سواطع الالهام في تفسير كلام الملك العلام المجلد 1

هویة الکتاب

سواطع الالهام في تفسير كلام الملك العلام

العلامة المحقق المدقق الشيخ أبولفيض الفيضي الناكوري ( 954 - 1004 ه - )

وبذيله ه

تفسير القرآن الكريم للعلامة المحقق السيد عبد الله شبر

المتوفى سنة 1242 ه

تقديم العلامة الدكتور السيد محمد بحر العلوم

صححه وراجعه وقدم له الدكتور السيد مرتضى الشيرازي أستاذ علوم القرآن والحديث في جامعة طهران

ص: 1

اشارة

حقوق الطبع محفوظة الطبعة الأولى 1996 م - 1417 ه

اسم الكتاب : سواطع الإلهام / ج 1

اسم المؤلف : الشيخ أبو الفيض الفيضي الناكوري

المحقق : دسيد مرتضى آيت الله زاده شيرازي

الفلم والألواح الحساسة : تيزهوش

المطبعة : ياران

الكمية : 1000 نسخة

السعر : 1000 تومان

الناشر : المحقق

ص: 2

بسم الله الرحمن الرحيم

ص: 3

ص: 4

التّفسير والمفسّرون عند الشّيعة الإماميّة

تقديم دالسّيّد محمّد بحر العلوم

ص: 5

بِسْمِ اللَّهِ الرَّحْمنِ الرَّحِيمِ

ص: 6

مقدّمة

اشارة

الحمد للّه ربّ العالمين ، والصلاة والسلام على سيد الخلائق أجمعين محمد خاتم الأنبياء والمرسلين ، وآله الهداة المهديين ، وعلى أصحابه المنتجبين .

وبعد :

قد يبدو لأول وهلة أن عنوان الحديث ( لمحة موجزة عن التفسير والمفسرين عند الشيعة ) يدل على محاولة تضييق أفق البحث ، وتحديد لمجالاته الواسعة ، كما لو كان مطلقا فسيح الأبعاد ، خاصة وأن مثل هذه البحوث - نظرا لأهميتها - لا زالت نزرة بالنسبة لغيرها من المواضيع التأريخية أو الأدبية أو الفكرية أو سائر العلوم المختلفة .

غير أن الداعي الأساس الذي دفعني لكتابة هذا البحث - كمقدمة لتفسير قد يكون جديد من نوعه ألفه عالم جليل من علماء الإمامية في القرن العاشر الهجري ، وميّزه بفنية خاصة من حيث خلو كلمات التفسير من الحروف المنقطة ، ولهذا السبب التزمت أن أدور في فلك الفكر الإمامي فيما يتعلّق بهذا الموضوع خاصة - ما يشاع بأن الإمامية لم تسهم فكريا في هذا الجانب ، وتوجهوا لعلوم أخرى ، وهي مقولة لم يثبت لها أساس ، إنما دسها بعض من لم يخش اللّه سبحانه في توجيه القول الجزاف ظلما .

ومحاولتي هذه أن أعطي صورة موجزة عن أعمال أتباع مدرسة أهل البيت عليهم السّلام في التفسير ، وما تركوه لنا من تراث قيم لعبت فيه الأيام ، ففقد جلّه ، ورغم ذلك طبع بعضه ، وأثبت أهميته .

أرجو لمحاولتي التوفيق ومنه العون .

لندن في : 1 جمادي الآخر 1417 ه محمد بحر العلوم 14 تشرين الأول 1996

ص: 7

ص: 8

الفصل الأوّل التّفسير عند الإماميّة

اشارة

ص: 9

ص: 10

( 1 ) معنى التفسير - الحاجة إليه - أقسامه

اشارة

حين يكون لهذا المصطلح ( التفسير ) شأن كبير في بحثنا فلا بد لنا أن نمر بمدلوله اللغوي والاصطلاحي ، والمقصود منه ، وتطور مراحله ، وأقسامه الرئيسة ، ومصادره - ولو بصورة موجزة - لنكوّن فكرة عامة تمكننا من الانتقال إلى الفصل الآخر الذي يتناول المفسّرين وتراثهم المطبوع خاصةكل ذلك في حدود الاختصار .

أولا - التفسير لغة واصطلاحا :
1 - لغة :

الفسر : البيان ، فسر الشيء يفسره - بفتح السين ، وكسره ، وضمه - : أبانه ، والتفسير مثله ، بمعنى كشف المراد عن اللفظ المشكل (1) .

ومن هذا نفهم أن التفسير في مدلوله اللغوي هو البيان والكشف ، وقد ورد هذا المعنى في القرآن الكريم ، حيث قوله تعالى : وَلا يَأْتُونَكَ بِمَثَلٍ إِلَّا جِئْناكَ بِالْحَقِّ

ص: 11


1- جمال الدين محمد بن مكرم بن منظور - لسان العرب : مادة ( فسر ) أوفست قم - إيران 1405 ه .

وَأَحْسَنَ تَفْسِيراً (1) وقيل : التفسير : التأويل ، والتأويل هو المرجع والمصير (2) .

وهناك من يرى التأويل مرادفا للتفسير ، وليس بينهما ثمة اختلاف ، وإنما هما بمعنى واحد (3) .

ومن يرى التفسير : كشف المراد عن اللفظ المشكل ، والتأويل : ردّ أحد المحتملين إلى ما يطابق الظاهر (4) .

ولدي البعض أن التفسير أعم من التأويل ، وأكثر استعماله في الألفاظ ومفرداتها ، وأكثر استعمال التأويل في المعاني والحمل (5) .

ونظر التعدد آراء العلماء المختصين في الفرق بين التفسير والتأويل (6) أصبح من العسير قبولهما بمعنى واحدا .

ومنشأ هذا الاختلاف هو استعمال القرآن الكريم لكلمه التأويل في مواضع متعددة ، بعضها يراد منها تفسير الألفاظ وبيان مدلولها ، وبعض يراد منها تفسير معنى للفظ (7) وهي الآيات المخصوصة بالمتشابه ، نظرا إلى أن فهمها والوصول إلى معرفة معناها ، وتفسيرها للإنسان الذي ليس له إلمام ومعرفة بالعلم من الصعوبة بمكان ، بخلاف الآيات المحكمة فإنها واضحة يمكن تفسيرها لمن يملك قدرا من .

ص: 12


1- سورة الفرقان - آية 33 .
2- ؟ ؟ ؟ الهانوي كشاف اصطلاحات الفنون : 89 - طبع كلكتا 1963 م .
3- ابن منظور لسان العرب مادة أول .
4- الفضل بن علي الطبرسي - تفسير مجمع البيان 1 / 13 طبع بيروت صيدا - مطبعة العرفان .
5- جلال الدين السيوطي - الإتقان في علوم القرآن : 2 / 173 طبع بيروت المكتبة الثقافية 1973 .
6- للاطلاع على الفروق بين التفسير والتأويل يراجع : محمد حسين الطباطبائي - الميزان في تفسير القرآن : 3 / 44 - 49 طبع بيروت مؤسسة الأعلمي 1983 م والسيوطي - الإتقان في علوم القرآن : 2 / 173 - 174 ، طبع بيروت المكتبة الثقافية 1973 .
7- يراجع في هذا الصدد ما كتبه محمد باقر الحكيم - علوم القرآن : 74 - 79 طبع طهران مطبعة الاتحاد 1403 ص .

المعرفة .

أما المتشابه من الآيات فلا يعلم تأويلها إلا اللّه والراسخون في العلم (1) .

ومن أجل أن نوفّق بين هذه الآراء في المصطلحين - التفسير والتأويل - نرى :

آ - أنهما كانا بمعنى واحد حتى نهاية القرن الثاني الهجري ، عندما كان التفسير يقتصر على التفسير المأثور ، ويستند إلى اقتران الآية بأسباب نزولها ، وما اثر عن النبي صلّى اللّه عليه وآله في شرحها وتعليلها ، أما بعد تلك الفترة لم يعد التفسير رجوعا إلى الأول ، وإنما بدأ ينأى ويتشعّب إلى اتجاهات ومناحي اجتمعت رغم تباينها على الابتعاد عن الأول (2) .

ب - بعد انتهاء عهد الصحابة والتابعين اضطرّ المفسّرون إلى اعتماد مفهومات أخرى تساعدهم على ممارسة عملية التفسير ، وأصبح - تبعا لتطوّر الزمن - أكثر حاجة لاكتشاف خزائن القرآن ، كما أن فهمنا لهذا المصدر الأوّل لكل العلوم والمعرفة لا يقف عند حدود الألفاظ ومفرداتها ، وأنما يتعدّى إلى الجمل ومعانيها . .

ص: 13


1- عرّف الشيخ أبو جعفر الطوسي - المحكم والمتشابه - في مقدمة تفسيره ( التبيان في تفسير القرآن : 1 / 9 - 10 طبع التحف مكتبة الأمين ) - بالآتي : المحكم : ما أنبأ لفظه عن معناه من غير اعتبار أمر ينظم اليه ، سواء كان اللفظ لغويا أو عرفيا ، ولا يحتاج إلى ضرب من التأويل كما في قوله تعالى : لا يُكَلِّفُ اللَّهُ نَفْساً إِلَّا وُسْعَها [ البقرة - 286 ] ، وقوله تعالى : وَلا تَقْتُلُوا النَّفْسَ الَّتِي حَرَّمَ اللَّهُ [ الانعام - 151 ] . وغير ذلك . والمتشابه : ما كان المراد به لا يعرف بظاهره ، بل يحتاج إلى دليل ، وذلك ما كان محتملا لأمور كثيرة ، أو أمرين ، ولا يجوز أن يكون الجميع مرادا ، فإنه من باب المتشابهوانما سمّي متشابها لاشتباه المراد منه بما ليس بمراد ، وذلك نحو قوله تعالى : يا حَسْرَتى عَلى ما فَرَّطْتُ فِي جَنْبِ اللَّهِ [ الزمر - 57 ] ، وقوله تعالى : وَالسَّماواتُ مَطْوِيَّاتٌ بِيَمِينِهِ [ الزمر - 67 ] . ونظائر ذلكولزيادة الاطلاع يراجع الطباطبائي - الميزان في تفسير القرآن : 3 / 32 - 44 طبع بيروت مؤسسة الأعلمي .
2- دحسن عاصي - التفسير القرآني ، واللغة الصوتية في فلسفة ابن سينا : 13 / طبع المؤسسة الجامعية للدراسات والنشر والتوزيع - بيروت 1983 م .
2 - اصطلاحا :

ونجد لدى علماء التفسير القدامى والمتأخرين عدة تعاريف للتفسير ، تدور بين السعة والضيق ، يذهب البعض إلى شمولية كل علوم القرآن ، بينما يقصره البعض الآخر على إيضاح مراد اللّه تعالى من كتابه العزيز (1) .

والمرحوم السيد الطباطبائي يضع تعريفا للتفسير نصه : « هو بيان معاني الآيات القرآنية والكشف عن مقاصدها ومداليلها » (2) .

وهذا التعريف - على اختصاره - يحقق الآتي :

1 - أنه جمع مقاصد أغلب التعاريف السابقة للتفسير - والتي يدور محورها حول معنى التفسير - دون التعرّض إلى المفسّر ، وشروطه في التفسير ، والقراءات ، وغير ذلك (3) .

2 - أنه يتضمّن معنى التفسير اللغوي الذي هو الإبانة والكشف ، سواء أكان منه تفسير الألفاظ ، أو تفسير معنى اللفظ (4) .

ص: 14


1- أبو القاسم الخوئي - البيان في تفسير القرآن : 397 طبع بيروت مؤسسة الأعلمي 1394 ص .
2- الطباطبائي - الميزان في تفسير القرآن : 1 / 4طبع بيروت مؤسسة الأعلمي .
3- عرّف الزركشي التفسير بأنه : « علم نزول الآية وسورتها وأقاصيصها ، والأسباب النازلة فيها ، ثم ترتيب مكّيّها ومدنيها ، ومحكمها ومتشابهها ، وناسخها ومنسوخها ، وخاصها وعامها ، ومطلقها ومقيدها ، ومجملها ومفسرها . وزاد قوم : علم حلالها وحرامها ، ووعدها ووعيدها ، وأمرها ونهيها ، وعبرها وأمثالها » راجع بدر الدين محمد بن عبد اللّه الزركشي المتوفّى 794 ه - البرهان في علوم القرآن : 2 / 148 تحقيق محمد أبو الفضل إبراهيم / طبع القاهرة دار احياء الكتب العربية 1957 م ، ولزيادة الاطلاع يراجع السيوطي - الإتقان في علوم القرآن : 2 / 174 ، وقد أورد عدة تعاريف لبعض المفسّرين المعروفين .
4- يراجع ابن منظور - لسان العرب ، مادة ( فسّر ، وأوّل ) .
ثانيا - الحاجة إلى التفسير :

القرآن الكريم كتاب اللّه المنزل إلى عباده ، يتضمّن أحكامهم وكل أمورهم التشريعية إلى يوم القيامة ، وهو المصدر الأوّل والأساس لذلك ، وله دلالات وأهداف ومقاصد يراد تبيانها ، وإيضاح ما خفي منها .

ونظرا لحاجة الناس إلى الإفصاح عن تلكم الأهداف والمقاصد نشأت الحاجة إلى علم التفسير ، وأصبحت أهميته كبيرة ، ومعرفته ضرورية .

وقد جاء عن النبي صلّى اللّه عليه وآله قوله : « إذا جاءكم عني حديث فاعرضوه على كتاب اللّه فما وافقه فاقبلوه ، وما خالفه فاضربوا به عرض الحائط » (1) ، ومن هذا الحديث نستفيد أن الكتاب الكريم حجة يلزم العمل به .

ولا بد من كشف المراد عن اللفظ المشكل في بعض المواضع ، لأنه « ليس بين آيات القرآن - وهي بضع آلاف آية - آية واحدة ذات إغلاق وتعقيد في مفهومها ، بحيث يتحيّر الذهن في فهم معناها ، وكيف وهو أفصح الكلام ، ومن شرط الفصاحة خلو الكلام عن الإغلاق والتعقيد ، حتى أن الآيات المعدودة من متشابه القرآن - كالآيات المنسوخة وغيرها - في غاية الوضوح من جهة المفهوم ، وإنما التشابه في المراد منها وهو ظاهروإنما الاختلاف كل الاختلاف في المصداق الذي تنطبق عليه المفاهيم اللفظية من مفردها ومركبها ، وفي المدلول التصوري والتصديقي » (2) .

ولهذا فإن إدراكنا لمراد القرآن هو في حدود الظواهر فقط ، أما على وجه القطع فلا يعلم بالمراد بل يستنبط بأمارات ودلائل .

والحكمة فيه أن اللّه تعالى أراد أن يتفكّر عباده في كتابه ، فلم يأمر نبيه

ص: 15


1- رواه أبو جعفر الطوسي - التبيان في تفسير القرآن : 1 / 5 ( مقدمة المؤلف ) .
2- الطباطبائي - الميزان في تفسير القرآن : 1 / 9 ( مقدمة المؤلف ) .

بالتنصيص على المراد في جميع آياته (1) .

وروي عن طريق سعيد بن جبير عن ابن عباس - رضي اللّه عنهما - قال :

« الذي يقرأ القرآن ولا يحسن تفسيره كالأعرابي بهذا الشعر هذا » (2) ، ولهذا قيل :

« إن أشرف صناعة يتعاطاها الإنسان تفسير القرآن » (3) .

ولم تكن هذه الحاجة وليدة وقت محدد من الأزمان ، إنما نراها تمتد إلى زمن قديم ، نظرا لاختلاف مستويات الإنسان الذهنية ، كما يقررها ابن قتيبة (4) : « بأن العرب لا تستوي في المعرفة بجميع ما في القرآن من الغريب والمتشابه ، بل أن بعضها يفضل في ذلك على بعض » (5) .

وأكّد هذه الحقيقة من بعده العلامة ابن خلدون (6) حيث قال : إن في القرآن نواحي بحاجة إلى بيان ، « وكان النبي صلّى اللّه عليه وآله يبين المجمل ، ويميّز الناسخ من المنسوخ ويعرّفه أصحابه فعرفوه ، وعرفوا سبب نزول الآيات ، ومقتضى الحال منها منقولا عنه.ونقل ذلك عن الصحابة رضوان اللّه عليهم أجمعين ، وتداول ذلك التابعون من بعدهم ، ولم يزل متنقلا بين الصدر الأول والسلف حتى صارت المعارف علوما ، ودونت الكتب.» (7) .

وتلك الأمور وغيرها من مواضع الحاجة إلى الإبانة ، وقد أحوجت منذ أول العهد الإسلامي إلى بيان القرآن وتفسيره ، ولا شك أن هذه الحاجة للتفسير تبقى مستمرة لدى الأمة التي تستقي تشريعها من الكتاب الكريم ، المصدر الأول للمسلمين إلى آخر عمر الدنيا .

ص: 16


1- السيوطي - الإتقان في علوم القرآن : 2 / 174 .
2- السيوطي - المصدر المشار إليه : 2 / 175 .
3- السيوطي - المصدر السابق : 2 / 175 .
4- عبد اللّه بن مسلم المعروف بابن قتيبة الدينوري المتوفّى 276 ه .
5- أمين الخولي - دائرة المعارف الاسلامية - مادة ( فسر ) عن ابن قتيبة في رسالته المسائل والأجوبة : 8 .
6- عبد الرحمن بن محمد بن خلدون الحضرمي المغربي ، المتوفى عام 808 ه .
7- ابن خلدون - المقدمة : 1 / 439 - طبع القاهرة مطبعة مصطفى محمد بدون تاريخ .
ثالثا - أقسام التفسير :
اشارة

لا شك في تنوّع التفسير ، وتعدد مذاهبه ، واختلاف مدارسه ، والتباين في كثير من الأحيان بين اهتماماته واتجاهاته ، فهناك :

1 - تفسير يهتم بالجانب اللفظي والأدبي والبلاغي من النص القرآني .

2 - تفسير يهتم بالمحتوى والمعنى والمضمون .

3 - تفسير يرتكز على الحديث الشريف ، أو يفسّر النص القرآني بالمأثور عن المعصوم عليه السّلام ، أو بالمأثور عن الصحابة والتابعين .

4 - تفسير يعتمد العقل كأداة من عمق التفسير ، وفهم كتاب اللّه سبحانه .

5 - تفسير متحيّز يتخذ مواقف مذهبية مسبقة ، يحاول أن يطبق النص القرآني على أساسها .

6 - تفسير غير متحيّز يحاول أن يستنطق القرآن نفسه ، ويطبق الرأي على القرآن ، لا القرآن على الرأي .

7 - تفسير تجزيني يتناول المفسّر ضمن اطاره القرآن الكريم ، آية آية وفقا لتدوين الآيات في المصحف الشريف .

8 - تفسير توحيدي ، أو موضوعي ، يتبنى الدراسة القرآنية لموضوع من موضوعات الحياة العقائدية أو الاجتماعية أو الكونية (1) .

وإذا كانت مصادر الدراسات القرآنية ذهبت إلى هذه الاتجاهات المتعدّدة في

ص: 17


1- الشهيد محمد باقر الصدر - المدرسة الاسلامية : 8 - 12 / طبع بيروت دار التعارف 1980 م .

أنواع التفسير ، فإن مردّ ذلك يعود إلى أن الشخص الذي يفسّر نصا يلوّن هذا النص - ولا سيما النص الأدبي - بتفسيره له وفهمه إياه .

ولذا فإن المتفهّم للعبارة هو الذي يحدّد بشخصيته المستوي الفكري لها ، وهو الذي يعين الأفق العقلي الذي يمتد إليه معناه ومرماه ، يفعل ذلك وفق مستواه الفكري وعلى سعة أفقه العقلي ، لأنه لا يستطيع أن يبعد ذلك من شخصيته ، ولا يمكنه مجاوزته أبدا .

وعلى هذا الأصل وجدنا لآثار شخصية المتصدّين لتفسير القرآن ، ما طبع تفسيرهم - في كل عهد وعصر ، وعلى أي طريقة ومنهج ، سواء أكان تفسيرهم له نقليا مروياأم كان عقليا اجتهاديا (1) .

ويمكن - من مجموع ما تقدّم في أقسام التفسير عند الإمامية - أن نستخلص مدرستين لتوجه التفسير عندهم قديما وحديثا ، نعرضهما بإيجاز :

آ - المدرسة القديمة :

إن مفسري الإمامية من عهد الغيبة الكبرى للحجة بن الحسن عليه السّلام ، وبعد أن كان الناس يستقون معرفتهم بالتفسير من الإمام المعصوم مباشرة أو من الوسائط الذين كان الإمام عليه السّلام يعهد لهم بإيصال أجوبة الاستفسارات التفسيرية وغيرها ، كانوا يحرصون على جانبين هامين في اطار عملية التفسير ، هما :

1 - التفسير بالمأثور الصحيح : عن النبي صلّى اللّه عليه وآله أو الأئمة المعصومين عليهم السّلام ، قال الشيخ أبو جعفر الطوسي - وهو من أبرز مشاهير وقدامي مفسري الإمامية - :

ص: 18


1- أمين الخولي - دائرة المعارف الاسلامية : 5 / 362 مادة ( فسر ) .

« ولا يجوز تفسير القرآن إلا بالأثر الصحيح عن النبي صلّى اللّه عليه وآله ، وعن الأئمة عليهم السّلام الذي قولهم حجة كقول النبي صلّى اللّه عليه وآله » .

ومن هذا المنطلق يرى أن معاني القرآن على أربعة أقسام ، ولا بد من فهمها إما بالنص الصريح ، أو الأثر الصحيح ، ولا يجوز تفسيرها بالاجتهاد والاستحسان ، وهي بإيجاز :

أحدها : ما اختص به اللّه تعالى بالعلم به ، فلا يجوز لأحد تكلف القول فيه ، ولا تعاطي معرفته ، مثل قوله تعالى : إِنَّ اللَّهَ عِنْدَهُ عِلْمُ السَّاعَةِ (1) وغيرها .

فتعاطي معرفة ما اختص اللّه تعالى به خطأ .

ثانيها : ما كان ظاهره مطابقا لمعناه ، فكل من عرف اللغة التي خوطب بها عرف معناها ، مثل قوله : وَلا تَقْتُلُوا النَّفْسَ الَّتِي حَرَّمَ اللَّهُ إِلَّا بِالْحَقِّ * (2) .

ثالثها : ما هو مجمل لا ينبئ ظاهره عن المراد به مفصّلا ، مثل قوله تعالى :

أَقِيمُوا الصَّلاةَ وَآتُوا الزَّكاةَ * (3) ، وقوله تعالى : وَلِلَّهِ عَلَى النَّاسِ حِجُّ الْبَيْتِ مَنِ اسْتَطاعَ إِلَيْهِ سَبِيلًا (4) ، فإن تفصيل أعداد الصلاة وعدد ركعاتها ، وتفصيل مناسك الحج وشروطه ، لا يمكن استخراجه إلا ببيان النبي صلّى اللّه عليه وآله ، ووحي من جهة اللّه تعالى .

فتكلّف القول في ذلك ممنوع منه .

رابعها : ما كان اللفظ مشتركا بين معنيين فما زاد عنهما ، ويمكن أن يكون كل واحد منهما مرادا ، فإنه لا ينبغي أن يقدّم أحد به ، فيقول : إن مراد اللّه فيه بعض ما يحتمل - إلا بقول نبي أو معصوم - بل ينبغي أن يقول : إن الظاهر يحتمل لأمور ، وكل واحد يجوز أن يكون مرادا على التفصيل ، واللّه أعلم بما أراد .

ومتى كان اللفظ مشتركا بين شيئين أو ما زاد عليهما ، ودلّ الدليل .

ص: 19


1- سورة لقمان - آية : 34 .
2- سورة الأنعام - آية : 151 .
3- سورة البقرة - آية : 43 .
4- سورة آل عمران - آية : 97 .

عليه - على أنه لا يجوز أن يريد إلا وجها واحدا - جاز له أن يقال إنه المراد .

ولا ينبغي لأحد أن ينظر في تفسير آية لا ينبئ ظاهرها عن المراد تفصيلا ، أو يقلّد أحدا من المفسّرين إلا أن يكون التأويل مجمعا عليه ، فيجب اتباعه لمكان الإجماع ، لأن من المفسّرين من حمدت طرائقه ، ومدحت مذاهبه كابن عباس ، ومنهم من ذمت مذاهبه كأبي صالح ، والسدي وغيرهما ، هذا في الطبقة الأولى .

وأما المتأخّرون فكل واحد منهم نصر مذهبه ، وتأوّل على ما يطابق أصله .

ولا يجوز أحد أن يقلد أحدا منهم ، بل ينبغي أن يرجع إلى الأدلة الصحيحة : إما العقلية ، أو الشرعية ، من إجماع عليه ، أو نقل متواتر به عمن يجب اتباع قوله (1) .

وبهذا المنحى أخذ الشيخ أبو علي الطبرسي - أحد أبرز مفسّري الإمامية - فقال :

واعلم أن الخبر قد صحّ من النبي صلّى اللّه عليه وآله وعن الأئمة القائمين مقامه عليهم السّلام أن تفسير القرآن لا يجوز إلا بالأثر الصحيح ، والنص الصريح ، وقال النبي صلّى اللّه عليه وآله : « إذا جاءكم عني حديث فاعرضوه على كتاب اللّه فما وافقه فاقبلوه ، وما خالفه فاضربوا به عرض الحائط » ، فبيّن أن الكتاب حجة ، ومعروض عليه .

وكيف يمكن العرض عليه وهو غير مفهوم المعنى ؟ ! فهذا وأمثاله يدل على أن الخبر متروك الظاهر ، فيكون معناه - إن صح - أن من حمل القرآن على رأيه ، ولم يعمل بشواهد ألفاظه فأصاب الحق فقد أخطأ الدليل ، وقد روي عن النبي صلّى اللّه عليه وآله أنه قال : « القرآن ذلول ذو وجوه فاحملوه على أحسن الوجوه » .

وروي عن عبد اللّه بن عباس أنه قسّم وجوه التفسير على أربعة أقسام : .

ص: 20


1- الطوسي - التبيان في تفسير القرآن : 1 / 4 - 7 .

آ - « تفسير لا يعذر أحد بجهالته » ، وهو ما يلزم الكافة من الشرائع التي في القرآن ، وجهل دلائل التوحيد .

ب - « وتفسير تعرفه العرب بكلامها » وهو حقائق اللغة ، وموضوع كلامهم .

ج - « وتفسير يعلمه العلماء » وهو تأويل المتشابه ، وفروع الكلام .

د - « وتفسير لا يعرفه إلا اللّه عز وجل » فهو ما يجري مجرى الغيوب ، وقيام الساعة (1) .

2 - التفسير الترتيبي : وهو الذي يتقيّد المفسّر بتفسير آية آية ، وسورة سورة كما هو مرتب في المصحف الكريم ، ولا يتجاوز هذه الرتابة التفسيريةورغم تعدّد المواضيع في السورة الواحدة ، وتكرر بعضها في عدة سور غير أنها متناسقة مع تسلسل التوجه الذي جمع القرآن عليه .

ب - المدرسة الحديثة :

ظهرت توجهات متعدّدة للتفسير في هذا القرن ، نظرا لتوسع أفاق المعرفة الفكرية واستجلاء الكثير من العلوم التي لها واقع اكتشافها في هذا العصر ، وقد ذهبت بعض المصادر التفسيرية الحديثة إلى منهج جديد في التفسير ، يجمع بين المأثور - الذي نعتمده عن طريق المعصوم ، أو المستند إلى السلف ، أو الاجتهاد الذي يصل إليه المفسّر الجامع لشرائط الاجتهاد - ومكنة الاستفادة من الأدلة الشرعية ، لا الرأي المستند إلى الهوى والاستحسان (2) .

ص: 21


1- الفضل بن الحسن الطبرسي - مجمع البيان في تفسير القرآن : 1 / 13 / طبع بيروت مطبعة العرفان صيدا .
2- للاطلاع على التقاسيم التفسيرية للمدرسة الحديثة يراجع : الشهيد الصدر - المدرسة القرآنية : 8 - 15 ، ومحمد باقر الحكيم - علوم القرآن : 69 - 72 .

وفي هذا الاتجاه نرى الشهيد الصدر يعرض تقسيمين للتفسير ، وهما :

الأول - التفسير التجزيئي ويراد به : « المنهج الذي يتناول المفسّر ضمن اطار القرآن الكريم ، آية فآية ، وفقا لتسلسل تدوين الآيات في المصحف الشريف » (1) .

ومن أجل توضيح هذا الاتجاه التجزيئي للتفسير القرآني يضيف الشهيد الصدر بأن : « التفسير في اطار هذا المنهج يسير مع المصحف ، ويفسّر قطعاته تدريجا بما يؤمّن به أدوات ووسائل للتفسير من الظهور ، أو المأثور من الأحاديث ، أو بلحاظ الآيات الأخرى التي تشترك مع تلك الآية في مصطلح أو مفهوم ، بالقدر الذي يلقي ضوء على مدلول القطعة القرآنية التي يراد تفسيرها مع أخذ السياق الذي وقعت تلك القطعة ضمنه بعين الاعتبار من كل تلك الحالات » (2) .

الثاني - التفسير التوحيدي أو الموضوعي (3) ويراد به : « القيام بالدراسة القرآنية لموضوع من موضوعات الحياة العقائدية ، أو الاجتماعية ، أو الكونية ، فيبيّن ويبحث ويدرس » (4) .

ويستهدف التفسير التوحيدي أو الموضوعي من القيام بهذه الدراسات ، تحديد موقف نظري للقرآن الكريم ، وبالتالي للرسالة الإسلامية من ذلك الموضوع من موضوعات الحياة أو الكون . .

ص: 22


1- الصدر - المصدر السابق : 9 .
2- الصدر - المصدر السابق : 9 .
3- يوضح الشهيد الصدر المقصود بالتوحيدي ، فيقول : باعتبار انه يوحّد بين التجربة البشرية ، وبين القرآن الكريم ، لا بمعنى أنه يحمل التجربة البشرية على القرآنكما أن المقصود بالموضوعي ، أي أنه يبدأ من الموضوع من الواقع الخارجي من الشيء ، ويعود إلى القرآن الكريم ، باعتباره أنه يبدأ من الموضوع الخارجي وينتهي إلى القرآن الكريمراجع المدرسة القرآنية : 28 .
4- الصدر - المدرسة القرآنية : 12 .

ولا شك أن هذين الاتجاهين قد يلتقيان في بعض الأحيان ، وأن الفصل بينهما ليس حدّيا على مستوى الواقع العملي ، والممارسة التأريخية لعملية التفسيرذلك لأن الاتجاه الموضوعي بحاجة طبعا إلى تحديد المدلولات التجزيئية في الآيات التي يراد بها التعامل معها ضمن اطار الموضوع الذي يتبناهكما أن الاتجاه التجزيئي قد يعثر في أثناء الطريق بحقيقة قرآنية من حقائق الحياة الأخرى .

ومع هذا كله ، فإن فوارقا أساسية تبدو بين القسمين ، ويمكن إيجازها بالآتي :

1 - إن المفسّر التجزيئي دوره في التفسير - على الأغلب - سلبي ، فهو يبدأ أولا بتناول النص القرآني المحدد آية - مثلا - أو مقطعا قرآنيا دون أي افتراضات أو طروحات مسبّقة ، ويحاول أن يحدّد المدلول القرآني على ضوء ما يسعفه به اللفظ ، مع ما يتخلله من القرائن المتصلة أو المنفصلة .

وتكون العملية هذه في طابعها العام عملية تفسير نص معين ، وكأن دور النص فيها دور المتحدّث ، ودور المفسّر هو الإصغاء والتفهّم ، وهذا ما يسمّى ب « الدور السلبي »والقرآن - في هذه الحالة - يعطي ، وبقدر ما يفهم المفسّر من مدلول اللفظ يسجل في تفسيره .

أما المفسّر الموضوعي : فإنه لا يبدأ عمله من النص بل من واقع الحياة ، فهو يركّز نظره في موضوع من موضوعات الحياة العقائدية أو الاجتماعية أو الكونية ، ويستوعب ما أثارته تجارب الفكر الإنساني حول ذلك الموضوع من مشاكل ، وما قدّمه الفكر الإنساني من حلول ، وما طرحه التطبيق التأريخي من أسئلة ومن نقاط فراغ ، ثم يأخذ النصّ القرآني ، لا ليتّخذ من نفسه بالنسبة إلى النص دور المستمع والمسجّل فحسب ، بل يكون دوره دور المحاور مع القرآن ، ليكتشف من خلال ذلك موقف القرآن الكريم من الموضوع المطروح ، والنظرية التي بإمكانه أن يستلهمها من النص ، من خلال مقارنة هذا النص بما استوعبه الباحث عن الموضوع من أفكار واتجاهات .

ص: 23

ويؤكد هذه الحقيقة الإمام علي عليه السّلام ، وهو يتحدّث عن القرآن الكريم فيقول :

« ذلك القرآن فاستنطقوه ، ولن ينطق ، ولكن أخبركم عنه ، ألا إن فيه علم ما يأتي ، والحديث عن الماضي ، ودواء دائكم ، ونظم ما بينكم » (1) .

2 - التفسير الموضوعي يتجاوز التفسير التجزيئي خطوة ، ذلك أن التفسير التجزيئي يكتفي بإبراز المدلولات التفصيلية للآيات القرآنية الكريمة ، بينما التفسير الموضوعي يطمح إلى أكثر من ذلك ، يتطلع إلى الحصول على أوجه الارتباط بين هذه المدلولات التفصيلية ، ويحاول أن يصل إلى نظرية قرآنية - من خلال تلك المدلولات التفصيلية في النبوة ، والإمامة ، أو سنن التأريخ ، أو مذهب اقتصادي ، أو أي موضوع آخر من المواضيع العقائدية ، أو التأريخية ، أو الكونية ، أو الاقتصادية ، أو غير ذلك ، مما يكون من الواقع الخارجي من الشيء ، ويعود إلى القرآن الكريم ، وهو ما يقصد به بالتفسير الموضوعي ، وهو بهذا الأسلوب يكون الموضوعي أوسع أفقا ، وأرحب وأكثر عطاء ، وقادر على التجدد باستمرار ، وعلى التطور والإبداع باستمرار على أساس أن التجربة البشرية تغني هذا التفسير بما تقدّمه من مواد. .

وهذا هو الطريق الوحيد للحصول على النظريات الأساسية للإسلام ، وللقرآن تجاه موضوعات الحياة المختلفة (2) .

إن هذا التقسيم - التجزيئي والموضوعي - حين نتبناهما من بين التقاسيم العديدة للتفسير ، سواء القديمة منها أو الحديثة ، لتميزهما بأمرين هامين :

الأول : أنه لم يخرج عن نطاق تلكم التفاسير المبتنية على المأثور أو الاجتهاد ، وحاوي لكل مقوّماتها وأكثر من ناحية الاستيعاب والشمول لقدرة الطاقة المتنوعة التي تكمن في القرآن الكريم ، ومن هنا نلحظ الدافع الأساس الذي تؤكد عليه أحاديث أئمة مدرسة أهل البيت عليهم السّلام في الاستفادة من القرآن الكريم ، لأن فيه علم ما كان ، وعلم ما يأتي ، كما وفيه عطاء لا ينفذ . .

ص: 24


1- نهج البلاغة تبويب صبحي الصالح : 223 طبع بيروت 1967 م .
2- الصدر - المدرسة الاسلامية ، 8 - 33 تلخيص .

الثاني : أن المراد من التفسير هو كشف وبيان ما في القرآن ، وخاصة في مقام نتائج التفسير الموضوعي ، المرتبطة دائما بنتائج التجربة البشرية ، لأنها تمثّل المعالم والاتجاهات القرآنية لتحديد النظرية الإسلامية في أي موضوع من مواضيع الحياة الزاخرة بالإبداع ، وهذه حاجة العصر .

رابعا - موقف الشريعة من التفسير بالرأي :

الرأي : هو الاعتقاد عن اجتهاد ، وربما اطلق على القول عن الهوى والاستحسان (1) ، وبهذا المعنى ، القول غير المبتني على الأثر الصحيح ، والنص الصريح (2) والذي يقوم على الاجتهاد والظنون ، والترجيح الشخصي ، لما فيه على اللّه سبحانه من اجتراء ، فإن كتاب اللّه لا يفسّر بالميل والهوى .

قال الشيخ الطوسي :

« وأعلم أن الرواية ظاهرة في أخبار أصحابنا بأن تفسير القرآن لا يجوز إلا بالأثر الصحيح عن النبي صلّى اللّه عليه وآله ، وعن الأئمة عليهم السّلام الذين قولهم حجة كقول النبي صلّى اللّه عليه وآله ، وأن القول فيه بالرأي لا يجوز » (3) .

ويوضّح السيد الطباطبائي المراد بالمنع من التفسير بالرأي ، فيقول :

« إن المنهي عنه إنما هو الاستقلال في تفسير القرآن ، واعتماد المفسّر على نفسه من غير رجوع إلى غيره ، ولازمه وجوب الاستمداد من الغير بالرجوع إليه ، وهذا الغير لا محالة إما هو الكتاب أو السنّة » (4) .

ص: 25


1- الطباطبائي - الميزان في تفسير القرآن : 3 / 76 .
2- الطبرسي - مجمع البيان : 1 / 13 ومحمد بن مرتضى بن محسن المعروف بالفيض الكاشاني - تفسير الصافي : 1 / 35 طبع بيروت مؤسسة الأعلمي 1399 ه .
3- الطوسي - التبيان في تفسير القرآن : 1 / 4 .
4- الطباطبائي - الميزان في تفسير القرآن : 3 / 77 .

ومن أجل أن لا يبقى المفسّر في حيرة في ممارسته للتفسير ، حدّد الشيخ الطوسي خمس نقاط رئيسة لسالك هذا الطريق ، يمكن أن تكون خطا بيانيا في مسار التفسير ، وهي بإيجاز :

1 - آيات لا يمكن الخوض في تفسيرها إلا بتفسير من الكتاب الكريم ، لأنها من مختصّاته ، ولا يجوز لأحد الخوض فيها .

2 - آيات مجملة غير ظاهرة المراد مفصّلا ، فلا يمكن تقليد أحد المفسّرين بها إلا إذا كان هناك بيان من النبي صلّى اللّه عليه وآله .

3 - آيات لفظها مشترك بين معنيين أو أكثر ، فلا بد من تعيين المراد ببيان من النبي صلّى اللّه عليه وآله أو المعصوم عليه السّلام .

4 - آيات تعتمد على توضيح المعنى اللغوي ، فلا بد من الرجوع فيها إلى العالم المتمرّس باللغة .

5 - أن الرواية المستندة إلى طريق الآحاد إذا كان مما طريقه العلم فلا يمكن أن تكون مفسّرة للكتاب ، لأنها غير موجبة للقطع ، وإن وصل إلى الواقع ، لأن سند ذلك الحدس والتخمين (1) .

ومما تقدّم يتّضح السبب في رفض الأخذ بالرأي ، لأن اختلاف المفسّرين ، وتعداد مذاهبهم ، وعدم تحرّج البعض منهم في توظيف آية أو أكثر لمصالحهم وأغراضهم ، وخاصة ما حدث في العهدين الأموي والعباسي من دسّ فظيع ، وتطاول على تفسير الآيات ، ووضع الأحاديث لصالح الحاكم ، أو لحاجة في تلكم النفوس المريضة في محاولاتها لتشويه الحقائق ، كما أن نزعات خاصة حاول أصحابها دعمها من القرآن ، ففسّروا آيات وروايات تمحّلوا الأمر فيها بغية غطاء قرآني على أساس أن فيه كل إشارة ودلالة (2) . .

ص: 26


1- لزيادة الاطلاع على عرض الشيخ الطوسي في هذا الصدد يراجع ( تفسير التبيان : 1 / 5 - 7 ) .
2- للاطلاع على نماذج من هذه التفاسير الكيفية يراجع ( الحكيم - علوم القرآن : 21 - 54 ) .

( 2 ) مصادر التفسير

اشارة

من الطبيعي أن تكون لكل مادة علمية وفكرية مصادر ومعدات تقوم عليها أسس أي علم من العلوم ، وحين نكون في صدد بحث علم التفسير لا بد أن يكون له معدات وقواعد توجده وتميزه عن سائر العلوم .

ولما كان القرآن الكريم ، بوصفه كلام اللّه سبحانه ، أنزله لعباده مصدرا حيا لتشريعاتهم ، وما تقتضيه حاجة المجتمع من أجل قيام العدل فيه ، وحفظ حقوق أفراده ، وبناء وجوده ، وقد أشار إلى ذلك وسبحانه وتعالى حيث قال : وَلا رَطْبٍ وَلا يابِسٍ إِلَّا فِي كِتابٍ مُبِينٍ (1) ، ومن هنا منع علماء الإمامية أن يكون الاعتماد في تفسيره على الظنون والاستحسان ، ولا على شيء لم يثبت أنه حجة عن طريق العقل ، أو من طريق الشرع ، للنهي عن اتباع الظن وحرمة إسناد شيء إلى غير اللّه بغير إذنه (2) .

ومن هذا المنطلق فلا بد للمفسّرين من اعتماد ما يقوّمهم لهذه المهمة الكبيرة ، وتلكم المقوّمات الرئيسة للمفسّر هي بإيجاز :

ص: 27


1- سورة الأنعام - آية : 59 .
2- الخوئي - البيان في تفسير القرآن : 397 .
أولا : - القرآن الكريم :

قالوا : إن آيات القرآن تفسّر بعضها بعضا (1)فمطلقها يوضّح مقيدها ، ومتشابهاتها تدلّ على محكماتها ، سواء أكان ذلك في تفسير اللفظ أو معنى اللفظ ، حتى ذكر أن كل ما حكم به رسول اللّه صلّى اللّه عليه وآله فهو مما فهمه من القرآن (2)وسار من بعده أئمة الهدى من آل بيت المصطفى عليهم جميعا أفضل الصلاة والسلام .

وعلى سبيل المثال ما ذكر أن امرأة ولدت لستة أشهر فرفع أمرها إلى الخليفة عمر بن الخطاب فهّم برجمها على أساس أنها زانية ، فبلغ ذلك الإمام علي عليه السّلام فقال : ليس عليها رجم ، فبلغ عمر قول الإمام فاستفسر عن ذلك ، فقال له الإمام : إن اللّه تعالى قال في كتابه : وَالْوالِداتُ يُرْضِعْنَ أَوْلادَهُنَّ حَوْلَيْنِ كامِلَيْنِ (3) ، وفي سورة أخرى يقول عزّ من قائل : وَحَمْلُهُ وَفِصالُهُ ثَلاثُونَ شَهْراً (4) ، فتكون النتيجة أن مدّة حمله ستة أشهر ، ومدة رضاعه حولان ، فذلك ثلاثون شهرا (5)ومن هذه الرواية نرى أن الإمام أسس حكمه بعدم الرجم على فهم لمعاني لفظ القرآن ، حيث بنى حكم الآية الأولى على الثانية .

إن رسول اللّه صلّى اللّه عليه وآله وضع هذا المنهج لتفسير القرآن الذي يعتمد القرآن الكريم أساسا في عملية التفسير ، وسار على ضوئه تلميذه الأول الإمام علي عليه السّلام وأصحابه ممن تحمّلوا مسؤولية تفسير القرآن الكريم ، ثم اعتبر منهجا عاما للمفسّرين .

ص: 28


1- الفيض الكاشاني - تفسير الصافي : 1 / 75 .
2- السيوطي - الإتقان في علوم القرآن : 2 / 176 .
3- سورة البقرة - آية : 233 .
4- سورة الأحقاف - آية : 15 .
5- نقلها المرحوم الشيخ عبد الحسين الأميني - الغدير : 8 / 96 طبع بيروت دار الكتاب العربي 1968 م عن مصادرها التأريخية ، وذكر أن الخليفة عمر - بعد تبيان الإمام علي عليه السّلام لهذا الحكم - قال : « لولا علي لهلك عمر » .
ثانيا : - السنّة النبوية :

وتعتبر السنّة النبوية المصدر الثاني لتفسير آيات القرآن الكريم ، واستفادة الأحكام الشرعية الواردة فيه ، وشرح ألفاظه ، وكشف المراد منها ، وبيان مجمله ، وتوضيح متشابهه ، وغير ذلك مما أشكل فهمه على الأمة .

وكان رسول اللّه صلّى اللّه عليه وآله - كما تشير المصادر - يعلم أصحابه الكتاب ، ويفسّر لهم ما أشكل عليهم منه ، قال تعالى : كَما أَرْسَلْنا فِيكُمْ رَسُولًا مِنْكُمْ يَتْلُوا عَلَيْكُمْ آياتِنا وَيُزَكِّيكُمْ وَيُعَلِّمُكُمُ الْكِتابَ وَالْحِكْمَةَ وَيُعَلِّمُكُمْ ما لَمْ تَكُونُوا تَعْلَمُونَ (1) .

فالآيات التي كانت تنزل على رسول اللّه مجملة لا ينبئ ظاهرها عن المراد بها مفصّلا ، مثل قوله تعالى : وَأَقِيمُوا الصَّلاةَ وَآتُوا الزَّكاةَ * (2) ، وقوله تعالى :

وَلِلَّهِ عَلَى النَّاسِ حِجُّ الْبَيْتِ مَنِ اسْتَطاعَ إِلَيْهِ سَبِيلًا (3) وما أشبه ذلك ، وكان يتوقّف فهم تفصيل أعداد الصلاة ، وعدد ركعاتها ، ومقادير النصاب في الزكاة ، وتفصيل مناسك الحج وشروطه ، على بيان النبي صلّى اللّه عليه وآله ، ووحي من جهة اللّه تعالى ، وقد روي أن النبي صلّى اللّه عليه وآله لم يكن يفسّر القرآن إلا بعد أن يأتي به جبرائيل (4) ، ولهذا ذكر أن تفسير القرآن لا يجوز إلا بالأثر الصحيح والنص الصريح (5) .

وكان النبي صلّى اللّه عليه وآله يفسّر القرآن لأصحابه ، تارة يكون بصورة عامة حسب حاجة المسلمين ، وأخرى يفسّره للخاصة من أصحابه المعنيين بشأن التفسير ، وهذا ما كان يتوسّع به بما ينسجم ومستوى المسؤولية البعدية التي كان يتوسّم بهم هذه الدرجة .

ص: 29


1- سورة البقرة - آية : 151 .
2- سورة البقرة : - آية : 43 .
3- سورة آل عمران - آية : 97 .
4- الطوسي - التبيان في تفسير القرآن : 1 / 4 - 6 .
5- الطبرسي - مجمع البيان : 1 / 31 .

إذا ، ما هي علاقة السنّة النبوية الشريفة بالكتاب الكريم ؟

ومن أجل توضيح مدى هذه العلاقة بينهما يقرر علماء أصول الفقه أنها على أربعة أوجه :

أولا : أن تكون السنّة موافقة لما ورد في القرآن الكريم من كل وجه ، فيكون توارد القرآن والسنّة على الحكم من باب توارد الأدلة وتظافرها .

ثانيا : أن تكون السنّة بيانا لما أريد بالقرآن وتفسيرا له .

ثالثا : أن تكون السنّة مبيّنة لحكم سكت القرآن عن توضيحه بإثبات أو نفي .

رابعا : أن يختلف مدلول السنّة عن مدلول الكتاب الكريم .

ويتصور ذلك في حالتين :

1 - أن يكون الجمع بينهما كما في صور العموم والخصوص ، والإطلاق والتقييد ، وذلك بحمل العام على الخاص ، أو المطلق على المقيد ، وتكون السنّة بمنزلة القرينة على المراد بالكتاب .

2 - أن لا يمكن ذلك ، كما في صور التباين .

ففي الحالة الأولى يؤخذ بالسنّة بوصفها قرينة ، وهذه الحالة يمكن إلحاقها بالوجه الثاني لرجوعها إلى البيان والتفسير .

وفي الحالة الثانية لا بد من التفصيل بين :

آ - أن تكون السنّة ثابتة ثبوتا قطعيا عن النبي صلّى اللّه عليه وآله ، فيلتزم بنسخ المتأخر للمتقدّم .

ب - أو أن لا تكون كذلك فيؤخذ بالكتاب ، ويطرح الخبر المعارض له (1) . .

ص: 30


1- راجع لزيادة الاطلاع على علاقة السنة بالقرآن ( محمد بحر العلوم - الاجتهاد أصوله وأحكامه : 68 / طبع بيروت - دار الزهراء للطباعة والنشر 1398 م .

وهكذا علاقة السنّة الشريفة بالقرآن الكريم ، وعلى هذا الاعتبار تكون السنّة مصدرا ثانيا لتفسير القرآن ، وكشف مفاهيمه ، وبيان المراد منه .

ثالثا - هل تفسير أئمة أهل البيت أو الصحابة أو التابعين حجة ؟
اشارة

اختلف المسلمون في حجية المفسّرين بعد حجية المصدرين الأساسيين ( الكتاب والسنة ) .

فالإمامية من المسلمين ألحقوا بالسنّة النبوية كل ما صدر عن أئمة أهل البيت عليهم السّلام .

وبعض المسلمين ألحقوا الصحابة البررة - رضوان اللّه عليهم - بالسنّة الشريفة .

كما ألحق بعض آخر رؤوس التابعين مرفوعا إلى النبي صلّى اللّه عليه وآله ، وأعطي سمة الحجية في التفسير لهم .

ومن أجل الوقوف على الحقيقة سوف نضطر إلى مراجعة أقوال الأطراف - وبصورة موجزة - إتماما للفائدة المتوخاة .

1 - أئمة أهل البيت

ذهبت الإمامية الاثنا عشرية من المسلمين إلى اعتبار ما صدر عن أئمة أهل البيت - علي بن أبي طالب ، ومن بعده أولاده الأحد عشر عليهم السّلام - سنّة واجبة الاتباع ، ولم يختلف في ذلك منهم أحد من القدامى والمتأخرين .

قال الشيخ الطوسي - من أعلام مفسّري الإمامية في القرن الرابع الهجري - :

ص: 31

« واعلم أن الرواية ظاهرة في اختيار أصحابنا ( الإمامية ) بأن تفسير القرآن لا يجوز إلا بالأثر الصحيح عن النبي صلّى اللّه عليه وآله ، وعن الأئمة عليهم السّلام ، الذين قولهم حجة كقول النبي صلّى اللّه عليه وآله » (1) .

وأوضح السيد الخوئي - من أعلام مفسّري الإمامية في القرن الرابع عشر الهجري - رأي الإمامية في هذا الصدد فقال :

« ولا بد للمفسّر من أن يتبع الظواهر التي يفهمها العربي الصحيح ، أو يتّبع ما حكم به العقل الفطري الصحيح ، فإنه حجة من الداخل ، كما أن النبي صلّى اللّه عليه وآله حجة من الخارج ، أو يتّبع ما ثبت عن المعصومين عليهم السّلام ، فإنهم المرجع في الدين ، والذين أوصى النبي صلّى اللّه عليه وآله بوجوب التمسك بهم ، فقال : « إني تارك فيكم الثقلين : كتاب اللّه ، وعترتي أهل بيتي ، ما إن تمسّكتم بهما لن تضلوا بعدي أبدا (2) ، ولا شبهة في ثبوت قولهم إذا دلّ عليه طريق قطعي لا شك فيه ، كما أنه لا شبهة في عدم ثبوته إذا دل عليه خبر ضعيف غير جامع لشرائط الحجية » (3) .

والإمامية حين تأخذ من أئمتهم تفسير القرآن ، وتراه حجة ، فإن الإمام علي بن أبي طالب عليه السّلام يؤكد على تبحّره في القرآن وعلومه ، يقول : « واللّه ما نزلت آية إلا وقد علمت فيم نزلت ، وأين نزلت ، إن ربي وهب لي قلبا عقولا ، ولسانا سئولا » (4) .

2 - طريق الصحابة

وقد اختلف في حجية تفسير الصحابة ، فوضّحت بعض المصادر الرأي في هذه المسألة بقولها : « إن تفسير الصحابي الذي شهد الوحي والتنزيل ،

ص: 32


1- الطوسي - التبيان في تفسير القرآن : 1 / 6 .
2- راجع مصادر هذا الحديث الخوئي - البيان في تفسير القرآن : 499 .
3- الخوئي - المصدر السابق : 397 - 398 .
4- الحكيم - علوم القرآن : 89 عن فتح الباري شرح البخاري - 1 / 423 .

له حكم المرفوع » (1) .

ويعلل هذا القول ، بأن الصحابة أدرى بذلك ، لما شاهدوه من القرائن والأحوال عند نزوله ، ولما اختصّوا به من الفهم التام ، والعلم الصحيح ، والعمل الصالح ، وأن النبي صلّى اللّه عليه وآله بيّن لأصحابه كل ما في القرآن ، كما بيّن لهم ألفاظه (2) .

ولكن هذا الرأي كان موضع اختلاف وجدل عند البعض الآخر من أعلام المفسّرين ، حيث يرون أن « من الموقوفات تفسير الصحابة ، وأما من يقول إن تفسير الصحابة مسند ، فإنما يقوله فيما فيه سبب النزول » (3) .

وهذه الإشارات تفيد اختلاف علماء المسلمين المفسّرين في اعتبار حجية تفسير الصحابي ، اللهم إلا ما كان عن طريق النبي صلّى اللّه عليه وآله ، ومصدر موثوق به .

ولكن وجود بعض الوضّاعين للحديث ينتسبون للصحابة ، سبّب تسرّب الشك إلى كثير من الروايات والأحاديث ، مما اضطر الباحثون إلى إرجاع أغلبها على كتب الجرح والتعديل لتمحيص الصحيح منها من الموضوع (4) . .

ص: 33


1- السيوطي - الإتقان في علوم القرآن : 2 / 176 ، والزركشي - البرهان في علوم القرآن : 2 / 157 .
2- السيوطي - المصدر السابق : 2 / 176 و 179 .
3- فصّل الزركشي ( المصدر المتقدم : 2 / 157 ) القول في هذا الأمر فقال : أما « الأخذ بقول الصحابي ، فإن تفسيره عندهم بمنزلة المرفوع إلى النبي صلّى اللّه عليه وسلّم كما قاله الحاكم ( النيسابوري ) في تفسيرهوقال أبو الخطاب من الحنابلة : يحتمل ألا يرجع اليه إذا قلنا إن قوله ليس بحجةوالصواب الأول ، لأنه من باب الرواية ، لا الرأي » . وعلّق السيوطي على هذا الرأي بقوله « قلت : ما قاله الحاكم نازعه فيه ابن الصلاح ، وغيره من المتأخرين ، لأن ذلك مخصوص بما فيه سبب النزول أو نحوه ، مما لا مدخل للرأي فيهثم رأيت الحاكم نفسه صرح به في علوم الحديث فقال : ومن الموقوفات تفسير الصحابةوأما من يقول إن تفسير الصحابة مسند فإنما فيما فيه سبب النزول أو نحوهفقد خصّص هنا ، وعمّم في المستدرك ، فاعتمد الأول » راجع ( السيوطي - المصدر المتقدم : 2 / 179 ) .
4- يراجع في هذا الصدد لزيادة الإيضاح : الغزالي ، محمد بن محمد بن أبي حامد - المستصفى من علم الأصول : 1 / 135 طبع القاهرة مطبعة مصطفى محمد 1356 ، والشاطبي ، إبراهيم بن موسى المالكي - الموافقات في أصول الشريعة : 4 / 40 طبع القاهرة مصطفى محمد 1341 .
3 - طريق التابعين

التابعون ، مصطلح يطلق على طبقة من الرجال الذين ليست لهم صحبة مع الرسول صلّى اللّه عليه وآله ، إذ يأتون بعد طبقة الصحابة ، وينحصر تلقّيهم للتفسير عن الصحابة ، وربما تكلّموا في بعض ذلك بالاستنباط والاستدلال (1) .

وقد اختلف في اعتبار تفسير التابعين حجة أم لا ؟

والذي يظهر من بعض المصادر اعتباره في درجة متأخرة عن تفسير الصحابة ، ولم يأخذ به كحجة في مقام الاعتبار ، يقول السيوطي :

واعلم أن القرآن قسمان : أحدهما ورد تفسيره في النقل عمن يعتبر تفسيره ، أو لم يرد .

والأول ثلاثة أنواع : إما أن يرد عن النبي صلّى اللّه عليه وآله ، أو الصحابة ، أو رؤوس التابعين .

فالأول : يبحث فيه عن صحة السند .

والثاني : ينظر في تفسير الصحابي ، فإن فسّره من حيث اللغة ، فهم أهل اللسان ، فلا شك في اعتمادهأو بما شاهده من الأسباب والقرائن فلا شك فيه .

وحينئذ إن تعارضت أقوال جماعة من الصحابة فإن أمكن الجمع فذاك ، وإن تعذّر قدم ابن عباس ، فإن النبي صلّى اللّه عليه وآله بشّره بذلك ، حيث قال : « اللهم علّمه التأويل » ، وقد رجّح الشافعي قول زيد في الفرائض للحديث الشريف : « أفرضكم زيد » .

والثالث : ما ورد عن التابعين فحيث أجاز الاعتماد عليه فيما سبق فكذلك ، وإلا وجب الاجتهاد (2) .

ص: 34


1- السيوطي - الإتقان في علوم القرآن : 2 / 177 .
2- السيوطي - المصدر السابق : 2 / 179 .

وأكّد بدر الدين الزركشي الاختلاف ، فذكر في الرجوع إلى قول التابعي روايتان عن أحمد بن حنبل ، وعبد اللّه بن محمد بن عقيل المنع ، وحكوه عن شعبة ، لكن عمل المفسّرين على خلافه ، لأن غالب أقوالهم تلقّوها من الصحابةولعل اختلاف الرواية عن أحمد إنما هو فيما كان من أقوالهم وآرائهم (1) .

وهذه النصوص تصرّح بوجود اختلاف في حجية تفسير التابعي ، واعتباره أصلا ، اللهم ما كان على سبيل الطريقية ، بمعنى كونها مرفوعا إلى النبي صلّى اللّه عليه وآله ، أو في حدود أسباب النزول ، أو تفسير المعنى اللغوي .

بعد هذا العرض الموجز لأقوال علماء التفسير في هذه الطرق الثلاثة نجد :

1 - أن الإمامية أجمعت على اعتبار حجية تفسير الإمام المعصوم باعتباره سندا ، وامتدادا للسنّة الشريفة ، استنادا إلى « حديث الثقلين » ، الذي رواه الخاصة والعامة من المسلمين - والذي أشرنا إليه فيما سبق - وساوى بصريح القول بين الكتاب والعترة المطهرة ، وأنهما متلازمان ، أحدهما متمّم للآخر .

ويؤكد هذه الحقيقة الإمام الصادق عليه السّلام بقوله : « إنا أهل بيت لم يزل اللّه يبعث فينا من يعلم كتابه من أوله إلى آخره ، وإن عندنا من حلال اللّه وحرامه ما يسعنا كتمانه ما نستطيع أن نحدّث به أحدا » (2) .

2 - أما بالنسبة للصحابة والتابعين ، فقد اختلف علماء التفسير في حجية أقوالهم ، وبيان تفسيرهم .

فما كان مرفوعا إلى النبي صلّى اللّه عليه وآله فلا غبار على قبوله ، وكذلك إذا كان أمر التفسير مقتصرا على توضيح المعنى اللغوي ، أو أسباب النزول فلا شك أنهم مورد لذلك ، ولا يتوقّف فيه .

وإذا تعدّى ذلك فإنه تفسير بالرأي ، وهو أمر منهي عنه ، ولا يجوز تفسير .

ص: 35


1- الزركشي - البرهان في علوم القرآن : 2 / 158 .
2- الفيض الكاشاني - تفسير الصافي : 1 / 21 .

القرآن مبتنيا على الترجيح الشخصي والظنون والاستحسان .

وقد أشرنا إلى أن بعض الأعلام من المفسّرين يرون من الموقوفات تفسير الصحابة والتابعين ، اللهم إلا إذا كان في سبب النزول ، أو ما تعنيه المفردات القرآنية من المعاني اللغوية ، فلا شك في اعتباره وقبوله .

رابعا - علوم المعرفة :

اشترط علماء التفسير أن لا يكون المفسّر سطحيا ، يحمل شيئا زهيدا من المعرفة ، فيقع في مشكلات التفسير ، وحينها يكون عمله عبأ أكثر من كونه نتاجا قيّما ، له أثره في كشف الجوانب العلمية القيمة ، وكنوزه الثرة بكل ما يقوّم الحياة .

وقد اختلف علماء التفسير في تحديد العلوم التي لا بد أن تعتمد لدى المفسّر ويكون على بينة ومعرفة بها ، فبعضهم أوصلها إلى خمسة عشر علما ، واشترط أن يكون حاصلا عليها على وجه الإتقان والكمال ، وهي :

أولا : علوم اللغة ، والنحو ، والصرف ، والاشتقاق ، والمعاني ، والبيان ، والبديع ، والعروض ، وغيرها مما لها علاقة باللغة العربية (1) .

وقد أكّد اللّه سبحانه في أكثر من آية في كتابه الكريم بأن القرآن نزل بِلِسانٍ عَرَبِيٍّ مُبِينٍ (2) ، وقوله تعالى : كِتابٌ فُصِّلَتْ آياتُهُ قُرْآناً عَرَبِيًّا لِقَوْمٍ يَعْلَمُونَ (3) ، وإلى غير ذلك من الآيات المتعددة ، ومنها يستفاد أن هذا القرآن عربى الأسلوب ، وببلاغة ونمط عربي ، وإن كان لا يخلو من كلمات غير عربية ، لكن الصفة العامة عربي البيان ، لأن اللّه سبحانه حينما أرسل رسله وأنبيائه للبشر

ص: 36


1- مقدمة تفسير مجمع البيان : 1 / 5 .
2- سورة الشعراء - آية : 195 .
3- سورة فصلت - آية : 3راجع بالإضافة إلى هذه الآية والآية السابقة الآيات التالية : النحل : 103 وفصلت : 44 ويوسف : 2 والرعد : 37 وطه : 113 والزمر : 28 والشورى : 7 والزخرف : 3 والأحقاف : 12 .

يخاطبهم بما يفهمونه من لغتهم ، وينزّل الكتب على أساس لغاتهم .

وهكذا كان شأن النبي محمد صلّى اللّه عليه وآله الذي أرسله عربيا لامة كانت الفصاحة والبلاغة والبيان العربي سمتها الأصيلة ، وطابعها القويم .

وطبيعي أن يكون الكتاب المعجز على جانب كبير من الفصاحة والبلاغة والبيان العربي ، عجز العرب أن يأتوا بسورة مثله ، حين تحداهم بقوله تعالى : وَإِنْ كُنْتُمْ فِي رَيْبٍ مِمَّا نَزَّلْنا عَلى عَبْدِنا فَأْتُوا بِسُورَةٍ مِنْ مِثْلِهِ (1) ، وحين يكون كذلك فلا بد أن تكون اللغة العربية أحد مصادر تفسير الكتاب .

ومن هذا المنطلق اشترط المعنيون بالتفسير أن يكون المفسّر عالما بلغات العرب (2) ، استنادا إلى قول رسول اللّه صلّى اللّه عليه وآله : « اقرءوا القرآن بلحون العرب وأصواتها.» (3) .

ولا بد من الاطلاع على علوم العربية اطلاعا كافيا ، بحيث لا يعسر عليه فهم النص القرآني المتنوّع ، وخصوصيات أسلوبه ، وبيان غريبه ، وحقيقته ومجازه .

ويمكن تحديد الجوانب المتعلّقة بعلم اللغة العربية في خصوص تفسير النص القرآني بالآتي :

1 - توضيح المعنى اللغوي للألفاظ البعيدة عن الفهم العام ، أو المراد من المعاني المشتركة للفظ ، والموجب للالتباس والتحيّر .

2 - تبيان المعنى الحقيقي ، أو المجازي للفظ القرآن ، أو الاستعارة أو الكناية ، مما يحدّد الغرض المطلوب .

3 - تعريف الألفاظ الغريبة التي تؤدي إلى الاختلاف في التفسير ، وضياع .

ص: 37


1- سورة البقرة : 23 .
2- نقل الزركشي هذا الشرط عن انس بن مالك إذ يقول : لا أوتي برجل غير عالم بلغات العرب يفسّر كتاب اللّه إلا جعلته نكالاراجع لزيادة الاطلاع ( الزركشي - البرهان في علوم القرآن : 2 / 160 ) .
3- ذكره الطبرسي في ( مجمع البيان 1 / 16 ) عن حذيفة اليمان عن رسول اللّه صلّى اللّه عليه وسلّم .

المقصود من الكلمة التي يترتب عليها مدلول موضوعي في القرآن .

ولسنا في صدد الاستدلال على أن علم اللغة العربية من أسس مصادر التفسير ، ويترتب عليه جلاء كثير من الغموض والإبهام الذي يعتري الكلمة في سياق الآية الكريمة - وخاصة تلك التي يترتب عليها حكم شرعي - لوضوح الأمر ، وهي مشكلة تنبّه إليها علماء التفسير ، فألّفوا الكتب التفسيرية ، وانصب جلّ اهتمامهم على هذا الجانب ، لأن القرآن نزل بلغة العرب ، وطبيعي أن تكون اللغة العربية أساسا لفهم المفردات ، ومعرفة المقصود منها ، وهذا ما دعى مجاهد - وهو من أعلام المفسّرين - أن يقول : « لا يحلّ لأحد يؤمن باللّه واليوم الآخر أن يتكلم في كتاب اللّه إذا لم يكن عالما بلغات العرب » (1) .

ثانيا : العلوم المتنوّعة ، والمعارف العامة ، وهي على وجه التقريب : القراءات ، وأصول الدين ، والأحاديث المبينة لتفسير المجمل والمبهم ، والفقه ، وأصول الفقه ، والناسخ والمنسوخ ، وعلم الموهبة ، وهو علم يورثه اللّه تعالى لمن عمل بما علم (2) .

إن عملية التفسير للقرآن الكريم تقتضي سعة الأفق الفكري للمفسّر ، نظرا لكونه دستورا للأمة إلى آخر الزمان ، على أساس أن الإسلام خاتم الرسالات السماوية للبشرية ، وقد أكّد هذه الحقيقة الإمام علي عليه السّلام حيث قال : « ذلك القرآن فاستنطقوه ولن ينطق ، ولكن أخبركم عنه ، ألا إن فيه علم ما يأتي ، والحديث عن الماضي ، ودواء دائكم ، ونظم ما بينكم » (3) ومن خلال هذه التوسعة الفكرية في القرآن الكريم ، وضرورة ذلك لكونه المصدر الأساس للعطاء الفكري المستجد لما يقتضيه بناء الإنسان في مجتمعه نحو التكامل والسمو لا لوقت محدد ، بل لكل عصر وزمان ، بما في حركة الواقع الإنساني وتطورها ، وبمقتضى ضرورة مواكبة ما يحدث لكل زمن أن يكون هذا السفر الخالد .

ص: 38


1- للاطلاع على نماذج من هذه التفاسير الكيفية يراجع ( الحكيم - علوم القرآن : 21 - 54 ) .
2- مقدمة تفسير مجمع البيان : 1 / 5 .
3- كاظم محمدي ، محمد دشتى - المعجم المفهرس لألفاظ نهج البلاغة : 54 من خطبة الإمام رقم 158 طبع بيروت دار الأضواء للطباعة والنشر 1986 م .

- كتاب اللّه الذي لا يأتيه الباطل من كل جانب - شاملا مستوعبا ، يستطيع الذهن الإنساني أن يبلغ كنهه على مراحل ، وليس بالضرورة مرة واحدة .

وهذه العلوم السالفة الذكر تعدّ من مصادر التفسير ، تسيج المفسّر وتمنعه من الجنوح إلى التفسير بالرأي والاجتهاد ، فقد نقل عن الرسول الأعظم صلّى اللّه عليه وآله أنه قال :

« من تكلّم في القرآن برأيه فأصاب فقد أخطأ » (1) ، وهذا الحديث - إن صحّ - يوضح مسؤولية المفسر من الاعتماد في مهمته التفسيرية على العلم والمعرفة ، لا القول بدون دليل وعلم . .

ص: 39


1- السيوطي - الإتقان في علوم القرآن : 2 / 179 .

ص: 40

الفصل الثاني المفسّر الإماميّ وتفاسيره

اشارة

ص: 41

ص: 42

( 1 ) معنى المفسّر ، وإمام المفسرين

اشارة

وبعد أن تناولنا في الفصل السابق التفسير ومصادره ، ننتقل إلى الحديث عن المقصود بالمفسّر ، وعطائه الفكري عبر الزمن الطويل ، ومدى بذل المسلمين الإمامية من الجهد في التأليف بهذا العلم ممّا سجّلت لهم المكتبة الإسلامية مئات من الأجزاء والمجلّدات في مختلف علوم القرآن ، وقد اختصت بعض المؤلفات بهذا الشأن ، وسيمرّ علينا ذكر لبعض هذه الكتب الاختصاصية في علوم القرآن .

أولا - المقصود بالمفسّر :

المقصود بالمفسّر ، هو الذي يمارس عملية التفسير ، ويقوم بمهمة كشف المراد عن اللفظ المشكل .

ونظرا لكون التفسير علما ، فلا بد أن يقوم به ذو اختصاص ، بأن تتوفر في المتصدّي له الإمكانات العلمية من أجل قبول ما يتوصّل إليه من بيان في التفسير القرآني ، وبيان ما أشكل من لفظه .

ولهذا فكما اشترطوا في التفسير شروطا ، فكذلك اشترطوا في المفسّر - أيضا - شروطا ، لا يمكن لمن لا تتوفر فيه تلكم الشروط أن يمارس عملية التفسير ، لأن التفسير هو إيضاح مراد اللّه تعالى من كتابه العزيز ، فلا يجوز الاعتماد فيه على الظنون والاستحسان ، ولا على شيء لم يثبت أنه حجة من طريق العقل ، أو من طريق الشرع ، للنهي عن اتباع الظن ، وحرمة إسناد شيء إلى اللّه بغير إذنه ، قال

ص: 43

تعالى : قُلْ آللَّهُ أَذِنَ لَكُمْ أَمْ عَلَى اللَّهِ تَفْتَرُونَ (1) ، وقال تعالى : وَلا تَقْفُ ما لَيْسَ لَكَ بِهِ عِلْمٌ (2) ، إلى غير ذلك من الآيات والروايات الناهية عن التفسير بالرأي ، مستفيضة من الطريقين (3)وقد أشرنا فيما تقدم إلى النهي الوارد من التفسير بالرأي .

والقرآن الكريم يضم من العلوم المتنوّعة ، فيما تخصّ الحياة الكونية والإنسانية ، الذي اكتشف منها ، ووصل إليها العقل البشري باعتباره مستمرا في التطور والإبداع ، أو الذي ما زال غير مكتشف ، خاصة في مجال الكون الواسع الأرجاء .

ولهذا الغرض فرض أن يكون المفسّر ملما بالعلوم العقلية والنقلية وباحثا فيهاومدققا بها ، لأننا لا حظنا أن غالبية المفسّرين - وفي حدود اطلاعنا - ينحون في تفسيرهم تبعا لاختصاصهم العلمي أو الأدبي ، وكانت النتيجة أن تشعّبت كتب التفسير إلى اتجاهات متنوعة ، يطغي عليها توجّه مؤلفها .

وقد يغرق المفسّر في توجهه إلى درجة يفقد فيها ميزة التفسير .

وقد أشار بعض الأعلام إلى هذه النقطة المركزية ، مستشهدا بتفسير الفخر الرازي (4) ، إذ قال فيه : « جمع الإمام الرازي في تفسيره أشياء كثيرة طويلة لا حاجة بها في علم التفسير ، ولذلك قال بعض العلماء : فيه كل شيء إلا التفسير » (5) .

إن اختلاف الباحثين في التفسير يمكن إرجاعه إلى الاختلاف الفكري ، نظرا لتشعّب المذاهب فيما بينهم ، بحيث لم يبق بينهم جامع في الرأي والنظر ، إلا لفظ لا اله .

ص: 44


1- سورة يونس - آية : 59 .
2- سورة الإسراء : آية : 36 .
3- الخوئي - البيان في تفسير القرآن : 397 .
4- محمد بن عمر بن الحسن ، أبو عبد اللّه ، فخر الدين الرازي المتوفّى عام 606 ه ، من المفسّرين المعروفين ، له كتاب « مفاتيح الغيب » في تفسير القرآن ، ثماني مجلدات ، مطبوع .
5- مصطفى بن عبد اللّه ، المعروف بحاجي خليفة - كشف الظنون عن أسماء الكتب والفنون : 1 / 431 طبع بيروت - دار الفكر .

إلّا اللّه ، ومحمد رسول اللّه صلّى اللّه عليه وآله ، واختلفوا في معنى الأسماء والصفات والأفعال ، والسماوات وما فيها ، والأرض وما عليها ، والقضاء ، والقدر ، والجبر ، والتفويض ، والثواب ، والعقاب ، والموت ، والبرزخ ، والبعث ، والجنة ، والنار .

وبالجملة : « اختلفوا في جميع ما تمسّه الحقائق ، والمعارف الدينية ، ولو بعض المسّ ، فتفرّقوا في طريق البحث عن معاني الآيات ، وكلّ يتحفّظ على متن ما اتخذه من المذهب والطريقة » (1) .

وقد أشرنا إلى أن علماء التفسير أقروا مصادر للمفسّر لا بد أن يعتمدها في حال عملية التفسير ، وأن التخبط في هذا المجال ليس مقبولا ، لأن التفسير حسب الأهواء والتوجهات الفكرية الغير مقيدة بما يطمئن الوصول إلى الكشف عن المراد من اللفظ ، لا يكون تفسيرا دقيقا .

وأن أئمة أهل بيت رسول اللّه - عليهم جميعا أفضل الصلاة والسلام - بصفتهم المصدر الأساس بعد الكتاب والسنّة النبوية عند المسلمين الشيعة ، حرصوا كل الحرص على أن يكون لاتباع مدرستهم الفكرية مجال واسع في معرفة علوم الإسلام ، ومنها علوم القرآن وتفسيره ، نظرا لأهمية الاستفادة من هذا المصدر الأوّل ، وما يترتب عليه من أحكام تخصّ الأمة والمجتمع .

ثانيا - إمام المفسّرين علي عليه السّلام :

وطبيعي أن يكون الإمام علي بن أبي طالب عليه السّلام مؤسس مدرسة أهل البيت بعد رسول اللّه صلّى اللّه عليه وآله هو المورد الأساس لكشف عطاء القرآن في تنوّع علومه ، ومصدره الحيّ لتفسيره .

وأكد هذا المعنى السيوطي حين تحدّث عن طبقات المفسّرين ، فقال :

« اشتهر بالتفسير من الصحابة عشرة : الخلفاء الأربعة ، وابن مسعود ، وابن

ص: 45


1- الطباطبائي - الميزان في تفسير القرآن : 1 / 5 .

عباس ، وأبي بن كعب ، وزيد بن ثابت ، وأبو موسى الأشعري ، وعبد اللّه بن الزبير .

أما الخلفاء فأكثر من روي عنه منهم علي بن أبي طالب ، والرواية عن الثلاثة نزرة جدا .

وأما علي فروي عنه الكثير ، وقد روى معمر بن وهب بن عبد اللّه ، عن أبي الطفيل ، قال : شهدت عليا يخطب ، وهو يقول : سلوني ، فو اللّه لا تسألون عن شيء إلا أخبرتكم ، وسلوني عن كتاب اللّه ، فو اللّه ما من آية إلا وأنا أعلم أبليل نزلت ، أم بنهار ، أم في سهل أم في جبل » (1) .

وعن ابن مسعود رضى اللّه عنه أنه قال : « إن القرآن أنزل على سبعة أحرف ، ما منها حرف إلا وله ظهر وبطن ، وإن علي بن أبي طالب عنده منه الظاهر والباطن » (2) .

وقال الإمام علي عليه السّلام : « واللّه ما نزلت آية إلا وقد علمت فيم نزلت ، وأين نزلت ، إن ربي وهب لي قلبا عقولا ، ولسانا سئولا » (3) .

ونقل عن ابن مسعود أنه قال : « قرأت سبعين سورة على رسول اللّه صلّى اللّه عليه وآله ، وقرأت البقية على أعلم هذه الأمة بعد نبينا صلّى اللّه عليه وآله علي بن أبي طالب » (4) .

وهذا غبض من فيض لو حاولنا سرد الأحاديث التي تؤكد على مكانة الإمام علي عليه السّلام العلمية ، وفي علم التفسير خاصة ، لقربه من رسول اللّه صلّى اللّه عليه وآله الذي قاله عنه - كما نقله جابر بن عبد اللّه - :

« أنا مدينة العلم وعلي بابها ، فمن أراد المدينة فليأت الباب » (5) ، وفي رواية .

ص: 46


1- السيوطي - الإتقان في علوم القرآن : 2 / 187 .
2- السيوطي - المصدر السابق والجزء والصفحة .
3- السيوطي - المصدر السابق والجزء والصفحة .
4- سليمان القندوزي - ينابيع المودة : 2 / 71 طبع صيدا - لبنان مطبعة العرفان بدون تاريخ .
5- ابن عساكر ترجمة الإمام علي بن أبي طالب من تاريخ مدينة دمشق : 2 / 464 رقم 984 . ولزيادة الاطلاع يراجع : محمد هادي الحسيني الميلاني - قادتنا كيف نعرفهم : 2 / 379 عن مصادره طبع بيروت - مؤسسة الوفاء 1406 ه .

ابن عباس : «.فمن أراد العلم فليأت الباب » (1) .

والغريب أن المرحوم دمحمد حسين الذهبي - من علماء الأزهر المعاصرين - يرى أن الرواية كثرت عن الإمام علي عليه السلام « كثرة جاوزت الحدّ ، الأمر الذي لفت أنظار العلماء ، وجعلهم يتتبعون الرواية عنه بالبحث والتحقيق ، ليميزوا ما صح من غيره » (2) .

ولذا فإنه يرى :

أولا : أن « ما صحّ عن علي في التفسير قليل بالنسبة لما وضع عليه ، ويرجع ذلك إلى غلاة الشيعة الذين أسرفوا في حبّه ، فاختلفوا عليه ما هو بريء منه ، إما ترويجا لمذهبهم وتدعيما له ، وإما لظنهم الفاسد أن الإغراق في نسبة الأقوال العلمية إليه يعلي من قدره ، ويرفع من شأنه العلمي.» (3) .

ونقاشنا مع الذهبي في هذه الفقرة موزّع على عدّة نقاط :

1 - يرى الذهبي أن سبب قلّة الأخذ في التفسير عن الإمام علي عليه السلام هو كثرة ما وضع عليه من غلاة الشيعة ، الذين أسرفوا في حبه فاختلقوا عليه ما هو بريء منه .

فإذا كان قصده بغلاة الشيعة هم الذين يألهون عليا ، فنحن معه لا نأخذ بأقوالهم ، ونضربها عرض الجدار ، ولا أحسب أن هناك مصدرا إماميا يقبل أحاديث تشير إلى الكفر والغلو من قريب أو بعيد .

وإذا كان قصده بغلاة الشيعة الإمامية الاثني عشرية أولئك الذين يتفانون في حبّهم لإمامهم علي عليه السلام فهذا ليس بغلو ، وإنما هو نابع من صميم الروايات والأحاديث الواردة عن الرسول الأعظم صلّى اللّه عليه وآله ، والتي تشير بأن حبّ علي من علائم الإيمان ، وبغضه من علائم النفاق ، وقد ذكر ابن عساكر الدمشقي بإسناده عن ابن .

ص: 47


1- الخطيب البغدادي - تاريخ بغداد : 11 / 204 رقم 5908 .
2- دمحمد حسين الذهبي - التفسير والمفسّرون : 1 / 90 طبع القاهرة دار الكتب الحديثة .
3- دمحمد حسين الذهبي - التفسير والمفسّرون : 1 / 90 طبع القاهرة دار الكتب الحديثة .

عباس : أن رسول اللّه صلّى اللّه عليه وآله قال : « حبّ عليّ يأكل الذنوب ، كما تأكل النار الحطب » (1) .

كما ذكر محب الدين الطبري بإسناده عن الأسلمي أنه قال ، قال رسول اللّه صلّى اللّه عليه وآله : « من أحبّ عليا فقد أحبّني ، ومن أبغض عليا فقد أبغضني ، ومن أذى عليا فقد آذاني ، ومن آذاني فقد آذى اللّه عزّ وجلّ » (2) .

وهناك العديد من الروايات والأحاديث النبوية الموثّقة تؤكد لنا على حبّ علي عليه السلام والتمسّك به ، فأي ضير إذا في الإسراف بحبّ علي ، والتفاني فيه ما دام ذلك يحبّه اللّه ورسوله ، وهل هذا يسمّى إسراف في حبّ من يحبّه اللّه ورسوله ؟ ! 2 - ان الذهبي ادعى أن إسراف المغالين في حبّ علي عليه السلام أدّى إلى اختلاقهم عليه ما هو بريء منه ، وذلك إما ترويجا لمذهبهم وتدعيما له ، أو لظنهم الفاسد أن الإغراق في نسبة الأقوال العلمية إليه يعلي من قدره ، ويرفع من شأنه العلمي .

كان على الذهبي أن يرينا بعض الروايات المختلقة التي يقصد بها تدعيم مذهب اتباع مدرسة أهل البيت ، وهل أن المذهب الذي يتّبع أقوال الإمام علي وأولاده الأئمة الأحد عشر - عليهم أفضل الصلاة والسلام - يحتاج إلى دعم وترويج ، في حين كل المذاهب الإسلامية ترجع إليه ، كما يفصّله ابن أبي الحديد - وهو في صدد ذكر مكانته العلمية - فيقول :

« إن أشرف العلوم هو العلم الإلهي ، لأن شرف العلم بشرف المعلوم ، ومعلومه أشرف الموجودات ، فكان هو أشرف العلومومن كلامه عليه السلام اقتبس ، وعنه نقل ، واليه انتهى ، ومنه ابتدأ.» .

ومن العلوم علم الفقه ، وهو عليه السلام أصله وأساسه ، وكل فقيه في الإسلام فهو عيال عليه ، ومستفيد من فقهه ، أما أصحاب أبي حنيفة كأبي يوسف ومحمد وغيرهما ، فأخذوا عن أبي حنيفة ، وأما الشافعي فقرأ على محمد بن الحسن ، فيرجع .

ص: 48


1- ابن عساكر - تهذيب تاريخ دمشق : 4 / 162 ، والمتقي الهندي - كنز العمال : 11 / 621 .
2- محب الدين الطبري - ذخائر العقبى : 65 .

فقهه أيضا إلى أبي حنيفة ، وأبو حنيفة قرأ على جعفر بن محمد ( الصادق ) عليه السلام ، وقرأ جعفر على أبيه عليه السلام ، وينتهي الأمر إلى علي عليه السلام .

وأما مالك بن أنس ، فقرأ على ربيعة الرأي ، وقرأ ربيعة على عكرمة ، وقرأ عكرمة على عبد اللّه بن عباس ، وقرأ ابن عباس على عليّ بن أبي طالب .

وإن شئت فرددت إليه فقه الشافعي بقراءته على مالك كان لك ذلكفهؤلاء الفقهاء الأربعة .

وأما فقه الشيعة ، فرجوعه إليه ظاهر ( فإن مصدره هو الأئمة الاثنا عشر علي وأولاده ، يأخذ الإمام علمه من أبيه الإمام ، واحدا تلو الآخر ، حتى ينتهي إلى الإمام علي عليه السلام ) .

وأيضا ، فإن فقهاء الصحابة كانوا عمر بن الخطاب ، وعبد اللّه بن عباس ، وكلاهما أخذ عن علي عليه السلام .

أما ابن عباس فظاهر ، فقد قال ابن أبي الحديد : « وقد علم الناس حال ابن عباس في ملازمته لعلي ، وانقطاعه إليه ، وأنه تلميذه وخرّيجه » (1) .

وأما عمر فقد عرف الكل رجوعه إليه في كثير من المسائل التي أشكلت عليه وعلى غيره من الصحابة ، وقوله غير مرة : « لولا عليّ لهلك عمر » ، وقوله : « لا بقيت لمعضلة ليس لها أبو الحسن » ، وقوله : « لا يفنين أحد في المسجد وعلي حاضر » ، فقد عرف بهذا الوجه أيضا انتهاء الفقه إليه (2) .

ثانيا : ويرى الذهبي أن الشيعة إنما اختلقوا على إمامهم ما هو بريء منه :

أ - إما ترويجا لمذهبهم وتدعيما له. .

ما هي الحاجة التي تدعوا الشيعة لانتحال أقوال على إمامهم لدعم مذهبهم ؟ .

ص: 49


1- ابن أبي الحديد - شرح نهج البلاغة : 1 / 19 طبع القاهرة - دار احياء الكتب العربية - البابي الحلبي / ط ثانية 1965 منشورات مكتبة آية اللّه السيد المرعشي - قم - إيران .
2- ابن أبي الحديد - المصدر المتقدم : 1 / 19 .

فكلام علي عليه السلام - كما يقولون - : « دون كلام الخالق ، وفوق كلام المخلوق » (1) .

إن مذهب الإمامية - وهو الاعتقاد بخط إمامة علي وأولاده الأحد عشر عليهم السّلام - لا اعتقد بحاجة إلى تدعيم جهة أو أحد ، فهو مذهب قائم بذاته له جذوره الأساسية المنتهية إلى رسول اللّه صلّى اللّه عليه وآله منذ تأريخ الإسلام الأول ، والباحث الموضوعي يستطيع أن يستنتج من التأريخ الإسلامي امتداد هذا المذهب إلى عهد الرسول صلّى اللّه عليه وآله (2) .

ب - وأما لظنهم الفاسد أن الإغراق في نسبة الأقوال العلمية إليه يعلى من قدره ، ويرفع من شأنه العلمي.(3) الظاهر أن الكاتب أخذ يسطر الكلمات دون تمحيص ، فالشيعة لا تلقي الكلمات على عواهنها ، فلما ذا لا ترفع شهادات النبي صلّى اللّه عليه وآله في حق علي من شأنه العلمي ؟ فحين يقول صلّى اللّه عليه وآله : « انا مدينة العلم وعلي بابها » ، وفي رواية ابن عباس : « أنا مدينة العلم وعلي بابها ، ومن أراد العلم فليأت الباب » - وقد مرت الإشارة إلى مصدر الروايتين وأمثالهما - فلا شك أنها ترفع من شأن علي العلمي .

ثالثا : ويظن الذهبي أنما نسب إلى علي عليه السلام من قوله : « ولو شئت أن أوقر سبعين بعيرا من تفسير أم القرى ( سورة الفاتحة ) لفعلت » لا أصل له ، اللهم إلّا في أوهام الشيعة الذين يغالون في حبّه ، ويتجاوزون الحدّ في مدحه (4) .

ولنا مع هذا القول :

1 - إن قول الإمام علي عليه السلام بشأن تفسير فاتحة الكتاب نقله السيوطي بإسناده عن ابن أبي جمرة ، المحدّث المالكي (5) ولم ينقله الشيعة ، والناقل هذا صاحب .

ص: 50


1- ابن أبي الحديد - شرح نهج البلاغة : 1 / 19 .
2- محمد الحسين آل كاشف الغطاء - أصل الشيعة وأصولها : 43 طبع بيروت - مؤسسة الأعلمي للمطبوعات / ط - الرابعة 1982 م .
3- دالذهبي - التفسير والمفسرون .
4- دالذهبي - التفسير والمفسرون .
5- عبد اللّه بن سعد بن سعيد بن أبي جمرة ، أبو محمد من العلماء المحدثين ، مالكي ، أصله من الأندلس ، ووفاته بمصر عام 695 همن كتبه « جمع النهاية » مطبوع ، اختصر به صحيح البخاري ، ويعرف بمختصر ابن أبي جمرةوله كتابان أيضا في الحديثراجع ترجمته في الزركلي - الاعلام : 4 / 89 طبع بيروت - دار العلم للملايين 1986 الطبعة السابعة .

مختصر صحاح البخاري .

وعلى هذا فإن ادعائه أنه من أوهام الشيعة باطل وتجني عليهم ، فإن لفيفا من علماء السنة يؤمنون بهذا القول الصادر من الإمام ، ولا يرون فيه غرابة إلا الذين في قلوبهم مرض .

2 - إن السيوطي يحاول أن يبدد ما علق بأذهان هؤلاء المستغربين من قول الإمام علي عليه السلام بشأن تفسير سورة الفاتحة فقال :

« وبيان ذلك : أنه إذا قال : الْحَمْدُ لِلَّهِ رَبِّ الْعالَمِينَ يحتاج تبيين معنى الحمد ، وما يتعلّق به الاسم الجليل الذي هو اللّه ، وما يليق به من التنزيهثم يحتاج إلى بيان العالم وكيفيته على جميع أنواعه وأعداده ، وهي ألف عالم ، أربعمائة في البر ، وستمائة في البحرفيحتاج إلى بيان ذلك كلهفإذا قال : الرَّحْمنِ الرَّحِيمِ يحتاج إلى بيان الاسمين الجليلين ، وما يليق بهما من الجلال ، وما معناهما ، ثم يحتاج إلى بيان جميع الأسماء والصفات ، ثم يحتاج إلى بيان الحكمة في اختصاص هذا الموضع بهذين الاسمين دون غيرهمافإذا قال : مالِكِ يَوْمِ الدِّينِ يحتاج إلى بيان ذلك اليوم وما فيه من المواطن والأهوال ، وكيفية مستقرة ، فإذا قال : إِيَّاكَ نَعْبُدُ وَإِيَّاكَ نَسْتَعِينُ يحتاج إلى بيان المعبود من جلالته والعبادة وكيفيتها وأدائها على جميع أنواعها ، والعابد في صفته ، والاستعانة وأدائها وكيفيتها .

فإذا قال : اهْدِنَا الصِّراطَ الْمُسْتَقِيمَ إلى آخر السورة يحتاج إلى بيان الهداية ما هي ؟ والصراط المستقيم وأضداده ، وتبيين المغضوب عليهم ، والضالين ، وصفاتهم ، وما يتعلّق بهذا النوع ، وتبيين المرضي عنهم وصفاتهم وطريقتهم فعلى هذه الوجوه يكون ما قاله علي عليه السلام من هذا القبيل » (1) . .

ص: 51


1- السيوطي - الإتقان في علوم القرآن : 2 / 186 .
رابعا : وينتهي الكاتب بالقول :

« والحق أن كثرة الوضع على عليّ رضى اللّه عنه أفسدت الكثير من علمه ، ومن أجل ذلك لم يعتمد أصحاب الصحيح فيما يروونه عنه إلا على ما كان من طريق الإثبات » (1) .

وموقفنا من هذا الادعاء :

1 - لقد هال الكاتب أن يروى عن الإمام علي عليه السلام - ربيب رسول اللّه صلّى اللّه عليه وآله والذي نشأ في بيت النبوة ، ولازم ابن عمه محمد صلّى اللّه عليه وآله من يوم كان عمره ست سنوات (2) إلى أن انتقل إلى رحاب اللّه ، كما تؤكد الأخبار الصحيحة - بعض الأحاديث واستكثر عليه ذلك ، في حين لم يستغرب من بعض الصحابة الذين لازموا رسول اللّه لسنوات معدودة ، وربما وصلت بالبعض لثلاث سنوات أو أقل ، ورويت عنه آلاف الأحاديث مما اضطر الخليفة عمر بن الخطاب أن يضربه بالدرة

ص: 52


1- دالذهبي - التفسير والمفسرون : 1 / 90 .
2- ذكر ابن هشام في ( السيرة النبوية : 1 / 245 - 246 طبع القاهرة مطبعة البابي الحلبي الطبعة الثانية 1955 ) كيفية انتقال علي بن أبي طالب إلى بيت محمد رسول اللّه صلّى اللّه عليه وسلّم قال : « وكان مما أنعم اللّه على عليّ بن أبي طالب أنه كان في حجر رسول اللّه صلّى اللّه عليه وسلّم قبل الإسلام قال ابن إسحاق : وحدّثني عبد اللّه بن أبي نجيح ، عن مجاهد بن جبر أبي الحجاجقال : كان من نعمة اللّه على علي بن أبي طالب ، وما صنع اللّه له ، واراده به من الخير ، أن قريشا أصابتهم أزمة شديدة ، وكان أبو طالب ذا عيال كثير ، فقال رسول اللّه صلّى اللّه عليه وسلّم للعباس عمهوكان من أيسر بني هاشم ، يا عباس : إن أخاك أبا طالب كثير العيال ، وقد أصاب الناس ما ترى من هذه الأزمة ، فانطلق بنا إليه فلنخفف عنه عياله ، آخذ من بنيه رجلا ، وتأخذ أنت رجلا فنكلهما عنه ، فقال العباس : نعمفانطلقا حتى آتيا أبا طالب ، فقالا له : إنا نريد ان نخفف عنك من عيالك حتى ينكشف عن الناس ما هم فيه ، فقال لهما أبو طالب : إذا تركتما لي عقيلا فاصنعا ما شئتما ، فأخذ رسول اللّه صلّى اللّه عليه وسلّم عليا ، فضمه اليه ، وأخذ العباس جعفرا فضمه اليه ، فلم يزل عليّ مع رسول اللّه صلّى اللّه عليه وسلّم حتى بعثه اللّه تبارك وتعالى نبيا ، فاتبعه علي ، وآمن به وصدّقه ، ولم يزل جعفر عند العباس حتى أسلم » . ولزيادة الاطلاع راجع ابن أبي الحديد - شرح نهج البلاغة : 1 / 15 .

لكثرة وضعه على رسول اللّه صلّى اللّه عليه وآله (1) .

2 - ان ادعائه قلة ما ورد عن الإمام علي في علم التفسير ، توهّم محض ، لأن المتيقّن أن عبد اللّه بن عباس - حبر الأمة - هو تلميذ الإمام علي ، ويعترف بمكانته العلمية حين طلب منه أن يبين نسبة علمه لعلم ابن عمه علي فقال : « كنسبة قطرة من المطر إلى البحر المحيط » (2) ، ومن المؤكد أنه أخذ علم التفسير من علي عليه السّلام ، أكّد ذلك ابن أبي الحديد بقوله :

« ومن العلوم ( التي عرف الإمام علي بها ) علم تفسير القرآن ، وعنه أخذ ، ومنه فرّع ، وإذا رجعت إلى كتب التفسير علمت صحة ذلك ، لأن أكثره عنه ، وعن عبد اللّه بن عباس ، وقد علم الناس حال ابن عباس في ملازمته له وانقطاعه إليه ، وأنه تلميذه وخريجه » (3) .

وإن الكاتب نفسه يثني على ابن عباس ، وعلى مكانته العلمية لعوامل عديدة ، منها : دعاء النبي صلّى اللّه عليه وآله له ، بقوله : « اللهم علّمه الكتاب والحكمة » ، ولأنه نشأ في بيت النبوة .

وهذان الأمران متوفران في علي : فأما الدعاء له ، فقد جاء في كثير من أقواله صلّى اللّه عليه وآله (4) .

وإذا كان جلّ الصحابة والتابعين يرون هذا الشأن العلمي لعلي عليه السلام ، سواء في التفسير أو غيره من العلوم التي أشار إليها الرسول الأعظم صلّى اللّه عليه وآله في قوله : « أنا مدينة العلم وعلي بابها ، ومن أراد العلم فليأت الباب » ، فما قيمة الآخرين الذين ينكرون على الإمام علي ذلك ، ويرونه كثيرا عليه ، علما أن مكانة علي لا يزعزعها حاقد أو مهزوز . .

ص: 53


1- شمس الدين الذهبي - سير أعلام النبلاء 2 / 433 و 438 و 429 و 430 و 424 و 435 طبع القاهرة دار المعارف 1957 .
2- ابن أبي الحديد - شرح نهج البلاغة : 1 / 19 .
3- ابن أبي الحديد - شرح نهج البلاغة : 1 / 19 .
4- لزيادة الاطلاع راجع ابن عساكر - ترجمة الإمام علي بن أبي طالب ، من تاريخ دمشق : 1 / 225 .

ص: 54

( 2 ) مفسّرو الشيعة ، وتراثهم

اشارة

كما أشرنا في البحث السابق إلى أن الإمام علي عليه السلام هو أول شخصية بعد رسول اللّه صلّى اللّه عليه وآله يعلم خصائص القرآن لقربه من رسول اللّه صلّى اللّه عليه وآله حتى قال عنه صلّى اللّه عليه وآله :

« أنا مدينة العلم وعلي بابها » ، وإذا لا غرابة إذا كان علي عليه السّلام وطلابه هم اللبنة الأساس لمدرسة التفسير في الصدر الأول من الإسلام .

لقد كان عطاء مدرسة أهل البيت في تفسير القرآن وعلومه ثرا ومهما في تأريخ هذه المدرسة منذ انطلاقها في عهد الإمام علي عليه السلام إلى عصرنا هذا .

وقد ذكرت بعض المصادر المختصّة طبقات مفسّري الشيعة ، وتجاوزت بهم المنات ، وسوف أشير لبعض المفسّرين ، وتفاسيرهم المخطوطة والمطبوعة كنماذج حية لمؤلّفي هذا العلم الجليل .

ص: 55

أولا - من مفسّري الشيعة

أولا - من مفسّري الشيعة (1)

- عبد اللّه بن عباس المتوفّى 68 ه حبر الأمة ، وهو أول من أملا في تفسير القرآن من شيعة أمير المؤمنين ، ووصفته بعض المصادر برئيس المفسّرين .

- ميثم بن يحيى التّمار الكوفي من خواص أصحاب الإمام علي عليه السلام ، قتله عبيد اللّه بن زياد عام 60 ه له تفسير أملاه على ابن عباس .

- جابر بن عبد اللّه الأنصاري ، المتوفّى 74 ه عدّته بعض المصادر بأنه من الطبقة الأولى في طبقات المفسّرين ، وهو من تلاميذ الإمام علي عليه السلام .

- سعيد بن جبير المقتول بأمر من الحجاج بن يوسف الثقفي عام 95 ه وصف بأنه : « من أعلم التابعين بالتفسير » .

- محمد بن حسن بن أبي سارة المعروف ب « الرواسي » شيخ أبي جعفر ، يروي عن الإمام محمد الباقر عليه السّلام ، له كتاب تفسير باسم تفسير اعراب القرآن ، أو باسم « تفسير معاني القرآن » .

- محمد بن سائب بن بشر الكلبي ، أبو نصر المتوفّى عام 146 ه من أصحاب الإمامين الباقر والكاظم عليهما السّلام ، له تفسير يعرف بآيات الاحكام ، وقد نقل في تعريفه : بأنه ليس لأحد تفسير أطول منه ولا أشبع .

ص: 56


1- اعتمدت في هذا العرض على المصادر التالية : حسن الصدر - تأسيس الشيعة لعلوم الإسلام : 322 - 341 طبع بغداد . وآغا بزرك الطهراني - الذريعة إلى تصانيف الشيعة : 3 / 231 - 345 طبع بيروت - دار الأضواء . ودمحمد شفيعي - مفسران شيعه : 61 - 202 ( فارسي ) طبع طهران - مطبعة بيست وپنجم شهريور / 1349 شمسي - 1970 م . ودعقيقي بخشايشي - طبقات مفسران شيعه ( فارسي ) ثلاث مجلدات ، طبع قم ( 1371 ه وعامر الحلو - معجم الدراسات القرآنية عند الشيعة الإمامية : مجلد واحد طبع دار الموسم للاعلام - بيروت 1991 .

- أبان بن تغلب بن رباح ، أبو سعيد البكري الجريري المتوفّى 141 ه ، له كتاب تفسير ، كما له عدّة كتب في علوم القرآن .

- محمد بن علي بن أبي شعبة ، أبو جعفر الحلبي المتوفّى عام 135 ه ، له كتاب تفسير .

- علي بن أسباط بن سالم ، أبو الحسن الكوفي ، روى عن الإمامين الرضا والجواد عليهما السّلام ، له كتاب تفسير .

- يحيى بن أبي القاسم الأسدي ، أبو بصير المتوفّى عام 150 ه ، ممن روى عن الإمامين الباقر والصادق عليهما السّلام ، ذكرت بعض المصادر أن له في التفسير مصنّفا معروفا .

- داود بن دينار السرخسي ، أبو بكر المتوفّى عام 139 ه ، من أصحاب الإمام الباقر عليه السلام ، له كتاب تفسير يعرف بتفسير ابن أبي هند .

- ثابت بن أبي صفية دينار ، المعروف بأبي حمزة الثمالي ، المتوفّى 150 ه ، من أصحاب الأئمة الأربعة علي بن الحسين ( زين العابدين ) ومحمد بن علي ( الباقر ) ، وجعفر بن محمد ( الصادق ) وموسى بن جعفر ( الكاظم ) عليهم السلام ، ذكرت المصادر بأن له كتاب تفسير ، روى عنه الثعالبي في كتابه الكشف والبيان في تفسير القرآن .

- إسماعيل بن عبد الرحمن بن أبي كريمة القرشي التابعي الكوفي ، المعروف بالسدي الكبير ، نسبة إلى سدّة مسجد الكوفة ، المتوفّى 123 ه ، له كتاب تفسير ، وصفته بعض المصادر بأنه من أمثل التفاسير .

- علي بن أبي حمزة البطائني الكوفي من أصحاب الإمامين الصادق والكاظم عليهما السلام ، له تفسير ، أكثر روايته فيه عن أبي بصير يحيى بن القاسم .

- علي بن الحسن بن فضال الكوفي ، المعروف بابن فضال الصغير ، تمييزا عن أبيه الحسن بن علي المتوفّى 224 ه ، المعروف بابن فضال الكبيرمن تصانيفه كتاب التفسير .

ص: 57

- الحسن بن محبوب السراد ، أو الزراد من أصحاب الإمامين الكاظم والجواد عليهما السّلام ، المتوفى 224 ه ، له كتاب التفسير .

- أحمد بن محمد بن سعيد ، المعروف بابن عقدة الزيدي ، من أعلام القرن الثالث حيث ولد 249 ه ، وتوفي عام 333 ه ، له كتاب تفسير القرآن ، وصف بأنه كتاب حسن ، ونقل السيد ابن طاوس المتوفّى 664 ه ، في رسالته في « محاسبة النفس » عن هذا التفسير .

- أحمد بن داود بن وتند النحوي اللغوي ، المعروف بأبي حنيفة الدينوري .

المتوفّى عام 280 ، أو 281 ، أو 282 ه - على خلاف ذكر في ترجمته ، وقيل إن له كتاب في القرآن يبلغ ثلاثة عشر مجلدا .

- أحمد بن أبي عبد اللّه محمد بن خالد البرقي ، المتوفّى في 274 أو 280 ه ، المعروف بالبرقي الصغير ، له كتاب تفسير .

- سهل بن عبد اللّه بن يونس بن عيسى بن عبد اللّه بن رفيع الشوشتري ، أبو محمد المتوفّى 283 ه ، له كتاب تفسير مختصر .

- محمد بن مسعود بن محمد بن عياش السلمي السمرقندي ، أبو النضر - من أعلام القرن الثالث - له كتاب تفسير .

- ابن همام الصنعاني ، عبد الرزاق بن همام بن نافع الحميري الصنعاني ، المتوفّى 211 ه ، له كتاب تفسير ، وهو من أقدم التفاسير .

- الشيخ الصدوق ، محمد بن علي بن الحسين بن بابويه القمي المتوفّى 381 ه ، عرّفته المصادر بأنه من المكثرين في التفسير ، له التفسير ، له التفسير كبير جامع ، كما له التفسير صغير .

- علي بن عيسى بن علي بن عبد اللّه الرماني ، أبو الحسن ، المتوفّى 384 ه ، عرف بالإمام المفسّر النحوي الشهير ، استحسن الشيخ الطوسي في أول تفسير التبيان تفسير الرماني ، وقال عنه : « هو أصلح ما صنف في هذا المعنى » .

ص: 58

- محمد بن إبراهيم بن جعفر ، أبو عبد اللّه الكاتب النعماني ، تلميذ الشيخ الكليني ، له كتاب في التفسير يعرف بتفسير النعماني ، قالوا عنه : إنه الكتاب الذي نوّع فيه أنواع القرآن إلى ستين نوعا ، ومثّل لكل نوع مثالا يخصه ، روى كله عن أمير المؤمنين الإمام علي عليه السّلام ، فيه كل أنواع علوم القرآن .

- محمد بن علي بن عبدك الجرجاني ، من أعلام القرن الرابع ، له تفسير كبير حسن ، وصف بأنه جليل القدر ، مفسّر وفقيه ومتكلم .

- محمد بن الحسن الشيباني من أعلام القرن الرابع ، صاحب تفسير « نهج البيان عن كشف معاني القرآن » ، وصف بأنه من أجلة علمائنا المتقدمين ، أستاذ الشيخ المفيد ، ذكر في مقدمة تفسيره جميع أقسام علوم القرآن ، صنّف كتابه باسم المستنصر الفاطمي .

- محمد بن العباس بن علي بن مروان بن مهيار ، البزاز ، أبو عبد اللّه ، المعروف بابن الحجام ، ذكر أنه من المكثرين في التأليف في القرآن ، وقد ذكر من تأليفه كتاب التفسير الكبير ، بالإضافة إلى أن له ثلاثة كتب بعنوان : كتاب « تأويل ما نزل في النبي وآله عليهم السّلام » ، وكتاب « تأويل ما نزل في شيعتهم » ، وكتاب « تأويل ما نزل في أعدائهم » .

- إسماعيل بن علي بن الحسين السمان ، أبو سعيد ، عرف بأنه الشيخ الفقيه المفسّر ، المعاصر للسيد المرتضى ، والشيخ الطوسي ، وذكر أن له تفسير اسمه « البستان في تفسير القرآن » يقع في عشر مجلدات .

- عبد الكريم بن هوازن النيشابوري ، أبو القاسم القشيري المتوفّى 465 ه ، له تفسير يقع في 70 مجلد .

- محمد بن الحسين بن علي بن أحمد الفتال النيشابوري ، من أعلام القرن الخامس وأوائل السادس ، له تفسير اسمه « التنوير في معاني التفسير » ، وصف بالثقة .

- ظهير الدين أبو جعفر محمد بن محمود النيشابوري من أعلام القرن السادس ، له تفسير البصائر ، كبير في عدة مجلدات ، فرغ من تأليفه عام 577 ه ،

ص: 59

وضعه بالفارسية .

- ضياء الدين أبو الرضا فضل اللّه بن علي الحسيني الراوندي ، من أعلام هذا القرن ، له كتاب « الكافي في التفسير » .

- محمد بن هارون بن محمد بن كوكب الحلّي المقري ، أبو عبد اللّه ، المعروف بابن كيال أو كال ، المتوفّى عام 597 ه ، ذكر من تصانيفه « مختصر التبيان في تفسير القرآن » ، وكتاب « متشابه القرآن » .

- محمد بن محمود النيشابوري ، ظهير الدين أبو جعفر ، من أعلام القرن السادس ، له كتاب تفسير يقع في عدة مجلدات بالفارسية ، ذكر أنه فرغ من تأليفه سنة 577 ه .

- برهان الدين محمد بن أبي الخير علي بن أبي سليمان ظفر الحمداني ، المفسّر الواعظ ، من أعلام أواخر القرن السادس ، له كتاب « مفتاح التفسير » .

- بهاء الدين بن يوسف بن حسن بن أبي القاسم الديلمي المرقاني من أعلام القرن السابع ، له كتاب تفسير للقرآن .

- أحمد بن موسى بن طاوس أبو الفضائل جمال الدين ، العلوي الحسيني المتوفّى عام 513 ه ، له كتاب تفسير للقرآن ، اسمه « شواهد القرآن » .

- محمد بن محمد الرازي البويهي ، قطب الدين المتوفّى 766 ه ، تلميذ العلامة الحلي ، له كتاب تفسير اسمه « بحر الأصداف » فرغ من تأليفه عام 733 ه - محمد بن يعقوب الفيروزآبادىّ ، صاحب القاموس المتوفّى 817 ه ، له كتاب تفسير اسمه « تنوير المقباس من تفسير عبد اللّه بن عباس » ، ويقع في أربعة أجزاء .

- عفيف الدين ، طيفور بن سراج الدين جنيد ، الحافظ الواعظ المفسّر ، له كتاب تفسير ، اقتصر في تفسيره على الأحاديث المروية عن الأئمة الطاهرين ، وأكثر النقل فيه عن تفسير تفسير الفرات بن إبراهيم الكوفي ، وأورد في آخره أحاديث

ص: 60

كثيرة في مناقب أمير المؤمنين عليه السّلام ، وفرغ من تأليفه يوم الغدير عام 876 ه ، - ملا فتح اللّه بن ملا شكر اللّه بن ملا لطف اللّه الكاشي المتوفّى عام 988 ه ، له كتاب تفسير بالفارسية اسمه « منهج الصادقين في الزام المخالفين » في خمس مجلدات ، وله كتاب « زبدة التفاسير » بالعربية .

- كمال الدين الحسين بن الخواجة شرف الدين عبد الحق الأردبيلي ، المعروف بالإلهي المتوفّى عام 950 ه ، له كتاب تفسير عرف ب « تفسير الإلهي » كما عرف ب « بتفسير الأردبيلي » ، وذكرت مصادر ترجمته أن هذا التفسير باللغة الفارسية لتمام القرآن الشريف ، في مجلدين ، وذكر أن الإلهي هو أول من صنّف العلوم بالفارسية في عصر الصفويةكما ذكر أن للمؤلف أيضا تفسير عربي بهذا الاسم « تفسير الإلهي » لكنه لم يتم .

- تقي الدين إبراهيم بن علي بن حسن بن محمد بن صالح الكفعمي ، المتوفّى عام 905 ه ، له مختصر تفسير علي بن إبراهيم القمي ، وفي « الذريعة - للطهراني » أن اسمه « قراضة النظير وخلاصة التفسير » ، وهو تلخيص مجمع البيان للطبرسي .

- عبد علي بن جمعة الحويزي المولد ، الشيرازي المسكن ، المتوفّى عام 1503 ه له كتاب تفسير يقع في أربع مجلداتفسّر فيه القرآن على ما صدر من الروايات عن أهل البيت عليهم السّلام .

- فيضي بن المبارك الهندي ، أبو الفضل المتوفي عام 1011 ه ، له كتاب تفسير اسمه « سواطع الإلهام » ، وفرغ من تأليفه عام 1002 ه وقد كتب هذا التفسير بحروف غير منقطة ، وهو هذا الكتاب الذي نقدمه للقراء .

- ملا يعقوب بن إبراهيم بختياري ، المتوفي عام 1047 ه له كتاب تفسير مختصر بالفارسية ، وذكر أنه لا يتعدّى حدّ الترجمة .

- المولى محمد بن علي النجار التستري ، المتوفّى عام 1140 ه ، من أعلام القرن ، له تفسير كبير سمي ب « مجمع التفاسير » ، ويعرف هذا المفسّر بابن النجار المتأخر ، للتفريق بينه وبين ابن النجار عيسى بن داود الكوفي الذي يروي عن الإمام الكاظم عليه السّلام .

ص: 61

- أمير محمد بن إسماعيل بن أمير محمد باقر بن إسماعيل بن أمير عماد الدين محمد حسين خاتون آبادىّ الاصفهاني ، المتوفّى عام 1116 ه ، ويسمّى هذا التفسير باسم « تفسير الخاتون آبادىّ الكبير » ، ويقع في أربعة عشر جزء .

- المولى فرج اللّه بن محمد بن درويش الحويزي المتوفّى عام 1148 ه وعرف بأنه تفسير كبير .

- المولى الحكيم محمد حسين بن محمد مفيد القمي من أعلام القرن ، له تفسير فارسي كبير عرف باسم « تفسير حكيم كوجك ملا حكيم » .

- إسماعيل حقي ، أبو الضياء الجلوتي المتوفّى عام 1137 ه ، من أعلام ومشايخ الصوفية الجلوتية في مدينة بروسه التركية ، له كتاب تفسير سلك فيه مسلكا عرفانيا وأخلاقيا ، يقع في عدة مجلدات .

- محمد بن محمد تقي ، المعروف برضي الدين الحسيني ، نجفي الأصل ، من أعلام النصف الأول من القرن الثاني عشر ، وكما وصف أنه تفسير مزجي يقع في عدّة مجلدات .

- بهاء الدين محمد بن تاج الدين الحسن بن محمد الاصفهاني ، والمعروف ب « مولا تاجا » ، المتوفّى عام 1137 ه له تفسير بالفارسية يسمّى « البحر المواج » كثير الفوائد ، كما وصف .

- صبغة اللّه بن جعفر بن أبي إسحاق الموسوي الدارابي البروجردي النجفي المولد الحائري المدفن ، وهو من تلاميذ الشيخ صاحب الجواهر ، والشيخ مرتضى الأنصاري ، له كتاب تفسير يقع في ثلاث مجلدات ، وصف بأنه تفسير مزجي كبير فرغ من تأليفه عام 1260 ه ، اسمه « درة الصفا في تفسير أئمة الهدى » ، ويسمّى أيضا « بصائر الإيمان في تفسير القرآن » .

- ملا علي بن قطب الدين البهبهاني ، المتوفّى عام 1206 ه ، له كتاب تفسير يقع في ثلاث مجلدات .

- المولى صالح بن آقا محمد البرغاني القزويني الحائري المتوفّى حدود عام 1270 ، له كتاب تفسير اسمه « بحر العرفان ومعدن الإيمان في تفسير القرآن » يقع في

ص: 62

سبعة عشر مجلد ، استقصى فيه مؤلفه الأحاديث المروية عن الأئمة الأطهار عليهم السّلام في التفسير ، ويظهر من إشارة المرحوم الشيخ آغا بزرگ الطهراني في خلال ذكر تفسيره ( بحر العرفان ) أن له أيضا تفسير الوسيط ، وتفسير الصغير .

- المولى محمد علي بن محمد كاظم بن اللّه آورد الخراساني الأصل الشاهرودي المتوفّى 1293 ه ، له كتاب تفسير .

- ملا غلام علي بن حاجي إسماعيل نهاوندي ( وفي الذريعة : 2 / 431 البهاونكري ) من أعلام القرن الثالث عشر ، له كتاب تفسير اسمه « أنوار البيان في تفسير القرآن » في أربع مجلدات باللغة الكجراتية .

- محمد جعفر دادخواه الشيرازي من رجال هذا القرن ، له كتاب تفسير اسمه « التفسير الشافي تلخيص المجمع والصافي » في ثلاث مجلدات .

- عبد الحسين آيتي ( آواره ) له كتاب تفسير باللغة الفارسية في ثلاث مجلدات .

- أمير محمد صادق بن أمير أبو القاسم الخونساري المتوفّى عام 1333 ه ، له كتاب تفسير باللغة الفارسية .

- ميرزا علي بن ميرزا محمد حسين الشهرستاني الحائري المتوفّى عام 1344 ه ، له تفسير باسم « التبيان في تفسير غريب القرآن » في مجلدين .

إن هذا عرض موجز لأعلام مفسّري الشيعة الإمامية ، الذين تناولوا تفسيرا كاملا للقرآن ، وتركت أسماء الكثير من المفسّرين الذين اقتصر عملهم على بعض القرآن أو سورة أو الآيات الخاصة بآل البيت عليهم السّلام ، أو آيات الأحكام المختصة بالمواريث ، أو علوم القرآن ، لأن المقصود هو التفسير الكامل ، وأرجو اللّه سبحانه أن يقيض لهذا التراث القيم من يعمل على إخراجه إلى النور .

ص: 63

ثانيا - من تفاسير الشيعة المطبوعة
اشارة

ثانيا - من تفاسير الشيعة المطبوعة (1)

وحفلت مكتبة التراث الإسلامي بمجموعة كبيرة من تفاسير القرآن الكريم ، وفي مختلف اللغات العربية والفارسية والتركية والهندية ، والأجنبية :

كالانكليزية والافرنسية والألمانية ، وغيرها مما قامت بطبعه المنظمات والجمعيات الإسلامية في شتى الأمصار والدول والمؤسسات المعنية بالدراسات القرآنية ، والمنتشرة في أنحاء العالم الإسلامي والعربي ، ومن المفيد أن نذكر ما تيسّر لنا من معرفة لتفاسير الإمامية المطبوعة ، إتماما للفائدة ، وسوف نسير على نفس الخط الذي أخذنا به في ذكر مشاهير المفسّرين الإمامية ، منها :

1 - التفسير المنسوب للإمام العسكري عليه السّلام :

هذا التفسير يشار إليه في المصادر المختصة بأنه من إملاء الحسن بن علي العسكري عليه السّلام ( 232 - 260 ه ) ، برواية الشيخ أبي جعفر محمد بن علي بن بابويه القمي ، المتوفّى عام 381 ه ، وقد طبع عدت طبعات ، أوّلها في طهران 1268 ه .

2 - تفسير القمي :

صاحب هذا التفسير الشيخ أبو الحسن علي بن إبراهيم بن هاشم القمي ، من أعلام علماء الإمامية في القرن الرابع الهجري ، ومعاصر للإمام الحسن العسكري عليه السّلامطبع هذا التفسير به إيران على الحجر عام 1313 ه لأول مرة ، ثم طبع مع تفسير العسكري مار الذكر ، وكرر طبعه مستقلا .

ص: 64


1- نفس المصادر الأربعة المشار إليها في هامش ( 31 ) اعتمدناها في هذا البحث .
3 - تفسير العياشي :

أبو نضر محمد بن مسعود بن محمد بن عياش السمرقندي المتوفّى عام 320 ه ، وقد طبعت هذا التفسير - في مجلدين - المكتبة العلمية الإسلامية في طهران .

4 - تفسير ابن عباس :

عبد العزيز بن يحيى بن أحمد بن عيسى ، أبو أحمد الجلودي ، المتوفّى عام 332 ه ، تفسيره مروي عن الإمام علي عليه السّلام ، وتذكر بعض المصادر أن له تفسير آخر يرويه عن ابن عباس ، وذكرت بعض المصادر : أن تفسيرين لابن عباس ورد ذكرهما :

1 - تفسير ابن عباس عن الصحابة .

2 - تفسير تنوير المقباس من تفسير عبد اللّه بن عباس .

وكلاهما للجلودي المذكور ، وقد طبعا في أربع مجلدات في مصر عام 1290 ه .

5 - تفسير فرات الكوفي :

فرات بن إبراهيم بن فرات الكوفي من أعلام القرن الرابع ، تذكر المصادر بأن هذا التفسير يقتصر على الروايات عن الأئمة الهداة عليهم السّلام ، وقد روى هذا التفسير والد الشيخ الصدوق ، أبو الحسن علي بن الحسين بن بابويه المتوفّى عام 329 ه ، وقد طبعت هذا التفسير مكتبة الداوري - قم .

6 - التبيان في تفسير القرآن :

أبو جعفر محمد بن الحسن بن علي الطوسي ، المعروف بشيخ الطائفة ، المتوفّى عام 460 ه ، والمؤسس للجامعة العلمية في النجف الأشرف عام 448 ه هذا التفسير يقع في عشر مجلدات ، طبع للمرة الأولى في النجف الأشرف عام 1376 ه وتكرر طبعه .

ص: 65

7 - مجمع البيان في تفسير القرآن :

الشيخ أبو علي الفضل بن الحسن بن الفضل الطبرسي ، المتوفّى عام 548 ه من أكابر علماء الإمامية في القرن السادس ، ومن أعلام المفسّرين الشيعة ، وهذا التفسير في عشرة أجزاء ، وقد طبع لأول مرة طبعة حجرية في طهران عرفت بطبع ( ملا حسن ) ، ثم طبع في مطبعة العرفان بصيدا لبنان ، وتكررت طبعاته .

8 - جوامع الجامع :

وهذا التفسير أيضا لأبي علي الفضل بن الحسن الطبرسي المتقدّم الذكر ، وهو مختصر مجمع البيان أو منتخبه ، وألفه بعده ، وطبع لأول مرة بطهران عام 1321 ه ، وتكرر طبعهوله تفسير ثالث واسمه « الكافي الشافي » وهو الوجيز ، مختصر الجوامع الذي هو الوسيط ، وألف بعده ، والظاهر أنه لم يطبع .

9 - تبصير الرحمن وتيسير المنّان ( تفسير الرحماني ) :

علي بن أحمد المهائمي الكوكني النوائتي المتوفّى عام 835 ه المعروف ب « مخدوم علي المهايمي » من أعلام الهند ، اشتهر بالعرفان والأخلاق ، طبع لأوّل مرة في دهلي عام 1286 ه ، ثم في بولاق 1295 ه

10 - غرائب القرآن ورغائب الفرقان :

نظام الدين الحسن بن محمد بن الحسين القمي ، المعروف بالنيسابوري ، أو النظام الأعرج ، من أعلام المائة الثامنة للهجرة ، وصف تفسيره هذا بأنه تفسير معنوي ولغوي أيضا لغرائب القرآن ، وقد طبع للمرة الأولى في إيران في ثلاث مجلدات طبعة حجرية ، وطبع في دهلي عام 1280 ه وطبع في مصر في حاشية « جامع البيان » .

11 - المواهب العلية ، أو تفسير حسيني :

كمال الدين حسين بن علي الواعظ البيهقي السبزواري الكاشفي ، المتوفّى عام 910 ه ، عرف بأنه من المتضلّعين بعلوم القرآن ومعارف التفسير في القرن التاسع

ص: 66

وأوائل العاشر الهجري ، وقد وضع تفسيره هذا باللغة الفارسية ، ويقع في جزءين ، طبع في طهران بتحقيق وتقديم السيد محمد رضا جلالي .

12 - تأويل الآيات الظاهرة :

شرف الدين على الحسيني الاسترآبادي النجفي ، من أعلام القرن التاسع الهجري ، طبعت هذا التفسير مؤسسة الإمام المهدي عليه السّلام في طهران سنة 1408 ه ثم في سنة 1409 ه ، أعيد طبعه من قبل جامعة مدرسين في قم بتعليق وتصحيح الأستاذ ولي .

13 - جلاء الأذهان وجلاء الأحزان ( تفسير كازر ) :

أبو المحاسن الحسين بن الحسن الجرجاني ، من أعلام القرن العاشر الهجري ، كتب بالفارسية ، وقد طبع أخيرا بتحقيق السيد جلال الدين الحسني الأرموي ، وطبع في عام 1338 ه ، في طهران في أحد عشر مجلدا .

14 - منهج الصادقين في تفسير القرآن المبين ، والزام المخالفين :

ملّا فتح اللّه بن ملّا شكر اللّه بن ملّا لطف اللّه الكاشاني ، المتوفّى عام 988 ه ، باللغة الفارسية ، طبع في ثلاث مجلدات لأول مرة في طهران عام 1284 ه ، ثم طبع في ثلاث مجلدات عام 1296 ه في تبريز ، ثم طبع في خمس مجلدات عام 1312 ه في تبريز ، وأخيرا طبع في عشر مجلدات علّق عليه الأستاذ شعراني .

15 - تفسير القرآن الكريم ، أو ( مجموعة التفاسير ) :

محمد بن إبراهيم بن يحيى الشيرازي ، المعروف ب « صدر المتألهين » ، المتوفّى عام 1050 ه ، وملّا صدرا معروف بمكانته العلمية وتضلّعه بالفلسفة والحكمة ، وقد طبعته مؤسسة بيدار - قم عام 1364 ه ، ش بسبع مجلدات .

16 - تفسير نور الثقلين :

عبد علي بن جمعة العروسي الحويزي ، من أعلام القرن الحادي عشر للهجرة ، اعتمد في تفسيره على الروايات عن أئمة أهل البيت عليهم السّلام ، استقاها من

ص: 67

مصادرها الموثوقة ، طبع هذا التفسير عدة مرات ، وأخيرا طبعته مؤسسة اسماعيليان - قم بتحقيق الشيخ رسولي محلاتي في خمس مجلدات .

17 - غوامض القرآن وغريب القرآن :

فخر الدين بن محمد بن علي بن أحمد بن طريح الرماحي المتوفّى عام 1085 ه ، من أعلام القرن الحادي عشر الهجري ، صاحب المؤلفات الشهيرة ، طبع هذا التفسير بالمطبعة الحيدرية في النجف الأشرف عام 1372 هجرية .

18 - تفسير شريف لاهيجي :

بهاء الدين محمد بن علي اللاهيجاني من أعلام أواخر القرن الحادي عشر ، طبع هذا التفسير في أربع مجلدات من قبل وزارة الأوقاف الإيرانية - طهران تحقيق الدكتور المحدث الأرموي والدكتور محمد آيتي -

19 - تفسير الصافي :

محمد بن مرتضى ، المعروف ب ملا محسن الفيض الكاشاني ، المتوفّى عام 1090 ه ، من أعلام الإمامية في هذا القرن ، وصف بالمولى المحقق المحدث الفيض ، له من التفاسير ثلاثة :

1 - الصافي ، وهذا التفسير الكبير ، وقد طبع عدة مرات بداية من عام 1266 ه ، في إيران والى الآن ، وأخيرا طبع في خمس مجلدات .

2 - الاصفى ، تلخيص الصافي ، وهو أوسط تفاسيره الثلاثة ، وقد اقتصر فيه على تفاسير أهل البيت عليهم السّلام ، وقد طبع الاصفى على هامش الصافي في احدى طبعاته .

3 - المصفّى ، تلخيص الاصفى ليسهل الاستفادة منه ، والظاهر أنه لم يطبع .

20 - البرهان في تفسير القرآن :

هاشم بن سليمان بن إسماعيل بن عبد الجواد الحسيني البحراني المتوفّى 1107

ص: 68

ه ، من أعلام هذا القرن وتفسيره هذا طبع لأول مرة عام 1295 ه ، في طهران طبعة حجرية ، كما طبع في مجلدين سنة 1302 ه ، جمع فيه شطرا كبيرا من الأحاديث المأثورة عن أئمة أهل البيت عليهم السّلام في تفسير الآيات النازلة في بيتهمكما له تفسير آخر اسمه « نور الأنوار في تفسير القرآن » ، والظاهر أنه لم يطبع .

21 - المعين في تفسير الكتاب المبين :

نور الدين بن محمد بن شاه مرتضى بن محمد مؤمن بن مرتضى الشهير بنور الدين الأخباري المتوفّى بعد 1115 ه ، وتصف المصادر هذا التفسير بأنه موجز ومختصر ، وقد طبعته أخيرا - في ثلاثة مجلدات - مكتبة المرحوم آية اللّه السيد المرعشي في قم بإشراف أمين عام مكتبة السيد المرعشي العلامة السيد محمود المرعشي ، وتحقيق الأستاذ حسين دركاهي .

وللمؤلف تفسير آخر اسمه « الكتاب المبين » تفسير لتمام القرآن ، والظاهر أنه لم يطبع .

22 - كنز الدقائق وبحر الغرائب :

ميرزا محمد بن محمد رضا بن إسماعيل بن جمال الدين القمّي المشهدي المتوفّى في حدود 1125 ه ، وفي بعض المصادر سمّي هذا التفسير ب « كنز الحقائق وبحر الدقائق في تفسير القرآن » ، وعرف هذا التفسير بأنه مقصور على ما ورد عن أهل البيت عليهم السّلام ، نظير تفسير نور الثقلين ، وقد طبع مؤخرا في عشر مجلدات بإشراف مؤسسة النشر الإسلامي التابعة لجامعة مدرسين - قم .

23 - الوجيز في تفسير القرآن العزيز :

علي بن الحسين بن محي الدين بن عبد اللطيف بن علي بن أحمد بن أبي جامع العاملي ، المتوفّى في حدود 1135 ه ، وقد وصف هذا التفسير بأنه تفسير مزجي ، ومختصر نافع كاف في معرفة ما يتوقف عليه فهم المعنى من وجوه الإعراب ، واختلاف القراءاتوقد طبع لأول مرة بأمر من الإمام السيد محسن الحكيم بإشراف مكتبة الإمام الحكيم العامة في النجف الأشرف ، وطبع مرة أخرى بتحقيق

ص: 69

ومراجعة الشيخ مالك المحمودي ، في ثلاث مجلدات ، وبإشراف دار القرآن الكريم - قم .

24 - مرآة الأنوار ومشكاة الأسرار في تفسير القرآن :

أبو الحسن بن الشيخ محمد طاهر بن الشيخ عبد الحميد بن موسى بن علي ابن معتوق بن عبد الحميد الفتوني العاملي ، المتوفّى أواخر الأربعين بعد المائة والألف ، وقد يطلق على هذا التفسير اسم « مشكاة الأنوار » ، وصف بأنه تفسير جليل مقصور على ما ورد في متون الأخبار ، وقد طبع المجلد الأول منه عام 1303 ه .

25 - الجوهر الثمين في تفسير الكتاب المبين :

عبد اللّه بن محمد رضا الحسيني الشبر الكاظمي المتوفّى عام 1242 ه ، له ثلاثة تفاسير :

أحدهما - الجوهر الثمين ، وهو تفسير على غرار الصافي ، طبع أول مرة في دار الزهراء بيروت في ستة مجلدات ، ثم طبعته مكتبة الألفين - الكويت 1407 ه ثانيهما - الوجيز وهو مختصر الجوهر الثمين ، وقد طبع عدة مرات في القاهرة ، قامت بطبعه المكتبة الرضوية .

ثالثهما - الوسط وهو « صفوة التفاسير » ولم يطبع .

26 - آلاء الرحمن في تفسير القرآن :

محمد جواد بن حسن بن طالب بن عباس بن إبراهيم البلاغي النجفي ، المتوفّى عام 1352 ه ، من علماء النجف وشخصياتها الفكرية ، وضع عدّة مؤلفات دفاعا عن الإسلام ، باشر في كتاب تفسير ، أنجز منه جزءين ، ولم تمهله المنية حتى إكماله ، طبع عدة مرات ، وأخيرا في قم .

ص: 70

27 - الميزان في تفسير القرآن :

محمد حسين بن محمد بن محمد حسين بن ميرزا علي أصغر شيخ الإسلام الطباطبائي التبريزي من أعلام المفسّرين لهذا القرن ، المتوفّى عام 1982 م ، وقد طبع هذا التفسير عدة مرات في عشرين مجلدا .

والظاهر أن طبعة مؤسسة اسماعيليان للطبع والنشر قم - إيران هي الأولى ، في عام 1973 م ، وأشارت طبعة مؤسسة الأعلمي للمطبوعات - بيروت - أنها الثانية عام 1974 م ، وألحقت بهذه الطبعة المجلد الحادي والعشرين بعنوان « دليل الميزان » يتضمن الموضوعات المختلفة التي بحثها هذا التفسير ، وقد وضعه الأستاذ الياس كلانترى بالفارسية ، وترجمه إلى العربية الأستاذ عباس ترجمان ، وطبع عام 1985 م ، وقد ترجم هذا التفسير إلى الفارسية من قبل الشيخ ناصر مكارم شيرازي .

28 - مواهب الرحمن في تفسير القرآن :

عبد الأعلى بن علي رضا بن عبد العلي الموسوي السبزواري المتوفّى عام 1414 ه ، من مراجع الشيعة وشخصياتها العلمية ، جمع بين الفقه والتفسير ، صدر من هذا الكتاب حتى الآن عدة مجلدات وتوفي رحمه اللّه قبل أن يكمل طباعته ، غير أن مؤسسة المنار للطباعة والنشر - قم مصممة على إكمال طباعة بقية أجزائه إن شاء اللّه .

29 - البيان في تفسير القرآن :

أبو القاسم بن السيد علي أكبر الموسوي الخوئي ، من مراجع المسلمين الشيعة العظام ، المتوفّى 1413 ه ، صدر منه الجزء الأول الذي يشتمل على مقدّمة وافية عن مواضيع متعدّدة تخصّ القرآن ، ثم تفسير سورة الفاتحة طبع للمرة الأولى في النجف الأشرف ، وطبع ثانية في بيروت - دار الزهراء للطباعة والنشر .

ص: 71

30 - تفسير الكاشف :

محمد جواد مغنية ، من أعلام الشيعة في لبنان ، وكاتب مشهور ، طبعت له عدة كتب في مواضيع متنوعة ، منها فقه الإمام الصادق ، توفّى عام 1980 م ، طبع هذا التفسير في سبعة أجزاء في دار العلم للملايين - بيروت عام 1981 م .

31 - تفسير المبين :

محمد جواد مغنية ، وهو تلخيص لتفسيره الكاشف ، ويقع في مجلد واحد ، طبع في بيروت دار الجواد للطباعة والنشر عام 1983 م .

32 - الأمثل في تفسير كتاب اللّه المنزل :

ناصر مكارم الشيرازي من العلماء المعاصرين في حوزة قم العلمية ، كتبه بالفارسية ، وترجمه إلى العربية محمد علي آذر شب ، وطبع في عشرين مجلدا ، بإشراف مؤسسة النشر الإسلامي لجماعة المدرسين في قم عام 1409 ه

33 - تفسير تقريب القرآن إلى الأذهان :

محمد بن محمد مهدي الشيرازي ، من العلماء المعاصرين ، ثلاثون جزء ، وطبع في خمسة عشر مجلد دار الوفاء بيروت عام 198 الطبعة الأولى .

34 - تفسير القرآن الكريم :

مصطفى بن روح اللّه الخميني ، المتوفّى عام 1979 م ، طبعته وزارة الإرشاد الإسلامي في أربعة أجزاء ، ولم يكمل بسبب وفاته .

35 - مختصر مجمع البيان في تفسير القرآن :

محمد باقر بن عباس الخويبراوي الناصري ، من المعاصرين ، طبع في بيروت عام 1979 م في ثلاث مجلدات .

36 - تفسير المعين للواعظين والمتعظين :

محمد هويدي من المعاصرين ، طبع في بيروت للطباعة والنشر عام 1987 م

ص: 72

في مجلد واحد وتكرر طبعه .

وأكتفي بهذا القدر من ذكر التفاسير المطبوعة ، فإن استقصاء ما طبع للشيعة الإمامية من تفاسير ، ليس من مهمتنا خشية الإطالة ، وما ذكرته هنا لا يعدو الاستشهاد بأن الإمامية الاثني عشرية كان لهم في هذا الميدان مجال كبير ، ولكن الظروف القاسية التي مرت عليهم في تأريخهم القاسي أدّى إلى تشتت الكثير من نتاجهم الفكري ، ومصدري فيما أشرت إليه من التفاسير المطبوعة هي نفس المصادر الأساسية التي اعتمدتها في البحث السابق .

وكيفما كان ، أرجو أن أكون قد وفّقت في عرضي الموجز عن التفسير والمفسّرين عند الإمامية .

ص: 73

الخاتمة

بعد العرض الموجز للحديث عن التفسير والمفسّرين عند الإمامية فقد استفدنا من مجموع ما تقدّم مدى اهتمام المسلمين الشيعة الإمامية الاثنا عشرية بالدراسات القرآنية على اختلاف علومها ، وحرصهم الأكيد على أن يكون لهم مجال واسع في كل ميادين علوم القرآن ، وما أوردناه من بعض أسماء المفسّرين وتفاسيرهم المطبوعة خاصة ، ليس على سبيل الحصر ، وأنما جاء اختيارا لبعض المفسّرين والتفاسير دون ملاحظة أسباب ومسببات اعتبارية .

وشيء آخر هو اننا اقتصرنا على ذكر التفاسير الكاملة ، ولم نذكر مختصراتها ، كما لم نذكر تفاسير السور والآيات خشية التطويل ، ويمكن مراجعتها في الكتب المختصة التي أشرت إليها .

ولقد اطّلعت على ثلاثة كتب حديثة تناولت أسماء المؤلّفين والكتب المختصة بالدراسات القرآنية الخطية منها والمطبوعة ، وهي :

1 - « مفسران شيعة » ( بالفارسية ) - للدكتور محمد شفيعي الأستاذ في جامعة طهران ، طبع قبل ست وعشرين عاما ، جزء واحد .

2 - « طبقات مفسران شيعه » ( بالفارسية ) - للدكتور عقيقي بخشايشي - عضو الهيئة العلمية الجامعية طهران - طبع مكتب نشر نوين اسلام - قم عام 1371 هجري شمسي ، والمطبوع منه ثلاثة مجلدات حتى الآن ، ولعله يكمل في خمس مجلدات كما يظهر من خلال مقدمة الكتاب .

3 - « معجم الدراسات القرآنية عند الشيعة الإمامية » للخطيب الأستاذ السيد عامر الحلو - دمشق ، في مجلد واحد ، طبع دار الموسم للاعلام -

ص: 74

بيروت عام 1991 م .

هذا بالإضافة إلى الموسوعة الهامة المعروفة ب « الذريعة إلى تصانيف الشيعة » لمؤلّفه المرحوم المحقق الشيخ آغا بزرگ الطهراني في 25 مجلدا ، طبعت أخيرا كاملة في دار الأضواء - بيروت ذكر في حقل ( تفسير ) أكثر من خمسمائة مؤلف في هذه المادة .

وكذلك الكتاب القيم « تأسيس الشيعة لعلوم الإسلام » للمرحوم المحقق الحجة السيد حسن الصدر ، المطبوع في شركة النشر والطباعة العراقية المحدودة - بغداد ، وأعادت طبعه بالأوفست على طبعة بغداد مؤسسة الأعلمي - طهران .

وهناك بحوث عديدة في هذا الصدد منتثرة في ثنايا الكتب والمجلات العلمية والأدبية ، استفاد منها الأخ السيد الحلو في استعراضه لقرابة الفين عنوان كتاب تفسير أو بحث أو دراسة في كافة علوم القرآن ، ذكرها في معجمه المشار إليه .

وللأسف فقد الكثير من هذا التراث الضخم نتيجة الحوادث الزمنية التي تراكمت على هذه الأمة من الأعداء ، وفرسان الفتن ، ورغم هذا فإن المكتبات العالمية الإسلامية وغيرها تحتفظ بالكثير من هذه الثروة القرآنية ، وأرجو اللّه سبحانه أن يقيض لها من يخرجها إلى عالم النور .

ص: 75

*** تفسير سواطع الإلهام ***

إن علاقتي بكتاب « تفسير سواطع الإلهام » ، هذا الكتاب الذي نقدمه للقرّاء الكرام قديمة ، فقد اطلعت عليه عند أخ عزيز كان قد حصل على نسخة مطبوعة على الحجر ، حصل عليها من إحدى المكتبات الخاصة ، واهتم بها نظرا لكون هذا اللون من الفن التعنيري من النوادر ، إذ ليس من السهل أن يكتب مفسّر كل التفسير بكلمات غير منقطة ، ولكن همة المؤلف « فيضي » الأدبية ، وطموحه العلمي بأن يأتي بشيء جديد في عالم التفسير حتى وإن كان غريبا ، فحقق ما أراد ، وطلبت من الأخ مالك الكتاب أن يتفضّل به عليّ بغية القيام بطبعه ، وفعلا حقق الطلب .

وانتقلت إلى المرحلة الثانية التي نقتضيها طبيعة الإخراج ، ومن أجل ذلك كلفت الأخ الجليل العالم المحقق الأستاذ الدكتور السيد مرتضى آيت اللّه زاده شيرازي ، أستاذ علوم القرآن ، والحديث والأدب العربي ، ورئيس فرع اللغة العربية بكلية الإلهيات - جامعة طهران بالإشراف على تحقيقه وإعداده للطبع ، فقبل مشكورا المهمة ، وقد الّف لجنة تقوم بالعمل يشرف بنفسه عليها ، وهم من أهل الاختصاص في علوم القرآن - كما أشار إليهم في نهاية مقدمته القيمة ، وبعد فترة من الزمن أنجز المشروع ، وحقق المطلوب .

وكانت المرحلة الثالثة وهي طبع الكتاب ، وقد تهيأت الإمكانات المقتضية لطبعه ، وتبنّى الإشراف على الطبع والإخراج - أيضا - الأستاذ الدكتور السيد مرتضى مع وضع مقدمة ضافية قيمة ، ضمّنها سواطع ثلاثة : الأولى عن الحالة السياسية والاجتماعية والفكرية في الهند باعتبارها وطن المؤلّف ، الثانية عن نسبه ، والثالثة عن حياة المؤلف .

ص: 76

أخيرا فارجو أن تفي كلمات الشكر والتقدير للجهد الذي بذله الأخ العلامة الأستاذ الدكتور السيد مرتضى آيت اللّه زاده شيرازي ، والإخوة الأفاضل الأساتذة الأجلاء في تحقيق هذا التفسير الفريد من نوعه في عالم المكتبة التفسيرية ، وإخراجه بهذه العناية الفائقة .

كما واقدم جزيل الشكر للقائمين على مؤسسة المرحوم الحاج محمد رفيع معرفي الخيرية الثقافية على تعاونهم معنا في إصدار هذا السفر الجليل ، كما وأكبر اهتمامهم لطبع التراث الاسلامي لانتفاع المسلمين به ، وفقهم اللّه لذلك ، وشكر سعيهم المقدر .

كما وأشكر كل الذين ساهموا في طبعته هذه ، خاصة إدارة مؤسسة المنار للطباعة في قم ، راجيا من اللّه سبحانه أن يوفّق الجميع لإحياء التراث الإسلامي ، وهو وليّ التوفيق .

ص: 77

ص: 78

تعريف عام عن الأجواء الّتى عاش فيها المؤلّف وعن حياته وثقافته

اشارة

قدّمها : د.السّيّد مرتضى آيت اللّه زاده شيرازي

ص: 79

ص: 80

المقدمة

تشتمل على :

الساطعة الأولى

1 - الحالة السياسية والاجتماعية والثقافة العامة في الهند على عهد المؤلف .

2 - انتشار الإسلام في الهند .

3 - أباطرة المغول المسلمين في الهند :

آ - ظهير الدين بابر .

ب - ناصر الدين محمد همايون .

ج - جلال الدين محمد أكبر شاه .

4 - الحالة السياسية والاجتماعية والدينية على عهد أكبر شاه .

5 - الحركة الفكرية في الهند على عهد أكبر شاه .

الساطعة الثانية

أسرة المؤلف جده ، أبوه ، وإخوته آ - الشيخ خضر اليماني ب - الشيخ مبارك ج - الشيخ أبو الفضل الناكورى الوزير .

د - باقي إخوته. .

ص: 81

الساطعة الثالثة

ترجمة حياة المؤلف :

آ - أساتذته :

ب - نشاطه السياسي والعلمي والثقافي :

ج - ثقافته ، شاعريته :

د - مذهبه الشيعي الإمامي الاثناعشري :

ه - مدفنه :

و - آثاره :

ز - تصحيح الكتاب :

ص: 82

الساطعة الأولى
1 - الحالة السياسية والاجتماعية والثقافة العامة في الهند على عهد المؤلف

عاش الفيضي في فترة حافلة بالأحداث والتطورات السياسية ، وشهد تقسيم العالم الإسلامي إلى العديد من الدول ، وعاصر بعض الملوك المشهورين في تأريخ الهند الإسلامية ، وشاهد آثار الحياة السياسية العاصفة في شتى جوانب الثقافة والاجتماع والآداب .

فقد عاصر الفيضي أباطرة المغول المسلمين في الهند ، وكانت الهند حينئذ في حالة تفكك وتقسيم من الناحية السياسية ، فقد كانت العصبية تسيطر على أفكار الحكام والولاة والعلماء ، وكان النزاع بين الإمارات الهندية مستمرا ، فأخذت دولة أباطرة المغول في بناء صرح سلطانها ، ودفع المنافسين والأعداء وامتدت امپراطوريتهم إلى أغلبية القارة الهنديةفاستعادت الهند مكانتها السياسية بين الدول .

وكان الأباطرة محبين للفضل والأدب والفنون ، مشهورين بإكرام العلماء والأدباء .

وكان المجتمع الهندي في عصر الفيضي يتألف من عدة عناصر أهمها العنصر الهندي والعنصر الفارسي والعنصر العربي والعنصر التركي .

فالعنصر العربي هو الذي جاء بالإسلام إلى الهندوأمّا العنصر الفارسي فقد كان له النفوذ الثقافي بعد الفتح الإسلامي .

وتأثرت الهند بالثقافة الفارسية الإسلامية منذ القرن الثالث ، وكذلك تأثر

ص: 83

الأدب الفارسي بالأسلوب الهندي المتميز .

وكان النزاع العقائدي بين الطوائف المختلفة والأديان على قدم وساق ، لا سيما بين السنة والشيعة ، وكان النظام الطبقي ، كما كانت الفوارق بين الطبقات الخاصة والعامة وبين أرباب الديانات شديدة جدا ، وكان الاقطاع والثراء في أيدي قلة قليلة من الناس مما تبعه المغالاة في الترف واللهو وتشييد القصور .

فنفقات البلاط بلغت حدا لا يطاق ، وكان العسف بالناس لأخذ الضرائب منتشرا .

أما الفنون فإنها لا تنمو إلا بتشجيع السلطان والأمير ، وكثيرا ما كان الفنانون والشعراء يفدون على الأمراء ويتقربون إليهم ويتمتعون بجزيل عطاياهم ، وكذلك العلماء كانوا منقسمين إلى قسمين :

علماء البلاط ، الذين يتّصلون بالسلاطين ويتقلّبون في المناصب ، وقسم ابتعدوا عن القصور .

وفي هذا الإطار العام للمجتمع الهندي قد اكتمل نشأ الفيضي واكتملت مواهبه .

وبعد هذا التصوير العام عن المجتمع الهندي نعرج إلى بيان التفاصيل .

دعّم قيام إمبراطورية المغول الإسلامية في الهند مركز الإسلام ، كقوة حربية ودينية وثقافية لها حسابها في العالم في القرن السادس عشر الميلادي ، وكان لقيامها أعظم الأثر في تمكين أصول الإسلام في الهند وتعميق جذوره الأولى ، وهو ما يشهد به التراث الفكري والفني الهائل الذي خلّفه أباطرة المغول في الهند ، أمثال همايون وأكبر وجهانگير وشاه جهان واورنگ زيب .

وهذه الحضارة تعتمد أساسا على تقاليد مغولية فارسية وتركية ، وتعتبر امتدادا لحضارة المغول في العصر التيموري التي كانت قد اتسمت بوضوح شخصيتها وجدّتها وأصالتها .

ص: 84

الدول الإسلامية

وفي القرن السادس عشر اصطدمت القوى التركية العثمانية بقوى دولة المماليك وورثت ملك المماليك ، وانتزع العثمانيون منذ ذلك الحين لقب الخلافة وأصبحوا بهذا يسمّون أنفسهم خلفاء للمسلمين بعد أن كانوا سلاطين على دولتهم التركية ، وامتدّ سلطانهم حتى شمل بلاد العرب واليمن في آسيا والجزائر وتونس وطرابلس في افريقا إلا المغرب الأقصى .

وفي أوائل هذا القرن أيضا ، قامت دولتان إسلاميتان جديدتان في القسم الشرقي من العالم الإسلامي .

الأولى : هي الدولة الصفوية الشيعية في إيران على يد الشاه إسماعيل الصفوي ( 906 ه - 1500 م ) ، وقد ضم إليه العراق وديار بكر بالإضافة إلى بلاد فارس وخراسان جميعا ، وامتدت حكومته من الخليج الفارسي إلى بحر الخزر ، واتخذ تبريز عاصمة له .

أما الثانية : فهي دولة أباطرة المغول في الهند ، ومؤسس هذه الدولة هو ( بابر شاه ) من سلالة تيمور لنگ ، ظهير الدين محمد ( 932 - 937 هق - 1526 - 1530 م ) ، وقد خلفه من نسله عدد من الأباطرة من أمثال همايون ، أكبر ، وجهانگير وشاه جهان وارونگ زيب ، ثم خلف من بعدهم من ملوك ضعاف فظلّت الدولة قائمة إلى أن انتهت في منتصف القرن التاسع عشر الميلادي .

فهذه ثلاث دول اقتسمت الحكم في العالم الإسلامي في القرون السادس عشر والسابع عشر والثامن عشر .

ص: 85

2 - دخول الإسلام الهند وانتشاره فيها

لقد دخل الإسلام الهند على أيدي عناصر مختلفة ، وبأسباب متفرقة ، ومن الطرق التالية :

1 - طريق تجار العرب من السواحل الجنوبية والغربية إلى سواحل ( مالابار ) وخليج ( كامبايه ) cambay في گجرات ونواحي دكن ( آندرا ) .

وكان العرب والفرس قبل الإسلام واسطا في المقايضات التجارية الهندية التي الواردة برا عن طريق فارس ، وكانوا على معرفة غير قليلة بالهند وأحوالها .

2 - طريق السند : وكان دخوله عن هذا الطريق مع جيش القائد الشاب الفاتح محمد بن القاسم الثقفي في سنة 92 هق ( 705 - 151 م ) ، حيث دخلها وحطم ما بقي من مفاسدها من أوثان وأصنام ، وظلت هذه الإمارة كلها وجنوب البنجاب تابعة للخلافة ، وعن طريقها انتشر الإسلام رويدا رويدا في المناطق الهندية المجاورة .

ولقد وفد على السند أفخاذ من القبائل العربية التي كان قوام جيش الفتوح في الغالب منهم ، فاستوطنوا هذه البلاد ثم اصهروا إلى أهلها بعد قليل ، حيث كانت لهم مشاركة ناجحة في نشر تعاليم الدعوة الإسلامية والعربية - لغة وكتابة - بين السنديين بفضل من حكامهم وأمرائهم من المسلمين ، فلم يمض بضع عشرات من السنين على فتح السند حتى طفقت أفواج من أهله تترى في بناء الثقافة الإسلامية وتبرز في ميادينها ، فكان منهم علماء في الحديث واللغة والأدب مثل صاحب المغازي أبي معشر نجيح السندي ، وابن الاعرابي اللغوي ، وأبي عطاء السندي المخضرم الشاعر ، ثم أبي علي السندي وأبي اليزيد طيفور ابن عيسى البسطامي (1) .

ص: 86


1- ضحى الإسلام احمد أمين ص 252 - 442 .

وقد جنى العرب بدورهم من فتحهم هذا كسبا عظيما للثقافة الإسلامية وأخذوا عن الهنود من فنون المعرفة وألوان الحضارة ما بهرهم (1) .

3 - عن طريق غزوات محمود الغزنوي ( مات 421 هق 1030 ) ، ( تتويجه عام 287 ه ، 997 م ) ، والذي غزى الهند خمس أو سبع عشرة غزوة كانت الأولى ( عام 391 هق 1001 م ) ، والأخيرة ( 416 هق 1025 م ) .

وفي تأريخ العتبى وابن الأثير وصف تفصيلي لفتوحاته وللنفائس التي غنمها من معبد ( سومنات ) ، وأنه كان من أعظم سلاطين المسلمين ، حيث قصد بلاطه العلماء والشعراء ، وبموته طوي ملكه .

وتوالت على الهند دول إسلامية كثيرة (2) إلى أن كان القرن السادس عشر الميلادي - وباستثناء الفتح الأول الذي قاده الثقفي - قامت جيوش وعناصر غير عربية من الترك والفرس والمغول ، وهذه ناحية هامة في دراسة الإسلام في الهند ، فإن معظم هذه الجيوش والعناصر والدول - التركية المغولية - كانت في معظمها حديثة عهد باعتناق الإسلام ، وقد نقلت معها الثقافة الفارسية ومظاهر الحياة التركية والفارسية والمغولية ، ولهذا انتشرت في المجتمع الإسلامي بالهند اللغة الفارسية ( لغة الثقافة في ذلك العصر ) واللغة الأوردية ، ولم تنتشر اللغة العربية كما كان سابقا ، وبالتالي لم تزدهر الثقافة العربية في الهند ازدهارها في الأقاليم والدول الإسلامية ، وساعد على هذا أن معظم العلماء والشيوخ والشعراء والخطباء الذين وفدوا على الهند كانوا من علماء ما وراء النهر وإيران ولغتهم الاثيرة لديهم هي اللغة الفارسية . .

ص: 87


1- havellpp 452 - 55 به تأريخ الفلسفة الإسلامية دى بور ترجمة الدكتور أبو ريدة القاهرة 1938 ؛ بدء العلاقات بين العرب والهنددكتور السيد محمد يوسف الهندي مطبعة كلية الآداب بجامعة القاهرة م 12 ج 1 سنة 1950 ص 104 .
2- من مثل : الغورية ؛ الخليجية ؛ المماليك ؛ آل تفلق ؛ ملوك الطوائف ، أسرة السادات ، اللوهيون .

ولكن هذا لا يعني أن علماء الهند - من أبنائها - لم يتقنوا اللغة العربية ، أو لم يعرفوا المؤلفات العربية ، بل لقد عرفوها وانتشرت بينهم اللغة العربية وتعلّمها كثيرون منهم والّفوا بها ، وتشهد بذلك المكتبة الهندية الغنية بالتراث العربي الإسلامي .

وقد أشرنا من قبل أنه قد توالت على الهند منذ أن دخلها الإسلام دول إسلامية كثيرة متعاقبة ، كانت دولة الأباطرة المغول آخرها وأهمها وأوسعها ملكا وأطولها عمرا وأرقاها حضارة ، وهي الدولة الراقية التي نشأ وترعرع فيها أبو الفيض ، وارتوى من نبعها وأخذ يتقلّب في المناصب العالية المادية والمعنوية ، وقد تأثّر من هذه الدولة وأثّر فيها هو أيضا .

ومن هذه المنطلق ولأجل أن نتعرّف على شخصيته وبيئته والعوامل المكونة لها ، ينبغي أن نذكر - باختصار - دول هذه الأباطرة وملوكها ، ودورهم في تنشيط الثقافة والفكر .

ص: 88

3 - اباطرة المغول الإسلامية في الهند

آ - ظهير الدين محمد [ بابر ]

فأول من نبدأ بذكره هو الكاتب والشاعر ظهير الدين محمد ( بابر ) ( 888 - 937 ه - 1483 - 1530 م ) ، ففي عام 1525 م حينما كان الأفغان يستولون على الهند توجه بابر لغزو الپنجاب فدلهى ، فكانت معركة ( باني بت ) التي انتهى فيها حكم الأفغان ووضعت حدا لتطاولهم على الهند ، وكانت إيذانا لظهور عصر جديد وبداية للحكم المغولي .

كانت الأحوال السياسية والظروف الاجتماعية حنيذاك سيئة للغاية ، فكانت الانقسامات والدسائس والمؤامرات والبغضاء والتكالب على الحكم تسود المجتمع الهندي .

وكانت انتصارات بابر في الهند بمثابة ضربة قاضية على القوى المعارضة الأفغانية وسلطنة الراجبوت القوية ، فامتدت مملكته من جبال الهيملايا في الشمال إلى گواليور ( گواليار ) في الجنوب ، ومن الپنجاب في الغرب إلى حدود البنغال في الشرق ، ولكن المنية لم تمهله حتى يرى مدى انتصاراته على أيدي خلفاءه .

حكم بابر الهند مدة تقل عن خمس سنوات ، وحكمه امتاز بالنشاط والحزم والعزيمة وتعمير البلاد وتوسيع نطاق العمران وتأسيس المساجد ونظام البريد ، وما إلى ذلك من ضروريات الحضارة والثقافة ، ووصيته لابنه همايون تبين بوضوح سياسته في الحكم - والتي التزم بها من بعده ابنه همايون - والتي كانت الأساس الأول لسياسية التسامح في الحكم المغولي في الهند .

آثاره الثقافية : وقد ترك بابر - فيما ترك - من التراث الثقافي ما يلي :

1 - با برنامه : وهو كتاب ذكر فيه كل ما مرّ عليه في حياته - ما له وما عليه -

ص: 89

ولم يترك أية ناحية من نواحي حياته منذ شبابه حتى آخر حياته إلا وقد ذكرها في هذا الكتاب - إلا فترة قصيرة - فبذلك يعتبر الكتاب سجلا تأريخيا هاما في تأريخ المغول ، وقد حررها باللغة التركية الجغتائية .

2 - عروض رسالة سى ( رسالة في العروض )باللغة الجغتائية ، ذكر فيه من الأوزان الرائجة في النظم الفارسي والتركي ، ألفه 932 أو 934 ه ق .

3 - مبيّن : مثنوى في بحر الخفيف المخبون ( فعلاتن مفاعلن فعلن ) في 928 ه 1521 موقد تعرّض في هذا الكتاب للمسائل الفقهية على المذهب الحنفي ، وكذلك تعليمات عن ترتيب الجيش وفنون الحرب والكتاب تعليمي أكثر من أن يكون فنيا ، وإلى العهد الأخير كان المستشرقون يسمونه ( مبين ) ، ولكن المؤرخين الهنديين مثل أبي الفضل العلامي وبدونى ، يسمّونه ( مبيّن ) ، واشبرنجر يسمّي الكتاب ( الفقه البابرى ) ، ولكن الحقيقة أن ( مبين ) تفسير لذلك الكتاب ، وشبلي نعماني الهندي يسميه ( الفقه المبين ) .

4 - ترجمة رسالة والدّية ، مؤلف الكتاب هو الخواجة عبيد اللّه الأحرار الصوفي ومرشدا للتيموريين ، وقد ترجم بابر الرسالة عام 935 ه 1529 م إلى اللغة التركية الجغتائية ، والحق فعلا بديوان بابر هذه الرسالة تشتمل على 243 بيتا في بحر الرملنشرها كوبريلى على أساس نسخة إستانبول .

5 - ديوان الشعر : القسم الأكبر من الديوان باللغة التركية ، وفيه أبيات باللغة الفارسية ، ويشتمل على أنواع الشعر : من الغزل ، المثنوي ، القطعة ، تيوغ ، الغاز ومفردات .

ولم تكن قدرة بابر الشعرية تقل عن قدرة أي شاعر تركي جغتائي في القرن التاسع الهجري ، وقد نظم عشرين قطعة باللغة الفارسية ، وينبغي أن نضع بابر في طبقة شعراء الترك بعد الشاعر ( نوائي ) (1) . .

ص: 90


1- با برنامه الطبعة الأولى 1857 م وقد ترجمه إلى الفارسية في القرن السادس عشر الميلادي عبد الرحيم ميرزا خان خانان وقد ترجم إلى اللغة الإنجليزية 1826 لندن وإلى الفرنسية 1871 پاريس وله ترجمة أخرى بالفارسية من حسن پاينده رك : دانشنامهء جهان اسلام ، دائرة المعارف اسلامي .

كان بابر شغوفا بالأدب والشعر ، حيث كان أثناء معاركه يختلس بعض الوقت ليقضيه في الإصغاء لانشاد الشعراء ، أو مناقشات الجهابذة من العلماء ، وكثيرا ما كان يدلى هو بدلوه مع الشعراء ، وفي عهده ارتقى فن التصوير والموسيقى وتوضيح الكتب بالصور ، وفن تنسيق الحدائق وقد شهد بلاطه حشدا كبيرا من الأدباء والعلماء والمؤرخين مثل ( خوندمير ) و ( شهاب الدين ) الشاعر و ( مير إبراهيم ) و ( الشيخ مازي ) و ( الشيخ زين خافي ) و ( مولانا باقي ) ، وإذا استعرضنا تأريخ آسيا نجد أن عددا قليلا من الأمراء استطاع أن يتطاول إلى مكانة أرفع من مكانة باير في عبقريته وثقافته الواسعة .

وإن كان من الجائز أن يرتقي حفيده ( أكبر ) مكانة أعلى من مكانته في سياسته الحازمة الحكيمة .

ب - ناصر الدين محمد همايون [ 963 ه - 1566 م ]

بعد وفاة أبيه ( بابر ) بيومين ارتقى همايون عرش أبيه ، ولم يقدّر لهذا الملك الجديد أن ينعم بملك مستقر هادي ، لقد سبّب له تقسيم البلاد بين إخوته الأربعة ( حسب وصية أبيه ) المتاعب وظهور الدسائس والمؤمرات التي قام بها هؤلاء الإخوة فيما بعدولم يبقى في الملك طويلا ، ولم يبلغ من الذكاء والقوة بحيث يستطيع أن يديم ما أنجزه أبوه ، فأصبحت الهند في حالة سوء ، فهناك منافسوه ، وكذلك كان إخوته من القوة بحيث يستطيعون أن يتطلعوا إلى عرش أبيهم .

وفي نهاية المطاف التجأ إلى إيران حيث بلاط الشاه طهماسب الصفوي ، حيث استقبله استقبالا ملكيا يليق بمكانته.وبمساعدات الشاه الصفوي ( مقابل

ص: 91

اشاعته المذهب الشيعي ) استعاد همايون ملكه وعاد إلى الهند عام 1555 م .

وكان كأبيه شغوفا بالفنون والعلوم والآداب ، وقد ترك فيما ترك مكتبة عامرة بالمؤلفات القيمة لا زال بناؤها قائما به دهلي حتى اليوموكان رجلا دينا كمسلم صادق الإسلاموحبه العميق واحترامه الشديد لأهل البيت عليهم السّلام يدل على أنه كان ذا ميول شيعية ، ويؤيد هذا الادعاء أن الإدارة الحكومية في عصره كانت في معظمها في أيدي رجال الشيعة .

ج - جلال الدين محمد أكبر [ أكبر شاه ] : [ 949 ه ق - 1014 ه ق ] [ 1542 م - 1605 م ]

خلّف همايون ( بعد وفاته ) ابنه ( أكبر ) ولم يكن إذ ذاك يتجاوز الرابعة عشرة من عمره ، ويقسّم المؤرخون مدة حكم أكبر التي طالت حوالي 50 سنة - من عام : 963 ه / 1556 م حتى عام 1014 ه / 1605 م - إلى فترات ثلاث :

الفترة الأولى : هي التي كان زمام الحكم الفعلي بأيدي الوزير الشيعي المحنك المجرب ( بيرم خان ) - الذي أقصاه لمدة محدودة ، وكان خير معين له - حتى حين اغتيال هذا الوزير .

أما الفترة الثانية : فهي الفترة التي حاول فيها بعض المشايخ المتزمتين والمتعصبين وبعض نساء القصر إملاء رغباتهن على السلطان الشاب ، وذلك بعد إفلاحهن في أقصاء بيرم خان - التركماني المولد والشيعي المذهب - بالدس والوقيعة من منصبه بسبب تشيعه .

والفترة الثالثة : هي التي انفرد فيها ( أكبر ) بالحكم كله ، وهي أطول هذه الفترات جميعا ، إذ امتدت من عام 969 ه / 1562 م حتى وفاته عام 1014 ه / 1605 م ) .

ولما شاهد أكبر محاولات وزيره للقضاء على أعداء الملك ندم على فعلته فأعاده وأنعم عليه بلقب خان خانان وجعله وكيلا للسلطة وزوّجه بابنة أخته

ص: 92

( سليمة سلطانة بنت أخت همايون ) ، وكان خان خانان الوزير الشيعي يولي المناصب الرفيعة الحكومية أبناء مذهبه ، ومن هذا المنطلق قامت نساء القصر وعلى رؤوسهن أم الملك في تعكير الجو ضد الوزير الشيعي حتى اضطرّ أن يذهب إلى زيارة بيت اللّه الحرام بإيعاز من الملك ( أكبر ) ، وفيما كان بيرم خان يجتاز الكجرات عام 968 ه 1561 م اغتاله رجل أفغاني .

ص: 93

4 - الحالة السياسية والاجتماعية والدينية على عهد أكبر شاه :

عندما ارتقى أكبر عرش آبائه المغول كان عرش دلهي قد أصبح كالكرة تتداولها أيدي الأفغان والمغول ، ولم تعد المملكة إلا تعبيرا جغرافيا أو مجموعة من الولايات .

كما غدت السيادة على الإقليم الشمالي الغربي من الهند موضع نزاع بين سكندر سور ومحمد عادل شاه ، وفي نفس الوقت كان ( همو ) بطل الهندوس قد أحرز لنفسه بطولة فائقة بانتصاره في معارك كثيرة ، وقبل أن يتقدم بيرم خان للنجدة كانت ( اگرا ) قد سقطت بيده ، وتسلّط على دلهي وضرب العملة باسمه .

وكانت إمارة بنگال يستقل بحكمها أمراء الأفغان ، وكانت ( مالوا ) وگوگرات - گوجرات ) قد نقضا الحلف بينها وبين الحكومة المركزية ، وكشمير والسند وبلوچستان قد تخلصت من كل نفوذ خارجي ، وكانت سلطنة دكن في ( احمد دكن ) و ( بيشاپور ) و ( گولكوندا ) و ( خاندش ) و ( برار ) يتولى الحكم فيها سلاطينها الذين كانوا في نزاع دائم ، وكانت قوى البرتغال تسيطر على مياه البحر العربي والخليج الفارسي ، كما امتد نفوذهم على سواحل الهند الغربية واستولوا على موانعه الهامة ، وبخاصة جوا goa وديو diw .

تلك كانت حالة الهند عندما ارتقى ( أكبر ) عرش اباطرة المغولوكان من حسن طالع هذه الأسرة أن وجد في تلك الفترة إلى جانبه ( بيرم خان ) ، فقد بذل أقصى جهده لمساعدة سيده وتدعيم ملكه ، وفي النهاية تمكن الملك أن يتربع على العرش لمدة نصف قرن ، ويخضع المطالبين بالملك ويطرد المنافسين ، وأدرك أن حكومته يجب أن ترتكز على أساس متين من الحب بغض النظر عن المعتقدات والنحل العديدة لدى الشعب ، فلهذا بدأ أكبر يعقد احلافا قائمة على الزواج وصلات النسب وإباحة المناصب الكبيرة للروجبوت وبقية الهنود ، وتغاضى عن الفروق الدينية ، فأتاح لجميع رعاياه حرية العقيدة والرأي وألغى ضريبة الجزية وساوى في معاملته - في الظاهر - بين المسلمين والهندوك ، وكثيرا ما كان يختلط بهم .

ص: 94

كان ( أكبر ) شديدة العناية برفاهية رعاياه ، وقضى على كثير من الفساد ، فمنع زواج الأطفال ، وحارب عادة حرق الأرملة حية مع زوجها الميت ، ودعا لمحاربة التمييز بين الطبقات ، ونشر التعليم ، ففي عهده كان المسلمون والهنود يدرسون جنبا إلى جنب ، وبهذه السياسة الحكيمة استطاع أن يضمن ولاء شعبه وحتى ولاء أعداءه .

وأنشأ ( عبادت خانه ) في ( فتح پور ) ليجتمع فيها رجال الفكر للمداولة والمناقشة وتصويب أفضل الآراء .

أرسل دعوة إلى السلطات البرتغالية في goa أن يرسلوا إلى بلاطه إرساليات دينية لمعرفة أسس الديانة المسيحية وفلسفتها ، وطمعا لاعتناقه المسيحية أرسلوا إليه الإرسالية الأولى عام 1580 ، والإرسالية الثانية 1590 وبعدها الإرسالية الثالثة ، ولكن التجربة فشلت ولم تستطع الأولى أن تؤثر في إيمان أكبر ، والإرسالية الثانية عادت تجرّ كأختها أذيال الفشل ، والثالثة أحرزت نجاها نسيبا في أن تقوم بالتبشير ( إن استطاعت ) كما حصلت على بعض الامتيازات التجاريةفقد انخدع البرتغاليون وعقدوا عليه الآمال الكبار ، فقد كان الهدف الذي هدف إليه أكبر هدفا سياسيا لأنهم كانوا يملكون مدفعية ضخمة في goa ، وكان هو يطمع في مساعدتهم ضد قلاع asirgrh اسيرگره ضد ابنه سليم الذي خرج عليه ، ففي عام 1556 م ورث أكبر عرش الهند فكانت مملكته مقسّمة مفكّكة ، ولكن عند موته ترك لخلفه امپراطورية كبيرة مترابطة الوحدة مترامية الأطراف ، ففي سنة 1605 م كان أكبر الحاكم الوحيد لكل شمال الهند ، وامتدت امپراطوريته في الشمال إلى جبال هيماليا وكانت تضم 18 ولاية كبيرة .

ص: 95

5 - الحركة الفكرية في الهند

برغم أن أكبر ينحدر من أسرة امتازت بالثقافة المتوارثة فيها ، فقد كان في حياة أبيه - في الغالب - محروما من قدر وافر من التعليم في الصغر ، فشب ولم يكن يحسن القراءة والكتابة ، ومع ذلك فقد فاضت حياته الطويلة بالنشاط العقلي ، إذ كان قوي الملاحظة كلفا بالمعرفة ، فتعلّم عن طريق التلقين مكتفيا بالاصغاء والتأمل ، وكانت ذاكرته قوية تستوعب كل ما كان يقرأ في حضرته من الكتب القيمة التي جاوز عددها في مكتبته الخاصة أربعا وعشرين ألفا .

ولقد ولد أكبر عن أب سنى وأم شيعية ، وبني ببضع أميرات من الهنادكة ، وطفق لا يشغل نفسه إلا بعلوم أهل السنة ، حتى التقى بالشيخ مبارك بن خضر وولديه أبي الفيض فيضي وشيخ أبي الفضل - الذين سنتحدث عنهم - وكان ثلاثتهم من المشتغلين بعلوم الحكمة والفلسفة والمعارف الشيعية ، فتفتحت عيناه على كثير من المسائل الفلسفية والأسرار الصوفية ودفعوه معهم في طريقهم ، طريق البحث عن الحقيقة ومحاولة الوصول إلى الحق المجرد .

إن عصر أكبر امتاز بالنشاط العقلي ، حيث كان يتدارس فيه العلماء والمحدثون والقراء ورجال الدين وصفوة رجال الدولة كتاب اللّه الكريم وعلوم التفسير والحديث ومسائل الفقه والتصوف والفلسفة .

ومن الأسباب التي هيّأت هذا المناخ والظروف الملائمة لاستعراض هذه العلوم وتنشيط الحركة الثقافية والعقلية ، هو قدوم جماعة من العلماء في مرحل مختلفة إلى الهند ، ففي القرن الثاني قدم الهند عن طريق كرمان إلى نواحي السند أبو حفص بن ربيع بن صبيح الأسدي البصري ، وهو من كبار المحدثين ، ويروي عن الحسن البصري ، ومات هناك عام 160 ه وفي القرن الرابع الهجري ( العاشر الميلادي ) توجه حسين بن منصور الحلاج

ص: 96

البيضاوي عن طريق البحر نحو الهند ، وتركها عن طريق البر وپنجاب وآسيا المركزية إلى العراق (1) .

وكذلك هاجر إلى الهند شيخ البهرة ( أمير نور الدين ) مع جمع من مريديه ، وبث هناك أصول أفكاره في الجنوب والغرب من الهند .

وكذلك في القرن الخامس نرى في المصادر اسم أحد المحدثين المهاجرين من بخارا إلى لاهور ، وهو شيخ الإسلام إسماعيل البخاريوفي سنة ( 448 ه ق ) علي بن عثمان الهجويري الغزنوي ، مؤلف كشف المحجوب الذي هاجر من غزنين إلى لاهور ( ف 469 ه ) .

ففي هذا القرن ( القرن الخامس الهجري ) أخذت قوافل العلماء والفقهاء والمحدثين تتجه صوب الهند ، وقد تركوا في تأريخ الثقافة الإسلامية الهندية أثرا عظيما ، ولا تتسع هذه المقالة لإحصاء جميع العلماء والمشايخ الذين جاءوا إلى الهند عبر حدود إيران ، ونذكر على سبيل المثال نفرا قليلا من الرجال والمشايخ والمشهورين الذين كان لهم قدم راسخ في نشر الإسلام والثقافة الإسلامية في الهند :

خواجة معين الدين چشتى ( 632 ه ق - 1243 م ) ، والخواجة قطب الدين بختيار كاكي ( 634 ه ق ) ، الشيخ جمال الدين گيلى القزويني المحدث ( 651 ه ق ) ، شيخ الإسلام بهاء الدين زكريا مولتاني ( 611 ه ق ) ( شيخ طريقة ) ، مولانا جلال الدين تبريزي من أخلاف شيخ الاشراق شهاب الدين السهروردي ، حسن بن محمد الصغاني ( محدث ومتشرع ) ( 507 ه ق ) ؛ مولانا عماد الدين غوري ( 750 ه ق ) ، مير سيد علي همداني ( صوفي ) ( 776 ه ق ) ، الشيخ برهان الدين محمود بلخي ( محدث وفقيه ) ( 687 ه ق ) ، السيد رفيع الدين شيرازي ( محدث وكلامي ) ( 993 ه ق ) ، الحكيم أبو الفتح گيلانى ( عالم وطبيب ) ( 997 ه ق ) ، القاضي نور اللّه الشوشتري ( فقيه ومحدث ) والملقّب بالشهيد الثالث ، من أجلة علماء الشيعة الإمامية .

ص: 97


1- مقدمة كتاب الطواسين ، بروفسور لوئى ماسينيون ؛ سرزمين هند ، على أصغر حكمت انتشارات دانشگاه تهران 515 ص 64 .

الاثنا عشرية ، وله آثار قيمة في الدفع عن حقل التشيع والإمامة المعصومة عليهم السّلام ، سافر إلى الهند بترغيب من أبي الفتح الگيلاني ، ونصبه أكبر قاضيا على لاهور ، ولكن استشهد على عهد جهانگير بتهمة الرفض ( 1019 ه ق ) ، ومقبرته تزار حتى الآن في مدينة آگرا ، ملا شاه بدخشي ( 1070 ه ق ) ، السيد علي خان الشيرازي المكي المدني ( محدث وفقيه وأديب ) ، من أكابر علماء السادة الشيعة الإمامية ( 1119 ه ق ) .

ومن القرن السادس برز من بين أبناء الهند الأصليين علماء كان لهم دور عظيم في تنشيط الحركة الإسلامية ونشر الدعوة المحمدية في تلك الديارونذكر على سبيل المثال : الشيخ فريد الدين شكر گنج ( 664 ه ق ) القاضي حميد الدين ناگوري ( متشرع وكلامي ) ( 695 ه ) ، الخواجة نظام الدين محمد بدايوني ( 725 ه ق ) ، الشيخ نصير الدين روشن چراغ دهلي ( 757 ه ق ) ، مولانا محمد گيسودراز ( 825 ه ق ) ، الشيخ نور الدين ريشي كشميري ، السيد محمد غوث گواليارى ( 970 ه ق ) ، الشيخ عبد القادر بدايوني ( 1010 ه ق ) ، أبو الفضل علامي ( 957 - 1011 ه ق ) ، أبو الفيض فيضي ( ذكرناهما مستقلا ) .

الشيخ أحمد سرهندي ( 1034 ه ق ) ، الشيخ عبد الحق دهلوي ( 1052 ه ق ) ، شاه ولي اللّه دهلوي ( 1176 ه ق ) ، والسيد غلام علي آزاد بلگرامي ( 1200 ه ق ) .

إن هذه الكوكبة من العلماء والفقهاء والمؤرخين والفلاسفة ومشايخ الطرق الصوفية ، عملوا في نشر الإسلام أصوله وفروعه وآدابه طيله قرون ثمانية ( 1300 - 500 ه ق ) .

وكانت تنتقل آثارهم ومؤلفاتهم عبر تلاميذهم إلى أقصى نقاط الهند ، حيث كان يتشكل مجتمع الإسلامي تقام فيه المساجد والمدارس ودور التعليم .

والمذهب الشيعي الاثنا عشري أخذ يشق طريقه في الهند بفضل جهود العلماء - عبر هذه القرون - الذين كانوا يأتون إليها متفرقين أو مجتمعين من بلاد اليمن والعراق وإيران ، وكانوا يبثون الحب والولاء لآل البيت عليهم السّلام والبراءة من

ص: 98

مناوئيهم .

وكانت هذه الهجرات في الأغلب تقع بسبب تصلّب الحكام السنّيّين المتصلّبين المتزمتين ضد الشيعة ، مثل السلاجقة والتيموريين والذين كانوا لا يألون جهدا في اضطهادهم وقمعهم وإبادتهم .

والمهاجرون الشيعة في القرون الأولى - والذين نزحوا إلى الهند عن طريق البحر - كانت العربية لغتهم الام ، وأما الذين كانوا يفدون إليها في القرون التالية - من خراسان - كانت الفارسية لغتهم الأصلية ، وهؤلاء هم الذين حملوا لواء انتشار اللغة الفارسية والأدب الفارسي وشعره ونثره خاصة ، والثقافة الإيرانية الإسلامية عامة في الهند عبر قرون طويلة ، حيث اتصف الأدب الفارسي في الهند بطابع هندي وغدت اللغة الفارسية هي اللغة الرسمية للدولة ، حتى في فترة الاستعمار البريطاني - منذ القرن الخامس الهجري ( الحادي عشر الميلادي ) إلى أواخر القرن الثالث عشر الهجري التاسع عشر الميلادي ) - والدليل على ذلك القائمة الطويلة بأسماء العلماء والشعراء الوافدين من إيران على الهندوأن أكبر هو أول سلطان هندي وضع منصب ( ملك الشعراء ) على غرار البلاط الإيراني ، وقد برز من بين أبناء الهند الأصليين شعراء ينظمون الشعر باللغة الفارسية ، من أمثال أمير خسرو دهلوي وفيضي وحيدربهان ، وقد الفوا معاجم باللغة الفارسية ، وهي وتعد الآن من أمهات مصادر هذه اللغة .

وتأريخ حركة الأدب والثقافة الإيرانية في الهند يحتاج إلى مجال كبير لا تسعه هذه المقدمة (1) .

وفي القرنين التاسع والعاشر الهجريين - بفضل جهود علماء الدين ومساعدة الحكام والسلاطين وانتشار الثقافة الإسلامية - اختمرت لدي الهنادكة فكرة .

ص: 99


1- شعر العجم البروفسور شبلي نعماني ترجمة فخر داعي في ثلاث مجلدات عن تراجم شعراء العجم في الهند ؛ سرزمين هند على أصغر حكمت 74 ؛ وعشرات الكتب في تراجم الاعلام نشير إلى بعضها في ترجمة أبي الفيض .

استساغتها عقولهم ونفذت إلى أعماق قلوبهم وضمائرهم ، ألا وهي التمسّك بالإيمان باللّه الذي لا تدركه الأبصار ، بعد أن كانوا وثنيين يؤمنون بتعدد الآلهة ، وكذلك تأثرت الهنادكة بمبدأ المساواة وعدم التمييز بين طبقات الناس إلا بالتقوى والصلاح - المبدأ الإسلامي : لا فرق بين سيد قرشي وعبد حبشي إلا بالتقوى - فتمخض عن ذلك كله أن اعتنقت جماعات غفيرة من الهنادكة وغيرها الدين الحنيف .

وهكذا ، وفي هذا الجو المتميز ترعرع وشبّ ( أكبر ) وبدأ حياته ، وظل طوال العشرين سنة الأولى من حكمه مسلما مخلصا ، ولكنه انقلب بسبب اختمار الأسباب الحاكمة على المجتمع آنذاك وبدأ يفكر في إيجاد مسلك جديد ، فبدأ عام 983 ه 1575 م بإنشاء دار خاصة في فتح پور باسم ( عبادت خانه ) لتكون منتدى للفقهاء والمتصوفة ورجال الدين وصفوة رجال الحكم من السنة والشيعة ، وكان يدعوهم مساء كل خميس لحضور هذه الدار ومناقشة المذاهب في حضرته ، بغية التقريب بين الآراء وتوحيد الإسلام في مذهب واحد ، ولكن هذه المناقشات لم تأت بالنتيجة المطلوبة ، وراح كل فريق يتهم الفريق الآخر بالكفر والمروق .

هدت أكبر قريحته - بمعاونة وزيره الشيخ أبي الفيض الفيضي وأخيه الشيخ أبي الفضل - إلى ابتكار مسلك جديد يتألف كل ما هو حسن في سائر العقائد على وجه يقضي - فيما ظنه - على تناحر الفرق والأديان ويهيئ السلام للناس والأمن للدولة .

وهذا المذهب الذي يعرف في التاريخ باسم ( دين الهي ) أو ( التوحيد الإلهي ) ، والذي يقوم على تمجيد اللّه وينادى بوحدة الوجود ويمتزج فيه التصوف والفلسفة بالعبادات ، والسلطان هو الإمام العادل ، ظل اللّه على الأرض ، المجتهد الأكبر ، إطاعته فرض ومخالفته حرام - وسنتحدث عن ظروف هذه المسألة - اقتبس هذا المسلك الجديد من الإسلام والهندوكية والمسيحية ، وربما الزرادشتية ، وبتعبير آخر اقتبس الروح من الإسلام بينما صاغ الجسم من غيرها ، ومن الطبيعي لم يقع هذا المسلك موقع القبول من جميع العلماء والطبقات والشعوب الهندية ، وكان يتأرجح بين مؤيديه ومعارضيهولكن لم يكن هذا المسلك الهدف

ص: 100

لحركة أكبر أكثر مما كان وسيلة لوحدة الشعب ونبذ الخلافات العقائدية (1) .

فالملك الشاب كان تحت سلطة العلماء المتشددين ، يتصرّفون في الملك كيفما يشاءون ، ويعاملون الذين لا يسيرون سيرتهم ولا يذهبون مذاهبهم معاملة سيئة تتسم بالعنف والإرهاب والقمعوكان من بين هؤلاء طائفة الشيعة عامة وأبو الفيض وعائلته خاصةففكروا في طريق يخرجهم من هذا المأزق ، ووجدوا طريق الخلاص في أن تكون مقاليد الأمور بيد الحاكم وولي الأمر ، وأن أكبر من مصاديق ( أطيعوا اللّه.وأولى الأمر منكم ) ، لأنه طاعته مفروضة من قبل اللّه ، فكتبوا محضرا بذلك وأيده العلماء برضى أو بغير رضى ، وبهذا التدبير قطعت أيدي المتطرفين من الحكم واستراح الباقون من تعنّتهم وتشددهم ، وأخذت الشيعة تنتعش برهة من الزمن بفضل تدبير الفيضي وأخيه . .

ص: 101


1- تأريخ دولة اباطرة المغول الإسلامية في الهند ص 112 الدكتور جمال الشيال دار المعارف 1968 ؛ تأريخ المسلمين في شبه القارة.الدكتور احمد محمود الساداتي الطبعة الثانية 1970 مطابع سجل العرب القاهرة .
الساطعة الثانية
أسرة المؤلف :

جد المؤلف : الشيخ خضر اليماني الأصل ، الهندي المسكن والمدفن ( ت 954 ه ق ) .

وكان أسلاف المؤلف وأجداده غالبا من أهل العلم وأصحاب الكمال ومشايخ الصوفية وأرباب الحال ، وأصل هذه السلالة من اليمن حيث جاء الشيخ خضر إلى الهندويقول مؤلف شعر العجم : يذكر أن الفيضي اسلافه من اليمن ، والشيخ موسى هو جده الخامس حيث هاجر من وطنه حبا للرحلة ودخل السند ، وأقام في قرية اسمها ( ريل ) وتزوج هناك .

ثم يستمر مؤلف شعر العجم ويقول : وفي القرن العاشر الهجري ترك الشيخ خضر - جدّ فيضي - بلاده نحو ناگور ، وهناك بنى على امرأة عربية ، وجاءت له بالشيخ مبارك ، وكان فيضي ثمرة هذا الزواج .

ويقول السيد محسن الأمين (1) : وصار له بها اعتبار عاش 120 سنة وقرأ في أحمدآباد كجرات على نحارير العلماء ، وأخذ من كل فن بسند عال ، وعرف المذهب المالكي والشافعي والحنفي والحنبلي والإمامي أصولا وفروعا ، ووصل إلى درجة الاجتهاد وهو وإن كان منتسبا إلى المذهب الحنفي ، لكنه في الحقيقة كان نابذا للتقليد ومتجاوزا علم الظاهر إلى الحقائق المعنوية وسالكا مسلك التصوف والاشراق ، وعارفا بأساليب التصوف ، خصوصا مسلك الشيخ محيي الدين بن العربي وابن

ص: 102


1- أعيان الشيعة السيد محسن الأمين ج 9 ؛ شعر العجم 3 / 27 .

الفارض والشيخ صدر الدين القونوي ، ومن جلائل النعم الإلهية عليه اختصاصه بملازمة الخطيب أبو الفضل الكازروني ، فاتخذه بمنزلة الولد فقرأ عليه التجريد وكثيرا من غوامض الشفاء والإشارات ودقائق التذكرة والمجسطي ، وتتلمذ على مولانا جلال الدين الدواني ، وأخذ في جزيرة العرب أنواع العلوم النقلية عن الشيخ السخاوي المصري تلميذ ابن حجر العسقلاني ، وسافر في أوائل المائة العاشرة مع جماعة من خواصه إلى الهند لأجل رؤية الأولياء هناك ، فجاء إلى ناكور والتقى بالسيد يحيى البخاري الذي له نصيب وافر من الولاية المعنوية ، وبالشيخ عبد الرزاق القادري البغدادي من أولاد الشيخ عبد القادر الجيلي المشهور ، وبالشيخ يوسف السندي ، وسافر إلى السند وأخذ عن الشيخ فياض البخاري وتوفي سنة 954( أقول ) : يظهر من ذلك أنه كان صوفيا وتشيعه غير معلوم ( حيث كان يعمل بالتقية ) وإن كان مظنونا ، قالوا وابنه الشيخ مبارك بن الشيخ خضر كانت له رياسة عامة ومرجعية تامة في الهند ( وتأتي ترجمته ) .

الشيخ مبارك ابن الشيخ خضر اليماني الأصل الهندي المسكن

( سنة 911 وتوفّى 17 ذي القعدة سنة 995 ه ق ) .

والشيخ مبارك ( ابن الشيخ خضر ) بعد تحصيل العلوم العقلية والنقلية نال في تلك المملكة رياسة عامة ومرجعية تامة - وابنه الشيخ أبو الفضل كان مقدما في عهد السلطان محمد أكبر شاه ( 957 - 1011 ) - .

والشيخ مبارك ولد في ناگور عام 911 ه ق ، واستقر عام 950 ه ق في آگرا ، ظهرت عليه ملامح النجابة في صباه ولما بلغ التاسعة من عمره كان قد حصل له نصيب من العلم ، وما أن بلغ الرابعة عشرة حتى صار له إلمام بسائر العلوم المتداولة ، قال أبو الفضل : ولما توفي جدي الشيخ خضر سنة 954 التزم والدي زاويته واشتغل بتحصيل العلوم وحصل قحط في بلاد الهند وضيق عظيم وهو لم يفارق زاويته ولم تفتر عزيمته ، وأنا كنت يومئذ ابن خمس سنين وكان يعول في هذا الوقت سبعين نفسا من ذكور وإناث وصغار وكبار ، ولم يكن له شغل في ذلك المنزل

ص: 103

غير محاسبة النفس ومطالعة أسفار الحقيقة إلى أن ارتفع القحط ومنّ اللّه تعالى بالرخاء ، واشتغل ببث فنون الحكمة وأنواع العلوم بين الناس وإبانة الحق والباطل ، ويوما بعد يوم صارت الناس تأخذ من خزينة عقله فوائد كثيرة ، فدب داء الحسد له في القلوب ، ونسب إلى التشيع ولكن بواسطة الحماية الإلهيّة دفع شرهم عنه ، وفي سنة 950 خرج من زاوية الانزواء واشتغل بنشر العلوم وتتلمذ عليه الأكابر ، وعاد الحساد فالصقوا به عند السلطان أمور بافترائهم - نتيجة تعصبهم الديني - .

قالوا : ومن إمعان النظر الدقيق وإعمال الفكر العميق فيما قرره ابنه الشيخ أبو الفضل عند ذكر ترجمته بضميمة الاطلاعات الخارجة ، يعلم أن الشيخ مبارك وابنه الشيخ أبو الفضل كان كل منهما - باطنا - شيعي المذهب إمامي المشرب ، ومن هذه الجهة كان علماء ورؤساء المخالفين لهم في المذهب يعادونهما عداوة قبيحة ، ويمرّ ما يدل على تشيعهما في ترجمة ابنه أبي الفضل .

وذكرنا في تلك الترجمة نقلا عن كتاب دانشوران ناصري : أنه لما دخلت السنة الرابعة والعشرون من سلطنة أكبر شاه ، جرى يوما في مجلسه حديث في أن السلطان هل يمكن أن يجتهد في بعض الأمور ، فكتب الشيخ مبارك الذي كان أعلم علماء زمانه تذكرة بأمر السلطان وختمها بخاتمه فيها : أنه بمقتضى آية أَطِيعُوا اللَّهَ وَأَطِيعُوا الرَّسُولَ وَأُولِي الْأَمْرِ مِنْكُمْ ، والأحاديث الواردة في ذلك ، وجوب إطاعة السلطان العادل ، فإذا اختلف العلماء في مسائل الدين واختار السلطان أحد القولين لأجل تسهيل معاش بني آدم وصلاح حال العالم ، فحكم به وجبت اطاعته ، وكذلك إذا حكم بما لا يخالف النص لأجل المصلحة العامةوختم هذه التذكرة بخاتمه وختمها سائر العلماء والقضاة ، وذلك في رجب سنة 987 ه ق ، وكان الدافع إلى ذلك ما ظهر من الشيخ عبد اللّه ابن الشيخ شمس الدين السلطانبوري الملقّب بمخدوم الملك ، والشيخ عبد النبي الصدر من حب الجاه والمال والسعي في إراقة الدماء باسم الدين ، وقد لاقى الشيخ مبارك وولداه الشيخ أبو الفضل والشيخ أبو الفيض منهما أذى كثيرا ، ولكن اللّه نجاهم من شرهما .

وقال الشيخ عبد القادر البدائوني ( من تلاميذ المترجم ) في كتاب له : إن

ص: 104

مخدوم الملك أصدر فتوى بأن الذهاب إلى الحج غير واجب ، لانحصار الطريق في طريق العراق الذي يسمع فيه كلام غير ملائم من القزلباشية ، وطريق البحر يلزم أن يؤخذ فيه جواز من الفرنج فيه صورة مريم وعيسى عليهما السّلام وأنه آلهوالبدائوني عند ترجمته نفسه يقول : إن الشيخ مبارك وإن كان له علي حق عظيم لأنه أستاذي ، لكن حيث إنه وأولاده مغالون في الانحراف عن المذهب الحنفي لم تبق له علي حجة ، وحكي البدائوني عن مخدوم الملك أنه في أول عهد أكبر شاه كان كلما رأى الشيخ أبا الفضل يتكلم عليه وعلى أبيه الشيخ مبارك ويذمهما .

فأصدر الشيخ مبارك هذه الفتوى بأمر السلطان لبعض ما رآه من الصلاح .

وإلا فالآية خاصة ببعض اوليالأمر الذين لا يعصون اللّه ما أمرهم ، وكيف يأمر اللّه تعالى بإطاعة الفسقة والعصاة ، وليس الأمر بإطاعتهم إلا أمرا بالمعصية تعالى اللّه عن ذلك ) (1) .

يقول مؤلف شعر العجم : إن الشيخ مبارك برع في العلوم الظاهرية والباطنية ، وكان له مركز كبير ، وله تفسير في حجم تفسير الكبير للإمام الرازي في أربع مجلدات وسما تفسيره منبع العيون ، ثم جاء من ناگور إلى كجرات ومنها إلى اگرافي ( جمنا ) ، مجاورا لرفيع الدين الحسيني (2) .

إخوته :

المولى الشيخ مؤتمن الدولة أبو الفضل الناگوري المؤرخ ابن الشيخ مبارك ابن الشيخ خضر ، اليماني الأصل الهندي المسكن 958 - 1011 ه ق ، ( 1551 - 1602 م ) .

عالم مؤرخ كان معاصرا للسلطان جلال الدين محمد أكبر شاه بن همايون شاه المنسوب إليه مدينة أكبرآباد بالهند ، والمتوفي سنة 1014 ه ، ألّف له المترجم .

ص: 105


1- أعيان الشيعة ج 9 .
2- شعر العجم 3 / 27 .

تأريخا فارسيا سماه آيين الأكبري منسوبا إلى اسمه ، فرغ منه سنة 1004 ه ، أورد فيه من عادات الهنود وأحوالهم أمورا عجيبة .

وجاء في كتاب دانشوران ما ترجمته : الشيخ أبو الفضل المؤرخ من مشاهير علماء مملكة الهند ومعاريف أفاضل عهد السلطان محمد أكبر شاه ، كان مشهورا بحسن النظم والنثر ، كان مقدما على جميع رجال المملكة في عهد سلطان الوقت محمد أكبر شاه حتى على أولاد السلطان ، وهو مصنّف تأريخ أكبر شاهي ( آيين اكبرى ) المشهور في تمام العالم بفصاحة عبارته واستحكام كلامه ، وهو شاهد على تبحّر مؤلفه وتضلّعه وتعمّقه واتساع بلاغته وبراعته .

وأصحاب المعاجم والمصنّفون في التأريخ والرجال ينقلون غالبا ترجمة الشيخ أبي الفضل وأحواله من ذلك الكتاب ، لأنه في ذيل تأريخ آئين أكبري شرح أحوال اسلافه وأخبار سلسلة آبائه وأجداده شرحا مفصلا بحيث لم يترك جزئية ولا كلية ، وذكر أساتيذه وآثاره وعلومه ومعارفه وذكر والده أيضا ، ومن إمعان النظر الدقيق وإعمال الفكر العميق في تقريره بضميمة الاطلاعات الخارجية ، لعلم أن الشيخ أبو الفضل كان باطنا شيعي المذهب إمامي المشرب ، ومن هذه الجهة كان علماء ورؤساء المخالفين له ولأبيه في المذهب يعادونهما عداوة قبيحة ، والشيخ أبو الفصل في وقت رياسته العظمى سعى في تفريق كلمة هؤلاء الجماعة ، والسلطان أكبر شاه قصّر أيدي المتعصبين عن الخلق .

ونحن تأسيا بمؤلفي السلف ننقل أحوال الشيخ أبي الفضل : قال عن نفسه أنه ولد سنة 957 ه ، وما بلغ الخامسة عشرة من عمره حتى كان أبوه قد فتح له أبواب خزائن العلم ثم ذكر أحواله مطولا .

ثم قال أصحاب دانشوران ناصري بعد نقله بطوله :

هذه ترجمة أبي الفضل التي ذكرها هو بنص عبارته في كتاب ( آئين اكبرى ) .

وأما شرح تشريع وإيجاد الدين الإلهي الذي ظهر في عصر جلال الدين محمد أكبر بتدبير وسعي الشيخ أبي الفضل المذكور ، على ما ذكره النواب السيد غلام حسين الطباطبائي رضوان اللّه عليه في مقدمة كتابه سير المتأخرين ، حيث

ص: 106

قال : إن الشيخ عبد اللّه ابن الشيخ شمس الدين السلطانبوري - الذي كان يلقب في عهد شير شاه بصدر الإسلام ، وفي زمان همايون بشيخ الإسلام ، وفي وقت أكبر بمخدوم الملك - كان طالبا للجاه غاية الطلب ، متعصبا محبا للدنيا ، كما ذكره الشيخ عبد القادر البدايوني في كتابه مع اتحاد المذهب فيهما والمناسبة التامة في العمل والطبيعةولما مات مخدوم الملك وكان بينه وبين السلطان منافرة ، ظهرت له خزائن ودفائن كثيرة منها عدة صناديق فيها قطع من الذهب بشكل اللبن كان قد دفنها في المقبرة ، فأخرجت وأدخلت مع كتبه إلى الخزانة العامرة السلطانيةوالشيخ عبد النبي الصدر كذلك كان رجلا متعصبا طالبا للجاه ، وهو من أولاد أبي حنيفة الكوفي ، وفي أوائل عهد أكبر وصل اقتداره إلى حد أنه كان أحد وزراء الملك يقدم له نعله والأفاغنة يحبونه كثيراوكانت عامة الدعاوي وأكثر أمور السلطنة تدبر برأي هذين الرجلين ، والسلطان مشغول عنهما ، وكان هذان الرجلان بمقتضى حب الجاه والنفس وشدة التعصب كلما رأوا رجلا هو محل التفات السلطان والسلطان يميل إلى مشربه ومسلكه ، يتوسلان إلى قتله بكل حيلة باسم حماية الشرع وحراسة الإسلام ولا يدعان أحدا يرفع رأسه ، ووصل الحال إلى أن خلقا كثيرا قتلوا بغير حق بسعى أولئككما أن الشيخ أبو الفضل وأبوه الشيخ مبارك وأخوه الشيخ فيضي وقعوا في بلية هذين الرجلين ، وبالتأييد الإلهي نجوا من هذا البلاء ووصلوا إلى أوج العزة والاختصاص .

والذي يستفاد من مجموع الحكايات وتقريرات نقلة أخبار ذلك العصر أن كلا هذين القدوتين كانا في الظاهر في نهاية التعصب والتصلب للدين لكن لمجرد حب الجاه والنفس واتباع الهوى ومن شدة تعصبهم أصدر مخدوم الملك - على ما ذكره الشيخ عبد القادر بدايوني - فتوى عجيبة وهي أن الذهاب إلى الحج في أيام الحج غير واجب ، حيث أنه سأل فأخبر أن طريق الحج منحصر إما في طريق العراق أو طريق البحر ، وطريق العراق يسمع فيه كلام غير ملائم من القزلباشية ، وطريق البحر يلزم أن يؤخذ فيه جواز من الأفرنج ، وهذا الجواز قد صوروا فيه صورة مريم وعيسى عليهما السّلام وانه إله ، فإذا السفر على كلا الطريقين ممنوع ، والبدايوني عند ترجمة أحوال نفسه يقول : إن الشيخ مبارك وان كان له على حق عظيم من

ص: 107

جهة أنه أستاذي ، لكن حيث إنه وأولاده مغالون في الانحراف عن المذهب الحنفي لم تبق له علي حجة وأيضا لأجل تأييد مدعاه نقل عن مخدوم الملك أنه كان كلما رأى الشيخ أبا الفضل في أوائل عهد أكبر شاه يذمه ويذم أباه الشيخ مبارك ويقدح فيهما وبسببهما أريقت دماء كثيرين من عباد اللّه ، لا سيما على التشيع ، ووصل التعصب في العوام إلى حدانه في أوائل سنة 33 ( في سلطنة أكبر ) كان رجل من أرباب المناصب اسمه فولاد يرلاس يعادي رجلا يسمّى الملا أحمد شيعي المذهب - عداوة مذهبية - فاستدعاه ليلا من منزله وضربه بخنجر ، وكان أكبر شاه في تلك الأيام قد خرج من قيد العصبية ، فأمر أن يربط برلاس في بلدة لاهور حتى هلك ، وتوفي الملا أحمد المجروح بعد وفاة قاتله بثلاثة أيام ، وبعد دفن الملا أحمد أقام الشيخ فيضي وأخوه الشيخ أبو الفضل حراسا على قبره خوفا من أن ينبش ، ومع هذا الاهتمام فإن أهل لاهور بعد سفر عسكر أكبر شاه إلى كشمير نبشوا قبره وأخرجوا جثته وأحرقوها ، وحيث أن مؤتمن الدولة الشيخ أبو الفضل صار في أعلى مراتب القرب عند أكبر شاه ، وعلامة الزمان الحكيم فتح اللّه الشيرازي وآخرين من علماء وأمراء العراق وشيراز جاءوا بكثرة إلى ديار أكبر شاه ، اتفق الشيخ أبو الفضل مع العلامة المذكور وآخرين من العلماء على طريق واحد وكلمة واحدة لتدارك الشدة وإراقة الدماء من قبل أولئك المتعصبين المعاندين المذكورين ، وتحزموا لذلك بحزام هممهم المحكم ، فوجدوا السلطان نفسه قد رجع عن مذهبه ورأى أن المذهب الذي هو عليه والبناء الذي أحكمه من مدة طويلة يؤدي إلى فناء الخلق ، فلم يجد بدا من الخروج عن قيد التعصب وخلّص عباد اللّه من مخالب أولئك وأتباعهم وأبدل الشدة بالرخاء ، واطلع شيئا فشيئا على خبث نيات أولئك ، ولما دخلت السنة الرابعة والعشرون من جلوسه جرى يوما في مجلسه حديث بين القضاة والعلماء في المسائل المختلف فيها بين المجتهدين ، وانجر الكلام إلى أن السلطان هل يمكن أن يجتهد في بعض الأمور ؟ فكتب الشيخ مبارك والد معتمد الدولة الشيخ أبو الفضل الذي كان أعلم علماء زمانه حسب الأمر تذكرة بهذا الخصوص وختمها بخاتمه ، وحاصلها أنه بعد التأمل وإمعان النظر في معنى الآية الكريمة أَطِيعُوا اللَّهَ وَأَطِيعُوا الرَّسُولَ وَأُولِي الْأَمْرِ مِنْكُمْ وأحاديث واردة في ذلك فقد حكمنا بأن مرتبة السلطان

ص: 108

العادل عند اللّه تعالى أعلى من مرتبة المجتهدين ، لأن نص آية اوليالأمر يؤيد وجوب إطاعة السلاطين وموافقتهم على رأيهم ، لا معاضدة المجتهدين ، والسلطان أعدل وأفضل وأعلم باللّه تعالى ، فإذا وقع الاختلاف في مسائل الدين بين العلماء واختار السلطان أحد القولين لأجل تسهيل معاش بني آدم وصلاح حال أهل العالم فحكم به وجبت إطاعته على كافة الأنام ، وأيضا إذا حكم بحسب اجتهاده بحكم لا يخالف النص لأجل المصلحة العامة فمخالفة هذا الحكم موجبة للسخط الإلهي والعذاب الأخروي والخسران الديني والدنيوي ، وختم الجميع هذه التذكرة بخواتيمهم وبعد هذا أحضر مخدوم الملك وعبد النبي الصدر وأمرهما بختمها وإمضائها بخطهما فختماها وأمضياها بخطهما طوعا أو كرها ، وكان ذلك في شهر رجب سنة 987 من الهجرة المقدسة .

فلما كتب هذا المحضر شرع السلطان في إجراء ما يصلح العباد شيئا فشيئا ، فأمر مخدوم الملك والشيخ عبد النبي بالسفر إلى الحج ، وعين العلماء المتعصبين قضاة في الأمكنة البعيدة ، وبهذا التدبير استراح الخلق من أضرار الأشرار وتفرغوا لأمور معاشهم ومعادهم ، فإن السلطان يلزم أن لا يكون متعصبا ويلزم أن تكون الرعايا في ظله سواء ، فلما وصل مخدوم الملك إلى مكة المكرمة كان ابن حجر صاحب الصواعق المحرقة حيا موجودا في مكة ، وباعتبار تناسبه مع مخدوم الملك في التعصب استقبله واحترمه كثيرا وفتح له باب الكعبة ، وكان ذلك قبل أيام الحج فأخذ في ذم السلطان والأمراء في المجالس والمحافل بسبب ما ناله حتى نسبهم إلى الارتداد عن الدين والرغبة في الكفر ، فوصل ذلك إلى مسامع السلطان ، والشيخ عبد النبي لما سمع بخبر بغي محمد حكيم ميرزا أخي السلطان أكبر شاه وفتحه مدينة لاهور عزم هو ومخدوم الملك على الرجوع إلى الهند طمعا في الرئاسة وحبا للجاه ، فعادا إليها ووصلا إلى أحمدآباد كجرات ، فوجدا أن أكبر شاه بتمام الاقتدار فخافاه على أنفسهما ، وكان بعض نساء السلطان قد ذهبن إلى الحج في تلك السنة وعدن منه ووصلن أحمدآباد فتوسلا بهن ليشفعن لهما عند السلطان ففعلن ، ولما كان السلطان غاضبا عليهما أشد الغضب لسوء أفعالهما أظهر لنسائه أنه قبل شفاعتهن وأرسل بعض رجاله خفية للقبض عليهما ففعلوا ، فتوفي مخدوم الملك في الطريق فحمل

ص: 109

محبوه نعشه : خفية ودفنوه ، واستخرج السلطان من داره أموالا عظيمة وحملها إلى خزانتهوأما الشيخ عبد النبي فبعد وروده حوّل إلى الشيخ أبي الفضل لمحاسبته ، فتوفي بهذا الأثناء ، وللعداوة التي بينه وبين الشيخ أبي الفضل اتهم بقتله .

وبقي الحال على هذا والناس في أمان وراحة من التعصب إلى عهد جهانگير ، وفي عهده أخذ التعصب المذهبي في الظهور واشتد في عهد عالمگير .

ومما ذكره الشيخ أبو الفضل في ترجمة نفسه ، ومن وضعه هو وأخوه أبو الفيض المحافظين على قبر ملا أحمد الذي قتله فولاد برلاس - كما مر - يظهر تشيع أبو الفضل وأبيه وأخيه ، وكان لأبي الفضل ولد اسمه الشيخ عبد الرحمن وكان ينوب عن والده .

وأما قصة استشهاده ، فقد خشي سليم ابن أكبر شاه أن يسعى أبو الفضل لدى أبيه فأوعز إلى أحد راجة الهند « راجه نرسنكه ديو » بقتله ، ولما كان أبو الفضل يتجه نحو العاصمة هجم عليه ( ديو ) وجنده قرب « گواليار » ، وبعد مبارزة شديدة قتلوه وقطعوا رأسه وحملوه إلى سليم ودفنوا جسده في قرية « انترى » ، فاغتم الملك غما شديدا لذلك ، وأمر أن يقتل القائد وأسرته وتهدم أمواله وممتلكاته ومزارعه .

من آثاره :

آئين اكبرى : كتاب باللغة الفارسيّة في مختلف العلوم الاجتماعية والأدبية والتأريخية والاقتصادية والجغرافية ، تأليف الشيخ أبي الفضل العلامي ، الّف هذا الكتاب بشكل دائرة معارف في العلوم والاعتقادات والتقاليد السائدة بين مسلمي شبه القارة الهندية والهندوس ، ويمتاز بأسلوب خاص ممتع ، تحدّث فيه المؤلف عن التنظيمات الإدارية والعسكرية والاقتصادية والدينية في عصر أكبر شاه التيموري ، كما أورد في الكتاب معلومات واسعة عن الأماكن والمذاهب والآداب وتقاليد كل مكان وناحية ، والكتاب يعد مرآة تعكس حياة الهند السياسية والاجتماعية والثقافية في عصر أكبر شاه .

ص: 110

وعلى خلاف ما يعتقده بعض المستشرقين فإن كتاب آئين أكبري ليس هو الجزء الرابع من كتاب أكبرنامه للمؤلف نفسه ، وذلك لأن كتاب أكبرنامه هو تأريخ عصر أكبر شاه وأجداده وألّفه أبو الفضل في مدة 28 سنة ( منذ 982 / 1574 ) في ثلاثة أجزاء ، بينما انتهى آئين أكبري في ( 1006 / 1597 ) ، والمصدر الرئيسي للمؤلف هو مشاهداته والتقارير الموجودة في مؤسسات أكبر شاه الإدارية .

وينقسم إلى خمسة أقسام ، تدبير المنزل وتدبير الجيش ، أصحاب ألقوا في ، تدبير المملكة - وقد تحدث في هذا الفصل عن ( التاريخ الإلهي ) - وأما القسم الأخير فليس له عنوان ويعتبر الكتاب من أهم المصادر المعتمدة في دراسة الهند ، طبع الكتاب عدة مرات في دلهي 1271 / 1855 ، / 1286 1862 و 1299 / 1867 وفي 1300 / 1883 في كانپور( دائرة المعارف الإسلامية الكبرى ) (1) .

أما باقي إخوته : فإن صاحب الترجمة في مقدمة تفسيره سواطع الإلهام يتحدث عن إخوته فيقول عنهم : كلهم أولو العلم والحكم ، سعود لوامع المكارم ، سلكوا مسالك العلم والحكم ، وأدركوا مدارك الورع والصلاح ، ووصلوا مراصد الولاء والوداد ، لهم علم أصلح وعمل أعود ومدار أول ( انتهى ) (2) .

الشيخ أبو المكارم ولد سنة 976 ه ق 3 شوال . .

ص: 111


1- 1 - دائرة المعارف بزرك اسلامي ج 6 / مادة أبو الفضل علّامي . 2 - أكبرنامه - آيين . 3 - انشاى أبو الفضل - مكاتبات علّامي . 4 - عيار دانش ( قصص مختارة ) . 5 - ترجمة الإنجيل بالغة الفارسية . 6 - مناجاة منظوم . 7 - رقعات أبو الفضل ( رسائل خاصة ) . 8 - كشكول أبو الفضل .
2- راجع : مقدمة تفسير سواطع الإلهام .

الشيخ أبو البركات ولد سنة 960 ه ق 17 شوال .

الشيخ أبو الخير ولد سنة 907 ه ق 22 ج الأولى .

الشيخ أبو تراب ولد سنة 988 ه ق 3 ذوالحجة .

الشيخ أبو حامد ولد سنة 1002 ه ق وكذلك ربيع الأول .

الشيخ أبو راشد 1002 ه ق ( شهداء الفضيلة للعلامة الأميني رحمه اللّه ) (1) .

وقد ذكر أبو الفيض هذه الأسماء بالالغاز في مقدمة تفسيره . .

ص: 112


1- راجع شهداء الفضيلة تأليف العلامة المرحوم الأميني رحمه اللّه .
الساطعة الثالثة

أبو الفيض الفيضي (1) : كاتب ، شاعر ، أديب ، فقيه مؤرخ ومفسر ووزير

ص: 113


1- بداؤني ، منتخب التواريخ 3 / 5 / 3 يقول عنه : انه مخترع الجد والهزل والعجب والكبر والحقد والبغضاء ومجموعة من النفاق والخبث والرياء وحب الجاه والخيلاء والرعونة انه كان يعاند ويعادي المسلمين ويطعن في أصول الدين ويهين المذهب والصحابة والتابعين والمتقدمين علماء وفضلاء سرا وجهارا ليلا ونهارا كل اليهود والنصارى والهنادكة والمجوس اشرف منه ( انتهى ) لعن اللّه عقدة المعاصرة ويقول إن فيضي عند الممات كان يعوى كالكلب ووضعوا له بيتا مفاده ان كلبا قد مات وهو فيضي . تجد ترجمته في : مجمع الخواص ، صادقي كتابدار ص 52 ، 53 ترجم بالفارسية ؛ گنج سخن ، ص 53 ، 61ذبيح اللّه صفا ؛ مخزن الغرائب ؛ وصحف إبراهيم ؛ وتأريخ أدبيات رضازاده شفق ص 374 ، 375 ؛ لغت نامه على أكبر دهخدا ؛ دائرة المعارف مصاحب ؛ دائرة المعارف الإسلامية العربية المترجمة ؛ دائرة معارف البستاني ، أعيان الشيعة للامام الأمين ؛ ج 9 ؛ الذريعة آغا بزرك الطهراني ، ج 12 ، 1578 ص 240 ؛ تذكرة نصرآبادىّ ، ميرزا محمد طاهر ص 482 ط طهران 1317 ؛ مرآة الأمراء ، شاه نواز خان 56 / 2 ، 584 ط 2 كلكتة 1890 م ؛ شهداء الفضيلة العلامة الأميني ، نجف ، نامه دانشوران ؛ روضات الجنات ؛ اعلام الزركلي ، گلزار جاويدا محمود هدايت ؛ مجمع الفصحاء رضا قلى خان هدايت ؛ تأريخ أدبيات إيران ادوارد براون ؛ تأريخ أدبيات إيران دكتر ذبيح اللّه صفا ؛ تذكرة نتائج الافكار محمد قدرت اللّه كوپا ط 15 هند ص 533 عام 1326 ؛ شرح حال منتخب اللطائف رحم عليخان ايمان ص 313 ط 1349 : مقالات الشعراء ص 505 ، شبلى نعماني ؛ شعراء العجم شبلي نعماني ج 3 / 26 ؛ تذكرة ميخانه ملا عبد النبي فخر الزماني قزويني ص 247 ط الخاصة 1367 ؛ سبك شناسى ملك الشعراء بهار ، 3 / 258 ؛ حاشية سبك شناسى 3 / 303 ، آئين اكبرى أبو الفضل ناگورى .

( 954 - ه ت 10 صفر 1004 ه ق 1595 م - 1574 م ) ، ولم يكن أبو الفيض دون أخيه في نباهة الذكر والعلم ، فقد كان أقدر في صناعة اللغة وفي الشعر ، وخاصة بالفارسية والهندية - وعلى المثل : الفضل ما شهدت به الأعداء - يقول عنه البدايوني الذي كان يبغضه بغضا شديدا : ( لم يكن له نظير في عصره.كما كان على نبوغ كبير في الكتابة والفقه ثم الطب ، الذي بلغ شفغه به أن أوقف قرابة خمسة آلاف مجلد من النوادر في الشعر والطب والفلك والموسيقى والرياضيات والفلسفة ، وقد نقلت جميعها على أثر وفاته إلى البلاط بعد تضعيفهانعم لقد كان عالما فاضلا مؤلفا ، شهدت له آثاره القيمة بذلك والتي نستعرضها عما قليل .

لقد مرّ على فيضي وأخيه في مراحل شبابهما ظروف صعبة جدا ، وذلك بسبب المذهب الشيعي الذي كانا يعتنقانه ، ففي جميع مراحل حياتهما - سواء قبل الاتصال بالبلاط أو بعده - كانت تحاك المؤامرات ضدهما وتدس الدسائس للوقيعة بهما ، ولقد ضاقا ذرعا من الاضطهاد والإرهاب الذي كانا يواجهانه من علماء البلاط والمعاندين عقائديا ، أو من ناحية الحرم الملكي .

لكن بسبب بصيرة الفيضي وأخيه بحقائق ما تجرى من الأمور ، وبسبب صدق نيتهما واستقامتهما الخلقية ، تطورت وتغيرت الظروف التي كانا فيها ، ففي عام 974 ه ق طلب ( أكبر ) حضورهما إلى البلاط واستقبلهما استقبالا حارا واحتفى بهما حفاوة بالغة تليق بمثلهما ، وقد سجل هذا الحادث الفذ - الذي غيّر مصير حياتهما - الفيضي في قصيدة مطنطنة ، يظهر فيها فرحه وسروره بهذا الحادث ، وقد ذكر ذلك أبو الفضل في ( آئين اكبرى ) بجميع تفاصيله وجزئياته .

وبعد أن توطدت قدماهما في البلاط تمكنا بفضل عبقرتهما السياسية أن يعبرا الحواجز ويزيحا الستار عن النوايا العدائية التي كانت تكنّها لهما حاشية البلاط ، لا سيما من ناحية الشيخ عبد النبي ومخدوم الملك ، وآرائهما الرجعية التي كانت تتسم بالعصبية الجاهلية التعسفية .

ص: 114

يحدثنا فيضي في ترجمته الذاتية وفي مقدمة تفسيره سواطع الإلهام عن تأريخ ولادته ومراحل نشأته وتعليمه وأساتذته وأسرتهفيقول : ( لما ولد محرر سواطع ، علمه الوالد علم الحلال والحرام والأصول والكلام وحصّل فروع العلوم وكمال مراسمها كما هو المرسوم( انتهى ) .

آ - أساتذته :

وكان أبوه أول أستاذ تتلمذ عليه وعلّمه مبادئ القراءة والنحو والصرف وعلوم البلاغة ، ثم علم الفقه وأصول الفقه وأصول الدين وعلم الفلسفة والكلام وجميع العلوم التي كان الطلاب يدرسونها ويتدارسونها ، فشدّ الأب الرؤوف العالم الأبي النفس من عضده ولقنه بنات أفكاره ، وصب في روح الشاب حرية الفكر وسمو الروح الذي كان يمتاز به الشيخ مبارك .

ومن أساتذته أيضا الخواجة حسين المروي من أسرة علاء الدولة السمناني ، وقد أخذ عنه العلوم العقلية ، وكذلك تتلمذ في العلوم النقلية والشرعية على الشيخ بن حجر المكي ، كما يذكر لنا ذلك البدايوني في منتخب التواريخ .

ب - نشاطه السياسي والعلمي والثقافي :

بعد ما مثل فيضي في البلاط أخذ بالتقرب رويدا رويدا إلى أكبر الذي ازداد حبه واحترامه لفيضيوكان فيضي في المرحلة الأولى من اتصاله بالبلاط يأبى أن يتقلّد المناصب الإدارية ، وكان يستمتع بأوقاته في القراءة والتأليف وتعليم الأمراء ، حيث سلّموا إليه مسؤولية تعليم الأمير دانيال نجل ( أكبر ) ، وكان ذلك في العام الرابع والعشرين من تتويج أكبر .

وما أن حلّ عام 990 ه ق حتى وكّل إليه - من قبل أكبر - الصدارة ل اگرا ؛ و ( كالنجر ) و ( كاليبى ) .

وعام 996 ه ق ، العام الثالث والثلاثون من تتويج أكبر لقب بلقب ( ملك

ص: 115

الشعراء ) ، وفي عام 997 ه ق سافر برفقةأكبر إلى كشمير ، وفي عام 999 ه ق العام السادس والثلاثون من جلوس أكبر على العرش أرسل كمبعوث خاص وكسفير إلى مهمات عديدة ، وعاد من مهمته - طالت حوالي 619 يوما - في عام 1001 ه ق إلى العاصمة ، حيث قام بجميع مسئولياته خير قيام .

ومما يستلفت النظر أن فيضي لم يباشر في مدة حياته المناصب الحكومية والسياسات العملية ، ولم يقم بأية تجربة في نطاق نظام الحكم والإدارة قبل ذلك ، ولكن حينما أحيلت إليه المسئوليات الخطيرة تصرّف فيها كأي رجل محترف ذو قدرة وخبرة على الأمور ، وفي العام التاسع والثلاثون من تتويج أكبر أصيب فيضي بالربو ( احتقان في النفس ) ، فاحضروا إليه الحكماء والأطباء لعلاجه ، ولكن لم تنجع المعالجات ولم تنفع وصفات الحكماء والأطباء الذين أحضرهم أكبر خصيصا له .

وما إن حضرته الوفاة عند منتصف الليل ، هرع أكبر لعبادته وخاطبه كعادته ( يا شيخ قم ) ، ولكن الشيخ لم يجب وفاضت روحه إلى الملأ الأعلى في شهر صفر عام 1004 ه ق .

لقد امتاز فيضي بأخلاق سامية ونفسية كريمة ومتعالية لم تدنسها الدنيات ولم يحنو رأسه أمامهالقد كان رجلا كريم النفس أبي الطبع سخيا جوادا باذلا ، يسعى لدى البلاط في حل مشاكل الناس حتى في حل مشكلات أعداءه ، ولقد كان يمقت الملق والتمسح بأعتاب الملوك ، كانت داره منتدى للفضلاء والعلماء وملجأ للضعفاء ، وكان شغوفا بمصاحبة الفقراء ، ولم يكن يسمح لنفسه أن تنحط إلى مزالق البخل والحسد والنميمة والخلق السّيّئ ، وعقدة المعاصرة التي هي من مميزات رجالات البلاط والقصوروكان يذكر من تزامن معه باحترام وتبجيل ، ولم يستثن أعداءه من هذه القاعدة مثل عدوه اللدود ملا عبد القادر البدايوني الذي لم يأل جهدا في سبيل الأخذ عليه واتهامه بالكفر والزندقة .

ولكن الحقيقة التي لا يمكن نكرانها أن هؤلاء لم يصلوا إلى عمق تفكير الفيضي ، ولم يدركوا جوهرة آراءه ولم تتمكن مقدرة عقولهم من فهمه ، ولهذا كانت أفكاره تبدو لهؤلاء المتعالمين كفرا وزندقة ومروقا عن الدينوما كان الشيخ عبد

ص: 116

النبي ومخدوم الملك يأخذون عليه أنه جعل من أكبر ملحدا وزنديقا ، ولكن الحقيقة أن الخلافات الطائفية بين الشيعة والسنة وبثّ العصبية ضد الشيعة على يدي الشيخين الزعيمين الشيخ عبد النبي ومخدوم الملك بلغت ذروتها ، حيث قتل وشرد خلق كثير من الطائفة الشيعية .

وبدايوني المؤرخ السني ينقل لنا في كتابه منتخب التواريخ حوادث عديدة أدّت إلى مصرع كثير من الشيعة بتهمة الرفض ، وأكبر خدمة أسداها فيضي وأخوه للمسلمين و ( لأكبر ) هي أنهما أصلحا فيه الفكرة الوضيعة المعادية للشيعة وللطوائف الغير السنية ، وصنعوا من الرجل الجاف المتعصب رجلا سمحا معتدلا محبا للناس ، وأعتقوه من ربقة العصبية التي كانت تقوده - والمشايخ المتعصبين المتزمتين - نحو الهاوية ، وتمكن أكبر أن يؤسس حكومته على أساس من المساواة والحرية ، وأن تتمتع في ظل دولته جميع الطوائف والأديان بأداء بمراسمها وطقوسها الدينية بحرية كاملة ، كما كان في صدر الإسلام ، لكن من المؤسف ان الأعمال التعسفية والمؤامرات والدسائس التي كانت تحاك من قبل حاشية البلاط ، جعلته يضطر أن يتجاوز الحد المقرر ، وأن ينحو منحى المتطرف الغالي في محاباته للهنادكة ، حيث أخذ يتظاهر حتى بعبادة النار والشمس .

وخصوم فيضي ينسبون كل هذا الانحراف الذي بدر من أكبر إلى فيضي لتساهله وغمض عينيه عن أعمال ( أكبر ) ، ولكن يشهد له التأريخ خلاف هذا الادعاء الموهوم .

إنه لم يكن ليرضى لنفسه في أية لحظة من حياته الرسمية أن يتوانى عن بذل المستحيل في سبيل تقويم ( أكبر ) إلى الصراط القويم لكي يقيم حدود اللّه .

وعلى خلاف ما يدعيه خصمه اللدود بدايوني من أنه لم يكن يمس أصول الدين فحسب ، بل كان على حرية أفكاره متمسكا بالعقائد التقليدية حتى قالوا عنه إنه ينكر المعراج الروحي ويثبت العروج الجسماني ، وتفسيره خير شاهد على ما نقول .

ص: 117

ج - ثقافته ، شاعريته :

أما شاعرية فيضي فقد كانت ( فطرية وذاتية ) ، لأن أسرته لم ترتبط بالشعر والشاعرية ، ودراسته لم تكن منصبة على الشعر ، ولكنه قرض الشعر باللغة الفارسية منذ نعومة أظفاره ، وكانت له تجربة أيضا في النظم باللغة العربية ، وتجد قصيدة مصطنعة ومتكلفة من شعره في مقدمة تفسيره مدحا واطراء لسواطع الإلهام .

وفي أوانه كان يميل كثيرا إلى التصنع في الشعرحيث يكثر من استعمال الألفاظ الغريبة في العربية وفي أشعاره باللغة الفارسية ، ولكن كلما تزداد صحبته مع لأصحاب اللغة الفارسية كانت تصفو لغته وتتمايز بالخروج عن الكلفة والتضيع ، وأن فيضي قد جرّب نظم الشعر في جميع أنواع القصيدة كالغزل والمثنويات .

ومن ميزات الفيضي في أسلوبه وتعبيره الشعري هي الجدة والحيوية النابضة حيث ابتدأت وختمت (1) به .

والميزة الثانية في شعر فيضي هي : الاستعارات الهزلية وقدرته على التشبيهات .

والميزة الثالثة في شعره الغرور والادعاء .

والميزة الرابعة أن قوافى غزلياته لم تكن مدبرة ، وهي تبدو طبيعة وكأنها نظمت بالبداهة من دون تصنّع قبليوذلك على خلاف قاعدة بعض الشعراء حيث يصوغون هيكل الغزل وقوافيه ثم بعد ذلك يملأ الفراغ .

إن فيضي كان متناسبا مع عمله ومسئولياته ، شغوفا باقتناء الكتب حيث كانت له مكتبة تضم 4006 كتاب ، معظمها بخط المؤلفين أو استنسخت على عهدهم ، وكانت تضم كتب الطب والنجوم والموسيقي والفلسفة والرياضيات والفقه والحديث والتفسير و. . .

ص: 118


1- شعر العجم : 3 / 57 .

لقد كانت عواطفه نحو عائلته وأسرته جياشة ، تمتلك أحاسيسه ومشاعره ، حيث كان يكن لهم الحب الجم ، ولا سيما نحو أمه .

وتقول المصادر إن أمه مرضت وهو في ركاب أكبر شاه عام 997 ه ق في مهمة في پيشاور ، فلما وصل إليه نبأ مرض والدته ترك الملك والبلاط والموكب الهمايوني ، وهرع نحو أمه المريضة ، ولكنه لم يكد يصل إلى لاهور حتى نعيت إليه والدته ، ورثاها بقصيدة يفوح منها الحب والوفاء ، وكذلك كان يكن لإخوته كل الاحترام ، ويخاطب أخاه أبا الفضل بالعلامي أو النواب ، ويفتخر بأخيه وإن كان أصغر منه سنا باثنين أو ثلاثة أعوام .

ويقول : وهو وإن كان يكبر أخاه أبا الفضل بسنتين أو بثلاث ولكن في الفضيلة بينهما بعد الثرى من الثريا .

كان لفيضي صبي يحبه حبا كبيرا ، وقد توفّى الصبي فأثرت وفاته على الشيخ الفيضي ، ورثاه بقصيدة رائعة .

د مذهبه الشيعي الإمامي الاثناعشري :

إذا أمعنا النظر في ترجمة المؤلف والمواقف التي كان يتخذها معاندوه ومخالفوه من أرباب المذاهب والنحل الغير الشيعية ، يغنينا عن التطويل في البحث عن هذا الموضوع المسلم به ، حيث أننا - وبعد هذه الشواهد - لا نشك بأنه هو الذي أشاع التشيع في الهند ، وقرّب بين المذاهب على يد أكبر ، ولذلك قد حورب من قبل المتعصبين والمتزمتين حربا شعواء أدت إلى شهادة أخيه الشيخ أبي الفضل ، الذي كان يؤيده ويسانده .

ويكفينا شهادة الشهيد العالم القاضي نور اللّه الشوشتري (1) ، الذي كرس .

ص: 119


1- وكان ( نور اللّه ) قد عين في منصب القضاء في مدينة لاهور وذلك على عهد جهانگير وتصدت له بعض النواصب وبعد أن خلعوا ملابسه أشبعوه ضربا بالعصي ذات أشواك حتى تقطعت أوصاله وقطعوه اربا اربا واستشهد في سبيل عقيدته .

حياته للذب عن الشيعة والذود عن حماهاوكان هذا الرجل الشيعي صديقا ومحبا لفيضي ، فلنقرأ قليلا من كثير مما كتبه عن تفسير سواطع الإلهام وشهادته على ذلك :

وبعد ، فقد تشرفت بلحاظ هذه المجلة الجميلة ، فإذا هي ذكر مبارك أنزله اللّه من سماء مواهبه الجليلة وتأمّلت ما حوته من المعاني السّارّة وتضمنته من المحاسن المستوقفة للمارّة ، فإذا هي فصل خطاب أتاه اللّه من فيض الطافه البارّة ، ولقد خاض مبدعها لجّة لم يسبقه أحد إلى خوض غمرتها ، ومهّد قاعدة هو أبو عذرها ، وهو شيخنا العارف الفاضل النحرير ، ملك فضلاء الشعراء من لدنه سلطان نصير ، صاحب المناصب العلية والمراتب السنية ، والمناقب المشهورة والفضائل المأثورة ، والأخلاق الزّكية والسّير المرضيّة ، الذي قرن بين الكمالات النفسية والرّئاسات الانسية ، وجمع مع التوغّل في نظم المصالح الدّنيوية ، مراعاة الدّقائق العلميّة ، ينادي الملأ الأعلى على علوّ شأنه ويعترف السّماوات العلى بسموّ مكانه ، باسمه السّامي وفيض فضله النّامي تباهي الأحساب والأنساب ، وبذاته الملكية استغنى عن الإطراء في المادح والألقاب ، أسبغ اللّه تعالى سجال أفضاله على الطالبين ، وأدام فيوض سواطع الهامه على المسترشدين ، ويجزيه خير الجزاء بما فاسى في تأليف هذا الكتاب المبين ، ونظم ذي العقد الثمين ، من عرق الجبين وكد اليمين ، ولهذا دعاء بالإجابة قرين ، فإنه سبحانه لا يضيع أجر المحسنين ، حرره عبده خادم الشريعة الشريفة النبوية ملازم الطريقة الرّضية المرتضوية ، العبد المعيوب الّذي يرده المشترى نور اللّه ابن شريف الحسيني المرعشي الشوشتري نور اللّه بالبر وحقق بلطفه أماله في شهور ، سنة اثنى والف هجرية في بلدة لاهور ، رضيت في ظل وإليها عن شوائب الفتور ، حامدا مصليا مسلما .

وإذا مررت على التفسير مرورا بسيطا تجد فيه ما يرشدك على طلبتك ، وأن ما فيه الكفاية على ولايته لآل البيت المعصومين عليهم السّلام من ذلك :

1 - في تفسير الآية 81 من سورة النساء أَ فَلا يَتَدَبَّرُونَ الْقُرْآنَ محكمه ومأوله وما هو مآل مدلوله :.الا لاعلام الرسول صلعم ( والامام المعصوم ) .

2 - سورة التوبة : وأرسل ( أسد اللّه ) وراءه لدرسها أهل الموسم ، ولما أدركه

ص: 120

سأله مؤمر أو مأمور ؟.وأسمعهم ( أسد اللّه ) ما أمر رسول اللّه صلعم .

3 - سورة البراءة قوله تعالى أَ جَعَلْتُمْ سِقايَةَ الْحاجِّ رهط الأعداء وموردها ما ورد سرّ عمّ الرسول صلعم مع رهط ، وسأله ( أسد اللّه ) ما لمّ هلالهم رسول اللّه.سأله ( أسد اللّه ) أو لكم صوالح الاملاء .

4 - قوله تعالى : يُوفُونَ بِالنَّذْرِ ( سورة الإنسان 7 - 9 )للّه وأداء أوامره ، أرسله اللّه لمدح ( أسد اللّه الكرّار ) ، وعرسه وكهداء لها لمّا علّ ولداهما السموا لصحّهما صوما معدودا لعدد رهط أعطوهم الطعام ، وأعاد ( أسد اللّه ) مرء ممّا الهود أصرع طعام عددها كعددهم لما رامها ، وصاموا وأعدوا لصومهم طعاما ووردهم معسر لا مال له وأعطوه الطعام كله .

5 - قوله تعالى إِنَّما نُطْعِمُكُمْ لِوَجْهِ اللَّهِ صرح اللّه أسرارهم ومدحهم لعلمه أسرارهم ( لا نريد ) للاحكام ( منكم ) جزاء .

6 - وهذه الأبيات العاطرة تنادى بأعلى صوتها تشيعه وحبه وتفانيه في ذات آل البيت عليهم السّلام :

وصى نبىّ آنكه از صلب فطرت *** بشاه اولوالعزم العزم توأم نشيند

امامي كه روز وفات پيمبر *** خلافت گذارد بماتم نشيند

گرفتم معاند درين تنگ ميدان *** بر اشهب خرامد بر أدهم نشيند

كجا رتبهء كعبه يابد سفيهى *** كه فردا بقعر جهنم نشيند

جهان پر شد از فتنه يا شاه مردان *** تو برخيز كاشوب عالم نشيند

وإليكمو ترجمتها :

وصىّ النبي في صلب فطرته جليس سيد أنبياء أولى العزم إن الإمام الذي يوم ارتحال الرسول صلّى اللّه عليه وآله ترك الخلافة وشمّر للعزاء( اشاره إلى انشغال أمير المؤمنين عليه السّلام بتغسيل النبي

ص: 121

وكفنه ودفنه ولم يذهب إلى السقيفة ليرى مصير الخلافة ) .

حتى لو أن المشاكس في هذا الميدان الضيّق المحدّد رفل على الأشهب وارتقى صهوة الأدهم من أين للسفيه حين يغدو في الهاوية أن ينال رتبة البيت العتيق .

يا سيد الأسياد ويا مليك الرجال قد طغى على الزمان الفساد ، فقم كي تنام الفتنة في العالم .

7 - وقد ذكر نواب سيد غلام حسين طباطبائي في مقدمة كتاب سير المتأخرين ما نصه :

لاح العقد الثالث من تتويج أكبر شاه أحد قواد أكبر شاه واسمه ( فولاد برلاس ) الذي كان يعادى الملا أحمد تهنهئ بسبب تشيّعه ومعاداته للمذهب الشيعياقدم على إخراج الملا أحمد من بيته ليلا وقتله ، وبعد دفن الملا أحمد وخشية أن ينبش المتعصبون قبره ، عيّن الشيخ أبو الفيض والشيخ أبو الفضل حراسا على قبره ، ولكن بعد ما ذهب أكبر شاه إلى كشمير أخرجوه من قبره وأحرقوا جثته .

8 - كذلك نص على تشيعه العلامة مؤلف الذريعة ، و ( دهخدا ) ، ومؤلف أعيان الشيعة حيث يقول :

« وإن الشيخ أبا الفضل وأخاه المترجم وأباه كانوا على مذهب الشيعة ( أعيان الشيعة ج 9 ) » .

9 - ومن دلائل تشيعهم أنهم كانوا يحاربون من المتعصبين من علماء السنة مثل مخدوم الملك والشيخ عبد النبي الذي كان له مركز الصدارة في أول حكم أكبر شاه .

لقد ذهب الفيض مع أبيه إلى الشيخ عبد النبي ليطلبوا منه مددا لمعاشهم ،

ص: 122

ولكن الشيخ رفض أن يقدم لهم شيئا لأنهم يقومون بإشاعة مذهب التشيع (1) .

ه - مدفنه :

قال مير غلام علي آزاد في ( سبحة المرجان ) إن مدفن أبي الفيض يقع في اگره ، تحت قدم والده الشيخ مبارك ، وهذا القول غير صحيح ، لأن الذي لا شك فيه أن قبر والده في ( لاهور ) كما صرح بذلك فيضي وأبو الفضل وعبد القادر بدايوني ، فعليه إذا كان مدفن فيض أسفل قبر والده الشيخ مبارك لا بد أن يكون ذلك في لاهور (2) .

و - آثاره

إن أرباب التراجم يذكرون أن صاحب الترجمة قد ألف 101 كتاباوقد فقد معظمه ، ونحن نذكر من آثاره الموجودة في المكتبات العالمية :

1 - خمسة فيضي ، على نسق ( خمسة نظامى ) ، وقد قسمها إلى خمس كتب :

1 - مركز أدوار ، وأكثر ذلك يدور حول ( فتح پور ) في 1462 بيتامعارضه لمخزن الاسرار ، وقيل : 3000 بيت ، وسماه أكبر بمرآة القلوب .

2 - سليمان وبلقيس ، وقد نظم قسما منه في لاهور معارضة لخسرو وشيرين .

3 - نل مع دمن - نلدمن ، في 4000 بيت ، ربما كان تقليد لقصته ليلى ومجنون .

4 - هفت كشور ( الأقاليم السبعة ) ، وعلى وزن ( هفت پيكر ) 5000 بيت .

5 - أكبرنامه . .

ص: 123


1- شعر العجم شبلى نعماني 3 / 34 بدايوني ص 198وأكبرنامه أبى الفضل حوادث عام 974 ه ق .
2- آگرا ، اگره ، أكبرآباد سابقا غرب اوتارپرادش في الهند على نهر جمنا كانت عاصمة اباطرة المغول الهندوتاج محل تقع في هذه المدينة ( دائرة المعارف مصاحب ) .

ومن الموجود من هذه الكتب الخمسة المذكورة - التي تمّ نظمها من المثنوي - ( نلدمن ) و ( مركز أدوار ) ، ومركز أدوار رتّبه أخوه الشيخ أبو الفضل بعد موت أخيه .

وفي العقد الثالث من تتويج أكبر على العرش أنهى الفيضي من تصميم نظم ( الخمسة ) ، وشرع بمركز أدوار ، وفي نفس الوقت كان ينظم في الأربعة الاخر ، ولكن لفخامة العمل لم يتمكن من إكمالها ، ولما حلّ عام ( 1002 ه ) السنة 39 من تتويج أكبر أصر على أن يكمل الخمسة ، وأتم نلدمن ، لأن قصة نلدمن مأخوذة من القصص السنسكريتية والقصص الشعبية الهندوكية ، وكان أكبر يميل إليها ميلا خاصا ، فأتمّها في مدة أربعة أشهر في أربعة آلاف بيت ، يقول :

اين چهار هزار گوهر ناب *** كانگيخته ام به آتشين آب

وحتى مناوءوه وأعداؤه اثنوا على هذا المثنوي ، وهذا عبد القادر البدايوني بقول : لم يسبق لأحد منذ 300 سنة أن ينظم مثل ما نظم أبو الفيض .

2 - موارد الكلم : لما عزم أن يفسّر القرآن بالحروف الغير المعجمة شرع في تأليف هذا الكتاب للتمرين على كتابة التفسير ، ويمهّد الأرضية الفنية لعمل التفسير ، وقد طبع هذا الكتاب في كلكتا ، ويظهر أنه الّفه عام ( 985 ه ق ) .

3 - سواطع الإلهام : أي التفسير الغير المنقوط الذي بين يدي القارئ الكريم ، وقد شرع فيه عام 999 ه أول محرم الحرام وأتم ذلك في ( 1002 ه ق ) أي في سنتين ونصف سنة .

إن المؤلف يعتز كثيرا بهذا المجهود الكبير الذي بذله في تفسير كلام اللّه تعالى ، يقول في إحدى رسالاته إلى أصدقائه : إن هذا التفسير تمّ في العاشر من ربيع الثاني عام 1002 ، وهذه من المنح الغيبية الإلهية التي منّ بها على هذا الفقير ، وغرائبه أكثر من أن تحصى فإنه قد حيّر لباب أهل هذا الفن .

وقد جاء في مقدمة التفسير أنه قدم أوائله إلى ولده ، فبعد أن اطلع عليه سرّ كثيرا لعمل ولده ، وأصلح له بعض سقطاته ، ولمّا تم السّدس من التفسير أرسل الفيضي في سفارة إلى دكن لاطفاء نيران الفتن التي أثيرت هناك ، وطالت مأموريته

ص: 124

أكثر من سنة .

وفي نفس الوقت مات والده الشيخ مبارك وحصلت وقفة في كتابة التفسير استمرت مدة سنة واحدة ، وفي بداية العام التالي شرع به وأتمه في نفس العام .

وقد كتب العلماء والفضلاء تقاريظ جيدة على هذا التفسير وأخذوا يثنون عليه وعلى مؤلفه ، مثل : القاضي نور اللّه الشوشتري ، أحمد بن مصطفى الشريف الحسيني ، الشيخ حيدر رفيعي الطباطبائي ، المولى السيد محمد عالم عليالسيد أبو الحسن المودودي الشهير بخادم عليعبد العزيز بن عبد العزيز الجمال ، محمد الحسيني المشهور بالشامي ، وظهيري الشاعر و. .

وأرّخ ملا حيدر الكاشاني اختتام التفسير جملة قُلْ هُوَ اللَّهُ أي عام 1002 ه وأرّخ آخر لا رَطْبٍ وَلا يابِسٍ إِلَّا فِي كِتابٍ مُبِينٍ في تأريخ الاختتام .

وإن كان خصومه أخذوا عليه هذا العمل باعتباره بدعة ، ولكن ردّ عليهم فيضي بقوله : إن عدم النقط لا يضر منه شئ ، فإن كلمة ( لا اله إلا اللّه ، محمد رسول اللّه ) غير منقوطة .

ونضيف هنا أيضا بأن الطبرسي ذكر في مقدمة تفسيره مجمع البيان بأن تفسير ( الخسراوي ) غير منقوطفعليه لا يكون هذا العمل أول عمل من مثله ، وكذلك وجدنا كتابا في أصول الفقه بحروف غير معجمة .

وسنتحدث حول هذا التفسير في بحث مستقل من هذه المقدمة .

4 - منشآت ( انشاي ) فيضي : ان تلميذه وابن أخته ؛ نور الدين محمد عبد اللّه بن حكيم عين الملك - الإيراني الأصل والهندي المولد - جمع مكاتيب خاله ومخطوطاته ورتّبها في مجموعة وسماها ( لطيفة فيضي ) ، والمكاتيب كلها من النثر الفني المصنوع لإبراز براعة الكاتب وعبقريته في الكتابةويجب أن نعرف أن أول من ابتداء الكتابة الغير المصنوعة ولم ينافسه أحد هو الفيضيوتبدو من فقرات كتابات فيضي الحضارة الاجتماعية والعلمية والسياسية والتقاليد والآداب في عصره .

ص: 125

5 - الديوان : الغزل ، يقع في 9000 بيت ، وقال في مقدمته : إنه يحتوي على الغث والمسين ، واعتذر من ذلك ، وسمى ديوانه ( طباشير الصبح ) ، ويظهر من رسالة كتبها إلى أحد أصدقاءه أنه حينما رتّب الديوان كان قد بلغ من العمر الأربعين ، ويظهر أيضا أنه لم تنته أشعاره بل لديه ديوان آخر يعده ويرتبه .

وقد ذكر مؤلف الذريعة أنه رتب الديوان بنفسه ، وجعل له ديباجه في أحوال نفسه بعثه إلى إيران ليشتهر به .

ويقول أيضا إن أخاه أبو الفضل العلامي جمع أشعاره ورتّب ديوانه في عام 1006 ، ولا منافاة بين الكلامين .

6 - قصائده : قصائد قليلة في الحمد والتسبيح ، المدح ، الفخر ، التصوف ، الأخلاق ، و.وبعض القصائد تضم مئات من الأبيات ، ويختلف أسلوبه في القصيدة عن أسلوب معاصريهويظهر من كلامه أن مجموع أشعاره تبلغ 50000 بيت .

7 - تذكرة : ابتدأها بتراجم الشعراء ، ولكن لم يعثر عليها ، فإنه كتب إلى أحد أصدقائه يرجو منه أن يأتي إليه بكتاب مقاصد الشعراء ( حيث إتمام التذكرة يتوقف على رؤية الكتاب ليستفيد منها في مقدمة كتابة ) .

8 - مهابارت : ان أكبر شاه في عام 990 أصدر أوامره بترجمة كتاب مهابارت ( من أمهات الكتب الاساطيرية الهندية ) .

واجتمع لذلك كبار علماء الهندوكان أكبر شاه يقرر المطلب إلى نقيب خان وهو ينقلها إلى اللغة الفارسيةثم دعا ، الشيخ عبد القادر البدايوني ، الملا شيري وغيره وأوكل لكل قسما من الكتاب وأوكل قسمين أو ( فنّان ) من الكتاب إلى فيضي( بدايوني وقائع 990 ه ق ) .

9 - أتهرون : بيد ( خ ل اتهربن ) أحد كتب ( فيدا ) من الكتب الدينية الهندية حيث نسب ترجمته إلى الفيضي ، ولكن يظهر أن عبد القادر بدايوني هو الذي كان ينقل إلى الفارسية عن طريق رجل اسمه ( بهاون ) ، وبعد ذلك وكّل إلى فيضي ، ومن بعد فيضي أوكل إلى إبراهيم سرهندي ثم نظمها مسيحاى پانىپتى .

ص: 126

10 - رمايانا : ( أو رامايانه ) - قصة رامامنظومة حماسية هندية باللغة السنسكريتية من القرن الثالث قبل الميلادفإن رامايانا قد ترجم إلى أكثر اللغات المحلية الهندية ، وتحت عنوان ( وظيفة الفيضي ) ترجمها إلى اللغة الفارسية وطبع في لكهنو( دائرة المعارف مصاحب ، رامايان ) .

11 - ليلاوتي : كتاب في علم الرياضة والمساحات من أهم آثار ( بها سكر ) وقد ترجم الكتاب بأمر من أكبر شاه عام 1587 م إلى الفارسية على يد الفيضي ، وقد ذكر في مقدمة الكتاب الباعث على تأليف الكتاب على يد المؤلف ، والكتاب يشبه بالأساطير ( رك دائرة المعارف مصاحب مادة ليلاوتي ) .

هذا ما تيسر لنا من ترجمة العلامة الفيضي من شتّى المصادر المعتمدة .

ز تصحيح الكتاب :

سرنا في تصحيح الكتاب على طريقتنا المثلى طريقة علمائنا المتقدمين ، من المحافظة على الأصول والترجيح بينها إذا اختلفت ، أو التوقف إذا لم نجد دليلا يرجح ، أو كانت النسخ منفقة على الخطأ ، إلا أن يكون الصواب ظاهرا لا مرية فيه فنثبته حرصا على الأمانة في النقل ، فرب كلمة يجزم المصحح بتغليطها تكون صوابا في نفسها ولها وجه خفى عليه يعرفه غيره ، واجتهدنا في الرجوع إلى نصوص اللغة إن عرفناها ، وإلا قابلناها على أكثر الذي ما بأيدينا من النسخ .

نسخ التفسير ( سواطع الإلهام ) التي اعتمدنا في تصحيح الكتاب عليها ثلاث ، وفسرنا كل واحد منها بحروف ، وهي : نسخة المشهد الرضوي ( آستان قدس ) به ( ق ) .

النسخة التي موجودة في جامعة أصفهان ب ( ص ) .

ونسخة المجلس الشورى ب ( م ) .

فقررنا بادئ الأمر أن نقوم بمقابلة النسخ الثلاث متزامنين ، ونجعل المعيار والملاك أصحها وأتقنهاوبعد أن مضينا شطرا كبيرا في المقابلة وبذلنا مجهودا ضخما

ص: 127

في ذلك من حيث اللغة والعمل غير متداولين ، وأثبتنا اختلاف النسخ في الهامش ، لا حظنا أن في نسخة ( م ) أخطاء كثيرة وليس فيها جدوى غير ضياع الوقت وتكديس الهامش بالإشارة إلى الأخطاء ، ولا سيما أننا عزمنا على طبع التفسير القيم للعلامة السيد عبد اللّه الشبّر في ذيل ( السواطع ) .

فعدلنا عن ذلك إلى أن نكتفي بمقابلة نسخة ( ص ) ونسخة ( ق ) ، وكذلك بعد أن تقدمنا أشواطا كثيرة في المقابلة ، وجدنا أن في نسخة ( ق ) أخطاء معدودة كانت في نسخة ( ص ) صحيحة وبالعكس ، يعني كانت الكلمة في ( ص ) خطا وفي ( ق ) صحيحة .

وفي بعض الحالات كان الثبت الصحيح متعينا من مثل عدم ثبت أسماء السور في نسخة ( ق ) وثبتها في نسخة ( ص ) .

ومع ذلك لا بأس أن نشير إلى مقايسة بين النسختينبذكر موارد الاختلاف ، من مثل : ( سواء ) في ( ص ) كتبت ( سوداء ) أو إضافة ( و ) أو ( ص وصلعم ) أو ( عمّ أو علاه السلام ) ، وحينما كانت بين الثبتين خلاف جوهري نحو ( الكلام ) و ( الكمال ) ، فاثبت الذي يليق بالسياق .

وخلاصة القول بعد السبر والتقسيم يجب أن نشير إلى أن نسخة ( ص ) من حيث المجموع أجود من نسخة ( ق ) .

ولا أستطيع أن أضع القلم قبل أن اشكر العالم الفاضل حجة الإسلام السيد محمد علي بحر العلوم الثقة الثبت ابن الأخت ، فقد أعاننا في رفع كثير من مشكلات الكتاب .

وكذلك حجة الإسلام الشيخ مهدي الأنصاري - مدير مؤسسة البعثة - حيث يسّر لنا ان نطلع على نسخة أخرى من التفسير .

وكذلك أقدم خالص دعائي لأبنائي الأعزاء الفضلاء السيد الدكتور جودوى وحرمه السيدة الدكتورة ساروى خريجي قسم علوم القرآن والحديث من كلية الإلهيات والمعارف الإسلامية بجامعة طهران ، وكذلك البارع المفضال السيد محمد

ص: 128

على رضائي المعيد بجامعة مشهد في علوم القرآن والحديث ، فقد أعانوني في المقابلة وتبييض الكتاب وبذلوا جهدا مشكورا في إخراج هذا المشروع الإسلامي الضخم في خدمة الإسلام واللغة العربية وإحياء أثر قيم في حقل الدراسات القرآنية في ثوبه القشيب ، مع التفسير القيم للسيد الإمام عبد اللّه الشّبّر رحمه اللّه .

وكذلك أقدم خالص شكري ودعائي إلى الأعزة الفضلاء في مؤسسة المنار للطباعة والنشر في تحريهم الدقة والعناية الفائقة في صف وإخراج الكتاب .

ص: 129

وفي الختام :

نشكر اللّه تعالى عز شأنه أن من علينا بفضله وأسبغ علينا بنعمه أن كلّل هذا المجهود العظيم الذي استغرق أربع سنوات بنجاح وأسعدنا لانجازه .

ونبتهل إلى اللّه الملك العلّام أن يقبله منا بقبول حسن ويجعله لنا ولآبائنا وأمهاتنا وإخواننا وأساتذتنا ذخرا وعملا صالحا يوم الحساب ؛ آمين يا ربّ العالمين .

والصلاة والسلام على محمد صلّى اللّه عليه وآله الطاهرين أفضل الصلوات الزاكيات ولا سيما الإمام المنتظر ( عج ) .

الراجي عفو ربه : الدكتور سيد مرتضى آيت اللّه زاده شيرازي أستاذ علوم القرآن والحديث والأدب العربي ورئيس قسم اللغة العربية بكلية الإلهيات والمعارف الاسلامية بجامعة طهران 1417 ه ق 1375 ه ش .

ص: 130

تصویر

ص: 131

تصویر

ص: 132

سواطع الالهام في تفسير كلام الملك العلام

اشارة

العلامة المحقق المدقق الشيخ أبولفيض الفيضي الناكوري ( 954 - 1004 ه - )

وبذيله ه

تفسير القرآن الكريم للعلامة المحقق السيد عبد الله شبر

المتوفى سنة 1242 ه

تقديم العلامة الدكتور السيد محمد بحر العلوم

صححه وراجعه وقدم له الدكتور السيد مرتضى الشيرازي أستاذ علوم القرآن والحديث في جامعة طهران

الجزء الأول

ص: 1

ص: 2

أحامد المحامد ومحامد الأحامد للّه ، مصعد لوامع العلم وملهم سواطع الإلهام ، مرصّص أساس الكلام ومؤسّس محكم الكلام ، مرسل الكلام سهما سهما ، أصالح الحصص وأكامل السّهام ومحدّر السّور كلاما كلاما صالحا للمصالح والمهام ملوّح معالم الدرك وملمّح مدارك الاعلام ، مصلح أسرار الصدور ومطلح وساوس الأوهام ، مطهّر ألواح الأرواح ، ومصوّر صور الأرحام ، ومحوّل أحوال الدّهور ، ومدوّر أدوار الأعوام ، محرّك سلاسل الآسار ومعطّر دماء الآرام ، مطاوع عادل أمره السّوام والهوام ، ومهلّل حرم طهره الرّمال والسّلام ، علّم آدم الأسماء كلّها للإعلاء والإكرام وكرّمه علما وعملا واعسمه كمال الإعسام .

ما حام السّهو حول لوحه المسطور ، وما طراه السّهام إلام إلام الوحة والمحة الام الام ، مالك الملك الودود الأوّل الحكم المصوّر العلّام الملك العدل الواسع الأحد الصّمد السّلام .

وله الحول والطول والملك والعدل والدّوامملاء رؤوس أهل الولاء ملاء كئوس المدام ، رهط سكروا ورهط صحوا أحدهم محمود وأحدهم ملام ، ولّاه مسالك وصوله وهمّوا رمال المهامة ماء لحرّ الأوام وسلّاك مراحل در كه ، طاحوا لكرّ الدّوار والدّوام وهوّام سواحل طمّه ، أدركهم الصرع والسّرسام ، صحاصح صراط سمّوه كلها الأطواد والاطمام ، وصرادح ملطاط سموكه كلّها الحرار والآكام ، وما الأدلّاء والأعلام إلّا عكوس الأوهام وصور الأحلام .

له علم الحواس وأعداد المسام أعدّ السّرور والهم للكركم والعلّام دركه

ص: 3

أطار الأرواح وأدار الهام مسوّط الأرواح معادا ومعدّل الرّمام ، أو عدهم الدّرك وأوعدهم دارالسّلام .

( اللّهمّ ) صلّ وسلّم رسولا مودودا محمّدا محمودا إماما لكل إمام أرسله اللّه ، ممهّدا لصوالح الأوامر والأحكام مصلحا للأمم ، محدّدا لحدود الحلال والحرام وأوحاه طرسا معلوما ولوحا مرسوما لإصلاح الكل وإسعاد العام ، حصار أمره الآمر ما صكّه صواكم الإعدام وسور حكمه الأحكم ما دكّه صوادم الأهدام ، حرم سدده مصمد الدّعاء ومصمّم الإحرام ، وهو رسول وما صار آدم مؤدما وما وسوسه المارد اللّوام وهو سام وحام للعالم ، وما ولد سام وحام وطاوعه الكلّ ، وما سادّ هود وما عصاه عاد وما أطاحهم الصّرصر والسّهام ، وهو رادع الدّاعر وما الاح الدّهر الكالح صالحا وما الطّور حاملا للسّمام وهو ادرع مرط العلو ، وما سرد داود دروعا لادّراع العرام ، وآله الأطهار ورهطه الأحرار هم أولو الوصل والأرحام كلّهم مطالع لوامع الدعاء وموارد مراحم السّلام .

اعلموا رهط رؤساء العلوم والعلماء الأعلام أحرّر مدلول الكلام كلام اللّه الملك العلام ، وأرسم محصول ما أوله الكمّل وحاوله الكرام وأحكم مأوّل سوره ومدلول دوّالّه كمال الأحكام والإحكام ، وأسطر ما هو أصل المروم وأسّ المرام ، ولمّا طار اسم المحرّر حوم الدّهر وحام وكساه الطالع ملهم العلم موسع الأحكام ، وأراد أولو الكمال مراه وأراوع كلامه ورام سدّد المسطر وحوك المرسام وأسال المداد كما هطل الرّكام وصوّر كلمه عواطل مع روع مسرع ومسحل كهام وئاما لأكمل الكلم وأكرم الكلام « لا إله إلا اللّه » « محمّد رسول اللّه » وهو مدار الأمر وملاك الإسلام وأمل حاصلا ماصلا دسعا للاسلام ، وسرع لسطره أسحارا وآصالا عدو العوام ولإكماله كما هو مصوّر الصّدر وملّهم السرّ ركع وصام .

ص: 4

كل امرئ رآه إهمالا ولا إهمال له حار وهام ، ما هرطه إلّا الحاسد العاصد والام ، وما وهطه إلا المطر المصرّ السّمسامما وصمه الّا صدّاد العواور وحسّاد اللّوام والحسد لمسامع السداد والدسام وسماعه لصدورهم كصمّ المداعس ومرط السّهام .

كلامه وكلامهم كالسّلاسل والرمام ، وعلمه وعلمهم كالداماء والرّهام ، وأصمّهم سوء وهمهم كسدّ الصمام ، ولا مسلك لهم حال سماعه مآلا إلا الإرمام .

وللّه درّ سطره صار طرسا طامسا لرسوم كل رسّام ، ودارسا لمراسم كل وصّاملاح مداد سطوره كسواد اللّمام عسر لعطارد السماء حوم سواده الاعصام .

لا واللّه هو الأمر المحال كسلك الدّاعر وسط السّمام وهو السّحر الحلال وطلسم الكمالما أحمّ حوله ساحر ماهر حد الإحمام ، والسّداد للكلام كالحلو للطعام والملح للآدام ، وهو لسطح الولاء سلّم ولصرح العلاء دعام ، والكلّ مكارم دعاء والده الواطد أوحد الدّهر موحّد العصر الكامل المكمل الامام الهماملأهل الكلام سطاع ولأهل الكمال سطام .

كلامه لمحمل حرم الورع كالعكام ، وعلمه لدوح أصول الصّلاح كالعردام الواصل الواسع حلمه وعلمه طود موطد ، وطمّ طامّ موسر العلم موسع العمل ما حامه الوكس والأصرام .

أحكم اللّه أصول عمره ما دام الطّلع محاط الكمام ولإكمال وسمه وإعلاء اسمه صمّم السأو وصمد الإسهام وأهداه للملك العادل العاصم السامح المكرام السامل السامك الطامح السّاطح الهمّار الهمّام .

أسره اللّه للكرم والسّماح والرّوح والرّحم وطام مطهّم الأصل ومطهّر اللام اطرهمّ صالحا مصلحا كمال الاطرهمام .

صلاحه للملك سلاح وعدله للحسام سطام ساعده الملك والمال والعمر واللهام ، وطاوعه السؤدد والسداد والعدل والحسام ، معدّل العهد ولعدله صالح

ص: 5

الاسماع والحلّام السّارع الرّاكد ، للممالك سمسار وللمعارك صمصام ، ملك كملك هو سرّ اللّه وله سرّ مع اللّه ، وراء وامام عراص ، سماحه محاط رحال الآمال والاصرام حلاحل طأطأ ، له أسالط الملوك وأصاول الحكّام ، مسهل أطوار أوطار العالم للصّلاح والوام ، وهو أصلح الرعاء وأهل العالم كلّها السوام أصول آمال ملطه صلح للاصطلام ورؤوس أعمار ملده ملح للحسم والاصطرام .

مراحمه أصول مراهم الكلام ، مكارمه مساد مواد العلل والآلام ، ما أطاعه أحد إلا طال ودام ، وما عصاه إلا أدركه الهلك وأطاحه السّام ، واللّه أرامه للكل حد الإرامأطال اللّه ملكه وعمره وعدله وأدام .

ما طار الصّلصل ودلّ الطاوس وهدر الحمام ، ولمّا ألهمه اللّه إلهاما ساطعا سماه « سواطع الإلهام » وهو لمسماه حمد الأسماء وأصلح الأعلام وأول سور أوّله وسلك درر مأوله أواسط المحرّم الحرام ، وعدد درر أسرار السّماء عدد العام ، وعلم اللّه ما هو لحصول الحطام ووصول الدرهام .

اللّهم سهل الأمر ، ومهّل الحمام ، وألح أمم المصامد ، وأمد المصام كما ألم عكسه مسرسا مرسسا أسد الإلمام ، وكمله مكامعا للسّرور والسّداد والسّلم والسّلام .

ص: 6

السّواطع الصّوالح لصدر الكلام الحوامل لأحوال محرّر سواطع الإلهام

ساطعه : إملاء المحرّر سواطع الإلهام ممّا ساعده العهد الممدود والعصر المعمور والملك المسعود وعدل الملك العادل ، أدام اللّه ملكه وأصعد حكمه وأمره ، ودعاء الوالد الواطد وإسعاد روحه وإمداد سرّه وإرواء مكارمه وإعلاء هممه ، وهو أحمل الطروس علما وأحكمها كلاما وأعدلها سدادا وأروعها سدادا وأسماها أمرا وأوطدها مراما .

ساطعه : محرّر سواطع الإلهام ما صرّح اسمه لعدم إهماله وما أهمله وأورد معمّاه وهو مصدود والده وصدره وسرّه الأول ومحصول أوّله وأمده ومصوّر مطلع صدره وهو الراصد لحدّ الأحد والصامد لإحصاء الهاد ولاء سرّه مصود سرّ الأصل .

ساطعه : لمّا ولد محرّر سواطع عاما معدود محرّر سرّ سواطع السّداد ومحرّر أحاط سواطع سرّ الكلّ وودّع المهد وأدرك صلاح العهد ، علّمه الوالد الواطد علم الحلال والحرام والأصول والكلام ، وحصل له صروع العلوم وكمال مراسمها كما هو المرسوم وهلهل الكلم والكلام واطّلع عوالم السّرّ والإلهام ، وصار رأسا لأمراء الكلام وعلما للأكارم والأعلام ، ولمّا سمعه الملك العادل والمالك الكامل أرسل له صراطا أطول رسولا مسرعا مع الحكم المطاع والطّرس الرّعراع ، وسعد المحرّر لإدراك الرّسول وهرول سارعا معدّا لحصول

ص: 7

الوصول ، محرما لحرم السّرور ، عامدا لعسكره المعمور ووصل وماسّ سدد علوّه ومسّ الرّأس حول سرر سمّوه ورامه الملك روم الإكرام ومدحه مدح الكرام ، وكساه المرط المرحّل ، وأعطاه الأدهم والأرحل ، وأولاه الدّرر والدّراهم ، وحلاه حلل المكارم والمراحم ، وصار المحرّر لإمداد الملك الصّمد ، وإسعاد طالعه الأسعد مملو العطاء ، محاط الآلاء ، موصولا لمراحمه ومملوكا لمكارمه ، أكرمه إكراما كاملا وأوصله دولا ومواد وسع أحاط آماله ، وسماه ملك الكلام وسطع كلام الملوك ملوك الكلام ، ولعمرك أعطاه دولا وموادّ وسع ما أعطاها ملك لأهل كلام عصره ودام المحرّر لمدحه مروحا ومسرورا ولحمده حاصرا ومحصورا ، ورسم لاسمه الأطهر ووسمه المطهّر طروسا أراوع وسواطع الإلهام أكملها والحال عمر المحرّر معدود الطّم والمط طمّه وطمّ مطه .

ساطعه : مولد محرّر سواطع الإلهام دار الملك ومصر العدل « اكره » حرسه اللّه وعصمه ، وهو مصر ممرع معمور ممطور واسع مسطح لا أطواد صدده ولا وهاد حامل الدوح والأوراد والأحمال والمعد واسع السحاسح والسّكك والصّرط ، وهو أكرم الأمصار ووسط الممالك ، حاو للصّوامع والمدارس محلّ العلماء والصّلحاء وأهل الوسع والعدم ، ومأواهم له حصار الرّواهص الحمراء المؤسّس الموطّد الطّامح محكم الأساس مرصوص الصّروح ممرّد السّطوع صاعد الصّروح واسع الدّور ، حوله سور سامك أحاطه وسطه الدّاماء كدار السّلام ، ماؤه حلو سلسال أمرأ ، هواؤه مصلح للإعلاء ممدّ للأصحاء لا سموم ولا حرور له .

ساطعه : سواطع الإلهام ممّا صدع عهد الملك العادل والمالك الكامل ، مصعد لواء العساكر ، كاسر رؤوس الأكاسر ، معمّر صروح العدل ، هادم أساس الحدل ، سالك مسالك الكرم ، صاعد مصاعد الهمم ، مطلع لوامع الإسلام ، مطّلع عوالم الإلهام ، ممدوح أمراء الكلام ، محمود العلماء الأعلام ، مصدر المحامد

ص: 8

والمكارم ، مرصد الأعالم والأكارم ، ملكه معدوم المساهم ، اسمه مسكوك الدّراهم ، ساعده الأعوام والدّهور ، طاوعه السّعود والسّرور ، آلاؤه كعطاء الأمطار ، املاؤه كهواء الأسحار ، عدله حارس العالم ، حكمه مطاع أولاد آدم ، رمحه كالسّماك الرّامح ، حرمه كالسماء الطّامح ، أحاط الممالك لهامه ، وأطاح الأعداء حسامه ، محاط المراحم ممالكه ، صراط المكارم مسالكه ، أهلك أهل السّمود وأطاحهم ودمّر أهل الصّدود ، والاحهم لا عكم لإدراره ولا حسم لمدراره ، لا إكراء لوعده ولا إحصاء لحمده وهو محمود الرّسم محمّد الاسم ، ما أورد اسمه الأكرم الأطهر مصرّحا لسموه كمسمّاه واسطره سرّا ولمها ، وأرسم مسماه ، وهو وسط الدّاماء أمد السّاحل لواء السماء سرّ العلو علم الإكمال أسّ العدل أساس السّداد محصول الود حاصل الكلّ ، أصعد الملوك أصل الصّوالح مطلع المكارم ، امام الدّول عماد العالم معاد المعارك ، حدّ الأحلام مآل الأدوار مولده الأصم الأسعد ، وعام ولوده المسعود معدود ممرّد مصاعد سرر وعام أوّل ملكه معدود مصعد سرح الصرر والحال أعوام عمره الأطهر معدود دواما مدّ اللّه دوامه وهو دعاء الكلّ للكلّ .

ساطعه : اللّهم طوّل عمر ولده الأوّل الأوحد الأعدل والأكرم الأكمل الأسعد كلامه محمود المسامع ، وولادة مرصود أهل الصوامع ، صاعد سرر العلوّ ، حامل أسرار السّمو ، عماد السّرر ، مدار الدّول ، كامل السلوك ، مالك الملوك ، ساطع العلم ، لامع الاسم ، اسمه مدار أطلس السماء وهلال الكمال معه وله سلّم أمده الداماء سلّمه اللّه وأدام سلامه ، والولد المسعود المحمود المودود محور سماء الصّعود ، مصعد لواء السّعود ، أساس المكارم دعام المراحم وسط الأولاد معوّل المرام والمراد ، وهو ملك دام دوره المملوّ لأمد السرور ساطعا ، حصّل اللّه مراده ، والولد المسعود المكرم المكرّم موصل الآمال ومكمّل الهمم مسدّد السّداد والصّلاح موطّد الحمس والسماح حسام العلوّ ولواء الكمال ، واسمه دالّ

ص: 9

حاو لدور روح امده صار مكرّرا مكرّرا أوصله اللّه أمد الآمال وأسماؤهم الكرام أوماها المحرّر وعماها .

اللّهم أدمهم وأكارم الأسماء عموما ما دام لوح السّماء مرسوما .

ساطعه : محرّر سواطع الإلهام معلّمهم طرّا علّمهم مددا طوالا وهو لإسعاد طالعه وعلوّ مطالعه حاملا لمراحمهم حامدا لمكارههم ، وأكمل المحامد لهم إملاء سواطع الإلهام ، وإكمالها إعلاء لاعلامهم ودولهم .

ساطعه : لعمرك ما حرّر وما سأحرّره كله إعلاء آلاء اللّه حسا وسرا واعلام أحوال المحرر سدادا وصلاحا لا لولع الإطراء ، عصمه اللّه عما وصمه .

ساطعه : محرر سواطع الإلهام مؤم اسم والده الواطد لعدم وروده مصرحا ، وهو أساس العلم وأصل الروع ومطلع الإلهام ورأس الرّءوس وإمام الكرام علا اسمه ومسماه .

ساطعه : والد محرر سواطع الإلهام هو العالم العامل الورع الكامل اعلم العلماء ، مدار العلم ، ملاك العمل ، أوحد العصر ، موحد الدهر ، الطلسم الأكمل ، والسر الأطهر ، واللوح الأعصم ، والملك المصوّر ، والرّوح المطهر ، والعلم المدلل ، والعمل المكمل ، والواصل الموصل ، والكامل المكمل ، والطاهر المطهر ، والصالح المصلح ، سالم الروح ، صالح الروع ، عالم السرّ ، ممدوح الكرام ، محمود الكمل ، كامل السماح ، طامح الحال ، حلال الوعور ، سهال الأمور ، صالح الإملاء ، حاسم الأهواء ، مرصاد السّداد ، مصعاد الوداد ، سداد المعاد ، معاد السّداد ، محمود الأطوار ، محمول الأسرار ، محور سماء الكلام ، راصد سعود الإلهام ، معاد الإسلام الكامل ، مورد الإلهام الساطع ، مرصص مصاعد الحال ، ممهد مهاد الإكمال ، معدل أحوال المملوك ، مكمل ألواح السّلوك ، مدور كئوس الأرواح ، مكسر رؤوس الأود والطلاح ، وأصل سرّ العمل ، حاسم طول الأمل ، مالك صوالح الأعمال ، وصارم مراصد الآمال ، مصدر أطوار الأدوار ، مرصد

ص: 10

أسرار الأسحار ، سالك مسالك المراحم ، مالك ممالك المكارم ، مآل الصّادر والوارد ، معاد المصادر والموارد ، السّلم الأسلم لمصاعد الوصول ، العماد الاصعد لسطوع الحصول ، حامل لواء كلام اللّه ، عالم صحاح كلام رسول اللّه علاه السلام ، المصرّح لأحكام ما أوحاه والملوّح لاسرار ما أوماه .

وهو العالم مسدّد المدارك والمعالم ، مدرّس مدارس العلم والورع ، دارس مراسم الحرص والطّمع ، محطّ العلوم والحكم ، حامل الدّرس الأعمّ ، لا عدّ لعلومه ولا حدّ لمعلومه ، وهو طمّ الأسرار وداماء العلوم وعلم الكلّ ، صدده طل ما له أصل ، لا علم إلّا هو أعلم أهله ولا كمال إلّا هو أصل أصله ، أحاط العلوم والأعمال كلّها .

كلامه مروح الأرواح ومروم أهل اللّه ، وأصله الحمس ولد عصرا مسعودا ، وعام ولادة معدود ، هو سرّ أسرار العلوم ، ولما وصل الحلم رحل وصار أمصارا وسلك أطوارا وأدرك علماء عصره وأكارم دوره ، وحصل العلوم وطالعها ودرّسها ، وأصّل الأصول ومهّدها وأسّسها ، ووصل كمّل أهل اللّه وركدها أعواما طوالا ورمكها أدوارا ودهورا ، وعلّم كرام أهل الحال وهداهم وسرد أحوالهم ورواهم وروّاهم وصار إمام أهل المدارس والصّوامع وهمام أهل السّواطع واللّوامع .

له دوام الوكول وطموح اللّمح وعلوّ الهمم وصعود الأمر ، وهو الأملح كلاما والأصعد كمالا والأطهر سرّا والأسلم سلوكا والأحوط عملا والأصلح حالا .

عاداه علماء السّوء ومعاصروه ، وحاموا صدد اللّددلحاهم اللّه لكمال حسدهم وطلاحهم ووكسهم ، وكلّهم صاروا مطارح الردّ والطرد والاحاح والسّدم ، ودمّرهم اللّه مع أسوإ الحال مآلا وأهلكهم مع كساد وكمد وكلاح وحسدهم صار سمّا لمهالكهم وحسكا لمسالكهم .

ص: 11

حصحص أمره وصحصح سرّه ، لا أمد لعلوّ حاله ولا حصر لسموّ كماله ، كلّ ما رام وصل له وكلّ ما صمد حصل له وأعطاه اللّه أولادا كراما علوّا ورواء وعلما وكلاما .

له عمر رحراح ومسلك صحصاحما أمل أحدا وما حاول لددا ، ما راود أصلا وما دار أو صلا ، ما طمع مالا وما رام سؤالا مدار أمره لا ردّ ولا كدّ والكلّ سهّل اللّه له وأعدّ ما أراد إلّا اللّه وحسم عمّا سواه .

للّه درّه ومع اللّه سره ، للّه علمه ومع اللّه علمهللّه كلامه ومع اللّه حالهله طول العمر وطول الأمر وسطوع السرّ ، وورد لصوالح دواع دار الإسلام لاهور وركدها أعواما هاكعا راكعا مسلما مكرّما مودودا محمودا مسرورا مورودا مسعودا ، والأولاد داروا حوله رواما طوله ، أمل الطّروس وإملاء الدّروس وحرّر لكلام اللّه مأوّلا مطوّلا مكمّلا كمأوّل الإمام وهو حاو للعلوم والأسرار والحكم ، وله أمد العمر دوام السّكر مع الصّحو والاطّلاع مع المحو ، ولما أحم رواح العمر وعصر الدّلوك ولاح صعود الرّوح وأمد السّلوك وسطع كمال الأمر وحسم الكلّ ، دعا أولاده وأهل الولاء طرّا ووصاهم سدادا وودادا وصلاحا وسماحا ، ولمّا رحل ووصل أحاط الهمّ عموما وعمّ الصّدور هموما وهرع العالم وعال الدّهر وسال الدّموع وطال الهموع وسحّ ماء السّماء ومطر الرّكام حال موصه وأكارم أهل اللّه وردوا صدده وماصوه وحملوه رءوسا كحمل الملك السّماء وصلّوا علاه ، ورمسوه مرمس الطّهر وورد الملك الأعدل الأكرم أدام اللّه ملكه وعدله دار أولاده وسلّاهم وأهداهم وكرمهم وأكرمهم وهو لمعام معدود رحل سرّ أسرار الود ومدد عمره عدد كامل طهّره اللّه روحه وعطّر رمسه .

ساطعه : وللوالد الواطد روح روحه وعطر أولاد كرام أعطاهم اللّه إكراما له ، أوّلهم أعواما هو المحرّر لسواطع الإلهام أصلح اللّه أحواله وحصّل آماله وأعلمهم وأكملهم وأسعدهم وأصلحهم سرّا وروعا مسعود وسعد صاعد ،

ص: 12

مودود الملك العادل ومحرم أسراره ومورد أكارم مكارمه ، عماد ملكه ومدار مهامه ، رأس الوكلاء معاد الأمراء ، مآل الآمال ، أساس الدّول ، صدر وسد العلوّ ، دعام سرر السموّ ، لواء عساكر السّداد ، صمصام معارك الآساد ، أحاط الكلّ علوّه وسطوه ، لالامّ الدّهر مولود مطوه له اسم سام وعلم حاو وحدس طاو ودرك كامل ولمح طامح وروع سامح وسماح ساطع .

روعه وعاء سرّ اللّه وكلمه أكمام الحكم وصدره مصدر العلوم ، طوره وراء طور أهل الرّسوم ، كلامه ملوّح الكمال ، كماله ملمّح الإكمال وهو سالك الأطوار ، مالك الأسرار .

له صلاح الأمر وصلح الكلّ ، مصلح الدّهر ، موحّد العهد ، أعلم العصر ، أكمل الدّور وأصوّر اسمه الأسعد وماء كما هو والد كامل وأوسط ما ولد وأعدله واصل ، له صدر كامل طال عمره وعلا أمره .

ساطعه : وللولد أولاد سواهما ، كلهم أولو العلوم والحكم ، سعود لوامع المكارم وأدوار علوّ الهمم ، سلكوا مسالك العلم والحلم ، وأدركوا مدارك الورع والصّلاح ، ووصلوا مراصد الولاء والوداد ، لهم علم أصلح وعمل أعود وسداد أوطد وطول أكمل وسلوك أوسط وأمر أحوط .

أوّلهم ووسطهم هو الولد المسعود الأحوس الأحمس ، كامل السّداد ، واطد الوداد ، صالح العلم ، سالم العمل ، مورود الكرام ، مروم الكمّل .

له السّلوك الأسلم والطّور الأكرم والأمر الألمع طالع العلوم وحصل الحكم وعدل الحواس وأصعد الهمم كما هو والد عاد أصله أصل الرّوع ومروم دور الأكر ومكرر أمد الدّهر والولد المولود المحمود السّامك الصّاعد مصمود الكمل وممدوح الكرام .

له علوّ الحال وسمو الأمر ودوام الرّوم ، حصّل العلوم كلّها ووصل أمد الكمال وهو معلّم ولد ولد الملك العادل دام ملكه وعدله ومحاط دوله ومكارمه

ص: 13

ومداوم ورود سدده رحلا وسموكا ركودا وسلوكا وهو أسد الأولاد وأسلمهم .

له روع حاو لأصل العلوّ ، معه راح الولاء ، سرّه طارح لأصل الآمال والولد الصّالح الصّاعد السّالك حارس الحدود ، عاصم الأحكام ، محصّل العلوم ، طامس الرّسوم ، ممدّ الصّادر والوارد ، له كمال الوكول والحلم والورع والسّماح والسّداد ، مسعد أهل العلم ، مال الصّلحاء وهو مدلول الوالد والمكارم معه .

ساطعه : أورد المحرّر أسماءهم كلّها وعمّاها وأوماها واحدا واحدا ، أمد محامدهم وأحوالهم ، وعلموك لكلّ والد سرّ مع والده ، لا واللّه لا كلّ ولد سرّ والده وكلّ واحد علم لعلمه طوّل اللّه أعمارهم .

ساطعه : أمّهم أمّ المكارم وأصل الصّوالح ومحمل الورع وعصام الآلاء ، وعاء الأسرار ومورد الطّهر ومصدر الصلاح وروح الأرواح وروح الألواح .

لها درع الوكول وكمّ الدّهاء وسلك الهدو وسمط الركود وحادور العلوّ وسوار الرّحم وكحل الحلم ومرود الكمال ولط العلم والعمل ولها دوام الصّوم والرّكوع والهكوع وهمّ المآل وكمد الأمد ودام إكمالها وإصلاحها وإدرارها وإسعادها للأولاد وهم مما أودعها اللّه رحمها اللّه دواما وأمّها آل الرّسول صلعم وأمّ الطّواهر وأسّ العواصم وصراع الأطهار والمحرّر أصله الحمس والدا وأمّا .

ساطعه : لوالد المحرّر أولاد سواهم وأمّهم وراء أمّ أولاد سطر أسماءهم أوّلهم وهو سادسهمأوّل الأمل والروع والولاء والروح المكرّر والرّوع والأول والمرح ، ووسطهم له وسط الحال والطّود والطّول والصّحو والرّوع والسمو والحدس ، وأمدهم هو أمد العطاء والروع والهدو والأمر والرّواء والطّمس المرسوم وأمد الأمد ، وهؤلاء ما وصلوا الحلم أسعدهم اللّه وعمّرهم ، وسهّل لهم ما سهّل لأولاد سواهم وأعطاهم سداد العلم وصلاح العمل وروح الحسّ وسرور السرّ وعلوّ الأمر وسموّ الحال وسطوع المآل ، وأمدّهم روح والدهم الأكمل وسرّ أصلهم الأوطد الأطهر .

ص: 14

ساطعه : أملأ المحرّر أوّل الأمر طرسا مملو الحكم والأسرار ، محمود الأعلام والأحرار ، مسدّدا لمصالح أمور المعاد ، مؤسّسا مرصّصا لأساس الصّلاح والسّداد ، كلّه مدلول كلام اللّه ورسوله - علاه السلام - ومحصول طروس العلماء وأهل وصوله ، حاو لصروع العلوم والحكم ، طاو لموادّ ما هو المسطور المحكم لكلّها المصادر والأصول وما هو الملمّع المحسول المعمول ، وصار علما للأعصار والأدوار ، اسمه موارد الكلم سلك درر الحكم ، وعدد اسمه عام رسمه موارده محالّ ورود أحكام الإسلام ، كلمه محاطّ أسرار عالم الإلهام كلّها عواطل أوردها إهمالا وسهّل اللّه إكماله ، ولمّا أكمله وأراد إملاء مأوّل كلام اللّه كلّها ما ساعده العهد ورآه أمرا عسرا كالمحال ، وهام وحار راصدا مؤمّلا صامدا ، ولمّا مر أعوام ألهمه اللّه وسهّل أمره إملاء ساطعا مسلسلا مكمّلا ، وسمّاه سواطع الإلهام وهو اسم أورع الدّال والمدلول ما كرّر أصلا كمسمّاه .

ساطعه : المحرّر لمّا ألهمه اللّه إملاء سواطع الإلهام صار الوالد مرحا مسرورا وعدّه أكرم الآلاء ، ولمّا حرّر المحرّر كردوسا ، وسمعه الوالد ورآه مدحه مدحا كاملا ، ودعا له إكمالا سلاما وسرورا ، ولمّا سوّد سدسه صار الوالد وراه حامدا للّه ، مادحا للمحرّر كمال المدح ، ولمّا سطر المحرّ أول الطّرس وصدره وهو حامد ومصلّ ، وأورد أوّل الكلام الحمد للّه كما هو رسم الرّسام ورآه الوالد حوّله إصلاحا وأورد أوسه « أحامد المحامد ومحامد الاحامد للّه » والمحرّر مرح وسطر كما أصلحه الوالد وأراد ، وصدّره مطلع الطّرس وحلّاه مكلّلا لرأسه ومرصّصا لاساسه ، ولعمرك هو كلام أملح وهو طرد العكس ما كرّره الدّهر ، وهو أكرم المحامد وأحمد الأطوار للحمد ، ولمّا كمل سدسه أرسله الملك العادل دام ملكه رسولا لأداء حكمه المطاع وأمره المعمول ، ورحل المحرّر وسار صراطا أطول وأطوادا ومهامه وطواها عامرا سالما مأمورا مطاوعا لأمره مع الأرداء والمحامل والرّواحل والدّول مع سلوك المسالك والمراحل وصروع المهام أهمّ أموره

ص: 15

وصراح مهامّه إملاء سواطع الإلهام ، ومرّ لسلوكه حول كامل وكسر وأحمّ إكماله وصدر وعاد وأدرك الوالد ، والوالد أكرمه وودّ وروده السّار وسمع ما سطر وحمد اللّه وأمل إكماله ، ولمّا مرّ مدد مواصل أراد اللّه أمرا لا راد له وصار الوالد معلولا محموما وودّع العمر روح اللّه روحه ، وأحاط المحرّر هموم حمامه وصار مكمودا مصدودا معضّلا وما كمل الطرس الملهم ، ولمّا مرّ عصر معمود وكمل عام مسطور وطلع هلال عام سواه أراد المحرّر إكماله ، ومهله اللّه وسهله ولم عماعم سره عموما كمله أوّل عام ، وصار أكمل العمم وهو عام مسعود ودور مرصود أورده المحرّر أمد المأوّل مرارا .

ساطعه : سواطع الإلهام طرس مسدّد أكمله اللّه إلهاما وإسعادا ومحلّ إكماله دار الكمال والإكمال لاهور ، وهو مصر معمور واسع أطول مولد العلماء والكمّل محطّ الرحال مركد أهل الكدّ والكدح ، ممرّ أهل السّلوك ، أصلح لعساكر الملوك عمّر ساحل الدّاماء عهد الملك العادل محمود ومؤسّسه مملوكه ومردوده ومرمسه وسط المصر ماءه حلو أمرأ له حصار سالك مملوّ الدوح والأحمال ، وورد اسمه لهاور ولهور حرسها اللّه وحصل إكماله عاما مسعودا ودورا مرصودا ، أورد أمد الطرس مرارا .

ساطعه : كلّ كلام أورده المحرّر لصدع كلام اللّه وإعلاء مدلوله هو ألمع ممّا أوّله ومدلوله أصرح والكلم العسر مدلولها ، وأوردها المحرّر أواسط الكلام ، لعمرك ما هو مدلول أصل كلام اللّه وما حرّرها إلا لإعلام أحوال الرّسل والأمم وإعلاء دواع لإرسال السّور والكلام والكلم وما هو أصل المراد .

ساطعه : سواطع الإلهام لعمرك طرس أروع ولوح أطهر ، اسمه كمسمّاه سطوعا وإلهاما ، وأولو العلم والعدل والصّلاح والكمال - وهم كلّهم ملوك الكلام - لمّا رأوه وطالعوه وأدركوا مدارك أسراره وطلعوا مصاعد أحواله حاروا لعلوّ أمره وسمو رسمه واسمه وسلكوا مسالك العدل واطروه ورسموا لمدحه

ص: 16

ألواحا وسطّروا لاكرامه طروسا وحكموا .

هو سدّ مسدّد وحدّ محدّد ، ما مسّه حسّ وما حامه وهم ومحرّره ملهمه ومالكه ومدرك مسلكه وسالكه وما أورد مطوه وما صمد عدله إلا لصوص الكلام وحدّال العوامّ ساطعه : سواطع الإلهام لعمرك كاللّؤلؤ المكلّل المرصّع ، لا واللّه هو السّماء الأسطع والدّاماء الألمع در دور درر الأسرار محطّ أمطار الأدرار ، كأس مدام الأرواح ، صراع لعاع السّحر والرّواح ، دعاء صوامع الكرام ، لواء معارك الكلام ، سور مصر الدّول ، طور لوامع الأوّل ، طومار رؤوس الولاء ، لوح أسرار السّماء ، مطلع عطارد العلوم ، مصرع صوالح العالم والمعلوم ، مصر أهل العلم والعمل ، طلل أرواح الكمّل ، مداده كحلّ لمدامع الأملاك ، سطوره سلّم لسطوح صروح الإدراك ، مدلوله محاط لوامع الكلام دوالّه محاطّ اسرار عالم الإلهاملا عدل له ولا مطو ، سمّه اللّه للمحرّر ولكلّ أحد سهام وهو عاط لها كما هو المساهم والمرام .

ساطعه : للمحرّر أحد كلم وأحد كلام ، ألهمه اللّه مدحا واطراء لسواطع الإلهام ، أملاها لإعلاء الآلاء والماع الأعلام .

ألواح سحر أم طلسم مكرّم *** لأسرار روح للسواطع ملهم

لسحر حلال والسّطوع طلسمه *** وما هو سحر أو طلسم محرّم

صراح لأصل الأصل طرس مطهّر *** سواد لكلّ الكلّ طلس مطهّم

وما العلم إلّا وهو أصل لكلّه *** لإعلام أسماء العوالم آدم

إمام همام للكلام مأول *** صلاح سداد للسّلام مسلّم

مدار مراد للمدارك مطرح *** ملاك كلام للعالم معلم

كلام كمال للأكاملى مسلك *** صراط سداد للأكارم أسلم

ص: 17

مآل كلام للمدارس أعود *** دعاء سماء للصّوامع محرم

حسام سماح للمصارم أسطع *** لواء ولاء للمعارك أحكم

سماء صعود السرّ للرّوح مصعد *** وداماء أسرار السّماء مطحرم

دعام حصار الحول والطول موطد *** عماد أساس الأمر والعدل محكم

لإعلاء أعلام الصوالح أصلح *** لإدرار آلاء المكارم مكرم

لسرسام طلّاح الوساوس مصلح *** لكلم سهام الوهم والصّرع مرهم

رداء سموّ للوساد مطلس *** كساء علوّ للكرام موسم

لكحل عروس الحلم والدّرك مرود *** لسطر سطور الرّوح والعمر مرسم

لكأس حساء الصّحو والسّكر سكر *** لسطح سماء العلم والرّوع سلم

مراصد الماح وعاها مهلهل *** مصادر أرواح حماها مطلسم

طوالع أصال لها الصدع أكمل *** مطالع أسحار لها اللّمع أدوم

لحوراء علو الطّهر حال دلالها *** لسمط وصدر أو سوار ومعصم

ألا هو للأرواع صرح ممرّد *** وما هو للأوهام درع مردّم

سواطع إلهام مكارم سؤدد *** مراحم إرسال هو اللّه أرحم

عواطل أعراس حلاها دلالها *** ملاح لها سدل سدوس مسهّم

وها كل لوح سطّروها مكرمام *** ركام وداماء السّواطع أكرم

ومدلولها المعهود ممّا أراده *** لكسر لهام الوهم طرّا عرمرم

ولو طار ملّاك الكلام مطاره *** كرد وما كلّ الأعاور أعصم

محرّره للّه درّ كلامه *** لأطلع سرّ اللّه للعلم عالم

لأدركه كدّ وصدر موسّع *** وأسعده هم وساو مصمّم

وأمهله العمر الطّحور المسارع *** وساعده الدهر الحصور المحصرم

له هرول الأحلام لوعا وولولوا *** له طأطأ الأعلام طوعا وطرسموا

لعمرك علم الكل مطموس علمه *** مآل أمور السّرّ واللّه أعلم

ص: 18

السّواطع اللّوامع لعلوم كلام اللّه العلّام وأسراره الصّوالح لصدر المرام

ساطعه : أصل المراد وأسّ المرام هو اللّه وحده ، وله رسل أرسلهم لإصلاح العالم وهم موصلو المراد لا حصر لأعدادهم ، أوّلهم آدم وأمدهم وحماداهم محمّد صلعم ، وللّه طروس وألواح أرسلها للرّسل للحكم والمصالح كلّها كلام اللّه أرسل لآدم ألواحا ولمحمّد رسوله صلعم طرسا .

ساطعه : أكمل الرّسل أمرا وأعلمهم سرّا وأحمدهم حالا وأسماهم كمالا وأكرمهم ولاء وأعلاهم لواء محمّد رسول اللّه صلعم ، له لواء الحمد ومأواه المحمود لواؤه مآل أهل الولاء ودعاءه مرسوم ألواح السّماء ، ولد عصر الملك العادل وصار صرحه الممرّد المؤسّس مكسورا .

مولده أمّ رحم وحرم اللّه المكرّم وصدع صدره مرارا وصادعه الملك الرّوح وصار صدره مملوّا لأسرار وهو رسول ولا اسم ولا رسم ولا وصل ولا حسم ولا سمك ولا سماء ولا ساحل ولا داماء ولا عطارد ولا رصد ولا حمل ولا أسد ، أسر له السّمك والسّماك مسطور لوح إكرامه « لولاك » حاكم محاكم الأمر أمرك صاعد مصاعد لعمرك وهو كلّ الكل واصل الأصول وأكمل محامده وَما مُحَمَّدٌ إِلَّا رَسُولٌ وهو مرسل لأكرم الأمم ، أرسله اللّه لإصلاح الكلّ وأعطاه أسرارا وحكما ، وأرسل له ملكا مكرّما وأوحاه كلاما مسدّدا محكما ، وأكمل طرسه أعصارا لدواع ومهام ، وهو كلام اللّه المرسل وكلام اللّه واحد

ص: 19

والمسموع معدود .

ساطعه : علم كلام اللّه ، داماء لا ساحل له وطود لا مسلك له ، كلّ واحد أراد وصوله وما وصل أمده وسلوك دركه وما أدرك حدّه .

ساطعه : علم اللّه أحاط الكلّ ، وهو الملك العلّام ، عالم علومكم وأعمالكم وحالكم ومآلكم وعلوم الكل لوامع علمه ومعلومهم سواطع معلومه .

ساطعه : أصل المراد وملاك الإسلام هو العمل ، لا العلم وحده ، كما هو مدلول كلام اللّه الودود اعْمَلُوا آلَ داوُدَ واللّه هو المعدّ للعلم والممدّ للعمل .

ساطعه : أولاد آدم كرّموا علما وإلّا « العلهم » أصعد رأسا ، والأسد أحمس صولا والحمار أوسع أمعاء والحمام أحكم مصدرا ، وكلّ أحد لا علم له معلول الرّوح ومكلوم الرّوع وما علمه لسكر الأهواء والسّكر معدم احساس الكلم .

ساطعه : العلماء الصّلحاء هم الأرهاط السّعداء ، همّهم همّ الإسلام وسرورهم لعلوّ أمره وسرور أهله ، ومرادهم هو اللّه وإعلاء أوامره وروادعه وورد صلاح العالم صلاح العالم ، والعالم الصّالح صلاح الممالك وسلاح المعارك ، ولهؤلاء العلماء كلام كالمسك معطّر الأرواح ومروّح الصّدور ، وعلماء السّوء لهم كلام كالعود الدّاعر مكدّر الحواسّ ومملّ الأسماع .

ساطعه : علماء السّوء لصوص الإسلام وأعداء اللّه ورسوله ومحوّلو كلام اللّه ورسوله ، لهم سوء العمل وطول الأمل ، صدورهم مصادر الأسواء ، مرادهم ومدارهم الدّراهم والأهواء .

مسالكهم سدد الحرص والطّمع ، أمرهم إهلاك العوامّ ، لهم هلاك وإهلاك ، علمهم كالطّسل ، مرامهم أهواءهم حلالا وحراما .

ساطعه : العلوم كلّها صداع إلا علم كلام اللّه ، وكلّ علم سواه عطّله وأهمله ، وكلام اللّه لا عدّ لمحامده ولا حدّ لمكارمه ولا حصر لرسومه ولا إحصاء لعلومه ، وهو إمام أهل الإسلام ومدار أصل المرام ، ومصرح علم الحلال

ص: 20

والحرام ، ومطرح سرّ الأوامر والأحكام ، ومصدر العلوم وموردها ، ومحمل الأسرار ومطلعها ، ومودّع الحكم ومصدعها ، ومحطّ المصالح ومسلكها .

حامله واطد وعالمه سامك وعاصمه هاد وحاكمه عاد وسالكه واصل ، وما علم علوم كلام اللّه كلّها إلّا اللّه ورسوله ، وأولو العلم ما علموا إلّا عددا ، وورد علوم كلام اللّه عدد كلمه .

ساطعه : المأوّل هو العالم لعلم مدلول كلام اللّه ، وهو إعلام ما أراده اللّه ، وآما لإمام ووراء مهما اسطاع ، وهو أكرم العلوم كلّها لحصول علوّ العلم لعلوّ معلومه ، ومعلومه أكرم كل معلوم .

ساطعه : للمأوّل روم المدلول لدوال كلام اللّه عمّا ورد محلّا سواه ما اسطاع ، وإلا رام كلام رسول اللّه صلعم ، وإلّا عاد وصمد كلام الرّحماء لما لهم علم كامل وعمل صالح .

ساطعه : المأوّل الصّالح لإعلام مدلول كلام اللّه وسطره ، هو عالم وطد علمه وصلح عمله وسلك صراط هداه ، وما أوّل إلّا مساعدا لكلام رسول اللّه صلعم والرّحماء وطوّعهم وطوّع طوّعهم وهلمّ مدّا ، والرّحماء علّمهم رسول اللّه صلعم مدلوله كما علّمهم كلمه وما صلح لأداء مدلول كلام اللّه المسوّل المحوّل المموّه الواكس الوالع المطاوع لهواه .

ساطعه : صحّ لماوّل كلام اللّه أداء مدلول ما صدّه كلام اللّه وكلام رسوله وملاك الأمر ، أداؤه كما واءم لكلام الحمس سواء أورده أحد أو لا ، وكلام الموحّد ممّا أورد مدلولا لكلام اللّه ، هو سرّ كلام اللّه وأصل مدلوله وروح دوالّه وهو سهم أهل الوصول ومدرك أهل اللّه وما هرطه وسموه إلا العوامّ .

ساطعه : علوم كلام اللّه صروع الأوّل ، علم ما علمه إلّا اللّه وما اطّلع علاه أحد ، وما صحّ لإحد إعلاء مدلوله ما أطلعه اللّه لرسوله وما صحّ لأحد الكلام لحل مدلوله إلّا له صعلم أو لأحد أمره كصدور السّور علوم أعلمها اللّه

ص: 21

لرسوله « ص » مما أودع كلامه ، وهو إما ما صلح الكلام وسطه إلا سمعا كأمور المعاد وإما صلح أدلاء مراء أو لا سمع كوحود اللّه وإعلاء احكام ما صرّحها اللّه .

ساطعه : مأوّلوا كلام اللّه أوّلا رحماء رسول اللّه صلعم كأسد اللّه وولد عمّ سواه وولد مسعود ورهط سواهم ، وعلّموا رهطا كعطاء وعطاء سواه وطاوس ومالك ومحمّد وولد أسلم ، وهم علّموا رهطا كآدم وروح .

ساطعه : ما أوّل المحرّر وأورده حاصل ما أورده العلماء وصراح ما رسمه الكمّل .

ساطعه : كلام اللّه عمّ صروع الأحوال والأطوار والأسرار للعوالم كلّها ، وأسماء اللّه وأسماء رسلهم وأسماء الأملاك وأحوالهم كملك الكلام وملك المطر وملك الماء وملك الرّعد وملك الأرواح ، وأحوال الأمم الأول وأسماء دماهم كالود والسّواع ، وأحوال رسلهم ولا حصر لأعدادهم كأحوال آدم وأسره ممّا هو صلصال حماء وإعطاء الرّوح وأسر « حوّا » وأصلها ملاط آدم وصعودهما وورودهما دارالسّلام ومكر الموسوس المارد لهما ، وأكلهما السّمراء وحطّهما ودوام هموعهما وهعلهما واسودادهما وهودهما ، وسماع هودهما وأولهما وإهلاك ولده ولدا ، وإرسال الأعور وإعلامه الرّمس ، وأحوال هود وإهلاك رهطه عاد وإرم ، وإرسال الصّرصر لدمارهم ، وأحوال صالح ورهطه وإهلاكهم سمامه وهلاكهم لإهلاكها ، وأحوال أهل الرسّ ، وأحوال لوط وإهلاك رهطه لسوء أعمالهم ، وأحوال داود وسدء الدّرع وملك ولده وعموم حكمه وسطوه ، وأحوال الهود ورسولهم وصعوده الطّور وكلام اللّه معه وإرسال طرسه له وحئول كلمه لعمل رهطه وأحوال ملك مصر واعماله ومآله وأحوال روح اللّه وأمّه وكمال طهرها وأحوال رهطه وكلامهم لرسوله ادّعاء هو ولد اللّه ، وأحوال طرسه كما حوّل كلمه ، وأحوال أكمل الرّسل وأمدهم محمّد رسول اللّه صلعم ، وإرسال

ص: 22

الملك له وإعلاء سداده ، ومعارك عماسه مع الأعداء ، وإعلام أوامر الإسلام وأحكامه ، وإسراء اللّه له مصاعد السّماء ، وكمال سطوه وعلوّه ، وأحوال الرّحماء الكرام وإعلاء الإسلام ودوامه وأحوال ورود السّام ودرك الحمام ، وأحوال المرامس وسؤال الملك ومراكد الأرواح واعلام المعاد كحرور روح اللّه وصدور الاعوار المطرود والصور وأحوال إعطاء الأرواح للأطلال وإصلاح الرّمم للصّور ، وأحوال المعاد وأهوالها وإحصاء الأعمال وطروسها والصّراط ودارالسّلام ومحالّها ودورها ومصادرها ومواردها وموادّ سرورها ودلال مردها وحورها وحللها وسدوسها وسواعدها ومسل أمواهها ودرّها وعسلها وراحها ودوحها وسرحها ودوام أكلها وأحمالها ، وأحوال السّاعور ومساعرها ومهالكها ومصلاها ومحماها وآلام دركها وهموم واردها وصروع آصارها ، والمأمول سطوع مراحم اللّه ومكارمه للكلّ مآلا .

ساطعه : أمّ علوم كلام اللّه 3 ، الأوّل : علم ما وحّده ، وهو علم المأسور كلّه وعلم آسره ومصوّره مع الأسماء ، 2 : علم ما وعد وأوعد وادكار دارالسلام ودار الآلام ، 3 : علم الأحكام وهو الأمر والرّدع وما سواهما ، وللّمحه سموا الْحَمْدُ لِلَّهِ أم كلام اللّه لما عمّ صروع مدلوله وهؤلاء أصول كلام اللّه المرسل ساطعه : كلام اللّه أحاط صروع العلل والأدلاء وأورد اللّه كما عادوا ما سهل دركه لكلّ أحد عموما .

ساطعه : اللّوح المعصوم المرسوم مرسم كلام اللّه ، والسّماء الأوّل مرسل كلّه ومحطّه أولا عصرا واحدا وأعصارا ، وسرّ إرساله مصاعد السّماء أوّلا إعلامه لأهلها إكراما له ولرسوله ، وأرسله اللّه لرسوله كلاما كلاما كما صلح للأمور والأحوال والطروس الأوّل أرسلها معا ، وورد سرّ إرساله كلاما كلاما لا معا إحكام روع رسوله وركود سرّه ، ولمّا سهل أداءه وإعلامه وحرسه لعدم درسه الطّروس الأول أصلا .

ص: 23

ساطعه : أرسل كلام اللّه للملك مصعد السّماء الأوّل أمام أعلام ألوكه صلعم ، وحكوا أعلام ألوكه أمام إرساله وهو الأصحّ .

ساطعه : أصل الإرسال إلهام اللّه كلامه ، وإعلامه للملك مصاعد السّماء ، وهو عال ممّا حلّ المحلّ والملك أدّاه للرّسول صلعم ، وورد هو سماع كلام دالّ معلم عمّا هو أصل كلام اللّه .

ساطعه : الرّسول صلعم صار كالملك وسمع كلاما أورده الملك ، والملك صار كأحد ولد آدم وأدّاه للرّسول « ص » وهما مسلكا الإرسال والأوّل أعسر .

ساطعه : المرسل إمّا هو الكلام ومدلوله معا ، وهو كلام اللّه المرسل المرسوم طرسا واحدا ، وإمّا المدلول لا الكلم وهو كلام رسول اللّه صلعم كلّه .

ساطعه : لمّا سأل ولد عمرو رسول اللّه صلعم عمّا أوحاه اللّه وإحساسه ؟

حاور له : أسمع صلاصل ، وأورد الحاكم الملك أحلّ وأوصل روعه صلعم كلام اللّه وصار روعه موردا ومحلّا لما أوحاه اللّه .

ساطعه : لكلام اللّه موارد ومراسل كأم رحم وما حولها ومصر رسول اللّه صلعم وما حوله كأحد وسلع والصّرط والمسالك والمراحل والمرامك ومصاعد السّماء والهواء حال صعوده وحدوره صلعم آصالا واسحارا وحرّا وصردا .

ساطعه : أوّل محال ورود الملك وإرسال كلام اللّه لرسول اللّه صلعم حراء ، وراء إرهاص وهو داع ومدّكر وراصد لورود الملك وإرسال الكلام وعلوّ أمر الإسلام .

ساطعه : ما أورده المحرّر صدور السّور موردها أمّ الرّحم المراد أرسلها اللّه امام رحل رسول اللّه صعلم ، سواء حلّ أمّ الرّحم أو سواه كأحد وحراء وصراط مصره حال رحله لا عوده ، وما أورد صدور السّور موردها مصر رسول اللّه صلعم المراد أرسلها اللّه وحصل رحله سواء حلّ أمّ الرّحم عام وروده أمّ

ص: 24

الرّحم سطوا وعلوّا ، أو عام الوداع أو مصره صلعم أو سواهما وهو اصطلاح أعود وأصلح .

ساطعه : ورد كل ما أرسل إعلاما لأحوال الرّسل والأمم الأوّل موردها أمّ رحم ، وكلّ ما أرسل أوامر وروادع موردها مصر رسول اللّه صلعم .

ساطعه : أورد الحاكم ورهط ما أرسل كلاما مع أهل الإسلام موردها مصر رسول اللّه صلعم وما أرسل كلاما مع ولد آدم موردها أمّ رحم .

ساطعه : ورد أوّل ما أرسل الْحَمْدُ لِلَّهِ ، وردّه رهط لمّا صحّ مورده مصر رسول اللّه صلعم ، وما هو صلعم عصر الألوك والإرسال وارد مصره ، ورهط حاكموا وحاوروهم وحكموا ورده مكرّرا أمّ رحم ومصر رسول اللّه صلعم وكلاهما موردها .

ساطعه : أوّل ما أرسله اللّه لرسوله كلام حاو لأمر درسه صلعم أداء كلامه مع اسم إلهه وصادع لأسر ولد آدم وهو الأصح ، وهو ما أرسله كلام لإعلام إكمال الإسلام والآلاء كلّها لما صحّ إرساله عام الوداع وهو مؤم لحسم أمر الإرسال وكمال عمر المرسل ورحله ووداعه ، وورد أوّل ما أرسله اللّه وأمده ( اللّه لا إله إلّا هو ) .

ساطعه : ممّا أرسل ما كرّر إرساله ادّكارا للأوّل ، كالحمد للّه وأوّل الرّوم وهود والإسراء وسواها ممّا ورد ، ورهط ردّوا إرساله مكرّرا وعلّلوا هو حصول ما هو حاصل أوّلا ، وهو مردود لما مرّ صلاحه وحاصله .

ساطعه : كلام اللّه ممّا أرسل وآما لكلام رسول اللّه صلعم والملك المرسل ، وكلام الرّحماء الكرام كعمر وسعد كما ورد و ما مُحَمَّدٌ إِلَّا رَسُولٌ وهو ممّا كلّمه حامل لواء رسول اللّه صلعم حال عماس أحد .

ساطعه : ممّا أرسل ما صحّ حكمه أوّلا أمام الإرسال أعصارا وأرسل وراءه مؤكّدا ومصحّحا للحكم الأوّل وما صحّ إرساله أوّلا وما أمر عمله حال

ص: 25

الإرسال ولمّا مرّ دهور لسم عمله لحكم ومصالح .

ساطعه : ممّا أرسل سور صحّ إرسالها كمالا كمالا عصرا واحدا ، كالحمد للّه لما أرسلها للّه كلّها عصرا واحدا ، وسور صحّ إرسالها سهما سهما لدواع ومهام .

ساطعه : لكلام اللّه سور طوال وأوساط وسواهما ، وأوّل الطّوال ألم الأوّل وأمدها مدارا العلماء ، ولأمد كلام اللّه طوال ، وأوساط وسواهما ، وأوّل طواله « محمّد » وأمدها « عمّ » وهو أوّل أوساطها .

ساطعه : ممّا أرسل ما أورده الملك وحده ، وما أورده ومعه أملاك إكراما لكلام ، كالحمد للّه وورد ما أورد الرّوح كلاما إلا ومعه أملاك حرّاس له .

ساطعه : ممّا أرسل لمحمّد رسول اللّه صلعم ما أرسل أوّلا للرّسل الأوّل ، وما أرسل له وحده صلعم لا لرسل أمامه .

ساطعه : الكلام الأكرم هو كلام الحمس وأهل الحرم ، وهو ما كلّمه آدم أوّلا واللّه علّمه ، وورد ما أرسل للرّسل الأوّل كلام أصلا الّا ما وراء كلام الحمس ، والرّسل أدّوا مدلوله مساعد كلام أممهم لما سهل لهم دركه .

ساطعه : للسّور صروع ، صرع له أسماء لإكرام مسمّاها وهو معدود كالحمد للّه وأسماءها الدّعاء والأساس والسّؤال وكالإسراء والدهر والملك ، وصرع له اسم واحد كالرّعد والهود ، وصرع هو عكس الأوّل وهو للسّور اسم واحد كالم والمر وحم لو صحّ صدور السّور أسماء لها .

ساطعه : ما سطر كلام اللّه طرسا واحدا عهد رسول اللّه صلعم ، لما هو راصد لورود حكم محوّل لحكم أرسل امامه ورحماؤه رسموه طرسا واحدا ، لمّا ألهمهم اللّه كما أدّاهم رسول اللّه صلعم وصرّحهم مساعدا لما هو مسطور اللّوح وهو المحرّر المسطور حالا .

ساطعه : أورد الحاكم سطر كلام اللّه طرسا واحدا مرارا .

ص: 26

الاوّل عصر رسول اللّه صلعم واوّله رهط وأرادوا إملاء السّور والكلم ولمّها محالّها لا املاءها طرسا واحدا .

و 2 عصر اوّل الرّحماء صهر رسول اللّه صلعم .

و 3 عصر أحلمهم وهو لمّه وسطهر طروسا وأرسهلا اطرار الأمصار وسموا أوّلها وأصحّها الإمام وهو الأصل المطاوع لأهل الرّسم والأداء .

ساطعه : عدّ العلماء سور كلام اللّه وأعلامه وكلمه للأحكامأعداد سوره 114 وهو الأصحّ ، وأعداد أعلامه 6616 ، ولأعلام السّور كلّه اعداد كما ورد أعلام الحمد لله 7 وهود 121 والرّعد 43 والأسراء 111 وطه 132 وطسم 229 والرّوم 59 وص 85 والطول 82 والدّهر 32 ومحمّد 36 والطّور 27 والملك 31 وعمّ 41 والعصر 3 ، وعدّ رهط كلمه كلّها وهو 77934 .

ساطعه : لكلام اللّه أسماء كالكلام والصّراط والرّوح والعلم والامام والعدل والأمر والحكم والهاد والمحك والموصل والمعلم والعلم .

ساطعه : أسماء السّور ممّا سمع كالحمد للّه والهود والرّعد والإسراء وطه والرّوم وص وحم ومحمّد والطّور والملك والدّهر وما سواها .

ساطعه : ورد صدور السّور كلّها أسماء لها .

ساطعه : لأهل الأداء صروع : - الأوّل - ما حكاه أرهاط ما حكم الرّوع وئامهم ولعا لعدهم وعدم عدّهم وحصرهم وورد له عدد معهود .

و 2 - ما صحّ سمعه وإعلامه وواطاه الرّسم وما وصل الصّرع الأوّل .

و 3 - الآحاد وهو ما صحّ سمعه واعلامه وما ساعده الرّسم وما واطاه .

و 4 - ما لا سداد لسمعه واعلامه كما رووا ملك .

ساطعه : عالموا كلام اللّه عهد رسول اللّه صلعم أسد اللّه وولد مسعود وسوهما عدادا ، وهم علموا رهطا كسالم وعمر وعطاء ومسلم وولد اسلم وعطاء

ص: 27

وطاوس والأسود وعمرو وعمر وسواه ، وولد عاصم وسعد وأحمد ومحمّد وعاصم ورهطا سواهم ، وهم علّموا رهطا وهؤلاء ممارسو الكلام .

ساطعه : أهل الأداء 7 ، وهم همّوا وأصلوا الأصول ، وأوّل مرء حرّر طرسه ولد سلام ، ووالاه واحمد ومحمّد ولد أحمد ، ورهط والأهم ولاء ممدودا ولا إحصاء لهم .

ساطعه : ممّا أرسل ما ورد أداؤه صروعا وسطر أحدها كملك ومالك ووعد وأوعد ومهّد ومهاد وحرم وحرام وادّرك وادارك وأو كلّما عهدوا وعاهدوا وسمرا وسامرا .

ساطعه : صروع درس كلام اللّه المرسل 3 :

الأوّل - إعطاء كلّ كلم اسطمه وما صلح له وأداءه كما هو المعهود .

2 - الحدر وهو اسراع الدّرس .

3 - المدّ وهو الوسط لا الحدر ولا المهل ، ودرس رسول اللّه صلعم مع المدّ والمأمور للورّاد سماعه ولدارسه وسامعه الدّعاء حال إكماله .

ساطعه : لأهل الأداء اصطلاح لأسماء ما أدّوه كالوصل والمد والحدر .

ساطعه : اعلم للحاء والدّال والرّاء والصّاد والطّاء واللّام والواو والهاء وما سواها مصادر وموارد ، أوّلها وأوسطها وحماداها والوسط هو مصدر الدّال والرّاء والصّاد والطّاء واللّام وما سواها ممّا عدّ وحصر وطال كلامه ولكلمه أطوار وأحوال كالكلّ ، وهو كلّما ورد ورد موصولا لا سواه ، وكلا ورد 33 محلّا ممّا أرسل ، وما للرّدع 7 ولا وصل له ح أصلا وما سواه ، صحّ له الوصل وعدم الوصل وأهل الأداء كلّهم أمالوا لكلّ ما كسر امامه الا واحدا ، وأوردوا المدّ لا كمال إعلام المعدم وإعلاء المصحّح كمد « لا اله الّا اللّه ولا اله الّا هو » .

ساطعه : لكلام اللّه كلم عسر درك مدلولها ، وهم أمروا رومها كأهلّ وحدود اللّه والمسّ وصلدا وطولا وأركسهم وحام ومدرارا وصراط ولاوّاه ولا

ص: 28

أدراكم وعاصم وحصحص وهاد وسوء الدّار وحماء واصدع والرّوح ودمّر وكالمهل ووردا وعهدا وإدّا وساء والّا هسا وهدّوا وسامرا والآصال ولولا دعاءكم وكالطّود ولعلّكم وكلّ واد وادّارك علمه وسرمدا والعرم والعمل الصّالح واهدوهم وسواء والعراء وادعوا ورواكد ورهوا وروح وأوسطهم والرّوح وسمكها وعسعس والودود والمرصاد وطحاها وألهمها وما ودّعك والصّمد وما سواها ، كما عدّ رهط ، ورهط عدّوا معها الطّور وألدّ والسّلم والأكمه وإصرهم ومرساها وإلّا والمحال وحداد واعصار وصرّ وسرّا وحصورا وهلوعا ودسر .

ساطعه : كما أرسل كلام اللّه وآما لكلام الحمس أرسل وآما لكلام ارهاط سواهم كأوس وسدوس وسعد وعامر والهود والروم ، وما أرسل وآم كلام أرهاط سواهم كلم عدها العلماء كاللّهو والصّواع والعرم وحور ومسطور ودلوك وسور والرّسّ ودمّر وأمد وملوكا ودحورا وصلدا ومدرارا ودسر وأطوارا وإمام والصّرح ومحسورا وهلوعا والصّور والعول وكالأوّاه ورهوا وإلّا وسكرا والصّراط وطه وطور ومهل والهود وروم ومسك وما عداها .

ساطعه : ولكلمه صروع المدلول ، كالسّوء مدلوله العهر والعدول والأسماع والإهلاك والإصر ، وكالرّوح مدلوله الأمر وما أوحاه وكلام اللّه والملك الرّسل وملك مكرم سواه ورهط الأملاك ، وكهداه مدلوله الدّوام والإسلام والدّعاء والرّسل والطّروس كلّها والعلم ومحمّد رسول اللّه صلعم والكلام المرسل له وطرس الهود والأدلاء والإصلاح والإلهام ، وكالدّعاء مدلوله الطّوع وروم الإسعاد والسؤال والكلام ، كما ورد دعواهم المراد كلامهم .

ساطعه : كلّما ورد صمم المراد عدم سماع كلام اللّه والإسلام إلّا محلّا واحدا وهو الإسراء ، وكلّما ورد الصوم أراد امساكا معهودا إلّا صوما واحدا وهو صوم امّ روح اللّه ، وكلّما ورد مطر المراد الإصر إلّا واحدا ، وكلّما ورد مكر أراد العمل .

ص: 29

ساطعه : والأصلح لحال المأوّل علم أحوال الكلم ومدلولها ، كما ورد أحد وهو اسم لما صلح للواحد وما عداه وعام له ولها وهو لولد آدم لا لما سواهم لا كالواحد ، وهو عام لهم ولما سواهم ، وله مدلول الأوّل والواحد ، وح صحّ وروده وراء الإعدام وعكسه ، كما ورد « هو اللّه أحد » والمراد اللّه واحد ، وكامّا أحدكما والمراد اوّلكما وورد لا لمدلولهما ، وح محلّ وروده الإعدام لا سواه ، وورد مدلوله مدلول واحد وح صحّ ورود كلّ واحد محلّ ما عداه .

وأل صروعه 3 :

الأوّل : الاسم الموصول ومدلوله هو مدلول الاسم الموصول .

2 - للعهد أو لعموم الآحاد والآحاد كلّها .

3 - لا مدلول لها كما ورد صدر الموصول والأعلام .

والا كعصا للإعلام والرّوم مؤكّدا .

وألّا ككلا كلما أرسلها اللّه ما أراد مدلولها أصلا .

وإلّا مكسور الأوّل للإصدار عمّا حكم اوّلا ، ولها صروع سواه كالوصل مطو الواو .

واللّهمّ محلّ وروده صدر الدّعاء والسؤال لما هو اسم اللّه الأكرم .

وأم مع معادله للسّواء وح لا حوار له لعدم السّؤال ورد للسّؤال مع الاعدام ، وهو مما ورد أمامه إعلام وهل .

وأمّا أصله مهما أورد مؤكدا للكلام الوارد وراءه ، وأورد لإعلام المدلول الأوّل .

وإمّا مكسور الأوّل كأحد الأمور كاو ، وهو ممّا أورد مكرّرا لا أو .

وأو لاحد الأمور ولها مدلول الّا وورد للوصل كالواو .

وسواء ممدودا مدلوله الوسط والعدل .

وكاد مدلوله أحمّ ووهم رهط كاد ، كلما ورده الإعدام صار مدلوله حصول

ص: 30

الإحمام ، وإلا مدلوله معدوم لا سواه وورد كلّما ورد كاد وأكاد ومطوهما أراد عدم حصول مدلولها دواما وورد مدلوله هو مدلول أراد وعكسه وهو ورود أراد لمدلول كاد .

وكلّ هو اسم عامّ للسّور ، عمّ آحاد ما ورده مؤكّدا للكلام الأوّل ، وورد صدر الكلام ووصله ما وصار وكلّما ، وما للمصدر سدّ مسدّ العصر كالمصدر كالمصرّح سادّ مسده ، ومدلوله كلّ عصر وأورد أهل الأصول كلّما لما كرّر لعموم مدلول ما للأعصار والدّهور .

وكلا اسم واحد ومدلوله هما كالكل واحد دالا ومدلوله هم .

وكلّا مدلوله الرّدع وطرح العمل وورد لمدلول الّا ومدلول السّداد وح هو اسم .

وكم اسم له صدر الكلام وهو لسؤال الإعلام وللأعلام وورد أصله كما كلم أصله لما وردّه رهط .

واللّام امّا عامل واحد صروعه لام الأمد أو لا ، ومما عمل وكسر لام الأمر وعمله عمل لم لا الكسر وورد مهوّلا وممدودا ، وممّا لا عمل له ما هو مؤكّد لمدلول الكلام الأوّل أو حوار للعهد ولو ولولا .

ولا للإعدام ك « لا إله إلّا اللّه » ، ولروم طرح العمل وورد مؤكدا لا للإعدام كما ورد اسما وعمل عمل « ما » وورد محلّ لا .

ولعلّ لأمل مودود كاد حصوله ولردع عمّا كره ولروم العلم كما ورد لَعَلَّ اللَّهَ ولم للإعدام وما صحّ طرح معموله أصلا .

ولمّا للإعدام ك « لم » مع الأمل ، وأصله « لم » وصل معه « ما » مؤكّدا للإعدام ، وللإدلاع ك « الّا » وصحّ طرح معموله ولمدلول العصر .

ولو لإعدام الحوار لإعدام الأوّل ، وورد « لو » لإعدام الأوّل والحور الاسم له

ص: 31

معدوما أو حاصلا ، وورد كلّما ورد « لو » المراد عدم حصول مدلوله دواما ، وورد للأمل المحال حصوله .

ولولا لإعدام الحوار لحصول الأوّل ، وورد حواره اللّام وله مدلول « هلا » وللهول والسّدم ولروم العلم ولإعدام الأوّل ، وورد كلّما أرسل « لولا » المراد مدلول « هلا » الّا ما صلا .

ولو ما ك « لولا » دالا ومدلولا وورد مدلوله مدلول « هلا » لا سواه .

وما للموصول وهو لمّا لا علم ولا ردع ، وورد لما له علم ك ما طَحاها و ما سَوَّاها ، ولروم العلم ولحصول الحوار لحصول الأوّل وح معمول لعامل ورد وراءه ، وللمصدر عصرا اوّلا وللإعدام عاملا أو لا ، وورد هو لاعدام الحال ، وورد كلّما أورد امام « لم » أو « لا » أو وراء « الّا » المراد الموصول لا سواه ، وما ورد امام « الّا » المراد الاعدام الّا معدودا .

ومع اسم عمله الكسر وأصله لمحلّ اللّم أو عصره ، وورد للمّ وحده عدم لمح المحل والعصر كما ورد و هُوَ مَعَكُمْ .

ومهما اسم لما علّلوه وورد أصله « ماما » أورد الهاء أوسا .

والهاء هو اسم ورد مكسورا ك « معه » و « له » وسواه ك « علمه » .

وهم وهما عدلاه كلّهم وهم أولو الكمال وكما ورد لَأَسْمَعَهُمْ و لَوْ أَسْمَعَهُمْ .

و « كلّهما » و « علمهما » وهما صالحا الرّهط .

وكما وكم عدلاهما كما ورد عَلَّمَكُمْ .

وكم و هُوَ مَعَكُمْ وكما ورد « معكما » اسمع وكعلكما .

وها اسم مدلوله الأمر وورد للعهد ، كما أوردوا « لاها اللّه » وأرادوا « لا واللّه » .

وهل للسؤال وروم العلم وللإعدام .

وهلمّ مدلوله الدّعاء والروم ، وأصله « ها ولم » ممّا أوردوا لمّ الأمر أصلحه ،

ص: 32

وورد أصله « هل » و « أمّ » لعلّهم أرادوا « هل لك لأمر امّه وصمده » .

والواو إمّا لها عمل أو لا عمل لها ، وما لها العمل امّا عملها الكسر كواو العهد وسواه ك « واو مع » ، ومما لا عمل لها « واو الوصل » و « واو » مدلولها « أو » و « واو » للإدلاء و « واو » للحال ولأوّل الكلام ، و « واو » لا مدلول له .

ساطعه : الأصل وئام الحوار للسّؤال وورد عدوله عمّا هو الأصل إعلاما لما هو اسطمّ السّؤال ، وما سأله ما صلح للسّؤال وورد الحوار اعمّ ممّا سال كالسؤال ورد أعمّ ممّا حوور إعلاما لمّا هو الأهمّ سؤالا لا ما سأله ولو حصل السّؤال وهو اسم أو سواه الأصل للحوار وئامه .

ساطعه : الرّحماء ما سألوا محمّدا رسول اللّه صلعم إلّا 12 سؤالا وأطاعوا ما حووروا كسؤالهم عمّا أحلّ لهم وأحوال الهلال وكسا وكمالا وسواهما ممّا أرسله اللّه وأورد الإمام 14 سؤالا وعد معها سؤال الرّوح وملك الرّوم وهو وهم لما سألهما طلاح أهل أمّ الرّحم لا الرّحماء .

ساطعه : ممّا أرسل ما سماه اللّه محكما وهو ما سهل درك مدلوله ولاح سرّه ومراده ، وعكسه هو ما لا مدرك لمدلوله وسرّه المطموس ولا عالم لمراده المدموس إلّا اللّه ، كعلم المعاد وصدور السّور ك « ألم » و « طسم » و « الر » و « المر » ، وكصوم عصر معهود واعداد الرّكوع ، والمحكم ما دام حكمه وحلاله وحرامه وحدوده وأوامره وما أمر إسلامه وعمله وعكسه ما حد حكمه ومسلمه ومكلأه وصور أحواله وعهوده وما أمر إسلامه لا عمله ، أو المحكمحلاله وحرامه وعكسه ما سواه ولإرساله حكم ومصالح للّه وهم الطّلاح لا حاصل لإرساله لما ورد الإرسال لا إعلام ولا إعلام ح وهو مردود مطرود .

ساطعه : كلام اللّه ممّا أرسل لإعلاء مدلول كلام رسول اللّه صلعم ، وكلام رسول اللّه صلعم ممّا ورد لإعلاء مدلول كلام اللّه .

ساطعه : العام ما عمّ الصّالح له ولا حصر له ، وكلمه « كلّ » وهو ورد صدر

ص: 33

الكلام أو مؤكدا له ، وكلّ موصول ك « أولاء » و « اولائك » و « أولاك ؟ » و « اللّاء » و « اللّواء » و « اللاؤا » و « ما » سؤالا وموصولا ومصدر « ألب » .

ساطعه : والعام صروع 3 :

الأوّل ما دام عمومه وهو ماصل لما لا عام الا وهو مسموم الآحاد ، ورهط ردّوه وأوردوا عاما لا سموم له أصلا .

2 - ما مراده السّموم كما أورد الأملاك وأراد واحدهم وهو الرّوح .

3 - العام المسموم وما سمّ العام امّا موصول له أو لا والموصول صروع كالاصدار عمّا عمّه العام ، وهو كلّ ما ورد عاما ورد وراءه « الّا » ك « لا إله إلا هو » وك « الأمد له » وسواهما كورود « لو » وراء العام .

ساطعه : لمّا أورد العام للمدح واللّوم هل دام عمومه أو لا ؟ حكم رهط هو للدّوام وحكم رهط عدم دوامه .

ساطعه : المؤكّد صروع 4 .

الأوّل : مؤكد للمدلول ك « كل وكلا » .

2 : مؤكّد للكلم والمكرّر هو أو عدله كعودوا وراءكم وك دَكًّا دَكًّا وك فَمَهِّلِ أو لا ك مَهِّلْهُمْ وك ما أَدْراكَ * المكرّر وك هُمْ * المكرّر .

3 : المصدر المؤكّد لعامله .

4 : الحال المؤكّد كارسلك اللّه رسولا .

ساطعه : الحصر هو حول أمر مسموم أمر أو وطد الحكم لأمر وطرحه عمّا عداه ، وهو إمّا كحصر الممدوح للمدح كما ورد وَما مُحَمَّدٌ إِلَّا رَسُولٌ وإمّا كحصر المدح الممدوح ك لا إِلهَ إِلَّا اللَّهُ * وما محرّم إلّا الدّم وما أهلّ لسواه وله صرط .

أحدها : « ما » و « الّا » أو « لا » و « الّا » .

ص: 34

2 - ورود المعمول أولا ك « لك اعمل » .

3 - ورود المحمول اوّلا ك « عالم هو » .

4 - عكسه ك « عمر » وعمل وهو ممّا حكم رهط .

5 - لا لوارد للوصل ك « عمرو مسلم لا عادل » .

6 - كلم العماد ك « اللّه هو الممد » .

7 - ادّكار المحكوم ك « أولاك » هم أهل الإسلام .

8 - ورود المحكوم والمحمول معا مع « ال » أو ما حكمه حكم « ال » ك « الحمد للّه » .

ساطعه : الأصل لعلم كلام اللّه ومدلوله علم الحكم المحوّل والمحوّل ، الحكم المحوّل ما سمّ رسول اللّه صلعم ورهطه وما هو للرّسل الأوّل وأممهم وهرطه رهط الهود لما وهموا هو سدّم وحئول عمّا حكم أوّلا لعدم علم امده وهو مردود لمّا لإعلام أمد الحكم الأوّل لا للحؤل عمّا حكم كالداء وراء الصّح وعكسه وإعطاء الرّوح وراء الاعدام وعكسه والعدم وراء الوسع وعكسه وله حكم ومصالح .

ساطعه : المحوّل لكلام اللّه الرّسل إمّا هو كلام اللّه أو كلام رسوله صلعم وهو الأصحّ .

ساطعه : لا محوّل إلّا للأمر والرّدع ولو كلمه ودواله اعلام ولا محوّل لإعلام لا للرّوم كما وعد وأوعد .

ساطعه : أرسل الحكم المحوّل عصرا أمام عمل الحكم المحوّل المحدود ، وأرسل عصرا وراء العمل كحئول مولاهم وصوم المحرّم عصرا معهودا ، وأرسل عصرا لما أمر الأمم الأوّل لعمله .

ساطعه : ممّا أرسل سور مدلولها لا محوّل ولا محوّل ك « الحمد للّه » و « الملك » و « عمّ » وسور مدلولها محوّل ومحوّل ك « الدهر » و « الطّور » و « العصر »

ص: 35

وسور مدلولها محوّل لا محوّل وسور سواها مدلولها محوّل لا محوّل .

ساطعه : ممّا أرسل صرع حدّ درسه وأداءه وحكمه معا .

وصرع حدّ حكمه لا درسه وهو ما صل ، وسرّ حدّ الحكم لا الدّرس هو كلام اللّه كما درس لما عدم الحكم وعمل درس لما هو كلام اللّه مع عدم لمح الحكم والعمل أو الحكم المحوّل آمر وروده لما سهل الأمر ما حدّ الدرس ادكارا لآلاء اللّه ودسع عسرهم وأداء لمحامدها .

وصرع ما حدّ درسه لا حكمه ، وأوردوا ح سؤالا وهو ما السرّ لحدّ الدّرس لا الحكم وهو المراد ممّا أرسل محوّلا محوّلا ورهط حاوروه وصرحوا سرّه وهو إعلاء إسراعهم طوعا لمّا أمروا مع وهمهم سداد مدلوله لما حدّ درسه كما سارع الرّسول لسحط ولده إسماعيل وعمل ما هو أردأ مراهص ما أوحاه .

ساطعه : أورد رهط لا محوّل ممّا أرسل « الّا » والمحوّل أمامه « الّا » معدودا .

ساطعه : ممّا أرسل ما هو كلام مع الكل عموما والمراد هو العموم .

وكلام مع واحد والمراد هو الواحد .

وكلام مع الواحد المعهود والمراد الكل .

وكلام مع رهط لامهم ، وكلام للإكرام كالكلام مع رسول اللّه صلعم وعكسه كالكلام مع المارد المطرود ، وكلام مع الواحد والمراد الرهط ، وكلام مع الرّهط والمراد الواحد كالكلام مع الرّسل والمراد « محمّد » رسول اللّه صلعم ، وكلام مع رهط وراء كلام مع الواحد ، وكلام مع الواحد وراء كلام مع رهط ، وكلام مع رهط وراء كلام مع رهط سواهم ،

ص: 36

وكلام مع الرّسول صلعم والمراد سواه ، وكلام مع سواه والمراد هو الرّسول صلعم .

وكلام مع ما لا علم له كالطّود والسّماء .

ساطعه : أورد العامّ والمراد الواحد المعهود ، كما أورد الواحد والمراد العام .

ساطعه : أرسل اللّه اللّاسم وأراد ملسومه ، كما أورد الملسوم وأراد لاسمه ، وأورد الحال وأراد محلّه كما أورد المحلّ وأراد حاله اطراء للكلام وإكمالا له ، وعصرا طرح آحاد الكلم للدّوال حالّا أو كلاما .

ساطعه : ورود الأعلام والمراد الأمر أو الرّدع أكمل ممّا أورد كلمهما مصرّحا لما صارا كما سورع لعملهما واعلم عمّا عملا .

ساطعه : الكلام إمّا مساو لأصل المراد أو واكس عمّا ساواه كامل لأداء المراد ككلام اللّه المرسل هُوَ اللَّهُ أَحَدٌ وماءها ومرعاها ، أو مطوّل لصلاح كورود الكلام مؤكّدا للكلام الأوّل ، أو مكرّرا للإحكام أو الإكرام أو الهول وهو أكمل ممّا أكّد لا كما وهم رهط سهوا ، وما صحّ ورود كلام مساو لأصل المراد وسط كلام اللّه ووهم رهط وروده وهما لا معوّل له لما هو كلام الأوساط ورهط حكموا عدم حصوله رأسا وحكموا ما كادوا ورود كلام مساو ومحلّا أصلا وأوردوا الكلام امّا واكس عما طال كامل لأداء المراد أو مطول لصلاح امر .

ساطعه : الكلام إما إعلام أو روم ، والإعلام إمّا سداد أو ولع والرّوم صروع كالأمر والرّدع والدّعاء والسّؤال وهو روم العلم والعهد وأمل كاد حصوله وأمل اعمّ ممّا كاد حصوله أو حصوله محال .

ساطعه : أورد الإعلام والمراد الأمر أو الرّدع أو الدّعاء وردّه رهط وأوّلوا إعلاما وروده لمدلول الأمر أو الرّدع أو الدّعاء .

ساطعه : الكلام حاو ولما وعد وأوعد وكلاهما سمّا مع الإعلام .

ص: 37

ساطعه : إعلام العام ملسوم لإعلام العام ما سم لا حصوله ملسوم لحصوله وحصول ما سهم ملسوم لحصول العام لا اعدامه ملسوم لإعدام العام وكلم الاعدام « لا » و « ما » و « لم » و « لمّا » .

ساطعه : كلم السّؤال « أ » و « هل » و « ما » و « كم » وما سواها ، وأورد كلم السّؤال لمدلول الإعلام مؤكّدا والهول والسّواء وهو حال ورود كلم السؤال كلاما صحّ ورود المصدر محلّه ، ومدلول الأمر والرّدع والدّعاء والأمل والإكرام وعدم الإكرام والإعلام ولما سواها ، وهؤلاء الكلم هل مدلولها الأول وهو روم العلم حاصل ح أو لا ؟ ادّارء العلماء رهط حكموا مدلولها الأول حاصل ح ولمهم كلامك كم أدعوك مدلوله وصل الدّعاء حدا لا اعلم عدده وأروم علم عدده ورهط عكسوا الأمر .

ساطعه : الأمر هو روم عمل لا روم طرح وكلمه « اسمع » ودع وع وما سواها ، ومدلوله الأصل إلسام العمل أورد لمدلول ما سواه كالدّعاء والهول والسواء والإكرام وما سواها .

ساطعه : الرّدع هو روم طرح العمل ومدلوله الأصل الإحرام وأورد لمدلول ما سواه كالكره والدّعاء والسّواء واعلام الأمد وعدم الإكرام .

ساطعه : الأمل الأعمّ هو روم حصول أمر ودّا لحصوله ، ورهط وهموه إعلاما ومدلوله الإعدام ح لا سواه وهو وهم ، وأورد « هل » و « لو » و « لعلّ » مورده .

ساطعه : لعلّ مدلوله أمل وروم أمر كاد حصوله ، وورد أرسل اللّه « لعلّ » وأراد الأطماع لا مدلول له الأصل .

ساطعه : المصدر هو الكلام المورد أمده ما ورد اوّله .

ساطعه : الطّرد هو ورود كلام مؤكّد لمدلول كلام وراءه والعكس هو ورود كلام وراء كلام مؤكّد لمدلول الأول .

ساطعه : الكلام الموهم كلام له مدلول مؤامّ ومدلول طروح وأراد

ص: 38

المدلول الطّروح ، وأوهم السّامع المدلول المؤامّ دسّا ومكرا ، وما أوهم للكلام إلّا للإكمال والإطراء .

ساطعه : الاطّراد هو ما أورد أمساء ولاد الممدوح ولاء كما ولدوا .

ساطعه : العكس ما أورد مكلأ الكلام محلّ مسلمه ومسلمه محلّ المكلأ لمصالح .

ساطعه : العهد مصحّح لإكرام المعهود وعهد اللّه لإكرام آحاد مأسوره وإعلام كمال مدحه وسموّ حاله لداه كما أرسل « لعمرك » و وَالطُّورِ و وَالْعَصْرِ وورد أورد اللّه العهد كما عادوا والكلام أرسل مؤاما لكلامهم .

ساطعه : العهد ورد مؤكّدا للإعلام ومحصّلا له للسّامع وهو روم لا إعلام وكلمه الواو وما سواها .

ساطعه : المأسور لمّا ورد معهودا كالسّماء والطّور صار كما ورد آسره معهودا لما هو معموله ومأسوره وهو ممّا سمّ مع اللّه وما صحّ للمأسور عهد المأسور .

ساطعه : صدر اللّه سور كلامه صروعا ، كالحمد صدّره لسور والسّؤال وهو روم العلم لسور والأمر لسور والدّعاء لسور وما سواها ممّا طال كلامه وعسر وروده ، وأورد أمد السّور الدّعاء والإكرام وممّا وعد وأوعد ، وممّا مدحه وسلّاه صلعم ومدح الكلام المرسل والرّدّ لمولّع الرّسل ووصل الأرحام وأمر الطّوع للّه المالك للكلّ حالا ومآلا وأهوال المعاد .

ساطعه : لمّا علم أحد صدور السّور علما واطدا علم وئامها لأمد السّور الأول أو وئام صدورها لأمدها كص صدره هو امده وعلم وآم أسماء السّور لمرامها .

ساطعه : لمّا ما أورد أهل العدول والحسد كلاما مطو كلام اللّه وما اسطاعوه مع رومه صلعم عدلا له ، حال إعوارهم إرساله وإمهاله لهم طول

ص: 39

الأعصار والدهور وهم ملوك الكلام ومدّعو الحوار ورؤساء الحرّاص لردّ أمره ودسع ألوكه علم ما هو الا كلام اللّه المرسل لا كلام المأسور كما وهموا أولا .

ساطعه : كلّ ما حكم رسول اللّه صعلم هو ما علمه ممّا أرسل له كما ورد « لا أحلّ إلا ما أحله كلام اللّه ولا أحرّم إلّا ما حرّمه كلام اللّه » .

ساطعه : كلّ عمل أكرمه اللّه أو مدحه أو مدح عامله لعمله أو ودّه عامله لعمله أو أسعد عامله أو أعدم روعه أو وعده أو اعلم دعاء الرّسول لحصوله وما سواها ممّا عدّ صار ممّا حلّله اللّه وامره ، وكلّ عمل أمر اللّه طرحه أو لامه أو لام عامله أو طرده لعمله أو أعدم ودّه أو ود عامله أو عدّه صادا ممّا هداه أو أعلم سوءه وكرهه أو هو داع لحلول إصر أو حدّ أو هو ممّا سوّله المارد أو أعلم عامله عدو اللّه أو اللّه عدوه أو أمر طرحه حال سؤاله أو أمر عملا هو عكسه ، أو ردع الرّسل عمّا دعوا لعامله أو أعلم ما كلّم اللّه مع عامله معادا أو ما رآه اللّه رحما وما سواها ممّا عدّ صار مما حرّمه اللّه وردعه .

ساطعه : أصلحكم وأكرمكم عالم كلام اللّه ومعلّمه للّه وحده وأطلحكم وأسوؤكم معلّم كلام اللّه للحطام والمآكل .

ساطعه : حلّ السّمود مع كلام اللّه ما دام سالما عمّا حوّل الكلم ومدلولها والّا حرم .

ساطعه : علم الرّسم علم أحواله كلام اللّه وصور كلمه سطرا وإملاء وهو أمر أهمّ وأصلح لمّا هو معاد المدلول ومداره .

ساطعه : لكلامه وكلمه رسم معهود وهو مرسوم الإمام ومسطوره وراء رسوم مهدها الرسام وأهل الاملاء لطروس سواه عموما ولهم أصول اصطلحوها للرّسم ، ومصدور الإمام ما رسم أوّل الأمر كهؤلاء وسلم وعلّم وحلل والدار وصلح ودؤد وسحر وعلم وآدم سال أمر سأل وملك الملك وعهد والداع ودعاء ولهاد وواد وصال وكالرسول وكما طرح الواو مع الواو ك « أو » وطرح اللّام

ص: 40

مع اللّام ك « لام » الاسم الموصول الّا « لام » اللّه و « اللّهم » و « اللّهو » واللّؤلؤ و « اللّمم » ، وكما أورد الواو ك « امرؤ هلك » ، وكما وصل الكلم مع الكلم ك « الّا » الّا معدودا وممّا الّا معدودا وعمّا الا واحدا ، وإمّا مكسور الاوّل الا واحدا وامّا عموما وألم مكسور الأوّل الا واحدا وكلّما الا كلّما ردّوا وواحدا سواه ومهما .

ساطعه : حرّروا كلام اللّه مطولا لإكرامه وصحّحوه والمداد مأمور لسطره وهو أصلح وأحمد ما هو للسّطر كالأحمر وما هو سواه وسوّدوا المداد سوادا كاملا .

ساطعه : اللّهم أسألك صوالح الأعمال ، ومصالح الأعمال ما دام مرّ الدّهور وكرّ الأحوال ، والمأمول إصلاح الكلام وهو أصلح أوامر الكرام وأسلم مراسم الإسلام ، وها اصدر ما هو المصمود والمراد ممددا موردا لمدلول كلام اللّه ، ومؤول كلمه ، وحاصل أسراره واللّه الملهم للسّداد والممدّ للمداد .

ص: 41

ص: 42

سورة الفاتحة

ص: 43

ص: 44

( سورة الفاتحة )

وهو أوّل السّور ، وصدر كلام اللّه ، مطلع صراح العلم والكلام ، مصدر مصاص الأوامر والاحكام ، سلّم مصاعد الحكم والاسرار ، مدار مصالح الآصال والاسحار ، درر سلسال الأرواح والصدور ، ساحل داماء الهمّ والسّرو ، سماء عوالم اللمع والحلك ، دعاء صوامع الملك والملك .

ولها أسماء أحصاها العلماء :

-----

بسم الله الرحمن الرحيم

الحمد لله الذي انزل القرآن الكريم والفرقان الحكيم على النبي الحليم الذي هوعلى خلق عظيم وجعله الدليل على خير سبيل وكتابا فيه تفصيل وتحصيل, ظاهره انيق وباطنه عميق لا تحصى عجائبه ولا تبلىغرائبه والصلاة على من أرسل حجة للعالمين وكان نبيا وآدم بين الماء والطين وآله بحار العلوم والحقائق وكنوز المعارف والدقائق الذين أوتوا علم الكتاب تأويلا وتفسيراً واذهب عنهم الرجس اهل البيت وطهرهم تطهيراً (وبعد) فيقول المذنب الجاني ولأسير الفاني أفقر الخلق إلى ربه الغني عبد الله (شبر) بن محمد رضا الحسيني رضى الله عنهما وأرضاهما وجعل الجنة مأواهما ومثواهما : هذه كلمات شريفة وتحقيقات منيفة وبيانات شافية وإشارات وافية تتعلق ببعض مشكلات الآيات القرآنية وغرائب الفقرات الفرقانية ونتحرى غالباً ماورد عن خزان أسرار الوحي والتنزيل ومعادن جواهر العلم والتأويل الذين نزل في بيوتهم جبرائيل بأوجز إشارة والطف

ص: 45

أحدها : « الدّعاء » لما هو مدعو أهل اللّه وهم دعوه لحصول المصامد .

و « الأساس » لما هو أسّ الكلام وأصله .

و « الامّ » لما هو حامل لمدلول الكلّ ، ومولد لمحصول ما أوحاه اللّه طرّا .

و « الحمد » لمّا هو اوّل كلمها كما حكوا لاسماء السّور كلّها أو هو حاو لمحامده .

وما أوردوه مدحا للسّور كلّها وادّعوه كلام رسول اللّه صلعم مردود لا سداد له وما صح وروده ، والأصل لمّا رأوا عوام أهل الإسلام طرحوا كلام اللّه ومالوا للهو وداموا كلام أهل الأهواء رسموا كلاما مادحا للسور كلّها لاصلاح أحوالهم .

موردها « أمّ الرّحم » أو « مصر رسول اللّه صلعم » وهو كلام آمر العلماء ، أو كلاهما وهو الأصح أرسلها اللّه مكررا أوحاها وسط أمّ الرحم لمّا امر أهل الإسلام لما صلوا ومصر رسول اللّه سدو الودع .

وحاصل مدلولها اعلام ما أورد اوّل كلّ امر عال ممّا اسم اللّه والسام حمد اللّه ومدحه لآلاء أعطاها اللّه ، وإعلاء اسره وإصلاحه ومراحمه للعوالم كلّها وطوله وملكه معادا .

وسمّ الطّوع للّه وحده ورود الامداد ، والإسعاد لاداء ما أمر اللّه وحل معاسر الأمور كلّها للّه وحده وروم هداه لسلوك الصراط الأسد الأسلم ، وهو مسلك ملأ أعطاهم اللّه الآلاء ما حردوا وما طردوا ، لا مرحل أمم سلكوا مهالك الأود وهلكوا مصارد الكمد وما هدوا سواء الصراط .

------

عبارة وفيما يتعلق بالالفاظ والأغراض والنكات البيانية تفسير وجيز فإنه ألطف التفاسير بيانا وأحسنها تبيانا مع وجازة اللفظ وكثرة المعنى والله المستعان وعليه التكلان.

ص: 46

(بِسْمِ) الاسم ، أصله سمو كعلم ، ومصدره السّمو وهو العلوّ ، واحد الأسماء ، وورد اسم وسم وسم أو وسم ، اسمه اعلمه ، والموسم المعلم ، والاسم العلم ، والأول أصحّ لعدم ورود الاوسام مكسرا ، وعامله أصدّر ، والاسم أمسمّاه ما سواه أو هو مسمّاه لا ما سواه أو مسمّاه لا هو ولا ما سواه ولكلّ واحد أصل .

وأهل الرّسم طوّلوا أوّلها اعلاما لما هو المطروح أو إكراما لصدر كلام اللّه الاحكم الأكمل .

(اللَّهِ) أصله الإله وهو المألوه ، أو مصدر « وله » مكسور اللام « ولوها » و « ولها » حار الأصل ولاة أعلّ واوه كما أعلّ واو وعاء حلّ محلّ الاسم كعدل ، وورد أصله مصدر « اله » كسمع أولع والعالم كلّه مولع له ، وورد « اله » حار أو رد أو ال والهه رعاه ولاح لمّها واحدا واحدا ، وورد أصله لاه مصدرا وهو العلوّ ، وورد أصله هاء وصلوها لام الملك واللّام للعهد وهو الإله المعهود والمولوه المحمود ، وورد هو علم لا أصل له ولا مصدر له كمسمّاه وهو أصل الكلّ

---------

مكية وقيل نزلت ثانيا بالمدينة وتسمى فاتحة الكتاب لأنها مفتتحة وأم الكتاب لاشتمالها على جمل معانيه والحمد لله لذكره فيها والسبع المثاني لأنها سبع آيات اتفاقا لكنهم بين عاد للبسملة دون (أنعمت عليهم) وعاكس، وتثنى في الفريضة أو الإنزال.

(بسم الله الرحمن الرحيم)

آية من الفاتحة ومن كل سورة

ص: 47

ومصدره وهو أصحّ ما أوردوه .

(الرَّحْمنِ الرَّحِيمِ) ( 1 ) مصدرهما الرّحم وهو روم صلاح الأمر لأهله ، ومدلولهما واسع الرّحم راحم الكلّ أحاط الصّور والأسرار مراحمه وعم الألواح والأرواح مكارمه ، والاوّل أعمّ مدلولا صدّره لمّا صار كالعلم للّه .

(الْحَمْدُ) هو معكوس المدح ومدلولهما واحد ، وورد المدح أعمّ لمّا

---------

بإجماعنا ونصوصنا والباء للاستعانة أو المصاحبة والاسم من السمو أو من السمة ولم يقل بالله لأن التبرك باسمه وليعم كل أسمائه (والله) أصله إله حذفت الهمزة وعوضت عنها أداة التعريف وهو علم شخصي للذات المقدس الجامع لكل كمال و(الرحمن الرحيم) صفتان مشبهتان من رحم بالكسر ووصف تعالى بهما باعتبار غايتهما و(الرحمن) أبلغ لاقتضاء زيادة المباني زيادة المعاني أما باعتبار الكم لكثرة أفراد المرحومين وقلتها وعليه حمل يا رحمان الدنيا لشمول المؤمن والكافر ورحيم الآخرة للاختصاص بالمؤمن أو باعتبار الكيف وعليه حمل يا رحمان الدنيا والآخرة ورحيمهما لجسامة نعم الآخرة كلها بخلاف نعم الدنيا، وإنما قدم الرحمن ومقتضى الترقي العكس لصيرورته بالاختصاص كالواسطة بين العلم والوصف فناسب توسيطه بينهما أو لأن الملحوظة في مقام التعظيم جلائل النعم وغيرها كالتتمة فقدم وأردف بالرحيم للتعميم تنبيها على أن جلائلها ودقائقها منه تعالى وخص البسملة بهذه الأسماء إعلاما بأن الحقيق بأن يستعان به في مجامع الأمور وهو المعبود الحقيقي البالغ في الرحمة غايتها المولى للنعم كلها.

ص: 48

مدح اللّؤلؤ وما حمد ، ولمّا صدر المدح للعطاء وعدمه لا الحمد وما هو إلا للعطاء .

ومورد الحمد هو المسحل وحده ، أصله أحمد أو احمدوا حمدا ، وعدوله للدوام ولامه للعهد والمراد هو الحمد الكامل وهو حمد اللّه للّه ، أو حمد الرّسل أو كمّل أهل الولاء أو للعموم .

وحاصله المحامد كلّها (لِلَّهِ) وهو المحمود أصلا والممدوح عدلا ، ورووا الحمد للّه مكسور الدّال مطاوعا للام ، ورووا اللام مطاوعا للدّال عكسا للاوّل .

(رَبِّ الْعالَمِينَ) ( 2 ) مكمّل العوالم ومصلح الكلّ طورا طورا ومالكهم أو ملكهم ، وهو مصدر مدلوله إكمال الأمر مرارا وصار اسما للّه إطراء كالعدل ، والعالم اسم لمّا آسره اللّه وعلم لكلّ ما سواه ، وورد هو عالم الملك واصله العلم أو العلم .

(الرَّحْمنِ الرَّحِيمِ) ( 3 ) مرّ مدلولهما أعادهما إعلاء لكمال

--------

(الحمد لله) على ما أنعم علينا (رب العالمين) مالك الجماعات من كل مخلوق وخالقهم وسائق أرزاقهم إليهم ومدبر أمورهم وحافظهم والعالم كالطبائع ما يعلم به الصانع من الجواهر والأعراض وإنما جمع والتعريف الاستغراقي يفيد الشمول للدلالة على أن للعالم أجناس مختلفة الحقائق كعالم الأرواح وعالم الأفلاك وعالم العناصر ونحوها وربوبيته تعالى شاملة لها وجمع بالواو والنون لما فيه من معنى الوصفية من الدلالة على العلم فغلب العقلاء واختص بهم.

(الرحمن الرحيم) كرر تأكيدا واهتماما وبيانا لعلة تخصيص الحمد به تعالى.

ص: 49

مراحمه .

(مالِكِ) ملك الأمور كلّها وما سواه مملوكه ومأسوره ومحكومه ، وأصله الملك مكسورا رواه عاصم ، ورووا ملك وهو الأصح لمّا ورد كلّ ملك مالك ولا عكس وكلّ مالك مأمور ملك لا عكسه ، وملك كحكم وملك كعدل ومالكا مدحا أو حالا ومالك وملك محمولا لمطروح وملك مدحا ، وهو الملك المالك له الملك والأمر والحكم والعدل .

(يَوْمِ الدِّينِ) ( 4 ) وهو الموعود المحدود والمعاد لأهل الصلاح والطّلاح والمآل لكل أحد أطاع اللّه أو عصاه ، صرّحه لإكرامه وإعلاء حاله أو لمّا لا ملك ولا مالك له أحد إلّا اللّه ، والملوك وأولو الأمر كلّهم معطلو أوامرهم وأحكامهم .

(إِيَّاكَ) لا ما سواك (نَعْبُدُ) طوعا لا كرها كما هو مأمورك ومرادك ، وهو حصر لكمال الطّوع والهكوع ، أمال الكلام وعدل عمّا هو المسلوك لسرور السّامع وروح المسامع ، وهو اطراء لاداء المرام ورووه مكسور الأوّل .

(وَإِيَّاكَ) لا ما عداك كرره إمحاء لوهم عدم الحصر (نَسْتَعِينُ) ( 5 ) حال أداء أوامرك وطرح محارمك ومكارهك وما لأحد معول لمصالح الأمور

-------

(مالك يوم الدين) أي الجزاء أو الحساب وقرأ ملك كما عن أهل البيت (عليهم السلام) وسوغ وصف المعرفة به قصد معنى المضي تنزيلا لمحقق الوقوع منزلة ما وقع أو قصد الاستمرار الثبوتي أي ملك الأمر كله في ذلك اليوم أو له الملك بكسر الميم فيه فإضافته حقيقية وكذا إضافة ملك إذ لا مفعول للصفة المشبهة وتخصيص اليوم بالإضافة مع أنه مالك وملك جميع الأشياء في كل الأوقات لتعظيم اليوم.

(إياك نعبد وإياك نستعين) قدم المعمول للحصر ولتقدمه تعالى في الوجود

ص: 50

وصوالح الأعمال إلّا عولك واسعادك حالا ومآلا ، ورووه مكسور الأوّل كالأوّل وهم لمّا راموا الإسعاد لعلّ اللّه سألهم ما مرومكم وممّا أسعدكم سألوه .

(اهْدِنَا) سؤال للإسلاك ودعاء لوصول الأصل أرادوا إكمالها ودوامها أو راموها مآلا كما حصّلوها حالا .

(الصِّراطَ الْمُسْتَقِيمَ) ( 6 ) السّواء ممرّ أهل الولاء ومسلك أكارم أهل اللّه ، وهو الإسلام الكامل أو كلام اللّه وأوامره وأحكامه ، أو صراط دارالسّلام أو هو عام وللّه صرط لا إحصاء لها ، وأصله السّراط صار أوّله صادا وآما للطّاء ،

----------

وللإشعار بأن العابد والمستعين ينبغي أن يكون نظرهما بالذات إلى الحق وكرر الضمير للتنصيص على تخصيص كل منهما به تعالى ولبسط الكلام مع المحبوب ولعل تقديم العبادة لتوافق الفواضل ولأن تقديم الوسيلة قبل طلب الحاجة أدعى إلى الإجابة ولمناسبة تقديم مطلوبه تعالى من العباد على مطلوبهم ولأن المتكلم لما نسب العبادة إلى نفسه كان كالمعتد بما يصدر منه فعقبه بأنها أيضا لا تتم إلا بمعونة الله تعالى والضمير المستكن في الفعلين للقارىء وأثره على المفرد والمقام مقام تحقير لدخول الحفظة أو حاضري الجماعة أو كل موجود أو كل عضو من أعضائه (وإن من شيء إلا يسبح بحمده) وإيذانا بحقارة نفسه عن عرض العبادة وطلب المعونة منفردا بدون الانضمام إلى جماعة تشاركه كما يصنع في عرض الهدايا ورفع الحوائج إلى الملوك واحترازا عن الكذب لو انفرد في ادعائه وحسن الالتفات هنا أن إظهار مزايا المحمود يحسن عند غيره بخلاف العبادة ونحوها فإنه ينبغي كتمانها عن غير المعبود فناسب الخطاب ولأنه أقرب إلى الإخلاص والإشارة إلى قوله (عليه السلام) اعبد الله كأنك تراه والله تعالى لغاية ظهوره كأنه حاضر مشاهد.

(اهدنا الصراط المستقيم) أدم لنا توفيقك الذي أطعناك به قبل حتى نطيعك

ص: 51

وسمّاه سراطا لمّا هو سارط لسالكه كما سرط أحدكم الطّعام .

(صِراطَ) الملأ ( الَّذِينَ أَنْعَمْتَ عَلَيْهِمْ) وهم الرّسل أو أهل الإسلام أو الملك ، أعاد الصراط وكرّر العامل حكما لمّا أكّد وأعلم ، الصّرط السّواء هو صراط أهل الإسلام لا سواه .

(غَيْرِ الْمَغْضُوبِ عَلَيْهِمْ) المروم إصرهم أو الملوم عملهم عموما أو هم الهود (وَلَا الضَّالِّينَ) ( 7 ) هم ما سلكوا مسالك هداه وهم أهل الأعمال السؤاء كلّهم أو رهط روح اللّه ، وأمّا المروم صراطهم هم رهط والأهم اللّه ولاء كاملا ووصل لهم آلاؤه وهم سلموا عمّا حردهم وما هم أهل الصّدود

--------

بعد والهداية والرشاد والتثبت والصراط، الجادة والمستقيم المستوي أي طريق الحق وهو ملة الإسلام.

(صراط الذين أنعمت عليهم) بالتوفيق لدينك وطاعتك من النبيين والصديقين والشهداء والصالحين وحسن أولئك رفيقا (غير المغضوب عليهم) من اليهود الذين قال الله فيهم من لعنه الله وغضب عليه (ولا الضالين) النصارى الذين قال الله فيهم (قد ضلوا من قبل وأضلوا كثيرا) وصح وقوع غير صفة للمعرفة إجراء للموصول مجرى النكرة إذ لم يقصد به معين معهود أو يجعل غير معرفة لأنه أضيف إلى ما له ضد وحد وإنما دخلت لا في (ولا الضالين) لما في غيره من معنى النفي وإنما صرح بإسناد النعمة إليه تعالى على طريق الخطاب دون الغضب والضلال تأدبا وإشارة إلى تأسيس مباني الرحمة وأن الغضب كأنه صادر عن غيره تعالى ولحسن التصريح بالوعد والتعريض بالوعيد كما في قوله (لئن شكرتم لأزيدنكم ولئن كفرتم إن عذابي لشديد) دون لأعذبنكم إشارة إلى أن العذاب والانتقام ونحوها عبارة عن أعمالهم تكون وبالا عليهم.

ص: 52

والعدول عمدا .

آمين ممدودا والأصل لا مدّ له وهو اسم ل « اسمع » والمراد اللّهمّ اسمع الدّعاء أو هو اسم اللّه علّمه الملك رسول اللّه صلعم حماداها وما هو كلام اللّه وما هواه الامام أورد أمد الكلام إكمالا للمدعو .

ص: 53

ص: 54

سورة البقرة

ص: 55

ص: 56

( سورة البقرة ) سمّوها لورود أحوالها ومحامد أطوارها وسطوع أسرارها وإعلاء أمورها ممّا طال كلامه ، موردها مصر رسول اللّه ، وحاصل أصول مدلولها : - مدح الكلام المرسل له علاه السّلام وأهل الإسلام والورع ، وردّ أهل الصّدود ، وأسر آدم وعلمه الأسماء كلّها وكوحه الأملاك وإكرامه علاهم .

ولوم علماء الهود وإعلام أحوال رسولهم وعمل رهطه معه ، وحال ولد داود ولوم أهل السّحر ، وردّ رهط روح اللّه وإكمال ودود اللّه لكلمه وأحكامه لمّا محّصه اللّه ومؤسّسه الودع ، وأمره وأمر إسرال أولادهما لسلوك صراط الإسلام ووطودهم علاه حال ورود السّام وحول ما صلّوا سدو الودع ، والأمر لحمل المكاره والصّلاح وعدو المحرم ومعساه وسط أطواد الحرم وصدع أدلاء وجود اللّه ، والأمر لأكل الحلال ، وإعلام كسر ممّا حرم أكله وإحلال ما وصله السام وما سدح ، واعداد حال السّعاد المهلك وحكم ما أهلك مع الصّارم حدلا وروم الحلال ، وحكم هادر الدّم ، وأمر الصّوم العصر المعهود المعمول الحال ، والرّدع عمّا أكل مال أحد مع الأمر المحرم ، وأمر العماس لاعلاء الإسلام وإكمال طوع لسم أداؤه مع الإحرام ، وسؤال أولاد إسرال عمّا آلاء أعطاها اللّه لهم ، وحكم العماس وسط الأعصار الحرم ، والسّؤال عمّا الرّاح واللّهو المعهود مع السّهام ، ومال حساكل هلك والدوهم ، واحمام الأعراس حال دم الرّحم المعهود وصدع أحكامها ، وحكم الأهول والسراح وادّكار ما حدّد اللّه لعرس الهالك والمسرح

ص: 57

لحلّ الأهول ولسوم إعطاء المأكل ، والكساء للأعراس والأولاد الحساكل ومحرّص اللّه أولاد آدم لاعطاء المال للّه ، وإعطاء اللّه ملكا لأولاد اسرال لمّا سألوا رسولهم ملكا لعماس الأعداء ، وإهلاك داود عدوّا دلع ملك الهود المسطور مع عسكره لعماسه ومراه عدوّ اللّه مع ودود اللّه والسام الودود له ، وإعطاء اللّه العمر للهلاك لسؤال ودود اللّه ، ومدح إعطاء المال للّه ووصمه لأداء أهل العالم وأسماعهم وإحرام الرّما وإحلال السّلم .

ص: 58

بِسْمِ اللَّهِ الرَّحْمنِ الرَّحِيمِ مرّ مدلوله السّاطع ومأوّله اللّامع .

( ألم) ( 1 ) سرّ اللّه مع رسوله أرسله لا علامه ما اطلع أحدا سواه ، أو هو وأعداله أسماء السّور أو أسماء كلام اللّه كلّه ، أو عهود اللّه أو أسماء ولها محلّ كما للأعلام والعهود ، وورد هو سرّ ما علمه إلّا اللّه أرسله لإعلام حصر علمه له وما مصمود إرساله اعلام مدلوله لأحد ، وورد مراده اللّه والملك ومحمّد .

------------

(سورة البقرة مائتان وسبع وثمانون آية )

(بسم الله الرحمن الرحيم)

(ألم) قيل هي أسماء للسور وقيل مختصرة من كلمات ف الم معناه أنا الله أعلم قيل: إشارة إلى مدة وآجال بحساب الجمل.

وقيل مقسم بها.

وقيل أسماء للقرآن.

وقيل أسماء الله تعالى.

وقيل سر الله وقيل من المتشابه.

ص: 59

والحاصل اللّه مرسل الكلام والملك مورده ومحمّد مرسل له .

(ذلِكَ) المعهود وروده الموعود إرساله كما هو مدلول الطروس الأول ومرسوم الألواح ومسدّد الرّسل ، وهو مع محموله محمول ل « ألم » اسما ، أو هو و « ألم » كلاهما محمولا مطروح ، أو مع محموله كلام و « ألم » محمول لمطروح كلام سواه .

(الْكِتابُ) كلام اللّه المرسل الكامل المسطور المسدّد المدلّل وهو مصدر صار اسما اطراء .

(لا رَيْبَ فِيهِ) ما حام الإعوار حوله أصلا لسطوع مدلوله وعلوّ حاله وسموّ أمره ، وما هو محلّا له لو أدرك السّامع سواطع دواله وصوالح أسراره ووصوله حدّ الكمال صحّ إرساله أرسله اللّه .

(هُدىً) دال موصل لكلّ مأمول وصراط مسلك أهل الوصول ، وهو مصدر أورده مورد هاد ، وهو محمول لهو المطروح أو حال .

(لِلْمُتَّقِينَ) ( 2 ) عمّا ساء وهم رهط أراد اللّه إسلامهم وهداهم ، أو هم أهل إسلام راموا إكماله وهو ح ككلامك للمكرّم « أكرمك اللّه » والمدعو كمال الإكرام .

---------

(ذلك الكتاب) أي القرآن الذي افتتح بالم هو الكتاب الذي أخبرت به موسى ومن بعده من الأنبياء وهم أخبروا بني إسرائيل (لا ريب) لا شك (فيه) لظهوره عندهم (هدى) بيان من الضلالة (للمتقين) الذين يتقون الموبقات وتسليط السفه على أنفسهم وهدى خبر محذوف أو خبر ثان لذلك والتوصيف به للمبالغة والتنكير للتعظيم واختصاصه بالمتقين لأنهم المهتدون به أو المراد زيادته وثباته لهم كاهدنا الصراط المستقيم.

ص: 60

(الَّذِينَ) وهو إمّا محمول ل « هم » المطروح أو معمول « أمدح » (يُؤْمِنُونَ) علما وسدادا (بِالْغَيْبِ) ممّا أعلمهم الرّسول وما أدركه حواسّهم كالإسلام للّه الأحد مع ما أمره اللّه ، وما هو محسوسهم كأمر المعاد وأحواله ، وهو مصدر ورد محلّ الاسم اطراء وورد المراد هو الروع ، والحاصل هم رهط أسلموا روعا وسرا لا كرهط اسلموا مسحلا لا روعا .

(وَيُقِيمُونَ الصَّلاةَ) مؤدّوها كما أورد واركعوا وأراد صلوا أو معدّلوها ومراعو حدودها ومكمّلوها أو مداوموها (وَمِمَّا رَزَقْناهُمْ) الأموال أو أعمّ ممّا أعطاهم اللّه كالعلم والحواس أورده أوّلا عمّا عمله لما هو اهمّ (يُنْفِقُونَ) ( 3 ) كما أمرهم اللّه وإعطاء العلم والحواس هو الدّرس والإعلام والأعمال للّه .

(وَ) الملأ ( الَّذِينَ يُؤْمِنُونَ) طوعا وصلاحا هم مسلموا أهل الطرس ، أو هؤلاء المسطور أحوالهم ووسّط الواو ككلامك هو السّامح والعادل ، والمراد هم حاووا ما أدركه الرّوع وما لا مسلك لدركه إلّا السّمع وكرّر الموصول لعدم وآم مدلولهما .

(بِما أُنْزِلَ) أرسل ( إِلَيْكَ) محمّد ( ص ) وهو كلام اللّه وكلّ ما أوحاه (وَما أُنْزِلَ) أرسل رسلا (مِنْ قَبْلِكَ) والمراد طروس الرّسل كلّهم

-------

(الذين يؤمنون بالغيب) بما غاب عن حواسهم من معرفة الصانع وصفاته والنبوة وقيام القائم والرجعة والبعث والحساب والجنة والنار (ويقيمون الصلاة) بإتمام ركوعها وسجودها وحفظ مواقيتها وحدودها وصيانتها عما يفسدها أو ينقصها (ومما رزقناهم ينفقون) من الأموال والقوى والأبدان والجاه والعلم.

(والذين يؤمنون بما أنزل إليك) من القرآن والشريعة (وما أنزل من قبلك)

ص: 61

(وَبِالْآخِرَةِ) الدّار المعلوم حالها والموعود ورودها هُمْ لا سواهم (يُوقِنُونَ) ( 4 ) عالموها ومدركوها علما مؤكّدا مدلّلا مؤسّسا داسعا لما سوّله أوهامهم .

(أُولئِكَ) المسطور أحوالهم دوام ركاد (عَلى هُدىً) أعطوه ( مِنْ رَبِّهِمْ) هداهم اللّه كرما وإكراما (وَأُولئِكَ هُمُ) لا سواهم وهو عماد مؤكّد للحكم ومحصل لحصر المحمول (الْمُفْلِحُونَ) ( 5 ) مدركو المرام وهو محصور محمول ل « أولاء » ، أو محمول « هم » وهو مع محموله محمول « الأولاء » وحصل لهم ما أعدّ اللّه لهم ووعدهم .

ولمّا صدر اللّه أحوال رهط والأهم وهداهم إرسالا أورد أمده أعمال ملأ ما أراد هداهم أصلا سواء أرسل الكلام لهم أم لا ، وأرسل

(إِنَّ) الملأ (الَّذِينَ

---------

من التوراة والإنجيل والزبور وصحف إبراهيم وسائر كتب الله المنزلة (وبالآخرة هم يوقنون) وفي تقديم الظرف وبناء يوقنون على هم تعريض بغيرهم من أهل الكتاب (أولئك على هدى من ربهم) من بيان وصواب وعلم بما أمرهم به.

(وأولئك هم المفلحون) الناجون مما منه يوجلون الفائزون بما يؤملون وتكرير أولئك يفيد اختصاصهم وتميزهم عن غيرهم بكل واحدة من المزيتين وأدخل العاطف لاختلاف الجملتين مفهوما قيل نبه تعالى على اختصاص المتقين بذكر اسم الإشارة المفيد للعلية مع الإيجاز وتكريره وتعريف المفلحين وضم الفصل إعلاما بفضلهم وحثا على لزوم نهجهم وإرادة الكامل من الهدى والفلاح توهن تمسك الوعيدية به في دوام عذاب الفاسق.

(إن الذين كفروا) بالله وبما آمن به هؤلاء المؤمنون (سواء

ص: 62

كَفَرُوا ) عدلوا عمّا أمروا لما علم اللّه عدم إسلامهم سرمدا ، والموصول إمّا للعهد والمراد آحاد الحمس وعلماء الهود أو للعموم عمّ كلّ مصمّم عدولا مصرّ عداء .

(سَواءٌ عَلَيْهِمْ) لكمال سوئهم وسواد روعهم ، وهو اسم مدلوله المصدر عومل معه كما عومل مع المصادر (أَ أَنْذَرْتَهُمْ) لعموم إرسالك (أَمْ لَمْ تُنْذِرْهُمْ) لعلمك إصرارهم ، و « أم » مع معادله لمدلوله السّواء لا للسّؤال المصرّح مدلولا ، والحاصل هولك وعدم هولك لهم سواء (لا يُؤْمِنُونَ) ( 6 ) أصلا لما أراد اللّه عدم إسلامهم لعلمه سوء أعمالهم إصرارا هو كلام مؤكد لما مرّ ، وسر هو لهم مع علم إصرارهم حصول الأدلاء وعموم الإرسال .

(خَتَمَ اللَّهُ عَلى قُلُوبِهِمْ) أرواعهم سدّها اللّه وأحكمها سدّا ممّا صلح لهم عملا وَعَلى كرّرها مؤكّدا للإحكام (سَمْعِهِمْ) وحدّ السّمع للمح الأصل وهو المصدر وأوّلوه وأرادوا محالّ سمعهم ورووا أسماعهم (وَعَلى أَبْصارِهِمْ غِشاوَةٌ) أحاطها الطرمساء والحاصل عطّل اللّه حواسّهم وأرواعهم ،

------

عليهم ءأنذرتهم) أأخوفتهم (أم لم تنذرهم لا يؤمنون) أخبر تعالى عن علمه فيهم.

(ختم الله على قلوبهم وعلى سمعهم وعلى أبصارهم) وسمها بسمة يعرفها من يشاء من ملائكته وأوليائه إذا نظروا إليها بأنهم لا يؤمنون وعن الرضا (عليه السلام) الختم هو الطبع على قلوب الكفار عقوبة على كفرهم كما قال تعالى بل طبع الله عليها بكفرهم وعلى أبصارهم (غشاوة) غطاء أقول: ويمكن أن يكون تهكما حكاية لقولهم: قلوبنا في أكنة مما تدعونا إليه وفي ءاذاننا

وقر، ومن بيننا وبينك حجاب أو في الآخرة والتعبير بالماضي لتحققه ويشهد له قوله (ونحشرهم يوم القيمة على وجوههم عميا وبكما وصما)

ص: 63

وهم ما دركوا أسرار الإسلام وما سمعوا أوامر الأحكام وما رأوا مسالك الكرام (وَلَهُمْ عَذابٌ) ألم ( عَظِيمٌ) ( 7 ) صعد عسر دام لهم ما علم حاله إلّا اللّه .

ولمّا أرسل اللّه اوّل طرسه كلاما مسدّدا لارساله مصحّحا لهداه وصرّح حال رهط اسلموا للّه سرّا وحسّا ، وأورد حال أهل العدول والصدود سرّا وحسا ، وأورد حال رهط اسلموا حسّا وعدلوا سرّا إكمالا لكلّ مدعوّ الإسلام رهطا رهطا وأرسل

(وَمِنَ النَّاسِ) هم ما واطأ ارواعهم مساحلهم (مِنَ) رهط ( يَقُولُ) مصرحا ماكرا (آمَنَّا بِاللَّهِ) الواحد الأحد الصمد مرسل الرّسل ومسدّد الكلام ومعد دارالسّلام والدرك .

(وَبِالْيَوْمِ الْآخِرِ) وهو أمد اعصار عالم الأمر لا حدّ له ودام أو المعهود أو لمحدود لورود السّعداء دارالسّلام والطّلاح الساعور ، وهو معاد الكلّ ومآلهم صرّحوهما إسلاما لمّا أوهموا أهل الإسلام حصول أوّله وأمده لهم ، وما هم إلّا أحاطوه وهو المصمود الأكمل (وَما هُمْ بِمُؤْمِنِينَ) ( 8 ) سرّا للأمور كلّها أو لهما لكمال ولعهم وعدم سدادهم وهو ردّ لما ادّعوه .

----------

وكرر الجار ليكون أدل على شدة الختم وأفرد السمع لأمن اللبس أو لمح أصله المصدر أو بتقدير حواس سمعهم أو لمناسبة لوحدة المدرك كالجمع لتكثره (ولهم عذاب عظيم) أي في الآخرة العذاب المعد للكافرين.

(ومن الناس من يقول ءامنا بالله وباليوم الآخر) نزلت في الذين زادوا على كفرهم النفاق وتكرير الباء لادعاء الإيمان بكل على الأصالة (وما هم بمؤمنين) نفي وتكذيب لما ادعوه وعدل عما آمنوا المطابق لقولهم (ءامنا) للمبالغة لأن إخراجهم عن جملة المؤمنين أبلغ من نفي إيمانهم في الماضي ولذا أكد النفي بالباء.

ص: 64

(يُخادِعُونَ اللَّهَ) وهما لكمال طلاحهم أو المراد رسول اللّه (وَ) الملأ ( الَّذِينَ آمَنُوا) أسلموا إسلاما كاملا وأصله إعلاء المرء عكس ما هو سرّه المكروه ، والحاصل عملهم مع اللّه إعلاء الإسلام مسحلا واسرار العدول روعا وعمله معهم إرسال أحكام أهل الإسلام لهم مع عملهم أهل الدّرك ، والرّسول وأهل الإسلام طاوعوا أمر اللّه لإسرار حالهم وإعلاء حكم الإسلام لهم مع علمهم سوء معادهم كما هم عاملوا مع أهل الإسلام إعلاء وإسرارا (وَما يَخْدَعُونَ إِلَّا أَنْفُسَهُمْ) لما عاد حاصل مكرهم ومال محلّهم لهم وساء حالهم معادا (وَما يَشْعُرُونَ) ( 9 ) عود مكرهم ومحصول عملهم لهم وهو علم الأمر علم حسّ والحاصل ورود الآلام لهم كالمحسوس ، وهم عملوا كما لا حسّ لهم أصلا .

(فِي قُلُوبِهِمْ مَرَضٌ) حسد وإعوار وحور وكلّ طلاح ، والحاصل هم صاروا إعلاء لهم طلاح الرّوع وداء الرّوح ، وهو أردأ العلل وأسوأ الآلام (فَزادَهُمُ) أهل الحسد (اللَّهُ) لإسعاد أهل الإسلام (مَرَضاً) حسدا ومكرا وإعوارا ، أراد دوامه لدوام الإسعاد لأهل الإسلام .

(وَلَهُمْ) لأهل الحسد (عَذابٌ) ألم ( أَلِيمٌ) مولم والمراد حصول كمال الألم لهم وما علم عسره إلّا اللّه (بِما كانُوا يَكْذِبُونَ) ( 10 ) لولعهم وهو

----------

(يخادعون الله والذين ءامنوا) يعاملونهم معاملة المخادع (وما يخدعون) ما يضرون بتلك الخديعة (إلا أنفسهم) رجوع وبال ذلك عليهم دنيا وآخرة (وما يشعرون) أن الأمر كذلك وأن الله يطلع نبيه على نفاقهم وكفرهم.

(في قلوبهم مرض) نفاق أو شك أو كفر وغل أو جبن (فزادهم الله، مرضا) بإعلاء شأن نبيه (ولهم عذاب أليم) مؤلم (بما كانوا يكذبون) بالتخفيف أي بسبب كذبهم بقولهم آمنا بالله وبالتشديد أي لتكذيبهم الرسول ولفظ كان للاستمرار.

ص: 65

ادّعاءهم الإسلام سرّا ، وهو حرام كلّه و « ما » للمصدر .

(وَإِذا قِيلَ لَهُمْ) لهؤلاء الحسّاد (لا تُفْسِدُوا) وأصلحوا وداوموا صوالح الأعمال وأدركوا مصالح الأحكام واطرحوا طوالح الأمور (فِي الْأَرْضِ) عالم الملك والمراد أهلها والرّادع هو اللّه أو رسوله ، أو أهل الإسلام هم ردعوا لما اسعدوا أهل العدول وما لواهم لاعلاء اسرار أهل الإسلام لهم وصدّهم عمّا أمروا .

(قالُوا) هؤلاء الطّلاح (إِنَّما) هو للحصر أوردوه لما وهموا أعمالهم الطّوالح صوالح وادّعوا ما أمرهم إلّا الإصلاح وهو حوار لكلام الأوّل وردّ له والمدلول ما (نَحْنُ) إلّا ( مُصْلِحُونَ) ( 11 ) مصلحو الأعمال الأحكام .

(أَلا) اعلموا أهل الإسلام (إِنَّهُمْ) أهل الحسد (هُمُ) لا سواهم (الْمُفْسِدُونَ) طلّاح الأعمال لا مصلحو الأمور كما وهموا ، ردّ اللّه ما ادّعوه أوكد ردّ وأدلّ طرد (وَلكِنْ لا يَشْعُرُونَ) ( 12 ) طلاحهم لمّا هم ما رأوا صراطا أسدّ وما أحسّوا عملا اوطد لعدم علمهم الأمور علم حسّ ، وهم لكمال عطلهم وحسدهم كما لا احساس لهم .

----------

(وإذا قيل لهم لا تفسدوا في الأرض) بإظهار النفاق لعباد الله المستضعفين فتشوشوا عليهم دينهم (قالوا إنما نحن مصلحون) لأنا لا نعتقد دينا فنرضى محمدا في الظاهر فنعتق أنفسنا من رقة في الباطن.

(ألا إنهم هم المفسدون) بما يفعلون في أمور أنفسهم لأن الله يعرف نبيه نفاقهم فهو يلعنهم ويأمر المسلمين بلعنهم (ولكن لا يشعرون) بذلك مع ظهوره.

ص: 66

(وَإِذا) عصرا ( قِيلَ لَهُمْ) لهؤلاء الصّلحاء إصلاحا واسدادا (آمِنُوا) اسلموا إسلاما (كَما آمَنَ) أسلم ( النَّاسُ) هم أهل الصّلاح والسّداد ، و « ما » للمصدر واللّام إمّا للعهد والمعهود رسول اللّه صلعم وطوّعه ، أو ولد سلام وطوّعه ، أو للعموم والمراد كمّل أهل العلم والعمل وأمروهم أهل الإسلام .

(قالُوا) أهل الطّلاح والحسد مع رهطهم (أَ) للردّ ( نُؤْمِنُ) إسلاما ( كَما آمَنَ) أسلم ( السُّفَهاءُ) أرادوا أهل الإسلام ووهموهم رهطا لا كمال لأحلامهم ولا مدار لأمورهم ، محسوسهم موهوم ومأمولهم معدوم لمّا رأوا السّداد لأعمالهم وعلموا عدم السداد لما عداها ، وما هو إلّا لكمال حسدهم وكس روعهم ، واللّام إمّا للعهد أو للعموم كما مرّ .

(أَلا) اعلموا أهل الإسلام (إِنَّهُمْ) هؤلاء الطّلاح (هُمُ) لا سواهم كما وهموا (السُّفَهاءُ) أولو الوهم والطّلاح عدم علمهم ووكس روعهم ، هو محمول « هم » وهو مع محموله محمول الصدر .

(وَلكِنْ لا يَعْلَمُونَ) ( 13 ) وكان حلمهم وعدم علمهم هو ردّ لما وهموا كما مر .

----------

(وإذا قيل لهم ءامنوا كما ءامن الناس) كسلمان والمقداد وأبي ذر وعمار (قالوا أنؤمن كما ءامن السفهاء) المذلون أنفسهم لمحمد حتى إذا اضمحل أمرهم أهلكهم أعداؤه (ألا إنهم هم السفهاء) الأخفاء العقول والأراذل إذ عرفوا بالنفاق عند الفريقين (ولكن لا يعلمون) أن الأمر كذلك وأن الله يطلع نبيه على أسرارهم.

ص: 67

(وَإِذا) عصرا ( لَقُوا) أولو أعمال سوء وهموا لأهل الإسلام وكأسا وأوهموهم إسلامهم ، وهو كلام مصرّح لما مهّد اللّه أحوالهم السوءاء أوّلا .

الملأ ( الَّذِينَ آمَنُوا) أسلموا صلاحا وسدادا هداهم اللّه وأسلكهم مسالك صوالح الأمور ، والمراد طوّع رسول اللّه صلعم الرحماء .

(قالُوا) ولوعا وادّعاء (آمَنَّا) ارواعا ومساحل كاسلامكم ، وهو ما صمّموا وما سدّدوا ( وَإِذا) عصرا ( خَلَوْا) عدوّو أهل الإسلام وعادوا (إِلى شَياطِينِهِمْ) هم رؤساء أهل الحسد والمكر ومطرود حرم الكرم ، ردّهم اللّه ردّا سرمدا (قالُوا) هؤلاء الولاع لهؤلاء الرّؤساء لإلحادهم وإصرارهم وسدّهم سواء الصراط (إِنَّا مَعَكُمْ) مواصلوكم ومطاوعوكم علما وعملا وسالكو مصادركم ومواردكم حسّا وسرّا (إِنَّما نَحْنُ مُسْتَهْزِؤُنَ) ( 14 ) عاملو لهو والهاء مع أهل الإسلام لا معاملوهم سدادا وولاء هو ردّ للإسلام وأهله مؤكدا .

(اللَّهُ يَسْتَهْزِئُ بِهِمْ) معاملهم كأعمالهم (وَيَمُدُّهُمْ) ماد عمرهم وهو الإمهال والمراد « اللّه ممهلهم » ومدّه وأمدّه واحد (فِي طُغْيانِهِمْ) وهو عداء الحد (يَعْمَهُونَ) ( 15 ) عمههم آراء وأرواحا وهم حاروا وهاموا وهو حال .

----------

(وإذا لقوا الذين ءامنوا قالوا ءامنا) صدر القصة بيان لمذهبهم وهذه بيان لصنعهم مع المؤمنين والكفار فلا تكرير (وإذا خلوا إلى شياطينهم) أخدانهم من المنافقين المشاركين لهم في تكذيب الرسول (قالوا إنا معكم) أي في الدين والاعتقاد كما كنا وخاطبوهم بالاسمية تحقيقا لثباتهم على دينهم وأكد بإن اعتناء بشأنه ورواجه منهم والمؤمنين بالفعلية إخبارا بإحداث الإيمان ولم يعتنوا به ولم يتوقعوا رواجه (إنما نحن مستهزءون) بالمؤمنين.

(الله يستهزىء بهم) يجازيهم جزاء من يستهزىء به أما في الدنيا فبإجراء أحكام الإسلام عليهم وأما في الآخرة فبأن

ص: 68

(أُولئِكَ) هؤلاء العمّه الملأ (الَّذِينَ) محموله ( اشْتَرَوُا) ساموا وحصّلوا (الضَّلالَةَ) سلوك الأولاد ، وهو العدول عمّا أمر (بِالْهُدى) أوسه وطرح الصّراط الأسد الأسلم ، والحاصل هم حصّلوا وأدركوا أسوأ الصراط أردأ الأعمال وولوه وطرحوا أصلحها واحمدها وعادوه .

(فَما رَبِحَتْ تِجارَتُهُمْ) هم أردءوا رأس أموالهم ومحصول أعمارهم ، وما حصل لهم إلّا اللّوم والسّدم .

(وَما كانُوا) أهلها ( مُهْتَدِينَ) ( 16 ) لمسالكها وما أدركوا مصمودها وهو حصول مآل مع ما سلم رأس المال وهم أهلكوا أصله .

(مَثَلُهُمْ كَمَثَلِ) حالهم كحال الملأ ( الَّذِي اسْتَوْقَدَ ناراً) رام سطوعها والمراد ورّاها أورده لمّا هو آكد للمرام وأدرأ لإصر العدوّ الألدّ لمّا أراك الموهوم واطلدا ومدرك الرّوع محسوسا (فَلَمَّا أَضاءَتْ ما حَوْلَهُ) كل ما أحاطه وداره ومعاده الموصول وحدّه رعاء للدّال ذَهَبَ عامل « لمّا » اللَّهُ لإهلاكهم (بِنُورِهِمْ) هو لمعها والحاصل أمسكه اللّه ولا مرسل لما أمسكه ، والمراد

----------

يفتح لهم وهم في النار بابا إلى الجنة فيسرعون نحوه فإذا صاروا إليه سد عليهم (ويمدهم) يمهلهم (في طغيانهم) في التعدي عن حدهم (يعمهون) يتحيرون والعمه عمى القلب.

(أولئك الذين اشتروا الضلالة) التي اختاروها (بالهدى) الذي فطروا عليه (فما ربحت تجارتهم) ما ربحوا في تجارتهم (وما كانوا مهتدين) إلى الحق والصواب إذ أضاعوا رأس مالهم باستبدالهم الضلالة ولا ربح لمن ضيع رأس المال.

(مثلهم) حالهم العجيبة (كمثل الذي استوقد نارا) ليبصر بها ما حوله (فلما أضاءت ما حوله ذهب الله بنورهم) بإرسال ريح أو مطر أطفأها وذلك لأنهم

ص: 69

طمسه أصلا ومعادهم هو الموصول وما وحّده دعاء للمدلول .

(وَتَرَكَهُمْ) طرحهم ( فِي ظُلُماتٍ) لا لمع لها وصدّهم الطرمساء عمّا رأوا ، ورووا موحدا (لا يُبْصِرُونَ) ( 17 ) أصلا لطمسها حسّهم وكل حواسّهم .

(صُمٌّ) لمّا سدّوا مسامعهم عمّا سمعوا كلاما مصلحا لأحوالهم ، وصار لهم حكم الصّمم ولو سلم مسامعهم (بُكْمٌ) حكما لمّا صدوا مساحلهم عما كلموا كلاما أسدّ وطرحوا صوالح الكلم (عُمْيٌ) حكما لمّا حصل لهم العمة عما رأوه مصالح الأمور ( فَهُمْ لا يَرْجِعُونَ) ( 18 ) لا عود لهم لهداهم عمّا هو مهلكهم لما هم حاروا وهاموا وإصلاحهم محال .

(أَوْ) للسّواء ( كَصَيِّبٍ) حالهم كحال أهل مطر هامل هطل ( مِنَ السَّماءِ) مسامكها ومصاعدها أو هو سدّ معصر والسّماء كلّ ما علاك (فِيهِ) للطر أو الركام ( ظُلُماتٌ) أراد سحم المطر والسّد والسّمر

----------

أبصروا بظاهر الإيمان الحق وأعطوا أحكام المسلمين فلما أضاء إيمانهم الظاهر ما حولهم أماتهم الله وصاروا في ظلمات عذاب الآخرة (وتركهم في ظلمات لا يبصرون) بأن منعهم المعاونة واللطف وخلى بينهم وبين اختيارهم وإسناد الإذهاب إليه تعالى لأنه المسبب للإطفاء وعدي بالباء لإفادتها الاستصحاب وعدل عن الضوء الموافق لأضاءت إلى النور للمبالغة إذ لو قيل ذهب بضوئهم لأوهم الذهاب بالزيادة وبقاء ما يسمى نورا.

(صم بكم عمي) يعني في الآخرة وفي الدنيا عما يتعلق بالآخرة (فهم لا يرجعون) عن الضلالة إلى الهدى.

(أو كصيب) أو مثل ما خوطبوا به من الحق والهدى كمثل مطر إذ به حياة القلوب كما أن بالمطر حياة الأرض (من السماء) من العلاء (فيه ظلمات) مثل

ص: 70

(وَرَعْدٌ) وهو ما سمع حال اصطكاك الرّكام ، وورد هو اسم ملك موكّل صاح محرّكا له ( وَبَرْقٌ) وهو اللّامع السّاطع ، وورد هو السّوط السّامع للملك وورد هو مصع ملك وحدّهما للمح المصدر أصلا ، أو المراد ارعاد والماع (يَجْعَلُونَ) أهل المطر ( أَصابِعَهُمْ) رءوسها ( فِي آذانِهِمْ) مسامعهم لسدها (مِنَ الصَّواعِقِ) المهلك سماعها (حَذَرَ الْمَوْتِ) روع الحمام والهلاك ، وهو أسوأ الأهوال هو كلام لا محلّ له لمّا هو حوار لسؤال ما حالهم مع هؤلاء الأهوال .

(وَاللَّهُ مُحِيطٌ) أحاط علمه (بِالْكافِرِينَ) ( 19 ) أحوالهم وعلم ما عملوا وما عاد لهم مكرهم ومحلّهم ، وهو كلام لا محلّ له أورد اعلاما لعدم الحاصل لروعهم ومكرهم .

(يَكادُ) أصله لإحمام المحمول (الْبَرْقُ) اسمه ( يَخْطَفُ) ورووه مكسور الطّاء وهو مع معموله محموله (أَبْصارَهُمْ) والمراد الماعها مع السّرع

----------

الشبهات والمصيبات المتعلقة به (ورعد) مثل للتخويف والوعيد (وبرق) مثل الآيات الباهرة (يجعلون أصابعهم في ءاذانهم من الصواعق حذر الموت) لئلا يخلع الرعد أفئدتهم أو ينزل البرق بالصاعقة فيموتوا والمنافقون كانوا يخافون أن يعثر النبي على كفرهم ونفاقهم فيستأصلهم فإذا سمعوا منه لعنا أو وعيدا لمن نكث البيعة جعلوا أصابعهم في آذانهم لئلا يسمعوا فتتغير ألوانهم فيعرف المؤمنون أنهم المعنيون بذلك (والله محيط بالكافرين) مقتدر عليهم لا يفوتونه.

(يكاد البرق يخطف أبصارهم) يذهب بها هذا مثل قوم ابتلوا ببرق فنظروا إلى نفس البرق لم يغضوا عنه أبصارهم لتسلم من تلألؤه ولم ينظروا إلى الطريق الذي يريدون أن يتخلصوا فيه بضوء البرق فهؤلاء المنافقون يكاد ما في القرآن من الآيات

ص: 71

وهو كلام مهدّد حوار لسؤال ما حالهم معها (كُلَّما) عصر ( أَضاءَ) لمع ولاح ( لَهُمْ) لهؤلاء الهوّام (مَشَوْا) ساروا وسعوا وعدوا لسطوع المسلك ، وهم حراص لما هموه وهو السّلوك كما دلّ كلّما فِيهِ مطرح لوامعه ومطمحها .

(وَإِذا) عصرا (أَظْلَمَ) ادلهمّ المسلك لعدم لمعه (عَلَيْهِمْ) هؤلاء الرّهط قامُوا ركدوا وما ساروا كما لا حراك لهم أصلا ، هو كلام لا محلّ له حوار لسؤال ما عملهم وحالهم حال لمعه وعدم لمعه ، والحاصل كلّما سمعوا كلاما وآما لهواهم وردّوه ومرحوا مرحا كلاما وحركوا سرورا كأهل حال اللمع والسلوك ، ولمّا سمعوا كلاما ما اراده هواهم كرهوه وصاروا همما كأهل المطر حال الرّكود وعدم اللّمع .

(وَلَوْ شاءَ) أراد (اللَّهُ) امصاح حواسّهم (لَذَهَبَ بِسَمْعِهِمْ) أسماعهم لصدع الرّعد (وَأَبْصارِهِمْ) لا لماع اللمع والمراد لأصمّهم وأعماهم حسّا كما أصمّهم وأعماهم حكما وسرّا وهو ممّا أوعدهم .

(إِنَّ اللَّهَ) الملك العدل (عَلى كُلِّ شَيْءٍ) وهو أعمّ عامّ (قَدِيرٌ) ( 20 ) له الحول والطول هو كلام مؤكد لما مرّ .

----------

المحكمة التي يشاهدونها ثم ينكرونها يبطل عليهم كلما يعرفونه (كلما أضاء لهم مشوا فيه) في مطرح ضوئه (وإذا أظلم عليهم قاموا) وقفوا وتحيروا فهؤلاء المنافقون إذا رأوا ما يحبون في دنياهم فرحوا بإظهار طاعتهم وإذا رأوا ما يكرهون فيها وقفوا (ولو شاء الله لذهب بسمعهم وأبصارهم) حتى لا يتهيأ لهم الاحتراز من أن يقف على كفرهم (إن الله على كل شيء قدير) لا يعجزه شيء وقيل التمثيل إما مركب تشبيه لحال المنافقين من الشدة والدهشة بحال من أخذه المطر في ليل مظلم مع رعد عاصف وبرق خاطف وخوف من الصواعق أو مفرق

ص: 72

ولمّا عدّد اللّه أرهاطا كلّهم أمروا للإسلام وصرّح صوالح أعمالهم وطوالحها أعاد الكلام ممّا سلك روحا للسّامع وأرسل

(يا) هو مع مدعوه كلام لوروده مورد « ادّعوا » (أَيُّهَا النَّاسُ) كلام مع طلاح أهل الحرم ، والمراد العموم هو أوكد الكلام وأكمله (اعْبُدُوا رَبَّكُمُ) وحدوه واطرحوا إلها سواه واعملوا عملا صالحا وهو أصل الأوامر وأهمها (الَّذِي خَلَقَكُمْ) صوّركم أحمد صور وأكرم أطوار أورده إدلاء لما هم صرّحوا ما أسر العالم إلّا اللّه (وَ) صوّر الملأ الَّذِينَ مرّوا مِنْ مكسور الأوّل ورووه موصولا مؤكّدا للموصول الأوّل قَبْلِكُمْ آحادا وأرهاطا حلّوا دورهم مددا ودوّارا أطوارا ومرّوا ورحلوا وصاروا أسمارا (لَعَلَّكُمْ تَتَّقُونَ) ( 21 ) آصار اللّه والمراد الورع الكامل ، وهو الوصل مع اللّه والحسم عمّا سواه أو الأعم ولعلّ للأطماع وأطماع أهل الكرم سادّ مسدّ وعدهم هو

(الَّذِي جَعَلَ لَكُمُ) روحكم ومصالحكم (الْأَرْضَ) الدّوراء السّطحاء (فَرْشاً) وطاء ممهّدا للركود (وَالسَّماءَ) اسم عام عم الواحد وما عداه كالدّرهم (بِناءً) صرحا مؤسّسا مرصّصا هو مصدر صار اسما لكلّ مؤسّس ، (وَأَنْزَلَ) أدرّ اللّه إدرارا (مِنَ السَّماءِ) أو الدّلوح الممطر لمّا

----------

تشبيه لذواتهم بذوي الصيب وإيمانهم المشوب بالكفر بصيب فيه ظلمات ورعد وبرق فإنه وإن كان رحمة في نفسه لكنه عاد نقمة في هذه الصورة ونفاقهم حذرا مما يطرق به غيرهم

من الكفرة بجعل الأصابع في الآذان من الصواعق حذر الموت وتحيرهم بشدة الأمر بأنهم كلما أضاء لهم انتهزوا الفرصة فمشوا قليلا وإذا أظلم عليهم وقفوا متحيرين والمثل الأول يجري فيه الوجهان.

(يا أيها الناس) لما ذكر تعالى فرق المكلفين وأحوالهم التفت إليهم بالخطاب تنشيطا للسامع وروي أن لذة النداء أزالت مشقة التكليف (اعبدوا ربكم الذي

ص: 73

هو اسم لكلّ ما علاك (ماءً) مطرا مدرارا (فَأَخْرَجَ) اللّه (بِهِ) الماء كماء الوالد للولد (مِنَ الثَّمَراتِ) صروع الأحمال (رِزْقاً لَكُمْ) عطاء للأكل والحسو ودواء للعلل والآلام (فَلا تَجْعَلُوا لِلَّهِ) الواحد الأحد (أَنْداداً) أعدالا سهماء والحاصل ما صلح لوكول الأمور إلّا اللّه وهو المطاع أصلا لا ما سواه (وَ) الحال (أَنْتُمْ تَعْلَمُونَ) ( 22 ) هو اللّه الواحد أسركم وأعطاكم الآلاء لا دماكم .

ولمّا صرح اللّه ما هو الأصل وهو الإسلام للّه الأحد وعلم الصّراط الموصل .

أورد ما صدع إرسال محمّد صلعم وسداده وأرسل (وَإِنْ كُنْتُمْ) صلاح أهل الحرم (فِي رَيْبٍ) إعوار ووهم وعدم علم لإرساله صلعم لحول أحلامكم وعور صدوركم (مِمَّا) هو موصول (نَزَّلْنا) وهو الإرسال سهما سهما وكلاما كلاما لمّا وهموه ما هو كلام اللّه ومرسله وإلّا لأرسل كلّه معا كالطروس الأوّل (عَلى عَبْدِنا) محمّد رسول اللّه صلعم ، وأصله اسم لكل

----------

خلقكم والذين من قبلكم لعلكم تتقون) أي خلقكم لتتقوه أي تعبدوه أو لعلكم تتقون النار ولعل من الله واجب.

(الذي جعل لكم الأرض فراشا) جعلها ملائمة لطبائعكم موافقة لأجسادكم مطاوعة لحرثكم وأبنيتكم ودفن موتاكم ولا ينافي كرويتها لعظم حجمها (والسماء بناء) سقفا محفوظا وقبة مضروبة عليكم يدير الكواكب لمنافعكم (وأنزل من السماء) من السحاب أو مما فوقه إليه ومنه إلى الأرض (ماء فأخرج به من الثمرات رزقا لكم) أي بسببه بأن جعله سببا في خروجها أو مادة لها (فلا تجعلوا لله أندادا) أشباها وأمثالا نهي معطوف على اعبدوا أو نفي منصوب بإضمار أن جوابا له (وأنتم تعلمون) أن الأنداد لا تقدر على شيء من ذلك والجملة حال من فاعل تجعلوا.

(وإن كنتم في ريب مما نزلنا على عبدنا فأتوا بسورة

ص: 74

مملوك له روع ودرك وهو أحمد الأسماء له (فَأْتُوا بِسُورَةٍ) هلموا امصل سور لا أوساطها وطوالها (مِنْ مِثْلِهِ) عدل ما أرسل مدلولا وأداء وإحكاما وحكما وعلوما أو معاده محمّد صلعم والاوّل أصح (وَادْعُوا ) روموا وأوردوا (شُهَداءَكُمْ) العدول لسداد دعواكم (مِنْ دُونِ اللَّهِ) سواه (إِنْ كُنْتُمْ) أهل الولع (صادِقِينَ) ( 23 ) كلاما والحاصل لو صحّ دعواكم كما هو موهومكم وسدّ كلامكم هلمّوا العدول .

ولمّا أعلمهم سداد أمر الرّسول وما أورده أرسل لهم (فَإِنْ لَمْ تَفْعَلُوا) ما حصل لكم مدّعاكم وهو روم كلام معادل لكلامه مع عدم ألوّكم همّا له (وَلَنْ تَفْعَلُوا) ما هو موهومكم سرمدا لعلوّ حال السّور وسمو مدلولها وهو كلام لا محل له (فَاتَّقُوا) روعوا (النَّارَ) أصرها المعد للأعداء وأدركوا مراسم الإسلام وطاوعوا رسول اللّه صلعم لمّا لاح سداده (الَّتِي وَقُودُهَا) سعورها ومسعارها لعله مصدر صار اسما (النَّاسُ) عدّال ولد آدم وولّاعهم (وَالْحِجارَةُ) ودّهم

----------

من مثله) صفة سورة أي كائنة من مثله والضمير لما ومن للتبعيض وللتبيين أو زائدة أي مماثلة للقرآن في الطبقة أو لعبدنا ومن للابتداء أي بسورة كائنة ممن هو على حاله لم يقرأ الكتب ولم يأخذ من العلماء (وادعوا) إلى المعارضة (شهداءكم) كل من حضركم (من دون الله) أي غير الله لأنه حاضر قادر على ذلك أو ادعوا من دون الله من يشهدون بصدقكم أي تشهدوا بالله كما يفعله العاجز عن البينة أو المعنى ادعوا الذين اتخذتموهم آلهة من دون الله وزعمتم أنهم يشهدون لكم يوم القيامة ليعينوكم في المعارضة (إن كنتم صادقين) أن محمدا يقوله من تلقاء نفسه.

(فإن لم تفعلوا) لم تأتوا (ولن تفعلوا) ولا يكون هذا منكم أبدا (فاتقوا النار التي وقودها) حطبها (الناس والحجارة) حجارة الكبريت لأنها أشد الأشياء حرا

ص: 75

وسواعهم وما سواهما ممّا ألّهوها حسما لآمالهم وأطماعهم ، وهو إمدادهم وإسعادهم لهم معادا أو المراد الأطواد والأعلام (أُعِدَّتْ) أعدّها اللّه إعدادا واطدا (لِلْكافِرِينَ) ( 24 ) هم أعداء اللّه ورسوله وهو كلام لا محلّ له حوار للسّؤال المدموس .

ولمّا أورد أحوال الأعداء وسوء أعمالهم وأوعدهم وعد أهل الولاء أكمل الآلاء حسا ، وهو المراكد والمطاعم والأعراس وكلّ ما أعدّ لهم معادا مع ما هو ملاكه ، وهو الدّوام لكمال سرورهم وأمر رسولهم أو عالم كلّ عصر أو كلّ أحد صلح للاعلام اعلام أمر سار لهم وأرسل

(وَبَشِّرِ) أوصل كلاما صدع سرور الأرواح الملأ (الَّذِينَ آمَنُوا) اسلموا إسلاما كاملا (وَعَمِلُوا الصَّالِحاتِ) سدّدوا صوالح الأعمال وداوموها وما هم مراءوا أعمالهم ومسمعو أحوالهم واللّام للعموم (أَنَّ) مع اسمها ومحمولها معمول الأمر (لَهُمْ) لأهل الإسلام وأما للأعمال العمال (جَنَّاتٍ) لها ورد ودوح وأحمال وصروح (تَجْرِي) اطرادا (مِنْ تَحْتِهَا) روحها أو صروحها (الْأَنْهارُ) أصلها مسل الماء والمراد أمواهها ، واللام إمّا للعموم أو للعهد والمعهود سواعد الدّرّ والعسل والرّاح والماء السّلسال (كُلَّما) عهد وهو للعموم ومحمول لمطروح وهو « هم » ، أو

----------

أو الأصنام التي نحتوها لقوله إنكم وما تعبدون من دون الله حصب جهنم وجيء بإن التي للشك مكان إذ التي للوجوب تهكما بهم وعبر عن الإتيان بالفعل الأعم منه إيجازا وفيه إخبار بالغيب أنهم لن يفعلوا كما دل عليها ثبوت إعجاز المتحدي وتعريف النار للعهد.

(أعدت) هيئت (للكافرين) المكذبين بكلامه ونبيه.

(وبشر الذين ءامنوا وعملوا الصالحات أن لهم جنات تجري من تحتها) تحت أشجارها أو مساكنها (الأنهار كلما

ص: 76

كلام لا محلّ له أورده لردّ سؤال أعمالها كأحمال الحال أم لها صرع سواها (رُزِقُوا) أطعموا وأعطوا (مِنْها مِنْ ثَمَرَةٍ) حمل ما (رِزْقاً) مأكولا مطعوما قالُوا أهل الإسلام (هذَا) المطعوم كالمأكول (الَّذِي رُزِقْنا) إطعاما (مِنْ قَبْلُ) دار الأوامر ودارالسّلام (وَأُتُوا بِهِ) أوردوه (مُتَشابِهاً) صورا وأسماء لا طمعا وحلوا .

(وَلَهُمْ) لأهل الإسلام لا لأهل العدول (فِيها) دارالسّلام (أَزْواجٌ) حور وأعراس (مُطَهَّرَةٌ) صورا وأسرارا طهّر اللّه عمّا أساء أحوالها كالماء والطعام ودماء العروك والولاد (وَهُمْ) أهل الإسلام (فِيها) دارالسّلام (خالِدُونَ) ( 25 ) راكدوها دواما ما أدركهم العدم والهلاك .

(إِنَّ اللَّهَ لا يَسْتَحْيِي) لا عدول ولا إهمال له (أَنْ يَضْرِبَ مَثَلًا ما) للإعلاء والإعلام وهو ما عاده ملوك الكلام وما هو اسم أورد للعموم (بَعُوضَةً) أردأ الهوامّ لها دوام روم المسام لمّا أدركها مصّ الدّم (فَما فَوْقَها) ما علاها

----------

رزقوا منها) من تلك الجنات (من ثمرة رزقا قالوا هذا الذي رزقنا من قبل) في الدنيا فأسماؤه كأسمائه ولكنه في غاية اللطافة والطيب واللذة غير مستحيل إلى ما يستحيل إليه ثمار الدنيا (وأتوا به متشابها) يشبه بعضه بعضا بأنها كلها خيار وبأنها متفقات الألوان مختلفات الطعوم (ولهم فيها أزواج مطهرة) من أنواع الأقذار والمكاره (وهم فيها خالدون) وبه يتم النعمة لأن خوف الانقطاع ينغص العيش.

(إن الله لا يستحي أن يضرب مثلا) للحق يوضحه به لعباده المؤمنين (ما) أي مثل كان إبهامية تزيد النكرة إبهاما أو زائدة للتأكيد نحو فبما رحمة (بعوضة) عطف بيان لمثلا أو مفعول يضرب ومثلا حال منه مقدمة لتنكيره أو هما مفعولاه لتضمنه معنى الجعل (فما فوقها) والبعوض صغار البق وهو رد على الطاعنين في ضربه الأمثال في كتابه بالذباب والعنكبوت وغيرهما

ص: 77

مصوّرا أو مرادا (فَأَمَّا) الملأ (الَّذِينَ آمَنُوا) أدركوا سداد الإسلام وسلكوا كما هداهم الرّسول وكلّهم كما علّمهم (فَيَعْلَمُونَ) علما معولا لإعلام اللّه لهم (أَنَّهُ) الكلام الوارد أو الأمر المورد للإعلاء (الْحَقُّ) أمر محكم لا مردّ له وله كمال السّداد ولا سداد لرادّه كلاما أو عملا أو ما سواه مرسلا (مِنْ رَبِّهِمْ) أرسله اللّه لحكم ومصالح وهو حال .

(وَأَمَّا) الملأ (الَّذِينَ كَفَرُوا) عدلوا عمّا أمروا وما سطع لهم لوامع الإسلام وما علموا ما علمهم اللّه وما طاوعوا لرسوله حسدا (فَيَقُولُونَ) لصدء صدورهم واسوداد أرواعهم ما ذا هو مع « ما » اسم واحد عامله (أَرادَ) والمدلول ما أمر أراد (اللَّهُ بِهذا) الكلام وما مراده ما أورده (مَثَلًا) حال (يُضِلُّ) اللّه بِهِ كلام أورده أو الأمر المعهود وهو ردّ لسؤالهم (كَثِيراً) لعدم إسلامهم له ولردهم سداد مدلوله ، وهو هوّام مهامه الأوهام وروّاد مراحل المهالك (وَيَهْدِي) اللّه (بِهِ) معاده ما مرّ (كَثِيراً) لما أطاعوا ما أمرهم اللّه وأسلموا لما أرسلهم وما سألوا ما أراد ولم أوردوهم سلاك مسالك السداد ووراد موارد هداه أوردهما لإعلاء حال كل رهط (وَما يُضِلُّ) اللّه (بِهِ) إرساله إِلَّا الرهط (الْفاسِقِينَ) ( 26 ) اللاء عدوا حدّ الإسلام وطرحوا ما أمرهم اللّه

----------

(فأما الذين ءامنوا فيعلمون أنه) المثل المضروب (الحق من ربهم) أراد به الحق وإبانته (وأما الذين كفروا فيقولون ما ذا) أي شيء (أراد الله بهذا مثلا) من جهة المثل (يضل به كثيرا ويهدي به كثيرا) قيل هو جواب ماذا أي إضلال كثير بسبب إنكاره وهداية كثير من جهة قبوله فهو يجري مجرى البيان للجملتين أي إن كلا من الفريقين موصوف بالكثرة وبسببية لهما نسبأ إليه وروي أنه قول الكفار أي لا معنى للمثل لأنه وإن نفع به من يهد به فهو يضربه من يضل به فرد الله عليهم قولهم فقال (وما يضل به إلا الفاسقين) الخارجين عن دين الله.

ص: 78

وحاموا حول ما حرّمه وهم أردءوا أعمالهم وأساءوا أحوالهم .

(الَّذِينَ يَنْقُضُونَ عَهْدَ اللَّهِ) وما هم حرّاس حدود اللّه لمّا هدموا أساس العهود وصدّوا عمّا وصّاهم اللّه وأمرهم وعهد اللّه أمّا ما وطد لروعهم وهو أدلاء اللّه الواطد لاسلامهم له ووحده أو ما عهد مع أمم الرّسل ، وهو لمّا أرسل لهم رسول مع اعلام سداده طاوعوه وأطاعوا ما أوردهم وما أسرّوا أمره وما ما رووا حكمه أو عهد عدم اهدارهم الدّماء وحسمهم الأرحام وعدم عدو أحدهم أحدا وهم كسروا كلّها ، وكسّارها إمّا علماء الهود أو ولاعهم أو العدّال كلّهم عموما (مِنْ بَعْدِ مِيثاقِهِ) إحكامهم عهده الأوّل وهو كل ما أودعه اللّه صدورهم أو إحكام اللّه عهده أحكمه إرسالا للطروس والرّسل واعلاما سواهما .

(وَيَقْطَعُونَ) عدوا (ما أَمَرَ اللَّهُ) لهم والأمر روم العمل لكلام معهود محصور مع العلو (بِهِ) معاده (أَنْ يُوصَلَ) دعاهم لوصله وهو حسموا الأرحام وولاء أهل الإسلام وصاعوا مواصلهم وورّعوهم مكامعهم (وَيُفْسِدُونَ) طلاحا (فِي الْأَرْضِ) لعملهم عمل اللّصوص وسدّهم سواء الصّراط وصدّهم رهطهم عمّا أسلموا وعهدهم الدماء والأموال والأملاك (أُولئِكَ) هؤلاء الكسّار اللّصوص الدّعار (هُمُ الْخاسِرُونَ) ( 27 ) أعمالا لا

----------

(الذين ينقضون عهد الله) ما ركز في عقولهم من الحجة على التوحيد وصدق الرسل وما أخذ في عالم الذر من الإقرار لله بالربوبية ولمحمد بالنبوة ولأهل بيته بالولاية (من بعد ميثاقه) أي أحكامه (ويقطعون ما أمر الله به أن يوصل) من الأرحام والقرابات سيما صلة النبي ومودة ذي القربى (ويفسدون في الأرض) بسبب قطع ما في وصله نظام العالم وصلاحه (أولئك هم الخاسرون) لما صاروا إلى النيران وحرموا الجنان.

ص: 79

سواهم كما وهموا لما حسموا ما أمروا لوصله وما وصلوه وكسروا ما عهدوا واطلحوا الأعمال وما أصلحوها وعملوا صوالح الأمور وما عملوها .

(كَيْفَ) أعلموا لم (تَكْفُرُونَ بِاللَّهِ) الواحد الأحد المرسل للرّسل والطّروس ، ومعكم علم ما ردّكم عمّا هو حالكم وحوّلكم أطوارا والكلام مع أهل العدول (وَكُنْتُمْ) أهل العدول والواو للحال (أَمْواتاً) ركاد عالم العدم (فَأَحْياكُمْ) اللّه لمّا أحلّكم الأرحام وصوّركم أروع صور طورا طورا وأسطاكم الأرواح والحواس وعلمكم العلوم وملككم الأموال والأولاد والدّور (ثُمَّ يُمِيتُكُمْ) لمّا وصل أمد أعماركم لصوالح الحكم (ثُمَّ يُحْيِيكُمْ) مالا ومعادا (ثُمَّ إِلَيْهِ) حكمه (تُرْجَعُونَ) ( 28 ) أعادكم اللّه عامل معكم كما هو أعمالكم .

( هُوَ) اللّه مالك الكلّ (الَّذِي خَلَقَ) أسر ( لَكُمْ) لمصالحكم (ما فِي الْأَرْضِ جَمِيعاً ) كلّه كالماء والطعام والدّرّ والدّار والأهل والولد والمال والكراع والرّحول والآلاء طرّا والكل احاطكم وهو آسر الكلّ لكم وآسركم له ،

----------

(كيف تكفرون بالله) الخطاب لكفار قريش (وكنتم أمواتا) عناصر وأغذية وأخلاطا ونطفا وما يتعقبها إلى ولوج الأرواح في أصلاب آبائكم وأرحام أمهاتكم (فأحياكم) بنفخ الأرواح فيكم وعطف بالفاء لتعقيب الموت بلا تراخ والبواقي بثم للتراخي (ثم يميتكم) في هذه الدنيا ويقبركم (ثم يحييكم) في القبور وينعم فيها المؤمنين ويعذب فيها الكافرين أو في القيامة (ثم إليه ترجعون) بعد النشور للجزاء أو تبعثون من قبوركم إليه للحساب فواو (وكنتم) للحال والحال هي العلم بجملة القصة لا كل جملة منها لمضي بعضها واستقبال بعضها.

(هو الذي خلق لكم) لانتفاعكم (ما في الأرض جميعا) لتعتبروا به

ص: 80

ولم عدولكم عمّا هو السّداد وممّ صدودكم عمّا هو الصّلاح وما هو إلّا سواد صدوركم ووكس روعكم (ثُمَّ اسْتَوى) عمد كما أراد وأصله روم السّماء (إِلَى) سمك (السَّماءِ) وأسرها وإعلاء مصاعدها وإكمال علوّها (فَسَوَّاهُنَّ) عدّلها ولا أود لسطوحها (سَبْعَ سَماواتٍ) عددا والحاصل صوّرها احامد الصور ودوّرها أعادل الأدوار ، ورسم لها لوامع السّعود ، وأودعها الاسرار طلوعا ودلوكا ، وأعدّ لها مطالع السعود وسمك كلّا محدّد الحدود ، وأدارها كالاكر وحرّكها كما هو صلاح الأمور كما أورده أهل الإرصاد والإحكام .

(وَهُوَ) اللّه (بِكُلِّ شَيْءٍ) وأحواله (عَلِيمٌ) ( 29 ) عالم علما كاملا أحاط علمه الكلّ والكلّ معلوم له .

( وَ) ادّكر محمّد ( إِذْ) عهدا (قالَ رَبُّكَ) آسرك ومصلح أحوالك وأحوال الكلّ (لِلْمَلائِكَةِ) كلّهم عموما واحده « ملك » أصله مالك مصدر الألوك وهو الإرسال ، سمّاهم اللّه أملاكا لما هم رسل اللّه أرسلهم لاصلاح العالم

----------

وتتوصلوا به إلى رضوانه وتتوقوا من عذاب نيرانه والأرض داخلة فيما في الأرض إن أريد بها جهة السفل كالسماء جهة العلو وإلا فلا وجميعا حال من ما (ثم استوى إلى السماء) أخذ في خلقها وإتقانها (فسويهن) عدلهن عن العوج والفطور والضمير للسماء إن فسرت بالجنس أو الجمع وإلا فمبهم يفسره ما بعده كربه رجلا (سبع سموات) بدل أو مفسر (وهو بكل شيء عليم) علم المصالح فخلق ما فيه صلاحكم.

(وإذ قال ربك) أي اذكر الحادث فحذف الحادث وأقيم الظرف مقامه أو ظرف لقالوا (للملائكة) الذين كانوا في الأرض مع إبليس وقد طردوا عنها الجن

ص: 81

كما أراد (إِنِّي جاعِلٌ) مؤمّر (فِي) ملك (الْأَرْضِ خَلِيفَةً) ممّا هم ركّادها أمامه وهم الملك لمّا هم راكدوها وحاكموها أعطاهم اللّه ملكها وهم أطاعوه وعملوا ما أمروا ، ومدلولها رأس الكلّ وهمامهم له السّمو والسّؤدد ، و « الهاء » للاطراء كما وصل للعلّام ، والمراد « آدم » وحده وهو الأصحّ أو هو وأولاده ووحّده لما هو أصلهم وامامهم .

(قالُوا) هؤلاء الاملاك سؤالا للحكم لعدم علمهم لها لا ردّا ولا مراء لحكمه (أَ تَجْعَلُ) حاكما (فِيها) ملكها لاصلاحها (مَنْ) امرا (يُفْسِدُ) طلاحا (فِيها) ملكها وهم أرادوا أولاده وعلموا أحوالهم لاعلام اللّه والهامه لهم أو لما طالعوا سطور اللوح أو حدسوا عما عمل طلّاح رهط مروا أمامهم وهم ركّادها وحكامها أو أدركوا لكمال روعهم (وَيَسْفِكُ الدِّماءَ) حدلا وطلاحا وما العلل والحكم لإكرامهم وإعلاء حالهم مع اهدارهم الدّماء وإصدارهم الأعمال السّواء( وَ) الحال (نَحْنُ نُسَبِّحُ) وهو أحمد الأوراد (بِحَمْدِكَ) حمدا كاملا وهو أصل محامد الكمّل وهو حال (وَنُقَدِّسُ) عمّا ساء وكره وأورد رهط مدلولها واحد (لَكَ) وكلّ واحد مطهّر لك .

( قالَ) اللّه ردّا لما علموا إِنِّي أَعْلَمُ ما حكما (لا تَعْلَمُونَ) ( 30 ) لها أصلا وما لكم علم أسرار لا حدّ لها وعلمه أحاط الكلّ وما معلومكم إلّا أصلا

----------

لإفسادهم فيها (إني جاعل في الأرض خليفة) يكون حجة لي في أرضي على خلقي (قالوا أتجعل فيها من يفسد فيها ويسفك الدماء) كما فعلته الجن والنسناس (ونحن نسبح) ننزهك عما لا يليق بك متلبسين (بحمدك ونقدس لك) نطهر أرضك ممن يعصيك فاجعل ذلك الخليفة منا (قال إني أعلم ما لا تعلمون) من الصلاح الكائن فيه ومن الكفر الباطن فيمن هو فيكم وهو إبليس.

ص: 82

مما علّمكم اللّه وما سواه هو موهومكم لا سداد له .

ولمّا أراد اللّه إكرام « آدم » وإعلاء علومه ومداركه وإعلام أحواله ومعالم كماله أرسل .

(وَعَلَّمَ) اللّه (آدَمَ ) إلهاما (الْأَسْماءَ كُلَّها) أسماء اللّه وأسرارها طرا وأسماء الأولاد وأسماء كلّ ما سار وما طار وما حرك وما ركد عموما ، والحاصل أراه أوّلا أمورا كلّها وعلّمه أسماءها كما أراه أسدا وعلّمه اسمه (ثُمَّ عَرَضَهُمْ) أوردهم اللّه أراد أهل أسماء أسروا ولهم اسم ورسم (عَلَى الْمَلائِكَةِ) ردّا واصماما (فَقالَ) اللّه للأملاك (أَنْبِئُونِي) أعلموا (بِأَسْماءِ هؤُلاءِ) الأمور كلّها ولكلّ اسم ورسم (إِنْ كُنْتُمْ) ملأ الأملاك (صادِقِينَ) ( 31 ) كلاما ولكم سداد الكلام وعلم الأسماء .

وهم حاروا و (قالُوا) كلّهم (سُبْحانَكَ) كلام حامد وهو مصدر لمطروح (لا عِلْمَ ) لا معلوم لَنا إِلَّا ما معلوما هو (عَلَّمْتَنا) وما هو علم

----------

(وعلم آدم الأسماء كلها) أسماء المخلوقات قيل اضطره إلى العلم بها أو ألقاه في قلبه أي علمه أسماء الأجناس التي خلقها وخواصها وما يتبعها من المنافع الدينية والدنيوية وقيل أريد أسماؤه الحسنى التي بها خلقت المخلوقات وبتعليمها كلها إياه خلقه من أجزاء متباينة وقوى مختلفة ليستعد لإدراك أنواع المدركات ليتأتى له بمعرفتها مظهريته لأسماء الله الحسنى كلها وجامعيته جميع الوجوه اللائقة به (ثم عرضهم على الملائكة) الضمير للمسميات المدلول عليها بالأسماء والتذكير لتغليب ما فيها من العقلاء (فقال أنبئوني بأسماء هؤلاء) المعروضات تبكيت لهم وبيان لأحقية آدم بالخلافة (إن كنتم صادقين) أنكم أحق بالخلافة.

(قالوا سبحانك لا علم لنا إلا ما علمتنا) إقرار بالقصور وإيذان بأن سؤالهم

ص: 83

الأسماء (إِنَّكَ أَنْتَ) لا سواك (الْعَلِيمُ) عالم مصالح أهل العالم كما هو الأصلح لا المعلّم (الْحَكِيمُ) ( 32 ) كامل الحكم علما وعملا أو الحاكم العدل أو المحكم للأمور كلّها ومصلحها .

(قالَ) اللّه ل « آدم » ( يا آدَمُ أَنْبِئْهُمْ ) أعلمهم (بِأَسْمائِهِمْ) أراد أمورا علّم اللّه أسماءها ل « آدم » ، ولمّا صار « آدم » مأمورا لإعلام الأسماء لهم علّمهم الأسماء اسما اسما (فَلَمَّا أَنْبَأَهُمْ) أعلمهم كما أمره اللّه (بِأَسْمائِهِمْ) واعلامهم واحدا واحدا ، وهم علموا علوّ حال « آدم » ولاح لهم عدم علمهم ( قالَ ) اللّه ردّا لهم (أَ لَمْ أَقُلْ لَكُمْ) ملأ الأملاك وهو كلام مهدّد مهوّل (إِنِّي أَعْلَمُ) علما أحاط (غَيْبَ السَّماواتِ وَالْأَرْضِ) أسرار عالم العلوّ وأطوار عالم الملك ، وأكل « آدم » و « حوّا » السّمراء وإهدار ولده الدّم (وَأَعْلَمُ ما) كلاما (تُبْدُونَ) له (وَما) سرّا (كُنْتُمْ تَكْتُمُونَ) ( 33 ) له ساوا والكلّ محاط لعلم اللّه .

----------

كان استعلاما لا اعتراضا (إنك أنت العليم) بكل شيء (الحكيم) المصيب في كل فعل.

(قال يا آدم أنبئهم بأسمائهم) أخبرهم بالحقائق المكنونة منهم ليعرفوا جامعيتك لها وقدرة الله على الجمع بين الصفات المتباينة في مخلوق واحد (فلما أنبأهم بأسمائهم) فعرفوها (قال ألم أقل لكم إني أعلم غيب السموات والأرض) سرهما (وأعلم ما تبدون) من ردكم علي (وما كنتم تكتمون) من أنه لا يأتي أفضل منكم وفي الآيات دلالة على شرف الإنسان والعلم وفضله على العبادة وتوقف الخلافة عليه وإن آدم أفضل من الملائكة لأنه أعلم منهم.

ص: 84

(وَ) ادّكر محمّد ( ص ) (إِذْ) عهدا (قُلْنا) أمرا (لِلْمَلائِكَةِ) لمّا علّمهم « آدم » الأسماء كلّها إكراما ل « آدم » (اسْجُدُوا) مسّوا رءوسكم سطح العراء وهو الأصل ، أو المراد اركعوا هكوعا (لِآدَمَ) وهو إمام لكم ومالك لممالك العالم وحاكم لمحاكم الكلّ علما وكمالا (فَسَجَدُوا) طأطئوا كلّهم له رؤوسهم (إِلَّا) للوصل لمّا هو ملك أو للحسم لمّا هو سواه (إِبْلِيسَ) وهو عدوّ اللّه (أَبى) ردّ وكره وصدّ عمّا أمر (وَاسْتَكْبَرَ) علا وسمد عداء وحسدا (وَكانَ صار) (مِنَ) الملأ (الْكافِرِينَ) ( 34 ) لردّه أمر اللّه علوّا وهو ملاك طرده لا طرح الأمر وحده .

(وَقُلْنا) ل « آدم » لاعلاء حاله (يا آدَمُ اسْكُنْ) اركد (أَنْتَ) مؤكّد (وَزَوْجُكَ) « حوّاء » ومولدها ملاط « آدم » (الْجَنَّةَ) دارالسّلام كما دلّ اللّام لمّا هو للعهد ، ولا معهود سواها وهو موعد دوام السّرور ومحلّ كمال الرّوح لك ولأهلك .

(وَكُلا) أمر ل « آدم » و « حوّا » (مِنْها) أحمالها أكلا (رَغَداً) واسعا (حَيْثُ شِئْتُما) عموما كما هو مرادكما (وَلا تَقْرَبا) للأكل ورووه مكسور

----------

(وإذ قلنا للملئكة اسجدوا لآدم) لما في صلبه من نور محمد وأهل بيته وهذا السجود كان لهم تعظيما وإكراما ولله سبحانه عبودية ولآدم طاعة (فسجدوا إلا إبليس) إنما دخل في الأمر لكونه منهم بالولاء ولم يكن من جنسهم (أبى واستكبر) ترفع (وكان من الكافرين) أي صار منهم باستكباره.

(وقلنا يا آدم أسكن أنت وزوجك) حواء ولم يخاطبهما أولا إشعارا بأنه المقصود وهي تبع له (الجنة) من جنان الدنيا تطلع فيها الشمس وتغرب وقيل دار الثواب إذ لا معهود غيرها (وكلا منها رغدا) واسعا بلا تعب (حيث شئتما)

ص: 85

الأوّل (هذِهِ الشَّجَرَةَ) السّمراء أو الكرم أو ما سواهما ، ورووا أوّلها مكسورا وهو ردع لهما وهما ما عملاه لمّا وهما الرّوع لا للاحرام أو حملا الروع عمّا أوماه اللّه معهودا لا عمّا سواه واللّه أراد العموم (فَتَكُونا) حال احمامكما لها أكلا (مِنَ) الرهط (الظَّالِمِينَ) ( 35 ) الحدال الصّداد عمّا ردعكما اللّه لعدولكما عمّا صلح لكما .

(فَأَزَلَّهُمَا) « آدم » و « حوّاء » وأملصهما ووسوس لهما (الشَّيْطانُ) وهو ألدّ الأعداء لهما ولأولادهما (عَنْها) دارالسّلام (فَأَخْرَجَهُما) وسواسا (مِمَّا) روح وسرور كانا « آدم » و « حوّاء » (فِيهِ معاده الموصول) وَقُلْنَا أمرا لهما (اهْبِطُوا) حطّوا واحدروا والأمر ل « آدم » و « حوّا » والمراد هما وأولادهما أو الأمر لهما وللمارد ، وورد حدود الطاوس (بَعْضُكُمْ لِبَعْضٍ عَدُوٌّ) أعداء عادوهم أراد ولد آدم عموما أو أهل الإسلام والمارد الموسوس وهو حال (وَلَكُمْ فِي الْأَرْضِ مُسْتَقَرٌّ) محلّ الرّكود والسكور (وَمَتاعٌ) روح

----------

أي مكان منها (ولا تقربا هذه الشجرة) هي الحنطة أو الكرمة أو التينة أو شجرة تحمل أنواع المطاعم والفواكه وهي شجرة علم محمد وآل محمد.

(فتكونا من الظالمين) بالإقدام على ما فيه عدم صلاحكما.

(فأزلهما الشيطان عنها) حملهما على الزلة بسبب الشجرة أو أزالهما عن الجنة أي أذهبهما بوسوسته وغروره بأن دخل بين لحيي الحية فأراهما أن الحية تخاطبهما (فأخرجهما مما كانا فيه) من النعيم (وقلنا اهبطوا) خطاب لهما بدليل اهبطا منها كأنهما الإنس كلهم فجمع الضمير أو مع إبليس مع الحية أو بدونها (بعضكم لبعض عدو) آدم وحواء وولدهما عدو للحية ولإبليس وإبليس والحية وأولادهما عدو آدم (ولكم في الأرض مستقر) منزل ومقر للمعاش (ومتاع)

ص: 86

ومرح (إِلى حِينٍ) ( 36 ) السّام أو أمد الدّهر .

(فَتَلَقَّى) ألهم(آدَمُ) إلهاما حصل له (مِنْ رَبِّهِ) مصلح أموره (كَلِماتٍ) أصاعد الكلم علما وعملا ألهمها اللّه حال هكوعه والحاحه وهو الدّعاء المعهود ، أصلها الكلم كالكلام (فَتابَ) عاد اللّه وآل (عَلَيْهِ) « آدم » وسمع دعاءه ودسع إصره كرما وعطاء أورد « آدم » لا « حوّاء » لمّا هو الأصل (إِنَّهُ) اللّه (هُوَ) لا سواه (التَّوَّابُ) العوّاد المحّاء لآصار الكلّ حال هودهم وسدمهم (الرَّحِيمُ) ( 37 ) كامل الرّحم عمّ رحمه الكلّ .

(قُلْنَا اهْبِطُوا) كرّر الأمر الأوّل مؤكّدا أو كلّ أمر لمراد ، مراد الأوّل إعلام عداء أحدهم أحدا وعدم دوامهم دارا حدروها ، ومراد حماداه أداء الأوامر والرّوادع أو المراد « احدروا حدورا مكرّرا » حدور دارالسّلام وحدور السّماء (مِنْها) دارالسّلام (جَمِيعاً) كلّكم وهو حال دالّا ومؤكّدا مدلولا (فَإِمَّا) كلّما (يَأْتِيَنَّكُمْ) لإرسال وإعلام (مِنِّي هُدىً) رسول أرسله مسدّدا للحلال والحرام وكلام أو رده محدّدا لحدود الإسلام ، وحدّه والمراد كلاهما لمّا صار

----------

تمتع ومنفعة (إلى حين) الموت أو القيامة.

(فتلقى آدم من ربه كلمات) وقرىء بنصب آدم ورفع كلمات على معنى تداركته وهي التوسل في دعائه بمحمد وآله الطيبين وقيل ربنا ظلمنا أنفسنا الآية (فتاب عليه) قبل توبته واكتفى به لأن حواء تبع (إنه هو التواب) القابل للتوبات (الرحيم) بالتائبين.

(قلنا اهبطوا منها جميعا) أمر أولا بالهبوط وثانيا بأن لا يتقدم أحدهم الآخر وقيل الأول هبوط قرن بالتعادي والثاني للتكليف وقيل الأول من الجنة إلى سماء الدنيا والثاني منها إلى الأرض وقيل تأكيد (فإما يأتينكم مني هدى) ما زائدة

ص: 87

مآلهما واحدا لورود الرّسول مع الكلام والكلام مع الرّسول صلعم .

(فَمَنْ) كلّ مرء (تَبِعَ طاوع) هُدايَ وأسلمه وأطاع أوامره وروادعه (فَلا خَوْفٌ عَلَيْهِمْ) لا هول لهم معادا ومآلا وما وحدّه رعاء لمدلول الموصول المعاد (وَلا هُمْ يَحْزَنُونَ) ( 38 ) لا همّ لهم حالا لمّا مر والحاصل لهم دوام الرّوح والسّرور .

ولمّا وعد اللّه أهل الإسلام أوعد أعداءهم إكراما لهم وأرسل وَ الملأ (الَّذِينَ كَفَرُوا) عدولا وما اسلموا روعا (وَكَذَّبُوا) مسحلا (بِآياتِنا) أدلّاء أوحاها اللّه للإحكام وأصلها الإعلام (أُولئِكَ) الرّهط (أَصْحابُ النَّارِ) أهلها وملاسموها والسّاعور مأواهم(هُمْ) لا سواهم (فِيها خالِدُونَ) ( 39 ) دوّام .

(يا بَنِي إِسْرائِيلَ) هو اسم رسول ورووا « إسرال » والكلام مع أولاده (اذْكُرُوا) عدّوا واحصوا (نِعْمَتِيَ) آلاء اللّه (الَّتِي أَنْعَمْتُ عَلَيْكُمْ) إكراما لكم ، وأكرمها ادراككم عصر محمّد صلعم كما هو الموعود ، أو المراد آلاء ولادهم وهو صدع الدّاماء وإعلاء الطّهاء وكسر عسكر الملك السّامد وما سواها ، (وَأَوْفُوا) أدّوا أداء كاملا (بِعَهْدِي) ما هو المأمور المعهود وهو الإسلام

----------

تؤكد إن الشرطية والجواب (فمن تبع هداي فلا خوف عليهم) حين يخاف الكافرون (ولا هم يحزنون) حين الموت.

(والذين كفروا وكذبوا بآياتنا أولئك أصحاب النار هم فيها خالدون).

(يا بني إسرائيل) يا ولد يعقوب معناه صفوة الله وقيل عبد الله (اذكروا نعمتي التي أنعمت عليكم) بأن بعثت محمدا في مدينتكم وأوضحت دلائل صدقه أو المراد ما أنعم على آبائهم من إنجائهم من فرعون والغرق (وأوفوا بعهدي) الذي

ص: 88

وأحكامه وهو عهد المعاهد مكسور الهاء (أُوفِ بِعَهْدِكُمْ) أكمّل وعدّكم واسمح لكم دارالسّلام وهو عهد المعاهد (وَإِيَّايَ فَارْهَبُونِ) ( 40 ) روعوا إصر اللّه لا إصر ما سواه وأكّدوا عهودكم وأحكموا مواعدكم وكسر العهود وطمس المواعد أسوأ الأمور لكم ، والكلام عامّ لما أوعد ووعد وأوكد لاداء المراد .

(وَآمِنُوا) أسلموا (بِما أَنْزَلْتُ) وهو كلام مسدّد أوحاه اللّه (مُصَدِّقاً) مصحّحا وهو حال (لِما) طرس (مَعَكُمْ) أرسل لرسولكم إعلاء للإسلام وأحكامه مملوّ عمّا صلح لكم حالا ومال حاو لإكرام محمّد ( ص ) الموعود ولما أورده .

(وَلا تَكُونُوا أَوَّلَ) رهط (كافِرٍ) أو المراد كلّ واحد (بِهِ) كلام اللّه أو محمّد رسول اللّه صلعم أو لما معكم والأوّل أصله « أوءل » أو « ءاول » والكلام مع علماء الهود .

(وَلا تَشْتَرُوا) ولوعا وحرصا للمال ودا للحال وطرحا للمال (بِآياتِي) أسرار كلام اللّه وحوله (ثَمَناً قَلِيلًا) حطاما ما صلّا هدّدهم اللّه لمّا طرحوا مصاص كلامه وهو محامد محمّد ( ص ) ومراسم ألوكه وآسوا كلاما

----------

أخذته عليكم بلسان أنبيائكم وأسلافكم لتؤمنن بمحمد (أوف بعهدكم) بالفوز بنعيم الأبد (وإياي فارهبون) في نقض العهد وإياي نصب بمضمر يفسره المذكور وهو آكد في إفادة التخصيص من إياي ارهبوا.

(وءامنوا بما أنزلت) على محمد صلى الله عليه واله (مصدقا لما معكم) فإنه مماثل ما في كتابكم أو مطابقا لها في الدعاء إلى التوحيد والإقرار بمحمد والأمر بالعبادة وغير ذلك (ولا تكونوا أول كافر به) والواجب أن تكونوا أول مؤمن به لعلمكم بشأنه (ولا تشتروا بآياتي) بتحريف آيات من التوراة فيها صفة محمد صلى الله عليه واله(ثمنا قليلا)

ص: 89

ساطعا وأوردوا كلاما كاسدا (وَإِيَّايَ فَاتَّقُونِ) ( 41 ) اسلكوا مسالك الأهوال واطرحوا صوالح الأعمال .

(وَلا تَلْبِسُوا) اسرارا والسا (الْحَقَّ) الكلام الأسدّ (بِالْباطِلِ) الولع الوالع وهو عمل علماء الهود (وَ) لا (تَكْتُمُوا الْحَقَّ) مكارم محمّد صلعم ومعالمه (وَ) الحال (أَنْتُمْ) علماء الهود (تَعْلَمُونَ) ( 42 ) إرساله للكلّ وهو المرسل الموعود المسطور اسمه وحاله ، أو سداد كلام اللّه وصحّه وولع كلامكم ودعوه أو ألسكم وسرّ أسرارهم وألسهم ألس حلمهم .

(وَأَقِيمُوا الصَّلاةَ) صلوها كما هو المأمور أمرهم لمكمّل الأصول وراء ما أمرهم للأصول (وَآتُوا الزَّكاةَ) أدّوها كما هو المعمول وطهّروا أموالكم وإدراركم (وَارْكَعُوا مَعَ الرَّاكِعِينَ) ( 43 ) واعملوا عمل أهل الإسلام وهو الرّكوع لعدم الرّكوع للهود ، أو صلّوا معهم لا واحدا واحدا وأورد رهط الرّكوع الطّوع عموما .

وعلماء الهود ورؤساءهم لمّا أمروا أرهاطهم سرّا لطوع أوامر محمّد صلعم وصرّحوا هو رسول اللّه ما ولع أصلا وله سداد الكلام وهم ما عملوا كما أمروا وو ردّهم أمروا أرهاطا إعطاء الأموال وهم ما أعطوها هدّدهم

----------

عوضا يسيرا من الدنيا (وإياي فاتقون) في كتمان أمر محمد.

(ولا تلبسوا الحق بالباطل) لا تخلطوه به قالوا نعلم أن محمدا نبي ولكن لست أنت ذلك (وتكتموا الحق) في صفة محمد (وأنتم تعلمون) أنكم تكتمونه.

(وأقيموا الصلوة وءاتوا الزكوة واركعوا مع الراكعين) صلوا في جماعتهم عبر عن الصلاة بالركوع لخلو صلاة اليهود عنه أو أريد به الخضوع والانقياد للحق.

ص: 90

وأرسل

(أَ تَأْمُرُونَ) رؤساء الهود (النَّاسَ) ورادكم وصداركم (بِالْبِرِّ) العمل المحمود (وَتَنْسَوْنَ أَنْفُسَكُمْ) لعدولكم عمّا أمركم اللّه لما أسكركم هواكم( وَ) الحال (أَنْتُمْ تَتْلُونَ) دواما (الْكِتابَ) الطّرس الرّسل لكم وهو مورد محامد محمّد صلعم (أَ فَلا تَعْقِلُونَ) ( 44 ) سوء أعمالكم حالا ومآلا أو آمالكم روع لصدّكم عمّا سألكم .

ولمّا أمرهم اللّه وردعهم ولا طول لهم للأداء إلّا لإسعاد اللّه وحوله أمرهم سؤال الإسعاد وأرسل (وَاسْتَعِينُوا) اسألوا إسعاد اللّه وهو معوّل لكم وعوّلوا (بِالصَّبْرِ) الصوم وأصله الإمساك ، والمراد صوموا حسّا ورواحا (وَالصَّلاةِ) صلّوا ركعا هكعا وداوموها وهما أصلا الأعمال أو المراد الدّعاء ، والحاصل ادعوا اللّه كلّما حلّ لكم أمر عسر (وَإِنَّها) أداءها ودوامها أو معادها مصدر الأمر (لَكَبِيرَةٌ) لها كمال الإصر عملا وحالا ودوام العمل عسر (إِلَّا عَلَى الْخاشِعِينَ) ( 45 ) الرّواع عمّا هدّدهم اللّه وهم أدّوا ما أمروا لروع روعهم .

----------

(أتأمرون الناس بالبر) توبيخ وتعجيب من حالهم والبر يعم كل خير (وتنسون أنفسكم) تتركونها (وأنتم تتلون الكتاب) التوراة وفيها الوعيد على ترك البر ومخالفة القول للعمل (أفلا تعقلون) قبح ذلك فيمنعكم منه نزلت في علماء اليهود ورؤسائهم ويعم كل من وصف عدلا ثم خالفه إلى غيره.

(واستعينوا) على مشقة التكليف والبر (بالصبر) على الطاعات وعن المعاصي أو بالصيام (والصلوة وإنها) أي الصلاة (لكبيرة) عظيمة ثقيلة (إلا على الخاشعين) الخائفين عقاب الله في مخالفته لتوطين أنفسهم عليها ويقينهم بجزائها.

ص: 91

(الَّذِينَ يَظُنُّونَ) حصل لهم العلم لما أعلموا وألهموا (أَنَّهُمْ) هؤلاء (مُلاقُوا رَبِّهِمْ) رأوه ومواصلوه (وَأَنَّهُمْ إِلَيْهِ راجِعُونَ) ( 46 ) معادهم هو اللّه ولا مالك لأمرهم أحد سواه وهو الحاكم عدلا والعادل امرا .

(يا بَنِي إِسْرائِيلَ) أولاده (اذْكُرُوا) أحصوا واحمدوا (نِعْمَتِيَ) آلاء اللّه (الَّتِي أَنْعَمْتُ عَلَيْكُمْ) وهو كما مرّ وسطر مدلوله كرّره مؤكّدا ( وَ) وادّكروا (أَنِّي فَضَّلْتُكُمْ) إكراما وإسلاما (عَلَى الْعالَمِينَ) ( 47 ) أهل عصركم .

(وَاتَّقُوا) روعوا (يَوْماً) لأهواله وآلامه (لا تَجْزِي نَفْسٌ) أحد (عَنْ نَفْسٍ) ما (شَيْئاً) أداء ماس (وَلا يُقْبَلُ مِنْها شَفاعَةٌ) مدعوّهم مردود ومرادهم مطرود لا كما وهموا ولادهم ممدوهم ومسعدوهم (وَلا يُؤْخَذُ مِنْها عَدْلٌ) مال معادل لهم (وَلا هُمْ يُنْصَرُونَ) ( 48 ) لا ردء ولا معوّل لهم والكلّ لعدم إسلامهم .

----------

(الذين يظنون أنهم ملاقوا ربهم) يوقنون أنهم يبعثون (وأنهم إليه راجعون) إلى كراماته.

(يا بني إسرائيل اذكروا نعمتي التي أنعمت عليكم) كرر تأكيدا (وأني فضلتكم) فضلت أسلافكم (على العالمين) عالمي زمانهم الذين خالفوا طريقتهم بالإيمان والعلم وجعل الأنبياء فيهم وأنزل الكتاب عليهم.

(واتقوا يوما) وقت النزع (لا تجزي نفس عن نفس شيئا) لا تدفع عنها عذابا قد استحقته (ولا يقبل منها شفاعة) بتأخير الموت (ولا يؤخذ منها عدل) فداء بأن يمات ويترك هي (ولا هم ينصرون) في دفع الموت والعذاب والضمير للنفوس الكثيرة الدال عليها النفس النكرة في سياق النفي.

ص: 92

(وَ) ادّكروا (إِذْ) عهدا (نَجَّيْناكُمْ) ولّادكم وهو إكرام لكم ولولّادكم (مِنْ) إصر (آلِ فِرْعَوْنَ) وهو ملك مصر و « الال » أصله « أهل » أورد لرهط هم أولو الأمر كالرّسل والملوك (يَسُومُونَكُمْ) « سامه » أولاه وأصل السّوم الرّوم وهو حال (سُوءَ الْعَذابِ) أعسره وأكرهه وهو مصدر ساء (يُذَبِّحُونَ أَبْناءَكُمْ) أولاد ولادكم وهو حاصل سومهم كما دل طرح الواو ، وهم ما ساموا وما سحطوا إلا لإعلام أهل الإرصاد والإحكام لهم هدم أساس ملكه وعمره حال سطوع مولود الهود (وَيَسْتَحْيُونَ نِساءَكُمْ) وما سحطوها وطرحوها اهماما واساما لها لإهلاك الأولاد وأردأ الأهوال احساس الأم ادماء ولدها ، أو المراد احساسهم الأرحام أو حوامل أم لا ؟ (وَفِي ذلِكُمْ) السّوم وإهدار دم الأولاد (بَلاءٌ) لأواء وهو مروم أهل الولاء أو إلّا مرسل (مِنْ رَبِّكُمْ عَظِيمٌ) ( 49 ) إصرا أو روحا .

(وَ) ادّكروا (إِذْ) عهدا (فَرَقْنا) صدعا (بِكُمُ) لمروركم (الْبَحْرَ) ولاح مسالك الدّاماء أعداد أرهاط الأولاد وصار الماء لسلوكهم راكدا كالأطواد (فَأَنْجَيْناكُمْ) كرما ورحما (وَأَغْرَقْنا آلَ فِرْعَوْنَ) رهطه معه حردا وطردا

----------

(وإذ نجيناكم) واذكروا إذ أنجينا أسلافكم (من آل فرعون يسومونكم) يعذبونكم (سوء العذاب) العذاب الشديد (يذبحون أبناءكم) لما قيل لفرعون إنه يولد في بني إسرائيل مولود يكون على يده هلاكك (ويستحيون نساءكم) يبقونهن ويتخذونهن إماء (وفي ذلكم) الإنجاء أو منعهم أو كليهما (بلاء) اختبار بنعمة أو محنة أو بهما (من ربكم عظيم) كبير.

(وإذ فرقنا بكم البحر) فصلنا بين بعضه وبعض حتى صارت فيه مسالك بسلوككم فيه (فأنجيناكم) هناك (وأغرقنا آل فرعون) أي هو وقومه واقتصر

ص: 93

(وَأَنْتُمْ) رهط الهود (تَنْظُرُونَ) ( 50 ) ما عومل معكم ومع الأعداء إكراما وإهلاكا وإهلاكهم محسوس معلوم لكم .

( وَ) ادّكروا (إِذْ) عهدا (واعَدْنا مُوسى) وعده اللّه وأوحاه صعوده مصاعد الطّور لإعطاء الطّرس ، وهو وعد مع اللّه صعود الطّور حال عوده ووروده مصر لمّا هلك ملكه مرور (أَرْبَعِينَ) وهو عدد كامل (لَيْلَةً) أوردها لمّا هو محطّ الاسرار (ثُمَّ اتَّخَذْتُمُ) ملأ الهود (الْعِجْلَ) إلها (مِنْ بَعْدِهِ) سلوكه حول الطّور (وَ ) الحال (أَنْتُمْ) حال وهمكم له إلها (ظالِمُونَ) ( 51 ) عادوا حدود اللّه لا صلاح لأموركم .

(ثُمَّ عَفَوْنا) محوا وأصله الدّرس (عَنْكُمْ) أصاركم حال هودكم وهو دارس السّوء ومحاء الإصر سروحا ورواحا (مِنْ بَعْدِ ذلِكَ) سوء عملكم المعهود (لَعَلَّكُمْ تَشْكُرُونَ) ( 52 ) محو الآصار وهو أكرم آلاء اللّه .

( وَ) ادّكروا (إِذْ) عهدا (آتَيْنا مُوسَى) إكمالا لأمره وإعلاء رساله (الْكِتابَ) الطّرس المسطور المعلوم (وَالْفُرْقانَ) محدّد الحلال والحرام

----------

عليهم للعلم بأولويته به (وأنتم تنظرون) إليهم وهم يغرقون.

(وإذ واعدنا موسى أربعين ليلة) وعده بعد هلاك فرعون أن يعطيه التوراة بعد ثلاثين ليلة فلما استاك فذهب طيب فمه فأخر عشرا (ثم اتخذتم العجل) إلها (من بعده) بعد انطلاقه إلى الجبل (وأنتم ظالمون) بإشراككم.

(ثم عفونا عنكم) عن أوائلكم حين تابوا (من بعد ذلك) الاتخاذ للعجل (لعلكم تشكرون) تلك النعمة على أسلافكم وعليكم بعدهم.

(وإذ ءاتينا موسى الكتاب والفرقان) أي التوراة الجامع بين كونه كتابا وفارقا بين الحق والباطل أو أريد بالفرقان معجزاته الفارقة بين الحق والباطل

ص: 94

وهما واحد أو المراد صدع الدّاماء وصوع مسالكه (لَعَلَّكُمْ) رهط الهود لارسال الطّرس (تَهْتَدُونَ) ( 53 ) سلوك سواء الصّراط لدرككم مدلوله وعلمكم ما حلّله اللّه وحرّمه وعملكم كما هو صلاحكم .

(وَ) ادّكروا (إِذْ) عهدا (قالَ مُوسى) حاردا (لِقَوْمِهِ) رهط له عصوا اللّه وألهوا إلها سواه يا (قَوْمِ إِنَّكُمْ ظَلَمْتُمْ أَنْفُسَكُمْ) وهو إهلاككم لها لآصاركم وإلحادكم وحدلكم (بِاتِّخاذِكُمُ) ووهمكم (الْعِجْلَ) إلها لعدم العلم لكم كما لا علم لإلهكم الموهوم (فَتُوبُوا) هودوا عما عملوا عمل السّوء أو اصمدوا (إِلى بارِئِكُمْ) وآسركم ومصوّركم (فَاقْتُلُوا أَنْفُسَكُمْ) وأهلكوها والمراد إهلاك أحدهم أحدا صراما إكمالا للهود أو أصرموا أهواءكم واحسموا آمالكم (ذلِكُمْ) الهود والإهلاك (خَيْرٌ لَكُمْ) أصلح لاحوالكم لمّا هو موصل المرام (عِنْدَ بارِئِكُمْ) دواما (فَتابَ) عاد اللّه (عَلَيْكُمْ) سمعا لهودكم سمحا وعطاء ، وهو كلام اللّه معهم أو كلام رسول اللّه (إِنَّهُ) اللّه (هُوَ) لا سواه (التَّوَّابُ) محّاه الآصار وسامع الدّعاء حال الهود والسّدم (الرَّحِيمُ) ( 54 ) أحاط الكلّ مراحمه .

وهم لمّا أمروا لإهلاك أحدهم أحدا وما اسطاعوا له وصلا للرحم أرسل اللّه ركّاما أسحم حدّا حدّا عمّا رأوا وأهلكوا ولمّا لا حوار دعا اللّه رسولهم

----------

(لعلكم تهتدون) لكي تهتدوا بما فيه.

(وإذ قال موسى لقومه يا قوم إنكم ظلمتم أنفسكم باتخاذكم العجل فتوبوا إلى بارئكم فاقتلوا أنفسكم) يقتل من لم يعبد العجل منكم من عبده (ذلكم) القتل (خير لكم عند بارئكم) من أن تعيشوا لأنه كفارتكم (فتاب عليكم) قبل توبتكم قبل استيفاء القتل لجماعتكم (إنه هو التواب الرحيم) الكثير القبول للتوبة البليغ في الرحمة.

ص: 95

وأرسله اللّه لسماع هودهم .

(وَ) ادّكروا (إِذْ) عهدا (قُلْتُمْ) لرسولكم (يا مُوسى) لمّا أمر اللّه وروده مع رؤساء رهطه هوادا وراح معهم وأسمعه اللّه كلامه حاوروا (لَنْ نُؤْمِنَ لَكَ) لكلامك وسمعك كلام اللّه وسداد ما أوحاه لك وورودك الملك وإعطاء الطرس لك واحكام ألوكك وإرسالك (حَتَّى نَرَى اللَّهَ جَهْرَةً) إحساسا لا سرّا وعلما وهو مصدر أو حال (فَأَخَذَتْكُمُ الصَّاعِقَةُ) المهوّل سماعها لكمال العداء وروم المحال وهم سمعوها وألسوا وهلكوا دهرا هو عصراهم (وَأَنْتُمْ) رهط الهود (تَنْظُرُونَ) ( 55 ) ما حلّ لكم وأهلككم .

ولمّا هلك كرامهم وأعول رسولهم همّا ودعا اللّه هلعا أعاد اللّه أرواحهم كما أرسل اللّه (ثُمَّ بَعَثْناكُمْ) أعاد اللّه أرواحكم سمعا لدعاء رسولكم وإكراما له (مِنْ بَعْدِ مَوْتِكُمْ) وسامهم ما هو السّام المعهود للكلّ أمد أعمارهم وهو إعلام لما هو مراد الكلام الأوّل (لَعَلَّكُمْ تَشْكُرُونَ) ( 56 ) آلاءه وهو عود الرّوح .

(وَظَلَّلْنا) إكراما (عَلَيْكُمُ) ولادكم (الْغَمامَ) هو الرّكام أرسله اللّه وأعلاه مطواعا سار معهم كلّما ساروا لكمال حرّ الهواء وطول الصّحراء (وَأَنْزَلْنا) إرسالا (عَلَيْكُمُ) ولّادكم (الْمَنَّ) وهو كالطّل حلو معصور الهواء

----------

(وإذ قلتم يا موسى لن نؤمن لك حتى نرى الله جهرة) عيانا (فأخذتكم الصاعقة وأنتم تنظرون) إلى الصاعقة تنزل أو إلى أسبأب الموت.

(ثم بعثناكم من بعد موتكم) بسبب الصاعقة (لعلكم تشكرون) نعمة البعث وفيه حجة على صحة البعث والرجعة.

(وظللنا عليكم الغمام) لما كنتم في التيه ليقيكم حر الشمس (وأنزلنا عليكم المن) الترنجبين ينزل عليكم بالليل فتأكلونه (والسلوى) السماني تجيء

ص: 96

لكلّ أحد صاع وورد هو العسل (وَالسَّلْوى) وهو ممّا طار كالحمام أمرأ لحما وأصلح طعما وأمر لهم (كُلُوا) طعاما هو (مِنْ طَيِّباتِ ما) مأكول (رَزَقْناكُمْ) ممّا أحلّه اللّه وأعطاكم ولو عاروا طعاما أمرّ ممّا هو المحصوص وامسكوه وحرّم إمساكه صلّ لحمهم وداد طعامهم (وَما ظَلَمُونا) وما حدل اللّه علا أمره وسما حراه عمّا وصم (وَلكِنْ كانُوا) أهل الرّكام والطعام (أَنْفُسَهُمْ) لا أحدا سواهم (يَظْلِمُونَ) ( 57 ) ما سلكوا مسالك العدل وما حرّكوا المساحل لمحامد الآلاء وهو أصل المحارم .

(وَ) ادّكروا (إِذْ) عهدا (قُلْنَا) لهم (ادْخُلُوا هذِهِ الْقَرْيَةَ) المعلوم اسمها المعهود رسمها المأمور ورودها المحكوم ركودها (فَكُلُوا مِنْها) طعامها وأحمالها (حَيْثُ شِئْتُمْ) الأكل وحصل لكم مرامكم أكلا (رَغَداً) واسعا وهو مصدر أو حال .

(وَادْخُلُوا الْبابَ) مورد المصر المعهود أو سواه كما أورده العلماء وهو محلّ الرّوح والطّهر ومسلك الصّلحاء والكرام (سُجَّداً) حال الوصل حمدا للّه وإكراما للمورد الأطهر وهو حال أو المراد ركعا أوادا (وَقُولُوا) المدعو أو أمرك

----------

بالعشاء مشويا فيقع على موائدهم فإذا أكلوا وشبعوا طار عنهم (كلوا من طيبات ما رزقناكم) قول الله تعالى (وما ظلمونا) لما غيروا وبدلوا ما أمروا به (ولكن كانوا أنفسهم يظلمون) إياها يضرون بالكفران.

(وإذ قلنا) حين خرجوا من التيه (ادخلوا هذه القرية) هي أريحا من بلاد الشام (فكلوا منها حيث شئتم رغدا) واسعا (وادخلوا الباب) باب القرية أو بيت المقدس أو القبة التي كانوا يصلون إليها (سجدا) لله شكرا أو منحنين (وقولوا

ص: 97

(حِطَّةٌ) وسؤالهم الحطّ عمّا أساءوا وورد هو « لا إله إلّا اللّه » (نَغْفِرْ لَكُمْ) لأداء الأوامر (خَطاياكُمْ) أعمالكم السوء (وَسَنَزِيدُ) عطاء (الْمُحْسِنِينَ) ( 58 ) أعمالهم وطوّع الأحكام طرا .

(فَبَدَّلَ) الملأ (الَّذِينَ ظَلَمُوا) عدّوا وعدلوا عمّا حدّهم اللّه وأمرهم وطرحوا أوامره (قَوْلًا) كلاما مردودا (غَيْرَ) الكلام (الَّذِي قِيلَ) أمر (لَهُمْ) وهو كلام مدلوله الهود والدّعاء وروم محو الإصر ، وأوردوا محلّه حطّا وهو سمراء حمراء وهم هدّوا أساس الكلم .

(فَأَنْزَلْنا) عدلا (عَلَى) هؤلاء الملأ (الَّذِينَ ظَلَمُوا) عدوّا عمّا هداهم اللّه كرّره إعلاء لأكره أحوالهم وأسوأ أعمالهم وإعلاما لمّا أرسل الإصر لهم (رِجْزاً) داء مولما مهلكا أردأ الأدواء واردا (مِنَ السَّماءِ) عالم العلو (بِما كانُوا يَفْسُقُونَ) ( 59 ) لعدوهم وعدم طوعهم .

(وَ) ادّكروا (إِذِ) عصرا (اسْتَسْقى) اللّه (مُوسى) ورامه الماء (لِقَوْمِهِ) رهطه لمّا آلمهم الأوام سألوا رسولهم الماء وهو سأل إلهه ودعا لهم

----------

حطة) سجودنا لله حطة لذنوبنا أو ثقلنا أو أمرك حطة (نغفر لكم خطاياكم) السالفة (وسنزيد المحسنين) من يقارف الذنوب منكم ثوابا بالامتثال كما جعلناه توبة للمسيء.

(فبدل الذين ظلموا قولا غير الذي قيل لهم) دخلوا بأستاههم وقالوا ما معناه حنطة حمراء نتقوتها أحب إلينا من هذا الفعل والقول (فأنزلنا على الذين ظلموا) كرر تأكيدا في تقبيح أمرهم وإيذانا بأن عذابهم بظلمهم (رجزا) عذابا (من السماء) بأن مات منهم في بعض يوم مائة وعشرون ألفا (بما كانوا يفسقون) يخرجون عن طاعة الله.

(وإذ استسقى موسى لقومه) لما عطشوا في التيه (فقلنا اضرب

ص: 98

(فَقُلْنَا) له (اضْرِبْ بِعَصاكَ) أصله أس دارالسّلام أورده آدم معه حال حدوره (الْحَجَرَ) اللّام للعهد وهو صلد الطّور المدوّر كرأس ولد آدم المحمول معه أو صلد دارالسّلام أورده آدم لمّا حدر أو للعموم وهو أصحّ وأعود لإعلاء أمر ألوكه (فَانْفَجَرَتْ مِنْهُ) العصو أو الصّلد (اثْنَتا عَشْرَةَ) ورووه مكسورا الوسط (عَيْناً) عدد أرهاط الأولاد (قَدْ عَلِمَ كُلُّ أُناسٍ) رهط (مَشْرَبَهُمْ) موردهم ومحساهم مملوّ الماء وأمرهم اللّه (كُلُوا) طعاما ممّا أطعمكم اللّه (وَاشْرَبُوا) ماء أساله اللّه لصلاح حالكم وروح حواسّكم ومراح أرواحكم (مِنْ رِزْقِ اللَّهِ) الكلّ أو الماء ممّا أعطاكم اللّه لا معمولكم (وَلا تَعْثَوْا) عداء ولا عدولا وأصله كمال الدعر والطّلاح والرّاد مدّه وطول عهده (فِي الْأَرْضِ مُفْسِدِينَ) ( 60 ) طلّاحا كرّره وأكّده .

ولمّا حصل لهم السّام لدوام أكلهم طعاما واحدا سألوا ما عداه كما دلّ .

(وَ) ادّكروا (إِذْ) عصرا (قُلْتُمْ) إعلاء لسرّكم واعلاما لمرامكم (يا مُوسى لَنْ نَصْبِرَ) لكمال الملال (عَلى طَعامٍ واحِدٍ) وهو ما أعطوا

----------

بعصاك) التي دفعها إليه شعيب من آس الجنة أهبط مع آدم طولها عشرة أذرع على طول موسى ولها شعبتان تتقدان في الظلمة (الحجر) المعهود روي أنه حجر طوري مربع ينبع من كل وجهه ثلاثة أعين لكل سبط عين يسيل في جدول وكانوا ستمائة ألف سعتهم اثنا عشر ميلا فضربه بها (فانفجرت منه اثنتا عشرة عينا قد علم كل أناس) كل قبيلة (مشربهم) ولا يزاحم الآخرين في مشربهم (كلوا واشربوا من رزق الله) من المن والسلوى والماء (ولا تعثوا) تعتدوا (في الأرض مفسدين) وقيد به لأنه منه ما ليس بفساد كمقابلة المعتدي من اعتدى عليكم فاعتدوا عليه.

(وإذ قلتم يا موسى لن نصبر على طعام واحد) هو المن والسلوى أريد

ص: 99

وأطعموا صحراء وما هو أمرا للمعد وعدّهما طعاما واحدا إمّا لدوام أكلهما وعدم دورهما وأوسهما وإمّا لأكلهما معا وهو صرع واحد (فَادْعُ لَنا رَبَّكَ) سله سؤالا مصلحا للأحوال (يُخْرِجْ لَنا) للأكل سمعا لسؤالك (مِمَّا تُنْبِتُ الْأَرْضُ) المرداء له وهم أملوا إطرارها لمّا هم أكار وما هم أكّال اللّحوم وودوا ماهر عكرهم (مِنْ بَقْلِها) هو طعام أهل الأكر والكدس (وَقِثَّائِها) وهو هارئ كاسر الحرّ والأوّام مدر (وَفُومِها) وهو سمراء حار صالح للمعد والأمعاء ملاك الطّعام مأهل الحدود مصلحه الملح وما أصلح حواراه المأدوم وأحمد أدمه اللّحم (وَعَدَسِها) وهو الوسط حرّا وهرء أسرع مراء أكل مع اللحم الدّسم المملوح (وَ) ما سواه (بَصَلِها) وهو حار أعود مصلح للّحوم .

(قالَ) اللّه أو رسولهم (أَ تَسْتَبْدِلُونَ) الطّعام (الَّذِي هُوَ أَدْنى) أردأ حالا وأسوأ طمعا (بِالَّذِي هُوَ خَيْرٌ) أصلح طمعا وأكرم حالا ممّا هو مرومكم ومأمولكم لمّا صاروا صحراء وسألوا ما أملّوه أمر لهم (اهْبِطُوا) أحدروا وردوا وحلوا (مِصْراً) ما أو مصر علم (فَإِنَّ لَكُمْ) أهل السّؤال حال الورود ما طعاما (سَأَلْتُمْ) والأمصار موارد ما هو سؤلكم ومصادر ما هو مرومكم ومأمولكم لا الصحراء .

----------

بالواحد أنه لا يتبدل وإن تعددا وضرب واحد لأنهما طعام المتلذذين وهم فلاحة نزعوا إلى ما ألفوه (فادع لنا ربك يخرج لنا مما تنبت الأرض من بقلها) أطائب الخضر التي تؤكل (وقثائها وفومها) الحنطة أو الخبز أو الثوم (وعدسها وبصلها قال) الله أو موسى (أتستبدلون الذي هو أدنى بالذي هو خير) تستدعون الأدون ليكون لكم بدلا من الأفضل (اهبطوا مصرا) من الأمصار (فإن لكم ما سألتم

ص: 100

(وَضُرِبَتْ عَلَيْهِمُ) الهود (الذِّلَّةُ) الدّحور والطّرد والعوراء (وَالْمَسْكَنَةُ) العسر والرّكود وهما أحاطاهم (وَباؤُ) عادوا (بِغَضَبٍ) ورد (مِنَ اللَّهِ) ومحارده ومطارده ، وهم لمّا عدلوا عمّا أراده اللّه سأل اللّه لهم رسولهم وما راموه طرّا وأعطاهم اللّه ما سألوه كلّا وورد أولاد هؤلاء الأمصار وعصوا وحدّلوا وأصلحوا وأهلكوا رسلهم ، أهلكهم ططوس ملك الرّوم مسلّطا وصار أولادهم أهل عسر وعال أمرهم ما لهم ملك وآمر لا مصلح لأحوالهم ولا مؤسّس لآمالهم وصار ملكهم هلكا وسرورهم همّا .

(ذلِكَ) كلّ ما مرّ (بِأَنَّهُمْ كانُوا يَكْفُرُونَ) عدولا (بِآياتِ اللَّهِ) كلام اللّه وأعلامه لما هم حلّلوا ما حرّمه اللّه وصدّوا عمّا أمرهم (وَيَقْتُلُونَ النَّبِيِّينَ) رسلا أرسلهم اللّه إصلاحا لأهل العالم وإسلاكا لسواء الصّراط (بِغَيْرِ الْحَقِّ) لمّا أهلكوهم أهواء هو مدّ كد لحد لهم وهو حال و (ذلِكَ) ما مرّ وهو ورودهم العوار والعسر كرّره مؤكّدا (بِما عَصَوْا) عدوا عمّا أمروا و « ما » للمصدر (وَكانُوا يَعْتَدُونَ) ( 61 ) حدود اللّه .

----------

وضربت عليهم الذلة والمسكنة) الجزية والفقر فاليهود أذلاء مساكين إما على الحقيقة أو التكلف خوف تضاعف الجزية (وباءوا بغضب من الله) رجعوا وعليهم الغضب واللعنة (ذلك بأنهم كانوا يكفرون بآيات الله) حججه من إفلاق البحر وإظلال الغمام وإنزال المن والسلوى وانفجار الحجر وبالإنجيل والقرآن أو ما في التوراة من صفة محمد (ويقتلون النبيين بغير الحق) بلا جرم منهم إليهم ولا إلى غيرهم كما قتلوا شعيبا وزكريا ويحيى (ذلك) كرر تأكيدا (بما عصوا وكانوا يعتدون) بسبب عصيانهم واعتدائهم حدود الله مع كفرهم بالآيات وقتلهم الأنبياء وقيل الإشارة إلى الكفر والقتل أي جرهم العصيان والاعتداء إلى الكفر والقتل.

ص: 101

(إِنَّ) الملأ (الَّذِينَ آمَنُوا) أسلموا ولعا ما واطأ مساحلهم أرواعهم (وَ) الملأ (الَّذِينَ هادُوا) صاروا هودا هوّدهم هواهم (وَ) الرّهط (النَّصارى) هم رهط روح اللّه سمّوا لمّا هم راعوه وأسعدوه وَ الرّهط (الصَّابِئِينَ) هم ملأ مالوا عمّا هو مسلك الهود ورهط روح اللّه وألهوا السّعود أو الملك (مَنْ آمَنَ بِاللَّهِ) الواحد الأحد واطأ مسحله روعه (وَالْيَوْمِ الْآخِرِ) واليوم الموعود أمد الدّهر (وَعَمِلَ ) عملا (صالِحاً ) كما أمره اللّه ( فَلَهُمْ) معاده الموصول وما وحّده رعاء لمدلوله (أَجْرُهُمْ) ما وعد لهم لصوالح أعمالهم وأسهم اللّه ما هو صلاحهم كرما ووعدا (عِنْدَ رَبِّهِمْ) مصلح أمورهم كامل العطاء واسع الكرم (وَلا خَوْفٌ) هول (عَلَيْهِمْ) هؤلاء العمال حالا (وَلا هُمْ يَحْزَنُونَ) ( 62 ) معادا وما لهم همّ أصلا .

( وَ) ادّكروا (إِذْ) عهدا ( أَخَذْنا مِيثاقَكُمْ) عهد ولّادكم وهو عهدهم

----------

(إن الذين ءامنوا) بأفواههم وهم المنافقون (والذين هادوا) يقال هاد وتهود إذا دخل في اليهودية (والنصارى) جمع نصران كسكران ويا نصراني للمبالغة كياء أحمري سموا بذلك لنصرهم المسيح أو لكونهم معه في قرية تسمى ناصرة (والصابئين) الذين زعموا أنهم صبوا إلى دين الله وهم كاذبون وقيل هم كاذبون وقيل هم قوم بين اليهود والمجوس لا دين لهم وقيل دينهم يشبه دين النصارى يزعمون أنه دين نوح وقيل هم عبدة النجوم أو الملائكة (من ءامن) منهم ونزع عن كفره (بالله واليوم الآخر) أي بالمبدإ والمعاد (وعمل صالحا فلهم أجرهم) الذي يستوجبونه على الإيمان والعمل (عند ربهم ولا خوف عليهم) من العقاب (ولا هم يحزنون) على فوت الثواب.

(وإذ أخذنا ميثاقكم) عهودكم أن تعملوا بما في التوراة فأبيتم ذلك

ص: 102

الطّوع للرّسول والعمل لما أوحاه اللّه (وَرَفَعْنا) الواو للحال (فَوْقَكُمُ الطُّورَ) وهو طود عال حامل للدوح محلّ اسماع اللّه كلامه لرسولهم لمّا كلّمه اللّه وأرسل له الطّرس ، وورد هو علم معلوم وورد لمّا أوردهم رسولهم طرسا وأمرهم الأوامر والرّوادع وهم صدّوا لما رأوا آصار الأعمال أعلاه اللّه مصاعد رؤوسهم لاهلاكهم ولمّا رأوا أعول الأمر طاوعوه وأمرهم اللّه (خُذُوا) طاوعوا واعملوا (ما) طرسا (آتَيْناكُمْ) أرسل لرسولكم طوعا (بِقُوَّةٍ) حمّ وأمّ أو حول وسرور وأداء لما أمر (وَاذْكُرُوا ما فِيهِ) ادرسوه واعملوا كلّ ما هو مدلول الطرس ودالّه وما وعد وأوعد واحرسوه (لَعَلَّكُمْ تَتَّقُونَ) ( 63 ) عمّا هو عملكم السّوء وهو مأمولكم هو معلّل أو حال .

(ثُمَّ تَوَلَّيْتُمْ) لاح عدولكم عمّا أمر لكم (مِنْ بَعْدِ ذلِكَ) عطو العهد وإحكامه (فَلَوْ لا فَضْلُ اللَّهِ) إكرامه (عَلَيْكُمْ) رهط الهود (وَرَحْمَتُهُ) رحمه إمهالا لاصاركم (لَكُنْتُمْ) كسّار العهد مِنْ الرهط (الْخاسِرِينَ) ( 64 ) لمّا

----------

(ورفعنا فوقكم الطور) الجبل رفع جبرائيل بأمرنا قطعة منه على قدر معسكر أسلافكم فوق رءوسهم حتى قبلوا (خذوا) بتقدير القول (ما ءاتيناكم بقوة) من قلوبكم وأبدانكم قيل لهم إما أن تأخذوا بما أمرتم به فيه وإما أن ألقي عليكم هذا الجبل فالتجئوا إلى قبوله كارهين أو خذوا ما آتيناكم من التوراة بجد وعزم (واذكروا ما فيه) من جزيل ثوابنا على قيامكم به وشديد عقابنا على إبائكم له أو احفظوه أو اعملوا به (لعلكم تتقون) لتتقوا المخالفة أو وجاء منكم أن تكونوا متقين.

(ثم توليتم من بعد ذلك) عن القيام به (فلو لا فضل الله عليكم ورحمته) بإمهالكم للتوبة وبمحمد صلى الله عليه واله يهديكم للحق (لكنتم من الخاسرين) بإهلاككم أنفسكم بالمعاصي.

ص: 103

عدم رأس مالكم وطلح روعكم وحصل لكم الحرم .

(وَلَقَدْ عَلِمْتُمُ) هو كلام مع أهل عصر محمّد صلعم الملأ (الَّذِينَ اعْتَدَوْا) عدوا حدّا محدودا لهم (مِنْكُمْ) ولادكم وهو حال ( فِي السَّبْتِ) هو مصدر أصله الحسم أو هو اسم الدّهر ، والهود أمروا لحسم أعمالهم روحا وردعوا عصر « داود » عمّا اصطادوا السّمك وهم ما صدّوا وطرّوا موارد الماء حول الدّاماء لورود السّمك ، ولمّا وردها السّمك الدّهر المسطور سدّوا الماء وصادوه الأحد .

(فَقُلْنا) إرداء وإهلاكا ( لَهُمْ كُونُوا) عودوا وروحوا (قِرَدَةً) وهم صاروا كما أمروا حوّل اللّه صورهم وهم أولو العلم والإدراك وهو الأصح ، وورد حوّل أرواعهم لا صورهم ولا ادراك لهم أصلا (خاسِئِينَ) ( 65 ) لهم دوام الطّرد والدّحور .

فَجَعَلْناها حول الصّور نَكالًا إصرا رادعا (لِما بَيْنَ يَدَيْها) لكلّ أحد رآها أو لأمم أمامها كما هو مدلول طروس الأول وعلمها أمم الأعصار (وَما خَلْفَها) ما وراءها اللاؤا حماداها أو المراد أهل المصر وما حولها أو

----------

(ولقد علمتم الذين اعتدوا منكم في السبت) لما اصطادوا السموك فيه وكانوا قد نهوا عنه وكانت قريتهم على البحر ولم يبق فيه حوت إلا أخرج خرطومه يوم السبت فإذا مضى تفرقت فحفروا حياضا وشرعوا إليها الجداول فكانت الحيتان تدخلها يوم السبت فيصطادونها يوم الأحد (فقلنا لهم كونوا قردة خاسئين) مبعدين من كل خير.

(فجعلناها) أي المسخة (نكالا) عقوبة (لما بين يديها) ما قبلها (وما خلفها) ما بعدها من الأمم أو لمعاصريهم ومن بعدهم أو لأجل ذنوبهم المتقدمة

ص: 104

المراد الآصار طرّا ولام لماح لام العلل (وَمَوْعِظَةً) إعلاما وإصلاحا (لِلْمُتَّقِينَ) ( 66 ) لصلحاء رهطهم ولكلّ صالح سمعها .

( وَ ) ادّكروا (إِذْ) عهدا (قالَ مُوسى لِقَوْمِهِ) رهط أهلكوا موسرا موسعا هرما ، وهم أولاد عمّه طمعا لماله وطرحوه سرّا ووردوا رسولهم وعالوا وراموا دمه وسألوه إعلاء حاله أو سأل اللّه رسولهم ما سألوه وأعلمهم ما أمرهم اللّه (إِنَّ اللَّهَ يَأْمُرُكُمْ) أمرا مؤكّدا مؤطّدا (أَنْ تَذْبَحُوا بَقَرَةً) أطوما لإعلاء الأمر واطلاع السرّ .

(قالُوا) مهلكو الهرم ومدعوّ الدّم لرسولهم ( أَ تَتَّخِذُنا هُزُواً ) محلّ لهو أو أهله أو هو ك « عمر وعدل » .

(قالَ) لهم رسولهم (أَعُوذُ بِاللَّهِ) الملك العدل (أَنْ أَكُونَ مِنَ) الملأ (الْجاهِلِينَ) ( 67 ) واللّهو وأعماله عمل مرء لا علم له والرّسل هم مصاعد العلم ، وهم لمّا علموا سداد كلامه سألوه حالها وحولها .

(قالُوا) هؤلاء الرّهط لرسولهم ( ادْعُ لَنا رَبَّكَ) سله لإعلاء الحال ( يُبَيِّنْ لَنا ما هِيَ ) الأطوم وأطوارها وأحوالها .

----------

والمتاخرة (وموعظة للمتقين) من قومهم أو كل متق سمعها.

(وإذ قال موسى لقومه إن الله يأمركم أن تذبحوا بقرة) قيل كان فيهم شيخ موسر فقتل ابنه بنو أخيه ليرثوه وطرحوه على باب المدينة وطالبوا بدمه فأمرهم الله أن يذبحوا بقرة ويضربوه ببعضها فيحيا ويخبرهم بقاتله وقيل قتلوا الشيخ وعن الصادق (عليه السلام) قتله ابن عمه ليتزوج ابنته وقد خطبها فرده وزوجها غيره (قالوا أتتخذنا هزوا) سخرية نأتيك بقتيل فتقول اذبحوا بقرة (قال أعوذ بالله أن أكون من الجاهلين) أنسب إلى الله ما لم يقل لي.

(قالوا ادع لنا ربك يبين لنا ما هي) ما صفتها.

ص: 105

(قالَ) لهم رسولهم (إِنَّهُ) اللّه (يَقُولُ) إعلاما لكم (إِنَّها بَقَرَةٌ لا فارِضٌ) ما طال عمرها وما وصلها الهرم (وَلا بِكْرٌ) ما أدركها المسّ والحمل (عَوانٌ) عدل وسط (بَيْنَ ذلِكَ) ما مرّ (فَافْعَلُوا ما تُؤْمَرُونَ) ( 68 ) ما أمر لكم أو أمركم والمراد مأموركم وهو حال حكاه اللّه .

(قالُوا ادْعُ لَنا رَبَّكَ) سله لمّا هو أكرم المعصر (يُبَيِّنْ لَنا ما لَوْنُها) لإهداء صدورهم .

(قالَ) لهم رسولهم (إِنَّهُ) إلهكم (يَقُولُ) لكم (إِنَّها بَقَرَةٌ صَفْراءُ فاقِعٌ) كالوارس كامل (لَوْنُها) مؤكد لها كما أوردوا أسود حالك والحلك :

السّواد وأرادوا الحلوك وهو كامل السّواد (تَسُرُّ النَّاظِرِينَ) ( 69 ) وسرورهم لروعها ودركهم لها روعاء أصله السّرّ .

(قالُوا ادْعُ لَنا رَبَّكَ) كرّروا السّؤال مؤكّدا (يُبَيِّنْ لَنا ما هِيَ) ممّا سام أم عمل (إِنَّ الْبَقَرَ تَشابَهَ عَلَيْنا) عسر علمه ولا حصر لأعداده (وَإِنَّا إِنْ شاءَ اللَّهُ) كلام واطد ما أورده أحد إلّا لاح له مرامه أمد الأمر (لَمُهْتَدُونَ) ( 70 ) سلاك مراحل الأحكام ومسالك الأوامر .

----------

(قال إنه) إن الله (يقول) بعد ما سأل ربه (إنها بقرة لا فارض ولا بكر) لا كبيرة ولا صغيرة (عوان بين ذلك) وسط بين الفارض والبكر (فافعلوا ما تؤمرون).

(قالوا ادع لنا ربك يبين لنا ما لونها قال إنه يقول: إنها بقرة صفراء فاقع لونها) حسن الصفرة ليس بناقص ولا مشبع (تسر الناظرين) لحسنها.

(قالوا ادع لنا ربك يبين لنا ما هي) ما صفتها يزيد في صفتها (إن البقر تشابه علينا وإنا إن شاء الله لمهتدون) إلى المراد من ذبحها أو القائل روي أنهم لو لم يستثنوا لما

ص: 106

(قالَ) لهم رسولهم (إِنَّهُ) اللّه الملك العدل العلام (يَقُولُ) لكم (إِنَّها بَقَرَةٌ لا ذَلُولٌ) موطأ مطلوح لأعمال الأكّار (تُثِيرُ الْأَرْضَ) وما هو عاطها وكاسرها ومسطّحها (وَلا) مؤكّد لأوّلها (تَسْقِي الْحَرْثَ) إرواء واطرارا (مُسَلَّمَةٌ) سلّمها اللّه عمّا هو العوار أو سلّمها أهلها ممّا عملوا (لا شِيَةَ) لا اسلهمام ولا سهام (فِيها) أصلا .

(قالُوا) أهل السّؤال لرسولهم (الْآنَ جِئْتَ بِالْحَقِّ) الحكم الأسد ولاح حالها سدادا كما أمرهم اللّه (فَذَبَحُوها) سحطوها لمّا أدركوها كما أرادوها وأعطوا إملاء مسكها مالا وحصّلوها (وَما كادُوا) أهل السّحط (يَفْعَلُونَ) ( 71 ) ما أمروا لمّا طوّلوا كلامهم أو لروع إعلاء سرّهم وهم أمروا سحطها لا سواها لمّا هم ألهوها وأراد اللّه إرداء حالها إعلاما لهم لحال مألوههم .

(وَ) ادّكروا (إِذْ) عهدا (قَتَلْتُمْ) ولّادكم (نَفْساً) معلوما لكم اسمها (فَادَّارَأْتُمْ) ولادكم (فِيها) إهلاكها وطرح أحدكم أحدا والدّرء ؛ الطّرح ( وَاللَّهُ

----------

تبينت لهم أبدا.

(قال إنه يقول إنها بقرة لا ذلول تثير الأرض) لم تذلل لإثارة الأرض (ولا تسقي الحرث) ولا هي مما تجر الدلاء وتدير النواعير (مسلمة) من العيوب كلها (لا شية فيها) لا لون فيها من غيرها (قالوا الآن جئت بالحق فذبحوها) بعد ما اشتروها بملء جلدها ذهبا (وما كادوا يفعلون) من عظم ثمنها وكانت ليتيم وكانت البقرة حينئذ بثلاثة دنانير قيل كاد كباقي سائر الأفعال في الأصح فلا ينافي الذبح عدم مقاربته لاختلاف وقتيهما إذ المعنى ما قاربوا الفعل حتى انتهت سؤالاتهم ففعلوا.

(وإذ قتلتم نفسا) خوطب الجميع لوجود القتيل فيهم (فادارأتم فيها)

ص: 107

مُخْرِجٌ) معل (ما) سرّا (كُنْتُمْ تَكْتُمُونَ) ( 72 ) له وهو عالم سرّكم وهو إهلاك المرء وإهدار الدّم .

(فَقُلْنا) آمرا لهم (اضْرِبُوهُ) مهدر الدّم المدعص (بِبَعْضِها) وهو المسحل المسمع أو أصلها أمرهم رسولهم وما عمل هو لإدواء السّحر ، ولمّا عملوا كما أمروا ردّ اللّه روحه ، وكلّم : أهلكه ولدا عمه وصرّح اسمهما وحدّهما الرّسول وأهلكهما ، وسرّ ردّ روحه إعلام اللّه لهم سداد المعاد وما وعد وأوعد كما أرسل (كَذلِكَ) كما أراحه اللّه روحه (يُحْيِ اللَّهُ الْمَوْتى) أمد الدّهر كما وعد والكلام مع طلاح عصر محمّد صلعم أو مع رهط هم معاصروا المهلك ورأوا حاله وردّ روحه (وَيُرِيكُمْ آياتِهِ) أعلام سرّه وأدلّاء كماله (لَعَلَّكُمْ تَعْقِلُونَ) ( 73 ) أمر المعاد وروعكم هاد لكم وحلمكم مصلح لأعمالكم .

(ثُمَّ قَسَتْ قُلُوبُكُمْ) صار أرواعكم صلودا وهو كلام مع الهود (مِنْ بَعْدِ ذلِكَ) ما مرّ وهو كلّ ما عدّد وأحصاه اللّه ، وهو حول الصّور وعطاء الرّوح وإعلاء الطّور أو المعاد عطاء الرّوح وحده (فَهِيَ) أرواعكم (كَالْحِجارَةِ) صمولا وما صار صدوركم مراسم الإسلام ومعاكس الكلام (أَوْ) أرواعكم (أَشَدُّ قَسْوَةً) أكمل وأصلد ممّا صمل .

----------

فاختلفتم وتدافعتم في القتل (والله مخرج ما كنتم تكتمون) من خبر القاتل وإرادة تكذيب موسى.

(فقلنا اضربوه ببعضها) اضربوا المقتول بذنب البقرة ليحيا ويخبر بقاتله (كذلك يحيي الله الموتى) في الدنيا والآخرة كما أحيا الميت بملاقاة ميت آخر (ويريكم آياته لعلكم تعقلون) أن القادر على إحياء نفس قادر على إحياء الكل.

(ثم قست) غلظت وجفت ويئست من الخير والرحمة (قلوبكم) معاشر اليهود (من بعد ذلك) بعد ما بينت الآيات الباهرات (فهي كالحجارة أو أشد قسوة) أي زائدة عليها في القسوة ولم يقل أقسى لأن

ص: 108

(وَإِنَّ مِنَ الْحِجارَةِ) كلام أطال أحوالها إعلاما لكمال صمولها (لَما) « ما » موصول و « اللّام » مؤكّد (يَتَفَجَّرُ مِنْهُ الْأَنْهارُ) سال مصارعه ماء أمرا وصار موردا لكلّ وارد (وَإِنَّ مِنْها لَما يَشَّقَّقُ) وهو ما أصدّع طولا أو ما عداه (فَيَخْرُجُ مِنْهُ الْماءُ) الماصل وما لأرواعهم طلّ (وَإِنَّ مِنْها لَما يَهْبِطُ) حدورا (مِنْ خَشْيَةِ اللَّهِ) روّعه طوعا لأمره وأرواع هؤلاء ما راعوا وما طاعوا وما عملوا ما أمروا (وَمَا اللَّهُ بِغافِلٍ) ساه (عَمَّا) عمل (تَعْمَلُونَ) ( 74 ) وهو عالم أعمالكم طرّا وهو ممّا أوعد .

(أَ فَتَطْمَعُونَ) كلام مع رسول اللّه وأهل الإسلام (أَنْ يُؤْمِنُوا) الهود (لَكُمْ) لأمركم (وَ) الحال (قَدْ كانَ فَرِيقٌ) رهط (مِنْهُمْ) ولّادهم وهم هادوا أول العهد (يَسْمَعُونَ كَلامَ اللَّهِ) ما أوحاه لرسولهم وهو الطّرس المعهود (ثُمَّ يُحَرِّفُونَهُ) كمحامد محمّد رسول اللّه صلعم ، وهم محوّلو دوال الطّرس ومدلوله وموردو أحكام أرادها أهواءهم موارد الأصل (مِنْ بَعْدِ ما عَقَلُوهُ) أدركوه وعلموه (وَ) الحال (هُمْ يَعْلَمُونَ) ( 75 ) ولعهم وسداد كلام اللّه .

----------

أشد أبلغ أي من عرفها شبهها بالحجارة أو ما هو أقسى منها (وإن من الحجارة لما يتفجر منه الأنهار) بيان التفضيل في الأشدية (وإن منها لما يشقق فيخرج) ينبع (منه الماء) وهو ما يقطر منه الماء حول الأنهار (وإن منها لما يهبط من خشية الله) إذا أقسم عليها باسم الله أو أسماء أوليائه (وما الله بغافل عما تعملون) بالياء والتاء وهو وعيدهم.

(أفتطمعون) الخطاب للنبي والمؤمنين (أن يؤمنوا لكم) اليهود بقلوبهم (وقد كان فريق منهم) طائفة من أسلافهم (يسمعون كلام الله) في أصل جبل طور سيناء (ثم يحرفونه) إذا أدوه إلى من وراءهم (من بعد ما عقلوه) فهموه بعقولهم (وهم يعلمون) أنهم في نقولهم كاذبون فما طمعكم في سفلتهم

ص: 109

(وَإِذا لَقُوا) ولاع الهود الملأ (الَّذِينَ آمَنُوا) أسلموا صلاحا وسدادا (قالُوا) هؤلاء الولاع (آمَنَّا) لرسولكم محمد صلعم وهو موعود الطّروس ومحمود الرّسل (وَإِذا خَلا) عاد (بَعْضُهُمْ) هم رؤساء الهود الولاع مسحلا وروعا (إِلى بَعْضٍ) هم أهل ولع روعا وحده لا لأمدهم و (قالُوا) ردعا لهم (أَ تُحَدِّثُونَهُمْ) أهل الإسلام (بِما) أحوال وأحكام (فَتَحَ اللَّهُ) لها (عَلَيْكُمْ) وأعلمها لكم ممّا هو مدلول طرسكم وهو كمال محمّد ( ص ) وسداده (لِيُحَاجُّوكُمْ) إدلاء (بِهِ) معاده ما (عِنْدَ رَبِّكُمْ) معادا وح كلامكم مصحّح لكلام أهل الإسلام (أَ فَلا تَعْقِلُونَ) ( 76 ) حاصل عملكم وعود كلامكم هو كلام اللّوام ، أو كلام اللّه الوارد لأهل الإسلام .

(أَ وَلا يَعْلَمُونَ) هؤلاء الهود الولاع أو اللّوام أو كلاهما أو هما وأولو الحول (أَنَّ اللَّهَ) العالم للكلّ (يَعْلَمُ ما) أمرا (يُسِرُّونَ) وهو أسرار صدورهم (وَما) أمرا (يُعْلِنُونَ) ( 77 ) وهو كلامهم الملمع وعملهم المموه أو أسرار ما أعلم اللّه لهم ، وهو مدلول طرسهم كسداد محمّد صلعم وأعلاء ما لا سداد له وما هو مدلول طرسهم .

----------

وجهالهم.

(وإذا لقوا الذين ءامنوا قالوا) أي منافقوهم (ءامنا) بأنكم على الحق وأن محمدا هو المبشر به في التوراة (وإذا خلا بعضهم إلى بعض قالوا) أي الذين لم ينافقوا عاتبين على المنافقين (أتحدثونهم بما فتح الله عليكم) من دلائل نبوة محمد (ليحاجوكم به عند ربكم) بأنكم قد علمتم هذا فلم تؤمنوا به (أفلا تعقلون) أن الذي تخبرونه به حجة عليكم عند ربكم.

(أولا يعلمون) أي القائلون لإخوانهم أتحدثونهم (أن الله يعلم ما يسرون وما يعلنون) جميعه ومنه إسرارهم الكفر وإعلامهم الإيمان.

ص: 110

(وَمِنْهُمْ) رهط الهود (أُمِّيُّونَ) عوامّهم وهم ما درسوا علما وما سطروا كلما وما علّمهم أحد (لا يَعْلَمُونَ الْكِتابَ) الطرس المعلوم أو السّطر المعهود (إِلَّا) للحسم (أَمانِيَّ) آمالهم محو اللّه إصرهم ورحمهم وعدم مسّهم السّاعور إلا عصرا ما صلا أو ما سول لهم علما ، هم (وَإِنْ هُمْ) ما هم (إِلَّا) رهط (يَظُنُّونَ) ( 78 ) المسوّل كالمرسل ولا علم لهم أصلا .

(فَوَيْلٌ) هلاك أو هو وأد للساعور (لِلَّذِينَ يَكْتُبُونَ) عداء وعدولا (الْكِتابَ) المعمول المحوّل لهم (بِأَيْدِيهِمْ) مؤكّد أورد رسما للوهم ، ولعلّه أراد ما سطروا وحوّلوا محامد محمّد صلعم وأوردوا مورده ما أراد هواهم (ثُمَّ يَقُولُونَ) هؤلاء الولّاع (هذا) ما سطروه ولعا مرسل (مِنْ عِنْدِ اللَّهِ) أوحاه لمصالحهم (لِيَشْتَرُوا بِهِ) الكلام المسؤول (ثَمَناً قَلِيلًا) مالا ما صلا وما مأمولهم إلا حصول مال وسطوع حال .

(فَوَيْلٌ) هلاك (لَهُمْ) لأهل الولع (مِمَّا) كلام (كَتَبَتْ أَيْدِيهِمْ) وسوّله آراؤهم ومدادهم سواد صدورهم (وَوَيْلٌ) هلاك (لَهُمْ) لأهل الحول (مِمَّا) مال (يَكْسِبُونَ) ( 79 ) وهو حطام لا دوام له .

----------

(ومنهم أميون) لا يقرءون ولا يكتبون (لا يعلمون الكتاب إلا أماني) إلا أن يقرأ عليهم ويقال لهم هذا كتاب الله لا يعرفون أن ما قرىء من الكتاب خلاف ما فيه (وإن هم إلا يظنون) لا علم لهم ويدل على منع التقليد.

(فويل) تلهف شدة من العذاب في أسوء بقاع جهنم (للذين يكتبون الكتاب بأيديهم) يحرفون من أحكام التوراة (ثم يقولون هذا من عند الله ليشتروا به ثمنا قليلا) ليأخذوا به عرضا من الدنيا فإنه قليل وإن جل (فويل لهم مما كتبت أيديهم) من المحرف (وويل لهم) ثانية مضافة إلى الأولى (مما يكسبون) من المعاصي والرشاء.

ص: 111

(وَ) لمّا أوعدهم رسول اللّه معاسر الدرك وسواه (قالُوا) هؤلاء الرهط (لَنْ تَمَسَّنَا النَّارُ) السّاعور لمّا هم أولاد الرّسل ، وادعوا عدم الأصلاء والآسام لهم عهدا ممدودا (إِلَّا أَيَّاماً مَعْدُودَةً) عصرا ما صلا ولا طول لمدد مسّهم .

(قُلْ) لهم رسول اللّه (أَتَّخَذْتُمْ) ردّا لما ادّعوه (عِنْدَ اللَّهِ عَهْداً) عهدكم اللّه إعلاما ووعدا ولو عهد اللّه عدم ورودها ، أو مسّها لكم (فَلَنْ يُخْلِفَ اللَّهُ عَهْدَهُ) معهوده وموعوده ، وهو مسدّد الوعد ومكمّل العهد (أَمْ تَقُولُونَ) إدواء وولعا (عَلَى اللَّهِ) عالم ولعلكم وسدادكم (ما لا تَعْلَمُونَ) ( 80 ) ما لا علم لكم .

(بَلى) ردّ لمدلول ما مرّ وهو عدم مسّها لهم عصرا محدودا (مَنْ) امرؤ (كَسَبَ) عمل أعمالا (سَيِّئَةً) كالعدول وردّ الإسلام وحول الكلم (وَأَحاطَتْ بِهِ) معاده الموصول والمراد أحواله كلّها (خَطِيئَتُهُ) وصار هو محاطا لأعماله السّواء وسدّ مسلكه (فَأُولئِكَ) الطّلاح وما وحدّه رعاء لمدلول الموصول (أَصْحابُ النَّارِ) أهلها ومكامعوها وواردوها (هُمْ) لا سواهم (فِيها خالِدُونَ) ( 81 ) دوّام دوام الدّهر .

----------

(وقالوا لن تمسنا النار إلا أياما معدودة) قلائل أربعين يوما أيام عبادة العجل وقيل زعموا أن مدة الدنيا سبعة آلاف سنة وإنما نعذب مكان كل ألف سنة يوما (قل أتخذتم عند الله عهدا) أن عذابكم على كفركم منقطع (فلن يخلف الله عهده) أي إن اتخذتم فمن يخلف إلخ (أم تقولون على الله ما لا تعلمون) بل أنتم في أيهما ادعيتم كاذبون فأم منقطعة بمعنى بل أو عديلة أي أي الأمرين كائن.

(بلى) رد عليهم (من كسب سيئة) أي الشرك (وأحاطت به خطيئته) بأن تحيط بأعماله فتبطلها أو تخرجه عن جملة دين الله (فأولئك أصحاب النار هم فيها خالدون) دائمون.

ص: 112

ولمّا أوعد اللّه أهل الدّرك وعد أهل دارالسّلام وأرسل (وَ) الملأ (الَّذِينَ آمَنُوا) أسلموا (وَعَمِلُوا الصَّالِحاتِ) صوالح (أُولئِكَ) الصّلحاء (أَصْحابُ الْجَنَّةِ) أهلها وواردوها ودارالسّلام مأواهم ومهداهم (هُمْ) لا سواهم (فِيها) دارالسّلام (خالِدُونَ) ( 82 ) دام لهم الرّوح والسّرور ولا أمد لهم أصلا .

( وَ) ادّكروا (إِذْ) عهدا (أَخَذْنا) أدلاء (مِيثاقَ بَنِي إِسْرائِيلَ) عهدهم المؤكّد وهو (لا تَعْبُدُونَ) إلها (إِلَّا اللَّهَ) الواحد الأحد والكلام إعلام ومدلوله الرّدع (وَ) عاملو (بِالْوالِدَيْنِ) وهما أصلاكم (إِحْساناً) إعطاء وإكراما (وَ) ادّوا حدود (ذِي الْقُرْبى) وما أسطمها وهم أهل الأرحام ووصل الدّماء (وَ) ارحموا (الْيَتامى) وهم أولاد ما أدركهم الحلم وعدم ولّادهم (وَ) أطعموا (الْمَساكِينِ) وأعطوهم ما دسعوا عسرهم وهم أهل العسر (وَقُولُوا لِلنَّاسِ) طرّا كلاما (حُسْناً) ورود المصدر لكمال مدحه أو كلاما محمودا لا كلاما سوءا (وَأَقِيمُوا الصَّلاةَ) أدّوها دواما (وَآتُوا الزَّكاةَ )

----------

(والذين ءامنوا وعملوا الصالحات أولئك أصحاب الجنة هم فيها خالدون) شفع قسم الوعد بالوعيد ليرجى ثوابه ويخشى عقابه وأخرج العطف العمل عن الإيمان.

(وإذ أخذنا ميثاق بني إسرائيل) عهدهم المؤكد عليهم (لا تعبدون) أي لا تعبدوا (إلا الله وبالوالدين إحسانا) وأن تحسنوا بهما إحسانا وأفضل والديكم وأحقهما بشكركم محمد وعلي (وذي القربى) وأن تحسنوا بقراباتكم منهما (واليتامى والمساكين) من سكن الضر والفقر حركته (وقولوا للناس) مؤمنهم ومخالفهم (حسنا) عاملوهم بخلق جميل (وأقيموا الصلوة وءاتوا الزكوة

ص: 113

أعطوها كمالا (ثُمَّ تَوَلَّيْتُمْ) صدودا وعدولا عمّا أمر لكم وعهد معكم (إِلَّا) رهطا (قَلِيلًا) معدودا (مِنْكُمْ) ولادكم وهم عادوا وأسلموا (وَأَنْتُمْ) أهل العهود (مُعْرِضُونَ) ( 83 ) عمّا عهد معكم ولكم كسر العهود .

(وَ) ادّكروا (إِذْ) عهدا (أَخَذْنا مِيثاقَكُمْ) عهد ولّادكم كرّر مؤكدا (لا تَسْفِكُونَ) عهدا وطلاحا (دِماءَكُمْ) المراد إهلاك أحدهم أحدا (وَلا تُخْرِجُونَ أَنْفُسَكُمْ) إدراركم (مِنْ دِيارِكُمْ) مراكدكم أعداء وعولا و « الدّار » اسم لأساس وسطح وصحصح طرّا ، وكلّ محلّ حلّه رهط دار (ثُمَّ أَقْرَرْتُمْ) كما هو عهدكم (وَأَنْتُمْ) رهط الهود (تَشْهَدُونَ) ( 84 ) عهودكم أوّل الأمر هو حال حكاها اللّه مؤكّدا للكلام الأوّل أو كلام مع أهل عصر محمّد صلعم .

(ثُمَّ أَنْتُمْ هؤُلاءِ) الهمّاط الكسّار عهودكم أو هو موصول (تَقْتُلُونَ) هو مع موصوله وهو و « هؤلاء » محمول للصدر (أَنْفُسَكُمْ) أحدكم أحدا (وَتُخْرِجُونَ فَرِيقاً) رهطا (مِنْكُمْ مِنْ دِيارِهِمْ) موالدهم ومواردهم وهو أسوأ الأمور وأردأ الأعمال (تَظاهَرُونَ) ملاك أمركم عول أحدكم أحدا وإسعاده (عَلَيْهِمْ) هؤلاء الرّهط وهو حال (بِالْإِثْمِ) واللّمم (وَالْعُدْوانِ) والحدل

----------

ثم توليتم) عن الوفاء بالعهد (إلا قليلا منكم وأنتم معرضون) عن العهد تاركين.

(وإذ أخذنا ميثاقكم لا تسفكون دماءكم) لا يريق بعضكم دماء بعض (ولا تخرجون أنفسكم من دياركم) لا يخرج بعضكم بعضا (ثم أقررتم) بذلك الميثاق كما أقر به أسلافكم (وأنتم تشهدون) بذلك.

(ثم أنتم هؤلاء) المنافقون (تقتلون أنفسكم) بقتل بعضكم بعضا (وتخرجون فريقا منكم من ديارهم تظاهرون عليهم) حال من فاعل تخرجون يعاون بعضكم بعضا على الإخراج والقتل (بالإثم والعدوان) الإفراط في

ص: 114

(وَإِنْ يَأْتُوكُمْ أُسارى) ورودكم والحال هم أسراء أحكم إسارهم (تُفادُوهُمْ) أوسا للمال (وَهُوَ) الأمر (مُحَرَّمٌ عَلَيْكُمْ) حرّم لصلاح أمركم (إِخْراجُهُمْ) وإكراههم وهو معمول ل « محرّم » .

(أَ فَتُؤْمِنُونَ بِبَعْضِ الْكِتابِ) لعملكم ما أمر لكم وهو الأوس للأسراء (وَتَكْفُرُونَ بِبَعْضٍ) لإحلالكم ما حرّمه اللّه لكم وهو الإهلاك والعول والهدم (فَما جَزاءُ مَنْ) مرء (يَفْعَلُ ذلِكَ) العمل (مِنْكُمْ) رهط الهود (إِلَّا خِزْيٌ) سوء حال وعطو مال وأسر وإطراد (فِي الْحَياةِ الدُّنْيا) وهو العمر المعهود والطّول المحدود (وَيَوْمَ الْقِيامَةِ) وهو الموعود معادا (يُرَدُّونَ إِلى أَشَدِّ الْعَذابِ) أسوأ المكاره وأكره الآلام وهو مردّهم ومالهم ، ولا روح لهم أصلا لما طلاحهم أصلد أكمل (وَمَا اللَّهُ) عالم الأسرار (بِغافِلٍ) ساه (عَمَّا) عمل (تَعْمَلُونَ) ( 85 ) وهو عالم أعمالكم وهو كلام مهدّد مؤكّد لما أوعدهم .

(أُولئِكَ) الملأ (الَّذِينَ اشْتَرَوُا الْحَياةَ الدُّنْيا) حصّلوا حطامها وهو موهوم كالمعدوم (بِالْآخِرَةِ) الدّار المعهود ورودها الموعود دوامها وهؤلاء

----------

الظلم (وإن يأتوكم) الذين ترومون إخراجهم وقتلهم (أسارى) قد أسرهم الأعداء (تفادوهم) بأموالكم (وهو محرم عليكم) الضمير للشأن أو مبهم يفسره (إخراجهم) أو لمصدر يخرجون وإخراجهم تأكيد (أفتؤمنون ببعض الكتاب) الذي أوجب المفاداة (وتكفرون ببعض) الذي حرم القتل والإخراج (فما جزاء من يفعل ذلك منكم إلا خزي) ذل بضرب الجزية (في الحياة الدنيا) وقيل هو قتل قريظة وأسرهم وإجلاء النضير (ويوم القيامة يردون) بالياء والتاء (إلى أشد العذاب وما الله بغافل عما تعملون) بالتاء والياء تأكيد للوعد.

(أولئك الذين اشتروا الحياة الدنيا بالآخرة) ابتاعوا حظوظ الدنيا الفانية بنعيم

ص: 115

ردّوا صلاح المآل لحصول مراح الحال (فَلا يُخَفَّفُ عَنْهُمُ) هؤلاء الحرّاص (الْعَذابُ) المعهود لهم حالا ، وهو عطو المال والمعدّ لهم مآلا وهو ورودهم السّاعور وما اللّه مسهلا لآصارهم ومحوّلا لأحمالهم (وَلا هُمْ يُنْصَرُونَ) ( 86 ) ما لهم معوّل ولا مسعد لدسع إصرهم حال وروده وما اللّه ح مولاهم .

(وَلَقَدْ آتَيْنا) إكراما وإعلاء (مُوسَى الْكِتابَ) الطرس المعهود المعلوم ، وهو ممّا أوحاه اللّه معا لا مرارا (وَقَفَّيْنا) إرسالا (مِنْ بَعْدِهِ) إرساله (بِالرُّسُلِ) وإرسالهم ولاء لإصلاح الأحوال وإكمال الأعمال وما لهم عدد محصور (وَآتَيْنا) إكراما (عِيسَى) روح اللّه (ابْنَ مَرْيَمَ الْبَيِّناتِ) سواطع الدّوال ومعالم الأسرار ، كما أعاد الرّوح دعاء ، وأصلح الأكمه ، وأعطاه اللّمح واللّمع وصحّح الأعلاء ، أو المراد طرس معهود أوحاه اللّه (وَأَيَّدْناهُ بِرُوحِ الْقُدُسِ) وهو الطّهر والمراد الرّوح المطهّر عصمه اللّه عمّا وصم أو ملك معهود سار معه للإمداد أو اسم اللّه أو الطّرس المعهود .

(أَ فَكُلَّما جاءَكُمْ) رهط الهود (رَسُولٌ) ما طورا طورا أرسل لإصلاحكم وإعلام هداكم وهو ممّا سعد مورده وحمد كلامه (بِما) أمر (لا تَهْوى أَنْفُسُكُمُ) وهو مصلح حالكم ومالكم وما هو مراد هواكم ( اسْتَكْبَرْتُمْ )

----------

الآخرة الباقية (فلا يخفف عنهم العذاب) بنقص الجزية في الدنيا وعقوبة الآخرة (ولا هم ينصرون) بالدفع عنهم.

(ولقد ءاتينا موسى الكتاب) والتوراة (وقفينا من بعده بالرسل) جعلنا رسولا في إثر رسول (وءاتينا عيسى بن مريم البينات) أعطيناه الآيات الواضحات (وأيدناه بروح القدس) هو جبرائيل وقيل روح عيسى إذ لم تضمها الأصلاب والأرحام الطوامث أو الإنجيل أو الاسم الأعظم (أفكلما جاءكم رسول) يا أيها اليهود (بما لا تهوى أنفسكم) بما لا تحبون (استكبرتم) عن الإيمان

ص: 116

سمود حصل لكم عمّا أمر لكم وطوعكم للرّسل (فَفَرِيقاً) رهط رسل (كَذَّبْتُمْ) لكمال حسدكم وعدم علمكم لما عسر لكم إهلاكهم كمحمّد وروح اللّه (وَفَرِيقاً) رهط رسل سواهما (تَقْتُلُونَ) ( 87 ) حدلا وطلاحا لمّا سهل لكم إهلاكهم .

(وَقالُوا) رهط الهود إدلاء ل « محمّد » صلعم (قُلُوبُنا غُلْفٌ) كلّ واحد وعاء مملوّ علما لا محلّ لإعلام أحد أو مسدود محصور ما وصلها ما أوردهم الرّسول ، والمراد أمرهم اللّه هداهم وهم ما وعوا صوالح الأمر ومالوا لما أراد هواهم (بَلْ لَعَنَهُمُ) طردهم (اللَّهُ بِكُفْرِهِمْ) لعدولهم وعدم إسلامهم وهو ردّ لكلامهم وطرد لمرامهم (فَقَلِيلًا) إسلاما ماصلا ما مؤكّد له (يُؤْمِنُونَ) ( 88 ) وما لهم إسلام كامل أو المراد عدم الإسلام رأسا .

(وَلَمَّا جاءَهُمْ) رهط الهود (كِتابٌ) طرس مرسل (مِنْ عِنْدِ اللَّهِ) وهو كلام أعطاه اللّه محمّدا صلعم (مُصَدِّقٌ) مسدّد ومصحّح (لَمَّا) طرس

----------

والاتباع (ففريقا كذبتم) كموسى وعيسى (وفريقا تقتلون) قتل أسلافكم كيحيى وزكريا من قبل وأنتم رمتم قتل محمد في العقبة وقتل علي بالمدينة وعبر بالمضارع حكاية للحال الماضية لتستحضر في النفوس للفضاعة والمفاصلة وأسند إليهم لأنه فعل أسلافهم ورضوا به.

(وقالوا قلوبنا غلف) بضم اللام أوعية للخير والعلوم ومع ذلك لا نعرف لك فضلا وبسكونها أي في غطاء فلا نفهم حديثك (بل لعنهم الله) أبعدهم من الخير (بكفرهم) فهم الذين غلفوا قلوبهم بما أحدثوا من الكفر (فقليلا) فإيمانا قليلا (ما يؤمنون) ببعض ويكفرون ببعض.

(ولما جاءهم) أي اليهود (كتاب من عند الله) القرآن (مصدق لما

ص: 117

(مَعَهُمْ) وأرسل لرسولهم والهود (وَكانُوا مِنْ قَبْلُ) أمام إرسال كلام اللّه (يَسْتَفْتِحُونَ) دعاء حال العماس (عَلَى) الملأ (الَّذِينَ كَفَرُوا) عدلوا عمّا أمروا وهم أعداءهم ، وهم دعوا اسم محمّد صلعم روما للعول وأملّا للمدد ورصدوا إرساله وروده إسعادا له وإهلاكا للأعداء معه كإهلاك عاد وارم (فَلَمَّا جاءَهُمْ) وردهم ما (عَرَفُوا) الأمر المعلوم لهم وهو ورود محمّد رسول اللّه وسداد ما أوحاه (كَفَرُوا بِهِ) حسدا وحرصا للملك (فَلَعْنَةُ اللَّهِ) طرده وردّه (عَلَى) الرّهط (الْكافِرِينَ) ( 89 ) هؤلاء الحسّاد الحرّاص و « اللّام » للعهد أو للعموم .

(بِئْسَمَا اشْتَرَوْا بِهِ أَنْفُسَهُمْ) السّواء لامهم اللّه لؤما واطدا لسومهم الأسوأ هو (أَنْ يَكْفُرُوا) مصدر مأول والمراد عدم إسلامهم (بِما أَنْزَلَ اللَّهُ) كلام اللّه المرسل (بَغْياً) حسدا وروما لأمر ما هو لهم (أَنْ يُنَزِّلَ اللَّهُ) حسدوا لإرسال اللّه (مِنْ فَضْلِهِ) كرمه وإكرامه وهو ما أوحاه (عَلى مَنْ يَشاءُ مِنْ عِبادِهِ) وهو محمّد رسول اللّه صلعم فَباؤُ عادوا (بِغَضَبٍ) حرد للّه (عَلى غَضَبٍ )

----------

معهم) هو التوراة (وكانوا من قبل) أن ظهر محمد بالرسالة (يستفتحون) يسألون الله الفتح والظفر (على الذين كفروا) من أعدائهم (فلما جاءهم ما عرفوا) من الحق (كفروا به) حسدا وطلبا للرئاسة (فلعنة الله على الكافرين) أي عليهم أقيم الظاهر مقامه ليفيد أنهم لعنوا بكفرهم.

(بئسما) ما نكرة منصوبة مفسرة لفاعل بئس المستكن أي بئس شيئا (اشتروا به أنفسهم) باعوها به صفة ما (أن يكفروا) هو المخصوص بالذم (بما أنزل الله) على موسى من تصديق محمد (بغيا) لبغيهم وحسدهم (أن ينزل) لأن أو على أن ينزل (الله من فضله) أي بالوحي (على من يشاء من عباده) كما أنزل القرآن على محمد (فباءوا بغضب) حين كذبوا بعيسى

ص: 118

ولاء وصاروا مصادر السّوء وموارد اللّوم لمّا حسدوا رسولا هو أكرم الرّسل كلّهم (وَلِلْكافِرِينَ) أمر اللّه ورسوله (عَذابٌ) ألم (مُهِينٌ) ( 90 ) وهو أسوأ الآلام وأردأ الآصار لا لأهل معاص لمّا هو مطهّر لهم .

(وَإِذا قِيلَ لَهُمْ) لهؤلاء الهود (آمِنُوا) أسلموا (بِما أَنْزَلَ اللَّهُ) وهو كلام اللّه أو كلّ ما أوحاه عموما (قالُوا) هؤلاء الهود (نُؤْمِنُ بِما أُنْزِلَ عَلَيْنا) وهو طرسهم المأمور عمله لهم (وَ) الحال هم (يَكْفُرُونَ بِما وَراءَهُ) ما سواه (وَ) الحال (هُوَ) ما وراءه (الْحَقُّ) الأسد الأوطد وهو كلام اللّه (مُصَدِّقاً) مصحّحا مسلّما (لِما) طرس (مَعَهُمْ) ومعلما لسداده وهو مؤكّد والحاصل « هم لمّا ما اسلموا مسدّد طرسهم ما اسلموا طرسهم » .

(قُلْ) لهم رسول اللّه ردّا لدعواهم الطّوع لأوامر رسلهم وأحكام طروسهم (فَلِمَ تَقْتُلُونَ أَنْبِياءَ اللَّهِ) رسلا أرسلهم اللّه لإصلاحكم أراد إهلاكهم عهدا مرّ لا الحال كما دلّ (مِنْ قَبْلُ) والكلام مع أهل عصر محمّد صلعم ، وهم أولاد هؤلاء والمراد ولّادهم لما هو عملهم لا عمل هؤلاء الأولاد (إِنْ كُنْتُمْ) رهط الهود (مُؤْمِنِينَ) ( 91 ) طرسكم وأهل الإسلام ما أهلكوا رسلهم .

----------

فجعلوا قردة (على غضب) حين كذبوا بمحمد صلى الله عليه واله فسلط عليهم السيف (وللكافرين) أي لهم أظهر لما مر (عذاب مهين) مذل.

(وإذا قيل لهم ءامنوا بما أنزل الله) على محمد صلى الله عليه واله من القرآن أو كل كتاب أنزله (قالوا نؤمن بما أنزل علينا) وهو التوراة (ويكفرون بما وراءه) حال من فاعل قالوا (وهو الحق) الضمير لما وهو القرآن لأنه ناسخ لما تقدمه (مصدقا لما معهم) حال مؤكدة رد لمقالهم إذ كفرهم بما يوافق التوراة كفر بها (قل فلم كنتم تقتلون أنبياء الله من قبل إن كنتم مؤمنين) بالتوراة فإن فيه تحريم قتلهم فما آمنتم به بعد.

ص: 119

(وَلَقَدْ جاءَكُمْ) وردكم (مُوسى) رسولكم (بِالْبَيِّناتِ) معالم السّداد وأدلاء الإرسال (ثُمَّ اتَّخَذْتُمُ الْعِجْلَ) إلها (مِنْ بَعْدِهِ) صعوده مصاعد الطّور (وَ) الحال (أَنْتُمْ) رهط (ظالِمُونَ) ( 92 ) أمركم حدل ورسمكم عدول دواما وهو لردّ ما أدعوه كما مرّ ولإعلام سلوكهم مع محمّد رسول اللّه صلعم كسلوك ولادهم مع رسولهم .

(وَ) ادّكروا (إِذْ أَخَذْنا مِيثاقَكُمْ) عهد ولّادكم المؤكّد (وَرَفَعْنا فَوْقَكُمُ) ولّادكم (الطُّورَ) وحمله الملك مساطع كما مرّ وكرّر إعلاء الطّور مؤكّدا وأمر لكم (خُذُوا) اعملوا (ما آتَيْناكُمْ) ما هو المأمور كما أوحاه اللّه (بِقُوَّةٍ) عمد وهم (وَاسْمَعُوا) سماع طوع (قالُوا سَمِعْنا) كلامك (وَعَصَيْنا) أمرك (وَأُشْرِبُوا فِي قُلُوبِهِمُ الْعِجْلَ) المراد ورود ودّه الكامل صدورهم و (بِكُفْرِهِمْ) عمدا وهم أهل الحلول لمّا رأوه أروع الصّور وما رأوا عدله أصلا حاروا ووهموه إلها وأطاعوا ما سوّل لهم السّاحر .

(قُلْ) لهم رسول اللّه (بِئْسَما) أمرا (يَأْمُرُكُمْ بِهِ) الأمر وهو العمل الطّالح والعدول الكامل (إِيمانُكُمْ) إسلامكم لما أرسله لأعمالكم

----------

(ولقد جاءكم موسى بالبينات) الآيات التسع (ثم اتخذتم العجل) معبودا (من بعده وأنتم ظالمون) حال أي اتخذتموه ظالمين بعبادته أو اعتراض أي وأنتم قوم عادتكم الظلم.

(وإذ أخذنا ميثاقكم ورفعنا فوقكم الطور خذوا ما ءاتيناكم بقوة) بجد وعزم (واسمعوا) ما يقال لكم (قالوا سمعنا) بآذاننا (وعصينا) بقلوبنا أو سمعنا قولك وعصينا أمرك (وأشربوا في قلوبهم العجل بكفرهم) قيل لأنهم مجسمة استحسنوا جسمه فرسخ في قلوبهم حبه (قل بئسما يأمركم به إيمانكم) بموسى

ص: 120

(إِنْ كُنْتُمْ) رهط الهود (مُؤْمِنِينَ) ( 93 ) كما هو موهومكم وهو ردّ لدعواهم الإسلام أراد الولّاد كما مرّ ، والحاصل ما حصل لكم الإسلام لطرسكم ولو حصل لصار عملكم ما هو مدلوله وهو العمل الصّالح لا الطالح وأعمالكم طوالح .

(قُلْ) لهم رسول اللّه (إِنْ كانَتْ لَكُمُ الدَّارُ الْآخِرَةُ) دارالسّلام (عِنْدَ) علم (اللَّهِ) وعدها اللّه (خالِصَةً) لكم لا لأحد سواكم كما هو موهومكم وادّعاءكم وهو ما وارد دارالسّلام أحدا إلّا الهود وهو حال (مِنْ دُونِ النَّاسِ) أهل الإسلام كلّهم و « اللّام » للعهد أو أولاد آدم عموما و « اللّام » للعموم (فَتَمَنَّوُا الْمَوْتَ) اسألوه لما هو الموصل لمرامكم (إِنْ كُنْتُمْ صادِقِينَ) ( 94 ) كلاما .

وما أحد علم وروده دارالسّلام إلّا أراد السّام (وَلَنْ يَتَمَنَّوْهُ) السّام (أَبَداً) ما دام عمرهم (بِما قَدَّمَتْ أَيْدِيهِمْ) عمّا عملوا أعمالا سواء كما حوّلوا طرسهم وما روا مع محمّد صلعم (وَاللَّهُ عَلِيمٌ بِالظَّالِمِينَ) ( 95 ) الحدّال

----------

والتوراة أن تكفروا بي (إن كنتم مؤمنين) كما تزعمون.

(قل إن كانت لكم الدار الآخرة) الجنة ونعيمها (عند الله خالصة) خاصة بكم كما زعمتم (من دون الناس) للجنس أو العهد وهم المسلمون (فتمنوا الموت إن كنتم صادقين) لأن من أيقن الجنة اشتاقها وتمنى التخلص من دار الفناء والهوان وفي التوراة مكتوب إن أولياء الله يتمنون الموت.

(ولن يتمنوه أبدا بما قدمت أيديهم) موجبات النار كالكفر بمحمد صلى الله عليه واله والقرآن وتحريف التوراة وعبر عن النفس باليد لأنها آلة للإنسان بها عامة صنائعه والجملة إخبار بالغيب وكان كما أخبر (صلى الله عليه وآله وسلّم) وعنه (عليه السلام) لو تمنوا الموت لغص كل إنسان بريقه فمات مكانه وما بقي على وجه الأرض يهودي (والله عليم بالظالمين) تهديد لهم.

ص: 121

العدّال وهو كلام مهدّد لهم .

(وَلَتَجِدَنَّهُمْ) هؤلاء الهود (أَحْرَصَ النَّاسِ) أولعهم (عَلى حَياةٍ) عمر مع عدم دوامه (وَ) أحرص (مِنَ) الملأ (الَّذِينَ أَشْرَكُوا) عدلوا وما علموا عود الرّوح أمدا أوردهم لكمال حرصهم وودّهم طول العمر (يَوَدُّ أَحَدُهُمْ) الهود (لَوْ يُعَمَّرُ) لكمال حرصه أصله « لو أعمر » لما هو كلام الهود حكاه اللّه (أَلْفَ سَنَةٍ) مدادا طوالا (وَما هُوَ) ما أحدهم (بِمُزَحْزِحِهِ) مطرحه (مِنَ الْعَذابِ) الألم المؤلم دواما (أَنْ يُعَمَّرَ) مدّه معمّرا .

(وَاللَّهُ بَصِيرٌ بِما) عمد (يَعْمَلُونَ) ( 96 ) صلاحا وطلاحا وعاملهم مطو أعمالهم كما هو العدل .

ورد لمّا أدرك أحد علماء الهود محمّدا رسول اللّه صلعم وأراد الإسلام ، وسأله عمّا هو أصل العلم وسمع أسرار الملك والملك ، ولمّا سمع اسم ملك مورد لما أوحاه اللّه عدل وما أسلم لما هو عدو له وعاداه مرارا وراح عدوّا مصرا ،

----------

(ولتجدنهم أحرص الناس على حياة) ليأسهم عن نعم الآخرة (ومن الذين أشركوا) محمول على المعنى أي أحرص من الناس ومن الذين أشركوا أفردوا بالذكر لشدة حرصهم إذ لم يعرفوا إلا الحياة الدنيا (يود) يتمنى (أحدهم لو يعمر ألف سنة) حكاية لما ودوا ولو بمعنى ليت (وما هو) التعمير ألف سنة (بمزحزحه من العذاب) بمباعده منه (أن يعمر) بدل التعمير عن الضمير لئلا يتوهم عوده إلى التمني أو الضمير لا إلى أحدهم وأن يعمر فاعل مزحزحه أي ما واحدهم منجيه عن النار تعميره (والله بصير بما يعملون) عليم بأعمالهم.

ص: 122

أرسل اللّه إعلاء لعلوّ حال الملك وارداء لحاله (قُلْ) لهم رسول اللّه (مَنْ كانَ عَدُوًّا لِجِبْرِيلَ) واسمه « الرّوح » (فَإِنَّهُ) الملك (نَزَّلَهُ) كلام اللّه (عَلى قَلْبِكَ) وهو الحامل الأوّل لما أوحاه اللّه ومحلّ الأسرار ومودعها ، وهو كلام محكو لما كلّمه اللّه (بِإِذْنِ اللَّهِ) أمره وحكمه ، والحاصل « لو عاداه أحد لا مسلك له وهو لو سلك صراط العدل والسّواء وعلم حاله لوالاه وحمده » ، (مُصَدِّقاً لِما بَيْنَ يَدَيْهِ) العدوّ أراد طروس رسل أوحاها اللّه عهدا مرّ (وَهُدىً) دالّا موصلا (وَبُشْرى) أداء سارا لما وعده اللّه (لِلْمُؤْمِنِينَ) ( 97 ) لأهل الإسلام .

(مَنْ كانَ) لطلاح الأصل وسواد الصّدر

(عَدُوًّا لِلَّهِ) وكره حدوده وصد عمّا صلح له (وَمَلائِكَتِهِ) موارد الطّهر ومحامل السرّ (وَرُسُلِهِ) اللاء أرسلهم اللّه لإصلاح أهل العالم (وَجِبْرِيلَ وَمِيكالَ) أورد اسماهما لإكرامهما والمراد كلّ أحد صار عدوّا لأحد هؤلاء ، وعدوّ الواحد عدوّ الكلّ ، وعدوّ محمد صلعم

----------

(قل من كان عدوا لجبريل) وقرىء جبرئيل كسلسبيل وبفتح الجيم وكسر الراء وبلا همزة كقنديل نزلت لما قال اليهود لو كان الذي يأتيك ميكائيل آمنا بك فإنه ملك الرحمة وجبرائيل ملك العذاب وهو عدونا (فإنه) أي جبرائيل (نزله) أي القرآن (على قلبك) أي على فهمك وحفظك وكان حقه على قلبي فجاء على حكاية كلام الله كأنه قيل قل ما تكلمت به (بإذن الله) بأمره (مصدقا لما بين يديه) من كتب الله (وهدى وبشرى للمؤمنين) أحوال من مفعوله وجزاء الشرط فإنه نزله أي من عاد منهم جبرئيل فغير منصف لأنه ينزل كتابا يصدق الكتب السالفة فحذف الجزاء وأقيم علته مقامه أو من عاداه فبسبب أنه نزل عليك.

(من كان عدوا لله) مخالفا له (وملائكته ورسله وجبريل وميكائيل) أفردا

ص: 123

عدوّ للّه ، ول « الواو » مدلول « أو » (فَإِنَّ اللَّهَ عَدُوٌّ لِلْكافِرِينَ) ( 98 ) عاداهم اللّه لما عادوهم أورده مورد لهم لإعلام « ما عاداهم اللّه إلّا لعدولهم » .

(وَلَقَدْ أَنْزَلْنا إِلَيْكَ) محمّد ( ص ) (آياتٍ) كلام اللّه وسوره (بَيِّناتٍ) لاح مدلولها (وَما يَكْفُرُ بِها) رهط (إِلَّا الْفاسِقُونَ) ( 99 ) هم عصوا وعدلوا عمّا أمروا .

(أَ) ردّوا ما أرسله اللّه (وَكُلَّما عاهَدُوا) اللّه ورووا « عوهدوا » و « عهدوا » (عَهْداً) وهو الإسلام (نَبَذَهُ) طرحه (فَرِيقٌ) رهط (مِنْهُمْ) كسرا له ورهط ما كسروا عهودهم (بَلْ أَكْثَرُهُمْ لا يُؤْمِنُونَ) ( 100 ) ردّ للوهم والحاصل هؤلاء الرّهط ما هم أماصل .

(وَلَمَّا جاءَهُمْ) الهود (رَسُولٌ) ك « روح اللّه » و « محمّد » رسول اللّه صلعم (مِنْ عِنْدِ اللَّهِ) أرسله اللّه لإصلاحهم (مُصَدِّقٌ) مصحح (لَمَّا) طرس

----------

بالذكر لفضلهما كأنهما من جنس آخر ولأن النزاع كان فيهما (فإن الله عدو للكافرين) يفعل بهم ما يفعل العدو بالعدو وأقيم الظاهر مقام المضمر ليفيد أنه تعالى عاداهم لكفرهم وأن عداوة المذكورين كفر.

(ولقد أنزلنا إليك آيات بينات) القرآن ودلائله الواضحات نزلت حين قال اليهود ما جئتنا بشيء نعرفه وما أنزل عليك من آية فنتبعك (وما يكفر بها إلا الفاسقون أوكلما) الهمزة للإنكار والواو عاطفة على مقدر أي أكفروا بالآيات وكلما (عاهدوا عهدا نبذه فريق منهم) نقضه وطرحه وقيل منهم لأن بعضهم لم ينقض (بل أكثرهم لا يؤمنون) بالتوراة فلا يبالون بنقض العهد.

(ولما جاءهم رسول من عند الله) محمد صلى الله عليه واله أو عيسى أو القرآن (مصدق لما

ص: 124

(مَعَهُمْ) الهود وأرسل لرسولهم (نَبَذَ) طرح (فَرِيقٌ) رهط (مِنْ) الملأ (الَّذِينَ أُوتُوا الْكِتابَ) أعطوا علمه وهم علماء الهود (كِتابَ اللَّهِ) طرسهم المرسل (وَراءَ ظُهُورِهِمْ) رموه مطروحا معطّلا رأسا وهم ما أسلموا ولو أسلموا لأسلموا رسولا مسدّدا له (كَأَنَّهُمْ لا يَعْلَمُونَ) ( 101 ) هو كلام اللّه لعدم علمهم محامده ومكارمه .

(وَاتَّبَعُوا) أطاعوا وعملوا ما (تَتْلُوا الشَّياطِينُ) حال عهد مرّ حكاها اللّه وهو علم السّحر وأعماله (عَلى) عهد (مُلْكِ سُلَيْمانَ) ولد « داود » وعصره ، وهم لمّا صعدوا السّماء مرارا وسمعوا وأسلّوا كلام أهلها ، ووصلوا معه طوالح الأوهام وعلّموها أرداءهم وهم أملوها ودرسوها وعلموها الطلاح ، وسطع أمر السّحر عهده ووهم أهل الوساوس ، وادّعوا هو علمه وما هو إلا ساحر وعمله السّحر وهو مدار ملكه وأساس أمره وحكمه ، ردّهم اللّه وأرسل (وَما كَفَرَ) سحر (سُلَيْمانَ) وهو رسول معصوم عمّا وهموا (وَلكِنَّ الشَّياطِينَ كَفَرُوا) لمّا سحروا والحال هم (يُعَلِّمُونَ

----------

معهم) من التوراة أو موسى (نبذ فريق من الذين أوتوا الكتاب كتاب الله) التوراة وسائر كتب الله لأن كفرهم بالمصدق لها كفر بها (وراء ظهورهم) مثل تركهم إياه كمن ترك المرمى وراء الظهر استغناء عنه (كأنهم لا يعلمون) أنه كتاب الله أي علموا وعاندوا.

(واتبعوا) عطف على نبذوا (ما تتلوا الشياطين) أي نبذوا كتاب الله واتبعوا كتب السحرة التي تقرؤها أو تتبعها الشياطين من الجن أو الإنس أو منهما (على ملك سليمان) على عهده زعما منهم أنه بالسحر نال ما نال (وما كفر سليمان) ولا استعمل السحر كما!

زعم هؤلاء (ولكن الشياطين كفروا يعلمون

ص: 125

النَّاسَ السِّحْرَ) إحكاء للطلاح وإمحاء للصلاح (وَما أُنْزِلَ) هو علم السّحر أو ما عداه ممّا هو أسوأ أو أراد سحرا سواه (عَلَى الْمَلَكَيْنِ) كمل صلاحهما وصعد كمالهما ألهماه وعلّماه ووردهما أصلحا ولد آدم سماهما اللّه ملكات لكمال صلاحهما كما واطاه ما ورووه مكسور اللّام (بِبابِلَ) مصر معلوم أو طود معهود (هارُوتَ وَمارُوتَ) علماهما (وَما يُعَلِّمانِ) ملكا السّحر (مِنْ أَحَدٍ) المراد « أحدا » والكاسر مؤكّد (حَتَّى يَقُولا) له إدراء وإصلاحا (إِنَّما نَحْنُ فِتْنَةٌ) لإعلاء حال أهل العالم ، أهم الصّلحاء أو الطلحاء (فَلا تَكْفُرْ) لعلم السّحر المعهود مع عمله .

(فَيَتَعَلَّمُونَ مِنْهُما) ممّا علماهم (ما) علما (يُفَرِّقُونَ) معلّموهما (بِهِ) عمله (بَيْنَ الْمَرْءِ وَزَوْجِهِ) عرسه هو علم السّحر المعدم لوصالهما والحامل كلّ واحد لردّ الرّدء وحسم الود (وَما هُمْ بِضارِّينَ بِهِ) السحر (مِنْ أَحَدٍ) أحدا (إِلَّا بِإِذْنِ اللَّهِ) أمره وأسره ولاح ما أراده اللّه (وَيَتَعَلَّمُونَ ما يَضُرُّهُمْ) وهو السّحر عملا لا علما (وَلا يَنْفَعُهُمْ) علما أصلا لا حالا ولا مالا

----------

الناس السحر) كفروا بتعليمهم الناس السحر (وما أنزل) وبتعليمهم إياهم ما نزل (على الملكين) النازلين (ببابل) يسميان (هاروت وماروت) أظهرهما الله للناس بصورة بشرين ليقفوا به على حد السحر وأن يبطلوه ونهاهم أن يسحروا (وما يعلمان من أحد) السحر وإبطاله (حتى يقولا) للمتعلم (إنما نحن فتنة) امتحان للعباد (فلا تكفر) بها باستعمال السحر (فيتعلمون منهما) مما تتلوا الشياطين ومما أنزل على الملكين (ما يفرقون به بين المرء وزوجه وما هم بضارين به من أحد إلا بإذن الله) بتخليته فربما أحدث فعلا وربما لم يحدث (ويتعلمون ما يضرهم) في دينهم (ولا ينفعهم) فيه

ص: 126

(وَلَقَدْ عَلِمُوا) الهود (لَمَنِ) امرؤ (اشْتَراهُ) حصّل السّحر كلام اللّه وطرح كلام اللّه (ما لَهُ فِي الْآخِرَةِ) أمد الدّهر ودار المعاد (مِنْ خَلاقٍ) سهم وهو محروم السّهام (وَلَبِئْسَ ما) أمرا (شَرَوْا بِهِ أَنْفُسَهُمْ) وآسوها وعاملوها سوء الأعمال (لَوْ كانُوا يَعْلَمُونَ) ( 102 ) مآل أعمال السّحر وعدم علمهم لعدم عملهم وإلّا هم عالموه كما دلّ علموا .

(وَلَوْ أَنَّهُمْ آمَنُوا) لرسول اللّه صلعم وما أوحاه (وَاتَّقَوْا) اللّه وطرحوا ما هو عملهم ، وهو طرح كلام اللّه ووداد مراسم السّحر وسواد ألواح الطّلسم (لَمَثُوبَةٌ) وصول أمر سارّ أمدا (مِنْ عِنْدِ اللَّهِ خَيْرٌ) ممّا عملوا أعمال السّحر (لَوْ كانُوا يَعْلَمُونَ) ( 103 ) أصل الأمر ومآل العمل الصّالح .

( يا أَيُّهَا) الملأ (الَّذِينَ آمَنُوا) أسلموا (لا تَقُولُوا) لمحمّد رسول اللّه (راعِنا) لمّا هو كلام مموّه للهود ومرادهم السّوء (وَقُولُوا) أوردوا

----------

(ولقد علموا) أي هؤلاء المتعلمون أو اليهود (لمن اشتراه) استبدل السحر بدينه الذي ينسلخ عنه بتعلمه أو بكتاب الله واللام للابتداء علقت علموا (ما له في الآخرة من خلاق) نصيب لاعتقادهم أن لا آخرة (ولبئس ما شروا) باعوا (به أنفسهم) ورهنوها بالعذاب (لو كانوا يعلمون) يعلمون بعلمهم إذ علم من لا يعمل به كلا علم فلا ينافي إثبات العلم لهم.

(ولو أنهم ءامنوا) بمحمد والقرآن (واتقوا) المعاصي كنبذ كتاب لله واتباع السحر (لمثوبة من عند الله) خير جواب لو، أي لا يثبوا مثوبة فحذف الفعل وعدل إلى الإسمية ليفيد ثبات المثوبة ونكرت لأن المعنى لشيء من الثواب (خير) لهم (لو كانوا يعلمون) أن ثواب الله خير مما هم فيه.

(يا أيها الذين ءامنوا لا تقولوا راعنا) أي راع أحوالنا وتأن بنا حتى نفهم ما تلقنا

ص: 127

محلّه (انْظُرْنا) وهو مدلوله (وَاسْمَعُوا) ودّوا سماع كلام رسول اللّه صلعم أو اسمعوا سماع طوع لا كسماع الهود وهم سمعوا وعصوا (وَلِلْكافِرِينَ) لهود سمعوا رسول اللّه صلعم وعصاه (عَذابٌ أَلِيمٌ) ( 104 ) مؤلم .

والهود لمّا صدعوا الوداد مع أهل الإسلام وهم وهموهم أهل الودّ ، أرسل اللّه لإعلاء ولع الهود (ما يَوَدُّ) الملأ (الَّذِينَ كَفَرُوا) عدلوا أراد عدم ودّهم لأهل الإسلام سرّا (مِنْ أَهْلِ الْكِتابِ) هم الهود (وَلَا الْمُشْرِكِينَ) هم رهط أطاعوا إلها سواه (أَنْ يُنَزَّلَ عَلَيْكُمْ مِنْ خَيْرٍ) وهو ما أوحاه اللّه أو أعمّ (مِنْ رَبِّكُمْ) مصلحكم وموصل مرامكم والهود لمّا رأوهم أكرم الأرهاط وأصلحها للألوك حسدوكم وما ودوا إرسال ما أوحاه اللّه لكم (وَاللَّهُ يَخْتَصُّ بِرَحْمَتِهِ) ألوكه أو أعمّ (مَنْ يَشاءُ) له إكراما وإعطاء (وَاللَّهُ) لا سواه (ذُو الْفَضْلِ الْعَظِيمِ) ( 105 ) الطّول الواسع والعطاء الكامل لا حدّ لمراحمه ولا سدّ لمكارمه وحصول العسر والعدم لحكم ومصالح ما علمها أحد إلّا اللّه .

----------

وذلك لأن اليهود توصلوا بهذا اللفظ إلى شتم رسول الله وكانت في لغتهم سبأ بمعنى اسمع لا سمعت وقيل نسبته إلى الرعونة (وقولوا انظرنا) انظر إلينا (واسمعوا) إذ قال لكم أمرا وأطيعوا (وللكافرين) للشاتمين (عذاب أليم) وأتى بالظاهر إشعارا بالعلة وبأن ذلك يجر إلى الكفر.

(ما يود الذين كفروا من أهل الكتاب) الود المحبة ومن للتبيين (ولا المشركين) لا لتأكيد النفي (أن ينزل عليكم) مفعول يود (من خير) هو الوحي ومن مزيدة للاستغراق (من ربكم والله يختص برحمته) بالنبوة (من يشاء) ولا يشاء إلا ما تقتضيه الحكمة (والله ذو الفضل العظيم) يشعر بأن النبوة من الفضل.

ص: 128

والهود لمّا رأوا محمّدا صلعم وصروع كلامه وأطوار أوامره وأطالوا مساحلهم ، وأوردوا العوراء وهو ما أمره واحدا وما كلامه واطدا ما أمر إلّا مآل وحد ، أرسل اللّه (ما نَنْسَخْ) ما أطرح وما أدرأ (مِنْ آيَةٍ) وهو إعلاء أمد حكمها وإصدارها مسحلا أو أحدهما (أَوْ نُنْسِها) أمحوها عمّا وعاها وهو الصّدور (نَأْتِ بِخَيْرٍ) عمل أصلح وأسهل لأهل الإسلام حالا ومآلا (مِنْها أَوْ مِثْلِها) عدلها صلاحا وعودا (أَ لَمْ تَعْلَمْ) الكلام مع رسول اللّه صلعم والمراد هو ومطاوعوه ومدعووه كما دلّ وما لكم لمّا هو أعلمهم ومصدر علمهم ، وحاصله « الأمر معلوم لك ولطوّعك وكلّ مدعوّك » (أَنَّ اللَّهَ) الحكم العدل (عَلى كُلِّ شَيْءٍ قَدِيرٌ) ( 106 ) له الأمر والحكم وما أمر إلّا لإصلاح أهل الإسلام وهو محوّل الكلم ومسهّل الأعمال .

(أَ لَمْ تَعْلَمْ) كرّر الأوّل وأكّد كما دلّ طرح « الواو » (أَنَّ اللَّهَ) الملك الصّمد (لَهُ) لا لأحد سواه (مُلْكُ السَّماواتِ) عالم العلو وعلم أسرارها (وَالْأَرْضِ) عالم الأمر وإصلاحها وهو مالكهما وحاكمهما حكم ما أراد صعد لواء أمره وسطع عماد عدله (وَما لَكُمْ) أهل الصّلاح والطّلاح (مِنْ دُونِ اللَّهِ )

----------

(ما ننسخ من آية) بأن نرفع حكمها (أو ننسها) بأن نمحو من القلوب رسمها (نأت بخير منها) بما هو أعظم لثوابكم وأجل لصلاحكم (أو مثلها) من الصلاح أي لا ننسخ ولا نبدل إلا وغرضنا في ذلك مصالحكم (ألم تعلم أن الله على كل شيء قدير) ألم تعلم خطاب للنبي وأمته لقوله تعالى.

(وما لكم) وأفرد لأنه أعلمهم أو لمنكر النسخ (أن الله له ملك السموات والأرض) فهو يملك أموركم ويجريها على ما يصلحكم من النسخ وغيره (وما لكم من دون الله من ولي) يقوم بأمركم

ص: 129

ممّا سواه (مِنْ وَلِيٍّ) وآل مصلح لحالكم (وَلا نَصِيرٍ) ( 107 ) معوّل لما عال أمركم وصاد إصركم لما حلّ لكم .

(أَمْ) معادل ل « ألم » والحاصل أما حصل لكم علم ملكه وطوله وهو مالك الأمور كلّها ، أمر كما أراد وصدّ عمّا أراد أم (تُرِيدُونَ) أهل عصر محمّد (أَنْ تَسْئَلُوا) سؤالا محالا (رَسُولَكُمْ) محمّدا ( ص ) كسؤالكم : وسع أمّ الرّحم للرّكود (كَما سُئِلَ مُوسى مِنْ قَبْلُ) سأله رهطه : أرهم اللّه ساطعا ، وورد لمّا سأله أهل الطرس إرسال طرس السّماء لهم أرسلها اللّه لردّ سؤالهم (وَمَنْ يَتَبَدَّلِ الْكُفْرَ بِالْإِيمانِ) كلّ أحد طرح الإسلام ورام الإلحاد محلّه وسأل أمرا محالا مع سواطع كمال محمّد صلعم ولوامع الأدلاء (فَقَدْ ضَلَّ سَواءَ السَّبِيلِ) ( 108 ) مال عمّا هو وسط الصّراط وأسلمه .

ولمّا كسر عسكر الإسلام عام عماس أحد وورد الهود لوّاما لهم ووهموا ما للإسلام سداد ولولاه لما كسروا وما كسرهم إلا لمّا أسلموا وأرادوا ردّهم وطرحهم الإسلام ،

أرسل اللّه (وَدَّ كَثِيرٌ مِنْ أَهْلِ الْكِتابِ) هم علماء الهود (لَوْ

----------

(ولا نصير) ينصركم.

(أم تريدون) أيها الكفار واليهود (أن تسئلوا رسولكم) ما تقترحوا من الآيات (كما سئل موسى من قبل) واقترح عليه نزلت في أهل الكتاب حين سألوه أن ينزل عليهم كتابا من السماء أو في المشركين حين قالوا لن نؤمن لك حتى تفجر لنا إلى قولهم أو تأتي بالله والملائكة قبيلا (ومن يتبدل الكفر بالإيمان) ترك الثقة بالآيات المنزلة وشك فيها واقترح غيرها (فقد ضل سواء السبيل) أي وسطه فلا يصل إلى المقصود.

(ود كثير من أهل الكتاب) كحي بن أخطب ونظرائه (لو

ص: 130

يَرُدُّونَكُمْ) ردهم لكم أهل الإسلام وهو مصدر مأوّل (مِنْ بَعْدِ إِيمانِكُمْ) إسلامكم (كُفَّاراً) حال (حَسَداً) للحسد وهو روم أحد طمس آلاء أحد وحصولها له (مِنْ عِنْدِ أَنْفُسِهِمْ) هواهم لا لهداهم ورومهم الصّلاح والسّداد هو معمول ل « ودّ » أو « حسدا » (مِنْ بَعْدِ ما تَبَيَّنَ) لاح (لَهُمُ الْحَقُّ) وهو الإسلام وعلموا سداده لإعلام طرسهم لهم (فَاعْفُوا وَاصْفَحُوا) اسلكوا معهم صراط المحو والعداء (حَتَّى يَأْتِيَ اللَّهُ بِأَمْرِهِ) وحكمه للعماس معهم وعطو أموالهم كما عهد (إِنَّ اللَّهَ عَلى كُلِّ شَيْءٍ قَدِيرٌ) ( 109 ) له الحكم كمالا والعدل دواما .

(وَأَقِيمُوا الصَّلاةَ) أدوها أداء كاملا (وَآتُوا الزَّكاةَ) أعطوها عطاء مأمورا (وَما تُقَدِّمُوا) حالا (لِأَنْفُسِكُمْ مِنْ خَيْرٍ) عمل صالح (تَجِدُوهُ) حاصله (عِنْدَ اللَّهِ) مالا (إِنَّ اللَّهَ بِما) عمل (تَعْمَلُونَ بَصِيرٌ) ( 110 ) عالم ما عمل عامل إلّا وهو راء له ومعامل معه مطو عمله وهو وعد .

----------

يردونكم) يرجعونكم (من بعد إيمانكم كفارا) مفعول ثان ليردون أو حال من مفعوله (حسدا) علة ود (من عند أنفسهم) متعلق بود أي تمنوا ذلك من قبل أنفسهم لا من قبل التدين أو حسدا منبعثا من أنفسهم (من بعد ما تبين لهم الحق) صدق محمد (فاعفوا واصفحوا) اتركوا العقوبة والتثريب (حتى يأتي الله بأمره) فيهم بالقتل يوم فتح مكة أو ضرب الجزية أو قتل قريظة وإجلاء النضير (إن الله على كل شيء قدير) فيقدر على الانتقام منهم.

(وأقيموا الصلاة وءاتوا الزكاة) كأنهم أمروا بهما للاستعانة على مشقة العفو (وما تقدموا لأنفسكم من خير) كصلاة وإنفاق (تجدوه) تجدوا ثوابه (عند الله إن الله بما تعملون بصير) لا يضيع لديه عمل.

ص: 131

(وَ) أهل الملل (قالُوا لَنْ يَدْخُلَ الْجَنَّةَ) دارالسّلام أحد (إِلَّا مَنْ) رهط (كانَ) وحّد اسمه رعاء لدال الموصول (هُوداً) ما وحده وهو محموله رعاء لمدلوله وهو كلام الهود (أَوْ نَصارى) وهو كلام رهط روح اللّه حصرا ورودهما وصلاح المآل لهما ، وهو دعواهما وادّعاهما (تِلْكَ) الأمور المصرّح أحوالها كعدم ودّهم الإرسال لأهل الإسلام وودّهم ردّهم وحصرهم ورود دارالسّلام لهم (أَمانِيُّهُمْ) آمالهم وأوهامهم السّواء ولا حاصل لها (قُلْ) لهم رسول اللّه (هاتُوا) هلموا (بُرْهانَكُمْ) المسلم الموصل لسداد دعواكم (إِنْ كُنْتُمْ صادِقِينَ) ( 111 ) كلاما وما صح كلامكم والحكم للإسلام .

(بَلى) ردّ لكلامهم وآمال أوهامهم (مَنْ) امرؤ (أَسْلَمَ وَجْهَهُ لِلَّهِ) محص روعه وطهّر صدره وأصلح سأوه لا لما عداه ، وأورده لمّا هو محل الحواسّ وأصل الطّلل (وَهُوَ مُحْسِنٌ) عملا ومسدّد أمرا و « الواو » للحال (فَلَهُ) للمسلم المسدّد (أَجْرُهُ) ما وعد لعمله وأعد له حاصل ( عِنْدَ رَبِّهِ )

----------

(وقالوا لن يدخل الجنة إلا من كان هودا أو نصارى) جمع بين قوليهما لا من اللبس بعلم السامع بالتعادي بينهما وهود جمع هائد وإفراد الاسم وجمع الخبر باعتبار اللفظ والمعنى (تلك) الأماني (أمانيهم) التي يتمنونها بلا حجة (قل هاتوا برهانكم) على اختصاصكم بالجنة (إن كنتم صادقين) في قولكم إذ ما لا دليل عليه باطل.

(بلى) رد لمقالتهم (من أسلم وجهه) أخلص نفسه (لله) لما سمع الحق (وهو محسن) في عمله لله (فله أجره عند ربه) ثابتا لديه ومن شرطية أو موصولة والجملة جوابها أو خبرها والفاء لتضمنها معنى الشرط فالرد بلى وحده أو من

ص: 132

الملك العدل معادا (وَلا خَوْفٌ) هول (عَلَيْهِمْ) حالا (وَلا هُمْ يَحْزَنُونَ) ( 112 ) مآلا دام لهم السّرور .

(وَقالَتِ الْيَهُودُ) علماؤهم وهم أهل مصر رسول اللّه صلعم (لَيْسَتِ النَّصارى عَلى شَيْءٍ) أمر صحّ وصلح لما عادوا وما داروا (وَقالَتِ النَّصارى لَيْسَتِ الْيَهُودُ عَلى شَيْءٍ) حال حمد (وَ) الحال (هُمْ) علماؤهم (يَتْلُونَ الْكِتابَ) المرسل لصلاحهم وودادهم و « اللّام » للعموم ، والحاصل كلّموه والحال هم أهل العلم والدّرس والطرس أرسلها اللّه لمّا أدركا رسول اللّه وكالما مراء (كَذلِكَ) كما هو المسموع لك (قالَ) الملأ (الَّذِينَ لا يَعْلَمُونَ) علما ما لهم علم الطّروس أصلا وهم رهط عطّلوا أو الّهوا إلها سواه أو عوام الهود (مِثْلَ قَوْلِهِمْ) ككلامهم أهل الطّرس (فَاللَّهُ يَحْكُمُ) عدلا (بَيْنَهُمْ) هؤلاء الملأ (يَوْمَ الْقِيامَةِ) الموعود ورودها أمدا (فِيما) أمر (كانُوا فِيهِ يَخْتَلِفُونَ) ( 113 ) أحكاما وأعمالا وآمالا ، والحاصل « كلّ أحد محكوم لسهم

----------

فاعل فعل مقدر أي بلى يدخلها من أسلم (ولا خوف عليهم ولا هم يحزنون) في الآخرة.

(وقالت اليهود ليست النصارى على شيء) من الدين (وقالت النصارى ليست اليهود على شيء) وقيل نزلت حين قدم وفد نجران على الرسول وأتاهم أحبار اليهود وتقاولوا بذلك (وهم يتلون الكتاب) الواو للحال والكتاب للجنس أي قالوا ذلك وهم من أهل التلاوة للكتب (كذلك) أي مثل ذلك (قال الذين لا يعلمون) كعبدة الأصنام والدهرية (مثل قولهم) يكفر بعضهم بعضا وبخهم على تشبههم بالجهلة (فالله يحكم بينهم) بين الحزبين (يوم القيامة فيما كانوا فيه يختلفون) بأن يكذبهم ويدخلهم النار أو بما يقسم لكل منهم من العقاب.

ص: 133

إصره الصّالح لحاصله وعمله السّوء » أو حكم اللّه وسطهم هو ردّ دعواهم وإصلاءهم السّاعور .

(وَمَنْ) لا أحد (أَظْلَمُ) أحدل وأسوأ (مِمَّنْ مَنَعَ) وسدّ (مَساجِدَ اللَّهِ) دورا أسّسها أهل الإسلام لمّا صلّوا وهلّلوا ودعوا (أَنْ يُذْكَرَ فِيهَا اسْمُهُ) وحمده أسحارا وآصالا ورد الحكم عامّا مع عدم عموم المورد (وَسَعى) عمل (فِي خَرابِها) هدمها وإهلاك أهلها كما عمل الرّوم أو حدّها ، كما عمل طلاح أم الرّحم لمّا حدّوا رسول اللّه صلعم حال وروده الحرم (أُولئِكَ) هؤلاء الهدام الحدّاد (ما كانَ) الصّلاح (لَهُمْ) أو ما أراد اللّه لهم حال علمه الأوّل (أَنْ يَدْخُلُوها) ورودهم (إِلَّا خائِفِينَ) هو الّا لعماس أهل الإسلام ولا مسلك لهم للهدم والصدح أصلا ، وهو حال (لَهُمْ) لهؤلاء الهدام أو الرّواع (فِي الدُّنْيا خِزْيٌ )هلاك وأسر لأهل العماس وعطو الأموال لأهل العهد (وَلَهُمْ فِي الْآخِرَةِ) الموعود حالها العسر أهوالها (عَذابٌ عَظِيمٌ) ( 114 ) إصر أعسر وألم

----------

(ومن أظلم ممن منع مساجد الله) قيل نزلت في الروم لما غزوا بيت المقدس وخربوه وقتلوا أهله وأحرقوا التوراة والمشركين حين منعوا رسول الله دخول المسجد الحرام عام الحديبية والحكم عام في كل مانع وساع في خراب كل مسجد وإن خص السبب (أن يذكر فيها اسمه) مفعول ثان لمنع أو مفعول له أي كراهة أن يذكر (وسعى في خرابها) لئلا تعمر بطاعة الله (أولئك) المانعون (ما كان لهم أن يدخلوها إلا خائفين) من عذابه أو من المؤمنين أن يبطشوا بهم فضلا أن يمنعوهم منها أو ما كان لهم في علم الله فهو وعد للمؤمنين بالنصر وقيل معناه النهي عن تمكينهم من دخول المسجد (لهم في الدنيا خزي) القتل أو السبي أو الجزية أو فتح مدائنهم إذا قام المهدي أو طردهم عن الحرم (ولهم في الآخرة عذاب عظيم) بظلمهم.

ص: 134

أسوأ لعدولهم وعدوهم .

(وَلِلَّهِ) الملك المالك (الْمَشْرِقُ وَالْمَغْرِبُ) وهما مطالع كماله ومساطع لوامعه ، أو المراد أمصارهما ، والحاصل له العالم كلّه (فَأَيْنَما) كلّ محلّ (تُوَلُّوا) أهل الإسلام كما أمركم اللّه ، أو كلّ حدّ حصل مولاكم (فَثَمَّ) المحلّ المعهود (وَجْهُ اللَّهِ) مولاكم المأمور ، أو مطلع لوامع كماله والكلّ محاط له (إِنَّ اللَّهَ واسِعٌ) طولا وكرما وسع عطاؤه (عَلِيمٌ) ( 115 ) عالم المصالح والحكم .

(وَ) الهود ورهط روح اللّه (قالُوا) لطلاح روحهم وسواد روعهم ، ورووه مع طرح « واو الوصل » وح هو كلام مصدر حوار للسّؤال كما سأل أحد هل وصل ولعهم وادّعاءهم حدّا أم لا ؟ حوور لهم ولع وادّعاء أسوأ ممّا مر كما أرسل اللّه (اتَّخَذَ اللَّهُ وَلَداً) أراد كلّ واحد رسوله ، وورد عدال أمّ الرّحم أرادوا الملك أولادا للّه (سُبْحانَهُ) مصدر أورد لإعلاء أمره وإعلام كمال طهره عمّا وهموه وهو الأمر مدلولا (بَلْ) ردّ لكلامهم (لَهُ) للّه (ما فِي

----------

(ولله المشرق والمغرب) يملكهما يعني بهما ناحيتي الأرض أي له الأرض كلها فإن منعتم الصلاة في المساجد فصلوا حيث كنتم (فأينما تولوا) إلى أي جهة صرفتم وجوهكم (فثم وجه الله) جهته التي جعلها قبلة لكم أو ذاته أي عالم بما فعلتم فيه (إن الله واسع) الرحمة فيوسع على عباده (عليم) بمصالحهم قيل منسوخة بآية فول وقيل مخصوصة بحال الضرورة والمروي عن أئمتنا (عليهم السلام) أنها نزلت في قبلة المتحير وفي التطوع في السفر على الراحلة.

(وقالوا اتخذ الله ولدا) قالت اليهود عزير ابن الله والنصارى المسيح ابن الله ومشركو العرب الملائكة بنات الله (سبحانه) تنزيها له عن ذلك (بل له ما في

ص: 135

السَّماواتِ وَالْأَرْضِ) هو مالكه وأمره وآسره والكلّ مملوك له ، ما للمملوك والولد وما الولد إلّا عدل الوالد لا مملوكه ، علا أمره عمّا وصموه ووهموه (كُلٌّ) كلّ ملأ أهلهما أو كلّ ما وهموه ولدا للّه (لَهُ) للّه (قانِتُونَ) ( 116 ) أولو طوع ودعاء ، والكلّ أطاعوه طوعا وكرها ودعوه كلاما وسرّا .

(بَدِيعُ) ورووه مكسورا (السَّماواتِ) مع أدوارها (وَالْأَرْضِ) مع أطوارها المراد مصوّرهما أوّلا لا أصول ولا موادّ لهما (وَإِذا قَضى) أراد وحكم ، وأصله إكمال الأمر كلاما أو عملا (أَمْراً) للمصالح (فَإِنَّما يَقُولُ) اللّه (لَهُ) لأمر هو محاط علم اللّه وأراد حصوله (كُنْ) صر مأسورا (فَيَكُونُ) ( 117 ) المأمور مأسورا حال الأمر .

(وَقالَ) الملأ (الَّذِينَ) علوّا وسمودا وعدولا وردّا (لا يَعْلَمُونَ ) علما ما هم عدال أم الرّحم أو أهل طرس أعدم علمهم لعدم عملهم (لَوْ لا) هلا (يُكَلِّمُنَا اللَّهُ) كما كلّم رسول هود والملك (أَوْ تَأْتِينا آيَةٌ) لإعلاء سدادك (كَذلِكَ) كما هو كلام هؤلاء (قالَ) الملأ (الَّذِينَ) مرّوا (مِنْ قَبْلِهِمْ) وهم الأمم الأوّل لرسلهم كالهود سألوا رسولهم « أرهم اللّه » ، ورهط روح اللّه سألوا

----------

السموات والأرض) ملكا من جملة ذلك الملائكة وعزير والمسيح (كل له قانتون) منقادون لمشيئته وتكوينه.

(بديع السموات والأرض) منشئهما لا من شيء ولا على مثال سبق (وإذا قضى أمرا) أراد خلقه وفعله (فإنما يقول له كن فيكون) والمراد تمثيل حصول ما تعلقت به إرادته بلا مهلة بطاعة المأمور بلا توقف لا حقيقة أمر وامتثال.

(وقال الذين لا يعلمون) جملة المشركين وأهل الكتاب (لو لا يكلمنا الله أو تأتينا آية) كما تأتيك بزعمك (كذلك قال الذين من قبلهم) من الأمم (مثل

ص: 136

« إرسال المطعم والمأكل » (مِثْلَ قَوْلِهِمْ) كسادا أو طلاحا وروما للمحال (تَشابَهَتْ قُلُوبُهُمْ) هؤلاء العدّال والأمم الأوّل لسوء اسرارها عمها وعدولا (قَدْ بَيَّنَّا الْآياتِ) لسداد محمّد صلعم وكلامه كما هو صلاح الحال (لِقَوْمٍ) رهط (يُوقِنُونَ) ( 118 ) لمدلولها لا إعوار لهم لمّا هداهم اللّه .

(إِنَّا أَرْسَلْناكَ) إرسالا موصولا (بِالْحَقِّ) وهو الإسلام (بَشِيراً) لأهل الصّلاح والسّداد إكراما وعطاء (وَنَذِيراً) لأهل الطلاح والصّدود طردا وإصرا (وَلا تُسْئَلُ) لا أسألك (عَنْ أَصْحابِ الْجَحِيمِ) ( 119 ) مآلهم ما أسلموا مع هداك وهو حال ورووا معلوما للرّدع ، وحاصله حدّ اللّه رسوله لمّا أراد سواك حال والده وأمّه .

(وَلَنْ تَرْضى عَنْكَ) محمّد ( ص ) (الْيَهُودُ وَلَا النَّصارى) لمّا سألوا رسول اللّه صلعم الصلح وطمعوا الإمهال لو أمهلهم طاوعوا أرسله اللّه حسما لطمعه صلعم إسلامهم (حَتَّى تَتَّبِعَ مِلَّتَهُمْ) صراطهم المسلوك لهم ، ولعلّه محصول كلامهم حكاه اللّه كما دلّ (قُلْ) لهم رسول اللّه ردّا لكلامهم ( إِنَّ هُدَى

----------

قولهم) كأرنا الله جهرة هل يستطيع ربك أن ينزل علينا مائدة (تشابهت قلوبهم) في العمى والعناد (قد بينا الآيات لقوم يوقنون).

(إنا أرسلناك بالحق) متلبسا به (بشيرا ونذيرا) لا جابرا على الإيمان تسلية له (صلى الله عليه وآله وسلّم) إذ كان يغتم لإصرارهم على الكفر (ولا تسئل) على النهي كما عن نافع والباقون على النفي (عن أصحاب الجحيم) ما لهم لا يؤمنوا بعد تبليغك.

(ولن ترضى عنك اليهود ولا النصارى حتى تتبع ملتهم) إقناط له تعالى عن إسلامهم وكأنهم قالوا ذلك فحكاه تعالى ولذا قال (قل) مجيبا لهم (إن هدى الله) أي الإسلام (هو الهدى) بالحق لا ما تدعون إليه (ولئن

ص: 137

اللَّهِ) وهو الإسلام (هُوَ الْهُدى) سلوك صراطه الأسدّ لا ما هو هواهم (وَلَئِنِ اتَّبَعْتَ أَهْواءَهُمْ) آرائهم وآمالهم (بَعْدَ) العهد (الَّذِي جاءَكَ مِنَ الْعِلْمِ) علم ما أوحاه اللّه وأرسله أو الصّراط المعلوم سداده للأدلاء اللّوامع وهو الإسلام (ما لَكَ) محمّد ( ص ) (مِنَ اللَّهِ) إصره (مِنْ وَلِيٍّ) وآل لأمرك (وَلا نَصِيرٍ) ( 120 ) ردء راد لإصرك لمّا حلّ لك .

(الَّذِينَ آتَيْناهُمُ الْكِتابَ) طرس الهود والمراد مسلموهم أو طرس محمّد صلعم ، والمراد أهل الإسلام (يَتْلُونَهُ) حال أو محمول الموصول (حَقَّ تِلاوَتِهِ) مصدر مؤكّد له وهو رعاء كلمه وعلم مراده وعمل مدلوله ودرسه ، كما أرسل سالما ممّا حوّل وأحلّ حرامه وحرّم حلاله ، (أُولئِكَ) دارسوه وعاملوه (يُؤْمِنُونَ بِهِ) طرسهم مسلموه لا محوّلوه وهو مع موصوله محمول الموصول الأوّل (وَمَنْ يَكْفُرْ) وما أسلم (بِهِ) طرسه وحوّله عمّا أوحاه اللّه دالّا ومدلولا ، (فَأُولئِكَ) محوّلوه (هُمُ) عماد (الْخاسِرُونَ) ( 121 ) لا مسلموه لمّا هم أسوا الإسلام وساموا العدول أو أعدموا رؤوس أموالهم وطرحوا أصولها وصار معادهم الورد المورود .

----------

اتبعت أهواءهم) بدعهم (بعد الذي جاءك من العلم) أي الدين الصحيح أو البيان (ما لك من الله من ولي ولا نصير) يدفع عنك من قبيل إياك أعني.

(الذين ءاتيناهم الكتاب) وهم مؤمنوا أهل الكتاب (يتلونه حق تلاوته) بالتدبر له والعمل بمقتضاه أو بالوقف عند ذكر الجنة والنار والسؤال في الأولى والاستعاذة في الأخرى (أولئك يؤمنون به) بكتابهم دون المحرفين (ومن يكفر به) من المحرفين (فأولئك هم الخاسرون) حيث اشتروا الضلالة بالهدى.

ص: 138

(يا بَنِي إِسْرائِيلَ) لمّا صدّر أحوالهم وطرح آمالهم وأهوالهم وأمرهم ادّكار الآلاء وأداء محامدها وروع إعدامها وهوّلهم دار المعاد وآلامها ، كرّر الكلام معهم إكمالا للمرام وإعلاما لما هو المصمود (اذْكُرُوا نِعْمَتِيَ) أحصوها وكرّروها (الَّتِي أَنْعَمْتُ عَلَيْكُمْ) لإكرامكم وإصلاح حالكم وادكروا (وَأَنِّي فَضَّلْتُكُمْ) إسلاما وإكراما (عَلَى الْعالَمِينَ) ( 122 ) أهل عصركم .

(وَاتَّقُوا) روعوا (يَوْماً) موعودا أموره وأهواله (لا تَجْزِي نَفْسٌ) أحد مسلم أداء (عَنْ نَفْسٍ) أحد ردّ الإسلام (شَيْئاً) أمرا ما ، (وَلا يُقْبَلُ مِنْها) لعدولها وردّها الإسلام (عَدْلٌ) مال معادل لها ، (وَلا تَنْفَعُها) لإعمالها الطّوالح (شَفاعَةٌ) دعاء أحد لدرء عسرها وحصول وطرها (وَلا هُمْ) رهط ردوا الإسلام (يُنْصَرُونَ) ( 123 ) دسعا لآصارهم لا ردء لهم ولا معوّل ، والحاصل « حسم مواد أطماعهم كلّها » وهو محمول « هم » .

(وَ) ادّكر (إِذِ) عهدا (ابْتَلى) محّص (إِبْراهِيمَ) لإعلام أهل العصر أحواله وأوامره وهو رسول مولده السّوس (رَبُّهُ بِكَلِماتٍ) أوامر وأحكام (فَأَتَمَّهُنَّ) أدّاها وأكملها ، أو المراد دعا اللّه مرومه وأعطاه سؤله ،

----------

(يا بني إسرائيل اذكروا نعمتي التي أنعمت عليكم وأني فضلتكم على العالمين).

(واتقوا يوما لا تجزي نفس عن نفس شيئا ولا يقبل منها عدل) فريضة أو فداء (ولا تنفعها شفاعة ولا هم ينصرون) مر مثل الآيتين والتكرير لبعد ما بين الكلامين تأكيدا للتذكير ومبالغة في النصح وإقامة الحجة.

(وإذ ابتلى إبراهيم ربه بكلمات) عامله معاملة المختبر وفسرت بذبح ولده والنار وبمناسك الحج وبالكوكب والقمر والشمس وبالعشر الحنيفية وبالكلمات التي تلقاها آدم من ربه وهي أسماء محمد وأهل بيته (عليهم السلام) (فأتمهن) أداهن

ص: 139

(قالَ) اللّه له لمّا أكملها (إِنِّي جاعِلُكَ) كرما وعطاء (لِلنَّاسِ) كلّهم عموما (إِماماً) رسولا وهماما وصار الكل مأموما لك ومطاعا لأمرك ، (قالَ) دعا (وَمِنْ ذُرِّيَّتِي) إماما لكلّ عصر ودّا للأولاد ، وورد هو سأل اللّه إرسالهم وهو ككلامك « وعمرا لو أعدك سأكرمك » ، (قالَ) اللّه له لمّا دعاه (لا يَنالُ عَهْدِي) السّرّ المودع صدور الرّسل وهو أصار أولاده إماما أو رسولا (الظَّالِمِينَ) ( 124 ) أهل العدو ، ورووه مع « الواو » ومدلولهما واحد وهو إعطاء لمدعوه وإعلام حدل أولاده له وعدم وصول العهد لأهل الحدل لمّا هو عهد اللّه وسره وما هم أهله .

(وَ) ادّكر (إِذْ جَعَلْنَا الْبَيْتَ) الودع الحرام كرّمها اللّه (مَثابَةً) معادا ومدارا (لِلنَّاسِ) كلهم عمّارا وأمّاما (وَأَمْناً) سلاما والمراد محلّه ، (وَ) ادّكر عهدا أمر أهل الإسلام (اتَّخِذُوا مِنْ مَقامِ إِبْراهِيمَ) مرسمه ومحلّه المعهود أو الحرم كله ، والأمر للطّوع (مُصَلًّى) محلّ مساس الرّأس هكوعا أو مولّاه كما

----------

بغير تفريط (قال إني جاعلك للناس إماما قال ومن ذريتي) نسلي الواو للاستيناف أو العطف على محذوف ومن للابتداء أو التبعيض أو زائدة أي اجعلني إماما واجعل من ذريتي أو بعضها أو ذريتي على جهة السؤال (قال لا ينال عهدي) الإمامة (الظالمين) لا يكون السفيه إمام التقي دلت على وجوب عصمة النبي والإمام لصدق الظالم على العاصي سواء فسر بانتقاص الحق أو بوضع الشيء في غير موضعه.

(وإذ جعلنا البيت) الكعبة (مثابة للناس) مرجعا ومحل عود أو موضع ثواب (وأمنا) من دخله كان آمنا (واتخذوا) بتقدير القول (من مقام إبراهيم) الحجر الذي قام عليه ودعا الناس إلى الحج أو بنى البيت (مصلى) موضع صلاة أو قبلة

ص: 140

هو المأمور (وَعَهِدْنا إِلى إِبْراهِيمَ وَإِسْماعِيلَ) ولده والمراد أمر اللّه لهما (أَنْ طَهِّرا بَيْتِيَ) الحرام عمّا حرّمه اللّه ك « دماهم » والأركاس كلّها (لِلطَّائِفِينَ) الدّوار حوله (وَالْعاكِفِينَ) الرّماك حوّاله (وَالرُّكَّعِ) واحده « الرّاكع » (السُّجُودِ) ( 125 ) هم مصلّوه ومولّوه .

(وَ) ادّكر (إِذْ قالَ إِبْراهِيمُ) دعاء (رَبِّ اجْعَلْ هذا) الحرم المكرّم أو صلاح (بَلَداً آمِناً) مصرا سلم أهله عمّا ساء وكره (وَارْزُقْ) أعط وأطعم (أَهْلَهُ) أهل المصر (مِنَ) صروع (الثَّمَراتِ) الأحمال والأكل لما لا أكر ولا حمل حوله (مَنْ آمَنَ) أسلم (مِنْهُمْ) أهله (بِاللَّهِ) الملك العدل (وَالْيَوْمِ الْآخِرِ) الموعود معادا ، ولمّا دعا اللّه اطعام أهل الإسلام ووهم الرّد والرّوع كما ردّ وردع ، دعاه لإرسال أولاده (قالَ) اللّه ردّا لوهمه وإعلاما له وَ أطعم (مَنْ كَفَرَ) عدل والحد لمّا هو عطاء عامّ للصّالح والطالح والمسلم والعادل (فَأُمَتِّعُهُ) أمدّ له مدّا (قَلِيلًا) أو عمرا ماصلا ورووه أمرا (ثُمَّ أَضْطَرُّهُ) مالا ومعادا ورووه مكسور الأوّل وأطرّه وأمرا كالأوّل (إِلى عَذابِ النَّارِ) إصلاء وإحماء (وَبِئْسَ الْمَصِيرُ) ( 126 ) المعاد معاده وهو السّاعور .

----------

(وعهدنا إلى إبراهيم وإسماعيل) أمرناهما (أن) بأن أو أي (طهرا بيتي) نحيا عنه المشركين أو من الأصنام والأنجاس (للطائفين) الدائرين حوله (والعاكفين) المقيمين عنده أو المعتكفين فيه (والركع السجود) المصلين.

(وإذ قال إبراهيم رب اجعل هذا) البلد أو المكان (بلدا ءامنا) ذا أمن كعيشة راضية أو آمنا أهله كليل نائم (وارزق أهله من الثمرات من ءامن منهم بالله واليوم الآخر) ومن آمن بدل البعض من أهله (قال) الله تعالى (ومن كفر) عطف على محذوف أي ارزق من آمن ومن كفر (فأمتعه) أزمانا أو متاعا (قليلا) في الدنيا قل متاع الدنيا قليل (ثم أضطره) ألزمه (إلى عذاب النار وبئس المصير)

ص: 141

(وَ) ادّكر (إِذْ يَرْفَعُ) أوّل العهد حال عصر مرّ حكاها اللّه (إِبْراهِيمُ الْقَواعِدَ) الأسس والأصول (مِنَ الْبَيْتِ) الحرام وهو الودع (وَإِسْماعِيلُ) ولده الممدّ لعمله وو ردهما أسّسا معا أو أوسا دعوا دعاء صالحا (رَبَّنا تَقَبَّلْ) العمل الصّادر (مِنَّا) وهو إعلاء الأسس (إِنَّكَ أَنْتَ السَّمِيعُ) للدّعاء (الْعَلِيمُ) ( 127 ) للسّاو .

(رَبَّنا وَاجْعَلْنا مُسْلِمَيْنِ) أكملا أهل الإسلام وأحمدا أهل الطّوع ورووه مكسورا ، والمراد هو ولده وامّ ولده (لَكَ) لأوامرك (وَمِنْ ذُرِّيَّتِنا أُمَّةً مُسْلِمَةً لَكَ) طواعا لأحكامك وهم صلحاء الأولاد ودعوا لهم لمّا هم الأصالح للدّعاء رحما وودادا ، أو لمّا هم لو صلحوا صلح أطواعهم كلّهم ، وورد أراد رهط محمّد صلعم وطوّعه لمّا أسلموا له وأطاعوا أوامره وأحكامه (وَأَرِنا) المراد الإعلام الكامل (مَناسِكَنا) محالّ أداء مراسم الحرم ومواسمها

----------

والمخصوص محذوف أي العذاب.(وإذ يرفع إبراهيم) حكاية حال ماضية (القواعد) جمع قاعدة أي الأساس ورفعها البناء عليها أو السافات إذ كل ساف قاعدة (من البيت وإسماعيل) ولعل الفصل لأنه كان يناوله الحجارة قائلين (ربنا تقبل منا إنك أنت السميع) لدعائنا (العليم) بنياتنا.

(ربنا واجعلنا مسلمين) مخلصين أو منقادين (لك) والمراد طلب الزيادة في الإخلاص أو الانقياد أو الثبات عليه (ومن ذريتنا) واجعل بعضها وخصا البعض لما علما أن فيهم ظلمة (أمة) من أمه إذا قصده قيل للجماعة لأنها تام (مسلمة لك) أمة محمد لقوله وابعث فيهم وعن الصادق (عليه السلام) هم بنو هاشم خاصة (وأرنا مناسكنا) عرفنا متعبداتنا أو مذابحنا أو

ص: 142

(وَتُبْ عَلَيْنا) عمّا صدر ألوّا وسهوا ولعلّهما دعواه هصما وإعلاما لأولادهما أو هو دعاء لأولادهما (إِنَّكَ أَنْتَ التَّوَّابُ) محاء الطّوالح (الرَّحِيمُ) ( 128 ) كامل المراحم .

(رَبَّنا وَابْعَثْ فِيهِمْ) الأولاد المدعوّ إسلامهم ودوام صلاحهم (رَسُولًا) مرسلا (مِنْهُمْ) أراد محمّدا رسول اللّه صلعم وما أرسل أحد مولودا لهما إلا محمّد صلعم وهو مسموع الدّعاء ومروم السؤال لهما (يَتْلُوا) الرسول (عَلَيْهِمْ) هؤلاء الأولاد (آياتِكَ) كلام اللّه سورا وكلما أو إعلام سداد إرسالك ورسلك (وَيُعَلِّمُهُمُ الْكِتابَ) المرسل (وَالْحِكْمَةَ) وهو علم أسرار ما أسر كما هو المكمّل لهم (وَيُزَكِّيهِمْ) مطهّرهم صدورا واسرارا عمّا ساء وكره (إِنَّكَ أَنْتَ الْعَزِيزُ) ما علاك أحد ولا رادّ لحكمك (الْحَكِيمُ) ( 129 ) عالم الحكم أو كامل الإحكام لما أمر .

( وَمَنْ ) ما أحد (يَرْغَبُ عَنْ مِلَّةِ إِبْراهِيمَ) أكرم الملل وهو كلام مهدّد لأهل الصّدود (إِلَّا مَنْ) امرء (سَفِهَ نَفْسَهُ) وكس روعه وما روّاء مآل الأمر

----------

عبادتنا (وتب علينا إنك أنت التواب الرحيم) بعباده.

(ربنا وابعث فيهم) في تلك الأمة (رسولا منهم) من تلك الأمة ولم يبعث منهم غير محمد قال أنا دعوة إبراهيم وبشرى عيسى (يتلو عليهم آياتك) دلائل التوحيد والنبوة الموحاة إليهم (ويعلمهم الكتاب) القرآن (والحكمة) المعارف والأحكام (ويزكيهم) يطهرهم من خبائث العقائد والأخلاق والأعمال (إنك أنت العزيز) لا تغلب على ما تريد (الحكيم) المحكم له.

(ومن يرغب عن ملة إبراهيم) إنكار واستبعاد وهي دين الإسلام والحنيفية العشر التي جاء بها (إلا من سفه نفسه) أذلها واستخف بها قيل سفه

ص: 143

وعطّل الحواسّ وأهمل معالم الدّرك (وَلَقَدِ اصْطَفَيْناهُ فِي الدُّنْيا) إسلاما وألوكا وودّا وعهدا وسلاما (وَإِنَّهُ فِي) الدّار (الْآخِرَةِ) الموعود ورودها (لَمِنَ الصَّالِحِينَ) ( 130 ) هم الرسل الكرام اللّاء مرّ عهدهم أورد علوّ حاله وصلاح مآله لإعلام وكس روع مرء ودّع مسلكه وما طاع أمره .

وادّكر (إِذْ) العصر المعهود (قالَ) أمر (لَهُ رَبُّهُ) مالكه ومرسله (أَسْلِمْ) أطع اللّه وطاوع أمره وراء أعلام ملكه وطوله ، وامحص عملك له وهلّل وادع « لا إله إلّا اللّه » ، وورد هو أمر ورد أول حاله (قالَ أَسْلَمْتُ) إسلاما مأمورا (لِرَبِّ الْعالَمِينَ) ( 131 ) مصلح العوالم كلّها .

(وَوَصَّى) دعا وأصلها الوصل (بِها) أحكام الإسلام أصلها « لا إله إلّا اللّه » (إِبْراهِيمُ بَنِيهِ) أولاده حال وروده السام (وَيَعْقُوبُ) لأولاده وصّاهم كما هو موصّ لأولاده ( يا بَنِيَّ ) اعلموا (إِنَّ اللَّهَ) كامل العطاء (اصْطَفى لَكُمُ) أعطاكم (الدِّينَ) الإسلام وهو صراح السداد (فَلا تَمُوتُنَّ) حالا ما (إِلَّا وَ) الحال (أَنْتُمْ مُسْلِمُونَ) ( 132 ) والمراد دوام الإسلام .

----------

بالكسر متعد وبالضم لازم وفي السجادي ما أحد على ملة إبراهيم إلا نحن وشيعتنا (ولقد اصطفيناه) الرسالة (في الدنيا وإنه في الآخرة لمن الصالحين) المستقيمين على الخير ومن كان كذلك كان حقيقا بالإتباع لا يرغب عنه إلا سفيه.

(إذ قال له ربه أسلم قال أسلمت لرب العالمين) ظرف لاصطفيناه أو لأذكر مقدرا.

(ووصى بها) بالملة أو كلمة أسلمت (إبراهيم بنيه) الأربعة إسماعيل وإسحق ومدين ومدان (ويعقوب) أي وصى بها يعقوب بنيه الاثني عشر قائلا (يا بني إن الله اصطفى لكم الدين) الإسلام (فلا تموتن إلا وأنتم مسلمون

ص: 144

(أَمْ) هو للردّ ومدلوله « ما » والكلام مع أهل الإسلام ، والحاصل ما حصل لكم علم ما وصّاه إلّا لإعلام اللّه لكم ممّا أوحاه أو معادل أصله أعلمكم أحد ادّعاكم الرّسل هودا أم (كُنْتُمْ شُهَداءَ) والكلام حّ مع الهود لمّا وهموا ما ورد الحمام لرسول إلّا وهو هود (إِذْ حَضَرَ) ورد ، ورووه مكسور الوسط (يَعْقُوبَ الْمَوْتُ) أدركه السّام وحسم عمره (إِذْ قالَ) إصلاحا (لِبَنِيهِ) أولاده ما هو معمول (تَعْبُدُونَ مِنْ بَعْدِي) سؤال عمّا ألهوه وراعه أراد إحكام عهودهم للإسلام ركودا ودواما ، (قالُوا) حاوروا (نَعْبُدُ إِلهَكَ) الواحد الأحد (وَإِلهَ آبائِكَ) الكرام ورووا « إله » ، (إِبْراهِيمَ) وهو والد ولده (وَإِسْماعِيلَ) وهو عمّه عدّه كالوالد لما ورد « عمّ المرء كوالده » (وَإِسْحاقَ) هو والده ، كلّهم رسل أرسلهم اللّه لإصلاح الأمم (إِلهاً واحِداً) لا إله سواه (وَنَحْنُ لَهُ مُسْلِمُونَ) ( 133 ) حالا ومآلا وهو حال .

(تِلْكَ) الرّسل وأولادهم (أُمَّةٌ) رهط (قَدْ خَلَتْ) مرّ عهدهم (لَها ما كَسَبَتْ) حاصل عملها وكدّها (وَلَكُمْ) رهط الهود (ما كَسَبْتُمْ) مآل عملكم

----------

أم كنتم شهداء) إنكاري أي ما كنتم حاضرين (إذ حضر يعقوب الموت إذ قال لبنيه ما تعبدون من بعدي) المراد به أخذ ميثاقهم على الثبات على الإسلام والتوحيد (قالوا نعبد إلهك وإله آبائك إبراهيم وإسماعيل وإسحق) عطف بيان لآبائك وعد إسماعيل منهم لأن العم يسمى أبا (إلها واحدا) بدل من إله آبائك للتصريح بالتوحيد ورفع توهم ينشأ من تكرير المضاف أو نصب على الاختصاص (ونحن له مسلمون) حال من فاعل نعبد أو مفعوله أو منهما أو اعتراض.

(تلك) أي إبراهيم ويعقوب وبنوهما (أمة قد خلت) مضت (لها ما كسبت

ص: 145

(وَلا تُسْئَلُونَ عَمَّا) أعمال (كانُوا) الرّسل وأولادهم (يَعْمَلُونَ) ( 134 ) وسؤال كلّ واحد عمّا عمله لا عمّا عمل أحد سواه ومآله كعمله لو صلح صلح ولو طلح طلح .

(وَ) أهل الطرس (قالُوا) لأهل الإسلام (كُونُوا هُوداً) وهو سواء الصّراط هو كلام الهود (أَوْ نَصارى) وهو كلامهم مع أهل الإسلام لمّا رأوا الأصلح ما أمره روح اللّه لا سواه (تَهْتَدُوا) لسلوك الصّراط الأسد ، (قُلْ) لهم رسول اللّه لا أصل لكلامكم (بَلْ) اودح وأطاوع (مِلَّةَ إِبْراهِيمَ) واسلك مسلكها (حَنِيفاً) عادلا طاهرا مسلما وهو حال ، (وَما كانَ) هو (مِنَ) الملأ (الْمُشْرِكِينَ) ( 135 ) هم رهط ألحدوا ودعوا للّه سهماء وادّعوا له عدلاء ، ردّ لأهل الملل لمّا ادّعوا هو إمامهم مع ردّهم الإسلام .

----------

ولكم ما كسبتم) لكل أجر عمله (ولا تسئلون عما كانوا يعملون) لا تؤاخذون بمعاصيهم كما لا تثابون بطاعاتهم.

(وقالوا) أي أهل الكتاب (كونوا هودا أو نصارى) أي دعا كل من الفريقين إلى دينه (تهتدوا) جواب كونوا (قل بل) نتبع (ملة إبراهيم حنيفا) حال أي مائلا من الباطل إلى الحق (وما كان من المشركين) تعريض بأهل الكتاب وغيرهم إذ دعوا أتباعه وهم مشركون.

(قولوا) أيها المؤمنون (ءامنا بالله وما أنزل إلينا) أي القرآن (وما أنزل إلى إبراهيم وإسماعيل وإسحق ويعقوب والأسبأط) صحف إبراهيم فإنها منزلة إليهم لأنهم متعبدون بما فيها كما أن القرآن منزل إلينا والأسبأط حفدة يعقوب ذراري بنيه الاثني عشر (وما أوتي موسى وعيسى) التوراة والإنجيل وخصا بالذكر لأنه احتجاج على أهل الكتابين (وما أوتي النبيون) المذكورون وغيرهم (من ربهم) منزلا منه (لا نفرق بين أحد منهم) بأن نؤمن ببعض ونكفر ببعض كاليهود

ص: 146

(قُولُوا) الأمر لأهل الإسلام أو لأهل الطّلاح (آمَنَّا بِاللَّهِ) الواحد الأحد (وَما) طرس (أُنْزِلَ) أرسل (إِلَيْنا) وهو كلام اللّه أورده أوّلا لمّا هو ملاك لإسلام ما سواه (وَما) ألواح (أُنْزِلَ) أرسل (إِلى إِبْراهِيمَ وَإِسْماعِيلَ وَإِسْحاقَ) هما ولداه (وَيَعْقُوبَ) هو ولد ولده (وَالْأَسْباطِ) هو أولاد الأولاد أراد رهطا كلّهم رسل وما أرسل لهم ألواح سواها ، وهم لمّا أطاعوا أوامرها وعملوا أحكامها ودعوا الأرهاط لإسلامها صاروا كما أرسل الألواح لهم ككلام اللّه المرسل لمحمّد رسول اللّه صلعم مرسل لطوّعه لمّا هم عاملوه (وَما) طرس (أُوتِيَ مُوسى) وهو رسول كلّمه اللّه (وَ) طرس أعطاه اللّه (عِيسى) وهو رسول سمّاه اللّه روح اللّه (وَما أُوتِيَ النَّبِيُّونَ) الرّسل كلّهم علم أحوالهم أولا ، مرسلا لهم (مِنْ) أمر (رَبِّهِمْ) وحكمه أرسلهم اللّه لإصلاح الأمم ، (لا نُفَرِّقُ بَيْنَ أَحَدٍ) آحاد (مِنْهُمْ) الرّسل وهو الإسلام لآحادهم والرّد لآحاد سواهم كما هو عمل طلّاح الأمم ، (وَنَحْنُ لَهُ) للّه لا لسواه (مُسْلِمُونَ) ( 136 ) إسلاما ممحوصا .

(فَإِنْ آمَنُوا) أسلموا (بِمِثْلِ ما) لما وهو موصول (آمَنْتُمْ) أو إسلاما كإسلامكم والكاسر لا مدلول له أو محلّه الوارد علاه كاسم السّلام (بِهِ) معاده « ما » ، والمراد هو اللّه أو إرسال الرّسل وطروسهم ، (فَقَدِ اهْتَدَوْا) أدركوا الصّراط الأسد وصاروا سلّاك مراحل الوصول ، (وَإِنْ تَوَلَّوْا) عدلوا عمّا هو الصّلاح والسّداد (فَإِنَّما هُمْ) ما هم إلّا (فِي شِقاقٍ) عداء وطلاح لا وداد وصلاح

----------

والنصارى وأضيفت بين إلى أحد لعمومه في سياق النفي (ونحن له) لله تعالى (مسلمون) منقادون مخلصون.

(فإن ءامنوا بمثل ما ءامنتم به) دخلوا في الإيمان بشهادة مثل شهادتكم التي آمنتم بها (فقد اهتدوا وإن تولوا) أعرضوا عن الإيمان (فإنما هم في شقاق)

ص: 147

(فَسَيَكْفِيكَهُمُ اللَّهُ) كلام مسلّ لرسول اللّه صلعم ولطوّعه عموما ووعد مؤكّد إرساء لهم وإلواء للأعداء (وَهُوَ السَّمِيعُ) لكلامهم (الْعَلِيمُ) ( 137 ) لأحوالهم وأسرار صدورهم كالعداء والحسد والمعامل معهم كأعمالهم وهو ح ممّا أوعدهم اللّه أو هو سامع لسؤالك وعالم لسأوك وموصلك ما هو مرادك وهو إعلاء الإسلام ، وح هو ممّا وعد اللّه رسوله .

ورهط روح اللّه لمّا عملوا عملا لا أصل له ولا سداد وهو ما أوردوا أولادهم ماء مصحاما لهم وماصوهم ووهموه مطهّرا لهم ولمّا عمله أحد لولده علموه كأحدهم أمر اللّه لأهل الإسلام ردّا لأوهامهم وإعلاما لمّا هو أصلح الصّرط طاوعوا أو داوموا .

(صِبْغَةَ اللَّهِ) وهو الإسلام لمّا هو مطهّر الصّدور والأرواح أو مصدر مؤكّد لعامل مطروح صدره (وَمَنْ أَحْسَنُ) لا أحد أطهر وأحمد (مِنَ اللَّهِ صِبْغَةً) إسلاما وما عمل أصلح ممّا أمره اللّه ، (وَنَحْنُ لَهُ) للّه (عابِدُونَ) ( 138 ) كما أمر اللّه .

----------

مخالفة للحق فهم في شق غير شقه (فسيكفيكهم الله) وعد له تعالى النصر عليهم (وهو السميع) لدعائك (العليم) بنيتك وهو مستجيب لك فهو من تمام الوعد أو وعيد للمعرضين أي يسمع أقوالهم ويعلم أعمالهم فيجازيهم عليها.

(صبغة الله) مصدر مؤكد لآمنا أي صبغنا الله صبغة وهي الفطرة التي فطر الناس عليها أو هدانا دينه أو طهرنا بالإيمان تطهيرا سماه صبغة للمشاكلة فإن النصارى كانوا يغمسون أولادهم في ماء أصفر يسمونه المعمودية يجعلون ذلك تطهيرا لهم ومحققا لنصرانيتهم (ومن أحسن من الله صبغة) لا صبغة أحسن من صبغته (ونحن له عابدون) عطف على آمنا.

ص: 148

وأهل الطّرس لمّا ادّعوا لو أرسل اللّه رسولا لأرسل أحدهم لمّا وهموا لا أحد أهل للإرسال سواهم أرسل اللّه (قُلْ) رسول اللّه لأهل العلل (أَ) لم (تُحَاجُّونَنا) إدلاء ومراء مع سطوع الأدلاء (فِي) أمر (اللَّهِ) الأوطد وإرساله رسولا سواكم (وَ) الحال (هُوَ رَبُّنا وَرَبُّكُمْ) مالك الكلّ وموصل الكمال المملّك ملك الإرسال لكلّ أحد أراده وهو المألوه المطاع لا سواه (وَلَنا أَعْمالُنا) الصّوالح والطّوالح (وَلَكُمْ أَعْمالُكُمْ) ولكلّ واحد مال لأعماله وعمل كل أساس أمره (وَنَحْنُ لَهُ) للّه (مُخْلِصُونَ) ( 139 ) موحدوه ومطاوعوه علما وعملا .

(أَمْ) هو معادل لما مرّ والحاصل ألكم المراء لأمر اللّه وحكمه أم (تَقُولُونَ) أهل الطّرس ادّعاء وإلحادا (إِنَّ إِبْراهِيمَ) هو إمام الرّسل (وَإِسْماعِيلَ وَإِسْحاقَ) هما ولداه ومطاوعاه (وَيَعْقُوبَ وَالْأَسْباطَ) أولادهم الكرام وسلّاك مسالكهم (كانُوا هُوداً) كما وهم الهود (أَوْ نَصارى) كما هم وهموا وهو ولعكم وادّعاءكم وهم ما سلكوا مسلكا وما أمروا لأحد إلا ما هداهم اللّه وهو الإسلام ، (قُلْ) رسول اللّه ردّا لهم (أَ أَنْتُمْ) أهل الطّرس (أَعْلَمُ)

----------

(قل أتحاجوننا) تجادلوننا (في الله) في أمره واصطفائه النبي من العرب دونكم قيل قال أهل الكتاب كل الأنبياء منا فلو كنت نبيا لكنت منا فنزلت (وهو ربنا وربكم) الكل عباده يصيب برحمته من يشاء (ولنا أعمالنا ولكم أعمالكم ونحن له مخلصون) دونكم.

(أم تقولون إن إبراهيم وإسماعيل وإسحق ويعقوب والأسبأط كانوا هودا أو نصارى) أم منفصلة والهمزة للإنكار وقرىء بتاء الخطاب فيجوز كونها عديلة همزة أتحاجوننا (قل أأنتم أعلم أم الله) وقد قال ما كان إبراهيم يهوديا ولا نصرانيا وقال

ص: 149

لأحوال هؤلاء الرّسل وأسرارهم (أَمِ اللَّهُ) والمراد « هو اللّه أعلم » (وَمَنْ) لا أحد (أَظْلَمُ) أطلح وأحدل (مِمَّنْ) علم أمرا وأدرك حالا و (كَتَمَ شَهادَةً) أداء علم حاصل (عِنْدَهُ) وإعلاء أمر عمله (مِنَ اللَّهِ) إعلامه وهو لوم لهم لما أسرّوا ما هو معلومهم وهو سداد إرسال محمّد صلعم (وَمَا اللَّهُ بِغافِلٍ) ساه (عَمَّا) إعمال (تَعْمَلُونَ) ( 140 ) إصرارا هو عدم إعلاء المعلوم لهم وهو ممّا أوعدهم اللّه .

(تِلْكَ أُمَّةٌ قَدْ خَلَتْ) مرّ عهدها (لَها ما كَسَبَتْ) إعمالها (وَلَكُمْ ما كَسَبْتُمْ) أعمالكم وهو محص للكلّ ومعامل معهم مطو أعمالهم (وَلا تُسْئَلُونَ) أهل الطرس (عَمَّا) أعمال (كانُوا) هؤلاء الأمم (يَعْمَلُونَ) ( 141 ) كرّره مؤكّدا لردعهم عمّا ساء ، والمراد ولّاد الهود ورهط روح اللّه والأوّل هم الرّسل .

(سَيَقُولُ السُّفَهاءُ) هم رهط وكس أحلامهم وعلّ لهم مسامع أوامر اللّه ومدارك أسراره ، والمراد الهود لمّا كرهوا حئول رسول اللّه صلعم وطوّعه عمّا هو مولّاهم وما ودّوه ، أو أهل الإسلام حسّا وكلاما لا سرّا وصدرا لكمال حرصهم لردّ أمره صلعم ، أو أهل العدول لما كالموا وعاد محمّد صلعم عمّا ولّاه

----------

ما أنزلت التوراة والإنجيل إلا من بعده والمعطوفون عليه أتباعه (ومن أظلم ممن كتم شهادة عنده من الله) تعريض لأهل الكتاب بكتمهم ما نزل في محمد صلى الله عليه واله (وما الله بغافل عما تعملون) وعيد لهم.

(تلك أمة قد خلت لها ما كسبت ولكم ما كسبتم ولا تسئلون عما كانوا يعملون) كرر تأكيدا للزجر عن الاتكال على فضل الآباء وأريد بالأمة هناك الأنبياء وهنا أسلاف أهل الكتاب.

ص: 150

مددا وصمد مآل ولّاده ومولّاهم واللّه لهو معاود لما أله دماهم وسلك مسلكهم أعلم ما هو مآل حالهم أوّلا إعدادا لردّ كلامهم (مِنَ النَّاسِ) ولد آدم (ما وَلَّاهُمْ) آمالهم وحوّلهم (عَنْ قِبْلَتِهِمُ) مآلهم ومولاهم (الَّتِي كانُوا) ركودا (عَلَيْها) وولّوها أعصارا ودهورا ، (قُلْ) رسول اللّه ردّا لهم (لِلَّهِ) ملكا وملكا (الْمَشْرِقُ وَالْمَغْرِبُ) والكلّ مطالع لوامعه ومصادر أسراره ، أو المراد أمصارهما كلّها له (يَهْدِي) اللّه (مَنْ يَشاءُ) هداه وهو أهلها إسعادا وإسداء لحاله (إِلى صِراطٍ مُسْتَقِيمٍ) ( 142 ) مسلك أهل الوصول وممر أهل اللّه عموما ، أو المراد صراط سواء لا أود له وهو ما أراده اللّه لحكمه ومصالحه طورا أراد الحؤل وطورا عدمه .

(وَكَذلِكَ) كما حوّل مولاكم وهو العدل والسّواء (جَعَلْناكُمْ) أهل الإسلام (أُمَّةً وَسَطاً) عدولا أعدل الأمم (لِتَكُونُوا شُهَداءَ) للرّسل أمد الدّهر ودار إحصاء الأعمال (عَلَى النَّاسِ) وهم الأمم الهوالك (وَيَكُونَ الرَّسُولُ) محمّد ( ص ) (عَلَيْكُمْ) لكم أهل الإسلام (شَهِيداً) مدا .

وورد لمّا كالم الأمم مع رسلهم معادا ، وادّعوا عدم إعلامهم أوامر اللّه

----------

(سيقول السفهاء من الناس ما ولاهم) ما صرفهم (عن قبلتهم التي كانوا عليها) أي بيت المقدس (قل لله المشرق والمغرب) أي الأرض كلها (يهدي من يشاء إلى صراط مستقيم) وهو ما توجبه الحكمة من المصلحة.

(وكذلك) أي كما جعلناكم مهتدين (جعلناكم أمة وسطا) عدولا أو خيارا وعنهم (عليهم السلام) نحن الأمة الوسط وإيانا عنى وفي قراءتهم أئمة (لتكونوا شهداء على الناس) بأعمالهم المخالفة للحق في الدنيا والآخرة أو حجة عليهم تبينون لهم أو تشهدون للأنبياء على أممهم المنكرين لتبليغهم (ويكون الرسول عليكم

ص: 151

وأحكامه ، وسأل اللّه الرّسل عمّا أرسلوا وحاول عدولا لدعواهم إدلاء ، وهو أعلم ، أعلم رهط محمّد رسول اللّه صلعم إعلام الرّسل ، وسددوهم وهم ما علموا أعمال الأمم الأوّل إلّا لإعلام رسولهم لهم .

ولمّا سأل اللّه محمّدا حال رهطه أهم عدول أم لا ؟ عدّلهم وأعلم سدادهم (وَما جَعَلْنَا الْقِبْلَةَ) المراد ما حوّلها لك (الَّتِي كُنْتَ) واطدا راكدا (عَلَيْها) أوّلا أو حالا ، ولمّا رحل رسول اللّه صلعم ووصل مصره حوّل اللّه مولّاه ودادا لإسلام الهود لمّا داراهم وأمر صراحا لمولّاهم ولمّا مرّ دهر حوّل اللّه المحول وأعاد الأوّل كما هو المأمور حالا (إِلَّا لِنَعْلَمَ) علما لحصول أمر حالا كما علم أوّل الأمر حصوله (مَنْ) أحد (يَتَّبِعُ الرَّسُولَ) مصمّما مع كمال السّداد (مِمَّنْ يَنْقَلِبُ) عودا (عَلى عَقِبَيْهِ) مسرعا مدركا مولّاه الأوّل مطاوعا لهواه وما أطاع الرّسول وما أدرك مولّاه وهو مردود مموّه عاد عمّا هو السّداد ، (وَإِنْ) وهو مؤكّد مطروح الاسم وورد هو للأعدام و « اللام » مدلولها « إلّا » (كانَتْ) اسمها مصدر ولّاهم كما هو المدلول محلّا وحالا (لَكَبِيرَةً) أمرا عسرا حمله

----------

شهيدا) بما عملتم أو حجة تبين لكم أو يشهد بعدالتكم وعديت شهادته بعلى لأنه كالرقيب عليهم (وما جعلنا القبلة التي كنت عليها) بيت المقدس (إلا لنعلم) نمتحن الناس فنميز (من يتبع الرسول) في الصلاة إليه (ممن ينقلب على عقبيه) فيرتد لألفة بقبلة آبائه أو ليتعلق عليها به وجودا أو ليعلم أولياءه الرسول والمؤمنون وفي الولاية إشعار بأن أصل أمرك أن تستقبل الكعبة وما جعلنا قبلتك بيت المقدس إلا لنعلم وقيل المراد الكعبة أي ما رددناك إلى ما كنت عليها إلا لنعلم الثابت من المرتد لأنه (صلى الله عليه وآله وسلّم) كان يصلي بمكة إليها ثم أمر بالصلاة إلى بيت المقدس ثم رد إليها بعد الهجرة (وإن كانت) التحويلة أو القبلة وإن مخففة (لكبيرة) ثقيلة

ص: 152

(إِلَّا عَلَى) الملأ (الَّذِينَ هَدَى اللَّهُ) هداهم اللّه دواما وصاروا أهلا لمراحمه ، والحاصل « حوّلها اللّه لإعلاء حال أهل الإسلام كلّ أحد عصمه اللّه آملا لحصول الوعد وهداه أسلم لرسوله ودام إسلامه وصار محمودا ، أو كلّ أحد ما عصمه وما هداه أسلم لرسوله ودام إسلامه وعدل حال الحؤل وصار مردودا (وَما كانَ اللَّهُ) العدل (لِيُضِيعَ إِيمانَكُمْ) إسلامكم عموما أو إسلامكم لمولاكم المحوّل أو أراد ما صلّوا دهرا ، (إِنَّ اللَّهَ بِالنَّاسِ) أهل الإسلام كلّهم (لَرَؤُفٌ) كامل الرّحم (رَحِيمٌ) ( 143 ) واسع المراحم وهو أعمّ والأول أكمل أرسلها اللّه لمّا سألوا رسول اللّه صلعم ما حال رهط أدركهم الحمام وما حوّل مولّاهم .

(قَدْ نَرى) أعلم (تَقَلُّبَ) حول (وَجْهِكَ) محمّد ( ص ) وأملك لحصول الوعد (فِي) مصاعد (السَّماءِ) لورود الملك مؤملا للأمر المأمول روما لإسلام أهل الحرم (فَلَنُوَلِّيَنَّكَ) أحوّل مولاك و « اللّام » مؤكّد للعهد (قِبْلَةً تَرْضاها) كما هو مرادك المساعد لمراد اللّه وحكمه ومصالحه (فَوَلِّ وَجْهَكَ) أمله وحوّله (شَطْرَ الْمَسْجِدِ الْحَرامِ) المحرّم سمّاه اللّه حراما لما حرّم اللّه

----------

واللام فارقة (إلا على الذين هدى الله) إلى الحكمة الثابتين على اتباع الرسول (وما كان الله ليضيع إيمانكم) صلاتكم نزلت حين قال المسلمون كيف حال من صلى إلى بيت المقدس (إن الله بالناس لرءوف رحيم) لا يضيع أعمالهم.

(قد نرى تقلب وجهك) تردده (في السماء) في جهتها ترقبا للوحي نزلت حين عيرته اليهود بأنه تابع لقبلتهم واغتم لذلك وكان (صلى الله عليه وآله وسلّم) يترقب أن يحوله ربه للكعبة لأنه قبلة أبيه إبراهيم وأدعى للعرب إلى اتباعه ولمخالفة اليهود (فلنولينك قبلة ترضاها) لمقاصد دينية وافقت حكمة الله تعالى (فول وجهك شطر المسجد الحرام) نحوه

ص: 153

وسطه ما أحلّ محلّ الحلّ وهو العماس ، (وَحَيْثُ ما كُنْتُمْ) أكرم الأمم عموما صحراء أو داماء (فَوَلُّوا وُجُوهَكُمْ) وصدوركم وارواعكم وهممكم (شَطْرَهُ) وصلّوا وهو مآلكم ومولاكم ومصلاكم سرمدا .

(وَإِنَّ) الملأ (الَّذِينَ أُوتُوا) أعطوا (الْكِتابَ) الطرس المرسل (لَيَعْلَمُونَ) علما كاملا (أَنَّهُ) ما حوّل أو معاده مصدر « ولو » (الْحَقُّ) الواطد المرسل (مِنْ رَبِّهِمْ) هؤلاء الأمم لما هو مسطور طروسهم ، (وَمَا اللَّهُ) عالم الأسرار (بِغافِلٍ) ساه (عَمَّا) عمل (يَعْمَلُونَ) ( 144 ) وهو مطّلع لكلّ أمر وحال ، وهو كلام واعد وموعد .

(وَ) اللّه (لَئِنْ أَتَيْتَ) « اللّام » مؤكّد للعهد والكلام مع محمد صلعم الملأ (الَّذِينَ أُوتُوا) أعطوا (الْكِتابَ) المرسل الممهّد لأعمالهم (بِكُلِّ آيَةٍ) أوحاها اللّه أو راموها لسداد الحؤل (ما تَبِعُوا) ما طاوعوا وما ولّوا (قِبْلَتَكَ) وما صلّوها لإصرارهم مورط هواهم المهلك لهم وهو حوار العهد المطروح (وَما أَنْتَ) محمّد ( ص ) (بِتابِعٍ) مطاوع ومصلّ (قِبْلَتَهُمْ) ومولاهم وهم الهود ورهط روح اللّه حسم لأطماعهم لمّا طمعوا عوده لمولاهم وأملوا لو طاوع محمّد ( ص ) مولاهم دواما لأطاعوه وعلموه رسولا رصدوه أوّلا (وَما بَعْضُهُمْ) الأمم (بِتابِعٍ) مول (قِبْلَةَ بَعْضٍ) مولّاهم لمّا هم عادوا لكمال

----------

(وحيث ما كنتم) أيها الناس (فولوا وجوهكم شطره) خصه أولا ثم عمم تصريحا لعموم الحكم (وإن الذين أوتوا الكتاب ليعلمون أنه) أي التوجه إلى الكعبة (الحق من ربهم) لتضمن كتبهم أنه يصلي إلى القبلتين (وما الله بغافل عما يعملون) وعد ووعيد للحزبين وقرىء بتاء الخطاب.

(ولئن أتيت الذين أوتوا الكتاب بكل آية) برهان وحجة (ما تبعوا قبلتك) عنادا (وما أنت بتابع قبلتهم وما بعضهم بتابع قبلة بعض) لتعصبهم

ص: 154

طلّاحهم ، والحاصل هم مع عداء لك ووئامهم لردّ أمرك وعدم طوعك عمها وحسدا ما واءموا وما وحّدوا مولاهم وكل رهط مع مولاه ، الهود مولاهم مآل الرّسل الأول ومصلاهم ورهط روح اللّه مولاهم مطلع لا مع الأمم .

(وَ) اللّه (لَئِنِ اتَّبَعْتَ أَهْواءَهُمْ) وراء ما سطع لك السّداد وورد لك الرّوح المطهّر آمالهم السّواء وهم أرادوها لكمال طلاحهم ، الكلام مع محمّد صلعم ، والمراد أهل الإسلام عموما (مِنْ بَعْدِ ما) لاح لك الأمر و (جاءَكَ مِنَ الْعِلْمِ) حصل لك العلم المحوّل ممّا أوحاه اللّه لسداد أمرك وحئول مولاك (إِنَّكَ إِذاً) ح (لَمِنَ) الملأ (الظَّالِمِينَ) ( 145 ) اللّاء طرحوا سواء الصّراط حدلا وعدلوا عمّا هو صلاح الحال وهو كلام مهدّد لأهل الصّدود لما طرحوا الأدلاء وطاوعوا الأهواء .

(الَّذِينَ آتَيْناهُمُ الْكِتابَ) المراد علماؤهم (يَعْرِفُونَهُ) رسول اللّه مع محامده ومكارمه أو العلم أو كلام اللّه أو الحؤل والأوّل أصحّ وأمسّ لكلامه (كَما يَعْرِفُونَ أَبْناءَهُمْ) أولادهم وهو كمال العلم (وَإِنَّ فَرِيقاً) رهطا ما أسلموا (مِنْهُمْ) أهل الملل (لَيَكْتُمُونَ الْحَقَّ) محامد محمد صلعم ومكارمه حسدا ولددا (وَ) الحال (هُمْ يَعْلَمُونَ) ( 146 ) محامده علما أوطد لما أرسل لرسلهم

----------

وتصلبهم واليهود تستقبل الصخرة والنصارى المشرق (ولئن اتبعت أهواءهم) فرضا (من بعد ما جاءك) بالوحي (من العلم إنك إذا لمن الظالمين) أكد الوعيد له لطفا للسامعين وتحذيرا عن اتباع الهوى وتحريصا على الثبات على الحق.

(الذين ءاتيناهم الكتاب) أي علماؤهم (يعرفونه) أي محمدا (صلى الله عليه وآله وسلّم) بأوصافه (كما يعرفون أبناءهم) لا يشبهون عليهم بغيرهم أو الضمير للعلم أو القرآن أو تحويل القبلة (وإن فريقا منهم ليكتمون الحق وهم يعلمون)

ص: 155

كلام حاو لسداد أمر محمّد صلعم وهم درسوه .

(الْحَقُّ) الواطد المؤكّد عموما أو « اللّام » للعهد ، والمراد أحكام وأوامر أرسلها اللّه لمحمّد صلعم أو ما أسرّوه عمها وعدولا صادر (مِنْ رَبِّكَ) المرسل لك ولرسل سواك (فَلا تَكُونَنَّ) محمّد ( ص ) (مِنَ الْمُمْتَرِينَ) ( 147 ) أهل المراء والوهم ردع اللّه رسوله وأراد ردع رهطه ردعا أكمل .

(وَلِكُلٍّ) لكلّ رهط أو لكلّ رسول (وِجْهَةٌ) ورووا كسرها و « اللّام » ح مؤكّد (هُوَ) كلّ واحد أو اللّه (مُوَلِّيها) محوّلها مولّاه أوامرها له ورووا هو مولّاها ، والمراد كلّ رهط مأمورها للمصالح والأسرار (فَاسْتَبِقُوا الْخَيْراتِ) سارعوا صوالح الأعمال وولّوا رءوسكم وصدوركم كما أمر لكم وأدركوا (أَيْنَ ما) كلّ محلّ (تَكُونُوا) كلّكم وأعداءكم سهالا أو أطوادا (يَأْتِ بِكُمُ اللَّهُ) الملك العدل (جَمِيعاً) معا أمد الدّهر حال عود الأرواح لإحصاء الأعمال وهو

----------

(الحق) مبتدأ خبره (من ربك) واللام للعهد إشارة إلى ما عليه الرسول أو الحق الذي يكتمونه أو للجنس أي الحق ما كان من ربك أو الحق خبر محذوف أي هو الحق والظرف حال أو خبر ثان (فلا تكونن من الممترين) الشاكين في ذلك من قبيل إياك أعني.

(ولكل وجهة) لكل أهل ملة قبلة أو لكل قوم من المسلمين جهة من الكعبة والتنوين للعوض (هو موليها) وجهة أو الله تعالى موليها إياه وقرىء مولاها أي مولى تلك الجهة (فاستبقوا الخيرات) الطاعات (أينما تكونوا) في أي موضع متم (يأت بكم الله) إلى المحشر (جميعا) من موافق ومخالف مجتمع الأجزاء ومتفرقها وعنهم (عليهم السلام) أنها في أصحاب القائم يفقدون من فرشهم ليلا فيصبحون

ص: 156

عالم لأعمالكم وأمركم كما هو العدل ، (إِنَّ اللَّهَ) مالك الملك (عَلى كُلِّ شَيْءٍ) ما عدا المحال (قَدِيرٌ) ( 148 ) كامل طول والكلّ مأمور له ومطاوع لحكمه .

(وَمِنْ حَيْثُ) كلّ محلّ ومصر (خَرَجْتَ) محمّد ( ص ) راحلا ، (فَوَلِّ) حوّل (وَجْهَكَ) وصل (شَطْرَ الْمَسْجِدِ الْحَرامِ) وهو مولاك ومورد أسرار اللّه ومصدر لوامعه ومحلّ حكمه وأحكامه (وَإِنَّهُ) ما أمر لك (لَلْحَقُّ) الواطد المرسل (مِنْ رَبِّكَ) المرسل لك (وَمَا اللَّهُ) عالم الأمور كلّها (بِغافِلٍ) ساه (عَمَّا) عمل (تَعْمَلُونَ) ( 149 ) صلاحا وطلاحا .

(وَمِنْ حَيْثُ خَرَجْتَ) سالكا (فَوَلِّ وَجْهَكَ) حوّله (شَطْرَ الْمَسْجِدِ الْحَرامِ) هو مطلع طوالع الصّلاح والسّداد ومطرح أسرار الولاء والوداد (وَحَيْثُ ما كُنْتُمْ) أهل الإسلام رحلا ورموكا (فَوَلُّوا وُجُوهَكُمْ) حوّلوها وسوّوها كلّها (شَطْرَهُ) أكده وكرّره وأورده مرارا لمّا هو أحوط الأمور وأوكد الأعمال ، وعلّمكم اللّه المراء المعهود والأدلّاء المحمود (لِئَلَّا يَكُونَ لِلنَّاسِ)

----------

بمكة (إن الله على كل شيء قدير) ومنه جمعكم .

(ومن حيث) من أي بلد (خرجت) إلى السفر (فول وجهك شطر المسجد الحرام) في الصلاة (وإنه للحق من ربك وما الله بغافل عما تعملون) بالتاء والياء .

(ومن حيث خرجت فول وجهك شطر المسجد الحرام وحيث ما كنتم فولوا وجوهكم شطره) قيل كرر تأكيدا لأمر القبلة وتثبيتا للقلوب عن فتنة النسخ وذكر في كل آية غاية للتحويل من ابتغاء مرضاة الرسول وجرى عادة الله على توليته كل أمة وجهة ودفع حجة المخالف (لئلا يكون للناس عليكم حجة) علة لولوا أي توليتكم عن الصخرة إلى الكعبة ترد احتجاج اليهود بأن المنعوت في التوراة قبلة

ص: 157

الهود والأعداء طرّا (عَلَيْكُمْ حُجَّةٌ) محلّ إدلاء كما وهموا (إِلَّا) الملأ (الَّذِينَ ظَلَمُوا) عدوا حدود اللّه وعادوا أهل الإسلام حسدا مصمّما وعمها محكما وهم أهل صلاح ورووا « ألا » للإعلام (مِنْهُمْ) الأعداء كلّهم (فَلا تَخْشَوْهُمْ) ملاومهم أهل الإسلام للمح حئول مولاكم واطرحوا أوهام الأعداء (وَاخْشَوْنِي) لأحرسكم عمّا عاملوا معكم عمل السّوء وروعوا طرح أمر اللّه والأمر أمر اللّه لا أمر لما عداه والهول هوله لا هول لما سواه (وَ) أعلمكم الأدلاء لردّ الأعداء أو أحرسكم عمّا كره أو أمركم (لِأُتِمَّ) لأكمل (نِعْمَتِي عَلَيْكُمْ) وأكمل هداكم وهو الإسلام وورد إكمالها وورود دارالسّلام أو الحمام مع الإسلام (وَلَعَلَّكُمْ تَهْتَدُونَ) ( 150 ) لمّا هداكم اللّه ودلّكم لحول مولاكم ووصول مولّاكم وأكملها .

(كَما أَرْسَلْنا) لإصلاحكم وإكمالكم (فِيكُمْ رَسُولًا) محمّدا مرسلا

----------

الكعبة والمشركين بأنه يخالف قبلة إبراهيم ويدعي ملته (إلا الذين ظلموا منهم) استثناء من الناس أي لئلا يكون حجة لأحد من الناس إلا المعاندين من اليهود القائلين ما تحول إلى الكعبة إلا ميلا إلى دين قومه وحبه لبلده وسمي حجة لسوقهم إياه مساقها أو من العرب القائلين رجع إلى قبلة آبائه ويوشك أن يرجع إلى دينهم إذ الاستثناء للمبالغة في نفي الحجة إذ لا حجة للظالم (فلا تخشوهم) من مطاعنهم (واخشوني) بمخالفة أمري (ولأتم نعمتي عليكم ولعلكم تهتدون) عطف على لئلا وعلة محذوف أي وأمرتكم لإتمامي النعمة عليكم وإرادتي اهتداءكم .

(كما أرسلنا فيكم رسولا منكم)

متصل بسابقه أي ولأتم نعمتي عليكم بالقبلة أو الثواب كما أتممتها بإرسال رسول منكم أو بلاحقه أي كما ذكرتكم بإرساله

ص: 158

(مِنْكُمْ) الحمس (يَتْلُوا عَلَيْكُمْ) إعلاء (آياتِنا) الكلم والسّور والحكم والأسرار (وَيُزَكِّيكُمْ) إسلاما وهو مطهّر الصّدور والأرواح (وَيُعَلِّمُكُمُ) إكمالا (الْكِتابَ) وهو كلام اللّه المرسل المحكم (وَالْحِكْمَةَ) وهو علم الكلّ كما هو (وَيُعَلِّمُكُمُ) أسرار (ما لَمْ تَكُونُوا) أمام الأعلام (تَعْلَمُونَ) ( 151 ) ما لا مسلك لعلمه إلّا إعلام اللّه .

(فَاذْكُرُونِي) سؤالا للمصامد كلّها (أَذْكُرْكُمْ) إعطاء لكلّ سؤل لكم (وَاشْكُرُوا لِي) آلاء اللّه كلّها (وَلا تَكْفُرُونِ) ( 152 ) طرحا لمحامدها وهو حاسم العطاء سرمدا .

( يا أَيُّهَا) الملأ (الَّذِينَ آمَنُوا) أسلموا (اسْتَعِينُوا) عوّلوا دواما (بِالصَّبْرِ) عمّا أراد هواكم (وَالصَّلاةِ) أمّ صوالح الأعمال وعماد أساس الإسلام (إِنَّ اللَّهَ مَعَ) الرّهط (الصَّابِرِينَ) ( 153 ) إمدادا وإسعادا دواما .

(وَلا تَقُولُوا) أهل الإسلام (لِمَنْ يُقْتَلُ فِي سَبِيلِ اللَّهِ) لإعلاء الإسلام موردها رهط أهل إسلام هلكوا عماسا معهودا (أَمْواتٌ بَلْ) هم (أَحْياءٌ) طار روحهم وصار وكرهم دارالسّلام ، لهم إدراك الأمور وعلم الأحوال (وَلكِنْ لا تَشْعُرُونَ) ( 154 ) أحوالهم وأطوار هم حسّا .

----------

فاذكروني (يتلو عليكم آياتنا ويزكيكم) يعرفكم ما تكونون به أزكياء (ويعلمكم الكتاب والحكمة ويعلمكم ما لم تكونوا تعلمون) مما لا سبيل إلى علمه إلا بالوحي .

(فاذكروني) بطاعتي (أذكركم) برحمتي (واشكروا لي) نعمتي (ولا تكفرون) بجحدها .

(يا أيها الذين ءامنوا استعينوا) على الجهاد أو الطاعات (بالصبر) عن الشهوات (والصلوة إن الله مع الصابرين) بالنصر والتوفيق .

(ولا تقولوا لمن يقتل في سبيل الله أموات) أي هم أموات (بل) هم (أحياء ولكن لا تشعرون) كيف

ص: 159

(وَلَنَبْلُوَنَّكُمْ) لأمحّصكم وأعاملكم عمل معامل أراد علم أحوالكم وأعمالكم (بِشَيْءٍ) ما صل مكروه (مِنَ الْخَوْفِ) هول العدوّ أو اللّه (وَالْجُوعِ) المحل أو الصّوم (وَنَقْصٍ) وكس (مِنَ الْأَمْوالِ) إعداما لها أو إعطاء لما أمر أداءه (وَالْأَنْفُسِ) إهلاكا أو إدواء أو إهراما (وَالثَّمَراتِ) الأولاد أو الأحمال هلاكا وطلاحا أو صرّا وسموما (وَبَشِّرِ) كلام مع الرّسول وأمر له أو الأعمّ الرّهط (الصَّابِرِينَ) ( 155 ) حمّال هؤلاء المكاره والهموم .

(الَّذِينَ إِذا أَصابَتْهُمْ) وصلهم (مُصِيبَةٌ) مكروه ممّا مرّ (قالُوا) هؤلاء طوعا وإسلاما لا كرها وولعا (إِنَّا لِلَّهِ) ملكا (وَإِنَّا إِلَيْهِ) اللّه (راجِعُونَ) ( 156 ) معادا .

(أُولئِكَ) الحمّال (عَلَيْهِمْ صَلَواتٌ) أصلها الدّعاء ، والمراد محو الآصار وما وحّدها إعلاما لورودها مكرّرا (مِنْ رَبِّهِمْ )

----------

حياتهم في الصافي أن أرواح المؤمنين في الجنة على صور أبدانهم فلو رأيته لقلت فلان وعنه (عليه السلام) أنها تصير في مثل قوالبهم ويعرفون القادم عليهم بصورته وعلى هذا فتخصيص الشهداء لمزيد قربهم ونزلت في شهداء بدر وكانوا أربعة عشر .

(ولنبلونكم) نختبرنكم اختبار الممتحن (بشيء) بقليل (من الخوف والجوع ونقص من الأموال والأنفس والثمرات) قيل الخوف خوف الله والجوع الصوم والنقص من الأموال الزكاة ومن الأنفس الأمراض ومن الثمرات موت الأولاد لأنهم ثمرة القلب (وبشر الصابرين) .

(الذين إذا أصابتهم مصيبة قالوا إنا لله) إقرارا بالملك ورضا بالقضاء (وإنا إليه راجعون) إقرار بالهلك والبعث للجزاء .

(أولئك عليهم صلوات من ربهم) أنواع الأثنية الجميلة ويفيد أن الصلاة ليست من خصائص النبي فيجوز أن يصلي على غيره بانفراده فعلى آله بطريق أولى

ص: 160

أرحم الرّحماء (وَرَحْمَةٌ) عطاء وكرم كامل وعدهم اللّه وعدا سارا (وَأُولئِكَ) أهل الرّحم والكرم (هُمُ) لا سواهم (الْمُهْتَدُونَ) ( 157 ) لمّا هداهم اللّه صراط السّداد ومسلك السّواء لمّا طاوعوا أوامر اللّه وحمّلوا المكاره والصّواكم حال ورودها ومسّها وأسلموا لما أراد اللّه عموما .

(إِنَّ الصَّفا وَالْمَرْوَةَ) وهما طودا أمّ رحم مصعدا أهل الإسلام صدد مسعاهم (مِنْ شَعائِرِ اللَّهِ) أعلام مطاوعه ومعالم لوامعه ومصاعد سلاك صراطه وورّاد حرمه ، (فَمَنْ حَجَّ) أصله « الأم » وصار اسما للعمل المأمور المعلوم (الْبَيْتَ) الودع الحرام وحرم اللّه المكرّم المصمد (أَوِ اعْتَمَرَ) وأصله الوصول والهمّ للأمر وصار اسما للوصول المعهود ورسما للأمر المعلوم (فَلا جُناحَ) لا إصر ولا لمم (عَلَيْهِ أَنْ يَطَّوَّفَ) هو الدّور حول محلّ ، والمراد المرور مسرعا (بِهِما) وسطهما أسواطا وورودهما لمّا ورد كلّ واحد محلّ مألوه مموّه مولّع أوّلا وأهل العصر الأوّل كلّما سعوا مسحوهما ولمّا سطع الإسلام وعلا معالمه وكسر أوحار أهل الإسلام وكرهوا الدّور وسطهما أرسلها اللّه (وَمَنْ تَطَوَّعَ) وأطوع وعمل عملا (خَيْراً) مأمورا للّه أو معمولا لرسوله

----------

(ورحمة) وإحسان (وأولئك هم المهتدون) للحق في الاسترجاع والتسليم .

(إن الصفا والمروة) هما جبلان بمكة معروفان (من شعائر الله) من أعلام مناسكه (فمن حج البيت أو اعتمر فلا جناح عليه أن يطوف بهما) نزلت حين تحرج المسلمون من الطواف بهما وعليهما الأصنام أو حين ظنوا أن السعي بهما شيء صنعه المشركون (ومن تطوع خيرا) تبرع زيادة على الواجب من حج أو عمرة أو غيره أو الأعم أو من فعل طاعة من فرض أو نفل وقرىء يطوع وأصله

ص: 161

وصراطا مسلوكا له (فَإِنَّ اللَّهَ شاكِرٌ) لعمله وحامد له ومؤدّ له ما هو أهله (عَلِيمٌ) ( 158 ) لساوه .

(إِنَّ) الملأ (الَّذِينَ يَكْتُمُونَ) كعلماء الهود وهم هدموا أصول طرسهم وحوّلوا أحكامه وأسرّوا محامد محمّد صلعم (ما أَنْزَلْنا مِنَ الْبَيِّناتِ) سواطع الإعلام ولوامع الأدلّاء وأوامر اللّه وأحكامه ومحامد رسوله صلعم (وَالْهُدى) ما هداهم مسلك السّداد وهو الإسلام (مِنْ بَعْدِ ما) للمصدر (بَيَّنَّاهُ) مصرّحا (لِلنَّاسِ) للهود (فِي الْكِتابِ) طرسهم المعهود المعمول المطاع لهم (أُولئِكَ) الحسّاد والألاس (يَلْعَنُهُمُ اللَّهُ) طردا سرمدا (وَيَلْعَنُهُمُ اللَّاعِنُونَ) ( 159 ) داعوا الطّرد والرّدع لو أرادوا ، والمراد أهل طوله وهم الأملاك وأهل الإسلام ، والحاصل هم مطرودو حرم اللّه ومحرومو آلاء دارالسّلام سرمدا .

اللّهم اطردهم واحرمهم مكارم إكرامك ، (إِلَّا) الملأ (الَّذِينَ تابُوا) عمّا ألسّوا وحوّلوا وألحدوا (وَأَصْلَحُوا) أحوالهم وعملوا صوالح الأعمال (وَبَيَّنُوا) ما أسروه أراد مكارم محمّد صلعم ومحامده ، (فَأُولئِكَ) العمّال

----------

يتطوع (فإن الله شاكر) مجاز على ذلك (عليم) به .

(إن الذين يكتمون) من أهل الكتاب أو الأعم (ما أنزلنا من البينات) في أمر محمد صلی الله علیه و اله أو الأعم (والهدى) ما يهدي إلى الحق (من بعد ما بيناه للناس في الكتاب) التوراة والإنجيل أو الأعم (أولئك يلعنهم الله ويلعنهم اللاعنون) كل من يتأتى منه اللعن حتى أنفسهم يقولون لعن الله الظالمين .

(إلا الذين تابوا) من كتمانهم (وأصلحوا) أعمالهم وما كانوا أفسدوه (وبينوا) ما كتموا (فأولئك

ص: 162

لأعمال أهل اللّه (أَتُوبُ) أعود (عَلَيْهِمْ) أمحو إصرهم وأكرمهم إكراما لا حدّ له وأرحمهم عطاء لا أمد له (وَأَنَا التَّوَّابُ) كامل العود لكلّ أحد عاد وسدم عمّا عمل (الرَّحِيمُ) ( 160 ) مكمّل العطاء لكلّ واحد أصلح وما أساء ، وأعلم ما أسرّ .

(إِنَّ) الملأ (الَّذِينَ كَفَرُوا) ما سلّموا وما أسلموا (وَماتُوا) أدركهم السّام (وَ) الحال (هُمْ كُفَّارٌ) والمراد أصرّوا وما عادوا عمّا عملوا وهلكوا (أُولئِكَ) المعلوم أحوالهم والمعهود أعمالهم (عَلَيْهِمْ) لعدولهم (لَعْنَةُ اللَّهِ) طرده دواما وسرمدا وورد هو الطّرد مآلا والأوّل حالا (وَ) طرد (الْمَلائِكَةِ) عموما وطرد (وَالنَّاسِ) كلّهم (أَجْمَعِينَ) ( 161 ) و « اللّام » للعموم أو للعهد والمراد أهل الإسلام .

(خالِدِينَ) دهورا لا أمد لها وأعصارا لا حسم لدوامها وهو حال (فِيها) معادها مدلول الطرد أو دار الآلام وهو معلوم لما دلّ الطّرد (لا يُخَفَّفُ عَنْهُمُ) أهل الطّرد الْعَذابُ الألم عهدا ما (وَلا هُمْ يُنْظَرُونَ) ( 162 ) ما لهم إمهال وإهمال أو لمح رحم لأحد لا للّه ولا سواه معادا .

(وَإِلهُكُمْ) مألوهكم ومطاعكم (إِلهٌ واحِدٌ) ما صحّ اسم الإله إلّا له

----------

أتوب عليهم) أقبل توبتهم (وأنا التواب الرحيم) البالغ في العقود والإحسان .

(إن الذين كفروا) من الكاتمين وغيرهم (وماتوا وهم كفار) لم يتوبوا (أولئك عليهم لعنة الله والملائكة والناس أجمعين) قيل الأول لعنهم أحياء وهذا لعنهم أمواتا .

(خالدين فيها) في اللعنة أو النار (لا يخفف عنهم العذاب ولا هم ينظرون) نظر رحمة أو لا يمهلون ليعتذروا .

(وإلهكم) المستحق للعبادة (إله واحد) لا شريك له في الإلهية (لا إله إلا

ص: 163

وحده لا لمألوه سواه وهو اللّه الأحد الصّمد ، والكلام مع أهل الطوع طرّا (لا إِلهَ) واطد (إِلَّا هُوَ) الإله الواحد (الرَّحْمنُ) راحم كلّكم ومولاكم حالا ومالا (الرَّحِيمُ) ( 163 ) كامل الرّحم مآلا لا حدّ لمراحمه .

ولمّا أرسل « إلهكم إله واحد لا إله إلّا هو » وسمعه أهل العدول ولهم أله حول أم الرّحم وهكروا ممّا سمعوا وحاروا وحاولوا دوّال السّداد أرسل اللّه (إِنَّ فِي خَلْقِ السَّماواتِ) وأدوارها (وَالْأَرْضِ) وأسرارها (وَاخْتِلافِ اللَّيْلِ وَالنَّهارِ) حرّا وهرء ، أو سوادا ولمعا ، أو حولهما وو ردهما ولاء (وَ) إطراد (الْفُلْكِ الَّتِي تَجْرِي) لأمر اللّه وحكمه (فِي الْبَحْرِ) مع ملاء الماء ومدّه (بِما) للمصدر أو موصول (يَنْفَعُ النَّاسَ) لحملهم وإمرارهم ووصولهم لأوطارهم (وَما أَنْزَلَ اللَّهُ) أرسل اللّه (مِنَ) علوّ (السَّماءِ مِنْ ماءٍ) مطر مدرار (فَأَحْيا بِهِ) الماء (الْأَرْضِ) وطرّاها دوحا وكلاء ووردا (بَعْدَ مَوْتِها) لكمال الحرّ والهرء وعدم ورود الماء (وَ) ما صوّر اللّه و (بَثَّ) صعصع وحرّك وأحلّ (فِيها) للسّراح والرّواح (مِنْ كُلِّ دَابَّةٍ) ما له حراك (وَتَصْرِيفِ

----------

هو) تقرير لوحدانيته بنفي غيره وإثباته (الرحمن الرحيم) المولى لجميع النعم أصولها وفروعها .

(إن في خلق السموات والأرض) على هذا الطراز العجيب والنمط الغريب وما فيها من العجائب والغرائب والمنافع والمصالح (واختلاف الليل والنهار) اعتقابهما كل يخلف الآخر (والفلك) السفن (التي تجري في البحر بما ينفع الناس) بنفعهم أو بالذي ينفعهم والاستدلال بأحوالها وبالبحر وعجائبه (وما أنزل الله من السماء) السحاب وما فوقه (من ماء) بيان لما (فأحيا به الأرض بعد موتها) بالنبات (وبث) فرق (فيها من كل دابة وتصريف

ص: 164

الرِّياحِ) إرسالها صروعا وأطوارا صرصرا وحرورا وسموما وسهاما ، وورد طورا للإكرام والرّحم وطورا للإصر ، ورووها موحّدا (وَالسَّحابِ) والعماء والرّكام والمعصر (الْمُسَخَّرِ) المطوّع لأمر اللّه وحكمه وسط الهواء لا صاعدا ولا حادرا ممّا هو محلّه (بَيْنَ السَّماءِ وَالْأَرْضِ) وهو الهواء (لَآياتٍ) لمعالم أسره ودوالّ أمره وسواطع وجوده (لِقَوْمٍ يَعْقِلُونَ) ( 164 ) أسرار عالم الملك وأطواره وهو ممّا أعلم علوّ علم الكلام وأهله وسداد مسلك الأدلّاء لإعلاء المصامد .

(وَمِنَ النَّاسِ) مع ما أدركوا سواطع أمره وأدلّاء أسره (مَنْ يَتَّخِذُ مِنْ دُونِ اللَّهِ) الواحد الأحد (أَنْداداً) عدلاء وسهماء للّه وهم دماهم ومآلهم ، أو رؤساءهم لمّا هم أطاعوهم ، ولعلّ المراد أعمّ وهو كلّ ما صدّهم عمّا وحدّوا اللّه وألّهوه (يُحِبُّونَهُمْ) إكراما وإعلاء (كَحُبِّ اللَّهِ) كودادهم للّه ، والحاصل هم سوّوا ودّ دماهم مع ودّ اللّه وطوعهم مع طوعه أو كوداد أهل الإسلام له (وَ) الملأ (الَّذِينَ آمَنُوا) أسلموا إسلاما صراحا (أَشَدُّ حُبًّا لِلَّهِ) أكمل وأدوم ودّا له وهو الأحد الودود ، لا حسم لودادهم له لا كوداد العدّال لدماهم وهو موهوم لا

----------

الرياح) تقليبها في مهابها وأحوالها وقرىء الريح (والسحاب المسخر) الرياح تقلبه (بين السماء والأرض) بمشيئة الله تعالى (لآيات) دلائل على وجود الإله ووحدته وعلمه وقدرته تعالى وسائر صفاته (لقوم يعقلون) يتفكرون فيها بعقولهم .

(ومن الناس من يتخذ من دون الله أندادا) من الأصنام أو الرؤساء الذين يتبعونهم (يحبونهم) يعظمونهم (كحب الله والذين ءامنوا أشد حبا لله) لا

ص: 165

دوام له (وَلَوْ يَرَى) لو علم هؤلاء (الَّذِينَ ظَلَمُوا) حدلوا وعدلوا عمّا هو أصل السّداد لمّا هم ما وحّدوه وألهوا دماهم (إِذْ) حال ما (يَرَوْنَ) أحسّوا (الْعَذابَ) الإصر المولم معادا ، وحوار « لو » مطروح وهو « لسدموا كمال السّدم » طرح لمّا هو مدلول الكلام ، (أَنَّ) مع اسمها ومحكومها سادّ مسدّ معمول لمورد « لو » (الْقُوَّةَ) الحول والطّول (لِلَّهِ) الأحد (جَمِيعاً) كلّها له لا لأحد سواه وهو حالّ (وَأَنَّ) ورووه مكسور الأوّل كالأوّل (اللَّهِ) العدل (شَدِيدُ الْعَذابِ) ( 165 ) عسر الإصر لأهل العدول وهم مالوا عمّا صلح لهم ، والحاصل لو علموا ما مرّ لحصل لهم أعسر الهموم ووصلهم أسوأ الآلام .

(إِذْ) ح (تَبَرَّأَ) هؤلاء (الَّذِينَ اتُّبِعُوا) طووعوا هم الرّؤساء والأمراء ورووا معلوما ، والمراد رهط طاوعوا (مِنَ) هؤلاء (الَّذِينَ اتُّبِعُوا) وهم الأطواع أو المطاع لهم (وَرَأَوُا الْعَذابَ) إصر اللّه ، « الواو » للحال (وَتَقَطَّعَتْ بِهِمُ) لعدولهم (الْأَسْبابُ) ( 166 ) الوصل كالأرحام والموادّ أو المراسم والأعمال .

(وَقالَ) هؤلاء (الَّذِينَ اتَّبَعُوا) طاوعوا أو طووعوا ( لَوْ أَنَّ لَنا كَرَّةً )

----------

يعدلون عنه إلى غيره (ولو يرى) يعلم (الذين ظلموا) بالشرك (إذ يرون) حين يرون (العذاب) في القيامة (أن القوة) القدرة (لله جميعا) أي لندموا وقرىء ترى على الخطاب أي لرأيت أمرا عظيما (وأن الله شديد العذاب) استيناف .

(إذ تبرأ) بدل من إذ يرون (الذين اتبعوا) الرؤساء (من الذين اتبعوا) من الأتباع (ورأوا العذاب) حال بإضمار قد (وتقطعت بهم الأسبأب) الوصل التي كانت بينهم من مودة أو قرابة .

(وقال الذين اتبعوا) الأتباع (لو أن لنا كرة) ليت لنا

ص: 166

عودا واحدا وهو روم لأمر حصوله محال (فَنَتَبَرَّأَ) ح (مِنْهُمْ) حسما مصمّما (كَما تَبَرَّؤُا مِنَّا) الحال ، (كَذلِكَ) كآراء المهوّل (يُرِيهِمُ اللَّهُ) المراد الإعلام أو الاطّلاع حسّا (أَعْمالَهُمْ) السوء وهو طوع دماهم (حَسَراتٍ) حال ، والمراد حوّل أعمالهم اكمادا وأسداما وإحساسهم محلّ أعمالهم حسرا وهمّا (عَلَيْهِمْ) لما رأوا اللّه سهماء (وَما هُمْ) هؤلاء الحسّار (بِخارِجِينَ مِنَ النَّارِ) ( 167 ) أصلا دام لهم الرّموك .

( يا أَيُّهَا النَّاسُ) أرسلها اللّه لردّ آراء رهط حرّموا لهم المطاعم والمآكل أحلاها وأولاها (كُلُوا) أمر موسّع (مِمَّا فِي الْأَرْضِ) ما أعدّ اللّه لكم إمراء وإصلاحا طعاما (حَلالًا) أحلّه اللّه لكم أو هو مصدر أو حال (طَيِّباً) طاهرا مما كره أمرا وورعا (وَلا تَتَّبِعُوا خُطُواتِ الشَّيْطانِ) وساوسه ومسالكه وأسّها إحرام الحلال وإحلال الحرام ، (إِنَّهُ) المارد الموسوس (لَكُمْ) كلّكم (عَدُوٌّ مُبِينٌ) ( 168 ) ساطع معلوم للصّلحاء وأهل الأحلام ، ما همّه إلّا إهلاكهم لما حرّم ما أحلّ اللّه لكم وحلّل ما حرّمه وسواسا .

----------

عودة إلى الدنيا (فنتبرأ منهم كما تبرءوا منا كذلك) الأمر الفظيع (يريهم الله أعمالهم حسرات عليهم) ندامات (وما هم بخارجين من النار) عدل عن وما يخرجون إليه مبالغة في الخلود وإقناطا من الكرة .

(يا أيها الناس كلوا مما في الأرض) من أنواع ثمارها وأطعمتها (حلالا) مباحا مفعول كلوا أو صفته مصدر محذوف (طيبا) ملتذا أو طاهرا من الشبه (ولا تتبعوا خطوات الشيطان) ما يخطو بكم إليه ويعزيكم به من مخالفة الرسول فتحرموا حلالا وتحللوا حراما (إنه لكم عدو مبين) ظاهر العداوة .

ص: 167

(إِنَّما يَأْمُرُكُمْ) ما هو آمركم موسوسا ماكرا إلّا (بِالسُّوءِ) ما ساء روعا وحسّا وأمرا ، أورد الأمر وأراد ما سوّله المارد ممّا عملوا عدولا وعداء (وَالْفَحْشاءِ) وهو كالسّوء مدلولا وورد هو إصر له حدّ مأمور كالعهر ، والأوّل ما لا حدّ له (وَأَنْ تَقُولُوا) وحكمكم ولعا وادّعاء (عَلَى اللَّهِ) مالك الملك وحاكم الكلّ وآسر الطرّ (ما) أمرا (لا تَعْلَمُونَ) ( 169 ) كحكمكم ولعا وادّعاء لدماكمهم سهماء اللّه وكلامكم هو حلال وهو حرام .

(وَإِذا قِيلَ لَهُمُ) للهود أو الطّلاح لمّا دعاهم رسول اللّه صلعم للإسلام وأمرهم (اتَّبِعُوا) طاوعوا (ما أَنْزَلَ اللَّهُ) أرسله وهو كلام اللّه (قالُوا) لا (بَلْ نَتَّبِعُ) سلوكا وعملا ما صراطا ومسلكا (أَلْفَيْنا عَلَيْهِ) ، والمراد الإدراك علما وسماعا (آباءَنا) وهم أعالم وأكامل ما سلكوا إلّا مسالك الصلاح والسداد (أَ) هم سالكو مسلكهم وساعوا مسعاهم (وَلَوْ كانَ آباؤُهُمْ) و « الواو » للحال ( لا يَعْقِلُونَ شَيْئاً ) ممّا صلح لهم (وَلا يَهْتَدُونَ) ( 170 ) سواء الصّراط وحوار « لو » مطروح وهو لطاوعوهم وهو ردّ وردع لمطاوع كلام أحد كما سمع ، وله علم ودهاء ولدرّه وسع للأدلّاء وما سأل لكلامه عللا وادلّاء وكلام الرّسل وطوّعهم الكمّل حال علم سدادهم مدلّل ومسدّد ومطاوع كلامهم مطاوع لما أرسل اللّه لرسلهم .

----------

(إنما يأمركم بالسوء) القبائح (والفحشاء) ما تجاوز الحد في القبح (وأن تقولوا على الله ما لا تعلمون) كادعاء الأنداد والأولاد وتحريم حلاله وبالعكس .

(وإذا قيل لهم اتبعوا ما أنزل الله قالوا بل نتبع ما ألفينا) وجدنا (عليه آباءنا) نزلت في المشركين أو اليهود (أولو كان ءاباؤهم لا يعقلون شيئا) من الدين (ولا يهتدون) للحق .

ص: 168

(وَمَثَلُ) حال الملأ (الَّذِينَ كَفَرُوا) عدلوا وردّوا أمر محمد صلعم أراد حال داع لهم (كَمَثَلِ) كحال المرء (الَّذِي يَنْعِقُ) مكسور الوسط ، وهو الدّعاء لطرد السّوّام وإعلامها السّوم أو حالهم كحال سوّامه لمّا لا علم ولا دهاء حال سماع كلام داع وعطّلوا أرواعهم وأحلامهم ، كما لا درك للسّوام حال السّماع ولا علم لها لمدلول كلام داع لها أصلا ، والمراد (بِما لا يَسْمَعُ) السوّام (إِلَّا دُعاءً) هو المسموع حالا ما (وَنِداءً) هو المسموع كلّ الأحوال ، هم (صُمٌّ) ما سمعوا كلام السّداد (بُكْمٌ) ما كلّموا كلم الصّلاح (عُمْيٌ) ما رأوا صراط الإسلام أراد عللهم حكما (فَهُمْ لا يَعْقِلُونَ) ( 171 ) أوامر اللّه وأحكام رسوله .

ولمّا حرّم أهل العدول ما أحلّ اللّه أرسل اللّه ردّا لهم ( يا أَيُّهَا) الملأ (الَّذِينَ آمَنُوا) أسلموا (كُلُوا) طعاما (مِنْ طَيِّباتِ) أطهار (ما رَزَقْناكُمْ) ما أحلّ اللّه لكم وأعطاكم ، و (وَاشْكُرُوا لِلَّهِ) واسع العطاء روعا ومسحلا وهو إحصاء آلاء اللّه وحمد مراحمه (إِنْ كُنْتُمْ) أهل الإسلام (إِيَّاهُ) لا ما سواه (تَعْبُدُونَ) ( 172 ) صراحا ومصاصا .

ولمّا صرح الحلال أورد مآكل الحرام ، وأرسل (إِنَّما حَرَّمَ) ما حرّم اللّه ورووا « حرّم » و « حرم » ككرم (عَلَيْكُمُ) المطاعم والمآكل إلّا (الْمَيْتَةَ) أكلها .

----------

(ومثل الذين كفروا كمثل الذي ينعق) يصيح (بما لا يسمع إلا دعاء ونداء) أي مثل داعي الذين كفروا كمثل الناعق بالبهائم التي لا تسمع إلا تصويته ولا تفهم معناه (صم بكم عمي) عن الهدى (فهم لا يعقلون) لتركهم النظر .

(يا أيها الذين ءامنوا كلوا من طيبات ما رزقناكم) من مستلذاته أو حلاله (واشكروا لله) الذي رزقكموها (إن كنتم إياه تعبدون) فإن العبادة لا تتم إلا بالشكر .

(إنما حرم عليكم الميتة) ما مات حتف أنفه (والدم) أي المسفوح منه

ص: 169

أراد كلّ ما حسم روحه وهلك وما سحط وكلّ ما سحط ممّا له حسّ وحراك وما أهلّ لاسم اللّه حكمه كحكمها ، والسّمك والعسا أحلّهما رسول اللّه صلعم (وَالدَّمَ) المسال (وَلَحْمَ الْخِنْزِيرِ) كلّه حرام أورد اللّحم لما هو الأصل أكلا (وَما أُهِلَّ بِهِ لِغَيْرِ) اسم (اللَّهِ) عمدا لمألوه سواه ، والمراد ما سحط لدماهم وأصل الإهلال إعلاء الكلام وهم أعلوا اسم إلههم كالسّواع حال السّحط (فَمَنِ اضْطُرَّ) أكره لأكلها أو أعسر ما أدرك سواها للأكل وأكل (غَيْرَ باغٍ) محاول لهواه وهو أكله وحده لا مع معادل له عسرا ، أو عادل عمّا أمره الإمام وهو حال (وَلا عادٍ) مار عمّا هو حدّ سدّ العسر ، أو مدلوله مدلول الأوّل (فَلا إِثْمَ) لا إصر (عَلَيْهِ) المكره أكلا (إِنَّ اللَّهَ) عالم الأحوال (غَفُورٌ) لمّا عمل المعسر سوء وإصرا (رَحِيمٌ) ( 173 ) لمّا وسّع الأمر وأحلّ لهم أكل ما حرّم حال الإكراه والعسر ، أورد الحصر وكم حرام ما أورده لما أراد إعلام ما أحلّوه وهو حرام لا عموما .

ولمّا سطع امر محمّد صلعم وإحلاله ما حرّموه وعكسه ، وعلماء الهود حاروا أو العوام سمعوا وسألوا علماءهم : هل هو رسول اللّه أم لا ؟ وكلامه سادّ أم لا ؟ وهو حكم اللّه أم لا ؟ أرسل اللّه (إِنَّ) الملأ (الَّذِينَ يَكْتُمُونَ) عدولا وعداء (ما أَنْزَلَ) أرسل (اللَّهُ مِنَ الْكِتابِ) طرس الهود ، والمراد علماؤهم محوا

----------

لقوله أو دما مسفوحا (ولحم الخنزير) وإن ذكي (وما أهل) صوت (به لغير الله) ما ذبح للأصنام تقربا إليها فذكر اسم غير الله (فمن اضطر) إلى شيء من هذه المحرمات (غير باغ) خارج على الإمام أو باغ الصيد بطرا (ولا عاد) متعد بقطع الطريق (فلا إثم عليه إن الله غفور) ستار لعيوبكم (رحيم) بكم بإباحة المحرمات في الضرورة .

(إن الذين يكتمون) من اليهود وغيرهم (ما أنزل الله من الكتاب) التوراة في

ص: 170

محامد محمّد رسول اللّه صلعم وأسرّوها (وَيَشْتَرُونَ بِهِ) الإسرار (ثَمَناً قَلِيلًا) مالا ماصلا (أُولئِكَ) علماء الهود (ما يَأْكُلُونَ فِي بُطُونِهِمْ) ملأ المعد والأمعاء (إِلَّا النَّارَ) إلّا الحرام أوردها لمحا للمآل (وَلا يُكَلِّمُهُمُ اللَّهُ) كلاما سارّا لإكرامهم طردا وحردا (يَوْمَ الْقِيامَةِ) حال إحصاء الأعمال (وَلا يُزَكِّيهِمْ) ما هو مطهّرا لصدورهم أو مادحا لأعمالهم أو معدّلا لهم (وَلَهُمْ) لأهل الإسرار (عَذابٌ أَلِيمٌ) ( 174 ) مولم .

(أُولئِكَ) هؤلاء الهود (الَّذِينَ اشْتَرَوُا) حصّلوا (الضَّلالَةَ) الولع والطّلاح (بِالْهُدى) السداد والطلاح حالا (وَالْعَذابَ) الصعد (بِالْمَغْفِرَةِ) ما اعدّ اللّه لهم معادا لو أسلموا وأسرّوا ما أسرّوا للمطامع وهو محامد محمّد صلعم وسداد أمر ألوكه (فَما أَصْبَرَهُمْ) ما أحملهم أو ما أكماهم (عَلَى) إصلاء (النَّارِ) ( 175 ) أو ما أعلمهم أعمال أهلها أو ما أمسكهم وأدومهم وسطها ، وهو كلام معلّم لطول عهدهم أو « ما » للموصول ومحموله مطروح .

----------

بعث محمد صلى الله عليه واله (ويشترون به ثمنا) عوضا (قليلا) من حطام الدنيا (أولئك ما يأكلون في بطونهم) ملؤها يقال أكل في بطنه وفي بعض بطنه (إلا النار) إذ يؤديهم ذلك إليها ولا يكلمهم الله يوم القيامة) بكلام خير بل بنحو اخسئوا أو عبر به عن غضبه (ولا يزكيهم) من ذنوبهم أو بالثناء عليهم (ولهم عذاب أليم) مؤلم .

(أولئك الذين اشتروا الضلالة بالهدى) الكفر بالإيمان (والعذاب بالمغفرة) إذ كتموا الحق للرشا (فما أصبرهم على النار) تعجب من التباسهم بموجبات النار بلا مبالاة .

ص: 171

ذلِكَ ما أعدّه اللّه لهم مآلا وهو الإصر المؤلم (بِأَنَّ اللَّهَ) المرسل للرّسل (نَزَّلَ الْكِتابَ) أرسل كلامه وهو طرس الهود أو طرس محمّد صلعم (بِالْحَقِّ) الأسد الأصح ، (وَإِنَّ) الملأ (الَّذِينَ اخْتَلَفُوا) هم أهل الطرس (فِي الْكِتابِ) المرسل عموما لمّا هم أسلموا لكلام وردّوا كلاما ، أو « اللّام » للعهد والمراد إمّا طرس الهود لمّا هم حوّلوا كلمه وأوردوا محلّها ما سوّلوه وإمّا طرس محمّد صلعم لما ادّعوا ووهموا هو سحر وادّعاء وكلام علّمه أحد الأرداء (لَفِي شِقاقٍ) عداء (بَعِيدٍ) ( 176 ) عمّا هو السّداد .

(لَيْسَ الْبِرَّ) وهو كلّ عمل صالح (أَنْ تُوَلُّوا وُجُوهَكُمْ) رواءكم وصدوركم ، والكلام مع أهل الطّرس ، وورد هو عام لهم ولأهل الإسلام (قِبَلَ الْمَشْرِقِ) المطلع وهو مولاكم الأطهر أوّلا ، وهو عمل رهط روح اللّه (وَالْمَغْرِبِ) المدلك وهو مولاكم الأصعد أوّلا ، وهو عمل الهود وهم لمّا ادّعوا لمولّاهم أوّلا صلاح عملهم حالا أرسلها اللّه ردّا لهم (وَلكِنَّ الْبِرَّ) العمل الصّالح عمل (مَنْ آمَنَ) أسلم طوعا (بِاللَّهِ) الأحد الصّمد (وَالْيَوْمِ الْآخِرِ) الموعود المحدود لإحصاء الأعمال (وَالْمَلائِكَةِ) الأطهار كلّها (وَالْكِتابِ) المرسل عموما أو كلام اللّه المرسل لمحمّد صلعم (وَالنَّبِيِّينَ) الرّسل كلّهم

----------

(ذلك) العذاب (بأن الله نزل الكتاب بالحق) فكذبوه وكتموه (وإن الذين اختلفوا في الكتاب) القرآن فقالوا سحر وشعر وكهانة وأساطير الأولين أو كتب الله فآمنوا ببعض وكفروا ببعض (لفي شقاق) خلاف (بعيد) عن الحق .

(ليس البر) الطاعة (أن تولوا وجوهكم) بصلاتكم (قبل المشرق) أيها النصارى (والمغرب) أيها اليهود (ولكن البر) بر (من ءامن) ولكن ذا البر من آمن (بالله واليوم الآخر) صدق بالمبدإ والمعاد (والملائكة والكتاب) جنسه أو

ص: 172

(وَ) عمل مرء (آتَى الْمالَ) أعطاه (عَلى حُبِّهِ) مع ودّ اللّه أو ودّ المال أو ودّ الإعطاء وهو حال (ذَوِي الْقُرْبى) أهل الأرحام صدّرهم لعدّهم أصولا وإعطاء المال لهم أصلح (وَالْيَتامى) هم أولاد هلك ولّادهم وما أدركوا الحلم ، والمراد أراملهم (وَالْمَساكِينَ) أهل العسر سمّاهم لدوام ركودهم ومدلول واحده ما أركده الوطر والعدم (وَابْنَ السَّبِيلِ) سالك الصّراط سمّاه لما هو ملاسم للصّراط (وَالسَّائِلِينَ) سؤالهم للعسر ولو ردوا مع الرّواحل (وَفِي) حلّ (الرِّقابِ) الممسك أهلها ملكا أو إسرا ، (وَأَقامَ الصَّلاةَ) معدّلا مكمّلا كما هو المأمور (وَآتَى الزَّكاةَ) أعطاها عاما عاما كما أمر اللّه وورد هو مؤكّد للأوّل أو الأوّل الإعطاء المودود وحماداه الإعطاء المأمور (وَ) الرّهط (الْمُوفُونَ بِعَهْدِهِمْ) أداء لما أمروا و « الواو » للوصول مع الموصول (إِذا عاهَدُوا) اللّه أو أحدهم عموما (وَالصَّابِرِينَ) هو معمول « أمدح » مدحهم اللّه لعلوّ حالهم وسمو أعمالهم (فِي الْبَأْساءِ) العسر والعدم (وَالضَّرَّاءِ) الآلام والعلل (وَحِينَ الْبَأْسِ) حال العماس مع الأعداء ، (أُولئِكَ) هؤلاء المعدود أحوالهم هم الملأ (الَّذِينَ صَدَقُوا) عملوا سدادا وصلاحا (وَأُولئِكَ) العمّال

----------

القرآن (والنبيين وآتى المال على حبه) أي مع حب المال أو الإيتاء أو حب الله (ذوي القربى) للمعطي والرسول وهو مروي عن الصادق (عليه السلام) (واليتامى) المحاويج منهم (والمساكين) من لم يجدوا نفقة السنة (وابن السبيل) المسافر المنقطع به سمي ابنه للملازمة وقيل الضيف (والسائلين وفي الرقاب وأقام الصلوة) بحدودها (وآتى الزكوة) المفروضة (والموفون بعهدهم إذا عاهدوا) عطف على من آمن (والصابرين) نصب على المدح (في البأساء) مجاهدة النفس أو الفقر (والضراء) الفقر والشدة أو المرض (وحين البأس) عند شدة القتال (أولئك الذين صدقوا) في إيمانهم (وأولئك

ص: 173

(هُمُ الْمُتَّقُونَ) ( 177 ) محارم اللّه أو كسر العهود وحسم الآصار .

وورد حصل أوّل العهد لرهط مع رهط دماء ولأحدهما طول ، وهم علو وعهدوا وأرادوا إهلاك حرّ عدّوهم أوسا لمملوكهم والمعدود أوسا للواحد ، ولمّا سطح الإسلام وحصل لهما اللّدد والمراء وحكّموا رسول اللّه صلعم أرسل اللّه ردّا لهم وإعلاما لمّا صلح لهم

( يا أَيُّهَا) الملأ (الَّذِينَ آمَنُوا) أسلموا (كُتِبَ) حكم وأمر أمرا واطدا ورووه معلوما (عَلَيْكُمُ الْقِصاصُ) السّواء والعدول (فِي الْقَتْلى) عمدا ولمّا لاح الحكم أهلك (الْحُرُّ بِالْحُرِّ وَالْعَبْدُ) المملوك المأسور أهلك (بِالْعَبْدِ) المملوك المأسور (وَالْأُنْثى) إهلاكها (بِالْأُنْثى) أوسا (فَمَنْ) كلّ مهلك أو مصالح (عُفِيَ لَهُ) وهو المحو أصلا ، أو الإعطاء سهلا أوس إهلاكه (مِنْ) دم (أَخِيهِ) أو ماله والمعاد « مالك الدّم » أو « المهلك المعدم عدوا وعداء » (شَيْءٌ) محو ما أو مال صلح ماصل (فَاتِّباعٌ) أراد المأمور لمالك الدّم سدول للمصالح (بِالْمَعْرُوفِ) المعلوم إسلاما وهو روم المال سمعا وسهلا (وَأَداءٌ) أداء المصالح المال (إِلَيْهِ) مالك الدّم (بِإِحْسانٍ) لا مطل ولا وكس .

(ذلِكَ) الحكم وهو المحو أصلا أو المال أوسه (تَخْفِيفٌ مِنْ رَبِّكُمْ )

----------

هم المتقون) لما أمروا باتقائه .

(يا أيها الذين ءامنوا كتب) فرض (عليكم القصاص) المساواة أو التعويض (في القتلى الحر بالحر) يقتص به (والعبد بالعبد والأنثى بالأنثى فمن عفا) ترك (له من أخيه شيء فاتباع) فعلى العافي اتباع (بالمعروف) من غير استزادة ولا تعنيف (وأداء) من الجاني (إليه) إلى العافي (بإحسان) من غير بخس ولا مماطلة (ذلك) الحكم المذكور (تخفيف من ربكم ورحمة) لما فيه من التسهيل

ص: 174

أهل الإسلام (وَرَحْمَةٌ) عطاء وإكرام لمّا سهّل اللّه لكم الأمر لمّا أمر الإعدام أوس الأعدام لا لهود لا المحو والمال أوسه ، وأمرا لمحو لرهط روح اللّه لا الإعدام والمال أوسه ، وأمر لكم أحد الأمر الإعدام والمحو والمال ، (فَمَنِ اعْتَدى) عدل عمّا أمر وأهلك (بَعْدَ ذلِكَ) المحو وأداء المال (فَلَهُ) لعدوله عمّا أمر (عَذابٌ أَلِيمٌ) ( 178 ) صعد مؤلم حالا ومآلا .

(وَلَكُمْ فِي الْقِصاصِ) الإهلاك المعهود وهو إعدام المهلك أوس المهلك (حَياةٌ) للمهلك والمهلك ، والمهلك المعدم لمّا علم لو أعلم لأعدم وما أهلك أحدا ، ووردهم عادوا أمام الإسلام إهلاك المعدود أوس الواحد أو إهلاك أحد ما أوس المهلك ، ولمّا أمر الإهلاك المعهود سلم الكلّ (يا أُولِي الْأَلْبابِ) أهل الأحلام والحواسّ (لَعَلَّكُمْ تَتَّقُونَ) ( 179 ) الإهلاك حدلا روع الإهلاك أوسه .

(كُتِبَ) حكم (عَلَيْكُمْ) وأمر لكم أمرا مؤكّدا أهل الإسلام (إِذا حَضَرَ أَحَدَكُمُ الْمَوْتُ) لمع إدعاس السّام ولاح أعلامه (إِنْ تَرَكَ خَيْراً) مالا (الْوَصِيَّةُ لِلْوالِدَيْنِ) الوالد والأمّ ولو علوا (وَالْأَقْرَبِينَ) أهل الأرحام (بِالْمَعْرُوفِ) العدل ، وهو ما أوصاه لأهل العسر وأهل المال لا الحدل ، وهو ما

----------

والنفع (فمن اعتدى) بالقتل أو التمثيل (بعد ذلك) بعد قبول الدية (فله عذاب أليم) .

(ولكم في القصاص حياة) لأن من علم أن القصاص واجب لا يجترىء على القتل (يا أولي الألباب) نودوا للتأمل في حكمة القصاص (لعلكم تتقون) القتل خوفا من القصاص .

(كتب عليكم إذا حضر أحدكم الموت) ظهرت أسبأبه وأماراته (إن ترك خيرا) مالا كثيرا (الوصية) مرفوع بكتب وتذكيره بتأويل أن توصوا (للوالدين والأقربين بالمعروف) بالعدل فلا يتجاوز الثلث ولا يفضل الغني ولا يضر الوارث

ص: 175

أوصاه للموسر لا للمعسر ، أو أوصاه وراء العدد المعلوم (حَقًّا) مصدر مؤكّد طرح عامله (عَلَى الْمُتَّقِينَ) ( 180 ) أهل الإسلام ، وهو حكم أوّل الإسلام .

ولمّا ورد إحصاص أهل الأرحام حدّ حكمها أو موردها المرء المحروم السّهم لردّه الإسلام وإحصاص أهل الأرحام لأهل الإسلام والحكم للأطوع (فَمَنْ بَدَّلَهُ) حوّل ما أوصاه موص (بَعْدَ ما سَمِعَهُ) ما وصل له وعلمه (فَإِنَّما إِثْمُهُ) ما إصر ما حوّل إلّا (عَلَى) الملأ (الَّذِينَ يُبَدِّلُونَهُ) لا الهالك ولا موصّاه لمّا هم حدلوا وردّوا أحكام الإسلام (إِنَّ اللَّهَ) العدل (سَمِيعٌ) لما وصّاه موص (عَلِيمٌ) ( 181 ) لمّا حوّله المحوّل وساوه أوعد اللّه المحوّل عداء .

(فَمَنْ خافَ) علم (مِنْ مُوصٍ) ورووا « موصّ » (جَنَفاً) حورا وعدولا عمّا هو السّواء والسّداد حال ما وصّاه سهوا (أَوْ إِثْماً) حدلا وعدولا عمدا (فَأَصْلَحَ) وحكم كما أمر اللّه (بَيْنَهُمْ) وسط رهط أوصاهم ، وهم والداه وأولو الأرحام (فَلا إِثْمَ عَلَيْهِ) المصلح حال ما حوّله لمّا أراد الإصلاح لما لا مساعد لأحكام الإسلام (إِنَّ اللَّهَ) واسع الكرم (غَفُورٌ) لما أصدر (رَحِيمٌ) ( 182 ) كامل الرّحم له وهو وعد للمصلح .

----------

(حقا) مصدر مؤكد أي حق ذلك حقا (على المتقين) قيل وجوبها منسوخ وجوازها واستحبابها باق .

(فمن بدله) غير ذلك الإيصاء (بعد ما سمعه) وتحققه (فإنما إثمه) إثم التبديل (على الذين يبدلونه إن الله سميع عليم) وعيد للمبدل .

(فمن خاف) توقع وعلم (من موص جنفا) ميلا عن الحق في الوصية خطأ (أو إثما) تعمدا للجنف (فأصلح بينهم) بالرد إلى الحق (فلا إثم عليه) في تبديل الباطل إلى الحق بخلاف العكس (إن الله غفور) للمذنب (رحيم) به فكيف للمصلح المستحق الأجر .

ص: 176

( يا أَيُّهَا) الملأ (الَّذِينَ آمَنُوا) أسلموا (كُتِبَ) سطر (عَلَيْكُمُ الصِّيامُ) وأمر لكم ، هو مصدر « صام » كالصّوم وأصله : « الإمساك » والمراد الإمساك أكلا وحسوا وسرّا مع السّاو عصرا محدودا (كَما كُتِبَ) وسطر وحكم (عَلَى) الملأ (الَّذِينَ) مرّوا (مِنْ قَبْلِكُمْ) الرّسل وأممهم وهو مؤكّد للحكم (لَعَلَّكُمْ تَتَّقُونَ) ( 183 ) محارم اللّه وأصاره .

صوموا (أَيَّاماً مَعْدُوداتٍ) أماصل أو معلوما عددها ومحدودا أمدها أو عاملها المصدر ، والحاصل لصومكم عصر معهود ولصومهم عصر معدود سواه ، أو المراد صوموا كصومهم عدد الدّهر المعهود ، (فَمَنْ كانَ مِنْكُمْ) أهل الإسلام (مَرِيضاً) له داء عسر معه الصّوم (أَوْ عَلى سَفَرٍ) رحل معلوم الحدّ محدود الطّول وما صام (فَعِدَّةٌ) صوم عدد مساو لمدد إهماله الصّوم ومحمولها مطروح (مِنْ أَيَّامٍ أُخَرَ) والحاصل صامها عدد ما أكل حال العسر (وَعَلَى) الملأ (الَّذِينَ) هم مسطاعوا الصّوم لمّا هم أصحاء وما صاموا كما هو عملهم أوّل الإسلام أو أصل الكلام لا (يُطِيقُونَهُ) الصّوم ، والمراد ملأ عسر لهم الصّوم

----------

(يا أيها الذين ءامنوا كتب) فرض (عليكم الصيام كما كتب على الذين من قبلكم) أي الأنبياء والأمم من لدن آدم والتشبيه في أصل الصوم وقيل في العدد والوقت (لعلكم تتقون) به المعاصي فإنه يقمع الشهوة كما قال صلی الله علیه و اله خصاء أمتي الصوم .

(أياما معدودات) محصورات أو قلائل ونصبها بالصيام (فمن كان منكم مريضا) بحيث يضر به الصوم (أو على سفر) راكب سفر (فعدة) فعليه صوم عدة أيام المرض والسفر (من أيام أخر) وهو صريح في الوجوب ودعوى أنه رخصة بإضمار فأفطر تعسف (وعلى الذين يطيقونه) هم الذين يكون الصيام بقدر طاقتهم ويكونون معه على مشقة وعسر خيرهم بين الفدية وبين الصوم إذ لا يكلف

ص: 177

وهم أولو الهرم و « لا » مطروح ورووه مع « لا » (فِدْيَةٌ) مال أوس الإهمال هو (طَعامُ مِسْكِينٍ) أركده السعر والإرماد وهو مدّ السّمراء أو صاع ممّا سواه ، أو المراد المدّ عموما (فَمَنْ تَطَوَّعَ) اطّوع (خَيْراً) أو أعطاه الطّعام كورا ممّا أمر (فَهُوَ) الاطواع أو الكور (خَيْرٌ) أصلح (لَهُ وَأَنْ تَصُومُوا) هو كلام مع كلّ مسطاع الصّوم أو مع أهل العلل والرّحال ، والحاصل صومكم (خَيْرٌ لَكُمْ) أصلح لحالكم ممّا هو الإطعام والإعطاء (إِنْ كُنْتُمْ تَعْلَمُونَ) ( 184 ) ما أعدّه اللّه لكم للصوم أراد لو عملوا لصاموا .

(شَهْرُ رَمَضانَ) المعدود المحدود مطرح لوامع الأسرار ومورد صوالح الأعمال هو (الَّذِي أُنْزِلَ) أرسل (فِيهِ) إكراما له ، والمراد أرسل وسطه أوّل كلام اللّه أو أرسل لمدحه وإعلاء أمره (الْقُرْآنُ) كلام اللّه كلّه مصاعد السّماء الأوّل عصرا واحدا أو وسط الرّمكاء سهما سهما (هُدىً) حال (لِلنَّاسِ) طرا (وَبَيِّناتٍ) أدلاء سواطع وإعلاما لوامع (مِنَ الْهُدى) ممّا هو هاد لما هو

----------

إلا بما دون الطاقة (فدية) عن كل يوم (طعام مسكين) إن أفطروا (فمن تطوع خيرا) زاد في مقدار الفدية (فهو خير له وأن تصوموا) أيها المطيقون (خير لكم) من الفدية وتطوع الخير (إن كنتم تعلمون) منهم وقيل كان القادرون على الصوم مخيرين بينه وبين الفدية ثم نسخ بقوله فمن شهد وقيل غير منسوخ بل المراد به الحامل المقرب والمرضع القليلة اللبن ومن كان يطيقه ثم أصابه كبر أو عطاش فصار لا يطيقه إلا بمشقة وهو المروي عن أئمتنا (عليهم السلام) .

(شهر رمضان) خبر محذوف أي الأيام المعدودات أو مبتدأ خبره (الذي أنزل فيه القرآن) نزل فيه جملة واحدة إلى البيت المعمور ثم نزل في طول عشرين سنة أو ابتداء إنزاله فيه وأنزل في شأنه (هدى) هاد (للناس وبينات) آيات

ص: 178

الحلال والحرام والحدود والأحكام (وَالْفُرْقانِ) السّدّ المحدّد للصّلاح والطّلاح .

(فَمَنْ شَهِدَ) أدرك حال رموكه (مِنْكُمُ الشَّهْرَ) المعهود ، و « اللّام » للعهد أو أراد هلاله (فَلْيَصُمْهُ) صوما مأمورا (وَمَنْ كانَ مَرِيضاً) أدركه الدّاء العسر لو صام هلك أو ساء حاله وكار داءه (أَوْ عَلى سَفَرٍ) محدود (فَعِدَّةٌ) صوم عدد مساو لما أكل (مِنْ أَيَّامٍ أُخَرَ) ممّا أراد ، والحاصل لهما إهمال الصّوم والصّوم أوس الإهمال حال الرّموك وعدم الدّاء أعاد الكلام وكرّره لإعلام وطود الحكم الأوّل عدم ما حوّله (يُرِيدُ اللَّهُ) الموسّع للأحكام (بِكُمُ الْيُسْرَ) لما أحلّ لكم الأكل حال الرّحل وألم الدّاء (وَلا يُرِيدُ) اللّه (بِكُمُ الْعُسْرَ) عطاء وكرما لكم وإصلاحا لأمر معادكم (وَ) أمر ما أمر (لِتُكْمِلُوا الْعِدَّةَ) لإكمالكم لها عدد ما وكس للآلام والإدواء والرّحل وهو لمّ الأمر لرعاء العدد (وَلِتُكَبِّرُوا اللَّهَ) حمدا له (عَلى ما) « ما » للموصول أو للمصدر (هَداكُمْ) لمعالم إسلامكم ومكارم أحوالكم وهو لمّ الأمر لأداء الأوس (وَلَعَلَّكُمْ تَشْكُرُونَ) ( 185 ) اللّه لإعطاء الآلاء وإعلاء الأدلّاء وهو لمّ أراد الوسع وعدم

----------

واضحات (من الهدى والفرقان) مما يهدي إلى الحق ويفرق بينه وبين الباطل (فمن شهد) حضر غير مسافر ولا مريض (منكم الشهر فليصمه ومن كان مريضا أو على سفر فعدة من أيام أخر) تأكيدا لوجوب الإفطار والقضاء (يريد الله بكم اليسر) في جميع أموركم (ولا يريد بكم العسر) فلذا أمر بالإفطار في السفر والمرض (ولتكملوا العدة) أيام الشهر بالصيام (ولتكبروا الله على ما هداكم) تعظموه على هدايته إياكم أو فدية تكبير صلاة العيد والتكبيرات بعد أربع صلوات (ولعلكم تشكرون) تسهيله الأمر لكم .

ص: 179

رود العسر .

(وَإِذا سَأَلَكَ) محمّد ( ص ) (عِبادِي) هم رهط أطاعوا اللّه ووالوه وأرادوا إسراره (عَنِّي فَإِنِّي قَرِيبٌ) علما لأعمالهم واطّلاعا لأحوالهم وإعطاء لسؤلهم (أُجِيبُ) أسمع كرما (دَعْوَةَ الدَّاعِ) صلاحا (إِذا دَعانِ) لإعطاء ما سأل وله إعطاء المراد كما سأل ، أو إعطاء أصلح ممّا سأل حالا أو مآلا (فَلْيَسْتَجِيبُوا) سمعا كما أسمع دعاءهم (لِي) لو أدعوهم للإسلام (وَلْيُؤْمِنُوا) طوعا و « لا مهما » للأمر (بِي) أمرهم لدوام الإسلام (لَعَلَّهُمْ يَرْشُدُونَ) ( 186 ) طمعا لسدادهم وأملا لصلاحهم ، ورووه مكسور الوسط .

(أُحِلَّ) ورووا « أحلّ » معلوما أراد أحل اللّه (لَكُمْ) أهل الصّوم لَيْلَةَ الصِّيامِ الصّوم (الرَّفَثُ) وهو السرّ ، وأصله كلام موهم له (إِلى نِسائِكُمْ) اللاء أحلّها اللّه لكم ، (هُنَّ) هؤلاء الأعراس (لِباسٌ) وهو ما أسرّ سواءكم (لَكُمْ) لصدّكم عمّا حرّم اللّه لكم (وَأَنْتُمْ لِباسٌ لَهُنَّ) لهؤلاء ، (عَلِمَ اللَّهُ) عالم أسراركم (أَنَّكُمْ كُنْتُمْ تَخْتانُونَ أَنْفُسَكُمْ) وهو حدلها سرّا محرّما وإعدادها

----------

(وإذا سألك عبادي عني) نزلت حين سألوا أقريب ربنا فنناجيه أم بعيد فنناديه (فإني قريب) عليهم بأحوالهم سميع لدعائهم كما يسمع القريب كلام صاحبه (أجيب دعوة الداع إذا دعان) إذا أتى بشرائط الدعاء وعرف من يدعو (فليستجيبوا لي) إذا دعوتهم للإيمان والطاعة (وليؤمنوا بي) وليتحققوا أني قادر على إعطائهم ما سألوه (لعلهم يرشدون) يصيبون الحق ويهتدون إليه .

(أحل لكم ليلة الصيام الرفث إلى نسائكم) كناية عن المواقعة (هن لباس لكم وأنتم لباس لهن) استيناف يبين سبب الإحلال وهو صعوبة الصبر عنهن لشدة الملابسة والمخالطة التي هي وجه تمثيل كل منهما باللباس لصاحبه أو بستر كل منهما حال صاحبه ومنعه عن الفجور (علم الله أنكم كنتم تختانون أنفسكم)

ص: 180

للآصار ومدلول أصله « الألس » ، (فَتابَ) عاد اللّه (عَلَيْكُمْ) عطاء لكم لعودكم عمّا ساء لصومكم ، (وَعَفا) محا (عَنْكُمْ) عملكم أمام ما حلّله اللّه لكم وهو السّرّ .

(فَالْآنَ) لمّا أحلّ لكم السرّ وحوّل الإحرام (بَاشِرُوهُنَّ) ساروها (وَابْتَغُوا) روموا (ما) محلّا (كَتَبَ اللَّهُ) حلّله (لَكُمْ) أهل الصّوم لسرّكم لا محلّا محرّما لكم ، أو المراد روموا ولدا أراده اللّه لكم لطوعه وصلاحه لا أهواءكم وحدها وأداء وطركم (وَكُلُوا) أكلا صالحا واسعا (وَاشْرَبُوا) المساء كلّه (حَتَّى يَتَبَيَّنَ لَكُمُ الْخَيْطُ الْأَبْيَضُ) أراد لمعا كالسّلك الممدود المطوّل وهو أوّل أعلام الطّوع (مِنَ الْخَيْطِ الْأَسْوَدِ) وهو أمد سواد المساء واللّمع المسطور معدود (مِنَ الْفَجْرِ) وأوّله (ثُمَّ أَتِمُّوا الصِّيامَ) أكملوه وداوموا الإمساك عمّا مرّ (إِلى) أوّل (اللَّيْلِ) المساء وهو ملوّح لأمد عصره ووردهم ممّا أعدم صوم الوصال ، (وَلا تُبَاشِرُوهُنَّ) واطرحوا مساس الأعراس ومصدها (وَ) والحال (أَنْتُمْ عاكِفُونَ) رموك وركود لدوام الدّعاء وإصلاح الصّدر

----------

بتعريضها للعقاب وتنقيص حظها من الثواب (فتاب عليكم وعفا عنكم) روي أنها نزلت حين كان النكاح في ليالي شهر رمضان والأكل فيها بعد النوم حراما فنكح قوم من الشبان فيها سرا ونام رجل قبل الإفطار وحضر حفر الخندق فأغمي عليه (فالآن باشروهن وابتغوا ما كتب الله لكم) من الولد (وكلوا واشربوا حتى يتبين لكم الخيط الأبيض من الخيط الأسود من الفجر) بياض النهار من سواد الليل وهو الفجر الصادق المعترض في الأفق الذي لا شك فيه (ثم أتموا الصيام إلى الليل) بيان حده (ولا تباشروهن وأنتم عاكفون في

ص: 181

وصوم السّرّ (فِي الْمَساجِدِ) معاهد اللّه ودوره كلّها ، (تِلْكَ) الأحكام (حُدُودُ اللَّهِ) أمور وأعلام حدّها اللّه لصلاحكم وورد حدود اللّه محارمه وروادعه (فَلا تَقْرَبُوها) حدود اللّه عداء ردع الورود حول الحدود وصددها ولكلّ ملك حماه ، واللّه حماه محارمه والمارّ صددها كاد وروده محلّ الرّدع ، (كَذلِكَ) كما حدّ اللّه الاحكام لكم (يُبَيِّنُ اللَّهُ) إعلاما وإدلاء (آياتِهِ) أحكامه ومواعده (لِلنَّاسِ) طرّا (لَعَلَّهُمْ يَتَّقُونَ) ( 187 ) محارمه .

(وَلا تَأْكُلُوا) أهل الإسلام (أَمْوالَكُمْ) أحدكم مال أحد (بَيْنَكُمْ) وهو حال (بِالْباطِلِ) لما حرّمه اللّه (وَ) لا (تُدْلُوا) « الإدلاء » « الدّسع والإرسال » ولعلّ المراد : « واطرحوا الوصول » (بِها) أموالكم والمراد أمرها وحكمها (إِلَى الْحُكَّامِ) حكّام العدل أو حكّام السّوء والحدل اللاء هم عاطوا الأموال حلّوا (لِتَأْكُلُوا فَرِيقاً) سهما (مِنْ أَمْوالِ النَّاسِ) ممّا ملّكهم اللّه (بِالْإِثْمِ) الإصر وهو إعلام الولع والعهد الولع أو حكام الحدل (وَ) الحال (أَنْتُمْ تَعْلَمُونَ) ( 188 ) حدلكم وإصركم وعمل الآصار مع علمها أرداء أو أسوأ .

ولمّا سأل أحد رسول اللّه صلعم ما حال الهلال أوّل ما طلع مساء لاح

----------

المساجد) التي يجوز الاعتكاف فيه وهي كل مسجد جامع على الأظهر (تلك) الأحكام المذكورة (حدود الله فلا تقربوها) بالمخالفة نهوا عن قربها مبالغة في منع التعدي (كذلك) البيان (يبين الله آياته للناس لعلهم يتقون) تعدي حدوده .

(ولا تأكلوا أموالكم بينكم) لا يأكل بعضكم مال بعض (بالباطل) بالوجه الذي لم يشرعه الله (وتدلوا بها) عطف على تأكلوا أي ولا تلقوا أمرها (إلى الحكام) بالجور (لتأكلوا) بالتحاكم (فريقا) طائفة (من أموال الناس بالإثم) بموجب الإثم كاليمين الكاذبة وشهادة الزور (وأنتم تعلمون) أنكم مبطلون .

ص: 182

كالسّلك وصار مملوّا مدوّرا لامعا وعاد وصار كما هو أوّلا ، أرسل اللّه (يَسْئَلُونَكَ) محمّد ( ص ) (عَنِ الْأَهِلَّةِ) واحدها الهلال (قُلْ) لهم (هِيَ مَواقِيتُ لِلنَّاسِ) معالم أهل العالم ومعاهد أمورهم ومحالّ أعمالهم وصومهم وعدد أعراسهم ومدد عهودهم وما سواها (وَ) معالم (الْحَجِّ) ومراسمه ومواسمه وأعماله ، له عصر معهود وعهد معلوم ، معلامه الهلال .

ولمّا عاد رهط كلّما أحرموا ما وردوا موارد دورهم وسدد مراكدهم ورودا معهودا وصدعوا وراءها ووردوه وو هموا هو عمل صالح أرسل اللّه (وَلَيْسَ الْبِرُّ) العمل الصّالح (بِأَنْ تَأْتُوا الْبُيُوتَ) دوركم (مِنْ ظُهُورِها) إحراما (وَلكِنَّ الْبِرَّ) العمل الصّالح والإحرام المأمور إحرام (مَنِ اتَّقى) طرح المحارم وحصّل الورع (وَأْتُوا الْبُيُوتَ) ردوها (مِنْ) موارد (أَبْوابِها) واطرحوا مسالك الوساوس والأوهام ، وهو مساعد وماسّ للكلام الأوّل لمّا هم كما سألوا أحوال الهلال سألوا ورودهم موارد دورهم حال الإحرام ، أو للمح الإحرام لمّا هو عملهم حال الإحرام كالهلال هو معلامه ، أو لما هم لمّا سألوا لا مصمود لهم وودعوا السؤال عمّا هو المهمّ لهم أورد وراءه حوار ما سألوه اعلاما لما هو الأهم ، (وَاتَّقُوا اللَّهَ) واسلكوا كما أمر لكم (لَعَلَّكُمْ تُفْلِحُونَ) ( 189 )

----------

(يسألونك عن الأهلة) ما الحكمة في اختلاف حالها وزيادتها ونقصانها (قل هي مواقيت للناس والحج) معالم لهم يوقتون بها معاملاتهم وعدد نسائهم وصومهم وفطرهم ومعالم للحج (وليس البر بأن تأتوا البيوت) من ظهورها كان الرجل إذا أحرم نقب في مؤخر بيته نقبا منه يدخل ويخرج وروي معناه أن تأتوا الأمور من غير وجوهها (ولكن البر من اتقى) ما حرم الله (وأتوا البيوت من أبوابها) ائتوا الأمور من وجوهها وعنهم (عليهم السلام) هي بيوت العلم ونحن أبوابها (واتقوا الله) في أوامره ونواهيه (لعلكم تفلحون) لكي تظفروا بالهدى .

ص: 183

سرمدا .

ولمّا رحل رسول اللّه صلعم وعمد أمّ رحم ورام ورودها ووصل صددها وصدّه الأعداء وصالحوه وعاهدوه لو عاد عاما وراء عامهم لهؤلاء موردوه ومحلّوه أمّ رحم لأداء الأعمال وعاد رسول اللّه صلعم مع أهل الإسلام وآلوا للعام الموعود عمّا رأوها لهم كسر الأعداء عهدهم وعماسهم معهم وسط الحرم والعصر الحرام وهم كرهوه ، أرسل اللّه وأمرهم

(وَقاتِلُوا) أهل الإسلام (فِي سَبِيلِ اللَّهِ) لإعلاء الإسلام وهو الحرم هؤلاء (الَّذِينَ يُقاتِلُونَكُمْ) عداء وصدّوكم وهم أهل العماس لا مصالحوكم ، أو المراد مسطاعوا الإهلاك لا أولو الهرم ولا رهط ما أدركوا الحلم ولا أعراسهم ولا أهل الورع ، أو المراد الأعداء كلّهم لما هم صدد الإهلاك دواما وردعهم ، (وَلا تَعْتَدُوا) حدّ الإسلام وهو العماس أوّل الأمر حلّا وحرما عصرا محرّما ، أو حرما كلّ عصر أو إهلاك أهلهم وهرماهم ومعاهدهم ، أو وردوهم للعماس دروءا أو وكس صدرهم كصرم المعاطس وحسم المسامع ، (إِنَّ اللَّهَ) الملك العدل (لا يُحِبُّ) الرّهط (الْمُعْتَدِينَ) ( 190 ) عمّا حدّ لهم .

(وَاقْتُلُوهُمْ) الأعداء أو أهلكوهم إعلاء للإسلام (حَيْثُ) كلّ محلّ (ثَقِفْتُمُوهُمْ) حصل إدراككم لهم حلّا أو حرما ، ومدلول أصله : « الدّهاء لا دراك

----------

(وقاتلوا في سبيل الله) جاهدوا في دينه لإعزازه (الذين يقاتلونكم) لا الكافين فتكون منسوخة تقابلوا المشركين أو أريد بهم من يتوقع منهم القتال ليخرج الشيوخ والصبيان والنساء (ولا تعتدوا) عما حد الله في القتل (إن الله لا يحب المعتدين).

(واقتلوهم حيث ثقفتموهم) وجدتموهم في حل أو حرم

ص: 184

الأمر علما أو عملا » (وَأَخْرِجُوهُمْ) واطردوهم (مِنْ حَيْثُ) محلّ (أَخْرَجُوكُمْ) وطردوكم ممّا هو مولدكم ومركدكم وهو « أمّ رحم » والكلام وعد لأهل الإسلام لورودهم « أمّ رحم » سطوا وعلّوا (وَالْفِتْنَةُ) صدّهم وطردهم لكم أو الإطراد ممّا هو مركد المرء (أَشَدُّ) وأسوأ حالا (مِنَ الْقَتْلِ) إهلاككم لهم حرما وإحراما ، (وَلا تُقاتِلُوهُمْ) أهل العدول والصّدود أوّل الحال (عِنْدَ الْمَسْجِدِ الْحَرامِ) والمراد الحرم كلّه (حَتَّى يُقاتِلُوكُمْ) أهل الإسلام (فِيهِ) الحرم أوّلا (فَإِنْ قاتَلُوكُمْ) أوّلا (فَاقْتُلُوهُمْ) ح حرما وأعصرا حرما (كَذلِكَ) كإهلاكهم لكم حرما (جَزاءُ الْكافِرِينَ) ( 191 ) إهلاككم لهم حرما وهو عملكم كما هو عملهم معكم .

(فَإِنِ انْتَهَوْا) أهل العدول عمّا عملوا عدولا وأسلموا (فَإِنَّ اللَّهَ) واسع الكرم (غَفُورٌ) لهم أمدا ما عملوه أوّلا (رَحِيمٌ) ( 192 ) لهم لمحو آصارهم وأعمالهم السّواء .

وأمرهم مكرّرا (وَقاتِلُوهُمْ) حلّا وحرما (حَتَّى لا تَكُونَ فِتْنَةٌ) طلاح وعدول والحاصل : « لو كسروا عهودهم وهدموا أصارهم ، أهلكوهم » وهو أساس الإسلام (وَيَكُونَ الدِّينُ) الإسلام كلّه مؤسّسا صمارحا (لِلَّهِ) وحده لا

----------

(وأخرجوهم من حيث أخرجوكم) أي مكة (والفتنة أشد من القتل) أي شركهم وصدهم إياكم عن الحرم أعظم من قتلكم إياهم فيه (ولا تقاتلوهم) تفاتحوهم بالقتال (عند المسجد الحرام حتى يقاتلوكم فيه فإن قاتلوكم فاقتلوهم) فإنهم هم الذين هتكوا حرمة الحرم (كذلك) الجزاء (جزاء الكافرين) يفعل بهم كفعلهم .

(فإن انتهوا) عن القتال والشرك (فإن الله غفور رحيم) بهم .

(وقاتلوهم حتى لا تكون فتنة) شرك (ويكون الدين) الطاعة والعبادة (لله) وحده

ص: 185

سواه (فَإِنِ انْتَهَوْا) عمّا عدلوا (فَلا عُدْوانَ) ولا عدول (إِلَّا عَلَى) الرّهط الظَّالِمِينَ ( 193 ) أهل الحدل والعدو .

ماصع الأعداء أهل الإسلام أوّلا عاما معهودا عصر الحرام ، ولمّا حال الحول وحلّ العصر الحرام ورحل أهل الإسلام لاداء مراسم الحرم وراعوا عماس الأعداء للعصر الحرام كما عملوا أوّلا كرهوا لإكرامه حووروا الدّرء روعهم العمّاس وكرههم .

(الشَّهْرُ الْحَرامُ) المحرّم حالا مؤس (بِالشَّهْرِ الْحَرامِ) المحرّم أوّلا والمراد عماسه أوس عماسه (وَالْحُرُماتُ) كلّها أراد كلّ أمر أكّد إكرامه وأحكم حرسه (قِصاصٌ) محلّ أوس وسواء وعدل ، (فَمَنِ كلّ أحد) اعْتَدى عدا وعدل عمّا حدّ وحدل (عَلَيْكُمْ) وماصعكم حراما (فَاعْتَدُوا) عدوا وأحدلوا (عَلَيْهِ) عاد (بِمِثْلِ مَا اعْتَدى) كما عدى (عَلَيْكُمْ) وعاملوه كما عاملكم ، (وَاتَّقُوا اللَّهَ) أهل الإحرام حال سطوكم وعلوّكم وأعملوا مع الأعداء كما أمركم اللّه وعلّمكم واطرحوا ما سواه (وَاعْلَمُوا) علما مصمّما (أَنَّ اللَّهَ) الملك العدل (مَعَ) الملاء (الْمُتَّقِينَ) ( 194 ) وهو حارس أحوالهم ومصعد كلمهم ومصلح أمورهم

----------

(فإن انتهوا) عن الشرك (فلا عدوان إلا على الظالمين) فلا تعتدوا على المنتهين وسمي جزاء الظلم ظلما للمشاكلة كاعتدوا عليه .

(الشهر الحرام بالشهر الحرام) أي إذا قاتل المشركون في الشهر الحرام جاز قتالهم فيه (والحرمات قصاص) يجري فيها القصاص فلما هتكوا حرمة شهركم فافعلوا بهم مثله (فمن اعتدى عليكم فاعتدوا عليه بمثل ما اعتدى عليكم واتقوا الله) فلا تعتدوا في الانتصار (واعلموا أن الله مع المتقين) فينصرهم .

ص: 186

ومسعد أعمالهم .

(وَأَنْفِقُوا) مالا وروحا وسلاما (فِي سَبِيلِ اللَّهِ) مسلك أوامره وأحكامه واطرحوا الإمساك (وَلا تُلْقُوا) أطلالكم (بِأَيْدِيكُمْ) عمدا (إِلَى التَّهْلُكَةِ) امساكا للأموال وطرحا لأعداء العدد وإعطاء العسكر لصول الأعداء وعطّهم أو إعطاء للأموال كلّها ، وهو مصدر كالهلاك والهلك والرّدع عامّ للعماس وما سواه (وَأَحْسِنُوا) أعمالكم وأملاءكم أو أعطوا الأرامل حال المعاسر إعطاء مصلحا .

(إِنَّ اللَّهَ) كامل الرّحم (يُحِبُّ) الرهط (الْمُحْسِنِينَ) ( 195 ) وودّه لهم محصّل لمرامهم حالا ومآلا .

(وَأَتِمُّوا) أكملوا (الْحَجَّ وَالْعُمْرَةَ) وأدّوهما مع مراسمها (لِلَّهِ) وحده (فَإِنْ أُحْصِرْتُمْ) للعلل والأدواء وللحسّاد والأعداء ، والحصر والإحصار :

« الصّدّ » حصره العدوّ حصرا وأحصره الدّاء إحصارا ، والمراد : « حصل لكم عمد الإحلال وطرح الإحرام » ، (فَمَا اسْتَيْسَرَ) محموله مطروح أمامه أو عامله « اهدوا » ، والحاصل : « اهدوا ما سهل لكم » وحصوله وإرساله لمّا طرأكم الإحصار وصار عمدكم الإحلال (مِنَ الْهَدْيِ) المأمور سحطه كالكراع والرّحول ورووه مكسور الدّال (وَلا تَحْلِقُوا) أهل الإحصار (رُؤُسَكُمْ )

----------

(وأنفقوا) من أموالكم (في سبيل الله) في وجوه البر والجهاد (ولا تلقوا بأيديكم) أي أنفسكم (إلى التهلكة) بالإسراف وكل ما يؤدي إلى الإهلاك (وأحسنوا إن الله يحب المحسنين) أي المقتصدين .

(وأتموا الحج والعمرة) ائتوا بهما تامين كاملين (لله) لوجه الله خالصا (فإن أحصرتم) منعكم خوف أو مرض بعد ما أحرمتم (فما استيسر من الهدي) فعليكم إذا أردتم التحليل ما تيسر من الأنعام تبعثونه (ولا تحلقوا رءوسكم حتى

ص: 187

للإحلال (حَتَّى يَبْلُغَ الْهَدْيُ) المرسل (مَحِلَّهُ) مسحطه وهو الحرم لمّا هو محلّ دم الإحصار لا سواه ، والمراد علم وصوله محلّه وسحطه للأمار ورهط عمّموه وحلّلوه سحطه محلّ الإحصار لمّا سحط رسول اللّه صلعم محلّ إحصاره وعلموه حلّا ولا حرّما و « المحلّ » مكسور الحاء عمّ المحلّ والعصر .

(فَمَنْ) كلّ أحد (كانَ مِنْكُمْ) أهل الإحرام (مَرِيضاً) أدرك رأسه الدّاء العسر (أَوْ بِهِ أَذىً) ألم حاصل (مِنْ رَأْسِهِ) كالصّداع والكسر أو مكروه كالحمك وماس رأسه ، (فَفِدْيَةٌ مِنْ صِيامٍ) لسمه أداء صوم معلوم عدده (أَوْ) إعطاء (صَدَقَةٍ) أصوع السّمراء المعلوم عددها لأهل عسر معدود ، (أَوْ نُسُكٍ) معهود وهو مصدر ، (فَإِذا أَمِنْتُمْ) الإحصار والعدوّ وأدرككم الوسع والسّلام (فَمَنْ تَمَتَّعَ) ورام الصّلاح والكمال والإحرام (بِالْعُمْرَةِ إِلَى) عصر (الْحَجَّ) وأكملها أمام عصره ، أو المراد لمّا أكملها وحلّ ورام العود لما حرّم له أمام إحرامه لأداء مراسمه (فَمَا) لسمه دم (اسْتَيْسَرَ) سهل له (مِنَ الْهَدْيِ) وأهداه وهو ممّا حلّ أكله للمالك (فَمَنْ لَمْ يَجِدْ) ما أهداه لعدم إدراكه أو عدم

----------

يبلغ الهدي محله) مكانه الذي ينحر فيه وهو في المرض للحاج منى يوم النحر وللمعتمر مكة في الساعة التي وعد المبعوث معهم وفي العدو مكانه الذي صد فيه حين يريد الإحلال (فمن كان منكم مريضا) مرضا محوجا للحلق (أو به أذى من رأسه) كقمل أو غيره (ففدية) أي فحلق فالواجب فدية (من صيام) ثلاثة أيام (أو صدقة) على عشرة مساكين لكل مد وروي ستة لكل مدان (أو نسك) ذبح شاة (فإذا أمنتم فمن تمتع بالعمرة) استمتع بعد التحلل من عمرته بإباحة ما حرم عليه (إلى الحج) إلى أن يحرم بالحج (فما استيسر من الهدي) شاة (فمن لم

ص: 188

حصول المال (فَصِيامُ) أمر له أداء صوم (ثَلاثَةِ أَيَّامٍ فِي) عصر (الْحَجَّ) وسط إحرامهما أو حال إحرامه أمام الإحلال (وَ) صوم (سَبْعَةٍ إِذا رَجَعْتُمْ) حال إكمالكم أعماله أو حال عودكم للمصر وحصول الرّموك ، والحاصل (تِلْكَ عَشَرَةٌ كامِلَةٌ) وهو أوّل عدد كامل هو حدّ الآحاد أوردها لمّا أراد كلّها أو لردّ وهم « الواو » لمدلول « أو » ، (ذلِكَ) روم الصّلاح أو العمل المأمور (لِمَنْ لَمْ يَكُنْ أَهْلُهُ) وداره (حاضِرِي الْمَسْجِدِ الْحَرامِ) والمراد الحرم كلّه وهم رهط دورهم وراء حدّ الإحرام أو رهط دورهم محلّا لو رحلوا لأمّ رحم وكسوا ما صلّوا ، أو أهل الحلّ أو رهط ما هم أهل أم الرّحم (وَاتَّقُوا اللَّهَ) إراء للأوامر وطرحا للمحارم عموما (وَاعْلَمُوا) علما موصلا للعمل (أَنَّ اللَّهَ) الحكم العدل (شَدِيدُ الْعِقابِ) ( 196 ) لأهل الطّلاح .

(الْحَجُّ) موسم إحرامه أو أعماله (أَشْهُرٌ) أراد ما عدا الواحد

----------

يجد فصيام ثلاثة أيام في الحج) في أيامه أي في ذي الحجة (وسبعة إذا رجعتم) إلى أهاليكم فإن أقام بمكة انتظر وصول أهل بلده ثم يصوم ما لم يتجاوز شهرا فيجتزي به (تلك عشرة كاملة) في بدلية الهدي لا تنقص عن الأضحية الكاملة أو تأكيد آخر مبالغة في حفظ العدد (ذلك) أي التمتع (لمن لم يكن أهله حاضري المسجد الحرام) من كان منزله على ثمانية وأربعين ميلا منه (واتقوا الله واعلموا أن الله شديد العقاب الحج) أي وقته (أشهر معلومات) معروفات هي شوال وذو القعدة وذو الحجة وقيل تسعة من ذي الحجة بليلة النحر وقيل العشرة فالجمع لإقامة البعض مقام الكل أو لاستعماله فيما فوق الواحد وبناء الخلاف أن المراد بوقته

ص: 189

(مَعْلُوماتٌ) أسماءها وأعصارها (فَمَنْ فَرَضَ) كلّ أحد أكّد وأحكم وألسم للإحرام (فِيهِنَّ الْحَجَّ) مع مراسمه (فَلا رَفَثَ) لا سرّ أو لا كلام سوء (وَلا فُسُوقَ) لا عدول عمّا أمر أو لا اسماع (وَلا جِدالَ) لا مراء مع الطّوّع والإرداء (فِي) أداء مراسم (الْحَجُّ) كلّه ، (وَما تَفْعَلُوا) أهل المراسم (مِنْ خَيْرٍ) إعطاء وإكرام وكلّ عمل صالح (يَعْلَمْهُ اللَّهُ) وهو عالم أسراركم وأحوالكم ومعاملكم كأعمالكم (وَتَزَوَّدُوا) ما صلح لرحلكم لأداء مراسم الحرم مآكل ورواحل أو لرحل معادكم ، (فَإِنَّ خَيْرَ الزَّادِ) أصلحه لكم (التَّقْوى) عدم السؤال أو الصّلاح والسّداد (وَاتَّقُونِ) إصلاحا لمعادكم يا (أُولِي الْأَلْبابِ) ( 197 ) أهل الأحلام .

وأهل العصر الأوّل كلّما وردوا مواسمه لأداء مراسمه عاملو عمل السّوم ، ولمّا كرهه أهل الإسلام ولاكره أرسل اللّه إعلاما لهم (لَيْسَ عَلَيْكُمْ جُناحٌ) إصر (أَنْ تَبْتَغُوا) حال رومكم مواسمه (فَضْلًا مِنْ رَبِّكُمْ) عطاء وعودا للسّوم

----------

وقت أفعاله وإحرامه (فمن فرض فيهن الحج) بأن لبى أو أشعر أو قلد (فلا رفث) هو الجماع (ولا فسوق) هو الكذب والسبأب (ولا جدال) هو قول لا والله وبلى والله (في الحج) في أيامه (وما تفعلوا من خير يعلمه الله) يجازيكم به (وتزودوا) لمعادكم التقوى (فإن خير الزاد التقوى) وقيل كان أهل اليمن لا يتزودون ويقولون نحن متوكلون ويكونون كلا على الناس فنزلت فيهم (واتقون يا أولي الألباب) خصوا بالخطاب إشعارا بأن مقتضى العقل خشية الله وتقواه .

(ليس عليكم جناح) إثم (أن تبتغوا) في أن تطلبوا (فضلا) رزقا (من ربكم) بالتجارة قيل كانوا يتأثمون بالتجارة في الحج فرفع ذلك أو المراد مغفرة

ص: 190

والكراء وهو رد لكرههم (فَإِذا أَفَضْتُمْ) والمراد عودهم مع العد (مِنْ عَرَفاتٍ) علم للمحلّ الأصعد (فَاذْكُرُوا اللَّهَ) هلّلوا وادّعوه وصلّوا للّه كما أمركم (عِنْدَ الْمَشْعَرِ الْحَرامِ) وهو المعلم المحرّم والطّود المكرّم محلّ الإمام (وَاذْكُرُوهُ) اللّه وداوموا ادّكاره (كَما هَداكُمْ) اللّه وعلّمكم معالم إسلامه ، و « ما » للمصدر (وَإِنْ) مؤكّد مطروح الاسم كما دلّ « اللّام » وورد هو و « اللّام » للاعدام لمدلول « الّا » (كُنْتُمْ مِنْ قَبْلِهِ) هداه أو الرّسول صلعم (لَمِنَ) الرّهط (الضَّالِّينَ) ( 198 ) سلّاك مراحل السّوء .

(ثُمَّ أَفِيضُوا) عودوا رهط الحمس (مِنْ حَيْثُ) محلّ (أَفاضَ) عاد (النَّاسُ) أهل الإسلام وهو المحلّ الأصعد المعهود ودعوا رموك محلّ سواء مركد أهل الإسلام مرحا وادّعاء ، أو المراد عودوا أهل الإسلام عمّا هو مركدكم وهو المعلّم الحرام كما عاد الحمس ، ورووه مكسورا أراد « آدم » (وَاسْتَغْفِرُوا اللَّهَ) ممّا حوّل أحدكم مرسما وأصلحوا طوالح أعمالكم (إِنَّ اللَّهَ) واسع الكرم (غَفُورٌ) محاء للآصار (رَحِيمٌ) ( 199 ) موصل للآمال .

----------

منه (فإذا أفضتم) دفعتم أنفسكم بكثرة (من عرفات فاذكروا الله) بالتسبيح ونحوه (عند المشعر الحرام واذكروه كما هداكم) لدينه أي بإزاء هدايته أو كما علمكم المناسك وغيرها (وإن) مخففة (كنتم من قبله) قبل الهدى (لمن الضالين) الجاهلين .

(ثم أفيضوا) يا معشر قريش (من حيث أفاض الناس) من عرفات وكان قريش يقفون بجمع ولا يقفون مع سائر الناس بعرفات ترفعا عليهم فأمروا بمساواتهم فثم لتفاوت ما بين الإفاضتين إذ تلك حرام وهذه واجبة وقيل من جمع إلى منى بعد الإفاضة من عرفات إليها والأمر عام ويراد بالناس إبراهيم والأنبياء وهو الأنسب بثم والسوق (واستغفروا الله) من جاهليتكم عند الإفاضة إلى المشعر أو من ذنوبكم (إن الله غفور رحيم .

ص: 191

(فَإِذا قَضَيْتُمْ) حصل إكمالكم وأداءكم (مَناسِكَكُمْ) مطاوعكم وأعمالكم كما أمركم اللّه لإصلاحكم (فَاذْكُرُوا اللَّهَ) أحمدوه وادعوه (كَذِكْرِكُمْ) حمدكم ودعاءكم (آباءَكُمْ) مكارمهم وهم عادوا ما عدّدوا محامد الولّاد إطراء لمّا أدّوا مراسمهم وأكملوها (أَوْ) كادكار رهط (أَشَدَّ) محلّه الكسر (ذِكْراً) وأوكد حمدا وأكمل إحصاء ، (فَمِنَ النَّاسِ) هم أهل الإحرام (مَنْ يَقُولُ) دعاء وسؤالا (رَبَّنا) اللّهمّ (آتِنا) العلوّ والمال (فِي) الدّار (الدُّنْيا) لا سواها لعدم علمه المعاد (وَما لَهُ) معاده الموصول (فِي) الدّار (الْآخِرَةِ) وهو مآل الكلّ (مِنْ خَلاقٍ) ( 200 ) سهم وحاصل .

(وَمِنْهُمْ) هم أهل الإسلام وودّاد معالمه (مَنْ يَقُولُ) محالّ الدّعاء (رَبَّنا) اللّهمّ (آتِنا) إعطاء كاملا (فِي) الدّار (الدُّنْيا حَسَنَةً) علما مع العمل ، أو وسعا وعمرا ، أو أهلا صلح عملها (وَفِي) الدّار (الْآخِرَةِ حَسَنَةً) دوام الوصول ودارالسلام مع الحور والآلاء (وَقِنا) أحرس وع (عَذابَ النَّارِ) ( 201 ) ألم السّاعور أو ألم أهل السوء ، وكلّ مسلم سألهما آسه اللّه ما سأل وحرسه سعرها لا كالسؤال الأوّل لما هو محروم السّهام معادا .

----------

فإذا قضيتم مناسككم فاذكروا الله) ذكرا كثيرا (كذكركم آباءكم) كانوا إذا فرغوا من الحج يجتمعون فيذكرون مفاخر آبائهم وأيامهم (أو أشد ذكرا) بأن تزيدوا في ذكر آلائه وشكر نعمائه (فمن الناس من يقول ربنا ءاتنا) اجعل عطاءنا (في الدنيا) خاصة (وما له في الآخرة من خلاق) نصيب .

(ومنهم من يقول ربنا ءاتنا في الدنيا حسنة) كالصحة والأمن وسعة الرزق وحسن الخلق (وفي الآخرة حسنة) رضوانك والجنة (وقنا عذاب النار) بالعفو وعن علي (عليه السلام) الحسنة في الدنيا المرأة الصالحة وفي الآخرة الحوراء وعذاب النار امرأة السوء .

ص: 192

(أُولئِكَ) داعوهما (لَهُمْ نَصِيبٌ) سهم (مِمَّا كَسَبُوا) عملوا عملا صالحا أودعوا (وَاللَّهُ) مالك دار الإحصاء (سَرِيعُ الْحِسابِ) ( 202 ) مسرع لإحصاء أعمالهم كإسراع لمح مع عدّهم وعدم عدّها وموصلهم ما هو معادل لاعمالهم .

(وَاذْكُرُوا اللَّهَ) وادّكروه وادعوه كما أمركم (فِي أَيَّامٍ مَعْدُوداتٍ) أما صل عدّها رسول اللّه صلعم (فَمَنْ تَعَجَّلَ) العود وعاد مسرعا عمّا هو موسمهم لحرم اللّه وطرح الحصا ورماه (فِي يَوْمَيْنِ) ممّا علم عددها ، والمراد وسطهما (فَلا إِثْمَ) لا إصر (عَلَيْهِ) المسرع أو الإسراع (وَمَنْ تَأَخَّرَ) وأهمل وما عاد وطرح حصاه وراءهما (فَلا إِثْمَ عَلَيْهِ) لعدم العود ، والأحكام كلّها (لِمَنِ اتَّقى) المحارم والمكاره كالسّرّ والإسماع والعوراء حال أداء المراسم (وَاتَّقُوا اللَّهَ) وراعوا أوامره وروادعه كلّها (وَاعْلَمُوا) علما مؤكّدا مصمّما

----------

(أولئك لهم نصيب مما كسبوا) من جنسه وهو جزاؤه أو من أجله (والله سريع الحساب) يحاسبهم في قدر لمحة .

(واذكروا الله في أيام معدودات) كبروه أدبار الصلاة في أيام التشريق عقيب خمس عشرة صلاة في منى وعشر في غيرها أولها ظهر يوم النحر (فمن تعجل) استعجل النفر (في يومين) أي نفر في ثاني أيام التشريق بعد الزوال والرمي إلى الغروب (فلا إثم عليه) بتعجيله ومن تأخر إلى الثالث فنفر فيه أي وقت شاء بعد الرمي قال الصادق (عليه السلام) لو سكت لم يبق أحد إلا تعجل ولكنه قال (ومن تأخر فلا إثم عليه لمن اتقى) أي ذلك التخيير للمتقي المعاصي لأنه الحاج على الحقيقة أو لمن اتقى الصيد والنساء في إحرامه (واتقوا الله واعلموا أنكم إليه تحشرون) فيجازيكم بأعمالكم .

ص: 193

(أَنَّكُمْ) كلّكم (إِلَيْهِ) اللّه (تُحْشَرُونَ) ( 203 ) أمد الدّهر لإحصاء الأعمال وهو معاملكم كأعمالكم صوالح أو طوالح .

(وَمِنَ النَّاسِ) أهل الولع (مِنَ) مرء (يُعْجِبُكَ) محمّد ( ص ) (قَوْلُهُ) حلو كلامه (فِي الْحَياةِ الدُّنْيا) وأطوارها أو كلامه لرومها (وَيُشْهِدُ اللَّهَ) عهدا ولعا (عَلى ما) وداد أو إسلام (فِي قَلْبِهِ) وصدره وهو إعلامه وآم مسحله روعه ولعا (وَ) الحال (هُوَ) الوالع (أَلَدُّ الْخِصامِ) ( 204 ) أسوأ الأعداء وأوطد اللّدّ لأهل الإسلام لمّا هو حلو الكلام ومرّ الصّدر أو أكمل العداء واللّدد وهو مصدر ح .

(وَإِذا تَوَلَّى) عدل وعاد المرء الألدّ وراح أو صار آمرا حاكما (سَعى فِي الْأَرْضِ) سلك وهمّ وأسرع (لِيُفْسِدَ) المرء (فِيها) حدلا واهداما وإهدارا كما هو عمل حكّام السّوء (وَيُهْلِكَ) المرء أو اللّه للمح حدله وعدوه (الْحَرْثَ) إسعارا وإعداما وهو ماكر أهل الإسلام (وَالنَّسْلَ) حسما للأرحام وإهلاكا للسّوام (وَاللَّهُ) الملك العدل (لا يُحِبُّ الْفَسادَ) ( 205 ) الطّلاح وهو

----------

(ومن الناس) نزلت في المرائي أو المنافق أو الأخنس بن شريق (من يعجبك قوله في الحياة الدنيا) أي قوله في ذمها وزوالها أو يعجبك في الدنيا كلامه دون الآخرة إذ لا حقيقة له (ويشهد الله) يستشهده ويحلف به (على ما في قلبه) أي أنه مضمر ما يقول (وهو ألد الخصام) جمع خصم أي أشد الخصوم خصومة أو شديد المخاصمة .

(وإذا تولى) عنك أو صار واليا (سعى في الأرض ليفسد فيها ويهلك الحرث والنسل) كما فعل الأخنس بثقيف إذ بيتهم وأهلك مواشيهم وأحرق زروعهم أو كما تفسد ولاة السوء بالقتل والإتلاف أو بالظلم حتى يحبس الله بشؤمه القطر فيهلك الحرث والنسل (والله لا يحب الفساد) لا يرضاه .

ص: 194

مصلح الكلّ ، والكلام أرسل لإعلام أحوال مرء معهود مدّع لوداد رسول اللّه صلعم ولعا أو كلّ مرء أسلم مسحلا لا روعا .

(وَإِذا قِيلَ) أمر وحكم (لَهُ) للمرء حال إهلاكه وطلاحه (اتَّقِ اللَّهَ) واعمل الصّوالح واطرح الطّوالح (أَخَذَتْهُ الْعِزَّةُ) حمله علوّ الحال ردّا لما أمر له (بِالْإِثْمِ) الإصر المأمور طرحه وإصراره (فَحَسْبُهُ) ولأعماله إصرا (جَهَنَّمُ) آلامها وآصارها مآلا وهو علم لدار الإصر (وَ) اللّه (لَبِئْسَ الْمِهادُ) ( 206 ) السّاعور ، مهّده اللّه لأهل السّوء ووطّأه .

(وَمِنَ النَّاسِ مَنْ) وهو مرء لمّا أراد أهله العدول ردّ إسلامه وأهلكوا رهطا أسلموا معه أعطاهم مالا أوس إهلاكه ورحل مسلما وأدرك مصر رسول اللّه صلعم ، أو هو كلّ أحد أصرّ الإسلام وأمر أوامره وردع روادعه وصار مهلكا (يَشْرِي نَفْسَهُ) روحه طوعا لا كرها (ابْتِغاءَ مَرْضاتِ اللَّهِ) لروم ما هو مراده ومأموره ، وورد أكمل العماس الكلام مع الملك الحدل (وَاللَّهُ رَؤُفٌ بِالْعِبادِ) ( 207 ) كامل الرّحم والعطاء لهم .

(يا أَيُّهَا) الملأ (الَّذِينَ آمَنُوا) أسلموا مسحلا ، أوس المراد أهل الطّرس أو سواهما كما سأورد (ادْخُلُوا فِي السِّلْمِ) وهو الصّلح والإسلام

----------

(وإذ قيل له اتق الله أخذته العزة بالإثم) حملته الحمية الجاهلية على الإثم الذي أمر باتقائه (فحسبه جهنم) كفته عقوبة (ولبئس المهاد) الوطء هي له .

(ومن الناس من يشري نفسه) يبعها ويبذلها (ابتغاء مرضاة الله) نزلت في علي (عليه السلام) حين هرب النبي (صلى الله عليه وآله وسلّم) إلى الغار وبات على فراشه يفديه بنفسه (والله رءوف بالعباد) .

(يا أيها الذين ءامنوا ادخلوا في السلم) الانقياد والطاعة أو الإسلام أو

ص: 195

ورووا « السّلم » كالصّرم (كَافَّةً) طرّا ، وهو حال ، والحاصل : « أسلموا اللّه وطاوعوا سرّا وحسّا » والكلام مع أهل الإسلام مسحلا أو كمّلوا إسلامكم والمراد مسلمو أهل الطّرس ، وهم مع أهل إسلامهم حرّموا لحوم الرّحول ودرّها ، أو طاوعوا أوامر اللّه كلّها وأسلموا للرّسل والطّروس طرّا والكلام مع أهل الطّرس أو راعوا صوالح الإسلام وأحكامه كلّها والكلام مع أهل الإسلام عموما (وَلا تَتَّبِعُوا) طوعا (خُطُواتِ الشَّيْطانِ) وساوسه وأوهامه سرّا وحسّا (إِنَّهُ) المارد الموسوس (لَكُمْ) لإسلامكم وإصلاحكم (عَدُوٌّ مُبِينٌ) ( 208 ) مصرّ مصرّح العداء .

(فَإِنْ زَلَلْتُمْ) عدّالا عمّا هو الصّلاح والسّداد وهو السّلم والإسلام (مِنْ بَعْدِ ما) للمصدر (جاءَتْكُمُ الْبَيِّناتُ) سواطع الأدلّاء ولوامع الأعلام لسداد أمر الإسلام (فَاعْلَمُوا) علما واطدا (أَنَّ اللَّهَ) مالك الملك (عَزِيزٌ) كامل سطو وآمر كلّ والكلّ محكومه لا رادّ لحكمه وأمره (حَكِيمٌ) ( 209 ) عالم حكم ومصالح ، لا ورود لامره الّا سدادا .

(هَلْ يَنْظُرُونَ) ما هم رصّادا (إِلَّا أَنْ يَأْتِيَهُمُ اللَّهُ) إلّا ورود أمره الموعود وهوله المؤلم المهلك (فِي ظُلَلٍ) ورووه كحمام (مِنَ الْغَمامِ) الرّكام ، وهو مهوّل لما هو لأمصار المراحم وهمع الآلاء ، ولمّا عكس الأمل وركس الرّصد

----------

الصلح (كافة) جميعا (ولا تتبعوا خطوات الشيطان) بتفرقكم أو تفريقكم (إنه لكم عدو مبين) .

(فإن زللتم) عما أمرتم به (من بعد ما جاءتكم البينات) الحجج (فاعلموا أن الله عزيز) لا يعجزه البطش (حكيم) لا يبطش إلا بحق .

(هل ينظرون) معناه النفي (إلا أن يأتيهم الله) بأسه أو أمره أو يأتيهم بنقمته أو عذابه (في ظلل) جمع ظلة وهي ما أظلك (من الغمام) السحاب الأبيض فإنه

ص: 196

صار الأمر أهول (وَالْمَلائِكَةُ) هم وكّلوا لأمره وإصره ، أو المراد ورودهم معادا ، ورووه مكسورا (وَقُضِيَ) ورووه مصدرا مع كسر (الْأَمْرُ) أكمل أمر إهلاكهم (وَإِلَى اللَّهِ) الملك العدل (تُرْجَعُ الْأُمُورُ) ( 210 ) كلّها وهو مآلها ومعادها ، ورووه معلوما .

(سَلْ) أصله « إسال » وهو أمر للرّسول ، أو لكلّ واحد وهو سؤال مهدّد (بَنِي إِسْرائِيلَ) رؤساء الهود (كَمْ آتَيْناهُمْ) أراد رسولهم إصلاحا لهم ، و « كم » للسؤال أو للإعلام (مِنْ آيَةٍ) أوحاه اللّه لإعلاء أمر الإسلام (بَيِّنَةٍ) لمع سطوعها أو لاح مدلولها وهم حوّلوها وصار مرصادا للطّلاح (وَمَنْ يُبَدِّلْ) محوّلا ومأوّلا (نِعْمَةَ اللَّهِ) آلاءه وهو ما أوحاها اللّه لإصلاحهم وهداهم وهو أكمل الآلاء (مِنْ بَعْدِ ما) للمصدر (جاءَتْهُ) وصولها وألوّ علمها وطمس وهمها (فَإِنَّ اللَّهَ) الملك العدل (شَدِيدُ الْعِقابِ) ( 211 ) عسر الإصر لأهل الأعمال السّواء حالا ومآلا .

----------

مظنة الرحمة فإتيان العذاب منه من حيث لا يحتسب (والملائكة وقضي الأمر) فرغ من تدميرهم والتعبير بالماضي لتحقق وقوعه (وإلى الله ترجع الأمور) ببناء الفاعل والمفعول .

(سل بني إسرائيل) أمر للرسول أو لكل أحد والسؤال تقريع (كم ءاتيناهم من ءاية) نعمة (بينة) معجزة واضحة على أيدي أنبيائهم أو حجة في الكتب على صدق محمد صلى الله عليه واله (ومن يبدل نعمة الله) آياته (من بعد ما جاءته) وعرفها (فإن الله شديد العقاب) له أو لمن عصاه .

ص: 197

(زُيِّنَ) سوّل وودّد ، والمسوّل هو اللّه لمّا لا حصول لأمر إلّا وهو آسره وحاكمه كما دلّ ما رووه معلوما وورد هو المارد المطرود (لِلَّذِينَ كَفَرُوا) عدلوا وما أدركوا سرور المال (الْحَياةُ الدُّنْيا) وما أرادوا سواها (وَيَسْخَرُونَ) حسلا أو لهوا وهم رؤساء الحمس وورد رؤساء الهود (مِنَ) الملأ (الَّذِينَ آمَنُوا) أسلموا وهم معسرو أهل الإسلام كولد مسعود وعمّار (وَ) الملأ (الَّذِينَ اتَّقَوْا) عمّا لا صلاح له وهو العدول وهم هؤلاء الصّلحاء الأرامل (فَوْقَهُمْ) أهل العدول (يَوْمَ الْقِيامَةِ) معدا لعلوّ محالّهم وسموّ دورهم ومراكد الطّلاح محاط الدّرك (وَاللَّهُ) مالك الملك وحاكم الكلّ (يَرْزُقُ) عطاء وكرما (مِنَ) كلّ أحد (يَشاءُ) إعطاءه صالحا أو طالحا وهو موسّع العطاء وعالم العالم حالا ومآلا (بِغَيْرِ حِسابٍ) ( 212 ) عدّ وحدّ لما لا إحصاء لمكارمه ولا حدّ لمراحمه .

(كانَ النَّاسُ) كلّهم (أُمَّةً واحِدَةً) مع الصّلاح والسّداد لهم كمال الإسلام والود ، ولمّا مرّ دهر طاوع رهط أهواء وأطاعوا أوهاما وآراء وصاروا أعداء وعادوا طلّاحا ، أو المراد عدّالا وطلاحا وادّارءوا (فَبَعَثَ) أرسل (اللَّهُ) لإصلاح أحوالهم (النَّبِيِّينَ) الرّسل (مُبَشِّرِينَ) لأهل الصّلاح (وَمُنْذِرِينَ)

----------

(زين للذين كفروا الحياة الدنيا ويسخرون من الذين ءامنوا) من فقراء المؤمنين (والذين اتقوا) من المؤمنين (فوقهم يوم القيامة) لأنهم في عليين وهم في سجين (والله يرزق من يشاء) في الدارين (بغير حساب) بغير تقدير .

(كان الناس) قبل نوح أو بين آدم ونوح أو أهل السفينة (أمة واحدة) على الفطرة لا مهتدين ولا كافرين (فبعث الله النبيين مبشرين ومنذرين) ليتخذ عليهم

ص: 198

لأهل الطّلاح ، وكلّ واحد حال (وَأَنْزَلَ) أرسل (مَعَهُمُ) مع الرّسل أراد كلّ واحد (الْكِتابَ) الطّرس المسدّد اللّام « للصّرع » (بِالْحَقِّ) صدع السّداد وهو حال (لِيَحْكُمَ) اللّه أو الرّسول أو الطّرس (بَيْنَ النَّاسِ) أولاد آدم كما هو صلاحهم (فِيمَا) امر (اخْتَلَفُوا فِيهِ) وهو الإسلام أو أعمّ (وَمَا اخْتَلَفَ) رهط (فِيهِ) الإسلام أو الطّرس (إِلَّا) هؤلاء (الَّذِينَ أُوتُوهُ) أعطوا الطّرس المرسل المعدم للإدّراء وهم عكسوا الأمر (مِنْ بَعْدِ ما) للمصدر (جاءَتْهُمُ الْبَيِّناتُ) وصلهم الأدلّاء السّواطع والأعلام الدّوالّ المسدّد مدلولها (بَغْياً بَيْنَهُمْ) حسدا وحدلا لحرصهم ورومهم الحطام (فَهَدَى اللَّهُ) هؤلاء (الَّذِينَ آمَنُوا) أسلموا (لِمَا) أمر (اخْتَلَفُوا فِيهِ) وحوّلوا أعمالهم ممسكا كلّ رهط لما لاح لهم (مِنَ الْحَقِّ) مدلول « ما » (بِإِذْنِهِ) علمه أو أمره وروده وكرمه ، (وَاللَّهُ) واسع الكرم (يَهْدِي مَنْ) كلّ أحد (يَشاءُ) هداه وهو أهل له (إِلى صِراطٍ مُسْتَقِيمٍ) ( 213 ) مسلك لا أود لسالكه وهو الإسلام .

----------

الحجة (وأنزل معهم الكتاب بالحق) متلبسا به (ليحكم بين الناس) أي الله أو الكتاب (فيما اختلفوا فيه وما اختلف فيه) في الحق أو الكتاب (إلا الذين أوتوه) أعطوا العلم به إذ جعلوا المزيل للاختلاف سببا لحصوله (من بعد ما جاءتهم البينات بغيا) ظلما وطلبا للرئاسة (بينهم فهدى الله الذين ءامنوا لما اختلفوا فيه من الحق) بيان لما (بإذنه) بلطفه وأمره (والله يهدي من يشاء إلى صراط مستقيم) موصل إلى النجاة .

ص: 199

(أَمْ حَسِبْتُمْ) سوّل لكم أوهامكم ، والكلام مع رسول اللّه صلعم وأهل الإسلام طرّا (أَنْ تَدْخُلُوا الْجَنَّةَ) الموعود ورودها (وَ) الحال (لَمَّا) لم (يَأْتِكُمْ) ما وردكم وما وصلكم ، وأصل « لمّا » ، « لم » وصل معها « ما » وهو للإعدام مع الأمل (مَثَلُ) حال هؤلاء (الَّذِينَ خَلَوْا) رحلوا (مِنْ قَبْلِكُمْ) وصاروا سلاك صراط العدم وهم الرّسل وطوّعهم (مَسَّتْهُمُ الْبَأْساءُ) وهو الهول والعسر (وَالضَّرَّاءُ) الآلام والعلل والسّعار (وَزُلْزِلُوا) حرّكوا لصوارم الأهوال وصواكم الدّهر (حَتَّى يَقُولَ الرَّسُولُ) حصورا وكلالا ، (وَ) الملأ (الَّذِينَ آمَنُوا) أسلموا (مَعَهُ) مع الرّسول (مَتى نَصْرُ اللَّهِ) الموعود المأمول وكلّم لهم أداء لوطرهم ومرومهم ، (أَلا) اعلموا (إِنَّ نَصْرَ اللَّهِ) إسعاده وإمداده (قَرِيبٌ) ( 214 ) محمّ وأصل لهم .

ولمّا سأل عمرو هو همّ هرم له عدّ مال عمّا صلح للإعطاء والإدرار ومحالّه وموارده أرسل اللّه (يَسْئَلُونَكَ) محمّد ( ص ) (ما ذا يُنْفِقُونَ) ما هو الصّالح لهم للإعطاء (قُلْ) لهم رسول اللّه كلّ ما (أَنْفَقْتُمْ) أهل السؤال (مِنْ

----------

(أم حسبتم أن تدخلوا الجنة ولما يأتكم مثل الذين خلوا من قبلكم) أي مثل حالهم فتصبروا كما صبروا (مستهم البأساء والضراء) استيناف بيان للمثل (وزلزلوا) أزعجوا بأنواع البلايا (حتى يقول الرسول والذين ءامنوا معه) لاستطالة زمان الشدة وفناء الصبر (متى نصر الله) معناه طلب النصر وتمنيه (ألا إن نصر الله قريب) أي قل لهم ذلك إجابة لسؤالهم .

(يسألونك ماذا ينفقون) قيل كان عمرو بن الجموح شيخا ذا مال فقال للنبي (صلى الله عليه وآله وسلّم) بما أتصدق وعلى من أتصدق فنزلت (قل ما أنفقتم من خير) مال

ص: 200

خَيْرٍ) مال سمّاه إكراما له (فَلِلْوالِدَيْنِ) للوالد والأمّ (وَالْأَقْرَبِينَ) أهل الأرحام (وَالْيَتامى) وهم أولاد ما أدركوا الحلم وهلك ولادهم (وَالْمَساكِينِ) أهل عسر لا سؤال لهم (وَابْنِ السَّبِيلِ) أهل الرّحل سألوا عمّا صلح لهم للإعطاء وحووروا عمّا هو محلّ الإعطاء إعلاما لما هو الأهمّ ، وورد سألهما عمرو معا كما مرّ وأورد اللّه مورد السؤال إلا أحدهما ، ولوح مورد الحوار لما صلح للإعطاء مع ما صرّح مع موارد الإعطاء (وَ) كلّ (ما تَفْعَلُوا مِنْ خَيْرٍ ) عمل صالح (فَإِنَّ اللَّهَ) واسع العلم (بِهِ) معاده الموصول (عَلِيمٌ) ( 215 ) مطّلع عالم أعمالكم طرّا ومعامل معكم كما هو أعمالكم .

(كُتِبَ) أمر أمرا مؤكّدا (عَلَيْكُمُ) أهل الإسلام (الْقِتالُ) العماس مع أهل العدول والصّدود ، وهو ما مرّ حاله (وَهُوَ) العماس (كُرْهٌ) عسر مكروه وهو مصدر حمل إطراء ورووه « كره » و « الكره » و « الكره » واحد أو « الكره » وهو « الإكراه » ولعلّهم أكرهوا لكمال عسره (لَكُمْ) لعدم عملكم محصوله ومآله (وَعَسى) لعلّ (أَنْ تَكْرَهُوا شَيْئاً) عملا وأمرا وهو العماس لإعلاء الإسلام أو كل ما أمره اللّه وهو عكس هواكم (وَ) الحال (هُوَ خَيْرٌ) أصلح (لَكُمْ) حالا ومآلا ، (وَعَسى أَنْ تُحِبُّوا شَيْئاً) وهو عدم العماس والركود والرّموك أو كلّ ما حرّمه اللّه وهو أصل آمالكم (وَ) الحال (هُوَ شَرٌّ) أسوأ (لَكُمْ) لعلوّ

----------

(فللوالدين والأقربين واليتامى والمساكين وابن السبيل وما تفعلوا من خير فإن الله به عليم) لا يضيعه .

(كتب عليكم القتال وهو كره لكم) طبعا والوصف بالمصدر للمبالغة (وعسى أن تكرهوا شيئا وهو خير لكم) في المال إذ فيه الظفر أو الشهادة (وعسى أن تحبوا شيئا) وهو ترك الجهاد والحياة (وهو شر لكم) إذ فيه الذل

ص: 201

الأعداء ح أو لمّا حرّموا المال حالا والأوس مآلا (وَاللَّهُ يَعْلَمُ) مآل أعمالكم وما هو أصلح لكم (وَأَنْتُمْ لا تَعْلَمُونَ) ( 216 ) أسرار الأمور وصوالح الأعمال .

ولما أرسل رسول اللّه صلعم عسكرا لعماس الأعداء لإعلاء الإسلام ، وراحوا وماصعوا الأعداء وأهلكوا عمروا وعطوا الأموال وأسروا « الحكم » وواحدا معه سواه وهو أوّل عماس وأسر وحصول مال لأهل الإسلام ، وهو عهد أهلّ هلال الأصمّ وهؤلاء العسكر ما علموه والحمس وهموا أحلّ محمّد صلعم ما هو الحرام وهو عماس المحرّم ولاموه وحار العسكر وسدم وعاد ، وسألوا رسول اللّه صلعم عمّا هو أصل الأمر والحكم وعصر العماس أرسل اللّه إعلاما لعدم الحلّ

(يَسْئَلُونَكَ) محمّد أهل الإسلام وأهل العدول (عَنِ الشَّهْرِ الْحَرامِ) لمحرّم وهو الأصم (قِتالٍ) مكسور ورووه مع عامله وهو المراد سؤالا حاصل (فِيهِ المحرّم) قُلْ لهم إعلاما (قِتالٍ) حاصل (فِيهِ) إصر (كَبِيرٌ) لا حدّ له أورده العلماء محوّلا إلّا « عطاء » (وَصَدٌّ) حدّ أهل العدول رسول اللّه صلعم وأودّاءه (عَنْ سَبِيلِ اللَّهِ) وهو الإسلام وأحكامه (وَكُفْرٌ بِهِ) اللّه (وَ) صدّ (الْمَسْجِدِ الْحَرامِ) والمراد صدّهم رسول اللّه ورحماءه ورود أم رحم عاما معهودا (وَإِخْراجُ أَهْلِهِ) أهل أمّ الرّحم وهم رسول اللّه

----------

وحرمان الأجر (والله يعلم) ما يصلحكم (وأنتم لا تعلمون) ذلك فامتثلوا ما أمرتم به وإن لم تعرفوا الحكمة .

(يسألونك عن الشهر الحرام قتال فيه) بدل اشتمال قتل المسلمون مشركا في غرة رجب وهم يظنونه من جمادى الآخرة فاستعظمت قريش ذلك فنزلت (قل قتال فيه كبير) أي ذنب عظيم (وصد) منع (عن سبيل الله) طاعته أو الإسلام أي ولكن ما فعلوا بك من الصد عن الإسلام (وكفر به) بالله (والمسجد الحرام) أي وبه (وإخراج أهله منه) وهم النبي والمؤمنون (أكبر

ص: 202

صلعم ورحماؤه (مِنْهُ) عداء (أَكْبَرُ) إصرا وأسوأ حالا (عِنْدَ اللَّهِ) ممّا عمل عسكر الإسلام سهوا ووهما وهو العماس المحرّم (وَالْفِتْنَةُ) هدم المعامر وكسر الدّور وإطراد أهلها أو العدول (أَكْبَرُ) آمالا وأسوأ آصارا (مِنَ الْقَتْلِ) إهلاك أهل الإسلام عمدا وسهوا (وَلا يَزالُونَ) أهل العدول (يُقاتِلُونَكُمْ) أهل الإسلام إصرارا لدوام حسدهم (حَتَّى) هو للمّ (يَرُدُّوكُمْ) ردّا أسوأ (عَنْ دِينِكُمْ) إسلامكم وهو إعلام عمّا عاملوا معكم حسدا وعداء دواما (إِنِ اسْتَطاعُوا) ردّكم وما هو مسطاعهم (وَ) كلّ (مَنْ يَرْتَدِدْ) هو الصّدود والعود (مِنْكُمْ) أهل الإسلام أوعدهم اللّه (عَنْ دِينِهِ) الإسلام (فَيَمُتْ وَ) الحال (هُوَ كافِرٌ) مردود وهلك ملحدا (فَأُولئِكَ) الرّهط (حَبِطَتْ أَعْمالُهُمْ) الصّوالح وعدم أحكامها كأعمال ما عملوها أصلا (فِي الدُّنْيا) حالا لهدر دمهم وعدم ادراكهم ولاء أهل الإسلام وإمحاء ملكهم عمّا ملكوا (وَالْآخِرَةِ) مآلا لورودهم السّاعور وعدم وصولهم دار الرّوح والسّرور (وَأُولئِكَ) العوّاد عمّا صلح لهم وهو الإسلام (أَصْحابُ النَّارِ) أهلها (هُمْ فِيها خالِدُونَ) ( 217 ) لهم دوام الآصار كأهل العدول طرّا .

ولمّا وهم عسكر الإسلام لو سلموا عمّا ماصعوا عماسا محرّما لا حاصل

----------

عند الله) وزرا مما فعله المسلمون خطأ وهو خبر الأربعة المذكورة (والفتنة) أي الكفر والإخراج (أكبر من القتل) المذكور (ولا يزالون) أي الكفار (يقاتلونكم) لدوام عداوتهم لكم (حتى) كي (يردوكم عن دينكم إن استطاعوا ومن يرتدد منكم عن دينه فيمت وهو كافر فأولئك حبطت أعمالهم في الدنيا) بفوات ثمرة الإسلام (والآخرة) بفوات الثواب (وأولئك أصحاب النار هم فيها خالدون) لكفرهم .

ص: 203

لعملهم وعماسهم معادا ، أرسل اللّه (إِنَّ) الملأ (الَّذِينَ آمَنُوا) أسلموا مصمّما وداوموا طوعا عموما (وَ) سموما الملأ (الَّذِينَ هاجَرُوا) طرحوا أم الرّحم ودعوا أهل الأرحام والأموال وهو حكم أوّل الإسلام أو الأعمال الطّوالح وارداء السّوء وهو مأمور دواما (وَجاهَدُوا) ماصعوا (فِي سَبِيلِ اللَّهِ) مسلك رسوله لإعلاء الإسلام ، كرّر الموصول لإكرام طرحهم المراكد وعماسهم مع أهل العدول ، (أُولئِكَ) الرّهط الكرام (يَرْجُونَ) لصلاح أحوالهم (رَحْمَتَ اللَّهِ) كرمه وصحّ أملهم لعدم إمحاء أعمالهم ورد : « كلّ مرء امل رام وكلّ مرء راع عود » (وَاللَّهُ) كامل العطاء (غَفُورٌ) ماح للآصار لما عملوا سهوا (رَحِيمٌ) ( 218 ) كامل المراحم .

(يَسْئَلُونَكَ) محمّد ( ص ) (عَنِ) حكم (الْخَمْرِ) وهو مصدر أصلا كالسّكر ، وهو المدام معصور حمل الكرم الهادر المسكر حسوه (وَالْمَيْسِرِ) مصدر كالموعد وهو اللّهو المعهود ، له سهام وإعلام كالحلس وما سواه .

ولمّا سأل « عمر ورهط سواه رسول اللّه صلعم حال المدام أرادوا عدم حلها لاعدامها الحلم والمال ، أرسله اللّه ، وهو أوّل ما أوحاه لإعلام حالهما واطراء مصالح كلّ واحد وآصاره ، والأحوط الارعواء وطرحهما رهط ، ولمّا مرّ دهر وحسا رهط وسكروا وأمّ أحدهم وصلّوا وحوّل إمامهم كلام اللّه ، حرّم اللّه ما صلّوا وردعه لو حسّوا المدام وسكروا ولمّا مرّ عصر وسكر « ولد مالك » و « سعد »

----------

(إن الذين ءامنوا والذين هاجروا وجاهدوا في سبيل الله أولئك يرجون رحمة الله) نصرته في الدنيا وثوابه في الآخرة (والله غفور) لذنوبهم (رحيم) بهم وفيه إشعار بأن الرجاء إنما يليق مع وجود أسبأبه لا بدونه فإنه رجاء كاذب وغرور .

(يسألونك عن الخمر) وهو كل شراب مسكر (والميسر) كل ما تقومر عليه

ص: 204

ورهط سواهما وادّاركوا وماصعوا ودعا « عمر » : « اللّهم أرسل كلاما صادعا لأمر الرّاح » ، حرمها اللّه عموما (قُلْ) لهم محمّد ( ص ) (فِيهِما إِثْمٌ) إصر (كَبِيرٌ) لحصول العداء والإسماع وكلام السّوء والولع وأهلهما عادوا وهالكوا وعاملوا حمل المكاره والمحارم (وَمَنافِعُ) مصالح (لِلنَّاسِ) لأهلهما ، وهو حصول الأموال مع عدم الكدّ وإعطاؤها للمعسر والسّرور ومراء الطّعام والسّماح والولاء والصّول حال العماس وما سواها ممّا طال عدّه (وَإِثْمُهُما) ما هو محصولهما وهو الأحاح والإسماع واللّوم واكدار الحواسّ وإعدام الرّوع وإهلاك الأرداء (أَكْبَرُ مِنْ نَفْعِهِما) كما لاح (وَيَسْئَلُونَكَ) محمّد ( ص ) وورد سأله « عمرو » ما حال الإعطاء ؟ إعطاء كلّ المال أصلح أو إعطاء ما سهل إدراره وحمله الوسع ؟ وسؤاله الأوّل عمّا صلح للإعطاء وموارده كما مرّ (ما ذا يُنْفِقُونَ) ما هو صالح للإعطاء ؟ (قُلْ) لهم محمّد ( ص ) أعطوا (الْعَفْوَ) وهو ما حمله الوسع وسهل سماحه (كَذلِكَ) كإعلام أحكام العطاء أو كإعلام الأحكام الأوّل ، وهو كلام مع رسول اللّه صلعم والرّحماء كما دلّ لكم وحده مأوّلا ، أو الكلام مع رسول اللّه صلعم لا سواه وما وحّد لكم إكراما له

----------

أي عن تعاطيها (قل فيهما إثم كبير) يؤدي إلى ارتكاب سائر المحرمات وترك الواجبات (ومنافع للناس) من كسب المال واللذة والطرب (وإثمهما) الفساد الذي ينشأ منهما أو عقابهما الأخروي الدائم (أكبر من نفعهما) الدنيوي الزائل روي نزلت حرمة الخمر في أربع آيات كل لاحقة أشد وأغلظ من سابقتها وهذه أولها (ويسألونك ماذا ينفقون) ما قدر الإنفاق (قل العفو) هو نقيض الجهد أي ما تيسر بذله قيل نسخ بآية الزكاة وقيل هو الوسط بين الإسراف والإقتار أو ما فضل عن قوت السنة أو طيب المال (كذلك) التبيين لأمر النفقة والخمر

ص: 205

(يُبَيِّنُ اللَّهُ) مسهلا (لَكُمُ) مع عدم سؤالكم (الْآياتِ) الأوامر والأحكام أو إعلام مراحمه وأدلّاء مكارمه (لَعَلَّكُمْ) أهل الآراء (تَتَفَكَّرُونَ) ( 219 ) الأدلّاء والأحكام .

(فِي) أمور (الدُّنْيا وَ) أحوال (الْآخِرَةِ) طلاحا وصلاحا أو عدما ودواما (وَيَسْئَلُونَكَ) محمّد ( ص ) (عَنِ) أموال (الْيَتامى) وصلاح أحوالهم والودّ والأكل معهم .

وأهل الإسلام لمّا أمروا إرعاء أحوالهم وعدم إمساك أموالهم وأكلها حدلا وإدلاء اطردوا طرحوهم وما أكلوا معهم وما مسّوا أموالهم وما علّموهم صلاحا وعسر لهم الأمر وما علّموهم صلاحا وعسر لهم الأمر لطرحهم وسمعه رسول اللّه صلعم ، أرسل اللّه (قُلْ) لهم محمّد ( ص ) (إِصْلاحٌ لَهُمْ) ورودكم لاصلاحهم أو إصلاح أموالهم (خَيْرٌ) لكم وصلاحهم صلاحكم أو إصلاحكم لأموالهم أصلح ممّا هو عملكم هو الطّرح (وَإِنْ تُخالِطُوهُمْ) ودّا وولاء أو صهارا (فَإِخْوانُكُمْ) هم أردؤكم إسلاما ما عدّهم اللّه أهل الأرحام همّا لإصلاحهم ، (وَاللَّهُ) الملك العلام (يَعْلَمُ) المرء (الْمُفْسِدَ) لأموالهم (مِنَ) المرء (الْمُصْلِحِ) لها أوعد اللّه ووعد لمطلحهم أو لمصلحهم وهو

----------

والميسر أي (يبين الله لكم الآيات) الحجج في الأحكام تبيينا مثل ذلك التبيين (لعلكم تتفكرون في الدنيا والآخرة) فتؤثرون إبقاءهما وأكثرهما نفعا (ويسألونك عن اليتامى) لما نزل قوله تعالى إن الذين يأكلون أموال اليتامى ظلما اجتنبوا مخالطتهم فشق ذلك عليهم فنزلت (قل إصلاح لهم) أي مداخلتهم لإصلاحهم (خير) من مجانبتهم (وإن تخالطوهم) وتعاشروهم (فإخوانكم) في الدين ومن حق الأخ أن يخالط (والله يعلم المفسد من المصلح) لا يخفى عليه من داخلهم بإفساد وإصلاح فيجازيه بفعله

ص: 206

عالم لحالهما ومعامل معهما كما هو العدل (وَلَوْ شاءَ) أراد (اللَّهُ) عسركم وكدحكم أو هلاككم (لَأَعْنَتَكُمْ) لأعسركم أو لأهلككم لعسر الأوامر وعدم عملكم علاها (إِنَّ اللَّهَ) كامل الطّول (عَزِيزٌ) له الأمر والحكم والسّطو العلوّ حكم ما أراد ممّا عسر لكم (حَكِيمٌ) ( 220 ) كامل الحكم ما أمر إلّا ما وسعه وسعكم .

ولمّا أرسل رسول اللّه صلعم أحد للحمس سرّا لروم أهل الإسلام ، حلّ أم رحم ووصلها وأدرك حولها روعاء لا إسلام لها وهو ادّعاء أوّل الحال وسوّل لها الوسواس ح رواده وما أراد المراود مرادها ، وكلّمها حال الإسلام وسط الوصال وحرّمه وهو مرء صالح عدل طرحها لعدم إسلامها ووعدها الأهوال ، لو أمره رسول اللّه صلعم وعاد وسأل الرّسول حلّ أهولها ،

أرسل اللّه (وَلا تَنْكِحُوا) آه ولا (الْمُشْرِكاتِ) عموما (حَتَّى يُؤْمِنَّ) والإسلام هو المحلّل لأهولها أصلا والموصل صلاحا (وَلَأَمَةٌ) واحد « الإماء » والمراد العرس عموما (مُؤْمِنَةٌ) حصل لها الإسلام (خَيْرٌ) أصلح (مِنْ مُشْرِكَةٍ) لا إسلام لها (وَلَوْ أَعْجَبَتْكُمْ) صورا وأملاحا وأموالا (وَلا تَنْكِحُوا) الأعراس اللّاء حصل لها الإسلام (الْمُشْرِكِينَ) اللّاء حصل لهم العدول (حَتَّى يُؤْمِنُوا) وهو عكس

----------

(ولو شاء الله لأعنتكم) لحملكم على العنت وهو المشقة ولم يطق لكم مداخلتهم (إن الله عزيز) غالب قادر على ما يشاء (حكيم) يفعل ما توجبه الحكمة .

(ولا تنكحوا المشركات) لا تتزوجوهن (حتى يؤمن ولأمة) مملوكة (مؤمنة خير من) حرة (مشركة ولو أعجبتكم) لمالها أو جمالها ولو بمعنى إن (ولا تنكحوا المشركين) لا تزوجوهم المؤمنات (حتى يؤمنوا ولعبد)

ص: 207

الأوّل وحرّم أهولهما لعدم الوام (وَلَعَبْدٌ) مملوك و « اللّام » مؤكّد (مُؤْمِنٌ) مسلم (خَيْرٌ مِنْ) حر (مُشْرِكٍ وَلَوْ أَعْجَبَكُمْ) مالا وحالا (أُولئِكَ) الرّهط العدال (يَدْعُونَ إِلَى) ورود دار (النَّارِ) والمراد عمل مآله الدّرك (وَاللَّهُ) أراد مطاوعوه وهم أهل الإسلام أورد اسمه إكراما لهم (يَدْعُوا) كلّهم سموما الرّسل الدّعاء (إِلَى) حصول (الْجَنَّةِ) عملا ووروده دارالسّلام صلاحا (وَالْمَغْفِرَةِ) وهو محو ما عصوا لإصلاح أحوالهم (بِإِذْنِهِ) عمله أو أمره أو كرمه (وَيُبَيِّنُ) اللّه (آياتِهِ) أحكامه أو أوامره (لِلنَّاسِ) طرّا إصلاحا لهم (لَعَلَّهُمْ يَتَذَكَّرُونَ) ( 221 ) ادّكارا مصلحا لمعادهم .

لمّا سأل رحماؤه عمّا عمل الهود والعدال مع أهلهم حال العروك ممّا طرحوها كرها ، أرسل اللّه (وَيَسْئَلُونَكَ) محمّد ( ص ) (عَنِ الْمَحِيضِ) هو مصدر (قُلْ) لهم محمّد ( ص ) (هُوَ أَذىً) ركس مكروه لما هو دم أردأ مولده الرّحم (فَاعْتَزِلُوا النِّساءَ) دعوها (فِي) حال (الْمَحِيضِ) مسّا وهو الوسط العدل ، لا كعمل رهط روح اللّه لمّا مسّوها حال العروك ، ولا كعمل الهود لما طرحوها كل الطرح مسّا واكلا وكماعا (وَلا تَقْرَبُوهُنَّ) حال العروك وطاء

----------

مملوك (مؤمن خير من) حر (مشرك ولو أعجبكم) ماله أو جماله (أولئك) أي المشركون (يدعون إلى النار) أي الكفر المؤدي إلى دخولها فحقهم أن لا يواصلوا (والله يدعو إلى الجنة والمغفرة) إلى ما يوجبهما (بإذنه) بأمره وتوفيقه (ويبين ءاياته) حججه أو أوامره ونواهيه (للناس لعلهم يتذكرون) لكي يعلموا ويتذكروا .

(ويسألونك عن المحيض) مصدر كالمبيت قيل كانوا في الجاهلية لم يؤاكلوا الحائض ولا يساكنوها كفعل اليهود فسئل (صلى الله عليه وآله وسلّم) عن ذلك فنزلت (قل هو أذى) أن الحيض قذر مؤذ (فاعتزلوا النساء في المحيض)

ص: 208

أصلا (حَتَّى يَطْهُرْنَ) طهرها حولها طواهر لمصوح الدّم والأطهر إمرار الماء مع مصوحه والإمام ما أمر الموص صدد المصوح لكوامل المدد ولسواها أمر الموص أمرا مؤكّدا إعمالا للطّهر والأطهر لما رووهما ولو أمر الموص حال حسم الدّم وحصول الطّهر عموما لكوامل المدد وسواها لأهمل عمل أحدهما وهو الطّهر وهو مؤكّد للحكم الأوّل وإعلام لأمده (فَإِذا تَطَهَّرْنَ) هو الموص وإمرار الماء (فَأْتُوهُنَّ) للمسّ (مِنْ حَيْثُ أَمَرَكُمُ اللَّهُ) مورد حلله لكم لا المعكوس كما عمل رهط « لوط » (إِنَّ اللَّهَ) سامع الهود (يُحِبُّ التَّوَّابِينَ) العواد الهواد عمّا حرّم لهم (وَيُحِبُّ) اللّه (الْمُتَطَهِّرِينَ) ( 222 ) ماء أو عمّا ردعوا كالسّر حال العروك والرّكس .

لمّا وهم الهود لو مسّوا أعراسهم وامطاءها أمامهم حصل الولد أحول ، أرسل اللّه لردّ وهمهم (نِساؤُكُمْ) أعراسكم (حَرْثٌ لَكُمْ) محل أكركم ومحصولكم أولادكم (فَأْتُوا حَرْثَكُمْ) محلّها الصّالح للأكر

----------

فاجتنبوا مجامعتهن (ولا تقربوهن) بالجماع (حتى يطهرن) بالتشديد أي يتطهرن والتخفيف أي ينقين وجمع بينهما بحمل تطهر على معنى طهر كتبين بمعنى بان وكذا (فإذا تطهرن) أي طهرن أو غسلن الفرج (فأتوهن من حيث أمركم الله) اطلبوا الولد من القبل الذي حلله لكم أو من قبل الطهر لا الحيض أو من قبل النكاح لا الفجور (إن الله يحب التوابين) من الذنوب أو الكبائر (ويحب المتطهرين) بالماء أو من الصغائر ويدل على الأول ما روي أنهم كانوا يستنجون بالكرسف والأحجار فلانت بطن رجل من الأنصار فاستنجى بالماء فنزلت .

(نساؤكم حرث) محل حرث (لكم) قيل نزلت ردا على اليهود قالوا إذا أتى الرجل المرأة من خلفها في قبلها خرج الولد أحول (فأتوا حرثكم) نساءكم

ص: 209

(أَنَّى) للحال (شِئْتُمْ) أمامها أو وراءها أو سواهما ، والمورد واحد وهو ما صلح للأكر ، (وَقَدِّمُوا) أوردوا أوّل الأمر أمام الحمام سأوا محمودا وعملا صالحا ، أو سموا اسم اللّه حال المسّ أو ادعوا الولد الصّالح والمولود الطّاهر (لِأَنْفُسِكُمْ) لإصلاح أموركم وأحوالكم معادا (وَاتَّقُوا اللَّهَ) روعوه واطرحوا كلّ معاص إصلاحا وإكمالا لكم (وَاعْلَمُوا أَنَّكُمْ) كلّكم (مُلاقُوهُ) مواصلو إلهكم معادا وكلكم راء له لو صلح عملكم ، أو مدركو مآل عملكم الصّالح المرسل أوّل الأمر وأمام الحمام ، وهو معاملكم كما هو عملكم (وَبَشِّرِ) محمّد ( ص ) (الْمُؤْمِنِينَ) ( 223 ) الكمل إسلاما وأوصلهم كلاما سارا لهم هو : رأوه وراكدوا دار السّلام مآلا سرورا وروحا .

(وَلا تَجْعَلُوا اللَّهَ) اسمه (عُرْضَةً) مطرحا أو سدّا (لِأَيْمانِكُمْ) لعهودكم أو الأمور المعهود لها أوحاه اللّه لإصلاح حال مسطح ، وإصلاح أكمل اودّاء رسول اللّه صلعم (أَنْ تَبَرُّوا) أهل الأرحام وهو معلل للرّدع أو للمردوع أو لدس لا ، أو مصرّح للأمور المعهود لها (وَتَتَّقُوا) عمّا هو صراط السّوء

----------

(أنى) من أين (شئتم) وروي متى شئتم في الفرج (وقدموا لأنفسكم) بالطاعة فيما أمرتم به وقيل التسمية على الوطء وقيل طلب الولد (واتقوا الله) بترك معاصيه (واعلموا أنكم ملاقوه) أي ملاقوا ثوابه وجزائه (وبشر المؤمنين) بالثواب والجنة .

(ولا تجعلوا الله عرضة) معرضا (لأيمانكم) فتبتذلوه بكثرة الحلف به قيل نزلت في عبد الله بن رواحة حلف لا يكلم ختنه ولا يصلح بينه وبين أخته (أن تبروا وتتقوا وتصلحوا) علة للنهي أي نهاكم عنه إرادة بركم وتقواكم وإصلاحكم (بين الناس) فإن الخلاف مجتر على الله و(لا تطع كل حلاف

ص: 210

(وَتُصْلِحُوا) إصلاح ردء (بَيْنَ النَّاسِ) أهل الإسلام (وَاللَّهُ سَمِيعٌ) لعهودكم (عَلِيمٌ) ( 224 ) لأسراركم .

( لا يُؤاخِذُكُمُ اللَّهُ ) إصرا (بِاللَّغْوِ) وهو كلام لا حاصل له (فِي أَيْمانِكُمْ) هو عهد مرء لحصول أمر وهمه وما الأمر كما وهم ، أو كما هو المعاود ك « واللّه » و « لا واللّه » وما هو المهموم والمصمود وهو عهد مؤكّد (وَلكِنْ يُؤاخِذُكُمْ) اللّه إصرا (بِما) عهد (كَسَبَتْ قُلُوبُكُمْ) عهدا للولع ، أو المراد ما واطأ أرواعكم مساحلكم حال العهد (وَاللَّهُ) كامل الرّحم (غَفُورٌ) محاء لإصر العهد ما دام العمد معدوما (حَلِيمٌ) ( 225 ) مهمل إصره للعهد الوالع رصدا للعود والسّدم .

(لِلَّذِينَ يُؤْلُونَ) ورووا « آلوا » هم أهل عهود عهدوا لطرح السرّ ، وأهل الرّسوم الأوّل كلّما سرّحوا أعراسهم ، وما أرادوا وصالها وأهولها لأحد دواما آلوا ومالوا عمّا هو صلاح حالها ، ولمّا سلك أهل الإسلام مسلكهم أرسلها اللّه إصلاحا لحالها (مِنْ نِسائِهِمْ) أعراسهم لعدم الوداد ( تَرَبُّصُ أَرْبَعَةِ أَشْهُرٍ )

----------

مهين) «القلم 10» وقيل أي لا تجعلوا الله حاجزا لما حلفتم عليه فيكون الإيمان بمعنى المحلوف عليه وأن تبروا عطف بيان لها واللام متعلق بتجعلوا أو بعرضة (والله سميع) بأقوالكم (عليم) بأسراركم .

(لا يؤاخذكم الله باللغو) الكائن (في أيمانكم) إذا حنثتم أي بما يسبق به اللسان من غير عقد معه (ولكن يؤاخذكم بما كسبت قلوبكم) بما واطأت فيها قلوبكم ألسنتكم وعزرتموه (والله غفور رحيم) لا يعجل بالعقوبة .

(للذين يؤلون من نسائهم) يحلفون أن لا يطئوهن مطلقا أو أزيد من أربعة أشهر وعدي بمن لتضمنه معنى البعد (تربص أربعة أشهر) انتظارها وابتداؤها

ص: 211

رصدها ومرور عهدها (فَإِنْ فاؤُ) عادوا وصالحوا وسالموا ومسّوا أمام مرور العصر المعهود (فَإِنَّ اللَّهَ) واسع الكرم (غَفُورٌ) لمول ماح لعصره (رَحِيمٌ) ( 226 ) كامل المراحم لأهله لما أمهلها عهدا معدودا ماصلا .

(وَإِنْ عَزَمُوا) رهط آلوا (الطَّلاقَ) طرح الأعراس وصمّموا عمده وهمّوه وأكّدوه (فَإِنَّ اللَّهَ سَمِيعٌ) لكلام مول مصرّح (عَلِيمٌ) ( 227 ) عالم لهمّه وهو كلام موعد لإصرارهم وطرحهم العود .

(وَ) الأعراس (الْمُطَلَّقاتُ) لا الإماء ولا الحوامل (يَتَرَبَّصْنَ) لسم لها الرّصد وهو إعلام دالّا وأمر مدلولا وهو أكّد ممّا أورد الأمر مصرّحا ، كما أوردوا دعاء « رحمك اللّه » أو هو أمر أصلا طرح لأمه (بِأَنْفُسِهِنَّ) الطوامح لا للأهال (ثَلاثَةَ قُرُوءٍ) أعراك أو أطهار لو حصل المسّ (وَلا يَحِلُّ لَهُنَّ) للأعراس (أَنْ يَكْتُمْنَ) إسرارها (ما خَلَقَ اللَّهُ) صوّر أو حصل (فِي أَرْحامِهِنَّ) وهو الولد ، والدّم ، وإسرار الحمل والدّم لكرهها الوصال للأهل

----------

وقت الإيلاء وقيل حين الحكم (فإن فاءوا) رجعوا عن اليمين بالوطء للقادر وبإظهار العزم عليه للعاجز في المدة أو بعدها (فإن الله غفور رحيم) .

(وإن عزموا الطلاق فإن الله سميع) بطلاقهم (عليم) بضمائرهم .

(والمطلقات) إذا كن مدخولات ذوات الأقراء (يتربصن بأنفسهن) عن التزويج بقمع نفوسهن الطوامح إلى الرجال ومعناها الأمر والتعبير بالخبر للتأكيد (ثلاثة قروء) جمع قرء يقال للطهر والحيض والمراد به هنا الطهر على الأصح وذكر القرء وهو للكثرة والمقام للقلة وصيغتها الأقراء لاستعمال كل من الجمعين مكان الآخر وأوثر لكثرة استعماله (ولا يحل لهن أن يكتمن ما خلق الله في أرحامهن) من الحمل أو الحيض استعجالا للعدة وإبطالا لحق الرجعة ويفيد

ص: 212

الأوّل ، وإسراعها للسّراح أو لإسراحها مرور عهدها رصدها وردّها عود المسرح (إِنْ كُنَّ) الأعراس المسرّح لها (يُؤْمِنَّ بِاللَّهِ) عالم الأعمال ومالك الأمور (وَالْيَوْمِ الْآخِرِ) الموعود معادا وهو محل سؤال الكلّ عمّا عملوا صوالح وطوالح (وَبُعُولَتُهُنَّ) أهلوها ومالكوها ومصلحوها مددا (أَحَقُّ) وأصلح (بِرَدِّهِنَّ) للأهول والعود (فِي) عصر (ذلِكَ) العدد المرصود أمدها (إِنْ أَرادُوا) وهمّوا (إِصْلاحاً) لها لا إطلاحا (وَلَهُنَّ) للأعراس علاهم أمور وأحكام كالمهر كلّ واحد (مِثْلُ) الأمر والحكم (الَّذِي) لهم (عَلَيْهِنَّ) لسوما وكودا لا صرعا لعدم السّواء لمصالحهما ، وأحكامهما كلّ السّواء لما للمرء أعمال وللعرس أعمال سواها (بِالْمَعْرُوفِ) المرسوم المطّرد المعلوم صلاحه (وَلِلرِّجالِ عَلَيْهِنَّ) الأعراس (دَرَجَةٌ) علو ومراهص وأمرهم أصعد وأحكم (وَاللَّهُ عَزِيزٌ) عال امره (حَكِيمٌ) ( 228 ) مسدّد الأحكام كما هو الصّلاح لحكم ومصالح .

(الطَّلاقُ) الصّالح للعود وهو إعدام وصل الأعراس وطرحها عدده (مَرَّتانِ) سراحا وراء سراح أو معا ، وهو إعلام مدلوله الأمر ،

----------

قبول قولها في ذلك (إن كن يؤمن بالله واليوم الآخر) أي كمال الإيمان يمنع من الكتمان (وبعولتهن أحق بردهن) إلى النكاح (في ذلك) في زمان التربص (إن أرادوا) بالمراجعة (إصلاحا) لا ضررا بهن (ولهن) حقوق عليهم (مثل الذي عليهن) في الوجوب لا في الجنس (بالمعروف) بالوجه الذي لا ينكر شرعا وعرفا (وللرجال عليهن درجة) زيادة في الحق وفضيلة (والله عزيز حكيم الطلاق مرتان) أي التطليق الشرعي تطليقة بعد تطليقة على التفريق لا الجمع أو التطليق الرجعي اثنتان لما روي أنه (صلى الله عليه وآله وسلّم) سئل أين الثالثة فقال أو تسريح

ص: 213

(فَإِمْساكٌ) اللّاسم علاكم إمساككم لها (بِمَعْرُوفٍ) عود معلوم ، (أَوْ تَسْرِيحٌ) حسم وعدم عود وإرسال لها (بِإِحْسانٍ) إعطاء وإكرام ، (وَلا يَحِلُّ لَكُمْ) الكلام مع الحكّام لما هم أهل الأوامر والأحكام حال المراء ، أو هو كلام مع الأهال ، والأوّل أصح (أَنْ تَأْخُذُوا) حال السّراح (مِمَّا) مهور (آتَيْتُمُوهُنَّ) اوّلا (شَيْئاً) مالا ولو ماصلا حالا ما (إِلَّا أَنْ يَخافا) إلّا حال علمهما وهما المرء وعرسه (أَلَّا يُقِيما) كما أمرا (حُدُودَ اللَّهِ) أحكامه (فَإِنْ خِفْتُمْ) رهط الحكّام (أَلَّا يُقِيما) المرء وأهله (حُدُودَ اللَّهِ) أوامره (فَلا جُناحَ) لا إصر (عَلَيْهِما) المرء وأهله حال العطو والإعطاء (فِيمَا) مال (افْتَدَتْ) العرس (بِهِ) والمراد اعطائها المال للمرء لسراحها ، (تِلْكَ) الأحكام أراد السّراح والعود وإعطاء المال أوس السّراح (حُدُودَ اللَّهِ) ما حدّ لكم (فَلا تَعْتَدُوها) والعدو عمّا أمر اللّه أسوأ الأعمال ، (وَ) كلّ (مَنْ يَتَعَدَّ) هو و « العداء » واحد (حُدُودَ اللَّهِ) للأهواء (فَأُولئِكَ) أهل العداء (هُمُ) الملأ (الظَّالِمُونَ) ( 229 ) لأهرمهم لسوء أعمالهم ومآلهم ، وهو كلام موعد

----------

بإحسان (فإمساك بمعروف) بالمراجعة وحسن المعاشرة (أو تسريح) طلاق (بإحسان) بأن لا يراجعها ضرارا حتى تبين وهو المروي عنهم (عليهم السلام) (ولا يحل لكم أن تأخذوا مما ءاتيتموهن) من المهور (شيئا إلا أن يخافا) أي الزوجان (ألا يقيما حدود الله) من لوازم الزوجية (وإن خفتم) أيها الحكام (ألا يقيما حدود الله فلا جناح عليهما فيما افتدت به) نفسها واختلعت به ولو بأزيد من المهر أي لا إثم عليه في الأخذ ولا عليها في الإعطاء وإن أثمت في إظهار الكراهة (تلك) الأحكام المذكورة (حدود الله فلا تعتدوها) تجاوزوها بالمخالفة (ومن يتعد حدود الله فأولئك هم الظالمون) قيل ظاهرها تقييد الأخذ بالتباغض

ص: 214

أورد وراء الرّدع لكمال الهول .

(فَإِنْ طَلَّقَها) سرّح المرء عرسه وراء السّراح عودا عودا أو معا كما مرّ وصار الكلّ سراحا كاملا (فَلا تَحِلُّ) العرس ح (لَهُ) للمرء المسرّح (مِنْ بَعْدُ) وراء السّراح الكامل دواما (حَتَّى تَنْكِحَ) العرس الحاصل سراحها (زَوْجاً) مرء (غَيْرَهُ) سواء الأوّل ومسّها (فَإِنْ طَلَّقَها) سرّحها أهلها وراء الأوّل وصار محلّلا وحلّ ح أهولها للأوّل (فَلا جُناحَ) لا إصر (عَلَيْهِما) المسرّح الأوّل والعرس المسرّح لها (أَنْ يَتَراجَعا) حال عودهما وأهولهما (إِنْ ظَنَّا) وهما (أَنْ يُقِيما) كلاهما ، والمراد رصدهما وحوطهما (حُدُودَ اللَّهِ) وأحكامه كما أمرا ، (وَتِلْكَ) الأوامر (حُدُودَ اللَّهِ) وأحكامه (يُبَيِّنُها) اللّه إصلاحا وإكمالا (لِقَوْمٍ يَعْلَمُونَ) ( 230 ) علما معه العمل .

(وَإِذا طَلَّقْتُمُ النِّساءَ) أعراسكم لمصالحكم (فَبَلَغْنَ أَجَلَهُنَّ) أمد العدد وحدّ المدد ، والمراد ما أحمّ أمده وحده ، لا الأمد والحدّ لمّا لا إمساك ولا عود ح (فَأَمْسِكُوهُنَّ) عودوها إصلاحا وودادا (بِمَعْرُوفٍ) معلوم حكما

----------

من الجانبين وهو في المباراة لا الخلع إذ شرطه البغض من المرأة فقط .

(فإن طلقها) الطلاق المكرر المذكور في الطلاق مرتان واستوفى نصابه أو ثالثة بعد المرتين (فلا تحل له من بعد) من بعد ذلك الطلاق (حتى تنكح زوجا غيره) ولا بد من الوطء للإجماع والنص (فإن طلقها) الثاني (فلا جناح عليهما أن يتراجعا إن ظنا أن يقيما حدود الله) ما شرع من لوازم الزوجية (وتلك) الأحكام المذكورة (حدود الله يبينها لقوم يعلمون) وينتفعون بالبيان .

(وإذا طلقتم النساء فبلغن أجلهن) قاربن آخر عدتهن (فأمسكوهن بمعروف) اتركوهن حتى تنقضي عدتهن بلا ضرار وكرر هذا الحكم للاهتمام به

ص: 215

ومودود رسما (أَوْ سَرِّحُوهُنَّ) واطرحوها (بِمَعْرُوفٍ) رسم محمود ، (وَلا تُمْسِكُوهُنَّ ضِراراً) همّا لكاداء لها لا لإصلاح وهو معلّل للإمساك أو حال ردع اللّه لمرء سرّح عرسه .

ولمّا أحمّ عددها المرصود عاد وأمسك روما لطول المدد لا لإصلاحها وودادها ، وهو ردع أكمل لوروده وراء الأمر وهو أمسك لإصلاحها وصار إصلاحها كما كرّر وأكد (لِتَعْتَدُوا) حدّ اللّه المعدود حدلا وعداء روما لطول المدد أعاد مؤكّدا وهو معلّل للمصدر ، (وَمَنْ يَفْعَلْ ذلِكَ) كلّ أحد أمسكها وسرّحها كما مرّ (فَقَدْ ظَلَمَ) حدل وعدا (نَفْسَهُ) لما أعدها لآصار أوعدها اللّه وأعده (وَلا تَتَّخِذُوا) عدولا وعداء (آياتِ اللَّهِ) وأحكامها (هُزُواً) لهوا وارعوها كما هو المأمور وأكرموها حدّ الإكرام وأهملوا مدلولها (وَاذْكُرُوا) أحصوا (نِعْمَتَ اللَّهِ) آلاؤه (عَلَيْكُمْ) عموما أعطاكم كراما لكم ، أو المراد الإسلام أو إرسال محمّد صلعم (وَما أَنْزَلَ) أرسل اللّه (عَلَيْكُمْ) إصلاحا لكم (مِنَ الْكِتابِ) كلام اللّه المرسل وأحكامه (وَالْحِكْمَةِ) عمل رسول اللّه صلعم وكلامه أوردهما إعلاء لإكرامهما

----------

(ولا تمسكوهن ضرارا) نصب علة أو حالا كان المطلق يترك المطلقة حتى تقارب الأجل ثم يراجعها لتطول العدة عليها وهو الضرار (لتعتدوا) لتظلموهن أو تلجئوهن إلى الافتداء (ومن يفعل ذلك فقد ظلم نفسه) بتعريضها للعذاب (ولا تتخذوا ءايات الله هزوا) لا تستخفوا بأوامره ونواهيه (واذكروا نعمة الله عليكم) بالإسلام وبمحمد صلى الله عليه واله فقابلوها بالشكر أو بما أباحه لكم من زواج وأموال (وما أنزل عليكم من الكتاب) القرآن (والحكمة) السنة فاعملوا بهما

ص: 216

(يَعِظُكُمْ) اللّه (بِهِ) ما أرسل اللّه وهو حال (وَاتَّقُوا اللَّهَ) روعوه واطرحوا ما ردعكم واعملوا كما هو صلاحكم (وَاعْلَمُوا) علما واطدا (أَنَّ اللَّهَ) العلّام (بِكُلِّ شَيْءٍ عَلِيمٌ) ( 231 ) أحاط الكلّ علما وأحصاه عددا وهو كلام مؤكّد مهدّد .

(وَإِذا طَلَّقْتُمُ) وهو إعدام وصل الأعراس (النِّساءَ) أعراسكم لمصالحكم أو لسوء أعمالها (فَبَلَغْنَ أَجَلَهُنَّ) حدها المرصود

(فَلا تَعْضُلُوهُنَّ) طمعا لعودكم أو حدلا وعدوا لها وهو ردع الأعراس (أَنْ يَنْكِحْنَ) أهولها (أَزْواجَهُنَّ) روّادها وروّامها وسمّوا للمال ، وح الكلام مع السّراح وهو المساعد للكلام الأوّل ، وورد الكلام مع رهط ولوا أمور الأعراس وردع لهم عمّا صدوا أعراسها للسّراح ، وورد الكلام معهم ومع السّراح معا كما ورد الكلام مع أولاد آدم عموما (إِذا تَراضَوْا) الأعراس وروّامها أو مسرّحوها (بَيْنَهُمْ بِالْمَعْرُوفِ) المعلوم أمرا وحكما وهو حال ،

----------

(يعظكم به) بما أنزل (واتقوا الله واعلموا أن الله بكل شيء عليم) تهديد وتأكيد .

(وإذا طلقتم النساء فبلغن أجلهن) انقضت عدتهن (فلا تعضلوهن) تمنعوهن (أن ينكحن أزواجهن) الخطاب عام أي ليس لأحد ذلك أو للأزواج الذين يمنعون نساءهم بعد العدة عن التزويج ظلما للحمية لقوله إذا طلقتم أو للأولياء (إذا تراضوا بينهم) أي الخطاب والنساء (بالمعروف) شرعا حال من الواو أو صفة مصدر محذوف ويفيد جواز العضل عن غير الكفؤ (ذلك) المذكور

ص: 217

(ذلِكَ) الرّدع المعهود والكلام مع الكلّ عموما مأوّلا ، أو مع كلّ أحد مع الرّسول صلعم (يُوعَظُ بِهِ) الرّوع (مَنْ) كل أحد (كانَ مِنْكُمْ يُؤْمِنُ) سدادا (بِاللَّهِ) وحده (وَالْيَوْمِ الْآخِرِ) الوارد معادا لما هو الصّالح للادّكار و (ذلِكُمْ) العمل مساعدا لما مرّ (أَزْكى) أصلح (لَكُمْ وَأَطْهَرُ) لكم ولأعراسكم عمّا هو الإصر والرّكس (وَاللَّهُ يَعْلَمُ) ما هو صلاحكم (وَأَنْتُمْ لا تَعْلَمُونَ) ( 232 ) مصالحكم لمصول علومكم .

(وَالْوالِداتُ يُرْضِعْنَ) وهو إمصاص الدّر للولد (أَوْلادَهُنَّ) أراد لو عسر للوالد إمصاص الولد كراء لسواء الأمّ ، أو ما علس الولد درما سواها أو عدم ما سواها وهو إعلام ، ومدلوله الأمر حوّل لمّا هو مؤكّد (حَوْلَيْنِ) الحول العام (كامِلَيْنِ) أكّد لمّا هو سومح والحكم المعهود (لِمَنْ) لكل أحد (أَرادَ) وهو الوالد لمّا هو المأمور لا لإمصاص الدّرّ الولد لا الأمّ ( أَنْ يُتِمَّ الرَّضاعَةَ )

----------

(يوعظ به من كان منكم يؤمن بالله واليوم الآخر) إذ هو المنتفع به (ذلكم) أي عملكم بموجب ما ذكر (أزكى) خير (لكم وأطهر) من دنس الذنوب (والله يعلم) ما فيه الصلاح (وأنتم لا تعلمون) ذلك .

(والوالدات يرضعن أولادهن) خبر بمعنى الأمر مبالغة وهو للندب أو الوجوب فيختص بما إذا تعذر غير الأم أو بالمطلقات والمعنى أن الإرضاع حقهن لا يمنعن منه إن أردنه (حولين كاملين) نعت لرفع احتمال التسامح (لمن أراد أن يتم الرضاعة) هذا الحكم لمن أراد إتمام الرضاع أو متعلق بيرضعن أي لأجل أزواجهن فإن نفقة الولد على والده وظاهره أن أقصى مدة الرضاع حولان ولا يعتد به بعدهما وجواز النقص ويحد بأحد وعشرين شهرا وبعض الأخبار يفيد جواز

ص: 218

إكمالها (وَعَلَى) المرء (الْمَوْلُودِ لَهُ) وهو الوالد حوّل الكلام إعلاما لما هو أصل الولد وولادة له لا للأمّ (رِزْقُهُنَّ) إطعام الطّعام لها (وَكِسْوَتُهُنَّ) كسو الكساء لها (بِالْمَعْرُوفِ) وهو ما وسعه وسع المولود له ، (لا تُكَلَّفُ نَفْسٌ) أحد (إِلَّا وُسْعَها) ما وسعه وسعها ، (لا تُضَارَّ) إكراما وعدوا (والِدَةٌ) أمّ ولد مرؤها روما لما لا وسعه وسعه (بِوَلَدِها وَلا مَوْلُودٌ لَهُ) والده عرسها صدّا عمّا أطعمها وكساها (بِوَلَدِهِ وَعَلَى الْوارِثِ) المحرم للمولود رحما كما دلّ ما رواه « ولد مسعود » لمّا هلك والد الولد وما له مال (مِثْلُ ذلِكَ) ما مرّ وهو الإطعام والكسو لها ، (فَإِنْ أَرادا) الوالد والأمّ لمّا هما علما حال الولد (فِصالًا) حسما لإمصاص الدّرّ أمام إكمال العدد الحول ، أو وراءه مددا صادرا (عَنْ تَراضٍ) ووئام (مِنْهُما) الوالد والأمّ (وَتَشاوُرٍ) وسطهما للمح مصالح المولود (فَلا جُناحَ) لا إصر (عَلَيْهِما) لو ردعا درّه وما أكملا عدد الحول أو امّصا وراءه مددا ، (وَإِنْ أَرَدْتُمْ) كلام مع الولّاد (أَنْ تَسْتَرْضِعُوا) المراد

----------

على الحولين (وعلى المولود له) أي الأب إذ الولد يولد له وعبر به إشارة إلى المعنى الموجب للإرضاع عليه (رزقهن وكسوتهن) قيل يفيد وجوب أجرة المثل وقيل المراد نفقة الزوجية وقد يختص بالمطلقة (بالمعروف) بحسب وسعه كما نبه (لا تكلف نفس إلا وسعها لا تضار والدة بولدها ولا مولود له بولده) أي لا يكلف كل منهما الآخر ما ليس في وسعه (وعلى الوارث) وارث الوالد إن مات (مثل ذلك) ما على الوالد (فإن أرادا) أي الوالدان (فصالا) قبل الحولين أو بعدهما صادرا (عن تراض منهما وتشاور) مشتمل على مصلحة الطفل (فلا جناح عليهما) فيه واشترط رضا الأب لولايته والأم لأحقيتها بالتربية وهي أعلم بحال الصبي (وإن أردتم أن تسترضعوا) المراضع

ص: 219

رومهم إمصاصهم مماص وراء الأمّ حال عدم إمصاصها (أَوْلادَكُمْ) لأولادكم لإرمادهم (فَلا جُناحَ) لا إصر (عَلَيْكُمْ إِذا سَلَّمْتُمْ) المراد الأداء وحوار الكلام مطروح مدلول لما هو أمامه (ما آتَيْتُمْ) مالا إعطاؤه مراد لكم وأورد الأداء سلوكا لمّا هو الأصلح للوالد (بِالْمَعْرُوفِ) العدل السواء حكما وأمرا لا حور ولا كور ، أو المراد الأداء مع سرور هرم ، (وَاتَّقُوا اللَّهَ) روعوا آصاره وراعوا أوامره ومحارمه وارعوا أحكامه ومراسمه لأمر المولود وإمصاصه الدّرّ (وَاعْلَمُوا) علما مؤكّدا مصمّما (أَنَّ اللَّهَ) الملك العدل (بِما) عمل (تَعْمَلُونَ) سرّا وملاء (بَصِيرٌ) ( 233 ) عالم علم الحواسّ ومدرك إدراك المحسوس ، ومعامل معكم كما هو أعمالكم والصّوالح والطّوالح والكلام مهدّد للطلّاح .

(وَ) الملأ (الَّذِينَ يُتَوَفَّوْنَ) ورووه معلوما (مِنْكُمْ) لما كمّلوا مدد أعمارهم (وَيَذَرُونَ) وهو الودع (أَزْواجاً) أعراسا (يَتَرَبَّصْنَ) وراءهم طرح وراءهم لعلمه وهو أمر مرادا كما مرّ (بِأَنْفُسِهِنَّ) ، والحاصل ما لها أعراس ، ولا وكول لأحد (أَرْبَعَةَ أَشْهُرٍ وَعَشْراً) والحكم لما عدا الحوامل ،

----------

(أولادكم فلا جناح عليكم) فيه ويفيد أن للأب استرضاع غير الأم لكنه مقيد بما إذا لم يستلزم الإضرار بها للنهي عنه (إذا سلمتم) إلى المراضع (ما ءاتيتم) ما أردتم إعطاءه (بالمعروف) شرعا صلة سلمتم (واتقوا الله) بالمحافظة على حدوده سيما في أمر الأطفال والمراضع (واعلموا أن الله بما تعملون بصير) وعد ووعيد .

(والذين يتوفون منكم ويذرون أزواجا يتربصن بأنفسهن) أي بعدهم أو أزواج الذين يتوفون يتربصن (أربعة أشهر وعشرا) أنث باعتبار الليالي وتدخل

ص: 220

(فَإِذا بَلَغْنَ أَجَلَهُنَّ) كمال عدد هو مرصودها (فَلا جُناحَ) لا إصر (عَلَيْكُمْ) كلام مع الحكّام أو مع أهل الإسلام عموما (فِيما) عمل (فَعَلْنَ فِي أَنْفُسِهِنَّ) ممّا حرّم للعدد والمدد (بِالْمَعْرُوفِ) أمرا وحكما (وَاللَّهُ بِما) عمل (تَعْمَلُونَ) معاد الموصول مطروح (خَبِيرٌ) ( 234 ) عالم علما كاملا .

(وَلا جُناحَ) لا إصر ولا طلاح (عَلَيْكُمْ فِيما) كلام (عَرَّضْتُمْ) ملوّحا ومعلما للمرام وماء (بِهِ) معاده الموصول (مِنْ خِطْبَةِ) مكسور الأوّل وهو روم العرس (النِّساءِ) الأعراس المسرّح لها حال عددها ، و « اللّام » للعهد (أَوْ أَكْنَنْتُمْ) وهو الإسرار ومعاد الوصول مطروح (فِي أَنْفُسِكُمْ) صدوركم ممّا هو مرادكم (عَلِمَ اللَّهُ) عالم الأسرار (أَنَّكُمْ سَتَذْكُرُونَهُنَّ) لحرصكم وكمال رومكم لها وهو كلام مهدّد (وَلكِنْ) لدسع وهم عمّا دلّ الكلام الأوّل وهو كلّموها (لا تُواعِدُوهُنَّ سِرًّا) أهولا أو لمسا حال العدد والمدد ( إِلَّا أَنْ

----------

الأيام معها والحكم يعم الصغيرة والكبيرة والمدخول بها وغيرها والمسلمة والكتابية أما الحامل فبأبعد الأجلين إجماعا فتوى ونصا (فإذا بلغن أجلهن فلا جناح عليكم) أيها الحكام والمسلمون (فيما فعلن في أنفسهن) من التعرض للخطاب (بالمعروف) الذي لا ينكر شرعا ويشعر بأن عليهم منعهن لو فعلن ما ينكر فإن قصروا أثموا (والله بما تعملون خبير) ترغيب وترهيب .

(ولا جناح عليكم فيما عرضتم به من خطبة النساء) المعتدات غير الرجعيات (أو أكننتم في أنفسكم) أضمرتم في قلوبكم بلا تصريح ولا تعريض (علم الله أنكم ستذكرونهن) لرغبتكم فيهن فلا تصبرون على الكتمان (ولكن لا تواعدوهن سرا) خلوة كانوا يتكلمون فيها بما يستهجن فنهوا عن ذلك (إلا أن

ص: 221

تَقُولُوا) وعدا لها (قَوْلًا مَعْرُوفاً) كلاما ملوّحا للوعد لا كلاما مصرّحا له (وَلا تَعْزِمُوا) عمدا أصلا (عُقْدَةَ النِّكاحِ) ردع لهم عمّا هو أمام الأهول وهو روده وصرمه لكمال الرّدع للأهول (حَتَّى يَبْلُغَ الْكِتابُ) ما عهد اللّه لها وأمرها وهو الرّصد عهدا معهودا (أَجَلَهُ) أمده (وَاعْلَمُوا) علما لا وهم معه (أَنَّ اللَّهَ) العلام (يَعْلَمُ) علما ما حام الوهم حول حماه (ما فِي أَنْفُسِكُمْ) صدوركم وأسراركم ممّا هو الرّوم للأهول حال الرّدع (فَاحْذَرُوهُ) روعوا آلامه وآصاره ودعوا همّها (وَاعْلَمُوا) علما واطدا (أَنَّ اللَّهَ) كامل الرّحم (غَفُورٌ) لمراود ما عمل ما أراد لهول ردع اللّه (حَلِيمٌ) ( 235 ) لا إسراع لإصره .

(لا جُناحَ) لا مهر ولا مال أو لا إصر (عَلَيْكُمْ إِنْ طَلَّقْتُمُ النِّساءَ) أعراسكم (ما) دام (لَمْ تَمَسُّوهُنَّ) أصل المسّ « اللّمس » ، والمراد السّرّ والمساس (أَوْ) مدلوله « الواو » ، والمراد وما لم (تَفْرِضُوا) وما حصل إمهاركم (لَهُنَّ فَرِيضَةً) مهرا (وَمَتِّعُوهُنَّ) أعطوها ما أمر اللّه لكم ، وهو درع وعدلاه

----------

تقولوا قولا معروفا) بأن تعرضوا ولا تصرحوا (ولا تعزموا عقدة النكاح حتى يبلغ الكتاب أجله) ينقضي مكتوب من العدة (واعلموا أن الله يعلم ما في أنفسكم) من العزم (فاحذروه) ولا تعزموا ما لا يجوز (واعلموا أن الله غفور) لمن عزم ولم يفعل خشية الله (حليم) بمهل العقوبة .

(لا جناح) لا تبعة (عليكم) من مهر أو لا إثم رفع لتوهم منع الطلاق قبل المسيس (إن طلقتم النساء ما لم تمسوهن) تجامعوهن (أو تفرضوا لهن فريضة) أي وتفرضوا أو لا أن تفرضوا أي لا تبعة على المطلق من المطلق من المهر إذا لم يمس المطلقة ولم يسم لها مهرا إذ مع المس عليه المسمى أو مهر المثل وبدونه مع التسمية نصف المسمى فمنطوقها ينفي وجوب المهر في الصورة الأولى ومفهومها يثبته في الجملة في الأخيرتين (ومتعوهن) حيث لا مهر

ص: 222

وحمّموها (عَلَى الْمُوسِعِ) المسرّح الموسر (قَدَرُهُ) ما وسعه حاله (وَعَلَى الْمُقْتِرِ) المعسر (قَدَرُهُ) ما حمله وسعه ، (مَتاعاً) مصدر عامله ما مرّ (بِالْمَعْرُوفِ) المعلوم أمرا وحكما (حَقًّا) مصدر مؤكّد لمدلول عامل المصدر الأوّل أو عامله مطروح (عَلَى) الرّهط (الْمُحْسِنِينَ) ( 236 ) السّعاء للعمل المأمور لهم سمّاهم أمام العمل للمآل .

لمّا صرّح حكم أعراس ما سمّوها مهرا أراد إعلام حكم أعراس سمّوها مهرا وسرّحوها امام المسّ ، وأرسل (وَإِنْ طَلَّقْتُمُوهُنَّ) الأعراس (مِنْ قَبْلِ أَنْ تَمَسُّوهُنَّ) والمراد الدّعس والمساس كما مرّ (وَقَدْ فَرَضْتُمْ) « الواو » للحال والمراد إحمام المهر (لَهُنَّ فَرِيضَةً) مهرا (فَنِصْفُ ما فَرَضْتُمْ) لها أو المأمور كلّ حال (إِلَّا أَنْ يَعْفُونَ) إلّا حال طرحها مهرها عطاء وكرما (أَوْ يَعْفُوَا) أو حال إعطاء المرء (الَّذِي بِيَدِهِ عُقْدَةُ النِّكاحِ) أمره وهو المرء المسرّح المالك للأهول وعدمه ، والمراد اعطاءها مسمّاها كملا أو هو مرء ولّاها وملك أمورها

----------

(على الموسع قدره) مقدار ما يليق به (وعلى المقتر) الضيق الحال (قدره متاعا) تمتيعا (بالمعروف) شرعا وعرفا بحسب المروءة (حقا) واجبا أو حق ذلك حقا (على المحسنين) إلى أنفسهم بالامتثال أو إلى المطلقات بالتمتيع سموا بالمشارفة محسنين ترغيبا .

(وإن طلقتموهن من قبل أن تمسوهن وقد فرضتم لهن فريضة فنصف ما فرضتم) أي فعليكم أو فالواجب (إلا أن يعفون) أي المطلقات عن حقهن كلا أو بعضا والصيغة للمؤنث ووزنها يفعلن ولا أثر لأن فيها لبنائها ويأتي للمذكر ووزنها يفعون بحذف اللام (أو يعفو الذي بيده عقدة النكاح) الولي إذا كانت صغيرة أو غير رشيدة إذ له العفو إذا اقتضته المصلحة ولكن لا عن الكل عند

ص: 223

(وَأَنْ تَعْفُوا) كلام مع الكلّ ، الأهّال وأعراسهم ، والمراد طولكم (أَقْرَبُ لِلتَّقْوى) وأصلح لكم لوصول مكارم أعمالكم وحصول مراسم كمالكم (وَلا تَنْسَوُا الْفَضْلَ بَيْنَكُمْ) طول أحدكم لأحد وإعطاءه لها كلّ المهر أو طرحها وسماحها له كلّه ورووا مكسور « الواو » (إِنَّ اللَّهَ) الملك العلّام (بِما تَعْمَلُونَ) إعطاء للكلّ أو طرحا وسماحا له (بَصِيرٌ) ( 237 ) عالم علم المحسوس ومعامل معكم معادا كما هو أعمالكم .

(حافِظُوا عَلَى الصَّلَواتِ) أدّوها كلّها كمالا وداوموا علاها سدادا وراعوها أعصارا وأصولا وأحكاما (وَالصَّلاةِ الْوُسْطى) وهو العصر وعلاه « الإمام الأكمل » وآمر العلماء سمّاها لإكرامها وورد المراد كلّ واحد لما هو صالح للوسط (وَقُومُوا) صلّوا (لِلَّهِ) وحده وأدّوا ما أمركم (قانِتِينَ) ( 238 ) طوّعا وهو أصل الطّوع وهو حال .

(فَإِنْ خِفْتُمْ) عدوا أو أسدا أو ما سواهما (فَرِجالًا أَوْ رُكْباناً) صلّوا

----------

الأصحاب وقيل الزوج لأنه المالك لحله وعقده وعفوه أن يسوق إليها المهر كاملا (وأن تعفو أقرب للتقوى) خطاب للأزواج فعلى الأول لما ذكر عفو المرأة ووليها ذكر عفو الزوج وعلى الثاني أعيد ذكره تأكيدا وجمع باعتبار كل زوج أو للزوجين معا بتغليب الذكورة (ولا تنسوا الفضل بينكم) لا تتركوا أن يتفضل بعضكم على بعض (إن الله بما تعملون بصير) عليم .

(حافظوا على الصلوات) بأدائها لأوقاتها بحدودها (والصلاة الوسطى) واختلف فيها وبكل واحدة من الخمس قائل والأشهر الأقوى عندنا أنها الظهر في غير الجمعة والجمعة يوم الجمعة (وقوموا لله قانتين) داعين أو ذاكرين أو خاشعين .

(فإن خفتم) عدوا أو غيره ولم يمكنكم الصلاة بشرائطها (فرجالا) جمع راجل (أو ركبانا) أي فصلوا راجلين أو راكبين على أي هيئة تمكنتم

ص: 224

كلّ حال سهل لكم (فَإِذا أَمِنْتُمْ) ممّا هوّلكم وحصل السّلام لكم ممّا كره (فَاذْكُرُوا اللَّهَ) صلّوها كحال عدم الهول واحمدوه لحصول السّلام (كَما عَلَّمَكُمْ) الأحكام و « ما » للمصدر أو موصول (ما) حكما (لَمْ تَكُونُوا) أمام الإعلام (تَعْلَمُونَ) ( 239 ) هو معمول « علّمكم » .

(وَ) الملأ (الَّذِينَ يُتَوَفَّوْنَ مِنْكُمْ) لإكمالهم أعمارهم (وَيَذَرُونَ أَزْواجاً) أعراسهم آمرهم أو أوصوا (وَصِيَّةً) ورووه محكوما ، والمراد حكمهم أو أهلها (لِأَزْواجِهِمْ) لأعراسهم حمّموها (مَتاعاً) طعاما وكسوا ودارا ممّا طرحها المرء أو هو معمول المصدر واصلا (إِلَى) كمال (الْحَوْلِ) وأمد العام (غَيْرَ إِخْراجٍ) عمّا محالّها مصدر مؤكّد ، أو حال أمروا أوّل الإسلام أوصوا لأعراسكم مطاعم ومعامر عاما كاملا وحولا عمما ، وحوّل لما مرّ وهو حكم الرّصد (فَإِنْ خَرَجْنَ) الأعراس وراء الحول (فَلا جُناحَ) ولا إصر ولا لمم (عَلَيْكُمْ) كلام مع الحكام (فِي ما) عمل (فَعَلْنَ فِي

----------

(فإذا أمنتم) من الخوف (فاذكروا الله) صلوا صلاة الأمن أو اشكروه على الأمن (كما) ذكر مثل ما (علمكم) من الشرائع أو شكرا يوازيه (ما لم تكونوا تعلمون) موصولة أو موصوفة .

(والذين يتوفون منكم ويذرون أزواجا وصية) بالنصب أي يوصون وصية أو ألزموا وصية وبالرفع أي عليهم وصية (لأزواجهم متاعا إلى الحول غير إخراج) بدل منه أو حال من أزواجهم أي غير مخرجات أي يجب على المقاربين للوفاة أن يوصوا بأن تمنع أزواجهم بعدهم حولا بالنفقة والسكنى وهي منسوخة إجماعا وعن الصادق (عليه السلام) نسخها بأربعة أشهر وعشرا (فإن خرجن) من منزل الزوج (فلا جناح عليكم) أيها الحكام أو الأولياء (في ما فعلن في

ص: 225

أَنْفُسِهِنَّ) كطرح الحداد وما سواه (مِنْ مَعْرُوفٍ) معلوم أمرا وحكما (وَاللَّهُ عَزِيزٌ) مالك للأمور كلّها (حَكِيمٌ) ( 240 ) مراع لمصالحكم .

(وَلِلْمُطَلَّقاتِ) هو عام لأعراس سرّحوها أمام المسّ أو وراءه ، والحكم الأوّل سمّ مع أعراس سرّحوها أمام المسّ كما مرّ وورد « اللّام » للعهد ، والمراد الأعراس الأوّل أورده مكرّرا ومؤكّدا له ، أو كرّره لمّا كرّر أمر داع لوروده (مَتاعٌ) لكم إعطاؤه مأمورا وهو حكم العدد ، أو عداد الدّرع وما عداه (بِالْمَعْرُوفِ حَقًّا) مصدر طرح عامله (عَلَى) الرّهط (الْمُتَّقِينَ) ( 241 ) أمرا وحكما ووسعا .

(كَذلِكَ) كما أعلم اللّه الأحكام المسطور أحوالها وهو حكم الأهول والسّراح والعدد وما عداها (يُبَيِّنُ اللَّهُ) وهو الإعلام (لَكُمْ آياتِهِ) أدلّاؤه وأحكامه (لَعَلَّكُمْ تَعْقِلُونَ) ( 242 ) حكم الأحكام وأسرار الأوامر ومصالح الأمور ، وهو وعد لإعلامهم ما هو الأهمّ لهم حالا ومآلا .

(أَ لَمْ تَرَ) أما وصل علمك محمّد ( ص ) (إِلَى) أحوال الأرهاط (الَّذِينَ خَرَجُوا) دلعوا وساروا (مِنْ دِيارِهِمْ) محالّهم ومعامرهم (وَهُمْ)

----------

أنفسهن) من ترك الحداد (من معروف) شرعا ويفيد أنها كانت مخيرة بين ملازمة المنزل والحداد وأخذ النفقة وبين الخروج وتركها (والله عزيز) لا يقهر (حكيم) يفعل بحسب المصلحة .

(وللمطلقات متاع بالمعروف حقا على المتقين) قيل عمم وجوب المتعة لكل مطلقة بعد إيجابها لواحدة منهن وعندنا أن العموم مخصص بالآية السابقة وقيل التمتيع يعم الواجب والمندوب وقيل أريد به نفقة الزوجية .

(كذلك يبين الله لكم آياته) دلائله وأحكامه (لعلكم تعقلون) .

(ألم تر إلى الذين خرجوا من ديارهم) هم أهل مدينة من مدائن الشام

ص: 226

« الواو » للحال (أُلُوفٌ) الأصحّ المراد العدد المحدود (حَذَرَ الْمَوْتِ) هولا ممّا أدركهم الحمام العامّ وسام الكلّ ، ووردهم رهط لمّا دعاهم ملكهم لعماس أهل العدول رحلوا وطرحوا مراكدهم وعردوا ، (فَقالَ لَهُمُ اللَّهُ) أمرا (مُوتُوا) ولمّا أمرهم أمرا محوّلا حلّهم السّام العام وهلكوا كلّهم معا كهلاك واحد ، وورد : « صاحه ملك أورد اسم اللّه محلّ ملك مهوّلا ومهدّدا » (ثُمَّ أَحْياهُمْ) أعادهم اللّه حمّادا كما أسرهم أوّلا لدعاء رسول مرّ علاهم وسلك مصرعهم ، (إِنَّ اللَّهَ لَذُو فَضْلٍ) كرم وإكرام (عَلَى النَّاسِ) طرّا لمّا هداهم صراط الإسلام كما هداه لهؤلاء الأرهاط وكما هداكم لإعلام أحوالهم وما حلّ لهؤلاء ، أو « اللّام » للعهد ، والمراد هؤلاء لما أعادهم اللّه كرما ولو أراد عدم هداهم لطرحهم هلاكا وما أعادهم حالا (وَلكِنَّ أَكْثَرَ النَّاسِ لا يَشْكُرُونَ) ( 243 ) إكرام اللّه أمّا أهل الإسلام ما وصلوا أمد حمده ، وأمّا أهل العدول ما حمدوه أصلا .

لمّا أعلم اللّه أهل الإسلام لا رادّ لحكمه أحد ولا حاصل لطرحهم المراكد أصلا ، وكلّ ما أراده اللّه حصل أمرهم للعماس ، وأرسل (وَقاتِلُوا) أعداء اللّه (فِي سَبِيلِ اللَّهِ) وداده إعلاء لإعلام إسلامه وإعلاما لمعالم كمال رسوله محمّد صلعم ، وورد هو كلام مع هؤلاء الأرهاط لمّا ساروا هولا وكرها للعماس

----------

(وهم ألوف) كانوا سبعين ألف بيت (حذر الموت) إذ وقع فيهم الطاعون (فقال لهم الله موتوا) فماتوا وصاروا رميما (ثم أحياهم) بدعوة حزقيل النبي وعاشوا ما شاء الله ثم ماتوا بآجالهم (إن الله لذو فضل على الناس) كإحياء أولئك ليعتبروا وذكر خبرهم ليستبصروا (ولكن أكثر الناس لا يشكرون) له حق شكره .

(وقاتلوا في سبيل الله) لما بين أن الفرار من الموت غير منج أمرهم بالجهاد

ص: 227

وأعادهم اللّه وأمرهم له (وَاعْلَمُوا) علما مؤكّدا مسدّدا (أَنَّ اللَّهَ سَمِيعٌ) لكلامكم (عَلِيمٌ) ( 244 ) لأحوالكم .

(مَنْ) للسؤال محكوم علاه محموله (ذَا) هو (الَّذِي يُقْرِضُ اللَّهَ) مدحا لاسم الومء أو صدع وهو إعطاؤه المال صعلوكا للّه املا لما وعده مما هو مكارم دارالسّلام ومراهصها (قَرْضاً حَسَناً) عطاء مودودا للّه ، أو المراد إعطاء المال الحلال وهو مصدر أصله « الحسم » وصار اسما لكلّ ما أعطاه أحد أوسا (فَيُضاعِفَهُ لَهُ) اللّه ما أعطاه له لأهل العطاء عطاء وكرما (أَضْعافاً) واحده كسمع (كَثِيرَةً) لا عالم لها إلّا اللّه (وَاللَّهُ يَقْبِضُ) لآحاد وهو إمساك العطاء (وَيَبْصُطُ) لآحاد هو إرسال العطاء وإعطاء المرار لحكم ومصالح ورووه مع « الصّاد » ، (وَإِلَيْهِ) معاد « الهاء » هو اللّه (تُرْجَعُونَ) ( 245 ) كلّكم وهو معاملكم كأعمالكم صوالح وطوالح .

(أَ لَمْ تَرَ) أما وصل علمك محمّد ( ص ) (إِلَى) أحوال (الْمَلَإِ) أكارم الرّهط ولا واحد له وهو واحد « الأملاء » (مِنْ بَنِي إِسْرائِيلَ) أولاده (مِنْ بَعْدِ) سام (مُوسى) رسول اللّه (إِذْ قالُوا) كلّموا (لِنَبِيٍّ) رسول داع

----------

(واعلموا أن الله سميع) لأقوالكم (عليم) بنياتكم .

(من ذا الذي يقرض الله) ينفق في طاعته (قرضا حسنا) خالصا لوجهه أو حلالا طيبا (فيضاعفه له أضعافا كثيرة) لا يحصيها إلا الله (والله يقبض ويبسط) يمنع ويوسع بحسب المصلحة (وإليه ترجعون) تأكيدا للجزاء .

(ألم تر إلى الملأ) جماعة الأشراف (من بني إسرائيل) من للتبعيض (من بعد موسى) من للابتداء أي بعد وفاته (إذ قالوا لنبي لهم) هو إسماعيل وقيل:

ص: 228

(لَهُمُ) للأحكام والأعمال (ابْعَثْ) ملّك (لَنا مَلِكاً) إماما هماما معادا لأمور العماس وأحكامه (نُقاتِلْ) أعداء اللّه وهم أهل العدول (فِي سَبِيلِ اللَّهِ) مسلك الكمال وصراط السّواء لإعلاء أعلام كلمه وإعلام معالم إسلامه ، (قالَ) لهم رسولهم (هَلْ) الأمر كما أعلمه وهو (عَسَيْتُمْ) لعلّكم (إِنْ كُتِبَ) لو أمر وحكم (عَلَيْكُمُ الْقِتالُ) مع الملك الحدل المعهود (أَلَّا تُقاتِلُوا) معه (قالُوا) كلّم الملأ الكرام وحاوروا رسولهم (وَما) داع حصل (لَنا أَلَّا نُقاتِلَ) العدوّ (فِي سَبِيلِ اللَّهِ) مرّ مدلوله مرارا (وَقَدْ أُخْرِجْنا) « الواو » للحال (مِنْ دِيارِنا) حدلا وعداء (وَأَبْنائِنا) إهلاكا وأسرا ومحصوله لا وهم ممّا هو عماس الأعداء لحصول دواع له وحوامل ، وورد لمّا كاحهم أهل المعدول الرّكاد أحل داماء الرّوم هدموا معامرهم وأسروا أولادهم وأولاد ملوكهم (فَلَمَّا كُتِبَ) حكم (عَلَيْهِمُ) الملأ (الْقِتالُ) العماس كما سألوا (تَوَلَّوْا) عدلوا وعادوا عمّا وعدوا وطرحوا أمر اللّه (إِلَّا قَلِيلًا) ماصلا (مِنْهُمْ) أطاعوا أمر اللّه وعملوا ما أمروا (وَاللَّهُ عَلِيمٌ) عالم علما كاملا (بِالظَّالِمِينَ) ( 246 ) لطرحهم أمر اللّه وردّهم حكمه وهو العماس مع الأعداء

----------

شمعون أو يوشع (ابعث) سل الله أن يبعث (لنا ملكا نقاتل في سبيل الله قال هل عسيتم إن كتب عليكم القتال ألا تقاتلوا قالوا وما لنا ألا نقاتل في سبيل الله وقد أخرجنا من ديارنا وأبنائنا) لأن جالوت والعمالقة كانوا يسكنون ساحل بحر الروم بين مصر وفلسطين فغلبوا على ديار بني إسرائيل وسبوا ذراريهم (فلما كتب عليهم القتال تولوا إلا قليلا منهم) ثلاثمائة وثلاثة عشر عدد أهل بدر (والله عليم بالظالمين) في ترك القتال وعيد لهم .

ص: 229

وهو كلام موعد لأهل الحدل والعدو .

(وَقالَ لَهُمْ) كلّهم (نَبِيُّهُمْ) رسولهم المعهود لمّا سأل اللّه : « ملك لهم ملكا » وأعطاه اللّه عصا طوالا وأعلمه ملكهم وأمامهم امرؤ طوله طول العصا (إِنَّ اللَّهَ) مالك الأمور (قَدْ بَعَثَ) أمر وملك (لَكُمْ طالُوتَ مَلِكاً) إماما حاكما عادلا وما سواها إلّا هو لمّا هو أطول أهل عصره و « ملكا » حال ، (قالُوا) لرسولهم (أَنَّى) للسّؤال عمّا هو الحال أو المحلّ (يَكُونُ لَهُ الْمُلْكُ) حاصله ممّ صار أهلا للملك (عَلَيْنا) طرّا (وَ) الحال (نَحْنُ أَحَقُّ) وأصلح (بِالْمُلْكِ مِنْهُ) وهو إعلام داع وحامل لعدولهم وردّهم ملكه لما هو وولد رهط لا ملك لهم ولا ألوك وهم أولاد الملوك والرّسل (وَلَمْ يُؤْتَ سَعَةً مِنَ الْمالِ) وما له إلّا عدم وإرمال وإرماد ، وكلّ أحد لا مال له ، لا عسكر له ، وكلّ مرء لا عسكر له ، لا ملك له ، (قالَ) الرّسول صلعم ردّا لهم (إِنَّ اللَّهَ اصْطَفاهُ) للملك وملّكه (عَلَيْكُمْ) واللّه أعلم لمصالحكم (وَزادَهُ بَسْطَةً) وسعا وكمالا (فِي الْعِلْمِ) وهو أعلمكم علم العماس وأطواره ومصالحه ، والعلم أكمل العلل لحصول الأمور وحلّ المعاسر (وَالْجِسْمِ) وهو أكمل الهول الأعداء

----------

(وقال لهم نبيهم إن الله قد بعث لكم طالوت ملكا قالوا أنى) من أين (يكون له الملك علينا) وهو من ولد بنيامين وكانت النبوة يومئذ في أولاد لاوي والملك في ولد يوسف (ونحن أحق بالملك منه) وراثة ومكنة (ولم يؤت سعة من المال) ولا بد للملك من مال يعتضد به قيل كان سقاء أو دباغا فأنكروا تملكه لسقوط نسبه وفقره فرد عليهم (قال إن الله اصطفاه) اختاره (عليكم) وهو أعلم بالمصالح منكم (وزاده) ما هو أنفع مما ذكرتم (بسطة) سعة (في العلم) ولا يتم أمر الرئاسة إلا، به (والجسم) إذ الجسيم أعظم في النفوس وأقوى على

ص: 230

وروع أهل المراء ، (وَاللَّهُ) مالك الملك (يُؤْتِي مُلْكَهُ) له إعطاء الملك (مَنْ يَشاءُ) لكلّ أحد أراده (وَاللَّهُ) الموسّع (واسِعٌ) كرمه وعطاءه لأهل الإرماد والعدم (عَلِيمٌ) ( 247 ) عالم لكلّ أحد هو أهل للملك وهو أعلم لمصالح الأمور والمهام .

(وَقالَ لَهُمْ) للملإ (نَبِيُّهُمْ) رسولهم لمّا راموا ورادوا علما لملكه (إِنَّ آيَةَ مُلْكِهِ) علم ملكه (أَنْ يَأْتِيَكُمُ التَّابُوتُ) ورود وعاء حاو لصور الرّسل كلّهم أرسل اللّه لآدم ، أو هو وعاء طرس الهود وأصله وعاء الطّروس ورد المراد الرّوع (فِيهِ) الوعاء أو وروده (سَكِينَةٌ) ركود لصدوركم أو صور الرّسل كلّهم أو العلم (مِنْ رَبِّكُمْ) عالم مصالحكم (وَبَقِيَّةٌ مِمَّا تَرَكَ) ودع (آلُ مُوسى وَآلُ هارُونَ) كسور الألواح وعصا رسول كلّمه اللّه وكساه وما سواها ، وآلهما هم أولادهما ، أو المراد هما أورد « الال » إكراما لأمرهما ، أو المراد أولاد عمّها (تَحْمِلُهُ) الوعاء (الْمَلائِكَةُ) هو حال ، ولمّا هلك رسول الهود سمك اللّه الوعاء مصاعد السّماء ، ولمّا مرّ دهر وأراد اللّه إرساله علما لملك ملك الملأ أرسله مع الأملاك ، وهم طرحوه أمام إمامهم وملكهم وح علم الملأ علما واطدا

----------

مكابدة الحروب وكان إذا مد الرجل القائم يده نال رأسه أو المراد الشجاعة (والله) له الملك (يؤتي ملكه من يشاء والله واسع عليم) بمن يصلح لذلك .

(وقال لهم نبيهم) حين طلبوا منه الحجة على رياسته (إن آية ملكه أن يأتيكم التابوت) هو الذي أنزله الله على موسى فوضعته أمه فيه وألقته في اليم (فيه سكينة) أمنة وطمأنينة وروي هو ريح من الجنة لها وجه كوجه الإنسان (من ربكم وبقية مما ترك آل موسى وآل هرون) هي الألواح وسائر آيات الأنبياء (تحمله الملائكة) وكان التابوت يدور في بني إسرائيل حيثما دار الملك فرفعه

ص: 231

مؤكّدا اللّه أعطاه الملك وملّكه ملكهم (إِنَّ فِي ذلِكَ) الحمل والسّمك والعود (لَآيَةً) علما (لَكُمْ) لسداد أموركم (إِنْ كُنْتُمْ) ملأ الهود (مُؤْمِنِينَ) ( 248 ) أهل الإسلام والصّلاح وهو إمّا كلام رسولهم أو كلام اللّه .

(فَلَمَّا فَصَلَ طالُوتُ) عمّا داره ومصره وسار (بِالْجُنُودِ) العساكر لوصول المعرك وعماس العدوّ - وهو حال - (قالَ) ملكهم إعلاما لما أعلمه رسوله (إِنَّ اللَّهَ) عالم الأسرار (مُبْتَلِيكُمْ) ممحّصكم ومعاملكم كما هو عمل عادم العلم روما لحصول العلم وإلّا هو أعلم لأسراركم وما حواه صدوركم (بِنَهَرٍ) هو مسل الماء الواسع لسطوع حال مرء أطاعه ومرء عصاه ، (فَمَنْ) كلّ أحد (شَرِبَ مِنْهُ) كرعا (فَلَيْسَ) كأحد (مِنِّي) ودادا (وَمَنْ لَمْ يَطْعَمْهُ) الطّعم الحسو والعلس (فَإِنَّهُ) عادم الطّعم كأحد (مِنِّي) أودّه وأكرمه (إِلَّا مَنِ اغْتَرَفَ) عطاء (غُرْفَةً بِيَدِهِ) ماء هو ملأها ، ولمّا ساروا صحراء عوراء وأدركهم الأوام العسر وصلوا حول المسل المعهود ووردوه كرعوا إلّا معدودا وهم حسوا راحا ورووا والكرّاع أراحوا وهلكوا أواما كما ورد (فَشَرِبُوا) الماء وكرعوا (مِنْهُ) المسل (إِلَّا) رهطا (قَلِيلًا مِنْهُمْ) العسكر ،

----------

الله إليه بعد موسى حين استخفوا به ثم لما بعث طالوت أنزله إليهم (إن في ذلك لآية لكم إن كنتم مؤمنين) من كلام نبيهم أو خطاب عن الله تعالى .

(فلما فصل طالوت بالجنود) انفصل بهم عن بلده (قال إن الله مبتليكم) ممتحنكم (بنهر فمن شرب منه فليس مني) من حزب الله (ومن لم يطعمه) لم يذقه (فإنه مني إلا من اغترف غرفة بيده) استثناء من فمن شرب (فشربوا منه إلا قليلا منهم) إلا ثلاثمائة وثلاثة عشر رجلا منهم من اغترف ومنهم من لم

ص: 232

(فَلَمَّا جاوَزَهُ) المسل (هُوَ) الملك و « هو » مؤكّد (وَ) الملأ (الَّذِينَ آمَنُوا) أسلموا وسمعوا أمره (مَعَهُ) سلاما (قالُوا) آحادهم آحادا وهم رهط عصوا حكمه (لا طاقَةَ) لا حول (لَنَا) لعسر الحال (الْيَوْمَ) لكمال الحرّ والأوام (بِجالُوتَ) عماسه وهو ملك حدل ولد ولد « عاد » (وَجُنُودِهِ) عساكره .

(قالَ) الملأ (الَّذِينَ يَظُنُّونَ) لهم علم موطّد وهم رهط ركدوا معه وأطاعوا أمره ، أو المراد أعمّ (أَنَّهُمْ مُلاقُوا اللَّهِ) مواصلوه معادا لمرصاده (كَمْ) للسؤال أو للإعلام (مِنْ فِئَةٍ) لا واحد لها ومدلول أصله الصّدع أو العود ، والمراد الرّهط (قَلِيلَةٍ) عددا وعددا (غَلَبَتْ) أعلاها اللّه حولا وطولا (فِئَةً كَثِيرَةً) عددا وعددا ، وهو محمول « كم » (بِإِذْنِ اللَّهِ) حكمه وإسعاده (وَاللَّهُ مَعَ) الرّهط (الصَّابِرِينَ) ( 249 ) إرداء وإمدادا .

(وَلَمَّا بَرَزُوا) سطعوا هم الملك وعسكره (لِجالُوتَ وَجُنُودِهِ) ووصلوا المعرك وسطّروا المعسكر للعماس ورصّعوا وسوّوا سطور العسكر (قالُوا) أهل الإسلام دعاء (رَبَّنا) اللّهم (أَفْرِغْ) أمطر وأرسل (عَلَيْنا صَبْراً) ركودا وحمسا للعماس (وَثَبِّتْ أَقْدامَنا) حال صول الأعداء

----------

يشرب والذين شربوا كانوا ستين ألفا (فلما جاوزه هو) تخطى النهر طالوت (والذين ءامنوا معه قالوا) قال الذين اغترفوا منه (لا طاقة لنا اليوم بجالوت وجنوده) لكثرتهم وقوتهم (قال الذين يظنون) يتيقنون (أنهم ملاقوا الله) وهم الذين لم يشربوا (كم من فئة قليلة غلبت فئة كثيرة بإذن الله) بأمره ونصره (والله مع الصابرين) بالنصر.

(ولما برزوا لجالوت وجنوده قالوا ربنا أفرغ علينا صبرا وثبت أقدامنا) في

ص: 233

(وَانْصُرْنا) إسعادا وامدادا (عَلَى الْقَوْمِ الْكافِرِينَ) ( 250 ) رهط لطّوا أوامرك وردوا أحكامك .

وسمع اللّه دعاء أهل الإسلام (فَهَزَمُوهُمْ) عسكر أهل العدول وكسروهم مع عدّ العدد والعدد لهم (بِإِذْنِ اللَّهِ) وأمره (وَقَتَلَ داوُدُ) المرسل (جالُوتَ) ورد أرسل الرّسول درعا للملك وأعلمه كلّ أحد مساو وعطله للدّرع هو مهلك ملك الأعداء وكساه عسكره طرّا وما ساواه أحد إلّا داود ، وأعلم اللّه الرّسول مهلك الملك العدو وداود وهو ح راع ودعوه لإهلاك الملك الحدل ، وأحال داود وكلّمه وسط الصّراط مرداس لحملها ، وحملها ورماها حال العماس وأهلكه (وَآتاهُ اللَّهُ) داود (الْمُلْكَ) ملك أولاد ولد ولد ودود اللّه ، و « اللّام » للعهد (وَالْحِكْمَةَ) الألوك معا وصار ملكا ورسولا وما أعطاهما اللّه لأحد أمام داود (وَعَلَّمَهُ) اللّه (مِمَّا يَشاءُ) إعلامه كالسّرد وكلام ما سار وما طار ، (وَلَوْ لا دَفْعُ اللَّهِ) دسعه وطرده (النَّاسَ) أولاد آدم (بَعْضَهُمْ) أهل الطّلاح (بِبَعْضٍ) أهل الصلاح (لَفَسَدَتِ الْأَرْضُ) وطلح أهلها وعطل أحوالها (وَلكِنَّ اللَّهَ) الملك العدل (ذُو فَضْلٍ) طول وكرم

----------

مداحض الحرب (وانصرنا على القوم الكافرين) بذلك وبإلقاء الرعب في قلوبهم .

(فهزموهم بإذن الله) بنصره (وقتل داود جالوت) وزوجه طالوت بنته (وءاتاه الله الملك) في الأرض المقدسة ولم يجتمعوا على ملك قبل داود (والحكمة) النبوة (وعلمه مما يشاء) كمنطق الطير والسرد (ولو لا دفع الله الناس بعضهم ببعض) بدفع الهلاك بالبر عن الفاجر أو بنصر المسلمين على الكفار (لفسدت الأرض) بغلبة المفسدين فيها (ولكن الله ذو فضل على العالمين) في دينهم وديارهم .

ص: 234

(عَلَى الْعالَمِينَ) ( 251 ) كلّهم ورادّ لحدلهم وعدواهم .

(تِلْكَ) الأحوال والأمور (آياتُ اللَّهِ) أعلام كماله (نَتْلُوها) أحكوها وأدرسها (عَلَيْكَ) محمّد ( ص ) درسا موصولا (بِالْحَقِّ) والسّداد لا إعوار لأهل الطّروس (وَإِنَّكَ لَمِنَ) الملأ (الْمُرْسَلِينَ) ( 252 ) لإعلامك أحوال الأمم الأوّل مساعدا لما أرسل لهم مع عدم درسك وسماعك طروسهم ، أرسلك اللّه لإعلام الأوامر والأحكام .

(تِلْكَ) هؤلاء (الرُّسُلُ) الكمّل الوارد أسماؤهم المسطور أحوالهم أوّلا أوّلهم آدم وحماداهم داود ، أو الرّسل الحاصل لمحمد رسول اللّه صلعم علمهم ، أو الرّسل كلّهم و « اللّام » للعموم ، وما علم إحصاءهم إلّا اللّه أرسلهم اللّه وأوحاهم لحكم ومصالح (فَضَّلْنا بَعْضَهُمْ) أحدهم (عَلى بَعْضٍ) أحد علوما وأعمالا وراء إرسالهم ، (مِنْهُمْ) الرّسل (مَنْ) رسول (كَلَّمَ اللَّهُ) كلّمه اللّه صراحا ، وهو رسول الهود كلّمه ما ورد الطّور وسمرها ما حار ، أو هو ومحمّد رسول اللّه صلعم كلّمه حال الإسراء ، ورووا كالم اللّه والمراد كلّمه اللّه وهو مكالمه (وَرَفَعَ بَعْضَهُمْ) أراد محمّدا رسول اللّه صلعم (دَرَجاتٍ) مصاعد الحال ومحامد الأمر كعموم إرساله للكلّ أو والد مسحوط اللّه أو الرّسل اللّا

----------

(تلك) القصص المذكورة (ءايات الله) دلائله (نتلوها عليك بالحق) بالصدق الذي لا يشك فيه أحد (وإنك لمن المرسلين) لإخبارك بها ولم تقرأ ولم تسمع .

(تلك الرسل) إشارة إلى جماعة الرسل المذكورة في السورة أو المعلومة له (صلى الله عليه وآله وسلّم) فضلنا بعضهم على بعض منهم من كلم الله) كموسى (ورفع بعضهم درجات) كمحمد (صلى الله عليه وآله وسلّم) خص بالعلوم الوافرة والآيات الباهرة والدعوة العامة

ص: 235

ركدوا حال المكاره والمعاسر (وَآتَيْنا) إعطاء لإعلاء الأمر (عِيسَى ابْنَ مَرْيَمَ) أمّه وهو روح اللّه (الْبَيِّناتِ) أدلّاء ما أوحاه اللّه كما أعاد الرّوح وأصلح الأكمه والأسوأ وصحّح الأعلاء (وَأَيَّدْناهُ) روح اللّه (بِرُوحِ الْقُدُسِ) وهو الملك أو اسم اللّه الأكرم لمّا أراد الأعداء إهلاكه ، أو الطّرس المرسل ، أو روحه الأطهر (وَلَوْ شاءَ) أراد (اللَّهُ) إصلاح حال أهل العالم كلّهم وهداهم (مَا اقْتَتَلَ) وطاوع وواءم الملأ (الَّذِينَ مِنْ بَعْدِهِمْ) الرّسل وما صاروا أهل العماس (مِنْ بَعْدِ ما) للمصدر (جاءَتْهُمُ) الرّسل ووصل لهم (الْبَيِّناتِ) الأدلّاء اللّوامع (وَلكِنِ اخْتَلَفُوا) وما واءموا ، (فَمِنْهُمْ) الأمم (مَنْ آمَنَ) أسلم وأطاع أحكام رسوله (وَمِنْهُمْ مَنْ كَفَرَ) عدل عمّا أمره اللّه وأرسله (وَلَوْ شاءَ) أراد (اللَّهُ) وئامهم (مَا اقْتَتَلُوا) وواءموا لأمر واحد كرّره مؤكّدا (وَلكِنَّ اللَّهَ) الملك العدل (يَفْعَلُ) لكمال طوله ( ما يُرِيدُ ) ( 253 ) وهو إصلاحهم كرما وإطلاحهم عدلا .

( يا أَيُّهَا) الملأ (الَّذِينَ آمَنُوا) أسلموا (أَنْفِقُوا) أعطوا موارد الصّلاح (مِمَّا) أموال وأملاك (رَزَقْناكُمْ) حال العماس أو هو عام (مِنْ قَبْلِ

----------

والمعجزة المستمرة (وآتينا عيسى بن مريم البينات وأيدناه بروح القدس) خصه وموسى لوضوح معجزاتهما وعظمها (ولو شاء الله) مشيئة إلجاء (ما اقتتل الذين من بعدهم) من بعد الرسل (من بعد ما جاءتهم البينات) الحجج الواضحة لاختلافهم في الدين وتكفير بعضهم بعضا (ولكن اختلفوا فمنهم من ءامن) بتوفيقه (ومنهم من كفر) بخذلانه (ولو شاء الله ما اقتتلوا) كرر تأكيدا (ولكن الله يفعل ما يريد) من العصمة والخذلان .

(يا أيها الذين ءامنوا أنفقوا مما رزقناكم من قبل أن يأتي

ص: 236

أَنْ يَأْتِيَ ) لكم لإعلاء ما وعده اللّه وأوعده (يَوْمٌ) عصر لا عصر وراءه (لا بَيْعٌ فِيهِ) لما لا ملك لأحد إلّا اللّه الواحد (وَلا خُلَّةٌ) وداد لأحد أسعدكم أو سامحكم عطاء (وَلا شَفاعَةٌ) إسعاد وإمداد لأحد حال حلول الأهوال إلّا لأمره (وَالْكافِرُونَ) للمعاد (هُمُ) لا سواهم (الظَّالِمُونَ) ( 254 ) حدّال أهرمهم وعادوا حدود اللّه لما هم أحلّوا أعمالهم محلّا ما صلح لها .

(اللَّهُ) الواحد الأحد (لا إِلهَ) مألوه (إِلَّا هُوَ) اللّه وحده (الْحَيُّ) دواما سرمدا ما حام سام وحمام حول حماه (الْقَيُّومُ) مصلح العالم كلّه أو معدّل الأمور كلّها دواما (لا تَأْخُذُهُ) أصلا (سِنَةٌ) دكاس (وَلا نَوْمٌ) وهو حال معطّل الحواس وأورد محلّ الأوّل الرّاس ومحلّ الأمد الرّوع ، والحاصل لا سهو له ولا ملال ولا كلال (لَهُ) للّه (ما) حلّ (فِي السَّماواتِ) كلّا (وَما) ركد (فِي الْأَرْضِ) طرّا ملكا وملكا ، والمراد هما وأهلهما (مَنْ) للسّؤال (ذَا الَّذِي يَشْفَعُ عِنْدَهُ) لإصلاح أحد وردّ أمره (إِلَّا بِإِذْنِهِ) أمر اللّه وحكمه

----------

يوم) الموت (لا بيع فيه) فينتفع به (ولا خلة) فيسامح لأجلها (ولا شفاعة) إلا لمن أذن له الرحمن حتى تتكلوا على شفيع يشفع لكم (والكافرون) أي التاركون للزكاة عبر عنهم به تغليظا (هم الظالمون) لأنفسهم .

(الله لا إله إلا هو الحي) الذي يصح أن يعلم ويقدر (القيوم) الدائم القيام بتدبير الخلق وحفظه (لا تأخذه سنة) فتور يتقدم النوم فلذا قدم على (ولا نوم) والقياس العكس والجملة نفي للتشبيه وتأكيد للقيوم إذ لا تدبير ولا حفظ لمن ينعس أو ينام (له ما في السموات وما في الأرض) ملكا وملكا (من ذا الذي يشفع عنده إلا بإذنه) بيان لكبريائه أي لا أحد يتمالك يوم القيامة أن يشفع

ص: 237

(يَعْلَمُ) علما واطدا (ما) أمرا مرّ (بَيْنَ أَيْدِيهِمْ) أمام أهلهما (وَما) أمرا واردا (خَلْفَهُمْ) وراءهم أو العكس أو أمور الماصل وأمور المعاد أو العكس أو محسوسهم ومدركهم روعا والمعاد « ما » أو مدلول اسم السّؤال وهم الرّسل والملك (وَلا يُحِيطُونَ) هؤلاء علما (بِشَيْءٍ) ماصل (مِنْ عِلْمِهِ) معلوم اللّه (إِلَّا بِما) معلوم (شاءَ) أراد اللّه إعلامه واطلاعه ، (وَسِعَ) ملأ وأحاط (كُرْسِيُّهُ) علمه أو ملكه أو طوله أو سرّه (السَّماواتِ وَالْأَرْضَ) العالم كلّه (وَلا يَؤُدُهُ) آده لهده (حِفْظُهُما) حرسهما وصلاحهما (وَهُوَ) اللّه (الْعَلِيُّ) أمره وحاله أو الطّاهر السّلام عمّا وهمه الأوهام (الْعَظِيمُ) ( 255 ) ملكه وعلوّه ، وهو كلام أحاط محامد كماله ومكارم علوّ حاله ، وأكرم ما أوحاه اللّه وهو دعاء صوامع الأسرار المدعوّ لردّ المكاره وحصول المصامد .

( لا إِكْراهَ) لأحد (فِي الدِّينِ) الإسلام لسطوع معالمه وعلوّ أعلامه أو لا إكراه لمّا وطد الإسلام كما أكرهوا أوّل الحال لأداء أوامر اللّه وأحكام رسوله ، وورد : « امر مسلم أولاده للإسلام ودعاهم أسلموا وعهدوا للّه لا أدعكم إلّا حال

----------

لأحد إلا بإذنه (يعلم ما بين أيديهم) ما كان (وما خلفهم) ما لم يكن بعد أو ما قبلهم وما بعدهم أو عكسه أو أمور الدنيا والآخرة أو عكسه، والضمير لما في السموات والأرض تغليبا للعقلاء أو لما دل عليه من الملائكة والأنبياء (ولا يحيطون بشيء من علمه) من معلوماته (إلا بما شاء) بما يوحي إليهم (وسع كرسيه) علمه أو ملكه أو الجسم المحيط دون العرش أو العرش (السموات والأرض ولا يئوده) يثقله (حفظهما وهو العلي) عن المثل والند (العظيم) الشأن .

(لا إكراه في الدين) لم يجر الله أمر الدين على الإجبار بل على الاختيار فمن

ص: 238

إسلامكم » ولمّا سمعه رسول اللّه صلعم أرسلها اللّه وردعه رسول اللّه صلعم ، (قَدْ تَبَيَّنَ) لاح وسطح (الرُّشْدُ) سلوك الصّراط الأسدّ وهو الإسلام (مِنَ الْغَيِّ) سلوك مسلك الأود وهو العدول (فَمَنْ يَكْفُرْ بِالطَّاغُوتِ) وهو المارد الوسواس الموسوس عدوّ اللّه ورسوله ، أو كلّ ما ألّه ممّا عدا اللّه ، أو صدّ عمّا أمره اللّه ، أو كلّ رأس لأهل الأهواء (وَيُؤْمِنْ) إسلاما (بِاللَّهِ) الواحد الأحد (فَقَدِ اسْتَمْسَكَ) أمسك (بِالْعُرْوَةِ الْوُثْقى) الوصل اللّاء أحكمها اللّه لوصول مراحمه (لَا انْفِصامَ) لا حسم (لَها) أورد ما هو المحسوس لإعلام ما هو المدرك المعلوم لحصول كمال العلم للسّامع (وَاللَّهُ سَمِيعٌ) لكلامه (عَلِيمٌ) ( 256 ) لسرّه هدّدهم لإسرارهم الطّلاح .

(اللَّهُ وَلِيُّ) الملأ (الَّذِينَ آمَنُوا) أرادوا الإسلام ، والمراد ودودهم أو مولاهم أو معاهد أمورهم وحارس أحوالهم (يُخْرِجُهُمْ) أهل الإسلام إصلاحا لأحوالهم (مِنَ الظُّلُماتِ) أكدار أوهامهم وساوس صدورهم وما لها الصّدّ عمّا هو الصّلاح (إِلَى النُّورِ) وهو لمع العلم وسطوع الإسلام وَ الملأ

----------

شاء فليؤمن ومن شاء فليكفر (قد تبين الرشد من الغي) تميز الحق من الباطل أو الإيمان عن الكفر بالدلائل الواضحة (فمن يكفر بالطاغوت) الشياطين أو ما عبد من دون الله (ويؤمن بالله فقد استمسك بالعروة الوثقى) المحكمة تمثيل للمعلوم بالظاهر المحسوس (لا انفصام) لا انقطاع (لها والله سميع) للأقوال (عليم) بالضمائر والأحوال .

(الله ولي الذين ءامنوا) متولي أمورهم (يخرجهم) بلطفه (من الظلمات إلى النور) من الكفر إلى الإيمان أو من ظلمات الذنوب إلى نور التوبة والمغفرة (والذين كفروا أولياؤهم الطاغوت) الشياطين أو رؤساء الضلالة

ص: 239

(الَّذِينَ كَفَرُوا) عدلوا وصمّموا العدول (أَوْلِياؤُهُمُ) أودّاءهم هو مع محموله محمول الموصول (الطَّاغُوتُ) أعداء اللّه (يُخْرِجُونَهُمْ) أهل العدول طردا عمّا صلح لهم (مِنَ النُّورِ إِلَى الظُّلُماتِ) وهو عكس الأوّل (أُولئِكَ) أهل الطلاح المسطور حالهم (أَصْحابُ النَّارِ) أهلها (هُمْ) لا سواهم (فِيها خالِدُونَ) ( 257 ) دوّام ولهم دوام الآصار .

(أَ لَمْ تَرَ) محمّد ( ص ) أراد علمه ، والحاصل أما وصل علمك (إِلَى) الملك (الَّذِي حَاجَّ) لادّ ورادّ (إِبْراهِيمَ) الرّسول وعاداه (فِي) أمر (رَبِّهِ) الواحد الأحد ومعاده الرّسول أو الموصول (أَنْ آتاهُ) لمّا أعطاه (اللَّهُ الْمُلْكَ) والحاصل صار إعطاءه الملك حاملا له للمراء ، أو حال إعطاء الملك له (إِذْ) لمّا قالَ له (إِبْراهِيمَ) ردّا لسؤاله ما إلهك (رَبِّيَ) اللّه (الَّذِي يُحْيِي) العالم أسرا (وَيُمِيتُ) إعداما (قالَ) الملك (أَنَا أُحْيِي) إرسالا وإهمالا سالما (وَأُمِيتُ) إهلاكا صارما ، (قالَ إِبْراهِيمُ) موردا ما حسم ادّعاءه المموّه ودعواه العاطل (فَإِنَّ اللَّهَ يَأْتِي) إطلاعا (بِالشَّمْسِ مِنَ الْمَشْرِقِ) مطلعها (فَأْتِ بِها) أطلعها (مِنَ الْمَغْرِبِ) مدلكا محلّ حدورها

----------

(يخرجونهم) بوسوستهم إليهم (من النور إلى الظلمات) من نور الإسلام الذي فطروا عليه إلى ظلمات الكفر ومن نور البينات إلى ظلمات الشبهات (أولئك أصحاب النار هم فيها خالدون) وعيد .

(ألم تر إلى الذي حاج إبراهيم في ربه) تعجب من محاجة نمرود وكفر به (أن) لأن (ءاتاه الله الملك) أي محاجته لبطره بإيتاء الملك (إذ قال إبراهيم ربي الذي يحيي ويميت) يخلق الحياة والموت (قال أنا أحيي وأميت) أعفي عن القتل وأقتل (قال إبراهيم فإن الله يأتي بالشمس من المشرق فأت بها من المغرب) لم يجب معارضته لظهور فسادها إذ المراد بالإحياء والإماتة خلقها لا

ص: 240

وحلولها (فَبُهِتَ) حار وهام الملك (الَّذِي كَفَرَ) عدل وصدّ عمّا أمر (وَاللَّهُ) العدل (لا يَهْدِي) صراط السّداد عدلا (الْقَوْمَ الظَّالِمِينَ) ( 258 ) هم رهط عدوا حدود اللّه وعدلوا عمّا صلح لهم .

(أَوْ) ألك علم حال مرء هو (كَالَّذِي مَرَّ) مرعرعا حماره ومعه حمل ومعصوره أو الدرّ أو الماء (عَلى قَرْيَةٍ) هدمها ملك حدل (وَ) الحال (هِيَ خاوِيَةٌ) هار صروحها (عَلى) مع (عُرُوشِها) سطوحها أو هار السّطح أوّلا وهار ما حوله علاه ، (قالَ) المارّ (أَنَّى) للحال (يُحْيِي) أهل (هذِهِ اللَّهُ بَعْدَ مَوْتِها) أهلها سؤالا روما لحال المعاد ، (فَأَماتَهُ) المارّ (اللَّهُ) وأمهله وأهمله (مِائَةَ عامٍ) حول كامل (ثُمَّ بَعَثَهُ) اللّه وأعطاه الرّوح ، (قالَ) اللّه أو الملك المأمور له أو رسول عصره ، وسأله إعلاما له أمر المعاد (كَمْ لَبِثْتَ) هالكا (قالَ) المارّ (لَبِثْتَ) هالكا (يَوْماً) كاملا وهم إدراك السّام له حال الطّلوع وعوده كما هو مساءه ، ولمّا عاود سرّه وعلم وكسه ادّارك وأورد (أَوْ

----------

الإبقاء والقتل عدل إلى ما لا يمكنه التمويه فيه، وعن الصادق (عليه السلام) أن إبراهيم قال له: فأحي من قتلته إن كنت صادقا (فبهت الذي كفر) صار مبهوتا (والله لا يهدي القوم الظالمين) إلى المحاجة أو الجنة .

(أو كالذي) أي إذا رأيت مثل الذي (مر على قرية) هو إرميا النبي أو عزير (وهي خاوية على عروشها) ساقطة حيطانها على سقوفها (قال أنى) أي متى وكيف (يحيي هذه الله بعد موتها) قاله لما رأى أهلها موتى والسبأع تأكل الجيف وكلامه اعتراف بالعجز عن معرفة طريق الحشر أو لاستزادة البصيرة (فأماته الله مائة عام ثم بعثه) ثم أحياه (قال) الله تعالى أو ملك أو نبي آخر (كم لبثت قال) قول الظان (لبثت يوما أو بعض يوم): قيل أميت ضحى وبعث بعد المائة

ص: 241

بَعْضَ يَوْمٍ) قالَ اللّه ردّا له ، (بَلْ لَبِثْتَ) هالكا (مِائَةَ عامٍ) كامل وأمره (فَانْظُرْ) المح (إِلى) حال (طَعامِكَ) وهو حمل الكرم (وَشَرابِكَ) وهو المعصور أو الدّر أو الماء (لَمْ يَتَسَنَّهْ) ما اسلهمّ وما حال طعمه مع طول العصر ومرور العهد (وَانْظُرْ إِلى) حال (حِمارِكَ) ولمّا رآه طوعا للأمر رآه هالكا أو رآه سالما كما هو حاله وما له مأكول ولا ماء والأوّل أدلّ (وَ) عمل معك ما عمل (لِنَجْعَلَكَ آيَةً) علما للمعاد (لِلنَّاسِ) اللاء ما علموا عود الأرواح والرّمام مآلا ، ولمّا عاد لأهله ودوره أدرك أولاده أهراما وهو رعراع ولمّا كلم معهم كلاما كلّموه وهو كلام طال عهده (وَانْظُرْ إِلَى الْعِظامِ) الرّمام لحمارك أو لأهل المصر (كَيْفَ) للحال وعامله (نُنْشِزُها) أحرّكها واحدا واحدا وأرصّعها معا (ثُمَّ نَكْسُوها لَحْماً) وصرما وصار حمارك كأحد الحمر ، (فَلَمَّا تَبَيَّنَ لَهُ) لاح له الحال (قالَ) المارّ (أَعْلَمُ) علما لا وهم معه ورووه « واعلم » أمرا أمره اللّه (أَنَّ اللَّهَ) العلّام (عَلى كُلِّ شَيْءٍ) عموما ما عدا المحال (قَدِيرٌ) ( 259 ) له الأمر والطّول والإمهال والإرصاع وإعطاء الروح والإكمال

----------

آخر النهار فقال ولم يعلم بقاء الشمس يوما ثم التفت فرأى بقية منها فقال: (أو بعض يوم قال بل لبثت مائة عام فانظر إلى طعامك) قيل: كان تينا وعنبا (وشرابك) كان عصيرا أو لبنا (لم يتسنه) لم يتغير بمر السنين أخذ من السنة ولامها إما هاء أصلية أو واو فالهاء للسكت وإفراد الضمير لأن الطعام والشراب كالجنس الواحد وجد الكل على حاله (وانظر إلى حمارك) كيف تفرقت عظامه وتفتتت (ولنجعلك آية) حجة (للناس وانظر إلى العظام كيف ننشزها) نرفع بعضها إلى بعض (ثم نكسوها لحما فلما تبين له) أمر الإحياء أو كمال قدرة الله (قال أعلم أن الله على كل شيء قدير) وقرىء أعلم أمرا .

ص: 242

كلّها حالا ومآلا .

(وَ) ادّكر محمّد ( ص ) (إِذْ قالَ إِبْراهِيمُ) الرّسول ودعا اللّه (رَبِّ أَرِنِي) كرما وإكراما (كَيْفَ) للحال وعامله (تُحْيِ الْمَوْتى) سأله روما لإحساس ما علمه ، أو همّا لحصول كمال علم له وإلّا أصل العلم حاصل له ، أو لحصول علم لكلّ أحد ، (قالَ) اللّه له وسأله (أَ وَلَمْ تُؤْمِنْ) ولا إسلام لك وسؤاله لحسم أوهام الطّلاح ، وإلّا علمه أحاط الكلّ والكلّ معلوم له (قالَ) الرّسول (بَلى) المعاد مسلّم (وَلكِنْ) أسألك (لِيَطْمَئِنَّ قَلْبِي) لهكوع الرّوع حال وآم علم الحسّ علم الدّوال لما لا حراك معه للوساوس ، (قالَ) اللّه له وأمره لو أراد سرّك ما مرّ (فَخُذْ) أدرك (أَرْبَعَةً مِنَ الطَّيْرِ) طاوسا وحماما وأعور وما سواها (فَصُرْهُنَّ) أملها ورووه مكسور الصّاد صرّ و « صرّ » و « صرّ » (إِلَيْكَ) وع صورها وأدرك أحوالها (ثُمَّ) اصرمها وسطها و (اجْعَلْ عَلى كُلِّ جَبَلٍ) طود حول دورك وحوال معامرك (مِنْهُنَّ) اللّحوم والدّماء وما سواها (جُزْءاً ثُمَّ ادْعُهُنَّ) أطاوس أحمام

----------

(وإذ قال إبراهيم رب أرني كيف تحيي الموتى) سأل ذلك ليصير علمه عيانا (قال أولم تؤمن) بقدرتي على الإحياء (قال بلى ولكن ليطمئن قلبي) بمضامة العيان إلى الوحي والبيان وروي ليطمئن قلبي على الخلة لأن الله أوحى إليه: إني متخذ من عبادي خليلا إن سألني إحياء الموتى أجبته فوقع في نفسه أنه ذلك الخليل فسأل ما سأل (قال فخذ أربعة من الطير) الطاووس والديك والحمامة والغراب (فصرهن) اضممهن (إليك) وقرىء بكسر الصاد لتتأملها فلا تلبس عليك بعد الإحياء فقطعهن واخلطهن واجعل مناقرهن بين أصابعك (ثم اجعل على كل جبل) وكانت الجبال عشرة وقيل أربعة (منهن جزءا ثم ادعهن) قل

ص: 243

(يَأْتِينَكَ) طوعا لأمرك (سَعْياً) سرّاعا وهو مصدر حلّ محلّ الحال ، ولمّا حصّها حصصا وسهّمها سهاما ، وطرح كلّ سهم رأس طود حوله وأمسك رءوسها ، ودعا كلّا وسمّاه طار كلّ كسر ووصل سواه وكمل صورها ووصل الكلّ رأسه وأطاع دعاء الدّاع عدوا (وَاعْلَمْ) علم إحساس (أَنَّ اللَّهَ) الصّمد (عَزِيزٌ) عمّال لكلّ ما أراده (حَكِيمٌ) ( 260 ) محكم لأعماله أو لكلّ عمل عمله حكم ومصالح .

(مَثَلُ) حال الملأ (الَّذِينَ) أو حال ما أعطوه (يُنْفِقُونَ أَمْوالَهُمْ) اللّاء أعطاها اللّه وملّكها لهم (فِي سَبِيلِ اللَّهِ) صراط العماس لإعلاء أمره (كَمَثَلِ) حال آكر (حَبَّةٍ) أو كحالها (أَنْبَتَتْ) لأمر اللّه وحكمه (سَبْعَ سَنابِلَ فِي كُلِّ سُنْبُلَةٍ) وهو وعاء أحمال السّمراء وما عداها كالكمّ وعاء الطّلع (مِائَةُ حَبَّةٍ) لا وكس (وَاللَّهُ) كامل العطاء (يُضاعِفُ) أموالا أعطوها لودّه ووداده كرما وإكراما (لِمَنْ يَشاءُ) إكرامه (وَاللَّهُ واسِعٌ) كرمه وعطاؤه (عَلِيمٌ) ( 261 ) لحال أهل الإعطاء .

(الَّذِينَ يُنْفِقُونَ أَمْوالَهُمْ) وما لهم ممّا ملكوا كالعلم والحواس (فِي سَبِيلِ اللَّهِ) صراط وداده (ثُمَّ لا يُتْبِعُونَ ما) مالا أو سواه (أَنْفَقُوا) أعطوا

----------

لهن: تعالين بإذن الله (يأتينك سعيا) ساعيات مسرعات طيرانا أو مشيا، فتطايرت تلك الأجزاء بعضها إلى بعض حتى استوت الأبدان (واعلم أن الله عزيز) لا يعجزه شيء (حكيم) في أفعاله وأقواله .

(مثل الذين ينفقون أموالهم في سبيل الله) في وجوه البر أي مثل نفقتهم (كمثل حبة) أو مثلهم كمثل باذر حبة (أنبت سبع سنابل في كل سنبلة مائة حبة والله يضاعف لمن يشاء والله واسع عليم).

(الذين ينفقون أموالهم في سبيل الله

ص: 244

(مَنًّا) هو عدّ ما أعطاه المرء أحدا صدد الإعطاء إعلاء للاسم وإعلاما للعلاء ككلامه « ألم أعطك » ، « ألم أمدّك » ، « ألم أملكك » (وَلا أَذىً) وهو أطاوله علاه لما أعطاه طموحا وسمودا (لَهُمْ) لهؤلاء (أَجْرُهُمْ) لأعمالهم (عِنْدَ رَبِّهِمْ) مولاهم العادل حالا ومعادا (وَلا خَوْفٌ) هول (عَلَيْهِمْ) لوكسه أو لإصره (وَلا هُمْ يَحْزَنُونَ) ( 262 ) لعدمه لهم دوام السّرور لما أكملوا أمرهم وأصلحوا عملهم .

(قَوْلٌ مَعْرُوفٌ) ردّ محمود لأهل السؤال (وَمَغْفِرَةٌ) لهم لو أساءوا السؤال وألحّوا أو وصولها همّ اللّه للرّدّ المحمود (خَيْرٌ) أكرم وأصلح (مِنْ صَدَقَةٍ) عطاء (يَتْبَعُها أَذىً) اطّاول وعمل مكروه (وَاللَّهُ غَنِيٌّ) لا إرماد له ولا عسر (حَلِيمٌ) ( 263 ) ما أسرع لإصر أحد ألمه وعصاه .

( يا أَيُّهَا) الملأ (الَّذِينَ آمَنُوا) أسلموا ووطدوا (لا تُبْطِلُوا) هو الإعدام والإهدار (صَدَقاتِكُمْ) مصالحها ومكارمها (بِالْمَنِّ وَالْأَذى) مرّ مدلولهما إعداما (كَالَّذِي) كاعدام عطاء مرء (يُنْفِقُ مالَهُ رِئاءَ النَّاسِ) لما رآهم لاحساسهم عمله وعطاءه ومدحهم له لا لدرك مصالح المعاد (وَلا

----------

ثم لا يتبعون ما أنفقوا منا) بالاعتداد بالإحسان (ولا أذى) بالتطاول بالإنعام (لهم أجرهم عند ربهم ولا خوف عليهم ولا هم يحزنون).

(قول معروف) رد جميل (ومغفرة) ستر على السائل أو عفو من الحاجة (خير من صدقة يتبعها أذى والله غني) عن إنفاقكم (حليم) لا يعجل بعقوبة من يمن ويؤذي .

(يا أيها الذين ءامنوا لا تبطلوا صدقاتكم) أجرها (بالمن والأذى) المنافقين للإخلاص (كالذي ينفق ماله رئاء الناس) كإبطال المنافق المرائي بإنفاقه (ولا

ص: 245

يُؤْمِنُ ) إسلاما (بِاللَّهِ) الواحد الأحد (وَالْيَوْمِ الْآخِرِ) الموعود معادا (فَمَثَلُهُ) حال العامل المعهود (كَمَثَلِ) كحال (صَفْوانٍ) عرمس أملس (عَلَيْهِ تُرابٌ) صالح (فَأَصابَهُ) وصله (وابِلٌ) مطر مدرار (فَتَرَكَهُ) طرحه (صَلْداً) علدا وسحل رمله وحصحصه وما سواهما (لا يَقْدِرُونَ) هؤلاء العمّال ، وما وحّده كما وحّد الموصول رعاء لمراده وهو العموم أو الرّهط (عَلى) إدراك (شَيْءٍ مِمَّا كَسَبُوا) عملوا حالا وهو أوسه مآلا (وَاللَّهُ) الملك العدل (لا يَهْدِي) صراط السّداد والصّلاح (الْقَوْمَ الْكافِرِينَ) ( 264 ) ما دام إصرارهم .

(وَمَثَلُ) حال الملأ (الَّذِينَ يُنْفِقُونَ أَمْوالَهُمُ) كما هو المأمور والمحمود (ابْتِغاءَ مَرْضاتِ اللَّهِ) روما لحصولها (وَتَثْبِيتاً) ركودا للإسلام وإعدادا للمعاد (مِنْ) أصل (أَنْفُسِهِمْ) وسرورهم وطهر صدورهم (كَمَثَلِ) كحال (جَنَّةٍ) لها دوح وكروم وأحمال (بِرَبْوَةٍ) محلّ سامك مسطّح ، وكلاؤه أطهر لعلوّه وسموكه ، ورووها مكسور الرّاء (أَصابَها) وصلها (وابِلٌ) مطر

----------

يؤمن بالله واليوم الآخر فمثله) المرائي (كمثل صفوان) حجر أملس (عليه تراب فأصابه وابل) مطر عظيم القطر (فتركه صلدا) أجرد لا تراب عليه (لا يقدرون على شيء مما كسبوا) لا يجدون ثواب ما عملوا رياء والضمير للذي ينفق مرادا به الجنس أو الفريق (والله لا يهدي القوم الكافرين) لا يقسرهم على الطاعة وفيه تعريض بأن المن والرياء من صفة الكافر لا المؤمن .

(ومثل الذين ينفقون أموالهم ابتغاء مرضات الله وتثبيتا من أنفسهم) توطينا لها على الثبات على طاعة الله (كمثل جنة) أي مثل نفقتهم في النمو كمثل بستان (بربوة) موضع مرتفع إذ شجره أنضر وثمره أكثر (أصابها وابل) مطر عظيم

ص: 246

سحساح (فَآتَتْ) لأمر اللّه (أُكُلَها) حملها وهو ما عدّ للأكل ، ورووا « أكلها » (ضِعْفَيْنِ) حصل لها حمل مكرّرا عاما واحدا ، أو حصل لها عاما واحدا ما حصل أعواما لما عداها لعلوّ المحلّ وإطراء المطر وهو حال (فَإِنْ لَمْ يُصِبْها وابِلٌ) مطر مدرار (فَطَلٌّ) مطر ماصل له دوام صالح للدّوح وإكمال حملها لكرم مآكرها ماء كرها (وَاللَّهُ بِما) عمل صالح أو طالح (تَعْمَلُونَ بَصِيرٌ) ( 265 ) عالم عملكم ومرومكم وساوكم طرّا وراء لها كلّها .

(أَ يَوَدُّ أَحَدُكُمْ) إصلاحا لحاله وسرورا لصدره وهو ردّ للوداد (أَنْ تَكُونَ لَهُ) للأحد (جَنَّةٌ) لها صروع دوح (مِنْ نَخِيلٍ وَأَعْنابٍ) أحمال الكرم وما سواهما صرّحهما لإكرامها (تَجْرِي) اطرادا (مِنْ تَحْتِهَا) دوحها وصروحها (الْأَنْهارُ) مسل الماء (لَهُ) لأحدكم (فِيها) أكل وحمل (مِنْ كُلِّ الثَّمَراتِ) الأحمال (وَأَصابَهُ الْكِبَرُ) الهرم و « الواو » للحال ك « واو » (وَلَهُ ذُرِّيَّةٌ) أولاد ما وصلوا الحلم (ضُعَفاءُ) ركاك وما اسطاعوا عملا حصلوا لهم

----------

القطر (فأتت أكلها) ثمرها (ضعفين) مثلي ما كانت تثمر بسبب الوابل وقيل: أربعة أمثاله ونصب حالا أي مضاعفا (فإن لم يصبها وابل فطل) فمطر صغير القطر يكفيها لكرم منبتها أو فيصيبها طل والمعنى أن نفقتهم زاكية عند الله لا تضيع بحال وإن تفاوتت باعتبار ما ينضم إليها من الأحوال (والله بما تعملون بصير) ترغيب في الإخلاص وترهيب من الرياء .

(أيود أحدكم) استفهام إنكاري (أن تكون له جنة من نخيل وأعناب) خصا بالذكر لأنهما أكرم أشجارها فغلبا (تجري من تحتها الأنهار له فيها من كل الثمرات) يدل على احتوائها على سائر الأشجار (وأصابه الكبر) الواو للحال (وله ذرية ضعفاء) صغار عجزة عن الكسب، فهو للشيخوخة والمعالة أحوج ما يكون إلى جنة (فأصابها إعصار) ريح مستديرة من الأرض نحو السماء كالعمود

ص: 247

أكلا وطعاما (فَأَصابَها) إهلاكا لدوحها (إِعْصارٌ) صرصر مدوّر صاطع كالعمود (فِيهِ) الإعصار (نارٌ فَاحْتَرَقَتْ) الدّوح ، وهو حال مرء مراء مرومه المدح له صوالح أعمال عملها لا للّه (كَذلِكَ) كما مرّ (يُبَيِّنُ اللَّهُ لَكُمُ) أهل الإسلام (الْآياتِ) الأدلّاء لإعلاء حالكم وإصلاح معادكم (لَعَلَّكُمْ تَتَفَكَّرُونَ) ( 266 ) أسرار مدلولهما وحكم أحكامها ومصالح أوامرها وروادعها واعملوا كما هو صلاح حالكم .

( يا أَيُّهَا ) الملأ (الَّذِينَ آمَنُوا) أسلموا (أَنْفِقُوا) أعطوا (مِنْ طَيِّباتِ) كرام (ما) مال (كَسَبْتُمْ) أو حلال ما حصل لكم لعملكم ، وهو المال المطهّر ، وورد : « ما أكل داود إلّا محصول عمله وكدّه » (وَمِمَّا أَخْرَجْنا لَكُمْ مِنَ الْأَرْضِ) كالسّمراء والأحمال كلّها والإلّ (وَلا تَيَمَّمُوا) للعطاء (الْخَبِيثَ) الأردأ أو الحرام (مِنْهُ) المال المعهود (تُنْفِقُونَ) لأداء أوامر اللّه وهو حال (وَلَسْتُمْ بِآخِذِيهِ) المال الأردأ لو أعطاكم أحد لمّا عاملكم وهو للحال (إِلَّا أَنْ تُغْمِضُوا فِيهِ) حال السّهال والسّماح للوكس (وَاعْلَمُوا) أهل

----------

(فيه نار فاحترقت) روي: من أنفق ماله ابتغاء مرضات الله ثم امتن على من تصدق عليه كان كمن قال الله: أيود أحدكم إلخ (كذلك يبين الله لكم الآيات لعلكم تتفكرون) فتعتبرون.

(يا أيها الذين ءامنوا أنفقوا من طيبات ما كسبتم) من جيده أو حلاله (ومما أخرجنا لكم من الأرض) أي ومن طيبات ما أخرجنا من الغلات والثمار والمعادن (ولا تيمموا الخبيث منه) لا تقصدوا الرديء أو الحرام من المال (تنفقون) حال من فاعل تيمموا ويجوز تعلق منه به والضمير للخبيث والجملة حال منه (ولستم بآخذيه) والحال أنكم لا تأخذونه في حقوقكم لخبثه (إلا أن

ص: 248

العطاء علما مصمّما (أَنَّ اللَّهَ غَنِيٌّ) عمّا هو عطاؤكم وما أمركم للإعطاء الّا لمصالحكم (حَمِيدٌ) ( 267 ) أهل للحمد أو محمود كلّ حال .

(الشَّيْطانُ) العدوّ لكم (يَعِدُكُمُ) وعدا مهدّدا واصل « الوعد » عام للصّلاح والطّلاح (الْفَقْرَ) الإرماد والإعسار لإعطاء الأموال للّه (وَيَأْمُرُكُمْ) وسواسا أو حملا كحمل الأمر المأمور (بِالْفَحْشاءِ) الإمساك وعدم الإعطاء ، أو المراد معاص عموما (وَاللَّهُ يَعِدُكُمْ) كرما (مَغْفِرَةً) لآصاركم (مِنْهُ) رحمه (وَفَضْلًا) ما هو أكرم ممّا هو إعطاؤكم حالا ومآلا (وَاللَّهُ واسِعٌ) موسّع لكلّ أحد أراد وسعه كرما وعطاء (عَلِيمٌ) ( 268 ) لأسراركم وصدوركم

(يُؤْتِي) اللّه (الْحِكْمَةَ) وهو علم الكلّ كما هو وأحكام العمل ، أو علم كلام اللّه وكلام رسوله مع العمل كلّ (مَنْ يَشاءُ) إعطاءه (وَمَنْ يُؤْتَ الْحِكْمَةَ) العلم مع العمل ، ورووه معلوما وح معاده هو اللّه وما معاده الموصول مطروح ، (فَقَدْ أُوتِيَ) أعطاه اللّه (خَيْراً كَثِيراً) لا عدّ له ولا إحصاء (وَما يَذَّكَّرُ) أحد لصوالح الأمور ومكارم الأعمال (إِلَّا أُولُوا الْأَلْبابِ) ( 269 ) أهل

----------

تغمضوا فيه) تتسامحوا في أخذه (واعلموا أن الله غني) عن إنفاقكم (حميد) بقبوله .

(الشيطان يعدكم الفقر) في الإنفاق (ويأمركم بالفحشاء) بالبخل أو المعاصي (والله يعدكم مغفرة منه) لذنوبكم (وفضلا) خلفا أفضل مما أنفقتم في الدنيا والآخرة (والله واسع) فضله للمنفق (عليم) بإنفاقه .

(يؤتي الحكمة) العلم النافع أو تحقيق العلم وإتقان العمل (من يشاء) قدم ثاني المفعولين اهتماما به (ومن يؤت الحكمة فقد أوتي خيرا كثيرا) نكر تعظيما أي أي خير كثير (وما يذكر) يتعظ بالآيات (إلا أولو الألباب) ذوو العقول

ص: 249

الحلوم السّوالم والعلوم الكوامل ، لما هم أدركوا ما هو أصلح لهم لعلوم أودعها اللّه صدورهم ، وما حام الأوهام حول علومهم أو العلّام العمّال .

(وَما أَنْفَقْتُمْ مِنْ نَفَقَةٍ) مال سرّا أو ملأ آمرا أو ما صلا لصراط اللّه أو لصراط العدوّ المطرود أداء لمأمور أو محمود (أَوْ نَذَرْتُمْ) وهو إلسام أحد لأمر صالح أو طالح للّه علاه (مِنْ نَذْرٍ) عامّ للصّلاح أو الطّلاح (فَإِنَّ اللَّهَ) العالم للكلّ (يَعْلَمُهُ) معاده « ما » الموصول وهو معاملكم كما هو عملكم (وَما لِلظَّالِمِينَ) هم رهط ما أعطوا مالا مأمورا إعطاؤه أو أعطوا لمعاص أو عهدوا إعطاءه لها أو حدّوا إعطاءه أصلا وأحرموا المحروم كلّا (مِنْ أَنْصارٍ) ( 270 ) أرداء أدراء آصار اللّه لهم .

(إِنْ تُبْدُوا) هو إعلاء وإعلام لأحد (الصَّدَقاتِ) المراد ما عدا المأمور وهو عطاء الأطوع (فَنِعِمَّا) أمرا و « ما » ما هو موصولا والممدوح (هِيَ) إعلاؤها وإعلامها (وَإِنْ تُخْفُوها) إعطاءها إسرارا (وَتُؤْتُوهَا الْفُقَراءَ) أهل العسر (فَهُوَ) الإسرار (خَيْرٌ) أعود وأصلح (لَكُمْ) ممّا هو الإعلاء والإعطاء لأهل المال وحكم المأمور عدم الإسرار درءا وردّا للوهم (وَيُكَفِّرُ) اللّه أو الإسرار أو الإعطاء عموما (عَنْكُمْ) أهل العطاء والكرم (مِنْ

----------

العالمون العاملون .

(وما أنفقتم من نفقة) حسنة أو قبيحة (أو نذرتم من نذر) في طاعة أو معصية (فإن الله يعلمه) فيجازيكم عليه (وما للظالمين) الذين يمنعون الصدقات أو ينفقون في المعاصي أو ينذرون فيها أو لا يوفون بالنذر (من أنصار) تمنعهم من عذاب الله .

(إن تبدوا الصدقات) أي الزكاة المفروضة (فنعما هي) نعم شيئا إبداؤها (وإن تخفوها) يعني النافلة (وتؤتوها الفقراء) سرا (فهو خير لكم) وقيل الآية على عمومها للفرض والنفل (ويكفر عنكم من

ص: 250

سَيِّئاتِكُمْ) آصاركم (وَاللَّهُ بِما) عمل (تَعْمَلُونَ) إعلاء واسرارا (خَبِيرٌ) ( 271 ) عالم لسرّه .

لمّا اطّوع أهل الإسلام لمعاسر أهل العدول وردعهم رسول اللّه صلعم عمّا أعطوهم المال لعلّهم أسلموا ، أرسل اللّه (لَيْسَ عَلَيْكَ) محمّد ( ص ) (هُداهُمْ) إسلامهم وما لك إلّا دعاءهم له (وَلكِنَّ اللَّهَ) المالك للكلّ (يَهْدِي) كرما ورحما (مَنْ يَشاءُ) هداه وإسلامه وأعطوهم وراء الإرسال ، (وَ) الحال (ما تُنْفِقُوا مِنْ خَيْرٍ ) مال (فَلِأَنْفُسِكُمْ) عوده لها لا لما عداها (وَما تُنْفِقُونَ) أهل الإسلام والمراد الرّدع أو هو إعلام أراد ما أعطاكم (إِلَّا ابْتِغاءَ وَجْهِ اللَّهِ) إلّا لروم ما أعدّه اللّه لكم (وَما تُنْفِقُوا مِنْ خَيْرٍ) مال (يُوَفَّ) أوسه واصلا (إِلَيْكُمْ) واللّه موصله ومؤدّ له أداء كاملا (وَأَنْتُمْ) أهل الإعطاء (لا تُظْلَمُونَ) ( 272 ) معادا حورا ووكسا وكلّ مؤكد لما أمامه .

(لِلْفُقَراءِ) عامله مطروح وهو أعمدوا أو محمول لمطروح وهو « هؤلاء الأموال » (الَّذِينَ أُحْصِرُوا فِي سَبِيلِ اللَّهِ) أحصرهم العماس وحدّهم لإعلاء

----------

سيئاتكم والله بما تعملون) سرا وجهرا (خبير) عليم .

(ليس عليك هداهم) لا يجب عليك وإنما عليك الإبلاغ (ولكن الله يهدي من يشاء) يلطف بمن يعلم أنه يصلح باللطف (وما تنفقوا من خير فلأنفسكم) ثوابه لا لغيركم فلا تمنوا عليه ولا تنفقوا الخبيث (وما تنفقون إلا ابتغاء وجه الله) ليس نفقتكم إلا طلبا لرضاء الله تعالى أو معناه النهي (وما تنفقوا من خير يوف إليكم) ثوابه أضعافا تأكيد للشرطية السابقة (وأنتم لا تظلمون) لا تنقصون ثوابه .

(للفقراء) أي أعمدوا، أو صدقاتكم للفقراء (الذين أحصروا في سبيل الله)

ص: 251

أعلام الإسلام (لا يَسْتَطِيعُونَ ضَرْباً ) سلوكا ورحلا للكدّ والكدح (فِي الْأَرْضِ) لولوعهم وحرصهم لإعداد مهام العماس وإصلاح مصالح أموره (يَحْسَبُهُمُ) أهل الإحصار ، ورووه مكسور الوسط (الْجاهِلُ) لأحوالهم وأسرارهم (أَغْنِياءَ) أهل الأموال (مِنَ التَّعَفُّفِ) هو عدم السؤال أصلا وأصله الودع (تَعْرِفُهُمْ) الكلام مع رسول اللّه صلعم ، أو كلّ واحد (بِسِيماهُمْ) علمهم وحالهم (لا يَسْئَلُونَ النَّاسَ إِلْحافاً ) إلحاحا وهو مصدر لما هو كأحد صروع السؤال أو حال ، والمراد ولو سألوا ما ألحّوا ولا سؤال لهم ولا إلحاح (وَما تُنْفِقُوا مِنْ خَيْرٍ) عطاء ومال (فَإِنَّ اللَّهَ بِهِ) العطاء والإعطاء (عَلِيمٌ) ( 273 ) وهو عالم لأعمالكم ومعامل معكم كما هو عملكم وما هو مهدر له ، وهو كلام داع لإعطاء الأموال لهؤلاء ولكلّ معسر .

(الَّذِينَ يُنْفِقُونَ) للّه (أَمْوالَهُمْ) المأمور أداؤها والمحمود إعطاؤها (بِاللَّيْلِ وَالنَّهارِ) أراد عموم الأعصار (سِرًّا وَعَلانِيَةً) أراد دوام الأحوال

----------

أحصرهم الجهاد (لا يستطيعون) لاشتغالهم به (ضربا) ذهابا (في الأرض) للكسب وقيل هم أهل الصفة وهم نحو من أربعمائة من فقراء المهاجرين كانوا في صفة المسجد دأبهم التعلم والعبادة والخروج في كل سرية يبعثها النبي (يحسبهم الجاهل) يخالهم (أغنياء من التعفف) من جهة امتناعهم عن المسألة (تعرفهم بسيماهم) من صفرة الوجوه ورثاثة الحال (لا يسألون الناس إلحافا) إلحاحا (وما تنفقوا من خير فإن الله به عليم) ترغيب في الإنفاق .

(الذين ينفقون أموالهم بالليل والنهار سرا وعلانية) يعمون الأوقات والأحوال وأموالهم بالصدقة نزلت في علي (عليه السلام) لم يملك إلا أربعة دراهم فتصدق بواحد ليلا وواحد نهارا وواحد سرا وواحد علانية (فلهم أجرهم) بالاستحقاق

ص: 252

(فَلَهُمْ أَجْرُهُمْ) معادلا لأعمالهم (عِنْدَ رَبِّهِمْ) كرما وإكراما حالا ومآلا (وَلا خَوْفٌ عَلَيْهِمْ) حالا (وَلا هُمْ يَحْزَنُونَ) ( 274 ) همّ ردّ مآلا لدوام السّرور لحصول المراد ، أرسلها اللّه مصرّحا لحال « أسد اللّه الكرّار » لمّا سمح درهما سمرا ودرهما طلوعا ودرهما سرّا ودرهما حسّا .

(الَّذِينَ يَأْكُلُونَ الرِّبا) الرّماء المراد معاملوه ، وأورد الأكل لما هو أكرم مصالح المال (لا يَقُومُونَ) معادا (إِلَّا كَما) « ما » للمصدر (يَقُومُ) المرء (الَّذِي يَتَخَبَّطُهُ الشَّيْطانُ) المارد وهو المصروع (مِنَ الْمَسِّ) والصّرع ، الكلام وارد وئاما لما وهموا (ذلِكَ) الإصر والأمر (بِأَنَّهُمْ) أهل الرّماء (قالُوا) إحلالا (إِنَّمَا الْبَيْعُ مِثْلُ الرِّبا) وسوّوهما وسمطوهما سمطا واحدا ، وما هما سواء كما وهموا ، وعكس الكلام لما هم أصلّوا الرّماء حلا (وَأَحَلَّ اللَّهُ الْبَيْعَ) « الواو » للحال (وَحَرَّمَ) اللّه (الرِّبا) لمصالح أهل

----------

(عند ربهم ولا خوف عليهم) من أهوال القيامة (ولا هم يحزنون) فيها .

(الذين يأكلون الربوا) يأخذونه وذكر الأكل لأنه أغلب منافع المال والربا الزيادة في المعاملة أصلا أو عوضا (لا يقومون) إذا بعثوا من قبورهم (إلا كما يقوم الذي يتخبطه) إلا قياما كقيام المصروع بناء على زعمهم أن (الشيطان) يخبطه فيصرع (من المس) الجنون وهو على زعمهم أن الجني يمسه فيختلط عقله يعني أنهم ينهضون ويسقطون كالمصروعين لأنه تعالى أربى في بطونهم الربا فأثقلهم وتلك سيماهم في المحشر (ذلك) العقاب (بأنهم قالوا إنما البيع مثل الربوا) قاسوا أحدهما بالآخر وعكس التشبيه مبالغة كأنهم جعلوا الربا أصلا وقاسوا به البيع (وأحل الله البيع وحرم الربوا) رد لقياسهم إذ الأحكام تبع

ص: 253

الإسلام وهو ردّ لما ادّعوا (فَمَنْ) كلّ أحد (جاءَهُ) وصله (مَوْعِظَةٌ) ادّكار (مِنْ رَبِّهِ فَانْتَهى) ادّكر وسمع ردعه وصدّ عمّا عامل الرّماء وعمّا أكله (فَلَهُ) للمدّكر ما مال (سَلَفَ) مر وملكه أو أكله أوّلا أمام ورود المحرّم (وَأَمْرُهُ) حكمه موكول (إِلَى اللَّهِ) معادا وما لكم معه محلّ كلام وروم حالا (وَمَنْ عادَ) وأحلّ الرّماء مع ورود الرّدع وعامله محلّلا (فَأُولئِكَ) محلّلو .

الرّماء ومعاملوه (أَصْحابُ النَّارِ) أهلها (هُمْ) لا سواهم (فِيها خالِدُونَ) ( 275 ) دواما لمّا أحلّوا ما حرّم اللّه وصاروا عدالا صدادا .

(يَمْحَقُ اللَّهُ) إهلاكا وإعداما المال المسوط معه (الرِّبا) ولو عدا الحدّ والعدّ لمساسه الحرام (وَيُرْبِي) اللّه أمرا وإكمالا (الصَّدَقاتِ) المأمور أداؤها ولو مواصل ، والمراد إكمال محصولها معادا ، أو إكمال أصل المال حالا ، وهو موسّع الأحوال ومكمّل الأموال (وَاللَّهُ لا يُحِبُّ كُلَّ كَفَّارٍ) كامل العدول ومحلّل الحرام ومصر الطّلاح (أَثِيمٍ) ( 276 ) عاص مداوم الإصرار .

----------

للحكمة (فمن جاءه موعظة) بلغه وعظ ونهي (من ربه فانتهى فله ما سلف) أخذه قبل النهي لا يلزمه رده (وأمره إلى الله) يحكم في شأنه ولا اعتراض لكم عليه أو يجازيه على انتهائه إن اتعظ لله تعالى (ومن عاد) بعد ما تبين له تحريمه استخفافا (فأولئك أصحاب النار هم فيها خالدون) لكفرهم بتحليل ما حرم الله أو أريد به المكث الطويل .

(يمحق الله الربوا) يهلكه ويذهب ببركته (ويربي الصدقات) ينميها ويضاعف ثوابها (والله لا يحب كل كفار) مصر على تحليل الحرام (أثيم) متماد في ارتكابه .

ص: 254

(إِنَّ) الملأ (الَّذِينَ آمَنُوا) أسلموا للّه ورسوله وأحلّوا حلاله وحرّموا حرامه (وَعَمِلُوا الصَّالِحاتِ) أعمالا أمرهم اللّه وأوصاهم رسوله (وَأَقامُوا الصَّلاةَ) أدّوها أو داوموا أداءها (وَآتَوُا الزَّكاةَ) أعطوها ، أوردهما مع عموم صوالح الأعمال لعلوّ حالهما وكلّ واحد عماد الإسلام وملاكه (لَهُمْ) لأهل الإسلام (أَجْرُهُمْ عِنْدَ رَبِّهِمْ) معادا مساعدا لأعمالهم (وَلا خَوْفٌ عَلَيْهِمْ) لأمر وارد مآلا (وَلا هُمْ يَحْزَنُونَ) ( 277 ) وما لهم همّ لما مرّ وهم ما أدركوه .

( يا أَيُّهَا) الملأ (الَّذِينَ آمَنُوا) أسلموا (اتَّقُوا اللَّهَ) روعوا آصاره (وَذَرُوا) دعوا واطرحوا (ما) مالا (بَقِيَ مِنَ) مال (الرِّبا) المحرّم (إِنْ كُنْتُمْ مُؤْمِنِينَ) ( 278 ) لو صحّ إسلامكم سرّا وصدرا وعلم الإسلام طوع أوامر اللّه وروادعه أرسلها اللّه حال ما رام رهط مالهم ورماه مما الحمس لد المحلّ .

(فَإِنْ لَمْ تَفْعَلُوا) ما أمركم اللّه (فَأْذَنُوا) اعملوا وأعدّوا ، ورووا مدّ أوّله ومدلوله « اعلموا » (بِحَرْبٍ) عماس (مِنَ اللَّهِ) وهو المعسر (وَرَسُولِهِ) وهو حسامه السّاطع الحاسم هدّد اللّه (وَإِنْ تُبْتُمْ) عودا عمّا حرّمه اللّه وإحلاله

----------

(إن الذين ءامنوا وعملوا الصالحات وأقاموا الصلوة وءاتوا الزكوة) عطفهما على ما يعمهما لفضلهما (لهم أجرهم عند ربهم ولا خوف عليهم ولا هم يحزنون) .

(يا أيها الذين ءامنوا اتقوا الله وذروا) اتركوا (ما بقي من الربوا) البقايا الذي اشترطتم على الناس وهي الربا قيل كان لثقيف مال على بعض قريش فطالبوهم عند المحل بالمال والربا فنزلت (إن كنتم مؤمنين) إن صح إيمانكم .

(فإن لم تفعلوا فأذنوا بحرب من الله ورسوله) أي فأعلموا بها من أذن به أي علم وتنكير حرب للتعظيم (وإن تبتم) من الارتباء

ص: 255

(فَلَكُمْ رُؤُسُ أَمْوالِكُمْ) أصولها لا ما عداها وهو الرّماء الحرام (لا تَظْلِمُونَ) أحدا عاملكم لعطو الرّماء (وَلا تُظْلَمُونَ) ( 279 ) للمطل والوكس .

(وَإِنْ كانَ ذُو عُسْرَةٍ) طرء له إعسار (فَنَظِرَةٌ) حكمه إمهال له (إِلى مَيْسَرَةٍ) عصر حوله موسعا وموسرا (وَأَنْ تَصَدَّقُوا) رؤوس أموالكم للمعسر كلّا أو ماصلا أو المراد إمهاله (خَيْرٌ) أعود وأصلح (لَكُمْ) مآل الحال (إِنْ كُنْتُمْ تَعْلَمُونَ) ( 280 ) لو حصل علمكم لما هو أعود لكم .

(وَاتَّقُوا) روعوا (يَوْماً) موعودا (تُرْجَعُونَ) ورووه معلوما (فِيهِ إِلَى) أمر (اللَّهِ) وهو أمد العمر أو المعاد (ثُمَّ تُوَفَّى) إكمالا (كُلُّ نَفْسٍ) أحد أوس (ما كَسَبَتْ) ما هو صوالح أعمالهم وطوالحها (وَهُمْ لا يُظْلَمُونَ) ( 281 ) لحور صوالح الأعمال وكور طوالحها .

----------

(فلكم رءوس أموالكم لا تظلمون) بأخذ الزيادة (ولا تظلمون) بالنقصان .

(وإن كان) وقع غريم (ذو عسرة) إعسار (فنظرة) فالواجب أو فعليكم إنظار (إلى ميسرة) يسار (وأن تصدقوا) بالإبراء (خير لكم) أكثر ثوابا من الإنظار أو خير مما تأخذون لبقاء ثوابه (إن كنتم تعلمون) الخير والشر أو ما في التصدق من الأجر.

(واتقوا يوما ترجعون فيه إلى الله) يوم القيامة أو يوم الموت فتأهبوا للقائه (ثم توفى كل نفس ما كسبت) جزاءه خيرا كان أو شرا (وهم لا يظلمون) بنقص ثواب وزيادة عقاب وروي أنها آخر آية نزل بها جبرائيل وقال ضعها في رأس المائتين والثمانين من البقرة وعاش الرسول بعدها أحدا وعشرين يوما وقيل سبعة أيام .

ص: 256

( يا أَيُّهَا) الملأ (الَّذِينَ آمَنُوا) أسلموا (إِذا) كلّما (تَدايَنْتُمْ بِدَيْنٍ) عطوا أو إعطاء ، وعامل أحدكم أحدا إمهالا كالسّلم ، ورد لمّا حرّم اللّه الرّماء أحلّ السّلم محلّه » (إِلى أَجَلٍ مُسَمًّى) عصر معلوم كالأعوام لا كالحصاد وكعود أهل الإحرام والعمار (فَاكْتُبُوهُ) اسطروا صكّه لمّا هو أوكد وأصلح لعدم الردّ ودرء اللّدد ، وحرّروا اسم المعامل وصرّحوا عدد رأس المال وأسماء العدول ، وأمر السّطر للإكمال لا لأصله (وَلْيَكْتُبْ) الصّك المعهود (بَيْنَكُمْ كاتِبٌ) ساطر وهو الصّكاك (بِالْعَدْلِ) السّواء لا حور ولا كور لسطوره ، مسطوره ما هو الأصلح المعدّل (وَلا يَأْبَ كاتِبٌ) ردع للسّطر عمّا عدم السّطر (أَنْ يَكْتُبَ) صكوك ما عاملوه (كَما عَلَّمَهُ اللَّهُ) وأمره وهو معمول لما أمامه موصولا والأمر الوارد وراءه ح مؤكد للرّدع أو معمول (فَلْيَكْتُبْ) ما هو الوارد الأصح الأصلح وهو ح مؤسّس (وَلْيُمْلِلِ) « الإملال » هو « الإملاء » - وهو طرح المرام للسّطر - المرء (الَّذِي عَلَيْهِ الْحَقُّ) أداء المال لمّا هو المعلم لما صار أداءه مأمورا له (وَلْيَتَّقِ) العدل الممل أو السّاطر لمّا أملاه أو سطره (اللَّهُ) العدل (رَبَّهُ) المالك (وَلا يَبْخَسْ) المملّ وكسا (مِنْهُ) مأمور الأداء أو ممّا أملّ

----------

(يا أيها الذين ءامنوا إذا تداينتم) داين بعضكم بعضا وتعاملتم (بدين) بمعاملة أحد العوضين فيها مؤجل وذكر الدين مع تداينتم تأكيدا أو لرفع توهمه بمعنى تتاجرتم من أول الأمر وعن ابن عباس أنها في السلم خاصة (إلى أجل مسمى) موقت (فاكتبوه) لأنه أوفق (وليكتب بينكم كاتب بالعدل) بألا يزيد ولا ينقص (ولا يأب كاتب أن يكتب) لا يمتنع من الكتابة (كما علمه الله) من الكتابة بالعدل (فليكتب وليملل الذي عليه الحق) أي المديون لأنه المشهود عليه والإملال الإملاء (وليتق الله ربه) في الإملال (ولا يبخس منه) ولا ينقص

ص: 257

(شَيْئاً) ولو ماصلا (فَإِنْ كانَ) المرء (الَّذِي عَلَيْهِ الْحَقُّ سَفِيهاً) واكسا روعا ، مهلكا للمال محدودا حكما أو ممسوحا (أَوْ ضَعِيفاً) لهرمه ، أو لعدم وصوله حدّ الحلم (أَوْ لا يَسْتَطِيعُ أَنْ يُمِلَّ هُوَ) طرح المرام لحصره ووكله ، أو لعدم علمه للكلام (فَلْيُمْلِلْ وَلِيُّهُ) مصلح حاله وسادّ مسدّه ، أو موكول أمره (بِالْعَدْلِ) السّواء (وَاسْتَشْهِدُوا) روموا (شَهِيدَيْنِ مِنْ رِجالِكُمْ) أهل الأحلام الأحرار مع الإسلام (فَإِنْ لَمْ يَكُونا رَجُلَيْنِ) لهما العلم والعدل (فَرَجُلٌ) واحد (وَامْرَأَتانِ) لعدم كمال دركهما وهو لما عدا الحدود والأموال (مِمَّنْ تَرْضَوْنَ) رهط معلوم لكم عدلهم وصلاحهم (مِنَ الشُّهَداءِ) حدد العدد المسطور رود (أَنْ) ورووا مكسور الأوّل (تَضِلَّ) سهوا وأمها (إِحْداهُما) لها (فَتُذَكِّرَ) ح (إِحْداهُما) لهما (الْأُخْرى) وأصل الكلام رود إعلام أحدهما سواها حال أممها ، والعدد المسطور معلول للإعلام لا الأمة ، وعكس إحلالا للمّ محلّ ما له اللّم ( وَلا يَأْبَ الشُّهَداءُ )

----------

من الحق (شيئا) قدرا ووصفا (فإن كان الذي عليه الحق سفيها) ناقص العقل مبذرا (أو ضعيفا) في بدنه أو فهمه أو علمه (أو لا يستطيع أن يمل هو) باشتغاله بما يهمه (فليملل وليه) نائبة والقيم بأمره (بالعدل) بلا حيف على المكتوب له وعليه (واستشهدوا شهيدين من رجالكم) المسلمين (فإن لم يكونا رجلين فرجل وامرأتان ممن ترضون من الشهداء) في دينه وأمانته وتيقظه (أن تضل إحداهما) الشهادة بأن تنسها (فتذكر إحداهما الأخرى) وعلة اعتبار تعدد المرأة التذكير لكن جعل الضلال علة لكونه سببا له كأنه قيل: إرادة أن تذكر إحداهما الأخرى أن ضلت (ولا يأب الشهداء إذا ما دعوا) لإقامة الشهادة أو

ص: 258

العدول (إِذا ما دُعُوا) للأداء أو الحمل ولا مدلول ل « ما » (وَلا تَسْئَمُوا) « السّام » هو « الملل » و « الملال » أو المراد الكسل والكلال (أَنْ تَكْتُبُوهُ) المسطور أو المال طرسا (صَغِيراً أَوْ كَبِيراً) أو مالا ماصلا أو آمرا (إِلى أَجَلِهِ) ومحلّه وعهد حلوله (ذلِكُمْ) السّطر (أَقْسَطُ) أعدل (عِنْدَ اللَّهِ وَأَقْوَمُ) أوكد وأوطد (لِلشَّهادَةِ) لأداء المأمور (وَأَدْنى أَلَّا تَرْتابُوا) أصد لعدم طروء الإعوار للعدول والحاكم ومالك المال وصرعه وعدده وعصر الأداء (إِلَّا أَنْ تَكُونَ تِجارَةً حاضِرَةً) عاصم لكم (تُدِيرُونَها بَيْنَكُمْ) والمراد سحلها ، وحول كلّ واحد مالكا لماله حالا ولا إمهال (فَلَيْسَ عَلَيْكُمْ جُناحٌ) إصر وحمل (أَلَّا تَكْتُبُوها) لمّا لا إعوار ولا سهو ولا ما سواهما .

(وَأَشْهِدُوا إِذا تَبايَعْتُمْ) لمّا هو أحوط وأصلح والأوامر كلّها للإكمال لا لأصلها ، وورد لأصلها (وَلا يُضَارَّ كاتِبٌ) كرهاورووه معلوما مصرّحا (وَلا

----------

تحملها وسموا شهداء لمجاز المشاركة (ولا تسئموا) لا تملوا (أن تكتبوه) الدين أو الحق (صغيرا) كان (أو كبيرا إلى أجله) المسمى (ذلكم) أي الكتب (أقسط) أعدل (عند الله وأقوم) وأثبت (للشهادة وأدنى ألا ترتابوا) وأقرب إلى أن لا تشكوا في قدر الدين وأجله (إلا أن تكون) التجارة (تجارة حاضرة) حالة (تديرونها) تتعاطونها (بينكم) يدا بيد والاستثناء من التداين والتعامل أي وإن كانت المعاملة يدا بيد (فليس عليكم جناح ألا تكتبوها) لبعدها عن الشك والتنازع (وأشهدوا إذا تبايعتم) مطلقا للاحتياط والأمر للاستحباب أو الإرشاد (ولا يضار كاتب ولا شهيد) نهاهما عن ترك الإجابة والتحريف في الكتابة والشهادة إن بني للفاعل أو نهى عن الضرار بها باستعجالهما عن مهم أو تكليف الكاتب قرطاسا ونحوه أو الشهيد الشاهد مئونة مجيئه من بلده إن بني

ص: 259

شَهِيدٌ) إلّا لأمر داع (وَإِنْ تَفْعَلُوا) ما ردعكم اللّه وحرّمه (فَإِنَّهُ) العمل المحرّم (فُسُوقٌ) دلوع وصدود عمّا أمركم واصل (بِكُمْ وَاتَّقُوا) روعوا (اللَّهُ) وارعوا أوامره وروادعه (وَيُعَلِّمُكُمُ اللَّهُ) أحكامه لمصالحكم وإصلاح أحوالكم (وَاللَّهُ بِكُلِّ شَيْءٍ عَلِيمٌ) ( 282 ) عالم علما كاملا لا سهو له كرّر اسم اللّه إحراصا لهم للورع ووعدا للإعطاء إكراما لأمره .

(وَإِنْ كُنْتُمْ عَلى سَفَرٍ) رحالا وعامل أحدكم أحدا إمهالا (وَلَمْ تَجِدُوا كاتِباً) وعدولا (فَرِهانٌ مَقْبُوضَةٌ) ساد مسدّ السّطر لأهل المال وحكمها الإمساك دواما ما عدم الأداء (فَإِنْ أَمِنَ بَعْضُكُمْ بَعْضاً) أحدكم أحدا حال العطو والإعطاء ، وما عطا صكّا وعدولا وما سدّ مسدّه وما وهم ألسه (فَلْيُؤَدِّ) المرء (الَّذِي اؤْتُمِنَ) وهو المعامل (أَمانَتَهُ) ماله المأمور أداءه (وَلْيَتَّقِ اللَّهَ رَبَّهُ) للألس والمطل وعدم الأداء (وَلا تَكْتُمُوا الشَّهادَةَ) لما هو إعدام

----------

للمفعول (وإن تفعلوا) المضارة (فإنه فسوق) خروج عن الطاعة لاحق (بكم واتقوا الله) في أوامره ونواهيه (ويعلمكم الله) ما فيه مصالحكم ويشعر بأن التقوى تورث العلم النافع (والله بكل شيء عليم) ولعل تكرار لفظ الله في الجمل الثلاث لكونه أدخل في التعظيم من الضمير .

(وإن كنتم على سفر) مسافرين (ولم تجدوا كاتبا فرهان مقبوضة) تقوم مقام الوثيقة أو فالوثيقة رهان وتقيد الارتهان بالسفر وعدم وجدان الكاتب خرج مخرج الغالب وظاهره اعتبار القبض كما عليه أكثر الأصحاب ومالك وقرىء رهن كسقف وكلاهما جمع رهن بمعنى المرهون (فإن أمن بعضكم بعضا) وثق الدائن بالمديون ولم يرتهن منه (فليؤد الذي اؤتمن أمانته) أي دينه الذي ائتمنه عليه وسمي أمانة لذلك (وليتق الله ربه ولا تكتموا الشهادة) أيها الشهود

ص: 260

وإهلاك لمال أحد وهو كلام مع العدول أو مع رهط أمروا لأداء المال (وَمَنْ يَكْتُمْها فَإِنَّهُ آثِمٌ) عاص (قَلْبُهُ) سرّه وروعه وأورده لمّا هو مدار الصّلاح والطّلاح لو صلح صلح العطل كلّه ولو طلح طلح كلّه (وَاللَّهُ بِما تَعْمَلُونَ) عموما أو المراد إسرارها وإعلامها (عَلِيمٌ) ( 283 ) أحاط علمه الكلّ وهو كلام مهدّد .

(لِلَّهِ ما فِي السَّماواتِ) عالم العلو (وَما فِي الْأَرْضِ) عالم الأمر ، والمراد العالم كلّه أسرا وملكا وأمرا (وَإِنْ تُبْدُوا) إعلاء (ما) كلّ سوء عدا الوسواس الوارد للرّوع (فِي أَنْفُسِكُمْ) أرواحكم (أَوْ تُخْفُوهُ) للمصالح (يُحاسِبْكُمْ بِهِ اللَّهُ) هو عاد له واحدا واحدا محص معادا (فَيَغْفِرُ) الآصار كرما (لِمَنْ يَشاءُ) محو آصاره (وَيُعَذِّبُ) عدلا (مَنْ) كل أحد (يَشاءُ) إصره (وَاللَّهُ عَلى كُلِّ شَيْءٍ) ما عدا الحال كردّ الأرواح وإحصاء الأعمال ومحو الآصار (قَدِيرٌ) ( 284 ) كامل طول وحول .

(آمَنَ) أسلم (الرَّسُولُ) المرسل محمّد صلعم (بِما أُنْزِلَ) أرسل

----------

(ومن يكتمها) مع تمكنه من أدائها (فإنه ءاثم) كافر (قلبه) أسند الإثم إلى القلب لأن الكتمان فعله، أو لأنه رئيس الأعضاء (والله بما تعملون عليم) ترهيب .

(لله ما في السموات وما في الأرض) ملكا وخلقا (وإن تبدوا ما في أنفسكم) من السوء (أو تخفوه يحاسبكم به الله) في القيامة (فيغفر لمن يشاء) فضلا (ويعذب من يشاء) عدلا (والله على كل شيء قدير) على المغفرة والعذاب .

(ءامن الرسول بما أنزل إليه من ربه والمؤمنون كل) منهم (ءامن بالله

ص: 261

وهو كلام اللّه (إِلَيْهِ مِنْ رَبِّهِ) لمصالح أهل العالم (وَالْمُؤْمِنُونَ كُلٌّ) كلّهم أو كلّ واحد الرّسول وأهل الإسلام (آمَنَ) أسلم (بِاللَّهِ) الواحد الأحد (وَمَلائِكَتِهِ) طوّع أحكامه وعمّال أوامره (وَكُتُبِهِ) طروس أوحاها اللّه لمصالح الكلّ ورووا موحّدا ، والمراد ح كلام اللّه أو اعمّ (وَرُسُلِهِ) أوّلهم آدم وحماداهم محمّد ( ص ) ، أرسلهم اللّه لإصلاح العالم وأوصلوا ما أرسلوا له (لا نُفَرِّقُ بَيْنَ أَحَدٍ) وهو للعموم (مِنْ رُسُلِهِ) إسلاما وكلّ واحد مرسل أرسله اللّه معصوما مصلحا ، وهو ردّ للهود ورهط روح اللّه وهم أسلموا رسولا وردّوا رسولا ، (وَقالُوا) أهل الإسلام (سَمِعْنا) كلامك (وَأَطَعْنا) أمرك سؤالا (غُفْرانَكَ) مصدر لعامل مطروح (رَبَّنا) والمراد أمح الآصار (وَإِلَيْكَ الْمَصِيرُ) ( 285 ) المعاد والمآل .

( لا يُكَلِّفُ اللَّهُ نَفْساً إِلَّا وُسْعَها ) ما حمّل اللّه أحدا حملا إلّا ما اسطاع حمله وسهل له عمله ، ورووا « وسعها » (لَها ما كَسَبَتْ) المراد صوالح الأعمال (وَعَلَيْها مَا اكْتَسَبَتْ) المراد أعمال السّوء (رَبَّنا) اللّهمّ (لا تُؤاخِذْنا )

----------

وملائكته وكتبه ورسله) وقرىء وكتابه أي القرآن أو الجنس قائلين (لا نفرق بين أحد) بمعنى الجمع لوقوعه في سياق النفي ولذا دخل عليه بين (من رسله) أي نؤمن بجميعهم (وقالوا سمعنا) قولك (وأطعنا) أمرك (غفرانك ربنا) اغفر غفرانك (وإليك المصير) المرجع بعد الموت .

(لا يكلف الله نفسا) فيما افترض عليها (إلا وسعها) ما تتسع فيه طاقتها ولا تضيق عنه أي ما دونها (لها ما كسبت) من خير (وعليها ما اكتسبت) من شر لا يثاب بطاعتها ولا يؤاخذ بذنبها وخص الكسب بالخير والاكتساب بالشر لأن في الاكتساب اعتمالا والشر تشتهيه النفس الأمارة فهي أعمل في تحصيله بخلاف

ص: 262

للآصار (إِنْ نَسِينا) أوامرك وأحكامك سهوا (أَوْ أَخْطَأْنا) لا عمدا (رَبَّنا) الأرحم الأكرم (وَلا تَحْمِلْ عَلَيْنا إِصْراً) حملا عسرا ، ورووا « آصارا » (كَما حَمَلْتَهُ) « ما » للمصدر أو للموصول ، والإصر هو إهلاكهم وحسم محالّ ركس أصرام إطلالهم أو كساهم ، أو المراد صواكم الدّهر وأحماله (عَلَى) الأمم (الَّذِينَ) مرّوا (مِنْ قَبْلِنا) وهم أرهاط روح اللّه والهود ، (رَبَّنا) اللّهمّ (وَلا تُحَمِّلْنا ما) عملا وأمرا (لا طاقَةَ) لا وسع (لَنا بِهِ) وهو وساوس الصدر وصحاصح الرّوح والرّوع (وَاعْفُ) أمح (عَنَّا) الآصار (وَاغْفِرْ لَنا) وادمس الأوصام (وَارْحَمْنا) رحما لا أمد له (أَنْتَ) اللّه (مَوْلانا) وال للأمور ومصلح لها ، أو راع للكلّ وممدّه ، أو مالك لهم وهم مملوكوك (فَانْصُرْنا عَلَى الْقَوْمِ الْكافِرِينَ) ( 286 ) هم رهط صدّوا عمّا أمرهم اللّه ، وهو دعاء مكرم دعاه رسول اللّه صلعم حال الإسراء وسمع اللّه كلّما دعا .

----------

الخير وفيه إشعار بأن أدنى خير ينفعها والشر القليل غير ضار بل الذي يضرها كثيرة لأن كثرة المباني تدل على كثرة المعاني وفيه إشارة إلى أن الصغاير مكفرة بترك الكبائر (ربنا لا تؤاخذنا إن نسينا أو أخطأنا) إن تعرضنا لما يؤدي بنا إلى نسيان أو خطأ من تفريط أو إغفال أو إن تركنا أو أذنبنا أو يكون الدعاء به لاستدامة فضله (ربنا ولا تحمل علينا إصرا) ثقلا أي تكليفا شاقا (كما حملته على الذين من قبلنا) كتكليف بني إسرائيل بقتلهم أنفسهم وقرض ما أصابه البول من أبدانهم بالمقاريض (ربنا ولا تحملنا ما لا طاقة لنا به واعف عنا واغفر لنا وارحمنا أنت مولانا) الأولى بنا (فانصرنا على القوم الكافرين) فمن حق المولى أن ينصر عبيده على أعدائهم.

ص: 263

ص: 264

سورة آل عمران

ص: 265

ص: 266

( سورة آل عمران )

موردها مصر رسول اللّه صلعم ، ومحصول أصول مدلولها .

إعلام محكم كلام اللّه وما سواه ، ولوم أهل العدول ودار الأمر ، وعلوّ دار المعاد ، ومدح الرّحماء ، وردّ أهل الطّرس ، وأحوال ولاد روح اللّه وأمّه وإعلام ألوكه ، وأحوال رهط هم ممدّوه ومسعدوه وأدلاء رهطه .

وأحوال روّاد الإسلام ، وإعلام ألس علماء الهود ، وأحوال الحرم ولسوم اعماله ، وعلوّ حال أهل الإسلام وردعهم عمّا والوا مع أعداء الإسلام وأحوال عماس « أحد » ولوم أهل الملاء والولع وإكرام أهل الإسلام هلكوا عماسا ، ولوم علماء الهود لكسرهم العهد وعدم إعلامهم مدح الرّسول صلعم ، ودعاء الرّحماء أهل الإسلام للعماس ، والأمر لحمل المكاره والرّدع عمّا هو إصرا اللّه .

ص: 267

بِسْمِ اللَّهِ الرَّحْمنِ الرَّحِيمِ

(ألم) ( 1 ) سرّ اللّه مع محمد ( ص ) رسوله وودوده وما حرّكه « عاصم » ، ورووا مكسور الأمد .

(اللَّهُ) المحمود المطاع (لا إِلهَ) مألوه (إِلَّا هُوَ) اللّه الأحد (الْحَيُّ) المدرك (الْقَيُّومُ) ( 2 ) لأمور العالم كلّه .

(نَزَّلَ) أرسل سهما سهما (عَلَيْكَ) محمّد ( ص ) (الْكِتابَ) الطّرس المسطور المعلوم وهو كلام اللّه (بِالْحَقِّ) العدل أو السّداد حال الإعلام ، أو الأدلّاء الدّوال لما هو مرسل أرسله اللّه ، وهو حال ، (مُصَدِّقاً) مسدّدا محكما مساعدا (لِما بَيْنَ يَدَيْهِ) لما هو أمامه وهو طروس الرّسل (وَأَنْزَلَ التَّوْراةَ) أرسلها لإصلاح الهود و (وَالْإِنْجِيلَ) ( 3 ) طرس روح اللّه .

----------

(سورة آل عمران مائتا آية)

بسم الله الرحمن الرحيم

(ألم) مر تأويله وعن الصادق (عليه السلام) معناه أنا الله المجيد .

(الله لا إله إلا هو الحي القيوم) روي أنه اسم الله الأعظم .

(نزل عليك الكتاب) القرآن (بالحق) بالصدق في إخباره أو بما يحقق إنه منه تعالى وهو حال وكذا (مصدقا لما بين يديه) من الكتب (وأنزل التوراة والإنجيل) جملة على

ص: 268

(مِنْ قَبْلُ) أمام إرسال كلام اللّه (هُدىً لِلنَّاسِ) رهطهما أو كلّهم (وَأَنْزَلَ) أرسل (الْفُرْقانَ) لما هو السّداد والصّلاح عمّا هو الكساد والطلاح ، والمراد طروس الرّسل كلّها أو الطّرس المرسل لمحمّد صلعم كرّره مادحا إكراما لأمره وإعلاء لحاله ، أو طرس داود ، أو الدّوال السّواطع الحواسم لما عادوا ، (إِنَّ) الملأ (الَّذِينَ كَفَرُوا) عدلوا (بِآياتِ اللَّهِ) أدلاء أوامره وأحكامه ممّا أرسل وما عداه (لَهُمْ) لا لأحد سواهم (عَذابٌ) إصر (شَدِيدٌ) عسر صعد دواما (وَاللَّهُ عَزِيزٌ) وال لملكه أو مكوّح لأمره ومحصّل لما أوعده ووعده وما حدّه أمر عمّا هما (ذُو انْتِقامٍ) ( 4 ) لكلّ أحد عصاه .

(إِنَّ اللَّهَ) العلّام (لا يَخْفى عَلَيْهِ) علما (شَيْءٌ) أمر ما (فِي الْأَرْضِ وَلا فِي السَّماءِ) ( 5 ) العالم كلّه صلاحا وطلاحا وهو مطّلع كمال الاطّلاع .

(هُوَ الَّذِي يُصَوِّرُكُمْ) ومسوّلكم (فِي الْأَرْحامِ) واحدها : « الرّحم وهو وعاء الولد ومأسره (كَيْفَ يَشاءُ) صورا وصروعا أساود وأحامر وأصاحم

----------

موسى وعيسى .

(من قبل) قبل تنزيل القرآن (هدى للناس) لقومهما (وأنزل الفرقان) كل آية محكمة في الكتاب أو ما يفرق به بين المحق والمبطل أو القرآن وكرر ذكره بوصفه المادح تعظيما لشأنه (إن الذين كفروا بآيات الله) من كتبه وغيرهما (لهم عذاب شديد) بكفرهم (والله عزيز) غالب (ذو انتقام) لا يقدر على مثله أحد .

(إن الله لا يخفى عليه شيء) كلي أو جزئي إيمان أو كفر كائن (في الأرض ولا في السماء) أي في العالم فعبر عنه بهما إذ الحس لا يتجاوزهما .

(هو الذي يصوركم في الأرحام كيف يشاء) من حسن أو قبيح ذكر أو أنثى

ص: 269

وكوامل وطوالا وما سواها ، (لا إِلهَ إِلَّا هُوَ) اللّه (الْعَزِيزُ الْحَكِيمُ) ( 6 ) لا عمل ولا أمر إلّا وله حكم ومصالح .

ولمّا وهم رهط روح اللّه هو إله أرسله ردّا لهم (هُوَ) اللّه (الَّذِي أَنْزَلَ) أرسل (عَلَيْكَ) محمّد ( ص ) (الْكِتابَ) المعهود المعلوم اسما ورسما (مِنْهُ) الطّرس المعهود (آياتٌ مُحْكَماتٌ) محكم كلمها وأحكامها مؤكّد دوالها مصرّح مدلولها ، أو المراد ما أمره اللّه وسط كلّ طرس أرسله أو كلام ما حمل إلّا محملا واحدا ، أو الحاد للحكم (هُنَّ) أولاء (أُمُّ الْكِتابِ) أصله ومرد ما وراءها (وَأُخَرُ) ما عداها (مُتَشابِهاتٌ) لا مسلك لإدراك مرادها ومدلولها كمطالع السّور وكلّها مأوّل ما صرّح اللّه مرامه أو ما لا أمره اللّه وسط كلّ طرس أو ما له محامل أو المحدود (فَأَمَّا) الملأ (الَّذِينَ فِي قُلُوبِهِمْ) أسرارهم وصدورهم (زَيْغٌ) عدول عمّا هو السّداد وهم أهل الأهواء (فَيَتَّبِعُونَ) عملا وإدلاء (ما) كلاما (تَشابَهَ مِنْهُ) مرامه وما لاح مراده ، وهم مطاوعوه وأمسكوه وطرحوا محكمه (ابْتِغاءَ الْفِتْنَةِ) روما لوساوس الأوهام وإطلاحا لأهل الإسلام (وَابْتِغاءَ تَأْوِيلِهِ) كما هو مرامهم السّوء ودعواهم

----------

تقرير للقيومية وإثبات لعلمه تعالى بإتقان فعله في تصوير الجنين (لا إله إلا هو) لا يعلم غيره علمه ولا يقدر قدرته (العزيز) في سلطانه (الحكيم) في أفعاله .

(هو الذي أنزل عليك الكتاب منه آيات محكمات) أحكمت عبارتها بالحفظ من الإجمال (هن أم الكتاب) أصله يرد إليها غيرها وأفرد أم على إرادة كل واحد أو المجموع (وأخر متشابهات) تحتمل وجوها وروي المحكم ما يعمل به والمتشابه ما يشتبه على جاهله (فأما الذين في قلوبهم زيغ) ميل عن الحق إلى البدع (فيتبعون ما تشابه منه ابتغاء الفتنة) طلب إيقاع الناس في الكفر فيه أن يفتنوا عن تأويله (وابتغاء تأويله) بما يناسب رأيهم الفاسد

ص: 270

الحدد (وَما يَعْلَمُ تَأْوِيلَهُ) مأوّله العدل ومدلوله المسدّد (إِلَّا اللَّهُ) العلّام وحده ولا علم لمراده لأحد سواه (وَ) العلماء (الرَّاسِخُونَ فِي الْعِلْمِ) واطدوا علم وهم علماء الإسلام ، هو أوّل كلام لا وصل له مع « إلا اللّه » ومحموله ما ورد وراءه ورهط وصلوه مع « الّا اللّه » وما وراءه حال أو أوّل كلام حوار لمحمّ (يَقُولُونَ) كلّهم (آمَنَّا بِهِ) كلّ ما أرسل لرسول اللّه صلعم (كُلٌّ) كلّ واحد ممّا هو المحكم ومعادله مرسل (مِنْ عِنْدِ رَبِّنا) صحّ إرساله (وَما يَذَّكَّرُ إِلَّا أُولُوا الْأَلْبابِ) ( 7 ) العلماء المكمّل مدح لأهل الوطود .

(رَبَّنا) اللّهمّ (لا تُزِغْ قُلُوبَنا) عمّا هو العدل والسّداد كامالك أرواع رهط أوّلوه وآما لمرادهم وهو كلام أهل العلم الواطد وهو أوّل كلام (بَعْدَ إِذْ هَدَيْتَنا) إسلاما وعملا لكلّ محكم وعدله (وَهَبْ) كرما وإكراما (لَنا مِنْ لَدُنْكَ) طولك (رَحْمَةً) وطدا للعدل والسّداد ، أو محوا للآصار والأوصام

----------

(وما يعلم تأويله) تأويل القرآن كله الذي يجب أن يحمل عليه (إلا الله والراسخون في العلم) الثابتون فيه من لا يختلف في علمه عن الصادق (عليه السلام) نحن الراسخون في العلم ونحن نعلم تأويله ومن وقف من الجمهور على الله فسر المتشابه بما استأثر تعالى بعلمه كوقت قيام الساعة ونحوه (يقولون ءامنا به) حال من الراسخين أو خبر له إن جعل مبتدأ وروي أن القائل شيعتهم (كل) أي من المتشابه والمحكم (من عند ربنا وما يذكر إلا أولوا الألباب) مدح للراسخين بإلقاء الذهن وإعمال الفكر في رد المتشابه إلى المحكم .

(ربنا لا تزغ قلوبنا) من مقول الراسخين أي لا تبلينا ببلاء تزيغ فيه قلوبنا (بعد إذ هديتنا) إلى الحق (وهب لنا من لدنك رحمة) نعمة أو لطفا نثبت به

ص: 271

(إِنَّكَ أَنْتَ) لا سواك (الْوَهَّابُ) ( 8 ) لكلّ سؤل حالا ومعادا .

(رَبَّنا) اللّهمّ (إِنَّكَ جامِعُ النَّاسِ) كلّهم (لِيَوْمٍ) لإحصاء أعمالهم وأوس ما صلح لهم (لا رَيْبَ فِيهِ) وروده صحّ سطوعه أمد الدّهر (إِنَّ اللَّهَ) الملك العدل (لا يُخْلِفُ الْمِيعادَ) ( 9 ) موعده للمعاد أو كلّ ما وعد .

(إِنَّ) الهود (الَّذِينَ كَفَرُوا) عدلوا وصدّوا عمّا أمروا وركحوا وحووا أموالا وأولادا (لَنْ تُغْنِيَ) ردّا ودسعا أو إمدادا أو إسعادا (عَنْهُمْ) أهل العدول (أَمْوالُهُمْ) إعطاؤها وسماحها (وَلا أَوْلادُهُمْ) علاؤهم وحولهم وعددهم (مِنَ اللَّهِ) آصاره وآلامه أو مراحمه ومكارمه أو طوعه (شَيْئاً) أمرا ما أصلا ، (وَأُولئِكَ هُمْ) لا سواهم (وَقُودُ النَّارِ) ( 10 ) مسعارها حالهم وأمرهم .

(كَدَأْبِ آلِ فِرْعَوْنَ) كحاله مو أمرهم صدودا وإصرا ، وأصله الكدح وهو محكوم لمطروح كما مرّ (وَ) الأمم (الَّذِينَ) هلكوا (مِنْ قَبْلِهِمْ) كعاد ورهط صالح (كَذَّبُوا بِآياتِنا) إعلام الصّلاح وأدلّاء السّداد أراد الرّسل وطروسهم وهو حوار لسؤال محمّ أو حال (فَأَخَذَهُمُ اللَّهُ) وأهلكهم

----------

على الإيمان (إنك أنت الوهاب) النعم .

(ربنا إنك جامع الناس) لحساب يوم أو جزائه (لا ريب فيه) في وقوعه (إن الله لا يخلف الميعاد) الوعد .

(إن الذين كفروا لن تغني عنهم أموالهم ولا أولادهم من الله شيئا) أي بدل رحمته أو من عذابه (وأولئك هم وقود النار) حطبها .

(كدأب) أي شأن هؤلاء كشأن (ءال فرعون) في الكفر أو النصب بتغني أو وقود أي لن تغني عنهم كما لم تغن عن أولئك أو توقد بهم كما توقد بأولئك (والذين من قبلهم) عطف على آل فرعون (كذبوا بآياتنا) تفسير لدأبهم أو بيان لسببه أي (فأخذهم الله) أهلكهم

ص: 272

(بِذُنُوبِهِمْ) أعمالهم السّوء (وَاللَّهُ شَدِيدُ الْعِقابِ) ( 11 ) عسر الإصر .

(قُلْ) رسول اللّه (لِلَّذِينَ كَفَرُوا) وما أسلموا وهم طلّاح أمّ الرّحم أو الهود اللّواء ، عاهدوا أهل الإسلام وكسروا عهدهم ، وسرّوا لسطو الأعداء حال عماس « أحد » (سَتُغْلَبُونَ) إهلاكا وأسرا حالا (وَتُحْشَرُونَ) مآلا (إِلى جَهَنَّمَ) دار الهلاك (وَبِئْسَ الْمِهادُ) ( 12 ) ما مهّد اللّه لهم دار الهلاك .

(قَدْ كانَ لَكُمْ) الحمس أو الهود أو أهل الإسلام (آيَةٌ) علم دالّ لإرسال محمّد صلعم وسداد دعواه (فِي) حال (فِئَتَيْنِ الْتَقَتا) للعماس (فِئَةٌ) رهط (تُقاتِلُ فِي سَبِيلِ اللَّهِ) طوعه وإعلاء أمره وهم أهل الإسلام (وَأُخْرى كافِرَةٌ) مرامهم عكس ما أراد الرّهط الأوّل ، وهم آمر عددا (يَرَوْنَهُمْ) أهل العدول أهل الإسلام أو العكس (مِثْلَيْهِمْ) أهل العدول عددا أو أهل الإسلام (رَأْيَ الْعَيْنِ) مصدر مؤكّد لعامله ، أو حال ولعلّ الأوّل أسد ،

----------

(بذنوبهم والله شديد العقاب) ترهيب للكفرة .

(قل للذين كفروا) مشركي مكة (ستغلبون) أي بيوم بدر (وتحشرون إلى جهنم وبئس المهاد) جهنم أو ما مهدوا لأنفسهم .

(قد كان لكم آية) خطاب للمشركين أو اليهود أو المؤمنين (في فئتين التقتا) يوم بدر (فئة تقاتل في سبيل الله وأخرى كافرة يرونهم مثليهم) يرى المشركون المسلمين مثلي عدد المشركين قريب ألفين أو مثلي عدد المسلمين ستمائة وستة وعشرين قللوا أولا في أعينهم حتى اجترءوا عليهم كما قال ويقللكم في أعينهم فلما لاقوهم كثروا في أعينهم حتى غلبوا أو يرى المسلمون المشركين مثلي المسلمين وكانوا ثلاثة أمثالهم ليثبتوا ثقة بالنصر الذي وعدوه في (فإن يكن منكم مائة صابرة يغلبوا مائتين) «الانفال /66» وقرىء ترونهم بالخطاب (رأي العين) رؤية ظاهرة

ص: 273

والمراد كمال السّطوع (وَاللَّهُ يُؤَيِّدُ) أصله الأد وهو الحول (بِنَصْرِهِ) إمداده (مَنْ يَشاءُ) مدده وإمداده (إِنَّ فِي ذلِكَ) ما مرّ (لَعِبْرَةً) علما دالّا لسداد الأمر وادّكارا (لِأُولِي الْأَبْصارِ) ( 13 ) لأهل العلم والدّرك عموما أو لرهط رأوهم واحسّوهم .

(زُيِّنَ لِلنَّاسِ) سوّل لهم والمسوّل هو اللّه ممحّصا ، وورد هو المارد ، وورد المسوّل للحلال هو اللّه وللحرام هو المارد (حُبُّ الشَّهَواتِ) ودادها والمراد أولو الأهواء (مِنَ النِّساءِ) الأعراس والإماء (وَالْبَنِينَ) الأولاد وكلّهم موادّ الإلهاء وموارد الأهواء (وَالْقَناطِيرِ) الدّراهم والأحامر المحدود عددها ، أو مال لا حدّ ولا إحصاء له ، أو هو المال ملء مسك الأطوم (الْمُقَنْطَرَةِ) هو ككلامهم درهم مدرهم ، والمراد محوّل ومصار درهما ، أو مدلوله الاحكام والرّكم أو الحرس أو المال المرموس أو هو مؤكّد (مِنَ الذَّهَبِ وَالْفِضَّةِ) وهما ملاكا أهل الأهواء (وَالْخَيْلِ) الكراع لا واحد لها (الْمُسَوَّمَةِ) سوّمه :

« أعلمه » أو رعاه ، أو المسوّم المطهّم وهو كامل الأسر أو الكراع الوسام (وَالْأَنْعامِ) السّوام (وَالْحَرْثِ) الماكر (ذلِكَ) المسطور كلّه (مَتاعُ

----------

(والله يؤيد بنصره من يشاء) كما أيد أهل بدر (إن في ذلك) التقليل والتكثير ونصر القليل على الكثير (لعبرة لأولي الأبصار) عظة لذوي العقول .

(زين للناس حب الشهوات) أي المشتهيات جعلها شهوات مبالغة (من النساء والبنين والقناطير) جمع قنطار وهو المال الكثير وقيل ملء مشك ثور وقيل مائة ألف دينار (المقنطرة) مبنية منه للتأكيد كبدرة مبدرة (من الذهب والفضة والخيل المسومة) المعلمة من السومة وهي العلامة أو المرعية من أسام الدابة وسومها (والأنعام) الإبل والغنم والبقر (والحرث ذلك) المذكورة (متاع

ص: 274

الْحَياةِ ) الدّار (الدُّنْيا) حطّامها ماصل العود مسروع العدم لا دوام له (وَاللَّهُ) الواسع عطاؤه (عِنْدَهُ حُسْنُ الْمَآبِ) ( 14 ) المعاد وهو دارالسّلام .

(قُلْ) رسول اللّه لرهطك (أَ أُنَبِّئُكُمْ) أأعلّمكم (بِخَيْرٍ) ما هو أصلح وأعود (مِنْ ذلِكُمْ) ما عدّد لكم (لِلَّذِينَ اتَّقَوْا) راعوا وما عصوا اللّه (عِنْدَ رَبِّهِمْ جَنَّاتٌ) دور الدّوح والأحمال والأوراد (تَجْرِي مِنْ تَحْتِهَا) دوحها وصروحها (الْأَنْهارُ) للماء والدّر والعسل والرّاح (خالِدِينَ) دوّاما (فِيها وَأَزْواجٌ) حور (مُطَهَّرَةٌ) عمّا كره (وَرِضْوانٌ) ودّ (مِنَ اللَّهِ) مولاهم (وَاللَّهُ بَصِيرٌ بِالْعِبادِ) ( 15 ) عالم لأحوالهم وأعمالهم ومصالحهم حالا ومآلا ، أعدّ لهم الهمّ والسّرور .

(الَّذِينَ يَقُولُونَ) دعاء وسؤلا ، وهو مدح لسداد صدورهم وصلاح أسرارهم (رَبَّنا) اللّهمّ (إِنَّنا آمَنَّا) إسلاما لك ولرسولك (فَاغْفِرْ) أمح (لَنا) لأهل الإسلام (ذُنُوبَنا) الطّوالح والآصار أداء لوعدك (وَقِنا) معادا (عَذابَ النَّارِ) ( 16 ) آلامها وآصارها كرما وعطاء .

----------

الحيوة الدنيا والله عنده حسن المآب) المرجع .

(قل أؤنبئكم بخير من ذلكم) المتاع الفاني (للذين اتقوا عند ربهم جنات تجري من تحتها الأنهار خالدين فيها وأزواج مطهرة) من الأدناس خلقا وخلقا (ورضوان من الله) وهو أصل النعم (والله بصير بالعباد) أي بأعمالهم فيجازيهم بها .

(الذين يقولون ربنا إننا ءامنا فاغفر لنا ذنوبنا وقنا عذاب النار) صفة المتقين

ص: 275

الملأ (الصَّابِرِينَ) حواسّهم وأسرارهم لطوع اللّه ، أو حال ورود اللّاواء ووصول المكاره (وَالصَّادِقِينَ) كلاما وعملا وساوا ، أو إسلاما وطوعا (وَالْقانِتِينَ) الطّوّع للّه دواما ما لهم وهاء ولا كسل أو الدّعاء (وَالْمُنْفِقِينَ) أموالهم وأملاكهم لطوع اللّه وإعلاء الإسلام (وَالْمُسْتَغْفِرِينَ) اللّه والرّوام لمحو آصارهم وأعمالهم السّوء (بِالْأَسْحارِ) ( 17 ) أورد السّحر لمّا هو أكمل الأعصار وأكرمها ودعاء الأسحار أسرع سمعا .

(شَهِدَ اللَّهُ) حكم وأرسل الأدلّاء الدّوالّ السّواطع (أَنَّهُ) ورووا مكسور الأوّل (لا إِلهَ) مألوه سدادا (إِلَّا هُوَ) اللّه المعلوم لكلّ أحد ، والمحمود لكلّ مسحل (وَالْمَلائِكَةُ) كلاما وإعلاما (وَأُولُوا الْعِلْمِ) الرّسل والعلماء إسلاما وعلما (قائِماً) واطدا وهو حال مؤكّد عمّا « اللّه » أو « هو » (بِالْقِسْطِ) العدل حال إعطاء الأعمار وإرسال الأحكام والآصار والآلام (لا إِلهَ إِلَّا هُوَ ) كرّره مؤكّدا لما مرّ وأعاده لكمال همّ لعلمه (الْعَزِيزُ) الملك الكامل السّطو والطّول لا مردّ لحكمه (الْحَكِيمُ) ( 18 ) المحكم لأمره وحكمه

----------

أو مدح منصوب أو مرفوع .

(الصابرين) على الطاعة والبلاء عن المعاصي (والصادقين والقانتين) المطيعين (والمنفقين) أموالهم في سبيل الله (والمستغفرين بالأسحار) عن الصادق (عليه السلام) من استغفر الله سبعين مرة في السحر فهو من أهل هذه الآية .

(شهد الله أنه لا إله إلا هو) بدلالته على وحدانيته يعجب صنعه (والملائكة) بالإقرار بها (وأولوا العلم) به (قائما بالقسط) مقيما للعدل في أمور خلقه (لا إله إلا هو) كرر تأكيدا (العزيز الحكيم) الذي لا مغالب له ولا يخل بالعدل وهما مقرران للوحدانية والعدل وعن الباقر (عليه السلام) إن أولي العلم الأنبياء والأوصياء .

ص: 276

أو لأموره حكم ومصالح لا أمد لها ) .

(إِنَّ الدِّينَ) المسدّد المراد المودود (عِنْدَ اللَّهِ) هو (الْإِسْلامُ) وهو ما أورده رسوله صلعم وأرسل له وأكّده الأدلّاء السّواطع (وَمَا اخْتَلَفَ) ادّارء الملأ (الَّذِينَ أُوتُوا) أعطوا (الْكِتابَ) وعلمه وهم الهود ورهط روح اللّه ، وادّارءهم هو ردع الإسلام ولما ادعوا ولدا للّه وألهوا إلها وساووها مع اللّه (إِلَّا مِنْ بَعْدِ) للمصدر (ما جاءَهُمُ) وصلهم (الْعِلْمُ) وعلموا أمر الإسلام وسداده ، أو صلحوا لعلمه لسطوع الأعلام (بَغْياً) صدودا وعدولا ، وروما للسّودد وحسدا وحدلا (بَيْنَهُمْ) لا لوهاء أدلّاء الإسلام (وَمَنْ يَكْفُرْ) عداء وسمودا (بِآياتِ اللَّهِ) أعلامه اللّوامع (فَإِنَّ اللَّهَ) كامل الإحصاء (سَرِيعُ الْحِسابِ) ( 19 ) مسرع عدّ الأعمال وإعطاء محصولها مآلا .

(فَإِنْ حَاجُّوكَ) ماروك محمّد للإسلام (فَقُلْ) لهم (أَسْلَمْتُ

----------

(إن الدين عند الله الإسلام) أي الدين المرضي له تعالى الإسلام أو الانقياد له في جميع أوامره ونواهيه (وما اختلف الذين أوتوا الكتاب) اليهود والنصارى وأهل الكتب السالفة في دين الإسلام فأثبته قوم وخصه قوم بالعرب ونفاه قوم أو في التوحيد فثلث النصارى وقالت اليهود عزير ابن الله وقيل هم اليهود اختلفوا بعد موسى وقيل النصارى اختلفوا في أمر عيسى (إلا من بعد ما جاءهم العلم) بشرائعهم أو بعد أن علموا الحق أو تمكنوا من العلم به بالدلائل (بغيا) حسدا وطلبا للرئاسة (بينهم ومن يكفر بآيات الله فإن الله سريع الحساب) وعيد لهم .

(فإن حاجوك) في الدين (فقل أسلمت وجهي) أخلصت نفسي (لله) عبر به عن النفس لأنه أشرف الأعضاء (ومن اتبعني) عطف على التاء وحسن

ص: 277

وَجْهِيَ ) أراد الكلّ (لِلَّهِ) وحده ولا ادعوا معه إلها سواه (وَ) مع (مَنِ اتَّبَعَنِ) كلّهم (وَقُلْ) رسول اللّه (لِلَّذِينَ أُوتُوا الْكِتابَ) الهود ورهط روح اللّه (وَالْأُمِّيِّينَ) هم رهط لا طرس لهم كأهل أمّ الرّحم (أَ أَسْلَمْتُمْ) كما أسلم أهل الإسلام أم لا ، أو المراد أسلموا ووحّدوا (فَإِنْ أَسْلَمُوا) إسلاما صلاحا وسدادا (فَقَدِ اهْتَدَوْا) وسلكوا صراط السّداد ووصلوا المرام (وَإِنْ تَوَلَّوْا) عدلوا عمّا هو السّداد والصّلاح وهو الإسلام (فَإِنَّما عَلَيْكَ الْبَلاغُ) أداء ما أمر اللّه لك وما أرسلك مسلّطا علاهم ولا إصر لك حال عدم إسلامهم (وَاللَّهُ بَصِيرٌ) عالم علما كاملا (بِالْعِبادِ) ( 20 ) أحوالهم ما أسرّوا وما صرّحوا وهو وعد سار لأهل الإسلام وكلام مهدّد لأهل العدول .

(إِنَّ) الملأ (الَّذِينَ يَكْفُرُونَ بِآياتِ اللَّهِ) أعلامه الدّوال لسداد أو أوامره وأحكامه وهم رهط هود عاصروا رسول اللّه صلعم وأهلك أوّلوهم الرّسل الأول وطوّعهم وهم ودّوا عملهم وهموا إهلاكه صلعم وطوّاعه واللّه عصمهم عمّا همّوه (وَيَقْتُلُونَ النَّبِيِّينَ) الرّسل لمّا دعوهم للإسلام وأمروهم الصّلاح (بِغَيْرِ حَقٍّ) حدلا وعداء أراد أهلكوا الرّسل مع علمهم حدلهم

----------

للفصل (وقل للذين أوتوا الكتاب والأميين) من لا كتاب لهم كمشركي العرب (أأسلمتم) بعد وضوح الحجج أم كنتم على كفركم ومثله فهل أنتم منتهون وفيه توبيخ لهم بالمعاندة (فإن أسلموا فقد اهتدوا) نفعوا أنفسهم بإخراجهم من الضلال (وإن تولوا) لم يضروك (فإنما عليك البلاغ) لا الجدال ولا الإجبار على الإسلام (والله بصير بالعباد) تهديد لمن لا يسلم .

(إن الذين يكفرون بآيات الله ويقتلون النبيين بغير حق) فسر في البقرة

ص: 278

وعداءهم وهو حال مؤكّد (وَيَقْتُلُونَ) الملأ (الَّذِينَ يَأْمُرُونَ) لهم (بِالْقِسْطِ) العدل وهم أهل الإسلام وأولو الصّلاح لمّا أمروهم ما هو أصلح لهم ، وردعوا عمّا أهلكوا الرّسل (مِنَ النَّاسِ) الأمم (فَبَشِّرْهُمْ) أعلمهم (بِعَذابٍ أَلِيمٍ) ( 21 ) مؤلم أكره الآلام .

(أُولئِكَ) الأعداء الحدّال العمّال عملا معهودا ، الملأ (الَّذِينَ حَبِطَتْ) لاهدارهم (أَعْمالُهُمْ) الصّوالح اللّواء عملوها أمام إرسال محمّد صلعم لو سلموا عمّا هو الإلحاد وأسلموا لما أمروا كوصل الرّحم وإعطاء الأموال لأهل الإرماد والعسر ، ولهم الطّرد والدّحور والأسر والإهلاك (فِي) الدّار (الدُّنْيا) حالا (وَ) الدّار (الْآخِرَةِ) مآلا (وَما لَهُمْ) للرّهط المعهود (مِنْ ناصِرِينَ) ( 22 ) أرداء لدسع ما أعدّ لهم ممّا هو الآصار والآلام .

(أَ لَمْ تَرَ) أما وصل علمك محمّد ( ص ) (إِلَى) الملأ (الَّذِينَ أُوتُوا) أعطوا وهم علماء الهود (نَصِيباً) سهما كاملا (مِنَ الْكِتابِ) وهو طرس الهود أو الأعمّ أو اللّوح (يُدْعَوْنَ) ورسول اللّه داع لهم سمك اللّه محلّه وصلّاه

----------

(ويقتلون الذين يأمرون بالقسط من الناس) فيشتمل أهل الكتاب الذين قتلوا أنبياءهم ومتابعيهم ومن يقتل من يأمر بالمعروف وينهى عن المنكر (فبشرهم بعذاب أليم) .

(أولئك الذين حبطت أعمالهم في الدنيا) لم ينالوا المدح والثناء وحقن الأموال والدماء (والآخرة) لم يستحقوا بها الأجر والثواب (وما لهم من ناصرين) يدفعون عنهم العذاب .

(ألم تر إلى الذين أوتوا نصيبا من الكتاب) التوراة أو جنس الكتب المنزلة وتنكير النصيب للتعظيم أو التحقير أريد بهم أحبار (يدعون

ص: 279

وكمل السّلام له ، وهو حال (إِلى كِتابِ اللَّهِ) وهو طرس محمّد رسول اللّه صعلم ، أو طرس الهود لمّا ورد الرّسول مدراسهم ودعاهم للإسلام ، وهم ادّعوا سدادهم وصلاحهم وسألهم هلمّوا طرسكم وهو الحكم العدل وما سمعوا أمره وما أوردوه أرسلها اللّه (لِيَحْكُمَ) الطّرس المعهود أو الرّسول (بَيْنَهُمْ ثُمَّ يَتَوَلَّى) هو العدول عمّا صلح (فَرِيقٌ) وهم رؤساءهم (مِنْهُمْ) الهود (وَهُمْ مُعْرِضُونَ) ( 23 ) عمّا دعوا له وحالهم الصّدود والعدول دواما .

(ذلِكَ) العدول وعدم الإسلام وإهلاك الرّسل (بِأَنَّهُمْ) الهود (قالُوا) ولعا لمّا ادعوا هم أولاد اللّه وأودّاؤه (لَنْ تَمَسَّنَا) الهود (النَّارُ) أصار اللّه وآلامه (إِلَّا أَيَّاماً مَعْدُوداتٍ) مواصل ، والمراد عملوا ما عملوا لمّا سهّلوا أمر الآصار والآلام وطمعوا طمعا لا عود له ، (وَغَرَّهُمْ) أطمعهم (فِي دِينِهِمْ) وما هو محلّا للطّمع (ما كانُوا يَفْتَرُونَ) ( 24 ) وهو ادّعاءهم المسطور و « ما » موصول أو للمصدر .

(فَكَيْفَ) حالهم أو عملهم (إِذا جَمَعْناهُمْ لِيَوْمٍ) لعصر معهود هو أمد

----------

إلى كتاب الله) القرآن أو التوراة (ليحكم بينهم) في نبوة محمد أو في أن دين إبراهيم الإسلام أو في أمر الرجم (ثم يتولى فريق منهم) استبعاد لتوليهم مع علمهم بوجوب الرجوع إليه (وهم معرضون) شأنهم الإعراض .

(ذلك) التولي والإعراض (بأنهم قالوا) بسبب قولهم (لن تمسنا النار إلا أياما معدودات) قلائل (وغرهم في دينهم ما كانوا يفترون) من أن آباءهم الأنبياء يشفعون لهم .

(فكيف إذا جمعناهم ليوم

ص: 280

أعصار لا عصر وراءه (لا رَيْبَ) لا وهم (فِيهِ) حصوله ردّ لكلامهم ، وحكوا أوّل رمح أصعد معادا رمح الهود واللّه داحرهم (وَوُفِّيَتْ كُلُّ نَفْسٍ) أحد (ما كَسَبَتْ) عملها أراد كمّل اللّه كلّ أحد هودا أو سواهم عطاء وإكراما أو إصرا وألما أعدّ لهم (وَهُمْ) كلّهم (لا يُظْلَمُونَ) ( 25 ) لا حور ولا كور لصوالح الأعمال وطوالحها .

ولمّا وعد رسول اللّه صلعم رهطه أكرم الأمم حال ما كاح أمّ الرّحم وأعطاه ممالك الرّوم وأمصارا سواه ووهمه الأعداء ولعا ، أرسل اللّه معلما الدّعاء (قُلِ) رسول اللّه (اللَّهُمَّ مالِكَ الْمُلْكِ) والكلّ مملوكك (تُؤْتِي الْمُلْكَ) عطاء وإكراما (مَنْ تَشاءُ) إعطاءه وإكرامه (وَتَنْزِعُ الْمُلْكَ) سطوا وعلوّا (مِمَّنْ تَشاءُ) إعراءه ولك العطاء والرّدّ (وَتُعِزُّ مَنْ تَشاءُ) ملكا وصلاحا وسماحا وعلوّا (وَتُذِلُّ مَنْ تَشاءُ) طردا وأسرا وعسرا وحرصا وطمعا وطلاحا (بِيَدِكَ) أمرك (الْخَيْرُ) معادله وعكسه (إِنَّكَ عَلى كُلِّ شَيْءٍ) إعطاء الملك والإكرام وعكسهما (قَدِيرٌ) ( 26 ) كامل الطّول .

----------

لا ريب فيه) تهويل لما أعد لهم في الآخرة (ووفيت كل نفس ما كسبت) جزاءه (وهم لا يظلمون) الضمير لكل نفس لأنه بمعنى كل الناس .

(قل اللهم مالك الملك) كله نداء ثاني أو صفته (تؤتي الملك) أي ما تشاء منه (من تشاء) وكذا (وتنزع الملك ممن تشاء) فالملك الأول عام والآخران خاصان وقيل الملك هنا النبوة ونزعه نقلها من قوم إلى قوم (وتعز من تشاء وتذل من تشاء) في الدنيا والدين بالنصر والإدبار والتوفيق والخذلان (بيدك الخير) لم يذكر الشر إيماء إلى ما أصابك من حسنة فمن الله وما أصابك من سيئة فمن نفسك أو لأن أفعاله تعالى بين

ص: 281

(تُولِجُ اللَّيْلَ) طوله وكوره (فِي النَّهارِ) وكسه وحوره (وَتُولِجُ النَّهارَ) طوله وكوره (فِي اللَّيْلِ) وكسها وحورها ، أو المراد ورود كلّ وراء معادله (وَتُخْرِجُ الْحَيَّ) ولد آدم أو الصالح (مِنَ الْمَيِّتِ) عالم العدم أو مواده أو الماء المعلوم وهو أصل موادّ الولد ، أو الطالح (وَتُخْرِجُ الْمَيِّتَ مِنَ الْحَيِّ) وهو عكس ما مرّ (وَتَرْزُقُ) إعطاء وإكراما (مَنْ تَشاءُ) إعطاءه (بِغَيْرِ حِسابٍ) ( 27 ) عطاء واسعا لاعدّ له ولا إحصاء .

وأهل الإسلام لمّا والوا رؤساء الهود وودّوهم لأمور ومهام ، أو لوصول أرحام أرسل اللّه (لا يَتَّخِذِ) الملأ (الْمُؤْمِنُونَ) الرّهط (الْكافِرِينَ) أعداء اللّه (أَوْلِياءَ) أودّاء ، والأصل ودّهم وعداءهم للّه وحده لا لأمور الملك (مِنْ دُونِ الْمُؤْمِنِينَ) أرادهم الحراء ولاء وللودّ معهم وسع عمّا ودّ الأعداء (وَمَنْ يَفْعَلْ ذلِكَ) ولاءهم وودادهم (فَلَيْسَ مِنَ اللَّهِ) وداده (فِي شَيْءٍ) أصلا

----------

نافع وضار للمصالح فكلها خير (إنك على كل شيء قدير) .

(تولج الليل في النهار وتولج النهار في الليل) بإدخال كل منهما في الآخر بالزيادة والنقص (وتخرج الحي من الميت) المؤمن من الكافر والحيوان من النطفة (وتخرج الميت من الحي) بالعكس (وترزق من تشاء بغير حساب) غير محاسب له أو غير مضيق عليه .

(لا يتخذ المؤمنون الكافرين أولياء) نهوا عن موالاتهم لقرابة أو صداقة جاهلية (من دون المؤمنين) إشارة إلى أن في موالاتهم مندوحة عن موالاة الكفرة (ومن يفعل ذلك فليس من الله) من ولايته (في شيء) إذ لا يجتمع موالاة متعاديين

ص: 282

وما لوداده سداد ، ووداد اللّه ووداد عدوه ما حلّا محلّا واحدا معا (إِلَّا أَنْ تَتَّقُوا) إلّا حال روعكم (مِنْهُمْ) أعداء اللّه (تُقاةً) أمرا مؤكّدا روعكم وح لكم إعلاء الوداد وإسرار العداء (وَيُحَذِّرُكُمُ اللَّهُ) لولاء الأعداء لا لأمر سواه (نَفْسَهُ) حرده (وَإِلَى اللَّهِ الْمَصِيرُ) ( 28 ) المعاد والإصر معدّ لكم وهو أعسر ما أوعدهم اللّه .

(قُلْ) رسول اللّه لهم (إِنْ تُخْفُوا ما فِي صُدُورِكُمْ) إسرارا ، وهو ولاء الأعداء وكلّ عمل سوء (أَوْ تُبْدُوهُ) كلاما وعملا (يَعْلَمْهُ اللَّهُ) طرّا لمّا هو عالم أعمالكم وأسراركم وهو أهول مهدّد (وَ) هو (يَعْلَمُ ما فِي السَّماواتِ) أسرار أدوارها وأحكام سعودها ولوامعها وأطوار أحوالها وأمور عالم الرّوح والملك (وَما فِي الْأَرْضِ) ومأسورها وصروع صورها ، ولا عمل إلّا وهو معلومه ، ولا سرّ إلّا وهو محسوسه ، ولا معلوم إلّا وهو مدركه ، ولا معدود إلّا وهو عالم لعدده ، وعلمه أحاط الكلّ (وَاللَّهُ عَلى كُلِّ شَيْءٍ) أمر (قَدِيرٌ) ( 29 ) له الحول والطّول ، وأعدّ لكم الآصار .

----------

(إلا أن تتقوا منهم تقاة) تخافوا من جهتهم ما يجب اتقاؤه وخص لهم إظهار موالاتهم إذا خافوهم مع إبطان عداوتهم وهي التقية التي تدين بها الإمامية ودلت عليه الأخبار المتواترة وقوله تعالى إلا من أكره وقلبه مطمئن بالإيمان (ويحذركم الله نفسه وإلى الله المصير) فلا تتعرضوا لسخطه بموالاة أعدائه وهو ترهيب بليغ .

(قل إن تخفوا ما في صدوركم أو تبدوه) من ولاية الكفار وغيرها (يعلمه الله ويعلم ما في السموات وما في الأرض) فيعلم سركم وعلنكم (والله على كل شيء قدير) .

ص: 283

وروعوا أو ادّكروا (يَوْمَ تَجِدُ كُلُّ نَفْسٍ) أحد ألواح كلّ (ما عَمِلَتْ مِنْ) عمل (خَيْرٍ) محمود ، أو المراد محصولها العمل (مُحْضَراً) ملوّحا مسطورا (وَما عَمِلَتْ مِنْ) عمل (سُوءٍ) ملوم محرّم ومكروه (تَوَدُّ) ودادا كاملا حال أو محكوم ل « ما » (لَوْ أَنَّ بَيْنَها وَبَيْنَهُ) هول المعاد أو العمل السّوء (أَمَداً) حدّا (بَعِيداً) عسرا وعرا (وَيُحَذِّرُكُمُ اللَّهُ نَفْسَهُ) أعاد مؤكدا للأوّل (وَاللَّهُ رَؤُفٌ) كامل الرّحم (بِالْعِبادِ) ( 30 ) لمّا هو مهوّل لهم ومصلح لأعمالهم .

والهود لمّا ادّعوا ادّعاء عاطلا هم أولاد اللّه وأودّاءه ، أرسل اللّه ردّا لهم (قُلْ) لهم رسول اللّه (إِنْ كُنْتُمْ) أهل الأهواء وهم الهود (تُحِبُّونَ اللَّهَ) ودادا مسددا (فَاتَّبِعُونِي) طاوعوا كلاما وعملا لرسوله (يُحْبِبْكُمُ اللَّهُ) لطوعكم رسوله ومودوده ، وهو أصل المراد وأمد المأمول وأسّ الإسلام ، وهو حوار للأمر (وَيَغْفِرْ لَكُمْ ذُنُوبَكُمْ) طرّا ووداد أهل الإسلام للّه طوعهم أمره ، ووداد اللّه لأهل الإسلام محو آصارهم لإعدام سوء أعمالهم ( وَاللَّهُ غَفُورٌ)

----------

(يوم تجد كل نفس ما عملت من خير محضرا وما عملت من سوء تود لو أن بينها وبينه) بين ذلك اليوم (أمدا بعيدا) مسافة بعيدة (ويحذركم الله نفسه) ترهيب للحث على عمل الخير وترك السوء والأول للمنع من موالاة الكفرة فلا تكرار (والله رءوف بالعباد) ومن رأفته أن حذرهم عقابه .

(قل إن كنتم تحبون الله فاتبعوني يحببكم الله) أي لا يكون العبد محبوبا لله حتى يعمل بطاعته متبعا لحججه (ويغفر لكم ذنوبكم والله غفور رحيم) قيل نزلت حين قال اليهود نحن أبناء الله وأحباؤه أو حين قال وفد نجران إنا نعبد المسيح حبا لله.

ص: 284

لكل أحد أطاع رسول اللّه (رَحِيمٌ) ( 31 ) راحمه .

ولمّا أورد الأعداء علم محمّد ( ص ) أمره كأمر اللّه ، وما الأمر كما علمه ، أرسل اللّه دسعا لما أوردوا (قُلْ) لهم رسول اللّه (أَطِيعُوا اللَّهَ) كما أمركم (وَالرَّسُولَ) كما أعلّمكم أوامره وأحكامه (فَإِنْ تَوَلَّوْا) عدلوا وصدّوا عمّا أمروا (فَإِنَّ اللَّهَ لا يُحِبُّ الْكافِرِينَ) ( 32 ) لمّا هم أعداؤه .

(إِنَّ اللَّهَ اصْطَفى) أكرم وأرسل (آدَمَ) وأعدّه مصدرا للكلّ وأعطاه علم الأسماء كلّها وأكمله محسودا للملك (وَنُوحاً) هو رسول طوّل اللّه عمره ، وسدّد أمره حال علوّ الماء وحدره (وَآلَ إِبْراهِيمَ) والمراد هو وآله لا الآل وحده ، وإكرامه وإرساله أصاره إماما مرسلا لولد آدم ومؤسّسا لدار الحرم ومعمّرا لها ، وحماه عمّا سعر العدوّ وصار مسعره موردا وسلاما (وَآلَ عِمْرانَ) روح اللّه وأمّه أو رسول هود وردأه (عَلَى الْعالَمِينَ) ( 33 ) أهل أعصارهم .

(ذُرِّيَّةً) أولادا ولد (بَعْضُها) أحادها (مِنْ بَعْضٍ) أحاد وهو صدع

----------

(قل أطيعوا الله والرسول فإن تولوا) ماضي أو مضارع (فإن الله لا يحب الكافرين) لا يرضى عنهم وعدل عن الضمير إلى الظاهر للتعميم والدلالة أن التولي كفر أو اختصاص محبته بالمؤمنين .

(إن الله اصطفى ءادم ونوحا وءال إبراهيم وءال عمران على العالمين) بالنبوة والإمامة والعصمة وآل إبراهيم إسماعيل وإسحق وأولادهما دخل فيهم النبي (صلى الله عليه وآله وسلّم)، تلا الباقر (عليه السلام) هذه الآية فقال نحن منهم ونحن بقية تلك العترة وآل عمران موسى وهارون ابنا عمران بن يصهر بن قاهث بن لاوي بن يعقوب أو عيسى ومريم بنت عمران بن ماثان من ولد سليمان بن داود بن أيشا من ولد يهودا بن يعقوب وكان بين عمرانين ألف وثلاثمائة سنة .

(ذرية بعضها من بعض) من

ص: 285

للآل الأوّل والأمد (وَاللَّهُ سَمِيعٌ) لكلام الهود ودعواهم (عَلِيمٌ) ( 34 ) عالم لما صلح للكلّ .

وادّكر رسول اللّه (إِذْ قالَتِ امْرَأَتُ عِمْرانَ) أمّ أمّ روح اللّه حال حملها وولوعها للولد (رَبِّ إِنِّي نَذَرْتُ لَكَ) لطوعك وأمرك وكسح حرمك ما ولدا (فِي بَطْنِي) الرّحم (مُحَرَّراً) لك ومصاصا لأمرك ، لا لإعداد مهام سواه وهو حال (فَتَقَبَّلْ) اسمع (مِنِّي) ما هو المأمول (إِنَّكَ أَنْتَ) لا سواك (السَّمِيعُ) للدّعاء (الْعَلِيمُ) ( 35 ) للسّاو .

(فَلَمَّا وَضَعَتْها) لا كما هو مرادها ومعادها « ما » مدلولا (قالَتْ) أمه (رَبِّ إِنِّي وَضَعْتُها أُنْثى) وما حرّرها أهل الدّهر لإصلاح الحرم وإسعاد أهله (وَاللَّهُ أَعْلَمُ بِما وَضَعَتْ) ولعلّ للّه إسرارا وحكما ، وهو أوّل كلام أورده اللّه إكراما لولدها (وَلَيْسَ الذَّكَرُ) المرصود المدعوّ ، « اللام » للعهد كلام (كَالْأُنْثى) المولود لها عملا وعدسا ، وهو محصول كلامه واللّه

----------

نسل بعض (والله سميع) للأقوال (عليم) بالنيات والأعمال .

(إذ قالت امرأة عمران) بن ماثان حنة بنت فاقودا جدة عيسى وكانت لعمران بن يصهر بنت اسمها مريم أكبر من هارون فظن أن المراد امرأته ويبطله كفالة زكريا لمعاصرته لابن ماثان وتزوج بنته أيشاع أم يحيى أخت مريم للأب (رب إني نذرت لك ما في بطني محررا) معتقا لخدمة بيت المقدس (فتقبل مني إنك أنت السميع) لقولي (العليم) بنيتي.

(فلما وضعتها) الضمير لما في بطني وأنث لأنه كان أنثى أو لتأويله بالنفس أو النسمة (قالت) تحسرا إذ كانت ترجو ذكرا (رب إني وضعتها أنثى والله أعلم بما وضعت) اعتراض وهو قول الله وقرىء على التكلم فيكون كلامها تسلية لنفسها (وليس الذكر كالأنثى) في الخدمة واللام للعهد وإن كان من قولها فللجنس أي

ص: 286

أعلم (وَإِنِّي سَمَّيْتُها مَرْيَمَ) أملا لحصول مدلوله وروما وآم مسمّاها لاسمها (وَإِنِّي أُعِيذُها بِكَ) كرمك ، والمراد أعصمها إكراما (وَذُرِّيَّتَها) أولادها (مِنَ الشَّيْطانِ الرَّجِيمِ) ( 36 ) المطرود المردود ، ورد : « كلّ مولود ممسوس له حال الولاد إلّا روح اللّه وأمّه » .

(فَتَقَبَّلَها رَبُّها) وسمع دعاء أمّها وعصم ولدها عمّا هو السّوء (بِقَبُولٍ حَسَنٍ) سماع محمود وصلاح مسعود (وَأَنْبَتَها) رعرعها (نَباتاً) مصدر (حَسَناً) وسرهدها وأصلحها سدادا وأكملها صلاحا وطوّلها عمرا وعمّرها طهرا (وَكَفَّلَها) اللّه (زَكَرِيَّا) وكلّه وأصاره معدّا لمصالحها مكمّلا لأمورها كما ألهمه اللّه وأوحاه ، وأعدّ الإماء للدّرّ والمهد وكلّ ما صلح للأولاد ورووا ممدوا (كُلَّما دَخَلَ) ورد (عَلَيْها زَكَرِيَّا الْمِحْرابَ) وهو المركع ، أو محلّ عال أسّس وسط المركع ، له مصعد وسلّم ، ودام مورده مسدودا ما صعد لدحص أحوالها وعلم أسرارها إلّا هو وحده (وَجَدَ) أدرك وأحسّ (عِنْدَها رِزْقاً) أكلا وأحمالا ، أعطاها اللّه حمل موسم الحرّ حال موسم الصرّ ، وحمل موسم الصرّ حال موسم الحرّ (قالَ يا مَرْيَمُ أَنَّى لَكِ هذا) ممّ الطّعام الوارد ومورد

----------

وليس الذكر كالأنثى فيما نذرت (وإني سميتها مريم) وهي في لغتهم بمعنى العابدة (وإني أعيذها) أجيرها (بك وذريتها من الشيطان الرجيم) .

(فتقبلها ربها) رضي بها في النذر مكان الذكر (بقبول حسن) بوجه حسن يقبل به النذور (وأنبتها نباتا حسنا) رباها تربية حسنة بما يصلحها في جميع أحوالها (وكفلها) أي الله جعل كفيلها (زكريا) وقرىء بالتخفيف وكان زوج أختها (كلما دخل عليها زكريا المحراب) الصومعة التي بناها لها أو المسجد أو أشرف مواضعه سمي به لأنه محل محاربة الشيطان (وجد عندها رزقا) فاكهة الشتاء في الصيف وفاكهة الصيف في الشتاء (قال يا مريم أنى) من أين (لك هذا قالت

ص: 287

دارها مسدود وما عصره (قالَتْ) والحال محلّها المهد كما هو حال ولدها روح اللّه (هُوَ) الحمل أورده الملك (مِنْ عِنْدِ اللَّهِ) روح كرمه وكرم إكرامه وسماط سماحه (إِنَّ اللَّهَ) الرّاحم المكرم (يَرْزُقُ) إكراما (مَنْ يَشاءُ) إعطاءه (بِغَيْرِ حِسابٍ) ( 37 ) عطاء واسعا لا إحصاء له أو طولا لا أوسا للعمل .

(هُنالِكَ) محلّا طارها أو عصرا أطهر لمّا أحسّ حالها وكمالها ، وعلم مكارم كرم اللّه ومعالم طوله ومعاسر أطوار ، سهّلها اللّه لها (دَعا) سأل وطمع (زَكَرِيَّا رَبَّهُ) أسحارا وآصالا (قالَ) ملهما ومأمورا (رَبِّ هَبْ) أعط وأسمح (لِي مِنْ لَدُنْكَ) رحمك وطولك (ذُرِّيَّةً طَيِّبَةً) ولدا طاهرا صالحا مسعودا ورد للواحد وما عداه (إِنَّكَ سَمِيعُ الدُّعاءِ) ( 38 ) سامع كلّ دعاء وموسر كلّ معسر وموصل كلّ سؤل .

(فَنادَتْهُ) دعاه (الْمَلائِكَةُ) أوحاه الرّوح وحده أوردها محلّ الواحد إكراما له (وَ) الحال (هُوَ قائِمٌ) مصلّ (يُصَلِّي فِي الْمِحْرابِ) محلّ عال لها أو حرم اللّه (أَنَّ اللَّهَ) ورووا مكسور الأوّل (يُبَشِّرُكَ) مرسل لك إعلاما سارّا (بِيَحْيى) ولادة المأمول (مُصَدِّقاً) مسدّدا مسلّما وهو حال (بِكَلِمَةٍ مِنَ اللَّهِ) روح اللّه ، وهو أوّل مرء أسلمه أو مسلما كلام اللّه وطرسه المرسل

----------

هو من عند الله) قيل تكلمت صغيرة كعيسى وما رضعت قط وكان رزقها يأتيها من الجنة كرامة لها (إن الله يرزق من يشاء بغير حساب) بغير تقدير لكثرته أو بغير استحقاق تفضلا .

(هنالك) في ذلك المكان أو الوقت (دعا زكريا ربه) لما رأى كرامة مريم على الله (قال رب هب لي من لدنك ذرية طيبة) كما وهبتها لحنة العاقر العجوز أو لما رأى الفاكهة في غير وقتها طمع في ولادة العاقر يسأل الولد (إنك سميع الدعاء) مجيبه .

(فنادته الملائكة وهو قائم يصلي في المحراب أن) أي بأن (الله يبشرك بيحيى مصدقا بكلمة من الله) أي

ص: 288

(وَسَيِّداً) ساد رهطه ، أو إماما حالا وصلاحا وسدادا ورد ، ما همّ الإصر (وَحَصُوراً) إصرا لدرّه طارحا مسّ العرس ، أو محصورا محدودا آصارا وآمالا ولهوا (وَنَبِيًّا) مرسلا مولودا (مِنَ) الملأ الصَّالِحِينَ ( 39 ) صلحاء الرّهط وكرام الرّسل .

ولمّا سمع الرّسول كلام الملك حارّ و (قالَ) للّه أو للملك دسعا للوساس والّا وعده اللّه ولدا وسمع وعده ، أو هو سؤال عمّا حال ولادة (رَبِّ أَنَّى) للحال (يَكُونُ لِي غُلامٌ) ولد (وَقَدْ بَلَغَنِيَ الْكِبَرُ) أمد الهرم وحدّ العمر وح عمره عدد « صل » أو عدد « محمّد » أو عدد « ساحل » (وَامْرَأَتِي عاقِرٌ) لا صلاح لها للولاد وعمرها عدد « صح » (قالَ) اللّه الآمر (كَذلِكَ) كما أسمحك ولدا مع هرمك وهرم أهلك وعدم طولكما (اللَّهُ يَفْعَلُ) كلّ (ما يَشاءُ) ( 40 ) ولو محالا عادا .

(قالَ) الرّسول (رَبِّ اجْعَلْ) وأعط (لِي) وأصر (آيَةً) علما لأعلم حمله وسؤاله لحصول كمال السّرور ، (قالَ) الملك (آيَتُكَ) معلامك لعلم الحمل (أَلَّا تُكَلِّمَ النَّاسَ) عدم ألوّك الكلام إلّا حال أداء وردك ، وورد :

« كلّ مسحله » وورد : « أمسك عمّا الكلام » إصرا له لسؤاله العلم ، أو المراد : هو

----------

بعيسى لأنه وجد بقوله تعالى كن من غير أب (وسيدا) رئيسا في طاعة الله على أهل طاعته (وحصورا) لا يأتي النساء (ونبيا من الصالحين) .

(قال رب أنى يكون لي غلام) تعجبا (وقد بلغني الكبر) أدركني كبر السن وأضعفني وكان له تسع وتسعون سنة ولامرأته ثمان وتسعون (وامرأتي عاقر) لا تلد (قال كذلك) مثل خلق الولد من الهرمين (الله يفعل ما يشاء) .

(قال رب اجعل لي آية) علامة لوقت الحمل لأتلقاه بالشكر أو أعلم بها أن ذلك البشارة منك (قال ءايتك ألا تكلم الناس) لا تقدر على تكليمهم

ص: 289

الصّوم ولا كلام حال صومهم (ثَلاثَةَ أَيَّامٍ) ولاء (إِلَّا رَمْزاً) وراء ما كالمه الملك وهو ومأ الرّأس أو اللّمح (وَاذْكُرْ) ادع (رَبَّكَ) إلهك (كَثِيراً) لا إحصاء له (وَسَبِّحْ) صلّ (بِالْعَشِيِّ) العصر وحوّله (وَالْإِبْكارِ) ( 41 ) وراء السّحر .

(وَ) ادّكر رسول اللّه (إِذْ قالَتِ الْمَلائِكَةُ) المراد الملك وحده وهو :

« الرّوح » (يا مَرْيَمُ) ورد : « كلّموها صراحا » وكلام الملك معها لإكرام لها لا لإرسال أو إرهاصا لروح اللّه وما أرسل إلّا مرء ، أو المراد ألهموها (إِنَّ اللَّهَ اصْطَفاكِ) أكرمك أوّلا عصر الولاد وسمعك ممّا أمّك (وَطَهَّرَكِ) وعصمك عما ساءك وسلمك مما هو العور والرّكس كما هو للأعراس عموما (وَاصْطَفاكِ) وأعطاك ولدا لا والد له كروح اللّه (عَلى نِساءِ الْعالَمِينَ) ( 42 ) عوالم عصرك أو كلّها لعلوّ حالك وسمو أمرك .

(يا مَرْيَمُ اقْنُتِي لِرَبِّكِ )أمرها اللّه دوام الطّوع وطول الدّعاء (وَاسْجُدِي وَارْكَعِي) ما أورد الرّكوع أوّلا وما صدره لما هو المأمور والمعمول لهم أمدا (مَعَ الرَّاكِعِينَ) ( 43 ) اللّاوا صلّوا مع الملأ .

----------

(ثلاثة أيام) بلياليهن (إلا رمزا) إشارة كان يومىء برأسه (واذكر ربك كثيرا) في أيام المنع وفيه تأكيد لما قبله (وسبح بالعشي) من الزوال إلى الغروب (والإبكار) من الفجر إلى الضحى .

(وإذ قالت الملائكة يا مريم إن الله اصطفاك) أولا حين تقبلك من أمك رباك وأكرمك برزق الجنة (وطهرك) مما يستقذر من النساء أو من السفاح (واصطفاك) آخرا بالهداية وتكليم الملائكة والولد بلا أب (على نساء العالمين) عالمي زمانك وفاطمة سيدة نساء العالمين مطلقا .

(يا مريم اقنتي لربك واسجدي واركعي) أمرت بالصلوات بذكر أركانها (مع الراكعين) أي في الجماعة أو مع من يركع في صلاته لا مع من لا يركع .

ص: 290

(ذلِكَ) أحوال روح اللّه وأمّه وموكلها وولده وأمّها (مِنْ أَنْباءِ الْغَيْبِ) أسرار علم اللّه (نُوحِيهِ إِلَيْكَ) محمّد ( ص ) إعلاء لحالك وإكمالا لأمرك وما علمه إلّا لما أوحاه اللّه (وَما كُنْتَ لَدَيْهِمْ) صدد علماء الحرم (إِذْ يُلْقُونَ أَقْلامَهُمْ) سهامهم وسط الماء حال ولادها ، أو المراد مساطر طرس الهود رصّادا (أَيُّهُمْ يَكْفُلُ مَرْيَمَ) إصلاحا وإكمالا (وَما كُنْتَ) محمّد ( ص ) (لَدَيْهِمْ إِذْ يَخْتَصِمُونَ) ( 44 ) هؤلاء العلماء لإكمالها .

وادّكر رسول اللّه (إِذْ قالَتِ الْمَلائِكَةُ) الرّوح وحده ( يا مَرْيَمُ إِنَّ اللَّهَ) كرما (يُبَشِّرُكِ) إعلاما سارّا (بِكَلِمَةٍ) صدورها (مِنْهُ) اللّه (اسْمُهُ الْمَسِيحُ) وسمّاه لما كلّما مسح الأعلّاء صحّوا أو مسح الرّمكاء ورحل دواما أو مسحه الرّوح (عِيسَى ابْنُ مَرْيَمَ) أورد اسم أمّه إعلاما لعدم الوالد له (وَجِيهاً) محمودا مسعودا آمرا هماما وهو حال (فِي الدُّنْيا) لألوكه حالا (وَالْآخِرَةِ) لعلوّه مآلا (وَ) معدودا (مِنَ الْمُقَرَّبِينَ) ( 45 ) لصعوده مصاعد السّماء وادراك مدارك الملك .

(وَيُكَلِّمُ النَّاسَ) ومكمّلا لهم وهو (فِي الْمَهْدِ) مصدر صار اسما للممهّد وهو حال (وَكَهْلًا) حال كمال إدراكه وسطوع حواسه وعلوّ علمه وهو

----------

(ذلك من أنباء الغيب نوحيه إليك) أي ما سبق من الغيوب التي لا تعرف إلا بالوحي (وما كنت لديهم إذ يلقون أقلامهم) التي كانوا يكتبون بها التوراة للإقراع أو قداحهم ليعلموا (أيهم يكفل مريم وما كنت لديهم إذ يختصمون) تنافسا في كفالتها .

(إذ قالت الملائكة يا مريم إن الله يبشرك بكلمة منه اسمه المسيح) في لغتهم مسيحا لأنه معناه المبارك (عيسى ابن مريم وجيها) حال من كلمة سوغه وصفها (في الدنيا) بالنبوة (والآخرة) بالشفاعة (ومن المقربين) من الله .

(ويكلم الناس في المهد وكهلا) من غير تفاوت في

ص: 291

حال الوسط ، والحاصل كلامه معهم حال المهد والكهل كلام الرّسل علوّا وكمالا (وَ) وهو (مِنَ) الرّهط (الصَّالِحِينَ) ( 46 ) أكارم الرّسل وأصالحهم .

(قالَتْ) أمّه روما للإعلام (رَبِّ أَنَّى) للحال (يَكُونُ لِي وَلَدٌ) كما هو وعدك (وَلَمْ يَمْسَسْنِي بَشَرٌ) والولاد مع عدم المسّ ما هو معهودا (قالَ) الملك أو اللّه والملك حال الأمر (كَذلِكِ) ما ولد ولد إلّا وله والد (اللَّهُ يَخْلُقُ ما يَشاءُ) هو أسر ومصرّح ما أراده كما آدم وحوّا ولا والد ولا أمّ لهما وله حوال كلّ أحد وطول كلّ حال ، (إِذا قَضى) اللّه (أَمْراً) أراده وحكمه (فَإِنَّما يَقُولُ لَهُ) للأمر المعلوم المعدوم المراد حصوله (كُنْ) صر حاصلا (فَيَكُونُ) ( 47 ) الأمر المعهود المحكوم كما أراد ، ولا إمهال لأمره ولا رادّ لحكمه .

(وَيُعَلِّمُهُ) اللّه الولد المحمود (الْكِتابَ) ألواح رسل أوحاهم اللّه ، أو علم السّطر والرّسم وهو أكمل أهل عصره رسما (وَالْحِكْمَةَ) أسرار الكلّ (وَالتَّوْراةَ) طرس الهود (وَالْإِنْجِيلَ) ( 48 ) طرس روح اللّه .

(وَرَسُولًا) موصول مع أحوال أمامه ، أو المراد واصاره رسولا ، أو الأصل كهلا ورسولا (إِلى بَنِي إِسْرائِيلَ) أوردهم لمّا هو مرسل هم لا عام أو لردّ ما وهموا هو مرسل لسواهم لا لهم مكمّلا معهم (أَنِّي قَدْ جِئْتُكُمْ بِآيَةٍ )

----------

الحالين بكلام الله قيل رفع شابا فالمراد كهلا بعد نزوله وذكر تقلب أحواله دليل على نفي إلهيته (ومن الصالحين) حال رابع من كلمة .

(قالت رب أنى يكون لي ولد ولم يمسسني بشر) تعجب أو استفهام (قال) جبرائيل أو الله وهو المبلغ (كذلك الله يخلق ما يشاء إذا قضى أمرا فإنما يقول له كن فيكون) قادر أن يخلق الأشياء بلا أسبأب كما خلقها بأسبأب .

(ويعلمه الكتاب) الكتابة أو جنس الكتب المنزلة (والحكمة والتوراة والإنجيل) خصا لفضلهما .

(ورسولا إلى بني إسرائيل أني قد جئتكم بآية من ربكم) أي بقبول أرسلت

ص: 292

علم ودالّ ، والمراد الأعلام والدّوالّ (مِنْ رَبِّكُمْ) لسداد كلام أورده وإصلاح مرام أصرّحه (أَنِّي) ورووه مكسورا (أَخْلُقُ) أصوّر (لَكُمْ مِنَ الطِّينِ) حماء أسود (كَهَيْئَةِ الطَّيْرِ) مصوّرا كاملا (فَأَنْفُخُ فِيهِ) المصوّر (فَيَكُونُ طَيْراً) له اللّحم والدّم والرّوح والحمل والولاد وما صوّر وعمّر إلّا الوطواط (بِإِذْنِ اللَّهِ) أمره وحكمه (وَأُبْرِئُ) أصحّح (الْأَكْمَهَ) وهو مولود ولد مع عماه أو الممسوح (وَالْأَبْرَصَ) وهو مرء طلح سطح صرمه لطلاح الدّم ، أو السّوداء أو ما عداهما وهما أعسر علل وأسوأ أدواء وهو داواهما دعاء (وَأُحْيِ الْمَوْتى) ادعو اللّه وهو سامع الدّعاء وواسع العطاء ، وورد عمّر رهطا واحدهم سام صدع مرمسه وسطع هرما ووهم حلول المعاد وأهواله وما هرم أحد عصره ، ولمّا كلّم حار وسأل روح اللّه أحلّ المعاد ؟ حاوره لا ، وعمّرك اللّه لدعاء اسم اللّه الأكرم ، ورهطه كلّهم سمّوه سحرا (بِإِذْنِ اللَّهِ) حكمه كرّره مؤكّدا (وَأُنَبِّئُكُمْ) أعمّلكم وأصرحكم (بِما تَأْكُلُونَ) مآكلكم (وَما تَدَّخِرُونَ) ممّا هو معدّكم سرّا لا اطّلاع لأحد سواكم ، و « ما » للموصول وله محمل المصدر (فِي بُيُوتِكُمْ) دوركم ومطاعمكم (إِنَّ فِي ذلِكَ) ما مر (لَآيَةً) علما (لَكُمْ) لسداد رسولكم (إِنْ كُنْتُمْ مُؤْمِنِينَ) ( 49 ) للّه ورسله سدادا .

----------

رسولا (أنى أخلق لكم من الطين كهيئة الطير فأنفخ فيه) الضمير للكاف بمعنى مثل (فيكون طيرا بإذن الله) وأمره إشارة إلى أن إحياءه من الله لا منه (وأبرىء الأكمه) الذي ولد أعمى (والأبرص) قيل ربما اجتمع عليه ألوف من المرضى من أطاق أتاه ومن لم يطق أتاه عيسى وما يداوي إلا بالدعاء (وأحيي الموتى) وممن أحيا سام بن نوح (بإذن الله) كرر لدفع توهم الألوهية (وأنبئكم بما تأكلون وما تدخرون في بيوتكم) أي بالمغيبات من أحوالكم (إن في ذلك لآية لكم إن كنتم مؤمنين) مصدقين بالمعجزات .

ص: 293

(وَ) حصل الورود (مُصَدِّقاً) مسدّدا (لِما بَيْنَ يَدَيَّ) ممّا أورده وأوحاه اللّه (مِنَ التَّوْراةِ) طرس الهود (وَ) حصل الورود (لِأُحِلَّ لَكُمْ) لأعلّمكم إحلالا (بَعْضَ الَّذِي) أراد الكلّ (حُرِّمَ عَلَيْكُمْ) كلحوم الدّاعر والسّمك ، وورد علماء الهود حرّموا أمورا ما حرّمها اللّه ، واللّه أمره إعلام ما هو الحلال والحرام لهم (وَجِئْتُكُمْ بِآيَةٍ) علم (مِنْ رَبِّكُمْ) كرّر مؤكّدا وحدّها لوجود كلّها مدلولا ومآلا كما مرّ (فَاتَّقُوا اللَّهَ) روعوه واطرحوا طوالح الأعمال (وَأَطِيعُونِ) ( 50 ) كما أدعوكم .

(إِنَّ اللَّهَ) الآسر المصلح لأمور الكلّ (رَبِّي وَرَبُّكُمْ) ردّ لهم عمّا وهموه إلها (فَاعْبُدُوهُ) وحدّوه وصدّوا عمّا سواه هذا الوارد المأمور (صِراطٌ مُسْتَقِيمٌ) ( 51 ) مسلك سواء لأهل لإسلام .

(فَلَمَّا أَحَسَّ) سمع وعلم علما لا إعوار له كعلم الحواسّ (عِيسى مِنْهُمُ) الهود (الْكُفْرَ) العدول والصّدود اصرارا وأرادوا إهلاكه (قالَ مَنْ أَنْصارِي) أولو الإمداد والإسعاد واردا سالكا (إِلَى) امر (اللَّهِ) وإسلامه

----------

(ومصدقا لما بين يدي من التوراة) أي وجئتكم مصدقا (ولأحل لكم بعض الذي حرم عليكم) في شريعة موسى كلحم الإبل والشحوم والثرب وبعض الطير والسمك (وجئتكم بآية من ربكم) ذكر ذلك أولا تمهيدا للحجة ثم كرره بعد ذكر الحجة تذكيرا يترتب عليه (فاتقوا الله وأطيعون إن الله ربي وربكم فاعبدوه) إشارة إلى العلم والعمل (هذا) أي الجمع بين الأمرين (صراط مستقيم) موصل إلى النجاة .

(فلما أحس عيسى منهم الكفر) لما سمع ورأى أنهم يكفرون وعلم ذلك منهم كعلم ما يدرك بالحواس (قال من أنصاري إلى الله) الجار

ص: 294

(قالَ الْحَوارِيُّونَ) هم كمّل رهطه وكرام أهل الولاء له حوّروا عمّا هو العوار والوصم ورد هم رسل وردهم ملوك ووردهم عرك وهم مصطادو السمك (نَحْنُ أَنْصارُ اللَّهِ) أرداء إسلامه ورسوله (آمَنَّا بِاللَّهِ) المرسل للرّسل أوّلا وهو أرسلك رسولا مصلحا لرهطك (وَاشْهَدْ) عدلا (بِأَنَّا مُسْلِمُونَ) ( 52 ) لك والرّسل كلّهم مسدّد وأرهاطهم ومصلحو أمورهم معادا .

ودعوا (رَبَّنا) اللّهمّ (آمَنَّا) إسلاما كاملا (بِما أَنْزَلْتَ) وهو الطّرس المعهود (وَاتَّبَعْنَا) طوعا (الرَّسُولَ) رسولك (فَاكْتُبْنا) كما هو كرمك (مَعَ) الملأ (الشَّاهِدِينَ) ( 53 ) لوحودك وهم عدول الصّلحاء طرّا أو لأولاد آدم وهم رهط محمّد صلعم أو للأمم أو هم الرّسل عموما .

(وَمَكَرُوا) محلوا وسعوا لإهلاكه سرّا وهمّوا طلاح الأمر وهم طلّاح الهود (وَمَكَرَ اللَّهُ) ردّ اللّه مكرهم وحرسهم وأهلكوا رداءهم وهما ، أو مكر اللّه إهلاكهم (وَاللَّهُ خَيْرُ الْماكِرِينَ) ( 54 ) أعلمهم لمّا ردّ مكرهم ولا علم

----------

متعلق بأنصاري أي من يضيف نفسه إلى الله في نصري (قال الحواريون) حواري الرجل خالصته من الحور وهو البياض الخالص لنقاء قلوبهم وخلوص نيتهم (نحن أنصار الله) أنصار دينه ورسوله (ءامنا بالله واشهد بأنا مسلمون) استشهدوه لأن الرسل يوم القيامة يشهدون لقومهم وعليهم .

(ربنا ءامنا بما أنزلت واتبعنا الرسول فاكتبنا مع الشاهدين) بالوحدانية أو مع الأنبياء الذين يشهدون لأممهم أو مع أمة محمد لقوله لتكونوا شهداء على الناس .

(ومكروا) أي اليهود الذين أحس منهم الكفر بتوكيلهم من يقتله غيلة (ومكر الله) برفعه عيسى وإلقاء شبهة على من أراد اغتياله حتى قتل وأسند المكر إليه تعالى للمقابلة (والله خير الماكرين) أنفذهم كيدا .

ص: 295

لهم وحصل المكر .

(إِذْ قالَ اللَّهُ) وهو معمول ل « مكر اللّه » أو لادّكر (يا عِيسى إِنِّي مُتَوَفِّيكَ) حاسم عمرك ومكمّل عملك ، وعاصمك عمّا أراد الأعداء وهو إهلاكك وإهدار دمك (وَرافِعُكَ) مصعدك (إِلَيَّ) سماء العلوّ ومحلّ الكرم وعالم الرّوح وملك الملك (وَمُطَهِّرُكَ) محرّرك وحارسك (مِنَ) همّ هؤلاء (الَّذِينَ كَفَرُوا) أو ممّا سوء احمام دارهم (وَجاعِلُ) الملأ (الَّذِينَ اتَّبَعُوكَ) سلكوا صراطك وعملوا كما هو أمرك وهم أهل الإسلام ، ورد المراد رهط روح اللّه وح المراد ادّعوا ودّ طوعك (فَوْقَ) الرّهط (الَّذِينَ كَفَرُوا) عدلوا وهو الهود ورهط روح اللّه أو الهود وحدها وعلوّ الرّوم وكوحهم علاها كما وعد اللّه ساطع أدلاء وحساما (إِلى يَوْمِ الْقِيامَةِ) أمد الدّهر (ثُمَّ إِلَيَّ مَرْجِعُكُمْ) معادكم (فَأَحْكُمُ بَيْنَكُمْ) عدلا وسدادا (فِيما) أمر (كُنْتُمْ فِيهِ) سداده (تَخْتَلِفُونَ) ( 55 ) وهو أمر الإسلام أو حال الرّسول وسداد كلامه .

----------

(إذ قال الله) ظرف خبر الماكرين أو لمكر الله (يا عيسى إني متوفيك) مستوفي أجلك وعاصمك من قتلهم إلى أجلك المسمى أو متسلمك من الأرض أو قابضك إلى غير موت (ورافعك إلي) إلى سمائي ومقر ملائكتي (ومطهرك من الذين كفروا) من سوء جوارهم (وجاعل الذين اتبعوك فوق الذين كفروا إلى يوم القيامة) يعلونهم بالحجة والسيف في أكثر الأحوال ومتبعوه هم المسلمون دون من كذبه وكذب عليه من اليهود والنصارى (ثم إلي مرجعكم) أي عيسى ومن تبعه وكفر به (فأحكم بينكم فيما كنتم فيه تختلفون) في أمر الدين .

ص: 296

(فَأَمَّا) الملأ (الَّذِينَ كَفَرُوا) عدلوا عمّا هو سواء الصّراط (فَأُعَذِّبُهُمْ) لعدولهم (عَذاباً شَدِيداً) وأحوّل صورهم وأهلكهم إهلاكا عسرا وأعلّلهم وأولمهم وأوصلهم عواسر العلل والآلام (فِي) الدّار (الدُّنْيا وَ) الدّار (الْآخِرَةِ) حالا ومآلا (وَما لَهُمْ مِنْ ناصِرِينَ) ( 56 ) أهل إمداد وإسعاد لدسع الآلام والآصار .

(وَأَمَّا) الملأ (الَّذِينَ آمَنُوا) أسلموا (وَعَمِلُوا) الأعمال (الصَّالِحاتِ) ما أمرها اللّه (فَيُوَفِّيهِمْ) اللّه (أُجُورَهُمْ) وآما لأعمالهم (وَاللَّهُ) الملك العدل (لا يُحِبُّ الظَّالِمِينَ) ( 57 ) الصّداد عمّا أمرهم اللّه .

(ذلِكَ) كلام روح اللّه وأمّه وحالهما ، وهو محكوم ، محموله (نَتْلُوهُ عَلَيْكَ) محمّد ( ص ) لحصول علمك (مِنَ الْآياتِ) الكوامل والأعلام السّواطع وهو حال (وَالذِّكْرِ الْحَكِيمِ) ( 58 ) كلام محكم أو حاو لحكم ومصالح ، والمراد كلام اللّه ، وورد هو اللّوح .

ولمّا سألوا رسول اللّه صلعم حال ولاد روح اللّه أرسل اللّه (إِنَّ مَثَلَ عِيسى) حال روح اللّه ، وأمره الهكر (عِنْدَ اللَّهِ كَمَثَلِ) حال (آدَمَ) لما لا

----------

(فأما الذين كفروا فأعذبهم عذابا شديدا في الدنيا والآخرة وما لهم من ناصرين) .

(وأما الذين ءامنوا وعملوا الصالحات فيوفيهم أجورهم) تفصيل للحكم وقرىء يوفيهم بالياء والباقون بالنون (والله لا يحب الظالمين) لا يرضى عنهم .

(ذلك) المذكور من نبأ موسى وغيره (نتلوه عليك من الآيات والذكر الحكيم) القرآن الناطق بالحكمة أو المحكم أو اللوح المحفوظ .

(إن مثل عيسى) في الخلقة من غير أب (عند الله كمثل ءادم خلقه من تراب) من غير أب ولا أم، شبه الغريب بالأغرب ليكون أقطع للخصم

ص: 297

والد له (خَلَقَهُ) صوّر اللّه آدم (مِنْ تُرابٍ) صلصال (ثُمَّ قالَ لَهُ كُنْ) صر مؤدما (فَيَكُونُ) ( 59 ) صار مؤدّما حال حكاها اللّه .

هو (الْحَقُّ) السّداد العدل صادرا (مِنْ رَبِّكَ) الأكرم (فَلا تَكُنْ) رسول اللّه (مِنَ الْمُمْتَرِينَ) ( 60 ) أهل الإعوار والوهم واعلم علما مسدّدا ، والكلام مع رسول اللّه صلعم والمراد رهطه .

(فَمَنْ حَاجَّكَ) ما رآك رسول اللّه (فِيهِ) أمر روح اللّه (مِنْ بَعْدِ ما) للموصول (جاءَكَ) وردك وصحّ وروده لك (مِنَ الْعِلْمِ) المسدّد المدلّل (فَقُلْ) لهم محمّد ( ص ) (تَعالَوْا) هلمّوا ما وحّده رعاء لعموم مدلول الموصول ، (نَدْعُ أَبْناءَنا) أراد ولد أسد اللّه الكرّار (وَأَبْناءَكُمْ) أولادكم (وَنِساءَنا) أراد ولده الودود عرس أسد اللّه وأهله (وَنِساءَكُمْ) أعراسكم (وَأَنْفُسَنا) أراد ولد عمّه أسد اللّه (وَأَنْفُسَكُمْ ثُمَّ نَبْتَهِلْ) وهو الدّعاء كدّا (فَنَجْعَلْ لَعْنَتَ اللَّهِ) طرده وردّه (عَلَى) الرّهط (الْكاذِبِينَ) ( 61 ) أهل الولع عموما سواء رهطكم أو رهط محمّد رسول اللّه .

----------

(ثم قال له كن فيكون) حكاية حال ماضية .

(الحق) خبر محذوف أي هذا أو هو أو مبتدأ خبره (من ربك فلا تكن من الممترين) نهيه (صلى الله عليه وآله وسلّم) من باب التهيج لزيادة اليقين أو من باب إياك أعني .

(فمن حاجك) من النصارى (فيه) في عيسى (من بعد ما جاءك من العلم) بأنه عبد الله ورسوله (فقل تعالوا ندع أبناءنا وأبناءكم ونساءنا ونساءكم وأنفسنا وأنفسكم) أي يدعو كل منا ومنكم أبناءه ونساءه ومن هو كنفسه إلى المباهلة (ثم نبتهل) نباهل بأن نلعن الكاذب منا والبهلة بالفتح والضم اللعنة (فنجعل لعنة الله على الكاذبين) دعاهم إلى الشهادتين وأن عيسى عبد مخلوق

ص: 298

(إِنَّ هذا) المسطور وهو حال روح اللّه وأمّه (لَهُوَ الْقَصَصُ الْحَقُّ) السّادّ الواطد (وَما مِنْ) مؤكّد للردّ (إِلهٍ) مألوه (إِلَّا اللَّهُ) وهو مدلول « لا إله إلّا اللّه » لا مساهم له ولا ولد ، والمراد ردّ رهط روح اللّه (وَإِنَّ اللَّهَ) كامل الطّول (لَهُوَ) لا أحد سواه (الْعَزِيزُ) ملكا وأمرا (الْحَكِيمُ) ( 62 ) حكما وإسرارا .

(فَإِنْ تَوَلَّوْا) صدّوا وما طاوعوا (فَإِنَّ اللَّهَ) العالم للكلّ (عَلِيمٌ بِالْمُفْسِدِينَ) ( 63 ) طلّاح الأعمال أوعدهم اللّه وهدّدهم .

(قُلْ) محمّد رسول اللّه (يا أَهْلَ الْكِتابِ) الهود ورهط روح اللّه (تَعالَوْا) هلمّوا (إِلى كَلِمَةٍ سَواءٍ) عدل سوّاها اللّه مدلولا وسدادا (بَيْنَنا وَبَيْنَكُمْ) ما ادّارءها كلام اللّه وطرس الهود وطرس روح اللّه والرّسل كلّهم مآلها (أَلَّا نَعْبُدَ) إلها (إِلَّا اللَّهَ) لا سواه (وَلا نُشْرِكَ بِهِ شَيْئاً) ولا سوهم له

----------

يأكل ويشرب ويحدث فأبوا فقال فليحضر كل منا ومنكم نفسه وأعزة أهله فندعوا على الكاذب من الفريقين فقبلوا فأتى (صلى الله عليه وآله وسلّم) بأمير المؤمنين وفاطمة والحسنين (عليهم السلام) فخافوا ولم يرضوا ورضوا بالجزية وانصرفوا .

(إن هذا) الذي قص من نبإ عيسى (لهو القصص) النبأ (الحق وما من إله إلا الله) رد على النصارى في تثليثهم (وإن الله لهو العزيز الحكيم) لا يشارك في الحكمة والقدرة .

(فإن تولوا فإن الله عليم بالمفسدين) وعيد لهم ولم يقل بهم ليدل على أن الإعراض عن الحجج والتوحيد إفساد للدين بل للعالم.

(قل يا أهل الكتاب) يعم أهل الكتابين أو نصارى نجران أو يهود بالمدينة (تعالوا إلى كلمة سواء) مستوية (بيننا وبينكم) لا نخلف فيها الرسل والكتب وهي (ألا نعبد إلا الله ولا نشرك به شيئا) في عبادة

ص: 299

مساهم اهلا للطّوع كما هو علمكم (وَلا يَتَّخِذَ بَعْضُنا) طوعا (بَعْضاً) آحادا (أَرْباباً) حكّاما ورؤساء (مِنْ دُونِ اللَّهِ) سواه وهم أطاعوا علماء رهطهم وألّاههم وحرّموا حرامهم وحلّلوا حلالهم وما عملوا ما أرسله اللّه (فَإِنْ تَوَلَّوْا) عدلوا وصدّوا عمّا أمروا وردعوا (فَقُولُوا) لهم أهل الإسلام (اشْهَدُوا) عدلا وسدادا (بِأَنَّا مُسْلِمُونَ) ( 64 ) للّه الواحد الأحد .

(يا أَهْلَ الْكِتابِ) الطّرس (لِمَ تُحَاجُّونَ فِي) أمر (إِبْراهِيمَ) وإسلامه والهود ورهط روح اللّه وهموه واحدهم (وَما أُنْزِلَتِ التَّوْراةُ) مدار أمر الهود (وَالْإِنْجِيلُ) مدار الأحكام لرهط روح اللّه (إِلَّا مِنْ بَعْدِهِ) رواحه عهودا طوالا ومددا مدادا (أَ فَلا تَعْقِلُونَ) ( 65 ) ولع كلامكم وسوء وهمكم وطلاح دعواكم ولمّ موهومكم أمر محال .

----------

وغيرها (ولا يتخذ بعضنا بعضا أربابا من دون الله) لا نقول عزير ابن الله ولا المسيح ابن الله ولا نطيع الأحبار فيما أحدثوا من التحليل والتحريم إذ من أصغى إلى ناطق فقد عبده (فإن تولوا) عن التوحيد (فقولوا اشهدوا بأنا مسلمون) أي لزمتكم الحجة فاعترفوا بأنا مسلمون دونكم .

(يا أهل الكتاب لم تحاجون في إبراهيم) ادعى كل من اليهود والنصارى أنه منهم (وما أنزلت التوراة والإنجيل إلا من بعده أفلا تعقلون) وكان إبراهيم قبل موسى بألف سنة وقبل عيسى بألفين فكيف يكون على اليهودية والنصرانية .

ص: 300

(ها) للإعلام ومدلوله اعلموا (أَنْتُمْ) محكوم ، محموله (هؤُلاءِ) الأرهاط الورة (حاجَجْتُمْ) عداء وهموكا (فِيما) أمر (لَكُمْ بِهِ عِلْمٌ) ممّا حواه طرسكم وأدركه حسّكم الكدر (فَلِمَ تُحَاجُّونَ) وهما وصدودا (فِيما) أمر (لَيْسَ لَكُمْ بِهِ عِلْمٌ) وما هو مدلول طرسكم المرسل ، ومعلومكم هو ادّعاءكم الموهوم (وَاللَّهُ يَعْلَمُ) أمره (وَأَنْتُمْ لا تَعْلَمُونَ) ( 66 ) حاله هو رسول أرسل لإصلاح رهطه .

(ما كانَ) أصلا (إِبْراهِيمُ) الرّسول (يَهُودِيًّا) كما ادّعاه الهود (وَلا نَصْرانِيًّا) كما ادّعاه رهط روح اللّه ، وهو ردّ لكلامهما ودعواهما (وَلكِنْ كانَ حَنِيفاً) طاهرا موحّدا مال عمّا هو السّوء (مُسْلِماً) أسلم للّه مصمّما (وَما كانَ مِنَ) الملأ (الْمُشْرِكِينَ) ( 67 ) كالهود وما عداهم ردّ لدعواهم .

(إِنَّ أَوْلَى النَّاسِ) وأحراهم وأوصلهم (بِإِبْراهِيمَ) طوعا (لَلَّذِينَ اتَّبَعُوهُ) أطاعوه وسمعوا أمره وأحكامه (وَهذَا النَّبِيُّ) محمّد رسول اللّه صلعم ، ورووه مكسورا (وَ) الملأ (الَّذِينَ آمَنُوا) أسلموا وهم رهطه (وَاللَّهُ) الرّاحم (وَلِيُّ الْمُؤْمِنِينَ) ( 68 ) ممدهم ومسعدهم حالا ومالا

----------

(ها) للتنبيه (أنتم هؤلاء حاججتم) جادلتم (فيما لكم به علم) مما في التوراة والإنجيل (فلم تحاجون فيما ليس لكم به علم) ولا ذكر في كتابيكم من دين إبراهيم (والله يعلم) ذلك (وأنتم لا تعلمون) .

(ما كان إبراهيم يهوديا ولا نصرانيا ولكن كان حنيفا) مائلا عن الأديان الباطلة (مسلما) مخلصا لله (وما كان من المشركين) فيه تعريض بشركهم.

(إن أولى الناس بإبراهيم) أخصهم به وأقربهم منه (للذين اتبعوه) سابقا (وهذا النبي والذين ءامنوا) معه لموافقتهم له في أكثر شريعته أصالة (والله ولي المؤمنين) ناصرهم .

ص: 301

لطوعهم أوامره وأحكامه .

(وَدَّتْ طائِفَةٌ) رهط (مِنْ أَهْلِ الْكِتابِ) الهود (لَوْ يُضِلُّونَكُمْ) أهل الإسلام إطلاحا ، وهم دعوا عمّارا ومعه رداؤه لطوعهم وأرادوا عودهم ، و « لو » للمصدر (وَما يُضِلُّونَ) أحدا (إِلَّا أَنْفُسَهُمْ) وما معاد طلاعهم وإطلاحهم سواهم (وَما يَشْعُرُونَ) ( 69 ) مآل أمرهم وسوء معادهم .

( يا أَهْلَ الْكِتابِ) رهط الهود ورهط روح اللّه (لِمَ تَكْفُرُونَ) ردّا وعدولا (بِآياتِ اللَّهِ) أدلّاء سواطعه عموما أو دوّالّ طرسه للهود ورهط الرّوح ، أو محامد محمّد رسول اللّه صلعم وموعد إرساله (وَ) الحال (أَنْتُمْ) أهل الطّرس (تَشْهَدُونَ) ( 70 ) سداد مدلولها .

( يا أَهْلَ الْكِتابِ) رهط الهود ورهط روح اللّه (لِمَ تَلْبِسُونَ الْحَقَّ) سداد كلام اللّه وإرساله (بِالْباطِلِ) الولع وهم حوّلوا مدح محمّد صلعم وسطوع إرسالهأو المراد سوط إسلامهم لرسول الهود وروح اللّه مع ردّ محمّد صلعم (وَتَكْتُمُونَ الْحَقَّ) محامد محمّد صلعم ، أو كلّ ما مرّ (وَ) الحال (أَنْتُمْ) أهل العدول (تَعْلَمُونَ) ( 71 ) علوّ حاله وسداد إرساله وما عدو لكم

----------

(ودت طائفة من أهل الكتاب لو يضلونكم) قيل هم اليهود دعوا حذيفة وعمار ومعاذ إلى اليهودية ولو بمعنى أن (وما يضلون إلا أنفسهم) لا يلحق وبال ضلالهم إلا بهم إذ يضاعف به عذابهم (وما يشعرون) بذلك .

(يا أهل الكتاب لم تكفرون بآيات الله) في كتبكم الناطقة بنبوة محمد صلى الله عليه واله (وأنتم تشهدون) بصدقها .

(يا أهل الكتاب لم تلبسون الحق بالباطل) تخلطونه بالتحريف (وتكتمون الحق) من نبوة محمد صلى الله عليه واله (وأنتم تعلمون) .

ص: 302

وولعكم إلّا لحسدكم .

والهود لمّا اطّردوا وأمروا رهطهم إعلاء الإسلام مكرا وولعا مع العدول سرّا والعود مسرعا إعلاما لأهل الإسلام عدم سداد إرسال محمّد صلعم روما لردّهم وطمعا لعودهم ، أرسل اللّه لإعلام أحوالهم وإعلاء مكرهم (وَقالَتْ طائِفَةٌ) رهط (مِنْ أَهْلِ الْكِتابِ) معهم وأمروا رهطهم (آمِنُوا) أسلموا ولعا (بِالَّذِي) كلام اللّه (أُنْزِلَ) أرسل (عَلَى) الملأ (الَّذِينَ آمَنُوا) أسلموا أرادوا محمّدا رسول اللّه صلعم ورهطه لما هو كالمرسل للكلّ (وَجْهَ النَّهارِ) صدره وأوّله (وَاكْفُرُوا آخِرَهُ) أمده (لَعَلَّهُمْ) أهل الإسلام (يَرْجِعُونَ) ( 72 ) حال اطلاعهم عودكم وعلمهم ما عادوا وهم أهل علم إلّا لأمر لاح لهم .

(وَ) ردعوهم (لا تُؤْمِنُوا) سرّا (إِلَّا لِمَنْ تَبِعَ) طاوع (دِينَكُمْ) طوعكم (قُلْ) لهم رسول اللّه (إِنَّ الْهُدى) المسلك السّواء (هُدَى اللَّهِ) صراطه الأسدّ الموصل وهو الإسلام وما عداه مهلك ، وهو كلام وسّط لردّ مكر الهود وعدم عوده لهم ، وأعاد كلامهم معهم وهو (أَنْ يُؤْتى أَحَدٌ) أراد أهل الإسلام وهو معمول لردع مرّ (مِثْلَ ما) طرس (أُوتِيتُمْ) علوما وحكما ،

----------

(وقالت طائفة من أهل الكتاب ءامنوا بالذي أنزل على الذين ءامنوا) أظهروا الإيمان بالقرآن (وجه النهار) أوله (واكفروا) به (ءاخره لعلهم يرجعون) في دينهم لذلك ويرجعون عنه .

(ولا تؤمنوا إلا لمن تبع دينكم) أي لا تصدقوا إلا لأهل دينكم أو لا تظهروا إيمانكم وجه النهار إلا لمن كان على دينكم فإنهم أرجى رجوعا (قل إن الهدى هدى الله) يوفق من يشاء للإسلام ويثبته عليه (أن يؤتى أحد مثل ما أوتيتم) يتعلق بلا تؤمنوا أي لا تظهروا إيمانكم بأن يؤتى أحد مثل

ص: 303

أرادوا أسرّوا إسلامكم لإرسال اللّه طرسا لأهل الإسلام كما أهل لكم إلّا صدد رهطكم وحدهم ، لا صدد أهل الإسلام لما هو مسدّد لإسلامهم ولا صدد أهل العدول والطّلاح عموما لما هو داع لإسلامهم (أَوْ يُحاجُّوكُمْ) إدلاء ومراء ، ومعاد « الواو » أحد ما وحّده ما عاد مع وجود معاده ، لعموم مدلوله ومراده وهو أهل الإسلام .

(عِنْدَ رَبِّكُمْ) الملك العدل معادا حال إحصاء الأعمال لعلوّ أمره وسطوع دوالّهم (قُلْ) رسول اللّه (إِنَّ الْفَضْلَ) إسلاما وعلوّا أو علوما وحكما (بِيَدِ اللَّهِ) أم (يُؤْتِيهِ) كرما (مَنْ يَشاءُ) وله الإعطاء لكلّ أحد أراد (وَاللَّهُ واسِعٌ) واسع الكرم والرّحم (عَلِيمٌ) ( 73 ) عالم الكلّ كامل العلم .

(يَخْتَصُّ بِرَحْمَتِهِ) إسلامه أو كلامه أو إرساله (مَنْ يَشاءُ) وهو أهله (وَاللَّهُ) لا سواه (ذُو الْفَضْلِ الْعَظِيمِ) ( 74 ) العطاء الكامل وهو ردّ لما وهموه .

----------

ما أوتيتم إلا لأهل دينكم ولا تفشوه للمسلمين لئلا يزيدهم ثباتا ولا للمشركين لئلا يدعوهم إلى الإسلام أو بمحذوف أي قلتم ذلك ودبرتموه لأن يؤتى يعني دعاكم الحسد إلى ذلك ويؤيده قراءته أن يؤتى على الاستفهام للتوبيخ أي لأن يؤتى دبرتم كذا وقوله (إن الهدى هدى الله) اعتراض حتى (أو يحاجوكم) به (عند ربكم) فيقطعوكم والواو لأحد لأنه في معنى الجمع (قل إن الفضل بيد الله يؤتيه من يشاء والله واسع عليم) .

(يختص برحمته من يشاء والله ذو الفضل العظيم) فلا هداية ولا توفيق إلا من لطفه .

ص: 304

(وَمِنْ أَهْلِ الْكِتابِ) رهط الهود (مَنْ إِنْ تَأْمَنْهُ) محمّد ( ص ) (بِقِنْطارٍ) مال واسع (يُؤَدِّهِ إِلَيْكَ) أداء كاملا وهو « ولد سلام » أودعه أحد مالا ، وأدّاه وما مطل وما ألس أصلا (وَمِنْهُمْ) رهط الهود (مَنْ إِنْ تَأْمَنْهُ بِدِينارٍ) والمراد مال ماصل (لا يُؤَدِّهِ إِلَيْكَ) لكمال ألسه ك « ولد عادورا » (إِلَّا ما دُمْتَ عَلَيْهِ قائِماً) مطّلعا ملّحا موردا له صدد الحاكم (ذلِكَ) عدم الأداء المدلول للكلام ، معلّل (بِأَنَّهُمْ) رهط الهود (قالُوا لَيْسَ عَلَيْنا فِي) ألس أموال (الْأُمِّيِّينَ) العوام اللّاءوا ما علموا وما سطروا وما لهم طرس ، أو أرادوا أهل الإسلام عموما وعوّروهم ، أو المراد عطو أموالهم سطوا وإكراها (سَبِيلٌ) إصر وعلموا ما لهم حلالا مملوكا مهما سهل ، أو المراد أهل إسلام عاملوا مع رهط الهود أمام إسلامهم ولمّا أسلموا وحاولوا أموالهم حاورهم الهود ردّا لهم وما أدّوا أموالهم ، لمّا رأوا حلّ أموالهم وادّعوا هو مسطور طرسهم (وَ) هؤلاء (يَقُولُونَ عَلَى اللَّهِ الْكَذِبَ) ادّعاء لما وهموا ، وما الأمر كما ادّعوا وهو ردّ لهم (وَ) الحال (هُمْ يَعْلَمُونَ) ( 75 ) ولع ما وهموا وأداء المال المودع مأمورا للكلّ وما موهومهم إلّا ولع والع .

----------

(ومن أهل الكتاب من إن تأمنه بقنطار يؤده إليك) كعبد الله بن سلام استودعه قرشي ألفا ومائتي أوقية ذهبا فأداه إليه (ومنهم من إن تأمنه بدينار لا يؤده إليك) كفنحاص بن عازورا استودعه قرشي دينارا فجحده (إلا ما دمت عليه قائما) تطالبه بالعنف (ذلك بأنهم قالوا ليس علينا في الأميين) في مال من ليس من أهل الكتاب (سبيل) عقاب وذم (ويقولون على الله الكذب) بما ادعوا (وهم يعلمون) كذبهم .

ص: 305

(بَلى) ردّ لما مرّ والمراد ما الأمر كما ادّعاه الهود (مَنْ أَوْفى بِعَهْدِهِ) اللّه أوّل الأمر أداء للمودع وطرحا لأمور المالس أو معاده الموصول (وَاتَّقى) اللّه وطرح الألس وما كسر العهد وأصلح أعماله عموما (فَإِنَّ اللَّهَ) الرّاحم (يُحِبُّ الْمُتَّقِينَ) ( 76 ) ودودهم ومصلح معادهم .

(إِنَّ) الملأ (الَّذِينَ يَشْتَرُونَ بِعَهْدِ اللَّهِ) ما عاهدوه وهو إسلام للرّسول المسدّد لما معهم أو أداء الأموال لأهلها (وَأَيْمانِهِمْ) عهودهم وأحلاطهم موارد الولع (ثَمَناً قَلِيلًا) حطاما ماصلا وهو عطو الحلو والضرر وما عداهما ، وهم محوّلو محامد رسول اللّه صلعم لأصوع ووطاء ومطمحهم كساد الإسلام واعماء العوام (أُولئِكَ) كسّار العهود ( لا خَلاقَ) سهم (لَهُمْ فِي) الدّار (الْآخِرَةِ) المعاد (وَلا يُكَلِّمُهُمُ اللَّهُ) كلاما سارا (وَلا يَنْظُرُ إِلَيْهِمْ) رحما وإسعادا (يَوْمَ الْقِيامَةِ) أمد الدّهر (وَلا يُزَكِّيهِمْ) وما هو مادحهم ولا هو مطهّرهم عمّا هو الطّلاح والرّكس (وَلَهُمْ عَذابٌ أَلِيمٌ) ( 77 )

----------

(بلى) عليهم فيهم سبيل (من أوفى بعده واتقى فإن الله يحب المتقين) استئناف مقرر لما نابته بلى، والضمير في بعده لله أو لمن وعموم المتقين باب العائد من الجزاء إلى من وأقيم مقام الضمير إشارة إلى العلة واعتناء بالتقوى وهي أداء الواجبات وترك المحرمات .

(إن الذين يشترون بعهد الله) من الإيمان بالرسول والوفاء بالأمانات (وأيمانهم) وبما حلفوا به من قولهم والله لنؤمنن به ولننصرنه (ثمنا قليلا) عرض الدنيا (أولئك لا خلاق) لا نصيب (لهم في الآخرة ولا يكلمهم الله) بكلام خير (ولا ينظر إليهم يوم القيامة) لا يصيبهم بخير (ولا يزكيهم) ولا يثني عليهم (ولهم عذاب أليم) على فعلهم قيل:

ص: 306

مؤلم لا حدّ له .

(وَإِنَّ مِنْهُمْ) الهود ورهط روح اللّه (لَفَرِيقاً) رهطا (يَلْوُونَ) طمعا للمال (أَلْسِنَتَهُمْ بِالْكِتابِ) والحاصل هم لوّوا مساحلهم وأمالوا طرسهم وحوّلوا كلمها ، وطرحوا محامد الرّسول صلعم وأحكام الموادع وما عداها وعطو المال إسلالا (لِتَحْسَبُوهُ) أهل الإسلام الكلام المحوّل المموّه (مِنَ الْكِتابِ) المرسل للهود (وَما هُوَ) المسوّل (مِنَ الْكِتابِ) أصلا لما موّهوه وسوطوه (وَيَقُولُونَ) محوّلوه ولعا (هُوَ) المحوّل كلام مرسل (مِنْ عِنْدِ اللَّهِ) المرسل للرّسل والطروس (وَ) الحال (ما هُوَ) مرسل (مِنْ عِنْدِ اللَّهِ) ما أرسله اللّه وما أوحاه أكّد اللّه مؤكّدا مهدّدا (وَيَقُولُونَ) هؤلاء الطّلح (عَلَى اللَّهِ الْكَذِبَ) لما اطّرحوا درر الكلام وسلكوا سلام الوساوس (وَ) الحال (هُمْ يَعْلَمُونَ) ( 78 ) ولعهم .

(ما كانَ لِبَشَرٍ) أحد أراد روح اللّه ، وهو ردّ لرهط ألهوه وعلموه إلها ، والحاصل ما صحّ وهمهم (أَنْ يُؤْتِيَهُ) عطاء وإكراما (اللَّهُ الْكِتابَ) المرسل المعلوم (وَالْحُكْمَ) الأمر والسّؤدد (وَالنُّبُوَّةَ) الألوك وعلوّ حالها (ثُمَّ

----------

نزلت في أحبار كتموا أمر محمد وحرفوا التوراة للرشوة أو في رجل حلف كاذبا في إنفاق سلعة .

(وإن منهم لفريقا يلون ألسنتهم بالكتاب) يفتلونها بتلاوته عن المنزل إلى المحرف (لتحسبوه من الكتاب وما هو من الكتاب ويقولون هو من عند الله وما هو من عند الله ويقولون على الله الكذب وهم يعلمون) تأكيد وتسجيل بتعمد الكذب على الله .

(ما كان لبشر أن يؤتيه الله الكتاب والحكم والنبوة ثم يقول

ص: 307

يَقُولَ ) الرّسول (لِلنَّاسِ) رهطه (كُونُوا عِباداً) ألّاها وطوّاعا (لِي مِنْ دُونِ اللَّهِ) ما عداه وما الأمر كما وهموا وهو كلّ أحد أرسل لإصلاح العالم صار إلههم (وَلكِنْ) أمرهم الرّسول (كُونُوا رَبَّانِيِّينَ) وهم الأكامل علما وعملا ورد العالم للحلال والحرام أو العالم وورد العامل المعلّم (بِما) لما (كُنْتُمْ) صلاحا وسدادا (تُعَلِّمُونَ الْكِتابَ) لرهطكم ورووه ممّا علم (وَبِما كُنْتُمْ تَدْرُسُونَ) ( 79 ) إعلاء للعلم ورووه ممّا أدرس .

(وَلا يَأْمُرَكُمْ) اللّه أو الرّسول (أَنْ تَتَّخِذُوا) أهل الطّرس (الْمَلائِكَةَ) الطّوع للّه (وَالنَّبِيِّينَ) الرّسل (أَرْباباً) أوردهما لما إلههما رهط ووهموا الملك أولاد اللّه (أَ يَأْمُرُكُمْ) اللّه أو رسوله ، وهو لردّ ما وهم أهل الإسلام مما رومهم أمر الرّسول لهم الرّكوع له (بِالْكُفْرِ) الصّدود والعدول (بَعْدَ إِذْ أَنْتُمْ مُسْلِمُونَ) ( 80 ) أهل إسلام وصلاح وسداد وما هو صلاح حالكم .

(وَ) ادّكر رسول اللّه (إِذْ أَخَذَ اللَّهُ مِيثاقَ النَّبِيِّينَ) أكّد عهودهم ، وورد المراد عهد الرّسول وأممهم ، أو المراد عهد أولاد الرّسل (لَما) « اللّام » ممهّد للعهد و « ما » موصول ، أو ما له حوار ، ورووا مكسور اللّام و « ما » للمصدر أو

----------

للناس كونوا عبادا لي من دون الله) تكذيب لعبده عيسى (ولكن) يقول (كونوا ربانيين) الرباني منسوب إلى الرب بزيادة الألف والنون وهو الكامل علما وعملا (بما كنتم تعلمون الكتاب وبما كنتم تدرسون) تقرءون أي بسبب كونكم معلمين الكتاب وبكونكم دارسين إذ ثمرة التعليم والتعلم كسب العلم والعمل .

(ولا يأمركم أن تتخذوا الملائكة والنبيين أربابا أيأمركم بالكفر بعد إذ أنتم مسلمون) إنكار، والضمير المستتر للبشر أو الله .

(وإذ أخذ الله ميثاق

ص: 308

للموصول ، ورووا « لما » ومدلوله العصر أو اللّمم (آتَيْتُكُمْ) أعلّمكم (مِنْ كُتُبٍ) مرسل (وَحِكْمَةٍ) أسرار ودوالّ (ثُمَّ جاءَكُمْ) وردكم (رَسُولٌ) وهو محمّد ( ص ) موعود (مُصَدِّقٌ) مسدّد مسلّم (لِما مَعَكُمْ) وهو الطّرس المرسل وعلم حكمه (لَتُؤْمِنُنَّ بِهِ) رسول معهود إسلاما كاملا (وَلَتَنْصُرُنَّهُ) رسول اللّه (قالَ) اللّه للرّهط المعهود لمّا أكّد العهود (أَ أَقْرَرْتُمْ) سؤال ، مدلوله الأمر (وَأَخَذْتُمْ عَلى ذلِكُمْ) الإسلام للرّسول وإسعاده (إِصْرِي) الإصر : العهد ورووا « أصرا » محلّ « أصر » مكسور الاوّل مدلولهما واحد ، أو واحد « اصار » وهو ما أحكم معه (قالُوا) أولو العهود (أَقْرَرْنا) كما هو عهدك وإصرك (قالَ) اللّه (فَاشْهَدُوا) للأمة كما هو المعهود والأمر للرّسل أو للأملاك ، أو لكلّ أهل العهود عموما (وَأَنَا مَعَكُمْ مِنَ الشَّاهِدِينَ) ( 81 ) العدول ، وهو كلام مؤكّد مهدّد عمّا عادوا لمّا علموا لإعلام اللّه لهم هو معهم ، وعلم عهدهم ورآهم حال العهد .

(فَمَنْ تَوَلَّى) مال وكسر العهد وعدل عمّا أكّد (بَعْدَ ذلِكَ) العهد وإحكامه (فَأُولئِكَ هُمُ الْفاسِقُونَ) ( 82 ) عادوا الحدود وعادلوها .

----------

النبيين لما ءاتيتكم من كتاب وحكمة ثم جاءكم رسول مصدق لما معكم لتؤمنن به ولتنصرنه) أخذ الميثاق على الأنبياء قبل نبينا أن يبشروا أممهم به ويأمروهم بتصديقه ونصره أو أخذ على الأنبياء وأممهم بذلك واستغنى بذكرهم عن الأمم، وعن الصادق (عليه السلام) معناه أخذ ميثاق أممهم بالعمل بما أتوا به فما وفوا (قال أأقررتم وأخذتم على ذلكم إصري قالوا أقررنا قال فاشهدوا) فليشهد بعضكم على بعض بالإقرار (وأنا معكم من الشاهدين) عليكم وعلى أممكم وهو تحذير بليغ .

(فمن تولى بعد ذلك) الميثاق (فأولئك هم الفاسقون) .

ص: 309

(أَ فَغَيْرَ دِينِ اللَّهِ) وصراطه الأسدّ وهم إسلام محمّد رسول اللّه صلعم وهو معمول (يَبْغُونَ) صراطا (وَلَهُ) للّه (أَسْلَمَ) أطاع (مَنْ فِي السَّماواتِ) الأملاك والأرواح واللّوامع كلّها (وَالْأَرْضِ) ولد آدم وما عداهم (طَوْعاً) حال سطوع الأدلّاء (وَ) سلوكهم عدلا (كَرْهاً) حال إعلاء الحسام والصّارم ، أو لما رأوا أصاره (وَإِلَيْهِ) اللّه العدل (يُرْجَعُونَ) ( 83 ) كلّهم معادا .

(قُلْ) لهم رسول اللّه وأعلمهم (آمَنَّا) إسلاما كاملا مسدّدا أو المراد هو ورهطه أو هو وحده (بِاللَّهِ) وحده وكمال محامده ومكارمه (وَما أُنْزِلَ) أرسل (عَلَيْنا) كلام اللّه (وَما أُنْزِلَ) أرسل (عَلى إِبْراهِيمَ) رسول اللّه أرسله اللّه ألواحا (وَإِسْماعِيلَ وَإِسْحاقَ) وهما ولداه (وَيَعْقُوبَ) وهو ولده ، وهم رسل أوحاهم اللّه (وَالْأَسْباطِ) أولاده الرّسل (وَما أُوتِيَ مُوسى) رسول الهود (وَعِيسى) روح اللّه (وَالنَّبِيُّونَ) الرّسل كلّهم كآدم وداود ولوط وصالح (مِنْ رَبِّهِمْ) إلههم (لا نُفَرِّقُ) أصلا (بَيْنَ أَحَدٍ مِنْهُمْ) الرّسل إسلاما كما هو عمل الهود ورهط روح اللّه وما عداهم (وَنَحْنُ لَهُ) للّه (مُسْلِمُونَ) ( 84 ) موحّدوه ومطاوعو أحكامه .

----------

أفغير دين الله يبغون) وقرىء بتاء الخطاب وقدم المفعول لتوجه الإنكار إليه (وله أسلم من في السموات والأرض طوعا وكرها) طائعين بالنظر إلى الحجج وكارهين بالسيف (وإليه يرجعون) بالتاء والياء .

(قل ءامنا بالله وما أنزل علينا وما أنزل على إبراهيم وإسماعيل وإسحق ويعقوب والأسبأط وما أوتي موسى وعيسى والنبيون من ربهم لا نفرق بين أحد منهم) بالتصديق والتكذيب (ونحن له مسلمون) منقادون موحدون .

ص: 310

(وَمَنْ يَبْتَغِ غَيْرَ الْإِسْلامِ) ما عدا الوحود والإسلام للّه أو صراط محمّد رسول اللّه صلعم (دِيناً) صراطا موصلا لمرامه ومسلكا لهداه (فَلَنْ يُقْبَلَ) أصلا (مِنْهُ) سلوكه (وَهُوَ) لطرح الإسلام (فِي) الدّار (الْآخِرَةِ) ومعاد الأمر (مَنْ) الرّهط (الْخاسِرِينَ) ( 85 ) العدّام عودا محصولا ولا حاصل لهم إلّا السّدم ووردهم الدّرك دواما .

(كَيْفَ يَهْدِي اللَّهُ) الملك العدل (قَوْماً كَفَرُوا) عدلوا وصدّوا عمّا أمروا ودمسوا سواطع السّداد (بَعْدَ إِيمانِهِمْ) إسلامهم (وَ) الحال (شَهِدُوا) وصرحوا عدلا (أَنَّ الرَّسُولَ) الموعود (حَقٌّ) وهو محمّد أرسل لإصلاح الكلّ (وَجاءَهُمُ) وردهم (الْبَيِّناتُ) دوالّ لإرسال العدول ككلام اللّه (وَاللَّهُ) الملك العدل (لا يَهْدِي الْقَوْمَ الظَّالِمِينَ) ( 86 ) الحدّال ما دام الإصرار لهم ، أرسلها اللّه لمّا أسلم رهط وعادوا عمّا الإسلام ووصلوا أمّ الرّحم .

(أُولئِكَ) المسطور حالهم (جَزاؤُهُمْ) مآل أعمالهم (أَنَّ عَلَيْهِمْ) لعدو لهم (لَعْنَةَ اللَّهِ) طرده (وَ) طرد (الْمَلائِكَةِ وَ) طرد (النَّاسِ أَجْمَعِينَ) ( 87 ) كلّهم .

(خالِدِينَ) دوّاما وهو حال (فِيها) لإصرارهم (لا يُخَفَّفُ عَنْهُمُ الْعَذابُ) آصار المعاد وآلامه وما هو مسهّلا لهم (وَلا هُمْ يُنْظَرُونَ) ( 88 ) لا

----------

(ومن يبتغ غير الإسلام) غير الانقياد لله وتوحيده (دينا فلن يقبل منه وهو في الآخرة من الخاسرين) .

(كيف يهدي الله قوما كفروا بعد إيمانهم وشهدوا أن الرسول حق وجاءهم البينات) أي كيف يلطف بهم وقد علم تصميمهم على الكفر (والله لا يهدي القوم الظالمين) لا يلطف بهم لعنادهم .

(أولئك جزاؤهم أن عليهم لعنة الله والملائكة والناس أجمعين خالدين فيها) في اللعنة أو العقوبة (لا يخفف عنهم العذاب ولا هم ينظرون) .

ص: 311

إمهال لهم للعود .

(إِلَّا) الملأ (الَّذِينَ تابُوا) هادوا وعادوا (مِنْ بَعْدِ ذلِكَ) الردّ والطّرد (وَأَصْلَحُوا) أعمالهم (فَإِنَّ اللَّهَ غَفُورٌ) لهم (رَحِيمٌ) ( 89 ) كمل مراحمه .

(إِنَّ) الرّهط (الَّذِينَ كَفَرُوا) عدلوا وطرحوا إسلامهم وما طاوعوا روح اللّه وطرسه وهم الهود (بَعْدَ) حصول (إِيمانِهِمْ) سدادا لرسوله وطرسه (ثُمَّ ازْدادُوا كُفْراً) راموا اكراء صدود عمّا أرسل محمّد له وحصل لهم الإصرار والدّوام (لَنْ تُقْبَلَ تَوْبَتُهُمْ) إسلامهم ، وهم هلّاك مع الإصرار وما دعاءهم حال هلاكهم مسموعا (وَأُولئِكَ) الطّلاح (هُمُ) الملأ (الضَّالُّونَ) ( 90 ) لا سالكو صراط السّداد .

(إِنَّ) الملأ (الَّذِينَ كَفَرُوا) عدلوا (وَماتُوا) هلكوا (وَ) الحال (هُمْ) رهط (كُفَّارٌ) أمسكوا عمّا صلح لهم وهو الإسلام ووهموا لو ساعدهم الدّهر لأسلموا وما طاوعهم العمر (فَلَنْ يُقْبَلَ مِنْ أَحَدِهِمْ) أصلا (مِلْءُ

----------

إلا الذين تابوا من بعد ذلك) الارتداد (وأصلحوا) ما أفسدوا أو دخلوا في الصلاح (فإن الله غفور رحيم) قيل نزلت في الحارث بن سويد حين ندم على ردته فأرسل إلى قومه سلوا هل لي من توبة فأرسلوا إليه بالآية فأتى المدينة فتاب .

(إن الذين كفروا بعد إيمانهم ثم ازدادوا كفرا) هم اليهود كفروا بعيسى بعد إيمانهم بموسى ثم ازدادوا كفرا بمحمد أو بمحمد بإيمانهم به قبل مبعثه ثم ازدادوا كفرا بإصرارهم وطعنهم فيه وصدهم عن الإيمان (لن تقبل توبتهم) لنفاقهم فيها، أو لأنهم لا يتوبون إلا عند المعاينة (وأولئك هم الضالون) .

(إن الذين كفروا وماتوا وهم كفار فلن يقبل من أحدهم ملء الأرض ذهبا)

ص: 312

الْأَرْضِ) لهاء ملاءها (ذَهَباً) أحمر (وَلَوِ افْتَدى بِهِ) ولو أعطاه حماء ادّعاء للامر المحال وإمحاء لأوهام العوام (أُولئِكَ) الطّلاح (لَهُمْ) معادا (عَذابٌ أَلِيمٌ) مولم (وَما لَهُمْ مِنْ) مؤكّد (ناصِرِينَ) ( 91 ) حرّاس ردّا للاصار ودسعا لها .

(لَنْ تَنالُوا الْبِرَّ) صلاح العمل وكمال الصّلاح ، أو صلاح الحال معادا (حَتَّى تُنْفِقُوا) إعطاء للّه (مِمَّا تُحِبُّونَ) ما هو مودودكم ولو ماصلا وهو المال أو أعمّ ، والحاصل إعطاء المودود محصّل لوصول المرام ودرك المأمول (وَما تُنْفِقُوا) إعطاء (مِنْ شَيْءٍ) مودود أولا (فَإِنَّ اللَّهَ بِهِ) الإعطاء (عَلِيمٌ) ( 92 ) وهو عالم أسراركم وأحوالكم كلّها ومعاملكم كاعمالكم .

(كُلُّ الطَّعامِ) مطاعم أهل الإسلام كلّها وهو ردّ لادّعاء الهود دعواهم المردود ، وهو عدم حلّ لحوم الكوم وحسو درّها (كانَ) أكلها (حِلًّا) حلالا وهو مصدر سواء له الواحد وعدلاه (لِبَنِي إِسْرائِيلَ) لا كما وهموا (إِلَّا ما) طعاما (حَرَّمَ إِسْرائِيلُ) أكله (عَلى نَفْسِهِ) إلساما له علاه للّه لصحّه لا ما عداه .

----------

جيء بالفاء إشعارا بأن سبب امتناع قبول الفدية الموت على الكفر (ولو افتدى به أولئك لهم عذاب أليم وما لهم من ناصرين) قيل التقدير فلن يقبل من أحدهم فدية ولو افتدى بملء الأرض ذهبا أو لو افتدى بمثله أي معه وكثر حذف المثل إذ المثلين كشيء واحد .

(لن تنالوا البر) رحمة الله ورضوانه ولن تبلغوا كمال البر ولن تكونوا أبرارا (حتى تنفقوا مما تحبون) من المال والجاه والنفس وعنهم (عليهم السلام) ما تحبون (وما تنفقوا من شيء) طيب أو خبيث (فإن الله به عليم) .

(كل الطعام كان حلا لبني إسرائيل إلا ما حرم إسرائيل)

ص: 313

وهو الكوم ودرّها ورد حرّمها حال الدّاء للدّواء (مِنْ قَبْلِ أَنْ تُنَزَّلَ التَّوْراةُ) أمام إرسالها ولمّا أرسلها اللّه حرّم لحمها ودرّها علاهم وآماله (قُلْ) رسول اللّه لهم إدلاء (فَأْتُوا بِالتَّوْراةِ) أوردوها كما أرسلها اللّه (فَاتْلُوها) ادرسوها وصرّحوا مدلولها لسطوع دعواكم وسدادها (إِنْ كُنْتُمْ) رهط الهود (صادِقِينَ) ( 93 ) أهل سداد ولمّا أمروا له ما أوردوها لما علموا مدلولها عكس مرامهم .

(فَمَنِ افْتَرى) عمدا (عَلَى اللَّهِ الْكَذِبَ) الولع الموهوم المموّه وهو إحرامه اللّحوم أمام إرسالها (مِنْ بَعْدِ ذلِكَ) سطوع أصل الحال وسداد أدلّاء المرام (فَأُولئِكَ) الولّاع (هُمُ) الرّهط (الظَّالِمُونَ) ( 94 ) الحدّال اللّاءوا لا عدل لهم لمحوهم وردّهم ما هو السّداد مع سطوع الأمر .

(قُلْ) رسول اللّه لهم (صَدَقَ اللَّهُ) كلامه ، وهو كلّ الطعام حلّ لهم لا كما هو موهومكم المولوع (فَاتَّبِعُوا) طوعا (مِلَّةَ إِبْراهِيمَ) وهو الإسلام وطوع محمّد صلعم (حَنِيفاً) مال عمّا عدا الإسلام ، ودعوا ما هو طلاحكم حالا ومالا وهو محوكم كلام اللّه لحصول مهامكم ، وإحرامكم حلالا أحلّه اللّه لرسل أمامكم وهو حال (وَما كانَ مِنَ) الملأ (الْمُشْرِكِينَ) ( 95 ) العدّال

----------

يعقوب (على نفسه) وهو لحم الإبل (من قبل أن تنزل التوراة) فما حرم عليهم بعد نزولها كان لظلمهم وبغيهم (قل فأتوا بالتوراة فاتلوها إن كنتم صادقين) أن تحريم الطيبات كان قديما .

(فمن افترى على الله الكذب) بزعمه أن تحريم ذلك قديم (من بعد ذلك) بعد لزوم الحجة (فأولئك هم الظالمون) بمكابرة الحق الواضح .

(قل صدق الله) وأنتم الكاذبون (فاتبعوا ملة إبراهيم حنيفا وما كان من المشركين) تعريض بشركهم .

ص: 314

الطّلاح وهو الموحّد المسدّد .

(إِنَّ أَوَّلَ بَيْتٍ وُضِعَ) أسّس وعمّر والمؤسّس هو اللّه كما دلّ ما رووه معلوما أسره أمام أسر الرّمكاء أعصارا طوالا ، ورد مؤسّسه الرّسول المسطور المعهود ، وورد مؤسّسه آدم ( ع ) وهو أوّل دار أسّسها (لِلنَّاسِ) لطوعهم وإحرامهم للّه وعملوه مولّاهم ومدارهم ومصمدهم ومرادهم (لَلَّذِي بِبَكَّةَ) علم للمصر الحرام ، وهو أمّ رحم (مُبارَكاً) مسعودا محمودا للأمّام والعمّار والرّكاد والدّوار حوله وهو حال (وَهُدىً) دالّا (لِلْعالَمِينَ) ( 96 ) كلّهم لما هو ودعهم وموصل مرامهم ومحصّل مهامهم .

(فِيهِ آياتٌ بَيِّناتٌ) أعلام ورسوم أعلاها اللّه أمرا وحالا كعدول ما طار حال ما طار عمّا حوله أعصارا ودهورا ، وكلّ طالح همّه سوء كسره اللّه وأهلكه كملك السّود وعساكره ، وكركود الأسد مع المصطاد الحرم مع عدم إهلاكه له (مَقامُ إِبْراهِيمَ) مأواه ومصلّاه وهو محكوم مطروح المحمول ، أو مصرّح للأعلام السّواطع وصحّ مع وحوده لما هو حاو للأعلام كمرسم مر كله وعدم دروس رسمه مع طول العهد (وَمَنْ دَخَلَهُ) ورد ممّا سار وطار ( كانَ آمِناً )

----------

(إن أول بيت وضع للناس) ليكون متعبدا لهم (للذي ببكة) لغة في مكة وقيل موضع المسجد ومكة البلد من البك أي الزحم أو الدق للازدحام فيها ودقها أعناق العتاة وعنه (صلى الله عليه وآله وسلّم) أول مسجد وضع المسجد الحرام ثم بيت المقدس، وعن علي (عليه السلام) كان قبله بيوت ولكنه أول بيت وضع للعبادة (مباركا) كثير الخير والنفع (وهدى للعالمين) لأنه قبلتهم ومتعبدهم .

(فيه آيات بينات) لقهره لمن تعرض له بسوء (مقام إبراهيم) أي منها المقام لتأثير قدميه في الحجر ومنها الحجر الأسود ومنها منزل إسماعيل (ومن دخله كان ءامنا) في الآخرة من النار، أو أمر ليؤمن من

ص: 315

سالما إهلاكا وأسرا وحدلا ، أو ممّا أوعد معادا ، وورد لو امرؤ حلّ دمه وورد الحرم ما صحّ إهلاكه ولا مسّه (وَلِلَّهِ عَلَى النَّاسِ) أهل الإسلام (حِجُّ الْبَيْتِ) الحرام وصمده وهو عمل معهود معلوم ، ورووه لا مكسور الحاء كالسّلم والسّلم وكلاهما مصدر ، أو هو مصدر والمكسور اسم (مَنِ اسْتَطاعَ إِلَيْهِ) المأمور (سَبِيلًا) صراطا وحصل له الألوّ وسهل له امر السّلوك وهو حصول المآكل والرّواحل وصلاح المراحل وسلام الصّراط ، وهم أصحّاء لمّا أرسل اللّه صدرها ولمّ رسول اللّه صلعم أهل الملل وأعلمهم لسومه وما أسلمه إلّا رهط واحد وهم أهل الإسلام ، أرسل اللّه إعلاء لكمال علوّه (وَمَنْ كَفَرَ) عدل وما علمه مأمورا وما أدّاه (فَإِنَّ اللَّهَ) الملك (غَنِيٌّ) لا وطر له أصلا (عَنِ الْعالَمِينَ) ( 97 ) وصوالح أعمالهم وهو أسوأ لوم مهدد له .

----------

دخله جانيا خارجه ولا يتعرض له ولكن يلجأ إلى الخروج (ولله على الناس حج البيت) أي الحج والعمرة جميعا (من استطاع إليه سبيلا) بأن يكون صحيحا في بدنه مخلى في سربه له زاد وراحلة (ومن كفر) ترك وهو مستطيع (فإن الله غني عن العالمين) أكد أمر الحج بإيجابه بصيغة الخبر والجملة الإسمية وإيراده على وجه يفيد أنه حق لله في رقاب الناس وتخصيص الحكم بعد تعميمه وهو تكرير للمراد وبيان بعد إبهام وتغليظ تركه بتسميته كفرا كما سمي تاركه في الخبر يهوديا أو نصرانيا وذكر الاستغناء الدال على المقت والسخط وإبدال عن عنه بعن العالمين .

ص: 316

(قُلْ) لهم رسول اللّه (يا أَهْلَ الْكِتابِ) الهود ورهط روح اللّه (لِمَ تَكْفُرُونَ) ردّادا (بِآياتِ اللَّهِ) سواطعه الدّوال سمعا ولوامعه حلما لسداد محمّد صلعم (وَ) الحال (اللَّهِ) العدل (شَهِيدٌ) عالم مطّلع (عَلى ما) عمل (تَعْمَلُونَ) ( 98 ) عدولا أو حسدا وهو معاملكم كاعمالكم .

(قُلْ) لهم رسول اللّه (يا أَهْلَ الْكِتابِ لِمَ تَصُدُّونَ) الصّدّ : الرّدّ (عَنْ سَبِيلِ اللَّهِ) وهو الإسلام (مَنْ آمَنَ) أسلم للّه وسلك صراط السّداد ، أراد « عمّارا » ورهطا معه دعاهم الهود لطوعهم وأكرهوهم (تَبْغُونَها) حال (عِوَجاً) أودا وعدولا وعدم سداد لمحوكم مدح رسول اللّه وسطوع حاله وما عداه ، أو المراد رومهم المراء وسط أهل الإسلام (وَأَنْتُمْ شُهَداءُ) علماء لمّا هو صراط السّداد وما صدّها إلّا الطّالح المطلح أو عدول صدد رهطكم (وَمَا اللَّهُ بِغافِلٍ) ساه (عَمَّا) عمل (تَعْمَلُونَ) ( 99 ) وهو الصّدّ ومر اسمه .

أوعدهم اللّه (يا أَيُّهَا) الملأ (الَّذِينَ آمَنُوا) أسلموا (إِنْ تُطِيعُوا فَرِيقاً) رهطا (مِنَ) الهود (الَّذِينَ أُوتُوا) أعطوا (الْكِتابَ) المرسل (يَرُدُّوكُمْ) أهل الإسلام (بَعْدَ إِيمانِكُمْ كافِرِينَ) ( 100 ) موردها ما وردها

----------

(قل يا أهل الكتاب لم تكفرون بآيات الله) الدالة على صدق محمد (والله شهيد على ما تعلمون) فيجازيكم بها .

(قل يا أهل الكتاب لم تصدون عن سبيل الله من ءامن وتبغونها عوجا) حال من الواو، أي طالبين لها اعوجاجا بتلبيسكم على الناس لتوهموا أن فيه عوجا أو بإغوائكم بين المؤمنين ليختل أمر دينهم (وأنتم شهداء) أنها سبيل الله والصاد عنها ضال (وما الله بغافل عما تعملون) وعيد لهم .

(يا أيها الذين ءامنوا إن تطيعوا فريقا من الذين أوتوا الكتاب يردوكم

ص: 317

أحسّ واحد الهود وآم أهل الإسلام وهم الأوس وأعداءهم أمام الإسلام ، وأحمسه ما أحسّ ، وأمر واحد رهطه أعلمهم العماس الحاصل وسطهم أمام الإسلام ، وأمر السّطو والعلوّ للأوس روما لعود وحر صدورهم ولمّا أعلمهم ، وحصل ما رام وصاحوا : « السّلاح ، السّلاح » ، ووصل حالهم رسول اللّه صلعم ، وردعهم ارعووا وعلموه عمل الوسواس وسدموا .

(وَكَيْفَ تَكْفُرُونَ) وهو محال الكلام مع الأوس وأهل عماسهم هكر وردع عمّا طلحوا حال ما حصل لهم دواع للإسلام وروادع للصّدود (وَ) الحال (أَنْتُمْ تُتْلى عَلَيْكُمْ آياتُ اللَّهِ) كلامه المرسل (وَفِيكُمْ رَسُولُهُ) محمّد ( ص ) أرسل لإصلاح الكلّ (وَمَنْ يَعْتَصِمْ بِاللَّهِ) طرسه أوكد العصام لأموره كلّها (فَقَدْ هُدِيَ) دل وأوصل (إِلى صِراطٍ مُسْتَقِيمٍ) ( 101 ) مسلك سواء وممر أسلم لأهل الوصول .

( يا أَيُّهَا) الملأ (الَّذِينَ آمَنُوا) أسلموا (اتَّقُوا اللَّهَ حَقَّ تُقاتِهِ) أدّوا أوامره واطرحوا محارمه كما هو الأصلح والأعدل (وَلا تَمُوتُنَّ إِلَّا وَأَنْتُمْ

----------

بعد إيمانكم كافرين) كما حكى الله عنهم ود كثير من أهل الكتاب لو يردونكم بعد إيمانكم كفارا .

(وكيف تكفرون وأنتم تتلى عليكم ءايات الله وفيكم رسوله) استبعاد لكفرهم حال وجود ما يدعوهم إلى الإيمان ويصرفهم عن الكفر (ومن يعتصم بالله) يتمسك بدينه (فقد هدي إلى صراط مستقيم) جيء بالماضي لتحقق وقوعه .

(يا أيها الذين ءامنوا اتقوا الله حق تقاته) عن الصادق (عليه السلام)، هو أن يطاع فلا يعصى ويذكر فلا ينسى ويشكر فلا يكفر (ولا تموتن إلا وأنتم مسلمون) لا تكونوا على حال سوى الإسلام إذا أدرككم الموت وقرىء بالتشديد أي منقادون للرسول ثم الإمام من بعده .

ص: 318

مُسْلِمُونَ) ( 102 ) داوموا الإسلام وأكّدوا أمره وارعووا عمّا حال وراء حال الإسلام كلّما أدرككم السّام .

(وَاعْتَصِمُوا) أمسكوا (بِحَبْلِ اللَّهِ) كلامه كما هو مدلول كلام الرّسول صلعم أو عصام أوامره الموصل المحكم عموما (جَمِيعاً) طرّا وهو حال (وَلا تَفَرَّقُوا) ولا اصّدّعوا أعداء آحادكم آحادا كالهود ورهط روح اللّه ، أو دعوا ادّكار ما هو معدم الودّ والوام (وَاذْكُرُوا) احمدوا (نِعْمَتَ اللَّهِ) آلاء أرسلها اللّه (عَلَيْكُمْ) كالإسلام وهداه لسواء الصّراط (إِذْ) لمّا (كُنْتُمْ) أهل الإسلام أمام الإسلام (أَعْداءً) آحادكم لآحاد وعملكم دوام الحرد والعماس (فَأَلَّفَ) آدم (بَيْنَ قُلُوبِكُمْ) وأعطاكم ودادا وولاء وصلحا وصلاحا (فَأَصْبَحْتُمْ بِنِعْمَتِهِ) رحمه (إِخْواناً) أودّاء للّه وأرداء ورد حصل وسط أولاد أوس وأعداءهم أمام إسلامهم عداء وعماس أعصارا ومحاهما اللّه لإسلامهم وآدم وسطهم لرسوله صلعم (وَكُنْتُمْ) أهل الإسلام لطلاح حالكم وسوء عملكم (عَلى شَفا حُفْرَةٍ مِنَ النَّارِ) حرّها وصردها وورودها لو أدرككم السّام والهلك حال طلاحكم لصار محلّكم الدّرك (فَأَنْقَذَكُمْ) اللّه وحرّركم وسلّمكم (مِنْها) السّاعور أو سلعها وهداكم للإسلام (كَذلِكَ) الإعلاء الكامل (يُبَيِّنُ اللَّهُ لَكُمْ آياتِهِ) كلامه المرسل الحامل للأوامر والأحكام وما وعد وأوعد

----------

(واعتصموا بحبل الله) بدينه أو كتابه وعنهم (عليهم السلام) نحن حبل الله وروي القرآن والولاية فإنهما (جميعا) لا يفترقان (ولا تفرقوا) عن الحق تفرق أهل الكتاب باختلافهم (واذكروا نعمة الله عليكم إذ كنتم أعداء فألف بين قلوبكم) بالإسلام (فأصبحتم بنعمته إخوانا) متواصلين متحابين في الله (وكنتم على شفا حفرة من النار) مشرفين على الوقوع في نار جهنم لكفركم (فأنقذكم منها) بمحمد صلى الله عليه واله وبالإسلام (كذلك يبين الله لكم آياته) للناس

ص: 319

(لَعَلَّكُمْ تَهْتَدُونَ) ( 103 ) صراط السّداد ومسلك السّواء والمراد دوام هداهم وكمالها لا أصلها .

(وَلْتَكُنْ مِنْكُمْ) أهل الإسلام (أُمَّةٌ) رهط لا كلّكم لعدم صلاح كلّ أحد للأمر والرّدع ، والصّالح لهما عالم الأحكام ومطّلع الحدود وأهل الطّول والحول (يَدْعُونَ إِلَى الْخَيْرِ) الصّلاح عموما (وَيَأْمُرُونَ) أمرا (بِالْمَعْرُوفِ) ما صلح إسلاما (وَيَنْهَوْنَ) ردعا (عَنِ الْمُنْكَرِ) ما ردّه الإسلام (وَأُولئِكَ) هؤلاء الرّهط (هُمُ) الرّهط (الْمُفْلِحُونَ) ( 104 ) الكمّل أولو دوام الرّوح معادا ، وهم أهل الوصول للمأمول .

(وَلا تَكُونُوا كَالَّذِينَ تَفَرَّقُوا) وصاروا أرهاطا لعدم الولاء والوداد (وَاخْتَلَفُوا) أطاعوا رسلا وردّوا رسلا ، وهم الهود وما عداهم والمراد الصّدع وسط الأصول (مِنْ بَعْدِ ما) للمصدر (جاءَهُمُ) أرسل لهم (الْبَيِّناتُ) الأدلّاء والأعلام السّواطع والكلّ مصحّح الإسلام وأصوله وحدوده (وَأُولئِكَ) هؤلاء الأعداء (لَهُمْ) لعدم وئامهم إسلاما وأحكاما (عَذابٌ عَظِيمٌ) ( 105 ) أصر أسوأ وهو موعد ومهدّد ادّكر .

----------

(لعلكم تهتدون) لكي تثبتوا على الهدى أو تزادوه .

(ولتكن منكم) بعضكم وهو خاص غير عام يدل على أنهما كفائيان (أمة) وقرىء أئمة (يدعون إلى الخير ويأمرون بالمعروف وينهون عن المنكر) روي: أنما يجب على القوي المطاع العالم بالمعروف من المنكر (وأولئك هم المفلحون) الأحقاء بالفلاح .

(ولا تكونوا كالذين تفرقوا واختلفوا) في الدين كاليهود والنصارى (من بعد ما جاءهم البينات) الدلائل الموجبة للاتفاق على الحق (وأولئك لهم عذاب عظيم) وعيد للمتفرقين .

ص: 320

(يَوْمَ تَبْيَضُّ وُجُوهٌ) أو عامله لهم ، والمراد سطوع لوامعها للسّرور والرّوح (وَتَسْوَدُّ وُجُوهٌ) وسوادها كدرها للهول والهمّ (فَأَمَّا) الأمم (الَّذِينَ اسْوَدَّتْ وُجُوهُهُمْ) وهم أهل الطّلّاح كلّم لهم (أَ كَفَرْتُمْ) وحصل صدودكم وعدولكم (بَعْدَ إِيمانِكُمْ) وراء إسلامكم ، وهم أهل طرس اسلموا لمحمّد صلعم أمام ألوكه وعدلوا وراءه ، أو ردّاد الإسلام ، أو عدّال ما واءم مساحلهم أرواعهم ، أو هو العدول عمّا عهدوا أوّل الأمر وهم أرواح وحدها ، أو مع الأطلال وح المراد عموم العدّال (فَذُوقُوا) أمر طرد (الْعَذابَ) أطعموه واحسّوه (بِما) للمصدر (كُنْتُمْ تَكْفُرُونَ) ( 106 ) لعدولكم وصدودكم .

(وَأَمَّا) الأمم (الَّذِينَ ابْيَضَّتْ وُجُوهُهُمْ) وهم أهل الإسلام (فَفِي رَحْمَتِ اللَّهِ) دار سلامه ، أورده عكس المطلع لما أراد إعلام أحوال أهل الإسلام أوّلا وأمدا ووئام محسم الكلام مع المطلع (هُمْ فِيها خالِدُونَ) ( 107 ) لهم دوام السّرور وكمال الرّوح .

(تِلْكَ آياتُ اللَّهِ) الحوامل للوعد وما أوعد (نَتْلُوها) أدرسها

----------

(يوم تبيض وجوه) من النور (وتسود وجوه) من الظلمة أو يوسم أهل الحق ببياض الوجه والصحيفة وشق النور بين يديه وبيمينه وأهل الباطل بضد ذلك (فأما الذين اسودت وجوههم) فيقال لهم (أكفرتم بعد إيمانكم) توبيخ أو تعجب من حالهم وهم المرتدون أو أهل البدع أو أهل الكتاب كفروا بالنبي بعد إيمانهم به قبل مبعثه أو جميع الكفار كفروا بعد إقرارهم في عالم الذر أو تمكنوا من الإيمان بالنظر إلى الحجج (فذوقوا العذاب) أمر إهانة (بما كنتم تكفرون) بسبب كفركم .

(وأما الذين ابيضت وجوههم ففي رحمة الله) ثوابه الدائم (هم فيها خالدون) .

(تلك ءايات الله) المتضمنة للوعد والوعيد (نتلوها عليك)

ص: 321

(عَلَيْكَ) رسول اللّه كلاما كلاما (بِالْحَقِّ) العدل والسّداد (وَمَا اللَّهُ) العدل (يُرِيدُ ظُلْماً) حدلا (لِلْعالَمِينَ) ( 108 ) لما هو محال ، وهو المالك عموما كما أورد .

(وَلِلَّهِ) كلّ (ما فِي السَّماواتِ وَ) كلّ (ما فِي الْأَرْضِ) ملكا وملكا والكل مأموره ومحكومه وماسوره (وَإِلَى اللَّهِ) الملك العدل (تُرْجَعُ الْأُمُورُ) ( 109 ) حكما وهو معاد الأمور كلّها ، ومعامل مع الكلّ كما وعد لهم وأوعد .

(كُنْتُمْ) رهط محمّد صلعم صدد علم اللّه ، أو وسط اللّوح ، أو وسط أمم أمامكم (خَيْرَ أُمَّةٍ) أكرم الأمم (أُخْرِجَتْ) إعلاء (لِلنَّاسِ) لإصلاحهم طرّا ، لمّا أرسل محمّد ( ص ) أكمل الرّسل وأكرمهم صار رهطه أصلح الأمم وأعدلهم ، والحال أعمارهم أسرع الأعمار وأصار صرهم أمد الأعصار لمّا أراد عدم ركودهم مرامسهم مددا طوالا (تَأْمُرُونَ بِالْمَعْرُوفِ) الإسلام وأداء أوامر الرّسول صلعم (وَتَنْهَوْنَ عَنِ الْمُنْكَرِ) المردود الملوم إسلاما (وَتُؤْمِنُونَ بِاللَّهِ) أحد الصّمد دواما (وَلَوْ آمَنَ) أسلم (أَهْلُ الْكِتابِ) علماء الهود لما أرسله اللّه لمحمّد رسوله صلعم (لَكانَ) إسلامهم وطوعهم لأوامره وروادعه (خَيْراً) وصلاحا (لَهُمْ) ممّا هو عملهم (مِنْهُمُ) الهود (الْمُؤْمِنُونَ) أدركوا

----------

متلبسة (بالحق وما الله يريد ظلما للعالمين) لأحد من خلقه إذ لا يظلم إلا جاهل أو محتاج وهو منزه عن ذلك وبين غناه بقوله .

(ولله ما في السموات وما في الأرض) ملكا وخلقا (وإلى الله ترجع الأمور) فيجازي كلا بما يستحقه .

(كنتم خير أمة) هم آل محمد (صلى الله عليه وآله وسلّم) وقرىء كنتم خير أئمة (أخرجت) أظهرت (للناس تأمرون بالمعروف وتنهون عن المنكر وتؤمنون بالله) تضمن الإيمان بكل ما يجب الإيمان به (ولو ءامن أهل الكتاب) إيمانا يعتد به (لكان

ص: 322

صوالح الإسلام ، وهو ولد سلام ورهط معه (وَأَكْثَرُهُمُ الْفاسِقُونَ) ( 110 ) الصّداد العدّال لمّا صدّوا وعدلوا عمّا هو الصّلاح .

(لَنْ يَضُرُّوكُمْ) رؤوس الهود أهل الإسلام (إِلَّا أَذىً) مكروها ماصلا وكلاما سوء لا أسرا ولا إهلاكا (وَإِنْ يُقاتِلُوكُمْ) حسدا ووحر صدر (يُوَلُّوكُمُ) عوّادا (الْأَدْبارَ) الاكساء صدودا (ثُمَّ لا يُنْصَرُونَ) ( 111 ) حالا ومآلا ماصعوا معكم أولا .

(ضُرِبَتْ عَلَيْهِمُ) الهود (الذِّلَّةُ) أحاطهم كما أحاط الدّار الأهل ، السام المال علاهم أو هدر الدّم والمال والأهل (أَيْنَ ما ثُقِفُوا) أدركوا كلّ حال (إِلَّا) حال إمساكهم (بِحَبْلٍ) عهد وسلام (مِنَ اللَّهِ) أو كلامه المرسل (وَحَبْلٍ مِنَ النَّاسِ) عهد أهل الإسلام أو طوع صراطهم (وَباؤُ) عادوا (بِغَضَبٍ مِنَ اللَّهِ) حرده وطرده لعم صلاح حالهم (وَضُرِبَتْ عَلَيْهِمُ الْمَسْكَنَةُ) العسر والهود كلّهم أهل العسر والعدم (ذلِكَ) ما مرّ بِأَنَّهُمْ الهود (كانُوا يَكْفُرُونَ بِآياتِ اللَّهِ) عدلوا عمّا أمرهم الرّسل ودلّ الكلام

----------

خيرا لهم) مما هم عليه (منهم المؤمنون) كعبد الله بن سلام وأضرابه (وأكثرهم الفاسقون) .

(لن يضروكم إلا أذى) ضررا يسيرا كطعن ووعيد (وإن يقاتلوكم يولوكم الأدبار) منهزمين ولا يضروكم بقتل ولا أسر (ثم لا ينصرون) عليكم .

(ضربت عليهم الذلة) فهي محيطة بهم إحاطة البيت المضروب على أهله (أينما ثقفوا) وجدوا (إلا بحبل من الله وحبل من الناس) استثناء من أعم الأحوال أي ضربت عليهم الذلة في عامة الأحوال إلا معتصمين بذمة الله وذمة المسلمين (وباءو) رجعوا (بغضب من الله وضربت عليهم المسكنة) فاليهود غالبا فقراء مساكين (ذلك) الضرب والبوء (بأنهم كانوا يكفرون بآيات الله

ص: 323

المرسل لهم علاه (وَيَقْتُلُونَ الْأَنْبِياءَ) الرّسل (بِغَيْرِ حَقٍّ) سداد وهم علموا حدلهم حدّدهم اللّه لعمدهم إهلاك محمّد رسول اللّه صلعم (ذلِكَ) ما عملوا عدولا وإهلاكا (بِما عَصَوْا) أمر اللّه وما للمصدر (وَكانُوا يَعْتَدُونَ) ( 112 ) حدود اللّه والمراد دوام العداء والإصرار .

(لَيْسُوا) أهل الطرس (سَواءً) صلاحا وطلاحا (مِنْ أَهْلِ الْكِتابِ) محمول (أُمَّةٌ) رهط محكوم علاه (قائِمَةٌ) لهم السّداد والعدل وهم اللّاءوا أسلموا ممّا هم (يَتْلُونَ آياتِ اللَّهِ) كلامه المرسل (آناءَ اللَّيْلِ) ساعة واحدة كمعا أو كعلو (وَهُمْ يَسْجُدُونَ) ( 113 ) والمراد ما صلّوا أمرا حال ادلهام السّمر وأهل الطّرس ما صلّوها .

(يُؤْمِنُونَ) كلّهم إسلاما كاملا (بِاللَّهِ) الواحد الصمد مالك الملك عالم الكلّ (وَالْيَوْمِ الْآخِرِ) الموعود أهواله والمعهود أحواله (وَيَأْمُرُونَ بِالْمَعْرُوفِ) الإسلام أو المأمور عموما (وَيَنْهَوْنَ عَنِ الْمُنْكَرِ) المحارم والمكاره كلّها (وَيُسارِعُونَ) لروع عدم إمهال العمر (فِي الْخَيْراتِ) صوالح الأعمال (وَأُولئِكَ) هؤلاء الرّهط (مِنَ) الأرهاط (الصَّالِحِينَ) ( 114 ) اللّواء صلح أمرهم .

----------

ويقتلون الأنبياء بغير حق) ذلك الكفر والقتل (بما عصوا وكانوا يعتدون) حدود الله مع الكفر والقتل ويفيد خطابهم بالفروع .

(ليسوا سواء من أهل الكتاب أمة قائمة) مستقيمة عادلة بيان لنفي استوائهم (يتلون آيات الله آناء الليل وهم يسجدون) عبر عن تهجدهم بالتلاوة والسجود لأنه أبلغ في المدح أو أريد صلاة العشاء لأن أهل الكتاب لا يصلونها .

(يؤمنون بالله واليوم الآخر ويأمرون بالمعروف وينهون عن المنكر ويسارعون في الخيرات وأولئك من الصالحين) الذين صلحت أحوالهم عند الله .

ص: 324

(وَما يَفْعَلُوا مِنْ خَيْرٍ) عمل صالح (فَلَنْ يُكْفَرُوهُ) ما حرّموا عدله وأوسه (وَاللَّهُ عَلِيمٌ بِالْمُتَّقِينَ) ( 115 ) عالم أعمالهم الصّوالح وهو إعلام أسار لأهل الورع .

(إِنَّ) الملأ (الَّذِينَ كَفَرُوا) عدلوا وما أسلموا لمحمّد وما أوحاه اللّه له (لَنْ تُغْنِيَ عَنْهُمْ) أهل العدول (أَمْوالُهُمْ وَلا أَوْلادُهُمْ) أورد الأموال والأولاد لما هما عماد دسع المكاره (مِنَ اللَّهِ) إصره (شَيْئاً) أمرا ما صلّا (وَأُولئِكَ) الرّهط العدّال (أَصْحابُ النَّارِ) أهلها وورّادها (هُمْ فِيها خالِدُونَ) ( 116 ) لهم دوام الرّكود .

(مَثَلُ) حال (ما) مال (يُنْفِقُونَ) أهل الطلاح طوعا أو إسماعا أو هولا (فِي هذِهِ الْحَياةِ الدُّنْيا) العمر الموهوم الماصل (كَمَثَلِ) كحال مهلك (رِيحٍ فِيها صِرٌّ) صرد أعسر وصرصر أهول ، وهو مصدر أصلا (أَصابَتْ حَرْثَ قَوْمٍ ظَلَمُوا أَنْفُسَهُمْ) وما أسلموا وعصوا (فَأَهْلَكَتْهُ) ومصح حاصله وعدم محصوله (وَما ظَلَمَهُمُ اللَّهُ) إهلاكا لأكرهم (وَلكِنْ أَنْفُسَهُمْ يَظْلِمُونَ) ( 117 ) لعملهم الملوم .

----------

(وما يفعلوا من خير فلن يكفروه) لن تنقصوا ثوابه وقرىء بالباء (والله عليم بالمتقين) .

(إن الذين كفروا لن تغني) لن تدفع (عنهم أموالهم ولا أولادهم من الله) عذابه (شيئا وأولئك أصحاب النار) وملازموها (هم فيها خالدون) .

(مثل ما ينفقون) سمعة أو قربة أو في عداوة الرسول (في هذه الحيوة الدنيا كمثل ريح فيها صر) برد شديد (أصابت حرث قوم ظلموا أنفسهم) بالمعاصي (فأهلكته) شبه ما أنفقوا في ضياعه بحرث عصاة أهلكه البرد فذهب حطاما وهو من التشبيه المركب (وما ظلمهم الله) بضياع نفقاتهم (ولكن أنفسهم يظلمون) حيث لم يأتوا بها خالصة .

ص: 325

وأهل الإسلام لمّا وأصلوا الهود للودّ والعهد معهم ووصل الأرحام ، أرسل اللّه ردعا لهم (يا أَيُّهَا) الملأ (الَّذِينَ آمَنُوا) أسلموا (لا تَتَّخِذُوا بِطانَةً) أهل ولاءهم مطّلعو أسراركم ومواردوا مواردكم (مِنْ دُونِكُمْ) سواكم وهم أعداء الإسلام (لا يَأْلُونَكُمْ) أهل الولاء (خَبالًا) طلاحا ودعرا (وَدُّوا) وهووا (ما عَنِتُّمْ) وراموا عسر حالكم وسوء أمركم ، وما للمصدر (قَدْ بَدَتِ الْبَغْضاءُ) سطع علم العداء والحرد (مِنْ أَفْواهِهِمْ) كلامهم (وَما تُخْفِي صُدُورُهُمْ) وهو الحسد وحر الصّدر (أَكْبَرُ) ممّا صرحوه لكم (قَدْ بَيَّنَّا لَكُمُ الْآياتِ) دوالّ ودّ أهل الإسلام وإعلام عداء من الأعداء (إِنْ كُنْتُمْ تَعْقِلُونَ) ( 118 ) ما أعلم لكم وما ورد وراء الرّدع كلّه علل للرّدع .

(ها) اعلموا (أَنْتُمْ أُولاءِ) هؤلاء العطّال الوكّاس ما لكم صلاح الوداد معهم ، وما لهم سداد الولاء معكم أو أولاء موصول (تُحِبُّونَهُمْ) الهود وهم أحمّاؤكم (وَلا يُحِبُّونَكُمْ) أهل الإسلام ولهم اسرار الأعمال ودمس الأحوال (وَ) الحال (تُؤْمِنُونَ بِالْكِتابِ كُلِّهِ) الطّروس كلّها ، وهم ما أسلموا لطرسكم

----------

(يا أيها الذين ءامنوا لا تتخذوا بطانة) هو الذي يعرفه الرجل أسراره ثقة به مشبه ببطانة الثوب (من دونكم) كائنة من غير المسلمين أو متعلق بلا تتخذوا (لا يألونكم خبالا) لا يقصرون في الفساد والإلواء التقصير (ودوا ما عنتم) تمنوا ضرركم ومشقتكم (قد بدت البغضاء من أفواههم) من عدم تمالكهم أنفسهم لفرط بغضهم (وما تخفي صدورهم أكبر) مما بدا والواو للحال (قد بينا لكم الآيات إن كنتم تعقلون) ما بينا والجمل الأربع مستأنفات للتعليل وقيل الثلاث الأول نعوت لبطانة .

(ها أنتم أولاء) الخطان في موالاة الكفار (تحبونهم ولا يحبونكم) بيان لخطئهم (وتؤمنون بالكتاب) بجنسه (كله) أي لا يحبونكم والحال أنكم

ص: 326

(وَإِذا) كلّما (لَقُوكُمْ) ادركوكم (قالُوا آمَنَّا) ولعا ومكرا (وَإِذا) كلّما (خَلَوْا) مطوا مع ودّادهم وطرحوكم (عَضُّوا عَلَيْكُمُ الْأَنامِلَ مِنَ الْغَيْظِ) للحرد والأحاح حسرا وحسدا لعلوّ إسلامكم وصلاح حالكم ، وعدم إدراكهم صراطا لوصول مرامهم (قُلْ) رسول اللّه لهم (مُوتُوا بِغَيْظِكُمْ) أمر مهدّد ومدلوله الدّعاء السّوء وهو دمّركم اللّه وأهلككم ، أو دوموا حرّادا حسّادا وأهلكوا لعلوّ الإسلام وسمو أهله (إِنَّ اللَّهَ عَلِيمٌ) عالم مطّلع (بِذاتِ الصُّدُورِ) ( 119 ) أسرار صدوركم ممّا هو الحسد والحرد والحسر .

(إِنْ تَمْسَسْكُمْ) أهل الإسلام (حَسَنَةٌ) لو حصل لكم سرور ومال ووسع وعلوّ (تَسُؤْهُمْ) أساء حالهم مسّها ووصولها ساءه أهمّه (وَإِنْ تُصِبْكُمْ سَيِّئَةٌ) همّ وعدم وعسر وكسر (يَفْرَحُوا بِها) سرورا (وَإِنْ تَصْبِرُوا) دواما حملا لمكارههم وعداهم (وَتَتَّقُوا) اللّه أو ما حرّمه اللّه علاكم أو ودادهم (لا يَضُرُّكُمْ كَيْدُهُمْ) مكرهم (شَيْئاً) ولو ماصلا لحرس اللّه لكم عمّا ساء وكره (إِنَّ اللَّهَ) العدل (بِما) عمل (يَعْمَلُونَ) ورعا وصلاحا وسدادا (مُحِيطٌ) ( 120 ) أحاط علمه أحوالكم ، ومعامل معكم كأعمالكم .

----------

تؤمنون بكتابهم فما بالكم تحبونهم وهم لا يؤمنون بكتابكم وفيه توبيخ في أنهم في باطلهم أصلب منكم في حقكم (وإذا لقوكم قالوا ءامنا) نفاقا وتعزيزا وتغريرا (وإذا خلوا عضوا عليكم الأنامل من الغيظ) من أجله فإن المغتاظ والنادم يعض الأنامل (قل موتوا بغيظكم) دعاء عليهم بزيادة غيظهم بازدياد عز الإسلام (إن الله عليم بذات الصدور) بخفياتها .

(إن تمسسكم حسنة) نعمة (تسؤهم وإن تصبكم سيئة) محنة (يفرحوا بها وإن تصبروا) على عداوتهم (وتتقوا) موالاتهم لا يضركم (كيدهم شيئا إن الله بما يعملون محيط) علما .

ص: 327

(وَ) ادّكر رسول اللّه (إِذْ غَدَوْتَ مِنْ) دار (أَهْلِكَ) لعماس أحد (تُبَوِّئُ) لحال عملك إحلال الرّهط (الْمُؤْمِنِينَ) أصله إحلال المراح ، والمراد إحلال أهل الإسلام وإعدادهم (مَقاعِدَ) محالّ الصول ومعارك الأعداء ومراكد الهمم (لِلْقِتالِ) لعماس الأعداء ، ولمّا أعدّ المعسكر وكمّل العسكر ورآه رسول اللّه ، ووعدهم إعلاء الأمر ، اصار ولد العوّام رأسا لرهط والأسود رأسا لرهط ، وأسد اللّه الكرّار مع رسول اللّه صلعم وردؤه وممدّه (وَاللَّهُ سَمِيعٌ) لكلامكم (عَلِيمٌ) ( 121 ) لسرّكم .

ولمّا ورد أهل العدول أحدا ، سأل رسول اللّه صلعم اودّاءه صلاح الأمر ، ودعا ولد سلول ، وسأله أمر العماس وحاوره أركد مصرك ، واللّه ما همّ أهل الإسلام كسر الأعداء وطرحوا دورهم إلّا والعدوّ علاهم وما ورد الأعداء للعماس وأهل الإسلام ركّاد مصرهم إلّا وأهل الإسلام كسروهم ، وحاول العماس رهط ممّا أسلموا وما أدركوا العماس الأوّل وكرّروا الحوال وأكّدوه ورام رسول اللّه صلعم الدّرع وادّرعه ، ولمّا أدرع سدموا لمصول عسكرهم ووكس أعدادهم وكلّموا الأمر لك رسول اللّه ، وحكم رسول اللّه صلعم ما حلّ لرسول سلّ درع كساه للعماس إلّا وماصع وسار للعماس .

(إِذْ هَمَّتْ) الهمّ العمد المراد الوسواس (طائِفَتانِ) هما سماطا العسكر وهما أولاد الأوس وأولاد أعداءهم أمام الإسلام ، مدلول واحده الواحد وما علاه (مِنْكُمْ) أهل الإسلام (أَنْ تَفْشَلا) عدم الحمس والأعداء لروعهما

----------

(وإذ) واذكر إذ (غدوت) خرجت غدوة (من أهلك) لغزوة أحد (تبوىء المؤمنين) تهيىء لهم (مقاعد للقتال) مواطن ومواقف له (والله سميع) لأقوالكم (عليم) بنياتكم .

(إذ همت طائفتان منكم) بنو سلمة وبنو حارثة (أن

ص: 328

(وَاللَّهُ وَلِيُّهُما) ممدّهما ومصلح أمرهما وحارسهما وعاصمهما عمّا هو همّهما (وَعَلَى اللَّهِ) لا سواه (فَلْيَتَوَكَّلِ) الرّهط (الْمُؤْمِنُونَ) ( 122 ) والوكول مسهّل المأمول ، ولمّا امدّهم اللّه أوّلا وكسروا الأعداء أرسل اللّه مكرّرا لإكرامه ومعلما لإمداده .

(وَلَقَدْ نَصَرَكُمُ اللَّهُ) أمدّكم (بِبَدْرٍ) وهو اسم ماء وسط أمّ رحم ومصر رسول اللّه سمّوه اسم آكرها (وَأَنْتُمْ) أهل الإسلام (أَذِلَّةٌ) لمصل عددكم كسلاحكم وما معكم إلّا وساع واحد ومع عدوّكم كراع وعسكرهم مسلّح مكمّل (فَاتَّقُوا اللَّهَ) ركودا مع رسوله صلعم (لَعَلَّكُمْ تَشْكُرُونَ) ( 123 ) ما أعطاكم اللّه لورعكم وهو إعلاء أمركم .

ادّكر (إِذْ تَقُولُ) حال عماس أحد (لِلْمُؤْمِنِينَ) عسكر الإسلام (أَ لَنْ يَكْفِيَكُمْ أَنْ يُمِدَّكُمْ رَبُّكُمْ) امداد إلهكم (بِثَلاثَةِ آلافٍ مِنَ) الملأ (الْمَلائِكَةِ) عسكرا عسكرا (مُنْزَلِينَ) ( 124 ) ولاء .

(بَلى) اللّه ممدّكم (إِنْ تَصْبِرُوا) حماسا للعماس (وَتَتَّقُوا) ما لا صلاح لكم وردعه الرّسول صلعم (وَيَأْتُوكُمْ) أعداءكم (مِنْ فَوْرِهِمْ )

----------

تفشلا) أن تجبنا وتضعفا (والله وليهما) ناصرهما فما لهما تفشلان (وعلى الله فليتوكل المؤمنون).

(ولقد نصركم الله ببدر وأنتم أذلة) ضعفاء وجمع القلة للدلالة على قلتهم مع ذلتهم (فاتقوا الله) في الثبات (لعلكم تشكرون) بتقواكم وروي أن عدتهم ثلاثمائة وثلاثة عشر للمؤمنين .

(إذ تقول للمؤمنين).

ظرف لينصركم أو بدل ثان من إذ غدوت (ألن يكفيكم أن يمد ربكم بثلاثة ءالاف من الملائكة منزلين) إنكار ألا يكفيهم ذلك وقرىء منزلين بالتشديد .

(بلى) يكفيكم (إن تصبروا وتتقوا ويأتوكم) أي المشركين

ص: 329

إسراعهم لا مع إهمال (هذا) الحال (يُمْدِدْكُمْ) اللّه (رَبُّكُمْ) مولاكم (بِخَمْسَةِ آلافٍ مِنَ) الرّهط (الْمَلائِكَةِ) الكرام وهم عساكر اللّه (مُسَوِّمِينَ) ( 125 ) لهم أعلام سوّمهم اللّه وأعلمهم أو لكراعهم ، أو المراد الإرسال سوّمه أرسله ، ورووا مكسور الواو .

(وَما جَعَلَهُ) الإمداد وإرسال الملك أو العدد (اللَّهُ إِلَّا بُشْرى) اعلاما سارا (لَكُمْ) لمّا هو إعلام لأعلاء حالكم (وَلِتَطْمَئِنَّ قُلُوبُكُمْ) ولركود صدوركم (بِهِ) الوعد (وَمَا النَّصْرُ) الإمداد والإسعاد (إِلَّا مِنْ عِنْدِ اللَّهِ) لا العسكر والسّلاح ولا العدد والعدد (الْعَزِيزِ) علا حكمه (الْحَكِيمِ) ( 126 ) الممدّ المسعد لأهل وداده كما هو صلاح حكمه ومصالحه ، وما أسعد إلّا أهله .

(لِيَقْطَعَ) إهلاكا (طَرَفاً) رهطا (مِنَ) الملأ (الَّذِينَ كَفَرُوا) وهم رؤساء الأعداء اللّواء أهلكوا وأسروا (أَوْ يَكْبِتَهُمْ) وهو كسر الأعداء وصرعهم ، أو لإعلام صروع الإصر لا للأعوار (فَيَنْقَلِبُوا) أراد عودهم وصدودهم (خائِبِينَ) ( 127 ) مع حسم الآمال .

----------

(من فورهم هذا) أي من ساعتهم (يمددكم ربكم بخمسة ءالاف من الملائكة مسومين) معلمين بأنهم ملائكة وكانت عليهم العمائم البيض المرسلة .

(وما جعله الله) أي إمدادكم بالملائكة (إلا بشرى) بشارة (لكم) بالنصر (ولتطمئن قلوبكم به وما النصر إلا من عند الله العزيز) الذي لا يغالب (الحكيم) في النصر والخذلان بحسب المصلحة لا من العدد والعدة ولا من الملائكة وإنما أمدهم ووعدهم بذلك بشارة وتقوية لقلوبهم .

(ليقطع طرفا من الذين كفروا) متعلق بنصركم أو وما النصر أي ليهلك طائفة منهم بالقتل والأسر وهو ما كان يوم بدر من قتل سبعين وأسر سبعين من رؤسائهم (أو يكبتهم) يخزيهم (فينقلبوا خائبين)

ص: 330

(لَيْسَ لَكَ) محمّد ( ص ) (مِنَ الْأَمْرِ) حال (شَيْءٌ) واللّه مالك أمرهم كلّه وما إرسالك إلّا لهولهم والعماس معهم وهو محكوم علاه ولك محكوم (أَوْ يَتُوبَ عَلَيْهِمْ) لو أسلموا وصحّ عودهم (أَوْ يُعَذِّبَهُمْ) لو أصرّوا ، وحاصل الكلام اللّه المالك لأمرهم إمّا مهلكهم حالا أو كاسرهم أو مصلحهم ، وسامع هودهم وسدمهم لو أسلموا وسدموا أو مولمهم ومهلكهم مالا لو أصرّوا وما اسلموا (فَإِنَّهُمْ ظالِمُونَ) ( 128 ) لما صدّوا عمّا هو سواء الصّراط .

(وَلِلَّهِ ما) حلّ (فِي السَّماواتِ) طرّه (وَما) ركد (فِي الْأَرْضِ) كلّه ملكا وأسرا وله الأمر والحكم لا لك (يَغْفِرُ) كرما (لِمَنْ يَشاءُ) لأهل الإسلام والصلاح (وَيُعَذِّبُ) عدلا (مَنْ يَشاءُ) وهم أهل العدول والطّلاح (وَاللَّهُ غَفُورٌ) لأهل الهود (رَحِيمٌ) ( 129 ) للكلّ .

( يا أَيُّهَا) الملأ (الَّذِينَ آمَنُوا) أسلموا (لا تَأْكُلُوا) أموال (الرِّبَوا) أرسلها اللّه لإصلاح حال أهل العسر لما عاودوا ، كلّما وصل ما علاهم محلّه كلّمهم ملّاكه أدّوه حالا أو رموه (أَضْعافاً) أعدالا للدّراهم (مُضاعَفَةً) لعصر

----------

ينهزموا منقطعي الأمل .

(ليس لك من الأمر شيء) مفترضة (أو يتوب عليهم) إن أسلموا (أو يعذبهم) إن أصروا أي إن الله مالك أمرهم فأما أن يهلكهم أو يهزمهم أو يتوب أو يعذب ليس لك من أمرهم شيء إنما أنت عبد مأمور منذر وقرىء إن يتب عليهم أو يعذبهم وأن تتوب عليهم أو تعذبهم بتاء الخطاب فيهما (فإنهم ظالمون) مستحقون للعذاب بظلمهم .

(ولله ما في السموات وما في الأرض) فله الأمر كله (يغفر لمن يشاء) من مذنبي المؤمنين (ويعذب من يشاء) ممن لم يتب (والله غفور رحيم) للمؤمنين .

(يا أيها الذين ءامنوا لا تأكلوا الربوا أضعافا مضاعفة) لا تأخذوا

ص: 331

الأداء (وَاتَّقُوا اللَّهَ) وصدّوا عمّا حرّمكم أكله (لَعَلَّكُمْ تُفْلِحُونَ) ( 130 ) معادا وهو حال .

(وَاتَّقُوا) حال همّكم أكل الرّماء الحرام (النَّارَ الَّتِي أُعِدَّتْ لِلْكافِرِينَ) ( 131 ) أعدّها اللّه لهم أصلا وسرمدا ، ولرهط عصوا وهم أولو الإسلام عصرا ماصلا لا أصلا وسرمدا ، أورد الإمام الأكمل هو أهول كلام اللّه ممّا كلام اللّه لما أوعد اللّه أهل الإسلام السّاعور المعد أهل العدول لورودها أصلا .

(وَأَطِيعُوا اللَّهَ) العدل المطاع كما أمركم (وَالرَّسُولَ) المكرّم كما هداكم (لَعَلَّكُمْ تُرْحَمُونَ) ( 132 ) سرمدا لوسع رحمه .

(وَسارِعُوا) اسرعوا واسعوا (إِلى) ما هو داع لحصول (مَغْفِرَةٍ) كالإسلام والهود وصوالح الأعمال ، وهؤلاء كلّها محّاء لطوالح الأعمال (مِنْ) صدد كرم (رَبِّكُمْ) وهو مصلح للأمور وماح للأصار (وَجَنَّةٍ) دار سلام وسرور معاد لأهل الإسلام ومحلّ لهم سرمدا (عَرْضُهَا السَّماواتُ وَالْأَرْضُ) وسعا ، لو وصل أحدها مع أحد وصار الكلّ سطحا واحدا وطولها

----------

زيادة مكررة ولعل التقييد بحسب ما وقع إذ كان الرجل يربي إلى أجل ثم يزيد فيه زيادة أخرى وهكذا وقرىء مضعفة (واتقوا الله) في مناهيه (لعلكم تفلحون) راجين الفلاح .

(واتقوا النار التي أعدت للكافرين) .

(وأطيعوا الله والرسول لعلكم ترحمون) ترغيب بالوعد بعد الترهيب بالوعيد .

(وسارعوا إلى مغفرة من ربكم) أي إلى ما يوجبها وهو أداء الفرائض أو الطاعة أو التوبة (وجنة عرضها السموات والأرض) إذا وضعتا مبسوطتين وقيل عرضها كعرضهما، وذكر العرض مبالغة في وصفها بالسعة لأنه دون الطول قيل: كسبع سموات وسبع أرضين لو تواصلت

ص: 332

وصل حدّا ما أحاطه الدّرك والوهم (أُعِدَّتْ) أعدّها اللّه (لِلْمُتَّقِينَ) ( 133 ) أهل الإسلام ، ودارالسّلام مأسور حالا وراء العالم المحسوس كما دلّ الكلام لا كما وهم أهل الأهواء ورأوه معدوما حالا ومأسورا مآلا .

(الَّذِينَ يُنْفِقُونَ) إعطاء ماصلا أو كاملا ممّا أعطاهم اللّه (فِي السَّرَّاءِ) حال الوسع (وَالضَّرَّاءِ) حال العسر أو السّرور والهمّ ، أو الأحوال كلّها (وَالْكاظِمِينَ الْغَيْظَ) هم ممسكو إحاحهم الحاصل عمّا حردهم وعاصموا روعهم لو ملاءه الأمر المكروه وهو مكدّر الحسّ (وَالْعافِينَ) الحلماء وهم طارحو إصر مرء هو أهله (عَنِ النَّاسِ) كلّ أحد المملوك وما عداه لو أساءوا (وَاللَّهُ يُحِبُّ) الرّهط (الْمُحْسِنِينَ) ( 134 ) أهل الكرم والسّماح ، اللّام للعموم أو للعهد والمعهود هؤلاء الرّهط .

(وَ) الملأ (الَّذِينَ إِذا فَعَلُوا فاحِشَةً) عملوا أسوأ الأعمال أو العهر (أَوْ ظَلَمُوا أَنْفُسَهُمْ) ألمّوا أو لمسوا ما حرّمها اللّه لهم ، أو المراد الإصر عموما (ذَكَرُوا اللَّهَ) مسحلا وروعا ، أو دعوا اللّه (فَاسْتَغْفَرُوا لِذُنُوبِهِمْ) سألوا اللّه محو آصارهم هوادا وسدّاما (وَمَنْ) وهل (يَغْفِرُ) أحد (الذُّنُوبَ) كلّها

----------

(أعدت) هيئت (للمتقين) فهي مخلوقة اليوم كما تواتر في الأخبار .

(الذين ينفقون في السراء والضراء) حال اليسر والعسر أو كل الأحوال إذ لا تخلوا من مسرة ومضرة (والكاظمين الغيظ) الكافين عن إمضائه مع القدرة عليه (والعافين عن الناس) إذا جنوا عليهم (والله يحب المحسنين) العهد إشارة إلا هؤلاء أو الجنس ويدخلون فيه.

(والذين إذا فعلوا فاحشة) سيئة بالغة في القبح بتعدي أثرها (أو ظلموا أنفسهم) بارتكاب ذنب لا يتعدى (ذكروا الله) تذكروا وعيده وعظمته (فاستغفروا لذنوبهم ومن يغفر الذنوب

ص: 333

(إِلَّا اللَّهُ) المراد مدحه واعلامه وسع مراحمه وعموم مكارمه ، والوعد لأهل الهود لسماع هودهم (وَلَمْ يُصِرُّوا) ما أصرّوا وما داوموا (عَلى ما فَعَلُوا) عصوا وطلحوا لمّا هادوا وعادوا وسدموا (وَ) الحال (هُمْ يَعْلَمُونَ) ( 135 ) سوء الآصار ومآل الإصرار ، وورد لا إصر أصلا مع الهود ولا لمم مع الإصرار ، وورد ما أصرّ أحد هاد ولو عاد مرارا .

(أُولئِكَ) هؤلاء المعلوم أحوالهم (جَزاؤُهُمْ مَغْفِرَةٌ) لهودهم وسدمهم (مِنْ رَبِّهِمْ) معادا وإصرهم ممحوّ وسوءهم مطموس (وَجَنَّاتٌ) لها الدّور والصروح والدّوح لرحمه (تَجْرِي مِنْ تَحْتِهَا) دورها ودوحها (الْأَنْهارُ) مسل الماء والعسل والدّر والرّاح (خالِدِينَ فِيها) دواما (وَنِعْمَ أَجْرُ) الرّهط (الْعامِلِينَ) ( 136 ) عمل الطّوع لكمال الأوّل والرّوع معادا .

(قَدْ خَلَتْ مِنْ قَبْلِكُمْ) أهل الإسلام للأمم الطّوالح (سُنَنٌ) صرط ورسوم أمهلها اللّه وأطاحها مآل الأمر ، أو المراد أمم (فَسِيرُوا) وارحلوا ودوروا (فِي الْأَرْضِ) ما عمّرها اللّه (فَانْظُروا) أحسّوا وأدركوا لحصول ادّكاركم (كَيْفَ كانَ عاقِبَةُ) الرّهط (الْمُكَذِّبِينَ) ( 137 ) الرّسل والصّلحاء

----------

إلا الله) استفهام معناه النفي معترض لبيان سعة رحمته ومغفرته وحث على التوبة وتقوية للرجاء (ولم يصروا على ما فعلوا) لم يقيموا على الذنب (وهم يعلمون) أي لم يصروا على القبيح عالمين به .

(أولئك جزاؤهم مغفرة من ربهم وجنات تجري من تحتها الأنهار خالدين فيها ونعم أجر العاملين) أجرهم .

(قد خلت) مضت (من قبلكم سنن) وقائع سنها الله في أمم مكذبة (فسيروا في الأرض فانظروا كيف كان عاقبة المكذبين) لتتعظوا بحالهم

ص: 334

سواهم وهم سعدوا وعلا أمرهم والأعداء كلّهم طاحوا وساء حالهم مآلا .

(هذا) كلام اللّه المرسل أو أحوال أهل الورع والهود أو ما مرّ ادّكاره (بَيانٌ لِلنَّاسِ) كلّهم (وَهُدىً) دالّ موصل (وَمَوْعِظَةٌ) كلام حاو للأمل والرّوع (لِلْمُتَّقِينَ) ( 138 ) عمّا هو العدول والسّوء .

لما كسر عسكر الإسلام حال عماس أحد وهمّوا وحصروا ، سلّاهم اللّه وأرسل سارّا لهم (وَلا تَهِنُوا) أهل الإسلام واسعوا وصولوا للعماس وإهلاك الأعداء وعودكم أعود لكم (وَلا تَحْزَنُوا) لسرور الأعداء سطوا وحالكم (وَأَنْتُمُ الْأَعْلَوْنَ) لكم العلوّ والسّطوع مآلا وأمد الأمر أعلاكم اللّه لإعلاء الإسلام (إِنْ كُنْتُمْ مُؤْمِنِينَ) ( 139 ) لو صحّ إسلامكم وهو موصول مع الرّدع أو مع ما وراءه .

(إِنْ يَمْسَسْكُمْ قَرْحٌ) كلم وألم وهو ككلم ورووا كحكم ، ومدلولهما واحد ورووا الأوّل الكلم وحماداه ألمه (فَقَدْ مَسَّ الْقَوْمَ) رهط الأعداء (قَرْحٌ مِثْلُهُ) والحاصل لو مسّكم كلم الأعداء حال عماس أحد لمس الأعداء كلمكم

----------

(هذا بيان للناس وهدى وموعظة للمتقين) إشارة إلى قوله .

(قد خلت) إلى ما ذكر من أمر المتقين والتائبين (ولا تهنوا) لا تضعفوا عن الجهاد بما أصابكم (ولا تحزنوا) على ما أصابكم من قتل وأذى (وأنتم الأعلون) أعلى منهم لأن قتالكم لله وقتالهم للشيطان وقتلاكم في الجنة وقتلاهم في النار، أو الأعلون في العاقبة (إن كنتم مؤمنين) إن صح إيمانكم .

(إن يمسسكم قرح فقد مس القوم قرح مثله) بفتح القاف وضمها لغتان

ص: 335

أوّل الأمر (وَتِلْكَ الْأَيَّامُ نُداوِلُها) أحوّلها وأداولها أطوارا دال العهد دار محكوم أو حال (بَيْنَ النَّاسِ) همّا وسرورا وسعا وعسرا لهؤلاء طورا ولهؤلاء طورا ، وهؤلاء الأحوال والأطوار كلّها لحكم أدوا لها لمصالح (وَلِيَعْلَمَ اللَّهُ) الملك العلّام الرّهط (الَّذِينَ آمَنُوا) أسلموا إسلاما صرحا كما علمهم حال عدمهم (وَيَتَّخِذَ مِنْكُمْ) أهل الإسلام (شُهَداءَ) عدولا معادا أو أراد رهطا أكرمهم اللّه إهلاكا وأهدر دمهم حسام الأعداء حال عماس أحد (وَاللَّهُ لا يُحِبُّ) الرّهط (الظَّالِمِينَ) ( 140 ) اللّاءوا ما واطأ مساحلهم صدورهم أو العدّال عموما .

(وَلِيُمَحِّصَ اللَّهُ) محّصه طهّره الملأ (الَّذِينَ آمَنُوا) لو أعدم دوّلهم وأعسرهم ، والعسر عموما ممحّص أهل الإسلام ومطهّرهم (وَيَمْحَقَ) الرّهط (الْكافِرِينَ) ( 141 ) لو أعدم دولهم وأعطاها أهل الإسلام وهو مهلكهم وماح لمراسمهم .

(أَمْ حَسِبْتُمْ) أهل الإسلام (أَنْ تَدْخُلُوا الْجَنَّةَ) وما الأمر كما هو

----------

في الجراح أو الفتح لها والذم لآلها يعني إن نالوا منكم بأحد فقد نلتم منهم ببدر وأنتم الأعلون وترجون من الله ما لا يرجون (وتلك الأيام نداولها) نصرفها (بين الناس) تارة لهؤلاء وأخرى لغيرهم (وليعلم الله الذين ءامنوا) أي ليتميز الثابتون على الإيمان وليس المراد ثبات علمه بل متعلقه أو المعنى ليعلمهم علما يتعلق به الجزاء وهو العلم بالشيء موجودا (ويتخذ منكم شهداء) يكرم بعضكم بالشهادة (والله لا يحب الظالمين) اعتراض .

(وليمحص الله الذين ءامنوا) يخلصهم من ذنوبهم إن كانت الدولة عليهم (ويمحق) يهلك (الكافرين) .

(أم حسبتم) إنكاري (أن تدخلوا الجنة ولما يعلم

ص: 336

موهومكم (وَلَمَّا) لم (يَعْلَمِ اللَّهُ) الملأ (الَّذِينَ جاهَدُوا) وسعوا لإعلاء الإسلام عماسا مع الأعداء وأطاعوا أوامر الرّسول أورد عدم العلم ، والمراد عدم المعلوم وهو العماس (مِنْكُمْ) ولم (وَيَعْلَمَ) الرّهط (الصَّابِرِينَ) ( 142 ) حال المعاسر أو الواو مدلوله مع أو للحال .

(وَلَقَدْ كُنْتُمْ) طوعا وودادا (تَمَنَّوْنَ الْمَوْتَ) السّام ، وهم رهط أرادوا ورودهم معركا مع رسول اللّه صلعم وألحّوا وراموا وسألوا عداده للعماس ومرادهم وصلولهم مراهص وصلها هلّاك العماس الأوّل لا كوح الأعداء (مِنْ قَبْلِ أَنْ تَلْقَوْهُ) أمام وصاله وصلاء عسره (فَقَدْ رَأَيْتُمُوهُ) ما هو مطموعكم (وَ) حال (أَنْتُمْ تَنْظُرُونَ) ( 143 ) هلاك الأرداء والأودّاء وهو ردع لهم عمّا وودّوا العماس وألحّوه أوّلا وعرّدوا حال وروده وعلوّ الأعداء .

ولمّا صار رسول اللّه صلعم مكلوما وهمّ أحد الأعداء إهلاكه ودسعه ، وأحد أهل الإسلام معه لواء رسول اللّه صعلم وعلمه ووهمه العدوّ محمّدا وأهلكه ، وصاح المارد : ألا أهلك محمّد والأعداء علموه هالكا وعرّد أهل الإسلام لما وهموا رحله وصاحوا وما الأمر كما وهموا ، ودعاهم الرّسول صلعم مكرّرا وعادوا والأعداء حوله وحموه صلعم ولامهم رسول اللّه صلعم لما عرّدوا وحاروا ، وكلّموا ما عرّدوا الّا لما سمعوه : أرسل اللّه (وَما مُحَمَّدٌ إِلَّا رَسُولٌ) أرسله اللّه لأداء ما أوحاه (قَدْ خَلَتْ) مرّ (مِنْ قَبْلِهِ الرُّسُلُ) وهو راحل كما

----------

الله الذين جاهدوا منكم) أي ولما تجاهدوا أريد بنفي العلم نفي متعلقه (ويعلم الصابرين) نصب بإضمار أن .

(ولقد كنتم تمنون الموت) بالشهادة حين سمعتم ما فعل الله بشهداء بدر من الكرامة (من قبل أن تلقوه) تشاهدوه وتعرفوا شدته (فقد رأيتموه وأنتم تنظرون) معاينين لقتل من قتل منكم .

(وما محمد إلا رسول قد خلت من قبله الرسل) فسيخلو كما خلوا

ص: 337

رحلوا ما له دوام العمر وملاك أمره أداء الأحكام لا حصوله وركوده وسط رهطه دواما (أَ فَإِنْ ماتَ) لو حسم عمره (أَوْ قُتِلَ) أهلك (انْقَلَبْتُمْ) رهط محمّد ( ص ) (عَلى أَعْقابِكُمْ) صدودا وعدولا عمّا أمر اللّه وهو العماس أو الإسلام (وَمَنْ يَنْقَلِبْ عَلى عَقِبَيْهِ) طلاحا وكسادا (فَلَنْ يَضُرَّ اللَّهَ شَيْئاً) لعدوله وما مآل السّوء إلّا هو (وَسَيَجْزِي اللَّهُ) الرّهط (الشَّاكِرِينَ) ( 144 ) هم رهط أرادوا إعلاء الإسلام وحمدوا اللّه واسعدوا رسوله وصالوا وحمسوا للعماس ، وما عادوا كعمّ ولد مالك وأعداله أعدّ لهم اللّه مكارمه ، ووعدهم كما أوعد العوّاد أوّلا .

(وَما كانَ) ما صحّ (لِنَفْسٍ) ما (أَنْ تَمُوتَ إِلَّا بِإِذْنِ اللَّهِ) علمه أو أمره ملك الحمام لعطو روحه ، والحاصل هو معلوم اللّه ومرسوم اللّوح ، وروده محال إلّا لأمر اللّه وحكمه وهو إعلام لأهل العماس والأحامس ما دام العمر ما حام حولهم الحمام ، ولو مسّهم الرّمح والحسام ووردوا المهالك والمعارك (كِتاباً) مصدر مؤكّد والمراد سطر السّام والعمر سطرا (مُؤَجَّلًا) معهودا معلوما لا حور له ولا كور (وَمَنْ يُرِدْ) لعماسه (ثَوابَ الدُّنْيا) المال وما عداه كأهل إسلام ألهاهم الأموال عمّا ماصعوا أحدا وحمل الأعداء علاهم وكسروهم

----------

(أفإن مات أو قتل انقلبتم على أعقابكم) إنكار لانقلابهم عن دينهم لخلوه بموت أو قتل مع علمهم بخلو الرسل قبله وبقاء دينهم، روي أن إبليس نادى فيهم: أنه قد قتل فانهزموا وارتدوا عن الدين (ومن ينقلب على عقبيه) يرتد (فلن يضر الله شيئا) بل يضر نفسه (وسيجزي الله الشاكرين) نعمة الإسلام بثباتهم عليه .

(وما كان لنفس أن تموت إلا بإذن الله) بعلمه وأمره وفيه تشجيع على الجهاد (كتابا) مصدر مؤكد أي كتب الموت كتابا (مؤجلا) موقتا لا يتقدم ولا يتأخر (ومن يرد

ص: 338

(نُؤْتِهِ مِنْها) كما أراد وصار مسطورا (وَمَنْ يُرِدْ) لما ماصع (ثَوابَ الْآخِرَةِ) إعلاء حاله معادا (نُؤْتِهِ مِنْها) كما هو مأموله ومطموعه (وَسَنَجْزِي) الرّهط (الشَّاكِرِينَ) ( 145 ) لآلاء اللّه وما ألهاهم أمر عمّا أدركوا العماس .

(وَكَأَيِّنْ) كم (مِنْ نَبِيٍّ) رسول أرسلهم اللّه لإصلاح الكلّ (قاتَلَ مَعَهُ) مع الرّسول (رِبِّيُّونَ) مكسور الأوّل أرهاط أو علماؤهم أهل ورع أو ألّاه للّه (كَثِيرٌ) لا إحصاء لهم (فَما وَهَنُوا) وما وهوا حال هلاك رسلهم أو هلاك رهطهم (لِما) همّ وعسر (أَصابَهُمْ) وصلهم وأدركهم (فِي سَبِيلِ اللَّهِ) صراط الإسلام (وَما ضَعُفُوا) وما كسلوا عمّا أمروا وهو العماس (وَمَا اسْتَكانُوا) وما هاعوا حال دهم الأعداء وما أطاعوهم (وَاللَّهُ يُحِبُّ) الرّهط (الصَّابِرِينَ) ( 146 ) حال ورود المعاسر وحلول المهالك وحصول المعارك

(وَما كانَ قَوْلَهُمْ) وما كلام الأمم حال هلاك رسلهم محكوم (إِلَّا أَنْ قالُوا) ودعوا صلاحا وسدادا محكوم علاه (رَبَّنَا اغْفِرْ لَنا ذُنُوبَنا) امح الآصار (وَ) امح (إِسْرافَنا فِي أَمْرِنا) وهو العداء عما هو حدّ الأمر والطّوع

----------

ثواب الدنيا نؤته منها ومن يرد ثواب الآخرة نؤته منها وسنجزي الشاكرين) للنعمة الذين لم يؤثروا على الجهاد شيئا .

(وكأين) كم (من نبي قاتل معه ربيون كثير) ربانيون علماء عباد أو جماعات وقرىء قتل (فما وهنوا) فتروا (لما أصابهم في سبيل الله) من قتل وذل (وما ضعفوا) عن الجهاد (وما استكانوا) خضعوا لعدوهم (والله يحب الصابرين) فينصرهم ويرضى عنهم .

(وما كان قولهم) مع أنهم ربانيين (إلا أن قالوا ربنا اغفر لنا ذنوبنا وإسرافنا

ص: 339

(وَثَبِّتْ أَقْدامَنا) معارك العماس لإعلاء الإسلام وكسر الأعداء (وَانْصُرْنا) للعول (عَلَى الْقَوْمِ الْكافِرِينَ) ( 147 ) عساكر الأعداء .

(فَآتاهُمُ اللَّهُ) أعطاهم لما دعوا وهادوا وسألوا وألحّوا (ثَوابَ الدُّنْيا) آلاء عالم الملك كإسعاد اللّه حال العماس ومال الأعداء والعلوّ والكمال (وَحُسْنَ ثَوابِ الْآخِرَةِ) آلاء عالم المعاد كلّها كمحو الآصار ودارالسّلام (وَاللَّهُ يُحِبُّ) الرّهط (الْمُحْسِنِينَ) ( 148 ) أرادهم أولو محامد الأعمال واللّه وادّهم .

( يا أَيُّهَا) الملأ (الَّذِينَ آمَنُوا) أسلموا وسعوا لإعلاء الأمر وإسعاد الإسلام وإهلاك الأعداء (إِنْ تُطِيعُوا) هؤلاء (الَّذِينَ كَفَرُوا) هم هود ورهط روح اللّه ، أو أعداء أحد ما واطأ مساحلهم أرواعهم ودعوا أهل الإسلام حال كسرهم ردّا وصدودا وكلّموهم عودوا ، ومحمّد هلك ولو رسولا لما هلك واطرحوا الإسلام وأدركوا أوّل الحال كما هو حال رهطكم ، وورد هو عامّ لأهل العدول عموما ردّ لطوعهم وسماعهم حكمهم (يَرُدُّوكُمْ) أهل الإسلام (عَلى أَعْقابِكُمْ) أراد اكساءهم (فَتَنْقَلِبُوا خاسِرِينَ) ( 149 ) حالا ومعادا ولكم الردّ

----------

في أمرنا وثبت أقدامنا وانصرنا على القوم الكافرين) أضافوا الذنوب والإسراف إلى أنفسهم فاستغفروا .

(فآتيهم الله) بما قالوا (ثواب الدنيا) النصر والغنيمة وحسن الذكر (وحسن ثواب الآخرة) الجنة والرضوان (والله يحب المحسنين) خص ثواب الآخرة بالحسن إيذانا بأنه المعتد به عنده .

(يا أيها الذين ءامنوا إن تطيعوا الذين كفروا يردوكم على أعقابكم فتنقلبوا خاسرين) قيل نزلت في قول المنافقين للمؤمنين عند الهزيمة ارجعوا إلى دين إخوانكم وقيل: عام في إطاعة الكفر فإنها تجر إلى موافقتهم .

ص: 340

والطّرد دواما .

(بَلِ اللَّهُ مَوْلاكُمْ) مسعدكم وحارسكم ومطاعكم وودودكم ومصلح أموركم (وَهُوَ) اللّه (خَيْرُ النَّاصِرِينَ) ( 150 ) أكملهم وأكرمهم وأرحمهم وأحمدهم إسعادا .

(سَنُلْقِي) ساطرح (فِي قُلُوبِ) الملأ (الَّذِينَ كَفَرُوا) عدلوا عمّا أمروا (الرُّعْبَ) وهو ملأ الرّوع هولا ووهما ، والأعداء لمّا عادوا عمّا همّوا حال عماس أحد ووردوا صدد أمّ رحم وحاروا وهاموا وسدموا وهمّوا عودا لإهلاك أهل الإسلام طرّا ، طرح اللّه الرّوع ارواعهم وهوّلهم عمّا عادوا (بِما أَشْرَكُوا) عدولا (بِاللَّهِ) الأحد وما وحّدوه (ما لَمْ يُنَزِّلْ بِهِ سُلْطاناً ) إلها موهوما مولوعا ما أرسل اللّه معه أدلّاء ، والمراد عدم حصول أصل الأدلّاء رأسا لا عدم إرسالها مع حصولها لما هو محال (وَمَأْواهُمُ) معادهم (النَّارُ) السّاعور (وَبِئْسَ) ساء (مَثْوَى الظَّالِمِينَ) ( 151 ) السّاعور لما عدوا حدود اللّه .

ولمّا عاد رسول اللّه صلعم مع عسكره وعمد مصره ، ورهط سألوا ممّ وصل عكس ما وعده اللّه لأهل الإسلام ، أرسل اللّه :

(وَلَقَدْ صَدَقَكُمُ اللَّهُ وَعْدَهُ) عمل ما وعدكم ولا راد لما أراد

----------

(بل الله مولاكم) ناصركم (وهو خير الناصرين) لا تحتاجون معه إلى غيره .

(سنلقي في قلوب الذين كفروا الرعب) قذف في قلوبهم الخوف يوم أحد فرجعوا من غير سبب (بما أشركوا بالله ما لم ينزل به سلطانا) بسبب إشراكهم آلهة ليس على إشراكها حجة (ومأواهم النار وبئس مثوى الظالمين) أي مثواهم وعدل إلى الظاهر للتعليل .

(ولقد صدقكم الله وعده) إياكم بالنصر بشرط الصبر والتقوى وكان كذلك

ص: 341

(إِذْ تَحُسُّونَهُمْ) إهلاكا كاملا حسّه أعدم حسّه إهلاكا (بِإِذْنِهِ) أمره وعلمه وهو أوّل الأمر (حَتَّى إِذا فَشِلْتُمْ) مسّكم الهاع والوهاء وألهاكم المال (وَتَنازَعْتُمْ) حصل ادّارءكم (فِي الْأَمْرِ) أمر الرّسول للرّموك لد الأحد (وَعَصَيْتُمْ) أمر رسولكم وصلاحه لطرحكم معركا أمركم ركوده (مِنْ بَعْدِ ما أَراكُمْ) اللّه ما أمرا (تُحِبُّونَ) وهو العلوّ وكسر الأعداء وعطو المال (مِنْكُمْ مَنْ يُرِيدُ الدُّنْيا) المال ، وهم راموا سهام ولّوا وطرحوا محالهم لعطو مال الأعداء (وَمِنْكُمْ مَنْ يُرِيدُ) الدّار (الْآخِرَةَ) هم عدد ماصل ممّا رموا وأمر أحدهم رسول اللّه صلعم ، وما ولّوا وركدوا وهلكوا (ثُمَّ صَرَفَكُمْ) ردّكم اللّه وصدّكم (عَنْهُمْ) الأعداء وأعراكم وكوحكم الأعداء وكسروكم (لِيَبْتَلِيَكُمْ) أراد هو معامل معكم كما عامل الممحّص لإعلاء حالكم وسداد ودادكم وصلاح سرّكم حال المعاسر (وَلَقَدْ عَفا) اللّه (عَنْكُمْ) عمّا هو عملكم كرما ولما علم سدّمكم ، وما أساءكم لصدودكم عمّا أمر رسول اللّه (وَاللَّهُ ذُو فَضْلٍ) عطاء وسماح (عَلَى) الرّهط (الْمُؤْمِنِينَ) ( 152 ) كلّ حال سواء

----------

حتى خالفهم الرماة (إذ تحسونهم) تبطلون حسهم بقتلهم (بإذنه) من حسه أي أبطل حسه (حتى إذا فشلتم) جبنتم وضعف رأيكم (وتنازعتم في الأمر) حين انهزم المشركون فقال بعض الرماة فما موقفنا هاهنا، وقال آخرون لا نخالف أمر النبي فلبث أميرهم في نفر دون العشرة ونفر الباقون للنهب وهو معنى (وعصيتم من بعد ما أراكم ما تحبون) من النصر والغنيمة وحذف جواب إذا وهو ابتلاكم (منكم من يريد الدنيا) وهم من أخلوا مراكزهم للغنيمة (ومنكم من يريد الآخرة) وهم من ثبتوا طاعة لأمر الرسول (ثم صرفكم) كفكم (عنهم) اذكروا عليكم فغلبوكم (ليبتليكم) ليمتحن صبركم (ولقد عفا عنكم) بعد أن عصيتم أمر الرسول (والله ذو فضل على المؤمنين) .

ص: 342

أدال لهم أو علاهم .

ادّكروا (إِذْ تُصْعِدُونَ) إصعادا وعردا وعدوا صراط واد ومصاعد أطواد (وَلا تَلْوُونَ عَلى أَحَدٍ) لوّوا رؤوسهم أمالوها ، والمراد كمال هول الأعداء وعدوهم له (وَ) الحال (الرَّسُولُ يَدْعُوكُمْ) دعاء مكرّرا لكروركم ، وحاصل دعاء الرّسول وكلامه عودوا أهل الإسلام عودوا أهل الإسلام ، كلّ أحد كرّ له دارالسّلام (فِي أُخْراكُمْ) رهط وراءكم (فَأَثابَكُمْ) اللّه وأرسل لكم (غَمًّا) همّا حال صدّكم عمّا هم (بِغَمٍّ) لهمّ وصل رسول اللّه صلعم حال عدولكم وعدم سماعكم أمره ، أو المراد ولاء الهموم وهو الهلاك والكلم وعلوّ حال الأعداء ، أو المراد واساكم الرّسول همّا لهمّكم أرسل اللّه المعاسر وحمّلها لكم (لِكَيْلا تَحْزَنُوا) وراءه (عَلى ما فاتَكُمْ) وهو مال الأعداء وما سواه (وَلا ما أَصابَكُمْ) هو الكسر والهلاك والصّدود وما عداها (وَاللَّهُ خَبِيرٌ) عالم (بِما) للمصدر (تَعْمَلُونَ) ( 153 ) أعمالكم واسرارها صلاحا وطلاحا .

----------

(إذ تصعدون) تفرون وتبعدون متعلق بصرفكم أو ليبتليكم أو باذكر مقدرا (ولا تلون على أحد) لا يقف أحد لأحد (والرسول يدعوكم) ويقول إلى عباد الله (في أخراكم) ساقتكم وجماعتكم الأخرى (فأثابكم غما بغم) عطف على صرفكم أي فجازاكم غما بسبب غم أذقتموه الرسول بعصيانكم له أو فجازاكم عن فشلكم وعصيانكم غما متصل بغم بالإرجاف بقتل الرسول وظفر المشركين والقتل والجرح (لكيلا تحزنوا على ما فاتكم) من المنافع (ولا ما أصابكم) من المضار (والله خبير بما تعملون) عالم بأعمالكم .

ص: 343

(ثُمَّ أَنْزَلَ) أرسل اللّه (عَلَيْكُمْ) أهل الإسلام (مِنْ بَعْدِ الْغَمِّ) الهمّ (أَمَنَةً) سلاما وهو معمول للعامل الأوّل أو هو حال ممّا وراءه (نُعاساً) دكاسا وروحا للحواسّ ، (يَغْشى طائِفَةً مِنْكُمْ) هم أهل السّداد كعمر وسعد وسهل وما عداهم (وَطائِفَةٌ) هم رهط همّهم حصول الماء (قَدْ أَهَمَّتْهُمْ أَنْفُسُهُمْ) ما لهم إلّا همّهم وهمّ أحوالهم لا همّ الإسلام وهمّ رسول اللّه وأهل الإسلام (يَظُنُّونَ) كلّهم وهو حال أو أوّل كلام (بِاللَّهِ) الملك العدل (غَيْرَ الْحَقِّ) له حكم المصدر ، وهم وهموا عدم إعلاء الإسلام وعدم علوّ أمر محمّد صلعم وسطوعه وإسعاده وإمداده (ظَنَّ) أهل (الْجاهِلِيَّةِ) وهو سوء أوهامهم (يَقُولُونَ) أحدهم أحدا أو لرسول اللّه صعلم (هَلْ) ما (لَنا) رهط الإسلام (مِنَ الْأَمْرِ) ممّا أمر اللّه وهو العلوّ الموعود والإسعاد المعهود (مِنْ شَيْءٍ) سهم أصلا (قُلْ) لهم رسول اللّه (إِنَّ الْأَمْرَ) السطو والعلوّ (كُلَّهُ لِلَّهِ) ولأهل وداده أو الحكم له لا لما عداه (يُخْفُونَ) أهل الإعوار والوهم (فِي أَنْفُسِهِمْ) صدورهم ما عدولا وصدودا (لا يُبْدُونَ) هؤلاء إعلاء (لَكَ) مما أهلكوا

----------

(ثم أنزل عليكم من بعد الغم أمنة) أمنا مفعول (نعاسا) بدل عن أبي طلحة: غشينا الناس في مصافنا وكان السيف يسقط من يد أحدنا فيأخذه (يغشى) النعاس وقرىء بالتاء أي الأمنة (طائفة منكم) خلص المؤمنين (وطائفة) هم المنافقين (قد أهمتهم أنفسهم) ما بهم إلا هم خلاص أنفسهم (يظنون بالله) صفة أخرى لطائفة أو حال أو استيناف (غير) الظن (الحق) الذي يجب أن يظن به (ظن الجاهلية) بدل (يقولون) للرسول (هل لنا من الأمر) أمر الله أي النصر والفتح (من شيء) نصيب (قل إن الأمر كله لله) النصر أو مطلقا لله وأوليائه (يخفون في أنفسهم ما لا يبدون لك) يظهرون أنهم

ص: 344

وراعوا وهو حال (يَقُولُونَ) أحدهم أحدا سرّا (لَوْ كانَ لَنا مِنَ الْأَمْرِ شَيْءٌ) كما وعد محمّد صلعم وحكم الأمر كلّه للّه ولأهل وداده ولهم الكوح (ما قُتِلْنا) ما كوّحوا وما .

أهلكوا (هاهُنا) المعرك لركودهم الدور وعدم ورودهم المعارك كرها (قُلْ) لهم رسول اللّه (لَوْ كُنْتُمْ) أهل الولع والوهم ركّادا (فِي بُيُوتِكُمْ) مراكدكم ودوركم وعلم اللّه إهلاك آحادكم وصار مسطور اللوح .

(لَبَرَزَ) أصحر آحادكم (الَّذِينَ كُتِبَ) سطر وحمّ (عَلَيْهِمُ الْقَتْلُ) الهلاك (إِلى مَضاجِعِهِمْ) مصارعهم ولا رادّ لحكم اللّه (وَ) عامل ما عامل (لِيَبْتَلِيَ اللَّهُ) عالم الأحوال (ما) سدادا وولعا (فِي صُدُورِكُمْ وَلِيُمَحِّصَ) محّص طهر (ما فِي قُلُوبِكُمْ) وساوس المارد (وَاللَّهُ عَلِيمٌ بِذاتِ الصُّدُورِ) ( 154 ) أسرار الصدور كلّها أمام صدورها وحصولها ، والكلام واعد وموعد .

(إِنَّ) هؤلاء (الَّذِينَ تَوَلَّوْا) صدّوا وعدلوا وكسروا حال عماس أحد (مِنْكُمْ يَوْمَ الْتَقَى الْجَمْعانِ) ووصل أحدهما أحدا عسكر محمّد رسول اللّه

----------

مسترشدون ويبطنون النفاق (يقولون) في أنفسهم أو بعضهم لبعض (لو كان لنا من الأمر) النصر الموعود به (شيء) أو كان لنا اختياره (ما قلنا هاهنا) لما غلبنا وقتل أصحابنا هنا (قل لو كنتم في بيوتكم لبرز الذين كتب عليهم القتل) في علم الله (إلى مضاجعهم) مصارعهم ليكون ما علم كونه و(ليبتلي الله ما في صدوركم) من الإخلاص علة لمحذوف أي فعل ذلك ليبتلي أو عطف على محذوف أي برزوا لمصالح وللابتلاء (وليمحص ما في قلوبكم) ليخلصه من الشك (والله عليم بذات الصدور) بأسرارها قبل ظهورها وفيه وعد ووعيد .

(إن الذين تولوا) انهزموا (منكم يوم التقى الجمعان) يوم أحد

ص: 345

« ص » وعسكر الأعداء لعماس أحد (إِنَّمَا اسْتَزَلَّهُمُ الشَّيْطانُ) دعاهم للعمل المكروه وحملهم علاه (بِبَعْضِ ما كَسَبُوا) وهو طرحهم محلا معلوما أمرهم رسول اللّه ركوده ، وما وطدوا لما وسوسهم المارد وولوا وعدلوا (وَلَقَدْ عَفَا اللَّهُ) محاما صدر (عَنْهُمْ) كرما ورحما (إِنَّ اللَّهَ غَفُورٌ) للاصار (حَلِيمٌ) ( 155 ) لا إسراع لأعاسره وآصاره وآلامه وله الإمهال مددا ورصدا للهود .

(يا أَيُّهَا) الملأ (الَّذِينَ آمَنُوا) أسلموا إسلاما صرحا (لا تَكُونُوا) وهما (كَالَّذِينَ كَفَرُوا) عدلوا وما أدركوا أصل الأمر ك « ولد سلول » وطوّاعه (وَقالُوا لِإِخْوانِهِمْ) رحما وأصلا أو معاكا ووصلا وهم رهط هلكوا (إِذا ضَرَبُوا) ساروا ورحلوا (فِي الْأَرْضِ) لأمر ما كحصول مال أو ما عداه (أَوْ كانُوا غُزًّى) عملا لعماس الأعداء وأدركهم السام أو الإهلاك واحده كرم (لَوْ كانُوا) رمك هؤلاء الهلّاك وما راحوا أصلا وما وردوا معرك عماس (عِنْدَنا ما ماتُوا وَما قُتِلُوا) وسلموا وما مسّهم الحمام والمكاره وما حسم الحسام أعمارهم ، والمراد كهؤلاء كلاما (لِيَجْعَلَ اللَّهُ ذلِكَ) الكلام الموهوم المردوع

----------

(إنما استزلهم) حملهم على الزلة (الشيطان ببعض ما كسبوا) أي كان انهزامهم بسبب ترك المركز والميل إلى الغنيمة بتسويل الشيطان أو بسبب ذنوب قدموها والذنب يجر إلى الذنب كالطاعة (ولقد عفا الله عنهم) لتوبتهم (إن الله غفور) للذنوب (حليم) لا يعجل العقاب .

(يا أيها الذين ءامنوا لا تكونوا كالذين كفروا) أي المنافقين (وقالوا لإخوانهم) لأجلهم وإخوتهم في النسب أو المذهب (إذا ضربوا) سافروا (في الأرض) لتجارة ونحوها (أو كانوا غزى) جمع غاز (لو كانوا عندنا ما ماتوا وما قتلوا) مقول قالوا (ليجعل الله ذلك حسرة في قلوبهم) متعلق بقالوا واللام

ص: 346

أمد الأمر (حَسْرَةً) حسرا وهمّا (فِي قُلُوبِهِمْ) السود (وَاللَّهُ يُحْيِي) عصرا معهودا (وَيُمِيتُ) عهدا معلوما سواء محالّكم الدور أو المعارك لا كما وهم الولّاع (وَاللَّهُ بِما) عمل (تَعْمَلُونَ بَصِيرٌ) ( 156 ) أحاط علمه أحوالكم ، ومعامل معكم كأعمالكم .

(وَلَئِنْ قُتِلْتُمْ فِي سَبِيلِ اللَّهِ) صراطه الأسدّ وهو العماس لإعلاء الإسلام وإكماله (أَوْ مُتُّمْ) أدرككم السام حال سلوككم مسلكه الأسلم ، ورووه مكسور الأوّل (لَمَغْفِرَةٌ مِنَ اللَّهِ) معادا (وَرَحْمَةٌ) عطاء (خَيْرٌ) أصلح لكم (مِمَّا يَجْمَعُونَ) ( 157 ) وهو المال وما عداه حوار العهد .

(وَلَئِنْ مُتُّمْ) رموكا (أَوْ قُتِلْتُمْ) رحلا (لَإِلَى اللَّهِ) الراحم الواسع كرمه لا ما سواه (تُحْشَرُونَ) ( 158 ) وهو معادكم ومآلكم .

(فَبِما) « ما » وصل مؤكّد (رَحْمَةٍ) وكرم صادر (مِنَ اللَّهِ لِنْتَ) رسول اللّه (لَهُمْ) لرهط طرحوا أمرك ، والحاصل ما رحمك إلّا لرحم اللّه وكرمه (وَلَوْ كُنْتَ فَظًّا) سوء الملاء وعسر الكلام مهدّدا لهم (غَلِيظَ الْقَلْبِ) صلد الروع (لَانْفَضُّوا) كلّهم (مِنْ حَوْلِكَ) وطرحوك وحدك وما طاوعوك

----------

للعاقبة (والله يحيي ويميت) لا الحضر والسفر (والله بما تعملون بصير) .

(ولئن قتلتم في سبيل الله أو متم) في سبيله (لمغفرة من الله ورحمة خير مما يجمعون) من منافع الدنيا لو لم يموتوا .

(ولئن متم أو قتلتم لإلى الله تحشرون) لا غيره فيعظم أجركم .

(فبما رحمة من الله لنت لهم) ما مزيدة للتأكيد وتقديم الظرف للحصر (ولو كنت فظا) جافيا (غليظ القلب) قاسية (لانفضوا من حولك) وتفرقوا عنك

ص: 347

(فَاعْفُ عَنْهُمْ) ما عاملوك سموما حال عماس « أحد » (وَاسْتَغْفِرْ لَهُمْ) سل اللّه محو آصارهم ممّا هو للّه (وَشاوِرْهُمْ فِي الْأَمْرِ) أمر العماس كما دلّ الكلام لإسعاد الآراء ووطود الأمر ، أو إكراما لأهل الولاء ، أو إعلاما لرهطه سلوك الصلاح ، وورد ما عملها رهط الّا هدوا لأصلح أمرهم (فَإِذا عَزَمْتَ) وصحّ عمدك للأمر (فَتَوَكَّلْ) كل أمرك وسدّد وكولك (عَلَى اللَّهِ) وحده لعلوّ أمرك وحصوله كما هو أصلح لك لا علاها (إِنَّ اللَّهَ يُحِبُّ) الرهط (الْمُتَوَكِّلِينَ) ( 159 ) مسعدهم وممدّهم .

(إِنْ يَنْصُرْكُمُ اللَّهُ) العدل كما أسعدكم حال عماس مرّ (فَلا غالِبَ لَكُمْ) أصلا (وَإِنْ يَخْذُلْكُمْ) اللّه كما اعراكم حال عماس « أحد » وما أسعدكم (فَمَنْ ذَا) هو (الَّذِي يَنْصُرُكُمْ مِنْ بَعْدِهِ) اللّه أو طرح إسعاده وعدم إمداده (وَعَلَى اللَّهِ) وحده (فَلْيَتَوَكَّلِ) الرهط (الْمُؤْمِنُونَ) ( 160 ) لمّا علموا لا مسعد سواه ولما هو حكم إسلامهم .

(وَما كانَ) ما صحّ (لِنَبِيٍّ) لرسول ما (أَنْ يَغُلَّ) الألس وللرسل دوام السداد والصلاح والسواء ، أرسلها اللّه لإعلام رهط أرادوا حصّص الأموال لا كما

----------

(فاعف عنهم) فيما يختص بك (واستغفر لهم) فيما لله (وشاورهم في الأمر) أمر الحرب ونحوه مما لم يوح إليك تطييبا لنفوسهم وتأسيسا لسنة المشاورة للأمة (فإذا عزمت) على شيء بعد الشورى (فتوكل على الله) في إمضائه (إن الله يحب المتوكلين) .

(إن ينصركم الله) كما نصركم ببدر (فلا غالب لكم وإن يخذلكم) كما في أحد (فمن ذا الذي ينصركم من بعده) بمعنى النفي (وعلى الله فليتوكل المؤمنون) إذ لا ناصر سواه .

(وما كان) ما صح (لنبي أن يغل) يخون في الغنيمة، فقدت يوم بدر

ص: 348

سوّاها رسول اللّه ووهموا لعلّ رسول اللّه دمسها ، والحاصل طهر الرسول عمّا وهموا وعلا عمّا كلّموا وعصم عمّا وصموا ، أو هو ردع للرسول صلعم عمّا عمله كما ورد أرسل رسول اللّه صلعم رهطا لاطّلاع أمر الأعداء وإحساسهم وحصل له المال وراءهم وأعطاه لكلّ رهط معه وما أعطاه لرهط أرسلهم وهم حرّموا وسمّاه اللّه ألسا ردعا له عمّا عمله ، ورووا لا معلوما والمراد ح ما صحّ حصوله آلسا ومآلهما واحد (وَمَنْ يَغْلُلْ) حالا (يَأْتِ بِما) مال (غَلَّ) ألس (يَوْمَ الْقِيامَةِ) حاملا له كما هو أو لإصره (ثُمَّ تُوَفَّى كُلُّ نَفْسٍ) كلّ أحد (ما كَسَبَتْ) ما عمل واللّه معامل للكلّ كما عملوا صلاحا أو طلاحا كمالا لا وكسا وعمّم الحكم وسلك سلوكا أحكم لما هو كالأدلاء للمدلول (وَهُمْ لا يُظْلَمُونَ) ( 161 ) لا وكس لهم لما هو عادل .

(أَ فَمَنِ اتَّبَعَ رِضْوانَ اللَّهِ) وأطاعه كما أمره ، ورد هم رهط طرحوا أمّ الرحم ممّا أودّاء رسول اللّه صلعم ورهط آووهم وأسعدوهم (كَمَنْ باءَ) عاد (بِسَخَطٍ) حرد لأصر (مِنَ اللَّهِ) وهم أولو الطلاح ممّا أسلموا مسحلا لا روعا وممّا عدلوا إعلاء وسرّا (وَمَأْواهُ) ومحلّه (جَهَنَّمُ) أعدّها اللّه لهم (وَبِئْسَ الْمَصِيرُ) ( 162 ) ساء معاده دار السوء .

----------

قطيفة حمراء من الغنيمة فقال رجل ما أظن إلا رسول الله أخذها فنزلت (ومن يغلل يأت بما غل يوم القيامة) يأتي بالذي غل يحمله على ظهره كما في الخبر أو بما حمل من وباله (ثم توفى كل نفس ما كسبت) تعطى جزاؤه وافيا ولم يقل يوفى ما كسبت للمبالغة فإنه إذا كان كل كاسب مجزيا بعمله شمل الحكم الغال وغيره (وهم لا يظلمون) .

(أفمن اتبع رضوان الله) بالطاعة (كمن باء بسخط من الله) بالمعصية (ومأواه جهنم وبئس المصير) يفرق بينه وبين المرجع بمخالفته للحالة الأولى بخلاف المرجع .

ص: 349

(هُمْ) أهل الصلاح والطّلاح (دَرَجاتٌ) كمراهص أو أولوها (عِنْدَ اللَّهِ) لصروع أعمالهم (وَاللَّهُ بَصِيرٌ بِما يَعْمَلُونَ) ( 163 ) وهو عالم أعمال كل أحد ومراهصه .

(لَقَدْ مَنَّ اللَّهُ عَلَى) الرهط (الْمُؤْمِنِينَ) أعطاهم الآلاء ، وهم رهط رسول اللّه صلعم اللّاءوا أسلموا معه سموما أوردهم مع عموم إرسال محمّد صلعم لأولاد آدم كلّهم لمّا إرساله أعود لهم ، أو المراد أهل الإسلام عموما (إِذْ بَعَثَ) وأرسل (فِيهِمْ رَسُولًا) وأكرمه وأوحاه الأوامر والأحكام (مِنْ أَنْفُسِهِمْ) صرعهم لما هو ممّا ولد ماء السماء كما هم ، أو ولد مسدوح اللّه كما هم أولاده لعلمهم سداده وصلاحه وكماله ومولده وأصله ، وكلامه أورد المراد ممّا ولد آدم لا الملك (يَتْلُوا) الرسول (عَلَيْهِمْ آياتِهِ) كلام اللّه المرسل وهم ما سمعوا ما أوحاه (وَيُزَكِّيهِمْ) وهو مطهّرهم إسلاما عمّا هو ركس العدول والطلاح وسوء الأعمال (وَيُعَلِّمُهُمُ) وهو معلّمهم (الْكِتابَ) كلام اللّه (وَالْحِكْمَةَ) علم الاسرار أو المراد كلام الرسول صلعم (وَإِنْ) مطروح الاسم كما دلّ اللام (كانُوا) أهل الإسلام (مِنْ قَبْلُ) أمام عصر إرسال محمّد رسول

----------

(هم درجات عند الله) أي متفاوتون في الثواب والعقاب تفاوت الدرجات أو ذوو درجات (والله بصير بما يعملون) عليم بأعمالهم ودرجاتها يجازيهم بحسبها .

(لقد من الله على المؤمنين) خصوا مع عموم نعمة البعث لأنهم المنتفعون بها (إذ بعث فيهم رسولا من أنفسهم) عربيا مثلهم ليسهل عليهم فهم كلامه أو من نسبهم ليكونوا عارفين صدقه (يتلو عليهم آياته) القرآن وكانوا من قبل جهالا لم يسمعوا وحيا (ويزكيهم) يطهرهم من دنس العقائد والأعمال (ويعلمهم الكتاب والحكمة) القرآن والسنة (وإن كانوا من قبل) قبل بعثه

ص: 350

اللّه صلعم (لَفِي ضَلالٍ) عمه وسوء صراط (مُبِينٍ) ( 164 ) لاح حاله .

(أَ وَلَمَّا أَصابَتْكُمْ) أهل الإسلام (مُصِيبَةٌ) أدرككم عسر ووصلكم همّ حال عماس « أحد » وهو هلاك رهطكم عددهم « لم » (قَدْ أَصَبْتُمْ مِثْلَيْها) حال عماس سواه أمامه وهو إهلاك الأعداء وأسرهم لكم عددهم « سلم » (قُلْتُمْ) حال ورودكم معاسر العماس (أَنَّى هذا) الأمر لم علا الأعداء ؟ (قُلْ) رسول اللّه لهم (هُوَ) المكروه وصلكم (مِنْ عِنْدِ أَنْفُسِكُمْ) لطرحكم المحلّ المعهود وعدم سماعكم أمر الرسول ، أو لطرح ركود مصركم ، أو لعطوكم الحماء حال عماس امامه (إِنَّ اللَّهَ عَلى كُلِّ شَيْءٍ قَدِيرٌ) ( 165 ) وهو المسعد والطارد .

(وَما أَصابَكُمْ) وصلكم وأدرككم وهو مكروه لأرواعكم (يَوْمَ الْتَقَى الْجَمْعانِ) عسكركم وعسكر الأعداء حال عماس « أحد » (فَبِإِذْنِ اللَّهِ) وعلمه وأمره (وَلِيَعْلَمَ) اللّه الرهط (الْمُؤْمِنِينَ) ( 166 ) المراد إعلاء حال أهل

----------

(لفي ضلال مبين) ظاهر .

(أولما أصابتكم مصيبة) الهمزة للتقريع والواو عطف الجملة على قصة أحد ولما ظرف قلتم مضاف إلى أصابتكم أي حين أصابتكم مصيبة وهي قتل سبعين منكم بأحد والحال أنكم (قد أصبتم مثليها) ضعفها ببدر (قلتم أنى هذا) من أين هذا أصابنا وقد وعدنا النصر (قل هو من عند أنفسكم) أنتم السبب فيه لترككم المركز أو لاختياركم الخروج من المدينة أو الفداء يوم بدر (إن الله على كل شيء قدير) فيقدر على النصر ومنعه .

(وما أصابكم يوم التقى الجمعان) بأحد (فبإذن الله) بتخلية الكفار سميت إذنا لأنها من لوازمه (وليعلم المؤمنين)

ص: 351

الإسلام ووطودهم .

(وَلِيَعْلَمَ) اللّه الرهط (الَّذِينَ نافَقُوا) وصدّوا وما سدّوا وهم « ولد سلول » وأودّاءه أراد إعلاء حالهم كما مرّ (وَقِيلَ لَهُمْ) لهؤلاء الطّلاح (تَعالَوْا) هلمّوا (قاتِلُوا) ماصعوا (فِي سَبِيلِ اللَّهِ) واعلوا أمر العماس واسعوا لإعلاء الإسلام (أَوِ ادْفَعُوا) الأعداء وصولوا لحرس أعماركم وأولادكم وأموالكم لا للإسلام أو ادسعوهم لسواد عسكركم والسواد مروّع للعدوّ وكاسر له (قالُوا) هؤلاء الطّلاح لأهل الإسلام (لَوْ نَعْلَمُ قِتالًا) عماسا (لَاتَّبَعْناكُمْ) وما هو العماس والرسول مصالح مع أهل أواصره وارهاطه أمد الأمر (هُمْ) هؤلاء الطّلاح (لِلْكُفْرِ) للصدود أو لأهله (يَوْمَئِذٍ) حال إصدار سوء كلامهم المعهود وطرحهم عسكر أهل الإسلام (أَقْرَبُ مِنْهُمْ لِلْإِيمانِ) أو لأهله لعدم وطودهم وسوء ساوهم (يَقُولُونَ بِأَفْواهِهِمْ) مساحلهم (ما لَيْسَ فِي قُلُوبِهِمْ) وصدورهم والحاصل كلامهم عكس سرّهم (وَاللَّهُ أَعْلَمُ بِما يَكْتُمُونَ) ( 167 ) وهو المكر والحسد والولع والكساد .

----------

(وليعلم الذين نافقوا) ليتميز الفريقان فيظهر إيمان المؤمنين وكفر المنافقين (وقيل لهم) عطف على نافقوا أو كلام مبتدأ (تعالوا قاتلوا في سبيل الله أو ادفعوا) خيروا بين أن يقاتلوا للآخرة أو للدفع عن أنفسهم أو المعنى قاتلوا العدو أو ادفعوا بتكثيركم سواد المجاهدين فإن كثرة السواد مما يروعهم (قالوا لو نعلم) لو نحسن (قتالا لاتبعناكم) أو لو نعلم ما يسمى قتالا لاتبعناكم فيه لكنه ليس بقتال بل إلقاء النفس إلى التهلكة (هم للكفر يومئذ أقرب منهم للإيمان) أي هذا القول أمارة كفرهم، أو أنه تقوية لقول المشركين (يقولون بأفواههم ما ليس في قلوبهم والله أعلم بما يكتمون) من النفاق .

ص: 352

هم الملأ (الَّذِينَ قالُوا) لؤما وهم « ولد سلول » وطوّعه (لِإِخْوانِهِمْ) أهل أو إصرهم وأرهاطهم اللّاءوا أهلكوا عماس « أحد » (وَقَعَدُوا) وما حمسوا ولا صالوا وهو حال (لَوْ أَطاعُونا) ركودا للمصر وما أطاعوا محمّدا ( ص ) (ما قُتِلُوا) ما أهلكوا (قُلْ) لهم رسول اللّه (فَادْرَؤُا) ادسعوا (عَنْ أَنْفُسِكُمُ الْمَوْتَ) وهو محال ، ولكلّكم سام ولكلّ سام حال وعصر ولموارد الهلاك مصروع (إِنْ كُنْتُمْ صادِقِينَ) ( 168 ) لو لكلامكم سداد وهو الهول عاد ممّا الاحمام وما الأمر كما هو موهومكم .

(وَلا تَحْسَبَنَّ) الكلام لرسول اللّه صلعم أو لكلّ أحد ، الملأ (الَّذِينَ قُتِلُوا) أهلكوا وحسم أعمارهم حال عماس أحد أو عماس أمامه (فِي سَبِيلِ اللَّهِ) لأمر الإسلام (أَمْواتاً) أدركهم السام وحسم لهم الأكل والعلس (بَلْ) هم (أَحْياءٌ) لهم أرواح وإحساس (عِنْدَ رَبِّهِمْ) صدد مراحمه ومكارمه (يُرْزَقُونَ) ( 169 ) أكلا وعلسا .

(فَرِحِينَ) مع دوام السرور والروح وهو حال (بِما آتاهُمُ اللَّهُ) أعطاهم (مِنْ فَضْلِهِ) وكرمه (وَ) هم (يَسْتَبْشِرُونَ) المراد سرورهم لإعلام اللّه لهم (بِالَّذِينَ لَمْ يَلْحَقُوا بِهِمْ) هم أرهاطهم اللّاءوا ما هلكوا وما وصلوهم

----------

(الذين قالوا لإخوانهم) لأجلهم يعني من قتل بأحد من جنسهم وأقاربهم (وقعدوا) أي قالوا وقد قعدوا عن القتال (لو أطاعونا) على القعود (ما قتلوا) كما لم نقتل (قل فادرءوا) فادفعوا (عن أنفسكم الموت إن كنتم صادقين) أنكم تقدرون على دفع الموت وأسبأبه عمن كتب عليه .

(ولا تحسبن الذين قتلوا في سبيل الله أمواتا) نزلت في شهداء بدر أو أحد والخطاب للرسول أو لكل أحد (بل) هم (أحياء عند ربهم) مقربون شرفا (يرزقون) .

(فرحين بما ءاتاهم الله من فضله ويستبشرون بالذين لم يلحقوا بهم من

ص: 353

(مِنْ خَلْفِهِمْ) حالا أو عصرا وعملهم عماس الأعداء (أَلَّا خَوْفٌ عَلَيْهِمْ) ما لهم هول المعاد صدع للموصول (وَلا هُمْ يَحْزَنُونَ) ( 170 ) لهم دوام السرور .

(يَسْتَبْشِرُونَ) كرّره مؤكّدا وهو سرورهم لحالهم والأوّل لحال رهطهم

(بِنِعْمَةٍ مِنَ اللَّهِ) أعطاها لهم وأكرمهم معها (وَفَضْلٍ) أسعدهم إكمالا للآلاء (وَأَنَّ اللَّهَ) العدل ورووه مكسور الأوّل (لا يُضِيعُ أَجْرَ الْمُؤْمِنِينَ) ( 171 ) أعدّ لصوالح أعمالهم مكارم الآلاء .

(الَّذِينَ اسْتَجابُوا) أطاعوا (لِلَّهِ وَالرَّسُولِ) وسمعوا أوامرهما طوعا وروحا (مِنْ بَعْدِ ما أَصابَهُمُ الْقَرْحُ) وصلهم الكلم .

والأعداء لمّا عادوا ووصلوا الروحاء سدموا وهمّوا للعود ، وعلم رسول اللّه أمرهم ، وأراد هولهم وروعهم ، ودعا رهطه مهوّلا للأعداء ، ورحل أوّل الأحد مع عداد لأهل الإسلام وهم أولو الكلام ، ووصلوا حمراء الأسد - وهو اسم محلّ صدد مصر الرسول صلعم - والأعداء راعوا وراحوا أرسل اللّه (لِلَّذِينَ أَحْسَنُوا) ما صدّوا وما كسروا عهودهم (مِنْهُمْ) ممّا أطاعوا اللّه ورسوله والمراد كلّهم (وَاتَّقَوْا) الصدود عما أمرهم رسول اللّه صلعم أوردهما للمدح وصدعا للمّ الحكم لا لسمومه (أَجْرٌ عَظِيمٌ) ( 172 ) آلاء

----------

خلفهم) زمانا أو رتبة (ألا خوف عليهم ولا هم يحزنون) وفيه حث على الجهاد وترغيب في الشهادة وازدياد الطاعة .

(يستبشرون) كرر ليتعلق به ما هو بيان لقوله (أن لا خوف)، أو الأول بحال إخوانهم والثاني بحال أنفسهم (بنعمة من الله) أجرا لأعمالهم (وفضل) زيادة عليه ونكر تعظيما (وأن الله لا يضيع أجر المؤمنين) .

(الذين استجابوا لله والرسول) بالخروج إلى بدر الصغرى لغزوة أبي سفيان وقومه (من بعد ما أصابهم القرح) بأحد (للذين أحسنوا منهم واتقوا أجر عظيم) ومن للبيان إذ

ص: 354

المعاد وما علمها الّا اللّه .

ولمّا واعد العدوّ محمّدا صلعم موعدا للعماس ، وحل الموعد ودلع العدوّ مع أهل أمّ الرحم ، وطرح اللّه الروع وسط أرواعهم وسدم وهمّ العود وحسّ « ولد مسعود » وسط الصراط ، أو رهطا مرّوا لمصالحهم وأرسله لمصر الرسول لهول أهل الإسلام وحدّهم ممّا العماس ووعده كوما ، ووصل « ولد مسعود » أو الرهط المصر وأدرك أهل الإسلام وهم أعدوا وروّعهم وحدّهم دلوعهم وعهدوا للّه لا إملاص لأحد لما لم الأعداء لكم وأعدّوا للعماس ، وسمعه الرسول وحلط واللّه لأدّلع ولو ما دلع أحد ، ودلع مع عدد ماصل حامدا للّه ووكولا علاه ، ووصلوا الموعد ورمكوه اسمارا ومعهم أموال عاملوها ، وحصل لهم العود الآمر وعادوا سلاما وسرورا ، وما حصل المصاع وعاد العدوّ مصره أرسل اللّه حامدا لهم (الَّذِينَ) هم أطاعوا أمر اللّه ورسوله (قالَ لَهُمُ النَّاسُ) « ولد مسعود » أو

----------

المستجيبون كلهم محسنون متقون لما رجع أبو سفيان وأصحابه فبلغوا الروحاء ندموا وهموا بالعود فبلغ ذلك النبي فندب أصحابه لطلبهم وقال لا يخرجن معنا إلا من حضر يومنا بالأمس فخرج في جماعة على ما بهم من القرح حتى بلغوا حمراء الأسد على ثمانية أميال من المدينة فألقى الله الرعب في قلوب المشركين فذهبوا .

(الذين قال لهم الناس) هو نعيم بن مسعود الأشجعي كان أبو سفيان خرج في أهل مكة يريد قتال رسول الله ببدر الصغرى فألقى الله عليه الرعب فرجع فلقي نعيم فوعده عشرة من الإبل إن تثبط أصحاب محمد (صلى الله عليه وآله وسلّم) من القتال ففترهم فقال (صلى الله عليه وآله وسلّم) والذي نفسي بيده لأخرجن ولو وحدي فخرج في سبعين وهم

ص: 355

ورّاد الصراط لمصالحهم (إِنَّ النَّاسَ) هم الأعداء (قَدْ جَمَعُوا) وأعدّوا عسكرا واسلحوا (لَكُمْ) لعماسكم (فَاخْشَوْهُمْ) روعوهم لعدم طولكم ولعدوّكم سطو وعلوّ (فَزادَهُمْ) كلامهم (إِيماناً) علما وحولا ووطودا وسدادا ، وعهد الرسول صلعم واللّه لأرحل للعماس ولولا رحل أحد كما مر (وَقالُوا حَسْبُنَا اللَّهُ) وهو المسعد لا سواه (وَنِعْمَ الْوَكِيلُ) ( 173 ) هو وحمد وكوله .

(فَانْقَلَبُوا) عادوا مع رسول اللّه صلعم (بِنِعْمَةٍ) سلام وصحّ وكمال اسلام وهول العدوّ ممّا هم وهو حال (مِنَ اللَّهِ) وما رأوا عدوّا (وَفَضْلٍ) وطول مال كما صار درهمهم دارهم (لَمْ يَمْسَسْهُمْ) ما مسّهم (سُوءٌ) ولا مكروه والأعداء ما مكروهم ، وهم حال (وَاتَّبَعُوا رِضْوانَ اللَّهِ) وأطاعوا أوامره وحصل ما هو أصل مرادهم (وَاللَّهُ ذُو فَضْلٍ) إكرام لأهل الطوع (عَظِيمٍ) ( 174 ) لا حدّ لكرمه .

(إِنَّما ذلِكُمُ) الموسوس المحرّك هو (الشَّيْطانُ) الولد المسطور أو العدوّ المعهود ، أو المارد وهو رأس الأعداء لكم (يُخَوِّفُ أَوْلِياءَهُ) لما علّم

----------

يقولون حسبنا الله (إن الناس) أي أبو سفيان وأصحابه (قد جمعوا لكم فاخشوهم فزادهم) المقول أو القول أو القائل (إيمانا) قوي يقينهم وعزمهم على الجهاد (وقالوا حسبنا الله) كافيا (ونعم الوكيل) هو .

(فانقلبوا) رجعوا من بدر (بنعمة من الله) بعافية وزيادة إيمان (وفضل) ربح من التجارة التي وافوا بها سوق بدر (لم يمسسهم سوء) من كيد عدو (واتبعوا رضوان الله والله ذو فضل عظيم) .

(إنما ذلكم الشيطان) يعني المثبط نعيما أو أبا سفيان أي هو قول الشيطان (يخوف أولياءه) القاعدين عن الخروج مع النبي أو يخوفكم من أوليائه

ص: 356

ورّاد الصراط كلاما مهوّلا والعا لروع أهل الإسلام وهم ما راعوا (فَلا تَخافُوهُمْ) أهل الإسلام ممّا عمد الأعداء (وَخافُونِ) وروعوا اللّه وأطيعوا ماصعوا الأعداء مع الرسول (إِنْ كُنْتُمْ مُؤْمِنِينَ) ( 175 ) لمّا وعدكم اللّه وأوعدكم .

(وَلا يَحْزُنْكَ) محمّد ( ص ) هؤلاء (الَّذِينَ يُسارِعُونَ فِي) إسعاد (الْكُفْرِ) وإمداد أهله وهم رهط سارعوا وطرحوك وردّوا أمرك ، وما صحّ لك الكمد لعلمهم السوء ، أمّا أحاط علمك أحوالهم (إِنَّهُمْ) هؤلاء الطّلاح (لَنْ يَضُرُّوا اللَّهَ) أهله (شَيْئاً) أمرا ما ، وما عاد سوءهم إلّا علاهم (يُرِيدُ اللَّهُ) العدل (أَلَّا يَجْعَلَ لَهُمْ حَظًّا) سهما (فِي) الدار (الْآخِرَةِ) المعاد لما أرادوا طوالح الأعمال وسارعوا لمحارم الأمور (وَلَهُمْ) أمد الأمر (عَذابٌ عَظِيمٌ) ( 176 ) ألم عسر مع ما حرّموا دواما عمّا أعطوا لرهط سعدوا .

(إِنَّ) الأمم (الَّذِينَ اشْتَرَوُا الْكُفْرَ) حصّلوه وآسوه (بِالْإِيْمانِ) الإسلام (لَنْ يَضُرُّوا اللَّهَ) أودّاءه (شَيْئاً) لهم أسواءهم وهو معاود أعمالهم كرّره مؤكدا أو هو إعلاء أحوال الطّلاح عموما والأوّل إعلاء أحوال أهل الإسلام ادّعاء أو ارداد أمر الرسول (وَلَهُمْ عَذابٌ أَلِيمٌ) ( 177 ) مؤلم مهلك .

----------

أبي سفيان وأتباعه (فلا تخافوهم وخافون) فأطيعوا رسولي وجاهدوا معه (إن كنتم مؤمنين) إذ المؤمن لا يخاف إلا الله .

(ولا يحزنك الذين يسارعون في الكفر) يقعون فيه سريعا (إنهم لن يضروا الله شيئا) بكفرهم وإنما يضرون أنفسهم (يريد الله ألا يجعل لهم حظا) نصيبا من الثواب (في الآخرة) وفي ذكر الإرادة إشعار ببلوغهم الغاية في الكفر حتى أراد أرحم الراحمين أن لا يرحمهم (ولهم عذاب عظيم) بدل الثواب .

(إن الذين اشتروا الكفر بالإيمان لن يضروا الله شيئا ولهم عذاب أليم) تكرير

ص: 357

(وَلا يَحْسَبَنَّ) الرهط (الَّذِينَ كَفَرُوا) عدلوا ومالوا عمّا أمروا (أَنَّما نُمْلِي لَهُمْ) الإملاء الإمهال ، والمراد إمهالهم طول العهد (خَيْرٌ لِأَنْفُسِهِمْ) صلاح لهم (أَنَّما) ما (نُمْلِي لَهُمْ) إلّا (لِيَزْدادُوا إِثْماً) وما الإمهال ومدّ الأعمار إلّا لإكمال طلاحهم (وَلَهُمْ عَذابٌ مُهِينٌ) ( 178 ) مآلا وورد الأصلح مرء طال عمره وصلح عمله والأسوأ مرء طال عمره وساء عمله .

( ما كانَ اللَّهُ لِيَذَرَ الْمُؤْمِنِينَ) ما أمر اللّه وما صلاح حكمه ومصالحه إسداء أهل الإسلام (عَلى ما أَنْتُمْ) أهل المكر وإعلام الإسلام (عَلَيْهِ) وهو عدم علم ما هم أهل السداد وما هم أهل المكر والولع وهم علموا أهل الإسلام معهم دواما (حَتَّى يَمِيزَ الْخَبِيثَ) الطالح الركس (مِنَ الطَّيِّبِ) الصالح الطاهر لإرسال ما أوحاه لرسول وإعلامه أسراركم وأحوالكم وأعمالكم ، أو لأوامر العواسر اللّواء ما مطاوع ولا مسلّم لها إلّا الصالح الطاهر كإعطاء الأموال وإهلاك الأرواح لوداد اللّه ، وورد لمّا كلّم الطلاح لو أرسل محمّد سدادا لا علم لهم ما هو مسلم ممّا هو طالح أمد الأمر أرسل اللّه (وَما كانَ اللَّهُ) أصلا (لِيُطْلِعَكُمْ) مطّلعكم (عَلَى الْغَيْبِ) وما أمر اللّه إعلامكم الأسرار صلاحا

----------

للتأكيد أو عام والأول خاص بالمنافقين أو المرتدين .

(ولا يحسبن الذين كفروا أنما نملي لهم خير لأنفسهم إنما نملي لهم ليزدادوا إثما) استيناف يعلل ما قبله وما كافة واللام للعاقبة (ولهم عذاب مهين) .

(ما كان الله ليذر) ليترك (المؤمنين على ما أنتم عليه) من اختلاط (حتى يميز) بالتخفيف والتشديد (الخبيث من الطيب) بإخبار الرسول بأحوالكم أو بالتكاليف الصعبة كبذل النفس والمال لله ليظهر به ما تظهرون (وما كان الله ليطلعكم على الغيب) فتعرفوا الإخلاص والنفاق

ص: 358

وطلاحا (وَلكِنَّ اللَّهَ يَجْتَبِي) للاطّلاع (مِنْ رُسُلِهِ مَنْ يَشاءُ) اطلاعه وهو المطلع كما أطلع محمّدا رسول اللّه صلعم وأعلمه أسرار صدورهم لإرسال ملك أو للإعلام (فَآمِنُوا) أمر للدوام (بِاللَّهِ) مطلع الاسرار وحده (وَرُسُلِهِ) وهم ما علموا إلّا ما علّمهم اللّه لا الكلّ ، الكلام ردّ لرهط ادّعوا العلم المعهود لإمامهم (وَإِنْ تُؤْمِنُوا) للّه ورسوله صراحا (وَتَتَّقُوا) الوساوس (فَلَكُمْ) معادا (أَجْرٌ عَظِيمٌ) ( 179 ) لا عدّ ولا إحصاء له .

(وَلا يَحْسَبَنَّ) الرسول أو كلّ سامع إمساك الرهط (الَّذِينَ يَبْخَلُونَ) لإعوالهم وحرصهم وحطّهم الهمم (بِما آتاهُمُ اللَّهُ) أعطاهم (مِنْ فَضْلِهِ) كرمه (هُوَ) الإمساك (خَيْراً) صلاحا (لَهُمْ) حالا ومعادا ، أرسلها اللّه لرهط أمسكوا أموالا وما أعطوا للمعسر (بَلْ هُوَ) الإمساك (شَرٌّ لَهُمْ) لمّا لا دوام للأموال وما دام لهم للإمساك الّا السدم والحسر (سَيُطَوَّقُونَ ما) مالا (بَخِلُوا) أمسكوا (بِهِ) المال حوّل مالهم سلاسل : أو صلا أسود حول مرادهم كما حوّلوا حلاهم حوله (يَوْمَ الْقِيامَةِ) مآل الأمر ، وهو حال معاد الإمساك والممسك (وَلِلَّهِ) المالك (مِيراثُ) عالم (السَّماواتِ) كلّها (وَ) عالم (الْأَرْضِ)

----------

(ولكن الله يجتبي من رسله) يختار لرسالته (من يشاء فآمنوا بالله ورسله) مخلصين (وإن تؤمنوا) حق الإيمان (وتتقوا) النفاق (فلكم أجر عظيم) على ذلك .

(ولا يحسبن) بالتاء والياء (الذين يبخلون بما ءاتاهم الله من فضله هو خيرا لهم بل هو) البخل (شر لهم) ويفسره (سيطوقون ما بخلوا به يوم القيامة) يلزمون وباله إلزام الطوق، وعنه (عليه السلام): ما من رجل لا يؤدي زكاة ماله إلا جعل في عنقه شجاع يوم القيامة وتلاها (ولله ميراث السموات والأرض) يرث ما

ص: 359

وله ما هو حاصلهما دام له الملك والاملاك ، والكلّ معدوم مآلا ، وأموال هؤلاء كلّها له ولا محصول لإمساكهم الّا الهمّ (وَاللَّهُ بِما تَعْمَلُونَ) إمساكا وإعطاء (خَبِيرٌ) ( 180 ) عالم ومعامل معكم كما هو العدل أو عدهم اللّه .

ولمّا دعا صهر رسول اللّه صلعم أحد هود عدوّ اللّه وأمره الإسلام وأداء الأموال ، وهو وصم اللّه وكلّم هو معسر سأل المال ، وحرد الصهر ولطمه وعدا العدوّ وأدرك رسول اللّه وحكا الحال ورواه لا كما هو ، أرسل اللّه مهدّدا له (لَقَدْ سَمِعَ اللَّهُ) علم (قَوْلَ) الرهط (الَّذِينَ) كلام الهود (قالُوا إِنَّ اللَّهَ فَقِيرٌ) معسر (وَنَحْنُ أَغْنِياءُ) أولو أموال وأعدّ الآصار والآلام لهم لكلامهم (سَنَكْتُبُ) ألواح الأعمال ، والساطر هو الملك المأمور ، أو المراد حرسه علما وعدم إهماله (ما قالُوا) كلامهم السوء (وَقَتْلَهُمُ الْأَنْبِياءَ) والرسل (بِغَيْرِ حَقٍّ) كما هو معلومهم ، أورد معه إهلاك الرسل إعلاما ما هو أوّل آصارهم (وَنَقُولُ) لهم معادا (ذُوقُوا) أدركوا ، وأصله ادراك الطعوم ، وأورد لإدراك كلّ محسوس وحال ، أورده مع الألم لما هو لكلامهم الصادر عمّا أمسكوا وودّوا

----------

يمنعونه ويبقى عليهم وباله (والله بما تعملون) من إعطاء ومنع (خبير) فيجازيهم به وقرىء بالتاء على الالتفات .

(لقد سمع الله قول الذين قالوا إن الله فقير ونحن أغنياء) قالته اليهود حين سمعوا من ذا الذي يقرض الله أي إنه لم يخف عليه وإنه أعد لهم العقوبة (سنكتب ما قالوا) في صحف الحفظة أو نحفظه في علمنا وقرنه بقوله (وقتلهم الأنبياء بغير حق) بيانا بأنهما في العظم سيان فإن هذا ليس بأول عظيمة اجترحوها وأن من قتل الأنبياء لم يستبعد منه هذا القول وقرىء سيكتب بالياء مجهولا (ونقول ذوقوا

ص: 360

المال وأمر وطر المال لحصول المطاعم والمآكل والإمساك لوهم عدمه وللحمه أورد الأكل مع المال مرارا (عَذابَ الْحَرِيقِ) ( 181 ) ألم الدرك .

(ذلِكَ) الألم معلّل (بِما قَدَّمَتْ أَيْدِيكُمْ) وهو إهلاك الرسل والكلام السوء وكلّ ما عصوا ، أوردها وحدها وعدّها مصدر الأعمال كلّها مع عموم مصادر الأعمال لإصدارها أكارم الأمور وأعاسر الأعمال (وَأَنَّ اللَّهَ) الملك العدل (لَيْسَ بِظَلَّامٍ لِلْعَبِيدِ) ( 182 ) وهو العادل المعامل معهم كما هو حكم العدل .

(الَّذِينَ) مالك ورهط معه وهو صدع للموصول الأوّل (قالُوا) لمحمّد (إِنَّ اللَّهَ عَهِدَ إِلَيْنا) أمر وحكم كما هو مدلول الطرس (أَلَّا نُؤْمِنَ لِرَسُولٍ) ما والموامع الأدلّاء والمعالم (حَتَّى يَأْتِيَنا) الرسول (بِقُرْبانٍ) مصدر صار اسما لكلّ عمل موصل للّه ، والمراد مسحوط (تَأْكُلُهُ النَّارُ) الساطع حطّها الوارد إلمامها ممّا السماء لدعاء الرسول وهو دعواهم العاطل (قُلْ) رسول اللّه مهدّدا لهم (قَدْ جاءَكُمْ) وردكم (رُسُلٌ) كرام (مِنْ قَبْلِي) عهدا مر (بِالْبَيِّناتِ) الدوالّ المسدّد ورودها سواه (وَبِالَّذِي قُلْتُمْ) وهو مدّعاكم

----------

عذاب الحريق) .

(ذلك) العذاب (بما قدمت أيديكم) من المعاصي وذكر الأيدي لأن أكثر الأعمال بها (وأن الله ليس بظلام للعبيد) إن عذب فبعدله .

(الذين قالوا) هم جماعة من اليهود (إن الله عهد إلينا) في التوراة (أن) بأن (لا نؤمن لرسول حتى يأتينا بقربان تأكله النار) كانت هذه معجزة لأنبياء بني إسرائيل أن يقرب بقربان فيدعوا النبي فتنزل نار من السماء فيحترق قربان من قبل منه (قل) في إلزامهم (قد جاءكم رسل من قبلي) كزكريا ويحيى (بالبينات) الموجبة للتصديق (وبالذي قلتم) واقترحتم (فلم قتلتموهم إن كنتم

ص: 361

ودعواكم وهو إرسال الساعور وأكلها المسحوط (فَلِمَ قَتَلْتُمُوهُمْ) الرسل (إِنْ كُنْتُمْ) رهط الهود (صادِقِينَ) ( 183 ) كلاما وصحّ دعواكم .

(فَإِنْ كَذَّبُوكَ) محمّد « ص » وما علموك رسولا مسدّد الكلام ، وسّع صدرك وحمّل روعك واطرح الهمّ (فَقَدْ كُذِّبَ) وردّ (رُسُلٌ مِنْ قَبْلِكَ) وهو عمل أممهم (جاؤُ بِالْبَيِّناتِ) أرسلوا مع الأدلاء (وَالزُّبُرِ) الطروس المسطور وسطها الحكم وحدها (وَالْكِتابِ) المسطور وسطه الأحكام وصرط ؟ ؟ ؟ ؟ (الْمُنِيرِ) ( 184 ) اللّامع الملمع الساطع هداه وهو كلام مسلّ لرسول اللّه صلعم ممّا ردّه الهود .

(كُلُّ نَفْسٍ) كل أحد محكوم علاه محموله (ذائِقَةُ الْمَوْتِ) هالك لا محال واللّه معادهم ومعاملهم كما هو العدل ولما همّك ، وهو كلام واعد لأهل الإسلام وموعد لأهل العدول (وَإِنَّما) ما (تُوَفَّوْنَ) هو الإعطاء كملا (أُجُورَكُمْ) أعدال أعمالكم صوالحها وطوالحها إلّا (يَوْمَ الْقِيامَةِ) معاد الأمور ودار العدل (فَمَنْ زُحْزِحَ) سلّمه اللّه (عَنِ النَّارِ وَأُدْخِلَ) أورد (الْجَنَّةَ) كما هو عمله (فَقَدْ فازَ) وصل المرام وحصل

----------

صادقين) أنكم تؤمنون بذلك .

(فإن كذبوك فقد كذب رسل من قبلك جاءوا بالبينات) تسلية له (صلى الله عليه وآله وسلّم) عن تكذيب قومه واليهود (والزبر) وقرىء وبالزبر جمع زبور والكتاب المتضمن للحكم والزواجر (والكتاب المنير) التوراة والإنجيل والزبور .

(كل نفس ذائقة الموت وإنما توفون أجوركم يوم القيامة) تعطون جزاء أعمالكم (فمن زحزح) نجي (عن النار وأدخل الجنة فقد فاز) فاز

ص: 362

له المأمول (وَمَا الْحَياةُ الدُّنْيا) العمر الماصل الموهوم (إِلَّا مَتاعُ الْغُرُورِ) ( 185 ) المدلس المموّه الماكر كلّه كالمعدوم لا حاصل له .

(لَتُبْلَوُنَّ فِي أَمْوالِكُمْ) هو إعطاؤها لمراسم الإسلام (وَأَنْفُسِكُمْ) عماسا وإهلاكا وكلما وأسرا وعسرا (وَلَتَسْمَعُنَّ) سماعا مؤكّدا (مِنَ) الرهط (الَّذِينَ أُوتُوا الْكِتابَ) أهل الطرس (مِنْ قَبْلِكُمْ) أوّلا وهم الهود ورهط روح اللّه (وَمِنَ) الرهط (الَّذِينَ أَشْرَكُوا) وما وحّدوا (أَذىً كَثِيراً) ملاوم رسولكم وردّ أوامره وصدّ كلّ أحد أراد الإسلام (وَإِنْ تَصْبِرُوا) كرههم (وَتَتَّقُوا) إهمال أمر اللّه (فَإِنَّ ذلِكَ) المأمور (مِنْ عَزْمِ الْأُمُورِ) ( 186 ) مهامها وممّا لسهم الهمّ علاه وأحكمها وأحوطها .

(وَ) ادّكر (إِذْ أَخَذَ اللَّهُ) وأحكم (مِيثاقَ) الملأ (الَّذِينَ أُوتُوا الْكِتابَ) عهد أهل الطرس والمراد علماء الهود (لَتُبَيِّنُنَّهُ) الطرس المرسل ومدح الرسول الموعود صلعم صدع للعهد (لِلنَّاسِ) عموما (وَلا تَكْتُمُونَهُ) حسدا أكّد اللّه إعلام أحكام طرسه ، وإعلاء حال رسوله وعدم إسرار أمره

----------

ظفر بالبغية (وما الحياة الدنيا) وشهوتها (إلا متاع الغرور) .

(لتبلون) لتمتحن (في أموالكم) بإخراج الزكاة (وأنفسكم) بالتوطين على الصبر بالقتل والأسر والجراح والمصائب (ولتسمعن من الذين أوتوا الكتاب من قبلكم ومن الذين أشركوا أذى كثيرا) من هجاء النبي والطعن في الدين والصد عن الإيمان، أخبروا بذلك قبل كونه ليوطنوا أنفسهم على الصبر حتى لا يرهقهم وقوعه (وإن تصبروا) على ذلك (وتتقوا) المعاصي (فإن ذلك من عزم الأمور) مما يجب العزم عليه منها أو مما عزم الله عليه أي أوجب .

(وإذ أخذ الله ميثاق الذين أوتوا الكتاب) أي العلماء به (لتبيننه للناس ولا

ص: 363

(فَنَبَذُوهُ) طرحوه ورموه (وَراءَ ظُهُورِهِمْ) وما راعوه (وَاشْتَرَوْا بِهِ) عطوا أوسه (ثَمَناً قَلِيلًا) حطاما ماصلا لا دوام له (فَبِئْسَ) ساء (ما) أمرا (يَشْتَرُونَ) ( 187 ) لهواهم الحطام الماصل .

(لا تَحْسَبَنَّ) رسول اللّه هؤلاء (الَّذِينَ يَفْرَحُونَ) سرورا (بِما أَتَوْا) عملوا وهو دمس محامدك (وَ) مع ما عملوا (يُحِبُّونَ) لكمال طلاحهم (أَنْ يُحْمَدُوا) حمدهم (بِما لَمْ يَفْعَلُوا) وما عملوا وهو إحكام العهد وإعلام السداد والصلاح وإعلاء الحال كما هو وما لهم السداد والصلاح (فَلا تَحْسَبَنَّهُمْ) هؤلاء الطّلاح ، الكلام للرسول أعاده مؤكّدا (بِمَفازَةٍ) محلّ سلام (مِنَ الْعَذابِ) إصر عالم الملك كالأسر والحسر والعسر (وَلَهُمْ عَذابٌ أَلِيمٌ) ( 188 ) مولم وهو إصر المعاد .

(وَلِلَّهِ مُلْكُ السَّماواتِ) عالم العلو (وَ) ملك عالم (الْأَرْضِ) وهو المالك لأمرهم (وَاللَّهُ عَلى كُلِّ شَيْءٍ) هو ما عدا المحال (قَدِيرٌ) ( 189 )

----------

تكتمونه) حكاية مخاطبتهم وقرىء بالياء (فنبذوه) أي الميثاق (وراء ظهورهم) كناية عن الطرح وترك الاعتناء (واشتروا به) أخذوا بدله (ثمنا قليلا) من عرض الدنيا (فبئس ما يشترون) .

(لا تحسبن الذين يفرحون بما أوتوا ويحبون أن يحمدوا بما لم يفعلوا فلا تحسبنهم بمفازة من العذاب) فائزين بنجاة منه (ولهم عذاب أليم) بكفرهم وكذبهم نزلت في اليهود إذ سألهم (صلى الله عليه وآله وسلّم) عن شيء في التوراة فأخبروه بخلاف ما فيها وأروه أنهم صدقوا وفرحوا بما فعلوا، أو في المنافقين إذ يفرحون بمنافقتهم المسلمين ويستحمدوا إليهم بالإيمان الذي لم يفعلوه على الحقيقة .

(ولله ملك السموات والأرض) فيملك أمرهم (والله على كل شيء قدير) فيقدر على عقابهم .

ص: 364

كطرد أهل الطلاح وإسعاد أهل الصلاح .

(إِنَّ فِي خَلْقِ السَّماواتِ) وأدوارها وأسرارها وحول أحوالها (وَالْأَرْضِ) وركودها ووطودها (وَاخْتِلافِ اللَّيْلِ وَالنَّهارِ) ورودا ومرورا وكسا وطولا (لَآياتٍ) لأعلاما وأدلّاء لوامع لوحود - اللّه وعلمه واسره وحكمه (لِأُولِي الْأَلْبابِ) ( 190 ) أهل الأرواع والأحلام .

(الَّذِينَ) مدح للرهط المسطور معمول لأمدح أو محلّه كسر أو محكوم لهم (يَذْكُرُونَ اللَّهَ) مع سداد صدورهم (قِياماً وَقُعُوداً وَعَلى جُنُوبِهِمْ) أراد الأحوال كلّها (وَيَتَفَكَّرُونَ) وهو أكمل الأعمال الصوالح ، كما ورد لا عمل كهو لما محلّه الروع وحده (فِي خَلْقِ السَّماواتِ) وأدوارها (وَالْأَرْضِ) وصروع أحوالها وكلامهم (رَبَّنا ما خَلَقْتَ هذا) الأسر أو السماء والرمكاء .

والمراد المأسور (باطِلًا) عاطلا لا حكم لمصاعدها ومحاطها (سُبْحانَكَ) علوّا لك عمّا وصمه الآراء والأوهام (فَقِنا عَذابَ النَّارِ) ( 191 ) لإهمال الحواسّ إدراكا وإحساسا كاملا .

(رَبَّنا إِنَّكَ) كلّ (مَنْ تُدْخِلِ النَّارَ) ودام ركودها (فَقَدْ أَخْزَيْتَهُ )

----------

(إن في خلق السموات والأرض واختلاف الليل والنهار) كل يخلف الآخر (لآيات لأولي الألباب) على وجود الصانع ووحدته وعلمه وقدرته وحكمته عن النبي ويل لمن قرأها ولم يتفكر .

(الذين يذكرون الله قياما وقعودا وعلى جنوبهم) يذكرونه دائما على كل الحالات أو يصلون على هذه الأحوال (ويتفكرون في خلق السموات والأرض) اعتبارا وهو أفضل العبادات عنه (صلى الله عليه وآله وسلّم) لا عبادة كالتفكر (ربنا ما خلقت هذا باطلا) يتفكرون قائلين ذلك (سبحانك) تنزيها لك عن العبث (فقنا عذاب النار) .

(ربنا إنك من تدخل النار فقد أخزيته) بالغت في جزائه نظير فقد فاز، لم يقل: أحرقته لأن العذاب

ص: 365

وصار مطرودا مكروها ملوما محسورا مهلكا (وَما لِلظَّالِمِينَ) « اللام » للعهد .

والمراد هؤلاء العدّال الورّاد دار الساعور (مِنْ أَنْصارٍ) ( 192 ) ارداء لا ممدّ ولا مسعد لهم .

(رَبَّنا إِنَّنا سَمِعْنا) سماعا كاملا (مُنادِياً) آمرا وهو محمّد رسول اللّه صلعم ، أو كلام اللّه المرسل (يُنادِي لِلْإِيمانِ) لأحكام الإسلام (أَنْ آمِنُوا) أسلموا (بِرَبِّكُمْ) إلهكم (فَآمَنَّا) طوعا (رَبَّنا) مالك الكلّ ومصلح أمورهم (فَاغْفِرْ) امح (لَنا ذُنُوبَنا) طوالح الأعمال كلّها (وَكَفِّرْ) ادمس (عَنَّا سَيِّئاتِنا) المكاره والمم (وَتَوَفَّنا) أمد العمر (مَعَ الْأَبْرارِ) ( 193 ) الصلحاء والكرام ، واحده ك « در » أو ك « دار » .

(رَبَّنا) اللهم (وَآتِنا) أعط (ما وَعَدْتَنا) ما هو موعودك (عَلى) مساحل (رُسُلِكَ) وهو سمو الأمر حالا وعلوّ الحال مالا (وَلا تُخْزِنا) طردا وردّا (يَوْمَ الْقِيامَةِ) معاد الأمر (إِنَّكَ لا تُخْلِفُ الْمِيعادَ) ( 194 ) هو مصدر

----------

الروحاني أشد (وما للظالمين من أنصار) يدفعون عنهم العذاب .

(ربنا إننا سمعنا مناديا ينادي للإيمان) هو الرسول والقرآن (أن) بأن (ءامنوا بربكم فآمنا) فأجبنا (ربنا فاغفر لنا ذنوبنا) كبائرنا (وكفر عنا سيئاتنا) صغائرنا بتوفيقنا لاجتناب الكبائر (وتوفنا مع الأبرار) مصاحبين لهم معدودين من جملتهم .

(ربنا وءاتنا ما وعدتنا على رسلك) على تصديقهم من الثواب أو على ألسنتهم، أو متعلق بمحذوف أي ما وعدتنا منزلا على رسلك (ولا تخزنا يوم القيامة) لا تفضحنا أو لا تهلكنا (إنك لا تخلف الميعاد) بإثابة المؤمن وإجابة الداعي، وتكرير ربنا للمبالغة في السؤال والابتهال أو باستقلال الطلبات

ص: 366

مدلوله الوعد والموعود إعطاء أهل الإسلام مآلا رأوه ولا سمعوه واسعادهم وسماع دعاء داع .

(فَاسْتَجابَ لَهُمْ) اللّه (رَبُّهُمْ) وسمع ما دعوه وسألوه (أَنِّي) ورووه مكسور الأوّل (لا أُضِيعُ) لا أهمل (عَمَلَ عامِلٍ) وسؤال داع (مِنْكُمْ) كلّلكم (مِنْ ذَكَرٍ أَوْ أُنْثى) كلّكم مساو (بَعْضُكُمْ مِنْ بَعْضٍ) وأصلكم آدم وحوّاء وحكمكم واحد ، أو المراد الوام إسلاما وإسعادا (فَالَّذِينَ هاجَرُوا) رحلوا ودعوا دورهم وهو أمد العصر للإسلام كما رحل رهط أول الإسلام ، هو وما وراءه أعلاه لأعمال العمّال وما اعدّ لهم معادا مدحا وإكراما (وَأُخْرِجُوا) وأطردوا (مِنْ دِيارِهِمْ) وموالدهم ومراكدهم (وَأُوذُوا) لوموا ولولموا (فِي سَبِيلِي) اسماعا واكراها وعماسا ومالا أراد صراط الإسلام (وَقاتَلُوا) ماصعوا وأهلكوا الأعداء (وَقُتِلُوا) مصعوا والأعداء أهلكوهم واللّه (لَأُكَفِّرَنَّ) لأمحو (عَنْهُمْ سَيِّئاتِهِمْ) لممهم وآصارهم كرما وعطاء (وَلَأُدْخِلَنَّهُمْ) وأوردهم (جَنَّاتٍ تَجْرِي مِنْ تَحْتِهَا) دوحها وصروحها (الْأَنْهارُ) موارد السلسال (ثَواباً) هو اسم سدّ مسدّ المصدر المؤكّد (مِنْ عِنْدِ اللَّهِ) كرمه وعدله

----------

(فاستجاب لهم ربهم) ما طلبوا (أني) بأني (لا أضيع عمل عامل منكم من ذكر أو أنثى) بيان لعامل (بعضكم من بعض) بجمع ذكوركم وإناثكم أصل واحد أو الإسلام (فالذين هاجروا) الشرك أو أوطانهم أو قومهم للدين (وأخرجوا من ديارهم وأوذوا في سبيلي) من أجل ديني وبسببه (وقاتلوا) المشركين (وقتلوا) واستشهدوا والواو لا توجب الترتيب إذ المراد لما قيل لهم قاتلوا (لأكفرن) لأمحون (عنهم سيئاتهم ولأدخلنهم جنات تجري من تحتها الأنهار ثوابا من عند الله) يستحقونه منه

ص: 367

(وَاللَّهُ عِنْدَهُ حُسْنُ الثَّوابِ) ( 195 ) العطاء المحمود المعدّ لصوالح الأعمال .

(لا يَغُرَّنَّكَ) الكلام لكلّ سامع ، أو للرسول صلعم لما هو مدره الرهط وأسّ الكلّ وأحلّ الكلام معه محلّ الكلام معهم (تَقَلُّبُ) حول الأمم (الَّذِينَ كَفَرُوا) رودهم وعودهم (فِي الْبِلادِ) ( 196 ) لحصول الأموال وإكمال الآمال .

هو (مَتاعٌ قَلِيلٌ) ماصل له حكم العدم (ثُمَّ مَأْواهُمْ) مآلهم ومحلّهم (جَهَنَّمُ) أعدّها اللّه للآصار والآلام (وَبِئْسَ الْمِهادُ) ( 197 ) ساء ما مهّدوا لهم دار الساعور .

(لكِنِ) الملأ (الَّذِينَ اتَّقَوْا رَبَّهُمْ) راعوا عمّا أوعدهم (لَهُمْ جَنَّاتٌ) دور السرور وأحمال وحوامل الدوح (تَجْرِي مِنْ تَحْتِهَا) دوحها وصروحها (الْأَنْهارُ) مسل الأمواه (خالِدِينَ فِيها) دواما مع السرور (نُزُلًا) طعاما وماء وعطاء ، وهو حال والعامل « لام » « لهم » ، أو هو مصدر مؤكّد (مِنْ

----------

(والله عنده حسن الثواب) على الأعمال لا يقدر عليه أحد سواه .

(لا يغرنك تقلب الذين كفروا في البلاد) خطاب للنبي أريد به الأمة أو لكل أحد أي لا تنظر إلى ما هم عليه من السعة والحظ أو لا تغتر بما ترى من تصرفهم في البلدان يتكسبون فتقلبهم .

(متاع قليل) في جنب ما أعد الله للمؤمنين لزواله (ثم مأواهم جهنم وبئس المهاد) أي ما مهدوا لأنفسهم .

(لكن الذين اتقوا ربهم لهم جنات تجري من تحتها الأنهار خالدين فيها نزلا) ما بعد النازل من الكرامة (من عند الله

ص: 368

عِنْدِ اللَّهِ) أعدّ لهم (وَما) أعدّ (عِنْدِ اللَّهِ) ممّا له الدوام والكمال والعدّ (خَيْرٌ) أصلح (لِلْأَبْرارِ) ( 198 ) ممّا لا دوام له .

(وَإِنَّ مِنْ أَهْلِ الْكِتابِ) الهود ورهط روح اللّه (لَمَنْ يُؤْمِنُ بِاللَّهِ) مرسل الرسل وهم رهط أسلموا ك « ولد سلام » ورهطه أو المراد ملك السود (وَما أُنْزِلَ) أرسل (إِلَيْكُمْ) أهل الإسلام وهو كلام اللّه (وَما أُنْزِلَ إِلَيْهِمْ) طرسهم المرسل (خاشِعِينَ) روّاعا وهو حال (لِلَّهِ) مما أوعدهم (لا يَشْتَرُونَ بِآياتِ اللَّهِ) وأحكام طرسهم (ثَمَناً قَلِيلًا) مالا ماصلا للإسلال (أُولئِكَ) مسلمو أهل الطرس اعدّ (لَهُمْ أَجْرُهُمْ) عدل أعمالهم (عِنْدَ) اللّه (رَبِّهِمْ) وهو ما وعدوه مرارا (إِنَّ اللَّهَ سَرِيعُ الْحِسابِ) ( 199 ) لا طول لعدّه ولا إمهال لإحصاء أعمالهم لمّا أحاط علمه طرّا وكلّا ، والمراد الأوس الموعود مسرع الوصول .

( يا أَيُّهَا) الملأ (الَّذِينَ آمَنُوا) أسلموا (اصْبِرُوا) أمسكوا أرواعكم

----------

وما عند الله خير للأبرار) مما يتقلب فيه الفجار .

(وإن من أهل الكتاب لمن يؤمن بالله) نزلت في ابن سلام وأصحابه أو غيرهم (وما أنزل إليكم وما أنزل إليهم) من الكتابين (خاشعين لله) حال من فاعل يؤمن وجمع نظرا إلى المعنى (لا يشترون بآيات الله ثمنا قليلا) كما يفعل المحرفون (أولئك لهم أجرهم عند ربهم) الأجر المختص بهم الموعود في أولئك يؤتون أجرهم مرتين (إن الله سريع الحساب) .

(يا أيها الذين ءامنوا اصبروا) على المصائب ومشاق التكاليف وعن المعاصي

ص: 369

حال ورود المكاره (وَصابِرُوا) أعداء للّه معارك العماس (وَرابِطُوا) أحكموا إطلالكم ورواحلكم رصّادا للعماس (وَاتَّقُوا اللَّهَ) آصاره كلّ حالكم (لَعَلَّكُمْ تُفْلِحُونَ) ( 200 ) أمل وصول كلّ المرام .

----------

(وصابروا) على الفرائض أو غالبوا عدوكم في الصبر على القتال أو على مخالفة الهوى (ورابطوا) على الأئمة أو على الصلاة أي انتظروا الصلاة بعد الصلاة أو أقيموا في الثغور رابطين خيولكم مستعدين للغزو (واتقوا الله) فيما أمركم به وافترض عليكم (لعلكم تفلحون) لكي تظفروا بالبغية.

ص: 370

تعريف مرکز

بسم الله الرحمن الرحیم
جَاهِدُواْ بِأَمْوَالِكُمْ وَأَنفُسِكُمْ فِي سَبِيلِ اللّهِ ذَلِكُمْ خَيْرٌ لَّكُمْ إِن كُنتُمْ تَعْلَمُونَ
(التوبه : 41)
منذ عدة سنوات حتى الآن ، يقوم مركز القائمية لأبحاث الكمبيوتر بإنتاج برامج الهاتف المحمول والمكتبات الرقمية وتقديمها مجانًا. يحظى هذا المركز بشعبية كبيرة ويدعمه الهدايا والنذور والأوقاف وتخصيص النصيب المبارك للإمام علیه السلام. لمزيد من الخدمة ، يمكنك أيضًا الانضمام إلى الأشخاص الخيريين في المركز أينما كنت.
هل تعلم أن ليس كل مال يستحق أن ينفق على طريق أهل البيت عليهم السلام؟
ولن ينال كل شخص هذا النجاح؟
تهانينا لكم.
رقم البطاقة :
6104-3388-0008-7732
رقم حساب بنك ميلات:
9586839652
رقم حساب شيبا:
IR390120020000009586839652
المسمى: (معهد الغيمية لبحوث الحاسوب).
قم بإيداع مبالغ الهدية الخاصة بك.

عنوان المکتب المرکزي :
أصفهان، شارع عبد الرزاق، سوق حاج محمد جعفر آباده ای، زقاق الشهید محمد حسن التوکلی، الرقم 129، الطبقة الأولی.

عنوان الموقع : : www.ghbook.ir
البرید الالکتروني : Info@ghbook.ir
هاتف المکتب المرکزي 03134490125
هاتف المکتب في طهران 88318722 ـ 021
قسم البیع 09132000109شؤون المستخدمین 09132000109.