذا القسم الشبهة الموضوعية قبل العمل، نعم يتحقق الشك بالنسبة اليه بعد العمل فى مقام الامتثال و انه اهل اتى بالمأمور به او ترك المنهى عنه ام لا، كما يتحقق الشك بالنسبة اليه فى ذاك المقام ايضا و لو قبل العمل، فيما كان من الامور التوليدية و كان الشك فى محصلاته و انه هل يتحقق بالا قل او الاكثر ايجادا او تركا ام لا و لا مجال لجريان الاصل، فيما اذا كان الشك فى الامتثال بعد العمل، من جهة الشك فى انطباق المأمور به عليه، مع كون التكليف نهيا، لعدم ترتب ثمرة عملية عليه كما لا يخفى بخلاف ما لو كان التكليف امرا، فان مقتضى الاصل فيه هو الاشتغال و الاتيان بما يقطع معه بالامتثال و اما اذا كان الشك فى الامتثال من جهة الشك فى محصله و كان التكليف امرا فلا اشكال فى ان مقتضى الاصل فيه هو الاشتغال و الاتيان بالاكثر، خروجا عن عهدة التكليف المنجز و اما ان كان التكليف نهيا، فقد يتوهم ان مقتضى الاصل فيه هو البرائة و عدم حرمة الاتيان بالاقل، لكن التحقيق هنا ايضا كون مقتضاه هو الاشتغال، من جهة الشك فى الخروج عن عهدة التكليف المنجز مع الاتيان بالاقل، و لا مجال لاصالة البرائة الشرعية فى المقام، بعد كونه من باب الاطاعة التى هى من المستقلات العقلية هذا مع انه لا مجرى لاصالة البرائة بالنسبة الى الاقل، بداهة عدم تعلق التكليف به و لا بالاكثر، و انما يحكم العقل بتركه مقدمة للعلم بامتثال النهى المنجز المتعلق بذاك الامر التوليدى المبين بحسب المفهوم و اما الاصل الموضوعى كاستصحاب عدم كون الاقل محققا للمنهى عنه، و استصحاب عدم كون المكلف ايتا معه بالمنهى عنه، فغير جار لعدم الحالة السابقة فى الاول، و كونه مثبتا فى الثانى.
ص: 128
القسم الثانى ان يكون متعلق التكليف مما له ربط و تعلق بالموضوعات الخارجية كشرب الخمر مثلا، و هذا القسم لا يكفى فى تنجز التكليف المتعلق به مجرد العلم بالتكليف، بل يتوقف تنجزه على العلم بالموضوع الخارجى ايضا، و هذا القسم يتصور فيه الشبهة الموضوعية بتبع الشك فى مصداق ذاك الموضوع الخارجى، فيشك فى ان شرب هذا المايع شرب خمر ام لا، من جهة الشك فى ان هذا المايع خمر ام لا ثم ان التكاليف المتعلقة بهذا القسم كالقسم الاول يتصور على انحاء احدها ان تتعلق به باعتبار صرف الوجود منه اعنى المقابل للعدم المطلق و الناقض له كما فى قوله توضأ بالماء ثانيها ان تتعلق به باعتبار وجود تمام افراده على نحو العموم الاستغراقى الافرادى، كما فى اكرم كل عالم ثالثها ان تتعلق به باعتبار وجود تمام افراده على نحو العموم المجموعى، و هذا على قسمين، لانه قد يكون الكثرات ملحوظة لحاظ الكثرة فى الوحدة كما فى اكرم جميع علماء البلد، و قد لا تكون ملحوظة بل يلحظ الافراد بمنزلة شئى واحد له وجود واحد نظير لحاظ الوحدة فى الكثرة كما فى اكرم عالم البلد، و الفرق بين هذين القسمين انما هو بحسب الاعتبار لا بحسب الاثر، لاشتراكهما فى ان التكليف المتعلق بهما واحد انبساطى لا متعدد انحلالى رابعها ان تتعلق به باعتبار حصة سارية منه كما فى النكرة كاكرم عالما فلو تعلق التكليف به على النحو الاول، فلا مجال لاصالة البرائة فى الشبهة الموضوعية منه، فيما كان التكليف المتعلق به امرا، و ذلك لان الامر بصرف الوجود من الطبيعة يقتضى ايجاد فرد ما منها، فما لم يقطع بايجاد فرد ما يحكم العقل بوجوب ايجاده تحصيلا للبرائة اليقينية عما اشتغلت ذمته به و اما لو كان التكليف المتعلق به نهيا، فقد يقال بجريان البرائة فى الشبهة الموضوعية منه، من جهة ان النهى عن صرف الوجود من الطبيعة، و ان كان لا معنى له الاثركها رأسا بعدم ايجاد ناقض العدم، الا ان تركها كك ليس الاعبارة عن ترك جميع افراده، فاذا تردد افراده بين الاقل و الاكثر، يكون نظير تردد اجزاء الواجب الارتباطى بينهما، فكما ان مقتضى الاصل هناك البرائة عن الاكثر فكذلك فى المقام و
ص: 129
توهم ان ترك الطبيعة رأسا و ان كان بترك تمام افرادها، الا ان تركها كك ليس عين ترك جميع افرادها، بل عنوان بسيط منتزع عن ترك الجميع، و يكون ترك جميعها كالمحصل لهذا العنوان، و عليه فيكون الشك فى شئى انه من افراد الطبيعة المنهى عنها، راجعا الى الشك فى محصل ذاك العنوان البسيط مدفوع بان ترك الطبيعة رأسا و ان كان عنوانا بسيطا منتزعا عن ترك جميع الافراد، الا ان العنوان بالبسيط له قسمان احدهما ما يكون امرا خارجيا متولدا و مسببا عن مركب ذى اجزاء، كالطهارة المعنوية العارضة للنفس بسبب الوضوء الذى هو عبارة عن الغسلتين و المسحتين، و هذا القسم هو الذى لا بد فيه من الاحتياط فيما اذا شك فى جزئية شئى او شرطيته لذلك المركب ثانيهما ما يكون امرا انتزاعيا عن مركب خارجى و ليس له وجود و ما بحذاء فى الخارج الا بوجود منشأ انتزاعه، و هذا القسم تجرى فيه البرائة عند الشك فى جزئية شئى او شرطيته لمنشاء انتزاعه هذا و لكن يمكن ان يقال ان الحكم بالاحتياط و عدمه، لا يدور مدار كون المأمور به امرا خارجيا بسيطا توليديا و عدم كونه كك، بل يدور مدار تمامية الحجة من قبل المولى و عدم تماميتها، و من المعلوم انه لو كان متعلق التكليف امرا مبينا بحسب المفهوم غير مردد بحسبه بين الاقل و الاكثر، و لكن كان محصله امرا مركبا دائرا بين الاقل و الاكثر، و اقتصر المكلف فى مقام تحصيله على اتيان الاقل، و لم يحصل لمكان مدخلية الزائد على الاقل فى حصوله، يصح للمولى ان يطالبه بالمأمور به و يؤاخذه على تركه، و لا يسمع منه انى ما كنت عالما بمدخلية الزائد على الاقل فى حصوله، من غير فرق فى ذلك بين كون المأمور به المبين امرا خارجيا مسببا عن ذلك الامر المركب مباينا معه وجودا، او مفهوما منتزعا عنه موجودا بعين وجوده اذا عرفت هذا فنقول ان ترك الطبيعة رأسا بعدم ايجاد ناقض عدمها، و ان كان منتزعا عن ترك جميع الافراد، لكنه حيث يكون مبينا مفهوما و يكون المكلف مأخوذا به، فلا بد فى الخروج عن عهدة التكليف المتعلق به، من ترك كل ما شك فى كونه من افراد الطبيعة المنهى عنها، لان
ص: 130
اشتغال الذمة بترك الطبيعد رأسا معلوم، و لا يمكن حصول القطع و اليقين بالبرائة عنه، الا بالقطع بترك جميع افرادها فى نفس الامر هذا و لو تعلق التكليف بالطبيعة على النحو الثانى، فلا شبهة فى سريانه الى جميع الافراد على نحو العموم الاستغراقى، فينحل التكليف الى تكاليف عديدة حسب تعدد الافراد، و يتعلق بكل فرد تكليف غير ما تعلق بالاخر، ففى الحقيقة الموضوع للحكم فى هذا القسم هو نفس الافراد و المصاديق الخارجية، و انما اخذ العنوان الكلى موضوعا له فى الدليل، لكونه مرانا لها والة لملاحظتها، فلو شك فى شئى انه من افراد الطبيعة المكلف بها، فيرجع هذا الشك الى الشك فى اصل التكليف الفعلى، و ذلك لانه حيث جعل الموضوع الخارجى مفروض الوجود و انشاء الحكم على فرض وجوده و تحققه، فلا محة يكون التكليف بالنسبة اليه مشروطا يوجب الشك فيه الشك فى اصل التكليف، بداهة ان مع اخذ الموضوع مفروض الوجود و انشاء الحكم على فرض تحققه، يستحيل ان يتحقق الحكم قبل تحقق الموضوع، و من هنا قلنا بان الواجب المعلق مستحيل، فالشك فى تحقق الموضوع يوجب الشك فى اصل تحقق الحكم، و المرجع فيه هو البرائة سواء كان التكليف المتعلق بالطبيعة امرا او نهيا، و ذلك لجريان كل ما ذكرناه فى الشبهة الحكمية، من حكم العقل و الادلة الشرعية فى المقام ايضا، و مجرد العلم بالكبرى فى المقام دون هناك، لا يجدى فرقا بعد كون الصغرى مشكوكة فى المقام، بداهة ان مجرد العلم بالكبرى، مالم ينضم اليه صغرى وجدانية معلومة، لا ينتج العلم بالنتيجة، و معه يكون العقاب على ترك المشكوك او اتيانه على تقدير كونه واجبا او حراما واقعا، عقابا من غير حجة و بيان، و ذلك لما عرفت من ان الحكم عبارة عن النتيجة الحاصلة من ضم الصغرى الى الكبرى، فمع عدم العلم بالصغرى لا علم بالحكم، و معه يكون العقاب عليه بلاححة و بيان هذا و لو كان تعلق التكليف بالطبيعة على النحو الثالث فان كان نهبا فلا اشكال فى انه يكفى ترك الفرد الواحد، بداهة انتفاء الكل بانتفاء جزئه، فجب على عليه القطع بترك الواحد و لا شئى
ص: 131
عليه بعده ثم لو كان افرادها مرددة بين الاقل و الاكثر، لا يجوز له ارتكاب جميع الاقل، لانه لو كان افرادها منحصرة بالاقل واقعا، يكون او تكاب جميعه عيصانا للنهى عن ايجاد مجموع الافراد، فلا يقطع مع ارتكاب الاقل بالموافقة القطعية ثم لو ارتكب الاقل فالظاهر وجوب ترك الزائد المشكوك، حذرا عن المخالفة القطعية الحاصلة بارتكابه و دفعا للعقاب المحتمل على ارتكابه و اما ان كان التكليف المتعلق بالطبيعة امرا يقتضى اتيان مجموع الافراد، فهل مقتضى الاصل فى الافراد المشكوكة هو البرائة او الاحتياط، فيه احتمالان بل قولان اقويهما الثانى لما عرفت من ان متعلق التكليف اذا كان مبينا مفهوما، يكون المكلف مأخوذا به و يجب عليه الخروج عن عهدته باتيان ما يكون مصداقا له قطعا، فاذا شك فى شئى انه من افراد الطبيعة المأمور بها بهذا النحو، فلو لم يأت به يشك فى اتيان ما يكون مصداقا للطبيعة المأمور بها، فيشك فى البرائة عما اشتغلت ذمته به من ايجاد مجموع الافراد، و لا ينتقض ما ذكرنا بما اذا كان متعلق التكليف الطبيعة على النحو الثانى حيث قلنا بالبرائة فيه بالنسبة الى الافراد المشكوكة، مع ان متعلق التكليف فيه ايضا مبين مفهوما، بداهة ان كل عالم فى اكرم كل عالم يكون كمجموع العلماء فى اكرم مجموع العلماء، فى ان كلا منهما مبين مفهوما و ان كان مرددا مصداقا بين الاقل و الاكثر و ذلك لما عرفت من ان موضوع الحكم فى النحو الثانى حقيقة هو الافراد و المصاديق الخارجية، و انما اخذ العنوان الكلى موضوعا له فى الدليل لكونه مراتا و الة لملاحظتها، فليس العنوان الكلى موضوعا للحكم كى يجب الخروج عن عهدته باتيان جميع الافراد الواقعية، و هذا بخلاف المقام فان موضوع الحكم فيه نفس عنوان المجموع بما هو مجموع، فيجب الاتيان بما يكون مصداقا لهذا العنوان قطعا ان قلت قدمر ان متعلق التكليف اذا كان مماله ارتباط بموضوع خارجى، لا يكفى العلم باصل الخطاب فى تنجزه، بل يتوقف على العلم بالموضوع ايضا، و ذلك لانه حيث جعل وجود الموضوع مفروض التحقق و انشاء الحكم على فرض تحققه، فالتكليف يكون بالنسبة اليه لا محة مشروطا، فاذا كان التكليف بالنسبة
ص: 132
اليه مشروطا، فلا محة يوجب الشك فى تحققه الشك فى اصل التكليف الفعلى، و حينئذ فنقول ان متعلق التكليف و ان كان مبينا مفهوما، الا انه حيث يكون له ربط و تعلق بالموضوع الخارجى، فلا يكفى مجرد العلم يتعلق التكليف به فى تنجزه، بل لا بد فى تنجزه من العلم بالموضوع الخارجى ايضا قلت توقف تنجز التكليف فيما اذا كان لمتعلقه ربط بالموضوع الخارجى على العلم بالموضوع و ان كان حقا، الا انه حيث يكون التكليف المتعلق بالطبيعة باعتبار صرف الوجود، تكليفا واحدا متعلقا بموضوع واحد و هو صرف الوجود، فيكفى فى تنجزه وجود الموضوع بهذا الاعتبار، و هذا بخلاف ما اذا كان التكليف متعلقا بالطبيعة باعتبار مطلق الوجود، فانه حيث يكون منحلا الى تكاليف متعددة حسب تعدد الموضوعات الخارجية، فلا بد فى تنجز كل تكليف منها من العلم بوجود موضوع يخصه فتبين مما ذكرنا كله ان الفرق بين المقام و بين دوران الامر بين الاقل و الاكثر فى الواجب الارتباطى كالصلوة، حيث حكمنا هناك بالبرائة عن الاكثر دون المقام، هو كون متعلق التكليف فى المقام مبينا بحسب المفهوم و انما الترديد فى مصداقه، بخلاف هناك، حيث ان نفس متعلق التكليف فيه مجمل مفهوما مردد بين الاقل و الاكثر ثم لا يخفى ان ما ذكرناه من التقسيمات كما تجرى فى متعلقات التكاليف النفسية، كك تجرى فى متعلقات التكاليف الغيرية كما فى الشرائط و الموانع، و عليه فلو كان النهى المتعلق بالمانع كغير المأكول مثلا على النحو الاول فيشكل التمسك باصالة البرائة فيما شك فى كون لباس متخذا من غير المأكول، لكنا فى فصحة من ذلك بنا على ما ذكرنا فى محله، من ان الظاهر من النواهى المتعلق بالموانع هو كون تعلقها بها على النحو الثانى الذى قد عرفت ان المرجع فى الشبهة الموضوعية منه هو البرائة، و اما ان قلنا بانه كما ان الظاهر من تعلق الامر بالطبيعة من حيث هى هى، هو كون تعلقه بها باعتبار صرف الوجود، كذلك الظاهر من تعلق النهى بها من حيث هى، هو كون تعلقه بها باعتبار صرف الوجود، فيشكل التمسك باصالة البرائة فيما اذا شك فى مانعية الموجود، كما مربيانه فى التكاليف النفسية
ص: 133
نعم لا يبعد التمسك فى التكاليف النفسية بالاستصحاب، فيما اذا شك فى شئى انه هل يكون مع اتيانه الطبيعة المنهى عنها متروكة ام لا، بان يقال كانت الطبيعة المنهى عنها قبل اتيان هذا المشكوك متروكة، و الاصل ان تكون كك مع الاتيان به هذا و مما ذكرنا ظهر ان ما اورده المحقق الشيرازى قدس سره على شيخه الانصارى قدس سره، حيث بنى على المنع عن الصلوة فى اللبأس المشكوك لقاعدة الاشتغال، من انكم قد بنيتم على جريان البرائة فى الارتباطيات و فى الشبهات الموضوعية، فكيف تنبون على المنع من الصلوة فى المشكوك، مع ان الشك فيه ليس الا من الشك فى موضوع التكليف الغيرى الارتباطى انما يرد عليه قدس سره بناء على ما هو الحق، من كون متعلق النهى الغيرى الذى منشاء لانتزاع المانعية، هو الطبيعة باعتبار مطلق الوجود المستلزم لانحلاله الى نواهى عديدة حسب تعدد افراد الطبيعة المنهى عنها، الموجب لتقييد المأمور به كالصلوة مثلا بقيود عدمية عديدة حسب تعدد وجودات الموضوع و اما ان قلنا بان متعلق النهى الغيرى هو الطبيعة باعتبار صرف الوجود الموجب لتقييد الصلوة بقيد عدمى واحد، فلا يرد عليه قدس سره ما اورده المحقق الشيرازى قدس سره، و ذلك لما عرفت من ان جريان البرائة فى دوران الامر بين الاقل و الاكثر الارتباطيين و الشبهات الموضوعية، انما هو فيما اذا لم يكن متعلق التكليف امرا مبينا بحسب المفهوم، و الا فلا محال الالقاعدة الاشتغال ثم ان من ثمرات كون متعلق النهى هو الطبيعة باعتبار مطلق الوجود، او باعتبار صرف الوجود، هو انه لو اضطر الى ارتكاب بعض الافراد، لا يسقط التكليف عنه بالنسبة الى باقى الافراد على الاول، و يسقط عنه التكليف بالنسبة الى الباقى على الثانى، من غير فرق فى ذلك بين النواهى النفسية و الغيرية، فلو اضطر الى ليس لباس من الالبة المتخذة من غير المأكول فى الصلوة او اضطر الى شرب فرد من افراد الخمر، فلا يجوز له لبس لباس آخر زائدا على ذاك اللباس فى الصلوة، و لا شرب فرد آخر من افراد الخمر زائدا على ذاك الفرد على الاول، و يجوز له لبس الزائد و شربه على الثانى.
ص: 134
(قوله دام ظله الثانى مورد اصالة البرائة فى الشبهة الخ) توضيح هذا الامر، هو ان الرجوع الى اصالة البرائة فى الشبهات الموضوعية البدوية، انما هو فيما اذا لم يكن هناك اصل موضوعى وارد(1) او حاكم عليها، فلو شك فى ان المرأة زوجته او اجنبية و ان اللحم مذكى اوميتة، و لم يكن هناك امارة على التذكية كالسوق و اليد، فلا يجوز له الرجوع الى اصالة البرائة و الحلية، و ذلك لوجود اصل موضوعى حاكم عليها، و هو اصالة عدم تحقق العلقة الزوجية فى الاولى، و اصالة عدم التذكية فى الثانى و لا نحتاج بعد كون ما لم يذك بنفسه موضوعا للاثر الشرعى و هو الحرمة، الى اثبات كون اللحم ميتة، كى بورد بان هذا من اثبات احد الضدين باستصحاب عدم الاخر، مضافا الى معارضته باستصحاب عدم كونه ميتة، حتى نحتاج فى دفعه الى اثبات ان الميتة شرعا ليست خصوص مامات حتف انفه، بل هى عبارة شرعا عن غير المذكى، حيث ان المذكى عبارة شرعا عما زهق روحه مع تحقق الامور المعتبرة فى التذكية شرعا، فما لم يتحقق فيه هذه الامور كلا او بعضا يكون ميتة شرعا، فالميقية ليست من الامور الوجودية كى تكون ضد اللمذكى، بل هى من الامور العدمية فتكون نقيضاله، و اثبات احد النقيضين باستصحاب عدم الاخر ليس من المثبت كما لا يخفى، و ليس لعدم هذا الامر العدمى حالة سابقة، كى يعارض استصحابه مع استصحاب هذا الامر العدمى كما هو واضح نعم لو قلنا كما ان التذكية قوامها بفرى الاوداج و سائر الشرائط المعتبرة شرعا، كذلك قوامها بخصوصية خاصة فى الحيوان التى يعبر عنها بالقابلية، لم يكن لاصالة عدم التذكية حينئذ مجال و لومع العلم بتحقق جميع الشرائط، فيما شك فى قابلية الحيوان الذى اخذ منه هذا اللحم، لتأثير الشرائط المعتبرة شرعا فى حليته و طهارته، بداهة ان القابلية و عدمها من الامور الازلية، فليس لها وجود او عدما حالة سابقة، كى يثبت باستصحاب وجودها التذكية، او باستصحاب عدمها عدم
ص: 135
التذكية، فاذا لم يجر الاصل السببى فيجرى الاصل المسببى اعنى اصالة الحل و الطهارة، فاصالة عدم التذكية عليهذا، انما تجدى فيما اذا احرز القابلية كما فى الغنم، و شك فى تحقق الامور المعتبرة شرعا كلا او بعضا لكن هذا غير مرتبط بما نحن فيه من الشبهات الموضوعية، فان الكلام فيما نحن فيه من جهة الشك فى ورود التذكية و عدم ورودها، بعد احراز القابلية كما فى الغنم و نحوها ثم انه قد يستشكل فى جران اصالة عدم التذكية فى الحيوان المشكوك كونه مذكى ام غير مذكى، مع خلوه عن امارة التذكية كاليد و السوق و نحوهما، و على تقدير تسليم جريانها فى الحيوان، يستشكل فى جريانها فى الجلود او اللحوم المطروحة فى الارض و الكائنة فى يد الكفار اما الاشكال فى جريانها فى الحيوان المشكوك كونه مذكى او غير مذكى، فليس من جهة عدم كون المستصحب ذا اثر شرعى فى حال حيوة الحيوان، كى يدفع بانه يكفى فى صحة الاستصحاب، كون المستصحب ذا اثر شرعى فى زمان الاستصحاب، و ان لم يكن كك قبل زمانه و لذا لو شك فى بقأ حيوة زيد الى زمان موت ابيه كى يرث منه و عدم بقائها كيلا يرث، يحكم باستصحاب حيوته الى ما بعد موت الاب بارثه منه مع ان حيوته قبل زمان موت ابيه لم يكن موضوعا لهذا الحكم بل من جهة ان الاثر و هو الحكم بالحرمة و النجاسة، انما رتب شرعا على عدم التذكية فى حال موت الحيوان، و من المعلوم ان عدمها فى هذا الحال ليس له حالة سابقة كى يجرى الاستصحاب فيه، و استصحاب عدمها الازلى لا يجدى فى احراز حال المشكوك الاعلى القول بالاصل المثبت كما لا يخفى هذا و اما الاشكال فى جريانها فى اجزاء الحيوان كالجلد او اللحم المطروح فى الارض او الكائن فى يد الكافر، بعد تسليم جريانها فى نفس الحيوان، بدعوى ان معروض التذكية و عدمها هو الحيوان من حيث هو، لا بوصف كونه حيا او ميتا، فهو انه لا اشكال فى ان مجرى اصالة عدم التذكية هو الحيوان لا اجزائه، و من المعلوم ان الشبهة فى الجلد او اللحم، انما هى من جهة الشك فى اخذه من اى الحيوانين، مع امتياز المذكى و الميتة منهما فى الخارج، فليس فى المقام حيوان
ص: 136
مردد بين المذكى و الميتة كى يجرى فيه اصالة عدم التذكية و توهم ان كل واحد من الحيوانين اللذين يشك فى ان الجلد او اللحم اخذ من ايهما، و ان كان معلوما غير مردد بين المذكى و الميتة، الا ان الحيوان الذى اخذ منه هذا الجلد و اللحم مردد بينهما بالضرورة، فيجرى اصالة عدم التذكية بالنسبة اليه مدفوع بان هذا الحيوان ليس من الامور المتأصلة فى الخارج كى يحكم عليه بالتذكية او عدمها، و انما هو امر انتزاعى انتزع، من ضم امر مجهول و هو اتخاذ الجلد من اى الحيوانين، الى امر معلوم هو تذكية احدهما و عدم تذكية الاخر، و ليس هذا الحيوان ملحوظا بالاستقلال، و انما هو الة للحاظ ما يكون فى الخارج متخذا عنه الجلد، و قد عرفت انه لا يكون مرددا كى يجرى فى الاصل فتحصل مما ذكرنا ان هذا العنوان، ان لوحظ بالاستقلال فليس قابلا للحكم عليه بالتذكية و عدمها، و ان لوحظ مراتا لما يكون فى الخارج متخذا عنه الجلد، فلا يكون ما فى الخارج مرددا كى يجرى فيه الاصل، فعلى احد التقديرين الحكم منتف، و على الاخر الموضوع غير ثابت، هذه خلاصة ما افاده الاستاد دام ظله، فى الاشكال على اجراء اصالة عدم التذكية، بالنسبة الى الحيوان المشكوك كونه مذكى و الاجزاء المتخذة منه و قد يورد على ما افاده فى الاشكال على اجراء الاصل بالنسبة الى الحيوان، من ان الاثر و هو الحكم شرعا بالحرمة و النجاسة انما رتب شرعا على عدم التذكية فى حال موت الحيوان، بان التقابل بين التذكية و عدمها، هو تقابل العدم و الملكة، فلا بد من عروضهما لمحل واحد، و من المعلوم ان التذكية انما تعرض للحيوان فى حال حيوته لا فى حال موته، لانها من احدى علل موته، فلو كان عروضها له فى حال موته، لزم تقدم المعلول على علته، فاذا كان عروض التذكية للحيوان فى حال حيوته، فلا بد بمقتضى ما بينها و بين عدمها من تقابل العدم و الملكة، ان يكون عروض عدمها للحيوان ايضا فى حال حيواته، و لذا يستصحب عدمها عند الشك فى كون الحيوان مذكى او غير مذكى، و يقال ان هذا الحيوان لم يكن قبل موته مذكى و الان كما كان و فيه مالا يخفى من الفساد، بداهة انه لا
ص: 137
منافاة بين كون عدم التذكية ثابتا للحيوان حال حيوته ايضا، و بين اختصاص الحكم شرعا بحرمته و نجاسة بحال موته غير مذكى نعم يرد على ما افاده فى الاشكال على اجراء الاصل بالنسبة الى الاجزاء المتخذة على الحيوان، من انه ليس فى المقام حيوان مردد بين المذكى و الميتة كى يجرى الاصل فيه، بانه انما يتم فيما فرضه دام ظله من كون الشبهة فى الاجزاء من جهة الشك فى اتخاذها من اى الحيوانين المعلوم تفصيلا تذكية احدهما و عدم تذكية الاخر، دون ما اذا كانت الشبهة فيها من جهة الشك فى الحيوان المعلوم اتخاذها منه كما لا يخفى و توهم ان الحيوان المتخذ منه هذه الاجزاء ليس فعلا محلا للابتلاء كى يجرى الاصل فيه مدفوع بان تحقق الابتلاء ببعض اجزائه كاف فى جريان الاصل بالنسبة اليه، و ان لم يكن نفسه محلا له فعلا، فما افاده دام ظله باطلاقه غير تام و لكن يمكن ان يقال ان محط كلامه دام ظله، ما هو المبتلى به فعلا من الجلود التى تحمل من بلاد الكفر، التى تكون الشبهة فيها من جهة الشك فى اتخاذها من اى الحيوانين، من الحيوان المذبوح فى بلادهم كى تكون متخذة من الميتة، او من الحيوان المذبوح فى بلاد الاسلام كى تكون متخذة من المذكى حيث انهم يحملون الجلود من بلاد الاسلام الى بلادهم، و يعملون فيها ما يزيد فى استحكامها و دوامها و نعومتها، ثم يحملونها مع الجلود المتخذة من ذبائحهم الى بلاد الاسلام و يبيعونها باعلى القيم فتدبر.
ثم لا بأس بالاشارة الى الاقسام المتصورة فى المقام و ما يخص كل واحد منها من الاحكام فنقول ان الشبهة فى الجلد، تارة تكون من جهة الشك من اخذه من اى الحيوانين المعلوم تفصيلا تذكية احدهما و عدم تذكية الاخر، و اخرى تكون من جهة الشك فى اخذه من اى الحيوانين المعلوم اجمالا تذكية احدهما و عدم تذكية الاخر، و ثالثة تكون من جهة الشك فى الحيوان المعلوم اخذه منه، و رابعة تكون من جهة الشك فى اخذه، من احد الحيوانين المعلوم تفصيلا او اجمالا تذكية احدهما و عدم تذكية الاخرى، او من الحيوان المشكوك تذكية اما القسم الاول فقد عرفت انه لا مجال لجريان
ص: 138
اصالة عدم التذكية فيه اصلا، اذ ليس هناك حيوان مردد بين المذكى و الميتة كى يجرى الاصل فيه، فاذا لم يجر اصالة عدم التذكية فيه، فتكون اصالة الحل و الطهارة سالمة عما يكون حاكما عليها.
و اما القسم الثانى، فان قلنا بان العلم الاجمالى بتذكية احد الحيوانين، لا يمنع عن جريان اصالة عدم التذكية فى كليهما، لعدم استلزام جريانها فى كليهما لمخالفة عملية قطعية لتكليف الزامى، فلا اشكال فى عدم جريان اصالة الحل و الطهارة فى الجلد المشتبه، لان الشك فيهما مسبب عن الشك فى الحيوانين، فيكون الاصل الجارى فيهما حاكما على الاصل الجارى فى الحل و الطهارة و اما ان قلنا بان العلم الاجمالى يمنع عن جريان الاصل فى تمام اطرافه مطلقا، كان جريانه فى تمامها مستلزما لمخالفة قطعية عملية لتكليف الزامى ام لا، فلا اشكال حينئذ فى جريان اصالة الحل و الطهارة فى الجلد المشتبه، لسلامتها عما يكون حاكما عليها، سواء قلنا بعدم جريان الاصل فى اطراف العلم الاجمالى رأسا، او قلنا بجريانه و سقوطه بالتعارض.
و اما القسم الثالث، فلا اشكال فى عدم جريان اصالة الحل و الطهارة فيه، لحكومة اصالة عدم التذكية الجارية فى الحيوان المشكوك تذكيته، على اصالة الحل و الطهارة فى الجلد.
و اما القسم الرابع، فلا اشكال فى عدم جريان اصالة الحل و الطهارة فيه، فيما اذا كان تذكية احد الحيوانين و عدم تذكية الاخر معلومين بالاجمال، و قلنا بجريان الاصل فى اطراف العلم الاجمالى، فيما اذا لم يكن جريانه فيها مستلزما لمخالفة قطعية عملية لتكليف فعلى الزامى، اذ بعد اجراء اصالة عدم التذكية فى جميع الحيوانات الثلثة المعلوم اجمالا اخذ الجلد المشتبه من احدها، لا مجال بحريان اصالة الحل و الطهارة فيه كما لا يخفى و انما الاشكال فى جريان اصالة الحل و الطهارة فى الجلد المشتبه و عدم جريانها، فيما اذا كان تذكية احد الحيوانين و عدم تذكية الاخر معلومين تفصيلا او اجمالا، و قلنا بعدم
ص: 139
جريان الاصل فى اطراف العلم الاجمالى مطلقا، فان اصالة عدم التذكية و ان كانت جارية فى خصوص الحيوان المشكوك كوك كونه مذكى، الا ان الشك فى الجلد المشتبه ليس مسببا عن الشك فى خصوصه، بل مسبب عن الشك فى جميع الحيوانات الثلثة المعلوم اجمالا اخذ الجلد المشتبه من احدها ثمانه قد يتمسك لاثبات حرمة اللحم المشتبه كونه من اجزاء المذكى او من اجزاء الميتة، بالاستصحاب الحكمى، حيث ان اللحم فى حال حيوة الحيوانين اللذين يشك فى اخذه من ايهما كان اكله حراما، فيستصحب، حرمة اكله الى ما بعد موتهما و فيه ان التمسك بهذا الاستصحاب، من قبيل التمسك بالعام فى الشبهة المصداقية، لانه بعد العلم بانتقاض الحالة السابقة فى اجزاء احد الحيوانين، و احتمال كون هذا اللحم من جملة تلك الاجزاء، يكون صدق نقض اليقين بالشك، على رفع البد عن حرمته الثابتة له فى حال حيوة الحيوانين، مشكوكا، اذ على تقدير كونه من اجزاء الحيوان الغير المذكى، يكون الحكم بحليته نقضا لليقين بالشك، و على تقدير كونه من اجزاء الحيوان المذكى، يكون الحكم بحليته نقضا لليقين باليقين، فمع عدم احراز كونه من اجزاء ايهما، يكون صدق نقض اليقين بالشك على الحكم بحليته مشكوكا هذا مضافا الى عدم احراز ما هو المعتبر فى الاستصحاب من اتصال زمان الشك بزمان اليقين، و ذلك لتخلل اليقين بحلة اجزاء احدها، بين اليقين بحرمة هذا اللحم فى حال حيوتها، و الشك فى حرمته بعد موتهما، و هذا نظير ما اذا رأى دمما فى اللحم و شك فى انه من المسفوح كى يكون نجسا او من المتخلف كى يكون طاهرا، فان كون دم الحيوان نجسا حال حيوته، لا يوجب صحة استصحاب النجاسة فى الدم المشكوك، لانه تخلل بين اليقين و الشك فى النجاسة، اليقين بانقسام الدم الى قسمين، قسم طهر كالمتخلف، و قسم بقى على نجاسته كالمسفوح و نظير ما اذا راى دما على البدن او اللباس، و شك فى انه من دم البرغوث الذى مصه من دم الانسان كى يكون طاهرا، او انه من دم الانسان كى يكون نجسا، فان كون دم الانسان نجسا حال كونه فى بدن الانسان، لا يوجب صحة استصحاب النجاسة
ص: 140
فى الدم المشكوك، بعد تخلل اليقين بطهارة بعض دم الانسان، بالانتقال، بين اليقين بالنجاسة و الشك فيها و توهم ان الظاهر بنائهم على اجراء الاستصحاب فى انائين كانانجسين، ثم طهر احدهما بمطهر كالمطر ثم اشتبه احدهما بالاخر، مع تخلل اليقين بالنجاسة و الشك فيها مدفوع بان بنائهم على اجراء الاستصحاب فى المثال ممنوع غاية المنع، و انما بنائهم على اجرائه فيما اذا علم بطهارة احد الانائين لا بعينه، اذ لا اشكال فى جريان الاستصحاب فى كليهما و تساقطهما بالتعارض، لانه لم يتخل بين زمان اليقين و زمان الشك زمان اصلا، و انما صار العلم الاجمالى منشاء للشك فى كل واحد منهما، فالشك فى النجاسة و ان كان متأخرا رتبة عن العلم الاجمالى بطهارة احدهما، لان الشك فى انتقاض الحالة السابقة فى كل منهما مسبب عن ذاك العلم الاجمالى، الا ان زمانه لم ينفصل عن زمان اليقين بالنجاسة، بل كان اليقين بالنجاسة فى كل منهما متحققا الى ان حصول العلم الاجمالى بطهارة احدهما، و حصل الشك فى ارتفاع الحالة السابقة فى كل منهما من هذا الان و هذا بخلاف الفرض الاول، فان انفصال زمان الشك عن زمان اليقين فيه واضح، بداهدة انه علم بطهارة احد الانائين المعين و بقاء نجاسة الاخر منهما كك، فانتقض الحالة السابقة فى احدهما المعين باليقين بالخلاف، ثم بعد العلم بالانتقاض اشتبه المنتقض حالته بالاخر، و صار هذا الاشتباه منشاء للشك فى انتقاض الحالة السابقة فى كل منهما، لا العلم بطهارة احدهما المعين، فاستصحاب الحال الذى قبل حصول العلم لا معنى له، لانتقاضه فى زمان حصول العلم، و استصحاب الحال الذى قبل حصول الاشتباه ايضا لا معنى له، لان حال قبل حصول الاشتباه غير معلوم، فان كل واحد منهما مشكوك انه كان قبل الاشتباه طاهرا او نجسا، و بالجملة فالفرق بين الفرض الاول و الثانى من وجهين احدهما تخلل يقين بالخلاف بين اليقين و الشك فى الاول و عدم تخلله بينهما فى الثانى ثانيهما حصول الشك بعد زمان اليقين بالخلاف فى الاول، و حصوله حال اليقين به فى الثانى هذا.
ص: 141
(قوله دام ظله و اما المال المردد بين مال الغير و مال نفسه الخ) لا يخفى ان جعل المال المردد بين مال الغير و مال النفس، من الشبهات التى يكون فيها اصل حاكم على اصالة البرائة، انما يصح فيما اذا كان مسبوقا بكونه مال الغير، حيث لا شبهة حينئذ فى كونه مورد الاستصحاب الحاكم ببفائه على ملكه، و اما اذا لم يكن له حالة سابقة معلومة، كما فى النتاج و المنافع، حيث ان الغنم المشتبه كونها من نتاج اغنامه او من نتاج اغثام الغير، و كذا التفاحة المشتبه كونها من نتاج اغنامه او من نتاج اغثام الغير، و كذا التفاحة المشتبه كونها من اثمار اشجاره او من اثمار اشجار الغير، ليس لهما حالة سابقة معلومة، فجعله من الموارد التى يكون فيها اصل حاكم على اصالة البرائة، بتقريب ان حلية المال معلقة شرعا على امور وجودية كالبيع و الصلح و الارث و غيرها من الاسباب المملكة، فاذا اشككنا فى تحقق السبب الموجب للحلية نستصحب عدمه، مبنى على كون الموجب لحلية النتاج و المنافع، هو حصولها من مال نفسه بمفاد كان التامة، كى يكون لعدم حصولها كك حالة سابقة ميتقنة، لانها قبل وجودها لم تكن حاصلة من مال نفسه، فنستصحب عدم حصولها من مال نفسه الى ما بعد وجودها و اما ان كان الموجب لحليتها هو حصولها من مال نفسه بمفاد كان الناقصة كما هو الظاهر، فليس لعدم حصولها كك حالة سابقة متيقنة، و عدم حصولها بمفاد كان التامة و ان كان له حالة سابقة متيقنه، الا ان استصحابه لا يجدى فى اثبات عدم حصولها بمفاد كان الناقصة، الاعلى القول بالاصل المثبت، فلا بد فى الحكم بحرمتها، من جعلها من الموارد التى ثبت اهتمام الشارع بها، بحيث لا يرضى بارتكاب المشتبه منها كما فى الدماء و الاعراض. و كذا الكلام فى مال الغير الذى نشك فى طبيعة نفس صاحبه، فان جعله من الموارد التى يكون فيها اصل حاكم على اصالة البرائة، يتقريب ان حلية التصرف فى مال الغير معلقة شرعا على طيب نفسه، و عند الشك نستصحب عدمه، مبنى على عدم القول بانه لو علق الحكم فى الدليل
ص: 142
على وصف وجودى، يكون نفس دليله دالا بالدلالة الالتزامية العرفية، على ثبوت نقيض ذلك الحكم عند الشك فى تحقق ذلك الوصف الوجودى، اذلو قلنا بهذه المقالة كما ذهب اليه بعض الاساتيد و جعله منشاء لانقلاب الاصل فى باب الدماء و الاعراض و الاموال، لا يبقى لاستصحاب عدم ذاك الوصف الوجودى المعلق عليه الحكم مجال، كى يكون حاكما على اصالة البرائة، بل الحاكم عليها حينئذ هو الدليل لا الاصل كما هو واضح.
(قوله دام ظله المسئلة الثانية ما اذا كان شاكا فى متعلق التكليف الخ)
اقول لما فرع دام ظله عن حكم الشك فى اصل التكليف من جهة الشبهة الحكمية و الموضوعية، شرع فى بيان حكم الشك فى متعلق التكليف اعنى المكلف به مع العلم باصل التكليف و توضيح الكلام فى المقام بحيث يكشف عن وجه المرام، هو ان الشك فى متعلق التكليف بعد احراز اصله، تارد يكون من جهة الشك فى نوع التكليف مع احراز جنسه، بحيث لو علم بنوعه ايضا لم يبق شك فى متعلقه، كما لو علم اجمالا بوجوب الدعاء عند روية الهلال او بحرمة شرب التسّن، فان الشك فى متعلق التكليف و انه الدعاء عند الرؤية او شرب التتن، انما هو من جهة الشك فى ان التكليف المعلوم بالاجمال هل هو الوجوب او الحرمة، بحيث لو على انه الوجوب لعلم بان المتعلق هو الدعاء، و لو علم انه الحرمة لعلم بان المتعلق هو الشرب و اخرى يكون من جهة الشك فى الفعل الذى تعلق به التكليف، مع كون اصل التكليف معلوما بحسب الجنس و النوع، كما لو علم اجمالا بوجوب الظهر او الجمعة و على كلا التقديرين، اما ان تكون الشبهة حكمية بمعنى ان رفعها من وظيفة الشارع، و اما تكون موضوعية بمعنى ان رفعها ليس من وظيفة الشارع، و ان كان جعل الحكم للمشتبه بما هو مشتبه من وظيفته، و الشبهد الحكمية تاره تكون ناشئة من عدم النص و اخرى من اجمال النص و ثالثة من تعارض النصين و المفصود هنا التكلم فى حكم هذه الشبهة باقسامها، من جهة الاصل الاولى
ص: 143
العقلى و النقلى، اذ حكم جميع الاقسام من هذه الجهة واحد، و ان اختص بعض منها بحكم اخر لدليل خارجى وارد على الاصل العقلى و حاكم على النقلى، كالشبهة الناشئة من تعارض النصين. فان مقتضى القاعدة الاولية فى تعارضهما بناء على الطريقية، و ان كان هو التساقط و الرجوع الى الاصل، و هو فى المقام الاحتياط للعلم بتكليف فعلى فى البين، الا انه قد دل الدليل على لزوم الاخذ باحدهما تعيينا مع المزية و تخييرا بدونها، و هذا الدليل وارد على الاصل العقلى و حاكم على الاصل الشرعى و بالجملة المقصود فى المقام هو بيان حكم المكلف المحرز لتكليف المولى فى الجملة مع تمكنه من الاحتياط، و انه بحسب الاصل الاولى العقلى و النقلى هو البرائة او الاحتياط فنقول الاقوى ان حكم وجوب الاحتياط، بايتان جميع المحتملات فيما كان الواجب مرددا بين امور محصورة، و و بترك جمعها فيما كان الحرام كك، و بايتان هذا و ترك ذاك، فيما كان الالزام المعلوم مرددا بين وجوب هذا و حرمة ذاك و تحقيق ذلك يتوقف على التكلم فى مقامات الاول هل للعلم الاجمالى تأثير و لو بنحو الاقتضاء فى وجوب اتباعه عقلا، او ان حاله عند العقل كحال الشك البدوى فلا تأثير له اصلا الثانى هل العلم الاجمالى بناء على كونه مؤثرا فى ذلك عقلا، يكون عنده كالعلم التفصيلى فى كونه مؤثرا فى وجوب الموافقة و حرمة المخالفة كليهما، او يكون موثرا فى حرمة المخالفة فقط الثالث هل العلم الاجمالى بناء على كونه مؤثرا عند العقل فى حرمة المخالفة فقط او وجوب الموافقتا يضا، يكون هذا التاثير منه على نحو العلية مطلقا، بحيث لا يصح المشارع الترخيص فى طرف من الاطراف، او انه على نحو الاقتضاء مطلقا قيصح للشارع الترخيص فى جميع الاطراف، او انه على نحو العلية التامة بالنسبة الى حرمة المخالفة و على نحو الاقتضاء بالنسبة الى وجوب الموافقة فيصح للشارع الترخيص فى بعض الاطراف دون جمعها الرابع بناء على كون هذا التأثير منه على نحو الاقتضاء اما مطلقا او بالنسبة الى وجوب الموافقة فقط، هل يمكن اثبات الترخيص من الشارع فى جميع الاطراف او بعضها، بالاخبار الدالة على
ص: 144
الترخيص فى موارد الشك كحديث الرفع و نحوه ام لا اما المقام الاول، فلا شبهة بحكم الوجدان فى ان العلم الاجمالى ليس كالشك البدوى، بحيث لا يكون له تأثير فى تنجيز ما تعلق به من الحكم الفعلى اصلا، و لذا يصح معه المؤاخذة على مخالفة التكليف المعلوم بالاجمال، و لا يقبل الاعتذار من مخالفته بعدم العلم به تفصيلا نعم لو قلنا بان للحكم مراتب بحسب الاقتضاء و الانشاء و الفعلية و التنجز، و ان الاحكام الواقعية لا تصل الى مرتبة الفعلية و التنجز الا بالعلم التفصيلى، كان للمنع عن تاثير العلم الاجمالى مطلقا مجال، لكنه بمعزل عن التحقيق و اما المقام الثانى، فالحق فيه ان العلم الاجمالى كالعلم التفصيلى، فى كونه مؤثرا عقلا فى حرمة المخالفة و وجوب الموافقة كليهما، و ذلك لان المفروض ان العلم الاجمالى بالتكليف الفعلى اوجب تنجزه على المكلف و اشتغال ذمته به، و الاشتغال اليقينى بالتكليف يستدعى البرائة اليقينية عنه، و هى لا تحصل الا بالموافقة القطعية، التى لا تتحقق الا بالاحتياط فى جميع الاطراف و اما المقام الثالث، فالحق فيه ان تأثير العلم الاجمالى، على نحو العليه التامة بالنسبة الى حرمة المخالفة، و على نحو الاقتضاء بالنسبة الى وجوب الموافقة، و ذلك لان حكم العقل بحرمة المخالفة القطعية، حكم تنجيزى لا يقبل للارتفاع، لان المخالفة القطعية حالها عند العقل كحال الظلم الذى يكون قبحه ذاتيا لا يتغير بالوجوه و بالاعتبار، بل هى من اوضح مصاديق الظلم لانها خيانة بالنسبة الى المولى فتكون ظلما عليه، و هذا بخلاف حكم بوجوب الموافقة القطعية، فانه تعليقى معلق على عدم ترخيص الشارع فى بعض الاطراف، بداهة ان حكمه بوجوبها و لزوم الاحتياط، انما هو من جهة احتمال الضرر و عدم الامن من العقاب، فاذ ادل الدليل على الترخيص فى بعض الاطراف، يؤمن به من الضرر و العقاب المحتمل على ترك البعض المرحص فيه او ارتكابه، و الترخيص فى بعض الاطراف ليس اذنا فى المعصيته، كى يكون قبيحا بحكم العقل محالا صدوره عن الشارع، و لا يكون منافيا للتكليف الواقعى المعلوم بالاجمال، لما ذكرنا فى محله من اختلاف مرتبة الحكمين، و ان الموضوع
ص: 145
للحكم الواقعى هو عنوان فعل المكلف بملاحظة ذاته مجردا عما يطرء عليه من قبل الحكم ككونه معلوم الحكم او مشكوكه، بداهة ان هذه الاوصاف مما يعرض عليه بعد تعلق الحكم به، فلا يمكن ادراجها فى موضوع الحكم، و الموضوع للحكم الظاهرى هو عنوان فعل المكلف بملاحظة كونه مشكوك الحكم، فالحكم الظاهرى متأخر عن الحكم الواقعى بمرتبتين، لتاخره عن الشك فى الحكم الواقعى المتاخر عن الحكم الوافعى، و مع هذا الاختلاف الرتبى بين الحكمين الناشى عن اختلاف الموضوع و توهم ان موضوع الحكم الظاهرى، و ان لم يكن فى رتبة موضوع الحكم الواقعى لتاخره عنه بمرتبتين، بداهة تاخره عن الحكم الواقعى المتأخر عن موضوعه، الا ان موضوع الحكم الواقعى يكون محفوظا فى رتبة موضوع الحكم الظاهرى، ضرورة انحفاط الذات فى مراتب العناوين الطارية عليها، فاذا كان موضوع الحكم الواقعى محفوظا فى رتبة موضوع الحكم الظاهرى، فيلزم اجتماع حكمين متنافيين فيه فى هذه الرتبة مدفوع بان الموضوع للحكم الواقعى و ان كان محفوظا فى رتبة الموضوع للحكم الظاهرى، بداهة اتحاد هما ذاتا و ان تغايرا اعتبارا، الا ان مجرد ذلك لا يجدى فى سريان الحكم الواقعى بالنسبة اليه فيهذه الرتبة ايضا، كى يلزم اجتماع حكمين فى موضوع واحد، بل لا بد فى سريانه اليه فيهذه الرتبة ايضا، ان يكون فى مقام جعل الحكم الواقعى عليه، ملحوظا على نحو الاطلاق بالنسبة الى الحالات الطارية عليه من قبل الحكم و بلحاظه، و قدر عرفت استحالة ذلك و انه لا يمكن ادراج ما يجئى من قبل الحكم فى موضوع و توهم ان ما ذكرنا من ان الموضوع للحكم الواقعى لا اطلاق له بالنسبة الى الاوصاف و الحالات الطارية عليه عليه من قبل الحكم، مستلزم لصحة جعل حكم اخر على خلاف الحكم الواقعى فى مورد العلم التفصيلى بالحكم الواقعى فضلا عن العلم الاجمالى، به اذعلى ما ذكرنا ليس لموضوع الحكم الواقعى اطلاق بالنسبة الى حال كونه معلوم الحكم كى يلزم من جعل حكم اخر له فيهذه الحال التناقض و اجتماع حكمين متنافيين فى موضوع واحد مدفوع يان موضوع
ص: 146
الحكم الواقعى، و ان لم يكن بالنسبة الى الحالات الطارية عليه من قبل الحكم، مطلقا بالاطلاق اللحاظى اعنى فى رتبة الخطاب، لما عرفت من استحالة اخذ ما يجئى من قبل الحكم فى موضوعه، الا انه لا بد من الالتزام باطلاقه بالنسبة الى حال كونه معلوم الحكم تفصيلا بدلالة الاقتضاء، بداهة ان الغرض من الخطابات المتكفلة لبيان الاحكام الواقعية، ليس الا انبعاث المكلف بها نحو المامور به و انزجاره عن المنهى عنه، و من المعلوم ان انبعاث العبد و انزجاره من بعث المولى و زجره، يتوقفان على علمه بالبعث و الزجر، اذ لا يكفى وجود هما الواقعى فى انبعاثه و انزجاره اصلا كما لا يخفى، فاذا لم يكن لموضوعات الاحكام الواقعية اطلاق بالنسبة الى حال كونها معلوم الحكم، لزم ان يكون تشريع تلك الاحكام لغوا، بداهة انها قبل العلم بها لم تكن مؤثرة فى انبعاث العبد و انزجاره، و بعد العلم بها لم يكن لموضوعاتها اطلاق بعم هذا الحال، كى ترى تلك الاحكام اليها فى هذا الحال و قصير مؤثرة فى انبعاث العبد و انزجاره، فلزم ان يكون تشريعها بلانائدة و لغوا، هذا بالنسبة الى العلم التفصيلى و اما بالنسبة الى العلم الاجمالى، فنقول ان هنا علما باصل التكليف و شكافى متعلفه و انه هذا او ذاك، و نقطع بانه ليس شئى منهما من العناوين الطارية على موضوع الحكم الواقعى، المقتضية لجعل حكم اخر عليه بهذا العنوان، نظير الاضطرار العارض على اكل الميتة المقتضى للترخيص فى اكلها، فاذا لم يكن العلم باصل التكليف و لا الشك فى متعلقه من العناوين المقتضية لجعل حكم اخر على خلاف الحكم الواقعى، فيكون الحكم الواقعى محفوظا باطلاقه الذاتى فيترتب عليه حكمه نعم الاحتياط التام فى اطراف العلم الاجمالى باتيان جميعها او تركه، حيث يحتمل كونه مؤديا الى فوت غرض اخر مهم للشارع كالتسهيل مثلا، فيمكن ان يكون مقتضيا لترخيص الشارع فى بعضها تعيينا او تخييرا جمعا بين الغرضين، غاية الامران احراز احدهما و هو الواجب المعلوم بالاجمال يكون احتماليا و احراز الاخر قطعيا، و لا ضير فيه بعد كونه هو القدر الممكن من احراز الغرضين فى المقام، كما كان مقتضيا لترخيص العقل فى بعضها
ص: 147
فيما كان الاحتياط فى جميعها مؤديا الى اختلال النظام، فكما ان حكم العقل بالترخيص فى ذلك المقام لا يكون مناقضا للحكم الواقعى المعلوم بالاجمال، فكك حكم الشرع به فى المقام، و السرفى ذلك هو ان الشارع جلس فى هذا المقام على كرسى العقل، و حكم بهذا الحكم من حيث كونه رب العقل، لا مع حيث كون شارعا كى يناقض حكمه هذا مع حكمه الواقعى المعلوم بالاجمال و توهم ان حكمه عليهذا لا بكون موليا بل للارشاد الى حكم العقل، فيلزم حينئذ الالتزام بما يحكم به العقل من التبعيض فى الاحتياط بتركه فى الاطراف التى يكون احتمال التكليف فيها موهوما لا بالترخيص فى بعض الاطراف تعيينا او تخييرا مدفوع بانه يمكن ان يكون التكليف المعلوم بالاجمال فى نظر الشارع، غالبا فى الاطراف التى يكون احتمال التكليف فيها عند العقل موهوما، او فى الاطراف التى لا تكون مسبوقة بعدم التكليف، و معه لا وجه للالتزام بما يحكم به العقل من الترخيص فى خصوص الاطراف التى يكون احتمال التكليف فيها موهونا هذه خلاصة ما افاده الاستاد دام ظله فى تصوير امكان ترخيص الشارع فى بعض الاطراف تعيينا او تخييرا فى مرحله الثبوت، لكن ما افاده من دعوى القطع بان الشك فى كل ملرف ليس مقتضيا لجمل حكم اخر فيه على خلاف الحكم الواقعى المعلوم بالاجمال بينه و بين غيره من الاطراف، مما لا يدركه فهمى القاصر، لانه ان كان المراد منه ان الشك ليس سببا لحدوث مصلحة تزاحم مع مصلحة الحكم الواقعى فهو حق، و ان كان المراد الشك لا يقتضى لجعل حكم على خلاف الحكم الواقعى، فهو ممنوع بعد ما نرى من الاحكام المجعولة فى موارد الشكوك البدوية، التى قد تخالف مع الاحكام الواقعية المجعولة فيها واقعا، و الفرق بين الشك الواقع فى المقام، و الشك الواقع فى الشبهات البدوية، بكون الاول مقرونا بالعلم بتكليف الزامى بخلاف الثانى، غير فارق بعد اشتراكهما فى احتمال وجود الحكم الواقعى فى مورد كليهما، و عدم التنافى بين الحكم المجعول فى مورد كل منهما مع الحكم الواقعى المحتمل وجوده فيه سلمنا عدم اقتضاء الشك فى كل طرف لجعل حكم اخر فيه على خلاف
ص: 148
الحكم الواقعى، لكن كون مجرد ذلك مقتضيا لثبوت الحكم الواقعى فى مورد الشك ممنوع، بداهة ان عدم ثبوت الحكم الواقعى فى مورد الشك، لم يكن لاجل ان اقتضاء الشك لجعل حكم اخر فى مورده كان مانعا عن ثبوت الحكم الواقعى فيه، كى يقال اذا لم يكن الشك مقتضيا لجعل حكم اخر، فالحكم الواقعى ثابت لانتفاء المانع عنه، بل كان عدم ثبوته فى مورد الشك انما هو لاجل قصور مقتضيه، من جهة عدم الاطلاق لموضوعه بالنسبة الى حال الشك فيه، فاذا كان عدم ثبوت الحكم الواقعى فى مورد الشك، لاجل قصور مقتضيه، فلا يكون فى اطراف العلم الاجمالى حكم واقعى، كى يكون الترخيص فى جميعها اذنا فى المعصية و مناقضا للحكم الالزامى المعلوم بالاجمال بينها، و لا يكون ايضا مقتض للاحتياط فى اطرافه، كى يحتمل ان يكون الاحتياط التام فى اطرافه مقتضيا لترخيص الشارع فى بعضها تعيينا او تخييرا هذا فالاولى ان يقال ان الموضوع للاحكام الواقعية، و ان لم يمكن ان يكون مطلقا بالنسبة الى حالتى كونه معلوم الحكم و مشكوكه، بالاطلاق اللحاظى و فى رتبة الخطاب، لاستلزامه اخذ ما يجئى من قبل الحكم فى موضوعه، الا انه لا بد ان يكون مطلقا بالنسبة اليهما بنحو نتيجة الاطلاق، بداهة استلزام عدم اطلاقه بالنسبة اليهما، عدم شمول الاحكام الواقعية للعالم بها و الشاك فيها، فيلزم ان يكون تشريعها لغوا، و استلزام عدم اطلاقه بالنسبة الى خصوص حال كونه مشكوك الحكم، لاختصاص الاحكام الواقعية بالعالم بها، و هذا مخالف للاجماع على كونها مشتركة بين العالم و الجاهل، هذا مضافا الى استلزام عدم اطلاقه بالنسبة الى حالتى العلم بحكمه و الشك فيه، ان يكون تعلق العلم بحكمه او الشك فيه موجبا للقطع بعدمه و هو كما ترى، فاذا كان موضوع الاحكام الواقعية مطلقا بالنسبة الى حال العلم الاجمالى بها ايضا، فيكون الترخيص فى جميع الاطراف مخالفا للعلم بالتكليف المنجر بينها، فلا يكون معه مرتبة الحكم الظاهرى محفوظة، و هذا بخلاف الترخيص فى بعضها، اذ مرتبة الحكم الظاهرى بالنسبة اليه محفوظة، لعدم العلم بمخالفته للتكليف المنجز المعلوم فى البين كما
ص: 149
لا يخفى هذا تمام الكلام فى المقام الثالث، و قد عرفت ان الحق هو امكان ترخيص الشارع فى بعض الاطراف للعلم الاجمالى تعيينا او تخييرا بقى الكلام فى مقام الرابع، و هو امكان اثبات الترخيص من الشارع فى بعض الاطراف، بالاخبار الدالة على الترخيص فى موارد الشك كحديث الرفع و نحوه فنقول ان غاية ما يكن ان يقال فى اثبات ذلك بالادلة المرخصة، هى ان ادلة الترخيص ككل شئى حلال حتى تعرف انه حرام، و ان كانت شاملة لمورد العلم الاجمالى، بداهة ان الظاهر من قوله عليه السلام حتى تعرف انه حرام هو ان الغاية هى العلم بحرمة نفس المشكوك، لا المردد بينه و بين غيره، كى يلزم من شمولها لمورد العلم الاجمالى التناقض فى مدلولها، و كان مقتضى شمولها لمورد الاجمالى هو - الترخيص فى كل طرف طرف من الاطراف، الا ان الترخيص كك حيث يكون مخالفا للعلم بالتكليف الفعلى الالزامى المنجز بينها، و مستلزما للاذن فى المعصية، فلا بد من تخصيصه بمقدار لا يلزم منه ذلك، و حيث ان تخصيصه باحد الاطراف تعيينا ترجح بلا مرجح، فلا بد من تخصيصه باحدها تخييرا و توهم ان الادلة انما دلت على الترخيص فى كل مشتبه تعيينا لا على الترخيص فى البعض المبهم تحييرا، فلم يكن البعض الغير المعين مشمولا لها من اول الامر، كى يحفظ عمومها بالنسبة اليه، فلا بد فى الحكم بالترخيص فيه من التماس دليل اخر مدفوع اولا بالنقض بحكمهم بجواز تزويج احدى الاختين تخييرا، مع ان العمومات لم تدل الاعلى جواز تزويج كل واحدة من النساء تعيينا، و لم يدل قوله تعالى وَ أَنْ تَجْمَعُوا بَيْنَ اَلْأُخْتَيْنِ، الا على عدم جواز الجمع بينهما، و لم يكن هناك دليل اخر يدل على جواز تزويج احد بهما تخييرا و ثانيا بالحل و هو بطريقين احدهما ان يقال ان مقتضى عموم الادلة، و ان كان الترخيص فى كل من الاطراف تعيينا، فلا دلالة على الترخيص فى البعض الغير المعين، الا انه يمكن استكشاف هذا الترخيص منها بضميمة حكم العقل و توضيح ذلك يتوقف على تمهيد مقدمة، و هى ان القضية المشتملة على حكم متعلق بعنوان من العناوين على سبيل الاطلاق او العموم، يستفاد منها
ص: 150
امران، احدهما ثبوت ذلك الحكم لتمام افراد ذلك العنوان و الثانى وجود ملاك الحكم فى كل فرد منها ثم ان ثبت قيد يرجع الى مادة القضية، فمقتضى ذلك التقييد تضييق ذائرة ذلك الحكم و ملاكه معا، و ان ثبت قيد يرجع الى الهية، فمقتضاه رفع اليد عن اطلاقها دون المادة اذا تمهدت هذه المقدمة فنقول اذا وردت قضية دالة على وجوب انقاذ الغريق، فاطلاق هيئهتا و ان كان مقيدا عقلا بما اذا لم يكن هناك غريقان، بداهة ان اطلاقها لهما مستلزم للتكليف بما لا يطاق و هو قبيح بحكم العقل، الا ان مقتضى ذلك هو رفع اليد عن اطلاق الهيئة بالنسبة اليهما دون المادة، فاذا كانت المادة باقية على اطلاقها بالنسبة اليهما، فيستكشف من اطلاقها لهما وجود ملاك الحكم فى كليهما، فيدخل فى باب التزاحم الذى يستكشف العقل فيه لاحراز الملاك فى كلا المتزاحمين، وجوبا تخييريا ان لم يكن احدهما اهم، وجوبا تعيينيا متعلقا بالاهم ان كان احدهما كك اذا عرفت هذا منقول ان الادلة المرخصة، و ان قيد اطلاقها عقلا بما اذا لم يكن هناك علم اجمالى، لاستلزام اطلاقها معه للاذن فى المعصية و هو قبيح بحكم العقل، الا ان اقتضاء كل مشكوك و لو كان مقرونا بالعلم، للترخيص و الاباحة، يستكشف من اطلاق المادة، و بعد تعذر الجرى على مقتضى كل من الاطراف لاستلزامه الاذن فى المعصية، و كون الجرى على مقتضى احدها معينا ترجيحا بلا مرجح، يستكشف عقلا ان بعض الاطراف على سبيل التخيير مرخص فيه و توهم ان هذا الحكم من العقل انما يصح فيما قطع بان الجرى على طبق احد الاقتضائين لا مانع فيه كما فى مثال الغريقين، بخلاف ما نحن فيه، اذ كما ان الشك يكون مقتضيا للترخيص، كك العلم الاجمالى يكون مقتضيا للاحتياط، و لعل اقتضاء العلم يكون اقوى فى نظر الشارع من اقتضاء الشك، و معه كيف يقطع العقل بالترخيص فى احد الاطراف على سبيل التخيير مدفوع بمامر من ان اقتضاء العلم الاجمالى للموافقة القطعية بالاحتياط التام تعليقى، فلا يكون قابلا للمزاحمة مع اقتضاء تنجيزى الشك للترخيص كما هو واضح الطريق الثانى ان يقال، ان مقتضى الاطلاق الاحوالى للحكم فى الادلة
ص: 151
المرخصة، لما كان هو ثبوت الاذن فى كل واحد من الاطراف فى حال ارتكاب الباقى و فى حال عدم ارتكابه، و كان ابقاء هذا اطلاق مستلزما للاذن فى المعصية، قيد هذا الاطلاق بحكم العقل بعدم الاذن فى حال ارتكاب الباقى، و بقى حال عدم ارتكاب الباقى تحت اطلاقه، فنأخذ بمقتضاه فى هذا الحال، و نقول بثبوت الاذن فى كل واحد من الاطراف مع عدم ارتكاب الباقى، حفظا لاطلاق الحكم فيما لم يدل دليل على خلافه، و بهذا البيان يمكن اثبات الخطابين المشروطين فى تزاحم الواجبين، كما اذا اجتمع غريقان لا يقدر على انقاذ كليهما، بان يقال ان مقتضى اطلاق انقذ الغريق، و ان كان هو ثبوت خطاب انقذ بالنسبة الى كل واحد من الغريقين، على نحو الاطلاق اعنى فى حال انقاذ الاخر و فى حال عدم انقاذه، الا ان انقاذ كل واحد منهما فى حال انقاذ الاخر، لما كان غير مقدور للمكلف، قيد بحكم العقل اطلاق كلا الخطابين، و جعل كل منهما مشروطا بترك انقاذ الاخر لا يقال مقتضى ذلك ثبوت الخطابين فى حال ترك كليهما، لثبوت شرط كل منهما فى هذا الحال، فيلزم التكليف بما لا يطاق و هو انقاذ الغريقين فى حال المفروض فى مسئلة التزاحم، و الاذن فى المعصية فى تلك الحال فى الشبهة المحصورة لانا نقول ان عنوانى الفعل و الترك و ما ينتزع عنهما من الاطاعة و العصيان، تكون نظير عنوانى الموجود و المعدوم المحمولين على المهيات، فكما انه لا بد فى حمل الموجود و المعدوم على المهية، من فرضها مجردة عن الوجود و العدم، حتى يصح ان يقال انها موجودة او معدومة، و الا يلزم اما التناقض لو اخذت المهية فى حمل الموجود او المعدوم عليها مطلقة بالنسبة اليهما، او حمل النقيض على النقيض لو اخذت فى حمل كل منهما عليها مقيدة بالاخر، او حمل الشئى على نفسه لو اخذت فى حمل كل منهما عليها مقيدة به كذلك لا بد فى تعلق الطلب بعنوان، من فرض ذاك العنوان مجردا عن الفعل و الترك كى يصح تعلق الطلب به، و الا يلزم اما طلب النقيضين او طلب الحاصل كما هو واضح، فاذا كان متعلق الطلب لا بد ان يؤخذ معرى عن الفعل و الترك حتى بصح ان يتعلق به
ص: 152
الطلب، فلا يعقل ان يكون مطلقا بالنسبة الى حال فعله و تركه لا مقيدا بالنسبة الى احدهما، فاذا لم يكن له اطلاق بالنسبة الى حال فعله و تركه، فلا يكون للطلب المتعلق به اطلاق بالنسبة الى تلك الحالة، كى بقتضى ايجاد الفعل فى حال تركه، حتى يلزم ما ذكر من محذور ثبوت خطا بين فى مسئلة الغريقين فى حال ترك كليهما، و ثبوت الاذن فى المعصية فى الشبهة المحصورة فى تلك الحال لا يقال ان ثبوت الخطابين فى الحال المفروض المستلزم للمحذور المذكور، ليس لاطلاق الخطاب بالنسبة الى حال ترك متعلقه، كى يمنع عن اطلاقه بالنسبة الى تلك الحال، بل لثبوت شرط كل منهما فى الحال المفروض لانا نقول ان ثبوتهما فى الحال المفروض، و ان كان لثبوت شرط كل منهما فيه، الا انه مستلزم لشمول الاطلاق للفعل فى حال تركه، لان المدعى ثبوتهما فى حال ترك الواجبين لا يقال لازم ما ذكر من تقييد الاطلاق الاحوالى للادلة المرخصة بحكم العقل، و الحكم بثبوت الاذن فى كل واحد من الاطراف فى حال عدم ارتكاب الباقى، هو اجتماع اللحاظين المتنافيين فى تلك الادلة، لان الاذن فيها بناء على ما ذكر يكون مشروطا بالنسبة الى الشبهة المقرونة بالعلم الاجمالى، مع انه مطلق بالنسبة الى الشبهة البدوية، فيلزم ان يلاحظ الحكم المنشاء بانشاء واحد مطلقا و مشروطا لانا نقول هذا المحذور انما يلزم، لو قلنا بان القيد الوارد على المطلق يكشف عن ارادة المقيد منه فى مقام الاستعمال تجوزا، و اما ان قلنا بما هو الحق من ان المطلق فى مقام الاستعمال اريد منه ما هو ظاهره من الاطلاق، و ان القيد كاشف عن عدم ارادته منه فى مقام اللب، فلا يلزم محذور اصلا كما لا يخفى ان قلت بعد ترخيص الشارع فى بعض الاطراف معينا او مخيرا، و احتمال كون التكليف المعلوم بالاجمال متعلقا بماير تكبه المكلف من البعض المرخص فيه، لا يعلم بتكليف فعلى فى البين اصلا، لدورانه بين تعلقه بما يرتكبه فلا يكون فعليا، و بين تعلقه بغيره فيكون فعليا، فاذا كان وجود التكليف الفعلى مشكوكا، فلا وجه لوجوب الاحتياط فى الطرف الغير المرخص فيه قلت اذا علم بالتكليف و شك فى تحقق ما
ص: 153
يسقطه عن الفعلية، لا يكون مجرد الشك فى ذلك مانعا عن تأثير العلم الاجمالى فى وجوب امتثاله عقلا، و لذا لو شك فى وجود مزاحم اقوى و اهم للواجب المعلوم، او شك فى حصول العجز عنه كى يكون ساقطا، لا يكون مجرد شكه مانعا عن تأثير العلم، بل لا بد له من الامتثال، لان المقتضى موجود و المانع غير محرز، و بالجملة احتمال كون ما يرتكبه هو الموضوع و المتعلق للتكليف المعلوم لا يرفع تأثير العلم، و لا يكون التكليف معه كالشبهة البدوية، اذ يكون العقاب عليها بلا بيان، بخلاف المقام فان وجود موضوع الحكم فيه معلوم، و تعلق التكليف الفعلى به ان لم يكن هو المرخص فيه معلوم، و انما الشك فى ان المرخص فيه هو المتعلق للتكليف او المتعلق غيره، فلو كان المتعلق غير المرخص فيه و ارتكبه، فقد ارتكبه مع العلم بحرمته المنجزة فتدبر هذه غاية ما يمكن ان يقال فى استفادة الترخيص فى بعض الاطراف للعلم الاجمالى تخييرا، من الادلة المرخصة فى موارد الشك و لكن فيه انه لا يمكن استفادة ذلك من تلك الادلة اصلا، لا من اطلاق مادتها و لا من اطلاق هيئتها، اما الاول فلان استكشاف الحكم التخييرى من اطلاق المادة انما هو فيما كان اطلاقها كاشفا عن وجود ملاك الحكم فى تمام الافراد كما فى باب التزاحم، و لا يمكن استكشاف وجود الملاك للترخيص فى تمام اطراف العلم الاجمالى، من اطلاق مادة تلك الادلة، بداهة ان مع العلم بحرمة بعض الاطراف، لا يمكن استكشاف وجود المصلحة و الملاك للترخيص فى جميعها، و ذلك لاستحالة استكشاف وجود المصلحة و الملاك للترخيص فى جميع الاطراف، مع العلم بوجود المفسدة الملزمة و الملاك للمنع فى بعضها كما هو واضح و اما الثانى فلان الامر فى المقام بدور بين ارتكاب التخصيص فى ادلة الترخيص، باخراج الشبهة المقرونة بالعلم الاجمالى عن عمومها رأسا، و بين ارتكاب التقييد فيها بالتزام ثبوت الاذن فى كل من اطراف العلم
ص: 154
الاجمالى فى حال عدم ارتكاب الباقى لا مطلقا، و لا مرجح للثانى فتدبر(1).
هذا كله مضافا الى امكان دعوى ان الادلة المرخصة ليست متعرضة الالحكم اقتضائى حيثيتى، بمعنى انها فى مقام بيان حكم الشك من حيث انه شك، فلا اطلاق لها بالنسبة الى ما اذا كان هناك ما يقتضى الاحتياط كالعلم الاجمالى سلمنا كونها فى مقام بيان الحكم الفعلى للشك، من جهة ظهور قوله عليه السلام فيها حتى تعلم انه حرام، فى ثبوت هذا الحكم و عدم ارتفاعه الا بارتفاع موضوعه و هو الشك بالعلم بالخلاف.
لكن نقول ان مقتضى الادلة الدالة على ان العالم يحتج عليه بما علم و انه فى غير سعة من معلوماته، هو الاحتياط فى اطراف المعلوم بالاجمال بحكم العقل، و هو ينافى للترخيص الذى استكشفناء من اطلاق الادلة المرخصة كما هو واضح او كان فى الادلة المرخصة ما كان مورده خصوص الشبهة المقرونة بالعلم الاجمالى، كقوله عليه السلام فى صحيحة عبد اللّه بن سنان المتقدمة فى ادلة البرائة كل شئى يكون فيه حلال و حرام فهو لك حلال حتى تعرف الحرام منه بعينه فتدعه، بناء على حمله على وجود القسمين خارجا كى ينطبق على الشبهة المقرونة بالعلم الاجمالى على ما مر بيانه، امكن استكشاف الترخيص منه فى بعض اطراف العلم الاجمالى على سبيل البدلية و التخيير، بعد رفع اليدعن ظهوره فى الترخيص فى تمامها على سبيل التعيين بحكم العقل، من جهة استلزام الترخيص فى تمامها للاذن فى المعصية و هو قبيح عقلا، لكن قد عرفت فيما مر ان المتعين حمله على وجود القسمين ذهنا كى ينطبق على الشبهة الموضوعية البدوية و قد يستدل لاثبات الترخيص فى بعض اطراف العلم الاجمالى على سبيل البدلية و التخيير، بصحيحة على بن جعفر عليه السلام عن اخيه موسى عليهم السّلام فى رجل رعف فامتخط فصار الدم قطعا صغارا فاصاب انائه هل يصح الوضوء منه، فقال عليه السلام ان
ص: 155
لم يكن شيئا يستبين فى الماء فلا بأس و ان كان شيئا بينا فلا يتوضاء منه، بناء على ارادة السائل من اصابة الاناء الاعم منه و من الماء بان يكون وصول الدم الى الاعم منهما معلوما، و شك فى وصوله الى خصوص الماء او الاناء، اذ حينئذ يكون معنى الجواب ان لم يكن الدم المفروض اصابته واحدا من الماء و الاناء شيئا يستبين فى الماء بحيث يعلم وصوله اليه فلا بأس، فيدل على الترخيص فى بعض اطراف العلم الاجمالى مع كون جميعها محلا للابتلاء و فيه ان ظهور الرواية فى ذلك ممنوع، و ذلك لانه يحتمل قريبا ان يكون مراد السائل من اصابة الاناء اصابة خصوص الماء، من باب تسمية الحال باسم المحل، و يكون معنى الجواب حينئذ ان لم يكن الدم المفروض اصابته خصوص الماء لمكان قلته شيئا يستبين فى الماء بالنظرة الاولى فلا بأس، فتكون الرواية حينئذ دليلا لما ذهب اليه الشيخ قدس سره من عدم انفعال الماء القليل بما لا يدركه الطرف من الدم سلمنا ظهورها فى ذلك، لكن للمنع عن كون جميع الاطراف محلا للابتلاء مجال، لان ظهر الاناء لا اثر للطهارة فيه عادة، اذ لم تجر العادة باستعماله فيما يشترط بالطهارة.
(قوله دام ظله و ينبغى التنبيه على امور، الاول لو كان اطراف المعلوم بالاجمال مما لا يوجد الا تدريجا الخ) حاصل مرامه من التنبيه على هذا الامر، هو انه بعد ما فرغنا عن تأثير العلم الاجمالى فى تنجيز المعلوم بالاجمال، فهل يكون فرق فى ذلك بين ما كان اطراف المعلوم دفعية مجتمعة الوجود او تدريجية، فلا يؤثر العلم للتنجيز فى الثانى مطلقا، او لا يكون فرق ذلك بينهما فيؤثر العلم للتنجيز فى الثانى ايضا مطلقا الحق هو الثانى، توضيح ذلك، هو ان التكليف المعلوم بين الموجودات التدريجية على تقدير تعلقه بالاطراف الواقعة فى القطعات الاتية من الزمان، قد تكون تلك القطعات مجرد ظرف لتحقق تلك الاطراف، من دون ان يكون لها دخل على نحو الشرطية فى اصل التكليف، و لا على نحو القيدية فى متعلق التكليف كما فى الواجب المطلق و قد يكون لها دخل على نحو القيدية فى متعلق التكليف، و لا يكون لها دخل على نحو الشرطية فى التكليف، كما
ص: 156
فى الواجب المعلق على القول به و قد يكون لها دخل على نحو الشرطية فى اصل التكليف و لا يكون لها دخل على نحو القيدية فى متعلقه، كما فى الواجب المشروط فلو كان التكليف المعلوم من قبيل القسم الاول الذى لا يكون للقطعات الاتية من الزمان دخل فيه و لا فى متعلقه، بل تكون مجرد ظرف لوجود متعلقه، كما لو علم التاجر اجمالا بابتلائه فى اليوم او الغد بمعاملة ربوية فى ضمن معاملاته، اذ لا شبهة فى انه لا دخل للزمان لا فى اصل الربا و لا فى حرمته، فلا شك فى ان الخطاب المعلوم يكون حينئذ فعليا على كل تقدير، فيؤثر العلم الاجمالى فى تنجزه، فيجب فى المثال الاحتياط بترك المعاملة رأسا فى اليومين و لو كان التكليف من قبيل القسم الثانى الذى لا يكون للقطعات الاتية من الزمان دخل الا فى متعلقه، كما او نذرا و حلف على ترك و طى امرأته فى ليلة خاصة ثم اشتبهت بين ليلتين، فلا شك ايضا فى ان الخطاب المعلوم يكون فعليا على كل تقدير، لان الفرض ان الخطاب ليس له شرط اصلا بل الزمان قيد لمتعلقه، فاذا كان الخطاب فعليا على كل تقدير فيؤثر العلم الاجمالى فى تنجيزه فيجب فى المثال الاحتياط بترك الوطى فى الليلتين و لو كان التكليف من قبيل القسم الثالث الذى يكون للقطعات الاتية من الزمان دخل على نحو الشرطية فى التكليف، كما اذا كانت روجة الرجل مضطربة فى حيضها، بان نسيت وقتها و ان حفظت عددها فعلم اجمالا انها تحيض فى الشهر ثلثة ايام مثلا، فعلى ما حققناه فى مبحث مقدمة الواجب، من ان المقدمات الوجودية للواجب المشروط اذا كان حصول شرطه فى محله معلوما، تكون محكومة عقلا بالوجوب قبل حصول شرطه، من جهة ان تركها قد يؤدى الى العجز عن اتيان الواجب بعد حصول شرطه، يكون مقتضى القاعدة هو الحكم بوجوب الاحتياط فى المثال بالاجتناب عنها فى تمام الشهر، و ذلك لان الواجب المشروط بعد العلم بحصول شرطه فى محله، يكون حكمه عليهذا المبنى حكم الواجب المطلق، نعم لو منعنا هذا المبنى، كان مقتضى القاعدة هو الحكم بالبرائة فى المثال، بالنسبة الى كل قطعة قطعة من الزمان و ذلك لعدم
ص: 157
العلم بتكليف فعلى فى وقت من الاوقات كما هو واضح، هذا فيما اذا استظهرنا من الدليل الدال على وجوب ترك و طى الحائض فى وقت حيضها ان هذا الوجوب مشروط بالزمان و اما ان استظهرنا منه ان الوجوب مطلق و الزمان قيد للواجب، و بعبارة اخرى استظهرنا منه ان الوجوب تعليقى و قلنا بثبوت الوجوب التعليقى، فلا شك فى ان الخطاب المعلوم بالاجمال فى المثال يكون فعليا على كل تقدير كما مر بيانه، فيجب على الزوج الاجتناب عنها فى تمام الشهر، هذا تمام الكلام فى حكم الزوج و اما الزوجة فلا اشكال فى وجوب الاحتياط عليها، بالامساك عن قرائة العزيمة و اللبث فى المسجد مثلا، مطلقا اعنى سواء استظهرنا من ادلة احكام الحائض انها مطلقة و زمان الحيض قيد لمتعلقاتها، او استظهرنا منها ان احكامها مشروطة بزمان الحيض، و سواء قلنا على الثانى، بان المقدمات الوجودية للواجب المشروط بعد العلم بحصول شرطه فى محله، تكون محكومة بالوجوب، و يكون الواجب المشروط حينئذ بحكم الواجب المطلق، او منعنا عن ذلك و ذلك لانها فى كل يوم تعلم بتوجه خطاب فعلى اليها، اما متعلق بافعال المستحاضة و اما متعلق بتروك الحائض، فلا وجه للقول باجرائها استصحاب الطهارة الى ان يبقى مقدار الحيض فى الشهر، و اصالة البرائة و الاباحة فى مقداره كما لا يخفى.
(قوله دام ظله الثانى يشترط فى تنجز المعلوم بالاجمال الخ) لا اشكال فيما افاده من انه يشترط فى تأثير العلم الاجمالى فى تنجيز المعلوم بالاجمال، ان يكون كل طرف من اطرافه على تقدير تحققه فيه، قابلا لان يتعلق به خطاب فعلى مولوى بداهة انه لو لم يكن بعض الاطراف على تقدير تحقق المعلوم بالاجمال فيه قابلا لذلك، لم يعلم المكلف بتوجه خطاب فعلى اليه كما هو واضح و يترتب على ما افاده دام ظله مسائل.
احدها لو كان احد الاطراف خارجا عن محل ابتلاء المكلف قبل تحقق علمه الاجمالى بوجود تكليف بينها، او خرج عن محل ابتلائه مقارنا مع علمه، فلا اشكال فى
ص: 158
عدم كون العلم الاجمال منجزا، بداهة ان المعلوم بالاجمال لو كان متحققا واقعا فى الطرف الخارج عن محل الابتلاء، لم يصح تعلق الخطاب بالمكلف نحوه فعلا فاذا لم يكن تعلقه به فعلا صحيحا عليهذا التقدير، فلا علم له بتوجه خطاب فعلى اليه كى يكون منجزا عليه ثم ان خروج بعض الاطراف عن محل الابتلاء، اما بان يكون غير مقدور للمكلف عقلا كما اذا اهرق احد الانائين ثم علم بنجاسته او نجاسة الباقى، او عادة كما اذا علم بانه اما هذا الاناء الموضوع بين يديه نجس او الاناء الموضوع عند ملكة الانكليس فى لندن، و اما بان يكون بحيث لا يرغب فيه الناس عادة و تكون دواعيهم مصروفة عنه نوعا، كما اذا علم بانه اما هذه التربة الموضوعة فى المسجد نجسة او التراب الواقع فى السوق، فال التراب الواقع فى السوق الذى يتنفر عنه الطبع و لا يميل احد ان يسجد عليه لا يصح بل يستهجن ان يتعلق به خطاب لا تسجد عليه، فاذا لم يكن تعلق الخطاب به صحيحا، فلا علم بتوجه خطاب فعلى كى يكون منجزا و الضابط الكلى للخروج عن محل الابتلاء، هو ان يكون تعلق الطلب به مستهجنا عند العقلاء و لغوا، هذا فيما اذا كان الخروج عن محل الابتلاء قبل تحقق العلم الاجمالى او مقارنا معه و اما اذا كان الخروج عن محله بعد تحقق العلم الاجمالى، فحاله حال الاضطرار الى بعض الاطراف بعد تحقق العلم، و سيجئى انشاء اللّه تعالى ان الاصل فيه هو لزوم الاحتياط ثم ان لا اشكال فى شئى مما ذكرنا و انما الاشكال فى حكم موارد الشك فى كون الطرف خارجا عن محل الابتلاء او داخلا فيه، لا من جهة الاشتباه فى الامور الخارجية، بل من جهة اجمال ما هو خارج عن موارد التكليف الفعلى، فان الخروج عن محل الابتلاء مقول بالتشكيك، له مصاديق واضحة معلومة و مصاديق خفية مشكوكة، فهو بحسب المفهوم مجمل مردد بين الاقل و الاكثر، فاذا شك فى مورد فى حسن الخطاب التنجيزى و عدمه، من جهة الشك فى كون بعض الاطراف خارجا عن محل الابتلاء ام لا، فهل يكون المرجع اصالة البرائة او الاحتياط، او اطلاق الادلة، بملاحظة ان الخارج فى المقام ليس عنوانا مبينا شك فى انطباقه على
ص: 159
مصداق خارجى، كى يكون الرجوع الى الاطلاق من التمسك بالمطلق فى الشبهد المصداقية، بل عنوان مجمل مردد بين الاقل و الاكثر، فيحب الاقتصار فى رفع البد عن الاطلاق على ما علم خروجه و هو الاقل و الحق عدم جواز الرجوع الى اطلاق الادلة، فى امثال المقام مما يكون الشك فيه راجعا الى الشك فى حسن الخطاب و عدمه لوجهين احدهما ان الادلة الشرعية ليست ناظرة الى هذه الجهات اعنى جهات حسن الخطاب و عدمه، فلا اطلاق لها من هذه الجهات كى يكشف شمول اطلاقها لمورد الشك عن حسن الخطاب فيه الثانى انه لا يمكن حصول القطع بتوجه خطاب ظاهرى بالنسبة الى المورد بواسطة اصالة العموم او الاطلاق، لان المفروض الشك فى ان خطاب الشرع فى هذا المورد حسن ام لا، و لا تفاوت فى استهجان الخطاب بما هو خارج عن محل الابتلاء، بين الخطاب الواقعى و الظاهرى كما هو واضح، فاذا لم يصح الرجوع الى اطلاق الادلة فهل مقتضى القاعدة هو الرجوع الى البرائة او الاحتياط، الحق هو الثانى، و ذلك لان بعد احراز تمامية الملاك و العلم بوجود المطلوب الواقعى للمولى او مبغوضه بين امور محصورة، يكون البيان المصحح للعقاب عند العقل حاصلا، فيحكم بلزوم الخروج عن عهدته على نحو يقطع بحصوله، و لا يعتنى باحتمال وجود مانع عن حسن الخطاب و هذا الحكم العقلى لا يختص بالمقام، بل يجرى فى كل ما لو شك فى وجوده مماله دخل فى حسن الخطاب كالقدرة و نحوه ها كما لا يخفى المسئلة الثانية لو اضطر الى ارتكاب بعض معين من الاطراف التى علم بوجود محرم بينها، فان كان هذا الاضطرار سابقا على العلم او مقارنا له، فهذا العلم لا يؤثر شيئا، فلا يجب عليه الاجتناب عن باقى الاطراف، و وجهه واضح، بعد ما عرفت من ان المعتبر فى تأثير العلم الاجمالى فى تنجيز المعلوم بالاجمال، هو كون كل طرف من الاطراف على تقدير تحقق المعلوم فيه قابلا لان يتعلق به خطاب فعلى، و من المعلوم ان المضطر اليه ليس قابلا لذلك، و معه لا علم بتوجه خطاب فعلى فى البين كما هو واضح ان قلت ان الظاهر من حديث الرفع ان الحكم انما
ص: 160
رفع فى مورد الاضطرار منه عليهذه الامة مع ثبوت المقتضى لجعله فى مورده، ففى المقام يكون الملاك محرزا و يكون الشك فى تحقق ما يمنع عن تأثيره، و لازم ذلك عقلا وجوب الاحتياط فى باقى الاطراف، على ما مر بيانه فى الشك فى خروج بعض الاطراف عن محل الابتلاء قلت ان من جعل الشارع عدم الاضطرار من قيود متعلق الحكم، نستكشف ان لعدمه دخلا فى الملاك، و معه كيف يمكن احراز الملاك فى المقام، مع احتمال كون المضطر اليه هو الحرام المعلوم بالاجمال و اما ان كان الاضطرار الى ارتكاب بعض معين بعد العلم الاجمالى، فلا يرتفع به الاثر الحاصل بالعلم قبله، و ذلك لان التكليف الواقعى الفعلى المعلوم فى الاطراف قد تنجز بالعلم و اشتغلت الذمة بامتثاله، فيجب بحكم العقل تحصيل اليقين بالبرائة، و لا يحصل الا بالاجتناب عن باقى الاطراف و توهم ان عدم الاضطرار حيث يكون من قيود المكلف به شرعا، فيكون التكليف المعلوم بين الاطراف من اول الامر محدود او مقيدا بعدم عروض الاضطرار على متعلقه، فلا يكون الاشتغال به من الاول الا مقيدا بعدم عروضه، فلا يقين باشتغال الذمة بالتكليف به الا الى هذا الحد، فلا يجب رعايته فيما بعده مدفوع بان التكليف فى المقام امره دائر، بين كونه متعلقا بخير بالمضطر اليه كى يكون محدودا الى هذا الحد، و بين كون متعلقا بغير المضطر اليه كى يكون مطلقا، و لا متيقن فى البين، بداهة ان تعلقه بالمضطر اليه ليس متيقنا بالنسبة الى تعلقه بغيره، فالمقام من قبيل ما كان متعلق التكليف مرددا بين المتبائنين احدهما عمره قصيروا الاخر عمره طويل، كما اذا علم اجمالا بوجوب الجلوس اما ساعة فى المسجد او ساعتين فى المدرسة مثلا، فكما لا يكون قصر عمر الجلوس فى المسجد فى المثال، سببا لكون تعلق التكليف به متيقنا بالنسبة الى تعلقه بالجلوس فى المدرسة، بل يكون احتمال تعلقه بكل منهما على حد سواء فكذلك فى المقام المسئلة الثالثة لو اضطر الى ارتكاب البعض الغير المعين من الاطراف لا يكون مانعا عن تنجز الخطاب فى كل منها فعلا، مطلقا سواء كان الاضطرار قبل العلم و معه او بعده، و ذلك المفروض ان
ص: 161
الاضطرار ليس الا الى احدها الاعلى التعيين، و الخطاب المعلوم بينها ليس الا متعلقا باحدها معينا، فلا يكون الاضطرار متعلقا بنفس الحرام اصلا و لو على سبيل الاحتمال، بل يكون متعلقا بما هو اعم منه، و لذا لو علم به تفصيلا وجب عليه تركه و جعل المضطر اليه الطرف الاخر، فشرائط الخطاب بالنسبة الى الحرام الواقعى الموجود فى البين موجودة فيؤثر العلم فى تنجيزه مطلقا و توهم ان الاضطرار و ان لم يكن متعلقا بنفس الحرام و لو احتمالا، الا انه موجب لجواز ارتكاب احد الاطراف تخييرا، و معه يمتنع حصول العلم بفعلية التكليف المعلوم بينها اجمالا، بداهة ان الترخيص فى ارتكاب احدها كك ينافى الطلب الجدى و الزجر الفعلى بالنسبة الى الحرام المعلوم بينها كما هو واضح فيه ما لا يخفى من الخلط و الاشتباه، توضيحه هو ان الذى يضطر اليه المكلف و يحكم الشارع بجواز ارتكابه، هو نفس الطبيعة بوجودها السعى الغير المقيد بخصوصية دون اخرى، من غير نظر الى خصوصياتها الخارجية و ان كانت لا تنفك عنها فى الخارج، ففيما كان جميع افراد الطبيعة المضطر اليها مباحا، يسرى الحكم بالجواز الى كل واحد منها على البدل بحكم العقل، لمكان قبح الترجيح بلا مرجح بعد تساوى كل منها فى امكان رفع الاضطرار به و خلوه عن المانع لا باحته، فيحكم بالتخيير فى رفع الاضطرار بكل واحد منها، و اما فيما كان بعض افرادها محرما، فلا يحكم العقل الابسراية الحكم الى الافراد المباحة و تعين رفع الاضطرار بها دون الفرد المحرم، و ذلك لا تخصيص الحكم بالافراد المباحة دون الفرد المحرم، ليس ترجيحا بلا مرجع بل يكون ترجيحا مع المرجح فظهر مما ذكرنا ان موضوع حكم الشارع بجواز الارتكاب، و موضوع حكمه بوجوب الاجتناب فى المقام، متغاير ان لا ربط لاحدهما بالاخر، غاية الامر انه اشتبه فيما نحن فيه احدهما بالاخر على المكلف، فتعذر عليه الموافقة القطعية للمعلوم بالاجمال فاوجب سقوطها عنه، دون الاحتمالية لانها الممكن من مراتب الاطاعة للتكليف الفعلى المنجز فى المقام و من هنا قلنا فى مبحث دليل الانسداد، ان عدم القدرة على الامتثال القطعى للاحكام الواقعية
ص: 162
المعلوم بالاجمال، او عدم وجوبه كك لكونه حرجيا، لا يوجب سقوط الاحكام الواقعية عن المكلف، و انما يوجب سقوط لزوم امتثالها القطعى عليه نعم من ذهب الى استحالة اجتماع الحكم الواقعى الفعلى مع الترخيص فعلا فى حال الشك فيه، للمنافاة بين الطلب الجدى و الزجر الفعلى عن شئى مطلقا، و الترخيص فى ارتكابه فى بعض الاحوال، لا بد له من التفصيل فى المقام، بين ان يكون الترخيص فى بعض الاطراف شرعيا، كما فى الاضطرار البالغ الى حد المشقة و الحرج، فيرتفع العلم الاجمالى بثبوت التكليف، لما صرف من المنافات بين دونه و الاذن فى ارتكابه او يكون عقابا كما فى الاضطرار البالغ ال يحد العجز و سلب القدرة، فيبقى العلم بحاله، اذ لا منافاة بين ثبوت التكليف الفعلى، و حكم العقل بسقوط امتثاله القطعى لمكان تعذره كما لا بد له من التفصيل فى مسئلة دليل الانسداد، بين ان يكون الحرج اللازم من الاحتياط التام عقليا بالغا الى حد الاخلال بالنظام، فلاينا فى الترخيص العقلى فى ترك الاحتياط فى موهومات التكليف و مشكوكاته حفظا للنظام، بقاء العلم الاجمالى بثبوت الاحكام الواقعية، او يكون شرعيا غير بالغ الى ذلك الحد، فينا فى الترخيص الشرعى فى ذلك تسهيلا، بقاء العلم الاجمالى و لازم هذا عدم وجوب الاحتياط عقلا فى المظنونات ايضا، الا أن يدعى العلم الاجمالى بثبوت احكام واقعية فى خصوصها هذا توضيح ما افاده الاستاد دام ظله فى تحقيق هذه المسئلة فى الكتاب، و افاد فى تحقيقها فى مجلس البحث وجها آخر، و حاصله هو ان الاضطرار فى المسئلة حيث لا يكون متعلقا بنفس الحرام المعلوم بالاجمال و لو على سبيل الاحتمال كما مر بيانه، فلا يمكن اثبات الترخيص الشرعى من دليل رفع الاضطرار فى المقام، كى يقال بمنافاته لثبوت التكليف الفعلى فى اطراف المعلوم بالاجمال، بداهة ان دليله ناظرا الى ادلة الاحكام الالزامية و مقيد لها بعدم الاضطرار، فلا دلالة له على الترخيص فى المباهات، اذ لا منة فى الترخيص فيها، بل لا معنى له لكونه تحصيلا للحاصل و لغوا كما لا يخفى، فاذا لم يمكن اثبات الترخيص الشرعى فى المقام، فيحكم
ص: 163
العقل بلزوم الاحتياط فى جميع الاطراف، و حيث ان الاحتياط كك حرجى لمكان الاضطرار، فلا بد من رفع اليد عنه بمقدار يرفع به الاضطرار، لا مطلقا اذا لمحظورات تتقدر بقدرها و توهم ان مفاد ادلة نفى الحرج حيث يكون نفى التكاليف الشرعية التى تكون بنفسها حرجية، فلا حكومة لها على الاحتياط العسر اذا كان بحكم العقل كما فيما نحن فيه، لعدم كون التكليف المعلوم بالاجمال بنفسه حرجيا، و انما جاء الحرج من قبل الجمع بين محتملاته مدفوع بما مر فى دليل الانسداد من ظهور ادلتها عرفا فى نفى التكاليف المستلزمة للحرج، سواء كان استلزامها له لذاته او لاجل اشتباهها على المكلف و وقوعه لذلك فى الكلفة و الحرج بحكم العقل هذا.
(قوله دام ظله الثالث لو تحقق العلم التفصيلى بالمقدار المعلوم بالاجمال الخ) لا اشكال فيما افاده من انحلال العلم الاجمالى قهرا بتحقق العلم التفصيلى بالمقدار المعلوم بالاجمال مع احتمال الانطباق، فيما لم يكن المعلوم بالاجمال معنونا بعنوان خاص بل كان بلا عنوان كما مر بيانه بما لا مزيد عليه و انما الاشكال فيما قواه من انحلاله قهرا بذلك ايضا، فيما كان المعلوم بالاجمال معنونا بعنوان خاص، كما اذا علم اجمالا بان فيما بين الشياة شاه سوداء موطوئة، ثم علم تفصيلا بموطوئية شاة معينة و لم يعلم بكونها سوداء، و ذلك لانه بعد احتمال انطباق المعلوم بالاجمال على ما علم به تفصيلا، و ان لم يبق له علم بتكليف آخر سوى المعلوم بالتفصيل الا ان مجرد ذلك لا يوجب رفع تأثير العلم الاجمالى فى تنجيز ما تعلق به من التكليف الخاص المتعلق بموضوع مخصوص، ما لم يعلم بامتثال نفس ذلك التكليف الخاص، بداهة ان المعلوم بالاجمال اذا كان معنونا بعنوان خاص، يكون منجزا على المكلف بذاك العنوان، و لذا لو علم اجمالا بغصبية احد الانائين، لا يكون مجرد العلم تفصيلا بحرمة احدهما مع عدم العلم بكونه غصبا، موجبا لرفع اثر العلم الاجمالى و الترخيص فى غيرما علم بحرمته تفصيلا، و مجرد كون الغصبية فى
ص: 164
المثال من قيود المكلف به، دون الصفة المخصوصة(1) فيما نحن فيه، لا يجدى فرقا بعد كون كل منهما معرفا لما يكون متعلقا للتكليف من الموضوع الخاص، و يكون الخطاب بالاجتناب عن خصوصه منجزا على المكلف، و لاجل ما ذكرنا عدل دام ظله فى مجلس البحث عما افاده فى الكتاب، و جعل عدم الانحلال فى الصورة الثانية اقوى نعم فيما اذا كان هناك علم بانحصار التكليف كما فى المقدار المعلوم تفصيلا، لكان القول بالانحلال حقا فيهذه الصورة الثانية، فضلا عن الصورة الاولى كما هو واضح ثم انه لا اشكال فى انه يشترط فى الانحلال على الفول به مطلقا او فى خصوص الصورة الاولى، احتمال انطباق المعلوم تفصيلا على المعلوم بالاجوال بان يعلم بان هذه الشاة المعينة كانت موطوئة فى الزمان الذى علم اجمالا بوجود شاة موملوئة فى الشاة فى ذلك الزمان، بداهة لو احتمل حدوث وطيها بعد ذلك الزمان، لم ينحل العلم الاجمالى السابق بل كان باقيا على اجماله ان قلت ان كان مجرد وجود العلم الاجمالى فى زمان كافيا فى تأثيره لتنجز المعلوم بالاجمال مطلقا، فاللازم فيما علم تفصيلا بالمقدار المعلوم بالاجمال هو الاحتياط مطلقا سواء كان العلم التفصيلى كاشفا عن ثبوت متعلقه من قبل او لم يكن كاشفا عن ذلك با احتمل حدوثه، لاشتراك الصورتين فى وجود العلم الاجمالى فيهما فى زمان و ان كان تنجز المعلوم بالاجمال دائرا مداو وجود العلم الاجمالى، فاللازم فيما لو علم تفصيلا بالمقدار المعلوم بالاجمال، هو عدم الاحتياط مطلقا سواء كان العلم التفصيلى كاشفا عن ثبوت متعلقه من قبل ام لا، لاشتراك الصورتين فى ارتفاع الاجمال و التردد فى ان الحرام المعلوم هل هو هذا او ذاك، بعد العلم التفصيلى بكون الطرف المعين محرما قلت قدمر سابقا ان الاعتبار بوجود العلم الاجمالى و بقائه بملاحظة الزمان السابق، بان يكون فى الزمان اللاحق ايضا عالما بوجود تكليف مردد بين الاطراف فى السابق، و ان لم يكن
ص: 165
عالما بوجوده كك فى اللاحق ففيما لو علم فى اللاحق بان هذا الطرف كان متعلقا للتكليف فى السابق، و شك فى وجود تكليف آخر مردد بينه و بين سائر الاطراف من اول الامر، فلا اثر للعلم الاجمالى الموجود سابقا بوجود تكليف مردد بينه و بين غيره من الاطراف، كيف و الالزم الحكم بوجود الاثر، فيما لو شك فى اصل تحقق التكليف من اول الامر، بعد ما علم تفصيلا بثبوته اولا، بطريق اولى، و هذا مما لا يصح الا على القول بتمامية، قاعدة اليقين لكنها غير تامة، هذا كله فيما اذا تحقق علم تفصيلى فى بعض الاطراف بالمقدار المعلوم بالاجمال و اما اذا قام طريق معتبر شرعى مثبت للتكليف فى بعض الاطراف بذاك المقدار، فهل يحكم بالانحلال و يجرى الاصل النافى للتكليف فى باقى الاطراف، او لا فلا يجرى الاصل النافى فى الباقى بل يجب فيه الاحتياط ايضا، فليعلم او لا ان محل الكلام هو ما اذا لم يعين الطريق مورد العلم الاجمالى، كما اذا قامت البينة على مجردان الشاة الموطوئة المعلومة وجودها اجمالا فيما بين الشياة هى هذه الشاة، او قامت البينة على مجرد ان هذه الشاة موطوئه، و لكن علم من خارج بحصر الشاة الموطوئة من الشياة فى المعلومة بالاجمال، حيث ان البينة بضميمة هذا العلم تدل بالالتزام على تعيين المعلوم بالاجمال فيما قامت عليه، فانه لا اشكال فى انحلال العلم الاجمالى فى هاتين الصورتين و جريان الاصل فى الاطراف الخالية عن الطريق و الحاصل ان محل الكلام هو ما اذا علم بوجود حرام او واجب فيما بين امور محصورة، و احتمل وجود حرام او واجب آخر زائدا على المعلوم بالاجمال، و لم يعين الطريق القائم على بعض الاطراف المعلوم بالاجمال فى مورده، كما لو علم مثلا بوجود شاة موطوئة فى ما بين الشياة و احتمل وجود شاة موطوئة اخرى فيما بينها زائدة على الموطوئة المعلومة بالاجمال، ثم قامت بينة على ان هذه الشاة موطوئة و اما التمثيل لمحل الكلام بما اذا علم اجمالا بوجوب الظهر او الجمعة ثم قام طريق معتبر على وجوب الظهر كما فى الكتاب، فالظاهر انه سهو من قلمه الشريف، و ذلك للعلم فى المثال بانحصار المعلوم فى واحد كما
ص: 166
لا يخفى اذا تعيّن محل النزاع، فنقول ان قيام الطريق على بعض الاطراف، اما ان يكون سابقا على العلم الاجمالى او مقارنا له، و اما ان يكون لاحقا بالعلم الاجمالى فعلى الاول لا اشكال فى جريان الاصول الشرعية النافية للتكليف فى باقى الاطراف مطلقا، سواء قلنا بعدم جريان الاصول فى الشبهة المقرونة بالعلم الاجمالى، لان ادلتها ليست متعرضة الا للحكم الاقتضائى الحيثيتى، او لان الغاية المأخوذة فيها اعم من العلم التفصيلى و الاجمالى، او قلنا بجريانها فيها و تساقطها بالتعارض اما على الاول فلان كون ادلة الاصول فى مقام بيان الحكم الاقتضائى، انما يمنع عن جريانها فى اطراف العلم الاجمالى، فيما كان للعلم الاجمالى اقتضاء على خلاف ما يقتضيه الشك من الترخيص، بان كان مؤثرا فى تنجيز المعلوم بالاجمال، و من المعلوم ان مع قيام الامارة على بعض الاطراف، لا يؤثر العلم الاجمالى فى تنجيز المعلوم بالاجمال، بداهة ان من شرائط تأثيره فى ذلك ان يكون جميع الاطراف صالحا لتأثر من قبل المعلوم بالاجمال، ممن المعلوم ان مع قيام الامارة على بعض الاطراف لا يكون و ما قامت الامارة عليه صالحا لتأثره من قبل المعلوم بالاجمال كما هو واضح و اما على الثانى فلان مع قيام الامارة فى بعض الاطراف، لا يكون للاصل فيه مجال كى يكون معارضا مع الاصل الجارى فى باقى الاطراف و على الثانى و هو ان يكون قيام الطريق لاحقا بالعلم الاجمالى، فان قلنا بما هو الحق من انحلال العلم الاجمالى بقيام الطريق على بعض اطرافه بالمقدار المعلوم، امّا حكما من جهة كشفه عن ثبوت مؤداه من الاول، و اما حقيقة بدعوى انه، كما ان القطع التفصيلى بالحكم الواقعى فى بعض الاطراف يوجب الانحلال حقيقة، كك القطع التفصيلى بالحكم الظاهرى فى بعضها يوجب الانحلال حقيقة، فلا اشكال ايضا فى جريان الاصول النافية فى باقى الاطراف مطلقا، سواء كان المقام من الشبهات الحكمية ام لا، و على الاول سواء كان عدم وصول الطريق من جهة عدم الفحص ام لا، و ذلك لان قيام الطريق عليهذا المبنى، يوجب عدم تأثير العلم الاجمالى السابق فى الاحتياط عقلا، و ان قلنا بعدم الانحلال بقيام الطريق
ص: 167
اصلا لا حكما و لا حقيقة، فان كان المقام من الشبهات الحكمية و كان عدم وصول الطريق من جهة عدم الفحص، فلا اشكال ايضا فى جريان الاصول فى باقى الاطراف، لا لما افاده الاستاد دام ظله فى الكتاب، من ان قيام الطريق يكشف عن عدم كون مورده مجرى للاصل من اول الامر، فيبقى الاصل فى الباقى خاليا عن المزاحم بداهة ان الطريق لا يزيد على نفس الواقع، و من المعلوم ان الواقع بوجوده الواقعى غير مانع عن جريان الاصل فى مورد الشك، و معه كيف يكون الطريق بوجوده الواقعى مانعا عن جريانه، بل لما افاده فى مجلس البحث من ان جريان الاصل فى الشبهات الحكمية مشروط بالفحص، فقبل الفحص لم يكن مجرى للاصل فى اطراف العلم الاجمالى، كى يقال بتساقطه فى كل منها بالتعارض معه فى الاخر قبل قيام الطريق، فلا مجال لجريانه فى باقى الاطراف بعد قيامه على بعضها، لان الساقط بالتعارض قبل قيامه لا يعود بعد قيامه، كى يقال بجريانه فى الباقى لخلوه فيه حينئذ من المعارض و ان لم يكن المقام من الشبهات الحكمية، او كان و لكن تفحص بقدر الوسع، و لم يعثر على الطريق ابتداء ثم عثر عليه على خلاف العادة اتفاقا ففى جريان الاصول فى باقى الاطراف اشكال لسقوطها قبل قيام الطريق بالمعارضة، فلا تعود بعد قيامه كى يقال بجريانه فى الباقى لخلوها فيه حينئذ عن المعارض ثم لا بأس بالتعرض لملاقى بعض الاطراف من الشبهة المحصورة فنقول اذا علم اجمالا بنجاسة احد الانائين و بملاقاة اناء ثالث لاحدهما، فلا يخلوا ما ان يكون ملاقاة الاناء الثالث لاحد الانائين قبل العلم الاجمالى بنجاسة احدهما او بعده، و على كلا التقديرين تارة يتكلم فى مقتضى الاصل الشرعى، و آخرى فى مقتضى الاصل العقلى لا اشكال فى عدم الفرق بحسب الاصل الشرعى، بين ما اذا كان الملاقاة قبل العلم او يعده توضيح ذلك هو انه لا شبهة فى انه لو كان هناك انا ان شك فى نجاستهما من جهة احتمال ملاقاتهما لنجس، ثم لاقى اناء ثالث لاحدهما، و شك فى نجاسته من جهة احتمال كون الملاقى بالفتح نجسا، لم يكن مجال للاصل الا فى الانائين الاولين، لعدم جريانه فى الاناء الثالث،
ص: 168
بعد كون الشك فيه مسببا عن الشك فيما لاقاه من احد الانائين الاولين، و حينئذ لو حصل العلم الاجمالى بنجاسة احد الانائين الاولين، فلا شك فى ان الساقط بالتعارض لمكان الاجمالى، هو الاصلان اللذان كانا جاريين فى الانائين قبل تحقق العلم، اذ لم يكن قبل تحققه اصل غيرهما، فاذا سقط الاصلان، بالتعارض، يكون الاصل فى الملاقى بالكسر سالما عما يكون حاكما عليه، هذا فيما اذا كان الملاقاة قبل العلم الاجمالى، و اما فيما كان الملاقاة بعده، فجريان الاصل فى الملاقى واضح، اذ الاصل الحاكم عليه و هو الاصل الجارى فى الملاقى بالفتح، قد سقط بالتعارض قبل تحقق المورد لهذا الاصل، هذا فى الاصل الشرعى و اما الاصل العقلى، فهل يكون بحسبه فرق بين ما لو كان الملاقاة قبل العلم الاجمالى او بعده ام لا، قد يقال نعم لانه لو كان الملاقاة قبل العلم يكون الملاقى بالكسر من اطراف العلم، لانّه يعلم بوجوب الاجتناب اما عن هذا الاناء او ذاك الاناء و ملاقيه، و هذا بخلاف ما لو كان الملاقاة بعد العلم، لانه يعلم بتحققق تكليف بين الانائين، و يشك فى حدوث تكليف آخر بالنسبة الى الملاقى لاحدهما و فيه انه و ان كان قبل تحقق الملاقاة عالما يتحقق التكليف بين الانائين، لكن بعد تحقق الملاقاة يعلم اجمالا بوجوب الاجتناب اما عن الملاقى بالفتح و مالاقاه او عن الاناء الاخر و توهم ان هذا العلم الثانى حيث تنجز بعض اطرافه بالعلم الاول فلا يؤثر فى تنجيز المعلوم بالاجمال مدفوع بان هذا العلم الثانى ليس علما آخر غير العلم الاولى، كى يقال لا يؤثر فى تنجيز المعلوم بالاجمال بعد تنجز بعض اطرافه بالعلم الاول، بل هذا عين العلم الاول غاية الامر اتسع دائرته بسبب الملاقاة، و هذا نظير ما اذا علم اجمالا بنجاسة احد الانائين، ثم قسم ما فى احدهما الى قسمين و جعل كل قسم منهما فى اناء، فكما ان العلم الاجمالى الحاصل بعد التقسيم بوجوب الاجتناب اما عن هذين الانائين او عن الاناء الاخر، لا يكون علما آخر غير العلم الاجمالى الاول فكك فى المقام ان قلت ان العلم الاجمالى الثانى الحاصل فى المقام متأخر رتبة عن العلم الاجمالى الاول، بداهة انه لو لم يكن هناك علم اجمالى
ص: 169
بنجاسة احد الانائين، لم يحصل بسبب ملاقاة اناء آخر لاحدهما العلم الاجمالى الثانى، و المتأخر رتبة يستحيل ان يكون عين المتقدم كك، فاذا لم يكن العلم الاجمالى الثانى عين الاول بل كان غيره و متأخرا عنه رتبة، فيستحيل ان يؤثر فى تنجيز ما اثر فى تنجيزه العلم الاول من الخطاب المردد بين الانائين، بداهة ان العلم الثانى و تنجز الخطاب المردد بين الانائين، كلاهما معلولان لعلة واحدة و هو العلم الاول، و معه يستحيل ان يؤثر العلم الثانى فى تنجيز الخطاب المردد تعلقه باحد الانائين، لاستلزامه تقدمه على نفسه رتبة كما لا يخفى قلت ان التأخر الرتبى انما يمنع عن تأثير المتأخر فيما اثر فيه المتقدم حدوثا لا بقاء، اذ لا مانع فى ان يؤثر المتقدم فقط فى شئى حدوثا، و يؤثر هو و المتأخر بجامعهما فى ذلك الشئى بقاء، مثل ان يؤثر نار فى احتراق احد جسمين حدوثا ثم يؤثر تلك النار واحد الجسمين فى احتراق الاخر بقاء فتدبر فتحصل مما ذكرنا انه لا فرق بين الصورتين بحسب الاصل العقلى، و ان مقتضاه فى كليتهما هو الاحتياط فى الملاقى بالكسر ايضا اللهم الا ان يمنع عن تحقق العلم الاجمالى الثانى فى الصورة الثانية، بان يقال بانه منحل الى علم تفصيلى بتكليف واحد بالنسبة الى احد الانائين و شك بدوى فى تكليف آخر بالنسبة الى الملاقى فهذا العلم الاجمالى الثانى الحاصل فى المقام، نظير العلم الاجمالى الحاصل بين الاقل و الاكثر الاستقلاليين، فى كونه حاصلا من ضم معلوم تفصيلى الى مشكوك بدوى و هذا بخلاف العلم الاجمالى فى الصورة الاولى، فانه تعلق بتكليف واحد متعلق بهذا الاناء او ذاك و ملاقيه، فتكون نسبة كل واحد من الملاقى و الملاقى و الطرف الاخر الى ذلك التكليف الواحد المنجز على نهج واحد، فلا بد فى تحصيل العلم بسقوط ذلك التكليف من الاجتناب عن الانائين و الملاقى هذا و لا يخفى ما فيه بداهة ان العلم الاجمالى فى الصورة الاولى ايضا تعلق بتكليفين، احدهما وجوب الاجتناب عن النجس المعلوم بين الانائين، و الاخر وجوب الاجتناب عن الملاقى على تقدير كون مالافاه هو النجس المعلوم فى البين، و الاول معلوم، و الثانى مشكوك للشك فى كون مالاقاه هو
ص: 170
النجس المعلوم فى البين فتبين مما ذكرنا كله انه لا فرق بين الصورتين بحسب الاصل العقلى ايضا، سواء قلنا بان مقتضاه هو الاحتياط او البرائة هذا ثم ان صاحب الكفاية قدس سره جعل فى المقام صور المسئلة ثلثة، الاولى ما اذا حصل الملاقاة لبعض الاطراف بعد العلم بنجاسة احدها، الثانية عكس الاول، فحكم بعدم وجوب الاجتناب عن الملاقى فى الاولى و بوجوبه فى الثانية و فيه ما عرفت من عدم الفرق بينهما اصلا لا بحسب الاصل الشرعى و لا بحسب الاصل العقلى، الثالثة ما اذا حصل الملاقاة لبعض الاطراف او لا ثم حصل العلم بنجاسة احدها، و لكن لم يكن الملاقى بالفتح حين حصول العلم الاجمالى محلا للابتلاء، فحكم بوجوب الاجتناب عن الملاقى بالكسر دون الملاقى و لو صار محلا للابتلاء ثانيا و لا يخفى ما فيه، فان مجرد كون ذات الملاقى بالفتح خارجا عن محل الابتلاء، لا يوجب عدم جريان الاصل فيه بعد كونه محلا له من حيث وجوب الاجتناب عن ملاقيه، فالملاقى بالفتح و ان لم يكن محلا للابتلاء من حيث اثر الاجتناب عن ذاته، الا انه محل له من حيث اثر الاجتناب عن ملاقيه، فيجرى الاصل فيه من هذه الحيثية، و يسقط بالتعارض مع الاصل فى الطرف الاخر، و يبقى الاصل فى الملاقى بالكسر سالما عما يكون حاكما عليه فتدبر سلمنا لكن لا وجه لعدم وجوب الاجتناب عنه بعد ما صار محلا للابتلاء ثانيا، الا توهم ان صيرورته محلا للابتلاء لو اوجب الاجتناب عنه، فلا بد ان يكون بخطاب آخر غير ما حصل العلم به بين ملاقيه و الطرف الاخر، و توجه خطاب آخر مشكوك و الاصل عدمه و فيه انه قبل صيرورته محلا للابتلاء و ان لم يكن هناك علم الابتكليف فعلى بالاجتناب اما عن النجس او المتنجس، الا انه بعد صيرورته مبتلا به تبدلت تلك الصورة العلمية الى صورة علمية اخرى، و هو العلم بتكليف فعلى بالاجتناب اما عن النجس او عنه و عن المتنجس، و القدر المتيقن هو التكليف بالاجتناب عن النجس، و اما التكليف بالاجتناب عن المتنجس فمشكوك و الاصل عدمه هذا بقى هنا شئى لا بأس بالتنبيه عليه، و هو انه بعد سقوط اصالة الطهارة
ص: 171
فى كل من الطرفين بالمعارضة بها فى الطرف الاخر، ان قلنا بجريان اصالة الاباحة فى كل منهما، من جهة ان الشك فى اباحة كل منهما مسبب عن الشك فى نجاسته، فاذا سقط الاصل الجارى فى الشك السببى بالتعارض، فيجرى الاصل فى الشك المسببى، فحيث ان اصالة الاباحة فى كل منهما تكون فى عرض اصالة الطهارة فى الملاقى، اذا لشك فى طهارته كالشك فى اباحتهما مسبب عن الشك فى طهارتهما، فيقع لا محة المعارضة بين اصالة الاباحة فى طرف، و اصالتى الاباحة و الطهارة فى الطرف الاخر و ملاقيه، و بعد تساقطها تكون اصالة الاباحة فى الملاقى سليمة عما يكون حاكما عليها.
(قوله دام ظله الامر الخامس قد عرفت فى طى المسائل الخ) اقول لما فرغ دام ظله عن بيان حكم الشبهة المحصورة، شرع فى بيان حكم الشبهة الغير المحصورة و الكلام فيها يقع فى مقامين، الاول فى بيان الضابط لكون الشبهة غير محصورة الثانى فى بيان حكمها اما الكلام فى المقام الاول فنقول قد عرّفت الشبهة الغير المحصورة بتعاريف منها انها ما كثرت اطرافها بحيث يعسر عدها و منها انها ما كانت كثرة اطرافها بالغة الى حد يكون احتمال مصادقة كل واحد من اطرافها للتكليف المعلوم بالاجمال موهو ما فى الغاية و منها انها ما كانت كثرة اطرافها بالغة الى حد يكون ارتكاب جميعها غير مقدور عادة و منها انها ما كانت اطرافها غير مضبوطة قابلة للزيادة و النقصان و لا يخفى ان احسن التعاريف، و ان كان هو التعريف الاخير لكونه ابقاء لللفظ على حقيقته، بخلاف غيره من التعاريف، فانها لا تخلو عن المسامحة كما لا يخفى الا ان اقامة الدليل على عدم وجوب الاحتياط فيها عليهذا التعريف كغيره من التعاريف، لا تخلو عن اشكال كما سيجيئى بيانه و اما الكلام فى المقام الثانى فنقول قد اشتهران الشبهة الغير المحصورة لا يجب فيها الاحتياط، بل ادعى عليه الاجماع بل الضرورة، و قبل التعرض لما استدلوا به عليه لا بد من تعيين محل البحث فنقول لا بد ان يكون محل البحث، هو ما اذا كانت الشبهة
ص: 172
على نحو و لو فرض كونها محصورة لوجب فيها الاحتياط بان كان جميع اطرافها محلا للابتلاء، و كم يكن الاحتياط فى جميعها حرجيا، و لا بعضها المعين او الغير المعين مضطرا اليه، اذ لو لم تكن الشبهة كك بان كانت فاقدة لبعض ما ذكر، لم يكن الوجه لعدم تاثير العلم فى وجوب الاحتياط فيها، هو خصوص كونها غير محصورة، بل كان الوجه عدم استجماعها للشرائط المعتبرة فى تأثير العلم الاجمالى فى تنجيز المعلوم بالاجمال، و حينئذ لم يكن وجه لاختصاص هذا البحث بالشبهة الغير المحصورة، بل جرى فى المحصورة ايضا كما لا يخفى و مما ذكرنا ظهران ما قيل فى وجه عدم وجوب الاحتياط فى غير المحصورة، من عدم ابتلاء المكلف بالنسبة الى جميع الاطراف، او كون الاحتياط فيها حرجبا، اجنبى عن المقام، هذا مع ان مقتضى كون الاحتياط حرجيا، هو التبعيض فى الاحتياط، لا رفع اليد عنه رأسا كما هو المقصود بالبحث فى المقام اللهم الا ان يقال ان الوجه لاختصاص هذا البحث بغير المحصورة، هو ملازمتها لعدم الابتلاء بجميع اطرافها، اطرافها بخلاف المحصورة فانها قد يتفق فيها ذلك اذا عرفت محل البحث فنقول استداوا على عدم وجوب الاحتياط فى المسئلة بالعقل و النقل اما العقل فتقريره بوجوه احدها ان العلم بالتكليف انما يكون موجبا لتنجزه عقلا فيما امكن مخالفته عن عمد و اختيار، و من المعلوم ان الشبهة اذ بلغت اطرافها من الكثرة الى حد لا يمكن ارتكاب جميعها عادة، لا يمكن مخالفة المعلوم بينها عن عمد و اختيار، فاذا لم يمكن مخالفته كك لم يكن العلم مؤثرا فى حرمة مخالفته القطعية، فلا يكون مؤثرا فى وجوب موافقته كك، و ذلك لما مر من ان وجوبها انما هو من جهة ان اجزاء الاصل فى جميع الاطراف مستلزم للمخالفة القطعية، فاذا لم يمكن المخالفة كك بارتكاب جميعها و جرى الاصل فى كل طرف، فلا يجب الموافقة القطعية، لان وجوبها تابع لحرمة المخالفة القطعية و مرجع هذا الوجه كما ترى، الى عدم كون جميع الاطراف للشبهة الغير المحصورة داخلا فى محل الابتلاء، و ذلك لما عرفت سابقا من ان المناط فى كون الاطراف كلها محلا للابتلاء و عدم كونها
ص: 173
كك، هو عدم كون التكليف بالنسبة الى جميعها مستهجنا و كونه كك، و من المعلوم انه اذا كان ارتكاب جميعها غير ممكن عادة، يكون التكليف بالنسبة الى الجميع مستهجنا كما هو واضح، فهذا الوجه اجنبى عن جهة البحث فى المقام كما لا يخفى ثانيها ان العلم الاجمالى بالتكليف انما يؤثر فى وجوب الاحتياط، فيما اذا كان نسبة الاصل الى كل واحد من الاطراف نسبة واحدة، بان كان كل طرف من حيث كونه مشكوكا مجرى للاصل، كى بكون اجرائه فى الكل منافيا لحرمة المخالفة القطعية، و اجرائه فى البعض ترجيحا بلا مرجح و هذا بخلاف ما اذا لم يكن بعض الاطراف مجرى للاصل، فان جرائه فى الباقى حينئذ ليس منافيا لحرمة المخالفة و لا يكون ترجيحا بلا مرجح كمالا يخفى، و من المعلوم ان المعلوم بالاجمال اذا كان من مرددا بين آحاد غير معينة قابلة للزيادة و النقصان، كما لو علم اجمالا بحرمة شاة مما يرعاه هذا الراعى من غير ان يكون له احاطة بجميع ما يرعاه مما هو من اطراف الشبهة، لا يكون جميع اطرافه مجرى للاصل، بداهة ان الاصل فى غير ما احاط به من الاطراف، لا اثر له ما لم يحرز كونه مما يعلمه و يبتلى به، كى يعارض مع الاصل فيما احاط به منها هذا و مرجع هذا الوجه كما ترى الى عدم احراز كون جميع الاطراف داخلا فى محل الابتلاء، فيكون كسابقه اجنبيا عن جهة البحث فى المقام كما لا يخفى، هذا مضافا الى ما مر من ان مقتضى القاعدة فيما شك فى كون الطرف خارجا عن محل الابتلاء او داخلا فيه، هو الاحتياط لا البرائة، لان المقتضى للاحتياط و هو العلم بالتكليف الفعلى موجود و المانع غير محرز ثالثها ان كثرة الاطراف توجب ان كون احتمال الضرر فى كل طرف موهوما بحيث لا يعتنى به العقلاء و يجوزون الاقدام عليه و فيه ان عدم اعتناء العقلاء بالاحتمال الموهوم، انما هو المضار الدنيوية التى يجوز عقلا توطين النفس على تحملها على تقدير تحققها لبعض الاغراض العقلائية و اما العقاب فالتحرز عنه و لو كان متحملا لازم عقلا و ان كان احتماله فى غاية البعد، بداهة ان حكم العقل بلزوم دفع الضرر المحتمل الاخروى غير قابل للتخصيص سلمنا تجويز العقلاء
ص: 174
الاقدام على الضرر الاخروى الموهوم، لكنه لا يوجب القطع بكونه غير معاقب كما هو المقصود بالبحث فى المقام، و الالزم ان يكون احتمال الضرر موجبا للقطع بعدمه و هذا كما ترى فالاولى ان يقال فى تقريب هذا الوجه، ان كثرة الاطراف توجب ان يكون احتمال التكليف فى كل طرف بالخصوص موهوما بحيث لا يعتنى به العقلاء و يجعلونه كالشك البدوى، فيكون فى كل طرف يقدم الفاعل على ارتكابه طريق عقلائى على عدم كون الحرام فيه هذا لكن فى هذا التقريب ايضا تأمل، اما و لا فلان مع العلم الاجمالى بوجود الحرام فى الاطراف و عدم خروجه عنها، لا يمكن حصول الظن التفصيلى الشخصى بالخلاف فى جميعها، كيف و وضوح استحالة اجتماع العلم بالموجبة الجزئية مع الظن بالسلب الكى، كالنار على المنار و الشمس فى رابعة النهار، بداهة أوله الى اجتماع العلم بوجود الشئى و الظن بعدمه، المستلزم لاجتماع الضدين اعنى العلم و الظن فتدبر، و النقيضين اعنى وجود الشئى و عدمه و لا ينتقض ذلك باجتماع العلم الاجمالى مع الشك فى جميع الاطراف بداهة ان ما يجتمع مع العلم الاجمالى انما هو الشك فى انطباق المعلوم بالاجمال و تعيينه، لا الشك فى اصل وجوده، كيف و مرجع العلم بوجود الشئى و الشك فيه، الى تجويز اجتماع الوجود و العدم و لا فرق فيما ذكرنا من عدم امكان حصول الظن الشخصى بعدم الحرام فى جميع الاطراف مع العلم اجمالا بوجوده فى بعضها، بين ما اذا لوحظت الاطراف بعنوان الاجتماع او لوحظ كلواحد منها منفردا بداهة انه اذا لوحظ كل واحد واحد الى ان بقى طرف، لا يمكن حصول الظن بعدم الحرام فيه، الا اذا فرض ذهاب الظن بعدمه فى غيره من الاطراف السابقة و اما ثانيا فلان حصول الظن الاطمينانى فى جميع الاطراف و كونه حجة شرعا فى جميعها، مستلزم للترخيص فى الحرام المعلوم بالاجمالى، و قد عرفت سابقا قبحه بحكم العقل، و كونه حجة فى بعضها ترجيح بلا مرجح رابعها انا نرى العقلاء فيما اذا كان المعلوم بالاجمال مرددا بين امور كثيرة غير محصورة لا يعتنون بوجوده بينها و يكون وجوده عندهم كالعدم، و لذا لو علموا اجمالا
ص: 175
بموت شخص من اهل البلد، لا يعتنى واحد منهم باحتمال كون المتوفى ولده او اخاه او اباه، و كذا لو علموا اجمالا بوجود سم بين الانا ات الكثيرة الغير المحصورة، لا يعتنى واحد منهم باحتمال كون السم المعلوم بالاجمال فى انائه. و هذا سجيتهم و عادتهم فى الاحكام الصادرة عن مواليهم الى عبيدهم، الكاشفة عن ان هذا العلم لا يكون متمما للحجة بل يكون وجوده كالعدم، فاذا كان هذا العلم عندهم كالعدم، يكون العقاب على الحرام المعلوم عقابا بلا بيان و فيه ان بنائهم على ذلك ممنوع جدا، هذه خلاصة الوجوه التى استدلوا بها على عدم وجوب الاحتياط فى المسئلة عقلا و اما ما استدلوا به من الوجوه على عدم وجوبه فى المسئلة شرعا.
فالاول منها الاجماع المحكى عن جماعة.
الثانى الايات الدالة على نفسى العسر و الحرج، فان فى الاجتناب عن اطراف الشبهة الغير المحصورة مشقة عظيمة و عسر شديد غالبا على اغلب افراد المكلفين.
الثالث الاخبار الدالة على حلية ما لم يعلم حرمته، فان مقتضى الجمع بينها و بين مادل على وجوب الاجتناب عما لم يعلم حرمته، حمل الاخبار المرخصة على الشبهة الغير المحصورة، و المانعة على الشبهة المحصورة.
الرابع رواية ابى الجارود قال سئلت ابا جعفر عليه السلام عن الجبن فقلت اخبرنى من رأى انه يجعل فيه الميتة، فقال عليه السلام امن اجل مكان واحد يجعل فيه الميتة حرم جميع، ما فى الارض، و ما علمت فيه منه ميتة فلا تأكله و ما لم تعلم فاشتر و بع و كل، و اللّه انى لاعتراض السوق فاشترى اللحم و السمن و الجبن و اللّه ما اظن بكلهم يسمون فان الظاهر من قوله عليه السلام من اجل مكان واحد الخ، هو ان مجرد جعل الميتة فى الجبن فى مكان لا يوجب الاجتناب عن جميع محتملاته، كما ان الظاهر من قوله عليه السلام ما اظن بكلهم يسمون هو ارادة القطع بعدم تسمية بعضهم حين الذبح و لا يخفى ما فى الكل، اما الاجماع فلان المحصل منه غير حاصل و المنقول منه للاستدلال به غير
ص: 176
قابل، سيما مع احتمال كون المستند فيه ما ذكره من الوجوه العقلية و النقلية و اما الايات الدالة على نفى العسر و الحرج، فلما حققناه فى محله من ان المراد من الحرج المنفى فيها هو الحرج الشخصى لا النوعى، فلا دلالة لها على رفع وجوب الاحتياط عن جميع الشبهات بالنسبة الى جميع افراد المكلفين، لاجل كونه حرجيا فى شبهة خاصة على مكلف خاص، و من المعلوم ان الشبهة الغير المحصورة ليست واقعة واحدة، كى يتوهم عدم وجوب الاحتياط فيها كلية، بل قضايا متعددة، مع انها لو كانت كك لاختص عدم وجوب الاحتياط فيها بمن يكون الاحتياط فيها حرجيا عليه دون غيره و اما الاخبار الدالة على حلية ما لم يعلم حرمته، فلانها كالاخبار المانعة شاملة لجميع الشبهات، غاية الامر خرج بالدليل عن الاولى الشبهات المحصورة، و عن الثانية الشبهات البدوية، و كلتاهما شاملتان بظاهرهما للشبهة الغير المحصورة، فلا وجه لترجيح احديهما على الاخرى، هذا مضافا الى ان شمول الاخبار المرخصة لجميع اطراف الشبهة الغير المحصورة، مستلزم للترخيص و الاذن فى المعصية، و شمولها لبعضها ترجيح بلا مرجح، و معه كيف يمكن حملها عليها و اما رواية ابى الجارود، فلا مكان حملها على ان مجرد جعل المينه فى الجن فى محال لا يوجب الاجتناب عن الجبن المعمول غيره من الامكنة، باحتمال كونها مثل ذاك المكان، كما هو ظاهر قوله عليه السلام امن اجل مكان واحد الخ فتدبر، و لا ظهور لقوله عليه السلام و اللّه ما اظن بكلهم يسمون، فى ارادة العلم بعدم تسمية بعضهم حين الذبح، بل المراد استبعاد ذلك فتدبر، و بيان انه لا يجب ان يكون الانسان قاطعا بحلية ما يريد تناوله، بل يكون احتمال حليته كافيا فى جواز تناوله ظاهرا فتبين مما ذكرنا كله. انه ليس فيما استدلوا به على عدم وجوب الاحتياط فى المسئلة من العقل و النقل ما يورث الاطمينان و عليه فالقول بعدم وجوب الاحتياط فيها مشكل، لعين ما ذكرنا فى الشبهة المحصورة من دون تفاوت اصلا، و لا يبعد ان يكون حكمهم بعدم وجوبه فى غير المحصورة، لاجل فقدها غالبا لبعض شرائط التنجيز، و عليه فلا خصوصية
ص: 177
لها فى هذا الحكم كما هو واضح.
(قوله دام ظله هذا حكم الشبهة فى متعلق الحكم بعد احراز اصله الخ) اقول لما فرغ عن بيان حكم الشبهة فى اصل التكليف و الشبهة فى متعلقه بعد احراز اصله بحسب مقتضى القواعد، شرع فى بيان ما وقع الاختلاف فيه بين الاصحاب من بعض الشبهات، و انه هل هى من مصاديق الشبهة فى متعلقه كى تكون مورد الاشتغال فمن تلك الشبهات الشك فى جزئية شئى للمأموريه، و ان التكليف هل تعلق بالمركب من الاقل الخالى عن ذلك الشئى او الاكثر الواجد له، و المركب الواجب المردد بين الاقل و الاكثر، تارة يكون توصليا لا يعتبر فيه قصد القربة، و اخرى تعبديا يعتبر فيه ذلك، و على التقديرين يتكلم فيما يقتضيه الاصل العقلى، و اخرى يتكلم فيما يقتضيه الاصل النقلى، فالتكلم هنا يقع فى اربع مقامات و لنقدم الكلام فى الواجب التوصلى بحسب ما يقتضيه الاصل العقلى فنقول احتج القائلون بلزوم الاحتياط، بان تعلق التكليف النفسى بالمهية المرددة بين الاقل و الاكثر معلوم، و الاشتغال اليقينى بالتكليف يستدعى الفراغ اليقينى عنه، و هو لا يحصل الا باتيان الاكثر ان قلت ان العلم الاجمالى بوجوب المهية المرددة بين الاقل و الاكثر، بعد العلم بان الاكثر او كان واجبا كان الاقل واجبا من باب المقدمة، ينحل الى علم تفصيلى بوجوب الاقل على كل حال، و شك بدوى فى وجوب الاكثر قلت التكليف المعلوم تفصيلا تعلقه بالاقل ليس له اثر على كل تقدير، بداهة انه لو كان غيريا فى الواقع لا يترتب عليه اثر عقلا كما حقق فى محله، و التكليف النفسى الذى يترتب عليه غير معلوم تفصيلا فى طرف خاص، فما علم تفصيلا لم يعلم يترتب الاثر و هو استحقاق العقوبة على تركه عليه، و ما يترتب عليه الاثر لم يعلم به تفصيلا بل مردد بين الاقل و الاكثر، فيجب الاحتياط باتيان الاكثر، تحصيلا لليقين بالفراغ عما اشتغلت الذمة به يقينا، من التكليف النفسى المردد بين الاقل و الاكثر ان قلت ان ما ينفيه العقل هو استحقاق العقوبة على
ص: 178
مخالفة التكليف الغيرى المقدمى كالنفسى، و اما كون مخالفته منشاء لاستحقاق العقوبة على ترك ذى المقدمة، فلا ينفيه العقل بل يحكم بترتبه عليه عند العلم به، فاذا ثبت ترتب الاثر على التكليف الغيرى ايضا نقول ان التكليف بالاقل معلوم، و مخالفته توجب استحقاق العقاب اما على ترك نفسه و اما على ترك الاكثر المسبب عن تركه، و لا علم بتكليف آخر غير هذا المعلوم قلت كون مخالفة التكليف بالاقل موجبة لاستحقاق العقوبة اما على ترك نفسه و اما على ترك الاكثر المسبب عن تركه، يتوقف على تنجز الاكثر و الا لم يكن ترك الاقل موجبا للعقوبة على تركه، اذ لا عقوبة على غير المنجز، و تنجزه مستلزم لعدم انحلال العلم الاجمالى، فلزم من فرض الانحلال عدمه و هذا خلف و الحاصل ان احتمال كون الوجوب المعلوم تفصيلا غيريا، ان اوجب تنجز الاكثر فلا معنى للقول بالانحلال و جريان البرائة فيه، و ان لم يوجب تنجزه فلا معنى للقول بان مخالفة الوجوب المعلوم توجب العقوبة على تركه ان قلت احتمال كون الوجوب المعلوم غير يا يوجب تنجز الاكثر، لكن لا مطلقا بل بمقدار الاجزاء المعلومة، بمعنى ان تركه لو كان مستندا الى ترك الاجزاء المعلومة لصح العقاب عليه، و ان كان مستندا الى الجزء المشكوك لم يصح العقاب عليه، و من المعلوم ان تنجز الاكثر بهذا المقدار لا يمنع عن جريان البرائة فيه كما لا يخفى قلت لازم ما ذكرت عدم صحة العقوبة على الاكثر، فيما اذا ترك جميع الاجزاء من المعلومة و غيرها، بداهة ان تركه حينئذ ليس مستندا الى خصوص ترك الاجزاء المعلومة كما هو واضح، فيرجع الامر حينئذ الى ان مخالفة هذا التكليف المعلوم ليس لها اثر على كل تقدير، و ذلك لما عرفت انفا من ان مخالفته بترك جميع الاجزاء لا توجب صحة العقوبة على الاكثر، فاذا لم يكن لهذا التكليف المعلوم اثر على كل تقدير، يبقى العلم الاجمالى بالتكليف النفسى موجبا للاحتياط كما مر بيانه، هذه غاية ما يمكن ان يقال فى الاستدلال للقول بالاشتغال و فيه ان الضابط فى انحلال العلم الاجمالى، هو العلم التفصيلى بالتكليف الذى يحكم العقل بوجوب امتثاله و ان كان لاجل
ص: 179
صحة العقوبة عليه على بعض التقادير، لا العلم التفصيلى بالتكليف الذى يوجب مخالفته العقوبة على جميع التقادير، كيف و قد قلنا بالانحلال فيما اذا قام طريق معتبر شرعى مثبت للتكليف فى بعض الاطراف، مع انه لا يصح العقوبة على مخالفة التكليف الطريقى الاعلى تقدير مصادفته للواقع، لا على جميع التقادير ان قلت قياس المقام بقيام الطريق الشرعى فى بعض الاطراف مع الفارق لا لاجل ان الانحلال هناك حكمى، فلا يقاس به المقام الذى يكون الانحلال فيه على تقديره حقيقيا، و ذلك لما عرفت ان الحق ان الانحلال هناك ايضا حقيقى، بل لاجل ان الانحلال عبارة عن انطباق المعلوم بالاجمالى على المعلوم بالتفصيل يقينا لا احتمالا، و من المعلوم ان المعلوم بالاجمالى فى المقام، و هو الوجوب النفسى المردد تعلقه بالاقل او الاكثر، لا ينطبق على المعلوم بالتفصيل و هو الوجوب المردد بين النفسى و الغيرى الا احتمالا، و هذا بخلاف التكليف الذى يقوم الطريق على بتوته فى بعض الاطراف، فانه حيث يكون من سنخ التكليف المعلوم بالاجمال، فينطبق عليه المعلوم يقينا فينحل قهرا قلت ليس المراد من الغيرى فى قولنا وجوب الاقل معلوم سواء كان نفسيا او غيريا، هو الوجوب المقدمى الثابت للمقدمات الخارجية للمأمور به، بل المراد به هو الوجوب التبعى الثابت للمقدمات الداخلية له، التى تكون واجبة بعين وجوبه، فالوجوب الغيرى بهذا المعنى هو الوجوب النفسى، و انما الفرق بينهما بالاصالة و التبعية، فالمراد من قولنا وجوب الاقل معلوم سواء نفسيا او غيريا، هو ان الوجوب النفسى المعلوم بالاجمال، تعلقه بهذه الاجزاء معلوم، سواء تعلق بجزء آخر او لا ان قلت قد ذهب المحققون من العدلية الى ان الاوامر الشرعية تابعة لمصالح فى المأمور به، و ان غرض الشارع منها وصول العبد الى تلك المصالح، و العقل يحكم بوجوب اتيان المأمور به على نحو يحصل به غرض المولى، و من المعلوم انه لواتى بالاقل لم يعلم بحصول الغرض اصلا، لاحتمال مدخلية الجزء المشكوك ايضا فى حصوله، فيحكم العقل بلزوم اتيانه ايضا ليعلم بحصوله قلت لزوم اتيان المأمور به على نحو يحصل به غرض
ص: 180
المولى عقلا، ان كان لاجل ان اللازم بحكم العقل اسقاط الامر و هو لا يسقط الا بحصول الغرض، ففيه ان بقاء الامر مع اتيان متعلقه يرجع الى طلب الحاصل و هو محال، و ان كان لاجل ان اللازم بحكم العقل فى باب الاطاعة هو تحصيل غرض المولى، و الامر انما يكون حجة على الغرض من دون ان يكون موضوعا لحكم العقل بوجوب الامتثال، ففيه ان هذا خلاف الوجدان، فانا نرى فيما اذا لم يكن امر المولى بفعل لغرض و مصلحة فى ذلك الفعل، بل انما يأمر به لمصلحة فى نفس الامر به كما فى الاوامر الامتحانية، ان العقل يحكم بوجوب اطاعته و استحقاق العقوبة على مخالفته، و لا يكون عذر العبد بان هذا الامر لم يكن لغرض فى الفعل المأمور به مسموعا عند العقلاء، و ان كان لاجل ان الواجب بحكم العقل كل من امتثال الامر و تحصيل الغرض منه، فلو انفرد الامر عن الغرض يجب امتثاله، و لو انفرد الغرض عن الامر يجب تحصيله، ففيه ان العقل انما يحكم بوجوب اتيان ما هو محصل للغرض فيما اذا علم بعدم حصوله باتيان ما هو المعلوم تعلق الامر به، دون ما اذا لم يعلم بذلك و احتمل حصوله بما علم وجوبه، فان الاتيان بما علم بوجوبه واجب، و لا علم ببقاء الغرض بعد اتيانه صح و يمكن الاستدلال على البرائة العقلية بوجه آخر، و هو ان يقال ان محل الكلام ليس ما اذا كان لجزء المشكوك دائرة امره بين الجزئية و المانعية، كى يرجع الامر الى الشك فى وجوب الاقل بشرط شى او بسط لا، و يكون من قبيل دور ان الامر بين المتبائنين، بل موضوع البحث هو ما اذا كان لجزء المشكوك دائرا امره بين الجزئية و عدمها، الراجع الى الشك فى وجوب الاقل بشرط شئى او لا بشرط و من المعلوم ان بشرط شئى ليس الا اللابشرط بضميمة خصوصية زائدة به، بداهة ان اللا بشرطية ليس كقيد بشرط شئى و بشرط لا اللذين يكونان حدين للماهية، بل هو عبارة عن عدم لحاظ شئى فى الماهية اصلا حتى لحاظ كونها كك، و لذا قيل اللابشرط يجتمع من الف شرط اذا عرفت هذا، فنقول اذا علمنا بتعلق الوجوب اما بالاقل او بالاكثر، يكون تعلقه بالمهية اللا بشرط و هو ذات الاقل مع
ص: 181
قطع النظر عن كونه محدودا باحد الحدين معلوما، و تعلقه بخصوصية زائدة عليها مشكوكا، و مقتضى الاصل البرائة ان قلت ان الطبيعة المهملة من احد الحدين المسماة باللابشرط المقسمى، لا تكون موضوعة لحكم الحاكم قطعا، بداهة ان غرضه اما تعلق بالاقل على نحو الاطلاق، و منضما بالجزء المشكوك، اذا الاهمال بحسب الواقع غير معقول، فما هو معلوم تفصيلا لم يكن متعلقا لحكم الحاكم، و ما تعلق به حكمه لم يعلم به الا اجمالا قلت اولا ليست الطبيعة المطلقة المسماة باللا بشرط القسمى، و لا الطبيعة المقيدة المسماة ببشرط شئى، الانفس الطبيعة المهملة المسماة باللا بشرط المقسمى غاية الامر انه اذا لو حظت الطبيعة المهملة غير مخصصة بخصوصية خاصة، تسمى باللا بشرط القسمى، و اذا حظت مخصصة بها تسمى بشرط شئى، فالطبيعة ليست شيئا منتزعا عن المطلقة و المقيدة، بل تكون من مقوماتهما، فتكون واجبة بعين وجوبهما و متعلقة للغرض كك و ثانيا سلمنا ان الطبيعة المهملة التى هى القدر المشترك بين الاقل و الاكثر، شئى انتزع عن التكليف باحد العنوانين على جهد الخصوصية، لكن نمنع عن اختصاص حكم العقل بوجوب الامتثال، بما اذا علم عنوان المكلف به تفصيلا، بل متى علم المكلف بالمكلف به و لو بوجه من وجوهه، يحكم العقل بلزوم امتثاله عليه، و لذا قلنا فى مبحث العلم الاجمالى بانه موجب للاحتياط عقلا، و لو لم يكن المعلوم بالاجمال بعنوانه الواقعى معلوما للمكلف، كما اذا كان مرددا بين عنوانين ان قلت ما ذكرت انما يتم فيما اذا لم يكن المكلف به المعلوم بالاجمال مرددا بين المطلق و المقيد كما نحن فيه، اذ مع تردده بينهما لا يكون العلم بوجوب المهملة المشتركة بينهما مقتضيا لاتيانها فى ضمن ايهما، ا لا ترى انه لو كان الواجب على المكلف عتق رقبة مؤمنة، لا يصح امتثاله بعتق رقبة كافرة، مع ان نسبة الوجوب الى عتق الرقبة بنحو الا همال صحيحة من جهة وجود المهملة فى الرقبة المؤمنة ايضا و وجوبها وجوب المؤمنة قلت قياس المقام بمثال العتق مع الفارق، لان فى المثال تعلق التكليف بخصوص المقيد معلوم، فلا يصح امتثاله بالفاقد للقيد، لان التكليف
ص: 182
بالمقيد و ان صح نسبة الى المهملة من جهة اتحادها مع المقيد، لكن ذمة المكلف مشغولة بخصوص المقيد، فلا يصح امتثاله بالفاقد للقيد، بخلاف ما نحن فيه، فان ذمة المكلف لم يشتغل بازيد من الطبيعة الجامعة بين الاقل و الاكثر، ان قلت لازم ما ذكرت هو القول بعدم وجوب الاحتياط فيما اذا علم اجمالا بوجوب احد المتبائنين، اذ لا علم له الا بوجوب احدهما، و هو لا يقتضى الا الاتيان باحدهما لانه القدر المتيقن اشتغال ذمته به، مع انه لا شبهة فى وجوب الاحتياط فى قلت الوجه فى وجوب الاحتياط فيما دار المكلف به بين المتبائنين، هو العلم بوجوب عنوان خاص فى الواقع و نفس الامر منطبق على احدهما المعين، فذلك العنوان غير عنوان احدهما الصادق على كل منهما، و المنجز عقلا للمعلوم بالاجمال هو ذلك العنوان الخاص لا هذا العنوان العام الاجمالى و هذا بخلاف ما نحن فيه الذى يكون المعلوم بالاجمال فيه دائرا بين الاقل و الاكثر، اذ مرجع كون الاقل او المطلق مطلوبا، الى عدم مدخلية خصوصية زائدة على المقدار المعلوم و هى الطبيعة المشتركة فى المطلوب، لا الى مدخلية عنوان الاقلية او الا طلاق فيه، كى يكون ما نحن فيه نظير المتبائنين فى مدخلية خصوصية زائدة، على المقدار المعلوم الذى هو فيما نحن هى الطبيعة المشتركة هذا و تدبر، هذا تمام الكلام فيما هو مقتضى الاصل العقلى فى الاجزاء المشكوكة فى الواجبات التوصلية، و منه يظهر الوجه فى جريان هذا الاصل فى القيود المشكوكة ايضا، فلا نطيل باعادة الكلام فيها.
(قوله دام ظله و اما الواجبات التعبدية الخ) اقول ان القائلين بلزوم الاحتياط فى دوران الواجب بين الاقل و الاكثر الارتباطيين مطلقا اى سواء كان الواجب توصليا او تعبديا، احتجوا على لزومه فى التعبدى، مضافا الى ما استدلوا به على لزومه مطلقا، بانه لا شبهة فى انه يعتبر فى الواجبات التعبدية ان يؤتى بهذا بقصد التقرب، و من المعلوم انه لا يتمشى قصد التقرب، الا فيما يمكن حصول التقرب باتيانه بداعى الامر المتعلق به من الواجبات النفسية، دون الواجبات الغيرية التى لا يحصل التقرب باتيانه بداعى امرها، فمع
ص: 183
تردد الواجب التعبدى بين الاقل و الاكثر، لا يمكن حصول التقرب الاتيان الاكثر الذى هو الواجب نفسا او المشتمل عليه قطعا، دون الاقل المردد بين كونه واجبا نفسيا او غير يا مقدميا، لعدم تمشى قصد القربة باتيانه، مع القطع بعدم حصول القرب باتيانه على تقدير كونه واجبا غير يا فتامل(1) و فيه انا ان قلنا باستحالة ادراج قصد القربة فى المأمور به، و جعلناه لذلك من الاغراض المترتبة على الامر، فلا شك فى ان تنجزه تابع لتنجز الامر، بداهة انه لا يعقل تنجزه مع عدم تنجز الامر الذى هو سبب لتنجزه، فلو كان التكليف متعلقا واقعا بالاكثر، فحيث انه غير منجز على القول بانحلال العلم الاجمالى و جريان البرائة فى الاكثر، فيحكم العقل بعدم تنجز الغرض المترتب عليه على المكلف، كما يحكم بعدم تنجزه عليه فى الشبهات البدوية نعم لو كان التكليف متعلقا واقعا بالاقل، فحيث انه منجز لقيام الحجة عليه، يجب على المكلف امتثاله على نحو يسقط به الغرض، بان يأتى بالاقل بقصد الاطاعة ان قلت كيف يتمشى قصد القربة باتيان الاقل، مع دورانه بين ان يكون واجبا نفسيا او مقدميا لا يمكن حصول القرب باتيانه قلت المقدار المتيقن اعتباره فى العبادات، ان يؤتى بها بقصد الانقياد للمولى لا باغراض اخر نفسانية، و من المعلوم حصول هذا المقدار فى الاتيان بالاقل المعلوم بقصد الاطاعة و الانقياد لا باغراض اخر و اما اتيانها بقصد اطاعة الامر المتعلق بها و امتثاله، المتوقف على احراز الامر، فلا دليل على اعتباره فيها، كيف و لو كان المعتبر فيها ذلك، لأنسد باب الاحتياط فى العبادات فى موارد الشبهة فى اصل التكليف اذ لا يعلم المكلف ان ما ياتى به لغوا و مطلوب للشارع و معه لا يتمشى منه قصد التقرب به كما هو واضح، و من المعلوم حصول هذا المقدار المتيقن اعتباره فى الاتيان بالاقل، بداهة انه يؤتى به بقصد الانقياد للّه تعالى لا بد واع اخر نفسانية، و حينئذان ان كان التكليف متعلقا به واقعا فيحصل باتيانه كك الغرض المترتب عليه، و ان كان التكليف متعلقا واقعا بالاكثر، فلا يحصل باتيان الاقل بقصد الانقياد الغرض المترتب عليه الا انه لا يلزم عليه تحصيله بعد عدم تنجز التكليف على تقدير تعلقه بالاكثر
ص: 184
كما مر بيانه و مما ذكرنا ظهر الجواب عن هذا الاشكال، على تقدير القول بكون قصد القربة داخلا فى المأمور به، اذ عليه يكون كالاجزاء المعلومة فى لزوم الاتيان بها متقربا فيكفى حينئذ فى حصول الغرض اتيان الاقل انقيادا للّه تعالى، و لا يتوقف حصوله على اتيانه بقصد القربة، كى يقال لا يتمشى منها اتيانه بهذا القصد مع تردد الامر المتعلق به بين النفسى و الغيرى هذا ثم لا يخفى ان مقتضى الاصل العقلى فى طرف النهى بعكس مقتضاه فى طرف الامر، بداهة انه لودار محرم بين الاقل و الاكثر كالغناء المردد بين كونه مطلق الصوت المطرب او المطرب مع الترجيع، يكون القدر المتيقن المعلوم حرمته تفصيلا على كل حال هو الاكثر، و يكون حرمة الاقل مشكوكة و الاصل فيه البرائة و السر فى ذلك هو ان معلق الطلب فى الامر هو الوجود و الطبيعة المهملة المسماة باللا بشرط المقسمى توجد بوجود فرد ما منها، ولدا يكون تعلق الوجوب فى دوران الواجب بين الاقل و الاكثر بالطبيعة المهملة، و هى ذات الاقل مع قطع النظر عن كونه محدودا باحد الحدين متيقنا معلوما عى كل حال و هذا بخلاف النهى فان متعلق الطلب فيه هو العدم، و الطبيعة المهملة لا تنعدم الا بانعدام تمام افرادها، فلا يكون تعلق الحرمة فى دوران المحرم بين الاقل و الاكثر، بالطبيعة المهملة من الحدين، معلوما على كل تقدير، بداهة ان عدم الطبيعة المقيدة باحد الحدين، لا يستلزم عدم الطبيعة المهملة، كى يكون تعلق الطلب بعدم المهملة متيقنا على كل حال و هذا واضح فتدبر.
(قوله دام ظله و اما الاصل الشرعى الخ) اقول ان تقريب الاستدلال على البرائة الشرعية فى المقام، بحديثى الحجب و الرفع على القول بالبرائة فيه عقلا واضح، فانه بعد انحلال العلم الاجمالى الى علم تفصيلى بوجوب الاقل و شك بدوى فى وجوب الاكثر، يكون مقتضى الحديثين رفع الحكم المتعلق بالاكثر، لانه مما حجب اللّه تعالى علمه عن العباد و مما لا يعلمون و توهم ان تعلق الحكم بالنسبة الى الاقل ايضا مشكوك، فيكون مقتضاهما ايضا رفعه، فيقع المعارضة بين الاصل الجارى فيه و الاصل الجارى فى الاكثر مدفوع بان تعلق التكليف النفسى بالاقل و ان كان مشكوكا ايضا، الا انه بعد العلم باصل
ص: 185
الوجوب بالنسبة اليه، و كون هذا الحكم المعلوم لازم الامتثال بحكم العقل، لا يكون لتوهم شمول الحديثين له مجال لان ما هو ملاك للاثر عند العقل و هو تعلق الحكم بذات الاقل معلوم غير قابل للرفع، و الخصوصية المشكوكة و هى الاطلاق ليست كلفة زائدة على العبدكى يشملها الحديثان كما هو واضح و اما على القول بالاحتياط فى المقام عقلا، فيشكل التمسك بالحديثين على البرائة فيه شرعا، بداهة ان العلم التفصيلى باصل الوجوب الاعم من النفسى و الغيرى عليهذا القول ليس له اثر عقلا، و انما المؤثر هو العلم الاجمالى بالتكليف النفسى، فكما ان تعلق التكليف الغيرى بالاكثر مشكوك فيشمله الحديثان كك تعلقه بالاقل مشكوك فيشمله الحديثان، و يقع المعارضة بين الاصل الجارى فيه و الاصل الجارى فى الاكثر ان قلت ان الاقل معلوم انه بالفعل مطلوب و مراد للشارع اما لذاته او مقدمة للاكثر، و معه لا يعقل جريان الاصل فيه للعلم التفصيلى بمخالفته للواقع قلت ان ما هو معلوم تفصيلا انه مطلوب و مراد للشارع على اى حال هو ذات الاقل اعنى الطبيعة المهملة عن الحدين، و قد عرقت ان هذا المعلوم التفصيلى ليس له اثر على القول بالاحتياط عقلا فى المقام، و انما المؤثر هو العلم الاجمالى بالتكليف النفسى المردد تعلقه بالاقل اعنى الطبيعة المحدودة بحد الاقلية او الاكثر، و من المعلوم ان الطبيعة المحدودة بهذا الحد، ليس تعلق التكليف النفسى و لا الاعم منه و من الغيرى بها. معلوما كيلا يعقل جريان الاصل فيه ان قلت قد مران حد الاقلية ليس له مدخلية فى الحكم، و الا لرجع الامر الى الشك فى وجوب الاقل بشرط لا او بشرط شئى، و كان من دوان الامر بين المتبائنين و هو خارج عن محط البحث، فاذا لم يكن للحد مدخلية فى الحكم، لم يبق فى البين الا ذات المحدود الذى يكون تعلق الاعم من النفسى و الغيرى به معلوما قلت ان حد الاقلية و ان لم يكن له مدخلية فى الحكم، الا ان ما تعلق به الحكم واريد من المكلف، ليس هو الذات المهملة و من حيث هى هى، بل متعلقه هو الذات المحدودة، و لذا لوامر المولى بترسيم ذراع من الخط لا بشرط عن الزيادة، و رسم العبد ذراعين يثاب على ما رسمه فى ضمن الذراعين من الذراع، و كذا لو ترك الترسيم رأسا يعاقب على ترك ترسيم
ص: 186
الذراع لا على ترك الترسيم رأسا، و من هنا ظهر اندفاع ما ربما يقال من ان ترك ترك الاقل فى حد ذاته مخالفة قطعية للتكليف بالاجمال، لان تركه مستلزم لترك الاكثر فلا يعقل ان يعمه ادلة البرائة، كى يعارض الاصل فيه مع الاصل فى الاكثر توضيح الاندفاع هو ان ما يكون تركه مستلزما لترك الاكثر و للمخالفة القطعية للتكليف المعلوم بالاجمال، هو ذات الاقل اعنى الطبيعة المهملة لا الطبيعة المحدودة بحد الاقلية، بداهة عدم استلزام ترك الطبيعة المحدودة بحد الاقلية، لترك الطبيعة المحدودة بحد الاكثرية، كى يلزم من تركها المخالفة القطعية للتكليف المعلوم بالاجمال نعم يمكن ان يقال كلا من الاقل و الاكثر على مبنى القائل بالاحتياط عقلا و ان كان مشمولا لحديث الرفع، الا انه بعد تعارض الاصلين فيهما و سقوطهما، يبقى الاصل الجارى فى جزئية الجزء المشكوك سليما عن المعارض، بداهة ان الشك فيها مسبب عن الشك فى تعلق التكليف بالاكثر، فليس الاصل الجارى فيه فى رتبة الجارى فى المتعارضين كى يسقط بالتعارض و توهم ان الجزئية من الاحكام الوضعية الغير القابلة للوضع و الرفع فلا يعمها حديث الرفع مدفوع بان الجزئية و ان لم تكن قابلة لهما ذاتا، الا انها قابلة لهما بتبع منشاء انتزاعها اعنى وجوب الاكثر و توهم ان رفع جزئية الجزء المشكوك، مستلزم للتنويع بحسب العلم و الجهل، و تخصيص جزئية الجزء بما اذا علم جزئيته و هو دور محال مدفوع بان هذا المحذور انما يلزم، لواريد من رفع الجزئية فى حال الشك رفعها واقعا و فى مرتبة الفعلية، و اما لو اريد رفعها ظاهرا و فى مرتبة التنجز فلا كما لا يخفى و توهم ان غاية ما يستفاد من حديث الرفع عدم جزئية الجزء المشكوك، و مجرد هذا لا يثبت كون الاقل هو المأمور به فى حال الجهل، الا على القول بالاصل المثبت مدفوع بان معنى رفع جزئية الجزء حال الشك، ليس عرفا الا كون المأمور به فى هذا الحال ما عداه، بداهة انه لو لم يكن ما عداه مأمورا به فى هذا الحال، لكان المرفوع فى هذا الحال هو الامر بالكل لا جزئية الجزء، فالدال على رفعها دال عرفا على كون المأمور به فى هذا الحال ما عدا المشكوك من الاجزاء، و بالجملة رفع جزئية الجزء المشكوك بعد فرض وجوب الباقى،
ص: 187
يفهم منه عرفا ان الواجب النفسى هو الباقى، فاثبات ان الواجب هو الاقل، ليس من اجل رفع جزئية الجزء المشكوك بالاصل، كى يقال ان هذا من اثبات احد الضدين بنفى الاخر بالاصل و هو مثبت، بل من اجل ان رفع جزئية الجزء فى حال الشك، ملازم عرفا لاثبات ان الواجب فى هذا الحال ما عداه من الاجزاء و يؤيد ذلك قوله عليه السلام فى رواية عبد الاعلى يعرف هذا و اشباهه من كتاب اللّه ما جعل عليكم فى الدين من حرج امسح على المرارة، فانه لو لم بكن المدلول العرفى لرفع ما يكون حرجيا و هو مباشرة اليد الماسحة للبشرة الممسوحة، اثبات الباقى و هو اصل المسح، لم يكن وجه لا حالته عليهم السّلام معرفة هذا الحكم اعنى وجوب المسح على المرارة الى كتاب اللّه تعالى فتدبر جيدا.
(قوله دام ظله الاول اذا دار الامر بين التعيين و التخيير الخ). اقول خاصل هذا التنبيه، هو انه اذا علم بتعلق الوجوب بشئى، و شك فى انه هل تعلق بشئى آخر يكون عدلا له، كى يكون واجبا تخييريا، اولا كى يكون تعيينيا، و لم يكن هناك اطلاق يتمسك به للتعيينية، فهل الاصل يقتضى التعيينية او التخييرية، فيه و جهان بل قولان استدل للاول بان تعلق التكليف بهذا الشئى معلوم، و يشك فى سقوطه باتيان المشكوك تعلقه به، و مقتضى الاشتغال بالتكليف الثابت هو الفراغ عن عهدته يقينا، و لا يحصل الفراغ عن عهدته كك الا باتيان ما علم تعلقه به و استدل للثانى بان الشك فى المقام راجع الى الشك فى الاطلاق و التقييد، و ذلك لان الملاك فى التخييرية على ما حقق فى محله، هو ان يكون كل من الشيئين اللذين تعلق الامر باحدهما على البدل قائما بمصلحة واحدة، و بعبارة اخرى كان الامر باحدهما على البدل، بملاك ان هناك غرضا واحدا يقوم به كلواحد منهما، بحيث لواتى باحدهما حصل به تمام الغرض و عليه فلا بد ان يكون الواجب فى الواجبات التخييرية فى الواقع، هو الجامع بين الشيئين اللذين تعلق الامر باحدهما، بداهة ان الشيئين اذا اتحدا فى الاثر، فاللازم عقلا ان يكون ذلك الاثر مستندا
ص: 188
الى الجامع بينهما، و ذلك لاستحالة صدور الواحد عن الاثنين بماهما اثنان فتدبر، ما لم يكن جامع بينهما يكون علة لصدوره عنهما، بداهة انه لا بد من نحو سنخية بين العلة و المعلول، و الا لزم تأثير كل شئى فى كل شئى، و هو ضرورى البطلان، فاذا كان الواجب فى الواجب فى الواجبات التخييرية هو الجامع بين الشيئين اللذين تعلق الوجوب باحدهما على البدل، يكون مرجع الشك فى التعيين و التخيير، الى الشك فى ان التكليف هل هو متعلق بالجامع بين الفردين او بخصوص ذلك الفرد، فيرجع الشك الى الشك فى الاطلاق و التقييد، الذى قد عرفت ان الاصل فيه هو البرائة عن القيد المشكوك هذا و لكن الحق هو الاول و ان الاصل فى المقام يقتضى التعيين، و ذلك لامكان ان يكون الملاك فى التخييرية، هو كون كل من الشيئين اللذين تعلق الامر باحدهما على البدل، قائما بمصلحة مستقلة غير ماقام به الاخر، الا انه لما لم يمكن مع استيفاء مصلحة احدهما استيفاء مصلحة الاخر، امر باحدهما على البدل الاستيفاء احدى المصلحتين، اذ عليه لا مجال للقول بان الواجب هو الجامع بين الشيئين كما هو واضح سلمنا ان الملاك فى التخييرية هو قيام كل من الشيئين بمصلحة واحدة، لكن مجرد ذلك لا يوجب كون التكليف متعلقا بالجامع، الا فيما كان هناك جامع خطابى ايضا، كما فى موارد التخيير العقلى، دون موارد التخيير الشرعى التى لا يكون فيها الا جامع ملاكى، كما فى كفارات الصوم سلمنا ان التخيير مطلقا راجع الى تعلق الحكم لبابا لجامع، لكن نقول لو كانت الواجب واقعا هو العنوان الخاص، لم يكن للعبد عذر فى مخالفته، و لم تكن المؤاخذة عليه مؤاخذة من دون حجة و بيان، بعد العلم تفصيلا بتعلق الوجوب به اما تعيينا او تخيير فما نحن فيه بعكس دوران الامر بين المطلق و المقيد، حيث انه فى الثانى تعلق الخطاب بالمقيد مشكوك فيؤخذ بالمتيقن و يدفع القيد بالبرائة بخلاف ما نحن فيه فان تعلق الخطاب بالعنوان المخصوص معلوم.
(قوله دام ظله الثانى لما فرغنا عن الشك فى الجزئية و القيدية فى الشبهة
ص: 189
الحكمية فاللازم التكلم فى الموضوعية منها الخ) اقول ان التكلم فى الشبهات الموضوعية مطلقا، و ان كان غير مناسب للمقام بداهة ان التكلم فيها من التكلم فى المسئلة الفرعية، الا انه لما كان بعض مصاديق الشك فى الجزئية و القيدية من جهة الشبهة الموضوعية، فحلا للابتلاء و مورد الاختلاف انظار الا عاظم من العلماء أراد الاستاد دام ظله التكلم فيه استطراد اليتضح ما هو الحق فية، فقال ان جعل طبيعة جزء المأمور به يتصور على انحاء الخ، و حاصل ما افاده هو ان متعلقات التكاليف الغيرية كالاجزاء و الشرائط و الموانع كمتعلقات التكاليف النفسية، قد تكون هى الطبيعة باعتبار صرف الوجود اغنى المقابل للعدم المطلق و الناقض له، و قد تكون هى الطبيعة باعتبار وجودها السارى فى جميع الافراد، و قد تكون هى الطبيعة، باعتبار مجموع الوجودات بحيث يكون مجموع افرادها بمنزلة جزء واحد او شرط او مانع كك للمأمور به، و قد عرفت فيما مران التكليف الغيرى المتعلق بالطبيعة، انكان امرا كما فى الاجزاء و الشرائط، و كان تعلقه بها على النحو الاول اعنى باعتبار صرف الوجود، او كان نهيا كما فى الموانع، و كان تعلقه بها على النحو الثالث اعنى باعتبار مجموع الوجودات، فلا اشكال بل لا خلاف فى انه لا مجال لاصالة البرائة فى الشبهة الموضوعية منها، اما فيما اذا كان التكليف امر او كان تعلقه بالطبيعة على النحو الاول، فلضرورة ان الاشتغال اليقينى بالمركب من اجزاء معلومة او المشروط بشرط معلوم، يستدعى البرائة اليقينية عنه، و لا تحصل البرائة عنه كك الاباتيان ما يعلم انطباق ذاك المركب او المشروط عليه، و اما فيما اذا كان التكليف نهيا و كان تعلقه بالطبيعة على النحو الثالث، فلان مرجع جعل الطبيعة عليهذا النحو مانعا، الى اشتراط ترك واحد من افرادها، بداهة انتفاء المجموع و الكل بانتفاء الجزء، فاللازم بحكم العقل احراز ذلك الترك بترك ما يعلم انه من افراد الطبيعة المنهى عنها، و عدم الاكتفاء بترك المشكوك كونه من افرادها، و ذلك لان اصل الاشتراط معلوم فيجب عقلا احراز الشرط، كما لا اشكال و لا خلاف فى ان التكليف الغيرى المتعلق بالطبيعة، ان كان امرا او نهيا و كان تعلقه بها على النحو الثانى، اعنى باعتبار وجوده
ص: 190
السارى فى تمام الافراد، فلا مجال الاللبرائة فى الشبهة الموضوعية منها، و ذلك لان تعلق التكليف الغيرى بالطبيعة عليهذا النحو، يوجب سرايته الى جميع الافراد على نحو العموم الاستغراقى، فينحل التكليف بها الى تكاليف عديدة غيرية حسب تعدد الافراد؛ و يتعلق بكل فرد تكليف غيرى غير ما تعلق بالاخر، فلو شك فى شئى انه من افراد الطبيعة المكلف بها ام لا، فيرجع هذا الشك الى الشك فى اصل اشتراط المأمور به به وجودا او عدما زائدا على ما علم اشتراطه به من الافراد المعلومة، و المرجع فيه هو البرائة 7 لانه من مصاديق الشبهة فى الاقل و الاكثر الارتباطيين، التى قد عرفت ان الحق فيها البرائة عقلا و نقلا و انما وقع الاشكال و الخلاف فيما اذا كان التكليف الغيرى المتعلق بالطبيعة امر او كان تعلقه بها على النحو الثالث، او نهيا و كان تعلقه بها على النحو الاول، فى ان الاصل هل يقتضى الاحتياط فى الشبهة الموضوعية منها فى كلا الموردين او البرائة كك، و غاية ما يمكن ان يقال فى وجه كون مقتضى الاصل هى البرائة فى الموردين، هو ان الامر بالطبيعة باعتبار مجموع الوجودات، و ان كان لا معنى له الا الامر بايجاد مجموع افرادها من حيث المجموع و بوصف الاجتماع، بحيث لو اخل بفرد منها لما امتثل الامر بالطبيعة اصلا، لانتفاء الكل بانتفاء الجزء، و كذا النهى عن الطبيعة باعتبار صرف الوجود و ان كان لا معنى له الا تركها رأسا بعدم ايجاد ناقض العدم، بحيث لو اوجد فردا لما امتثل النهى عن الطبيعة اصلا، الا ان ايجاد مجموع الافراد من حيث المجموع، حيث لا يكون مغائرا لايجاد الافراد، بل ايجادها منشاء لانتزاع هذا العنوان، و لا يكون لهذا العنوان ما بحذاء فى الخارج غير ايجاد الافراد، ففى الحقيقة ايجاد الطبيعة باعتبار مجموع الافراد، عبارة اخرى عن ايجاد الافراد، و الامر المتعلق بايجاد الطبيعة بهذا الاعتبار فى الحقيقة راجع الى الامر بايجاد افرادها و كذا ترك الطبيعة رأسا بعدم ايجاد ناقض العدم، حيث لا يكون مغائر الترك الافراد، بل ترك الافراد منشاء لانتزاع هذا العنوان، بداهة ان الطبيعى خارجا عين الافراد، ففى الحقيقة ترك الطبيعة باعتبار صرف الوجود، عبارة اخرى عن ترك الافراد، و النهى المتعلق بها بهذا الاعتبار فى الحقيقة راجع الى النهى عن ايجاد افرادها، فاذا شك
ص: 191
فى شئى انه من افراد الطبيعة التى تعلق بها الامر باعتبار مجموع الوجودات، او تعلق بها النهى باعتبار صرف الوجود، يشك فى تعلق الخطاب به، و اصل البرائة يرفع تعلق الخطاب به، لان زيادة المصاديق و قلتها توجب زيادة انبساط التكليف و قلته، فلو نذر اكرام مجموع علماء البلد من حيث المجموع، او نذر ترك شرب ماء الدجلة، و شك فى شخص انه من علماء البلد، او فى مايع انه من ماء الدجلة، فحيث ان ذلك الشخص او كان من علماء البلد، او كان ذلك المايع من ماء الدجلة، يصير التكليف زائدا على المعلوم، فالمرجع هى البرائة و توهم ان ايجاد الطبيعة باعتبار مجموع الوجودات و ان كان بايجاد جميع افرادها، و كذا ترك الطبيعة رأسا و ان كان بترك تمام افرادها، الا ان ايجادها بهذا الاعتبار ليس عين ايجاد جميع افرادها، بل عنوان بسيط منتزع عن ايجاد جميعها، و يكون ايجاد الجميع كالمحصل لهذا العنوان، و كذا تركها رأسا ليس عين ترك تمام افرادها، بل عنوان بسيط منتزع عن ترك تمامها، و يكون ترك التمام كالمحصل لهذا العنوان، و عليه فيكون الشك فى شئى انه من افراد الطبيعة التى تعلق بها الامر باعتبار مجموع الوجودات، او تعلق بها النهى باعتبار صرف الوجود، راجعا الى الشك فى محصل ذاك العنوان البسيط المأمور به او المنهى عنه، و معه لا مجال الا للاحتياط مدفوع بان ايجاد الطبيعة باعتبار مجموع الوجودات و كذا تركها رأسا، و ان كانا عنوانين بسيطين منتزعين عن ايجاد جميع الافراد و ترك جميعها الا ان العنوان البسيط له قسمان، احدهما ما يكون امرا خارجيا متولدا و مسببا عن مركب ذى اجزاء كالطهارة المعنوية العارضة للنفس بسبب الوضوء الذى هو عبارة عن الغسلتين و المستحين، و هذا القسم هو الذى لا بد فيه من الاحتياط فيما اذا شك فى جزئية شئى او شرطيته لذاك المركب، ثانيهما ما يكون امرا انتزاعيا عن مركب خارجى و ليس له وجود فى الخارج الا بوجود منشاء انتزاعه، و هذا القسم يجرى فيه البرائة عند الشك فى جزئية شئى او شرطيته لمنشاء انتزاعه، و السر فى ذلك هو ان متعلق التكليف فى القسم الاول، حيث يكون هو العنوان البسيط الخارجى المتولد عن المركب و المبائن معه وجودا، فلا يوجب زيادة اجزاء ذلك
ص: 192
المركب و قلتها زيادة انبساط التكليف المتعلق به و قلته، فلا يكون الشك فى جزئية شئى للمركب شكا فى زيادة البسط و التعلق كى يجرى البرائة، و هذا بخلاف القسم الثانى، فان متعلق التكليف فيه و ان كان عنوانا بسيطا ايضا، الا انه حيث يكون منتزعا عن المركب و موجودا بعين وجوده، فيوجب زيادة اجزاء ذلك المركب و قلتها، زيادة انبساط التكليف المتعلق به و قلته تبعا لزيادة اجزاء منشاء انتزاعه، و قلتها، فيكون الشك فى جزئية شئى للمركب شكا فى زيادة البسط و التعلق، فيجرى البرائة هذا و لكن فيه ما مر من ان الحكم بالاحتياط و عدمه عقلا، لا يدور مداركون المأمور به امرا بسيطا خارجيا توليديا و عدم كونه كك، بل يدور مدار تمامية الحجة من قبل المولى و عدم تماميتها، و من المعلوم انه لو كان متعلق التكليف عنوانا مبينا بحسب المفهوم، غير مردد بحسبه بين الاقل و الاكثر، و لكن كان محصله او ما ينطبق عليه. امرا مركبا دائرا بين الاقل و الاكثر و اقتصر المكلف فى مقام تحصيله على اتيان الاقل، و لم يحصل لمكان مدخلية الزائد على الاقل فى حصوله، يصح للمولى ان يطالبه بالمأمور به و يؤاخذه على تركه، و لا يسمع منه انى ما كنت عالما بمدخلية الزائد فى حصوله، من غير فرق فى ذلك، بين كون المأمور به المبين امرا خارجيا مسببا عن ذلك الامر المركب مبائنا معه وجودا، او مفهوما منتزعا عنه موجودا بعين وجوده و حينئذ فنقول ان ايجاد الطبيعة باعتبار مجموع الوجودات من حيث المجموع، و كذا تركها رأسا بعدم ايجاد ناقض عدمها، و ان كانا منتزعين عن ايجاد جميع الافراد و تركها، لكنهما حيث يكونان مبينين بحسب المفهوم و يكون المكلف مأخوذا بهما، فلا بد فى الخروج عن عهدة التكليف المتعلق بهما، من ايجاد كل ما شك فى كونه من اجزاء الطبيعة المأمور بها، و ترك كل ما شك فى كونه من افراد الطبيعة المنهى عنها، لان اشتغال الذمة بايجاد الطبيعة باعتبار مجموع الوجودات، او تركها رأسا معلوم، و لا يمكن اليقين بالبرائة عنهما، الا بالقطع بايجاد جميع افرادها فى نفس الامر او تركها كك، هذا بحسب الاصل العقلى و اما بحسب الاصل النقلى، فقد يقال بجريان مادل على البرائة، كحديث الرفع و نحوه فى المقام، نظرا الى ان عموم الموصول فيه يشمل كل عنوان يكون
ص: 193
له مع قطع النظر عن كونه معلوما او مجهولا، حكم فى الشرع و تكليف يكون موجبا لصحة مؤاخذة المكلف من طرفه، سواء كان من العناوين المطلوبة بالاستقلال الغير المربوطة بمطلوبية غيره، كما فى الشبهات الموضوعية من التكاليف النفسية، او من العناوين المطلوبة لا عن استقلال بل بتبع غيره، كما فى الشبهات الموضوعية من التكاليف الغيرية، اذ كما يصدق ما لا يعلمون على مثل ما يشك فى خمريته، فيرتفع به ماله من الاثر شرعا و ما يتبعه من العقوبة، كك يصدق على ما يشك فى شرطيته او مانعيته فيرتفع به ماله من الاثر و ما يتأتى من قبله من العقوبة، فشرطية هذا المشكوك او مانعيته مرفوعة بحديث الرفع، كما تكون مرفوعة به فى الشبهة الحكمية و فيه ان هذا انما يتم فيما كان متعلق الامر او النهى الغيرى، هو الطبيعة باعتبار وجودها السارى فى تمام الافراد، اذ لا اشكال فى ان مرجع الامر بها او النهى عنها بهذا الاعتبار، الى جعل كل واحد من افرادها شرطا مستقلا او مانعا كك للمأموربه، فاذا شك فى مصداق انه من افراد الطبيعة المأمور بها او المنهى عنها بهذا الاعتبار، فمرجع هذا الشك الى ان المأمور به هل قيد بوجود هذا الفرد المشكوك او عدمه، زائدا على ما علم تقيده به وجودا او عدما اولا، و هذا بخلاف ما لو كان متعلق الامر هو الطبيعة باعتبار مجموع الوجودات، او كان متعلق النهى هو الطبيعة باعتبار صرف الوجود، فان مرجع الامر بها بالاعتبار الاول، و النهى عنها بالاعتبار الثانى، الى جعل مجموع الوجودات من الطبيعة من حيث المجموع شرطا، و جعل صرف الوجود منها مانعا، فحقيقة القيد ليس الامرا واحدا و المأمور به ليس الا المقيد به، فاذا شك فى مصداق انه من افراد الطبيعة المأمور بها بالاعتبار الاول، او المنهى عنها بالاعتبار الثانى، فمرجع هذا الشك الى ان المأمور به او المنهى عنه المقيد، هل ينطبق على الفاقد لهذا المشكوك او على الواجد له اولا، و معه لا مجال للرجوع الى عموم حديث الرفع، اذ الرجوع اليه ان كان لرفع تقييد المأمور به بوجود ذلك القيد الوحدانى البسيط، و هو مجموع الوجودات من الطبيعة من حيث المجموع، او تقييد المنهى عنه بعدم ذلك القيد الوحدانى البسيط، و هو صرف الوجود من الطبيعة ففيه ان تقييده
ص: 194
بوجود الاول و عدم الثانى ليس مجهولا للمكلف كى يرفع بحديث الرفع، و ان كان الرجوع اليه لرفع تقييده بوجود هذا المشكوك لو عدمه، قفيه ان هذا المشكوك سواء كان من افراد الطبيعة المأمور بها او المنهى عنها او لم بكن، غير معتبر فى المأمور به وجودا و لا عدما، و انما يكون له دخل كك على تقدير كونه من افرادها فى تحقق ما هو معتبر فى كك اذا عرفت هذا، فنقول قد اختلف الاراء فيما اذا شك فى ان اللباس المخصوص هل هو متخذ مما لا يؤكل لحمه او من غيره، فى ان مقتضى الاصل العقلى و النقلى فيه، هل هو البرائة و جواز الصلوة فيه، او الاحتياط و عدم جواز الصلوة فيه فذهب المشهور الى الثانى، و جمع من الاساطين منهم سيد اساتيدنا الميرزا الشيرازى قدس سره الى الاول، و هذا هو الاقوى، بداهة ان نظر المانعين الى احد الامرين، اما الى استفادة شرطية المأكولية فى لباس المصلى على تقدير كونه متخذا من اجزاء الحيوان من قوله عليهم السّلام فى ذيل موثقة ابن بكير لا يقبل اللّه تلك الصلوة حتى تصلى فى غيره مما احل اللّه اكله، بتقريب ان هذه الفقرة حيث نقطع بعدم كون ما هو ظاهرها من حصر قبول الصلوة بما اذا اوتى بها فيها يحل اكله مرادا، بداهة صحة الصلوة فى غيره من القطن و الكتان، فلا بد ان تحمل على الشرطية التقديرية، فمعناها حينئذ لا يقبل اللّه تلك الصلوة على تقدير كون المصلى لابسا شيئا من اجزاء الحيوان حتى يصلى فى اجزاء ما احل اللّه اكله، و عليه فلا يجوز الاكتفاء بالصلوة فى اللباس المشكوك، لعدم احراز كونه مما احل اللّه اكله الذى اعتبر فى الصلوة و اما الى استفادة مانعية صرف الوجود من طبيعة ما لا يؤكل لحمه عن صحة الصلوة من الاخبار المانعة، بتقريب ان تقييد الصلوة فيها بعدم صرف الوجود من طبيعة مالا يؤكل معلوم، و هو تقييد بامر واحد بسيط متحصل من ترك جميع الافراد، و من المعلوم فيما لو كان التكليف تعلقه بشئى واحد معلوما، و دار الامر فى محصله بين الاقل و الاكثر، انه يجب عقلا فيه الاحتياط بترك الفرد المشكوك، تحصيلا للبرائة اليقينية عما اشتغلت ذمته به من الامر الواحد البسيط ففى المقام حيث يكون تقييد الصلوة بعدم صرف الوجود من طبيعة ما لا يؤكل معلوما، و لا يتحقق عدم صرف الوجود منها الا بعدم
ص: 195
جميع الافراد، و لا يمكن احراز ترك جميع الافراد الاّ بترك الفرد المشكوك، فيجب عقلا تركه تحصيلا للبرائة اليقينية عما اشتغلت به الذمة من عدم صرف الوجود من طبيعة ما لا يؤكل و لا يخفى ما فى كلا الامرين من الفساد اما الاول فلان الادلة الواردة فى الباب، بين مادل على النهى عن لبس غير المأكول فى الصلوة، كقوله عليه السلام لا تصل فى و بر و شعر الخ، و مادل على عدم جواز لبسه فى الصلوة و فسادها فيه، الظاهر فى اسناد الفساد الى لبسه لا الى عدم لبس المأكول، كقوله عليهم السّلام لا تجوز الصلوة فى شعر و بر ما لا يؤكل لحمه، و مادل على بيان علة المانعية كقوله عليه السلام لا تصل فى و بر و شعر ما لا يؤكل لحمه لان اكثرها مسوخ اواكل اللحكم و هذه الطوائف باجمعها، ناظرة الى جهة من جهات المانعية، و ظاهرة فى العموم الافرادى الاستغراقى لا المجموعى، فلا يصغى الى دعوى ان المنع عن الصلوة فيما لا يؤكل لحمه، انما هو من جهة انتفاء حل الاكل، لان غير المأكول عنوان انتفاء حل الاكل، الى حقيقة، اذ لا وجه لارجاع النهى عن شيئى الى شرطية ضد ذلك الشئى، و لا الى دعوى ان مرجع النهى عن غير المأكول الى الامر بالصلوة فى المأكول، معللابان الاعدام لا يمكن تعلق الطلب بها اذ فيه اولا ان تعلق الطلب بالامور العدمية باعتبار البقاء و الاستمرار فى غاية الامكان بل واقع فى الشرعيات فوق حد الاحصاء، فتعلق الطلب بترك الصلوة باعتبار ابقائه و استمراره لا مانع عنه اصلا، و ثانيا ان ارجاع النهى عن الصلوة فى غير المأكول الى الامر بالصلوة فى المأكول لما ذكره من العلة، مستلزم لارجاع جميع النواهى الى الاوامر، و هو مناف لما حقق فى محله من ان النواهى احكام مستقلة فى قبال الاوامر هذا كله مضافا الى ان شرطية غير المأكول فى لباس المصلى لا معنى له اصلا، اذ معنى شرطية شئى فى شئى عبارة عن مدخلية ذلك الشئى فى ترتب الاثر على المشروط به، بحيث يمتنع ترتبه عليه بدون وجود الشرط، و من المعلوم، انه لا يعتبر فى لباس المصلى كونه متخذا من المأكول، اذلا شبهة فى صحة الصلوة فى غيره من القطن و الكتان، فلو كان خصوصية كون اللباس من المأكول شرطا فى الصلوة، للزم عدم صحتها بدون هذه الخصوصية و توهم ان صحة
ص: 196
الصلوة فى القطن و الكتان، انما هى لكون الشرط احدى الخصوصيتين، اى خصوصية كون اللباس من المأكول، و خصوصية كونه من القطن او الكتان مدفوع بان عليهذا الفرض و ان كان لشرطية المأكول معنى، الا انا لم نعثر فى الادلة على ما يدل على اعتبار كون لباس المصلى من المأكول، الا ما توهم من ظهور قوله عليه السلام فى ذيل موثقة ابن بكير، لا يقبل اللّه تلك الصلوة حتى تصلى فى غيره مما احل اللّه لحمه فى شرطية حلية اللحم و فيه ما لا يخفى من منع ظهوره فى ذلك من جهات منها ان ظاهر القضية انها حكم تأسيسى متفرع على الصدر و المراد منها هو انه لما كان الصلوة فيما لا يؤكل لحمه فاسدة، فلا يقبل اللّه تلك الصلوة حتى يصلى فى غيره، فهذه القضية واردة فى مقام بيان عدم الاجزاء لو صلى فيما لا يؤكل و لو نسيانا، و ليست فى مقام التأكيد لما حكم عليه السلام به فى الصدر، بداهة انه لا يصح التأكيد بما هو اضعف فى الدلالة على المقصود، لان قوله عليه السلام فى الصدر فالصلوة فيه فاسدة، اصرح دلالة على المقصود، من قوله عليه السلام لا يقبل، و ذلك لامكان حمله على اختلاف مراتب الكمال و منها ان هذه القضية لو كانت دالة بظاهرها على شرطية المأكولية، لوقع التعارض بينها و بين الصدر الظاهر فى مانعية غير المأكول، و ذلك لعدم امكان انتساب بطلان الصلوة الى وجود المانع، مع عدم الشرط، اذ مع عدم ينسب بطلانها الى عدمه، لا الى وجود المانع، لان المانع كان موجودا اولم يكن، اذا فقد الشرط يتحقق بطلان الصلوة، فوجود المانع لا اثر له فى البطلان، الا مع وجود الشرط، لا مع عدمه كى يصح جعله مانعا فى عرض عدم الشرط و من هنا ظهر فساد ما حكى عن بعض الاعاظم من القائلين بالمنع، من انه لا فرق فى ذلك بين كون المأكولية شرطا او غير المأكولية مانعا، اما على الاول فواضح، و اما على الثانى فلان بعد العلم بان غير المأكول مانع، لا بد من احراز عدم المانع و لا يرجع الشك الى الشك فى الامتثال توضيح الفساد هو ما عرفت من ان الجمع بين شرطية المأكولية و مانعية غير المأكولية ممتنع عقلا، و لذا قلنا بوقوع التعارض بين صدر الموثقة و ذيلها لو كان ذيلها دالا على شرطية غير المأكول، و على تقدير امكان الجمع، لا وجه
ص: 197
للقول بالمنع على كل التقدير، بعد كون عموم الاخبار الناهية عن الصلوة فيما لا يؤكل عموما افراد استغراقيا منحلا الى تكاليف عديدة حسب تعدد الافراد، و كون الشك فى فرد مستلزما للشك فى اصل التكليف الذى الاصل فيه هو البرائة و اما فساد الامر الثانى الذى استدل به المانعون، فلان الظاهر من جعل الطبيعة متعلقا للنهى، هو كونها عنوانا و مرآتا للافراد الخارجية النفس الامرية محققة كانت او مقدرة مفروضة، و ذلك لان القضايا المستعملة فى مقام جعل الاحكام، تكون من قبيل القضايا المستعملة فى العلوم، فليست من قبيل القضايا الخارجية التى حكم فيها على الافراد المتحققة الموجودة فى الخارج، كما فى قولنا قتل من فى العسكر، بل هى من قبيل القضايا الحقيقية التى حكم فيها على الافراد النفس الامرية محققة كانت او مقدرة مفروضة، فقولنا الخمر حرام شربها، ليس المراد منه ان الافراد المتحققة منها فى الخارج شربها حرام، بل المراد ان كل ما وجد و صدق عليه انه خمر يحرم شربه، فكل فرد من افراد الطبيعة له دخل فى ملاك الحكم و يتحقق بتحققه خارجا فرد من الحكم، فاذا شك فى فردية شئى للطبيعة يشك فى تعلق الحكم به، و المرجع فيه هى البرائة لا الاشتغال، بل الامر كك فيما لو كان متعلق النهى هو الموضوعات بنحو العام المجموعى، او بنحو الطبيعة السارية، كما اذا قيل لا تشرب ماء الدجلة، و ذلك لان زيادة المصداق و قلته موجبتان لزيادة انبساط التكليف و قلته، و بعد ما حقق فى محله من جريان البرائة فى دوران المكلف به بين الاقل و الاكثر الارتباطيين، يكون جريانها فى الفرضين فى غاية الوضوح نعم لو كان التكليف متعلقا بعنوان بسيط متحصل من ترك افراد الطبيعة كوصف المجموعية، لا يكون الشك فى فردية شئى موردا للبرائة لانه شك فى المحصل، لكن هذا مضافا الى كونه مجرد فرض لا واقع له اذا المقصود من النهى عن شرب الخمر مثلا ليس الا ترك شرب كل فرد فرد، لا ترك المجموع من حيث المجموع الذى هو عنوان انتزاعى عن ترك الافراد، خلاف ما هو ظاهر الادلة الناهية من جعل الطبيعة بماهى مرآة للافراد متعلقة للنهى، هذا تمام الكلام فيما هو مقتضى الاصل العقلى و اما الاصل النقلى، فيدل على ما هو المختار من الجواز،
ص: 198
ما دل من الايات و الاخبار على البرائة فى الشبهات الحكمية بالتقريب الذى مر بيانه فى محله، بل يدل عليه قوله عليهم السّلام فى صحيحة عبد اللّه سنان كل شئى يكون فيه حرام و حلال فهو حلال لك ابدا حتى تعرف الحرام منه بعينه فتدعه، فان مقتضى عمومه جواز الصلوة فى المشكوك، لان فى الجلود و الاصواف قسما تحل الصلوة فيه و قسما لا تحل الصلوة فيه، فيحكم فى المشكوك بحل الصلوة فيه بمقتضى عموم الصحيحة، بعد كون المراد من الحل و الحرامة فى لسان الائمة عليهم السلام اعم من النفسى و الغيرى، لما شاع من استعمالهما فى الغيرى منهما فى الاخبار، ففى صحيحة عبد الجبار لا تحل الصلوة فى الحرير المحض و فى صحيحته الاخرى لا تحل الصلوة فى حرير محض، و فى صحيحة على بن مهزيار لا يجوز الصلوة فى وبر الارنب، و فى رواية ابراهيم بن محمد الهمدانى لا يجوز الصلوة فى الحديد، الى غير ذلك من الاخبار التى استعمل فيها الحل و الحرمة فى الغيرى منهما.
(قوله دام ظله الثالث اذا ثبت جزئية شئى فى الجملة الخ) لا يخفى ان الاولى عنوان المسئلة بما يعم نقصان الشرط سهوا ايضا، بان يقال اذا ثبت قيدية شئى للمامور به فى الجملة و شك الخ، بداهة ان محل البحث لا يختص بالجزء ثم توضيح الكلام فى هذا الامر هو انه اذا ثبت قيدية شئى للمأمور به فى الجملة، بان لم بكن هناك ما يدل على فيدينه المطلقة، فهل الاصل العقلى يقتضى كونه قيدا مطلقا، كى يكون الاخلال به سهوا موجبا لبطلان الماتى به الخالى عنه و اعادة ما يكون و اجداله، او لا يقتضى الا قيديته فى حال الالتفات، كيلا يكون الاخلال به سهوا موجبا لبطلان الماتى به فيه و جهان اختار اولهما شيخ مشايخنا المرتضى قدس سره، و استدل على ذلك بما حاصله، ان ما كان جزء حال الالتفات لا بد ان يكون جزء حال الغفلة ايضا، بداهة ان جزئية الجزء المغفول عنه لو كانت مختصة بحال الالتفات، لزم التنويع بحسب الذكر و النسيان، و اختصاص الناسى بخطاب يخصه، و هو غير معقول، بداهة ان الفائدة التى يتصور صدور الامر لاجلها، هى بعث المكلف على العمل، و الغافل غير قابل للانبعاث بالخطاب المتوجه اليه بعنوان كونه
ص: 199
غافلا، لان انبعاثه به يتوقف على التفاته الى كونه غافلا بهذا العنوان، و التفاته الى ذلك موجب لخروجه عن موضوع هذا الخطاب لانه متى التفت الى ذلك يلتفت الى كونه غافلا عن الجزء فيلتفت الى الجزء، فلا يبقى غافلا كى يعمه هذا الخطاب، فمتى التفت الى كونه داخلا فى العنوان الذى تعلق به الخطاب، يخرج عن كونه غافلا، فينتفى الخطاب المتعلق بهذا العنوان بانتفاء موضوعه، و ما لم يلتف الى ذلك لم يعقل انبعاثه بذلك الخطاب، فيكون الخطاب المتوجه اليه لغوا على كل حال نعم يمكن ان يسقط الشارع الاعادة عن الغافل عن الجزء او الشرط الاتى بالخالى عنه، كما نقول به فى بعض اجزاء الصلوة و شرائطها بواسطة القاعدة المستفادة من حديث لا تعاد، لكن الكلام فى الاصل العقلى مع قطع النظر عما استفدناه من الدليل الشرعى، و لا شك فى ان مقتضى الاصل العقلى هو لزوم الاحتياط باعادة ما يكون واجدا للجزء او الشرط المغفول عنه بعد الالتفات، و عدم الاكتفاء بالماتى به الخالى عنه حال الغفلة، و ذلك لانه لا يخلو، اما ان يكون الغافل مكلفا واقعا بما يكون الملتف مكلفا به، او يكون مكلفا بماعدا الجزء او الشرط المغفول عنه، او لا يكون مكلفا اصلا، لا سبيل الى الاخيرين، لان خطابه بما عدا المغفول عنه غير معقول كما مر، و خلوه عن التكليف رأسا مخالف للاجماع على ان كل احد لا محالة له خطاب، فيتعين الاول فيكون مكلفا بما يكون الملتفت مكلفا به غاية الامرانه معذور ما دام غافلا، هذا محصل ما افاده قدس سره فى المقام و اورد عليه الاستاد دام ظله وفاقا لسيد الاساتيد الميرزا الشيرازى قدس سره اولا بانا لو سلمنا استحالة اختصاص الغافل بخطاب يخصه، لكنها لا تستلزم كونه مشاركا للملتفت فى الخطاب، لجواز ان لا يكون له خطاب حين الغفلة اصلا، لا بالتام المغفول عنه و لا بالناقص الماتى به، بل لا بد ان يكون كك، بداهة انه غير قادر على التام و غير قابل للخطاب بالناقص، فتوجيه الخطاب اليه لغو قبيح، و لا ينافى هذا ما ذكر من الاجماع على ان لكل احد خطابا، بداهة ان دعواه بالنسبة الى الغافل عن الموضوع كما هو محل البحث ممنوعة جدا، و المسلم منه انما هو
ص: 200
بالنسبة الى الغافل عن الحكم، حيث ان الغفلة عن الحكم لو اوجبت الاختلاف فيه، لزم التصويب المستلزم للدور المحال عقلا و حينئذ نقول انا نشك بعد ارتفاع العذر و الغفلة، فى انه صار مكلفا بغير الناقص الماتى به، و الاصل عدمه ان قلت سلمنا ان الغافل غير قابل لتوجيه الخطاب اليه لا بالنسبة الى التام و لا بالنسبة الى الناقص، لكن نعلم بانه ليس كالبهائم بحيث لا يكون شئى منهما ذا مصلحة بالنسبة اليه و مرادا منه واقعا، و هذا العلم موجب لتنجز ما هو المطلوب منه واقعا منهما عليه، و لا يعلم بالخروج عن عهدته الاباعادة ما يكون واجدا للمغفول عنه قلت الارادة الواقعية لا تزيد على الخطاب الفعلى، و قد عرفت فيما مر انه اذا دار الخطاب بين ثعلقه بالاقل او الاكثر، يكون مقتضى الاصل العقلى البرائة عن الاكثر ان قلت انا نستصحب بقاء الارادة الواقعية التى كانت ثابتة فى حال الغفلة، و هذا الاستصحاب وارد على البرائة العقلية عن الاكثر قلت ان ما هو المعلوم من الارادة الواقعية، و هى المتعلقة بالقدر المشترك بين الاقل و الاكثر مقطوع الامتثال و الزائد عليه مشكوك الحدوث و الاصل البرائة عنه هذا مع ان استصحابها لا يجدى فى اثبات تعلقها بالاكثر الاعلى القول بالاصل المثبت، و ثانيا بانا نمنع عن استحالة اختصاص الغافل بخطاب خاص، اذلنا ان نتصور له خطابا يختص به، بان يخاطب الغافل فى ضمن مطلق الانسان بالصلوة، و يشرح له الاجزاء و الشرائط على ما هى عليه من العموم و الاختصاص بالذاكر، و حينئذ فان لم يلتفت من اول الامر الى جزء كالسورة مثلا، فلا محالة ينوى الاتيان بالاجزاء المطلقة المفصلة فى ذهنه بعنوان انه عين الصلوة، فيكون اتيابا لمأمور به الفعلى له بداعى امره، و ان التفت من اول الامر الى ذلك الجزء و التفت ايضا الى ان من تلك الاجزاء ما يختص بالذاكر، فلا يخلو اما ان يعتقد انه لا يعرض عليه النسيان فى الاثناء او يحتمل عروضه عليه كك، فعلى الاول و ان كان ينوى الاتيان بالعبادة باعتقاد انها هى المأمور به بالامر المتوجه الى الذاكر، الا ان هذا الاعتقاد لا يضر بالنية و الامتثال، بداهة انه قصد ما هو المأمور به له، غاية الامر اخطاء فى التطبيق، فينحل
ص: 201
داعيه الى شيئين، اتيان اصل المأمور به الفعلى له، و اعتقاد ان المأمور به له هو المأمور به للذاكر، و هذا لا يضر بالامتثال و على الثانى ينوى الاتيان بالعبادة بحسب ما يجب عليه على حسب حالاته الطارية عليه، فيكون داعية المر تكز فى ذهنه الامر الواقعى الذى تصوره بالعنوان الاجمالى، و هذا كاف فى الامتثال قطعا ثم انه قد يقال فى امكان تخصيص الغافل بخطاب خاص بوجهين آخرين احدهما ان يأمر بالخالى عن الجزء او الشرط المغفول عنه لكل مكلف و بالمشتمل عليه للذاكر، الثانى ان يأخذ فى العنوان الذى تعلق به الخطاب امرا ملازما فى الخارج لنسيان الجزء و يخاطب الناسى بذاك العنوان و لا يخفى ما فى كلا الوجهين، اما الاول فلان الامر بالخالى عن الجزء لكل مكلف، اما يراد به الامر النفسى بالخالى عنه لكل مكلف، فيلزم ان يكون الذاكر مكلفا بالخالى عنه و المشتمل عليه، و اما يراد به الامر النفسى بالخالى عنه للناسى، و الامر الغيرى به للذاكر، فيلزم منه الاستعمال فى المعنيين نعم يمكن ان يراد به الاعم من النفسى و الغيرى، و يستفاد خصوصية الغيرية للذاكر بدليل خارجى و اما الثانى فلانه و ان امكن تصوير عنوان كلى يكون ملازما خارجا لكل ناس للجزء او الشرط، كعنوان من كان رطوبته كثيرة حيث ان المنشاء غالبا للنسيان هو كثيرة الرطوبة فى المزاج، الا ان الناسى لا يلتفت غالبا الى كونه داخلا فى هذا العنوان، كى ينبعث بالخطاب المتعلق به بهذا العنوان اذا عرفت امكان تخصيص الغافل بخطاب خاص، فنقول لو شككنا فى جزء انه هل يكون مخصوصا بالذا كراو يعم حالتى الذكر و النسيان، فيكون مقتضى الاصل العقلى اختصاصه بالذاكر و عدم لزوم الاعادة على الناسى بعد الالتفات، بداهة ان لزوم الاعادة فرع العلم باشتراك الحكم الواقعى بين الذاكر و الناسى، و هو فى المقام غير معلوم، و انما المعلوم ثبوت تكليف متعلق بتمام الاجزاء فى حال الذكر، و بغير المنسى فى حال النسيان، و اما تعلقه بتمام الاجزاء فى حال النسيان ايضا فمشكوك و منه ظهر اندفاع ما ربما يقال ان مقتضى الاصل العقلى و انكان عدم لزوم الاعادة، الا ان ذلك انما يتم فيما اذا لم يكن هناك اصل
ص: 202
شرعى وارد يقتضى لزومها، كاستصحاب بقاء الخطاب المتوجه اليه قبل الاتيان بالناقص توضيح الاندفاع، هو ان الخطاب بناء على امكان تخصيص الغافل بخطاب خاص، يكون مرددا من اول الامر بين تعلقه بالتام مطلقا كى يكون باقيا بعد اتيان الناقص او مشروطا بعدم نسيان بعض الاجزاء كى يكون ساقطا باتيانه، فليس شئى من تعلقه بالتام مطلقا او مشروطا بالذكر متيقنا سابقا، و انما المتيقن هو تعلقه بالقدر المشترك بين المطلق و المقيد، و استصحابه لا يجدى فى لزوم الاعادة الا على القول بالاصل المثبت كما لا يخفى، هذا مضافا الى عدم جريانه اصلا فيما لواتى بالناقص فى اول الوقت، اذا الخطاب لم يثبت فى زمان عليهذا الفرض كما هو واضح، هذا كله فى الاصل العقلى و اما الاصل الشرعى، فقد يقال ان مقتضى حديث الرفع رفع جزئية الجزء المنسى، و فيه اولا ان التمسك بالحديث لا يجدى، الا لما اذا كان النسيان مستوعبا لتمام الوقت، بداهة ان المرفوع به فى الموضوعات هو الاثار الشرعية المترتبة عليها لو لا النسيان، و من المعلوم انه ليس للجزء لو لا النسيان اثر، الا ان الاتيان به فى بعض الوقت منضما الى باقى الاجزاء او عدم الاتيان به كك، موجب للاجزاء و عدمه عقلا، فلا يعقل رفعهما شرعا و ثانيا ان جزئية الجزء و ان كانت قابلة للوضع و الرفع، بتبع منشاء انتزاعها و هو وجوب المركب المشتمل، عليهذا الجزء، الا ان نسيان الجزء ليس كالجهل به فى اختصاص المرفوع به دون سائر الاجزاء، بل كما يحتمل ان يكون جزئية الجزء مرفوعة فى هذا الحال كك يحتمل ان يكون المرفوع فى هذا الحال هو وجوب اصل المركب المشتمل عليه فيكون نسبة الرفع الى كل منهما على حد سواء، و بعبارة اخرى ان الجزئية و ان كانت قابلة للرفع بتبع رفع منشاء انتزاعها، الا ان رفع منشاء انتزاعها لا يلازم لرفع خصوصها فى حال النسيان، بعد امكان رفع اصل المركب فى هذا الحال، فلا يدل حديث الرفع الاعلى عدم تعلق الامر بالكل فى هذا الحال، و اما تعلقه بما عدا الجزء المنسى فلا دلالة له عليه اصلا.
(قوله دام ظله هذا حال نقص الجزء الذى ثبت جزئيته فى الجملة سهوا و لو زاد
ص: 203
فمقتضى القاعدة الخ) اقول لما فرغ دام ظله عن بيان ما هو مقتضى الاصل العقلى بالنسبة الى نقص الجزء الذى ثبت جزئيته للمأمور به فى الجملة سهوا، شرع فى بيان ما هو مقتضاه بالنسبة الى زيادته كك، و لا اشكال فيما افاده من ان مقتضاه مع قطع النظر عمادل على ابطال الزيادة، هو عدم البطلان بها و لو كانت عمدية، بداهة ان الزيادة لا يمكن ان تكون مبطلة، الا اذا كان الجزء مشروطا بعدم الزيادة، كى تكون الزيادة موجبة لبطلان الجزء، الموجب لبطلان العمل من جهة النقيصة، فمرجع الشك فى المقام الى الشك فز اشتراط عدم الزيادة، و الاصل البرائة عن الاشتراط، بنا على ما هو المختار من جريان البرائة فى الاقل و الاكثر بالارتباطيين، و لا فرق فيما ذكرنا، بين كون الجزء المعتبر فى المركب مما اعتبر فيه عدد خاص كالركوع الواحد فى كل ركعة، او ممالم يعتبر فيه الاصرف الوجود منه كقرائة الفاتحة، بداهة انه لا فرق بين القسمين، فى ان نفس دليل اعتبار الجزء، لا يدل على اعتباره بشرط عدم الزيادة، فلا يصغى الى ما قد يتوهم من الفرق بينهما، بدعوى انه اذا اعتبر فى الجزء عدد خاص يدل على بطلانه بالزيادة، بداهة ان اعتبار عدد خاص فى الجزء، لا يدل الاعلى ان لهذا العدد دخلا فى المركب و لا يوجد المركب بدونه، و اما بطلان المركب بالزيادة عليه، فلا دلالة له عليه الاعلى القول بالمفهوم للعدد فتحصّل مما ذكرنا ان مقتضى الاصل العقلى، بناء على ما هو الحق من امكان توجيه الخطاب الى الناسى، عدم بطلان العمل بنقص جزء سهوا، فيما اذا لم يكن هناك اطلاق يدل على جزئيته المطلقة و عدم بطلانه بزيادته كك فيما اذا لم يكن هناك ما يدل على بطلانه بها مطلقا و هذا بخلاف ما لو قلنا بعدم امكان توجيه الخطاب الى الناسى، فانه لا بد حينئذ من القول ببطلان العمل بنقص الجزء سهوا، و لو فيما اذا كان هناك ما يدل على جزئيته فى الجملة و ببطلانه بزيادته كك و لو فيما اذا كان هناك ما يدل على بطلانه بها فى الجملة.
بقى الكلام فى الاصل المستفاد من الدليل الشرعى فى خصوص باب الصلوة، و هو مارواه محمد بن على بن الحسين باسناده عن زرارة، قال قال ابو جعفر عليه السلام لا
ص: 204
تعاد الصلوة الا من خمسة الطهور و الوقت و القبلة و الركوع و السجود و التكلم فيه يقع من جهات الاولى ان المستفاد من الخبر، بعد عدم امكان شموله للخلل الواقع عن علم و عمد، لمنافاة شموله له لجزئية ما اخل به كك او شرطيته كما هو واضح، هل هو عدم التفاوت بين اسباب الخلل، و ان وقوعه فى غير الخمسة المستثناة، لا يوجب الاعادة مطلقا، سواء كان منشائه السهو او النسيان عن الحكم او الموضوع، او كان الجهل باحدهما، او المستفاد منه هو الاختصاص بما اذا كان المنشاء للاخلال، هو السهو او النسيان عن الحكم او الموضوع، دون الجهل باحدهما قد يقال ان مقتضى العموم المستفاد من الخبر، هو انه لا خصوصية لاسباب الخلل فى هذا الحكم، غاية الامر خرج عنه الخلل المستند الى العمد بحكم العقل، من جهة استلزام شموله له للخلف و كون ما فرض جزء غير جزء، و بقى الباقى و فيه ان استفادة العموم من الخبر بحيث يعم ما اذا كان الخلل مستندا الى الجهل بالحكم او الموضوع، ممنوعة جدا لا لما قيل من استلزام عمومه لصورة الجهل التصويب المحال، و ذلك لبداهة ان الخبر ليس فى مقام نفى جزئية الجرء و شرطية الشرط بلسان نفى الاعادة، فى مرحلة الثبوت كى يلزم التصويب، بل فى مقام نفيهما فى مرحلة السقوط و الفراغ، نظير قاعدتى التجاوز و الفراغ، هذا مع ان التصويب انما يلزم بالنسبة الى الجهل بالحكم دون الموضوع كما هو واضح، بل لا مكان دعوى ظهوره، فى الاختصاص بما اذا كان الخلل واقعا عن السهوا و النسيان عن الحكم او الموضوع، دون الجهل باحدهما و ذلك اما بدعوى ظهوره فى سقوط الاعادة عمن ينحصر وظيفته بالاعادة، كالساهى و الناسى حيث لا يمكن توجيه الامر اليهما بالجزء او الشرط فى حال الاخلال بهما سهوا او نسيانا، و انما يؤمر ان بهما بعد انتباههما، الموجب هذا الامر للاعادة، و هذا بخلاف غيرهما ما العامد و الجاهل، اذ يمكن توجيه الامر اليهما بنفس الجزء و الشرط فى حال الاخلال بهما كما لا يخفى و اما بدعوى ان الخبر ليس فى مقام بيان سقوط الجزئية او الشرطية عما اخل به من الجزء و الشرط، كى يدعى عمومه لما اذا كان الاخلال بهما عن الجهل بالحكم او الموضوع ايضا، و انما هو فى مقام بيان سقوط الاعادة عمن اخل بشئى مما اعتبر فى العمل معذورا، كما اذا اتى به معتقدا بكونه واجد
ص: 205
الجميع ما اعتبر فى المأمور به من الخصوصيات، ثم انكشف عدم انطباقه على المأمور به، كما فى الناسى للجزء او جزئيته او الساهى عنهما، بخلاف غيرهما من التارك للجزء عالما عامدا او شاكا فى جزئيته، اذ لا يتمثى منهما اتيان العمل باعتقاد كونه هو المأمور به الواقعى كما هو واضح و مما ذكرنا ظهرانه لا يمكن استفادة العموم من الخبر، بحيث يعم الجهل بالحكم او الموضوع، و لو بملاحظة ما فى ذيله من التعليل بقوله عليه السلام فان القرائة سنة و التشهد سنة فلا تنقض السنة الفريضة، و ذلك لان غاية ما يدل عليه التعليل بناء على ما ذكرنا، هو ان ترك القرائه و التشهد سهوا لكونهما سنة لا ينقض الفريضة، و لاجل ما ذكرنا ترى الاصحاب لا يحكمون بمعذورية الجاهل بالحكم و لو كان عن نسيان، و لا بمعذورية الجاهل بالموضوع، الا فيما اذا دل عليه دليل خاص الثانية هل المراد من الاعادة المنفية فى الخبر، هو الاتيان ثانيا بعد تمام العمل، فلا ينفى الاستيناف فى الاثناء، او المراد منها هو الاعم منه فينفى الاستيناف فى الاثناء قد يقال ان الظاهر منها هو خصوص الاول فلا تعم الاستيناف فى الاثناء، و فيه ان الظاهر منها و ان كان ذلك، الا انه يمكن رفع اليدعنه بشيوع استعمالها فى الاعم فى الاخبار و فى لسان المتشرعة، مضافا الى ما فى تعليل عدم الاعادة فى ذيل الخبر بان القرائة سنة و التشهد سنة و لا تنقض السنة الفريضة، من الشهادة على ذلك، حيث انه ظاهر فى انهما حيث يكونان سنة، فلا يكون الاخلال بهما عن سهو موجبا لنقض الفريضة من حين حصوله، لا انه مراعى باتمام العمل الثالثة هل يعم الخبر بعقده السلبى اعنى المستثنى منه فيه، للزيادة الواقعة فى الصلوة عن سهو، او يختص مدلوله بالنقيصة و جهان، من ان الاعادة و ان كانت لا تصح عقلا الا مع النقص، الا ان الزيادة حيث يكون عدمها معتبرا فى الصلوة، و الا لم تكن موجبة لبطلانها، فيكون مرجعها لا محالة الى النقيصة، فهى حينئذ داخلة فى المستثنى منه فيكون مقتضى العموم، نفى الاعادة لكل نقص حصل فى الصلوة سواء كان بترك ما يعتبر وجوده او باتيان ما يعتبر عدمه، الا النقص الحاصل من الخمسة و من دعوى ظهور الخبر من حيث الانصراف فى الوجوديات، اعنى ما اعتبر فى الصلوة وجودا كالاجزاء و الشرائط، فلا يشمل العدميات المعتبرة فيها كالموانع اقويهما الاول و ذلك لمنع الانصراف
ص: 206
الى الوجوديات، اذ دعوى انصرافه عن مثل التكلم الذى اعتبر عدمه فى الصلوة مما يكذبه الوجدان، و لاجل ما ذكرنا عدل الاستاد دام ظله فى مجلس البحث، عما افاده فى الكتاب من كون الوجه الثانى و هو اختصاص مدلول الخبر بالنقيصة اقوى، و على اى حال لا اشكال بناء على اختصاص الخبر بالنقيصة، فى انه لو ثبت عموم يدل على ابطال الزيادة مطلقا عمدا كانت او سهوا، مثل قوله عليه السلام من زاد فى صلوته فعليه الاعادة، بناء على كون المراد منه هو مطلق الزيادة، لا الزيادة فى سنخ الصلوة نظير زاد اللّه فى عمرك، اذ حينئذ يختص بزيادة الركعات كما هو واضح، لم يكن الخبر حاكما عليه، لانه ليس عليهذا الوجه متعرضا لحال زيادة الجزء اصلا كما لا اشكال بناء على عمومه للزيادة، فى حكومته على عموم مادل على ابطال الزيادة مطلقا، و ذلك لان النسبة حينئذ بينه و بين قوله عليه السلام من زاد، و ان كانت عموما من وجه، لعموم الخبر للزيادة و النقيصة و اختصاصه بالسهو، و عموم من زاد للسهو و العمد و اختصاصه بالزيادة، فيتعارضان فى مورد الاجتماع، و هو الزيادة السهوية فى غبر الخمسة، الا ان المتعين تقديم الخبر، و اخراج مورد الاجتماع عن عموم من زاد، لحكومة الخبر عليه، لان من زاد فى مقام بيان اثبات المانعية للزيادة فى حد ذاتها، و لا تعاد فى مقام بيان ان الاختلال بما دل الدليل على عدم جواز الاخلال به فى حد ذاته، لا محذور فيه اذا وقع عن سهو الرابع هل الخبر بناء على عمومه بعقده السلبى للزيادة، يعم بعقده الايجابى اعنى المستثنى لزيادة الركوع و السجود، كى يدل على بطلان العمل بزيادتهما ايضا، او لا كى يختص بنقيصتهما، و جهان من ان زيادتهما بناء على عموم الخبر بعقده السلبى للزيادة، داخلة فى المستثنى منه، فان مدلول الخبر بناء عليهذا، عدم الاعادة من النقص الحاصل فى الصلوة سواء كان بترك ما اعتبر وجوده ام با ايجاد ما اعتبر عدمه، الا من نقص الركوع و السجود فيكون زيادتهما داخلة فى المستثنى منه و من ان الزيادة و ان كان عدمها معتبرا فى الصلوة، فتكون بهذا الاعتبار داخلة فى المستثنى منه، الا انها كالنقيصة صفة مضافة الى الجزء فهما اعتباران متواردان عليه، فهى من جهة هذا الاعتبار تدخل فى المستثنى، و يصير حاصل مدلول الخبر عليهذا، لا تعاد الصلوة من الخلل الواقع فيها من ناحية شئى مما اعتبر فيها
ص: 207
وجودا او عدما، الا من، ناحية الركوع و السجود سواء كان من ناحية نقيصتهما او زيادتهما اقويهما الاول، لا من جهة عدم تعقل الزيادة فى اكثر الامور الخمسة المستثناة كما قيل، اذ عدم قابلية بعض المستثنيات للزيادة، لا يستلزم عدم العموم فى المستثنى كما لا يخفى بل من جهة ان المعتبر من الركوع و السجود فى الصلوة ليس الا وجودهما، و انما اعتبر عدم زيادتهما فى الصلوة لا عدم نفسهما، فاذا قيل لا تعاد الصلوة من النقص الحاصل فيها من جهة الاخلال بما اعتبر فيها وجودا او عدما الا من جهة الاخلال بالركوع و السجود، يكون عقده الايجابى اعنى المستثنى ظاهرا فى ان النقص الحاصل فى الصلوة من جهة الاخلال بما اعتبر فيها من وجود الركوع و السجود يكون موجبا للاعادة، و اما ان النقص الحاصل فيها من جهة الاخلال بما اعتبر فيها من عدم زيادتهما موجب للاعادة، فليس ذاك العقد الايجابى دال عليه كما لا يخفى و عليه فلو دل دليل على بطلان الصلوة بالزيادة مطلقا فى خصوص حال السهو، مثل قوله عليه السلام من استيقن انه زاد فى المكتوبة استقبل الصلوة، حيث ان الظاهر من الاستيقان بالزيادة، عدم الالتفات اليها فى حال الاشتغال بالعمل لم يكن الخبر حاكما على الدليل المذكور، بل يكون الدليل المذكور مخصصا له، بداهة ان النسبة بينهما حينئذ عموم و خصوص مطلق، و مادة الافتراق من جانب الخبر هو النقصان السهوى فيما عدا الخمسة، و مادة الاجتماع هى الزيادة السهوية مطلقا، و مقتضى القاعدة هو تخصيص الخبر بالدليل المذكور، و اخراج مورد التعارض و هى الزيادة السهوية مطلقا عن الخبر، و هذا بخلاف ما لو قلنا بالوجه الثانى، فان النسبة بينهما حينئذ عموم و خصوص من وجه، لان الدليل المذكور و ان كان مختصا بحال السهو، لكنه من حيث الزيادة يعم الركوع و السجود و غيرهما، و الخبر يدل على عدم لزوم الاعادة فى غير الركوع و السجود، فيتعارضان فى زيادة غيرهما سهوا، و مقتضى حكومة الخبر على الدليل المذكور، حيث انه كسائر الادلة المثبتة للاجزاء و الشرائط و الموانع، ناظر الى بيان الحكم الواقعى و فى مقام بيان مانعية الزيادة بحسب الجعل الاولى و فى مرحلة الثبوت، فلا يعارض الخبر الدال على ان الزيادة اذا وقعت عن سهو غير مانعة فى مقام الفراغ و السقوط كما لا يخفى، هو اخراج مورد التعارض عن
ص: 208
الدليل المذكور و تعيين مورده فى زيادة الركوع و السجود، و لا ينافى حكومته عليه كونهما واردين فى مورد السهو و النسيان، لا مكان حكومة ادلة العناوين الثانوية بعضها على بعض، فما افاده شيخ مشايخنا المرتضى قدس سره من اخصيته ذلك الدليل من الخبر، كما هو ظاهر كلامه حيث انه عقب قوله ثم لو دل دليل بقوله و الظاهر ان بعض ادلة الزيادة مختص بالسهو، فانه ظاهر فى ان الدليل الذى يكون اخص من الخبر هو الدليل المذكور، لا وجه له اللهم ان يحمل كلامه على اختيار الوجه الاول، و هو اختصاص الخبر بعقده الايجابى بنقص الركوع و السجود، الذى قد عرفت ان الدليل المذكور بناء عليه يكون اخص مطلقا من الخبر، او يبقى على ظاهره من اختيار الوجه الثانى، و يحمل ما افاده من اخصية الدليل المذكور من الخبر على الاخصية الحكمية، حيث ان اخراج مورد التعارض عن الدليل المذكور، و تعيين مورده فى زيادة الركوع و السجود سهوا، موجب لحمله على النادر فتدبر، او يحمل على وقوع التعارض بين الخبر و الدليل المذكور، من جهة انكار حكومة الخبر عليه، بعد كونهما فى مقام بيان حكم الزيادة بعنوانها الثانوى، و تقديم الدليل المذكور عليه من جهة كونه نصا فى الزيادة، بخلاف الخبر فانه على تقدير شموله للزيادة ظاهر فيها و نص فى النقيصة، لكن يبعد هذا الحمل، او لا ما عرفت من ان كونهما واردين فى مورد النسيان لا ينافى حكومة الخبر عليه، و ثانيا ان الدليل المذكور و ان كان نصا فى الزيادة، لكنه ليس نصا فى مورد التعارض و هو غير الركوع و السجود، لاحتمال ارادة خصوصهما منه.
(قوله دام ظله الامر الرابع اذا ثبت جزئية شئى او شرتيّه فى الجملة الخ) اقول توضيح المقام بحيث يكشف عن وجه المرام، هو انه اذا ثبت جزئية شئى او شرطيته للمامور به فى الجملة، و دار الامر بين كونه جزء او شرطا مطلقا و لو فى حال تعذره، كى يسقط التكليف عن الباقى فى هذا الحال، و بين كونه جزء او شرطا فى خصوص حال التمكن منه، كيلا يسقط التكليف عن الباقى المقدور عند تعذره، فهل الاصل الاولى يقتضى الاول او الثانى و جهان بل قولان، و لا بد اولا من تحرير محل الكلام و تعيينه، ثم البحث فيما يقتضيه الاصول فيه فنقول ان محل الكلام ما اذا لم يكن التقييد بالمتصل الكاشف عن
ص: 209
تقيد المطلوب به كما هو واضح، و كذا لم يكن القيد المعتبر فى المأمور به جزء او شرطا وجودا او عدما، مما يتقوم به مهية المأمور به بحيث يكون له مدخلية فى صدق عنوان المأمور به عليه، او مما يعتبر فى مطلوبيته و حصول الغرض منه مطلقا، اذ لا شبهه فى ارتفاع التكليف فى هاتين الصورتين بتعذر القيد، اما بارتفاع موضوعه، و اما بارتفاع علته كما هو واضح و من هنا ظهر وجه ما افاده الشيخ الانصارى قدس سره، من التفصيل بين القول بكون الفاظ العبادات اسامى للصحيح، و القول بكونها اسامى للاعم، و انتفاء التكليف عن الباقى عند تعذر القيد على الاول، دون الثانى، حيث انه على الاول يكون جميع القيود معتبرا فى حقيقة المأمور به و مهيته، بخلافه على الثانى هذا و لكن لا يخفى ان هذا التفصيل انما يصح، بناء على القول بانحصار الصحيح بالواجد لجميع الاجزاء و الشرائط، و بعبارة اخرى على القول بوحدة المطلوب، و ان الفاقد لودل دليل على وجوبه كما فى صلوة المستعجل و غيره فهو يدل عنه لا ان يكون من مراتبه و اما على القول بتعدده فلا، بداهة ان القيد و ان كان معتبرا فى مهية المأمور به بالنسبة الى المرتبة العالية من المطلوب، الا انه خارج عنها بالنسبة الى المرتبة الدانية منه، فلا يلزم من تعذره انتفاء المطلوب الا بمرتبته العالية لا مطلقا، فظهر ان القول يكون الفاظ اسامى للصحيح، لا يلازم القول بانتفاء التكليف رأسا عند تعذر القيد، كما ان القول بكونها للاعم لا يلازم القول بثبوته عند تعذر القيد الغير المقوم لحقيقة المأمور به، بداهة ان القيد بناء على الاعم و ان لم يكن مطلقا معتبرا فى صدق العنوان، الا انه يمكن ان يكون معتبرا فى الغرض و المطلوب بجميع مراتبه، و قد عرفت انفا انه لا شبهة و لا كلام فى انتفاء التكليف بتعذر القيد فيما كان معتبرا كك، و كذا محل الكلام ما اذا لم يكن هناك ما يعيّن احد الامرين، كما اذا كان لدليل الجزء او الشرط اطلاق، او كان لدليل المأمور به اطلاق، مع اجمال دليلهما، اذ لو كان كك لم يكن اشكال فى سقوط التكليف عند تعذرهما على الاول، و فى بقاء التكليف كك على الثانى، و معه لا مجال لجريان الاصل كما هو واضح كما ان محل الكلام ايضا هو ما اذا تعذر الجزء او الشرط الى آخر الوقت، بداهة ان مع تعذر بعض افراد الواجب، يتعين الفرد الغير المتعذر، فجواز البدار لذوى الاعذار انما هو لدليل خارجى، و قد يعتبر
ص: 210
فى محل البحث مضافا الى ما ذكرنا، عدم كون الدليل الدال على اعتبار القيد من مقولة التكليف، سواء كان غيريا كار كعوا مع الراكعين، او نفسيا كلا تغصب، بتوهم اختصاص القيد حينئذ بصورة التمكن من جهة اشتراط التكليف مطلقا بالقدرة عقلا، و فيه ما لا يخفى، اما فيما كان الدليل على اعتبار القيد من قبيل التكاليف الغيرية، فلان التكاليف الغيرية فى العبادات نظير التكاليف الغيرية فى المعاملات، فى عدم كونها الا ارشادا الى ما يعتبر فى مهية المأمور به شطرا او شرطا، و ليست او امر مولوية، باعثة و محركة لارادة المأمور نحو المأمور به، كى يقال باشتراطها بالقدرة عقلا لقبح تكليف العاجز سلمنا لكن التكاليف الغيرية تكون كاشفة عن الارتباط بين متعلقاتها و المأمور به و دخلها فيه مطلقا، فلا يلزم من اشتراطها بالقدرة اختصاص متعلقاتها بصورة التمكن، مع ان اختصاصها بحال التمكن يكشف عن اختصاص الامر بالمركب و المقيد بحال التمكن مها ايضا، بداهة انتفاء المركب و المقيد بانتفاء الجزء و القيد و توهم اختصاصها بها من جهة تقييدها بالقدرة شرعا، بدعوى دلالة الامر عليه، حيث ان الغرض منه هو بعث المكلف الى المأمور به، و هو لا يمكن الا الى المقدور مدفوع بان ما يكون مدلولا للامر هو طلب ايجاد المطلوب، و اما كونه مقدورا فهو بحكم العقل، و لا فرق فى حكمه بين الاجزاء اصلا، كان مثبتها من مقولة التكليف او من مقولة الوضع ان قلت ان التكليف الغيرى و ان كان متفرعا على المقدمية و معلولالها، و لا يكون المقدمية معلولة له، فلا يكشف اختصاصه بصورة التمكن عن اختصاصها بها، الا ان كشفه عنها انما هو بمقدار وجوده، و اذا حكم باختصاص وجوده بصورة التمكن، فلا كاشف عنها فى حال التعذر، و ان احتمل ثبوتها واقعا و فى نفس الامر فى هذا الحال، لعدم تفرعها عليه، فاذا لم يكن كاشف عنها فى هذا الحال، يرجع الى اطلاق ذى المقدمة قلت ان اشتراط القدرة فى متعلق التكليف، ليس من المداليل الالتزامية لللفظ، حتى يكون تابعا لوجود الكاشف عن الطلب، بل هو من اللوازم العقلية للمدلول و المنكشف، و المدلول اذا ثبت باى دليل، سواء كان من مقولة التكليف كاركعوا مع الراكعين، او من مقولة الوضع كلا صلوة الا بفاتحة الكتاب، اذا اعتبر القدرة فيه اعتبرت مطلقا، و اذا لم تعتبر لم تعتبر كك، فالعمدة النظر فى ملاك حكم العقل باشتراط القدرة فى
ص: 211
متعلق التكليف، و لا ريب ان العقل لا يحكم باشتراطها فى كل جزء جزء من المركب مستقلا بل يحكم باشتراطها فى المجموع المركب منها، بداهة ان كل جزء منها ليس له تكليف مستقل يعتبر القدرة فى متعلقه، بل للمجموع منها تكليف واحد فلا يستتبع كل خطاب اعتبار قدرة، مع ان ملاك حكم العقل كما عرفت انما هو فى المنكشف، فلو استتبع كل جزء قدرة مستقلة، استتبع فى مثل لا صلوة الا بفاتحة الكتاب ايضا، و بالجملة التكليف المتعلق بالمركب، و ان كان انبساطيا متعلقا بجميع اجزائه، و كل جزء بقدر حظه عن التكليف له نصيب من القدرة ايضا، الا انه لا فرق بين الاجزاء اصلا كان مثبتها من مقولة التكليف، او من مقولة الوضع فالفرق تحكم و اما فيما كان الدليل على اعتبار القيد من قبيل التكاليف النفسية، فلان فيه بعد وضوح عدم انفكاك النهى النفسى كالغيرى، عن تقييد المطلوب بماعد المنهى عنه، و ان كان التقييد فى الغيرى مستندا الى قصور المقتضى فى المتخصص بالخصوصية المنهى عنها، و فى النفسى مستندا الى التضاد بين الامر و النهى و غلبة جهة النهى و ملاكه، ان اختصاص التكليف النفسى بحالة التمكن و القدرة، انما يكون دليلا على اختصاص قيدية متعلقه بتلك الحالة، فيما اذا كانت ما نعية متعلق النهى النفسى للمأمور به، مترتبة على حرمة العبادة المنهى عنها و معلولة لها، اذ لو كانتا فى عرض واحد، بان كانت الحرمة و المانعية كلتاهما، مترتبتين على نفس ما تعلق به النهى بعنوانه الاولى الذاتى، كالغصب مثلا، لم يكن اختصاص احديهما، بحالة التمكن، دليلا على اختصاص الاخرى بها كما هو واضح، و كون المانعية مترتبة على الحرمة، مبنى على كون انتفاء احد الضدين مع فرض تحقق المتقضى لكل منهما فى حد نفسه، مستندا الى وجود الضد الاخر، كى يكون وجود احدهما مانعا عن وجود الاخر، اذ لو كانا فى عرض واحد مستندين الى علة واحدة من غير ترتب لاحدهما على الاخر، لا يكن وجه لمانعية وجود احدهما عن وجود الاخر، فكون المانعية مترتبة على الحرمة، مبنى على كون تحقق الحرمة مانعا عن تحقق الوجوب، و هذا مناف لما برهن عليه فى محله، من انتفاء الترتب و العلية بين وجود احد الضد بن مع عدم الاخر، بل هما فى عرض واحد يستند كل منهما الى علته، فالوجوب و الحرمة مستندان الى ما فى الفعل من جهة
ص: 212
المحبوبية او المبغوضية، التى تكون هى ملاك الامر او النهى، فعند اجتماع الجهتين و عدم امكان تأثير كل منهما فيما يقتضيه من الحكم الفعلى لمكان المضادة بين الحكمين، يكون المؤثر فى الحكم الفعلى ما هو الاقوى من الملاكين، و يخرج باقوائيته الاخر الاضعف عن صلاحيته للتأثير فيه، فتأثير الاضعف مشروط بعدم غلبة الجهة المزاحمة التى تكون فى الاقوى، فجهة المبغوضية التى تكون هى ملاكا النهى و منافية للقربة المعتبرة فى العبادة، و لجهة المطلوبية التى لا بد منها فى متعلق الامر، هى بعينها موجبة لتقييد متعلق الامر و مطلوبيته بما عدا المنهى عنه دون النهى، فالتقييد المذكور و النهى، كلاهما مستندان فى عرض واحد الى جهة المبغوضية، من دون ترتب بينهما اصلا، فاقتضاء النهى للفساد حينئذ ليس الا من جهة صرف التلازم بينهما و كاشفية احد المتلازمين عن الخر، دون ترتب لاحدهما على الاخر و معلوليته له، و اذا ثبت انه لا ترتب بين المانعية، و النهى، فلا يكون اختصاص احدهما بحالة التمكن، دليلا على اختصاص الاخر بها كما لا يخفى اذا تبين محل الكلام فنقول قد يقال ان مقتضى الاصل الاولى البرائة عقلا عن الباقى، عند تعذر القيد مطلقا، سواء كان عاجزا من اول الامر، كما اذا فرض تعذر بعض الاجزاء او الشرائط فى اول زمن التكليف، او طرء عليه العجز بعد كونه قادرا، كان طروه فى واقعة واحدة، كما اذا كان فى اول الوقت قادرا على اتيان المركب بتمام ماله دخل فيه شطرا او شرطا، فصار عاجزا عن اتيان بعض ماله دخل فيه فى اثنائه، او فى واقعتين كما اذا كان قادرا فى الايام السابقة فصار عاجزا فى يومه، و ذلك لان بعد احتمال كون المتعذر من الجزء او الشرط جزء مطلقا او شرطا كك، لا علم له بتوجه التكليف اليه بالنسبة الى المقدور، فالاصل يقتضى البرائة عنه، لان العقاب و المؤاخذة على تركه عقاب بلا بيان و مؤاخذة بلا برهان هذا و لكن يمكن ان يقال، ان مقتضى مامر من ان مقتضى القاعدة فيما اذا احرز المطلوب الواقعى للمولى و شك فى القدرة على اتيانه، هو الاحتياط عقلا، لان مجرد العلم بوجود مطلوب المولى فى البين يكفى حجة عليه عقلا، و لا يكون مجرد الشك فى الخطاب الفعلى الناشى من الشك فى قدرته على الامتثال عذرا عقلا، هو القول بالاحتياط فى المقام ايضا بالاتيان بالمقدور، مطلقا كان العجز سابقا على فعلية التكليف بالتام او لا
ص: 213
حقابه، و كان فى واقعة واحدة او واقعتين و ذلك لانه يعلم اما بتوجه تكليف فعلى منجز عليه بالنسبة الى الناقص المقدور، لو غير فعلى كان الجزء او الشرط المتعذر جزء او شرطا فى حال التمكن، و اما بتوجه تكليف غير منجز بالنسبة الى التام الغير المقدور، لو كان الجزء او الشرط جزء او شرطا و مطلقا، فيعلم اجمالا بوجود مطلوب فعلى ذاتى للمولى فى البين، غاية الامر يشك فى القدرة على اتيانه، من جهة الشك فى انطباقه على الناقص المقدور او على التام الغير المقدور و قد عرفت ان هذا الشك لا يكون عذرا عند العقل فى ترك الامتثال، نعم حيث ان الامتثال القطعى الموافقة القطعية غير مقدور فى المقام، يحكم العقل بلزوم الامتثال الاحتمالى، باتيان الباقى المقدور حذرا عن المخالفة القطعية، هذا مضافا الى امكان الاستدلال على وجوب الاتيان بالمقدور بحديث الرفع، بداهة ان الشك فى وجوبه مسبب عن الشك فى جزئية الجزء او الشرط المتعذر، و لا ريب ان مثل حديث الرفع الدال على رفع ما اضطر اليه، دال على رفع الجزئية و الشرطية فى هذا الحال، فاذا دل على رفعهما فى هذا الحال، دل على وجوب المقدور فيه، و لا يبتنى دلالته على ذلك على القول بالاصل المثبت، و ذلك لمامر من ان الرفع التشريعى للتسعة المذكورة فى الحديث، ينتج حكومته على ادلة الاحكام الواقعية، فى خمسة منها اغنى الخطاء و النسيان و الكره و ما لا يطيقون و ما اضطروا اليه، و نتيجة الحكومة فى الخمسة، هو تقييد ادلة الاحكام الواقعية بعدمها كالتقييد بعدم الضرر، فينتج رفع الاحكام الواقعية عن موداها واقعا، فاذا ارتفع جزئية الجزء او شرطية الشرط عند تعذره واقعا، يثبت وجوب الباقى المقدور كك، هكذا افاد الاستاد دام ظله فى مجلس البحث، و لكن لا يخفى ان مقتضى ما افاده اولا من كون مقتضى القاعدة فى المقام هو الاحتياط لرجوع الشك فيه الى الشك فى القدرة على الامتثال، هو القول بالاحتياط فيما اذا كان بعض الاطراف خارجا عن محل الابتلاء او مضطرا اليه قبل تحقق العلم الاجمالى، لجريان عين ما افاده فى المقام هناك ايضا، لانه يعلم هناك، اما بتوجه تكليف فعلى اليه بالنسبة الى الطرف الغير المضطر اليه لو كان الحرام المعلوم بالاجمال منطبقا عليه، و اما بتوجه تكليف غير فعلى بالنسبة الى الطرف المضطر اليه، لو كان الحرام المعلوم منطبقا عليه فيعلم اجمالا
ص: 214
بوجود مطلوب ذاتى للمولى فى البين، غاية الامر يشك فى القدرة على امتثاله، من جهة الشك فى انطباقه على المضطر اليه او على غيره، و الظاهر انه دام ظله لا يلتزم بذلك و اما ما افاده ثانيا من امكان الاستدلال على وجوب الاتيان بالمقدور بحيث الرفع، ففيه اولا ان سقوط الامر بالجزء او بحديث الشرط اما ذاتا او تبعا لسقوط الامر بالمركب منه او المشروط به فى هذا الحال، مقطوع عقلا فلا نحتاج فى رفعه الى الحديث الشريف، مع ان رفعه بالحديث لا يترتب عليه الا وجوب الباقى المقدور، و من المعلوم ان الحديث حيث يكون واردا فى مقام الامتنان، فيكون مختصا بما يكون فى رفعه منة و توسعة و تسهيل على هذه الامة، و لا ريب ان رفع الجزئية او الشرطية الموجب لوجوب المقدور خلاف الامتنان، فلا يمكن ان يشمله الحديث و ثانيا ان المراد بالاضطرار المرفوع بالحديث ما بلغ حد المشقة و الحرج، لا ما بلغ حد العجز و الخروج عن القدرة، كيف و الا لم يكن وجه لاختصاص رفعه بهذه الامة، بل كان مما يستقل برفعه العقل مطلقا، فليس الاضطرار البالغ حد العجز الذى كلامنا فيه، مما دل الحديث على اعتبار عدمه فى متعلق التكاليف الواقعية، كى ينتج رفعه جزئية الجزء او شرطية الشرط المتعذر واقعا وجوب الباقى المقدور كك، هذا تمام الكلام فى مقتضى الاصل الاولى و اما الكلام فى مقتضى الاصل الثانوى، فيقع ايضا فى موضعين، احدهما فى تعيين محل الكلام، ثانيهما فيما يقتضيه الاصل و القاعدة اما الموضع الاول قد يقال ان محل الكلام فى هذا المقام ايضا، ما لم يكن لاحد من دليلى الجزء و الشرط او دليل المأمور به اطلاق، و الا لم يكن شك فى سقوط التكليف رأسا على الاول، و بقائه بالنسبة الى المقدور على الثانى، و معه لا مجال لجريان الاصل اصلا، و لكن يمكن ان يقال بتعميم محل الكلام، لما اذا كان لدليل القيد اطلاق، بداهة انه لا يزيد على ما اذا كان التقييد بقيد متصل، كقوله تعالى إِذٰا قُمْتُمْ إِلَى اَلصَّلاٰةِ فَاغْسِلُوا الاية، فى عدم دلالته الاعلى ثبوت الحكم بالنسبة الى المقيد، و اما انتفاء حكم آخر فى صورة تعذر القيد، فلا دلالة له عليه اصلا، بداهة عدم دلالة التقييد على الانتفاء عند الانتفاء، كى ينافى اثبات التكليف بالاصل او القاعدة، فتأمل جيدا فان هذا لو سلم، فانما يتم بالنسبة الى قاعدة الميسور، من جهة حكومتها على اطلاق ادلة الاجزاء و
ص: 215
الشرائط، و اما بالنسبة الى الاستصحاب فلا، لان معنى اطلاق القيد هو اعتباره فى جميع الحالات، فيكون دلالته على انتفاء الحكم عند تعذر القيشدلالة عينية، بمعنى انهما تعبيران عن معنى واحد كما فى الاثنين و نصف الاربعة، لا بالمفهوم كى يمنع عن دلالة التقييد على الانتفاء عند الانتفاء، و حينئذ فلا مجال للاستصحاب فى المقام اصلا كما لا يخفى، هذا مع ان لسان دليله ابقاء ما كان ثابتا لا حدوث ما لم يكن، فتدبر فان شمول اطلاق دليل القيد لحال تعذره محتاج الى التدبر، و انه لا يلزم منه الاسقوط التكليف عن المقيد و لا محذور فيه و اما الموضع الثانى، فنقول فنقول لا اشكال فى ان مقتضى الاستصحاب بناء على ما هو التحقيق من اعتبار المسامحة العرفية فى تعيين الموضوع و المحمول فى الاستصحاب، هو وجوب الباقى فى حال تعذر الجزء او الشرط، كما ان ذلك يكون مقتضى القاعدة المستفادة من الاخبار، من قوله صلى اللّه عليه و آله و سلم اذا امرتكم بشئى فاتوا منه ما استطعتم، و قوله عليه السلام الميسور لا يسقط بالمعسور، و قوله عليه السلام ما لا يدرك كله لا يترك كله، و ضعف اسنادها بالارسال مجبور باشتهارها بين الاصحاب و تمسكهم بها فى ابواب الفقه، و اما دلالتها فلا يخفى ان النبوى صلى اللّه عليه و آله و سلم، لو لا خصوصية مورده الموجبة لانصرافه الى ما اذا كان للشئى فرد واجب و افراد مستحبه، حيث انه ورد جوابا عن السؤال عن تكرار الحج بعد امره صلى اللّه عليه و آله و سلم به، لم يكن اشكال فى ظهوره فى كون التبعيض المستفاد من كلمة من فى قوله صلى اللّه عليه و آله و سلم فاتوا منه المستلزم لكون كلمة ما فى قوله صلى اللّه عليه و آله و سلم ما استطعتم موصولة، هو التبعيض صح بحسب الاجزاء لا الافراد، بداهة انه لا وقع لتوهم كون تعذر بعض الافراد من الواجب موجبا لسقوط فرد آخر منه غير متعذر، كى يحمل الرواية على رفعه، و منه ظهر انه لا وقع لهذا الاشكال فى العلوى الاول، كما انه لا وقع للاشكال فيه بعدم دلالته على عدم السقوط لزوما، لعمومه للواجب و المستحب، و معه لا مجال لتوهم دلالته على ان عدم السقوط بنحو اللزوم، كما لا مجال لتوهم دلالته على انه بنحو الاستحباب، بل يدل على عدمه بالنحو الجامع بينهما و هو مطلق الرجحان، و ذلك لضرورة ان المراد بعدم سقوط الميسور ليس عدم سقوط ذاته، بل المراد عدم
ص: 216
سقوطه بما له من الحكم وجوبا كان او استحبابا، فعدم سقوطه كناية عن ثبوت حكمه، و هذا يختلف باختلاف الموارد وجوبا و استحبابا، فلا يلزم من عمومه للمستحب عدم دلالته على عدم السقوط لزوما و اما العلوى الثانى فظهوره فى عدم سقوط التكليف عن الباقى عند تعذر الجزء او الشرط، من حيث ظهور لفظ الكل فى المجموعى مما لا غبار عليه، و توهم اين عدم السقوط التكليف عن الباقى الميسور فرع ثبوته له سابقا، و من المعلوم ان التكليف لم يكن سابقا متعلقا الا بالمشتمل على الجزء المتعذر، لا بالباقى كيلا يسقط بتعذر ذاك الجزء، مدفوع بانه يكفى فى صدق الثبوت و عدم السقوط ثبوت التكليف الغيرى بالباقى سابقا و توهم ان قضية لا يترك خبرية فلا تدل الاعلى مجرد الرجحان مدفوع بكونها فى مقام الانشاء، و قد ثبت فى محله ان الانشاء و الطلب بصيغة الاخبار، ابلغ فى افادة اللزوم من الانشاء و الطلب بصيغة الامر، و لذا نهى اللّه تعالى عن مس الكتاب بلاطهارة، بقوله لا يمسه الا المطهون هذا و لكن يرد على الاستدلال بهذه الروايات، ان الاخذ بظاهرها مستلزم للتخصيص الكثير بل الاكثر المستهجن، و الا للزم منه تأسيس فقه جديد، هذا مع انا نرى ان الفقهاء يتمسكون بهذه القاعدة فى بعض من الابواب دون بعض منها، و لا نعلم ان الملاك فى تمسكهم بها كك ما هو كى نقتفى اثرهم فى ذلك نعم يمكن ان يقال ان تمسكهم بها كك، من جهة ما فى الموارد من الاختلاف بحسب اشتمال بعضها على اجزاء ركنية و غير ركنية، و عدم اشتمال بعض آخر منها الا على اجزاء متساوية الاقدام بالنسبة الى المركب، فيتمسكون بها فى الاول فيما اذا كان المتعذر غير ركن مطلقا و لو كان المتعذر اجزاء كثيرة، بخلاف الثانى فلا يتمسكون بها فيه الا فيما اذا كان المتعذر غير المعظم من الاجزاء، و السر فى ذلك انه فيما اذا كان هناك اجزاء ركنية و غيرها، يكون الاجزاء الركنية بنظر العرف من مقومات الموضوع و غير الركنية من الفضولات، فاذا تعذرت الركنية يعد الفاقد لها مغائرا مع الواجد عرفا بحيث لا يصدق عليه انه ميسور له، و هذا بخلاف ما لو تعذر غير الركنية فانه يعدّ الفاقد متحدا مع الواجد عرفا، و هذا بخلاف ما اذا لم يكن هناك الا اجزاء تكون نسبتها الى المركب نسبة واحدة، فانه لا يصدق على الفاقد لاحدها فيما اذا كان من معظمها انه ميسور للواجد، لا
ص: 217
اقل من الشك فى الصدق، و هو كاف فى عدم جواز التمسك بالقاعدة كما لا يخفى و مما ذكرنا ظهر ان القاعدة و الاستصحاب، توامان بحسب الجريان و عدمه حسب اختلاف الموارد توضيحه ان الخصوصيات المأخوذة فى موضوع الحكم، اما ان تكون بحسب مناسبة الحكم و الموضوع علة للحكم، و اما ان تكون جزء للموضوع، و الاول على اقسام، لان العلة اما علة للحدوث فقط و اما علة له و للبقاء، و على كل منهما اما واسطة فى الثبوت او واسطة فى العروض، و الثانى على قسمين، لان الجزء اما مقوم للموضوع عرفا، و اما غير مقوم له بل من الفضولات و الحالات الطارية عليه كك، لا اشكال فى جريان الاستصحاب و القاعدة، فيما اذا تردد المتعذر بين كونه علة للحدوث فقط اوله و للبقاء، او تردد بين كونه واسطة فى الثبوت او واسطة فى العروض، و كذا فيما كان المتعذر من الاجزاء الفضيلة و الحالات الطارية كما لا اشكال فى عدم جريانهما، فيما اذا احرز كون المتعذر علة للحدوث اوله و للبقاء، او احرز كونه واسطة فى الثبوت او العروض، للعلم ببقاء الحكم على القسم الاول من الشقين، و بانتفائه على الثانى منهما، و كذا لا اشكال فى عدم جريانهما فيما اذا كان المتعذر جزء مقوما ثم انه فى كل مورد كان موضوع الحكم من العناوين الشرعية، و كان مشتملا على اجزاء ركنية و غيرها متميزه كل منهما عن الاخر، او كان من العناوين العرفية، و كان مشتملا على اجزاء اصلية و فضيلة بحسب العرف، او غير مشتمل عليها، الا انه كان مشتملا على قيود زائدة شرعية، و كان المتعذر هو الجزء الغير الركنى او الفضلى او القيد الزائد الشرعى، فلا اشكال فى كونه موردا للاستصحاب و القاعدة، و كل مورد كان الموضوع من العناوين الشرعية، و لم يكن دليل على اشتماله على اجزاء ركنية و غيرها متميزة كل منهما على الاخرى، فلا يجوز التمسك فيه بالاستصحاب و القاعدة و لو مع بقاء معظم الاجزاء، و ذلك لاحتمال كون المتعذر مماله مدخلية فى قوام المهية المأمور بها او فى مطلوبيتها بجميع مراتبها، و معه يشك فى كون الفاقد ميسورا للمركب الواجد، بل يتوقف التمسك بهما على عمل جل الاصحاب و معظمهم بهما فيه، لا من حيث كون عملهم اجماعا عمليا، كى يمنع عن حجيته اولا و عن صحة الرجوع معه الى الاصل و القاعدة ثانيا، بل من حيث كونه كاشفا
ص: 218
قطعا عن تحقق مورد الاستصحاب و القاعدة، و ان المتعذر ليس من الاجزاء الاصلية الركنية ثم انه ظهر من مطاوى ما ذكرنا، ان كل عنوان ماخوذ فى موضوع الحكم، يكون بنظر العرف بمناسبة الحكم و الموضوع بمنزلة الصورة النوعية له، لا يجرى فيه الاستصحاب و القاعدة عند زوال ذلك العنوان، و لو كان بالدقة العقلية او فى لسان الدليل من الحالات الطارية العرضية، و كل عنوان ما خوذكك كان بنظرهم من الحالات العارضة عليه، يجريان فيه عند زوال ذلك العنوان، و لو كان بالدقة العقلية او فى لسان الدليل من الصور النوعية له او من مقوماته بل نفسه، كما اذا ورد المتغير نجس و من هنا قالوا الوباع عبدا بشرط كونه زنجيا فانكشف خلافه و انه حبشى، بطل البيع لكون الزنجية و الحبشية عند العرف من الصور النوعية و لو اخذ فى البيع بعنوان الشرط، و هذا بخلاف ما لوباع عبد كاتبا فانكشف كونه غير كاتب، فانه لا يوجب البطلان بل يوجب الخيار، لكون الكاتبية عندهم من الاوصاف و الحالات الطارية العرضية و لو اخذت فى البيع عنوانا للمبيع فتدبر تنبيه لا يخفى ان الوجه فى تسمية القاعدة بقاعدة الميسور، هو كون العمدة من ادلتها هو العلوى الاول، لخلوه عن الاشكالات المتطرقة الى غيره، فتدبر جيدا فان اشكال تمسك الفقهاء بهذه القاعدة فى بعض الابواب دون بعض، و ان اندفع بالتوجيه الذى ذكرنا، لكن اشكال استلزم الاخذ بظاهر الاخبار الواردة فيها لتخصيص الاكثر المستهجن لا دافع له، و لذا حملها الاستاد دام ظله على كونها فى مقام الموعظة و الارشاد، لمن كان بصدد اتيان عمل بالوجه الاكمل و الانتها، الى قصوى مراتب الكمال فلم يتمكن منه، الى ان عدم التمكن من ذلك لا ينبغى ان يكون موجبا للانصراف عن الاقدام على اتيانه مطلقا و لو كان حسنا.
(قوله دام ظله المسئلة الثالثة فيما اذا علم جنس التكليف و لم يتمكن من الاحتياط الخ) اقول البحث فى المسئلة يقع فى مقامين الاول ما اذا علم جنس التكليف و نوعه كما اذا علم بوجوب الظهر او الجمعة و لم يقدر على الجمع بينهما الثانى ما اذا علم بجنس التكليف و تردد نوعه بين الوجوب و الحرمة، و هذا على قسمين لانه تارة يعلم اجمالا بان احد الشيئين واجب و الاخر حرام، كما اذا اشتبهت الزوجة المحلوف على
ص: 219
وطيها بالمحلوف على ترك وطيها و اخرى يعلم بان واحدا من فعل شئى و تركه حرام، كما اذا ترددت زوجة خاصة بين كونها محلوفا على وطيها او على تركه و هذه الاقسام تارة يفرض فى واقعة واحدة، و اخرى فى وقايع متعددة، و الفرض الاول لا يتحقق غالبا الا فى الشبهات الموضوعية، كما مر من مثال اشتباه الزوجة المحلوف على وطيها بالمحلوف على عدم وطيها، و مثال تردد زوجة خاصة بين كونها محلوفا على وطيها او على تركه، و الفرض الثانى يتحقق فى الشبهات الحكمية ايضا، كما اذا علم وجوب الجمعة دائما او حرمتها كك، اما الفرض الاول و هو كون الشبهة فى واقعة واحدة، فلا شبهة فى ان الحكم فيه فيما لو علم بان واحدا من فعل الشئى و تركه واجب او حرام، هو التخيير العقلى التكوينى لعدم تمكنه من الموافقة القطعية و لا المخالفة القطعية، ان كان التكليف توصليا، اذ لو كان تعبديا يتمكن المكلف من المخالفة القطعية، بالفعل او الترك لا بقصد القربة صح، لان المكلف لا يخلو بحسب الخلقة من الفعل و الترك، فلو فعله يحتمل كونه حراما، و لو تركه يحتمل كونه واجبا، و اما اذا علم بوجوب احد الشيئين و حرمة الاخر و اشتبه الواجب بالحرام، كما اذا شتبهت الزوجة المحلوف وطيها بالاجنبية، فاطلق الاستاد دام ظله الحكم بالتخيير فيه، و لكن لا يخفى ان مراده بالتخيير فى المقام، ان كان هو التخيير بين فعل احدهما و ترك الاخر، فهو مبنى على كون العلم الاجمالى بكل من الواجب و الحرام مؤثرا فى تنجيز التكليف المتعلق بهما فى امثال المقام ايضا، و حيث لا يتمكن المكلف من الامتثال القطعى لكل من التكليفين لجهله بمتعقلهما، فيجب عليه الامثال الاحتمالى لكل منهما باتيان احدهما و ترك الاخر مخيرا، و اما لو منعنا عن ذلك، و قلنا بان العلم الاجمالى ليس مؤثرا فى تنجيز التكليف فى امثال المقام، مما لا طريق للمكلف الى الامتثال لاستلزامه التكليف بمالا يطاق، لكان المتعين هو الحكم بالتخيير فى كل منهما، بان يفعل كليهما او يترك كليهما، لان كلواحد منهما دئرا مره بين الوجوب و الحرمة الذى تقدم انفا ان الحكم فيه هو التخيير بين الفعل و الترك، هذا مضافا الى ان الحكم بالتخيير مطلقا، انما يصح لو لم يكن المقام داخلا فى باب التزاحم، بدعوى كون التزاحم هنا فى مقام الامتثال، من جهة الاشتباه فى الامور الخارجية، لا فى اصل الحكم
ص: 220
كما فى ذاك الباب، و اما لو قلنا بكونه من ذاك الباب كما هو الظاهر، بداهة ان الملاك فى ذاك الباب هو فعلية التكليفين مع عدم امكان الجمع بينهما، سواء كان عدم الامكان لاجل ضيق الوقت، او لعجز المكلف مع سعنه، او لاجل الاشتباه فى الامور الخارجية. فلا يصح الحكم بالتخيير مطلقا، بل يكون المتعين هو الحكم بمراعاة الاهم منهما لو كان و الا فالتخيير، و ذلك لما حقق فى ذاك الباب، من انه لو كان احد المتزاحمين اهم، يقدم على غير الاهم مطلقا، سواء كانا واجبين، او مختلفين بان كان احدهما واجبا و الاخر حراما، و ذلك لان التكليف بالاهم يكون تعجيزا مولويا للمكلف بالنسبة الى غير الاهم، فيكون التكليف بالنسبة اليه تكليفا بغير المقدور، و اما لو لم يكن احدهما اهم فيحكم بالتخيير فيما كانا واجبين او مختلفين، فيما اذا لم يكن الحرام منهما مقدمة للواجب منهما، بداهة لزوم مراعاة الحرام فيما اذا كان مقدمة للواجب و لم يكن احدهما اهم، من جهة كون التكليف بالواجب مع حرمة مقدمته تكليفا بغير المقدور، فيسقط التكليف به و يبقى التكليف بالحرام بلا مزاحم و مما يؤيد كون المقام داخلا فى باب التزاحم، انه لا يجوز قطعا الحكم بالتخيير و جواز الوطى فيما لو اشتبهت المرئة الواجب وطيها بالاجنبية، و الحكم بالتخيير و جواز القتل فيما لو اشتبه المرتد الواجب قتله بمؤمن فضلا عن نبى او وصى، و ليس ذلك الا لاجل اهمية حرمة وطى الاجنبية، و قتل المؤمن، من وجوب الوطى المنذور و وجوب قتل المرتد كما هو ظاهر و توهم ان التكليف بالاهم انما يوجب التعجيز المولوى بالنسبة الى غير الاهم، فيما اذا كان التزاحم فى نفس التكليفين، و اما اذا كان التزاحم فى مقام امتثالهما لا فى نفسهما، فلا يوجب التكليف بالاهم تعجيزا مولويا بالنسبة الى غيره مدفوع بان هذا الايراد مشترك الورود فى المقام، و فى مسئلة مقدمات دليل الانسداد، و فى الشبهة الغير المحصورة، حيث اوردوا بانه لا وجه لحكومة لا حرج على الاحتياط العقلى فى اطراف العلم الاجمالى لان نفس الحكم و الموضوع لو كانا متميزين لم يكونا حرجيين اصلا، و انما نشاء الحرج فى مقام الامتثال من الاشتباه فى الامور الخارجية و يندفع عن الكل بان التعجيز او الحرج فى الحكم او الموضوع، لا يكون الا باعتبار الامتثال، و الا فلا تعجيز و لا حرج فى اصل الحكم و لا فى موضوعه،
ص: 221
و من المعلوم ان التعجيز و الحرج فى تلك المقامات، انما ينشئان من امتثال الحكم المتعلق بالموضوع الاهم او المشتبه لمنجز على تقدير فتدبر ثم ان مقتضى الوجدان، هو الحكم بلزوم مراعاة جانب الاهم، فى دوران الامر بين المحذورين ايضا الذى قلنا فيه بالتخيير، و هل ترى من نفسك الحكم بالتخيير و جواز القتل، فيما تردد شخص بين كونه مرتدا واجب القتل او نبيا يجب حفظه حاشاك من ذاك، الا ان الملاك فى لزرم مراعاة الاهم فى المقامين مختلف، فان ملاكه فى اشتباه الواجب بالحرام هو كون الامر بالاهم المعلوم بالاجمال تعجيزا مولويا بالنسبة الى غير الاهم كمامر، غير جار فى دوران الامر بين المحذوريين، بداهة انه ليس هناك تكليفان معلومان بالاجمال يكون احدهما اهم، كى يكون الامر بالاهم منهما تعجيزا بالنسبة الى غير الاهم، بل الملاك فيه هو انه لما كان الحكم بالتخيير فيه لاجل تساوى الاحتمالين، فمع مزية احدهما على الاخر لاجل اهميته منه يرتفع موضوع التخيير، فيتعين الاخذ به خروجا عن عهدة ما علم به من التكليف المردد المنجز و توهم ان المعلوم بالاجمال هو جنس التكليف المردد بين الوجوب و الحرمة، و اما اهمية احدهما فلم يعلم بها بل هى محتمل كذبها، فيرجع فى لزوم مراعاتها الى البرائة مدفوع بان الرجوع الى البرائة فى نفى الزائد على القدر المعلوم بالاجمال، انما هو فى دوران الامر بين الاقل و الاكثر، لا فى دور انه بين المتبائنين كما نحن فيه، هذا ما افاده بعض الاعاظم دامت بركاته فى ملاك لزوم الاخذ بالاهم فى دوران الامر بين المحذورين، و لا يخفى انه مناف لما افاده فى مبحث العلم الاجمالى، من ان العلم الاجمالى فى دوران الامر بين المحذورين، لا يترتب عليه اثر اصلا، لانه انما يؤثر فيما كان هناك شئى قابل لتعلق الحكم الشرعى به و للامتثال به، و لا يكون فى دوران الامر بينهما شئى قابل لهما، و مناف ايضا لما افاده هناك، من ان التخيير فى دوران الامر بينهما ليس قابلا لتعلق الحكم الشرعى او العقلى به، لانه من الامور التكوينية اللابدية؛ فيكون الحكم به تحصيلا للحاصل توضيح المنافاة هو انه اذا لم يكن العلم الاجمالى فى دوران الامر بين المحذورين مؤثرا فى تنجيز نفس المعلوم بالاجمال، فكيف يكون مؤثرا فى لزوم مراعاة اهمية محتملاته، و هل هذا الامن زيادة الفرع على الاصل، و كذا كيف يصح
ص: 222
القول بكون التخيير فى دوران الامر بينهما لاجل تساوى الاحتمالين الذى هو الملاك للتخيير العقلى، مع القول بكونه من الامور التكوينية الابدية الغير الاختيارية الغير القابلة لتعلق الحكم به مطلقا، فالاولى المنع عن لزوم مراعاة الاهم فى مسئلة دوران الامر بين المحذورين و القول بالتخيير فيه مطلقا، و لا ينافى ذلك ما ذكره من لزوم مراعاة الا هم فيما لو تردد شخص بين كونه مرتدا واجب القتل او نبيا يجب حفظه، بداهة ان لزوم مراعاة الاهمية فيه، ليس لاجل كون الاهم من اطراف العلم الاجمالى، بل لاجل ان مجرد الاحتمال يكون منجزا للواقع فى النفوس و الاعراض و الاموال، و لو فى الشبهة البدوية الموضوعية منها، هذا تمام الكلام فى الفرض الاول، و اما الفرض الثانى اعنى ما اذا كانت الشبهة فى وقايع متعددة كما لو علم بوجوب الجمعة دائما او حرمتها كك، فحيث ان الموافقة القطعية فيه غير ممكن، لان الموافقة القطعية لاحد طرفى المعلوم بالاجمال، مستلزمة للمخالفة القطعية للطرف الاخر، فلا اثر للعلم الاجمالى فيها، و اما المخالفة القطعية فيتمكن المكلف منها، فانه لو ترك الصلوة فى جمعة و اتى فى جمعة اخرى، يعلم بمخالفة التكليف، فاذا تمكن من المخالفة القطعية، فالعلم الاجمالى يؤثر فى التنجيز بهذا المقدار و توهم ان الوقايع المتأخرة لما كانت مشروطة بتحقق الزمان، فقبل تحققه لا يكون التكليف بها متوجها الى المكلف، فالتكليف المتوجه اليه منحصر بما تعلق بالواقعة الفعلية، و قد ان المخالفة القطعية فيها غير ممكنة كالموافقة القطعية مدفوع بما حقق فى محله من ان التكاليف المشروطة بشرط متحقق الحصول فيما بعد، يكون حالها حال التكاليف المطلقة فى وجوب مقدماتها الوجودية و العلمية فيما كان محل ايجادها قبل حصول الشرط، او تعذر ايجادها بعد حصوله، و هذا يكشف عن انه لا فرق فى حكم العقل بقبح المخالفة القطعية، بين ما اذا كان التكليف مطلقا او مشروطا بشرط يعلم حصوله فيما بعد، و الا لما حكم بوجوب تلك المقدمات قبل حصول شرط ذيها هذا و لكن قد يقال بان المخالفة القطعية ليست من المحرمات الشرعية قد تعلق بها النهى المولوى الشرعى، بل قبحها كحسن الطاعة من المستقلات العقلية التى لا تستبع الخطاب المولوى، و من المعلوم ان حكم العقل بقبحها فرع تنجز التكليف، فمخالفة التكليف الغير المنجز لا
ص: 223
قبح فيها، كما لو اضطر الى الاقتحام فى احد اطراف المعلوم بالاجمال، و صادف ما اضطر اليه للحرام الواقعى المعلوم بالاجمال، فانه مع حصول المخالفة القطعية يكون المكلف معذورا، و ليس ذلك الا لعدم تنجز التكليف، ففى ما نحن فيه ليس التكليف فى كل جمعة منجزا، لان فى كل جمعة يكون الامر دائرا بين المحذورين، و كون الواقعة مما تتكرر لا يوجب تبدل المعلوم بالاجمال، و لا خروج المورد عن كونه من دوران الامر بين المحذورين، فان متعلق التكليف انما هى اتيان الصلوة او تركها فى كل جمعة، ففى كل جمعة يدور الامريين المحذورين، و لم يلاحظ الجمعات بقيد الانضمام متعلقة للتكليف، كى يقال الامر فيها لا يدور بين المحذورين، لان المكلف يتمكن من الفعل فى جميع الجمعات و من الترك فى جميعها، و من التبعيض بان يفعل فى بعض الجمعات و يترك فى بعضها الاخر، و انما يتحقق المخالفة القطعية فيما اختار التبعيض، لان الواجب عليه ان كان الفعل فى الجميع فقد خالفه بالترك فى البعض، و ان كان الترك فى الجميع فقد خالفه بالفعل فى البعض، بل متعلق التكليف كل جمعة من الجمعات على نحو الاستقلال و بحيال ذاتها، ففى كل جمعة يدور الامر فيها بين المحذورين الذى عرفت ان الحكم فيه هو التخيير فتدبر جيدا، هذا تمام الكلام فى الاصول الثلاثة اعنى البرائة و الاحتياط و التخيير، و يتلوه الكلام فى الاستصحاب انشاء اللّه تعالى و الحمد للّه او لا و آخر او الصلوة و السلام على اشرف انبيائه محمد و آله المعصومين دائما سرمدا.
ص: 224
ص: 225
ص: 226
بسم اللّه الرحمن الرحيم
الحمد للّه رب العالمين و الصلوة و السلام على من اختاره من خلقه محمد و آله الطيبين و اللعنة الدائمة على اعدائهم اجمعين.
(قوله دام ظله المسئلة الرابعة فى الاستصحاب الخ) اعلم انه قد عرف الاستصحاب بتعاريف لا يخلو جلها بل كلها عن المناقشة، و حيث انها تعاريف لفظية فى مقام شرح الاسم و لا تكون بحد و لا رسم، فلا يهمنا التعرض لها و ان ايا منها تام او غير تام، بل المهم هنا التكلم فى امور الاول فى بيان موضوع الحجة اعنى ما يبحث عن حجيته فى المقام فنقول ان كان الاستصحاب معتبرا من باب الظن النوعى، فلا اشكال فى ان موضوع الحجية هو ما يكون منشاء و سببا لحصول هذا الظن، كما هو الشأن فى سائر ما يكون معتبرا من هذا الباب، كالخبر الواحد و ظاهر اللفظ لا الظن الحاصل منهما، و ليس المنشاء لحصوله فى الاستصحاب الا اليقين بالحدوث سابقا و الشك فى البقاء لاحقا، و منه يعلم ان تعريفه فى كتاب القوانين، بانه كون حكم او وصف يقينى الحصول فى الان السابق مشكوك البقاء فى الان اللاحق، اسد التعاريف و امتنها، بناء على اعتبار الاستصحاب من باب الظن، لا ازيفها كما ذكره شيخ مشايخنا الانصارى قدس سره و اما ان كان الاستصحاب معتبرا من باب الاخبار و التعبد الشرعى، فالمتعين و ان كان تعريفه بما فى المتن تبعا لاستاد الاساتيد قدس سره من انه ابقاء ما كان، و ذلك لانه امتن التعاريف، ضرورة ان المراد و بالابقاء بشهادة كونه فى مقام تعريف الاستصحاب الذى هو من القواعد المقررة للشاك، هو الابقاء الظاهرى بترتيب الاثار فى مقام العمل، لا الابقاء الحقيقى كى يقال ان هذا التعريف يناسب كون الحكم واقعيا لا ظاهريا، بداهة ان المراد بالابقاء ان كان هو حكم الشارع ببقاء ما حدث اى ان الثابت يدوم، لكان حكما واقعيا، و ذكر ما كان فى التعريف مع دلالة الابقاء عليه، انما هو للاشعار على ان للوصف اعنى
ص: 227
الكينونة السابقة مدخلية فى الابقاء العملى، فيخرج ما اذا كان ابقاء الحكم للعلم بالبقاء او لدليل خارجى عليه، فيعلم من ذكر هذه العبارة ايضا اعتبار اليقين السابق و الشك اللاحق فى الاستصحاب لانه لو كان للكينونة السابقة دخل فى الابقاء فلا بد من احرازها، و كذا لو لم يكن الشك فى البقاء لم يكن الابقاء مستندا الى الكون السابق كما هو واضح، فلا يرد على هذا التعريف باخلاله باليقين و الشك مع كونهما من اركان الاستصحاب، الا انه يشكل حينئذ تعيين الموضوع للحجة، اذ لا يصح جعله نفس الابقاء العملى، ضرورة ان المراد بالابقاء ان كان بناء المكلف على البقاء الذى هو من افعاله، فهذا لا معنى للبحث عن حجيته كما لا يخفى، مع ان لازمه ان تكون الحجية دائرة مدار بنائه، فلو لم يبن على البقاء لم يكن الاستصحاب حجة و هو كما ترى، و ان كان المراد بالابقاء، حكم الشارع بالبقاء فيرجع البحث عن حجيته الى البحث عن اصل ثبوته(1) هذا مضافا الى شمول هذا التعريف للشك فى المقتضى ايضا، و هو و ان كان مختار اللاستاد دام ظله وفاقا لاساتيده قدس سرهم، لكن الحق ما ذهب اليه شيخ مشايخنا الانصارى قدس سره، من عدم حجية الاستصحاب الا فى الشك فى الرافع على ما سيجئى بيانه انشاء اللّه تعالى، و هذا بخلاف تعريفه بالجرى العملى على مقتضى اليقين السابق، ضرورة ان مجرد اليقين بحدوث شئى ما لم يحرز قابليته و استعداده للبقاء بحسب عمود الزما، لا يقتضى الجرى عملا عليه بترتيب الاثار، حتى يصح ان يحكم بعدم نقض اليقين به عملا بالشك فى بقائه، و مضافا الى ان المناسب لذلك التعريف ان يكون الاستصحاب حكما واقعيا، لان معنى ابقاء ما كان هو الحكم ببقاء ما حدث و ان الثابت يدوم، و مجرد هذا الادلالة له على كون الحكم ظاهريا لولم يدل على خلافه بل يتوقف كونه ظاهريا على ان يجعل الحادث تعلق اليقين به سابقا مورد اللتنزيل لاحقا، فكانه جعل اليقين الطريقى بلحاظ ماله من اثر الجرى العملى الذى هو من اثر تعلقه بشئى، باقيا فى ظرف الشك بذاك الشئى، فالاستصحاب نزّل منزلة القطع الطريقى من حيث الجرى العملى، لأمن حيث الصفتية او الطريقية، و الا
ص: 228
لكان حكما واقعيا او كان المثبت منه حجة كما لا يخفى.
الامر الثانى انه قد يشكل فى كون البحث عن حجية الاستصحاب من المسائل الاصولية، بناء على اخذه من الاخبار بل مطلقا و لو بناء على اخذه من باب الظن و منشاء الاشكال هو ما اخذوه من القيود فى تعريف المسائل الاصولية، مع عدم ضرورة داعية الى اخذها فيه، فان بعضهم قد عرف المسئلة الاصولية، بانها ما يبحث فى عن عوارض الادلة الاربعة بعد الفراغ عن دليليتها، و هذا التعريف كما ترى مستلزم لخروج اكثر المباحث الاصولية التى يبحث فيها عن دليلية الدليل، كسائل حجية الادلة الظنية كالخبر الواحد و الاجماع المنقول و ظاهر الكتاب و السنة، و مسئلة الاستصحاب مطلقا، عن مسائل علم الاصول اما خروج مسائل حجية الادلة الظنية فواضح، و اما خروج مسئلة الاستصحاب مطلقا، فلضرورة ان استصحاب ان اخذ من باب الظن الحاصل من الغلبة، فان الغالب فى الشئى الحادث الذى له استعداد البقاء الى مدة هو البقاء اليها، و على هذا الظن يبتنى بناء العقلاء على ارسال بضائعهم الى الغائب و جعله وصيا فى اموالهم و فيما على صغارهم، و لا يمنعهم عن ذلك احتمال موته و كذا يشترون الدار و الدكاكين و الخان و امثالها، و لا يمنعهم احتمال انهدامها بالزلازل و السيول و الرياح العاصفة، فيما اذا احرزوا استعدادها للبقاء الى مدة و اذا جرى بناء العقلاء على امر و لم يثبت من الشارع ردع عن ذلك، يكشف عن اعتبار ذلك عنده و لعل تعليله عليهم السّلام عدم اعادة الصلوة لمن ظن ان اصاب ثوبه نجس فنظر و لم ير شيئا فصلى فيه ثم راه فيه، بقوله عليهم السّلام لانك كنت على يقين من طهارتك و شككت و ليس ينبغى لك ان تنقض اليقين بالشك ابدا، تعليل بكبرى مسلمة مرتكزة فى اذهان العقلاء من ان ما احرز قابليته و استعداده للبقاء بحسب عمود الزمان كالطهارة يبنى على بقائه ما لم يحرز حدوث ما يقطع استمراره، اذا التعليل بامر تعبدى فى مقام رفع تحير السائل و استعجابه، بعيد جدا، لان التعليل به لو لم يكن كنفس الحكم المعلل به موجبا للتحير لا يكون رافعا له، فتارة يبحث عن اصل وجود هذا الظن، و ان العقل هل يدرك الملازمة ظنابين الكون السابق، و البقاء ام لا، و
ص: 229
اخرى يبحث عن حجية هذا الظن، و انه هل دليل شرعى على حجيته ام لا، و على اى حال خروج البحث عن الاستصحاب، عن مسائل علم الاصول عليهذا التعريف واضح، اما على الاول فلان البحث حينئذ يكون عن اصل ثبوت ذات الدليل العقلى و هليته البسيطة لا عن عوارضه و هليته المركبة، و اما على الثانى فلان البحث حينئذ يكون عن دليلية الدليل لا عن عوارضه بعد الفراغ عن دليليته، و ان اخذنا الاستصحاب من الاخبار فلا معنى للبحث عن حجيته الا البحث عن ثبوت حكم الشارع بوجوب ابقاء ما كان، و من المعلوم عدم كون حكم الشارع بوجوب ابقاء ما كان من الادلة الاربعة، بل هو مدلول لاخبار الباب بعد احراز حجيتها و احراز حجية ظواهرها، و على تقدير تسليم كونه من الادلة، يكون البحث عنه راجعا الى البحث عن اصل ثبوت ذات الدليل، لا عن عوارضه بعد الفراغ عن ثبوت ذاته و دليليته، و لا يندفع هذا الاشكال بما تكلف شيخ مشايخنا الانصارى قدس سره، من ارجاع البحث عن حجية الخبر الواحد و الاجماع المنقول، الى البحث عن حالات الدليل يعد الفراغ عن دليليته، بتقريب ان السنة التى هى احد الادلة الاربعة هى نفس قول المعصوم عليهم السّلام و فعله و تقريره الخ، فالبحث عن ثبوتها بقول العادل او عدم ثبوتها به، بحث عن حالاتها بعد الفراغ عن دليليتها و ذلك لان هذا على فرض تماميته، و ان اوجب دخول البحث عن حجية الخبر الواحد و الاجماع المنقول فى المسائل الاصولية، الا انه يبقى البحث عن حجية ظاهر الكتاب و السنة و البحث عن حجية الاستصحاب مطلقا مع ذلك، خارجا عن المسائل الاصولية كما مر بيانه كما لا يندفع الاشكال ايضا، بجعل الموضوع لعلم الاصول هو ذات الادلة و ان لم يفرغ عن دليليتها، بناء على اخذ الاستصحاب من الاخبار، و ذلك لما عرفت من انه لا معنى للبحث عن حجيته حينئذ، الا البحث عن ثبوت حكم الشارع بوجوب ابقاء ما كان، و من الواضح ان حكم الشارع بذلك ليس من الادلة الاربعة، بل هو مدلول للاخبار بعد احراز حجيتها صدور او دلالة، فليس النزاع فى حكم الشارع بذلك، الا كالنزاع فى حكمه بوجوب الدعاء عند روية الهلال و امثاله من المسائل الفقهية نعم بناء على اخذه من باب
ص: 230
الظن، يكون البحث فيه مطلقا اى سواء كان عن اصل وجود هذا الظن او عن حجيته، من المسائل الاصولية، اما على الثانى فواضح، و اما على الاول فلان موضوع البحث حينئذ هو ذات الدليل العقلى، و هو ادراكه الملازمة ظنا بين كون السابق و البقاء، و ان لم يفرغ عن دليليته بعد، بل احتيج الى حكم شرعى يدل على حجية هذا الادراك الظنى من العقل نعم الوالتزمنا بما هو المعروف من ان مسئلة كل علم هى ما يبحث فيه عن العوارض الذاتية لموضوعه، يكون البحث عن ذات هذا الدليل العقلى خارجا عن مسائل هذا العلم و داخلا فى مباديه التصديقية، لكن الالتزام به شعر بلا ضرورة هذا و يظهر من كلام استاد الاساديد قدس سره هنا دخول الاستصحاب فى المسائل الاصولية، و لو بناء على اخذه من الاخبار، حيث افاد قدس سره فى بيان الضابط للمسائل الاصولية و الفرق بينها و المسائل الفقهية فى المقام، بما حاصله ان كل حكم بعد استظهاره من الادلة لم يكن نافعا الا للمجتهد، فالبحث فيه من المسائل الاصولية، و كل حكم كان بعد استظهاره من الادلة نافعا للمقلد ايضا، فيكون البحث فيه من المسائل الفقهية، اذ عليهذا يدخل مسئلة الاستصحاب فى المسائل الاصولية و لو على تقدير اخذه من الاخبار، بداهة ان اجرائه فى موارده مختص بالمجتهد و ليس وظيفة للمقلد، اذ مورده و مجراه هو تيقن الحكم فى السابق و عدم طريق يدل على ارتفاعه فى اللاحق، و من المعلوم ان تشخيص المورد المذكور ليس الا من وظائف المجتهد دون المقلد، و هذا الكلام كما ترى يدل على انكاره قدس سره اختصاص و انحصار موضوع علم الاصول بالادلة الاربعة، و لا يخفى انه بناء على ما افاده قدس سره من الضابطة لتمييز كون المسئلة اصولية او فقهية، يلزم دخول بعض المسائل الفقهية كقاعدة ما يضمن بصحيحه يضمن بفاسده و عكس هذه القاعدة فى المسائل الاصولية، بداهة ان تشخيص مجارى القاعدتين و ان هذا العقد صحيح او فاسد و انه مما يضمن بصحيحه او فاسده او لا يضمن، ليس الا من وظائف المجتهد دون المقلد، بل يلزم على ما افاده دخول البحث عن كل حكم شرعى متعلق بالموضوعات المستنبطة كالصلوة و الغنا و الوطن، و امثال ذلك ممالا يكون تشخيص مصاديقها الا وظيفة للمجتهد
ص: 231
فى المسائل الاصولية، و هذا كما ترى فالاولى بناء على منع انحصار الموضوع بالادلة الاربعة، ان يقال فى ضابطة كون المسئلة اصولية، ان كل قاعدة معدت لملاحظة الاحكام لكلية الواقعية، سواء كانت من الطرق اليها او من الاحكام المتعلقة بالشك فيها من دون ملاحظة الكشف عنها، و سواء كانت موجبة لتنجزها على تقدير الثبوت او لسقوطها كك، فهى من القواعد الاصولية، فانه يخرج حنئذ ما ذكر من موارد النقض على ما افاده الشيخ قدس سره، عن المسائل الاصولية، لخروجها عن تحت هذه الضابطة، اذ الاحكام المذكورة فى تلك الموارد ليست مجعولة بملاحظة حكم آخر، بل هى احكام مجعولة لمتعلقاتها لما فيها من المقتضيات لجعلها لها، و يدخل مسئلة الاستصحاب و نظائرها من مسائل الاصول الجارية فى الشبهات الحكمية كاصالة البرائة و اصالتى الحل و الطهارة، فى المسائل الاصولية، لدخولها تحت هذه الضابطة و الاولى منه ما افاده بعض الاعاظم فى ضابطة كون المسئلة اصولية، من انها ما يبحث فيها من القضاياء الكلية التى لو انضم اليها صغرياتها انتجت حكما شرعيا كليا او البناء عليه عملا، فان من هذا التعريف، يظهر ان المعيار فى كون المسئلة من مسائل علم الاصول او من مبادية التصديقية او من مسائل علم الفقه، هو ان المبحوث عنه فيها، ان كان من الكبريات التى لو انضم اليها صغرياتها انتجت حكما شرعيا كليا فهى من مسائل علم الاصول، و ان كان المبحوث عنه فيها من الكبريات التى لو انضم اليها صغرياتها انتجت حكما شرعيا فعليا جزئيا فهى من مسائل علم الفقه، و ان لم يكن المبحوث عنه فيها منتجا لحكم شرعى كلى و لا جزئى، بل كان منتجا لتحقق صغريات الكبريات التى لو انضم اليها صغرياتها لا نتجت حكما شرعيا كليا فهى من المبادى التصديقية لعلم الاصول فمن هنا ظهر ان البحث عن الاصول الجارية فى الشبهات الحكمية، من البرائة و الاستصحاب و اصالتى الحل و الطهارة، من المسائل الاصولية، لانها لو انضمت اليها ضغرياتها من الشبهات الحكمية الوجوبية و التحريمية تكليفية و وضعية، انتجت حكما شرعية كلية لا جزئية فعلية، و ان البحث عن الاصول الجارية فى الشبهات الموضوعية و عن القواعد الفقهية، كقاعدة لا ضرر و لا حرج و
ص: 232
قاعدتى الشك بعد الفراغ و التجاوز، و نحوها من القواعد الجارية فى ابواب الفقه، تكون من المسائل الفقهية، لانها لو انضمت اليها صغرياتها لما انتجت الاحكام شرعيا فعليا جزئيا، و انما سميت بالقواعد الفقهية، لشمولها لابواب مختلفه او مسائل مختلفة من باب واحد، فان قاعدتى لا ضرر، و لا حرج تشملان جميع ابواب الفقه، و قاعدة كل عقد يضمن بصحيحه يضمن بفاسده تشمل مسائل باب العقود فقط، و بعبارة اخرى الحكم الشرعى الكلى المستفاد من الادلة، ان كان مصاديق موضوعه افراد حقيقهة واحدة كما فى قولنا الخمر حرام فيكون من المسائل الفقهية، و انكان مصاديق موضوعه انواعا متبائنة و لو من باب واحد، كما فى قولنا كل عقد يضمن بصحيحه يضمن بفاسده، فان مصاديق العقد من البيع و الاجارة و الهبة المعوضة و نحوها انواع متبائنة، فيكون من القواعد الفقهية، فعليهذه الضابطة لكون المسئلة اصولية، يكون الحق هو التفصيل فى الاستصحاب و غيره من الاصول العملية، بين ما كان منها جارية فى الشبهات الحكمية فتعد من المسائل الاصولية، و ما كان منها جارية فى الشبهات الموضوعية فتعد من المسائل الفقهية.
الامر الثالث ان المعتبر فى اليقين و الشك المأخوذين فى موضوع الاستصحاب ان يكونا فعليين، فلا يكفى فيه وجودهما الشأنى الفرضى، بمعنى كون المكلف بحيث لو التفت الى حال الشئى لكان متيقنا بحدوثه و شاكا فى بقائه، و هذا بناء على اعتبار الاستصحاب من باب التعبد الشرعى واضح، و ذلك لظهور الاخبار فى وجود اليقين و الشك الظاهر فى فعليتهما، هذا مضافا الى ان قوله عليه السلام فيها لا تنقض اليقين بالشك، يكون كسائر القضايا الحقيقية المنحلة الى احكام متعددة حسب تعدد وجودات موضوعاتها، المتوقف توجه حكم منها الى المكلف فعلا على علمه بتحقق شخص موضوعه خارجا، فلا يمكن توجه قوله عليه السلام لا تنقض اليقين بالشك الى المكلف فعلا، الابعد تحقق موضوعه و هو اليقين و الشك خارجا، و حيث ان اليقين و الشك من الامور الوجدانية التى لا وعاء لوجودها الا الوجدان، فتحققهما خارجا انما هو بكون
ص: 233
المكلف متيقنا و شاكا فعلا و اما بناء على اعتباره من باب الظن النوعى، فلان طريقية الكون السابق للبقاء انما هى فى صورة الالتفات اليه، بداهة ان حال الغفلة عنه لا يكون مفيدا للظن النوعى بالبقاء كى يكون طريقا اليه، هذا مع ان الابقاء العملى الذى هو مفاد الاستصحاب لا يتمشى مع الغفلة، فلا يكون الاستصحاب حجة بالنسبة الى الغافل، لتوقف حقيقة الحجية مطلقا على امرين احراز موضوع الحجة و احراز حجيته، بداهة ان الامارة مثلا لا يمكن ان يكون مفادها حجة لمن لم تقم الامارة عنده، او قامت عنده و لم يعلم بانها جعلت محرزة و واسطة فى الاثبات و توهم انه لو كانت حقيقة الحجية منوطة بالوصول و الاحراز، للزم الدور الوارد على اخذ العلم فى فعلية الحكم بداهة توقف الحجية على العلم المتوقف على الحجية مدفوع بان ما يتوقف عليه العلم هو انشاء الحجية التى تكون حجة شأنا، و ما يتوقف على العلم هى الحجية الفعلية الموجبة لاستحقاق المؤاخذة و العقاب عند المخالفة فلا دور، و هذا نظير باب العقد، فان ما يتوقف على قبول المشترى هو التمليك الفعلى، و ما يتوقف عليه قبول المشترى هو التمليك الانشائى هذا و قد فرع شيخ مشايخنا المرتضى قدس سره عليهذا الامر مسئلتين احديهما ان المتيقن بالحدث اذا التفت الى حاله قبل الصلوة و شك ثم غفل و صلى بطلت صلوته، و ذلك لان استصحاب الحدث كان جاريا فى حقه قبل الصلوة، فكان قبلها مأمورا بالتوضى و عدم الدخول فى الصلوة بدونه و لا يجرى فى حقه قاعدة الفراغ، لان مجريها الشك الحادث بعد الفراغ عن العمل لا الموجود من قبل الثانية ان المتيقن بالحدث لو غفل عن حاله و صلى، ثم التفت الى حاله بعد الصلوة و شك فى انه كان متطهرا حال الصلوة ام كان باقيا على ما كان عليه قبلها من المحدثية، صحت صلوته لجريان قاعدة الشك بعد الفراغ فى حقه، لان الشك حدث بعد الفراغ عن العمل، و لو لم يكن موجودا قبله كى يكون استصحاب الحدث جاريا فى حقه قبل الصلوة و يكون مأمورا بالتوضى قبلها، و استصحاب عدم الطهارة و ان كان جاريا فى حقه بعد الصلوة، لكن هذا الاستصحاب محكوم بقاعدة الشك بعد الفراغ، هذه خلاصة ما افاده فى تفريع المسئلتين على هذا الامر
ص: 234
و للنظر فيما افاده مجال اذ لا وجه للفرق بين المسئلتين من حيث جريان قاعدة الفراغ و عدمه تفريعا عليهذا الامر، بعد كون المصلى فى الاولى منهما كالثانية غير محكوم فى حال صلوته بحكم الاستصحاب، اذ المفروض انه كان غافلا فى تلك الحالة عن الحالة السابقة المستصحبة، فلم يكون شاكا فى تلك الحالة فى الحالة السابقة، كى يكون محكوما فى تلك الحالة بعدم جواز نقض اليقين بالشك، نعم كان محكوما بهذا الحكم قبل الصلوة فى حال التفاته الى الحالة السابقة، و لكن ارتفع عنه هذا الحكم فى حال الصلوة بارتفاع موضوعه و هو الشك بعروض الغفلة، فاذا كان هذا الحكم مرتفعا عنه فى تلك الحالة، فلا مانع عن جريان قاعدة الشك بعد الفراغ فى حقه، بعد ما التفت بعد الصلوة و شك فى كونه محدثا حالها او متطهرا و توهم اختصاص القاعدة بالشك الحادث بعد الفراغ عن العمل، فلا تجرى فيما اذا كان الشك حاصلا من قبل كما نحن فيه مدفوع بان الشك الحاصل له قبل العمل قد زال و انتفى بالغفلة عنه فى حال الصلوة، و هذا الشك الحاصل له بعدها شك آخر حدث بعد الفراغ، فيجرى فى حقه قاعدة الشك بعد الفراغ بناء على كونها من الاصول العملية، نعم لو قلنا بان هذا الشك الحاصل بعد الصلوة و ان كان مغائرا للشك الموجود قبلها لكنه عينه عرفا، او قلنا بان القاعدة من الطرق، من جهة ماورد فى بعض اخبارها من التعليل بقوله عليه السلام لانه حين العمل اذكر، لم يجر فى حقه القاعدة اما على الاول فلانتفاء الموضوع و هو الشك الحادث بعد العمل و اما على الثانى فلانتفاء العلة و هى الاذكرية حين العمل، لفرض كونه غافلا حينه، بل لزم عليه الاخذ باستصحاب الحدث و الحكم ببطلان الصلوة، بملاحظة هذا الشك الموجود بعد الفراغ فتبين مما ذكرنا انه لا فرق فى جريان الاستصحاب و عدمه بين المسئلتين، لانه ان اعتبر الشك الفعلى لم يجرفى شئى منهما فى حال الصلوة، و ان بنى على كفاية الشك التقديرى جرى فى كلتيهما فى تلك الحالة، كما لا فرق بينهما من حيث جريان قاعدة الفراغ و عدمه، لانه لو قلنا بان القاعدة من الطرق لم تجر فى شئى منهما، و ان قلنا بانها من الاصول العملية جرت فى كلتيهما نعم لوقلنا بان الشك الحاصل بعد الصلوة فى المسئلة
ص: 235
الاولى هو الشك الموجود قبلها عرفا و ان كان غيره عقلا، لم يكن لجريان القاعدة فيها مجال لكن لا لسبق الامر بالطهارة فيها كما هو المتراى من كلام شيخ مشايخنا الانصارى قدس سره، بل لانصراف ادلتها عما لو شك قبل العمل و دخل فيه غافلا، و اختصاصها بما اذا حدث الشك بعد العمل ثم ان الوجه فى تقديم القاعدة على الاستصحاب، هو الحكومة بناء على كونها من الطرق، و لزوم لغويتها لو لا تقديمها بناء على كونها من الاصول العملية، فما افاده الشيخ قدس سره فى ذيل المسئلة الثانية، من ان استصحاب عدم الطهارة و ان كان جاريا فى حقه بعد الصلوة، لكن هذا الاستصحاب محكوم بقاعدة الشك بعد الفراغ، لا يخلو عن نظر اذ لو كانت القاعدة من الطرق، لم يكن لجريانها فى المسئلة مجال اصلا كى تكون حاكمة على الاستصحاب، و ان كانت من الاصول العملية كان تقديمها على الاستصحاب لاجل لزوم لغويتها لولاه، لا لاجل حكومتها عليه و اما ما اورده عليه بعض الاعاظم من تلامذته، من ان هذا الاستصحاب لا مجرى له و لو مع قطع النظر عن قاعدة الفراغ، اذ لا يترتب عليه اثر الا وجوب الاعادة و هو من اللوازم العقلية لبقاء الحدث لا من احكامه الشرعية ففيه ما لا يخفى، لا لاجل النقض بجريان الاستصحاب فى اثبات الجزء و الشرط و نفيهما قبل العمل و حينه، مع انه لا يترتب عليه الا الحكم بوجوب الاعادة و عدم وجوبها، و هما من اللوازم العقلية لكون العمل فاقدا جزئه او شرطه او واجدا لهما، و ذلك لما سيجئى انشاء اللّه تعالى من ان الاستصحاب فى اثبات الجزء و الشرط و نفيهما قبل العمل او حينه، مرجعه الى توسعة دائرة المأمور به به و تضييقها، و يترتب عليه حكم العقل بوجوب الاعادة و عدم وجوبها، و من المعلوم ان توسعة دائرة المأمور به و تضييقها، مما امره بيد الشارع. فلا يحتاج فى جعلهما الى اثر شرعى آخر يترتب عليهما، و هذا لا يجرى فى الاستصحاب الجارى فى الجزء و الشرط بعد العمل، اذ لا معنى للتوسعة و التضييق بالنسبة الى العمل الماتى به، بل لاجل ان الاستصحاب الجارى فى الجزء و الشرط بعد العمل، نظير قاعدة الفراغ فى ان مرجعة الى اجتزاء الشارع بالمأتى به عن المأمور به، و من المعلوم ان هذا مما امره بيد الشارع، فلا
ص: 236
يحتاج فى جعله الى اثر شرعى آخر يترتب عليه كما لا يخفى.
الامر الرابع انه ينقسم الاستصحاب، باعتبار المستصحب، من حيث كونه وجوديا او عدميا، و من حيث كونه حكما شرعيا كليا او جزئيا وضعيا او تكليفيا، او كونه موضوعا صرفا ام مستنبطا، و باعتبار الدليل الدال عليه، من حيث كونه عقليا او شرعيا لبيا اجماعيا او لفظيا، و كونه دالا على استمرار المستصحب و اقتضائه للبقاء الى حصول رافع او غاية او غير دال عليه، و باعتبار الشك المأخوذ فيه، من حيث كونه شكا فى الحكم او الموضوع، و من حيث كونه بالمعنى الاعم المقابل للعلم فيعم متساوى الطرفين و راجح البقاء و الارتفاع، و من حيث كونه شكا فى المقتضى او فى وجودا الرافع او رافعية الموجود سواء كان الشك فيها من جهة الشبهة الموضوعية او الحكمية او المفهومية، الى اقسام عديدة وقع الاختلاف فى حجية الاستصحاب فيها مطلقا و عدم حجيته كك، و التفصيل بين العدميات و الوجوديات، و بين الموضوعات و الاحكام، و بين الشك فى المقتضى و الرافع، و بين الشك فى الرافع و الغاية، الى غير ذلك من التفاصيل الكثيرة المذكورة فى رسائل شيخ مشايخنا الانصارى قدس سره و لا يهمنا التعرض لها و لما استدلوا به عليها، و انما المهم التعرض لبعض التفاصيل التى اختاره شيخ مشايخنا الانصارى قدس سره و جملة من الفحول فنقول منها التفصيل بين ما كان الدليل على الحكم المستصحب عقليا او شرعيا، فحكم قدس سره، بعدم جريان الاستصحاب على الاول و بجريانه على الثانى، و استدل عليه بما حاصله انه لا شبهة فى ان العقل بل كل حاكم لا يشك فى موضوع حكمه، فالاحكام العقلية لا بد ان تكون مبينة مفصلة من حيث المناط و العلة التى هى الموضوع حقيقة فى الحكم العقلى، بداهة ان العقل لا يحكم بشئى الا بعد احراز علته التامة بجميع اجزائها من المقتضى و الشرط و عدم المانع، التى لا يمتنع انفكاك المعلول عنها، فالشك فى بقاء حكمه لا بد ان يرجع الى الشك فى بقاء جزء من اجزاء علة وجوده، لعدم امكان الشك فى وجود المعلول مع القطع بوجود علته التامة، كيف و وضوح امتناع انفكاك المعلوم عن علته التامة كالنار على المنار و الشمس فى
ص: 237
رابعة النهار، فاذا كان الموضوع فى الاحكام العقلية هى العلة التامة، فمع الشك فى جزء من اجزائها لا يكون موضوع حكمه معلوم البقاء، و معه لا مجال للاستصحاب، اذ من جملة شرائطه ان يكون الموضوع محرزا معلوم البقاء، و كفاية اتحاد الموضوع بحسب نظر العرف، لصدق نقض اليقين بالشك عرفا مع اتحاده كك، انما هى فيما لم يكن الموضوع بتمام مقوماته معلوما للعرف، و احتمل كون ما شك فى بقائه او علم بانتفائه من خصوصيات الموضوع، و من حالاته لا من مقوماته، و ليس ما نحن فيه كك، للعلم بان الضار فى حكم العقل بقبح الكذب الضار من مقومات الموضوع، بل نفس الموضوع حقيقة لانه الملاك و العلة لحكمه بقبح الكذب الضار، فالحكم العقلى لا يكون مشتملا الا على الموضوع و المحمول و النسبة، و ليس هناك شئى آخر كى يراه العرف من حالات الموضوع او واسطة لثبوت الحكم له، فمتى زال قيدا و جزء من الموضوع العقلى، فالباقى موضوع آخر مغائر لما كان اولا، فلا يعرض الشك فى الحكم العقلى مع بقاء موضوعه، و من هنا يظهر عدم جريان الاستصحاب فى الحكم الشرعى المستكشف بالحكم العقلى، بداهة ان الحكم الشرعى اذا كان مستكشفا من الحكم العقلى، يكون موضوعه لا محة عين موضوع الحكم العقلى، و الا لم يكن ما حكم به الشرع عين ما حكم به العقل، كما هو مقتضى الملازمة بين حكمها، بل كان حكم الشرع فى موضوع آخر مبائن او اعم، فاذا كان موضوعه عين موضوع الحكم العقلى، فاذا زال بعض من الامور التى كان لها دخل فى موضوع حكم العقل، فالحكم الشرعى لم يكن من اول الامر متحققا فى هذا الموضوع الزائل عنه ذاك البعض حتى يستصحب، بداهة ان الاستصحاب انما يجرى فيما اذا كان هناك حكم شرعى شك فى بقائه، فاذا لم يكن موضوع من اول الامر محكوما بحكم شرعى، كالكذب الغير الضار، لعدم حكم للعقل بالقبح فى هذا الموضوع، فلا معنى لاستصحاب الحكم فيه، فهذا فيما اذا كان الشك فى الحكم الشرعى المستكشف من العقلى، من جهة زوال قيد او جزء من موضوع الحكم العقلى، و هكذا الامر فيما اذا كان الشك فيه من جهة الشك فى انطباق موضوعه على امر خارجى كما اذا شك فى ان هذا
ص: 238
الكذب ضارام لا، و ذلك للشك فى بقاء الموضوع الذى قد عرفت اعتبار احرازه فى جريان الاستصحاب، و دعوى بقائه عرفا الذى هو الميزان فى صدق نقض اليقين بالشك كك، قد عرفت ما فيها فى امثال المقام من القضياء التى لا تكون مركبة الا من الموضوع و المحمول و النسبة، و ليست مشتملة على شئى آخر زائدا عليهذه الثلثة، يعدّ عرفا من حالات الموضوع او واسطة فى ثبوت الحكم له، كيلا يكون زواله مضرا ببقاء الموضوع، هذه خلاصة ما افاده قدس سره فى الاستدلال عليهذا التفصيل و فيما افاده نظر يتوقف توضيحه على تمهيد مقدمة، و هى ان القيود المأخوذة فى موضوع القضية بحسب التصور تكون على انحاء، فانها تارة تكون من مقومات الموضوع، كما اذا قيل قلد المجتهد العادل و اعط الزكوة الفقير و اخرى تكون من حالاته جيئى بها لتعيينه و تمييزه بها عن غيره، كما اذا قيل اكرم الرجل الجالس فى مكان كذا مثلا، و ثالثة تكون من علل ثبوت الحكم له حدوثا و بقاء، كما اذا قيل اكرم زيدا ان كان عالما، و رابعة تكون من علل بثبوته له حدوثا فقط، كما اذا قيل اكرم زيدا ان كان عالما، و رابعة تكون من علل ثبوته له حدوثا فقط، كما اذا قيل الماء ينجس اذا تغير، و خامسة تكون من علل الفطع بثبوته له، بمعنى انه يعلم بتحقق الملاك للموضوع المقيد بها، و يشك فى تحققه له بدونها، فيكون اخذها فى موضوع القضية لكون المقيد بها هو القدر المتيقن من مورد تحقق الملاك، مع احتمال عدم دخلها فيه اصلا، فيدور امرها بين ان تكون من مقومات الموضوع و الملاك، او غيرها مما لا دخل له فيهما اصلا، و هذا القسم و ان كان غير متصور، بالنسبة الى القضايا الصادرة عن الشارع العالم بحقائق الاشياء على ما هى عليها من المصالح و المفاسد و المطّلع على جميع الجهات الواقعية، لكنه بالنسبة الى ما دونه فى غاية الامكان، فان احرز ان القيد المأخوذ فى القضية من مقومات الموضوع او من علل ثبوت الحكم له حدوثا و بقاء، فلا شبهة فى ان بانتفائه يعلم بانتفاء الحكم، اما لانتفاء موضوعه او لانتفاء علته، و ان احرز انه ليس كك بل هو من الحالات او من علل ثبوت الحكم حدوثا فقط، فلا يعلم بانتفاء الحكم بانتفائه بل يقطع ببقائه، و ان شك فى انه من اى الطائفتين، فبانتفائه يشك فى بقاء
ص: 239
الحكم، اما للشك فى بقاء موضوعه، او للشك فى بقاء علته، و كذا لو علم بكونه من علل القطع بثبوت الحكم للموضوع او شك فيه، فان انتفائه ايضا موجب للشك فى بقاء الحكم، اما للشك فى بقاء الموضوع او للشك فى بقاء علته، لا شك فى عدم جريان الاستصحاب، فيما اذا احرز اين القيد الزائل من ايّة فى الطائفتين، بداهة القطع بانتفاء الحكم على الاولى و بثبوته على الثانية و اما لولم يحرزانه من ايتهما، او احرز انه من علل القطع بثبوت الحكم او شك فيه ايضا، ففى جريان الاستصحاب فيه اشكال، ينشاء من ان الميزان فى احراز الموضوع فى الاستصحاب هل هى الدقة العقلية، او ظاهر الدليل او فهم العرف و سيجئى انشاء اللّه تعالى ان الميزان هو الثالث، و عليه فيدور جريان الاستصحاب مدار فهم العرف، فان كان القيد الزائل بحسب فهمهم من الحالات، فيجرى الاستصحاب و لو كان بحسب الدقة او ظاهر الدليل قيدا بل عنوانا للموضوع، و ان كان بحسب فهمهم من القيود، فلا يجرى و لو كان بحسب الدقة او ظاهر الدليل من الحالات اذا تمهدت هذه فنقول ان ما افادة قدس سره من عدم امكان الاجمال و الاهمال فى موضوع حكم العقل، ان ارادبه عدم امكانه فى موضوع حكمه الفعلى فهو مسلم، بداهة ان العقل بل كل حاكم لا يمكن ان يحكم حكما فعليا بحسن شئى او قبحه، الا بعد تعين موضوع حكمه بجميع خصوصياته و مشخصاته التى لها دخل او محتمل الدخل فى ذلك الحكم، بحيث لو تغير بعض ما كان عليه اوّلا من الخصوصيات ارتفع حكمه قطعا، و لذا لا ينبغى الاشكال فى عدم جواز استصحاب نفس الحكم العقلى، و ان اريد به عدم امكانه فيما يتقوم به ملاك حكمه فهو ممنوع جدا، لانه يمكن ان لا يكون لبعض الخصوصيات التى اخذها فى موضوع حكمه دخل فى موضوع حكمه و ملاكه واقعا، و انما اخذها فيه لكونها مما يقطع معها بثبوت ماهوا الملاك لحكمه، مع احتمال ثبوته فيما يكون فاقدا لها، مثلا يقطع بان الكذب، الضار بالكاذب و المخاطب قبيح، و لكن يتحمل ان يكون الكذب الضار بالمخاطب الغير النافع بحال الكاذب بل مع نفعه بحاله قبيحا ايضا، فحكمه بقبح خصوص الكذب الضار بحاله و بحال المخاطب، يكون من جهة كونه القدر المتيقن على
ص: 240
اى تقدير، لانه لو كان نفس الكذب، او هو مع كونه ضارا بالمخاطب غير نافع بحال الكاذب، او مع كونه نافعا بحاله ايضا قبيحا، لكان الكذب الضار بحال كليهما قبيحا قطعا لكونه واجدا لجميع الخصوصيات التى يتحمل كونها ذا دخل فى القبح، و ح فاذا تغير موضوع حكمه بزوال شيئى مما اخذ قيدا له، لا يوجب القطع بزوال حكم الشارع بحرمته المستكشف بقاعدة الملازمة، و ان كان موجبا لزوال حكم العقل قطعا، بداهة ان الحكم الشرعى تابع لما هو الملاك لحكم العقل واقعا، فاذا احتمل بقاء ملاك حكمه مع زوال ذلك القيد كما هو المفروض، يكون بقاء حكم الشرع محتملا ايضا جدا لكونه مقتضى التبعية قطعا، و ح فلا مانع من جريان الاستصحاب فيه، الا الشك فى بقاء الموضوع بحسب الدقة العقلية، و هذا لا يصلح مانعا، بعد ما اشرنا اليه من ان المناط فى اتحاد القضيتين المتيقنة و المشكوكة موضوعا و محمولا المعتبر فى صدق لا تنقض عرفا، هو الاتحاد بحسب نظر العرف لا بحسب الدقة او الدليل، كما سيجئى انشاء اللّه تعالى تحقيقه مفصلا فى محله، بل يمكن بناء عليه دعوى جريان الاستصحاب، و لو مع فرض القطع بكون القيد الزائل من مقومات الموضوع عقلافان زوال الموضوع و ان كان مقطوعا معه دقة، الا انه لا يمنع عن جريان فى الاحكام العقلية هو نفس ملاكاتها، لان ما بالعرض لا بد ان ينتهى الى ما بالذات دفعا للدور و النسلسل، و من المعلوم ان ما يكون معروضا للحكم اولا و بالذات فى الاحكام العقلية، هو نفس الملاكات، و انما يكون الموضوع معروضا له ثانيا، و بالعرض، من جهة انطباق الملاكات عليه، فاذا كان الموضوع فى الاحكام العقلية نفس ملاكاتها حقيقة، فالاحكام العقلية لا تكون مركبة الا من الموضوع و هو المناط و المحمول و النسبة، و ليس هناك شئى اخر يكون من حالات الموضوع و واسطة لثبوت الحكم له، كما يكون فى القضية المتلقاة عن الشرع ففيه اولا ان الموضوع فى الاحكام العقلية، انما يكون نفس ملاكاتها، فيما كانت الملاكات من قبيل الواسطة فى العروض، التى تكون متصفة بالعارض حقيقة، و تكون واسطة لاتصاف ذيها به و لحمله عليه مجازا و بالعرض، و هذا بخلاف ما اذا كانت الملاكات من قبيل الواسطة فى الثبوت، كالنار التى
ص: 241
تكون واسطة لثبوت الحرارة فى الحديد، فان الملاك حينئذ مبائين للموضوع، و يكون علة لتحقق الحكم و ثبوته لذات الموضوع، فهذا القسم من الملاك لا يكون القطع بارتفاعه موجبا للشك فى الموضوع فضلا عن الشك فيه، نعم القطع بعدم الملاك موجب للقطع بعدم الحكم، فيما كان الملاك علة لبقائه ايضا و ثانيا ان ما لا يكون مشتملا الاعلى الموضوع و الحمول و النسبة، انما هو الاحكام العقلية الكلية الثابتة للنعاوين الكلية، و اما الاحكام الجزئية التى تنحل اليها تلك الاحكام الكلية حسب تعدد مصاديق تلك العناوين الكلية، فهى لا محة تكون منحلة الى موضوع و محمول و نسبة و واسطة لثبوت المحمول للموضوع، بداهة ان الموضوع فى حكم العقل بان الصدق الضار قبيح او الكذب النافع حسن، و ان كان حقيقة هو الضار و النافع، الا ان بعد انحلال هذا الحكم الى الحكام جزئية متعدة حسب تعدد مصاديق الصدق الضار و الكذب النافع، يجعل الموضوع فى تلك الاحكام الجزئية نفس المصداق الخارجى، و يجعل الملاك واسطة فى ثبوت الحكم له، فانه يقال هذا الصدق ضار و كل ضار قبيح فهذا الصدق قبيح، فيحمل قبيح على نفس هذا الصدق، و ح لوشك فى كون هذا اصدق قبيحا فى الزمان اللاحق من جهة الشك فى كونه ضارا فى هذا الزمان، فلا مانع من استصحاب حرمته، بعد كون الموضوع لها عرفا هو نفس الصدق، و كون الضار علة لثبوتها له فتدبر جيدا و من التفاصيل التى اختادها شيخ مشايخنا الانصارى قده، التفصيل بين ما كان الشك فى المقتضى، او فى الرافع باقسامه من الشك فى وجود الرافع، او رافعية الموجود، سواء كان الشك فى الرافعية من جهة الشبهة المصداقية او الحكمية او المفهومية، فحكم بحجية الاستصحاب فى الثانى باقسامه، دون الاول، و استدل على ما اختاره بوجوه ثلثة، احدها ظهور كلمات جماعة فى الاجماع عليه، ثانيها انا تتبعنا فى ابواب الفقه فلم نجد مورد امن موارد الشك فى بقاء الحكم السابق من جهة الشك فى الرافع الاوقد حكم الشارع فيه بالبقاء، الا فيما اذا كان هناك امارة موجبة للظن بالخلاف، كما فى البلل الخارج قبل الاستبراء، فان حكم الشارع بترتيب احكام النجاسة عليه بالاجتناب عن ملاقيه، ليس من جهة عدم اعتبار استصحاب
ص: 242
طهارة الملاقى، و الا لحكم بالطهارة من جهة قاعدة الطهارة، بداهة ان عدم اعتبار استصحاب الطهارة لا يوجب الحكم بالنجاسة مع وجود قاعدة الطهارة، بل من جهة اعتبار الظن بوجود شئى من البول او المنى فى المخرج الحاصل من غلبة بقائهما فيه، فرجح هذا الظاهر على الاصل، الى ان قال قده و الانصاف ان هذا الاستقراء بكاد يفيد القطع، و هو اولى من الاستقراء الذى ذكره غير واحد كالمحقق البهبهانى و صاحب الرياض، انه المستند فى حجية شهادة العدلين على الاطلاق، و لعل وجه الاولوية هو وجدان التخلف فى مورد شهادتهما كما فى الزنا، و عدم وجدانه بالنسبة الى هذا الاستقراء ثالثها الاخبار المستفيضة، الى ان قال قده بعد نقل اخبار الباب عامتها و خاصتها و التكلم فيها نقضا و ابراما، ما هذا لفظه ثم اختصاص الاخبار الخاصة بالقول المختار واضح، و اما الاخبار العامة، فالمعروف بين المتاخرين الاستدلال بها على حجية الاستصحاب فى جميع الموارد، و فيه تامل قد فتح بابه المحقق انحو نسارى فى شرح الدروس، ثم افاد قده فى توضيح وجه التامل، ما حاصله ان النقض بحسب اللغة ضد الابرام الذى هو فى الاصل فتل الحبل يقال ابرم الحبل اذا احكم فتله، فلا بد ان يكون متعلق النقض ذا اجزاء محكمة تاليفا و تركيبا، كما ان متعلق الابرام لا بد ان يكون ذا اجزاء منفكة متفاسخة، و اسناد النقض استعارة الى اليقين كما فى الاخبار، و انكان حسنا لكمال شباهته بسبب ما فيه من الاتقان و الاستحكام و عقد القلب بالمتيقن، بالشئى الذى يكون ذا اجزاء مبرمة، الا ان اليقين حيث يكون منتقضا بنفسه قهرا بطرو الشك، فلا يعقل النهى عن نقضه بالشك، لعدم صحة تعلق التكليف الا بامر اختيارى، فلا بد ان يكون المراد من اليقين هو المتيقن كى يصح تعلق النهى بنقضه، و المتيقن و ان كان بظاهره عامالماله مقتضى البقاء و لغيره، الا انه لا بد، بملاحظة نسبة النقض الذى لا يتعلق الا بما يكون ذا اجزاء مبرمة اليه، من رفع البد عن ظاهره، بتخصيصه بماله مقتضى البقاء الذى هو الاقرب الى الامر المبرم، عملا بقاعدة اذا تعذرت الحقيقة تعين الحمل على اقرب المجازات اليها و توهم انه كما يمكن ان يكون نسبة النقض الى المتيقن فرنية على كون المراد منه هو خصوص ماله مقتضى البقاء، كك
ص: 243
يمكن ان يكون عموم المتيقن لما لا يكون له مقتضى البقاء، قرينة على كون المراد من النقض هو مطلق رفع اليد عن الشئى و لو لعدم المقتضى له بعد ان كان اخذا به، فتعيين احدهما ترجيح بلا مرجح مدفوع بان الحق و ان كان عدم كلية كون الفعل الخاص قرنية على تخصيص متعلقه العام اذ قد يعكس الامر و يصير عموم المتعلق قرنية على تعميم الفعل الخاص، فيدور الامر مدار اظهرية الفعل فى الخصوص او اظهرية المتعلق فى العموم، فيختلف بحسب اختلاف الموارد، لكن فى المقام حيث يكون ظهورا المتعلق فى العموم مستندا الى الاطلاق و مقدمات الحكمة و هذا بخلاف ظهور الفعل اعنى لا تنقض فى الخصوص فانه مستند الى القرنية، فيكون ظهور الفعل حاكما بل واردا على ظهور المتعلق و مانعا عن تمامية مقدمات الحكمة، التى منها عدم القرنية على التقييد، هذه خلاصة ما افاده قده فى الاستدلال على ما اختاره من الوجوه الثلثة، و اورد عليه الاستاد دام ظله، بعدم تمامية شئى من الوجوه المذكورة، اما الاجماع فلان المحصل منه الكاشف عن راى الامام عليه السلام غير حاصل قطعا، و المنقول منه و ان كان حاصلا الا انه ليس بحجة، سيما مع ما يرى من الاختلاف و ذهاب جمع الى عدم حجية الاستصحاب راسا، و اما التتبع و الاستقراء الذى ذكر و قدم، فلان مستند الحكم فى موارد الشك فى بقاء الحكم السابق المشكوك من جهة الرافع، ان كان فى كل مورد غير ادلة الاستصحاب، فالانصاف انه و ان كان مفيد اللاطمينان التام بوجوب الجرى على طبق المقتضى للبقاء، لكن هل هذا الحكم، من جهة ملاحظة الحالة السابقة مع وجود المقتضى للبقاء كى ينطبق على حجية الاستصحاب فى الشك فى الرافع، او من جهة ملاحظتها مع عدم اعتبار المقتضى للبقاء كى يدل على حجية الاستصحاب مطلقا، او من جهة اعتباره من دون ملاحظة الحالة السابقة كيلا يكون دليلا على حجية الاستصحاب اصلا، فغير معلوم، و ان كان المستند فى الحكم ببقاء الحكم السابق فى تلك الموارد، هو ادلة الاستصحاب، فلا وجه لعده دليلا مستقلا فى قبال الاخبار، بل لا بد من التكلم فيها، و اما الاخبار فلان الانصاف ان ظهورها فى حجية الاستصحاب، و ان كان غير قابل للانكار، لكن اختصاص مواردها بما اختاره قده
ص: 244
ممنوع جدا، لشمولها للشك فى المقضى ايضا، و تحقيق ذلك يتوقف على ذكر كل واحد منها، فنقول ان الاخبار الواردة فى المقام بين عامة لكل باب و خاصة واردة فى الموارد المخصوصة، فمن الاولى صجحة زرارة قال قلت له الرجل ينام و هو على وضوء ايوجب الخفقة و الخفقتان عليه الوضوء، قال عليه السلام پازرارة قد تنام العين و لا ينام القلب و الاذن فاذا نامت العين و الاذن فقد وجب الوضوء، قلت فان حرك فى جنبه شئى و هو لا يعلم، قال عليه السلام لا حتى يستيقن انه قد نام حتى يحبئى من ذلك امر بيّن، و الا فانه على يقين من وضوئه، و لا ينقض اليقين ابدا بالشك و لكن ينقضه بيقين اخر و الخدشة فى صحتها بالاضمار، لا وقع لها بعد استفاضة الاخبار، و كون المضمر مثل زرارة الذى هو اجل شانا من ان يسئال غير الامام عليه السّلام، هذا مع احتمال عدم كونها مضمرة فى الاصل، و انما صارت مضمرة لاشتمالها على احكام كان هذا المذكور فى ذيلها فقطع منها، فالعمدة بيان فقه الحديث، فنقول ان الظاهر من الفقرة الاولى، ان شبهة السائل كانت مفهومية و ان المفهوم من النوم الذى جعل ناقضا اللوضوء، هل يشمل النعاس ام لا، فاجاب الامام عليهم السّلام بان النوم الذى يكون موجبا لنقض الوضوء، عبارة عن نوم القلب الذى يكون نوم العين و الاذن كليهما كاشفا عنه، و الظاهر من الفقرة الثانة انها سؤال عن حكم الشبهة المصداقية، و انه اذا حرّك فى جنبه شئى و هو لا يعلم، و صار عدم علمه و التفاته بذلك سببا للشك فى تحقق النوم، من جهة احتمال كونه نائما فلم يسمع اذنه صوت ما حرك فى جنبه، او كونه غير نائم و انما لم يسمع صوت ما حرك لعدم صوت له، هل يوجب ذلك عليه الوضوءام لا، و لذا اجابه عليه السلام بقوله لا حتى يستيقن انه قد نام، اى لا يجب الوضوء بمجرد الشك فى تحقق النوم، بل لا بد فى وجوبه من حصول اليقين بتحققه و تقريب الاستدلال بها على حجية الاستصحاب فى جميع الابواب، هو ان الظاهر ان جواب الشرط فى قوله عليه السلام و الا فانه على يقين الخ، محذوف قامت العلة مقامه لدلالتها عليه، كما فى قوله تعالى فان تكفروا فان اللّه غنى عنكم و من كفر فان اللّه غنى عن العالمين، اذ جعل قوله عليهم السّلام فانه على يقين
ص: 245
نفس الجزاء لا علة قامت مقامه، يحتاج الى تكلف بجعله مع كونه جملة خبرية بمعنى الامر بالبناء على اليقين فى مقام العمل و هو بعيد، فمعنى قوله عليه السلام و الافانه على يقين الخ، هو انه و ان لم يستيقن انه قد نام فلا يجب عليه الوضوء لانه على يقين من وضوئه، و بعد الغاء تقييد اليقين بالوضوء و جعل العلة نفس اليقين، بقرينة ان المناسب لعدم النقض هو جنس اليقين فى قبال الشك، و انه لو كان مراده عليه السلام من هذه العلة بيان مجرد حكم الوضوء، لكان قوله عليه السلام لا حتى يستيقن كافيا فى بيانه، و لم يحتج الى ضم هذا التعليل كما هو واضح، يكون قوله عليه السلام و لا ينقض اليقين بالشك بمنزلة كبرى كلية للصغرى المزبورة و هو كونه على يقين، فينتج ان كل من كان على يقين من شئى يجب عليه البناء على يقينه، فيفيد قاعدة كلية فى جميع الابواب، و مما ذكرنا ظهر اندفاع ما قيل فى المقام، من ان استظهار العموم من الرواية مبنى على كون اللام فى اليقين للجنس، و ظهوره فيه ممنوع بعد سبق تقييده بالوضوء، و ذلك لما عرفت من ان كون الكلام عن اللغوية و مناسبة الحكم و الموضوع فى المقام، يقتضيان الغاء قيدية الوضوء و مدخليته فى الحكم، و حمله على انه لمجرد كونه متعلقا لليقين فى المورد فتبين مما ذكرنا كله ان ظهور قوله عليه السلام من وضوئه فى كونه لمجرد ان المورد كان متعلق اليقين فيه الوضوء من دون مدخلية له فى الحكم، و كذا ظهور اللام فى الجنس مما لا خفاء فيه، و عليه فلا نحتاج فى الاستدلال بهذه الصحيحة على حجية الاستصحاب مطلقا، الى دعوى القطع بالمناط فى جميع الابواب، و لا الى ضميمة الاخبار العامة اليها، بان يقال ان الصحيحة و ان لم تكن ظاهرة فى العموم، لكنها نص فى الاستصحاب، فناخذ بنصوصيتها فى ذلك، و نجعلها بملاحظة وحدة سياقها مع الاخبار العامة المحتملة كونها لافادة قاعدة الشك السارى، قرنية على ان المراد منها ايضا هو الاستصحاب، فانه لو تكرر عنوان فى لسان متكلم، ثم طبّق ذلك العنوان على مورد، فيصير ذلك قرنية على ان المراد من ذلك العنوان مطلقا، هو خصوص ما ينطبق على هذا المورد، قتصير هذه الصحيحة بضميمة الاخبار العامة، دليلا على حجية الاستصحاب مطلقا بقى الكلام فى انها
ص: 246
و امثالها مما يدل على عدم جواز نقض اليقين بالشك، هل تعم الشك فى المقتضى ايضا، او تختص بالشك فى الرافع، بعد احراز المقتضى فنقول الاقوى هو الاول، توضيح ذلك هو انه لا شبهة كما مر فى انه يحسن اسناد النقض الذى هو لغة فك التأليف و التركيب، استعارة الى اليقين و نحوه مما كان فيه الاتقان و الاستحكام كالعهد و اليمين و البيعة، و لو كان متعلقا بما ليس فيه اقتضاء للبقاء، لكمال شباهته بسبب ما فيه من الاتقان و الاستحكام، بالشئى الذى يكون اذا اجزاء مبرمة، فيقال نقضت العهد و اليمين و البيعة و اليقين، كما لا شبهة فى انه لا يحسن اسناده الى مطلق الامر الثابت المقتضى اللبقاء و لو لم يكن فيه اتقان و استحكام، فلا يحسن ان يقال نقضت الحجر من مكانه، مع كونه لثقله مقتضيا للبقاء فى مكانه و الثبات فيه، لعدم تاليف و استحكام بين الحجر و مكانه يوجب صحة اسناد النقض اليه، و عليهذا فلا داعى الى صرف ما هو ظاهر الاخبار من اسناد النقض الى نفس اليقين، الى اسناده الى المتيقن، ثم تخصيصه بما اذا كان مما له مقتضى للبقاء و الاستمرار، لكونه اقرب الى الامر المبرم، الامامر من عدم صحة تعلق النهى بنقض اليقين لانتقاضه قهرا بالشك، و فيه ان هذا الايراد مشترك الورود، بداهة انه كما لا يصح تعلق النهى بنقض اليقين، كك لا يحح تعلقه بنقض المتيقن، لانه دائر بقاء و ارتفاعا مدار علته الخارجة عن تحت اختيار المكلف، فلا بد ان يكون المراد من النقض المنهى عنه هو النقض من حيث العمل لا الحقيقى، و عليه فكما يصح ان يقال لا تنقض المتيقن، عملا كك يصح ان يقال لا تنقض اليقين عملا و توهم ان تعلق النهى بنقض اليقين عملا و ان كان صحيحا ايضا، لكن لا تفيد القضية حينئذ الا وجوب ترتيب اثر نفس اليقين و هو غير مقصود قطعا مدفوع بان النقض و ان تعلق فى الروايات بنفس اليقين، فهو ماخوذ على وجه الموضوعية للحكم الثابت فيهذه القضية، لكنه اخذ فيها موضوعا بلحاظ كونه طريقا الى متعلقه، فمعنى عدم نقض اثار اليقين، هو عدم ننض الاثار المترتبة عليه من حيث كونه طريقا الى متعلقه، فالمنظور اليه فى قوله عليه السلام لا تنقض اليقين، هو اليقين الطريقى الذى هو فان فى المتيقن، و لا اثر له الا ترتيب اثار المتيقن الذى هو من لوازم انكشافه
ص: 247
لدى الموقن، فان الواقع بوجوده الواقعى لا يقتضى ترتيب الاثر عليه، بل ترتيبه عليه من لوازم وجوده العلمى و انكشافه لدى العالم به، بداهة ان وجود الاسد فى مكان لا يؤثر بمجرده فى فرار الخائف منه عن ذاك المكان، بل لا بد فى تاثيره فى ذلك من علمه بوجوده فيه، فيرجع مفاد قضية لا تنقض اليقين بالشك، الى وجوب معاملة بقاء اليقين من حيث ماله من التاثير فى ترتيب اثار متعلقه، و هذا المفاد الوحدانى يختلف اثره باختلاف الموارد، فان كان متعلق اليقين فى السابق هو الحكم، فمعنى عدم نقضه لا حقا هو معاملة بقاء اليقين بالحكم باتيان ما كان موضوعا له فى السابق، و ان كان متعلقه هو الموضوع، فمعنى عدم نقضه لا حقا هو معاملة اليقين بالموضوع بترتيب ما كان للموضوع المتيقن من الاثر على المشكوك، و من هنا قلنا فى محله ان معنى حجية الاستصحاب فى الاحكام، هو جعل الحكم المماثل للمتيقن، و فى الموضوعات هو جعل اثارها، و الا فقد عرفت ان المستفاد من قضية لا تنقض اليقين ليس الا مفهوما واحدا لا اختلاف فيه، و انما ينشاه الاختلاف باختلاف المتيقن موضوعا و حكما، و هذا الاختلاف لا يوجب الاختلاف فى ذلك المفهوم البسيط الوحدانى، كى يوجب استعمال اللفظ فى الاكثر من معنى واحد، حتى نحتاج فى شموله للشبهات الحكمية و الموضوعية معا الى التصرف و التاويل ان قلت ما استفدته من قضية لا تنقض هنا، مناف لما ذكرته فى الامر الثالث، من ان مرجع الاستصحاب الجارى فى الجزء و الشرط بعد العمل، الى اجتزاء الشارع بالماتى به عن المامور به، بداهة ان اجتزاء الشارع بالماتى به فى حال اليقين باتيان الجزء و الشرط لم يكن الاعقليا محضا، فلا يصح الحكم بوجوب معاملة بقاء اليقين من حيث ماله من التاثير فى ترتيب هذا الاثر على متعلقه، الاعلى القول بحجية الاصل المثبت قلت سيجئى انشاء اللّه تعالى فى التنبيهات، ان الاستصحاب حيث كون من الاصول العملية، فيختص مورده بما اذا كان للمتيقن السابق على فرض بقائه اثر يصح للشارع ان يجعله موردا للتكليف، و ان لم يكن فى السابق كك، و من المعلوم ان اجتزاء الشارع بالماتى به فى حال اليقين باتيان الجزء و الشرط، و ان لم يكن الاعقليا محضا غير قابل للجعل الشرعى، الا انه فى
ص: 248
حال الشك يكون قابلا للجعل الشرعى، فيصح للشارع جعله فى هذا الحال، هذه خلاصة ما افاده الاسناد دام ظله فى الرد على الشيخ قده، نقلا عن سيد الاساتيد الميرزا الشيرازى قده، و هو و ان كان وارد اعلى ما هو ظاهر كلامه قده، مضافا الى ان ظاهره لا يناسب الاستصحاب، فان الاستصحاب ليس هو ابقاء ذات المتيقن بما هو هو، كى يصح اسناد النقض اليه، بداهة ان معنى لا تنقض كما سنحققه، هو عدم رفع اليد عن الجرى العملى الذى كان يقتضيه اليقين السابق، و من المعلوم ان ذات المتيقن من حيث هو لا يقتضى الجرى على طبق مقتضاه، كى يكون رفع اليد عن اثاره فى زمان الشك نقضا للجرى على طبق مقتضاه، و انما الباعث اليه هو احرازه و اليقين به، فالاستصحاب هو ابقاء المتيقن بما هو محرز و متيقن و لذا قلنا فى محله بقيام الاستصحاب و غيره من الاصول المحرزة، مقام القطع الموضوعى فيما اذا اخذ على وجه المحرزية و الطريقية، الا انه لا يجدى فى اثبات ما هو المدعى من حجية الاستصحاب مطلقا و لو مع الشك فى المقتضى و توضيحه يحتاج الى ذكر مقدمة، و هى ان للمقتضى فى مقابل الرافع و الغاية معنيين، فانه قد يطلق و يراد به ما هو الركن الركين من اجزاء العلة، كالنار مثلا فانها مقتضية لاحراق الاجسام القابلة للاحتراق كالخشب و نحوه، فانها احد اجزاء العلة للاحتراق، لانه يتوقف عليها و على شرط تأثيرها و هو مجاورتها و قربها من الخشب، و على عدم المانع عن تأثيرها و هو البلل فى الخشب فانه مانع عن تأثير النار فيه، فاذا تمت العلة بحصول هذه الاجزاء الثلثة يترتب عليها وجود المعلول، فالمعلول متأخر عن العلة بمرتبة واحدة، لكن بين نفس اجزاء العلة ترتب و طولية، فان المقتضى مقدم رتبة على الشرط، و الشرط مقدم رتبة على عدم المانع، فانه لو كان المقتضى معدوما، يكون عدم المعلول مستندا الى عدمه، لا الى عدم الشرط او وجود المانع، و لو كان المقتضى موجودا و كان الشرط معدوما، يكون عدم المعلول مستندا الى عدمه لا الى وجود المانع، و لذا لو لم يكن هناك نار لا يتصف البلل الموجود فى الخشب بالمانعية، و كذا لو كان هناك نار و لم تكن مجاورة للخشب لا يتصف البلل الموجود فيه بالمانعية فعلا، و لذا قالوا المعلول يستند وجودا الى
ص: 249
وجود العلة التامة، و عدما الى عدم اسبق اجزائها، و الرافع فى مقابل المقتضى بهذا المعنى، قد يزاحم اصل وجودا المقتضى و يعدمه، كالماء المطفئى للنار، و قد يجتمع معه و لكن يزاحمه فى تأثيره و يمنع عنه، كاليلل الموجود فى الخشب فانه يمنع عن تأثير النار فيه بالاحراق، ثم ان المقتضى بهذا المعنى، تارة يكون محرزا و انما يشك فى وجود ما يمنع عن تأثيره كالبلل فى الخشب، فهذا شك فى المانع، و اخرى يكون مشكوكا لاجل احتمال وجود ما يزاحم اصل وجوده و يعدمه، كالماء المطفئى للنار، و يعبر عن الاول بالشك فى المانع، و عن الثانى بالشك فى المقتضى و قد يطلق المقتضى و يراد به مقدار استعداد الشئى و قابليته للبقاء فى عمود الزمان، و يطلق الرافع على عارض زمانى يعدم ذلك الشئى و يفنيه فى اثناء استعداده للبقاء كالمرض و القتل و الغرض و نحوها مما يهلك الانسان مع استعداده للبقاء الى سنين متمادية و يطلق الغاية على نهاية عمره فانا نشاهد بالوجدان اختلاف ذوات النفوس كالاناسى، فى الاستعداد للبقاء فى الزمان، فان منهم يعيش ماة سنة، و منهم يعيش ازيد من ذلك، و منهم من يعيش انقص من ذلك، و كذا فى غيرهم من الحيوانات، فان البق يبقى اياما قليلة، و الفيل يبقى سنين كثيرة، و كذا فى النباتات و الابنية، فانها ايضا مختلفة بحسب الاستعداد للبقاء فى الزمان، فالضابط فى الشك فى المقتضى بهذا المعنى، هو ان يكون الشك فى بقاء الشئى، لاجل الشك فى مقدار استعداده و قابليته للبقاء فى عمود الزمان، و فى الشك فى الرافع و المانع ان يكون الشك فى بقائه لاجل احتمال حدوث عارض زمانى اوجب اعدامه فى اثناء استعداده للبقاء، كالشك فى عروض المرض الرافع لوجوب الصوم، و فى الشك فى الغاية ان يكون الشك فى بقائه من جهة احتمال حصول نهاية زمان عمره، كالشك فى دخول الليل الذى هو غاية وجوب الصوم و الظاهر ان مراد الشيخ قدس سره من الشك فى المقتضى الذى منع عن حجية الاستصحاب فيه، هو الشك فى المقتضى بهذا المعنى، اى الشك فى مقدار استعداد الشئى للبقاء، بقرينة جعله الشك فى بقاء البناء المبنى على ساحل البحر، من الشك فى الرافع، حيث ان البناء فى حد نفسه قابل للبقاء فى الزمان مدة طويلة، و الشك
ص: 250
فى بقائه انما هو من جهة احتمال كونه قربه من البحر موجبا لانهدامه بطغيانه، و ليس مراده قدس سره منه الشك فى المقتضى بالمعنى الاول اذ احراز مقتضيات الاحكام الشرعية من المصالح و المفاسد و شرائط تأثيرها فى جعل الاحكام و موانع تأثيرها فيه، مما يستحيل عادة لغير المعصومين سلام اللّه عليهم اجمعين الا بطريق الادلة الشرعية ثم ان الحكم الشرعى، اما ان يكون قد جعل له فى الدليل غابة كقوله تعالى و اتموا الصيام الى الليل، و اما لا يكون كك، و على الثانى، فاما ان يستفاد من الدليل و لو بمعونة مقدمات الحكمة ارسال الحكم و اطلاقه بحيث يعم جميع الازمنة، و اما لا يستفاد منه ذلك، و يحتمل ان يكون امتداد الحكم الى زمان خاص، فعلى الاولى الذى جعل للحكم فى الدليل غاية، فقد يشك فى بقاء الحكم المغيى، من جهة الشبهة الحكمية فى الغاية، كما اذا شك فى ان غاية وجوب صلوة المغرب هل هى ذهاب الحمرة المغربية او ان غايته انتصاب الليل، و الشك فى بقاء الحكم فيما بعد القدر المتيقن من الغاية، يكون من الشك فى المقتضى للشك فى مقدار استعداده للبقاء فى الزمان، و كذا الامر فيما اذا كان الشك فى بقاء الحكم المغيى، من جهة الشبهة المفهومية فى الغاية، كما اذا شك فى ان المراد من الغروب الذى اخذ غاية لوجوب الظهرين، هل هو استتار القرص او ذهاب الحمرة المشرقية، فان الشك فى بقاء الحكم الى ما بعد استتار القرص، يكون من الشك فى المقتضى للشك فى امد الحكم و مقدار استعداده للبقاء فى الزمان كما لا يخفى، و اما اذا كان الشك فى بقاء الحكم المغيى من جهة الشبهة الموضوعية فى الغاية، كما اذا شك فى طلوع الشمس الذى جعل غاية لوجوب صلوة الصبح، فالشك فيه ليس راجعا الى الشك فى مقدار استعداد الحكم للبقاء فى الزمان، للعلم بانه يبقى الى طلوع الشمس، و انما الشك فى تحقق الغاية فيكون كالشك فى حدوث ما يرفع الحكم، فى انتفاء الحكم بحدوثه، و لا راجعا الى الشك فى الرافع، حقيقة، لما عرفت من ان المراد من الشك فى الرافع، هو احتمال حدوث عارض زمانى اوجب اعدام المستصحب فى اثناء استعداده للبقاء، نعم هو ملحق بالشك فى الرافع حكما لان العلم ببقاء الوجوب الى طلوع الشمس،
ص: 251
يقتضى الجرى العملى عليه الى تحقق طلوعها، فلو لم يجرى عملا على علمه بذلك، يصدق انه نقض علمه بالشك و كذا الامر فيما لو علم بارسال الحكم و اطلاقه و شك فى ان له رافعا ام لا، او علم بان له رافعا و شك فى تحققه، فان الشك فيهما ملحق بالشك فى الرافع، و اما لو علم بارسل الحكم و ان عمره دائمى، و شك فى انه هل اخذ فى موضوعه قيد ام لا، او علم بانه مقيد بقيد كذائى، و لكن شك فى حصول قيده لشبهة حكمية او موضوعية، فهذان الشكان و ان لم يكونا من الشك فى المقتضى كما هو واضح، لكن لا يجرى فيهما الاستصحاب لاجل عدم احراز الموضوع اذا تمهدت هذه المقدمة فنقول لا شبهة فى ان الشك فى الرافع باقسامه فى مقابل الشك فى المقتضى بالمعنى الثانى، و كذا الشك فى تحقق الغاية للشبهة الخارجية كالشك فى طلوع الشمس الذى هو غاية لوجوب صلوة الصبح، داخلان فى مدلول الاخبار العامة الواردة فى الباب، و الخاصة الواردة فيه الدالة على حجية الاستصحاب فى الشك فى انتقاض الطهارة الخبثية و الحدثية و انما الاشكال و الخلاف فى شمول مدلولها للشك فى المقتضى بهذا المعنى فذهب الاكثر منهم الاستاد دام ظله الى شموله له كما مر بيانه، خلافا للشيخ الانصارى و المحقق الخونسارى قدس سرهما، فذهبا الى عدم شمول الاخبار للشك فى المقتضى، و الحق ما ذهبا اليه من عدم الشمول، بيان ذلك هو ان العمدة من ادلة حجية الاستصحاب، هى ما اشتمل من الاخبار على النهى عن نقض اليقين بالشك، و من المعلوم ان النقض انما يصدق فيما اذا كان للشئى استعداد للبقاء، لانه ضد الابرام، فلا بد من ان يتعلق بماله ابرام و استحكام و له صورة اتصالية كالغزل و الحبل، فالشئى اذا احرز استعداده للبقاء و تعلق اليقين به، يصح ان يقال لا تنقض اليقين به، و اما اذا لم يكن استعداده للبقاء معلوما و شك فى اقتضائه له، فلا يصح ان يقال لا تنقض اليقين به، لان النقض لا يصدق الا على رفع اليد من آثار الشئى الذى يكون من لوازم اليقين به الجرى العملى عليه، و هذا ينحصر بما اذا احرز استعداد المستصحب للبقاء بحسب الزمان، اذ ما لم يحرز مقدار استعداده للبقاء، و احتمل كونه انى الوجود لا يكون من لوازم تعلق اليقين به الجرى العملى عليه و
ص: 252
المضى على لوازمه، كى يصدق النقض على رفع اليد من آثاره، لان وجوده بقاء فى الزمان الثانى مشكوك من اول الامر، فلا يكون رفع اليد من آثاره فى هذا الزمان نقضا لليقين كما هو واضح و توهم ان صحة النقض انما هى بلحاظ تعلقه باليقين كما هو ظاهر الاخبار، فان اليقين بلحاظ ماله من الرسوخ و الثبات و الاتقان و الاستحكام، يحسن اسناد النقض الذى هو لغة فك التأليف و التركيب، استعارة الى اليقين و نحوه مما له الثبات و الاتقان و الاستحكام كالعهد و اليمين و البيعة، و معه لا وجه لرفع اليد عما هو ظاهر الاخبار بل صريحها من اسناد النقض الى اليقين فاذا كان تعلق النقض باليقين بلحاظ نفسه لا بلحاظ متعلقه، فلا وجه لاختصاص الاخبار بما اذا كان متعلقه مما احرز استعداده للبقاء، و المنع عن شمولها لما اذا كان متعلقه مما لم يحرز استعداده له مدفوع بان النقض و ان كان متعلقا بنفس اليقين فى الاخبار، لكن لا شبهة فى ان المراد من نقضه، لا بد ان يكون نقض اثاره لا نقض نفسه، لان نفسه قدا نتقض و ارتفع بمجرد الشك فى بقاء متعلقه، و من المعلوم ان اليقين انما يكون له اثار شرعية، فيما اخذ فى الدليل على نحو الموضوعية و بما هو صفة نفسانيه، و لا شبهة فى ان ما يكون ماخوذا و معتبرا فى الاستصحاب، هو اليقين الطريقى الذى هو فان فى المتيقن، فالمراد منه حقيقة هو المتيقن، و انما اخذ اليقين قنطرة اليه فتحصل مما ذكرنا انه يعتبر فى صدق النقض امر ان احدهما تعلقه بما هو مبرم و متيقن كاليقين و نحوه كالبيعة و العهد، و ثانيهما تعلق اليقين بما يقتضى اليقين به الجرى العملى عليه بترتيب آثاره عليه، اذ لو لم يقتض تعلق اليقين به الجرى العملى عليه، لعدم احراز استعداده للبقاء فى الزمان، لا يصدق على رفع اليد عنه فى الزمان الثانى النقض كى ينهى عنه، لما اشرنا اليه من ان مع عدم احراز استعداد المستصحب للبقاء فى عمود الزمان، يكون بقائه بعد حدوثه مشكوكا من اول الامر، فلا يكون رفع اليد عن اثاره فى هذا الزمان الثانى نقضا لليقين كما هو واضح، و عليه فلا بد ان يكون المتيقن مما احرز استعداده للبقاء فى عمود الزمان، كى يقتضى تعلق اليقين به الجرى العملى عليه، كى يكون عدم الجرى عليه عملا نقضاله، فلو احرز بقاء المستصحب بحسب استعداده الذاتى الى شهر، و شك
ص: 253
فى حدوث عارض رافع له، فاذا لم يترتب عليه اثاره يصدق عليه انه نقضه، لان اليقين ببقائه الى شهر اقتضى الجرى العملى عليه بترتيب اثاره عليه الى هذا الحد، فان لم يرتب عليه اثاره باحتمال عروض ما رفعه قبل الوصول الى هذا الحد، فهذا يكون نقضا لليقين ببقائه الى هذا انحد، و هذا بخلاف ما اذا لم يحرز بقاء المستصحب الى هذا الحد، بل كان بقائه من اول الامر مرددا بين كونه الى اسبوع او الى شهر، فانه لو لم يرتب عليه اثاره بعد الاسبوع، لا يكون هذا نقضا لليقين به اذا ليقين به كان من اول الامر مقارنا مع الشك فى بقائه الى الشهر، لانه لم يكن متيقنا ببقائه زائد اعلى اسبوع، كى يكون رفع اليد عنه بعد الاسبوع نقضا لليقين به و منهيا عنه فتحصل مما ذكرنا ان اليقين بحكم او موضوع ذى حكم، ان كان مرسلا بحسب زمان و شك فى ارتفاع المتقين باحتمال حدوث عارض زمانى رافع له، فيكون رفع اليد عنه بعدم ترتيب اثاره عليه مصداقا للنقض المنهى عنه، و ان لم يكن اليقين به من اول الامر مرسلا بان كان بقائه من اول الامر مشكوكا، فلا يكون رفع اليد عنه مصداقا للنقض المنهى عنه كما هو واضح فتبين مما ذكرنا ان رفع اليد عن ظهور اليقين فى قوله عليه السلام لا تنقض اليقين بالشك، فى مطلق اليقين و لو كان متعلقا بما لم يحرز بقائه، انما هو من جهة اسناد النقض اليه، الذى عرفت انه لا يصدق الا فيما كان متعلق اليقين مماله اقتضاء البقاء فى عمود الزمان مالم يرفعه حادث زمانى، فلا يكون رفع اليد عن ظهور اليقين فى الاطلاق، و اختصاصه بما اذا كان متعلقا بما يكون له اقتضاء للبقاء، بلا وجه كما زعمه بعض الافاضل من المعاصرين قده و من الاخبار العامة التى استدل بها على حجية الاستصحاب مطلقا، صحيحة اخرى لرزارة مضمرة ايضا، قال قلت له اصاب ثوبى دم رعاف او غيره او شئى من المنى فعلّمت اثره الى ان اصيب له الماء، فحضرت الصلوة و نسيت ان بثوبى شيئا وصليت ثمانى ذكرت بعد ذلك، قال عليه السلام تعيد الصلوة و تغسله، قال قلت فان لم اكن رايت موضعه و علمت انه اصابه فطلبته و لم اقدر عليه فلما صليت وجدته، قال عليه السلام تغسله و تعيد، قلت فان ظننت انه اصابه و لم اتيقن ذلك فنظرت و لم ارشيئا فصليت فيه فرايت فيه، قال عليه
ص: 254
السلام تغسله و لا نعيد الصلوة، قلت لم ذلك، قال عليه السلام لانك كنت على يقين من طهارتك و شككت و ليس ينبغى لك ان تنقض اليقين بالشك ابدا، قلت فانى قد علمت انه قد اصابه و لم ادر اين هو فاغسله قال عليه السلام تغسل من ثوبك الناحية التى ترى انه قد اصابه حتى تكون على يقين من طهارتك، قلت فهل على ان شككت انه اصابه شئى ان انظر فيه، قال عليه السلام لا و لكنك انما تريد ان نذهب بالشك الذى وقع من نفسك قلت ان رأيته فى ثوبى و انا فى الصلوة قال عليه السلام تنقض الصلوة و تعيد اذا شككت فى موضع منه ثم رأيته، و ان لم تشك ثم رأيته رطبا قطعت الصلوة و غسلته ثم بنيت على الصلوة، لانك لا تدرى لعله شئى اوقع عليك، فليس ينبغى لك ان تنقض اليقين بالشك الحديث تقريب الاستدلال بالصحيحة لحجية الاستصحاب مطلقا و فى جميع الابواب، على فقرتين منها الاولى قوله عليه السلام فى جواب قول السائل لم ذلك لانك كنت على يقين من طهارتك فشككت و ليس ينبغى لك ان تنقض اليقين بالشك ابدا الثانية قوله عليه السلام لانك لا تدرى لعله شئى اوقع عليك فليس ينبغى لك ان تنقض اليقين بالشك و تقريب الاستدلال بالفقرة الاولى، هو ان الامام عليه السلام لما اجاب عما اذا علم تفصيلا باصابة النجاسة بموضع من ثوبه ثم نسيها حين الدخول فى الصلوة و ذكرها بعدها، بوجوب الاعادة و اجاب عليه السلام عما اذا علم اجمالا باصابتها بموضع منه و لم يجدها بالفحص و صلى فيه ثم وجدها بعد الصلوة، بوجوب الاعادة ايضا، و اجاب عليه السلام عما اذا ظن باصابتها بموضع منه و لم يردها بالفحص و صلى فيه ثم راها فيه بعد الصلوة، بعدم وجوب الاعادة، و كان عدم وجوبها فى هذا الفرض مع وجوبها فى الفرضين السابقين، مع اشتراك الكل فى وقوع الصلوة مع النجاسة، امرا غريبا بنظر السائل، فسئل الامام عليهم السّلام عن وجه ذلك التفصيل بقوله لم ذلك، و اجاب عليه السلام بالفرق و ان فى الفرض الاخير لم يحصل لك اليقين بالنجاسة قبل الصلوة و انما حصل الظن الذى هو خلاف اليقين سواء اريد منه معناه الخاص او الشك و حيث انك كنت على يقين من طهارتك قبل هذا الظن، فلا ينبغى لك ان تنقض اليقين
ص: 255
السابق بهذا الظن، فعلل الامام عليهم السّلام عدم وجوب الاعادة فى الفرض الاخير، بانها نقض لليقين بالطهارة سابقا بالظن باصابة النجاسة لاحقا، و لا يخفى صراحة هذا التعليل سواء فهمنا كيفية تطبيقه على المورد او لم نفهم، فى حجية الاستصحاب، لانه على ان حال يدل على ان اليقين لا ينقض بالشك نعم لو كان المراد من اليقين هو اليقين بعدم اصابة النجاسة الحاصل بالفحص بعد الظن الاصابة و كان المراد من الشك هو الشك الحاصل من تردد النجاسة المرئية بعد الصلوة بين كونها هى التى ظن بها قبل الصلوة او كونها واقعة عليه بعدها، لم يكن لهذا التعليل دخل بمسئلة الاستصحاب، بل كان صريحا فى حجية قاعدة اليقين لكنه خلاف الظاهر من قول السائل فنظرت و لم ارشيئا، هو عدم وجدانه للنجاسة مع بقاء ظنه بالاصابة، لا انقلابه الى العلم بعدمها كما ان الظاهر من قوله فرايت فيه هو رؤيته بعد الصلوة النجاسة التى ظن بها قبلها، لا رؤيته نجاسة مرددة بين كونها هى التى ظن بها قبل الصلوة او كونها واقعة عليه بعدها، و بالجملة لا ينبغى الاشكال فى ظهور التعليل فى حجية الاستصحاب و انما الاشكال فى كيفية التعليل و تطبيق الكبرى المستفادة منه على المورد، و ذلك لان تعليل عدم اعادة الصلوة بقاعدة الاستصحاب، مع كف وقوعها فى النجاسة غير مستقيم، ضرورة ان الاعادة مع كشف الخلاف تكون نقضا لليقين باليقين لا بالشك نعم يصح التعليل بها لمشروعية الدخول فى الصلوة، حيث ان عدم الدخول فيها بمجرد الشك فى اصابة النجاسة نقض لليقين بالطهارة بمجرد الشك فى رافعها، لكن المسئول عنه بقول السائل لم ذلك لم يكن هو جواز الدخول فى الظن بالاصابة، كى يصح الجواب بانك كنت على يقين من طهارتك فشككت و ليس ينبغى لك ان تنقض اليقين بالشك، بل المسئول عنه كما عرفت هو الوجه فى حكم الامام عليهم السّلام بعدم الاعادة مع كشف وقوع الصلوة فى النجاسة، و معه لا يحسن الجواب بذلك كما واضح و اما احتمال كون المراد فى قول السائل فرايت فيه، هو رؤيته النجاسة بعد الصلوة مع احتمال كونها واقعة عليه بعدها، كى يحسن التعليل لانطباق الكبرى المستفادة منه حينئذ على المورد، حيث ان اعادة الصلوة حينئذ تكون لاحتمال
ص: 256
كون النجاسة المرئية بعدها هى التى ظن باصابتها قبلها، فتكون نقضا لليقين بالطهارة المتحقق قبل الصلوة، بالشك الحاصل بعد الصلوة فى اصابة النجاسة قبلها فقد عرفت انه خلاف ظهور قوله فرأيت فيه فى روية النجاسة التى ظن بها قبل الصلوة و توهم ان النجاسة المرئية لو كانت هى التى ظن بها قبل الصلوة، كان اللازم عليه اتيان ضمير متصل بقوله فرأيت بان يقول فرايته مدفوع بانه لو كان المراد من قوله فرايت فيه، هو انه راى نجاسة بعد الصلوة مع احتمال كونها غير المظنونة قبلها، لكان المتعين عليه الاتيان باسم ظاهر بان يقول فرأيت دما او منيا، ضرورة ان حذف المفعول غير جائز الا مع قيام قرنية عليه و هى مفقودة فى المقام، و هذا بخلاف ما لو كان المراد منه هوانه راى النجاسة التى ظن بها قبل الصلوة، فان حذف المفعول حينئذ لمكان سبق ذكره لا محذور فيه و قد تفضى عن هذا الاشكال بعض كصاحب الفصول، بان اجزاء الامر الظاهرى لما كان مفروغا عنه عند السائل، اشار الامام عليه السلام بقوله و ليس ينبغى لك الخ، الى تحقق الصغرى لتلك الكبرى المسلة، فعلل الاجزاء المقتضى لعدم الاعادة بوجود موضوعه و تفصى عنه صاحب الكفاية قده، بان الشرط فى انصلوة لما كان هو احراز الطهارة لا الطهارة الواقعية، علل الامام عليه السلام عدم الاعادة بان الطهارة لما كانت محرزة حال الصلوة بالاستصحاب، فلا يضر بصحتها لو تبين بعدها وقوعها فى النجاسة، بعد ان كان الشرط فيها احراز الطهارة الواقعية و لا يخفى عدم ارتفاع الاشكال بشئى من الوجهين، و ذلك لما عرفت من ان ظاهر الرواية هو كون الاعادة بعد انكشاف الخلاف من مصاديق نقض اليقين بالشك، و مقتضى الوجهين، هو كونها مما يستلزمه نقض اليقين بالشك، حيث ان وجوب الاعادة مع اقتضاء الامر الظاهرى للاجزاء، او كون الشرط هو احراز الطهارة لانفسها، يكشف عن جواز نقض اليقين بالشك و عدم حجية الاستصحاب و اجدائه فى احراز الطهارة فالو جهان مشتركان فى ان عدم الاعادة انما يكون مستندا الى كبرى مسلمة، عند السائل و ان قوله عليه السلام ليس ينبغى لك الخ اشارة الى تحقق الصغرى لتلك الكبرى المسلمة غاية الامر ان تلك الكبرى على الوجه الاول هى كونه الامر الظاهرى مقتضيا
ص: 257
للاجزاء، و على الوجه الثانى هى كون الشرط احراز الطهارة لانفسها، و العجب من صاحب الكفاية قده حيث انه استضعف الوجه الاول، ثم وجه الرواية بالوجه الثانى، مع كونه مما ثلا للاول فى كونه مخالفا لظاهر الرواية، هذا مضافا الى ما يرد عليه قده من ان الشرط لو كان هو احراز الطهارة لانفسها لم يبق مجال لاستصحابها، فان المستصحب لا بد ان يكون حكما شرعيا او موضوعا لحكم كك، و ليس نفس الطهارة بناء على ما التزم به شيئا منهما كما هو واضح و لا ينافى هذا ما قرر فى محله من انه لواخذ العلم موضوعا لحكم على وجهة الطريقية يقوم الامارات و الاصول التنزيلية مقامه بنفس دليل اعتبارهما، فلو كان الموضوع لصحة الصلوة هو احراز الطهارة، فيقوم مقامه الاستصحاب بنفس دليل حجيته، حيث ان بدليل حجيته يحصل احراز الطهارة بعيدا فيقوم مقام احرازها و محداثا و مذلك لان احراز الطهارة بالاستصحاب، يتوقف على جريانه المتوقف على كون المستصحب حكما شرعيا او موضوعا لحكم كك، فما لم يكن المستصحب حكما شرعيا او ذا حكم كك، لا يجرى الاستصحاب فيه كى يحرز به و يكون احرازه تعبدا مثل احرازه وجدانا اللهم الا ان يقال انه يكفى فى جريان الاستصحاب فى المقام، هو كون الطهارة ذا حكم شرعى آخر غير اشتراط الصلوة بها، فانه حينئذ يحرز به الطهارة تعبدا، و يقوم مقام احرازها وجدانا فى ترتب صحة الصلوة عليه ايضا، او يقال ان الشرط هو الاعم من الطهارة الواقعية و احرازها هذا ثم ان شيخ مشايخنا الانصارى قدس سره، لما اورد على صاحب الفصول قدس سره، بان حسن التعليل بناء على ما ذكرت يحتاج الى ضم كبرى كلية من خارج، توجه عليه اشكال استدركه بقوله قدس سره و دعوى ان من آثار الطهارة السابقة الخ، و حاصله من آثار الطهارة السابقة المتيقنة هو اجزاء الصلوة معها و عدم وجوب الاعادة لها، فيثبت بنفس استصحابها هذا الاثر، و حينئذ يتم حسن التعليل من دون احتياج الى ضم كبرى كلية من خارج اصلا، ضرورة ان الاعادة لو كانت واجبة لكانت كاشفة انا عن عدم حجية الاستصحاب، اذ لا يمكن الالتزام بحجيته و كونه محرز المؤداه اعنى الطهارة، مع الالتزام بوجوب الاعادة، بعد كون الاجزاء من الاثار و اللوازم
ص: 258
للطهارة السابقة المستصحبة كما هو واضح، و اجاب قدس سره فى دفعه بما حاصله، ان الاجزاء و عدم وجوب الاعادة للصلوة مع الطهارة المتيقنة سابقا، ليس من اللوازم و الاثار الشرعية للطهارة المتيقنة، بل من الاثار العقلية الغير القابلة للجعل، و لا يثبت بالاستصحاب الا الاثار الشرعية للمستصحب دون غيرها من العقلية او العادية و قد يورد على ظاهر كلامه قدس سره، بانكم كيف تنكرون كون الصحة و الاجزاء قابلا للجعل، مع اقرار كم فى مواضع كثيرة بان الاصول الجارية فى مرحلة الامتثال، مثل قاعدتى الفراغ و التجاوز و اصالة الصحة و نحوها موجبة للاجزاء، لكن التأمل فى كلامه يشهد بانه لا مناقضة بين ما افاده قدس سره فى المقام و بين ما تكرر منه فى مواضع كثيرة، و ذلك لان الاجزاء على معنيين احدهما سقوط كل امر باتيان متعلقه، و لا شبهة فى ان الاجزاء بهذا المعنى عقلى غير قابل للجعل، بداهة انه لو كان الامر باقيا مع اتيان متعلقه، لزم تحصيل الحاصل و هو واضح الفساد ثانيهما اجزاء اتيان المأمور به بالامر الظاهرى عن المأمور به بالامر الواقعى، و لا شبهة فى ان الاجزاء بهذا المعنى قابل للجعل الشرعى، و الاجزاء الذى يكون من آثار الطهارة المتيقنة سابقا الذى انكره قدس سره قابليته للجعل الشرعى، هو الاجزاء بالمعنى الاول فلا تغفل، فلا يمكن اثباته بالاستصحاب الا على القول بالاصل المثبت سلمنا كون الاستصحاب وافيا باثباته بهذا المعنى، لكنه لا يفيد بعد كشف الخلاف، لان الامارات و الاصول انما تكون طريقا الى متعلقاتها بلوازمها و حجة على متعلقاتها، مادام وجودها لا مع انكشاف الخلاف و عدمها و من الروايات العامة صحيحة ثالثة لزرارة، قلت له عليه السلام فمن لم يدر فى اربع هو ام فى ثنتين و قدر احرز ثنتين، قال عليهم السّلام يركع بركعتين و اربع سحدات و هو قائم بفاتحة الكتاب و يتشهد و لا شئى عليه، و اذا لم بدر فى ثلث هو او فى اربع و قد احرز الثلث قام فاضاف اليها اخرى و لا شئى عليه، و لا ينقض اليقين بالشك و لا يدخل الشك فى اليقين و لا يخلط احدهما بالاخر، و لكنه ينقض الشك باليقين و يتم على اليقين فيبنى عليه و لا يعتد بالشك فى حال من الحالات و هذه الصحيحة قد تمسك بها فى الوافية و تبعه
ص: 259
جماعة، و لا يخفى انها مع قطع النظر عما فيها من الاجمال، اذ المراد بقوله عليه السلام قام فاضاف اليها اخرى، ان كان هو القيام للركعة الرابعة متصلة بالركعة الثالثة كى يكون حاصل الجواب هو البناء على الاقل، فهو موافق لمذهب العامة و مخالف لما هو مذهب الخاصة من البناء على الاكثر و ضم الركعة المشكوكة منفصلة تخلل التسليم، فلا بد حينئذ من حمل الرواية على التقية و توهم ان هذا الحمل موهون بظهور الفقرة الاولى منها فى الاتيان بركعتين منفصلتين، حيث قال عليهم السّلام فيها يركع بركعتين و اربع سجدات و هو قائم بفاتحة الكتاب، فانه ظاهر بقرينة تعيينه عليه السلام فاتحة الكتاب فى الركعتين، فى وجوب ركعتين منفصلتين، و هذا مخالف لما ذهب اليه العامة مدفوع او لا بالمنع عن ظهور صدر الصحيحة فى وجوب ركعتين منفصلتين، و لو بمعونة قوله عليه السلام بفاتحة الكتاب، اذ لا دلالة على تعيينها، لاحتمال كونه عليه السلام فى مقام بيان ترخيص قرائتها، و كونها احد فردى الواجب التخييرى دفعا لتوهم عدم كفايتها و ثانيا بانا و ان سلمنا مناسبة قوله عليه السلام و لا يدخل الشك فى اليقين و لا يخلط احدهما بالاخر، للبناء على اليقين و الاحتياط بالبناء على الاكثر و الاتيان بالمشكوك مفصولا بالتسليم، الا ان قوله عليه السلام و لا ينقض اليقين بالشك غير مناسب لذلك، بل اجنبى عنه، اذ ليس فى عدم البناء على الاكثر نقض لليقين بالشك بل النقض فى البناء عليه لان المتيقن هو الاقل، فالبناء على الاكثر نقض اليقين به و توهم ان حمل الرواية على التقية، مستلزم للتفكيك بين موردها و ما استشهد له من قاعدة الاستصحاب، بحسب القصد لان المقصود من اجراء الاستصحاب فى المورد هو بيان خلاف الواقع تقية، و المقصود من اصل الاستصحاب هو بيان الحكم الواقعى و هو البناء على الاكثر و هو خلاف الظاهر، فلا بد ان يكون المراد باليقين هو اليقين بالفراغ بالعمل الذى علّمه الامام عليه السلام من البناء على الاكثر و الاتيان بالركعة المشكوكة مفصولة مدفوع بانه لا محذور فيه اصلا و قد صدر نظيره عنهم عليه السلام فى موارد كثيرة، منها استشهاد الامام عليه السلام لعدم وقوع آثار ما حلف به عن اكراه من الطلاق و العتاق و صدقة ما يملك، بقول النبى صلى
ص: 260
اللّه عليه و آله و سلم و سلّم رفع عن امتى ما اكره عليه، فان الحلف بالطلاق و العتاق لما كان صحيحا عند العامة، اسند الامام عليهم السّلام فساده الى الاكراه تقية، فقصد عليه السلام من التمسك بالنبوى لبطلان الحلف على الامور المزبورة اذا كان عن اكراه، بيان خلاف الواقع لاجل التقية، حيث ان الحلف عليها فاسد عندنا و لو لم يكن عن اكراه فاسناده الى الاكراه على خلاف الواقع، مع انه عليه السلام قصد من اصل النبوى بيان الحكم الواقعى و هو رفع الاحكام الوضعية عما اكره عليه، و لذا يستدلون الفقهاء باستشهاده عليه السلام بالنبوى فى المقام، لرفع الاحكام الوضعية عما اكره عليه ثم لو سلمنا ظهور الصحيحة فى بيان قاعدة الاستصحاب، بتقريب ان المعتبر فى الصلوة بحسب نفس الامر امران، احدهما تحقق الركات، ثانيهما تقييد الركعات بعدم الزائد و مقتضى قوله عليهم السّلام لا تنقض اليقين بالشك، هو البناء على عدم تحقق الركعة المشكوكة، لانها مسبوقة بالعدم و الاصل بقائها عليه، و من المعلوم انه لا يثبت بهذا الاصل الامر الثانى المعتبر فى الصلوة، اعنى تقييد ركعاتها بعدم الزائد لواتى بالركعة المشكوكة موصولة، الا على القول بالاصل المثبت، فالجمع بين مفاد ذلك الاستصحاب و مراعاة ذلك التقييد، لا يمكن الاباتيان الركعة المشكوكة منفصلة فتدبر، لكن لا يفيد الصحيحة قاعدة كلية ينتفع بها فى جميع الموارد، كما هو مراد المستدلين بها على حجية الاستصحاب فى جميع الابواب، لان الظاهر كون قوله عليهم السّلام و لا ينقض اليقين باشك، تؤكيدا لقوله عليه السلام قام فاضاف اليها ركعة اخرى اللهم الا ان يستفاد العموم من قوله عليه السلام و لا يعتد بالشك فى حال من الحالات فتدبر و من الروايات التى استدل بها على حجية الاستصحاب مطلقا و فى جميع الموارد، موثقة عمار عن ابى الحسن عليه السلام قال عليه السلام اذا شككت فابن على اليقين قلت هذا اصل قال عليه السلام نعم و لا يخفى اجمالها و عدم دلالتها على حجية الاستصحاب، لانه ان جعل مورد الرواية خصوص الشك فى ركعات الصلوة، كما يؤيد ذلك خلوها عن ذكر متعلق الشك و عن كونه مسبوقا باليقين، و يؤيده ايضا ذكر الاصحاب هذه الرواية فى طى ادلة الشك فى الركعات
ص: 261
و حينئذ فيحتمل ان يكون المراد باليقين هو الاحتياط بالبناء على الاكثر و اتيان الركعة المشكوكة منفصلة، و عليه فلا ربط لها بما نحن فيه، و يحتمل ان يكون المراد منه هو البناء على الاقل و عدم تحقق الركعة المشكوكة الذى هو مذهب العامة. فيكون محمولا على التقية، او على الاستصحاب بالتوجيه الذى ذكرناه فى الصحيحة السابقه، هذا اذا قلنا باختصاص الرواية بالشكوك فى الركات، و اما ان لم نقل بذالك، فدعوى ظهورها فى الاستصحاب غير بعيدة، لان الظاهر من قوله عليه السلام فابن على اليقين، هو البناء على اليقين الموجود فعلا و حين البناء عليه، فينطبق على الاستصحاب، الا اليقين الماضى كى ينطبق على قاعدة اليقين و الشك السارى، و لا على اليقين المستقبل الواجب تحصيله بالبناء على الاكثر و اتيان الركعة المشكوكة منفصلة كى منطبق على الاحتياط و من الروايات التى استدل بها على حجية الاستصحاب مطلقا، ما روى عن الخصال بسنده عن محمد بن مسلم عن ابيعبد اللّه عليه السّلام، قال قال امير المؤمنين صلوات اللّه و سلامه عليه من كان على يقين فشك فليمض على يقينه فان الشك لا ينقض اليقين، و فى رواية اخرى عنه عليهم السّلام من كان على يقين فاصابه شك فليمض على يقينه فال اليقين، لا يدفع بالشك، قال الاستاد دام ظله ان ظهور الروايتين فى اتحاد متعلق الشك و اليقين المعتبر فى الاستصحاب غير قابل للانكار، و انما الكلام فى ان المتيقن هل لو خط مقيدا بالزمان كى لا يكون المراد من الشك فيه هو الشك السارى، او مجردا عن الزمان و على الثانى اما تكون القضية مهملة من حيث الزمان، و اما ان يكون ملحوظا فيها على نحو الظرفية، و على الاخير منطبق على الاستصحاب، فمع هذه الاحتمالات و ان لم تكن القضية فى حد نفسها ظاهرة فى ارادة الاستصحاب، لكن بملاحظة تكرارها فى موارد يعلم ارادة الاستصحاب منها، تصير ظاهرة فى ارادة الاستصحاب، لظهور اتحاد المراد فى تمام الموارد، و لكن الاشكال فى الرواية سندا، من حيث ان فيها قاسم بن يحيى الذى ضعفه العلامة قده فى الخلافة، و تضعيفه و انكان مستندا الى تضعيف ابن القضايرى الذى قيل انه لا يعبأ به، لكنه ما وجد فى علم الرجال توثيقه، فلو اغمضنا عن تضعيف العلامة
ص: 262
لكان من المجاهيل، و على كل حال لا يجوز جعل الرواية مدد كالحجية الاستصحاب و لا لغيره انهتى ما افاده الاستاد دام ظله، و لكن لا يخفى ان مع الغض عن تضعيف الرواية، يكون ظهورها فى حجية الاستصحاب غير قابلة للانكار، لان امره عليه السلام بالمضى و الجرى على مقتضى اليقين، انما يصح فيما اذا كان هناك يقين مقتضاه البقاء و الثبات، و اما فيما لم يكن هناك يقين كك كما فى الشك السارى، او كان و لم يكن مقتضاه البقاء كما فى الشك فى المقتضى، فلا يصح الامر بالمضى و الجرى على مقتضاه كما لا يخفى و الايراد على الاستدلالا بهما لحجية الاستصحاب، بان الشك و اليقين حيث لا يجتمعان فى متعلق واحد كما هو ظاهر الرواية فلا بد من اختلافهما اما بحسب زمان نفسهما مع اتحاد زمان متعلقهما، فينطبق على قاعدة اليقين، و اما بحسب زمان متعلقهما و ان اتحد زمان نفسهما فينطبق على الاستصحاب، و حيث ان صريح الروايتين اختلاف زمان نفس اليقين و الشك، لمكان الفاء فى قوله عليهم السّلام فشك الدالة على التعقيب، و ظاهر هما اتحاد زمان متعلقهما، فيتعين حملهما على قاعدة اليقين مدفوع اولا بان هذا الاشكال جار فى جملة مما استدل به لحجية الاستصحاب من الاخبار، كما فى الصحيحة الثانية حيث تخلل فيها الفاء بين اليقين و الشك فراجع و ثانيا انا قد بينا فى الفرق بين الاستصحاب و قاعدتى اليقين و المقتضى و المانع، ان فى قاعدة اليقين يمتنع اجتماع اليقين و الشك فى زمان واحد لوحدة متعلقهما، و فى الاستصحاب لا يمتنع اجتماعهما زمانا، لا انه لا بد ان يكونا مجتمعين فيه كك، فظهور الروايتين فى اختلاف زمان الوصفين، لا يوجب اختصاصهما بالقاعدة، بعد امكان اختلاف زمانهما بل وقوعه غالبا فى الاستصحاب ايضا، حيث ان الغالب فيه تحقق اليقين قبل الشك كما لا يخفى، و عليه فيمكن ان يكون الفاء محمولا على الغالب، نعم لو كان ظاهر الروايتين هو انحصار هذا الحكم بما اذا كان هناك اختلاف بحسب زمانهما، كان لدعوى ظهورهما فى القاعدة مجال، لكنه مع ذلك يجب رفع اليد عن هذا الظهور، بما ذكرنا من عدم صحة الامر بالمضى و الجرى على مقتضى اليقين الا فيما اذا كان هناك يقين مقتض لذلك، و اما ما جعله مؤيد الحمل الرواية على
ص: 263
قاعدة اليقين، من ان النقض بناء على حملها على قاعدة اليقين يكون محمولا على حقيقته، بخلاف ما لو حملت على الاستصحاب، ففيه انه قدمر بيان الفرق بين قاعدة اليقين و الاستصحاب، ان الاختلاف الذى اعتبر فى متعلق اليقين و الشك فى الاستصحاب هو الاختلاف من حيث الزمان، و كون متعلق اليقين هو الحدوث الذى هو عبارة عن الوجود فى الزمان الاول، و متعلق الشك هو البقاء و الوجود فى الزمان الثانى، و اما من حيث الذات، فلا بد ان يكون متعلقهما متحدا، و لذا يلحظ الزمان فيه ظرفا للشئى المتيقن لا قيدا كما فى قاعدة اليقين، فباعتبار اتحاد متعلق اليقين و الشك من هذه الحيثيه، يصح اطلاق نقض اليقين حقيقه على رفع اليد عن الاثار المترتبة فى السابق على المتيقن فتأمل و من الاخبار المستدل بها لحجية الاستصحاب، خبر الصفار عن على بن محمد القاسانى، قال كتبت اليه و انا بالمدينة عن اليوم الذى يشك فيه من رمضان هل يصام ام لا، فكتب عليهم السّلام اليقين لا يدخل فيه الشك صم للرؤية و افطر للرؤية تقريب الاستدلال هو انه عليهم السّلام فرع وجوب كل من الصوم و الافطار عند رؤية هلالى رمضان و شوال، على قوله عليه السلام اليقين لا يدخله الشك، و هو لا يستقيم الا بان يراد من قوله عليه السلام ذلك، عدم جعل اليقين السابق مدخولا و مزاحما بالشك، لا اليقين بالاشتغال كما توهم، اذ ليس يوم الشك من اول الرمضان و لا من اخره، بناء على هو التحقيق من كون صوم كل يوم تكليفا مستقلا موردا لقاعدة الاشتغال كما لا يخفى هذا و لكن الانصاف كما يظهر بالمراجعة الى الاخبار الواردة فى يوم الشك، انها بصدد تحديد وجوب كل من الصوم و الافطار برؤية الهلالين او انقضاء ثلثين يوم من شعبان او رمضان، الموجبين للقطع بدخول الرمان و خروجه، و ليست فى مقام بيان حجية الاستصحاب و ان كان المقام موردا له، فلا يبعد ان يكون المراد باليقين هو اليقين بدخول شهر رمضان و خروجه، لا اليقين السابق عليهما، فالرواية واردة فى مقام بيان موضوعية العلم فى الحكم بوجوب الصوم و وجوب الافطار، و انه لا بد فى وجوبهما من القطع و اليقين بدخول شهر رمضان و خروجه فتدبر، هذه جملة من الاخبار العامة المستدل بها على حجية الاستصحاب مطلقا
ص: 264
و فى جميع الموارد، و قد يؤيد ذلك بالاخبار الخاصة الواردة فى الموارد الخاصة منها رواية عبد اللّه بن سنان فيمن اعار ثوبه الذمى و هو يعلم انه يشرب الخمر و ياكل لحم الخنزير قال فهل على ان اغسله، فقال عليه السلام لا لانك اعرته اياه و هو طاهر و لم تستيقن انه نجسه، فان لتعليله عليه السلام الحكم بالطهارة بقوله عليه السلام لانك اعرته اياه و هو طاهر و لم تستيقن انه نجّسه، دلالة واضحة على ان المستند للحكم بالطهارة هو استصحابها لا قاعدتها كما توهم و منها موثقة عمار كل شئى طاهر حتى تعلم انه قذر الخبر، لا يخفى ان التأييد بها مبنى على كونها مسوقة لبيان استمرار طهارة الشئى المفروغ عن طهارته واقعا الى العلم بقذارته، لا لبيان الحكم بثبوت الطهارة ظاهرا للشئى المشكوك طهارته الى ان يعلم بقذارته، اذ حينئذ ينطبق على قاعدة الطهارة، و لكن الظاهر كونها مسوقة لبيان الثانى، اذ كونها مسوقة لبيان الاول محتاج الى عناية زائدة و هى لحاظ كون الشئى مسبوقا بالطهارة و كون ثبولها له مفروغا عنه، بل لا يكون مجرد هذا للحاظ فى انطباقه على الاستصحاب، ضرورة ان الحكم باستمرار فى طهارته كما فى قاعدة الطهارة، و يمكن ان يكون لاجل كونه مسبوقا بالطهارة كما فى الاستصحاب، فلا بد من لحاظ كون الحكم بالاستمرار انما هو بلحاظ كونه طاهرا سابقا، و ليس فى الحديث ما يدل على ذلك، بل ظاهر قوله عليه السلام كل شئى طاهر هو اثبات اصل المحمول للموضوع، لا اثبات استمراره له مع الفراغ عن ثبوت اصله، و قوله عليه السلام حتى تعلم و ان كان دالا على الاستمرار المحمول الى حصول العلم بالقذارة، لكن المغيى به هو الطهارة الظاهرية، لا الطهارة الواقعية المفروغ عنها كى لا يدل على الاستصحاب، فيكون حينئذ دليلا على قاعدة الطهارة، و لا يكون له دلالة على المدعى من حجية الاستصحاب ثم لا يخفى ان مفاد الرواية، يعم الشبهات الحكمية كالشك فى طهارة الحيوان المتولد من الحيوانين احدهما نجس العين، و الشبهات الموضوعية كالشك فى ان هذا اللحم مأخوذ عن الخنزير او عن الشأة، اذا لشئى يعم الجزئى و الكلى لكونه موضوعا لما هو اعم منهما، و لا مانع عن ارادة هذا المعنى العام الجامع، بين ما يكون الشك فى طهارته من حيث الشبهة فى
ص: 265
حكم نوعه كما فى المثال الاول و ما يكون الشك فى طهارته من حيث الاشتباه فى الامور الخارجية كالمثال الثانى، الا ما توهمه صاحب القوانين قدس سره من استلزام ارادة الجامع لاستعمال لفظ الشئى و الغاية و هى قوله حتى تعلم فى اكثر من معنى واحد، اما لزوم استعمال لفظ الشئى فى الاكثر من معنى واحد، فلان ارادة المشتبه بالشبهة الحكمية توجب ارادة النوع من الشئى، فالمعنى كل نوع اشتبه حكمه من حيث الطهارة و النجاسة، فهو طاهر، و ارادة المشتبه بالشبهة الموضوعية توجب ارادة الشخص منه، و لا يمكن ارادتهما منه فى استعمال واحد، و اما لزوم استعمال الغاية فى الاكثر من معنى واحد، فلان العلم فى الشبهات الحكمية حاصل من الادلة الشرعية، و فى الشبهات الموضوعية حاصل من الامارات القائمة على الموضوعات الخارجية و لا يخفى ما فيه من الفساد، ضرورة ان المراد من الشئى فى الرواية على اى حال هو الشخص الخارجى اى الموضوع الخارجى المشتبه الحكم، و انما الاختلاف بين الشبهة الحكمية و الموضوعية، باختلاف منشأ الاشتباه، فان الموضوع الخارجى قد يشتبه حكمه من جهة الشبهة فى حكم نوعه، و قد يشتبه حكمه لاجل الاشتباه فى الامور الخارجية، و المراد من الغاية و هو العلم، و ان كان اعم من الحاصل من الادلة و الحاصل من الامارات الخارجية، الا ان مجرد ذلك لا يستلزم استعمال اللفظ فى اكثر من معنى واحد، بداهة ان تعدد الاسباب الموجبة لحصول العلم لا يوجب تعدده فى المعنى كما هو واضح من ان يخفى، فارادة الشبهات الحكمية و الموضوعية جميعا من الرواية لا محذور فيه نعم لا يصح ارادة القاعدة و الاستصحاب معا من الرواية، كما زعمه صاحب الفصول، اذ ملاحظة الشئى مسبوقا بالطهارة كما هو مبنى دلالة الرواية على حجية الاستصحاب، و عدم ملاحظته كك كما هو مبنى دلالتها على القاعدة، جمع بين المتناقضين و هو محال، و اعجب من ذلك ما توهمه صاحب الكفاية فيما علقه على رسائل شيخ مشائخنا الانصارى قدس سره، من امكان جعل قوله عليه السلام كل شئى طاهر حتى تعلم انه قدر دليلا على الطهارة الواقعية للاشياء بعناوينها الاولية و على قاعدة الطهارة و استصحابها، و افاد فى بيانه ما حاصله، ان قوله عليه
ص: 266
السلام كل شئى طاهر حتى تعلم انه قذر، دال بعموم مغياه و هو كل شئى طاهر، على طهارة الاشياء بعناوينها الاولية كالماء و التراب و امثالهما، و باطلاقه الاحوالى التى منها حالة كونه مشتبه الطهارة، على قاعدة الطهارة، و دال بغايته من حيث ظهورها فى الاستمرار حكم المغيى ظاهرا، على الاستصحاب، و لا يلزم عليهذا استعمال اللفظ فى اكثر من معنى واحد، لتعدد الدال حسب تعدد المدلول كما عرفت اذفيه انه لا يمكن ان يراد بشئى من اجزاء تلك القضية من موضوعها و محمولها و غايتها، ما نعم الاحكام الثلاثة المذكورة و توضيح ذلك يتوقف على تمهيد مقدمات الاولى انا قد بينا فى محله، ان الغاية تارة تكون قيد اللحكم، فثدل على انتفاء ذلك الحكم عند حصولها، و اخرى تكون قيد اللموضوع، فلا تدل على انتفاء ذلك الحكم عند حصولها، بل تكون موجبة لتقييد الموضوع و تضييق دائرته.
الثانية ان الغاية لو كانت غير العلم و الجهل، فدائما يكون الحكم المغيى بها حكما واقعيا الثابت للاشياء بعنوانها الاولية. كما لو قيل الماء طاهر الى ان يلاقى نجسا، و اما لو كانت الغاية هو العلم و الجهل، فان كانت قيد اللحكم فالمغيّى بهما حكم واقعى، هذا فيما اذا كانت الغاية واقعا متعلق العلم و اخذ فى لسان الدليل العلم به غاية لمجرد كونه كاشفا عن حدوثه كما اذا قيل الغنم حلال حتى يعلم بوقوعه موطوئة و الماء طاهر حتى يعلم بملاقاته للنجاسة بخلاف، اذا كان اخذ العلم غاية بلحاظ الموضوعية كما فى قاعدة الطهارة كما سجيئى بيانه و من هنا ذهب جماعة كالحلى و الحدائق بان عليه السلام كل شئى طاهر حتى تعلم انه قذر قيد للحكم، و ان كانت قيدا للموضوع فالمغيى بها حكم ظاهرى.
الثالثة ان الغاية حيث تكون غاية للمغيى، فلا محالة تكون من توابعه، فلا يمكن ان يكون المغيى فى مقام بيان حكم و الغاية فى مقام بيان حكم آخر، و الا لم تكن الغاية غاية للمغيى و من توابعه و هذا خلف.
الرابعة ان المتكلم الذى يكون فى مقام اثبات حكم لموضوع مشكوك الحكم تارة
ص: 267
يقصد من اثبات الحكم له مجرد ثبوت الحكم له من غير نظر الى كونه ثابتا له سابقا كما فى مورد القاعدة، و اخرى يقصد منه اثبات استمراره له بلحاظ كونه ثابتا له سابقا كما فى مورد الاستصحاب، و من المعلوم عدم امكان الجمع بينهما فى انشاء واحد، بداهة ان لحاظ اصل ثبوت الحكم مع قطع النظر عن كونه ثابتا سابقا، و لحاظ استمراره بالنظر الى كونه ثابتا سابقا متنافيان.
الخامسة اذا كان المتكلم فى مقام بيان حكمين يكون احدهما بمنزلة الموضوع للاخر، فلا يصح له ان يجعل شيئا واحدا فى استعمال واحد غاية لكليهما، لا ستلزامه لوقوع شئى واحد فى رتبة الموضوع و المحمول معا، المستلزم لتقدم الشئى على نفسه اذا تمهدت هذه المقدمات فنقول الجمع بين الحكم بطهارة الاشياء بعناوينها الاولية، و الحكم بطهارتها بعنوان كونها مشكوك الطهارة، لا يمكن فى انشاء واحد بداهة ان فى الاحكام المجعولة للاشياء بعناوينها الاولية، لا بد ان يلاحظ موضوعاتها من حيث هى هى مجردة عما هو خارج عن ذواتها، و هذا بخلاف الاحكام المجعولة للاشياء بعناوينها الثانوية ككونها مشكوك الحكم، فانها لا بد فيها من لحاظ الحكم الاصلى لموضوعاتها ثم الشك فيه ثم جعل حكم لها عند الشك فالاحكام الظاهرية المجعولة للاشياء المشكونة حكمها، متأخرة رتبة عن الاحكام الواقعية المجعولة للاشياء بعناوينها الاولية الذاتية بمرتبتين، لتقدم موضوعات الاحكام الواقعية على موضوعات الاحكام الظاهرية بمرتبتين كما مر بيانه انفا و معه كيف يمكن لحاظ الموضوع و المحمول للاحكام الظاهرية، فى عرض الموضوع و المحمول للاحكام الواقعية، فلا يمكن ان يراد من قوله عليه السلام كل شئى الاشياء بعناوينها الاولية و بعناوينها الثانوية، و لا من قوله عليه السلام طاهرا الطهارة الواقعية و الظاهرية، و منه ظهر انه لا اطلاق للشئى بالنسبة الى حالة كونه مشكوك الحكم، ضرورة الاطلاق و التقييد انما يكونان بالنسبة الى الانقسامات التى تطرء على موضوعات الاحكام او متعلقاتها، قبل الحكم او فى مرتبته، و اما الانقسامات الطارية عليها بلحاظ عروض الحكم عليها فلا محالة تكون بالنسبة اليها مهملة اى لا تكون مطلقة و لا مقيدة، و اما
ص: 268
غايتها فاما ان تكون قيدا للموضوع و تحديدا له كما هو المتعين لانحصارها فيه فى غير الزمانيات بان يكون المعنى كل شئى لم يعلم نجاسته طاهر، فتكون القضية حينئذ مسوقة لضرب قاعدة كلية لمشكوك الطهارة، فينحصر مدلولها فى قاعدة الطهارة، و اما ان تكون قيدا للحكم و دالة على انتفائه عند حصولها، فلا يمكن ان تكون غاية للحكم الواقعى لان الحكم الواقعى لا ينتفى الا بتبدل موضوعه او ورود عرض عليه او بالنسخ، و لا مدخلية للعلم و الجهل فى ذلك اصلا كما لا يخفى اللهم الا ان يراد من العلم بالقذارة حدوثها و يكون التعبير عنه بالعلم لكونه طريقا اليه، و حينئذ لا يمكن جعله غاية للحكم الظاهرى ايضا، اذ بناء على كونه غاية للحكم الظاهرى، يكون مأخوذا بلحاظ الموضوعية و الاستقلالية، و يكون المراد من العلم بالقذارة هو العلم بنجاسته من اول الامر، و قد عرفت انه بناء كونه غاية للحكم الواقعى، لا يمكن ان يكون مأخوذا الابلحاظ الطريقية و المراتية، و يكون المراد منه هو العلم بحدوث النجاسة فى حال ذلك الشك الطارى، كما اذا شك فى ان هذا الحكم المتعلق بالشك هل نسخ ام لا، و لا يمكن الجمع بينهما فى انشاء واحد، فلا بد ان يكون غاية للحكم الظاهرى الذى هو عبارة عن قاعدة الطهارة، فتدل على استمرار ذلك الحكم الظاهرى و ثبوته، فيما قبل الغاية و هو زمان عدم العلم بالقذارة و الشك فيها، و من الواضح ان بقاء ذلك الحكم و استمراره ببقاء الشك لاربط له بالاستصحاب اصلا، و انما هو مقتضى تعليقه على الشك، ضرورة ان مقتضى الحكم المعلق على موضوع بقائه ببقاء موضوعه، فاستمراره ليس مغيى بزمان العلم بالنجاسة، بل به ينعدم موضوعه و هو الشك ثم لو سلمنا امكان الجمع بين الحكم بطهارة الاشياء بعناوينها الاولية و بعنوان كونها مشكوك الطهارة، لكن قضية كل شئى طاهر حتى تعلم انه قذر، يلزم من شمولها لكلا الحكمين عدم شموله الا لاحدهما، لان هذه القضية اذا وصلت الى المكلف يرتفع شكه، لان مع اشتمالها على الحكم بطهارة جميع الاشياء بعناوينها الاولية، لا يبقى مع هذا الدليل الاجتهادى له شك فى طهارة الاشياء، كى لا يحتاج الى
ص: 269
العمل بالحكم المتعلق بالشك فى طهارتها كما لا يخفى فتدبر(1).
نعم لو حملنا القضية على كونها فى مقام الاخبار و الحكاية عن الواقع، و ان بعضا الاشياء بعناوينها الاولية محكوم شرعا بالطهارة الواقعية و آخر منها محكوم بالطهارة الظاهرية، يرتفع كلا الاشكالين عنه، اذ يصح ان يقال فى مقام الحكاية و الاخبار، ان كل شئى محكوم عند الشارع بالطهارة اما واقعا او ظاهرا، لكنه حينئذ لا يدل على ان المحكوم بالطهارة واقعا ما هو من الاشياء، كى يكون دليلا اجتهاديا على طهارته كما هو واضح، فتبين ان ما ورد من التوجيه لكلامه قدس سره غير منطبق على ما هو المستفاد من كلامه اعلى اللّه مقامه، و مما ذكرنا فى الاستدلالا بالموثقة لحجية الاستصحاب، ظهر ما فى الاستدلال له بقوله عليه السلام الماء كله طاهر حتى تعلم انه نجس، و بقوله عليه السلام كل شئى حلال حتى تعرف انه حرام فلا نعيد و توهم ان الاشتباه فى الماء حيث يكون غالبا من جهة الشك فى عروض النجاسة له، و تكون حالته السابقة و هى الطهارة بحسب الخلقة غالبا محرزة، فالاولى حمل قوله عليه السلام الماء كله الشئى مسبوقا بالطهارة لا يجدى فى انطبقاق الحكم باستمرار طهارته على الاستصحاب ما لم يكن الحكم به بلحاظ سبق طهارته و مستندا اليه، و لذا عرفوا الاستصحاب بانه ابقاء ما كان على ما كان لاجل انه كان فتبصر، هذه جملة من الاخبار العامة و الخاصة المستدل بها للاستصحاب، و اختصاص جملة من الخاصة منها بما اختاره شيخ مشايخنا الانصارى قدس سره من حجيته فى الشك فى الرافع دون المقتضى كما ايدنا فيمامر مما لا غبار عليه، و اما العامة منها فالمعروف بين المتأخرين و منهم الاستاد دام ظله الاستدلال بها على الحجية مطلقا، و فيه تأمل قد او ضحناه مفصلا فيمامر، و لا بأس بالاشارة اليه فى المقام اجمالا فنقول قد ذكرنا سابقا، ان المراد من المقتضى ليس ما هو الركن الركين من الاجزاء للعلة التامة و يكون هو المؤثر فى وجود المعلول، و يكون وجود الشرط و عدم
ص: 270
المانع من شروط التأثير او التأثر، و ليس المراد من الرافع ما يكون عدمه من اجزاء العلة التامة لوجود الشئى فى الرمان الثانى، كما يوهمه تعبير بعض عن المقتضى فى المقام بما يكون اقتضائه باقيا مع وجود الرافع، كى لا يكون المقام من قبيل تزاحم المقتضيين و غلبة ما هو الاقوى منهما ملاكا، و عليه يبتنى ما اوردوه على شيخ مشايخنا الانصارى قدس سره فى موارد كثيرة تمسك قدس سره فيها بالاستصحاب، من ان التمسك به فيها مخالف لما بنى عليه من عدم حجيته فى الشك فى المقتضى، لعدم احراز بقاء اقتضا المستصحب فى تلك الموارد مع وجود ما يحتمل كونه رافعا، و كذا ليس المراد من المقتضى ما هى ملاكات و علل لجعل الاحكام من المصالح و المفاسد النفس الامرية، ضرورة ان المراد من المقتضى لو كان ما ذكر لانسد باب الاستصحاب فى اغلب الاحكام لو لا جميعها، لان الاطلاع على بقاء المقتضى حتى مع وجود ما يشك كونه رافعا و على وجود الملاك معه، نادر جدا بل غير واقع، بل غير ممكن الالعلام الغيوب و الراسخين فى العلم من الانبياء و الاوصياء سلام اللّه عليهم اجمعين، كما قال عليه السلام دين اللّه لا يصاب بالعقول و توهم امكان احراز الملاك باطلاق الحكم مدفوع باحتمال كون علة للحدوث فقط، بل المراد من المقتضى كمامر هو استعداد الشئى للبقاء و الاستمرار فى عمود الزمان، فان الاشياء مختلفة بحسب الاستعداد للبقاء، فان نوعا منها مستعد للبقاء الى الف سنة كالفيل مثلا و نوعا منها مستعدد للبقاء الى ثلثة ايام كالبق مثلا او اقل او اكثر، و المراد من الرافع هو الامر الحادث الزمانى الذى يعدم و يزيل بوجوده ذاك الامر المستعد للبقاء و يرفعه من اصله، فالشك فى بقاء الشئى ان كان من جهة الشك فى استعداده له بالنسبة الى عمود الزمان فهو شك فى المقتضى، و ان كان من جهة الشك فى استعداده له مع حدوث امر زمانى آخر فهو من الشك فى الرافع، ثم ان المستصحب ان كان من الموضوعات الخارجية، فاحراز مقدار استعداده للبقاء زمانا يحصل من احراز استعداد نوعه للبقا، و ان كان من الاحكام الشرعية او الموضوعات المستنبط، فتارة يدل على استعداده للبقاء الى ثلثة ايام كخيار الحيوان، و تارة يدل على استعداده له الى الابد كما فى
ص: 271
الطهارات الثلث، و تارة يكون مجملا من هذه الجهة، لا شبهة فى جريان الاستصحاب فى الاول قبل انقضاء الوقت المضروب له، عند الشك فى عروض الرافع له فى اثناء الوقت، كما لا شبهة فى جريانه فى الثانى عند الشك فى عروض الرافع له مطلقا، كما لا شبهة فى عدم جريانه فى الثالث الاعلى القول بجواز التمسك بالعام فى الشبهة المصداقية، فالمرجع فيه هو البرائة او الاحتياط.
(قوله دام ظله الامر الثالث الخ) هذا الامر راجع الى البحث عن اقسام استصحاب الكلى، و ملخص الكلام فيه هو ان المتيقن السابق الذى هو احد ركنى الاستصحاب، اذا كان كليا و شك فى بقائه، فتارة يكون الشك فى بقائه مستندا الى الشك فى بقاء الفرد المعين الذى علم بتحققه فى ضمنه، و اخرى يكون مستندا الى الشك فى تعيين الفرد المتحقق ذالك الكلى فى ضمنه، و تردده بين ما هو باق جزما و بين ما هو مرتفع كك، كما اذا شك فى بقاء الحيوان فى الدار، من جهة الشك فى ان الموجود فيها هل كان هو الفيل او البق، و ثالثة يكون مستندا الى احتمال وجود فرد آخر غير الفرد المعلوم حدوثه و ارتفاعه، فان كان الشك فى بقاء الكلى مستندا الى الشك فى بقا الفرد المعين، فلا اشكال فى صحة استصحاب كل من الفرد و الكلى، فيما اذا كان لكل منهما اثر شرعى، كما لا اشكال فى انه لا يغنى استصحاب الكلى عن استصحاب الفرد، و لو كان بقائه مستلزما لبقاء ذلك الفرد، كما اذا علم بانحصاره فيه، الا على القول بالاصل المثبت و انما الاشكال فى العكس و هو اغناء استصحاب الفرد عن استصحاب الكلى، بحيث يترتب على الاستصحاب الجارى فى الفرد اثره و اثر الكلى، و الحق فيه هو التفصيل بين ما لو كان الاثر للكلى باعتبار وجوده السارى فى جميع الافراد على نحو العموم الاستغراقى، و بين ما لو كان الاثر له باعتبار صرف الوجود اعنى الوجود اللا بشرط من جميع الخصوصيات المقابل للعدم المطلق المفتقض به العدم، فيغنى استصحاب الفرد عن استصحاب الكلى فى الاول، حيث ان الموضوع للاثر حقيقة فى هذا القسم هو نفس الافراد و المصاديق الخارجية، و انما العنوان الكلى موضوعا له فى الدليل، لكونه مرآتا لها
ص: 272
والة لملاحظتها، و لا يغنى فهذا استصحاب الفرد عن استصحاب الكلى فى الثانى، حيث ان الموضوع للاثر فيه هو الكلى بلحاظ صرف الوجود اللا بشرط من جميع الخصوصيات ذهنا و ان كان متحدا معها خارجا، لكن هذا الاتحاد العينى انما هو بالدقة العقلية، لا بالنظر العرفى الذى هو المناط فى الاتحاد فى باب الاستصحاب فتدبر، و ان كان الشك فى بقاء الكلى مستندا الى الشك فى تعيين الفرد المردد بين ما هو باق جزما و بين ما هو مرتفع قطعا فهو على اقسام ثلثة، و ذلك لان الشك فيه، اما ان يكون راجعا الى الشك فى المقتضى، كما اذا كان الشك فى بقاء الكلى ناشئا عن الشك فى ان ذلك الفرد، هل هو مما يعيش الى ثلثة ايام حتى يكون مرتفا قطعا اوالى سنة حتى يكون باقيا، و اما ان يكون راجعا الى الشك فى وجود الرافع، كما اذا كان الشك فى بقاء الكلى، ناشئا عن الشك فى الاتيان بما يرتفع معه ذلك الفرد المردد، كما لو ترددت الرطوبة الخارجية بين البول و المنى، و شك فى انه هل توضأ و اغتسل او لم يفعل شيئا منهما، و اما ان يكون راجعا الى الشك فى رافعية الموجود، كما لو شك فى انطباق ما اتى به من محتملات رافع ذلك الفرد المردد على رافعه، كما لو توضأ فى المثال و شك فى بقاء حدثه المردد و ارتفاعه بواسطة الوضوء، لا اشكال فى جريان استصحاب الكلى فى جميع الاقسام ان كان له اثر شرعى، لعدم المانع عن جريانه فيها بعد تحقق اركانه من اليقين بالحدوث و الشك فى البقاء، الاعلى مذهب القائل باختصاص حجيته بما اذا كان الشك فى الرافع، فانه يمنع عن جريانه فى القسم الاول ان قلت ان جريان استصحاب الكلى فيها و ان لم يكن مانع عنه فى حد نفسه، الا ان الشك فى بقاء الكلى مسبب عن الشك فى تحقق الفرد الطويل، فاذا حكم بمقتضى الاستصحاب بعدمه، فيرتفع الشك فى بقاء الكلى و معه لا مجال لجريان الاستصحاب فيه قلت او لا ان الكلى حيث يكون عين افراده خارجا فيكون بقائه و ارتفاعه بعين بقاء الخاص و ارتفاعه، لا من لو از مهما كى لا يكون هناك سببة و مسببية، فحديث السببية و المسببية ساقط فى المقام و ثانيا انا قد حققنا فى محله انه يشترط فى تقدم الاصل الجارى فى الشك السببى على الجارى فى الشك المسببى امور
ص: 273
ثلثة، الاول كون الشك فى المسبب مسببا عن الشك فى السبب، الثانى كون الترتب بين السبب و المسبب شرعيا كطهارة الثوب المغسول بالماء الطاهر فان ترتبها على الغسل به يكون شرعيا، الثالث كون الاصل الجارى فى السبب حاكما على الجارى فى المسبب بان كان مزيلا للشك المسببى تعبدا و من المعلوم فى المقام عدم كون الشك فى بقاء الكلى مسببا عن الشك فى تحقق الفرد الطويل المشكوك الحدوث، بل مسبب عن الشك فى ان الفرد المتيقن الحدوث، هل هو الفرد القصير المتيقن الارتفاع، او الفرد الطويل المتيقن البقاء، سلمنا لكن ترتب الكلى على الفرد الطويل المشكوك الحدوث بقاء و ارتفاعا، ليس الاعقليا من جهة العلم بانحصاره فى فرد واحد، و انه على تقدير عدم وجود الفرد الطويل المشكوك الحدوث وجد الكلى بوجود الفرد القصير و ارتفع بارتفاعه، سلمنا كون ترتبه عليه شرعيا، لكن الاصل الجارى فى الفرد الطويل المشكوك الحدوث، ليس حاكما على الاصل الجارى فى الكلى و مزيلا للشك فيه، اذ ليس مفاد الاصل الجارى فى الفرد المشكوك هو الغاء الشك فى الكلى، و انما يكون الغائه من لوازم الاصل الجارى فى الفرد عقلا، من جهة العلم بانحصاره فى فرد واحد سلمنا كون الاصل الجارى فى الفرد المشكوك حاكما على الاصل الجارى فى الكلى، لكن الاصل الحاكم انما يكون حاكما على المحكوم، فيما اذا لم يكن ساقطا بالتعارض مع اصل آخر فى عرضه، و هنا الاصل الجارى فى الفرد المشكوك الحدوث، معارض بالاصل الجارى فى الفرد المتيقن الارتفاع، فاذا سقط الاصل الحاكم بالمعارضة فلا مانع عن جريان الاصل المحكوم ان قلت ان المعارضة بين الاصلين انما كانت بالنسبة الى مرحلة الحدوث، و اما بالنسبة الى مرحلة البقاء فلا معارضة بينهما للقطع بارتفاع الفرد القصير، و معه لا مجال للاصل فيه كى يعارض بالاصل فى الفرد الطويل قلت ان كون الفرد القصير مقطوع العدم فى مرحلة البقاء، غير قادح، اذ يكفى فى سقوط الاصل فى طرف الفرد الطويل مطلقا، معارضته بالاصل فى طرف الفرد القصير، و لو فى مرحلة الحدوث، اذ ملاك العارضة وجود الاصلين فى زمان، و ان انتفى مورد احدهما فيما بعد ذلك الزمان، و لذا لو خرج احد طرفى الشبهة
ص: 274
المحصورة بعد تعارض الاصلين فيهما، عن محل الابتلاء، لا مجال لجريان الاصل فى الطرف الاخر ان قلت ليس فى طرف الفرد القصير اصل كى يعارض بالاصل فى الفرد الطويل، اذ لا يترتب على الاصل الجارى فى طرفه اثر شرعى اصلا، لان الاثر المترتب على الفرد القصير، مما يقطع به على اى حال، فلا مجال لنفيه باستصحاب عدم الفرد القصير قلت هذا انما يصح فيما اذا كان اثر الفردين من الاقل و الاكثر، حيث ان الاقل متيقن على كل حال، كما اذا علم بان الثوب تنجس بالدم او البول، و قلنا بكفاية الغسل مرة فى الاول و بوجوبه مرتين فى الثانى، فان وجوب غسل الثوب مرة مما يقطع به، فلا يجوز استصحاب عدم تنجسه بالدم لنفى اثره، و هذا بخلاف ما لو كان الفردان متبائين فى الاثر، اذ لا وجه حينئذ للقول بعدم جريان الاصل فى الفرد القصير كما لا يخفى، هذا تمام الكلام فى جريان الاستصحاب فى الكلى، و قد عرفت ان المختار عند الاستاد دام ظله جريانه فيه مطلقا اى سواء كان الشك فى بقائه راجعا الى الشك فى المقتضى او وجودا الرافع او رافعية الموجود، و اما جريانه فى نفس ذلك الفرد المردد، فلا اشكال فيه ايضا فيما كان الشك فيه راجعا الى الشك فى وجود الرافع، كما لو ترددت الرطوبة الخارجة بين البول و المنى، و شك فى انه هل توضئا و اغتسل ام لم يفعل شيئا منهما، فانه باستصحاب الحدث المردد بين الاصغر و الاكبر يحكم بحرمة مس القرآن عليه، و اما فيما كان الشك فيه راجعا الى الشك فى المقتضى او رافعية الموجود، ففى جريان الاستصحاب فيه اشكال، لان معنى جريانه فيه هو الحكم ببقائه على اى تقدير، سواء كان هو الفرد القصير او الطويل، او كان مما يرتفع بهذا الرافع او مما لا يرتفع به، و لا يصح الحكم ببقائه كك، اذ على تقدير كونه هو الفرد القصير او كونه مما يرتفع بهذا الرافع، نقطع بارتفاعه اما بنفسه او برافعه، و على تقدير كونه هو الفرد الطويل او كونه مما لا يرتفع بهذا الرافع نقطع ببقائه، فيختل على ان تقدير احد اركان الاستصحاب، و بعبارة اخرى ليس هناك شك فى بقاء ذلك الفرد المردد، اذ على تقدير نقطع بارتفاعه و على تقدير نقطع ببقائه، و انما الشك فى انه من اى الفردين فتدبر و ان كان الشك فى بقاء الكلى مستندا
ص: 275
الى احتمال وجود فرد آخر غير الفرد المعلوم حدوثه و ارتفاعه، فهو ايضا على اقسام ثلثة، لان الفرد الاخر المحتمل، اما ان يحتمل وجوده مقارنا لوجود الفرد المعلوم، كما او احتمل خروج المنى مع البول او يحتمل وجوده بعده مقارنا لا ارتفاعه، كما لو احتمل خروج المنى مقارنا لارتفاع حدث البول، او يحتمل وجوده بعده بتبدله اليه كما لو علم بارتفاع السواد و احتمل تبدله الى الضعيف، و فى جريان الاستصحاب فى الكلى المحتمل بقائه باحتمال قيام الفرد الاخر مقام الفرد المتيقن المقطوع الارتفاع، وجوه بل اقوال ثلثة.
الاول الجريان مطلقا، و لو كان الشك فى بقاء الكلى مستندا الى احتمال وجود فرد آخر مقارنا لارتفاع الفرد المعلوم و هذا هو المختار عند الاستاد مد ظله.
الثانى ما اختاره الشيخ الانصارى قدس سره من التفصيل بين القسمين الاولين، فيجرى فى الاول منهما نظرا إلى احتمال بقاء الكلى بعين ما وجد به او لا سابقا، دون الثانى للقطع بعدم بقائه كك.
الثالث ما اختاره صاحب الكفاية قدس سره من التفصيل بين القسمين الاولين و القسم الاخير، فيجرى فى الاخير دونهما، نظرا الى ان الكلى الطبيعى و ان كان وجوده فى الخارج بعين وجود افراده الا ان نسبة الى الافراد ليست كنسبة اب واحد الى الاولاد، بل كنسبة الاباء الى الاولاد، فيتعدد وجوده بتعدد الافراد، و يكون له فى ضمن كل فرد نحو وجود غير ما له من نحو الوجود فى ضمن فرد آخر، فالكلبى الموجود فى ضمن الافراد و ان كان متحدا حقيقة و مهية، الا انه متعدد وجود احتسب تعدد الافراد، فاذا تعدد وجودات الافراد، فما علم به سابقا من وجود الكلى فى ضمن فرد خاص قد علم ارتفاعه، و ما شك فيه لاحقا من وجوده فى ضمن فرد آخر شك فى اصل وجوده، فوجوده على تقدير غير مشكوك لاحقا و على تقدير غير متيقن سابقا، فيختل على كل تقدير احد ركنى الاستصحاب، و مجرد اليقين بالحدوث و الشك فى البقاء و الارتفاع، لا يجدى فى جريان الاستصحاب، ما لم يكن الشك فى بقاء عين ما علم بحدوثه سابقا، و ليس المقام كك اذ ما علم بحدوثه سابقا نعلم بارتفاعه، فيكون الشك فى البقاء فى المقام نظير ما
ص: 276
لوشك ابتداء فى حدوث شئى و فى بقائه على تقدير حدوثه، و هذا هو الفارق بين القسمين الاولين و القسم الاخير، حيث ان الباقى فى الان اللاحق بالاستصحاب فيه هو عين المتيقن فى السابق، لاتحاد القضية المتيقنة مع المشكوكة عرفا بل حقيقة، فى الامور المتدرجة الوجود المتبدلة من مرتبة الى مرتبة، فان المتيقنة فيهما مبائنة مع المشكوكة عرفا و عقلا، اما عرفا فلان القضية المتيقنة فيما مر من المثال هو الحدث البولى و المشكوكة مطلق الحدث، و لا ريب فى تباين المقيد مع المطلق عرفا، و اما عقلا فلان الحصة الموجودة من الطبيعة فى فرد غير الحصة الموجودة منها فى فرد آخر، و المفروض فى المثال هو العلم بارتفاع الحصة الموجودة منها فى الفرد الاول، وجود حصة اخرى منها فى فرد آخر مشكوك، فليس هناك متيقن شك فى بقائه، و لا فرق فيما ذكرنا بين القسم الاول و الثانى الذى اختاره شيخ مشايخنا الانصارى قدس سره جريان استصحاب فيه، لانه و ان امكن ان يقال فى الثانى ان المتيقن فى السابق عين المشكوك فى اللاحق، اذ لا فرق بين وجود الكلى بوجود فرد واحد او بوجود فردين، ضرورة انه لو كان الموجود سابقا فى الواقع فردين من الطبيعة، فالباقى منها فى اللاحق فى احدهما عين الموجود منها فى السابق، اذ لكلى لا ينتفى بانتفاء احد الفردين، لكن فى المقام حيث يكون وجود الكلى بوجود احد الفردين مقطوع الارتفاع و وجوده بوجود الاخر منهما مشكوكا، فلا يفيد فى الاستصحاب لان وجود الكلى بوجوده الفرد المعلوم مقطوع الارتفاع و وجوده بوجود فرد آخر مشكوك الحدوث فليس هناك متيقن سابقا شك فى بقائه و توهم ان فى هذا القسم حيث يحتمل وجود فرد آخر مع الفرد المعلوم ارتفاعه، فوجود الكلى بوجود احد الفردين فى زمان على اى حال معلوم و انما الشك فى ارتفاعه فى زمان آخر فيستصحب مدفوع بان ما هو معلوم هو وجوده بوجود الفرد المقطوع الارتفاع، و وجوده بوجود فرد آخر مشكوك، فقياس المقام بالقسم الثالث مع الفارق، اذ فى ذلك القسم لا يمكن وجود الكلى الا باحدى الخصوصيتين، لا يكون ارتفاعه مع ارتفاع احديهما و احتمال تبدلها بالاخرى معلوما، لان وجوده بوجود احديهما معلوم و ارتفاعه بارتفاع
ص: 277
احديهما مشكوك، انتهى ما افاده قدس سره فى وجه ما اختاره من التفصيل ملخصا و اورد عليه الاستاد دام ظله، بان ما افاده من الوجه لعدم جريان استصحاب الكلى فى القسمين الاولين، انما يتم فيما لواريد استصحاب الكلى فيهما بوجوده الخاص، دون ما اذا اريد استصحابه باعتبار صرف الوجود، مع قطع النظر عن الخصوصيات الشخصية، فانه لا اشكال فى ان صرف الوجود من الطبيعة اذا جعل موضوعا للحكم، فلا يرتفع هذا الموضوع الا بانعدام جميع الوجودات الخاصة فى زمن من الازمنة اللاحقة، بداهة ان صرف الوجود مقابل للعدم المطلق، و من المعلوم ان العدم المطلق لا يصدق الا بعد انعدام تمام الوجودات الخاصة، و عليه فلو شك فى وجود فرد آخر من الطبيعة مع ذلك الفرد الموجود منها سابقا او مقارنا لارتفاعه، يكون المورد لاستصحاب الكلى بلحاظ صرف الوجود بلا ركنيه متحققان، لان اليقين بتحقق صرف وجود الطبيعة سابقا مما لا شبهة فيه، و كذلك الشك فى بقاء صرف وجودها الاحقا، ضرورة ان الشك فى وجود فرد آخر فى اللاحق، ملازم للشك فى تحقق صرف الوجود فيه، و هو على تقدير تحققه واقعا و فى نفس الامر يكون تحققه بقاء له لا حدوثا، و ذلك لما عرفت من ان صرف الوجود يكون فى مقابل العدم المطلق، فهو انما يكون حادثا فيما اذا كان مسبوقا بالعدم المطلق، و المفروض انه ليس كذالك لانه مسبوق بالوجود فى ضمن الفرد السابق المتيقن سابقا و الزائل لاحقا، فاذا كان تحقق فرد آخر منه واقعا بقاء له فيكون الشك فى تحققه شكا فى بقائه فيتم به كلا ركنى الاستصحاب.
(قوله دام ظله الامر الرابع المستفاد من اخبار الباب الخ) لا يخفى انه بناء على ما استفاده الاستاد من اخبار الباب، من ان مورد الاستصحاب و مجراه هو ما شك فى تحققه لا حقا مع القطع بتحققه سابقا، لا مجال للفرق فى حريانه بين ما يكون من الامور القارة بالذات، و ما يكون من الامور التدريجية الغير القارة التى لا يجتمع اجزائها فى الوجود و انما تتجدد شيئا فشيئا، كالزمان و الزمانيات كالحركة و نحوها، و ذلك لما عرفت فى القسم الثالث من استصحاب الكلى، من ان من المقرر فى محله ان الموجودات الممتدة
ص: 278
مطلقا، اى سواء كانت قارة مجتمعة اجزائها فى الوجود، كالجسم الطبيعى و الكم المتصل باقسامه من الخط و السطح و الجسم التعليمى، او كانت غير قارة متصرمة، كالحركة و الزمان و الزمانيات، تكون وحدتها الاتصالية عين وحدتها الوجودية، و كون اجزاء الامور الغير القارة غير مجتمعة فى الوجود، لا يضر بوحدتها الوجودية، بعد بقاء حافظ الوحدة فى جميع مراتب التبدلات، فاذا كانت للامور التدربجية الغير القارة مالم تنقطع اتصالها بتخلل العدم بين اجزائها، وحدة وجودية، فلا مجال للاشكال فى جريان الاستصحاب فيها، و لو بناء على القول باعتبار اتحاد الموضوع فى القضيتين عقلا فى جريانه، بداهة ان الشك فى تحقق الجزء اللاحق حينئذ يكون شكا فى تحقق عين ما قطع بتحققه سابقا، و عليه فلا نحتاج فى التمسك بالاخبار لاجراء الاستصحاب فى الامور التدريجية الى المسامحة العرفية، نعم لو كان مورد الاستصحاب و مجراه، هو الشك لا حقا فى بقاء ما كان مقطوع التحقق سابقا، كما استفاده شيخ مشايخنا الانصارى قدس سره من الاخبار، امكن ان يقال ان مثل الزمان و الزمانيا من الامور التدريجية المتصرمة، خارج عن العنوان المذكور لعدم تصور البقاء لها الا بالمسامحة العرفية، و ذلك لعدم كون الشك فى شئى منها شكا فى بقاء ما يتقن به سابقا، لأنه لا يوجد جزء من اجزائها الا بعد ما انعدم الجزء السابق عليه، و معه لا يمكن دعوى ان الشك فى الجزء اللاحق شك فى بقاء ما تحقق فى السابق، الا بالمسامحة العرفية بجعل المجموع موجودا فعليا بمجرد وجود اول جزء منه، لكن المستفاد من الادلة ليس هذا العنوان عنى الشك فى البقاء، بل المستفاد منها ان المعتبر هو صدق نقض اليقين بالشك، و لا شبهة فى ان هذا العنوان يصدق بمجرد رفع اليد عما قطع به سابقا بالشك فى تحققه لا حقا، و ان لم يكن الشك فى تحققه لا حقا شكافى بقائه، و عليه فلا مجال للاشكال فى جريان الاستصحاب فى التدريجيات التى يتجدد شيئا فشيئا، و لا يحتاج فى جريانه فيها الى المسامحة العرفية، بعد ما عرفت من ان لها ما لم ينقطع وجودا واحدا حقيقيا، يصدق معه اذا شك فى تحقق الجزء اللاحق منها، انه شك فى تحقق عين ما قطع به فى السابق هذا، و لكن مقتضى دقيق النظر، هو الاحتياج
ص: 279
فى جريان الاستصحاب فى التدريجيات من الزمان و الزمانى، الى المسامحة العرفية مطلقا، سواء قلنا بان مجرى الاستصحاب هو الشك فى البقاء، او قلنا بان مجراه ما شك فى تحققه لا حقا مع القطع بتحققه سابقا اما على الاول فلما عرفت فيمامر انفا، و اما على التانى فلان التدريجيات و ان كان لها ما لم تنقطع وجود واحد حقيقى، الا ان هذا الوجود الواحد قبل احرازه بجميع اجزائه المتصرمة لا يمكن حصول العلم به، و بعد احرازه كك لا يمكن الشك فيه، فيختل احد ركنى الاستصحاب على كل حال، فيحتاج فى جريان الاستصحاب فيه الى المسامحة التى ذكرناها، من جعل المجموع موجودا فعليا بمجرد وجود اول جزء منه، هذا فيما اذا اريد من الزمان مقداد حركة الفلك من بد و فى حدوثه الى طيّة كطى السجل للكتب، او القطعات الفرضية منه، كالليل او النهار الذى هو عبارة عن القطعة الخاصة من الزمان المحدودة بين الحدين المفروضين، و اريد من الزمانى كالحركة الحركة القطعية، و اما اذا كان المراد من الزمان هو الآن السيال الراسم للزمان، و من الزمانى هى الحركة التوسطية التى هى عبارة عن كون الجسم المتحرك بين المبدء و المنتهى، و بعبارة اخرى كونه فى كل آن فى حد من المسافة لم يكن قبل وصوله اليه و لا بعده حاصلا فيه، فاجراء الاستصحاب فيهما لا يحتاج الى المسامحة مطلقا، و لو نباء على ما استفاده شيخ مشايخنا المرتضى قدس سره من الاخبار، من ان مورد الاستصحاب هو الشك فى البقاء كما هو اوضح من ان يخفى هذا ثم ان شيخ مشايخنا المرتضى قدس سره قسم استصحاب الزمان، الى ما يراد به استصحاب نفس الزمان بوجوده المحمولى، كما يقال النهار كان موجودا سابقا و الاصل بقائه، و الى ما يراد به استصحاب جزئه بوجوده الرابطى النعتى، كما يقال هذا الزمان كان سابقا متصفا بكونه جزء من النهار و الاصل بقاء اتصافه به، و لم يستشكل فى جريانه فى القسم الاول، الا من جهة عدم اجزاء فى احراز كون الجزء المشكوك من اجزاء النهار الا على القول بالاصل المثبت، و الاقتصار عليهذا الوجه فى مقام الاستشكال، يكشف عن ان اجرائه لاحراز بقاء الزمان بوجوده المحمولى لا محذور فيه، و لعله اما لما ذكرنا من ان الموجودات الممتدة تكون وحدتها الاتصالية
ص: 280
عين وحدتها الوجودية، فمالم يتخلل بينها عدم يكون لها وجود واحد حقيقى، و اما لما ذكره فى وجه جريان القسم الثانى من استصحاب الزمان من المسامحة العرفية و اما فى القسم الثانى، فاستشكل اولا فى جريانه بان نفس هذا الجزء المشكوك كونه من النهار مثلا لم يكن متحققا سابقا، فضلا عن اتصافه بالنهارية، ثم دفع الاشكال بان نفس هذا الجزء و ان لم يكن متحققا سابقا حقيقة و عقلا، الا انه كان متحققا سابقا باعتبار تحققه فى ضمن ما كان متحققا سابقا عرفا، فان النهار مثلا او الليل بجميع اجزائه يعتبر عرفا امرا واحدا مستمر اله وجود واحد، و يكون بقائه و ارتفاعه فى المقام عبارة عن عدم تحقق جزئه الاخير و تحققه، لا بقائه بتمام اجزائه و ارتفاعه كك، لان هذا لا يتصور فى الامور المتدرجة فى الوجود، فاذا علم بتحقق النهار مثلا و شك فى انقضائه، يصدق عرفا انه كان على يقين من وجود النهار فشك فيه، مع انه لم يعلم سابقا الا بوجود جزء منه، فالمناط فى جريان الاستصحاب هو الشك فى وجود الشئى لا حقا بعد القطع بتحققه سابقا، و ان كان تحققه سابقا مسامحيا عرفيا، كما اذا تحقق جزء من النهار او الليل، و ان كان تحققه بنفس تحقق ذلك الجزء المشكوك، فان الكل لا يتحقق الا بتحقق جميع اجزائه، فالعلم بتحقق هذا الجزء المشكوك سابقا يكون من جهة كونه جزء لما علم بتحققه كك و لو مسامحة، فيمكن القول بجريان الاستصحاب فيه بهذا الاعتبار ثم استشكل فى استصحابه، بانه لا يجدى فى اثبات كون الجزء المشكوك متصفا بكونه من النهار او لليل مثلا، كى لا يصدق على الفعل الواقع فى النهار او الليل، الا على القول بالاصل المنب مطلقا او فيما كانت الواسطة خفية هذا و لا؟؟ او امكن اجزاء الاستصحاب فى نفس الجزء بهذا الاعتبار، امكن اجرائه فى اتصافه بالنهارية او الليلة بهذا الاعتبار ايضا، لانه كما علم بتحققه سابقا باعتبار كونه جزء لما علم بتحققه كك و لو مسامحة، كذلك علم باتصافه بكونه جزء من النهار باعتبار كونه جزء لما علم باتصافه بالنهارية و لو مسامحة، و لكن مع ذلك لا يجدى ايضا فى احراز وقوع الفعل فى النهار او الليل، فيما اخذ فى موضوع الحكم و الاثر وقوعه فى احدهما، الاعلى القول بالاصل المثبت، بداهة ان وقوع الفعل فى
ص: 281
النهار او الليل من اللوازم العقلية لكون الجزء جزء من النهار او الليل هذا، و لكن مقتضى التحقيق عدم جريان الاستصحاب الا فى نفس الزمان بوجوده الحمولى، و ذلك لما مر من ان الزمان و ان كان امرا تدريجيا غير قار الذات، الا انه لم ينقطع امر واحد مستمر له وجود واحد حقيقى، فاذا شك فى تحقق الجزء اللاح حق منه يكون شكا فى تحقق عين ما قطع بتحققه سابقا فتأمل جيدا و اما جزء الزمان بوجوده النعتى الربطى، فالظاهر عدم جريان الاستصحاب فيه، بداهة ان هذا الجزء المشكوك كونه من النهار مثلا، و ان كان على تقدير كونه منه متحدا مع سائر اجزائه وجودا، الا انه لم يعلم بوجوده و كونه منه سابقا كى لا يجرى فيه الاستصحاب لا حقا ثم لا يخفى ان استصحاب الزمان بوجوده المحمولى، انما يجدى فى الموقتات التى لم يؤخذ فى ترتب الحكم عليها وقوعها فى الزمان كما فى الصوم، و اما مثل الصلوة من الموقتات التى اخذ فى ترتب الحكم عليها وقوعها فيه، فلا يجدى استصحاب الزمان كالنهار مثلا او الليل فى اثبات وقوعها فيه، الا على القول بالاصل المثبت، و استصحاب نفس الحكم لا يجرى ايضا حينئذ لعدم احراز موضوعه، هذا مع انه لا يجدى فى الخروج عن عهدة ما تنجز عليه من الصلوة فى الوقت الخاص، فالحق هو التفصيل فى الموقتات، بين ما اخذ الزمان شرطا لاصل التكليف كما فى الحج و الصوم، و ما اخذ الزمان مضافا الى ذلك شرطا للمكلف به كما فى الصلوة، فيجدى استصحاب الزمان بالنسبة الى الاول، دون الثانى لما مر هذا ثم ان الشك فى الزمانيات، تارة يكون من جهة الشك فى الوصول الى المنتهى و عدمه بعد احراز مقداره، كما اذا شك فى ان المشتغل بقرائة السورة الكذائية هل انتهت قرائته ام لا، او شك فى ان الايام التى اقتضت الطبيعة قذف الدم فيها هل انقضت ام لا، و اخرى يكون من جهة الشك فى مقداره، الناشى من الشك فى مقدار اقتضاء ما هو المناط فى عدّ تلك القطعة من الحركة او التكلم او الكتابة او سيلان الماء او الدم شيئا واحدا، كما اذا شك فى ان القارى او المتكلم، هل كان داعيه الى القرائة و التكلم، بحيث يدعوه اليهما بمقدار ساعة او ساعتين، او شك فى ان طبيعة هذه المراة بحيث تقتضى قذف الدم الى ثلثة ايام او اكثر، و
ص: 282
ثالثة يكون من جهة الشك فى حدوث داع آخر له فى التكلم، او شك فى جريان الماء من جهة الشك فى حدوث سبب آخر لجريانه، لا اشكال فى جريان الاستصحاب على الاول، و كذا على الثانى بناء على حجيته فى الشك فى المقتضى ايضا، و اما على الثالث ففى جريانه اشكال، من جهة ان الشك حينئذ ليس فى بقاء ما كان موجودا سابقا، بل فى حدوث شئى آخر بملاك آخر، و الاصل عدم حدوثه فتدبر ثم ان الامر الزمانى التدريجى تارة يستصحب شخصه، و آخرى يستصحب الكلى الموجود فى ضمنه، فاذا شك فى ان التكلم الذى شرع فيه هل تم او بقى منه شئى، جرى فيه استصحاب الشخص و الكلى، فان الشك فيه من جهة تردده بين قليل الاجزاء و كثيرها فمن حيث ان كل تكلم يقع فى الخارج بماله من الاجزاء، يكون فردا واحدا للطبيعة، و يكون نسبة كل جزء من اجزائه اليه نسبة الجزء الى الكل، يكون استصحاب القدر المشترك بين قليل الاجزاء و كثيرها، من قبيل القسم الثانى من استصحاب الكلى، و من حيث ان اجزائه مشتركة معه فى الدخول تحت الطبيعة المشتركة، يكون استصحاب القدر المشترك من قبل القسم الثالث من استصحاب الكلى، و هو ما يحتمل حدوثه بعد الفرد المعلوم تبدله اليه هذا تمام الكلام فى استصحاب الامور التدريجية من الزمان و الزمانيات، و اما المستقر الذى اخذ الزمان قيدا له، فتارة يكون الشك فيه من جهة الشك فى انقضاء الزمان المأخوذ قدا له و عدمه، كما هو ظاهر كلام شيخ مشايخنا الانصارى قدس سره، حيث قال بعد الاستشكال فى جريان الاستصحاب فى الزمان و الزمانى الذى لا استقرار لوجوده، و فى المستقر الذى اخذ الزمان قيدا له، ما هذا لفظه الا انه يظهر من كلمات جماعة جريان الاستصحاب فى الزمان، فيجرى فى القسمين الاحيرين بالطريق الاولى، فحاله حال نفس الزمان فمن وجب عليه الجلوس فى تمام النهار مثلا، فجلس الى ان شك فى انقضاء النهار او بقائه، يصح ان يقال ان جلوسه كان سابق جلوسا فى النهار و الان كما كان، فيترتب عليه حكمه اعنى الوجوب و توهم ان الجلوس فى هذه القطعة من الزمان ليس له حالة سابقة، بداهة كونه مرددا من اول الامر بين وقوعه فى الليل او النهار مدفوع بان المفروض عدم ملاحظة
ص: 283
الجلوس فى القطعات من النهار موضوعا مستقلا، بل اعتبر حقيقة الجلوس المتحقق فى النهار موضوعا واحد للوجوب و اخرى يكون الشك فيه مع القطع بانقضاء الزمان الذى اخذ قيدا له، و هذا على قسمين، لان الزمان المأخوذ قيد اللفعل فى لسان الدليل، تارة يكون بحسب فهم العرب ظرفا لثبوته، و اخرى يكون بحسب فهمهم ايضا قيدا له، فان كان من قبيل الاول، فلا اشكال فى جريان الاستصحاب فيه كما هو واضح، و ان كان من قبيل الثانى كما هو ظاهر كلام الشيخ الانصارى قدس سره عند تعرضه للقسم الثالث اعنى المقيد بالزمان، حيث قال قدس سره و اما القسم الثالث و هو ما كان مقيدا بالزمان، فينبغى القطع بعدم جريان الاستصحاب فيه، فلا اشكال فى عدم جريان الاستصحاب فيه، لان المقيد بشئى لا يعقل بقائه مع انتفاء ذلك الشئى، بداهة ان البقاء عبارة عن وجودا الموجود الاول فى الزمان الثانى، و هذا غير معقول فى المقيد بعد انتفاء قيده لانتفائه بانتفائه و اما استصحاب نفس الحكم فلا يجرى ايضا لانتفاء موضوعه اذا عرفت هذا، فنقول ان كان مراد الشيخ قدس سره من الشك فى القسم الثالث اعنى المقيد بالزمان، هو الشك فيه من جهة الشك فى انقضاء الزمان و عدمه، فلا وجه لما افاده عند التعرض لهذا القسم من القطع بعدم جريان الاستصحاب فيه، و ان كان مراده من الشك فيه، هو الشك فيه مع القطع بانقضاء الزمان، فلا وجه لما افاده فى صدر كلامه، من جعل الاستصحاب فيه اولى منه فى نفسه الزمان و هذا واضح فتحصل مما ذكرنا كله، ان الظاهر عدم الاشكال فى صحة الاستصحاب فى الاقسام الثلثة، فيما اريد به ترتيب ما لنفس بقائها، مع قطع النظر عن انطباقها على جزئى فى الخارج، من الاثر، و اما لواريد به ترتيب مالها من الاثر باعتبار انطباقها على جزئى كك، كما لو اريد باستصحاب النهار اثبات ان هذا الزمان المشكوك فيه متصف بكونه من النهار، كى يصدق على الفعل الواقع فيه انه واقع فى النهار، فلا يصح الاعلى القول بالاصل المثبت، بداهة ان كون الزمان المشكوك فيه متصفا بكونه من النهار من اللوازم العقلية لبقاء النهار، فلا يجدى استصحاب النهار فى اثباته الاعلى القول بالاصل المثبت اللهم ان يدعى انه من اللوازم الخفية التى يعد اثرها عرفا من
ص: 284
آثار نفس الملزوم فلا يضر كما يأتى بيانه انشاء اللّه تعالى هذا ثم ان الفاضل النراقى قدس سره توهم جريان كل من الاستصحاب الوجودى و العدمى، فى الاحكام الشرعية المترتبة على الموضوعات المقيدة بالزمان، و تعارض احدهما مع الاخر، و قال فى تقريب ذلك، ما حاصله انه لو امرنا الشارع بوجوب الجلوس فى يوم الجمعة مثلا الى الزوال، و شككنا فى وجود به بعده، فهناك استصحابان، احدهما وجودى و هو استصحاب وجوب الجلوس الذى علمنا بثبوته فى يوم الجمعة الى الزوال، و الاخرى عدمى و هو استصحاب عدم وجوب الجلوس الثابت از لا قبل امر الشارع بوجوبه، اذ لم يعلم بانتقاض ذلك العدم الا بهذا المقدار دون الزائد، فيتعارض احدهما مع الاخر و توهم عدم جريان الاستصحاب العدمى لعدم اتصال الشك فيه باليقين، بخلاف الوجودى مدفوع ان وجوبه حيث كان مغيّى بالزوال، فحين اليقين بوجوبه يشك فى وجوبه به بعده، فالشك فى وجوب الجلوس بعد الزوال ايضا يكون متصلا باليقين. بعدم وجوبه قبل امر الشارع ثم انه قدس سره فى صدر كلامه اجرى ما ذكره من تعارض الاصلين فى الاحكام التكليفية التى شك فى مقدار بقائها من جهة الشك فى المقتضى، ثم بعد ذلك اجراه فى الاحكام التكليفية و الوضعية التى كان مقدار بقائها معلوما و شك فى تحقق الرافع او الناقض لها، فحكم فيما اذا عرض مرض يشك معه فى وجوب الصوم، و فيما اذا حصل الشك فى الطهارة لاجل خروج المذى و فى طهارة الثوب النجس اذا غسل مرة، بتعارض استصحاب وجوب الصوم قبل عروض المرض، و استصحاب عدمه الازلى قبل وجوب الصوم، و بتعارض استصحاب الطهارة قبل خروج المذى، و استصحاب عدم جعل الشارع الوضوء سببا للطهارة بعد خروج المذى، و بتعارض استصحاب النجاسة قبل الغسل، و استصحاب عدم كون ملاقاة البول سببا للنجاسة بعد الغسل مرة، ثم حكم بتعارض الاستصحابين فى هذه الصور، الا ان يكون هناك اصل آخر حاكم على استصحاب العدم، كالصالة عدم جعل الشارع المشكوك الرافعية من المرض و المذى و الغسل مرة رافعا، ثم قال و لو لم يعلم ان الطهارة مما لا يرتفع الا برافع، لم نقل باستصحاب الوجود و اورد عليه شيخ مشايخنا
ص: 285
الانصارى قدس سره، بان الزمان ان اخذ قيدا، فلا مجال معه الاستصحاب الوجود، للقطع بارتفاعه بارتفاع موضوعه، فيكون استصحاب العدم جاريا بلا معارض بداهة ان الجلوس المقيد بما بعد الزوال لم يكن واجبا قطعا فالان كما كان و ان اخذ ظرفا فلا معنى لاستصحاب العدم الاصلى بعد انقلابه الى الوجود، و اما ما ذكره من ان الشك فى وجوب الجلوس بعد الزوال كان حاصلا فى ظرف اليقين بالوجوب فكان الشك متصلا باليقين، ففيه ان مجرد اتصال الشك باليقين، لا ينفع فى جريان الاستصحاب، بعد انتقاض اليقين بعدم التكليف باليقين به الى الزوال قال الاستاد دام ظله يمكن توجيه كلام النراقى قدس سره على نحو يسلم عما اورده شيخنا قدس سره عليه، و هو بان نقول انا نختار الشق الاول من الترديد، و هو كون الزمان قيد للموضوع الذى تعلق به الوجوب، لكن لا نستصحب وجوب الموضوع المقيد بالزمان، كى لا يرد ما اورده قدس سره من انه لا مجال لاستصحاب الحكم مع القطع بارتفاع الموضوع، بل نستصحب وجوب حقيقة الجلوس على سبيل الاهمال عن التقييد بالزمان، بداهة ان الوجوب كما ان له نسبة الى الجلوس المقيد بالزمان، كك له نسبة الى حقيقة الجلوس مهملة عن اعتبار الزمان، و ذلك لما بينا فى محله من اتحاد المهملة مع الاقسام، و بنينا على ذلك صحة جريان اصالة البرائة فى الاقل و الاكثر الارتباطيين فراجع، فاذا صح نسبة الوجوب الى الطبيعة المهملة، فنقول فيما لووجب الجلوس المقيد بما قيل الزوال، و شك فى وجوبه بعده، ان ذات الجلوس كان واجبا قبل الزوال و الاصل بقاء وجوبه فيما بعده فتدبر(1) فيعارض هذا الاصل، باصالة عدم وجوب الجلوس المقيد بما بعد الزوال، لانه بهذا القيد مشكوك الوجوب او نقول انا نختار الشق الثانى من الترديد و هو كون الزمان ظرفا للموضوع الذى تعلق به الوجوب لكن نقول كما يصح بعد انقضاء ذلك الزمان، ان يلاحظ ذات ذلك الموضوع، و يقال انه كان واجبا فى السابق و نشك فى بقاء وجوبه، كذلك يصح ان يلاحظ مقيدا بما بعد ذلك
ص: 286
الزمان، و يقال ان هذا الموضوع المقيد لم يكن واجبا فى السابق قطعا و الان كما كان فيتعارض الاصلان فى طرف الوجود و العدم ثم استشكل دام ظله فيما افاده من التوجيه لكلام الفاضل المزبور، بان الشق الاول الذى كان الزمان فيه قيدا للموضوع، و ان امكن تصور اجراء الاستصحاب فيه، لليقين سابقا بوجوب طبيعة الجلوس على سبيل الاهمال و الشك لاحقا فى بقاء وجوبها، لكنه راجع الى استصحاب القسم الثالث من الكلى الذى منع الشيخ الانصارى قدس سره عن جريانه، و نحن و ان اخترنا صحته، لكن الشك فيه فى المقام حيث يكون مسببا عن الشك فى وجوب فرد آخر من الجلوس، و الاصل عدم وجوبه، فليس هناك اصل يعارض اصالة عدم وجوب الجلوس بعد الزوال و اما الشق الثانى الذى كان الزمان ظرفا للموضوع، فليس لاستصحاب الوجوب فيه معارض، بداهة ان مقتضى استصحاب عدم وجوب الجلوس المقيد بزمان خاص، ليس الاعدم كون الجلوس المقيد بما هو مقيد موردا للوجوب، و هذا لا ينافى وجوب الجلوس فى ذلك الزمان الخاص بلحاظه ظرفا للوجوب كما هو واضح.
(قوله دام ظله الامر الخامس قد يطلق على بعض الاستصحابات الاستصحاب التقديرى و التعليقى الخ) اقول هذا الامر فى بيان حجية الاستصحاب التقديرى المسمى تارة بالتعليقى، و هو كما افاده دام ظله ان يستصحب الحكم الكلى المشروط، الذى شك فى بقائه من جهة تبدل حالة من حالات موضوعه التى لا يعدّها العرف قيدا له، مثل ان العنب كان حكمه النجاسة المعلقة على الغليان، ثم شك بعد ما جف و صار زبيبا، و المفروض عدم صيرورته بواسطة الجاف موضوعا آخر عند العرف، فى ان النجاسة المعلقة على الغليان التى كانت ثابتة لهذا الموضوع حال كونه عنبا، هل هى باقية بعد صيرورته زبيبا، ام لا من جهة احتمال مدخلية عنبيته فى ثبوت الحكم له، لا ينبغى الاشكال فى صحة هذا الاستصحاب، اذ لا فرق فى شمول اطلاق ادلة الاستصحاب بين ما يكون الحكم المتيقن فى السابق مطلقا او مشروطا، و توهم ان الحكم المشروط لا تحقق له قبل تحقق شرطه كى يكون متيقنا فى السابق مدفوع بما حقق فى محله من ان الاحكام
ص: 287
الشرعية مطلقا لها تحقق و وجود نفس امرى فى وعائها، بداهة ان تكوينها عين تشريعها، فبتشريعها يحصل لها تحقق فى عالم الاعتبار، و لذا لا اشكال فى جريان استصحاب الحكم الكلى المشروط، فيما لو شك فى بقائه من جهة احتمال نسخه، فلو لم يكن للحكم المشروط تحقق قبل تحقق شرطه، لم يكن وجه استصابه و لو فيما شك فى بقائه من جهة احتمال النسخ كما هو واضح، فان الحكم المشروط و ان كان معلّقا على تحقق الشرط، الا ان انشائه و جعله على تقدير الشرط، امر متحقق له وجوب واقعى فى وعائه المناسب له، فاذا كان للحكم المشروط قبل تحقق شرطه تحقق و وجود، فكما انه اذا شك فى بقاء الحكم المطلق فى الزمان الثانى، من جهة تبدل حال من حالات موضوعه، يصح للشارع ان يجعل حكما ظاهريا مطلقا لذلك الموضوع، و كذلك اذا شك فى بقاء الحكم المشروط فى الزمان الثانى، من جهة تبدل حال من حالات موضوعه، يصح له ان يجعل حكما ظاهريا معلقا على ذلك الشرط لذلك الموضوع، و اذا صح له ذلك، فشمول ادلة الاستصحاب لما اذا شك فى بقاء الحكم المشروط فى الان الثانى من جهة تبدل حال من حالات موضوعه، مما لا ينبغى الارتياب فيه كما هو واضح، فان الحكم المشروط ايضا كما عرفت انفاله تحقق و وجود قد علم بثبوته لموضوعه قبل تبدل حال من حالاته، و يصح للشارع جعله ظاهر الموضوعه بعد تبدل حال من حالاته مما احتمل دخلها فى ثبوت حكمه له و توهم ان الحكم المشروط و ان كان له تحقق و وجود فى السابق، الا انه اثر له ما لم يصر فعليا بتحقق شرطه، و لا مجال للاستصحاب فيما لا اثر له مدفوع بان الاحتياج الى الاثر فى الاستصحاب، انما هو فى استصحاب الموضوعات التى لا تكون فابلة للجعل الشرعى الا بلحاظ آثارها، دون الاحكام التى تكون قابلة للجعل الشرعى بنفسها و توهم ان الاستصحاب حيث لا يكون الا الابقاء العملى، فلا بد فى صحته ان يكون المستصحب حكما عمليا فعليا او موضوعا ذا حكم كك، و من المعلوم ان الحكم المشروط قبل تحق شرطه ليس حكما عمليا فعليا مدفوع بانه يكفى فى صحة الاستصحاب ان يكون المستصحب حكما عمليا فعليا و لو فى زمان الاستصحاب و ان لم
ص: 288
يكن كك قبله، و من المعلوم ان استصحاب الحكم المشروط انما هو بلحاظ صورة تحقق شرطه، فالمستصحب و ان لم يكن الاحكما تعليقيا قبل الاستصحاب لعدم تحقق شرطه، الا انه صار حكما فعليا فى زمان الاستصحاب بتحقق شرطه و توهم ان الحكم المشروط و ان صح استصحابه فيما اذا شك فى بقائه لتبدل حال من حالات موضوعه، الا ان استصحابه معارض مع استصحاب الحكم الفعلى الثابت لموضوعه قبل تحقق شرطه، مثلا الزبيب اذا غلا، فهناك حالتان فى السابق يصح استصحاب كل منهما، احديهما الحرمة على تقدير الغليان، و الثانية الاباحة الفعلية الثابتة قبل الغليان، فيقع المعارضة بين الاستصحابين مدفوع بان الشك فى بقاء الاباحة مسبب عن الشك فى بقاء الحرمة التعليقية، فيكون استصحاب الحرمة التعليقية حاكما على استصحاب الاباحة الفعلية بالاباحة و توهم ان الشك فى بقاء الحرمة التعليقية و الشك فى بقاء الاباحة التنجيزية، كلاهما مسببان عن الشك فى المجعول الشرعى، و انه هل الحرمة المجعولة على تقدير الغليان مخصوصة بحالة العنيية او تعم جميع الحالات، و اما بين الحرمة التعليقية و الاباحة التنجيزية، فليس سببية و لا مسببية، لانهما ضدان لا يجتمعان فى محل واحد مدفوع بان الشك فى بقاء الحرمة التعليقية، عبارة اخرى عن الشك فى كيفية الحرمة المجعولة، و انها علم تحوتعم جميع حالات الموضوع او مخصوصة بحالة عنبيته، فاذا احر زنا بالاستصحاب بقاء الحرمة المجعولة، و انه لم يرتفع فيه الموضوع بتغيير حالته العنبية، و ثبت ان حكم الزبيب على تقدير الغليان حكم العنب على تقديره، فيرتفع الشك فى اباحته على تقدير الغليان، لانه محكوم بالحرمة عليهذا التقدير بحكم الشارع و توهم ان الشك فى بقاء الاباحة الفعلية و ان كان مسببا عن الشك فى بقاء الحرمة التعليقية، الا ان ترتب عدم الاباحة الفعلية على بقاء الحرمة التعليقية ليس بشرعى، بل من جهة ان العقل يحكم بثبوت الحرمد الفعلية عند تحقق الملعق عليه و هى تضاد الاباحة، و هذا الحكم العقلى و ان كان من لوازم الحكم التعليقى مطلقا اعنى سواء كان واقعيا ام ظاهريا، نظير حكمه بلزوم الامتثال، لكنه لا يكون مصححا الا لمجرد الاخذ بهذا اللازم و ان الاخذ به ليس
ص: 289
قولا بالاصل المثبت، و اما تصحيحه حكومة الاصل الجارى فى الشك السببى على الجارى فى الشك المسببى فلا، كيف و من شرائط تقديم الاصل السببى على المسببى، كون ترتب المسبب على السبب شرعيا، كما فى ترتب طهارة الثوب النجس على طهارة الماء المغسول به ذلك الثوب، و لذا يكون استصحاب طهارة الماء المسبوق بالطهارة، حاكما على استصحاب نجاسة الثوب المغسول به، و قد عرفت ان ترتب عدم الاباحة على بقاء الحرمة التعليقية عقلى، حيث ان العقل يحكم بثبوت الحرمة الفعلية عند تحقق المعلق عليه و هى تضاد الاباحة مدفوع بان الحاكم بثبوت الحرمة الفعلية عند تحقق المعلق عليه هو الشرع، و العقل يكون مدركا لهذا الحكم الشرعى، من جهة علمه بانه لو سئل الشارع عن حكم العصير بعد غليانه لحكم بحرمته فعلا، فاذا الحكم بفعلية الحرمة التعليقية عند تحقق المعلق عليه شرعيا، فيكون ترتب عدم الاباحة على بقاء الحرمة التعليقية شرعيا و توهم ان ترتب عدم الاباحة على بقاء الحرمة التعليقية عقلى، و لو بناء على كون الحكم بفعلية الحرمة التعليقية عند تحقق المعلق عليه شرعيا، اذ لم يدل دليل على ان من آثار ثبوت الحرمة الفعلية لموضوع عدم اباحته، و انما يحكم به العقل من جهة ما بين الحكمين من التضاد و عدم الاجتماع فى محل واحد مدفوع بانه لو احرز بالاستصحاب بقاء الحرمة التعليقية الى حال جفاف العنب و صيرورته زبيبا، فلا يبقى احتمال حليته فى هذا الحال، بداهة ان معنى قوله عليه السلام ابن على كونه حراما فى هذا الحال، هو الغ احتمال الخلاف اى الحلية، و ذلك لان الاستصحاب و ان لم يكن حجة من باب الطريقية، الا انه من الاصول المحرزة و لذا قلنا بقيامه مقام القطع الطريقى فتبين مما ذكرنا كله ان استصحاب الحكم المشروط فيما اذا شك فيه لتبدل حال من حالات موصوعه مما لا ينبغى الاشكال فيه، لكن مع ذلك استشكل فى جريانه بعض السادة ممن عاصرناه فيما علقه قدس سره على مكاسب شيخ مشايخنا المرتضى قدس سره، بما حاصله ان الاستصحاب التعليقى، انما يكون حجة فيما اذا كانت الملازمد من الاحكام الوضعية القابلة للجعل التشريعى، و اما بناء على ما هو الحق من انها من الامور الانتزاعية الاعتبارية
ص: 290
العقلية فلا، بداهة انه عليهذا ليس هناك حكم مجعول فى السابق حتى يستصحب، اما الملازمة فلما عرفت من انها من الامور الانتزاعية الغير القابلة للجعل، و المستصحب لا بد ان يكون اما مجعولا شرعيا او مما له اثر شرعى كك، و اما الامر المعلق فهو حكم على تقدير تحقق المعلق عليه، فقبل تحققه كما هو المفروض لا حكم كى يستصحب و اوضحه بعض الاجلة من الاساتيد دام ظله فى مجلس بحثه برسم مقدمات.
الاولى انه يعتبر فى الاستصحاب ان يكون المستصحب اما مجعولا شرعيا كما فى استصحاب الاحكام، او مماله اثر مجعول كك كما فى استصحاب الموضوعات.
الثانية ان الملازمة التى هى عبارة عن السببية، ليست من المجعولات الشرعية و لا مما له اثر مجعول كك، بداهة انها من الامور الانتزاعية التى تكون من الخارج المحمول، و لا تكون مجعولة الا بتبع جعل ما هو منشاء انتزاعها من انشاء حكم لشئى عند حصول شئى آخر، فاذا قال الشارع اقم الصلوة لدلوك الشمس او قال حج ان استطعت او قال يحرم العنب او ينجس اذا غلى، ينتزع منه سببية الدلوك لوجوب الصلوة و الاستطاعة لوجوب الحج و الغليان لحرمة العنب او نجاسته، هذا مع انها لو كانت مجعولة، للزم ان لا يكون وجوب الصلوة و الحج و حرمة العنب من المجعولات الشرعية، بداهة انه بناء على امكان انشاء السببية للدلوك و الاستطاعة و الغليان و جعلها علة، يترتب عليها تلك الاحكام قهرا بمجرد انشاء السببية لها.
الثالثة انه لا يجدى اجراء الاصل فى شئى، لاحراز لوازمه و ملزوماته و ملازماته العقلية او العادية، و لا لترتب ماله بواسطة احديها من الاثار الشرعية، الاعلى القول بالاصل المثبت.
الرابعة ان الاحكام الشرعية ليست من قبيل القضايا الخارجية التى ينشاء الحكم فيها على الموضوعات الخارجية، بل هى من قبيل القضايا الحقيقة التى هى عبارة عن جعل الاحكام على الموضوعات المقدّرة وجوداتها، كما قال الحكيم السبزوارى قدس سره فى منظومته، حيث قال فى تعريف القضية الحقيقية هى التى حكم فيها على الافراد النفس
ص: 291
الامرية محققة كانت او مقدرة فتدبر فالشارع بتوسط العناوين الكلية يلاحظ المصاديق و يجعل الحكم على تقدير وجودها، فهذا الحكم قبل وجود تلك المصاديق لا يكون الا شأنيا، و انما يصير فعليا بوجودها و تحققها خارجا، لان الموضوع بعد هذا الجعل الشرعى، يصير كالسبب التكوينى الذى يترتب عليه المسبب بلا مهلة، فكما لا يمكن يتحقق المسبب بدون تحقق سببه، فكذلك لا يمكن ان يصير الحكم فعليا بدون تحقق موضوعه، و من هنا صار هذا الجعل الشرعى منشاء لانتزاع السببية للموضوعات فى باب الوضعيات و تسميتها سببا، و انتزاع الشرطية لها فى باب التكليفيات و تسميتها شرطا، و الا فالموضوع هو السبب و الشرط، و السبب و الشرط هما الموضوع عباراتنا شتى و حسنك واحد ثم انه لو كان الموضوع للحكم امرا واحدا بسيطا، فبتحققه يتحقق الحكم لا محة، و اما لو كان موضوعه مركبا من امور متعددة، فلا يتحقق الحكم الا بعد تحقق الجميع ثم انه فيما لو كان الموضوع مركبا من عرض و محله، قدينشاء الحكم على الجزء الجوهرى معلقا على الجزء العرضى، تنبيها على انه كالجزء الاخير من العلة التامة للحكم، و ليس من حالات الموضوع التى لا يتبدل الحكم بتبدلها مثلا اذا كان موضوع الحرمة العنب المغلى، ينشاء الحرمة للعنب معلقا على تحقق الغليان، و يقول يحرم العنب اذا غلى، فالموضوع للقضية التعليقية و ان كان هو العنب، الا انه فى الحقيقة هو المجموع المركب منه و من الغليان، و يكون الحكم معلقا على وجود كليهما، و فيما كان الموضوع مركبا من جزئين او اجزاء و كان احد الجزئين او بعض الاجزاء متحققا بالفعل و الاخر غير متحقق كك، قد ينشاء الحكم على الجزء المتحقق بالفعل معلقا على تحقق الجزء الاخر، تنبيها على انه ليس لفعلية الحكم حالة منتظرة غير تحقق ذاك الجزء، مثلا اذا كان موضوع النجاسة مركبا من الماء و التغير، و كان الماء متحققا فعلا دون التغير، ينشاء النجاسة على الماء معلقا على تحقق التغير و يقول الماء ينجس اذا تغير، مع ان الموضوع فى الحقيقة هو الماء المتغير لا الماء فقط فتحصّل مما ذكرنا ان الشرائط المعتبرة فى باب الوضعيات و التكليفيات، كلها راجعة الى ناحية الموضوع، و ان الحكم ينشاء على تقدير وجودها و
ص: 292
يصير فعليا بوجودها، فلو كان للحكم شروطا متعددة، ففعليته تكون بعد تحقق الجميع، كما ان انشائه كان معلقا على الجميع، فمرجع جميع القضايا التعليقية، مثل قوله تعالى لِلّٰهِ عَلَى اَلنّٰاسِ حِجُّ اَلْبَيْتِ مَنِ اِسْتَطٰاعَ إِلَيْهِ سَبِيلاً، و قوله عليه السلام ماء العنب ينجس او يحرم اذا غلى و امثال ذلك، الى قضايا حملية و هى ان المستطيع يحج و ماء العنب المغلى ينجس و هكذا، كما ان مرجع جميع القضايا الحملية الحقيقية، على ما بيناه فى معناها من انها عبارة عن الاحكام المجعولة على الموضوعات المقدرة وجوداتها، الى القضايا الشرطية مقدمها، عنوان الموضوع و تاليها عنوان المحمول، فقوله الخمر حرام مرجعه الى ان كل ما وجد و كان خمرا فهو حرام.
الخامسة ان الاحكام الكلية المجعولة على الموضوعات المقدر وجوداتها، يكون لها تحقق و لها وجود نفس امرى فى وعائها، و ذلك لما حقق فى محله من ان الاحكام الشرعية تكوينها عين تشريعها، فبتشريعها يحصل لها تحقق فى عالم الاعتبار، فاذا شك فى بقاء الحكم الكلى من جهة احتمال النسخ او من جهة تبدل حاله من حالات الموضوع لا يعدها العرف قيدا للموضوع، و اريد استصحابه فالمستصحب يكون امرا متحققا فى وعائه، فان الحكم و ان كان معلقا على تحقق الموضوع، الا ان انشائه و جعله على تقدير تحقق الموضوع امر متحقق له وجود واقعى فى وعائه.
السادسة لا يخفى وضوح الفرق، بين الاستصحاب التعليقى بالمعنى المبحوث عنه فى المقام، و هو ما اذا تحقق احد جزئى الموضوع ثم تبدل هذا الجزء من الى حالة اخرى ثم تحقق الجزء الاخر، و بين الاستصحاب التعليقى، بمعنى استصحاب الحكم المعلق على وجود الموضوع لوشك فى ارتفاعه عن موضوعه، فان منشاء الشك فى الاول هو تبدل حال الموضوع و احتمال دخله فى حكمه، و منشائه فى الثانى هو الشك فى النسخ مع بقاء الموضوع على ما كان عليه من دون عروض تبدل حال عليه اصلا اذا تمهدت هذه المقدمات فنقول الحق عدم جريان الاستصحاب التعليقى بالمعنى المبحوث عنه مطلقا، اعنى سواء قلنا بان المجعول فى مثل يحرم ماء العنب اذا غلى، هو الحكم و المسبب عند
ص: 293
تحقق الموضوع و السبب كما هو الحق، او قلنا بان المجعول هو سببية الذى قد عرفت فى طى المقدمات امتناعه، اما على الاول فلانه لا حالة سابقة للمستصحب على تقدير و لا يكون حكما شرعيا على تقدير آخر، و ذلك لما عرفت فى بعض المقدمات، من ان التعليق باداة الشرط ليس الا لبيان تقييد الموضوع، فيكون مرجع قولنا ماء العنب يحرم اذا غلى الى قولنا الماء المغلى من العنب حرام، فيكون موضوع الحكم مركبا من ماء العنب و الغليان، و المفروض ان الغليان الذى هو احد جزئى الموضوع لم يتحقق فى السابق، فلم يتحقق للعنب حكم فى السابق اصلا لا منجرا و لا معلقا، اما المنجز فواضح، و اما المعلق فلانه كان معلقا على جزئين، فلا ينتقض بجريان الاستصحاب فى الشك فى النسخ، بداهة ان الشك هناك فى ارتفاع الحكم المعلق على وجود موضوعه عن موضوعه، و قد عرفت ان هذا الحكم له تحقق و وجود فى و عائه المناسب له، فاذا شك فى ارتفاعه عن موضوعه بسبب النسخ يجرى الاستصحاب بلا ارتياب، نعم حيث كان العنب موجودا سابقا حكم بحرمة مائه على تقدير الغليان، لكن هذا الحكم ليس شرعيا بل عقلى، فان العقل اذا وجد بعض اجزاء الموضوع يحكم بانه لو وجد بعضها الاخر ايضا لترتب عليه الحكم، و من هنا يظهر انه لا يجرى الاستصحاب فى نفس الملازمة و السببية و لو قلنا بان المجعول هو الملازمة و السببية، و اغمضنا عما هو الحق و المختار للمصنف قدس سره ايضا، من انها امر انتزاعى ينتزع من جعل الاحكام على موضوعاتها المقدرة وجوداتها، بداهة ان الملازمة و السببية انما تكون بين الماء المغلى من العنب و الحرمة، و المفروض انه لم يوجد هناك الا بعض اجزاء الملزوم و السبب، فلم يتحقق الملازمة و السببية، بداهة تبعية تحقق الحكم مطلقا تكليفيا كان ام وضعيا لتحقق موضوعه بجميع اجزائه ان قلت قد حقق فى محله ان العرف فيما اذا كان موضوع الحكم مركبا من عرض و محله قد يحكمون بمناسبة الحكم و الموضوع، بان الموضوع نفس المحل و يعدون العرض من قبيل حالاته و واسطة فى ثبوت الحكم له، فلم لا يجعل الموضوع فى المقام هو نفس العنب و الغليان واسطة فى ثبوت الحرمة او السببية لهاله قلت لا ينفع جعل
ص: 294
الموضوع فى المقام نفس العنب و جعل الغليان شرطا فى جريان الاستصحاب، بداهة ان الغليان سواء جعل جزء للموضوع او شرطا للحكم، يكون له دخل فى ثبوت الحكم، و المفروض انه لم يتحقق هناك فى السابق الا العنب ان قلت سلمنا ان الموضوع للحرمة هو المركب، الا ان القضية الشرطية هنا حيث يكون موضوعها مركبا من عرض و محله، تنحل الى قضيتين تكون احديهما مقدمة رتبة على الاخرى، بداهة ان المحل له تقدم رتبى على العرض فلا بد اولا من فرض الوجود للمحل ثم فرض تحقق العرض، فقولنا ماء العنب اذا غلى يحرم، ينحل الى قولنا اذا وجد العنب و عرض عليه الغليان يحرم، فبناء على جعل السببية تكون المجعول فى المثال هو سببية العنب للحرمة عند عروض الغليان عليه، فالمستصحب ليس امر عقليا قلت سلمنا انحلال القضية فيما نحن فيه الى قضيتين مرتبة احديهما على الاخرى، الا ان هذا الانحلال و الترتب انما هو بتعمل من العقل من جهة تقوم العرض بمحله و ترتبه عليه، و اما فى مرتبة السببيه فكل من العرض و محله فى رتبة واحدة، بداهة ان ما جعلت السببية له و ما يترتب عليه الحرمة هو المركب، هذه غاية ما يمكن ان يقال فى تقريب هذا الاشكال و لا يخفى اولا ان ما ذكر فى بعض المقدمات، من ان التعليق فى القضايا الشرعية الشرطية يرجع لبا الى تقدير وجود الموضوع، فتكون القضايا الشرطية كغيرها من القضايا، فى كونها انشاء للحكم على موضوعه، المقدر وجوده من غير فرق بينهما اصلا، فيكون مرجع قوله عليهم السّلام العصير العنبى يحرم اذا غلى و قوله تعالى اللّه عَلَى اَلنّٰاسِ حِجُّ اَلْبَيْتِ مَنِ اِسْتَطٰاعَ إِلَيْهِ سَبِيلاً، الى ان العصير المغلى حرام و ان المستطيع يحج، باطلاقه ممنوع، بداهة ان القضايا الشرطية كغيرها، قد يكون الشروط المأخوذة فيها قيدا للموضوع و يكون الحكم فيها مرسلا، و قد تكون شرطا للحكم و يكون الموضوع مطلقا، بل لا بد ان يكون الشرط راجعا الى الحكم فيما اذا كان من قبيل الواسطة فى الثبوت التى تكون علة لعروض العارض على ذات الموضوع، و لذا قلنا بجريان الاستصحاب فى الحكم الشرعى المستكشف من الحكم العقلى، فيما كانت الخصوصية الزائلة الموجب زوالها للشك فى بقاء الحكم الشرعى، من قبيل الواسطة فى
ص: 295
الثبوت، فارجاع الشروط فى القضايا الشرعية مطلقا الى ناحية الموضوع لا وجه له، كيف و الا للزم سد باب مفهوم الشرط بداهة انّه حينئذ يكون التعليق على الشرط فى جميع القضايا الشرطية لبيان تحقق الموضوع، نظير قوله ان رزقت و لذاته فاختنه و ان ركب الامير فخذر كابه، لا لبيان علية الشرط للجزاء كى يدل على الانتفاء عند الانتفاء سلمنا الا ان العرف يرى الموضوع للحكم فى القضايا الشرطية نفس ما جعل فى ظاهر القضية موضوعا له، و يرى الشرط واسطة فى ثبوت الحكم له، فالحكم فى المثالين لو سلم كونه لبا متعلقا بالعصير المغلى و المكلف المستطيع، الا ان موضوعه و متعلقه عرفا هو نفس العصير و المكلف و يكون الغليان و الاستطاعة عندهم من الواسطة فى الثبوت، و هذا النظر العرفى يكفى فى تحقق اركان الاستصحاب ان قلت ان الشرط و ان لم يكن عرفا جزء للموضوع الا ان له مدخلية فى الحكم لا محالة فيستحيل ان يتحقق الحكم قبل تحققه و توهم ان الحكم حيث يكون كليا كما هو المفروض فى محل البحث لا جزئيا، فيكفى فى تحققه فرض تحقق الشرط مدفوع بان فرض وجود الشرط يوحب فعلية الحكم، فان العنب مع فرض وجود غليانه تكون حرمته فعلية لا تعليقية، و هو خارج عما كلامنا فيه من الاستصحاب التعليقى كما هو واضح قلت ان ما يتوقف تحققه على تحقق الشرط هو الحكم الفعلى و ليس كلامنا فيه، بل فى الحكم التعليقى و لا يتوقف تحققه على تحقق الشرط كما هو واضح من ان يخفى و منه ظهر اندفاع ما ربما يقال فى وجه الاشكال فى صحة الاستصحاب التعليقى، من انصراف ادلة الاستصحاب من مثل قوله عليه السلام لا تنقض اليقين بالشك الى اليقين الفعلى، فلا اطلاق لها يعم اليقين التقديرى كما نحن فيه، حيث ان اليقين بالحكم فيه فى السابق لم يكن الا على تقدير تحقق المعلق عليه توضيح الاندفاع هو ان ما كان اليقين به فى السابق تقديريا هو الحكم الفعلى، و قد عرفت ان كلامنا ليس فيه، بل الكلام فى الحكم التعليقى و اليقين به فى السابق كان فعليا لا تقديريا كما هو واضح.
و ثانيا سلمنا ان الشروط المأخوذة فى القضايا الشرعية كلها راجعة الى ناحية
ص: 296
الموضوع، و ان الموضوع فى مثل ماء العنب يحرم اذا غلى هو المغلى من ماء العنب، الا انه بعد كون العنبية و الزبيبية من حالات الموضوع عرفا، لا وجه لجعل الموضوع للاستصحاب فى المثال هو العنب، كى يقال ان العنب لم يكن فى السابق محكوما بحكم اصلا لا منجزا و لا معلقا، بل يجعل الموضوع العصير المغلى من هذا الجسم، و يقال العصير المغلى من هذا الجسم كان سابقا على تقدير وجوده حراما فالاصل بقائه على ما كان فتدبر و اما اشكال عدم حجية الاستصحاب فى الشك فى المقتضى، فهو الحق الذى لا محيص عنه على ما حققناه فيما مر، و ان كان المختار عند الاستاد دام ظله وفاقا لاستاد اساتيده الميرزا الشيرازى الكبير قدس سره حجيته فيه ايضا، هذا تمام الكلام فى بيان حجية الاستصحاب التعليقى فى الحكم، و اما حجيته فى الموضوع فلا مجال للاشكال فيها كان الاثر و الحكم مترتبا على نفس ما احرز بالاستصحاب من الموضوع التعليقى، كما لو شك فى كون الصوم مضرابه فى اليوم مع العلم بانه لو صام فى الامس لكان يضره، فانه يقول لو صمت بالامس لكان يضرنى فاليموم ايضا كما كان، فيترتب على الحرمة، لان الحرمة مرتبة شرعا على الصوم الذى يكون على تقدير وجوده مضر الا على الصوم الفعلى المضر، و اما فيما اذا لم يكن الاثر مترتبا على نفس ما احرز بالاستصحاب من الموضوع التعليقى، بل على وجوده الفعلى المتأخر عن وجود المعلق عليه، فقد يشكل فى جريان الاستصحاب فيه، بدعوى انه غير مجد فى ترتيب ما لوجوده الفعلى من الاثر الا على القول بالاصل المثبت، بداهة ان ترتيبه عند حصول المعلق عليه على ما احرز به من الموضوع التعليقى، يحتاج الى توسط حكم العقل بصيرورته فعليا عند حصوله، مثلا لو كان هناك ماء علم بانه كان فى السابق بمقدار لوصب عليه رطل من الماء لصاركرا، و شك فى الان اللاحق فى بقائه على ما كان عليه من المقدار او نقصانه عنه، كى يحتاج فى تتميه كرا الى ازيد من الرطل، فان استصحاب انه كان فى السابق بمقدار لوصب عليه رطل لصاركرا و الان كما كان استصحاب تعليقى فى الموضوع، لكن الاثر اعنى الاعتصام رتب شرعا على الموضوع، و هو الكر بوجوده الفعلى دون التعليقى، فيحتاج فى ترتيبه
ص: 297
بهذا الاستصحاب الى توسيط حكم العقل بصيرورته كرا فعليا بعد الصب، لكن الحق عدم الاشكال ايضا فى جريان هذا القسم من استصحاب الموضوع التعليقى و عدم كونه من الاصول المثبتة، اذ غاية ما يمكن ان يقال فى تقريب كونه كك، هى انه لا اشكال فى ان حال القضية المشروطة الاخبارية، كقولنا ان كانت الشمس طالعة فالنهار موجود، كحال القضية المشروطة الانشائية كقولنا ان جائك زيد فاكرمه، اذ كما ان التعليق فى الثانية راجع الى المنشاء اعنى الوجوب و يكون الانشاء فعليا، كذلك التعليق فى الاولى راجع الى المخبر به اعنى الوجود و يكون الاخبار فعليا، كما ان لازم المنشاء فى الثانية حيث انه معلق هو ان يصير فعليا بتحقق الشرط، كذلك لازم المخبر به فى الاولى حيث انه معلق ايضا ان يصير فعليا بتحقق الشرط، فحينئذ نقول لو صارت القضية المشروطة الاخبارية مشكوكة بعد ما كانت متيقنة، و تعبدنا الشارع بها بقاء كما كنا قاطعين بها حدوثا، فيقوم التعبد الشرعى مقام التصديق الخبرى، فكما ان التصديق الخبرى كان فعليا و كان الوجود المصدق به مشروطا كذلك التعبد الشرعى يكون فعليا و يكون الوجود المتعبد به مشروطا، و الوجود المشروط مطلقا اعنى سواء كان واقعيا او تعبديا، و ان كان ملازما عقلا لصيرورته فعليا عند تحقق الشرط، لكن لا ملازمة بين التعبد بالوجود المشروط و التعبد بفعليته عند حصول شرطه، كى يترتب على الوجود المشروط التعبدى عند حصول شرطه ما للوجود الفعلى من الاثر، هذه غاية ما يمكن ان يقال فى تقريب الاشكال فى جريان هذا القسم من استصحاب الموضوع التعليقى و يمكن دفعه بانه لا اشكال فى ان القضية المشروطة الاخبارية، مشتملة على نسبة خبرية تامة و الا لم تكن قضية كما هو واضح، و هذه النسبة التامة ليست موجودة فى الجملة الشرطية قطعا، فلا بد ان تكون موجودة فى الجملة الجزائية التى موضوعها النهار و محمولها الوجود، اذ توهم ان هناك نسبة ثالثة مفادها الربط التلازمى بين النسبتين الموجودة احديهما فى الجملة الشرطية و الاخرى فى الجزائيه فيمكن ان تكون هذه هى النسبته التامة الموجودة فى القضية الشرطية الخبرية مدفوع بان هذه النسبة الثالثة لا يمكن ان تكون مفاد للقضية
ص: 298
الشرطية، لعدم امكان استفادتها من الجملة الشرطية و لا من الجزائية كما هو واضح و لا من المجموع، بداهة ان استفادتها من المجموع تتوقف على لحاظ احدى النسبتين موضوعا و الاخرى محمولا و الحكم بالربط التلازمى بينهما، و لحاظهما كك مستلزم للجمع بين اللحاظين فيهما، و هما الحاظهما تبعيا و اليا و لحاظهما استقلاليا فتدبر، و مما يشنهد لما ذكرنا من ان النسبة التامة الموجودة فى القضية الشرطية الاخبارية، لا بد ان تكون فى الجملة الجزائية، هو انه لا شك ان النسبة الحكمية فى القضية المشروطة الانشائية، متحققه فى جانب الجزاء اعنى اكرمه فى قوله ان جائك زيد فاكرمه، فالظاهر ان تكون النسبة الخبرية التامد فى القضية المشروطة الخبرية ايضا منحققه فى جانب الجزاء اعلى فالنهار موجود فى قوله اذا كانت الشمس طالعة فالنهار موجود و اذا ثبت ان النسبة التامة الخبرية المشتملة عليها القضية المشروطة الاخبارية متحققة فى جانب الجزاء، فحينئذ نقول لا بد ان يكون التعليق راجعا الى النسبة الاخبارية، بمعنى انه فرض حصول الطلوع و تحققه، و فى هذا الفرض اخبر بوجود النهار من غير تقييد، لا راجعا الى المخبر به، بان كان وجود النهار المقيد بكونه عند الطلوع مورد للاخبار و التصديق بالوقوع، كيف و الا لزم ان يكون معنى قوله ان كانت الشمس طالعة فالنهار موجود، هو الاخبار بوجود النهار و طلوع الشمس فعلا، و فسادا للازم واضح فالملزوم و هو كون التعليق راجعا الى المخبر به مثله، فاذا كان التعليق راجعا الى الخبر، و كان المخبر به و هو وجود النهار فعليا غير معلق على شئى، بمعنى انه فرض وجود طلوع الشمس و فى هذا الفرض اخبر بوجود النهار فعلا و بلا قيد، فحينئذ نقول لوصارت القضية المشروطة الاخبارية مشكوكة بعد ما كانت متيقنة، و تعبدنا الشارع بادلة الاستصحاب بها بقاء كما كنا قاطعين بها حدوثا، فيقوم التعبد الشرعى مقام التصديق الخبرى، فكما ان التصديق الخبرى كان معلقا و كان الوجود المصدق به فعليا، كذلك التعبدى الشرعى يكون معلقا و يكون الوجود المتعبد به فعليا، فيكون معنى قوله تعبد بهذه القضية بقاء كما كنت قاطعا به حدوثا هو التعبد بوجود النهار فعلا فى حال الشك على فرض تحقق طلوع الشمس،
ص: 299
فيصير التعبد معلقا، و لازم التعبد المعلق هو صيرورته فعليا عند تحقق المعلق عليه، و هذا اللازم و ان كان لازما عقليا، الا انه من لوازم نفس الحكم التعليقى واقعيا كان ام ظاهريا، فلا يكون الاخذ به قولا بالاصل المثبت و توهم انه لم يكن هناك فى السابق قضية شرعية مدلولها الحكم بصيرورة هذا الماء كرا فعليا على فرض صب رطل عليه، كى يتعبد بها لاحقا بادلة الاستصحاب مدفوع بان المدار فى باب الاستصحاب، على كون القضية متيقنة فى السابق و مشكوكة فى اللاحق، مع كون وضع المحمول و رفعه وظيفة للشارع، و المحمول هنا و هو وجود الكر و ان لم يكن قابلا للوضع و الرفع شرعا بذاته، الا انه قابل لهما بلحاظ اثره و توهم ان كلمة اليقين فى قوله عليه السلام لا تنقض اليقين بالشك لا يشمل اليقين التقديرى لانصرافه الى الفعلى فيه ما لا يخفى اذ لا وجه لدعوى الانصراف فتدبر بقى هنا شئى لا بأس التنبيه عليه، و هو ان صاحب الكفاية قدس سره قال فى مقام التفصى عن اشكال معارضة استصحاب الحكم التعليقى باستصحاب الحكم الفعلى الثابت قبل تحقق المعلق عليه، بانه لا مضادة بين الحرمة المعلقة و الحلية المغياة، فيجرى استصحاب كلا الحكمين، و لازم جريانهما هو الحكم بالحرمة بعد تحقق المعلق عليه، ضرورة انه كما ان الحرمة معلقة بالغليان كك الحلية مغياة به فكما ان بتحققه تصير الحرمة فعلية لحصول شرطها، كك تنتفى الحلية لحصول غايتها و لا يخفى ما فيه اما اولا فلان ما علم سابقا بكونه مغيى بالغليان هو حلية العنب، و اما حلية الزبيب فكونها مغياة به كان من اول الامر مشكوكا، و الذى يقول بتعارض الاستصحابين، انما يقول به فى الزبيب، فكون حلية العنب مغياة لا اثر له و ثانيا ان القول بتعارض الاستصحابين، انما هو بعد حصول الغاية، و استصحاب الحلية المغياة بعد حصول الغابة لا معنى له اذ لا اثر له، و معه كيف يجرى كى لا يكون مضادا لاستصحاب الحرمة المعلقة او لا يكون كك هذا.
(قوله دام ظله الامر السادس لو شك فى بقاء الحكم الثابت فى الشريعة السابقة الخ) اقول هذا الامر فى بيان حجية الاستصحاب فى احكام الشريعة السابقة، فيما اذا شك فى بقائها باحتمال نسخها فيهذه الشريعد و توضيح هذا الامر، هو ان الشك فى بقاء الحكم
ص: 300
الثابت فى الشريعد السابقة على قسمين، لانه تارة يحصل الشك فى بقائه مع القطع بنسخ اصل الشريعة السابقة، كما اذا شك مسلم فى بقاء وجوب الغسل التعميد مثلا الثابت فى شريعة عيسى على نبينا و آله عليه السّلام، من جهة احتمال نسخه فى شريعة الاسلام، و اخرى يحصل الشك فى بقائه بسبب الشك فى نسخ اصل الشريعة السابقة، كما اذا شك نصرانى فى بقاء وجوب الغسل التعميد، من جهة احتمال نسخه بنسخ اصل شريعة عيسى عليه السلام بهذه الشريعة.
اما القسم الاول فالحق صحه اجراء الاستصحاب فيه و الحكم بقاء الحكم النار فى الشريعة السابقة المشكوك فيه فيهذه الشريعة، و ذلك لوجود المقتضى اعنى عمومات ادلة الاستصحاب، و عدم ما يصلح للمانعية عن شمولها للمقام، عدا امور توهمو اصلوحها لها منها انه لا يقين بثبوت احكام الشريعة السابقة فى حق المتشر عين بهذه الشريعة فى السابق، و ان علم بثبوتها سابقا فى حق آخرين، فان الحكم الثابت لجماعة لا يمكن اثباته فى حق آخرين لتغاير الموضوع، و ما ثبت من احكام الشرايع السابقة فى حق المتشرعين بهذه الشريعة، فانما هى مثلها لانفسها، فاذا لم يكن يقين بثبوتها فى حقهم فلا شك فى بقائها ايضا، فيختل اركان الاستصحاب كلها و يمكن الجواب ع نه او لا بالنقض باستصحاب الاحكام الثابتة فيهذه الشريعة عند الشك فى نسخها، فان اختلاف الاشخاص لو كان مانعا عن جريان الاستصحاب، لكان مانعا عن جريانه عند الشك فى نسخ احكام هذه الشريعة ايضا.
و ثانيا بالحل و هو ان القضايا التى تكون فى مقام التشريع و جعل القانون، حيث تكون قضايا حقيقية مثبتة للحكم على الطبيعة باعتبار كونها مراة لافرادها فى ظرف وجودها، فيعم الحكم عليها لجميع افرادها سواء كانت محققة الوجود او مقدرته، و لا يختص بالافراد المحققة وجودا كما هو مقتضى القضايا الخارجية، و عليه فتكون احكام الشريعة السابقة ثابتة فى السابق للمتشرعين بهذه الشريعة، كما كانت ثابتة فى حق آخرين و قد اجاب شيخ مشايخنا المرتضى قدس سره عن هذا الاشكال، مضافا الى ما ذكرنا من
ص: 301
الوجهين بوجه آخر جعله اول الوجوه من الاجوبة، و هو انا نفرض الشخص الواحد مدركا للشريعتين، فاذا ثبت فى حقه حكم سابقا و شك فى بقائه فى الشريعة اللاحقة، فلا مانع عن جريان الاستصحاب فى حقه اصلا، فاذا جرى الاستصحاب فى حقه، و كان هذا اعنى الحكم المستصحب حكمه، فيسرى هذا الحكم الى غيره من الموجودين فى عصره المعدومين فى زمان الشريعة السابقة، بادلة الاشتراك الدالة على اتحاد حكم اهل العصر الواحد، و هذا الوجه كما ترى بظاهره مخدوش، بداهة انه و ان صح جريان الاستصحاب فى حق المدرك للشريعتين لو شك فى بقاء الحكم الثابت فى الشريعة السابقة، الا انه لا يجدى فى تسرية الحكم الثابت به فى جقه الى غيره من الموجودين فى عصره المعدومين فى زمان الشريعة السابقة، بداهة ان مقتضى اشتراك اهل العصر الواحد فى الحكم، ليس الا كون الاستصحاب حجة لكل من كان على يقين فشك، و اما ان الحكم الثابت به فى حق من كان كك يكون حكم الكل و لو من لم يكن كك، فلا يقتضيه ادلة الاشتراك، لان من لا يكون شاكا فى حكم لا يمكن ان يكون الاستصحاب حجة له، من جهة ان مسلما آخر شاك فيه و اما توجيه ما ذكره قدس سره بما افاده الاستاد دام ظله فى الكتاب، من انه يمكن ان يكون نظره قدس سره، الى ان المعدوم فى زمان الشريعة السابقة الذى يوجد فى عصر المدرك للشريعتين، و ان لم يكن متيقنا بثبوت الحكم الثابت فى الشريعة السابقة فى حقه، سابقا، كى يحكم بادلة الاستصحاب ببقاء ذلك الحكم له لاحقا الا انه متيفن بثبوته للمدرك للشريعتين سابقا و شاك فى بقائه لذلك المدرك لا حقا فيحكم بادلة الاستصحاب ببقاء بثبوته لذل المدرك ثم يحكم بثبوته لنفسه بواسطة الملازمة الثابتة شرعا بادلة الاشتراك و بعبارة اخرى الحكم الثابت للمدرك حيث يكون بمنزلة الموضوع لحكمه، فيصح له احرازه بالاستصحاب كما يصح له احراز موضوع سائر احكامه به، فمراده قدس سره من اجراء الاستصحاب فى حق المدرك، هو اجراء المعدوم فى زمان الشريعة السابقة الاستصحاب فى حق المدرك، لا اجراء المدرك الاستصحاب فى حق نفسه، فهذا نظير استصحاب عدالة الامام لصحة الاقتداء به ففيه او لا ان مادل عليه ادلة
ص: 302
الاشتراك من الضرورة و الاجماع، هو الاشتراك فى الاحكام الواقعية لا فى مؤديات الاصول، و ذلك لما مر من ان من لا يكون شاكا فى حكم، لا يمكن ان يكون الاستصحاب حجة له من جهة ان مسلما آخر شاك فيه.
و ثانيا ان مفاد ادلة الاشتراك، ليس ان كل حكم ثبت لشخص فهو ثابت لمعاصريه، كى يكون الحكم الثابت للمدرك بمنزلة الموضوع لحكم غيره من معاصر به، بل مفادها ان اهل العصر الواحد حكمهم واحد، و هذا لا يستلزم ترتبا بين الحكمين كى يكون احدهما بمنزلة الموضوع للاخر و لعل الى بعض ما ذكرنا من الخدشة فى هذا التوجيه، اشار الاستاد دام ظله بقوله فى الكتاب فافهم و اللّه العالم و منها ان هذه الشريعة ناسخة للشرايع السابقة، فكيف يصح ان يحكم بالبقاء، مع العلم بالارتفاع و فيه ان نسخ الشريعة لا يستلزم نسخ جميع احكامها، بداهة ان مقتضى نسخها ليس الاعدم بقاء احكامها بتمامها، لا ارتفاعها كك، و نسخ البعض غير قادح بعد كون القدر المتيقن منه ما علم بالدليل، و دعوى انا نعلم اجمالا بنسخ كثير من احكام الشرايع السابقة، و المعلوم منها قليل الغاية فلا ينحل العلم الاجمالى اللعلم بوجود المنسوخ فى غيره مدفوعة بان العلم الاجمالى انما يمنع عن جريان الاصل فى بعض اطرافه، فيما اذا كان الاصل فى نفسه مع قطع النظر عن العلم جاريا فى تمام اطرافه، و اما اذا لم يكن كك كما نحن فيه، لعدم جريانه الا فيما لم يعلم حكمه فيهذه الشريعة و علم حكمه فى الشريعة السابقة، دون ما علم حكمه فيهذه الشريعة، فانه لا يجرى فيه الاصل سواء كان من موارد النسخ لا لعدم ترتب اثر عملى عليه، فلا يمنع العلم الاجمالى عن جريانه فى البعض الاخر، و دعوى العلم الاجمالى بوقوع النسخ فى خصوص ما علم حكمه فى السابق و لم يعلم حكمه فيهذه الشريعة، ممنوعة جدا لندرة هذا القسم فى الغاية كما لا يخفى و منها ما حكى عن صاحب القوانين قدس سره، من ان جريان الاستصحاب فى احكام الشريعة السابقة، مبنى على القول بكون حسن الاشياء ذاتيا، و هو ممنوع بل التحقيق انه بالوجوه و الاعتبار و اورد عليه شيخ مشايخنا المرتضى قدس سره، بانه ان اراد بكون الحسن ذاتيا للاشياء انها علة تامة له،
ص: 303
فهذا لا يمكن ان يكون مبنى جريان الاستصحاب، بل يكون مانعا عنه للقطع باستحالة النسخ حينئذ، و معه كيف يقع موردا للشك كى يثبت بالاستصحاب عدمه، و ان اراد به غير هذا، فلا فرق بين القول به و القول بالوجوه و الاعتبار، فان القول بالوجوه لو كان مانعا من جريان الاستصحاب، لم يجر الاستصحاب عند الشك فى نسخ هذه الشريعة ايضا هذا، و يمكن توجيه كلامه قدس سره بما افاده الاستاد دام ظله، من ان مراده ان كون حسن الاشياء ذاتيا، هو كونها مقتضية للحسن لا انها علة تامة له، و يكون حاصل مقصوده حينئذ، انه على القول يكون حسن الاشباه ذاتيا، يكون حسن الفعل و الحكم المتعلق به فى الزمان المانع من جهة اقتضائه الذاتى له، فيكون الشك فى شك فى نسخة راجعا الى الشك فى وجود المانع، و هذا بخلاف القول بكونه بالوجوه و الاعتبار، فان الشك فى النسخ حينئذ يرجع الى الشك فى المقتضى، و ذلك لاحتمال ان يكون للزمان السابق دخل فى حسن الفعل و الحكم المتعلق به، فمقتضى بقاء الحسن الى الزمان اللاحق غير محرز هذا و لكن يرد عليه مع ذلك، انه بناء عليهذا المبنى اعنى كون حسن الافعال بالوجوه و الاعتبار، لا يجرى الاستصحاب عند الشك فى نسخ حكم هذه الشريعد ايضا لعين ما ذكر اللهم الا ان يدعى القطع بعدم مدخلية خصوصية الا زمان فى ملاكات احكام هذه الشريعة فتدبر هذا مضافا الى ان عدم جريان الاستصحاب فى احكام الشريعة السابقة بناء عليهذا المبنى، انما يتم على القول بعدم حجية الاستصحاب الا فى الشك فى الرافع، و اما على ما اختاره الاستاد دام ظله، من انه لا فرق بناء على حجية الاستصحاب من باب الاخبار، بين ان يكون الشك فى الرافع او فى المقتضى، فلا كما هو واضح من ان يخفى، هذا حاصل الوجوه التى توهموا كونها مانعة عن جريان الاستصحاب فى احكام الشريعة السابقة و قد عرفت ما فى الكل من الخلل و الفساد، و لكن هنا وجه آخر افاده بعض الاجلة من الاساتيد دام ظله، و حاصله العلم بان هذه الشريعة المقدسة ناسخة للشريعة السابقة بجميع احكامها، بحيث ان حكما من احكام السابقة لو كان باقيا فيهذه الشريعة، ليس عين ما كان فى السابق، بل يكون مما ثلا له كما يدل على ذلك الاخبار و
ص: 304
يقتضيه الاعتبار، فان نبينا صلى اللّه عليه و آله و سلم الطيبين، حيث يكون خاتما للانبياء، فلا بد ان يكون شريعته متكفلة لكل ماله دخل فى انتظام معاش العباد و معادهم و تكميل نفوسهم حسب اختلاف استعداداتهم الى يوم القيمة، كما يدل عليه ما ورد من انه صلى اللّه عليه و آله و سلم جاء بكل ما يحتاج به الامة حتى ارش الخدش، و امر بكل ما كان مقربا الى الجنة و نهى عن كل ما كان مبعدا لهم عنها و مقربا لهم الى النار، و عليه فلا يمكن ان يكون حكم من احكام الشرايع السابقة له مدخلبة فى ذلك، الا و قد امضاه صلى اللّه عليه و آله و سلم و امر به، و حينئذ فيكون ما ثبت فيهذه الشريعة من الاحكام موافقا لما ثبت فى الشرايع السابقة، مغاير اله مثله لا عينه و بالجملة بعد بعثة النبى صلى اللّه عليه و آله و سلم نعلم بارتفاع جميع احكام الاديان السابقة، و انه ليس حكم منها باقيا الا بنحو الامضاء و جعل المماثل، و قد روى ان النبى صلى اللّه عليه و آله و سلم مر فى بعض الايام على الثانى فراى فى يده اوراقا، فقال صلى اللّه عليه و آله و سلم ما هذه قال هذه الانجيل، قال عليه السلام ما لك و الانجيل و اللّه لو كان عيسى عليهم السّلام فى زمانى ما كان له الا اتباعى، فهذه الرواية تدل على وجوب اتباع النبى صلى اللّه عليه و آله و سلم فيما جاء به، و عدم التعرض لغيره من احكام الشرايع السابقة فتدبر جيدا تمام الكلام فى القسم الاول و اما القسم الثانى، و هو ما كان الشك فى بقاء احكام الشريعة السابقة، من جهة الشك فى نسخ اصل تلك الشريعة، فصحة اجراء الاستصحاب فيه لهذا الشاك، لو فرض بقاء هذا الشك له بعد الفحص الذى هو شرط العمل بالاستصحاب، مبتنية على احد امرين، اما ان يعلم بحجية الاستصحاب فى كل من الشريعتين، و اما ان يعلم بحجيته فى خصوص الشريعد اللاحقة، اذ على الاول يعلم ان هذا الحكم الاستصحابى غير منسوخ، و على الثانى يعلم بان تكليفه فى هذا الحال هو البقاء على الحكم السابق، اما لكونه حكما واقعيا له لو كانت الشريعة السابقة باقية، و اما الكونه حكما ظاهريا له لو كانت الشريعة السابقة منسوخة بالشريعة اللاحقة، هذا يما اذا شك فى بقاء احكام الشريعة السابقة من جهة احتمال نسخ اصل تلك الشريعة، و اريدان يحرز بالاستصحاب بقاء احكامها و اما لو
ص: 305
شك فى بقاء اصل الشريعة السابقة من جهة احتمال نسخها بالشريعة اللاحقة، و اريدان بثبت بالاستصحاب بقاء أصلها، فالحق ان التمسك به لا يجدى لا ثبات بقاء الشريعة السابقة، و لا لابطال الشريعة اللاحقة، و لو كان حجة فى كلتا الشريعتين، فضلا عما اذا لم يكن حجة الا فى الشريعة اللاحقة، و بعبارة اخرى ليس الاستصحاب فى المقام دليلا اقناعيا مفيدا لاحراز تكليف نفس الشاك، و لا الزاميا مفيدا لالزام الخصم اما الاول فلان الشك فى نسخ اصل الشريعة، انما يتحقق بالنسبة الى شريعة ثبت انها تنسخ كما فى الشرايع السابقة، حيث ان كل نبى من الانبياء السالفة اخبر بمجيئى بنى ناسخ لشريعته، فاللازم حينئذ على الشاك ان يتفحص عن صدق من يدعى النبوة و كذبه بالنظر الى معجزته، و حينئذ ان ارتفع شكه و حيرته بحصول القطع له بصدقه او كذبه، فلا يحتاج الى الاستصحاب، و ان لم يرتفع شكه فلا يمكن له ان يحرز بالاستصحاب بقائه الاعلى وجه دائر، لان حجيته فرع بقاء الشرع الذى جعله حجة، فابقائه بالاستصحاب دور و توهم ان الدور انما يلزم لو كانت حجيته منحصرة بالشريعة السابقة، و اما مع حجيته فى كلتا الشريعتين كما هو المفروض، فلا للعلم اجمالا بحجيته على اى تقدير مدفوع بان العلم الاجمالى بحجيته على اى حال انما يجدى فى رفع الدور، لو امكن احراز بقائه به على اى تقدير، و من المعلوم عدم امكان احراز بقائه، على تقدير حقيّة الشريعة اللاحقة، لانه مما يلزم من وجوده عدمه، لان احراز بقائه به عليهذا التقدير، فرع حقية الشريعة اللاحقة، و مع حقيتها نقطع بعدم بقاء الشرع السابق، و بالجملة استصحاب بقاء الشريعة السابقة، لا يمكن ان يكون حجة فى هذه الشريعة اللاحقة، لانه مما يلزم من وجوده عدمه، و لا يمكن ان يكون حجة فى الشريعة السابقة الاعلى وجه دائر، هذا مضافا الى ان بقاء الشريعة السابقة ملزوم لامرين، احدهما وجوب الايمان و الاعتقاد به، و الثانى وجوب العمل باحكامه، فان اراد باستصحاب بقاء الشريعة السابقة ترتيب اللازم الاول، فهو غير معقول لان الاستصحاب حكم مجعول للشاك بوصف انه شاك، و لا يمكن ايجاب تحصيل العلم و الاعتقاد بامر على الشاك فيه بوصف انه شاك، و اما ايجاب تحصيل العلم بالمبدء و
ص: 306
الوسائط و المعاد على الجهال فى حال جهلهم، فهو راجع الى ايجاب ازالة تلك الحالة اعنى الجهل، لا انه تكليف متعلق بالجاهل بوصف انه جاهل، و الاول امر ممكن واقع، و الثانى امر محال راجع اجتماع النقيضين كما هو واضح و ان اراد به ترتيب اللازم الثانى فهو و ان كان ممكنا، الا ان اجراء الاستصحاب فى المقام كما عرفت مشروط بالفحص، و من المعلوم انه لو تفحص الشاك لظهر له حقية الشريعة اللاحقة، لان لكل بحيث شريعة حقة ادلة واضحة و براهين قاطعة على حقيقها، بحث لا يبقى على المتفحص عنه حيرة و شك كى يحتاج الى التمسك بالاستصحاب، نعم لو فرض محالا بقاء الشك له بعد الفحص ايضا، لم يكن مانع عن اجراء الاستصحاب فى نفس تلك الاحكام لعمل نفسه بها، على تقدير كون الاستصحاب مجعولا فى الشريعتين، لانه يعلم حينئذ ان الحكم الاستصحابى، اما غير منسوخ او كونه مجعولا فى الشريعة اللاحقة فقط، اذ بعلم حينئذ ان الجرى على التكاليف السابقة، اما تكليف واقعى له او ظاهرى، لكن هذا الاربط له فى حقية الشريعة السابقة و بطلان اللاحقة كما هو واضح و اما الثانى اعنى عدم كون الاستصحاب فى المقام دليلا الزاميا مفيدا لالزام الخصم، فلان من الامور المعتبرة فى الاستصحاب اليقين بتحقق امر فى الزمن السابق و الشك فى ارتفاع ذلك الامر فى الزمن اللاحق، فالزام الخصم به فرع تسليمه الشك فى ارتفاع الشريعة السابقة، و من المعلوم ان المتشرع بالشريعة اللاحقة يدعى اليقين بارتفاع السابقة، هذا مع ان التمسك بالاستصحاب لا لزام الخصم، انما هو بعد تسليمه المستصحب، و تسليمه فى المقام مستلزم لعدم صحة الاستصحاب، لانه يلزم من وجوده عدمه، كما اجاب بهذا ثامن الائمة صلوات اللّه و سلامه عليه و عليهم اجمعين، عن الشبهة التى ذكرها الجاثليق لاثبات نبوة عيسى عليه السلام فى مجلس المأمون لعنه اللّه، حيث قال ما تقوى فى نبوة عيسى و كتابه هل تنكر منهما شيئا، فاجاب عليهم السّلام بانى مقر بنبوة عيسى عليه السلام و كتابه و ما بشر به امته و ما اقرت به الحواريون، و كافر بنبوة كل عيسى لم يقر بنبوة محمد صلى اللّه عليه و آله و سلم و كتابه و لم يبشر به امته، اذ حاصل جوابه عليهم السّلام، هو ان نبوة عيسى عليه السلام
ص: 307
لم تثبت لنا الا باخبار نبينا صلى اللّه عليه و آله و سلم و كتابه الذى اخبر بنبوة عيسى عليه السّلام، بداهة ان وجود عيسى عليهم السّلام فى الزمان السابق و ان كان متواترا، الا ان كونه عليه السلام نبيا لم يثبت بالتواتر، و ليس له معجزة باقية حتى يكون اقرارنا بنبوته مستندا اليها، فاذا كان ثبوت نبوته لنا باخبار نبينا صلى اللّه عليه و آله و سلم بثبوته، فيتوقف ثبوت نبوته على ثبوت نبوة نبينا صلى اللّه عليه و آله و سلم، و ثبوتها مستلزم للقطع بارتفاع نبوة عيسى عليه السّلام، فنحن لو قطعنا النظر عن اخبار نبينا صلى اللّه عليه و آله و سلم و كتابه الذى اخبر بنبوة عيسى عليه السلام لا علم لنا بنبوة عيسى عليه السّلام، و مع ملاحظة نبوة نبينا صلى اللّه عليه و آله و سلم و اخباره و اخبار كتابه بنبوة عيسى عليه السّلام، نعلم بنبوته و نعلم بنسخها ايضا، و معه كيف يمكن الزامنا باستصحاب نبوة عيسى عليه السّلام، مع عدم العلم لنا بثبوتها فى السابق على تقدير، و عدم الشك فى ارتفاعها على تقدير آخر و مما ذكرنا ظهرا اندفاع ما اعترض به بعض علماء اليهود على بعض السادة، حيث وقعت بينهما مخاصمة، فتمسك العالم اليهودى لاثبات بقاء دينه باستصحاب نبوة موسى عليه السّلام، لاعتراف المسلمين على اصل ثبوتها و حقيتها، و قال فعلى المسلمين اقامة الدليل على ارتفاعها و انقطاعها، فاجابه الفاضل المذكور اقتباسا عن الرضا عليه السّلام، بانا نقول بنبوة موسى الذى اقر بنبوة محمد صلى اللّه عليه و آله و سلم، و لا نقول بنبوة كل موسى لم يقر بنبوة محمد صلى اللّه عليه و آله و سلم، فاعترض عليه العالم اليهودى، بان موسى بن عمران حاله معهود و شخصه معروف، قد ادعى النبوة و جاء بدين و شريعة، و انتم تعرفون صحتها، و لا يتفاوت ثبوت ذلك بين ان يقر بنبوة محمد صلى اللّه عليه و آله و سلم او لا يقربها، فنحن نقول بنبوة ذلك الشخص المعين المعهود و بقائها بحكم الاستصحاب، فعليكم بابطاله توضيح الاندفاع هو ما عرفت من ان اقرارنا بنبوة موسى و عيسى و غيرهما من الانبياء السالفة على نبينا و آله و عليهم السلام، انما هو من جهة اخبار نبينا صلى اللّه عليه و آله و سلم سلم بثبوت نبوتهم، فمع قطع النظر عن نبوة نبينا صلى اللّه عليه و آله و سلم و اخباره بنبوة الانبياء السالفين لا علم لنا
ص: 308
بنبوتهم، و مع ملاحظة نبوة نبينا صلى اللّه عليه و آله و سلم نعلم بنبوتهم و نعلم بانقطاعها ايضا، فكيف يمكن ان يلزمنا اليهودى او النصرانى او غيرهما بالاستصحاب بحقية مذهبهم و بطلان مذهبنا، مع عدم اليقين السابق لنا بنبوة الانبياء السالفة على تقدير، و عدم الشك اللاحق لنا فى ارتفاعها على تقدير آخر، هذا كله بناء على فرض حجية الاستصحاب فى الشريعتين، و اما بناء على انحصارها بهذه الشريعة فالامر اوضح، اذ هذا الاستصحاب حينئذ يلزم من وجوده عدمه، لان حجيته فرع حقية هذه الشريعة، و معه كيف يمكن اثبات بقاء الشريعة السابقة به، مع ان بقائها مستلزم لعدم حقية هذه الشريعة المستلزم لعدم حجيته كما هو واضح.
(قوله دام ظله الامر السابع نقض اليقين بالشك الخ) اقول هذا الامر لبيان عدم حجية المثبت من الاصول العملية، بخلاف الادلة و الامات فانها حجة مطلقا، و المراد من الاصل المثبت هو ان لا يكون لنفس مؤدى الاصل اثر شرعى، و لكن كان له بواسطة احد من ملزومه العقلى او العادى او لازمه او ملازمه كك اثر شرعى، و اريد باجراء الاصل فيه ترتيب ماله بواسطة احدها من الاثر الشرعى، و عدم حجية هذا الاصل و ان كان فى الاعصار السابقة محلا للبحث و الاشكال، الا انه صارفى عصرنا من الامور الواضحة، فلا اشكال فى عدم حجيته، و انما الاشكال فى وجه الفرق بين الادلة و الامارات و بين الاصول فى ذلك، و قد ذهب صاحب الكفاية قدس سره، الى ان الوجه فى ذلك هو قصور ادلة الاصول عن تنزيل المؤدى بلحاظ ماله من الاثر مطلقا و لو بالواسطة، بخلاف ادلة الامارات و الطرق الشرعية، فان مقتضى اطلاقها تنزيل المؤدى بلحاظ ما له و الاثر مطلقا و لو بالواسطة، و فيه ان دعوى قصور ادلة الاصول عن ذلك، ان كانت لاجل ظهورها فى تنزيل خصوص المؤدى بلحاظ آثاره، دون ملزوماته و لوازمه و ملازماته، ففيها ان ادلة الطرق و الامارات ايصا كك، بداهة ان مورد التنزيل فيها هو ما اخبر به العادل، و ليس هو الانفس المؤدى دون ملزوماته و لوازمه و ملازماته كما هو واضح و توهم انه كيف لا تكون هذه مما اخبر به العادل، مع انهم قدعدوا من اقسام دلالة اللفظ،
ص: 309
دلالته على لازم معناه المطابقى، و سموها بالدلالة الالتزامية مدفوع بان ما عدوها من اقسام دلالة اللفظ و سموها بالدلالة الالتزامية، هى دلالته على خصوص اللازم البين لمعناه المطابقى، و محل البحث هنا هو الاعم و ان كان دعوى قصور ادلة الاصول، لاجل عدم الظهور لادلتها فى ذلك، بخلاف ادلة الامارات و الطرق ففيها انها بالنسبة الى ادلة جميع الاصول مجازفة، بداهة ان دعوى ظهور صدق العادل، فى تنزيل المؤدى منزلة الواقع بلحاظ جميع ماله من الاثار و لو بالواسطة، و عدم ظهور لا تنقض اليقين فى تنزيل المشكوك منزلة المتيقن كذالك، مكابرة للوجدان اذ لا فرق بينهما وجدانا، و بالنسبة ادلة بعضها غير مجدية فالحق ان الوجه فى ذلك، هو الفرق بين مدلول الدليلين و المجعول بهما، لا بين نفس الدليلين كما افاده فى الكفاية و توضيحه يحتاج الى الاشارة اجمالا الى ما بين الاصول و الامارات من الفرق ثبوتا و اثباتا فنقول اما الفرق بينهما فى مرحلة الاثبات، فهو ان الاصول مطلقا، سواء كانت تنزيلية كقاعدة الفراغ بناء على كونها من الاصول التعبدية و كالاستصحاب، او غير تنزيلية كقاعدة الطهارة و اصالتى البرائة و الاحتياط، يكون الشك مأخوذا فى موضوعها، و انما الفارق بينهما، هو ان الاولى حكم على احد طرفى المشكوك فيه بعد الغاء الشك، و الثانية حكم على احد طرفى المشكوك فيه مع ابقاء الشك على حاله، و هذا بخلاف الامارات، فانها و ان كانت معتبرة فى مورد الشك و الجهل بالواقع، من حيث استلزام جعلها مع العلم لللغوية، و لاجتماع المثلين فيما كانت موافقة للواقع، و لاجتماع الضدين او النقيضين واقعا او اعتقادا فيما كانت مخالفة للواقع او للعلم الا ان الشك و الجهل لم يؤخذ فى موضوعها و اما الفرق بينهما فى مرحلة الثبوت، فتوضيحه يحتاج الى تمهيد مقدمة، و هى ان للقطع جهاتا ثلث، الاولى كونه صفة من الصفات القائمة بنفس القاطع، الثانية كونه محرز المتعلقه، الثالثة كونه موجبا للجرى العملى على طبق متعلقه بترتيب اثره عليه، و ذلك لان الانسان عند رؤيته للاشياء الخارجية، ينطبع فى نفسه صور تلك الاشياء، تكون تلك الصور المنطبعة هى المعلومة له بالذات بالعلم الحضورى، و هى من مراتب النفس و منشأتها، و هى التى يقال انها متحدة
ص: 310
مع العاقل، و تلك الصور حيث تكون طريقا الى الاشياء الخارجية و كاشفا تاما عنها، تكون واسطة لانكشافها لدى النفس و احرازها لوجودها، و هذا الانكشاف و الاحراز، يصير منشاء لانبعاث النفس على الجرى العملى و ترتيب الاثر على ما هو مقتضى ما علم به بتوسط تلك الصور من الاشياء الخارجية، فيهرب عنه لو كان مضرا، و يطلبه لو كان نافعا اذا تمهدت هذه فنقول ان الطريق و الامارة، حيث كانت لهما كاشفية ذاتية عن الواقع كالعلم، و ان كان بينهما و بين العلم فرق من حيث تمامية كشفه بخلافهما، نزّلا بادلة اعتبار هما منزلة العلم فى كونه كاشفا تاما عن الواقع، فادلة اعتبار هما تتمم كشفهما عن الواقع بالغاء احتمال الخلاف، لا انها تجعلهما كاشفين عنه بعد ان لم يكونا كك، بداهة انه لو لم يكن بين الشيئين ارتباط خاص و ملازمة عقلية او طبعية او وضعية او نوعية غالبية، لم يكن احدهما كاشفا عن الاخر، و من هنا يظهر ان ما جرى فى لسان بعض الاعلام كشريف العلماء استاد شيخ مشايخنا المرتضى قدهما من الكشف التعبدى، غير معقول، لان بالتعبد لا يمكن اعطاء الكاشفية لما ليس بكاشف اصلا، فاذا تمم بادلة اعتبار هما كشفهما عن الواقع و احرز الواقع بهما، يحرز جميع ملزوماته و لوازمه و ملازماته، لا لاجل ان الاخبار عن شئى اخبار عن ملزومه و لازمه و ملازمه، و لا لاجل ان دليل حجية الخبر يدل على ثبوت الملزوم و اللازم و الملازم، كى ينافى ما ذكرنا فى مقام الاشكال على صاحب الكفاية قدس سره، بل لاجل ان انكشاف الشئى ملازم لانكشاف جميع ملزوماته و لوازمه و ملازماته، بحكم الملازمة الثابتة بين سلسلة العلل و المعلولات و الملازمات فكما ان القطع بشئى ملازم للقطع بملزومه و لازمه و ملازمه، كذلك الظن به ملازم للظن بها، فاذا قامت امارة على موضوع و حصل الظن النوعى بذلك الموضوع منها، يحصل من الظن به الظن بجميع ملزوماته و لوازمه و ملازماته، فالظن النوعى المتعلق بالملزومات و اللوازم و الملازمات لذلك الموضوع، حاصل ايضا من تلك الامارة، غاية الامر بواسطة الظن بذاك الموضوع، فللظن الحاصل منها افراد، فان كان جميعها قابلا للاعتبار فيشملها دليل حجية الامارة الدال على اعتبار الظن النوعى الحاصل منها، و ان كان القابل له بعضها
ص: 311
دون بعض، يدخل هو تحت دليل الحجية دونه و هذا بخلاف الاصول العملية، فانها حيث لم يكن لها طريقية و كاشفية عن الواقع اصلا، لم يصح جعلها بمنزلة العلم فى الكشف التام عن الواقع، و انما تعبدنا الشارع بالبناء على ثبوت مؤدياتها فى حال الشك، من حيث العمل لا من حيث الواقع، فنزل المشكوك منزلة الواقع المعلوم، فى لزوم الجرى العملى و ترتيب الاثر على مقتضاه، تعبدا من غير احراز له اصلا، فيحنئذ ان كان لمؤدى الاصل اثر عملى صح تنزيله باعتبار ماله من الاثر، و ان لم يكن له اثر كك لم يصح تنزيله مطلقا، سواء لم يكن لملزومه او لازمه او ملازمه اثر عملى ايضا، او كان لها اثر كك، اما على الاول فواضح، و اما على الثانى فلان نفس ما هو مورد للتنزيل و هو المشكوك، لا اثر له كى يصح الحكم بلحاظه بوجوب البناء عليه عملا فى حال الشك، و ماله الاثر من ملزومه او لازمه او ملازمه، لم يكن موردا للتنزيل كى يترتب عليه اثره ان قلت مقتضى ما ذكرت عدم حجية الامارات و الطرق ايضا، فيما اذا لم يكن لما اخبر به العادل او قامت عليه البينة اثر شرعى، بل كان ينتهى الى اثر شرعى بتوسط لوازم او ملزومات او ملازمات عقلية او عادية، بداهة ان نفس المؤدى الذى وقع مورد التنزيل ليس له اثر، و ماله الاثر لم يعق مورد التنزيل قلت ان اعتبار كون المؤدى ذا اثر شرعى فى الامارات و الطرق، انما هو لاجل لزوم اللغوية لو لم يكن له اثر، و يكفى فى الخروج عن اللغوية كون المؤدى منتهيا الى اثر شرعى و لو بالف واسطة، و هذا بخلاف اعتبار كونه كك فى الاصول، بداهة ان اعتباره فيها انما هو لاجل ان التنزيل فيها بلحاظ الجرى، العملى و ترتيب الاثر، فلا يمكن التنزيل فيما لم يكن للمشكوك اثر عملى، لا انه يمكن و يكون لغوا كما فى الامارات و الطرق و توهم صحة التنزيل فى الاصول بلحاظ مطلق الاثر و لو بالواسطة بلحاظ ان اثر الاثر اثر مدفوع بان حديث اثر الاثر اثر اجنبى عن المقام، و انما هو فيما اذا لم يكن الترتب بين الشئى و اثره و اثر اثره و هكذا مختلفا، كما اذا كان الترتب بين جميعها عقليا، كما فى الامور التكوينية التى تكون سلسلة جميع عللها و معلولاتها منتهية الى علة العلل لكونها من رشحات فيضه، او كان الترتب بين جميعها شرعيا، بان كان
ص: 312
السابق منها موضوعا لللاحق، كما فى غير المأكول بناء على كون ما نعيته فى الصلوة مترتبة على حرمة اكله، لا كونهما مترتبتين عليه فى عرض واحد.
و هذا بخلاف ما اذا كان الترتب بينها مختلفا، كما نحن فيه حيث يكون الترتب بين المستصحب و لازمه عقليا، و بين اللام و اثره شرعيا، بداهة ان ما يكون اثرا شرعيا لشئى كاستحباب الخضاب مثلا للحية زيد، لا دخل له بما يستلزمه عقلا او عادة من بقاء حيوته اصلا لا دقة و لا مسامحة، بداهة انه معلول للجعل الشرعى، و ليس مترشحا من ناحية ذى الواسطة كى يصح نسبته اليه كما هو واضح ثم ان محل النزاع انما هو اثار اللوازم التى لم يكن لها حالة سابقة متيقنة، بل شك فى حدوثها من جهة الملازمة بينها و بين المستصحب فى مرحلة البقاء، كنبات اللحية بالنسبة الى حيوة زيد، فان انباتها لم تكن له حالة سابقة بل كان متيقن العدم، و انما شك فى حدوثه من جهة الملازمة العادية بينه و بين حيوة زيد فى زمان الشك، و الا فيجرى الاستصحاب فى نفس تلك اللوازم و يترتب عليها اثارها فتحصل مما ذكرنا انه لا فرق بين الامارات و الاصول فى مرحلة الاثبات، و انه لا تعرض للامارة و لا لدليلها الا لنفس المؤدى دون لوازمه و ملزوماته و ملازماته، كما انه لا تعرض للاصل و لا لدليله الا لنفس المؤدى من غير فرق بينهما فيهذه الجهة، و انما الفرق بينهما فى مرحلة الثبوت، و ان الامارة حيث تكون مثبتة للمؤدى و محرزة له، يلزمه بحكم العقل من جهة استحالة انفكاك المتلازمين و اللازم عن ملزومه، احراز جميع لوازمه و ملزوماته و ملازماته، و هذا بخلاف الاصول فانها غير مثبتة لمؤدياتها، و انما مفادها هو الجرى العملى و ترتيب الاثر عليها فى مقام العمل، من دون احراز لها اصلا كى يستلزم احراز لوازمها ان قلت ان الظاهر من اخبار الباب، هو وجوب ان يعمل الشاك عمل المتيقن، بان يفرض نفسه متيقنا، و يترتب على المشكوك جميع ما كان يترتب عليه مع تيقنه به من الاثار، سواء كان ترتبها عليه بلاواسطة او بواسطة امر عقلى او عادى ملازم لذلك المتيقن او لازم له او ملزوم قلت هذا الاشكال لا مجادل له، بعد ما بينا محل النزاع و انه اثار اللوازم التى لم يكن لها حالة سابقة. بداهة ان وجوب ترتيب اثارما يلازم
ص: 313
المتيقن يتوقف على احراز وجود واقعى لذاك الملازم او وجود جعلى، و المفروض انتفاء كليهما، فمقتضى الاصل عدم وجوده و عدم ترتيب اثاره ثم انه لا فرق فيما ذكرنا من عدم اثبات الاصل لامر ملازم عقلا او عادة لمؤداه، بين كون ذلك الامر الملازم متحدا وجودا مع المؤدى و كان التغائر بينهما بصرف المفهوم، كما فى استصحاب الكلى لاثبات فرده، حيث ان الكلى عين الفرد جارجا، و بين كونهما متغائرى الوجود ايضا، و كذا لا فرق بين كون ذلك الامر الملازم امرا منتزعا عن المؤدى، و بين كونه امر امتحصلا منه، و كذا لا فرق بين كونه وجود يا او عدميا، و كذا لا فرق بين ان تكون الملازمة بينه و بين المؤدى كلية عقليته او عادية، و بين ان تكون اتفاقية من جهة العلم الاجمالى، كما اذا علم اجمالا بموت زيد او عمرو، فانه يوجب الملازمة بين بقاء احدهما و موت الاخر، و هذه ملازمة اتفاقية ناشئة من العلم الاجمالى بموت احدهما، و لا فرق ايضا بين ان يثبت بالاصل تمام ذلك الامر الملازم للمؤدى، و بين ان يثبت به بعض قيوده الوجودية او العدمية، كما فى استصحاب الحيود للمقطوع نصفين بالسيف، ليثبت به القتل الذى هو عبارة عن ازهاق الحيوة، فان احد جزئى اللادم و هو التنصيف محرز بالوجدان، و يشك فى انه تنصيف للحى حتى يثبت القتل او تنصيف للميت، فباستصحاب الحيوة الى زمان التنصيف يثبت جزئه الاخر و هو الحيوة فيثبت به القتل، و كما فى استصحاب عدم الاستحاضة ليثبت به كون الدم الخارج ليس باستحاضه، كى يترتب عليه اثره الشرعى و هو ان كل دم ليس باستحاضة فهو محكوم بالحيضية شرعا، فاحد جزئى اللازم و هو الدم محرز بالوجدان، و يثبت جزئه الاخر و هو عدم خروج دم الاستحاضة بالاصل، فيثبت اتصاف الدم الخارج بكونه ليس باستحاضة و يترتب عليه اثره الشرعى و بالجملة لا فرق عدم اثبات الاصل للامر الغير الشرعى، بين ان يكون التلازم بينه و بين مؤداه عقليا او عاديا اتفاقيا، و بين ان يكون التلازم العقلى من جهة التضائف او العلية و الملولية او غيرهما من العناوين كالعناوين الانتزاعية و التوليدية، فالاثر المترتب على الاصل لا بد ان يكون اثر اشرعيا مترتبا على نفس مؤداه لا على ملازمه او ملزومه او لازمه، فان الاصل من هذه الجهة
ص: 314
نظير مسئلة الرضاع و مسئلة الاجارة فى الفضولى بناء على الكشف الحكمى، و ان كان بينه و بينهما فرق، من حيث كونهما فى الاحكام الواقعية و هذا فى الظاهرية، فان المشهور ذهبوا فى باب الرضاع، اذا تحقق بالرضاع عنوان ملازم لعنوان محرم، كام الاخ مثلا بالنسبة الى لم يوجب عروض ذلك العنوان الملازم التحريم لان الحرمة معلقة شرعا على عنوان الام، فلا تترتب على غيرها من العناوين الملازمة لها موجودا، و قالوا فى باب الفضولى، ان الاجازة بناء على الكشف الحكمى تؤثر فى ترتيب ما للملكية او الزوجية من الاثار الشرعية من حين العقد، دون العناوين الملازمة، فلو عقد على امراة فضولا ثم زنى بها احد قبل اجازتها للعقد، فاجازتها له على الكشف الحكمى، توجب ترتيب اثار الزوجية من حين العقد من وجوب النفقة و التوارث و اشتغال الزمة بالمهر و امثال ذلك، و لا توجب اثار الزنا بذات البعل ثم انه استدل صاحب الفصول قده تبعا لكاشف الغطاء قده، على عدم حجية الاصول المثبتة، بتعارض الاصل فى جانب الملزوم مع الاصل فى جانب اللازم، اذ كما ان مقتضى استصحاب وجود الملزوم حينئذ هو ترتيب جميع ما له من الاثار الشرعية سواء كانت بلا واسطة او معها، كذلك مقتضى استصحاب عدم اللازم عدم ترتيب ما للملزوم من الانر بواسطة هذا اللازم، فيتعارضان فى خصوص هذا الاثر و اورد عليه شيخ مشايخنا المرتضى قده، بانه لو بنينا على حجية الاصول المثبتة، و قلنا بان الاصل فى الملزوم قابل لاثبات ما للازمة العقلى او العادى من الاثر لم يبق حينئذ مجال، لاجراء لاصل فى اللازم، بداهة حكومة الاصل الجارى فى الملزوم على الجارى فى اللازم، و لو بنينا على عدم حجية الاصول المثبتة، فالاصل فى اللازم جار بلا معارض، فعلى اى حال لا يتحقق تعارض فى البين هذا و لا يخفى ان حكومة الاصل الجارى فى الملزوم على الجارى فى اللازم، انما هى فيما لو اريد باجراء الاصل فى الملزوم اثبات اللازم ثم بتوسطه يترتب ماله من الاثر الشرعى على اللزوم، و اما لو اريد باجرائه فى الملزوم ترتيب اثر اللازم عليه، بدون توسيط اللازم بل بلحاظ ان اثر الاثر اثر، فلا محالة يقع بينه و بين الاصل الجارى فى اللازم التعارض، لان استصحاب الملزوم يقتضى ترتيب
ص: 315
جميع اثاره الشرعية كانت بلا واسطة او معها لانها جميعا اثار له، و استصحاب عدم اللازم يقتضى عدم ترتيب اثر هذا اللازم، فيتعارضان من دون حكومة كما لا يخفى فتدبر جيد(1)ثم ان الاصول المثبتة على اقسام لا يمكن جمعها تحت ضابط كلى يعم جميعها فمنها ما ينتهى بواسطة اللوازم العقلية او العادية الى اثر شرعى و منها ما ينتهى بواسطة الملازم العقلية او العادية او الانفاقية بينه و بين شئى اخر الى اثر شرعى و منها ما يكون ملزومه اثرا شرعيا او موضوعا لاثر شرعى، كما فى استصحاب طهارة الملاقى لاحد الا نائين المشتبهين، فانه لا يثبت به طهارة الملاقى بالفتح، و كما فى استصحاب طهارة الثوب الملاقى للمايع المردد بين كونه بولا او ماء، فانه لا يثبت به كون المايع ماء و اما ما كان لازمه اثرا شرعيا فليس من الاصول المثبتة، الا فيما اذا لم يكن ترتبه عليه شرعيا كما اذا كان وجود المقتضى للوجوب محرزا بالوجدان، و شك فى المانع، فاصالة عدم المانع و ان كان يترتب عليها الوجوب و هو حكم شرعى، الا ان ترتب الحكم على وجود المقتضى و عدم المانع عقلى لا شرعى و توهم ان الحكم بترتب الحكم الشرعى على وجود المقتضى و عدم المانع واقعا و ان كان عقليا، لكن يصح للشارع ان يحكم بترتبه عند الشك فى المانع، اذا العقل غير حاكم بترتب الاثر عند الشك فيه، فالحكم بترتبه عند الشك ليس خارجا عن وظيفة الشارع مدفوع بان عنوان عدم المانع و وجوده، كعنوان المقتضى و العلة، من العناوين الانتزاعبة التى لا اثر لها اصلا حتى عقلا، و معه كيف يمكن ان يحكم الشارع بترتيب الحكم على استصحاب هذا العنوان، اللهم الا ان يراد من استصحاب هذا العنوان استصحاب مصداقه و منشاء انتزاعه فتدبر(2) و منها ما يكون منشاء لانتزاع امر بسيط انتزاعى او توليدى، يكون ذلك الامر البسيط موضوعا للحكم الشرعى دون منشاء
ص: 316
انتزاعه، كما فى استصحاب بقاء الشهر الى يوم يوم كذا ليثبت به عنوان اولية الغد للشهر الانى، و اما اذا كان المستصحب امرا انتزاعيا غير قابل لان يناله يد التصرف من قبل الشرع، و لكن كان منشاء انتزاعه مما تناله يد التصرف، كما فى استصحاب الجزئية و الشرطية و المانعية و عدمها، بناء على ما هو الحق من عدم كونها من الامور المجعولة فى حد ذاتها، فالظاهر ان الاصل فيه ليس من الاصول المثبتة، حيث ان الحكم ببقاء ما هو من قبيله انما هو بجعل منشاء انتزاعه، فهو و ان كان غير قابل للجعل اصالة، الا انه قابل له تبعا بجعل منشاء انتزاعه، و يكفى فى شمول ادلة الاستصحاب لشئى، كونه بحيث تناله يد التصرف من قبل الشرع و لو بجعل منشاء انتزاعه، اذ مقتضى عمومها عدم جواز نقض كل يقين كان له عمل يصح للشارع ان يحكم به اما اولا و بالاصالة او ثانيا و بالتبع ثم ان ما ذكرنا من عدم حجية المثبتة من الاصول مطلقا حتى المحرزة منها كالاستصحاب، مبنى على ما هو الحق من اعتبار الاستصحاب من باب التعبد و الاخبار، و اما بناء على القول باعتباره من باب الظن النوعى و بناء العقلاء، كما ذهب اليه اكثر القدماء ممن تقدم على والد شيخنا البهائى فده، فلا مناص عن الالنزام بحجية المثبت منه، اذ لا فرق حينئذ بينه و بين ساتر الامارات و الطرق المعتبرة شرعا امضاء او تاسيسا كما لا يخفى، و لعل هذا هو الوجه فى تمسك جماعة من القدماء و المتاخرين بالاصول المثبتة فى موارد كثيرة، منها فى مسئلة ما لو اتفق الوارثان على اسلام احدهما المعين فى اول شعبان، و الاخر فى غرة رمضان، و اختلفا فى موت المورث، فادعى احدهما ان موته كان فى شعبان كى ينحصر الارث به، و ادعى الاخر ان موته كان فى اثناء رمضان كى يشارك فى الارث، فان جماعة منهم المحقق قده فى الشرايع، ذهبوا الى تنصيف المال بيتمها، تمسكا باصالة بقاء حيوة المورث الى غرة رمضان، مع ان بقاء حيوته الى غرة رمضان، لا يثبت ما هو الموضوع للحكم، لان الارث مترتب فى الادلة على موت المورث عن وارث عن وارث مسلم و لكن يمكن ان يقال ان الارث و ان رتب فى بعض الادلة عليهذا العنوان، الا ان هناك ادلة اخرى رتب الارث فيها على اسلام الوارث فى حيوة المورث فى حيوة
ص: 317
المورث، و حينئذ يكفى ثبوت الاسلام فى حال الحيوة المستصحبة فى الحكم بارث المسلم عنه، لأن استصحاب حيوة المورث الى زمان اسلام الوارث عليهذا لا يكون مثبتا لان احد جزئى الموضوع و هو اسلام الوارث محرز بالوجدان، و اذا احرز جزئه الاخر بالاصل، فيتم الموضوع و يترتب عليه حكمه، و احراز الموضوع المركب بعضه بالوجدان و بعضه بالاصل ليس من المثبت، الا فيما كانت جهة الوحدة المتعبرة فى المركب اتصاف بعض اجزائه بالاخر، توضيح ذلك هو ان موضوع الحكم اذا كان مركبا، فتارة يكون مركبا من غير العرض و محله، بان يكون مركبا من جوهرين او عرضين لمحل واحد او لمحلين او من جوهر و عرض لجوهر آخر، و اخرى يكون مركبا من العرض و محله اما القسم الاول، فلا يكون جهة الوحدة فيه، التى لا بد منها فى كل موضوع مركب، حفظا للتكليف المتعلق به عن الانحلال الى تكاليف متعددة حسب تعدد اجزائه، الا تحقق اجزائه فى زمان واحد، اذ لا يعقل ان تكون جهة الوحدة فى هذا القسم هى اتصاف بعض اجزائه ببعض، فيكون مرجع التركيب و التقييد فى هذا القسم، الى تحقق احد الجزئين فى زمان و تحقق الاخر فى هذا الزمان او قبله او بعده، حسب اختلاف الموضوع، فى كونه مركبا من الجزئين المجتمعين فى الوجود، او المتحقق احدهما قبل الاخر او بعده، فحينئذ اذا كان احد جزئى الموضوع المركب محرزا بالوجدان، و احرز الاخر وجوديا كان او عدميا، بالاصل و لو باستصحاب وجوده او عدمه المحمولييين، يتحقق ذلك الموضوع المركب و يترتب عليه حكمه، نعم قد يكون موضوع الحكم هو العنوان البسيط المنتزع على الجزئين، و يكون الجزئان بمنزلة المحصل له، فلا يكون حينئذ احراز احد الجزئين بالوجدان و الاخر بالاصل، مجديا فى احراز ذلك العنوان المنتزع البسيط، الا على القول بالاصل المثبت، و من هنا ينشاء اشكال آخر فيهذه المسئلة، اعنى مسئلة اختلاف الوارثين فى موت المورث، فان الارث رتب فى الادلة على عنوان بسيط منتزع، و هو من مات عن وارث مسلم، لكن الخطب فيه سهل بعد ما عرفت من ترتبه فى ادلة اخرى على تحقق اسلام الوارث فى زمان حيوة المورث، بداهة ان التعبير عن موضوع الحكم فى الدليل تارة
ص: 318
بالعنوان الانتزاعى و اخرى بمنشاء انتزاعه، كاشف قطعى عن ان اخذ ذلك العنوان الانتزاعى موضوعا للحكم فى بعض الادلة، انما هو لكونه معرفا لمنشاء انتزاعه، و ان الحكم مرتب واقعا على نفس المنشاء لا على ما ينتزع منه، و هذا بخلاف القسم الثانى اعنى ما كان الموضوع للحكم مركبا من العرض و محله، فان مرجع التقييد و التركيب فيه لا محالة، الى النعتية و اتصاف احد جزئى المركب و هو الجزء الجوهرى بالجزء الاخر العرضى القائم به، و عليه فلا يمكن احراز الجزء العرضى، الا باستصحاب وجوده او عدمه الربطى النعتى، دون المحمولى الاعلى القول بالاصل المثبت و منها فى مسئلة ما اذا وجد فى كر نجاسة و لم يعلم سبقها على حصول الكرية كى يكون نجسا او تأخرها عنه كى يكون طاهرا، فان جماعة تبعا للمحقق حكموا بوقوع المعارضة، بين استصحاب عدم الكرية قبل الملاقاة الراجع الى استصحاب عدم المانع عن الانفعال حين وجود مقتضيه، و بين استصحاب عدم الملاقاة قبل الكرية و فلا يخفى ان الموضوع للنجاسة، ان كان هى الملاقاة فى زمان القلة، بان كان القلة شرطا للنجاسة و الانفعال، لم يكن وجه لمعارضة الاستصحاب الثانى بالاستصحاب الاول، بداهة ان استصحاب عدم الكرية قبل الملاقاة، لا يثبت كون الملاقاة فى زمان القلة حتى ثبت النجاسه، الاعلى القول بالاصل المثبت نعم بناء على القول بكون القلة امر عدميا، يكون استصحاب عدم الكرية قبل الملاقاة مثبتا لكون الملاقاة فى زمان القلة، فيثبت النجاسة و حينئذ يقع التعارض بينه و بين استصحاب عدم الملاقاة قبل الكرية، لكن هذا القول ضعيف جدا و ان كان الموضوع للنجاسة هى الملاقاة بشرط عدم الكرية، بان كانت الكرية مانعة عن الانفعال، لم يكن وجه لمعارضة الاستصحاب الاول بالثانى، بداهة ان ان استصحاب عدم الملاقاة قبل الكرية، لا يثبت كون الملاقاة فى زمان الكرية حتى يثبت الطهارة، الاعلى القول بالاصل المثبت فتبين انه لا وجه للمعارضة بين الاصلين على كل تقدير، هكذا اجاب شيخ مشايخنا المرتضى قدس سره عن اشكال التعارض و التحقيق ان موضوع البحث، تارة هو هذا المثال اعنى الكر المسوق بالقلة، و اخرى عكس ذلك اعنى القليل المسبوق بالكرية، و ثالثة هو الماء
ص: 319
المشكوك الذى لم يعلم حالته السابقة و شك فى نجاسة بملاقاة النجس من جهة الشك فى كونه كرا او قليلا اما الفرض الاول فمقتضى القاعدة فيه هو الحكم بنجاسة الماء مطلقا، سواء كان تاريخ كل من الكرية و الملاقاة مجهولا او كان تاريخ احديهما كك، من غير فرق فى ذلك بين القول بكون القلة شرطا او القول بان الكرية مانعة اذ لا اثر لهذا النزاع، بعد ما استفيد من الاخبار من انه لا بد فى الحكم بطهارة الماء، من ان يكون الكرية قبل الملاقاة للنجس و لو اناما، و لذا قلنا فى المتمم كرا بالماء النجس بنجاسته، و ذلك لعدم امكان احراز كون الماء كرا قبل الملاقاة بالاصل فى مجهول التاريخ، و لا فيما اذا كان تاريخ الملاقاة مجهولا، اما الاول فلان اصالة عدم ملاقاة هذا الماء للنجاسة الى زمان الكرية، لا تثبت تحقق الملاقاة بعد الكرية و ان القليل لم يلاق النجس فتدبر(1)، فاذا لم بجر الاصل فى طرف الملاقاة، يجرى فى طرف الكرية فيقال الاصل عدم الكرية الى زمان الملاقاة، و لا نحتاج الى احراز ان الماء كان غير كر حال الملاقاة كى يمنع عن احراز ذلك بهذا الاصل، و ذلك لان الموضوع للنجس هو كل ماء لاقى النجس و لم يكن كرا، و هذا المجموع احد جزئيه و هو الملاقاة للقجس محرز بالوجدان، و اذا احرز جزئه الاخر بالاصل، يتم الموضوع و يترتب عليه حكمه، و ذلك لما عرفت من ان الموضوع المركب عن عرضين لمحل واحد، تكون جهة الوحدة الملحوظة فيه هو اجتماع اجزائه فى الزمان، و اما الثانى فلما عرفت من ان اصالة عدم تحقق الملاقاة الى زمان الكرية، لا تجدى فى اثبات تحقق الملاقاة بعد الكرية، هذا فيما اذا كان تاريخ الكرية و الملاقاة كليتهما او تاريخ خصوص الملاقاة مجهولا و اما لو كان تاريخ الكرية مجهولا، فاصالة عدم الكرية الى زمان الملاقاة مجدية فى احراز الموضوع للنجس كما مر بيانه و اما الفرض الثانى اعنى القليل المسبوق بالكرية الذى وجد فيه نجاسة، و لم يعلم بوقوعها فيه قبل صيرورته
ص: 320
قللا او بعدها، فان كان تاريخ الملاقاة معلوما و تاريخ القلة مجهولا، فيحكم بالطهارة، اذ باستصحاب الكرية الى زمان الملاقاة، يحرز موضوع ما لا ينفعل و هو الكر الملاقى للنجس فتدبر، و ان كان تاريخ القلة معلوما و تارى الملاقاة مجهولا، فيحكم بالنجاسة، اذ باستصحاب عدم الملاقاة الى زمان القلة يحرز ما هو الموضوع للنجاسة و هو القليل الملاقى للنجس، و ان كان تاريخ كليتهما مجهولا، فيحكم ايضا بالنجاسة، اذ استصحاب الكرية الى زمان الملاقاة، معارض باستصحاب عدم الملاقاة الى زمان القلة، فلم يحرز موضوع ما لا ينفعل، و هو الملاقى للنجس فى زمان كريته و اما الفرض الثالث، فيبتنى الحكم بالطهارة او النجاسة فيه على القولين فى المسئلة، فان قلنا بان القلة شرط فى النجاسة فيحكم بطهارة الماء لعدم احراز شرط النجاسة، و ان قلنا بان الكرية مانعة عن النجاسة، فيحكم بنجاسة الماء لعدم احراز المانع و منها فى مسئلة ما لو ادعى الجانى ان المجنى عليه شرب سما فمات بالسم لا بالجنابة و الجرح، و ادعى الولى انه مات بالجرح، و فى مسئلة، مالو قد الجانى الملفوف فى الكساء بنصفين، فادعى الولى انه كان حيا و الجانى انه كان ميتا، حيث حكم المحقق فى الشرايع و العلامة فى التحرير، فى كلتى كلتا المسئلتين، بان الاحتمالين فيهما سواء و لا يخفى ان مساواة احتمال الضمان مع احتمال عدمه فى المسئلتين، مبنية على نهوض استصحاب عدم شرب السم فى المسئلة الاولى، و استصحاب الحيوة فى المسئلة الثانية، لاثبات القتل كى يترتب عليه الضمان، و من المعلوم عدم نهو ضهما لاثباته الا على القول بالاصل المثبت، بداهة ان القتل فى المسئلة الاولى من اللوازم العقلية الاتفاقية لموته من غير شرب السم، من جهة العلم الاجمالى باستناد موته الى الجناية او الى السم، و فى المسئلة الثانية من اللوازم العقلية للحيوة فى زمان القد ثم انه بقى فى المقام امور ينبغى التنبيه عليها الاول انه قد ظهر مما ذكرنا من ان مفادا الاصول هو الجرى العملى و ترتيب آثارا الواقع على مؤدياتها فى مقام العمل، ان المتيقن فى السابق ان كان حكما من الاحكام الشرعية، فقضية الاستصحاب اثبات نفس ذلك المتيقن فى زمان الشك، و ان كان المتيقن سابقا موضوعا خارجيا، فقضيته اثبات احكامه
ص: 321
الشرعية فى زمان الشك، و ذلك لان معنى لا تنقض اليقين بالشك عليهذا، هو وجوب ابقاء لليقين الطريقى من العمل فى حال الشك، و من المعلوم ان اليقين بالحكم الشرعى لا عمل له الا الاتيان بمتعلق ذلك الحكم، فمعنى وجوب ابقاء عمله فى حال الشك هو وجوب الاتيان بمتعلق الحكم فى هذا الحال، فمرجع قوله عليهم السّلام لا تنقض اليقين بالشك فيما كان المتيقن وجوب الصلوة مثلا الى ايجاب الصلوة، هذا بخلاف اليقين بالموضوع، فان عمله هو ترتيب ما لذاك الموضوع من الاحكام، فيكون معنى وجوب ابقاء عمله فى حال الشك، هو وجوب ترتيب ما لذاك الموضوع من الاحكام فى هذا الحال، فمرجع قوله عليه السلام لا تنقض اليقين بالشك، فيما كان المتيقن كون مايع خمرا، الى ايجاب ترك شربه و بيعه و من هنا يظهران شمول لا تنقض للاحكام الشرعية و الموضوعات الخارجية، لا يوجب استعمال اللفظ فى اكثر من معنى واحد، و ذلك لما عرفت من ان مفاد ادلة الاستصحاب، هو الجرى على مقتضى اليقين الطريقى السابق فى حال الشك، و هذا المعنى مفهوم واحد لا اختلاف فيه اصلا، غاية الامر ان الجرى على مقتضى اليقين السابق يختلف باختلاف متعلقه حكما و موضوعا، فيكون الاختلاف فى محققات هذا المعنى و مصاديقه، لا فى نفسه كى يوجب استعمال اللفظ فى اكثر من معنى واحد كما يظهر منه معنى ما هو المعروف، من ان الاستصحاب فى الاحكام الشرعية عبارة عن جعل الحكم المماثل للمتيقن، و فى الموضوعات عبارة عن جعل آثارها مع وحدة الدليل الدال على ذلك فتبين مما ذكرنا انه لا فرق فى شمول الادلة، بين كون المستصحب حكما من الاحكام الشرعية، او موضوعا خارجيا متعلقا لحكم شرعى، كما لا فرق فى شمولها بين كون المستصحب او الاثر المترتب عليه وجود شئى او عدمه و توهم ان العدم غير قابل للجعل، فكيف يصح اثباته او الحكم بترتبه بالاصل، مع ان مؤدى الاصل لا بد ان يكون مجعولا شرعيا او مماله اثر مجعول شرعى مدفوع بما ذكرنا فى مباحث الالفاظ، فى رد من توهم ان متعلق الطلب فى النهى هو الكف، لا مجرد الترك لانه امر عدمى خارج عن الاختيار، فلا يصح تعلق الطلب به و البعث اليه، من ان العدم لو لم يكن مقدورا
ص: 322
و قابلا للجعل، لم يكن الوجود ايضا مقدورا و قابلا للجعل، بداهة المقدور ما تكون نسبة القدرة الى طرفى وجوده و عدمه على حد سواء، فان القدرة على احدهما خاصة دون الاخر، اضطرار لا اختيار كما هو اوضح من ان يخفى، و كون العدم فيما لم يزل غير مجعول و لا مقدور، لا يوجب كونه كك فيما لا يزال، كيف و الا لم يكن الوجود ايضا قابلا للجعل و لتعلق القدرة به فيه، و ذلك لان كون عدم شئى غير قابل للجعل فيما لا يزال، اما لوجوب ذلك الشئى او لامتناعه، و على كل حال فلا يكون وجوده قابلا للجعل، لان الجعل لا يتعلق الا بالامر الممكن كما لا فرق على كلا التقديرين، اى سواء كان المستصحب وجود شئى او عدمه، بين ان يريد بالاستصحاب ترتيب اثر نفس المستصحب او اثر نقيضه، كما اذا اريد باستصحاب عدم النجاسة ترتيب آثار الطهارة او العكس، اذ ليس اثبات احد النقيضين باستصحاب عدم الاخر او العكس، مبنيا على القول بالاصول المثبتة، بداهة ان عدم احد النقيضين عين وجود الاخر و وجوده عين عدم الاخر، لا انه ملازم له كما فى الضدين، كى يتوقف اثبات وجود احدهما باستصحاب عدم الاخر او العكس، على القول بالاصل المثبت.
الامر الثانى ان الموضوع للحكم ان كان عنوانا بسيطا انتزاعيا، فاما ان يكون منشاء انتزاعه ايضا امرا بسيطا او مركبا، و على الثانى فاما ان يكون تمام اجزائه حاصلا بالفعل، او يكون بعضها كك، لا اشكال فى ان العلم بالمنشاء فى القسم الاول و الثانى، لا ينفك عن العلم بذلك العنوان الانتزاعى، فحينئذ يجرى الاستصحاب فى زمان الشك فى نفس ذلك العنوان، كما يجرى فى منشاء انتزاعه ان كان له ايضا اثر و هذا بخلاف القسم الثالث، حيث ان العلم ببعض اجزاء المنشاء، لا يلازم العلم بالعنوان المنتزع عنه، فحينئذ اذا تحقق الجزء الاخر من المنشاء، و شك فى حصول ذاك العنوان، من جهة الشك فى بقاء الجزء الاول المتيقن سابقا، فلا يجرى الاستصحاب فى نفس ذاك العنوان، لعدم اليقين به سابقا، و لا فى ذلك الجزء المتيقن سابقا، لعدم اجدائه فى احراز ذاك العنوان الموضوع للحكم، الا على القول بالاصل المثبت كما لا يخفى، فلو كان الموضوع فى صحة الاقتداء ادراك
ص: 323
المأموم الامام حال الركوع، فلا يصح فيما اذا اقتدى المأموم الامام و هو راكع، و شك فى تحقق ركوعه فى حال ركوع الامام او بعده، ان يحكم باستصحاب بقاء ركوع الامام الى زمان ركوعه، بصحة اقتدائه و ذلك لان الموضوع لصحة الاقتداء، و هو ادراك الامام راكعا عنوان انتزاعى عن تحقق ركوعهما فى زمان واحد، فلا يجرى استصحاب بقاء ركوع الامام راكعا عنوان انتزاعى عن تحقق ركوعهما فى زمان واحد، فلا يجدى استصحاب بقاء ركوع الامام الى زمان ركوعه، فى اثبات هذا العنوان، الاعلى القول بالاصل المثبت.
الامر الثالث ان الاثر الشرعى المترتب على استصحاب الموضوعات الجزئية الخارجية، ليس بتوسط الموضوعات الكلية المنطبقة عليها، كى يقال ان توسطها ليس مثبتا، لاتحاد الكلى مع افراده خارجا، لانه موجود بعين وجود افراده، فيكون الموضوعات الجزئية الخارجية عين ما تعلق به الحكم من الموضوعات الكلية، فيترتب الحكم و الاثر عليها بعين ترتبه على تلك الموضوعات الكلية، من دون توسط عقل او عادة، و ذلك لما حقق فى محله، من انه اذا كان الموضوع للحكم هى الطبيعة باعتبار وجودها السارى فى جميع الافراد، يكون الموضوع للحكم حقيقة هى الافراد الخارجية، و يكون ترتبه على الطبيعة فى لسان الدليل، لمكان مراتبتها لتلك الافراد و كاشفيتها عنها، فالحكم مترتب ذاتا على الافراد، و انما رتب على الطبيعة بالعرض، من جهة سراية الحكم من ذى الصورة اليها فما توهم من ان الاستصحاب فى الموضوعات الخارجية من الاصول المثبتة، لعدم ترتب حكم فى الشرع عليها، و انما يسرى الحكم اليها عقلا من جهة انطباق العناوين الكلية التى هى موضوعات للحكم عليها فترتب الحكم عليها عقلى لا شرعى، فى غاية السقوط و ذلك لما عرفت من ان الحكم مترتب او لا و بالذات على الموضوعات الخارجية، و يكون ترتبه فى لسان الدليل على العناوين الكلية ثانيا و بالعرض، من جهة مراتيتها للموضوعات الخارجية و سراية الحكم من ذى الصورة اليها، فعلية اذا شك فى بقاء مايع على خمريته لاحتمال انقلابه خلا، فاستصحاب بقائه على خمريته موجب لترتب حكم الخمر على شخص هذا المايع، لا لترتبه او لا على الخمر الكلى ثم ترتبه
ص: 324
عليهذا المايع بتوسط انطباق الخمر الكلى عليه ثم لو سلم ان ترتب الحكم على الموضوعات الخارجية انما هو بتوسط العناوين الكلية المنطبقة عليها، لكن نمنع عن كون كل واسطة مثبتا، حتى فيما اذا كانت الواسطة متحد الوجود مع ذيها موجودة بعين وجوده، او كانت الواسطة ايضا اثر اشرعيا لنفس المستصحب، و لذا لو شك فى كون حيوان غنما او ارنبا، و كان هناك اصل محرز لكونه غنما او ارنبا، فكما يترتب عليه حلية اكله او حرمته، فكذلك يترتب جواز الصلوة فيه او عدم جوازها، بناء على القول بان جواز الصلوة و عدم جوازها مترتب على حلية الاكل و عدم حليته، لا على العناوين الخاصة من الغنمية و الارنبية، و بالحملة فيما كان للموضوع آثار مترتبة بعضها على بعض شرعا، يكون استصحابه موجبا للترتب جميعها، و ذلك لان البناء العملى على بقاء الموضوع هو ترتيب مطلق آثاره الشرعية و لو كان بعضها مرتبا على بعض، و لذا قلنا فيما مران حديث اثر الاثر اثر انما يصح فيما اذا كان الترتب بين الاثار شرعيا او تكوينيا، دون ما اذا كان الترتب بينها مختلفا ثم لا فرق فى ترتيب الاثر الشرعى المترتب على الموضوع المستصحب بواسطة الاثر الشرعى الاخر، بين ما اذا كان الاثر بلا واسطة محلا للابتلاء فعلا او لم يكن كك، فلو لم يبق من الحيوان المستصحب غنميته الاصوفه، فبقاء غنميته موجب لجواز الصلوة فى صوفه، لانه مقتضى البناء عملا على بقاء غنمية ما اخذ منه فى هذا الحال، و ان كان مترتبا على حلية اكل لحمه التى ليست فعلا محلا للابتلاء لانتفاء موضوعها.
الامر الرابع، انه قد يشكل بناء على ما حققناه من عدم حجية الاصول المثبتة، فى جريان الاصل فى القيود حيث ان استصحاب القيد لا يجدى فى اثبات المقيد الاعلى القول بالاصل المثبت، مع انه لا اشكال فى صحة استصحاب الطهارة و الحدث، بل مورد بعض اخبار الباب هو استصحاب الطهارة و توهم ان جريانه فيهما انما هو لكونهما من قيود المكلف المصلى، و حينئذ يمكن احرازهما باجراء الاستصحاب فى نفس المقيد بان يقال الاصل بقاء المكلف متطهرا او محدثا مدفوع بانهما و ان كانا مأخوذين فى ظاهر
ص: 325
الدليل من قيود المكلف، الا انهما لبا من قيودا المكلف به لا المكلف، و الا لزم عدم وجوب الصلوة على المحدث لان وجوبها عليهذا يكون تكليفا للمتطهر، و توهم كون الطهارة واجبا نفسيا و لو تهيئا ليستعد بها لايجاب الصلوة عليه كما ترى، و يمكن التفصى عن هذا الاشكال بوجوده منها ما اشرنا اليه انفا من اجراء الاستصحاب فى نفس المقيد و توهم ان هذا انما يجدى فيما كان لنفس المقيد حالة سابقة، و من المعلوم انه ليس للصلوة المقيدة بالطهارة حالة سابقة كى تستصحب مدفوع بان الصلوة و ان لم تكن موجودة سابقا كى تكون مقيدة بالطهارة سابقا الا انها لو كانت موجودة لكانت مقيدة بها، الصلوة المقيدة عليهذا التقدير اى على تقدير الوجود، و قد عرفت ان الحق هو حجية الاستصحاب التعليقى فى الموضوع و منها ما اشرنا اليه سابقا من ان الموضوع للحكم اذا كان مركبا من غير العرض و محله، لا يكون جهة الوحدة بينهما التى لا بد من لحاظها فى كل مركب الا نفس تحقق الجزئين و اجتماعهما فى الزمان، و من المعلوم ان الطهارة و الصلوة ليستا من قبيل العرض و محله، كى يكون جهة الوحدة بينهما هى النعتية و اتصاف الصلوة بالطهارة، كيلا يكون استصحاب الطهارة مجديا لا ثبات كون الصلوة متصفة بها، بل هما من قبيل عرضين لمحلين او لمحل واحد، اللذين قد عرفت انه يكفى فى احراز الموضوع المركب منهما، احراز احدهما بالوجدان و الاخر بالاصل، و هذا بخلاف تقييد الصلوة بعدم وقوعها فى غير المأكول، بداهة ان وقوع الصلوة فى غير المأكول او عدم وقوعها فيه، انما هو من اوصاف الصلوة، فيكون الصلوة و عدم الوقوع فى غير المأكول من قبيل العرض و محله، اللذين قد عرفت فيما مران جهة الواحدة بينهما هى النعتية و اتصاف المحل بالعرض، الذى لا يمكن اثباته باستصحاب العرض الاعلى القول بالاصل المثبت و منها ما افاده الاستاد دام ظله، من ان مرجع الاستصحاب فى القيود الى التوسعة و الضييق فى القيد فباستصحاب الطهارة يوسع الطهارة المقيد بها الصلوة الى الاعم من الطهارة الواقعية و الظاهرية، و حينئذ فنفس استصحاب القيد متكفل لتقييد الصلوة به، من دون احتياج الى توسط حكم العقل كما لا يخفى، و عليهذا فيمكن احراز قيود الموضوعات المقيدة بواسطة
ص: 326
الاصل مطلقا، و لو فيما اذا شك فى كون اللباس من المأكول او من غيره، اذ باستصحاب عدم كون المصلى لابسا لغير المأكول، يضيق ما هو المانع عن صحة الصلوة، و يخصه بغير المأكول الذى لم يثبت عدمه ظاهرا بالاصل، فتدبر جيدا.
الامر الخامس لا بد ان يستثنى مما ذكرنا من وجوب الاقتصار فى مورد الاستصحاب، على ما اذا كان المستصحب حكما شرعيا او موضوعا لحكم شرعى من دون واسطة امر عقلى او عادى، ما اذا كانت الواسطة بين المستصحب و بين الحكم الشرعى من الوسائط الخفية، بحيث ان العرف لا يرى ترتب الحكم الشرعى على تلك الواسطة بل يراه مرتبا على نفس المستصحب و السر فى ذلك ان خطاب لا تنقض اليقين بالشك كسائر الخطابات الشرعية، متعلق بالعنوان باعتبار مصاديقه العرفية لا الواقعية العقلية و لذا لا نحكم بواسطة دليل نجاسة الدم بنجاسة اللون الباقى منه بعد زوال العين، مع انه من افراد الدم بنظر العقل و الدقة، من جهة استحالة انتقال العرض عن محله، فاذا كان الحكم المترتب على الواسطة بنظر العرف مترتبا على نفس المستصحب يكون عدم ترتيبه على المستصحب فى زمان الشك فيه نقضا لليقين بالشك، فما قد يتوهم من ان مسامحة العرف بعد العلم بخطائهم لا يجوز الاعتماد عليها، و ان المقام من هذا القبيل للعلم بان الاثر ليس لذى الواسطة، ناش عن عدم التأمل، فان المدعى ان مورد الحكم بحسب الدقة هو ما يراه العرف مصداقا للعنوان الذى تعلق به الحكم، ففيما اذا كانت الواسطة بين المستصحب و بين الحكم الشرعى من الوسائط الخفية، يكون الموضوع للحكم هو المستصحب واقعا و بالدقة العقلية لا بالمسامحة العرفية و ما بقال من ان فهم العرف و نظرهم، انما يكون متبعا فى تشخيص مداليل الالفاظ، من حيث ابتناء التفهيم و التفهم فى المحاورات العرفية التى منها الخطابات الشرعية، على ما هو الظاهر منها بحسب المتفاهم العرفى لا على المعانى اللغوية، و اما تطبيق تلك المداليل على مصاديقها فليس فهمهم معتبرا فيه اصلا ممنوع جدا، و ذلك لما اشرنا اليه من ان الشارع حيث لا تكون له فى مقام تفهيم مراداته طريقة خاصة غير طريقة العرف فى هذا المقام، فلا بد ان يكون العناوين
ص: 327
الكلية المأخوذة فى خطاباته منظرة للمصاديق الخارجية، على نحو ما تكون منظرة لها بحسب نظر العرف، فالشارع ينظر بالعناوين الكلية الى مصاديقه الخارجية بالنظر العرفى، و يرى بها ما يراه العرف مصداقا لها، و لو لا ذلك لما كان وجه لما سيجيئى من ان المناط فى اتحاد الموضوع فى القضية المتيقنة و المشكوكة هو النظر العرفى، بداهة ان الوجه فى ذلك ليس الاصدق النقض عرفا مع اتحاد الموضوع كك، و لو لم يكن نظرهم فى صدق العناوين على الموضوعات الخارجية متبعا، لم يكن وجه لمراعاة صدق النقض عرفا مع اتحاد الموضوع كك كما هو واضح فتدبر و استثنى صاحب الكفاية قدس سره من ذلك ايضا، ما اذا كانت الملازمة بين المستصحب و الواسطة جلية، بحيث يستلزم التنزيل فى احدهما التنزيل فى الاخر، كالابوة و البنوة، حيث نرى ان العرف فيما اذا نزّل شخص منزلة الاب لاخر، يفهمون منه تنزيل ذاك الاخر منزلة الابن لذاك الشخص، و فيما اذا نزّل شخص منزلة الابن لاخر يفهمون منه تنزيل ذاك الاخر منزلة الاب لذاك الشخص و فيه ان الاثر ان كان مترتبا على كلا المتلازمين، فليس هناك واسطة، و ان كان مترتبا على الواسطة، فترتيبه على ذيها، بعدّ العرف اثر الواسطة أثر الذيها، تشريك للعرف مع الشارع فتدبر ثم لا بأس بالتعرض لبعض الامثلة التى ذكرها شيخ مشايخنا المرتضى قدس سره، لما اذا كانت الواسطة بين المستصحب و الحكم الشرعى من الوسائط الخفية فمنها ما اذا طارت الذبابة عن النجاسة الرطبة كالبول و جلست على الثوب، فحكى عن المحقق قدس سره الحكم بطهارة الثوب، معللا بعدم الجزم ببقاء رطوبة رجل الذبابة، و احتمل شيخنا المرتضى قدس سره ان يكون حكمه بالطهارة، من جهة عدم اثبات استصحاب الرطوبة لسراية النجاسة الى الثوب الاعلى القول بالاصل المثبت، و احتمل ان يكون حكمه بها من جهة معارضة استصحاب الرطوبة باستصحاب طهارة الثوب، اغماضا عن تسبب الشك فى طهارته عن الشك فى بقاء الرطوبة، و حكومة الاصل السببى على المسببى، فحكم بطهارة الثوب بقاعدة الطهارة، اقول التحقيق انه ان قلنا بتنجس الحيوان بملاقاته للنجاسة المسرية و انه يطهر بزوال العين عنه، فيمكن الحكم بنجاسة الثوب فى المثال، فيما اذا كانت للثوب
ص: 328
رطوبة مسرية، بداهة ان بعض اجزاء الموضوع اعنى الملاقاة و السراية محرز بالوجدان، و اذا احرز جزئه الاخر و هو كون الملاقى بالفتح نجسا بالاصل، يتم الموضوع و يترتب عليه حكمه، و هذا بخلاف ما اذا لم تكن للثوب رطوبة مسرية، فان باستصحاب بقاء الرطوبة فى الحيوان، لا يجرز وصولها و سرايتها الى الثوب الا على القول بالاصل المثبت و ان قلنا بعدم تنجس الحيوان بملاقاته للنجاسة، و انما يجب الاجتناب عما يحمله من عين النجاسة، فلا يمكن الحكم بنجاسة الثوب اصلا، سواء كانت له رطوبة مسرية ام لا، اما فيما لم تكن له رطوبة كك فلما مرانفا، و اما فيما كانت له رطوبة كك، فلان استصحاب بقاء النجاسة فى الحيوان، لا يثبت ملاقات الثوب لعين النجس، بداهة ان ما يكون محرزا بالوجدان هو ملاقاته للحيوان و المفروض انه غير نجس، و اما ملاقاته لعين النجاسة، فهى من اللوازم العقلية لملاقاته للحيوان مع بقاء النجاسة فيه، فلا يمكن اثباتها باستصحاب بقاء النجاسة فيه و منها ما اذا شك فى دخول شهر شوال، فانهم رتبوا باصالة عدم دخوله و اصالة بقاء رمضان احكام آخرية رمضان على يوم الشك و احكام اولية شوال على غده، مع ان مجرد عدم دخول شوال و بقاء رمضان، لا يثبت ليوم الشك عنون آخرية رمضان و لا لغده عنوان اولية شوال، كى يترتب عليهما ما لاخر رمضان و اول شوال من الاحكام، الاعلى القول بالاصل المثبت مطلقا، او فيما اذا كانت الواسطة خفية، بدعوى ان العرف لا يفهمون من وجوب ترتيب آثار بقاء رمضان و عدم دخول شوال فى يوم الشك، الا ترتيب احكام آخرية ذاك اليوم لرمضان و احكام اولية غده لشوال و قد يقال ان آخرية يوم للشهر السابق، عبارة عن امر مركب من بقاء ذلك الشهر و كون غده من الشهر اللاحق، كما ان اولية يوم للشهر اللاحق عبارة عن امر مركب من دخول الشهرا للاحق و عدم كون امسه منه، و حينئذ يمكن ترتيب احكام الاخرية على يوم الشك و ترتيب احكام الاولية على غده، باستصحاب بقاء الشهر السابق و عدم دخول الشهر اللاحق، لان احد جزئى الموضوع، و هو كون الغد من الشهر اللاحق فى الاستصحاب الاول، و دخول الشهر الثانى فى الاستصحاب الثانى، محرز بالوجدان، فاذا احرز جزئه
ص: 329
الاخر، و هو بقاء الشهر السابق فى الاول، و عدم كون الامس من الشهر اللاحق فى الثانى بالاصل، يتم الموضوع و يترتب عليه حكمه، من دون ابتناء على القول بالاصل المثبت، و فيه انه قد حقق فى محله، ان المفهوم الذى يوضع اللفظ بازائه امر بسيط يدركه العقل من الاشياء الخارجية، بعد تجريدها عن المادة و الصورة و جميع المشخصات الوجودية، و هذا هو المراد فى السؤال عن مفهوم الاشياء فى قولنا مفهوم الانسان او الحيوان ما هو، و من هنا يظهران ما ذهبوا اليه من تقسيم الدلالة الى المطابقة و التضمن و الالتزام غير صحيح، و ذلك لما عرفت من ان المفهوم امر بسيط، لا تركيب فيه بوجه من الوجوه، كى يوضع اللفظ بازاء ذلك الامر المركب حتى تكون دلالته على جزئه بالتضمن، و لا ينافى ما ذكرنا مانرى من انهم فى مقام شرح مفاهيم الالفاظ و بيان مداليلها، يعبرون عنها بمعنى تركيبى فيقولون المزهو الحلو الحامض، بداهة ان التعبير بالمعنى التركيبى فى مقام شرح المعانى لا يلازم كون المعنى مركبا، و لذا يعبرون عن البياض بانه اللون المفرق للبصر، و عن السواد بانه اللون القابض للبصر مع ان مفهومهما بسيط لا تركيب فيه اصلا، و لا فرق فيما ذكرنا بين كون الموضوع له بسيطا، او مركبا سواء كان التركيب عقليا او كان خارجيا اتحاديا او انضماميا حقيقيا او اعتباريا، بداهة ان اللفظ فى المركبات العقلية و الخارجية لم يوضع بازاء معنيين، و انما وضع بازاء المتحصل منهما، و هو سواء كان امرا حقيقيا او انتزاعيا بسيط لا تركيب فيه اصلا اذا تمهدت هذه، فنقول ان الاولية و الاخرية من المفاهيم التى قد عرفت انها لا تركيب فيها اصلا، و انما التركيب لو كان ففى منشاء انتزاعهما، و قد عرفت ان اجراء الاصل فى المنشاء، لا يجدى لترتيب احكام ما ينتزع عنه، الا على القول بالاصل المثبت ان قلت بناء على ما ذكرت من بساطة المفاهيم و عدم اعتبار الاصول المثبتة، كيف رتبوا على يوم الشك من آخر رمضان احكام الاخرية، و على غده احكام الاولية لشوال، مع انه لا يكون هناك اصلا محرز لهما اصلا، هذا مع انه لو لم يصح احراز الاولية و الاخرية للشهر بالاصل، لوقع الناس سيما الحجاج بالنسبة الى اعمال الحج فى حرج عظيم و لزم تعطيل جملة الاحكام المترتبة على اول الشهور و على
ص: 330
التاسع و العاشر من المحرم و على ليالى القدر من رمضان و نحو ذلك قلت لم يترتب فى الشرع حكم على عنوان الاولية و الاخرية، كى نحتاج فى اثباتهما الى اجراء الاصل فى منشاء انتزاعهما، و انما رتب الحكم شرعا على رؤية الهلال او انقضاء ثلثين يوم من الشهر السابق، و هذا مما يمكن احرازه بالاصل كما لا يخفى و منها ما اذا شك فى وجود الحائل على محل الغسل او المسح، فان بعضهم ادعى استقرار السيرة و قيام الاجماع على اجراء اصالة عدم الحائل على المحل، لاثبات غسل البشرة و مسحها المأمور بهما فى الوضوء و الغسل و فيه ما لا يخفى، بداهة ان دعوى استقرار السيرة على عدم الالتفات بالشك من دون فحص مزيل له، اتكالا على اصالة عدم الحائل، من الجل فضلا عن الكل فى جميع الازمنة الى ان ينتهى الى زمان المعصوم عليهم السّلام ممنوعة جدا كدعوى قيام الاجماع القولى على ذلك من العلماء، مع عدم عنوان المسئلة فى كلماتهم، و انما المسلم هو قيامهما على عدم الاعتناء باحتمال وجودا الحائل، فيما كان احتمال وجوده لا عن منشاء عقلائى موجب للاعتناء به و الفحص عن حاله، و لذا نريهم يتفحصون عن حاله فيما اذا كان الشك فيه عن منشاء عقلائى، و لذا لا يبنى البناء و القيار و العجان، على اصالة عدم الحائل من الجص و القير و العجين على المحل، و لا يخفى ان قيامهما عليه فيهذه الصورة، انما هو من جهة الظن الاطمينان بعدمه، الذى يكون حجة عند العقلاء فى الموارد التى ليس لاحرازها طريق منضبط، لا من جهة قيام دليل تعبدى على حجية اصالة عدم الحائل التى هى من الاصول المثبتة فى خصوص المورد فتدبر ثم لا بأس بالاشارة الى بعض الموارد التى توهم كونه من الاصول المثبته فمنها مالو نذر التصدق بدرهم ما دام ولده حيا، حيث توهمان استصحاب حيوته فى يوم الشك فيها، لاثبات وجوب التصدق بدرهم، مثبت، اذا لم يترتب الاثر الشرعى على حيود الولد فى دليل من الادلة، و انما الموضوع لوجوب التصديق هو الوفاء بالنذر، و حيوته توجب ان يكون الدرهم المتصدق به وفاء للنذر، فالوفاء بالنذر امر منتزع عن التصدق بالدرهم فى حيوة الولد، و قد عرفت ان اجراء الاصل فى المنشاء لترتيب آثار ما ينتزع عنه مثبت و مثل هذا الاشكال جار فى
ص: 331
استصحاب حيود زيد لا ثبات وجوب الانفاق من ماله على زوجته، لان حيوة زيد ليست موضوعة لوجوب الانفاق فى الدليل بل الحكم مترتب على الزوج، و زيد على تقدير حيوته يوجب تحقق عنوان الزوج الذى هو الموضوع لوجوب الانفاق و قد اجاب عنه صاحب الكفاية قدس سره فى حاشيته، بما حاصله ان عنوان الوفاء بالنذر و العهد و الوعد و الحلف و العقد و امثال ذلك، انما هى كعنوان المقدمية و الضدية و نحوهما، فكان ان الامر بالكون على السطح يسرى الى ذات المقدمة بعنوانه الخاص و هو كونه سلّما لا بعنوان كونه مقدمة، و الامر بازالة النجاسة عن المسجد يقتضى النهى عن ذات الضد بعنوانه الخاص و هو كونه صلوة لا بعنوان كونه ضدا، و لذا يكون النهى المتعلق بالضد بناء على اقتضاء الامر بالشئى للنهى عن ضده من باب النهى فى العبادة، اذ لو كان النهى متعلقا به بعنوان كونه ضد لابه بعنوانه الخاص، لكان النهى المتعلق به من باب اجتماع الامر و النهى كما فى الغصب و الصلوة، حيث ان النهى تعلق بالغصب المنتزع عن الافعال الخاصة بما هى حركات و سكنات لا بما هى صلوة، فكذلك الامر بالوفاء بالنذر و العهد و الوعد و امثالها، انما يسرى الى ذات ما التزم به بعنوانه الخاص كالتصدق بدرهم ما دام الولد حيا، لا بعنوان كونه وفاء بالنذر او العهد او الوعد و السر فى ذلك فى الموضعين، هو انه اذا كانت هناك عناوين مختلفة، و لكن كانت متفقة فى كونها واجدة لملاك حكم واحد عليها، و كان هناك عنوان واحد منتزع عن جميعها، يؤخذ ذلك العنوان الانتزاعى موضوعا للحكم فى لسان الدليل، لكونه جامعا لها مع شتاتها و عدم انضباطها بحيث لا تكادان تندرج تحت ميزان، او يحكى عنها بعنوان غير هذا العنوان المنتزع يكون جامعا و مانعا، هذه خلاصة ما افاده قدس سره فى الجواب عن الاشكال و اورد عليه الاستاد دام ظله، بانه ان ارادان عنوان الوفاء بالنذر ليس له دخل فى المطلوبية اصلا لا بنحو الحيثية التقييدية و لا بنحو الحيثية التعليلية، بل المطلوب النفس الامرى هو العناوين الخاصة بخصوصياتها، و انما اخذ هذا العنوان فى موضوع الدليل لمجرد احتوائه على المطلوبات الخاصة، نظير هؤلاء فى قولك اكرم هؤلاء ففيه انه من المعلوم ان اعطاء الدرهم على
ص: 332
تقدير حيوة الولد، انما وجب لكونه مصداقا للوفاء بالنذر، لا لخصوصية فيه مع قطع النظر عن هذا العنوان و ان اراد ان الحكم المتعلق بهذا العنوان يسرى الى مصاديقه التى منها اعطاء الدرهم على تقدير حيوة الولد، فهو حق لا ريب فيه، الا انه لا وجه لاختصاص هذا الكلام بالعناوين المذكورة فى كلامه قدس سره، من الوفاء بالنذر و العهد، و امثال ذلك من العنواوين الانتزاعية التى لا يكون لها ما بازاء فى الخارج و لا يضاف اليها الوجود الابتبع منشاء انتزاعها، بداهة ان الاحكام المتعلقة بكل عنوان تسرى الى مصاديقه، و ان كان من العناوين المتاصلة التى يكون لها ما بازاء فى الخارج و يضاف اليها الوجود بالذات كالانسان مثلا فالاولى فى الجواب، ان يقال ان الوفاء بالنذر كساير العناوين، اذا تعلق به الحكم يسرى الى مصاديقه الخارجية، التى منها اعطاء الدرهم على تقدير حيوة اولد بعد الالتزام بذلك، فاعطاء الدرهم على تقدير حيوة الولد متعلق للتكليف الشرعى، من اجل كونه مصداقا للوفاء بالنذر، فاذا شك فى حيوة الولد تستصحب و يترتب عليها الحكم من دون التوسط انتهى ما افاده دام ظله و لكن يمكن ان يقال بالفرق بين العناوين المتاصلة التى يضاف اليها الوجود بالذات كالانسان، و بين العناوين الانتزاعية التى لا يضاف اليها الوجود الابتبع منشاء انتزاعها كالوفاء بالنذر، فان ما ينطبق عليه العنوان الكلى فى الاولى هو نفس المصداق الخارجى بذاته، و هذا بخلاف الثانية فان ما ينطبق عليه العنوان الكلى ليس نفس المصداق الخارجى بذاته، بل بما ينتزع عنه من عنوان كونه وفاء، بداهة ان اعطاء الدرهم فى المثال ليس بذاته مصداقا للوفاء الكلى، بل بما ينتزع عنه من عنوان كونه وفاء خاصا، فالحكم فى الاولى يسرى من العنوان الكلى الى نفس المصداق الخارجى بذاته، و فى الثانية لا يسرى من العنوان الكلى الى نفس المصداق الخارجى او لا و بالذات، بل ثانيا و بالعرض بتوسط سرايته الى العنوان الخاص المنتزع عنه فالاولى ان يقال ان عنوان الوفاء بالنذر ليس نظير هؤلاء فى اكرم هؤلاء، فى كونه مأخوذا فى موضوع الخطاب لمجرد احتوائه على المطلوبات الخاصة، من دون دخل له فى مطلوبيتها اصلا لا بنحو الحيثية التقييدية و لا بنحو الحيثية التعلية، و ليس ايضا نظير العناوين
ص: 333
المتاصلة التى يكون الها الدخل فى المطلوب بنحو الحيثية التقييدية، بل اخذه فى موضوع الخطاب انما هو لدخله فى المطلوب بنحو الحيثية التعليلية، فاعطاء الدرهم عند حيوة الولد انما وجب بعنوانه الخاص، لكن لاجل (ما ينتزع عنه عن عنوان الوفاء بالنذر خ د) كونه منشاء لانتزاع عنوان الوفاء بالنذر هذا و منها استصحاب وجود الشرط و المانع او عدمهما، اذ قد يتخيل انهما ليسا من المجعولات الشرعية و لا مما له اثر مجعول، اما عدم كونهما مجعولين، فلما حقق فى محله من ان الشرطية و المانعية من الاحكام الوضعية الانتزاعية الغير القابلة للجعل، و اما عدم كونهما مماله اثر مجعول، فلان غاية ما يترتب عليهما هو جواز الدخول فى المشروط و الممنوع و عدم جوازه، و هما ليسا بشرعيين بل عقليان لاستقلال العقل بهما و الجواب عنه يظهر مما قدمناه، و حاصله ان المراد بالشرط و المانع، ان كان مصداقهما اعنى ما جعله الشارع شرطا او مانعا، فلا اشكال فى صحة الاستصحاب فيهما وجود او عدما، كيف و مورد بعض اخبار الباب هو استصحاب الطهارة و استصحاب عدم الحدث و توهم ان استصحاب وجود الشرط و عدم المانع، لا يجدى فى الحراز المقيد بوجود الاول و عدم الثانى، الاعلى القول بالاصل المثبت مدفوع بمامر من انمرجع الاستصحاب فى القيود مطلقا الى الموضعه او التظييق فيهما فى حال الشك، بمعنى اكتفاء الشارع بالطهارة المشكوكة مثلا او عدم اكتفائه به فى هذا الحال، اذ كما ان ايجاب الصلوة المقيدة بالطهارة وظيفة للشارع، كك الاكتفاء بالصلوة مع الطهارة المشكوكة التى علم بتحققها سابقا، و عدم الاكتفاء بها مع الحدث المشكوك الذى علم بتحققه سابقا وظيفة له ايضا و ان كان المراد بالشرط و المانع عنوان الشرطية و المانعية، فهما و ان كانتا من الامور الانتزاعية الغير القابلة للجعل استقلالا، الا انهما قابلتان له تبعا بجعل منشاء انتزاعهما، و هذا المقدار يكفى فى شمول ادلة الاستصحاب لهما، اذ لا يعتبر فى شمولها لشئى ازيد من كونه بحيث تناله يد التصرف من قبل الشارع و لو بان يجعل ما هو منشاء انتزاعه و منها الاستصحاب فى الموضوعات الخارجية، حيث توهم انه لا اثر له شرعا الابواسطة انطباق العناوين الكلية عليها، بداهة ان المتعلق و الموضوع للاحكام الشرعية
ص: 334
هى العناوين الكلية، دون الموضوعات الخارجية الشخصية، فيكون اثبات الموضوعات الخارجية بالاصل بملاحظة تلك الاحكام مثبتا و لا يخفى ان مراد المتوهم، ان كان ما يترائى من ظاهر كلامه، من ان الجزئى الخارجى لم يترتب عليه حكم فى الشرع، بل انما يسرى اليه الحكم عقلا لانطباق العنوان الكلى الذى هو الموضوع للحكم عليه، فترتب الحكم على الجزئى الخارجى عقلى لا شرعى ففيه ما عرفت من ان الحكم مترتب اولا و بالذات على الموضوعات الخارجية، و يكون ترتبه فى لسان الدليل على العناوين الكلية ثانيا و بالعرض، من جهة مراتيتها للموضوعات الخارجية و سراية الحكم من ذى الصورة اليها و ان كان مراده ان الاعيان الخارجية كالخمر مثلا ليست ينفسها موضوعة للحكم الشرعى التكليفى، بداهة ان موضوع التكليف هو افعال المكلفين فالحرام هو الافعال المتعلقة بالخمر مثلا، من شربه و بيعه و نحوهما، لانفسها، فكون المايع المخصوص خمرا لا يترتب عليه شئى، الا كون شربه الخمر، و هو موضوع للحرمة، فاستصحاب خمرية مايع لاثبات انشاء ربه شرب الخمر من الاصول المثبتة ففيه ان استصحاب خمرية مايع، يقتضى كون شربه حراما من دون الاحتياج الى توسيط اثبات ان كون شربه شرب الخمر، و ذلك لان تنزيل مايع منزلة الخمر، لا معنى له الا كون شرب ذلك المايع محرما شرب الخمر، و السر فى ذلك هو ان الحكم المتعق بالعناوين الكلية عين الحكم المتعلق بجزئياتها، و انما الفرق بينهما بالاجمال و التفصيل، و لذا فى مقام ترتيب القياس يقال هذا خمر و كل خمر يحرم شربه فهذا يحرم شربه، فيجعل الموضوع فى النتيجة هو نفس الجزئى الخارجى بما هو لا بعنوان كونه خمرا هذا.
(قوله دام ظله الامر الثانى لا فرق فى المستصحب بين كونه مشكوك الارتفاع فى الزمان اللاحق رأسا الخ) اقول لا اشكال فيما افاده دام ظله، من عدم الفرق فى جريان الاستصحاب، بين كون المستصحب وجوديا كان او عدميا مشكوك الارتفاع رأسا و فى تمام الزمان اللاحق، و بين كونه مشكوك الارتفاع فى جزء من الزمان اللاحق مع العلم بارتفاعه بعد ذلك الجزء، بداهة انه لو شككنا فى حيوة زيد مثلا فى يوم الجمعة،
ص: 335
لم يكن فرق فى استصحاب حيوته يوم الجمعة، بين ما لو كانت حيوته مشكوك الارتفاع فى يوم السبت او غيره من الايام اللاحقة ايضا، او كانت مقطوع الارتفاع فيه، و ذلك لان مجرد القطع بارتفاع الحالة السابقة فى زمان، لا يضر بجريان الاستصحاب بالنسبة الى ما قبل ذلك الزمان من الازمنة المشكوك ارتفاعها فيها، بعد تحقق ركنى الاستصحاب من اليقين و الشك فيها و الاستصحاب الجارى فى هذا القسم الاخير هو المقصود بالبحث فى هذا الامر، و هو الذى يعبر عنه باصالة تأخر الحادث، و مرادهم باصالة تأخره، هو انه اذا قطعنا بوجود حادث فى زمان و شككنا فى ان ذلك الزمان مبدء حدوثه او انه حدث قبل ذلك، فبالاستصحاب نحكم بعدم تحققه قبل ذلك الزمان، فيلزمه عقلا تأخر حدوثه الى ذلك الزمان، و كونه زمان اول وجوده الذى يعبر عنه بالحدوث، و ليس مرادهم بها اجراء الاصل فى نفى التأخر بداهة انه من الاوصاف اللازمة لمعروضها، فلا يمكن اثباته وجود او عدما بالاصل، اذ ليس له وجودا و لا عدما حالة سابقة متيقنة، هذا مجمل الكلام فى المراد من اصالة تأخر الحادث و اما الكلام فى حكمها، فنقول لا اشكال فى ان مقتضى الاستصحاب المذكور كور عدم تحققه قبل ذلك الزمان المعلوم تحققه فيه، فيترتب عليه كل حكم شرعى كان مترتبا على نفس عدمه فيما قبل ذلك الزمان، و ان لم يترتب عليه ما كان مترتبا على تأخر حدوثه الى ذلك الزمان و لا آثار حدوثه فيه، الا على القول بالاصل المثبت، و ذلك لما عرفت انفا من ان حدوثه فى ذلك الزمان و تأخره اليه من اللوازم العقلية لعدم حدوثه قبله و وجوده فيه و توهم امكان ترتيب آثار حدوثه فيه ايضا بذاك الاستصحاب، بدعوى ان الحدوث عبارة الوجود فى الزمان اللاحق و عدم الوجود فى السابق، فهو كسائر الموضوعات المركبة التى يمكن احراز جزئها بالاصل مندفع بما عرفت فى الامر السابق، من ان الاولية و الاخرية و الحدوث من المفاهيم البسيطة التى لا تركيب فيها اصلا، بل لو كان هناك تركيب ففى منشاء انتزاعها، فلا يمكن ترتيب آثارها، باجراء الاصل فى منشاء انتزاعها كما لا يخفى، هذا اذا كان الشك فى مبدء وجود الحادث و تأخره بالنسبة الى اجزاء الزمان و اما اذا كان الشك فى مبدء وجوده و تأخره
ص: 336
بالنسبة الى حادث آخر، كما اذا علم بحدوث حادثين و شك فى المقدم منهما حدوثا، فلا يخلو اما ان يجهل تاريخ كليهما او يعلم تاريخ احدهما، و اما لو علم تاريخ كليهما فهو خارج عن محل الكلام لعدم تصور الشك معه اصلا كما ان محل الكلام هو ما اذا لم يكن الحكم الشرعى مترتبا على العنوان المنتزع عن عدم كل منهما او احدهما فى زمان الاخر، من التقدم و التأخر و التقارن، بداهة عدم اعتبار الاستصحاب حينئذ فى شئى منهما الا على القول بالاصل المثبت اذا عرفت ذلك، فنقول لا اشكال فى جريان الاستصحاب فى القسم الثانى، و هو ما اذا كان تاريخ احدهما معلوما و الاخر مجهولا، بالنسبة الى مجهول التاريخ فيحكم بعدمه فى تمام الازمنة المشكوك وجوده فيها التى منها زمان وجود معلوم التاريخ، ان كان لعدمه فى زمانه اثر شرعى كما لا اشكال فى عدم جريانه بالنسبة الى معلوم التاريخ، لأنه قبل التاريخ معلوم العدم و بعده معلوم الوجود، فليس هناك زمان يشك فى بقاء عدمه فيه حتى يستصحب و توهم جريان الاستصحاب فى طرف المعلوم ايضا، بان يقال الاصل عدم وجوده فى الزمان الواقعى للمجهول مدفوع بان نفس وجود المعلوم غير مشكوك اصلا كما عرفت، و اما وجوده فى الزمان الواقعى للمجهول فليس مسبوقا بالعدم، هذه خلاصة ما افاده شيخ مشايخنا المرتضى قدس سره فى القسم الثانى و اورد عليه صاحب الكفاية بما ملخصه هو ان المعلوم و ان كان اصل وجوده معلوما غير مشكوك فيه، الا انه بوجوده الخاص المحمولى الحاصل له بالاضافة الى المجهول، و هو وجوده المقارن وجود المجهول يكون مشكوكا، فيستصحب عدمه المحمولى الثابت ى الازل، و يترتب عليه الاثر ان كان له بهذا النحو من الوجود اثر، و اما ان كان الاثر لوجوده الخاص على نحو كان الناقصة، بان يكون الاثر مترتبا على اتصافه بهذا الوجود الخاص فلا يمكن استصحاب عدمه، اذ ليس لوجوده على هذا النحو و لا لعدمه كك حالة سابقة متيقنة، فعلى احد التقدير بن يجرى الاصل فى كل من المعلوم و المجهول، و على الاخر منهما لا يجرى فى شئى منهما و اورد عليه بعض الاعاظم من تلامذته دام ظله، بانه بعد الغض عما فى كلامه من اثبات الوجود النعتى لغير الاعراض بالنسبة الى محالها،
ص: 337
مع عدم تصوره لغيرها، بداهة استحالة كون جوهر نعتا لجوهر آخر، و كذا كون عرض نعتا لعرض آخر فى محله او فى محل آخر او نعتا لجوهر غير محله، و انما يحصل بين كل منهما مع الاخر اضافة و نسبة تكون منشاء لانتزاع امور انتزاعية كالقبلية و البعدية و المعية و التقدم و التأخر و التقارن ان كان المراد بوجوده المقارن لوجود المجهول، وجوده المتصف بالمقارنة لوجود المجهول، ففيه انه خارج عن محل النزاع، لما عرفت من تخصيصه بما اذا كان الاثر مترتبا على نفس اجتماعهما فى الزمان لا على الامر المنتزع عن اجتماعهما فيه، و الا لكان الاصل بالنسبة الى كل منهما مثبتا و ان كان المراد نفى وجوده الواقعى، و انما جعل هذا التعبير مرآة و معرفا له باعتبار ازمنة وجوده التى منها زمان وجود المجهول، فهذا لا يوجب كون وجوده الواقعى مشكوكا، بداهة ان جعل مشكوك مرآة لمعلوم لا يوجب صيرورة ذلك المعلوم المرئى مشكوكا، فجهل المعرف لا اثر له اذا كان المعرف بالفتح معلوما كما هو واضح هذا ملخص ما افاده ذلك البعض من اعاظم تلامذته ردا عليه و لا يخفى عدم ورود شئى مما افاده عليه، و توضيحه يحتاج الى تمهيد مقدمة، و هى ان اهل المعقول قسموا الموجودات الخارجية الممكنة، الى ما يكون وجوده فى ذاته لذاته كالجواهر، و الى ما يكون وجوده فى ذاته لا لذاته بل لغيره، كالاعراض حيث ان وجوده فى ذاتها عين وجودها لمحالها، و الى ما يكون وجوده فى الغير و للغير كالامور الانتزاعية، و لذا قالوا ان الامور الانتزاعية نحو وجود خاص لمنشاء انتزاعها اذا تمهدت هذه، فنقول مراد صاحب الكفاية قدس سره من الوجود الخاص لمعلوم التاريخ، هى الاوصاف الانتزاعية التى قد عرفت انفا انها نحو وجود خاص لموصوفها و منشاء انتزاعها، و من البديهى انه كما ان الاعراض، تارة تلاحظ لا بشرط فتحمل على محالها و تسمى بالمشتق و يكون وجودها بهذا اللحاظ ربطيا نعتيا، و اخرى تلاحظ بشرط لا فلا تحمل على محالها و تسمى بمبدء الاستقاق، و يكون وجودها بهذا اللحاظ محموليا، فكذلك الامور الانتزاعية، فمراده قدس سره من الوجود النعتى لمعلوم التاريخ او مجهول الوجود النعتى الذى يكون الاوصافه اذا لا بشرط، و من الوجود
ص: 338
المحمولى له هو الوجود المحمولى الذى يكون لا وصافه اذا اخذت بشرط لا، لا الوجود النعتى او المحمولى الذى يكون لذات المعلوم او المجهول، ان العرض لا يصير نعتا لغير محله و من هنا يظهران الاوصاف الانتزاعية فيما كانت غير ملازمة لموصوفاتها يمكن اجراء الاصل فى وجودها و عدمها المحموليين و النعتيين، و اما اذا كانت ملازمة لموصوفاتها، فلا يمكن اجراء الاصل الا بالنسبة الى عدمها المحمولى فقط، لعدم الحالة السابقة لغيره كى يستصحب، فمراده قدس سره من استصحاب العدم المحمولى بالنسبة الى معلوم التاريخ، هو استصحاب العدم المحمولى الذى يكون لوصفه، لا العدم المحمولى الذى يكون لذاته، فلا يكون استصحاب لترتيب اثره عليه ان كان له اثر، من الاصول المثبتة و خارجا عن محل الكلام، نعم استصحابه لترتيب آثار عدمه النعتى و اتصاف المعلوم به، يكون مثبتا هذا لكن يرد عليه قدس سره انه لم يترتب الاثر فى الشرع على ذلك الوصف المنتزع اصلا، لا بوجوده و لا عدمه المحموليين و لا النعتيين، بل الاتر مترتب شرعا مجرد اجتماع المعلوم و المجهول فى الزمان، و عليه فلا يجرى الاصل فى طرف المعلوم اصلا، ما بالنسبة اصل وجوده فلعدم الشك فيه، و اما بالنسبة الى وجوده الخاص فلعدم ترتب الاثر شرعا عليه، هذا مجمل الكلام فى جريان الاصل فيما اذا كان احد الحادثين معلوم التاريخ و الاخر مجهوله و اما الكلام فى جريانه فيما اذا كان كلاهما مجهولى التاريخ، فنقول قد ذهب شيخ مشايخنا المرتضى قدس سره، الى انه لا اشكال فى جريانه فى حد ذاته بالنسبة الى عدم كل منهما، و ان كان الاصل فى كل منهما معارضا بمثله فى الاخر، فيما كان لعدم كل منهما اثر شرعى، و الا فيجرى فيما له الاثر منهما خاصة بلا معارض، كما لا اشكال فى عدم جريانه بالنسبة الى عدم كل منهما، فما لم يكن لعدمهما اثر شرعى اصلا او كان لكن مع الواسطة، اما عدم جريانه بالنسبة الى عدم كل منهما او عدم احدهما، فيما لم يكن لعدم كليهما او عدم احدهما اثر شرعى فلما عرفت من ان التنزيل فى الاصول بلحاظ الجرى العملى و ترتيب الاثر، فلا يصح التنزيل فيما لم يكن للمشكوك اثر عملى، و اما جريانه بالنسبة الى عدم كل منهما او عدم احدهما
ص: 339
خاصة، فيما كان لعدم كليهما او عدم احدهما اثر شرعى، فلتحقق اركانه من اليقين السابق و الشك اللاحق، بداهة ان الاثر ليس مترتبا على عدم احدهما المتصف بكونه فى زمان وجود الاخر، كى يمنع عن وجود الحالة السابقة لهذا العدم، بل الاثر مترتب على نفس عدم احدهما و وجود الاخر، بحيث يكون الرابط بينهما مجرد ان يجمعهما زمان واحد، و لا شك فى ان هذا العدم له حالة سابقة فيحكم ببقائه الى زمان حدوث الاخر، فيتحقق حينئذ ما هو الموضوع للاثر الشرعى، و هو وجود احدهما فى حال عدم الاخر، بعضه بالوجدان و بعضه بالاصل فاذا كان لكل من الحادثين فى حال عدم الاخر اثر شرعى فلا محالة يقع التعارض بين الصل الجارى فى عدم احدهما مع الجارى فى عدم الاخر انتهى و اوود عليه شيخنا الاستاد دام ظله، بانه لا مجال لجريان الاصل فى حد ذاته بالنسبة الى عدم كل منهما، مع قطع النظر عن معارضته بمثله فى عدم الاخر، الاعلى القول بجواز التمسك بالعام فى الشبهة المصداقية، و ذلك لاحتمال كون زمان حدوث كل منهما هو زمان القطع بتحقق كل منهما، و حينئذ فلا يعلم ان رفع اليد عن آثار عدم كل منهما فى زمان حدوث الاخر نقض لليقين بالشك، و ذلك لان رفع اليد عن آثار عدم كل منهما فى زمان حدوث الاخر، على تقدير كون زمان حدوثه هو زمان القطع بتحقق كل منهما، نقض لليقين باليقين لا بالشك، مثلا لو كنا عالمين بعدم كرية ماء و عدم ملاقاته للنجاسة الى طلوع الفجر من يوم الجمعة، ثم علمنا اول طلوع الشمس من ذلك اليوم، بتحقق كريته و ملاقاته للنجاسة، و شككنا فى المتقدم منهما حدوثا، و انه هى الكرية كى يكون الماء طاهرا، او الملاقاة كى يكون نجسا، و احتملنا ايضا ان يكون زمان حدوث كل من الكرية و الملاقاة، هو اول طلوع الشمس الذى علمنا بتحقق كليتها فيه، فحنئذ باستصحاب عدم الكرية الى زمان حدوث الملاقاة للحكم بنجاسة الماء، يكون من التمسك بالعام فى الشبهة المصداقية، اذ نحتمل ان يكون زمان حدوث الملاقاة الذى نريدان نستصحب عدم الكرية اليه، هو اول طلوع الشمس الذى نعلم بتحقق كل من الكرية و الملاقاة فيه، فيكون رفع اليد عن آثار عدم الكرية فى زمان حدوث الملاقاة من نقض اليقين باليقين، و نحتمل
ص: 340
ان يكون زمان حدوث الملاقاة هو بين الطلوعين، كى يكون رفع اليد عن آثار عدم الكرية فى زمان حدوث الملاقاة من نقض اليقين بالشك، فنشك فى ان رفع اليد عن آثار عدم الكرية فى زمان حدوث الملاقاة، هل هو نقض لليقين بالشك كى يكون موردا لقوله عليهم السّلام لا تنقض اليقين بالشك، او نقض لليقين باليقين كيلا يكون موردا له و معه يكون التمسك بقوله عليه السلام لا تنقض تمسكا بالعام فى الشبهة المصداقية، هذا خلاصة ما افاده دام ظله فى مقام الاشكال فى جريان الاصل فى حد ذاته، مع قطع النظر عن المعارضة بمثله فى مجهولى التاريخ و لا يخفى ان ما افاده انما يتم فيما اذا كان موضوع الحكم مركبا من وجود احد الحادثين فى زمان و عدم الاخر فى ذلك الزمان و عدم الاخر فى ذلك الزمان، كما فى اعتصام الماء فانه موضوعه هو كل ماء كان كرا و لم يكن ملاقيا للنجاسة فى زمان حدوث كريته، بخلاف ما اذا كان موضوع الحكم مركبا من وجود احد الحادثين و عدم الاخر قبله، كما فى مسئلة اسلام الوارث و موت المورث، حيث ان الحكم الشرعى و هو التوارث مترتب على اسلام الوارث و عدم موت المورث قبل اسلامه، اذ يكفى فى احراز الموضوع حينئذ استصحاب عدم الاخر الى الان المتصل بزمان حدوث الاخر، و لا نحتاج الى استصحاب عدمه الى زمان حدوث الاخر، كى يلزم ما افاده دام ظله من محذور التمسك بالعام فى الشبهة المصداقية ثم ان لصاحب الكفاية قدس سره فى المقام كلاما فى الرد على شيخ مشايخنا الانصارى قدس سره، لا بأس بذكره و التعرض لما فيه من المواقع للنظر و التأمل، قال قدس سره عند قول الشيخ قدس سره فى مجهول التاريخ و اما اصالة عدم احدهما فى زمان حدوث الاخر فهى معارضة بالمثل الخ، ما خلاصته هو انه لا مجال لجريان الاصل فى حد ذاته بالنسبة الى عدم كل منهما مع قطع النظر عن المعارضة به بالنسبة الى عدم الاخر، و ذلك لعدم احراز اتصال زمان الشك فى ع د كل منهما الذى هو زمان حدوث الاخر، بزمان اليقين بذلك العدم، لاحتمال انفصاله عنه باتصال حدوث ما شك فى عدمه من كل منهما بزمان اليقين به، مثلا لو كنا عالمين بعدم كرية الماء و عدم ملاقاته للنجاسة الى اول طلوع الفجر من يوم
ص: 341
الجمعة، ثم علمنا اول طلوع الشمس من ذلك اليوم بتحقق كريته و ملاقاته للنجاسة، و شككنا فى المتقدم منهما، و انه هى الكرية كى يكون الماء طاهرا، او الملاقاة كى يكون نجسا، يكون بين الطلوعين زمانان، احدهما زمان حدوث الكرية، و الاخر زمان حدوث الملاقاة، و عدم احدهما الازلى المعلوم قبل طلوع الفجر، و ان كان مشكوكا فى الزمان الاول لاحتمال ان يكون حدوثه فى الزمان الثانى، الا ان هذا العدم ليس له اثر شرعى، بل الاثر مترتب على عدمه الخاص، و هو عدمه فى زمان حدوث الاخر، بداهة ان الطهارة ليست مترتبة على مجرد عدم الملاقاة، بل على عدمها فى زمان حدوث الكرية، و حينئذ ان كان زمان حدوث احديهما كالملاقاة مثلا هو الزمان الاول، كان زمان الشك فى عدم الاخرى و هى الكريد متصلا بزمان يقينه، و ان كان زمان حدوث الملاقة هو الزمان الثانى، كان زمان الشك فى عدم الكرية منفصلا عن زمان يقينه باتصال حدوثها اعنى حدوث الكرّية بزمان يقينه عليه السلام فلم يحرز اتصال زمان الشك فى عدمها بزمان اليقين به، مع انه لا بد منه فى صدق لا تنقض، فيكون التمسك بالاستصحاب مع عدم احرازه تمسكا بالعام فى الشبهة المصداقية، هذه خلاصة ما افاده قدس سره ردا على الشيخ قدس سره و فيه اولا مامر من ان الاثر ليس مترتبا على العدم الخاص لاحدهما، و الا لكان عدم جريان الاستصحاب فيه لعدم الحالة السابقة له، لا ان له حالة سابقة و لا يجرى الاستصحاب فيه لعدم الاتصال، بل الاثر مترتب على نفس عدم احدهما و وجود الاخر، بحيث يكون الرابط بينهما هو مجرد الاجتماع فى الزمان، و حينئذ اذا استصحب هذا العدم الزمان حدوث الاخر يتحقق ما هو الموضوع للاثر الشرعى، و لا شك فى اتصال زمان الشك فى هذا العدم بزمان اليقين به، كما اعترف قدس سره به فى لا يقال الذى اورده على نفسه و اجاب عنه فراجع و ثانيا ان كون زمان حدوث احدهما هو الزمان الاول او الثانى، موجب لاتصال المشكوك و هو عدم الاخر بالمتيقن او انفصاله عنه، و هو لا يستلزم اتصال الشك باليقين او انفصاله عنه، بداهة انه يمكن ان يكون المشكوك غير متصل واقعا بالمتيقن، و يكون الشك متصلا باليقين و كذا العكس كمالا
ص: 342
يخفى لا يقال انا نعلم اجمالا بانتقاض عدم احدهما بوجوده و معه كيف يمكن احراز اتصال زمان الشك فى عدم كل منهما بزمان اليقين به لانا نقول ان العلم الاجمالى بانتقاض احد العدمين، لا يكون موجبا الا للشك فى بقاء كل منهما، فكيف يمكن ان يكون مانعا عن احراز اتصال زمان الشك فى بقاء كل منهما بزمان اليقين به و اما ما ذكروه فى مسئلة الدم المردد بين المسفوح و المتخلف، و الدم المردد بين كونه من دم الانسان او المنتقل منه الى البق بالمص، من عدم اجراء استصحاب النجاسة السابقة التى كانت ثابتة لهما قبل الذبح و الانتقال، معللا بعدم احراز اتصال زمان الشك بزمان اليقين، فهو ليس من اجل العلم الاجمالى بانتقاض الحالة السابقة بالنسبة الى بعض اجزائهما، بل للعلم التفصيلى بانتقاض النجاسة بالنسبة الى خصوص المتخلف فى الحيوان المذبوح و المنتقل الى البق، و الحاصل ان عدم احراز اتصال زمان الشك بزمان اليقين فى الاستصحابين المتعارضين، انما هو فيا اذا علم تفصيلا بانتقاض الحالة السابقة لاحد المستصحبين ثم اشتبه احدهما بالاخر، دون ما اذا علم اجمالا بذلك، بداهة انه لا يوجب الا الشك فى انتقاض كل منهما بالخصوص، مثلا لو كان هناك انا ان علم بنجاسة كليهما ثم شك فى نجاستهما من جهة العلم الاجمالى بوصول المطر الى احدهما، فهذا العلم الاجمالى و ان كان رتبة مقدما على الشك فى طهارة كل منهما و نجاسته لكونه علة له، الا انه ليس مقدما عليه زمانا كى يكون فاصلا بين زمانه و زمان اليقين بنجاسة كل من الانائين كما هو واضح و هذا بخلاف ما لو علم تفصيلا بطهارة خصوص احد الانائين بوقوع المطر فيه ثم اختلطا و اشتبه احدهما بالاخر، فان هذا العلم التفصيلى مقدم زمانا على الشك فى نجاسة كل من الانائين، فيكون فاصلا بين زمانه و زمان اليقين بنجاسة كليهما، و ذلك لان الشك فيهذه الصورة انما نشاء من اختلاط احد الانائين بالاخر، لاعن ذلك العلم التفصيلى، كى يمنع عن تقدمه زمانا على الشك من جهة استحالة تخلف المعلول عن علته التامة، و هذا العلم التفصيلى و ان كان فاصلا بين زمان الشك و زمان اليقين، بالنسبة الى خصوص ما اصابه المطر من الانائين دون الاخر منهما، الا انه حيث
ص: 343
اشتبه احدهما بالاخر، صار احتمال انفصال زمان الشك عن زمان اليقين متطرقا الى كل منهما، فلم يحرز اتصال الزمانين فى شئى منهما فتحصل مما ذكرنا كله انه لا مانع عن جريان الاصل فى عدم كل من الحادثين مع الجهل بتاريخهما، من هذه الجهة اعنى جهة عدم احراز اتصال زمان الشك بزمان اليقين، و ان العلم الاجمالى بانتقاض احد العدمين بوجود نقيضه، لا يترتب عليه اثر الا الشك فى بقائهما بل لا يترتب عليه هذا الاثر ايضا فى المقام، و ان ترتب عليه فى مثال الانائين فى بعض الصور كمامر، بداهة ان الشك فى المقام ناش عن الجهل بتاريخ الحادثين، لا عن العلم الجمالى المزبور، و انما يكون العلم الاجمالى فى المقام منشاء لمجرد وقوع النعارض بين الاصلين، فيرجع الامر حينئذ الى البحث عن مسئلة اخرى، و هى ان الاصل هل يجرى فى اطراف العلم الاجمالى بالخلاف مطلقا لتحقق اركانه او لا يجرى مطلقا، اما من جهة ان العلم المأخوذ فى غايات الاصول اعم من العلم التفصيلى، او من جهة لزوم التناقض فى مدلول خطاب لا تنقض على تقدير شموله لمورد العلم الاجمالى بالنقض بداهة التناقض بين السلب الكلى الذى هو مدلول صدره، و الايجاب الجزئى الذى هو مدلول ذيله، او من جهة عدم امكان الجمع بين الاصول فى الجعل مع العلم اجمالا بكذب احدها، او يفصل بين الاصول النافية للتكليف مع العلم به اجمالا، فلا تجرى لاستلزام اجرائها للمخالفة العملية، و بين الاصول المثبتة للتكليف مع العلم بعدمه اجمالا فتجرى و هذه مسئلة اخرى لا ربط لها بمسئلة عدم جريان الاستصحابين مع عدم احراز اتصال زمان الشك بزمان اليقين فتبين مما ذكرنا ان المانع عن جريان الاصل فيما ذكره صاحب الكفاية قدس سره من المثال الحادثين المجهول تاريخهما، ليس هو عدم احراز اتصال زمان الشك بزمان اليقين، بل المانع عن جريانه بالنسبة الى عدم كل منهما فى الزمانين اللذين فرض احدهما زمان حدوث احد الحادثين و الاخر زمان حدوث الاخر، هو القطع بانتفاض عدم كليهما فى الزمان الثانى، للقطع بتحقق احدهما فيه حدوثا و الاخر بقاء، هذا فيما اذا اريد اجراء الاصل فى عدم كل منهما بلحاظ اضافته الى اجزاء الزمان و اما لواريد اجرائه بلحاظ اضافته الى زمان حدوث
ص: 344
الاخر، فالمانع عن جريان الاصل بالنسبة الى عدم كل منهما فى الزمانين، ليس حينئذ القطع بانتقاض عدمه الازلى فى الزمان الثانى، بداهة ان المستصحب حينئذ ليس هو عدمه الازلى، كيلا يجرى الاستصحاب فيه بالنسبة الى الزمان الثانى للقطع بانتقاضه فيه، بل المستصحب هو عدمه فى زمان حدوث الاخر، المعلوم عدم القطع بانتقاضه فى الزمان الثانى مع احتمال كون زمان حدوث الاخر هو الزمان الاول بل المانع حينئذ هو احتمال انتقاض عدمه الخاص فى الزمان الثانى، من جهة احتمال كون زمان حدوث الاخر هو الزمان الثانى، حيث ان التمسك بالاستصحاب مع هذا الاحتمال يكون من التمسك بالعام فى الشبهة المصداقية كما هو واضح، هذا تمام الكلام فى الحادثين اللذين علم بارتفاع الحالة السابقة فى كل منهما، و لكن شك فى مبدء الارتفاع و انه اى زمان، مع امكان اجتماعهما فى زمان واحد كاسلام الوارث و موت المورث و كرية الماء و ملاقاته للنجاسة، و اما الحادثان النان علم بتحققهما و ارتفاع احدهما، لعدم امكان اجتماعهما فى زمان كالطهارة و الحدث، فلا اشكال فى جريان الاصل فى حد ذاته فى كل منهما، فيما كان احدهما معلوم التاريخ و الاخر مجهوله، و يعارض الاصل فى كل منهما بمثله فى الاخر من جهة العلم الاجمالى بانتقاض احدهما بالاخر، الا ان المستصحب فى طرف المجهول يكون كليا مرددا، بين مقطوع الارتفاع ان كان مقدما على المعلوم، و مقطوع البقاء ان كان مؤخرا عنه، فيكون من القسم الثانى من اقسام استصحاب الكلى و من هنا يظهر انه لو غسّل ثوب بالانائين المشتبه طاهر هما بنجسهما، يكون استصحاب نجاسته المعلومة حين ملاقاته للاناء الثانى قبل حصول شرائط التطهير من التعدد و العصر و غيرهما العارضة له اما بملاقاته لهذا الاناء و بملاقاته للاناء الاول، معارضا باستصحاب طهارته المعلومة اجمالا الحاصلة له بغسله بالاناء الاول او بالاناء الثانى، غاية الامر ان الاصل فى طهارته بكون من استصحاب الكلى، لترددها بين مقطوع الارتفاع على تقدير حصولها بالغسل بالاناء الاول، و مقطوع البقاء على تقدير حصولها بالغسل بالاناء الثانى و اما اذا كان كلاهما مجهولى التاريخ، فقد يشكل فى جريان الاصل فى حد ذاته بالنسبة الى
ص: 345
كل منهما، مع قطع النظر عن المعارضة بمثله بالنسبة الى الاخر، لا لعدم احراز ما يعتبر فيه من اتصال زمان الشك بزمان اليقين فتدبر، بل لما بين المقام و غيره من موارد الاستصحاب من الفرق من جهات منها ان فى غير المقام من الموارد، يكون الشك فى بقاء المستصحب على الزائد على المقدار المعلوم تحققه فيه من الزمان، و فى المقام ليس لتحقق المستصحب مقدار معلوم من الزمان و منها ان فى غير المقام يكون الشك فى البقاء و الارتفاع بالنسبة الى زمان واحد، بخلاف المقام حيث يكون الشك فى بقاء المستصحب فى هذا الزمان او ارتفاعه فى الزمان السابق و منها ان فى غير المقام لور جعلنا بطريق القهقرى نصل الى زمان العلم بتحقق المستصحب، بخلاف المقام فانا لور جعلنا بطريق القهقرى لا نصل الى زمان نعلم بتحقق المستصحب فيه، و لعل هذا هو مراد من قال بعدم اتصال زمان الشك بزمان اليقين فى المقام اذا علمت الفرق بين المقام و غيره من الموارد من الجهات التى ذكرناها فنقول لا مجال لجريان الاستصحاب فى المقام فى شئى من الحادثين، سواء قلنا بان مفاد ادلة الاستصحاب هو ابقاء ما لليقين الطريقى من العمل فى حال الشك، او قلنا بان مفادها ابقاء نفس المتيقن و جره الى زمان الشك، اما على الاول فلما عرفت من انه لا زمان هناك نعلم بتحقق المستصحب فيه تفصيلا، و العلم بتحققه اجمالا فى احد الزمانين مع احتمال انتقاضه بالحادث الاخر، لا اثر له كى نبتى اثره فى زمان الشك و اما على الثانى فلان ابقاء المتيقن و جره الى زمان الشك، متفرع على احراز اصل تحققه فى زمان كى يجر من ذلك الزمان الى الزمان اللاحق، و قد عرفت انه ليس فى المقام زمان يعلم بتحقق المستصحب فيه، كى نجره من ذلك الزمان الى زمان الشك فتحصل مما ذكرنا ان تحقق الحادثين المشكوك تقدم احدهما على الاخر، لا يدخل تحت ضابط واحد، لان الحادثين تارة يكون وجود احدهما و عدم الاخر جزئين لموضوع حكم واحد، كما فى مسئلة اسلام الوارث و موت المورث، فان الحكم الشرعى و هو التوارث مترتب على الموضوع المركب من اسلام الوارث و عدم موت المورث، و قد عرفت انه لا مانع عن جريان الاصل فى حد ذاته فى كل منهما، فيما اذا
ص: 346
كانا مجهولى التاريخ، و ان تعارض الاصل فى كل منهما بمثله فى الاخر، و انه لا يجرى الاصل الا فى احدهما فيما اذا كان الاخر معلوم التاريخ، فيحكم بالتوارث فيما اذا كان تاريخ الاسلام معلوما و تاريخ الموت مجهولا، باستصحاب حيوة المورث او عدم موته الى ما بعد اسلام الوارث، و يحكم بعدم التوارث فيما اذا كان الامر بالعكس، و هذا الاستصحاب حاكم على استصحاب عدم تحقق الموضوع المركب، لان الشك فيه مسبب عن الشك فى تحقق اجزائه، و الاصل فى السبب حاكم على الاصل فى المسبب و اخرى يكون احدهما موضوعا لحكم و الاخر موضوعا لحكم اخر، و كان احدهما ناقضا للاخر و رافعا له، كما فى مسئلة الطهارة و الحدث، و قد عرفت انه لا اشكال فى جريان الاصل فى حد ذاته فى كل منهما، فيما كان احدهما معلوم التاريخ و الاخر مجهوله، و ان تعارض الاصل فى كل منهما بمثله فى الاخر من جهة العلم الاجمالى بانتقاض احدهما بالاخر، و هذا بخلاف ما اذا كان كلاهما مجهولى التاريخ، فانه يشكل فى جريان الاصل فى حد ذاته بالنسبة الى كل منهما كما مر بيانه و هنا قسم ثالث متوسط بين القسمين، كما فى مسئلة ما لو وجدت فى كر نجاسة لا يعلم سبقها على الكرية و تأخرها عنها، فانها من حيث عدم جريان الاصل بالنسبة الى معلوم التاريخ تكون شبيهة بالقسم الاول، و من حيث ان كلا من الكرية و الملاقاة موضوع مستقل لحكم شبيهة بالقسم الثانى و الحق فى هذه المسئلة هو الحكم بنجاسة الماء مطلقا سواء كانت الملاقاة و الكرية مجهولتى التاريخ او كان احديهما معلومة التاريخ، اما فيما اذا كانتا مجهولتى التاريخ، فلا استصحاب عدم الكرية او القلة الى الان المتصل بزمان حدوث الملاقاة، يكفى فى احراز موضوع النجاسة، و هو كل ماء لاتى النجس و لم يكن قبل ملاقاته له كرا، و لا يتوقف على اثبات عدم تحقق الكرية الى زمان الملاقاة كى يتوقف اجراء الاصل بالنسبة اليه على جواز التمسك بالعام فى الشبهة المصداقية، كما لا يتوقف على احراز تحققها بعد الملاقاة، كى يكون الاصل بالنسبة اليه مثبتا و لا يعارض باستصحاب عدم الملاقاة الى زمان حدوث الكرية، و ذلك لما عرفت من عدم جريانه فى حد ذاته الا على القول بجواز التمسك بالعام فى الشبهة
ص: 347
المصداقية، مع انه لا يثبت كونها بعد زمان حصول الكرية حتى يثبت الطهارة الا على القول بالاصل المثبت، فان الحكم بالاعتصام مترتب على ما اذا كانت الملاقاة بعد حصول الكرية، و من هنا حكمنا فى مسئلة ما اذا تمم الماء القليل النجس كر الماء القليل الطاهر، و فيما اذا حصلت الملاقاة و الكرية دفعة بنجاسة الماء، و قلنا ان الكرية دافعة لا رافعة و على فرض معارضته به، يكون المرجع قاعدة النجاسة المستفاد من تعليق الطهارة على وصف وجودى و هو الكرية قبل الملاقاة، الدال بحسب متفاهم العرف على الحكم بالنجاسة عند الشك فى حصول الكرية قبل الملاقاة و اما اذا كان احديهما معلوم التاريخ، فان كان المعلوم هى الملاقاة، فباستصحاب عدم الكرية او القلة يثبت موضوع النجاسة و يحكم بترتبها عليه، و ان كان المعلوم هى الكرية، فاستصحاب عدم الملاقاة الى زمان حصول الكرية غير جار كمامر، و على فرض الجريان لا يثبت ما هو الموضوع للحكم بالطهارة، و هو كون الملاقاد بعد حصول الكرية الاعلى القول بالاصل المثبت، نعم فيما كان للكرية حالة سابقة و حصل هناك ملاقاة للنجاسة، يحكم باستصحاب الكرية الى زمان حصول الملاقاة بطهارة الماء، لاحراز ما هو موضوع لها من وجود الكرية قبل الملاقاة و مما ذكرنا من الفرق، بين ما اذا كان وجود احد الحادثين و عدم الاخر جزئين لموضوع حكم واحد، و بين ما اذا كان وجود كل منهما موضوعا مستقلا لحكم، و بين المتوسط بين القسمين ظهر ان ما استظهره شيخ مشايخنا المرتضى قدس سره من اطلاقهم التوقف فى بعض المقامات، من عدم العمل بالاصل فى المجهول مع العلم بتاريخ الاخر، ليس فى محله بداهة ان توقفهم عن العمل بالاصل فى المجهول مع العلم بتاريخ الاخر، فى مسئلة اشتباه تقدم الطهارة او الحدث التى هى من القسم الثانى، من جهة معارضته بمثله فى المعلوم، لا ربط له بالتوقف عن العمل فه فى المجهول فى القسم الاول الذى كلامنا فيه فهذا التنبيه كما لا يخفى.
(قوله دام ظله الامر التاسع ان الدليل الخ) اقول لا شبهة فيما افاده من عدم جريان الاستصحاب، فيما كان دليل الحكم دالا على ثبوته او ارتفاعه فى الزمان الثانى، بداهة ان
ص: 348
مورده عدم وجود الدليل الاجتهادى و لو على طبق الحالة السابقة، و انما وقع الاشكال و الكلام فى انه لو خرج بعض افراد العام فى بعض الازمنة عن عمومه، فهل يرجع بعد ذلك الزمان الى عموم العام مطلقا كما هو ظاهر المحكى عن المحقق الثانى فى جامع المقاصد، اوالى استصحاب حكم المخصص كك كما هو ظاهر المحكى عن بعض السادة الفحول، او يفصل بين ما لو كان للعام عموم ازمانى، بان اخذ كل جزء من اجزاء الزمان موضوعا مستقلا لحكم كك، كى ينحل العموم الى احكام متعددة حسب تعدد اجزاء الزمان، كما فى قولنا اكرم العلماء فى كل يوم فالمرجع هو عموم العام، و بين ما لم يكن للعام عموم ازمانى بان اخذ الزمان ظرفا لاستمرار الحكم لا قيدا مفردا، كما فى قوله اوفوا بالعقود، فان الزمان فيه ظرف لاستمرار وجوب الوفاء بالعقد، لان الوفاء به انا مالغو، فالمرجع استصحاب حكم المخصص كما هو صريح كلام شيخ مشايخنا المرتضى قدس سره فى رسائله و فى كتاب المكاسب فى خيار الغبن و ملخص الكلام فى المقام، هوان القضية التى لها عموم افرادى، ان كان لها عموم ازمانى ايضا بان اخذ كل قطعة من قطعات الزمان موضوعاتى مستقلا للحكم المستفاد منها، بحيث ينحل العموم بحسب قطعات الزمان الى احكام مستقلة الارتباط بينها، كما فى قولنا اكرم العلماء فى كل يوم، فلا شبهة فى انه اذا خرج فرد عن عموم القضية فى زمان، يحكم بدخوله فى حكم العام بعد ذلك الزمان، من غير فرق فى ذلك بين كون تلك القطعات مأخوذة بحسب ظاهر الدليل قيد اللفعل المأمور به او ظرفا للنسبة الحكمية، اذ على التقدير الاول يصير الاكرام المأمور به بالنسبة الى كل فرد من افراد العلماء، متعددا حسب تعدد تلك القطعات، فيكون اكرام زيد العالم فى يوم الجمعة، فردا من افراد العام مغاير الاكرامه فى يوم السبت و هكذا، و على التقدير الثانى يصير نفس القضية متعددة حسب تعدد تلك القطعات، فكان المتكلم تكلم بهذه القضية فى كل قطعة قطعة من الزمان، و من المعلوم ان خروج زيد العالم يوم الجمعة عن عموم قضية اكرم العلماء فى كل يوم لا يوجب سقوطها عن الححية فيما بعده من الايام على كلا التقديرين، اذ على الاول يكون اكرام زيد فى يوم الجمعة فردا من افراد الاكرام
ص: 349
مغائر الاكرامه فى غيره من الايام، فاذا خرج فرد من الافراد عن عموم العام يتمسك فى الباقى باصالة العموم، و على الثانى يكون القضية منحلة الى قضايا متعددة، فكانه صدر عن المتكلم فى يوم الجمعة قضية اكرم العلماء فخرج منها زيد، و صدرت عنه تلك القضية ايضا فى يوم السبت و لم يعلم بخروج زيد منها فتحصل انه على تقدير اخذ كل قطعة من قطعات الزمان موضوعا مستقلا، يكون المتعين الاخذ بالعموم دون الاستصحاب، بل صرح سيخ مشايخنا المرتضى قدس سره بعدم جواز التمسك بالاستصحاب عليهذا التقدير و لو مع عدم جريان العموم ايضا لاجل المعارضة او التخصيص بالمجمل، و ان كان ما افاده قدس سره لا يخلو باطلاقه عن النظر، بداهة ان المانع من التمسك بالاستصحاب مع عدم جريان العموم، ليس الاعدم اتحاد الموضوع، و من المعلوم اين الموضوع فى الاستصحاب بعد عدم اخذه من العقل كما سيجيئى انشاء اللّه تعالى بيانه اما مأخوذه من الدليل و اما من العرف، فان اعتبرنا الاول فالمعيار هو الموضوع المأخوذ فى الدليل على حكم المستصحب، و ربما يكون الزمان قيد اللموضوع بحسب الدليل الدال على العموم، و ظرفا للحكم بحسب الدليل الدال على المخصص، و ان اعتبرنا الثانى فالامر اوضح، لانه قد يكون الزمان بحسب الدليل الدال على المخصص ايضا قيدا للموضوع لكن العرف يراه ظرف للحكم هذا مضافا الى عدم الملازمة بين ملاحظة كل قطعة من قطعات الزمان موضوعا مستقلا، و كونها قيدا للمأمور به، و ذلك لما عرفت من ان ملاحظتها كك من لوازم الاعم من اعتبارها قيدا للمأمور به او ظرفا للنسبة الحكمية، و تعدد الموضوع لو سلم فانما هو على الاول دون الثانى كما هو واضح، هذا على تقدير لحاظ كل قطعة من قطعات الزمان موضوعا مستقلا، و اما على تقدبر عدم لحاظ كل قطعة من قطعات كك، بل لو خط الزمان على ما هو عليه من الوحدة الاتصالية و كونه امرا واحدا مستمرا، و جعل بهذا اللحاظ ظرفا للحكم كى يستمر الحكم باستمراره، كما فى قوله تعالى أَوْفُوا بِالْعُقُودِ، فالظاهر انه اذا خرج فرد عن عموم القضية فى زمان، فلا محيص عن الرجوع فيما بعد ذلك الزمان الى استصحاب حكم الخاص دون العام، و ذلك لان
ص: 350
مفاد القضية عليهذا الفرض، هو ان كل عقد محكوم بوجود الوفاء به و يكون ذلك الحكم له مستمرا دائما، فاذا خرج فرد فى زمان عن عمومها، يوجب سقوطه عن الشمول لذلك الفرد فيما بعد ذلك الزمان، لان ذلك الفرد لم يكن محكوما الا بحكم واحد مستمر، فاذا انقطع استمرار حكمه بخروجه فى ذلك الزمان، فلا يمكن ان يتعلق به ذلك الحكم ثانيا فيما بعد ذلك الزمان، لاستحالة تخلل العدم بين اجزاء شئى واحد مستمر، و ليس هناك حكم آخر يكون محكوما به بعد ذلك الزمان، و بعبارة اخرى دلالة العام على استمرار الحكم المتعلق بالفرد، فرع شمول عمومه الافرادى لذلك الفرد و ادخاله تحت دائرة الحكم، فاذا خرج فرد عن عمومه الافرادى فى زمان، فليس بعد ذلك الزمان عموم يشمل ذلك الفرد و يدخله تحت دائرة الحكم كى يحكم باستمرار حكمه فتبين مما ذكرنا ان الوجه فيما ذهب اليه شيخ مشايخنا المرتضى قدس سره من التفصيل، هو انه على تقدير لحاظ كل جزء من اجزاء الزمان موضوعا مستقلا، حيث يكون الفرد الخارج فى جزء من اجزائه كيوم الجمعة مثلا، فردا غير الفرد الذى يتمسك له بالعموم فى السبت، او يكون القضية العامة التى خرج منها فرد فى يوم الجمعة، غير القضية العامة التى يتمسك به لذلك الفرد فى يوم السبت، فلا محيص على كلا الاعتبارين عن التمسك للفرد المشكوك فى يوم السبت بالعموم، و ذلك لان خروج الفرد المفروض من العام يوم السبت ايضا، مستلزم على كلا الاعتبارين لتخصيص آخر زائدا على التخصيص المعلوم كما هو واضح، و هذا بخلاف تقدير لحاظ الزمان على ما هو عليه فى حد ذاته من الوحدة كما هو واضح، و هذا بخلاف تقدير لحاظ الزمان على ما هو عليه فى حد ذاته من الوحدة الاتصالية ظرفا للحكم، فان الفرد المفروض خروجه عن العام يوم الجمعة لو كان خارجا عنه دائما، لا يستلزم عليهذا التقدير الا مخالفة ظاهر واحد، و هو ظهور اطلاق حكم العام فى استمراره لكل فرد دائما ان قلت ما ذكرت من عدم استلزام خروج الفرد المفروض عن العام دائما عليهذا التقدير الا لمخالفة ظاهر واحد، انما يتم لو قلنا بان القيد الوارد على المطلق كاشف عن ارادة المقيد منه فى مقام الاستعمال، و اما لو قلنا
ص: 351
بما هو المختار من ان المطلق فى مقام الالقاء اريد منه ما هو ظاهره من الاطلاق، و ان القيد كاشف عن عدم الارادة فى مقام اللب، فلا يتم ما ذكرت، بداهة ان مقتضى اطلاق حكم العام و عدم تحديده بحد خاص فى مقام الالقاء، هو ارادة استمراره لكل فرد من اول وجوده الى آخره فى مقام الاستعمال، و مقتضى الاصل العقلائى هو فرد من اول وجوده الى آخره فى مقام الاستعمال، و مقتضى الاصل العقلائى هو مطابقة هذه الارادة الاستعمالية مع الارادة الجدية، و المفروض ان المخصص لم يكن كاشفا، الا عن عدم كون الفرد المفروض مورد الذاك الحكم المستمر بحسب الارادة الجدية، فى خصوص يوم الجمعة، فاللازم حينئذ هو رفع اليد عن مقتضى هذا الاصل بهذا المقدار، و الاخذ بمقتضاه فى الزائد، و من هنا تراهم يتمسكون بالاطلاقات بعد العلم بالتقييد، و يقتصرون فى عدم التمسك بها على المقدار الذى علم بخروجه منها، و ليس ذلك الا لما ذكرنا من ان القيد لا يكون الا كاشفا عن عدم ارادة الاطلاق من المطلق فى مقام اللب مع كونه مراد منه فى مقام الالقاء، اذ لو كان القيد كاشفا عن عدم ارادة الاطلاق فى مقام الالقاء، لم يصح تمسكهم بالاطلاق بعد العلم بالتقييد، بداهة ان بعد العلم به يعلم ان مفاد الاطلاق ليس بمراد منه بل استعمل فيه مجازا، فاذا كان استعماله فيه مجازيا، فلا وجه للتمسك به فى الباقى، بداهة تعدد المجازات حسب تعدد مراتب العام، و تعيين تمام الباقى من بينها تعيين بلا معين، اذ توهم ان الباقى اقرب المجازات، مدفوع بان المدار ليس على الاقربية بحسب الكم و المقدار، بل المدار على الاقربية بحسب زيادة الانس الناشئة عما بين المعنيين من المناسبة الخاصة، و هذا بخلاف ما لو قلنا بان القيد كاشف عن عدم ارادة الاطلاق فى مقام اللب مع كونه مرادا فى مقام الالقاء، اذ حينئذ نقول ان مقتضى اصالة مطابقة الارادة الانشائية مع الارادة الجدية، هو كون المطلق بتمام افراده موردا للحكم الجدى خرج عن هذا الاصل خصوص الارادة الانشائية المتعلقة بالخاص و بقى الباقى قلت الفرق بين الاطلاق فيما نحن فيه و بينه فى سائر المقامات واضح، بداهة ان الاطلاق فيها حيث يكون افراديا، فيشمل ما تحته من الجزئيات فى عرض واحد، و يستقر ظهوره فى الحكم
ص: 352
على جميعها بدلا او استغراقا على اختلاف المقامات، فاذا خرج منه بالتقييد المنفصل فرد، بقى الباقى بنفس ذلك الظهور الذى استقر فيه اولا، و هذا بخلاف ما نحن فيه الذى يكون الاطلاق فيه ازمانيا، فان الزمان حيث يكون فى حد ذاته امرا واحدا مستمرا، ليس له افراد كثيرة متبائنة، الا باللحاظ و جعل كل قطعة من قطعاته ملحوظا فى القضية على نحو الاستقلال، كما فى قولنا اكرم العلماء فى كل يوم، فاذا لم يلحظ عليهذا النحو، بل ابقى على ما هو عليه فى حد ذاته من الوحدة كما فى قولنا اكرم العلماء كان مقتضى اطلاق الحكم بحسب الزمان و عدم تقييده بزمان خاص، هو استمراره لكل فرد تعلق به من اول وجوده الى آخره، فاذا انقطع استمراره بخروج فرد فى يوم الجمعة مثلا، لم يكن لهذا العام المفروض دلالة على دخوله يوم السبت، اذ لو كان داخلا فى حكم العام فى يوم السبت، لم يكن هذا الحكم استقرار للحكم السابق، بل كان حكما مستقلا و هذا خلف هذا كله فيما اذا خرج فرد من العام فى الاثناء، و اما اذا علم بخروجه من اول الامر الى زمان معين كما فى خيارى المجلس و الحيوان، فيمكن ان يقال ان مقتضى القاعدة هو الحكم بشمول العام له بعد ذلك الزمان، لالما قيل من ان اصالة العموم الافرادى تقتضى دخول الفرد المفروض فى حكم العام فى الجملة، و بعد العلم بعدم دخوله من اول وجوده الى زمان معين فى حكمه، يجب تقييد الفرد المفروض بما بعد ذلك الزمان، و ذلك لدوران الامر بين تخصيص العام بالنسبة الى الفرد المفروض بالحكم بخروجه عن حكم العام رأسا، او التصرف فى ظهور الاطلاق المقتضى لاستمرار الحكم لذلك الفرد من اول وجوده الى آخره، بتقييد ذلك الفرد بما بعد ذلك الزمان المقطوع خروجه، و لا شك ان الثانى متعين، لان ظهور الاطلاق فى استمرار الحكم له من اول وجوده الى آخره ظهور اطلاقى يرفع اليد عنه فى مقابل الظهور الوضعى كى يقال ان الامر فى المقام و ان كان دائرا بين تخصيص العام بالنسبة الى الفرد او التصرف فى ظهور الاطلاق المقتضى لاستمرار الحكم، الا ان كون الثانى متعينا، انما هو فيما اذا كان كل من العام و الاطلاق فى عرض الاخر، لا فى مثل المقام الذى قد عرفت ان اطلاق الحكم فيه بحسب الزمان متفرع على عمومه
ص: 353
بحسب الافراد سلمنا كون الثانى متعينا فى مثل المقام ايضا، لكن لا يجوز تقييد ذلك الفرد المفروض بما بعد ذلك الزمان الخارج، و الالتزام بثبوت الحكم له دائما من اول الزمان الثانى، لان ذلك فرع ان يكون للعام عموم ازمانى ايضا كى يحفظ فيما لم يعلم بالخروج، و هذا خلاف المفروض بل لان اصالة العموم بالنسبة الى الافراد لا تقتضى الا دخول الفرد فى الجملة، فان كان الفرد موجودا حين صدر العام، و لم يكن هناك مانع عن دخوله فى حكم العام، تعلق به حكمه من حين صدوره قهرا، و ان لم يكن الفرد موجودا حين صدور العام، او كان موجودا و لكن كان هناك مانع عن دخوله فى حكمه، لم يتعلق به حكمه الا بعد وجوده او بعد رفع المانع عن دخوله فى حكمه و الحاصل ان المانع عن شمول حكم العام للفرد حين صدوره، كعدم وجود الفرد حين صدوره، فكما ان الثانى لا يوجب تخصيصا فى العام بالنسبة الى الفرد المعدوم حين صدوره، بل يشمله حكمه عند وجوده، كذلك الاول، فاذا شمل حكم العام للفرد المفروض بعد زوال المانع، و كان مقتضى الاطلاق عدم تقييد هذا الحكم بزمان خاص، فلازمه استمراره له من حين زوال المانع الى آخر وجوده، لان استمراره له تابع لشموله له، فان كان شموله له من اول وجوده يكون استمراره له كك، و ان كان شموله له من حين زوال المانع يكون استمراره له كك فتبين مما ذكرنا انه لا يكون فى المقام دوران بين التخصيص و التقييد، بل ناخذ بمقتضى اطلاق العام و نحكم بشمول حكمه للفرد المفروض بعد زوال المانع، و ناخذ باطلاق حكمه و نحكم باستمراره للفرد المفروض من بعد زوال المانع الى آخر وجوده، هذا غاية ما يمكن ان يقال فى مقام الفرق بين ما اذا خرج فرد من العام فى الاثناء و بين ما اذا خرج منه فى اول الامر و لكن فيه ان الحاق وجود المانع عن شمول حكم العام للفرد حين صدوره، بعدم وجود الفرد فى ذلك الحين باطلاقه ممنوع، و انما المسلم منه هو ما اذا كان المانع من قبيل الخروج عن محل الابتلاء، الذى يكون عدمه كوجود الموضوع معتبرا فى فعلية الحكم، بخلاف ما اذا كان المانع مما اعتبر عدمه فى ملاك الحكم كالتخصيص، فان الدليل المخصص كاشف عن عدم ملاك الحكم العام فى الخاص، فاذا
ص: 354
دل الدليل المخصص على عدم ملاك حكم العام فى الخاص فى اول وجوده، و المفروض انه ليس للعام عموم ازمانى يشمل الخاص فى الزمان الثانى فانى لنا بالعموم الذى يشمل الخاص فى الزمان الثانى كى يشمله حكمه و نحكم باستمراره له من اول الزمان الثانى الى آخر وجوده.
ثم لا يخفى ان محل النزاع فى المقام، هو ما اذا لم يكن خروج الفرد عن العام فى قطعة من الزمان، بواسطة انطباق عنوان مقيد للعام عليه فى تلك القطعة فزال عنه بعدها، بل كان خروجه عنه بنفس ذاته بلا عنوان، اذ لا شبهة عند احد فى انه لو كان دليل المخصص مقيدا للعام و منوعا له الى نوعين، يتمسك فيما عدا المتيقن منه بالعموم مطلقا و لو فى فرد واحد، و لذا لو خرج عن دليل وجوب الصلوة على كل مكلف، عنوان الحائض و انطبق هذا العنوان على امرئة ثم زال عنها، فلا شبهة فى انه بعد الزوال يرجع الى عموم العام، و السر فى ذلك هو انه لو كان الحكم فى دليل المخصص معلقا على عنوان يوجب تقييد العام لبا بغير ذلك العنوان، فيكون خروج المعنون بذلك العنوان عن العام لبا خروجا موضوعيا، فاذا ازال عنه ذلك العنوان يصير مصداقا جديدا للعام فيشمله حكمه من هذا الحين.
(قوله دام ظله العاشر يشترط فى استصحاب كل شئى بقاء موضوعه الخ) لا يخفى ان التكلم فى هذا الامر يقع مقامين، الاول فى اشتراط جريان الاستصحاب ببقاء الموضوع فى الزمان اللاحق، و الثانى فى بيان ما هو المعيار و الميزان فى بقائه اما المقام الاول، فنقول لا شبهة فى ان المراد ببقاء الموضوع ليس احراز وجوده الخارجى، بل المراد احراز اتحاد الموضوع فى القضة المتيقنة و المشكوكة، و لذا قيد الاستاد مد ظله بقاء الموضوع بقوله على نحو ما كان فى القضية المتيقنة، و يتفرع على ذلك انه لو كان الموضوع فى القضية المتيقنة هى المهية الموجودة، كما اذا كان المستصحب من الاعراض و الاصاف المترتبة على الوجود، فاللازم ان تكون القضية المشكوكة هى ثبوت ما كانت ثابتة لتلك المهية الموجودة سابقا من الاعراض و الاوصاف الخارجية لها لاحقا، و لو كان
ص: 355
الموضوع فى القضية المتيقنة نفس المهبة باعتبار تقررها الماهوى، كما اذا كان المستصحب وجود المهية او عوارضها، فاللازم ان تكون القضية المشكوكة هى ثبوت ما كان ثابتا لتلك المهية سابقا من الوجود او عوارض المهية لها لا حقا، مثلا لو تيقن بعدالة زيد سابقا و شك فيها لاحقا، فتارة يشك فى عدالته مع اليقين بوجوده، و اخرى يشك فى عدالته مع الشك فى وجوده ايضا، و هذا على قسمين لان الشك فى عدالته، تارة يكون مستندا الى الشك فى وجوده، و اخرى لا يكون كك بل يشك فى كل من وجوده و عدالته مستقلا، فاقسام الشك المتصورة فى عدالة زيد لا حقا بعد القطع بها سابقا ثلثة، كما ان الانحاء المتصورة فى اخذها موضوعا للحكم الشرعى ايضا ثلثة، فان الموضوع، تارة يكون ثبوت هذا المفهوم و تحققه خارجا، كما اذا قال اذا تحقق عدالة زيد فى الخارج قلده، و اخرى يكون عدالة زيد على تقدير وجوده بان يكون الموضوع نفس هذه القضية التعليقية و ثالثة يكون عدالة زيدا المفروغ عن وجوده فعلا اذا عرفت هذا، فنقول ان كان الموضوع للحكم الشرعى العدالة على النحو الاول و الثانى، فلا اشكال فى جريان الاستصحاب اذا شك فيها فى الان الثانى مطلقا، سواء كان الشك فيها وحدها او فيها مع محلها، و سواء كان الشك فيها مستندا الى الشك فى وجود المحل ام لا. اما على الاول فلان الشك فى جميع تلك الصور شك فى عدالة زيد، و المفروض ان الموضوع للحكم هو تحققها فى الخارج، فيحكم بالاستصحاب بتحققها كك و يترتب عليه حكمه و اما على الثانى فلان المفروض ان الموضوع للحكم، ليس هو عدالة زيد المفروغ عن وجوده فعلا، كى نحتاج فى استصحابها الى احراز وجوده، بل الموضوع هو عدالته على تقدير وجود، فيستصحب العدالة على هذا التقدير من غير حاجة الى احراز وجوده، ضرورة ان صدق القضية التعليقية لا يتوقف على احراز المعلق عليه و ان كان الموضوع للحكم الشرعى هى العدالة على النحو الثالث، فلا اشكال فى جريان الاستصحاب، اذا شك فيها فى الان الثانى فى صورة اليقين بوجود زيد، لان المفروض ان الموضوع للحكم هو عدالة زيد مع الفراغ عن وجوده، فاذا استصحب العدالة له مع اليقين بوجوده، يكون الموضوع فى القضية المتيقنة
ص: 356
متحدا معه فى القضية المشكوكة، و هذا بخلاف ما لو شك فى عدالته مع الشك فى وجوده، فانه لا مجال لاجراء الاستصحاب فيها مطلقا، سواء كان الشك فى عدالته مستندا الى الشك فى وجوده ام لا، بداهة عدم امكان احراز الموضوع و هو عدالة زيد المفروغ عن وجوده مع الشك فى وجوده و توهم انه يكفى استصحاب وجوده لاحراز عدالته فيما اذا كان الشك فيها مسببا عن الشك فى وجوده، و لاجراء الاستصحاب فى عدالته فيما اذا لم يكن الشك فيها مسببا عن الشك فى جوده مدفوع بما سيجيئى انشاء اللّه من ان اجراء الاصل فى السبب انما يجدى لاحراز المسبب فيما اذا كان الترتب بين السبب و المسبب شرعيا، بان كان المسبب من الاثار الشرعية للسبب، دون ما اذا كان الترتب بينهما عقليا تكوينيا كما نحن فيه، حيث ان توقف العدالة على وجود تكوينى، و اجراء الاصل فى الموضوعات الخارجية، انما يصح و يجدى فى ترتيب مالها من الاثر الشرعى، دون العقلى كما نحن فيه، حيث ان توقف صحة اجراء الاستصحاب فى عدالة زيد على احراز وجوده، انما هو لعدم احراز اتحاد الموضوع فى القضية المشكوكة و المتيقنة بدون احراز وجوده، فيكون صحة اجراء الاستصحاب فى عدالته من الاثار العقلية لاحراز وجوده، لا الشرعية كى يجدى احراز وجوده بالاصل فى صحة اجراء الاستصحاب فى عدالته، و بالجملة ليس نفس العدالة اثرا للوجود، فضلا عن ان يكون صحة استصحابها اثرا له نعم لو كان الموضوع للحكم مركبا من وجوده و عدالته، بل كان للمجموع اثر شرعى، امكن اجراء استصحابين لاحراز جزئى الموضوع مطلقا، سواء كان كل منهما مشكوكا مستقلا، او كان الشك فى عدالته مسببا عن الشك فى وجوده، و ذلك لما عرفت من ان الترتب بين عدالته وجوده ليس شرعيا، كى يجدى اجراء الاصل فى وجوده فى احراز عدالته، فيما كان الشك فيها مسببا عن الشك فى وجوده هذا و يظهر من الكلام المنقول فى المتن عن صاحب الكفاية قدس سره، جواز استصحاب عدالة زيد و ان كان الشك فيها مسببا عن الشك فى وجوده مطلقا اى على اى نحو فرض عدالته موضوعا للحكم الشرعى و فيه ان الموضوع للحكم لو كان هو ثبوت العدالة لزيد بعد تحققه، و بعبارة اخرى كان الموضوع
ص: 357
للحكم هو ثبوت العدالة لزيد بمفاد كان الناقصة و كان الشك فيها مستندا الى الشك فى وجوده لم يكن مجال للاستصحاب فيها مطلقا، سواء اريد به اثبات تحقق هذا المفهوم اعنى عدالة زيد كان التامة، او اريد به اثبات تحقق عدالته بمفاد كان الناقصة اذ على الاول ليس للمستصحب اثر شرعى، لان المفروض كون الحكم مترتبا على عدالته بمفاد كان الناقصة و على الثانى لا يكون موضوع المستصحب و هو عدالة زيد المفروغ عن وجوده، محرزا بعد الشك فى وجوده ثم لا فرق فيما ذكرنا من انه لو كان الموضوع للحكم من عوارض وجود الشئى المفروغ عن وجوده، لا يجرى الاستصحاب فيه لو شك فيه فى الان الثانى مع الشك فى وجود معروضه، بين كون المستصحب وجود ذلك العرض الموضوع للحكم او عدمه، اذ كما لا يصح استصحاب وجود عدالة زيد المفروغ عن وجوده مع الشك فى وجوده، لعدم احراز موضوعه مع هذا الشك، كذلك لا يصح استصحاب عدم عدالة زيد المفروغ عن وجوده مع الشك فى وجوده، لذلك كما هو واضح.
و توهم ان الاحتياج الى احراز موضوع المستصحب فى طرف الوجود، انما هو لاجل ان اثبات شىء لشىء فرع ثبوت المثبت له، فلا نحتاج الى احراز الموضوع فى طرف العدم، بداهة ان سلب شىء عن شىء لا يتفرع على ثبوت المسلوب عنه، و لذا صوح علماء الميزان بان السالبة المحصلة لا يتوقف صدقها على وجود الموضوع مدفوع بان الاحتياج الى بقاء الموضوع فى الاستصحاب، انما هو لعدم صدق الشك فى البقاء الذى هو الملاك فى شمول ادلة الاستصحاب مع تعدد الموضوع، و من المعلوم انه لا فرق فى ذلك بين كون المستصحب وجود العرض الموضوع للحكم او عدمه، لا لان اثبات شىء لشىء فرع ثبوت المثبت له، كى يفرق بين كون المستصحب وجود العرض او عدمه، هذا مع ان ما ذهب اليه بعض علماء الميزان من ان السالبة المحصلة غير محتاجة فى الصدق الى وجود الموضوع، من الشعريات التى لا محصل لها اصلا، بداهة ان ما زعموه من رجوع السالبة المحصلة الى سلب الرباط الذى لا يتوقف صدقه على وجود الموضوع،
ص: 358
مبتن اما على ما تخيله بعضهم من ان القضايا السالبة ليست مشتملة على النسبة اصلا، و انما يكون السلب فيها وارد اعلى النسبة الثبوتية التى تكون فى الايجابية، فالقضية السالبة تكون فى طول الموجبة لا فى عرضها، و رجوع مفاد السالبة على هذا الى سلب الحمل و الربط الصادق عند انتفاء الموضوع، مما لا خفاء فيه، و اما على ما تخيله بعض اخر منهم، من ان للقضية اجزاء اربعة الموضوع و المحمول و النسبة الناقصه التقييدية، التى تكون هى المادة المشتركة الصالحة لورود كل من الوقوع و اللا وقوع اللذين هما الجزء الاخير من القضية عليها و رجوع مفاد السالبة على هذا الى نفى النسبة المتحقق عند انتفاء الموضوع ايضا ظاهر كما لا يخفى و فساد كل من القولين مما لا يخفى اما الاول فلاستلزامه انكار المادة المشتركة بين القضبة الموجبة و السالبة، التى لا بد منها و كون انكارها مكابرة للوجدان، لمانرى وجدانا من ان الايجاب و السلب يردان على شىء واحد، و استلزامه انقلاب النسبة و الربط الذى هو معنى حرفى و غير ملحوظ بالاستقلال، معنى اسميا ملحوظا استقلاليا كى يكون سلبه محموليا و اما الثانى فلاستلزامه ايضا لانقلاب النسبة و الربط الذى هو معنى ربطى غير ملحوظ الا من حيث تحصل التركيب بين اجزاء القضية به، و لا يكون له تحصل الا فى غيره و لغيره، الى معنى اسمى و مفهوم استقلالى، كى يرد الايجاب و السلب عليه و يكوتان محموليين، هذا مع ان ما التزموا به من تربيع اجزاء القضية، مما لا يمكن الالتزام به ثبوتا و لا اثباتا اما ثبوتا فلضرورة انه ليس فى الخارج غير الاعراض و موضوعاتها و وجودها لها او عدمها عنها، شىء اخر يحصل الربط بين الاعراض و موضوعاتها بوجوده، و ينتفى الربط بينما بانتفائه و اما اثباتا فلبداهة انه ليس فى القضية الملفوظة الا الموضوع و المحمول و اثبات المحمول للموضوع او نفيه عنه، فالموضوع و المحمول فيها يكونان بازاء الموضوع و المحمول فى القضية المعقولة، و يبقى الايجاب او السلب، اما بازاء النسبة التقييدية، او بازاء وقوعها اولا وقوعها اذ لا يمكن جعله بازاء كليهما و على اى حال لا ينطبق القضية الملفوظة على المعقولة و لما ذكرنا من فسادا القولين، عدل المحققون منهم عنهما، و بنوا على تثليث اجزاء القضية و تركبها من
ص: 359
الموضوع و المحمول، و النسبة التى تكون فى حاق حقيقتها اما ثبوتية او سلبية، و لبست هذه النسب الا وجود الاعراض لموضوعاتها او عدمها عنها، بداهة ان النسبة عبارة عن الربط الخارجى الذى يقع ما فى القضية الملفوظة بازائه، و هو منقسم الى وجودى و هو نفس وجود المقولات التسع العرضية لموضوعاتها، و عدمى و هو عدمها عنها، فالمادة المشتركة التى يرد عليها كل من الايجاب و السلب على هذا القول هى نفس المحمول، و هذا هو الحق الحقيق بالتصديق، و عليه فيكون التفصيل بين القضية السالبة المحصلة و الموجبة المعدولة، بعدم توقف صدق الاولى على وجود الموضوع و توقف الثانية عليه، مما لا محصل له بل يكون من الشعريات، و ذلك لما حقق فى محله من ان التقابل بين وجود الاعراض لموضوعاتها و عدمها عنها تقابل العدم و الملكة، و العدم المقابل للملكة له خط من الوجود، فلا يمكن ان يكون عدمها متحققا بدون وجود الموضوع، و انما الفرق بينهما اعنى السالبة المحصلة و الموجبة المعدولة، هو ان الموجبة المعدولة عنوان اتصا فى متولد عن السالبة المحصلة مترتب عليها ترتب العناوين الثانوية على محصلاتها، و ملازم لها فى التحقق الخارجى و مما ذكرنا من ان العدم النعتى له خط من الوجود، فلا يمكن تحققه بدون وجود الموضوع، ظهر فساد ما صدر عن بعض الفحول من التمسك باستصحاب العدم الازلى للاعراض لاثبات ما لعدمها النعتى من الاثر لانه لواريد باستصحاب عدمها الازلى استصحاب عدمها المحمولى الذى كل مهية ممكنة مسبوقة به، ففيه انه لا يجدى فى ترتيب ما لعدمها النعتى من الاثر الا على القول بالاصل المثبت، بداهة ان النعتية ليست من الاثار الشرعية لبقاء العدم المحمولى، و انما هى من الاثار التكوينية لبقائه الى زمان تحقق الموضوع، ضرورة ان عدم الكتابة مثلا لو استمر الى زمان وجود زيد يتصف زيد بكونه غير كاتب و ان ريد ياستصحاب عدمها الازلى استصحاب عدمها النعتى، ففيه ان المستصحب ليس له حالة سابقة، اذ لا يعقل ان يكون العدم فى الازل قبل وجود الموضوع نعتيا كما هو واضح نعم لو كان لنفس العدم الازلى للعرض اثر شعرى، لكان لاستصحابه لترتيب ذلك الاثر وجه، و لعله الوجه لتمسك بعض
ص: 360
باستصحاب عدم الانتساب الى القريش لعدم جواز اعطاء الخمس بمن شك فى سيادته فتدبر ثم ان ما ذكرناه من اعتبار بقاء الموضوع على النحو الذى قلنا فى جريان الاستصحاب من القضايا التى قياساتها معها، بداهة ان مورد جريان الاستصحاب، هو الشك لا حقا فى بقاء ما كان متحققا سابقا، بشرط كونه على تقدير البقاء اما حكما شرعيا او موضوعا لحكم شرعى، فلو لم يكن ما شك فيه لا حقا متحدا بحسب الموضوع مع ما علم بتحققه سابقا، كما اذا شك فى قيام عمرو و كان المتحقق سابقا قيام زيد، لم يكن الشك فيه شكا فى بقا ما كان كما هو واضح، و لو كان ما شك فيه لا حقا متحدا بحسب الموضوع مع ما علم بتحققه سابقا، و لكن لم يكن المشكوك على تقدير بقائه حكما بقائه حكما شرعيا و لا موضوعا لحكم كك، كما اذا شك فى قيام زيد مع الشك فى وجوده، و كان الحكم الشرعى مترتبا على قيامه بعد الفراغ عن وجوده، لم يصدق على الشك فيه انه شك فى بقاء ما هو موضوع لحكم الشاع، و ان صدق عليه انه شك فى بقاء ما كان و ببيان آخر صدق نقض اليقين بالشك المنهى عنه فى الاخبار، يتوقف على اتحاد القضيتين المتيقنة و المشكوكة فى جميع الجهات و الحيثيات، الا حيث كون ثبوت المحمول للموضوع مقطوعا فى المتيقنة و محتملا فى المشكوكة و بعبارة اخرى مورد جريان الاستصحاب، هو ما كان كل من عقدى الوضع و الحمل فى القضية المتبقنة محفوظا فى القضية المشكوكة، و انما كان الاختلاف بينهما فى مجرد النسبة و كونها مقطوعة فى الاولى و مشكوكة فى الثانية، بداهة انه لو لم تكن القضيتان متحدثين بحسب الموضوع او المحمول او كليهما، لم يكن ربط بينهما، كى يكون الشك فى احديهما ناقضا لليقين بالاخرى او غير ناقض فتبين ان اعتبار اتحاد الموضوع فى القضيتين، كاعتبار اتحاد الحكم فيهما فى جريان الاستصحاب، مما لا يحتاج فى اثباته الى مزيد بيان و اقامه برهان، و ان تكلف به شيخ مشايخنا الانصارى قده، حيث استدل عليه بما خلاصته، انه لو لم يعلم تحقق الموضوع لا حقا، فيلزم اما بقاء المستصحب الذى هو عارض له و متقوم به بلا موضوع و محل و هو محال، او بقائه فى موضوع غير الموضوع السابق، و هو ايضا
ص: 361
محال الاستلزامه انتقال العرض الى موضوع اخر، المستلزم لتحقق العرض بلا موضوع و لو اناما انتهى كلامه زيد فى علو مقامه و لا يخفى عدم خلو ما افاده قده عن الاشكال، لا لما اورده عليه صاحب الكفاية، من ان استحالة انتقال العرض الى موضوع اخر او وجوده بلا موضوع بحسب وجوه الحقيقى، غير مستلزمة لاستحالته بحسب وجوده التعبدى، و ذلك لبداهة ان المحال لا يصح ان يتعبد به و الا لصح التعبد بالنقيضين و الضدين كما هو واضح فتدبر(1) بل لما عرفت من توقف صدق نقض اليقين بالشك المنهى عنه فى الاخبار، على اتحاد القضيتين موضوعا و محمولا، فمع عدم احراز الاتحاد كك يكون التمسك بعموم لا تنقض من قبيل التمسك بالعام فى الشبهة المصداقية، من غير فرق فى ذلك بين كون تحقق العرض بلا موضوع الذى هو البرهان على استحالة انتقاله الى موضوع اخر مستحيلا او ممكنا كما هو واضح، فحديث استحالة تحقق العرض بلا موضوع اجنبى عن المقام و لذا وجه الاسناد دام ظله كلام الشيخ قدس سره بعد تمهيد مقدمة، و هى انه لا شبهة فى ان القضايا الصادرة عن المتكلم سواء كانت انشائية او اخبارية، مشتملة على نسب ربطية متقومة بالموضوعات الخاصة، بداهة ان قولنا اكرم زيدا مثلا مشتمل على ارادة ايقاعية مرتبطة باكرام زيد، و كذا قولنا زيد قائم مشتمل على نسبة تصديقية حاكية متقومة بهذا الموضوع الخاص و المحمول كك، و حال هذه النسب فى الذهن حال الاعراض فى الخارج، فى الاحتياج الى الغير فى التحقق، و عدم امكان انتقالها من محل الى اخر كما هو واضح بقوله دام ظله اذا عرفت ما بيناه لك، فنقول لو فرضنا ان المتيقن فى السابق هو وجوب الصلوة، فالجاعل للحكم اعنى الوجوب فى الزمان الثانى اما ان يجعله للصلوة و هو المطلوب هنا من لزوم اتحاد الموضوع و اما ان ينشاء هذه الارادة الحتمية الربطية من دون موضوع، و هو محال لما عرفت فى المقدمة من تقومها فى الذهن
ص: 362
بموضوع خاص، و اما ان ينشاها لموضوع غير الصلوة و ح، اما ان ينشاء تلك الارادة المتقومة بموضوع الصلوة لغيرها و اما ان ينشاء ارادة مستقلة و الاول محال(1) ايضا لما عرفت من ان حالها فى النفس كحال الاعراض فى الخارج فى استحالة الانتقال، و الثانى ممكن لكنه ليس بابقاء للمتيقن السابق هذا فى الشبهة الحكمية، و اما تقريب هذا الكلام فى الشبهة الموضوعية، فهو انا لو فرضنا ان المتيقن فى السابق خمرية هذا المايع الخاص، فغى الزمان الثانى لواوقع تلك النسبة التصديقية المرتبطة بالخمرية و هذا المايع تعبدا، فان كان طرف النسبة المذكورة هذا المايع فقد ثبت المطلوب، و الا فان لم يكن لها طرف، يلزم تحققها فى الذهن من دون محل، و هو محال، لما عرفت من ان حال هذه النسبة فى الذهن، كحال الاعراض فى الخارج فى استحالة التحقق بلا محل، و ان كان لها طرف، فان اوقع تلك النسبة المتقومة بذاك المايع الخاص لهذا الطرف، فهو محال للزوم انتقالها الذى قد عرفت انه كانتقال العرض، و ان اوقع نسبة مستقلة لهذا الطرف فهو ممكن، و لكنه ليس بابقاء للحالة السابقة كما هو واضح ثم قال دام ظله و مما ذكرنا فى توجيه كلام الشيخ تعرف عدم الفرق بين كون المستصحب عرضا خارجيا او وجودا، و اما ما افاده شيخنا الاستاد دام بقاء فى مقام الاعتراض على الشيخ، بان هذا الدليل اخص من المدعى، فان المستصحب ليس دائما من المفولات العرضية كى يستحيل بقائه مع تبدل الموضوع، بل ربما يكون هو الوجود، و هو لا ينثلم و حدثه و تشخصه مع انتزاع مهيات مختلفة عنه حسب اختلافه نقصا و كمالا و ضعفا و شدة، لعدم تشخصه بها بل الامر بالعكس، فيصح استصحاب هذا الوجود اذا شك فى بقامه و ارتفاعه، مع القطع تبدل ما انتزع عنه سابقا من المهية الى غيرها ففيه ان الوجود و ان لم يتشخص بالمهة و لكن يتشخص بحدوداته الخاصة، لان وجود زيد و وجود عمرو، وجود ان متعددان قطعا، و ح لو انتزع عنوان السواد الضعيف من حد خاص من وجود السواد، و عنوان السواد الشديد من حده الاخر،
ص: 363
يكشف ذلك عن اختلاف الوجودين اللذين انتزع العنوانان المختلفان عنهما، اذ لا يعقل اختلاف العنوان المنتزع من دون الاختلاف فى منشاء الانتزاع ان قلت كيف ينتزع من وجود زيد مثلا ضارب تارة و غير ضارب اخرى و جالس تارة و قائم اخرى، مع بقائه على الوحدة قلت العناوين المذكورة لا تنتزع عن مرتبة الذات، بل هى منتزعة عن امر خارج عنها، و ثبوت ذلك الامر الخارج عن الذات يختلف، فان الذات قد تكون متصفة بعرض و قد تكون متصفة بضده، بخلاف مثل السواد الضعيف و الشديد فانهما منتزعان من حد خاص من وجود السواد من دون دخل امر خارجى فح لو لم يتعدد الوجود الذى هو منشاء الانتزاع لكل من المفهومين، فكيف يختلف المعنى المنتزع، و من هنا ظهر ان استصحاب بقاء السواد فيما قطع بتبدله على تقدير البقاء، مبنى على احد امرين، اما جواز استصحاب الكلى الذى يكون من القسم الثالث، و اما القول بوحدة هذين الوجودين بنظر العرف و ان كانا متعددين فى نظر العقل فاحفظ ذلك انتهى كلامه دام ظله و لا يخفى ما فيه من الواقع للنظر.
منها قوله دام ظله ان الوجود و ان لم يتشخص بالمهية و لكنه يتشخص بحدوداته الخاصة اذفيه اولا انه قد قرر فى محله ان تشخص كل شئى بالوجود بالمهية، و الالتزام بتشخصه بحدوداته الخاصة لا يخلو عن التناقض، بداهة ان المهيات بناء على ما هو التحقيق من اصالة الوجود، ليست شيئا و راء الحدود المنتزعة عن الوجودات فتامل(1).
و منها قوله دام ظله و ح لو انتزع عنوان السواد الضعيف من حد خاص من وجود السواد و عنوان السواد الشديد من حده الاخر، يكشف ذلك عن اختلاف الوجودين اللذين انتزع العنوانان المختلفان عنهما، اذ فيه انه لا يتوقف صحة انتزاع العنوانين المختلفين على تعدد منشاء انتزاعهما وجودا، اذ يكفى فى صحة انتزاعهما اختلاف المنشاء سعة و ضيقا و كمالا و نقصانا و شدة و ضعفا مع وحدته وجودا، بداهة امكان ان يكون
ص: 364
لوجود واحد حسب تحوله فى المراتب الوجودية حدود مختلفة، فان الانسان من بدو تكونه من النطفة الى صيرورته شيخا كبير اله وجود واحد، مع ماله من التحولات الكثيرة جسما و روحا فى المراتب الوجودية، و قد برهن فى محله ان الموجودات الغير القارة المنصرمة الوجود كالزمان و الحركة باقسامها من الحركة فى الكم و الكيف و الاين و الوضع، تكون وحدتها الاتصالية عين وحدتها الوجودية، مع انه لا شبهة فى انه ينتزع عن كل مرتبة من المراتب المتبادلة من الاعراض على الجسم عند حركته فيها، حد مخالف لما ينتزعن المرتبة الاخرى من الحدقلة و كثرة، كما فى الحركة فى الكم و الاين، و شدة و ضعفا كما فى الحركة فى الكيف، و لذا قلنا فى مبحث استصحاب الكلى، ان استصحاب بقاء السواد فيما قطع بتبدله على تقدير البقاء، جارو لو بناء على اخذ الموضوع فى الاستصحاب من العقل ثم ان مما ذكرنا من توقف صدق النقض على اتحاد القضيتين موضوعا و محمولا، يعلم ان المعتبر فى صحة جريان الاستصحاب، هو العلم ببقاء الموضوع فى الزمان اللاحق، و لا يكفى احتمال بقائه اذ معه يشك فى صدق النقض، فيكون التمسك بالاستصحاب من قبيل التمسك بالعام فى الشبهة المصداقية ان قلت اذا كان الموضوع محتمل البقاء فى اللاحق، فيحرز بقائه كك باجراء الاستصحاب فيه، و ح يصح جريان الاستصحاب فى الحكم او العرض المحمول عليه، من دون لزوم امرازيه بالعلم قلت و ان صح جريان الاستصحاب فى بعض الصور كما سنو ضحه انشاء اللّه، الا انه لا ينفع لجريانه فى الحكم او العرض المحمول عليه توضيح ذلك هو ان الشك فى بقاء المستصحب سواء كان حكما عرضا ذا حكم اما ان لا يكون مسببا عن الشك فى بقاء موضوعه المشكوك بقائه، بل يكون مسببا عن سبب اخر، كما اذا شك فى عدالة زيد مع الشك فى وجوه، فان الشك فى العلالة ليس مسببا عن الشك فى بقاء موضوعها و هو الوجود بل مسبب عن الشك فى صدور الكبيرة عنه و اما ان يكون مسببا عن الشك فى بقائه فعلى الاول و ان صح جريان الاستصحاب فى الموضوع المشكوك كالوجود فى المثال، لكن جريانه فى العدالة لا يتوقف على بقاء الموضوع، و ذلك لما عرفت من ان
ص: 365
الموضوع للعدالة هو زيد على تقدير الوجود، لا زيد الموجود فعلا كى تحتاج فى استصحابها الى احراز وجوده، هذا مع ما عرفت من ان صحة جريانه فى العدالة من الاثار العقلية لبقاء موضوعها اعنى الوجود، لا من الاثار الشرعية كى تترتب عليه بابقائه بالاستصحاب و على الثانى، فاما ان يكون الموضوع المشكوك بقائه معينا غير مردد كما اذا علم ان الموضوع للمطهرية هو الماء المتصف بالكرية ثم شك فى بقاء كريته. و اما ان يكون الموضوع مرددا بين امر معلوم البقاء و اخر معلوم الارتفاع، كما اذا لم يعلم ان الموضوع للنجاسة المحمولة على الكلب، هل هو صورته النوعية كى يكون مرتفعا عند استحالته الى الملح، او مادته المشتركة بينه و بين ما استحال اليه كى يكون باقيا اما على الاول فلا اشكال فى جريان الاستصحاب فى الموضوع المشكوك، و معه لا مجال لاستصحاب الحكم المترتب عليه، و ذلك لما عرفت من انه لا معنى للتنزيل الشرعى فى الموضوعات الخارجية و الحكم ببقائها فى زمان الشك، الاجعل الاحكام الشرعية الثابتة لها سابقا واقعا فى اللاحق ظاهرا، فبمجرد اجراء الاستصحاب فيها يرتفع الشك حكما عن الاحكام المترتبة عليها، و معه لا يبقى مجال لاجرائه فى الاحكام ايضا، بل لا مجال لاجرائه فيها و لو مع قطع النظر عما ذكرنا، ضرورة ان صحة استصحاب الحكم كالمطهرية فى المثال ليست من اثار الكرية الواقعية لا شرعا و لا عقلا، بداهة ان مع فرض تحقق الكرية نقطع بالمطهرية، و معه لا مجال الاستصحابها كى تكون من اثار الكرية شرعا او عقلا، هذا مع ان صحة استصحاب الاحكام ليست من الاثار الشرعية للموضوعات بوجوداتها الواقعية، كى نترتب عليها بوجوداتها التعبدية الثابتة بالاستصحاب، بل من اثاره ها العقلية الثابتة لها بحكم العقل، من جهة اشتراط بقائها فى صحة استصحاب الاحكام المترتبة عليها كمامر و اما على الثانى فلا اشكال فى عدم جريان الاستصحاب فى شئى من الموضوع و الحكم، اما الاول فلانه لا يخلو، اما ان يراد باستصحاب الموضوع استصحاب ذاته، او يراد به استصحاب بوصف كونه موضوعا، فان اريد الاول، فيرد عليه انه لا يعقل اجراء الاستصحاب فيه، لواريد به شخص الموضوع المتحقق سابقا،
ص: 366
بعد فرض دورانه بين ما هو مقطوع الارتفاع و بين ما هو مقطوع البقاء، و ذلك لعدم اليقين السابق على تقدير كونه هو المقطوع البقاء و عدم الشك اللاحق على تقدير كونه هو المقطوع الارتفاع، فيختل احد ركنى الاستصحاب على كل تقدير، و اجراء الاستصحاب فى الكلى المردد بين كونه هو المادة لا بشرط او المادة بشرط شئى، و ان كان معقولا فيما كان له اثر شرعى، الا انه لا يجدى لاثبات كون الموضوع هو الفرد الباقى الاعلى القول بالاصل المثبت و ان اريد الثانى فيرد عليه ان استصحابه بوصف الموضوعية مرجعله الى استصحاب الحكم، بداهة ان هذا الوصف انما يعرضه بعد تعلق الحكم به، فلا يكون معنى للحكم باستصحابه بهذا الاعتبار، الا الحكم باستصحاب الحكم المترتب عليه الذى لا معنى له فى المقام على ما سنبينه انشاء اللّه هذا بالنسبة الى عدم جريان الاستصحاب بالنسبة الى الموضوع و اما عدم جريانه بالنسبة الى الحكم، فلما عرفت من عدم جريانه فيه مع الشك فى بقاء موضوعه، و آخر از بقائه باجراء الاستصحاب قد عرفت ما فيه او لا من عدم صحة اجراء الاستصحاب فيه فى ذاته، و ثانيا من عدم اجدائه فى صحة استصحاب الحكم المترتب عليه، لعدم كونها من الاثار الشرعية له بوجوده الواقعى، كى يترتب عليه بوجوده التعبدى الثابت بالاستصحاب، هذا تمام الكلام فى المقام الاول، اعنى اشتراط جريان الاستصحاب ببقاء الموضوع، بمعنى لزوم اتحاده فى القضية المتيقنة و المشكوكة و اما الكلام فى المقام الثانى، اعنى تعيين ما هو المعيار و الميزان فى احراز بقائه و اتحاده فى القضيتين فنقول ذهب شيخ مشايخنا المرتضى قده الى ان الميزان فى ذلك احد امور ثلثه على سبيل مانعة الخلو، الاول العقل، الثانى ظاهر الدليل، الثالث العرف و اورد عليه بان مورد هذه الموازين الثلثة، ان جعل الاعم من استصحابات الموضوعات الخارجية و الاحكام الشرعية مطلقا، اى سواء كانت ابتدائية او مستكشفة من الحكم العقلى ففية انه لا مجال للرجوع الى ظاهر الدليل لتشخيص الموضوع فى استصحاب الموضوعات الخارجية، و ذلك لبداهة انه لا ربط للموضوعات الخارجية بادلة الاحكام، فيتعين الرجوع فى تشخيصه اما الى العقل او العرف، فعلى الاول يختص
ص: 367
الاستصحاب بما اذا كان الشك فى مثل وجود زيد و قيامه و نحوهما، و على الثانى يجرى فى مثل الشك فى بقاء كرية الذى تقص مقدار منه و نحوه ايضا، و ان جعل موردها خصوص الاستصحاب فى الاحكام الشرعية مطلقا ففيه ان المتعين حينئذ هو الرجوع الى ظاهر دليل الحكم فى الاحكام الابتدائية، لا الى العقل و العرف، بداهة انه لا طريق للعقل فى احراز ما هو الموضوع و المناط للاحكام الشرعية الابتدائية، و انما يكون نظره متبعا فيما هو مستقل بحكمه من المستقلات العقلية، و الرجوع الى العرف ان كان لتشخيص مفاهيم الفاظ الدليل، فهو فى الحقيقة رجوع الى نفس الدليل، بداهة ان الخطابات الشرعية انما سيقت بحسب ما هوا المتفاهم عند العرف، فيكون فهمهم متبعا فيها، كما يكون متبعا فى سائر المحاورات العرفية، فلا معنى للتقابل بين الاتحاد بحسب الدليل و بينه بنظر العرف و ان كان الرجوع اليهم لتعيين مصاديق تلك المفاهيم، فلا دليل على اعتبار المسامحات العرفية و اتباع انظارهم، فى تطبيق المفاهيم المفاهيم على مصاديقها، هذا فى الاحكام الشرعية الابتدائية و اما الاحكام الشرعية المستكشفة من الحكم العقلى بقاعدة الملازمة، فالمتعين فى تشخيص الموضوع فى استصحابها، هو الرجوع الى العقل لا العرف، الابناء على ما عرفت منافى بعض التنبيهات من امكان درك العقل مناط حكمه على سبيل الاجمال و يمكن الجواب عنه باختيار الشق الثانى، و هو جعل مورد تلك الموازين الثلثة خصوص استصحابات الاحكام الشرعية الابتدائية المستفادة من الدليل اللفظى المبين، لا الاعم منها و من استصحابات الموضوعات الخارجية و الاحكام الشرعية المستفادة من الدليل اللبى و اللفظى المجمل، و ان كان بعضها و هو الاتحاد العرفى، يعم مورده استصحابات الموضوعات الخارجية و الاحكام المستفادة من الدليل اللبى ايضا على ما سنبينه ان شاء اللّه فالمدعى هو ان العبرة فى اتحاد الموضوع فى استصحابات الاحكام الشرعية المستفادة من الدليل اللفظى المبين، باحد هذه الموازين الثلثة من نظر العقل او العرف او ظاهر الدليل، و ليس المراد من الرجوع الى العقل و العرف، هو الرجوع اليهما فى احراز ما هو الموضوع للاحكام الشرعية او تطبيقه
ص: 368
على مصاديقه الخارجية، كى يقال لا طريق للعقل فى احراز ان القبد الرائل له مدخلية فى الموضوع ام لا، و لا دليل على اعتبار نظر العرف فى مقام التطبيق بل المراد من الرجوع اليهما، هو انه هل العبرة فى اتحاد القضيتين المنيقنة و المشكوكة ببقاء الموضوع، بالدقة العقلية و بجميع خصوصياته التى كان عليها سابقا من دون تغيير وصف او زوال قيد، او ببقاء ما يراه العرف و يفهمه من الدليل بمناسبة الحكم و الموضوع موضوعا، و المراد من الرجوع الى ظاهر الدليل، هو اخذ الموضوع على طبق ما يستفيده العرف من الخطاب، بان يلحظ كيف اخذ الموضوع فى دليل الحكم، فلو كان الدليل الماء المتغير نجس، فظاهره ان الموضوع هو المجموع، و لو كان الدليل الماء يخبس اذا تغير، فظاهره ان الموضوع هو المجموع، و لو كان الدليل الماء يخبس اذا تغير، فظاهر ان الموضوع هو الماء و التغير واسطة فى الثبوت، فلا يستصحب النجاسة لوزال التغير على الاول، و يستصحب على الثانى، لو شك فى ان التغير علة للحدوث و اليهما، هو انه هل العبرة فى اتحاد القضيتى المنيقنة و المشكوكة ببقاء الموضوع، بالدقة العقلية و بجميع خصوصياته التى كان عليها سابقا من دون تغيير وصف او زوال قيد، او ببقاء ما يراه العرف و يفهمه من الدليل بمناسبة الحكم و الموضوع موضوعا، و المراد من الرجوع الى ظاهر الدليل، هو اخذ الموضوع على طبق ما يستفيده العرف من الخطاب، بان يلحظ كيف اخذ الموضوع فى دليل الحكم، فلو كان الدليل الماء المتغير نجس، فظاهره ان الموضوع هو المجموع، و لو كان الدليل الماء يخبس اذا تغير، فظاهره ان الموضوع هو الماء و التغير واسطة فى الثبوت، و البقاء او للحدوث فقط ثم انه قد يتوهم انه بناء على كون المناط فى بقاء الموضوع و اتحاد القضيتين هو العقل، ينحصر الاستصحاب فى الاحكام الشرعية، بما اذا كان الشك فى الحكم من جهة الشك فى الرافع او الغاية، بداهة ان الشك فى الحكم لا يمكن، الابزوال خصوصية من خصوصيات الموضوع، او باحتمال تحقق رافع الحكم او غايته، فعلى الاول لا يكون الموضوع فى القضيتين متحدا بالدقة العقلية كى يجرى الاستصحاب فينحصر الاستصحاب بما اذا كان الشك فى الحكم مستندا الى احتمال تحقق الرافع او الغاية، فان
ص: 369
عدم الرافع او الغاية لا يمكن ان يكون له دخل فى الموضوع، كى يكون الشك فى تحققهما مستلزما للشك فى بقاء الموضوع، بداهة تاخر الرافع و الغاية مهية و وجودا ذاتا و زمانا على المرفوع و المغيى، فكيف يمكن ان يكون لعدمها البديل لوجودهما دخل فى وجود الموضوع للمرفوع و المغيى المتقدم عليهما ذاتا و هذا واضح جدا و لا يخفى ما فيه، بداهة انه ليس لكل خصوصية دخل فى الموضوع، كى يكون زوالها مستلزما لارتفاع الموضوع، و ذلك لما عرفت انفا من ان الخصوصيات الماخوذة فى لسان الدليل، يختلف حالها بحسب اخذها فى لسانه، تارة قيد الموضوع و اخرى للحكم و ثالثة واسطة فى ثبوته للموضوع و من المعلوم ان الموضوع فى غير الصورة الاولى باق باالدقة العقلية مع زوال الخصوصية، فاذا شك فى الحكم من جهة زوال ما اخذ فى الدليل واسطة فى ثبوته للموضوع، و احتمل كونه علة للحدوث فقط اوله و للبقاء ايضا، فلا شبهة فى جريان الاستصحاب فى الحكم، و لو بناء على اعتبار اتحاد الموضوع عقلا فى جريانه، اذ لا شك فى ان الموضوع فيهذه الصورة باق بالدقة العقلية، بداهة ان مقتضى اعتبار الاتحاد عقلا، ليس بقاء كل ما كان قيد اللموضوع لابقاء كل قيد و لو كان واسطة فى الثبوت فتبين انه لو كان المناط فى بقاء الموضوع و اتحاد القضيتين هو العقل، يختص الاستصحاب فى الاحكام الشرعية، بما اذا كان الشك فى الحكم من جهة الشك فى الرافع و الغاية، او من جهة زوال ما كان فى الدليل علة لثبوت الحكم للموضوع، و هذا بخلاف ما اذا كان الشك فيه من جهة زوال بعض خصوصيات الموضوع مما يتحمل دخله فيه، اذ معه اذ معه لا يقطع ببقاء الموضوع، و اما لو كان المناط فى ذلك نظر العرف او لسان الدليل، فزوال بعض خصوصيات الموضوع مما يتحمل دخله فيه، و ان كان موجبا للشك فى بقاء الحكم، الا ان تلك الخصوصية الزائلة، فيما اذا لم تكن ينظر العرف و لا فى لسان الدليل، من مقومات الموضوع، لا يكون زوالها موجبا للشك فى بقاء الموضوع و مما ذكرنا ظهر الفرق بين كون المناطر هو العقل او نظر العرف و الدليل و اما الفرق بين كونه نظر العرف او ظاهر الدليل، فهو انه بناء على الثانى ينظر فيما اخذ موضوعا للقضية فى ظاهر الدليل،
ص: 370
فان كانت الخصوصية الزائلة اخذت قيدا فى الموضوع فى الدليل، كما اذا ورد الماء المتغير نجس، فزوالها موجب لتبدل الموضوع و صيرورته موضوعا اخر، و ان كانت الخصوصية الزائلة اخذت شرطا للحكم، كما اذا ورد الماء ينجس اذا تغير، و النذر يجب الوفاء، به لو لم يكن ضرريا، فلا بوجب زوالها تبدل الموضوع و اما بناء على الاول، فيلاحظ ان بعد زوال الخصوصية الموجب للشك فى الحكم، هل يرى العرف رفع اليد عن الحكم بعد زوال الخصوصية نقضا لليقين به قبل زوالها اولا، فان راه العرف نقضا فيكشف عن عدم تبدل الموضوع، و ان لم يره العرف نقضا فيكشف عن تبدل الموضوع و منشاء ذلك هو احرازه الموضوع بلحاظ المناسبة بين الحكم الوارد فى القضية الشرعية و موضوعه، فربما تكون الخصوصية الزائلة قيدا للموضوع فى لسان الدليل، و لكن يراه العرف بحسب المناسبة بين الحكم و موضوعه واسطة فى ثبوت الحكم لموضوعه، كما فى مثال الماء المتغير نجس، فان العرف حيث پرى التغير و النجاسة من الكيفيات و الاوصاف الغير القابلة لتقوم بعضها ببعض، فيحكم بان الموضوع للنجاسة هو الماء و التغير علة لثبوت النجاسة له و ربما تكون الخصوصية علة لثبوت الحكم فى لسان الدليل، و يراه العرف بحسب المناسبة قيدا للموضوع بل تمام الموضوع، كما اذا ورد قلد فلانا لانه مجتهد، فان العرف يرى الاجتهاد تمام الموضوع لوجوب التقليد، مع انه اخذ فى لسان الدليل علة لثبوت الحكم فظهر مما ذكرنا كله ان بقاء الموضوع و اتحاد القضيتين، يختلف حسب اختلاف الموازين الثلثة فربما يكون الموضوع باقيا بحسب ميزان، و لا يكون كك بحسب ميزان آخر، فيختلف باختلافها صدق النقض و عدمه، فلا بد من تعيين ما هو المناط و الميزان منها فى اتحاد القضيتين، كى يطرد فى كل مقام و باب فنقول الحق ان المناط فى ذلك هو بقاء الموضوع بحسب نظرف العرف، و ان لم يكن باقيا بالدقة العقلية، و لا بظاهر الادلة النقلية و توضيح ذلك يتوقف على تمهيد مقدمة، و هى انهم اختلفوا فى ان الاحكام الشرعية المتعلقة بالعناوين العرفية، هل هى متعلقة بها بلحاظ مصاديقها الواقعية العقلية، غاية الامر ان الشارع لما كان بصدد البيان، و مع ذلك القى القضية الى العرف، من دو
ص: 371
نصب قرينة تدل على موارد خطاء نظرهم فى تشخيص المصاديق الواقعية عن غيرها، كان ذلك كاشفا قطعيا عن انه جعل نظر هم طريقا الى التشخيص او انها متعلقة بها بلحاظ المصاديق العرفية، لا بمعنى التقييد، بل بمعنى انه جعل تلك العناوين منظرة للمصاديق على نحوما يجعلها العرف منظرة لها، و بعبارة اخرى نظر بها الى المصاديق بالنظر العرفى و الفرق بين القولين واضح، حيث ان الموضوع للحكم على الاول، هو المصاديق النفس الامرية، و يكون نظر العرف طريقا الى تشخيصها، فيكون نظرهم متبعا ما لم ينكشف الخلاف، و هذا بخلاف القول الثانى، فان موضوع الحكم عليه ليس واقعا و بالدقة العقلية، الا ما هو مصداق للعناوين بنظر العرف، و لهذا لو حكم الشرع على مصداق عرفى لتلك العناوين على خلاف ما حكم به عليها، يكون خروج ذلك المصداق عنها على الاول خروجا موضوعيا و من باب التخصص و ذلك لكشف حكم الشارع عن خطاء العرف فى نظرهم و ان ماراوه فردا للعنوان ليس بفرد له واقعا، و على الثانى خروجا حكيما و من باب التخصيص، و ذلك لان المصداق العرفى محفوظ عندهم، و لا ينقلب عما هو عليه من المصداقية لذلك العنوان، بعد حكم الشارع عليه بالحكم المخالف لحكم العنوان ثم ان القائلين بالقول الاول، لما استشكل عليهم، بان الاحكام الشرعية لو كانت كما ذكرتم متعلقة بالعناوين بلحاظ مصاديقها الواقعية النفس الامرية، و كان نظر العرف طريقا الى تشخيصها و متبعا ما لم ينكشف الخلاف، فاللازم فيما اذا كان شئى مصداقا للعنوان الذى تعلق به الحكم الشرعى بنظر العرف، و لم يكن مصداقا له بالدقة العقلية، كما فى استصحاب كرية الماء الذى نقص مقدار منه، حيث يكون رفع اليد عن كريته فى ظرف الشك مصداقا للنقض المنهى عنه بنظر العرف، و لا يكون مصدا قاله بالدقة العقلية، ان لا يحكموا بواسطة ادلة حكم ذلك العنوان بثبوت حكمه لذلك الشئى، و فيما اذا لم يكن شئى مصداقا للعنوان الذى تعلق به الحكم الشرعى بنظر العرف، و كان مصداقا له بالدقة العقلية، كما فى اللون الباقى من الدم بعد زوال عينه، حيث انه لا يكون من افراد الدم بالنظر العرفى، و يكون من افراده بالدقة العقلية من جهة استحالة انتقال العرض، ان
ص: 372
يحكموا بواسطة ادلة حكم ذلك العنوان بثبوت حكمه لذلك الشئى، و ذلك لسقوط نظر العرف مع انكشاف خطائه عن الطريقية و الحجية، مع انا نرى الاصحاب اتبعوا نظرهم فى كلا الموضعين، فحكموا باستصحاب كرية الماء فى المثال الاول، و بعدم استصحاب نجاسة اللون فى المثال الثانى التزموا بان اتباع الاصحاب لنظر العرف فى تلك الموارد، انما هو من جهة ان نظرهم فيها كاشف عن ان المفهوم و المغى الذى وضع له ذلك العنوان اوسع او اضيق مما يفهم العقل منه، فاتباع نظرهم فى تلك الموارد انما هو فى تعيين المفهوم، لا فى تطبيقه على المصداق مسامحة او خطاء اذا تمهدت هذه فنقول لا شبهة فى ان خطاب لا تنقض اليقين بالشك كسائر الخطابات الشرعية، قد سيق بحسب ما هو المتفاهم منه عند العرف و على طبق المحاورات العرفية، بداهة عدم اختراع الشارع فى مقام افاده مرامه طريقة اخرى غيرما استقرب عليه طريقة العقلاء من اتباع مداليل الالفاظ بحسب ما هو المتفاهم منها عرفا، فلا بد ان يكون المنهى عنه متعلقا بكل ما يراه العرف انه نقض و هدم لما تعلق به اليقين، و لا شبهة ان صدق النقض عرفا، يدور مدار بقاء ما فهموه من الدليل، بسبب ما ارتكز فى اذهانهم من المناسبة بين الحكم و موضوعه، موضوعا للحكم، لابقاء ما هو الموضوع فى ظاهر الدليل او بحسب الدقة العقلية كما هو واضح، فيكون المناط فى اتحاد القضيتين و صدق النقض عرفا بقاء الموضوع العرفى، فاذا فهم العرف من قضية الماء المتغيير نجس، ان الموضوع للنجاسة هو الماء و التغير علة لثبوتها له، فلو زال التغير و شك فى بقاء النجاسة الماء، يصدق عرفا على عدم معاملة النجاسة مع هذا الماء، انه نقض للمتيقن السابق، كما يصدق على المعاملة معه معاملة النجاسة انه ابقاء له و توهم ان صدق النقض على التقديرين، و ان كان حقيقيا على كلا القولين اللذين اشرنا اليهما فى تمهيد المقدمة، اذا لا حقيقة لهما غير حكم العرف على القول الثانى، و يكون حكمه كاشفا عن ان الموضوع له للفظ النقض و الابقاء اوسع مما يفهمه العقل منهما على القول الاول، الا انه يرجع بالاخرة الى المسامحة العرفية، بداهة ابتنائه على مسامحتهم فى الحكم باتحاد الموضوع فى القضيتين مدفوع بما عرفت من ان حكمهم باتحاد الموضوع،
ص: 373
انما هو من جهة استفادتهم من الدليل بمناسبة الحكم و الموضوع ان المعروض للحكم بحسب الواقع و اللب اعم مما جعل موضوعا له بحسب ظاهر الدليل ان قلت على ما ذكرت لا يبقى مجال للاستصحاب، للقطع حينئذ ببقاء الحكم ببقاء موضوعه قلت استفادة عدم مدخلية الخصوصية الزائلة فى الموضوع من الدليل، لا تنافى احتمال مدخليتها فى عروض الحكم له بمعنى كونها علة للحدوث و البقاء، كيلا يبقى معه مجال للاستصحاب كما هو واضح من ان يخفى ثم ان هذه المناسبة المرتكزة فى اذهانهم، ليست لجهة عامة مطردة فى كل مورد ورد الحكم فيه على الموضوع المقيد، كى تكون نظير الامر الوارد عقيب الحظر قرينة عامة على ارادة ذات المقيد فى كل مقام، حتى يكون الموضوع بحسب الدليل متحدا مع الموضوع العرفى، بل تختلف باختلاف خصوصيات الموارد، فان العرف بسبب ما يرى بين كل حكم و موضوعه من المناسبة الخاصة، قديرى ان الموضوع هو القيد، كما اذا قيل قلد زيدا المجتهد العادل، فان العرف يرى الموضوع فى التقليد، هو الاجتهاد و العدالة لا زيد، و قديرى ان الموضوع هو ذات المقيد و يرى القيد واسطة فى ثبوت الحكم له، كما فى مثال الماء المتغير نجس و بالجملة لا يرى العرف فى كل موردان القيد له دخل فى الموضوع اولا دخل له فيه حتى يطرد الامر فى جميع الموارد، بل يختلف باختلاف الاحكام و ما بين كل منهما و موضوعه من المناسبة الخاصة، فقد يفهم بمايراه من المناسبة بين الحكم و موضوعه، ان الموضوع للحكم فى القضية بحسب اللب و الواقع، ما هو اعم او اخص مما اخذ موضوعا له فى ظاهر الدليل، و قد لا يفهم ذلك و الرجوع الى العرف فى تشخيص الموضوع للمستصحب، انما هو فى القسم الاول الذى، يكون ما ارتكز فى اذاهانهم من من المناسبة بين الحكم و موضوعه، صالحا للقرينية على صرف دليل المستصحب عما هو ظاهر فيه، و هذا بخلاف القسم الثانى الذى، لا يكون ما هو المركوز فى اذهانهم من المناسبة بين الحكم و موضوعه صالحا لذلك، فان المتعين حينئذ هو الرجوع فى تشخيص الموضوع الى ظاهر الدليل و لعل هذا هو المراد مما اشتهر فى السنتهم من ان الاحكام تدور مدار الاسماء، حيث يحتمل ان يريدوا من هذه القضية
ص: 374
ان مقتضى القاعدة كلية هو تبعية الاحكام لما جعل موضوعا لها فى ظاهر الدليل، الا ان يفهم من الخارج باعلام الشارع او بفهم العرف، ان الموضوع اعم من ذلك او اخص، فيكون كلامهم فى مقام تأسيس قاعدة كلية فى مقام تشخيص موضوعات الاحكام، بحيث لا يعدل عنها، الا مع قيام ما يدل على الخلاف ما القرائن الخارجية فى بعض الموارد الشخصية فظهر مما ذكرنا ان المدار فى تشخيص الموضوع مطلقا، على ما يستفاد من دليل المستصحب و لو بمعونة قرنية خارجية شرعية او عرفية ارتكازية، فيكون صدق النقض و عدمه تابعين لما يستفاد من الدليل من الاتحاد و عدمه، و لو يمعونة فهم العرف بمناسبة الحكم و الموضوع، لكن هذا فيما اذا كان دليل المستصحب لفظيا مبينا ممتازا فيه القيد عن العلة، و اما لو كان دليله لبيا او لفظيا مجملا غير ممتاز فيه القيد عن العلة فينعكس الامر اى يكون اتحاد الموضوع و عدمه تابعين لصدق النقض عرفا و عدمه، اذ ليس هناك دليل لفظى مبين، يستفاد منه و لو بضميمة فهم العرف، ما هو الموضوع و المفروض للحكم بحسب اللب و اللواقع فتبين مما ذكرنا كله ان الرجوع الى نظر العرف، انما هو لتعيين مدلول الخطاب و تشخيص ما هو الموضوع فيه عن العلة، بحسب ما هو المرتكز فى اذهانهم من المناسبة بين الحكم و موضوعه، الا الرجوع اليهم فى قبال الدليل، كما ربما يظهر من عبارات شيخ مشايخنا المرتضى قدس سره و غيره فراجع ثم ان شيخنا المزبور قدس سره، ذكر لما يرى العرف الموضوع فيه اعم من العنوان المأخوذ موضوعا للحكم فى الدليل، امثلة لا يهمنا التعرض لها و انما المهم هو التعرض لما حكاه عن بعض المتأخرين، من التفصيل بين استحالة النجس العين و المتنجس، و الحكم بطهارة الاول بالاستصحالة دون الثانى، لزوال الموضوع بها فى الاول، دون الثانى مستدلا على ذلك، بان المعروض للنجاسة فى الاعيان النجسة، ليس هى مادتها الهيولانية و لا صورتها الجسمية، لان لاوصافها العنوانية مدخلية فى عروضها عليها قطعا، و هذا بخلاف المتنجسات، لان المعروض و الموضوع للنجاسة فيها هو الجسم، و ليس للعنوان كالخشبية مثلا مدخلية فى عروضها عليها جزما فنقول ان ما افاده المفصل، من طهارة الاعيان
ص: 375
النجسة، بالاستحالة بالمعنى المصطلح عليه عند الفقهاء، و هو تبدل الصورة النوعية الحقيقية للشئى الى صورة نوعية حقيقية اخرى، الذى يسمى فى اصطلاح اهل المعقول بالانقلاب، لا بالمعنى المصطلح عليه عند اهل المعقول اعنى الحركة فى الكيف، المسماة عند الفقهاء بالانقلاب كصيرورة الخمر خلا، و ان كان حقا من جهة ظهور القضايا الشرعية فى مدخلية الوصف العنوانى فى معروض النجاسة و كونها، تابعة له حدوثا و بقاء، فلا يمكن التمسك للحكم بنجاستها، بعد استحالتها و زوال ذلك العنوان عنها، بما دل على نجاستها قبل الاستحالة، و لا باستصحاب النجاسة الثابتة لها قبلها، ضرورة انتفاء الموضوع الذى تعلق به الحكم فى الادلة بعدها، و القدر المشترك بين الواجد للعنوان و الفاقد له، و هى المادة الهيولانية، و ان كان موجودا بعد الاستحالة، الا انه لم يكن معروضا للحكم قبلها الاتبعا للصورة النوعية، كيف و شيئية الشئى انما هى بصورته لا بالمادة، بداهة ان المادة الاولى ليست الاقوة صرفة و استعدادا محضا، ليست فيها فعلية الافعلية الاستعداد و القابلية، و الشئى انما يكون شيئا بفعلية ذلك الشئى، لا بقوته و استعداده له كما هو واضح سلمنا ان المعروض للحكم هو المادة، لكن لا يجدى مجرد ذلك فى صحة الاستصحاب، بعد تبدل الموضوع عرفا بتبدل الصورة، فالقول بان معروض النجاسة فى الاعيان النجسة هى موادها لا صورها، فى غاية الضعف و السقوط، و ذلك لما عرفت من ان المادة الهبولانية لعدم كونها شيئا بالفعل، لا تكون قابلة لان يحكم عليها بالنجاسة، كى يكون موضوعا لها اولا، و لا يصح استصحاب نجاستها بعد تبدل الصورة، لتبدل الموضوع عرفا بتبدلها ثانيا الا ان ما افاده من عدم طهارة المتنجسات بالاستحاله، من جهة ان المعروض للنجاسة، فيها هى المادة الهيولانية او الصورة الجسمية، من دون مدخلية للعناوين كالخشبية و نحوها فى عروضها عليها غير صحيح لالما افاده شيخ مشايخنا المرتضى قدس سره من منع كون المعروض و الموضوع للنجاسة فى المتنجسات هى الصورة الجسمية، و اما ما اشتهر فى الفتاوى و معاقد الاجماعات من ان كل جسم لاتى نجسا مع الرطوبة فهو نجس، فلا يخفى على المتأمل ان التعبير بالجسم فيها، انما هو لادّاء عموم
ص: 376
الحكم لجميع الاجسام الملاقية من حيث سببية الملاقاة للنجس، لا لبيان اناطة الحكم بالجسمية، و بعبارة اخرى قولهم كل جسم لا فى نجسا فهو نجس، فى مقام بيان حدوث النجاسة فى الجسم بسبب الملاقاة، من غير تعرض للمحل الذى تتقوم به، كما فى قول القائل كل جسم له خاصية و تأثير، مع كون الخواص و الأثيرات من عوارض الانواع سلمنا ظهور معقد الاجماع اعنى قولهم كل جسم لاتى نجسا فهو نجس، فى تقوم النجاسة بالجسم، لكن لا شبهة فى انه لا مستند لهذا العموم، الا الادلة الخاصة الواردة فى الموارد الخاصة مثل الثوب و البدن و الماء و غير ذلك، فلا بد ان يكون استنباط القضية الكلية المذكورة منها، من حيث عنوان حدوث النجاسة لا ما تتقوم به، بداهة ان اسناد النجاسة فى تلك الموارد الخاصة الى ملاقاتها للنجس، انما يدل على سببية الملاقاة للنجس لحدوث النجاسة فى ملاقيه كائنا ما كان، و اما انّ ما تتقوم به النجاسة فى الملاقى هو صورته الجسمية لا النوعية، فلا يدل عليه لو لم يدل على العكس كما هو واضح و ذلك لما يرد عليه قدس سره من ان الظاهر مما اشتهر فى معاقد الاجماعات من ان كل جسم لافى نجسا فهو نجس، هو كونه فى مقام التعميم من الحيثيتين، اى من حيث ما يحدث فيه النجاسة بالملاقاة، و من حيث ما تتقوم النجاسة به و قياسه على مثال كل جسم له خاصية مع الفارق، بداهة ان معنى هذا الكلام ان كل جسم له خاصية غير ما لغيره من الاجسام من الخواص، بل المقام نظير قول القائل كل جسم متحيز، لوازم الجسم بما هو جسم، من دون مدخلية للصور النوعية فيه، كما ان الظاهر من الادلة الخاصة الواردة فى الموارد الخاصة، هو التعميم من الحيثيتين ايضا، بداهة انه لو لم يكن ما يتقوم به النجاسة فى كل مورد هو الجسم، بل كان للخصوصيات النوعية او الصنفية دخل فى التنجس بالملاقاة، لما صح الحكم بنجاسة غير المذكورات فى الادلة بالملاقات بالنجس، لاحتمال اختصاص الحكم بالمذكورات فيها، فاستنباط القضية العامة المذكورة اعنى قولهم كل جسم لا قى نجسا فهو نجس، مبنى على العلم بالغاء الخصوصيات فى تلك الموارد الخاصة بل لما افاده الاستاد دام ظله فى الكتاب، من انه ان اريد ببقاء النجاسة فى
ص: 377
المتنجسات بعد الاستحالة، الحكم ببقائها من جهة دلالة الدليل الدال على تنجسها بالملاقاة على ذلك، ففيه منع بداهة انه لا دلالة لذلك الدليل الاعلى مجرد حدوث النجاسة فيها بالملاقاة، و اما عدم تطهرها بالاستحالة و عروض صورة اخرى نوعية عليها، فلا دلالة له عليه اصلا كما لا يخفى، فاذا احتملنا ان عروض صورة اخرى عليها اوجب تطهرها، فلا يرفع هذا الاحتمال بذلك الدليل الدال على حدوث النجاسة فيها بالملاقاة، و ان اريد ببقاء النجاسة فيها بعد الاستحالة الحكم ببقائها من جهة الاستصحاب، ففيه ان الاستصحاب تابع لبقاء الموضوع عند العرف، و العرف يرى المستحال اليه موضوعا آخر مبائنا للمستحيل، و معه لا يصح الاستصحاب، و لو كان الموضوع فى الدليل هو الجسم و قلنا ببقائه و عدم تبدله بتبدل الصور النوعية نعم ما افاده دام ظله فى الشق الاول من الترديد بقوله فاذا احتملنا ان عروض صورة اخرى على ذلك الشئى اوجب تطهره الخ، لا يخلو عن النظر، بداهة ان الاستحالة ليست من المطهرات، و انما عدوا من المطهرات استحالة نجس العين لان بها يتبدل الموضوع الى موضوع آخر، و ذلك لما عرفت من ظهور ادلة نجاستها فى مدخلية الوصف العنوانى فى معروض النجاسة فيها، فمع ذهاب الوصف العنوانى عنها، لا يمكن الرجوع الى مادل على ثبوت النجاسة لها، و لا الى استصحاب نجاستها، و ذلك لعدم كون الصورة الجسمية المحفوظة فى الحالين موضوعا للحكم فى ظاهر الدليل، و لا بحسب نظر العرف، فلا بد ان يرجع اما الى عموم ما دل على طهارة المستحال اليه كالملح مثلا او الى قاعدة الطهارة، فالحكم بطهارة نجس العين بالاستحالة اما لمادل على طهارة المستحال اليه او لقاعدة الطهارة، لا لاجل نفس الاستحالة كى تكون من المطهرات فالاولى ان يقال فى الجواب انّ المفصل، ان اراد ببقاء النجاسة فى المتنجسات بعد الاستحالة، الحكم ببقائها من جهة دلالة الدليل الدال على تنجسها بالملاقاة، ففيه ان غاية ما يدل عليه دليل تنجسها، هو مجرد حدوث النجاسة فيها بالملاقاة، و لا اطلاق له بالنسبة الى ما اذا تغير صورتها النوعية بعد الملاقات و ان اراد بقائها بعد الاستحالة من جهة الاستصحاب، ففيه ان الموضوع لا يكون باقيا بعد الاستحالة
ص: 378
لا عقلا و لا عرفا، اما عقلا فلبداهة ان هذا الجسم المستحال اليه لم يكن بصورته النوعية و لا بجسميته معروضا للنجاسة، كى يستصحب بقاء نجاسة اما بصورته النوعية فواضح، و اما بجسميته فلانها تابعة فى التشخص و الوجود للصورة النوعية، فتتبدل لا محة بتبدلها، و اما مادته فهى و انكانت معروضة للنجاسة قبل الاستحالة، الا ان معروضيتها لها قبلها كانت بالعرض و بتبع الصورة النوعية او الجسمية التى كانت للمستحيل قبل الاستحالة كمامر و اما عرفا فلانه و لو سلمنا ان الموضوع للنجاسة هو الجسم و انه باق لا يتبدل بتبدل الصورة النوعية، الا ان العرف يرى المستحال اليه موضوعا آخر مبائنا للمستحيل، و لا يرى نجاسته على تقديرها بقاء للنجاسة السابقة، بل يراها نجاسة مستقلة كما لا يخفى ثم ان فى طهارة كل من الاعيان النجسة و المتنجسات بالاستحالة، و عدم طهارتهما بها اقوالا اما الاعيان النجسة، فذهب بعضهم و هم الاكثر الى طهارتها بالاستحالة مطلقا، و ذهب بعض آخر كالفاضلين و غيرهما الى عدم طهارتها بها مطلقا، و فصل آخر بين استحالة الكلب و الخنزير الى الملح او الرماد، و استحالة غيرهما من الاعيان النجسة فحكم بطهارة غيرهما بالاستحالة دونهما و اما المتنجسات ففيها ايضا اقوال ثلثة، فذهب بعضهم الى طهارتها و لو بتبدل بعض اوصافها و احوالها، فضلا عن تبدل صورها النوعية، فحكم بطهارة التراب المتنجس بصيرورته اجرا او خزفا، و بطهارة الخشب المتنجس بصيرورته نارا او فحما، مع عدم التزامه بذلك فى كل مقام، كصيرورة العجين المتنجس خبزا و صيرورة الحنطة عجينا المتنجسة و امثال ذلك، و لعله تمسك لذلك بما فى بعض الاخبار، من قوله عليه السلام اكلت النار ما فيه فى جواب السؤال عن حين خبر ثم تمام ان لما كانت فيه ميتة، و قوله عليهم السّلام ان الماء و النار قد طهراه فى جواب السؤال عن السجود على الجص الذى يوقد عليه بالعذرة و عظام المؤتى ثم يجصص به المسجد، و ذهب بعضهم الى عدم الطهارة بالاستحالة فضلا عن غير ما من التبدلات و ذهب آخرون الى الطهارة بالاستحالة و عدمها بغيرها و الحق هو كون الاستحالة من المطهرات مطلقا سواء كان المستحيل من الاعيان النجسة او من المتنجسات، و ذلك لما عرفت من عدم
ص: 379
صحة الرجوع معها الى ما دل على ثبوت النجاسة لهما و لا الى الاستصحاب، فلا بد من الحكم بالطهارة فى الاعيان النجسة بعد الاستحالة، اما بمادل على طهارة المستحال اليه كالملح و الرماد و نحوهما او بقاعدة الطهارة، و فى المتنجسات بقاعدة الطهارة فقط، لان مادل على طهارة المستحال اليه، انما دل على طهارته الذاتية الغير المنافية للنجاسة العرضية بالملاقاة كما لا يخفى و اما الانقلاب الذى هو عبارة فى اصطلاح اهل المعقول عن الحركة فى الكيف، فالحق عدم كونه من المطهرات، الا فى صيرورة الخمر خلا و بالعكس من جهة ورود الدليل هذا.
(قوله دام ظله الحادى عشر المعتبر فى الاستصحاب ان يكون شاكا فى البقاء الخ) اقول لا ينبغى الاشكال فيما افاده دام ظله، بعد ما عرفت من ان الاستصحاب عبارة عن ابقاء ما لليقين الطريقى من العمل فى حال الشك، اذ قوام هذا المعنى يتوقف على بقاء اليقين الطريقى المتعلق بماله عمل الى زمان الشك، كيلا يرفع اليد عما اقتضاه من الجرى العملى على مقتضى متعلقه فى هذا الزمان، و بقائه الى زمان الشك لا يمكن، الا ان يكون الشك فى بقاء المتيقن السابق بعد الفراغ عن اصل حدوثه و وجوده فى السابق، فلو كان الشك فى اصل حدوثه لم يكن مورد اللاستصحاب نعم لو دل دليل على عدم الاعتناء بمثل هذا الشك بعد اليقين، تحقق قاعدة اخرى شرعية مبائنة للاستصحاب، و قد عبر عنها فى كلماتهم بقاعدة اليقين، و استدل عليها تارة بما دل على عدم الاعتناء بالشك بعد التجاوز عن العمل و الفراغ عنه، و اخرى بادلة الاستصحاب بدعوى شمولها للقاعدتين اما الاستدلال عليها بما دل على عدم الاعتناء بالشك بعد التجاوز و الفراغ، فيستجيئى انشاء اللّه تعالى بيانه و ما فيه عند التكلم فى قاعدتى الفراغ و التجاوز و اما الاستدلال عليها بعموم ادلة الاستصحاب لها، مع بينها و بين الاستصحاب من الاختلاف بحسب المناط، و المطلوب، حيث ان المناط فى الاستصحاب هو اتحاد متعلق الشك و اليقين ذاتها و اختلافهما زمانا، و هذا بخلاف القاعدة فان المناط فيها هو اتحاد متعلقهما ذاتا و زمانا، و المطلوب فى الاستصحاب هو الحكم بترتيب آثار المتيقن السابق فى اللاحق، و فى
ص: 380
القاعدة هو الحكم بمضى الاثار التى رتبت عليه فى السابق فغاية ما يمكن ان يقال فى تقريبه، هو ما افاده الاستاد دام ظله، من ان الزمانين السابق و اللاحق، المستفادين من فاء التفريع فى قوله عليهم السّلام من كان على يقين فشك، انما جعل السابق منهما ظرفا لليقين و اللاحق ظرفا للشك، و اما المتيقن و المشكوك فلوحظا مجردين عن اعتبار الزمان ظرفا و قيدا، فحينئذ يكون المراد من اليقين بالشئى و الشك فيه، هو اليقين بذات الشئى و الشك فيها مهملة عن لحاظ الزمان رأسا، و لا شبهة فى صدق الشك فى ذات الشئى على الشك فى اصل وجوده و على الشك فى بقائه، بداهة ان بقاء الشئى ليس امر وراء ذلك الشئى، فاذا كان الشك فى ذات الشئى شاملا لكلا الشكين، فيكون وجوب المضى على اليقين موجبا لالغاء كليهما و الغاء كل شك يختلف باختلاف خصوصية متعلقه، فان كان متعلقه هو الحدوث فيكون القائه بالحكم بالحدوث، و ان كان متعلقه هو البقاء فيكون القائه بالحكم بالبقاء هذا غاية ما يمكن ان يقال فى تقريب الاستدلال بادلة الاستصحاب لكلتا القاعدتين و فيه ما افاده دام ظله ايضا، من ان المتكلم بقضية اذا تيقنت بشئى ثم شككت فيه فامض على اليقين، لا يخلوا ما يلاحظ الزمان قيدا للشئى المتيقن او ظرفا له او يهمل ملاحظة الزمان رأسا فعلى الاول لا بد ان يكون المراد من قوله شككت فيه، هو الشك فى نفس ذلك الشئى مقيدا بالزمان السابق، و الالم يتحد متعلق الشك و اليقين فحينئذ لا ينطبق القضية الاعلى قاعدة اليقين، كما لا تنطبق الا عليهذه القاعدة على الثالث ايضا، بداهة ان المراد من قوله شككت فيه، لا بد ان يكون عليهذا هو الشك فى تحقق ذات ذلك الشئى مهملة عن الزمان، كى يتحد متعلق الشك و اليقين، و لا يصدق الشك فى تحقق ذات الشئى مهملة الاعلى الشك فى اصل وجوده، اذ على تقدير اليقين بوجوده فى زمان، لا يصدق ان ذاته مجردة عن الزمان مشكوك تحققها، بداهة ان الشئى اذا كان له انحاء من الوجود، لا يصدق انه مشكوك الوجود، الا اذا شك فى تمام انحاء وجوده، ضرورة ان الطبيعة من حيث هى هى، لا تنعدم الا بانعدام جميع افرادها العرضية و الطولية، فلا يمكن ان يشك فى وجودها كك مع اليقين بوجود فرد منها فى زمان كما هو
ص: 381
واضح و على الثانى يمكن تطبيق القضية على الاستصحاب، بان يلاحظ الشئى الواحد باعتبار الزمان السابق متيقنا و باعتبارا الزمان اللاحق مشكوكا فتبين ان تطبيق القضية على الاستصحاب، يتوقف على لحاظ الزمان اللاحق مشكوكا فتبين ان تطبيق القضية على الاستصحاب، يتوقف على لحاظ الزمان السابق ظرفا للمتيقن و اللاحق ظرفا للمشكوك، و هذه الملاحظة كما ترى، لا تجتمع مع ملاحظة الزمان الاول قيدا كما فى الصورة الاولى، و لا مع عدم ملاحظة الزمان رأسا كما فى الصورة الثالثة، بداهة استحالة اجتماع الضدين و النقيضين، فاذا لم يمكن اجتماع ملاحظة الزمان السابق ظرفا مع ملاحظته قيدا و لا مع عدم ملاحظته رأسا، فلا يمكن ارادة القاعدتين مع القضية قطعا، لامتناع الجمع بين اللحاظين المتضادين و النظرين المتاينين فى انشاء واحد و اذا ثبت عدم امكان ارادة القاعدتين من ادلة الباب، فلا بد ان يخص مدلولها بالاستصحاب، لورود بعضها فى مورد الاستصحاب و هو الشك فى البقاء، و ظهور اتحاد مفاد الباقى معه هذا ثم انه قد تخيل بعض عموم اخبار الباب للقاعدتين من جهة اخرى غير ما مضى الكلام فيها و هى ان المراد من الشئى فى قوله عليه السلام اذا تيقنت بشئى هو الشئى المقيد بالزمان، و المراد من الشك فى قوله عليه السلام ثم شككت فيه، هو الشك فى اصل حدوث ذلك الشئى، الا ان المراد من قوله عليه السلام فامض على يقينك او لا تنقض اليقين الا بيقين مثله، هو البناء على ذلك الشئى حدوثا و بقاء، و هذا التخيل اوضج فسادا، مما تخليه بعض من شمول قوله عليه السلام كل شئى طاهر حتى تعلم انه قذر لاستصحاب الطهارة و قاعدتها اذ يرد عليهذا التخيل، مضافا الى ما اوردناه على ذلك التخيل فيما مر من عدم امكان الجمع بين القاعدتين فى تلك القضية، ان حقيقة الاستصحاب عبارة عن جرا لمتيقن السابق الى الزمان الثانى، و مع فرض لحاظ المتيقن السابق مقيدا بالزمان السابق، كيف يمكن جره الى اللاحق، مع استلزامه لجر الزمان السابق الى اللاحق، الذى فساده اوضح من ان يحتاج الى البيان و اقامة البرهان ثم ان صاحب الكفاية قدس سره كما وافق ذلك المتخيل فيما مر وافق هذا المتخيل فى المقام، و قال لا يبعدان يكون الامر هيهنا اوضح،
ص: 382
لان الشك المتعلق بما كان اليقين متعلقا به كعدالة زيد يوم الجمعة مثلا، على قسمين، احدهما ما يكون متعلقا بعدالته يوم الجمعة، مع القطع بعدالته بعد اليوم او فسقه، ثانيهما ما يكون متعلقا بعدالته فى ذلك اليوم و فيما بعده، و النهى عن نقض اليقين بالشك، يعم باطلاقه النقض بكل من الشكين، و مققضى عدم نقضه بالشك الثانى، المعاملة مع مشكوكه معاملة المتيقن بترتيب آثار العدالة عليه، و ربما ايد ذلك بالاستدراك بقوله عليهم السّلام و لكن تنقضه بيقين آخر انتهى و فيه ان الشك فى حدوث المتيقن و الشك فى بقائه، شكان مستقلان متنافيان بحسب المتعلق و الحكم اما الاول، فلان متعلق الاول هو المتيقن بلحاظ تقيده بالزمان، و متعلق الثانى هو المتيقن بلحاظ تجرده عن الزمان و اما الثانى فلان الحكم فى الاول هو وجوب ترتيب ما لاصل وجود اليقين الطريقى من العمل، و فى الثانى هو وجوب ترتيب مالبقاء اليقين الطريقى من العمل، فلا يمكن ارادتهما من قوله عليهم السّلام لا تنقض اليقين بالشك، بداهة استلزامه للجمع بين اللحاظين المتنافيين و النظرين المتضادين، لحاظ المتيقن مقيدا بالزمان و لحاظه غير مقيد به و مرسلا عنه، و النظر الى اصل ثبوت اليقين عملا لابقائه و النظر الى بقائه كك، فى انشاء واحد، و ذلك ممتنع بالضرورة، فلا بد ان تكون القضية متعرضة لاحدهما، فان كانت متعرضة للشك فى الحدوث، فلا يدل الاستدراك بقوله عليه السلام لكن تنقضه بيقين آخر، الاعلى عدم رفع اليد عن اليقين بالحدوث الذى كان فى الزمان الاول، الا بيقين آخر بعدم الحدوث كك، و ان كانت متعرضة للشك فى البقاء، فلا يدل الاستدراك الاعلى عدم رفع اليد عن اليقين بالوجود الا بيقين آخر بارتفاعه ثم ان شيخ مشايخنا المرتضى قدس سره اورد عليهذا التخيل، بما ملخصه انا لو سلمنا دلالة الروايات على ما يشمل القاعدتين، لزم حصول التعارض فى مدلولها المسقط لها عن الاستدلال بها على القاعدة الثانية، بداهة ان اليقين بعدالة زبد المقيدة بيوم الجمعة، مسبوق باليقين بعدم عدالته المطلقة از لا قبل يوم الجمعة، فاذا شك فى عدالته المقيدة بيوم الجمعة، فكما تدل الروايات بمقتضى قاعدة اليقين على عدم نقض اليقين بعدالته المقيدة بيوم الجمعة، كذلك تدل بمقتضى قاعدة الاستصحاب
ص: 383
على عدم نقض التقين بعدم عدالته قبل الجمعة باحتمال حدوثها فى الجمعة و توهم ان اليقين السابق على الجمعة قد انتقض باليقين فى الجمعة بالفرض، و معه لا مجال للاستصحاب، و قاعدة اليقين تثبت وجوب اعتبار هذا اليقين الناقض لليقين السابق من غير معارض مدفوع بان الشك فى حدوث عدالة زيد يوم الجمعة و عدمه، غين الشك فى انتقاض ذلك اليقين السابق و عدمه، فكما ان احتمال عدم انتقاضه معارض لليقين بالعدالة، كذلك احتمال انتقاضه معارض لليقين بعدم العدالة، فلا يجوز لنا الحكم بالانتقاض و لا بعدمه انتهى و لا يخفى ان ظاهره كما ترى، هو ان هذه المعارضة بين مدلول الروايات، على تقدير شمولها لكلتا القاعدتين دائمية، و الحال انه ليس كك، و ذلك لامكان ان لا يكون الحالة السابقة لعدم عدالته قبل يوم الجمعة محرزة، كى يجرى الاستصحاب و يعارض مع قاعدة ايقين نعم عدم عدالته از لا قبل وجوده متيقن دائما، لكنه انما يجدى فى جريان الاستصحاب، او كانالاثر الشرعى مترتبا على عدمها المحمولى الازلى، دون ما لو كان الاثر مترتبا على عدم عدالته بعد الفراغ عن وجوده، و بعبارة اخرى لو كان الاثر مترتبا على عدمها المحمولى لا النعتى، و الا لم يكن عدمها متيقنا دائما كى يعارض الاستصحاب مع القاعدة نعم لو جعلنا المستصحب هو عدم عدالته المقيدة بيوم الجمعة لا عدم عدالته المطلقة، لكانت المعارضة دائمية و لو بناء على كون الموضوع للاثر هو عدمها النعتى، بذاهة ان العدالة المقيدة بيوم الجمعة دائما مسبوقة بالعدم قبل الجمعة، لكن هذا خلاف ظاهر كلامه زيد فى علومقامه بل صريحه كما لا يخفى على من راجعه و اعترض عليه صاحب الكفاية قدس سره فى الحاشية، بان التعارض انما يلزم، لو كان كل واحد، من نقض اليقين بعدم العدالة قبل يوم الجمعة بشك، و نقض اليقين بالعدالة المقيدة بيومها بذلك فى مثل المثال، فى عرض الاخر و لم يكن بينهما السببية و المسببية، و الا لا يعم العام الا ما هو السبب منهما كما سيأتى الكلام فيه انشاء اللّه تعالى، و ليس كك، فان كون نقض اليقين بعدم العدالة المطلقة مع هذا الشك نقضا بالشك، يتوقف على عدم شمول النهى لنقض اليقين بالعدالة المقيدة، و هذا بخلاف نقض اليقين
ص: 384
بالعدالة المقيدة مع هذا الشك، فانه نقض بالشك على كل حال من غير توقف على عدم شمول النهى لنقض اليقين بعدم العدالة المطلقة، قوله بل(1) و لو يشمله، غاية الامران معه لا يمكن ان يشمله ايضا و كان نقض اليقين بهذا الشك جائزا فان النهى عن نقض اليقين بعدم العدالة بهذا الشك، يلازم تجويز نقض اليقين بالعدالة المقيدة بالشك، لا انه موجب لكونه نقضا بغير الشك فافهم انتهى و لا يخفى ان مراده قدس سره من السببية و المسببية فى كلامه قدس سره، ليس هو ان الشك فى بقاء عدم العدالة المطلقة الثابت قبل يوم الجمعة باحتمال حدوثها فى الجمعة، مسبب عن الشك فى حدوثها فى يوم الجمعة، كى يرد عليه ان فى المثال ليس شكان احدهما يكون مسببا عن الاخر، بل هنا شك واحد و هو الشك فى حدوث عدالة زيد يوم الجمعة، الذى هو عين الشك فى انتقاض عدمها الثابت قبل يوم الجمعة، و هذا الشك معارض لفردين من اليقين، احدهما اليقين بعدم عدالته المطلقة قبل يوم الجمعة، و الثانى اليقين بعدالته المقيدة بيوم الجمعة، و مقتضى الاخذ بالاستصحاب، تنزيل الشك فى حدوث العدالة يوم الجمعة منزلة العلم بعدم حدوثها، و مقتضى الاخذ بالقاعدة، تنزيل هذا الشك منزلة العلم بحدوثها، فيقع بينهما التعارض من غير حكومة لاحد بهما على الاخرى بل مراده قدس سره كما يظهر بالتأمل فى كلامه، هو اتحاد المقام مع الشك السببى و المسببى، فى ملاك تقدم الاصل الجارى فى الاول على الجارى فى الثانى، و هو توقف شمول دليل الاصل للثانى على عدم شموله للاول، بخلاف شموله للاول فانه لا يتوقف على عدم شموله للثانى، فان شمول النهى فى المقام لنقض اليقين بعدم العدالة المطلقة قبل يوم الجمعة عليه السلام بالشك الطارى، يتوقف على عدم شموله لنقض اليقين بحدوث العدالة المقيدة بيوم الجمعة بالشك السارى، اذ مع شموله للثانى يكون الشك فى العدالة يمنزلة اليقين بها الذى كان ناقضا اليقين
ص: 385
بعدمها، فيكون شموله للثانى موجبا لكون نقض اليقين بعدم العدالة المطلقة قبل يوم الجمعة بالشك فى حدوثها فى الجمعة نقضا لليقين باليقين، لا بالشك كى يشمله عموم النهى، و لا عكس اى لا يتوقف شمول النهى لنقض اليقين بحدوث العدالة المقيدة بيوم الجمعة بالشك السارى، على عدم شموله لنقض اليقين بعدم العدالة المطلقة قبل يوم الجمعة بالشك الطارى، بداهة ان اليقين بعدم العدالة سابقا لم يكن ناقضا لليقين بحدوثها لا حقا، كى يكون الشك الطارى بمنزلة اليقين بعدمها فى كونه ناقضا لليقين بحدوثها و الحاصل ان المقام نظير الامر فى الشك السببى و المسببى، فى دوران الامر فيه بين شمول النهى لنقض اليقين بعدم العدالة سابقا بالشك فى حدوثها لا حقا، كى يكون عدم شموله لنقض اليقين بحدوث العدالة المقيدة بالشك فيه من باب التخصيص، و بين شموله لنقض اليقين بحدوث العدالة المقيدة بالشك فيه، كى يكون عدم شموله لنقض اليقين بعدم العدالة سابقا بالشك فى حدوثها لا حقا من باب التخصص، و لا شبهة فى ان فى مقام دوران الامر بين التخصيص و التخصص يكون الثانى اولى هذا و لكن يرد عليه قدس سره، ان ناقضية اليقين بحدوث العدالة المقيدة لا حقا، لليقين بعدم العدالة المطلقة سابقا، ليست من اللوازم الشرعية لليقين بحدوث العدالة المقيدة، كى يترتب على الشك فيه المنزل منزلته، و انما هى من آثاره العقلية، حيث ان العقل يحكم بان العلم بخلاف الحالة السابقة يوجب رفع اليد عنها، و الشك فى حدوث العدالة بعد العلم به انما نزل منزلة العلم السابق، فى الاثار الشرعية المترتبة عليه، بلحاظ طريقيته الى المعلوم، لا فى الاثار العقلية المترتبة على العلم من حيث هو، و من المعلوم انه لا فرق بين الاستصحاب و القاعدة فى هذا المدلول، كى يكون احدهما حاكما على الاخر هذا تمام الكلام فى الاستدلال على قاعدة اليقين بادلة الاستصحاب بقى الكلام فى الاستدلال عليها بما دل على عدم الاعتناء بالشك بعد التجاوز عن الشئى و الفراغ عنه، و لا بد اولا من ذكر الاخبار الواردة فى المقام ثم التكلم فيها فنقول منها مارواه محمد بن الحسن باسناده عن احمد بن محمد بن ابى نصر عن حماد بن عيسى عن حريز بن عبد اللّه عن زرارة قلت لا يبعبد اللّه عليهم السّلام
ص: 386
رجل شك فى الاذان و قد دخل فى الاقامة قال عليه السلام يمضى، قلت رجل شك فى الاذان و الاقامة و قد كبر قال عليه السلام يمضى، قلت رجل شك فى التكبير و قد قرء قال عليه السلام يمضى، قلت شك فى القرائة و قد ركع قال عليه السلام يمضى، قلت شك فى الركوع و قد سجد قال عليه السلام يمضى على صلوته، ثم قال عليه السلام يا زرارة اذا خرجت من شئى ثم دخلت فى غيره فشكك ليس بشئى و منها ما رواه ايضا باسناده عن سعد عن احمد بن محمد عن ابيه عن عبد اللّه بن مغيرة عن اسمعيل بن جابر، قال قال ابو جعفر عليه السلام ان شك فى الركوع بعد ما سجد فليمض و ان شك فى السجود بعد ما قام فليمض، كل شئى شك فيه مما قد جاوزه و دخل فى غيره فليمض عليه الخبر و منها موثقة عبد اللّه بن ابى يعفور عن ابيعبد اللّه عليه السّلام، قال اذا شككت فى شئى من الوضوء و قد دخلت فى غيره فليس شكك بشئى، انما الشك اذا كنت فى شئى لم تجزه الخبر و منها ما فى موثقة اخرى كل ما شككت فيه مما قد مضى فامضه كما هو، هذه جملة ما عثرنا عليه من الاخبار العامة و الكلام فيها يقع فى مقامات الاول هو المستفاد من هذه الاخبار، هو جعل قاعدة واحدة، تسمى بقاعدة التجاوز باعتبار جريانها فى اجزاء العمل بعد التجاوز عن محالها، و بقاعدة الفراغ باعتبار جريانها فى الشك فى نفس العمل بعد الفراغ عنه، كما ذهب اليه الاستاد دام ظله او جعل قاعدتين مختلفتين، كما ذهب اليه صاحب الكفاية قدس سره تبعا للمشهور، حيث قال قدس سره فى الحاشية، مقتضى التأمل التام فى الروايات انها مفيدة لقاعدتين احديهما القاعدة المضروبة للشك فى وجود الشئى بعد التجاوز عن محله مطلقا، او فى خصوص اجزاء الصلوة و ما بحكمها من الاذان و الاقامة و ثانيتهما القاعدة المضروبة للشك فى صحة الشئى لاجل الشك فى الاخلال ببعض ما اعتبر فيه شطرا او شرطا بعد الفراغ عنه ثم ادعى قدس سره ظهور صحيحة زرارة و رواية اسمعيل بن جابر فى القاعدة الاولى، بو ظهور الموثقة الاخيرة مضافة الى ماورد بمضمونها فى الموارد الخاصة فى القاعدة الثانية ثم قال قدس سره فى تقريب هذا المدعى، و لا يخفى ان ارجاع احدى الطائفتين الى
ص: 387
الاخرى بحسب المفاد او ارجاعهما الى ما يعمهما او ما يعم القاعدتين من كل منهما، لا يخلو عن تكلف و تعسف بلا وجه موجب له اصلا، مع ما يرد عليه من الاشكال الاتى فى خروج افعال الطهارات الثلث من القاعدة مع التمحل فى اندفاعه، و عدم وروده على ما استفدناه من القاعدتين، ثم استظهر قدس سره مما جعله دليلا على القاعدة الثانية، عمومها لجميع الابواب من العبادات و المعاملات، و مما جعله دليلا على القاعدة الاولى اختصاصها باجزاء الصلوة و ما بحكمها كالاذان و الاقامة، و علل اختصاصها باجزاء الصلوة و ما بحكمها، بان قوله عليهم السّلام فى صحيحة زرارة اذا خرجت من شئى، و قوله عليه السلام فى رواية اسمعيل بن جابر كل شئى شك فيه، لو لم يكونا ظاهرين فى خصوص شئى من افعال الصلوة، بقرينة السؤال عن الشك فيها فى صدر كل منهما، فلا اقل من عدم الظهور فى العموم لغيرها كما لا يخفى، فان تكرار السؤال عن خصوص افعال الصلوة، يمنع عن عموم اطلاق الشئى لغيرها ثم اعترض على نفسه بانه لو سلم ذلك، فانما هو فى الصحيحة، لكون العموم فيها بالاطلاق، دون الرواية فان العموم فيها بالوضع و اجاب بما حاصله ان لفظ الشئى الذى دخل عليه لفظ الكل فى الرواية، لو لم يكن مطلقا بمقدمات الحكمة، فلا يدل الكل على استيعاب تمام افراده، لانه انما يدل على استيعاب تمام افراد ما يراد من مدخوله، و قد عرفت ان المتيقن من مدخوله فى المقام خصوص افعال الصلوة، و لذا لو قيد الشئى فى قوله عليه السلام كل شئى شك فيه الخ، بان قال كل شئى من افعال الصلوة شك فيه، لم يلزم ارتكاب خلاف اصل فى لفظ الكل الدال على العموم، انتهى كلامه زيد فى علو مقامه و اورد عليه الاستاد دام ظله، بان فى كلامه مواقع للنظر منها استظهاره قدس سره قاعدتين مختلفتين من الاخبار، مع وحدة مضامينها بحسب الصورة، فانها بين مادل على الغاء الشك فى الشئى بعد الخروج عنه كما فى الصحيحة، و ما دل على الغائه بعد التجاوز عنه كما فى خبر ابن جابر و موثقة ابن ابى يعفور، و ما دل على الغائه بعد المضى عنه كما فى الموثقة الاخيرة و لا شبهة فى وحدة هذه الجمل الثلث بحسب المضمون و المعنى، بداهة ان الخروج عن الشئى و التجاوز و
ص: 388
المضى عنه مرجعها الى معنى واحد، فمن البعيد جدا ان يراد من هذا المضمون فى مقام غيرما اريد منه فى مقام آخر، كما مر نظير ذلك فى قولهم عليهم السلام لا تنقض اليقين بالشك و منها ما افاده من انه بناء على استظهار القاعدتين من الاخبار، لا يرد اشكال خروج افعال الطهارات الثلث، و لا يحتاج الى ما تكلف به شيخنا المرتضى قدس سره فى دفعه اذ فيه ان هذا التكليف محتاج اليه على كل حال سواء جعلنا مفاد الاخبار واحدا ام لا، بداهة ان من شك فى غسل جزء من اجزاء اليد بعد الفراغ عن غسلها، يصدق انه شك فى صحة شئى بعد الفراغ عنه، فتشمله الكلية المذكورة فى ذيل الموثقة، و هى قوله عليه السلام انما الشك اذا كنت فى شئى لم تجزه، مع ان هذا الشك يجب الاعتناء به بالاجماع و الاخبار، فلا بد حينئذ من الالتزام بان الوضوء امر واحد بسيط فى نظر الشارع كى يدفع هذا الاشكال، كما التزم به شيخنا المرتضى قدس سره و منها ما افاده من ان وجود القدر المتيقن فى مقام التخاطب مانع عن الاخذ باطلاق الخطاب، اذ فيه انه ان احرز ان المتكلم فى مقام بيان ما هو مراده فى اللب، و اظهر فى مقام الاظهار لفظا مطلقا، و لم يكن منصرفا الى شئى من الخصوصيات، بحكم العرف بان مراده فى اللب هو المطلق، و الا لم ببين ما هو مراده فى اللب، و هو خلاف ما هو المفروض من كونه فى مقام بيان ذلك و منها ما افاده من ان افاده لفظ الكل استيعاب تمام افراد الشئى تابعة لوجود مقدمات الحكمة فيه، اذ فيه ان الكل عند العرف يدل على استيعاب افراد ما يتلوه فى القضية اللفظية، لا افراد ما يكون مرادا فى اللب، كى نحتاج فى احرازه الى مقدمات الحكمة، و بعبارة اخرى الاطلاق و العموم يردان على الشئى فى عرض واحد، لا ان العموم يرد عليه بعد احراز اطلاقه، فاذا كان العموم واردا على الشئى من حيث هو هواى مهملا عن اعتبار الاطلاق و التقييد فيه، فيكون ظاهرا فى ان الارادة متعلقة بالشئى بتمام افراده فتبين مما ذكر ناكله ان الحق ما ذهب اليه الاستاد دام ظله، من اتحاد الاخبار بحسب المفاد، و ان المستفاد منها ما يعم الشك فى وجود الشئى بعد انقضاء محله، و الشك فى صحته كك اما اتحاد مفاد الاخبار، فلما عرفت من اتحاد مضامينها بحسب
ص: 389
الصورة، الكاشف عرفا عن اتحادها بحسب المفاد و اما ان المستفاد منها ما يعم كلا الشكين، فلما عرفت من عموم بعضها و اطلاق الاخر، هذا مضافا الى ان المستفاد من قوله عليه السلام فى رواية بكير بن اعين هو حين يتوضأ اذكر منه حين يشك، هو ان المناط فى عدم الاعتناء بالشك، هو كون الفاعل حين العمل اذكر، الذى لا شبهة فى تحققه فى كلا الشكين ان قلت استفادة ما يعم كلا الشكين من الاخبار ممتنعة من وجهين احدهما ان الشك فى الصحة الذى هو مورد قاعدة الفراغ، انما يكون بعد الفراغ عن اصل الوجود، بخلاف الشك فى الوجود الذى هو مورد قاعدة التجاوز، فانه انما يتصور فيما لم يكن الوجود مفروغا عنه، فارادتهما معا من مثل قوله عليه السلام انما الشك فى شئى لم تجزه، مستلزمة للحاظ الشئى محقق الوجود و غير محقق الوجود، فيلزم الجمع بين المتنافيين فى لحاظ واحد، و بتقريب آخر الشك فى الصحة شك فى الوجود الرابط الذى هو مفاد كان الناقصة، و الشك فى الوجود شك فى الوجود المحمولى الذى هو مفاد كان التامة، فارادتهما معا من قضية واحدة مستلزمة للجمع بين اللحاظين المتضادين ثانيهما انه ان اريد من الشك الشك فى الوجود، فلا بد ان يكون المراد من الخروج و التجاوز عن الشئى فى قوله عليه السلام اذا خرجت من شئى و قوله عليه السلام انما الشك فى شئى لم تجزه، هو الخروج و التجاوز عن محل الشئى، و ان اريد منه الشك فى الصحة فلا بد ان يكون المراد من الخروج و التجاوز هو الخروج و التجاوز عن نفس الشئى، فيلزم تقدير المحال و عدم تقديره فى قضية واحدة قلت اما الوجه الاول فيمكن الجواب عنه، بان لكل من الشك فى وجود الشئى و الشك فى صحته تعلقا و ارتباطا بالشئى، فيمكن ان يلاحظ جامع هذين التعلقين معنى حرفيا و يعبر عنه بلفظ الشك فى الشئى، كما استعمل لفظ فى فى بعض الاخبار فى معنى جامع بين الظرفية و غيرها، كما فى موثقة ابن بكير فالصلوة فى وبره و شعره و جلده و بوله و روثه و البانه و كل شئى منه فاسدة، فانه لا يمكن ان يجعل كلمة فى للظرفية، لانها لا تناسب البول و الروث و اللبن الا بتقدير المتلطخ بها، و هو خلاف الظاهر، فلا بد ان يراد بها مطلق الملابسته الاعم من الظرفية و المصاحبة و اما
ص: 390
الوجه الثانى، فيمكن الجواب عنه، بالالتزام بتقدير المحل مطلقا حتى بالنسبة الى الشك فى الصحة، بداهة ان من فرغ عن نفس الشئى فرغ عن محل وجوده الخارجى، نعم المحل بالنسبة الى الشك فى الوجود ليس محل الوجود الخارجى المحقق لانه غير محرز بالفرض، بل المراد منه هو المكان الذى ينبغى ان يوجد فيه اما شرعا و اما الاعم منه و من غيره من المحل العادى و العقلى، و لا مانع من تقدير مفهوم جامع يعم المعنيين هذا مضافا الى امكان تقدير المحال بمعنى واحد بالنسبة الى كلا الشكين، بان يراد منه المحل المقرر للشئى شرعا، فان محل الحمد مثلا الذى قرّر له شرعا قبل السورة سواء اتى به ام لا، فكما انه لو شك فى اصل وجوده بعد الدخول فى السورة، يكون من الشك فيه بعد المحل، كك لوشك فى صحته بعد الدخول فى السورة، يكون من الشك فيه بعد المحل هذا و لكن الانصاف عدم ظهور الاخبار فى المعنى الاعم، و ان كان ارادته منها ممكنة، و ذلك لان الظاهر من نسبة الشك الى شئى، هو كون الشك فى اصل وجوده لا فى صحته بعد الفراغ عن وجوده، كما ان الظاهر من نسبة القطع و الظن اليه هو ذلك، فالاولى حمل الاخبار على الشك فى التحقق، لتعم الشك فى الوجود و الشك فى الصحة، لان الشك فيها راجع الى الشك فى تحقق ما اعتبر فى الشئى شطرا او شرطا وجودا او عدما ثم انه قد التزم بعض كالشيخ الانصارى قدس سره، بارجاع الشك فى الصحة الى الشك فى وجود الصحيح التشمله الاخبار من هذه الجهة، و ليس المراد منه عنوان الصحيح، كى يراد عليه، بان الظاهر من الشئى انه كناية عن العناوين الاولية، لا الاعم منها و من العناوين الثانوية التى تعرضها بملاحظة الامور الخارجية، مثل الصحة التى هى عبارة عن مطابقة الماتى به للمأمور به، بلا المراد منه ما يصدق عليه الصحيح بالحمل الشايع كالصلوة مع الطهارة و القرائة عن جهر مثلا و يظهر الثمرة بين هذا الوجه و بين ما افاده الاستاد دام ظله، فيما لو شك فى الكيفية المعتبرة فى الفعل كالجهر فى القرائة مثلا، بعد تحقق ذلك الفعل و قبل الدخول فى غيره المترتب عليه، فانه على ما افاده الاستاد من الوجه، لا اعتبار بهذا الشك، لانقضاء محلها الذى هو نفس الفعل الماتى به، و عليهذا الوجه يجب
ص: 391
الاعتناء بهذا الشك، لعدم انقضاء محل المقيد و هو القرائه عن جهر و فيه اولا ان الظاهر من الشئى الذى نسب اليه الشك فى الاخبار، هو المشكوك الابتدائى، و المشكوك الابتدائى فى الصلوة مع الطهارة هو الطهارة، و فى القرائة عن جهر هو الجهر، و ان صح نسبة الشك الى الصلوة المقيدد و القرائة عن جهر هو الجهر، و ان صح نسبة الشك الى الصلوة المقيدة و القرائة المقيدة، من جهة استلزام الشك فى القيد الشك فى المقيد، لكن المنصرف اليه لفظ الشك فى الشئى ليس الاماشك فيه ابتداء سلمنا عدم انصرافه الى المشكوك الابتدائى، لكن الشك فى المقيد حيث يكون مسببا عن الشك فى القيد، فلا يبقى مع جريان الاصل فى القيد مجال لجريان فى المقيد، فان الاصل السببى حاكم على الاصل المسببى و رافع لموضوعه و هو الشك عن صفحة الوجود تعبدا و ثانيا ان هذا الالتزام لا يجدى فيما هو المطلوب من صحة الماتى به الاعلى القول بالاصل المثبت، بداهة ان صحة الماتى به من اللوازم العقلية لوجود الفرد الصحيح فى العالم و توهم عدم الاحتياج الى اثبات صحة الماتى به، لكفاية حكم الشارع وجود الفرد الصحيح فى سقوط التكليف مدفوع بان هذا لو سلم فانما ينفع فى العبادات دون المعاملات، فان الاثار الشرعية فيها مترتبة على صحة العقد الماتى به، لا على وجود عقد صحيح فى العالم، بداهة ان جواز انحاء التصرفات فى المال، و كذا جواز انحاء الاستمتاعات من المرأة، يتوقف على صحة العقد الواقع على هذا المال او عليهذه المرأة، لا على وجود عقد صحيح فى العالم غير مرتبط بهذا المال او المرأة كما لا يخفى ثم لا شكل فى ان الشك فى الشروط حكمه حكم الشك فى الاجزاء فى جريان قاعدة التجاوز، لان الشرط امر وجودى و له محل خاص، فلو شك فى تحققه بعد التجاوز عن محله، يشمله مفهوم قوله عليه السلام انما الشك اذا كنت فى شئى لم تجزه و اما الشك فى الموانع فقد يتوهم عدم جريان قاعدة التجاوز فيها من وجهين احدهما ان جريانها فيها مستلزم للحكم بفساد ما اعتبر عدمها فيه، لان معنى الغاء الشك فى تحقق الشئى بعد التجاوز عنه هو الحكم بتحققه، و من المعلوم ان الحكم بتحقق المانع مستلزم للحكم بفساد ما اعتبر عدمه فيه و
ص: 392
الثانى ان الموانع ليس لها محال مخصوصة كى يجرى قاعدة التجاوز فيها لوشك فيها بعد التجاوز عن محالها، لانها اعتبر عدمها من اول الصلوة الى آخرها، نعم يجرى قاعدة الفراغ لوشك فيها بعد الفراغ عن الصلوة و فيه انه لا شبهة فى ان قاعدة التاوز و الفراغ كقاعدة لا شك لكثير الشك، مفادها هو مجرد الحكم بصحة العمل، سواء كان الشك فى صحته من جهة الشك فى ترك ما يكون وجوده معتبرا فى العمل، او اتيان ما يكون عدمه معتبرا فيه، من غير تعرض لها للحكم بالبناء على تحقق المشكوك او عدمه، و الموانع و انكان اكثرها اعتبر عدمها من اول الصلوة الى آخرها، لكن اعتبارها كك ليس بمعنى كون عدمها معتبرا فى مجموع اجزاء الصلوة، بل بمعنى كونه معتبرا فى جميع اجزائها، فيكون لعدمها محال عديدة حسب تعدد اجزاء الصلوة، و لذا لو شك فى انه تكلم بكلام ادم فى الجزء السابق تجرى فى حقه قاعدة التجاوز بلا اشكال، مع ان التكلم مما اعتبر عدمه من اول الصلوة الى آخرها المقام الثانى هل المراد بالمحل الذى اعتبر التجاوز عنه فيهذه الاخبار، هو خصوص المحل المقرر للمشكوك فيه شرعا، او الا عم منه و من المقرر له بحسب العادة النوعية او الشخصية وجوه و الذى اختاره الاستاد دام ظله منها، هو الاوسط اعنى لاعم من المحل المقرر شرعا و المقرر بحسب العادة النوعية، دون الاول و الاخر اما الاول فلعدم التقييد فى دليل من ادلة الباب بخصوص المحل المقرر له شرعا و اما الاخير فلعدم صحة اضافة المحل الى الشئى على نحو الاطلاق بمجرد تحقق العادة لشخص خاص، و هذا بخلاف ما لو كانت العادة نوعية، فانه يصح ان يقال ان محل غسل الطرف الا يسر قبل تحقق فصل معتد به بينه و بين غسل الايمن، لبناء النوع على المولاة بين الغسلات و توهم ان لفظ المحل لم يرد فى شئى من روايات الباب، كى يدعى شموله لما صار محلا للشئى بحسب العادة النوعية و انما استفيد من خصوص ادلة قاعدة التجاوز بدلالة الاقتضاء، من حيث عدم صحة اطلاق التجاوز عن الشئى مع الشك فى اصل وجوده الا بكون المراد من التجاوز هو التجاوز عن محله مدفوع بان لفظ المحل و ان لم يذكر فى رواية من روايات الباب، الا ان لفظ التجاوز المذكور فيها يصدق على التجاوز
ص: 393
عن المحل المقرر للشئى بحسب العادة النوعية و اما ما قاله شيخ مشايخنا المرتضى قدس سره، من ان فتح هذا الباب بالنسبة الى العادة موجب لمخالفة اطلاقات كثيرة و مستلزم لتأسيس فقه جديد، اذ مقتضاه هو ان من اعتاد الصلوة فى اول الوقت او مع الجماعة فشك فى اتيانها بعد ذلك مع بتاء الوقت، ان لا يعتنى بشكه و لا يجب عليه الاتيان، و كذا من اعتاد فعل شئى بعد الصلوة فراى نفسه فيه و شك فى اتيان الصلوة و كذا من اعتاد الوضوء بعد الحدث بلا فصل يعتد به او قبل دخول الوقت للتهؤ فشك بعد ذلك فى الوضوء، الى غير ذلك من الفروع التى يبعد جدا التزام الفقيه بها نعم ذكر جماعة من الاصحاب مسئلة معتاد الموالاة فى غسل الجنابة اذا شك فى الجزء الاخير الى آخر ما قاله قدس سره ففيه ان ما ذكره قدس سره من الامثله كلها من قبيل العادة الشخصية، الا الاخيرا عنى مسئلة معتاد الموالاة فى غسل الجنابة، و قد قال جماعة بعدم اعتبار الشك فيها، مستدلا باخبار الباب، و هو مؤيد لماقواه الاستاد نعم لازم ما قواه دام ظله، هو ان من صلى صلوة الظهر او المغرب، ثم شك بعد قيامه عن المصلى و انصرافه عنه، فى انه صلى العصر او العشاء ام لا مع بقاء الوقت، لا يعتنى بشكه، و ذلك لتحقق العادة نوعية فى هذه الازمنة باتيان الصلوتين فى مجلس واحد، و الالتزام به مشكل جدا و اما ما افاده قدس سره من ان فتح باب اعتبار العادة موجب لمخالفة اطلاقات كثيرة، ففيه ان اطلاقات الاوامر المتعلقة بالافعال، لا تدل الاعلى وجوب ايجادها فى الخارج، و اما لوشك فى انها هل وجدت ام لا، فلا تدل على عدم الايجاد كما لا تدل على الايجاد نعم قاعدة الاشتغال قاضية بوجوب الاتيان بها حتى يقطع بالامتثال و فراغ الذمة عما اشتغلت به، و كذا استصحاب عدم الاتيان بها قاض بوجوب الاتيان، لكنهما ليسا قابلين للمعارضة مع ادلة الباب لورودها على القاعدة، و كونها مقدمة على الاستصحاب، اما لحكومتها عليه، او لاجل لزوم خلوها عن المورد كونها لغوا، لواخذ بالاستصحاب فى مواردها و توهم ان مراده قدس سره من الاطلاقات، هو اطلاق ادلة الشك بعد الوقت الدالة على وجوب الاعتناء بالشك قبل انقضائه مدفوع او لابان غاية ما تدل عليه تلك الادلة، هى عدم
ص: 394
الاعتناء بالشك فى الصلوة بعد خروج الوقت، و هذا لا ينافى عدم الاعتناء به قبل خروج الوقت ايضا اذا كان بعد الدخول فى غيره، اذ لا تنافى بين المثبتين من الادلة و ثانيا سلمنا كونها دالة مفهوما على لزوم الاعتناء بالشك فيها قبل خروج الوقت، لكنها ليست قابلة للمعارضة مع مادل منطوقا على عدم الاعتناء بالشك فيها فى الوقت بعد الدخول فى غيرها، بعد كون المنطوق اقوى دلالة من المفهوم كما لا يخفى المقام الثالث الدخول فى الغير، ان كان محققا لعنوان التجاوز عن المحل و معتبرا فى صدقه عرفا، كما هو كك بناء على كون المراد بالتجاوز عن المحل هو التجاوز عن المحل المقرر للمشكوك شرعا، كما اختاره شيخ مشايخنا الانصارى قدس سره، اذ لا شك فى بقاء المحل المقرر له شرعا مع الدخول فى غير، المترتب عليه فلا اشكال فى اعتباره مطلقا اى سواء كان الشك فى الوجود او الصحة و اما ان لم يكن الدخول فى الغير محققا لعنوان التجاوز عن المحل عرفا، كما هو كك بناء على كون المراد بالتجاوز عن المحل هو التجاوز عن المحل المقرر للمشكوك بحسب العادة النوعية كما اختاره الاستاد دام ظله ففى اعتباره مطلقا شرعا و عدمه كك و جهان بل قولان، منشائهما ما فى الاخبار من الاختلاف، حيث يظهر من بعضها، كصحيحة زرارة و رواية اسمعيل بن جابر و موثقة ابن ابى يعفور اعتباره، و من بعضها الاخر و هو الموثقة الاخيرة عدم اعتباره فذهب بعض كشيخ مشايخنا الانصارى قدس سره الى اعتباره، حملا للمطلق على المقيد، و ذهب بعض الى عدم اعتباره، حملا للقيد على الغالب كما فى قوله تعالى وَ رَبٰائِبُكُمُ اَللاّٰتِي فِي حُجُورِكُمْ، حيث ان الغالب عدم تحقق عنوان التجاوز عن المحل الا بالدخول فى الغير، الا فى ثلث موارد الاول ما اذا شك فى الجهر او الاخفات بعد تمامية القرائة، فان محل الجهر و الاخفات هى القرائة، فيتحقق عنوان التجاوز عن محلهما بمجرد الفراغ عن القرائة الثانى ما اذا شك فى التسليم، بعد تخلل ما يوجب البطلان عمدا و سهوا، كالاستدبار، و السكوت الطويل الماحى للصورة الصلوتية و نحوهما، فان التسليم محلل لما يوجب البطلان، فيكون محله مقدما على ما يوجبه، بداهة تقدم المحلل على المحلل له، فبمجرد تخلل الموجب للبطلان، يصدق
ص: 395
التجاوز عن محل التسليم، و لو لم يدخل فى غير المترتب عليه من التعقيب و نحوه الثالث ما اذا رأى نفسه ساكتا فى حال القرائة، و شك فى انه هل اتى بعد البسملة بالايتين الاولتين منها، كى يكون هذا السكوت سكوتا قصيرا غير مضر بالموالاة المعتبرة بين اجزائها، ام لم يأت بهما و كان مبدء السكوت بعد البسملة، كى يكون سكوتا طويلا مضرا بالموالاة المعتبرة بين اجزائها و ان لم يكن ماحيا للصورة الصلوتية، فان محل الايتين الاولتين قبل السكوت الطويل المضر بالموالاة المعتبرة بينهما و بين باقى الايات، فبمجرد تخلل السكوت الطويل يصدق التجاوز عن محلهما، فيحكم بقاعدة التجاوز باتيان الايتين، و بالاستصحاب بعدم تحقق السكوت الطويل المضر بالموالاة المعتبرة بينهما و بين باتى الايات، هكذا اناد الاستاد دام ظله لكن لا يخفى ان هذا الفرض لا يكون من موارد قاعدة التجاوز اصلا لا لما توهم من معارضتها بالاستصحاب، لانه يعلم اجمالا اما باتيان الايتين او بالسكوك الطويل على سبيل مانعة الجمع، فيعلم اجمالا بكذب احد الاصلين فهذا نظير ما اذا علم اجمالا بنجاسة احد الانائين، و قامت امارة على طهارة احدهما، و امارة اخرى على طهارة الاخر، فيقع التعارض بين مدلولهما الالتزامى، بواسطة ذاك العلم الاجمالى اذ فيه ان العلم الاجمالى بصدور احد الامرين منه على سبيل مانعة الجمع، انما يوجب العلم اجمالا بكذب احد الاصلين، فيما كان مفادهما صدور كلا الامرين منه، كما اذا كان مفاد قاعدة التجاوز اتيان الايتين، و مفاد الاستصحاب تحقق السكوت الطويل، و ليس كك بل مفادهما صدور احدهما و هو الاتيان، و عدم صدور الاخر و هو السكوت الطويل، فلا علم بكذب احد الاصلين كى يقع التعارض بينهما فالمقام نظير ما اذا علم اجمالا بنجاسة احد الانائين و طهارة الاخرى، و قامت امارة على نجاسة احدهما المعين، و امارة اخرى على طهارة الاخر، فكما لا تنافى بين الامارتين فى المثال، كذلك لا تنافى بين الاصلين فيما نحن فيه بل لان مع الشك فى تحقق السكوت، يشك فى التجاوز عن محل الايتين، و معه يكون التمسك بقاعدة التجاوز من قبيل التمسك بالعام فى الشبهة المصداقية فتامل جدا ثم ان القائلين باعتبار الدخول فى الغير، بين من عمّمه لكل شئى، سواء كان نفسيا
ص: 396
كالركوع و السجود، او مقدميا كالهوى لهما، بناء على عدم كونه من مقوماتهما و كالنهوض للقيام، و بين من خصه بالنفسى و منشاء هذا الاختلاف ايضا، هو اختلاف الاخبار، حيث يظهر من بعضها كموثقة ابن ابى يعفور، كفاية الدخول فى مطلق الامر المغائر للمشكوك فيه، و يظهر من بعضها كرواية ابن جابر، اعتبار كون الغير مما اعتبر فى المركب بعنوانه الخاص كالقيام و السجود و الركوع، دون مثل النهوض الذى هو مقدمة للقيام و الهوى الذى هو مقدمة للركوع و السجود، اذ لو كان الدخول فى النهوض و الهوى، كافيا للفراغ عن الركوع و السجود، لم يكن وجه لاعتبار تحقق القيام و السجود فى تحقق التجاوز عن السجود و الركوع كما هو ظاهر الرواية و الذى اختاره الاستاد دام ظله، هو عدم اعتبار الدخول فى الغير مطلقا، و ذلك لا طلاق دواية محمد بن مسلم عن ابيجعفر عليه السّلام، قال كل ما شككت فيه مما قد مضى فامضه كما هو، و عدم ما يوجب تقييدها، سوى ما توهم من دلالة صحيحة زرارة و رواية ابن جابر على التقييد، لما فيهما من التقييد بالدخول فى الغير و فيه ان دلالتهما على القيد ممنوعة جدا، لمنع ظهور ما ذكر فيهما من الدخول فى الغير فى القيدية، بعد امكان وروده مورد الغالب، فان القيد الذى يصح كونه واردا مورد الغالب، و ان اوجب اجمال المطلق المتصل به لاحتفافه بما يصلح للقيدية، لكنه لا يوجب التصرف و التقييد فى المطلق المنفصل الذى استقر ظهوره فى الاطلاق و توهم ان الظاهر من قوله عليه السلام فى رواية ابن جابر ان شك فى الركوع بعد ما سجد فليمض و ان شك فى السجود بعد ما قام فليمض، هو ان ذكر الدخول فى الغير فى المقيدات انما هو اللاحتراز، لا لمجرد كونه محققا لعنوان التجاوز غالبا، اذ لو كان ذكره لمجرد ذلك، لم يكن وجه لتعيين ذلك الغير فى السجود و القيام، مع وجود امر آخر يتحقق به التجاوز سابقا عليهما كالهوى للسجود و النهوض للقيام فالرواية بملاحظة ما فيها من التحديد، مضافا الى دلالتها على اعتبار الدخول فى الغير و عدم كفاية مجرد التجاوز، تكون دالة على اعتبار كون ذلك الغير مما اعتبر فى المركب بنفسه، و عدم كفاية الدخول فى مطلق ما يكون مبائنا للمشكوك فيه، و لو كان اعتباره فى المركب من باب
ص: 397
المقدمية، كالهوى الذى هو مقدمة للسجود و النهوض الذى هو مقدمة للقيام مدفوع بمنع دلالة ما فى الرواية من التحديد على اعتبار الدخول فى الغير، فضلا عن دلالته على اعتبار كون ذلك الغير مما اعتبر فى المركب بنفسه، و ذلك لمنع ظهور ذكر السجود و القيام فى الرواية فى اناطة الحكم بالدخول فى مثلهما، بعد احتمال ان ذكرهما انما هو لكونهما اول حال يتحقق فيه الشك فى الجزء السابق لغالب الناس، دون الهوى و النهوض، فانهما لمكان قربهما بالركوع و السجود، لا يتحقق الشك فى الركوع و السجود فى حالهما للغالب فالتحديد فى الرواية بالدخول فى السجود و القيام، لما ذكرنا من الجهة، لا لاجل ان التجاوز عن المحل يعتبر فيه الدخول فى الغير، و يعتبر ان يكون ذلك الغير من قبيل السجود و القيام دون الهوى و النهوض و يؤيد ما ذكرنا رواية عبد الرحمن بن ابى عبد اللّه عن ابيعبد اللّه عليه السّلام، قال قلت له عليه السلام رجل اهوى الى السجود فلم يدر اركع ام لم يركع قال عليه السلام قد ركع، و حمل قوله اهوى الى السجود على تحقق السجود للمشارفة، كما ترى لانه مجاز لا قرنية عليه و دعوى انه مقتضى الجمع بين هذه الرواية، و روايته الاخرى عنه عليه السلام ايضا، قلت رجل نهض من سجوده فشك قبل ان يستوى قائما فلم يدر اسجد ام لم يسجد قال عليه السلام يسجد، فانها كما ترى تدل على ان الدخول فى مطلق الغير لا يكفى فى تحقق التجاوز، فيقع المعارضة بينها و بين الرواية الاولى الدالة على كفاية الدخول فى مطلق الغير، و مقتضى الجمع بينهما هو حمل قوله عليه السلام اهوى فى الرواية الاولى على المجاز بالمشارفة فتدبر مدفوعة بمنع دلالة الرواية الثانية على عدم كفاية الدخول فى مطلق الغير، كى يقع المعارضة بينها و بين الاولى، و ذلك لاحتمال ان يكون عدم كفاية الدخول فى النهوض فى ثبوت الحكم المشك فى السجود للتعبد، لا لعدم كفاية الدخول فى مطلق الغير فى تحقق التجاوز فتدبر و اما توهم انه كما يحتمل ورود القيد مورد الغالب، كما فى قوله تعالى وَ رَبٰائِبُكُمُ اَللاّٰتِي فِي حُجُورِكُمْ، فلا يوجب التقييد، كذلك يحتمل ورود المطلق مورد الغالب، فلا يحكم بالاطلاق، لعدم تمامية مقدمات الحكمة التى منها عدم انصراف اللفظ الى مقيد ففيه ان
ص: 398
الغلبة الوجودية لا توجب انصراف المطلق الى الافراد الغالبة، كيف و الا لزم انصراف المطلق عن اكمل افراده و اقويا، فيما كانت الغلبة لافراده الناقصة الضعيفة، و هذا بديهى البطلان، بل الموجب له هو كون المفهوم مقولا بالتشكيك بالنسبة الى مصاديقه، و كان صدقه على بعضها مشكوكا او فى كمال الضعف و الخفاء، فانه يوجب انصراف المطلق عن ذلك البعض، الى غيره من المصاديق التى يكون صدق المفهوم عليها واضحا جليا، مثلا لو قال جئنى بحيوان، يكون لفظ الحيوان منصرفا الى غير الحيوان المتكون فى الصدف، و امثاله مما يكون صدق الحيوان عليه فى غاية الضعف و الخفاء بقى هنا امور لا بأس بالتنبيه عليها الاول لا فرق بناء على القول باعتبار الدخول فى الغير، بين كون ذلك الغير من الافعال الواجبة او المستحبة، و على الثانى بين كونه جزء من الصلوة كالقنوت على احتمال، او كونه مستحبا نفسيا ظرف وقوعه الصلوة، كالقنوت ايضا على احتمال آخر، او كونه مستحبا نفسيا مترتبا على الصلوة كالتعقيب، او العكس كالاذان و الاقامة و يدل على ذلك مضافا الى اطلاق لفظ الغير فى الصحيحتين، مادل على عدم الاعتناء بالشك فى الاذان بعد الدخول فى الاقامة، و عدم الاعتناء بالشك فى الاقامة بعد الدخول فى الصلوة، فانه يدل على انه لا يعتبر فى الغير الذى يعتبر الدخول فيه فى صدق التجاوز، ازيد من كونه مترتبا شرعا على المشكوك السابق عليه و من هنا دفعنا الاشكال فيما مر فى صدق التجاوز عن المحل، فيما شك فى التسليمة حال الاشتغال بالتعقيب الثانى ان مقتضى القول باعتبار كون الغير الذى يعتبر الدخول فيه من الافعال الاصلية المعنونة بعنوان خاص، هو لزوم الاعتناء بالشك فيما شك فى جزء من السورة بعد الدخول فى جزء آخر منها، من غير فرق فى ذلك بين السور القصار و الطوال، الا ان الاصحاب فصلوا بينهما فى ذلك، فحكموا بعدم جريان قاعدة التجاوز فى القصار، و بجريانها فى الطوال و لعل منشائه بعض الاخبار المفصلة بينهما عند ترك جزء منهما نسيانا، و فى دلالته على ما نحن فيه منع ظاهر الثالث ان مقتضى عموم ما بينه عليه السلام فى الصحيحة من الضابطة الكلية، بقوله عليه السلام كل شئى شك فيه و قد جاوزه الخ، هو
ص: 399
عدم الاعتناء بالشك فى التشهد بعد القيام للركعة الثالثة، و عدم الاعتناء بالشك فى الفاتحة بعد الدخول فى السورة و لا ينافى ذلك عدم ذكر التشهد فى الاخبار و جعل الفاتحة و السورة فيها معنونة بعنوان واحد و هو القرائة بداهة ان المذكورات فى الاخبار انما ذكرت توطئة لبيان القاعدة الكلية، لا ان يكون الحكم مقصورا عليها، و الالزم ان يكون ما بينه عليه السلام من القاعدة الكلية لغوا كما لا يخفى الرابع ان الوجه فى تحديد الغير بالنسبة الى الشك فى الركوع بالسجود فى الصحيحة، مع ان القيام بعد الركوع اقرب اليه من السجود، هو ان القيام بعد الركوع و ان كان واجبا نفسيا، الا انه لا يتصور بعد الدخول فيه الشك فى الركوع، الا بالنسبة الى شرائطه، بداهة ان من يرى نفسه قائما و يشك فى الركوع، لا يمكن ان يعلم ان هذا القيام هو القيام بعد الركوع لا قبله، كيف و الالزم علمه بتحقق الركوع و هذا خلف كما هو واضح، فلا يرد هذا نقضا على القائلين، بان المراد من الغير الذى يعتبر فى صدق التجاوز عن المشكوك الدخول فيه، هو كل فعل مترتب على المشكوك فيه اعتبر فى المركب بنفسه و بما ذكرنا يرتفع ما ربما يتوهم من التنافى، بين الكبرى الكلية المستفادة من الروايات السابقة، و بين قوله عليه السلام فى رواية عمران الحلبى و رواية ابى بصير، فليركع فى جواب السؤال من الشك فى الركوع فى حال القيام الخامس ان ما ذكرنا من اعتبار كون الغير المعتبر فى صدق التجاوز مترتبا على المشكوك فيه، انما هو بالنسبة الى قاعدة التجاوز، و اما قاعدة الفراغ فيكفى فيها مجرد الدخول فى الغير، و ان لم يكن مترتبا على المشكوك فيه، هذا فيما اذا كان الشك فى الصحة مسببا عن الشك فى غير الجزء الاخير، و اما فيما كان مسببا عن الشك فيه، فيعتبر ان يكون الغير مما يوجب البطلان لو وقع فى الاثناء، فلا يكفى مجرد وجدان نفسه ساكتا غير متشاغل بعمل فى جريان قاعدة الفراغ، بل لا بد من سكوت طويل موجب لا نمحاء الصورة الصلوتية المقام الرابع قد خرج عن القاعدة المذكورة بالاجماع و النص، الشك فى بعض افعال الوضوء قبل الفراغ عن اصل العمل، كما لو شك فى غسل الوجه و هو مشغول بغسل اليد اليمنى، او شك فى غسل اليد اليمنى و هو مشغول بغسل اليد
ص: 400
اليسرى و هكذا و قد الحق بعضهم بالوضوء الغسل الترتيبى و التيمم فى هذا الحكم، و لعله لتنقيح المناط، و كيفكان حكم الوضوء مما لا اشكال فيه و انما الاشكال فى ان موثقة ابن ابى يعفور اذا شككت فى شئى من الوضوء و قد دخلت فى غيره فشكك ليس بشئى انما الشك اذا كنت فى شئى لم تجزه، تدل بملاحظة ظهور قوله عليه السلام فى الذيل انما الشك الخ، فى التعليل للحكم المذكور فى الصدر، على ان الحكم فى الوضوء على طبق القاعدة المذكورة و ليس بخارج عنها، كيف و الالزم تخصيص المورد، و الاستدلال لما هو خارج عن القاعدة بالقاعدة، و كلاهما مستهجنان فى الغاية و قبيحان الى النهاية، و حينئذ يستشكل بانه لو كان حكم الوضوء على طبق القاعدة، لم يكن وجه لتحديد التجاوز فى الصدر بالدخول فى غير الوضوء، بناء على عود الضمير فى قوله عليهم السّلام و قد دخلت فى غيره الى الوضوء، لئلا يخالف الاجماع مع تحققه اى التجاوز قبل الدخول فى غير الوضوء ايضا، كما لو شك فى غسل جزء من الوجه او فى اصل غسل الوجه بعد الدخول فى غسل اليد، لانه شك فى الشئى بعد التجاوز عنه و الدخول فى غيره و قد تفصى عن هذا الاشكال بوجوه منها ما افاده شيخ مشايخنا الانصارى قدس سره، من ان الوضوء و ان كان فى نظرنا مركبا من اجزاء و شرائط كالصلوة، لكنه فى نظر الشارع امر بسيط واحد باعتبار وحدة مسببه و اثره و هى الطهارة، فلا يكون كل جزء من اجزاء الوضوء ملحوظا بحياله، كى يصدق التجاوز عنه بمجرد الانتقال منه الى جزء آخر من اجزائه، بل يتوقف صدقه على الانتقال عن اصل الوضوء الى غيره، و يؤبد ذلك الحاق الاكثر الشك فى الغسل الترتيبى و التيمم و بالوضوء فى الحكم المذكور، اذ ليس ذلك الا من جهة تنقيح المناط، و استفادة كون هذا الحكم فى الوضوء من جهة بساطته عند الشارع بلحاظ وحدة مسببه، المشترك بينه و بين الغسل و التيمم و المناقشة فيه بان وحدة المسبب و الاثر لو كانت موجبة لعدم صدق التجاوز الا بالانتقال عن اصل العمل، للزم ان لا تجرى قاعدة التجاوز فى شئى من افعال الصلوة ايضا، بداهة اشتراكها مع الطهارات الثلث فى وحدة الاثر المترتب عليها و بساطته، كالنهى عن الفحشاء مدفوعة
ص: 401
بالفرق بين المقامين، حيث ان الاثر فى احدهما و هى الطهارات نفس المكلف به و الافعال الخارجية من المحصلات له، و بهذا اللحاظ صح للشارع ان يلاحظ تلك الافعال امرا واحدا من جهة وحدة ما يراد منها، و الدليل على هذه الملاحظة تطبيقه عليه السلام فى الموثقة هذه القاعدة، على الشك فى جزء من اجزاء الوضوء، بعد التجاوز عن اصل الوضوء، و عدم تطبيقها على الشك فى جزء من اجزائه بعد التجاوز عنه و الدخول فى جزء آخر بخلاف الاخر و هى الصلوة، فان المكلف به فيها هو نفس الافعال، و الانتهاء عن الفحشاء من الفوائد المترتبة عليها اللهم الا ان يمنع الفرق، بدعوى ان الظاهر من الادلة كقوله تعالى إِذٰا قُمْتُمْ إِلَى اَلصَّلاٰةِ فَاغْسِلُوا الاية، هو ان المكلف به فى الطهارات ايضا نفس الافعال، لا الاثر المترتب عليها، هذا غاية ما يمكن ان يقال فى تقريب هذا الوجه و فيه ان استكشاف كون افعال الوضوء فى نظر الشارع بمنزلة شئى واحد، بلحاظ وحدة المسبب، من تطبيق القاعدة فى الموثقة على الشك فى جزء من اجزاء الوضوء بعد الفراغ عن اصل الوضوء، مع فرضه عليه السلام كونها اشياء متعددة، و لذا قال عليه السلام اذا شككت فى شئى من الوضوء، فى غاية البعد و توهم ان دلالة قوله عليه السلام فى شئى من الوضوء، على فرضه عليه السلام افعال الوضوء اشياء متعددة، انما هى فيما اذا كانت كلمة من تبعيضية، دون ما اذا كانت بيانية كما هو واضح مدفوع بان كون كلمة من بيانية مع فرض الوضوء امرا واحدا، خلاف الظاهر بل خلاف رسم المحاورة، بداهة انه حينئذ يكون نظير قوله جائنى احد من زبد اللهم الا ان يدعى الفرق بين المثال و ما نحن فيه، حيث ان زيد فى المثال واحد شخصى، بخلاف ما نحن فيه، فان الوضوء و ان فرض كونه امرا واحدا، لكنه ليس واحدا شخصيا كما هو واضح فتدبر(1) و منها ما افاده المحقق الخراسانى قدس سره فى حاشيته، من ان المستفاد من الاخبار قاعدتان الاولى قاعدة الشك بعد المحل، و هى مختصة باجزاء الصلوة و ما بحكمها الثانية قاعدة الشك بعد
ص: 402
الفراغ، و هى تعم جميع الابواب، و الكلية المذكورة فى ذيل الموثقة هى القاعدة الثانية، و عليه فلا يلزم الاشكال ثم انه قدس سر و قد تفطن لما اشرنا اليه سابقا فى المقام الاول، من ان الاشكال وارد على كل حال، سواء جعلنا مفاد الاخبار فاعدة واحدة ام لا، بداهة ان من شك فى غسل المرفق بعد الفراغ عن غسل اليد، يصدق انه شك فى صحة شئى بعد الفراغ عنه، فتشمله الكلية المذكورة فى ذيل الموثقة مع وجوب الاعتناء بهذا الشك بالاجماع و النص حيث قال قدس سره ما حاصله، و اما اشكال ان ذيل الموثقة يشمل لما اذا شك فى صحد بعض الاجزاء بعد الفراغ عنه و الانتقال الى جزء آخر، كما اذا شك فى غسل جزء من الوجه بعد الشروع بغسل اليد مثلا، فيلزم التهافت فى مدلولها منطوقا و مفهوما، اذا لشك فى المثال من حيث انه شك فى شئى من الوضوء قبل الفراغ عنه، يجب الالتفات اليه بمقتضى المنطوق، و من حيث انه شك فى شئى من غسل الوجه بعد الفراغ عنه لا يجب الالتفات اليه بمنتضى المفهوم فمدفوع اولا بالنقض بغير الوضوء من المركبات التى يكون لها اجزاء مركبة او مقيدة من العبادات و المعاملات، فانه اذا شك فى جزء من الفاتحة، بعد الفراغ عنها و قبل الفراغ عن الصلوة، يلزم ما ذكر من التهافت و ثانيا بالحل و هو ان المراد من الشئى فى ذيل الموثقة و غيرها من اخبار قاعدة الفراغ، هو ما كان له عنوان شرعا و عرفا بالاستقلال كالوضوء و الغسل و الصلوة و نحوها بلا اشكال، كما يشهد بذلك صحيحة زرارة فى الوضوء و خبر كل ما مضى من صلوتك و طهورك و غيرهما من الاخبار و معه لا يشمل العموم و الاطلاق فى الموثقتين للاجزاء المركبة كى يلزم التهافت هذا ملخص ما افاده قدس سره من الوجه فى دفع الاشكال المزبور، و فى كلامه قدس سره مواقع للنظر لا بأس بالتنبيه عليها الاول ما افاده من ان المستفاد من الاخبار قاعدتان لا قاعدة واحدة، اذ فيه ما اشرنا اليه فى المقام الاول، من ان حمل بعض هذه الاخبار على الشك فى الوجود بعد التجاوز عن المحل، و بعضها الاخر على الشك فى الصحة بعد الفراغ عن العمل، مع وحدة مضامينها، مما لا يساعد عليه فهم العرف، فلا بد ان يكون المراد منها احد الشيكن، و حيث ان المراد من بعضها، كصحيحة زرارة و رواية
ص: 403
ابن جابر، هو الشك فى الوجود بقرنية الامثلة المذكورة فيهما، فيتعين حمل الباقى عليه ايضا نعم قاعدة الشك بعد الفراغ قاعدة اخرى مستفادة من بعض الاخبار الواردة فى خصوص الوضوء و الصلوة، مثل صحيحة زرارة عن ابيجعفر عليه السّلام، قال اذا كنت قاعدا على وضوئك فلم تدر اغسلت ذراعيك ام لا، فاعد عليهما و على جميع ما شككت فيه انك لم تغسله او تمسحه مما سمى اللّه ما دمت فى حال الوضوء، فاذا قمت من الوضوء و فرغت منه و قد صرت فى حال اخرى فى الصلوة او فى غيرها، فشككت فى بعض ما سمى اللّه مما اوجب اللّه عليك فيه وضوئه، لا شئى عليك فيه الحديث و رواية بكير بن اعين قال قلت له الرجل بشك بعد ما يتوضأ قال عليه السلام هو حين يتوضاء اذكر منه حين يشك، و رواية محمد بن مسلم عن ابيجعفر عليه السلام كل ما شككت فيه بعد ما تفرغ من صلوتك فامض و لا تعد و روايته الاخرى عن ابيعبد اللّه عليه السلام فى الرجل يشك بعد ما ينصرف من صلوته قال فقال عليه السلام لا يعيد و لا شئى عليه و روايته الاخرى عنه عليه السلام ايضا قال عليهم السّلام اذا شك الرجل بعد ما صلى فلم يدر اثلثا صلى ام اربعا و كان يقينه حين انصرف انه صلى قداتم لم يعد الصلوة و كان حين انصرف اقرب الى الق منه بعد ذلك و روايته الاخرى عنه عليه السلام ايضا قال سمعته عليه السلام يقول كل ما مضى من صلوتك و طهورك فذكرته تذكرا فامضه و لا اعادة عليك فيه و حينئذ فكل شك ينطبق عليه القاعدتان معا، كما اذا شك فى جزء من الصلوة بعد الفراغ عنها، يلغى من جهتهما، و كل شك ينطبق عليه احديهما، كما اذا شك فى جزء من الصلوة بعد التجاوز عنه و قبل الفراغ عن الصلوة يلغى من جهتها و توهم انه حينئذ اى فيما اذا انطبق عليه احديهما يعارضها مفهوم الاخرى مدفوع بان المفهوم فى كل من القاعدتين مسوق لبيان عدم المقتضى لالغاء الشك قبل التجاوز عن المحل او قبل الفراغ عن العمل، و انه باق تحت القاعدة العقلية القاضية بوجوب الاتيان بكل ما شك فيه مما اعتبر فى المأمور به شطرا او شرطا، و ليس المفهوم فى كل منهما مسوقا لبيان وجود المقتضى للاعتناء بالشك و اعتباره، كى يكون حكما تعبديا، حتى يقع التعارض بين
ص: 404
منطوق كل من القاعدتين مع مفهوم الاخرى هذا مضافا الى امكان المنع عن ثبوت المفهوم لادلة قاعدة الشك بعد الفراغ فى باب الصلوة، لانه لم يجعل الموضوع للحكم فيها، هو الشك فى الصلوة، و الفراغ شرطا خارجا عنه، كما هو الشأن فى كل قضية شرطية سيقت لبيان المفهوم، بل جعل مجموع الشك بعد الفراغ موضوعا للحكم و ما فى بعض تلك الاخبار من اداة الشرط، فانما هى لبيان تحقق الموضوع، لا لبيان المفهوم كما لا يخفى على من تأمل فيها سلمنا ثبوت المفهوم لكل منهما لكن نقول ان ما نحن فيه يصير حينئذ نظير ما لو قال الشارع اذا بلت فتوضاء ثم قال اذا تمت فتوضاء، فى ان العرف لا يرى المعارضد بين مفهوم كل منهما مع منطوق الاخر، بل يحكم اما بتخصيص مفهوم كل منهما بمنطوق الاخر، و اما بحملهما على بيان مجرد الوجود عند الوجود، دون الانتفاء عند الانتفاء ان قلت ان الشك فى المركب بعد الفراغ عنه مسبب دائما عن الشك فى الجزء او القيد، و الشك فيهما يشمله قاعدة التجاوز فى الرتبة السابقة على الشك فى المركب، و معه يرتفع الشك فى المركب الذى هو موضوع لقاعدة الفراغ و من هنا قلنا فى محله ان الاصل الجارى فى الشك السببى مقدم على الاصل الجارى فى الشك المسببى، و حينئذ فلا يبقى لقاعدة الشك بعد الفراغ مورد الا نلادرا، كما لو شك فى الجزء الاخير من المركب و قد فرغ عنه، بواسطة الاشتغال بما يوجب البطلان لو وقع فى الاثناء كالسكوت الطويل الماحى للصورة الصلوتية و نحوه، فيلزم ان تكون ادلة قاعدة الفراغ فى مقام اعطاء قاعدة كلية لاجل مورد نادر و هو كما ترى قلت ما ذكرت انما يصح فيما لو اعتبر المشكوك فى قاعدة الفراغ مجموع العمل بلحاظ احتمال الخلل، فى بعض ما اعتبر فيه، و اما اذا اعتبر المشكوك نفس ما اعتبر فى العمل من الجزء و الشرط، كما فى قوله عليهم السّلام كل ما شككت فيه بعد ما تفرع من صلوتك الخبر فلا بداهة انه حينئذ لا يكون هناك شكان كى يكون احدهما مسببا عن الاخر، بل شك واحد علق عليه الحكم فى احدى القاعدتين بعد التجاوز عن المحل، و فى الاخرى بعد الفراغ عن مجموع العمل و من هنا يندفع ما ربما يستشكل على بعض اخبار قاعدة الفراغ، كرواية محمد بن مسلم
ص: 405
عن ابيعبد اللّه عليه السّلام، قال سمعته عليه السلام بقول كل ما مضى من صلوتك و طهورك فذكرته تذكرا فامضه و لا اعادة عليك فيه من انه عليه السلام كيف رتب الحكم على الشك فى المركب، مع ان الشك فيه مسبب عن الشك فيما اعتبر فيه جزء او شرطا، و الشك فيه تشمله الاخبار الدالة على عدم الاعتناء بالشك بعد المحل، و قد حقق فى محله ان القاعدة الجارية فى الشك السببى مقدمة على القاعدة الجارية فى الشك المسببى توضيح الاندفاع ما عرفت من ان المشكوك فى قاعدة الفراغ، اذا اعتبر نفس ما اعتبر فى المركب من الجزء او القيد لا المركب، يلحاظ ما اعتبر فيه، لا يكون هناك شكان حتى يكون احدهما مسببا عن الاخر، هذا الثانى ما افاده قدس سره من لزوم اشكال التهافت فى مدلول الموثقة، من شمول ذيلها للشك فى صحة بعض الاجزاء بعد الفراغ عنه و الدخول فى جزء آخر اذ فيه ان محذور شمول ذيل الموثقة لهذا الشك، ليس ما افاده من لزوم التهافت فى مدلولها، بداهة ان الشك فى الكل دائما مسبب عن الشك فى الجزء، و مع جريان القاعدة فى الشك فى الجزء يرتفع الشك فى الكل حكما، و معه لا شك فى الكل قبل الفراغ عنه، كى يجب الاعتناء به و يلزم التهافت كما هو واضح فتدبر بل محذور شمول الذيل لهذا الشك، ما عرفت من لزوم لغوية تحديد التجاوز فى الصدر بالدخول فى غير الوضوء، مع تحققه قبل الدخول فى غيره ايضا، و هذا المحذور و ان اندفع بحمل الموثقة على قاعدة الفراغ، و حمل الشئى فى ذيلها على ما كان له عنوان بالاستقلال شرعا و عرفا لكن فى كلا الحملين ما لا يخفى اما الاول فلما مر من اباء الاخبار بملاحظة وحدة مضمونها عن الحمل على قاعدتين، و تعين حملها على قاعدة التجاوز بقرنية صراحة بعضها فيها و اما الثانى فلان المشكوك فى الموثقة انما هو شئى من الوضوء، لا نفس الوضوء باعتبار جزئه او قيده، و حينئذ فلا بد ان يكون المراد من الشئى فى الذيل هو خصوص الجزء او التقييد، او الاعم منهما و مما يكون له عنوان بالاستقلال، اذ لو كان المراد منه هو خصوص ماله عنوان بالاستقلال، لم يصر الكبرى المذكورة فى الذيل، كبرى للصغرى المذكورة فى الصدر كما هو واضح نعم بناء على كون
ص: 406
لفظة من فى قوله عليه السلام اذا شككت فى شئى من الوضوء بيانية لا تبعيضية، يكون المشكوك فى الموثقة هو نفس الوضوء، و حينئذ يصح حمل الشيئى فى الذيل على خصوص ماله عنوان بالاستقلال لكن قد عرفت فساد المبنى، و ان كون لفظة من بيانية خلاف الظاهر فتدبر و منها ما افاده الاستاد دام ظله من ان غاية ما يستفاد من موثقة ابن ابى يعفور المتقدمة بناء على عود الضمير فى غيره الى الوضوء، هى ان الشك فى شئى من اجزاء الوضوء بعد الفراغ عنه يجب عدم الاعتناء به لانه من مصاديق قاعدة التجاوز و اما ان الشك فيها قبل الفراغ عنه يجب الاعتناء به، فلا دلالة لها و لا لغيرها من الاخبار عليه اصلا، كى يلزم التهافت فى مدلولها، و نحتاج فى التوجيه الى ما افاده شيخ مشايخنا الانصارى قدس سره منان افعال الوضوء ملحوظة شرعا امرا واحدا، اوالى ما افاده المحقق الخراسانى قدس سره فى حاشيته من ان المستفاد من الاخبار قاعدتان نعم لو لا قيام الاجماع و دلالة النص على ان الشك فى افعال الوضوء قبل الفراغ عنه يجب الاعتناء لقلنا بوجوب عدم الاعتناء به بمقتضى قاعدة التجاوز لكن الاجماع و النص خصصا القاعدة المزبورة بالنسبة الى الشك فى اجزاء الوضوء قبل الفراغ عنه، و بقى الشك فيها بعد الفراغ عنه تحتها كما دلت عليه الموثقة و لعمرى ان المنصف يشهد بان ما افاده دام ظله من الوجه هو الحق الحقيق بالقبول و التصديق.
المقام الخامس قد عرفت فى المقام الاول، ان الشك فى الشرط حكمه حكم الشك فى الجزء، فى جريان قاعدة التجاوز فيه فى الجملة، لان الشرط امر وجودى و له محل خاص، فلو شك فى تحققه بعد التجاوز عن محله، يشمله عمومات ادلة الباب و الكلام هنا فى انه هل الشك فى الشرط يلحق بالشك فى الجزء، مطلقا اى سواء فرغ عن المشروط، ام لا، او يفصل بين ما كان محل احرازه شرعا قبل الدخول فى المشروط فيلحق مطلقا، و بين غيره فلا يلحق الا بعد الفراغ عن المشروط ثم بناء على الالحاق مطلقا او التفصيل، هل يكفى احرازه لمشروط آخر لم يدخل فيه، مطلقا اى سواء كان
ص: 407
الشرط محل احرازه شرعا قبل الدخول فى المشروط ام لا، او يفصل بين ما كان محل احرازه شرعا قبل الدخول فى المشروط، فيكفى احرازه لمشروط آخر لم يدخل فيه، و بين غيره فلا يكفى و الذى اختاره الاستاد دام ظله فى مجلس البحث هو التفصيل فى المقامين و توضيح ذلك يتوقف على تنقيح محل البحث فنقول ان الشرط على اربعد اقسام، لانه تارة يكون شرطا للصلوة فى حال الاجزاء، و اخرى يكون شرطا لنفس الاجزاء، و على التقديرين الشرط اما شرعى او عقلى، فالشرط للصلوة شرعا فى حال الاجزاء كالقبلة و الستر و الطهارة باقسامها و الجهر و الاخفات، بناء على كونهما شرطا للصلوة حال القرائة لا لنفس القرائة، و الشرط لها عقلا فى حال الاجزاء، كالموالاة المعتبرة بينها، بالمعنى المقابل للفصل الطويل الماحى للصورة الصلوتية، لا المقابل لمطلق الفصل، و الشرط لنفس الاجزاء شرعا كالجهر و الاخفات على احد الوجهين، و كالموالاة على احد المعنيين و الشرط لها عقلا كالموالاة المعتبرة بين اجزاء الكلمة، فان اشتراطها فيها بحكم العقل، من حيث خروج الكلمة عن حقيقتها بالفصل بين اجزائها، و كالموالاة المعتبرة بين كلمات الاية، بحيث لو فقدت يخرج الكلام عن قانون المحاورة و الكلام فى المقام فى القسم الاول، اعنى ما كان شرطا للصلوة فى حال الاجزاء و الحق فيه هو التفصيل، بين ما كان محل احرازه شرعا قبل الدخول فى المشروط، كالطهارة من الحدث، حيث ان محلها شرعا سواء قلنا بانها نفس الافعال الخارجية او الكيفية النفسانية المترتبة عليها، يكون قبل الدخول فى الصلوة، كما يدل عليه قوله تعالى إِذٰا قُمْتُمْ إِلَى اَلصَّلاٰةِ فَاغْسِلُوا الاية، فيلحق بالجزء مطلقا فيجرى فى قاعدة التجاوز لو شك فيه فى اثناء الصلوة، نظرا الى عموم ما دل على لغوية الشك بعد التجاوز عن المحل و الدخول فى الغير، كما تجرى فيه لوشك فيه بعد الفراغ عن الصلوة المشروطة به و بين ما لا يكون محل احرازه شرعا قبل الدخول فى المشروط، كالوقت و القبلة و الطهارة الخبثية و الستر، فان محلها شرعا ليس قبل الصلوة، و انما يجب احرازها قبلها لتوقف وجودها عقلا على ايجادها كك، فلا يلحق
ص: 408
بالجزء الا بعد الفراغ عن المشروط ثم ان ما كان من قبيل الاول كالطهارة عن الحدث، يكون احرازه بالقاعدة فى اثناء العمل المشروط به او بعد الفراغ عنه، كافيا المشروط آخر لم يدخل فيه، بداهة ان مفاد قاعدة التجاوز اصلا كانت او امارة، هو البناء على وجود المشكوك و تحققه فى المحل المقرر له شرعا، فاذا احرز بها تحقق الشرط بالنسبة الى المشروط الذى دخل فيه، فلا مجال الاعتبار الشك فيه بالنسبة الى مشروط لم يدخل فيه، بداهة ان احرازه بها كاحرازه بالاستصحاب، و كما ان احرازه به يوجب الغاء الشك فيه مطلقا حتى بالنسبة الى مشروط لم يدخل فيه فكك احرازه بها و هذا بخلاف ما كان من قبيل الثانى الذى ليس له محل مقرر شرعا قبل وجود مشروطه، فان الشك فيه يكون ملغى بالنسبة الى المشروط الذى فرغ عنه دون غيره بداهة ان ما يدل عليه قاعدة الفراغ هى صحة المشروط لا تحقق الشرط، فلا يمكن اثباته بها الاعلى القول بالاصل المثبت نعم لو بنينا على اعتبار قاعدة الفراغ من باب الطريقية، لصح القول بالغاء الشك فيه مطلقا حتى بالنسبة الى غير المشروط الذى فرغ عنه، و لعل هذا هو السر فى الحاق بعض الا طين الشك فى الشروط بالشك فى الاجزاء مطلقا، لكنه خلاف التحقيق، لان ما يمكن استظهار كون القاعدة معتبرة من باب الطريقية منه، هو ما فى بعض روايات قاعدة الفراغ، من قوله عليه السلام هو حين يتوضاء اذكر منه حين يشك، و قوله عليه السلام و كان حين انصرف اقرب الى الحق منه بعد ذلك، فان الظاهر منهما ان الوجه فى الغاء الشك هو وقوع المشكوك فيه فى محله بموجب العادة و الغلبة، حيث ان الغالب ان البانى على ايجاد عمل ذى اجزاء و قيود، اذا اشتغل بايجاد عن ارادة و قصد اليه كما هو المعتبر فى النية، ان لا يفوت منه جزء او قيد من ذاك العمل، و ان عرض له فى الاثناء ما يوجب عدم التفاته اليها فعلا تفصيلا، بداهة ان الانسان اذا شرع فى عمل مركب عن ارادة و قصد اليه، ينبعث عن ارادته المتعلقة بمجموع العمل، ارادات جزئية مركوزة فى خزانة النفس متعلقة بكل جزء و قيد بحسب مالها من الترتيب، فياتى بكل واحد منها فى محله المقرر
ص: 409
له شرعا او عقلا او عادة، و ان كان غير ملتفت اليه تفصيلا و فيه انه قد حقق فى محله ان المناط فى كون الحجة المعتبرة من الامارات امران.
الاول ان تكون لها جهة كاشفية ذاتية نوعية عن مؤداها، فان ما ليس له جهة كشف و حكاية، لا يمكن ان يجعل كاشفا بالجعل التكوينى، فضلا عن التشريعى التعبدى بداهة انه ما لم يكن بين الشيئين ارتباط خاص و ملازمة عقلية او طبيعة او وضعية او نوعية غالبية، لم يكن احدهما كاشفا عن الاخر كما هو واضح.
الثانى ان يكون ملاك تشريعها و جعلها ثبوت هذه الجهة فيها، فما ليس فيه جهة كشف و حكاية اصلا، كما فى الاستصحاب، حيث انه لا ملازمة بين الحدوث و البقاء اصلا، و لذا قيل ما ثبت جازان يدوم و ان لا يدوم، او كان له جهة كك الا انه لم يكن ملاك جعله و تشريعة هو جهة كشفه، كما فى قاعدتى التجاوز و الفراغ، حيث انهما و ان كان فيهما جهة الكاشفية كما مر بيانه، الا ان اعتبارهما شرعا لم يحرز كونه من هذه الجهة، و استظهار ذلك، من قوله عليه السلام هو حين يتوضاء اذكر منه حين يشك، و قوله عليه السلام كان حين انصرف اقرب الى الحق، ممنوع جدا اذ فرق واضح بين جعل الظن الحاصل من العادة و الغلبة معتبرا كما هو مفاد ادلة حجية الطرق، او كونهما علة لتشريع الحكم للشاك، و لا يستفاد من الخبرين الاول، فيبقى حينئذ ظهور قوله عليه السلام فى بعض الروايات كل ما شككت فيه مما قد مضى فامضه كما هو، فى كون هذا الحكم من الاحكام المقررة للشاك بحاله فتدبر جيدا ثم انه قد يرد على ما ذكرنا من التفصيل بين ما كان محل احرازه شرعا قبل الدخول فى المشروط و بين غيره، و الحكم بجريان قاعدة التجاوز فى الاول و الغاء الشك فيه مطلقا، و بعدم جريانها فى الثانى النقض بما اذا شك فى اثناء العصر فى فعل الظهر، حيث انهم حكموا بالبناء على صحة العصر و الاتيان بالظهر بعد الفراغ عن العصر، مع ان مقتضى ما ذكرنا هو عدم وجوب الاتيان بالظهر بعد الفراغ عن العصر، ضرورة ان البناء على تحقق الظهر فيما اذا شك فى
ص: 410
اثناء العصر فى اتيانه، ليس من اجل قاعدة الفراغ، كى يقال ان مفادها لا يكون الا مجرد صحة المركب و المشروط، دون احراز نفس الجزء و الشرط، لاختصاصها بما بعد الفراغ عن العمل فلا تجرى فى اثنائه، بل لاجل قاعدة التجاوز، باعتباران محل احرازه شرعا قبل الدخول فى العصر، كما يدل عليه قوله عليه السلام فى اخبار المواقيت الا ان هذه قبل هذه، و قد عرفت ان قاعدة التجاوز تكون محرزة لنفس الجزء و الشرط المشكوك فيهما، لا لمجرد صحة المركب و المشروط، فالشك فى اثناء العصر فى اتيان الظهر قبله كالشك فى اثنائه فى اتيان الوضوء قبله، فى ان قاعدة التجاوز تكون محرزة لذات الشرط، لا لمجرد حيث دخله فى المشروط و تقييده به، و مقتضى ذلك هو عدم وجوب الاتيان بالظهر بعد الفراغ عن العصر هذا و يمكن التقصى عنه بالفرق بين الشك فى الطهارة و الشك فى الظهر، حيث ان الطهارة بوجودها المحمولى شرط للصلوة بخلاف الظهر فانه بوجوده النعتى و هو كونه قبل العصر شرط للعصر لا بوجوده المحمولى، فما يكون محرزا بقاعدة التجاوز هو وجوده النعتى، و هو لا يجدى فى احرازه بوجوده المحمولى الاعلى القول بالاصل المثبت كما هو واضح، و كون الشك فى وجوده النعتى مسببا عن الشك فى وجوده المحمولى، لا يجدى فى احرازه بوجوده المحمولى، بعد عدم كونه بهذا الوجود موضوعا للاثر الشرعى كما لا يخفى و قياس ما نحن فيه بالاذان و الاقامة مع الفارق، حيث ان لهما بوجودهما المحمولى دخلا فى كمال الصلوة و ان لم يكن لهما مدخلية فى صحتها، بخلاف ما نحن فيه، هذا خلاصة ما افاده الاستاد دام ظله، فى وجه كون الشرط الذى له محل مقرر شرعا قبل وجود المشروط، ملحقا بالجزء فى جريان قاعدة التجاوز، و كون احرازه بها كافيا لمشروط آخر محله باق بالنسبة اليه و لكن يمكن ان يقال ان قاعدة التجاوز، و ان كانت مجدية فى احراز تحقق الشرط فى المحل المقرر له شرعا، لكنها لا تكون مجدية فى احراز تحقق المشروط مقترنابه، الا على القول بالاصل المثبت؛ بداهة انه من اللوازم العقلية لتحققه قبل المشروط و عدم تحقق ما
ص: 411
يكون رافعا له الى حال الاشتغال بالمشروط و من هنا يظهران قياس احرازه بالقاعدة على احرازه بالاستصحاب مع الفارق، لان مفاد الاستصحاب الجارى فى اثناء العمل، ليس هو مجرد تحقق الشرط قبل العمل، بل مفاده هو تحققه فى اثنائه و وقوعه مقتر نابه فتبين مما ذكرنا ان القول بعدم الحاق ما يكون شرطا للصلوة فى حال الاجزاء بالجزء، فى جريان قاعدة التجاوز مطلقا اعنى و لو كان له محل مقرر شرعا قبل وجود المشروط، لا يخلو عن وجه، و عليه فلوشك فى اثناء الصلوة فى انه هل توضأ قبل الشروع فيها ام لا، لا تجدى قاعدة التجاوز لاحراز الطهارة بالنسبة الى هذه الصلوة التى مضى محلها بالنسبة اليها، فضلا عن ان تجدى لاحرازها المشروط آخر يكون محلها بالنسبة اليه باقيا و السر فى ذلك هو ان الجزء بذاته داخل معتبر فى المركب، بخلاف الشرط فان المعتبر منه فى المشروط هو تقيده به لاذاته، كما قال المحقق السبزوارى فى منظومته تقيد قيد و قيد خارجى، هذا تمام الكلام فيما يكون شرطا للصلوة فى حال الاجزاء و اما الكلام فيما يكون شرطا لنفس الجزء فنقول ان ما كان شرطا عقليا للجزء و مقوما لحقيقته، كالموالاة المعتبرة بالنسبة الى اجزاء الكلمة، فلا اشكال فى جريان قاعدة التجاوز فيه، بناء على على جريانها فى مطلق الاجزاء، بداهة ان الشك فيه راجع الى الشك فى وجود الجرء الذى هو مجرى لقاعدة التجاوز، و اما ما كان شرطا شرعيا للجزء فلم نعثر على ما يكون كك، الا الجهر و الاخفات بناء على احد الوجهين فيهما، و اما بناء على ما هو المختار من كونهما شرطا للصلوة فى حال الجزء، كما هو الظاهر من قوله تعالى و اجهر بصلاتك، فيخرج عن محل الكلام و على اى حال لا مجال لجريان قاعدة التجاوز و لا قاعدة الفراغ بالنسبة اليهما، بعد قيام الدليل على صحة الصلوة مع الاخلال بهما جهلا او نسيانا، مع العلم بالاخلال فضلا عن الشك فيه نعم لو قلنا باختصاص ذلك الدليل بما اذا دخل فى الركن وفات محل تداركهما، كان لجريان قاعدة التجاوز فيهما مجال، لكنه خلاف التحقيق كما لا يخفى و الا الموالاة المعتبرة شرعا بين كلمات الاية، بل بين كل جزء من اجزاء
ص: 412
الصلوة، و لا اشكال فى جريان قاعدة التجاوز بالنسبة اليها اما بناء على ما ذهب اليه شيخ مشايخنا الانصارى قدس سره، من ان الشك فى الصحة راجع الى الشك فى وجود الصحيح فواضح و اما بناء ما هو المختار للاستاد دام ظله من حمل الاخبار على الشك فى التحقق، فلا مكان اجرائها بالنسبة الى نفس الشرط، و امكان اجرائها بالنسبة الى المركب من الشروط و الشرط، فان الشك على كل تقدير يرجع الى الشك فى التحقق كما لا يخفى و من هنا ظهر اندفاع ما يقال فى وجه عدم اجرائها فى المقام، من ان نفس الشرط ليس له وجود مستقل كى يجرى فية قاعدة التجاوز، و المشروط ليس الشك فى وجوده بل فى صحته، و معه لا مجال القاعدة التجاوز المختصة بما اذا كان الشك فى الوجود وجه الاندفاع ظاهر مما ذكرنا من اجرائها بالنسبة الى المجموع المركب من المشروط و الشرط، الذى يرجع الشك فيه الى الشك فى التحقق و الوجود كما هو واضح، كما لا اشكال فى انه لا مجال لجريان قاعدة الفراغ بالنسبة اليها، بداهة انه لا اثر للاخلال، بها سهوا فيما لو علم به فى الاثناء بعد فوات محلها بالدخول فى الركن، فضلا عما اذا شك فيه بعد الفراغ من اصل العمل نعم لو كان الشرط الشرعى شرطا للجزء الركنى، كالقيام المتصل بالركوع على احد الوجهين فيه، كان لجريانها بالنسبة اليه مجال كما لا يخفى.
المقام السادس قد يتوهم لزوم التهافت فى اخبار قاعدة التجاوز منطوقا و مفهوما، فيما اذا شك فى جزء من المركب بعد التجاوز عنه و قبل الفراغ عن المركب، و ذلك لان هذا الشك له اعتباران، احدهما اعتبار انه شك فى الجزء بعد تجاوز محله، ثانيهما، اعتبار انه شك فى الكل قبل تجاوز محله، فهو باعتبار الاول مشمول لعموم منطوق قوله عليه السلام كل شئى فيه مما قد جاوزه و دخل فى غيره فليمض، و بالاعتبار الثانى مشمول لعموم مفهومه، فيلزم وجوب عدم الاعتناء به بمقتضى عموم المنطوق، و وجوب الاعتناء به بمقتضى عموم المفهوم، فيلزم التهافت بين المنطوق و المفهوم و فيه ما عرفت من ان
ص: 413
المفهوم فى القاعدة مسوق لبيان عدم المقتضى لالغاء الشك قبل التجاوز عن محل المشكوك، و انه باق تحت القاعدة العقلية القاضية بوجوب الاتيان بكل ما شك فيه مما اعتبر فى المأمور به شرطا او شرطا، و ليس مسوقا لبيان وجود المقتضى للاعتناء بالشك و اعتباره و قبل التجاوز، كى يكون حكما تعبديا، حتى يقع المعارضة بينه و بين المنطوق فى المثال فاذا كان الحكم بالاعتناء بالشك فى المثال بالاعتبار الثانى من باب حكم العقل، فلا يبقى بعد حكم الشارع بعدم الاعتناء به بالاعتبار الاول، محل لحكم العقل كما هو ظاهر.
المقام السابع بعد وضوح ان المراد من الشك المذكور فى الاخبار، هو الشك الحادث بعد التجاوز، لا الاعم منه و من الباقى من اول الامر، و لذا لو شك من حين الدخول فى الصلوة فى كونه متطهرا، لا يجوز له الدخول فيها بملاحظة ان هذا الشك بعد انقضاء العمل يصير شكا فى الشئى بعد تجاوز المحل وقع البحث و الخلاف فى ان الادلة، هل تشمل جميع صور الشك الحادث بعد التجاوز ام لا، بل تختص ببعضها، فقيل بشمولها لجميعها مطلقا، و قيل بعدم شمولها الا لبعض صور الشك الطارى دون السارى و الاقوى هو الشمول مطلقا، و توضيح ذلك يتوقف على تنقيح محل البحث فنقول ان محله، هو ما اذا كان الشك ناشئا من جهة احتمال الاخلال سهوا او عمدا بشئى مما اعتبر فى المكلف به المعلوم بجميع قيوده و خصوصياته مفهوما و مصداقا، فى مقام الامتثال و تطبيق العمل عليه و اما اذا كان الشك ناشئا من جهة احتمال الاخلال بما اعتبرى المكلف به، لاجل الجهل به مفهوما او مصداقا فهو خارج عن محل البحث، بداهة ان قاعدة التجاوز ليست متكفلة، الا لالغاء الشك فى انطباق العمل على المكلف به المعلوم بجميع حدوده مفهوما و مصداقا، فلو كان منشاء الشك الشبهد الحكمية كمن كان اعتقاده تحقق المغرب بغيبوبة الشمس، ثم ظهر له فساد ذلك الاعتقاد و ان المغرب لا يتحقق الابذهاب الحمرة المشرقية، و شك فى ان صلود المغرب التى اتى بها فى زمان اعتقاده بتحقق المغرب
ص: 414
بغيبوبة الشمس، كانت واقعة بعد ذهاب الحمرة كى تكون صحيحة، او قبله كى تكون فاسدة، او كان منشائه الشبهة الموضوعية، كمن صلى على جهة خاصة ثم شك فى ان تلك الجهة قبلة ام لا، او توضاء بما يع ثم شك فى انه ماء او جلاب، فلا مجال للتمسك بقاعدة التجاوز للحكم بصحة صلوته فى الفرضين الاولين، و صحة وضوئه فى الثالث اذا تعين محل البحث فنقول ان الشك الحادث بعد العمل فى انطباقه على المكلف به، على اربعة اقسام، و ذلك لان الشاك بعد العمل، تارة تكون صورة عمله غير محفوظة، كما اذا لم يعلم الان انه حين غسل اليد هل حرك خاتمه ام لا، و هذا هو المراد بالشك الطارى الحاصل بسبب نسيان صورة العمل، و هذا على ثلثة اقسام، لانه تارة يعلم انه على تقدير عدم تحريكه الخاتم كان مستندا الى السهو، و اخرى يعلم انه عليهذا التقدير كان مستندا و ثالثة لا يعلم انه عليهذا التقدير كان مستندا الى السهوا و العمد الى العمد و اخرى تكون صورة عمله محفوظة، كما اذا علم ان غسل يده كان بالارتماس فى الماء، و انه لم يحرك الخاتم قطعا و كان غافلا عنه حين العمل جزما، و لكن شك الان فى ان ما تحت خاتمه ينغسل بمجرد الارتماس ام لا، و هذا هو المراد بالشك السارى، حيث انه لو كان ملتفتا حين العمل الى الحاتم لكان شاكا فى انغسال ما تحته بمجرد الارتماس اذا عرفت هذا فنقول.
اما القسم الاول، فلا اشكال فى شمول جميع اخبار الباب له، لانه المتيقن من جميعها، و هو المعلل بقوله عليه السلام هو حين يتوضاء اذكر الخ.
و اما القسم الثانى فشمول الاخبار المطلقة له مما لا اشكال فيه ايضا، و لاينا فيها الرواية التى علل الحكم فيها بكونه حين العمل اذكر لا لما قيل من امكان تطبيقها عليهذا القسم ايضا، بتقريب ان قوله عليه السلام هو حين يتوضاء اذكر بمنزلة الصغرى للكبرى المطوية، فكانه قال عليه السلام هو حين يتوضأ اذكر، و كل من كان اذكر فلا يخل بما يعتبر فى صحة عمله الذى يريد به ابراء ذمته، فعليهذا تنفع هذه القضية لمن احتمل
ص: 415
الاخلال بشئى سهوا او عمدا، اما الاول فلانه خلاف فرض الذكر، و اما الثانى فلانه خلاف ارادة الابراء اذفيه ان الظاهر من التعليل، هو ان الانسان حيث يكون متذكرا حين العمل غالبا، و التذكر ينافى السهور، فيكون احتمال اخلاله بشئى مما اعتبر فيه سهوا بعيدا فى الغاية بحيث لا ينبغى الاعتناء به و اما الاخلال به عمدا، فعدمه كان مفروغا عنه عند السائل و لم يكن محتملا، كى يكون قوله عليه السلام هو حين يتوضأ الخ متعرضا لالغاء احتماله بل لان هذا التعليل ليس من العلة المنصوصة. كى يدور الحكم مدارها وجودا و عدما، و ذلك لما مر فى مقام الاستدلال على حجية الاستحجاب بالاخبار، من انه يشترط فى كون العلة علة للحكم لا حكمة لاصل التشريع امور ثلثة احدها ان تكون العلة صالحة لان يجعل الحكم عليها و يطالب به عن المكلف، بان يكون هو العالم بمواردها و القادر على تمييزها عن غيرها و على امتثال الحكم المتعلق بها، كاسكار الخمر مثلا و اما لو لم تكن كك كالنهى عن الفحشاء و اختلاط المياه و نحوهما، فلا محة العلة علة للتشريع لا للحكم ثانيها ان لا تكون مختصة بالمورد، بحيث يتوقف استفادة الكبرى الكلية منها على الغاءا اختصاصها بالمورد، كما لو قيل لا تشرب الخمر لاسكاره ثالثها ان تكون بحيث لو لم يضم الكبرى الكلية اليها لكان العليل بها لغوا و من المعلوم عدم تحقق شئى من هذه الامور الثلثة فى المقام اما الاولى فلان الاذكرية ليست امرا قابلالان يطالب به عن المكلف و اما الثانى فلظهور قوله عليه السلام هو حين يتوضأ اذكر منه حين يشك، فى اختصاص العلة بالمورد، لانه عليهم السّلام بيّن الحكم بنفس التعليل و لم يجعله علة للحكم و اما الثالث فلعدم لغوية التعليل بالا ذكرية بدون انضمام كبرى كلية اليه و مما يؤيد بل يدل على ما ذكرنا من كون هذا التعليل حكمة لاصل التشريع لا علة للحكم، مارواه ثقة الاسلام عن العدة باسناده عن ابى العلا، قال سئلت ابا عبد اللّه عليه السلام عن الخاتم اذا اغتسلت قال عليه السلام حوله من مكانه و قال عليه السلام فى الوضوء تديره فان نسيت حيث تقوم فى الصلوة فلا امرك ان تعيدا الصلوة حيث انه عليه السلام
ص: 416
حكم بصحة الغسل و الوضوء، مع فرض النسيان عن تحويل الخاتم او ارادته فى اثنائهما، فيدل على انه لا يعتبر فى جريان قاعدة التجاوز كون الشاك حين العمل اذكر، و احتمال كون السؤال فى الرواية عن الخاتم الوسيع الذى يصل الماء تحته قطعا، و كون امره عليه السلام بالتحويل و الادارة للاستحباب، او احتمال كون المراد من النسيان هو نسيان صورة العمل و عدم انحفاظها بعد العمل، كما ترى بعيد فى الغاية كما يدل على ذلك ايضا اى كون هذا التعليل حكمة، خلو و سائر الاخبار المطلقة عن ذلك التعليل مع كونها فى مقام البيان فاذا تبين شمول الادلة لهذين القسمين، فلا وجه للاشكال فى شمولها للقسم الثالث، كما لا وجه للاشكال فى شمولها للقسم الرابع، بعد ما عرفت من كون التعليل حكمة لاصل التشريع و الجعل، لا علة للحكم و المجعول كى يدور الحكم مدارها اثباتا و نفيا، و يحكم بعدم ثبوته فى هذا القسم الذى لا يكون الشاله فيه حين العمل اذكر كما من بيانه فتحصّل مما ذكرنا كله ان الشك الحادث بعد التجاوز مطلقا، اى سواء كانت صورة العمل محفوظة ام لا، و سواء كان الخلل المحتمل على تقديره مستندا الى السهوا و العمد، لا اعتبار به هذا.
(قوله دام ظله بقى الكلام فى اصالة الصحة فى فعل الغير الخ) اقول لا اشكال فى ان اصالة الصحة فى فعل الغير فى الجملة من الاصول المجمع عليها قولا و عملا بين عامة المسلمين فضلا عن المجتهدين، بل هى مما استقرت عليه سيرة كافة العقلاء، بملاك ان العامل الذى يقصد بعمله غاية مترتبة عليه، مع علمه بما يكون دخيلا فى ترتب تلك الغاية عليه، فلا يمكن عادة ان يخلّ بشئى مما يكون له دخل فى ذلك من الاجزاء و الشرائط عمدا، و يستكشف رضا الشارع و امضائه لهذه السيرة العقلائية من عدم الردع عنها و لا يكفى فى الردع عنها اطلاق الادلة المعانعة عن العمل بغير العلم لا لما قيل من ان تلك الادلة لا تكون رادعة عنها الاعلى وجه دائر، بداهة ان كونها رادعة، يتوقف على
ص: 417
عدم تقييد اطلاقها بالسيرة على اعتبار هذا الاصل و عدم تقييد اطلاقها بالسيرة، يتوقف على كونها رادعة عنها اذ لو لم تكن رادعة عنها لكانت مقيّدة لاطلاقها، فرادعيتها تتوقف على عدم تقييدها بالسيرة، المتوقف على رادعيتها، و هذا دور واضح اذفيه اولا انه يمكن تقرير نظير، هذا الدور فى طرف حجية هذا الاصل بالسيرة، بان يقال ان حجية هذا الاصل بالسيرة، تتوقف على عدم كون تلك الادلة رادعة و الا لم يكن هذه الاصل حجة، و عدم كونها رادعة، يتوقف على حجية هذا الاصل و الا لكانت رادعة، فحجية هذا الاصل بالسيرة تتوقف على عدم رادعية تلك الادلة، المتوقف على حجية هذا الاصل و هذا دور و ثانيها ان توقف رادعية تلك الادلة على عدم تقييد اطلاقها بالسيرة، و ان كان مسلما كيف و الا لم تكن رادعة، الا ان توقف عدم تقييد اطلاقها بالسيرة على رادعيتها ممنوع جدا، بداهة انه يكفى فى عدم تقييد اطلاقها بالسيرة عدم العلم بامضاء الشارع لها، و هذا حاصل بمجرد احتمال كونها رادعة، اذ مع هذا الاحتمال لانقطع بامضاء الشارع، و لا يحتاج فى عدم تقييد اطلاقها بالسيرة الى العلم بعدم امضاء الشارع المتوقف على احراز كونها رادعة كى بلزم الدور بل لانه اذا كانت حجية اصالة الصحة مركوزة فى اذهان العقلاء و مفظورة فى نفوسهم، بحيث يكون الجرى العملى منهم عليها كالجرى العملى على العلم، فلو تكلم احدهم مع الاخر و قال لا يحسن العمل بغير العلم، يفهم السامع ان المراد من العلم اعم من الجزم و ما هو بمنزلته عندهم، و عليهذا نقول اذا كانت القضاياء الصادرة عن العرف و العقلاء التى حكم فيها على موضوع العلم، محمولة على ما هو العلم بنظرهم و فى حكمهم، و كانت تكلمات الشارع مع العرف و العقلاء، حالها حال تكلمات بعضهم مع الاخر، و لذا يحمل الالفاظ الواردة فى القضاياء المتكفلة للاحام الشرعية، على المصاديق العرفية لا الواقعية، فلا بد له من التصريح بالنهى عنه بالخصوص، كما ورد النهى كك عن العمل بالقياس، و لا يكفى فى النهى عنه اطلاقات الادلة الناهية عن العمل بغير العلم، بداهة انه لا يمكن الردع بهذه الادلة عما يرونه مصداقا للعلم، فاذا لم يكن نهى عن العمل
ص: 418
بها بالخصوص، فيكشف عن حجيتها عند الشارع ايضا و امضائه لما استقرت عليه طريقتهم، و هذه هى العمدة من ادلة حجيتها، و يمكن ان تكون هى المدرك للفتاوى، لا انهم اطلعوا على دليل تعبدى لم نظفر عليه و اما ما استدلوا به عليها من الكتاب و السنة و العقل المستقل الحاكم بلزوم اختلال نظام المعاش و المعاد لو لم يبن عليها، ففيه ما لا يخفى، اما الكتاب و السنة، فلان الانصاف ان مثل قوله تعالى وَ قُولُوا لِلنّٰاسِ حُسْناً، و مثل ماورد مستفيضا من ان المؤمن لا يتهم اخاه، لا دلالة لهما الا على لزوم حسن المعاشرة مع الناس، و عدم رجمهم و اتهامهم بمجرد صدور ما يكون له جهة قبح عنهم، بل حمل ما يصدر عنهم على الوجه الحسن عندهم لا على الوجه القبيح، و اين هذا مما نحن بصدده من لزوم حمل فعل المسلم على الصحيح الواقعى و اما العقل فلبداهة انه لا يلزم من عدم البناء عليهذا الاصل اختلال اصلا، اما فى العبادات فواضح، لبداهة عدم لزوم اختلال من عدم حمل العبادات الصادرة عن الغير على الصحة، و اما المعاملات فاوجود قواعد مقررة من الشارع كافية فى رفع المحذور، كاليد فى الاموال، و اصالة عدم النسب و الرضاع فى الفروج، فلم يبق الاموارد قليلة لا يكون عدم البناء فيها عليهذا الاصل موجبا لاختلال النظام و منه ظهرما فى الاستدلال عليه، بفحوى التعليل الوارد فى رواية حفص بن غياث، حيث علل فيها الحكم بكون اليد دليلا على الملك و انه يجوز الشهادة بالملك بمجرد اليد، بقوله عليه السلام و لولا ذلك لما بقى للمسلمين سوق و ذلك لما عرفت من انه لا يلزم من عدم البناء عليهذا الاصل اختلال، فضلا عن ان يكون ازيد من الاختلال الحاصل من ترك العمل باليد، كى تدل الرواية على لزوم البناء عليهذا الاصل بالفحوى و الاولوبة اللهم الا ان يدعى ان اعتبار اليد و السوق و نحوهما لكونها من جزئيات هذا الاصل، و حينئذ فتصح دعوى لزوم الاختلال لو لا البناء عليه فتدبر فتحصل مما ذكرنا ان عمدة ادلة هذا الاصل، هى بناء العقلاء الممضى بعدم الردع، و الاجماع قولا و عملا من العلماء و السيرة المستمرة بين كافة المسلمين فحجية اصالة الصحة فى فعل الغير و اعتبارها فى
ص: 419
الجملة مما لا اشكال فيه و لا شبهد تعتريه، فلا عبرة فى موردها باصالة الفساد كما لا اشكال فى ان المراد من الصحة هى الصحة الواقعية لا الصحة عند الفاعل، بداهة ان بناء العقلاء و السيرة المستمرة، على ان المحمول عليه هى الصحة الواقعية دون الصحة عند الفاعل، كما يظهر ذلك بالنظر الى حالهم فى العبادات و المعاملات، لكن يشكل الحمل على الصحة الواقعية فى جميع الصور المتصورة فى المقام، و ذلك لان الشك فى صحة الفعل الصادر عن الغير، لا يخلوا ما ان يكون عالما بعلم الفاعل بصحيح الفعل و فاسده واقعا، و اما ان يكون عالما بجهله بذلك، و اما ان يكون جاهلا يحاله و على الثانى لا يخلو، اما ان يكون عالما بكون جهله عن عذر، كما اذا كان مستندا الى الخطاء فى الاجتهاد اوالى تقليد المخطى فى اجتهاده، و اما ان يكون عالما بكونه عن تقصير، و اما ان يكون جاهلا بحاله، و حيث انه ليس فى البين دليل لفظى يؤخذ بعمومه او اطلاقه فى جميع هذه الصور، فلا بد من الاخذ بالمقدار المتيقن من السيرة، و لا اشكال فى تحققها فى الصورة الاولى، و الظاهر تحققها فى الصورة الاخيرة و اما تحققها فى الصورة الوسطى بجميع اقسامها ففى غاية الاشكال، هكذا افاد الاستاد دام ظله لكن الذى يظهر بالمراجعة الى العرف و العقلاء، هو ان الاقوى هو الحكم بالتعميم للصورة الوسطى بتمام اقسامها ايضا، فانا نرى بالوجدان ان سيرتهم مستمرة على حمل اعمال العوام على الصحيح، مع ان الشك فى اعمالهم ناش غالبا عن العلم بجهلهم بالحكم فتدبر جيدا.
(قوله ام ظله الاولى فى تعارضه مع القاعدة المقتضية لعدم الاعتناء بالشك بعد التجاوز الخ) اقول لا اشكال فى تقديم قاعدة التجاوز على الاستصحاب، و انما وقع الاشكال و الكلام فى وجه تقديمها عليه، و انه هل من باب الحكومة، او من باب لزوم لغويتها لو لا تقديمها عليه و تقريب كون تقديمها عليه من باب الحكومة باحد وجهين الاول الالتزام بان اعتبارها من باب الطريقية و الكاشفية عن تحقق المشكوك فى محله، بموجب العادة و الغلبة كما تقدم بيانه الثانى تسبّب الشك فى مورد الاستصحاب عن
ص: 420
الشك فى موردها توضيح ذلك يتوقف على تمهيد مقدمة، و هى ان النقيضين و ان كانا فى رتبة واحدة، الا ان بقاء احدهما يتوقف على عدم تحقق الاخر، بداهة ان بقاء عدم زيد يتوقف على عدم تحقق وجوده، و الالزم اجتماع النقيضين، فاذا كان بقاء احدهما متوقفا على عدم تحقق الاخر، فيكون الشك فى بقاء احدهما مسببا دائما عن الشك فى تحقق الاخر اذا عرفت هذا، فنقول ان الشك فى مورد الاستصحاب، و هو بقاء عدم الجزء و الشرط، مسبب عن الشك فى مورد القاعدة، و هو وجود الجزء و الشرط، فاذا حكم الشارع بان فى مورد الشك فى وجود الجزء و الشرط ابن على وجودهما، فهذا الحكم حاكم على حكمه فى مورد الشك فى بقاء عدم الجزء و الشرط بالبناء على بقاء عدمهما و فى كذا الوجهين من لا يخفى اما الاول فلما عرفت فيمامر، من ان قاعدة التجاوز و ان كان لها جهة الكاشفية، الا ان اعتبارها شرعا لم يحرز كونه من هذه الجهة كى تكون من الامارات و اما الثانى فلان الشك فى بقاء احد النقيضين، و ان كان مسببا عن الشك فى حدوث الاخر، الا ان حكم الشارع بحدوث احدهما، ملازم عقلا لارتفاع بقاء الاخر، و قد اشرنا فيمامر و سيجئى انشاء اللّه تعالى، انه يعتبر فى تقديم الاصل الجارى فى الشك السببى على الجارى فى الشك المسببى، ان يكون ترتب المسبب على السبب شرعيا، بان يكون المسبب من الاحكام الشرعية للسبب، كطهارة الثوب التى هى من آثار طهارة الماء فتدبر جيدا و اما تقريب لزوم لغوية هذه القاعدة لو لا تقديمها على الاستصحاب، فهو على ما فى رسالة شيخ مشايخنا الانصارى قدس سره، انه لو بنى على تقديم الاستصحاب عليها كما هو مقتضى تقديمه على سائر الاصول العملية، لما بقى لها مورد الا نادرا غاية الندرة، فيلزم ان يكون جعل هذه القاعدة مستهجنا، اذ لا يحسن اعطاء قاعدة كلية لاجل مورد نادر هذا اورد عليه الاستاد دام ظله، او لا بمنع لزوم قلة المورد للقاعدة من تقديم الاستصحاب عليها و ذلك لان الموارد التى تجرى فيها القاعدة و لا يجرى فيها الاستصحاب قليلة بحيث يلزم من تقديم الاستصحاب عليها فى موارد جريانهما معا،
ص: 421
استهجان جعل هذه القاعدة، و ذلك لجريان هذه القاعدة فى الشروط المعتبرة فى المصلى، كطهارته عن الحدث و الخبث، فيما لم تكن لها وجودا و عدما حالة سابقة، و كذا فى الشروط المعتبرة فى المصلى كطهارته عن الحدث و الخبث فيما لم تكن لها وجود او عدما حالة سابقة و كذا فى الشروط الممعتبرة فى نفس اجزاء الصلوة، كالجهر و الاخفات بناء على احد الوجهين فيهما، فان فيهذين الموردين تجرى القاعدة و لا يجرى فيهما الاستصحاب، اما الاول فواضح، و اما الثانى فلان الجهر و الاخفاف و ان كان لعدمهما الازلى المحمولى حالة سابقة، الا ان الاثر الشرعى ليس مترتبا الاعلى عدمهما النعتى، و لا يكون له حالة سابقة، و عدم المجموع المركب من المشروط و الشرط و ان كان له حالة سابقة، الا ان الشك فى حيث يكون مسببا عن الشك فى الشرط، فتكون قاعدة التجاوز الجارية فى الشرط حاكمة على استصحاب عدم المجموع المركب من المشروط و الشرط، هذا مع ان استصحاب عدم تحقق المجموع المركب لا يجدى فى احراز حال المشكوك الا على القول بالاصل المثبت المثبت كما لا يخفى و توهم ان تقديم الاستصحاب على القاعدة و ان لم يوجب قلة المورد لها، مع عدم جريانه فى شروط المصلى، و تقديم القاعدة عليه فى شروط اجزاء الصلوة، الا انه يوجب لتخصيص الاكثر المستهجن مدفوع بان تقديم الاستصحاب على القاعدة ليس من باب التخصيص، كى يلزم من تقديمه عليها تخصيص الاكثر المستهجن بل من باب الحكومة، و لا استهجان فى خروج اكثر افراد قاعدة عن تحتها بحكومة قاعدة اخرى عليها هذا مع ان حكومة الاستصحاب على سائر الاصول، ليس من قبيل حكومة الادلة الواقعية بعضها على بعض، كحكومة لا شك لكثير الشك على ادلة الشكوك، فى كونها تابعة لثبوت الدليل الحاكم واقعا و فى نفس الامر علم به المكلف ام لم يعلم، بل يتوقف حكومته على سائر الاصول على العلم بحجيته، و لا يكفى فيها حجيته واقعا و فى نفس الامر، بداهة ان الحكم الاستصحابى لا يزيد على الحكم الواقعى و من المعلوم ان الحكم واقعى بواقعيته لا يرفع
ص: 422
الشك عن مورد الاصول ما لم يعلم به، فكيف بالحكم الاستصحابى و عليهذا فيجرى هذه القاعدة فيما كان له حالة سابقة، و لكن المكلف جاهلا بالحكم الاستصحابى او غافلا عنه و ثانيا يمنع كون قلة المورد موجبة لا تسهجان اعطاء قاعدة كلية، فيما كان ذلك المورد مما تعم به البلوى، انتهى من افاده الاستاد دام ظله فى الاشكال على تقدير هذه الوجه و لا يخفى ان ما افاده من اختصاص الشروط المعتبرة فى اجزاء الصلوة بهذه القاعدة، و عدم جريان الاستصحاب فيها، و ان كان تاما، الا ان التمثيل لها بالجهر و الاخفاف لا يخلو عن اشكال، اما او لا فلما اشرنا اليه فيما مر من انهما من شروط الصلوة فى حال القرائة لا من شروط نفس القرائه، و اما ثانيا فلمامر ايضا، من انه لا مجال لجريان القاعدة فيهما، بعد ما قام الدليل على صحة الصلوة مع الاخلال بهما جهلا او نسيانا، مع العلم بالاخلال، فضلا عن الشك فيه هذا فتبين مما ذكرنا كله ان ما ذكروه من الوجهين لتقديم القاعدة على الاستصحاب غير وجيه فالاولى الاستدلال، له، فما فى صحيحة زرارة المتقدمة من تطبيقة عليه السلام هذه القاعدة فيها على بعض موارد الاستصحاب، كالشك تحقق المجموع المركب، لا يجدى فى احراز حال المشكوك الاعلى القول بالاصل فى الاذان و الاقامة و التكبير و القرائة و الركوع و السجود، فانه بضميمة عدم القول بالفصل بين تلك الموارد و غيرها، يدل على تقديمها على الاستصحاب مطلقا بل يمكن الاستدلال له بذلك من غير احتياج الى تلك الضميمة، بداهة ان ذكر تلك الموارد فى الصدر، انما هو للتوطئة لما افاده عليه السلام فى الذيل من الكبرى الكلية، لا لخصوصية فيها كما لا يخفى هذا.
(قوله دام ظله الثانية فى تعارضه مع اصالة الصحة فى فعل الغير الخ) اقول لا اشكال فى تقدم هذه القاعدة مطلقا، اى سواء جعلناها من الظواهر المعتبرة او الاصول التعبدية، على الاصول الحكمية كاستصحاب الفساد، و ما فى معناه من استصحاب عدم النقل و الانتقال، و استصحاب بقاء كل من العوضين على ملك مالكه، و استصحاب حرمة تصرف كل من المتعاقدين فى مال الاخر و ذلك لوضوح ان الشك فى بقاء الحالة السابقة
ص: 423
فى تلك الاصول، مسبب عن الشك فى صحة العقد الصادر عن الغير، و استجماعه لما يعتبر فى سببيّه لما يترتب على العقد الصحيح من الاثار الوضعية و التكليفية، فاذا حكم الشارع بصحته و استجماعه له لم يبق حكم للشك فى تحقق تلك الاثار، بداهة ان بعد اثبات موضوعها و هو العقد الصحيح شرعا من باب التعبد او الظن النوعى، يزول الشك عن ترتبها عليه حكما، و ان لم يزل عنه حقيقة كما سيجئى انشاء اللّه بيانه، فى وجه حكومة الاصل الجارى فى الشك السبب على الجارى فى الشك المسببى و اما تقديمها على الاصول الموضوعية المترتبة عليها الفساد، كاستصحاب عدم البلوغ و استصحاب عدم اختبار المبيع بالرؤية او الكيل او الوزن، فكلمات الاصحاب فيه مضطربة و التحقيق على ما يساعد عليه النظر الدقيق، هو ان الشك فى صحة العقد الصادر عن الغير، ناش لا محالة عن الشك فى اخلاله بما اعتبر فيه شطرا او شرطا، و هذا الشك على قسمين احدهما ما يكون مجرى للاستصحاب، كالشك فى البلوغ و اختبار المبيع بالرؤية او الكيل او الوزن، حيث ان المشكوك فى هذا القسم يكون له حالة سابقة ثانيهما ما لا يكون مجرى للاستصحاب، كالشك فى تحقق ما اعتبر قيدا للعقد كالعربية و الماضوية و الترتيب و الموالاة و التطابق و نحوها، اذ لا يكون للمشكوك فيه فى هذا القسم حالة سابقة كما لا يخفى.
ام القسم الثانى فلا اشكال فى انه لا مجال فيه الا لاصالة الصحة، بداهة ان المجموع المركب من المقيد و القيد، و ان كان مجرى للاستصحاب لكونه مسبوقا بالعدم، لكن الشك فى بقائه على العدم، حيث يكون مستندا الى الشك فى ان هذا العقد الموجود هل هو مصداق لمارتب عليه الاثر شرعا املا، تكون اصالة الصحة القاضية بكونه مصداقا له حاكمة على الاستصحاب.
و اما القسم الاول، فان جعلنا هذه القاعدة من الظواهر المعتبرة، فلا اشكال فى تقدمها على الاستصحاب فيه ايضا، بناء على ما هو الحق من حجية الاستصحاب من باب التعبد
ص: 424
و ان جعلناها من الاصول العملية، ففى تقدمها على اشكال، حيث ان استصحاب عدم بلوغ العاقد يثبت كون العقد صادرا عن غير بالغ، و اصالة الصحة تثبت كونه صادرا عن البالغ و ان لم تثبت كون العاقد بالغا، و من المعلوم عدم حكومة احدهما على الاخر، بل يمكن ان يقال بحكومة الاستصحاب عليها، لا لما توهم من ان الشك فى الصحة حيث يكون مستندا الى الشك فى البلوغ، فيكون الاستصحاب القاضى بعدم البلوغ حاكما على اصالتها، اذ فيه ان اصالة الصحة ليست متكفلة لاثبات مجرد عنوان الصحة، كى يقال ان الشك فيها ناش عن الشك فى الاخلال بما اعتبر فى العقد، بل مفادها اثبات كون العقد الصحة فيما شك فى صدور العقد عن البالغ هو صدوره عنه، فتعارض لا - محالة مع استصحاب عدم بلوغ العاقد القاضى بصدوره عن غير البالغ بل لان مجرى الاستصحاب نفس القيد المشكوك فيه، و مجرى اصالة الصحة هو العقد من حيث تقيده بذلك القيد، و من المعلوم ان الشك فى تقيد العقد بصدوره عن العاقد، ناش عن الشك فى بلوغ العاقد هذا و قد يقال انه لا تعارض بين القاعدة و الاستصحاب فى الفرض على تقدير، و تكون القاعدة حاكمة عليه على تقدير آخر توضيح ذلك هو انه لا شبهة فى ان التعارض بين الاصلين، انما يقع فيما كان الاثر مترتبا، وجودا على مجرى احدهما، و عدما على مجرى الاخر، و ليس الاثر فى المقام مترتبا وجودا الاعلى مجرى اصالة الصحة، بداهة ان الاثارا المقصود اثباتها او نفيها فى المقام من النقل و الانتقال و جواز التصرف، تكون مترتبة وجودا على مجرى اصالة الصحة و هو البيع الصادر عن البالغ، و قد تكون مترتبة على مجرى اصالة عدم بلوغ العاقد، بداهة انها و ان كفت فى احراز كون البيع الواقع صادرا عن غير البالغ، حيث ان الموضوع للحكم هو المركب من العقد و بلوغ العاقد، لا العنوان البسيط الانتزاعى اعنى اتصاف العقد بكونه صادرا عن البالغ، كيلا يصح اثباته او نفيه باجراء الاصل فى منشاء انتزاعه الا ان عدم تلك الاثار ليس مترتبا الاعلى عدم البيع الصادر عن البالغ، لا على البيع الصادر عن غير البالغ، بداهة ان عدم الاثر مستند الى عدم
ص: 425
المؤثر لا الى وجود ضده، فاذن لا منافاة بين اجراء اصالة الصحة، و الحكم بترتب الاثار المترتبة على البيع الصادر عن البالغ، على البيع الواقع المشكوك صدوره عنه، و اجراء اصالة عدم البلوغ العاقد و الحكم بترتب الاثار المترتبة على البيع الصادر عن غير البالغ لو كانت له آثار على البيع الواقع المشكوك صدوره عن غير البالغ، و ذلك لما عرفت من ان الاولى تقتضى انتقال المال عن المتعاقدين و جواز تصرف كل منهما فيما انتقل اليه من مال الاخر، و الثانية لا تقتضى ذلك لا انها تقتضى عدمه، و من المعلوم عدم المنافاة و المزاحة بين المقتضى و اللامقتضى، فلم يبق فى المقام فى مقابل اصالة الصحة، الا اصالة عدم البيع الصادر عن البالغ الراجعة الى اصالة عدم تحقق السبب الشرعى، و هى مع انها لا تجدى فى احراز حال العقد الواقع فى الخارج، تكون محكومة بالنسبة الى هذه القاعدة، بداهة ان الشك فى تحقق السبب الشرعى، مسبب عن الشك فى صحة العقد الواقع و فساده، فاذا حكم بصحته بمقتضى اصالتها، فيرتفع الشك حكما عن تحقق السبب الشرعى هذا و فيه ان اصالة عدم البلوغ، و ان لم تكن مجدية فى اثبات عدم وقوع البيع الصادر عن البالغ اصلا، الذى يكون الاثر مستندا اليه، الاعلى القول بالاصل المثبت، حيث ان لازم كون البيع الواقع صادرا عن غير البالغ الذى هو مؤدى هذا الاصل، بضميمة العلم بانحصار الكلى بالبيع الواقع، هو عدم وقوع البيع الصادر عن البالغ اصلا الا انها حيث تكون مجدية فى اثبات عدم كون البيع الواقع مؤثرا فى النقل بضميمتها الى القطع بعدم عقد آخر مؤثر فى النقل كما هو المفروض، يصح الحكم بعدم حصول النقل مطلقا، لان اسبابه بين ما هو مقطوع العدم و بين ما هو محكوم بالعدم و هو مناف لما هو مقتضى اصالة الصحة من الحكم بحصول النقل، فيقع التعارض بينهما و توهم ان عدم حصول النقل مطلقا من آثار عدم وقوع البيع الصادر عن البالغ مطلقا، و هذا لا يمكن اثباته باصالة عدم البلوغ، و لو بضميمتها الى العلم بانحصار الكلى بالبيع الواقع، الا على القول بالاصل المثبت، بداهة ان عدم الكلى من اللوازم العقلية لعدم الافراد مدفوع بان الاثر ليس مستندا الى الكلى بما هو
ص: 426
هو، كى نحتاج فى الحكم بعدم حصول له اثبات عدم الكلى، بل الاثر مستند اليه بلحاظ اتحاده مع الخصوصيات خارجا، فيكفى فى الحكم بعدم حصول الاثر، اثبات عدم ما يكون الاثر مستندا اليه حقيقة من الوجودات الخاصة هذا مع ان الثابت باصالة الصحة هو انتقال المال الى المشترى بسبب هذا العقد الواقع، فيعارضها اصالة عدم البلوغ القاضية بعدم انتقاله اليه بهذا السبب، و ان لم تكن قاضية بعدم انتقاله اليه بسبب من الاسباب و بالجملة تنافى مقتضى الاصلين و تعارضهما مما لا شبهة فيه، و مقتضى ما ذكرنا من تسبب الشك فى تقيد العقد الواقع بصدوره عن البالغ الذى هو مجرى اصالة الصحة، عن الشك فى بلوغ العاقد الذى هو مجرى الاستصحاب، هو حكومة الاستصحاب على القاعدة فالوجه فى تقديم هذه القاعدة على الاستصحابات الموضوعية، هو بناء العقلاء على الاخذ بها فى موارد تلك الاستصحابات، الذى قد عرفت انه العمدة من ادلة هذه القاعدة، و توهم انه لا دليل على حجية بنائهم فى تلك الموارد، بل الدليل على عدمها لكفاية الاستصحابات الجارية فيها فى الردع عنه، قد عرفت فساده بما لا مزيد عليه.
(قوله دام ظله الثالثة فى تعارضه مع ادلة القرعة الخ) اقول لا اشكال فى ان القرعة لا تعارض شيئا من الاصول الشرعية حكمية و موضوعية مطلقا، اى سواء قلنا بان موضوعها هو الامر المشكل كما فى بعض من الاخبار، او قلنا بان موضوعها هو المجهول و المشتبه كما فى بعض آخر منها اما بناء على الاول فواضح، بداهة ارتفاع موضوعها و هو الاشكال بورود حكم من الشرع و لو ظاهرا و اما بناء على الثانى فلاعمية دليلها من ادلة جميع الاصول الشرعية، فلا بد من تخصيص دليلها بادلتها كما لا اشكال فى تقديمها على الثانى على الاصول العقلية، لورودها عليها لكن التمسك بها فى موارد الاصول العقلية، يحتاج الى الجبر بعمل الاصحاب، و ذلك لتطرق الوهن فى عموم دليلها، بكثرة التخصيص الوارد عليه من خروج موارد الاصول الشرعية منه، فنحتاج فى التمسك به فى الموارد الاصول العقلية الى انجباره بعمل الاصحاب ان قلت ان كثرة التخصيص ان كانت
ص: 427
واصلة الى حد الاستهجان، فلا يجوز التمسك به اصلا، اذ نستكشف بدلالة الاقتضاء و صون كلام الحكيم عن الاستهجان، ان هذا العام كان محفوفا بقرينة حالية او مقالية مانعة عن شموله لموارد الاصول الشرعية من اول الامر، و حينئذ فيصير اللفظ مجملا بالنسبة الينا، لعدم علمنا بتلك القرنية تفصيلا، و ان لم تكن واصلة الى تلك الحد، فهى ان لم تكن موجبة لقوة ظهوره فى الافراد الباقية، لا تكون موجبة لتطرق الوهن اليه، و حينئذ فلا نحتاج فى التمسك للافراد الباقية الى عمل الاصحاب به فيها قلت لنا ان نختار الشق الاول، و نقول ان عمل الاصحاب به فى مقام، يكشف عن شموله مع تلك القرنية التى كانت معه للمقام، كما ان اعراضهم عنه فى مقام آخر، يكشف عن عدم شموله كك لذاك المقام و لنا ان نختار الشق الثانى، و نقول ان كثرة التخصيص عليهذا، و ان لم تكن موجبة لتطرق الوهن الى العام بنفسها، لكنها لا تكون كك فيما اذا علم تفصيلا بموارد التخصيص بالمقدار الذى علم به اجمالا، و اما اذا لم يعلم بذلك المقدار، فلا يجوز العمل بالعام، الا اذا احرزان مورد العمل ليس من اطراف العلم الاجمالى، و عمل الاصحاب موجب لاحراز ذلك، و حينئذ لواحتملنا تخصيص المورد المفروض ايضا، كان احتمالا بدويا غير مانع عن الاخذ باصالة العموم ثم ان الظاهر عدم اختصاص القرعة بما اذا كان للمشتبه تعين فى الواقع، بل تعم ما اذا لم يكن كك بل كان مهملا واقعا، و ذلك لاطلاق ادلتها، بل اختصاص بعضها موردا بما لا يكون له تعين فى الواقع، كما ورد فيمكن يكون له عبيد فيوصى بعتق ثلثهم من انه يقرع بينهم فيم اصابته القرعة اعتق هذا مضافا الى ثبوت الاجماع على عدم الفرق بين الصورتين و لا ينافى ما ذكرنا من التعميم، ما فى الاخبار من عدم الخطاء فى القرعة و ان اللّه تعالى بعد تفويض الامر اليه يرشد العبد الى الواقع، الظاهر فى اختصاصها بماله تعين فى الواقع و يكون مجهولا عند المكلف و ذلك لان الواقع اعم مما كان له تعين واقعا، او كان احق بالتقديم فى نظر الشارع، لامور اوجبت احقيته بذلك فى نظره، و ان كانت مما لا ندركه كما ان المنساق من ادلتها، هو ان
ص: 428
تشريعها انما هو فيما كان هناك ملزم شرعى او عقلى لتعيين المشتبه، فلا تعم للشبهات البدوية كى تكون واردة على البرائة العقلية فيها، و لا لمطلق الشبهة المقرونة بالعلم الاجمالى كى تكون واردة على قاعدة الاشتغال، بل تعم ما كان منها مما يلزم شرعا او عقلا تعيين المشتبه من بينها، كما فى الموطوئة من قطيع غنم و كما فى المال المردد بين كونه بتمامه لاحد الشخصين و مما يؤيد ما ذكرناه من اختصاص موردها بما اذا كان هناك ملزم للتعيين، لزوم لغوية جعلها و كونه بلا موجب لو لا ذلك و توهم انه يكفى فى صحة جعلها تسهيل الامر على العباد مدفوع بان احالتهم الى، ما يحكم به العقلاء فى مقام تزاحم الحقين من شخص واحد او تردد حق واحد بين شخصين، من التخيير فى الاول، فيما لم يكن اهم فى البين، و التنصيف فى الثانى، لكونه جمعا بين الحقين، لعلها تكون اسهل من الرجوع الى القرعة، فيكون جعلها لغوا و بلا موجب هذا ثم انه قد يشكل الفرق بين موردها و موارد الاحتياط و التخيير و التنصيف و التحقيق فى الفرق بين مواردها على نحو الاجمال، هو ان ما كانت من الشبهات المحصورة من التكليفيات المحضة، فتكون مورد الاحتياط و اما ما كانت منها من الحقوق، فمقتضى القاعدة الاولية فيها ايضا و ان كان هو الاحتياط، الا الاحتياط التام بالموافقة القطعية، لما كان غير واجب فيها شرعا، اجماعا على ما نقل، او لقاعدة نفى الضرر، بل غير ممكن فى اغلب مواردها عقلا لمكان التزاحم، كما اذا تردد الامر بين كون المال لاحد الشخصين فتصل النوبة الى الحكم بالتخيير فى حقوق اللّه تعالى، فيما لم يكن هناك ملزم للتعيين، و بالتنصيف فى حقوق الناس فيما امكن و لم يكن ملزم للتعيين، و الى الحكم بالقرعة فى حقوق تعالى مع الملزم للتعيين كما فى الموطوئة من قطيع غنم، حيث ان الشارع الزم فيه بتعيين المشتبه بالقرعة، كما يدل عليه مارواه فى تحف العقول، من انه سئل عن ابى الحسن الثالث عليه السلام عن رجل اتى الى قطيع غنم فراى الراعى ينزو على شاة منها فلما بصر بصاحبها خلى سبيلها فدخلت بين الغنم كيف تذبح وصل يجوز اكلها ام لا، فاجاب عليه السلام ان
ص: 429
عرفها ذبحها و احرقها، و ان لم يعرفها قسم الغنم نصفين و ساهم بينهما(1) فاذا وقع على احد النصفين فقد بخى النصف الاخر، ثم يفرق النصف الاخر فلا يزال كك حتى ببقى شاتان فيقرع بينهما فايتهما وقع السهم بهاذبحت و احرقت و خبى سائر الغنم و فى حقوق الناس، فيما لم يمكن التنصيف، كما فى الولد المردد بين الشركاء الذين تبايعوا جارية فوطئوها جميعهم فى طهر واحد فولدت غلاما و نحو ذلك، او امكن التنصيف، و لكن كان هناك ملزم للتعيين، الا ان تشخيص موارد لزوم التعيين حيث يكون مشكلا، فيحتاج فى تشخيصها الى عمل الاصحاب بالقرعة فيها، كما يحتاج الى عملهم فى قاعدة الميسور، لتشخيص ان الفاقد للجزء او الشرط ميسور للواد له او ليس بميسور له و مما ذكرنا ظهر عدم كون الاحتياط و التخييرا و التنصيف و القرعة، فى عرض واحد و فى رتبة واحدة، بل مرتبة التخيير و التنصيف و القرعة، بعد عدم جريان الاحتياط اما لعدم امكانه او لعدم وجوبه، كما ان مرتبة القرعة بعد عدم جريان التخيير للزوم التعيين، او عدم جريان التنصيف، اما لعدم امكانه او للزوم التعيين فالقرعة متأخرة موردا عن الاحتياط بمرتبتين، و عن التخيير و التنصيف بمرتبة واحدة.
(قوله دام ظله الرابعة فى تعارضه مع اليد الخ) اقول لا اشكال فى حجية اليد فى الجملة و كونها دليلا على الملكية، و يدل عليه الاخبار المستفيضة بل المتواترة معنى كما ان الظاهر من ادلتها كونها معتبرة من حيث الطريقية، امضاء لما عليه بناء العرف و العقلاء، من معاملة الملكية مع ما فى ايدى من يدعى ملكيته و يحتمل فى حقه ذلك. اذ من المعلوم عدم ابتناء بنائهم ذلك على التعبد، كما هو الشأن فى سائر الطرق المعمولة فيما بينهم كما لا اختصاص لذلك بيد المسلم كما هو ظاهر و يشهد لما ذكرنا رواية حفص بن غياث عن ابيعبد اللّه عليهم السّلام قال قال له عليه السلام رجل اذا رئيت شيئا فى يدى
ص: 430
رجل يجوزلى ان اشهد انه له قال عليه السلام نعم، قال الرجل اشهد انه فى يده و لا اشهد انه له فلعه لغيره، فقال ابو عبد اللّه عليهم السّلام افيحل الشراء منه قال نعم، فقال ابو عبد اللّه عليه السلام فلعله لغيره، فمن اين جاز لك ان تشتريه و يصر ملكا لك ثم تقول بعد ذلك هو لى و تحلف عليه، و لا يجوزان تنسبه الى من صار ملكه من قبله اليك، ثم قال ابو عبد اللّه عليه السلام لو لم يجز هذا لم يقم للمسلمين سوق فان الظاهر ان سؤال الرجل كان عن جواز الشهادة على كون المال لذى اليد و كونه مالكا له واقعا، بتوهم اعتبار العلم الوجدانى فى جواز الشهادة على الملكية الواقعية، مع كون مالكيته الظاهرية له بمقتضى اليد مفروغا عنها عنده، و لذا قال نعم فى جواب قول الامام عليه السلام افيحل الشراء منه فتدبر(1) جيدا و من المعلوم ان الشهادة على الملكية الواقعية لا تصح، الا مع كون اليد معتبرة من حيث الطريقية و الكاشفية عن الملكية، بحيث يعامل معها معاملة العلم بها و لا ينافى ما استظهرناه من الرواية، قوله عليه السلام فى ذيلها لو لم يجز هذا لم يقم للمسلمين سوق، اذا الظاهر انه فى مقام تعليل امضاء الشارع لما عليه بناء العرف و العقلاء من جعل اليد امارة على الملكية ثم ان الوجه قى تقديم اليد على الاستصحاب بناء، على ما استظهرناه من الادلة من كون اعتبارها من باب الطريقية ظاهر لحكومتها عليه حينئذ كحكومة غيرها من الامارات المعتبرة من جهة الكشف عن الواقع عليه كما سيجيئى انشاء اللّه تعالى بيانه و اما بناء على كون اعتبارها من باب التعبد، فالوجه فى تقديمها على الاستصحاب، هو انه لو عمل بالاستصحاب فى موارد اجتماعه مع اليد، لزم تخصص الاكثر المستهجن بالنسبة الى اهلتها، لورودها غالبا فيما يقتضى الاستصحاب خلاف مقتضاها، هذا مع ان العمل بالاستصحاب فى تلك الموارد الكثيرة، مستلزم للمحذور المنصوص فى رواية حفص بقوله عليه السلام لم يبق للمسلمين سوق، فتقديم اليد على الاستصحاب
ص: 431
على اى حال مما لا اشكال فيه و انما الاشكال فى ان مقتضى ما استظهرناه من الادلة من كون اليد معتبرة من حيث كاشفيتها النوعية بحكم الغلبة عن الملكية، هو انه لو علم بانحصار سبب الملك فى امر خاص، يحكم بواسطة اليد بوقوع ذلك السبب، لان من شأن الامارة الاخذ بلوازم مؤداها و ملزوماته و ملازماته، مع انا نرى عدم التزامهم بذلك فيما لواقر ذو اليد فى مورد التداعى بان المال كان سابقا للمدعى، فان المشهور حكموا بانه ينتزع المال من يده بمجرد اقراره بذلك و عليه ان يقيم البينة على انتقاله من الخصم اليه، مع ان مقتضى امارية اليد على الملكية اماريتها على سببها و هو الانتقال من الخصم اليه، فدعوى ذى اليد الانتقال مطابقة للامارة، و معها كيف ينتزع المال من يده و يطالب بالبينة و قد تفصى عنه بان انتزاع المال من يده بمجرد اقراره بان المال كان سابقا للمدعى و مطالبة البينة منه، ليس لاجل عدم امارية اليد، بل من اجل انه باقراره بذلك بمقتضى مادل على نفوذ اقرار العقلاء على انفسهم، قد ابطل يده و جعل نفسه مدعيا، بجعله مصب الدعوى هو الانتقال، فانتزاع المال من يده و مطالبة البينة منه، انما هو لعدم شمول دليل اعتبار اليد لصورة وجود الاقرار من ذيها و فيه ان اقراره بذلك لا يوجب بطلان يده، لعدم المنافاة بين كون المال ملكا للمدعى سابقا و ملكا لذى اليد لا حقا، كيف و الا للزم بطلان يده فيما اذا ادعى انتقال المال اليه من ثالث اجنبى، و هو مما لا يلتزم به احد فالاولى ان يقال ان اقراره ذلك و ان لم يوجب بطلان يده، الا انه يوجب صيرورة مصب الدعوى هو انتقال المال من المدعى اليه، فيصدق عليه حينئذ عنوان المدعى عرفا، فيطالب منه البينة لانها وظيفة المدعى، و لا ينافى كونه مدعيا مطابقة قوله لليد، بداهة ان المدعى و المنكر ليس لهما حقيقة شرعية، و انماهما من العناوين العرفية التى يجب الرجوع فى فيها الى العرف و اما ما ذكره الفقهاء من ان المدعى هو الذى يكون قوله مخالفا للظاهرا و الاصل او الذى لو ترك ترك ترك، فهو لاجل صدق عنوان المدعى مع هذه الامور عرفا غالبا، لا ان تكون هذه الامور موازين شرعية تعبدية لتمييز المدعى عن المنكر، فلو صدق على
ص: 432
احد من المتداعيين عنوان المدعى عرفا، يطالب عنه البينة، و لو كان قوله مطابقا لظاهر من الظواهر او لاصل من الاصول، و لو صدق عليه عنوان المنكر عرفا توجه عليه اليمين، و لو كان قوله مخالفا لظاهر او لاصل من الاصول سلمنا كون هذه الامور موازين شرعية تعبدية لتمييز المدعى عن المنكر، لكن نمنع عن استقرار بناء العقلاء الذى هو الاصل و العمدة فى حجية اليد على اعتبارها فى المقام، اذا لمتيقن من بنائهم هو كونها طريقا الى الملكية، فى غير مورد التداعى و لو مع استناد ذيها ملكية ما فى يده الى سبب خاص، و فى مورده مع عدم استناده ملكية ما فى يده الى سبب اصلا، او مع استناده ملكيته الى الانتقال من ثالث اجنبى او من مورث المدعى، مع عدم انكار المدعى ذلك جزما، بل اظهاره الجهل بذلك بان يقول انا لا ادرى صدق ما تقول، و اما فيما اذا استند فى مورد التداعى ملكية ما فى يده، الى الانتقال من المدعى او مورثه و انكر المدعى ذلك جزما فلم يثبت بنائهم على اعتبارها و كونها طريقا الى ملكيته له، و عليه فيكون حكمهم فى المقام بانتزاع المال من يده و مطالبة البينة منه، على طبق تلك الموازين، فان مقتضى الاستصحاب هو الحكم ببقاء المال على ملكيته للمدعى، و كونه منكر الموافقة قوله للاصل السالم عما يكون حاكما عليه، و كون ذى اليد مدعيا لمخالفة قوله له فتبين مما ذكرنا ان صيرورة ذى اليد مدعيا و سقوط يده عن الاعتبار، فيما اذا اقر بكون المال سابقا للمدعى او لمورثه، انما هى فيما اذا ادعى الانتقال من المدعى او مورثه اليه و انكر المدعى ذلك جزما، و اما فيما اذا ادعى الانتقال من المدعى او مورثه، و لم ينكر المدعى ذلك جزما، بل اظهر الجهل بذلك بان قال لا اتذكر ما تقول او لا ادرى صدقه، فلا يوجب دعواه ذلك سقوط يده عن الاعتبار و صيرورته مدعيا كى يطالب منه الينة و من هنا يعلم وجه محاجة مولانا امير المؤمنين عليهم السّلام مع ابى بكر فى امر فدك المروية فى الاحتجاج، فان دعوى سيده النساء عليها السّلام تلقى الملك من رسول اللّه صلى اللّه عليه و سلم، مستلزمة لاسناد الملك سابقا الى الثالث بداهة انه على تقدير تصديق ابى
ص: 433
بكر فيما ادعاه من الحديث المجعول الباطل الذى اسنده الى النبى صلى اللّه عليه و آله و سلم الدال على عدم توريث الانبياء و ان تركتهم فيئى و صدقة، لا يكون اسنادها عليها السّلام ملكها الى تمليك النبى صلى اللّه عليه و سلم، اسناد اله الى مورّث المدعى، بداهة ان انتقال الملك منه صلى اللّه عليه و آله و سلم الى المسلمين بموته صلى اللّه عليه و له، بناء على تسليم الحديث المجعول، ليس من قبيل انتقال الملك من المورث الى ورثته، كى يكون اسنادها عليها السّلام ملكها الى تمليك النبى صلى اللّه عليه و سلم، اسناد اله الى مورث المدعى بل انتقاله منه صلى اللّه عليه و سلم، اسناد اله الى مورث المدعى بل انتقاله منه صلى اللّه عليه و آله و سلم اليهم من قبيل انتقال الملك من الموصى الى الموصى له، و من المعلوم ان الموصى له اجنبى بالنسبة الى الموصى، و ليس كالوارث فى كونه بمنزلة المورث، كى يكون الاقرار بملكية المال للموصى سابقا، اقرارا بملكيته، للموصى له كما هو واضح سلمنا كون الموصى له كالوارث، لكن لم يعلم انكار احد من المسلمين على سبيل الجزم، لدعواها عليها السّلام انتقال الفدك من النبى صلى اللّه عليه و آله و سلم فى حال حيوته اليها عليه السّلام، كى يطالب منها عليه السلام اقامة البينة، فانتزاع فدك منها عليه السلام مع كون يدها ثابتة عليه، لم يكن له وجه الا العناد لعن اللّه المعاندين لال محمد صلى اللّه عليه و آله و سلم الى يوم المعاد.
(قوله دام ظله الخامسة فى حاله مع الطرق المعتبرة شرعا الخ) اقول لا اشكال فى تقديم الطرق المعتبرة شرعا من جهة كشفها عن الواقع، المسمات فى الاحكام بالادلة الاجتهادية، و فى الموضوعات بالامارات، على الاستصحاب مطلقا، اى سواء كانت تلك الطرق على خلاف الحالة السابقة او على و فقها، و لا ينافى ما ذكرنا من التعميم، ما نرى من تمسكهم بالاستصحاب فى الاحكام، مع وجود الدليل الاجتهادى على وفق الحالة السابقة فيها، اذ تمسكهم به فى الفرض انما هو للتنزل و المماشاة مع الخصم فى مقام الاحتجاج، لا لكونه حجة فى عرض الطرق المعتبرة و انما وقع الكلام فى وجه التقديم، و
ص: 434
انه هل هو من باب التخصيص او التخصص او الحكومة او الورود و الذى يظهر من شيخ مشايخنا المرتضى قدس سره فى غير مورد من كلامه، هو ان الوجه فى ذلك هو الحكومة، و هى على ما فسرها فى مبحث التعادل و الترجيح، ان يكون احد الدليلين بمدلوله اللفظى متعرضا لحال الدليل الاخر و مبينا لمقدار مدلوله و مسوقا لبيان حاله و لا يخفى ان ما افاده فى بيان ضابط الحكومة، لا ينطبق على دليل حجية الادلة و الامارات، و لا على سائر الموارد التى جعل تقديمها من باب الحكومة، مثل مادل على نفى الضرر و الحرج، و مادل على عدم الاعتناء بكثرة الشك و امثال ذلك، بداهة انه ليس شئى من تلك الموارد بمدلوله اللفظى ناظرا الى دليل آخر و مبينا المقدار مدلوله بل لا يحكى كلواحد منها و لا يدل الا على الحكم الواقعى، من دون نظر الى مدلول دليل آخر او قاعدة اخرى كما لا يخفى و بعبارة اخرى تلك الموارد ناظرة الى مرحلة الثبوت، و ان الحكم الواقعى فى نفس الامر و اللوح المحفوظ هكذا، و ليست ناظرة الى مرحلة الاثبات، كى تكون مشرحة للادلة الدالة على الاحكام الشرعية و مبنية لمقدار مدلولها، كيف و لو كانت كك للزم كونها بلا مورد و لغوا عند عدم تلك الادلة المحكومة، بداهة ان الدليل الحاكم على ما فسره قدس سره بمنزلة قول القائل اعنى، و من البديهى عدم صحة هذا الكلام الامع صدور كلام آخر منه قبلا كى يكون هذا شارحا له، مع انا نرى بالوجدان، انه لو لم تكن الادلة المحكومة فى تلك الموارد موجودة، لما كانت الادلة الحاكمة فيها بلا مورد و لغوا كما هو واضح و بالجملة ما بينه قدس سره من الضابط، لا يشمل الا لقسم واحد من اقسام الحكومة، و هو ان يكون احد الدليلين شرح اللفظ للدليل الاخر، نظير قرنية المجاز التى تكون مفسرة للفظ فيما كانت منفصلة دون سائر اقسامها هذا مع ان الحكومة بالمعنى الذى ذكره قدس سره من قبيل وجود العنقاء، اذ ليس فى شئى من ابواب الفقه من اول الطهارة الى آخر الديات، مورد ورد فيه دليلان يكون احدهما حاكما على الاخر على نحو شرح اللفظ هذا فالاولى فى بيان الضابط للحكومة بحيث يشمل
ص: 435
جميع اقسامها، بعد وضوح ان المراد منها هو تقديم احد الدليلين على الاخر، من دون ملاحظة كونه اخص و اظهر من الاخر، بل يقدم عليه و لو كان ادنى مرتبة من الظهور و كان للاخرا على مرتبة منه هو ان يقال كل دليل كان متعرضا للچكم المستفاد من الدليل الاخر، سواء كان تعرضه له بعنوان انه مدلول ذلك الدليل، ام لم يكن تعرضه له بهذا العنوان بل كان بعنوان الحكاية عن الواقع، و سواء كان تعرضه له ابتداء كادلة نفى الضرر و الحرج، ام كان بلسان تنزيل الموضوع كدليل لا شك لكثير الشك فهو مقدم على ذلك الدليل عند العرف، و ان لم يكن اخص منه، بل كانت النسبة بينهما عموما من وجه، كما اذا قال المتكلم اكرم العلماء، ثم قال فى مجلس آخر انى لا احكم باكرام الفاسق قط، فانا نريهم يجعلون الكلام الثانى قرنية على الاول، و يحكمون بان المراد من العلماء فيه هو العدول منهم، مع ان النسبة بين الكلامين عموم من وجه، و لا يكون الكلام الثانى بمدلوله اللفظى شارحا للكلام الاول، و لذا يكون الثانى تاما فى مفاده و لو مع قطع النظر عن الاول و لعل الرفى ذلك، هو ان مدلول قول المتكلم اكرم العلماء، ليس الا كون العام بجميع افراده مشمولا للحكم الانشائى المجعولى له فى القضية الفظية، و اما ان كل فرد منهم مورد للحكم الجدى لبا، فهو ليس مدلولا لهذا الكلام، و انما يحكم به السامع بمقتضى الاصل العقلائى الحاكم بمطابقة الارادة الانشائية مع الارادة الجدية، فيما لم يكن هناك ما يدل على الخلاف فاذا صدر من ناحية المتكلم لفظ يدل بمدلوله المطابقى على عدم صدور هذا الحكم منه بالنسبة الى فرد خاص كالفاسق، فلا يبقى مجال للاخذ باصالة العموم فى الكلام الاول، و ان لم يكن هذا اللفظ شارحا للكلام الاول، بل كان حاكيا عن نفس الامر نعم لو كان الكلام الثانى غير متعرض بمدلوله المطابقى للحكم المستفاد من الكلام الاول، بل كان دالا على جعل حكم مناف لذلك الحكم، كما اذا قال لا تكرم الفساق، فلا محالة يقع التعارض بين الكلامين فى مورد الاجتماع و هو العالم و هو العالم الفاسق، اذ كما ان كون اكرام العالم الفاسق مراد اجديا للمتكلم، ليس مدلولا اوليا لقضية
ص: 436
اكرم العلماء، و انما يحكم به السامع من جهة القاعدة المسلمة، كذلك كونه مرادا جديا له من قضية لا تكرم انفسالق، فيقع التعارض و يحكم بتقديم الاظهر ان كان، و الا فيحكم بالتساقط و يرجع الى قاعدة اخرى فالفرق بين القسمين، هو ان فى القسم الاول يكون الكلام الثانى متعرضا، لما يحكم به السامع بمقتضى الاصل العقلائى من كون كل فرد مرادا من الكلام الاول جدا، فيكون الدليل الثانى ناظرا الى ما لا يكون بل لا يمكن ان يكون الدليل الاول ناظرا اليه، و لذا لا ينقدح فى ذهن العرف تعاض بينهما اصلا و لو بدوا كى يحتاج الى الترجيح بالاظهرية، و لذا قلنا فيه بانه يكفى فى تقديم احدهما ادنى ظهورا نعقد له و هذا بخلاف القسم الثانى، فان الكلام الثانى فيه حيث يكون دالا على جعل حكم مناف للحكم المجعول فى الكلام الاول، فيكون بمدلوله الالتزامى ناظرا الى ما يكون الكلام الاول ناظرا اليه، و دالا على عدم ثبوت ما اثبته الكلام الاول من الحكم فيقع بينهما التعارض، ان قلت على ما ذكرت من الضابط، لا يبقى فرق بين الحكومة و التخصيص و التقييد، بداهة ان تقديم الخاص و المقيد على العام و المطلق، انما هو من جهة كشفهما عن كون المراد الجدى من العام و المطلق غير مورد الخاص و المقيد مع كونه مرادا منهما بالارادة الاستعمالية، و لذا قلنا فى محله بان التخصيص و التقييد لا يستلزمان التجوز فى العام و المطلق فكما ان الدليل الحاكم متعرض لما يحكم به السامع من كون كل فرد مرادا جديا من العام او المطلق الموضوع للحكم فى الدليل المحكوم كذلك دليل الخاص او المقيد يكون متعرضا لما يحكم به السامع من كون كل فرد مرادا جديا من العام او المطلق الموضوع للحكم فى دليلهما قلت ان الحكومة و التخصيص و التقييد، و ان كانت مشتركة فى النتيجة، و هى استكشاف عدم كون مورد الدليل الحاكم و دليل الخاص و المقيد مرادا جديا من الدليل المحكوم و دليل العام و المطلق، الا ان الفرق بين الحكومة و بينهما، هو ان الدليل الحاكم يكون بنفسه متكفلا لبيان ان المراد من العام و المطلق فى الدليل المحكوم غير مورده، و لذا لا ينقدح فى ذهن العرف التعارض بينهما و لو بدوا، و هذا
ص: 437
بخلاف دليلى الخاص و المقيد، فانهما ليسا بانفسهما متكفلين لذلك، بل العرف فى مقام الجمع بينهما و بين دليلى العام و المطلق، و رفع ما ينقدح فى ذهنهم بدوا من التعارض بين دليليهما و دليلى العام و المطلق، يحكمون بان المراد من العام و المطلق غير مورد الخاص و المقيد، تحكيما لاصالة الظهور فى الخاص و المقيد على اصالته فى العام و المطلق، فالحاكم عبارة عما يتكفل، لما يحكم به العرف و العقلا فى مقام الجمع بين المتعارضين من العام و الخاص او المطلق و المقيد، من كون المراد من العام و المطلق غير مورد الخاص و المقيد، فيعمم موضوع المحكوم تارة بادخال ما ليس داخلا فى موضوعه حقيقة فيه حكما، و يضيقه اخرى باخراج ما يكون داخلا فيه حقيقة عنه حكما و مما ذكرنا فى ضابط الحكومة، ظهر ان تقديم الادلة و الامارات على الاستصحاب و غيره من الاصول العملية، ليس من باب الحكومة بقسم من قسميها اما عدم كونه من القسم الاول منها، فواضح، بعد وضوح ان الادلة و الامارات ليست ناظرة الا الى مرحلة الثبوت و ان الحكم الواقعى فى نفس الامر هكذا، من دون نظرها الى مرحلة الاثبات، كى تكون شارحة لعموم ادلة الاستصحاب و غيره من الاصول العملية و اما عدم كونه من القسم الثانى منها، فلا دليل حجية الادلة و الامارات، ليس متعرضا لحكم الشك المجعول فى ادلة الاصول، بداهة ان مدلول قول الشارع المقدس صدق العادل، ليس ان هذا الشك ليس شكا عندى و ما جعلت له حكم الشك قط، و انما مدلوله هو جعل مؤدى الخبر واقعا و ايجاب معاملة الواقع معه نعم لازم حجية الخبر المنافى للاستصحاب او غيره من الاصول، عدم ترتب حكم الشك على مؤداه، كما ان لازم حجية الاصول المنافية للامارات، عدم ترتب مادلت عليه من الحكم على موارد الاصول، و هذا معنى التعارض و مما يؤيد عدم كون تقديم الامارات على الاصول من باب الحكومة، ما عرفت من ان مرجع الحكومة لبا الى التخصيص، و من المعلوم ان التخصيص تابع لثبوت دليل الخاص واقعا و فى نفس الامر علم به المكلف ام لم يعلم، فلو كان دليل حجية الامارات حاكما على ادلة حجية
ص: 438
الاصول، لزم ان لا يكون الاصل حجة واقعا، فيما كان هناك امارة فى الواقع مجهولة للمكلف على خلافه، و هذا مما لم يلتزم به احد، كيف و الحكم الظاهرى الثابت بالامارة، لا يزيد على الحكم الواقعى المعلوم انه بواقعيته لا يرفع الشك عن مورد الاصول ما لم يعلم به، فكيف بالحكم الظاهرى الثابت بالامارة فالاقوى ما ذهب اليه الاستاد دام ظله وفاقا لبعض اساتيده قدس سره، من ان الوجه فى تقديم الادلة و الامارات على الاصول التعبدية هو الورود و توضيح ذلك يتوقف على تمهيد مقدمة، و هى انه كما ان العلم المأخوذ فى الموضوع، تارة يعتبر على وجه الطريقية بمعنى ان المعتبر هو الجامع بينه و بين الطرق المعتبرة، و اخرى يعتبر على وجه الصفتية بمعنى ان المعتبر هو خصوصية كشفه التام المانع عن النقيض المختصة به دون ساير الطرق على ما مر بيانه فى مبحث حجية القطع كذلك الشك المأخوذ فى الموضوع، قد يلاحظ باعتبارانه عدم الطريق، و قد يلاحظ باعتبار انه صفة التردد القائمة بالنفس، فاذا جعل الشك فى مقابل العلم، فان كان العلم ملحوظا على نحو الطريقية، فمعنى الشك المجعول فى قباله هو عدم الطريق، و ان كان العلم ملحوظا على نحو الصفتية، فمعنى الشك المجعول فى قباله هو صفة التردد اذا عرفت هذا، فنقول ان الظاهر من ادلة الاصول، ان العلم المأخوذ فيها ملحوظ على وجه الطريقية، و عليه فيكون معنى الشك المجعول فيها فى قبال العلم هو عدم الطريق، و حينئذ فيكون مفاد قولهم عليهم السلام لا تنقض اليقين بالشك، هو انه فى موضوع الشك اى عدم الطريق الى الواقع، يجب ابقاء ما كان ثابتا بالعلم، فان كان العلم ملحوظا على نحو الطريقية، فمعنى الشك المجعول فى قباله هو عدم الطريق، و ان كان العلم ملحوظا على نحو الصفتية، فمعنى الشك المجعول فى قباله هو صفة التردد اذا عرفت هذا، فنقول ان الظاهر من ادلة الاصول، ان العلم المأخوذ فيها ملحوظ على وجه الطريقية، و عليه فيكون معنى الشك المجعول فيها فى قبال العلم هو عدم الطريق، و حينئذ فيكون مفاد قولهم عليهم السلام لا تنقض اليقين بالشك، هو انه فى موضوع الشك اى عدم الطريق الى
ص: 439
الواقع، يجب ابقاء ما كان ثابتا بالعلم اى الطريق المعتبر، و كذا يكون مفاد كل مادل على ثبوت الحكم، كقاعدة الطهارة و قاعدتى التجاوز و الفراغ و اصالة الصحة، هو دوران ذلك الحكم مدار عدم الطريق، فاذا ورد الدليل على حجية دليل او امارة، يرتفع موضوع الحكم الذى كان معلقا على عدم الطريق و توهم ان دليل حجية الطريق بعد شموله لموارد الاصول، و ان كان واردا عليها و رافعا لموضوعها و هو عدم الطريق، لكن الكلام الان فى شموله لمواردها، اذ لا ترجيح لشمول دليل حجيته على شمول ادلة الاصول، مع كون المورد قابلا لهما فى اول الامر مدفوع بان الموضوع فى ادلة الطرق، حيث يكون مطلقا غير مقيد بعدم الطريق، فلا مانع من شمولها للمورد، لوجود موضوعها و عدم ما يدل على التخصيص و هذا بخلاف الموضوع فى ادلة الاصول، فانه مقيد بعدم الطريق، فيتوقف شمولها للمورد على عدم شمول ادلة حجية الطرق له، و لا وجه لذلك اى لعدم شمولها، بعد وجود موضوعها و عدم ما يدل على التخصيص و بعبارة اخرى الامر دائر فى المقام بين التخصيص و التخصص، و لا اشكال فى تعين الثانى لان الاول خلاف الاصل دون الثانى و مما ذكرنا يظهر ما فى ظاهر كلام شيخ مشايخنا الانصارى قدس سره، حيث انه بعد ما نقل من بعض كون تقديم الادلة على الاستصحاب من باب التخصص، بناء على ان المراد من الشك المأخوذ فيه عدم الدليل و الطريق و التخير فى العمل استشكل عليه بانه لا يرتفع التحير و لا يصير الدليل الاجتهادى قطعى الاعتبار فى خصوص مورد الاستصحاب الا بعد اثبات كون مؤداه حاكما على مؤدى الاستصحاب، و الا امكن ان يقال ان مؤدى الاستصحاب وجوب العمل على الحالة السابقة مع عدم اليقين بارتفاعها، سواء كانت هناك الامارة الفلانية ام لا، و مؤدى دليل تلك الامارة وجوب العمل بمؤداها خالف الحاله السابقة ام لا، و لا يندفع مغالطة هذا الكلام الابما ذكرنا من طريق الحكومة انتهى توضيح ما فيه، هو انك قد عرفت ان بعد كون المراد من الشك المأخوذ فى الاستصحاب هو عدم الطريق و التحير، يرتفع موضوعه بقيام الدليل على حجية الامارة
ص: 440
الفلانية، و معه لا يصح ان يقال ان مؤدى الاستصحاب وجوب العمل على الحالة السابقة مع عدم اليقين بارتفاعها سواء كانت هناك الامارة الفلانية ام لا هذا و يمكن توجيه كلامه قدس سره بما افاده الاستاد دام ظله فى مجلس البحث و حاصله انه لا شبهة فى ان الاصول العملية و الطرق المعتبرة، تشتركان فى كونهما احكاما ظاهرية مجعولة للشك فى الواقع، فان الطرق و ان لم يؤخذ فى موضوعها الشك، الا ان موردها لا محالة مورد الشك، بداهة انه مع القطع بالواقع لا وقع لجعلها اصلا، لا موافقا لانه لغو و لا مخالفا لانه تناقض فالاحكام الظاهرية سواء كانت من سنخ الطرق او من سنخ الاصول، مجعولة مادام المكلف شاكا، غاية الامران تعليق الحكم على الشك، فى الاصول انما هو باخذه فى موضوعها، و فى الطرق بحكم العقل، فاذا كانت الاصول و الطرق مشتركتين فى كونهما احكاما ظاهرية مجعولة للشاك فى الواقع، فلا وجه لتسمية احديهما بالطريق و الاخرى بالاصل، و تقديم الاولى على الثانية، الا بان يكون ادلة حجية الطرق كنفسها ناظرة الى رفع الشك، و بعبارة اخرى كما ان نفس الاخبار عن الواقع يكون بغرض رفع الجهل عن المستخبر حقيقة، كذلك التعبد بالمخبر به بلسان انه الواقع يفهم منه انه بلحاظ رفع الشك عن المكلف تعبدا الراجع الى رفع آثاره، و هذا معنى الحكومة، فالتعبد برفع الشك مترتب على التعبد بالمخبر به، فيكون فى طول التعبد به لا فى عرضه و من هنا يمكن دفع الاشكال الذى اورده صاحب الكفاية قدس سره فى تعليقته، على ما افاده شيخ: المرتضى قدس سره فى مبحث حجية القطع، من ان القطع المأخوذ فى الموضوع على وجه الطريقية يقوم مقامه الامارات و بعض الاصول، بما حاصله ان قيام الامارات و بعض الاصول مقام القطع المأخوذ فى الموضوع على وجه الطريقية، بمجرد الادلة العامة الدالة على حجيتهما، مستلزم للجمع بين اللحاظين، لحاظ العلم و الظن فى الامارة او العلم و الشك فى الاستصحاب، طريقيا آليا و موضوعيا استقلاليا، و ذلك لان الملحوظ فى التنزيل، ان كان نفس الظن و العلم، بان لاحظ الجاعل الظن و نزله منزلة العلم فى الاثار، فيلزم لحاظهما
ص: 441
موضوعيا استقلاليا، و ان كان الملحوظ فى التنزيل متعلق الظن و العلم، بان لاحظهما الجاعل مرآة للمتعلق فيلزم لحاظهما طريقيا آليا، و الجمع بين لحاظهما استقلاليا و آليا فى انشاء واحد مستحيل انتهى توضيح الدفع ان الملحوظ فى التنزيل هو متعلق الظن و العلم لكن، لما كان تنزيله بلسان انه الواقع، يفهم منه انه بلحاظ الغاء احتمال الخلاف عن الامارة تعبدا، و تنزيل الظن الحاصل منها منزلة العلم فتنزيل الظن منزلة العلم ليس فى عرض تنزيل متعلقهما، كى يلزم الجمع بين اللحاظين المتنافيين بل فى طوله فلا محذور فتبين مما ذكرنا ان كون ادلة الطرق حاكمة على ادلة الاصول، بان لوحظ الشك المأخوذ فيها بمعنى صفة التردد، او واردة عليها بان او حظ الشك المأخوذ فيها بمعنى عدم الدليل و التحير، لا يمكن الا بان يكون ادلة الطرق ناظرة او واردة عليها بان او حظ الشك الى رفع الشك بالتقريب الذى ذكرناه، كيف و الا امكن ان يقال، كما ان شمول دليل حجية الطريق لموارد الاستصحاب موجب لرفع موضوعه و هو عدم الدليل و التحير فى مقام العمل، كذلك شمول دليل الاستصحاب لموارد الطريق موجب لرفع مورده و هو عدم الدليل و التحير فى مقام العمل، و حينئذ فلا يمكن تقديمه على الاستصحاب الاعلى وجه دائر و توهم ان الوجه فى تقديمه على الاستصحاب حينئذ هو لزوم التخصيص بلا مخصص مدفوع بان ذلك انما يلزم بعد تمامية مورده و جريانه، و الكلام الان فى اصل تمامية مورده مع وجود الاستصحاب، فلا يندفع هذه المغالطة، الا يكون مؤدى الطريق حاكما على مؤدى الاستصحاب هذا خلاصة ما افاده الاستاد دام ظله فى مقام توجيه كلام الشيخ قدس سره، و هو و ان كان فى كمال الجودة لكن ما افاده من انه اذا لو حظ الشك المأخوذ فى ادلة الاستصحاب بمعنى عدم الطريق و التحير، تكون ادلة الطرق واردة عليها، لانه بعد حكومة ادلتها على ادلته يرفع الشك تعبدا يرتفع موضوع ادلته و هو التحير و عدم الطرق حقيقة لا حكما و هذا معنى الورود لا يخلو عن اشكال، بداهة انه بناء على كون الشك المأخوذ فى موضوع الاستصحاب بمعنى التحير، ليس المراد منه هو التحير
ص: 442
فى مقام العمل المرتفع بقيام الدليل من جانب الشارع، بل المراد منه بقرنية مقابلته مع اليقين هو التحير فى الواقع، المعلوم عدم ارتفاعه بقيام الدليل على الواقع المشكوك، بداهة ان الشك فى الواقع مع قيامه باق على حاله من دون تغيير اصلا ان قلت لا شك فى ان اليقين بالخلاف الذى يكون الاصول مقيدة بعدمه، يكون ملحوظا على وجه الطريقية، لا الصفتية و الا لم يعقل قيام الامارات مقامه، و عليهذا فمفاد قوله عليهم السّلام لا تنقض اليقين بالشك الخ، هو تحريم نقض اليقين السابق مع عدم قيام الطريق على الخلاف، فاذا قام الدليل على حجية امارة قائمة على خلاف الحالة السابقة و تمم كشفها و طريقتيها و اعطاها صفة المحرزية، فبنفس جعل المحرزية لها يتحقق فرد آخر تنزيلى للطريق، و يرتفع موضوع الحكم الاستصحابى الذى كان مقيدا بعدم الطريق على خلافه قلت ما ذكرت و ان كان صحيحا تاما، الا انه عن الاعتراف بالحكومة، بداهة ان قيام الدليل على حجية امارة، لا يوجب انقلابها عما هى عليها من الكاشفية الناقصة الى الكاشفية التامة، لاستحالة ذلك بالتكوين فضلا عن التشريع، بل ينزلها منزلة القطع فى ترتيب ماله من اثر الكاشفية التامة و المحرزية للواقع عليها، فينزل ما ليس بكاشف تام منزلة ما هو كاشف تام، و يدخل ما ليس بموضوع للكاشفية التامة فيها هو موضوع لها و يحكم بترتيب آثارها عليه، و هذا كما ترى ليس الا الحكومة، لا انه يجعل ما ليس بكاشف تام كاشفا تاما حقيقة، كى يرتفع معه عدم الطريق الى الواقع تكوينا، و يكون تقديمها على الاستصحاب من باب الورود هذا و استدل صاحب الكفاية قدس سره فى تعليقته، للقول بورود الطرق على الاستصحاب و غيره من الاصول العملية، بوجه آخر و حاصله ان مورد الاستصحاب و هو اليقين السابق و الشك اللاحق، و ان كان باقيا غير مرتفع بمجرد قيام الدليل على خلاف الحالة السابقة، الا انه يخرج بقيامه حقيقة عما تعلق به النهى فى الاخبار من نقض اليقين بالشك، اذ مع قيام الدليل على الخلاف لا يكون نقض اليقين السابق به نقض اليقين بالشك بل بالدليل، فلا يعمه النهى فى تلك الاخبار و توهم ان
ص: 443
الدليل المعتبر لا يكون موجبا للعلم كى يكون مزيلا للشك و يكون واردا على الاستصحاب مدفوع بان افراد العام فى ادلة الاستصحاب ليس هو افراد اليقين و الشك بل افراده افراد نقض اليقين بالشك، و الدليل المعتبر و ان لم يكن موجبا للعلم كى يكون رافعا للشك، الا انه موجب لئلا يكون نقض اليقين السابق به من نقض اليقين بالشك بل بالدليل و توهم ان مقتضى قوله عليهم السّلام فى بعض الاخبار و لكن تنقضه بيقين آخر هو النهى عن نقض اليقين لا باليقين، و من المعلوم ان الدليل المعتبر ليس موجبا لليقين مطلقا فكيف يقدم على الاستصحاب كك مدفوع بان الدليل المعتبر و ان لم يوجب اليقين بحكم الاشياء بعناوينها الاولية، لكنه موجب لليقين بحكمها بعناوينها الثانوية كعنوان انه مما قام على وجوبه او حرمته الدليل المعتبر انتهى ما اردنا نقله من كلامه ملخصا و لا يخفى ما فيه من مواقع للنظر منها ان ما افاده قدس سره فى صدر كلامه من تسليم بقاء مورد الاستصحاب و عدم ارتفاعه بمجرد قيام الدليل على الخلاف، يناقض ما افاده فى الذيل، من جعل اليقين الذى جعل غاية للاستصحاب، عبارة عن اليقين بالحكم بوجه من الوجوه و لو كان من الوجوه الظاهرية، بداهة ان جعل اليقين المجعول غاية للاستصحاب، عبارة عن اليقين بالحكم بوجه من الوجوه، يلازم جعل الشك المجعول موضوعا له عبارة عن عدم اليقين بالحكم بوجه من الوجوه، و عليه فبمجرد قيام الدليل على الخلاف يرتفع مورد الاستصحاب، بداهة ان مع قيامه لا يكون الشك بهذا المعنى موجودا، و هذا مناقض لتسليم ان الدليل المعتبر لا يوجب خروج المورد عن مورد الاستصحاب و منها ان قيام الدليل المعتبر على خلاف الحالة السابقة، اذا لم يكن موجبا للعلم كما اعترف به قدس سره، فلا محالة يكون الشك باقيا بحاله، و معه لا يكون قيامه موجبا لخروج المورد عن صدق نقض اليقين بالشك، بداهة ان المراد من نقض اليقين بالشك ليس الارفع اليد عن الحالة السابقة فى قبال الشك، لا بسبب الشك كيلا يكون رفع اليد عنها بواسطة الدليل نقضا لليقين بالشك بل بالدليل و منها ان جعل اليقين الذى هو غاية للاستصحاب عبارة
ص: 444
عن اليقين بالحكم بوجه من الوجوه، كى يكون العلم بالحكم بعنوان انه قام عليه خبر العدل مصداقا له حقيقة، لا يجدى فى ورود الطرق على الاستصحاب الا بالنسبة الى الشبهات الحكمية دون الموضوعية، فانه لو قام الدليل الاجتهادى على حكم مخالف للحكم الاستصحابى يوجب العلم بالحكم بوجه، و هذا بخلاف ما لو قامت الامارة على موضوع خارجى على خلاف الاستصحاب فى ذلك الموضوع، فان قيام الامارة على ذلك الموضوع لا يوجب العلم به بوجه، بداهة ان الموضوع ليس قابلا للجعل التشريعى و لو ظاهرا، و لذا قالوا ان الاستصحاب فى الموضوعات عبارة عن جعل آثارها و بعبارة اخرى لو قام الدليل على حرمة شرب التتن مثلا فى قبال استصحاب اباحته، امكن ان يقال ان حرمة شرب التتن بعنوان قيام الدليل المعتبر على حرمته معلومة، و اما اذا قامت امارة على موت زيد مثلا فى قبال استصحاب حيوته، فلا يمكن ان يقال ان موت زيد بعنوان قيام الامارة على موته معلوم و هذا واضح و منها ان الموضوع و المتعلق للاحكام الثانوية المجعولة بادلة الطرق، ليس الا الاشياء بعناوينها الاولية التى تكون بها موضوعا للاحكام الواقعية الاولية، دون العناوين الثانوية الطارية عليها بسبب قيام الطرق عليها، كعنوان انها قام على وجوبها او حرمتها خبر العدل او قامت البينة على نجاستها، و امثال ذلك من العناوين المنتزعة، بداهة ان هذه العناوين انما لو حظت طريق الى الواقع، و مقتضى لحاظها كك هو ان يكون الحكم الثانوى مجعولا للعنوان الذى يكون موضوعا للحكم الواقعى الاولى، اذ لو كان الحكم الثانوى مجعولا لهذه العناوين الموضوعة للاحكام كالغصب و نحوه، مثلا لوقام خبر العدل على حرمة شرب التتن، فمقتضى طريقية خبره ان يصير شربه بعنوان انه شرب التتن محرما، اذ لو كان عنوان قيام خبره ملحوظا فى موضوع هذا الحكم، لخرج خبره عن كونه طريقا معتبرا من جهة حكايته عن الواقع، و صار موضوعا من موضوعات الاحكام، فاذا كان مقتضى الدليل كون شرب التتن محرما بالحرمة الثانوية، و كان مقتضى الاستصحاب كونه مباحا بالاباحة الثانوية، فلا وجه لتقديم
ص: 445
الدليل عليه و توهم ان الوجه فى ذلك هو لزوم التخصيص بلا مخصص لو لا ذلك، بداهة ان حجية الطرق ليست مقيدة بعدم اليقين بالخلاف، و ان كان موردها ذلك، و هذا بخلاف الاستصحاب فان حجيته مقيدة بعدم اليقين بالخلاف، و بعد تعميمه الى اليقين بالحكم المخالف و لو بوجه، تكون ادلة الطرق رافعة لموضوعه، و لا يمكن العكس، و ذلك لما عرفت من عدم تقييد الطرق بعدم اليقين بالخلاف، كى يكون دليل الاستصحاب رافعا لموضوعها برفع قيده مدفوع بان حجية الطرق و ان لم تكن مقيدة بعدم اليقين بالخلاف، الا ان موردها ذلك كما اعترفت به انفاء و هذا يكفى فى عدم شمولها لمورد جريان الاستصحاب، و لا يندفع هذا المحذور بما افاده الاستاد دام ظله فى الكتاب، من ان مورد الطريق و ان كان عدم اليقين بالخلاف، الا ان تقييد موردها بذلك لى الا لاجل حكم العقل، و العقل لا يحكم على ازيد من تقييده بعدم اليقين بالحكم الواقعى، و هذا بخلاف الاستصحاب فان حجيته ليس مقيدة بعدم اليقين بالحكم الفعلى، و ان كان مستفادا من الادلة المعتبرة، و ذلك لظهور الشك الذى جعل الحكم معلقا عليه فى دليل الاستصحاب فى الشك فى الحكم الفعلى، و ظهور اليقين الذى جعل غاية للاستصحاب ايضا فى اليقين بالحكم الفعلى و ان كان مستفادا من الادلة المعتبرة، و هذا بخلاف ادلة حجية الطرق فانها اعتبرها مطلقا من غير تعليق على الشك، غاية الامران العقل قيدها بما اذا لم يكن اصل الواقع معلوما، و حينئذ فالاخذ بالطريق رافع حقيقة لموضوع الاستصحاب و هو الشك فى الحكم الفعلى، بخلاف العكس، فان الاستصحاب لا يوجب اليقين بالحكم الواقعى الذى قيد مورد الطريق عقلا بعدمه توضيح عدم الاندفاع، هو ان الظاهر من الشك فى قوله عليه السلام لا تنقض اليقين بالشك بقرينة مقابلته مع اليقين، هو الشك فيما تعلق به اليقين السابق من الحكم الواقعى، لا الشك فى الحكم الفعلى و لو كان ظاهريا، كما ان الظاهر من اليقين الذى جعل غاية للاستصحاب و جوّز نقض اليقين السابق به، هو اليقين بالحكم الواقعى ايضا، اذ لا معنى لتجويز نقض اليقين بشئى باليقين بشئى آخر، بداهة
ص: 446
توقف صدق نقض احد اليقينين بالاخر على اتحاد متعلقهما كما هو واضح فتأمل جيدا(1) و كيف كان فلا بد من القول بحكومة ادلة الطرق على ادلة الاصول، سواء جعلنا الشك المأخوذ فيها بمعنى صفة التردد القائمة بالنفس، او جعلناه بمعنى عدم الطريق على ما مر بيانه.
(قوله دام ظله السادس تعارضه مع سائر الاصول العملية الخ) اقول لا اشكال فيما افاده دام ظله من عدم قابلية ما كان من تلك الاصول الثلثة مدركه العقل كالبرائة العقلية و الاحتياط و التخيير، للمعارضة مع الاستصحاب، بداهة كونه واردا عليها و رافعا لموضوعها، فان حكم العقل بالبرائة و الاحتياط و التخيير، معلق على عدم البيان و الحجة فى الاول، و عدم وجود المؤمن فى الثانى، و عدم ما يرفع به التحير فى الثالث، و من المعلوم ارتفاع تلك الامور العدمية، بالاستصحاب الذى هو بيان و مؤمن و رافع للتحير كما هو واضح و انما الاشكال فى تقديم الاستصحاب على ما كان منها مدركه النقل، كاصالة البرائة المأخوذة من قوله صلى اللّه عليه و آله و سلم رفع ما لا يعلمون، بناء على ان المرفوع جميع الاثار لا خصوص المؤاخذة، و الا لكان ارشادا الى البرائة العقلية و كاصالة الحل و اصالة الطهارة، و ذلك لانه ليس هناك شكان يكون احدهما مسببا عن الاخر، كى يكون الاصل الجارى فى الشك السببى حاكما على المسبى، بل هناك شك واحد يكون مورد الكل من الاستصحاب و اصالة البرائة او الحل او الطهارة، فلا وجه لتقديم احدى تلك القواعد على الاخرى، من غير فرق فى ذلك بين ما لو جعل الشك الموضوع فيها بمعنى صفة التردد القائمة بالنفس، او بمعنى عدم الدليل و التحير، اذ على الثانى كل ما قدّم من القاعدتين يكون رافعا لموضوع الاخرى، و قد اطال شيخ مشايخنا المرتضى قدس سره الكلام فى وجه تقديم الاستصحاب على البرائة النقلية المستفادة من قوله عليه السلام كل شئى مطلق حتى يرد فيه نهى و لا يخفى على من راجع ما افاده فى
ص: 447
المقام، ما فيه من الخلط، بين حمل المرسلة على بيان الاباحة الواقعية للاشياء بعناوينها الاولية قبل ورد النهى فيها واقعا و فى نفس الامر، كى تكون نظير قوله احل لكم ما فى الارض جميعا، و بين حملها على بيان الاباحة الظاهرية لها بعنوان كونها مشكوك الاباحة و الحرمة، بحمل قوله عليه السلام حتى يرد فيه نهى على وصول النهى الى المكلف و ثبوته عنده، لا وروده فى الواقع و نفس الامر، كى تكون نظير قوله عليه السلام كل شئى حلال حتى تعرف انه حرام و التحقيق انا ان حملنا قوله عليه السلام حتى يرد فيه نهى على الورود فى الواقع و نفس الامر، كى تكون الرواية فى مقام بيان الاباحة الواقعية للأشياء بعناوينها الاولية قبل ورود النهى فيها واقعا، و قلنا ان لها عموما از مانيا، فلا شبهة فى انه يجب الرجوع الى عمومها فى زمان الشك فى ارتفاع النهى المعلوم سابقا و لا يبقى معه مجال الاستصحابه، و ان منعنا عن عمومها بحسب الازمان، فلا شبهة فى ان المرجع هو استصحاب النهى السابق لا عموم العام كما حقق فيمامر، و ان حملناه على الوصول الى المكلف و الثبوت عنده، كى تكون الرواية فى مقام بيان الاباحة الظاهرية للاشياء من حيث كونها مشكوك الحكم قبل العلم بورود النهى فيها، فيقع الاشكال فى وجه تقديم الاستصحاب على البرائة فى زمان الشك فى ارتفاع النهى السابق، مع وحدة الشك و كونه مورد الكل من القاعدتين و لا يمكن دفعه الا بما سيجئى انشاء اللّه تعالى من حكومة ادلة الاستصحاب على ادلة البرائة النقلية، بالتقريب الذى افاده الاستاد دام ظله و اما ما افاده شيخ مشايخنا المرتضى قدس سره فى دفعه، من ان دليل الاستصحاب بمنزلة معمم للنهى السابق بالنسبة الى الزمان اللاحق، فيكون مجموع المرسلة و دليل الاستصحاب، بمنزلة ان يقول كل شئى مطلق حتى يرد فيه النهى، و كل نهى ورود فى شئى فلا بد من تعميمه لجميع ازمنة احتماله، فيكون الرخصة فى الشئى و اطلاقه مغى بورود النهى المحكوم عليه بالدوام و عمم الازمان، فكان مفاد الاستصحاب نفى ما يقتضيه الاصل الاخر فى مورد الشك لولا النهى، و هذا معنى الحكومة فهو بظاهره غير مستقيم،
ص: 448
بداهة ان المستفاد من دليل الاستصحاب، انما هو البناء على التحريم و النهى ظاهرا عند الشك فى ارتفاعه، لا الحكم بدوامه بحسب الواقع، كى يكون معمما لما جعل غاية للرخصة و الاطلاق، و يكون حاكما على الاصل القاضى بالاطلاق لو لا النهى هذا و قد يوجّه ما افاده قدس سره، بان مراده هو انه لما كان مفاد قوله عليه السلام لا تنقض اليقين بالشك، هو الحكم بابقاء اليقين الطريقى السابق من حيث الجرى العملى عليه فى اللاحق، و بعبارة اخرى هو الحكم بوجوب معاملة - اليقين بالحكم السابق مع هذا الشك، فيكون بمنزلة المعمم للنهى المتيقن فى السابق بالنسبة الى الزمان اللاحق، فكانه قيل النهى المتيقن فى السابق الذى كان غاية للرخصة و الاطلاق باق الى الزمان اللاحق و فيه او لا ان هذا التوجيه و الحمل، مناف لما اختاره قدس سره من صرف نسبة النقض عن اليقين الى المتيقن، و بنى عليه اختصاص حجية الاستصحاب بالشك فى الرافع و ثانيا ان الحكم بوجوب معاملة اليقين مع هذا الشك، ان كان بلحاظ آثار المتيقن، فهذا لا يفيد فى حكومة الاستصحاب على اصالة البرائة، بداهة ان الرخصة فى الشئى و اطلاقه، يكون مغيى بالعلم بورود النهى لا وروده واقعا، و ان كان بلحاظ آثار اليقين و المتيقن فهو و ان كان مفيدا فى حكومة الاستصحاب على اصالة البرائة، لكنه لا يكون حينئذ بمنزلة المعمم للنهى السابق، و ان كان بلحاظ آثار اليقين و المتيقن، فهو مستلزم للجمع بين اللحاظين و المتنافيين، لحاظ العلم طريقيا اليا و لحاظه موضوعيا استقلاليا فالاولى توجيه ما افاده قدس سره، بما افاده الاستاد دام ظله فى مجلس البحث، و حاصله ان مفاد ادلة الاستصحاب، و ان كان لباهو جعل الحكم المماثل للحكم السابق فى موضوع الشك لاحقا، لكنه حيث يكون بلسان الحكم بابقاء اليقين الطريقى السابق، و عدم الاعتناء بالشك اللاحق، فتكون بمدلولها المطابقى متعرضة للترخيص و الاباحة المرتبين على الشك فى ادلة البرائة الشرعية، و دالة على انهما غير مرادين فيما اذا كانت الحالة السابقة هو الحكم الالزامى، و هذا معنى الحكومة، فالاستصحاب متوسط بين الطرق و سائر الاصول العملية، حيث ان
ص: 449
مفاد ادلة الطرق هو الحكم بثبوت المؤدى تعبدا بلحاظ رفع الشك كك، و مفاد ادلة الاصول العملية غير الاستصحاب، هو جعل الحكم فى موضوع الشك مع حفظ الشك، و مفاد ادلة الاستصحاب هو جعل الحكم المطابق للسابق فى موضوع الشك ايضا، لكن بلسان الغائه و عدم الاعتناء به و توهم ان غايه ما يدل عليه ادلة الاستصحاب، هو عدم نقض اليقين بالشك، و عدم التوقف عن الجرى العملى على مقتضى اليقين السابق بمجرد الشك اللاحق و اما عدم ترتيب آثار الشك عليه، كى تكون حاكمة على البرائة الشرعية، فلا دلالة لها عليه مدفوع بان انتقاض اليقين بالشك قهرى، فلا معنى للنهى عنه الا ترتيب آثار اليقين و عدم ترتيب آثار الشك هذا، ثم ان صاحب الكفاية استراح فبهذا المقام، بما افاده سابقا فى وجه تقديم الطرق على الاستصحاب و حاصله ان الشك المأخوذ فى موضوع الاصول هو الشك من جميع الجهات، فاذا علم الحكم بعنوان نقض اليقين بالشك ارتفع ذلك الموضوع و فيه انه اذا كان موضوع الاصول هو الشك من جميع الجهات، و المفروض على حسب ما افاده فى وجه تقديم الطرق على الاستصحاب من ان موضوع الاستصحاب ايضا هو الشك من جميع الجهات، فلا وجه لترجيح الاستصحاب حتى يصير منشاء للعلم بالحكم بهذا الوجه، و يرتفع به موضوع الاصل المخالف له هذا مع ان هذا العنوان ليس من الحيثيات التقييدية لموضوع الحكم المجعول بادلة الاستصحاب، كى يكون الموضوع بهذا العنوان معلوم الحكم بداهة انه اذا شك فى حرمة المغلى من النبيذ، و حكم باستصحاب حرمته الثابتة له فى حال كونه عنبا، لا يكون الموضوع للحرمة المستصحبة الا المغلى من النبيذ بهذا العنوان، لا بعنوان انه ممادل على حرمته لا تنقض اليقين بالشك، و انما هو من الحيثيات التعليلية، و من المعلوم ان مجرد كون علة احد الحكمين معلومة و علة الاخر مجهولة، لا يوجب تقديم الاول على الثانى، هذا مع امكان ان يقال العلة للترخيص و الاباحة المستفاد من ادلة البرائة، هو الامتنان و التسهيل على الامة، فيكون الحكم بعنوان الامتنان و التسهيل معلوما.
ص: 450
(قوله دام ظله السابعة فى تعارض الاستصحابين الخ) لا يخفى ان الاستصحابين المتعارضين، و ان كان لهما اقسام كثيرة، من حيث كونهما موضوعيين او حكميين او مختلفين بان كان احدهما موضوعيا و الاخر حكميا، و من حيث كونهما وجوديين او عدميين او مختلفين بان كان احدهما وجوديا و الاخر عدميا، و من حيث كونهما فى موضوع واحد او موضوعين، و من حيث كون تعارضهما بانفسهما او بواسطة امر خارج كالعلم الاجمالى الى غير ذلك من الجهات و الحيثيات الا ان اختلاف هذه الاقسام لا يؤثر فى حكم المتعارضين، الا من جهة واحدة جامعة لجميع صور الاختلاف و التعارض، و هى ان الشك المأخوذ فى موضوع الاستصحابين بحسب التصور العقلى لا يخلو، اما ان يكون احدهما مسببا عن الاخر من غير عكس، و اما ان يكون كل منهما مسببا عن سبب غير ما كان الاخر مسببا عنه، و اما يكونا مسببين عن امر ثالث و اما كون كل منهما مسببا عن الاخر فغير معقول، لاستلزامه تقدم الشئى على نفسه و كونه علة لعلة نفسه و هو محال و اما ما صدر عن بعض المحققين، من ادراج هذا القسم تحت الاقسام، و التمثيل له بالعامين من وجه، بتوهم ان الشك فى شمول كل منهما لمادة الاجتماع مسبب عن الشك فى شمول الاخر لها، ففاسد جدا لما عرفت من استحالته عقلا و اما الشك فى شمول العامين من وجه لمادة الاجتماع، فهو مسبب عن ثالث و هو العلم بعدم امكان ارادة كلا الطاهرين، من حيث استلزامه للتناقض فى نفس الامر و ارادة مادة الاجتماع و عدم ارادتها فالاقسام المتصورة الممكنة ثلثة، و انما لم يتعرض الاستاد دام ظله للقسم الثانى لكونه ملحقا بالثالث حكما فالبحث يقع فى مقامين الاول ما اذا كان الشك فى احد الاستصحابين مسببا عن الشك فى الاخر، مثاله ما لو غسل ثوبا نجسا بماء كان حالته السابقة هى الطهارة، و شك بعد غسله به فى طهارته و نجاسته، فان هذا الشك انما نشاء عن الشك فى طهارة ذلك الماء حين غسل الثوب به، بداهة انه لو علم بطهارة الماء حين الغسل لكان طهارة الثوب قطعية و لا اشكال فى لزوم تقديم الاستصحاب الجارى فى
ص: 451
الشك السببى على الحارى فى المسببى، و الوجه فى ذلك امران احدهما ما تقدم فى وجه تقدم الطرق المعتبرة على الاصول، من ان الشك المأخوذ فى موضوع الاصول بمعنى عدم الطريق و التحير، فاذا ورد طريق معتبر يرتفع موضوعها، و نقول فى المقام ايضا ان بعد شمول ادلة الاستصحاب للشك السببى، لا يبقى موضوع للاستصحاب فى المسببى، بداهة انه بعد حكم الشارع بطهارة الماء الذى كان حالته السابقة الطهارة، و ترتيب آثار الطهارة الواقعية عليه التى منها طهارة ما ينغسل به، يحصل لنا دليل على طهارة الثوب المغسول به ايضا، و لا عكس فانه لو فرض شمول ادلته للشك فى طهارة الثوب، لا يترتب عليه نجاسة الماء، لان نجاسته ليست من آثار نجاسة الثوب، بداهة ان بعد مراعاة شرائط التطهير من ايراد الماء على الثوب لا العكس، نعلم بان الماء لم يتنجس بالثوب، نعم لو علم ببقاء نجاسة الثوب بعد غسله بذلك الماء، يكشف عن ان الماء كان نجسا حين غسل الثوب به و الا لطهره، فالامر فى المقام دائر بين تقديم الاصل المسببى و الالتزام بخروج الشك السببى عن عموم دليل حجية الاستصحاب حكما و من باب التخصيص، او تقديم الاصل السببى و الالتزام بخروج الشك المسببى عن عموم دليلها موضوعا و من باب التخصص، و لا شبهة فى تعين الثانى لان الاولى مخالف للقاعدة بخلاف الثانى ثانيهما تقدم الشك السببى على المسببى طبعا، لان الثانى معلول للاول، فالثانى ليس فى رتبة الاول بل فى رتبة الحكم المترتب على الاول، اذ كما ان الشك المسببى معلول الشك السببى، كك الحكم المحمول على الشك السببى معلول له، فتكون نسبتها الى الشك السببى نسبة واحدة و فى رتبة واحدة، ففى رتبة تحقق الشك المسببى كان الحكم ثابتا للشك السببى، و معه يمتنع ان يثبت للمسببى ايضا، بعد فرض التمانع بينهما فى الحكم فتدبر ثم انه يظهر الثمرة بين الوجهين، فيما لو كان الترتب بين السبب و المسبب عقليا لا شرعيا، او كان الترتب بينهما شرعيا، و لكن قلنا باعتبار الاستصحاب من باب الظن او قلنا بالاصول المثبتة، فانه على الاول لا يجدى الاصل الجارى فى السبب لاحراز
ص: 452
حال المسبب، فيما لو كان الترتب بينهما عقليا، و يكون الاصل فى السبب معارضا بالاصل فى المسبب، فيما لو كان الترتب بينهما شرعيا او عقليا، و قلنا باعتبار الاستصحاب من باب الظن او قلنا بالاصول المثبتة و هذا بخلاف الثانى، فانه فيما كان الترتب بين السبب و المسبب عقليا، و ان لم يكن الاصل الجارى فى السبب مجديا لاحراز حال المسبب، الا ان الشك السببى لمكان تقدمه الطبعى على الشك المسببى، يحرز الحكم فى رتبة تحقق الشك المسببى، و معه يمتنع ان يثبت للمسببى ايضا بعد فرض التمانع بينهما فى الحكم، و كذا فيما لو كان الترتب بينهما شرعيا او عقليا، و قلنا باعتبار الاستصحاب من باب الظن او قلنا بالاصول المثبتة، بداهة ان الاصل انما يجدى فى اثبات الملزومات و اللوازم العقلية بعد جريانه، و قد عرفت ان الشك السببى بعد احرازه الحكم فى رتبة تحقق الشك المسببى، لا يبقى مجالا لثبوت الحكم للمسببى و جريان الاستصحاب فيه، حتى يعارض بمدلوله الالتزامى مع الاصل السببى هذا.
اما المقام الثانى، و هو ما اذا كان الشك فى كلا الاستصحابين المتعارضين مسببا عن امر ثالث، كما اذا علم اجمالا بانتقاض الحالة السابقة فى احدهما، فهو على قسمين لانه تارة يكون العمل بكليهما مستلزما مخالفة قطعية عملية للتكليف المنجز، كما لو علم بنجاسة احد الانائين اللذين كانا طاهرين سابقا، فان استعمال كليهما عملا باستصحاب طهارتهما، مستلزم للمخالفة القطعية العملية للتكليف بالاجتناب عن الاناء النجس المعلوم بالاجمال، و اخرى لا يكون العمل بكليهما مستلزما لمخالفة قطعية عملية، كما لو توضاء غافلا بمايع مردد بين الماء و البول، فانه يعلم اجمالا بانتقاض الحالة السابقة لطهارة بدنه لو كان ذلك المايع بولا، او انتقاض الحالة السابقة لحدثه لو كان ذلك المايع ماء فالحكم ببقاء طهارة بدنه و بقاء حدثه بمقتضى استصحابهما، و ان كان مخالفا لذلك العلم الاجمالى، لكنه لا يكون مستلزما لمخالفة قطعية عملية للتكليف المنجز، فانه لوبنى على طهارة بدنه و كونه محدثا بمقتضى الاستصحاب، لم يلزم منه مخالفة قطعية لتكليف منجز
ص: 453
كما هو واضح، و كون البناء على طهارة بدنه و بقاء حدثه، مستلزما للتفكيك بين المتلازمين، لان بقاء طهارة بدنه مع استعمال المايع المردد، ملازم لرفع حدثه بالتوضى منه، فالحكم بطهارة بدنه و بقاء حدثه موجب للتفكيك بين المتلازمين، لان المايع الذى توضا منه انكان واقعا ماء لكان البدن طاهرا و الحدث مرتفعا، و اتكان بولا فكان البدن متنجسا و الحدث باقيا لا معذور فيه، بعد ما حقق فى محله من جواز التفكيك الظاهرى بين المتلازمين الواقعيين، اذ التلازم بين الشيئين واقعا لا يلازم التلازم بينهما بحسب الظاهر، و لذا قلنا بعدم حجية الاصول العملية فى لوازم مؤدياتها.
اما القسم الاول فمقتضى القاعدة فيه، و ان كان شمول ادلة الاستصحاب لكل من طرفى العلم الاجمالى، لتحقق ما هو الموضوع فيها من اليقين بحدوث امر سابقا و الشك فى بقائه الاحقا فى كل من الطرفين، لكن العمل بعموم ادلة الاستصحاب فى كلا الطرفين، حيث يكون مضافا الى استلزامه التعبد ببقاء الواقع فى كل من الطرفين، المنافى للعلم بعدم بقائه فى احدهما، اذ لا يعقل الحكم بابقاء طهارة كل من الانائين مع العلم بنجاسة احدهما، امستلزم للمخالفة القطعية العملية للتكليف المعلوم بالاجمال، و هى غير جائزة بحكم العقل، فلا يصح العمل بعمومها فى كل من الطرفين، و اما العمل بعمومها فى احدهما على نحو التخيير، و ان لم يكن مستلزما لمخالفة قطعية عملية، الا ان التخيير فى اعمال احد الاصلين المتعارضين، لا دليل عليه، بل مخالف لما هو مقتضى ادلة اعتبارها من اعمال كل اصل على التعيين، و حيث ان الاستصحاب فى كل من الطرفين معارض به فى الاخر، فمقتضى القاعدة تساقطهما، و الرجوع الى مقتضى العلم الاجمالى بالتكليف بترك استعمال كلا المائين فى المثال و توهم ان الترخيص فى احد الطرفين على نحو التخيير و ان لم يكن مدلولا لادلة الاستصحاب الا ان مقتضى الترخيص حيث يكون موجودا فى كل منهما بمقتضى عموم ادلته، و المانع انما يكون مانعا عن الجمع بينهما، فيكون المقتضى فى احدهما بلا مانع فيؤثر اثره عقلا، لاستحالة انفكاك المعلول عن علته التامة فالاصول
ص: 454
المتعارضة بناء على ما ذكرنا تندرح فى صغرى التزاحم، اذ هى نظير ما اذا وقع التزاحم فى انقاذ الغريقين و لم يكن لاحدهما مزية و مرجح على الاخر، حيث قالوا فيه بان المقتضى اى المصلحة التامة الملزمة لانقاذ كل منهما موجود، و المانع انما يمنع عن الجمع بين انقاذ كليهما، فالمقتضى فى احدهما يكون بلا مانع، فيجب تأثيره فى انقاذه، و حيث ان وجوب انقاذا احدهما المعين ترجيح بلا مرجح، فيجب انقاذ احدهما على نحو التخيير مدفوع بان قياس المقام بباب التزاحم مع الفارق، لان فى ذلك الباب يكون المقتضى اعنى المصلحة الملزمة موجودة فى انفاذ كل من الغريقين، و انما المانع عن تأثيرها فى وجوب انقاذ كليهما، هو عدم قدرة المكلف على الجمع بين انقاذ كليهما فى مقام الامتثال، و اما امتثال كل منهما عند ترك الاخر فهو مقدور له فيجب عليه بحكم العقل و هذا بخلاف المقام فان الاصول العملية لا مقتقى لها الا مصلحة التسهيل و عدم وقوع المكلف فى كلفة الاحتياط، فاذا لم يكن للاصول العملية مصلحة ملزمة ذاتية و لا سلوكية، فلا يمكن ادراج المتعارضين منها فى باب التزاحم كما لا يخفى، اذ مقتضى الترخيص فى كل منهما و هى مصلحة التسهيل، و ان كان موجودا فى كل منهما، لكن العلم الاجمالى بالتكليف المنجز المقتضى لوجوب الاحتياط بحكم العقل، يمنع عن تأثيره فى الترخيص مطلقا و لو فى احدهما المخير هذا و لكن يمكن ان يقال بالترخيص فى احدهما المخير، لا من جهة ما ذكر من اقتضا مصلحة الترخيص، بل من جهة الاخذ باطلاق دليل الترخيص فى كل من طرفى العلم الاجمالى، و تقييده فى كل منهما بمقدار الضرورة توضيح ذلك، هو ان مقتضى عموم الدليل هو الترخيص فى كل من الانائين المشتبهين مطلقا اى سواء ارتكب الاحرام لا، و العلم الاجمالى بنجاسة احدهما انما يمنع عقلا هذا الاطلاق، و لا ينافى بفاء الترخيص فى كل واحد منهما - بشرط عدم ارتكاب الاخر و توهم ان لازم ما ذكرنا من بقاء الترخيص فى كلواحد منهما بشرط عدم ارتكاب الاخر، ان يكون من لم يرتكب شيئا منهما مرخصا فى ارتكاب كليهما لحصول الشرط فى كليهما، و هذا ترخيص فى المخالفة
ص: 455
القطعية فيكون كرّا على ما فر عنه مندفع بما حققناه فى محله، من ان الاحكام لا يمكن ان تشمل حال وجود متعلقاتها و لا حال عدمها، اذ على الاول يلزم طلب الحاصل، و على الثانى طلب النقيضين، فدليل الترخيص لا يمكن شموله للترخيص، حتى فى صورة فرض عدم ارتكاب متعلقه، كى يلزم منه الترخيص فى المخالفة القطعية هذا و تدبر فان الترخيص المشروط الذى استكشفناه من الاطلاق، ينافى مادل على ان العالم يحتج عليه بما علم و انه ليس فى سعة من معلوماته، فانه يقتضى الاحتياط بحكم العقل و ينافى الترخيص الذى استكشفناه، هذا مضافا الى المنع عن اطلاق الادلة المرخصة، لانها ليست متعرضة الا لحكم الشك من حيث انه شك و اما القسم الثانى الذى لا يكون العمل بكلا الاصلين مستلزما لمخالفة قطعية، فهو على قسمين لانه، تارة يكون مقتضى الاستصحاب فى احد الطرفين ثبوت التكليف و فى الاخر نفيه، مع العلم بعدم التفكيك بينهما فى الحكم كما مر من مثال التوضى بما يمع مردد بين الماء و البول، و اخرى يكون مقتضى الاستصحاب فى الطرفين ثبوت التكليف، مع العلم بعدمه فى احدهما، كما فى استصحاب نجاسة الانائين مع العلم بطهارة احدهما اما القسم الاول، فلا مانع فيه عن العمل بمقتضى كلام الاستصحابين فيه، و ذلك لما مر من عدم لزوم المخالفة القطعية من العمل بهما، و ان مجرد العلم باستلزام العمل بكليها للتفكيك بينهما فى الحكم الواقعى، لا يمنع عن العمل بهما، بعد ما عرفت من ان التلازم بين الشيئين واقعا، لا يلازم التلازم بينهما ظاهرا ايضا، الا فيما اذا علمنا بعدم التفكيك بينهما مطلقا حتى فى مرحلة الظاهر، فانه حينئذ يقع التعارض بينهما، كما فى الماء النجس المتمم كرا بماء طاهر، حيث قام الاجماع على اتحاد المائين فى الحكم حتى فى مرحلة الظاهر، فانه حينئذ يكون مقتضى استصحاب طهارة المتمم بالكسر بضميمة الاجماع المزبور، طهارة الكل، و يكون مقتضى استصحاب نجاسة المتمم بالفتح بضميمة الاجماع المزبور نجاسة الكل، فيتعارض الاستصحابان و يتساقطان، و يكون المرجع اصالة الطهارة.
ص: 456
و اما القسم الثانى اعنى ما كان مقتضى الاستصحاب فى الطرفين ثبوت التكليف، كما فى استصحاب نجاسة الانائين مع العلم بطهارة احدهما، فالاقوى عدم جريان الاستصحاب فيه، فان العمل بالاستصحاب فيه و ان لم يكن مستلزما للمخالفة القطعية للتكليف المعلوم بالاجمال الا ان التعبد ببقاء الواقع فى كل من الطرفين ينا فى العلم بعدم بقاء الواقع فى احدهما، اذ لا يعقل الحكم ببقاء النجاسة فى كلا الانائين مع العلم بطهارة احدهما، فيكون الحكم ببقاء النجاسة فى احدهما لغوا، لان الاستصحاب حكم ظاهرى ليس له اثر الا تنجيز الواقع على تقدير وجوده، فمع القطع بعدم ثبوت الحكم الواقعى فى احد الطرفين، يكون التعبد ببقائه فى احدهما لغوا كما هو واضح نعم لو ترتب عليهما اثر آخر غير التنجيز صح الاخذ بكليهما لترتيب ذلك الاثر، كما اذا لا فى شئى كلا من الانائين، فانه باستصحاب نجاسة كل من الانائين يحكم بنجاسة الملاقى لهما، هذا آخر ما استفدناه من بحث استادنا الاعظم حجة الاسلام و المسلمين و آية اللّه الملك العليم شيخ الفقهاء العظام و عماد العلماء الاعلام الحاج الشيخ عبد الكريم اليزدى الحائرى ادام اللّه تعالى ظله و متع المسلمين بافاضة، فى احكام الشك و انا العبد الا ثم المحتاج الى رحمة ربه الغنى محمود بن مرتضى بن محمد حسن الاشتيانى اعلى اللّه تعالى مقامها و الحمد للّه اولا و آخرا و الصلوة و السلام على اشرف انبيائه محمد و آله الطاهرين دائما سرمدا.
ص: 457
ص: 458
ص: 459
(قوله دام ظله و يتلوها الكلام فى التعادل و الترجيح) اقول انما عدل عما فى رسائل شيخ مشائخنا الانصارى قدس سره، من جعله هذا المبحث خاتمة للكتاب تحرّزا عما قد يتوهم من ان الوجه فى جعله قده هذا المبحث خاتمة، هو خروجه عن المباحث الاصولية و مقاصدها و كونه من المسائل الفقيهة و انت خبير بفساد هذا التوهم بداهة انه لا مجال للاشكال فى كونه من مسائل هذا العلم، ضرورة صدق تعريف هذا العلم عليه، سوا عرفناه بما عرفوه به من انه ما يبحث فيه عن عوارض الدليل على الحكم الشرعى الكلى، او عرفناه بما عرفه الاستاد دام ظله فى اول الكتاب من انه العلم بالقواعد الممهدة لكشف حال الاحكام الواقعية المتعلقة بافعال المكلفين اما على الاول فلان البحث فى المقام بحث عن تعارض ما فرغنا عن دليليته من الاخبار الحاكية عن السنة و لا نيا فى ذلك، الحكم بسقوط احد المتعارضين تعيينا او تخييرا او كليهما، بالتعارض عن الحجية الفعلية، بداهة ان الترجيح او التخيير فرع التعارض، المتوقف على شمول دليل الحجية و الاعتبار لكل من المتعارضين فى نفسه، فلا يرجع البحث فى المقام الى البحث عن شمول دليل الاعتبار للمتعارضين، كى يرجع الى البحث عن اصل الحجية و يكون داخلا فى المبادى و اما على الثانى، فلان البحث فى المقام بحث عما به يسنكشف حال الحكم الشرعى الكلى المتعلق بما هو فعل للمكلف من الاخذ باحد المتعارضين تعيينا او تخيير فتبين مما ذكرنا ان الوجه فى ذكر الشيخ قده هذا المبحث فى الخاتمة هو تاخر البحث عن الادلة من حيث التعادل و الترجيح طبعا، عن البحث عنها من حيث الحجية و الدلالة قوله دام ظله البحث فى تعارض الدليلين، لا يخفى انه دام ظله انما جعل موضوع البحث فيما مر انفا التعادل و الترجيح، و جعله هنا تعارض الدليلين لان الغرض الاصلى من عقد هذا المبحث، لما كان معرفة خصوص ما للمتعارضين من الاحكام فى حالتى التعادل و الترجيح، جعلهما دام ظله موضوعا للبحث هناك، و حيث كان الاولى جعل موضوع البحث هو تعارض الدليلين، لان عروض التعادل و الترجيح عليهما بتبع تعارضهما، جعل
ص: 460
تعارضهما موضوعا للبحث هنا و كيف كان فالتعادل فى الاصل ماخوذ من العدل بالكسر و هو المثل فيكون بمعنى الثماثل و فى الاصطلاح عبارة عن تساوى الدليلين بحسب الوجدان للمزابا الاتية و الفقدان لها و الترجيح فى الاصل احداث الرجحان و المزية، و فى هذا الباب يحتمل ان يكون المراد منه تقديم احد الدليلين المتعارضين على الاخر لاجل مزية فيه من تلك المزايا، و يحتمل ان يكون المراد منه تقدم احدهما على الاخر لذلك، فيكون من قبيل استعمال المسبب و ارادة السبب، حيث ان ترجيح احدهما و تقديمه، على الاخر، مسبب عن ترجحه و تقدمه عليه بوجدانه لما يكون الاخر فاقدا له من المزايا، لكنه مع كونه خلاف الظاهر انسب بمقايلة للتعادل كما لا يخفى و حيث ان محل التعادل و الترجيح هو الدليلان المتعارضان، فلا بد من تعريف التعارض و بيانه فنقول ان التعارض يحتمل ان يكون فى الاصل ماخوذا من العرض بمعنى الاظهار، او من العرض المقابل للطول، و فى الاصطلاح عبارة عن تنا فى الدليليين باعتبار مدلولهما، بحيث لا يمكن صدق كليهما بحسب الواقع و وجه التسمية بالتعارض، بناء على اخذه من العرض بمعنى الاظهار، و هو ان الدليلين المتعارضين لاجل تنا فيهما بمدلولهما، كانّ كلامنهما بظهر نفسه و ببارزه لدفع الاخر و الغلبة عليه، و بناء على اخذه من العرض المقابل للطول، هو كون كل من المتعارضين فى عرض الاخر، من غير تقدم رتبى لاحدهما على الاخر كما فى الحاكم و المحكوم ثم ان التنافى بين الدليلين، تارة يكون على وجه التناقض، و اخرى على وجه التضاد اما ذاتا كما اذا امتنع اجتماع مدلولهما، عقلا كوجوب شئى و حرمته، او شرعا كوجوب القصر و الاتمام و الظهر و الجمعة، او عرضا كما اذا علم بكذب احدهما اجمالا مع عدم امتناع اجتماع مدلولهما اصلا، لكن هذا خارج عن باب التعارض كما سيبچئى بيانه فانتظر و على كل من التقادير، اما ان يكون التنافى بينهما بمدلولهما المطابقى او الئضمنى او الا الزامى، و على التقادير، اما ان يكون التنافى بينهما على نحو الكلى او العموم من وجه ثم ان مما ذكرنا فى تعريف التعارض، من انه عبارة عن فى تنافى الدليلين باعتبار مدلهما بحيث لا يمكن صدق كليهما ثبوتا و بحسب الواقع ظهر انه
ص: 461
لا تعارض بين ادلة الاحكام الواقعيته و ادلة الاحكام الظاهرية و لو كانت على خلاف الواقعية، و لا بين ادلة الامارات الشرعية و ادلة الاصول التعبدية و لو كانت على خلاف الامارات و ذلك لامكان صدق مدلول كليهما بحسب الواقع فى كلا الموردين، على ما مر بيانه فى مبحث حجية الظن، و سيبچئى ان شاء اللّه تعالى توضيحه عند التعرض لكلام شيخ مشايخنا الانصارى قده فى هذا المقام ثم انك بعد ما عرفت من ان التعارض بين الدليلين لا يتحقق، الا فيما اذا كان التنافى بين مدلولهما ذاتيا، بحيث لا يمكن الجمع بينهما فى مقام الجعل و الانشاء ثبوتا و فى نفس الامر، كما لو كان مدلول احد الدليلين وجوب اكرام زيد مثلا و مدلول الاخر عدم وجوب اكرامه او حرمته، فان المدلولين فى المثال متناقضان او متضادان، لا يمكن الجمع بينهما فى مقام الجعل و الانشاء ثبوتا و فى نفس الامر ظهر لك انه فيما اذا لم يكن تناف بين المدلولين ذاتا، و لكن امتنع الجمع بينهما فى مقام الفعلية لكونه مستلزما الامر محال، كما لو كان مدلول احد الدليلين وجوب اكرام زيد و مدلول الاخر وجوب اكرام عمرو، و لم يتمكن المكلف من اكرام كليهما، حيث ان المدلولين فى المثال لاتنا فى بينهما ذاتا، و لكن امتنع الجمع بينهما فى مقام الفعلية على المكلف العاجز عن الاتيان بمدلول كلا الدليلين، لاستلزامه التكليف بما لا بطاق فهو خارج عن باب التعارض، و داخل فى باب التزاحم، و بينهما بون بعيد حيث ان كلا من الدليلين فى باب التعارض يكذب الاخر و ينفى مدلوله عن موضوعه المتحقق فى الخارج، و هذا بخلاف الدليلين فى باب التزاحم، فان كلامنهما يمنع عن تحقق موضوع الاخر، و هو الفعل المقدور فى الخارج، حيث ان كلا منهما بصرف قدرة المكلف الى نفسه و يعجز عن الاتيان بالاخر، و من هنا يقدم الاهم من المتزاحمين على الاخر، حيث ان الاهم لمكان اهميته يصرف قدرة المكلف الى نفسه و يعجزه بالنسبة الى المهم، بخلاف المهم فانه لا يقدر على صرف قدرته الى نفسه و مما ذكرنا ظهر فساد ما تكرر فى بعض الكلمات من ان الاصل هو التعارض او التزاحم، و ذلك لما عرفت من انه لا مورد اجتماع و اشتراك بينهما، كى يصح ان بقال ان مقتضى الاصل فى مقام الاشتباه ايهما كما ظهر فساد اعمال
ص: 462
مرجحات المتعارضين فى المتزاحمين، و ذلك لما عرفت من ان كلا من المتعارضين يكذب الاخر، فلا بد ان يكون مرحج احدهما على الاخر مما يوجب قوة كشفه عن الواقع بالنسبة الى الاخر و هذا بخلاف المتزاحمين فان كلا منهما كما مر يصرف قدرة المكلف عن الاخر الى نفسه، فلا بد ان يكون مرجحه على الاخر مما يوجب اهميته بالنسبة الى الاخر، كى يقدر على صرف القدرة المكلف الى نفسه و لا يقدر الاخر عليه ثم انك قد عرفت ان التنافى بين الدليلين لا يتحقق الا على وجه التناقض او التضاد، و حيث ان الوجه فى استحالة اجتماع الضدين، هو اول اجتماعهما الى اجتماع النقيضين حقيقة، بداهة ان كلا من الضدين يقتضى عدم الاخر فتدبر، فاجتماعهما يقتضى اجتماع كل منهما مع عدمه فالاولى اشتراط الوحداث الثمانية المعتبرة فى التناقض فى تحقق التعارض بين الدليلين مطلقا الا ان شيخ مشايخنا الانصارى قدس سره اقتصر على اشتراط وحدة الموضوع فى تحققه و يمكن ان يكون الوجه فى اقتصاره على اشتراطها، هو رجوع جميع الوحدات الى وحدة الموضوع و لو بالعنوان التقييدى، فلا يرد عليه النقض بتحقق التعارض بين العامين من وجه، مع عدم اتحادهما فى الموضوع كما لا يخفى فتدبر ثم انه قدس سره فرع على اشتراط وحدة الموضوع فى التعارض، عدم وقوع التعارض بين الاصول العملية و الادلة الاجتهادية، و افاد فى وجهه بما لا بخلو عن اضطراب و خلط، حيث ان صدر كلامه ظاهر، فى ان عدم وقوع التعارض بينهما، لاجل عدم التنافى بين مدلولهما ثبوتا، من حيث اختلافهما موضوعا، ذيله ظاهر فى ان عدم التعارض بينهما، لاجل عدم التنافى بين نفس الدليلين اثباتا، من حيث ان احدهما رافع لموضوع الاخر حقيقة او حكما و بالجملة صدر كلامه ظاهر فى انه فى مقام رفع التنافى بين الاحكام الظاهرية و الاحكام الواقعية ثبوتا و فى نفس الامر، و ذيله ظاهر فى انه فى مقام رفع التنافى بين ادلة الاصول التعبدية و الامارات الشرعية اثباتا و نحن نتكلم فى كلا المقامين اقتضاء لاثره فنقول اما المقام الاول، فقد ذكر للجمع بين الاحكام الظاهرية المجعولة للموضوعات بلحاظ الجهل باحكامها الاولية الواقعية المجعولة لها بعناوينها و رفع التنافى بينهما، وجوه
ص: 463
احدها ما اشار اليه الشيخ الانصارى قدس سره فى صدر كلامه من ان الحكمين مختلفان موضوعا و بيانه ان الموضوع للحكم الواقعى، ليس هو الشئى باعتبار اطلاقه بالنسبة الى جميع عوارضه و حالاته، حتى الطارية عليه بلحاظ حكمه ككونه معلوم الحكم و مجهوله، كيف و الحالات الطارية عليه بلحاظ الحكم متأخرة عن مرتبة جعل الحكم عليه، و معه لا يمكن اعتبارها فى موضوعه، فاذا لم يمكن اعتبارها فى الموضوع و تقييده بها، فلا يمكن ملاحظة اطلاقه بالنسبة اليها، بداهة الاطلاق و التقييد متلازمان امكانا و امتناعا، بل الموضوع للحكم الواقعى هو الشئى باعتبار تجريده عن جميع الاعتبارات المتأخرة عن جعل الحكم عليه، فلا يكون عروض الحكم الواقعى عليه بعنوان كونه لا بشرط، و عروض الحكم الظاهرى عليه بعنوان كونه بشرط شئى كى يجتمعان فى موضوع واحد عند الجهل و بالجملة ليس الموضوع للحكم الظاهرى من جزئيات موضوع الحكم الواقعى كى يجتمعان فى مصداق واحد، بل هما موضوعان متمايزان مفهوما و مصداقا ذهنا و خارجا هذه غاية ما يقال فى بيان هذا الوجه و فيه ان الموضوع للحكم الواقعى، و ان لم يمكن اعتباره مقيدا و لا مطلقا بالنسبة الى القيود المترتبة على الحكم من العلم و الجهل، بالتقييد و الاطلاق اللحاطيين، الاّ انه لا بد من اعتباره مطلقا بالنسبة اليها، على نحو نتيجة الاطلاق، بداهة ان تخصيصه بغير حال الجهل، مستلزم للتصويب الباطل، اذ يلزمنه ان لا يكون له تعالى فى الوقايع حكم مجعول يشترك فيه العالم و الجاهل، و هو باطل بالاجماع بل بضرورة من المذهب، و اذا كان الحكم الواقعى مطلقا بالنسبة حال الجهل، فيكون حاله بالنسبة الى موضوع الحكم الظاهرى، كحال سائر المطلقات بالنسبة الى المقيدات فى سراية حكمه اليه، فيجتمع فيه الحكمان المتضادان و هو محال ثانيها ان الحكمين مختلفان محمولا، حيث ان احدهما واقعى و الاخر ظاهرى و فيه ان مجرد الاختلاف فى التسمية لا يضر بوحدة المحمول كى يوجب رفع التناقض ثالثها ما اختاره صاحب الكفاية قدس سره، من ان للحكم مراتب اربع من الاقتضائى و الانشائى و البعثى او الزجرى الفعلى و المنجز الفعلى، و التضاد بين الاحكام انما يقع فيما اذا وصلت الى
ص: 464
المرتبة الثالثة، و اما فى المرتبتين الاولتين فلا تضاد بينهما، و الحكم الواقعى فى موارد الامارات و الاصول، لم يتجاوز عن المرتبة الثانية الى المرتبة الثالثة، كى يقع التضاد بينه و بين الحكم الظاهرى البالغ الى المرتبة الرابعة و فيه انا لا نتعقل ما ذكره للحكم من المراتب، لان المراد من الاقتضائى ان كان هو المصلحة و المفسدة، فهما من ملاك الحكم لامن مراتبه، و ان كان غيرهما فلا نتعقله و كذا المراد من الانشائى، ان كان هو انشاء الاحكام على سبيل القضايا الحقيقية التى ينشاء الحكم فيها على الموضوع المقدر وجوده بجميع قيوده و شروطه التى لها دخل فى ثبوت الحكم له، فعده مرتبة اخرى غير الفعلى غريب، لان انشاء الحكم از لا على موضوعه المقدر وجوده و صيرورته فعليا بتحقق موضوعه خارجا، لا يجعل للحكم مرتبتين، بداهة ان الذى صار فعليا بتحقق موضوعه، هو الذى انشاء على فرض تحققه و ان كان المراد منه انشاء الحكم اوّلا على طبق المقتضى مهملا او للاعم من العالم و الجاهل، ثم انشائه ثانيا عند اجتماع شرائط تأثير المقتضى و فقد موانعه للعالم، فيكون المشترك بين العالم و الجاهل هو الحكم الانشائى الذى انشائه اولا على طبق المقتضى، و المختص بالعالم هو الحكم الفعلى الذى انشائه ثانيا عند اجتماع الشرائط و فقد الموانع التى منها الجهل ففيه ان هذا صدوره عن الحكيم غير معقول، بداهة انه لو كان العلم شرطا فى التأثير او الجهل مانعا عنه، لم يعقل ان ينشاء الحكم از لا الا مقيدا بوجود الاول او بعدم الثانى فلا يكون حينئذ حكم اصلا ازلا بالنسبة الى الجاهل، و يكون فعليا كك بالنسبة الى العالم او من قام عنده امارة عليه، و هذا عين التصويب الذى يقول به المعتزلى و بالجملة كل ماله دخل وجودا او عدما فى فعلية الحكم، فلا بد على الحكيم العالم الذى لا يخفى عليه خافية، ان ينشائه مقيدا بوجوده او عدمه، لا مهملا او مطلقا، فان الاول من شأن الجاهل الغير المطلع على الاحوال، و الثانى مستلزم للخلف المحال، و ليس محل البحث هو اهمال الحكم او اطلاقه فى مقام التلفظ و مرحلة الاثبات، كى يمكن بيانه او تقييده بدليل آخر متصل او منفصل، بل محله هو اهمال الحكم او اطلاقه فى مقام اللب و مرحلة الثبوت و الحاصل انه لا يعقل ان ينشأ الحكيم
ص: 465
الحكم الاعلى طبق ما يراه دخيلا فى موضوعته من القيود الوجودية او العدمية و عليه فلا يعقل ما افاده من التفكيك، بين ما انشاء على طبق المقتضى، و ما يصير فعليا عند تحقق الشرائط و فقد الموانع، بداهة ان ما يصير فعليا عند تحقق الشرائط و فقد الموانع، هو الذى انشائه على طبق ما راه دخيلا فى موضوع حكمه من القيود الوجودية و العدمية، من غير فرق بينهما الا فى كون الموضوع فى احدهما مقدّر الوجود و فى الاخر محقق الوجود فتحصل مما ذكرنا انه، ان كان الجهل مانعا عن فعلية الاحكام الواقعية، فلا محالة انشأت ازلا مقيدة بعدمه، و عليه فلا يكون حكم انشائى مشترك بين العالم و الجاهل، بل يكون جميع الاحكام الواقعية مختصة بالعالم، و هذا باطل بالاجماع بل بضرورة من المذهب و ان لم يكن الجهل مانعا عن فعليتها، فتكون فعلية فى حق الجاهل ايضا، و المفروض ان الاحكام الظاهرية فعلية ايضا فى حقه، فيلزم اجتماع حكمين فعليين فى موضوع واحد رابعها ما افاده الاستاد دام ظله، من ان الاحكام الظاهرية و ان كانت كلها مشتركة فى كونها مجعولة فى مورد الجهل بالواقع، الا انها فى كيفية الجعل و التعبد بها مختلفة فقسم منها مادل ادلة اعتبارها على كونها بمنزلة العلم الطريقى فى الكشف عن الواقع و ارائته و لم يؤخذ فى موضوعها الشك اصلا، كالخبر الواحد و نحوه مما كان اعتباره من باب الظن النوعى، و يسمى هذا القسم بالطريق و الامارة و قسم منها ما دل ادلة اعتبارها على كونها بمنزلة العلم الطريقى فى الجرى العملى، كالاستصحاب و قاعدة الفراغ، و يسمى هذا القسم بالاصل التنزيلى المتكفل لالغاء الشك و تنزيل المشكوك منزلة المعلوم فى الجرى العملى و قسم منها ما يكون حكما تعبديا على احد طرفى الشك من دون تكفل للتنزيل و الغاء الشك كاصالتى الاباحة و الطهاره و يسمى هذا القسم بالاصل الغير التنزيلى و هذان القسمان اخذ فى موضوعهما الشك، يخلاف القسم الاول فانه لم يؤخذ فى موضوعه الشك و ان كان مورده الشك فما كان من قبيل القسم الاول، فليس مفاد ادلة اعتباره الا جعله حجة و واسطة لاثبات متعلقه و محرزا له، فيكون حاله حال العلم الطريقى فى كونه منجزا للواقع فيما اصاب و عذرا فيما اخطأ، فلو طابق الحكم الواقعى فهو هو، و لو
ص: 466
خالف معه فلا يكون هناك الاتخيل الحكم، فليس فى مورد الطرق و الامارات حكم مجعول فى مقابل الحكم الواقعى، كى يقع التضاد و التناقض بينهما، هذا بناء على ما هو المختار من ان الحجية من الامور الاعتبارية القابلة للجعل الشرعى مستقلا، و كذا الامر بناء على ما اختاره شيخ مشايخنا الانصارى قدس سره، من انها من الامور الانتزاعية الغير القابلة للجعل الا بتبع منشاء انتزاعها، بداهة ان ما ينتزع عنه الحجية لا بد ان يكون نوعا خاصا من الاحكام التكليفية، كيف و الالزم انتزاع الحجية عن كل حكم تكليفى و هو خلاف الوجدان، فالحكم التكليفى فى مورد الامارات، لا بد ان يكون مفاده وجوب البناء على ان مؤدياتها هو الواقع، كى يصح ان ينتزع عنه حجية الامارة و كونها مثبتة لمؤدياتها، اذ لو لم تكن الامارة مثبتة لمؤداها لم يكن وجه للالزام بالبناء على ان مؤداها نفس الواقع و بالجملة فالحكم بكون مؤدى الامارة هو الواقع المعبر عنه فى لسان بعض الاعاظم بالهو هوية الجعلية لا يصح الا بان تكون الامارة حجة و وسطا فى الاثبات، و هذا بخلاف ما لو كان مفاد الحكم التكليفى فى مورد الامارات، هو وجوب الاخذ بمؤدياتها، فانه لا يدل الاعلى كون مؤدى الامارة واجبا من الواجبات و فى عرض المواقعيات، فيلزم التناقض او التصويب فتحصل مما ذكرنا ان الحكم التكليفى المتعلق بالعمل بالامارات الذى يكون منشاء لانتزاع الحجية، ليس حكما موضوعيا ناشئا عن مصلحة نفسية فى نفس العمل بها، نظير الاحكام المتعلقة بسائر الموضوعات كالصلوة و الصوم و نحوهما، بل هو حكم طريقى لم يلحظ فيه الا ادراك مصلحة الواقع، فلو طابق الواقع فهو هو، و الا فليس الا كالعلم المخالف، فى انه لا يؤثر شيئا الا المعذورية و هذا الذى ذكرناه فى القسم الاول يجرى بعينه فى القسم الثانى، و ذلك لما عرفت من ان مفاد ادلة اعتبار الاصل التنزيلى، هو الغاء الشك و تنزيل المشكوك منزلة الواقع المعلوم فى الجرى العملى، بمعنى جعله هو الواقع عملا فى رتبة الشك، فالمجعول فيهذه الرتبة هو كونه واقعا، فيرجع جعله الى الهو هوية الجعلية، فيكون لا محالة فى طول الواقع لا فى عرضه، بداهة ان جعل المشكوك هو الواقع، فى مقام العمل، انما يصح فيما اذا كان
ص: 467
المجعول للمكلف هو الحكم الواقعى، و كان وجوب البناء على المشكوك لاجل مراعاة الواقع.
و اما القسم الثالث، فلا يجرى فيه ما ذكرناه فى القسمين الاولين، و ذلك لما عرفت من ان الاصل الغير التنزيلى، حكم على احد طرفى الشك من دون الغاء للشك، و لا نظر الى الواقع و لو من جهة الجرى العملى فيشكل حينئذ الامر فيه، بداهة ان الموضوع للحكم الواقعى، و ان كان مهملا بالنسبة ان الاعتبارات الطارية عليه بلحاظ حكمه، اى لا يمكن ان يعتبر مطلقا و لا مقيدا بالنسبة الى القيود المترتبة على الحكم بالاطلاق و التقييد اللحاظيين كما مر بيانه، الا انه فى نفس الامر لا محالة اما مطلق بالنسبة اليها او مقيد بالاطلاق او التقييد النتيجتى، بداهة ان تلك القيود لا يخلو، اما ان يكون لها فى نفس الامر مدخلية فى متعلق التكليف او موضوعه، او لا يكون لها مدخلية كك، فعلى الاول يكون تعلق الحكم الواقعى به لا محة مقيد او مشروطا بتحققها، و على الثانى يكون تعلق الحكم الواقعى به لا محة مطلقا و غير مشروط بتحققها، و لكن استكشاف تقييده او اطلاقه بالنسبة اليها، لا بد ان يكون دليل آخر غير نفس دليل الحكم، و ذلك لما عرفت من ان نفس دليل الحكم مهمل بالنسبة اليها، اى لا مطلق و لا مقيد و قد قام الدليل على التقييد بالنسبة اليها، فى موردى القصر و الاتمام و الجهر و الاخفات، كما قام الدليل على الاطلاق فى غيرهما من الموارد، لتواتر الاخبار و قيام الاجماع على ان الاحكام الواقعية يشترط فيها العالم و الجاهل و عليه فاذا كان الشئى فى الواقع حراما، و لكن لم يعلم به المكلف و شك فى حليته و حرمته، فلو دل دليل على ان المشكوك حلال، للزم المناقضة بين هذا الدليل و الدليل الواقعى الدال على انه حرام و التحقيق فى دفعه، ان يقال انه لا تناقض بين الحلية الظاهرية و الحرمة الواقعية و لا بين الحرمة الظاهرية و الحلية الواقعية، بداهة ان الحكم الظاهرى ليس فى رتبة الحكم الواقعى و فى عرضه، بل يكون فى طوله، لا بالبيان الذى تقدم فى القسمين الاولين، بل بوجه آخر، و هو ان الشك الذى يكون موضوعا للحكم الظاهرى، له اعتباران ان كان متعلقا بالحكم الكلى كما فى الشبهات
ص: 468
الحكمية، و اعتبارات ثلثة ان كان متعلقا بالحكم الجزئى كما فى الشبهات الموضوعية، مثلا اذا شك فى كون مايع خمرا، فهذا الشك تارة يلاحظ باعتبار كونه شكا فى كون المايع الخارجى خمرا، و اخرى يلاحظ باعتبار كونه شكا فى كونه حراما، و ثالثة باعتبار كونه تحيرا فى الحكم الواقعى، فعلى الاعتبارين الاولين يكون موضوعيا صرفا فى مقابل العلم و الظن، و يكون من الانقسامات الطارية على الموضوع قبل الحكم ان كان متعلقا بخمرية المايع، و من الانقسامات الطارية عليه بعد الحكم ان كان متعلقا بحرمته فلو دل دليل على ان المشكوك الخمرية حلال، يكون فى عرض مادل على ان الخمر مطلقا حرام، و يكون لا محالة مقيدا له بغير صورة الجهل بالتقييد اللحاظى و كذا لودل دليل على ان المشكوك الحرمة حلال، يكون فى عرض ما دل على حرمة الخمر مطلقا، و يكون مقيدا له بغير صورة الجهل بنحو نتيجة التقييد و على الاعتبار الثالث يكون طريقيا اى غير ياوالة للحاظ الواقع و رعاية حاله و الحكم الظاهرى المجعول فى ظرف حصوله لا يخلو، اما ان يكون لتنجيز الواقع فى رتبة الشك بعد ان لم يكن كك لمكان الجهل المكلف به، و اما لا بقاء الواقع على ما كان عليه من عدم التنجز، فالاحكام الظاهرية التى هى مؤديات الاصول الغير التنزيلية تكون على قسمين، فمنها ما يكون من قبيل الاحتياط كاصالة الاحتياط فى الاموال و النفوس و الاعراض، و منها ما يكون من قبيل البرائة كاصالة الاباحة و الحل فى غير الموارد الثلثة فما كان من قبيل الاول لا يكون جعله فى ظرف حصول الشك، الالحفظ الواقع و جعله منجزا فى هذه الرتبة، بعد ان لم يكن بنفسه منحفظا و منجزا فيها لمكان جهل المكلف به و ما كان من قبيل الثانى لا يكون جعله، الا لابقاء الواقع على ما كان عليه من عدم التنجز و ترخيص المكلف فى تركه و جعله معذورا فى مخالفته فالقسمان يكون جعلهما مترتبا على الحكم الواقعى و يكون احدهما فى مقام تنجيزه، و الاخر فى مقام ابقائه على ما هو عليه من عدم التنجز، و يكون الحكم الواقعى بمنزلة الموضوع لهما، و مع هذا الترتب و الطولية كيف يمكن ان يكون جعلهما مناقضا
ص: 469
لجعل الحكم الواقعى و الحاصل ان منع الشارع عن ارتكاب الشبهد و ترخيصه فيه، يكونان كالمنع و الترخيص الناشئين، من حكم العقل بحسن العقاب و استحقاقه على ارتكاب اطراف الشبهة المحصورة و ارتكاب الشبهة البدوية قبل الفحص، و من حكمه بقبح العقاب و عدم استحقاقه على ارتكاب الشبهة البدوية بعد الفحص، و كما ان المنع او الترخيص الذى يكون من لوازم حكم العقل بحسن العقاب او قبحه لا يكون مناقضا للحكم الواقعى، فكذلك المنع او الترخيص الشرعى لا يكون مناقضا للحكم الواقعى و السر فى ذلك، ما عرفت من ترتب كل من حكم العقل و الشرع بالمنع او الترخيص، على الحكم الواقعى ترتب المحمول على موضوعه، و معه يستحيل ان يكون حكمهما بالمنع او الترخيص منافيا للحكم الواقعى نعم الفرق بين حكم الشرع و العقل، هو ان العقل حيث تكون وظيفته الادراك، فيدرك قبح العقاب او حسنه، و يحكم بعدم استحقاقه او باستحقاقه اوّلا، و يلزم من حكمه باحدهما المنع او الترخيص ثانيا، و هذا بخلاف الشرع حيث ان وظيفته هو الحكم فيحكم بالمنع او الترخيص اوّلا، و يستلزم حكمه باحدهما استحقاق العقاب او عدم استحقاقه ثانيا فتحصل مما ذكرنا انه لا تنافى بين الاحكام الظاهرية باقسامها و بين الاحكام الواقعية، بداهة انه اذا كان مفاد الحكم الظاهرى الوسطية فى الاثبات او الهو هوية الجعلية او تنجيز الواقع فى رتبة الشك او ابقائه على عدم التنجز، فلا محة يكون جعله بلحاظ الواقع و رعاية حاله، فيكون متأخرا عنه رتبة، لا فى عرضه يكى ينافيه، هذا تمام الكلام فى المقام الاول و اما الكلام فى المقام الثانى، فملخصه انه لا تنافى و لا تناقض بين ادلة الامارات و ادلة الاصول، و لا بين ادلة الاصول التنزيلية و ادلة الغير التنزيلية، بل يكون احد بهما حاكمة على الاخرى و رافعة لموضوعها حكما بداهة ان التنافى و التناقض بين الدليلين، انما يلزم فيما اذا كانا متحدين موضوعا و محمولا و نسبة، و مختلفين نفيا و اثباتا، كى يكون النفى و الاثبات واردين على محل واحد و يحصل التناقض و التنافى بينهما و اما اذا كان احد الدليلين متكفلا لعقد وضع
ص: 470
الاخر، كما فى ادلة الامارات بالنسبة الى ادلة الاصول مطلقا، و ادلة الاصول التنزيلية بالنسبة الى ادلة الاصول الغير التنزيلية، حيث ان ادلة الامارات تكون متكفلة لعقد وضع الاصول، و دالة على انتفاء موضوعها و هو الشك فى الحكم الواقعى، و كذا ادلة الاصول التنزيلية تكون متكفلة لعقد وضع الاصول الغير التنزيلية، و دالة على الغاء موضوعها و هو الشك او كان احد الدليلين متكفلا لعقد حمل الاخر، كما فى ادلة لا ضرر و لا جرح بالنسبة الى ادلة الاحكام الواقعية، فلا يلزم التناقض بينهما، لعدم ورود النفى و الاثبات على محل واحد، حيث ان احد الدليلين ناظر الى ما لا يكون بل لا يمكن ان يكون الدليل الاخر ناظرا اليه، و ذلك لما عرفت من ان دليل الحاكم ناظر الى موضوع المحكوم، و المحكوم لا يمكن ان يكون ناظرا الى موضوع نفسه و حافظا له، الاعلى وجه دائر، بداهة توقفه على تحقق موضوعه، فلو كان حافظا لموضوعه لزم الدور ثم ان مما ذكرنا فى بيان ضابط التعارض، من ان الحكمين اذا امتنع الجمع بينهما ثبوتا و فى مقام الجعل و انشائهما على موضوعهما، لاستلزامه اجتماع النقيضين او الضدين فى نفس الامر، فالدليل عليهما متعارضان ظهر الفرق بين هذه المسئلة، و مسئلتى الحكومة و التزاحم، و خروجهما عن باب التعارض، كخروج ما لو علم بكذب احد الدليلين من الخارج عن هذا الباب اما خروج مسئلة الحكومة عنه، فلما عرفت انفا من ان الحكومة عبارة عن كون احد الدليلين بمدلوله، متعرضا لحلال الدليل الاخر و متكفلا لعقد وضعه او عقد حمله، فيكون دليل الحاكم متكفلا، لما يحكم به العقل فى مقام الجمع بين المتعارضين من العام و الخاص و المطلق و المقيد، من ان المراد من العام و المطلق غير مورد الخاص و المقيد، فدليل الحاكم بنفسه متكفل لما يرفع به التنافى و يعالج به التعارض، و معه كيف يمكن ان يقع التعارض بينه و بين دليل المحكوم و اما خروج مسئلة التزاحم عنه، فلما مر من ان التزاحم عبارة عن امتناع الجمع بين الحكمين فى مقام الفعلية و تحقق موضوعهما خارجا، من غير تناف بينهما فى مقام الانشاء و الجعل اصلا و السر فى ذلك هو ان موضوع
ص: 471
الحكمين فى باب التعارض حيث يكون واحدا، فيلزم من الجمع بينهما فى مقام الجعل و انشائهما على موضوعهما، اجتماع النقيضين او الضدين فى نفس الامر و هذا بخلاف باب التزاحم، فان الحكمين فيه ليسا متعلقين بموضوع واحد، كى يتنافيان ذاتا و لا يمكن الجمع بينهما فى مقام الجعل، بل يكون لكل منهما موضوع عليحده لا ربط لاحدهما بالاخر، الا انه لما كان كل من الحكمين مانعا عن تحقق الموضوع للاخر، فيقع لا محالة التنافى بينهما فى مقام الفعلية و اخذ الموضوع الذى انشاء الحكم على تقدير تحققه، من هذه الجهة ثم ان التنافى بينهما فى مقام الفعلية و اخذ الموضوع، تارة يكون من جهة منع كل منهما عن تحقق قدرة المكلف بالنسبة الى الاخر، كما فى ضورة عجز المكلف عن امتثال كليهما كما فى الغريقين، فيقع التزاحم بينهما فى صرف كل منهما قدرة المكلف الى نفسه و تعجيزه بالنسبة الى الاخر و اخرى يكون من جهة منع كل منهما عن تحقق قيد من قيود موضوع الاخر غير القدرة، كما فى تزاحم الزكوتين او الخمس و الزكوة، حيث ان كلامنهما يمنع عن تحقق النصاب بالنسبة الى الاخر و الجامع بين القسمين، هو ان يكون كل من الحكمين مانعا عن تحقق قيد من قيود موضوع الاخر ثم ان التزاحم على اقسام خمسة.
الاول ان يكون التزاحم بين الفعلين لعجز المكلف عن اتيانهما فى زمان واحد كما فى انقاذ الغريقين.
الثانى ان يكون التزاحم بينهما لعجزه عن اتيانهما و لو فى زمانين كما فى العاجز عن القبام فى ركعتين.
الثالث ان يكون التزاحم بينهما لاجل توقف احدهما الواجب على الاخر الحرام، كتوقف انقاذا الغريق على التصرف فى ارض الغير.
الرابع ان يكون التزاحم بينهما لاجل ما بينهما من التلازم الاتفاقى، كاستقبال القبلة و استدبار الجدى بالنسبة اهل العراق.
الخامس ان يكون التزاحم بينهما لاجل اتحادهما اجتماعهما فى الوجود و الايجاد،
ص: 472
كما فى مسئلة اجتماع الامر و النهى فى الصلوة فى الدار المغصوبة و اما فيما اذا كان التلازم بينهما دائميا، فهو خارج عن باب التزاحم و ملحق بباب التعارض بداهة امتناع انشاء الحكمين المتناقيين على المتلازمين فى الوجود دائما كما هو واضح و مما ذكرنا من وجه الفرق بين التعارض و التزاحم، ظهر ما فى كلام بعض الاعاظم حيث جعل الفرق بينهما بثبوت المقتضى لكلا الحكمين فى التزاحم و عدم ثبوته كك فى التعارض اذفيه مضافا الى ان التزاحم لا يبتنى على مذهب المشهور من العدلية القائلين بابتناء الاحكام على المصالح و المفاسد الكامنتين فى ذوات الافعال، ان كل فعل كاشف عن ثبوت ملاكه و مقتضيه، فالحكم بثبوت المقتضى لكلا الحكمين فى احد المقامين دون الاخر لا وجه له اللهم الا ان يكون مراده من المقتضى هو عموم الدليل حيث ان عموم الدليل بالنسبة الى كلا الحكمين متحقق فى مقام الجعل و الانشاء فى باب التزاحم الا ان التزاحم بينهما يمنع عن شموله لهما فى مقام الفعلية و هذا بخلاف باب التعارض، لما عرفت من امتناع شمول الدليل لكلا الحكمين فى مقام الانشاء و الجعل. كما ظهر فساد اعمال مرجحات احد البابين فى الاخر، و ذلك لما عرفت من ان كلامن المتعارضين يكذب الاخر و ينفى مطابقته للواقع، فلا بد ان يكون مرجح احدهما على الاخر، مما يوجب قوة دلالته و كشفه عن مؤداه بالنسبة الى الاخر و هذا بخلاف المتزاحمين، فان كلا منهما يمنع عن تحقق الموضوع و هو البالغ القادر بالنسبة الى الاخر، فلا بد ان يكون مرجحه على الاخر مما يوجب اقوائيته بالنسبة الى الاخر فى صرف القدرة او غيرها من القيود الى نفسه و جعل الاخر بلا موضوع، ككونه اهم من الاخر، او كونه مما ليس له البدل و الاخر مما له البدل، او كونه غير مشروط بالقدرة الشرعية و الاخز مشروط بها، و غيرها من المرجحات باب التزاحم و اما خروج ما لو علم من الخارج بكذب احد الدليلين عن هذه الباب، فلما عرفت من ان التعارض عبارة عن تكاذب الدليلين بسبب ما فى مدلولهما من التنافى ذاتا، بحيث لا يمكن الجمع بينهما فى مقام التشريع و الجعل ثبوتا، ففيما لم يكن بين مدلول الدليلين تناف اصلا، و لكن علم من الخارج بكذب احدهما، فهو خارج عن باب التعارض رأسا، و لا يعمل يه بمرجحات باب التعارض اصلا، بل لا يجدى اعمال بعضها
ص: 473
كالمرجحات الدلالتية فيه شيئا، بداهة ان كون احد الدليلين نصا او اظهر من الاخر، لا يجدى فى رفع احتمال الكذب عنه الناشى عن العلم الاجمالى بكذب احدهما كما هو واضح، هذا تمام الكلام فى الفرق بين التعارض و التزاحم و الحكومة و اما الفرق بين التخصص و الورود و الحكومة، فقد مر تفصيله فى اواخر الاستصحاب، الا انه لا بأس بالاشارة الاجمالية الى الفرق بينها فى المقام فنقول اما التخصص فهو عبارة عن الخروج الموضوعى حقيقة تكوينا بلا مدخلية تعبد فيه، كخروج زيد الجاهل عن عموم اكرم العلماء و اما الورود فهو عبارة عن الخروج الموضوعى حقيقة، لكن لا تكوينا بل من جهة التعبد، و هذا كما فى ادلة الامارات و الاصول الشرعية بالنسبة الى الاصول العقلية من البرائة و الاحتياط و التخيير، حيث ان بمجرد التعبد بمفاد الامارة و الاصل، يتم الحجة و البيان فيرتفع موضوع البرائة، و يحصل المؤمن من العقاب فيرتفع موضوع الاحتياط، و يحصل المرجح لاحد الاحتمالين فيرتفع موضوع التخيير فنفس التعبد بمفاد الامارة و الاصل، يكفى فى رفع موضوع الاصول الثلثة العقلية حقيقة، و لا يتوقف رفعه كك على ثبوت ما يتعبد به كك و بعبارة اوضح ثبوت مفاد الامارة و الاصل تعبدا بادلة حجيتهما، كاف فى رفع موضوع الاصول الثلثة العقلية حقيقة، و لا يتوقف رفعه حقيقة على ثبوت مفادهما حقيقة و اما الحكومة فهى عبارة عن الخروج الموضوعى لا حقيقة بل تعبدا، و هذا كما فى ادلة الامارات بعضها بالنسبة الى بعض و بالنسبة الى الاصول الشرعية مطلقا، و كما فى الاصول التنزيلية بالنسبة الى الاصول الغير التنزيلية، فان بمجرد قيام الدليل على التعبد نماد الامارة القائمة على زوال الحالة السابقة او بقائها، لا يرتفع موضوع الاستصحاب و هو الشك فى بقاء الحالة السابقة و زوالها حقيقة وجدانا، بل يتوقف ارتفاعه كك على ثبوت ما يتعبد به من الزوال او البقاء واقعا و حقيقة، و انما قيامه على التعبد بمفادها يرفع موضوعه و هو الشك تعبدا اذلا معنى لحجية الامارة و جعلها واسطة فى الاثبات الا الغاء احتمال الخلاف، فبجعل حجيتها ينعدم احتمال الخلاف الذى هو موضوع للاصل عن صفحة الخارج تعبدا فالحكومة عبارة من كون احد الدليلين رافعا لموضوع الاخر تعبدا لا حقيقة، فهى تخصيص بلسان الحكومة، لانه كما ان العقل فى مقام
ص: 474
علاج التعارض بين المتعارضين من العام و الخاص او المطلق و المقيد، يحكّم ظهور الخاص على العام و المقيد على المطلق، و يحكم بخروج الخاص و المقيد عن حكم العام و المطلق، و ان المراد من العام و المطلق غير مورد الخاص و المقيد، كذلك دليل الحاكم، فانه ينفى ما تضمنه دليل المحكوم من الحكم، بنفى موضوعه تعبدا، اذ لا معنى لرفع الموضوع تعبدا الا رفع احكامه و هذا الذى ذكرنا فى بيان ضابط الحكومة، اولى مما افاده شيخ مشايخنا الانصارى قدس سره فى بيانه، بقوله و ضابط الحكومة ان يكون احل الدليلين بمدلوله اللفظى متعرضا لحال الدليل الاخر، و ذلك لعدم شمول ما بينه من الضابط، الا لقسم واحد من اقسام الحكومة، و هو ان يكون احد الدليلين شرح اللفظ للدليل الاخر، نظير قرنية المجلز التى تكون مفسرة لللفظ فيما اذا كانت منفصلة بخلاف ما ذكرناه فى بيانه، فانه يشمل للقسمين الاخيرين منها ايضا، و هما كون احد الدليلين متصرفا فى عقد وضع الاخر كما هو الغالب، او متصرفا فى عقد حمله و الفرق بين القسم الاول و هذين القسمين، هو ان الحكومة فى القسم الاول تكون بين الدليلين باعتبار مدلولهما، بخلافها فى القسمين الاخيرين، فانها تكون فيهما بين نفس مدلول الدليلين هذا مضافا الى ما يرد عليه قدس سره، من ان الحكومة بهذا المعنى من قبيل وجودا العنقاء، اذ ليس فى شئى من ابواب الفقه من اول الطهارة الى آخر الديات، مورد ورد فيه دليلان يكون احدهما حاكما على الاخر على نحو شرح اللفظ هذا مع ان الحكومة لا تختص بالادلة اللفظية، بل تجرى فى الادلة اللبية، و فى الاصول اللفظية العقلائية التى ليست الابناء العقلاء، فان دليل الخاص او المقيد بناء على ماهوا المختار من عدم مجازية العام المخصص و المطلق المقيد، ليس شرحا للفظ العام او المطلق، و انما يقدم الخاص على العام و المقيد، على المطلق، لبناء العقلاء على تحكيم اصالة الظهور فى الخاص و المقيد على اصالته فى العام و المطلق نعم بناء عل يكون العام المخصص و المطلق المقيد مجازين، و كون دليل الخاص و المقيد قرنية منفصلة على المجاز، يكون دليل الخاص و المقيد شارحا لللفظ لكنه خلاف ما هو التحقيق و المختار و لو بدّل قوله قدس سرّه بمدلوله اللفظى بقوله بمؤده، لكان شاملا لجميع اقسام الحكومة و كان سالما عما اورد
ص: 475
عليه من الاشكالات ثم ان دليل الحاكم قد يكون متصرفا فى عقد وضع دليل المحكوم، و هذا على قسمين، فانه تارة يكون مفاد دليل الحاكم اخراج بعض افراد موضوع دليل المحكوم عن موضوع حكمه، فيوجب تحديد موضوعه و تضييق دائرئه، و هذا كما فى حكومة ادلة الاحكام الواقعية بعضها على بعض، كحكومة قوله عليه السلام لا شك لكثير الشك على قوله عليه السلام اذا شككت فابن على الاكثر و اخرى يكون مفاد دليل الحاكم رفع موضوع دليل المحكوم و اعدامه عن صفحة الخارج تعبدا، و هذا كما فى حكومة ادلة الاحكام الظاهرية بعضها على بعض، كحكومة ادلة الامارات على ادلة الاصول، فان مفاد ادلة حجية الامارات هو جعلها كالعلم فى كونه كاشفا تاما عن الواقع بالغاء احتمال الخلاف، فدليل حجية الامارة يعدم احتمال الخلاف و الشك الذى هو موضوع لادلة الاصول عن صفحة الخارج تعبدا و قد يكون دليل الحاكم متصرفا فى عقد حمل دليل المحكوم، كما فى ادلة لا ضرر و لا حرج بالنسبة الى ادلة الاحكام الواقعية، فانها تدل على ان المراد من الاحكام المجعولة للاشياء بعناوينها الاولية، هى الاحكام الغير الموجبة للضرر و الحرج، فتكون حاكمة على ادلة الاحكام الواقعيه الدالة بعمومها او اطلاقها على ثبوت الاحكام مطلقا و لو فيما كانت ضررية او حرجية و على كل تقدير لا مجال لتوهم وقوع التعارض بين دليل الحاكم و دليل المحكوم، بداهة ان التعارض بين الدليلين انما يقع فيما اذا اتحدا موضوعا و محمولا و اختلفا نفيا و اثباتا، كى برد النفى و الاثبات على مورد واحد و يتحقق التناقض الذى هو ملاك التعارض و اما اذا كان احد الدليلين متكفلا لعقد وضع الاخر او عقد حمله، فلا يتحقق التناقض بينهما، لعدم ورود النفى و الاثبات على مورد واحد، حيث ان احد الدليلين ناظرا الى ما لا يكون بل لا يمكن ان يكون الدليل الاخر ناظرا اليه، و ذلك لما عرفت من ان دليل الحاكم ناظرا الى موضوع دليل المحكوم او محموله، و دليل المحكوم لا يمكن ان يكون ناظرا الى موضوع نفسه و حافظا له الاعلى وجه دائر، بداهة توقفه على تحقق موضوعه فلو كان حافظا لموضوعه لزم الدور، و لا يمكن ايضا ان يكون ناظرا الى محموله، بداهة انه متكفل لاثبات وجود المحمول للموضوع، لا لبيان حقيقة المحمول و مهيته، مثلا لو قام دليل على
ص: 476
وجوب اكرام العلماء، يكون متكفلا لاثبات وجوب ما يكون اكراما عند وجودا العالم، و اما ان القيام اكرام او ليس بالكرام، فهو ليس متكفلا لبيانه، فلو دل دليل على ان القيام ليس باكرام، فلا يمكن ان يعارضه مادل على وجوب اكرام العلماء كما هو واضح فاذا لم يكن دليل المحكوم ناظرا الى ما يكون دليل الحاكم ناظرا اليه، فلا يكون النفى و الاثبات واردين على محل واحد، كى يتحقق التناقض و التنافى بين الدليلين ثم ان ما فرعه الشخى الانصارى قدس سره على ما افاده من ضابط الحكومة، من قوله فيكون مبينا لمقدار مدلوله مسوقا لبيان حاله متفرعا عليه بحيث لو فرض عدم ورود ذلك الدليل لكان هذا الدليل لغو خاليا عن المورد، انما يتم فيما اذا كانت الحكومة فى ادلة الاحكام الواقعية، سواء كان دليل الحاكم متعرضا لعقد وضع دليل المحكوم، كما فى الادلة الدالة على انه لا شك فى النافلة و لا شك لكثير الشك و لا للامام و المأموم مع حفظ احدهما، بالنسبة الى ادلة الشكوك كقوله عليه السلام اذا شككت فابن على الاكثر او كان متعرضا لعقد حمله، كما فى ادلة لا ضرر و لا خرج بالنسبة الى الادلة المثبتة للاحكام الواقعية، فانه لو لم يكن للمشكوك حكم، لكانت الادلة النافية لحكم الشك فى هذه الصورة بلا مورد و لغوا، و كذا لو لم يكن للشارع حكم اصلا لكانت الادلة النافية للضرر و الحرج بلا مورد و لغوا و هذا بخلاف الحكومة فى الادلة الظاهرية، بداهة انه لو لم تكن الاصول التعبدية مجعولة اصلا، لم تكن ادلة الامارات بلا مورد و لغوا بداهة انها ليست مسوقة لمجرد بيان حال ادلة الاصول كى يلزم لغويتها مع عدم كون الاصول مجعولة و انما هى مسوقة لبيان حجية الامارات و تنزيلها منزلة القطع فى المحرزية بالغاء احتمال كونها مخالفة للواقع، و لازم الغاء احتمال الخلاف الغاء ما يترتب على احتماله شرعا لو لا حجية الامارة من الرجوع الى الاصل، فيكون لادلة الامارات مدلولان، مطابقى و هو جعل الامارة حجة و واسطة فى الاثبات بالغاء احتملل مخالفتها للواقع، و التزامى و هو الغاء ما يترتب شرعا على احتمال مخالفتها لولا حجيتها من الرجوع الى الاصل و من المعلوم انه لا يلزم من فرض عدم كون الاصول مجعولة، الا عدم المورد لادلة الامارات بالنسبة الى مدلولها الالتزامى، لا عدم المورد لها مطلقا كى يلزم لغويتها، بل لا يلزم من عدم كون الاصول
ص: 477
مجعولة، عدم المورد لها و لو بالنسبة الى مدلولها الالزامى، بداهة ان لازم الغاء احتمال الخلاف، هو الغاء ما يصلح ان يترتب على احتماله من الحكم الشرعى، لا ما ترتب عليه فعلا من الحكم، كى يلزم كونها بلا مورد مع عدم ترتب حكم فعلا على احتماله ثم ان توضيح ما افاده قدس سره من جريان الورود و الحكومة فى الاصول اللفظية ايضا، يحتاج الى تمهيد مقدمة، و هى انا قد ذكرنا فى حجية الظواهر، ان للفظ ظهورا و دلالة تصورية، لا يتوقف حصولها الاعلى العلم بالوضع، و تزول عنه باتصاله بقرنية صارفة عن معناه الموضوع له، و له دلالة تصديقية لا تنعقد له الا بعد تمامية الكلام، و الدلالة التصديقية لها معنيان، الاول انعقاد الظهور للكلام بحيث يصح ان ينسب مفاده الى المتكلم و يقال هذا هو الذى قاله، الثانى كون هذا الظهور المنعقد للكلام مطابقا للمراد النفس الامرى و وقع النزاع فى ان الظهور و الدلالة التصديقية بالمعنى الثانى، هل يؤخذ به و يكون حجة بمجرد انعقاده بتمامية الكلام او يتوقف حجيته على احراز عدم القرنية، كيلا يكون حجة الا بعد احراز عدمها باصل من الاصول العقلائية، كاصالة عدم الغفلة او النسيان فى الشك فى القرنية المتصلة، و كاصالة عدم اخلال المتكلم الذى فى مقام بيان تمام مراده بشئى مما له مدخلية فى بيان تمامه اتكالا على قرنية منفصلة فى القرنية المنفصلة و الحق هو التفصيل، بين ما كان الاخذ بظاهر اللفظ لمجرد طريقيته و كاشفيته عن الواقع النفس الامرى، كما فى كلام الطبيب بالنسبة الى المريض، فليس بناء العقلاء على الاخذ بالظاهر، الا بعد احراز عدم القرنية اما بالقطع او باصل عقلائى، و بين ما كان الاخذ بظاهر اللفظ لا لمجرد ذلك، بل لكونه مما يحتج به كل من المتكلم و المخاطب على الاخر، كما فى كلام المولى بالنسبة الى عبده و السلطان بالنسبة الى خدمته و الموكل بالنسبة الى وكيله، فبناء العقلاء على الاخذ بظاهره بمجرد انعقاده بتمامية الكلام، الا فيما كان ديدن المتكلم فى مقام بيان تمام مراده الاتكال على القرائن المنفصلة، كما هو المحرز فى كلمات الائمة عليهم السلام، فانهم عليه السلام يذكرون كثيرا القرائن منفصلة عن كلامهم كما وردان احاديثنا يفسر بعضها بعضا، فلا يأخذون بظاهر كلامه الا بعد الفحص و الياس اذا تمهدت هذه المقدمة فنقول لا شبهة فى ان العام المطلق و الخاص و ان كانا متنافيين بحسب مدلولها لعدم
ص: 478
امكان صدق كليهما بحسب الواقع، لكن مقتضى الجمع بينهما هو تقديم الخاص باقسامه الابتة على العلم توضيح ذلك هو ان الخاص لا يخلو، اما ان يكون قطعيا بحسب الدلالة و نصا، او ظنيا بحسبها و ظاهرا، و على كل منهما، اما ان يكون سنده قطعيا، اوظنيا، فهنا صور اربع الاولى ان يكون دليل الخاص قطعيا بحسب السند و الدلالة، و لا شك فى وروده على اصالة العموم فى العام مطلقا، اى سواء قلنا بان حجيتها معلقة على احراز عدم القرنية على التخصيص، او قلنا بانها حجة بمجرد انعقاد الظهور للعام بتمامية الكلام اما على الاول فواضح بعد كون الخاص قرنية قطعية على التخصيص و اما على الثانى فلاختصاص حجيتها بما اذا لم يعلم بالتخصيص، و بعبارة اخرى حجية ظهور العلم فى العموم معلقة على عدم العلم بالخلاف، و الخاص المذكور موجب للعلم بالخلاف الثانية ان يكون الخاص قطعيا دلالة و ظنيا سندا، و العام قطعيا سندا، و لا اشكال فى تقديمه ايضا على اصالة الظهور فى العام، و ذلك لعدم جريان ما افاده الشيخ الانصارى قدس سره فى تعارض الظنيين سندا و دلالة، من ان احدهما ليس حاكما على الاخر، لان الشك فى احدهما ليس مسببا عن الشك فى الاخر، بل مسبب عن ثالث فيتعارضان الخ، فى المقام بداهة ان الشك فى عموم العام فى المقام مسبب عن الشك فى صدور الخاص كما هو واضح و انما الاشكال فى وجه تقديمه على اصالة الظهور فى العام و انه للحكومة او الورود، و اختار شيخ مشايخنا الانصارى قدس سره، او لا كون الوجه هو الحكومة، من جهة ان معنى حجية الخاص، الغاء احتمال مخالفة مؤداه للواقع من جهة كونه ظنى السند و جعله بمنزلة العدم، فى عدم ترتب ما كان يترتب عليه لولا حجية الخاص، من وجوب العمل بعموم العام و بعبارة اخرى بناء على كون اعتبار ظهور العام فى العموم من جهة عدم القرنية على التخصيص، يكون تقديم الخاص عليه من باب الحكومة، لان مقتضى دليل اعتبار سند الخاص المفروض كونه نصا، جعله بمنزلة النص المقطوع الصدور، و معه يكون الشك فى تحقق القرنية على التخصيص الذى كان موضوعا لاصالة العموم، بمنزلة العدم بمقتضى دليل اعتبار سند الخاص المثبت لمؤداه تعبدا و جاعلا له بمنزلة المعلوم، فيكون خروج الخاص عن عموم العام بثبوت ما يتعبد به فيكون من باب الحكومة، لا
ص: 479
بنفس التعبد بالخاص كى يكون من باب الورود و ببيان آخر تقديمهم الخاص فيهذه الصورة على العام، انما هو لكون دليل الخاص مثبتا لمؤداه و جاعلا له بمنزلة المعلوم الثبوت، و معه يكون غاية حجية الظواهر و هى العلم بالخلاف، حاصلة بنفس دليل اعتبار سند الخاص المثبت لمؤداه و جعله بمنزلة المعلوم، و هذا بخلاف دليل حجية ظهور العلم، فان مقتضاه هو مجرد كون ما هو ظاهره من العموم مرادا منه، و اما كون ظهوره غاية لحجية الخاص، فليس من مقتضى نفس دليل اعتباره نعم لازم كون ظاهره مرادا منه عدم كون الخاص الدال على خلافه صادرا عن الامام عليه السّلام، اذا المفروض كون الخاص قطعية من ساتر الجهات اى جهة الصدور و الدلالة لكن هذا اللازم ينتفى بانتفاء ملزومه و هو ظهور العام فى العموم، بنفس دليل اعتبار الخاص سندا فدليل حجية سند الخاص الجاعل لمؤداه بمنزلة المعلوم الصدور، بنفس مفاده يرفع موضوع حجية العام دلالة، بخلاف دليل حجية ظهور العام، فانه لا يرفع موضوع حجية الخاص سندا بنفس مفاده، و رفعه موضوع حجية الخاص سندا بلازم مفاده فرع بقاء مفاده، و المفروض ان دليل حجية الخاص سندا، رافع فى الرتبة الاولى لموضوع حجية ظهور العام فى العموم، و معه لا يبقى مجال لكون دليل حجية ظهور العام فى العموم رافعا فى الرتبة المتأخرة لموضوع حجية الخاص سندا، اذ مع مجيئى دليل اعتبار سند الخاص فى الرتبة الاولى لتحقق موضوعه فيها، يرتفع موضوع دليل حجية ظهور العام فى العموم المستلزم لارتفاع ما هو لازمه من عدم كون الخاص حجة سندا هذا و تدبر ثم احتمل قدس سره ان يكون الوجه فى تقديم الخاص على اصالة ظهور العام فى العموم، هو الورود من جهة عدم ثبوت بناء العقلاء على العمل بالعام الا فيما لم يكن هناك تعبد بالخاص، فاذا كان دليل حجية اصالة الظهور فى العام مقيدا بما اذا لم يكن هناك تعبد بالخاص، فبمجرد التعبد بالخاص يرتفع موضوع اصالة الظهور فى العام، بداهة ارتفاع المقيد بارتفاع قيده، ثم اشار الى بطلان هذا الاحتمال بقوله فتأمل، و ما افاده قدس سره فى وجه الحكومة و الورود، منطبق على ما ذكرنا فى الفرق بينهما، من ان الورود عبارة عن ارتفاع موضوع احد الدليلين بنفس التعبد بالاخر، و الحكومة عبارة عن ارتفاع موضوع احدهما، لا بنفس التعبد بالاخر، بل بثبوت ما بتعبد به
ص: 480
اى مؤدى الاخر ثم ان الوجه فيما اشار اليه من بطلان احتمال كون دليل الخاص واردا على اصالة الظهور فى العام، واضح بداهة ان بناء العقلاء على الاخذ بعموم العام ليس مقيدا بعدم التعبد بالخاص، كى يكون الخاص الثابت بالخبر الواحد واردا على اصالة الظهور فى العام، بل لهم بناء على الاخذ بظهور العام مالم يثبت هناك قرنية على التخصيص، و لم بناء آخر على اعتبار الخبر الواحد و كونه مثبتا للواقع الذى ادى اليه، و انما يقدمون الخبر الواحد الدال على الخاص على ظهور العام و لو كان مقطوع السند كعموم الكتاب و السنة المتواترة، باعتبار كونه مثبتا تعيدا للخاص الذى هو قرنية على التخصيص فى العام، فتقديمهم الخبر الواحد المتكفل لحكم الخاص على عموم العام، باعتبار ثبوت ما ادى اليه من الخاص ثبوتا تعبديا، فيكون من باب الحكومة لا باعتبار كونه حجة على التخصيص، و رافعا لما علق عليه حجية العام من عدم التعبد بالخاص، كى يكون من باب الورود هذا بناء على القول يكون حجية اصالة العموم فى العام معلقة على احراز عدم القرنية على التخصيص، كى يكون دليل الخاص محرزا للقرنية عليه تعبدا و يكون حاكما على اصالة الظهور فى العام و اما بناء على القول بكونها حجة بمجرد انعقاد الظهور للعام بتمامية الكلام، فيكون الوجه فى تقديم الخاص عليه هو الورود لا الحكومة، بداهة ان حجية اصالة الظهور فى العام على هذا القول ليست معلقة على احراز عدم القرنية على التخصيص، كى يكون دليل الخاص مثبتا للقرنية تعبدا و حاكما على اصالة الظهور فى العام، و انما يرفعون اليد عن ظهور العام بقيام الدليل على الخاص، من جهة ان حجية ظهور العام و اخذهم به بمجرد انعقاده بتمامية الكلام، مقيدة بما لم تكن هناك حجة اقوى على خلافه، و دليل الخاص لكونه نصا و قطعى الدلالة يكون حجة اقوى على خلاف ظهور العام، فيكون واردا عليه و رافعا لموضوعه، هذا بحسب ما افاده شيخ مشايخنا الانصارى قدس سره و لكن مقتضى التحقيق، هو كون الوجه فى تقديم الخاص على العام فيهذه الصورة، هو الحكومة مطلقا، اعنى بناء على كل من المسلكين فى حجية اصالة العموم بداهة ان تقديمهم الخاص على العام، بناء على المسلك الثانى و هو حجية ظهور العام بمجرد انعقاده بتمامية الكلام، ليس الا لكون دليل الخاص مثبتا لمؤداه
ص: 481
تعبدا و جاعلا له بمنزلة المعلوم الثبوت تعبدا، فيكون خروج الخاص عن عموم العام، بثبوت ما يتعبد به فيكون من باب الحكومة، لا بنفس التعبد بالخاص كى يكون من باب الورود الصورة الثالثة ان يكون الخاص ظنيا بحسب الدلالة قطعيا بحسب السند، و قد حكم الشيخ الانصارى قدس سره بوقوع التعارض بينه و بين ظهور العام، و توقف تقديمه على ترجيح ظهوره على ظهور العام، و الا فيقدم العام عليه اذا كان ظهوره فى العموم اقوى من ظهوره فى الخصوص و لعل الوجه فى حكمه بتقديم الاظهر منهما دلالة، هو دعوى ان بناء العرف عند تعارض الامارتين على تقديم الاقوى منهما ظهورا، او دعوى انا بعد ان نرى ان من عادة الائمة عليهم السلام انهم كثيرا يذكرون القرائن منفصلة عن كلامهم، تصير كلماتهم المنفصلة المنافى بعضها لبعض، بمنزلة الكلمات المتصلة المنافى بعضها لبعض، فى كون الاظهر و الاقوى منها دلالة قرنية صافة لغيرها عن ظاهره، كما فى قولنا رأيت اسدا يرمى، فان كلمة يرمى لكونها اظهر فى الدلالة على الرمى بالنبل من دلالة كلمة اسد على الحيوان المفترس، تكون صارفة لكلمة اسد عما هى ظاهرة فيه الى الرجل الشجاع هذه و لا يخفى ان ما افاده قدس سره انما يتم، فيما اذا كانت خصوصية الخاص ظنية مستندة الى الظهور، كى يمنع قوة ظهور العام عن انتعقاد ظهوره فى الخصوص و صيرورته قرنية صارفة للعموم الى غير الخصوص و اما فيما اذا كانت خصوصية الخاص قطعية و كان حكمه ظنيا مستندا الى الظهور، فلا مناص الا عن تقديمه على العام، و لو كان ظهوره فى الخصوص اضعف بمراتب عن ظهور العام فى العموم، بداهة ان الخاص قرنية على التخصيص فى العام، و الاصل اللفظى الجارى فى القرنية حاكم على الجارى فى ذيها، فان الاصل فى طرف القرنية بنفس مفاده و مؤداه متعرض لحال ذيها، بخلاف الاصل فى طرف ذيها، فانها بلازم مفاده متعرض لحال القرنية، فان مقتضى اصالة الظهور فى العام، هو كون ما هو ظاهر من العموم مرادا منه، و لازم كونه مرادا منه عدم كون الخاص الدال على خلافه مرادا، فالاصل فى القرنية بنفسه يمنع عن جريان الاصل فى ذيها، و لا يدع له فرصة كى يعارض بلازمة للاصل فى القرنية، فاذا وردا عتق رقبة، وورد ايضا اعتق رقبة مؤمنة، و علمنا انه ليس هناك الاتكليف واحد دائر
ص: 482
امره، بين التخيير و كفاية عتق اية رقبة، و التعيين و لزوم عتق خصوص الرقبة المؤمنة، فلا مناص الاعن حمل المطلق على المقيد، و الحكم بعدم كفاية عتق غير الرقبة المؤمنة، لا ابقاء المطلق على ظهوره فى التخيير، و حمل المقيد على الاستحباب و كونه افضل افراد الواجب، او جعله من قبيل الواجب فى واجب، بداهة ان كلا من الحمل على الاستحباب و الجعل من قبيل الواجب فى واجب خلاف الظاهر، حيث ان الظاهر الامر هو الوجوب و ظاهر القيد كونه قيدا للواجب فلا يصار الى شئى منهما مع عدم القرنية عليهما و هذا بخلاف حمل المطلق على المقيد فانه ليس بلا قرنية مع وجود المقيد كما اوضحناه فتبصر الصورة الرابعة ان يكون الخاص ظنيا سندا و دلالة، و الاقوى تقديمه ايضا على العام، لا لاجل قوة ظهوره و كون تقديمه عليه لكونه اقوى المتعارضين، بل لحكومة دليل اعتباره سندا و دلالة على ظهور العام، حيث ان بدليل اعتباره كك يصير قرينة على التخصيص فى العام، فتقديمه على العام و حكومته عليه فيهذه الصورة، يحتاج الى دليل اعتباره سندا و دليل اعتباره دلالة، كى يصير بدليل اعتباره دلالة حجة فى الخصوص، و بدليل اعتباره سندا قرنية على التخصيص فى العموم، اذ مجرد اعتبار ظهور الكلام فى الخصوص، لا يوجب كونه قرينة على التخصيص فى العموم، ما لم يحرز كونه صادرا عن المتكلم بالعموم، كما ان مجرد احراز صدوره عن المتكلم، لا يوجب كونه قرنية على التخصيص فيما تكلم به من العموم، الا بعد اعتبار ظهوره فى الخصوص و اما ما اشكل به فى المقام، من ان التعبد بكل من سند الخاص و دلالته لا يمكن الا بوجه دائر، بداهة توقف صحة التعبد بكل منهما على التعبد بالاخر، اذ كما ان التعبد بدلالته بدون التعبد بصدوره يكون لغوا و بلا فائدة، كك التعبد بصدوره بدون التعبد بدلالته و ظهوره، اذ لا معنى للتعبد بصدور الخاص، الا من حيث كونه قرنية على التخصيص فى العام المتوقف على التعبد بظهوره فى الخصوص فمندفع لا بما قيل من ان الدور فى المقام معى، لان كليهما معلولان لعلة ثالثة، و هو جعل الشارع الخبر حجة سندا و دلالة، فيصح التعبد بكل منهما مع التعبد بالاخر اذ فيه ما عرفت من عدم صحة التعب بظهور الخاص و صيرورته قرنية على التخصيص فى العموم، الا بعد التعبد بصدوره عن المتكلم بالعموم، و عدم صحة التعبد بصدوره عنه الا
ص: 483
بعد التعبد بظهوره فى الخصوص، فلا يكون الدور معياكى يصح التعبد بكل منهما فى عرض الاخر بل لانه لا يعتبر فى صحة التعبد بظهور الخاص، الا كونه بحيث لو تعبد بصدوره لكان قرنية على التخصيص فى العام، فلا يتوقف صحة التعبد بظهور الخاص، الا على فرض التعبد بالصدور، لاعلى فعليته كى يلزم الدور، هذا تمام الكلام فيما هو مقدمة لهذا المبحث، من بيان معنى التعارض و تعريفه، و انه عبارة عن تنافى الدليلين باعتبار امتناع الجمع بين مدلولهما واقعا فى مقام التشريع و الجعل و انشائهما على موضوعهما لاستلزامه اجتماع النقيضين الو الضدين، فيخرج عنه ما اذا لم يكن بين الدليلين تناف اصلا، اما لاختلاف مرتبتهما كما فى ادلة الاحكام الظارية بالنسبة الى ادلة الاحكام الواقعية، او لكون احدهما متعرضا لعقد وضع الاخر، او عقد حمله، كما فى ادلة الامارات بعضها بالنسبة الى بعض و بالنسبة الى الاصول الشرعية مطلقا، و كما فى ادلة الاصول التنزيلية بالنسبة الى غيرها من الاصول، و كما فى القرنية مطلقا اى سواء كانت قرنية على المجاز او على التخصيص او على التقييد بالنسبة الى ذيها، او كان بينهما التنافى، لكن لا فى مقام التشريع و الانشاء، بل فى مقام الفعلية و تحقق الموضوع كما فى باب التزاحم و اما الكلام فى مقاصد هذا المبحث فنقول قد عرفت خروج ما كان الدليلان من قبيل القرنية و ذيها كالعام و الخاص المطلق و المطلق و المقيد عن مبحث التعارض فيختص التعارض بما اذا كان الدليلان متنافيين مدلولا على نحو الكلى او العموم و الخصوص من وجه و حينئذ ان كان هناك ما يمكن به التوفيق بينهما عرفا بحيث يرتفع المنافاة عن البين كما اذا كان احدهما اظهر او كان هناك شاهد جمع فهو مورد لقاعدة الجمع و الا فان كان لاحدهما مزية من المزايا الاتية فهو مورد للترجيح و ان لم يكن لاحدهما مزية كك بل كانا متعادلين متكافئين فهو مورد للتخيير فمقاصد هذا المبحث ثلثة المقصد الاول فى الجمع و المراد بامكانه فى قولهم الجمع بين الدليلين مهما امكن اولى من الطرح هو الامكان العرفى بان كان الدليلان بحيث لو فرض صدور كليهما لم يكن العرف متحرا فيما هو المراد من مدلولهما كما اذا كان لاحدهما اقوائية ظهور بحيث يصلح لان يتكل عليه المتكلم فى مقام القرينية لصرف ظهور الاخر كما اذا كان احدهما عاما استغراقيا و الاخر
ص: 484
بدليا كما فى قوله اكرام عالما و لا تكرم الفاسق فان قوله لا تكرم الفساق لكونه عاما استغراقيا اظهر فى شموله لكل فاسق من عموم قوله اكرم عالما لكل عالم على البدل يصلح لان يعتمد عليه المتكلم فى مقام القرينية لصرف ظهور قوله اكرم عالما عن الشمول لكل عالم على البدل و اختصاصه بالعالم العادل او كان هناك شاهد جمع اذ لو كان المراد بامكانه هو الامكان العقلى لم يبق للترجيح و التخيير مورد الا ما اذا كان المتعارضان نصين فى تمام مدلولهما لامكان الجمع عقلا بينهما فى غير هذا المورد و لو بالتصرف فى كليهما كما فى قوله عليهم السّلام ثمن العذرة سحت و قوله عليه السلام لا بأس ببيع العذرة فانه يمكن الجمع بينهما عقلا بمناسبة الحكم و الموضوع بحمل العذرة الاولى على عذرة غير المأكول و الثانية على عذرة المأكول و ان لم يمكن الجمع بينهما عرفا لان حمل اللفظ على خلاف ظاهره بلا قرنية غير ممكن عند اهل المحاورة و اللسان مع ان هذا خلاف الاجماع و سيرة الفقهاء فى ابواب الفقه فانها استقرت على اعمال المرحجات فى الخبرين المتعارضين بظاهرهما و اختيار ما كان منهما واجد الشئى من المرحجات و طرح الاخر من دون تصرف فيهما معارعاية لقاعدة الجمع و مما ذكرنا من ان المراد من الامكان فيما اشتهر بينهم من ان الجمع بين الدليلين مهما امكن اولى من الطرح هو الامكان العرفى ظهر عدم استقامة ما حكى عن ثانى الشهيدين قدس سره من تفريعه على قاعدة اولوية الجمع الحكم بتنصيف دار تداعياها و هى فى يدهما او لا يد لاحد منهما و اقاما بينة اذفيه او لا ما هو الحق من اختصاص القاعدة بالدليلين المتعارضين اللذين لم يكن العرف متحيرا فى المراد من مدلولهما فلا ربط لها بالبينة القائمة على الموضوعات و ثانيا ان الحكم بالتنصيف فى الفرض الاول و هو ما كانت الدار فى يد المتداعيين انما هو لاجل ان بينة كل منهما انما هى معتبرة فى نصف الدار لان كل منهما يكون مدعيا بالنسبة الى نصفها المشاع الذى يكون فى يد الاخر فعليه اقامة البينة على ملكية ذلك النصف يكون مدعيا بالنسبة اليه فيكون الحكم بالتنصيف فى هذا الفرض عملا بكل بينة بالنسبة الى موردها و هو ما فى يد الاخر منهما من النصف المشاع لاجمعا بينهما اذ لا تعارض بينهما مع اختلافهما موردا كى يكون الحكم بالتنصيف متفرعا على قاعدة الجمع بين
ص: 485
المتعارضين نعم الحكم بالتنصيف فى الفرض الثانى و هو ما لم يكن للمتداعيين بد على الدار يمكن ان يكون متفرعا على القاعدة المزبورة لو تم ما ادعى من الاجماع على عمومها لتعارض البينتين ايضا اذ حينئذ لا يتصور الجمع بينهما الا بالاخذ بمفاد بعض قول كل منهما و هو النصف فيكون الحكم بالتنصيف فى هذا الفرض متفرعا القاعدة و اما لو منعنا عن قيام الاجماع على عموم القاعدة لمثل المسئلة المفروضة كما هو الحق اذ لا دليل عليه الا فى الدليلين اللذين لم يتحير العرف فى المراد منهما فاللازم فى الحكم بالتنصيف فيها التمسك بدليل آخر و هو بان يقال ان من المعلوم وجوب فصل الخصومات على الحاكم و من المعلوم ايضا انه لا يجوز له ان يحكم فى المسئلة المفروضة لاحدهما على الاخر مع اقامة كل منهما البينة على مدعاه لانه خلاف العدل فاللازم ان يحكم بالتنصيف بينهما اذاء لما كلف به من الحكومة بالعدل ثم ان المراد من اقوائية الظهور التى تكون منشاء للجمع العرفى ليس هو مطلق اقوائية ظهور احد الدليلين من ظهور الاخر بل المراد هو اقوائية احدهما ظهورا بحيث يصلح لان يعتمد عليه المتكلم فى مقام القرينية لصرف ظهور الاخر و نظير هذا ما ذكرناه فى باب تعارض الاحوال من ان مجرد كون المجاز فى الكلمة او الاسناد اكثر و اغلب من الاضمار لا يوجب ترجيحه على الاضمار فى مقام الدوران بينهما لان المدار فى ترجيح بعض الاحوال على بعض عند الدوران ليس على الظن المطلق بل المناط فى ذلك هو صيرورة اللفظ مع ارتكاب بعضها بحسب المتفاهم العرفى ظاهرا فى معنى بحيث يجعلونه قالبا له بخلاف ارتكاب بعضها الاخر ثم ان ما يصير منشاء لاقوائية ظهور احد الدليلين امور بعضها يوجب الحاق الاظهر بالخاص الظنى السند فى ان الوجه فى تقديمه على الاخر هو حكومة دليل اعتباره سندا على اصالة الظهور فى الاخر و بعضها يوجب الحاق الاظهر بالخاص الظنى السند و الدلالة فى ان تقديمه على الاخر يحتاج الى حكومتين حكومة دليل اعتباره سندا و حكومة دليل اعتباره دلالة و ما يوجب الحاق الاظهر بالخاص الظنى السند امور الاول ان يكون مادة الاجتماع و التعارض هى القدر المتيقن فى مقام التخاطب عرفا من احد الدليلين كما اذا قال اكرم العلماء ثم قال لا تكرم الفساق و كان الفاسق العالم هو القدر المتيقن فى
ص: 486
مقام التخاطب من عموم لا تكرم الفساق من جهة العلم باشدية مبغوضية اكرام الفاسق فيما اذا كان عالما من جهة كشف فسقه مع كونه عالما عن خبث باطنه و سوء سريرته و القدر المتيقن فى مقام التخاطب و ان لم يكن مانعا عن انعقاد ظهور المطلق على ما بيناه فى مقامه خلافا لبعض الاعاظم حيث جعل من مقدمات الحكمة انتفاء القدر المتيقن فى مقام التخاطب الا انه يوجب اظهرية ما كان منه من الدليلين عند اجتماعهما و تعارضهما فيه الثانى ان يكون اخراج مادة الاجتماع عن تحت احد الدليلين و تخصيصه بغيرها موجبا لان يكون الباقى تحته بمقدار كان ارادته منه بشيعة مستهجنة الثالث ان يكون مادة الاجتماع و التعارض موردا لاحد الدليلين كما اذا ورد اكرم العلماء ثم ورد لا تكرم الفساق بعد السؤال عن اكرام العالم الفاسق الرابع ان يكون احد الدليلين فى مقام الامتنان او التحديد و ضرب القاعدة او معللا بالعلة المنصوصة التى يتوقف حسن التعليل بها على انضمام كبرى كلية بها يكون المعلل من صغرياتها و ما يوجب الحاق الاظهر بالخاص الظنى السند و الدلالة ايضا امور منها ما ذكره شيخ مشايخنا الانصارى قدس سره من انه لودار الامر بين التخصيص و النسخ فى بعض افراد العام و الخاص فالاول مقدم على الثانى لندرة الثانى و شيوع الاول و المراد ببعض افراد العالم و الخاص هو ما اذا ورد العام بعد ورود الخاص و العمل به فانه يدور الامر حينئذ بين كون العام ناسخا للخاص او الخاص مخصصا للعام و ما اذا ورد الخاص بعد وردا العام و العمل به مدة و لكن احتمل انه كانت مع العام قرنية يكشف عنها الخاص فانه يدور الامر حينئذ بين كون الخاص ناسخا للعام او مخصصا له دون ما اذا ورد العام بعد الخاص و قبل حضور وقت العمل به اورد الخاص بعد العام قبل حضور وقت العمل به او بعده مع عدم احتمال قرنية كانت مع العام و اختفيت حين العمل فان الخاص حينئذ يتعين فى المخصصية فى الاول و الثانى بناء على استحالة الفسخ قبل حضور وقت العمل و يتعين فى الناسخية فى الثالث بناء على قبح تأخير البيان عن وقت الحاجة ثم ان تعين الالتزام بالنسخ فى الثالث انما هو فى المخصصات الواردة فى كلام النبى صلى اللّه عليه و آله و سلم بعد العمل بالعمومات الواردة فى كلامه صلى اللّه عليه و آله و سلم و اما المخصصات الواردة فى كلام بعض الائمة
ص: 487
عليهم السلام بعد العمل بالعمومات الواردة فى كلامه صلى اللّه عليه و آله و سلم او كلام بعضهم عليه السلام ففيها وجوه احدها جعلها ناسخة بالتزام ايداع النبى صلى اللّه عليه و آله و سلم الناسخ عند الامام عليهم السّلام ليظهره عنده انتهاء امد الحكم المنسوخ ثانيها جعلها مخصصة و كاشفة عن قرائن كانت متصلة بالعمومات و اختفيت من جهة العوارض ثالثها جعلها مخصصة من دون الالتزام باختفاء القرائن المتصلة المستكشفة بها و خيز الوجوه هو الاخير منها فان الاول و ان كان امرا معقولا لا استحالة فيه الا انه بعيد غاية البعد لكثرة هذه المخصصات غاية الكثرة و قلة النسخ غاية القلة فلا يصح حملها عليه و الثانى بعيد بل محال عادة فان اختفاء المخصصات مع كثرتها و عموم الابتلاء بها و انتفاء الدواعى لاخفائها بعيد فى الغاية بل محال بحسب العادة و هذا بخلاف الوجه الاخير فانه لا يلزم من الالتزام به الا تأخير البيان عن وقت الحاجة و هو لا قبح فيه فيما كانت هناك مصلحة مجوزة للتأخير فكان المخاطبون بالعمومات الواردة فى كلام النبى صلى اللّه عليه و آله و سلم تكليفهم ظاهرا العمل بها مع كون المراد منها واقعا الخصوصات و هذا مما لا بعد فيه اذ كما ان المصلحة اقتضت بيان الاحكام على نحو التدريج و رجوع المكلفين الى الاصول العقلية قبل البيان حتى ورد ان الناس لم يكلفوا فى اوائل البعثة فى مدة عشر سنين الا بالتوحيد و الاعتقاد بالرسالة مع اشتراك الكل فى الاحكام الواقعية كذلك اقتضت تأخير بيان الصوارف من المخصصات و المقيدات عن زمان العمل بالظواهر من العمومات و الاطلاقات فيجوز ان يكون الحكم الظاهرى السابقين ما يقتضيه ظاهر العمومات من الترخيص فى ترك بعض الواجبات و فعل بعض المحرمات مع كون المراد منها واقعا الخصوصيات التى هى الاحكام المشتركة فيها بين السابقين و اللاحقين و دعوى الفرق بين اخفاء التكليف الفعلى على المكلف و ابقائه على العمل بمقتضى البرائة العقلية و بين مخاطبته بما يقتضى ترخيصه فى فعل الحرام و ترك الواجب من ظواهر العمومات ممنوعة غاية الامر ان الاول من قبيل عدم البيان و الثانى من قبيل بيان العدم و لا قبح فيه اذا اقتضته المصلحة هذه خلاصة ما افاده قدس سره فى هذا الامر و لا يخفى ما فيه من المواقع للنظر و التأمل لا بأس بالتعرض لها فمنها ما افاده من انه لودار الامر بين
ص: 488
التخصيص و النسخ فى بعض افراد العام و الخاص فيقدم الاول على الثانى لندرة الثانى و شيوع الاول اذ فيه او لا ان النسخ ليس فى رتبة التخصيص كى يدور الامر بينهما و يرحج الثانى لشيوعه على الاول لندرته بداهة ان الناسخ عبارة عما يرفع الحكم الثابت فيكون متوقفا على ثبوت الحكم و هو متوقف على حجية عموم العام اذ لا طريق لثبوت الحكم الاعمومه و هى متوقفة على عدم وجود الخاص اذ لا حجية للعام مع وجود الخاص فالخاص مقدم رتبة على الناسخ بمرتبتين و معه كيف يمكن ان يدور الامر بينهما كى يرحج احدهما على الاخر(1) و ثانيا ان مجرد الظن بالتخصيص لشيوعه لا يجدى ما لم يبلغ شيوعه الى مرتبة يصير كالقرائن المكتنفة بالكلام و وصوله الى تلك المرتبة ممنوع و منها ما افاده فى استبعاد الاحتمالين الاولين من الاحتمالات الثلثة اليت ذكرها فى المخصصات الواردة فى كلام بعض الائمة عليه السلام بعد العمل بالعمومات الواردة فى كلام النبى صلى اللّه عليه و آله و سلم او الوصى عليه السلام من ان كثره هذه المخصصات تابى عن حملها على كونها ناسخة للعمومات لقلة النسخ و جعلها مخصصة لها و كاشفة عن قرائن كانت متصلة بها و اختفيت يحيله العادة لكثرة تلك القرائن و عموم البلوى بها و انتفاء الدواعى لاخفائها اذ فيه ان اكثر هذه المخصصات الواردة عن ائمتنا عليهم السلام مما نقلها العامة بطرقهم عن النبى صلى اللّه عليه و آله و سلم فما تكون مختصة بنا و يدور امرها بين كونها ناسخة للعمومات او مخصصة لها و كاشفة عن القرائن المتصلة بها تكون فى غاية القلة و حينئذ فلا بعد فى حملها على كونها ناسخة للعمومات او مخصصة لها و كاشفة عن القرائن المتصلة المختفية لعدم كثرة تلك القرائن حينئذ كى يستحيل اختفائها عادة كما هو واضح و منها ما افاده فى تقريب الاحتمال الثالث و هو جعل المخصصات الواردة فى كلمات بعض الائمة عليه السلام مخصصة للعمومات الصادرة عن النبى صلى اللّه عليه و آله و سلم من دون الالتزام بكونها كاشفة عن القرائن المتصلة بالعمومات من ان
ص: 489
المصلحة كما اقتضت بيان الاحكام على نحو التدريج و ابقاء المكلفين على العمل بمقتضى البرائة العقلية قبل بيانها كذلك اقتضت تأخير بيان المخصصات عن وقت العمل بالعمومات فيجوزان يكون الحكم الظاهرى للسابقين ما يقضيه ظاهر العمومات من الترخيص فى ترك بعض الواجبات و فعل بعض المحرمات مع كون المراد منها واقعا الخصوصات التى هى احكام واقعية مشتركة بينهم و بين اللاحقين اذ فيه انه اذا اقتضت المصلحة تأخير المخصص عن وقت العمل بالعموم لوجود مانع من زمان او زمانى عن الحكم بالخصوص او فقد شرط له كك فى وقت العمل بالعموم فلامحة يكون لعدم ذلك المانع او لوجود ذلك الشرط دخل فى ملاك الحكم بالخصوص فلا يكون فى وقت العمل بالعموم حكم بالخصوص واقعا لعدم تمامية ملاكه فى ذاك الوقت فاذا لم يكن السابقون المخاطبون بالعمومات مكلفين بالخصوصيات لعدم تمامية ملاكاتها فلا محالة يكون العمل بالعمومات تكليفا واقعيا لهم لا ظاهريا لعدم تكليف واقعى لهم بالخصوصات كى يكون تكليفهم بالعمومات ظاهريا و اذا كانت العمومات تكليفا واقعيا للسابقين فلا محة تكون الخصوصيات ناسخة للعمومات لا مخصصة لها فما استقر به قدس سره من جعل الخصوصات مخصصة للعمومات من دون التزام بكونها كاشفة عن قرائن مختفية يرجع اليما استبعده من جعلها ناسخة لها و منها ما افاده فى الفرق بين اخفاء التكليف الفعلى على المكلف و ابقائه على العمل بمقتضى البرائة العقلية و بين مخاطبته بما يقتضى ترخيصه فى فعل الحرام و ترك الواجب من ظواهر العمومات مع كون المراد منها الخصوصات بقوله قدس سره غاية الامر ان الاول من قبيل عدم البيان و الثانى من قبيل بيان العدم اذ فيه ان الثانى ايضا من قبيل عدم البيان مطلقا اى سواء قلنا بما هو المختار من عدم استلزام التخصيص للمجازية فى العام و انه لا يوجب الا تضييق دائرة العموم او قلنا باستلزامه لها فيه اذ على الاول لا يستلزم تأخير المخصص الا عدم بيان تمام ماله مدخلية فى موضوع الحكم و على الثانى لا يستلزم تأخيره الاعدم بيان المعنى المجازى
ص: 490
فتأمل(1) فتبين مما ذكرنا ان الوجه فى ترجيح التخصيص على النسخ فى مورد دوران الامر بينهما هو تقدم التخصيص على النسخ رتبة من حيث توقف النسخ على ثبوت الحكم المتوقف على حجية العام فى العموم المتوقفة على عدم التخصيص بالخاص كما ان هذا هو الوجه ايضا فى ترجيح ارتكاب خلاف جميع الظواهر عند الدوران بينه و بين النسخ كما اذا وردا النهى عن اكرام الشعراء ثم ورد لا بأس باكرام الشعراء فدار الامر بين حمل النهى على الكراهة او حمل عدم البأس على النسخ فان الوجه فى ترجيح حمل النهى على الكراهة على حمل عدم البأس على حجية ظهور النهى فى التحريم المتوقفة على عدم ما يدل على كونه للكراهة لا ما ذكره الشيخ الانصارى قدس سره من غلبة غير النسخ من سائر خلاف الظواهر بالنسبة اليه و من الامور التى توجب الحاق الاظهر بالخاص الظنى السند و الدلالة هو كون احد الدليلين موجبا لهدم بعض مقدمات انعقاد الظهور الاخر كما اذا كان احدهما عاما اصوليا استغراقيا و الاخر مطلقا شموليا او بدليا كما اذا قال اكرم العالم او عالما ثم قال لا تكرم الفساق فان من مقدمات تمامية الاطلاق باقسامه كون افراد المطلق متساوية الاقدام بالنسبة الى الحكم المترتب عليه و من المعلوم ان افراد العالم تخرج عن التساوى بالنسبة الى مارتب عليه من وجوب الاكرام بكون بعضها فاسقا منهيا عن اكرامه و كذلك الامر فيما كان احد الدليلين مطلقا شموليا و الاخر بدليا كما اذا قال اكرم العالم و اهن فاسقا فان افراد الفاسق تخرج عن التساوى بالنسبة مارتب على الحصة الشايعة من طبيعته من وجوب الاهانة بكون بعضها عالما واجب الاكرام و لا فرق فيما ذكرنا بين كون العام مقدما على المطلق صدورا او مقارنا معه و بين كونه متأخرا عنه بداهة ان ظهور المطلق فى الاطلاق و ان كان ينعقد بتمامية الكلام مع عدم اختفافه بما يكون قرينة على التقييد الا ان حجية هذا الظهور بمعنى كونه مطابقا للمراد النفس الامرى
ص: 491
مقيدة حدوثا و بقاء بعدم ما يدل على التقييد و و من هنا ذكرنا فى محله انه لا فرق بين المقيد المتصل و المنفصل فى ان كلا منهما دال على مدخلية القيد فى موضوع الحكم و انما الفرق بينهما فى ان الاول مانع عن انعقاد ظهور المطلق فى الاطلاق بخلاف الثانى فانه لا يكون مانعا عن انعقاده و لا رافعا له و انما يكون كاشفا عن عدم كونه مطابقا للمراد النفس الامرى فهو و ان لم يكن كالمتصل فى كونه مانعا عن ان ينعقد للمطلق دلالة تصديقية بكلام معنييها الا انه كالمتصل فى كونه مانعا عن دلالته التصديقية بالمعنى الثانى و هو كون الظهور المنعقد للمطلق مطابقا للمراد النفس الامرى فما اورده صاحب الكفاية قدس سره على الشيخ الانصارى قدس سره من ان العام انما يكون بيانا و هادما لبعض مقدمات الاطلاق فيما اذا كان مقدما على المطلق او مقارنا له لا فيما كان مؤخرا عنه معللا بان عدم البيان الذى هو من مقدمات انعقاد ظهور المطلق هو عدم البيان فى مقام البيان لاعدم البيان الى الابد انما يصح بالنسبة الى ظهور المطلق فى الاطلاق و دلالته التصديقية بالمعنى الاول و هو صحة نسبة مفاده الى المتكلم لا بالنسبة الى دلالته التصديقية بالمعنى الثانى و هو كون مفاده مطابقا لمراده النفس الامرى لان دلالته التصديقية بهذا المعنى مقيدة حدوثا و بقاء بعدم ما يدل على مدخلية القيد فى الموضوع النفس الامرى فيكون من مقدماتها عدم البيان الى الابد و مما يوجب الحاق اظهر الدليلين بالخاص و حكومته على الاخر هو كونهما مما دل على المفهوم مع اختلافهما نوعا اوصنفا كان يكون دلالة احدهما على المفهوم من باب التعليق بالغاية و دلالة الاخر عليه من باب التعليق صح بالشرط او الوصف بناء على ثبوت المفهوم له فان المعلق بالغاية يرحج على المعلق بالشرط و هو يرجح على المعلق بالوصف و السر فى ذلك هو ان دلالة المعلق بالشرط على المفهوم و ان الشرط علة منحصرة للجزاء انما هى بمقدمات الحكمة و هى اطلاق الشرط و عدم عطف شئى عليه باو او بالواو فانه يكشف عن ان العلة الجزاء هو خصوص الشرط لا القدر الجامع بينه و بين غيره و الا لوجب عطف الغير عليه باو و لا كلاهما معا و الا لوجب عطفه عليه بالواو و المعلق بالغاية يدل على ان للغاية ايضا مدخلية فى تحقق الجزاء فيكون هادما لبعض مقدمات ظهور الشرطية فى العلية المنحصرة
ص: 492
و كذا دلالة المعلق بالوصف على المفهوم انما هى من باب ظهوره فى الاحترازية و هذا الظهور ينهدم بمجرد دلالة المعلق بالغاية او الشرط على ان للغاية او الشرط مدخلية فى الحكم هذا كله فيما اذا كان اظهرية احد الدليلين من الاخر بحسب النوع او الصنف و اما الاظهرية بحسب خصوصيات المقامات فهى لا تدخل تحت ضابطة كلية الا كون احد الدليلين بحيث يصلح ان يكون قرينة صارفة لظهور الاخر بحسب نظر العرف لوجمعهما كلام واحد هذا كله فيما اذا كان التعارض بين الدليلين و اما اذا كان التعارض بين ازيد من الدليلين فقد يصعب تعيين الاظهر من بينها و ترجيحه بحسب الدلالة على غيره لمكان ما قد يعرض من اختلاف النسبة بين اثنين منها بملاحظة العلاج مع الثالث فلابد من التعرض له و بسط القول فيه فنقول اذا كان النسبة بين الخاصين التبائن او العموم من وجه او العموم المطلق فعلى الاول و الثانى ان لم يلزم من العمل بالخاصين محذور فلا اشكال فى تخصيص العام بهما كما اذا ورد اكرم العلماء وورد لا تكرم زيدا و لا تكرم بكرا فيما كانا عالمين او ورد لا تكرم النحويين و لا تكرم الصرفيين و ان لزم من العمل بالخاصين محذور بان كان الخاصان مستوعبين لافراد العام او كانا بحيث لم يبق بعد اخراجهما الا مقدار كان ارادته من العام بشيعة مستهجنة فيقع التعارض بينهما و بين العام و لابد حينئذ من الترجيح بالمرحجات السندية ان وجدت و الا فالتخيير و على الثالث ان كان الاخص من الخاصين من المخصصات المتصلة اللفطية كالوصف و الغاية و الشرط و الاستثناء على المختار او اللبية كالفعل الضرورى فلا اشكال فى لزوم تخصيص العام له اولا ثم ملاحظة النسبة بينه و بين الخاص الاخر و لا محالة تكون النسبة بينهما هى العموم من وجه بداهة صيرورة المخرج عن العام بالخص الاخص، مادة الافتراق للخاص الاعم من العام فيقع التعارض بينهما و ان كان الاخص من الخاصين من المختصصات المنفصلة اللفطية او اللبية كالاجماع و العقل النظرى، فالتحقيق عدم جواز تخصيص العام له اولا ثم ملاحظة النسبة بينه و بين الخاص الاخر، بل اللازم ملاحظة النسبة بينهما معا و بين العام و تخصيصه بكليهما فى عرض واحد، بداهة ان نسبتهما الى العام نسبة واحدة فيكون تقديم احدهما فى مقام العلاج ترجيحا بلا مرحج، هذا مع ان تخصيصه بالاخص منهما اولا لا يوجب
ص: 493
انقلاب النسبة بينه و بين الخاص الاخر الى العموم من وجه، و ذلك لان التنافى بين المتعارضين انما يكون بين ظاهرهما لا المراد النفس الامرى منهما، و الخاص المنفصل ليس كالخاص المتصل مانعا عن انعقاد ظهور العام فى العموم و قرنية على ان تمام الباقى هو المراد منه كى يوجب انقلاب النسبة بينه و بين خاص آخر، بل هو بعد التخصيص بالمنفصل على ما كان عليه قبل التخصيص به من الظهور فى العموم، غاية الامر ان التخصيص به يوجب ارتفاع مطابقة هذا الظهور للمراد النفس الامرى و اما كون المراد من العام يد التخصيص به تمام الباقى فلا دلالة له عليه اصلا، و انما يثبت كون تمامه مرادا منه باصالة عدم مخصص آخر و هى غير جارية مع وجود خاص آخر لحكومته عليها كما هو واضح، فهو بعد التخصيص باخص الخاصين يكون فى حكم المجمل فى الكشف عن المراد لتردده بين ان يكون تمام الباقى مرادا منه او بعضه، فلا ظهور له فى تمام الباقى حتى يكون النسبة بينه و بين الخاص الاخر عموما عن وجه و ان شئت قلت ان العام لا يخلو، اما ان يلاحظ بحسب ما كان له قبل التخصيص باخص الخاصين من الظهور الوضعى فى العموم، و اما ان يلاحظ بحسب ما انعقد له بعد التخصيص باخصهما من الظهور فى تمام الباقى باصالة عدم مخصص آخر، و على كل تقدير يكون محكوما بالنسبة الى دليل اعم الخاصين كما هو واضح، هذا كله فيما اذا لم يكن بين نفس الخاصين تعارض اصلا، و اما فيما اذا كان بينهما ايضا تعارض، فلا يخلو ايضا اما ان يكون بالتباين او العموم من وجه او العموم المطلق، و على التقادير، اما ان يكون احد الخاصين متصلا بالعام او يكون كلاهما منفصلين عنه، اما فيما اذا كان كلاهما منفصلين عن العام، فمقتضى القاعدة فيما كانا متبائنين هو الحكم بتساقطهما و الرجوع الى العام، و فيما كانا عامين من وجه هو تخصيص العام بكليهما بالنسبة الى موردى افتراقهما و تخصيصه باحدهما بالنسبة الى مورد اجتماعهما فيما امكن ترجيح احدهما بحسب الدلالة عرفا كما اذا كان دلالة احدهما بالعموم و الاخر بالاطلاق، و الحكم بتساقطهما فى موردى الاجتماع و الرجوع الى العام فيمالم يمكن ترجيح احدهما كك، و فيما كان احدهما اخص مطلقا من الاخر هو الجمع بينهما دلالة بتخصيص الاعم منهما بالاخص ثم تخصيص العام بالمحصل من
ص: 494
الجمع بينهما، و اما فيما كان احدهما متصلا بالعام، فمقتضى القاعدة تخصيص العام اولا بما اتصل به ثم ملاحظة النسبة بين مقتضاهما و الاخر، و حينئذ قد يوجب تخصيصه بما اتصل به انقلاب النسبة بينه و بين الخاص الاخر، كما اذا كان ما انصل به من الخاصين اخص من الاخر، حيث ان تخصيصه بالاخص يوجب انقلاب نسبته مع الاخر الى العموم من وجه، فلابد من الجمع بينهما دلالة فيما امكن كما اذا كان دلالة احدهما بالعموم و دلالة الاخر بالاطلاق، و الا فيقع التعارض بينهما و يرجع بعد التساقط الى عام اعم لو كان و الافالى مقتضى الاصول العملية، و من هنا قال شيخ مشايخنا الانصارى قدس سره ان النسبة بين روايتى الدرهم و الدينار بعد جعلهما كرواية واحدة و بين مادل على استثناء الذهب و الفضة من قبيل العموم من وجه لان التعارض بين العقد السلبى من الاولى و العقد الايجابى من الثانية الا ان الاول عام و الثانى مطلق و التقييد اولى من التخصيص الى آخر ما افاده و توضيح ما افاده انه ورد فى رواية ليس فى العارية ضمان الا الدينار، و فى رواية اخرى ليس فى العارية ضمان الا الدرهم، و فى رواية ثالثة ليس فى العارية ضمان الا الذهب و الفضة، و بعد جعل الروايتين الاولتين بمنزلة رواية واحدة بجعل الحصر فيهما اضافيا بالنسبة الى غير المحصور فى الاخر، يقع التعارض بينهما و بين الرواية الثالثة بالعموم من وجه، حيث ان رواية الدرهم و الدينار مشتملة على نفس الضمان فى العارية و على اثباته فى الدرهم و الدينار و رواية الذهب و الفضة مشتملة على نفى الضمان فى العارية و على اثباته فى الذهب و الفضة، و لا تعارض بينهما فى نفى الضمان عن غير الذهب و الفضأ كالثوب و نحوه و لا فى اثباته فى الدرهم و الدينار و انما التعارض بين العقد السلبى و هو المستثنى منه فى روانه الدرهم و الدينار العقد الايجابى و هو المستثنى فى رواية الذهب و الفضة، لأن مقتضى الاول نفى الضمان عن الحلى المصوغة و مقتضى الثانى اثباته فيها، فيتعان بالعموم من وجه، حيث ان مادة افتراق الاول من الثانى هى ما عدا الذهب و الفضة من الثوب و نحوه، لان الثانى متكفل لاثبات الضمان فى الذهب و الفضة و ساكت عن نفيه عن غيرهما، و مادة افتراق الثانى من الاول هى الدرهم و الدينار، لان الاول متكفل لنفى الضمان عن ما عدا الدرهم و الدينار و ساكت عن اثباته فيهما، لان
ص: 495
المفروض هو التعارض بين العقد السلبى من طرف و العقد الايجابى من طرف آخر، لا بين مجموع العقدين من الطرفين، و مادة الاجتماع هى الحلى المصوغة، و لابد من الجمع بينهما بحسب الدلالة، لامكانه هنا حيث ان دلالة الاول على نفى الضمان عما عدا الدرهم و الدينار بالعموم لان النكرة الواقعة فى سياق النفى تفيد العموم، و دلالة الثانى على اثباته فى الذهب بالاطلاق، و التقييد فى الاطلاق اولى من التخصيص فى العموم، الا ان الجمع بهذا النحو يبعده لزوم تخصيص الثانى بالفرد النادر، حيث ان استعارة النقدين نادرة غاية الندرة، و الجمع بينهما بغير هذا النحو كالتصرف فى الاول و جعل الحصر فيه اضافيا بالنسبة الى غير ما هو مورد للثانى من الذهب و الفضة، و ان كان ممكنا عقلا الا انه بعيد عن فهم العرف، فلابد فى مادة الاجتماع من الحكم بالاجمال و الرجوع الى عمومات نفى الضمان فى العارية من غير تقييد، هذا كله فيما اذا كان التعارض بين المتعاضات بالعموم و الخصوص، و اما اذا كان التعارض بينها بالعموم من وجه، كما اذا ورد اكرم العلماء و لا تكرم الفساق و يستحب اكرام الشعراء، فيتعارض الكل فى مورد الاجتماع و هو العالم الفاسق الشاعر، فان كان هناك ما يدل على اخراج مورد الاجتماع عن جميعها، كما اذا ورديكره اكرام العالم الفاسق الشاعر، فيرتفع التعارض من بينها و ان كان هناك ما يكون اخص مطلقا بالنسبة الى احدها، كما اذا ورد ايضا لا تكرم فساق العلماء حيث انه اخص مطلقا بالنسبة الى اكرم العلماء فى المثال، فيلزم تخصيصه اولا بذاك الخاص، و حينئذ تنقلب النسبة بينه و بين الاخرين و يصير اخص مطلقا منهما، فيلزم تخصيص دليلهما بدليله و الحكم بوجوب اكرام مورد الاجتماع و هو العالم العادل الشاعر فى المثال و ان لم يكن هناك ما يكون اخص مطلقا بالنسبة الى احدها، فمقتضى القاعدة الاولية هو الحكم باجمال الكل و الرجوع فيه الى مقتضى الاصول العملية، و اما اذا كان التعارض بين المتعارضات بالتبائن، كما اذا ورد يجب اكرام العلماء و يستحب اكرامهم و يحرم اكرامهم، فان كان هناك ما يكون اخص مطلقا بالنسبة الى احدها كما اذا ورد فى المثال ايضا يحرم اكرام فساق العلماء فيخصص به عموم يجب اكرام العلماء و تنقلب حينئذ النسبة بينه و بين الاخرين و يصير اخص مطلقا منهما فيخصص به دليلهما و يحكم بوجوب اكرام
ص: 496
العلماء العدول، و يقع حينئذ التعارض بين الاخرين فى فساق العلماء حيث يدل احدهما على حرمة اكرامهم و الاخر على استحبابه، و حينئذ ان لم يكن بينهما تفاوت من حيث قوة الدلالة و ضعفها كما فى المثال، فمقتضى القاعدة الاولية هو الحكم بتساقطهما و الرجوع الى الاصول العملية، و ان كان بينهما تفاوت كما اذا كان يدل يحرم اكرام العلماء فى المثال لا تكرم العلماء و بدل يستحب اكرامهم يكره اكرامهم، حيث ان ظهور يكره فى الكراهة بمعناها المصطلح على تقدير تسليم ظهوره فيها بهذا المعنى اقوى من ظهور صيغة النهى فى الحرمة، لزم الاخذ بالاقوى منهما دلالة و جعله صارفا لظهور الاخر، فيحكم فى المثال بكراهة اكرام فاسق العلماء، و ان كان لكل من المتعارضات بالتبائن ما يخصصه من جهة دون اخرى، كما اذا ورد لا ترث الزوجة مطلقا اى سواء كانت ذات و لدام لا و سواء كان التركة من الاراضى او من غيرها، وورد ترث مطلقا، وورد ترث ان كانت ذات ولد، وورد لا ترث من الاراضى فيخصص كل منها بمخصصه و تنقلب النسبة حينئذ بينها الى العموم من وجه، ففى المثال يخصص لا ترث الزوجة مطلقا بترث ان كانت ذات ولد و يخصص ترث مطلقا بلاترث من الاراضى و بعد تخصيص كل منهما بمخصصه تنقلب النسبة بينهما الى العموم من وجه، حيث ان مادة افتراق لا ترث مطلقا هى ما اذا كانت غير ذات الولد و كانت التركة من غير الاراض و مادة افتراق ترث مطلقا هى ما اذا كانت ولد و كانت التركة من الاراضى، فيعارضان فيها بالعموم من وجه و يجرى فيه ما مر فى المتعارضات بالعموم من وجه، و ان لم يكن هناك ما يكون اخص مطلقا بالنسبة الى احدها و لا لكل منها ما يخصصه من جهة دون اخرى، فان كان بينها تفاوت بحسب قوة الدلالة و ضعفها لزم الاخذ بالاقوى دلالة منها و جعله صارفا فالظهور البواقى، و ان لم يكن بينها تفاوت فمقتضى القاعدة الاولية هو الحكم بتساقطها و الرجوع الى مقتضى الاصول العملية، فتبين مما ذكرنا موارد انقلاب النسبة بين المتعارضات من الادلة عن غيرها، ثم انه قد يورد على ما ذكرنا من انقلاب النسبة فى تلك الموارد، بان الملاك فى اخذ النسبة بين المتعارضين هو لحاظهما بما انعقد لهما من الظهور، و من المعلوم ان المخصص المنفصل ليس حاله كالمتصل فى كونه مانعا عن انعقاد ظهور العام فى العموم و
ص: 497
موجبا لانعقاد ظهور آخر له كى ينقلب النسبة بينه و بين عام آخر معارض له، و فيه ان المدار فى تعارض الدليلين ليس على الظهور من حيث هو، بل من حيث كونه مطابقا للمراد النفس الامرى و كاشفا عن الحكم الواقعى الذى هو معنى حجيته، و لذا عرفنا التعارض بانه عبارة عن تكاذب الدليلين باعتبار ما بين مدلولهما من التنافى ذاتا بحيث لا يمكن الجمع بينهما فى مقام الجعل و التشريع ثبوتا و واقعا، و المخصص المنفصل و ان لم يكن موجبا لرفع العام فى العموم و لانعقاده فى الخصوص، الا انه يوجب ارتفاع مطابقته للمراد النفس الامرى، و يدل على ان المراد الواقعى من العام غير مورد الخاص، فحينئذ يكون الوجه فى تقديمه على العام الاخر ما هو الوجه فى تقديم الخاص على العام من لزوم كونه بلا مورد و لغوا لو لا تقديمه عليه فتبصر، هذا تمام الكلام فيما كان المنشاء للجمع العرفى بين الادلة المتعارضة اقوائية احدها ظهورا و دلالة، و اما اذا كان المنشاء للجمع بينها شاهد جمع خارجى فهو على قسمين، فتارة يكون المنشاء قيام دليل من خارج على ان احد المتعارضين موافق للتقية، و هذا يرجع الى مرحجات الصدور التى نتعرض لها فيما سيجئى انشاء اللّه تعالى، و اخرى يكون المنشاء ورود ما يكون كاشفا عن ان المراد من احد العامين المتعارضين هو الخصوص، كما اذا ورد اكرم العلماء وورد لا تكرم الفساق وورد اكرم العلماء العدول، فان اكرم العلماء العدول و ان لم يكن معارضا مع شئى من العامين، الا انه قد يكون كاشفا عن ان المراد من العلماء فى اكرم العلماء هو خصوص العدول منهم، لكن هذا القسم لا يدخل تحت ضابطة كلية بل هو تابع لخصوصيات المقامات الموكولة الى نظر الفقيه، هذا تمام الكلام فيما يكون منشاء لامكان الجمع بين المتعارضين من الاخبار عرفا مما يكون موجبا لاقوائية ظهور احدهما بالنسبة الى الاخر او كاشفا عن ان المراد من احدهما غير مورد التعارض، و قد عرفت ان مرادهم من امكان الجمع فى قولهم الجمع بين الدليلين مهما امكن اولى من الطرح، لا بد ان يكون هو الامكان العرفى بان كان لاحدهما اقوائية ظهور بحيث يصلح لان يعتمد عليه المتكلم فى مقام القرينية لصرف ظهور الاخر، او كان هناك شاهد جمع من خارج يكشف عن عدم مطابقة ظهور احدهما للمراد النفس الامرى و ان المراد الواقعى منه غير مورد
ص: 498
التعارض، لا الامكان العقلى بان امكن حمل احدهما او كليهما على خلاف ما هو الظاهر منهما بضرب من التأويل من غير قرنية و شاهد عليه اصلا لا من الداخل و لا من الخارج، و الا لم يبق للاخبار العلاجية الا مورد نادر، كما اذا كان المتعارضان نصين فى تمام مدلولهما، بداهة امكان الجمع بهذا النحو فى غير هذا المورد كما هو واضح، هذا مع ان الجمع بهذا النحو مخالف للاجماع و سيرة الفقهاء فى ابواب الفقه كما مر بيانه، الا ان الذى يظهر من جماعة هو ان المراد منه هو الامكان العقلى، و ما استدل به على لزوم الجمع بهذا النحو وجوه، الاول الاجماع كما ادعاه صاحب غوالى اللئالى و بعض آخر و فيه ان الاجماع على لزوم الجمع فى الجملة و ان كان مسلما، الا ان القدر المتيقن منه هو الجمع الذى يساعد عليه العرف لا مطلقا، كيف و قد عرفت ان الجمع بين المتعارضين بحمل كليهما او احدهما على خلاف الظاهر منهما من دون قرنية و شاهد اصلا مخالف للاجماع و السيرة القطعية الثانى ان دلالة اللفظ على تمام معناه اصلية و على جزئه تبعية، و اهمال دلالته التبعية الذى يلزم من الجمع اولى من اهمال دلالته الاصلية الذى يلزم من الطرح، و فيه او لا انه لا يلزم من العمل باحدهما تعيينا او تجييزا اهمال دلالة الاخر اصلا لا اصلية و لا تبعية، لما عرفت من توقف صحة النعبد بظهور الظاهر و دلالته على التعبد بصدوره فظاهر ما لم يفرغ عن التعبد بصدوره لا يكون مشمولا لدليل التعبد بالظواهر كى يكون طرحه خلافا للاصل فتدبر و، انما يلزم منه طرح سنده، و ثانيا ان المحذور مشترك الورود، اذ يلزم من الجمع ايضا طرح الدلالة الاصلية و الاخذ بالتبعية، حيث ان العمل بكل من الدليلين من وجه عمل بالدلالة التبعية منهما كما هو واضح، الثالث ان دليل حجية الخبر الواحد المشكوك الصدور يجعلة فى حكم مقطوع الصدور كالخبر المتواتر، فكما انه اذا وقع التعارض بين ظاهر الخبرين المتواترين يجب تأويلهما و العمل بخلاف ظاهرهما كك يجب تأويل الخبرين المتعارضين، و فيه اولا المنع عن وجوب تأويل ظاهر مقطوعى الصدور و العمل بخلاف ظاهرهما فيما وقع التعارض بينهما بل يحكم باجمالهما و سقوط ظاهرهما عن الحجية، و ثانيا ان تأويل ظاهر مقطوعى الصدور انما هو لمكان القطع بصدورهما الذى يكون قرنية صارفة لظاهر كل منهما بحكم العقل من جهة استحالة
ص: 499
التناقض فى كلام المتكلم الحكيم، و دليل اعتبار الخبر انما يجعله بمنزلة الصادر الواقعى فيما يترتب عليه من الاحكام الشرعية، لا بمنزلة المقطوع الصدور كى يترتب عليه ما يترتب على هذا العنوان من اللوازم العقلية بناء على ما هو الحق من حجية المثبت من الامارات، سلمنا انه يجعلهما بمنزلة المعلوم الصدور، الا انا نمنع عن اصل شمول ادلة حجية اخبار الاحاد للمتعارضين منها كما سيجئى انشاء اللّه تعالى بيانه فى الاشكال على الوجه الرابع ان الاصل فى الدليلين الاعمال فيجب الجمع بينهما صهما امكن لاستحالة الترجيح بلا مرجح، و حاصله ان مقتضى القاعدة فى الخبرين المتعارضين بعد تساويهما فيما هو الملاك فى اعتبار خبر الواحد ككونه خبر امامى عدل و اطلاق ادلة اعتباره بالنسبة الى حال التعارض هو الالتزام بشمول ادلة الاعتبار لكليهما، اذا لقول بشمولها لاحدهما مع فرض تساويهما فى الملاك ترجيح بلا مرحج فاذا كانت الادلة شاملة لكليهما فيجب العمل بهما و حيث ان العمل بهما من جميع الجهات غير ممكن لمكان التعارض فاللازم العمل بهما فى الجملة بالجمع بينهما و لو بحمل احدهما او كلاهما على ارادة خلاف الظاهر تحكيما الدليل الصدور على دليل حجية الظهور، و فيه ان وجوب الجمع بين المتعارضين فرع شمول ادلة الحجية لهما و هو ممنوع جدا، بداهة ان التعيد بصدورهما بمالهما من الظهور مستلزم للتعبد بصدور المتناقضين عن الحكم تعالى عن ذلك علوا كبيرا، و التعبد بصدورهما مع رفع اليد عن ظهور احدهما او كليهما، مستلزم لعدم التعبد بصدور احدهما او كليهما و ما يلزم من فرض وجوده عدمه محال فالتعبد بصدورهما محال توضيح ذلك هو ان صحة التعبد بصدور الخبر موقوفة على وجود اثر عملى للمخبربة، حيث ان معنى لزوم التصديق بالخبر هو الالتزام بالاثر المترتب على المخبربه، فرفع اليدعن ظهور الخبر و الحكم باجماله الذى هو فى معنى ترك العمل به موجب لعدم صحة التعبد بصدوره، لا يقال ان الاجمال الذى هو فى معنى ترك العمل انما يلزم من الجمع لو كان المراد منه هو مجرد الحكم بارادة خلاف الظاهر من دون تعيين ما يحمل الظاهر عليه، و اما مع تعيينه كما هو المراد من الجمع قطعا فلا يلزم ذلك اصلا كما لا يخفى، لانا نقول ان تعيين ما يمكن ان يحمل ظاهر المتعارضين او احدهما عليه
ص: 500
اقتراحا بضرب من التأويل من غير قرنية علبه اصلا، لا يؤثر فى صحة التعبد بهما اصلا، بداهة انه لا معنى للتعبد بما يمكن حمل الظاهر عليه اقتراحا كما لا يخفى، هذا مع ان ما ذكر انما يجدى فيما اذا كان ما يمكن حمل الظاهر عليه معنى واحدا لا معانى متعددة اذ لازم الجمع حينئذ هو الاجمال لتردد المراد و استلزام تعيينه من بينها للترجيح بلا مرحج كما هو واضح، هذا كله مضافا الى ان معنى حجية الخبر هو جعله واسطة فى الاثبات و طريقا الى مؤداه فكيف يمكن ان يجعل حمله على خلاف مؤاده من آثار حجيته و نتائجها هذا، و قد اورد شيخ مشائخنا الانصارى قدس سره على هذا الوجه، بما حاصله ان كلا من المتعارضين مشتمل على سند و ظاهر، و لا يمكن ان يكون السند و الظاهر من كليهما مشمولين لادلة اعتبار السند و الظاهر، بداهة ان الحكم بصدور كليهما و ارادة ظاهر كليهما غير ممكن، و لا ان يكون السند من احدهما و الظاهر من الاخر مشمولين لها لتوقف صحة التعبد بظاهر الكلام على الفراغ عن صدوره، فلا يمكن التعبد بظهوره مع عدم التعبد بصدوره، فما يمكن ان يكون مشمولا لادلة الاعتبار هو السند من كل منهما او السند و الظاهر من احدهما، فالسند من احدهما متيقن الاعتبار على كل تقدير، و حينئذ يدور الامر بين اعتبار سند الاخر او اعتبار ظهور المتيقن اعتبار سنده، و ليس الشك فى احدهما مسببا عن الشك فى الاخر كى يكون دليل اعتبار احدهما حاكما على دليل اعتبار الاخر، و حينئذ فيقع التعارض بين ظاهر متيقن الاعتبار و بين سند الاخر و لا ترجيح لاخذ سند الاخر و طرح ظاهرا المتيقن اعتباره، و قد يورد عليه اولا بان منشاء التنافى بين الخبرين هو التعبد بصدورهما لا التعبد بظهورهما و لا التعبد بظهور احدهما و صدور الاخر، و ذلك لما عرفت من انه لا يتوقف صحة التعبد بالظهور الاعلى فرض التعبد بالصدور، فالتعبد بظهورهما كان حاصلا قبل التعبد بصدورهما و لم يكن بينهما تناف اصلا، بداهة ان التنافى بين الظاهرين انما هو باعتبار صدور هما عن متكلم واحد، فالتنافى بينهما انما نشاء من التعبد بصدورهما، فالتعارض انما هو بين السندين لا بين ظهور احدهما و سند الاخر، ان قلت كما انه لا تنافى بين ظهور الخبرين الا باعتبار صدورهما كك لا تنافى بين صدورهما الا باعتبار ظهورهما، فلكل من الصدور و الظهور
ص: 501
دخل فى التنافى، فلا وجه لاسناد التعارض الى خصوص السندين، قلت نعم لكن لما كان التعبد بالصدور متأخرا عن التعبد بالظهورا سند التعارض الى خصوص السندين لان المعلول يستند الى الجزء الاخير من علته التامة و ثانيا بان ما افاده من ان احد السندين متيقن الاعتبار، ان كان بلحاظ الاخبار العلاجية فهو خارج عن محل البحث لان البحث فى مقتضى الاصل الاولى مع قطع النظر عن ادلة الترجيح و التخيير، هذا مع ان مقتضى تلك الاخبار حجية احد الخبرين تعيينا او تخيير الا حجية احدهما على سبيل الابهام كما افاده، و ان كان مع قطع النظر عن ذلك الاخبار فهو ممنوع جدا، اذ لا دليل على حجية احد السندين على سبيل الابهام هذا، و لكن بالمراجعة الى كلامه قدس سره يظهر عدم ورود شئى مما ذكر عليه، فان كلامه ظاهر بل صريح فى ان تيقن اعتبار احد السندين انما هو بلحاظ ما سلمه من المستدل من دعوى شمول ادلة اعتبار السند و الظاهر لكل من المتعارضين على نحو الشأنية و الاقتضاء، و ما فرعه قدس سره عليه من عدم امكان شمولها على نحو الفعلية الا للسندين او السند و الظاهر من احد الخبرين، فتيقن اعتبار احد السندين، انما هو بلحاظ شمول ادلة اعتبار السند و الظاهر لكل من المتعارضين على نحو الاقتضاء، و عدم امكان الشمول فعلا الا لادلة اعتبار السند بالنسبة الى كلا المتعارضين او لادلة اعتبار السند و الظاهر بالنسبة الى احد المتعارضين، فاذا كان احد السندين مشمولا فعلا لادلة اعتبار السند على كل تقدير و متيقن الاعتبار كك، فلا يمكن ان يقع التعارض بينه و بين السند الاخر المشكوك الاعتبار، فتحصل مما ذكرنا كله ان ما اشتهر بينهم من ان الجمع بين الدليلين مهما امكن اولى من الطرح، صحيح ان كان المراد من امكان الجمع امكانه عرفا، و ينحصر مورده بما اذا كان لاحد الدليلين اقوائية ظهور بحيث يصلح لان يعتمد عليه المتكلم فى مقام القرينية لصرف ظهور الاخر، و غير صحيح ان كان المراد من امكان الجمع امكانه عقلا، اذ لا دليل عليه بل الدليل على خلافه، ثم ان ما ذكرناه و صرح به الشيخ الانصارى قدس سره ايضا من عدم صحة التعبد بالمجمل، انما هو فيما اذا لم يترتب على التعبد به اثر عملى اصلا كما اذا اخبر العادل بوجوب شئى على نحو الاجمال دون ما اذا ترتب على التعبد به اثر عملى و لو كان ذلك الاثر سقوط ظهور
ص: 502
دليل عن الحجية، كما اذا كان هناك ما يدل بعمومه او اطلاقه على وجوب اكرام العلماء ثم ورد ما يدل على عدم اكرام بعض منهم على نحو الاجمال، فان التعبد بمادل على عدم وجوب اكرام بعضهم من دون تعيين يوجب سقوط عموم مادل على اكرام العلماء عن الحجية و صحة التمسك به، و مما ذكرنا يندفع ما قد يتوهم من التهافت بين كلمات شيخ مشايخنا الانصارى قدس سره حيث ان بعضها يدل على عدم صحة التعبد بالمجمل و بعضها يدل على صحته، هذا تمام الكلام فى المقصد الاول، المقصد الثانى فى التخيير و قد عرفت ان مورده هو الدليلان المتنافيان مدلولا على نحو التبائن الكلى او العموم من وجه من دون ان يكون لاحدهما اظهرية موجبة للجمع عرفا او مزية موجبة للترجيح شرعا، فمورد التخيير هو المتكافئان، و الكلام فيهما يقع تارة فيما يقتضيه القاعدة مع قطع النظر عن الاخبار الواردة فى الباب، و اخرى فيما يقتضيه الاخبار، اما الكلام فى مقتضى القاعدة، فمحصله ان حجية الخبر اما ان تكون من باب الطريقية بناء على ما هو الحق من كفاية المصلحة النوعية فى صحة جعل الامارات، و اما ان تكون من باب السببية بناء على عدم كفايتها و لابدية تدارك المصلحة الفائتة بالمصلحة الشخصية، فان قلنا بالاول فمقتضى القاعدة هو تساقط الخبرين عن الاعتبار فى غير مدلولهما الالتزامى و هو نفى الثالث فيما كان هناك ثالث، و فى غير مورد الاجتماع و التعارض فيما اذا كان التعارض بينهما بالعموم من وجه، بداهة ارتفاع ملاك الحجية و الوسطية فى الاثبات عن كليهما مع العلم بامتناع اجتماع ما اخبرا به جعلا فى مقام الثبوت، و ان قلنا بالثانى فمقتضى القاعدة هو التخيير لان مرجع التعارض على السببية الى التزاحم، حيث ان كلا من الخبرين على السببية يكون واجدا لملاك الحجية و مشمولا لادلتها فى صورة التعارض كما كان مشمولا لها فى غير هذه الصورة، الا انه لما كان التكليف مطلقا فرعيا كان ام اصوليا مشروطا بالقدرة عقلا فى مقام الفعلية و كان المكلف غير قادر على العمل بكلام المتعارضين و قادرا على العمل بكل منهما مع ترك الاخر، وقع التزاحم بينهما فى مقام الفعلية و صرف كل منهما قدرة المكلف الى نفسه و تعجيزه بالنسبة الى الاخر، فيحكم العقل بالتخيير بينهما لعدم الاهمية فى احدهما الموجبة لتعجيز المكلف بالنسبة الى الاخر،
ص: 503
هذه خلاصة ما افاده قدس سره، و لا يخلوما افاده عن النظر، توضيح ذلك ان جعل الامارات من باب السببية على ما بينه قدس سره فى مبحث حجية الظن يتصور على وجوه بعضها باطل عقلا و بعضها باطل شرعا و بعضها ممكن لا دليل عليه اصلا، الاول ان يكون الحكم مطلقا فى حق الجاهلين تابعا للامارة، بمعنى انه لا يكون للوقايع الخارجية مع قطع النظر عن قيام الامارة عليها حكم مجعول فى حقهم اصلا، و انما ينشاء الحكم لها فى حقهم بعد قيامها عليها لما يحدث فيها بسببه من المصلحة بعد ما كانت خالية عنها قبل قيامها عليها، و هذا الوجه كما ترى منطبق على التصويب الاشعرى الباطل عقلا الثانى ان يكون الحكم الفعلى تابعا للامارة بمعنى ان فى كل واقعة مصلحة مشتركة بين العالم و الجاهل مقتضية لجعل الحكم فى حق كل منهما، الا انها مشروطة فى مقام تأثيرها فى انشاء الحكم واقعا على طبقها بعدم قيام الامارة على خلافها، حيث ان قيامها على خلاف الواقع موجب لحدوث مصلحة فيما قامت عليه غالبة على مصلحة الواقع مانعة عن انشاء الحكم الا على طبقها، و هذا الوجه منطبق على التصويب المعتزلى الباطل شرعا الثالث ان تكون فى سلوك الامارة و تطبيق العمل على مؤداها مصلحة جابرة لما يفوت من مصلحة الحكم الواقعى، من دون ان يكون لقيامها تأثير فى حدوث المصلحة فى المؤدى اصلا كى يقع التزاحم بينها و بين مصلحة الحكم الواقعى، و هذا الوجه ممكن عقلا الا انه لا دليل عليه اصلا، و لا يخفى عدم امكان ادخال باب التعارض على السببية فى باب التزاحم بشئى من الوجوه الثلثة المذكورة، اما بناء على الوجهين الاولين، فلعدم تحقق ما هو المناط فى كون الحكمين متزاحمين فى المقام، و ذلك لما عرفت من ان المناط فى باب التزاحم هو ان لا يمتنع اجتماع الحكمين فى مقام الجعل و الانشاء و امتنع اجتماعهما فى مقام الفعلية لقصور المكلف و عجزه عن امتثال كليهما، و من المعلوم ان التعارض بين الخبرين، اما لاجل التنافى بين مدلولهما المطابقى ذاتا كما اذا دل احدهما على وجوب شئى و الاخر على جرمته، و اما لاجل التنافى بين مدلولهما الالتزامى عرضا من جهة العلم الاجمالى بعدم ثبوت احدهما واقعا، كما اذا دل احدهما على وجوب الظهر و الاخر على وجوب الجمعة مع العلم بانحصار الواجب فى احدهما، فعلى الاول و ان امتنع الجمع
ص: 504
بينهما فى مقام الامتثال، الا انه مستند الى ما بينهما من التنافى الذاتى الممتنع معه اجتماعهما فى مقام الجعل و الانشاء لاستحالة انشاء حكمين متضادين على محل واحد، لا الى قصور المكلف و عجزه عن امتثال كليهما، بداهة ان الشئى يستند الى اسبق علله، و توهم ان المقام من قبيل اجتماع الامر و النهى حيث ان متعلق الحكمين ليس هو الشئى بعنوانه الاولى الذاتى بل متعلق احدهما هو الشئى بعنوان انه مما قامت الامارة على وجوبه و متعلق الاخر هو الشئى بعنوان انه مما قامت الامارة على حرمته، فالجهة التقييدية المجوزة لاجتماع الامر و النهى موجودة فى المقام، فيكون امتناع الجمع بينهما فى مقام الفعلية لعجز المكلف عن العمل بكليهما، فيلحقان بالمتزاحمين من جهة القدرة لا فى مقام الجعل و الانشاء كى يندرجان فى باب التعارض، مدفوع بان متعلق الحكمين فى المقام هو الموجه بالجهتين لا نفسهما، فلا يقاس بباب اجتماع الامر و النهى الذى يكون متعلق الحكمين فيه نفس الجهتين كالصلوة و الغصب، و بالجملة الجهتان فى باب اجتماع الامر و النهى تقييديتان و فى المقام تعليليتان فلا وجه لقياس المقام بذاك الباب، و على الثانى يكون الجمع بينهما مقدورا للمكلف، و ان كانا متعارضين لا يمكن الجمع بينهما فى مقام الجعل و الانشاء لمكان ذلك العلم الاجمالى فتدبر، و توهم ان كلا من الخبرين بمدلوله الالتزامى الحاصل له بملاحظة ذلك العلم الاجمالى ينفى مدلول الاخر فالخبر الدال على وجوب الظهر ينفى وجوب الجمعة و كذا الخبر الدال على وجوب الجمعة ينفى وجوب الظهر فيصلح كل منهما لان يكون تعجيزا مولويا بالنسبة الى الاخر، مدفوع بان مجرد نفى وجوب الاخر لا يوجب التعجيز المولوى بالنسبة اليه مع جواز الاتيان به بعنوان الاحتياط كما لا يخفى، فلا وجه لا لحاقهما بالمتزاحمين من جهة القدرة كما هو ظاهر شيخنا الانصارى قدس سره، نعم يمكن الحاقهما بالمتزاحمين من غير جهة القدرة كما فى تزاحم الزكوتين فى الابل، حيث ان التزاحم بينهما يقع من جهة الملاك و ذهاب كل من الحكمين مصلحة الاخر، اذ كما يجعل مادل على ان المال لا يزكى فى حول واحد مرتين كاشفا عن ان احدى الزكوتين تكون ذاهبة لملاك الاخرى، كك يمكن ان يجعل الاجماع على عدم وجوب الظهر و الجمة معا كاشفا عن ان الاتيان باحديهما موجب لذهاب ملاك
ص: 505
الاخرى، و اما بناء على الوجه الثالث الممكن عقلا الذى لا بد من ان تحمل السببية فى كلام الشيخ قدس سره عليه، فلما عرفت من ان قيام الامارة لا تأثير له على هذا الوجه فى الفعل الذى تضمنت الامارة حكمه و لا يحدث فيه مصلحة اصلا كى تزاحم مصلحة الواقع و يقع بينهما الكسر و الانكسار، كيف و الا للزم من الالتزام بهذا الوجه ما يلزم من الالتزام بالوجهين السابقين من التصويب الباطل، بل لما كانت فى سلوك الامارة و الالتزام بمؤداها فى مقام العمل على انه هو الواقع، مصلحة متداركة لمافات من مصلحة الواقع، فاوجب الشارع سلوكها و تطبيق العمل عليها، فليست المصلحة التى تكون فى سلوكها الا فى طول مصلحة الواقع، و عليه فالالتزام بالمصلحة السلوكية فى الامارة انما يصح مع حفظ طريقيتها الى الواقع، بداهة انه لا معنى للالتزام بمؤدى الامارة فى مقام العمل على انه هو الواقع، الا بان يكون الامارة طريقا اليه، و من المعلوم ان المتعارضين يسقطان بالتعارض و تكاذب كل منهما الاخر عن الطريقية، و معه كيف يمكن الالتزام فيهما بالمصلحة السلوكية المتفرعة على الطريقية كى يقع التزاحم بينهما و يحكم بالتخيير لفرض التعادل و عدم الاهمية، فتحصل مما ذكرنا ان مقتضى القاعدة فى تعارض الاخبار المثبتة للاحكام هو التساقط مطلقا اى سواء قلنا بحجيتها من باب الطريقية او السببية، و انه لا وجه لادراج المتعارضين منها فى باب التزاحم على القول بحجيتها من باب السببية كى يكون مقتضى القاعدة فى تعارضها على هذا القول هو الحكم بالتخيير، و انما يصح ادراج بعض صور تعارض البينات المثبتة للحقوق فى باب التزاحم، كما اذا تعارضت البينتان فى تقويم الصحيح و المعيب، كان شهدت بينة بان قيمة هذا الشئى صحيحا عشرة دراهم و معيبا ثمانية فيستحق المشترى من البايع در همين، و شهدت اخرى بان قيمته صحيحا عشرة و معيبا ستة فيستحق المشترى منه اربع دراهم فتزاحمان بالنسبة الى تفاوت قيمتى المعيب و هو درهمان حيث ان مقتضى البينة الاولى كونه للبايع و مقتضى الثانية كونه للمشترى، و مقتضى القاعدة فى المقام هو تصديق كل من البينتين فى بعض ما شهدت به جمعا بين الحقين فيصدق البينة الاولى فى ان قيمة كل نصف من المبيع معيبا اربع دراهم و يصدق الثانية فى ان قيمة كل نصف معيبا ثلثة دراهم فيحكم بان قيمة المجموع معيبا سبعة دراهم
ص: 506
و ان المشترى يستحق من البايع ثلثة دراهم، و اما حكمهم بتنصيف دار تداعيا و هى فى يدهما و اقاما بينة، فقد عرفت فيما مر انه ليس من جهة تزاحم البينتين و تصديق كل منهما فى بعض ما شهدت به، بل من جهة ان كلا منهما ليست معتبرة الا فى النصف المشاع الذى هو مورد التداعى سواء قلنا بتقديم بينة الداخل او الخارج، فالحكم بالتنصيف مقتضى حجية كل منهما فى النصف لا مقتضى تصديق كل منهما فى بعض ما شهدت به جمعا بين الحقين كما حكى عن ثانى الشهيدين قدس سرهما، نعم يمكن ان يكون حكمهم بتنصيفها فيما لم يكن لاحد منهما يد عليها من جهة تزاحم البينتين و الجمع بينهما بالتبعيض فى ادلة التصديق و اعتبارهما بالاخذ ببعض مفاد قول كل منهما، و ان كان للنظر فى كون حكمهم بالتنصيف فى هذا الفرض من هذه الجهة ايضا مجال، و ذلك لاحتمال كون التنصيف فيه من جهة تساقط البينتين من الطرفين و عدم المناص فى مقام فصل الخصومة من التنصيف لأمن جهة الجمع بينهما، فتبين مما ذكرنا ان ما افاده الشهيد الثانى من جعل حكمهم بتنصيف دار تداعياها و هى فى يدهما او لايد لاحد منهما و اقاما بينة من متفرعات قاعدة الجمع فى الاخبار لا يخلو عن النظر، اما اولا فلما عرفت من اختلاف قاعدة الجمع مدركا فى الاخبار و البينات، و ان الوجه لها بالنسبة الى الاخبار هو تحكيم ادلة التعبد بالصدور على ادلة التعبد بالظهور، و جعل احد الخبرين بملاحظة دليل اعتباره سندا، قرنية صارفة عن ظهور الاخر، و بالسبة الى البينات هو الجمع بين الحقين، و معه كيف يصح جعل احدهما متفرعا على الاخر و اما ثانيا فلما عرفت من ان حكمهم بالتنصيف فى الفرض الاول ليس الا من جهة عدم حجية كل من البينتين الا فى النصف المشاع، و فى الفرض الثانى انما هو لمكان تساقط البينتين و عدم المناص عن التنصيف لاجل رفع الخصومة عن البين، فليس حكمهم بالتنصيف فى شئى من الفرضين من جهة الجمع بين البينتين كما افاده ثانى الشهبدين قدس سرهما، ثم ان الوجه فى كون مقتضى القاعدة فى تزاحم البينتين فى باب الحقوق هو الحكم بالتنصيف و العمل بكل من البينتين فى بعض ما شهدت به، هو كون الحق لشخصين فيلزم مراعاة كلا الحقين، و هذا بخلاف تزاحم الواجبين فان الحق هناك لواحد و هو الشارع فمراعاته يحصل باتيان احد
ص: 507
الواجبين تعيينا مع وجود الاهم فى البين و تخييرا مع عدمه، فما هو مقتض للتعيين او التخيير فى باب تزاحم الواجبين و هو مراعاة الحق هو بعينه مقتض للتنصيف و التبعيض فى ادلة التصديق فى باب تزاحم البينتين، ثم لا بأس بالتكلم فى تزاحم السببين على النحو الكلى، فنقول التزاحم قد يقع بين الاسباب الواقعية كما اذا زوج الوكيلان امرئة من رجلين او باعا دارا من شخصين فى آن واحد، و قد يقع بين الاسباب الظاهرية كما فى تعارض البينات، و على كل منهما اما ان لا يكون المسبب قابلا للتبعيض كالزوجية او يكون قابلا له، فعلى الاول لا اشكال فى تساقطها، و على الثانى فان كان كل واحد من الاسباب تزاحم الاخر و ينفى انفراده لا اصله كما فى حيازة شخصين لمباح دفعة، فالحكم هو التنصيف و الشركه و قد بتوهم ان تزاحم البينتين من هذا القبيل اى مبين قبيل حيازة شخصين لمباح دفعة و لذا يحكم فيه بالتنصيف، لكنه توهم فاسد بداهة ان كلا من البينتين تزاحم الاخرى و تنفيها من اصلها، و انما يحكم فى تزاحمهما بالتنصيف و تصديق كل منهما فى بعض ما شهدت به لكونه جمعا بين الحقين و مراعاة للطرفين كمامر، فتبين مما ذكرنا كله ان مقتضى القاعدة و الاصل الاولى فى تعارض الخبرين سواء قلنا بحجية الخبر من باب الطريقية او السببية التخطئية هو تساقطهما عن الحجية بالنسبة الى خصوص ما تعارضا فيه لا بالنسبة الى غيره كمورد الافتراق فى العامين من وجه فضلا عما توافقا على اثباته من نفى الثالث فبالنسبد الى نفيه، لا مانع من الاخذ بهما بعد كونهما متوافقين فى الدلالة عليه، و توهم ان دلالتهما على نفى الثالث دلالة التزامية تابعة لدلالتهما المطابقية، فاذا سقطا بالتعارض عن الاعتبار بالنسبة الى مدلولهما المطابقى، يلزمه تساقطهما عن الاعتبار بالنسبة الى مدلولهما الالتزامى ايضا قضاه للتبعية، مدفوع بان الدلالة الالتزامية و ان كانت تابعة للدلالة المطابقية، الا ان تبعيتها لها انما هى بحسب الوجود لا بحسب الاعتبار، و المفروض انه لا يلزم من التعارض الا مجرد سقوط المتعارضين على الحجية و الاعتبار، مع بقائهما على ما كانا عليه قبل التعارض من الدلالة على ثبوت المؤدى بالمطابقة و ثبوت جميع لوازمه و ملزوماته و ملازماته بالالتزام، فلا يلزم من الاخذ بهما فى نفى الثالث الا التفكيك بين الدلالتين المطابقية و الالتزامية فى
ص: 508
الحجية و الاعتبار، و هو مما لا غبار فيه اصلا بعد فرض وجود الدلالتين و عدم انتفائهما بالتعارض فتدبر(1) جيدا، ثم ان هذا فيما اذا لم يعلم بثبوت مدلول احد المتعارضين كما فى الظهر و الجمعة، و الا فلا حاجة فى نفى الثالث الى اثبات حجيتهما فى غير ما تعارضا فيه كما لا يخفى، و مقتضى ما ذكرنا من تساقط الخبرين بالتعارض عن الحجية فى خصوص ما تعارضا فيه و بقائهما على الحجية فى غير مورد التعارض كمورد الافتراق فى العامين من وجه و فيما توافقا على اثباته من نفى الثالث هو الرجوع الى الاصل المطابق لاحدهما و لو على القول بالترجيح بمطابقة الاصل السخيف(2) عندنا و اما ما سيجئى فى مرفوعة زرارة المحكية عن الغوالى من الامر بالاخذ بما يوافق الاحتياط من الخبرين المتعارضين، فهو محمول على ايجاب الشارع الاحتياط فيما قام هناك خبر غير معتبر على وجود التكليف الالتزامى لا جعل المطابق من المتعارضين للاحتياط حجة كما هو المدعى و ذلك لان البحث انما هو فيما يقتضيه القاعدة و الاصل الاولى مع قطع النظر عما يقتضيه الاصل الثانوى المستفاد مما ورد من الاخبار العلاحية، دون الاصل المخالف لكليهما مطلقا، اى سواء كان الاصل المخالف لهما هو الاحتياط كما اذا دل احدهما على كون السورة جزء مستحيا للصلوة و دل الاخر على عدم جزئيتها اصلا و كان مقتضى القاعدة وجوب الاحتياط فى دوران الامر بين الاقل و الاكثر الارتباطيين، او كان الاصل المخالف
ص: 509
لهما هو الاستصحاب او البرائة كما اذا دل احدهما على وجوب الظهر و الاخر على وجوب الجمعة، اما اذا كان الاصل المخالف لهما هو الاحتياط كما فى المثال، فلما عرفت من حجيتهما فيما توافقا عليه من نفى الثالث و هو وجوب السورة فى المثال و معه لا يبقى مجال لقاعدة الاحتياط لارتفاع موضوعها و هو احتمال الوجوب حكما بقيام الحجة على عدم الوجوب واقعا و اما اذا كان الاصل المخالف لهما اصلا آخر غير الاحتياط كما فى مثال الظهر و الجمعة، فلانه و ان لم يكن مدلول احدهما ان هنا فريضة و هى الظهر و مدلول الاخر ان هنا فريضة و هى الجمعة كى يكونا متفقين على ثبوت اللازم المشترك و هو عدم برائة ذمة المكلف من تكليف الزامى بل يكون مدلول احدهما وجوب خصوص الظهر و مدلول الاخر وجوب خصوص الجمعة و انما يحلل العقل كلا من الخصوصيتين و ينتزع منهما قدرا مشتركا و هو مطلق التكليف الالزامى و من المعلوم ان الخبرين انما يكونان حجة فى القدر المشترك فيما كان مدلولا لهما باحدى من الدلالات لا فيما اذا كان منتزعا عنهما عقلا كما هو واضح فلا يكون اجراء البرائة بالنسبة الى كل من الظهر و الجمعة الا مخالفا لمدلولهما المطابقى الذى سقطا عن الاعتبار بالنسبة اليه الا ان لكل منهما دلالة التزامية على نفى ما هو ضد لمدلولهما المطابقى، بداهة ان ما يدل على وجوب الظهر يدل على عدم اباحتها و كذا ما يدل على وجوب الجمعة يدل على عدم اباحتها، و المفروض حجيتهما فى مدلولهما الالتزامى لاختصاص تعارضهما بمدلولهما المطابقى، فاذا كانا حجتين فى مدلولهما الالتزامى و هو عدم اباحة الظهر و الجمعة فيرتفع موضوع البرائة العقلية و هو عدم البيان حقيقة، و موضوع البرائة الشرعية و غيرها من الاصول الشرعية و هو الشك حكما فتأمل(1) جيدا، هذا كله فيما اذا لم يكن هناك علم بثبوت مدلول احد المتعارضين، و الا فعدم جريان الاصل المخالف لهما مطلقا واضح، هذا تمام الكلام فيما يقتضيه الاصل الاولى مع قطع النظر عما ورد من الاخبار العلاجية، و اما بالنظر الى تلك
ص: 510
الاخبار، فهل بحكم بالتخيير او التوقف او الاخذ بالموافق للاحتياط، او يفصل بين ما لا بد فيه من العمل فالتخيير و بين غيره فالتوقف، او يفصل بين ما اذا دار الامر بين المحظورين كما اذا دل احدهما على وجوب شئى و الاخر على حرمته فالتخيير و بين غيره فالتوقف، او يفصل بين حق اللّه تعالى و حق الناس فيحكم بالتخيير فى الاول و بالتوقف فى الثانى، و المشهور الذى عليه جمهور المجتهدين هو الاول للاخبار المستفيضة بل المتواترة الدالة عليه، و لكن يعارضها الاخبار الكثيرة الدالة على التوقف و كذا ما حكى عن غوالى اللئالى من مرفوعة زرارة الامرة بالاخذ بما يوافق الاحتياط، و اجاب شيخ مشايخنا الانصارى قدس سره عن معارضتها مع اخبار التوقف بان اخبار التوقف محمولة على صورة التمكن من الوصول الى الامام عليه السلام كما يظهر من بعضها حيث جعل فيه التوقف محدود او مغيى بلقاء الامام عليه السّلام، و فيه ما لا يخفى بداهة ان مجرد كون بعض اخبار التوقف مقيدا بصورة التمكن من الوصول الى الامام عليه السّلام، لا يوجب تقييد سائر الاخبار المطلقة اذ لا تنافى بين وجوب التوقف مطلقا و بين وجوبه فى صورة التمكن من الوصول اليه عليه السلام فتدبر كى يوجب حمل المطلق على المقيد هذا مع ان فى اخبار التخيير ايضا ما يكون الامر به فيه مغيى بلقائه عليه السّلام، كرواية حارث بن مغيرة عن الصادق عليه السلام اذا سمعت من اصحابنا الحديث و كلهم ثقة فموسع عليك حتى ترى القائم عليه السّلام، فالاولى فى الجواب ان يقال ان النسبة بين مطلقات اخبار التوقف و اخبار التخيير و ان كانت هى التبائن الكلى، الا ان فى اخبار التوقف ما يكون اخص مطلقا من اخبار التخيير، و هو ما جعل الامر بالتوقف فيه مغيى بلقاء الامام عليه السّلام، و بعد تقييد اخبار التخيير بهذه الطائفة تنقلب النسبة بينها و بين مطلقات اخبار التوقف الى العموم المطلق لاختصاص اخبار التخيير بزمان الغيبة و شمول اخبار التوقف لكلا الزمانين، فيقيد اطلاق اخبار التوقف باخبار التخيير، و يصبر النتيجة هو التوقف فى زمان الحضور و التخيير فى زمان الغيبة، و توهم ان فى اخبار التخيير ايضا ما يكون اخص مطلقا من اخبار التوقف كرواية ابن مغيرة المتقدمة، فيلزم تقييد اخبار التوقف المطابقة به، و حينئذ تنقلب النسبة بينها و بين اخبار التخيير المطلقة الى العموم المطلق، لاختصاص اخبار التوقف
ص: 511
بزمان الغيبة و شمول اخبار التخيير لكلا الزمانين، و بعد تقييد اطلاق اخبار التخيير باخبار التوقف، تصير النتيجة هو التخيير فى زمان الحضور و التوقف فى زمان الغيبة، و الحاصل ان ما ذكر فى وجه تقديم اخبار التخيير على اخبار التوقف بعينه جار فى طرف العكس فيكون التعليل به من قبيل التعليل بالعلة المشتركة، مدفوع اولا بمنع ظهور رواية ابن مغيرة؟؟ الحكم بالتخيير فى الخبرين المتعارضين، لاحتمال ان يكون المراد من قوله عليه السلام فموسع عليك الخ هو المعذورية فى مخالفة الواقع لاجل قيام الحجة الشرعية و هى اخبار الثقات على خلافه الى ان ترى القائم عليه السلام و تسقط تلك الاخبار عن الحجية بانكشاف الواقع بالسؤال عنه عليهم السّلام فيكون هذه الرواية فى مقام بيان عجية خبر الثقة و كونه موجبا للمعذورية فيما خالف الواقع، و ثانيا ان هذه الرواية غير معمول بها اذ الظاهر ان بناء الاصحاب كان على التوقف مع التمكن من الوصول اليه عليه السلام لا التخيير، فهذه الرواية ساقطة عن الاعتبار، و اما الجواب عن معارضة الاخبار التخيير مع مرفوعة زرارة الامرة بالاخذ بما فيه لاحتياط، فهو ان الرواية ضعيفة من جهات، منها ان هذه الرواية مما تفرد به صاحب الغوالى، و قد طعن فيه و فى كتابه صاحب الحدائق، و منها ان موافقة كلا المتعارضين للاحتياط محال عقلا فيبعد عن مثل زرارة السؤال عن حكمه، و ذلك لان معنى الموافقة للاحتياط هو كون العمل به محرزا للواقع، و هذا غير ممكن فى طرفى النقيضين او الضدين كما فى مورد تعارض الخبرين كما هو واضح، و اما ما يتوهم من ان الخبرين الدال احدهما على وجوب الظهر مثلا و الاخر على وجوب الجمعة كلاهما موافقين للاحتياط، ففيه ما عرفت من ان معنى الموافقة للاحتياط هو كون العمل به محرزا للواقع، و من المعلوم ان العمل بشئى من مؤدى الخبرين لا يكون محرزا للواقع بعد احتمال كون الواقع هو مؤدى الاخر، نعم العمل بكليهما بالجمع بين الظهر و الجمعة يكون موافقا للاحتياط، الا انه لا ربط له بموافقة كل منهما للاحتياط هذا و لكن لا يخفى ان معنى الموافقة للاحتياط يختلف بحسب الموارد، ففيما كان هناك علم اجمالى بوجود تكليف الزامى فى البين، يكون معنى الموافقة له هو احراز التكليف المعلوم فى البين على سبيل القطع، و فيما لم يكن هناك علم كك يكون
ص: 512
معناها هو احراز الواقع على تقدير وجوده، و حينئذ يمكن موافقة كلا المتعارضين للاحتياط فيما لم يكن هناك علم بموافقة احدهما للواقع(1) بداهة ان العمل بمؤدى كل منهما محرز للواقع على تقدير مطابقته له، و منها انالم نعثر على قائل بما هو ظاهر من المرفوعة من وجوب الترجيح بالموافقة للاحتياط، فانهم بين قائل بالتخيير مطلقا و بالتوقف كك و مفصل بين الموارد التى مر ذكرها، بقى هنا امور يجب التنبيه عليها، الاول انك قد عرفت ان مقتضى القاعدة فى تعارض كل ما كان حجة من باب الطريقية هو الحكم بالتساقط و ان الحكم بالتخيير فى الخبرين المتعارضين انما هو لاجل الاخبار الواردة فى الباب، فاللازم حينئذ الاقتصار فى الحكم بالتخيير على مورد تلك الاخبار و هو صورة تعارض الخبرين، و اما غير تلك الصورة كما فى تعارض الامارات فى غير الاحكام فالحكم فيه مطلقا هو التساقط على حسب ما يقتضيه القاعدة الاولية، فلو تعارض اقوال اهل اللغة فى معنى لفظ من الفاظ الروايات او اقوال اهل الرجال فى تعيين راوى الخبر و انه زرارة بن اعين او غيره او تعديله و توثيقه، و قلنا باعتبار قول اللغوى فى تعيين الاوضاع و الرجال فى تعيين الرجال بالخصوص مطلقا او مع اجتماع شرائط قبول الشهادة من العدد و العدالة فاللازم هو الحكم بما يقتضيه القاعدة فى تعارض الامارتين من التساقط لا التخيير، الثانى بعد ما عرفت من اختصاص ادلة التخيير بصورة تعارض الروايات المروية عن الائمة عليهم السلام، ظهر انه لا وجه لما حكى عن بعض الاجلة من دعوى شمولها لما اذا تعارض اقوال تلامذة الكلينى مثلا فى نقل الخبر عنه، و ذلك لانه ليس من تعارض الخبرين كى تعمه ادلة التخيير، بل هو من الاختلاف فى نقل رواية واحدة، و لا دليل على التخيير فى مثله، هذا مضافا الى ان الظاهر اختصاص ادلة التخيير بما اذا لم يعلم بكذب احد الخبرين، كما فى المقام اذ المستفاد من جملة منها ان الحكمة فيه هو التسليم و الانقياد لامر الشارع، و هذا انما يتصور فيما اذا احرز امن
ص: 513
الشارع بالاخذ بكل منهما و الغاء احتمال الكذب فيهما، و هذا غير معقول مع العلم بكذب احدهما كما هو واضح فتدبر جيدا، كما ظهر ايضا انه لا وجه لما حكى عن بعض الاعاظم من الحكم بالتخيير فيما اذا اختلف نسخ رواية واحدة، بداهة ان اختلافها ناش عن اشتباه الكتّاب فى مقام الاستنساخ، فكيف يمكن ادراجة فى قول السائل يأتى عنكما الخبران المختلفان، الثالث ان الاخذ باحد الخبرين المتعارضين تخييرا انما هو بعد الفحص عن المرجحات الاتى بيانها، و ذلك لانه بناء على القول بوجوب الترجيح و الاخذ بالراجح تعينيا مطلقا اى سواء قلنا بان حجية الاخبار من باب الطريقية او قلنا بان حجيتها من باب السببية، اما على الاول فلدوران الامر بين حجية احد الخبرين على سبيل التخيير او خصوص ذى المزية و المتيقن خصوصه و الاخر مشكوك و الاصل عدم حجية، و اما على الثانى فلانه حينئذ من قبيل المتزاحمين مع اهمية احدهما، و ان ابيت عن كونهما على السببية من قبيل المتزاحمين كمامر بيانه، فيكفى فى الحكم بوجوب الترجيح على كلا القولين الاخبار الواردة من طرقنا المشتملة على وجوه الترجيح بناء على ظهورها فى وجوبه، فاذا دلت الاخبار العلاجية على وجوب الاخذ بالراجح على سبيل التعيين يكون الحجة منهما خصوص ذى المزية منهما، و حينئذ يجب الفحص عن المرجح لتعيين ما هو الحجة منهما فاذا فحصنا عنه و لم نجد مزية لاحدهما على الاخر تصل النوبة الى التخيير بينهما، الرابع الظاهر ان هذا التخيير تخيير فى المسئلة الاصولية، و ذلك لما عرفت من ان مقتضى القاعدة الاولية هو سقوط كلا المتعارضين عن الحجية، و ان حجية احدهما على سبيل التخيير انما هى بمعونة مادل من الاخبار على التخيير عند عدم المزية، فادلة التخيير تدل على اختيار احدهما حجة، لا على التخيير فى العمل بمؤدى احدهما كى يكون تخييرا فى المسئلة الفقهية و، الثمرة المترتبة على كون التخيير فى المسئلة الاصولية او فى المسئلة الفقهية واضحة، فانه على الاول يكون التخيير بدويا لان ادلة التخيير ندل حينئذ على اختيار احدهما حجة و محرزا للواقع، فاذا صار المجتهد باختيار احدهما حجة محرزا للواقع، فلا مجال معه لاختيار الاخر حجة كما هو واضح، و على الثانى يكون التخيير استمراريا نظير التخيير بين القصر و الاتمام فى المواطن الاربعة فالمكلف له ان
ص: 514
يعمل بمؤدى احد الخبرين تارة و بمؤدى الاخر اخرى، فعلى الاول يكون التخيير للمجتهد فى اختيار احد الخبرين حجة و الفتوى بمؤدى ما اختاره منهما، و على الثانى يكون التخيير للمقلد فى العمل بمؤدى احدهما، و مما ذكرنا من الثمرة المترتبة على الوجهين يظهر ان بعد اختيار المجتهد احد الخبرين حجة و اختيار المقلد احدهما فى مقام العمل، لا يبقى مجال لاستصحاب التخيير، اما على كون التخيير فى المسئلة الاصولية، فلما مر من ان المجتهد بعد اختياره احدهما حجة يكون محرزا للواقع، و معه يكون الحكم بالتخيير مرتفعا قطعا، و اما على كون التخيير فى المسئلة الفقهية فلما مر ايضا من ان التخيير للمقلد استمرارى و معه يكون الحكم بالتخيير باقيا قطعا، فعلى كل من الوجهين لا شك فى البقاء كى يجرى فيه الاستصحاب، و مما ذكرنا ظهر انه مجال لاستصحاب التخيير، فيما لو شك فى كونه فى المسئلة الاصولية او فى المسئلة الفقهية، من جهة عدم استظهار احدهما من الاخبار، و ذلك لانه على تقدير كونه فى المسئلة الاصولية يكون الموضوع مرتفعا قطعا، و على تقدير كونه فى المسئلة الفقهية يكون الموضوع باقيا كك، فمع الشك فى كونه فى المسئلتين يكون الشك فى بقاء الموضوع الذى لا مجال معه لجريان الاستصحاب، و حينئذ يدور الامر بين التعيين و التخيير، اذ على تقدير كونه فى المسئلة الاصولية يتعين ما اختاره من الخبرين او لا، و على تقدير كونه فى المسئلة الفقهية يكون مخبرا فى اختيار احدهما دائما، و مقتضى الاصل العملى فى دوران بينهما هو التعيين لكونه المتيقن على كل تقدير، ثم ان ما ذكرنا من عدم جواز الاخذ باحد المتعارضين تخييرا الا بعد الفحص عن المرحجات، مبنى على ما هو المشهور بين الاصحاب من ان التخيير فى الاخذ باحد المتعارضين انما هو فيما اذا كانا متعادلين متكافئين فى المزايا المنصوصة، بدعوى ظهور ادلة الترجيح بتلك المزايا فى وجوب الترجيح بها، فتكون مقيدة لا طلاق ادلة التخيير، فلا يجوز الاخذ باحد المتعارضين تخييرا الا عند عدم ما يقتضى ترجيح احدهما، و اما لو منعنا عن ظهور ادلة الترجيح فى الوجوب و حملناها على الاستحباب، فيكون مقتضى اطلاق اخبار التخيير هو الحكم به مطلقا كما هو المحكى عن بعض، و ما يمكن ان يكون سببا لمنعه عن ظهور ادلة الترجيح
ص: 515
فى الوجوب وجوه، منها اختلافها من حيث ذكر موافقة الكتاب و السنة فى بعضها و مخالفة العامة فى بعضها الاخر، و مقتضى اطلاق الاول وجوب الاخذ بما وافق منهما للكتاب و السنة و ان كان الاخر مخالفا للعامة، و مقتضى اطلاق الثانى عكس ذلك و هو وجوب الاخذ بما خالف منهما للعامة و ان كان الاخر موافقا للكتاب و السنة، فيقع التزاحم بينهما فيما اذا كان احد الخبرين موافقا للكتاب و السنة و الاخر مخالفا للعامة، فان مقتضى اطلاق الاول هو الاخذ بالاول الموافق للكتاب، و مقتضى اطلاق الثانى هو الاخذ بالثانى المخالف للعامة، و توهم ان المقصود فى المقام هو الترجيح بها فى الجملة و لو فى بعض الموارد و هو يحصل بدلالة تلك الاخبار فى مورد افتراق المرحجات، مدفوع بان حمل هذه الاخبار على خصوص مورد الافتراق مستلزم لارتكاب احد حملين بعيدين فيها، اما حمل السؤال فيها على السؤال عن خصوص مورد الافتراق و هو بعيد فى الغاية، و اما حمل الجواب فيها على خصوص ذاك المورد مع عدم نظر السائل الى خصوصه، و هو مستلزم لتأخير البيان عن وقت الحاجة، و هو و ان كان جائزا فيما اذا اقتضته المصلحة لكنه بعيد ايضا، و توهم ان ما ذكر من الاشكال لازم على تقدير حمل اخبار الترجيح على الاستحباب ايضا، فلا محيص عن حمل تلك الاخبار على خصوص مورد الافتراق على اى حال سواء قلنا بظهورها فى الوجوب او الاستحباب، مدفوع بان قياس الحمل على الاستحباب على الحمل على الوجوب مع الفارق، بداهة ان الاحكام الوجوبية المتعلقة بالعمل ظاهرة فى الحكم الفعلى، بخلاف الاحكام المستحبة فانها غالبا احكام حيثية متعلقة بالعمل بعنوانه الاولى الذاتى مع قطع النظر عن طروا العناوين الثانوية و لا تنافى بين كون شئى بعنوانه الاولى الذاتى مباحا او مستحبا و بعنوانه الثانوى العرضى حراما او واجبا، نظير الغنم فانه بعنوانه الاولى الذاتى اكله مباح و بعنوانه الثانوى العرضى كالموطوئية اكله حرام، هذا ملخص ما افاده الاستاد دام ظله فى الاشكال على دلالة تلك الاخبار على وجوب الترجيح، لاستلزامه وقوع التزاحم بين ادلة الترجيح فيما اذا كان احد المتعارضين موافقا للكتاب و الاخر مخالفا للعامة، و لكن مقتضى التحقيق عدم لزوم التزاحم من الحكم بوجوب الترجيح فيما ذكر من المثال، و ذلك للزوم تقديم المخالف
ص: 516
منهما للعامة على الموافق للكتاب، كما حكى القول به عن الوحيد البهبهانى قدس سره، و ذلك لان المرحج الحهتى مقدم رتبة على المرجح المضمونى، فاذا دل الدليل على الاخذ بما خالف العامة و التعبد بانه صادر لبيان الحكم الواقعى لا جهة اخرى من تقية او غيرها، فلازمه عدم كون الموافق منهما لعموم الكتاب صادر البيان الحكم الواقعى، و معه لا تصل النوبة الى ترجيحه على المخالف للعامة بموافقته للكتاب التى هى من المرحجات المضمونية، لان التعبد بالمضمون يتوقف على التعبد بجهة الصدور، اذ لا معنى للتعبد بمضمون كلام غير صادر لبيان الحكم الواقعى كما هو واضح، و مما ذكرنا ظهر انه على القول بوجوب الترجيح، ان كانت المرحجات فى مورد الاجتماع فى عرض واحد، يتعين فيه التخيير كما هو المصرح به فى الاخبار العلاجية، لان تقديم احدهما على الاخر ترجيح بلا مرجح، و ان كان ترتب يتعين ترجيح ما هو الواحد من الخبرين لما هو المقدم رتبة من المرحجات، على الاخر الواحد لما هو المتأخر رتبة منها، و من الوجوه التى يمكن ان يكون سببا لمنع ظهور اخبار الترجيح فى الوجوب، ما وقع من التعارض بين الخبرين منها مع اشتمالهما على جميع وجوه الترجيح، احدهما مقبولة عمر بن حنظلة قال سئلت ابا عبد اللّه عليه السلام عن رجلين من اصحابنا يكون بينهما منازعة فى دين او ميراث فتحاكما الى السلطان اوالى القضاة ايحل ذلك قال عليه السلام من تحاكم اليهم فى حق او باطل فانما تحاكم الى الطاغوت، الى ان قال قلت فانكان كل رجل يختار رجلا من اصحابنا فرضيا ان يكونا ناظرين فى حقهما فاختلفا فيما حكما و كلاهما اختلفا فى حديثكم قال عليه السلام الحكم ما حكم به اعدلهما وافقههما و اصدقهما فى الحديث و اورعهما و لا يلتفت الى ما يحكم به الاخر، قلت فانهما عدلان مرضيان عند اصحابنا لا يفضل واحد منهما على الاخر، قال عليه السلام ينظر الى ما كان من روايتهم عنا فى ذلك الذى حكما به المجمع عليه بين اصحابك فيؤخذ به من حكمهما و يترك الشاذ الذى ليس بمشهور عند اصحابك فان المجمع عليه لا ريب فيه و انما الامور ثلثة امر بين رشده فيتبع و امر بين عينه فيجتنب و امر مشكل يرد حكمه الى اللّه الى ان قال قلت فان كان الخبر ان عنكم مشهورين قد رواهما الثقات عنكم قال عليه السلام ينظر ما وافق
ص: 517
حكمه حكم الكتاب و السنة و خالف العامة فيؤخذ به و يترك ما خالف الكتاب و السند و وافق العامة قلت جعلت فداك ارأيت ان كان الفقيهان عرفا حكمه من الكتاب و السنة فوجدنا احد الخبرين موافقا للعامة و الاخر مخالفا باى الخبرين يؤخذ قال عليه السلام ما خالف العامة ففيه الرشاد قلت جعلت فداك فان وافقهم الخبران جميعا قال عليه السلام ينظر الى ما هم اميل اليه حكامهم و قضاتهم فيترك و يؤخذ بالاخر قلت فان وافق حكامهم الخبرين جميعا قال عليهم السّلام اذا كان ذلك فارجه(1) حتى تلقى امامك فان الوقوف عند الشبهات خير من الاقتحام فى الهلكات، و لا يضر بالاستدلال بهذه الرواية للمقام و رودها فى اختلاف الحكمين، بعد كون الترجيح فى مقابل التخيير الذى قد عرفت انه فى المسئلة الاصولية، و لا معنى للترجيح فى المسئلة الاصولية الا اخذ الراجح حجة و طريقا محرزا للواقع، و عليه فلا وجه للفرق بين باب الحكومة و القضاوة رباب الفتوى، اذ كما يجب فى باب الحكومة الحكم على طبق الراجح من الخبرين لكون خصوصه هو الحجة و الطريق المحرز للواقع، كك يجب فى باب الفتوى الفتوى على طبقه، و كذا لا يضر بالاستدلال بها قوله عليه السلام فى ذيلها اذا كان ذلك فارجه حتى تلقى امامك، بدعوى ظهوره فى اختصاص وجوب الترجيح بتلك المزايا بزمان الحضور، بداهة ان كلمة حتى غاية للارجاه الذى بمعنى التوقف، فيدل على اختصاص التوقف بزمان الحضور، و هو غير مقتض لاختصاص الترجيح به ايضا كما لا يخفى، الخبر الثانى مرفوعة زرارة قال سئلت ابا جعفر عليه السلام فقلت جعلت فداك يأتى عنكما الخبر ان و الحديثان المتعارضان فبايهما اخذ فقال عليه السلام يا زرارة خذ بما اشتهر بين اصحابك و دع الشاذ النادر فقلت يا سيدى انهما معا مشهوران ماثوران عنكم فقال عليه السلام خذ بما يقول اعدلهما عندك و اوثقهما فى نفسك فقلت انهمامعا عدلان مرضيان موثقان فقال عليه السلام انظر ما وافق منهما العامة فاتركه و خذ بما خالف فان الحق فيما خالفهم قلت ربما كانا موافقين لهم او مخالفين فكيف اصنع قال عليه السلام اذن فخذ بما فيه
ص: 518
الاحتياط لدينك و اترك الاخر قلت فانهما معا موافقان للاحتياط او مخالفان له فكيف اصنع فقال عليه السلام اذن فتخير احدهما فتأخذ به و دع الاخر، توضيح المعارضة بينهما هو ان قوله عليه السلام فى الاول الحكم ما حكم به اعدلهما وافقهما يدل باطلاقه على وجوب الاخذ برواية الاعدل و الافقه و ان كان الاخر اشهر، و قوله عليه السلام فى الثانى يا زرارة خذ بما اشتهر بين اصحابك ودع الشاذ النادر، يدل باطلاقه على وجوب الاخذ بالاشهر و ان كان الاخر اعدل وافقه، و ايضا قوله عليه السلام فى الاول بعد فرض السائل التساوى فى المزايا المذكورة فارجه حتى تلقى امامك، يدل على وجوب التوقف و قوله عليه السلام فى الثانى بعد فرض التساوى اذن فتخير احدهما يدل على وجوب التخيير، و فيه ان الخبر الثانى لا يصلح للمعارضة مع الاول، و ذلك لما مر من ضعفها سندا لكونها مما تفرد به صاحب غوالى اللثالى، و قد طعن فيه و فى كتابه صاحب الحدائق، و يؤيد ذلك ما فيه من موافقة كلا المتعارضين للاحتياط الغير الممكن عقلا، فيبعد عن مثل زرارة السؤال عن حكمه، و على تقدير امكانه لا قائل بما هو ظاهرها من وجوب الترجيح بالموافقة للاحتياط، و اما ما ذكر من اختلافهما فى الحكم بالتوقف عند التساوى فى المرحجات فى الاول و الحكم بالتخيير عنده فى الثانى، ففيه اولا انه لم يعلم كون المراد من الارجاه هو التوقف بمعنى ترك العمل بهما رأسا، بل لا يمكن ان يكون المراد منه ذلك. بداهة ان المكلف لا محة اما فاعل لشئى او نارك له لاستحالة يكون المراد منه ذلك. بداهة ان المكلف لا محة اما فاعل لشئى او نارك له لاستحالة ارتفاع النقيضين، فالحكم بالتوقف بمعنى عدم العمل بشئى من مؤدى الخبرين امر بغير المقدور، فلا بد ان يكون المراد من الارجاه هو التخيير، و من هنا قال شيخ مشايخنا المرتضى قدس سره و مرجع التوقف ايضا الى التخيير، كما يستفاد ذلك ايضا من قوله عليه السلام فى خبر سماعة فى جواب السؤال عن الخبرين الدال احدهما على وجوب شئى و الاخر على حرمته، يرجه حتى يلقى من يخبره و هو فى سعة حتى يلقاه، فان معنى السعة هو عدم كونه ملزما بالاخذ بخصوص احدهما بل مخير فى الاخذ بايهما شاء، و حينئذ يتحد الخبران فى كون الحكم عند التساوى فى المرجحات هو التخيير، اللهم الا ان يكون المراد
ص: 519
بمن الارجاه الذى هو لغة بمعنى تأخير العمل عن وقته، هو التوقف بمعنى ترك العمل بشئى منهما مستندا اليه و اخذه حجة و طريقا الى الواقع، لا تركه مطلقا كى يكون تكليفا بغير المقدور، و ثانيا سلمنا كون المراد من الارجاه فى المقبولة هو التوقف بمعنى ترك العمل بالمتعارضين رأسا بمعنى عدم الاخذ بشئى منهما حجة و طريقا الى الواقع، لكن نمنع عن كون مخالفة ذلك لما فى المرفوعة من الحكم بالتخيير عند التساوى مانعة عن الاخذ بظهور المقبولة فى وجوب الترجيح بالمزايا المزبورة، بعد ما عرفت من ضعف المرفوعة سندا و اشتماله على ما لا قائل به من الترجيح بموافقة الاحتياط، و من الوجوه التى توهم كونها مانعة عن الاخذ بظهور اخبار الترجيح فى وجوبه، هو ان الاخذ به موجب لحمل اطلاقات الاخبار الكثيرة الحاكمة بالتخيير الواردة فى مقام البيان على الفرد النادر، توضيح ذلك هو انه لا شبهة فى ان الخبرين المتعارضين لا يخلو احدهما غالبا عن كونه واجدا لاحدى المزاياى المرحجة له على الاخر، و ان تساويهما من جميع الجهات المرجحة الموجب للتخيير فى غاية القلة، فلو حمل اطلاقات الاخبار الكثيرة الدالة على التخيير مطلقا، على خصوص صورة تساوى المتعارضين فى المرجحات، لزم حملها مع كثرتها و ورودها فى مقام البيان على مورد نادر، بواسطة الامر بالترجيح فى الاخبار الاخر بالصيغة كخذ بما اشتهر بين اصحابك، مع انها لكثرة استعمالها فى لسان الشارع فى الاستحباب، صارت من المجازات الراجحة الشايعة بحيث انكر بعض الاعاظم ظهورها فى الوجوب لو لم يكن هناك قرنية على ارادة خصوصه، و معه كيف يمكن حصول الاطمينان بتقييد اطلاقات الاخبار الكثيرة الدالة على التخيير الواردة فى مقام البيان، بواسطة ظهور صيغة الامر فى الوجوب الذى صار لكثرة خفائه موردا للانكار، فالانصاف انه لو لم يكن حمل الاخبار الواردة فى الترجيح على الاستحباب اولى من حمل الاخبار الدالة على التخيير على خصوص مورد تساوى الخبرين، فلا اقل من التساوى الموجب للاجمال لدوران الامر بين الظهورين ظهور الاخبار المطلقة فى التخيير و ظهور الاخبار الدلالة على الترجيح فى وجوبه، و مقتضى الاصل بناء على المختار من حجية الاخبار من باب الطريقية، هو الترجيح فى موارد وجود احدى المرجحات المنصوصة لان ذا المزية متيقن
ص: 520
الاعتبار على كل تقدير و الاخر مشكوكه و الاخذ باطلاق ادلة التخيير فى غير تلك الموارد، و توهم انه لا تعارض بين ظهور الاطلاق و ظهور الامر، لان ظهور الامر وضعى و ظهور الاطلاق مبنى على مقدمات الحكمة التى منها عدم البيان للتقييد، و من المعلوم ان هذه المقدمة مفقودة فى المقام لكون الامر بالترجيح بيانا له، فيكون ظهور الامر حاكما على ظهور الاطلاق و لا تعارض بين الحاكم و المحكوم، مدفوع اولا بمنع احتياج حمل الكلام على الاطلاق الى مقدمات الحكمة كما حققناه فى محله، و ثانيا بان عدم البيان الذى يكون من مقدمات الحكمة هو عدم البيان المتصل بالكلام، لا الاعم منه و من المنفصل كما فى المقام، و لذا لا يسرى اجمال القيد المنفصل الى الاطلاق، بخلاف المتصل فانه مانع عن انعقاد ظهور الاطلاق هذا، و فيه ان ظهور صيغة الامر فى الوجوب و ان لم يكن لمكان كثرة خفائه صالحا لتقييد اطلاقات ادلة التخيير، الا ان الاخبار الامرة بالترجيح لاشتمالها على تعليلات مانعة عن حمل الامر فيها بالترجيح على الاستحباب، فيكون ظهوره فى الوجوب بهذا اللحاظ افوى من ظهور اطلاق اخبار التخيير فى الشمول لموارد وجود احدى المزايا المنصوصة، هذا مضافا الى ما افاده الاستاد دام ظله فى دفع ما ذكر من الاشكالات على الاخذ بظهور اخبار الترجيح فى وجوبه، من المنع عن ظهور ادلة التخيير فى الاطلاق كى يشمل موارد وجود المرحجات، و ذلك لان ما وقفنا عليه من الاخبار التى استدل بها على التخيير، اما غير ظاهرة فى التخيير اصلا، و اما لا اطلاق لها بحيث يشمل موارد الالزاميات، و اما واردة فى تعارض الخبرين المخصوصين، فمن الاول خبر سماعة عن ابيعبد اللّه عليه السلام حيث اجاب عليه السلام عن السؤال عن كيفية العمل بالخبرين الدال احدهما على وجوب شئى و الاخر على حرمته بقوله عليه السلام يرجه حتى يلقى من يخبره فهو فى سعة حتى يلقاه، فانا و ان استظهرنا فيما مر ان المراد انه فى سعة الاخذ باحدهما، الا انه يحتمل قويا كون المراد انه فى سعة من الامر و النهى الواقعيين حتى يعلم الحكم و معه لا دلالة له على التخيير اصلا، و منه ايضا خبر الحرث بن المغيرة عن ابيعبد اللّه عليه السلام قال اذا سمعت من اصحابك الحديث و كلهم ثقة فموسع عليك حتى ترى القائم فترد اليه، اذ يحتمل ان يكون المراد هو السعة فى الاخذ
ص: 521
بخبر الثقة و انه حجة شرعا من دون لحاظ حال التعارض، فعليهذا هو من ادلة حجية خبر الثقة و لا تعرض له لحكم تعارض الخبرين، و يحتمل ان يكون المراد هو السعة من التكليف الالزامى المحتمل فى البين، و من الثانى الخبر المروى عن على بن مهزيار قال قرأت فى كتاب لعبد اللّه بن محمد بن الحسن عليه السلام اختلف اصحابنا فى روايتهم عن ابيعبد اللّه عليه السلام فى ركعتى الفجر فى السفر فروى بعضهم صلهما فى الحمل و روى بعضهم لا تصلهما الا على الارض فوقّع عليه السلام موسع عليك باية عملت، و منه ايضا ما عن الحميرى عن الحجة عجل اللّه فرجه بعد ذكر السؤال عن التكبير بعد القيام عن التشهد الاول و اختلاف الاصحاب فى ذلك، الجواب فى ذلك حديثان، اما احدهما فانه اذا انتقل من حالة الى اخرى فعليه التكبيرة، و اما الاخر فانه روى اذا رفع رأسه من السجدة الثانية و كبر ثم جلس فليس عليه فى القيام يعد القعود تكبيرة و التشهد الاول يجرى هذا المجرى و بايهما اخذت من باب التسليم كان صوابا، فان هذين الخبرين و ان كانا دالين على التخيير بين الخبرين المتعارضين فى الجملة، لكنهما لورودهما فى المستحبات لا يكون لهما اطلاق كى يشملان موارد تعارض الخبرين فى الاحكام الالزامية، هذا مضافا الى ورودهما فى المورد الخاص اى تعارض الخبرين المخصوصين، فلا اطلاق لهما بحيث يشملان موارد وجود الراجج لاحد المتعارضين نعم ما فى ذيل رواية الحسن الجهم عن الرضا عليهم السّلام من قوله فقلت يجيئنا الرجلان و كلاهما ثقة بحديثين منافيين فلا نعلم ايهما الحق فقال عليه السلام اذا لم تعلم فموسع عليك بايهما اخذت و ان لم يكن له اختصاص بالمستحبات، لكنه بملاحظة ما فى صدرها من السؤال عن مجيئى الاحاديث المختلفة عنهم عليه السلام و الجواب عنه بقوله عليهم السّلام ما جائك عنا فقس على كتاب اللّه عز و جل و احاديثنا فان كان يشبههما فهو منا و ان لم يكن يشبههما فليس منا، الدال على وجوب الترجيح بموافقة الكتاب و السنة، لا دلالة له على ثبوت التخيير حتى فى صورة وجود المرحج كما هو واضح، فاذا تبين مما ذكرنا عدم ثبوت ظهور لادلة التخيير فى الاطلاق بحيث تشمل مورد وجود المرحج، فلا ينبغى التأمل و الاشكال فى جوب الاخذ بمادل الدليل على ثبوت الترجيح فيه من الخبرين
ص: 522
المتعارضين، و هل الواجب الاقتصار على المرحجات المنصوصة، او لا بل يجب التعدى عنها الى كل مرحج قولان ذهب شيخ مشايخنا الانصارى قدس سره الى الثانى، مستدلا عليه بما فى مقبولة عمر بن حنظلة المتقدمة، من تعليله عليه السلام الترجيح بالشهرة بقوله فان المجمع عليه مما لا ريب فيه، و تعليله عليه السلام الترجيح بمخالفة العامة بقوله فان الرشد فى خلافهم، تقريب الاستدلال بالاول هو ان بعد ما هو المعلوم من ان ما يرويه المشهور لا يكون مما لا ريب فيه، و لا مما اجمع الاصحاب على روايته، و الا لكانت متواترة مقطوعة الصدور و كان الخبر المخالف لها مقطوع الكذب، و لم يمكن حينئذ فرضهما مشهورين فى قول السائل قلت فان كان الخبر ان عنكم مشهورين، لا بد ان يكون المراد من قوله عليه السلام فان المجمع عليه مما لا ريب فيه، هو كون الخبر المشهور المعروف بين الاصحاب مما لا ريب فيه بالاضافة الى الخبر الشاذ الغير المعروف بينهم، فيستفاد من هذا التعليل ان كل خبر من المتعارضين كان مما لا ريب فيه بالاضافة الى الاخر و اقرب صدورا منه يجب الاخذ به، و مقتضى ذلك هو وجوب التعدى الى كل مزية توجب اقربية صدور ذيها من الفاقد لها، و اما تقريب الاستدلال بالثانى، فهو ان من المعلوم ان المراد من قوله عليه السلام فان الرشد فى خلافهم، ليس ان كل ما يكون موافقا اللعامة فهو باطل لا رشد فيه، ضرورة ان كثيرا من الاحكام الموافقة لرأيهم ليست باطلة مخالفة للواقع، فلا بد ان يكون المراد من قوله عليه السلام فان الرشد فى خلافهم هو اقربية الخبر المخالف لهم مضمونا الى الواقع من الموافق لهم لانه يحتمل فى الموافق من احتمال التقية الغير المحتمل فى المخالف، و مقتضى هذا التعليل هو وجوب الاخذ بكل ما بكون معه امارة الحق و الرشد، و هو مستلزم للتعدى الى كل مزية توجب اقربية مضمون ذيها الى الواقع من الاخر، و لكن ما افاده قدس سره فى وجه جواز التعدى الى غير المرحجات المنصوصة غير خال عن النظر، اما الترجيح بالشهرة فلان الظاهر بقرنية قوله عليه السلام فان المجمع لا ريب فيه الظاهر فى نفى الريب فيه بقول مطلق و ادراجه عليهم السّلام الخبر المشتهر بين الاصحاب فى الامور التى بين رشدها بقوله عليهم السّلام و انما الامور ثلثة امر بين رشده اه، هو ان الترجيح بها ليس من الترجيح بالمرجحات
ص: 523
الظنية التعبدية، بل من جهة ان الخبر المشتهر بين الاصحاب المدوّن فى كتب الاحاديث مقطوع به حقيقة او ملحق به، فان مثل هذا الخبر مما تطمئن النفس بصدوره و يحصل الركون اليه بحيث لا يلتفت الى احتمال عدم صدوره، و معه يصح حمل عدم الريب عليه على نحو الاطلاق، و عليه لا وجه لحمل قوله عليه السلام فان المجمع عليه لا ريب فيه على عدم الريب بالاضافة الى غيره كى يعم كل مزية توجب عدم الريب فى ذيها بالاضافة الى الاخر و لو لم تكن من المزاياء المنصوصة، و اما الترجيح بمخالفة العامة معللا بان الرشد فى خلافهم، فلانه لا دلالة له الاعلى ان الخبر المخالف لهم انما يؤخذ به لكونه اقرب الى الواقع واقعا و فى نظر الشارع لا لكونه اقرب اليه فى نظر الناس، و معه كيف يصح التعدى منه الى كل خبر يكون ذامزية يترجج معها فى نظرنا مطابقته للواقع، فلو جعل الشارع ما يخالف العامة من المتعارضين حجة لعلمه بانه غالب المطابقة للواقع، فهل ترى انه يجوز لنا ان نتعدى منه الى كل خبر يكون ذا خصوصيته يترحج معها فى نظرنا مطابقته للواقع مع عدم احراز ما صار موجبا لجعل الشارع هناك من غلبة المطابقة هنا حاشاك، ثم حاشاك و اما ما استدل به لتعميم الترجيح لكل مزية من قوله عليه السلام فى المقبولة الحكم ما حكم به عدلهما وافقهما و اصدقهما فى الحديث، بتقريب ان اعتبار هذه الصفات ليس الا لترجيح ما هو الاقرب الى مطابقة الواقع من غير اختصاص بسبب خاص ففيه ان هذه الصفات انما ذكرت فى مقام تقديم حكم احد الحكمين فى مقام رفع الخصومة، فلا تدل على وجوب الترجيح بها فى صورة تعارض الخبرين، فتبين مما ذكرنا كله ان الاقوى على القول بوجوب الترجيح هو الاقتصار فيه على المرحجات المنصوصة، و فيما لم يكن هناك احديها الرجوع الى ادلة التخيير لو تم دلالتها عليه و الافالى الاصل الذى هو التعيين فيما اذا كان احد المتعارضين ذا مزية غير منصوصة لانه القدر المتيقن على كل تقدير و الاخر مشكوك، ثم ان المقبولة التى هى العمدة من ادلة القائلين بوجوب الترجيح قد اورد عليها اشكالات، فلا بد من التعرض لها و الذب عنها و ان كانت تلك الاشكالات غير قادحة فى ظهورها بل صراحتها فى وجوب الترجيح، فنقول منها ان صدرها سؤالا و جوابا ظاهر فى ورودها فى التحكيم لاجل رفع الخصوصة فلا يناسبه
ص: 524
تعدد الحاكم، و الجواب عنه باحد الوجهين، احدهما ان المتنازعين حيث كان منشاء نزاعهما الشبهة فى حكم المسئلة المتعلقة بالميراث و الدين، ارجعهما الامام عليهم السّلام الى روات الحديث بقوله عليه السلام فينظر ان الى من كان منكم ممن قد روى حديثنا الخ، ليعلما حكم المسئلة و يرتفع به النزاع بينهما، كما يؤيد ذلك قول السائل فاختلفا فيما حكما به و كلاهما اختلفا فى حديثكم اذلا مناسبة لاختلاف الحكمين من جهة الاختلاف فى الحديث مع كون النزاع فى الشبهة الموضوعية، و عليه فالمراد من الحكم فى قوله عليه السلام الحكم ما حكم به اعدلهما و افقههما و اصدقهما فى الحديث هو الحكم بمعناه اللغوى لا الاصطلاحى المعروف عند الفقهاء فى باب القضاء، ثانيهما حمل الرواية على مورد التداعى اذ حينئذ يصح اختيار كل من المتداعيين حاكما غير من اختاره الاخر، لكن يبعد هذا الحمل قوله عليه السلام الحكم ما حكم اعدلهما و افقههما فى الحديث و لا يلتفت الى ما حكم به الاخر، فانه ظاهر فى ان حكم الاعدل و الافقه ماض و نافذ على الطرفين و ليس لاحدهما اختيار غيره، و منها قول السائل و كلاهما اختلفا فى حديثكم اذ كيف يمكن غفلة كل منهما عن مدرك حكم الاخر مع كونهما من روات الاحاديث و الجواب عنه انه يمكن ان يكون كل منهما قد اطلع على مدرك حكم الاخر و لكن اعتقد عدم صحته و منها قوله عليه السلام ينظر الى ما كان من روايتهم عنا فى ذلك الذى حكما به المجمع عليه بين اصحابك فيؤخذ به، فانه كيف يصح الحكم باجتهاد المترافعين و تحرّيهما فى مدرك حكم الحاكم مع انه غير حائز اجماعا، و الجواب عنه هو انه بعد ما كانت الشبهة حكمية و لم ترفع بالرجوع الى الفقيهين لاختلافهما فى الراى، و انحصر رفع الجهل الذى صار منشاء للنزاع برجوعهما الى الراجح من مدرك الفقيهين امر الامام عليه السلام بالنظر الى ادلة نفس الواقعة و استنباط الحكم منها كى يرتفع به نزاعهما، و منها ان قوله عليه السلام الحكم ما حكم به اعدلهما و افقههما، فانه كيف يصح الحكم بالترجيح عند اختلاف الحكمين مع ان اللازم عند اختلافهما هو الاخذ باسبقهما لعدم جواز الحكم من احدهما بعد حكم الاخر، و على فرض وقوع الحكمين منهما دفعة فاللازم تساقطهما و الحاجة الى حكم ثالث، و الجواب ان لزوم الاخذ بالاسبق انما هو
ص: 525
فيما اذا كان الحكم نافذا على الطرفين، و ليس ما حكم عليه السلام فيه بالترجيح من هذا القبيل لان المفروض فيه اختيار كل واحد من المتنازعين حكما غير من اختاره الاخر، و عليه لا يكون حكم من اختاره احدهما نافذا على الاخر و ان كان سابقا، و امره عليه السلام بترجيح احد الحكمين الذى يكون فيه احدى المرحجات المذكورة فى المقبولة لاجل ان حكمهم فى الصدر الاول كان مطابقا لمضمون الرواية، بقى امور ينبغى التنبيه عليها، الاول انه لو بنينا على وجوب الترجيح بالمرحجات مطلقا و لو كانت غير منصوصة، فهل يعتبر فى الترجيح بها كونها موجبة للظن الفعلى بكون ذيها مطابقا للواقع بحيث لو لم تكن موجبة له يكون حال الخبرين المتعارضين سواء و ان كان احدهما ذامزية موجبة لاقر بيتها الى الواقع، او المعتبر فى الترجيح بها كونها موجبة للظن النوعى بكون ذيها مطابقا للواقع و ان لم تكن موجبة للظن الفعلى بذلك، او ان المعتبر كونها موجبة لا بعدية ذيها عن المخالفة للواقع لا شبهة فى عدم اعتبار كونها موجبة للظن الشخصى كيف و الالزم عدم الاخذ بشئى من المرحجات المنصوصة اذ ليس فيها ما تكون موجبة للظن الشخصى مع كونها واجب الاخذ بها، فالملاك للترجيح المستفاد من اخباره ليس هو الظن الشخصى بموافقة ذيها للواقع، لما عرفت من عدم اعتباره فى المرحجات المنصوصة فضلا عن غيرها المتفرعة عليها فينحصران يكون الملاك احد الاخيرين، و ذهب شيخ مشايخنا الانصارى قدس سره الى ان الملاك فى الترجيح بها كونها موجبة لابعدية ذيها عن الباطل من الاخر و لو لم تكن موجبة للظن النوعى بذيها، مستظهرا ذلك مما فى الاخبار من تعليل تقديم الخبر المخالف للعامة بان الحق و الرشد فى خلافهم و تعليل الخبر الموافق للمشهور بان المجمع عليه لا ريب فيه، بتقريب انه بعد العلم بان المراد منه ليس نفى الريب عنه على الاطلاق، يكون المراد منه عدم الريب فيه بالاضافة الى الاخر، فالمتحصل من هذين التعليلين ان الملاك للترجيح كون احد الخبرين ذامزية موجبة لكونه ابعد عن الباطل و اقرب الى الواقع بالاضافة الى الاخر، و اورد عليه شيخنا الاستاد دام ظله بانه بعد البناء على التعدى عن المرحجات المنصوصة الى غيرها كما هو مختاره قدس سره، لا يظهر من الاخبار كون الملاك هو الا بعدية عن الباطل و لا الاقربية
ص: 526
الى الواقع، اذ بناء عليه لا بد من حمل قوله عليهم السّلام فان المجمع عليه لا ريب فيه بعد العلم بعدم كون المراد منه نفى الريب على نحو الاطلاق على الرجحان بما يفيد الظن الفعلى او النوعى، و كذا حمل قوله عليه السلام فان الرشد فى خلافهم على ذلك لظهوره فى ان خلافهم لوحظ طريقا الى الواقع، و يؤيد ذلك ما رواه على بن اسباط قال قلت للرضا عليه السلام يحدث الامر لا اجد بدا من معرفته و ليس فى البلد الذى انا فيه احد استفتيه من مواليك قال فقال عليه السلام ائت فقيه البلد فاستفته من امرك فاذا افتاك بشئى فخذ بخلافه، فان امره عليه السلام باستفتاء من فقيه البلد و العمل بخلاف ما يفتى به ليس الا لكون الواقع غالبا فى خلافه فخلافهم طريق نوعى الى الواقع، و يؤيد ذلك ايضا بل يدل عليه ما رواه ابو اسحق الارجانى عن ابيعبد اللّه عليه السلام قال قال عليه السلام ا تدرى لما امرتم بالاخذ بما خالف العامة فقلت لا ادرى فقال عليه السلام ان عليا عليه السلام لم يكن يدين اللّه الا خالف عليه الامة الى غيره ارادة لابطال امره و كانوا يسألون امير المؤمنين عليه السلام عن الشئى الذى لا يعلمونه فاذا افتاهم جعلوا له ضدا من عندهم ليلتبسوا على الناس، فانه صريح فى ان الامر بمخالفة العامة انما هو لكونها كاشفة عن كون الحق فيما خالفهم، فتبين مما ذكرنا انه بناء على التعدى الى المرحجات الغير المنصوصة لا بد ان يكون الملاك فى الترجيع بالمنصوصية هو طريقيتها الى الواقع، اذ لو كان للترجيح بها موضوعية لم يصح التعدى منها الى غيرها كما هو واضح، فاذا كان الملاك بناء على التعدى هو طريقية المرحجات نوعا فيتعين ترجيح ما يكون من الخبرين ذامزية موجبة للظن بالواقع نوعا على الاخر و لو كان ذامزية غير موجبة لذلك، الامر الثانى قد عرفت فيما مر ان مقتضى الاصل الاولى فى تعارض الخبرين بناء على الطريقية هو التوقف و لو كان لاحدهما مزية على الاخر، و عرفت ايضا ان التوقف الذى هو مقتضى الاصل انما هو فيما اذا لم يكن احد الخبرين نصا و الاخر ظاهرا، فان العرف يقدمون النص و لو كان ظنى السند و الجهة على الظاهر و لو كان قطعى السند و الجهة، و ليس ذلك الا لاقوائية النص دلالة من الظاهر و مقتضى ذلك هو تقديم كل ما كان من الخبرين اقوى دلالة على الاخر، كما اذا كان احدهما عاما و الاخر خاصا او احدهما
ص: 527
ظاهرا و الاخرا ظهر، و لذا يقدم العرف الخاص و لو كان ظنيا على العام و يحكّمونه عليه و انما الكلام هنا فى ان مورد الترجيح و التخيير اللذين دلت عليهما الاخبار العلاجية، هل يكون ايضا غير المورد الذى يحكم العرف فيه بتقديم احد الخبرين على الاخر او يكون اعم منه و شاملا له ايضا و غاية ما يمكن ان يقال فى اختصاص موردهما بغير ما يحكم العرف بتقديم احدهما، هى ان مورد الاخبار العلاجية هو الخبر ان المتعارضان اللذان يتحير العرف فى مدلولهما، ففيما لهما طريق جمع عندهم مرتكز فى اذهانهم و جرت عليه عادتهم، لا تحير لهم فى مدلولهما كى تعمه الاخبار العلاجية، و لذا يقدمون الخاص الظنى على العام و يحكمونه عليه، و فيه ان تقديمهم الخاص الظنى على العام لا يكون موجبا لا نعقاد ظهور آخر له كما فى القرنية المتصلة، بل هو باق على ما كان عليه قبل التخصيص بالخاص من الظهور فى العموم، و حينئذ يبقى التعارض بينه و بين الخاص، بداهة ثبوت التنافى بين قولنا اكرم كل عالم الشامل للنحوى و بين قولنا لا تكرم العالم النحوى، و مجرد تقديم العرف الخاص على العام و الاظهر على الظاهر، لا يوجب حمل السؤالات فى الاخبار عن حكم الاخبار المتعارضة الواردة عنهم عليه السلام على غير الموارد التى يحكم العرف فيها بتقديم احد الخبرين على الاخر اذ لا تلازم بين كون شئى من المرتكزات العرفية و كونه مشروحا و مفصلا عند جميع الناس، كيلا يكون السائل محتاجا الى السؤال عن حكم ما يروى عنهم عليه السلام من الخبرين المتعارضين اللذين يكون احدهما اخص او اظهر من الاخر، فانانرى كثيرا وقوع النزاع بين العلماء فى الاحكام العرفية مع كونهم من اهل العرف، سلمنا ان طريق الجمع بين العام و الخاص و الظاهر و الاظهر مما يكون ملتفتا اليه لكل احد لكن لا يمنع ذلك عن السؤال عن حكمهما بعد احتمال عدم كون هذه الطريقة العرفية ممضاة عند الشارع، و على هذا لا محيص عن الاخذ باطلاق الاخبار العلاجية و تعميمه الى ماله طريق جمع عند العرف و يؤيد ذلك ما فى رواية الحميرى السابقة التى سئل فيها عن الحجة عجل اللّه فرجه عن اختلاف الاصحاب فى التكبير بعد القيام من التشهد الاول، من قوله عليه السلام الجواب فى ذلك حديثان اما احدهما فانه اذا انتقل من حالة الى اخرى فعليه التكبيرة و اما الاخر فانه روى
ص: 528
اذا رفع رأسه من السجدة الثانية و كبر ثم جلس فليس عليه فى القيام بعد القعود تكبيرة و التشهد الاول يجرى هذا المجرى و بابهما اخذت من باب التسليم كان صوابا، فان جوابه عليه السلام بان فى ذلك حديثين و امره بالتخيير بينهما، مع ان النسبة بين الحديثين عموم و خصوص مطلقا، حيث ان الحديث الاول يدل على استحباب التكبير عند الانتقال من كل حالة الى اخرى و الثانى يدل على عدم استحبابه عند خصوص الانتقال من الجلوس الى القيام، يدل على ان ماهى الطريقة عند العرف فى الجمع بين العام و الخاص و المطلق و المقيد من تقديم الخاص على العام و المقيد على المطلق ليست بممضاة عند الشارع، و يؤيده ايضا ما عن على بن مهزيار قال قرأت فى كتاب لعبد اللّه بن محمد الى ابن الحسن عليه السلام اختلف اصحابنا فى روايتهم عن ابيعبد اللّه عليه السلام فى ركعتى الفجر فى السفر فروى بعضهم صلها فى المحمل و روى بعضهم لا تصلها الا على الارض فوقع عليهم السّلام موسع عليك بايّة عملت، فانه مع كون الرواية الاولى صريحة فى صحة الاتيان بها فى المحمل، و الثانية ظاهرة فى البطلان لاحتمال كون النهى عن اتيانها الاعلى الارض تنزيهيا، حكم عليهم السّلام بالتخيير بينهما لا تقديم الاولى على الثانية، و اما ما ادعى من استقرار السيرة القطعية من لدن زمان الائمة عليهم السلام الى زماننا هذا على الجمع بين العام و الخاص و المطلق و المقيد بتخصيص العام بالخاص و تقييد المطلق بالمقيد و عدم الرجوع الى المرحجان، ففيه المنع عن استقرار السيرة الظنية فضلا عن القطعية على ذلك، بداهة انه لو كانت السيرة مستقرة على ذلك لما كانت مخفية على شيخ الطائفة الشيخ الطوسى قدس سره، فانه يظهر من كلامه المحكى عن الاستبصار ذهابه الى ان الترجيح بالمرحجات يلاحظ بين النص و الظاهر فضلا عن الاظهر و الظاهر، حيث قال قدس سره ما حاصله ان الخبرين المتعارضين ان كان روات احدهما اعدل فيعمل به، و ان كان رواتهما سواء فى العدالة عمل بما كان رواته اكثر عددا و ان كانا مساويين فى العدالة و العدد ينظر، فان كانا بحيث لو عمل باحدهما امكن العمل بالاخر على بعض الوجوه و ضرب من التأويل، بخلاف ما لو عمل بالاخر لاحتاج الى طرح ما يعارضه، كان المتعين العمل بما يمكن مع العمل به العمل بالاخر، لانه يكون العامل به
ص: 529
عاملا بالخبرين معا، و ان كان الخبر ان يمكن العمل بكل منهما كما فى العامين من وجه و حمل الاخر على بعض الوجوه من التأويل، و كان لتأويل احدهما خبر يعضده او يشهد به صريحا او تلويحا لفظا او دليلا، و كان تأويل الاخر فاقدا لذلك كان العمل به اولى من العمل بما لا شاهد لتأويله شئى من الاخبار، و ان لم يكن لتأويل شئى منهما شاهد من الاخبار و كانا متساويين كان العامل مخيرا فى العمل بايهما شاء، انتهى ملخصا فانه كما ترى باطلاقه يدل على لزوم الترجيح بالمرحجات مطلقا و لو كانت النسبة بين الخبرين العموم و الخصوص المطلق او كان احدهما نصا او اظهر و الاخر ظاهرا، هذا محصل ما افاده الاستاد دام ظله فى عموم ادلة الترجيح و التخيير لما كان احد الخبرين عاما و الاخر خاصا ظنى السند و الدلالة او قطعى السند و الدلالة او قطعى السند و ظنى الدلالة، و لكن فيه مواقع للنظر، منها ما افاده دام ظله من ان المخصص المنفصل ليس كالقرنية المتصلة فى كونها مانعة عن انعقاد الظهور للعام فى العموم، فاذا لم يكن مانعا عن انعقاد ظهوره فى العموم فيقع التنافى بينه و بين عموم العام اذفيه ان المخصص المنفصل و ان لم يكن كالقرنية المتصلة فى المنع عن انعقاد الظهور للعام فى العموم، الا انه كالقرنية المتصلة فى كشفه عن ان ظهوره فى العموم لم يكن مرادا جديا واقعيا للمتكلم به و انما تكلم به ليعمل به ظاهرا الى ان يرد المخصص، فالعام و الخاص و ان كانا متعارضين بحسب مالهما من المفهوم ابتداء، الا ان اصالة الظهور فى طرف الخاص تكون حاكمة على اصالة الظهور فى العام و لو كان ظنى السند و الدلالة او قطعى السند و ظنى الدلالة، و ذلك لان معنى حجيته جعل احتمال مخالفة مؤداه للواقع كالعدم، و جعله كالنص المقطوع الصدور الذى لا شبهة فى تقديمه على العام، لان اصالة الحقيقة و العموم معتبرة فيما اذا لم يعلم ان هناك قرنية على المجاز، فاذا دل الدليل على ان النص الظنى الصدور و الدلالة كالقطعى الصدور و الدلالة من جميع الجهات، فيكون حاكما على اصالة الظهور فى العام و معها يرتفع التعارض بينهما اذ لا تعارض بين الحاكم و المحكوم، و منها ما افاده من ان تقديم العرف الخاص على العام فى مقام التعارض، لا يستلزم حمل السؤالات الواقعة فى الاخبار عن حكم الخبرين المتعارضين، على غير المورد الذى يحكم فيه العرف بتقديم احدهما
ص: 530
على الاخر، معللا بان المرتكزات العرفية لا يلزم ان تكون مشروحة ملتفا اليها لكل احد كيلا يكون السائل فيهذه الروايات محتاجا الى السؤال عن حكم تعارض العام و الخاص، اذ فيه ان المرتكزات العرفية و ان لم يكن جميعها مشروحة ملتفيا اليها لكل احد، الا ان بعضها كما نحن فيه يكون مشروحا ملتفتا اليه لكل احد كيف لا و قد شاع بين العوام فضلا عن الخواص ما من عام الا و قد خص، فهل يقال فيما قال الطبيب للمريض كل الزمان ثم قال له بعد ذلك لا تأكل الزمان الحامض، بانه اوقع المريض فى التخيير فيما ارادة ما الدستورين حاشا و كلا، بل بقال بيّن له بهما ما يضره و ما ينفعه، و كذا لو قيل لمكلف البيع حلال ثم قيل له ثمن العذرة حرام، فهل يكون متحيرا فيما هو المراد من القضيتين حاشا و كلا، بل يحكم بان القضية الثانية مقيدة لا طلاق الاولى مع ان دلالتها على حرمة بيع العذرة دلالة التزامية، فاذا كان تقديم الخاص و تحكيمه على عموم العام من المرتكزات العرفية المشروحة المفصلة الملتفت اليها لكل احد بحيث لا يرون بينهما معارضة، فلا بد من حمل السؤالات الواردة فى الاخبار العلاجية عن تعارض الخبرين على غير مورد تعارض العام و الخاص الذى ليس فى الحقيقة معارضة بينهما، و لاجل كون الخاص حاكما على عموم العام قالوا بان التمسك بالعمومات الصادرة عن الائمة عليهم السلام لا يجوز الا بعد الفحص عن المخصصات لجريان عادتهم عليه السلام على الاعتماد بالمخصصات المنفصلة غالبا لمصالح هم اعرف بها من تقية و غيرها، و لذا التزموا فيما اذا دار الامر بين كون الخاص مخصصا للعام او ناسخا له لئلا يلزم من تخصيصه له تأخير البيان عن وقت الحاجة، بتقديم الخاص و جعله كاشفا عن انه كان مع العام قرنية صارفة له عن مورد الخاص قد خفيت علينا، و هذا مما يدل على ان تقديمهم الخاص على العام مما جرت سيرتهم عليه بحيث يقدمونه على العام حتى فيما لو كان واردا فى مقام العمل و وقت الحاجة و منها ما افاده بقوله دام ظله سلمنا التفات كل احد الى هذا الحكم العرفى، لكن نمنع عن عدم الاحتياج الى السؤال عن حكم تعارض العام و الخاص، اذ من المحتمل عدم امضاء الشارع هذا الحكم العرفى، و معه يكون السؤال عن حكم تعارضهما محتاجا، اليه اذفيه ان مجرد عدم منع الشارع عن هذه الطريقة العرفية كاشف عن امضائه لها و الا
ص: 531
لكان عليه المنع عنها، و منها جعله دام ظله ما ورد فى روايتى الحميرى و على بن مهزيار مؤيد العموم الاخبار العلاجية لتعارض العام و الخاص، اذ فيه ان الحكم بالتخيير فى الروايتين انما هو لكون الاولى منهما واردة فى التكبيرة المستحبة و الثانية فى نافلة الفجر و كلتاهما من التكاليف المستحبة التى يكون الحكم بالتخيير فيها من مقتضيات ذاتها، فلا مجال لجعلهما مؤيدتين لعموم الاخبار العلاجية التى يكون الحكم فيها بالتخيير تعبديا لما نحن فيه كما لا يخفى، و منها منعه دام ظله عن تحقق السيرة على التوفيق بين العام و الخاص و المطلق و المقيد بحمل العام على الخاص و المطلق على المقيد، معللا بانه لو كانت السيرة متحققة لما خفيت على مثل شيخ الطائفة الشيخ الطوسى قدس سره حيث ذهب الى العمل بالمرحجات فى تعارض النص و الظاهر، اذ فيه كما لا يخفى على من راجع كلامه فى الاستبصار و العدة ان كلامه فيما ليس فيه تصريح بعموم ادلة الترجيح لخصوص النص و الظاهر او العام و الخاص، غايته شموله لهما بالاطلاق، و هو منصرف عنهما بقرينتين متصلة و منفصلة، اما المتصلة فيهى قوله ان الخبرين المتعارضين ان كانت رواة احدهما الخ، فان تخصيصه محل البحث بالخبرين المتعارضين قرنية على عدم ارادته منهما ما يشمل لمثل العام و الخاص الذى لا يكون التعارض بينهما الا ابتدائيا يزول بادنى التفات الى حكومة الخاص بدليل اعتباره و جعله كالمقطوع فى جميع الجهات على العام، و اما المنفصلة فهى تصريحه فى محكى العدة فى باب بناء العام على الخاص بان الرجوع الى الترجيح و التخيير انما هو فى تعارض العامين دون العام و الخاص لعدم كونهما من المتعارضين معللا بان العمل بالخاص ليس طرحا للعام بل حمل له على ما يمكن ان يريده الحكيم و ان العمل بالترخيص فرع التعارض الذى لا يجرى فيه الجمع فيه الجمع انتهى موضع الحاجة من كلامه زيد فى علو مقامه.
الامر الثالث لو بنينا على تقديم الاظهر على الظاهر، ففيما كان اظهرية احد الدليل المتعارضين معلومة فلا اشكال فى تقديمه على الاخر، و اما فيما اشتبه الحال و لم يحرز ما هو الاظهر منهما، فذكروا لتشخيصه امورا، منها ما اذا وقع التعارض بين العام الاصولى
ص: 532
و الاطلاق الشمولى كقوله لا تكرم الفساق و اكرم العالم فانهما يتعارضان فى الفاسق العالم و يدور الامر بين تخصيص العام و هو لا تكرم الفساق بما عدا العالم و بين تقييد المطلق و هو اكرم العالم بغير الفاسق، فان الثانى و هو تقييد المطلق مقدم على تخصيص العام، لان شمول العام لمورد الاجتماع و هو الفاسق العالم اظهر من شمول المطلق و هو اكرم العالم له، و ذلك لان شمول العام له بالم؟؟ مشمول المطلق له ليس به بل يكون بمقدمات الحكمة التى منها عدم البيان على التقييد، و العام الاصولى يصلح لان يكون بيانا فيقدم على المطلق لارتفاع موضوعه بارتفاع احدى مقدمات الحكمة، و اورد عليه الاستاد دام ظله بان ما يكون من مقدمات الحكمة المعتبرة فى تحقق الاطلاق، هو عدم البيان المتصل لا الاعم منه و المنفصل، فالعام المنفصل لا يصلح لان يكون بيانا كى يرتفع به موضوع الاطلاق، فلا بد فى دوران الامر بينهما من ملاحظة الخصوصيات الموجودة فى المقام، و فيه اولا ان ما هو من مقدمات الحكمة عدم ما يصلح لان يكون بيانا، و العام الاصولى يصلح لان يكون بيانا و مقيدا للمطلق، و ثانيا ان فى مورد دوران الامر بين تقييد المطلق و تخصيص العام يقدم تقييد المطلق على تخصيص العام لان تقديم المطلق على العام فى مورد الاجتماع، يوجب كون استعماله فى العموم مجازيا و هو مخالف لاصالة العموم و اصالة الحقيقة، و هذا بخلاف تقديم العام على المطلق و تقييده بغير مورد الاجتماع، فانه لا يوجب كون استعماله فى الاطلاق مجازيا كما عليه المحققون، و مقتضى اصالة الحقيقة و العموم فى العام عدم تخصيصه بغير مورد الاجتماع و حينئذ فيكون بيانا تعبديا على التقييد فى المطلق، هذا كله فيما اذا كان التعارض بين العام الاصولى و المطلق الشمولى، و اما اذا كان التعارض بينه و بين المطلق البدلى، كما اذا قال لا تكرم الفساق و اكرم عالما، فلا شبهة فى تقديمه على المطلق، بداهة ان المطلق البدلى الذى يكون المطلوب فيه صرف الوجود من الطبيعة، لا يصلح لان يعارض العام الاصولى الذى يكون المطلوب فيه مطلق الوجود منها بعد امكان الجمع بينه و بين العام بايجاد صرف الوجود من الطبيعة فى
ص: 533
غير مورد الاجتماع بل لا معارضة بينهما حقيقة، اذا العام الاصولى يكون رافعا لموضوع المطلق البدلى و ذلك لان من مقدمات الحكمة فى الاطلاق البدلى هو كون الافراد متساوية الاقدام فى حصول الامتثال باى منها، و من المعلوم ان العام الاصولى بشموله لمورد الاجتماع يخرجه عن التساوى مع غيره من الافراد فى حصول الامتثال به، و مما ذكرنا ظهر الوجه فى تقديم تقييد المطلق البدلى على تقييد المطلق الشمولى كما اذا قال اكرم عالما و لا تكرم الفاسق، فان قوله لا تكرم الفاسق بشموله لمورد الاجتماع و هو العالم الفاسق يخرجه عن التساوى مع غيره من افراد العالم فى حصول الامتثال به، و منها ما اذا دار الامر بين التخصيص و النسخ كما اذا ورد خاص بعد حضور وقت العمل بالعام فانه يدور الامر بين كونه ناسخا للعام لئلا يلزم تأخير البيان عن وقت الحاجة، و كونه مخصصا للعام و كاشفا عن انه كان متصلا بالعام فى وقت صدوره و قد اختفى علينا و وصل الينا منفصلا عنه، فقيل ان التخصيص مقدم على النسخ لندرته و كثرة التخصيص و هى موجبة لا ظهريته على النسخ، و اورد عليه الاستاد دام ظله بان كثرة التخصيص لا عبرة بها ما لم تكن من المرتكزات الذهنية للعرف و من القرائن العرفية الموجبة لظهور اللفظ فى موردها، و مجرد كونها موجبة للظن غير نافع اذ لا دليل على اتباعه، و قيل بتقديم النسخ لانه لا يلزم منه الا تقييد ما للعام من الاطلاق الازمانى الثابت له بمقدمات الحكمة، لان استمرار الحكم لجميع الافراد و ان كان مستندا الى الوضع، لكن استمراره لجميعها فى جميع الازمنة انما هو بمقدمات الحكمة، و لا شبهة فى ان تقييد اطلاقه الازمانى بتقديم النسخ اولى من تخصيص عمومه الافرادى بغير مورد الاجتماع المستلزم لمخالفة ظهوره الوضعى و اورد عليه بان النسخ عبارة عن رفع الحكم الثابت فيتوقف على ثبوت حكم العام لافراد الخاص، و المفروض ان الخاص بحكومته على العام يخرج افراده عن حكم العام و معه يرتفع موضوع النسخ فتدبر فان جعل الخاص حاكما على العام و مخرجا لافراده عن حكم العام مع تردده بين كونه مخصصا للعام او ناسخا له كما ترى،
ص: 534
فالاولى الاستدلال على تقديم التخصيص على النسخ بما افاده الاستاد دام ظله من ان النسخ و ان امكن وقوعه عقلا بعد النبى صلى اللّه عليه و آله و سلم بان اودع صلى اللّه عليه و آله و سلم الناسخ عند الاوصياء عليهم السلام، و قد دلت الاخبار الكثيرة على تفويض دين اللّه عليهم السّلام، لكن وقوعه و لو نادرا غير محقق بل المستفاد من قوله عليه السلام حلال محمد حلال الى يوم القيمة و حرامه حرام الى يوم القيمة، هو ان الاحكام الشرعية المودعة عنه صلى اللّه عليه و آله و سلم مستمرة لا تتغير و لا تتبدل ابدا و معه كيف يمكن القول بان المخصصات الواردة بعد حضور وقت العمل بالعمومات كلها ناسخة لها، و توهم انه كيف يصح حمل تلك المخصصات على كونها كاشفة عن ان كل عام كان مخصصه متصلا به و قد اختفى علينا و وصل الينا منفصلا عنه مع كثرة الدواعى الى ضبط المخصصات المتصلة و اهتمام الروات الى حفظها و نقلها، مندفع بانه لا وجه لاستبعاد ذلك بعد مانرى من ان كثيرا من المخصصات المنفصلة المروية عن طرقنا عن الائمة عليهم السلام مروية عن طرق العامة عن النبى صلى اللّه عليه و آله و سلم فان هذا كاشف عن ان هذه المخصصات كانت متصلة بالعمومات و قد اختفت علينا و وصلت الينا منفصلة عنها، و هنا وجه آخر لتقديم التخصيص على النسخ اختاره الاستاد وفاقا لشيخ مشايخنا الانصارى قدس سره، و هو ان الوحه للقول بتقديم النسخ ليس الا استلزام تقديم التخصيص عليه لتأخير البيان عن وقت الحاجة القبيح عقلا على الحكيم، و من المعلوم ان هذا المحذور انما يلزم لو كان مفاد العام حكما واقعيا لاما اذا كان ظاهريا تقدم على الخاص ليعمل به ظاهرا الى ان يرد المخصص الذى مفاده هو الحكم الواقعى نظير الاخذ بالبرائة قبل ورود البيان من الشارع، و انما تأخر بيان المخصص لمصلحة موجبة لاختفاء الحكم الواقعى الى زمان ورود المخصص، كما قد تكون موجبة لا يكال المكلفين الى العمل بحكم الشك الى ورود البيان من الشارع و ليس قبح تأخير البيان عن وقت الحاجة كقبح الظلم كيلا يمكن تخلفه عنه، بل قبحه كقبح الكذب فى كونه منوطا بعدم وجود جهة
ص: 535
محسنة تقضى صدوره عن المتكلم كحفظ عرض او نفس محترمة و لذا قالوا ان الكذب ذا المصلحة خير من الصدق ذى المفسدة.
الامر الرابع لا اشكال فى تعيين ما هو النص او الاظهر فيما اذا كان التعارض بين المتعارضين و انما الاشكال فى تعيينهما فيما اذا كان التعارض بين الاكثر من دليلين فانه قد يوجب الجمع بين الاثنين منها انقلاب النسبة مع الاخر منها، كما اذا ورد عام و خاصان متبائنان، مثلا لو قام دليل على وجوب اكرام العلماء دليل آخر على عدم وجوب اكرام النحويين منهم و دليل ثالث على عدم اكرام الفساق منهم، فان النسبة بين اكرام العلماء و بين كل من لا تكرم النحويين و لا تكرم فساق العلماء هى العموم المطلق، فاذا خصصنا عموم اكرم العلماء بلا تكرم النحويين مثلا، يصير بمنزلة قولنا اكرم العلماء الغير النحويين فتنقلب النسبة بينه و بين قوله لا تكرم فساق العلماء الى العموم من وجه، لان الاول يدل على اكرام غير النحوى من العلماء سواء كان عادلا ام فاسقا، و الثانى يدل على عدم اكرام الفاسق من العلماء سواء كان نحويا او غير نحوى، فيتعارضان فى العالم الفاسق الغير النحوى، فيلزم حينئذ الرجوع الى مرحجات باب التعارض، اذ لا نصوصية و لا اظهرية لاحدهما بالنسبة الى الاخر فى مورد الاجتماع، و لكن هذا الجمع فاسد جدا لان ورود كل من الخاصين على العام يكون فى مرتبة واحدة، فلا وجه لتخصيصه اولا بالنسبة الى احدهما ثم ملاحظة النسبة بينه و بين الاخر، بل المتعين تخصيصه بكل من الخاصين فى مرتبة واحدة، اذا لم يلزم منه تخصيص الاكثر المستهجن او بقاء العام بلا مورد، و الا فيقع التعارض بينه و مجموع الخاصين و يكون حالهما حال المتبائنين، و حينئذ، اما ان يكون العام و الخاصان متساويين سندا اولا، و على الثانى اما ان يكون العام ارحج سندا من كلا الخاصين، او يكون الخاصان ارجح منه كك، و اما ان يكون العام راجحا سندا بالنسبة الى احد الخاصين و مساويا كك بالنسبة الى الاخر، او يكون مرجوحا بالنسبة الى احدهما و مساويا بالنسبة الى الاخر، فهنا خمس صور الاولى ما كان العام و الخاصان
ص: 536
متساويين سندا، و الحكم فيها هو التخيير بين الاخذ بالخاصين و طرح العام رأسا، او الاخذ بالعام و طرح احد الخاصين فيما لم مع الاخذ بالاخر محذور تخصيص الاكثر المستهجن فى العام، اذ لا وجه لطرح كلا الخاصين بعد كون التبائن بين مجموعهما مع العام لا بين كل واحد منهما معه، و حيث ان التبائن يكون بين العام و الواحد المبهم من الخاصين فيقع حينئذ التعارض بينهما فى الاخذ باحدهما و تخصيص العام به، و الحكم فيه هو التخيير اذ المفروض عدم الترجيح بينهما، و الحكم فى الصورة الثانية التى يكون العام ارحج سندا من كلا الخاصين، هو الاخذ بالعام و طرح احد الخاصين و الاخذ بالاخر فيما لم يبق مع الاخذ به المحذور المزبور، و حينئذ يقع التعارض بين الخاصين فيؤخذ بالراحج منهما ان كان و الا فيحكم بالتخيير، و الحكم فى الصورة الثالثة التى يكون الخاصان فيها ارجح سندا من العام هو الاخذ بالخاصين و طرح العام رأسا و اما الصورتان الاخيرتان، فالحكم فيها هو التخيير، فان اخذنا بالخاصين نطرح العام رأسا، و ان اخذنا بالعام نطرح احد الخاصين، لما مر من ان التبائن انما يكون بينه و بين الواحد المبهم من الخاصين، و حينئذ يقع التعارض بين الخاصين فى تعيين احدهما لتخصيص العام به، و الحكم فيه هو التخيير بينهما ان اخذنا بالعام، و الاخذ بكليهما ان طرحنا العام رأسا هذا و لكن قد يشكل فى الحكم بالتخيير بينهما فى الصورة الاخيرة التى يكون العام فيها مرجوحا بالنسبة الى احد من الخاصين، يدعوى ان الظاهر فيها هو تخصيص العام بالراجح منهما عليه اولا ثم ملاحظة النسبة بينه و بين الاخر، و فيه ان المعارضة فى المقام ليس لاجل التنافى بين العام و الخاص ذاتا، اذ دليل الخاص حاكم على دليل العام و مبين لمقدار مدلوله، و لا تنافى و لا تعارض بين الحاكم و المحكوم، و لذا يقدم الحاكم على المحكوم و لو كان اقوى ظهورا من الحاكم، بل التنافى هنا بين العام و الخاصين انما هو لاجل كون تخصيصه بكليهما مستلزما للتخصيص الاكثر المستهجن او بقاء العام بلا مورد و لغوا، و هذا المحذور مستند الى تخصيصه بمجموع الخاصين لا بكل واحد منهما، و معه
ص: 537
لا وجه لتخصيصه اولا بالنسبة الى احدهما ثم ملاحظة النسبة بينه و بين الاخر، و اما ما قيل من ان تخصيص العام باحد الخاصين لا يوجب انقلاب نسبته الى الاخر لان النسبة انما تلاحظ بين الظهورات و العام المخصص بالمنفصل و لو كان قطعيا لا ينثلم به ظهوره و ان انتلم به حجيته، ففيه ان ما لا ينثلم انما هو ظهور العام فى مدلوله التصورى الملقى فى ذهن السامع عند سماعه، و اما ظهوره فى كون مدلوله تمام المراد للمتكلم فلا شبهة فى انثلامه بعد التخصيص بالمنفصل، لانه قبل التخصيص به و ان كان ظاهرا فى ارادة تمام مدلوله، لكن بعد تخصيص به يقطع بعدم كونه بتمام مدلوله مرادا منه ما عدا عنوان الخاص، لان دليل الخاص يكشف لا محة عن عدم كونه مرادا من عموم العام و الالزم لغوية التعبد بدليله و سقوطه عن الحجية، فحجية دليل الخاص مستلزمة لسقوط دليل العام عن الحجية الافيما عدا عنوان الخاص، و لذا يصير ظهوره فى ارادة ما عدا عنوانه اقوى، فان كثرة التخصيص قد تبلغ الى مرتبة يقطع معه بارادة الباقى تحت العام، فالقول بان التخصيص لا يوجب انقلاب النسبة بمكان من الغرابة، كيف و الوجه فى ملاحظة النسبة بين الادلة انما هو لتشخيص كونها معارضة او غير معارضة، و قد تقدم ان التعارض عبارة عن تكاذب الدليلين بسبب ما فى مدلولهما من التنافى ذاتا بحيث لا يمكن الجمع بينهما فى مقام التشريع و الجعل ثبوتا و بحسب الواقع، و معه كيف يمكن ان يقال ان ملاحظة النسبة بين الادلة انما تكون بمالها من الظهورات، و المخصص المنفصل لا ينثلم به اصل ظهور العام كى ينقلب به النسبة بين الادلة، و انما ينثلم به حجيته، اذ كيف يعقل ملاحظة النسبة بين الدليلين بما لها من الظهور مع القطع بعدم حجية احدهما بماله من الظهور، و مما ذكرنا من انه اذا كان التعارض بين الاكثر من الدليلين قد يوجب ملاحظة علاج التعارض بينها انقلاب النسبة، ظهر انه لوورد دليلان متعارضان بالتبائن و ورد دليل ثالث يكون النسبة بينه و بين احدهما العموم المطلق، فاذا خصصناه بذاك الدليل الثالث بنقلب النسبة بينه و بين الاخر من التبائن الى العموم المطلق، مثلا لو دل دليل على ان ثمن
ص: 538
العذرة سحت، و دليل آخر على ان ثمن العذرة لا بأس به، و دليل ثالث على ان ثمن عذرة المأكول اللحم لا بأس به فان النسبة بين الدليلين الاولين تكون بالتبائين و بين الدليل الاول و الثالث بالعموم المطلق فاذا اخصصناه بالثالث و اخرجنا عذرة المأكول اللحم عنه، تنقلب النسبة بينه و بين الثانى من التبائن الى العموم المطلق، فيجب تخصيص الثانى بالاول و اخراج عذرة غير المأكول اللحم عنه، و السر فى ذلك هو ان تعارض المطلق مع المقيد و تعارضه مع المطلق ليسا على نسق واحد، ضرورة ان دليل المقيد حاكم على دليل المطلق و مخصص لحجيته بما عدا عنوان المقيد، فدليل المقيد بمنزلة المتمم لمدلول دليل المطلق، فيجب تقييد المطلق اولا بالمقيد، و بعد تقييده به يلاحظ النسبة بينه و بين المطلق الاخر، و من المعلوم ان بعد تقييده بالمقيد ينقلب النسبة بينه و بين المطلق الاخر من التبائن الى العموم و الخصوص المطلق فيقيد حينئذ اطلاق الاخر به.
الخامس قد تقدم ان حجية الاخبار حيث تكون من باب الطريقية لا السببية، فيكون مقتضى القاعدة فى تعارضها على ما ذهب اليه بعض الاعلام، هو التساقط فى مدلولها المطابقى رأسا، دون مدلولها الالتزامى الذى هو نفى الثالث، و ان كون مدلولهما الالتزامى متفرعا على مدلولهما المطابقى، انما هو فى الوجود لا فى الحجية، فسقوطهما عن الحجية بالتعارض فى مدلولهما المطابقى، لا يوجب سقوطهما عنها فى مدلولهما الالتزامى الذى لا معارضة بينهما فيه بل متفقان عليه، و يكون مقتضاء فى تعارضهما على ما ذهب اليه الاستاد دام ظله، هو التوقف فى الحكم بمدلولهما المطابقى، مع الالتزام بثبوت احدهما واقعا الملازم لنفى الثالث، لكن دلت النصوص المستفيضة على عدم سقوطها بالتعارض، بل يجب التخيير فى الاخذ باحدهما فيما كانا متساويين بان لم يكن لاحدهما مزية على الاخر، و الاخذ باحدهما المعين ان كان له مزية على الاخر سندا او دلالة، و تقدم ايضا عن بعض القول بالتخيير مطلقا و لو كان لاحدهما مزية على الاخر، تمسكا باطلاق ادلة التخيير و حمل ادلة الترجيح على الاستحباب، و قد بينا فساد هذا القول و ان مقتضى
ص: 539
ظهور ادلة الترجيح فى الوجوب هو الخروج عن اطلاق ادلة التخيير و تقييدها بما اذا لم يكن هناك مزية الاحد الخبرين المتعارضين، و تقدم ايضا الخلاف فى لزوم الاختصار على الترجيح بالمرحجات المنصوصة بها فى الاخبار العلاجية مع رعاية الترتيب المذكور بينها فى بعض الاخبار، و عدم لزوم ذلك، و قد عرفت ان الحق المستفاد من بعض التعليلات الواردة فى بعض الاخبار العلاجية، هو التعدى الى الترجيح بكل مزية موجبة لاقربية ذيها للواقع او ابعديته عن الخلاف و نقول هنا لو بنينا على ما هو الحق و المختار من وجوب الترجيح بالمزية، و لكن اختصرنا على المرحجات المنصوصة مع رعاية الترتيب المذكور بينها فى بعض الاخبار، فلا اشكال فى وجوب الاخذ بذى المزية المذكورة سابقا فى الاخبار و طرح ذى المزية المذكورة لاحقا فيها و اما ان قلنا بجواز التعدى الى كل مزية موجبة لاقربية ذيها الى الواقع او ابعديته عن الخلاف، او قلنا بعدم جواز التعدى عن المزاياء المنصوصة الى غيرها، و لكن منعنا عن كون ادلة الترجيح بها الا فى مقام بيان ذكرها من دون نظرلها الى الترتيب بينها، فلا اشكال فى لزوم الحكم بالتخيير، فيما اذا كان احد المتعارضين واجدا لبعض المرحجات و الاخر لبعض آخر منها، او كان احدهما واجدا لما يوجب الاقربية الى الواقع و الاخر لما يوجب الا بعدية عن الخلاف، من غير فرق فى ذلك بين كون المزيتين راجعتين الى الصدور، او كون احديهما راجعة الى الصدور و الاخرى الى جهة الصدور، و ذلك لما مر من ان المستفاد من بعض التعليلات الواردة فى بعض الاخبار العلاجية، ان الملاك فى الاخذ باحد المتعارضين على التعيين، هو كونه على فرض كذب احدهما و صدق الاخر، بنفسه او منضما الى مزية اولى بالمطابقة للواقع و اقرب اليه من الاخر و حينئذ نقول اذا كان احد المتعارضين مخالفا للعامة المعدود مخالفتهم فى النصوص فى عداد ما يتحقق به الاقربية الى الواقع من المرحجات كالاعدلية و الا و ثقية، و كان عداد ما يتحقق به الاقربية الى الواقع من المرحجات كالاعدلية و الا و ثقية، و كان الاخر منهما موافقا لهم، و لكن كان رواته اعدل
ص: 540
من روات المخالف لهم، فاللازم هو الحكم بالتخيير بينهما، لاتحادهما فيما هو الملاك من الاقربية الى الواقع، و كذا الحكم على القول بلزوم الاختصار على المرحجات المنصوصة، و كون الاخبار المشتملة عليها فى مقام بيان مجرد الترجيح بها من دون نظر لها الى الترتيب بينها، اذ كما ان الاعدلية عدت فى النصوص من المرحجات، كك المخالفة للعامة عدت فيها منها، فلا وجه حينئذ لما ذهب اليه شيخ مشايخنا الانصارى قدس سره، من ترجيح احديهما على الاخرى، حيث قال قدس سره فى رسائله مالفظه، اما لوزاحم الترجيح بالصدور الترجيح من جهة الصدور، بان كان الارحج صدورا موافقا للعامة، فالظاهر تقديمه على غيره، و ان كان مخالفا لهم، بناء على تعليل الترجيح بمخالفة العامة باحتمال التقية فى الموافق، لان هذا الترجيح ملحوظ فى الخبرين بعد فرض صدورهما قطعا كما فى المتواترين او تعبدا كما فى الخبرين المتكافئين سندا، بعد عدم امكان التعبد بصدور احدهما و ترك التعبد بصدور الاخر، و فيما نحن فيه يمكن ذلك بمقتضى ادلة الترجيح من حيث الصدور فان قلت ان الاصل فى الخبرين الصدور فاذا تعبدنا بصدورهما، اقتضى ذلك الحكم بصدور الموافق تقية، كما يقتضى ذلك الحكم بارادة خلاف الظاهر فى اضعفهما دلالة، فيكون هذا الترجيح نظير الترجيح بحسب الدلالة، مقدما على الترجيح بحسب الصدور قلت لا معنى للتعبد بصدورهما مع وجوب حمل احدهما المعين على التقية، لانه الغاء لاحدهما فى الحقيقة، و لذا لوتعين حمل خبر غير معارض على التقيه على تقدير الصدور، لم يشمله ادلة التعبد بخبر الواحد انتهى موضع الحاجة من كلامه زيد فى علو مقامه، و اورده عليه الاستاد ادام ظله، بان المراد من قوله قدس سره او تعبدا كما فى الخبرين، هو كون الخبرين حجة فعلا فهو مما لا يتصور له معنى، بعد ما هو المفروض من وجوب الغاء احدهما المعين، كما صرح قدس سره به بقوله لا معنى للتعبد بصدورهما مع وجوب حمل احدهما المعين على التقية و ان كان المراد منه تساويهما بملاحظة شمول دليل الحجية لهما من دون ترجيح لاحدهما على الاخر كى يكونا
ص: 541
مشمولين للاخبار العلاجية، فما نحن فيه يكون من هذا القبيل، لان الخبر المحكى عن الاعدل الموافق للعامة يساوى مع الخبر المحكى عن غير الاعدل المخالف لهم، اما تساويهما بلحاظ كونهما مشمولين لدليل الحجية، فواضح بعد كونهما جامعين للشرائط المعتبرة فيه، و اما التساوى بلحاظ كونهما مشمولين للاخبار العلاجية، فواضح ايضا بعد ما هو المفروض من اشتمال كل منهما على مرجح من المرحجات المنصوصة، انتهى ما افاده دام ظله فى الاشكال على ما ذهب اليه شيخ مشايخنا الانصارى قدس سره من الحكم بترجيح الارجح صدورا و المرجوح جهة على الارجح من جهة الصدور و المرجوح من حيث اصل الصدور هذا و لكن مقتضى دقيق النظر صحة ما افاده شيخ مشايخنا قدس سره، و ذلك لانه و ان لم يكن بين المزاياء المنصوصته ترتيب شرعا، الا ان بين اصل صدور الخبر و عنوان كونه صادر البان الحكم الواقعى او تورية لمكان التقية، ترتيبا طبعيا ذاتيا عقلا غير قابل للانكار، بداهة تأخر عنوان صدور الخبر عن اصل صدوره، و لذا لا يصح نسبة التورية الى المعصوم عليهم السلام فى كلام الابعد احراز صدوره عنه عليه السلام كما هو واضح، فاذا حكم الشارع بعدم صدور المرجوح صدورا و بنى عليه بمقتضى دليل الترجيح من حيث الصدور، فليس هناك فى قبال الخبر الراجح من حيث الصدور و المرجوح من جهته، خبر صادر عن الشارع حتى نحكم يكونه صادرا لبيان الحكم الواقعى بقرنية مخالفته للعامة، و الموافقة للعامة انما جعلت موجبة لحمل الخبر الموافق لهم على التقية، فى مقام المعارضة مع الخبر المخالف لهم لا مطلقا، ضرورة ان العامة ليسوا مخالفين لنا فى جميع الاحكام كى يجب حمل كل خبر موافق لهم على كونه صادرا على وجه التقية مطلقا و لو مع خلوه عن المعارض، و مراد الشيخ قدس سره من قوله او تعبدا كما فى الخبرين هو تساويهما سندا كما صرح به فى ذيل كلامه، و مراده قدس سره ان الترجيح بمخالفة العامة انما هو فيما اذا كان المتعارضان مقطوعى الصدور او متكافئين سنداكى تصل النوبة الى الترجيح من جهة الصدور فتبصر هذا آخر ما استفدناه
ص: 542
من بحث استادنا الاعظم حجة الاسلام و المسلمين و آية اللّه الملك العليم الحاج الشيخ عبد الكريم اليزدى الحائرى دام اللّه تعالى ظله و متع المسلمين بطول بقائه، و الحمد للّه اولا و آخرا و الصلوة و السلام على من اصطفاه من خلقه محمد و آله الطيبين الطاهرين ظاهرا و باطنا و اللعنة على اعدائهم اجمعين ابدا سرمدا، و قد كان الفراغ من تحرير ما استفدناه من بحثه ادام اللّه ايام افاداته يوم الخمسين من شهور سنة 1351 و انا العبد الفقير المحتاج الى رحمة ربه الغنى محمود بن مرتضى بن محمد حسن الأشتيانى اعلى اللّه مقامهما و رفع درجاتهما، و المرجّوح من الناظرين الى ما حررناه فيهذه الاوراق مع ما فيه من الخلل، ان يطلبو الى من اللّه تعالى المغفرة و حسن العاقبة و يعفوا عما يطلعوا عليه من الاشتباه و الخطاء فانه لا يعصم منهما الا من عصمه اللّه منهما من الانبياء و الاوصياء صلوات اللّه تعالى عليهم اجمعين.
در ردّ منكرين خاتميّت حضرت رسول صلى اللّه عليه و آله و سلم (للانبياء) ع
بسمه تعالى
مخفى نماند كه بعضى از منحرفين عين الصراط المستقيم ادعا نموده كه كلمه خاتم فى قوله تعالى و خاتم النبيين بفتح تاء بمعانى مختلفه اش، دلالت بر خاتميت نبوت بحضرت محمد بن عبد اللّه صلى اللّه و آله الطاهرين ندارد، پس چنانچه كسى در اين عصر و زمان ادعاى نبوت كرد و بر طبق مدعاى خود ادلة اقامه نمود، بايد تصديقش كرد و باو ايمان آورد، و لا يخفى ما فيه من الفساد من وجوه، اما اولا باينكه از قرّاء سبعه كسى غير از عاصم كه يكى از آنها است كلمه خاتم را بفتح قرائت ننموده، و اما ثانيا باينكه بعضيها كلمه خاتم بفتح تاء را فعل ماضى از باب مفاعله دانسته، و گفته اند كه آن بمعنى ختم است و النبيين را مفعول آن دانسته اند، و ثالثا بر تقدير اينكه خاتم بفتح اسم باشد نه فعل ماضى، لكن چون خاتم بفتح تاء در لغت و كلمات عرب بمعانى عديده استعمال شده، از آنجمله بمعنى انگشتر و ديگر بمعنى مهر ثبت كه مرسوم است در ذيل
ص: 543
قبالجات و اسناد ميزنند، و ديگر بمعنى آخر از گروه، و يا بمعنى الذى ختم به ميباشد، و على اى تقدير به خاتم در آيه مباركه بكسر تا و چه بفتح آن باشد، دلالتش بر آنچه متفق عليه بين خاصه و عامه ميباشد از خاتميت و آخر النبيين بودن آن حضرت صلى اللّه عليه و اله و سلم، اوضح من الشمس و ابين من الامس است، اما بناء بر كسر تاء خاتم فواضح، و اما بناء بر فتح آن پس براى اينكه گذشت كه خاتم بمعناى انگشتر و مهر ثبت بى مناسبت با مقام است، و منحصر است حملش بر خاتم به معناى آخر از گروه كه به معنى آخر النبيين ميشود، يا بر خاتم بمعناى ما ختم به كه معنى الذى ختم به النبوه ميشود، و بر فرض تسليم اينكه آيه مباركه دلالت بر خاتميت آن حضرت صلى اللّه عليه و آله و سلم نداشته باشد، كوئيم دليل بر خاتميت آن حضرت منحصر بآيه مباركه نميباشد، بلكه ادلة قطعية كثيرة ديگر هم هست كه دلالت بر آن ميكند، منها اتفاق جميع مسلمين از عامه و خاصه بر خاتميت آن حضرت صلى اللّه عليه و آله و سلم كه فرموده لا تجتمع امتى على الخطاء، و منها روايه معروفة بين الفريقين كه حضرت ختمى مرتبت صلى اللّه عليه و آله و سلم مخاطبا بمولى الموالى و امير المؤمنين عليهم السّلام ميفرمايد يا على انت منى بمنزلة هرون من موسى الا انه لا نبى بعدى، و منها حديث معروف عند الكل كه حلال محمد حلال الى يوم القيمة و حرامه حرام الى يوم القيمة كه كنايه است از بقاء شريعت آن حضرت و نبوتش تا روز قيامت، و غير آنچه ذكر شد از اخبار متواتره قطعية الدلالة و السند كه مقام گنجايش ذكر آنها را ندارد و السلام على من اتبع الهدى.
ص: 544
ص: 545
ص: 546
بسم اللّه الرحمن الرحيم و به نستعين
اعلم ان مسئلة الرجعة و ان دل عليها جملة من الايات القرآنية، و صرّح بها فى الاخبار المتواترة و فى جملة من الادعيه و الزيارات الماثورة، و استفيض نقل الاجماع عليها من علمائنا الاماميه، لكن حيث وقع فى زماننا هذا لبعض الاذهان الشبهة فيها، ثبوتا بتوهم مخالفتها لبعض القواعد الحكمية، و اثباتا بدعوى عدم تمامية ما استدل به عليها من الادلة السمعية سندا او دلالة، فلا بأس بالاشارة اجمالا الى ما يندفع به الشبهة عنها فى كلتى المرحلتين، فنقول على اللّه التكلان، اما امكان الرجعة ثبوتا، فبعد وقوع احياء الاموات فى الامم السالفة، كما نطقت به الايات كقوله تعالى فَأَمٰاتَهُ اَللّٰهُ مِائَةَ عٰامٍ ثُمَّ بَعَثَهُ قٰالَ كَمْ لَبِثْتَ قٰالَ لَبِثْتُ يَوْماً أَوْ بَعْضَ يَوْمٍ الايه، و قوله تعالى فى جواب سؤال ابراهيم عليه السلام رَبِّ أَرِنِي كَيْفَ تُحْيِ اَلْمَوْتىٰ، فَخُذْ أَرْبَعَةً مِنَ اَلطَّيْرِ فَصُرْهُنَّ إِلَيْكَ الى قوله تعالى ثُمَّ اُدْعُهُنَّ يَأْتِينَكَ سَعْياً و قوله تعالى فى سورة البقره فَقٰالَ لَهُمُ اَللّٰهُ مُوتُوا ثُمَّ أَحْيٰاهُمْ و صدوره عن بعض الانبياء عليه السلام فى مقام التحدى و الاعجاز، كما يشهد به قوله تعالى حاكيا عن عيسى عليه السلام و احى الموتى باذن ربى، لا يبقى مجال للشبهة فيها سيما بالنسبة الى الائمة المعصومين صلوات اللّه عليهم اجمعين الذين ارواحهم المقدسة لقوة نوريتها حائزة لمقام جمع الجمع واقعة فى الحد المشترك لجميع العوالم الوجودية تكون نسبتها الى جميعها نسبة واحدة لا يشغلها شأن عن شأن و ايدانهم المطهرة بمقتضى لزوم المناسبة بين الظاهر و الباطن و امتناع الارتباط التعلقى بين المتبائنين، تكون برزخا بين الطبيعة الصرفة و المثال المحض، كما ورد انه من صلى اللّه عليه و آله و سلم كان يرى من خلفه كما يرى من امامه، و كيف تكون الرجعة ممتنعة مع ان امتناعها مستلزم لامتناع المعاد الجسمانى الذى هو عبارة عن عود رسالة و جيزة فى رد بعض من انكر جواز تعدد الزوجات.
ص: 547
بسمه تعالى شأنه
مخفى نماند بر اخوان مؤمنين حفظهم اللّه عن اغواء اعداء الدين كه چون بعضى از پيشوايان متصوفين زمان مادر مصاحبه ئى كه با او شده در جواب سؤال از جواز تعدد زوجات جمعا، برخلاف اجماع قاطبه مسلمين و اخبار متواترة صادره از ائمه معصومين سلام اللّه عليهم اجمعين، حكم بر حرمة آن نموده و گفته فتواى من و پدر و جد من هم بر حرمت آن بوده، و در اثبات مدعاى باطل خود ممكن است استناد نموده باشد باستفاده آن از آيتين مباركتين واردتين در سوره مباركه نساء، الاولى قوله تعالى فى الاية الثالثة منها فَانْكِحُوا مٰا طٰابَ لَكُمْ مِنَ اَلنِّسٰاءِ مَثْنىٰ وَ ثُلاٰثَ وَ رُبٰاعَ فَإِنْ خِفْتُمْ أَلاّٰ تَعْدِلُوا فَوٰاحِدَةً، الثانية قوله تعالى فى الاية المائة و الثلث و العشرين منها وَ لَنْ تَسْتَطِيعُوا أَنْ تَعْدِلُوا بَيْنَ اَلنِّسٰاءِ وَ لَوْ حَرَصْتُمْ، تقريب الاستدلال اينكه خداوند متعال در آيه اولى تعليق فرموده جواز تعدد زوجاتر اجمعا بر عدم خوف از نداشتن قدرت بر تعديل و تويه بين آنها در حقوق واجبه شان بر زوج از نفقه و كسوه و تقسيم ليالى بين آنها در بيتوته و غير آن از حب و ميل و رغبت بآنها، و در آيه ثانيه نفى تأييد و هميشگى فرموده قدرت رجال را بر تعديل و تسويه بين زوجات در حقوق واجبه شان و غير آن از حب و ميل و رغبت بآنها، و انتفاء حكم معلق كه جواز تعدد زوجاتست، بانتفاء معلق عليه كه قدرت بر تعديل و تسويه بين زوجاتست، از احكام ضروريه عقل است، پس تعدد زوجات غير جائز و محرّم خواهد بود بمقتضاى مدلول اين آيتين مباركتين، و فساد اين استدلال گرچه از جهت كمال وضوحش محتاج به توضيح نميباشد، لكن براى اينكه اين استدلال موجب شبهه براى بعضى از عوام الناس نشود و دستاويزى براى بعضى از متجددين نگردد، گوئيم اگر مراد از نفى قدرت رجال بر تعديل بين زوجات در آيه مباركه ثانيه، نفى آن در اداء حقوق واجبه آنها باشد بر نحو اطلاق و عموم، كما ادعاه المستدل بها، پس بودن آيه مباركه در مقام بيان اين مراد ممنوع است جدا از جهاتى، يكى از جهت مخالف بودن عدم قدرت رجال عموما بر تعديل بين زوجاتشان در حقوق واجبه شان، با واقع و وجدان، زيرا كه چه بسيار در هر عصر و زمان بين رجال اشخاص متمول كثيرى
ص: 548
بوده و ميباشند كه كمال قدرت و توانائى را بر تعديل بين زوجات در حقوق واجبه شان واجد بوده و ميباشند، پس نفى قدرت رجال را عموما بر تعديل بين زوجاتشان در حقوق واجبه آنها على نحو العموم و الاطلاق كما ادعاه المستدل بها، مخالف با واقع و وجدانست، و قطعا نبايد مراد از مجموع آيتين مباركتين باشد، جهت دوم اينكه اگر مراد از مجموع اين آيتين مباركتين با بودن آيه اولى در اوائل سورة نساء و آيه ثانية در اواخر ان سوره و بودن نزول قرآن بر نحو تدريج، تحريم تعدد زوجات باشد، لازم ميباشد تأخير بيان الحكم از وقت حاجت و ايقاع مكلفين در مفاسد واقعية و تفويت مصالح واقعية از آنها، بناء على ما حققناه فى محله من كون الاحكام الشرعية تابعة للمصالح و المفاسد الواقعية النفس الامرية، هذا مضافا بر اينكه با امكان بل با كمال سهولت اختصار در بيان اين مقصود و حكم، بگفتن لا تجعوا بين النساء فى النكاح، كما قال تعالى أَنْ تَجْمَعُوا بَيْنَ اَلْأُخْتَيْنِ، تعبير نمودن از آن اولا بامر رجال بجمع بين نساء متعدده در نكاح على نحو الاطلاق، و ثانيا تقييد نمودن آن را بعدم خوف از عدم قدرت بر تعديل بين آنها، و ثالثا نفى نمودن قدرت رجال را بر تعديل بين آنها، خالى از تطويل بلا طائل نيست، و ابن منافى است يا بودن قرآن در اعلى و اقصى مراتب تحدى و تعجيز از اتيان بمثل آن در فصاحت و بلاغت، كه فرموده قل لئن اجتمعت الجن و الانس على ان يأتوا بمثل هذا القرآن لا يأتون بمثله و لو كان بعضهم لبعض ظهيرا، جهت سوم اينكه نفى قدرت رجال را بر تعديل بين زوجات در حقوق واجبه شان، منافى با امر نمودن آنها است بجمع بين نساء در نكاح و تعديل بين آنها در حقوقشان، كه مستلزم امكان آنست، لمكان قبح التكليف بغير المقدور عقلا، و كون صدوره عنه تعالى منفيا شرعا، حيث قال تعالى لا يكلف اللّه نفسا الا وسعها و الا ما اتاها، پس امر نمودن رجال را بجمع بين نساء در نكاح با امكان تعديل بينهن و نفى نمودن قدرتشان را بر تعديل، مستلزم تناقض در گفتار است، و مرجعش باينست يحل لكم التعدد فى الزوجات و لا يحل لكم التعدد فيهن، و اين نحو از گفتار منافى است با مقام الوهيت و بودن قرآن در اعلى مراتب فصاحت و بلاغت، كه در مقام تحدى و تعجيز از اتيان بمثل آن فرموده قالئن اجتمعت
ص: 549
الجن و الانس على ان يأتوا الاية، پس بايد براى حفظ و صيانت كلام خداوند متعال از استلزامش مفاسد مزبوره را، بر تقدير بودن مراد از آية دوم نفى قدرت رجال بر تعديل بين نساء در حقوقشان، ملتزم شد كه مقصود و مراد خداوند متعال از اين آيتين تحريم تعدد زوجات نيست و نخواهد بود، زيرا كه دانستى كه مراد از آيه دوم نفى قدرت رجال بر تعديل بين نساء در حقوق واجبه شان نخواهد بود و نميتوان باشد، لاستلزامه لما مر من المفاسد، بلكه مقصود نفى قدرت رجالست بر تعديل و تسويه بين زوجات در حب و ميل و رغبت به آنها، زيرا كه با حب شديد و ميل و شوق مفرط زوج نسبت ببعض از زوجات دون بعض، امريست قهوى الحصول از شهوت و ميل طبع كه خلقى و جبلى انسان است، و اراده او ابدا مدخليتى در حصول و تحقق آن ندارد، و لذا قال الصادق عليه السلام من الملك العلام فى تفسيرهاتين الايتين، اما قوله تعالى فَإِنْ خِفْتُمْ أَلاّٰ تَعْدِلُوا فَوٰاحِدَةً، فانه عنى فى النفقه، و اما قوله تعالى وَ لَنْ تَسْتَطِيعُوا أَنْ تَعْدِلُوا بَيْنَ اَلنِّسٰاءِ وَ لَوْ حَرَصْتُمْ، فانه عنى فى المودة، و باين معنى اشاره است قول نبينا الاكرم صلى اللّه عليه و آله و سلم، بعد از تقسيم نفقه بين زوجات طاهراتش مخاطبا الى اللّه تعالى هذا قسمى فيما املك و انت اعلم بما لا املك، زيرا كه مراد ان حضرت از مالا املك هما مودت و حب و ميل است كه امريست قلبى و قهرى الحصول و بر فرض اينكه مراد از نفى استطاعت و قدرت رجال بر تعديل بين زوجات در آيه شريفه، نفى آن در حقوق واجبه انها باشد، پس بايد مراد از نفى آن در آن حقوق، نفى سهولت تعديل بين زوجات بر زوج باشد، زيرا كه با حب شديد و ميل مفرط زوج نسبت ببعض از زوجات دون بعض، تعديل و تسويه بين آن و سائر از آنها در حقوق، بسيار شاق و سنگين و دشوار است بر او، و مراد از قوله تعالى فَلاٰ تَمِيلُوا كُلَّ اَلْمَيْلِ فَتَذَرُوهٰا كَالْمُعَلَّقَةِ، محتمل است كه نهى از ميل و رغبت تام نسبت ببعض از زوجات باشد، و ممكن است كه نهى از ميل و رغبت تام از بعض آنها باشد، و مناسب با قولى تعالى فلا تذروها كالمعلقة احتمال دوم است، يعنى حال كه بر شما رجال شاق و دشوار است تعديل و تسويه بين زوجاتتان در حقوق واجبه شان، از جهت مودت و حب شديد و ميل مفرطيكه نسبت ببعض از آنها
ص: 550
داريد، پس ميل نكنيد تمام ميل بهواى نفسانى از زنيكه باو چندان علاقه مند نميباشيد، تا اينكه اين بى ميلى و بى رغبتى سبب شود كه ظلم كنيد نسبت باو در ترك اداء حقوق واجبه اش، و واگذاريد او را مانند زنيكه كه نه شوهرى دارد كه از او كفالت نمايد و نه بى شوهر است تا بتواند شوهر كند بمردى كه از او كفالت نمايد، و مانند كسى باشد كه معلق بين زمين و آسمان است كه دستش از همه جا و همه چيز منقطع است، و از نهى از تمام ميل نسبت ببعض از زوجات يا از بعض آنها، استفاده ميشود ترخيص زوج در بعض ميل نسبت ببعض از آنها در آنچه زائد بر حقوق واجبه آنها بر او باشد، و همچنين از آن استفاده ميشود، كه مراد از قوله تعالى وَ لَنْ تَسْتَطِيعُوا أَنْ تَعْدِلُوا بَيْنَ اَلنِّسٰاءِ، نفى قدرت بر تعديل بين زوجات كه شرط جواز تعدد زوجاتست على نحو العموم و الاطلاق كما ادعاه المستدل بها مخالف با واقع و وجدانست و قطعا نبايد مراد از آيه مباركه باشد و الا بايد فرموده باشد فلا تجمعوا بين النساء فى النكاح نه فَلاٰ تَمِيلُوا كُلَّ اَلْمَيْلِ كه دلالت دارد بر صحت و جواز جمع و عدم جواز تبعيض بين آنها در اظهار ميل و رغبت مفرط نسبت ببعضى دون بعض گما هو ظاهر، و از آنچه ذكر شد مبين گرديد كه تعدد زوجات براى مردى كه قادر بر تأديه حقوق واجبه آنها باشد، علاوه بر اينكه حرام نميباشد، ميتوان گفت از جهت تأسى بودنش بحضرت خاتم صلى اللّه عليه و آله و سلم و اوصياء طاهرينش سلام اللّه عليهم اجمعين، راجح و مندوب ميباشد، و حكم بعضى از طالبين جاه بحرمت آن نيست مگر براى جلب توجه متجددين از مردان و زنان اين دوره و زمان بخود غافل از اينكه منكر حكم ضرورى اسلام كافر و نجس العين و واجب است اجتناب از او و اين منافاة دارد با ادعاى مرشديّت و پيشوا بودن او براى مسلمين، نعوذ باللّه تعالى من حب الجاه الذى هو رأس كل خطيئة و منشاء كل ضلالة
هذا آخر ما اردنا ايراده فى هذه الرسالة، لدفع ما افتى به بعض من المتصوفين من الحرمة فيما وقع منه مصاحبة مع بعض، و نسب الافتاء بها الى ابيه وجده ايضا جازاهم اللّه بما هم اهله و يستحقونه فيما افتوا به.
ص: 551
ص: 552
ص: 553
بسم اللّه الرحمن الرحيم
الحمد للّه رب العالمين و صلى اللّه على سيدنا محمد و آله الطاهرين و اللعنة الدائمة على اعدائهم اجمعين و بعد فاقول اختلف علمائنا الامامية رضوان اللّه تعالى عليهم فى نجاسة اهل الكتاب اى اليهود و النصارى، فذهب المشهور منهم شهرة عظيمه الى نجاستهم و قليل منهم الى طهارتهم، و استدل المشهور منهم مضافا الى دعوى الاجماع عليها المعتضدة بالشهرة العظيمة و شذوذ المخالف و معروفية الحكم بها لدى الخاصة بحيث صار شعار الهم، بالكتاب و السنة، ام الكتاب فلانه تعالى حكم بنجاسة المشركين بقوله انما المشركون نجس فلا يقربوا المسجد الحرام، ثم اخبر تعالى بكون اليهود و النصارى منهم، بقوله و اذ قال اللّه يا عيسى بن مريم ءانت قلت للئاس اتخذونى و امى الهين من دون اللّه، و قوله تعالى لَقَدْ كَفَرَ اَلَّذِينَ قٰالُوا إِنَّ اَللّٰهَ ثٰالِثُ ثَلاٰثَةٍ وَ مٰا مِنْ إِلٰهٍ إِلاّٰ إِلٰهٌ وٰاحِدٌ مَا اَلْمَسِيحُ اِبْنُ مَرْيَمَ إِلاّٰ رَسُولٌ قَدْ خَلَتْ مِنْ قَبْلِهِ اَلرُّسُلُ وَ أُمُّهُ صِدِّيقَةٌ كٰانٰا يَأْكُلاٰنِ اَلطَّعٰامَ، ثم قال تعالى قُلْ أَ تَعْبُدُونَ مِنْ دُونِ اَللّٰهِ مٰا لاٰ يَمْلِكُ لَكُمْ ضَرًّا وَ لاٰ نَفْعاً، و قوله تعالى يٰا أَهْلَ اَلْكِتٰابِ لاٰ تَغْلُوا فِي دِينِكُمْ وَ لاٰ تَقُولُوا عَلَى اَللّٰهِ إِلاَّ اَلْحَقَّ إِنَّمَا اَلْمَسِيحُ عِيسَى اِبْنُ مَرْيَمَ رَسُولُ اَللّٰهِ وَ كَلِمَتُهُ أَلْقٰاهٰا إِلىٰ مَرْيَمَ وَ رُوحٌ مِنْهُ فَآمِنُوا بِاللّٰهِ وَ رُسُلِهِ وَ لاٰ تَقُولُوا ثَلاٰثَةٌ اِنْتَهُوا خَيْراً لَكُمْ إِنَّمَا اَللّٰهُ إِلٰهٌ وٰاحِدٌ، و قوله تعالى قٰالَتِ اَلْيَهُودُ عُزَيْرٌ اِبْنُ اَللّٰهِ وَ قٰالَتِ اَلنَّصٰارىٰ اَلْمَسِيحُ اِبْنُ اَللّٰهِ ذٰلِكَ قَوْلُهُمْ بِأَفْوٰاهِهِمْ الى ان قال تعالى اِتَّخَذُوا أَحْبٰارَهُمْ وَ رُهْبٰانَهُمْ أَرْبٰاباً مِنْ دُونِ اَللّٰهِ وَ اَلْمَسِيحَ اِبْنَ مَرْيَمَ، وَ مٰا أُمِرُوا إِلاّٰ لِيَعْبُدُوا إِلٰهاً وٰاحِداً لاٰ إِلٰهَ إِلاّٰ هُوَ سُبْحٰانَهُ عَمّٰا يُشْرِكُونَ، فان هذه الايات كما ترى صريحة الدلالة على ان اليهود قائلون بالهبن و النصارى بثلثة الهسة، و اذا كان اهل الكتاب قائلين بالهين او بثلثة الهة فيكونوا مشركين و يعمهم قوله تعالى انما المشركون نجس الاية، و اما السنة فمنها ما رواه ابو بصير عن ابيجعفر عليه السلام فى مصافحة المسلم لليهودى و النصرانى من انه عليه السلام قال من وراء الثياب فان صافحك بيدة فاغسل يدك، ممنها صحيحة على بن جعفر عليه السلام عن اخيه موسى عليهم السّلام قال سئلته عن
ص: 554
النصرانى يغتسل مع المسلم فى الحمام، فقال عليه السلام اذا علم انه نصرانى اغتسل بغير ماء الحمام الا ان يغتسل وحده على الحوض فيغسله ثم يغتسل، و سئلته عن اليهودى و النصرانى يدخل يده فى الماء ايتوضاء منه للصلوة قال عليه السلام لا الا ان يضطر اليه، و المراد من الاضطرار ليس ما توهم من الاضطرار الى الوضوء منه كى ينافى نجاسته، اذ مع نجاسة الماء و انحصار الماء به يجب التيمم لا الوضوء بذاك الماء النجس، بل المراد منه الاضطرار الى التقية كما اذا كان فى جماعة من اهل السنة و لم يكن له مندوحة عن ترك الصلوة معهم و التوضى بالماء الذى ادخل الكتابى يده فيه، فان الاضطرار موجب لسقوط اشتراط طهارة ماء الوضوء، لقوله صلى اللّه عليه و آله و سلم رفع عن امتى ما اضطروا اليه
و منها صحيحته الاخرى عن اخيه موسى عليه السلام ايضا قال سئلته عن فراش اليهودى و النصرانى بنام فيه قال عليه السلام لا بأس و لا يصلى فى ثيابهما، و قال عليه السلام ايضا لا يأكل المسلم مع المجوس فى قصعة واحدة و لا يقعده فى فراشه و مسجده و لا يصافحه، قال و سئلته عن رجل اشترى ثوبا من السوق للبس لا يدرى لمن كان هو هل تصلح الصلوة فيه قال عليه السلام ان اشتراه من مسلم فليصل فيه و ان اشتراه من نصرانى فلا يصلى فيه حتى يغسله، و منها رواية سماعة قل سئلت ابا عبد اللّه عليهم السّلام عن طعام اهل الكتاب ما يحل منه قال عليه السلام الحبوب، فانها تدل بمفهومها على عدم حلية غير الحبوب من طعامهم، فان حصر الحلال من طعامهم فى الحبوب، لا وجه له الا النجاسة العارضة على غيرها بماشرة ايديهم لما يطبخونه من الاطعمة و منها صحيحة ابن مسلم قال سئلت ابا جعفر عليهم السّلام عن آنية اهل الذمة و المجوس فقال عليهم السّلام لا تأكلوا من طعامهم الذى يطبخونه و لا فى انيتهم التى يشربون فيها الخمر، و الخدشة فى دلالتها على نجاستهم، بان المنع عن اكل طعامهم لو كان لاجل مباشرتهم له برطوبة مسرية، لم يكن وجه لتقييده بالمطبوخ و بما كان فى انيتهم التى يشربون فيها الخمر، الظاهر فى ان المنع عن اكل طعامهم انما هو لاجل ما هو الغالب من مزجه بلحم الميتة و الخنزير او كون اوانيهم المعدة لطبخه متنجسة بملاقاة مثل المحرمات المذكورة، فهذه الصحيحة لو لم تكن دالة على طهارتهم لا تكون دالة على
ص: 555
نجاستهم، مدفوعة بان الوجه لتقييد طعامهم بالمطبوخ، هو اخراج مثل الحبوب كالحنطة و الشعير و الحمص و نحوها، التى حكم الصادق عليه السلام فى رواية سماعة المتقدمة بطهارتها، و قال عليه السلام ايضا فى جواب السؤال عن المراد من الطعام فى قوله تعالى وَ طَعٰامُ اَلَّذِينَ أُوتُوا اَلْكِتٰابَ حِلٌّ لَكُمْ، ان المراد منه هو الحبوب، و الوجه لتقييده بما اذا لم يكن فى انيتهم التى يشربون فيها الخمر، هو اخراج اوانيهم التى ليست معدة لشربها، اذ لشاربيها آنية مخصوصة لشربها، كما قال اللعين، ذق الزجاج و رقت الخمر، فتشابها و نشاكل الامر، فنجاسة خصوصها معلومة اما لكونها، ظرفا لها او لكونها مستعملة لهم بشرب الخمر منها، لان نجاسة الخمر ايضا خلافية حيث ذهب بعض الى عدم نجاستها ايضا، فان نجاسة غيرها من الاوانى غير معلومة تفصيلا، غاية الامر العلم الاجمالى باستعمالهم لبعضها، و هذا العلم لا يوجب الاجتناب عن جميعها بعد عدم كون جميعها مورد او محلا للابتلاء كما حقق فى محله، هذا مضافا الى امكان كون التقييد بذلك لاجل التقية، حيث ان النهى عن الاكل من طعام الكتابى و عن الاكل فى آنيتهم على نحو الاطلاق مناف لما ذهب اليه العامة من طهارة اهل الكتاب، و يشهد لذلك ان المجوس الذى ذكر فى الرواية مراد فالاهل الذمة لا شبهة فى نجاستهم فانهم قائلون بالهة يزدان و النور و الظلمة، فلا يصح معه تخصيص المنع عن اكل طعامهم بما اذا كان مطبوخالهم او كان فى آنيتهم الى يشربون فيها الخمر، و التفكيك بينهم و بين اهل الكتاب من اليهود و النصارى بالمنع عن اكل طعامهم مطلقا و لو لم يكن ممزوجا بلحم الخنزير و الميتة و لا فى آنيتهم التى يشربون فيها الخمر، خلاف ظهور وحدة السياق فى وحدة الملاك فى المنع عن اكل طعامهم و طعام غيرهم من اليهود و النصارى، كما يدل على ذلك اى على وحدة الملاك فى المنع عن طعامهم و طعام اهل الكتاب، ما ذكره المفسرون فى تفسير قوله تعالى لَقَدْ كَفَرَ اَلَّذِينَ قٰالُوا إِنَّ اَللّٰهَ ثٰالِثُ ثَلاٰثَةٍ، من ان القائلين بهذه المقالة هم جمهور النصارى من الملكية و اليعقوبية و النسطورية(1) لانهم يقولون اب و ابن و روح القدس اله،
ص: 556
فانه يلزمهم القول بالهة ثلثة، اذ لا معنى لكون الثلثة الها واحدا الا ان يكون المراد من كونهم الها واحدا اشتراكهم فى المعبودية لهم، و لذا قال تعالى فى تكذيبهم و ما من اله الا الها واحدا، و قال ايضا ما المسيح بن مريم الا رسول ارسله اللّه قد خلت من قبله الرسل، فان معناه المسيح رسول اللّه و ليس باله، كما يزعمون كما ان الانبياء من قبله كانوا رسلا و لم يكونوا بالهة، و قال تعالى ايضا قٰالَتِ اَلْيَهُودُ عُزَيْرٌ اِبْنُ اَللّٰهِ وَ قٰالَتِ اَلنَّصٰارىٰ اَلْمَسِيحُ اِبْنُ اَللّٰهِ، الى ان قال تعالى تَعٰالَى اَللّٰهُ عَمّٰا يُشْرِكُونَ، فاذا كان اهل الكتاب مشركين بمقتضى هذه الايات، فيعمهم قوله تعالى إِنَّمَا اَلْمُشْرِكُونَ نَجَسٌ، و لعل الوجه فى لزوم كونهم مشركين من قولهم بابنية العزيز و المسيح للّه تعالى، هو ان المتولد من الشئى لا يمكن ان يكون من غير سنخه، و توهم ان النجس المحمولى فى الاية الشريفة على المشركين لم يكن فى زمان صدور هذه الاية حقيقة فى هذا المعنى الخاص المصطلح فى زماننا، بل كان حقيقة فى معناه اللغوى الذى هو اعم منه، و العام لا يدل على خصوص الخاص باحدى من الدلالات الثلث، بل المتبادر من حمل النجس على المشركين فى الاية، كحمل الرجس على الخمر و الميسر و الانصاب و الا زلام فى قوله تعالى إِنَّمَا اَلْخَمْرُ وَ اَلْمَيْسِرُ وَ اَلْأَنْصٰابُ وَ اَلْأَزْلاٰمُ رِجْسٌ مِنْ عَمَلِ اَلشَّيْطٰانِ، هو معناه اللغوى الذى هو اعم من المعنى المصطلح عندنا، مندفع او لا بان العام الذى نهى اللّه تعالى المشركين عن القرب الى مسجد الحرام بعد ذلك العام، هو سنة تسع بعد الهجرة على ما صرح به المفسرون، و من المعلوم ان امره تعالى المؤمنين بالصلوة و بيان النبى صلى اللّه عليه و آله و سلم اجزائها و شرائطها التى منها المصلى عن الاحداث و طهارته و طهارة لباسه و مسجده عن الاخباث التى هى عبارة عن النجاسات العينية، كان قبل هذا العام مدة سنين بالقطع و اليقين، و معه كيف يصح ان يدعى ان كلمة النجس فى قوله تعالى إِنَّمَا اَلْمُشْرِكُونَ نَجَسٌ كانت مستعملة فى معناها اللغوى، مع انصرافه الى النجاسات العينية بلحاظ انسباقها الى اذهان المسلمين من جهة ارتكازها فى اذهانهم فى تلك المدة، و لذا قال فى مجمع البيان فى ذيل تفسير هذه الاية، ان قوله تعالى إِنَّمَا اَلْمُشْرِكُونَ نَجَسٌ ظاهر فى نجاستهم العينية، و مع انسباق هذا المعنى اى النجاسة العينية من لفظ نجس فى الاية الى الاذهان، لو كان المراد منه النجاسة
ص: 557
بمعناها اللغوى الاعم لكان على الشارع بيانه و الا لاخل بعرضه، و ثانيا ان النجس معناه اللغوى هو القذر الذى هو عبارة عما يتنفر الطبع عنه، و معه كيف يمكن ان يكون المراد منه فى الاية هذا المعنى، مع انه لا قذارة بهذه المعنى فى المشركين، و ثالثا ان قياس كلمة النجس فى الاية الاولى بكلمة الرجس فى الاية الثانية، مع الفارق اذ ليس لكلمة الرجس فى الاية الثانية معنيان عام لغوى و خاص اصطلاحى، و ذلك لما صرح به المفسرون من ان المراد منه هو العمل القبيح و الما ثم و لذا جعله اللّه تعالى من عمل الشيطان، و من المعلوم ان العمل القبيح يختلف باختلاف متعلقه فهو بالنسبة الى الخمر شربها و الى الميسر اللعب بها و الى الانصاب عبادتها و الى الازلام التفال بها، لكن هذه الافعال لما فيها من المفاسد مشتركة فى كونها عملا، قبيحا عقلا فتكون محرمة شرعا، لان كل ما حكم العقل بقبحه يحكم الشرع بحرمته، و لذا امر تعالى بالاجتناب عن تلك الافعال بقوله فاجتنبوه لعلكم تفلحون، و هذا الحكم حيث يكون دائميا بدوام قبح هذه الافعال، لان العقل انما يحكم بقبح شرب الخمر لما يترتب عليه من السكر المزيد للعقل، و بقبح اللعب بالميسر لما يترتب عليه من استكمال الاخلاق الرذيلة الدنية، كما قال تعالى إِنَّمٰا يُرِيدُ اَلشَّيْطٰانُ أَنْ يُوقِعَ بَيْنَكُمُ اَلْعَدٰاوَةَ وَ اَلْبَغْضٰاءَ فِي اَلْخَمْرِ وَ اَلْمَيْسِرِ وَ يَصُدَّكُمْ عَنْ ذِكْرِ اَللّٰهِ وَ عَنِ اَلصَّلاٰةِ، و يحكم العقل بقبح عبادة الاصنام لما يترتب عليها من الشرك باللّه تعالى مضافا الى كونها عبادة الصانع لمصنوعه، التى و بخ عليها ابراهيم عليه السلام عبدة الاصنام بقوله ا تعبدون ما تنحتون، و يحكم العقل بقبح التفال بالازلام لما فيه من ضعف الرأى و الاتكال على الاتفاق، فليس للرجس المذكور فى الاية الشريفة الا معنا واحدا، و هو العمل القبيح الاتفاق، فليس للرجس المذكور فى الاية الشريفة الا معنا واحدا، و هو العمل القبيح الذى يكون قبحه و حرمته ثابتين فى جميع الازمان و فى جميع الشرايع و الاديان، فدعوى ان المراد من النجس فى قوله تعالى إِنَّمَا اَلْمُشْرِكُونَ نَجَسٌ هو النجس بمعناه العرفى، قياسا على الرجس فى قوله تعالى إِنَّمَا اَلْخَمْرُ وَ اَلْمَيْسِرُ الى قوله تعالى رِجْسٌ، فاسدة جدا بعد ما عرفت من المنع عن ارادة المعنى الاعم العرفى من النجس المقيس و من الرجس المقيس عليه ايضا، لما مر من ان المراد منه هو العمل القبيح الذى ليس له معنى عرفى عام و غير
ص: 558
عرفى خاص، بل هو قبيح عقلى عرفى مطلقا و حرام شرعى كك، و رابعا بانه لو سلمنا عدم كون المراد من النجس فى الاية المباركة هى النجاسة بمعناها الخاص المصطلح عندنا، يكفينا فى الحكم بنجاسة اهل الكتاب النصوص المتقدم ذكرها المؤيدة بالاجماع الذى صرح به العلمان السيد و الشيخ قدس سرهما على قيامه على نجاسة اهل الذمة، و بما حكى فى المجمع عن ابن عباس من انه قال ان المشركين اعيان نجسة كالكلب و الخنزير، فان ابن عباس مع كونه من اصحاب النبى صلى اللّه عليه و آله و ملازما حضر او سفرا و مواظبا لما ينزل عليه صلى اللّه عليه و آله و سلم من الايات القرآنية و الشوال عنه صلى اللّه عليه و آله و سلم عما هو المراد منها، كيف يمكن ان يحكم بنجاسة المشرك عن اجتهاد و على خلاف ما هو المراد منه فى قوله تعالى إِنَّمَا اَلْمُشْرِكُونَ نَجَسٌ، ان قلت سلمنا دلالة الاخبار المتقدمة بظاهرها على نجاسة اهل الكتاب عينا، لكنها معارضة بمادل من الاخبار على طهارتهم، منها صحيحة اسمعيل بن جابر قال قلت لا بيعبد اللّه عليه السلام ما تقول فى طعام اهل الكتاب فقال عليهم السّلام لا تاكله ثم سكت هنيئة ثم قال لا تاكله و لا تتركه تقول انه حرام و لكن تتركه تنزها عنه ان فى انيتهم الخمر و لحم الخنزير الى غير ذلك من الاخبار، فلو لم نقل بان هذه الصحيحة مع صراحتها فى عدم الحرمة تصلح قرنية بدلولها اللفظى على صرف الاخبار المتقدمة بحملها على الكراهة، فلا اقل من مساواتها معها فى الدلالة، كما تكون كك بحسب شمول دليل الحجية لهما من دون ترجيح لاحديهما، على الاخرى، و بحسب شمولهما على المرحجات المنصوصة بها فى الاخبار العلاجية، اذ ليس بين المزاياء المنصوصة بها فى تلك الاخبار ترتيب شرعا، كى يقال يتقدم الاخبار الدلالة على النجاسة بمخالفتها للعامة، اذا لمخالفة لهم من احدى المزاياء و المرحجات المذكورة فى تلك الاخبار، من غير ترتيب بينها و بين غيرها من المرحجات، و المفروض ان الاخبار الدالة على الطهارة، و ان لم تكن واجدة لهذا المرحج لموافقتها للعامة، لكنها واجدة لغيرها من المزاياء و المرحجات، اذ كما ان المخالفة للعامة عدت فى النصوص من المرحجات، كذلك الاعدلية و الا و ثقية و غيرهما عدت منها، فلا بد من الحكم بتساقطهما بالتعارض بناء على كون حجية الخبر من باب الطريقية، و
ص: 559
الرجوع الى الاصل القاضى بالطهارة المستفادة من قوله عليه الصلوة و السلام كل شئى طاهر حتى تعلم انه قذر، و الحكم بالتخيير بينهما بناء على كون حجيته من باب السببية، و على كل حال لا وجه للقول بالنجاسة على وجه التعيين، بل لا وجه للقول بها مطلقا بناء على ما هو المختار من كون حجية الخبر من باب الطريقية، لما عرفت انفا من ان بناء على حجية الخبر من هذا الباب يسقط عن الحجية بالمعارضة، و ان المرجع فيها هو الاصل فى المسئلة الذى هو فيما نحن فيه اصالة الطهارة، قلت ان الاخبار الواردة فيهذه المسئلة و ان كانت متساوية بلحاظ المشمولية لادلة حجية الخبر لكن لا يمكن ان يكون الصادر منها تقية مشمولا للاخبار العلاجية، و ذلك لانه و ان لم يكن بين المزاياء المنصوصة ترتيب شرعا، الا ان بين اصل صدور الخبر و بين عنوان كونه صادر البيان الحكم الواقعى او تورية لمكان التقية، ترتيبا طبعبا ذاتيا عقل غير قابل للانكار، بداهة تأخر عنوان كون الخبر صادر البيان الحكم الواقعى او تقية عن اصل صدوره، و لذا لا يصح نسبة التورية الى المعصوم عليهم السلام فى كلام الابعد احراز صدوره عنه عليه السلام كما هو واضح فاذا حكم الشارع بعدم صدور المرجوح من جهة الصدور عنه عليه السلام بقوله عليه السلام و اماما وافقهم فليس منى اولم اقله، فليس هناك فى قبال الخبر الراحج من جهة اصل الصدور خبر صادر عن الشارع حتى نحكم بكونه صادر البيان الحكم الواقعى، و توهم ان الاصل فى الخبرين المتعارضين هو الصدور، فاذا تعبدنا الشارع بصدورهما، اقتضى ذلك الحكم بصدور الموافق منهما للعامة تقية، كما يقتضى ذلك الحكم بارادة خلاف الظاهر فى اضعفهما دلالة، فيكون هذا الترجيح اى الترجيح بالمخالفة نظير الترجيح بحسب الدلالة، مقدما على الترجيح بحسب الصدور، مدفوع بانه لا معنى للتعبد بصدورهما مع وجوب حمل احدهما على التقية لانه الغاء لاحدهما فى الحقيقة، و لذا لوتعين حمل خبر غير معارض على التقية على نقدير الصدور لم يشمله ادلة التعبد بالخبر الواحد، و توهم ان الرجوع الى المرحجات فى تعارض الخبرين انما هو فيما اذا لم يكن احدهما بمدلوله اللفظى متعرضا لمدلول الاخر و حاكما عليه، و هو فيما اذا لم يكن احدهما بمدلوله اللفظى متعرضا لمدلول الاخر و حاكما عليه، و قد عرفت ظهور
ص: 560
صحيحة اسمعيل بن جابر بل صراحتها فى استحباب الاجتناب عن طعام اهل الذمة و عدم وجوب الاحتياط عنه و القول بانه حرام، بحيث يصلح للقرينية على صرف الاخبار الدالة على وجوب الاجتناب عن طعامهم و حرمة الاكل منه، بحملها على الكراهة، مدفوع بان الصحيحة لا دلالة لها على طهارة اهل الكتاب اصلا فضلا عن صراحتها فيها، بداهة ان الحكم فيها باستحباب الاجتناب عن طعام اهل الذمة معللا بان فى آنيتهم الخمر و الخنزير، ليس بظاهره مرادا قطعا، ضرورة انه لو كان فى جميع اوانيهم الخمر و الخنزير لكان الاجتناب عنها واجبا و الاكل منها حراما جزما، فلا بد من ان يحمل على ان المراد استحباب الاجتناب عن طعامهم لكون بعض من اوانيهم فيه الخمر و الخنزير، تحرزا عن الوقوع فى مفسدة الحرام الواقعى المردد بين اطعمتهم، اذمن المعلوم ان كون بعض اوانيهم فيه الخمر و الخنزير، لا يوجب الاجتناب عن جميعها، مع عدم كون جميعها محلا للابتلاء كما حقق فى محله، فاذا لم يكن الاجتناب عن جميعها على نحو الوجوب، فلا يصح الاجتناب عن الجميع و القول بان الاكل من جميعها حرام كما هو واضح من ان يخفى، فهذه الصحيحة لو لم تكن من ادلة النجاسة لم تكن من ادلة الطهارة قطعا، ان قلت لو كان نجاسة اهل الكتاب لكونهم مشركين و كان المانع عن دخول المشركين المسجد الحرام منحصرا فى نجاستهم الظاهرية، لكان المتجه اختصاص المنع بما اذا كانت نجاستهم مسرية، مع انه لا يظن باحد الالتزام بذلك، قلت ان عدم التزامهم بذلك لا يكشف عن كون نجاسة المشركين نجاسة باطنية، كيف و قد التزم جماعة بنجاسة الملاقى لبدن الميت مطلقا و لو مع عدم الرطوبة المسرية، مع ان نجاسته بدنه ليست الاظاهرية، ان قلت سلمنا نجاسة اهل الكتاب و وجوب الاجتناب عنهم و عن اطعمتهم اذا كانت مطبوخة، لكن نقول حيث ان مخالطتنا معهم و احتياجاتنا اليهم فى الملبوسات و العقاقير و الادوية للتداوى بها كثرت فى زماننا بحيث يكون اجتنابنا عنهم موجبا للعسر و الحرج المنفيين فى دين الاسلام فيكون وجوب الاجتناب عنهم منفيا عنا لقاعدة نفى العسر و الحرج، قلت ان تمسككم بقاعدة نفى العسر و الحرج ليس الا للفرار عن التكاليف الشرعية، و الا فلا عسر و لا حرج فى ان يطهّر المسلم ما يشتر به من اهل الكتاب من الملبوسات بغسله ثم
ص: 561
التبلس به، و ان يطهر فيهه فيما شرب من الادوية المعمولة لهم عند ارادة الوضوء للصلوة، كما امر الامام عليه السلام يغسل الثوب المشترى من الذمى فى صحيحة على بن جعفر المتقدمة الواردة فيمن اشترى ثوبا من السوق فراجع، كيف و قد كان مخالطة المسلمين مع اهل الكتاب فى عصر الائمة عليهم السلام اكثر من مخالطتنا معهم بحيث كانوا يغتسلون مع المسلمين فى الحمامات، و مع ذلك امر الامام عليه السلام فى صحيحة على بن جعفر المتقدمة باغتسال المسلمين فى غير الماء الذى اغتسل فيه الكتابى او تطهير الحوض الذى اغتسل الكتابى فيه ثم الاغتسال منه، و لم يقل عليه السلام لا بأس بالاغتسال منه اذ لا عسر و لا جرح فى دين الاسلام، ثم لو سلمنا ان الاجتناب عنهم حرجى، فانما هو بالنسبة الى بعض من المسلمين كالذين يسافرون الى بلاد الكفر للمعالجة او لتعلم علومهم الباحثة عن علم الطب، لكن لا يوجب ذلك الحكم بعدم وجوب الاجتناب عنهم مطلقا حتى لمن لا يكون عليه فى اجتنابه عنهم حرج و لا عسر عليه فضلا عن القول بطهارتهم، اذ قاعدة نفى العسر و الجرح انما تنفى الحكم عن الموضوع الحرجى، و هو وجوب الاجتناب عن النجس، لا موضوعه كى يصح القول بطهارتهم لكون الاجتناب عنهم حرجيا كما لا يخفى، هذا آخر ما اردنا ايراده فيهذه المسئلة، و المرجو ممن ينظر فيه من اخوانى المؤمنين العفو عما يطلعون عليه من السهو و الخطاء لانى عملتها فى ثلثة ايام مع ما بى من القصور و سوء الحال و تشجيّاى تخرنه البال مما شاع فى اهل الزمان من تجاهر هم بالفسق و مخالفة الاحكام الشرعية الضرورية، مع ان السهو و الخطاء مما لم يعصم عنهما الا اهل العصمة من الانبياء و الاوصياء الذين عصمهم اللّه من الزلل و آمنهم من الفتن و الحمد للّه اولا و آخرا و الصلوة و السلام على خاتم انبيائه محمد و آله المعصومين دائما سرمدا و قد كتبه بيمناه الدائرة مؤلفه الفانى محمود الاشتيانى و كان الفراغ عن تسويدته سنة سبعة و ثمانين و ثلثمأة بعد الالف من الهجرة النبوية على مهاجرها الاف تحية.
ص: 562