صراط الحق في المعارف الإسلامیة و الأصول الإعتقادیة المجلد 4

هوية الکتاب

صراط الحق في المعارف الإسلامیة و الأصول الإعتقادیة

سایر عناوین: علم الکلام / المعارف الاسلامیه و الاصول الاعتقادیه

نویسنده: محسنی، محمد آصف

تعداد جلد: 4

زبان: عربی

ناشر: ذوی القربی - قم - ایران

سال نشر: 1385 هجری شمسی|1428 هجری قمری

محرر رقمي:میثم حیدری

ص: 1

اشارة

بسم الله الرحمن الرحيم

الحمد لله ربّ العالمين رب المجّرات والكائنات ربّ كلّ شيء وجد او يوجد، ربّ الدار الحاضرة و الدار الآخرة. الذى يفعل مايشاء و لاحول و لاقوة إلا به، و لا يفعل ما يشاء أحد غيره.

و الصلاة و السلام على انبيائه و رسله حجج الله على عباده لاسيما خاتمهم و أفضلهم و سيد الكونين محمد خاتم النبيين صلّی الله علیه و آله و سلّم و آله الطاهرين. ثم السلام على أصحابه المهتدين و الشهداء و الصديقين و الصالحين و العلماء و المجتهدين المتقين الذين بذلوا أعمارهم لترويج الدين و الفضيلة و ارشاد المؤمنين.

هذا كتاب اكتبه فى أصل من اُصول الدين و هو المعاد و ما يتعلق به مما قادني اليه البرهان العقلى و النص المعتبر النقلى.

أللهم خلّصنى من الأهواء و الآراء قبل قيام الحجة عليها و من الكراهة و النفرة قبل دلالة الدليل على ابطالها.

أللهم أنت الحق و أنا مؤمن بك و احب ان أصل الى كل حق ميسور و ان اعتزل من كل باطل زهوق. فاجعل مسيرى كما تحب يا هادى المتوكلين.

ص: 2

في أمور متعلّقة بالمعاد

1- موت الانسان و حياته

موت الانسان محسوس مقطوع و مشهود؛ لكن الفلاسفة استدلوا على عمومه و شموله لكل انسان و لم يعتمدوا على الاستقراء الناقص؛ فأقاموا برهاناً من طريق العلة الغائية: الانسان خلق لغرض الاستكمال؛(1) و كل من وصل الى غرضه و کماله، فلا بد من رجوعه الى خالقه.

أقول: و كذا اذا فاته وصول الغرض و عجز عنه، فانّه لاوجه لبقائه في حياته. ثم، ان اريد من الاستكمال ما أرادته الأديان السماوية الالهية من الإيمان والعمل الصالح، فمن الواضح ان الكفار كثيرون بمرّات من المؤمنين في طول التاريخ الانساني و أن معظم هؤلاء الكفار جاهلون قاصرون معذّرون فى غيبة الأنبياء و الأوصياء و هذا معلوم للخالق قبل الخلقة، فما الغرض من خلقهم؟ و كذا ان قيل بكون الغرض أهلية الاستكمال(2) «وَرَبُّكَ يَخْلُقُ مَا يَشَاءُ وَيَخْتَارُ» (القصص: 68).

و أخرى من طريق العلة المادية: بدن الانسان و - كذا الحيوان- مركب من الاضداد، و كلّ مركب من الأضداد؛ لابد أن ينحلّ و يضمحلّ، فبدن الانسان لابد من انحلاله و انتشار أجزائه(3) و رجوع كل عنصر الى أصله و إن شئت فقل: القسر لايدوم.

ص: 3


1- «وَمَا خَلَقْتُ الْجِنَّ وَالْإِنْسَ إِلَّا لِيَعْبُدُونِ» (الذاریات: 56) «وَلَوْ شَاءَ رَبُّكَ لَجَعَلَ النَّاسَ أُمَّةً وَاحِدَةً وَلَا يَزَالُونَ مُخْتَلِفِينَ؛إِلَّا مَنْ رَحِمَ رَبُّكَ وَلِذَلِكَ خَلَقَهُمْ وَتَمَّتْ كَلِمَةُ رَبِّكَ لَأَمْلَأَنَّ جَهَنَّمَ مِنَ الْجِنَّةِ وَالنَّاسِ أَجْمَعِينَ» (هود: 119- 118) و المراد بالرحمة هی الرحمة الرحیمیة ای الهدایة الی الحیاة الطیبة بجمیع شئونها و الحیاة الاخرویة الباقیة. لکن اشخاص الانسان یبقون مختلفین فی قبول الرحمة و ردّها و مع علم الخالق بهذا الاختلاف فقد خلقهم.
2- و یلائمه قوله تعالی: «الَّذِي خَلَقَ الْمَوْتَ وَالْحَيَاةَ لِيَبْلُوَكُمْ أَيُّكُمْ أَحْسَنُ عَمَلًا وَهُوَ الْعَزِيزُ الْغَفُورُ» (الملك: 2)
3- جان عزم رحیل کرد گفتم که مرو گفتا چه کنم خانه فرو می آید.

و ثالثة من جهة العلية الفاعلية: القوى المادية متناهية تأثيراً و تأثّراً و كل متناهية كذلك، لابد أن تنتهي و تزول(1) هذا هو المشهور فانهم جعلوا العلل الطبيعية علة للموت. و صاحب الاسفار جعل كمال النفس الناطقة و خروجها من القوّة الى الفعل و بلوغها حد التجرد و غنائها عن البدن و تحصيل رأس المال منه بحكم التعاكس الايجابي و الاعدادی بینها و بین البدن علة له و بعد ذلك تريد النفس الانسانية التخلّص من البدن و الإرتقاء الى عالم النور كما أشرنا اليه فى البرهان الاول.(2)

والقرآن يقول: «كُلُّ نَفْسٍ ذَائِقَةُ الْمَوْتِ وَنَبْلُوكُم بِالشَّرِّ وَالْخَيْرِ فِتْنَةٌ وَإِلَيْنَا تُرْجَعُونَ» (الأنبياء:35) ذيل الآية تشير الى الاستكمال؛ و أما قوله تعالى: «كُلُّ نَفْسٍ ذَائِقَةُ الْمَوْتِ ثُمَّ إِلَيْنَا تُرْجَعُونَ) (العنكبوت: 57) فيشير ذيله الى مرحلة نهاية الكمال أو النزول التام. وقوله تعالى: «كُلُّ نَفْسٍ ذَائِقَةُ الْمَوْتِ وَإِنَّمَا تُوَفَّوْنَ أُجُورَكُمْ يَوْمَ الْقِيَامَةِ...» (آل عمران: 185) ربما يشير الى ما يترتب على بلوغ النفس الناجحة مرتبة كما لها من السعادة البدنية و النفسية و بالجملة هذه الآيات الثلاثة تؤيد البراهين الحكمية في تحتّم الموت لكل الإنسان؛ بل كل من عليها فان و يبقى وجه ربّك ذو الجلال و الاكرام.

ثم الموت امر عدمي- عدم الملكة- اعنى به انقطاع علاقة الروح بالبدن علاقة تدبيرية و

ص: 4


1- انظر اللئالى المنتظمة فى المنطق للحكيم السبزواري ص 94- 95 و تعليقة مهدى الآشتیانی علیها، ص 287-288 و شرح الآملى عليها، ص 323 ايضاً.
2- خرّم آن روز کزین منزل ویران بروم راحت جان طلبم از پی جانان بروم بهوا داری او ذرّه صفت رقص کنان تا بسر منزل خورشید درخشان بروم دلم از وحشت زندان سکندر بگرفت رخت بر بندم تا ملک سلیمان بروم.

علاقة استكمالية به معاً(1) إمّا لحصول الغرض من البدن أو لعدم امكان حصوله منه، لسبب اختياري أو قهري من قبل قانون العلية العامة كما فى سقوط البلائين من الحبوبات الغذائية و الأوراق و الازهار من الأشجار و سقوط الفواكه الكثيرة قبل نضجها من أصولها لعلل متنوعة كالعواصف الشديدة و الآفات المفسدة للحرث و الزرع و النسل؛ بل قد يقال ان ما يفسد من النباتات أكثر مما يستفاد منه الانسان بكثير؛ جمعاً بين العلل المتعارضة في عالم المادة الضيق. و لعّل نوع الانسان ايضا كتلك الأنواع، و قليل من عبادى الشكور.

والحياة أمر وجودي قطعاً و ان لم نقدر من زوايا الدين و العقل و العلم على تعريفها إلّا بجملة من آثارها المذكورة في علم الحياة (بیالوجی= زيست شناسي) و سببها في الإنسان و الحيوان (أو أكثر أنواعه) هو ارتباط الروح ببدنهما باذن الله تعالى و هو الذي يُحْيِي وَيُمِيتُ.

و أظن– والله العالم – أن المنفوخ في آدم في قوله تعالى: «ثُمَّ سَوَّاهُ وَنَفَخَ فِيهِ مِن رُّوحِه...» (السجدة : 9) و قوله تعالى: «فَإِذَا سَوَّيْتُهُ وَنَفَخْتُ فِيهِ مِن رُّوحِي فَقَعُوا لَهُ سَاجِدِينَ» (الحجر: 29) هو الحیاة.(2) اذ لا شيء عند العقل يحتمل أنه المنفوخ غيرها و قد يتوهم بعض من لاخبرة له أن المنفوخ هو الروح و هو باطل عقلاً و نقلاً. اما عقلاً فانّ الروح مجرّد و المجرد لاينفخ فى المادة كما هو ليس بداخل فيها دخول مادى فى مادى و اما نقلاً فلمكان كلمة «من» النشوية في الآية فالروح منفوخ منه.

ثم ظاهر الآيتين إبطال قول من يقول ان الروح جسماني الحدوث و انما يمتاز عن البدن و يتجرّد في البقاء إلّا أن يقال ان الروح غير البدن المحسوس أو جزء منه، بل هو جسم لطيف فيكسب تدريجا التجرد و فيه نظر أو منع، و المقام من المشكلات.

ص: 5


1- و قد يأتي الموت بمعنى انتقال الروح من البدن الى البرزخ، بل هو من المستعمل فيه له في لغة اُردو في الباكستان و الهند؛ فيكون امراً وجوديا و لعله المراد في قوله تعالى: «الَّذِي خَلَقَ الْمَوْتَ وَالْحَيَاةَ لِيَبْلُوَكُمْ ...» (الملك: 2) و يحتمل ان الخلق فى هذة الآية بمعنى التقدير و هو الانسب. والله العالم.
2- الحياة تأتي بمعنى المصدر و اسم المصدر ای زندگی و زندگانی و فی الآية اريد بها المعنى الأول.

2- أحاديث وردت في الموت

في معتبرة أبى المغرى قال: حدَّثني يعقوب الأحمر قال: دخلنا على أبي عبدالله علیه السلام نعزّيه با سماعيل، فترحم عليه، ثم قال... فقال انه يموت أهل الأرض حتى لايبقى أحد، ثم يموت أهل السماء حتى لا يبقى أحد، إلّا ملك الموت و حملة العرش و جبرئیل و میکائیل، فيقال: قل لجيرئيل و مكائيل فليموتا، فيقول الملائكة(1) عند ذلك يا ربّ رسولاك و اميناك. فيقول اني قد قضيت على كل نفس فيها الروح، الموت... فيقول يا ربّ لم يبق الا ملك الموت و حملة العرش، فيقول، قل لحملة العرش فليموتوا قال ثم يجى كئيباً حزيناً لا يرفع طرفه، فيقول من بقى؟ فيقول: يا ربّ لم يبق إلا ملك الموت.

فيقال له مُت يا ملك الموت! فيموت.(2)

و في رواية العيون التي لايبعد اعتبارها بمجموع اسانيدها الثلاثة، عن الرضاء علیه السلام قال رسول الله صلى الله عليه و آله و سلّم اذا كان يوم القيامة يقول الله عزّ و جلّ لملك الموت: و عزتی و جلالی و ارتفاعی فی علوّى لاذيقنّك طعم الموت، كما أذقت عبادى.(3)

في معتبرة أبان الأحمر: قَالَ سَأَلَ الكاظم علیه السلام بَعْضُ أَصْحَابِنَا عَنِ الطَّاعُونِ يَقَعُ فِي بَلْدَةٍ أو قَرْيَةِ أو دارٍ وَ أَنَا فِيهَا أَتَحَوَّلُ عَنْهَا؟ قَالَ: «نَعَمْ» قُلْتُ وَ إِنَّا نَتَحَدَّثُ أَنَّ رَسُولَ اللهِ صلى الله عليه و آله و سلّم قَالَ: الْفِرَارُ مِنَ الطَّاعُونِ كَالْفِرَارِ مِنَ الزَّحْفِ؟ قَالَ: «إِنَّ رَسُولَ اللهِ صلى الله عليه و آله و سلّم إِنَّمَا قَالَ هَذَا فِي قَوْمِ كَانُوا- يَكُونُونَ- فِي الثُّغُورِ فِي نَحْوِ الْعَدُوِّ فَيَقَعُ الطَّاعُونُ فَيُخَلُّونَ أَمَاكِنَهُمْ وَ يَفِرُّونَ مِنْهَا فَقَالَ رَسُولُ اللهِ صلّی الله علیه و آله و سلّم ذَلِكَ فِيهِمْ ».(4)

ص: 6


1- الظاهر المراد بهم حملة العرش فقط.
2- معجم الاحاديث المعتبرة، ج 1، ص 321 الطبعة الاولى و الاحمري، بناءً على حجية توثيقات الشيخ المفيد العامة ثقة لكنني لا أعتمد عليها و قيل وثاقته مذكورة في بعض نسخ فهرست النجاشي و لا أراه حجة.
3- نفس المصدر، ص 317.
4- المصدر، ص 316.

و بسند معتبر عن المعلّى، عَنْ أَبِي عَبْدِ اللهِ علیه السَّلام قَالَ: «قَالَ رَسُولُ اللهِ صلّی الله علیه و آله و سلّم: قَالَ اللهُ Y: وَ مَا تَرَدَّدْتُ فِي شَيْءٍ أَنَا فَاعِلُهُ كَتَرَدُّدِي فِي عَبْدِي الْمُؤْمِنِ، إِنِّي اُحِبُّ لِقَاءَهُ فَيَكْرَهُ الْمَوْتَ، فَأَصْرِفُهُ عَنْهُ، وَ إِنَّهُ لَيَدْعُونِي فِي الْأَمْرِ، فَأَسْتَجِيبُ لَهُ بِمَا هُوَ خَيْرٌ لَهُ».(1)

أقول: التردد بمعناه المعروف مستحيل في حقه تعالى فلابد من تفسيره بوجه مقبول، كما ان لقائه عبده أيضا غير مفهوم لنا و ان ورد فى القرآن أيضا ضرورة استواء حياة العبد و موته و استواء كرة الأرض و كرة القيامة و عالم البرزخ كلها في حقه تعالى و ان كان له معنى کنایی مقبول.

و بسند معتبر عن الْأَزْدِيُّ: عَنْ أَبِي عَبْدِ اللهِ علیه السلام، قَالَ: « «إِنَّ الْمَوْتَ الَّذِي تَفِرُّونَ مِنْهُ فَإِنَّهُ مُلَاقِيكُمْ»... فَقَالَ: «تَعُدُّ(بعدّ) السَّنِينَ، ثُمَّ تَعُدُّ (بعد) الشُّهُورَ، ثُمَّ تَعُدُّ بعد الْأَيَّامَ، ثُمَّ تَعُدُّ (بعد) السَّاعَاتِ، ثُمَّ تَعُدُّ (بعد) النَّفَسَ «فَإِذَا جَاءَ أَجَلُهُمْ لا يَسْتَأْخِرُونَ سَاعَةً وَ لَا يَسْتَقْدِمُونَ» ».(2)

و عن العيون بِإِسْنَادِهِ الثالثة عن الرضا علیه السلام عن آبائه، قَالَ: قَالَ رَسُولُ اللهِ صلى الله عليه و آله و سلّم: لَمَّا أُسْرِيَ بِي إِلَى السَّمَاءِ، رَأَيْتُ فِي السَّمَاءِ الثَّالِثَةِ مَلَكاً قَاعِداً، رِجْلٌ لَهُ فِي الْمَشْرِقِ وَ رجْلٌ(له) فِي الْمَغْرِبِ، وَ بِيَدِهِ لَوْحٌ يَنْظُرُ فِيهِ وَ يُحَرِّكُ رَأْسَهُ، فَقُلْتُ يَا جِبْرِيلُ مَنْ هَذَا؟ فَقَالَ: هَذَا مَلَكُ الْمَوْتِ».(3)

أقول: قال الله تعالى: «وَجَاءَتْ سَكْرَةُ الْمَوْتِ بِالْحَقِّ ذلك مَا كُنتَ مِنْهُ تَحِيدُ ﴿ق:19) سكرة الموت غمرته و شدائده.

وَ فِي حَدِيثِ الْأَرْبَعِمِأَةِ، عن أمير المؤمنين علیه السلام قَالَ: «تَمَسَّكُوا بِمَا أَمَرَكُمُ اللهُ بِهِ، فَمَا بَيْنَ أَحَدِكُمْ وَ بَيْنَ أَنْ يَغْتَبطَ وَ يَرَى مَا يُحِبُّ إِلا أَنْ يَحْضُرَهُ رَسُولُ اللهِ صلى الله عليه و آله و سلّم وَ ما عِنْدَ اللهِ خَيْرٌ وَ أَبْقى

ص: 7


1- المصدر السابق، ج 1، ص 317. و الکافی، ج 3، ص 292.
2- المصدر نفسه. و الکافی، ج 2، ص292.
3- بحار الانوار ، ج 6، ص 145. و معجم الأحاديث المعتبرة، ج 1، ص317.

وَ تَأْتِيهِ الْبِشَارَةُ مِنَ اللهِ جلّ و جلاله فَتَقَرُّ عَيْنُهُ وَ يُحِبُّ لِقَاءَ اللَّهِ».(1)

أقول: هل هو حضور عيني و لو بجسمه البرزخى أو حضور تمثيلي أو معنى رؤية عينّية و لو من مسافة بعيدة؟ فيه وجوه أو أقوال. و الروايات فى ذلك كثيرة و تحقيق الحق في صراط الحق ج 3.

و في صحيح أبي بَصِيرِ: قَالَ قُلْتُ لِأَبِي عَبْدِ اللهِ علیه السلام: قَوْلُهُ عَزَّ وَ جَلَّ: «فَلَوْ لَا إِذَا بَلَغَتِ الْحُلْقُومَ» إِلَى قَوْلِهِ «إِنْ كُنْتُمْ صَادِقِينَ»؟ فَقَالَ: «إِنَّهَا إِذَا بَلَغَتِ الْحُلْقُومَ، ثُمَّ أُرِيَ مَنْزِلَهُ مِنَ الْجَنَّةِ، فَيَقُولُ: رُدُّونِي إِلَى الدُّنْيَا حَتَّى أُخْبِرَ أَهْلِي بِمَا أَرى، فَيُقَالُ لَهُ: لَيْسَ إِلَى ذَلِكَ سَبِيلٌ». (2)

و عن أمير المؤمنين علیه السلام بسند معتبر: «مَا مِنَ الشَّيعَةِ عَبْدٌ يُقَارِفُ أَمْراً نَهَيْنَاهُ عَنْهُ، فَيَمُوتُ حَتَّى يُبْتَلَى بِبَلِيَّةٍ تُمَحْصُ بِهَا ذُنُوبُهُ، إِمَّا فِي مَالٍ أَوْ فِي وَلَدٍ وَ إِمَّا فِي نَفْسِهِ، حَتَّى يَلْقَى اللَّهَ عَزَّ وَ جَلَّ وَ مَا لَهُ ذَنْبٌ، وَ إِنَّهُ لَيَبْقَى عَلَيْهِ الشَّيْءُ مِنْ ذُنُوبِهِ، فَيُشَدَّدُ بِهِ عَلَيْهِ عِنْدَ مَوْتِهِ».(3)

3- القرآن و حالة الموت

قال الله تعالى: «وَلَيْسَتِ التَّوْبَةُ لِلَّذِينَ يَعْمَلُونَ السَّيِّئَاتِ حَتَّى إِذَا حَضَرَ أَحَدَهُمُ الْمَوْتُ قَالَ إِنِّي تُبْتُ الآنَ وَلَا الَّذِينَ يَمُوتُونَ وَهُمْ كُفَّارٌ أُولَئِكَ أَعْتَدْنَا لَهُمْ عَذَابًا أَلِيمًا» (النساء: 18﴾ «الَّذِينَ تَتَوَفَّاهُمُ الْمَلَائِكَةُ ظَالِمِي أَنفُسِهِمْ فَأَلْقَوُا السَّلَمَ مَا كُنَّا نَعْمَلُ مِن سُوءٍ بَلَى إِنَّ اللهَ عَلِيمٌ بِمَا كُنتُمْ تَعْمَلُونَ» (النحل: 28) «الَّذِينَ تَتَوَفَّاهُمُ الْمَلَائِكَةُ طَيِّبِينَ يَقُولُونَ سَلَامٌ عَلَيْكُمُ ادْخُلُوا الْجَنَّةَ بِمَا كُنتُمْ تَعْمَلُونَ» (النحل: 32﴾ «وَجَاوَزْنَا بِبَنِي إِسْرَائِيلَ الْبَحْرَ فَأَتْبَعَهُمْ فِرْعَوْنُ وَجُنُودُهُ بَغْيًا وَعَدْوًا حَتَّى إِذَا أَدْرَكَهُ الْغَرَقُ قَالَ آمَنتُ أَنَّهُ لَا إِلَهَ إِلَّا الَّذِي آمَنَتْ بِهِ بَنُو إِسْرَائِيلَ وَأَنَا مِنَ الْمُسْلِمِينَ» (يونس: 90) «الآنَ وَقَدْ عَصَيْتَ قَبْلُ وَكُنتَ مِنَ الْمُفْسِدِينَ» (يونس: 91) «يَوْمَ يَأْتِي بَعْضُ

ص: 8


1- بحار الأنوار، ج 6، ص 103 و 183. و معجم الأحاديث المعتبرة، ج 1، ص 317.
2- الكافى، ج 3، ص 135.
3- معجم الاحاديث المعتبرة، ج 1، ص 321. و بحار الانوار، ج 64، أو 67، ص 230.

آيَاتِ رَبِّكَ لَا يَنفَعُ نَفْسًا إِيمَانُهَا لَمْ تَكُنْ آمَنَتْ مِن قَبْلُ أَوْ كَسَبَتْ فِي إِيمَانِهَا خَيْرًا» (الأنعام: 158) تدل الآيات على عدم قبول الايمان و عدم قبول التوبة من السيئات (و المعاصى) عند الموت. «قُلْ يَتَوَفَّاكُم مَّلَكُ الْمَوْتِ الَّذِي وُكِّلَ بِكُمْ ثُمَّ إِلَى رَبِّكُمْ تُرْجَعُونَ» (السجدة: 11) «اللَّهُ يَتَوَفَّى الْأَنفُسَ حِينَ مَوْتِهَا وَالَّتِي لَمْ تَمُتْ فِي مَنَامِهَا فَيُمْسِكُ الَّتِي قَضَى عَلَيْهَا الْمَوْتَ وَيُرْسِلُ الأُخْرَى إِلَى أَجَلٍ مُّسَمًّى إِنَّ فِي ذلك لآيَاتٍ لِّقَوْمٍ يَتَفَكَّرُونَ» (الزمر: 42) تشعر الآية بأنّ الروح يؤخذ و يقبض في كلّ من الموت و النوم، لكن الأخذ في الأول مستمر و في النوم موقّت و يحتمل أنّ كيفيّة اخذه فيهما متفاوت. «وَلَوْ تَرَى إِذْ يَتَوَفَّى الَّذِينَ كَفَرُوا الْمَلَائِكَةُ يَضْرِبُونَ وُجُوهَهُمْ وَأَدْبَارَهُمْ وَذُوقُوا عَذَابَ الْحَرِيقِ» (الأنفال: 50﴾ «فَكَيْفَ إِذَا تَوَفَّتْهُمُ الْمَلَائِكَةُ يَضْرِبُونَ وُجُوهَهُمْ وَأَدْبَارَهُمْ» (محمد: 27﴾ «فَلَوْلَا إِذَا بَلَغَتِ الْحُلْقُومَ» (الواقعة: 83) «كَلَّا إِذَا بَلَغَتِ التَّرَاقِي» (القيامة: 126)(1)

أقول: و بالله تعالى الاعتصام. الأول: للتحقيق حول التوبة عن الكفر و السيئات حين الموت. راجع الى حدود الشريعة ج 2 في مادة التوبة.

الثاني: نسب القرآن التوفى الى الله تعالى بعنوان كونه سبباً بعيداً و الى ملك الموت لأجل أنه سبب متوسط و نسب الى الملائكة لكونهم وسائط مباشرين. لكنّ الفاعل البعيد في المقام فاعل حقيقى، لاحول ولاقوة الا به، و الفاعل المتوسط و القريب (عزرائيل و من تحت يده من الملائكة) مخلوقون و مربوبون و مأمورون للفاعل البعيد . و هذا (نسبة الفعل الى علله الطولية) امر شائع عند الخواص و العوام. و لم أعرف نازع روح الجن و الحيوان القريب بعينه و اما متوفى أرواح الملائكة، فالمستفاد من بعض الروايات المتقدمة، انه عزرائيل في النفخة الاولى. والله الاعلم.

ص: 9


1- أظن والله العالم؛ أنّ الضمير في كلمة (بلغت) في الموضعين يرجع الى الحياة و انها تزول من كفى الرجلين تدريجا حتى تبلغ الحلقوم و التراقى كانسحاب الضوء بغروب الشمس تدريجا.

الثالث: المؤمنون عند موتهم يكرّمون و يبشرون والكافرون يعذّبون و ينذرون، و ان كانت هذه الامور غير محسوسة للجالسين عند المحتضرين.

فَأَمَّا إِن كَانَ مِنَ الْمُقَرَّبِينَ فَرَوْحٌ وَرَيْحَانٌ وَجَنَّتُ نَعِيمٍ؛ وَأَمَّا إِن كَانَ مِنْ أَصْحَابِ الْيَمِينِ؛ فَسَلَامٌ لَكَ مِنْ أَصْحَابِ الْيَمِينِ وَأَمَّا إِن كَانَ مِنَ الْمُكَذِّبِينَ الضَّالِّينَ؛ فَنُزُلٌ مِّنْ حَمِيمٍ وَ تَصْلِيَةُ جَحِيمِ (اواخر سورة الواقعة).

أقول: الّلهم رضوانك و غفرانك و رحمتك. «وَالسَّلَامُ عَلَيَّ يَوْمَ وُلِدتُّ وَيَوْمَ أُمُوتُ وَ يَوْمَ أَبْعَثُ حَيَّا» (مريم: 33﴾ «وَ سَلَامٌ عَلَيْهِ يَوْمَ وُلِدَ وَيَوْمَ يَمُوتُ وَ يَوْمَ يُبْعَثُ حَيَّا» (مريم: 15) يظهر من الآيتين أن تلك الأيّام الثلاثة مقرونة بآفات و بلیات و مصاعب و مصائب حيث اخبر الله تعالی عن سلامة يحيى علیه السلام فیها و اخبر عيسى علیه السلام عن سلامته فيها أو طلب من الله أن يسلّمنا من آفاتها.

4- کلام حول الروح

اشارة

4- کلام حول الروح(1)

فيه مطالب:

1- هل يمكن للروح الانسانى أن يكون حيّاً بلابدن لطيف او مادي كثيف كأبداننا في الأرض أم لا؟ المظنون قوياً بناءاً على تقدّم وجوده على البدن هو الاول، و اما بناءً على كونه جسمانيّ الحدوث و روحانيّ البقاء فحاله ظاهر. و على كونه مجرداً حدوثاً اى روحانيّ الحدوث و البقاء سواء وجد مع البدن أو قبله، فهل يثبت له إدراك و كمال كالمجرّدات المفارقة المفروضة أم لا؟ لا أدرى شيئاً منه، و إن قال بعضهم أو جمع بحياته في البرزخ مجرداً عن جسم برزخيّ و معه علمه.

لا يقال: اذا فرض وجوده مع وجود البدن؛ بل قبله؛ لا كمال و لاعلم له كما يظهر من

ص: 10


1- نقل عن الآلوسي من علماء اهل السنة، ان الأقوال و الآراء حول الروح تبلغ الف قول و رأيٍ! لكنّه بعيد. والله العالم.

مشاهدة الأطفال؛ بل حالهم تنفي تجرّد الروح أيضاً اذ لو كان حياً مجرداً يبعد فرض فقده الكمال و الادراك.

فانه يقال: المتيقن هو عدم علمنا بكمال الأطفال و ادراكهم في الجملة دون العلم بعدم تحققهما فيهم. فتدبّر. وغموض المقام محتاج الى تجربة مستأنفة و تحقيق جديد. بل الدقة في كلام الأطفال الصغار حتى فى السنين الأولية كصاحبى سنتين مثلاً تفيد علم الروح و تجرده.(1)

2- عرفت أن حياة البدن من تعلّق الروح به و شعاعه عليه، و لاشك في أن حياة الانسان في الدار الآخرة أيضاً من تعلّق الروح بالبدن؛ تعلّقاً تدبيريّاً(2)، من دون التعلّق الإستكمالي؛ كما في الدنيا فلاحظ، و رجوع البدن في الآخرة ضروريّ في دين الاسلام؛ و هل الروح في القبر و البرزخ أيضاً يتعلّق ببدن برزخى؟ كل الشواهد النقلية تشهد بذلك كما يطّلع عليه المتتبّع، كقوله تعالى: «بَلْ أَحْيَاءٌ عِندَ رَبِّهِمْ يُرْزَقُونَ» (آل عمران: 169) فان الرزق والفرح و التبشير للذين لم يلحقوا بهم و استبشارهم بنعم الله بل نفس اثبات الحياة لهم لا يخلو عن اشعار بأبدانهم البرزخية و أنّهم يزورون الاحياء و منها و من غيرها تقنع النفس بأبدانهم البرزخية، و لافرق في ذلك بين أرواح الشهداء و سائر بنی آدم. و ليست حياة الروح- حتى مع البدن البرزخي- كحياته في الدنيا مع بدنه المادى الكثيف(3) في جميع الكيفيّات، و تحديد ذلك مجهول لنا.

و هل هو شبيه النوم أو مرتبة من اليقظة و بأىّ مقدار تبقى ادراكاتنا الحاضرة؟ كل ذلك غير معلومة و البرزخ عالم مجهول مستور بتمامه.

ص: 11


1- تجرده يثبت من علمهم التصديقي.
2- و احتمال رجوع الأبدان بعد فرض تجردها الى الأرواح و اتحادها معها دون العكس كما عن المطهّرى(ره) مجرد فرض و احتمال، مخالف لظواهر الكتاب الدالة على خروج الأبدان من الأرض المستلزم لكونها مادية.
3- مرادنا من الكثيف؛ ما يرى بالبصر، مقابل الجسم اللطيف الذى لايرى به.

و في معتبرة أبى خديحة الآتية عن الصادق علیه السلام «ثم يقال له اى لروح الميت المؤمن في قبره: نم قرير العين فلا تزال نفحة من الجنة تصيب جسده ما يجد لذتها وطيبها حتى يبعث»

و اما في حق الميت الكافر فقد ورد فى هذه المعتبرة. ثم لم تزل نفحة من النار تصيب جسده فيجد ألمها و حرّها في جسده الى يوم يبعث الى آخر ما يأتي(1) فيظهر من الحديث: انّ تعلّق الروح بالجسد البرزخى نحو تعلق خفيف و ليس للجسد فعل و حركة كثيرة. فتأمل، فان علم ذلك عند الله فقط. ثم الحديث يدلّ على الجسد البرزخی و ثوابه و عذابه.

5- اثبات الروح من الدين و العقل

الف) الدلائل الدينية على أن الانسان ليس بتمامه هذا البدن المحسوس، بل إنّ له نفساً و روحاً، كثيرة. فمنها قوله تعالى: «وَنَفْسٍ وَمَا سَوَّاهَا فَأَلْهَمَهَا فُجُورَهَا وَتَقْوَاهَا قَدْ أَفْلَحَ مَن زَكِّيها وَقَدْ خَابَ مَن دَسَّاهَا» (الشمس: 7- 10) و اعلم ان كلمة النفس تأتي لمعان كالغرائز غير المعتدِلَة و النفس الناطقة و هى المقصودة في المقام، و ربما يأتي بمعنى الشخص (البدن والروح معا)

و منها: «كُلُّ نَفْسٍ ذَائِقَةُ الْمَوْتِ ثُمَّ إِلَيْنَا تُرْجَعُونَ» (العنكبوت:57) و البدن ملقى على الأرض و انّما الراجع الى الله- ولو مجازاً- هو الروح. و منها: «رَّبُّكُمْ أَعْلَمُ بِمَا فِي نُفُوسِكُمْ» (الإسراء: 25) و منها: «وَتُخْفِي فِي نَفْسِكَ مَا اللَّهُ مُبْدِيهِ» (الأحزاب: 37) و منها: «وَمَرْيَمَ ابْنَتَ عِمْرَانَ الَّتِي أَحْصَنَتْ فَرْجَهَا فَنَفَخْنَا فِيهِ مِن رُّوحِنَا» (التحريم: 12) و منها: «ثُمَّ سَوَّاهُ وَنَفَخَ فِيهِ مِن رُوحِهِ» (السجدة: 9) و منها: «فَإِذَا سَوَّيْتُهُ وَنَفَخْتُ فِيهِ مِن رُّوحِي فَقَعُوا لَهُ سَاجِدِينَ» (الحجر: 29) و تقدمت آيات أخرى تدل على الروح و النفس في الفصل الثالث.

أقول: سيأتي فى بيان الأحاديث، أن الروح المضاف الى الله تعالى (روحی) مخلوق و

ص: 12


1- الكافي، ج 3، ص 241-242. و معجم الاحاديث المعتبرة، ج 1، ص 325 و البحار، ج 6، ص 266.

الإضافة تشريفية كناقة الله. و هو منفوخ منه، و المنفوخ هو الحياة (زندگی نه زندگانی).

و منها قوله تعالى: «أَإِذَا ضَلَلْنَا فِي الْأَرْضِ أَ إِنَّا لَفِي خَلْقٍ جَدِيدِ بَلْ هُم بِلِقَاءِ رَبِّهِمْ كَافِرُونَ قُلْ يَتَوَفَّاكُم مَّلَكُ الْمَوْتِ الَّذِي وُكِّلَ بِكُمْ ثُمَّ إِلَى رَبِّكُمْ تُرْجَعُونَ» (السجدة: 10-11) يظهر من الآية الشريفة، أن البدن الذى يضل و ينشر و يفنى في الأرض، ليس هو حقيقة الانسان؛ بل هى ما يتوفاها ملك الموت، و هى الراجعة الى ربها، و هى النفس الانسانية. و هي المأخوذة بتمامها فانه مقتضى معنى الوفا و التوفي. و من هنا يظهر أن الآيات المشتملة على توفى الناس من قِبل الله أو ملك الموت أو الملائكة كمامرّت تدل على وجود الروح أولاً فان البدن ملقى في الأرض و لم يقبض و لم يوخذ؛ بل يفنى بعد ذلك. و ثانياً أن الروح (النفس الناطقة) تمام حقيقة الناس اذ معنى «يَتَوَفَّاكُم» هو الأخذ بتمامكم.(1)

و على هذا؛ فاستعمال كلمة عود الروح أو إعادته في الدار الآخرة و اطلاق المعاد، ليس استعمالاً حقيقيّاً؛ اذ الروح موجود محفوظ مأخوذ و قد رجع الى الله تعالى و إنّما يستعمل هذه الألفاظ بنحو الحقيقي العرفي أو العقلى بالنسبة الى البدن و جمع أجزائه أو إيجادها مما يعلمه الله أو إبداع بعضها من لاشيء في القيامة، نعم يصح اطلاق العود على الروح بلحاظ عوده عوداً تدبيرياً إلى البدن حقيقةً. و لا معنى للتشكيك فيه، كما صدر عن البَحّاّثة المطهرى.

ب) البراهين العقلية على وجود الروح:

أولها: أن للإنسان علماً حصولياً يدرك الأشياء بتوسط صورها، و له علماً حضورياً يدرك الأشياء بوجود ها و حضورها عند النفس كإدراك الصفات النفسية من دون وساطة صورها، بل بوجوداتها الخارجية، والأشتباه يقع في القسم الأول من علومنا. دون القسم الثاني و حيث

ص: 13


1- لاسيما قوله تعالى: «الله يتوفى الانفس حين موتها و التي لم تمت في منامها فيمسك التي قضى عليها الموت و يرسل الاخرى الى أجل مسمى» (الزمر 32) و معنى الآية ان الله يأخذ نفوس الأموات و النائمين بتمامها فيمسك الأرواح التي قضى عليها الموت و يرسل نفوس النائمين التي لم يقض عليها الموت حتى تبلغ أجلها.

أن نفسنا و روحنا ندركها بوجودها الخارجي، فهو واقع و موجود قطعاً و لا التباس فيه.(1)

نعم هذا لا يثبت تجرد الروح؛ بل صرف وجوده الا أن يقال ان عدم تجزئة النفس كاشف عن تجرده و (انا) لايراد بها البدن فان (انا) ثابت غیر متغیر و البدن متغير بمراتب العمر، بل يقال ان البدن بأجزائه الصغار يتبدل في كل سبع سنين حتى أجزاء المخ و انّما الثابت عدد خلاياه و أيضاً لو كان الروح مادياً لم يدرك دركاً حضورياً، فتأمل.

ثانيها: لاشك أن الرؤيا الصادقة، دليل آخر على وجود الروح و لعلّ كثيراً من الناس جرّبوها.

و ثالثها: هو ما اتفق في النصف الثانى من القرن التاسع عشر فى الغرب لحد الآن وسموها باسم العلم الروحي الجديد. وقد نقلتُ جملة من هذه العمليات و الحوادث من كتبهم في کتابنا (روح از نظر دین و عقل و علم روحی جدید) و قد طبع ایام جهادنا ضد الماركسية الملحدة(2) و انا واثق بان فلاماريون مولّف کتاب اسرار الموت والحياة(3) قد وفق في اثبات وجود الروح من طريق التجربة العلمية بعد ما صرف من عمره خمسين سنة في ذلك وكل من يقرء كتابه يستيقن بان الروح موجود مستقل من البدن المادى. انظر کتابنا (روح از نظر دین و عقل و علم روحى جديد) من ص 371 الی 379. و انت تقدر على تحصيل كتب جديدة من السوق بعد تلك الكتب المطبوعة في هذا الموضوع.

و اعلم ان وجود الروح خرج من دائرة البراهين العقلية الى حريم الدلائل العلمية الحسية لابين المسلمين و اتباع الأديان الاخرى و لا في الشرق و لافي القرن الواحد و العشرين الميلادي، بل في اوائل القرن التاسع عشر فى الغرب المعتكف على المادة و آثارها و الكافر

ص: 14


1- ای نعلم بالعلم الحضورى معنى النفس التي نعبر عنها بالعربى ب-( أنا ) وبالفارسية ب- (من) وبالپشتو ب- ( زه) و بلغة اردو ب- (مین) و بانجلیزی ب- ( آیم: I m).
2- قبل عشرين سنة، انظر ص 286 الى 398 من ذلك الكتاب.
3- ترجمه بعضهم باسم اسرار مرگ و زندگانی 328 صفحة.

بالروح و كل ما ليس بمادي و دان بوجود الروح مئات من مشاهير العلماء و الأمهرين في شتى العلوم الطبيعية كالطب و الفيزيولوجى و الفيزياء و الكيميا و غيرها، و دان به ملائيون من الغربيين الى يومنا هذا (2014 الميلادي = 1435 ه- ق = 1393 ه- ش) فاصبحت مجموعات كثيرة، من عبّاد المادة و منكرى الخالق و الروح و العالم الآخر في الغرب مؤمنين بالروح و خالقه، و كتبوا مئات كتب و مجلات علمية حول وجود الروح. و السبب في ذلك دليلان قاطعان علمیان حسيان عليه.

أحدهما: التنويم المغناطيسي.

ثانيهما: استحضار الأرواح (اسبراتزم).

و قد فصل فيه البحاثة المصرى محمد فريد وجدى فى كتابه المفيد القيم الكبير باسم (دائرة المعارف القرن العشرين في المجلد الرابع حول كلمة (الروح) من ص 321 الى 399 بنقل أقوال العلماء الغربيين الذين وصلوا الى الروح الإنسانى من هاتين النافذتين بالتجاريب المتعددة الدقيقة العلمية و مطالعتها توجب للعاقل أعتقاداً علمياً بوجود الروح و ان ساعدنا التوفيق ننقل بعض ما ذكره هذا المحقق فى كتابه بعد ذلك فى آخريات هذا الكتاب والله ولى التوفيق و السداد و مبدء الاسبراتزم كان سنة 1846 (دائرة المعارف، ج 4، 378) و قصته معروفة.

6- مطالب حول الروح الإنساني

1- الانسان يرى نفسه طيلة حياته موجوداً واحداً و حَيّاً باقياً حتى مع علمه بتغيّر بدنه كشبابه بعد طفولته و کشیخوخته و هرمه بعد شبابه و قوّته بعد ضعفه و ضعفه بعد قوّته و کسمنه بعد هزاله و كطوله بعد قصره و کعلمه و قدرته بعد جهله و عجزه و غير هذه الأحوال و الأطوار المحسوسة فضلاً من كونه غنياً ثرياً بعد فقره و عزيزاً و رئيساً و والداً و زوجاً و محبوباً بعد عدمها؛ بل بعد علمنا بتبديل جسمنا بتمام ذراته طول بضع سنين أو بعد دقائق بالحركة

ص: 15

الجوهرية ان صحت، فنعلم بأن كل هذه التغيّرات المختلفة لا تؤثر في بقاء ذاته و نفسه، اذ هي موجودة واحدة باقية بحالها(1) فنعلم ان كل فرد من الانسان له نفس و روح و (ماشئت فسمّه) وجسد مادی و الاول ثابت و الثاني متغيّر و متحول. و هذا الدليل لا يثبت تجرّد الروح، بل ينسجم و ينطبق على كونه جسماً لطيفاً كما قيل به؛ نعم اذا علمنا ان خواص المادة العامة لا تنطبق على الروح كما هو كذلك يصلح ان يقال انه ليس بمادى. لكن كل ذلك ليس بمعنى نفى الارتباط بين الروح و البدن و انه لا تأثير متقابل بينهما فالروح في أفعاله محتاج الى البدن و أجزائه فلا يبصر إلّا بالعين السالمة و لا يسمع إلّا بالأُذن السالمة و هكذا. بل هو محتاج الى تكامله و استكماله و فعلية استعداده الى البدن، فلا يصل الى العلم والقدرة الا بالبدن والبدن أيضاً محتاج فى حياته اليه، فان الحياة تنفخ فيه من الروح و بدونه يموت و يتلاشى و تتفرق أجزائه كما هو المحسوس. و اذا فسد البدن أثّر فساده في بقاء اتصال الروح به؛ بل ربما يؤثر الهموم الروحية فى الجسد فيهزل أو يمرض.

2- المنامات الصادقة كما جرّبها كثير منا، دليل قاطع على وجود الروح. و قد كتبوها و نقلوها في كتب.

3- كيف يمكن لعالم منصف و محقق متفكر حرّ، ان ينسب الوجدان و الفكر و الذهن الخلاق و الصفات الاخلاقية و العشق و الارادة و العلم الى المادة التى لا شعور لها و هي المخ و لولا الروح لم يكن فرق بين أجزاء المخ و كلّه و سائر الاعضاء البدنية المادية. و انتم ترون النظم و لا تقبلون الناظم و المنظم.

ص: 16


1- فلا يؤثر زيادة الجسم و نقصها في النفس. و در کتاب درسهایی پیرامون زندگی پس از مرگ ص 33 از کتاب فوق طبیعت نقل می کند که در هر دقیقه حدود یک میلیارد سلول جدید در بدن انسان بوجود می آید و قهراً در حدود همین مقدار از بین می روند و نیز در ص 42 نقل می کند که دستگاه بایگانی مغز (قوه حافظه) قادر است تا ده میلیون میلیون (10000000000000) خاطره را حفظ کند. أقول: فهل يمكن هذا من دون روح مجرد؟

4- لا تنطبق خواص المادة العامة على الروح، فلا وزن له و لا يقبل التجزئة و التقسيم و لا يتبدّل بالطاقة و لابشيء مادي اخر و لا مكان له و يمكن له أن يدخل الكبير في الصغير و لذا يرى الجبال الكبيرة و الصحارى الشاسعة و الأجسام العظيمة بتوسط العين الصغيرة.

ثم الروح المدرك؛ لايقلّ أهميّة أعضاء البدن في وظائفها و لامنافاة بين الروح و بينها حتى المخ كي ينجرّ اثبات أحدهما الى نفى الآخر؛ بل تأثير الروح في أفعال البدن على طول تأثير الأعضاء كتأثير ارادة الله بالقياس الى تأثير العلل المادية فى العوالم؛ فان التأثيرين طوليان لاعرضيان كما يشتبه فيه الماديون. و انظر بقية البراهين القائمة على وجود الروح في كتابنا (روح از نظر دین و عقل و علم روحی جدید) و سائر الكتب العقلية.

7- بقاء الروح بعد الموت

الروح المجرد معلول و مخلوق لارادة الواجب الوجود، و لا يفسده شيء من العوامل المادية لمكان تجرده و وجود المجرد أقوى من الوجود المادى. و لا يفسده مفسد من داخل وجوده لمكان بساطته. ففساد البدن يفسد اتصاله التدبيرى و الاستكمالی بالبدن فقط، و انتقاله الى جسم برزخي آخر و لأجله عبّر القرآن عن موت الانسان – الذي هو بمعنى الانتقال- بشيء مخلوق «الَّذِي خَلَقَ الْمَوْتَ وَ الْحَيَاةَ لِيَبْلُوَكُمْ» (الملك: 2) و قد تقدمت الآيات الدالة على بقاء الروح فى البرزخ و رجوعه بجسم مادي في القيامة و منها الى الجنة أو الى جهنم (انظر كتابنا روح از نظر دین و عقل و علم روحی جدید).

و منه يظهر بطلان قول التناسخية و عن الصادق علیه السلام «وَ زَعَمُوا ... أَنَّهُ لَا جَنَّةَ وَ لَا نَارَ وَ لَا بَعْثَ وَ لَا نُشُورَ وَ الْقِيَامَةُ عِنْدَهُمْ خُرُوجُ الرُّوحِ مِنْ قَالَبِهِ وَ وُلُوجُهُ فِي قَالَبِ آخَرَ فَإِنْ كَانَ مُحْسِناً فِي القَالَبِ الأَوَّلِ أَعِيدَ فِي قَالَبٍ أَفْضَلَ مِنْهُ حَسَناً فِي أَعْلَى دَرَجَةٍ مِنَ الدُّنْيَا، وَ إِنْ كَانَ

ص: 17

مُسِيئاً أَوْ غَيْرَ عَارِفٍ صَارَ فِي بَعْضِ الدَّوَابِّ الْمُتْعَبَةِ فِي الدُّنْيَا أَوْ هَوَامَ مُشَوَّهَةِ الْخِلْقَةِ».(1)

و العمدة في بطلان التناسخ عقلاً، رجوع الشيء بعد فعليته الى الاستعداد و اما مخالفته مع الدين فواضح اذ المفهوم من الآيات و البرهان أن لكل فرد روحاً عليحدة، و ان المتقين و المغفورين، و الاشقياء و المغضوبين خالدون في الجنة و النار.(2) و اما القاصرون بجميع اصنافهم كما سيأتي بحثهم فى الفصول الآتية فلا يرجعونهم الله الى الدنيا ثانيا، لاستلزامه التناسخ و لانه لا أثر و لاشاهد له في الدين.

8- مزید تأكيد على وجود الروح

ذكرنا في ما سبق؛ ما يدل من البراهين و الشواهد على وجود روح الانسان و نفسه الناطقة و مايدل على تجرده و ذكرناه في كتابنا (روح از نظر قرآن و عقل و علم روحى جديد) ادلة أخرى و هنا نذكر بعض الشواهد المذكورة ببيان آخر و شواهد اخرى على وجوده:

1- تقدم من أن بدننا المادى يتبدّل بتمام أجزائه في عدة سنوات ولا يبقى منها شيء و معه لابد من محو الصور العلمية و الصور المحسوسة السابقة لنا بذهاب محالها المادية اذا كانت تلك الصور مادية و قائمة بالمادة ولامعنى لانتقال العرض من مادة الى مادة اخرى كما تقرر في محله، فيفهم أن أجزاء المخ و ان كانت دخيلة في الصور المدركة الا أنها قائمة بالنفس الثابتة المجردة الخارجة عن القوانين الحاكمة على المادة و لهذا نقدر على تصوير خاطراتنا الماضية قبل عشرين سنة مثلاً؛ بل كثير من الشيوخ يتذكرون ماجرى عليهم في دورة الصباوة و الطفولية و المؤلف الحقير يتذكر الآن ما رآه في السنة الثانية أو الاولى من عمره و هو الآن قريب من الثمانين عاماً.

نعم يتوجه على هذا الاستدلال بقاء لوننا و صورتنا و خصوصيات جلدنا مع تبدّل الأجزاء

ص: 18


1- احتجاج الطبرسی، ج 2، ص 89.
2- و لمزيد البحث حول التناسخ، ارجع الى الجزء التاسع من الأسفار، و سائر الكتب.

بمضى سنين من عمرنا من الشباب الى الكهولة الى الهرم «وَ مَنْ نُعَمِّرْهُ نُنَكِّسْهُ فِي الْخَلْقِ».

و اجيب عنه بأنّ الخلايا السابقة تتبدّل من دون لونها و أشكالها و خصوصياتها فهى باقية ثابتة للخلايا الجديدة بتقدير العزيز الحكيم، لكن تفصيل هذا البقاء مجهول عند العقل لأنه من قبيل انتقال العرض الممتنع بحسب الظاهر. و لابد من التأمل حوله.

2- المادة بذراتها قابلة للتجزئة و القسمة حتى أجزاء الذرة و تصديقاتنا بسيطة غير قابلة لهما فيفهم أن علومنا مجردة غير ماديّة فتكون روحنا أيضاً مجرداً.

3- العلم بل و لعل الملكات القائمة بالنفس كالشجاعة و السخاوة و القدرة الروحية كلّها و بكثرتها غير محكومة باحكام المادة العامة كالحجم و الوزن و التجزئة و غيرها.

4- يستحيل إنطباع الجسم الكبير فى الظرف الصغير كانطباع الجبل في البيت الصغير لكن ذهننا يدرك الفضاء مثلاً فنعلم أن العلم غير مادي.

5- لو كان الادراك ماديّاً لوجب حصول العلم بحصول شروطه قهراً ضرورة ترتّب المعلول على علته التامة و لكن من مات لا يدرك شيئاً بعد لحظة الموت، فنفهم منه قيام العلم بالروح مع أن أعضاء بدنه المدرك كلها سالمة و لكن بدون احساس، و ان الميت المذكور واجد لحرارتها الطبيعية بعدُ. بل ربما لا يدرك الفرد الحى لفقد التفات النفس و شدّة غفلته عما يعرض على بدنه، ولا يتوجه الى الوجع العارض عليه فتدبر جيّداً. و قد ذكرت شواهداً اخرى على التجرّد الروح في الفصول القادمة.

9- رابطة الروح و البدن

اشارة

فيها أقوال ذكرناها في كتابنا (روح از نظر دین و عقل و علم روحی جدید) و هنا نزيد: فمنها ما قيل أن الرابطة بينهما رابطة مادية كرابطة الشجرة مع ثمرتها أو رابطة الثمرة مع ريحها الطيب.

و منها رابطة التربية، فالبدن كالمهد يتربى به الروح و به يتكامل و يستكمل فلولا البدن

ص: 19

لاصلاة ولاصوم ولازكاة ولا يقدر على أكثر العبادات و الطاعات.

و منها رابطة التدبير فان الروح مدبّر البدن باذن الله.

و منها ما قيل إنّ الروح كان جسماً إما مستقلاً من بدنه و إما جزءاً من بدنه، فيصير مجرداً في بقائه.

و منها انه روحانية الحدوث و روحانية البقاء و لعله اسهل قبولاً من سابقه اذ على الاول عندى سؤالان، لاجواب لهما. اوّلهما متى ينقلب الجسم روحاً فى أىّ شهرٍ أو في أي سنةٍ من عمره؟ ثانيهما اىّ جزءٍ من البدن يتبدّل روحاً و باىّ دليل؟ بل ان ثبت علميّاً ان الجنين بعد خمسة اشهر- اى بعد تعلّق الروح و النفس الناطقة به- له ادراك أو إدراكات كإحساسه بدقّات قلب أمّه و معرفة صوت أمّه و هكذا، بعد ما يتولّد من أمّه كما يقول العلم اليوم فان العلم مجرد و المجرد لا يقوم بالجسم؛ بل يقوم بالمجرد وله علاقة بأمّه كل ذلك شواهد تبطل قول صاحب الاسفار و غیره بان الروح جسمانية الحدوث، بل هو روحانية الحدوث و البقاء.

و نحن شاهدنا من بعض الأطفال استنباطات علمية فضلاً عن الصور العلمية. و كان الفلاسفة المشاؤن يرون الصور الكلية المعقولة مجردة و لكن صاحب الاسفار و من تبعه يرون كل الصور المدركة ذات نوع من التجرد.

ثم الحق ان الجسم و الروح لا يتبدّل أحدهما بالآخر، فإنّ العلم التجريبي يقول ان الحياة- و هى أثر الروح - تتحقق من الحياة و لا تتحقق من المادة. و فيه بحث.

نتيجة البحث في هذا الموضوع

ان العقل و الدين و العلم الروحي الجديد كلّها، يتّفق على أن حقيقة الانسان، هي روحه (النفس الناطقة) و هو موجود خارجي و به يحي البدن و تتحقق فيه آثار الحياة المذكورة في علم بيالوجى (علم الحياة و زيست شناسي) و الموت عبارة عن قطع تدبير الروح من البدن فيصبح البدن يفقد تلك الآثار و يفسد في القبر، و اما الروح فهو سالم ينتقل الى البرزخ و

ص: 20

عوده في القيامة وتعلقه ببدن، ليس من اعادة المعدوم الممتنعة عند الحكماء. و استبعاد الكفار في الأعصار الجاهلية و في عصر الذرة و الفضا و العلم من احياء الانسان مرة اخرى في كرة أخرى تسمّى بالدار الآخرة، غفلة من حقيقة روح الانسان و هذه الغفلة نشأت من الجهل في القرون الماضية، و في عصرنا عصر العلم تنشأ من التكبّر والعلوّ و الإباء عن قبول الحق و الغرور بالمادة.(1)

10- الروح الإنسانية في الأحاديث المعتبرة

1- اصول الكافى: عِدَّةٌ مِنْ أَصْحَابِنَا، عَنْ أَحْمَدَ بْنِ مُحَمَّدِ بْنِ عِيسَى، عَنِ ابْنِ أَبِي عُمَيْرٍ، عَنِ ابْنِ أُذَيْنَةَ، عَنِ الْأَحْوَلِ قَالَ: سَأَلْتُ أَبَا عَبْدِ اللَّهِ علیه السَّلام عَنِ الرُّوحِ الَّتِي فِي آدَمَ علیه السلام قَوْلِهِ: «فَإِذَا سَوَّيْتُهُ وَ نَفَخْتُ فِيهِ مِنْ رُوحِي قَالَ: هَذِهِ مَخْلُوقَةٌ وَ الرُّوحُ الَّتِي فِي عِيسَى مَخْلُوقَةٌ».(2)

2- و بالإسناد عن احمد المذكور ، عن الحجال، عن ثعلبة، عن حمران قَالَ: سَأَلْتُ أَبَا عَبْدِ الله علیه السلام عَنْ قَوْلِ اللَّهِ عَزَّ وَ جَلَّ «وَ رُوحٌ مِنْهُ» قَالَ: هِيَ رُوحُ اللَّهِ مَخْلُوقَةٌ خَلَقَهَا اللَّهُ فِي آدَمَ وَ عِيسَى علیهما السلام.(3)

أقول: يظن من لاخبرة له، و يفسر الآية الأولى بأن الله ألقى روحه في آدم، فكيف يعذبه في النار و هل يعذب إلّا نفسه. و ربما يزعم أن الروح فى بدن الإنسان على حد ظرفية البدن للقلب والكبد و الإمعاء مثلاً.

و يؤكّد قوله بقوله تعالى: «إِذَا بَلَغَتِ التَّرَاقِي» بفرض إرجاع الضمير إلى الروح. و قوله تعالى: «فَلَوْ لاَ إِذَا بَلَغَتِ الْحُلْقُومَ» (الواقعة: 83).

و المشتبهون فى تفسير الآية كثيرون، فنقول مستعيناً بالله تعالى:

ص: 21


1- كما قال الله: «يَعْلَمُونَ ظَاهِرًا مِّنَ الْحَيَاةِ الدُّنْيَا وَهُمْ عَنِ الْآخِرَةِ هُمْ غَافِلُونَ» (الروم: 7)
2- اصول کافی، ج 1، ص 133. الحجرات، 29.
3- المصدر.

أولاً: إضافة الروح الى الله ليست بيانية و لا تبعيضية فإن الله ليس بروح و لا جسم له، و ليس هو مركّب من جسم و روح و لا أنه مركّب ذو أبعاض بل الإضافة المذكورة تشريفية يشرّف الله بها الروح، كما في قوله تعالى: «بيتى» و «ناقة الله»، فإن الكعبة من أحجار جبال مكة و لا خصوصية زائدة فيزيائية لها على غيرها و الناقة المذكورة وأن خلق بابداع، لكنه كسائر النوق، و الحديثان المعتبران نعم الدليل على أن الروح غير الله و مخلوقه كسائر المخلوقات.

و ثانياً: أن الروح مجرد غير داخل في البدن كدخول القلب والكبد و غيرهما فيه و لاخارج عنه كخروج شيء مادي مثل الحجر عنه. و الآية المباركة و غيرها لا تدل على ذلك.

و بعبارة واضحة أن الروح ليست بمنفوخة في البدن، بل هي منفوخة منها (من روحي) و لم يذكر القرآن المجيد ماهي المنفوخة. و أظن أن المنفوخة هى الحياة، و الضمير في كلمة (بلغت) في الآيتين الشريفتين المتقدمتين يرجع ظاهراً الى الحياة حين انقطاع تعلّق الروح من البدن ابتداء من كف الرِجلين حتى تبلغ التراقي و الحلقوم، و لذا يبرد رجلى المحتضر قبل سائر اعضائه، كما اشتهر، فنسبة الحياة إلى الروح - على وجه - كنسبة الضوء إلى الشمس.

3- معاني الأخبار: عن أبيه، عن عَلِيّ، عَنْ أَبِيهِ، عَنِ ابْنِ أَبِي عُمَيْرٍ، عَنْ عُمَرَ بْنِ أُذَيْنَةَ، عَنْ مُحَمَّدِ بْنِ مُسْلِمٍ قَالَ: سَأَلْتُ أَبَا جَعْفَرِ علیه السلام عَنْ قَوْلِ اللَّهِ عَزَّ وَ جَلَّ «وَ نَفَخْتُ فِيهِ مِنْ رُوحِي» قَالَ: «رُوحٌ اخْتَارَهُ اللهُ وَ اصْطَفَاهُ وَ خَلَقَهُ وَ أَضَافَهُ إِلَى نَفْسِهِ وَ فَضَّلَهُ عَلَى جَمِيعِ الْأَرْوَاحِ فَأَمَرَ فَنُفِخَ مِنْهُ فِي آدَمَ علیه السلام».(1)

أقول: يدلّ الحديث على ما قلنا من إضافة الروح إليه تعالى إضافة تشريفية. وأنه منفوخ منه. ثمّ الحديث يفضّل روح آدم و أرواح ذريته أكرم تفضيل.

4- العلل: عن أبيه، عن سَعْدُ بْن عَبْدِ اللَّهِ، عَنْ مُحَمَّدِ بْنِ الْحُسَيْنِ بْنِ أَبِي الْخَطَّابِ، عَنْ أَحْمَدَ بْنِ مُحَمَّدِ بْنِ أَبِي نَصْرٍ، عَنْ عَبْدِ الْكَرِيمِ بْنِ عَمْرٍو الْخَثْعَمِيُّ، عَنْ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ أَبِي يَعْفُورٍ،

ص: 22


1- بحار الأنوار، ج 14، ص 11. و معانى الأخبار، ص 17.

عَنْ أَبِي عَبْدِ اللهِ علیه السَّلام قَالَ: «إِنَّ الْأَرْوَاحَ جُنُودٌ مُجَنَّدَةٌ فَمَا تَعَارَفَ مِنْهَا فِي الْمِيثَاقِ اخْتَلَفَ هَاهُنَا وَ مَا تَنَاكَرَ مِنْهَا فِي الْمِيثَاقِ (اختَلَفَ هاهنا) هُوَ فِي هَذَا الْحَجَرِ الْأَسْوَدِ».(1)

أقول: إعتبار الرواية مبنيّ على الإحتياط لأجل تعارض التوثيق و الجرح في عبدالكريم و ترجيح التوثيق رجحاناًمّا. و اعلم أن تجنيد الأرواح جاء مكرراً في الأحاديث غير المعتبرة بحيث ربما يحصل الظن القوى بصدوره من الإمام علیه السلام وضمير(هو) في الأخير راجع الى الميثاق. و الحديث صريح في تقدّم الأرواح على الأجساد زماناً.

5- الکافی: محمد بن يحى، عن أحمد بن محمد بن عيسى، و عدّة من أصحابنا، عن سهل بن زياد، جميعا عن إبن محبوب، عن علىّ بن رئاب، عن أبي بصير قال: سَمِعْتُ أَبَا عَبْدِ اللهِ علیه السَّلام يَقُولُ: «الْمُؤْمِنُ أَخُو الْمُؤْمِنِ كَالْجَسَدِ الْوَاحِدِ، إِنِ اشْتَكَى شَيْئاً مِنْهُ وَجَدَ أَلَمَ ذلك فِي سَائِرِ جَسَدِهِ وَ أَرْوَاحُهُمَا مِنْ رُوحِ وَاحِدَةٍ، وَ إِنَّ رُوحَ الْمُؤْمِنِ لَأَشَدُّ اتَّصَالًا بِرُوحِ اللَّهِ مِنِ اتَّصَالِ شُعَاعِ الشَّمْسِ بِهَا».(2) و لعل المراد بروح الله هو رحمته. و كلمة (من روح واحدة) ربما تدل على أن المراد بارواحهما غير النفس الناطقة. فتأمّل.

6- و بالإسناد عن أحمد، عن إبن محبوب، عن إبن رئاب، عن بكير قال: كَانَ أَبُو جَعْفَرِ علیه السلام يَقُولُ: «إِنَّ اللهَ أَخَذَ مِيثَاقَ شِيعَتِنَا بِالْوَلَايَةِ لَنَا وَ هُمْ ذَرٌّ يَوْمَ أَخَذَ الْمِيثَاقَ عَلَى الذَّرِّ بِالْإِقْرَارِ لَهُ بِالرُّبُوبِيَّةِ وَ لِمُحَمَّد صلى الله عليه و آله و سلم بِالنُّبُوَّةِ وَ عَرَضَ اللهُ جَلَّ وَ عَزَّ عَلَى مُحَمَّدٍ صلّی الله علیه و آله و سلّم: أُمَّتَهُ فِي الطِّينِ وَهُمْ أَظِلَّةٌ، وَ خَلَقَهُمْ مِنَ الطَّيئَةِ الَّتِي خُلِقَ مِنْهَا آدَمُ وَ خَلَقَ أَرْوَاحَ شِيعَتِنَا قَبْلَ أَبْدَانِهِمْ بِأَلْفَيْ عَامٍ وَ عَرَضَهُمْ عَلَيْهِ وَ عَرَّفَهُمْ رَسُولَ اللهِ صلى الله عليه و آله و سلّم وَ عَرَّفَهُمْ عَلِيّاً وَ نَحْنُ نَعْرِفُهُمْ فِي لَحْنِ الْقَوْلِ».(3)

ص: 23


1- بحار الأنوار، 61، ص 139 و في بعض الطبعات: الجزء 92، ص 220. و علل الشرايع، ج 2، ص 426.
2- أصول الكافي، ج 2، ص 16.
3- أصول الكافى، ج 1، ص 437 و 438. و يقول المجلسي: في الطين اى حين كان النبي صلّى الله عليه و آله و سلّم في الطين أو الأمة أو هما معاً و هو أظهر و لحن القول أسلوبه و إمالته إلى جهة تعريض و تورية.

و يؤكده رواية الصفّار بالسند المعتبر في بصائر الدرجات(1) و رواية البرقى في محاسنه كذلك و إن كان المصدران غیر معتبرين عندى كما ذكرته فى علمى الرجال والحديث، و في نسخة من المحاسن: في الظل مكان في الطين.(2)

أقول: خلقة الأرواح قبل الأبدان بألفي عام، قد وردت في جملة من الأحاديث و لا يبعد حصول الوثوق بصدور بعضها من الإمام علیه السلام و يظهر من المجلس رحمه الله أنّها قريبة من التواتر، لكن الشيخ المفيد ردّها بعنوان الخبر الواحد و ردّه مردود. و على كل، هي تنافي كون الروح جسمانية الحدوث و روحانية البقاء كما أختاره صاحب الأسفار. نعم حديث الكافي هذا، لا صراحة فيه ببقاء الأرواح حتى الولادة فلعلّها تعدم ثم تحيى لكنه خلاف الظاهر.

و السؤال المهم أنّ الروح ماذا يفعل فى الفي عام؟ كيف لا يتذكر الإنسان ذلك العالم؟ و كيف يقول الله تعالى: «وَ الله أَخْرَجَكُمْ مِنْ بُطُونِ أُمَّهَاتِكُمْ لَا تَعْلَمُونَ شَيْئًا» (النحل: 78)

و فرض وقوع النسيان على الروح حين الولادة كما في بعض الأحاديث و حمل الآية على ما بعد النسيان يصعب قبوله، فإنه نوع من التناسخ و رجوع الفعلية إلى الإستعداد و الله العالم.

ثمّ أحاديث الباب- سوى الأولين منها- تدل على أن لكل انسان روحاً و هو قطعيّ.

11- إبطال الشواهد على كون الروح ماديّاً

ادّعى جملة من الماديين أنّ ما يسمى بالروح و آثاره ليس في الحقيقة شيء سوى الآثار الفيزيائية والكيماوية لسلّولات المخ، فالروح مشتمل على جميع القوانين الطبيعية و ليس لها وجود مستقل من الجسم.

و استشهدوا على ذلك بوجوه:

منها: أنه إذا ضاعت حصة من المخ و الأعصاب تتعطل قسمة الآثار الروحية كنسيان ما في

ص: 24


1- بحار الأنوار، ج 26، ص 121. و المحاسن، ج 1، ص 135. و بصائر الدرجات، ص 260.
2- المصدر، ج 5، ص 251.

ذهنه مثلاً.

و منها: تزييد التغييرات المادية فى المخ عند التفكّر و يحتاج المخ إلى صرف الدم اكثر و غذائه وهذا عكس ما فى النوم فإنّه يحتاج إلى تغذية أقل.

و منها: أن وزن المخ فى أصحاب التفكّر اكثر من حد المتوسط.

و منها : أن التفكر إن كان دليلاً على وجود الروح المستقل في الإنسان فليكن الأمر كذلك في الحيوان إذ لهم ادراكات.

أقول: من أخبرهم إنا لا نقول بوجود الأرواح المستقلة للحيوانات؟

و يرد على الوجهين الأولين و ما يشابههما من التلفيقات الواهية أنها نشئت من غفلة و جهالة بمراد المثبتين و الظن بأنهم يستندون أفعال الروح إلى الخالق جلّ جلاله فقط و لايرون تأثير البدن في أفعاله!

هل يظن بالمثبتين أنهم لا يرون للمخ تأثيراً فى الإدراك الإنساني و هو (اى المخ) آية بيّنة على وجود موجِد الكون.

و هذا نظير أن يقال: للسيّارة سائق تسوقها إلى أىّ مكان شاء فيعترض عليه غافل بأن صرف البنزين حين السير دليل أنها تسير بنفسها لا بإرادة السائق!!

لا يشك عالم أو عاقل بوجود الإرتباط بين المخ و الإدراك و ليس الكلام فيه و إنما الكلام في أنه من هو المدرِك؟ نقول هو روح بسبب المخ و المخ ماديّ لا علم له و لا إستنتاج له كسائر أجزاء المادة غير الشاعرة بنفسها و بغيرها فأنى يؤفكون؟!

12- كلام حول تقدم الروح على البدن

يقول صاحب الأسفار فى الاصول المتوقف عليها المعاد الجسماني:

الحادي عشر: أنّ الإنسان- من جملة أنواع الخلائق - مختص بأنّه قد تكون لواحد منه أكوان متعدّدة مع بقاء تشخّصه بعضها قبل بعض؛ فإنّ الإنسان الواحد له من مبدأ طفوليته كون

ص: 25

طبيعي و هو بحسبه إنسان بشري ثمّ يتدرّج في هذا الوجود و يتصفّى و يتلطّف، حتى يحصل له كون أخرويّ نفساني، و له أعضاء نفسانيّة و هو الإنسان الثاني، ثمّ قد ينتقل من هذا الكون، و يحصل له كون عقلي و هو بحسبه إنسان عقلي، و له أعضاء عقلية و يقال له الإنسان الثالث، كما ذكره معلّم الفلاسفة في كتاب «أثولوجيا».

و اعلم أنّ هذين الكونين كما يوجدان له بعد الكون الطبيعي، كذلك قد حصلا له قبل هذا الحدوث، فإنّ أفلاطون الإلهيّ أثبت للنفوس الإنسانية كوناً عقلياً قبل حدوث هذا البدن، و كذا أثبت في شريعتنا الحقّة لأفراد البشر كينونة جزئيّة متميزّة سابقة على هذا الوجود الطبيعي، كما أشار إليه قوله تعالى: «وَ إِذْ أَخَذَ رَبُّكَ مِنْ بَنِي آدَمَ مِنْ ظُهُورِهِمْ ...» (الاعراف: 172)(1) و أئمتنا المعصومين- سلام الله عليهم- أحاديث كثيرة دالّة على هذا المعنى تذكر أنّ أرواحهم كانت مخلوقة من طينة عليّين قبل خلق السماوات والأرضين، و أنّ أبدانهم مخلوقة من دون تلك الطينة، وكذا أرواح شيعتهم مخلوقة من طينة أبدانهم- عليهم السلام- و أنّ قلوب مخالفيهم مخلوقة من طينة سجّين.. فهذا الخبر و أمثاله صريحة في أنّ للإنسان كينونة سابقة على هذا الكون الطبيعي.(2)

أقول: لا ادرى ماهو توجيه صاحب الأسفار في رفع التنافي بين الآية والرواية مع قوله بجسمانية الحدوث في حق الروح و لا يمكن اخذ الميثاق من الذرات من دون الأرواح. نعم بعد ذلك بايّام وقفتُ على توجيهه لذلك لكنه لا يرفع التنافى المذكور و اليك كلامه:

و هذه النشئات الثلاث (اى أدناها عالم الصور الطبيعية الكائنة الفاسدة، و أوسطها عالم الصور الإدراكية الحسية المجردة عن المادة الحاملة للامكانات و الاستعدادات القابلة للمتضادات، وأعلاها عالم الصور العقلية والمثل الإلاهية.) ترتيبها- في الرجوع الصعودي إلى

ص: 26


1- أقول و هذا منه اعتراف بتقدم الروح على البدن كما لا يخفى.
2- شرح زاد المسافر، ص 22 و 23.

الله تعالى على عكس ترتيبها الابتدائي النزولي عنه تعالى- لكن على نحو آخر، فإن سلسلة الابتداء كانت على نحو الإبداع بلا زمان و حركة و سلسلة الرجوع تكون بحركة و زمان.

فللإنسان أكوان سابقة على حدوثه الشخصي المادي- و لهذا قد أثبت أفلاطون الإلهي للنفوس الإنسانية كوناً عقلياً قبل حدوث البدن(1) وكذلك ثبت في شريعتنا الحقة لأفراد البشر كينونة جزئية متميزة سابقة على وجودها الطبيعي - كما أشار إليه بقوله تعالى: «وَ إِذْ أَخَذَ رَبُّكَ مِنْ بَنِي آدَمَ مِنْ ظُهُورِهِمْ ذُرِّيَّتَهُمْ» (الأعراف: 172) و عن أئمتنا المعصومين أحاديث كثيرة دالة على أن أرواح الأنبياء و الأوصياء كانت مخلوقة من طينة عليين قبل خلق السماوات و الأرضين و أن أبدانهم مخلوقة من دون تلك الطينة- كأرواح متابعيهم وشيعتهم.

و أن قلوب المنافقين مخلوقة من طينة سجين و أبدانهم وكذلك قلوب متابعيهم مخلوقة من دون تلك الطينة الخبيثة.

فهذا الخبر و أمثاله يدل على أن للإنسان أكوانا سابقة على هذا الكون.(2)

وفي كلامه مباحث، والعمدة ان قوله تعالى: «أَ لَسْتُ بِرَبِّكُمْ وجواب الذرية «قالُوا بَلى» و اتمام الحجة عليهم لاتستقيم إلّا بوجود روح فأهم عالم و هذه الأرواح أرواح الذرية المأخوذة من ظهور بنى آدم فكانوا قبل الأبدان و معها و بعدها في البرزخ و القيامة.

و لعلّ معنى الجزئية في كلامه و الكينونية الكلية فى تعليقة السبزواري على المقام هو معنى العرفانى اى السعة و الضيق دون المعنى العرفي الفلسفي.

و أمّا البحث عن الأحاديث الواردة في الطينة فارجع الى الجزء الخامس من بحار الأنوار و قد ذكرنا ما يعتبر سنداً في كتابنا معجم الأحاديث المعتبرة، ج 268/1.

ص: 27


1- هذا تأويل لكلام افلاطون منه فان الروح، عند افلاطون خلق قبل البدن ويصاحب البدن بعد وجوده ويبقى بعد فنائه. فتأمّل.
2- الأسفار، ج 9، ص 194 و 195.

13- إستدراك حول أنظار الناس في الروح

قيل ان الأقوال حول حقيقة الروح ربما تبلغ إلى ألف و قد إستبعدناه في بعض الحواشي المتقدمة. وقد ذكرنا عدة من الأقوال المختلفة فيه فى كتابنا (الروح من منظر الدين و العقل و العلم الروحى الجديد) و اليك جملة أخرى منها على تداخل و تكرار في بعض الأقوال:

1- أنّه الجوهر المجرّد القديم بناءً على قدم النوع الإنساني الزماني، لقدم العالم.(1)

2- أنّه الجوهر المجرّد منذ عالم الذر المشار إليه فى القرآن، أو قبله. و لا اقلّ انه محتمل.

3- أنّه روحانية البقاء و روحانية الحدوث.

4- أنّه الدم في البدن.

5- أنّه الماء المنشأ لرطوبة البدن الموجب للحياة الإنسانية.

6- أنّه القوّة تنبع منها التفكرات و الإدراكات.

7- أنّه الصورة النوعية القائمة بالمادة أى الإنسانية بالفارسية.

8- أنّه الحرارة الغريزية في البدن.

9- أنّه إخلاط الأربعة: الدّم و الصفراء و السوداء و البلغم.

10- أنّه القوة في المخ.

11- أنّه القوة فى القلب.

12- أنّه جسم لطيف سار في البدن و جميع أجزائه كسريان الرطوبة في النباتات و الدهن فى الجوز.

13- أنّه أجزاء و ذرّات غير محسوسة، وجدت فى النطفة و تبقى إلى آخر العمر. و ما اوتيتم من العلم الّا قليلاً.

14- إنه جسمانية الحدوث و روحانية البقاء و هو هل وجود متميز من البدن المادى من

ص: 28


1- في حديث معتبر سنداً أنّ الروح خلق بألفي عام قبل جسده.

الاول، أو هو جزئه ثم يتميّز منه عند التجرّد؟

14-كتاب الأعمال و كُتّابها

1- «وَكُلَّ إِنسَانِ أَلْزَمْنَاهُ طَائِرَهُ فِي عُنُقِهِ وَنُخْرِجُ لَهُ يَوْمَ الْقِيَامَةِ كِتَابًا يَلْقَاهُ مَنشُورًا اقْرَأْ كِتَابَكَ كَفَى بِنَفْسِكَ الْيَوْمَ عَلَيْكَ حَسِيبًا» (الإسراء: 12-13)

2- «وَتَرَى كُلَّ أُمَّةٍ جَاثِيَةٌ كُلُّ أُمَّةٍ تُدْعَى إِلَى كِتَابِهَا الْيَوْمَ تُجْزَوْنَ مَا كُنتُمْ تَعْمَلُونَ هَذَا كِتَابُنَا يَنطِقُ عَلَيْكُم بِالْحَقِّ إِنَّا كُنَّا نَسْتَنسِخُ مَا كُنتُمْ تَعْمَلُونَ» (الجاثية: 29-28)

3- «وَ وُضِعَ الْكِتَابُ فَتَرَى الْمُجْرِمِينَ مُشْفِقِينَ مِمَّا فِيهِ وَيَقُولُونَ يَا وَيْلَتَنَا مَالِ هَذَا الْكِتَابِ لَا يُغَادِرُ صَغِيرَةً وَلَا كَبِيرَةً إِلَّا أَحْصَاهَا وَوَجَدُوا مَا عَمِلُوا حَاضِرًا وَلَا يَظْلِمُ رَبُّكَ أَحَدًا» (الكهف: 49)

4- «فَأَمَّا مَنْ أُوتِيَ كِتَابَهُ بِيَمِينِهِ فَيَقُولُ هَاؤُمُ اقْرَءُوا كِتَابِيَة.. فِي جَنَّةٍ عَالِيَةٍ, وَأَمَّا مَنْ أُوتِيَ كِتَابَهُ بِشِمَالِهِ فَيَقُولُ يَا لَيْتَنِي لَمْ أُوتَ كِتَابِيَه.. خُذُوهُ فَغُلُوهُ...» (الحاقة: 19 و ما بعده)

5- «أَمْ يَحْسَبُونَ أَنَّا لَا نَسْمَعُ سِرَّهُمْ وَنَجْوَاهُم بَلَى وَرُسُلُنَا لَدَيْهِمْ يَكْتُبُونَ» (الزخرف: 80)

6- «وَإِنَّ عَلَيْكُمْ لَحَافِظِينَ، كِرَامًا كَاتِبِينَ، يَعْلَمُونَ مَا تَفْعَلُونَ» (الإنفطار: 12-10)

7- «مَّا يَلْفِظُ مِن قَوْلٍ إِلَّا لَدَيْهِ رَقِيبٌ عَتِيدٌ» (ق: 18)

8- «وَرُسُلُنَا لَدَيْهِمْ يَكْتُبُونَ» (الزخرف: 80)

9- «وَنَكْتُبُ مَا قَدَّمُوا وَآثَارَهُمْ وَكُلَّ شَيْءٍ أَحْصَيْنَاهُ فِي إِمَامٍ مُّبِينٍ» (يس: 12)

10- «كَلَّا سَنَكْتُبُ مَا يَقُولُ وَنَمُدُّ لَهُ مِنَ الْعَذَابِ مَدًّا» (مريم: 79)

11- «وَكُلُّ شَيْءٍ فَعَلُوهُ في الزبر» (القمر: 52)

12- «وَأَشْرَقَتِ الْأَرْضُ بِنُورِ رَبِّهَا وَوُضِعَ الْكِتَابُ» (الزمر: 69)

13- «فَأَمَّا مَنْ أُوتِيَ كِتَابَهُ بِيَمِينِهِ.. وَأَمَّا مَنْ أُوتِيَ كِتَابَهُ وَرَاءَ ظَهْرِهِ» (الإنشقاق: 10- 7)

ص: 29

بیان ذلک:

1- الطائر؛ العمل الذى طار عنه من خير و شر كما في مفردات الراغب، و لا نعلم حقيقة الزامه فى عنق فاعله الّا ضرورة لزوم المعلول بعلته.

2- لكل انسان كتاب يخرجه الله يوم القيامة و يتذكر الانسان من قرائته كل ما عمله في حياته.

3- و الكتاب فى بعض الآيات أعم يشمل الصالحين و الفاجرين و في بعضها مخصوص بالفاجرين.

4- الكتاب في الآية الثانية نسب الى الامة، و هل هو كتاب جامع للأعمال المشتركة للامة غير كتب الأفراد، أو هو نفسه؟ فيه وجهان، و هل الامة بمعنى امة رسول و نبى أو بمعناها اللغوى؟ فيه تردّد.

5- الفاعل القريب للاستنساخ هو الرسل اى الملائكة كما صرّحت به الآية الخامسة و السادسة و هم ذو مقام (كرام) و هؤلاء لدى المكلفين و يعلمون أفعالهم و الفاعل البعيد هو الله تعالى.

6- و هذا الكتاب يكتب صغائر الأعمال و كبائرها و لا يسقط من احصائه شيء الا ما يشاء الله كما في بعض الأحاديث.

7- ما هو حقيقة الاستنساخ و الكتابة و ما هو اللوح الذى يكتب عليه؟ امران مجهولان لنا.

8- الظاهر المراد بوجدان حضور ما عملوا، هو الحضور الكتبى فى الكتاب دون الحضور الخارجي.

9- هل السرّ يشمل النية وعزم القلب (الروح ) ايضاً حتى يكتبه الملك كما في الآية الخامسة؟ فيه وجهان؛ المتيقن من كتابة الملك و استنساخه كل ما يصدر من أعضاء البدن كالتلفظ و الرؤية و الاستماع و اللمس و الذوق و اعمال اليدين والرجلين و الفم و البدن

ص: 30

جملة و الأعضاء السافلة.

و اما نية السوء، وحدها و سوء الظن و الكبر النفسى و الحسد و سائر ما يتعلق بالنفس، اذا كان اختيارية، ففى علم الملك بها و كتابتها تردد. و الأظهر ان كلمة السرّ قاصرة عن شمولها، فانها مفعولة لقوله تعالى: «لا نسمع» فالسر من مقولة الالفاظ فقط. و يحتمل أن البواطن موكولة الى علم الله تعالى المحيط بكل شيء: «وَإِن تُبْدُوا مَا فِي أَنفُسِكُمْ أَوْ تُخْفُوهُ يُحَاسِبْكُم الله (البقرة: 284) نعم محاسبة الله لا تنافى كتابة الملك بل حسابه كما مرّ و قال تعالى: «إن تُبْدُوا شَيْئًا أَوْ تُخْفُوهُ فَإِنَّ اللهَ كَانَ بِكُلِّ شَيْءٍ عَلِيمًا» (الأحزاب: 54)

10- الآية الرابعة؛ فرقت بين اهل الجنة و أهل النار باعطاء كتبهم فيؤتى الاولين بايمانهم بِهِ و الآخرين بشمالهم، ولكن لا من قدّامهم؛ بل من وراء ظهرهم (الانشقاق) إهانة لهم.

11- لا نعلم سبب الكتابة، لكن من فوائدها اقناع المكلفين باستحقاق الجزاء لهم.

12- في صحيح معاوية بن وهب قال سمعت أبا عبد الله علیه السّلام يقول: اذا تاب العبد توبة نصوحاً، احبّه الله فستر عليه فى الدنيا والآخرة، فقلت: كيف يستر عليه؟ قال: ينسى ملكيه(1) ما كتبا عليه من الذنوب(2) و يوحى الى جوارحه: اکتمی علیه ذنوبه و يوحى الى بقاع الارض: اكتمى عليه ما كان يعمل عليك من الذنوب، فيلقى الله حين يلقاه و ليس شيء يشهد عليه بشيء من الذنوب، (الکافی، ج 2، ص 430-431)

أقول: يظهر من الحديث ان الجوارح و بقاع الأرض من الشهداء على أعمالنا يوم القيامة، فان قلت ميدان الحساب غير كرة الارض، المندكة فكيف تشهد بقاعها على الانسان و هو في كرة اخرى؟

قلت: يمكن شهادة اجزاء البقاع من مكانها علينا و نحن في مكان آخر و الله على كل

ص: 31


1- يدل الحديث على ان لكل انسان ملكان كما هو المعروف و صاحب الیمین آمر على صاحب الشمال.
2- هذه الجملة تدل على ان نسيان الملك مستلزم لمحو الذنب من صحيفة الاعمال.

شيء قدير. ثم يمكن أن تكون للملكين اعمال اخرى كحفظ الانسان من المهلكات قبل أجله سوى ثبت الحسنات و السيئات.

15- شبهة الآكل و المأكول

اذا أكل انسان لحم إنسان آخر، فصارت أجزاء من بدن المأكول من اجزاء بدن الآكل، فاللحم المأكول اذا صار يوم القيامة جزءاً من ايّهما، نقص بدن الآخر و اذا كان أحدهما في الجنة و الآخر في النار فهذا الجزء المأكول يعذب أو يتنعّم، اشتهرت هذه الشبهة عند القائلين بجسمانية المعاد. و لها تقارير في كلماتهم.

و الجواب عقلاً من جهة العقاب و الثواب عندنا واضح، لان المستحق لهما هو الروح فقط، و هو المدرك للّذة و الألم دون البدن الجامد، و إنّما نقول بوجوب رجوع البدن يوم القيامة و في النار أو الجنّة تعبداً بالآيات القرآنية و كون المعاد الجسماني من الضروريات الاسلامية، و ان شئت فقل ان المكلف و المسؤل و المثاب و المعاقب، هو الروح المختار فقط؛ دون البدن الجامد المسخر للروح، و بناءاً على اعادة البدن الاخير من الابدان المتبدلة للفرد، یوم القیامة کما هو الانسب بالآيات الدالة على حشر الأجساد(1) نقول ان اللحم المأكول ينتقل الى الفرد المقتول، فانه جزء جسده الاخير. و يكمل بدن الآكل من مادة اخرى.

على أن كل خلية من خليّات الجسم تقدر بمفردها ان تتكثر حتى تصنع بدناً كاملاً للانسان كما يقول العلم التجريبي. فكأن انتشار الشبهة المتقدمة من جهل القدماء بفعالية السلولات و تكثرها و بأصل وجودها.

و هنا جواب نقليّ آخر و هو أن الجزء المأكول الذى صار جزءاً لبدن الآكل، يكون جزءاً لبدن الفرد المقتول المأكول منه اذا كان من طينته التي خلق بدنه منها كما تقدم بحثها في

ص: 32


1- فى وجوب الالتزام بهذا الانسبية تردد. لاسيما ان المحشورين يوم القيامة شباب أقوياء ذو جمال.

موثقة عمار بن موسى عن الصادق علیه السّلام. فرُبما لا يكون من جزء بدن كل منهما، بل لفرد ثالث.

و ان شئت فقل انه جزء بدن من يكون جزءاً أصليّاً له اى منشأ تحقق بدن الفرد منه و ربما لا يكون جزء بدن فرد مطلقاً يوم القيامة و هذه الشبهة توسعت اليوم في ظل توسعة العلم التجريبي، اذ ثبت بالتجربة ان كل انسان يتبدل بدنه من دون استثناء بتمام خلاياه الكثيرة المتكثرة فى طول مدة من السنين، ففى المعمرّين تتبدل ابدانهم طول عمرهم اكثر من عشرة مرات! و الجواب هو ما تقدم من الوجهين.

16- بحوث حول البدن المادي في القيامة

اشارة

أوّلها: لاشك فى ان الحياة الاخروية في الدين الاسلامي، جسمانية كما في الدنيا، و ان الانسان في القيامة يوجد ببدن مادى و روحه المجرد و تأويل الحياة الاخروية بالحياة الروحية فقط، ردّ على كثير من آيات القرآن الواردة فى الجنة و نعيمها و مأكولها و مشروبها و في النار و عذابها و أهوالها، و فى ميدان الحساب و أحوالها. و مخالفة علانية للدين الاسلامي، و لذا رجع بعض مشاهير الفلاسفة على ما قيل من المعاد الروحانى الى المعاد الجسماني الذي يقول به القرآن و الاسلام. و امّا القول بالمعاد الجسماني الصرف بحذف الروح، كما عن جماعة المتكلمين فهو أيضاً مخالف للعقل كما عرفته سابقاً.

ثانيها: السؤال المهم؛ ان البدن الاخروى هو هل بدن جديد غير هذا البدن الفعلى يخلقه الله تعالى من مواد جديدة؟ أو هو نفس هذا البدن و جمع ذراته و أجزائه المنتشرة في القبر و غيره؟ فيه الوجهان؛ كلاهما محتملان عقلاً بعد ما عرفت من أنّ هوية الفرد الكاملة بروحه و لا خصوصية للبدن فانه آلة و وسيلة و تبدله لا يؤثّر فى هوية الانسان. و المثاب أو المعاقب هو الروح.

يمكن ان نختار الاحتمال الأول فلا يرد عليه اشکال علمی و لا عقلى فخميرة أبدان الانسان وان تبلغ كمية هائلة فوق تصوّرنا لكن المواد التي تصلح لخميرة الأبدان كثيرة في

ص: 33

الكرات و ازيد بمليارات من المقدار الكافى منها، فلا تصدق الاعادة على حشر أفراد الانسان لا روحاً لبقائه من حين موتهم الى يوم القيامة و لاجسماً و بدناً لإيجاده من المواد الجديدة من إحدى الكرات، أو من كرة الأرض على ما يأتى.(1)

و یؤید هذا الاحتمال أمور

1- الاول البدن الانساني و غيره لا يبقى- بناءاً على القول بالحركة الجوهرية ان صح- حتى لحظة من عمره بل المادة كنهر كبير يجري و لابقاء لأجزاء مائه في دقيقة واحدة فلا يعقل اعادة البدن الدنيوي بعينه في القيامة.

2- يقول أهل النظر؛ ان أجزاء البدن و هى السلولات و الخليات تتبدّل في كل سبع سنين، فمن عمّر سبعين سنة فله عشرة أبدان، أىّ بدن من الأبدان الثمانية أو السبعة للذكور(2) و الاناث يعاد في الآخرة و يمكن ان يقال ان المعاد هو البدن الاخير عند الموت، و فيه بحث(3) و عن فلاماريون الاخصایي في الروح: ان الجسم المادى يتركب من عدّة من المولكولات و الذرات التي شأنها تجديد خلياتها على نحو يتبدل جسم الانسان في عدة اشهر.(4)

3- و يؤيد الاحتمال المذكور بأن كرة الحساب و كرات الجنات فضلاً عن كرة النار مغائرة و مختلفة مع كرة أرضنا الحاضرة، فلابد من طرّ و تغيّرات مادية على البدن حتى يستأهل البدن للبقاء في تلك الكرات، فلا يصلح البدن هناك من دون اعداده لمتطلبات بيئتها و اجوائها. و تقدم انه لا ملزم لاعادة البدن الدنيوى عقلاً اذ لا مسؤلية له في العقاب و الثواب فان المسؤل و المستحق هو الروح المريد المختار العاقل المكلف، فحال البدن مع الروح حال

ص: 34


1- نعم تصدق الاعادة بمعنى رجوع الروح الى البدن الجديد المادى بعد انقطاعه عن البدن الاول.
2- و المراد ان البدن المحقق قبل البلوغ لا يحشر. و بلوغ الذكر باتمام خمسة عشرة و بلوغ النساء باكمال تسعة سنوات.
3- اذالمحشور بدن شاب فلاحظ.
4- نقلاً عن مجلة دانشمند، برقم 43 و غيرها.

السكين و القلم بيد القصّاب و الكاتب.

و يمكن ان نختار الاحتمال الثانى و ان البدن المعاد في القيامة، هو أكثر البدن الدنيوى أو عينه و لو بتفاوت قليل، لا لأجل دليل عقلي عليه، بل لأجل دلالة القرآن عليه، وهو الارجح لا عقلا بل نقلا و اليك شواهده:

الأول: قوله تعالى: «وَضَرَبَ لَنَا مَثَلًا وَنَسِيَ خَلْقَهُ قَالَ مَن يُحْيِي الْعِظَامَ وَهِيَ رَمِيمٌ قُلْ يُحْيِيهَا الَّذِي أَنشَأَهَا أَوَّلَ مَرَّةٍ وَهُوَ بِكُلِّ خَلْقٍ عَلِيمٌ (يس: 79-78)

أقول: الآية بتمام كلماتها دالة على احياء العظام الرميمة عند أقل دقة.

الثاني: «وَانظُرْ إِلَى الْعِظَامِ كَيْفَ نُنشِزُهَا ثُمَّ نَكْسُوهَا لَحْمًا فَلَمَّا تَبَيَّنَ لَهُ قَالَ أَعْلَمُ أَنَّ اللَّهَ عَلَى كُلِّ شَيْءٍ قَدِيرٌ» (البقرة: 259)

الثالث: قوله تعالى: «فَخُذْ أَرْبَعَةً مِّنَ الطَّيْرِ فَصُرْهُنَّ إِلَيْكَ ثُمَّ اجْعَلْ عَلَى كُلِّ جَبَلٍ مِّنْهُنَّ جُزْءًا ثُمَّ ادْعُهُنَّ يَأْتِينَكَ سَعْيَا وَاعْلَمْ أَنَّ اللهَ عَزِيزٌ حَكِيمٌ» (البقرة: 260)(1)

لكن الآيتين الاخيرتين خارجتان من محل البحث فان احياء الموات لأجل سؤال نبيين من أنبياء الله سألاه عن مجرد احياء الموات، فاستجاب الله دعوتهما، و ان شئت فقل انهما قضية في واقعة و ليسا نموذجين من احياء الموتى في الآخرة بتمام المعنى.

و يمكن أن يقال: ان الاخبار عن احياء الله للعظام الموجودة الرميمة في الآية الأولى انما هو لاقناع السائل في مورد سؤاله و يمكن ان يعيد الله تلك العظام في القيامة لاجل التصديق بوعده و لكن الله يخلق عظام سائر الأموات من مواد جديدة. لكن ذيل الآية (و هو بكل خلق عليم) ربما يشهد بالعموم. فتأمل.

الرابع: «أَوَلَيْسَ الَّذِي خَلَقَ السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضَ بِقَادِرٍ عَلَى أَن يَخْلُقَ مِثْلَهُم بَلَى وَهُوَ الْخَلَّاقُ

ص: 35


1- في جواب ابراهیم علیه السلام حيث قال: ارنى كيف يحي الموتى!

الْعَلِيمُ (يس: 81)

أقول: أولاً: لم يعلم ان هذه الآية وردت في مورد القيامة، بل لعلّها في اثبات اصل قدرته تعالى. تأمل. ثانياً: انها تبحث عن خلق مثلهم لا خلق عين أبدانهم المبتدئة. و على فرض ورود الآية فى المعاد يحتمل إعادة قسم من عين البدن و قسم من مثله.

الخامس: «فَإِذَا أَنزَلْنَا عَلَيْهَا الْمَاءَ اهْتَزَّتْ وَرَبَتْ إِنَّ الَّذِي أَحْيَاهَا لَمُحْيِي الْمَوْتَى» (فصلت: 39) و فى دلالة الآية على المقام نظر و تردد.

السادس: «فَأَنشَرْنَا بِهِ بَلْدَةً مَّيْتًا كَذلك تُخْرَجُونَ» (الزخرف: 11)

السابع: «وَنَزَّلْنَا مِنَ السَّمَاءِ مَاءً مُّبَارَكًا فَأَنْبَتْنَا بِهِ جَنَّاتٍ وَحَبَّ الْحَصِيدِ: وَأَحْيَيْنَا بِهِ بَلْدَةً مَّيْتًا كذلك الْخُرُوجُ» (ق: 9-11)

الثامن: «مِنْهَا خَلَقْنَاكُمْ وَفِيهَا نُعِيدُكُمْ وَ مِنْهَا نُخْرِجُكُمْ تَارَةً أُخْرَى» (طه: 5)

التاسع: «كَذلك نُخْرِجُ الْمَوْتَى لَعَلَّكُمْ تَذَكَّرُونَ» (الأعراف: 57)

العاشر: «قَالَ فِيهَا تَحْيَوْنَ وَفِيهَا تَمُوتُونَ وَمِنْهَا تُخْرَجُونَ» (الأعراف: 25)

الحادى عشر: «وَتَرَى الْأَرْضَ هَامِدَةً فَإِذَا أَنزَلْنَا عَلَيْهَا الْمَاءَ اهْتَزَّتْ وَرَبَتْ وَأَنبَتَتْ مِن كُلِّ زَوْجٍ بَهِيجٍ ذلك بِأَنَّ اللَّهَ هُوَ الْحَقُّ وَأَنَّهُ يُحْيِي الْمَوْتَى وَأَنَّهُ عَلَى كُلِّ شَيْءٍ قَدِيرٌ» (الحج:6-5)

الثاني عشر: «فَتُثِيرُ سَحَابًا فَسُقْنَاهُ إِلَى بَلَدٍ مَّيِّتِ فَأَحْيَيْنَا بِهِ الْأَرْضَ بَعْدَ مَوْتِهَا كَذلك النُّشُور» (فاطر: 9)

أقول: هذه الآيات (اى الخامسة والسادسة و السابعة والعاشرة و الآيتان الاخيرتان) التي استدلت بها على احياء الأموات في الآخرة كلها ظاهرة فى خروج أبدان الانسان المقبور من الأرض بلاشك، والظاهر ان خميرتها هي الخميرة المبتدئة.

الثالث عشر: «أَيَحْسَبُ الْإِنسَانُ أَلَّن نَّجْمَعَ عِظَامَهُ بَلَى قَادِرِينَ عَلَى أَن نُّسَوِّيَ بَنَانَهُ بَلْ يُرِيدُ الْإِنسَانُ لِيَفْجُرَ أَمَامَهُ يَسْأَلُ أَيَّانَ يَوْمُ الْقِيَامَةِ» (القيامة: 6-3) يظهر من الآية عموم الحكم.

ص: 36

أقول: هذه الآية يصدق على تسوية البنان من خلية واحدة تتكثر كما يقول به العلم التجريبي.

الرابع عشر: «يَوْمَ يَخْرُجُونَ مِنَ الْأَجْدَاثِ سِرَاعًا» (المعارج: 43)

الخامس عشر: «يَخْرُجُونَ مِنَ الْأَجْدَاثِ كَأَنَّهُمْ جَرَادٌ مُنتَشِرُ» (القمر: 7)

السادس عشر: «فَإِذَا هُم مِّنَ الْأَجْدَاثِ إِلَى رَبِّهِمْ يَنسِلُونَ» (يس: 51)

السابع عشر : ما حكى الله عن المبعوثين: «مَن بَعَثَنَا مِن مَّرْقَدِنَا هَذَا مَا وَعَدَ الرَّحْمَنُ وَصَدَقَ الْمُرْسَلُونَ» (يس: 52)

اذا عرفت هذه الآيات المباركة فهنا دقائق اخرى تظهر من الآيات؛ مثل كلمة الاخراج و الخروج (من الارض) و كلمة النشور و كلمة النشوز و كلمة المثل و كلمة الجمع- جمع عظام الميت- فلابد من التدبّر فيها فإنها تدل على اعادة أبدان الأموات أو بعض أعضائها من الأرض أو مثلها. و انظر بقية البحث في البدن في عنوان: مع صاحب الاسفار في معاده.

و فى المقام حديثان لابد من التدبّر حولهما:

الأول: مؤثقة عَمَّارِ بْنِ مُوسَى: عَنْ أَبِي عَبْدِ اللهِ علیه السلام، قَالَ: سُئِلَ عَنِ الْمَيِّتِ: يَبْلَى جَسَدُهُ؟ قَالَ: «نَعَمْ، حَتى لَا يَبْقَى لَهُ لَحْمٌ وَ لَاعَظْمٌ إِلَّا طِينَتُهُ الَّتِي خُلِقَ مِنْهَا؛ فَإِنَّهَا لَا تُبْلَى، تَبْقَىٰ فِي الْقَبْرِ مُسْتَدِيرَةً حَتَّى يُخْلَقَ مِنْهَا كَمَا خُلِقَ أَوَّلَ مَرَّةٍ».(1)

و في بحار الانوار: مستديرة. اى بهيئة الاستدارة أو متبدّلة متغيرة لكونها رميماً وتراباً وغير ذلك، فهي محفوظة فى كل الأحوال، وهذا يؤيد ما ذكره المتكلّمون من أن تشخيص الإنسان

ص: 37


1- الكافى، ج 3، ص 251. و البحار، ج 7، ص 43.

إنّما هو بالأجزاء الأصلية، و لا مدخل لسائر الأجزاء و العوارض فيه.(1) و قول المتكلمين أيضاً محتمل بحسب الآيات.

والثاني في البخاري عن أبى هريرة عن النبي صلّی الله علیه و آله و سلّم: «.. و يبلى كل شيء من الانسان، إلّا عجب ذنبه فيه يركب خلقه»(2) و عنه أيضاً عن رسول الله صلّی الله علیه و آله و سلّم، قال: «ان فى الانسان عظماً لا تأكله الأرض أبداً، فيه يركب يوم القيامة قالوا: و أىّ عظم هو يا رسول الله؟ قال: «عجب الذنب».(3)

أقول: العجب بفتح الاول و سكون الثاني: الأصل؛ اى أصل الذنب، و هو عضو لطيف في اسفل الذنب و هو رأس العصص كما قيل.

و يقول السيوطى في شرحه على سنن النسائى: زاد ابن أبي الدنيا في كتاب البعث عن سعيد بن أبي سعيد الخدري قيل: يا رسول الله و ما هو؟ قال: «مثل حبة خردل».(4)

17- المعاد المادي من إنبات النباتات

«وَ تَرَى الْأَرْضَ هَامِدَةٌ فَإِذَا أَنْزَلْنَا عَلَيْهَا الْمَاءَ اهْتَزَّتْ وَ رَبَتْ وَ أَنْبَتَتْ مِنْ كُلِّ زَوْجٍ بَهِيجٍ، ذلِكَ بِأَنَّ اللهَ هُوَ الْحَقُّ وَ أَنَّهُ يُحْيِي الْمَوْتَى وَ أَنَّهُ عَلَى كُلِّ شَيْءٍ قَدِيرٌ» (الحج: 5 و 6) «وَ نَزَّلْنَا مِنَ السَّمَاءِ مَاءً مُبَارَكاً فَأَنْبَتْنَا بِهِ جَنَّاتٍ وَ حَبَّ الْحَصِيدِ، وَ النَّخْلَ بَاسِقَاتِ لَهَا طَلْعٌ نَضِيدٌ، رِزْقاً لِلْعِبَادِ وَ أَحْيَيْنَا بِهِ بَلْدَةً مَيْتاً كَذَلِكَ الْخُرُوجُ» (ق: 9-11) «وَ اللهُ الَّذِي أَرْسَلَ الرِّيَاحَ فَتُثِيرُ سَحَابًاً فَسُقْنَاهُ إِلَى بَلَدٍ مَيِّتِ فَأَحْيَيْنَا بِهِ الْأَرْضَ بَعْدَ مَوْتِهَا كَذَلِكَ النُّشُورُ» (فاطر: 9) «وَ هُوَ الَّذِي يُرْسِلُ

ص: 38


1- معنى الطينة اما هو النطفة أو التراب الذى يفرّقه الملك فى نطفة كل أحد في رحم أمه كما في الروايات الواردة في الجزء الخامس من البحار ص 225 الى ما بعدها و تفسير البرهان ج 2 ص 328. و انظر صراط الحق، ج 2، ص 242 الى 256.
2- البخارى كتاب التفسير، برقم 4526 انظر الأقوال حول عجب الذنب في الاسفار، ج 9، ص 192.
3- كتاب مسلم، ج 92/18/4.
4- سنن النسائي، ج 4، ص 112.

الرِّيَاحَ بُشْراً بَيْنَ يَدَيْ رَحْمَتِهِ حَتَّى إِذَا أَقَلَّتْ سَحَاباً ثِقَالاً سُقْنَاهُ لِبَلَدِ مَيِّتِ فَأَنْزَلْنَا بِهِ الْمَاءَ فَأَخْرَجْنَا بِهِ مِنْ كُلِّ الثَّمَرَاتِ كَذَلِكَ نُخْرِجُ الْمَوْتَى لَعَلَّكُمْ تَذَكَّرُونَ» (الاعراف: 57)

أقول: الآيات التي تستدل على إخراج الأموات من الأرض بإخراج النباتات و إحياء المزروعات البائدة في فصل الربيع و الصيف إنما عرف تمام حكمته في عصر العلم. و تدليل القرآن و تشبيهه عود الأموات بها و المقائسة بينهما في عصر نزول القرآن ربما يشبه المعجزة العلمية.

نعم الحياة طول الشتاء مخفية في ذرّات أصول النباتات و حبوبها الموجودة في عمق التراب و هي نائمة و الخليات النائمة تنتظر بين الاصول و الحبوبات لنفخ الصور في الربيع و رطوبة الأرض من المطر مثلاً و حرارة الأرض فتستيقظ من نومها قهراً فيخرج من الأرض بشكل المزروع من الأوراق و الأوراد و سائر الزروع. فكذلك الحياة مخفية في ذرّات بدن الإنسان حتی تساعد البيئة على إخراجها بعد نفخ الصور الثانى فيقوم الناس لرب العالمين.

لا يقال: التدليل أو التشبيه المذكور غير تام، إذ لا موت فى الطبيعة بل أكثر ما فيها النوم و عدم الحركة و المحقق في الإنسان الموت؟

فإنه يقال: تستخدم خلية واحدة حية من نبات التربة الفاقدة للحياة و ما فيها بضميمة المياه و بعض العناصر، فتصير الخلية المذكور موجودات مزروعة جميلة حية؟ ففى الطبيعة إحياء بعد موت. على أنّ كل ذرة و خلية من البدن تصير واجدة لأهلية الحياة اذا تعلق بمجموعها الروح النباتي والحيواني، ثم اذا تعلق بها النفس الناطقة تصير حية بالحياة الانسانية.

ص: 39

18- المعاد الجسماني من منظر آخر

اشارة

هنگام پاییز زمین طراوت خود را از دست می دهد و چون زمستان رسید تمام جنب و جوش آن از بین رفته به صورت مرده ی در می آید، ولی تخم ها و ریشه های بی شماری که آثار و ودایع تابستان اند درون زمین موجود اند، این تخم ها و ریشه ها به حالت خفته و آرام و بی حرکت در زمین محفوظ اند و سلّول های خوابیده در میان تخم ها و ریشه ها منتظر فرصت اند، با دمیده شدن نفخ صور بهاری یعنی با رسیدن رطوبت و حرارت زمین جنب و جوش خود را از سر می گیرد، سلّول های خفته از درون خویش بیدار شده و به طور اجباری بصورت علفها و گلها از شکم زمین خارج می شوند و مصداق «يُخْرِجُ الْحَيَّ مِنَ الْمَيِّتِ» (الانعام: 95) آشکار می گردد.

هم چنین درباره انسانها که میمیرند و در زیر خاک، خاک میشوند حیات به صورت خفته درون ذرات خاک شده بدن به حالت انتظار میماند و با رسیدن بهار قیامت و آماده شدن محیط و شرایط مساعد ذرّات أبدان به حرکت آمده و مانند کرم های خاکی شروع به رشد می کنند و آنگاه بزرگ شده سر از خاک در می آورند «كَذلك نُخْرِجُ الْمَوْتَى لَعَلَّكُمْ تَذَكَّرُونَ» (الاعراف: 57)

ناگفته نماند حیات یک چیز مرموزی است میتواند درون ذرّات بسیار ریز حتی درون اتم ها و ژنهای خشکیده پنهان شود و از دستبرد حوادث محفوظ بماند و میلیون ها سال به حال خفته انتظار محیط و شرایط مساعد را بکشد و به محض مهیا شدن شرایط از درون اتم ها و سلولهای خشکیده و خاک شده سر بر آورد و شروع به رشد نماید، هیج دانشمندی نمی تواند این مطلب را رد ،کند اکنون دانشمندان حیات را در ویروس هایی پیدا می کنند که حتی زیر میکرسکوب الکترونیک دیده نمیشوند با آنکه در کتاب دانستنیهای جهان، علم ص 33 می گوید: ذرّه بین های الکترونیک أشیاء را هفت ملیارد برابر بزرگتر نشان

ص: 40

می دهند گاموف آمریکائی در ص 163 کتاب ماده، زمین و آسمان شکل ذرّاتی را که پانصد هزار مرتبه بزرگ شده اند چاب کرده است.

یعنی ویروس ها پس از پانصد هزار مرتبه بزرگ شدن هنوز دیده نمی شوند ولی زنده اند و حرکت، جذب، دفع و تولید مثل دارند، حیات در چنین سوراخهای نامرئی و ذرّات ناپیدا خود را حفظ کرده است، چه بعدی دارد که در میان سلّول های خشکیده و خاک شده بدن خود را حفظ کرده و منتظر فرصت بوده باشد.

می گویند: اگر دانه گندم را بریان کنیم سلولش می میرد، و دیگر وقت کاشتن نمی روید و اگر مثلاً خاک بدن را خشت بزنند و آجر بپزند دیگر قابلیت زنده شدن را نخواهد داشت؟

گوییم: میکروب هایی هستند که حتی در حرارت دویست درجه از بین نمی روند از کجا معلوم که با آجر شدن از بین رفته اند؟

کشف عجیب

در مجله جوانان سال ششم از شماره های بهمن ماه (برج دلو) صفحه 6 زیر عنوان «ما اسرار زنده کردن موجودات چندین ملیون ساله را فاش می کنیم» از یک دکتر انگلیسی به نام «مورلی مارتین» نقل می کند: او یک تکّه از سنگ های «آزوئیک» را که عمر آنها بین 100 تا 400 میلیون سال قبل است در کوره الکتریکی بین 2 تا 3 هزار درجه حرارت داده آنرا که مانند کف فلزّی شده بود بیرون آورد و باز در محلی 220 درجه حرارت داد آنگاه آن را در آب های مخصوصی قرار داد و تحت تأثیر اشعّه ایکس یا ماوراء بنفش گردانید، مشاهده کرد دانه های آن از هم جدا شده و ذرّات کوچک به وجود آوردند، بعد از ادامه عمل متوجه شد که آنها به صورت خرچنگ ها و ماهی های کوچک در آمدند. و حتى ديد بعضی ها به تدریج صورت فیل،کرگدن، میمون و غیره به خود می گیرند، دانشمند از این کشف به طوری بهت زده شد که جان خویش را باخت ولی ثابت کرد که

ص: 41

سلّول ها و یاخته های حیوانات چندین میلیون ساله که بطور خشکیده وجود سنگ را تشکیل داده اند زنده بوده و انتظار فرصت مناسب را دارند، عجیب این که پس از دیدن 1200 درجه حرارت هنوز آنها نمرده بودند.(1)

از اینجا است که باید گفت: همانطور که زمین در زمستان برای بهار آبستن است برای زاییدن بشرهای بیشمار نیز آبستن می باشد و با یک تکان خدا آن ذرّات بیدار شده و شروع برشد خواهند کرد. «فَإِنَّما هِيَ زَجْرَةٌ وَاحِدَةٌ * فَإِذا هُمْ بِالسَّاهِرَةِ» (النازعات: 13 و 14)

مرحله سوم

مرحله سوم از قیامت، زندگی در بهشت و جهنّم است که آخرین مرحله سیر بشر است «فَرِيقٌ فِي الْجَنَّةِ وَ فَرِيقٌ فِي السَّعِيرِ» (الشورا: 7) راجع به این مطلب باید به آیات قرآن رجوع شود و خلاصه آن که: اهل بهشت در یک نوع سعادتی خواهند بود که ما فوق آن شاید غیر ممکن باشد و اهل عذاب در عذاب دردناکی بسر خواهند برد. نعوذ بالله منه.

1- در زندگی بهشتی ظاهراً عموم کارها(2) و یا مقداری از آنها بوسیله اراده انجام خواهد گرفت نه بوسیله ابزار همانطور که کارهای خدا بوسیله اراده است «إِنَّمَا أَمْرُهُ إِذَا أَرَادَ شَيْئاً أَنْ يَقُولَ لَهُ كُنْ فَيَكُونُ» (يس: 82) همان طور که خداوند به سلیمان علیه السّلام اراده قوی داده بود که می توانست مسیر باد را عوض کند و در «ریح» توضیح داده شد، چنانکه آصف وزیر سلیمان توانست با اراده خویش تخت ملکه سباء را از فاصله دور پیش سلیمان آورد، هم چنانکه امروز بعضی از علمای هیپنوتیسم اراده خودشان را به کسی تحمیل کرده و او را می خوابانند و در همان حال بدون احساس درد او را عمل جرّاحی می کنند.

همین طور در بهشت هم کار با اراده خواهد بود رجوع شود به آیه «عَيْناً يَشْرَبُ بِهَا عِبَادُ

ص: 42


1- اگر این آزمایش صحیح باشد برای اثبات قیامت بسیار مفید واقع می گردد.
2- دلیلی بر عموم مذکور بنظر نرسیده است (مؤلف).

اللهِ يُفَجِّرُونَهَا تَفْجِيراً».(1) و آيه «... لَهُمْ فيها ما يشاؤن...».(2) و روايات شجره طوبی در روضة الواعظين مجلس 95 و بحار الأنوار ج 8 ط جدید، و در رساله معاد از نظر قرآن وعلم ص 127 - 132 توضیح داده شده است.

2- در زندگی آخرت مردم یک دیگر را مثل دنیا خواهند شناخت و حالات دنیا را به نظر خواهند آورد و دوستان و دشمنان خویش را یاد خواهند کرد رجوع شود به آیات «...يَتَعارَفُونَ بَيْنَهُم...» (يونس: (45) «فَأَقْبَلَ بَعْضُهُمْ عَلى بَعْضٍ يَتَسَاءَلُونَ قَالَ قَائِلٌ مِنْهُمْ إِنِّي كانَ لي قرين ...» (صافات: 50-57) أيضاً «وَ أَقْبَلَ بَعْضُهُمْ عَلى بَعْضٍ يَتَسَاءَلُون...» (الطور: 27-25) که درباره گفتگوی اهل بهشت و یاد آوری زندگی دنیا است. أيضاً «... يَوْمَ يَقُولُ الْمُنافِقُونَ وَ الْمُنافِقاتُ لِلَّذِينَ آمَنُوا انْظُرُونا نَقْتَبِسْ مِنْ نُورِكُم...» (حدید: 12 و 13) که در خصوص گفتگوی منافقان با مؤمنان است أيضاً در سوره اعراف گفتگوی اهل بهشت با اهل جهنم و در سوره مطففین خندیدن اهل بهشت از دیدن کفّار نقل شده است.

3- قرآن مجید زندگی آخرت را مخلّد و جاودانی اعلام می کند در دنیای فعلی اصل کهولت (آنتروپی) بر تمام مواد و نیروها حکم فرماست هر موجودی که به حالت خود رها شود و امدادی بدان نرسد بطور تدریج بسوی همواری و پیری و سکون می رود و اگر این حالت در ماده نبود اصل بقا و ثبات در عالم حکومت می کرد و ما در این زندگی مخلّد می شدیم و از فنا اثری نبود فرق دنیا با آخرت آن است که در آخرت اصل کهولت از مواد برداشته خواهد شد، ذره ای بی انتهاء نوشته آقای مهندس بازرگانی ص 85 را مطالعه کنید.

آيات «... ذلك يَوْمُ الْخُلُود» (ق: 34) «خالدين فيها» و ده ها آیات دیگر ناظر به این مطلب اند و در نتیجه خستگی از یک نواخت بودن لذتها و تبديل سعادت به عادت در زندگی

ص: 43


1- الإنسان: 6. آية برتأثیر اراده دلالت دارد.
2- نحل: 31. آية برتأثیر اراده دلالت روشنی ندارد.

اخروی معنایی نخواهد داشت درباره اهل بهشت آمده: «خالِدینَ فيها لا يَبْغُونَ عَنْها حِوَلاً» (الكهف: 108) یعنی اهل بهشت در آن پیوسته اند و طالب تحوّل نیستند. این قهراً برای آن است که نعمت های بهشتی برای آنها پیوسته تازه و لذّت آور است و سیر و خسته نمی شوند. انتهى كلامه.(1)

تنبيه إبطالي

قال صاحب الأسفار و إنّما ذهب اكثرهم (أى الفلاسفة) إلى اثبات المعاد الروحاني فقط، فالجنة و نعيمها و حورها و قصورها و أشجارها و أنهارها ليست إلّا إدراك المعقولات و الإبتهاج بها. و النار و وقودها و سلاسلها و حميمها و زقومها كناية عن رذائل الأخلاق و ذمائم الصفات خصوصاً الجهل المركب و التعذب بها. ( ج 9، 155، طبعة مطبعة أفق سنة 1425 ق)

أقول: و هذا القول تردّه آيات كثيرة من القرآن و القائلون به منكرون لضرورى من الضرورات الاسلامية. وجهل منهم بما وصل اليه العلم التجريبي بعدهم.

19- بحث علمیّ

اشارة

اثبت لاوازية الفرانسوى أنّه، لن تنعدم المواد الموجودة في العالم و إنّما تتغيّر أشكالها من شيء الى شيء آخر، و تلاشى المواد إنّما بتفرق أجزائها أو بتبديلها بمواد أخرى و اذا قدرنا بطريق علميّ على جمع الأجزاء، صار كجسمها السابق من دون نقص جرام واحد منها، فاذا مات انسان و اضمحلّ بدنه و فنی و صار رميماً لا ينعدم جزء منها بل هو محفوظ بتمامه في مخازن العالم الطبيعي فهو قابل للاسترجاع في كل وقت، و من ذلك الحين اصبح بقاء المادة

ص: 44


1- این فصل از کتاب مفيد قاموس قرآن ج6، ص 63- 67. تألیف دانشمند محترم آقای سید علی اکبر قرشی نقل شده است.

قانوناً علمياً مقبولاً، ثم جاء الزوجان الفرانسویان بیر کوری و مادام کوری فوجدا في ضمن اختباراتهم على الاجسام راديواكتيو(1) استثناءاً للقانون المذكور و هو في مورد تجزئة الذّرات (اتمها) و الانفجارات الذرية فشاهدوا تبديلها بالانرجى و عدم تبديلها بمادة اخرى. فاصلح العلماء قانون لاوازية (بقاء المادة) بقانون (بقاء المادة - الانرجي) و اتفقوا على ان المادة و الطاقة ثابتتان فى العالم ولاتنقص جرام منهما.

نعم تتبدّل المادة بالمادة والمادة بالطاقة (انرجی) و تتبدل الطاقة بالطاقة و لكن لا يطرء عليهما فناء و عدم أبداً. و العمدة في ذلك؛ ان الزوجين المذكورين كشفا في مختبرهما في باريس عنصراً جديداً سمّى ب- (راديوم) ذات خاصية هى أن تخرج منها الحرارة و النور فعلم العلماء ان العنصر المذكور ينقص أجزائه تدريجاً و تتجزى و تزول. و عليه، فتبقى أجزاء أبدان الانسان حتى أفعاله و أقواله باقية في متن العالم بمختلف أشكال الطاقة. و عليه فاعادة أجسام الافراد في القيامة و حتى الآن ممكنة علمياً اذا تهيئت أسبابها. و اذا تبدلت أجزاء بدن بالتحولات و التبدلات المادية باجزاء أبدان آخرين يمكن تكميل الأبدان الناقصة بخلية أو خليّات قليلة منها كما يقول به العلم.

خلاصة الكلام فى المعاد أمور

الأول: إتصال الروح الموجود الباقى في البرزخ ببدنه يوم القيامة.

الثاني: البدن جسمانى و يظهر من الظواهر الاسلامية انه ماديّ ايضاً.

الثالث: ان كل هذا الجسم أو مقدار منه يؤخذ من الأرض.

الرابع: الظاهر انه من الأجزاء المتفرقة من بدن الميت المقبور أو المحروق أو المغروق أو المأكول.

الخامس: لا دليل قاطع على أن تمام البدن المحشور هو من بدن الانسان المقبور أىّ بدن

ص: 45


1- الاجسام التي لها تشعشع ذرّى التي ذراتها (انمهاى انها) في حالة التلاشي و الانفساخ.

كان، بحسب الروح. فلعلّ مادة بعض الأجزاء يؤخذ من مكان آخر لتتميم البدن و لكنه مخالف لظاهر الآيات كما قلناه في الأمر السابق.

السادس: لاشك في تفاوت البدن المحشور عن جميع الأبدان المتبدلة للفرد طول حياته في الجملة لتفاوت النشأتين و متطلبات الجنة و النار المختلفتين مع متطلبات كرة الأرض دار البلاء و الآفات و دار الحياة و التكليف. و مع ذلك تفصيل الأمر مجهول لنا. و نحن نؤمن بفعله و قوله تعالى، فان جهلنا بعضه فنستغفره من جهلنا و ابتعادنا من الواقع.

20- كفاية الأرض لخميرة الأبدان

اشارة

بناءاً على إعادة الأجسام و الأبدان الانسانية بعينها، على القول بعدم استحالة اعادة المعدوم، أو على أنّ المعاد الجسماني بجمع المتفرقات أو بتكثير خليات الطينة الأصلية كما في موثقة عمار بن موسى المتقدمة ص36. يتّجه اليه سؤال و هو عدم كفاية كرة الأرض لخميرة افراد الانسان الذين أوجدهم الله تدريجاً، ثم يحشرون يوم القيامة مجموعاً و دفعة واحدة.(1)

و يخطر ببالي في جواب ذلك ما يقال من ان العلم الحديث أثبت ان الخلايأ بين الأجزاء الصغار للبدن و سائر الأجسام كثيرة بحيث لو فرض و رود الضغط الكثير على كرة الأرض و عصرها حتى اتصلت الأجزاء و ارتفع التخلخلات من أوساطها، لصغرت صغر تفّاح أو برتقال واحدة، مع بقاء وزنها على حاله، فاذا وسع فواصل الأجزاء يمكن كفاية بعض الأرض لخميرة الأبدان البشر من أوّله الى آخره مع خفة أوزانهم، و يمكن مزج مواد محتاجة اليها للحشر من بعض كرات اخرى، و الله قادر على ذلك بألف وسيلة.

و نحن لانعلم حجم الانسان و كمّه و کیفه و وزنه و طوله و عرضه في القيامة غير أن اختلاف كرات الجنة و جهنّم و ميدان الحساب مع الكرة الأرضية يوجب اختلاف

ص: 46


1- خصوصا عند من يقول بان البحوث الجيولوجية و التنقيبات الأثرية تدل على عيش الانسان منذ اكثر من مليوني سنة فى الارض. مع عدم تجاوز مساحة الارض من 715/950/509 كيلو متر مربع.

خصوصيات الأبدان لامحالة.

و في الاسفار (ج 9 ص 174) ان جرم الأرض مقدار محصور محدود. و عدد النفوس غير متناه، فلا يبقى مقدار و لايسع لأن تحصل منه الأبدان الغير المتناهية، و الجواب الحق بما مر من الأصول أن لاعبرة بخصوصية البدن و ان تشخصه و المعتبر في التشخص المحشور جسمية ما، أيّة جسميّة كانت، و أنّ البدن الاخروى ينشأ من النفس بحسب صفاتها يحدث من المادة بحسب هيئاتها و استعداداتها كما في الدنيا.

أقول: العالم حادث مسبوق بالعدم الفّكي عندنا و الانسان وجد بعد خلق كرة الأرض و صلاحية أجوائها و بعد خلق الماء و النبات والحيوان فالنفوس متناهية، و القرآن ظاهر في أن الأبدان لا تنشأ من النفس؛ بل يخرجون من الأجداث و القبور و له جواب ثان، ربما يرجع الى ما قلنا، أو لا من توسعة التخلخلات كما يظهر من السبزواري في تعليقته على المقام(1) و للغزالي زلة اخرى في حشر الأبدان يخالف كتاب الله. فانظر ج 9 ص 180 من الاسفار.

لكن الظاهر ان مقداراً من تراب الأرض يكفى لاعادة جميع أبدان افراد الانسان من أولها إلى آخرها حسب اقتضاء علم الرياضي، و اليك بيانه:

بنا بر محاسبات علم خاک شناسی، وزن مخصوص خاک در حدود 2/65 می باشد، مفهوم آن این است که خاک نسبت به آب، 2/65 برابر بیشتر وزن دارد. به اساس این محاسبات می توانیم، روابط ذیل را ترتیب بدهیم:

2/65 = وزن مخصوص خاک.

1gr = یک سانتی متر مکعب آب خالص.

ص: 47


1- و اما الاشكال الصعب – و هو السؤال عن مكان الجنة و النار مع ملاحظة قوله تعالى «و جنّة عرضها السموات الارض»، فهو كان مبنيا على الهيئة البائدة البطلميوسية و انه لاخلأ و لاملأ فوق فلك الافلاك و اليوم اصبح بطلانها و فسادها واضحاً وقد عرفت ان مكانهما في إحدى المجرّات و اما البحث عن الآية فله محل آخر.

2/65gr= یک سانتی متر مکعب خاک.

با استفاده از روابط بالا رابطه های ذیل را تشکیل کرده می توانیم.

1cm (soil) = 2/65gr= 0/00265 kg

\1m = 1000000 cm

1 1m (soil) =2650 kg (soil)

1m 1,000000,000 m

1km (soil)=2/650,000000,000 kg(soil)

هرگاه طول، عرض و ضخامت یک شکل مکعبی یک کیلو متر باشد،

حجم آن یک کیلو متر مکعب می باشد.

هر گاه کتله خالص خاک در یک انسان 20

کیلو گرام فرض شود در این صورت محاسبه

میکنیم که کتله یک کیلومتر مکعب خاک

برای چند انسان کفایت می کند.

2650000000000kg= 132500000000

20kg

کتله یک کیلو متر مکعب خاک، برای یک صد و سی و دو میلیارد و پنجصد میلیون انسان کفایت می کند.

حجم مجموعی زمین و آنچه در آن است، برابر با یازده هزار میلیارد کیلومتر مكعب می شود، که قسمت جامد آن (مواد معدنی، خاک، کوه ها) برابر با 3300 میلیارد کیلومتر با مکعب می شود.

اگر بخواهیم کتله قسمت جامد زمین را برای خمیره تعداد انسان ها معلوم کنیم، باید

ص: 48

عدد سه هزار و سه صد میلیارد را با عدد 132500000000 ضرب کنیم. بنابراین، در کفایت زمین برای خمیره انسانهایی که در قیامت محشور می شوند، کمبودی احساس نمی کنیم.

10, 3725, 4= 10, 1325× 10, 3300(1)

تنبيه: الظاهر ان مراد المتكلمين و المحدّثين الذين يقولون باعادة الأجزاء الأصلية هي التى لا تتبدل أصلاً من أول عمر الفرد الى آخره، وكذا بعد انتشارها في القبر بشيء آخر.

و فيه اولاً: أنه مجرد فرض لا دليل عليه عقلاً و نقلاً. و ثانياً: قد ثبت اليوم أن جميع خليات البدن تتبدّل بعد سنوات. لكن في الجواب الثاني نظر.

بعضی ها می گویند: از نظر علمی حجم واقعی هر موجودی به قدر یک میلیون میلیونیم حجم ظاهری آن پدیده مادی می باشد. و ما بقى فضله خالص است. و به موجب این نظریه اگر بدن یک انسان فشار شدید ببیند و فضای بین اجزاء تخلیه گردد ماده بدن مذکور به اندازه ای ریز می شود که بوسیله میکروسکوب قابل دید است، ولی وزن او فرقی نخواهد کرد.

و نیز گفته شده هر ثانیه یک نفر می میرد، و در هر روزی بیشتر از هشتاد و شش هزار نفر و در یک سال زیادتر از سی میلیون و در صد سال سه میلیارد از دنیا می روند حالا فکر کنید تا آخر دنیا عدد انسانها بچه ارقام سرسام آوری می رسد. که نه نامی دارد و نه ذهن قادر بفهم صحيح آن است و تنها بشماریدن چند عدد در مقابل صفرها ذکر خواهد شد! حالا بگویید کره زمین لیاقت خمیره این همه ابدان را دارد؟ ولی حساب فوق جواب مثبت این سؤال را بما می دهد.

ص: 49


1- صورت حساب از آقای انجنیر سید بشر رؤفی می باشد.

نقل و تأكيد

نقل و تأكيد(1)

خلاصة الكلام يمكن أن نقول بأن البدن المُعاد في المعاد يتواجد و يتحصل و ينتخب مقداره المتعين في الآخرة حسب علم الله و ارادته من مجموع اكثر أبدان الفرد في الدنيا.

و قد يلائم هذا ما يقال اليوم من الأصل في التغذية، ان ما يأكله الانسان من المواد المأكولة لا تتجاوز ثلاثة بالمائة من المأكول و الباقي يدفعه.

فان صح هذا فتبطل شبهة الآكل و المأكول المسطورة فى الكتب الكلامية و الحكمية من زمن قديم، ببطلان فرضه من دون احتياج الى الجواب.

نعم للشبهة المذكور مورد آخر اشرنا اليه من تبدّل المواد المأكولة بالمدفوعات ثم الى التراب ثم تبديلها بوسيلة عروق الأشجار الى الفواكه و كذا أجزاء بدن الأموات، تتبدّل الى التراب ثم تسير الى الفواكه ثم الى بدن الانسان الآكل ثم تبديل بعضها بالدم و اللحم و هکذا فربما يكون بدن الانسان متركب من أجزاء أبدان كثيرة من أفراد الانسان. و جوابه ما سبق والله العالم.

نقل و تأکيد: قال بعض الأفاضل القميين من اهل عصرنا: ان ما ذكروه من عدم كفاية تراب الأرض لاحياء الناس باطل بالنظر الى حجم المواد الأرضية و ذلك لان حجم الكرة الأرضية يبلغ الفاً و ثلاثة و ثمانين مليارا و ثلاثمائة و عشرين ميليون كيلومتر مكعب هذا من جهة.

و من جهة اخرى ان صندوقا بحجم كيلومتر مكعب، بمعنى ان كلا من طوله و عرضه و ارتفاعه يبلغ كيلومترا واحدا، ان مثل هذا الصندوق یسع داخله لاضعاف عدد سكان الأرض الحاليين.

و ذلك ان كل كيلو متر في الطول يسع خمسة آلاف انسان، يقف كل منهم الى جانب

ص: 50


1- الالهيات، ج 4، ص 392 الى 395 سماحة الشيخ السبحاني من افاضل الكتاب القميين.

الآخر، و كل كيلومتر في الارتفاع يسع سبعمأة و خمسين انسانا متوسط طول الواحد منهم مترا و نصف المتر، يقف كل منه على رأس الآخر، فاذا اردنا حساب من يمكن ان يحويه ذاك الصندوق، فما علينا الّا ان نضرب الطول بالعرض بالارتفاع(1) فتكون النتيجة اتساع هذا الصندوق لثمانية عشر مليار و سبعمائة و خمسين مليون انسان.

هذه سعة الكيلومتر المكعب الواحد، فما ظنك بسعة الف و ثلاثة و ثمانين مليار، و ثلاثمائة و عشرين مليون كيلومتر مكعب؟ انها بالتأكيد تكفى لأضعاف- لاتحصى- ممن قطن هذه الكرة الارضية.

فمسألة قلة المواد الأرضية لاحياء الناس، مسألة ذهنية طرحت من غير تدبير في حجم العالم.

ثم ان بدن الانسان لا يتشكل من التراب فحسب، بل الماء و الغازات من العناصر الرئيسية التي يتكوّن منها بدن الانسان. و يحيط بالأرض طبقة من الغازات تسمى بالغلاف الجوى، تبلغ في الارتفاع و السماكة الف كيلومتر، و تبلغ فى الوزن خمسة ملايين مليارطُن(2) هذا في جانب الغازات.

و اما في جانب المياء المتواجدة على سطح الكرة الأرضية فيكفينا ان نعرف ان إلقاء حجر في إناء مملوء من الماء، يوجب ارتفاع سطح الماء بما يساوى حجم هذا الحجر، هذا من جهة، ومن جهة أخرى، اثبت العلم الحديث اننا لو جمعنا كل البشر الذي يقطنون الكرة الأرضية(3) و القيناهم في بحيرة قزوين، فسوف لن يصل ارتفاع الماء في البحيرة الى سنتيمتر واحد بل يكون اقل منه، بمعنى ان ارتفاع المياه لن يكون محسوسا لنا.

ص: 51


1- 5000× 5000× 750= 18، 750، 75000000، 18، إنسان.
2- 5.000.000.000.000.000
3- و هم عند إجراء هذا الحساب ملیاری انسان أقول و هم اليوم اكثر من سبع مليارات.

هذا و ليست هى الا بحيرة(1) فما ظنك ببحار الدنيا و محيطاتها.

بل ان النيازك المشاهدة في الليالي هي نتيجة وصول احجار و أتربة و اجسام ثقيلة من الفضاء الخارجى الى الغلاف الجوى، فيوجب احتكاكها الشديد به احتراقها و تناثرها، و هبوطها على الارض ذرات خفيفة لا تزعج الحياة عليها و هذه الاحجار توجب ازدياد المواد الارضية زيادة مطردة بشكل يومى، و قال العلماء ان عشرين مليون حجرا فضائيا يصطلدم يوميا بالغلاف الجوى و هى تسير بسرعة خمسين كيلومترا فى الثانية، فتتلاشی و تتناثر و تهبط بلا ازعاج على القشرة الأرضية.(2)

و على هذا، فالمواد الأرضية لم تزل في حال التوفّر و الازدياد، و الله يعلم الى أيّ حد يصل حجمها الى يوم البعث.

وقد وصل العلم الى انه لو كانت هناك قدرة على ازالة الفراغات المتخللة بين ذرات المواد الأرضية لبلغت هذه الكرة العظيمة الهائلة فى الحجم، مقدار جوزة صغيرة، ولو فرض افراغ فواصل ذرات المنظومة الشمسية، بشمسها و سيّاراتها الكبيرة و الصغيرة لبلغ حجمها مقدار فاكهة كبيرة كالبطيخ هذا من جانب.

و من جانب آخر، لو ازدادت الفراغات بين الذرات لأزداد حجم العالم ازديادا كبيرا، فليس الحجم تابعا لكثرة الذرات و قلتها ففى وسع المولى سبحانه -و هو على كل شيء قدير- ان يبسط فراغ المواد الأرضية فيزداد حجمها، و تكفى لاحياء الموتى مهما بلغوا.

و ليس هذا الأمر بعيداً عن الحس، فانا نرى ان حجم الماء يتفاوت فى حالاته الثلاث التجمد و السيلان و التبخّر، و عليه فلا مانع من امتداد المادة الأرضية يوم القيامة امتداداً هائلاً بحيث يصبح ما كان لا يكفى لاحياء اكثر من انسان واحد كافيا لاحياء الكثير من الناس، هذا

ص: 52


1- تبلغ مساحة بحيرة قزوين 420000 کيلومتر مربع.
2- الله يتجلى في عصر العلم، ص 20.

ما كشف عنه العلم.

الجواب السمعى

قد اعرب الوحى عن كفاية مواد الأرض لاحياء الموتى بوجه خاص، يفهمه المتدبّر في القرآن الكريم. يقول سبحانه: «وَ إِذَا الْأَرْضُ مُدَّتْ» (الانشقاق: 3) و يقول سبحانه: «وَ حُمِلَتِ الْأَرْضُ وَالْجِبَالُ فَدُكَتَا دَكَةً وَاحِدَةً» (الحاقة: 14)

و من المحتمل جداً ان يكون مد الارض فى ظل الاندكاك، بكسر الذرات الموجودة فيها، فيبلغ حجم حجر يقدر بمتر مكعب الى ملايين الكيلو مترات المكعبة.(1)

فخرجنا بهذه النتيجة، و هي ان نصور عدم كفاية المادة الأرضية لاحياء الناس، باطل في العقل و العلم و الوحى. انتهى كلام هذا القائل.(2)

أقول وبالله التوفيق، ما قاله هذا القائل و غيره من جهة العقل و العلم صحيح كما ذكرناه سابقا لكن هنا شيء آخر و هو ان حشر الأجساد الانسانية البالية فى الأرض عند انتهاء الدنيا و حلول يوم القيامة- و لعلها بعد مليارات من السنين بعد يومنا هذا- ليس من تراب الأرض مطلقا بل من تراب الأجساد المقبورة سابقا و ربما يتبدل بدن ميت واحد الف مرّة بالنبات و الفواكه ثم يأكلها الانسان فيصير نطفة و انسانا ثانيا، فيبقى السوال بحاله و هذا المؤلّف الفاضل (و غيره) أهمل هذه النكتة. نعم الحسابات الرياضية المتقدمة، و الوجوه الآخر تكفى لكون الأرض خميرة الابدان جميع افراد النوع الانساني.

ص: 53


1- ما ذكره هذا الفاضل في الجواب السمعى فيه نظر أومنع.
2- الالهيات، ج 4، ص 392-395.

21- الآشتياني و معاد الأسفار

از آن جایی که صدر الحكماء معاد جسمانی را ضروری می داند- با این که بنابر اصولی که تقریر شد و از باب آن که حقیقت انسان به نفس ناطقه است و خصوصیات وجودی- از قبیل دنیوی بودن و اخروی بودن- در حفظ هویت انسان قادح نمی باشد و زید موجود در دنیا همان طوری که ملاک هذیت و تشخّص و هویت آن نفس ناطقه اوست و درجات طفلی و جوانی و پیری، ملازم با تغیر قوای جسمانی بوده و تغیر این مراتب و درجات، مانع صدق انسانیت بر آن نمی باشد، از آن جای که شیئیت انسان به نفس ناطقه است و اگر نفس، باقی باشد، تبدیل درجات بدن و زوال اصل بدن به اعتبار آن که با بقای زید به عنوان بودن آن فردی از افراد انسان منافات ندارد و زید موجود در آخرت همان زید موجود در دنیاست اگر چه موجود در آخرت نفس ناطقه اوست نه بدن او و معتقد است که اضافه نفس به بدن ذاتی نفس است. و نفس، در آخرت نیز دارای بدن است. و نفوس اخروی، با ابدان و اجساد، محشور می شوند و از آن جای که دار آخرت نشأت ماده و حرکت و تغیر و فنا و زوال نیست و بدن در هر نشأت باید احکام همان نشأت و عالم را دارا باشد، برای اثبات حشر اجساد و تحقیق این اصل مهم که زید محشور در آخرت همان زید موجود در دنیاست نه به حسب نفس ناطقه و روح امری فقط بلکه به جهت بدن و نفس و جسم و روح، زید محشور در یوم نشور همان زید موجود در دار غرور و نشأت دنیاست روحا و جسما، نفسا و بدنا، به نحوی که اگر کسی زید را در آخرت با چشم ببیند گوید این همان زیدی است که در دنیا او را دیده ام و خلاصه کلام آن که عقلاً و عرفاً فرد محشور در آخرت به اعتبار روح و جسم و نفس و بدن همان انسان موجود در دنیاست.(1)

أقول: لنا في هذا الكلام ثلاث كلمات:

ص: 54


1- شرح زاد المسافر للآشتياني، ص 224 و 225.

الاولى أن هذا البيان يرد على الفلاسفة المشائين و الإشراقيين ممن يرون المعاد روحياً محضاً و يثبت اعادة الجسم غير المادي كما تقدم غير مرّة.

الثاني: أن هذا لا يكفى لاثبات المعاد القرآني، و تأويل الآيات الكثيرة لأجله غير جائز و لا يكفى الصدق العقلى و العرفى على المحشور مالم يصدق عليه المعاد القرآني.

الثالث: أن نفى المادة و الحركة من عالم الآخرة بنحو ارسال المسلمات في كلام جملة الحكماء و حتى بعض المتشرعين، فتوىً من غير دليل و تقليد من صاحب الأسفار و أمثاله من غير برهان إلّا بنحو دَورى.

و الحال أن القرآن يصرّح بان جنة المأوى عند سدرة المنتهى التي بلغ اليها النبي في حياته و جسمه المادى فى هذه النشأة فلاحظ. و على كل أن هذا القول ينجرّ الى تأويل وسيع في الآيات الواردة فى موقف الحساب و الجنّة و نعمائها و في النار و عذابها من دون دليل.

و اعلم أن عروج الرسول الأعظم و النبى الخاتم صلّی الله علیه و آله و سلّم الى السماء كان جسمانيا عند معظم المفسرين و علماء الاسلام وكان براقه موجوداً مادياً كما يعلم من الروايات الواردة في المعراج، المنقولة في بحار الأنوار. و هو - صلّی الله علیه و آله و سلّم- في حياته في هذه النشأة بلغ الى سدرة المنتهى و عندها جنة المأوى (جنة محل السكونة و الاجتماع للمتقين) و هي من خواص الجنّة و لأجل سكونة المؤمنين أعدت. قال الله تعالى: أَمَّا الَّذِينَ آمَنُوا وَ عَمِلُوا الصَّالِحَاتِ فَلَهُمْ جَنَّاتُ الْمَأْوِى نُزُلاً بما كانُوا يَعْمَلُونَ (السجدة: 19)

ومن لاحظ الآيات المتقدمة من هذه الآية و الآيات المتأخرة لا يبقى له شكّ في أن المراد بجنات المأوى هو جنّات الآخرة و الخلد، فكذا آية النجم و ان جنة المأوى جنة الخلد فالآية دليل قاطع على بطلان ادعاء كل من ينكر مادية النار و الجنة و المعاد الجسماني بدعوى أن الآخرة حينئذ تنقلب دنيا فهو انكار القيامة! و من هؤلاء شارح زاد المسافر السيد جلال الدين

ص: 55

الآشتياني(1) وهو رغم اطّلاعه في الفلسفة مبتلى بالسذاجة كجملة من الفلاسفة.

و من شواهد سذاجته:

اولاً: غلوه في حق جملة من الفلاسفة.

ثانياً: رده ظواهر الكتاب و السنة بدعوى أنها ظنية، و الظن غير حجة في اصول الدين(2) و غرضه من ذلك- و الله العالم- تحكيم أنظار صاحب الأسفار فى المعاد. و غفل من أن دلالة مجموع الآيات الواردة في حشر الأجساد أصبحت قطعية لاتحتمل الخلاف.

و ثالثاً: اعتماده على الروايات المجعولة أو المجهولة.

و رابعاً: رده دلالة جملة من الآيات الواردة في نفي علم النبي صلى الله عليه و آله و سلّم بوقت القيامة و قيامها، برواية غير معتبرة سنداً و باشياء ضعيفة.

و خامساً: غلوه في حق ابن العربي فوصفه بالشيخ الكامل المكمل والغوث الاكبر(ص 360). و بالشيخ الكبير و الغوث الأعظم و العارف الكامل و المكمل (362 شرح زاد المسافر).

وسادساً: اصراره و غلوه فى الفرق بين الدنيا و الآخرة بما ليس عليه دليل. و إنما ذكره تقليداً لجملة من الحكماء (تعليقة ص 236) و تردّه آية النجم كما سبق.

و من جملة الغلاة من يقول أن الأنوار الأسبهبدية و ما فوقها إنّيّات صرفة لا ماهية لها على التحقيق. فيجعل بعض الممكنات غير متناهية، على أنّ وجود العقول الطولية و العرضية غير ثابت بالبرهان العقلى. وَ مَا قَدَرُوا اللهَ حَقَّ قَدْرِهِ.

و الغلو ينبع من السذاجة غالباً. و من جملة هؤلاء الغلاة شارح حكمة الإشراق حيث عدّ ماتن الكتاب (المقتول السهروردى) من المتفوقين على بعض الأنبياء علیهم السلام و قد طالعته في أيام

ص: 56


1- شرح زاد المسافر، انظر سذاجته من ص 260 الى ما بعد ها بل في كل شرحه.
2- المصدر، ص 262 و 272.

شبابی و تلمذى فى النجف الأشرف أيام تأليف كتابي صراط الحق.

و من جملة هؤلاء الغلاة من يدعى أن كل ما ذكرته بالبرهان وجدته بالمشاهدة و العيان. و لكن ظهور بطلان هيئة البطلميوس بعد موته على الناس و صيرورته حسياً بعد نزول الإنسان على أرض القمر يدلّ على بطلان برهانه و مشاهداته و مکاشفاته و ثبت أنها تخيلات منه و من أمثاله فلا تخف من رجزه في مطاوى كتبه. و انظر ما يرتجز فى أمر المعاد في شرح زاد المسافر ص 261 و نحن نقول أن صاحب الأسفار عالم جيّد بالحكمة و له أنظار جديدة مفيدة و أنظار خاطئة و الغلو في حقه و حق سائر العلماء حتى المعصومين علیهم السلام قبیح و مضلّ و تفریط بساحة الحق و الحقيقة.

22- القبر و مايقع فيه

اشارة

الوقائع المهمة في القبر، هي الضغطة و الحساب و العذاب و السؤال. و الظاهر أن الحساب و السؤال متحدان مصداقاً. و هل العذاب هو الضغطة و الضمة فقط؟ يحتمل ذلك. و يحتمل أنه أكثر و أزيد منها، أعاذنا الله و جميع المؤمنين منه.

و اليك الروايات المعتبرة سنداً فى هذا الباب إذ لا طريق لنا غيرها:

1- صحيح زراره قال: «قُلْتُ لِأَبِي جَعْفَرِ علیه السّلام أَرَأَيْتَ الْمَيِّتَ إِذَا مَاتَ لِمَ تُجْعَلُ مَعَهُ الْجَرِيدَةُ؟ قَالَ: «يَتَجَافَى عَنْهُ الْعَذَابُ وَ الْحِسَابُ مَا دَامَ الْعُودُ رَطْباً». قَالَ: «وَ الْعَذَابُ كُلُّهُ فِي يَوْمِ وَاحِدٍ فِي سَاعَةِ وَاحِدَةٍ قَدْرَ مَا يُدْخَلُ الْقَبْرَ وَ يَرْجِعُ الْقَوْمُ(1) وَ إِنَّمَا جُعِلَتِ السَّعَفَتَانِ لِذلك فَلَا يُصِيبُهُ عَذَابٌ وَ لَا حِسَابٌ بَعْدَ جُفُوفِهِمَا إِنْ شَاءَ اللهُ».(2)

2- صحيح حريز و فضل و عبد الرحمن بن أبي عبد الله قال: «قِيلَ لِأَبِي عَبْدِ اللهِ علیه السّلام: لِأَيّ

ص: 57


1- هذه الساعة هى المرادة من القبر في هذا الفصل.
2- الكافي، ج 3، ص 152. و معجم الأحاديث المعتبرة، ج 1، ص 323.

شَيْءٍ تُوضَعُ مَعَ الْمَيِّتِ الْجَرِيدَةُ؟ قَالَ: «إِنَّهُ يَتَجَافَى عَنْهُ (الْعَذَابُ) مَا دَامَتْ رَطْبَةٌ.(1) و الروايات في ذلك كثيرة (ج 202/6 الباب 8 من بحار الأنوار).

و في سنن أبي داود: مرّ رسول الله صلّی الله علیه و آله و سلّم على قبرين، فقال إنّما يعذبان. ثمّ دعا بعسيب (جريدة من النخل) رطب فشقّه بإثنين، ثمّ غرس على هذا واحداً و على هذا واحداً. وقال : لعلّه يتخفّف عنهما مالم ييبسا.(2)

3- صحيح أبان بن تغلب عن الصادق علیه السّلام قال: «مَنْ مَاتَ مَا بَيْنَ زَوَالِ الشَّمْسِ مِنْ يَوْمِ الْخَمِيسِ إِلَى زَوَالِ الشَّمْسِ مِنْ يَوْمِ الْجُمُعَةِ مِنَ المُؤْمِنِينَ أَعَادَهُ مِنْ ضَغْطَةِ الْقَبْرِ».

4- فى صحيح يونس المضمر قال: سَأَلْتُهُ عَنِ الْمَصْلُوبِ، يُعَذِّبُ عَذَابَ الْقَبْرِ؟ قَالَ: فَقَالَ: «نَعَمْ، إِنَّ اللهَ عَزَّ وَ جَلَّ يَأْمُرُ الْهَوَاءَ أَنْ يَضْغَطَهُ».(3)

أقول: يشعر الحديث بأن عذاب القبر هو ضغطته.

5- صحيح أبي بصير عن أحدهما علیه السّلام قال: «لَمَّا مَاتَتْ رُقَيَّةُ ابْنَةُ رَسُولِ اللَّهِ صلّی الله علیه و آله و سلّم... إِنِّي لَأَعْرِفُ ضَعْفَهَا وَ سَأَلْتُ اللهَ عَزَّ وَ جَلَّ أَنْ يُجِيرَهَا مِنْ ضَمَّةِ الْقَبْرِ».(4)

6- صحيح أبي بصير قال: قال أبو عبد الله علیه السّلام: «يسأل وهو مضغوط».(5)

7- معتبرة سَمَاعَةَ بْنِ مِهْرَانَ عَنِ الصَّادِقِ علیه السّلام أَنَّهُ قَالَ: «إِنَّ الْعَبْدَ إِذَا كَثرَتْ ذُنُوبُهُ وَ لَمْ يَجِدْ مَا يُكَفِّرُهَا بِهِ، ابْتَلَاهُ اللهُ عَزَّ وَ جَلَّ بِالْحُزْنِ فِي الدُّنْيَا... وَ إِلَّا عَذَّبَهُ فِي قَبْرِهِ لِيَلْقَى اللَّهَ عَزَّ وَ جَلَّ يَوْمَ يَلْقَاهُ وَ لَيْسَ شَيْءٌ يَشْهَدُ عَلَيْهِ بِشَيْءٍ مِنْ ذُنُوبِهِ».(6)

ص: 58


1- الكافي، ج 3، ص 153.
2- سنن ابی داود، ج 1، ص 6. و انظر البخاری، برقم 1361 و برقم 1378 فانهما يدلّان على مثله.
3- الكافي، ج 3، ص 236. و معجم الأحاديث المعتبرة، ج 1، ص 323.
4- المصدران.
5- معجم الأحاديث المعتبرة، ج 1، ص 323.
6- جامع الأحاديث، ج 2، ص 27 و معجم الأحاديث المعتبرة، ج 1، ص 324.

8- صحيح صفوان (الجمال) عن أبي عبد الله علیه السّلام: إن رجلاً من الأحبار أقعده في قبره... فجلّده جلدة واحدة من عذاب الله فأمتلأ قبره ناراً».(1) يظهر منه مغائرة عذاب القبر من الضغطة. سواء كانت النار المذكورة مادية أو روحانية.

9- صحيح محمد بن مسلم قال: أبو عبد الله علیه السّلام: «لَا يُسْأَلُ فِي الْقَبْرِ إِلَّا مَنْ مَحَضَ الْإِيمَانَ مَحْضاً أَوْ مَحَضَ الْكُفْرَ مَحْضاً».(2) و له ثلاثة أسانيد اخرى فى الكافى و في آخر متونها، يلهون. أو: و اما ما سوى ذلك فيلهي عنه.

ثمّ في المقام مطالبٌ

أوّلها: مفهوم الحديث الأخير المؤكد بثلاث روايات أخرى غير معتبرة سنداً، إختصاص السؤال بالمؤمن الكامل و الكافر الكامل. و اختاره الشيخ المفيد رحمه الله من القدماء و فسر يلهون و يلهي، في غيرهما بأن البقية يعدمون في البرزخ.(3) و الله العالم.

ثانيها: نؤكّد للمؤمنين وضع الجريدتَين مع أمواتهم لأنهما دافعتين لعذاب القبر تفضّلاً من الله تعالى، مع من مات في غير مابين زوال الشمس يوم الخميس الى زوال الشمس من يوم الجمعة، بل معهم أيضاً لأنّ المنفى من الذين ماتوا بين الزوالين هو خصوص الضغطة و المنفى مع الجريدة، مطلق العذاب.

ثالثها: تدل عدة من الروايات غير المعتبرة سنداً على أن سؤال القبر من العقائد. و في بعضها عذاب القبر من النميمة و البول و عزب الرجل من أهله.(4)

رابعها: ان المتبادر من اليوم والساعة في الحديث الأول هو يومنا في الأرض نعم لا نعلم

ص: 59


1- معجم الأحاديث، ج 1، ص 324. بحار الأنوار، ج6، ص 221.
2- الكافي، ج 3، ص 236.
3- بحار الأنوار، ج6، ص 253 و 257.
4- بحار الأنوار، ج6، ص 252 و 273.

فعلاً مصطلح الساعة في عصر الباقر علیه السّلام لكن ببالى من بعض الروايات أنها قريبة من مقدار ساعة عندنا.

خامسها: الظاهر من حديث يونس أن عذاب القبر في مورده جسماني. و الله العالم. ثمّ إذا فرضنا السؤال و العذاب روحانيين فهو، و إن كانا جسمانيين فهل يرجع الروح الى البدن كاملاً أو يرجع تعلقه به ببعض مراتبه ليكون الإدراك ضعيفاً. فيه وجهان. و الله العالم.

23- البرزخ و بعض أحواله

اشارة

1- البرزخ كما يفهم من القرآن و من ثقافة المسلمين؛ هو الفاصلة الزمانية من بعد الموت الى النفخ الثانى للصور يوم القيامة. و الظاهر أن مبدئه ليس هو الموت بل بعد ما يتم حساب القبر و سؤاله و عذابه بساعة خصوصاً إذا كان ثواب القبر و عذابه ماديين. و يحتمل ابتداء البرزخ بعد الموت فيكون ما يقع فى القبر غير مادي والله العالم.

و عليه فبرزخ اولاد آدم علیه السّلام من موت أول فرد في أول الدنيا إلى آخرها كما أن برزخ الإحياء عند النفخ الأول للصور هو الفصل بين النفختين فقط، و لا نعلم کم مقدار زمانه. و الله العالم. قال الله تعالى: «وَ مِنْ وَرَائِهِمْ بَرْزَخٌ إِلَى يَوْمِ يُبْعَثُونَ». (المؤمنون: 100)

2- يستفاد من آيات متبركات قرآنية، نفى حياة الكافرين في البرزخ و نحن فصّلنا الكلام حوله أولاً في كتابنا (فوائد دمشقية) و قد طبع مرتين ثم نقلناها في کتابنا (روح از نظر دین و عقل و علم روحی جديد) من ص 205 الى 217. و هو بحث مهم فارجع إليهما. و تقدم كلام الشيخ المفيد رحمه الله أنّه يعتقد أيضاً نفى حياة الكافرين. و المسلمين سوى كاملي الإيمان و الكفر، في البرزخ استناداً إلى روايات الكافي.

3- واعلم أنا نبحث عن البرزخ و مهمّات المعاد، حسب دلالة الآيات و الروايات. و ما فهمه معظم علماء المسلمين، و للفلاسفة اصطلاحات أُخر.

4- يستدعى الكفار و أهل العذاب حين الموت الرجوع إلى الدنيا لتدارك ما فاتهم من

ص: 60

الإيمان و العمل الصالح، فلا يقبلون منهم ذلك، بل لا يقبل حين الموت إيمانهم و توبتهم كما مرّ. بل الكفار «يَضْرِبُونَ وُجُوهَهُمْ وَ أَدْبَارَهُمْ وَ ذُوقُوا عَذَابَ الْحَرِيقِ» (أنفال: 50) و يكررون سؤالهم عند رؤية العذاب و عند الوقوف على جهنّم و فيها من الاسترجاع إلى الدنيا و لكن لا يقبل طلبهم.

من هم المنصوصون على حياتهم البرزخية:

القرآن الكريم ينص على حياة الطائفتين فى البرزخ، إحديهما متنعّمة و أخريهما معذّبة.

أما الأولى فهم من بذلوا أنفسهم في سبيل الله و ترويج دينه أو هاجروا في سبيل الله لحفظ دينه و لتحرير الإنسانية من ذلّ العبودية لغير الله: «وَ لاَ تَقُولُوا لِمَنْ يُقْتَلُ فِي سَبِيلِ اللَّهِ أَمْوَاتٌ بَلْ أَحْيَاءٌ وَ لكِنْ لاَ تَشْعُرُونَ» (البقرة: 154)

:«وَ لَا تَحْسَبَنَّ الَّذِينَ قُتِلُوا فِي سَبِيلِ اللَّهِ أَمْوَاتاً بَلْ أَحْيَاءٌ عِنْدَ رَبِّهِمْ يُرْزَقُونَ. فَرِحِينَ بِمَا آتَاهُمُ اللَّهُ مِنْ فَضْلِهِ وَ يَسْتَبْشِرُونَ بِالَّذِينَ لَمْ يَلْحَقُوا بِهِمْ مِنْ خَلْفِهِمْ أَلاَ خَوْفٌ عَلَيْهِمْ وَلاَ هُمْ يَحْزَنُونَ يَسْتَبْشِرُونَ بِنِعْمَةٍ مِنَ اللَّهِ وَ فَضْلٍ وَ أَنَّ اللهَ لَا يُضِيعُ أَجْرَ الْمُؤْمِنِينَ» (آل عمران: 169- 171)

:«وَ الَّذِينَ هَاجَرُوا فِي سَبِيلِ اللهِ ثُمَّ قُتِلُوا أَوْ مَاتُوا لَيَرْزُقَنَّهُمُ اللهُ رِزْقاً حَسَناً وَ إِنَّ اللَّهَ لَهُوَ خَيْرُ الرَّازِقِينَ. لَيُدْخِلَنَّهُمْ مُدْخَلاَ يَرْضَوْنَهُ» (الحج: 58 و 59)

:«إِنِّي آمَنْتُ بِرَبِّكُمْ فَاسْمَعُونِ، قِيلَ ادْخُلِ الْجَنَّةَ قَالَ يَا لَيْتَ قَوْمِي يَعْلَمُونَ، بِمَا غَفَرَ لِي رَبِّي وَ جَعَلَنِي مِنَ الْمُكْرَمِينَ» (يس: 25- 28)

و أمّا الثانية فهم آل فرعون:

«وَ حَاقَ بِآلِ فِرْعَوْنَ سُوءُ الْعَذَابِ، النَّارُ يُعْرَضُونَ عَلَيْهَا غُدُوّاً وَ عَشِيّاً وَ يَوْمَ تَقُومُ السَّاعَةُ أَدْخِلُوا آلَ فِرْعَوْنَ أَشَدَّ الْعَذَابِ» (غافر: 45 و 46) و الآية الشريفة ناصة على العذاب البرزخي.

ص: 61

و قوم نوح علیه السّلام العابدون أصناماً «وَدَاً وَ لاَ سُوَاعاً وَ لاَ يَغُوثَ وَ يَعُوقَ وَ نَسْراً» (نوح: 23) قيل فى حقهم «مِمَّا خَطِيئَاتِهِمْ أُغْرِقُوا فَأَدْخِلُوا نَاراً فَلَمْ يَجِدُوا لَهُمْ مِنْ دُونِ اللَّهِ أَنْصَاراً.» (نوح: 25) الآية الكريمة ظاهرة فى كون النّار برزخيّة و الله العالم.

و لم نستفد من القرآن القدر الجامع بین آل فرعون و قوم نوح، حتى نعلم من هم المعذبون في البرزخ. و لا يتيّسر أن نقول بحياة جميع الكفّار فضلاً عن عذابهم، لما أشرنا إليه من الآيات الدالّة على عدم حياة للكفّار فيه.

و من رواية محمد بن مسلم المتقدّمة من قول الصادق علیه السّلام: «لَا يُسْأَلُ فِي الْقَبْرِ ... أَوْ مَحَضَ الْكُفْرَ مَحْضاً» و يمكن أن نعبّر عن الطائفتين المذكورتين بعنوان «أئمّة الكفر»(1)

و إستدلّ بعض أهل النظر على عموم الحياة البرزخيّة للكفّار بقوله تعالى: «تَاللهِ لَقَدْ أَرْسَلْنَا إِلَى أُمَمٍ مِنْ قَبْلِكَ فَزَيَّنَ لَهُمُ الشَّيْطَانُ أَعْمَالَهُمْ فَهُوَ وَلِيُّهُمُ الْيَوْمَ وَ لَهُمْ عَذَابٌ أَلِيمٌ» (النحل: 63)

فى الآية أربعة ضمائر للجمع الغائب المذكّر (لهم، أعمالهم، وليّهم و لهم) فان رجع كلّها إلى كلمة أمم بإعتبار واحد تمّ الإستدلال المذكور كما لا يخفى. و لكن يبقى على هذا الفرض مشكلة و هى ولاية الشيطان على الأموات و لا نعقل له معنى محصلّا.

و إن رجع الضمير الثالث (وليهم) إلى الأمم بإعتبار الأفراد الموجودين في الحياة الدنيا من تلك الأمم ارتفعت المشكلة إذ عليه يرجع الضمير الرابع إلى الأفراد الموجودين منهم و ولاية الشيطان عليهم صحيحة. فتصبح الآية اجنبيّة عن المقام. و الله اعلم بكلامه.

و على كل المستفاد من الآيات الدّالة على حياة الشهداء و المهاجرين في سبيل الله أمور:

1- النهى عن اطلاق كلمة الأموات و الميّت على المقتول فى سبيل الله و هو نهي ارشادي

ص: 62


1- أو الكفّار المعاندين المعاصرين للأنبياء علیهم السّلام فإنه تمت الحجّة عليهم بأبين وجه و أتم بيان و لكنّهم عاندوا الله رسله و الله العالم.

و يمكن أن يكون مولويّاً يفيد الحرمة.

2- النهى عن حسبان كونهم أمواتاً و يحتمل في النّهى المذكور الوجهان المتقدمان.

3- أنهم يرزقون عند ربهم (169 آل عمران) رزقاً مناسباً لحياتهم البرزخيّة.

4- فرحون بِمَا آتَاهُمُ اللهُ مِنْ فَضْلِهِ. (170 - آل عمران).

5- تبشيرهم بمن لم يلحقوا بهم بعدم الخوف عليهم و الحزن لهم و هل هؤلاء الذين لم يلحقوا بعدُ بالشهداء هم مطلق المؤمنين كما هو مقتضى الإطلاق أو خصوص من يقتل في سبيل الله في آخر حياتهم؟ و هو وجهٌ محتمل و الراجح هو الوجه الأول و هذا يثبت عموم الحياة البرزخيّة لجميع المؤمنين.

6- إستبشار الشهداء المقتولين في سبيل الله و سرورهم بنعمة و فضل من الله تعالى و أنه لا يضيع أجر المؤمنين.

فحياة الشهداء البرزخيّة قويّة اى تعلق روحهم بأبدانهم البرزخيّة قويّ و ليس كذلك تعلق أرواح المؤمنين بأبدانهم في البرزخ، و لا أقلّ من عدم الدّليل على المثلية.

لا يقال: كما لا فرق فى حياة أفراد الإنسان بأبدانهم الطّبيعيّة بين الكافرين و المؤمنين و الأنبياء في الأرض، لا فرق بين حياة الشهداء و سائر المؤمنين في البرزخ أيضاً، فإنّه أمر تكوينىٌّ لا يختلف بحساب العقائد و الأعمال و الثواب و العقاب كمّاً و كيفاً.

فإنه يقال: لا دليل على تماثل الحياتين فى النشأتين فيحتمل الإختلاف في هذا الأمر و إن كان تكوينيّاً. و هذا بحث مهمّ و لم أدر لأحد فيه أشارةً و لا تصريحاً و لافتوى! و لا استدلالاً و عالم البرزخ مجهولٌ لنا و لنعم ما قال شاعر فارسی:

این مدعیان در طلبش بی خبرانند

کان را که خبر شد خبرش باز نیامد.

7- و المهاجرون في سبيل الله تعالى سواء ماتوا حتف أنفهم أو قتلوا، لهم رزق حسن بناءاً

ص: 63

على أنّ الآية المذكورة ناظرة إلى الرزق البرزخي.

و الآية الأخيرة تدلّ على أن الشهداء مكرّمون عند ربّهم و مغفورة لهم ذنوبهم.

24- البدن البرزخي

احادیثی که بدن برزخی را برای روح ثابت می داشت گذشت بعضی از نویسندگان می نویسد:

معلوم نیست که این قالب مثالی از پیش ساخته شده یا پس از مرگ ساخته می شود یا قالبی است که همیشه بهمراه روح است که طرفداران اسپرتزم به آن معتقد هستند و نام آن را (پریسپری= جسم برزخی) گذاشته اند و روح بواسطه او با بدن مادی ارتباط بر قرار می کند.

و یا روح بواسطه قدرت و خلاقیتی که دارد جسم مثالی را برای خود می آفریند و به آن تعلق پیدا می کند. و یا خود روح پس از خلع از بدن یک نوعی تجسمی پیدا می کند و به این وسیله ارواح باهم ارتباط می گیرند و آشنایی پیدا می کنند.(1) فرض اخیر با تجرد روح ناسازگار می نمایاند.

و قد يقال أن البدن المثالى غير مستقلّ من الروح بل هو مرتبة من مراتب وجود الروح، يظهر بعد الموت مانعاً من عوده الى الدنيا.

فیزیولوژی برای ما محسوس ساخته که کالبد مادی انسان لا ينقطع در حال تحول و تبدل است، در عین حال شمائل و خاصیت های فیزیولوژیکی آن پیوسته ثابت می باشد، تناسب أندام، كيفيت أفكار، شعاع اندیشه و آرمان، سرانجام کلیه مکتسبات روحی و تمام ویژگی های شخصی حتی شکل و رنگ وی هم از دستبرد تغییر در امان می ماند.

این موضوع از مسائل لاینحل فیزیولوژی است. گرچه برخی از افراد در مقام حل این

ص: 64


1- معاد در نگاه وحی و فلسفه، ص 297 و 298.

معما اظهار داشته اند: که ثبات این سلسله از آثار روحی و جسمی مربوط به سلولها است، زیرا هر سلولی که می رود تمام خواص خود را به سلول بعدی می سپارد، ولی باید اعتراف کرد که متخصصین فن، به این گفته قانع نمی شوند. و به همین جهت دکتر کارل زیست شناس معروف فرانسوی در این زمینه چنین می گوید: «علومی که از موجودات زنده بطور عموم و از فرد آدمی بخصوص بحث می کنند اینقدر پیشرفت نکرده و هنوز در مراحل توصیفی باقی مانده اند، حقیقت این است که انسان یک مجموعه پیچیده و غیر قابل تفکیکی است که نمی توان او را به آسانی شناخت(1) در واقع جهل ما از خود ما، زیاد است و نواحی وسیعی از دنیای درونی ما هنوز ناشناخته است و بیشتر پرسش های که مطالعه کنندگان در زندگی انسان طرح می کنند بدون پاسخ می ماند».(2)

پرسش فوق نیز از آن سوالاتی است که بلا جواب مانده است تنها بعضی از متفکران این فن می گویند: حل این معضله از عهده علم ما بیرون است به علت این که سلول و خواص موجود در آن هر دو ماده است و باید تحول یابد.

فقط لازم است معتقد باشیم که یک امر مجهول و ناشناخته ای در بدن انسان وجود دارد که سر منشأ حفاظت خواص اخلاقی و نگهدارنده مشخصات فردی می باشد، و آن حقیقت نامرئی از آغاز ولادت تا پایان عمر به طور ثابتی در بدن انسان ها می ماند و با تغییرات دائمی بدن تبدیلی در آن حاصل نمی شود که متکلّمین و علمای مذاهب و همچنین فیلسوفان هر کدام به اسم خاصی از این جسم ثابت یاد کرده اند.

گاهی بنام «أجزای اصلیه» و زمانی جسم «برزخی» و قالب مثالی و در کلمات رهبران اسلام به عنوان «طینت» تعبیر گردیده است و شاید علمای فیزیک «فسیل» نامند.

ص: 65


1- کتاب انسان موجود ناشناخته، ص 14.
2- کتاب انسان موجود ناشناخته، ص 16.

قرآن مجید این نوید را به جامعه بشر داده بود که «به زودی نشانه های قدرت ما را در مطالعه انسان و جهان خواهید یافت و حق بر شما تجلی خواهد نمود».(1)

و بر اساس همین نوید الهی و پیشرفت علوم مختلف انسان شناسی موضوع طینت(2) یا قالب مثالی (اگر نظریه بعضی از روحیون صحیح باشد) تا حدودی روشن شده و مشکل فوق را می تواند تفسیر نماید، زیرا عده ای از روح شناسان غرب عقیده دارند که در سایه آزمایش های پیگیر و تجارب فراوان با تکنیک های مخصوص به خود، به وجود یک جسم سیال و لطیفی- غیر از قالب ضخیم کالبد- در انسان، پی برده اند و نامش را «پریسپری» یاجسم فلکی و غیره گذاشته اند و این جسم است که به کمک روح حافظ شخصیت جسمانی و روحانی می باشد، علمای روحی مدعی اند که وجود چنین امری را پس از بر رسی عمیق کشف کرده اند و اضافه نموده اند: که خاصیت روحی و جسمی را دو عامل نگه می دارد: یکی نفس عاقله و دیگری جسم لطیف نامرئی که واسطه بر قراری ارتباط بین روح و قالب مادی می باشد اولی حافظ معلومات و اخلاقیات و دومی حافظ خصوصیات شکل و رنگ و غرائز و آثار جسمانی می باشد. لباس غلیظ و مادی (کالبد محسوس) همیشه در حال تجدید و تبدیل است و تا موقعی که سلول ها و اجزای آن تغییر نکرده، انسان می تواند به خودش نسبت دهد و بگوید خون من، گوشت بدن من، ولی هنگامی که از بدن و صور گوناگونی جدا گردد، این نسبت را از دست می دهد، مثلاً قطعه گوشتی که از بدن شخصی جدا شده و جزء خاک و یا گیاهی گردیده است نمی توان گفت: این گیاه یا این مشت خاک جزء بدن آن شخص است، بنابراین حافظ شخصیت انسانی به عقیده این گروه روان و جسم ثابتی

ص: 66


1- سنريهم آياتنا في الآفاق و في أنفسهم حتى يتبين لهم أنه الحق.
2- طبق روایت کافی امام صادق علیه السّلام فرموده: هنگامی که انسان می میرد بدنش متلاشی شده و فقط «طینت» در قبر در حال چرخش باقی می ماند. اتم های اولیه ساختمان انسان که- از دستخوش تغییر در امان می باشند- به همان وضع نخستین باقی مانده و ماده اصلی بدن اخروی را تشکیل می دهند.

است که از آن به قالب مثالی یا به زبان روز «پریسپری» تعبیر می شود، که دانشمندان بشری اشعه آن را نیز به وسایلی مشاهده نمودند. در کتاب المذهب الروحانی نوشته عبدالله اباحی که از دانشمندان معاصر به شمار می رود راجع به چگونگی جسم ثابت و تاریخ کشف آن چنین می نویسد: «این معنی با آزمایش و تحقیق ثابت شده است که انسان از سه چیز ترکیب یافته: اول نفس عاقله، دوم جسد مادی و غلیظ که روان برای اتمام مقاصد معنوی مدتی در آن قالب متمرکز شده است، سوم جسم روحانی و آن جسمی است لطیف و رابط بین نفس عاقله و جسد مادی، و چون مرگ فرا رسد نفس عاقله لباس مادی و خشن را از خود خلع نموده و تنها جسم روحانی از وی باقی می ماند و آن مرکب است از ماده بسیار لطیفی که از شدت سبکی و لطافت با هیچ یک از حواس ظاهری درک نمی شود و واسطه در رساندن تأثیرات خارجی از مجرای حواس ظاهری می باشد و متقابلاً تصمیمات روح را به جسم می رساند و مخصوصاً در سال 1904 اشعه این جسم ثابت در خارج از بدن برای دانشمندان کشف شد، و دکتر شاربانتی مجموع تجارب و آزمایش های خویش را در این باره در ماه کانون اول(1) (1903) به اکادمی علوم فرانسه پیشنهاد نموده است. آنگاه درباره خصوصیات این جسم می نویسد: «این اول جسم روحانی از نفس عاقله هرگز جدا نمی شود و پیوسته ملازم و همراه او می باشد چه در قالب کثیف مادی و دنیوی باشد و خواه پس از مرگ این جسم آلتی است برای کارهای روح... صورت آن جسم همان شکل بشری خود انسانی است. و حقیقت آن جسم بر ما پوشیده است. کامیل فلاماریون در یکی از نوشته هایش از این جسم به نام «جسم فلکی» یاد کرده و چنین می نویسد: «اتصال روح به بدن به وسیله جسم فلکی است که پس از مرگ هم او را نگه می دارد».

دانشمند دیگری نیز در این باره بطور تفصیلی سخن می گوید: «پریسپری کلیه مکتسبات

ص: 67


1- المذهب الروحاني، ص 45.

و فضائل حاصلۀ موجود را در خود ثبت و ضبط کرده نگاه میدارد و تمام معلوماتی که روح در طی زندگی جسمانی به دست می آورد، تماماً در دماغ جسم سیال یا پریسپری با خطوط لامع و درخشنده منقش و حک می شود.»

«یک دسته از دانشمندان و علمای معروف از قبیل گوستاولبون، کوری، بکرل و غیره از روی تجارب و امتحانات علمی و قطعی، دقت و كثير النفوذ بودن این عنصر لطیف را ثابت کرده اند. بایستی گفت که پریسپری ماده ای است بسیار سریع النفوذ که از کلیه اجسام و حتی از اجسامی که به نظر ما غیر قابل نفوذ می رسد عبور می کند. این ماده خشن بدن جسمانی که دائماً بواسطهٔ جریان حیاتی تجدید می شود، عبارت از رکن ثابت و لا يتغير انسانی نیست، بلکه آن پریسپری است که ساختمان و هیکل جسمانی و تمام آثار و قیافه در کلیه ادوار حیاتی از روی آن نقش بسته و تنظیم شده و از این رو می توان پریسپری را به قالب نرم قابل انبساط و انقباضی تشبیه نمود که بدن جسمانی در روی آن تجسم پیدا می کند...(1)

نگارنده در این مورد چیزی نمی داند تنها بعنوان یک موضوع جالب آنرا نقل کرد و حکمت بالغه حق را -در فرض صحت آن- می توان از آن استشمام نمود و حق قضاوت را در صحت و سقم این نظریه ندارد، ولی استحاله نقل عرض امری است که قابل اغماض نیست و برای جواب آن باید راه معقولی پیدا نمود.

ص: 68


1- المذاهب الروحاني، 55.

25- البرزخ في الأحاديث المعتبرة

اشارة

1 - معتبرة أَبِي وَلَّادِ الْحَنَّاطِ عَنْ أَبِي عَبْدِ اللهِ علیه السّلام قَالَ: قُلْتُ لَهُ: جُعِلْتُ فِدَاكَ، يَرْوُونَ أَنَّ أَرْوَاحَ الْمُؤْمِنِينَ فِي حَوَاصِلِ طُيُورِ أَخُضْرٍ حَوْلَ الْعَرْشِ؟ فَقَالَ: «لَا الْمُؤْمِنُ أَكْرَمُ عَلَى اللَّهِ مِنْ أَنْ يَجْعَلَ رُوحَهُ فِي حَوْصَلَةِ طَيْرِ وَ لَكِنْ فِي أَبْدَانٍ كَأَبْدَانِهِمْ».(1)

أقول: أى فى أبدان برزخيّة كأبدانهم في الدنيا شكلاً.

2- معتبرة حَفْصِ بْنِ الْبَخْتَرِي عَنْهُ علیه السّلام قَالَ: «إِنَّ الْمُؤْمِنَ لَيَزُورُ أَهْلَهُ فَيَرَى مَا يُحِبُّ وَ يُسْتَرُ عَنْهُ مَا يَكْرَهُ وَ إِنَّ الْكَافِرَ لَيَزُورُ أَهْلَهُ فَيَرَى مَا يَكْرَهُ وَ يُسْتَرُ مَا يُحِبُّ قَالَ وَ مِنْهُمْ (فيهم- خ) مَنْ يَزُورُ كُلَّ جُمْعَةٍ وَ مِنْهُمْ مَنْ يَزُورُ عَلَى قَدْرِ عَمَلِهِ».(2)

3- مُعتبرة سالم (أبي خديجة) عَنْ أَبِي عَبْدِ اللهِ علیه السّلام قَالَ : «مَا مِنْ قَبْرٍ ... فَإِذَا دَخَلَهُ عَبْدٌ مُؤْمِنٌ قَالَ: مَرْحَباً وَ أَهْلًا ... فَيُفْسَحُ لَهُ مَدَّ الْبَصَرِ وَ يُفْتَحُ لَهُ بَابٌ يَرَى مَقْعَدَهُ مِنَ الْجَنَّةِ، وَ يَخْرُجُ مِنْ ذلك رَجُلٌ لَمْ تَرَ عَيْنَاهُ شَيْئاً أَحْسَنَ مِنْه... فَيَقُولُ أَنَا رَأَيْكَ الْحَسَنُ الَّذِي كُنْتَ عَلَيْهِ وَ عَمَلُكَ الصَّالِحُ الَّذِي كُنْتَ تَعْمَلُهُ قَالَ ثُمَّ تُؤْخَذُ رُوحُهُ فَتُوضَعُ فِي الْجَنَّةِ حَيْثُ رَأَى مَنْزِلَهُ ثُمَّ يُقَالُ لَهُ: نَمْ قَرِيرَ الْعَيْنِ، فَلَا تَزَالُ نَفْحَةٌ مِنَ الْجَنَّةِ تُصِيبُ جَسَدَهُ يَجِدُ لَذَّتَهَا وَ طِيبَهَا حَتَّى يُبْعَثَ...(3)

وَ إِذَا دَخَلَ الْكَافِرُ... قَالَ: فَتَضُمُّ عَلَيْهِ فَتَجْعَلُهُ رَمِيماً وَ يُعَادُ كَمَا كَانَ وَ يُفْتَحُ لَهُ بَابٌ إِلَى النَّارِ فَيَرَى مَقْعَدَهُ مِنَ النَّارِ ثُمَّ قَالَ: ثُمَّ إِنَّهُ يَخْرُجُ مِنْهُ رَجُلٌ أَقْبَحُ مَنْ رَأَى قَطُّ فَيَقُولُ ... مَا رَأَيْتُ شَيْئاً أَقْبَحَ مِنْكَ ... فَيَقُولُ: أَنَا عَمَلُكَ السَّيِّئُ الَّذِي كُنْتَ تَعْمَلُهُ وَ رَأَيْكَ الْخَبِيثُ. قَالَ: ثُمَّ تُؤْخَذُ رُوحُهُ فَتُوضَعُ حَيْثُ رَأَى مَقْعَدَهُ مِنَ النَّارِ ثُمَّ لَمْ تَزَلْ نَفْخَةٌ مِنَ النَّارِ تُصِيبُ جَسَدَهُ فَيَجِدُ أَلَمَهَا وَ حَرَّهَا

ص: 69


1- الكافي، ج 3، ص 244. و معجم الأحاديث المعتبرة، ج 1، ص 324. و في رواية عبدالله بن مسعود كما في سنن ابن ماجة في حق ارواح الشهداء: ارواح كطير خضر تسرح في الجنّة فى أيّها شائت ثم تاوى إلى قناديل معلّقة بالعرش، ص 387 ج 2 المترجمة بالاردو و في ص 600 في طير خضر تعلّق بشجر الجنّة.
2- الكافي، ج 3، ص 230. و معجم الأحاديث المعتبرة، ج 1، ص 324.
3- الكافى، ج 3، ص 241. و معجم الأحاديث المعتبرة، ج 1، ص 325.

فِي جَسَدِهِ إِلَى يَوْمِ يُبْعَثُ وَ يُسَلِّط اللهُ عَلَى رُوحِهِ تِسْعَةَ وَ تِسْعِينَ (تِسعَةً وَ سِتِينَ - خ) تِنِّيناً تَنْهَشُهُ، لَيْسَ مِنها تِنِّينٌ يَنْفُخُ عَلَى ظَهْرِ الْأَرْضِ فَنَبِتَ شَيْئاً». (المصدر). ذيل الحديث يحمل على أئمة الكفر لأجل دلالة القرآن.

أقول: الحديث يدل على تجسّم العقيدة و العمل. ثمّ قوله علیه السّلام يقال له «نم قرير العين...» ربما يكشف عن حقيقة الحياة البرزخية و أنها خفيفة بالنسبة الى الحياة الدنيا و الحياة الآخرة. و الحق أنها مجهولة عندنا غاية الجهالة.

4- الخصال: عن أبيه، عَنْ عَلِيٍّ، عَنْ أَبِيهِ، عَنِ ابْنِ أَبِي نَجْرَانَ، عَنِ ابْنِ حُمَيْدٍ، عَنِ ابْنِ قَيْسٍ، عَنْ أَبِي جَعْفَرِ علیه السّلام قَالَ: «سَأَلَ الشَّامِيُّ الَّذِي بَعَثَهُ مُعَاوِيَةُ لِيَسْأَلَ عَمَّا بَعَثَ إِلَيْهِ ابْنُ الْأَصْفَرِ الْحَسَنَ بْنَ عَلِيٌّ علیه السّلام عَنِ الْعَيْنِ الَّتِي تَأْوِي إِلَيْهَا أَرْوَاحُ الْمُشْرِكِينَ فَقَالَ هِيَ عَيْنٌ يُقَالُ لَهَا سَلْمَى».(1)

5- الكافى: عِدَّةٌ مِنْ أَصْحَابِنَا، عَنْ أَحْمَدَ بْنِ مُحَمَّدٍ وَ سَهْلِ بْنِ زِيَادٍ وَ عَلِيُّ بْنُ إِبْرَاهِيمَ، عَنْ أَبِيهِ، جَمِيعاً، عَنِ ابْنِ مَحْبُوبِ، عَنْ عَلِيِّ بْنِ رِئَابٍ، عَنْ ضُرَيْسِ الْكُنَاسِي قَالَ: سَأَلْتُ أَبَا علیه السّلام أَنَّ النَّاسَ يَذْكُرُونَ أَنَّ فُرَاتَنَا يَخْرُجُ مِنَ الْجَنَّةِ فَكَيْفَ هُوَ وَ هُوَ يُقْبِلُ مِنَ الْمَغْرِبِ وَ تُصَبُّ فِيهِ الْعُيُونُ وَ الْأَوْدِيَةُ؟ قَالَ: فَقَالَ أَبُو جَعْفَرٍ علیه السّلام وَ أَنَا أَسْمَعُ: «إِنَّ لِلَّهِ جَنَّةٌ خَلَقَهَا اللَّهُ فِي الْمَغْرِبِ وَ مَاءَ فُرَاتِكُمْ يَخْرُجُ مِنْهَا وَ إِلَيْهَا تَخْرُجُ أَرْوَاحُ الْمُؤْمِنِينَ مِنْ حُفَرِهِمْ عِنْدَ كُلِّ مَسَاءٍ فَتَسْقُطُ عَلَى ثِمَارِهَا وَ تَأْكُلُ مِنْهَا وَ تَتَنَعَّمُ فِيهَا وَ تَتَلَاقَى وَ تَتَعَارَفُ فَإِذَا طَلَعَ الْفَجْرُ هَاجَتْ مِنَ الْجَنَّةِ فَكَانَتْ فِي الْهَوَاءِ فِيمَا بَيْنَ السَّمَاءِ وَ الْأَرْضِ تَطِيرُ ذَاهِبَةً وَ جَائِيَةٌ وَ تَعْهَدُ حُفَرَهَا إِذَا طَلَعَتِ الشَّمْسُ وَ تَتَلَاقَى فِي الْهَوَاءِ وَ تَتَعَارَفُ قَالَ وَ إِنَّ لِلَّهِ نَاراً فِي الْمَشْرِقِ خَلَقَهَا لِيُسْكِنَهَا أَرْوَاحَ الْكُفَّارِ وَ يَأْكُلُونَ مِنْ زَقُومِهَا وَ يَشْرَبُونَ مِنْ حَمِيمِهَا لَيْلَهُمْ، فَإِذَا طَلَعَ الْفَجْرُ هَاجَتْ إِلَى وَادِ بِالْيَمَنِ يُقَالُ لَهُ، بَرَهُوتُ أَشَدُّ حَرّاً مِنْ نِيرَانِ الدُّنْيَا كَانُوا فِيهَا يَتَلَاقَوْنَ وَ يَتَعَارَفُونَ فَإِذَا كَانَ

ص: 70


1- بحار الأنوار، ج 6، ص 266.

الْمَسَاءُ عَادُوا إِلَى النَّارِ فَهُمْ كَذلك إِلَى يَوْمِ الْقِيَامَةِ» قَالَ: قُلْتُ: أَصْلَحَكَ اللهُ فَمَا حَالُ الْمُوَحِّدِينَ الْمُقِرِّينَ بِنُبُوَّةِ مُحَمَّدٍ صلى الله عليه و آله و سلّم مِنَ الْمُسْلِمِينَ الْمُذْنِبِينَ الَّذِينَ يَمُوتُونَ وَ لَيْسَ لَهُمْ إِمَامٌ وَ لَا يَعْرِفُونَ وَلَايَتَكُمْ؟ فَقَالَ: «أَمَّا هَؤُلَاءِ فَإِنَّهُمْ فِي حُفْرَتِهِمْ لَا يَخْرُجُونَ مِنْهَا، فَمَنْ كَانَ مِنْهُمْ لَهُ عَمَلٌ صَالِحٌ وَ لَمْ يَظْهَرْ مِنْهُ عَدَاوَةٌ، فَإِنَّهُ يُخَدُّ لَهُ خَلٌّ إِلَى الْجَنَّةِ الَّتِي خَلَقَهَا اللهُ فِي الْمَغْرِبِ فَيَدْخُلُ عَلَيْهِ مِنْهَا الرَّوْحُ فِي حُفْرَتِهِ إِلَى يَوْمِ الْقِيَامَةِ، فَيَلْقَى اللَّهَ فَيُحَاسِبُهُ بِحَسَنَاتِهِ وَ سَيِّئَاتِهِ، فَإِمَّا إِلَى الْجَنَّةِ وَ إِمَّا إِلَى النَّارِ، فَهَؤُلَاءِ مَوْقُوفُونَ لِأَمْرِ اللَّهِ، قَالَ: وَ كَذلك يَفْعَلُ اللهُ بِالْمُسْتَضْعَفِينَ وَ الْبُلْهِ وَ الْأَطْفَالِ وَ أَوْلَادِ الْمُسْلِمِينَ الَّذِينَ لَمْ يَبْلُغُوا الْحُلُمَ فَأَمَّا النُّصَابُ مِنْ أَهْلِ الْقِبْلَةِ، فَإِنَّهُمْ يُخَدُّ لَهُمْ خَدٌ إِلَى النَّارِ الَّتِي خَلَقَهَا اللهُ فِي الْمَشْرِقِ، فَيَدْخُلُ عَلَيْهِمْ مِنْهَا اللَّهَبُ وَ الشَّرَرُ وَ الدُّخَانُ وَ فَوْرَةُ الْحَمِيمِ إِلَى يَوْمِ الْقِيَامَةِ، ثُمَّ مَصِيرُهُمْ إِلَى الْحَمِيمِ ثُمَّ فِي النَّارِ يُسْجَرُونَ ثُمَّ قِيلَ: لَهُمْ أَيْنَ مَا كُنتُمْ تَدْعُونَ مِنْ دُونِ اللَّهِ، أَيْنَ إِمَامُكُمُ الَّذِي اتَّخَذْتُمُوهُ دُونَ الْإِمَامِ الَّذِي جَعَلَهُ اللَّهُ لِلنَّاسِ إِمَاماً».(1)

6- وفي صحيح محمد بن مسلم في باب كيفية الصلاة على جنازة المنافق و العدو و جاحد الحق، عن أحد هما علیه السّلام قال: «إِنْ كَانَ جَاحِداً لِلْحَقِّ فَقُلِ اللَّهُمَّ امْلَأُ جَوْفَهُ نَاراً وَ قَبْرَهُ نَاراً وَ سَلَّطْ عَلَيْهِ الْحَيَّاتِ وَ الْعَقَارِبَ وَ ذلك قَالَهُ أَبُو جَعْفَرِ علیه السّلام لامْرَأَةِ سَوْءٍ مِنْ بَنِي أُمَيَّةَ صَلَّى عَلَيْهَا أَبِي، وَ قَالَ هَذِهِ الْمَقَالَةَ: وَ اجْعَلِ الشَّيْطَانَ لَهَا قَرِيناً. قَالَ مُحَمَّدُ بْنُ مُسْلِمٍ: فَقُلْتُ: لَهُ لِأَيِّ شَيْءٍ يَجْعَلُ الْحَيَّاتِ وَ الْعَقَارِبَ فِي قَبْرِهَا؟ فَقَالَ: «إِنَّ الْحَيَّاتِ يَعْضَضْنَهَا وَ الْعَقَارِبَ يَلْسَعْنَهَا وَ الشَّيَاطِينَ تُقَارِنُهَا فِي قَبْرِهَا». قُلْتُ: تَجِدُ أَلَمَ ذَلِكَ؟ قَالَ: «نَعَمْ شَدِيداً». و تدل عليه أيضاً أحاديث الباب.

أقول: العذاب في الرواية الاخيرة يحتمل أنه جسماني فهو مادام الجسم باقياً و ينتهى بفنائه

ص: 71


1- الكافي، ج 3، ص 246. و معجم الأحاديث المعتبرة، ج 1، ص 326 و 327. قيل: مبدأ نبع الفرات في أرمنية إحدي المستعمرات السوفيتية السابقة ثم يجري في جبال طوروس من تركيا ثم يجتاز السورية والعراق ثم يتّحد بدجلة فيكون منهما شط العرب فينصب في بحر العمان فلابد من تأويل الرواية من هذه الجهة كما أن فيها بعض مطالب آخر نرجع علمها الى الله العالم بخلقه.

و يحتمل كونه برزخياً روحانياً والله العالم. ثمّ إنّ روايات الباب من حيث دوام البرزخ و انقطاعه مختلفة و امّا القرآن فيستفاد من جملة من آياته نفي عذاب البرزخ للكافرين و قد ذكرنا تفصيله في كتابنا (فوائد دمشقية) الموضوع في التفسير الموضوعي، و قد طبع قبل سنوات. في باكستان ثم طبع في كابول قبل سنوات قليلة و كذا في كتابنا «روح» و لاحظ قصة عذاب قابيل في أحوال آدم علیه السّلام. في معجم الأحاديث المعتبرة.

7- مُحَمَّدٌ، عَنْ أَحْمَدَ، عَنِ الْحُسَيْنِ بْنِ سَعِيدٍ، عَنْ أَخِيهِ الْحَسَنِ، عَنْ زُرْعَةَ، عَنْ أَبِي بَصِيرِ قَالَ: قُلْتُ لِأَبِي عَبْدِ اللهِ علیه السّلام إِنَّا نَتَحَدَّثُ عَنْ أَرْوَاحِ الْمُؤْمِنِينَ أَنَّهَا فِي حَوَاصِلِ طُيُورٍ خُضْرٍ تَرْعَى فِي الْجَنَّةِ وَ تَأْوِي إِلَى قَنَادِيلَ تَحْتَ الْعَرْشِ؟ فَقَالَ: «لَا إِذا مَا هِيَ فِي حَوَاصِلِ طَيْرِ» قُلْتُ: فَأَيْنَ هِيَ؟ قَالَ: «فِي رَوْضَةٍ كَهَيْئَةِ الْأَجْسَادِ فِي الْجَنَّةِ».(1)

أقول: فبرزخ المؤمنين روضة و جنّة برزخيّة و الأرواح فيها بهيئة الأجساد، أى أنّها متجسّدة بأجساد برزخية أو روضة في المغرب و اليها تخرج أرواح المؤمنين من حفرهم (قبورهم) كما في معتبرة الكناسى و هى أطوَل رواية معتبرة سنداً. و لا يبعد دلالة الروايات بمجموعها على عموم البرزخ للأرواح المسلمة.

صحيح الفقيه - قُلْتُ لِأَبِي عَبْدِ اللهِ علیه السّلام اصلى (أيُصَلَّى - خ) عَنِ الْمَيِّتِ؟ فَقَالَ: «نَعَمْ، حَتَّى إِنَّهُ لَيَكُونُ فِي ضِيقٍ، فَيُوَسِّعُ اللَّهُ عَلَيْهِ ذَلِكَ الضّيقَ، ثُمَّ يُؤْتَى فَيُقَالُ لَهُ، خُفِّفَ عَنْكَ هَذَا النِّيقُ بِصَلَاةِ فَلَانٍ أَخِيكَ عَنْكَ، قَالَ: فَقُلْتُ لَهُ فَأُشْرِك بَيْنَ رَجُلَيْنِ فِي رَكْعَتَيْنِ؟ قَالَ: «نَعَمْ» فَقَالَ علیه السّلام «إِنَّ الْمَيِّتَ لَيَفْرَحُ بِالتَّرَحُمِ عَلَيْهِ وَ الِاسْتِغْفَارِ لَهُ مَا يَفْرَحُ الْحَيُّ بِالْهَدِيَّةِ تُهْدَى إِلَيْهِ».(2) و سند الحديث معتبر

ص: 72


1- الكافي، ج 3، ص 245. و معجم الأحاديث المعتبرة، ج 1، ص 327 و 328. و جامع الأحاديث، ج3، ص399.
2- الفقيه ج 1/ 117، و معجم الاحاديث المعتبرة ج 147/3.

البرزخ في الروايات غير المعتبرة سنداً في الكافي

البرزخ في الروايات غير المعتبرة سنداً في الكافي(1)

1- عن أمير المؤمنين علیه السّلام: «لَوْ كُشِفَ لَكَ لَرَأَيْتَهُمْ حَلَقاً حَلَقاً مُحْتَبِينَ (اى خاشعين) يَتَحَادَثُونَ (اي في وادي السلام) فَقُلْتُ أَجْسَامٌ أَمْ أَرْوَاحٌ: فَقَالَ أَرْوَاحٌ وَ مَا مِنْ مُؤْمِنٍ يَمُوتُ فِي بُقْعَةٍ مِنْ بِقَاعِ الْأَرْضِ إِلَّا قِيلَ لِرُوحِهِ الْحَقِي بِوَادِي السَّلَامِ وَ إِنَّهَا لَبُقْعَةٌ مِنْ جَنَّةِ عَدْنٍ».

أقول: تحمل كلمة (أرواح) على الأجسام اللطيفة ذات أرواح.

أقول: وادى السلام مقبرة كبيرة في النجف الأشرف و هي لحد الآن موجودة يدفن فيها الأموات.

2 - وعنه علیه السّلام: «إِنَّ أَرْوَاحَ الْمُؤْمِنِينَ لَفِي شَجَرَةٍ مِنَ الْجَنَّةِ يَأْكُلُونَ مِنْ طَعَامِهَا وَ يَشْرَبُونَ مِنْ شَرَابِهَا وَ يَقُولُونَ رَبَّنَا أَقِمِ السَّاعَةَ لَنَا وَ أَنْجِزْ لَنَا مَا وَعَدْتَنَا وَ أَلْحِقْ آخِرَنَا بِأَوَّلِنَا».

3- وعن الصادق علیه السّلام: «لَا يَبْقَى مُؤْمِنٌ فِي شَرْقِ الْأَرْضِ وَ غَرْبِهَا إِلَّا حَشَرَ اللَّهُ رُوحَهُ إِلَى وَادِي السَّلَامِ، قُلْتُ لَهُ وَ أَيْنَ وَادِي السَّلَامِ؟ قَالَ ظَهْرُ الْكُوفَةِ أَمَا إِنِّي كَأَنِّي بِهِمْ حَلَقٌ، حَلَقٌ، قُعُودٌ يَتَحَدَّثُونَ».

4- و عنه علیه السّلام: «إِنَّ الْأَرْوَاحَ فِي صِفَةِ الْأَجْسَادِ فِي شَجَرَةٍ فِي الْجَنَّةِ تَعَارَفُ وَ تَسَاءَلُ فَإِذَا قَدِمَتِ الرُّوحُ عَلَى الْأَرْوَاحِ يَقُولُ دَعُوهَا فَإِنَّهَا قَدْ أَفْلَتَتْ».

5- :«سَأَلْتُ أَبَا عَبْدِ اللهِ علیه السّلام عَنْ أَرْوَاحِ الْمُؤْمِنِينَ فَقَالَ فِي حُجُرَاتٍ فِي الْجَنَّةِ يَأْكُلُونَ مِنْ طَعَامِهَا وَ يَشْرَبُونَ مِنْ شَرَابِهَا...».

6- و فى رواية يونس الغالي عن الرضاء علیه السّلام: «فَإِذَا قَبَضَهُ اللهُ عَزَّ وَ جَلَّ صَيَّرَ تِلْكَ الرُّوحَ فِي قَالَبٍ كَقَالَبِهِ فِي الدُّنْيَا فَيَأْكُلُونَ وَ يَشْرَبُونَ فَإِذَا قَدِمَ عَلَيْهِمُ الْقَادِمُ عَرَفُوهُ بِتِلْكَ الصُّورَةِ الَّتِي كَانَتْ فِي الدُّنْيَا».

7- و عن أمير المؤمنين علیه السّلام: «شَرُّ بِئرٍ فِي النَّارِ بَرَهُوتُ الَّذِي فِيهِ أَرْوَاحُ الكَفَّارِ».

ص: 73


1- ج 3، ص 243 و ما بعدها. و بحار الأنوار، ج 6، ص 202 الى 281.

8- و قريب منه رواية اخرى عنه علیه السّلام: «شَرُّ مَاءٍ عَلَى وَجْهِ الْأَرْضِ مَاءَ بَرَهُوتَ وَ هُوَ الَّذِي بِحَضْرَمَوْتَ تَرِدُهُ هَامُ الْكُفَّارِ». و الروايات فى ذلك كثيرة انظر بحار الأنوار.(1)

26- هل في البرزخ تكاملٌ؟

اشارة

تختتم صحيفة الأعمال الصالحة و السيّئة بموت الإنسان و يسدّ طريق التكامل و التنازل في البرزخ ظاهراً.

و لكن بعض الأعمال سواء كان من عمل الميت فى حياته، أو من غيره بعد موته يؤثر في ثواب الميت و عذابه. و اليك بعض روايات الموضوع.

1. تأسیس باب هداية أو إضلال

في صَحِيحٍ مُحَمَّدِ بْنِ مُسْلِمٍ عَنْ الباقر علیه السّلام قَالَ: مَنْ عَمِلَ (علّم) بَابَ هُدًى - كَانَ لَهُ أَجْرُ مَنْ عَمِلَ بِهِ- وَ لَا يُنْقَصُ أُولَئِكَ مِنْ أُجُورِهِمْ - وَ مَنْ عَمِلَ (عَلَّمَ) بَابَ ضَلَالٍ - كَانَ عَلَيْهِ وِزْرِ مَنْ عَمِلَ بِهِ - وَ لَا يُنْقَصُ أُولَئِكَ مِنْ أَوْزَارِهِمْ».(2)

و الروايات فى الباب كثيرة تؤيد هذه الرواية المعتبرة سنداً.

و يشمل الحديث تأسيس الأديان والمذاهب الفاسدة و ترويج الآراء المنحرفة، بل يمكن شموله لبناء أماكن الفساد كالسينماء و أماكن رقص الأجنبيات و الغناء و نشر الصحف و الجرائد و اليوميات و الكتب المضلّة و ترويج الزناء و شرب الخمر و اسباب استيلاء الكفّار على المسلمين و تقنين القوانين المغائرة للشريعة و مصالح المسلمين و فساد دينهم و أخلاقهم و دنیاهم.

كما يدخل في باب الهدى المعاهد و الجامعات و المدارس و الحوزات العلميّة و أندية

ص: 74


1- أقول: ربما توجب كثرة الأحاديث غير المعتبرة وثوق الإنسان بصدور مضامينها المشتركة من الأمام علیه السّلام.
2- حدود الشريعة ، ج 1، ص 486 المجلد الأول الطبعة الثانية.

تعليم القرآن و قرائته و تفسيره و المؤسسات الخيريّة العامّة للفقراء و المساكين و الأيتام و الارامل و تأليف الكتب النّافعة و المنشورات اليوميّة و الأسبوعيّة و الشهريّة و الفصليّة و الإذاعات الهادية و المكتبات العامة و غير ذلك مما ينفع النّاس في دينهم و دنياهم.

2. إضلال الناس بأيّ وجهٍ كان

قال الله تعالى: «وَ إِذَا قِيلَ لَهُمْ مَا ذَا أَنْزَلَ رَبُّكُمْ قَالُوا أَسَاطِيرُ الْأَوَّلِينَ، لِيَحْمِلُوا أَوْزَارَهُمْ كَامِلَةً يَوْمَ الْقِيَامَةِ وَ مِنْ أَوْزَارِ الَّذِينَ يُضِلُّونَهُمْ بِغَيْرِ عِلم ألا ساء ما يَزِرُونَ) (النحل: 24)

أما قوله تعالى: «وَ لا تَزِرُ وَازِرَةٌ وِزْرَ أُخْرَى» (الأنعام: 164) فهو في غير المضلّ.

و في صحيح هِشَامِ و أبي بصير عَنْ الصادق علیه السّلام قَالَ: «... فَأَتَاهُ الشَّيْطَانُ فَقَالَهُ... تَبْتَدِعُ دِيناً وَ تَدْعُو إِلَيْهِ النَّاسَ فَفَعَلَ فَاسْتَجَابَ لَهُ النَّاسُ... مَا أَرَى لِي تَوْبَةَ... عَمَدَ إِلَى سِلْسِلَةٍ فَوَتَدَ لَهَا وَتِداً ثُمَّ جَعَلَهَا فِي عُنُقِهِ»، فَقَالَ: «لَا أَحُلُّهَا حَتَّى يَتُوبَ اللهُ عَزَّ وَ جَلَّ عَلَيَّ فَأَوْحَى اللَّهُ إِلَى نَبِيٌّ مِنَ الْأَنْبِيَاءِ قُلْ لِفُلَانٍ وَ عِزَّتِي لَوْ دَعَوْتَنِي حَتَّى يَنْقَطِعَ أَوْصَالُكَ مَا اسْتَجَبْتُ لَكَ حَتَّى تَرُدَّ مَنْ مَاتَ مِمَّا دَعَوْتَهُ إِلَيْهِ فَرَجَعَ عَنْهُ».(1) و له أسناد كثيرة.

3. ثلاث خصال نافعة تتبع الرجل بعد موته

في معتبرة الْحَلَبِيِّ عَنْ الصادق علیه السّلام قَالَ: «لَيْسَ يَتْبَعُ الرَّجُلَ بَعْدَ مَوْتِهِ مِنَ الْأَجْرِ إِلَّا ثَلَاثُ خِصَالٍ صَدَقَةٌ أَجْرَاهَا فِي حَيَاتِهِ فَهِيَ تَجْرِي بَعْدَ مَوْتِهِ وَ صَدَقَةٌ مَبْتُولَةٌ لَا تُورَثُ أَوْ سُنَّةٌ هُدًى يُعْمَلُ بِهَا بَعْدَهُ أَوْ وَلَدٌ صَالِحٌ يَدْعُو لَهُ».(2) و له(3) سند ثانٍ معتبر و في سند ثالث: «وَلَدٌ صَالِحٌ يَسْتَغْفِرُ لَهُ».

و في معتبرة مُعَاوِيَةَ بْنِ عَمَّارٍ قَالَ: قُلْتُ لِأَبِي عَبْدِ اللهِ علیه السّلام مَا يَلْحَقُ الرَّجُلَ بَعْدَ مَوْتِهِ؟ فَقَالَ:

ص: 75


1- وسائل الشيعة، ج 11، ص 343.
2- الوسائل، ج13، ص 293.
3- الوسائل، ج 13، ص 239.

«سُنَّةٌ سَنَّهَا يُعْمَلُ بِهَا بَعْدَ مَوْتِهِ فَيَكُونُ لَهُ مِثْلُ أَجْرِ مَنْ عَمِلَ بِهَا مِنْ غَيْرِ أَنْ يَنْتَقِصَ مِنْ أُجُورِهِمْ شَيْءٌ وَ الصَّدَقَةُ الْجَارِيَةُ تَجْرِي مِنْ بَعْدِهِ وَ الْوَلَدُ الطَّيِّبُ يَدْعُو لِوَالِدَيْهِ بَعْدَ مَوْتِهِمَا وَ يَحُجُّ وَ يَتَصَدَّقُ وَ يُعْتِقُ عَنْهُمَا وَ يُصَلِّي وَ يَصُومُ عَنْهُمَا»، فَقُلْتُ أُشْرِكُهُمَا فِي حَجِّتي؟ قَالَ: «نَعَمْ».

و في الرواية غير معتبرة سنداً: «سِتَةٌ تَلْحَقُ الْمُؤْمِنَ بَعْدَ مَوتِهِ: وَلَدٌ يَسْتَغْفِرُ لَهُ وَ مُصْحَفٌ يُخَلَّفُهُ وَ غَرْسٌ يَغْرِسُهُ وَ قَلِيبٌ يَحْفِرُهُ وَ صَدَقَةٌ يُجْرِيهَا وَ سُنَّةٌ يُؤْخَذُ بِهَا مِنْ بَعْدِهِ». (المصدر).

بل يظهر من رواية غير معتبرة سنداً، أنّ بعض الأعمال الصالحة الصادر من الولد ينفع للميّت و إن لم يصدر بقصد إهداء ثوابه إلى الوالد مثلاً.(1)

أقول: و الأقوى أنّ دعاء المؤمنين و المؤمنات ينفع لأمواتهم المؤمنين و المؤمنات و إن كان الدّاعون و المستغفرون من المؤمنين و المؤمنات الأجانب و الأجنبيات لقوله تعالى: «اغْفِرْ لَنَا وَ لِإِخْوَانِنَا الَّذِينَ سَبَقُونَا بِالْإِيمَانِ...» و للروايات الكثيرة، تخصيصاً لقوله تعالى: «وَ أَنْ لَيْسَ لِلْإِنْسَانِ إِلَّا مَا سَعَى» (النجم: 239)(2)

و يمكن أن يقال: إن أثر دعاء المؤمنين و إستغفارهم لسائر المؤمنين و المؤمنات وكذا نفع صدقاتهم لأمواتهم إنما هو من مراتب رحمته الرحيميّة الواسعة فلا ينافي حصر الآية المتقدّمة جزماً.

و الخلاصة : أنّه لا طاعة و لا معصيّة و لا تكامل(3) في البرزخ كما يظهر من إسترجاع الأرواح من الله سبحانه و تعالى إلى الأعمال الصالحة في الدنيا. «حَتَّى إِذَا جَاءَ أَحَدَهُمُ الْمَوْتُ قَالَ رَبِّ ارْجِعُونِ، لَعَلِّي أَعْمَلُ صَالِحاً فِيمَا تَرَكْتُ كَلاً إِنَّهَا كَلِمَةٌ هُوَ قَائِلُهَا وَ مِنْ وَرَائِهِمْ بَرْزَخٌ

ص: 76


1- بحار الأنوار، ج6، ص 230.
2- انظر كتاب معجم الأحاديث المعتبرة ج 8 أبواب الصلات على الميّت الباب 6 و 908 و ابواب الدفن الباب 10 و 16 و ابواب التعزية الباب 10.
3- و في رواية الكافى، ج 2، ص 606 عن الكاظم علیه السّلام بسند غير معتبر: من مات من اوليائنا و شيعتنا و لم يحسن القرآن علّم في قبره، ليرفع الله به من درجته.

إِلَى يَوْمِ يُبْعَثُونَ» (المؤمنون: 100).

لكنّ الأرجح أن هذا قولهم حين الموت لا في البرزخ. نعم تصل في البرزخ منافع و مضارّ من ناحية آثار العمل الدنيوى سواء كان من الميت أو من المؤمنين.

وفى البخاري بسنده برقم 1361 عن ابن عباس عن النبى صلّی الله علیه و آله و سلّم انّه مرّ بقبرين يعذّبان فقال: «أنهما ليعذّبان و ما يعذبان في كبير امّا احدهما فكان لا يستتر من البول، و امّا الآخر فكان يمشى بالنميمة، ثم اخذ جريدة رطبة فشقها بنصفين ثم غرس في كل قبر واحدة» فقالوا: يا رسول الله لِمَ صنعت هذا؟، فقال: «لعلّه ان يخفف عنهما مالم ييبسا». ورواه ايضا برقم 1378 باختلاف يسير.

خاتمة فصل البرزخ

صحيح مَنْصُورِ بْنِ حَازِمٍ قَالَ: سَأَلْتُ أَبَا عَبْدِ اللهِ علیه السّلام عَمَّنْ حَجَّ أَرْبَعَ حِجَجٍ مَا لَهُ مِنَ الثَّوَابِ؟ قَالَ: «يَا مَنْصُورُ مَنْ حَجَّ أَرْبَعَ حِجَجٍ لَمْ تُصِبْهُ ضَغْطَةُ الْقَبْرِ أَبَداً وَ إِذَا مَاتَ صَوَّرَ اللهُ الْحَجَّ الَّذِي حَجَّ فِي صُورَةٍ حَسَنَةٍ مِنْ أَحْسَنِ مَا يَكُونُ مِنَ الصُّوَرِ بَيْنَ عَيْنَيْهِ تُصَلِّي فِي جَوْفِ قَبْرِهِ حَتَّى يَبْعَثَهُ اللهُ مِنْ قَبْرِهِ وَ يَكُونُ ثَوَابُ تِلْكَ الصَّلَاةِ لَهُ وَ اعْلَمْ أَنَّ صَلَاةٌ مِنْ تِلْكَ الصَّلَاةِ تَعْدِلُ أَلْفَ رَكْعَةٍ مِنْ صَلَاةِ الْآدَمِيِّينَ».(1)

الكافى: أَبُو عَلِيَّ الْأَشْعَرِيُّ، عَنْ مُحَمَّدِ بْنِ عَبْدِ الْجَبَّارِ، عَنْ صَفْوَانَ، عَنْ إِسْحَاقَ بْنِ عَمَّارٍ: عَنْ أَبِي إِبْرَاهِيمَ عليه السلام، قَالَ: سَأَلْتُهُ عَنِ الرَّجُلِ يَحُجُ ، فَيَجْعَلُ حَجَّتَهُ وَ عُمْرَتَهُ أَوْ بَعْضَ طَوَافِهِ لِبَعْضِ أَهْلِهِ وَ هُوَ عَنْهُ غَائِبٌ بِبَلَدٍ آخَرَ، قَالَ: قُلْتُ: فَيَنْقُصُ ذَلِكَ مِنْ أَجْرِهِ؟ قَالَ: «لَا، لَهُ وَ لِصَاحِبِهِ، وَ لَهُ أَجْرٌ سِوى ذلِكَ بِمَا وَصَلَ». قُلْتُ: وَ هُوَ مَيِّتٌ هَلْ يَدْخُلُ ذَلِكَ عَلَيْهِ؟ قَالَ: «نَعَمْ، حَتَّى يَكُونُ مَسْخُوطاً عَلَيْهِ فَيُغْفَرُ لَهُ، أَوْ يَكُونُ مُضَيَّقاً عَلَيْهِ فَيُوَسَّعُ عَلَيْهِ». قُلْتُ: فَيَعْلَمُ هُوَ فِي مَكَانِهِ أَنَّ عَمَلَ ذلِكَ لَحِقَهُ؟ قَالَ: «نَعَمْ». قُلْتُ: وَ إِنْ كَانَ نَاصِباً يَنْفَعُهُ ذَلِكَ؟ قَالَ: «نَعَمْ،

ص: 77


1- الخصال، ج 1، ص 215 و 216. و معجم الاحاديث المعتبرة ، ج 6، ص 115 الطبعة الأولى.

يُخَفَّفُ عَنْهُ».(1) المصدر، ج 6، ص 152.

و الحديث يدلّ على الحياة البرزخية و عذابها و ثوابها. و لعلّ المراد بالناصبي مطلق المخالف.

27- نظرة أخيرة في البرزخ

تقدم أنّ البرزخ هو فصل زمانى بين الحياة الدنيا و الحياة الآخرة و إن شئت فقل أنّه فاصلة زمانية بين الحياة المادية الحاضرة و الحياة المادية الأخروية فى موقع الحساب أو دخول الجنة أو النار أو فى الأعراف موقتاً أو دائماً و ربّما يحتمل إعدام بعض الصنوف بعد بعثهم في موقف الحساب كالقاصرين مثلاً. و الله العالم.

فالبرزخ فيه حياة روحانية أى بروح مجرد و بدن برزخى إما لجميع اصناف الإنسان، أو للكاملين من المؤمنين و الكافرين فقط كما صرّح به الحديث المعتبر من الكافي المؤيد بروايات غير معتبرة سنداً، أو لجميع المسلمين و المؤمنين دون الكفار على ما إستظهرناه من عدة آيات كريمة من كتاب الله و فصلناها فى كتابنا (فوائد دمشقية) وكتابنا (روح از نظر دین و عقل و علم روحى جديد). و الله العالم بحقيقة الحال. و كيفية الحياة البرزخية مجهولة لنا في معظم جوانبها و قد تقدم بعض ما ورد من الآيات و الروايات بما يقع فيه في الفصول السابقة فالفرق بين البرزخ و النشأة المتقدمة عليه و النشأة المتأخرة منه، إنّ الجسم فيه لطيف و الجسم فيهما كثيف أى يرى لونه و له ثقل و مادة بصفاتها. و للبرزخ زمان و مکان و هل احساس الإمتداد الطولى و العرضى فيه كإحساسنا بهما في الدنيا أو متفاوت؟ لا نعلم شيئاً منه، لكن المظنون هو الثانى و إن كان الظن لا يغنى من الحق شيئاً.(2)

ص: 78


1- الكافي، ج 4، ص 315.
2- و دليلى على الظن المذكور قوله تعالى: «فَأَمَاتَهُ اللهُ مِائَةَ عَامٍ ثُمَّ بَعَثَهُ قَالَ كَمْ لَبِثْتَ قَالَ لَبِثْتُ يَوْمًا أَوْ بَعْضَ يَوْمٍ قَالَ بَلْ لَبِثْتَ مِائَةَ عَام (البقرة: 259) و بعض آيات آخر.

و ليس البرزخ بواجب الوقوع عقلاً لإمكان نقل الأموات من الجن و الإنس بعد موتهم من الأرض، أو عن أىّ كرة مسكونة أخرى إلى موقف الحساب بلا فصل، ثم نقلهم إلى الجنّة و جهنّم حسب استحقاقهم.

فالروح هو الروح فى العوالم الثلاثة و الإختلاف في مراتب كمالاته و نقصه و الفرق العمدة إنّما هو فى أجسامه الثلاثة، و هذا الفرق العمدة لا ينافي كون المعاد جسمياً مادياً حتى إذا كان المُعاد (بضم الميم) يوم المعاد هو الجسم الدنيوى بتمامه، فإنّ إختلاف الدارين يوجب تغييراً كثيراً في بناء الجسم المادى.

و إنّما قلنا بالبرزخ و أنّه فصل زمانی، لقوله تعالى: «وَ مِنْ وَرَائِهِمْ بَرْزَخٌ إِلَى يَوْمِ يُبْعَثُونَ». لأجل كلمة يوم فى هذه الآية و لآيات كثيرة وردت في كيفية جمع الناس معا في القيامة لكن من لازمه أنه حاجب و برزخ مكاني أيضاً، فالأرواح ليسوا في الأرض دائماً كما ليسوا في كرات الحساب و الجنة و النار. و المستفاد من الأحاديث أنّهم قد يكونون في الأرض و قد يكونون في الهواء من كرة الأرض و الله العالم.

و إذا شئت أن تطّلع على مباحث البرزخ و عالم المثال في كلام الحكماء و العرفاء فارجع إلى كتبهم كالأسفار و الفتوحات المكية و غيرهما و إلى شرح زاد المسافر للآشتياني من ص 360 إلى ص 476. و نحن لانراه صحيحاً.

و يمكن أن يقال: البرزخ حائل و حجاب بين الحياة الحاضرة و بين الرجوع إلى الربّ «قُلْ يَتَوَفَّاكُمْ مَلَكُ الْمَوْتِ الَّذِي وُكِّلَ بِكُمْ ثُمَّ إِلَى رَبِّكُمْ تُرْجَعُونَ» (السجده: 11). كل ذلك يرجع إلى معنى واحد. و كذا قوله: «إِنَّا لِلَّهِ وَ إِنَّا إِلَيْهِ رَاجِعُونَ». و قوله: «يَا أَيَّتُهَا النَّفْسُ الْمُطْمَئِنَّةُ ارْجِعِي إِلَى رَبِّكِ رَاضِيَةً مَرْضِيَّةٌ». (الفجر: 27 و 28)

ص: 79

28- وضع الكون في القيامة أو عندها

اشارة

«الْقَارِعَةُ مَا الْقَارِعَهُ.. يَوْمَ يَكُونُ النَّاسُ كَالفَرَاشِ الْمَبْثُوثِ وَ تَكُونُ الْجِبَالُ كَالْعِهْنِ الْمَنْفُوشِ» (القارعة: 1-5)

«إِذَا زُلْزِلَتِ الْأَرْضُ زِلْزَالَهَا، وَ أَخْرَجَتِ الْأَرْضُ أَثْقَالَهَا، يَوْمَئِذٍ تُحَدِّثُ أَخبارها، يَوْمَئِذٍ يَصْدُرُ النَّاسُ أَشْتَاتا» (الزلزلة: 1-6)

«كَلاً إِذَا دُكَّتِ الْأَرْضُ دَكَّاً دَكَاً» (الفجر: 21)

«إِذَا السَّمَاءُ انْشَقَّتْ .. وَ أَذِنَتْ لِرَبِّهَا وَ حُقَّتْ.. وَ إِذَا الْأَرْضُ مُدَّتْ وَ أَلْقَتْ مَا فِيهَا وَ تَخَلَّتْ.. وَ أَذِنَتْ لِرَبِّهَا وَ حُقَّتْ الانشقاق: (1-5)

«إِذَا السَّمَاءِ انفَطَرَتْ.. وَ إِذَا الكَوَاكِبُ انتَثَرَتْ.. وَ إِذَا البِحَارُ فُجُرَتْ (الإنفطار: 1-3)

«و إِذَا الشَّمْسُ كُورَتْ.. وَ إِذَا النُّجُومُ انْكَدَرَتْ وَ إِذَا الْجِبَالُ سَيِّرَتْ ... و إذا الْبِحَارُ سُجِّرَتْ... وَ إِذَا السَّمَاءُ كُشِطَتْ.. وَ إِذَا الْجَحِيمُ سُعَّرَتْ.. وَ إِذَا الْجَنَّةُ أُزْلِفَتْ..(1)» (التكوير: 1-13)

«وَ فُتِحَتِ السَّمَاء فَكَانَتْ أَبْوَاباً.. وَ سُيِّرَتِ الْجِبَالُ فَكَانَتْ سَرَاباً» (النبأ: 19-20)

«فَإِذَا النُّجُومُ طُمِسَتْ.. وَ إِذَا السَّمَاءِ فُرِجَتْ.. وَ إِذَا الْجِبَالُ نُسِفَتْ» (المرسلات: 8-10)

«وَ خَسَفَ الْقَمَرُ .. وَ جُمِعَ الشَّمْسُ وَالْقَمَرُ..» (القيامت: 8-9)

«يَوْمَ تَرْجُفُ الْأَرْضُ وَالْجِبَالُ وَ كَانَتِ الْجِبَالُ كَثِيباً مَهِيلاً» (المزمل: 14)

«فَإِذَا نُفِخَ فِي الصُّورِ نَفْخَةٌ وَاحِدَةٌ.. وَ حُمِلَتِ الْأَرْضُ وَ الْجِبَالُ فَدُكَّتَا دَكَةً وَاحِدَةً.. فَيَوْمَئِذٍ وَقَعَتِ الْوَاقِعَةُ.. وَ انْشَقَّتِ السَّمَاءُ فَهِيَ يَوْمَئِذٍ وَاهِيَةٌ» (الحاقّة: 13-16)

«إِذَا رُجَتِ الْأَرْضُ رَجَاً وَ بُسَتِ الْجِبَالُ بَسَّاً. فَكَانَتْ هَبَاءَ مُنْبَثّاً» (الواقعة: 46)

ص: 80


1- يخطر ببالي من الزمن القديم أنّ كرة الجنّة أو كراتها في مجرة أخرى متوجهة في حركتها الإنتقالية أو حركتها التبعيّة أو في جهة بعيدة من مجرتنا (كهكشان راه شیری) و إلى منظومتنا الشمسيّة التي من سياراتها كرّة أرضنا فتقرب من أرضنا بحيث يسهل نقل الإنسان إليها يوم القيامة و هذا معنى قوله تعالى: «وَ إِذَا الْجَنَّةُ أُزْلِفَتْ».

«يَوْمَ تَمُورُ السَّمَاءِ مَوْراً وَ تَسِيرُ الْجِبَالُ سَيْراً» (الطور: 9-10)

«فَارْتَقِبْ يَوْمَ تَأْتِي السَّمَاءُ بِدُخَانِ مُبِينٍ.. يَغْشَى النَّاسَ هَذَا عَذَابٌ أَلِيمٌ (الدخان: 10)

«وَ يَسْأَلُونَكَ عَنِ الْجِبَالِ فَقُلْ يَنْسِفُهَا رَبِّي نَسْفاً. فَيَذَرُهَا قَاعاً صَفْصَفاً.. لَا تَرَى فِيهَا عِوَجاً وَ لَا أمْتاً» (طه: 5-8)

«يَوْمَ نَطْوِي السَّمَاءَ كَطَيّ السَّجِلِّ لِلْكُتُبِ كَمَا بَدَأْنَا أَوَّلَ خَلْقٍ نُعِيدُهُ» (الأنبياء:104)(1)

تنبیه مهم: في صحيح جميل عن الصادق جعفر بن محمد علیه السّلام قال: «إِذَا أَرَادَ اللهُ عَزَّ وَ جَلَّ أَنْ يَبْعَثَ الْخَلْقَ أَمْطَرَ السَّمَاءَ أَرْبَعِينَ صَبَاحاً فَاجْتَمَعَتِ الْأَوْصَالُ وَ نَبَتَتِ اللُّحُومُ» (البحار ج 33/7).

أقول: الآيات القرآنية تؤكد متن هذا الحديث.

المتحصل و المحتمل من هذه الآيات الشريفة أمور:

1- إنهدام نظامنا الشمسيّة بما فيها من كرّتنا الأرضيّة و قمرها، و وقوع الزلزلة الهدّامة فيها و دكّها من الخارج، و هل الأرض تنتشر أجزائها في الفضاء أو يبقى هيكلها بعد التغيير فيها؟ فيه احتمالان

2- السماء تنفطر و تنشقُّ و تفتّح فكانت ابواباً و تفرج و تكشط، فهى واهية.

3- بحار الأرض تفجّر و تسجّر و جبالها تسيّر و تنسف و ترجف و هي تدكّ مع الأرض دكّة واحدة.

4- و العمدة في هذه التقلّبات انتشار الكواكب و انكدار النجوم و طمسها و لعل تقلب السماء بالإنفطار و الإنشقاق ليس مخصوصاً بسماء أرضنا أو نظام شمسنا بل يشمل سماء كل الكواكب المنتشرة و النجوم المنكدرة المطموسة.

ص: 81


1- این آیات کریمه از جزء سی ام قرآن مجید تا اول جزء 24 انتخاب شده است.

و هنا يقع البحث في سعة هذه السماء فهل هى شاملة لجميع سموات القرآن أو بعضها و ما نسبة السموات إلى المجرات؟

و الله سبحانه عالم و لا علم لنا. و قال الله تعالى: «وَ الْأَرْضُ جَمِيعاً قَبْضَتُهُ يَوْمَ الْقِيَامَةِ وَ السَّمَاوَاتُ مَطْوِيَّاتٌ بِيَمِينِهِ» (الزمر: 67)

لا نعلم معنى الآية فإنّ الأرض كلها في يومنا هذا بل من يوم خلقها الله كانت في قبضة الله، كونها أى السموات أنذاك مطويّات غير واضح لنا و ما حقيقته الطيّ؟

و كلمتنا الأخيرة حول البرزخ: هو عالم طويل جدّاً لا نعلم من حالاته و خصوصياته الكثيرة المتعلّقة بنا و بحياتنا الفردية و نظمه الإجتماعى إلّا اقلّ قليل !! واحداً بالمائة أو أقلّ منه، و لا نعلم عظمة الواقعات يوم القيامة.

29- النفختان والصّيحة

اشارة

قال الله تعالى: «وَ نُفِخَ فِي الصُّورِ فَجَمَعْنَاهُمْ جَمْعاً» (الكهف: 99)

: «يَوْمَ يُنْفَخُ فِي الصُّورِ وَ نَحْشُرُ الْمُجْرِمِينَ يَوْمَئِذٍ زُرْقاً» (طه: 102)

: «فَإِذَا نُفِخَ فِي الصُّورِ فَلا أَنْسَابَ بَيْنَهُمْ يَوْمَئِذٍ»(1) (المؤمنون: 101)

الآيات الثلاثة كلها وردت فى النفخة الثانيّة كما أنّ الآية التّالية وردت في النفخة الأولى. و أما قوله تعالى فى ذيلها «وَ كُلُّ أَتَوْهُ دَاخِرِينَ» (النحل: 78) فإمّا إشارة إلى النفخة الثانيّة، أو المراد به أرواح الموجودين في الأرض قرب القيامة بعد النفخة الأولى بنائاً على أنّ الفزع بمعنى الموت. و الله العالم.

«وَ يَوْمَ يُنْفَخُ فِي الصُّورِ فَفَزِعَ مَنْ فِي السَّمَاوَاتِ وَ مَنْ فِي الْأَرْضِ إِلا مَنْ شَاء الله و كل أتَوهُ داخِرين» (النمل: 87)

ص: 82


1- نفى الأنساب هل هو بين جميع النّاس أو بين الكفّار فقط و دقق النظر في الآيات.

«وَ نُفِخَ فِي الصُّورِ فَإِذَا هُمْ مِنَ الْأَجْدَاثِ إِلَى رَبِّهِمْ يَنْسِلُونَ. قَالُوا يَا وَيْلَنَا مَنْ بَعَثْنَا مِنْ مَرْقَدِنَا... إِنْ كَانَتْ إِلَّا صَيْحَةً وَاحِدَةً فَإِذَا هُمْ جَمِيعٌ لَدَيْنَا مُحْضَرُونَ» (يس: 51 و 53)

أقول: هذه ناظرة إلى نفخة ثانية جزماً.

: «وَ نُفِخَ فِي الصُّورِ فَصَعِقَ مَنْ فِي السَّمَاوَاتِ وَ مَنْ فِي الْأَرْضِ إِلا مَنْ شَاء الله ثُمَّ نُفِخَ فِيهِ أُخْرَى فَإِذَا هُمْ قِيَامٌ يَنْظُرُونَ» (الزمر: 67 و 68)

أقول: في الآيتين ذكر نفختين معاً، و يمكن أن نجعل الإستثناء في الآية الأولى قرينة على أنّ الآية الرابعة أيضاً وردت في النفخة الأولى بنائا على وحدة معنى الفزع و الصعق(1) أو أنّ الفزع مرتبة أولى من أثر النفخة الأولى و الصعق مرتبة نهائية لها. و الله العالم.

«فَإِذَا نُقِرَ فِي النَّاقُورِ، فَذلكَ يَوْمَئِذٍ يَوْمٌ عَسِيرٌ» (المدثر: 8 و 9)

«وَ اسْتَمِعْ يَوْمَ يُنَادِ الْمُنَادِ مِنْ مَكَانِ قَرِيب» (ق: 41) و المراد به أيضاً نفخة ثانية لقوله تعالى: «ذلك يَوْمُ الْخُرُوج» (ق: 42)

و اعلم أنّ نفخ الصور على قسمين:

أولهما: ما يفزع منه الأحياء و يصعقون على وجه.

ثانيهما: ما يحي عنده من في القبور و ينسلون إلى ربّهم «فَإِذَا هُمْ جَمِيعٌ لَدَيْنَا مُحْضَرُونَ»

و الناقور، البوق، و الصور هو قرن ينفخ فيه، و حقيقته في المقام غير معلومة لنا.

و هنا مطالب

1- الظاهر الصّيحة المذكورة فى أحوال القيامة خمس مرّات هى نفس النفخ في الصور أو أثره.

ص: 83


1- يمكن أن يكون الفزع مقدمة للصعق فهما مترتبان أحدهما على الآخر و إن شئت فقل ان الأول مرتبة خفيفة و الثاني مرتبة شديدة.

2- النفخ المكرر في الآيات له مصداقان كما تقدّما و يحتمل كونه ثلاثة:

و الأول مبنىٌّ على أنّ الفزع و الصعق مفهومان لمعنى واحد و هو أثر الصوت الشديد. أو للمعنيين؟ فعلى الأول لا تدلّ الآيتان المشتملتان على الفزع و الصعق على الموت بل على الأموات صيرورة الناس مغمى عليهم، ففى النفخ الثانى هؤلاء يفيقون من إغمائهم و يحي كلهم و يكونون من المحضرين عند الله تعالىف و الجامع بينهم: «فَإِذَا هُمْ قِيَامٌ يَنْظُرُونَ».

و أما إن فسّرنا الصعق بالموت فيشكل حمل الفزع عليه فتصير النفخات ثلاثة: نفخة الفزع، نفخة الصعق و نفخة إحياء الجميع من أول الخلق.

و الإحتمال الثاني مطابق لظهور الآيات أو المتيقّن من دلالتها، بعد عدم ظهور الصعق في الموت فلاحظ.

و الإحتمال الأول يؤيده عموم قوله تعالى أولاً: «كُلُّ شَيْءٍ هَالِكٌ إِلا وَجْهَهُ»(1) (القصص: 88) إذ لولا إماتة جميع الأحياء بين النفختين لم يصدق عموم الآية.

و يؤيده ثانياً وصفه تعالى في سورة الحديد بالأول و الآخر، فإن كونه تعالى أولاً بعد حدوث العالم الإمكاني بشرا شره، واضح و أما وصفه بالآخر فلا يتحقق معناه إلّا بعد فناء الأشياء و هلاكتهم في غير المستثنى (من شاء الله) و لذا أوّل بعضهم كلمة آخر الآخرين بغاية الغايات.

و الأقوى من الوجهين المذكورين قوله تعالى: «كُلُّ نَفْسٍ ذَائِقَةُ الْمَوْتِ» (آل عمران: 185 و العنكبوت 57)

لكن في ذيل آية آل عمران: «وَ إِنَّمَا تُوَفَّوْنَ أُجُورَكُمْ يَوْمَ الْقِيَامَةِ» (آل عمران: 185) و

ص: 84


1- نعم إحتمال كون الهلاك في الآية بمعنى إعتبارية الماهيات و بطلانها في حد نفسها و كون وجوداتها محتاجة إلى إرادته تعالى حدوثاً و بقائاً، قائمٌ. فكل شيئ سوى وجه الله تعالى هالك في الدنيا و الآخرة لا في خصوص الفصل بين النفختين. سياه روي ز ممکن در دو عالم جدا هرگز نشد و الله أعلم.

في ذيل أية العنكبوت: «ثُمَّ إِلَيْنَا تُرْجَعُونَ» فهل هذان الذيلان يقيّدان ذلك الذيلين بالإنسان والجان أم لا؟ بل الصدر باق على عمومه؟ فتدبّر فيه.

و المؤيد أو الدليل الرابع قوله تعالى: «كُلُّ مَنْ عَلَيْهَا فَانٍ، وَ يَبْقَى وَجْهُ رَبِّكَ ذُو الْجَلَالِ وَ الإِكْرَامِ» (الرحمن: 26 و 27) لا يقال مدلول الآية حكم من في الأرض فقط. إذ نقول: نعم، لكنّه يدل على أن الصعق و لو لأجل إحياء من فى الأرض، بمعنى الموت و هو يكفي للمقصود، على أن الإمتداح بقوله «وَ يَبْقَى وَجْهُ رَبِّكَ»، يدل أو يشعر بأنه لا باقى غيره.

و في رواية العيون التي لا يبعد الإعتماد على مجموع أسانيدها عن الرضا علیه السّلام قال: «قَالَ رَسُولُ اللهِ صلى الله عليه و آله و سلّم: لَمَّا نَزَلَتْ هَذِهِ الْآيَةُ: إِنَّكَ مَيِّتٌ وَ إِنَّهُمْ مَيِّتُونَ» (الزمر: 30) قُلْتُ: يَا رَبِّ أَ يَمُوتُ الْخَلَائِقُ وَ يَبْقَى الْأَنْبِيَاءُ؟ فَنَزَلَتْ كُلُّ نَفْسٍ ذَائِقَةُ الْمَوْتِ ثُمَّ إِلَيْنَا تُرْجَعُونَ» (آل عمران: 185)(1) (و تبقى الملائكة - خ)

أقول: الحديث يقوّى الوجه الثالث و يدل بكلمة الخلائق على عموم الموت، المؤيد ببعض الروايات غير المعتبرة سنداً أيضاً.(2)

3- المصابّون بالفزع و الصعق ليسوا أفراد الإنسان فقط بل من في السموات و الأرض أى كل الأحياء الساكنين في الأرض و السموات و هل هذه السموات تشتمل جميع المخلوقین حتى تكون القيامة قيامة لجميعهم بحيث لا يشذّ منهم أحد أم لا بل في الكون أحياء آخرون خارج تلك السموات لم تبلغ قيامتهم و إماتتهم ثم بعثهم و حسابهم و جزائهم؟

نقول في الجواب: و الله العالم.

4- و أما المراد بالمستثنى في الآيتين، فهل هم ممّن في السماء أو ممّن في الأرض؟ أو منهما، من الذين شاء الله نجاتهم من الفزع و الصعق؟ كل ذلك لا يثبت بدليل معتبر لفظى.

ص: 85


1- بحار الأنوار، ج6، ص 328.
2- لكن الحديث متهافت في نفسه، اذ كيف يسأل النبي صلّی الله علیه و آله و سلّم عن بقاء الانبياء و قد نزل عليه: إنك ميت..؟!

نعم هنا آية ربما تدل على نجاة المتقين- و من فوقهم بطريق أولى- من الفزع و هي قوله تعالى: «مَنْ جَاءَ بِالْحَسَنَةِ فَلَهُ خَيْرٌ مِنْهَا وَ هُمْ مِنْ فَزَعِ يَوْمَئِذٍ آمِنُونَ» (النمل: 89) فلاحظ و تدبّر.

و هنا إحتمال آخر، و هو أن المستثنى هم الأحياء و الساكنون في سموات خارجة عن السموات المذكورة في الآيتين المتقدّمتين و أنّ لهم قيامة و مبعثاً آخر، و يكون لهم فزع و صعق و محشر و ثواب و عقاب في قرون متأخرة. و على هذا فليس المراد بالمستثنى جماعة معدودين من المقرّبين(1) و من اطّلع على سعة الكون و عدد المجرّات المحيرّة للعقول في بعض العلوم، يرجح الإحتمال الثاني، حتى و إن كان المراد بالمستثنى الأشخاص المقربين و الجائين بالحسنة.

نعم ليس هؤلاء الاشخاص المقربون من جنس البشر و ان كانوا آمنون من الفزع لكنهم غير أمنين من الموت لقوله تعالى: «وَ مَا جَعَلْنَا لِبَشَرٍ مِنْ قَبْلِكَ الْخُلْدَ أَ فَإِنْ مِتَّ فَهُمُ الْخَالِدُونَ» (النبياء: 34)

وإن شئت أن تنظر الى المقام من وجهة العلوم الكونية انظر ج 1/ 287 من كتابنا (رنگارنگ) المطبوع بعد هذا الكتاب.

5- هل النفخة الأولى تميت الأحياء الحاضرين في ذلك اليوم باهلاك أبدانهم، أو باهلاك أبدانهم و أرواحهم معاً كما تهلك الأرواح الساكنة في البرزخ من أول وجودهم في كرة الأرض، الظاهر(2) هو الوجه الثاني. والله العالم.

فائدة: وصف القرآن الجنة: «وَسَارِعُوا إِلَى مَغْفِرَةٍ مِّن رَّبِّكُمْ وَجَنَّةٍ عَرْضُهَا السَّمَاوَاتُ وَالْأَرْضُ

ص: 86


1- و العقول المجردة الكليّة (كليّة عرفانيّة) التى يتخيّلها الفلاسفة و يحسبون أنها باقية ببقاء الله لا بإبقاء الله، لابدّ أنهم يدخلونهم فى المستثنى، و إن لم أراجع فعلاً كتبهم في هذا الباب.
2- من اطلاق بعض الآيات.

أُعِدَّتْ لِلْمُتَّقِينَ» (آل عمران 133) يدل على بطلان فرضية حاكمة على عصر القرآن و ماقبله و مابعده، و كانت مقبولة عند أهل النظر و هى الهيئة البطلميوسية، و هذه معجزة علمية للقرآن المجيد و أنّه كلام الله تعالى و يمكن أن نستنتج من وصف القرآن المتقدم سعة الجنة (بسعة عرض السموات والأرض) بأنها (أى الجنّة) كرات و سيارات كبيرة و لها نظام خاص في حصة من الفضاء و إن فرضت سعة الجنة المذكورة أصغر بكثير من سعة السموات و الارض، فالتشبيه لمجرد الوسعة. فلاحظ و تأمل.

30- أين المحشر و متی؟

اشارة

أمّا زمان وقوع الحشر فلا يعلمه أحد حتى خاتم النبيين صلّی الله علیه و آله و سلّم و علمه عند الله تعالى عالم الغيب و الشهادة، كما فى جملة من الآيات القرآنية.

و امّا مكانه فنقول مجملاً أنّه كرة أو كرات كبيرة(1) لا أدرى أنها في واحد من الأنظمةالشمسية في مجرّتنا أو في مجرّة أخرى.

و الدلائل على المختار: أولاً: قوله تعالى: «يَوْمَ تُبَدَّلُ الْأَرْضُ غَيْرَ الْأَرْضِ وَ السَّماواتُ وَ بَرَزُوا لِلهِ الْواحِدِ الْقَهَّار» (ابراهيم: 48)(2) فأرض البارزين الله الواحد القهار و سمواتهم يوم القيامة غير الأرض المسكونة الفعلية وغير السموات المرئية الفعلية، وكأن الفصل بين هاتَین الأرضَين بعيد و واسع فوق مايتصور المتصورون.

و قال الله تعالى: «وَ نُفِخَ فِي الصُّورِ فَصَعِقَ مَنْ فِي السَّماواتِ وَ مَنْ فِي الْأَرْضِ إِلَّا مَنْ شَاءَ الله ثُمَّ نُفِخَ فيه أخرى فإذا هُمْ قِيامَ يَنْظُرُونَ. وَ أَشْرَقَتِ الْأَرْضُ بِنُورِ رَبِّها وَ وُضِعَ الْكِتاب .. وَ

ص: 87


1- المستفاد من قوله تعالى على وجه: فإنّما هى زجرة واحدة فإذاهم بالساهرة. ان الناس بعد خروجهم من قبورهم ينتقلون الى كرة المحشر و هي كرة الساهرة أو كراتها.
2- والاستدلال مبني على كون مدلول الآية هكذا: يوم تبدل هذه الأرض والسموات بأرض و سموات مغائرتين لهما أو على أن أرض المحشورين و سمواتهم غير هذه السموات والأرض.

سيقَ الَّذِينَ كَفَرُوا إِلى جَهَنَّمَ زُمَراً.. وَ سيقَ الَّذينَ اتَّقَوْا رَبَّهُمْ إِلَى الْجَنَّةِ زُمَراً ..» (الزمر: 68 و73)

فأرض المحشر أشرقت لا بالشمس المرئية لنا اليوم بل بنور آخر و إن شئت فقل بنور ربّنا. و تقرّب مكاناً منها احتمالاً كرة النار ثمّ كرات الجنة و هى الجنّات. و الله العالم.

و يشهد بعد الآيتين بذلك أمران آخران:

أولهما: أن هذه الأرض بجبالها تزول على أحد الاحتمالين بالرّج والزلزلة «وَ بُسَتِ الْجِبالُ بَسَّا فَكانَتْ هَباءً مُنْبَنَّا» (الواقعة 5 و 6) «وَ حُمِلَتِ الْأَرْضُ وَ الْجِبالُ فَدُكَّتا دَكَّةً واحِدَةً» (الحاقة: 14)

ثانيهما: أنّ الأرض الصغيرة لَاتّسع حشر الأجساد منذ زمن آدم الى موقع النفخ في الصور.

فالمتحصل من الجميع أنّ المحشر و أرض الحساب و مواقف القيامة، كرة عظيمة فوق ما نتصور حتى إذا فرضنا حشر المحشورين عليها تدريجاً طيلة ذلك اليوم لا دفعة وفى عرض واحد(1) و أظن أنّ حركتها الوضعية بطيئةٌ جدّاً لطول يومها، و يحتمل أن ميدان الحساب كرات. والله العالم. و العمدة في تبيين مكان الجنّة في كرات في أحد المجرات قوله تعالى: «وَ لَقَدْ رَآهُ نَزْلَةً أُخْرى، عِنْدَ سِدْرَةِ الْمُنْتَهى، عِنْدَها جَنَّةُ الْمَأْوى، إِذْ يَغْشَى السَّدْرَةَ مَا يَغْشَى، ما زاغَ الْبَصَرُ وَ ما طَغى» (النجم: 13-17)

وكان النبى عرج بجسمه و روحه عند مشهور علماء المسلمين على البراق و هي سفينة محيرة معقدة كما يستفاد من الروايات الكثيرة فى المعراج و ذهب الى السموات و رأى جبرئيل عِنْدَ سِدْرَةِ الْمُنْتَهى و عِنْدَها جَنَّةُ الْمَأْوى و ما زاغَ بَصَرُ رسول الله صلى الله عليه و آله و سلّم فهذه قرينة مهمة اذا احترزنا التأويل في كلامه من دون ضرورة و الله الحمد.

هذا تصورنا من مكان الحشر و لم نر من تعرض له، أو اختاره.

ص: 88


1- «قُلْ إِنَّ الْأَوَّلِينَ وَ الْآخِرِينَ، لَمَجْمُوعُونَ إِلى ميقاتِ يَوْمٍ مَعْلُومٍ» (الواقعة/ 49 و 50). «فَإِذَا هُمْ جَمِيعٌ لَدَيْنَا مُحْضَرُون» (يس: 53) «فَكَيْفَ إِذا جَمَعْناهُمْ لِيَوْمٍ لا رَيْبَ فِيهِ» (آل عمران: 25) «رَبَّنَا إِنَّكَ جامِعُ النَّاسِ لِيَوْمِ لَا رَيْبَ فيه» (آل عمران: 9).

ثم إن فى مكان جهنم والجنة أقوال آخر

فمنها: ما قيل من أنّه باطن هذا العالم(1) و الظاهر مراده من العالم كرة الأرض: الصغيرة !! و هو تخيل باطل ومجرد احتماله من هذا الفاضل المعتدل الفكر واسع الفهم بعيد بل غريب. و انظر اواخر كتابه فى المعاد. و أظن ظناً من كلامه هذا أنه لا يرى المعاد مادياً و إن كان جسمانياً.

و منها: ماذكره صاحب الأسفار و اتباعه وكل ما يذكرون في المعاد فهو مبنيّ على أن الموجودات فى النشأة الاخروية صور مستقلة الوجود بلا مادة فليس لها من الأسباب إلّا واهب الصور و الصور هناك قائمة بالفاعل كما ذكره غير مرّة. و قال أيضاً أن الصور هناك غير قائمة بالمواد الوضعية المقيدة بالجهات المكانية و أنها ناشئة من تصورات نفسانية.(2)

أقول: ونحن لا نقول بما تخيله هو و أصحابه و مسائل الآخرة كلها يجب أخذها من القرآن من دون تأويل.

31- فوائد متنوعة

اشارة

1- فى روايات مستفيضة سنداً التي لا تخلو أسانيدها أو مصدر بعضها من ضعف، أن أرض المحشر يصير خبزاً يأكله الناس. و الظاهر أنّ ماء الشرب أيضاً يوجده الله و يمكن أن يغنيهم الله عن الأكل و الشرب بأسباب أخرى.

2- في جملة من الروايات غير المعتبرة أنّ المسلمين يوم القيامة ضعفا سائر الأمم (بحار الأنوار ج 230/7) و أنا أعتقد أن أمة خاتم النبيين صلّی الله علیه و آله و سلّم لعلّهم تسعة أعشار الأمم السابقة الحاضرة فى المحشر أو اكثر.

ص: 89


1- و كأنه أخذ من كلام صاحب الأسفار و السبزواري في تعليقة الأسفار، ج 9، ص 177: (إنّما هي في باطن هذا العالم و فى طوله). فتأمّل.
2- الأسفار، ج 9، ص188 مطبعة الافق.

3- يناسب هنا أن نتعرض لأمر آخر مما استفدته أيام شبابى من القرآن المجيد: يقول الله تعالى: «وَ إِنْ مِنْكُمْ إِلا وارِدُها كانَ عَلى رَبِّكَ حَتْماً مَقْضِيَّا، ثُمَّ نُنَجِّي الَّذِينَ اتَّقَوْا وَ نَذَرُ الظَّالِمينَ فيها جِثِيَّا» (مريم: 71 و 72)

الآية تشير -و لا أقول تدل- الى أن كرة جهنم أقرب الى كرة المحشر فإنّ المحاسبين المكلفين فى ممرّهم من المحشر يمرّون أولاً على جهنم و يدخل الكفار فيها، ثمّ ينجّى الله المتقين منها و يوصلهم الى إحدى الكرات المسمات بجنّات، فهنّ بعد كرة جهنم، و الورود فی اول الآية ليس بمعنى الدخول قطعاً بل بمعنى النزول قرب النار كقوله تعالى في حق موسى علیه السلام و لما ورد ماء مدين، فإنه لم يدخل فى ماء البئر بل نزل حوله. و لعل استعمال كلمة الورود في الآية (وإن منكم إلّا واردها) من جهة نزول سفينة المكلفين الفضائية المحاسبين المحكومين عليهم بالجنة أو النار في فضاء كرة النار لطرح أهل جهنم فيها من السفينة أو مايشبهها ثمّ بعد افراغهم منها توصل أهل الجنة الى كراتها. و الله العالم.

و اعلم أن المستفاد من الآيات تحقق الجنة و النار في مكانهما في عصر النبي الاكرم صلّی الله علیه و آله و سلّم بل و لعلّه قبل خلقة آدم علیه السلام.

آية يصعب تفسيرها

قال الله تعالى: «إِنَّ الَّذِينَ كَذَّبُوا بِآيَاتِنَا وَاسْتَكْبَرُوا عَنْهَا لَا تُفَتَّحُ لَهُمْ أَبْوَابُ السَّمَاءِ وَلَا يَدْخُلُونَ الْجَنَّةَ حَتَّى يَلِجَ الْجَمَلُ فِي سَمِّ الْخِيَاطِ وَكَذلكَ نَجْزِي الْمُجْرِمِينَ» (الأعراف: 40) «لَهُم مِّن جَهَنَّمَ مِهَادٌ..» (الأعراف: 41)

للآية اشعار او ظهور في كون الجنة في «احدى الكرات أو في عدّة من الكرات في السماء» و حيث تحرم الجنة على المكذبين المستكبرين لا تفتح لهم ابواب السماء و لا يدخلون الجنة، فهى مؤيدة لمختارنا. و هذا من جهة.

ص: 90

و من جهة اخرى للآية اشعار أو ظهور في ان جنهم أيضا ليست في السماء اذ مع عدم فتح ابواب السماء كيف يدخلون في جنهم؟ و هذا يشهد على خلاف نظرنا في كون جنهم في السماء، الا ان يقال بان المراد بالأبواب المفتوحة لهم هى الأبواب المؤدية الى الجنة، دون مطلق الأبواب و ان كانت تؤدي الى جهنم. فلاحظ!. و الله العالم بكلامه.

و يمكن أن يقال ان المراد بالسماء هنا السماء الخاصة بالجنّات دون مطلق السموات و لذا أتى الله بلفظ المفرد دون لفظ الجمع، فلا يدل و لا يشهد بخلاف قولنا، و الجوابان قريبا المخرج.

32- الصراط

الصراط المذكور في القرآن و السنة قد اشتهر بالجسر على متن جهنم، و قالوا ا أنه أدق من الشعر و أحدّ من السيف، فالناس يمرّون عليه يوم القيامة فساقط منهم في النار و ناج منهم بالمرور عليه الى الجنة. قال الشيخ الصدوق رحمه الله في عقائده: إعتقادنا في الصراط أنه حق و أنه جسر جهنم و أنه ممرّ جميع الخلق. قال الله عزّوجلّ: «وَ إِنْ مِنْكُمْ إِلا وارِدُها كَانَ عَلَى رَبِّكَ حَتْماً مَقْضِيًّا».

و قال عضد الدين الاهجي في مواقفه و هو في خط الأشعرى: و اعلم أن الصراط جسر ممدود على ظهر جهنم يعبّر عليه المؤمن و غيره. وانكره اكثر المعتزلة.

أقول: لادليل معتبر عليه من الكتاب و السنة و الصراط لايتعين تفسيره بالجسر، و أظنه -والظن لا يغنى من الحق شيئاً- أنه طريق فضائي من كرة المحشر الى جوّ كرة جهنم و منها الى جوّ الجنة و أرضها و من يعلم معضلات سفر الفضاء اليوم هان عليه الاقرار بقول السابقين بأنه أدق من الشعر، فلو خرج السفينة الفضائية من مسيرها أو وقع النقص فيها صارت بتمام أجزائها بخاراً. والله العالم.

و الأسلم أن يقال إن الصراط طريق الى الجنة والنار، و لا نفسره بالجسر و غيره حذراً من

ص: 91

القول بلاعلم، بل التفسير المذكور غير معقول.

33- کیفیة حشر الإنسان

اشارة

33- کیفیة حشر الإنسان(1)

تقدم مقدار من جزئيات العنوان في الآيات القرآنية والمباحث العلمية و الأحاديث فيما تقدم، و اليك جملة اخرى منها فقد ذكر فى القرآن: «وَ يَوْمَ يَحْشُرُهُمْ كَأَنْ لَمْ يَلْبَثُوا إِلا سَاعَةً مِنَ النَّهارِ يَتَعارَفُونَ بَيْنَهُمْ» (يونس: 45) «وَ مَنْ يُضْلِلْ .. وَ نَحْشُرُهُمْ يَوْمَ الْقِيَامَةِ عَلَى وُجُوهِهِمْ عُمْياً وَ بُكْماً وَ صُمَّا» (الإسراء: 97) «وَ كُلُّهُمْ آتِيهِ يَوْمَ الْقِيامَةِ فَرْدا» (مريم: 95) «وَ ما أَمْرُنا إِلا واحِدَةٌ كَلَمْحِ بِالْبَصَرِ» (القمر: 50) «سَنَفْرُغُ لَكُمْ أَيُّهَ الثَّقَلانِ» (الرحمن: 31) و ارجع الى آيات سورة الجن و سورة الرحمن، لعلّك تجد بعض الفوائد في ما يتعلّق بالجن وكذا في آیات اخری.

«وَ كُنتُمْ أَزْواجاً ثَلاثَةً، فَأَصْحابُ الْمَيْمَنَةِ ما أَصْحابُ الْمَيْمَنَةِ، وَ أَصْحَابُ الْمَشْئَمَةِ ما أصحابُ الْمَشْئَمَةِ، وَ السَّابِقُونَ السَّابِقُونَ» (الواقعة: 7 - 10) «يَوْمَ تَبْيَضُ وُجُوهٌ وَ تَسْوَدُّ وُجُوهٌ» (آل عمران: 106) «سَيْطَوَّقُونَ ما بَخِلُوا بِهِ يَوْمَ الْقِيامَة» (آل عمران: 180) «مِنْ قَبْلِ أَنْ نَطْمِسَ وُجُوهاً فَنَرُدَّها عَلى أَدْبارها» (النساء: 47) «وَ يَوْمَ يَحْشُرُهُمْ جَميعاً يا مَعْشَرَ الْجِنِّ قَدِ اسْتَكْثَرْتُمْ مِنَ الْإِنْس..» (الأنعام: 128)

و قال الله في حق الكافرين المستكبرين: «وَ قَدِمْنا إلى ما عَمِلُوا مِنْ عَمَلٍ فَجَعَلْنَاهُ هَبَاءً

ص: 92


1- لا نعلم كيفية حشر غير الإنسان ممّن فى الأرض والسموات من المبعوثين. نعم نظنّ أن محشر الجن و حسابهم فيه في عرض حساب الإنسان لقوله تعالى «سَنَفْرُغُ لَكُمْ أَيُّهَ الثَّقَلانِ» (الرحمن: 31) و لقوله تعالى: «يَا مَعْشَرَ الْجِنِّ وَ الْإِنْسِ إِنِ اسْتَطَعْتُمْ أَنْ تَنْفُذُوا مِنْ أَقْطارِ السَّیماواتِ وَ الْأَرْض» (الرحمن: 33) بناءاً علی أن الخطاب المذکور فی القیامة و فیه تردد. و لقوله تعالی: «وَ یَوْ یَحْشُرُهُمْ جَمیعاً یا مَعْشَرَ الْجِن.. » (الأنعام: 128) نعم مقتضیی قوله تعالی: «إِنْ کُلُّ مَنْ فِي السَّمَاوَاتِ وَ الْأَرْضِ إِلاَّ آتِي الرَّحْمنِ عَبدَاً، لَقَدْ أَحْصَاهُمْ وَ عَدَّهُمْ عَدّاً، وَ کُلُّهُمْ آتِیهِ یَوْ الْقِیَامَةِ فَرْداً» (مریم: 93- 95) حشر جمیع العقلاء الموجودین فی السموات و الأرض فی القیامة.

مَنْثُوراً» (الفرقان: 23) «قالَ رَبِّ لِمَ حَشَرْتَني أَعْمَى وَ قَدْ كُنْتُ بَصيراً» (طه: 25) «الْيَوْمَ نَخْتِمُ عَلى أَفْوَاهِهِمْ وَتُكَلِّمُنا أَيْديهِمْ وَتَشْهَدُ أَرْجُلُهُمْ بِما كانُوا يَكْسِبُونَ» (يس: 65) «قُلْ إِنَّ الْأَوَّلِينَ وَ الْآخِرينَ، لَمَجْمُوعُونَ إِلى ميقاتِ يَوْمٍ مَعْلُوم» (الواقعة: 49 و 50) «لَنْ تَنْفَعَكُمْ أَرْحَامُكُمْ وَ لا أَوْلادُكُمْ يَوْمَ الْقِيَامَةِ يَفْصِلُ بَيْنَكُم» (الممتحنة: 3) «يَوْمَ تَرْجُفُ الرَّاحِفَةُ، تَتْبَعُهَا الرَّادِفَةُ، قُلُوبٌ يَوْمَئِذٍ واجِفَةٌ، أَبْصارُها خاشِعَةٌ» (النازعات: 6-9) «وَ قالَ الْإِنْسَانُ مَا لَهَا، يَوْمَئِذٍ تُحَدِّثُ أَخْبارَها، بِأَنَّ رَبَّكَ أَوْحَى لَها يَوْمَئِذٍ يَصْدُرُ النَّاسُ أَشْتاتاً لِيُرَوْا أَعْمالَهُمْ» (الزلزلة: 3-6) «يَوْمَ يَكُونُ النَّاسُ كَالْفَراشِ الْمَبْثُوثِ، وَ تَكُونُ الْجِبالُ كَالْعِهْنِ الْمَنْفُوشِ» (القارعة : 4 و 5) «وَ جاءَ رَبُّكَ وَ الْمَلَكُ صَفًّا صَفًّا، وَ جيءَ يَوْمَئِذٍ بِجَهَنَّمَ يَوْمَئِذٍ يَتَذَكَّرُ الْإِنْسانُ وَ أَنَّى لَهُ الذِّكْرِى» (الفجر: 22 و 23) «يَوْمَ تُبْلَى السَّرائِرُ، فَما لَهُ مِنْ قُوَّةٍ وَ لا ناصِرٍ» (الطارق: 9 و 10)

«عَلِمَتْ نَفْسٌ مَا قَدَّمَتْ وَ أَخَرَتْ.. يَوْمَ لا تَمْلِكُ نَفْسٌ لِنَفْسٍ شَيْئاً وَ الْأَمْرُ يَوْمَئِذٍ لِلَّهِ» (الانفطار: 5 و 19) «يَوْمَ يَقُومُ النَّاسُ لِرَبِّ الْعالَمينَ، كَلاً إِنَّ كِتابَ الفُجَّارِ لَفِي سِجِّينٍ، كَلاً إِنَّهُمْ عَنْ رَبِّهِمْ يَوْمَئِذٍ لَمَحْجُوبُونَ، كَلاً إِنَّ كِتابَ الْأَبْرارِ لَفِي عِلَّيَّينَ» (المطففين: 6، 7، 15، 18) «يَوْمَ يَفِرُّ الْمَرْءُ مِنْ أَخِيهِ، وَ أُمِّهِ وَ أَبِيهِ، وَ صاحِبَتِهِ وَ بَنِيهِ، لِكُلِّ امْرِئٍ مِنْهُمْ يَوْمَئِذٍ شَأْنٌ يُغْنِيهِ» (عبس: 34-37) «يَوْمَ يُنْفَخُ فِي الصُّورِ فَتَأْتُونَ أَفواجاً، وَ فُتِحَتِ السَّماءِ فَكانَتْ أَبْواباً» (النبأ: 18 و 19 ) «هذا يَوْمُ لا يَنْطِقُونَ، وَ لا يُؤْذَنُ لَهُمْ فَيَعْتَذِرُونَ، هَذا يَوْمُ الْفَصْلِ جَمَعْناكُمْ وَ الْأَوَّلِينَ» (المرسلات 35، 36، 38) «يَوْماً يَجْعَلُ الْوِلْدان شيباً» (المزمل: 17) «يَوْمَ يَخْرُجُونَ مِنَ الْأَحْداثِ سِراعاً كَأَنَّهُمْ إِلى نُصْبٍ يُوفِضُونَ، خاشِعَةً أَبْصارُهُمْ تَرْهَقُهُمْ ذِلَّةٌ ذلك الْيَوْمُ الَّذِي كانُوا يُوعَدُونَ» (المعارج: 43 و 44)

«وَ لا يَسْئَلُ حَمِيمٌ حَمِيماً، يُبَصَّرُونَهُمْ يَوَدُّ الْمُجْرِمُ لَوْ يَفْتَدي مِنْ عَذَابٍ يَوْمِئِذٍ بِبَنِيهِ» (المعارج: 10و11) «يَوْمَ لا يُخْزِي الله النَّبِيَّ وَ الَّذِينَ آمَنُوا مَعَهُ نُورُهُمْ يَسْعَى بَيْنَ أَيْدِيهِمْ وَ

ص: 93

بِأَيْمَانِهِمْ» (التحريم: 8) «لَنْ تَنْفَعَكُمْ أَرْحَامُكُمْ وَ لا أَوْلادُكُمْ يَوْمَ الْقِيامَةِ يَفْصِلُ بَيْنَكُم» (الممتحنة: 3)

و سورة الرحمن تشرك الجن والإنس في ذم التكذيب بآلاء الرحمن.

«وَ تَرى كُلَّ أُمَّةٍ جَاثِيَةً كُلُّ أُمَّةٍ تُدعى إلى كِتابِهَا» (الجاثية: 28) «خُشَعَاً أَبْصَارُهُمْ يَخْرُجُونَ مِنَ الْأَجْدَاثِ كَأَنَّهُمْ جَرادٌ مُنْتَشِرٌ مُهْطِعِينَ إِلَى الدَّاع» (القمر: 7 و 8) «الْأَخِلاَّ يَوْمَئِذٍ بَعْضُهُمْ لِبَعْضٍ عَدُوٌّ إِلا الْمُتَّقِينَ، يا عِبادِ لا خَوْفٌ عَلَيْكُمُ الْيَوْمَ وَ لا أَنْتُمْ تَحْزَنُونَ، الَّذِينَ آمَنُوا بِآيَاتِنَا وَ كانُوا مُسْلِمينَ» (الزخرف: 67-69) «وَ لَقَدْ جِئْتُمُونا فُرادى كَما خَلَقْناكُمْ أَوَّلَ مَرَّةٍ وَ تَرَكْتُمْ ما خَوَّلْناكُمْ وَرَاءَ ظُهُورِكُمْ وَ ما نَرى مَعَكُمْ شُفَعاءَ كُمُ الَّذِينَ زَعَمْتُمْ أَنَّهُمْ فِيكُمْ شُرَكَاءُ لَقَدْ تَقَطَّعَ بَيْنَكُمْ وَضَلَّ عَنْكُمْ ما كُنْتُمْ تَزْعُمُونَ» (الأنعام: 94)

أقول: و كأن هذا التفرد في مقابل الأموال و اما التفرد فى مقابل الجماعة فهو مدلول قوله تعالى: «وَكُلُّهُمْ آتِيهِ يَوْمَ الْقِيَامَةِ فَرْدًا» (مريم: 95)

و هذا التفرد يتحقق في أول الحشر و بعد ذلك يجتمعون جماعات «يَقْدُمُ قَوْمَهُ يَوْمَ الْقِيَامَةِ فَأَوْرَدَهُمُ النَّار» (هود: 98) «يَوْمَ نَدْعُوا كُلَّ أُناسٍ بِإِمامِهِمْ فَمَنْ أُوتِيَ كِتابَهُ بِيَمِينِهِ فَأُولئِكَ يَقْرَؤُنَ كِتابَهُمْ وَ لا يُظْلَمُونَ فَتِيلاً، وَ مَنْ كانَ في هذِهِ أَعْمَى فَهُوَ فِي الْآخِرَةِ أَعْمَى وَ أَضَلُّ سبيلاً» (الإسراء: 72)

و عن رسول الله صلى الله عليه و آله و سلّم في تفسير أول الآية يدعى كل قوم بامام زمانهم وكتاب الله و سنة نبييهم.(1)

«وَ لا تَحْسَبَنَّ اللهَ غافِلاً عَمَّا يَعْمَلُ الظَّالِمُونَ إِنَّمَا يُؤَخِّرُهُمْ لِيَوْمٍ تَشْخَصُ فِيهِ الْأَبْصَارُ، مُهْطِعِينَ مُقْنِعِي رُؤْسِهِمْ لا يَرْتَدُّ إِلَيْهِمْ طَرْفُهُمْ وَ أَفْئِدَتُهُمْ هَواءُ» (ابراهيم: 42 و 43) «وَ خَشَعَتِ

ص: 94


1- البحار، ج 8، ص 10.

الْأَصْواتُ لِلرَّحْمَنِ فَلا تَسْمَعُ إِلا هَمْساً» (طه: 108) «وَ اتَّقُوا يَوْماً لَا تَجْزِي نَفْسٌ عَنْ نَفْسٍ شَيْئاً وَ لا يُقْبَلُ مِنْها شَفاعَةٌ وَ لا يُؤْخَذُ مِنْها عَدْلٌ وَلا هُمْ يُنْصَرُونَ» (البقرة: 48)

هذا هو قانون المحشر إلّا من رحمه الله إذ له الشفاعة جميعاً و ليس من دون الله تعالى ولي ولا شفيع كما في آيات من القرآن. «يا بُنَيَّ إِنَّهَا إِنْ تَكُ مِثْقَالَ حَبَّةٍ مِنْ خَرْدَلٍ فَتَكُنْ فِي صَخْرَةٍ أو فِي السَّماواتِ أو في الأرْضِ يَأْتِ بِهَا الله إِنَّ الله لطيفٌ خَبِيرٌ» (لقمان: 16) «عالم الغَيْبِ لا يَعْزُبُ عَنْهُ مِثْقَالُ ذَرَّةٍ فِي السَّماواتِ وَ لا فِي الْأَرْضِ وَ لا أَصْغَرُ مِنْ ذلك وَ لا أَكْبَرُ إِلا في کتاب مبين» (سبا: 3).

34- السؤال و الحساب

اشارة

«وَ اللهُ سَريعُ الْحِسابِ» (البقرة : 202) «وَ هُوَ أَسْرَعُ الْحاسِبينَ» (الأنعام: 62) «وَ إِنْ تُبْدُوا ما في أَنْفُسِكُمْ أَوْ تُخْفُوهُ يُحاسِبْكُمْ بِهِ الله..» (البقرة: 284) «وَ كَأَيِّنْ مِنْ قَرْيَةٍ عَتَتْ عَنْ أَمْرِ رَبِّهَا وَ رُسُلِهِ فَحاسَبْناها حِساباً شديداً» (الطلاق: 8) «فَأَمَّا مَنْ أُوتِيَ كِتابَهُ بِيَمِينِهِ، سَوْفَ يُحَاسَبُ حِساباً يَسيراً» (الانشقاق: 7 و 8) «ثُمَّ إِنَّ عَلَيْنا حِسابَهُمْ» (الغاشية: 26) «ثُمَّ لَتُسْأَلُنَّ يَوْمَئِذٍ عَنِ النَّعِيمِ» (التكاثر: 8) «فَلَنَسْتَلَنَّ الَّذينَ أُرْسِلَ إِلَيْهِمْ وَلَنَسْتَلَنَّ الْمُرْسَلِينَ» (الأعراف: 6).

وفى سند معتبر على وجه عن الثمالي عن الباقر علیه السّلام عن رسول الله صلّی الله علیه و آله و سلّم: «لَا تَزُولُ قَدَمَا عَبْدِ يَوْمَ الْقِيَامَةِ مِنْ بَيْنِ يَدَيِ اللهِ حَتَّى يَسْأَلَهُ عَنْ أَرْبَعِ خِصَالٍ عُمُرِكَ فِيمَا أَفْنَيْتَهُ وَ جَسَدِكَ فِيمَا أَبْلَيْتَهُ وَ مَالَكَ مِنْ أَيْنَ كَسَبْتَهُ وَ أَيْنَ وَضَعْتَهُ وَ عَنْ حُبِّنَا أَهْلَ الْبَيْتِ». رواه القمى فى تفسيره.(1)

و رواه المفيد في مجالسه بسند معتبر على وجه، و زاد فيه: وَ مَا عَلَامَةُ حُبِّكُمْ يَا رَسُولَ اللَّهِ؟ فَقَالَ: «مَحَبَّةُ هَذَا وَ وَضَعَ يَدَهُ عَلَى رَأْسِ عَلِيِّ بْنِ أَبِي طَالِبٍ علیه السلام».(2) و للمتن أربعة اسانيد. و رواه أيضاً بعض محدّثى أهل السنة.

ص: 95


1- تفسیر القمی، ج 2، 20.
2- البحار، ج 7، 259.

و في عيون أخبار الرضا بِالْأَسَانِيدِ الثَّلَاثَةِ عَنِ الرّضَا عَنْ آبَائِهِ علیهم السلام قَالَ قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صلى الله عليه و آله و سلّم «إِنَّ اللهَ عَزَّ وَ جَلَّ يُحَاسِبُ كُلَّ خَلْقٍ إِلَّا مَنْ أَشْرَكَ بِاللهِ عَزَّ وَ جَلَّ فَإِنَّهُ لَا يُحَاسَبُ وَ يُؤْمَرُ بِهِ إِلَى النَّارِ».(1)

و بسند صحيح عن الباقر علیه السلام: «يَقُولُ إِنَّ أَوَّلَ مَا يُحَاسَبُ بِهِ الْعَبْدُ الصَّلَاةُ فَإِنْ قُبِلَتْ قُبِلَ مَا سِوَاهَا». كما في التهذيب.

خاتمة:

امالي الصدوق: أبي، عن سَعْدِ بْن عَبْدِ اللهِ، عن إِبْرَاهِيم بن هَاشِمٍ، عَنْ عَبْدِ الرَّحْمَنِ بْنِ أَبِي نَجْرَانَ، عَنْ عَاصِمِ بْنِ حُمَيْدِ، عَنْ مُحَمَّدِ بْنِ قَيْسٍ، عَنْ أَبِي جَعْفَرٍ، عن أمير المؤمنين علیه السّلام: «و اعْلَمُوا أَنَّ طَرِيقَكُمْ إِلَى الْمَعَادِ وَ مَمَرَّكُمْ عَلَى الصَّرَاطِ وَ الْهَوْلَ الْأَعْظَمَ أَمَامَكُمْ وَ عَلَى طَرِيقِكُمْ عَقَبَةٌ كَنُودٌ وَ مَنَازِلُ مَهُولَةٌ مَخُوفَةٌ لَا بُدَّ لَكُمْ مِنَ الْمَمَرَّ عَلَيْهَا وَ الْوُقُوفِ بِهَا ».(2)

35- ظرفية المحشر الزمانية

قال الله تعالى:

1 - «وَ يَسْتَعْجِلُونَكَ بِالْعَذابِ وَ لَنْ يُخْلِفَ اللهُ وَعْدَهُ وَ إِنَّ يَوْماً عِنْدَ رَبِّكَ كَأَلْفِ سَنَةٍ مِمَّا تَعُدُّونَ» (الحج: 47)

2- «يُدَبِّرُ الْأَمْرَ مِنَ السَّماءِ إِلَى الْأَرْضِ ثُمَّ يَعْرُجُ إِلَيْهِ في يَوْمٍ كَانَ مِقْدَارُهُ أَلْفَ سَنَةٍ مِمَّا تَعُدُّونَ» (السجدة: 5)

3- «سَأَلَ سائِلٌ بِعَذَابِ واقِعِ، لِلْكَافِرِينَ لَيْسَ لَهُ دافِعٌ، مِنَ اللَّهِ ذِي الْمَعَارِجِ، تَعْرُجُ الْمَلَائِكَةُ

ص: 96


1- البحار، ج 7، 260. و يحتمل الحاق مطلق الكافر بالمشرك في ذلك.
2- بحار الانوار، ج 71، ص 173 و امالی الصدوق، ص 498، و معجم الاحاديث المعتبرة ، ج 3 كتاب الطاعة الباب 9.

وَ الرُّوحُ إِلَيْهِ فِي يَوْمِ كَانَ مِقْدَارُهُ خَمْسِينَ أَلْفَ سَنَةٍ، فَاصْبِرْ صَبْراً جَمِيلاً، إِنَّهُمْ يَرَوْنَهُ بَعِيداً، وَ نراه قريباً» (المعارج: 1-7)

و قد ذكروا وجوهاً لتفسير الآيات الثلاثة و تأويلها، كل حسب فهمه و ذوقه و من جملة هذه الآراء أنّ الآية الثالثة تعبّر عن عمر دنيانا و لم يقل أنّه من ابتداء خلق آدم أو من خلق الأرض أو من شيء آخر و على كل هو أمر محتمل في حق الإنسان. والله العالم.

و الآية الاولى لها تعلّق بالعذاب و الجزاء نحو تعلق في الدلالة، وهل لليوم المذكور أيضاً تعلق خارجيّ بها؟ أمر محتمل فيكون طول يوم القيامة الف سنة.(1) و عليه تكون القيامة مادية لأنّ الزمان و المكان من لوازم المادة، و امّا الآية الثانية فلا صلة لها بالعذاب سياقاً و إثباتاً، و لا علم لنا بتفسيره. و الله العالم.

36- الحوض

و بِالْأَسَانِيدِ عَنْ حُذَيْفَةَ، عَن رَسُولُ اللهِ صلى الله عليه و آله و سلّم فِي حَجَّةِ الْوَدَاعِ فِي مَسْجِدِ الْخَيْفِ: «إِنِّي فَرَطُكُمْ وَ أَنْتُمْ وَارِدُونَ عَلَيَّ الْحَوْضَ حَوْضٌ عَرْضُهُ مَا بَيْنَ بُصْرَى وَ صَنْعَاءَ فِيهِ قِدْحَانٌ مِنْ فِضَّةٍ عَدَدَ النجوم..»

في الصحيح عَن أَمِيرُ الْمُؤْمِنِينَ عَلَیه السلام: «أَنَا مَعَ رَسُولِ اللهِ صلى الله عليه و آله و سلّم وَ مَعِي عِتْرَتُهُ عَلَى الْحَوْضِ فَمَنْ أَرَادَنَا فَلْيَأْخُذْ بِقَوْلِنَا وَ لْيَعْمَلْ بِعِلْمِنَا، فَإِنَّ لِكُلِّ أَهْلِ بَيْتٍ نجيب [نَجِيباً خ ل] وَ لَنَا شَفَاعَةً وَ لِأَهْلِ مَوَدَّتِنَا شَفَاعَةٌ، فَتَنَافَسُوا فِي لِقَائِنَا عَلَى الْحَوْضِ، فَإِنَّا نَدُودُ عَنْهُ أَعْدَاءَنَا وَ نَسْقِي مِنْهُ أَحِبَّاءَنَا وَ أَوْلِيَاءَنَا وَ مَنْ شَرِبَ مِنْهُ شَرْبَةً لَمْ يَظْمَأْ بَعْدَهَا أَبَداً حَوْضُنَا مُتَّرِعٌ فِيهِ مَثْعَبَانِ [مثقبان خ ل] صَبَّانِ مِنَ الْجَنَّةِ أَحَدُهُمَا مِنْ تَسْنِيمِ وَ الْآخَرُ مِنْ مَعِينٍ عَلَى حَافَتَيْهِ الزَّعْفَرَانُ وَ حَصَاهُ اللُّؤْلُؤُ وَ الْيَاقُوتُ وَ هُوَ الْكَوْثَر».(2)

ص: 97


1- انظر سورة المزمل الآية 17.
2- البحار، ج 8، ص 19 و 20. و في معجم الأحاديث المعتبرة ، ج 8، 584 نقلاً عن الخصال من حديث الأربعمائة.

أقول: إتّرع: إمتلأ. و مثاعب المدينة مسايل مائها. و الروايات في الحوض كثيرة. كما في البحار.

و المعتبر ما تقدم و مانقله الصدوق في الأمالي عن أبيه، عَنْ سَعْدِ، عَنِ الْبَرْقِيَّ، عَنِ الْقَاسِمِ، عَنْ جَدِّهِ، عَنِ الصَّادِقِ، عَنْ آبَائِهِ علیهم السلام عَنِ النَّبِي صلی الله علیه و آله و سلم أَنَّهُ قَالَ: «يَا عَلِيُّ أَنْتَ وَ شِيعَتُكَ عَلَى الْحَوْضِ تَسْقُونَ مَنْ أَحْبَبْتُمْ وَ تَمْنَعُونَ مَنْ كَرِهْتُمْ وَ أَنْتُمُ الْآمِنُونَ يَوْمَ الْفَزَعِ الْأَكْبَرِ فِي ظِلَّ الْعَرْشِ يَفْزَعُ النَّاسُ وَ لَا تَفْزَعُونَ وَ يَحْزَنُ النَّاسُ وَ لَا تَحْزَنُونَ فِيكُمْ نَزَلَتْ هَذِهِ الْآيَةُ: «إِنَّ الَّذِينَ سَبَقَتْ لَهُمْ مِنَّا الْحُسْنى أُولئِكَ عَنْهَا مُبْعَدُونَ فِيكُمْ نَزَلَتْ لا يَحْزُنُهُمُ الْفَزَعُ الْأَكْبَرُ وَ تَتَلَقَّاهُمُ الْمَلائِكَةُ هذا يَوْمُكُمُ الَّذِي كُنْتُمْ تُوعَدُونَ».(1)

أقول: التفصيل في الحوض كغيره من الأمور الاخروية غير معلوم للأحياء في هذه الكرة الأرضية. والله العالم به و هو خالقه.

37- الشهداء يوم القيامة

1- «فَكَيْفَ إِذَا جِئْنَا مِن كُلِّ أُمَّةٍ بِشَهِيدٍ وَجِئْنَا بِكَ على هؤلاء شهيداً» (النساء: 41)

2- «وَ يَوْمَ نَبْعَثُ مِن كُلِّ أُمَّةٍ شَهِيدًا ثُمَّ لَا يُؤْذَنُ لِلَّذِينَ كَفَرُوا وَلَا هُمْ يُسْتَعْتَبُونَ» (النحل: 84)

3- «وَيَوْمَ نَبْعَثُ فِي كُلِّ أُمَّةٍ شَهِيدًا عَلَيْهِم مِّنْ أَنفُسِهِمْ وَجِئْنَا بِكَ شَهِيدًا على هؤلاء» (النحل: 89)

4- «لِيَكُونَ الرَّسُولُ شَهِيدًا عَلَيْكُمْ وَ تَكُونُوا شُهَدَاءَ عَلَى النَّاسِ» (الحج: 78)

5- «يَوْمَ تَشْهَدُ عَلَيْهِمْ أَلْسِنَتُهُمْ وَأَيْدِيهِمْ وَأَرْجُلُهُم بِمَا كَانُوا يَعْمَلُونَ» (النور: 24)

6- «الْيَوْمَ نَخْتِمُ عَلَى أَفْوَاهِهِمْ(2) وَتُكَلِّمُنَا أَيْدِيهِمْ وَ تَشْهَدُ أَرْجُلُهُم بِمَا كَانُوا يَكْسِبُونَ» (يس: 65)

ص: 98


1- الأمالي للصدوق، 335 و 336. و البحار، ج 8 ص 28.
2- التنافى بين هذا و ماقبله واضح فلعّل ختم الافواه في موقف خاص من مواقف القيامة.

7- «وَيَوْمَ يُحْشَرُ أَعْدَاءُ اللَّهِ إِلَى النَّارِ فَهُمْ يُوزَعُونَ(1) وَ قَالُوا لِجُلُودِهِمْ لِمَ شَهِدتُّمْ عَلَيْنَا قَالُوا أَنطَقَنَا اللَّهُ الَّذِي أَنطَقَ كُلَّ شَيْءٍ وَهُوَ خَلَقَكُمْ أَوَّلَ مَرَّةٍ وَإِلَيْهِ تُرْجَعُونَ» (فصلت: 19-21) و من الشهود اعضاء البدن و بقاع الأرض كما ياتي، فهؤلاء شهداء الله في القيامة على اعمال الانسان من وجودهم و من خارج وجودهم و أما كيفية الشهادة فهى مجهولة لنا، و الله اعلم.

38- الشفاعة فى الدنيا

يظهر من القرآن وقوع نوع من الشفاعة في الدنيا و اليك آياته: «وَإِذَا قِيلَ لَهُمْ تَعَالَوْا يَسْتَغْفِرْ لَكُمْ رَسُولُ اللهِ لَوَوْا رُءُوسَهُمْ وَ رَأَيْتَهُمْ يَصُدُّونَ وَ هُم مُّسْتَكْبِرُونَ» (المنافقون: 5) و قوله: «وَ لَوْ أَنَّهُمْ إِذ ظَلَمُوا أَنفُسَهُمْ جَاءُوكَ فَاسْتَغْفَرُوا اللهَ وَ اسْتَغْفَرَ لَهُمُ الرَّسُولُ لَوَجَدُوا اللهَ تَوَّابًا رَّحِيمًا (النساء: 64) وقوله: «وَصَلِّ عَلَيْهِمْ إِنَّ صَلَاتَكَ سَكَنٌ لَّهُمْ وَاللهُ سَمِيعٌ عَلِيمٌ (التوبة: 103) و قوله: «يَا أَبَانَا اسْتَغْفِرْ لَنَا ذُنُوبَنَا إِنَّا كُنَّا خَاطِئِينَ» (يوسف: 97)

و بالجملة الإستغفار لذنوب المؤمنين و الدعاء لرفع درجاتهم في الجنة و قضاء حاجاتهم و لو من جانب العاصين، أمر مطلوب شرعاً و ليس له شرط، بل ندب الله المنافقين الى طلب الإستغفار من رسول الله صلى الله عليه و آله و سلّم لهم و كذا اولاد يعقوب طلبوا إستغفار أبيهم لهم كل ذلك نوع من الشفاعة الدنيوية؛ بل امر الله رسوله صلّی الله علیه و آله و سلّم قوله: «وَاسْتَغْفِرْ لَهُمْ وَشَاوِرْهُمْ فِي الْأَمْرِ» (آل عمران: 159) و قوله: «الَّذِينَ يَحْمِلُونَ الْعَرْشَ وَمَنْ حَوْلَهُ يُسَبِّحُونَ بِحَمْدِ رَبِّهِمْ وَيُؤْمِنُونَ بِهِ وَيَسْتَغْفِرُونَ لِلَّذِينَ آمَنُوا رَبَّنَا وَسِعْتَ كُلَّ شَيْءٍ رَحْمَةً وَعِلْمًا فَاغْفِرْ لِلَّذِينَ تَابُوا وَاتَّبَعُوا سَبِيلَكَ وَقِهِمْ عَذَابَ الْجَحِيمِ رَبَّنَا وَأَدْخِلْهُمْ جَنَّاتِ عَدْنٍ الَّتِي وَعَدتَهُمْ وَمَن صَلَحَ مِنْ آبَائِهِمْ وَأَزْوَاجِهِمْ وَذُرِّيَّاتِهِمْ إِنَّكَ أَنتَ الْعَزِيزُ الْحَكِيمُ (غافر: 8-7)

و هاتان الآيتان و الآية التاسعة من سورة الغافر تحكى شفاعة حملة العرش في دفع و رفع

ص: 99


1- اى يحبس اولهم على آخرهم.

المضار و في جلب المنفعة و ادخال الجنة و لعل هذه الشفاعة منهم صدرت بأمر الله قبل خلق الانسان الى القيامة و الله العالم.

«رَبَّنَا اغْفِرْ لَنَا وَلِإِخْوَانِنَا الَّذِينَ سَبَقُونَا بِالْإِيمَانِ» (الحشر: 10) و قوله: «رَبَّنَا اغْفِرْ لِي وَلِوَالِدَيَّ وَلِلْمُؤْمِنِينَ يَوْمَ يَقُومُ الْحِسَابُ» (ابراهيم: 41) و قوله : «قَالَ سَوْفَ أَسْتَغْفِرُ لَكُمْ رَبِّي إِنَّهُ هُوَ الْغَفُورُ الرَّحِيمُ» (يوسف: 98) و غير ذلك من الآيات، وبالجملة الشفاعة في المؤمنين على قسمين: قسم في القيامة و المحشر و سياتي بحثه، و قسم في الدنيا فهذه الآيات اثبتتها مطلقا بلاشرط و كل يجوز له ان يستغفر للمؤمنين و يدعوا لهم؛ بل أمر الله بعض رسله بذلك مع انه تعالى قادر على مغفرة المذنبين و قضاء حاجاتهم ابتداءاً و بدون واسطة لكنّ الله العليم الحكيم يعلم حقائق الأمور. و ما يقال ان الشفاعة تغيير ارادة الخالق في حق المشفوع فيه قبل الشفاعة و هو غير ممكن. فهو جهل من قائله، فان تأثير ارادة الله الاولى موقوف على تحقق جميع أجزاء السبب و منها عدم المانع، و الشفاعة مانعة عن ارادة العذاب. و هذا المنع ليس من الخارج حتى يلزم عجز الخالق و الله غالب على أمره؛ بل هو بجعله و تشریعه تعالى و هو يعلم من الأول بواقع الأمر و ليس في الواقع لله الا ارادة واحدة و ان شئت ان تجعل الله ارادتين فصف الاولى بالاقتضائية (بالعنوان الاولى) و الثانية بالفعلية (بالعنوان الثانوى)

و الوجه فى ذلك، ان العقاب والثواب تارة يقدران بملاحظة الطاعات و المعاصي، نفسهما من دون مدخلية شيء آخر كالعفو و التوبة و الاستغفار و الشفاعة و فعل الحسنات و الايمان و هي كثيرة كما تأتي فى فصل مسقطات الذنوب، ان شاء الله.

و تارة يقدران بملاحظة طروء هذه الطوارى و العناوين الثانية و تقديرهما النهايي يتم ضمن ملاحظة العناوين الأولية و الثانوية فى اطار قوانين التشريع العام في مقام الثبوت و الواقع و فى اللوح المحفوظ من دون تناقض و تضاد و تغییر ارادته تعالى و من دون استلزام لتغيير علمه تعالى كما تخيله من لم يكن له قدم راسخ في المباحث. و اما في مقام الاثبات او

ص: 100

لوح المحو و الاثبات، فيمكن تعدد الارادتين و تغاير الحكمين، فافهم جيداً.

و اما الافراطيون فدعهم يقولون ما يشائون و ذرهم يخوضون في أباطيلهم و ما ظلمهم الله و لكن كانوا انفسهم يظلمون.

39- الشفاعة في القيامة

المنقول من الإمامية، و أهل السنة ان النبي الاكرم صلّی الله علیه و آله و سلّم يشفع لمرتكبى الكبائر من امته، و عن المعتزلة والخوارج ان شفاعته صلّی الله علیه و آله و سلّم للمطيعين دون العاصيين. و صورة ثانية من هذا الاختلاف، ما نقل عن الوعيدية(1) في معنى الشفاعة انها طلب زيادة المنافع للذين يستحقون الثواب. و عن غيرهم ان معناها امحاء الذنوب او العقاب عن الفساق.

و ادّعى الشيخ المفيد رحمه الله فى أوائل المقالات، اتفاق الإمامية على شفاعة رسول الله صلّی الله علیه و آله و سلّم لمرتكبى الكبائر و كذلك شفاعة ائمة أهل البيت علیهم السلام و ينجى الله تعالى بشفاعتهم كثيراً من الخاطئين، و نقل اجماع المتعزلة على خلاف ذلك و أن شفاعته صلّی الله علیه و آله و سلّم لأهل الطاعة. بل ادعّى اجماع الشيعة إلّا من شدّ منهم، على شفاعة المؤمنين الأبرار لأصدقائهم المذنبين مضافاً الى شفاعة النبي صلّی الله علیه و آله و سلّم و الائمة علیهم السلام.

و يقول تلميذه الشيخ الطوسي رحمه الله حقيقة الشفاعة عندنا أن يكون في اسقاط المضار دون زيادة المنافع و المؤمنون عندنا يشفع لهم النبي فيشفّعه الله تعالى و يسقط بها العقاب عن المستحقين من أهل الصلاة.

و إنّما قلنا لا تكون (الشفاعة) فى زيادة المنافع، لانها لو استعملت في ذلك لكان أحدنا شافعاً في النبي صلّی الله علیه و آله و سلّم اذا سأل الله أن يزيده في كرامته، و الشفاعة ثبتت عندنا للنبي صلى الله عليه و آله و سلّم و كثير من أصحابه و لجميع الائمة المعصومين علیهم السلام و كثير من المؤمنين الصالحين.(2)

ص: 101


1- فان الخوارج و المعتزلة أو بعضهم قائلون بتخليد أصحاب الكبائر في النار و هو عندنا باطل.
2- انظر تفسير التبيان، ج 1، ص 213.

أقول: و الأقوى - وفاقاً للمحقق الطوسي في تجريده- شمول الشفاعة لاسقاط المضار و زيادة الدرجات معاً و لا عبرة بأمثال هذه الاجماعات و العمدة هو دليله، و دليل غيره المذكور في كتبهم من استلزام شمول الشفاعة لزيادة الدرجات كون الأُمة الداعية السائلة زيادة الدرجات لنبيهم الخاتم صلّی الله علیه و آله و سلّم من الله تعالى في ادعيتهم و مناجاتهم و صلواتهم ولاسّيما الشيعة الإمامية؛ فانهم يكثرون من الصلاة عليه صلى الله عليه و آله و سلّم في كل مناسبة – صلى الله عليه و آله– ارفع منه صلّی الله علیه و آله و سلّم لان الشافع أرفع من المشفوع فيه.

لكنه ضعيف و موهون، أمّا اولاً: فانه لا دليل على ارفعية درجة الشافع من المشفوع فيه على هذا الفرض، لأنّه لا يحتاج هو الى هذه الشفاعة و إنّما نحن نشفع له حباً و تعظيماً له و لأمر الله لنا به أو لأجل حصول الثواب لنا.

و أمّا ثانياً: فسلمنا قول الشيخ (رحمه الله) فى نفى مفهوم الشفاعة عن سؤال زيادة الثواب، نقول له: سؤالنا عن الله زيادة الدرجة لأنفسنا ما ذا تسمّون أنتم هذا السؤال و هذه الصلوات أو الأدعية الصادرة منّا؟ فهل هو دعاءٌ أو سؤالٌ أو طلبٌ ؟ أو تسمّونه شيئاً آخر، فسمّوه ما شئتم، فنقول: الواسطة لجلب المنفعة لغيره أحسن منه اجماعاً و عقلاً و يدالمعطى فوق يد الآخذ. فاذن انتم ما تقولون؟ تقولون لانسلّم ذلك و اجماعكم باطل. و نحن نقول ذلك لكم.

و الأمة المسلمة تُراب أقدام نبيهم الخاتم صلى الله عليه و آله و سلّم و ان كانوا شافعين و سائلين له الدرجات غير المتناهية من الله تعالى.

ثم ان حال الشفاعة في الكل حال الدعاء و السوال و الاستغفار في بعض مصاديقها، فمن يجهل و يعترض بان الشفاعة لا تتحقق الا بترك الارادة و فسخها لأجل الشفيع، و الحاكم العادل ما لم يتغير علمه بما أراد لا يقبل الشفاعة يجرى كل ذلك عليه في الدعاء و المسألة فهل يجرء مسلم على ابطال تشريع الدعاء و التضرع الى الله في دفع المضار و جلب المنافع لنفسه أو لغيره؟ نعم مفهوم الشفاعة ليس كمفهوم الدعاء في الجملة يقول الله تعالى: «يَا أَيُّهَا

ص: 102

الَّذِينَ آمَنُوا أَنفِقُوا مِمَّا رَزَقْنَاكُم مِّن قَبْلِ أَن يَأْتِيَ يَوْمٌ لَّا بَيْعٌ فِيهِ وَلَا خُلَّةٌ وَلَا شَفَاعَةٌ وَالْكَافِرُونَ هُمُ الظَّالِمُونَ الله لا إله إلَّا هُوَ الْحَيُّ الْقَيُّومُ لا تَأْخُذه سنة ولا نوم مَن ذَا الَّذِي يَشْفَعُ عِندَهُ إِلَّا بِإِذْنِهِ (البقرة: 224- 225) فالشفاعة في الدنيا و هي الدعاء لا تحتاج الى اذن خاص و في الآخرة محتاجة الى اذن الله تعالى «و الله سبحانه لا يأذن لأحد ان يشفع للكافرين و ان يشفع أحد فيهم، فَمَا تَنفَعُهُمْ شَفَاعَةُ الشَّافِعِينَ (المدثر: 48-46) و بالجملة الآيات الدالة على عدم شفاعة أو على عدم نفعها من دون اذنه كثيرة و يشترط في الشفيع حسب دلالة القرآن أمور:

1- إذنه تعالى كما تقدم.

2- و رضى له قولاً.

3- من شهد بالحق و هم يعلمون

4- من اتخذ عند الرحمن عهداً.

5- الا لمن ارتضى.

أقول: المؤمن مرتضى الله و ان كان عاصياً و معنى الآية: ان الملائكة لا يشفعون «الَّا لِمَنِ ارْتَضَى وَ هُم مِّنْ خَشْيَتِهِ مُشْفِقُونَ» (الأنبياء: 28)

و آخر الكلام ان الشفاعة و الوساطة للغير بالدعاء و الطلب و الاستغفار جائزة في الدنيا و الآخرة للآيات الكثيرة القرآنية و من انكر هذه الوساطة فقد انكر كثيراً من الآيات القرآنية، و الفرق الوحيد بين الشفاعة في الدنيا والشفاعة في الآخرة، جواز الشفاعة لجميع الناس في الدنيا للمؤمنين من دون شرط و لايجوز الاستغفار للكفار كما يظهر من الآيات الواردة في حق ابراهيم علیه السّلام نعم يجوز الدعاء لهداية الكفار الى دين الاسلام.

و للمقام فروع مذكورة فى الفقه كالنيابة فى الحج عن الأب الناصبي و غيره و امّا الشفاعة الاخروية، فلها شروط عرفتَها من الآيات المتقدمة. والله ولي التوفيق.

ص: 103

40- تبديل السئيات بالحسنات

قال الله تعالى: «إِلَّا مَن تَابَ وَ آمَنَ وَعَمِلَ عَمَلًا صَالِحًا فَأُولَئِكَ يُبَدِّلُ اللَّهُ سَيِّئَاتِهِمْ حَسَنَاتٍ وَكَانَ اللهُ غَفُورًا رَّحِيمًا» (الفرقان: 70).

أقول: المتيقن من لفظ الآية المذكورة و سياقها بملاحظة ما قبلها، ان التبديل المذكور الذى هو من أعظم مراتب الرحمة الرحيمية يوم القيامة، انما هو فى حق المشركين الفاسقين الذين يرجعون الى الله و يؤمنون به و يعملون صالحاً، و لا يشمل المؤمنين العاصيين بعد توبتهم عن المعصية و اتيانهم الصالحات حتى و ان كانت اكثر من صالحات من آمنوا بعد كفرهم.

الا أن يقال: لفظ الآية و ان يختصّ بالمؤمنين الصالحين بعد كفرهم لكن فهم المتشرعة و حكم العقل الفطرى يشهدان بالتعميم.

بل ورد في الكافي عن الباقر علیه السّلام كما في صحيح الحذاء الحذاء (ج322/3): أسألك بحق محمد حبيبك محمد إلّا بدلّت سيئاتي حسنات..

و في دعاء كميل المشهور الذي يدل متنه على صحة صدوره من أمير المؤمنين علیه السّلام: الّلهم لا أجد لذنوبي غافراً و لا لقبائحى ساتراً و لا لشيء من عملى القبيح بالحسن مبدلاً غيرك.

و اما معنى تبديل الله السيئات بالحسنات، ففيه أقوال:

1- التبديل فى الدنيا طاعة الله بعد عصيانه و ذكر الله بعد نسيانه.

2- محو السيئة عن العبد و ثبوت الحسنة بدلها.

3- يبدل الله بقبائح اعمالهم في الشرك محاسن الأعمال في الاسلام.

أقول: هذا في حد نفسه مجمل يرجع في تفصيله الى احد القولين السابقين. القول الأول، و ان كان وجهاً معقولاً؛ لكن القول الثانى اوفق بلفظ الآية، و يؤيده رواية غير معتبرة سنداً دالة عليه(1) و عليك بمراجعة قاموس القرآن. فانّ لمؤلّفه بيانا لطيفاً في التبديل المذكور.

ص: 104


1- و حسن ظننا بكرم الله المنّان، ان يبدّل سيئاتنا بالحسنات.

41- الاحباط و التكفير

اشارة

المفهومان مأخوذان من القرآن الكريم و قد فسّرهما جمع من المعتزلة بما لم يرض غيرهم من المتكلمين. و قالوا: الإحباط هو إذهاب المعصية المتأخرة، الطاعة المتقدمة، أو عقاب المعصية، ثواب الطاعة المذكورة. و التكفير تغطية الطاعة المتأخرة، المعصية المتقدمة، أو تغطية ثوابها، عقاب المعصية على القولين من أهل الاعتزال وقيل بجريان الإحباط في كل طاعة أو ثوابها بمعصية متأخرة او عقابها و كذا بجريان التكفير فى كل معصية. و قيل بالإحباط، و التكفير مع اعتبار الموازنة لا مطلقاً، فالمتأخر يحبط أو يكفر المعصية أو الطاعة بمقدارها لا أزيد، فبقى الباقى للمكلف من الثواب والعقاب.

قال المحقق نصير الدين الطوسى (طاب مثواه) فى معاد تجريده و الإحباط باطل لاستلزامه الظلم، ولقوله تعالى: (فَمَن يَعْمَلْ مِثْقَالَ ذَرَّةٍ خَيْرًا يَرَهُ» (الزلزلة : 7) و قال الشارح العلامة (طاب ثراه): اختلف الناس هنا فقال جماعة من المعتزلة بالإحباط و التكفير، و معناهما ان المكلف يسقط ثوابه المتقدم بالمعصية المتأخرة، أو تكفر ذنوبه المتقدمة بطاعته المتأخرة، و نفاهما المحققون.

ثم القائلون بهما اختلفوا فقال أبو على ان المتأخرة تسقط المتقدمة و تبقى على حالها. و قال أبوهاشم أنه ينتفى الأقل بالأكثر و ينتفى من الأكثر بالأقل ما ساواه و يبقى الزائد مستحقا و هذا هو الموازنة. ويدل على بطلان الاحباط انه يستلزم الظلم، لان من أساء و أطاع و كانت أسائته اكثر، يكون بمنزلة من لم يحسن و ان كان احسانه اكثر، يكون بمنزلة من لم يسىء و ان تساويا يكون مساويا كمن لم يصدر عنه أحدهما و ليس كذلك عند العقلاء. و لقوله تعالى: «فَمَن يَعْمَلْ مِثْقَالَ ذَرَّةٍ خَيْرًا يَرَهُ وَمَن يَعْمَلْ مِثْقَالَ ذَرَّةٍ شَرًّا يَرَهُ» (الزلزلة: 8-7) و الايفاء

ص: 105

بوعده و وعیده واجب.(1)

ثم قال المحقق المشاراليه: و لعدم الأولوية اذا كان الآخر ضعيفاً و حصول المتناقضين مع التساوى.

و قال الشارح العلامة (رحمه الله): هذا دليل على ابطال قول أبي هاشم بالموازنة و تقريره: انا اذا فرضنا انه استحق المكلف خمسة أجزاء من الثواب و عشرة أجزاء من العقاب فليس اسقاط إحدى الخمستين من العقاب بالخمسة من الثواب أولى من الأخرى فاما ان يسقطا معا و هو خلاف مذهبه لاشيء أو لا يسقط منهما و هو المطلوب. و لو فرضنا انه فعل خمسة أجزاء من الثواب و خمسة أجزاء من العقاب، فان تقدم اسقاط أحدهما للآخر لم يسقط الباقى بالمعدوم لاستحالة صيرورة المغلوب و المعدوم غالبا و مؤثراً. و ان تقارنا لزم وجودهما معاً، لان وجود كل منهما نفى وجود الآخر، فيلزم وجودهما حال عدمهما و ذلك جمع بين المتناقضين.

أقول: و هذا الكلام يكفي لتصوير معنى البحث في ذهن المحصلين و لكن فيه اعتراضات:

الأول: ان وجوب الوفاء بالوعد في حق الانسان لم يلتزم به مشهور فقهاء الإمامية و ان كان نظری مخالفاً لهم، بل لابدّ فيه من الالتزام و لو من باب الاحتياط كما ذكرته في الفقه.

الثانى: وجوب الوفاء بالوعيد منظور فيه و الا لبطل العفو و الإحسان من الله تعالى و لا يلتزم به المحقق و العلامة انفسهما (رحمهما الله تعالى) كما صرحا بعد هذا المطلب بورق في التجريد و شرحه. نعم ترك الوعيد اذا عدّ كذباً يقبح و لا يجوز على الحكيم القديم، و يحرم على المكلفين.

الثالث: الآية تحمل على الحالة الاولية و الاقتضاء لأدلة العفو و الشفاعة و الاستغفار و غيره و هو واضح.

الرابع: ماردا به موازنة أبى هاشم بعدم اولوية اسقاط إحدى الخمستين بالخمسة الاخرى

ص: 106


1- كشف المراد في شرح تجريد الاعتقاد، طبع مؤسسة نشر الاسلامي التابعة لجماعة المدرسين، ص 413.

ضعیف و منقوض بموارد كثيرة كما اذا ادّى مديون خمسة دراهم عوض دينه و هو عشر دراهم فلا شكّ فى سقوط خمسة و بقاء خمسة اخرى في ذمته فلو قال الدائن ببقاء العشرة بعدم الأولوية و الترجيح بلا مرجح يضحك العقلاء عليه!

البحث القرآني حول الموضوع

و فيه مقامان:

المقام الأول فى احباط الكفر و الشرك، و الأعمال الصالحة:

1- «وَمَن يَكْفُرْ بِالْإِيمَانِ فَقَدْ حَبِطَ عَمَلُهُ وَهُوَ فِي الْآخِرَةِ مِنَ الْخَاسِرِينَ» (المائدة: 5)

2- «وَ لَوْ أَشْرَكُوا لَحَبِطَ عَنْهُم مَّا كَانُوا يَعْمَلُونَ» (الأنعام: 88)

3- «وَحَبِطَ مَا صَنَعُوا فِيهَا وَبَاطِلٌ مَا كَانُوا يَعْمَلُونَ» (هود: 16)

4 «فَأُولَئِكَ حَبِطَتْ أَعْمَالُهُمْ فِي الدُّنْيَا وَالْآخِرَةِ وَأُولَئِكَ أَصْحَابُ النَّارِ هُمْ فِيهَا خَالِدُونَ» (البقرة : 217)

و فى حق المرتدين الذين ماتوا على ارتدادهم:

5- «أُولَئِكَ الَّذِينَ حَبِطَتْ أَعْمَالُهُمْ فِي الدُّنْيَا وَالْآخِرَةِ وَمَا لَهُم مِّن نَّاصِرِينَ» (آل عمران: 22)

و قال في حق المنافقين:

6- «حَبِطَتْ أَعْمَالُهُمْ فَأَصْبَحُوا خَاسِرِينَ» (المائدة: 53)

7- « وَالَّذِينَ كَذَّبُوا بِآيَاتِنَا وَلِقَاءِ الْآخِرَةِ حَبِطَتْ أَعْمَالُهُمْ هَلْ يُجْزَوْنَ إِلَّا مَا كَانُوا يَعْمَلُونَ» (الأعراف: 147) و انظر الآية 17. من سورة التوبة و الآية 69 منها و الآية 105 من الكهف، و الآية 65 من الزمر، و الآية 19 من الاحزاب، و آیات 32، 28، 9 من سورة محمد.

المقام الثاني: في بعض الاعمال المحبطة: قال الله تعالى: «يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا لَا تَرْفَعُوا أَصْوَاتَكُمْ فَوْقَ صَوْتِ النَّبِيِّ وَلَا تَجْهَرُوا لَهُ بِالْقَوْلِ كَجَهْرِ بَعْضِكُمْ لِبَعْضٍ أَن تَحْبَطَ أَعْمَالُكُمْ

ص: 107

وَأَنتُمْ لَا تَشْعُرُونَ» (الحجرات: 2) لغرض ان ذلك كان ايذاءاً للنبي و ايذائه صلى الله عليه و آله و سلّم حرام بعنوانه في القرآن فهو محبط الأعمال الصالحة للمؤذى، و في هذا بحث. و ان قدرت كلمة مخافة كلمة (لبعض) تدل الآية على استحقاق رافع الصوت، حبط أعماله تعبداً فلاحظ.

و اما تكفير المعاصی، فاليك آياته:

1- «وَمَا يَفْعَلُوا مِنْ خَيْرٍ فَلَن يُكْفَرُوهُ وَاللهُ عَلِيمٌ بِالْمُتَّقِينَ» (آل عمران: 115) ای فلن

يكفروه و لو باتيان ذنوب غير الكفر و الشرك.

2- «وَالَّذِينَ آمَنُوا وَعَمِلُوا الصَّالِحَاتِ وَآمَنُوا بِمَا نُزِّلَ عَلَى مُحَمَّدٍ وَهُوَ الْحَقُّ مِن رَّبِّهِمْ كَفَّرَ عَنْهُمْ سَيِّئَاتِهِمْ وَأَصْلَحَ بَالَهُمْ» (محمد: 2) تدل الآية على تأثير الايمان و الأعمال الصالحة من المؤمنين في تكفير السيئات.

3- «وَ أَقِمِ الصَّلَاةَ طَرَفَيِ النَّهَارِ وَ زُلَفًا مِّنَ اللَّيْلِ إِنَّ الْحَسَنَاتِ يُذْهِبْنَ السَّيِّئَاتِ ذلكَ ذِكْرَى لِلذَّاكِرِينَ» (هود: 114)، يدل على ان الصلاة اليومية تذهب السيئات. و لعلّ إذهاب السيئات أقوى من تكفيرها.

4- «وَلَوْ أَنَّ أَهْلَ الْكِتَابِ آمَنُوا وَاتَّقَوْا لَكَفَرْنَا عَنْهُمْ سَيِّئَاتِهِمْ وَلَأَدْخَلْنَاهُمْ جَنَّاتِ النَّعِيمِ» (المائدة: 65) و قال في حق المهاجرين:

5- «وَأُخْرِجُوا مِن دِيَارِهِمْ وَأُوذُوا فِي سَبِيلِي وَقَاتَلُوا وَقُتِلُوا لأَكَفِّرَنَّ عَنْهُمْ سَيِّئَاتِهِمْ...» (آل عمران: 195)

و قال في حق بنى اسرائيل في زمانهم:

6- «لَئِنْ أَقَمْتُمُ الصَّلَاةَ وَآتَيْتُمُ الزَّكَاةَ وَآمَنتُم بِرُسُلِي ... لأُكَفِّرَنَّ عَنكُمْ سَيِّئَاتِكُمْ...» (المائدة: 12)

7- «إِن تَجْتَنِبُوا كَبَائِرَ مَا تُنْهَوْنَ عَنْهُ نُكَفِّرْ عَنكُمْ سَيِّئَاتِكُمْ وَنُدْخِلْكُم مُّدْخَلًا كَرِيمًا» (النساء: 31)

ص: 108

8- «وَالَّذِينَ آمَنُوا وَعَمِلُوا الصَّالِحَاتِ لَنُكَفِّرَنَّ عَنْهُمْ سَيِّئَاتِهِمْ وَلَنَجْزِيَنَّهُمْ أَحْسَنَ الَّذِي كَانُوا يَعْمَلُونَ» (العنكبوت: 7)

9- «إِن تُبْدُوا الصَّدَقَاتِ فَنِعِمَّا هِيَ وَإِن تُخْفُوهَا وَتُؤْتُوهَا الْفُقَرَاءَ فَهُوَ خَيْرٌ لَكُمْ وَيُكَفِّرُ عَنكُم مِّن سَيِّئَاتِكُمْ وَاللَّهُ بِمَا تَعْمَلُونَ خَبِيرٌ» (البقرة: 271) و اتقاء الله يكفر السيئات. (الانفال: 25) و سورة (الطلاق: 65)

10- «وَالَّذِي جَاءَ بِالصَّدْقِ وَصَدَّقَ بِهِ أُولَئِكَ هُمُ الْمُتَّقُونَ لِيُكَفِّرَ اللَّهُ عَنْهُمْ أَسْوَأَ الَّذِي عَمِلُوا وَيَجْزِيَهُمْ أَجْرَهُم بِأَحْسَنِ الَّذِي كَانُوا يَعْمَلُونَ» (الزمر: 33 - 35) و الآية تشمل تكفير السيئات الكبيرة ايضاً.

11- «وَ يُكَفِّرَ عَنْهُمْ سَيِّئَاتِهِمْ...» (الفتح: 5) اى عن المؤمنين.

12- «وَمَن يُؤْمِن بِاللهِ وَيَعْمَلْ صَالِحًا يُكَفِّرْ عَنْهُ سَيِّئَاتِهِ...» (التغابن: 9)

13- «يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا تُوبُوا إِلَى اللَّهِ تَوْبَةً نَصُوحًا عَسَى رَبُّكُمْ أَن يُكَفِّرَ عَنكُمْ سَيِّئَاتِكُمْ...» (التحريم: 8) «رَبَّنَا فَاغْفِرْ لَنَا ذُنُوبَنَا وَكَفِّرْ عَنَّا سَيِّئَاتِنَا...» (آل عمران: 193).

والظاهر عدم الخلاف في إحباط الكفر اللاحق، الإيمان و الأعمال الصالحة و ثوابهما، کما هو كذلك في تكفير الاسلام و الإيمان للكفر و المعاصي السابقة و الحكم في هذين الموردين قطعيّ. و انما البحث في تكفير الطاعات للمعاصي و إحباط المعاصى للطاعات و هما خلاف القاعدة العقلائية؛ و خلاف ظاهر قوله تعالى: «خَلَطُوا عَمَلًا صَالِحًا وَآخَرَ سَيِّئًا» (التوبة: 102) فنلتزم بهما بما ثبت فى الشرع فقط في دائرة الآيات المتعلقة بهما.

42- توضیح حول السيئة والجزاء

فى المفردات: السيئة: الفعلة من القبيحة و هى ضد الحسنة، و الحسنة و السيئة ضربان: أحدهما حسب اعتبار العقل و الشرع نحو المذكور، في قوله: « مَن جَاءَ بِالْحَسَنَةِ فَلَهُ عَشْرُ أَمْثَالِهَا وَمَن جَاءَ بِالسَّيِّئَةِ فَلَا يُجْزَى إِلَّا مِثْلَهَا» (الأنعام: 160) و حسنة و سيئة بحسب اعتبار

ص: 109

الطبع، و ذلك ما يستخفّه الطبع و ما يستثقلّه نحو «فَإِذَا جَاءَتْهُمُ الْحَسَنَةُ قَالُوا لَنَا هَذِهِ وَإِن تُصِبْهُمْ سَيِّئَةٌ يَطَّيَّرُوا بِمُوسَى وَمَن مَّعَهُ أَلَا إِنَّمَا طَائِرُهُمْ عِندَ اللهِ وَلَكِنَّ أَكْثَرَهُمْ لَا يَعْلَمُونَ (الأعراف: 131)

أقول: يمكن ان نفسر كلمة السيئة المكفرة، بالذنوب الصغيرة و هذا يستفاد من جملة من الآيات المتقدمة اُبينها الآية المتقدمة في الفصل الماضي برقم (7) على ان اطلاق الآيات المارّة برقم 3 و 9 و 12 تدل على ان الأعمال المستحبة تكفر السيئات. و يبعد تكفير الكبائر بها. والله العالم. نعم ظاهر قوله تعالى: و من جاء بالسيئة فكبّت وجوههم في النار. هو استعمالها في الكبيرة.

ثم ان جزاء حسنة واحدة بعشر امثالها، و ان كان قانوناً تفضلياً عاماً في الحسنات إلّا انه خصص في موردين:

اوّلهما: في مورد انفاق المال فان جزائه بسبع مائة أمثالها ثم بعد ذلك يضاعف الله لمن يشاء، لقوله تعالى: «مَثَلُ الَّذِينَ يُنفِقُونَ أَمْوَالَهُمْ فِي سَبِيلِ اللَّهِ كَمَثَلِ حَبَّةٍ أَنَبَتَتْ سَبْعَ سَنَابِلَ فِي كُلِّ سُنبُلَةٍ مَائَةُ حَبَّةٍ وَاللهُ يُضَاعِفُ لِمَن يَشَاءُ وَاللهُ وَاسِعٌ عَلِيمٌ» (البقرة: 261)

ثانيهما: في مورد حفظ النفس. لقوله: «وَمَنْ أَحْيَاهَا فَكَأَنَّمَا أَحْيَا النَّاسَ جَمِيعًا... (المائدة: 32) و كذا هداية الناس الى الحق بناءاً على رواية وردت في تأويلها و اما جزاء السيئة بالمثل؛ فان اريد بها الصغيرة فهو، و ان اريد بها مطلق المعصية،فهى مخصوصة بغير القتل لقوله تعالى: «مَن قَتَلَ نَفْسًا بِغَيْرِ نَفْسٍ أَوْ فَسَادٍ فِي الْأَرْضِ فَكَأَنَّمَا قَتَلَ النَّاسَ جَمِيعًا...» (المائدة: 32)

ص: 110

43- مسقطات الذنوب

نلخص هذا العنوان بمجرد بيان عناوين المسقطات من المجلد الثاني من كتابنا «حدود الشريعة في واجباتها» من دون ذكر الأدّلة و مباحثها. فمن أراد التفصيل فعليه بمراجعة ذلك الكتاب.(1)

المسقط الاول التوبة. الثاني: الاستغفار. الثالث: الحسنات؛ ( يذهبن السيئات). الرابع: التقوى.

الخامس: الرجوع عن الكفر و الشرك. السادس: اجتناب الكبائر. السابع: الاقرار و الاعتراف بالذنب عند الله. الثامن: إجراء الحد على المُذنِب. التاسع: شفاعة الشافعين لاسيّما شفاعة النبي الأكرم صلّی الله علیه و آله و سلّم. العاشر: حسن الظن بالله. الحادي عشر: عفو الله و مغفرته.

و هل المفهومان المذكوران و مفهوم الستر و إنساء الملك و غيره مترادفة أو لكل منها مرتبة و مصداق خاص؟ والله العالم.

و لعل المتتبع في القرآن و الأحاديث المعتبرة يجد بعض المسقطات الاخرى. اسقط الله ذنوبنا جميعاً. ثم ان بعض هذه المسقطات تختص بالسيئات الصغيرة و بعضها يشمل الكبائر أيضاً، فلا تقنط من رحمة ربك الكريم العفو الغني عن عذاب العباد المؤمنين، و في حديث غير معتبر سنداً: إذا كان يوم القيامة ينشر الله رحمته حتى يطمع ابليس. انظر ما تقدم في باب الإحباط و التكفير.

44- استحقاق الثواب و العقاب

قال المحقق الطوسي في تجريده: و يستحق الثواب و المدح بفعل الواجب و المندوب و فعل ضد القبيح و الاخلال به بشرط فعل الواجب لوجوبه أو لوجه وجوبه. و المندوب كذلك لأنّ المشقة من غير عوض ظلم و لو أمكن الإبتداء به كان عبثاً.

ص: 111


1- حدود الشريعة المجلد الثانى فى واجباتها، ص 602 و مابعدها الطبعة الأخيرة.

و قد شرحه و دعمه العلامة الحلى رحمه الله في شرحه (كشف المراد) بنحو ارسال المسلّمات و لا نعلم نظر مشهور متكلمى الإمامية في جزئيات هذا البحث، و على كلّ نحن نذكر نظرنا في الباب، في ضمن مطالب:

1- العبد الممتثل و المطيع لا يستحق الثواب الاخروى عقلاً و لذا قلنا ان ثبوت المعاد نقلى تعبدی، بل و لا الثواب البرزخى أيضاً لعدم دليل عقلى عليه(1) و ذلك لأنّ العبد مملوك لله تعالى ملكية تكوينية يستمد وجوده و (روحه و جسمه) حدوثاً و بقاءاً من الله و قوته و حوله وجميع ما ينفعه في الحياة من نعم الله و احسانه و فضله. و قول المحقق الطوسى(رحمه الله) و غيره لأنّ المشقة من غير عوض ظلم، ان سلمناه، لا صغرى له فى المقام فان رزق العبد يصح أن يكون عوض عمله؛ بل اكثر منه بمراتب على ان المشقة و هي التكليف الشرعي لإكمال أرواح المكلفين، و سلامة حياتهم الاجتماعية (السياسية و الثقافية و الاخلاقية و النظامية و الاقتصادية و الامنية و...) و الأهم كمالهم الروحى و هل يصح أن يقول أحد ان تكليف الحكومة في النظام الانسانى شعبه بما هو خير و كمال لهم، ظلم؟ أو يقول انه لازم؟

فالمؤمن العامل بأحكام الله مستأهل للثواب غير مستحق بمعناه المصطلح. و في الحقيقة أن الثواب بعد إمتثال المكلف بتوفيقه تعالى تفضّل بعد تفضّل بعد تفضّل. فان التكليف، تفضّل و توفيق إمتثاله تفضّل و ثوابه تفضّل ثالث، و إمداد عمره تفضّل رابع، بل مننه تعالى غير محصورة كما يثبتها العلوم التجريبية و ان تعدوا نعمة الله لا تحصوها.

2- لا يشترط فى أهليّة الثواب أن ينوى المكلف أنه يصلى - مثلاً الصلاة الواجبة أو الصلاة لوجوبها لعدم دليل عليه فى الشرع؛ بل يكفي فيها إضافة العمل الى الله تعالى و ان تكون تلك الإضافة، هی الداعية له حين العمل و لا يشترط التلفظ بها و لا الإلتفات اليها في الذهن، و المراد بالداعى انه لو سئل عن المكلف لِمَ آتيت الصلاة؟ لم يبق متحيراً؛ بل يجيب صليت لله

ص: 112


1- ومعنى الاستحقاق قبح ترك ثواب العبد و وجوب ايصاله على الله تعالى.

و ان كان غافلاً حين الصلاة عن هذا و انما كانت الإضافة فى ارتكازه ، فالقيود التي تكلّفها المتكلمون أشياء مصطلحة لهم، لم يثبت بدليل معتبر فقهى.

3- و تقييد تعريف الثواب بالتعظيم و الإجلال أيضاً غير مدلّلٍ، و منه يظهر أن الفرق بين الثواب و العوض مجرد اصطلاح عند المتكلمين. أو يقال ان العوض هو حطّ الذنوب فقط و الثواب ايصال المنفعة إليه.

4- قول الشارح العلامة:(1) ( التكليف) ان لم يكن لغرض كان عبثاً و ظلماً، و ان كان لغرض فاما الاضرار و هو ظلم، و اما النفع؛ و هو امّا ان يصح الابتداء به اولا؟ و الاول باطل و الا لزم العبث فى التكليف. و الثانى هو المطلوب، لا يثبت مطلوبه فانا نقول الغرض من التكليف هو الاستكمال و التكامل و الأمن الاجتماعي، ولا يصح الابتداء به فلا عبث، و ليس الغرض منه مجرّد الثواب و الا لجاز التكليف بما ليس فيه مصلحة؛ بل كانت فيه مفسدة لترتّب الثواب على امتثال مطلق التكليف و هو كما ترى.

5- و قال المحقق الطوسي رحمه الله أيضاً: وكذا يستحق العقاب و الذم بفعل القبيح و الاخلال بالواجب لا شتماله على اللطف و للسمع.

6- و يقول العلامة في شرحه بعد نسبته الى جماعة من العدلية: العقاب لطف و اللطف واجب. اما الصغرى فلان المكلف اذا عرف ان مع المعصية يستحق العقاب فانه يبعد عن فعلها و يقرب الى فعل ضدّها.

أقول: العقاب ظرفه الآخرة و لا يتصور لطف هناك، إلّا أن يقال ان التوعيد به لطف. و الانصراف عنه قبيح، و الأقوى؛ ان اللطف غير واجب على الله سبحانه و قد فصّلنا وجهَه في بعض كتبنا الكلامية في مباحث العدل.

ص: 113


1- شرح التجريد، ص 408 بتصحيح الشيخ حسن زاده الأملى.

ثم قال الشارح: الثاني سمعى و هو الذي ذهب اليه باقى العدلية و هو متواتر معلوم من دين النبی صلّی الله علیه و آله و سلّم.

أقول: المعلوم من دين النبى صلّی الله علیه و آله و سلّم أهليّة العاصى المؤمن للعقاب دون استحقاقه حتى يكون عفوه قبيحاً على الله تعالى فان الله نصّ فى كتابه : «إِنَّ اللهَ لا يَغْفِرُ أَن يُشْرَكَ بِهِ وَ يَغْفِرُ مَا دُونَ ذلك لِمَن يَشَاءُ وَمَن يُشْرِكْ بِاللهِ فَقَدْ ضَلَّ ضَلالاً بَعِيدًا» (النساء: 116) و قوله تعالى: «إِنَّ اللهَ يَغْفِرُ الذُّنُوبَ جَمِيعًا إِنَّهُ هُوَ الْغَفُورُ الرَّحِيم» (الزمر: 53)

و قد قال الماتن - و قبله الشارح - و العفو واقع لانه حقه تعالى فجاز اسقاطه و لاضرر عليه في تركه مع ضرر النازل به؛ فحسن اسقاطه، و لانه احسان.

أقول: و لابد من الجمع بين هذا و بين حكمهما باستحقاق العقاب بمعناه المصطلح بتأويله بمعنى انه مستأهل للعقاب. نعم الكافر يستحق العقاب سمعاً.

45- الأحاديث المعتبرة في الثواب و العقاب

في صحيح زرارة قَالَ: قُلْتُ لِأَبِي جَعْفَرِ علیه السلام: يَدْخُلُ النَّارَ مُؤْمِنٌ؟ قَالَ: «لَا، وَ اللَّهِ». قُلْتُ: فَمَا يَدْخُلُهَا إِلَّا كَافِرٌ؟ قَالَ: «لَا، إِلَّا مَنْ شَاءَ اللهُ». فَلَمَّا رَدَدْتُ عَلَيْهِ مِرَاراً، فَقَالَ لِي: «يَا زُرَارَةً، مَا تَقُولُ فِيمَنْ أَقَرَّ لَكَ بِالْحُكْمِ؟ أَ تَقْتُلُهُ؟ مَا تَقُولُ فِي خَدَمِكُمْ وَ أَهْلِيكُمْ؟ أَ تَقْتُلُهُمْ؟».(1)

أقول: الواسطة بين المؤمن والكافر هو من شاء الله و غفل عنهم غفل عنهم زرارة حتى بيّنهم الإمام علیه السلام و هم المرجون لأمر الله المرجون لأمر الله و بعض من تقدّم في عنوان الجاهل القاصر و من لم يتم الحجة عليهم. و كذا قاتل النفس المؤمنة بعد التوبة و آكل الرباء بعد مجيئه بالموعظة و لكن تاب في آخر عمره؛ مثلاً بناءاً على عدم كونه كافراً و لا مستحلاً لحرمة الرباء حين الأكل. و لاحظ عنوان الأعراف أيضاً.

ص: 114


1- الکافی، ج 2، ص 358. و معجم الاحادث المعتبرة، ج 3، ص 26.

في صحيح عَبْدِ اللَّهِ بْنِ سِنَانٍ: عَنْ أَبِي عَبْدِ اللهِ علیه السلام، قَالَ: «مَنْ شَكٍّ فِي اللَّهِ وَ فِي رَسُولِهِ فَهُوَ كافر».(1) و مثله صحيح مَنْصُورِ بْنِ حَازِمٍ، قَالَ: قُلْتُ لِأَبِي عَبْدِ اللَّهِ علیه السلام: مَنْ شَكٍّ فِي رَسُولِ اللهِ صلّی الله علیه و آله و سلّم؟ قَالَ: «كَافِرُ».(2) و في معتبرة مُحَمَّدِ بْنِ مُسْلِمٍ، قَالَ: كُنْتُ عِنْدَ أَبِي عَبْدِ اللَّهِ علیه السلام جَالِسا عَنْ يَسَارِهِ، وَ زُرَارَةُ عَنْ يَمِينِهِ، فَدَخَلَ عَلَيْهِ أَبُو بَصِيرٍ، فَقَالَ: يَا أَبَا عَبْدِ اللَّهِ، مَا تَقُولُ فِيمَنْ شَكَ فِي اللهِ؟ فَقَالَ: «كَافِرٌ يَا أَبَا مُحَمَّدٍ» قَالَ: فَشَكَ فِي رَسُولِ اللهِ؟ فَقَالَ: «كَافِرٌ». قَالَ: ثُمَّ الْتَفَتَ إِلَى زُرَارَةَ، فَقَالَ: «إِنَّمَا يَكْفُرُ إِذَا جَحَدَ».(3)

أقول: مقتضى الصناعة حمل الحديثين السابقين على حصر الحديث الثالث، فمجرد الشك، لا يوجب كفر الشاك، فهو واسطة بين المسلم و الكافر كمامر بحثه في الحديث الأول. نعم ان اقرّ بالله و رسوله باللسان فهو مسلم يجرى عليه احكامه و ان لم يكن مؤمناً. ثم الشاك ان أنكر كافراً، بل و ان استيقن بالله لقوله تعالى: «وَجَحَدُوا بِهَا وَاسْتَيْقَنَتْهَا أَنفُسُهُمْ ظُلْمًا وَعُلُوًّا فَانظُرْ كَيْفَ كَانَ عَاقِبَةُ الْمُفْسِدِينَ» (النمل: 14) فافهم.

و في صحيح زرارة قال: دخلت أنا و حمران أو أنا و بكير، على أبي جعفر علیه السلام قال: قلت: له انا نمدّ الممطار، فقال يا زرارة قول الله اصدق من قولك، فأين الذين قال الله عز وجل: «إِلَّا الْمُسْتَضْعَفِينَ مِنَ الرِّجَالِ وَالنِّسَاءِ وَالْوِلْدَانِ لَا يَسْتَطِيعُونَ حِيلَةً وَلَا يَهْتَدُونَ سَبِيلًا» أين «المرجون لأمر الله» أين الذين خلطوا عملاً صالحاً وآخر سيئاً أين «اصحاب الاعراف» أين «المؤلفة قلوبهم».(4)

و فى صحيح زرارة عن أبي جعفر علیه السلام قال: «المستضعفون الذين لَا يَسْتَطِيعُونَ حِيلَةٌ وَلَا يَهْتَدُونَ سَبِيلًا» (النساء: 98) قال: لا يستطيعون الى الإيمان ولا يكفرون الصبيان و اشباه

ص: 115


1- الكافى، ج 2، ص 386 و معجم الاحاديث المعتبرة، ج 3، ص 27.
2- المصدر السابق.
3- الكافى، ج 2، ص 399 و معجم الاحاديث المعتبرة، ج 3، ص 30.
4- الكافى، ج 2، ص 383-382 و معجم الاحاديث المعتبرة، ج 3، ص 35.

عقول الصبيان من الرجال و النساء!(1) و في صحيح آخر لزرارة طويل يسأل أبا جعفر علیه السلام عن قول الله: «و المؤلّفة قلوبهم» قال: هم قوم وحدوا الله و خلعوا عبادة من يعبد من دون الله و هم شهدوا أن لااله الا الله و ان محمداً رسول الله، و هم في ذلك شكاك في بعض ما جاء به محمد صلّی الله علیه و آله و سلّم فأمر الله نبيه الله صلّی الله علیه و آله و سلّم ان يتألفهم بالمال، و العطا، لكى يحسن اسلامهم و يثبتوا على دينهم الذي دخلوا فيه واقروا به.(2) و في صحيح أبي بصير قال: قال أبو عبد الله علیه السلام من عرف اختلاف الناس فليس بمستضعف.(3)

أقول: هذا محمول على زمان حضور الإمام علیه السلام فانه يقدر على اقناع المكلف بالمذهب الحق. و فى زمان الغيبة لا ملازمة بين العلم باختلاف المذاهب و قدرة تشخيص الحق و هذا قطعيّ لا يقبل الترديد. و سرّه ان الاول حسيّ، و الثانى نظري غامض جداً لا يقدر عليه الا الاختصاصيون الكاملون.

و في صحيح آخر لزرَارَةَ: عَنْ أَبِي جَعْفَرِ علیه السلام، قَالَ: «ابْنِيَ الْإِسْلَامُ عَلَى خَمْسَةِ أَشْيَاءَ: عَلَى الصَّلَاةِ، وَالزَّكَاةِ، وَالْحَجِّ، وَالصَّوْمِ، وَالْوَلَايَةِ». (و الحديث طويل و في آخره) مَا كَانَ لَهُ (ای لغير العارف بالأئمة) عَلَى اللهِ حَقٌّ فِي ثَوَابِهِ، وَلَا كَانَ مِنْ أَهْلِ الْإِيمَانِ (اى إيمان الخاص)». ثُمَّ قَالَ: «أُولئِكَ الْمُحْسِنُ مِنْهُمْ يُدْخِلُهُ اللهُ الْجَنَّةَ بِفَضْلِ رَحْمَتِهِ».(4)

و هنا حديث معتبر سنداً آخر، يدل أيضاً على دخول هؤلاء في الجنة كهذا الحديث، فالولاية من اصول المذهب لا من أصول الدين و يؤيده ذكرها في غير واحد من الأحاديث في عداد الواجبات الفرعية الأربعة كالصلاة والزكاة و الحج و الصوم.

ص: 116


1- الكافى، ج 2، ص 404. و معجم الاحاديث المعتبرة، ج 3، ص 36-37.
2- الکافی، ج 2، ص 411. و معجم الاحاديث المعتبرة، ج3، ص 37.
3- الكافي، ج 2، ص 412. و معجم الاحاديث المعتبرة، ج 3، ص 38.
4- الكافى، ج 2، ص 18-19 و معجم الاحاديث المعتبرة، ج 2، ص 459.

46- فوائد متنوعة

1- يخبر القرآن من مكالمة أهل جهنّم مع أهل الجنة. ومعنى ذلك إبداع آلات مخابرية بين الكرتين في الآخرة للتكلّم. و البشر حتى اليوم لم يجرّبه و المستقبل مجهول. نعم خابر رئيس الجمهورية في أمريكا مرة قبل سنوات طيار السفينة الفضائية بعد وصوله الى القمر و تكلّم معه، و لكن القمر ليس بكرة مستقلة، بل هو من توابع كرة الأرض.

2- «أَ وَ لَمْ يَتَفَكَّرُوا فِي أَنْفُسِهِمْ ما خَلَقَ اللهُ السَّماواتِ وَ الْأَرْضَ وَ ما بَيْنَهُما إِلا بِالْحَقِّ وَ أَجَلٍ مُسَمَّى وَ إِنَّ كَثِيراً مِنَ النَّاسِ بِلِقاءِ رَبِّهِمْ لَكَافِرُونَ» (الروم: 8) تدل الآية المباركة على أنّ الجنة والنار ليستا في السموات التي يذكرها القرآن فإنّ السموات خلقت لأجلٍ مسمّى و هما دار الخلود و دارالخالدين. و هنا احتمال آخر فى سعة الأجل المسمّى و ما يلزمه هذا الأجل، و يدلّ أيضا على خراب الأرض بعد أجلها.

3- المستعمل فى اللغة الفارسية اليوم عندنا وحدة كلمتى الفوت و الوفاة معنىً، و ليس كذلك في العربية فإنّ الفوت بمعنى ما تلف وضاع و عدُم. و الوفاة من مادة الوفا، و في أبواب الثلاثى المزيد يأتي على وزن الإيفا و التوفي و الاستيفاء وكل ذلك بمعنى الأخذ التام و المستعمل في القرآن بمعنى الموت و الإماتة و هي مشتقات مادة الوفا (تتوفى، يتوفى..) فالموت ليس فناء و عدم بل أخذ الروح من البدن و هو باقٍ في البرزخ.

4- اعلم أنّ سبع آيات من الآيات الواردة في الإماتة(1) وردت بمادة التوفي و هو الأخذ بتمام الشيء، ويدلّ عليه أيضاً قوله تعالى: «الَّذِي خَلَقَ الْمَوْتَ وَ الْحَياةَ لِيَبْلُوَكُمْ» (الملك: 2) فلاحظ.

و في آية الزمر سمّى الله النوم كالموت بتوفى الأنفس «اللهُ يَتَوَفَّى الْأَنْفُسَ حِينَ مَوْتِهَا وَ

ص: 117


1- السجدة / 10 و 11 . و يونس / 104 و الأعراف / 37. و الأنعام/ 61. و النحل /32. و الزمر / 42. و النمل /28.

الَّتي لَمْ تَمُتْ في مَنامِها». و يمكن أن نفهم منها أنّ الملائكة يتوفون نفس النائمين أيضاً. و الفرق بينهما أن الاول دائم و الثاني موقت، و الأخذ في الاول نهائيّ و في الثاني ابتدائيّ ينتبه النائم بأدنى سبب.

5- قال الله تعالى: «فَلَوْ لا إِذا بَلَغَتِ الْحُلْقُومَ. فَأَمَّا إِنْ كانَ مِنَ الْمُقَرَّبِينَ، فَرَوْحٌ وَ رَيْحَانٌ وَ جَنَّهُ نَعيم.. وَ أَمَّا إِنْ كانَ مِنْ أَصْحاب اليمينِ، فَسَلامٌ لَكَ مِنْ أَصْحَابِ الْيَمينِ.. وَ أَمَّا إِنْ كانَ مِنَ الْمُكَذِّبِينَ الضَّالِّينَ.. فَنُزِّلُ مِنْ حَمِيمٍ.. وَ تَصْلِيَةٌ جَحِيمِ» (الواقعة). والضمير في كلمة (بلغت) يرجع الى الحياة.

و لا يبعد أن يكون تفريع جزاء الأصناف الثلاثة حيث ذكر بلافصل بعد الجملات القرآنية السابقة، ظاهراً فى أنه جزائهم في البرزخ، إذا اريد بتصلية جحيم هو حرارة نارها البرزخية دون النار الخارجية المرئية يوم القيامة.

47- الفرق بين الإسلام و الإيمان

اشارة

في حسنة أبي بصير عن أبي جعفر علیه السلام قال سمعته يقول: «قَالَتِ الْأَعْرَابُ آمَنَّا قُل لَّمْ تُؤْمِنُوا وَلَكِن قُولُوا أَسْلَمْنَا» (الحجرات: 14) فمن زعم انهم آمنوا فقد كذّب، و من زعم انهم لم يسلموا فقد كذّب.(1) و في موثقة سَمَاعَة، قَالَ: قُلْتُ لِأَبِي عَبْدِ اللهِ علیه السلام: أَخْبِرْنِي عَنِ الْإِسْلَامِ وَالْإِيمَانِ أَ هُمَا مُخْتَلِفَانِ؟ فَقَالَ: «إِنَّ الْإِيمَانَ يُشَارِكُ الْإِسْلَامَ، وَالْإِسْلَامَ لَا يُشَارِكُ الْإِيمَانَ». فَقُلْتُ: فَصِفْهُمَا لِي. فَقَالَ: «الْإِسْلَامُ شَهَادَةُ أَنْ لَا إِلَهَ إِلَّا اللهُ، وَالتَّصْدِيقُ بِرَسُولِ اللهِ صلّی الله علیه و آله و سلّم، بِهِ حُقِنَتِ الدِّمَاءُ، وَعَلَيْهِ جَرَتِ الْمَنَاكِحُ وَالْمَوَارِيثُ، وَعَلَى ظَاهِرِهِ جَمَاعَةُ النَّاسِ، وَ الْإِيمَانُ الْهُدَىٰ وَمَا يَثْبُتُ فِي الْقُلُوبِ مِنْ صِفَةِ الإِسْلَامِ وَمَا ظَهَرَ مِنَ الْعَمَلِ بِهِ، وَالْإِيمَانُ أَرْفَعُ مِنَ الْإِسْلَامِ بِدَرَجَةٍ؛ إِنَّ الإِيمَانَ يُشَارِك الإِسْلَامَ فِي الظَّاهِرِ، وَالإِسْلَامَ لا يُشارك الإيمَانَ فِي الْبَاطِنِ، وَإِنِ اجْتَمَعَا فِي

ص: 118


1- الكافي، ج 2، ص 25. و معجم الاحاديث المعتبرة، ج 2، ص 465.

الْقَوْلِ وَالصِّفَةِ».(1) و مثله غيره معنی، و في صحيح محمد بن مسلم عن محمد بن مسلم عن أحدهما علیهما السلام قال: «الایمان اقرار و عمل و الاسلام اقرار».(2)

أقول: و العمل كاشف عن الاعتقاد ظاهراً (و لما يدخل الايمان في قلوبكم) و في حسنة حُمْرَانَ بْنِ أَعْيَنَ: عَنْ أَبِي جَعْفَرٍ علیه السلام، قَالَ: سَمِعْتُهُ يَقُولُ: «الْإِيمَانُ مَا اسْتَقَرَّ فِي الْقَلْبِ، وَأَفْضَىٰ بِهِ إِلَى اللَّهِ عَزَّ وَجَلَّ، وَصَدَّقَهُ الْعَمَلُ بِالطَّاعَةِ لِلهِ وَالتَّسْلِيمِ لِأَمْرِهِ؛ وَالْإِسْلَامُ مَا ظَهَرَ مِنْ قَوْلٍ أَوْ فِعْلٍ، وَهُوَ الَّذِي عَلَيْهِ جَمَاعَةُ النَّاسِ مِنَ الْفِرَقِ كُلِّهَا، وَبِهِ حُقِنَتِ الدِّمَاءُ، وَعَلَيْهِ جَرَتِ الْمَوَارِيثُ، وَجَازَ النِّكَاحُ» قُلتُ: فَهَلْ لِلْمُؤْمِن فَضْلٌ عَلَى الْمُسْلِم فِي شَيْءٍ مِنَ الفَضَائِلِ والأحكام والحُدُودِ وَغَيْرِ ذَلِكَ؟ فَقَالَ: «لَا، هُمَا يَجْرِيَانِ فِي ذَلِكَ مَجْرىٰ وَاحِدٍ، وَلَكِنْ لِلْمُؤْمِنِ فَضْلٌ عَلَى الْمُسْلِمِ فِي أَعْمَالِهِمَا وَمَا يَتَقَرَّبَانِ بِهِ إِلَى اللهِ عَزَّ وَجَلَّ».(3)

و ملخص ذيله أن فرق المؤمن مع المسلم فى كثرة ثوابه بكثرة أعماله لا في الأحكام الشرعية. و في حديث أَبِي شِبْلٍ، قَالَ: قَالَ أَبُو عَبْدِ اللَّهِ علیه السلام: «مَنْ أَحَبَّكُمْ عَلَىٰ مَا أَنْتُمْ عَلَيْهِ دَخَلَ الْجَنَّةَ، وَإِنْ لَمْ يَقُلْ كَمَا تَقُولُونَ».(4)

فوائد

1- لا يجب أن يكون المكلف به، ذا مشقّة؛ بل لابد فى صحة التكاليف الالزامية من وجود مصالح و مفاسد ملزمتين، و في غير الالزامية من وجود المصالح والمفاسد الراجحتين، وقد يكون المصلحة في نفس الأمر والنهي لا في متعلقهما كما في الأوامر و النواهى الامتحانية كالأمر بذبح اسماعيل علیه السلام.

ص: 119


1- الكافى، ج 2، ص 24 و المجعم، ج 2، ص 466.
2- الكافى، ج 2، ص 24 و معجم الاحاديث المعتبرة، ج 2، ص 465.
3- الكافى، ج 2، ص 26-27 و معجم الاحاديث المعتبرة، ج2، ص 467.
4- روضة الكافى، ج 8، ص 256 و معجم الاحاديث المعتبرة، ج 2، ص 479.

و قد يقال(1) ان الأحكام الوضعية مصالحها في نفس أحكامها لا في متعلقاتها. و أنا لم أفهم اولاً عموم هذا الحكم و ثانياً دليله و اثباته، و فوق كل ذي علم عليم. كما لم أفهم ما ذكره ماتن التجريد و شارحه (رحمهما الله) من اعتبار المشقّة في استحقاق الثواب، و اغرب منه استدلال الشارح عليه بان المقتضي لاستحقاق الثواب هو المشقّة وصدوره من مثله غريب أو عجیب، مع أنه مردود و منقوض بما ورد من المثويات الكثيرة على ذكر كلمة التوحيد أو بعض الأدعية التي لا مشقّة في قرائتها.

2- مقتضى قوله تعالى: «عِندَ سِدْرَةِ الْمُنتَهَى عِندَهَا جَنَّةُ الْمَأْوَى» (النجم: 15-14) و «أُعِدَّتْ لِلْمُتَّقِينَ» (آل عمران: 133) «أُعِدَّتْ لِلْكَافِرِينَ» (آل عمران: 131) و غيره وجود الجنة و النار فعلاً و هو المحكى عن جمهور المسلمين سوى شرذمة من المعتزلة، و لم ينقل انكاره عن أحد من الإمامية سوى ما ينسب الى السيد الرضى رحمه الله و الله اعلم.

3- في صحيح أَبِي وَلَادٍ عَنْ أَبِي عَبْدِ اللَّهِ علیه السلام قَالَ: «إِنَّ اللَّهَ تَبَارَكَ وَ تَعَالَى يَدْعُو النَّاسَ بِاسْمِ أُمَّهَاتِهِمْ يَوْمَ الْقِيَامَةِ أَيْنَ فُلَانُ بْنُ فُلَانَةَ سِتْراً مِنَ اللَّهِ عَلَيْهِمْ».

48- بعض الآثار المترتّبة على الأعمال

1- الحسد يأكل الايمان، كما تأكل النار الحطب و يعبّر عنه بالجزاء الوضعى أو العلّى. الكافي ج 306/2.

2- من ظلم مظلمة، أخذ بها في نفسه أو في ماله أو في ولده (الكافي، ج 232/2) أقول: لافرق بين الحديثين غير أن الاول يشمل ايمان العاصى فقط. و الحس يدل على تأذى الحسود بمقدار حسده. و السندان معتبران و الثاني على درجاته يشمل نفس الظالم أو ماله أو أولاده على سبيل منع الخلو.

ص: 120


1- عن جمع الاصوليين من الامامية.

3- قال الله تعالى: «وَاتَّقُوا فِتْنَةٌ لَّا تُصِيبَنَّ الَّذِينَ ظَلَمُوا مِنكُمْ خَاصَّةً وَاعْلَمُوا أَنَّ اللَّهَ شَدِيدُ الْعِقَابِ» (الأنفال: 25) يدل على سريان أثر الفتنة الى الابرياء فان قلت: كيف و هذا ظلم على الابريا؟ قلت: لا مخصص فى الآثار الوضعية لترتبها على عواملها كترتب المعاليل على عللها، و الظلم يرتفع باعطاء العوض لهم في إحدى الحياتين.

4- «وَأَمَّا الْجِدَارُ فَكَانَ لِغُلَامَيْنِ يَتِيمَيْنِ فِي الْمَدِينَةِ وَكَانَ تَحْتَهُ كَنزٌ لَّهُمَا وَكَانَ أَبُوهُمَا صَالِحًا فَأَرَادَ رَبُّكَ أَن يَبْلُغَا أَشُدَّهُمَا وَيَسْتَخْرِجَا كَنَزَهُمَا رَحْمَةً مِّن رَّبِّكَ» (الكهف: 82) تدل الآية على أنّ صلاح الوالد يوثر فى حق ابنائه، أو مطلق أولاده.

5- الظلم ظلمات يوم القيامة (حديث معتبر السند) اثر الظلم ظلمة القيامة للظالم.

6- «يَوْمَ تَرَى الْمُؤْمِنِينَ وَالْمُؤْمِنَاتِ يَسْعَى نُورُهُم بَيْنَ أَيْدِيهِمْ وَ بِأَيْمَانِهِم» (الحديد: 12) النور أثر وضعى للايمان ينور قدام أهل الإيمان وأيمانهم يوم القيامة.

7- العمل نفسه يرى في القيامة خيراً و شراً «يَوْمَ يَنْظُرُ الْمَرْءُ مَا قَدَّمَتْ يَدَاهُ» (النبا: 40) و «فمَن يَعْمَلْ مِثْقَالَ ذَرَّةٍ خيرًا يَرَهُ و مَن يَعْمَلْ مِثْقَالَ ذَرَّةٍ شَرًا يَرَهُ» (الزلزلة: 8-7) و هل رؤية العمل في القيامة بتجسم العمل أو بتقوية الباصرة وتغيّر الشرايط فى كرة الحساب حتى يرى العمل من دون وساطة الجسم كما يقال؟ فيه وجهان، و ليس المؤلف من أهل النظر في أمثال هذا المقام. والحكم النهايى للعلوم التجريبية. ويحتمل رؤية العمل بآثاره.

8- العمل محضر في القيامة «يَوْمَ تَجِدُ كُلُّ نَفْسٍ مَّا عَمِلَتْ مِنْ خَيْرٍ مُّحْضَرًا وَمَا عَمِلَتْ مِن سُوءٍ تَوَدُّ لَوْ أَنَّ بَيْنَهَا وَبَيْنَهُ أَمَدًا بَعِيدًا» (آل عمران: 30) هذه الآية كسابقتها لا تحمل على مجرد الرؤية من جهة دلالة كلمة (محضراً) على تحققه عند المكلف، و أقوى منها دلالة عليه الجملة الاخيرة كما لا يخفى.

9 - «سَيُطَوَّقُونَ مَا بَخِلُوا بِهِ يَوْمَ الْقِيَامَةِ» (آل عمران: 180)

10- «نُورُهُمْ يَسْعَى بَيْنَ أَيْدِيهِمْ وَبِأَيْمَانِهِمْ» التحريم: 8)

ص: 121

49- حال أبدان الكفار في القيامة

1- «وَمَن يَهْدِ اللهُ فَهُوَ الْمُهْتَدِ وَمَن يُضْلِلْ فَلَن تَجِدَ لَهُمْ أَوْلِيَاءَ مِن دُونِهِ وَنَحْشُرُهُمْ يَوْمَ الْقِيَامَةِ عَلَى وُجُوهِهِمْ عُمْيًا وَبُكْمَا وَصُمَّا» (الإسراء: 97)

2- «وَمَنْ أَعْرَضَ عَن ذِكْرِي فَإِنَّ لَهُ مَعِيشَةً ضَنكًا وَنَحْشُرُهُ يَوْمَ الْقِيَامَةِ أَعْمَى» (طه: 124)

3- «يُعْرَفُ الْمُجْرِمُونَ بِسِيمَاهُمْ» (الرحمن: 41).

4- «قَالَ رَبِّ لِمَ حَشَرْتَنِي أَعْمَى وَقَدْ كُنتُ بَصِيرًا» (طه: 125)

5- «وَمَن كَانَ فِي هَذِهِ أَعْمَى فَهُوَ فِي الْآخِرَةِ أَعْمَى وَأَضَلُّ سَبِيلًا» (الإسراء: 72)

6- «الْيَوْمَ نَخْتِمُ عَلَى أَفْوَاهِهِمْ وَتُكَلِّمُنَا أَيْدِيهِمْ وَتَشْهَدُ أَرْجُلُهُم بِمَا كَانُوا يَكْسِبُونَ» (يس: 65)

و هل يحمل نواقص الأعضاء المتعلقة بأبدان الكفار على حقيقتها كما نفهمها في الدنيا أو على التشبيه و المجاز؟ فيه وجهان. ظاهر قوله تعالى فى الآية الرابعة هو الأول، و يتبين منه حال الآية الثانية. و الله العالم بكلامه و أفعاله. و عليه فيقع الكلام في أنّهم يبقون كذلك أو يرجع اليهم بصرهم فى جهنّم أو ان النقص في موقف خاص؟ و هكذا الحال في سائر الأعضاء.

50- حشر الوحوش

قال الله تعالى: «وَإِذَا الْوُحُوشُ حُشِرَتْ» (التكوير: 5)

أقول: حشر الوحوش و جمعها ثابت في القرآن، لكنها هل هو في الأرض قبل تفتيتها أو خرابها، لأجل خوفها و فزعها من الأصوات و هدم النظام أو لعلة اخرى. أو في المحشر، سواء في محشر الناس أو في كرة اخرى؟ لا دليل عليه من القرآن و السنة؛ بل و لا من الأخبار الآحاد المعتبرة سنداً و الاعتبار العقلى يستبعد الاحتمال الثاني و هو حشر جميع الوحوش الحية في كرة الأرض قبل وجود الانسان و معه، و ليس لها نار و لاجنة. فنقول والله العالم بل

ص: 122

يحتمل في معنى الآية جمع الوحوش الموجودة في آخر الدنيا. نعم هنا آية اخرى: «وَمَا مِن دَابَّةٍ فِي الْأَرْضِ وَلَا طَائِرٍ يَطِيرُ بِجَنَاحَيْهِ إِلَّا أُمَمٌ أَمْثَالُكُم مَّا فَرَّطْنَا فِي الْكِتَابِ مِن شَيْءٍ ثُمَّ إِلَى رَبِّهِمْ يُحْشَرُونَ» (الأنعام: 38) اذا رجع ضمير الجمع الغائب (ربهم) الى الدابة و الطائر او الى الأمم كما هو الأرجح(1) يصبح الحيوان المحشور أوسع مفهوماً بكثير من الآية الدالة على حشر الوحوش. و يبقى الكلام حينئذ في حقيقة الحشر، هل هي كحشر الناس؟ فهو بعيد عند عقولنا جدّاً أو بمعنى آخر؟ و الأحسن أن نقول: والله العالم.

51- الأعراف

«وَ بَيْنَهُمَا حِجَابٌ(2) وَعَلَى الْأَعْرَافِ(3) رِجَالٌ يَعْرِفُونَ كُلَّا بِسِيمَاهُمْ(4) وَنَادَوْا أَصْحَابَ الْجَنَّةِ أَن سَلَامٌ عَلَيْكُمْ لَمْ يَدْخُلُوهَا وَهُمْ يَطْمَعُونَ»(5) (الأعراف: 46).

ص: 123


1- و اما اذا رجع الى افراد الناس فالآية اجنبية عن حشر الحيوانات.
2- بين الجنة والنار أو بين أصحاب الجنة (المؤمنين) و أصحاب النار (الكافرين) كما يظهر من الآيات السابقة الأربعة. و ربما يشعر الحجاب بقرب مكان النار للجنة.
3- في مفردات الراغب السور (قيل السور جدار البلد) و قال أيضاً قبل ذلك: عُرف الفرس (يال اسب) و الديك (تاج خروس) معروف و في قاموس القرآن للقرشي: جمع العرف على وزن قفل (و آن بمعنای یال اسب و کاکُل خروس و قسمتهای بلند کوه و تپه است) و عن الأقرب: اعرف الرياح و السحاب اوائلها و اعاليها. و قال القرشي أيضاً: لام الأعراف عوض المضاف اليه أى على أعراف الحجاب اى على أعالي الحجاب، و في رواية عن الصادق علیه السلام الأعراف كثبان بين الجنة والنار يقف عليها كل نبي و كل خليفة نبى و كثبان جمع کثیب (تلّ ریگ) أقول: هو إمّا كرة صغيرة بحسب كرة المحشر أو جزء مرتفع من المحشر.
4- اى هؤلاء الرجال يعرفون الجميع بعلاماتهم.
5- الجملتان إمّا حالان عن أصحاب الجنة كما عن جمع أو عن فاعل (نادوا) اى رجال الأعراف. لكن ظاهر الآيات الأربعة المتقدمة على هذه الآيات دخول أصحاب الجنة فيها و استقرارهم فيه لكن صاحب قاموس القرآن يدعى استقلال هذه الأيات عما قبلها من الأيات الأربعة، و فيه نظر. ثم على الثانى الطمع طمع يقين كقول ابراهيم علیه السلام «وَالَّذِي أَطْمَعُ أَن يَغْفِرَ لِي خَطِيئَتِي يَوْمَ الدِّينِ» (الشعراء: 82)

«وَإِذَا صُرِفَتْ أَبْصَارُهُمْ(1) تِلْقَاءَ أَصْحَابِ النَّارِ قَالُوا رَبَّنَا لَا تَجْعَلْنَا مَعَ الْقَوْمِ الظَّالِمِينَ» (الأعراف: 47) «وَنَادَى أَصْحَابُ الْأَعْرَافِ رِجَالًا(2) يَعْرِفُونَهُم بِسِيمَاهُمْ قَالُوا مَا أَغْنَى عَنكُمْ جَمْعُكُمْ وَمَا كُنتُمْ تَسْتَكْبِرُونَ» (الأعراف: 48) «أَهَؤُلَاءِ الَّذِينَ أَقْسَمْتُمْ لَا يَنَالُهُمُ اللهُ بِرَحْمَةِ ادْخُلُوا الْجَنَّةَ(3) لَا خَوْفٌ عَلَيْكُمْ وَلَا أَنتُمْ تَحْزَنُونَ» (الأعراف: 49)

ثم ان الروايات الواردة حول الأعراف و رجاله كثيرة، لكن معظمها ضعيف من ناحية السند و بعضها و ان كان معتبراً سنداً لكن مصدره غير معتبر كما ذكرنا بحثه في كتابنا «بحوث علم الرجال» و في خاتمة كتابنا «معجم الاحاديث المعتبرة». والله العالم بحقيقة الحال و واقع الحقائق.

و هنا رواية معتبرة سنداً عن زرارة قَالَ لِي أَبُو جَعْفَرٍ عليه السلام: «مَا تَقُولُ فِي أَصْحَابِ الْأَعْرَافِ؟». فَقُلْتُ: مَا هُمْ إِلَّا مُؤْمِنُونَ أَوْ كَافِرُونَ، إِنْ دَخَلُوا الْجَنَّةَ، فَهُمْ مُؤْمِنُونَ؛ وَ إِنْ دَخَلُوا النَّارَ ، فَهُمْ كَافِرُونَ فَقَالَ: «وَ اللهِ، مَا هُمْ بِمُؤْمِنِينَ وَ لَا كَافِرِينَ(4)، وَ لَوْ كَانُوا مُؤْمِنِينَ دَخَلُوا الْجَنَّةَ كَمَا دَخَلَهَا الْمُؤْمِنُونَ، وَ لَوْ كَانُوا كَافِرِينَ لَدَخَلُوا النَّارَ كَمَا دَخَلَهَا الْكَافِرُونَ، وَلَكِنَّهُمْ قَوْمٌ اسْتَوَتْ حَسَنَاتُهُمْ وَ سَيِّئَاتُهُمْ، فَقَصُرَتْ بِهِمُ الْأَعْمَالُ، وَ إِنَّهُمْ لَكَمَا قَالَ اللهُ عَزَّ وَ جَلَّ». فَقُلْتُ: أَ مِنْ أَهْلِ الْجَنَّةِ هُمْ، أَوْ مِنْ أَهْلِ النَّارِ؟ فَقَالَ: «اتْرُكْهُمْ حَيْثُ تَرَكَهُمُ اللَّهُ». قُلْتُ: أَ فَتُرْجِتُهُمْ؟ قَالَ:

ص: 124


1- اى أبصار الرجال.
2- يحتمل ان المراد بهم هم أصحاب النار و لكنه احتمال مرجوح و يحتمل انهم رجال آخرون لم يدخلون النار بعُد..
3- ظاهر القرآن ان الأمر بدخول الجنة من رجال الأعراف المكرمين و المخاطبون على احتمال اول قواه صاحب قاموس القرآن هم المؤمنون من أصحاب الجنة و على احتمال آخر، هم جماعات لم يدخلون الجنة بعد لعّلة و الله العالم. و في صحيحة زرارة ما يؤيد الثاني. و على الاول يقدر كلمة: (قيل لهم و على الثاني كلمة (يقال لهم).
4- الواسطة بينهما هم المسلمون الفاسقون كان اسلامهم بمجرد الاقرار ولهم اعمال صالحة و كبائر موبقة كثيرة. والله العالم.

نَعَمْ، أُرْجِئُهُمْ كَمَا أَرْجَأَهُمُ الله(1) ... الخ.(2)

أقول: فعلى الأعراف طائفتان من الرجال؛ طائفة نصت حديث زرارة عليهم و طائفة يستفاد من الكتاب العزيز. والله العالم.

52- موجبات العقاب و أقسام المجازات

اشارة

1- الكفر و الشرك و لعلّ أهلهما أربعة اخماس البشر اليوم أو اكثر، أى غير المسلمين لكن معظمهم من القاصرين كما تقدم.

2- الظلم على الناس بأنواعه كالقتل و الجرح و غصب الأموال و اتلافها و ارتكاب موجبات الضمان(3) و إهانة الناس، و ربما يبلغ عدد المقتولين و المجروحين الى الملايين و نهب الأموال الى المليارات كما في عصر العلم و الصنعة، عصرنا عصر مهانة الإنسان عصر الاستعمار و الاستثمار.

3- عصيان الله عمداً فى أحكامه الالزامية من الواجبات و المحرمات(4) لاسيّما في القرون الأخيرة قرون الفسق والفجور قرون الفحشاء والمنكرات.

4- التجرى ولو في ضمن غير محرّم، كما اذا فعل فعلاً راجحاً بقصد كونه محرّماً، مثل أكل ماله بزعم أنه مال الغير، فالأقوى أنه ليس بحرام و لكنه يوجب استحقاق العقاب للمتجرّى و ذلك لحكم العقل به خلافاً للشيخ الأنصارى (رحمه الله) و وفاقاً لصاحب الكفاية و الحاكم في باب استحقاق العقاب و الثواب هو العقل و يمكن ان ندعمه بحديث معتبر ذكرناه

ص: 125


1- وآخرون مرجون لأمر الله.
2- معجم الاحاديث المعتبرة ، ج 1، ص 340 نقلاً عن اصول الكافي، ج 2، ص 403.
3- الضمانات الفقهية و أسبابها كثيرة جمعناها وطبعناها في كتاب طبع بهذا الاسم
4- جمعناهما في مجلدين باسم حدود الشريعة وقد طبع غير مرة.

في باب التجرى في الجزء الأول من كتابنا حدود الشريعة. و هنا بحث مهمّ معقد في أن نية الحرام حرام أم لا، توجب العقاب أم لا؟ و الروايات فيه مختلفة.

أقسام المجازات ثلاثة:

1- المجازات الجعلية الاعتبارية كجزاء المتخلفين عند الحكومات بالضرب و السجن و أخذ النقود و القتل. و نعنى بها مالا علاقة تكوينية بين الجريمة والجزاء و أنّ الاولى ليست بعلة و سبب طبيعى للثانية. و منها الحدود و التعزيرات الشرعية.

2- المجازات التكوينية كما اذا فرض بينهما علاقة علية و معلولية فاذا أكلت و أنت على صفات خاصة طعاماً معيناً تبتلى بمرض خاص لامحالة، بلا اختلاف و تخلّف في الكم و الكيف و الزمان والمكان للعالم بالعلية أو للجاهل أو الغافل. و ليس كذلك القسم الاول، فقد لا يترتب الثاني على الاول لقدرة المتخلّف أو غفلة مسؤل القانون أو ارتشائه و لعلل اخرى و قد يخفّف الجزاء عن المتخلّف او يعفى عنه قانوناً أو لجهة اخرى كالتوبة و سائر المسقطات.

و قد يتصور القسم الثانى فى المعاقبة بمفهومها العام فى الأمراض المتنوعة و عللها المختلفة حسب قانون الطب التكوينى. و فى الحبوبات و الفواكه و الأثمار و فساد الأموال و کساد القيم السوقية وموت الأولاد و الأعزاء و الغرق و احراق النار و الصواعق و ما الى من الآفات، و نواقص أعضاء المواليد والأبدان فى بطون الأمهات أو على الأرض وكذا فى عقاب الأولاد بتخلّف الآباء والأمهات بقانون الوراثة، بل بأقلّ من ذلك و هو ظلم الوالد مثلاً حيث يبتلى بانتقامه الأولاد لأنهم من تتمّة وجوده كمافي بعض الأحاديث، و ان كان الله العادل يعوّض كل الآلام غير المستندة الى ارادة المتألمين و عملهم السيّئ في الآخرة، و ربما في الدنيا وهو الجبار العظيم.

3- المجازات التكوينية بتجسم العمل من دون توسط القانون السببي و المسبّبي الذي يتباين المعلول عن العلة كالسمّ و الموت كما تقدم و نرجع اليه في المستقبل.

ص: 126

53- التكاليف تتبع المصالح والمفاسد

أن التكاليف الشرعية في جانب الفعل و الترك (الواجبات والمحرمات) تابعة للمصالح و المفاسد الملزمتين فيهما، أو فى نفس الأوامر والنواهى كما فى التكاليف الامتحانية و بعض الأحكام الوضعية على ما قيل. كما هو المنقول عن العدلية و هو مما يحكم به العقل حكماً قطعياً.

و ادعاء أن فلسفة الأحكام الدينية، هى الثواب والعقاب ادعاء غلط باطل، فان التشريع يصبح لغواً و لعباً تعالى الله عنه. اذ يمكن ايجاب كلّ شيء خال عن تكامل الباطن و اصلاح الحياة الحاضرة بل يمكن ايجاب ما فيه المفسدة أيضاً لأجل ايصال الثواب بامتثاله و هكذا في جانب التحريم.

و ذكر بعض الكتّاب و المؤلفين الذين لاخبرة لهم انّ عقاب الآخرة بفوت مصلحة التكليف قبيح. و هو ظاهر الضعف، بل العقاب و الثواب و ان يترتبا على الأفعال و التروك لكن بضميمة أمر آخر و لولاه لا يترتب العقاب على ترك الواجبات و فعل المحرمات كما في فرض الغفلة و الجهل القصورى، بل الكفر الذى هو رأس الكبائر اذا استند الى الجهل القصورى لا يترتب عليه العقاب عقلاً و نقلاً كما مرّ. فالعنصر الاخير و الأهم في استحقاق العقاب و السقوط فى الدركات هو التمرد والتجرّى و التعمد، كما أن الثواب أيضاً مترتب على الانقياد و التسليم و الخشوع. و مع التجرى والتمرد لاعفو و لاغفران اذ لا أهلية للمتمرّد و المتجرّى لهما كل ذلك يفهم من القرآن الكريم. يقول الله تعالى: «إِنَّ اللهَ لا يَغْفِرُ أَنْ يُشْرَكَ به« (النساء: 48) و يقول بعض جهلة المؤلفين مع كونه مؤمناً بالله لِمَ لا يغفر الله تعالى المشركين و اىّ فائدة في عقابهم و انتقامهم؟؟!! و عذرهم أنّهم أسراء احاسيسهم و رقة قلوبهم متبعدين عن عقولهم. و اذا ثبت ترتب الجزاء على عنصر نفسى كالانقياد و التسليم و قصد التقرب و كالتجرى و التمرّد و تعمّد العصيان يضعف شأن تجسم العمل الخارجي.

ص: 127

54- فوائد متنوعة

1- از عمل فیزیکی تاعمل روحی

ماتریالستها ادعا دارند همان گونه که کبد صفرا ترشّح می کند مغز هم تفکر و اندیشه را تولید می کند! ولی دلایل علمی این گفته را باطل می کند.

ماده و پدیده های ماده و خواص آن محکوم قوانین عمومی ماده می باشد ولی همان گونه که گذشت تظاهرات روحی مانند عشق، محبت، حسد، بخل، بزرگ بینی و تکبّر و خود خواهی و ادراکات و معلومات قابل اندازه گیری نمی باشد.

متابوليزم (مجموع اعمالی که در سلولها و انساج بمنظور عمل اصلی و تبادلات مواد غذایی (جذب مواد لازم و دفع مواد زاید) انجام می شود، هر چند اندک باشد بدن را افزایش می دهد. ولی ساعتها کار فکری به اندازه یک حرکت ساده در افزایش سوخت و ساز بدن نقشی ندارد و علوم مادی از تحلیل این گونه مسایل عاجز و ناتوان است. و باید به روح ایمان پیدا کرد تا واقعیتها روشن گردد.

داکتر کارل در کتاب انسان موجود ناشناخته ص 82 می گوید: این فکر این چیز عجیب که در ما موجود است، بدون اینکه انرژی ما را مصرف کند از کجا می آید.

روح ما در مرکز اجسام فرو می رود، و بقدری توانا و نیرومند است که با فکر - چیزی که بچشم ما نمی آید - سطح زمین را دیگرگون می کند تمدنّها را ویران و تمدن جدیدی را اختراع می کند. آیا این فکر از یک عضو ما بیرون می آید؟(1)

اگر فکر و اندیشه محصول مغز است پس چرا فعالیتهای فکری با تمام شعاع ویرانگری و سازندگی به اندازه یک تحرّک ساده دست ما متابولیزم را افزایش نمی دهد.

ص: 128


1- معاد از نگاه وحی و فلسفه، ص 213 تاص 216.

2- فکر قائم به روح است نه به مغز

قسمت پذیری حکم عام و کلی مادیات است ولی فکر و علم چون عمل روح است قسمت پذیر نیست مثلاً اگر مغز را دو نصف جدا بسازیم آیا معلومات مانیز تنصیف خواهد شد، از دکتر فلاماریون نقل شده: بیماری تحت معالجه من قرار داشت که مغزش به مجموعه چرکی تبدیل شده بود، لکن هوش و معلومات خود را تا آخرین لحظه حفظ نموده بود.

تجدید خاطرات سالهای گذشته یکی دیگر از دلایل روح است چون سلولهای بدن و حتى مغز چندین مرتبه عوض شده اند. نویسنده – و بسیار افراد دیگر - خاطرات تلخ شیرین دوران کودکی و سالهای اول خود را بیاد می آورند چون روح ثبات دارد همه چیز را حفظ می کند.

از اقسام فکر تجرید (برهنه کردن و حذف خصوصیات فردی و شخصی تابه یک مفهوم کلی برسیم) و تجزیه دو ترکیب ذهنی بجهت تحصیل مجهولات جز در پناه روح تحقق نمی یابد. فکر و معلومات و تصديقات فاقد وزن و شکل است و تجزیه ناپذیر.

ثمّ ان قوله تعالى: «وَ إِذْ أَخَذَ رَبُّكَ مِنْ بَنِي آدَمَ مِنْ ظُهُورِهِمْ ذُرِّيَّتَهُمْ وَ أَشْهَدَهُمْ عَلَى أَنْفُسِهِمْ أَلَسْتُ بِرَبِّكُمْ قَالُوا بَلَى» (الأعراف: 172) من أجل الاشهاد و السؤال عن ربوبية الله و قول الذرية بالاثبات و اتمام الحجة عليهم تدلّ على تقدّم الروح القائم به الادراك و التفكّر و العقل. فلاحظ. و كأنه يشير الى كون الروح روحانية الحدوث.

3- دستگاه عکس برداری عجیب

گفته می شود در قرن بیست در آمریکا دستگاهی را اختراع کردند که شبیه تلویزیون عکس برداری دقیقی دارد که می تواند در نبود افراد عکس برداری نماید و چهره افرادی را که یک ساعت پیش آنجا نشسته بودند با آن دستگاه مشخص نماید!

ص: 129

و از این اختراع بدست می آید که از بدن انسان پیوسته امواجی پخش می گردد. و شاید همین امواج در قیامت توسط عواملی تجسّم پیدا کند و مورد دید افراد قرار گیرد، شاید مراد آیاتی که از حضور اعمال و دیدن اعمال این زندگانی در قیامت خبر می دهند همین موضوع - بشكل كامل آن- باشد. می بینید چگونه مسایل معاد آهسته آهسته طبق وعده قرآن(1) اثبات وحتی حسّی می شود.

4- یک کشف دیگر

بعضی از نویسندگان نقل می کند که: چند سال قبل دانشمندان گام بلندی در این راه برداشتند و آوای کوزه گر مصری را از خطوط کوزه بیرون کشیدند و به سمع بشر قرن ما رساندند و هم اکنون بسیاری از دانشمندان آزمایش های پیگیر خود را در دستگاه های رادیو، و عدسه فوتوگرافی و غیره ادامه می دهند، به امید این که در این راه به کشفیات تازه ای برسند.

5- زندگی پس از میلیونها سال مرگ

طی آزمایش هایی که اخیراً به عمل آمده ثابت و مسلّم گشته است که می توان آثار حیات را در میکروب هایی که میلیون ها سال قبل مرده اند مجدداً زنده کرد، دکتر «دیروسکی» استاد دانشگاه فرایبورک گزارش جامع و در عین حال شگفت انگیزی در این زمینه انتشار داده است که در دل سنگ های معادن نمک آلمان غربی، میکروب های کشف و به وسیله تغذيه مجدداً زنده شده اند که قریب دویست میلیون سال از عمر آنها می گذرد در کانادا پنج میکروب که 260 میلیون سال قبل فعالیت حیاتی خود را از دست داده بودند، دوباره تجدید

ص: 130


1- سنريهم آياتنا في الآفاق و في انفسهم حتى يتبين لهم أنه الحق. بزودی نشانه های خود را در خارج و جان هایشان نشان می دهیم تا بدانند که خدا، یا قیامت و یا گفته های قرآن برحق می باشد.

حیات کردند، مسن ترین میکروب های کشف شده در «ایرکوتسک» سیبری هستند که طبق نظریه «دمبرسکی» پس از پانصد یا ششصد میلیون سال، از نو شروع به زندگی کرده اند، یا بهتر بگوئیم به زندگی ادامه دهند! همه این میکروب ها صدها میلیون سال، دچار سكون مرگ بوده اند و اکنون با تغذیه مناسب، همان نیروی حیات را بازگردانیده اند!

دانشمند نامبرده آلمانی معتقد است که میکروب های مذکور در کف دریاها در صدها میلیون سال پیش بوده اند که در نمک کریستالیزه جذب گشته و محفوظ مانده اند، وی برای اثبات تئوری خویش آزمایش های مشابهی در هفت سال گذشته انجام داده و به این نتیجه رسیده است که نمک بهترین وسیله کنسرو کردن میکروب است. میکروب هایی که دکتر نامبرده در هفت سال قبل، در نمک کریستالیزه کنسرو کرده بود، اکنون با تغذیه مجدد احيا شده اند. ولی ملاحظه می فرمایید: علم و دانش نه تنها روز به روز ما را به امکان زنده شدن مردگان نزدیک می سازد بلکه وقوع این حادثه را در خارج، از راه تجربه و آزمایش های عملی نیز، به مانشان می دهد و بالاتر از این، پرده هایی از «زندگی ابدی» را هم بالا می زند و مرگ و فنا را بیرون از دائره طبیعت می داند.

خواننده محترم، بشر ناتوان که بگوشه ای از نظامات جهان طبیعت آشنایی پیدا کرده می تواند مرده را زنده کند ولی خدای بزرگ که ایجاد کننده طبیعت و گرداننده جهان خلقت است، برای یک مقصد بزرگ، آیا نمی تواند پس از سکون مرگ نیروی حیات را مجدداً به کالبد انسان ها بازگرداند!!؟ زهی بی انصافی!

6- دنیای طب مرده را زنده می کند

چندی قبل یک موضوع جالب و شگفت انگیزی را انتشار دادند که سرلوحه آن با این جمله آغاز شده بود: آیا می توان مردگان را یخ زد و دوباره به دنیای زندگان بازگردانید!؟ در 12 ژانویه امسال «جیمس بدفورد» استاد رشته روانشناسی را که از سرطان ریه مرده بود،

ص: 131

ابتدا در سرد خانه و بعد در داخل «یخ خشک» گذاشتند، سپس کالبد «یخ زده» او را به «فوتیکس اریزونا» بردند و در آنجا در کپسولی که به کمک ازت مایع و سرمائی برابر با 321 درجه فارنهایت داشت به امانت سپردند.

در صورتی که این طرح حیرت انگیز و باور نکردنی عملی شود، می توان در سال های آینده که دانش پزشکی پیشرفت فراوانی می کند، کالبد او را گرم کرد و بیماری او را معالجه نمود و او را به دنیای زندگان بازگردانید! «دکتر رابرت اتین کر» که باکتاب خود به نام «دورنمای بقا» این اندیشه را در سال 1964 پدید آورده می گوید: «علاوه بردکتر (بدفورد) شش تن دیگر از مردم آمریکا هم، کالبد خود را در اختیار «بانک یخ» گذاشتند، اما ماجرا به همین جا ختم نمی شود، 725 نفر از اعضای انجمن «طول عمر» که در آمریکا شعبات وسیعی دارد، از این اندیشه پیروی کردند و شعار آنها این است: «یخ ببند! صبر کن! دوباره زنده شو!»

برای شما خواننده عزیز این سوال پیش می آید که: آیا واقعاً چنین اندیشه افسانه آمیزی عملی است!؟ دانش پزشکی می گوید: البته سر انجام روزی عملی خواهد شد، در حال حاضر این اندیشه با هیچ یک از اصول موجود و مسلّم پزشکی و زیست شناسی، ساز گار نیست، اما در عین حال مثل بسیاری از معماهای دیگر دنیای پزشکی نظیر سرطان طاسی و غیر آن، این امید وجود دارد که حل آن، نزدیک باشد و ضمناً تصویر این دستگاه اخیراً به نام «آخرت» یا به عبارت بهتر «یخچال آخرت» در تلویزیون امریکا نمایش داده شده است. مرده را در این کپسول یخ می گذارند و به کمک ازت مایع او را به حالت انجماد در می آورند شاید سال های آینده بتوانند او را زنده کنند.

7- یک دانشمند روسی مرده را زنده میکند

چندی قبل مطلبی را در جرائد تحت عنوان «ادعای عجیب علمی» نوشتند اطلاعات در

ص: 132

این باره چنین می نویسد: «طبق گزارش یونایتد پرس، یکی از دانشمندان شوروی که اکنون از «سیسیل» بازدید می کند، ادعا کرد که می تواند کسانی را که در اثر غرق شدن و یا برق گرفتگی مرده اند، زنده نماید! این دانشمند اظهار داشت که معالجات وی باید بلافاصله و یا پنج دقیقه بعد از اینکه قربانی توسط پزشک قانونی مرده اعلام گردیده، شروع شود، پروفسور، ولادیمیر نگوسکی نام دارد و مدیر یکی از لابراتوارهای اکادمی علوم پزشکی شوروی است.

«نگوسکی» گفت تاکنون دانشمندان، عقیده داشتند مرگ با توقف ضربان قلب مصادف است ولی اکنون با کمال اطمینان می توان گفت که توقف ضربان قلب بمعنای مرگ نیست.

8- سخنی در مورد اجزای اصلی بدن

ادعای اجزای اصلیه بدن که از جانب جمعی از متکلّمین نقل شده، بقولی امروز قابل قبول نیست زیرا همه اجزا و سلولهای بدن مشمول تغییرات دائمی بدن می باشد و تنها سلول های عصبی و ماهیچه ای و مغز است که تا پایان عمر باقی می ماند. (معاد ازنگاه وحی و فلسفه، محمد باقر شریفی ص 223).

مؤلف در تعلیقه این مطلب در پاورقی می گوید که برخی از فضلاء شماره سلول های مغز را ثابت می داند و می گوید که یاخته های آن مانند سایر سلول های بدن که تغذیه و رشد و تولید مثل دارند امکان ثبات را ندارند. و در ردّ آن می گوید که فیزیولوژی ثبات و عدم تغییر یاخته های مغز را در عداد بدیهیات قرارداده است. و سپس دلایلی بر عدم تغییر آنها نقل می کند.(1)

ص: 133


1- محمد باقر شریفی، معاد از نگاه وحی و فلسفه، ص 223.

مؤلف گوید: چه سلول های مغز و عصبی و ماهیچه تغییر بکنند و چه ثبات داشته باشند، بقای آنچه در حدیث «طینت» نامیده شده، ممکن و قابل ایراد نیست و نه علم توانسته تغییر آن مقدار جزئی را ثابت بدارد.

9- الإستثناء من الفزع

«و يَوْمَ يُنْفَخُ فِي الصُّورِ فَفَزِعَ مَنْ فِي السَّماواتِ وَ مَنْ فِي الْأَرْضِ إِلا مَنْ شاء الله» (النمل: 87) و يقول في سورة النمل «مَنْ جَاءَ بِالْحَسَنَةِ فَلَهُ خَيْرٌ مِنْهَا وَ هُمْ مِنْ فَزَعِ يَوْمَئِذٍ آمِنُونَ.. وَ مَنْ جاءَ بِالسَّيِّئَةِ فَكَبَتْ وُجُوهُهُم» (النمل: 89 و 90)

أقول: يفهم من هذه الآيتين أن المستثنى منه عام و للمستثنى أيضاً افراد كثيرون و هم أهل التقوى و الحسنات. والله العالم.

55- الفوائد النافعة وكيفية الحياة البرزخية

اشارة

1- عالم البرزخ له زمان كما يستفاد من الآيات الواردة فيه. كقوله «النَّارُ يُعْرَضُونَ عَلَيْهَا غُدُوّاً وَ عَشِيّاً ..» (الغافر: 46) و غيره. فلابد ان يكون له مكان فهو ملحق بعالمنا الحاضر.

2- القرآن يدلّ أيضا على أنّ القيامة كرات (الحساب و الجنّة والنار) لها زمان و مكان (و مساكن طيّبة) و من لازمها ان المحشور فيها وكذا في الجنة والنار مادى. و قد تكررت كلمة اليوم في مورد القيامة و نحوها.

3- الارتباط مع الأرواح في البرزخ ممكن، بل هو واقع للانبياء علیهم السلام لقوله تعالى: «وَاسأَل مَنْ أَرْسَلْنَا مِن قَبْلِكَ مِن رُّسُلِنَا أَجَعَلْنَا مِن دُونِ الرَّحْمَنِ آلِهَةً يُعْبَدُونَ» (الزخرف: 45)

مدلول الآية وقوع سؤال الخاتم صلّی الله علیه و آله و سلّم من أرواح المرسلين في البرزخ. و لقوله تعالى: «فَأَخَذَتْهُمُ الرَّجْفَةُ فَأَصْبَحُوا فِي دَارِهِمْ جَاثِمِينَ فَتَوَلَّى عَنْهُمْ وَقَالَ يَا قَوْمِ لَقَدْ أَبْلَغْتُكُمْ رِسَالَةَ رَبِّي وَنَصَحْتُ لَكُمْ وَلَكِن لَّا تُحِبُّونَ النَّاصِحِينَ» (الأعراف: 78- 79) ظاهر الآية ان صالحا

ص: 134

النبي علیه السّلام خاطب قومه بعد هلاكهم بالرجفة. و لو لا الإفهام والتفّهم لكان الخطاب لغوا و تدلّ الآية على شدة شقاوة قومه حيث لا يحبّون الناصحين بعد موتهم أيضاً.

و قريب منه ما ورد في خطاب شعيب النبي علیه السلام قومه بعد هلاكهم: «فَأَخَذَتْهُمُ الرَّجْفَةُ فَأَصْبَحُوا فِي دَارِهِمْ جَاثِمِينَ فَتَوَلَّى عَنْهُمْ وَقَالَ يَا قَوْمِ لَقَدْ أَبْلَغْتُكُمْ رِسَالَاتِ رَبِّي وَنَصَحْتُ لَكُمْ فَكَيْفَ آسَى عَلَى قَوْمِ كَافِرِينَ» (الاعراف: 91-93) و ما نقل من خطاب النبي صلى الله عليه و آله و سلّم للكفار المقتولين فى بعض الغزوات.

4- القرآن يدلّ على عود الحياة بعدالموت، في الحياة الحاضرة في كرة الأرض في موارد متعددة و اليك بيانها الاجمالي:

أ) حياة أربعة من الطير بعد موتها و مزق اجسامها بتوسط ابراهيم علیه السلام «وَإِذْ قَالَ إِبْرَاهِيمُ رَبِّ أَرِنِي كَيْفَ تُحْيِي الْمَوْتَى قَالَ أَوَلَمْ تُؤْمِن قَالَ بَلَی وَ لَكِن لِّيَطْمَئِنَّ قَلْبِي قَالَ فَخُذْ أَرْبَعَةً مِّنَ الطَّيْرِ فَصُرْهُنَّ إِلَيْكَ ثُمَّ اجْعَلْ عَلَى كُلِّ جَبَلٍ مِّنْهُنَّ جُزْءًا ثُمَّ ادْعُهُنَّ يَأْتِينَكَ سَعْيَا وَاعْلَمْ أَنَّ اللَّهَ عَزِيزٌ حَكِيمٌ» (البقرة: 260)

ب) حياة عُزير بعد موته مائة عام: «أَوْ كَالَّذِي مَرَّ عَلَى قَرْيَةٍ وَ هِيَ خَاوِيَةٌ عَلَى عُرُوشِهَا قَالَ أَنَّى يُحْيِي هَذِهِ اللهُ بَعْدَ مَوْتِهَا فَأَمَاتَهُ اللهُ مِائَةَ عَامٍ ثُمَّ بَعَثَهُ قَالَ كَمْ لَبِثْتَ قَالَ لَبِثْتُ يَوْماً أَوْ بَعْضَ يَوْمِ قَالَ بَلْ لَبِثْتَ مِائَةَ عَامٍ فَانْظُرْ إِلَى طَعَامِكَ وَ شَرَابِكَ لَمْ يَتَسَنَّة وَ انْظُرْ إِلَى حِمَارِكَ وَ لِنَجْعَلَكَ آيَةً لِلنَّاسِ وَ انْظُرْ إِلَى الْعِظَامِ كَيْفَ نُنْشِرُهَا ثُمَّ نَكْسُوهَا لَحْماً فَلَمَّا تَبَيَّنَ لَهُ قَالَ أَعْلَمُ أَنَّ اللَّهَ عَلَى كُلِّ شَيْءٍ قَدِيرٌ» (البقره: 259) ج) أصحاب الكهف: «ثُمَّ بَعَثْنَاهُمْ لِنَعْلَمَ أَيُّ الْحِزْبَيْنِ أَحْصَى لِمَا لَبِثُوا أَمَداً، وَكَذَلِكَ بَعَثْنَاهُمْ لِيَتَسَاءَلُوا بَيْنَهُمْ...» (الكهف: 12 و 19)

د) إحياء المقتول الإسرائيلى: «فَقُلْنَا اضْرِبُوهُ بِبَعْضِهَا كَذلك يُحْيِي اللَّهُ الْمَوْتَى وَ يُرِيكُمْ آيَاتِهِ لَعَلَّكُمْ تَعْقِلُونَ» (البقرة: 73)

ص: 135

ه) من احياهم عیسی بن مریم علیه السلام باذن الله تعالى كما في سورة آل عمران:«وَ رَسُولًا إِلَى بنِي إِسْرَائِيلَ أَنِّي قَدْ جِئْتُكُم بِآيَةٍ مِّن رَّبِّكُمْ أَنِّي أخْلُقُ لَكُم مِّنَ الطِّينِ كَهَيْئةِ الطَّيْرِ فَأَنفُخُ فِيهِ فَيَكُونُ طَيْرًا بِإِذْنِ اللهِ وَأُبْرِئُ الْأَكْمَةِ وَالْأَبْرَصَ وَأَحْيِي الْمَوْتَى بِإِذْنِ اللهِ وَأَنبِّئُكُم بِمَا تَأْكُلُونَ وَما تَدَّخِرُونَ فِي بُيُوتِكُمْ إِنَّ فِي ذَلِكَ لَآيَةً لَكُمْ إِن كُنتُم مُّؤْمِنِينَ» (آل عمران: 49)

و فى سورة المائدة : «إِذْ قَالَ اللهُ يَا عِيسَى ابْنَ مَرْيَمَ اذْكُرْ نِعْمَتِي عَلَيْكَ وَعَلَى وَالِدَتِكَ إِذْ أَيَّدتُّكَ بِرُوح الْقُدُسِ تُكَلِّمُ النَّاسَ فِي الْمَهْدِ وَكَهْلًا وَإِذْ عَلَّمْتُكَ الْكِتَابَ وَالْحِكْمَةَ وَالتَّوْرَاةَ وَالْإِنجِيلَ وَإِذْ تَخْلُقُ مِنَ الطِّينِ كَهَيْئَةِ الطَّيْرِ بِإِذْنِي فَتَنفُخُ فِيهَا فَتَكُونُ طَيْرًا بِإِذْنِي وَتُبْرِئُ الْأَكْمَة وَالْأَبْرَصَ بِإِذْنِي وَإِذْ تُخْرِجُ الْمَوْتَى بِإِذْنِي وَإِذْ كَفَفْتُ بَنِي إِسْرَائِيلَ عَنكَ إِذْ جِئْتَهُم بِالْبَيِّنَاتِ فَقَالَ الَّذِينَ كَفَرُوا مِنْهُمْ إِنْ هَذَا إِلَّا سِحْرٌ مُّبِينٌ» (المائدة: 110)

و) إحياء جماعة من أصحاب موسی بن عمران علیه السلام بعد موتهم بالصاعقة: «وَإِذْ قُلْتُمْ يَا مُوسَى لَن نُّؤْمِنَ لَكَ حَتَّى نَرَى اللهَ جَهْرَةً فَأَخَذَتْكُمُ الصَّاعِقَةُ وَأَنتُمْ تَنظُرُونَ ثُمَّ بَعَثْنَاكُم مِّن بَعْدِ مَوْتِكُمْ لَعَلَّكُمْ تَشْكُرُونَ» (البقرة : 55 و 56) «وَاخْتَارَ مُوسَى قَوْمَهُ سَبْعِينَ رَجُلًا لِّمِيقَاتِنَا فَلَمَّا أَخَذَتْهُمُ الرَّجْفَةُ قَالَ رَبِّ لَوْ شِئْتَ أَهْلَكْتَهُم مِّن قَبْلُ وَإِيَّايَ أَتُهْلِكُنَا بِمَا فَعَلَ السُّفَهَاءُ مِنَّا إِنْ هِيَ إِلَّا فِتْنَتُكَ تُضِلُّ بِهَا مَن تَشَاءُ وَتَهْدِي مَن تَشَاءُ أَنتَ وَلِيُّنَا فَاغْفِرْ لَنَا وَارْحَمْنَا وَأَنتَ خَيْرُ الْغَافِرِينَ» (الاعراف: 155)

ز) جماعة كثيرة آخرون لقوله تعالى: «أَلَمْ تَرَ إِلَى الَّذِينَ خَرَجُوا مِن دِيَارِهِمْ وَهُمْ أُلُوفٌ حَذَرَ الْمَوْتِ فَقَالَ لَهُمُ اللهُ مُوتُوا ثُمَّ أَحْيَاهُمْ إِنَّ اللهَ لَذُو فَضْلِ عَلَى النَّاسِ وَلَكِنَّ أَكْثَرَ النَّاسِ لَا يَشْكُرُونَ» (البقرة: 243)

فإحياء الأموات أمر ممكن قد وقعت كثيراً في هذه النشأة المحسوسة نعم هذا دليل تعبدى ليس بعقليّ ولا بعلميّ، فنقبله تعبّداً.

5- و اما قصة عود الحياة بعد الممات من نظر العلم مع بقاء الجسد فقد وقعت في عصرنا

ص: 136

بمعونة الطب، و لها بحث طويل، واليوم تحفظ اجساد من الانسان الميت فى محفظات طِبيّة برجاء احيائها بعد مدة مديدة يقدر الطبّ على علاج أمراضها التي لا دواء لها اليوم.

6- و اعلم ان مصبّ الآيات السبع كلها هي إعادة الأبدان المادية دون إعادة مجرد الروح مجرّداً كان او جسماً لطيفاً.

7- لذات الجنّة مادية وروحانية. اما الاولى فالقرآن مشحون بذكرها، و اما الثانية فلقوله تعالى: «وَرِضْوَانٌ مِّنَ اللهِ أَكْبَرُ ذَلِكَ هُوَ الْفَوْزُ الْعَظِيمُ» (التوبة: 72)

و في بعض الأحاديث الواردة في حق محمد صلى الله عليه و آله و سلّم ما يدلّ على علوّ درجاتهم في الجنان و كذا في حق المومنين في كل ليلة جمعة و زيادة النور (العلم و المعرفة) و قوله تعالى: «وَلَكُمْ فِيهَا مَا تَشْتَهِي أَنفُسُكُمْ وَلَكُمْ فِيهَا مَا تَدَّعُونَ» (فصلت: 31)

و غيره مما يدلّ على أنّ لأهل الجنّة ما تشتهي أنفسهم: «لَا يَسْمَعُونَ حَسِيسَهَا وَهُمْ فِي مَا اشْتَهَتْ أَنفُسُهُمْ خَالِدُونَ» (الانبياء: 102) و «يُطَافُ عَلَيْهِم بِصِحَافٍ مِّن ذَهَبٍ وَأَكْوَابٍ وَفِيهَا مَا تَشْتَهِيهِ الْأَنفُسُ وَتَلَذُّ الْأَعْيُنُ وَأَنتُمْ فِيهَا خَالِدُونَ» (الزخرف: 71)

و لاشكّ ان نفوس الأنبياء والأولياء و العلماء تشتهي العلوم و المعارف لاسيّما معرفة الحق بدرجاتها العالية الممكنة و معرفة الكائنات الواسعة و أسرار الخلقة، رزقها الله ايانا و جميع الطالبين، و عذاب الكفار ماديّ و هو الخلود في نار جهنم، و روحانيّ كالحسرة كما في الآية 39 من سورة مريم: «وَ أَنْذِرْهُمْ يَوْمَ الْحَسْرَةِ إِذْ قُضِيَ الْأَمْرُ».

و قوله تعالى: «وَقَالَ الَّذِينَ اتَّبَعُوا لَوْ أَنَّ لَنَا كَرَّةً فَنَتَبَرَّأَ مِنْهُمْ كَمَا تَبَرَّءُوا مِنَّا كَذلك يُرِيهِمُ اللَّهُ أَعْمَالَهُمْ حَسَرَاتٍ عَلَيْهِمْ وَمَا هُم بِخَارِجِينَ مِنَ النَّارِ» (البقرة: 167)

و أىّ عذاب أكبر من حسرتهم على حرمانهم من الجنة و نعيمها و إمتناع أهل الجنة من الإجابة عن سؤالهم من إعطاء رزق الجنة لهم كما في القرآن.

ص: 137

بحث و تفصیل

8- تخيّل بعض الحكماء أن عود الروح الى البدن الدنيوى يوجب التناسخ و رددناه في ما تقدّم و توضيحه؛ أن امتناع التناسخ مبني على الركنين: أحدهما: تعدد البدن كالجنين الانساني أو الحيوانى أو السلول النباتى أو الوجود الجمادى بعد مفارقة النفس الناطقة من البدن الاول الى الثاني على قولهم.

ثانيهما: عدم المناسبة من جهة الفعلية الاكتسابية للنفس مع البدن حتى يستلزم رجوع الفعلية الى القابلية و ليس الأمر كذلك في المقام.

9- نسب الى الإشراقيين أنهم وجّهوا المعاد الجسماني بالجسم المثالي و قالوا انه موجود قبل الجسم المادى، فيتعلق الروح به بعد تركه البدن الماديّ العنصرى و به يقدر على الأفعال الفكرية و التخيّليّة.

و ضعف هذا التوجيه واضح، فانه غير البدن الخارج من باطن الأرض كما تكرر ذكره في القرآن.

واذا قيل ان البدن المثالى بعد استعداده قد تعلّق به النفس من العالم العلوى فيقال في جوابه انه لا يعقل تعلّق الروح به لإجتماع النفسين على بدن واحد. و هذا محذورثان.

على ان النفس المفاض على البدن المثالى غير مستحق للثواب والعقاب و ما يقال من المنافاة في اجتماع نفسين على بدن مثالى واهٍ، اذا كان أحدهما مدبراً للبدن (كما في الدنيا) و ثانيهما لأجل كونه موضوعاً للأفعال الخيالية و الفكرية، فما لم يكن للقوة الخيالية و صورها بدن لا يحقق له موضوع. ويقول صاحب الأسفار بأن البدن المثالي غير موجود سابقا، بل هو يحصل من النفس و هو مرتبة كمالية من البدن المادى بعد كون الوجود ذاتشكيك و المحشور في القيامة هو هذا البدن المثالى المجرد من المادة.

أقول: اذا فرضنا قيام القوة الخيالية بالنفس كما يقول به هذا القائل فما وجه حاجة النفس

ص: 138

الى البدن المثالي؟

و مَن نظر الى الآيات الكثيرة القرآنية الواردة فى حشر الأبدان فى القيامة وعذاب الأعضاء في نار جهنم و انصف من نفسه و خلع رداء التزوير وترك التلاعب بالآيات النازلة من الله تعالى لا يبقى له الا اختيار أحد المذهبين المتناقضين: الأخذ بكلام صاحب الأسفار و من تبعه، و ردّ الآيات المذكورة من دون دليل عقليّ على صحة جملة من أقاويل هؤلاء.

قبول الآيات الكثيرة القرآنية الدالة على جسمانية المعاد و كونها مادية و لاجامع بين القولين.

10- و لأبي على سينا كلام مشهور في كتاب الشفاء: يجب أن يعلم أن المعاد منه ما هو منقول من الشرع و لا سبيل إلى إثباته إلا من طريق الشريعة وتصديق خبر النبوة و هو الذي للبدن عند البعث، و خیرات البدن و شروره معلومة لا يحتاج إلى أن تعلم، و قد بسطت الشريعة الحقة التي أتانا بها نبينا و سيدنا و مولانا محمد صلى الله عليه و آله و سلّم حال السعادة و الشقاوة التي بحسب البدن.

و منه ما هو مدرك بالعقل و القياس البرهاني و قد صدقته النبوة و هو السعادة و الشقاوة الثابتتان بالقياس اللتان للأنفس. (الشفاء (الالهيات) المقالة التاسعة الفصل السابع ص 423)

أقول: السعادة و الشقاوة بقسميهما راجعتان الى ادراك النفس. و على كل ما ذكره في الشق الأول متين(1) فان العقل لا يحكم بوجوب المعاد و ايصال الثواب الى المطيعين و لا بادخال الكفار في نار جهنم لما تقدم فى مباحث الكتاب المتقدمة من عدم إستحقاق الاولين للثواب مطلقا حتى في البرزخ، وكفاية عقاب الكافرين بمقدار معاصيهم في البرزخ.

و ما ذكره غير واحد من الباحثين من الأدلة العقليّة على المعاد الجسماني غير مقنعة لأهل

ص: 139


1- لم أفهم عودة الروح الى القيامة بعد بقائه في البرزخ كما ذكره ابن سينا في الشق الثاني من كلامه. و سنشير اليها في ما بعد.

التحقيق والعمدة فى إثبات المعاد الجسماني هي الآيات القرآنية.

11- تعلق النفس بالبدن المادى فى الحياة الحاضرة تعلق تدبيريّ و استكماليّ اذ لا يمكن كسب أكثر الفضائل والكمالات الا بالبدن وكذا تحمل الآلام و الأوجاع و المصائب في إكمال العبودية لله تعالى لحصول تقوية الإيمان و التقى و حصول الدرجات العلى بدونه و التخلّف عن طريق الاستكمال و إتباع الشهوات و اللذات الحاضرة المحظورة سبب للسقوط في العذاب. و الظاهر - و العلم عند الله - ان تعلّق النفس بالبدن البرزخي لمرتبة ضعيفة من ادراك اللذة و الألم و لعله يناسب أن نعبّر عنه، بالتعلق التدبيريّ الإستعمالي.

و اما فى الآخرة فتعلقها بالبدن المادى تدبيريّ التذاذيّ استثماريّ للمقربين و أصحاب اليمين فلا يستغني الروح عن بدنه كما زعمه صاحب الأسفار (ج 156/9) و تعلق تدبیری تألمی لأصحاب الشمال (الدنيا مزرعة الآخرة) و كأنه هذا فرق رئيسيّ بين الدنيا و الآخرة، بعد قانون الكهولة (انتروپي) الحاكم فى الكرة الأرضية فقط، و استبداله في القيامة بقانون البقاء و الثبات.

و في تخيّل جميع من أصحاب الحكمة، الفرق الرئيسي و الأصلي بين الحياة الدنيا و الدار الآخرة هو تعلق النفس بالبدن المادي العنصرى فى الاولى. و بالبدن المثالي في الآخرة، لكن يبطله ظواهر القرآن الكريم. نعم تعلق النفس فى البرزخ انما هو ببدن لطیف برزخی و لا نعبّر عنه بالجسم المثالى لعدم علمنا بحقيقته الجسم البرزخی و اجتنبوا قول الزور.

اما الفرق بين حياة البرزخ و الدار الآخرة عند أصحاب الحكمة مع أنّ متعلق النفس هو الصورة المثالية فى النشأتين فهو بالشدة و الضعف و بالكمال و النقص كما صرّح به الشيرازي و السبزواري فى الأسفار و تعليقتها. و هو مجرد دعوى خالية من الدليل فلا نخاف منها.

ثم تمام الفرق بين الدنيا والآخرة كالفرق بين الناقص و الكامل في تمام المراتب و في

ص: 140

العرض و الطول كما يستفاد من الظواهر القرآنية و الحديثية اجمالاً، و لاعلم للانسان العادى بتفاصيل ذلك بل يقول خالق الآخرة لرسوله الخاتم صلّی الله علیه و آله و سلّم: «الْحَاقَّةُ مَا الْحَاقَّةُ وَمَا أَدْرَاكَ مَا الْحَاقَّةُ» (الحاقة: 1-3) «الْقَارِعَةُ مَا الْقَارِعَةُ وَمَا أَدْرَاكَ مَا الْقَارِعَةُ» (القارعة: 1-3) «وَمَا أَدْرَاكَ مَا سَقَرُ» (المدثر : 27) «وَمَا أَدْرَاكَ مَا يَوْمُ الْفَصْلِ» (المرسلات: 14) «وَمَا أَدْرَاكَ مَا يَوْمُ الدِّينِ» (الانفطار: 17-18) «وَمَا أَدْرَاكَ مَا الْعَقَبَةُ» (البلد: 12)

و يقول تعالى: «فَلَا تَعْلَمُ نَفْسٌ مَا أُخْفِيَ لَهُم مِّن قُرَّةِ أَعْيُنٍ جَزَاءً بِمَا كَانُوا يَعْمَلُونَ» (السجدة: 17) و غير ذلك من الآيات الكريمة. فترى الكفار يحترقون في النار و لايموتون بخلاف نار الدنيا فانها تميت المحترق.

نعم يمكن ان يفرق بين الدارين بفروق اخرى نذكر بعضها:

اولها: ان الدنيا كل نفس فيها ذائقة الموت وليس كذلك الدار الآخرة: «لَا يَذُوقُونَ فِيهَا الْمَوْتَ إِلَّا الْمَوْتَةَ الْأُولَى وَ وَقَاهُمْ عَذَابَ الْجَحِيمِ» (الدخان: 56)

ثانيها: انها دارفناء وتلك داربقاء.

ثالثها: انها ذات شمس و حرارة مؤذية و ليس كذلك الآخرة: «مُّتَّكِثِينَ فِيهَا عَلَى الْأَرَائِكِ لَا يَرَوْنَ فِيهَا شَمْسًا وَلَا زَمْهَرِيرًا» (الانسان: 13)

رابعها: فيها انهار من ماء غير آسن و انها من لبن لم يتغيّر طعمه و انهار من خمر لذة للشاربين: «لَا فِيهَا غَوْلٌ وَلَا هُمْ عَنْهَا يُنزَفُونَ» (الصافات: 47) و انها من عسل مصفى: «مَثَلُ الْجَنَّةِ الَّتِي وُعِدَ الْمُتَّقُونَ فِيهَا أَنْهَارٌ مِّن مَّاءٍ غَيْرِ آسِنٍ وَأَنْهَارٌ مِّن لَّبَنٍ لَّمْ يَتَغَيَّرْ طَعْمُهُ وَأَنْهَارٌ مِّنْ خَمْرٍ لَذَّةٍ لِّلشَّارِبِينَ وَأَنْهَارٌ مِّنْ عَسَلٍ مُّصَفَّى وَلَهُمْ فِيهَا مِن كُلِّ الثَّمَرَاتِ وَمَغْفِرَةٌ مِّن رَّبِّهِمْ كَمَنْ هُوَ خَالِدٌ فِي النَّارِ وَسُقُوا مَاءَ حَمِيمًا فَقَطَّعَ أَمْعَاءَهُمْ» (محمد: 15)

ص: 141

56- حول التناسخ

اشارة

1- و من جملة ما استدلّ الذين جحدوا المعاد الجسمانى العنصرى، انه يرجع الى التناسخ الممتنع لاستلزامه اجتماع النفسين فى بدن واحد و هو غير ممكن سواء صدق عليه التناسخ أو لا.

وجه اللزوم: اذا تمّ أجزاء بدن و التئمت بينهم تستأهل بأن يتعلق به نفس جدید، فاذا فرض تعلّق الروح الاول المتحقق في البرزخ به تصحيحاً للمعاد لزم اجتماع روحين ببدن واحد و هو محال.

قال صاحب الأسفار ان مفسدة التناسخ بحسب المعنى كما ذكره واردة هاهنا بلا مرية و هي لزوم كون بدن واحد ذا نفسين فإن تلك الأجزاء لو كانت قابليتها لتعلق النفس حين التفرق باقية لم تفارق عنها النفس فكان زيد حال الموت حيّاً و قد فرض ميّتاً و إن لم تكن باقية فاحتاجت في قبولها للنفس إلى انضمام أمر إليه به يستعد للقبول فإذا انضم إليها ذلك الأمر و صارت مستعدة باستعداد آخر جديد لا بد أن يفيض عليها من المبدإ الجواد فيض جدید و روح مستأنف فإذا تعلق بها الروح المعاد أيضا كان لبدن واحد روحان و هو ممتنع.(1)

أقول: و هو كلام باطل و توهّم فاشل و لا ينبغي صدوره من مثل صاحب الأسفار فان روح زيد مثلا كان فى الدنيا وتحرك الى كماله أو ضد كماله أو نقيضه، ثم انتقل الى البرزخ و مكث فيه ما شاء الله ثم تركّب بدنه في القيامة من الأجزاء المنتشرة المتفرقة المتباعدة أو منها و من أجزاء آخر مناسبة لروح زيد كماً و كيفاً دفعة و بلا تدرّج، فيتعلق به الروح المذكور فأين الحاجة الى روح جديد؟ فأين التناسخ؟

افرض انه تناسخ لغة او اصطلاحا، لكنه ليس بمحال لعدم استلزامه رجوع الفعلية الى القوة و لا تعلّق نفسین ببدن واحد و ليس حال هذا البدن حال الجنين في بطن امّه حتى يدعى ان

ص: 142


1- الاسفار، ج 9، ص 170.

الروح موجود فيه و لو بعنوان الجسم فانه جسماني الحدوث و روحاني البقاء عندهم!

و بعبارة اخرى: لرجوع الفعلية الى القوة موردان على ما وقع الكلام فيه:

أحدهما: رجوع الروح الى البدن المادي في القيامة كما هو محل النزاع في المقام. و قد عرفت أنه لا يسلتزم رجوع الفعلية الى القوة ليكون من تحصيل الحاصل، بل لأخذ آثار الكمالات الإعتقادية و العملية و الأخلاقية و هو الثواب و اللذة الماديّة و العقليّة و في الكافر عقاب عناده و بعده عن الحق فالمعاد لأخذ أثر الملكات الحاصلة للنفس في الدنيا، و التنعّم بها و ليس هو من الإستكمال في شيء. فافهم.

و هنا شيء آخر بالنسبة الى الثواب العقلى، اذ يمكن أن يقال بأن فعلية نفوس أصحاب اليمين بل و حتى المقربين غير كاملة من جهة القوة العلمية، فيفيض عليها في الجنة العلوم و المعارف من فياض قديم لا ينتهى حقایق معرفته. و هذا العلم المفاض ان قيس الى حالتهم الدنيا فهو ثواب و جزاء و ان قيس الى حالهم الفعلى فهو استكمال جديد بمرتبة شديدة من الفعلية فافهمه جيداً.(1) و لا اشكال فيه.

ثانيهما: خلق الروح قبل البدن كما عن جماعة من المشايين، ثم تعلق كل نفس ببدن بأمر الله سبحانه و تعالى.

فأوردوا عليه: بأن النفس مجردة لامادة لها ولاقوة، و ارجاعها الى المادة ارجاع الفعلية الى القوة.

أقول: تقدّم أن النفس المجردة اذا تعلقت ابتداءاً ببدن جنين مثلاً، لا ينافي تجرده الذاتي و لا رجوع الفعلية الى القوة فان المجرد المرتبط بالبدن غير المجرد المفارق ولامنافاة بين

ص: 143


1- وليس حال النفس الناطقة المجردة للانسان كحال المجردات المفارقة أن يثبت وجودها كما يظهر من تفسير الميزان أيضاً ج 207/1-209 و يقول الله لسيد الكونين صلى الله عليه و آله و سلّم «قل رب زدني علماً» فلا موجود امكانى كان فعليته شاملة لجميع الكمالات و العلوم. بل المجردات المفارفة على فرض وجودها أيضاً ممكنة محدودة غير واجدة لجميع الكمالات.

تجرد وجوده و فقدانه الكمالات؛ بل لا يتيسّر لأحد من النفوس البشرية في الدنيا اكتساب جمیع الكمالات و ان كانوا من الانبياء علیهم السلام كما عرفت من الآية المذكورة في التعليقة. فلا منافاة بين فعلية وجود المجرد اى نفوس بنى آدم و من يماثله من سائر الاحياء و استعدادهم لإكتساب الكمالات في الدارين سواء تعلقت بالأبدان المكوّنة فى الرحم أو بالأبدان المعادة في القيامة. فتأمّل.

أقسام الانتقالات و بحث آخر حول التناسخ

1- الانتقال الإبتدائى للنفس ببدن جنین انسانى أو حيواني(1) سواء كان منشأ النفس هذا البدن كما ذكره صاحب الأسفار أو أوجدها الله حين استعداد الجنين في الرحم لتعلقها به بعد أربعة أشهر أو خمسة أشهر مثلاً بعد انعقاد النطفة في رحم المرأة أو خلقها الله قبل البدن بألفَى سنة كما هو المأثور و سيأتي بحثه.

2- الانتقال و تحوّل نفس من مرحلة النقص الى حد الكمال كما هو محسوس في الحيوان و الانسان و غير قابل للانكار.

3- الانتقال من البدن المادى فى هذه الكرة الى عالم البرزخ ببدن برزخی.

4- الانتقال من البدن البرزخى الى بدن مادى في الآخرة عندنا.

5- الانتقال من بدن مادى الى بدن مثالى بمرتبة في البرزخ و اليه بمرتبة قوية عند صاحب الأسفار و أتباعه في القيامة.

و لي في كل ذلك للتناسخ المحال شيء كما عرفته من الفائدة السابقة و الله الموفق.

نعم اذا فرضنا خلق الروح قبل ألفَى سنة سواء كان ببدن لطيف أو بلا بدن، يتوجه اليه سوال و هو عدم تذكر الأطفال و حتى الشباب و ....؟ ما وقع لأرواحهم في تلك المدة المديدة

ص: 144


1- و يحتمل الحاق الجن وسائر الموجودات العاقلة المادية فى المجرات السامية و بعض الكرات السامية في مجّرتنا بالانسان في ذلك.

و ما معنى قوله تعالى: «وَاللهُ أَخْرَجَكُم مِّن بُطُونِ أُمَّهَاتِكُمْ لَا تَعْلَمُونَ شَيْئًا» (النحل: 78) الا أن يقال انه منقوص بقوله تعالى: «وَمِنكُم مَّن يُرَدُّ إِلَى أَرْذَلِ الْعُمُرِ لِكَيْلَا يَعْلَمَ مِن بَعْدِ عِلْمٍ شَيْئًا» (الحج: 5) حيث نفى الله عن الانسان الكبير مطلق العلم مع بدنه المادى. فلاحظ و تأمّل و انتظر. ولاحظ أقوال الناس فى گوهر مراد لمؤلّفه اللاّهيجي. ص 476.

بحث من زاوية اخرى

اشارة

هل المسخ الوارد في القرآن في حق من لعنه الله و غضب عليه و جعل منهم القردة و الخنازير. يحمل على مسخ باطنهم وكثافة أرواحهم و شباهة نفوسهم بنفوس القردة و الخنازير؟ أو على حقيقة جعل أبدانه كأبدانهما؟ (المائدة: 60) (الاعراف: 166) فعلى الاول لا كلام لنا فيه في هذا المقام. و على الثانى أليس المسخ يرجع الى النسخ؟ قيل: لا، لأنّ نفوس هؤلاء الملعونين نفوس انسانية فى أبدان حيوانية من غير صيرورتها نفوساً حيوانية.

و ان شئت فقل: لا ان النفوس رجعت من الفعلية الى القوة و لا ان البدن الانساين تبدّل بتمام أجزائه حتى تبطل تمام خواصه الفيزيالوجية، فان الغرض اذاقة الممسوخ العذاب و اهانتهم و جعلهم نكالا للناس و موعظة للمتقين (البقرة: 66)(1) و هذا الغرض لا يحصل بالنسخ و ان أمكن فانه عذاب آنى لا موقّت بايّام، و الله العالم.

و اما الرجعة فقد وردت في أحاديثنا في حق جماعة من المؤمنين و الكافرين بعد ظهور المهدى سواء في حياته أو بعد حياته و إحياء الموتى بإعجاز الأنبياء كعيسى علیه السلام و غيره و إحياء الله عُزير النبي علیه السلام و إحياء ابراهيم علیه السلام أربعة من الطير و أمثال ذلك فهو كإحياء الناس یوم القيامة. و ليس من التناسخ بشيء و من يرى عود الأموات بأجسامهم العنصرية المادية في

ص: 145


1- نص الآية : «وَلَقَدْ عَلِمْتُمُ الَّذِينَ اعْتَدَوْا مِنكُمْ فِي السَّبْتِ فَقُلْنَا لَهُمْ كُونُوا قِرَدَةً خَاسِئِينَ فَجَعَلْنَاهَا نَكَالًا لِّمَا بَيْنَ يَدَيْهَا وَمَا خَلْفَهَا وَمَوْعِظَةٌ لِّلْمُتَّقِينَ». أقول: و في تبديل ضمير الجمع (لهم كونوا) بضمير مفرد (ها) غاية الإهانه و أنهم ليسوا من الانسان بل أشياء مبالغة. و له احتمال آخر انظر التفاسير.

القيامة من التناسخ الممتنع كصاحب الأسفار و غيره هل يلتزمون بأن أجساد من أحياهم الله تعالى أو عيسى علیه السلام بإذن الله أجساد مثالية مخلوقة للروح و غير مادية؟!!.

و فى الاسفار ج 156/9: و انما سمّي يوم الآخرة بيوم القيامة، لانّ فيه يقوم الروح عن هذا البدن الطبيعي مستغنيا عنه فى وجوده قائما بذاته و بذات مبدعه و منشئه و البدن الاخروي قائم بالروح هناك و الروح قائم بالبدن الطبيعي هاهنا لضعف وجوده الدنيوي و قوة وجوده الاخروي.

أقول: صاحب الأسفار كجملة من الحكماء لا يتحاشون من تأويل القرآن بما يشتهون و القرآن يقول يوم يقوم الناس لرب العالمين يوم يقوم الروح والملائكة صفا و هو يفسر معنى یوم القيامة بما يهوى و تأويله مردود اليه.

و قال في محل آخر ج 200/9 في جواب ان الأرض محصورة و عدد النفوس غير متناه فلا تفى الأرض بأن يحصل منها الأبدان الغير المناهية: و الجواب الحق أن لاعبرة بخصوصية البدن الاخروي و ينشأ من النفس بحسب صفاتها، لا أن النفس يحدث من المادة بحسب هيئآتها و استعداداتها كما في الدنيا.

أقول: القرآن يقول ان البدن المادى يخرج من الأرض والقبور و الأجداث و هذا القائل يقول انه يصدر من النفس و ليس بمادي ثم يدعى أنّ مذهبه موافق للقرآن دون ما يذهب اليه المتكلّمون!!

تقسیم رباعی

إن ذهب روح الإنسان

إلى بدن إنسان آخر فهو نسخ.

و إلى بدن حيوان فهو مسخ .

و إلى جسم نبات فهو فسخ .

ص: 146

و إلى جسم جماد فهو رسخ.

و قال قوم بوقوع التناسخ و ارتباط الروح ببدن إنسان آخر بعد موت البدن السابق و ربّما يقال بحلوله ببدن الحيوان إنتقاماً من أعماله السيئة. كل ذلك من الخيالات المستحيلة في الخارج فليس ارتباط الروح بالبدن كإرتباط الراكب بمركوبه، لاسيّما على القول بكون الروح جسمانية الحدوث و روحانية البقاء، و إن كان كونها روحانية الحدوث و روحانية البقاء أظهر عندنا. و العمدة أن الرجوع عن الفعلية إلى القوة و الإستعداد غير معقول.

فائدة

يقول بعض أهل النظر ان آيات القرآن الدالة على أمور المعاد ربما تتجاوز من ثلث كل آياته و ان مجادلات النبي الأكرم صلّی الله علیه و آله و سلّم مع الناس في مورد المعاد أكثر من مجادلاته معهم في التوحيد.

وقيل: تبلغ عدد الآيات الواردة في المعاد، الى ألفَين!

أقول: المعاد الجسماني من أصول الدين و الإعتقاد به مفيد للحياة الحاضرة أيضاً، و هو يضمن العمل بالشريعة و الأخلاق.

و اعلم أن إعادة الأجسام في القيامة مثل إبدائها في الدنيا، قال الله تعالى: «كَما بَدَأَكُمْ تَعُودُونَ» (الأعراف: 29) «كَما بَدَأْنَا أَوَّلَ خَلْقٍ نُعِيدُهُ وَعْداً عَلَيْنا إِنَّا كُنَّا فَاعِلِينَ» (الأنبياء: 104)

قلنا ان رجوع هذا الى التناسخ إدعاء غير معقول و لا يرجع الروح من كماله الفعلى الى القوة الصرفة لتدبير الجسد و الاستكمال منه، فضلاً عن رجوعه الى تدبير أبدان الحيوانات والنباتات و أسوء منه الرجوع و تعلقه بالجمادات و لعله واضح البطلان.

و استدلّ أيضاً بعضهم على بطلانه بمقدمتين:

الف) بر اساس تجربه و آمارگیری ثابت شده است که شماره افراد بشر در آغاز خلقت به

ص: 147

این مقدار نبوده، و به تدریج در سایه تولید مثل، نسل نوع انسان به طور سرسام آوری رو به ازدیاد گذاشته است، بر اساس محاسباتی، تعداد مردگان در حال طبیعی یک سوم نوزادان بیش نیست.

ب) در اثر وقوع جنگها، زمین لرزه ها، طوفانها، سیل ها و امراض خطرناک ناگهان تعداد زیادی از نفوس تلف می شوند، در حالی که نوزادان در آن وقت بمقدار ناچیزی نسبت به رفته گان می باشند.

و در این صورت لازم می آید أرواح برای مدت طولانی سرگردان بمانند که تعطیل أرواح نام دارد که باعتقاد خود تناسخيها امکان ندارد. اساساً موازنه بین نوزادگان و مرده گان هیچگاه بر قرار نبوده است چون تزاید نفوس بشر امر محسوس است.(1)

نگارنده فکر می کند در همین یکصدسال گذشته شماره نفوس از اول دنیا از دو برابر بیشتر شده است. و تعداد نفوس حاضر انسانها در هیچ زمانی سابقه ندارد، بنابراین هیچ گونه موازنه ای بین افراد مرده و نوزاد در کره زمین روزانه وجود نداشته و نخواهد داشت. در حالی که طبق عقیده تناسخیها افراد انسانی از نظر مرگ و ولادت باید مساوی باشند.

57- الجنة و جهنم موجودتان فعلاً

قال الله تعالى: «وَجَنَّةٍ عَرْضُهَا السَّمَاوَاتُ وَالْأَرْضُ أُعِدَّتْ لِلْمُتَّقِينَ» (آل عمران: 133)

و قال: «وَجَنَّةٍ عَرْضُهَا كَعَرْضِ السَّمَاءِ وَالْأَرْضِ أُعِدَّتْ لِلَّذِينَ آمَنُوا بِاللَّهِ وَرُسُلِهِ» (الحديد: 21).

و قال تعالى: «فَاتَّقُوا النَّارَ الَّتِي وَقُودُهَا النَّاسُ وَالْحِجَارَةُ أُعِدَّتْ لِلْكَافِرِينَ» (البقرة: 24)

و قال تعالى: «وَاتَّقُوا النَّارَ الَّتِي أُعِدَّتْ لِلْكَافِرِينَ» (آل عمران: 131).

ص: 148


1- معاد در نگاه وحی و فلسفه، ص 79 و 80.

أقول: ظاهر الآيتين الأوليتين - بقرينة كلمة أعدّت- وجود الجنة قبل زمان نزولهما على الرسول الخاتم صلّی الله علیه و آله و سلّم كما أن ظاهر الآيتين الأخيرتين وجود جهنم كذلك بنفس القرينة.

و قال الله تعالى: «وَلَقَدْ رَآهُ نَزْلَةً أُخْرَى عِندَ سِدْرَةِ الْمُنتَهَى عندها جنة المأوى» (النجم:13- 15)

هذه الآية تدل اولاً على وجود الجنة فى زمان نزولها و ثانياً على مكانها في السماء، لا في بطن هذا العالم كما تخّرص المتحيّرون.

أقول: و يؤكّده الأخبار المعراجية الدالة على وجود الجنة والنار و أنه صلّی الله علیه و آله و سلّم قد دخل الجنة و رأى النار وفيها رواية واحدة معتبرة سنداً(1) و هي معتبرة الهروى الذي وثقه بعض الرجاليين و لم يضعفه أحد لكنى على وجل من قبول رواياته. والله العالم.

وعلى كل، توجد آيات اخرى تؤيد خلق الجنة والنار و ان لم تكن لها دلالة ظاهرة.

58- حكمة العود الى الحياة الآخرة

58- حكمة العود الى الحياة الآخرة(2)

لماذا يحي الله الإنسان فى كرة الساهرة و هى كرة كبيرة جداً و هي مكان حساب ملايين مليارات من الإنس والجن.

و الكرة الساهرة إمّا في مجرّتنا أو في إحدى مجرات آخر؟ و المحي هو واجب الوجود العليم الحكيم المختار و لابد لأفعاله من غايات.

ص: 149


1- معجم الاحاديث المعتبرة، ج 1، ص 237 و 238.
2- وجوب عود الناس في القيامة نقلي و تعبدي لا دلالة للعقل عليه، خلافاً لجمع اذ يمكن ايصال العقاب و الثواب الموعودين الى الأرواح في عالمها. و تقدم أيضاً أن لزوم الثواب أيضاً نقلي غير عقلي. نعم لزوم ايصال العذاب الى أهله عقلي و هو لايستدعي جهنم في الآخرة، بل يكفيه عذاب البرزخ. فالقيامة بكامل منازلها الثلاثة من ضروريات الدين فقط. نعم نصر المؤمنين المظلومين واجب على الله بانتقامه من الظالم لكنه ايضا ممكن في البرزخ. و اذا رضي المؤمن بزيادة ثوابه من الله تعالى سقط وجوب الانتقام.

حساب الناس من أعمالهم و توزينها ومواقفها المختلفة لأسئلة متفاوتة، كما هي المشهورة، ليست بغاية مقصودة من المعاد، بل هي مقدمات لها. و المقصد النهائي من إعادة الأجسام و تعلّق الأرواح الإنسانية بها بإرادة الله تعالى و اسكانها في كرة السائرة هو إثابة المطيعين فى الجنّات التي فيها ما يشاؤن. و مجازاة الكفار و الظالمين في النار، كما في آيات كثيرة من القرآن المجيد، و أصبحت فى طول القرون الماضية من حياة سيد المرسلين من الضروريات الاسلامية بين خواص المسلمين و عوامهم و شيوخهم و أطفالهم وحتى عند غير المسلمين.

نعم الثواب تفضّل و إحسان من الرّب الكريم الجواد على عباده المؤمنين كما يغفر ذنوبهم بفضله العميم و رحمته الرحيمية. وقد تقدّم أنه غير واجب عليه تعالى عقلاً، و إنّما حتم هو على نفسه وعداً.(1)

59- أسباب الجزاء

منها: تشفي النفس كما فى جزاء الظالم لأجل المظلوم أو من يقوم مقام المظلوم.

و منها: تأديب المجرم و إصلاحه، كجملة من الحدود الشرعية و التعزيرات، و هكذا في القوانين المرسومة الحكومية في العالم.

و منها: إصلاح المجتمع وعبرة المتخلّفين كإعدام القاتل مثلاً.

و منها: إقامة العدل فانها أمر مطلوب بل لازم في النظام الإجتماعي.

و منها: مجرد التخلّف عن القانون و ان لم يترتب عليه ما وضع القانون لأجله فعلاً كمافى قوانين المرور، فالسائق اذا مرّ بسيّارته من طريق ممنوع العبور يصح مجازاته، و ان لم تصادم سيّارته بسيّارة أخرى فعلاً و في جميع هذه الموارد لابدّ من إعتبار الموازنة العقلائية بين الجرم

ص: 150


1- نعم لا يدرك العقل حكمة عدم تناهى ثواب المؤمنين الذين دخلوا الجنة بمغفرة الله سوى الأنبياء و الرسل و الشهداء و أمثالهم.

و الجزاء و ان كان أصل الجزاء اعتبارياً يختلف من بلد الى بلد آخر و من شعب الى شعب آخر و ليس من الطبيعى والتكويني بشيء.

و أمّا جزاء الآخرة فليس من قبيل قسم الثاني والثالث جزماً، فهو إما لإقامة العدل أو من جهة تشفي النفس (فى حقوق الناس) و معصية التكليف. هذا إذا كان الجزاء اعتبارياً، و اما اذا كان طبيعياً فالظاهر تجسّم الطاعة و المعصية مطلقا فلاحظ. و يمكن أن يكون الجزاء تكوينيا و لا نعلم حقيقته. و من أهل النظر من منع الجزاء فى الآخرة من أجل تشفي النفس.(1)

ولا يخفى أنّ معصية القانون - سيّما القوانين الالهية - موجبة لإستحقاق الجزاء عند قاطبة العقلاء. و امّا فعلية العقاب للمؤمنين فأمره بيد الله بملاحظة العوامل المسقطة للعقاب المتقدمة في حق المؤمنين دون الكافرين و تطبيقه على فرض تجسّم العمل محتاج الى بحث مستأنف.

لا يقال: لِمَ لا يعفو الله ذنوب عباده حتى ذنب كفر الكافرين فضلاً عن غيرهم فانه جواد متفضّل حنّان منّان. بل يمكنه عفو حقوق الناس أيضاً بارضائه إيَّاهم بإعطاء العوض من

حقوقهم التالفة من قبل الجائرين بل اكثر منه بمرات؟

فانّه يقال: هذا سؤال من لاخبرة له فان الله مع جوده و فضله أخبر عن جزاء الكفار حتماً وكذا عن الظالمين «فَانْتَقَمْنَا مِنَ الَّذِينَ أَجْرَمُوا وَ كانَ حَقًّا عَلَيْنا نَصْرُ الْمُؤْمِنِينَ» (الروم: 47)

ص: 151


1- دانشمند شهیر آقای مطهری می گوید: یکی از فلسفه کیفرها عقده خالی شدنها است. آن دنیا دیگر صحبت این حرفها نیست، بعد از میلیاردها سال، روز وانفسا است، هر کس بفکر یک ذره سعادت برای خودش است. چه کسی به فکر این می افتد که حالا آن کسی که به من در دنیا ظلم کرده عقده ام روی او خالی شود (معاد ص 82 و 83) و تبعه بعض آخر. أقول: هذا القول من مثله (رحمه الله) عجيب و مخالف للعقل و النقل. امّا عقلاً فانّ المظلوم محتاج الى من حمل بعض عقابه أو أخذ منه بعض ثوابه، و الظالم يصلح لذلك فكيف لا يكون المظلوم بقصد الإنتقام منه. و إمّا نقلاً ففى القرآن آيات تدلّ على تحقّق العداوة بين الناس و لعن بعضهم بعضاً في يوم القيامة. العنكبوت/25. الأحزاب 18. الزخرف / 17. المائدة/14 - 64 على وجه.

(فافهم). والله تعالى لا يسئل عمّا يفعل و هم يسئلون فهذا السؤال مع وجود الآيات الكثيرة في عذاب الكفار و الفساق لغو و من فضول الكلام. وكأنّ هؤلاء يعظ ربهم الحكيم العليم.

نعم أنّ العقاب، سواء كان تكوينيّاً أو طبيعياً أو جعليّاً، مطابق للجرم، فان المعاقب عادل حكيم خالق عالم بجميع الدقائق و الجزئيات. و أمّا أنّ العقاب و الثّواب جعليان أو طبيعيان أو تكوينيان يخضعان قانون العلية و السببية أو متوسطان بينهما، فبحث محتاج الى تحقيق صعب.

60- رابطة الجريمة و الجزاء

الجزاء تابع للجريمة والمعصية، فلابد من تحقق مناسبة بينهما.

و المناسبة قد تكون عقلائية إذا كانت الرابطة وضعية جعلية كما في التعزيرات الشرعية و القوانين الجزائية الدولية، وقد تكون طبيعية إذا كانت الرابطة علية كما في الأمراض و العلل و قد تكون عينية كما في فرض تجسّم العمل بالجزاء. و هذه الأقسام الثلاثة إستقرائية إذ يمكن أن تكون الرابطة بين المعصية والعقاب الأخروية رابطة أخرى لا يدركها عقولنا.

و هذه المناسبة قد تلحظ بمقدار الزمان و قد تلحظ بلحاظ الكيفيّة أو الكميّة.

فمن قتل شيخاً كبيراً قريب الموت فى أوائل بلوغه و تكليفه عمداً يقتل به و ربما يسجن حسب القوانين الوضعية حبس الأبد ثمانين سنة أو مائة سنة فالجريمة تحقق في خمس دقائق من الزمان و الجزاء حبس الثمانين أو مائة سنة و لا يلتفت أحد إلى عدم المناسبة الزمانية بينهما. و هكذا و على كل هذه الإعتبارات المختلفة، لا يدرك العقل سبب الخلود في جهنم لمن كفر عمداً بعد بلوغه. خمسة سنين مثلاً أو خمسين سنة.

و ما لفقوه في الجواب، شعار و إستحسان و إحتمال و تخمين و الحق إرجاع الأمر إلى الله الحكيم العادل.

ص: 152

و قد يقال: نعم إنّه ظلم لكن العقل العملى الحاكم بالتحسين و التقبيح مطاع بين العقلاء في حياتهم و لا يبقى في نظام الحياة الأخروية و لا يلزم به الله تعالى هناك.

أقول: لكن الظاهر من القرآن معاملة الله تعالى مع عباده في الدنيا و الآخرة على أساس العقل العملى فهو حجّة كحجيّة مدركات العقل النظرى - الإمكان و الضرورة أى الواجب و الإمتناع- و الآيات الدالّة عليه كثيرة و منها الآيات الدالّة على أن الله يحكم بالعدل و القسط و لا يظلم أحداً.

و في رواية الكافى عن الصادق علیه السلام عن رسول الله صلى الله عليه و آله و سلّم: «نِيَّةُ الْمُؤْمِنِ خَيْرٌ مِنْ عَمَلِهِ، وَ نِيَّةُ الْكَافِرِ شَرٌّ مِنْ عَمَلِهِ».(1)

و في حديث المحاسن و الكافي و العلل عن الصادق علیه السلام: «إِنَّمَا خُلِّدَ أَهْلُ النَّارِ فِي النَّارِ لِأَنَّ نِيَّاتِهِم كَانَتْ فِي الدُّنْيَا أَنْ لَوْ خُلِّدُوا فِيهَا أَنْ يَعْصُوا اللهَ أَبَداً. وَ إِنَّمَا خُلِّدَ أَهْلُ الْجَنَّةِ فِي الْجَنَّةِ لِأَنَّ نِيَّاتِهِمْ كَانَتْ فِي الدُّنْيَا أَنْ لَوْ بَقُوا فِيهَا أَنْ يُطِيعُوا اللهَ أَبَداً فَبِالنِّيَّاتِ خُلِّدَ هَؤُلَاءِ وَ هَؤُلَاءِ». ثُمَّ تَلَا قَوْلَهُ تَعَالَى: «قُلْ كُلٌّ يَعْمَلُ عَلى شَاكِلَتِهِ» (الإسراء: 84)قال: «أَيْ عَلَى نِيَّتِهِ».(2)

أقول: أولاً ضعف الخبرين المذكورين سنداً و ثانياً أنّ روايات الباب المذكورة أكثرها يدل على أن الهمّ بالسيّئة لا يكتب، فكيف تكون نية الكفر والعصيان موجبة للخلود في النار؟

و متنهما أيضاً غير معقول للعقل. و خلاصة الكلام إن قلنا بقبول الخلود تعبداً فهو لأجل دلالة الآيات الكثيرة القرآنية التى هى مقطوعة بالضرورة فضلاً عن التواتر دون هذين الخبرين غير المعتبرين سنداً وأمثالهما.

ص: 153


1- الوسائل، ج 1، 35.
2- الوسائل، ج 1، ص 36 باب استحباب نية الخير...

61- مع صاحب الأسفار في معاده

اشارة

قال في ج 9، ص 142 من كتابه فى بيان اختلاف مذاهب الناس في باب المعاد: و في طبعة اخرى منه ج 9، ص 163 و 164:

إن من الأوهام العامية و الآراء الجاهلية رأي من ذهب إلى استحالة حشر النفوس و الأجساد و امتناع أن يتحقق في شيء منهما المعاد و هم الملاحدة و الطباعية(1) و الدهرية و جماعة من الطبيعيين و الأطباء الذين لا اعتماد عليهم في الملة و لا اعتداد برأيهم في الحكمة زعما منهم أن الإنسان ليس إلا هذا الهيكل المحسوس حامل الكيفية المزاجية و ما يتبعها من القوى و الأعراض و أن جميعها مما يعدم بالموت و يفنى بزوال الحياة و لا يبقى إلا المواد المتفرقة فالإنسان كسائر الحيوان والنبات إذا مات فات و سعادته و شقاوته منحصرتان فيما له بحسب اللذات و الآلام البدنية الدنيوية، و في هذا تكذيب للعقل على ما رآه المحققون من أهل الفلسفة و للشرع على ما ذهب إليه المحققون من أهل الشريعة و المنقول من (جالينوس) في أمر المعاد هو التردّد و التوقف بناءً على توقفه في أمر النفس أنها هل هي المزاج فتفنى بالموت ولا يعاد، أم هي جوهر مجرد فهو باق بعد الموت فلها المعاد، ثم من المتشبثين بأذيال العلماء من ضمّ إلى هذا أن المعدوم لا يعاد،(2) فإذا انعدم الإنسان بهيكله لم يمكن إعادته و

ص: 154


1- الفرق بينهما أن الطباعية بعد المواد الجسمانية وهي القوى الانفعالية لم يتفطنوا من القوى الفعلية و المبادي الفاعلة إلا بالقوى و الطبائع المقارنة و لم يعثروا بالمبادي البرزخية و المجردات المضافة التي هي النفوس النطفية القدسية فضلا عن المجردات المرسلة فكيف على من له الأمر و الخلق القدوس السبوح رب الملائكة و الروح و الدهرية يقول باقتضاء الزمان و فصوله للاجتماع و الافتراق و الحياة و الموت ونحو ذلك فتبا لنظرهما و تعسا على فكرهما نعم من لا يعرف اللطيفة المجردة في ذاته كيف لا يعجز عن إثبات المجردات في الإنسان الكبير الخارج منه و عن معرفة الله تعالی، سره.
2- اعادة المعدوم اقيم على امتناعها وجوه غير مفيدة لليقين و دعوى الضرورة عليه مكابرة الا في بعض الفروض. و اما الأجزاء الباقية من الأموات فيكفي خلية واحدة منها لإكمال الجسم كما اثبته العلم الحديث و القرآن يدل على الحشر الجسماني المادي بآياته الكثيرة فالمستنكر هو مختاره دون مختار أصحاب الكلام. الذين يقولون بالمعاد الجسماني و الروحاني معاً.

امتنع الحشر و المتكلمون منعوا هذا بمنع امتناع إعادة المعدوم تارةً و بمنع فناء الإنسان بفساد هيكله أخرى.

فقالوا: إن للإنسان أجزاء باقية إما متجزئة أو غير متجزئة ثم حملوا الآيات و النصوص الواردة في بيان الحشر على أن المراد جمع الأجزاء المتفرقة الباقية التي هي حقيقة الإنسان و الحاصل أن أصحاب الكلام ارتكبوا في تصحيح المعاد أحد الأمرين المستنكرين المستبعدين عن العقل بل النقل و لا يلزم شيء منهما، بل العقل و النقل حاكمان بأن المعاد في الآخرة هو الذي كان مصدر الأفعال و مبدأ الأعمال مكلفا بالتكاليف (اى روح المجرد).

و قد اتفق المحقّقون من الفلاسفة و المليين على حقية المعاد و ثبوت النشأة الباقية لكنهم اختلفوا في كيفيته، فذهب جمهور الإسلاميين و عامة الفقهاء و أصحاب الحديث إلى أنه جسماني فقط بناءً على أن الروح عندهم جسم سار في البدن سريان النار في الفحم و الماء في الورد و الزيت في الزيتونة، و ذهب جمهور الفلاسفة و أتباع المشائيين إلى أنه روحاني أي عقلي فقط لأن البدن ينعدم بصوره و أعراضه لقطع تعلق النفس عنها فلا يعاد بشخصه تارةً أخرى إذ المعدوم لا يعاد، و النفس جوهر مجرد باق لا سبيل إليه للفناء فتعود إلى عالم المفارقات لقطع التعلقات بالموت الطبيعي، و ذهب كثير من أكابر الحكماء و مشايخ العرفاء و جماعة من المتكلمين كحجة الإسلام الغزالي والكعبي و الحليمي و الراغب الإصفهاني و كثير من أصحابنا الإمامية كالشيخ المفيد و أبي جعفر الطوسي و السيد المرتضى و العلامة الحلي و المحقق الطوسي (رضوان الله تعالى عليهم أجمعين) إلى القول بالمعادين جميعا ذهابا إلى أن النفس مجردة تعود إلى البدن و به يقول جمهور النصارى.

ثم إن هؤلاء القائلين بالمعادين جميعا اختلفت كلماتهم في أن المعاد من جانب البدن أهو هذا البدن بعينه أو مثله، و كل من العينية أو المثلية أ يكون باعتبار كل واحد من الأعضاء و الأشكال و التخاطيط أم لا؟ و الظاهر أن هذا الأخير لم يوجبه أحد بل كثير من الإسلاميين

ص: 155

مال كلامهم إلى أن البدن المعاد غير البدن الأول بحسب الخلقة و الشكل. و ربما يستدلّ عليه ببعض الأخبار المذكورة فيها صفات أهل الجنة والنار ككون أهل الجنة جرداً مرداً و كون ضرس الكافر مثل جبل أحد و بقوله تعالى «.. كُلَّما نَضِجَتْ جُلُودُهُمْ بَدَّلْنَاهُمْ جُلُوداً غَيْرَها لِيَذُوقُوا الْعَذابَ» (النساء: 56) و بقوله تعالى «أَ وَ لَيْسَ الَّذِي خَلَقَ السَّمَاواتِ وَ الْأَرْضَ بِقادِرِ عَلى أَنْ يَخْلُقَ مِثْلَهُمْ» (يس: 81)

فإن قلت: فعلى هذا يكون المثاب و المعاقب باللذات والآلام الجسمانية غير من عمل الطاعة و ارتكب المعصية.

قيل في الجواب: العبرة في ذلك بالإدراك و إنما هو للروح و لو بواسطة الآلات و هو باق بعينه و لهذا يقال للشخص من الصبا إلى الشيخوخة إنه هو بعينه و إن تبدلت الصور و المقادير و الأشكال و الأعراض، بل كثير من الأعضاء و القوى ولا يقال لمن جنى في الشباب فعوقب فی المشيب إنها عقاب لغير الجاني هذا تحرير المذاهب و الآراء(1) و الحق كما ستعلم أن المعاد في المعاد هو هذا الشخص بعينه نفسا و بدنا، فالنفس هذه النفس بعينها، والبدن هذا البدن(2) بعينه بحيث لو رأيته لقلت رأيته بعينه فلان الذي كان في الدنيا، و إن وقعت التحوّلات و التقلّبات إلى حيث يقال هذا ذهب و هذا حديد و ربما ينتهي في كلاهما إلى حيث يتحدان و يصيران عقلاً محضاً واحداً و من أنكر ذلك فهو منكر للشريعة ناقص في الحكمة و لزمه

ص: 156


1- مجموع ما ذكره صاحب الاسفار الى هنا من حيث المجموع، صحيح و منه يظهر كثرة اختلاف أهل النظر في أمر المعاد!
2- أي البدن البرزخي و الأخروي هذا البدن الدنيوي لكن لا بوصف الدنيوية و الطبيعية و إنما كان هو هو بعينه لما مضى و سيأتي أن شيئية الشيء بصورته أي الصورة البدنية لا بمادته و بصورته التي بمعنى ما به الشيء بالفعل و هو النفس و النفس مشخصة فإذا كان مشخص هذا و ذاك باقيا فكيف لا يكون الشخص بمعناه و صورته باقيا و تشخص النفس بالوجود الحقيقي و هو عين وحدتها و تشخصها و سيحقق المصنف قدس سره المقام بأبلغ وجه، سره.

إنكار كثير من النصوص القرآنية.(1)

أقول: ما علّقه عليه السبزواري هو مراد صاحب الأسفار و من وافقه و البدن الصوري المثالي عندهم ليس بمادي و هو الذى انشأته النفس دون ما يخرج من القبور و ما يبعث من الأجداث و في الحقيقة ان ما ذكر هؤلاء ليس هو البدن المعاد -بضم الميم- بل هو بدن مبتدء انشأه النفس والمحقق في المعاد و القيامة عند القرآن هو البدن المعاد -بضم الميم- من الأرض. و اليك بقية كلامه في ج 9 ص 188.

و منها؛ اى من الاشكالات على المعاد الجسماني ان الحشر، و بعث الأبدان، إمّا ان يقع لبعضها أو لجميعها؛ فالأول ترجيح من غير مرجّح لأن استحقاق الثواب و العقاب مشترك بين الناس أجمعين، فلا وجه لبعث البعض دون البعض، و الثانى يوجب التزاحم المكاني لأجساد الناس و حسابهم و كتابهم، و اليه الإشارة بقوله تعالى: «أَ إِنَّا لَمَبْعُوثُونَ، أَوَ آبَاؤُنَا الْأَوَّلُونَ» (الواقعة: 48-47) فأزال الله تعالى هذا الإستبعاد و الإستنكار بقوله تعليماً لنبيه صلى الله عليه و آله و سلّم «قُلْ إِنَّ الْأَوَّلِينَ وَالْآخِرِينَ، لَمَجْمُوعُونَ إِلَى مِيقَاتِ يَوْمٍ مَّعْلُومٍ» (الواقعة: 50-49) فنبّه تعالى عباده بان لا تزاحم بين الأجساد في نحو الوجود الاخروى لما ذكرناه؛ ان الصور هنا غير قائمة بالمواد الوضعية المقيدة بالجهات المكانية، و إنّها ناشئة من تصورات نفسانية كما لاتزاحم في الصور الموجودة في اذهاننا لأن لها نحواً آخر من الكون، و كذا ميقات الآخرة و ساعة القيامة يوم معلوم عند الله(2) و خواص عباده، لايصل الى ادراكه أفهام المحجوبين عن النشأة الآخرة المقيدين بأمكنة الدنيا و أزمنتها، و ليس يصلح لادراك أمور الآخرة هذه المشاعر و الحواس؛ فان أمور القيامة كُلّها أسرار غائبة عن هذا العالم البشرى، فلا يتصور أن يحيط بها انسان مادام

ص: 157


1- الاسفار، ج 9، ص 142 الى 144.
2- أقول: الظاهر ان سياق الآيتين ليس ما زعمه هذا القائل وليس له دليل على أنه فرد يتخلص عن اسر الحواس و لا هو المتجرد عن غشاوة الدنيا، كل ذلك تخيل نفسى لم يقم عليه دليل.

في الدنيا و لم يتخلّص عن أسر الحواس و تغليظ الوهم، فان أمر الساعة اذا كان خارجاً عن سلسلة الزمان و كان على شبه الابداع كلمح البصر أو هو أقرب، و كان متى سؤالاً عن الزمان المخصوص استحال جواب السائل عنه إلّا بشيء مجمل، و هو إنّ علمه عند الله كقول الأكمه اذا و صفنا له المبصرات المتلّونة فقال كيف يدرك هذه الألوان. فالجواب الحق من ذلك أن يقال له: العلم بها عند المبصر، فالجواب الحق من الكفّار وأصحاب الحجاب عن سؤالهم عن وقت قيام الساعة أن يقال لهم: الجواب الإلهى قل علمها عند الله و عنده علم عنده علم الساعة، فمن تجرد عن غشاوة الدنيا و رجع الى الله و حشر عنده، فلابد أن يعرف حقيقة الساعة بالضرورة، و لذلك قال اعلم الخلق: لا تقوم الساعة و فى وجه الأرض من يقول: الله الله، فإنّ من كان بعد على وجه الأرض لم تحشر بعد الى الله لأن القيامة من داخل حجب السموات و الأرض. انتهى كلامه.

فان قلت: القرآن يقول بحياة البدن يوم القيامة، وخروجه من الأرض (ارض كرتنا هذه) و أرواح الانسان و ان كانت اخذت بتمامها و هي موجودة في البرزخ و لكن القرآن لم يقل برجوعها الى أبدانها و إنّما قال المشهور بها من جهة فقدان المادة للحياة و أنه لا حياة إلا بالروح و أيضاً لا معنى لبقاء الروح عليحدة و البدن الحىّ على حياته و استقلاله، بحيث يصير فرد واحد فردين، و هو كما ترى. و من هنا استنبطوا عود الأرواح الى أبدانه. لكن في هذا الاستنباط ایرادان:

أولهما: أن رجوع الروح الى البدن المادي الدنيوى وفقاً للقوانين الفعلية فهذا هو التناسخ.

ثانيهما: ان هذا من تكرار الدنيا و ليس من الآخرة في شيء و لأجله ذهب العلّامة المطهری (رحمه الله)(1) الى وجه آخر سالم عن الاشكال المتقدم و ادّعى أنه مأخوذ من القرآن و به نستغنى عن القول بعود الروح الى البدن.

ص: 158


1- معاد المطهری، ص 150 و 151.

و خلاصة ما ذكره: أن الانسان الذى يموت، يقبض و يتوفى (اى يؤخذ بتمامه) و هو ملاك شخصية الانسان و هو شاعر بذاته، و هو الذي سمّاه القرآن بالروح و أنه من أمره، و هذا باق و لكن البدن يتلاشى و يتفرق أجزائه.

و ليس لنا ان ننفى فى أن العالم المادى فى سيره التكاملي بعد مليارات مليارات سنة، تصل الى مقام تصعد الطبيعة و المادة الى الروح، لا أن الروح يجيء الى المادة؛ بل هي تصعد و تتحد مع الروح فإنّ بناء معاد القرآن هو الرجوع الى الله تعالى، فلابد أن تكون الحركة صعودية و ليست بحركة نزولية كما في رجوع الروح الى قالب البدن. و القرآن يقول: «وَ مَا هَذِهِ الْحَيَاةُ الدُّنْيَا إِلَّا لَهْوٌ وَلَعِبٌ وَ إِنَّ الدَّارَ الْآخِرَةَ لَهِيَ الْحَيَوَانُ لَوْ كَانُوا يَعْلَمُونَ» (العنكبوت: 64) كلّ شيء حيّ في الآخرة؛ اليد حيّة، و الرجل حيّة، و الجلود حيّة، و كل شيء ناطق «وَقَالُوا لِجُلُودِهِمْ لِمَ شَهِدتُّمْ عَلَيْنَا قَالُوا أَنطَقَنَا اللهُ الَّذِي أَنطَقَ كُلَّ شَيْءٍ» (فصلت: 21)

و بالجملة لا يجب أن نقول بعود الروح الى البدن بهذا الوضع الدنيوي و القوانين الفعلية في الأرض، فهذا هو التناسخ؛ بل يمكن عود البدن الى الروح فالبدن بعد تكامله تجد الخواص التي تقولون للروح (قل البدن من امر ربي).

أقول: أولاً إن تم هذا لكان المعاد روحانيا غير جسماني، لكن القرآن لم يصرح بعود البدن الى الروح و تبديل البدن بالأمر الرباني كما لم يصرح بعود الروح الى البدن، و كل منهما استنباط، و الفرق ان صيرورة المادّة مجردة شاعرة متحدة مع الروح شيء غريب عجيب و لازمه صيرورة جميع ما في الآخرة من النار و الجنة و ما فيهما روحانياً غير مادي، و ليس هو من معاد القرآن في شيء(1) و هذا أعجب شيء نسمع من مثله. و كل كلامه يرجع الى البدن

ص: 159


1- يقول في معاده، ص:191 باز به نص قرآن همان طوری که در آن عالم تغییر نیست پیری نیست. فرسودگی نیست مردن نیست بی حسی نیست این حالتی که ما آنرا حالت بی حیاتی و حالت جمادی می نامیم نیست. چون ما از قرآن این طور استنباط میکنیم که هر چه در آن عالم است حیّ و ناطق و گویا است و ان الدار الآخرة لهى الحيوان) سنگی هم که در آنجا وجود دارد ذی حیات است. در اینجا بدن ما مرده و روح ما زنده است. آنجا بدن ما هم زنده است. أقول اكثر ما ذكره يمكن قبوله لكن نفى الجماد عن الآخرة غير مدلل و لا يمكن استفادته من اثبات الحياة و النطق لموجودات الاخروية اذ يمكن القول بنطق الجماد و حياته في تلك الدار و لا يستلزم القول بتجردها. و عليه يتحفظ على جميع ظواهر القرآن الواردة في القيامة.

المثالى المعلول للنفس اى رجوع المجرد الى المجرد. و لا دليل عليه.

ثم ان عود الروح الى البدن الخارج عن القبر لا يستلزم القول بالتناسخ و لا بحركة نزولية و انه تكرار الدنيا بالآخرة سيأتي فى فوائد آخر الكتاب، فلا تخف من هذه الالفاظ الفارغة من المعانى، بل تجرد البدن و عوده الى الروح المجرد يستلزم بطلان العقاب و الثواب الجسمانيين بانتفاء الجسم العنصرى.

توکید و تسجیل:

1- الروح متوفى بتمامه بنص القرآن بوساطة ملك الموت و أعوانه عند موت الانسان في الدنيا ثم هو يوم القيامة يرجع الى ربّه اما نفسا مطمئنّة راضية مرضية، فيقال لها: فادخلي في عبادی و ادخلی جنتی. و اما نفساً عاصية كافرة فتدخل النار و العذاب.

2- البدن - البدن السابق مع تغييرات تناسب القيامة وكرة الحساب و النار والجنات- يخرج من أرضنا للحساب والجزاء في النار أو الجنة.

3- فبطبع الحال يتعلّق كل روح ببدنه تعلّقاً خاصاً.

و هذا هو المرتكز للمسلمين العلماء بارتكازهم من نفس القرآن الكريم فلا يحتاج فهم هذا الى تصريح القرآن به.

ثم ان قوله تعالى: «قُلْ يَتَوَفَّاكُمْ مَلَكُ المَوْتِ الَّذِي وُكِّلَ بِكُمْ ثُمَّ إِلَى رَبِّكُمْ تُرْجَعُونَ» (السجدة: 11) يدلّ على رجوع الأرواح مع التراخى (لمكان كلمة ثم) و ليس هو

ص: 160

الا الرجوع في ميدان القيامة اذ الرجوع في البرزخ فوريّ بلاتراخ، حيث انّ المحشر مادي و جسماني بدلالة الآيات فيكون رجوعه بعد ارتباط بالبدن الخارج من الأرض. و انظر ما سيأتي في اواخر الكتاب من الفوائد.

اعادة و تحكيم

المادي ماله جرم و حجم و وزن و مكان و حركة في المكان و يقبل الانقسام الخارجي و قابل الى الإشارة الخارجية ونحو ذلك كأبداننا فى هذه النشأة الحاضرة و المجرد خلاف ذلك كله.

نعم المجرد غير التام ماله شكل و أبعاد فقط و يعبّر عنه بالمثال؛ فعالم المثال و البرزخ ماله شکل و مقدار و عالم المجرّد (العقل) ليس فيه خواص المادة و المثال؛ بل يدعى السهروردى و السبزواري – كما صرّح به الأخير بان الأنوار الاسبهبدية و ما فوقها إنّيات صرفة لا ماهية لها على التحقيق.

فائدة و نكتة

ما هو الفارق بين عالم البرزخ و القيامة عند الفلاسفة مع أن الجسم فيهما هو الصورة المجردة عن المادة عندهم؟

يقول السبزواري فى تعليقته على الاسفار ج 9 ص 219 طبعة داراحياء التراث العربي ببيروت (1981م)

فالصور الأخروية بعينها هي الصور البرزخية، و لا تغاير بالذات؛ بل التغاير بالشدّة و الضعف و التمام و النقصان و بشدة التوجه و ضعفه. و كأنّ الانسان في البرزخ متوجه الى القفاء و في صور الآخرة صارت الدنيا نسياً منسياً، و هو شديد الاقبال على الصور الأخروية، و من هنا البرزخ منام و الدنيا منام فى منام، انتهى. و تفصيل البحث في الاسفار نفسه (ج 9

ص: 161

ص 220- 219)

و قال أيضاً في الاسفار ج 9 ص 235؛ و الفرق بين الصور التي يراها و يكون عليها الانسان في البرزخ و التي يشاهدها و يكون عليها فى الجنة والنار عند القيامة الكبرى، إنما يكون بالشّدة و الضعف و الكمال و النقص؛ اذ كل منهما صور إدراكية جزئية غير مادية الا أنها مشهودة في عالم البرزخ بعين الخيال و فى عالم الجنان بعين الحس، لكن عين الحس الأخروى ليس غير عين الخيال (!) بخلاف الحس الدنيوى المنقسم بخمس قوى في خمسة مواضع.. (336)

و قال السبزواري معلّقاً على كلام من الفتوحات المكية (الاسفار ج9. ص 336) و ذلك لأن النفس جسمانية الحدوث و روحانية البقاء فتتحرك - بالحركة الجوهرية- عن الجسمية الطبيعية الى الجسمية البرزخية. و وجه النفس أصل محفوظ فيهما.

أقول: العبارة تقول: بأن النفس لا تصير في الدنيا مجرداً كاملاً و انما تتحرك في البرزخ و لذا قال فى تعليقته الأخرى اى يشتد وجود الصورة شدة بعد شدة حتى تصير الصورة البرزخية، أخروية. (فتأمل) و على كل هذه أقاويلهم و هم قائلوها و من ورائهم برزخ و قيامة مادية!

62- المعاد المختلف فيه فى كلام المطهری (رحمه الله)

اشارة

همان طور که عرض کردم بعضی گفته اند آن معادی که با عقل می شود قبول کرد، تنها معاد روحانی است و بس، و معاد جسمانی از نظر عقل و علم قابل توجیه نیست. نمی خواهند بگویند محال است، بلکه میگویند ما راهی برای اثباتش نداریم؛ همان جمله معروفی است که بوعلی سینا روی عقاید و مبانی ای که خودش راجع به روح(1) داشته. معتقد شده انسان که

ص: 162


1- يعنى تنها عقل نه سایر قوای روحی، قوه عاقله را مجرد و قوه مستقل می دانسته اند. (مطهری).

می میرد، تنها روح او (روح او که فقط همان عقل اوست) باقی می ماند و بقیه قوا همه امور مادی و جسمانی است: خیال قوه جسمانی است، حس قوه جسمانی است، حافظه قوه جسمانی است، تمام این قوا جسمانی است. روح انسان هم سعادت و شقاوت دارد؛ هر اندازه حقایقِ بیشتر و صحیح تر و عالیتری را درك كرده باشد و هر اندازه ملکات بیشتری کسب کرده باشد سعادت بیشتری دارد، و هر اندازه که در جهل و مخصوصا جهل مرکّب فرو رفته باشد شقاوت و رنج روحی بیشتری دارد. ولی اینها گفته اند: اما انبیاء مطالب دیگری در باب معاد گفته اند و آن غیر از این است که ما می گوییم و ما در آن مسائل فقط متعبد به قول شارع

هستیم.

يك نظر دیگر نظر محدثین ماست.(1) محدثین معتقد اند -به قول خودشان- به معاد جسماني. البته ما هم می گوییم معاد جسمانی، ولی آنها به شکل خاصی تعبیر می کنند. آنها معتقدند هیچ فرقی بین دنیا و آخرت نیست غیر از دفعه دوم بودن؛ یعنی همین وضع زندگی ای که شما امروز دارید می بینید، همین خورشید در وضعی که هستند، ماه در وضعی که هست، زمین در وضعی که هست، همین عالم مجموعا در وضعی که هست، همین ها بار دیگر با همین نظامات و با همین خصوصیات تکرار می شود؛ فرقش با حالا این است که آن دفعه دوم است و این دفعه اول. ما يك دفعه الآن وجود داشتیم، دفعه دیگر هم بعد وجود پیدا می کنیم و چون اکثر قائل به روح هم بوده اند، گفته اند چون روح انسان در وقت مردن از بدن جدا می شود و از طرف دیگر ما داریم که مرده ها از قبرها زنده می شوند، پس لابد معنایش این است که روحها به این بدنها عود می کنند. قرآن این طور بیان می کند: «الْيَوْمَ نَخْتِمُ عَلى أَفْوَاهِهِمْ وَ تُكَلِّمُنا أَيْدِيهِمْ وَ تَشْهَدُ أَرْجُلُهُمْ بِما كانُوا يَكْسِبُونَ» (يس: 65)

ص: 163


1- می شود این نظریه را به همه و یا اکثر متکلمین هم نسبت داد ولی در نسبت دادن تمام آنچه که مطهری فرموده باید گفت و الله العالم زیرا آیات قرآن، آن مشابهت را رد می کند و متکلمین آیات قرآن را قبول دارند. دقّت کنید.

بر دهان هايشان مهر می زنیم که به دهان هایشان حرف نزنند، دست هايشان با ما حرف می زنند، خود همین پاها وجود دارد ولی حرف می زند و شهادت می دهد: «و تشهد ارجلهم بما كانوا يكسبون» این امر را به اینکه شهادتِ به زبانِ حال و تأویل است نمی شود حمل کرد. قرآن صراحت دارد، چون می گوید اینها (گناهکاران) به اعضاء اعتراض می کنند و اعضاء به آنها جواب می دهند. دیگر زبان حال معنا ندارد. «وَ قالُوا لِجُلُودِهِمْ لِمَ شَهِدْتُمْ عَلَيْنا» به پوستهای خودشان می گویند: شما چرا علیه ما شهادت داديد؟! «قالُوا أَنْطَقَنَا اللهُ الَّذِي أَنْطَقَ كُلَّ شَيْءٍ» (فصلت: 21) می گویند: خدایی که همه چیز را به سخن آورده ما را به سخن آورده است.

آنها (صاحبان فلسفه صدرایی) می گویند پس مسأله قیامت و دنیا صرف مکرر شدن این نظام نیست. اگر این نظام مکرر می شد، محال بود خاصیت خودش را از دست بدهد. و اگر آن نظام عین این نظام می بود، پیری و مردن و حتی تکلیف و حتی همین جمادات و مردگی و تمام اینها وجود داشت. قرآن می گوید: «يَوْمَ تُبَدَّلُ الْأَرْضُ غَيْرَ الْأَرْضِ» (ابراهيم: 48) زمین هست و زمین نیست، زمین غیر زمین می شود، هم زمین است و هم غیر زمین، مثل اینکه زمین هست ولی یک تغییراتی در این زمین پیدا می شود. آنوقت راجع به همین زمین می گوید: «وَ أَشْرَقَتِ الْأَرْضُ بِنُورِ رَبِّها» (الزمر: 69) و زمین به نور پروردگارش نورانی است. می گوید این زمین (که الآن در ذات خودش يك موجود ظلمانی است، و اگر نور خورشید به آن نرسد تاريك است) به نور پروردگارش نورانی است.

وقتی مطلب به اینجا رسیده است که نظام آن عالم نظام دیگری است، راجع به آخرت گفته اند: پس قطعاً نظام آخرت، این نظام دنیا نیست، پس آن یک عالم دیگری است از سنخ عالم روح (ولی روح نه به معنای آن عقلی که بوعلی سینا می گفته، بلکه روح با تمام قوایی که دارد).

ص: 164

آنگاه مطلبی می گویند که این مطب را علم امروز هم تأیید می کند؛ می گویند این عالمی که تو الآن با این خصوصیات داری می بینی و اسمش را عالم جسمانی می گذاری، تو خیال می کنی همه این خصوصیاتی که الآن برای این عالم درک می کنی، اینها بیرون از وجود تو وجود دارد؟! بیشتر این خصوصیات را تو الآن در باطن خودت داری خلق می کنی. همان طور که علم امروز می گوید، ما الآن این عالم را ملوّن و با يك رنگهایی می بینیم، ولی آیا عالم در ذات خودش رنگ دارد؟ وقتی علم خیلی دقیق می شود [می بیند] اصلاً رنگی در متن عالم وجود ندارد، بلکه در اثر برخوردی که این عالم با ما دارد [رنگ ادراک می شود.] ما نمی دانیم چطور می شود ولی این قدر می دانیم که ما در درون خودمان رنگ را می آفرینیم. آقای ... هم در کتاب خودشان مکرر ذکر کرده اند که ما شاخص ترین مشخصات این عالم را ابعاد جسمانی آن می دانیم، در صورتی که علم امروز می گوید آن چیزی که اصل این عالم است، در ذات خود شاید اصلاً بُعد نداشته باشد و شاید حتی خود بُعد هم از ساخته های روح و ذهن ما باشد. حتی ما خیلی نمی توانیم میان آنچه که از این عالم درک می کنیم مرز قائل شویم که چقدر آن روحی است و چقدر آن [جسمی]؟ لذتهایی که ما درک می کنیم، درست است كه يك عامل محرکی در بیرون دارد، ولی نفسِ لذت را ما در درون خودمان خلق می کنیم. لذت در ماده وجود ندارد بلکه محرکش در ماده وجود دارد. حتی لذت های جسمانی -نه لذتهای روحانی- هم مخلوق روح ماست، منتها در اینجا که هستیم محرکی از بیرون باید وجود داشته باشد. وقتی محرک در بیرون بود، آنوقت مُعِدّ می شود برای اینکه ما این لذت را در درون خودمان خلق کنیم. در آن وقتی که «يَوْمَ تُبَدَّلُ الْأَرْضُ غَيْرَ الْأَرْضِ» می شود، همه آن چیزهایی که امروز با روح خودمان با (کمک) عامل مادی خارجی ایجاد می کنیم، آن وقت با حکومت روح (یا به تعبیر آقای... با حکومت

ص: 165

عنصر سوم) ایجاد می کنیم. منتها آنها معتقدند عنصر اول و دوم در داخل خود روح است.(1) می گفتند شما خیال کرده اید که روح جسم نیست؟ روح هم خودش جسم دارد و ما الآن دارای دو جسم هستیم: یکی جسم مادی و دیگری جسم روحی، و جسم روحی ما دارای ابعاد است و مفاهیم ریاضی را که ما در ذهن خودمان تصور می کنیم و برایش ابعاد خلق می کنیم و در عالم ذهن تقسیم می کنیم، واقعاً ما بُعد ریاضی را در ذهن خودمان خلق می کنیم و رویش حساب می کنیم، نه اینکه آن که در ذهن ماست بُعد ندارد و فقط تصوری است از بُعد؛ تصور بُعد غیر از خود بُعد است. ما هر جا که درباره ریاضیات فکر می کنیم و همه ابعادی را که تصور می کنیم، نه این است که ابعاد خارج را می بینیم، بلکه همان ابعاد، ابعادی است که ذهن ما قدرت خلاقیت آن را دارد و آن ابعاد را در خودش خلق می کند.

نظر مطهری (رحمه الله) در مورد مذهب صاحب اسفار

امثال ملاصدرا گفته اند معاد جسمانی است، اما همه معاد جسمانی را برده اند در داخل خود روح و عالم ارواح؛ یعنی گفته اند این خصایص جسمانی در عالم ارواح وجود دارد؛ و این فاصله ای که قدما از قبیل بوعلی میان روح و جسم قائل بوده اند و فقط عقل را روحی می دانستند و غیر عقل را روحی نمی دانستند، این فاصله وجود ندارد.

اما البته این مطلب مشکل را حل نکرده است؛ یعنی ما این را با مجموع آیات قرآن نمی توانيم [تطبيق کنیم]. با این که حرف خیلی خوبی است و آن را با دلایل علمی هم می شود تأیید کرد، ولی معاد قرآن را با این مطلب نمی شود توجیه کرد، چون معاد قرآن تنها در مورد انسان نیست بلکه در مورد همه عالم است. قرآن اساساً راجع به عالم ماده بحث می کند نه فقط انسان. «إِذَا الشَّمْسُ كُوِّرَتْ. وَ إِذَا النُّجُومُ انْكَدَرَتْ. وَ إِذَا الْجِبالُ سُيِّرَتْ» (التكوير: 3-1) مربوط به قیامت است؛ «يَوْمَ تُبَدَّلُ الْأَرْضُ غَيْرَ الْأَرْضِ» فقط ارضِ روح ما را

ص: 166


1- البته عنصر دوم (انرژی) را نمی شناختند، ولی جسم را می شناختند.

نمی گوید، قرآن ارض (همین زمین) را دارد می گوید، و سایر آیاتی که در قرآن هست.

اینجا چیزهایی بوده است که علم قدیم قاصر بوده و نمی توانسته از اينجا يك قدم جلوتر برود.(1)

أقول: مراد المطهرى من العلم هو ما تخيله بطلميوس من تقسيم الجسم الى العنصرى و الفلكي و ان الثانى (الجسم الفلكي) يستحيل عليه الخرق و الإلتيام و أنه لاملأ و لا خلأ بعد فلك الأفلاك و ينتهي بعده ماسوى الله!! قد بطل كل ذلك بعد فوت صاحب الأسفار و أصبح عالمنا اليوم في كل العلوم التجربية أوسع بملايين مليارات!! و منه يظهر أن دعاوى صاحب الأسفار المكررة للكشف و الشهود خيالية، فإن علم الهيئة البطلميوسية الحاكمة على عقول الفلاسفة حتى زمن صاحب الأسفار أوجبت تأويل الآيات القرآنية!! و اليوم يعلم المحصلون الصغار أنها كانت خيالية وهمية باطلة حتى أن التقسيم الرئيسي للجسم الى العنصري و الفلكي رغم تلقّيها بالقبول و الإذعان من قبل الذين يدعون الكشف و الشهود باطل لا واقعية له، و أن جمیع الكرات فى المجرات عنصرية مثل كرتنا الأرضية.

ثمّ إن في كلام العلّامة الشهيد المطهری (رحمه الله) مواضع للنظر، و يظهر ضعف بعضها من بعض المطالب المذكورة فى هذا الكتاب لأهل التحقيق و الدقة، و الحق أن الأسئلة الواردة على مادية المعاد في كلامه المتوجهة الى المحدثين والمتكلمين(2) أكثرها جزافيةٌ. فانهم يقولون نحن لا نعلم كلّ الحقائق و الشهيد المطهرى أيضاً مثلهم لا يعلم الحقائق كلّها فلابدّ من رجوعهما الى ظاهر القرآن من دون تحميل أمر خارجى عليه، حتى يغيّره و يحوّله الى التأويل.

و العمدة هو الفرق الجوهرى بين الدنيا والآخرة وهو غير مبرهن و مدلَّلٍ بعدُ و جمع من أهل المعقول و من تبعهم من غيرهم يعترضون على مخالفيهم من أن تصوركم من الآخرة

ص: 167


1- معاد المطهرى، ص 190 الى 194.
2- لا نقبل كل ما ذكره هؤلاء المتكلمون و المفسرون و المحدثون السابقون وهذا أمر آخر.

تصور هذا العالم المشهود و الحال أنه يجب البحث اولاً عن تعيين الفرق بين الدارَين بدقة عقلية و قرآنية أو علمية تجريبية ثمَّ الإيراد على من تجاوز الفرق المذكور. و ما ذكروه لحد الآن حول الفرق بينهما أمور قابلة للرد صغری و کبری، و قد تقدم، و سيأتي بحثه فيما بعد.

ثمَّ إنَّ ما ذكره هذا العالم السعيد من نسبة معاد العالم -دون الإنسان و الملائكة و الشياطين و الجنّ فقط - الى القرآن في مقام الرد على ضعف مذهب صاحب الأسفار لم أفهمه، لأن القرآن يذكر التغيير الوارد على الكرات دون إعادتها بعد فنائها كإعادة أبدان الإنسان بعد فنائها أو تفرّقها. والله العالم بالمَعاد والمُعاد كمّاً وكيفاً. نعم يمكن قبوله في خصوص الدوّاب الأرضية و الطيور بقوله تعالى: «ثم الى ربهم يحشرون» (الانعام: 38) و يمكن أيضاً ان نستدلّ على عموم المعاد كما ذكره المطهری (رحمه الله) بقوله: «الا الى الله تصير الامور» (الشورى: 53) و قوله: «و يحذركم الله نفسه والى الله المصير» (آل عمران: 28) و انظر المعجم المفهرس مادة المصير فان اطلاق الكلمة المذكورة (المصير) في جملة من الآيات يناسب الحشر العام و فيه بحث. و اعلم ان صاحب الأسفار ذكر كلاماً طويلاً في الجزء التاسع من اسفاره الطبعة الأخيرة فى حشر الموجودات حتى الجماد و النبات الى الله تعالى من ص 243 الى ص 272، فان صحّ كله فهو أمر آخر لا يرتبط بمقصد هذا الكلام و ما يفيد المتكلمون من المحشر و الجنة و النار.

63- بطلان تساوى الجريمة و الجزاء

اشارة

و نذكر هنا ترجمة(1) ما ذكره بعض علماء العصر في رفع الاشكال عن خلود الكفار في عذاب جهنم:

هنا ترتسم في ذهن كل سامع علامة استفهام كبيرة؛ إذ كيف نتصور عدم التعادل عند الله بين الذّنب و العقاب؟! و كيف يمكن القبول بأن يقضي الإنسان كلّ عمره الذي لا يتجاوز

ص: 168


1- في كتاب المعجم في فقه لغة القرآن، ج 16، ص 685 الى 688.

ثمانين سنة أو مائة سنة على الأكثر بالعمل الصالح أو بالإثم، ثمّ يثاب على ذلك أو يعاقب ملايين الملايين من السنين.

و لتوضيح الجواب ينبغي الالتفات الى ثلاثة أصول.

1- إن العذاب الدائم هو لأولئك الذين أوصدوا أبواب النجاة بوجوههم، و أوضحوا غرقى الفساد و الإنحراف عامدين، و غشي الظلّ المشؤوم للإثم قلوبهم و أرواحهم فاصطبغوا بلون الكفر، و كما نقرأ عنهم فى سورة البقرة: «بَلَى مَنْ كَسَبَ سَيِّئَةً وَ أَحَاطَتْ بِهِ خَطيئَتُهُ فَأُولئِكَ أَصْحابُ النَّارِ هُمْ فيها خالِدُونَ» (81)

2- يخطيء من يتصور أن مدة العقاب و زمانه ينبغي أن تكون على قدر مدّة الإثم و زمانه، لأن العلاقة بين الإثم و العقاب ليست علاقة زمانية بل كيفية، أى إنّ زمان العقاب يتناسب مع كيفية الإثم لا مع زمانه، فمثلاً قد يقدم شخص فى لحظة على قتل نفس محترمة، و طبقاً لما في بعض القوانين يحكم عليه بالحبس الدائم، فهنا نلاحظ أن زمن الإثم لحظة واحدة، في حين أن العقاب قد يبلغ ثمانين سنة اذن المهمّ فى الإثم هو كيفيته لا كميّة زمانه.

3- قلنا: إن العقاب و المحاسبات في يوم القيامة لها أثر طبيعيّ للعمل و خصوصية الذنب، و بعبارة أوضح: إن ما يجده المذنبون من ألم و أذى يوم القيامة هو نتيجة أعمالهم التي أحاطت بهم في الدنيا.

نقرأ في القرآن كما في سورة يس: «الْيَوْمَ لا تُظْلَمُ نَفْسٌ شَيْئاً وَ لا تُجْزَوْنَ إِلا ما كُنتُمْ تَعْمَلُونَ» (54) و نقرأ في الآية (33) من سورة الجاثية: «وَ بَدا لَهُمْ سَيِّئَاتُ ما عَمِلُوا وَ َحاقَ بِهِمْ ما كانُوا بِهِ يَسْتَهْزِؤُنَ» و فى سورة القصص: «فَلا يُجْزَى الَّذينَ عَمِلُوا السَّيِّئاتِ إِلا ما كانُوا يَعْمَلُونَ» (84) و الآن و بعد ان اتضحت مقدمات هذه الاصول، فانّ الحلّ النهائي لهذا الاشكال لم يَعُد بعيداً، و يكفي للوصل اليه أن نجيب على الأسئلة التالية.

و لنفرض أن شخصاً يُبتلى بالقرحة المُعدية نظراً لإدمانه على المشروبات الكحولية لمدة

ص: 169

سبعة أيام تباعاً، فيكون مجبوراً على تحمل الألم و الأذى الى آخر عمره، تُرى هل هذه المعادلة بین هذا العمل السيّئ و نتيجته مخالفة للعدالة؟! و لو كان عمر هذا الإنسان «بدل الثمانين سنة» ألف سنة أو مليون سنة و لأجل نزوته النفسيّة بشرب الخمر أسبوعاً يتألّم طول عمره، ترى هل هذا التألم لمليون سنة -مثلاً - مخالف لأصل العدالة. في حين أنه أبلغ حال شرب الخمر بوجود هذا الخطر و اعلم بنتيجته؟

و لنفرض أيضاً أن سائق السيارة لا يلتزم بأوامر المرور و ضوابطه، و الالتزام بها ينفع الجميع قطعاً و يقلل من الحوادث المؤسفة، لكنه يتجاهلها و لا يصغى لتحذير أصدقائه. و في لحظة قصيرة تقع له حادثة -و كلّ الحوادث تقع في لحظة - و يفقد بذلك عينه أو يده أو رجله في هذه اللحظة. و نتيجة لما وقع يعاني الألم سنين طويلة لفقد البصر أو اليد أو الرجل، فهل تتنافى هذه الظاهرة فيه مع أصل عدالة الله؟!

ونأتي هنا بمثال آخر - و الأمثلة تقرب الحقائق العقلية الى الذهن و تهيّئ لنيل النتيجة النهائية- فلنفرض أننا نثرنا على الأرض عدّة غرامات من بذور الشّوك، و بعد عدّة أشهر أو عدّة سنوات نواجه صحراء مليئة بالشوك الذى يُدمي أقدامنا و على العكس ننثر بذور الزهور -مع اطّلاعنا- و لاتمرّ فترة حتى نواجه خميلة مليئة بالأزهار العطرة، فهي تعطّرنا و تنعش قلوبنا، فهل في هذه الأمور التى هى أثار لأعمالنا منافاة لأصل العدالة، في حين أنه لا مساواة بين كمية هذا العمل ونتيجته؟

و من مجموع ما بيّنّاه نستنتج مایلی:

حين يكون الجزاء و الثواب نتيجة و أثراً لعمل المرء نفسه، فانّ مسألة المساواة من حيث الكمّية و الكيفية لا تؤخذ بنظر الاعتبار، فما اكثر ما يكون العمل صغيراً في الظاهر، و لكنه يحوّل حياة الإنسان الى جحيم و عذاب و ألم طيلة العمر، و كذلك ما أكثر ما يكون العمل صغيراً فى الظاهر، ولكنه يكون سبباً للخيرات والبركات طيلة عمر الإنسان!

ص: 170

ينبغي أن لا يُتوهم أن المقصود من صغر العمل «من حيث مقدار الزمان» لأن الأعمال و الذنوب الداعية الى خلود الإنسان فى العذاب ليست صغيرة من حيث الأهميّة والكيفيّة.

فعلى هذا حين يحيط الذنب و الكفر و الطغيان و العناد بوجود الإنسان و يحرق جميع أجنحته و ریشه و روحه في نار ظلمه و نفاقه، فأىّ مكان للعجب أن يحرم في الدار الآخرة من التحليق في سماء الجنة و أن يكون مبتلى هناك بالعذاب و البلاء. ترى أما حذروه وأبلغوه وأنذروه من هذا الخطر الكبير؟!

أجل فأنبياء الله من جهة، و ما يأمره العقل من جهة أخرى جميعاً حذّروه بما يلزم، فهل كان ما أقدم عليه من دون اختياره فلقي هذا المصير، أم كان عن علم و عمد و اختيار؟ الحقيقة هو أنه كان عالماً عامداً، وكانت نفسه و نتيجة أعماله المباشرة قد ساقته الى هذا المصير؟! بل إنّ كلّ ماحدث له فهو من آثار أعماله!

فلهذا لم يبق مجال للشّكوى، ولا ايراد أو اشكال مع أحد، و لا منافاة مع قانون عدالة الله سبحانه.

یورد علیه وجهان:

الاول: أن فى مقابل تلك الآيات، آيات كثيرة تدلّ على أن الأعمال أسباب يترتب عليها العقاب و العذاب بارادة الله و هما ليسا من آثار المعاصى (من الكفر و الفسق) كاستناد مرض الى المأكول والمشروب، أو كاستناد السلامة الجسمانية الى أكل الدواء و شربه و استناد الشبع و التروّي الى الأكل والشرب، و يدلّ عليه لو كان ترتب العقاب على الكفر مثلاً كترتب المعلول على علته التامة أو ما يشبهه كما في تجسّم العمل، لم يفرق في وصول العقاب بين المعاند أو المقصر و بين القاصر كما يظهر جلياً بأدنى نظر فى الأمثلة الثلاثة التي ذكرها في كلامه

ص: 171

مع أن القاصر غير معاقب في الاصول و الفروع عندنا بل لا يتفاوت في الأمثلة المذكورة بين صدورها من البالغ و غير البالغ خصوصاً بيوم، كما لا يفرق بين العمد و بين النسيان، بل و حتى اذا كان التعمّد من الغير كما صدم صدام سيّارته بسيّارة أحد يسير وفق قانون المرور و ليس كذلك سنخ العقاب الاخروى، ألا ترى أنّ الزنا و اللواط يوجبان مرض الإيدز في بدن الفاعل والمفعول و المفعولة بلافرق بين فرض الإجبار و الإختيار و بلا فرق بين فرض العمد و الاشتباه و بلا فرق بين فرض العلم و الجهل التقصيري و القصورى و ليس كذلك العقاب الاخروى.

و اما الآيات التي أشرنا اليها في اول الكلام فاليك نموذجاً منها:

1- «إِنِّي جَزَيْتُهُمُ الْيَوْمَ بِما صَبَرُوا» (المؤمنون: 111)

2- «وَ جَزاهُمْ بِما صَبَرُوا جَنَّةً وَ حَرِيراً» (الإنسان: 12)

3- «ذَلِكَ جَزَيْنَاهُمْ بِما كَفَرُوا وَ هَلْ نُجازي إِلا الْكَفُورَ» (سبأ: 17)

4- «سَيَجْزِيهِمْ بِما كانُوا يَفْتَرُونَ» (الأنعام: 138)

5- «الْيَوْمَ تُجْزَى كُلُّ نَفْسٍ بِما كَسَبَتْ لا ظُلْمَ الْيَوْمَ» (غافر: 17)

6- «وَ لِتُجْزِى كُلُّ نَفْسٍ بِما كَسَبَتْ وَ هُمْ لا يُظْلَمُونَ» (الجاثية: 22)

و غير ذلك من الآيات الكثيرة فى مادة الجزاء و في مادة العذاب و لم نذكر هذه الآيات من جهة عدم المنافاة بين إستناد الفعل الى الله و إستناده الى العباد، إذ لابأس بذلك فقد يستند الفعل الى علته القريبة و الى المتوسطة و الى البعيدة و الى علته المادية و الى سببه الفاعلي، بل ذكرناها لإختلاف لسان القرآن في المقام حتى لا يعتمد المستدل و غيره من العلماء الذين ذكروا مثل قوله على الآيات المذكورة في كلام هذا المستدل وحدها. نعم يمكن أن يقال مقتضى قانون حمل الظاهر على الأظهر تنحلّ به المشكلة كمابيّن في الفقه.

ص: 172

لكن ان سلم الصغرى لانسلم الكبرى في مورد البحث الذي لا يثبت الا بالإطمئنان أو القطع. و حمل الظاهر على الأظهر إنّما يكفي فى الفروعات العملية لأجل الحجة التعبدية نعم حمل الظاهر على النص لا يرد عليه هذا الاعتراض في مقامنا.

ثمّ إنّ هذا الفاضل المعاصر لم يصرّح بتجسّم العمل لكنّ المنظون قوياً أنّه المراد من کلامه.

و يمكن أن ننكر عموم الأدلة الدالة على تجسّم العمل بالآيات الظاهرة في وجود الجنة و جهنّم فعلاً.

1- عِنْدَها جَنَّةُ الْمَأْوى (النجم: 15)

2- النساء 93 - 102.

3- التوبة 89 - 100.

4- الاحزاب 8، 29، 30، 44.

5- «وَ جَنَّةٍ عَرْضُهَا السَّماواتُ وَالْأَرْضُ أُعِدَّتْ لِلْمُتَّقِينَ» (آل عمران: 133و 132) و غیر ذلك. فتأمل.

فمع خلق الجنة والنار فعلاً، بل لعله قبل خلق الإنسان في هذه الكرة، لا يمكن اتمام تجسم العمل بنحو موجبة كلية و امّا اثباته بالكشف و الشهود فهو ضعيف عنده و عندنا.

الثاني: فرضنا تمامية هذا الاستدلال مائة بالمائة و سلّمنا اثبات تجسّم الأعمال بنحو موجبة كلية، لكنه لا يتمّ القول المذكور بوجه، فإنّه على اصولنا في باب قدرة الله، أنّ الله سبحانه و تعالی قادر مختار لا بالاختيار الذي اخترعه الفلاسفة بل بالاختيار الذي يقول به المتكلمون من جميع المذاهب الاسلامية كما قررناه في كتبنا الكلامية.

فنقول:

1- ان الله خلق الإنسان -بل و كلّ حيّ عاقل مختار كالجن و الملائكة و ربما آلاف أنواع

ص: 173

من الموجودات المادية العاقلة في المجرّات.

2- علة خلق الإنسان الاستكمال بالايمان و التسليم و الخشوع و العبادة و التذلل له جلّ جلاله و بالأعمال الصالحة الواجبة و المستحبة و الابتعاد عن محرماته. قال الله تعالى: «وَ لا يَزالُونَ مُخْتَلِفِينَ، إِلا مَنْ رَحِمَ رَبُّكَ وَ لِذلك خَلَقَهُمْ» (هود: 118 و 119) و يمكن أن يفسر الرحمة بالرحمة الرحمانية و الرحيمية معاً، و هي الهداية فى التكوين و التشريع. والله العالم.

و قال الله تعالى: «وَ ما خَلَقْتُ الْجِنَّ وَالْإِنْسَ إِلَّا لِيَعْبُدُونِ» (الذاريات: 56)

فاذا كان سبب خلق الإنسان هو العبادة و الرحمة، فهل يقبل العاقل أن يكون نتيجة هذا التكليف خلود أكثر المكلفين فى العذاب بدعوى كون ذلك من نتائج أعمالهم أو تجسّم أعمالهم أليس مثل هذا التكليف مخالفاً لعدله و رحمته و أنه أرحم الراحمين؟ و أنه غنيّ عن العالمين و عن طاعة المطيعين و معصية الكافرين و المشركين و الفاسقين.

فالتشريع و التكليف يصبح غير معقول في عقلنا و ان أتى جمع بأمثلة متقدمة.

هب أنّ الله تعالى غير قادر على منع تأثير الملكات السيّئة أو الأعمال السيّئة و على منع انقلاب الآثار الى النا (نعوذ بالله) لكننا نسأل لِمَ كلّف الجنّ و الإنس تكليفاً ضررياً بأعظم ضرر لا يتصور فوقه. و نفعه و هو خلود المطيعين فى الجنة قليل بالنسبة الى خلود العاصيين فى النار.

افرض أن الإنسان مجبور على افعاله كما يقول المجبّرة و سيّئاته علة تامة لوجود النار و أنواع العذاب المخلّد يقع السؤال عن خلق مثل هذا المكلّف أليس هو بقبيح؟ فهذا القول لا يدفع السؤال.

وأعلم ان بعد طبع هذا الكتاب رأيت لهذا العالم كتاباً آخر فرأيت تبدّل اعتقاد السابق في كتابه المعاد و صرّح بأن القيامة مادية و ان الجنة في السماء لا في باطن هذا العالم. والحمد لله على الوفاق.

ص: 174

64- الصورة النوعية و الصور المقدارية و العقلية

قال محمد بن ابراهيم صدر الدين الشيرازى صاحب الأسفار في رسالته الموجزة المسماة ب «زاد السالكين» في أصل الخامس من الاصول الاثنى عشرية التي يتوقف عليها المعاد الجسماني: إنّ الصورة في كلّ مركّب هي أصل حقيقته التي بها هو هو، و أما المادة و حركاتها و كذا مبدء الفصل الأخير لكل ماله أجناس و فصول -من الماهيات البسيطة و المركبة- هو أصل ذاته. و سائر الأجناس المترتبة و الفصول المتنوّعة هي توابعه و لوازمه غير المجعولة بجعل مستأنف، وكذا ما بازائها من المواد والصور فى الماهيات المركبة هي من آثاره و توابعه و فروعه. و اذا جرّدتَ النظر الى ذات تلك الصور وجدتها بذاتها ينشأ تلك اللوازم و فاعلها و عينها الجمعى و مصداق حمل (جعل- خ) معانيها و ماهياتها، و ان كانت الصورة تفتقر في حدوثها الى ضروبها من افراد تلك اللوازم و هي المعّدة لها، لكن تلك المعّدات غير هذه اللوازم بالعدد.

و بالجملة اذا نظرت الى هوية تلك الصورة الكمالية وجدت هذه الآثار متحدة بها، موجودة بوجودها على وجه ألطف و أبسط و أكمل و أتم (من ظ). وجوداتها الخاصة المفصلة (المنفصلة - خ)(1)

وقال في الأصل العاشر بانحصار العوالم و النشئآت بالثلاثة: ادناها هذا العالم المادى المستحيل الكائن الفاسد. و أوسطها عالم الصور المقدارية(2) المجردة عن المادة القابلة

ص: 175


1- زاد المسافرين و شرحها الطويل المفصل للسيد جلال الدين الآشتياني الطبعة الرابعة، ص 18 و 19 و أظن في صدر العبارة سقطاً و في ص 211 شرح زاد المسافر نقلاً عن رسالة الحشر لصاحب الأسفار هكذا أن الصورة في كل مركب هی اصل حقيقته التي بها هو هو ، و اما المادة فهى ليست الّا قابلة لوجودها و حاملة لامكانها و مصححة لجهات انفعالاتها و حركاتها وكذا مبدء الفصل الأخير لكل ماله اجناس..
2- اى الابعاد الثلاثة و الأشكال.

للمتضادات الحاملة للامكانات و الاستعدادات.(1) و أعلاها عالم الصور العقلية و المثل الالهية.

فالاولى دار الدنيا التى لا قرار لها ولا بقاء و الأخيران كلاهما باقيان لا زوال و لا انقطاع لهما. أحدهما (اى عالم الصور المقدارية) منقسم الى جنة السعداء و هم أصحاب اليمين و الى جحيم الاشقياء و هم أصحاب الشمال. و الآخر عالم القدس و جنة السابقين المقربين..(2)

أقول: ظاهر عبارته اسقاط عالم البرزخ -الواسطة بين الدنيا والآخرة فانه جعل عالم الصور في الجنة والنار و لايصح تعميمه للبرزخ و القيامة الّا اذا قيل بوحدة حال ساكني البرزخ و القيامة هي الصورة المقدارية.(3) و على كلّ، البرزخ عندنا مسكن الأرواح باجسام برزخية و هي أجسام لطيفة لا نعلم حقيقتها.(4)

و المُعاد (بضم الميم) في القيامة هو الأبدان المادية المتعلقة بها الأرواح و هي المأخوذة من الأرض، الكائنة فيها الآن، دون الصور المجردة عن المادة و ان فرضنا لها المقدار اى الأبعاد و الشكل كما هو مختار صاحب زاد المسافرين و من تبعه و الجنة أيضاً مادية كما يظهر من قوله تعالى في سورة النجم عند سدرة المنتهى عندها جنة المأوى. و المعراج كان جسمانيا ماديّاً عند مشهور العلماء و هو المستفاد من أحاديث المعراج، بل فيها أنه صلّی الله علیه و آله و سلّم دخل الجنة ليلة المعراج. و قد أهمل الباحثون هذه الآية و دلالتها على مادية الجنة، فاني لم أر من استدلّ بها أو أنكرها و أولها الى مذهبه و هذا عجيب. نعم ذهب السبزواري في بعض تعاليقه على الأسفار أنه صلّی الله علیه و آله و سلّم عرج بجسده الشريف الظاهرى فى اليقظة الى فوق السماء و بروحه

ص: 176


1- و هي عالم المثال.
2- المصدر السابق، ص 21 و 22.
3- لكن باختلاف المرتبة من الضعف و الشدة مثلاً، كما ذكره السبزواري في تعليقته على محل آخر من الأسفار.
4- هل البرزخ الوارد في القرآن (و من ورائهم برزخ الى يوم يبعثون) مخصوص بافراد الإنسان أم يشمل سائر الأنواع الموجودات العاقلة كالجن و من يسكن في سائر السيارات والكواكب فى الكون؟ سؤال لم أقف على جوابه في كلام أحد من الباحثين و لا في شيء من الآيات و الأحاديث. والله العالم.

القدسى الى حريم أو أدنى (الأسفار ج 50/9). و لعلّ تحديد العروج الجسدى الى فوق السماء من جهة الهيئة البطلميوسية البائدة المقبورة فعلاً. فتأمل.

65- خلق الأمثال و تبديلها

قال الله تعالى: «نَحْنُ قَدَّرْنَا بَيْنَكُمُ الْمَوْتَ وَ مَا نَحْنُ بِمَسْبُوقِينَ، عَلَى أَنْ نُبَدِّلَ أَمْثَالَكُمْ وَ تُنْشِئَكُمْ فِي مَا لَا تَعْلَمُونَ، وَ لَقَدْ عَلِمْتُمُ النَّشْأَةَ الْأُولَى فَلَوْ لا تَذَكَّرُونَ» (الواقعة: 60-62) «أ وَ لَمْ يَرَوْا أَنَّ اللَّهَ الَّذِي خَلَقَ السَّمَاوَاتِ وَ الْأَرْضَ قَادِرٌ عَلَى أَنْ يَخْلُقَ مِثْلَهُمْ» (الإسراء: 99) «أَوَ لَيْسَ الَّذِي خَلَقَ السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضَ بِقَادِرٍ عَلَى أَنْ يَخْلُقَ مِثْلَهُمْ» (يس: 81)

أقول: الكلام فى هذه الآيات الثلاث في مقامات:

المقام الاول: الآية الأولى بحسب الاطلاق و السياق تشمل البرزخ و القيامة و الثانية و الثالثة بقرينة السياق تختصان بالقيامة فراجع.

المقام الثانى: ان تبديل الجسم المادي الدنيوي بالجسم البرزخي اللطيف واضح و لا خلاف فيه ظاهراً، والاختلاف بين المتكّلمين و الفلاسفة إن تحقق، فهو في الخصوصيات مثل أنه هل هو بانشاء النفس الناطقة فى البرزخ أو في الدنيا أو أنه موجود مع البدن المادى في الدنيا من الاول أيضاً و قد تقدّم الأقوال حوله. و نحن نقول: والله العالم.

المقام الثالث: و هو العمدة ما هو المراد من خلق المثل و تبديل الأمثال؟ يمكن أن يقال: أن المراد به هو إعادة الجسم البدني حملاً على غيرها من الآيات الظاهرة في إعادة الأجسام الدنيوية في الآخرة، فان القرآن يفسر بعضه بعضاً، و قد يستعمل المثل في العين نحو مثلى لا يفعل ذلك اى انا لا أفعل ذلك.

و لا يبعد ان الآيات الثلاث لا تنفى عدم إعادة المادة السابقة بل الظاهر من المثلية إعطاء الصورة الجديدة مكان صورة السابقة المعدومة و لاسيّما أن الصور الانسانية في القيامة صور

ص: 177

شابة متغائرة لها من جهات و تؤيد هذا التوجيه الآية المتقدمة من سورة يس فقد صرّح الله قبلها بآيتين أنه هو الذي يحيى العظام الرميمة.

و أيضاً الزمان والمكان وجملة من الشرايط لا يناسب العينية و استعمال كلمة المثل أوفق.

بل يمكن أن نقول: بخروج الآية الأولى من محل البحث بأن المراد من تبديل الأمثال هو تبديل أمثال الأقوام و ان الله يبدّل فى الدنيا أمثالكم من الأقوام، يجيء قوم ثمّ يموت و يجيء بإرادته تعالى قوم آخر مثلكم و هكذا وينشئكم اذا متم فيما لا تعلمون.

66- تسوية الأرض أو تقطيعها في النهاية

أرض موقف الحساب (المحشر) غير كرة الأرض هذه جزماً لقوله تعالى: «يَوْمَ تُبَدَّلُ الأَرْضُ غَيْرَ الْأَرْضِ وَ السَّمَاوَاتُ وَ بَرَزُوا لِلَّهِ الْوَاحِدِ الْقَهَّارِ» (إبراهيم: 48)

يخبر الآية عن تبدّل الأرض والسموات يوم القيامة و بروز الناس لله تعالى.

فليس معنى التبدل تبدل أوصافها و جبالها و تسوية ظهرها حتى تكون هي محشر الناس قطعاً لتبدل سمواتها أيضاً. يقول القرآن الكريم: «فَإِنَّمَا هِيَ زَجْرَةٌ وَاحِدَةٌ .. فَإِذَا هُمْ بِالسَّاهِرَةِ..» (النازعات: 13 و 14) الساهرة من السهر بمعنى اليقظة و تطلق كلمة الساهرة على أرض الصحارى إذ لا ينام عليها للخوف عن قطاع الطريق و السبع.

أقول: نحن نسمّى موقف القيامة - وهى كرة كبيرة في الفضاء بهذا الإسم (كرة الساهرة) إذ الناس في خوف شديد من حسابهم و أعمالهم و جزائها و لیست هو هذه الأرض جزماً.

و هل الأرض نفسها تفتت و تنشر أجزائها المصغَرة فى الفضاء إما بالزلزلة و الرجف أو الدك لضعف الجاذبية العامة فيقع التصادم و التضارب بين السيارات الخارجة عن مداراتها، بل و كذا النجوم في المجرّات. أو لا؟ بل المراد تسوية ظهر الأرض و محو الجبال و إنتشار أجزائها الصغار؟

ص: 178

فيه أنظار مختلفة بين المفسرين، كما أن اللغويين إختلفوا فى معنى الدك و ذكروا له معان متعددة فلاحظ تفصيل ذلك في الكتاب القيم، المعجم فى فقه لغة القرآن و سر بلاغته المطبوعة بالمشهد الرضوى(1) و اليك نقل يسير منه:

عن الخليل: و الدك كسر الحائط و الدكداك: الرمل المتبلد.

و عن إبن دُريد: دكّ الأرض يدكّها دكّاً، إذا سوّى ارتفاعها و هبوطها للأرض.

و عن الخطّابي: و أصل الدك: الكسر و يقال: الدق و منه قوله الله تعالى: «كَلّأَ إِذَا دُكَّتِ الْأَرْضُ دَكَّاً دَكَاً» (الفجر: 21) أى دقت جبالها و أنشازها حتى إستوت.

أقول: ولا يخفى أنه تأويل على خلاف ظاهر الآية. على هذا المعنى.

و عن المصطفوى: الأصل الواحد في هذه المادة هو الهدم و القرع بحيث يجعله مستوياً و يزيل صورة وجوده و يعبّر عنه بالفارسية بكلمة کوبیدن و از هم پاشیدن.

و عن الطبري في قوله تعالى: «كَلأَ إِذَا دُكَّتِ الْأَرْضُ دَكَاً دَكَاً» (الفجر: 21) تحريكها.

و عن القمى فتت فتاً و عن الطوسى 347/20: تمدّ الأرض مدا الأديم يوم القيامة.

أقول: العمدة في بقاء الأرض مستوية و زوال الجبال و مطلق الأنشاز(2) هو قوله تعالى: «فَيَذَرُهَا قَاعاً صَفْصَفاً» (طه: 106) بناءً على أن القاع هو الأرض المستوية وكأنّ كلمة صفصفاً مؤكدة للقاع.

و العمدة في تفتيت الأرض قوله تعالى: «وَ حُمِلَتِ الْأَرْضُ وَالْجِبَالُ فَدُكَّتَا دَكَةً وَاحِدَةً» (الحاقة: 14) بقرينة الجبال حيث تصير هباء منبثاً.

و أما مياه أبحار الأرض فيظهر حالها من قوله تعالى: «وَ إِذَا الْبِحَارُ سُجِّرَتْ» (التكوير: 6) «وَ إِذَا الْبِحَارُ فُجِّرَتْ» (الانفطار: 3 ) و أما كيفية التفجير و التسجير يوم القيامة أو عنده، فهى

ص: 179


1- المجلد، 19، ص 795 - 843.
2- زوال الجبال مدلول آيات غير هذه الآية.

غیر معلومة لنا و كذا أسبابها.

و العمدة في تفتيت الأرض و هدمها ما ورد في القرآن: «مَا خَلَقَ اللَّهُ السَّمَاوَاتِ وَ الْأَرْضَ وَ مَا بَيْنَهُمَا إِلا بِالْحَقِّ وَ أَجَلٍ مُسَمًّى» (الروم: 8) و (الاحقاف: 3) بتفاوت ما.

67- المستدركات عند الطبعة الثانية

1- تبدّل الطاقة بالمادّة:

يقال: اذاكان بداية الكون هي طاقة تحوّلت تدريجيّاً الى مادّة فإنّ مقدار هذه الطاقة هائل الى درجة مُرعبة. و يمكن أن نستنتج ذلك من خلال معادلة إنشتاين الشهيرة و هي: الطاقة= الكتلة× مربع سرعة الضوء و ينتج منها أن الكتلة= الطاقة+ سرعة الضوء فيحتاج تكوين غرام واحد من المادة الى طاقة تساوى ثلاثين ألف مليار كيلوجول. وهذه الطاقة كبيرة جداً تساوى ما ينتج من احتراق كمية من النفط تعادل مياه البحر الأبيض المتوسط!!!(1)

2- توضيح حول حشر الأجسام

«يَخْرُجُونَ مِنَ الْأَجْداثِ كَأَنَّهُمْ جَرادٌ مُنْتَشِرٌ» (البقرة: 7) بلی ملخ دم خود را زیر خاک می کند و تخم می گذارد، بعد از چندی تخمها مبدل بکرم شده و آنگهی با تغییر صورت مبدل به پروانه و در اخیر تبدیل به ملخ می شوند. یکی ادعا نموده که همین صحنه را بعینه در یک فلم دیده است.

بلی ذرات بدن انسان ها نیز در بهار قیامت هم چون تخمهای ملخ بتدریج به انسانها تبدیل شده و زمین را پر خواهند کرد.

ص: 180


1- نشوء الكون و آفاقه مدرسة الرسول المصطفى و العلوم الحديثة ص 98-99 اقول: فتأمّل فيه.

3- حياة الدار الآخرة

«وَ مَا هَذِهِ الْحَيَاةُ الدُّنْيَا إِلا لَهْوٌ وَ لَعِبٌ وَ إِنَّ الدَّارَ الْآخِرَةَ لَهِيَ الْحَيَوَانُ لَوْ كَانُوا يَعْلَمُونَ» (العنكبوت: 64)

أقول: و ليست هذه الحياة الحاضرة الدانية المنحطة إلا لهو و لعب و ان الدار العقبي التي فيها الحساب و الجزاء الثواب و العقاب كلها من جمادها و نباتها و حیوانها فضلاً عن الجن و الانس، فيها حياة.

أقول: -والله العالم- و الحياة مستلزم العلم و القدرة في الجملة.

«وَ قَالُوا لِجُلُودِهِمْ لِمَ شَهِدْتُمْ عَلَيْنَا قَالُوا أَنْطَقَنَا اللهُ الَّذِي أَنْطَقَ كُلَّ شَيْءٍ» (فصلت: 21) تدلّ الآية على نطق كل شيء في القيامة، و النطق يستلزم الحياة و العلم «يَوْمَ نَقُولُ لِجَهَنَّمَ هَلِ امْتَلَاتِ وَ تَقُولُ هَلْ مِنْ مَزِيدٍ» (ق: 30) تدلّ على علم النار و نطقه أو علم كرّة جهنّم (مكان النار) و نطقها.

وقريب منه قوله تعالى: «وَ أَعْتَدْنَا لِمَنْ كَذَّبَ بِالسَّاعَةِ سَعِيراً.. إِذَا رَأَتْهُمْ مِنْ مَكَانٍ بَعِيدٍ سَمِعُوا لَهَا تَغَيُّظاً وَ زَفِيراً» (الفرقان: 11 و 12) و قوله تعالی فی حق نار جهنم: «كَلأَ إِنَّهَا لَظَى... تَدْعُو مَنْ أَدْبَرَ وَ تَوَلَّى» (المعارج: 15 و 17)

4- تحديث الأرض الحاضرة في الآخرة

«وإِذَا زُلْزِلَتِ الأَرْضُ زِلْزَالَهَا... و أَخْرَجَتِ الْأَرْضُ أَثْقَالَهَا... يَوْمَئِذٍ تُحَدِّثُ أَخْبَارَهَا... بِأَنَّ رَبَّكَ أَوْحَى لَهَا (الزلزلة: 1-5).

5- رؤية الأجسام اللطيفة في القيامة

«يَوْمَ يَرَوْنَ الْمَلائِكَةَ...» (الفرقان 22) يدلّ على أنّ الإنسان يرى في الآخرة الملائكة و الظاهر أنّه لا فرق بين الملك و الجنّ و سائر الأجسام اللطيفة كالريح و نحوه. بل يمكن أن

ص: 181

يستدلّ له بقوله تعالى: «...فَبَصَرُكَ الْيَوْمَ حَدِيدٌ» (ق: 22) كل هذه الأمور الثلاثة في العناوين (3، 4 و 5) تدل على التكامل الواقع فى الدار الآخرة (اى كرة الحساب و الجنة و النار) و في أرض الدار الدنيا آنذاك.

6- حول الكافر القاصر

تقدّم الكلام فى الفصل الواحد والثلاثين فيه مفصلاً، و هنا شيء آخر و هو أن الكافر المؤمن بالله و باليوم الآخر من اليهود و النصارى و غيرهما ممَّن لا يؤمنون بنبوة نبينا خاتم النبيين صلّی الله علیه و آله و سلّم اذا كان قاصراً هل يقبل أعماله الصالحة و يستحق بها الثواب في الآخرة؟

قيل نعم لجملة من الآيات القرآنية:

1- الآيتان المذكورتان في سورة النساء: «لَيْسَ بِأَمَانِيَّكُمْ وَ لَا أَمَانِي أَهْلِ الْكِتَابِ مَنْ يَعْمَلْ سُوءاً يُجْزَ بِهِ وَ لَا يَجِدْ لَهُ مِنْ دُونِ اللهِ وَلِيّاً وَ لا نَصِيراً... وَ مَنْ يَعْمَلْ مِنَ الصَّالِحَاتِ مِنْ ذَكَرٍ أَوْ أُنْثَى وَ هُوَ مُؤْمِنٌ فَأُولئِكَ يَدْخُلُونَ الْجَنَّةَ وَ لا يُظْلَمُونَ نَقِيراً» (123و 124)

2- الآيات المزبورة في البقرة: «وَ قَالُوا لَنْ تَمَسَّنَا النَّارُ إِلا أَيَّاماً مَعْدُودَةً قُلْ أَتَّخَذْتُمْ عِنْدَ اللَّهِ عَهْداً فَلَنْ يُخْلِفَ اللَّهُ عَهْدَهُ أَمْ تَقُولُونَ عَلَى اللهِ مَا لَا تَعْلَمُونَ... وَ الَّذِينَ آمَنُوا وَ عَمِلُوا الصَّالِحَاتِ أُولئِكَ أَصْحَابُ الْجَنَّةِ هُمْ فِيهَا خَالِدُونَ» (البقرة: 80 و 82).

3- الآيتان المذكورتان فيها أيضاً: «وَ قَالُوا لَنْ يَدْخُلَ الْجَنَّةَ إِلا مَنْ كَانَ هُوداً أَوْ نَصَارَى تِلْكَ أَمَانِيُّهُمْ قُلْ هَاتُوا بُرْهَانَكُمْ إِنْ كُنْتُمْ صَادِقِينَ... بَلَى مَنْ أَسْلَمَ وَجْهَهُ لِلَّهِ وَ هُوَ مُحْسِنٌ فَلَهُ أَجْرُهُ عِنْدَ رَبِّهِ وَ لاَ خَوْفٌ عَلَيْهِمْ وَلَا هُمْ يَحْزَنُونَ» (البقرة: 111 و 112).

لكن في دلالتها على مراد قائله خفاء و اشكالٌ ولابد من الجمع بينها و بين غيرها من الآيات القرآنية الدالة على كفر أهل الكتاب و عدم قبول الأعمال منهم و من غير المتقين فتأمل جيّداً. وتفصيل البحث في غير المقام.(1)

ص: 182


1- لاحظ بعض البحث صراط الحق، ج 2، في شروط التكليف.

7- انتقال الأعمال

قال الله تعالى: «إِنِّي أُرِيدُ أَنْ تَبُوءَ بِإِثْمِي وَ إِثْمِكَ فَتَكُونَ مِنْ أَصْحَابِ النَّارِ وَ ذلكَ جَزَاءُ الظَّالِمِينَ» (المائدة: 29). تدل الآية- و ان كان قائلها ابن آدم (هابيل المظلوم)- على انتقال إثم المقتول الى القاتل. و في تعميم ذلك الى انتقال إثم كلّ مظلوم الى ظالمه بأيّ أقسام الظلم مع الموازنة نظرٌ أو منعٌ. ثمّ فى انتقال جميع آثام المقتول الى القاتل أو بعضه وجهان والله العالم.

8- غَفر الذنوب

المغفرة بمعنى الستر فغفران الذنوب سترها و أثره عدم وصول عذابها الى مرتكبها، لا بمعنى المحو. اللّهم إنّي أريد من فضلك محو ذنوبى كلَّها.

و قال بعض المحققين: الوارد في القرآن بالنسبة الى هبة الذنوب هو لفظ الغفران دائماً و لم يرد هو في حق السيئات حتى مرّة واحدة بل الوارد فيها مادة التكفير و ورد مرّة «نَتَجَاوَزُ عَنْ سَيِّئَاتِهِمْ» (الاحقاف: 16) و قال تعالى: «كَفِّرْ عَنَّا سَيِّئَاتِنَا» (آل عمران: 193) ثمّ قال الذنوب تحررت بشكل الطاقة و تتجسّم في الآخرة، و اما السيئات فهي ليست نفس المعاصى بل هي آثارها بشهادة قوله تعالى: «فَأَصَابَهُمْ سَيِّئَاتُ مَا عَمِلُوا» (النحل: 34) و بشهادة قوله تعالى: «وَ بَدَا لَهُمْ سَيِّئَاتُ مَا كَسَبُوا (الزمر: 48) و بشهادة قوله تعالى: «فَوَقَاهُ اللهُ سَيِّئَاتِ مَا مَكَرُوا» الغافر: 45) و غيرها.

فجری اصطلاح القرآن في اطلاق الغفران على نفس المعاصى اى الذنوب و في اطلاق التكفير على آثارها و هى السيئات. والله العالم.(1)

ص: 183


1- قاموس قرآن، ج 5، ص 110. لمؤلفه سید علی اکبر قرشی.

9- القيامة مادية

كلمة القيامة التي تكررت بمضافها (يوم القيامة) في القرآن الكريم سبعين مرّة تدل على كينونة مادية المحشور في الدار الآخرة، فانها بمعنى القيام من القبور و خروجها منها حيّاً كما يفهم كل عارف باللغة العربية و ما ذكره الفلاسفة من الأجسام المثالية الفاقدة من إختراع منهم.

و عن المجمع: قام يقوم قياماً و قيامة، مثل عاد يعود عياداً و عيادةً، و عن الراغب أن حرف التاء في كلمة القيامة للدفعة و ان القيامة تقع دفعة. «فَإِذَا هُمْ قِيَامٌ يَنْظُرُونَ... فَإِذَا هُمْ مِنَ الْأَجْدَاثِ إِلَى رَبِّهِمْ يَنْسِلُونَ».

10- اعادة الكائنات

بعد خراب السموات الفعلية عند يوم القيامة أو فيه، تعاد مرّة ثانية نحو إعادة الإنسان و كلتاهما مادية. قال الله تعالى: «يَوْمَ نَطْوِي السَّمَاءَ كَطَيّ السِّجِلَّ لِلْكُتُبِ كَمَا بَدَأْنَا أَوَّلَ خَلْقٍ نُعِيدُهُ وَعْداً عَلَيْنَا إِنَّا كُنَّا فَاعِلِينَ» (الانبياء : 104) بل ظاهر قوله تعالى: «وَ هُوَ الَّذِي يَبْدَأُ الْخَلْقَ ثُمَّ يُعِيدُهُ وَ هُوَ أَهْوَنُ عَلَيْهِ» (الروم: 27) هو عموم الحشر و إعادة جميع الخلق دون خصوص الإنسان و السماء، فما تقدم منّا من انكاره فيما سبق لا يعتنى به فتأمّل فيه.

توضیح البحث

نعم في القرآن آيات تدل على اعادة الخلق

1- «يَوْمَ نَطْوِي السَّمَاءَ كَطَيّ السِّجِلِّ لِلْكُتُبِ كَمَا بَدَأْنَا أَوَّلَ خَلْقٍ نُعِيدُهُ وَعْدًا عَلَيْنَا إِنَّا كُنَّا فَاعِلِينَ» (الأنبياء: 104)

2- «إِنَّهُ يَبْدَأُ الْخَلْقَ ثُمَّ يُعِيدُهُ» (يونس: 4)

3- «قل اللهُ يَبْدَأُ الْخَلْقَ ثُمَّ يُعِيدُهُ» (يونس: 34)

4- «أمَّن يَبْدَأُ الْخَلْقَ ثُمَّ يُعِيدُهُ وَمَن يَرْزُقُكُم» (النمل: 64)

ص: 184

5- «أَوَلَمْ يَرَوْا كَيْفَ يُبْدِئُ اللهُ الْخَلْقَ ثُمَّ يُعِيدُهُ» (العنكبوت: 19)

6- «اللهُ يَبْدَأُ الْخَلْقَ ثُمَّ يُعِيدُهُ ثُمَّ إِلَيْهِ تُرْجَعُونَ» (الروم: 11)

7- «وَهُوَ الَّذِي يَبْدَأُ الْخَلْقَ ثُمَّ يُعِيدُهُ وَهُوَ أَهْوَنُ عَلَيْهِ» (الروم: 27)

يمكن أن يكون المراد من الخلق فى هذه الآيات الكريمة هو الانسان فقط كما يؤيده ما في بعضها و في ما قبله و فيما بعده من القرآئن او المخلوقات الحّية العاقلة المكلفة بالدين كالانس و الجن و (الشياطين) و المخلوقين الأحياء العقلاء المختارين فى السيارات الكائنة في السموات و المجرات(1) الذين لهم الحساب و الثواب و العقاب سواء كان لهم برزخ كبرزخنا أو لم يكن له برزخ اصلا.

و على هذين الاحتمالين لا اشكال في الفهم الكلى من هذه الآيات فانها من آيات المعاد.

و هنا احتمال ثالث: و هو اعادة جميع ما في الأرض من الحيوانات و النباتات و الجمادات و المائعات في كرة الحساب و ميدان الحساب او في كرة كبيرة أخرى من اول الخلقة الى آخرها كاعاة الانسان. و فهم هذا الاحتمال خارج عن عقولنا و منابع ادراكنا، فعلى تقدير ارادته من الايات المتقدمة الشريفة نرجع علمه الى الواجب الوجود غير المتناهى.

و هنا احتمال رابع: في اعادة الخلق و هو اعاة المخلوقات قاطبة بعد هذه الدورة من أدوار الايجاد لا بصفاتها الفردية كاعادة نفس هذه الاراق الموجودة فعلا على جذوع هذه الشجرة المعينة الجزئية فانه راجع الى الاحتمال الثالث الخارج عن سلطان افهامنا بل بنحو ما يسمى في مطلع القرن الواحد و العشرين بالانفجار العظيم ان صح علمياً و انا احتمل ان مثل هذه الاعادة

ص: 185


1- در سوره شوری آیه 29 می خوانیم «وَمِنْ آيَاتِهِ خَلْقُ السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضِ وَمَا بَثَّ فِيهِمَا مِن دَابَّةٍ وَهُوَ عَلَى جَمْعِهِمْ إِذَا يَشَاءُ قَدِيرٌ» (الشورى: 29) يفهم من هذه الآية وجود الدواب فى السماء كما في الارض.

او ما يشابها قد وقعت كثيراً فى الازمنة الماضية البعيدة غاية البعد. و سيتكرر في المستقبل البعيد ايضا تكررا كثيرا و هو الخالق الذى لا اول له ولا آخر له و هو الموجود الواحد الاحد الذي لا يتناهى وجوداً و علماً و قدرة.

تب علينا فاننا بشر ما عرفناک حق معرفتك بل ما عرفناه واحدا من مأة و كمال معرفتنا هو اقرارنا و اعترافنا بعجزنا عن معرفته تعالى.

و هنا احتمال خامس: و هو ان كلمة الخلق ليس بمعنى المخلوق؛ بل بمعنى الخلق المصدرى -آفریدن- او الاسم المصدر ای آفرینش فى بعض هذه الآيات و حنيئذ هو امر مفهوم سهل يسير و كأنه يرجع الى الاحتمال الرابع فلاحظ و تأمل.

11- معاني النفس في القرآن

يستفاد من القرآن المجيد أن كلمة النفس استعملت في معان مختلفة متعددة:

1- بمعنى الروح: و قد تقدّم في الفصول الأوائل من هذا الكتاب بيان بعض مواردها، و المراد بالروح ما هو حقيقة الإنسان دون سائر معانيه.

2- بمعنى الذات: «أَنَّ النَّفْسَ بِالنَّفْسِ» (المائدة: 45) «وَ اتَّقُوا يَوْماً لَا تَجْزِي نَفْسٌ عَنْ نَفْسٍ شَيْئاً» (البقرة: 123) خلقكم من نفس واحدة. في غير مورد من القرآن.

3- بمعنى الغرائز: «وَ مَا أُبَرِّئُ نَفْسِي إِنَّ النَّفْسَ لَأَمَّارَةٌ بِالسُّوء» (يوسف: 53) و لعل مصاديق هذا القسم كثيرة.(1) منها قوله تعالى: «وَ نَهَى النَّفْسَ عَنِ الْهَوَى» (النازعات: 40)

4- بمعنى ما نسميه اليوم بالوجدان و الضمير: «وَ لا أُقْسِمُ بِالنَّفْسِ الدَّوَّامَةِ» (القيامة: 2) فتدبر فيه.

5- بمعنى الباطن و السر: «وَ تُخْفِي فِي نَفْسِكَ مَا اللهُ مُبْدِيهِ» (الاحزاب: 37) «فَأَسَرَّهَا

ص: 186


1- و القرينة عليه ما احتفت النفس بالدم.

يُوسُفُ فِي نَفْسِهِ» (يوسف: 77) فلاحظ.

68- الجنة ونعيمها

1- «جَنَّاتٌ تَجْرِي مِنْ تَحْتِهَا الْأَنْهَارُ(1) خَالِدِينَ فِيها وَ أَزْواجُ مُطَهَّرَةٌ وَ رِضْوانٌ مِنَ اللَّه» (آل عمران: 15)

2 - «وَ جَنَّةٍ عَرْضُهَا السَّماواتُ وَالْأَرْضُ أُعِدَّتْ لِلْمُتَّقِينَ» (آل عمران: 133)

3- «وَ جَنَّةٍ عَرْضُهَا كَعَرْضِ السَّماءِ وَ الْأَرْضِ» (الحديد: 21)(2)

4- «إِنَّ الْمُتَّقِينَ فِي جَنَّاتٍ وَعُيُونِ، ادْخُلُوهَا بِسَلامِ آمِنِينَ، وَ نَزَعْنا ما في صُدُورِهِمْ مِنْ غِلَّ إخواناً عَلَى سُرُرٍ مُتَقابِلِينَ، لا يَمَسُّهُمْ فِيها نَصَبٌ وَ ما هُمْ مِنْها بِمُخْرَجِينَ» (الحجر: 45 - 48)

5- «لَهُمْ فيها ما يَشاؤُنَ» (النحل: 31)

6- «يُحَلَّوْنَ فيها مِنْ أَساوِرَ مِنْ ذَهَبٍ وَ يَلْبَسُونَ ثِياباً خُضْراً مِنْ سُنْدُسٍ وَ إِسْتَبْرَقٍ مُتَّكِئِينَ فيها عَلَى الْأَرائِكِ نِعْمَ الثَّوابُ وَ حَسُنَتْ مُرْتَفَقاً» (الكهف: 31)

7- «لا يَسْمَعُونَ فِيها لَغْواً إِلا سَلاماً وَ لَهُمْ رِزْقُهُمْ فيها بُكْرَةً وَ عَشِيَّا» (مريم: 62)(3)

8- «فَلا تَعْلَمُ نَفْسٌ ما أُخْفِيَ لَهُمْ مِنْ قُرَّةٍ أَعْيُنِ» (التنزيل : 17)

9- «وَ لِباسُهُمْ فيها حَريرٌ» (فاطر: 33)

10- «إِنَّ أَصْحابَ الْجَنَّةِ الْيَوْمَ فِي شُغل فاكِهُونَ، هُمْ وَ أَزْواجُهُمْ فِي ظِلالِ عَلَى الْأَرَائِكِ

ص: 187


1- يمكن أن الأنهار المكرر ذكرها في القرآن تجرى على وجه الأرض و يمكن أن تجرى تحت الأرض لكنها ترى من وجه الأرض و هذا ألطف و ألذّ و لاملزم للقول الاول و ان كان مقبولاً عرفياً.
2- أسهل الوجوه أن يقال أن تشبيه سعة الجنة بسعة السموات و الأرض مجرد تفهيم سعة الجنة و يؤيده تشبيهها بالآية الثانية بالسماء و الأرض. فافهم.
3- مع عدم وجود الشمس في الجنة ربما يجوز حمل البكرة و العشى على مجرد الفصل الزماني الحاصل منهما في الدنيا لوقت الأكل و ان أمكن تحققهما في الجنة باختلاف الهواء و نورها.

مُتَكونَ، لَهُمْ فيها فاكِهَةٌ وَ لَهُمْ ما يَدَّعُونَ» (يس: 55-57)

11- «عَلى سُرُرٍ مُتَقابِلِينَ، يُطافُ عَلَيْهِمْ بِكَأْسٍ مِنْ مَعِينٍ، بَيْضَاءَ لَذَّةٍ لِلشَّارِبِينَ، لَا فِيهَا غَوْلٌ وَلا هُمْ عَنْهَا يُنْزَفُونَ، وَعِنْدَهُمْ قاصِراتُ الطَّرْفِ عينٌ، كَأَنَّهُنَّ بَيْضٌ مَكْنُونٌ» (الصافات: 44- 49)

12- «وَ فيها ما تَشْتَهِيهِ الْأَنْفُسُ وَ تَلَذُّ الْأَعْيُنُ» (الزخرف: 71)

13- «فيها أَنْهارٌ مِنْ مَاءٍ غَيْرِ آسِنِ وَ أَنْهارٌ مِنْ لَبَنِ لَمْ يَتَغَيَّرُ طَعْمُهُ وَ أَنْهَارٌ مِنْ خَمْرٍ لَذَّةٍ لِلشَّارِبِينَ وَ أَنْهَارٌ مِنْ عَسَلٍ مُصَفّى وَ لَهُمْ فيها مِنْ كُلِّ الثَّمَرات» (محمد: 15)

14- «وَ زَوَّجْنَاهُمْ بِحُورٍ عين، وَ يَطُوفُ عَلَيْهِمْ غِلْمَانٌ لَهُمْ كَأَنَّهُمْ لُؤْلُؤُ مَكْنُونٌ» (الطور: 20 و 24)

15- «وَ لِمَنْ خَافَ مَقامَ رَبِّهِ جَنَّتَانِ ... ذَواتا أَفْنان ... فيهِما عَيْنَانِ تَجْرِيانِ... مُتَّكِثِينَ عَلَى فُرُشٍ بَطائِنُها مِنْ إِسْتَبْرَقٍ ... فيهِنَّ قاصِراتُ الطَّرْفِ لَمْ يَطْمِثْهُنَّ إِنْسٌ قَبْلَهُمْ وَلا جَانٌّ» (الرحمن: 46 - 56)

16- «وَ السَّابِقُونَ السَّابِقُونَ، أُولئِكَ الْمُقَرَّبُونَ في جَنَّاتِ النَّعِيمِ، ثُلَّةٌ مِنَ الْأَوَّلِينَ، وَ قَلِيلٌ مِنَ الآخِرينَ.. وَ أَصْحابُ اليَمينِ ما أَصْحابُ الْيَمِينِ.. فَجَعَلْنَاهُنَّ أَبْكاراً، عُرُباً أثراباً» (الواقعة: 10- 37).

17- «يُفَجِّرُونَها تَفْجيراً، لا يَرَوْنَ فيها شَمْساً وَ لا زَمْهَرِيراً، عَيْناً فيها تُسَمَّى سَلْسَبِيلاً، وَ إِذا رَأَيْتَ ثَمَّ رَأَيْتَ نَعيماً وَ مُلْكاً كبيراً [الدّهر] (الإنسان: 6، 13، 18،20) 18- «حَدائِقَ وَ أَعْناباً، وَ كَوَاعِبَ أَتْراباً، وَ كَأْساً دِهاقاً، لا يَسْمَعُونَ فِيها لَغْواً وَ لا كِذَّاباً» (النبأ: 32 - 35)

تتمّة: و عبّر في القرآن عن الجنة بجنات النعيم و جنات المأوى و جنات عدن و جنات الفردوس و بدار المقامة و دارالسلام، وكان الاول أعلى لأنها جنة فيها «السَّابِقُونَ السَّابِقُونَ»

ص: 188

(الواقعة: 10)

و اعلم أن في هذه الآيات أسماء و كلمات و الفاظ تدلّ على مادية الجنة و أهلها.

69- النار و عذابها

1- «فَاتَّقُوا النَّارَ الَّتِي وَقُودُهَا النَّاسُ وَالْحِجَارَةُ أُعِدَّتْ لِلْكَافِرِينَ» (البقرة: 24)

2- «خالِدِينَ فيها لا يُخَفَّفُ عَنْهُمُ الْعَذابُ وَلا هُمْ يُنْظَرُونَ» (البقرة: 162)

3- «نُصْلِيهِمْ ناراً كُلَّما نَضِجَتْ جُلُودُهُمْ بَدَّلْناهُمْ جُلُوداً غَيْرَهَا لِيَذُوقُوا الْعَذاب» (النساء: 56)

4- «إِنَّ الْمُنافِقِينَ فِي الدَّرْكِ الْأَسْفَلِ مِنَ النَّارِ» (النساء: 145)

5- «لَهُمْ شَرَابٌ مِنْ حَمِيمٍ» (الأنعام: 70)

6- «وَ لَقَدْ ذَرَأْنا لِجَهَنَّمَ كَثِيراً مِنَ الْجِنِّ وَ الْإِنْس» (الأعراف: 179)

7- «وَيُسْقى مِنْ مَاءٍ صديد» (ابراهيم: 16)

8- «لَها سَبْعَةُ أَبْوابِ لِكُلِّ بابٍ مِنْهُمْ جُزْءٌ مَقْسُومٌ» (الحجر: 44)(1)

9- «وَ إِنْ يَسْتَغِيثُوا يُغَاثُوا بِمَاءٍ كَالْمُهْلِ يَشْوِي الْوُجُوه» (الكهف: 29)

10- «قُطِّعَتْ لَهُمْ ثِيابٌ مِنْ نارٍ يُصَبُّ مِنْ فَوْقِ رُؤْسِهِمُ الْحَمِيمُ، يُصْهَرُ بِهِ ما في بُطُونِهِمْ وَ الْجُلُودُ، وَ لَهُمْ مَقامِعُ مِنْ حَديدِ» (الحج: 19-21)

11- «الَّذِينَ يُحْشَرُونَ عَلى وُجُوهِهِمْ إِلَى جَهَنَّم» (الفرقان: 34)

12- «أَمْ شَجَرَةُ الزَّقُومِ، إِنَّا جَعَلْنَاها فِتْنَةٌ لِلظَّالِمِينَ، إِنَّهَا شَجَرَةٌ تَخْرُجُ فِي أَصْلِ الْجَحِيمِ، طَلْعُهَا كَأَنَّهُ رُؤُسُ الشَّياطينِ، فَإِنَّهُمْ لَاكِلُونَ مِنْهَا فَمَالِؤُنَ مِنْهَا الْبُطُونَ، ثُمَّ إِنَّ لَهُمْ عَلَيْهَا لَشَوْباً مِنْ حَمِيمٍ، ثُمَّ إِنَّ مَرْجِعَهُمْ لَإِلَى الْجَحِيمِ» (الصافات: 62 - 68)

ص: 189


1- قيل سبع طبقات أسفلها جهنم فوقها لظى، فوقها الحطمة، فوقها سقر، فوقها الجحيم، فوقها السعير و فوقها الهاوية.

13- «إِذِ الْأَغْلالُ فِي أَعْنَاقِهِمْ وَ السَّلاسِلُ يُسْحَبُونَ» (غافر: 71)

14- «وَ سُقُوا ماءً حَميماً فَقَطَّعَ أَمْعَاءَهُمْ» (محمد: 15)

15- «يَوْمَ نَقُولُ لِجَهَنَّمَ هَلِ امْتَلَاتِ وَ تَقُولُ هَلْ مِنْ مَزيدٍ» (ق: 30)

16- «عَلَيْها مَلائِكَةٌ غِلاظٌ شِدَادٌ لا يَعْصُونَ اللهَ ما أَمَرَهُمْ» (التحريم: 6)

17- «وَ ما أَدْراكَ ما سَقَرُ، لا تُبْقي وَ لا تَذَرُ، لَوَاحَةٌ لِلْبَشَرِ، عَلَيْهَا تِسْعَةَ عَشَرَ، وَ ما جَعَلْنا أَصْحابَ النَّارِ إِلا مَلائِكَة» (المدثر: 27 - 31)

18- «لابثين فيها أحقاباً» (النبأ: 23)

19- «كَلأَ لَيُنْبَذَنَّ فِي الْحُطَمَةِ، وَ ما أَدْراكَ مَا الْحُطَمَةُ، نارُ اللَّهِ الْمُوقَدَةُ، الَّتِي تَطَّلِعُ عَلَى الْأَفْئِدَةِ، إِنَّها عَلَيْهِمْ مُؤْصَدَةٌ، في عَمَدٍ مُمَدَّدَةٍ» (الهمزة: 4 - 9)

إلفات نظر: انظر الآيات الواردة فى الجنة و جهنّم فانها ظاهرة في مادية المعاد (بضم الميم) دون ما يقول الحكماء كما اسلفنا أقوالهم.

70- بعد الجنة والنار

اشارة

1- اذا استقرّ أهل الجنة فى الجنان و ألقي أهل النار في النار فما ذا بعد ذلك؟

2- قبل خلق أدم في كرة الأرض هل خُلق آدم آخر فيها أو لا؟ و على الاول كم عدد آباء نوع البشر؟ و على الثاني هل خلق على الأرض قبل خلق أبينا آدم، موجود مادي عاقل مختار في هذه الكرة مكلّف غير الجن أرسل الى نوعه المرسلين من الأنبياء و الرسل علیهم السلام أو موجود مادي غير عاقل غير الحيوان و النبات و الجماد؟ أو موجود مادي عاقل غير مختار؟ أو مختار غير مكلّف؟ أو موجود غير مادي، روحاني أو غير روحاني لا نعلمه حتى تصوراً؟

هل في السموات و المجرّات كرات تسكنها النوع الإنسانى أو من الأنواع التي لا نتصورها مكلفين بالعبودية مختارين أو غير مختارين، ماديين أو روحانيين أو من حقائق لا نتصورها، أو غير مكلفين، من غير جنس الملائكة.

ص: 190

هل الحيوانات بأنواعها الموجودة في الأرض و غيرها توجد في جملة من الكرات؟ و كذلك من انواع النباتات؟

هل توجد في كرة أوكرات انواع آخر غير الحيوان والنبات و الجماد؟ و هل هناك قسم رابع لا نتصوره؟ أو اقسام اخرى و ما معنى قوله: «وَ إِنَّ الدَّارَ الْآخِرَةَ لَهِيَ الْحَيَوانُ» (عنكبوت: 64) و ما معنى هذه الحياة و نحن لا نعرف حقيقة حياتنا في الأرض و اكتفينا بمعرفة آثار حياتنا!

هل يعيد الله تبارك و تعالى كرة الأرض بعد خرابها أو مثلها أو بتغيير ما؟ و هي كرة قابلة للحياة و واجدة لما يتطلبه الحياة و فيها بدائع حكمته البالغة، المحيرة للعقول عظمت آلائه.(1)

كل ذلك و أمثالها احتمالات مجهولة لنا لكنها ممكنة و ما أوتينا من العلم الا قليلاً.

و أنا أظن بل أثق بملاحظة سعة الكون و بملاحظة أن الخالق ازليّ أبديّ أى لا اول له و لا آخر له، و هو موجود قدير عليم أنه لا خصوصية للإنسان و لا لكرة الأرض و ان فيضه و احسانه و ایجاده مستمرة من الماضى (لا من القدم كما مر) الى الأبد و لا نتصور الأبدية الّا بقدر ضعيف مبهم، و أن له تعالى أنواعا من المخلوق.

و أثق أيضاً بخلق موجود فعلاً و بعد قيامتنا و خراب الأرض خلقوا للعبادة و الطاعة، و ليست دورة الإنسان الا قطرة ضئيلة فى بحر الزمان، و لا معنى لأن نرى لدورنا خصوصية في خلّاقية خالق الأكوان و الأدوار.

و لا بأس بنقل بعض الأحاديث المتعلقة بالمقام:

روى الصدوق في خصاله بسند أحد رواته مجهول و بقيتهم ثقات عن الباقر علیه السلام يَقُولُ:

ص: 191


1- هل يوجد في بعض المجرات و السموات موجودات أرقى من هذا النوع الإنساني من نسل أبينا آدم و أكثر استعداداً و أرقى حضارة و أبلغ عقلاً وفكراً و أقدر ضبطاً على هواهم و أقرب الى خالقهم وأحسن عبادة له؟ لايردّ مع أحسنية تقويمهم الى أسفل السافلين؟

«لَقَدْ خَلَقَ اللهُ عَزَّ وَ جَلَّ فِي الْأَرْضِ - مُنْذُ خَلَقَهَا- سَبْعَةَ عَالَمِينَ لَيْسَ هُمْ مِنْ وُلْدِ آدَمَ خَلَقَهُمْ مِنْ أَدِيمِ الْأَرْضِ فَأَسْكَنَهُمْ فِيهَا وَاحِداً بَعْدَ وَاحِدٍ مَعَ عَالَمِهِ ثُمَّ خَلَقَ اللَّهُ عَزَّ وَ جَلَّ أَبَا هَذَا الْبَشَرِ وَ خَلَقَ ذُرِّيَّتَهُ مِنْهُ. وَ لَا وَ اللَّهِ مَا خَلَتِ الْجَنَّةُ مِنْ أَرْوَاحِ الْمُؤْمِنِينَ مُنْذُ خَلَقَهَا وَ لَا خَلَتِ النَّارُ مِنْ أَرْوَاحِ الْكُفَّارِ وَ الْعُصَاةِ مُنْذُ خَلَقَهَا. عَزَّ وَ جَلَّ لَعَلَّكُمْ تَرَوْنَ أَنَّهُ إِذَا كَانَ يَوْمُ الْقِيَامَةِ وَ صَيَّرَ اللَّهُ أَبْدَانَ أَهْلِ الْجَنَّةِ مَعَ أَزْوَاجِهِمْ فِي الْجَنَّةِ. وَصَيَّرَ أَبْدَانَ أَهْلِ النَّارِ مَعَ أَزْوَاجِهِمْ فِي النَّارِ. إِنَّ الله تَبَارَكَ وَ تَعَالَى [لَا يُعْبَدُ -خ ل] فِي بِلَادِهِ وَ لَا يَخْلُقُ خَلْقاً يَعْبُدُونَهُ وَ يُوَحِّدُونَهُ [بلى و الله ليخلقن الله خلقا من غير فحولة و لا اناث يعبدونه و يوحدونه] وَ يُعَظّمُونَهُ وَ يَخْلُقُ لَهُمْ أَرْضاً تَحْمِلُهُمْ وَ سَمَاءَ تُظِلُّهُمْ. أَلَيْسَ اللهُ عَزَّوَجَلَّ يَقُولُ: «يَوْمَ تُبَدَّلُ الْأَرْضُ غَيْرَ الْأَرْضِ وَ السَّمَاوَاتُ» وَ قَالَ اللهُ عَزَّوَجَلَّ: «أَ فَعَيِينا بِالْخَلْقِ الْأَوَّلِ بَلْ هُمْ فِي لَبْسِ مِنْ خَلْقٍ جَدِيدِ» (ق: 15)(1)

في الحديث مطالب:

فمنها: أنه لم يعلم أن أهل سبعة عالمين من نوع الإنسان أو غيره و لكن يظهر أن أجسامهم من أديم الأرض فكأنه مشعر بكونهم من النوع الإنسانى أو قريب منه، و ان لم يكونوا من نسل آدم علیه السلام.

و منها: أن كرة الحساب بعد اتمام الحساب يسكن فيها ذلك الخلق كما يستفاد من الاستشهاد بالآية الأولى. فتأمل.

و منها: غير ذلك.

و روى أيضاً فى خصاله بسند رواته ثقات سوى واحد مجهول عن جابر بن يزيد قَالَ: سَأَلْتُ أَبَا جَعْفَرِ علیه السلام عَنْ قَوْلِ اللَّهِ عَزَّ وَ جَلَّ: «أَ فَعَيِينَا بِالْخَلْقِ الْأَوَّلِ بَلْ هُمْ فِي لَبْسِ مِنْ خَلْقِ جَدِيدِ» فَقَالَ: يَا جَابِرُ تَأْوِيلُ ذلك أَنَّ اللَّهَ عَزَّ وَ جَلَّ إِذَا أَفْنَى هَذَا الْخَلْقَ وَ هَذَا الْعَالَمَ وَ أَسْكَنَ

ص: 192


1- بحار الأنوار، ج 6، ص 374.

أَهْلَ الْجَنَّةِ الْجَنَّةَ وَ أَهْلَ النَّارِ النَّارَ، جَدَّدَ اللهُ عَزَّ وَ جَلَّ عَالَماً غَيْرَ هَذَا الْعَالَمِ وَ جَدَّدَ خلق [هكذا] مِنْ غَيْرِ فُحُولَةٍ وَ لَا إِنَاثِ(1) يَعْبُدُونَهُ وَ يُوَحّدُونَهُ وَ خَلَقَ لَهُمْ أَرْضاً غَيْرَ هَذِهِ الْأَرْضِ تَحْمِلُهُمْ وَ سَمَاءً غَيْرَ هَذِهِ السَّمَاءِ تُظِلُّهُمْ. لَعَلَّكَ تَرَى أَنَّ اللهَ عَزَّوَجَلَّ إِنَّمَا خَلَقَ هَذَا الْعَالَمَ الْوَاحِدَ وَ تَرَى أَنَّ اللهَ عَزَّوَجَلَّ لَمْ يَخْلُق بَشَراً غَيْرَكُمْ؟ بَلَى وَ اللهِ لَقَدْ خَلَقَ اللهُ تَبَارَكَ وَ تَعَالَى أَلْفَ أَلْفِ عَالَمٍ وَ أَلْفَ أَلْفِ آدَمِ(2) أَنْتَ فِي آخِرِ تِلْكَ الْعَوَالِمِ وَ أُولَئِكَ الْآدَمِيِّينَ.

أقول: انظر تفسير البرهان في تفسير سورة الفاتحة و مانقل فيه من تعدد العوالم حول كلمة: رب العالمين.

71- النسبة بين الدار الحاضرة والدار الآخرة

1- هذه الدار متغيرة فى الكيفية و تلك الدار فيه ثبات و بقاء، و قد تقدّم ارتفاع أصل الكهولة في القيامة في اواخر الفصل 18 (المعاد الجسماني من منظر آخر). و هذا الفرق مهم جداً و من أعمق الفوارق بين الدارين و لابد للقارى من الرجوع الى مطالعة ما تقدّم في ذلك الفصل.

2- تعلق النفس بالبدن في الدار الحاضرة، تعلق تدبيريّ استكماليّ و في البرزخ لعله تعلق استعمالي ضعيف (والله العالم) و في القيامة تدبيري التذاذي استثماري للمقربين و أصحاب اليمين و في كونه استكمالي ضيعف أيضاً، فيه بحث محتاج الى البيان و لأصحاب الشمال تعلق تدبيري تألّمى.

3- تكامل الروح بنزع بعض الأخلاق السئية أو كلها في الجنة قال الله تعالى: «وَ نَزَعْنَا مَا فِي صُدُورِهِمْ مِنْ غِلَّ ..» (الأعراف: 43) «لاَ يَسْمَعُونَ فِيهَا لَغْواً وَ لاَ كِذَّاباً » (النبإ: 35) «وَ نَزَعْنَا مَا فِي صُدُورِهِمْ مِنْ غِلَّ إِخْوَاناً عَلَى سُرُرٍ مُتَقَابِلِينَ» (الحجر: 47)

ص: 193


1- هذه الجملة ظاهرةٌ في أنهم غير نوع الإنسان.
2- يظهر منه دوام خلق النوع الإنساني من الآدميين لحد الآن.

4- و قال الله تعالى: «يفجرونها تفجيراً» (الانسان: 6) و هذه قوة عجيبة يحصل لنفوس أهل الجنة.

5- ليست في الجنة شمس و لا زمهرير، و فور الأشياء المطلوبة لهم فيها يشاؤن (النحل: 31) و غيره.

6- أنهار الماء و اللبن و الخمر و العسل (في الجنة و ليست في هذه النشأة) (محمد: 15)

7- الدنيا دار تكليف و تكامل و الآخرة دار جزاء و ثبات و حساب.

8- و الدنيا جماد و نبات و حیوان و انسان و الدار الآخرة هى الحيوان، لكن الحياة الآخرة لا تنافي الجماد.

9- نطق الأعضاء حتى الجلود في الآخرة بخلاف النشأة الحاضرة فالجلود بما هي جلود تنطق، و قال تعالى: «حَتَّى إِذَا مَا جَاءُوهَا شَهِدَ عَلَيْهِمْ سَمْعُهُمْ وَ أَبْصَارُهُمْ وَ جُلُودُهُمْ بِمَا كَانُوا يَعْمَلُونَ، وَ قَالُوا لِجُلُودِهِمْ لِمَ شَهِدْتُمْ عَلَيْنَا قَالُوا أَنْطَقَنَا اللهُ الَّذِي أَنْطَقَ كُلَّ شَيْءٍ» (فصلت: 20 و 21)

10- المادة فى الحياة الحاضرة متغيرة فى الأجساد كماً و كيفاً وفي الآخرة ليست كذلك، انظر الفصل 50 و 61.

11- هذه الدار فيه اختلاط و امتزاج من تألّم و فراق و فرح و وصال نعمة و نقمة(1) و تلك دار خلوص في الجنة كل نعمة و لذة و سرور و فرح بلا شوب و في الجحيم كل عذاب و بلاء و تألّم لا غير ذلك، الا فى من يخرج من النار الى الجنة.

12- الدنيا وسيلة و العقبى مقصودة.

13- الدنيا مزرعة و العقبى حصاد و استنتاج.

ص: 194


1- رنج و گنج عیش و نیش، غم و شادی، عروسی و عزاداری، مرگ و حیات، فراق وصال، نو و کهنه، کسالت و نشاط، دلگرمی و دلسردی، کراهت و رضا.

14- الدنيا محدودة و الآخرة أبدية.(1)

ثم يظهر للمتأمّل أن دار الآخرة التي بيّنه القرآن و الأحاديث و فهمها المسلمون غير الدار الآخرة التي يعتقدها الفلاسفة في خصوصياتها ولكنهم غالباً لا يصرحون بذلك فلا يستخفنّك الذين لا يوقنون وليس معنى مغائرة الدارين بمعنى عدم تحقق المادة و نفى الحياة الآخرة في إحدى أو عدة من سيارات و كرات في بعض السموات كما تقدّم منا بيانه و استنباطه من القرآن المجيد (مع إيكال علمها الى الله تعالى) خلافاً لغير واحد من الفلاسفة حتى المقيدين منهم بالنصوص الشرعية، و بعض المتشرعين من المتكلمين المعاصرين، فيتخيّلون أنها اذا فرضت فى المجرات أو السموات فهى تكون دنيا لا آخرة.

و هذا التحكم منهم غير مقبول، فان كلمة الدنيا ليست بمعنى الكرات المادية ككرة الأرض التي فيها تكليف و إطاعة و معصية و لا توجد فيها اكثر المواد الإرتزاقية إلّا بعمل و اکتساب، و فيها أمراض و مصائب و مصاعب و مظالم، فيمكن أن يكون بعض الكرات في مجرّتنا دار آخرة كجنة أو جهنم، و كلمة الدنيا اسم تفضيل المؤنث و هي في القرآن صفة للحياة بمعنى اسم المصدر.

و اعلم أنّ الحياة المذكورة على قسمين:

الحياة الدنيا في هذه الكرة الأرضية.

الحياة الآخرة في محل آخر.

و الاول بلحاظ الكيفية على نحوين:(2)

ص: 195


1- انظر الفصل 79.
2- الدنيا في القرآن ليس بمعنى العالم (=جهان) بل هي كالكبرى و العلياء مؤنث أفعل التفضيل كالاكبر و الاعلى مثلا. و فى المنجد: دنا: دَنَا و دنوا و دنؤة و دَناءة فهو دنيء: كان ذليلاً خسيساج أدناء و دناءاً (پست و خوار و ذلیل) و فيه ايضاً: دنا: دنا يدنو دنّوا و دناوة الشيء و منه و اليه قرب، فهو دان، ج دناة أقول: الظاهر ان بعض مستعملات الكلمة (الحياة الدنيا) في القرآن بمعنى الحياة الاكثر خسة و سفلاً (پست تر) ای من المهموز و بعضها فيه بمعنى الأقرب اى الحياة الحاضرة اى من الواوى. نعم الدنيا في بعض الآيات لها موصوف اخر سوى الحياة كقوله تعالى: «السَّمَاءَ الدُّنْيَا و قوله: «الْعُدْوَةِ الدُّنْيَا وَهُم بِالْعُدْوَةِ الْقُصْوَى»؛ اى فى الحاشية القريبة من البر اى بَرّ المدينة و كان مشركو مكة فى قصوى الحاشية المذكورة.

الحياة الدانية النازلة اى البعيدة عن الدين و الأخلاق «أَنَّمَا الْحَياةُ الدُّنْيا لَعِبٌ وَلَهْوٌ وَ زِينَةٌ وَ تَفاخُرٌ بَيْنَكُمْ وَ تَكَاثُرٌ فِي الْأَمْوالِ وَ الْأَوْلادِ» (الحديد: 20)

الحياة الطيّبة المبتنية على تعاليم الدين «رَبَّنَا آتِنا فِي الدُّنْيا حَسَنَةٌ وَ فِي الْآخِرَةِ حَسَنَةً وَقِنا عَذابَ النَّارِ» (البقرة : 201» و كلمة الدنيا ليست بمعنى كلمة الكون و كلمة جهان الفارسية، بل هي كالكبرى و الوسطى و الصغرى، صفة من صفات الحياة سواء كانت الحياة في هذه الكرة أو في كرات اخرى. و اطلاقها على الحياة الطبيّبة بمعنى الدانية القريبة الحاضرة.

و الثاني: يمكن تقسيمه الى الحياة البرزخية بين الدنيا و القيامة، و الى الحياة في كرة الحساب و الجنة أو النار، لكن الدار الآخرة في القرآن يراد بها الحياة في الحساب و الجزاء دون الحياة البرزخية، وكذا دار السلام و دارالمقامة و دار القرار و دار الخلد و عقبى الدار مشتركة و سوء الدار كناية عن جهنم، و اما ما لفقوه في الفلسفة من أن في القيامة ليس فيها بزمان و لابدن مادي و أن البدن من انشاء النفس و العذاب و العقاب روحيان و قيل انهما يصلان الجسم المنشأ بانشاء الروح غير مادى، و غير ذلك فهو لا يستفاد من الكتاب و السنة و لا يجوز لأحد الاعتقاد بها، إن هى إلّا أسماء سمّيتموها أنتم و آبائكم (واسلافكم) و ما أنزل الله بها من سلطان.

و ما ذكرنا حول مكان الجنة و النار و موقف الحساب من أنّها في كرات أخرى و هي جزء من عالمنا المادي هو رأيى و نردّ أشدّ الرد على الذين تخيّلوا أن الدار الآخرة ليس بمادية، فإنّه مخالف للظواهر القرآنية و نحسبها مجرد تخيلاتهم و لا نرى بأساً باعتقاد جريان أحكام المادة من الزمان و المكان و الحركة و غيرهما حتى لزوم الأكل و الشرب في المحشر

ص: 196

و على نعماء الجنة و عذاب الجحيم و أجسام المكلفين و على الكرات الثلاث و مع ذلك لا نوجب قبول ما ذكرنا من كون أمكنة الحساب و الجنة والنار في كرات سامية، فانه غير مذكور صريحاً في كلام أحد من علمائنا الأعلام فضلاً عن تصريحه في القرآن المجيد، بل أقول هو مختارى استفدته من الكتاب الإلاهي حسب ما تقدّم، و لكل رأيه مالم يخالف الشريعة والله العالم.(1) و للمقام تتمّة تأتي في الفصل الثانى و السبعين إن شاء الله تعالى كما تقدّم بعض الكلام فيه في الفصل الخمسين في كلام الفاضل القرشي و الفصل اللاحق أيضاً يرتبط بهذا الفصل.

72- الخلود و مباحثه

اشارة

الأول- الناس على طوائف:

1- من يموت على الإيمان و العمل الصالح، سواء كان مؤمناً من اول بلوغه أو آمن من کفره.

2- من يموت على الإيمان والعمل الصالح و على الكبائر.

3- من يموت على كفره سواء كان كافراً من اول بلوغه أو كان مؤمناً ثم ارتدّ الى الكفر.

الطائفة الاولى يدخلون الجنة بعد العفو عن سيّئاته، و الطائفة الثانية أيضاً يدخلون الجنة بعد تصفيتهم من الكبائر امّا بعذاب المحشر أو بدخول النار بمقدار ذنوبهم أو بشفاعة من النبى الأكرم صلّی الله علیه و آله و سلّم أو من أحد أوصيائه أو بعفو الله تعالى عنهم، و الثالثة مخلدون في نار جهنم إذا كانوا معاندين أو مقصرين، و امّا إذا كانوا قاصرين فهم مرجَون لأمر الله و لا يستحقّون دخول الجنة والنار.

ص: 197


1- نعم مع ذلك نقول بفرق آخر بين الدارين أنّ الدار الآخرة لهى الحيوان وأن الجوارح أو بعضها ينطقها الله الذي أنطق كل شيئ. و غير ذلك كل ذلك لا ينفى الجماد فضلاً عن الأبدان و لكلها روحا و نطقاً. و هناك فرق آخر بينهما تقدم فى طى بعض المطالب.

و الكافر من أنكر صانع العالم و ربّه أو نبوة الأنبياء علیهم السلام لاسيّما نبوة خاتم النبيين صلّی الله علیه و آله و سلّم أو أنكر المعاد أو ضرورياً من ضروريات الاسلام إمّا مطلقا أو إذا استلزم انكاره انكار النبوة.

الثاني- نسب الى الوعيدية(1) أن مرتكبي الكبائر و ان كانوا مسلمين و مؤمنين، مخلدون في النار، و هو قول باطل لا وزن له لكن هنا عمومات أو مطلقات قرآنية ربما تدل على قول هؤلاء.

فمنها قوله تعالى: «وَ مَنْ يَقْتُلْ مُؤْمِناً مُتَعَمِّداً فَجَزَاؤُهُ جَهَنَّمُ خَالِداً فيها» (النساء: 93)

و منها قوله تعالى: «وَ مَنْ يَعْصِ اللَّهَ وَ رَسُولَهُ وَ يَتَعَدَّ حُدُودَهُ يُدْخِلْهُ ناراً خالداً فيها» (النساء: 14) و منها قوله تعالى: «وَ مَنْ يَعْصِ اللَّهَ وَرَسُولَهُ فَإِنَّ لَهُ نارَ جَهَنَّمَ خَالِدِينَ فِيها أَبَداً» (الجن: 23) و منها قوله تعالى: «وَ أَمَّا الَّذِينَ فَسَقُوا فَمَأْواهُمُ النَّارُ كُلَّما أَرادُوا أَنْ يَخْرُجُوا مِنْها أُعيدوا فيها» (السجدة: 20) و منها قوله تعالى: «وَ إِنَّ الْفُجَّارَ لَفِي جَحِيمِ، يَصْلَوْنَهَا يَوْمَ الدِّينِ، وَ ما هُمْ عَنْها بِغَائِبِينَ (الانفطار: 14-16) قيل و عدم الغيبة عنها خلودهم فيها.

أقول: يصح أن يحمل الآية الأولى على الاستحقاق الاقتضائى مع قطع النظر عن المسقطات للعذاب كما مرّ، بل من جاء الى ورثة مقتوله إختياراً فقتلوه قصاصاً يشكل القول بخلوده، بل يشكل عذابه الموقت حتى مع قطع النظر عمّا قلنا أنه يستحق الثواب بايمانه فلابد من إخراجه من النار، فيكون المراد بالخلود، طول المكث.

و منه يظهر الجواب عن الآية الثانية المختصة بحدود الميراث بشهادة سياق الآية، بطريق أولى. و كذلك عن الآية الثالثة الشاملة للصغائر و مثلها الآية الرابعة على أن السيئات مكفرة باجتناب الكبائر، فيصح أن يقال بأن الكبائر مقيدة بعدم تعقبها باحدى مسقطات العقاب المتقدمة، فتحمل الآية كسابقتها على أن دخول النار فضلاً عن الخلود فيها جزاء حسب طبع

ص: 198


1- قيل هم فرقة من الخوارج حيث يرون الكبيرة كفراً وقد ينسب ذلك الى المعتزلة و قد ينسب اليهم أن صاحب الكبيرة لامؤمن ولا كافر فهو بين المنزلتين.

معصية الله و اقتضائها جمعاً بينها و بين المكفرات و المسقطات و امّا الآية الرابعة فأمرها أسهل،اذ الفسق يطلق على الكفر و الحرام وترك الواجب المجردين من الكفر، فيحمل على الاول جمعاً بين الادلة و هذا واضح.

و هكذا الحال في الآية الأخيرة و اطلاقات اخرى في الكتاب العزيز.

الثالث: في خلود الكفار المعاندين و المقصرين.

و لا شك في أن القرآن كما يدل على خلود المؤمنين فى الجنة يدلّ على خلود الكفار بقسميه في النار(1) نعوذ بالله من قربها فضلاً عن الدخول فيها أو الخلود فيها، و كأن الضرورة الدينية الاسلامية قائمة على ذلك، و لكن مع ذلك فيه سؤال مشهور و هو عدم الموازنة بين المعصية الموقتة و المجازاة الدائمة الأبدية، و العقلاء لا يقبلون اكثرية الجزاء على الجريمة، لاسيّما من حكيم عادل، غني، رازق و رحمان.

و قد أجاب عنه أهل النظر بأجوبة متعددة واليك ما يحضرني.(2)

1- أن المعصية قد تكون موقتة متناهية فجزائه أيضاً كذلك و الا يلزم الظلم الممتنع على الله، و قد تكون غير متناهية، فلابأس بجزاء أبدي غير متناهية، و الكافر قدأنكر وجود الله الذي غير محدود و لا متناهٍ و إنّما المتناهى زمان العصيان لامن يعصيه و من ينكره.

أقول: ان سلّمناه فهو اخصّ من المدعى؛ فان الكفر قد يتحقّق مع الإيمان بالله كإنكار النبوات و الشرائع أو كإنكار نبيه الذى وجب عليه الإيمان به، واليوم جماعة كثيرة في الغرب يؤمنون بالله بحسب أفهامهم و لا يقبلون نبوة عيسى علیه السلام و نبوة أحد غيره و يردّون جميع الشرائع و أيضاً انكار إحدى الضروريات يوجب الكفر إمّا مطلقاً و إما من جهة تكذيب

ص: 199


1- تقدم ما يدل على اخراج الكافر القاصر -فضلاً عن المسلم القاصر- عن حكم دخول النار فضلاً عن الخلود فيها.
2- و قد ذكرتُ عشرة اجوبة فى مجلة الاستقامة ايام جهادنا ضد الشيوعية الهدّامة المحتلة لبلادنا حينما أقود حزب الحركة الاسلامية فى 25 سنوات من ابتداء 1358 ش. ولم يبق ببالى كلّ هذه الوجوه.

النبى صلّی الله علیه و آله و سلّم على أن انكار الكافر الصادر منه محدود و متناهٍ، و كذا نبوة الانبياء الماضيين الموقتة. والله العالم.

2- الكافر و إن كان كفره بمقدار عمره لكن من نيّته أنه لو عاش الى الأبد لا يؤمن بالله و المؤمن ينوى أنه يؤمن بالله أبداً إن عاش كذلك. فهؤلاء يجازون على نياتهم لا على أعمالهم.

و الدليل عليه رواية أبي هاشم قَالَ، قَالَ أَبُو عَبْدِ اللَّهِ علیه السلام: «إِنَّمَا خُلِّدَ أَهْلُ النَّارِ فِي النَّارِ، لِأَنَّ نِيَّاتِهِمْ كَانَتْ فِي الدُّنْيَا أَنْ لَوْ خُلِّدُوا فِيهَا أَنْ يَعْصُوا اللهَ أَبَداً، وَ إِنَّمَا خُلِّدَ أَهْلُ الْجَنَّةِ فِي الْجَنَّةِ، لِأَنَّ نِيَّاتِهِمْ كَانَتْ فِي الدُّنْيَا أَنْ لَوْ بَقُوا فِيهَا أَنْ يُطِيعُوا اللَّهَ أَبَداً، فَبِالنِّيَّاتِ خُلِّدَ هَؤُلَاءِ وَ هَؤُلَاءِ. ثُمَّ تَلَا قَوْلَهُ تَعَالَى: «قُلْ كُلٌّ يَعْمَلُ عَلى شاكِلَتِهِ» (الاسراء /84) قَالَ: «عَلَى نِيَّتِهِ».

و هذه الرواية مذكورة في محاسن البرقى و أصول الكافي و علل الشرايع (الوسائل ج 36/1). و يمكن أن نؤيّده فى الجملة بجملة من الروايات الأخرى المذكورة في أوائل وسائل الشيعة كقوله: «نيّة المؤمن خير من عمله و نيّة الكافر شرّ من عمله»، و قوله: «و النية أفضل من العمل، ألا و إنّ النيّة هى العمل وقوله: «وَ يُكتَبُ لِلْكَافِرِ فِي سُقْمِهِ مِنَ الْعَمَلِ السَّيِّءِ مَا كَانَ يُكْتَبُ فِي صِحَتِهِ». (إرجع الى الوسايل ج 1 الباب 7).

أقول: اوّلاً: حرمة نية الحرام محل اختلاف و أنها هل تكتب أو لا تكتب على الناوى؟ فيه روايات متعارضة.

و ثانياً: أنّ هذه الرواية و ما أيّدنا بها مضمون الرواية، كلّها ضعيفة سنداً فلا إعتماد عليها، و الآية المذكورة في آخرها لا تدلّ على مضمونها، على أنّ العقل لا يقبل مثل هذ الجزاء على النية مضافاً الى أنّ اكثر الكفار ليست لهم نية الكفر الدائم، و يرد على الرواية أن مدلولها يشمل المؤمنين -ضعفاء الايمان- أنهم يرتكبون المعاصى و لا يقلعون عنها مادام لهم قدرة فهل يحكم بخلودهم في النار؟!

ص: 200

3- مانسب الى جمع من الحكماء أو الى جميعهم من تجسّم الأعمال.(1) و حاصل هذا القول أنه لامعاقب خارجي في القيامة حتى يقال أن الخلود خالف لعدله و حكمته بل النار المخلد فيها وجدت من عمل المكلف و اعتقاده و اخلاقه، فلا يلوم أحد إلّا نفس الفاعل العاصى و الكافر.

قال في الأسفار فى بحث الخيرات و الشرور في المجلد الثاني منه: و إنما الوارد على النفس بعد مفارقة الدنيا هو على تقصيرها و تلطيخ جوهرها بالكدورات المؤلمة و الظلمات الموذية الموحشة، لا أن عقابها لمنتقم خارج... فإن العقوبات هنا لك[أى في الآخرة] من لوازم أعمال و أفعال قبيحة و نتائج هيئات ردية و ملكات سيئة، فهي حمالة لحطب نيرانها و معها وقود جحيمها و قريب منه ما في نهاية الدراية في شرح كفاية الاصول ج 1.

أقول: مسألة تجسّم الأعمال بنحو موجبة جزئية يمكن اثباتها من القرآن و الأحاديث و امّا بنحو الموجبة الكلية فمشكل، فقد استدل الحكماء عليه بدلائل بعضها مذكور في صراط الحق (ج 2، ص 209-211) و هي لا تفيد العلم.

و من جهة اخرى أن وجود الجنة والنار قبل خلق المكلفين يخالف التقرير المذكور سواء فيه نظر الأسفار أو التجسم الخارجي للعمل، و نحن نرى العذاب الروحي وحده باطلاً مخالفاً للقرآن و السنة و اجماع المسلمين، فانها تدل على العذاب البدني.

و لنا دليل قاطع آخر على بطلان هذه النظرية فلاحظ صراط الحق.(2)

ص: 201


1- و هو إما في النفس كما ذكر صاحب الأسفار في مبحث الخيرات و الشرور وفي بعض مباحث المعاد في الأسفار. إمّا في الخارج كما ذكره جمع آخرون و له صلة ما بما عنون في علم الكيميا (شيمي) من تبدل المادّة بالطاقة. أقول: و هل تتبدل الطاقة بالمادة كما ربما يشعر به أو يدلّ عليه بعض الآيات القرآنية؟ لابأس بالقول بامكانه و إن لم يتحقق بعد خارجاً.
2- نفس المصدر السابق. وربما نذكره في محل من هذا الكتاب.

5- ناقش بعضهم في خلود العقاب، بقوله تعالى: «وَ يَوْمَ يَحْشُرُهُمْ جَمِيعاً يَا مَعْشَرَ الْجِنِّ قَدِ اسْتَكْثَرْتُمْ مِنَ الْإِنْسِ وَ قالَ أَوْلِيَاؤُهُمْ مِنَ الْإِنْسِ.. قالَ النَّارُ مَثْواكُمْ خَالِدِينَ فِيهَا إِلا مَا شَاءَ اللهُ» (الأنعام/ 128)

6- و بقوله تعالى: «يَوْمَ يَأْتِ لا تَكَلَّمُ نَفْسٌ إِلا بِإِذْنِهِ فَمِنْهُمْ شَقِيٌّ وَسَعِيدٌ، فَأَمَّا الَّذينَ شَقُوا فَفِي النَّارِ لَهُمْ فِيها زَفِيرٌ وَ شَهِيقٌ، خالِدِينَ فيها ما دامَتِ السَّماواتُ وَ الْأَرْضُ إِلا مَا شَاءَ رَبُّكَ إِنَّ رَبَّكَ فَعَالٌ لِما يُرِيدُ، وَ أَمَّا الَّذِينَ سُعِدُوا فَفِي الْجَنَّةِ خالِدِينَ فيها ما دامَتِ السَّماواتُ وَالْأَرْضُ إلا ما شاءَ رَبُّكَ عَطاء غَيْرَ مَجْذُوذ» (هود: 105 - 108) و بقوله تعالى: «لابِثينَ فيها أحقاباً، إِنَّهُمْ كَانُوا لَا يَرْجُونَ حِساباً، وَ كَذَّبُوا بِآيَاتِنا كِذَّاباً» (النبأ: 23، 27، 28)

فالذيل يدل على أن المراد بالطاغين خصوص الكفار. و ما دلّ على أن المراد بهم من يخرجون من النار فى الطاغون المسلمون، ضعيف سنداً و مخالف لظاهر القرآن فلا عليه. و امّا المراد بالأحقاب فانظر كتاب المعجم في فقه لغة القرآن ج 12 ص 842 وما بعده ص 851 و ص 857 و ص 858 تعرف ما قالوه في معناها. والله العالم.

أقول: في هذه الآيات مطالب:

الف) خلود الأشقياء في جهنم و خلود السعداء في الجنة كلاهما مقيّد بدوام السموات و الأرض و هذا يحتمل وجهين.

الأول: كونه كناية عن الدوام إذ لا تخلو الجنة و النار من أرضها و سمائها.(1)

الثاني: أنه ليس بكناية بل هو غاية خلودهما فيهما، فإذا جائت قيامة اخرى بعد قيامتنا، فخربت السموات و الأرض كخراب سمواتنا وأرضنا تخرب كرة النار و كرات الجنة آنذاك

ص: 202


1- فالسموات و ان شقت و انفطرت لكن سموات الجنة والنار باقية سالمة فى قيامتنا وهذا أحد الدلائل على بقاء بعض الكون وسلامته في الوجود ولا يشمله الخراب و الإعدام، و قد تحمل النار و الجنة على العذاب و النعيم البرزخيين، فتكون السموات و الأرض هي سمواتنا وأرضنا و لاربط لآيتي سورة الهود بالقيامة وإنّما الاستثناء فيهما راجع الى القيامة لكنه حمل بعيد جدّاً فلا نقبله.

فتنتهي مدة خلود الطائفتين فيعدمون جميعاً. لكن هذا الاحتمال و ان يوافق ظاهر الآية و يناسب ذكر الأحقاب في الآية الأخيرة لم أره في كتب أحد من المؤلفين المؤلفين حسب تتبعى المحدود. والله العالم.

ب) خلود السعداء و الأشقياء فى الجنة والنار معلّقٌ بمشيئة الرب جلّ جلاله و هذا الاستثناء يحتمل وجوهاً ثلاثة في بدء النظر.

اوّلها: كونه استثناءاً من دخول السعداء في الجنة و دخول الأشقياء في النار. و هذا الاحتمال مرفوض عقلاً و شرعاً كتاباً و حديثاً.

ثانيها: كونه استثناءاً من خلود الطائفتين فيهما معلّقاً و مقيّداً بدوام السموات و الأرض.

ثالثها: كونه لمجرد تثبيت قدرته وأنه لاشيء محتوماً عليه و يناسبه قوله: «إِنَّ رَبَّكَ فَعَالٌ لِما يُريدُ» (هود: 107)

ج) يناسب الاستثناء في الآية الأخيرة على الاحتمال الثالث قوله «عَطاء غَيْرَ مَجْذُودٍ» و لا يناسب الاحتمال الثاني. هذا ما خطر ببالى من غير مراجعة الى الأقوال في تفسير الآيات.

د) و امّا الآية الأخيرة فهى العمدة، اذ المراد بالطاغين هم الكفار كما يظهر من ما بعدها من الآيات و تقيّد الآية مكثهم فى جهنم بأحقاب و هي جمع حُقُب على وزن عُنُق. وقيل في تفسيره: المدة الطويلة. المدة المبهمة كما عن الراغب و عن الزجاج أنه ثمانون سنة، وقيل أنه أربعون سنة، و انظر جميع الأقوال فيه في معجم في فقه لغة القرآن ج 848/12 و 851.

5- ما ذكره الملّا صدرا تبعاً لغيره كالشيخ محى الدين العربي و القيصري في شرح الفصوص. الخلود في النار حق و لكن لا يعذب كافر إلّا بمقدار كفره و بعد ذلك تكون النار أمراً طبعيّاً و موافقة لطبعه فلا تؤذيه و لا تعذبه بل يتلذّ منها الخالد فيها.

أقول: و هذا شيء اخترعه هؤلاء بمجرد الإستحسان بل في القرآن آيات تنفيه كالجملة المتكررة فيه: «فَلا يُخَفَّفُ عَنْهُمُ الْعَذابَ فضلاً عن زواله.

ص: 203

وكقوله: «كُلَّما نَضِجَتْ جُلُودُهُمْ بَدَّلْناهُمْ جُلُوداً غَيْرَها لِيَذُوقُوا الْعَذاب» (البقرة: 56)

و كقوله: «وَ لَهُمْ عَذابٌ مُقيمٌ» (المائدة: 37) على وجه.

و قوله: «ثُمَّ قِيلَ لِلَّذِينَ ظَلَمُوا ذُوقُوا عَذَابَ الْخُلْد» (يونس: 52) وكقوله: «كُلَّما خَبَتْ زِدْناهُمْ سَعيراً» (الإسراء: 97) و كقوله «ذُوقُوا عَذابَ الْخُلْد» و كقوله «وَ يَحِلُّ عَلَيْهِ عَذَابٌ مقيم». على وجه. و كقوله: «إِنَّ الْمُجْرِمِينَ في عَذابِ جَهَنَّمَ خَالِدُونَ، لَا يُفَتَرُ عَنْهُمْ وَ هُمْ فِيهِ مُبْلِسُونَ» (الزخرف: 75)

أقول: الآيتان نص على دوام العذاب و خلود المجرمين فيه من دون فتور.

و كقوله: «فَذُوقُوا فَلَنْ نَزِيدَكُمْ إِلا عَذاباً» (النبأ: 30)

و اعلم أن هذا القول احتمال حسن في حد نفسه و إذا كان عليه دليل قاطع يجمع بين النقل و الأحاسيس الإنسانية(1) لكنه مجرد احتمال فى مقابل اطلاقات الآيات الكثيرة القرآنية و مقابل ماذكرته من الآيات، ولاسيّما في مقابل الآيتين الناصّتين على خلود المجرمين في عذاب جهنم. ومنه يظهر أن الذين يدعون الكشف و الشهود و العيان بعد البرهان مبتلون بالشعارات الخاطئة الخيالية فلا تكن فى قبول أقوالهم من البسطاء المقلِّدين.

و إن شئت تفصيل كلامهم في هذه المسألة و بيان شعاراتهم في الكشف و الشهود و بيانهم فضائلهم و أفضليتهم من غيرهم، فانظر كتاب القيم المعجم في فقه لغة القرآن و سر بلاغته ج 640/16 الى 671.

و يكفي لإبطال كلماتهم آيتا سورة الزخرف و بعض الآيات الأخرى التي نقلناها في هذا

ص: 204


1- إجتنبتُ عن ذكر كلمة العقل و ذكرتُ مكانه الأحاسيس فانا معشر الإنسان محصورون فى أحاسيسنا و عواطفنا والله سبحانه ليس له من الصفات المذكورة و أشباهها و العقل أيضاً عاجز عن سبب أفعال الله تعالى و ليس للإنسان الضعيف الذي لايدرى ما في نفسه أن يصلح كلام رب العالمين على عقله العملى الذى لاواقع لأحكامه (الحسن و القبح) سوى اعتبار عقلائي في نظامنا الحاضر فافهمه جيداً. نعم أن الله الحكيم أمضى هذا النظام العقلائي و أحكامه في الآخرة كما يظهر من الآيات المباركة. فالظلم قبيح عند الله فى الدارين نقلاً.

الموضع. والله الهادى.

6- ليس الخلود بمعنى الأبد و الدوام و إن أستعمل فيه أيضاً، لكنه بمعنى البقاء الطويل(1) فنقول ببقاء الكافرين فى النار طويلاً ثمّ يخرجون منه.

أقول: اولاً لو سلّمنا ذلك لكنه من دون جدوى لكم و لنا، فان العقل البشرى العملى و أحاسيسه لا يرضى بعذاب موجود حيّ في النار مائة عام من أعوام الدنيا مثلاً، بل لا ترضى أن يعاقب بمقدار عمره الذى كان مكلّفاً فيه من حين بلوغه الى حين موته، فان الإنسان المسجون في سجن عواطفه و أحاسيسه يدرك عذاب النار بتمام معنى الكلمة و لايدرك مفسدة الكفر بربّ العالمين، ربّ الإنسان، ربّ نعمائه و ربّ كلّ شيء و أنه غير متناهٍ فان هذا الدرك للخواص فقط.

و ثانياً: أن الخلود و إن فسّرناه بطول البقاء و طول الأمدِ دون الأبد لكنه لا يثبت ذلك قولكم بطول الأمد في النار؛ إذ هنا كلمات و جملات في القرآن تدل على أبدية العذاب فضلاً عن أبدية الخلود.

فمنها مامرّ فى الرّد على القول الخامس من آيتَى سورة الزخرف و غيرها.

ومنها قوله تعالى: «إِنَّ الَّذِينَ كَفَرُوا وَ ظَلَمُوا لَمْ يَكُنِ اللهُ لِيَغْفِرَ لَهُمْ وَ لَا لِيَهْدِيَهُمْ طَرِيقاً، إِلَّا طَريقَ جَهَنَّمَ خَالِدِينَ فيها أبدا» (النسأ: 168 و 169)

ومنها قوله تعالى: «وَ مَنْ يَعْصِ اللَّهَ وَ رَسُولَهُ فَإِنَّ لَهُ نارَ جَهَنَّمَ خَالِدِينَ فِيها أَبَداً» (الجن: 23)

فكلمة «أبداً» تدل على دوام الخلود و أبديته.

و هكذا في جانب خلود أهل الجنة فيها، ففى القرآن آيات تدل على أبدية نعيم الجنة و

ص: 205


1- فكلمة الخلود ليست بمعنى الأبد فقط بل بمعنى طول الأمد، فهي إمّا مشتركة لفظية بينهما و إما حقيقة في الثاني و مجاز فى الاول، فلا يستفاد من تلك الكلمة و مشتقاتها أينما ذكرت الدوام و الأبدية.

دوام الخلود.

وقيل إن نفس الإستثناء في آيات سورة هود دليل على عموم الخلود و إلّا لا يستقيم له معنى.

7- أن الكفار مخلدون في جهنم و عذابها لكن جهنم نفسها تهلك و تزول فتنفى العذاب بانتفاء موضوعه و انتهاء وجود النار و انتفائها فيستريح أهلها.

أقول: لم يذكر القائلون بهذا القول دليلهم على هلاك جهنم أو اطفاء نارها، في مقابل تلك الآيات الكريمة الدالة على أبدية العذاب و على أبدية النار و جهنم.

8- قوله تعالى: «وَ مَنْ يَقْتُلْ مُؤْمِناً مُتَعَمِّداً فَجَزاؤُهُ جَهَنَّمُ خالِداً فيها وَغَضِبَ اللهُ عَلَيْهِ وَ لَعَنَهُ وَ أَعَدَّ لَهُ عَذاباً عَظيماً» (النساء: 93) يحمل فى حق القاتل المؤمن على مجرد اقتضاء القتل في نفسه خلوده لا على فعلية الجزاء وذلك لأجل قوله تعالى: «إِنَّ اللهَ يَغْفِرُ الذُّنُوبَ جَميعاً» (الزمر: 53)

و المتيقن من مجموع الآيتين أن الآية الثانية لا ترفع كلّ عقاب القاتل، لكن من الظاهر رفع خلوده في النار و هكذا الكلام في استحقاق الخلود بالربا بعد مجيئ الموعظة (البقرة: 275) فتأمّل.

فيمكن في حق المشركين و الكافرين أيضاً هذا الحمل و ان الخلود حكم الكفر و الشرك في حد نفسه لكن الآية المتقدمة يحمل على الفعلية فالكفار و المشركون لابثون في النار أحقاباً.

فإن قلتَ: كيف ذلك و قد نص القرآن على «إِنَّ اللهَ لا يَغْفِرُ أَنْ يُشْرَكَ بِهِ وَيَغْفِرُ مَا دُونَ ذلك لِمَنْ يَشَاء».

قلتُ: نحن لم ندع مغفرة الكفار من أصل العذاب بل نقول أن عذاب الشرك من أوله محدود بلبثهم فى النار أحقاباً جمعاً بين الآيات، الآيات الدالة على الخلود في العذاب و آية

ص: 206

سورة النبأ «لابثين فيها أحقاباً» و إن سلّمنا انصراف آية الزمر المتقدمة الى عباده المؤمنين وعدم شمولها للكافرين، كما هو غير بعيد، لعدم مناسبة الخطاب فيها الى أهل الشرك و الكفر.

و ممّا يؤكّد حمل الآيات الدالة على خلود العذاب على الاقتضاء و الشأنية دون الفعلية و الوجوب قوله تعالى في حق «الذين شَقُوا فَفِي النَّارِ لَهُمْ فِيها زَفيرٌ وَ شَهِيقٌ، خالِدِينَ فيها ما دامَتِ السَّماواتُ وَالْأَرْضُ إِلا ما شاءَ رَبُّكَ إِنَّ رَبَّكَ فَعَالٌ لِما يُريدُ» (هود: 106 و 107)

بتقريب أن المشيئة و الإرادة واحدة و كأن الله -والله العالم- وعد بإعمال ارادته و إنفاذ مشيئته لرفع الخلود و ان الاستثناء لم يذكر لمجرد اثبات قدرته على رفعه فان ذلك لا يناسب قوله تعالى: «فعّال لما يريد» والله العالم بأفعاله وأحكامه في الدارين.

و إذا بلغ الكلام الى هنا يناسب ننقل اليكم كلام الفاضل العالم السيد على اكبر قرشي بعباراته بالفارسية فانه لا يخلو عن فوائد.

در اینجا باید سه مسئله را بررسی نمائیم.

1- خلود و جاودانی بودن یعنی چه و چطور متصوّر است موجودی همیشه در يك حال باشد و تغییر و فسادی در آن راه نیابد؟

2- آیا خلود در آتش و بهشت تدریجا عادت می شود و حالت اوّلیه خود را از دست مي دهد يا نه؟

بعبارت دیگر آیا جهنّمی ها در اثر گذشت زمان از احساس عذاب خلاص نمی شوند؟ آیا بهشتی ها در اثر لذت يكنواخت احساس حظّ را از دست نمی دهند؟

3- آیا خلود در آتش برای کفّار ظلم نیست؟ کسانی که مثلاً شصت سال کفر ورزیده و آیات خدا را تکذیب کرده و عمر خود را در کارهای بد با تمام رسانده اند آیا عذاب ابدی در حق آنها رواست؟.

ص: 207

درباره مطلب اول باید دانست:

موجودات مادّی در این دنیا از حیث کمیّت ثابت و از حیث کیفیّت در تغییر و تبدّل اند. کمیّت و وزن و اندازۀ ماده ثابت و بی کم و کاست است ولی از لحاظ کیفیّت، اشیاء جهان پیوسته در تغییر و تبدّل و فنا و فساد و زوال اند و هیچ وقت در وضعی و حالی ثابت و پایدار نمی مانند.

از طرف دیگر در دنیای ما اصلی بنام اصل کهولت (آنتروپی) بر تمام موادّ و نیروها حکم فرماست، هر موجودی که بحالت خود رها شده و امدادی بدان نرسد بطور تدریج بسوی همواری و پیری و سکون می رود، علت فساد و مرگ در عالم همین است، اگر این اصل در جهان نبود اصل بقا و ثبات در عالم حکومت می کرد و ما در این زندگی مخلّد میشدیم و از مرگ و فنا اثری نبود.

در زندگی آخرت اصل کهولت از موادّ برداشته می شود و بر داشته شدن آن عبارت اخرای خلود و همیشگی است و بزرگترین مرز فارق میان دنیا و آخرت وجود کهولت و عدم آن است، آقای مهندس بازرگان در کتاب ذرّهٔ بی انتها ص 85 میگوید: جریانها و قوانینی که در این دنیا بر موادّ و انرژی ها حکومت دارد تماماً ناشی یا منطبق بر دو اصل ترموديناميك است 1- اصل بقاء و ثبات کمیّت ها 2- آنتروپی یا کهولت یعنی اصل انحطاط کیفیّت ها و ضعف و زوال ارزشها... با بر داشتن آنتروپی (پیری و کهولت) خصوصیّات و مشخّصات آخرت ظاهر می شود و لازمه همه آنها لغو آنتروپی است بطوری که کهولت و آنتروپی را می توان مرز و فارق دنیا و آخرت دانست.

و خلاصه در آخرت با ارادۀ نافذ و مؤثّر خدا، اصل کهولت و پیری از موجودات بر داشته می شود و هر چیز مخلّد می شود و كلمۀ فنا و زوال و پیری از قاموس موجودات حذف می گردد. این مطلب حتمی است گر چه تصوّر آن برای ما مشکل است.

ص: 208

راجع بمطلب دوّم باید دانست:

با برداشته شدن اصل کهولت از اشیاء همه چیز همیشه تازه و جوان خواهد بود و گذشت ایّام، سعادت را بعادت و سیری و عذاب را براحتی تبدیل نخواهد کرد.

قرآن در این باره چنین فرموده: «خالِدِينَ فِيها لا يُخَفَّفُ عَنْهُمُ الْعَذَابُ وَ لَا هُمْ يُنْظَرُونَ» (بقره: 162) و (آل عمران: 88) وعده عدم تخفیف عذاب دلالت دارد بر این که شکنجه و عذاب آنها همیشه تازه و پیوسته ناراحت کننده است و نیز فرموده: «إِنَّ الَّذِينَ كَفَرُوا بِآيَاتِنا سَوْفَ نُصْلِيهِمْ ناراً كُلَّما نَضِجَتْ جُلُودُهُمْ بَدَّلْناهُمْ جُلُوداً غَيْرَها لِيَذُوقُوا الْعَذابَ...» (نساء: 56) توضيح «نَضِجَتْ جُلُودُهُمْ» در «پوست» گذشت (در قاموس قرآن) یعنی هر وقت پوستهای آنها پخت و بی حسّ شد، پوستهای دیگری را بر آنها عوض میگیریم تا عذاب را بچشند. آیۀ شریفه در اثبات مطلب کاملاً روشن است.

همچنین است آیات: «فَلا يُخَفَّفُ عَنْهُمُ الْعَذابُ وَ لا هُمْ يُنْصَرُونَ» (بقرة: 86) «وَ إِذا رَأَى الَّذِينَ ظَلَمُوا الْعَذابَ فَلا يُخَفَّفُ عَنْهُمْ وَ لا هُمْ يُنْظَرُونَ» (نحل: 85) «وَ قالَ الَّذِينَ فِي النَّارِ لِخَزَنَةِ جَهَنَّمَ ادْعُوا رَبَّكُمْ يُخَفِّفْ عَنَّا يَوْماً مِنَ الْعَذابِ» (غافر: 49) و روشن تر از اینها آیۀ «وَ الَّذِينَ كَفَرُوا لَهُمْ نارُ جَهَنَّمَ لا يُقْضَى عَلَيْهِمْ فَيَمُوتُوا وَ لَا يُخَفَّفُ عَنْهُمْ مِنْ عَذَابِها كَذلك نَجْزِي كُلَّ كَفُور» (فاطر: 36) است که مرگ و راحتی و تخفیف را از اهل عذاب نفی می کند. در باره اهل بهشت آمده «خالِدِينَ فِيها لا يَبْغُونَ عَنْها حِوَلا» (کهف: 108) یعنی در بهشت همیشگی اند و انتقال از آنرا طالب نیستند و از آن سیر نمی شوند. «لا يَسْمَعُونَ حَسِيسَها وَ هُمْ فِي مَا اشْتَهَتْ أَنْفُسُهُمْ خَالِدُونَ» (انبیاء: 102) صدای آتش را نمی شنوند و در آنچه نفس شان میل دارد دائمی اند.

گر چه درک این حقیقت برای ما مشکل است ولی نمی توان اوضاع عالم آخرت را از این جهان قیاس گرفت و قوانین هر دو را یکی دانست.

ص: 209

و اما راجع بمطلب سوّم:

عذاب و شکنجه و گرفتاری آخرت صورت واقعی عصیان و مخالفت دنیا است و آن لازم و دائم است توضیح آنکه: اعمال خوب و بد آدمی، اجزاء بدن اوست که بشکل نیرو از بدن وی بیرون می ریزد و همان نیروها بنا بر حقیقت بقاء اعمال در عالم باقی می مانند و ذرّه ای از آنها کاسته نمی شود، آن نیروها در آخرت بخود آدم بر می گردند و ای بسا اعمال چشم در جای چشم و اعمال دست در جای دست و هکذا می نشیند و به همان اعضا تبدیل می شود. و چشم و گوش و غیره که از آنها تشکیل شده همیشه در عذاب یا در رحمت خواهد بود مثلاً زبانی که از میلیونها «لا اله الا الله» تشکیل یافته همیشه راحت و همیشه گویا و همیشه شاد خواهد بود و زباني که از غیبت، بهتان، دشنام و غیره فراهم آمده همیشه در عذاب خواهد بود. همانطور که شوری از نمک، تری از آب، چربی از روغن جدا شدنی نیست این گونه اعضاء نیز که از اعمال نیک و بد بوجود آمده اند چون ذات و اصل خمیرۀ آنها همان رحمت یا عذاب است همواره در عذاب و یا در رحمت خواهند بود قرآن مجید فرموده: «لا تَعْتَذِرُوا الْيَوْمَ إِنَّما تُجْزَوْنَ مَا كُنتُمْ تَعْمَلُونَ» (تحريم: 7) امروز عذر میارید فقط آنچه را که می کردید سزا داده می شوید، یعنی اینها عین همان اعمال است که بخودتان باز گشته است. آیات قرآن در بیان این حقیقت یکی دو تا نیست بلکه آیات زیادی در این زمینه آمده است.

آقای محمد امین رضوی سلدوزی در کتاب تجسم عمل يا تبدّل نيرو بماده ص 42 ذيل عنوان انسانی که از لذت و یا از رنج ساخته می شود این مطلب را بطور واضح شرح داده است. کسانی را که در این زمینه خواهان تحقیق و توضیح بیشتراند مطالعۀ همان کتاب را توصیه میکنم که در این باره کتابی کم نظیر و یا بی نظیر است.

در عین حال باید آیات چهارگانۀ گذشته و توضیحاتی را که داده شد از نظر دور نداشت

ص: 210

و حقیقت کار را بخدا موکول کرد.

أقول: في بعض هذه الكلمات نظر.

73- الخلود و مناسبة الجزاء و العمل و تجسّم العمل

من الإعتراضات المعروفة على خلود الكفار في جهنم أن الجزاء لابد أن يتناسب المعصية الصادرة منهم بعد البلوغ الى حين الموت، أفرض أنه خمسون سنة، فيكون الزائد ظلماً خصوصاً بملاحظة أن المعاقب هو الحكيم و أرحم الراحمين، بل عذاب الأحد و الخمسين سنة ظلم فضلاً عن الخلود.

أقول: تقدم في الفصل الاثنين و الخمسين ما يخفف شدّة هذا الاعتراض في كلام بعض الباحثين و ان لم يذهبه من رأس.

و ربما يجاب بأن الجزاء على ثلاثة أقسام:

أولها: جعلي كما فى الأنظمة العقلائية السياسية و التأديبية.

ثانيها: الجزاء المعلولى.

ثالثها: الجزاء العينى و أنه عين المعصية و الطاعة.

الذي يشترط فيه التساوى في الجزاء و الجائزة هو الاول. «فَمَنِ اعْتَدَى عَلَيْكُمْ فَاعْتَدُوا عَلَيْهِ بِمِثْلِ مَا اعْتَدى عَلَيْكُم.. أَنَّ النَّفْسَ بِالنَّفْسِ» وكذا نظائرهما.

و أما منع الغربيين من قصاص النفس بالنفس فاستدلالهم ضعيف. و إحقاق حق الفرد والمجتمع يلزم مراعاته، إلّا أن يعفو من له القصاص. و اما صحة عفو مديرالناس ورئيس الدولة لمثل هذا الحق ففيه بحث و نظر و لم أجد له دليلاً معقولاً.

و أمّا الجزاء المعلولى كاقدام فاعلين عاقلين أو غير عاقلين على افعال توجب قتلهم أو نقصهم أو نجاتهم من التهلكة أو سلامتهم من البلايا و الآفات كأكل الدواء أو السم عالماً أو جاهلاً فجزائهم معلول عملهم حسناً كان أو سيئاً، فلا يشترط فيه التساوى، بل هو تابع لطبيعة

ص: 211

العلة قوةً وضعفاً فى الكمية والكيفية وكأنّه واضح.

و أمّا الجزاء العينى بأن يكون عين الفعل الحسن أو السيّئ فى فرض العلم و الالتفات دون الجهل العذرى و الغفلة،(1) كمافى تجسم العمل خارجاً. وأمّا تجسم العمل على رأى صاحب الأسفار فكأنه من الجزاء المعلولى. فتدبّر.

و على التقديرين قيل لا يشترط التساوى بين الجزاء و العمل الأول. و وجهه أنّ الجزاء نفس العمل و ليس بشيء آخر أو ازيد منه. و من ذلك يظهر لك بسهولة دفع ما أورد على الخلود بعدم تناسبه مع الكفر الواقع فى خمسين سنة مثلاً، و أنه ظلم و اجحاف على العبد الضعيف. اذ لا منتقم خارجي له حتى يتوجه اليه الإعتراض كما ذكره بعض المحققين في نهاية الدراية فى شرح كفاية الاصول و تبعه آخرون من المعاصرين و غيرهم.

أقول: و هنا بحثان؛ بحث صغروی و بحث کبروی:

أما البحث الصغروى: فلا يوجد دليل قاطع على عموم تجسم العمل و إنما المتيقن هو الموجبة الجزئية منه المستفادة من ظواهر الكتاب و السنة القولية. كما أنّ الظاهر منهما(2) تدلّ على وجود الجنة و نار جهنم فعلاً، بل لعله قبل خلق الإنسان. (عندها جنة المأوى)

فإن قلت: العمدة هو الكفر السبب للخلود و هو مورد الإيراد، و قد دلّت الآيات الكريمة على خلوده في العذاب و النيران و حيث أنّ الخالق حكيم رحمن رحيم بل أرحم الراحمين نستكشف بالإنّ أن الجزاء المذكور ليس من القسم الأول، بل هو إما من القسم الثاني المعلولى أو من الثالث العيني، فهذا دليل قاطع على صحة تجسّم العمل بمعناه المستفاد من

ص: 212


1- الفعل الصادر من الفاعل المكلف الجامع لجميع شرائط التكليف و العقاب فيكون تجسم العمل الاخروى اجنبياً عن قانون تبدل المادة بالطاقة و عكسه و تبدل المادة بالمادة وتبدل الطاقة بطاقة اخرى، اذ القانون الطبيعي المذكور اجنبى عن اشتراطه بشروط صحة التكليف و استحقاق العقاب الاخروى فافهم جيداً.
2- لا سيّما ما ورد في أحاديث المعراج من أن رسول الله صلّی الله علیه و آله و سلّم رأى جهنم في المعراج و ما ورد عن الرضاء علیه السلام من وجود جهنم فعلاً بتأكيد الشديد منه علیه السلام.

الظواهر النقلية.

قلت: ليس هذا أولى من أن يقال أن الخلود حكم به الحكيم الرحيم الذي يمتنع عليه اللغو و عدم رعاية الأسباب الواقعيّة و لا يصدر منه ظلم كما تكرّر تصريحه به في القرآن فنعلم بطريق الإن أنه لا ظلم في إخلاده و إن لا نعلم بأسبابه، فإنّه «ما أوتينا من العلم الّا قليلا»، فالعام لا يكشف عن الخاص أى أنّ الخلود لا يكشف عن صحة تجسّم العمل لإحتمال أن يكون له سبب أو أسباب آخر و عدم العلم لا يدلّ على عدم الوجود.

و على كل أولاً: لا نعلم أنّ نعمه تعالى في الجنّة - مأكولاتها و مشروباتها و هوائها و ظلالها و حورها و قصورها و...- تتحصل و تتجسّم من أعمال يوم أو سنوات عديدة.

و ثانياً: لعل العمل يتبدّل بالمثال و الشبيه فقط، بحيث يرى و لا يتبدّل بالمادة.

و ثالثاً: لعلّ الأعمال تتبدّل بملكات نفسية فقط كما يقول صاحب الأسفار و الله العالم بحقيقة الحال. و قد تقدّم أنّ الأعمال الكثيرة المتكثّرة تعادل بمقدار قليل من المادة، و لأجله ذكرنا في الفصل (66) أنّ تجسّم العمل ان تم دليله فهو لا يبتني على تبدّل الإنرجي بالمادة ربّنا آمنا بك و بما أنزلت علينا و اتبعنا الرسول.

و أما البحث الكبروى: بعد الفراغ عن تجسّم العمل و عمومه، أو سبب آخر مثله، فأقول كما قلنا في كتابنا صراط الحق ألذى ألفناه فى شبابنا في النجف الأشرف قبل سبعة و خمسين سنة تقريباً أن تأثير العمل -صالحاً كان أو سيئاً-(1) في النفس و الملكات القائمة بها و هي بدورها أسباب للأعمال الصادرة من المكلف أو تجسمه بالصورة المناسبة، إن كان من الضروريات الخارجة عن قدرته تعالى وكذا وصولها إلى المكلف، يتوجه سؤال العقل إلى الله الحكيم الرحيم بأنه لِمَ خلق هذا الفرد الكافر الذي يخلّد في النار بمعصيته الموقتة فإنه ظلم و إن لم يكن تجسمه و وصوله إلى المكلف ضرورياً بل كان مقدوراً لله تعالى فالسؤال

ص: 213


1- المقصود في المقام هو تجسم العمل الحرام والمعصية.

المذكور يتوجه إلى التعذيب المخلد مباشرة، لكونه ظلماً أعظم ظلم تعالى الله عنه خصوصاً على مذهب هؤلاء الفلاسفة و أصولهم في صدور الأفعال من الإنسان فإنها كقول الجهمية تثبت جبره في أفعاله و تروكه فيكون مطلق عذاب العبد ظلماً لأنه كان مجبوراً في كفره كمجبورية الفاسق في فسقه و إضطرار المؤمن في إيمانه «ظُلُمَاتٌ بَعْضُهَا فَوْقَ بَعْضِ». (النور: 40)

و الذي تنفى ضرورة وصول العذاب – بتا على الجزاء العينى أو المعلولى- إلى المتخلفين یوم القيامة، ثبوت مسقطات كثيرة للعقاب فى الشريعة الإسلامية -على ما تقدم فهرسها - و من أشهرها عفو الله و شفاعة الشافعين و توبة العاصيين في الدنيا.

و أما الجواب القاطع عن أصل السؤال - و هو عدم مناسبة الجزاء للعاصيين و الكفر– فليس عندى بحاضر و الله العادل الراحم هو العالم. و من القبيح الكبير لمثلى كطالب علم عدم الإعتراف بعدم العلم فيما يجهل و قد إعترف به الملائكة بقولهم «لا علم لنا» (البقره: 32) إلا أن يحمل الخلود على مجرد الإقتضاء دون الفعلية كما تقدّم عن بعض الفضلاء.

و قد يتفوّه بعض أهل المعقول أن تعذيب المالك -ملكية تكوينية إشراقية- مملوكه المخلوق، ليس بظلم لأنه من تصرّف المالك في ملكه، فلا يقبح!! و هو جواب الغافلين و إن كان المجيب من الفلاسفة! و لا يقبله العقل السليم الذى وهبه الله لعباده فسبحان الله.

و اليك ما ذكرناه سابقاً فى حول الموضوع في مباحث الجبر و التفويض من صراط الحق.(1) و بغيره في الفصل اللاحق

ص: 214


1- صراط الحق، ج 2، ص 208 الى 211 الطبعة الثالثة بقم.

74- ردّ ما استدل لعموم تجسم العمل

فنقول: إستدلوا عليه بالآيات و الروايات مثل قوله تعالى: «فَمَنْ يَعْمَلْ مِثْقَالَ ذَرَّةٍ خَيْراً يَرَهُ. وَ مَنْ يَعْمَلْ مِثْقَالَ ذَرَّةٍ شَرّاً يَرَهُ» (الزلزلة: 7 و 8) و قوله: «يَوْمَئِذٍ يَصْدُرُ النَّاسُ أَشْتَاتاً لِيُرَوْا أَعْمَالَهُم» (الزلزلة: 6) و قوله: «يَوْمَ تَجِدُ كُلُّ نَفْسٍ مَا عَمِلَتْ مِنْ خَيْرِ مُحْضَراً وَ مَا عَمِلَتْ مِنْ سُوءٍ تَوَدُّ لَوْ أَنَّ بَيْنَهَا وَ بَيْنَهُ أَمَداً بَعِيداً» (آل عمران: 30)(1) و قوله: «لَا تَعْتَذِرُوا الْيَوْمَ إِنَّمَا تُجْزَوْنَ مَا كُنْتُمْ تَعْمَلُونَ» (التحريم: 7) و قوله: «ثُمَّ تُوَفَّى كُلُّ نَفْسٍ مَا كَسَبَتْ» (البقرة: 281) وقوله: «فَاتَّقُوا النَّارَ الَّتِي وَقُودُهَا النَّاسُ وَ الْحِجَارَةُ» (البقرة: 24) و قوله: «مَا يَأْكُلُونَ فِي بُطُونِهِمْ إِلا النَّارَ» (البقرة : 174) إلى غير ذلك.

قال بعض السادة المفسّرين من أهل المعقول(2) و لعمرى لو لم يكن في كتاب الله آية إلّا قوله: «لَقَدْ كُنْتَ فِي غَفْلَةٍ مِنْ هذَا فَكَشَفْنَا عَنْكَ غِطَاءَكَ فَبَصَرُكَ الْيَوْمَ حَدِيدٌ» (ق: 22) لكان فيه كفاية، إذ الغفلة لا تكون إلّا عن معلوم حاضر، و كشف الغطاء لا يستقيم الّا عن مغطى موجود ... إلى آخره.

و أما الروايات فهى أيضاً عدة منتشرة في مواضع شتّى نقل بعضها صاحب الأسفار في بعض فصول المعاد، و المتتبع يجدها في محالِّها.

قال السبزواري:(3) بل هو أمر ثابت بالبرهان، محقق عند أهل الكشف و العيان، مستفاد من أرباب الشرائع و الأديان. انتهى كلامه.

أقول: أما الإستفادة من الشرع فقد عرفتها، و أما تحقيقه بالكشف فلنقل قصص و حكايات عليه، لكنها مما لا يعتمد عليه في المسائل العلمية، و أما البرهان فما وقفت عليه بعد الفحص

ص: 215


1- لاحظ مجمع البحرين (مادة رإى).
2- الميزان، ج 1، ص 91.
3- شرح المنظومة، ص 347.

المقدور وجوه:

الأولى: ما ذكره صاحب الأسفار في فصل نشر الصحائف و إبراز الكتب من فصول باب المعاد، قال: إن الملكات النفسانية تصير صوراً جوهرية و ذوات قائمة فعّالة في النفس(1) تنعيماً و تعذيباً، و لو لم يكن لتلك الملكات من الثبات و التجوهر ما يبقى أبد الآباد لم يكن لخلود أهل الجنّة فى الثواب و أهل النار فى العقاب وجه أبداً، فإنّ منشأ الثواب و العذاب لو كان نفس العمل أو القول - و هما أمران زائلان - يلزم بقاء المعلول مع زوال العلة المقتضية و ذلك غير صحيح.

الثاني: ما ذكره هو أيضاً في نفس المقام، من أن الفعل الجسمانى الواقع في زمان منتاهٍ كيف يصير منشأ للجزاء الواقع في أزمنة غير متناهيةٍ؟! و مثل هذه المجازاة غير لائق بالحكيم، سيما في جانب العذاب ...

و لكن يخلّد أهل الجنة فى الجنّة و أهل النار في النار بالثبات في النيات، و الرسوخ في الملكات.

الثالث: ما في بعض الحواشي(2) من أنّ الماهية الخارجية هي بعينها توجد في الذهن، كما قرّر في مبحث الوجود الذهني و اختلاف الخارجي و الذهني في الآثار إنما هو لأجل الوجود الخارجى و الذهنى دون الماهية، فإنها متحققة في المقامين بنفسها، و هكذا الخيال و الحس والعقل، فإن الماهية الموجودة فيها ماهية واحدة، لكنّها تتجلى في كل موطن بصورة، و تسمّى في كل مقام باسم، فتتجسم في مقام و تصير عرضاً في مقام آخر.

و أصل ذلك كله إمكان تفاوت آثار الشيء بحسب نشآت وجوده مع كونه هو هو بحسب

ص: 216


1- تجسم العمل المستفاد من القرآن و السنة إنما هو فى الخارج دون النفس كأن عبارة الأسفار تشير إلى النار الروحاني دون المادى فافهم البحث.
2- درر الفوائد ص 600. تعليقة على شرح المنظومة.

ماهيته.

يدفع الوجهان: الاول بان الملكات النفسية لا تكون علة وجودية للثواب و العقاب الخارجيين حدوثاً و بقاءاً بوجه، و انما يمكن ان تكون علة للثواب والعقاب النفسين، فهما ان تماّ لتمّا على مختاره فقط، لا على المستفاد المقطوع من الوحى الإلاهي، على ان لقائل ان يسأل عنه الدليل على تابيد الملكات المستقرة فى النفس و عن علته و على كل علة الجزاء الخارجي هي ارادة الله تعالى حتى على القول بان العمل ينقلب فى الآخرة جزاءاً خارجياً.

فأين لزوم بقاء المعلول بلا علة؟

و اما الوجه الثاني: فقد تقدم الكلام حوله مفصّلا في القاعدة المتقدمة.

ثمّ إن المستدلّ غير معتقد بهذين الوجهين أيضاً كما يظهر من بيانه حول خلود الكفار في أسفاره و إنما ذكرهما تفنّناً.

و أما الوجه الثالث: فهو مع قطع النظر عما سبق، بعدُ لم يخرج عن ميدان الإدعاء، فهو مصادرة، كما لا يخفى، بل الحق أن نفس الماهية لا تحقق في الذهن و ما استدل له مخدوش.

و أما الآيات القرآنية فما اشتمل منها على رؤية الأعمال يوم القيامة غير مربوط بالمقام، فإنّ المدعى أنّ الأعمال تتجسّم في القبر و القيامة بأشكال موجودات منعّمة و معذّبة كالحور و الغلمان والفواكه و السرور و غيرها، و کالحیّات و العقارب و النار و الزقّوم و أمثالها، فيلتذّبها الإنسان أو يتأذّى بها و مجرّد رؤية العمل بتجسمه لا يدل على أنه الثواب نفسه أو العقاب، بل لعل تجسمه لأجل تثبيت عمله عليه ليرى عيناً، فيكون أوكد فى اقناعه أو سروره أو إنفعاله، و لعل قوله تعالى: «تَوَدُّ لَوْ أَنَّ بَيْنَهَا وَ بَيْنَهُ أَمَداً بَعِيداً» (آل عمران: 30) ناظر إلى ذلك، أى من جهة إنفعاله به، فتأمّل.

و أما العقاب و الثواب المحققان بالنار و دخول الجنّة ونحوهما، فهما موجودان مستقلان مبائنان للعمل، مستندان إلى ارادة الله تعالى جزاءً على عملهم، بل يمكن أن يقال: إن الرؤية لا

ص: 217

تستلزم التجسّم و التمثّل أبداً؛ لما ينقل عن بعض الرياضيين ممّن قارب عصرنا من أن الأفعال و الحركات محفوظة فى محالّها ممكنة الرؤية في حد نفسها، فلو قويت باصرة البشر أو حاز حاسّة سادسة لرآها بعينها، فإنّ شرائط الرؤية فى الأرض و بعض المجرات الأخرى، لعلّها مختلفة.

و بالجملة لو لم نقل إن المستفاد من هذه الآيات الكريمة حسب متفاهم العرف العام -و هم المخاطبون بالخطابات القرآنية- هو رؤية جزاء العمل، لما دلّت على مقصودهم أيضاً، كما عرفت، و منه يظهر الحال في قوله تعالى: «لَقَدْ كُنْتَ فِي غَفْلَةٍ مِنْ هذَا» (ق: 22) فإنه لا يدل على كون العمل عقاباً، بل و لا على تجسم العمل، و العمدة قوله: «إِنَّمَا تُجْزَوْنَ مَا كُنْتُمْ تَعْمَلُونَ» (الطور: 16) لكن قوله تعالى: «جَزَاءً بِمَا كَانُوا يَعْمَلُونَ» (الاحقاف:16) ينافيه، فلا يبقى مجال للاعتماد على ظهوره بناءً على عدم كون الاول أظهر و أقوى من الثاني. فافهم.

ثم إنّ هنا وجهين -آخرين يدلان على نفى عموم تجسّم المذكور.

الأول: ما فى كثير من الآيات من استناد الثواب و العقاب إلى الله تعالى، و أنّه هو المثيب و المعاقب، و أما ما سبق من بعضهم من أنّ الإستناد المذكور إنّما هو لأجل إفاضة الصورة فهو خلاف متفاهم العرف، الّا أن يقال إن إستناد الشيء إلى الله تعالى و إلى غيره و هو علة قريبة، غير ضائر إن ثبت تجسّم العمل.

الثاني: وجود الجنّة و النار فعلاً و قبل هذا، بل لعله قبل وجود المكلّفين، كما يستفاد من جملة من الأيات و الرويات.

وجه الدلالة: أن نشأة الآخرة بعد لم تبرز حتى تتجسم الأعمال فيها، بل لم يوجد أعمال جمیع المكلّفين فى هذه النشأة أيضاً، فكيف وجدت الجنّة و جهنم فعلاً.

ثم إن هذه الدعوى إن تمّت لتمت في خصوص العقاب الاخروى.(1) و أما العقاب الدنيوى

ص: 218


1- بأن يدعى أنه جزاء طبيعى لا وضعى.

كما في الحدود فلا مسرح لها، كما لا يخفى.

و لعمرى إن حديث التجسم بنحو العموم بحيث تكون الجنّة و النار و ما فيهما مجسمة أعمالنا لامن مادة أخرى مخلوقة لله تعالى، مقطوع البطلان بلحاظ دلالة القرآن.

نعم، لا مانع من الإلتزام به فى الجملة من جهة قوله تعالى: «وَ وَجَدُوا مَا عَمِلُوا حَاضِراً وَ لاَ يَظْلِمُ رَبُّكَ أَحَداً» (الكهف: 49) بشهادة قوله: «وَ لاَ يَظْلِمُ» و بعض آيات اخرى، و من جهة الروايات إن اوجبت وثوقنا سنداً و دلالةً.

الأمر الثاني: في تصحيح العقاب به علی تقدیر تمامیته، فنقول: العمل الصادر من العبد إمّا علة تامّة لإفاضة الصورة من قبل الله تعالى، بحيث لا يمكن التخلف عنه، أم لا، بل الإفاضة بإختيار الواجب و إرادته، و على كلا التقديرين فلحوق المجسم المذكور بالعامل إما ضروري لا يمكن انفكاكه عنه، و إما ممكن و تابع لإرادة الله تعالى. هذه إحتمالات أربعة، أحدها باطل قطعاً، و هو فرض أن العمل علة تامّة لإفاضة الصورة، وكون لحوقها بالعامل ضرورياً.

وجه البطلان أن الشفاعة و التوبة و العفو الإلهى و أمثالها المتقدمّة في المباحث الماضية، مما يسقط الذنوب بلا إشكال، و الإحتمال المذكور لا يجامع سقوط الذنب على الفرض، فيكون باطلاً قطعاً. و أيضاً قد تقدم -فى محله- أن الله فاعل مختار يمكنه الفعل و الترك، و المستفاد من الآيات الكثيرة أن العذاب و الثواب بإرادة الله و مشيئته، فبطلان هذا الإحتمال فليكن مفروغاً عنه. (فافهم).

و أما بقية الإحتمالات فكل منها ثبت بالدليل لا يمكن أن يندفع به إشكال العقاب؛ إذ يقال: إن صدور الفعل عن العبد ضروري قهري غير داخل تحت إختياره فكيف يعذّبه الله تعالى عليه، مع أنه مختار و متمكن من دفعه عنه؟! و لا جواب عنه أبداً. و ما تقدم من بعضهم من أن العمل مادة مستعدّة و مستحقّة لإفاضة الصور، و الله واهب يهب الصورة لها فهو ساقط جداً، ضرورة قبح الهبة المستلزمة لخلود غير المستحقين في العذاب.

ص: 219

75- ادلة منكرى الخلود

اشارة

إن المخالفين للخلود استدلوا على قولهم بوجوه:

منها: أن القضاء والقدر(1) ينافيان الخلود و قد ذكروا في توضيح ذلك مطالب ضعيفة.

و نحن نقول لهم ان كان القدر و القضاء لا ينافيان اختيار العبد و انتخابه و ارادته فاستدلالكم باطل، و ان كانا منافيان لم يصح أصل عذابهم حتى دخولهم في النار ليوم واحد أوساعة واحدة لكونه ظلماً و جوراً و زوراً؛ اذ مع الجبر يقبح المدح والذم فضلاً عن استحقاق الثواب والعذاب في نار جهنم تعالى الله عنه.

و منها: أنه لاداعى الله سبحانه لإخلاد الكفار المعاندين و المقصرين في العذاب، امّا بناءاً على تجسم الأعمال و ترتّب المجازات عليها كترتّب المعلول على العلة، أو لأجل انقلاب نفس الأعمال إلى النار في جهنم، و اللذات في الجنة، من دون فرض العلية و السببية، فان العقل يستبعد وجود المجازات الدائمة الأبدية من معصية محدودة ككفر خمسين سنة مثلاً و لا يقبله.

و اما بناءً على جعلية المجازات و اعتباريتها (و الإستحقاق العقلائي) فلا داعي لله تعالى في أصل عقاب الكفار والمؤمنين ولو موقتاً فضلاً عن اخلاد الاولين في العذاب، اذ دواعى العذاب إنّما هي في الدنيا دون الآخرة فإنها تنتفي هناك بانتفاء موضوعها.

أقول: و هذا الاستدلال ضعيف، فأولاً أنه مجرد استبعاد باقرار المستدل و لاعبرة به في المسائل العقلية النظرية. ثم ان الاستبعاد عن تأثير الطبيعة أو العلية أو العينية الذاتية غلط مخالف للعقل. وقد تقدم الفرق بين الدارين مفصلاً في الفصل (70)

و ثانياً: ادعاء نفى داع التعذيب عن موجود لايتناهى وجوداً و علماً و قدرةً و هو الحكيم العدل الرؤف، من قبل انسان ضعيف عقلاً و علماً و هو مسجون في أحاسيسه البعيدة عن

ص: 220


1- و الحق خلافاً للمشهور تقدم القدر على القضاء كما فصل في الجزء الثاني من صراط الحق.

الواقع، نوع حماقة.

و ثالثاً: نمنع الاستبعاد أيضاً، لما تقدم منّا من عدم ترتب العقاب و استحقاقه على نفس المعاصي، بل على العصيان العمدى و التمرّد و التجرّى. والله سبحانه موجود غير متناه العظمة والكبرياء و الأنعام و الاحسان «وَ إِنْ تَعُدُّوا نِعْمَتَ اللهِ لا تُحْصُوها» (إبراهيم: 34) فالتجرى عليه تعالى من مخلوق معاند أو مقصر و هو مستغرق في بحر نعمائه لا يستبعد العقل ايجابه للعذاب.

و أمّا اثباتاً فللآيات الدالة على دوام العذاب كما تقدم.

و امّا اذا قلنا باعتبارية العقاب وكونه مجعولاً بجعل الربّ الحكيم العادل، فالأمر أوضح للآيات القرآنية المشار اليها، فما ذكره محى الدين العربي(1) و صاحب الأسفار(2) و غيرهم، لا وجه له.

و منها: ما عن ابن العربي المذكور و حكيم السبزواري(3) ان كلمات الأهل و الصاحب و الأصحاب و مشتقاتها و كذا أهل الله و أهل القرآن تدلّ على علاقة خاصة بين بين المضاف و المضاف اليه، فتكشف كلمة أصحاب النار و أصحاب العذاب عن وجود ألفة و علاقة تحقق بينهما بحيث تصبح النار موطن هؤلاء و لا يرضون بترك وطنهم فان تركه منافر أو عذاب أليم لهم.

يقول العربي في محكى كلامه في قوله تعالى: «أُولئِكَ أَصْحَابُ النَّارِ هُمْ فِيهَا خَالِدُونَ» (البقرة: 217) و ذلك لأنّ أشدّ العذاب على أحد مفارقته الموطن الذي ألفه، فلو فارق النار أهلها لتعذَّبوا باغترابهم عمّا أهلّوا له، و ان الله قد خلقهم على نشأة تألّف ذلك الموطن.

أقول: ترى هذا الكاتب يخالف الآيات القرآنية باختراع أمور خيالية لا ينبغى الالتفات اليها و حق القول ان اضافة الأهل الى أحد أو الى شيء قد يكون لأجل ألفته و قد تكون لأجل

ص: 221


1- عن فصوص الحكم، فص اسماعيل/94.
2- الأسفار، ج 9، ص 353.
3- الأسفار، ج 9، ص 352. طبع دار إحياء التراث الاسلامي بيروت.

مقارنة خالية عن الرضا والنفرة، وقد تكون مقرونة بتنفر و انزجار كأهل الفسق و أهل الخسارة و أصحاب الخيانة و أهل القيادة و فهم الخصوصية فى كل مورد محتاج الى قرينة، و قد تكون لمجرد الاستحقاق و المجاورة كما في الأسفار.

و منها: أنّ الإنسان بجميع افراده مفطورون على معرفة الله تعالى كما في الكتاب العزيز.. «فَأَقِمْ وَجْهَكَ لِلدِّينِ حَنِيفاً فِطْرَتَ اللهِ الَّتِي فَطَرَ النَّاسَ عَلَيْها لا تَبْدِيلَ لِخَلْقِ اللَّهِ ذلك الدِّينُ القيّم» (الروم: 30) و اطلاق كلمة الناس يشمل الكافر و المؤمن في الدنيا.

و فيه أيضاً: «وَ إِذْ أَخَذَ رَبُّكَ مِنْ بَنِي آدَمَ مِنْ ظُهُورِهِمْ ذُرِّيَّتَهُمْ وَ أَشْهَدَهُمْ عَلى أَنْفُسِهِمْ أَ لَسْتُ بِرَبِّكُمْ قَالُوا بَلَى شَهِدْنا أَنْ تَقُولُوا يَوْمَ الْقِيامَةِ إِنَّا كُنَّا عَنْ هذا غافِلِينَ، أَوْ تَقُولُوا إِنَّمَا أَشْرَكَ آبَاؤُنَا مِنْ قَبْلُ وَ كُنَّا ذُرِّيَّةً مِنْ بَعْدِهِمْ أَفَتُهْلِكُنا بِما فَعَلَ الْمُبْطِلُونَ» (الأعراف: 172و173)

و فيه: أنّ المعرفة الفطرية لا منشأ لحكم شرعى فى الدنيا أو الآخرة فقد ذم القرآن الكفار و المنافقين أشدّ الذم و شبّهم بالكلب والحمار و وصفهم بالرجس و النجس (پليد) و أمر بقتلهم و هدّدهم بالخلود و العذاب في النار، وهؤلاء يجعلها سبباً لنجاتهم من الخلود!!

على أنّ تلك المعرفة سواء كانت الآية دالة عليها أم لا، ليست بمهمة في المقام فان المعارف تصير ضرورية فى القيامة و الكفار تؤمنون بالله و المعاد و بجميع خصوصياته و بحقية الشرائع و بطلان عقائدهم و أعمالهم، فاذا لم تنفع هذا الإيمان الفعلى التفصيلي لرفع عذابهم فكيف بالفطرى؟ وكلاهما غير اختياريين اكتسابيين، فانهما اضطراريان و الآية الثانية ليست بدالة على المعرفة الفطرية، بل فيه مجرد إشهاد ذرية بني أدم على نفسهم و إقرارهم على أنه ربهم. فتأمل.

و الغرض من هذا الاشهاد و الاقرار؛ اتمام الحجة و استحقاق العقاب، و هؤلاء يستعملونهما فى نفی الخلود على عكس هدف الآية الأخيرة!

و منها: أنّ الله الحكيم خلق الإنسان لغاية -و هي خير و إحسان وجود- تصل الى الإنسان

ص: 222

من طريق العبودية، فخلود الإنسان فى العذاب المقيم ينافي الغاية المذكورة و لو كان بتعمّد من المكلف و من سوء اختياره، اذ كان الله عالماً بمصير الكفار قبل خلقهم و بامكانه تعالى أن لا يخلقهم من الأول حتى لا يكون سوء اختيارهم صاداً للغاية المذكورة و حيث خلقهم فلا بد أن يوصلهم الى الغاية المذكورة؛ اما بانقطاع العذاب، و اما بجعل العذاب عذباً لهم في جهنم.

ثم يقول صاحب الأسفار:

فان المخلوق الذى غاية وجوده أن يدخل في جهنم بحسب الوضع الإلاهي و القضاء الربّاني، لابدّ أن يكون ذلك الدخول موافقاً لطبعه وكمال لوجوده، اذا الغايات كمالات للوجود وكمال الشيء الموافق له لا يكون عذاباً في حقه، و إنّما يكون عذاباً في حق غيره، ممن خلق للدّرجات العالية.(1)

و فيه: أن الواجب الوجود على الاصول الحكمية فاعل موجب (بفتح الجيم) لا اختيارله فى عدم خلق الكفار و هذا مما لاشك فيه و أن ينكر الفلاسفة هذه النسبة اليهم، لكن إدّعاء اختياره تعالى منهم مقطوع البطلان كما فصّلنا، و حققناه فى محله و الكل يعلمون أن الإختيار الذى يتظاهر به الفلاسفة ينكره المتكلمون.

و ثانياً الغاية المذكورة مسلّمة لكنها حصولها مشروط بقبول المكلّف الإيمان و العمل، لا مطلقاً و الغاية الثانية للمتمردين المعاندين هو ماعيّنه في القرآن: «وَ لَقَدْ ذَرَأْنا لِجَهَنَّمَ كَثِيراً مِنَ الْجِنِّ وَ الْإِنْس..» (الأعراف: 179)

و قال الله تعالى: «قالَ اذْهَبْ فَمَنْ تَبِعَكَ مِنْهُمْ فَإِنَّ جَهَنَّمَ جَزاؤُكُمْ جَزَاء مَوْفُوراً» (الإسراء:63) والآيات في ذلك كثيرة فكأنّ التلفيق المذكور نسج لمجرد الفرار عن شيء مسلّم عند المسلمين. والله العالم.

ص: 223


1- الأسفار، ج 7، ص 148. و ج 9، ص 347.

و منها: قوله تعالى: «قُلْ يَا عِبادِيَ الَّذِينَ أَسْرَفُوا عَلَى أَنْفُسِهِمْ لَا تَقْنَطُوا مِنْ رَحْمَةِ اللَّهِ إِنَّ اللَّهَ يَغْفِرُ الذُّنُوبَ جَميعاً إِنَّهُ هُوَ الْغَفُورُ الرَّحِيمُ» (الزمر:53)

أقول: الإستدلال باطلاق الآية بعد الآيات الصريحة في خلود الكفار و تحريم دخول الجنة و بعد قوله تعالى «إِنَّ اللهَ لا يَغْفِرُ أَنْ يُشْرَكَ بِهِ وَيَغْفِرُ ما دُونَ ذلك لِمَنْ يَشَاء» (النساء: 48) يطلب جرأة و قلة حياء لا يتيسّرنَ إلا لمن يدعون الكشف و الشهود!!

و هذا الاستدلال مثل استدلال الوعيدية الذين يقولون بخلود أصحاب الكبائر بقوله تعالى: «وَ مَنْ يَعْصِ اللَّهَ وَرَسُولَهُ وَ يَتَعَدَّ حُدُودَهُ يُدْخِلْهُ ناراً خالِداً فيها وَ لَهُ عَذَابٌ مُهِينٌ» (النساء: 14)

و قوله تعالى: «وَ مَنْ يَعْصِ اللَّهَ وَ رَسُولَهُ فَإِنَّ لَهُ نارَ جَهَنَّمَ خَالِدين فيها أَبَداً» (الجن: 23) بدعوى أن اطلاقهما يشمل الكفار و المؤمنين المرتكبين للكبائر معاً، وكلا القولين ضلال و إضلال و إفراط و تفريط و تغافل عن الجمع بين الآيات.

و منه يظهر الجواب عن الإستدلال بقوله تعالى: «قُلْ يا عِبادِيَ الَّذِينَ أَسْرَفُوا عَلَى أَنْفُسِهِمْ لا تَقْنَطُوا مِنْ رَحْمَةِ اللَّهِ إِنَّ اللهَ يَغْفِرُ الذُّنُوبَ جَميعاً إِنَّهُ هُوَ الْغَفُورُ الرَّحِيمُ» (الزمر:53)

قالوا: الآية باطلاقها يشمل المؤمن والكافر، لكنه لو تمسك باطلاقها و لم ينظر الى سائر الآيات لكان المرفوع عن عباده تعالى أصل العذاب دون الخلود!!

76- مباحث ترجع الى الخلود

الاول: اختلفوا في معنى الخلود لغة فقيل أنه بمعنى الأبد، وقيل أنه بمعنى طول المدة.

و ربما نسب الثاني الى جماعة من الأشاعرة.

و الأظهر أنه لاثمرة لهذا البحث اللغوى فان المتكلمين -إلّا جمعاً قليلاً- اتفقوا على دوام العذاب في جهنم و ادعوا الاجماع على دوام العذاب من الشيعة و السنة استناداً الى كلمات و

ص: 224

جملات اخرى في القرآن المجيد، كقوله تعالى: «فَالْيَوْمَ لا يُخْرَجُونَ مِنْها وَلا هُمْ يُسْتَعْتَبُونَ» (الجاثية : 35) اى من النار.

انظر البقرة 167 و المائدة 37 و انظر كلمة «أبداً» بعد كلمة خالدين، وكلمة عذاب مقيم في المائدة 37 و التوبة 68 و هود 39 و الزمر 40 و الشورى 45 و غير ذلك، على أن من يعترض على عذاب الكفار الأبدى، يعترض على العذاب الطويل وعذاب الأحقاب بحسبان الظلم و عدم المساواة بين العمل و الجزاء.

الثاني: نسب الى الإمامية و الأشاعرة عدم جواز التخلّف عن الوعد، عندنا عقلاً و نقلاً و عند الأشاعرة (أهل السنة) نقلاً فقط، لدلالة آيات عليه. و اما الوعيد فهو جائز عندهم بل حسن.

أقول: هذا اذا كان الوعيد بالإنشاء و أمّا اذا كان بالإخبار المنجز ففيه منع، لاستلزامه الكذب، نعم اذا كان حين الوعيد قاصداً على تطبيقه ثمّ يبدو له العفو، فهذا لابأس به، لكن هذا الفرض ممتنع في حقه تعالى قطعاً، فتدبر في المقام، و ممّا يدل على أن الله يعذب الكفار و المشركين من دون استيناف مشيئة عفوهم و مغفرتهم و أنه أخبر من عدم غفرانهم حتماً خلافاً لمنكرى الخلود، قوله تعالى: «إِنَّ اللهَ لا يَغْفِرُ أَنْ يُشْرَكَ بِه» (النساء:48) أخبر به حتماً و اطلاقاً ثمّ يقول «وَ يَغْفِرُ ما دُونَ ذلك لِمَنْ يَشَاء»، فذكر مشيئة العفو في غير الشرك من الذنوب و المعاصى.

الثالث: يقول بعض المؤلفين أنه لا داعى لله تعالى اصلاً للخلود.

أقول: و هذه جهالة منه، فانه جعل عدم علمه بالداعى علة لإنكار الداعي في حق الله تعالى الذي أخبر في عشرات آيات من كتابه بخلود العذاب بعبارات مختلفة.

الرابع: يقول السبزواري في محكى تعليقته على شواهد الربوبية (777) ليس خلود العذاب مثل خلود الكون في جهنم من ضروريات الدين و لا الكتاب و السنة ناصيين في دوام الايلام من الله تعالى.

ص: 225

أقول: الظاهر أن المسلمين يفهمون كليهما من الآيات، على أنه مرّ في الفرع الاول دلالة عدة من الآيات على دوام العذاب. فدعوى هذا القائل ضعيف مردودٌ.

الخامس: أن الله تعالى حرم ماء الجنة و مارزق الله أهلها، على الكافرين (الاعراف: 50) ای جعلهم محرومين منهما.

و أخبر بقوله: «إِنَّ الَّذِينَ كَذَّبُوا بِآيَاتِنا وَ اسْتَكْبَرُوا عَنْها لا تُفَتَّحُ لَهُمْ أَبْوَابُ السَّماءِ وَ لا يَدْخُلُونَ الْجَنَّةَ(1) حَتَّى يَلِجَ الْجَمَلُ في سَمِّ الْخِياطِ وَكَذلكَ نَجْزِي الْمُجْرِمِينَ.. لَهُمْ مِنْ جَهَنَّمَ مِهادٌ وَ مِنْ فَوْقِهِمْ غَواشِ..» (الاعراف: 40 و 41) و مع ذلك نقل عن بعض العرفاء (اهل الكشف أو اهل الصد والإفك) أنّ الكفار يخرجون من النار و يدخلون الجنة.

السادس: قد يقال أن الطاقة (انرجى) المعروفة من انسان واحد في أقواله و أعماله لعلّها لا تفى و لا تكفى لتجسّم تفاح واحد عند تبدّلها به، فضلاً عن كفايتها بتمام الجنة و نعمها التي لا تحصى.

ثم تبدّل إحديهما بالأخرى (اى المادة والطاقة) يتحقق ضمن قوانين فيزيائية كيماوية و لا قانون طبيعي يفرق بين الأعمال العبادية الخالصة و المقصودة بها غير الله تعالى.(2)

أقول: أوّلاً إنّما ذكرنا في بحث تجسّم الأعمال أو تماثلها تبديل المادة بالطاقة لمجرد الاشارة الى شيء يقبله العلم التجريبي في الجملة، لا لانطباق جميع ما يستفاد من الآيات و الروايات عليه. و ثانياً أن الايراد المذكور يتم اذا تبدّل إحديهما بالاخرى ضمن العوامل و المؤثرات المادية حسب قانون طبيعى عام. و اما اذا وقع ذلك عند ارادة الله تعالى ايصال الثواب و العقاب الى عباده في القيامة، فهو يقدر على تفريق حصول المادة المنعمة من العمل

ص: 226


1- تشعر الآية بكون الجنة فى السماء كما تقدم بيانها.
2- لكن تبديل الطاقة بالمادة في مورد في القيامة يبطل مذهب الفلاسفة في حقيقة كرة الحساب و الجنة و النار حيث يدعون انها جسمانية غير مادية.

القربى والمادة المعذبة من العمل الريائى.

ثم بعد اللتيّا والتى ما يظهر منه تجسّم العمل أو تمثّله من النصوص الدينية على قسمين؛ قسم يشعر أو يظهر منه ايصاله الى المكلف إثابة و تعذيباً كقوله تعالى: «وَ جَعَلْنَا الْأَغْلالَ في أَعْناقِ الَّذِينَ كَفَرُوا هَلْ يُجْزَوْنَ إِلا ما كانُوا يَعْمَلُونَ» (سبأ: 33) و كقوله تعالى: «فَالْيَوْمَ لا تُظْلَمُ نَفْسٌ شَيْئاً وَ لا تُجْزَوْنَ إِلا ما كُنتُمْ تَعْمَلُونَ» (يس: 54) و لا بد من الجمع بين الآيتين و مادل على أن جهنم مخلوقة من قبل بنارها و شررها. فتأمل.

و قسماً لا يستفاد ذلك منه.

فلعلّ التجسّم و التمثّل لمجرد اتمام الحجة أو لها و لإيذاء العصاة بالرؤية للصور المؤذية، أو سرور المتقين و الطائعين برؤية الصور الجميلة. و اما الثواب والعقاب فهو في الجنة الجحيم. دقق النظر في الآيات و الروايات تجد صدق ما قلنا. و الله العالم بواقع الامور المحسوسة لنا فى هذه الدنيا فضلاً عن الامور المستورة علينا مما يتعلق بالآخرةً

77- عود الى مباحث الخلود

الخلود سواء كان لغة بمعنى الدوام و الأبد أو بمعنى طول الأمد و المكث الأكثر، لا يؤثّر في دلالة الآيات القرآنية بمجموعها على دوام العذاب في النار فالبحث اللغوى لا أثر له في هذا البحث القرآني لدلالة الآيات عليه.

ثمّ إنّ معنى جهنم و جهنّام: القعر البعيد، و هل هذه الكلمة عربية أو عجمية غير متصرف للعلمية و العجمية؟ فانها على كل حال علم لاسم نار الآخرة أو مكانها.

ص: 227

يقال أنه برزت في القرن السابع الهجري، آراء معارضة للقول بالخلود في النار من قبل ابن تيمية و تلميذه ابن القيم الجوزي فذهبوا الى القول بفناء النار و انقطاع عذاب أهلها(1) على خلاف الآيات القرآنية و الضرورة الدينية.

و أول المنكرين من الذين يدعون العرفان -على مانسب الى المشهور- هو محى الدين العربي (560- 638) فقد ذكر انقطاع العذاب من أهل النار مع خلودهم في جهنم و تبعه جمع ممن أتى بعده من نظرائه، حتى وصل القول المذكور الى صاحب الأسفار، فاختاره في الأسفار.

و عن عبدالله بن احمد النسفى (المتوفى 710) في تفسيره: الخلد: البقاء الدائم الذي لا ينقطع، و فيه بطلان قول الجهمية القائلين بفناء الجنة و أهلها.(2)

تنبيه: ورد لفظ (المقيم) في خمس آيات صفة للعذاب، فاستدلوا به على دوام العذاب و خلود العقاب، فعن الراغب فى مفرداته: و يعبّر بالإقامة عن الدوام، و عن تفسير المنار: المقيم هو الثابت الذى لا يظعن(3) وعن المراغى: المقيم هو الثابت الذى لا يرتحل.(4)

و قوله تعالى: «إِنَّ الَّذِينَ كَفَرُوا وَ مَاتُوا وَ هُمْ كُفَّارٌ أُولئِكَ عَلَيْهِمْ لَعْنَةُ اللَّهِ وَ الْمَلَائِكَةِ وَ النَّاسِ أَجْمَعِينَ.. خالِدِينَ فيها لا يُخَفَّفُ عَنْهُمُ الْعَذابُ وَ لا هُمْ يُنْظَرُونَ» (البقرة: 161 و 162) و نظيره قوله تعالى في سورة آل عمران 86 و 88 و انظر سورة الفاطر الآية 36. كلّ ذلك دلائل على

ص: 228


1- وقد نقل ابن القيم في محكى شفاء العليل ص 440 عن الطبراني أنه نقل عن جعفر بن الزبير، عن القاسم بن عبد الرحمن، عن أبي أمامة عن النبي صلى الله عليه و آله و سلّم: «اليأتينّ على جهنم يوم كأنها ورق هاج أحمر تخفق أبوابها». لكن الطبراني ضعّفه بضعف جعفر بن الزبير. ثمّ قال ابن القيم: و قد نقل الخطيب في تاريخه عن جعفر بن الزبير، عن القاسم بن عبد الرحمن، عن أبي أمامة عن رسول الله صلّی الله علیه و آله و سلّم بتفاوت في المتن المصدر، 440.
2- تفسير النسفي، ج 1، ص 71.
3- ج 6، ص 379.
4- تفسير المراغى، ج6، ص 113.

دوام العذاب.

و قد يستدل على الخلود بقوله تعالى: «ثُمَّ لا يَمُوتُ فيها وَ لا يَحْيى» (الأعلى:13) بتقريب أن نفى الموت و الحياة عنه نفي النجاة أبداً.

و المعاد إمّا مصدر بمعنى الرجوع الى الله تعالى «إِنَّا للهِ وَإِنَّا إِلَيْهِ راجِعُونَ... ارْجِعِي إِلَى رَبِّكِ راضِيَةً مَرْضِيَّةً»، و إما بمعنى عود الروح الى البدن بعد خراب هذه الدنيا، و اما بمعنى عود أجزاء البدن المادى المنتشرة بعد جمعها وتركيبها الى موقف الحساب و كأنه الأظهر من الآيات، و إمّا بمعنى مكان العود و زمانه، و المكان الاول هو كرة الساهرة و مواقفها و المكان الأخير هو الجنة أو الجحيم أعاذنا الله منها بفضله.

و قال الله تعالى: «كَما بَدَأَكُمْ تَعُودُونَ» (الأعراف: 29)

و قال الله تعالى: «اللَّهُ يَبْدَوُا الْخَلْقَ ثُمَّ يُعِيدُهُ ثُمَّ إِلَيْهِ تُرْجَعُونَ» (الروم: 11)

وكأن الآية المباركة تخبر عن أن الله يوجد خلقه ايجاداً ابتدائياً ثمّ بعد خراب السموات و الأرض يعيد خلقها (من تلك الأجزاء المنتشرة) وأنتم كذلك تحيون و ترجعون الى الحساب و الثواب و العقاب. والله العالم بكلامه.

لكن قضية اطلاق قوله تعالى: «الله يبدء الخلق ثمّ يعيده» أن كلّ مخلوق يعاد سواء كان عاقلاً مكلفاً أو لا؟ ولا يبلغ فهمنا الى درکه و يحتمل ارادة عود مثله، و لكنه خلاف لفظ الآية.

78- تجسّم الأعمال أيضاً

اشارة

و هل تجسّم الأعمال؛ سواء بمفهومه النفسي و تحقق الملكات المناسبة للأعمال في النفس الأمّارة بالسوء أو في النفس المطمئنّة المؤمنة كما ذكره صاحب الأسفار و من تقدمه و من تأخره من الفلاسفة، أو بمفهومه الأكمل و الأشدّ فى الخارج كما ذكره الآخرون باستناد

ص: 229

الشواهد النقلية و العقلية و لاسيّما بملاحظة بعض الاصول العلمية المؤيدة(1) صحيح أم لا؟ على الاول فجميع المجازات والمكافات البرزخية و الأخروية (في كرة الحساب وكرة النار وكرة الجنة) من القسم الثانى و لا معاقب خارجي له؟! و لعلّه بل الظاهر أنه قسم ثالث و هو عينية العمل و الجزاء بانقلاب العمل الى الجزاء فأقسام المجازات ثلاثة.

أقول: تجسّم العمل له بحث طويل بكلا معنييه و بدلائله العقلية و النقلية و قد كتبوا حوله كثيراً و قد ذكرته مختصراً فيما مضى.(2)

وخلاصة كلامى هنا أمران:

الأول: أنه لا دليل يدلّ على عموم تجسّم كل عمل صالح و معصية، و إن شئت فقل لا دليل قاطع على أن الدار الآخرة بمواقفها في كرة الساهرة (كرة الحساب) وكرة النار و زقومها و انواع عقوباتها و كرات الجنات و نعمائها و حورها و غلمانها و مأكولاتها و مشروباتها من الماء و الخمر و العسل و اللبن كلها من أعمال الخير و الشر من المكلفين من الجن و الإنس.

و العمدة فى ذلك أنّ الجنة والنار بحسب ظواهر بعض الآيات الكريمة و أحاديث المعراج موجودتان بالفعل و لعلّه قبل خلق الإنسان. ثمّ هنا أمر آخر و هو التردّد في تبدّل الأعمال الصالحات الكثيرة بمقدار نعماء مادية تكفي لشهر واحد للمؤمن في الجنة، فضلاً عن كفاية التذاذ دهر بها فى الجنة والله العالم. و القدر المتيقن من تجسّم العمل المستفاد من ظواهر بعض الآيات و الروايات المعتبرة سنداً هو مفاد الموجبة الجزئية.(3)

ص: 230


1- و هو تبدل المادة بالطاقة كما هو واقع فى الدنيا و تبدل الطاقة (انرجي) بالمادة في القيامة. و في التأييد نظر.
2- انظر كتاب تجسم العمل لمؤلفه محمد أمين الرضوى السلدوزى فانه مفيد في هذا الفصل.
3- وقوله تعالى: يَوْمَ تَجِدُ كُلُّ نَفْسٍ مَا عَمِلَتْ مِنْ خَيْرٍ مُحْضَراً وَ ما عَمِلَتْ مِنْ سُوء.. (آل عمران: 30) و قوله تعالى: «وَ وَجَدُوا مَا عَمِلُوا حَاضِراً وَ لا يَظْلِمُ رَبُّكَ أَحَداً» (الكهف : 49) و أمثالها مطلق لا عموم فيها و القدر المتيقن من هذا القسم هو الموجبة الجزئية. و أماقوله تعالى: «فَمَنْ يَعْمَلْ مِثْقَالَ ذَرَّةٍ خَيْراً يَرَهُ، وَ مَنْ يَعْمَلْ مِثْقَالَ ذَرَّةٍ شَرًّا يَرَهُ» (الزلزال: 7و8) ففى دلالته على تجسّم العمل أو تمثّله نظر. لاحتمال رؤية الإنسان في كرة الحساب نفس عمله و ان كان عرضاً و لا دليل على بطلانه فان شرائط تلك الكرة و شرائط أبداننا المتجددة غير متساوية مع الشرائط الحاكمة اليوم و لا أقل من الشك في التساوى. و هكذا في النظر الى الأعمال. والله العالم. وكذا قوله تعالى: «لَقَدْ كُنْتَ في غَفْلَةٍ مِنْ هذا» (ق: 22) موجبة جزئية أو قضية مهملة. و أمّا الآيات الدالة على الجزاء من الله بسبب أعمالهم ففيه وجهان: الاول الحمل على الآيات الدالة على التجسّم أو التمثّل. و الثاني على الجزاء الاعتبارى فى بعض الأعمال لتكون كلتا الطائفتين من الآيات سيقتا بنحو الموجبة الجزئية و مورد الجزاء الجعلي مثلاً هو ترك الواجبات اذ يحتمل أن نيّة العصيان المجرد لاتجسّم و ان كانت موجبة للعقاب و نيّة الحرام تجسّم لأجل الحرام الوجودى. ورهذا أمر محتمل والله العالم.

و الثاني: أن القول بإغناء تجسّم العمل عن المعاقب الخارجي، قول بلاتحقیق و تدبّر، اذ نقول من يعطى للعمل صورته المتبدلة النارية و النعيمية؟

و من يوصل النار و العذاب و الثواب و النعماء الى الفجار و الأبرار في الآخرة؟ و من يربّي العمل حتى يستعد لإفاضة الصورة المعذبة و المريحة المثيبة و من يجسم العرض؟ و من؟ و من؟ فلابد من القول بأنه رب العالمين أو ماينتهي الى ربّ العالمين الذي هو قادر مختار بالإختيار الذي نعتقده من تمكنه تعالى من الفعل و الترك أو إن شئت قلت: له أن يفعل و له أن لا يفعل و لا نقول بالاختيار الذي اخترعه جمع من الفلاسفة و فصّله صاحب الأسفار و قبله اتباعه فانه عين الايجاب و الاضطرار تعالى الله عنه ...،(1) فهو المعاقب الخارجي فينتهى السؤال الى الله و أنه كيف يزيد الجزاء على الأعمال، سواء قلنا بالجزاء الاعتبارى الجعلي أو بالجزاء التكوينى و الطبيعي؟(2) و الله الحمد. و اذا فرضنا -مجرد فرض- ان الفاعل مجبور في عمله و أن عمل المكلف علة تامة تكوينية للصورة النارية الموصلة لنفس الفاعل -ايصال المعلول الى علته- بحيث يفرض كل تلك السلسلة من إبتداء نية العاصى المعصية الى احتراق الناوي

ص: 231


1- انظر صراط الحق، ج 1، مبحث الاختيار فى باب قدرته و كذا كتابنا الاسلام في عقائده و اصوله.
2- انظر صراط الحق ج 2، ص 208 الی 211 طبعة ذوى القربى فى باب الجبر و التفويض و الأمر بين الأمرين.

الفاعل للمعصية في النار خارجة لا عن ارادة الله تعالى وحدها بل عن قدرته أيضاً حتى لا يتصور معاقب خارجی بوجه. فيتجه السؤال الى حكمته تعالى و عدله و أنه لِمَ خلق هذا النوع من المخلوق الذى ينجر أمره الى العذاب الأبدى، و هل هذا الّا ظلم لا يتصور فوقه ظلم في الكون و لم يرتكبه و لا يرتكبه أظلم الظالمين فى عالم الوجود، و هكذا اذا فرضنا الكافر كفر باختياره ثمانين سنة فيخلد لأجله في النار بلافرق أيضاً.

و اعلم أن فى تبدّل العمل بشكل المعذِب إتّجاهين: الاتجاه الأول أن المعذب تجسم و صورة للفعل في النفس. الاتجاه الثانى أنه صورة ملكوتية باطنية للأعمال الدنيوي في الخارج. و لا فرق فى ذلك بين فعل الطاعات و المعاصى.

هذا ما قلنا والله العالم بواقع الأمور المحسوسة لنا في هذه الدنيا فضلاً عن الأمور المستورة عندنا مما يتعلّق بالآخرة!

79- فرق الدار الحاضرة و الدار الآخرة

يقول بعض الفضلاء من أهل الحكمة في خواص الآخرة.

الخاصة الأولى: أن الدار الآخرة أبدية.

الخاصة الثانية: أن نعمائها و لذائذها خالصة من شوب كلّ اذى و مشقة و تعب و صعوبة كمافي الدنيا.

الخاصة الثالثة: لابد من التفريق بين أهل الرحمة و أهل العذاب حتى وصل الصالحون و الفاجرون الى نتائج أعمالهم. و يعبّر عنه في الشرع بالجنة و النار.

الخاصة الرابعة: أنه لابد من أن تكون الدار الآخرة وسيعة لتسع مكافات الصالحين و عذاب الظالمين الفاجرين بتمام مراتبهما، فلو فرض ان أحدا قتل ملائين من أفراد الإنسان أمكن جزائه بتمامه و من أحيى ملايين انساناً يصل اليه ثوابه.

ص: 232

الخامسة: أنها دار جزاء، لا دار تكليف.(1)

أقول: ان العقل -نظريا كان أو عملياً- لا يحكم بهذه الخواص للدار الآخرة، فانه لايجب عقلاً ايصال الثواب على الله و انتقام المظلوم من الظالم و ان وجب عليه تعالى، فهو يمكنه في الدنيا أو في البرزخ، نعم كل ما ذكره صحيح من جهة الشرع دون العقل، و قد تقدّم الفرق بين الدارين مفصلاً فى الفصل (71). ثمّ ان تمت كل هذه الفوارق عقلاً كما تمت شرعاً، لا يمنع من كون القيامة فى عدة من الكراة، سواء فى مجرتنا أو مجرة أخرى، فليس لأحد أن ينكر القول المذكور. خلافاً له و لجمع من الفلاسفة من إنكار المادة و المادي في الآخرة و جعلوا نفى المادة من عمدة المفارقات بين الدنيا والآخرة و اخترعوا الصور المجردة عن المادة لأهل الجنة والنار، وكذا نِعَمِ الجنة و آلام جهنم، و قالوا بأن النفوس تنشأ تلك الأجسام و لكن الظواهر القرآنية تقول بخروج الأبدان من القبور فهي مادية.

ثمّ ان مؤلّف تفسير الميزان يقول بسقوط حكم العقل العملي الذي التزمها العقلاء به نظماً لحياتهم في الدنيا، في الآخرة، لارتفاع موضوع الحكم العقلى العملي، اذ لانظام عقلائيّ في الآخرة، بل نظامها غير هذا النظام الفعلى. لكن القرآن كما اعتمد على العقل العملي في الدنيا، اعتمد عليه في امور الآخرة أيضاً. فلا عبرة بالقول المذكور.

80- هل رجع مؤسس الحكمة المتعالية إلى ظواهر القرآن؟

قال صاحب الأسفار في محكى شرحه على هداية أثير الدين المفضّل الأبهرى:

«و اعلم أنّ إعادة النفس إلى بدن مثل بدنها الذي كان لها في الدنيا مخلوق من سنخ هذا البدن، بعد مفارقتها عنه في القيامة كما نطقت به الشريعة من نصوص التنزيل، و روايات كثيرة متظافرة لأصحاب العصمة و الهداية غير قابلة للتأويل كقوله تعالى: «مَنْ يُحْيِ الْعِظَامَ وَ

ص: 233


1- آموزش عقاید، ص 397، الدرس 48.

هِيَ رَمِيمٌ، قُلْ يُحْيِيهَا الَّذِي أَنْشَأَها أَوَّلَ مَرَّةٍ وَ هُوَ بِكُلِّ خَلْقٍ عَلِيمٌ» (يس:78) «فَإِذَا هُمْ مِنَ الْأَجْداثِ إِلى رَبِّهِمْ يَنْسِلُونَ» (يس: 51) «أَ يَحْسَبُ الْإِنْسانُ أَلَّنْ نَجْمَعَ عِظَامَهُ، بَلَى قَادِرِينَ عَلَى أَنْ نُسَوِّي بَنانَه» (القيامة : 3 و 4) أمر ممكن غير مستحيل، فوجب التصديق بها لكونها من ضروريات الدين، و إنكارها كفر مبين. و لا استبعاد أيضا فيها، بل الاستبعاد و التعجب من تعلق النفس إليه في (من خ، ل،) أوّل الأمر أظهر من تعجّب عوده إليه إنتهى كلامه.(1)

و هل هذه الجملات و ما تقدم عليها من كلامه و ما بعدها صدرت من قلمه فقط تمشياً مع الماتن و إبن سينا و زعماء المشائين كما أصرّ عليه الشارح الآشتياني(2) أو إعتقد بها قلبه بعد قلمه و رجع عن رأيه الضعيف إلى كتاب ربّه و آیات قرآنه كما هو الظاهر من كلامه و يؤيده كلامه المحكى فى موضعين من تفسيره على السور القرآنية.(3)

و حسن ظنّنا به رجوعه عمّا ذكره فى أسفاره و غيرها من كتبه و نرجو من الله سبحانه أن يكون هذا الرأى معتقده عند الموت.

و له كلام آخر في محكى كتابه العرشية: إنّ الأبدان الإنسانية الشخصية محشورة في القيامة كما وردت به الشريعة الحقة كما قال تعالى: «أَ فَحَسِبْتُمْ أَنَّمَا خَلَقْنَاكُمْ عَبَثًا وَ أَنَّكُمْ إِلَيْنَا لا تُرْجَعُونَ» (المؤمنون: 115) و قوله تعالى: «قَالَ مَنْ يُحْيِي الْعِظَامَ وَ هِيَ رَمِيمٌ، قُلْ يُحْيِيهَا الَّذي أَنْشَأَها أَوَّلَ مَرَّةٍ وَ هُوَ بِكُلِّ خَلْقٍ عَلِيمٌ» (يس: 79)

أقول: الآية الأولى لا يدلّ على حشر الأبدان الصورية فضلاً عن الأبدان المادية بخلاف الآية الثانية فإنّه يدل على الحشر المادى. و قد سبقت الآيات الدالة على المعاد الجسماني.

تتمة: نقل السيّد الآشتياني في شرحه عن آقا على المدرس المعروف بآقا على الحكيم؛ أنّ

ص: 234


1- شرح زاد المسافر للآشتیانی، ص 267 و 268.
2- المصدر، ص 270 و غيرها.
3- المصدر المتقدم، ص 285.

إعتقاده بالمعاد متغائر مع جمع، فإنه يعتقد أنّ عود الروح إلى البدن أو تعلّقه بجسمه طبقاً لما نقل عن الصادق علیه السلام في تفسير الصافي، إنّما هو بحركة البدن إلى الروح و إتصاله بعد حركاته بالنفس الناطقة. و قد الّف فيه رسالة و طبعت فى الطهران.(1)

أقول: و لعل العلّامة المطهرى أخذ مختاره المتقدم من هذا السيّد المدرس الحكيم.

81- الأطفال و من لم يتم الحجة عليهم في الدنيا

اشارة

في الكافي: مُحَمَّدُ بْنُ يَحْيَى، عَنْ أَحْمَدَ بْنِ مُحَمَّدٍ، عَنِ الْحُسَيْنِ بْنِ سَعِيدٍ، عَنِ النَّضْرِ بْنِ شوَيْدٍ، عَنْ يَحْيَى الْحَلَبِيِّ، عَنِ ابْنِ مُسْكَانَ، عَنْ زُرَارَةَ، قَالَ: سَأَلْتُ أَبَا جَعْفَرِ علیه السلام عَنِ الْوِلْدَانِ؟ فَقَالَ: «سُئِلَ رَسُولُ اللهِ صلى الله عليه و آله و سلّم عَنِ الْوِلْدَانِ وَ الْأَطْفَالِ، فَقَالَ: اللَّهُ أَعْلَمُ بِمَا كَانُوا عَامِلِينَ».

معنى قوله صلّی الله علیه و آله و سلّم في حد نفسه: انهم يجزون بأعمالهم في الدنيا على فرض بقائهم في علم الله تعالى لكن بملاحظة سائر الأحاديث الواردة في المقام، انهم يجزون بعملهم بعد الامتحان في القيامة. وهذا هو المعتمد و المعنى الاول لابد من ارجاعه الى الله سبحانه و تعالى. و العمل التقديري لا يستحق جزاءاً عند العقلاء.

و فيه: عَلِيُّ بْنُ إِبْرَاهِيمَ، عَنْ أَبِيهِ، عَنِ ابْنِ أَبِي عُمَيْرٍ ، عَنْ عُمَرَ بْنِ أَذَيْنَةَ، عَنْ زُرَارَةَ، قَالَ: قُلْتُ لِأَبِي عَبْدِ اللهِ علیه السلام: مَا تَقُولُ فِي الْأَطْفَالِ الَّذِينَ مَاتُوا قَبْلَ أَنْ يَبْلُغُوا؟ فَقَالَ: «سُئِلَ عَنْهُمْ رَسُولُ اللهِ صلى الله عليه و آله و سلّم، فَقَالَ: اللهُ أَعْلَمُ بِمَا كَانُوا عَامِلِينَ». ثُمَّ أَقْبَلَ عَلَيَّ، فَقَالَ: «يَا زُرَارَةُ، هَلْ تَدْرِي مَا عَنى بِذَلِكَ رَسُولُ اللهِ صلّی الله علیه و آله و سلّم؟» قَالَ: قُلْتُ: لَا، فَقَالَ: «إِنَّمَا عَنى كُفُّوا عَنْهُمْ، وَ لَا تَقُولُوا فِيهِمْ شَيْئاً، وَ رُدُّوا عِلْمَهُمْ إِلَى اللهِ».

ظاهره الكف عن الحكم فى حقهم بأنهم من أهل الجنة أو من أهل النار أو من أهل الأعراف، و لعل الإمام علیه السلام يرى في مجلسه مانعاً من البيان.

ص: 235


1- المصدر المتقدم ذكره، ص 286.

و لعل المراد من الكف هو الكف عن حكم المصاديق و ان هذا الطفل بعينه من أهل الجنة أو من أهل النار، فانه موقوف على حالهم عند الامتحان فى المحشر هل يعصى او يطيع، و هذا هو الأقرب بملاحظة مايأتي.

و فيه أيضاً، عَلِيُّ بْنُ إِبْرَاهِيمَ، عَنْ أَبِيهِ، عَنْ حَمَّادٍ، عَنْ حَرِيزِ، عَنْ زُرَارَةَ: عَنْ أَبِي جَعْفَرٍ علیه السلام، قَالَ: سَأَلْتُهُ: هَلْ سُئِلَ رَسُولُ اللهِ صلى الله عليه و آله و سلّم عَنِ الْأَطْفَالِ؟ فَقَالَ: «قَدْ سُئِلَ، فَقَالَ: اللَّهُ أَعْلَمُ بِمَا كَانُوا عَامِلِينَ» ثُمَّ قَالَ: «يَا زُرَارَةُ، هَلْ تَدْرِي قَوْلَهُ: اللهُ أَعْلَمُ بِمَا كَانُوا عَامِلِينَ؟» قُلْتُ: لَا، قَالَ: «للهِ فِيهِمُ الْمَشِيئَةُ إِنَّهُ إِذَا كَانَ يَوْمُ الْقِيَامَةِ، جَمَعَ الله جل جلاله الأَطْفَالَ، وَ الَّذِي مَاتَ مِنَ النَّاسِ فِي الْفَتْرَةِ، وَ الشَّيْخَ الْكَبِيرَ الَّذِي أَدْرَكَ النَّبِيَّ صلى الله عليه و آله و سلّم وَ هُوَ لَا يَعْقِلُ، وَ الْأَصَمَّ، وَ الْأَبْكَمَ الَّذِي لَا يَعْقِلُ، وَ الْمَجْنُونَ، وَ الْأَبْلَهَ الَّذِي لَا يَعْقِلُ، وَ كُلُّ وَاحِدٍ مِنْهُمْ يَحْتَجُ عَلَى اللهِ جل جلاله، فَيَبْعَثُ اللَّهُ إِلَيْهِمْ مَلَكاً مِنَ الْمَلَائِكَةِ، فَيُؤَجِّجُ لَهُمْ نَاراً، ثُمَّ يَبْعَثُ اللهُ إِلَيْهِمْ مَلَكاً، فَيَقُولُ لَهُمْ: إِنَّ رَبَّكُمْ يَأْمُرُكُمْ أَنْ تَتِبُوا فِيهَا؛ فَمَنْ دَخَلَهَا كَانَتْ عَلَيْهِ بَرْداً وَ سَلَاماً، وَ أُدْخِلَ الْجَنَّةَ، وَ مَنْ تَخَلَّفَ عَنْهَا دَخَلَ النَّارَ». و رواه الصدوق في معانى الأخبار عن أبيه عن سعد، عن أحمد بن محمد، عن أبيه عن حماد، الى آخر السند، بالفاظ متخلفة في الجملة.(1)

و أحمد بن محمد، ان كان هو البرقى، فلا بأس بقبول روايات أبيه، و لو من باب الاحتياط، و ان كان هو الاشعرى، فابوه لم يثبت وثاقته و لاحُسنه، و رواه الصدوق أيضاً في الفقيه عن حريز عن زرارة عن أبي جعفر علیه السلام بالفاظ اكثر اختلافاً، مع التحفظ على المعنى.(2) و اعلم ان التصريح بدخول العصاة عند الامتحان فى النار لم يذكر الا فى هذا الحديث دون غيرها، و الله العالم بحقائق الامور.

و فيه أيضاً: عَلِيُّ بْنُ إِبْرَاهِيمَ، عَنْ أَبِيهِ، عَنِ ابْنِ أَبِي عُمَيْرٍ، عَنْ هِشَامٍ: عَنْ أَبِي عَبْدِ اللَّهِ علیه السلام:

ص: 236


1- معجم الأحادث المعتبرة سنداً، ج 1، ص 304، 305 و بحار الانوار، ج 5، ص 290.
2- الفقيه، ج 3، ص 492.

أَنَّهُ سُئِلَ عَمَّنْ مَاتَ فِي الْفَتْرَةِ، وَ عَمَّنْ لَمْ يُدْرِكِ الْحِنْثَ، وَ الْمَعْتُوهِ؟(1) فَقَالَ: «يَحْتَجُ اللَّهُ عَلَيْهِمْ، يَرْفَعُ لَهُمْ نَاراً، فَيَقُولُ لَهُمْ: ادْخُلُوهَا، فَمَنْ دَخَلَهَا كَانَتْ عَلَيْهِ بَرْداً وَ سَلَاماً، وَ مَنْ أَبِي قَالَ: هَا أَنْتُمْ قَدْ أَمَرْتُكُمْ فَعَصَيْتُمُونِي». و فيه أيضاً ، وَ بِهَذَا الإِسْنَادِ، قَالَ: «ثَلَاثَةٌ يُحْتَجُّ عَلَيْهِمُ: الْأَبْكَمُ، وَ الطَّفْلُ، وَ مَنْ مَاتَ فِي الْفَتْرَةِ؛ فَتُرْفَعُ لَهُمْ نَارٌ، فَيُقَالُ لَهُمْ: ادْخُلُوهَا، فَمَنْ دَخَلَهَا كَانَتْ عَلَيْهِ بَرْداً وَسَلَاماً، وَ مَنْ أَبِى قَالَ تَبَارَكَ وَتَعَالَى: هَذَا قَدْ أَمَرْتُكُمْ فَعَصَيْتُمُونِي». هذه الروايات الأربع، كلها معتبرة الاسانيد نقلتها من الكافي (ج 3، ص 248 و 249).

و في غيبة الشيخ الطوسى باسناده عن ابْنُ أَبِي عُمَيْرٍ، عَنْ جَمِيلِ بْنِ دَرَّاجٍ، عَنْ زُرَارَةَ، عَنْ جَعْفَرِ بْنِ مُحَمَّدٍ علیه السَّلام أَنَّهُ قَالَ: «حَقِيقٌ عَلَى اللهِ أَنْ يُدْخِلَ الضَّلَالَ الْجَنَّةَ» فَقَالَ زُرَارَةُ كَيْفَ ذَلِكَ جُعِلْتُ فِدَاكَ؟ قَالَ: «يَمُوتُ النَّاطِقُ وَ لَا يَنْطِقُ الصَّامِتُ، فَيَمُوتُ الْمَرْءُ بَيْنَهُمَا فَيُدْخِلُهُ اللهُ الْجَنَّةَ».(2)

أقول: الظاهر اختصاصها بالمسلمين أو المؤمنين، و مثل هؤلاء يدخلون الجنة من دون امتحان، لأنهم كانوا مطيعين للحجة الناطق على الفرض سواء كان الناطق نبياً، رسولاً و اماماً و لا علم لهم بالصامت فليسوا بمكلفين بالإعتقاد به نبياً كان أو رسولاً أو اماماً. يدل الحديث كغيره على معذورية الجاهل القاصر.

الفقيه: روى جعفر بن بشير عن عبد الله بن سنان قال: سألت أبا عبد الله عن أولاد المشركين يموتون قبل أن يبلغوا الحنث؟ قال: «كفار، والله اعلم بما كانوا عاملين، يدخلون مداخل آبائهم»(3) الحديث كسابقه معتبر سنداً.

أقول: يحمل كفرهم على فرض تمردهم عند الامتحان في القيامة، و اما قوله يدخلون مداخل آبائهم، فعن الفيض الكاشاني رحمه الله في الوافي أنه لا يدلّ على عذابهم البرزخي، فهم مع

ص: 237


1- اى المغلوب على عقله.
2- غيبة الشيخ، ص 460، 461. و معجم الاحاديث المعتبرة، ج 1، ص 306.
3- الفقيه، ج 3، ص 491. و معجم الاحاديث المعتبرة، ج 1، ص 307.

آبائهم في البرزخ و كذلك نقول فى أطفال المؤمنين. هذا فى الدنيا، و اما في القيامة فالكل يمتحنون بالأمر بدخول النار(1) و في المقام تأمّل وكلام.

تتميم البحث بذكر أمور:

الأحاديث المعتبرة المتقدمة، مطلقة تشمل أطفال المؤمنين و الكفار و به صرح الفيض الكاشاني رحمه الله في كلامه المتقدم آنفاً. و لكن يظهر من الطبرسي رحمه الله في تفسيره حمل المطلقات على أولاد الكافرين، دون أولاد المؤمنين. و الأصل في المقام قوله تعالى: «وَالَّذِينَ آمَنُوا وَاتَّبَعَتْهُمْ ذُرِّيَّتُهُم بِإِيمَانِ أَلْحَقْنَا بِهِمْ ذُرِّيَّتَهُمْ وَمَا أَلَتْنَاهُم مِّنْ عَمَلِهِم مِّن شَيْءٍ كُلُّ امْرِئٍ بِمَا كَسَبَ رَهِينٌ» (الطور: 21) ظاهر القرآن ان الذرية الملحقة بآبائهم (في الجنة) هم الذرية التابعة لآبائهم بالايمان لا مطلقاً. و أنّ كلمة (ذريتهم) في المورد الثاني لا اطلاق لها بعد كلمة (بایمان).

لكن يقول الطبرسي: يعنى بالذرية أولادهم الصغار والكبار؛ لان الكبار يتبعون الآباء بايمان منهم، و الصغار يتبعون بايمان من الآباء، فالولد يحكم له بالاسلام. تبعا لوالده. و المعنى: انا نلحق الأولاد بالآباء فى الجنة و الدرجة من أجل الآباء لتقرّأ عين الآباء باجتماعهم معهم في الجنة كما تقربهم في الدنيا.

أقول: و مستند الطبرسي في هذا الاستنباط ظاهراً هو أن كلمة بايمان نكرة يكفي فيه إيمان الآباء للالحاق لكنه مشكل و الآية لا تدل على الحاق الذرية الصغار غير التابعة لآبائهم بالایمان، كما لا تنفيه أيضاً. وقوله تعالى: «يَطُوفُ عَلَيْهِمْ وِلْدَانٌ مُّخَلَّدُونَ» (الواقعة: 17) غير واضح التعلق بالمقام. فتدبر. والله العالم. نعم قوله تعالى في سورة غافر في الآية 8: «وَ ذُرِّيَّاتِهِمْ» ربما يدل على صحة قول الطبرسي رحمه الله فارجع اليه.

ص: 238


1- تعليقة الكافي، ج 3، ص 234.

82- الجاهل القاصر لا يستحقّ العقاب

العقل يحكم باستحقاق المعاند و المقصر كليهما للعقاب سواء في انكار اصول الدين و المعارف الحقة أو فى عصيان الوظائف الالزامية بلاشك، وكذا شريعة الاسلام بعموماتها و اطلاقاتها و تصريحاتها.

و اما الجاهل القاصر فلا اشكال ظاهراً في عدم استحقاقه للعقاب بترك التكاليف الفرعية سواء كان من أهل استنباط الأحكام (العلماء المجتهدين) أو من العوام المقلّدين. و إنّما البحث في معذورية الكفار القاصرين و عدم استحاقهم للعقاب الاخروى(1) أو عدمها، بل يخلّدون في النار أيضاً.

و البحث عن الموضوع قد يكون صغروياً و هو واقع بين من يقبلون الأحكام العقلية النظرية و العملية و المفهوم من جملة من علماء الشيعة، انكار القاصر في الكفر بالله تعالى و ان معرفته تعالى ضرورية، بل قيل ان الاصول الاسلامية كلها ضرورية و الجاهل بها مقصر او معاند.(2)

و قد يكون البحث كبروياً و لا خلاف عند الامامية و غيرهم ممن يلتزمون بالأحكام العقلية في قبح عذاب القاصر، تعالى الله عن ذلك علواً كبيراً و المخالف في المقام المتكلمون الأشعريون حيث صرحوا بخلوده في النار.(3)

ص: 239


1- و اما في ترتب الاحكام الفقيهة فلافرق بين القاصر و بينهما (المقصر و المعاند) وهى خارجة عن محل البحث و قد اشتبه الامر على بعض متكلمى الاشعرية فانظر شرح المواقف و مقدمة صراط الحق و قوانين الاصول ج 2 و غيرها. فاذا اشترك في الحرب يقتل أو يوسر.
2- ففى بعض الاحاديث الواردة من طريق الشيعة، ان من علم الاختلاف في الامامة، فليس بقاصر. الكافي، ج 2، ص 406.
3- انظروا ادلة الطائفتين فى استحقاق الجاهل بالمعارف، صغرويا و كبرويا في مقدمة صراط الحق. ج 1.

اما البحث الصغروى، فمن انصف من نفسه و تبصر أحوال الناس يعلم ان معظم مخالفى الاصول الاعتقادية الحقة، قاصرون في جهلهم؛ بل في انكارهم اياها، و لذا ترى تضارب آراء اتباع الأديان السماوية و الاختراعية و كذا معتنقى المذاهب باقياً في طول التاريخ البشرى لحد الآن و لآخر الزمان.

و ما يتخيله بعض من لاخبرة له من أن عصرنا عصر كمبيوتر و عصر انترنت و كل الآراء و الأقوال و المعتقدات الحقة المذكورة ثابتة فيها فلا جهل و لا قصور، فهو من ضعف فكره و تعصبه و قصور عقله، فان انترنت ليست مختصة بالعقائد الحقة؛ بل هي لكل العقائد الباطلة و المضلّة و للشبهات الشيطانية و الفحشاء والمنكرات و الكفر والإلحاد و هي أكثر بكثير من بيان الحق و الهداية الالهية، فعصر انترنت عصر توسعة التعارض و التلاعب الفكرى عصر توسعة قصور الجاهلين عصر وسوسة شياطين الانس، عصر اغواء شياطين الجن و الانس عصر ذبح الفطرة و الفكر في مذبحة الشهوات.

قال الله تعالى: «إِنَّ الَّذِينَ تَوَفَّاهُمُ الْمَلَائِكَةُ ظَالِمِي أَنفُسِهِمْ قَالُوا فِيمَ كُنتُمْ قَالُوا كُنَّا مُسْتَضْعَفِينَ فِي الْأَرْضِ قَالُوا أَلَمْ تَكُنْ أَرْضُ اللَّهِ وَاسِعَةً فَتُهَاجِرُوا فِيهَا فَأُولَئِكَ مَأْوَاهُمْ جَهَنَّمُ وَسَاءَتْ مَصِيرًاً إِلَّا الْمُسْتَضْعَفِينَ مِنَ الرَّجَالِ وَالنِّسَاءِ وَالْوِلْدَانِ لَا يَسْتَطِيعُونَ حِيلَةٌ وَلَا يَهْتَدُونَ سَبِيلًا فَأُولَئِكَ عَسَى اللَّهُ أَن يَعْفُوَ عَنْهُمْ وَكَانَ اللهُ عَفُوا غَفُورًا» (النساء: 97-99) قال الله تعالى: «وَآخَرُونَ مُرْجَوْنَ لِأَمْرِ اللَّهِ إِمَّا يُعَذِّبُهُمْ وَإِمَّا يَتُوبُ عَلَيْهِمْ وَاللهُ عَلِيمٌ حَكِيمٌ» (التوبة: 106) المرجون ليسوا بقاصرين، بل هم من المقصرين لقوله: «اما يعذبهم» لكنهم ليس من المعذبين حتما بل يحتمل ان يتوب الله عليهم عفواً.

و يدخل في العنوان المذكور من لم يكن بمؤمن ولا كافر كما مرّ في قول الامام علیه السلام لزرارة في عنوان الأعراف. و لعل المراد به من يمتحنهم الله فى المحشر كما مرّ في عنوان الأطفال و من لم يتم الحجة عليهم.

ص: 240

و تدل على معذورية الجاهل القاصر، آیات آخری «لَا نُكَلِّفُ نَفْسًا إِلَّا وُسْعَهَا» (الأنعام: 152) (المؤمنون: 62) «لَا يُكَلِّفُ اللهُ نَفْسًا إِلَّا وُسْعَهَا» (البقرة: 286) «لَا يُكَلِّفُ اللهُ نَفْسًا إِلَّا مَا آتَاهَا» (الطلاق: 7) «لَا تُكَلَّفُ نَفْسٌ إِلَّا وُسْعَهَا» (البقرة: 233) «لِّيَهْلِكَ مَنْ هَلَكَ عَن بَيِّنَةٍ وَيَحْيَى مَنْ حَيَّ عَن بَيِّنَةٍ وَإِنَّ اللهَ لَسَمِيعٌ عَلِيمٌ» (الأنفال: 42) وقوله: «وَمَا ظَلَمْنَاهُمْ وَلَكِن ظَلَمُوا أَنفُسَهُمْ» (هود: 101) و قوله: «وَمَا ظَلَمْنَاهُمْ وَلَكِن كَانُوا هُمُ الظَّالِمِينَ» (الزخرف: 76) «وَمَا أَنَا بِظَلَّامٍ لِّلْعَبِيدِ» (ق: 29) و آيات كثيرة غير ما ذكرنا.

و قوله: في آيات: «ان الله يحب المقسطين» و قوله: «كُونُوا قَوَّامِينَ بِالْقِسْطِ» (النساء: 135) و قوله: «قُلْ أَمَرَ رَبِّي بِالْقِسْطِ» (الأعراف: 29) و «وَقُضِيَ بَيْنَهُم بِالْقِسط» (يونس: 54) و «وَنَضَعُ الْمَوَازِينَ الْقِسْطَ لِيَوْمِ الْقِيَامَةِ» (الأنبياء: 47) و قوله: «إِنَّ اللهَ يَأْمُرُ بِالْعَدْلِ وَالْإِحْسَانِ» (النحل: 90) و قوله: «وَتَمَّتْ كَلِمَتُ رَبِّكَ صِدْقًا وَعَدْلًا» (الأنعام: 115) وقوله: «وَمَا جَعَلَ عَلَيْكُمْ فِي الدِّينِ مِنْ حَرَج» (الحج: 78) و حق القول ان ملايين من الكفار و المشركين و الضالين و المنحرفين من الرجال فى حواضر البلاد، و المدن فضلاً عن أهل القرى والأرياف، والبوادي، فضلاً عن النساء و المراهقين و المراهقات والمستضعفين و المستضعفات الذين يخضعون من ضعف الفكر للحيوانات و عبادة الشيطان و عبادة الفروج كما في أميركا و غيرها من مُدُن القارات اكثرهم من القاصرين، لعلهم يبلغون نصف الخارجين من دين الاسلام أو اكثرهم و التعجب شأن من لاخبرة له. فكل هؤلاء - بناءاً على تلكم الآيات المتقدمة آنفاً و الروايات الدالة على امتحان المعتوء و الذي مات بين فترة الرسل و الأبله و غيرهم في القيامة، لا يستحقون العقاب بكفرهم و ضلالهم و عصيانهم في الدنيا - في غير ما يحكم عقولهم بقبحه كالظلم بمصاديقه المتعددة، بل لابد من امتحانهم أو اعدامهم فى البرزخ أو القيامة اعداماً دائما و هم بمنزلة الأثمار الساقطة من الأشجار المثمرة قبل نضجها و حصولها الى كمالها و عدد هذه الأثمار و أولاد الحيوان و الانسان الذين يموتون قبل بلوغهم المبلغ

ص: 241

المطلوب اكثر من عدد القاصرين الكثيرين من نصف عدد افراد الانسان. و هذه من لوازم الطبيعة النباتية و الجسمانية الحية و لعل الأمر فى أفراد الجن و الموجودات المادية العاقلة في السموات أيضاً كذلك و الله سبحانه هو العالم بفعله و هو الحكيم.

و اما ما في بعض الروايات المعتبرة من أنّ من عرف الاختلاف –اختلاف الناس في العقائد– فليس بقاصر، فانه يجب عليه الفحص و التحقيق حتى يصل الى الحق «وَالَّذِينَ جَاهَدُوا فِينَا لَنَهْدِيَنَّهُمْ سُبُلَنَا» (العنكبوت: 169)(1) فيمكن أن يحمل على عصر الحضور، حضور الأئمة علیهم السلام اذ لهم امكان اقناع العقول الناقصة بالحق، و اما في عصر الغيبة و عصر انترنت و وساوِس الشياطين، فاقناعهم و هدايتهم للعلماء العاديين غير ميسور لكثرة الشبهات المانعة من رجوعهم الى التحقيق و التفحّص .

84- القيامة بمواقفها و جنّتها و جحيمها مادية

اشارة

نذكر في المقام الآيات الدالة على أن الدار الآخرة بمحشرها و مکان حسابها و جنانها و جحيمها مادية عنصرية لأجل أن أهل الثواب و العقاب لهم أرواحاً مجردة و أبدان مادية كما الكرة الأرضية و ان كان أوصاف الدارين و نظامهما التكويني و الأخلاقى و العملى مختلفة اختلافاً كثيرة بماشاء الله تعالى:

1- ماورد في جواب الَّذي مَرَّ عَلى قَرْيَة و قد تقدمت فيما تقدم (البقرة: 259)

2- ماورد في جواب ابراهيم الخليل علیه السلام (البقرة: 260) إلّا أن يقال أنهما نموذجان للبعث دون حقيقته في جميع الأفراد.

3- و أن الله يبعث من في القبور (الحج: 7) و معلوم أن من في القبور هو البدن المادى دون الروح أو الصورة المجردة.

ص: 242


1- اجبنا عن الأية، وكل ما استدلوا لنفى وجود القاصر، فى بعض كتبنا الكلامية المفصّلة.

4- «بَدَّلْناهُمْ جُلُوداً غَيْرَها لِيَذُوقُوا الْعَذاب» (النساء: 56) و كأنّ الآية ناصة على مادية الأجسام المنبوذة في النار لأجل كلمة الجلود.

5- «هَلْ نَدُلُكُمْ عَلى رَجُل يُنَبِّئُكُمْ إِذا مُزَّقْتُمْ كُلَّ ممَزَّقٍ إِنَّكُمْ لَفِي خَلْقٍ جَدِيدِ.. بَلِ الَّذِينَ لا يُؤْمِنُونَ بِالْآخِرَةِ فِي الْعَذابِ وَ الضَّلَالِ الْبَعِيدِ» (السبأ: 7 و8)

6- «وَ قالُوا أَ إِذا كُنَّا عِظاماً وَ رُفاتاً أَ إِنَّا لَمَبْعُوثُونَ خَلْقاً جديداً.. أَ وَ لَمْ يَرَوْا أَنَّ اللَّهَ الَّذِي خَلَقَ السَّماواتِ وَ الْأَرْضَ قادِرٌ عَلى أَنْ يَخْلُقَ مِثْلَهُم» (الإسراء: 98 و 99)

7- «أَ يَحْسَبُ الْإِنْسانُ أَلَّنْ نَجْمَعَ عِظامَهُ.. بَلى قادِرِينَ عَلى أَنْ نُسَوِّيَ بَنانَهُ» (القيامة: 3 و 4)

8- «أَ وَ لَمْ يَرَ الْإِنْسانُ أَنَّا خَلَقْناهُ مِنْ نُطْفَةٍ فَإِذا هُوَ خَصِيمٌ مُبينٌ.. وَ ضَرَبَ لَنا مَثَلاً وَ نَسِيَ وَلَمْ خَلْقَهُ قالَ مَنْ يُحْيِ الْعِظَامَ وَ هِيَ رَمِيمٌ، قُلْ يُحْيِيهَا الَّذي أَنْشَأَها أَوَّلَ مَرَّةٍ وَ هُوَ بِكُلِّ خَلْقٍ عَلِيمٌ» (یس: 77 - 79)

9- مِنْها خَلَقْنَاكُمْ وَ فِيهَا نُعِيدُكُمْ وَ مِنْهَا نُخْرِجُكُمْ تارَةً أُخْرى» (طه: 55)

10- «وَ نُفِخَ فِي الصُّورِ فَإِذَا هُمْ مِنَ الْأَحْداثِ إِلَى رَبِّهِمْ يَنْسِلُونَ» (يس: 51)

11- «وَ قالُوا أَ إِذا كُنَّا عِظاماً وَ رُفاتاً أَ إِنَّا لَمَبْعُوثُونَ خَلْقاً جديداً، قُلْ كُونُوا حِجَارَةً أَوْ حديداً، أَوْ خَلْقاً مِمَّا يَكْبُرُ في صُدُورِكُمْ فَسَيَقُولُونَ مَنْ يُعِيدُنا قُلِ الَّذِي فَطَرَكُمْ أَوَّلَ مَرَّة» (الإسراء: 49 - 51)

12- «أَإِذا مِتْنا وَ كُنَّا تُراباً ذلك رَجْعَ بَعِيدٌ، قَدْ عَلِمْنا ما تَنْقُصُ الْأَرْضُ مِنْهُمْ وَ عِنْدَنَا كِتَابٌ حفيظ» (ق: 3 و 4)

13- «ثُمَّ إِذا دَعاكُمْ دَعْوَةً مِنَ الْأَرْضِ إِذا أَنْتُمْ تَخْرُجُونَ» (الروم: 25)

هذه الآيات تدل -دلالة ظاهرة- على أن الأبدان المعادة للانسان مادية عنصرية بايّ شكل كانت حتى و ان كان مقدار منها مادياً. و لعلّ المتتبع يجد آيات اخرى تدل على ذلك وقد مرّ هذا البحث.

ص: 243

لكن صاحب الأسفار (وهو صاحب انظار و منهاج فلسفی، له اتباعه الى يومنا هذا يدافعون عن منهاجه) رغم اطلاعه على هذه الآيات القرآنية يقول: و أنزل من هذه المرتبة من الإعتقاد في باب المعاد و حشر الأجساد، اعتقاد علماء الكلام.. - بناءاً على أن المعاد عندهم عبارة عن جمع متفرقات أجزاء مادية لأعضاء أصلية باقية عندهم و تصويرها مرة أخرى بصورة مثل الصورة السابقة ليتعلق النفس بها مرة أخرى.

ثم يردّ عليهم بقوله: و لم يتفطنوا بأن هذا حشر في الدنيا لا في النشأة الأخرى و عود إلى الدار الأولى دار العمل و التحصيل(1) لا إلى الدار العقبى و دار الجزاء و التكميل فأين استحاة التناسخ(2) و ما معنى قوله تعالى: «عَلى أَنْ نُبَدِّلَ أَمْثَالَكُمْ وَ نُنْشِئَكُمْ في ما لا تَعْلَمُونَ»(3) الواقعة: 61) و قوله تعالى: «نَحْنُ خَلَقْناهُمْ وَ شَدَدْنا أَسْرَهُمْ وَ إِذَا شِئْنَا بَدَّلْنا أَمْثَالَهُمْ تَبْدِيلاً»(4) (الإنسان: 28)

و لا يخفى على ذي بصيرة أن النشأة الثانية طور آخر من الوجود يباين هذا الطور المخلوق من التراب والماء والطين و أن الموت و البعث ابتداء حركة الرجوع إلى الله أو القرب منه،

ص: 244


1- أقول: ماذكره شعار وشعر خيالى تخيل هو أن الدار الآخرة و البرزخ إنّما هى صور مجردة في النفس الناطقة و الحال أن القرآن يقول بوجود القيامة وجنتها و جحيمها و ثوابها و عقابها في خارج النفس.
2- إنّما استحالة التناسخ لعود ما بالفعل الى بالقوة و هو غير لازم في المقام و انا لا أظن بخفاء ذلك على مثله.
3- ليس المراد بما لاتعلمون البدن المثالى الذى اخترعه هو، بل الدار الآخرة غير معلومة للانسان و ان كان المُعاد في المَعاد هو البدن المادى.
4- عرفت ان الأمثال ليست هو الأبدان التي اخترعه هو فى تخيله من الصور المجردة عن المادة. وكأنه يمزح مع مخالفيه بالاستدلال بهذه الآيات الشريفة. اذ أيّ مانع من رجوع الإنسان بروحه المجرد و بدنه الاخروى الى الله تعالى و هو يعترف لأصحاب اليمين بالأبدان الجسمانية فكيف لا يمتنع عن الرجوع الى الله تعالى؟ ثمّ كيف يمنع الجسم المادى من رجوع أصحاب الشمال إلى نار الله الموقدة؟!

لا العود إلى الخلقة المادية و البدن الترابي الكثيف الظلماني(1)،(2)

و هذا القائل أيضاً يصرح بالمعاد الجسماني دون المعاد الروحاني فقط، و اذا اردت أن تعرف مراده و اعتقاده بالمعاد الجسمانى فانظر الى كلامه هذا: «لأنا نقول الأبدان الأخروية ليست وجودها وجوداً استعدادياً و لا تكوّنها بسبب استعدادات المواد و حركاتها و تهيؤاتها و استكمالاتها المتدرجة الحاصلة لها عن أسباب غريبة و لواحق مفارقة، بل تلك الأبدان لوازم تلك النفوس كلزوم الظل لذي الظل حيث إنها فائضة بمجرد إبداع الحق الأول لها.. فكل جوهر نفساني مفارق يلزم شبحاً مثالياً ينشأ منه بحسب ملكاته و أخلاقه و هيئاته النفسانية بلا مدخلية الاستعدادات.. بل على سبيل التبعية و اللزوم...(3)

فإن قلت: النصوص القرآنية دالة على أن البدن الأخروي لكل إنسان هو بعينه هذا البدن الدنياوي له.

قلنا نعم و لكن من حيث الصورة لا من حيث المادة و تمام كل شيء بصورته لا بمادته.(4)

أقول: كل ذلك مجرد اعادة للدعوى و الآيات المتقدمة تصوّر خروج البدن من الأرض فهو مادي عنصري.

ثمّ لايذهب على القراء أنه ليس البدن المثالى المنشأ من الروح (اى الصورة الفاقدة عن المادة) لكلّ من المكلفين في القيامة، بل هو لغير الكمّلين، فلهم نشأة ثالثة فوق النشأة الاولى و

ص: 245


1- الأسفار الاربعة، ج 9، ص 153.
2- خالق البصر و البصيرة ذكر في كتابه عود البدن الى الخلقة المادية فى الأيات المتقدمة و فاقد البصيرة من يخترع من خياله بدناً مثالياً إبداعياً من نفس الانسان اى صورة بلامثال.
3- دع هذه الادعات الفارغة من الدليل وأقم عليه دليلاً عقلياً أو قرآنياً. واعلم أن القرآن و الأحاديث- و لاسيّما أحاديث المعراج- يدلان على كون الدار الآخرة بتمام مراتبها مادية خارجية. و اما حركة المادة و استعدادها فهما لاتدل على دنيوية الآخرة لما اشرنا اليه فى الفصل 61 عن قريب.
4- نفس المصدر، ص 31 و 32.

هي الصورة الحسية الطبيعية ومظهرها الحواس الخمس الظاهرة و يقال لها الدنيا وعالم الشهادة. و فوق النشأة الثانية هي الأشباح و الصور الغائبة عن هذه الحواس و مظهرها الحواس الباطنة و يقال لها عالم الغيب و الآخرة و هي تنقسم إلى الجنة و النار بزعهم.

بل النشأة الثالثة هي العقلية و هي دار المقربين ودار العقل و المعقول و مظهرها القوة العاقلة من الإنسان إذا صارت عقلاً بالفعل. و هي لا تكون إلا خيراً محضاً و نوراً صرفاً (و ليس للروح بدن مثالى كما في النشأة الثانية، البرزخ و القيامة للمتوسطين غير الكمّلين)(1) بل قيامة الكمّلين بمجرد النفوس المجردة النورية بجوار ربّ العالمین». (آنچه در وهم تو ناید آن شوم!!)

أقول: كل ما ذكره من خلق خياله و وهمه فيخطّط اموراً كهندسة المهندسين للبنايات! و لا نقيم له وزناً.

خلاصة الآخرة عند هؤلاء المتحيرين

يقول الصدرا بصراحة عن حقيقة الدار الآخرة، مخالفاً لجميع الادلّة النقلية و لما تسالم عليه علماء المسلمين و عوامهم: و اعلم أن لكل نفس من نفوس السعداء في عالم الآخرة مملكة عظيمة الفسحة و عالما أعظم و أوسع مما في السماوات و الأرضين و هي ليست خارجة عن ذاته بل جميع مملكته و ممالیکه و خدمه و حشمه و بساتینه و أشجاره و حوره و غلمانه كلها قائمة به و هو حافظها و منشئها بإذن الله تعالى و قوته و وجود الأشياء الأخروية و إن كانت تشبه الصور التي يراها الإنسان في المنام أو في بعض المرايا لكن يفارقها بالذات و الحقيقة.(2) فالقيامة عنده فى نفس الإنسان!! و قد رده المطهری بانه -اى صاحب الاسفار يرجع كل القيامة الى النفس !!

ص: 246


1- الأسفار الأربعة، ج 9، ص 21. نقلنا الكلام المذكور في المتن من مجموع كلماته.
2- المصدر السابق، ص 176 وهو مقطوع الفساد بملاحظة آيات الكتاب العزيز. و انظر أيضاً ج 9، ص 242 و ما بعدها 319 و 320 و 335 و غيرها من الاسفار.

85- مهمات مستطرفة

اشارة

الاولى: مقتضى القاعدة العقلية والقرآنية الاولية: «أَلَّا تَزِرُ وَازِرَةٌ وِزْرَ أُخْرَى» (النجم: 38) «وَأَن لَّيْسَ لِلْإِنسَانِ إِلَّا مَا سَعَى» (النجم: 39) «وَلَا تَزِرُ وَازِرَةٌ وِزْرَ أُخْرَى» (الزمر: 7) «وَمَن يَعْمَلْ مِثْقَالَ ذَرَّةٍ شَرًّا يَرَهُ» (الزلزلة : 8) لكنها خصصت في موردين أو ثلاثة موارد:

الاول: في مورد الاضلال: بدليل قوله تعالى: «لِيَحْمِلُوا أَوْزَارَهُمْ كَامِلَةً يَوْمَ الْقِيَامَةِ وَمِنْ أَوْزَارِ الَّذِينَ يُضِلُّونَهُم بِغَيْرِ عِلْمٍ أَلَا سَاءَ مَا يَزِرُونَ» (النحل: 25) وقوله تعالى: «وَلَيَحْمِلُنَّ أَثْقَالَهُمْ وَأَثْقَالًا مَّعَ أَثْقَالِهِمْ» (العنكبوت: 13)

والثاني: في مورد القتل، كما قال هابيل لقابيل: «إنّي أُرِيدُ أَن تَبُوءَ بِإِثْمِي وَإِثْمِكَ فَتَكُونَ مِنْ أَصْحَابِ النَّارِ وَذلك جَزَاءُ الظَّالِمِينَ» (المائدة: 29)

بناءاً على ان نقل قول أحد في القرآن كاشف عن رضى الله تعالى به، فيكون حجة لنا. و ان لم يكن قوله في حد نفسه حجة لأحد، و مثل هذا قول هابيل: «إِنَّمَا يَتَقَبَّلُ اللهُ مِنَ الْمُتَّقِينَ» (المائدة: 27) والله العالم.

الثالث: فى من سن سنة سيئة. فان على المستنّ مثل وزر من عمل بها.

الثانية: قد يتضاعف الثواب والعقاب الأخرويان في حق بعض المكلفين لجهة خاصة كما في حق زوجات النبي الأكرم صلّی الله علیه و آله و سلَّم (الاحزاب: 30 و 31)

و أظن ان الجهة المذكورة راجعة في جانب مزيد العقاب الى مزيد التجرىّ أو الاضلال أو كليهما. فان صح ذلك فمدلول الأية يجري في حق جملة من أعضاء دهل النبي الأكرم صلّی الله علیه و آله و سلّم كما روى عن السجاد علیه السلام بل فى حق العلماء الكاملين، أو المؤثرين معاصيهم و طاعاتهم في نفوس أتباعهم، أو كان صدور بعض المعاصى الكبيرة من بعض العلماء أو الأشخاص موجبا لهتك الدين و أهله عند الناس عصمنا الله منه «الَّذِينَ يَصُدُّونَ عَن سَبِيلِ اللَّهِ وَيَبْغُونَهَا عِوَجًا وَهُم بِالْآخِرَةِ هُمْ كَافِرُونَ» (هود: 19) و ورد: «مَن قَتَلَ نَفْسًا بِغَيْرِ نَفْسٍ أَوْ فَسَادٍ فِي الْأَرْضِ فَكَأَنَّمَا

ص: 247

قَتَلَ النَّاسَ جَمِيعًا» (المائدة: 32) و هذه الآية محتاجة الى بحث ذكرناه في بعض كتبنا المطبوعة سابقاً.

الثالثة: تدل جملة من الآيات الكريمة: «ان كل نفس تتوفى (وتاخذ تمام) ما كسبت في الدنيا، في القيامة و لا يظلمون.(1)

نعم توفى الأعمال السيئة معلّق على عدم وصول العفو الإلهى و شفاعة الشافعين و غيرهما الى المكلف المؤمن العاصي.

تجسّم الاعمال

الرابعة: جملة من الأعمال مشتركة بين الحرام والحلال أو بين الواجب و الحرام و انّما تتميز بما ليس بمادي كالنية و اجراء العقد و غير ذلك، فتجسّم العمل الذي يستفاد من بعض الآيات و الروايات لا صلة له بتبديل الطاقة بالمادة و المادة بالطاقة، و تبديل الطاقة بالطاقة، بل يمكن أن يقال بان التجسم بهذا المعنى يعم جميع الأعمال الصالحة و السيئة لقوله تعالى حكايته عن لقمان: «يَا بُنَيَّ إِنَّهَا إِن تَكُ مِثْقَالَ حَبَّةٍ مِّنْ خَرْدَلٍ فَتَكُن فِي صَخْرَةٍ أَوْ فِي السَّمَاوَاتِ أَوْ فِي الْأَرْضِ يَأْتِ بِهَا اللهُ إِنَّ اللَّهَ لَطِيفٌ خَبِيرٌ» (لقمان: 16)

و قوله تعالى في خصوص الغل و الخيانة: «وَمَا كَانَ لِنَبِيٍّ أَن يَغُلَّ وَمَن يَغْلُلْ يَأْتِ بِمَا غَلَّ يَوْمَ الْقِيَامَةِ ثُمَّ تُوَفَّى كُلُّ نَفْسٍ مَّا كَسَبَتْ وَهُمْ لَا يُظْلَمُونَ» (آل عمران: 161) هذا و نحن نرجع حقيقة الأمر الى اللطيف الخبير و أسأله العفو و الغفران و مزيد النعمة.

و على كل تدل جملة من الآيات بان الجزاء ما يعمله المكلفون كقوله تعالى: «هَلْ تَجْزَوْنَ إِلَّا مَا كُنتُمْ تَعلمون» (النمل: 90) «وَمَا تُجْزَوْنَ إِلَّا مَا كُنتُمْ تَعْمَلُونَ» (الصافات: 39) و انظر سور القصص (84) الغافر (40) الطور (16) التحريم (7) الاعراف (147). نعم في جملة من الآيات كقوله تعالى: «هَلْ تَجْزَوْنَ إِلَّا بِمَا كُنتُمْ تَكسبون (يونس: 52) خلاف ذلك فان

ص: 248


1- آل عمران /161، 185، 25، و البقرة / 281 و الزمر / 70.

حرف الباء الجارة بمعنى السببیة و ان العمل سبب للجزاء و السبب و المسبب موجودان متغائران حذراً من تقدم الشيء على نفسه أو توقف الشيء على نفسه.

عدد الجنات

الخامسة: و للجنات أسماء:

1- جنات النعيم: قال الله تعالى: «وَالسَّابِقُونَ السَّابِقُونَ، أُولَئِكَ الْمُقَرَّبُونَ، فِي جَنَّاتِ النَّعِيمِ» (الواقعة: 10 - 12)

2- جنّات الماوى: «أَمَّا الَّذِينَ آمَنُوا وَعَمِلُوا الصَّالِحَاتِ فَلَهُمْ جَنَّاتُ الْمَأْوَى نُزُلًا بِمَا كَانُوا يَعْمَلُونَ» (السجدة: 19)

3- جنة الخلد: «قُلْ أَذلكَ خَيْرٌ أَمْ جَنَّةُ الْخُلْدِ الَّتِي وُعِدَ الْمُتَّقُونَ كَانَتْ لَهُمْ جَزَاءً وَمَصِيرًا» (الفرقان: 15)

4- دار السلام: «لَهُمْ دَارُ السَّلَامِ عِندَ رَبِّهِمْ وَهُوَ وَلِيُّهُم بِمَا كَانُوا يَعْمَلُونَ» (الأنعام: 127) «وَاللهُ يَدْعُو إِلَى دَارِ السَّلَامِ وَيَهْدِي مَن يَشَاءُ إِلَى صِرَاطٍ مُّسْتَقِيمٍ» (يونس: 25)

5- جنّات عدن: «جَنَّاتِ عَدْنٍ مُّفَتَحَةٌ لَّهُمُ الْأَبْوَابُ (ص: 50) و قد تكرّرت اكثر من عشر مرات في القرآن.

6- جنات الفردوس: «إِنَّ الَّذِينَ آمَنُوا وَعَمِلُوا الصَّالِحَاتِ كَانَتْ لَهُمْ جَنَّاتُ الْفِرْدَوْسِ نُزُلًا» (الكهف: 107) «وَلِمَنْ خَافَ مَقَامَ رَبِّهِ جَنَّتَانِ» (الرحمن: 46) «وَمِن دُونِهِمَا جَنَّتَانِ»(1) (الرحمن: 62)

في كون الجنتين الّلتين لمن خاف مقام ربّه و هاتين الجنتين الأخيرتين جنات أربعة مستقلة كسائر الجنات المتقدمة، أو أنها بمعنى أربع بستانين؟ ظاهر الآيات هو الاول، و عليه هل تلك

ص: 249


1- أى الأدون و الأسفل من الجنتين السابقتين أو من غيرهما هاتان الجنتان.

الأربعة متغائرة مع الستة المتقدمة المسمات بالأسماء السابقة حتى تكون الجنات عشرة أو بعضُهُّن؟ فيكون عددهن ستة؟ فيه وجهان، والله العالم.

و اعلم أن كلمة يوم القيامة قد وصف بأوصاف مفردة أو بجملات توصيفية سبعين مرة أو اكثر منه.

مادية كرات الحساب و الجنة والنار.

السادسة: القيامة مادية محتاجة الى الزمان والمكان قطعاً، و القرآن مشحون باثبات الزمان له و لازمه اثبات المكان له أيضاً و المجرد ليس له زمان و لامكان: يوم الدين و اليوم الآخر، يوم القيامة و اليوم لابيع فيه، يوم لا ريب فيه، يوم تجد كل.. يوم تبيض.. يوم ينفع.. يوم لا ينفع.. يوم نحشرهم، يوم يأتي.. يوم يحمى.. يوم كبير، يوم محيط، يوم مجموع.. يوم عصيب.. يوم يأت.. يوم يقدم.. يوم تشخص.. اليوم، يوم نبعث.. يوم يدعوكم، يوم يدعو.. يوم يقول.. يوم نسيّر يوم يبعث، يوم البعث يوم عظيم، يوم الحسرة و أمثال هذه العبارات المكرّرة المكثّرة و اكثر هذه العبارات لاسيّما كلمة يوم القيامة و اليوم الأخرة قد تكررتا كيثراً. ولعلّ المتتبع يجد مآت الفاظ و آیات دالة على كون القيامة زمانية.

فأىّ مؤمن بالقرآن يتجرّء بتأويل كل هذه الآيات بادعاء أن القيامة غير مادية و أنها الصور الناشئة من الأرواح المجردة و ان سموها أجساماً فهى مجردة غير محتاجة الى الزمان و المكان فأن الزمان والمكان من لوازم المادة و قد نقله عن انشتاين الرياضي الشهير انهما يوجدان مع المادة و لا وجود لهما خارجها. والله يهدي من يشاء الى الصراط المستقيم.

أسماء مكان العذاب

السابعة: المستفاد من القرآن أن أسمائه ثمانية اكثرها استعمالاً لفظ جنهم و السبعة الباقية: جحيم، لظی، سعير، سُعُر، هاوية، سقر.

ص: 250

لم نفهم أنّ لكل هذه الأسماء مسمّى خاصاً، او كلها أو صاف لمسمى واحد، أو اثنين أو ثلاثة، اطلقت عليه أو عليها باعتبارات مختلفة؟ و المظنون عدم ثمانية مكان مستقل للعذاب، و الظاهر أنه كرة مستقلة نارية لها سبعة أبواب أو سبع طبقات. و الله العالم.

نعم ان أوصاف جهنم، اكثر في القرآن مما نقلناها هنا.

بحث و مشكلة

الثامنة: قال الله تعالى: «فَأَمَّا الَّذِينَ شَقُوا فَفِي النَّارِ لَهُمْ فِيهَا زَفِيرٌ وَشَهِيقٌ» «خَالِدِينَ فِيهَا مَا دَامَتِ السَّمَاوَاتُ وَالْأَرْضُ إِلَّا مَا شَاءَ رَبُّكَ إِنَّ رَبَّكَ فَعَالٌ لِّمَا يُرِيدُ» «وَأَمَّا الَّذِينَ سُعِدُوا فَفِي الْجَنَّةِ خَالِدِينَ فِيهَا مَا دَامَتِ السَّمَاوَاتُ وَالْأَرْضُ إِلَّا مَا شَاءَ رَبُّكَ عَطَاءٌ غَيْرَ مَجْذُودٍ» (هود: 108 - 106)

المشكلة: في الآيتين فرض السموات في القيامة مع أنه تعالى يقول: «يَوْمَ نَطْوِي السَّمَاءَ كَطَيٌّ السَّجِلَّ لِلْكُتُبِ» (الأنبياء: 104) ويقول أيضاً: «وَالْأَرْضُ جَمِيعًا قَبْضَتُهُ يَوْمَ الْقِيَامَةِ وَالسَّمَاوَاتُ مَطْوِيَّاتٌ بِيَمِينِهِ» (الزمر: 67)

أقول: المشكلة عندى -بحمد لله- مرتفعة، فانه لا بد من فرض وجود أرض و سماء للجنة و هكذا لجهنم فانهما عندنا ماديتان فالمراد من الأرض و السماء و السماوات في سورة الزمر ما هو الموجود في الكون الحاضر، و عليه فلا تعارض بين الآيات و أقرب الاحتمالات ان يحمل دوام السموات والأرض في سورة الأنبياء على الكناية من طول الأمد و الدوام. والله العالم.

اما البحث: فهو ان الاستدلال بالاستثناء - الا ما شاء الله - على عدم خلود الكفار في النار، و ان اكّد بقوله : «إِنَّ رَبَّكَ فَعَالٌ لِّمَا يُرِيدُ» لا يخلو عن مناقشة، لوجوده في حق السعداء الخالدين فى الجنة، مع ان خلودهم فى الجنة مما اتفقوا عليه فلاحظ و تدبر.

نعم الآية 128 في سورة الانعام في حد نفسها دالة على الاستثناء من الخلود،«قَالَ النَّارُ مَثْوَاكُمْ خَالِدِينَ فِيهَا إِلَّا مَا شَاءَ اللهُ إِنَّ رَبَّكَ حَكِيمٌ عَلِيمٌ» (الأنعام: 128)

ص: 251

المعاد من جهة اخرى

التاسعة: قال جماعة من علماء العصر بدلالة العقل على لزوم المعاد في القيامة وذكروا لها وجوها و سموا كل واحد منها باسم حسن.

لكنها عندى خطابية غير برهانية فلم أذكرها فى هذا الكتاب، بل الحق ان اثباته نقلي تعبدي دلت عليه آيات كثيرة متكثّرة بتعبيرات مختلفة صريحة فى اثباته و انعقد عليه من زمان حياة النبى صلّی الله علیه و آله و سلّم اتفاق المسلمين، بل الحق الذى لامرية فيه ان القيامة و عود المكلفين الى الحساب ثم ذهابهم الى الجنة أو النار و استقرارهم فيهما صارت من ازمنة قديمة حتى من آخريات حياة الرسول الخاتم صلّی الله علیه و آله و سلّم أو أواسطها من الضروريات الدينية بحيث ينجرّ انكارها من قبل أحد الى خروجه من دين الاسلام و ان أقرّ بالشهادتين، بل لا يبعد أنه كذلك في سائر الأديان السماوية.

و ذهب ابوعلي سينا الى ان ثبوت المعاد الجسماني تعبديّ والمعاد الروحى عقليّ. وقد يقال ان المعاد بقسمَيه عقليّ، نقله بعض المعاصرين عن قائل مجهول الإسم.

و الحق أن المعاد الجسماني تعبدي صرف، و اما إجراء العدالة بين الظالم والمظلوم، فهى ممكنة في البرزخ و بتعبير أسلم في ما بعد الموت، فان الأرواح احياء مدركة ربّما بأتم ادراك من إدراكهم في الحياة الحاضرة.

و اما المعاد الروحى فهو أيضاً نقلي و يصح ان نستدلّ عليه في حق المؤمنين بقوله تعالى: «يَا أَيَّتُهَا النَّفْسُ الْمُطْمَئِنَّةُ ارْجِعِي إِلَى رَبِّكِ رَاضِيَةً مَرْضِيَّةٌ، فَادْخُلِي فِي عِبَادِي وَادْخُلِي جَنَّتِي» (الفجر: 27- 30) إذ سياق الآيات المتقدمة على هذه الآية يدل على أن رجوع النفس انما هو في القيامة. وقد مرّ ما يتعلق بهذا فى بعض الفصول المتقدمة.(1)

ص: 252


1- رجوع النفس الانسانية الى القيامة، و تعلقها بالبدن المادى الخارج من الأرض مسلم من مجموع الآيات الواردة في القيامة بحيث لا يقبل النقاش و المسؤل الاول و الآخير هو النفس دون البدن.

و اما حكم العقل برجوع النفس المجردة ففيه بحث، فان أريد من الرجوع، الرجوع الى الله تعالى فان كان بنحو ذكره صاحب الأسفار في حق المقربين فهو ليس من المعاد المصطلح فى الآيات القرآنية و ما يفهمه المسلمون و ان كان بنحو ذكره هو و من تبعه من رجوع الروح والنفس الى البدن المثالى المجرد الذي أوجده الروح في حق أصحاب اليمين، فهذا حاصل في البرزخ بزعمهم و لو بنحو متوسط غير أشد كما تقدّم في كلام الشيرازي و السبزواري في الأسفار وتعليقتها، فما معنى المعاد؟ و النعم و الآلام (الثواب و العذاب) الروحيتان دون الماديتين متحققتان في البرزخ، فان البرزخ و القيامة عندهم غير مختلفين الا بالشدة و الضعف، فلا يصدق المعاد الذي يفهمه المسلمون و بيّنه القرآن أطول بيان. فافهم و تدبر و الله أعلم بسرائر عباده.

86- عجيبة أخرى للنار

قال الله تعالى: «قُلْ يُحْيِيهَا الَّذِي أَنْشَأَهَا أَوَّلَ مَرَّةٍ وَ هُوَ بِكُلِّ خَلْقٍ عَلِيمٌ الَّذِي جَعَلَ لَكُمْ مِنَ الشَّجَرِ الْأَخْضَرِ نَاراً فَإِذَا أَنْتُمْ مِنْهُ تُوقِدُونَ» (يس: 79 و 80) أى يعيد العظام الرميمة من يخرج النار من الشجر الأخضر.

و قال الله تعالى: «أَفَرَأَيْتُمُ النَّارَ الَّتِى تُورُونَ أَأَنتُمْ أَنْشَأْتُمْ شَجَرَتَهَا أَمْ نَحْنُ الْمُنْشِئُونَ نَحْنُ جَعَلْنَاهَا تَذْكِرَةً وَ مَتَاعاً لِلْمُقْوِينَ» (الواقعة: 71-73) كان العرب يعرفون شجرتين باسم مژخ و عفار يضربون غصن أحدهما على الآخر فيوقدون النار.

فمن أكمن النار في الشجر الأخير يقدر على إحياء عظام الموات النخرة الرميمة.

و اليوم ترى الإحتراقات الكبيرة و الوسيعة السريعة في الغابات و أشجارها بضرب الرياح الشديدة بعض الأغصان ببعضها الآخر، فسبحان الله القادر على جمع المياه و النار في جميع أخشاب الأشجار الخضرى، فكيف يعجز من إعادة الحياة الى العظام الرميمة و جمع أجزاء الأبدان المنتشرة في الأرض؟

ص: 253

نعم اليوم ثبت أن اصطكاك الأجسام يوجب خروج النار منها، هذه النار الخارجة من الأخشاب وغيرها من المواد المحترقة الكثيرة فى أطرا فنا من أين توجد؟ و نحن لا نحسها في الأجسام الموجودة عندنا قبل الإحتراق؟!!

النار عبارة عن النور والحرارة و هما طاقة و انرجی (انرژی) و ليس بخفيّ أنهما من الشمس المشرقة، و نحن نزعم ان حرارة الشمس و نورها تحميان الأشياء و تنورها ثمّ تنعدمان و ليس كذلك، بل تذخران في الأجسام فحين تتحقق الشرائط و الأسباب يظهر كل ما إدخر مرّة أخرى بصورتها الأصلية من الحرارة و النور و لو بعد سنين كثيرة و الطبيعة لا تخون.

فلا عجب بعد ذلك من مجيء اليوم تبلى الأسرار و السرائر فيه، «فَمَنْ يَعْمَلْ مِثْقَالَ ذَرَّةٍ خَيْراً يَرَهُ وَ مَنْ يَعْمَلْ مِثْقَالَ ذَرَّةٍ شَرّاً يَرَهُ» (الزلزلة: 7 و 8)

87- حال المسلمين غير الشيعة في القيامة

في آخر صحيح زرارة عن الباقر (علیه السلام) في حديث بناء الاسلام على خمسة أشياء. الطويل: «أَمَا لَوْ أَنَّ رَجُلًا قَامَ لَيْلَهُ وَصَامَ نَهَارَهُ وَتَصَدَّقَ بِجَمِيعِ مَالِهِ وَحَجَّ جَمِيعَ دَهْرِهِ وَلَمْ يَعْرِفْ وَلَايَةَ وَلِيِّ اللَّهِ فَيُوَالِيَهُ وَيَكُونَ جَمِيعُ أَعْمَالِهِ بِدَلَالَتِهِ إِلَيْهِ، مَا كَانَ لَهُ عَلَى اللَّهِ حَقٌّ فِي ثَوَابِهِ، وَلَا كَانَ مِنْ أَهْلِ الْإِيمَانِ». ثُمَّ قَالَ: «أُولئِكَ الْمُحْسِنُ مِنْهُمْ يُدْخِلُهُ اللهُ الْجَنَّةَ بِفَضْلِ رَحْمَتِهِ».(1)

أقول: يدلّ الحديث المعتبر سنداً بالاجماع على أن الإمامة شرط لقبول الأعمال و ثوابها كما يدل عليه غيره دون كونها من شرائط صحتها.

و يدل ثانياً على دخول سائر المحسنين من المسلمين -غير الامامية- الجنة بزيادة رحمة الله.

و المراد بنفى الإيمان عنهم في ذيل الحديث، الإيمان بمعنى الأخص دون الإيمان بمعنى الأعم المستفاد من اكثر الآيات القرآنية، فإنهم من مصاديقها جزماً.

ص: 254


1- الكافي، ج 2، ص18 و 19. و معجم الأحاديث المعتبرة، ج 2، ص 459.

و في معتبرة حُمْرَانَ بْنِ أَعْيَنَ: عَنْ أَبِي جَعْفَرٍ عليه السلام، قَالَ: سَمِعْتُهُ يَقُولُ: «الْإِيمَانُ مَا اسْتَقَرَّ فِي الْقَلْبِ، وَأَفْضَى بِهِ إِلَى اللهِ عَزَّ وَجَلَّ، وَصَدَّقَهُ الْعَمَلُ بِالطَّاعَةِ لِلهِ وَالتَّسْلِيمِ لِأَمْرِهِ؛ وَالْإِسْلَامُ مَا ظَهَرَ مِنْ قَوْلٍ أَوْ فِعْلٍ، وَهُوَ الَّذِي عَلَيْهِ جَمَاعَةُ النَّاسِ مِنَ الْفِرَقِ كُلِّهَا، وَبِهِ حُقِنَتِ الدِّمَاءِ، وَعَلَيْهِ جَرَتِ الْمَوَارِيثُ، وَجَازَ النِّكَاحُ، وَاجْتَمَعُوا عَلَى الصَّلَاةِ وَالزَّكَاةِ وَالصَّوْمِ وَالْحَجِّ، فَخَرَجُوا بِذلك مِنَ الْكُفْرِ، وَأُضِيفُوا إِلَى الْإِيمَانِ... الى أن قال الراوي: فَهَلْ لِلْمُؤْمِنِ فَضْلٌ عَلَى الْمُسْلِمِ فِي شَيْءٍ مِنَ الْفَضَائِلِ وَ الْأَحْكَامِ وَالْحُدُودِ وَغَيْرِ ذلِكَ؟ فَقَالَ: «لَا، هُمَا يَجْرِيَانِ فِي ذلك مَجْرى وَاحِداً، وَلَكِنْ لِلْمُؤْمِنِ فَضْلٌ عَلَى الْمُسْلِمِ فِي أَعْمَالِهِمَا وَمَا يَتَقَرَّبَانِ بِهِ إِلَى اللَّهِ عَزَّ وَجَلَّ».

قُلْتُ: أَ لَيْسَ اللهُ - عَزَّ وَجَلَّ- يَقُولُ: «مَنْ جَاءَ بِالْحَسَنَةِ فَلَهُ عَشْرُ أَمْثَالِهَا» وَزَعَمْتَ أَنَّهُمْ مُجْتَمِعُونَ عَلَى الصَّلَاةِ وَالزَّكَاةِ وَالصَّوْمِ وَالْحَجِّ مَعَ الْمُؤْمِنِ؟

قَالَ: «أَ لَيْسَ قَدْ قَالَ اللهُ عَزَّ وَجَلَّ: «فَيُضَاعِفَهُ لَهُ أَضْعافاً كَثِيرَةً»؟ ... فهذا فضل المؤمن...(1)

الحديث ظاهر في وصول الثواب - الحسنة بعشر أمثالها - لهم فيدل على دخول المحسنين منهم الجنة جزماً.

و في صحيح ضريس الكناسي عن الباقر علیه السّلام المتقدم في فصل البرزخ من هذا الكتاب: قُلْتُ: أَصْلَحَكَ اللهُ، فَمَا حَالُ الْمُوَحَدِينَ الْمُقِرِّينَ بِنُبُوَّةِ مُحَمَّدٍ صلّى الله عليه و آله و سلّم مِنَ الْمُسْلِمِينَ الْمُذْنِبِينَ، الَّذِينَ يَمُوتُونَ وَ لَيْسَ لَهُمْ إِمَامٌ، وَ لَا يَعْرِفُونَ وَلَايَتَكُمْ؟ فَقَالَ: «أَمَّا هَؤُلَاءِ، فَإِنَّهُمْ فِي حُفَرِهِمْ لَا يَخْرُجُونَ مِنْهَا، فَمَنْ كَانَ مِنْهُمْ لَهُ عَمَلٌ صَالِحٌ وَ لَمْ يُظْهِرْ مِنْهُ عَدَاوَةٌ، فَإِنَّهُ يُخَدُّ لَهُ خَدٌ إِلَى الْجَنَّةِ الَّتِي خَلَقَهَا اللهُ فِي الْمَغْرِبِ، فَيَدْخُلُ عَلَيْهِ مِنْهَا الرُّوحُ فِي حُفْرَتِهِ إِلَى يَوْمِ الْقِيَامَةِ، فَيَلْقَى اللهَ، فَيُحَاسِبُهُ بِحَسَنَاتِهِ وَ سَيِّئَاتِهِ، فَإِمَّا إِلَى الْجَنَّةِ، وَ إِمَّا إِلَى النَّارِ...»(2)

و تفصيل الكلام في نقل الأقوال و الأحاديث المعتبرة في المقام، يطلب من الكتب الآخر.

ص: 255


1- الكافى، ج 2، ص 26 و 27. و معجم الأحاديث المعتبرة، ج2، ص 467 و 468.
2- الكافى، ج 3، ص 246. و معجم الأحاديث المعتبرة، ج 1، ص 326 و 327.

والله العالم.

و ربما يقال أن عمومات القرآن الدالة على دخول المؤمنين و المؤمنات الجنة، شاملة لجميع أهل الاسلام ممن لا ينكر ضرورياً من ضرورياته كالنواصب و الغلاة.(1)

نعم من أنكر امامة الأئمة علیهم السلام بعد ثبوتها له عمداً و عناداً أو تقصيراً، فهو بحكم النواصب أو أسوء؛ امّا عامة المسلمين من مذاهب أهل السنة و من أهل التشيع كالزيدية و الناووسية و الواقفة و بعض الإسماعلية، فهم أهل السلامة و النجاة و اليوم لا يوجد من الشيعة سوى الامامية الاثنى عشرية و الزيدية فى اليمن وبعض الإسماعلية فى الهند و غيره كما أن المعتزلة من أهل السنة في غاية القلة ظاهراً.

نسأل الله تبارك و تعالى توفيق المذاهب الاسلامية و علمائهم و اتباعهم للاخاء و التحابب و المشاركة فى تقوية الدين و حفظ صفوف المسلمين، و الاجتناب عن الافراط و التفريط لاسيّما في بلادنا الاسلامية افغانستان و كذا في سائر بلاد المسلمين اللّهم ردّ شر الكفار و کیدهم و مكرهم الى أنفسهم برحمتك يا أرحم الراحمين.

88- الحشر والعود العام عند بعض الفلاسفة

و قال صاحب الأسفار: ان الآخرة إنما يحصل بارتفاع الحجب و زوال الملابس و ظهور الحقائق و انكشاف الحق(2) بالوحدة الحقيقية - و كذا يظهر كل شيء فيها على صورته الذاتية الحقيقية، فمن أراد أن يعرف معنى القيامة الكبرى و ظهور الحق بالوحدة الحقيقية و عود

ص: 256


1- النواصب من يتقربون الى الله ببغض أئمة أهل البيت، و الغلاة من يدعون الالوهية أو النبوة و أمثالهما لهم و لاصلة لهما بالدين الاسلامي.
2- و قال سيزوارى معلقاً عليه: أي تجليه الأعظم باسمه الواحد و الأحد و القهار و اختفاء الماهيات وعود الوجودات إليه تعالى بإسقاط إضافتها عن الماهيات بعكس حالها قبل القيامة الكبرى من تكثر الموجودات و إضافتها إلى الماهيات حتى المجردات ينمحي إضافة وجودها إلى ماهياتها ... الاسفار، ج 9، ص278.

الأشياء كلها إليه و فناء الكل عن هوياتها الجزئية حتى الأفلاك و الأملاك و الأرواح و النفوس كما قال تعالى: «فَصَعِقَ مَنْ فِي السَّماواتِ وَ مَنْ فِي الْأَرْضِ إِلَّا مَنْ شَاءَ اللهُ» و هم الذين سبقت لهم القيامة الكبرى و قال تعالى: «وَ لِلهِ مِيراثُ السَّماواتِ وَ الْأَرْضِ، و كُلُّ شَيْءٍ هَالِكٌ إِلَّا وَجْهَهُ، و كُلُّ مَنْ عَلَيْهَا فَانٍ وَ يَبْقَى وَجْهُ رَبِّكَ ذُو الْجَلالِ وَ الْإِكْرَامِ، أَلَا إِلَى اللَّهِ تَصِيرُ الْأُمُورُ».

فليتأمّل في الأصول التي سبق ذكرها من توجه كل سافل إلى عال و رجوع كل شيء إلى أصله و عود كل صورة إلى حقيقتها، و من إثبات الحركات الجوهرية الطبيعية و النفسانية إلى غاياتها و رجوع المعلولات إلى علاتها... فما من موجود إلا و يقع له الرجوع إلى الله و لو بعد أدوار و أحقاب كثيرة إما بموت أو فناء أو استحالة أو انقلاب أو صعق كما للأرواح ... كما جميع البدايات ابتدأت من بداية واحدة و مبدإ واحد يتشعب منه كل مبدإ: كما بدأنا اول خلق نعيده و عدا علينا ان كنا فاعلين «فَسُبْحانَ الَّذِي بِيَدِهِ مَلَكُوتُ كُلِّ شَيْءٍ وَ إِلَيْهِ تُرْجَعُونَ».(1)

هذا كلام هذا المؤلف الحكيم و مقصوده من القيامة الكبرى و الحشر العام ظاهر من كلامه و من تعليق السبزواري. و رأيه في كون بسيط الحقيقة كل الأشياء و ليس شيء منها. دع هذا فانا قد فندناه في الجزء الثاني من صراط الحق. و دع أيضاً نظر بطلميوس البائد الباطل من جهة و الفيزيا و الكيمياء و النجوم اليوم.

وليَ نظر آخر؛ لا أذكره هنا، نعم يبقى تفسير قوله ألا الى الله تصير الأمور و معناه الذي يقبله العقل والدين و الله الموفق.

89- تخیّلات واهية

يقول صاحب الأسفار: إن النشأة الآخرة نشأة متوسطة بين المجردات العقلية و بين الجسمانيات المادية، وكل ما فيها صور محسوسة مدركة بقوة نفسانية هي خيال في هذا

ص: 257


1- الاسفار، ج 9، ص 278-280.

العالم و حس في ذلك العالم و الإنسان إذا مات و تجرد عن هذا البدن الطبيعي قامت قيامته الصغرى و حشر أولا إلى عالم البرزخ ثم إلى الجنة و النار عند القيامة الكبرى.

و الفرق بين الصور التي يراها و يكون عليها الإنسان في البرزخ و التي يشاهدها و يكون عليها في الجنة و النار عند القيامة الكبرى إنما يكون بالشدة و الضعف و الكمال و النقص، إذ كل منها صور إدراكية جزئية غير مادية إلا أنها مشهودة في عالم البرزخ بعين الخيال و في عالم الجنان بعين الحس لكن عين الحس الأخروي ليس غير عين الخيال(1) بخلاف الحس الدنيوي المنقسم بخمس قوى في خمسة مواضع من البدن مختلفة... و أما حواس الآخرة فجميعها في موضع واحد غير متغائر في الوضع و الجهة، و كل منها يفعل فعل صاحبه، و نسبة الصور البرزخية إلى الصور التي في القيامة الكبرى كنسبة الطفل أو الجنين إلى البالغ.(2)

هذه أوهام ذهنية لقائلها لا صلة لها بمعاد القرآن و القيامة التي ذكرها علماء الاسلام في كتبهم و ما أنزل الله بها من سلطان. و تقدم منا تصوير و تقدم منا تصوير المعاد الديني.

90- اختلاف الشیرازی و السبزواري في دوام عذاب الكفار

يقول الحكيم السبزواري في تعليقة له على الأسفار: إن اتفاق العلماء على خلود المشركين فى النار لأجل أنه مدلول الكتاب بعلاوة أنه ضروري الدين، و أما العذاب الدائم فليس من ضروريات الدين فلا يجوز تكفير منكريه. ثمّ يقول ردّاً على هذا القول الذي هو مختار صاحب الأسفار أيضاً: وعندي دوام العذاب حق و انقطاعه عن الكفار باطل، و ما يقول المصنف قدس سرّه تدلل يريد به صاحب الأسفار) أن القسر لا يدوم و أن الطوارىء و العوارض تزول، فجوابه أنه ليس قسراً و لا عروضاً بل تصير الكيفية الظلمانية جوهرية و العرضية السيئة ذاتية

ص: 258


1- كل ذلك رجم بالغيب و تخرص و مخالف لظواهر القرآن.
2- الاسفار، ج 9، ص 335 و 336.

مثل مركب القوى، فإن الفطرة الإنسانية ذاتية لا تزول، و الفطرة الثانية أيضا ذاتيه إذ صارت ملكة جوهرية، إذ العادة طبيعة ثانوية فافهم.(1)

أقول: هذا الكلام منه اقرار بدوام العذاب فما نسبته اليه في المطالب السابقة من هذا الكتاب بملاحظة كلماته المذكورة في التعاليق السابقة، لا تعتمد عليه، فان كلامه هذا رجوع منه الى الحق إن شاء الله رحمه الله و ايانا.

و قوله: (فافهم) لعله راجع الى ما فى استدلاله و غير راجع الى اصل مدعاه و هو دوام العذاب و أنا ارجو أن يكون السبزوارى حين موته معتقداً بكون الجنة و النار و ما يتعلق بهما خارجية كما هو الظاهر من القرآن.

91- تجسم العمل أو رؤيته في القرآن

اشارة

1- «عَلِمَتْ نَفْسٌ مَا أَحْضَرَتْ» (التكوير: 14)

2- «وَ وَجَدُوا مَا عَمِلُوا حَاضِراً وَ لاَ يَظْلِمُ رَبُّكَ أَحَداً» (الكهف: 49)

3- «يَوْمَ تَجِدُ كُلُّ نَفْسٍ مَا عَمِلَتْ مِنْ خَيْرٍ مُحْضَراً وَ مَا عَمِلَتْ مِنْ سُوءٍ تَوَدُّ لَوْ أَنَّ بَيْنَهَا وَ بَيْنَهُ أَمَداً بَعِيداً ...» (آل عمران 30)

4- «إِنَّ الَّذِينَ يَأْكُلُونَ أَمْوَالَ الْيَتَامَى ظُلْماً إِنَّمَا يَأْكُلُونَ فِي بُطُونِهِمْ نَاراً وَ سَيَصْلَوْنَ سَعِيراً» (النساء: 10)

5- «يَوْمَ تَرَى الْمُؤْمِنِينَ وَالْمُؤْمِنَاتِ يَسْعَى نُورُهُمْ بَيْنَ أَيْدِيهِمْ وَ بِأَيْمَانِهِمْ ...» (الحديد: 12)

6- «وَ لا يَحْسَبَنَّ الَّذِينَ يَبْخَلُونَ بِمَا آتَاهُمُ اللهُ مِنْ فَضْلِهِ هُوَ خَيْراً لَهُمْ بَلْ هُوَ شَرٌّ لَهُمْ سَيْطَوَّقُونَ مَا بَخِلُوا بِهِ يَوْمَ الْقِيَامَةِ يَوْمَ الْقِيَامَةِ ...» (آل عمران: 180)

7- «وَ الَّذِينَ يَكْنِزُونَ الذَّهَبَ وَالْفِضَّةَ وَ لَا يُنْفِقُونَهَا فِي سَبِيلِ اللهِ فَبَشِّرْهُمْ بِعَذَابٍ أَلِيمٍ يَوْمَ

ص: 259


1- الاسفار، ج 9، ص 347.

يُحْمَى عَلَيْهَا فِي نَارِ جَهَنَّمَ فَتَكْوَى بِهَا جِبَاهُهُمْ وَ جُنُوبُهُمْ وَ ظُهُورُهُمْ هَذَا مَا كَنَزْتُمْ لِأَنْفُسِكُمْ فَذُوقُوا مَا كُنتُمْ تَكْثِرُونَ» (التوبة: 34 و 35)

8- «يَا بُنَيَّ إِنَّهَا إِنْ تَكُ مِثْقَالَ حَبَّةٍ مِنْ خَرْدَلٍ فَتَكُنْ فِي صَخْرَةٍ أَوْ فِي السَّمَاوَاتِ أَوْ فِي الأرْضِ يَأْتِ بِهَا الله» (لقمان: 16)

9- «لَقَدْ كُنْتَ فِي غَفْلَةٍ مِنْ هَذَا فَكَشَفْنَا عَنْكَ غِطَاءَكَ فَبَصَرُكَ الْيَوْمَ حَدِيدٌ» (ق: 22)

10- «فَمَنْ يَعْمَلْ مِثْقَالَ ذَرَّةٍ خَيْراً يَرَهُ وَ مَنْ يَعْمَلْ مِثْقَالَ ذَرَّةٍ شَرّاً يَرَهُ» (الزلزلة : 7 و 8)

و لعل المتتبع يجد أكثر ممّا نقلنا من الآيات الدالة على المطلوب.

11- في الحديث المعتبر سنداً: قَالَ رَسُولُ اللهِ صلى الله عليه و آله و سلّم: «اتَّقُوا الظُّلْمَ؛ فَإِنَّهُ ظُلُمَاتُ يَوْمِ الْقِيَامَةِ».(1)

و من أراد جمع الأحاديث المعتبرة في هذا المقصد فعليه بمراجعة و تفحّص معجم الأحاديث المعتبرة في ثمانية أجزاء.

أقول: إنّ دلالة الآيات مجموعها على تجسّم العمل أو تمثّله موقوفة:

أولاً: على عدم امكان احضار الأعمال (الأعراض) من دون معروضاتها.

ثانياً: على عدم امكان رؤية نفس الأعمال (الأعراض) من دون جسم ما في القيامة كما عن بعض المحدثين المشاهير.

فاذا أمكن احضار العمل و رؤيته لما دلت جملة الآيات المتقدمة ( 1، 2، 3 و 10) على تجسم العمل بمثله، نعم قوله في الآية الثانية: «و لا يظلم ربك أحداً»، ربما يدلّ على أن العمل الحاضر جزاء طبيعيّ لعمله فى حياته الاولى. الّا أن يقال إن الجزاء المعذب أعم من كونه عرضاً أو جسماً.

و لا يبعد أن يستدلّ على صحة رؤية الأعمال يوم القيامة بالآية التاسعة لقوّة دلالتها على تلك.

ص: 260


1- انظر حدود الشريعة مادة الظلم، ج 1، ص 456.

و امالآية الأولى فمدلولها يصدق مع نفس العمل أو تجسمه أو جزائه و أثره و كذلك الآية الرابعة و الخامسة، إذ ليس فيهما ما يدلّ على تبدّل العمل بالجسم مثلاً، بل يصدق عليه و على كون النور و أكل النار جزاء فيهما جزاءاً مسبباً عن الأعمال، و اتيان العمل في الآية الثامنة لم يظهر أنه تجسّم أو تمثّل أو احضره بنفسه و على كل لم يظهر ان اتيان العمل -بأىّ شكلٍ كان- لعذاب فاعله أو لإيذائه أو لإتمام الحجة عليه فقط. و الله العالم.

نعم الآية السابعة و السادسة تدلان على تجسّم العمل و عذاب الحامل به في النار.

تذییل: تجسم العمل ليس بعام

تجسم العمل لا يوجد و لا يصنع جنة و لا ناراً و لا كرة الحساب و لا جميع نعماء الجنة و كل أنواع العذاب بل بعضها كما في الآيتين السادسة و السابعة المذكورتين في الفصل السابق وأمثالهما من الآيات و الأحاديث المعتبرة. و هذا فليكن مسلّماً بملاحظة دلالة الآيات الدالة على خلقتها.

نعم ربما يدل بعض الآيات الكريمة على حصر الجزاء بتجسم العمل كقوله تعالى: «هَلْ تُجْزَوْنَ إِلا مَا كُنْتُمْ تَعْمَلُونَ» (النمل: 90) و ما يماثلها من الآيات المشاراليها في بعض الفصول السابقة.

لكن تقدم أن جملة من الآيات جعلت الجزاء مسبباً للعمل و العمل سبباً للجزاء، و السبب مباين للمسبب لاعينه.

و من أحد الوجوه الجامعة بین تلك الروايات؛ ان قسماً من المجازات الاخروية مسببة للأعمال، و قسماً منها عينها و الله العالم. و لابد من استيناف التدبّر بين هاتين الطائفتين من الآيات حتى تصل النفس الى سكونها و اطمئنانها. و كل ميسر لما خلق لأجله.

ص: 261

92- لاصلة بين تجسّم العمل و تبديل الطاقة

الاول تجسم العمل أمر مستفاد من ظواهر الآيات و بعض روايات الثاني (تبديل الطاقة) مستخرج من القوانين الطبيعية. و الذى على عدم العلاقة بينهما أنه قد يدخر في غرام واحد من المادة ما يعادل أكثر من ثلاثين ألف طن من قوة الانفجار من دينامنت. و غرام واحد من التراب ادّخرت طاقة أكثر من انتاج سنة واحدة من معمل كبير ينتج الكهربا. كما قيل. و على هذا لا يتساوى أعمال المؤمنين المخلصين طيلة حياتهم فى الدار الحاضرة عشر غرامات من المادة، و هى لاتكفي لاشباع ساكن الجنة مرة واحدة!

أيضاً تجسّم العمل مخصوص بالطاعات الواجبة و المستحبة و المحرمات المنجّزة في حال التكليف و الالتفات، و لا دليل عليه فى فرض الجهل القصورى و الخطأ و الغفلة، بل و لا حاجة اليه لعدم استحقاق المكلف العقاب في اتيان المحرمات حتى الكفر(1) و ترك الواجبات حتى الإيمان كما لا موضوع لتجسّم عمل لفاقدى الشرائط العامة كغير البالغين و غير القادرين. و الحال أن تبدّل المادة بالطاقة فى كل هذه الموارد متحققة.

بل هنا شيء أعم و أهم و هو ان ترك الواجبات ليس فيه تبدّل المادة بالطاقة و الأنرجي لكن فيه عقوبات شديدة.

و شيء آخر ان صحة العبادات مشروطة بقصد القربة و هو صفة الروح المجرد أو فعله ليس من قبيل الطاقة.

و أهم من هذا ان الإيمان و الكفر- و هما محوران للثواب والعقاب و للتقرّب و الابتعاد من الحق جل جلاله، قائم بالنفس المجردة الخارجة عن حلقة المادة والطاقة.

و في الاخير أن قانون تبدّل المادة بالانرجي و عكسه و تبدّل طاقة بطاقة أخرى يجري في المباحات و فى الأفعال غير الإختيارية للانسان و فى الحوادث الكائنة في الكون وليس فيه

ص: 262


1- كما مرّ من معذورية الكافر القاصر و اكثر الكفار في غالب الأعصار قاصرون، و المتعمدون و المقصرون في قلّة.

تجسّم ما يكون عقاباً وثواباً فما أوهن ابتناء نظرية تجسّم العمل في القيامة على بحث طبيعي أجنبي عن الثواب والعقاب في الدار الآخرة.

قال الله تعالى: «تِلْكَ الدَّارُ الْآخِرَةُ نَجْعَلُهَا لِلَّذِينَ لا يُرِيدُونَ عُلُوّاً فِي الْأَرْضِ وَ لَا فَساداً..» (قصص: 83) و الارادة فعل النفس المجرّدة كما مرّ.

فالصحيح الإلتزام بما ثبت شرعاً من تجسّم العمل أو من رؤية العمل. و الله العالم.

93- مواقف القيامة و المحشر

اشارة

موقف الحساب و السؤال:

أقول: السؤال عام من جميع المكلفين المبعوثين من المؤمنين بدرجاتهم المختلفة حتى الأنبياء و الرسل لقوله تعالى: «فَلَنَسْأَلَنَّ الَّذِينَ أُرْسِلَ إِلَيْهِمْ وَ لَنَسْأَلَنَّ الْمُرْسَلِينَ » (الاعراف: 6)انا نعوذ بك و برحمتك في هذا الموقف.

و قال: «احْشُرُوا الَّذِينَ ظَلَمُوا وَ أَزْوَاجَهُمْ وَ مَا كَانُوا يَعْبُدُونَ مِنْ دُونِ اللَّهِ فَاهْدُوهُمْ إِلَى صِرَاطِ الْجَحِيمِ وَ قِفُوهُمْ إِنَّهُمْ مَسْئُولُونَ» (الصافات: 22-24) و قال: ثُمَّ لَتُسْأَلُنَّ يَوْمَئِذٍ عَنِ النَّعِيمِ (التكاثر: 8) و حساب المؤمنين الذين «أُوتِيَ كِتَابَهُ بِيَمِينِهِ فَسَوْفَ يُحَاسَبُ حِسَاباً يَسِيراً» (الانشقاق: 8)

موقف لاسؤال فيه

خداوند متعال می فرماید: «فَيَوْمَئِذٍ لَا يُسْأَلُ عَنْ ذَنْبِهِ إِنْسٌ وَ لا جَانٌّ» (الرحمن: 39) و الظاهر ان تقدير الآية هكذا لا يسئل انس عن ذنبه و لاجان.

و مثله قوله تعالى: «...وَ لا يُسْأَلُ عَنْ ذُنُوبِهِمُ الْمُجْرِمُونَ» (القصص: 78) فلا سؤال و لاجواب فى هذا الموقف على عكس الموقف الأول، لكن الحساب موجود: «يُعْرَفُ الْمُجْرِمُونَ بِسِيمَاهُمْ فَيُؤْخَذُ بِالنَّوَاصِي وَ الْأَقْدَامِ» (الرحمن:41) على أن الأيدى تكلم و

ص: 263

الأرجل تشهد و الأفواه مختومة. «الْيَوْمَ نَخْتِمُ عَلَى أَفْوَاهِهِمْ وَ تُكَلِّمُنَا أَيْدِيهِمْ وَ تَشْهَدُ أَرْجُلُهُمْ بِمَا كَانُوا يَكْسِبُونَ» (يس: 65) و اختصاص التكلم بالأيدى و الشهادة بالأرجل مجهول لنا و مثله كثير في القرآن و سيكشف وجهه يوم القيامة.

توضيح: قد يستبعد احتساب الناس يوم القيمة من جميع الناس و ان كان عندنا -لبطلان قدم العالم- محدود و متناه، لكن لاشك في أن عدد المحشورين من الانس و الجن من جهة الكثرة لا اسم له فى جميع اللغات البشرية و لا يدخل في ذهن ذاهن.

و الجواب: اولاً: ان يوم القيامة يوم طويل كألف سنة مما تعدون كمامرّ في بعض الفصول السابقة. و من جهة ثانية يقول الله تعالى ان الله الحساب كما ذكر في القرآن مكرراً و قد وصف الله بسريع العقاب أيضاً و ملخص الكلام ان سرعة الحساب ربما تكون أسرع من حساب الكامبيوتر بدرجات. والله العالم.

و اما ما في بعض الآيات (الرعد: 18 و 21) من كلمة «سوء الحساب» فهو بلحاظ حال المجرمين دون الحساب نفسه.

94- المواقف و العقبات في المحشر

قال الله تعالى: «فَلَا اقْتَحَمَ الْعَقَبَةَ وَ مَا أَدْرَاكَ مَا الْعَقَبَةُ فَكُ رَقَبَةٍ أَوْ إِطْعَامٌ فِي يَوْمٍ ذِي مَسْغَبَةٍ يَتِيماً ذَا مَقْرَبَةٍ أَوْ مِسْكِيناً ذَا مَتْرَبَةِ» (البلد : 11-16)

و قال الشيخ الصدوق رحمه الله فی عقائده: اعتقادنا في العقبات التي على طريق المحشر أن كل عقبة منها اسمها اسم فرض و أمر و نهي فمتى انتهى الإنسان إلى عقبة اسمها فرض و كان قد قصر في ذلك الفرض حبس عندها و طولب بحق الله فيها، فإن خرج منها بعمل صالح قدمه أو برحمة تداركه نجا منها إلى عقبة أخرى فلا يزال يدفع من عقبة إلى عقبة و يحبس عند كل عقبة فيسأل عما قصر فيه من معنى اسمها فإن سلم من جميعها انتهى إلى دار البقاء فيحيا حياة لا موت فيها أبدا و سعد سعادة لا شقاوة معها أبداً و سكن في جوار الله مع أنبيائه و حججه و

ص: 264

الصديقين والشهداء والصالحين من عباده، و إن حبس على عقبة فطولب بحق قصر فيه فلم ينجه عمل صالح قدمه و لا أدركته من الله جلّ جلاله رحمة زلت به قدمه عن العقبة، فهوى في جهنم نعوذ بالله منها و هذه العقبات كلها على الصراط اسم عقبة منها الولاية يوقف جميع الخلائق عندها فيسألون عن ولاية أمير المؤمنين و الأئمة من بعده علیهم السلام فمن أتى بها نجا و جاز و من لم يأت بها بقي فهوى و ذلك قول الله عزّ و جلّ «وَ قِفُوهُمْ إِنَّهُمْ مَسْؤُلُونَ» و أهم عقبة منها اسماء المرصاد و هو قول الله جلّ و جلاله «إِنَّ رَبَّكَ لَبِالْمِرْصَادِ» و يقول جلّ جلاله و عزتي وجلالي لا يجوزني ظلم ظالم، و اسم عقبة منها الرحم و اسم عقبة منها الأمانة و اسم عقبة منها الصلاة.(1)

و اعترض عليه الشيخ المفيد في شرح العقائد المذكور؛ بأن العقبات عبارة عن الأعمال الواجبة و المساءلة عنها و المواقفة عليها، و ليس المراد به جبال في الأرض تقطع، و إنما هي اعمال شبهت بالعقبات. تمسكاً بالآية المذكورة في صدر هذا الفصل.

و ردّه العلامة المجسلى بأن تأويل ظواهر الأخبار بمحض الاستبعاد بعيد عن الرشاد.(2)

أقول: مستند الشيخ المفيد رحمه الله هو القرآن: فلا افتحم العقبة.. و على كل هل على أرض المحشر عقبات و مواقف يسأل عن الواجبات و المحرمات التي كانت محل ابتلاء المكلف و أنه هل أتى بالواجبات أو تركها و هل ترك المحرمات أو ارتكابها و هل أعتقد بالولاية أم أنكرها؟ و هكذا، كما يفهم من كلام الصدوق و المجلسى رحمهما الله او ليست كذلك أو ليس على هذا الترتيب و نحن لا ننكره و لا نشتبه، بل نعتقد بوقوع السؤال و الجواب اجمالاً و نوكل الأمر الى علم الله و الروايات التي أشار اليها المجلسى رحمه الله و ذكر بعضها الصدوق، لم يثبت اسانیدها و لسنا نعتمد فى الفروعات الفقهية حتى المستحبات و المكروهات على الروايات الضعيفة و المرسلة و المجهولة «قُلْ اللهُ أَذِنَ لَكُمْ أَمْ عَلَى اللَّهِ تَفْتَرُونَ» (يونس: 59)

ص: 265


1- بحار الانوار، ج 7، ص 128 و 129.
2- بحار الانوار، ج 7، ص 129 و 130.

فضلاً عن الاعتماد عليها في فروع العقائد و حصول العلم منها للصدوق و المجلسى لا يستلزم حصوله لنا بل و لا حصول الظن الضعيف لنا. و الله العالم.

و في الرواية الكافى (ج (142/8) و امالى الطوسي عن الصادق علیه السلام .. «فَإِنَّ لِلْقِيَامَةِ خَمْسِينَ مَوْقِفاً، كُلُّ مَوْقِفِ مِثْلُ أَلْفِ سَنَةٍ مِمَّا تَعُدُّونَ، ثُمَّ تَلَا هَذِهِ الْآيَةَ «فِي يَوْمِ كَانَ مِقْدَارُهُ خَمْسِينَ أَلْفَ سَنَةٍ».(1)

أقول: سند الرواية غير معتبرة و غير حجة. مع ان في كفاية خبر معتبر سنداً في اثبات مثل المقام بحثاً و كلاماً.

95- التنويم المغناطیسی و اسبرتزم

اشارة

في الرجوع إلى إثبات الروح من طريق النوم المغناطيسي و اسبراتزم:

ننقل هذا الكلام من الباحث العلّامة محمّد فريد وجدى من كتابه المفيد دائرة معارف القرن العشرين.

الأول التنويم المغناطيسي

اشارة

لما نشر جمس بريد (سنة 1840م) كتابه فى التنويم الصناعى لم يأبه له الطب الرسمى و لم يعتدبه. و ما لفتنا إلى مزاياه الطبية إلّا الطبيبان الفرنسيان (اذام) من بوردو و (ليبوات) من ننسى و على الخصوص هذا الأخير فإنه بتجاربه العديدة كان أول من ظن امكان الإستفادة منه طبياً و برهن علمياً على امكان التأثير على المرضى بهذا التنويم من جهة التلقين و إحداث آثار جليلة ضد الأمراض، فقابل الناس هذا المزاعم اولاً بالسخرية ثم بالاضطهاد ثم عورضت و طوردت بتعصب ذميم ثم انتهى بها الأمر إلى أن أخذت مكاناً علياً من العلوم الطبية، و القت على مسائل الروح الإنسانية نوراً ساطعاً بعد أن كان الناس عن تلك المسائل في غياهب العماية و الجهل.

ص: 266


1- المصدر، ص 126.

التنويم الصناعى له درجات عديدة و للمغرمين به من بحاثى اوروبا مباحث شتى غريبة. ففى أول درجة يتذكر فيها الإنسان اسمه و يكون مالكا لجزء من حريته ثم يترقى نومه فيقع تحت تصرف ارادة منومه يوجهه كيف يشاء، فتراه يقتنع بكل ما يوهمه به اقتناعاً تاماً فلو أوهمه مثلاً أنه ملك عظيم أخذ في الحال شكل العظمة و الأبهة، و أعطى نفسه جميع سمات الملوك في الكلام و الحركات و العكس بالعكس.

روت مجلة المجلات الفرنساوية سنة 1896 أن رجلاً أنام زنجياً و أوهمه أنه ذئب ضار فانبعثت فيه صفات الذئب و هام على وجهه فى الأسواق فقتل ثمانية أشخاص و حاول أكل لحومهم. الخلاصة ان المنوم يكون تحت سلطان منومه فيريه و يسمعه أشباحاً و اصوات لا وجود لها و يجعله يحس بما لا حقيقة له إلا في مخيلته حتى لو لمس جهة من جسمه و قال له إن ههنا بثرة، تكونت البثرة في الحال وصارت كأنها تكونت في أيام.

في النوم الصناعى يظهر الجسد بمظهر عجيب جداً و هو عدم التأثر بقوانين الفزيالوجيا مطلقاً. منها فقد النائم كل احساس مهما كانت خطورته فيمكن تقطيع جسده إرباً اربا بدون أن يتألم و لا أن يستيقظ.

قال (ج. دولن) في كتابه المذهب الروحى أمام العلم: «أن النوشادور المركز إذا شممته للمنوم لا يحدث لديه أقل تأثير مع أن هذا المحلول إذا شمه الإنسان في الحالة الإعتيادية يسبب له الموت. و إذا تلاشت خاصية الحس فى المنوم فليست خاصية السمع أقل تلاشياً منها، فإن أعظم حركة أو صوت لا يؤثر على عصبه السمعى. كأنه وقع في شلل عام و قد أطلقت طلقات نارية بجانب فتحة أذنه فلم يتأثر بها أدنى تأثر. و لكن هذه الحالة لا يتمتع بها المنوم الا بالنسبة لغير منومه لأن هذا بمجرد تحريك شفتيه بصوت خافت يمكنه أن يفهم المنوم ما يريده من بعد يستحيل على غيره فيه أن يسمع منه شيئاً بل و إن يرى تحرك شفتيه» انتهى.

ص: 267

اشتغل الطبيبان الشهيران (مارج) و (اسكرول) بهذه المسئلة في مستشفى سلبیترییر بفرنسا و أثبتا عدم حس المنومين بطريقة مدهشة على رؤوس الأشهاد، من تجاربهما أنهما أتيا بأربع أوقيات من محلول النوشادور المركز و أشماه للمنوم بضع دقائق متوالية و جربا ذلك جملة مرات فلم يشاهدا أدنى أثر من ضجر أو ألم عنده فشك أحد الأطباء منكرين في وجود محلول النوشادر المركز فشمه هو نفسه فمات لوقته.

هذه المشاهدات ليست مقتصرة على عدم الحس بل على أمور أخرى هامة كالأخبار بالمغيبات و رؤية الأشياء البعيدة و النفوذ إلى ضمائر الحضور و البعيدين مما لا يكاد يصدقه الإنسان لولا أنه من المشاهدات المحسوسة الثابتة بالتواتر العلمى و قد أثبت بها العلماء المشتغلون بهذا الفن وجود الروح بالأدلة الحسية.

روى الوزير (اكزاكوف) الروسى أن إمرأة الأستاذ الإنجليزى (دومرجان) اعتادت تنویم إمرأة و ارسال روحها إلى المحل الذى تعينه لها: فقالت لها يوماً وهى نائمة (اذهبي إلى منزلى الذي كنت اسكنه قديماً) فقالت النائمة (قد فعلت و طرقت الباب بشدة). فقالت إمرأة الأستاذ فذهبت بنفسي في اليوم التالى لا تأكد من صدقها في تلك المسألة و سألت عما حصل في تلك اللحظة، فأجابني السكان بأنهم سمعوا طرقا شديداً على الباب فذهبوا فلم يجدوا أحداً فعلموا أن ذلك فعل أشقياء الأطفال. يقول ازكاكوف عن هذه الحادثة و أمثالها تثبت بطريق لا تقبل الشك أن للروح وجوداً متميزاً عن المادة و منها تسطيع أن تعمل ما يعن لها بنفسها. و استشهد أيضاً بهذه الحادثة الغريبة. و هى أن (لويس) المنوم المشهور انام إمرأة مرة أمام جماعة و أمرها بأن تذهب إلى بيتها فتنظر ماذا يعمل أهلها، فقالت المنومة ذهبت فوجدت فيه شخصين يشتغلان بأشغال منزلية فقال (لويس) المسى أحدهما بيدك عند ذلك أخذت المنومة تضحك قائلة قد لمست احداهما كما أمرتنى فخافتا خوفا شديداً، فسأل (لويس) الحاضرين عما أإذا كان فيهم من يعلم بيت المرأة؟ فأجاب بعضهم بالإيجاب، فرجاهم أن يذهبوا إلى

ص: 268

بيتها ليتأكدوا مما حصل فذهبوا و عادوا مؤكدين بأن ما قالته النائمة صحيح و ذلك أنهم وجدوا أهل ذلك المنزل في غاية الهرج من شدة الخوف. وبسؤالهم عن السبب أجابوا بأنهم رأوا شبحاً فى المطبخ يمشي ثم جاء فلمس احدى اللتين كانتا فيه.

لقد خطا فن التنويم المغناطيسى خطوات واسعة جداً و تولاه رجال لا تأخذهم في الحق لومة لائم و من أعجب تجاربه ما توصل إليه العلّامة (الكولونيل دروشاس) مدير مدرسة الهندسة في باريز من إخراج روح الإنسان بواسطة التنويم وذلك أن استمر يأثر على شخص بعد تنويمه، فزاده نوما حتى وقع في شبه موت ففقد الحس و الحركة و جمد جسمه و لم تمكن مخاطبته فلأجل معرفة ما به عمد إلى تنويم شخص آخر نوماً وسطاً، ثم سأله عما أصاب الأول؟ فقال أن روحه خرجت و جلست بجانبه على بعدما فما زال (الكولونيلو دور وشاس) يلتمس تلك الروح حتى قال له النائم نوماً وسطاً إن يدك الآن على ساقها فأثر الكولونل على تلك الجهة بمشرط، فحدث في الحال جرح على ساقها المنوم مع أن بينه و بينه اكثر من متر. ثم أخذ فى إيقاظ ذلك المنوم فلما وصل الى حالة وسطى شرع يرجوه و يستحلفه أن يزيده نوما حتى يتم خروج روحه، محتجا بأن الحياة الأرضية سجن مظلم، و أن روحه لما خرجت كانت تسبح في الوجود مطلقة بلا قيد، و أنها رأت من لذات الحياة ما لم تكن تحلم به وهى فى الجسد، و أنها لم تكن متعلقة ببدنه الا بخيط دقيق فلم يصغ الكولونل إلى كلامه و أيقظه فلما وصل إلى الحالة الإعتيادية لم يذكر مما جرى له شيئاً، فأعاد تنويمه فتذكر كل ما حدث له أولاً كأن له حالتين من الوجود حالة تغلب فيها الروح على الجسد فيعيش الإنسان معيشة روحية وحالة يغلب فيها الجسد على الروح فيعيش الإنسان كما تعيش في حاله حيوانية.

و قد توسل العلّامة الكولونل دوروشاس المذكور إلى إحداث تجارب اخرى، نقلتها المجلة الروحية الفرنسية التي صدرت فى سبتمبر سنة (1904) تحت عنوان (قهقرة الذاكرة و

ص: 269

خاصية معرفة المستقبل) قال الكولونل المذكور: «علم الناس من زمان مديد أن خاصية تذكر الحوادث الماضية في الإنسان تقوى و تنضبط جداً في بعض أحوال خاصة لا سيما في آخريات لحظات الحياة. وقد شاهدت أخيراً أن من الممكن الحصول على هذه الخاصية بالتجربة بتنويم الشخص بواسطة الإشارات الطولية. بهذه الوسيلة يمكن التطواف بالشخص على كل أدوار حياته السابقة. و متى أثر عليه المنوم بالإشارات العرضية وصل به إلى حالته العادية ماراً على حوادثه الماضية بالترتيب حتى يصل إلى السن التي هو فيها فإن أنعم في العمل أوصله إلى سن الشيخوخة و بلغ به عكس ما بلغ أولاً أى أنه بالفعل الأول يصل به سن الطفولة تدريجاً و بالفعل الثاني يصل به الى ماسيصل اليه من سن الهرم.

«اذا كان الشخص صاحياً و أثر المنوم عليه بالاشارات العرضية أى بالاشارات المقهقرة، هرم الشخص شيئاً فشيئاً و تغلغل في حوادثه المستقبلة، فلاجل ارجاعه الى سنه الاولى يجب التأثير عليه بالاشارات الطولية التي تلاشي آثار الاشارات الاولى».

«وقد تحصلت على هذه التجارب بطريقة واضحة جدّاً على شخصين و ها أنا مورد بعض تلك المشاهدات من سجل التجارب الخاصة بها. ولزيادة البيان اذكر القارىء بان الحوادث المغناطيسية تولد عند أكثر الناس سلسلة أدوار ليتارجية (الليتارجيا حالة شبيهة بالموت) تتعاقب مع أدوار الانتقالات النومية كما يتعاقب النوم واليقظة فى الحياة العادية. و في حالة الليتارجيا كما في حالة النوم العادى يسمع الشخص بقوة أو بضعف و لكن لا يستطيع الكلام، وهو فى حالة الانتقال النومى من جهة الحالة الطبيعية كما هو فى حالة اليقظة غير انه لا يحس احساساً جارياً».

(الحالة الاولى مع مدام لمبير)

ذكر أنه بدأ تجاربه مع مدام لمبير و نجح في قهقرة ذاكرتها تدريجاً حتى مرّ بها على جميع أدوار حياتها السابقة الى أن أوصلها الى الحين الذى كانت فيه جنيناً في بطن امها. ثمّ

ص: 270

أصعد ذاكرتها حتى تذكرت نفسها لما كانت روحاً مجردة على هيئة كرة من نور سابحة في الفضاء. ثمّ عكس الأمر فأثر عليها بالاشارات العرضية بقصد التغلغل بروجها في حوادثها المستقبلة فمازالت روحها تنتقل بها من دور الى دور حتى وصلت الى سن الهرم و شعرت بما ستكون عليه قبل أن تصل اليه. فطلب اليها الاستاذ أن يهرمها حتى تصل لدور الموت المنتظر لترى كيف يكون حالها فيه فابت.

(الحالة الثانية مع جوزفين)

وصف الاستاذ جوزفين بانها خادمة عمرها 18 سنة فى بيت أحد أصحابه ممن يعتقدون بالاسبرتزم و ان لها حساسية شديدة و ان صحتها جيدة الخ ثم قال: لما رجعت الى(فرارون) عدت الى التجارب ذاتها مع (جوزفين) بدون أن أكاشف أحداً باعمال في باريس.

الجلسة الاولى- انمتها بواسطة الاشارات الطولية للحصول على قهقرة ذاكرتها ثم أيقظتها باشارات عرضية، فلما عادت الى حالتها العادية و رجعت اليها مداركها أدمت التأثير عليها بالاشارات العرضية بحجة ايقاظها تماماً. فلم يمر الا دقيقة أو دقيقتان حتى قالت بأني شارع فى تنويمها بدل ايقاظها؟ فكلفها أن تترك نفسها بدون أن تخشى شيئاً، فاعتراها دور ليتارجيا مكث مدة ثم استيقظت منه في دور انتقال نومى، فسألتها عما اذا كانت لم تزل عند المسيوس. (هو سيدها الحالي) فاجابت بالنفى قائلة انها تركته من منذ ثلاث سنين لترجع الى بلدها في م... و انها الآن لدى أهلها و لها من العمر 25 سنة (مع أنها الآن لا تجاوزه 18 سنة ولكنها ترى مستقبلها).

فاثرت عليها ثانياً باشارات عرضية فاعتراها دور ليتارجيا، كانت في اثنائه في غاية السكون (و لكن لم يمض الا قليل حتى لاح عليها ألم شديد جداً فادارت وجهها و خبأته بيديها، و بكت بكاء مرا حتى أن مدام س. تأثرت من فعلها غاية التأثر و انسحبت الى غرفة اخرى فلما وصلت الى الدور التالى و هو دور انتقال النومى ظهرت حزينة كئيبة كما كانت

ص: 271

فسألتها عما أصابها، فلم تجب و لفتت وجهها كان بها حياء من شيء فأعملت الظن و الحدس في سبب آلامها و قلت لها لعلك تزوجت الآن فقالت: «لا، لانه يرد مع أنه وعدنى التزوج بي وعداً صريحاً» فقلت لها اخبريني عن اسمه و أنا أجتهد فى التأثير عليه و اقناعه. فاجابتني قائلة: انك لن تصل الى غاية و معه و انى قد بذلت جهدی فلم انجح، فعلمت منها انها لم تزل في بلدتها و ان سنها بلغت 32 و انها أصيبت بما أصيبت به منذ سنتين و لم أنجح في معرفة اسم الذى تيمها (لما رأيت حالتها من الكرب الذى أثر علينا جميعاً لشدة وقعه و ظهور فداحته أعدتها الى حالتها العادية بالاشارات الطولية و هى مارة على الادوار المتعاقبة من الليتارجيا و الانتقال النومى.

(الجلسة الثانية) أعدت أعمالى السابقة فقهقرت ذاكرتها أولا بالاشارات الطولية ثم سرت بها نحو المستقبل بواسطة الاشارات العرضية، فاعتراها بعد الحالة الاعتيادية دور من الليتارجيا فيه هدوء ثم استيقظت و هى فى سن 25 سنة في بلدتها، ثم اعتراها دور ثان من الليتارجيا بآلام و خجل كما مر، ثم استيقظت ثانيا في سن 33 سنة فذكرتها بعلاقاتنا السابقة في (فوارون) و أقنعتها بأن تثقق بي، فلفظت اسم متيمها بارتباك و اذا به شاب من الزراع في بلدتها اسمه (اوجين ف.) و انها قدجاءت منه بولد فزدت التأثير عليها فاعترتها ليتارجيا ثم أعقبه انتقال نومى ثم استيقظت في سن 40 سنة، ساكنة بلدتهام... و هى فى غاية الحزن، و علمت منها ان ابنها مات قبل قليل وان (اوجين ف.) تزوج بأخرى.

فزدتها تأثيراً فاعتراها دور رابع من الليتارجيا أعقبه دور رابع من الانتقال النومي و اذا بها في سن 45 سنة تعيش من خياطة القبعات لأحد الخياطين. وجدتها مكتئبة جدا و ليس لديها علم بسادتها الاولين، و علمت منها ان لويزه أصدق صديقاتها في (فوارون) قد كتبت لها ثلاث خطابات ثم قطعت المكاتبة.

فزدتها تنويما بالاشارات العرضية المهرمة وكانت قد تعبت فسألتها بعد جملة دقائق من

ص: 272

دور ليتارجيا ظاهرية عما اذا كانت قد تقدمت ادواراً عديدة الى الامام. فأجابت بانها الآن في غاية الهرم و الشيخوخة. و انها عائشة بجهد جهيد بفضل خياطتها و لكنها الآن نسيت شيئاً من آلامها السابقة فكلمتها عن الموت وسألتها عما اذا كانت تود أن تعرف ماسينالها متى تركت هذه الحياة. فأجابت بالايجاب، فقلت اذن يلزمنى أن أزيدك هرما فقاومت كثيراً ثم لما اكدت لها أنى اعيدها الى حالتها هذه رضيت و خضعت عند ذاك زدتها اشارات عرضية، فلم يمر الا دقيقتان أو ثلاث دقائق حتى رأيتها انقلبت على ظهر كرسيها (بآلام.ظ) شديدة جداً ثم خرت الى الأرض و اعترها النزع و سكرات الموت، فزدتها مغطسة لاجاوز بها هذا الدور الشديد و لكى اسألها، فماتت فرأيتها غير متألمة بل و لم تر أرواحا و أمكنها أن تتبع جنازتها و دفنها و تسمع ما ضار يقوله الناس عنها كقولهم «الموت اولى بهذه المرأة المسكينة فليس لديها ماتقيت به نفسها» و رأت ان دعوات النفس لم تفدها فائدة تذكر و لكن دورانه حول تابوتها كان يمنع احتفاف الأرواح الشريرة به و شاهدت ان الأفكار الروحية التي تعلمتها عند سيدها القديم قد نفعتها جداً لانها اعلمتها بحقيقة حالها.

فلما وصلت بها الى هنا لم أر حسنا أن أبعدها عما وصلت اليه فأعدتها الى حالتها الأصلية بالاشارات الطولية فأحدثت الظواهر التي مضت و لكن بطريقة عكسية فانها تقهقرت حتى مرت الى دور النزع ثم منه الى علاقتها بذلك الرجل» انتهى.

1- يرى القارىء من مجموع مامرّ ان الانسان ليس بمادة صرفة بل أن فيه سراً روحانيا متميزاً عن مادته و هو حقيقته الكريمة، و لولا ذلك لما شوهدت منه و هوفى حالة النوم المغناطيسي عند تعطل حواسه و مشاعره تلك الحوادث الروحية المدهشة.

نعم لو كان الانسان مادة محضة لما أمكن أن تنشأ منه أمثال الحوادث التي أظهرتها تجارب الكولونيل دور وشاس من تقديم الذاكرة و قهقرتها و اخراج القوة الحيوية الخ. و اذا كان من كتاب الجرائد من يتجارى على القول بأن جميع هذه الظواهر يمكن تعليلها بقوانين المادة فان

ص: 273

أمثال الاساتيذة شاركو و بيو و غيرهم من أعلام الطب الرسمى يخالفونهم في ذلك ويؤكدون بأن من تلك الظواهر ما لا يمكن تعليله بعلم وظائف الأعضاء و لولا ضيق المقام لأتينا على ألوف من مشاهدات تؤيد هذه الحقائق.

بقى علينا أن نورد شيئا من مذهب استحضار الارواح:

2- (اثبات الروح بمذهب استحضار الأرواح) قد أجهز هذا المذهب على المذهب المادى و أتم تقويض دولته و نسف صروحه و تذريتها في ذيول السافيات. و أنا موردون عن هذا المذهب كلمة موجزة تاركين الخوض فيه لمؤلف قد وضعناه و نشرناه باسم (على اطلال المذهب المادى).

يقول أشياع هذا المذهب أن الحد الفاصل بين الاحياء و الأموات ليس على ما يظنه الناس من الخطورة فان الموت ليس فى ذاته الا انتقالا من حال مادي جسدي الى حال مادي آخر و لكن أرق منه و الطف كثيراً. فانهم يعتقدون أن للروح جسماً مادياً شفافاً لطيفاً ألطف من هذه المادة جداً ولذلك لا تسرى عليه قوانينها. و يقولون أن الموتى بعد الموت مباشرة يكونون في عالمنا هذا بين ايدينا و عن ايماننا و شمائلنا و لايزالون كذلك مدة تختلف باختلاف درجتهم الروحية ثم ينتقلون الى حال أرقى من هذا و ان كانوا لا يبرحون هذا العالم فان العالم في نظرهم اختلاف حالات و مقامات لا اختلاف جهات و مکانات. و يقولون ان الروح و هي على حالها الاول بعد خروجها من الجسد يمكن مكالمتها بل و رؤيتها مجسمة بواسطة شخص يكون فيه الاستعداد لأن يقع في خدر عام عند ارادته تحضير الروح فتستفيد الروح من استعداده فتكلم الناس بفمه بلغات يجهلها كل الجهل، و تنبئ عن أمور للحاضرين من أقاربها و خاصتها لايدري الواسطة منها شيئاً، بل تكشف من اسرار العلم و الفلسفة و الرياضيات العويصة ما يجهله الواسطة و السامع و لايدركه على سطح الأرض الا نفر يسير. و قد تستولى على يده و تكتب و عينه مغمضة صحفا و رسائل و قد تظهر بجسم مادى محسوس بينما يكون

ص: 274

الواسطة ملقى امام المجربين مكتوفا علی کرسیه. و سبب ربطه هكذا ان الذين يبحثون في هذه الامور المدهشة من العلماء ملحدون ماديون لا يعتقدون بشيئ ولاجل أن يثقوا من صدق مشاهداتهم التي تهدم لهم كل مقررات فلسفتهم لا يرضون في حالة تجسد الروح الا أن تكون الغرفة مغلقة و الفرش مفتشة و الواسطة مربوطا على كرسيه بأربطة متينة مسمرة أطرافها بالأرض و لا يكتفون بذلك أيضا بل منهم من وضعه في قفص حدیدی و وضع كرسيه على سطح مائى و أوصل بيده سلكا كهربائيا متصلاً بجلوانومتر (انظر هذه الكلمة)(1) ليسجل عليه كل حركة وكل نفس و لم يكتف بذلك بل أرصد له من يراقبه من اخوانه العلماء، و رغما ذلك كله تظهر الروح مجسمة، تبتدىء أولا بشكل سحابة منيرة ثم تأخذ في التشكل شيئا فشيئا حتى تصير بصورة انسان منير ثم تتكاثف حتى تصير دماً و لحماً و عظماً أمام أعينهم فتقف أمامهم و تطوف حولهم عالية بقدميها عن الأرض قليلاً لابثة هيئة عربية بدوية متمثلة بشراً سويا و لكن شوهد أن جسمها يكون ليّناً لدرجة ان الانسان لو ضغط يدها بين اصبعيه تنبعج يدها بينهما حتى يتلاقيا كأنها عجين ذو قوام متماسك و لكن شوهد أن لها نبضاً و قلباً و تنفساً و كل ما للجسم الحى. فلما تسأل من أين لها هذا الجسد تقول اسپرته من جسم الواسطة. و في الواقع اذا و زنت الواسطة وجد أن جسمها قد نقص نصف وزنه، و قد شوهد مرة أن الجزء الأسفل من الواسطة تلاشي بالمرة وصار لا وجود له فلما ذهبت الروح عاد اليها.

هذه الامور جربت في كل عاصمة و تولى شأنها العلماء الأعلام من كل قبيل فلم تزدد على مر الايام الا انتشارا و ثبوتا و قد بلغ عدد اشياعها كما روته مجلة المجلات الفرنسيه نقلاً عن الاستاذ (روسل ولاس) أكبر الفيزيولوجين الانجليز الى عشرين مليونا. قالت المجلة «ولنضف الى هذا صفة اشياع هذا المذهب فهم اما علماء أو اساتذة فنيون أو اطباء أو منهدسون» ثم قالت: «ولا يصح ان نفرض أن هؤلاء الرجال يستعملون الغش و التدليس

ص: 275


1- اى فى كتاب دائرة معارف القرن العشرين في حرف الجيم.

لانجاح الخرافات التي اثرت كثيرا على سمعة المباحث الروحية كما أن من الصعب أن نهم هؤلاء بالسذاجة فان دقتهم الشديدة فى التجارب العلمية أشهر من أن تذكر»: انتهى.

لما انتشرت هذ المذهب بين علماء أوروبا تألفت سنة 1869م جمعية من علماء لو ندرة لفحص هذه الخوارق فحصاً دقيقاً علمياً و كانت هذه الجمعية مركبة من العلامة (جون لبوك) و هو اللورد افبرى رئيسا لها و من (كروكس) أكبر علماء انجلترة الطبيعيين و (لويس) الفزيولوجى المشهور وكيلان لها من (الفريد روسل و لاس) أكبر فيزيولوجي الانجليز و مكتشف ناموس الانتخاب الطبيعى و هو زميل داروین و من (دون مرجان) رئيس الجمعية الرياضيه (وفارلى) رئیس مهندسی قومبانيات التلغراف و (جان كوكس) الاصولى الفيلسوف و (اکسون) أستاذ في كلية الاكسفورد الخ، فلما تكونت هذه الجمعية اشراب الناس من سائر أقطار الأرض لسماع حكمها الفصل الذي لا يقبل استئنافاً فاستمرت في البحث المتواصل ثمانية عشر شهراً و كانت النتيجة تأكيدها صحة تلك المشاهدات الخارقة للعادة و كتبت بذلك تقريراً مطولاً منه هذه الجملة «أن الجمعية اقتصرت في تقريرها على المشاهدات التي رآها كل الأعضاء بطريقة محسوسة و كانت صحتها مقترنة بالبرهان القاطع. ان أربعة اخماس الأعضاء ابتدأوا البحث و هم فى أشد درجات الانكار لهذه الاشياء و معتقدين قلبا وقالبا أنها ليست الا نتيجة الغش أو الوهم أو بالأقل نتيجة حال اضطراري للاعصاب، و لكن بعد اتضاح هذه الحوادث لهم اتضاحا تاماً في شروط نفت كل تلك الفروض، و بعد تجارب دقيقة جداً تكررت مراراً، لم ير هؤلاء الاعضاء المنكرون بدا من اعتقادان هذه الخوارق حقيقة على غير ما كانوا يتوقعون» انتهى.

مبدأ الاسبرتزم كان سنة 1846 و ذلك انه كان رجل اسمه (فيكمان) ساكنا في قرية (هيد سفيل) من مقاطعة نيويورك باميركا فسمع ذات ليلة طرقات متعددة على أرض بيته فذهب ليكتشف الفاعل فاعيته الحلية فصبر على مضض و لكنه قام ذات ليلة مذعورا من صراخ ابنة

ص: 276

صغيرة له، فسألها عما نابها فزعمت أنها احست بید مرت على جسمها و هي في سريرها، فلم ير الرجل بدا من هجر منزله، فخلفه فيه رجل متنور يقال له جون فوكس فحصل لاهله ما حصل لسلفهم من الأصوات التى لا تجعل للنوم مساغا الى الجفون فكانت مدام فوكس تنادى جيرانها و تستعين بهم في البحث عن الفاعل فلم يهتدوا اليه فتجاسرت هذه المرأة ذات ليلة و قالت لذلك الطارق: أحدث عشر طرقاة. ففعل فقالت له: كم عمر ابنتى كاترينة؟ فطرق طرقات على قدر عدد سنى عمرها. ثم قالت له: ان كنت روحا فأحدث طريقتين. ففعل. قالت ان كنت أو ذيت من شيء فاحدث طريقتين أيضاً فأحدثهما و لم تزل به هذه المرأة حتى علمت بواسطة الطرق أنها روح رجل كان ساكنا في ذلك البيت فقتله جاره ليسرق ماله و دفنه فيه. فلم يسع مدام فوكس الا استحضار الجيران و استجواب الروح امامهم فاجابت بما جعلهم دهشين و مقتنعين في أن واحد. فكان الحال كما أخبرت الروح و ضبطت الحكومة الواقعة و أجرتها مجراها القانوني. فشاع أمر هذه الحادثة في كل اصقاع امیرکا و کثر ظهور مثلها في كل جهة، لان امثالها كان يظهر كل حين فلا يلتفت له أحد. فكلف الخاصة بالتدقيق فيها علميا وعمليا. بحثها القانوني الشهير (ادموندز) الذي كان رئيسا لمجلس الأعيان في الولايات المتحدة فاعتقد صحتها و الف فيها كتاباً ضخما سنة 1865. و تبعه الاستاذ (مابس) استاذ الكيميا في المجمع العلمي الامريكي فنسب حصولها لأرواح الموتى. و لكن الأمر الذي أحدث الدوى الكبير هو اعتقاد الاستاذ الشهير (روبيرت هير) بهذا المذهب و تأليفه فيه كتاباً أسماه (الابحاث التجريبية على الظواهر الروحية). فانتسب القتال من ذلك اليوم بين المصدقين و المكذبين و لم يبق عالم و لاكاتب ولا كاهن الا والقى بنفسه في تلك المعمعة القلميه.

فانتقل ذلك المذهب من أمريكا الى انجيليزية وصادف فيها نصراً من الطبقة العليا و لكن بعد قتال عنيف ولم يمتنع اكابر العلماء من الدخول فيه مقتدين بالاستاذ الطائر الصيت أحد رؤساء الجمعية الملكية الانجيليزية كروكس حيث يقول في كتابه (الابحاث على الحوادث

ص: 277

النفسيه): «و بما انى متحقق من صحة هذه الحوادث فمن الجبن الأدبى ان ارفض شهادتي لها بحجة ان كتاباتي قد استهزأ بها الناقدون وغيرهم ممن لا يعلمون شيئا في هذا الشأن و لا يستطيعون بما علقوه من الاوهام أن يحكموا عليها بأنفهسم. أما أنا فسأسرد بغاية الصراحة ما رأيته بعينى و حقیقته بالتجارب المتكررة» انتهى.

أخذ هذ المذهب من ذلك المذهب ذلك الحين. فى الإنتشار حتى وصل إلى ما هو عليه الآن، له ملايين من المعضدين و نحو 300 مجلة تدافع عنه و تنشره. و قد طعن مذهب الماديين طعنة لا برء له منها إلى يوم الدين.

كان الماديون يصحون في وجوه المتدينين أنكم ضالون مفتونون تعتقدون الأوهام و الظنون، و تتعبدون أنفسكم لما وضعه الأقدمون و سطره منهم المسيطرون. ما الروح، ما الخلود، ما الملائكة ما الجن، ما الحساب ما العقاب؟ كل هذه توليدات الخيال و تزیینات الأمانى و الحقيقة أن لا وجود لغير المادة، و لا بقاء للإنسان إلا في هذا العالم، و لا روح له إلا مثل ما للحيوان، و لاحساب عليه إلا مثل ما يؤاخذه به القانون و الرأى العام، و لا مكافأت إلا ما يناله من حسن سيرته بين اخوانه الأرضيين. وإلا فهل لديكم دليل محسوس على وجود الروح، و هل رأيتم عالم ماوراء الطبيعة؟

فظهرت هذه الآية تثبت لهم بالحس أن لهم روحاً، و أن هناك عالم آخر، و أن المادة و مظاهرها ليست الا غلافاً غليظاً لعالم نورانی بدیع باهر. فكان الحال كما يقول العلّامة الألماني المشهور «کارل دوبرل» في مجلة «ذو كنفت» قال «ان العلوم الطبيعية قد تجارت على نكران خلود النفس فعاقبها الله بأن حكم عليها بأن تكون هى نفسها التي تقيم على ذلك الخلود البرهان القاطع».

و اليك فى هذا الشأن ما كتبه الكاتب «ج. دولن» فى كتابه «لحادثة الروحية» في طبعة الخامسة و فيها من كسر أسلحة الماديين و أحالتهم للتسليم ما فيها. قال في صفحة 283

ص: 278

منه: «كان الماديون قبل قليل من الزمن يستطيعون أن يطرحوا براهين الفلاسفة الإعتقاديين قائلين لهم أنها ليست على أسلوب يوصل إلى حقيقة. و لكن أتباع الأسلوب الروحي لا يخشون من الماديين العود إلى مثل هذا الرفض. فإنا لا نقول للناس يجب عليكم أن تعتقدوا ما أفيض علينا بالتسليم و عدم الدليل. و لم نحرم حرية البحث على أحد من العالمين. بل بالعكس نقول لهم: هلموا اقرأوا و جربوا و ابحثوا كما يؤكد لكم صحة الحوادث التي ظهر نورها للناس أجمعين. وكونوا بحاثين مدققين و لا تسلموا بصدق مشاهدة ألا إذا إستطعتم أن تكرروها بأنفسكم كثيراً و فى شروط مختلفة. وبالإختصار نقول لكم تقدموا و الحذر ملء أفندتكم في سبيل الوقوف على هذه المجاهيل الآن الذى يجشم نفسه بناء أصول جديدة يكون معرضاً للغلط و الضلال و متى درست حادثة من تلك الحوادث ترها تحدثك بذاتها علی کنه طبيعتها و مقدار خطورتها. أليست هذه الطريقة هى أسلوب الفلسفة العلمية عينها؟. بماذا يستطيع أن يلاحظ أشد الماديين شكيمة على أمثال «روبيرت هير» و الأستاذ «مابس» و المستر «اكسون»؟

«أننا انما نقارع أعدائنا بأسلحتهم نفسها لا رغامهم على الهزيمة، فبأسلوبهم نفسه نعلن على رؤوس الأشهاد خلود الروح بعد الموت».

«كل النظريات المادية التى تزعم أن الإنسان آلة مادية بسيطة مجردة عن الروح، و كل العلماء الذين اتخذوا العلم المادى سلاحاً لإثبات مادية الإنسان و عدم روحانيته قد كذبوا أشد تکذیب و بان ضلالهم المشاهدات الحسية الروحية الخ» إلى أن قال: «إن قوة الاسبرتزم و سيطرته على العقول آتية إليه من تركه حرية البحث لذويه، فإن كل اصوله يمكن بحثها و المناقشة فيها و إمتحانها و لكنها ما وضعت للإمتحان مرة الا خرجت أقوى مما كانت قبل ذلك». إنتهى.

نقول: جمهور العلماء المشتغلين بهذه المباحث مجمعون على صحة الحوادث الروحية و

ص: 279

معتقدون أنها آتية على موجب نواميس أرقى من عالم المادة، و أن منتجها عقل اسمى من عقل الإنسان، و لكنهم مختلفون في جنس تلك العوامل العاقلة. فمال الأكثرون الى تصديقها في تأكيدها بأنها أرواح الموتى بعد ما رأوا ان الأدلة على ذلك تعد كافية. و هم بعد أن رأوا ظهور الروح مجسدة بشكل الميت و هیئته و صوته و کیفیت تحيته و أسلوبه في كلامه و علمه تمام العلم بحالة اسرته و شئونها بل و تذكيره لأهله أشاء كانت غائبة عن ذاكرتهم، بعد أن رأوا هذا سلموا بان تلك الأرواح التي تجسدت هى أرواح الموتى حقيقة. و أما القسم الثاني فقد إعتقد كما قلنا بظهور تلك الأجساد حقيقة ولكن علق حكمه عليها من حيث أنها أرواح الموتى أو أشخاص عالم آخر، و ما يعلم جنود ربك إلا هو، و نحن مع هذا القسم نعلق حكمنا عليها حتى نزداد بها علماً و الله يهدينا إلى سواء السبيل. إذا الأمر الذى لا مرية فيه هو أن هذه المباحث قد أقامت أقوى الأدلة المحسوسة على وجود العالم الروحاني. و من بقى من الماديين بعد الآن فلاحه مفلول و علمه مدخول ولا يعبأ بقوله الا ضعفاء العقول.

و كتب الأستاذ (م.ت. فالكومر) مدرس علم الحقوق في الجامعة الملكية بإسكندرية إيطاليا في كتابه (المدخل إلى علم الأسبرتزم العملى) قال: «هذه النظرية (النظرية القائلة بأن ما يحدث من خوارق العادت في جلسات الأسبرتزم منسوبة لأرواح الموتى) تظهر بادئ بدء أنها جديدة. و لكن الحقيقة أنها ليست كذلك و يمكن أن يقول الإنسان بدون أن يخشى معارضاً أن الفيلسوف (إمانويل كانت) قد أدركها ، و أن (الان كاردك) قد نشرها بين العالم بعد أن فحصها فحصاً علميا من جهاتها الثلاث: تجريبياً و فلسفياً و أدبياً. و لكنها مع الأسف كانت و لم تزل عرضة لنقد صارم بالنسبة لإختبارها إختباراً علمياً، و تعليل المشاهدات الروحية بها و بالنسبة لتطبيقها على الحياة الإجتماعية و الدينية، و أخيراً بالنسبة للشهادة الشخصة.

«كل نظرية غير هذه النظرية مما يكون أقل تأسساً على العلم كانت تزول من الوجود و تتلاشی امام هذه الصدمات الهائلة من الماديين و القائلين بوحدة الوجود و الروحيين الأقدمين

ص: 280

أنفسهم. فإنك ترى الكنائس و مجامع العلوم الجامدة على مالديها تجاربها في آن واحد (مع أنها تسعى في إيجاد الصلح بينهما) لأنها تلقى على الناس نوراً ساطعاً فينكشف به فساد ذمة البعض و جهالة البعض الآخر وكبر الكافة. فالحرب التى تقاسيها هذه النظرية شديدة المراس جداً و أهول مما يمكن وصفه. و لكن كلما شهر النقد العلمى عليها سيفه ضممنا صفوفنا و هيأنا انفسنا و جمعنا ادلة المقاومة (فاكزاكوف) يصاول (هارتمن) و (ريخانباح) يقارع (بخز)، و (روسل ولاس) يقارع (سيد جویک)، و (یونج) دحره (جاردی) و (کیایا) هزم (لومبروزو)، و كانت نتيجة هذه الحرب أن إنضم دلى صفوفنا واحداً واحدا (كيابارلی) و (لودج) و (ریشیه) (اکورویکز) و (مندیلجیف) و (زوانر) و (تندیل) و (ويليم كروكس) و (اليوت کوس) و ((اديزون) و (بلفور) و (جون) لبوک) و (غلا (دستون) و (جیبیه) و دار يجليلو و بروفيريو. وجيبيه(1) و عدد عظيم من العلماء مشهورين آخر.

إلى أن قال: «ان الظواهر و المشاهدات الروحية المذكورة ليس لها أدنى علاقة بظواهر علم الطبيعية و الكيمياء الأرضيين، بل هى من متعلقات طبيعة و كيمياء علويتين أعنى من عالم ماوراء المادة فليعلم الجاهل، و ليذكر المتناسى أن علم البشرى لم يزل موصوما بالنقص و أن العالم المحسوس ليس هو في الحقيقة إلا ظلا للعالم غير المحسوس، اعنى ان المحسوس ليس هو الا الظاهر القشرى اما غير المحسوس فهو اللباب الحقيقي.

إلى أن قال: «هذه الطبيعة العالية ليست خيالية تأملية و لا هى مما يتعلق بالعقائد الجامدة، بل هي حاصلة على جميع شروط العلوم الكونية لانها تجريبية امتحانية، و أخيراً هذه الطبيعة العالية هي وحدها التي تستطيع ان تسلك بجميع العلوم و بالدين مسالك التركيب الفلسفي الذي يشبع العقل و الإحساس معاً».

ص: 281


1- كل الذين ذكرهم الأستاذ فالكومر من أكبر رجال العلم الفرنسيين و الإنجليز و الآلمان و الطليان.

و كتب الأستاذ الفرد روسل ولاس الزيولوجى الإنجليزى الأشهر مكتشف ناموس الأنتخاب الطبيعى و نديد العلامة داروين المشهور إلى جريدة التيمس ما ترجمته: (بما اني قد عددت لدى كثيرين من مكاتبيكم مصاف رجال العلم الذين يصدقون بصحة مذهب استحضار الأرواح فارجوا أن تسمحوا لي بايراد مبلغ البراهين التي أسست عليها معتقدى فأقول: «إبتدأت أبحاثى من مدة ثمانى سنوات تقريباً و أعتبر من حسن حظى أن هذه المشاهدات العجيبة كانت فى ذلك الوقت أقلّ شيوعاً و أضعف لفتا للأذهان مما هي عليه الآن، لأن ذلك سمح لي أن أعمل أبحاثي في منزلي الخاص بمرأى من جماعة من اخوان لي لا أشك في طهارة قلوبهم.(1)

أقول: و من جميع ما تقدم يثبت وجود الروح الإنسانى و أنه منبع الإدراك و العلم و المعرفة و الوجدانيات. و هو الإنسان الواقعي و هو مدبر البدن المادى و لكن الروح مع ذلك يستكمل بالبدن.

96- بحث استطرادى حول الرجعة

تعرّض العلامه المجلسي رحمه الله في الجزء 53 من بحار الانوار(2) من صفحة 39 الى 145 منه فأورد فيها مائة و اثنين وسبعين حديثاً؛ بل أورد مائة و ثلاثة وثمانين حديثاً ذيل عنوان الباب (الرجعة)

أقول: واليك تفصيل البحث:

الأول: فى مصادر احاديث الرجعة.

1- منتخب البصائر، رواياته متعددة. 2- تفسير العياشي - امالي الصدوق. 4- تفسير القمى رواياته متعددة. 5-كنز جامع الفوائد و تأويل الايات الظاهرة. 6-عيون الاخبار.

ص: 282


1- دائرة معارف القرن العشرين، ج 4، ص 369 إلى 383 و راجع نفس المصدر لمزيد الإطلاع على ذلك.
2- المطبوعة فى دار احياء التراث العربي ببيروت لبنان الطبعة الثالثة المصححة، 1403 ه- و 1983م مؤسسة دار الوفاء.

7- معانى الاخبار على اشكال في مدلول الرواية. 8- رجال الكشي. 9- علل الشرايع على وجه. 10- ارشاد المفيد. 11- اعلام الورى فى رجعة جملة من الاخيار. 12- غيبة النعماني. 13- غيبة الشيخ . 14- الفقيه فى الزيارة الجامعة. 15- روضة الكافي. 16- المصباحان. 17- اقبال الاعمال. 18- فروع الكافى. 19- كامل الزيارات. 20- الاختصاص. 21- التهذيب. 22- تفسير الفرات. 23- رجال النجاشي. 24- تأويل مانزل به القرآن. 25- علل الشرايع لمحمد بن على بن ابراهيم. 26- رسالة سعد بن عبدالله. 27- المناقب. 28- تفسير النعمانی. 29- بصائر الدرجات للصفار. 30- صفات الشيعة. 31- المحتضر. 32- المقتضب.

أقول: و لعل العمدة من هذه المصادر بلحاظ عدد هذه المصادر بلحاظ عدد الأحاديث الواردة في الرجعة، هو منتخب البصائر.(1) و عرفه العلامة المجلسى رحمه الله فى الفصل الاول من بحاره(2) بقوله: و كتاب منتخب البصائر للشيخ الفاضل الكامل حسن بن سليمان تلميذ الشهيد رحمه الله انتخبه من كتاب البصائر لسعد بن عبدالله بن أبي خلف و ذكر فيه من الكتب الاخرى مع تصريحه بأساميها لئلا يشتبه ما يأخذه من كتاب سعد بغیره و کتاب المحتضر و كتاب الرجعة له أيضاً.

ثم قال العلامة المجلسي في الفصل الثانى المعدّ لتوثيق مصادره(3) و کتب البیاضی و ابن سليمان كلّها صالحة للاعتماد و مؤلفها من العلماء الانجاد وتظهر منها غاية المتانة و السداد. انتهى كلامه الشريف.

أقول: الفصل الزمني بين سعد بن عبدالله الذي هو من مشائخ محمد بن يحيى العطار استاذ الكليني، و تلميذ أحمد بن محمد بن عيسى الأشعرى و البرقى و بين زمان الشهيد الاول و تلميذه كثير، لابد من تحصيل نفس كتاب المنتخب المذكور حتى يرى سنده الى نسخة

ص: 283


1- جعل له المجلسي؛ رمز (خص) في بحاره، و هو بصائر الدرجات لسعد بن عبدالله.
2- بحار، ج 1، ص 16.
3- ج 1، ص 33.

كتاب البصائر و الا كان رواياته منها وجادة و مرسلة. و مراد المجلسى من البياضي على بن محمد بن يونس البياضى مؤلف الصراط المستقيم و رسالة الباب المفتوح الى ما قيل في النفس والروح و من ابن سليمان هو الحسن بن سليمان مؤلف منتخب البصائر.

ثم ان المسلّم من الروايات المذكورة ان الراجع في الرجعة هو رسول الله صلى الله عليه و آله و سلّم و أمير المؤمنين و الحسين بن علی علیهما السّلام.

و اعلم ان جملة من الروايات غير ظاهرة فى الرجعة، لاحتمال نظارتها الى قيام القائم علیه السّلام أو الى حشر يوم القيامة و اكثرها ضعيفة سندا. وجملة منها لم تعلم انها أحاديث، فلعلّها من فتوى مؤلف تفسير القمى. و الله العالم.

و الاصل في اثبات الرجعة قوله تعالى «وَ يَوْمَ نَحْشُرُ مِن كُلِّ أُمَّةٍ فَوْجًا مِّمَّن يُكَذِّبُ بِآيَاتِنَا فَهُمْ يُوزَعُونَ حَتَّى إِذَا جَاءُوا قَالَ أَكَذَّبْتُم بِآيَاتِي وَ لَمْ تُحِيطُوا بِهَا عِلْمًا أَمَّاذَا كُنتُمْ تَعْمَلُونَ» (النمل: 84-83) ففى روايات انه نزل في الرجعة دون القيامة اذ يقول سبحانه في حشر القيامة: «وَحَشَرْنَاهُمْ فَلَمْ نُغَادِرُ مِنْهُمْ أَحَدًا» (الكهف: 47) نعم الآية تختص دلالتها برجعة الكفار و لا تشمل رجعة المؤمنين.

و في روايات أنّ اول من يرجع الى الدنيا الإمام الحسين علیه السّلام و اعلم ان تحقيق الآيات و الروايات التي أوردها العلامة المجلسي رحمه الله ذيل عنوان الرجعة، يحتاج الى استيناف القول فيها و تصنيفها و تفصيل ما في كل صنف منها و هو يطلب وقتاً و كأني غير موفق لذلك و كل ميسر لما خلق لأجله و الله العالم بحقائق الامور.

لا اله إلّا الله حقّاً حقاً. لا إله إلّا الله عبوديةً و رقاً. ربنا عجز الواصفون عن صفتك تب علينا فاننا بشر ما عرفناك حق معرفتك و لا عرفنا عدد خلقك وأنواعه فضلاً عن أن نعرف حقائقه. ربنا زدنا علماً و معرفة فى الدنيا و في الجنة حتى نلتذّ من عجائب مخلوقاتك.

ص: 284

الّلهمّ سهّل وفاتى و أحسن معادى وأدخلنى جنتك و نجّنى من سكرات الموت و من وحشة القبر و البرزخ و أهوال يوم القيامة بفضلك و رحمتك و بحق أوليائك المقربين عندك.

هذا آخر توفيقى فى بيان ما يتعلق بالمعاد عند الطبعة الثانية و هنا بحوث أخرى أهمها جمع الروايات المتعبرة سنداً الواردة في المعاد و مقدماته و مايتعلق به من كتابنا معجم الأحاديث المعتبرة لكن كلّ موفق لما خلق لأجله والله الهادى. 1394/12/9 ش. كابول الحوزة العلمية لخاتم النبيين (صلّی الله علیه و آله و سلّم).

ص: 285

فهرست مؤلفات مؤلف

تصویر

ص: 286

تصویر

ص: 287

تصویر

ص: 288

ص: 289

تصویر

ص: 290

تصویر

ص: 291

تصویر

و چندین کتاب دیگر که بعضی آنها چاپ شده و بعضی چاپ نشده و اسامی آنها به ذهنم نیست. بعضی از این آثار به زبان پشتو و اردو و غیره ترجمه شده است. اللهم اجعل كل ذلك لك و تقبّل منّى بمحض فضلك العميم.

ص: 292

فهرست مطالب

فى أمور متعلّقة بالمعاد

1- موت الانسان و حياته

2- أحاديث وردت فى الموت

3- القرآن وحالة الموت

4 - كلام حول الروح

فيه مطالب:

5- اثبات الروح من الدين و العقل

6- مطالب حول الروح الإنسانى

7- بقاء الروح بعد الموت

8- مزيد تأكيد على وجود الروح

9- رابطة الروح و البدن

نتيجة البحث في هذا الموضوع

10- الروح الإنسانية في الأحاديث المعتبرة

11- إبطال الشواهد على كون الروح مادياً

12- كلام حول تقدم الروح على البدن.

13- إستدراك حول أنظار الناس في الروح

14- كتاب الأعمال و كُتّابها

15- شبهة الآكل و المأكول

16- بحوث حول البدن المادى فى القيامة

و يؤيد هذا الاحتمال أمور:

ص: 293

و فى المقام حديثان لابد من التدبّر حولهما:

17- المعاد المادى من إنبات النباتات

18- المعاد الجسماني من منظر آخر

كشف عجيب

مرحله سوم

تنبيه إبطالي

19- بحث علمي

خلاصة الكلام فى المعاد أمور

20- كفاية الأرض لخميرة الأبدان

نقل وتأكيد

الجواب السمعى

21- الآشتيانى و معاد الأسفار

22- القبر وما يقع فيه

ثمّ فى المقام مطالبٌ

23- البرزخ و بعض أحواله

من هم المنصوصون على حياتهم البرزخية

24- البدن البرزخى

25- البرزخ فى الأحاديث المعتبرة

البرزخ في الروايات غير المعتبرة سنداً في الكافى

26- هل في البرزخ تكاملٌ؟

1. تأسيس باب هداية أو إضلال

ص: 294

2. إضلال النّاس بأيّ وجهٍ كان

3. ثلاث خصال نافعة تتبع الرجل بعد موته

خاتمة فصل البرزخ

27- نظرة أخيرة في البرزخ

28- وضع الكون في القيامة أو عندها

المتحصل و المحتمل من هذه الآيات الشريفة أمور:

29- النفختان و الصّيحة

و اعلم أنّ نفخ الصور على قسمين:

و هنا مطالب

30- أين المحشر و متى؟

ثمّ إن في مكان جهنم والجنة أقوال آخر

31- فوائد متنوعة

آية يصعب تفسيرها

32- الصراط

33- كيفية حشر الإنسان

34- السؤال و الحساب

خاتمة

35- ظرفية المحشر الزمانية

36- الحوض

37- الشهداء يوم القيامة

38- الشفاعة فى الدنيا

ص: 295

39- الشفاعة في القيامة

40- تبديل السئيات بالحسنات

41- الاحباط و التكفير

البحث القرآنى حول الموضوع

و فيه مقامان

و قال في حق المنافقين

و اما تكفير المعاصى، فاليك آياته

42- توضيح حول السيئة و الجزاء

43- مسقطات الذنوب

44- استحقاق الثواب والعقاب

45- الأحاديث المعتبرة فى الثواب والعقاب

46- فوائد متنوعة

47- الفرق بين الإسلام والإيمان

فوائد

48- بعض الآثار المترتّبة على الأعمال

49- حال أبدان الكفار في القيامة

50- حشر الوحوش

51- الأعراف

52- موجبات العقاب و أقسام المجازات

أقسام المجازات ثلاثة

53- التكاليف تتبع المصالح و المفاسد

ص: 296

54-فوائد متنوعة

1- از عمل فیزیکی تاعمل روحی

2- فكر قائم به روح است نه به مغز

3- دستگاه عکس برداری عجیب

4- یک کشف دیگر

5- زندگی پس از میلیونها سال مرگ

6- دنیای طب مرده را زنده می کند

7- یک دانشمند روسی مرده را زنده می کند

8- سخنی در مورد اجزای اصلی بدن

9- الإستثناء من الفزع

55- الفوائد النافعة و كيفية الحياة البرزخية

بحث و تفصيل

56- حول التناسخ

أقسام الانتقالات و بحث آخر حول التناسخ

بحث من زاوية اخرى

تقسیم رباعی

فائدة

و استدلّ أيضاً بعضهم على بطلانه بمقدمتين

57- الجنة و جهنم موجودتان فعلا

58- حكمة العود الى الحياة الآخرة

59- أسباب الجزاء

ص: 297

60- رابطة الجريمة و الجزاء

61- مع صاحب الأسفار في معاده

توكيد و تسجيل

اعادة و تحكيم

فائدة و نكتة

62- المعاد المختلف فيه في كلام المطهری (رحمه الله)

نظر مطهری (رحمه الله) در مورد مذهب صاحب اسفار

63- بطلان تساوى الجريمة و الجزاء

و من مجموع ما بيّنّاه نستنتج مایلی:

يورد عليه جهان:

64- الصورة النوعية و الصور المقدارية و العقلية

65- خلق الأمثال وتبديلها

66- تسوية الأرض أو تقطيعها فى النهاية

67- المستدركات عند الطبعة الثانية

1- تبدّل الطاقة بالمادّة

2- توضيح حول حشر الأجسام

3- حياة الدار الآخرة

4- تحديث الأرض الحاضرة في الآخرة

5- رؤية الأجسام اللطيفة في القيامة

6- حول الكافر القاصر

7- انتقال الأعمال

ص: 298

8- غَفر الذنوب

9- القيامة مادية

10- اعادة الكائنات

11- معانى النفس فى القرآن

68- الجنة ونعيمها

69- النار وعذابها

70- بعد الجنة و النار

و لا بأس بنقل بعض الأحاديث المتعلقة بالمقام

فى الحديث مطالب

71- النسبة بين الدار الحاضرة والدار الآخرة

72- الخلود و مباحثه

در اینجا باید سه مسئله را بررسی نمائیم

درباره مطلب اوّل باید دانست

راجع بمطلب دوّم باید دانست

و اما راجع بمطلب سوم

73- الخلود و مناسبة الجزاء و العمل و تجسّم العمل

74- ردّ ما استدل لعموم تجسم العمل

75- ادلة منكرى الخلود

ثمّ يقول صاحب الأسفار

76- مباحث ترجع الى الخلود

77- عود الى مباحث الخلود

ص: 299

78- تجسّم الأعمال أيضاً

و خلاصة كلامى هنا أمران

79- فرق الدار الحاضرة و الدار الاخرة

80- هل رجع مؤسس الحكمة المتعالية إلى ظواهر القرآن ؟

81- الأطفال و من لم يتم الالحجة عليهم في الدنيا

تتميم البحث بذكر أمور

82- الجاهل القاصر لا يستحق العقاب

84- القيامة بمواقفها وجنتها وجحيمها مادية

خلاصة الآخرة عند هؤلاء المتحيرين

85- مهمات مستطرفة

تجسّم الاعمال

عدد الجنات

مادية كرات الحساب والجنة والنار

أسماء مكان العذاب

بحث و مشكلة

المعاد من جهة اخرى

86- عجيبة أخرى للنار

87- حال المسلمين غير الشيعة فى القيامة

88- الحشر و العود العام عند بعض الفلاسفة

89- تخیّلات واهية

90- اختلاف الشيرازى و السبزواري في دوام عذاب الكفار

ص: 300

91- تجسم العمل أو رؤيته في القرآن

تذييل: تجسم العمل ليس بعام

92- لاصلة بين تجسّم العمل وتبديل الطاقة

93- مواقف القيامة و المحشر

موقف لاسؤال فيه

94- المواقف والعقبات فى المحشر

95- التنويم المغناطيسي و اسبرتزم

الأول التنويم المغناطيسى

(الحالة الأولى مع مدام لمبير)

(الحالة الثانية مع جوزفين)

96- بحث استطرادى حول الرجعة

فهرست مؤلفات مؤلف

فهرست مطالب

ص: 301

تعريف مرکز

بسم الله الرحمن الرحیم
جَاهِدُواْ بِأَمْوَالِكُمْ وَأَنفُسِكُمْ فِي سَبِيلِ اللّهِ ذَلِكُمْ خَيْرٌ لَّكُمْ إِن كُنتُمْ تَعْلَمُونَ
(التوبه : 41)
منذ عدة سنوات حتى الآن ، يقوم مركز القائمية لأبحاث الكمبيوتر بإنتاج برامج الهاتف المحمول والمكتبات الرقمية وتقديمها مجانًا. يحظى هذا المركز بشعبية كبيرة ويدعمه الهدايا والنذور والأوقاف وتخصيص النصيب المبارك للإمام علیه السلام. لمزيد من الخدمة ، يمكنك أيضًا الانضمام إلى الأشخاص الخيريين في المركز أينما كنت.
هل تعلم أن ليس كل مال يستحق أن ينفق على طريق أهل البيت عليهم السلام؟
ولن ينال كل شخص هذا النجاح؟
تهانينا لكم.
رقم البطاقة :
6104-3388-0008-7732
رقم حساب بنك ميلات:
9586839652
رقم حساب شيبا:
IR390120020000009586839652
المسمى: (معهد الغيمية لبحوث الحاسوب).
قم بإيداع مبالغ الهدية الخاصة بك.

عنوان المکتب المرکزي :
أصفهان، شارع عبد الرزاق، سوق حاج محمد جعفر آباده ای، زقاق الشهید محمد حسن التوکلی، الرقم 129، الطبقة الأولی.

عنوان الموقع : : www.ghbook.ir
البرید الالکتروني : Info@ghbook.ir
هاتف المکتب المرکزي 03134490125
هاتف المکتب في طهران 88318722 ـ 021
قسم البیع 09132000109شؤون المستخدمین 09132000109.