موسوعة الامام الخمیني قدس سرة الشریف المجلد 11 کتاب الطهارة المجلد 4

هوية الکتاب

سرشناسه:خمینی، روح الله، رهبر انقلاب و بنیانگذار جمهوری اسلامی ایران، 1279 - 1368.

عنوان و نام پديدآور:موسوعة الامام الخمیني قدس سرة الشریف المجلد 11 کتاب الطهارة المجلد 4/ تحقیق موسسه تنظیم و نشر آثار امام خمینی (س).

مشخصات نشر:تهران : موسسه تنظیم و نشر آثار امام خمینی (س)، 1396.

مشخصات ظاهری:4 جلد

فروست:موسوعه الامام الخمینی (س).

شابک:3300000 ریال دوره 978-964-212-368-1 : ؛ 200000 ریال: ج.1 978-964-212-358-2 : ؛ 200000 ریال: ج.2 978-964-212-359-9 : ؛ 200000 ریال: ج.3 978-964-212-360-5 : ؛ 200000 ریال: ج.4 978-964-212-361-2 : ؛ 200000 ریال: ج.5 978-964-212-362-9 : ؛ 200000 ریال: ج.6 978-964-212-363-6 : ؛ 200000 ریال: ج.7 978-964-212-364-3 : ؛ 200000 ریال: ج.8 978-964-212-365-0 : ؛ 200000 ریال: ج.9 978-964-212-366-7 : ؛ 200000 ریال: ج.10 978-964-212-367-4 :

وضعیت فهرست نویسی:فاپا(چاپ دوم)

يادداشت:ج.2 - 10 (چاپ اول: 1392)(فیپا).

يادداشت:چاپ دوم.

مندرجات:ج.1. احکام تقلید، طهارت.- ج.2. نماز (از ابتدا تا شرایط شکسته شدن نماز).- ج.3. نماز (از قواطع سفر تا انتها)، روزه، زکات.- ج.4. خمس.- ج.5. حج، امر به معروف و نهی از منکر، مکاسب محرمه.- ج.6. بیع (خرید و فروش) ....- ج.7. وقف و نظایر آن، وصیت، یمین و نذر، کفارات.- ج.8. صید و ذباحه، خوردنی ها و آشامیدنی ها ....- ج.9. نکاح (از اولیای عقد تا انتها)....- ج.10. قضا، شهادات، حدود، قصاص ... .

موضوع:فقه جعفری -- رساله عملیه -- پرسش ها و پاسخ ها

*Islamic law, Ja'fari -- Handbooks, manuals, etc. -- Questions and answers

فتوا های شیعه -- قرن 14

Fatwas, Shiites -- 20th century

شناسه افزوده:موسسه تنظیم و نشر آثار امام خمینی (س)

شناسه افزوده:Institute for Compilation and Publication of Imam Khomeini's Works

رده بندی کنگره:BP183/9/خ8الف47 1396

رده بندی دیویی:297/3422

شماره کتابشناسی ملی:3421059

اطلاعات رکورد کتابشناسی:فاپا

ص: 1

اشارة

ص: 2

بسم الله الرحمن الرحیم

ص: 3

ص: 4

بسم اللّه الرحمن الرحيم

الحمد للّه ربّ العالمين

وصلّى اللّه على محمّد وآله أجمعين

ولعنة اللّه على أعدائهم إلى يوم الدين

ص: 5

ص: 6

الفصل الثاني في أحكام النجاسات

اشاره

وفيه مطالب :

ص: 7

ص: 8

المطلب الأوّل: في سراية النجاسة إلى الملاقيات

اشاره

المعروف بينهم القول بسراية النجاسة ممّا هو محكوم بها شرعاً إلى ما يلاقيه وهكذا ؛ بلغ ما بلغ(1) .

فهاهنا جهات من البحث ، بعد الفراغ عن أنّ السراية من الأعيان النجسة إلى ملاقياتها ، تتوقّف على الرطوبة السارية ، كما مرّ الكلام فيه مستقصىً(2) :

الجهة الاُولى : في سراية النجاسة من الأعيان النجسة

اشارة

الكلام في سرايتها إلى الملاقيات ، مقابل من أنكر ذلك إمّا مطلقاً ، أو في الجملة ، وهو لازم كلام علم الهدى ، حيث حكي عنه في مقام الاستدلال لجواز استعمال المائعات الطاهرة غير الماء في تطهير الثوب : «بأنّ تطهيره ليس إلاّ إزالة النجاسة عنه ، وقد زالت بغير الماء مشاهدةً»(3) .

ص: 9


1- مصباح الفقيه ، الطهارة 8 : 7 .
2- تقدّم في الجزء الثالث : 90 و91 و94 و108 .
3- مسائل الناصريات : 105 .

وأوضح منه ما حكي عنه من جواز تطهير الأجسام الصقيلة بالمسح بحيث تزول عنها العين ؛ معلّلاً لذلك بزوال العلّة(1) .

والظاهر منهما أنّ الأعيان النجسة ، لا تؤثّر في تنجيس ملاقياتها حكماً ، وأنّ الطهارة للأشياء ليست إلاّ زوال عين النجاسة منها ، فإذا زالت العلّة ولا يبقى أثر منها تصير طاهرة ؛ إذ ليست النجاسة إلاّ تلطّخها بأعيانها ، وهذا مساوق للقول بعدم سراية النجاسة من الأعيان إليها .

وعن المحدّث الكاشاني : «أ نّه لا يخلو من قوّة ؛ إذ غاية ما يستفاد من الشرع

وجوب اجتناب أعيان النجاسات ، وأمّا وجوب غسلها بالماء من كلّ جسم فلا ، فما علم زوال النجاسة عنه قطعاً حكم بتطهّره، إلاّ ما خرج بدليل يقتضي اشتراط الماء ، كالثوب والبدن . ومن هنا يظهر طهارة البواطن بزوال العين ، وطهارة أعضاء الحيوان النجسة - غير الآدمي - به ، كما يستفاد من الصحاح»(2) انتهى .

ولعمري ، إنّ قول السيّد أظهر في هذا المقال من قول الكاشاني ، أو مثله حيث

تبعه في ذلك ، فلا وجه للطعن عليه بتفرّده(3) .

فيما استدلّ به لعدم سراية النجاسة

ويمكن أن يستدلّ على مطلوبهما بطوائف من الأخبار :

منها : ما دلّت على أنّ اللّه جعل الأرض مسجداً وطهوراً ، وورودها في مقام

ص: 10


1- اُنظر المعتبر 1 : 450 .
2- مفاتيح الشرائع 1 : 77 .
3- الحدائق الناضرة 5 : 266 ؛ مصباح الفقيه ، الطهارة 8 : 13 .

الامتنان يؤكّد إطلاقها ، فعن «الخصال» بإسناده عن أبي اُمامة قال : قال رسول

اللّه صلی الله علیه و آله وسلم : «فضّلت بأربع : جعلت لي الأرض مسجداً وطهوراً»(1) .

وفي مرسلة أبان ، عن أبي عبداللّه علیه السلام : «إنّ اللّه تبارك وتعالى أعطى محمّداً صلی الله علیه و آله وسلم شرائع نوح وإبراهيم وموسى وعيسى . . .» إلى أن قال : «جعل له الأرض مسجداً وطهوراً . . .»(2) إلى آخره .

ودعوى عدم إطلاقها ؛ فإنّها في مقام الإخبار بالتشريع ، كأ نّها في غير محلّها ؛ فإنّ حكايته إنّما هي للعمل ، لا لنقل قضيّة كنقل التأريخ ، فلو كانت أرض خاصّة طهوراً لكان عليه البيان ، سيّما مع اقتضاء المقام التعميم ، كدعوى اختصاصها برفع الحدث ، لعدم الدليل عليه . ومجرّد اشتمال بعضها على ذكر التيمّم لا يوجب الاختصاص .

ومن هذا القبيل صحيحة جميل ، عن أبي عبداللّه علیه السلام قال : «إنّ اللّه جعل التراب طهوراً كما جعل الماء طهوراً»(3) سيّما إذا اُريد التشبيه . ومجرّد كون صدرها في مورد التيمّم ، لا يوجب تقي-يد الكبرى الكلّية التي في مقام الامتنان المقتضي للتعميم .

وتقريب الاستدلال بهذه الطائفة للمطلوب بأن يقال : إنّ الطهارة لدى العرف

ص: 11


1- الخصال : 201 / 14 ؛ وسائل الشيعة 3 : 350 ، كتاب الطهارة ، أبواب التيمّم ، الباب 7 ، الحديث 3 .
2- المحاسن : 287 / 431 ؛ الكافي 2 : 17 / 1 ؛ وسائل الشيعة 3 : 349 ، كتاب الطهارة ، أبواب التيمّم ، الباب 7 ، الحديث 1 .
3- الفقيه 1 : 60 / 223 ؛ تهذيب الأحكام 1 : 404 / 1264 ؛ وسائل الشيعة 3 : 386 ، كتاب الطهارة ، أبواب التيمّم ، الباب 24 ، الحديث 2 .

عبارة عن خلوّ الأشياء ونقائها عن القذارات ، والأرض - كالماء - مؤثّرة في

إزالتها وإرجاعها إلى حالها الأصلية وزوالِ العلّة ، وهي بعينها دعوى السيّد ، ولازمه عدم سراية القذارات في الأشياء ؛ إذ الأرض لا تؤثّر إلاّ في زوال الأعيان ، وهو بعينه الطهارة عرفاً وعقلاً .

وبالجملة : هذه الطائفة تدلّ على ما ذهب إليه من عدم اختصاص الطهور بالماء ، ويثبت بها لازمه ، وشاهدة أيضاً على ما لدى العقلاء في ماهية الطهارة والقذارة .

فما قد يمكن أن يقال : إنّ التعبير ب- «الطهور» دليل على أنّ الأشياء تصير قذرة محتاجة إلى المطهّر ، غاية الأمر كما يكون الماء مطهّراً تكون الأرض مطهّرة ، وهو مخالف لمذهب السيّد .

مدفوع : بأنّ العرف لا يرى الطهارة إلاّ إزالة النجاسة عن الجسم وإرجاعَه إلى

حالته الذاتية ، وطهورية الأرض - كطهورية الماء - ليست إلاّ ذلك ، وهي معلومة بالمشاهدة ، كما قال السيّد في كلامه المتقدّم .

ومنها : ما دلّت على مطهّرية غير الماء لبعض النجاسات ، كصحيحة زرارة قال : قلت لأبي جعفر علیه السلام : رجل وطأ على عَذِرة ، فساخت رجله فيها ، أينقض

ذلك وضوءه ، وهل يجب عليه غسلها ؟ فقال : «لا يغسلها إلاّ أن يقذِرها ، ولكنّه يمسحها حتّى يذهب أثرها ، ويصلّي»(1) .

ولا يخفى قوّة دلالتها على مذهب السيّد ؛ فإنّ «العَذِرة» ظاهرة - وضعاً أو

ص: 12


1- تهذيب الأحكام 1 : 275 / 809 ؛ وسائل الشيعة 3 : 458 ، كتاب الطهارة ، أبواب النجاسات ، الباب 32 ، الحديث 7 .

انصرافاً - فيما للإنسان ، أو الأعمّ منها وممّا لغير المأكول من السباع ، كالكلب والسِنَّوْر . وحملها على عذرة مأكول اللحم خلاف الظاهر جدّاً .

كما أنّ حمل «المسح» على المسح بالأرض خلاف ظاهرها ، بل الظاهر منها أنّ كلّ ما أذهب أثرها كافٍ ، والميزان فيه ذهاب الأثر بأيّ طريق كان ، وهو عين مدّعاه ، ولازمه عدم السراية حكماً مطلقاً .

بل يمكن دعوى حكومة هذه الرواية على الروايات الواردة في غسل ملاقي القذارات(1) ؛ بدعوى أنّ قوله علیه السلام : «لا يغسلها إلاّ أن يقذِرها» دليل على أنّ الأمر بالغسل فيها ؛ لرفع القذارة العرفية بجميع مراتبها ، لا لكون الماء ذا خصوصية شرعاً ، بل المعتبر لدى الشارع ليس إلاّ ذهاب الأثر بأيّ نحو اتّفق .

وكموثّقة الحلبي أو صحيحته(2) قال : نزلنا في مكان بيننا وبين المسجد زقاق قذر ، فدخلت على أبي عبداللّه علیه السلام فقال : «أين نزلتم ؟» فقلت : في دار فلان . فقال : «إنّ بينكم وبين المسجد زُقاقاً قذراً» أو قلنا له : إنّ بيننا وبين المسجد زُقاقاً قذراً ، فقال : «لا بأس ؛ الأرض يطهّر بعضها بعضاً»(3) .

ومقتضى إطلاقها أنّ الأرض بإزالتها للعين موجبة للتطهّر من غير اختصاص بالمشي أو بالرجل وغير ذلك .

ص: 13


1- يأتي تخريجها في الصفحة 19 ، الهامش 1 .
2- رواها الكليني ، عن محمّد بن إسماعيل ، عن الفضل بن شاذان ، عن صفوان ، عن إسحاق بن عمّار ، عن محمّد الحلبي . والترديد لوقوع إسحاق بن عمّار في السند .
3- الكافي 3 : 38 / 3 ؛ وسائل الشيعة 3 : 458 ، كتاب الطهارة ، أبواب النجاسات ، الباب 32 ، الحديث 4 .

وبما ذكرنا - من أنّ الطهارة في الأشياء عرفاً وعقلاً ، ليست إلاّ زوالَ القذارات

عنها ورجوعَها إلى حالتها الأصلية ؛ من غير حصول صفة وجودية فيها - يظهر صحّة الاستدلال بروايات تدلّ على مطهّرية الشمس أو هي والريح في بعض ما

يذهب أثره بإشراق الشمس وتبخيرها (1) .

وبما هو كالضروري ؛ من أنّ زوال عين النجاسة عن بدن الحيوان - بأيّ نحو - موجب لطهارته .

وبما دلّ على طهارة بصاق شارب الخمر(2) وما دلّ على أ نّه ليس للاستنجاء حدّ إلاّ النقاء(3) وبموثّق غياث الدالّ على جواز غسل الدم بالبصاق(4) .

وبمرسلة ابن أبي عمير ، عن أبي عبداللّه علیه السلام : في عجين عجن وخبز ، ثمّ علم أنّ الماء كانت فيه ميتة ، قال : «لا بأس ؛ أكلت النار ما فيه»(5) .

وبما دلّ على طهارة الدَنّ الذي كان فيه الخمر ، ثمّ يجفّف ويجعل فيه الخلّ(6) . . . إلى غير ذلك ، فإنّ كلّ تلك الموارد موافق للقواعد ، وليس للشارع

ص: 14


1- راجع وسائل الشيعة 3 : 451 ، كتاب الطهارة ، أبواب النجاسات ، الباب 29 .
2- راجع وسائل الشيعة 3 : 473 ، كتاب الطهارة ، أبواب النجاسات ، الباب 39 .
3- راجع وسائل الشيعة 1 : 322 ، كتاب الطهارة ، أبواب أحكام الخلوة ، الباب 13 ، الحديث 1 .
4- تهذيب الأحكام 1 : 425 / 1350 ؛ وسائل الشيعة 1 : 205 ، كتاب الطهارة ، أبواب الماء المضاف ، الباب 4 ، الحديث 2 .
5- تهذيب الأحكام 1 : 414 / 1304 ؛ وسائل الشيعة 1 : 175 ، كتاب الطهارة ، أبواب الماء المطلق ، الباب 14 ، الحديث 18 .
6- وسائل الشيعة 3 : 495 ، كتاب الطهارة ، أبواب النجاسات ، الباب 51 ، الحديث 2 .

إعمال تعبّد فيها بعد عدم كون الطهارة أمراً مجعولاً تعبّدياً ، بل هي بمعنى

النظافة ، وهي تحصل بإزالة القذارة بأيّ نحو كان .

ونحوها - أو أوضح منها - رواية عبد الأعلى ، عن أبي عبداللّه علیه السلام قال : سألته عن الحجامة ، أفيها وضوء ؟ قال : «لا ، ولا يغسل مكانها ؛ لأنّ الحجّام مؤتمن إذا كان ينظّفه ، ولم يكن صبيّاً صغيراً»(1) .

فإنّ الظاهر منها أنّ التنظيف بأيّ نحو ، يقع مقام الغسل في تحصيل الطهارة ، وليس المراد منه الغسل بالماء جزماً :

أمّا أوّلاً : فلعدم تعارف غسل الحجّام محلّ الحجامة ، بل المتعارف تنظيفه بثوب أو خرقة ، فحملها عليه حمل على الفرد النادر ، أو غير المحقّق .

وأمّا ثانياً : فلأنّ تبديل الغسل بالتنظيف وجعله مقابلاً له - مع أنّ المناسب ذكر الغسل - دليل على مغايرتهما ، فهي دالّة على أنّ الغسل لم يؤمر به إلاّ للتنظيف ، والحجّام إذا كان ينظّفه يحصل المقصود به .

ومنه يعرف سرّ الأمر بالغسل في سائر النجاسات ؛ وهو تحصيل النظافة عرفاً .

ومن ضمّ تلك الروايات الكثيرة وغيرها ممّا لم نذكره ، يحصل الجزم - لو خلّيت الواقعة عن دليل تعبّدي - بأنّ التنظيف عند الشارع ليس إلاّ ما لدى العقلاء ، وأنّ الأمر بالغسل بالماء فيما ورد ؛ إنّما هو لسهولة تحصيل الطهور به ولوفوره ، ولكونه - مع مجّانيته - أوقع وأسهل في تحصيله .

ص: 15


1- تهذيب الأحكام 1 : 349 / 1031 ؛ وسائل الشيعة 3 : 499 ، كتاب الطهارة ، أبواب النجاسات ، الباب 56 ، الحديث 1 .

ومعه لا يفهم من الأدلّة الآمرة بغسل الأشياء بالماء ، خصوصية تعبّدية ، ولا يفهم العرف أنّ التطهير والتنظيف لدى الشارع ، غير ما لدى العقلاء ، وأنّ الطهارة عنده ليست عبارة عن خلوّ الشيء عن القذارة العارضة ، بل هي أمر آخر ليس للعقلاء إلى فهمه سبيل ، فإنّ كل ذلك بعيد عن الأفهام ، مخالف لتلك الروايات الكثيرة ، يحتاج إثباته إلى دليل تعبّدي رادع للعقلاء عن ارتكازهم ، ولا تصلح الروايات الآمرة بالغسل لذلك ؛ لما عرفت .

ومنها : روايات متفرّقة في الأبواب ظاهرة في عدم السراية ، كصحيحة حكم بن حكيم قال : قلت لأبي عبداللّه علیه السلام : أبول فلا اُصيب الماء . وقد أصاب يدي شيء من البول ، فأمسحه بالحائط وبالتراب ، ثمّ تعرق يدي ، فأمسح بها وجهي ، أو بعض جسدي ، أو يصيب ثوبي ، قال : «لا بأس به»(1) .

وهي أيضاً موافقة لما تقدّم .

ونحوها رواية سَماعة قال : قلت لأبي الحسن موسى علیه السلام : إنّي أبول فأتمسّح بالأحجار ، فيجيء منّي البلل ما يفسد سراويلي . قال : «ليس به بأس»(2) .

ورواية زيد الشحّام : أ نّه سأل أبا عبداللّه علیه السلام عن الثوب يكون فيه الجنابة ، فتصيبني السماء حتّى يبتلّ عليّ ، فقال : «لا بأس به»(3) .

ص: 16


1- الكافي 3 : 55 / 4 ؛ وسائل الشيعة 3 : 401 ، كتاب الطهارة ، أبواب النجاسات ، الباب 6 ، الحديث 1 .
2- تهذيب الأحكام 1 : 51 / 150 ؛ وسائل الشيعة 1 : 283 ، كتاب الطهارة ، أبواب نواقض الوضوء ، الباب 13 ، الحديث 4 .
3- الفقيه 1 : 40 / 153 ؛ وسائل الشيعة 3 : 425 ، كتاب الطهارة ، أبواب النجاسات ، الباب 16 ، الحديث 7 .

وحملها على تطهّر الثوب بالمطر(1) كما ترى .

ورواية علي بن جعفر ، عن أخيه علیه السلام قال : سألته عن الكنيف يصبّ فيه الماء ، فينضح على الثياب ، ما حاله ؟ قال : «إذا كان جافّاً فلا بأس»(2) .

وصحيحة أبي اُسامة قال : قلت لأبي عبداللّه علیه السلام : تصيبني السماء وعليّ ثوب ، فتبلّه وأنا جنب ، فيصيب بعض ما أصاب جسدي من المنيّ ، أفأُصلّي فيه ؟ قال : «نعم»(3) .

بناءً على أنّ المراد إصابة الثوب لنفس المنيّ الذي في الجسد ، لا للجسد الملاقي له .

ورواية علي بن أبي حمزة قال : سئل أبو عبداللّه علیه السلام -

وأنا حاضر - عن رجل أجنب في ثوبه فيعرق فيه ، فقال : «ما أرى به بأساً» .

فقال : إنّه يعرق حتّى لو شاء أن يعصره عصره ، قال : فقطب أبو عبداللّه علیه السلام

في وجه الرجل ، فقال : «إن أبيتم فشيء من ماء فانضحه»(4) .

والظاهر أنّ السؤال عن الثوب الذي فيه أثر الجنابة إذا عرق فيه ، ومعلوم أنّ العرق بالوجه المسؤول عنه يوجب ملاقاة البدن للأثر . والحمل على

ص: 17


1- وسائل الشيعة 3 : 425 ، ذيل الحديث 7 .
2- قرب الإسناد : 281 / 1113 ؛ وسائل الشيعة 3 : 501 ، كتاب الطهارة ، أبواب النجاسات ، الباب 60 ، الحديث 2 .
3- الكافي 3 : 52 / 2 ؛ وسائل الشيعة 3 : 445 ، كتاب الطهارة ، أبواب النجاسات ، الباب 27 ، الحديث 3 .
4- الكافي 3 : 52 / 3 ؛ تهذيب الأحكام 1 : 268 / 787 ؛ وسائل الشيعة 3 : 445 ، كتاب الطهارة ، أبواب النجاسات ، الباب 27 ، الحديث 4 .

السؤال عن عرق الجنب كما ترى .

وموثّقة أبي اُسامة قال : سألت أبا عبداللّه علیه السلام عن الثوب الذي فيه الجنابة ، فتصيبني السماء حتّى يبتلّ عليّ ، قال : «لا بأس»(1) .

وتوجيهها بأنّ المطر طهّره(2) بعيد ؛ فإنّ إزالة المنيّ تحتاج إلى الدلك

ونحوه .

وأوضح منها صحيحة زرارة قال : سألته عن الرجل يجنب في ثوبه ، أيتجفّف فيه من غسله ؟ قال : «نعم ، لا بأس به ، إلاّ أن تكون النطفة فيه رطبة ، فإن كانت جافّة فلا بأس»(3) .

والظاهر أنّ التفصيل بين الرطبة وغيرها ؛ لكون التجفيف بالرطبة موجباً لتلوّث البدن بها ، دون اليابسة التي لا يوجب ذلك معها إلاّ الملاقاة له بلا تلوّث بالنطفة .

إلى غير ذلك ممّا يعثر عليه المت-تبّع(4) .

وليس في مقابلها غير الروايات المستفيضة - بل المتواترة - الآمرة بالغسل

ص: 18


1- الكافي 3 : 53 / 5 ؛ وسائل الشيعة 3 : 446 ، كتاب الطهارة ، أبواب النجاسات ، الباب 27 ، الحديث 6 .
2- وسائل الشيعة 3 : 445 و446 ، ذيل الحديث3 و6 .
3- تهذيب الأحكام 1 : 421 / 1332 ؛ وسائل الشيعة 3 : 446 ، كتاب الطهارة ، أبواب النجاسات ، الباب 27 ، الحديث 7 .
4- راجع وسائل الشيعة 1 : 284 ، كتاب الطهارة ، أبواب نواقض الوضوء ، الباب 13 ، الحديث 7 ، و : 320 ، أبواب أحكام الخلوة ، الباب 11 ، الحديث 2 ، و3 : 401 ، أبواب النجاسات ، الباب 6 ، الحديث 2 .

بالماء أو بالغسل(1) المنصرف إلى كونه بالماء في أنواع النجاسات ، وهي لا تصلح لمعارضتها :

أمّا أوّلاً : فلأنّ المفهوم منها - بعد ما تقدّم من أنّ الطهارة ليست لدى العقلاء إلاّ إزالة النجاسة(2) - أنّ الأمر بالغسل بالماء ليس إلاّ للتطهير والتنظيف من غير خصوصية للماء ، وإنّما خصّ بالذكر لسهولته وكثرته وأوقعيته للتطهير غالباً .

وأمّا ثانياً : فلعدم المفهوم لتلك الروايات ، فلا تنافي بينها وبين ما تقدّم من جواز التنظيف بغيره ، كالأرض والتراب والبصاق ونحوها . بل لبعض الأخبار المتقدّمة نحو حكومة عليها ، كما تقدّم(3) .

نعم ، ما دلّ على أنّ الاستنجاء في محلّ البول لا بدّ له من الماء ، ولا

يجوز بغيره(4) مخصوص بمورده ، ولا يتعدّى منه إلى البول في سائر الموارد ، فضلاً عن غيره . مع احتمال أن يكون اللابدّية إضافية في مقابل التحجّر ، لا سائر المائعات .

وغير ما دلّ على تغسيل ملاقي مثل الكلب والخنزير والكافر(5) ممّا

ص: 19


1- راجع وسائل الشيعة 1 : 315 ، كتاب الطهارة ، أبواب أحكام الخلوة ، الباب 9 ، 26 ، 28 ، 29 ، 31 ، 34 ، و3 : 395 ، أبواب النجاسات ، الباب1 ، 2 ، 4 ، 5 ، 7 ، 8 ، 12 ، 13 ، 14 ، 16 ، 19 ، 21 ، 24 ، 34 ، 38 ، 40 ، 51 ، 53 و68 .
2- تقدّم في الصفحة 11 - 12 .
3- تقدّم في الصفحة 13 .
4- راجع وسائل الشيعة 1 : 315 ، كتاب الطهارة ، أبواب أحكام الخلوة ، الباب 9 ، الحديث 1 و6 .
5- راجع وسائل الشيعة 3 : 414 ، كتاب الطهارة ، أبواب النجاسات ، الباب 12 ، 13 ، 14 و26 .

لا يتلوّث الملاقي به ، وهو دليل على عدم كون النجاسة والطهارة لدى الشارع ما لدى العرف ، ولهذا حكم بنجاسة اُمور لا يستقذرها العرف ، وعدمِ نجاسة اُمور يستقذرها .

ويمكن أن يجاب عنه : بأنّ النجاسات الإلحاقية - كالكافر والكلب وغيرها ممّا لا يستقذرها العقلاء بما هم كذلك - ليست نجاستها لكشف قذارة واقعية في ظاهر أجسامها من سنخ القذارات الصورية ؛ لعدم قذارة كذائية فيها ، بل الظاهر أنّ انسلاكها في سلك القذارات بجهات وعلل اُخرى سياسية أو غيرها ، وليس الحكم بغسل ملاقياتها للسراية كما في سائر النجاسات المستقذرة ، بل لاُمور اُخر وعلل شتّى غير السراية ، كتجنّب المسلمين عن الكفّار ، وعدم اختلاطهم بهم ، وكدفع مضرّات لم نطّلع عليها .

فإذا لم يكن الأمر بالغسل للسراية ، لم تكن تلك الروايات شاهدة على أنّ سائر النجاسات كذلك ؛ وأنّ الطهارة والنجاسة مطلقاً في عرف الشرع ونظر الشارع المقدّس ، غير ما عند العقلاء .

وبعبارة اُخرى : مجرّد إلحاق أشياء بها وإخراج أشياء منها ، لا يدلّ على مخالفة نظره مع العرف في أصل ماهية النجس والطاهر .

وغير الأدلّة الدالّة على انفعال الماء القليل وسائر المائعات(1) وهي تبلغ في الكثرة حدّ التواتر .

ص: 20


1- راجع وسائل الشيعة 1 : 150 ، كتاب الطهارة ، أبواب الماء المطلق ، الباب8 ، و : 205 ، أبواب الماء المضاف ، الباب 5 .

وفيه : أنّ تلك مسألة برأسها لا تكون أوضح من هذه المسألة ، ولا ملازمة بينهما كما لا يخفى . هذا غاية ما يمكن لنا ذكره في هذا المختصر لتأييد مذهبهما .

التحقيق في المقام

لكن الإنصاف : عدم خلوّ كثير من تلك الأخبار من المناقشة إمّا في السند ، أو في الدلالة ، أو الجهة ، لو حاولنا ذكرها تفصيلاً لطال بنا البحث .

كما أنّ الإنصاف خلوّ بعضها منها ، لكن مع ذلك كلّه لا يمكن الاتّكال في تلك

المسألة - التي عدّت من الضروريات - على تلك الأخبار المعرض عنها أو عن إطلاقها خلفاً عن سلف ، وقد مرّ منّا مراراً : أنّ دليل حجّية أخبار الثقة ليس إلاّ

بناء العقلاء مع إمضاء الشارع(1) ، ومعلوم أنّ العقلاء لا يتّكلون على أخبار أعرض عنها نقلتها وغيرهم ، بل ادّعى جمع من الأعاظم الإجماع على تنجيس المتنجّس ، فضلاً عن النجس(2) .

فهذه المسألة من المسائل التي يقال فيها : «إنّه كلّما ازدادت الأخبار فيها كثرة وصحّةً ، ازدادت وهناً وضعفاً» .

هذا مع تظافر الأخبار على سراية النجاسة من المتنجّس كما تأتي ، فضلاً عن النجس .

ص: 21


1- تقدّم في الجزء الثالث : 19 و262 و417 .
2- اُنظر مستمسك العروة الوثقى 1 : 479 ؛ مستند الشيعة 1 : 241 ؛ جواهر الكلام 2 : 15 .

الجهة الثانية : في أصل سراية النجاسة من المتنجّس

بعد الفراغ عن السراية من الأعيان النجسة ، يقع الكلام في السراية من المتنجّس إلى ملاقيه ، إمّا في الجملة ، أو مطلقاً ولو بلغ ما بلغ ، وهي الجهة الثالثة .

وقد نسب الخلاف في أصل السراية إلى ابن إدريس(1) ، واختاره صريحاً المحدّث الكاشاني(2) ، لكن لم يظهر من الحلّي الإنكار مطلقاً - أي في مطلق المتنجّسات - لاحتمال اختصاص كلامه بميّت الإنسان ؛ وإن كان ظاهر تعليله العموم ، لكن يظهر منه في بعض الموارد عدم العموم(3) ، ولهذا عدّ ذلك من متفرّدات الكاشاني(4) . نعم لازم كلام السيّد(5) ذلك أيضاً ، كما لا يخفى .

قال الكاشاني في محكيّ «المفاتيح» : «إنّما يجب غسل ما لاقى عين النجاسة ، وأمّا ما لاقى الملاقي لها بعد ما اُزيل عنه بالتمسّح ونحوه - بحيث لا يبقى فيه شيء منها - فلا يجب غسله ، كما يستفاد من المعتبرة . على أ نّا لا نحتاج إلى دليل على ذلك . . .»(6) إلى آخره .

أقول : أمّا ما ادّعى من عدم الدليل ، ففيه : أنّ الأدلّة المتفرّقة في الأبواب بلغت حدّ التواتر أو قريباً منه ؛ إن أراد عدم الدليل حتّى بالنسبة إلى المائعات ، كما هو

ص: 22


1- اُنظر جواهر الكلام 5 : 307 ؛ السرائر 1 : 163 .
2- مفاتيح الشرائع 1 : 75 .
3- راجع السرائر 1 : 180 .
4- الحدائق الناضرة 5 : 244 و266 ؛ جواهر الكلام 2 : 15 .
5- تقدّم في الصفحة 9 .
6- مفاتيح الشرائع 1 : 75 .

مقتضى إطلاقه ، وإلاّ فهي أيضاً كثيرة ، نذكر جملة منها مع الإشارة إلى مقدار

دلالتها بالنسبة إلى الوسائط ؛ حتّى يظهر حال الملاقيات مع الوسائط .

منها : صحيحة الفضل أبي العبّاس قال : سألت أبا عبداللّه علیه السلام عن فضل الهرّة - إلى أن قال - : حتّى انتهيت إلى الكلب ، فقال : «رجس نجس ، لا يتوضّأ بفضله ، واصبب ذلك الماء ، واغسله بالتراب أوّل مرّة ، ثمّ بالماء»(1) .

والظاهر منها أنّ الماء الملاقي للكلب صار نجساً ، والإناء الملاقي للماء كذلك ، وأمر بغسله لسراية النجاسة منه إلى ما يلاقيه بعد ذلك .

ودعوى : أنّ غاية ما يمكن استفادته منها ومن مثلها - بعد البناء على ظهورها

في الوجوب الغيري ، كما هو المتعيّن - إنّما هو حرمة استعمالها حال كونها متنجّسة في المأكول والمشروب ، المطلوب فيهما النظافة والطهارة في الجملة ولو بالنسبة إلى المائعات التي يتنفّر الطبع من شربها في إناء يستقذره ، وأمّا تأثيرها في نجاسة ما فيها فلا(2) .

مدفوعة : بأنّ العرف لا يشكّ في أنّ الأمر بغسل الإناء - سيّما مع تفرّعه

على قوله علیه السلام : «رجس نجس» - ليس إلاّ لتأثير الإناء في المائع المصبوب فيه ، ولا يشكّ في الفرق بين الأمر بغسل خارج الإناء الذي لا يلاقي المائع ، وداخله الملاقي .

وهل يكون استقذار العقلاء من المائعات المصبوبة في الإناء غير النظيف

ص: 23


1- تهذيب الأحكام 1 : 225 / 646 ؛ وسائل الشيعة 1 : 226 ، كتاب الطهارة ، أبواب الأسآر ، الباب 1 ، الحديث 4 .
2- مصباح الفقيه ، الطهارة 8 : 17 .

دون الجامدات ؛ إلاّ لتأثّر الاُولى منه دون الثانية ؟ !

فالاعتراف بتنفّر الطباع من الشرب في إناء مستقذر دون أكل الجوامد ، اعتراف بالسراية عرفاً .

وبالجملة : يظهر من هذه الرواية تنجّس الملاقي للنجس وملاقيه وملاقي ملاقيه ، ومن تعليله أنّ ذلك حكم النجس من غير اختصاص بالكلب . واختصاصُ كيفية الغسل به بدليل آخر ، لا يوجب اختصاص سائر الأحكام به .

ومنها : صحيحة محمّد بن مسلم قال : سألته عن الكلب يشرب من الإناء ، قال : «اغسل الإناء»(1) .

ونحوها ما دلّ على غسل الإناء من شرب الخنزير ، كصحيحة علي بن جعفر ، عن أخيه علیه السلام (2) .

ومنها : حسنة(3) المعلّى بن خُنيس قال : سألت أبا عبداللّه علیه السلام عن الخنزير يخرج من الماء فيمرّ على الطريق فيسيل منه الماء، أمرّ عليه حافياً؟ فقال: «أ ليس

ص: 24


1- تهذيب الأحكام 1 : 225 / 644 ؛ وسائل الشيعة 1 : 225 ، كتاب الطهارة ، أبواب الأسآر ، الباب 1 ، الحديث 3 .
2- تهذيب الأحكام 1 : 261 / 760 ؛ وسائل الشيعة 1 : 225 ، كتاب الطهارة ، أبواب الأسآر ، الباب 1 ، الحديث 2 .
3- رواها الكليني ، عن علي بن إبراهيم ، عن أبيه ، عن ابن أبي عمير ، عن جميل بن درّاج ، عن المعلّى بن خنيس . والرواية حسنة بالمعلّى بن خنيس، فإنّه قد اختلفت الأنظار والأخبار الواردة في شأنه . راجع اختيار معرفة الرج-ال : 376 / 707 ؛ رجال النجاشي : 417 / 1114 ؛ تنقيح المقال 3 : 230 / السطر 3 (أبواب الميم) .

وراءه شيء جافّ؟» قلت: بلى، قال: «فلا بأس؛ إنّ الأرض يطهّر بعضها بعضاً»(1).

وهي كالصريح في نجاسة الرجل الملاقية لملاقي النجس .

ومنها : ما دلّت على وجوب غسل آنية اليهود(2) وآنية يشرب فيها الخمر(3) وغسل أواني الخمر(4) وغسل ما فيه الجُرَذ ميتاً (5) وغسل الفراش والبساط وما فيه الحشو(6) وغسل لحم القدر الذي قطرت فيه قطرة من الخمر(7) وغسل الثوب الذي لاقى الطين الذي نجّسه شيء بعد المطر(8) وغسل الفخذ الملاقي للذكر بعد مسحه بالحجر(9) .

ص: 25


1- الكافي 3 : 39 / 5 ؛ وسائل الشيعة 3 : 458 ، كتاب الطهارة ، أبواب النجاسات ، الباب 32 ، الحديث 3 .
2- المحاسن : 584 / 72 ؛ وسائل الشيعة 24 : 212 ، كتاب الأطعمة والأشربة ، أبواب الأطعمة المحرّمة ، الباب 54 ، الحديث 7 .
3- راجع وسائل الشيعة 3 : 494 ، كتاب الطهارة ، أبواب النجاسات ، الباب 51 .
4- راجع وسائل الشيعة 25 : 368 ، كتاب الأطعمة والأشربة ، أبواب الأشربة المحرّمة ، الباب 30 .
5- تهذيب الأحكام 1 : 284 / 832 ؛ وسائل الشيعة 3 : 496 ، كتاب الطهارة ، أبواب النجاسات ، الباب 53 ، الحديث 1 .
6- راجع وسائل الشيعة 3 : 400 ، كتاب الطهارة ، أبواب النجاسات ، الباب 5 .
7- الكافي 6 : 422 / 1 ؛ وسائل الشيعة 25 : 358 ، كتاب الأطعمة والأشربة ، أبواب الأشربة المحرّمة ، الباب 26 ، الحديث 1 .
8- الكافي 3 : 13 / 4 ؛ وسائل الشيعة 3 : 522 ، كتاب الطهارة ، أبواب النجاسات ، الباب 75 ، الحديث 1 .
9- تهذيب الأحكام 1 : 421 / 1333 ؛ وسائل الشيعة 3 : 441 ، كتاب الطهارة ، أبواب النجاسات ، الباب 26 ، الحديث 1 .

وما دلّ على عدم جواز الصلاة على البواري التي يبلّ قصبها بماء قذر قبل الجفاف(1) .

ومنها : موثّقة الساباطي الآمرة بغسل كلّ ما أصابه ماءٌ مات فيه الفأرة(2) .

ورواية العِيص الآمرة بغسل الثوب الذي أصابه قطرة من طَسْت فيه وَضوء من بول أو قذر(3) .

وصحيحة معاوية بن عمّار الآمرة بغسل الثوب الملاقي للبئر النتن(4) .

وما دلّت على انفعال الماء القليل ببعض المتنجّسات(5) . . . إلى غير ذلك .

الجهة الثالثة : في تنجّس الوسائط الكثيرة

اشارة

نعم ، لا يظهر من تلك الروايات - على كثرتها - إلاّ التنجيس بواسطة أو واسطتين ، فلا بدّ من التماس دليل على تنجّس الوسائط الكثيرة ، سيّما إذا كانت الكثرة معتدّاً بها. والتشبّث بإلغاء الخصوصية من واسطة أو واسطتين إلى الوسائط

ص: 26


1- راجع وسائل الشيعة 3 : 453 ، كتاب الطهارة ، أبواب النجاسات ، الباب 30 ، الحديث 2 و5 .
2- الفقيه 1 : 14 / 26 ؛ وسائل الشيعة 1 : 142 ، كتاب الطهارة ، أبواب الماء المطلق ، الباب 4 ، الحديث 1 .
3- ذكرى الشيعة 1 : 84 ؛ وسائل الشيعة 1 : 215 ، كتاب الطهارة ، أبواب الماء المضاف ، الباب 9 ، الحديث 14 .
4- تهذيب الأحكام 1 : 232 / 670 ؛ وسائل الشيعة 1 : 173 ، كتاب الطهارة ، أبواب الماء المطلق ، الباب 14 ، الحديث 10 .
5- راجع وسائل الشيعة 1 : 150 ، كتاب الطهارة ، أبواب الماء المطلق ، الباب 8 .

- سيّما الكثيرة - في غير محلّه بعد وضوح الفرق بين الكثرة والقلّة في الوسائط .

وغاية ما يمكن الاستدلال على تنجّسها بالغة ما بلغت أن يقال : إنّ الظاهر من كثير من الروايات أنّ ملاقي النجس يصير نجساً ، وبالملاقاة ينسلك الملاقي - بالكسر - تحت عنوان «النجس» كقوله علیه السلام في المستفيضة : «إذا بلغ الماء قدر كرّ لا ينجّسه شيء»(1) فإنّه بمفهومه يدلّ على أنّ ملاقاة الماء للنجس ، موجبة لصيرورته نجساً .

وقو لِه علیه السلام : «خلق اللّه الماء طهوراً لا ينجّسه شيء إلاّ ما غيّر لونه . . .»(2) إلى آخره .

وكقوله علیه السلام في الثوب الذي يستعيره الذمّي : «أعرته إيّاه وهو طاهر ، ولم تستيقن أ نّه نجّسه ، فلا بأس أن تصلّي فيه حتّى تستيقن أ نّه نجّسه»(3) .

وقو لِه علیه السلام في النبيذ : «ما يبلّ الميل ينجّس حبّاً من ماء»(4) . . . إلى غير ذلك .

فإذا ضمّ ذلك إلى التعليل في بعض الروايات المتقدّمة(5) لغسل الملاقي بكونه

ص: 27


1- راجع وسائل الشيعة 1 : 158 ، كتاب الطهارة ، أبواب الماء المطلق ، الباب 9 ، الحديث 1 و2 و5 و6 .
2- المعتبر 1 : 40 ؛ وسائل الشيعة 1 : 135 ، كتاب الطهارة ، أبواب الماء المطلق ، الباب 1 ، الحديث 9 .
3- تهذيب الأحكام 2 : 361 / 1495 ؛ وسائل الشيعة 3 : 521 ، كتاب الطهارة ، أبواب النجاسات ، الباب 74 ، الحديث 1 .
4- الكافي 6 : 413 / 1 ؛ وسائل الشيعة 3 : 470 ، كتاب الطهارة ، أبواب النجاسات ، الباب 38 ، الحديث 6 .
5- تقدّم في الصفحة 23 .

نجساً ، وضمّ إليه ارتكاز العرف على أنّ الأمر بغسل الملاقي للسراية ، ينتج

المطلوب ؛ بأن يقال : لو فرضت سلسلة مترتّبة من الملاقيات رأسها عين النجس ، فالملاقي الأوّل محكوم بأ نّه نجس ؛ لأنّ العين نجّسته بارتكاز العرف ودلالة الروايات ، وبمقتضى التعليل بأنّ النجس يغسل ملاقيه ، وبضميمة الارتكازِ بأنّ لزوم الغسل ليس لتعبّد محض ، بل للسراية وصيرورة الملاقي نجساً والتأييدِ بالروايات الحاكمة بصيرورته نجساً ، يحكم بنجاسة ملاقي الملاقي .

وهكذا في جميع السلسلة يحكم بلزوم غسل ملاقي كلّ نجس ، وبالارتكاز والروايات المتقدّمة يحكم بصيرورة الملاقي نجساً .

وبعبارة اُخرى : يستفاد من التعليل والارتكاز وضميمة الروايات قاعدة كلّية هي «أنّ كلّ نجس منجّس» أي موجب لتحقّق مصداق آخر للنجس ، وهو أيضاً منجّس ، وهلمّ جرّاً .

لكنّ الإنصاف : عدم خلوّه عن إشكال بل منع ، بعد ما علمنا اختصاص الحكم المذكور في الرواية - المشتملة على العلّة - بولوغ الكلب ، وعدم الإسراء إلى سائر ملاقياتها ، فضلاً عن سائر النجاسات . ودعوى أنّ ورود التقييد أو التخصيص في حكم لا يوجب رفع اليد عن عموم العلّة ، غير وجيهة ؛ فإنّه مع اختصاص هذا الحكم الظاهر به ، لا يبقى وثوق بعموم التعليل ، ولا ظهور له .

مضافاً إلى الإشكال في كون قوله علیه السلام : «رجس نجس» تعليلاً يمكن الاتّكال عليه لإسراء الحكم ، نعم فيه إشعار بأنّ التغليظ في نجاسة الكلب ربّما يوجب اختصاص الأحكام به ، أو بما هو من قبيله ، ولا دليل على كون سائر النجاسات

ص: 28

مغلّظة نحوها ، فضلاً عن ملاقياتها ولو مع الوسائط المعلوم عدم غلظتها كذلك .

مضافاً إلى أنّ التعليل الآخر في صحيحة اُخرى لأبي العبّاس ، يورث وهناً فيه ، قال : قال أبو عبداللّه علیه السلام : «إن أصاب ثوبك من الكلب رطوبة فاغسله ، وإن أصابه جافّاً فاصبب عليه الماء» .

قلت : و لِمَ صار بهذه المنزلة ؟ قال : «لأنّ النبي صلی الله علیه و آله وسلم أمر بقتلها»(1) .

هذا مع أنّ ما دلّت من الروايات على صيرورة الملاقي نجساً ، إنّما هو في ملاقي أعيان النجاسات ، لا ملاقي ملاقيها . . . وهكذا . والتشبّث بارتكاز العرف في الوسائط الكثيرة محلّ إشكال ومنع ، فاستفادة نجاستها ممّا تقدّم مشكلة بل ممنوعة .

بيان حال الإجماعات المنقولة في المقام

بقي الكلام في حال الإجماعات المنقولة ، فليعلم : أنّ هذه المسألة بهذا الوجه لم تكن معنونة في كتب القدماء من أصحابنا ؛ على ما ت-تبّعت الكتب الموجودة عندي ، ولم أرَ النقل عنهم فيما هو معدّ لنقل الأقوال .

نعم ، عنون الشيخ في «الخلاف» مسألتين :

إحداهما : مسألة (136) : «إذا ولغ الكلب في الإناء نجس الماء الذي فيه ، فإن وقع ذلك الماء على بدن الإنسان أو ثوبه وجب عليه غسله - إلى أن قال - : دليلنا : أنّ وجوب غسله معلوم بالاتّفاق ؛ لنجاسة الماء» .

ص: 29


1- تهذيب الأحكام 1 : 261 / 759 ؛ وسائل الشيعة 3 : 414 ، كتاب الطهارة ، أبواب النجاسات ، الباب 12 ، الحديث 1 .

ثانيتهما : مسألة (137) : «إذا أصاب الماء الذي يغسل به الإناء من ولوغ الكلب ثوبَ الإنسان أو جسدَه ، لا يجب غسله ؛ سواء كان من الدفعة الاُولى ، أو الثانية ، أو الثالثة» .

ثمّ قال : «دليلنا : أنّ الحكم بنجاسة ذلك يحتاج إلى دليل ، وليس في الشرع ما

يدلّ عليه» ثمّ تمسّك بالدليل العقلي المعروف في الغُسالة(1) .

أقول : لم يتّضح من قوله في المسألة الاُولى إلاّ دعوى الاتّفاق على وجوب غسله ، وأمّا التعليل بنجاسة الماء فليس من معقد الاتّفاق ؛ حتّى يتوهّم الإجماع على أنّ كلّ نجس يجب غسل ملاقيه ، ويضمّ إليه ارتكازية السراية بالتقريب المتقدّم(2) .

بل الظاهر من المسألة الثانية : أنّ مسألة تنجيس ملاقي ملاقيه ليست ثابتةً بإجماع أو غيره ، وهي وإن كانت في الغُسالة التي وقعت محلّ البحث ، لكن تعليله بعدم الدليل دليلٌ على عدم قيام الإجماع على الكلّية .

مع أنّ الدليل العقلي في الغُسالة - على فرض صحّته - إنّما يجري في الغسلة

الأخيرة لا مطلقاً ، وقد صرّح بعدم الفرق بين الغسلات ، ومن هنا يظهر أنّ استدلاله بالدليل العقلي لبعض المقصود ؛ وهو الغسلة الأخيرة .

وممّا يدلّ على عدم إجماعية المسألة وعدم وضوحها في تلك الأعصار ، قوله في كتاب الصلاة في مسألة (222) :

ص: 30


1- الخلاف 1 : 181 .
2- تقدّم في الصفحة 28 .

«الجسم الصقيل مثل السيف والمرآة والقوارير إذا أصابته نجاسة ، فالظاهر أ نّه لا يطهر إلاّ بأن يغسل بالماء ، وبه قال الشافعي .

وفي أصحابنا من قال : «يطهر بأن يمسح ذلك منه ، أو يغسل بالماء» اختاره المرتضى ، ولست أعرف به أثراً وبه قال أبو حنيفة .

دليلنا : أ نّا قد علمنا حصول النجاسة في هذا الجسم ، والحكم بزوالها يحتاج

إلى شرع ، وليس في الشرع ما يدلّ على زوال هذا الحكم ممّا قالوه» ثمّ تمسّك بدليل الاحتياط(1) انتهى .

وقد تقدّم أنّ لازم كلام السيّد - بل صريح ما نقل عنه في دليل مذهبه - أنّ

ملاقي النجس ليس بنجس(2) ، فضلاً عن ملاقي المتنجّس ، ومع ذلك قد ترى أنّ

ظاهر كلام الشيخ وجود القائل غير السيّد فيها ، وعدم إجماع أو دليل آخر على خلافه ، وإلاّ لتمسّك به ، ولم يقل : «والظاهر كذا» ممّا يظهر منه عدم الجزم بالمسألة ، ولم يتمسّك بالأصل والاحتياط ، ولم يقل : «لست أعرف به أثراً» فيظهر منه أنّ المسألة - حتّى في ملاقي عين النجس - لم تكن إجماعية في عصره ، فضلاً عن ضروريتها ، فضلاً عن إجماعية نجاسة الملاقي مع الوسائط بالغة ما بلغت ، أو ضروريتها .

وظاهر ابن إدريس أنّ ملاقي ملاقي النجس لا يحكم بنجاسته ؛ لعدم الدليل عليها (3) ، ولو كانت المسألة إجماعية لما قال ذلك .

ص: 31


1- الخلاف 1 : 479 .
2- تقدّم في الصفحة 9 .
3- السرائر 1 : 163 .

نعم ، قد يقال : إنّ كلامه مختصّ بالميّت مع الملاقاة بيبوسة(1) . لكنّ الظاهر من كلامه ع-دم الاختصاص باليابس ، بل يظهر منه أنّ النجاسات الحكمية مطلقاً ، لا تؤثّر في تنجيس الملاقي . ولا يبعد - بقرينة المقام - أن يكون مراده من «الحكميات» من قبيل الملاقي الذي لا أثر فيه من الملاقاة، مقابل الأعيان النجسة.

كما أنّ استدلال المحقّق في «المعتبر» في ردّ الحلّي بقوله : «لمّا اجتمع الأصحاب على نجاسة اليد الملاقية للميّت ، وأجمعوا على نجاسة المائع إذا وقعت فيه نجاسة ، لزم من مجموع القولين نجاسة ذلك المائع»(2) انتهى ، دليل على عدم إجماعية نجاسة الملاقيات ولو بلا واسطة ، وإلاّ لتمسّك به من غير احتياج إلى التمسّك بالإجماعين على نحو لا يخلو من إشكال ومصادرة .

وأمّا دعاوى متأخّري المتأخّرين الإجماع أو الضرورة :

فجملة منها في مقابل المحدّث الكاشاني ، كالاُستاذ الأكبر والمحقّق القمّي والنراقي وصاحب «الجواهر» والشيخ الأعظم(3) وغيرهم(4) .

والبعض منها الظاهر أو المصرّح بعدم الخلاف في الوسائط وهلمّ جرّاً - كالطباطبائي صاحب «البرهان»(5) - لا وثوق بها ؛ بعد ما عرفت من عدم كون

ص: 32


1- مفتاح الكرامة 2 : 180 ، و4 : 324 .
2- المعتبر 1 : 350 .
3- اُنظر مفتاح الكرامة 2 : 184 ؛ غنائم الأيّام 1 : 452 ؛ مستند الشيعة 1 : 241 ؛ جواهر الكلام 1 : 134 ، و2 : 15 ؛ الطهارة ، ضمن تراث الشيخ الأعظم 1 : 300 .
4- اُنظر مستمسك العروة الوثقى 1 : 479 .
5- البرهان القاطع 1 : 429 / السطر 2 .

المسألة معنونة في كتب القدماء ، ومن غير ذلك ممّا تقدّم ذكره .

ومن جملة ثالثة لم يظهر دعوى الإجماع على الوسائط كذلك ، كالشهيد في «الروض» بناءً على استفادة الإجماع منه لأجل استثناء ابن إدريس فقط ، قال في حكم مسّ الميّت : «فإن كان مع الرطوبة فهي عينية محضة ، فلو لمس اللامس له برطوبةٍ آخر برطوبةٍ نجس أيضاً ، وهلمّ جرّاً ، وخلاف ابن إدريس في ذلك ضعيف»(1) انتهى .

فإنّه - بعد تسليم الاستفادة - لا يظهر منه إلاّ الإجماع في مقابل ابن إدريس

القائل بعدم تنجيس المتنجّس مطلقاً . مع أنّ في الاستفادة أيضاً إشكالاً .

نعم ، لا يبعد ظهور كلام صاحب «المعالم» في الوسائط - قال فيما حكي عنه : «إنّ كلّ ما حكم بنجاسته شرعاً ، فهو يؤثّر التنجيس في غيره أيضاً مع الرطوبة عند جمهور الأصحاب ، لا نعرف فيه الخلاف إلاّ من العلاّمة وابن إدريس»(2) - بأن يقال : إنّ التأثير في التنجيس ، عبارة اُخرى عن صيرورة الملاقي محكوماً بنجاسته شرعاً ، فلا بدّ من تأثيره ، وهلمّ جرّاً .

وفيه : - مضافاً إلى إمكان أن يكون الكلام في مقابل ابن إدريس والعلاّمة ،

فمن البعيد استفادة الوسائط الكثيرة منه - أنّ دعوى عدم معرفة الخلاف غير دعوى عدم الخلاف أو الإجماع .

هذا مع ما تقدّم من عدم كون المسألة إجماعية في الطبقة الاُولى ، وعدم تعرّض تلك الطبقة - بل الطبقة الثانية أيضاً - للمسألة .

ص: 33


1- روض الجنان 1 : 313 .
2- معالم الدين (قسم الفقه) 2 : 572 .
الشواهد الداخلية والخارجية في المقام

ثمّ إنّ هاهنا شواهد داخلية وخارجية على عدم تنجّس الملاقيات مع الوسائط المتعدّدة :

أمّا الاُولى : فيمكن الاستشهاد عليه بروايات :

منها : موثّقة عمّار الساباطي : أ نّه سأل أبا عبداللّه علیه السلام عن رجل يجد في إنائه فأرة ، وقد توضّأ من ذلك الإناء مراراً ، أو اغتسل منه ، أو غسل ثيابه ، وقد كانت الفأرة متسلّخة ، فقال : «إن كان رآها في الإناء قبل أن يغتسل أو يتوضّأ أو يغسل ثيابه ، ثمّ فعل ذلك بعد ما رآها في الإناء ، فعليه أن يغسل ثيابه ، ويغسل كلّ ما أصابه ذلك الماء ، ويعيد الوضوء والصلاة . . .»(1) إلى آخره .

فإنّ الظاهر أنّ الإناء المسؤول عنه ، هو مثل الحبّ الذي كان متعارفاً في تلك الأمكنة أن يصبّ فيه الماء لرفع الحوائج ؛ من الوضوء والغسل وغسل الثياب وغيرها ، وقد اتّفق رؤية الفأرة المتسلّخة فيه ، ومن الواضح أ نّه لو تنجّس يوماً يوجب ذلك نجاسة كثير ممّا في الأيدي ؛ لو قلنا بسراية النجاسة من الملاقيات هلمّ جرّاً ، فضلاً عن تنجّسه أيّاماً ، كما هو مقتضى ظاهر الرواية أو إطلاقها .

وبالجملة : لا شبهة في ابتلاء صاحب الحبّ بملاقيات الماء ، وملاقيات ملاقياته . . . وهكذا بعد مضيّ أيّام ، فلو صار الملاقاة مطلقاً موجبةً للنجاسة ، كان

على الإمام علیه السلام الأمر بغسل ملاقي ملاقي الماء . . . وهكذا ، فسكوتُه عنها مع العلم

ص: 34


1- الفقيه 1 : 14 / 26 ؛ تهذيب الأحكام 1 : 418 / 1322 ؛ وسائل الشيعة 1 : 142 ، كتاب الطهارة ، أبواب الماء المطلق ، الباب 4 ، الحديث 1 .

عادة بالابتلاء ، وتخصيصُ التطهير بملاقي ذلك الماء المشعر بعدم لزوم تطهير

غيره - لو لم نقل بدلالة نحو التعبير عليه - دليلٌ على عدم السراية مع الوسائط ؛ فإنّ الماء تنجّس بالفأرة ، وملاقي الماء تنجّس به ، والأمرُ بغسل ملاقيه مطلقاً - الذي منه الأواني والظروف - دليلٌ على تنجّس ملاقي ذلك الملاقي .

وأمّا الملاقي لذلك الملاقي الأخير فلا يؤثّر ذلك في نجاسته ، وإلاّ لأمر بغسلها مع الجزم بالابتلاء عادة ، بل كان عليه البيان بعد السؤال عن تكليف الرجل الذي ابتلى بذلك ، مع احتمال ابتلائه بملاقي الملاقي للماء ، فضلاً عن الجزم به ، فعدم البيان دليل على عدم التنجيس ، فضلاً عن الإشعار المذكور الموجب للإغراء ، والعياذ باللّه .

ومنها : رواية بكّار بن أبي بكر قال : قلت لأبي عبداللّه علیه السلام : الرجل يضع الكوز الذي يغرف به من الحبّ في مكان قذر ، ثمّ يدخله الحبّ ، قال : «يصبّ من الماء ثلاثة أكفّ ، ثمّ يدلك الكوز»(1) .

بناءً على أنّ المراد ب- «المكان القذر» المتنجّس ، لا المكان الذي فيه عين النجس ، كما لا يبعد أن يكون منصرفاً إليه ، وإلاّ لخرجت عن الاستشهاد بها للمقام ، وتنسلك في الأدلّة الدالّة على كلام المحدّث الكاشاني .

وهنا احتمال آخر في الرواية : هو أنّ المراد من قوله : «ثمّ يدخله» إرادة إدخاله فيه ، وقوله علیه السلام : «يصبّ . . .» إلى آخره ، بيان تطهير الكوز(2) ، لكنّه بعيد .

ص: 35


1- الكافي 3 : 12 / 6 ؛ وسائل الشيعة 1 : 164 ، كتاب الطهارة ، أبواب الماء المطلق ، الباب 9 ، الحديث 17 .
2- راجع وسائل الشيعة 1 : 164 ، ذيل الحديث 17 .

ومنها : الروايات التي تعرّضت لإكفاء الماء وإراقته ، مع السكوت عن حكم الإناء ، مع اقتضاء المقام بيانه لو تنجّس ، كصحيحة أحمد بن محمّد بن أبي نصر قال : سألت أبا الحسن علیه السلام عن الرجل يدخل يده في الإناء وهي قذرة ، قال :

«يكفئ الإناء»(1) وصحيحة أبي بصير(2) وغيرهما (3) .

ونظيرها موثّقة السكوني ، عن جعفر ، عن أبيه علیهما السلام : «إنّ علياً علیه السلام سئل

عن قدر طبخت ، وإذا في القدر فأرة ، قال : يهراق مرقها ، ويغسل اللحم ويؤكل»(4) .

وصحيحة زرارة ، عن أبي جعفر علیه السلام قال : «إذا وقعت الفأرة في السمن فماتت ، فإن كان جامداً فألقها وما يليها ، وكل ما بقي ، وإن كان ذائباً فلا تأكله ، واستصبح به ، والزيت مثل ذلك»(5) . . . إلى غير ذلك(6) .

ص: 36


1- تهذيب الأحكام 1 : 39 / 105 ؛ وسائل الشيعة 1 : 153 ، كتاب الطهارة ، أبواب الماء المطلق ، الباب 8 ، الحديث 7 .
2- تهذيب الأحكام 1 : 38 / 103 ؛ الاستبصار 1 : 20 / 46 ؛ وسائل الشيعة 1 : 154 ، كتاب الطهارة ، أبواب الماء المطلق ، الباب 8 ، الحديث 11 .
3- راجع وسائل الشيعة 1 : 151 ، كتاب الطهارة ، أبواب الماء المطلق ، الباب 8 ، الحديث 2 و4 و10 و14 .
4- الاستبصار 1 : 25 / 62 ؛ وسائل الشيعة 1 : 206 ، كتاب الطهارة ، أبواب الماء المضاف والمستعمل ، الباب 5 ، الحديث 3 .
5- الكافي 6 : 261 / 1 ؛ تهذيب الأحكام 9 : 85 / 360 ؛ وسائل الشيعة 24 : 194 ، كتاب الأطعمة والأشربة ، أبواب الأطعمة المحرّمة ، الباب43 ، الحديث2 .
6- راجع وسائل الشيعة 24 : 194 ، كتاب الأطعمة والأشربة ، أبواب الأطعمة المحرّمة ، الباب 43 .

والسكوت في مقام سئل عن التكليف في القضيّة المبتلى بها عن حال الأواني وسائر الملاقيات ، دليل على عدم تنجّسها ، سيّما في مثل الرواية الأخيرة ؛ فإنّ الاستصباح بالسمن والدهن في مدّة كثيرة مع كثرتهما ، لا يتخلّف عن الابتلاء بالملاقيات بلا وسط ومعه .

ودعوى كون الحكم معهوداً أو مرتكزاً تردّها نفس الروايات ، كدعوى كونها في مقام بيان حكم آخر .

وأمّا الشواهد الخارجية فكثيرة ؛ منها : أنّ فقهاء العامّة الذين كانوا مرجعاً للناس في تلك الأعصار من زمن الصادقين علیهما السلام إلى زمن الهادي والعسكري علیهما السلام قلّما اتّفق موافقتهم معنا في أعيان النجاسات وكيفية تطهيرها :

فمالك والشافعي في الجديد خالفانا في نجاسة المنيّ(1) .

وأبو حنيفة قال بإجزاء فركه إذا كان يابساً (2) .

والشافعي في أحد وجهيه والزُهري ذهبا إلى طهارة الميتة(3) .

ومالك وداود والزُهري إلى طهارة الكلب(4) .

وداود إلى طهارة الخمر(5) . وأبو حنيفة إلى طهارة المسكرات(6) ، وجمهورهم

ص: 37


1- تذكرة الفقهاء 1 : 53 ؛ المحلّى بالآثار 1 : 135 ؛ بداية المجتهد 1 : 84 .
2- بداية المجتهد 1 : 84 ؛ المجموع 2 : 554 .
3- تذكرة الفقهاء 2 : 131 ؛ المجموع 1 : 217 ، و2 : 561 - 562 .
4- تذكرة الفقهاء 1 : 66 ؛ المجموع 2 : 567 .
5- تذكرة الفقهاء 1 : 64 ؛ المجموع 2 : 563 .
6- تذكرة الفقهاء 1 : 65 ؛ بداية المجتهد 1 : 34 ؛ فتح العزيز ، ذيل المجموع 1 : 158 ؛ المجموع 1 : 93 ، و2 : 564 .

إلى طهارة الفُقّاع وحلّيته(1) ، وطهارة الكفّار(2) .

وقال أبو حنيفة : «تطهر جلود الميتة بالدباغ إلاّ الخنزير»(3) وعن مالك : «حتّى الخنزير»(4) . وعن الشافعي : «الحيوان الطاهر»(5) .

وقال أبو حنيفة : «لا يجب العدد في النجاسات»(6) وعن داود ومالك والزُهري : «إناء الولوغ طاهر»(7) .

وعن كثير منهم - كالشافعي في أحد قوليه ومالك في إحدى الروايتين - عدم نجاسة الماء القليل إلاّ بالتغيّر(8) . واختلفوا معنا في تحديد الكرّ أيضاً (9) .

ص: 38


1- تذكرة الفقهاء 1 : 65 ؛ المبسوط ، السرخسي 24 : 17 / السطر 19 ؛ المغني ، ابن قدامة 10 : 341 .
2- منتهى المطلب 1 : 149 ؛ المغني ، ابن قدامة 1 : 68 - 69 و211 - 212 .
3- تذكرة الفقهاء 2 : 464 ؛ أحكام القرآن ، الجصّاص 1 : 115 / السطر 12 ؛ بداية المجتهد 1 : 81 ؛ التفسير الكبير 5 : 17 ؛ المجموع 1 : 217 .
4- تذكرة الفقهاء 2 : 464 ؛ التفسير الكبير 5 : 17 ؛ المجموع 1 : 217 .
5- تذكرة الفقهاء 2 : 463 ؛ الاُمّ 1 : 9 / السطر 7 ؛ أحكام القرآن ، الجصّاص 1 : 115 / السطر 13 ؛ ب-داية المجتهد 1 : 81 ؛ التفسير الكبير 5 : 17 / السطر 17 ؛ المجموع 1 : 217 .
6- الخلاف 1 : 175 ؛ المحلّى بالآثار 1 : 124 ؛ المغني ، ابن قدامة 1 : 45 ؛ المجموع 2 : 580 .
7- تذكرة الفقهاء 1 : 66 ؛ المبسوط ، السرخسي 1 : 48 / السطر 14 ؛ المجموع 2 : 567 .
8- تذكرة الفقهاء 1 : 22 ؛ بداية المجتهد 1 : 24 ؛ المغني ، ابن قدامة 1 : 24 - 25 ؛ المجموع 1 : 113 .
9- المغني ، ابن قدامة 1 : 27 - 28 ؛ المجموع 1 : 119 - 120 .

وعن أبي حنيفة جواز إزالة النجاسة بالمضاف(1) . وعن أحمد روايتان . وعنه في إحدى الروايتين عدم تنجّس المضاف إن بلغ قلّتين(2) ، وفي الاُخرى : «ما أصله الماء - كالخلّ التمري - فكالماء»(3) .

وقال أبو حنيفة : «لا يجب الاستنجاء من البول والغائط بالماء وغيره» وهو إحدى الروايتين عن مالك(4) . وقال الشافعي ومالك في الاُخرى وأحمد : «يكفي في البول الحجر»(5) . . . إلى غير ذلك .

فهذه جملة من موارد اختلافهم معنا في أبواب النجاسات والطهارات ، فلو كان أمر الملاقي وملاقي ملاقيه وهلمّ جرّاً كما ذكر في السراية ، لما بقي من الناس طاهر ، ومع اختلاط الخاصّة معهم في تلك الأعصار صارت حالهم كذلك ، ومع ذلك لم يسأل أحد من أصحاب الأئمّة علیهم السلام عن حال

الملاقيات لهم مطلقاً ، ولم يكن ذلك إلاّ لما رأوا أنّ الأئمّة علیهم السلام تعاشروا معهم كعشرتهم مع غيرهم .

أضف إلى ذلك ما هو المشاهد من حال أهل البوادي ؛ وعدم احترازهم غالباً عن النجاسات وملاقياتها ، وكانت تلك الطوائف في زمن الأئمّة علیهم السلام

ص: 39


1- منتهى المطلب 1 : 120 ؛ المبسوط ، السرخسي 1 : 96 / السطر 5 ؛ المغني ، ابن قدامة 1 : 8 / السطر 15 ؛ المجموع 1 : 95 / السطر 11 .
2- منتهى المطلب 1 : 127 ؛ المغني ، ابن قدامة 1 : 29 ، و11 : 86 .
3- منتهى المطلب 1 : 127 ؛ المغني ، ابن قدامة 11 : 86 .
4- منتهى المطلب 1 : 256 ؛ بدائع الصنائع 1 : 19 ؛ المغني ، ابن قدامة 1 : 141 ؛ المجموع 2 : 95 .
5- منتهى المطلب 1 : 257 ؛ الاُمّ 1 : 22 ؛ المغني ، ابن قدامة 1 : 143 .

متردّدين في البلاد ، سيّما الحرمين الشريفين ، ولم يعهد من أحد من

الأئمّة علیهم السلام وأصحابهم وشيعتهم التنزّه عنهم ، أو السؤال عن ح-الهم وعن ملاقياتهم .

وهذه الاُمور وغيرها ممّا توجب الجزم : بأنّ قضيّة الملاقي ليست كما ذكر من السراية هلمّ جرّاً ، سيّما مع سهولة الملّة وسماحتها .

والإنصاف : أنّ الفتوى بالنجاسة - سيّما مع الوسائط الكثيرة - جرأة على المولى ، والأشبه عدم النجاسة مع الوسائط الكثيرة ، والاحتياط - سيّما فيما علم تفصيلاً بالملاقاة ولو مع الوسائط - لا ينبغي تركه .

ص: 40

المطلب الثاني: في إزالة النجاسة للصلاة

في الوجوب الشرطي لإزالة النجاسة عن الثوب والبدن

اشارة

قالوا : «يجب إزالة النجاسة عينية كانت أو حكمية عن الثياب عدا ما استثني وعن ظاهر البدن للصلاة - واجبة كانت أو مندوبة - بالوجوب الشرطي الذي يتبعه الوجوب الشرعي المقدّمي عند وجوب ذيها أصلاً أو عارضاً»(1) .

أقول : أمّا الوجوب الشرعي المقدّمي ، فقد فرغنا عن بطلانه - بل عدم تعقّله - في محلّه(2) . وأمّا الوجوب الشرطي فهو موقوف على كون الشرط للصلاة إزالة النجاسة ، أو عدمَ النجاسة ، وهو محلّ بحث ونظر ، ولا بأس ببسط الكلام فيه ؛ لترتّب ثمرات مهمّة عليه .

فنقول : يحتمل ثبوتاً أن تكون الطهارة شرطاً للصلاة ، أو عدم القذارة شرطاً لها أو القذارة مانعة عنها .

والفرق بين الأوّلين واضح وإن كان في صحّة جعل العدم شرطاً كلام .

ص: 41


1- شرائع الإسلام 1 : 45 ؛ الحدائق الناضرة 5 : 290 ؛ جواهر الكلام 6 : 89 .
2- مناهج الوصول 1 : 342 .

الفرق بين الشرطية والمانعية

وأمّا الفرق بين الشرطية والمانعية : فهو أنّ الشرط ما هو دخيل في الملاكات الواقعية ؛ إن كان المراد به شرط الماهية ، كما في المقام الذي لا يحتمل أن يكون الطهور شرطاً لوجودها ، لا دخيلاً في ماهيتها .

وبعبارة اُخرى : أنّ الشرط لبّاً من مقوّمات حمل الملاك ، والصلاة بلا طهور لا تكون حاملة للملاك ؛ بناءً على شرطية الطهور . وبناءً على شرطية عدم القذارة فإنّ ماهية الصلاة المجرّدة عن القذارة حاملة له .

وأمّا المانع فلا يتصوّر للماهية ، ولا يرجع إلى محصّل ، بل المانعية مطلقاً

ترجع إلى مقام الوجود ، ومنشأها الضدّية بين الشيئين ، وتصويرها في المقام بأن يقال : إنّ الملاك الذي في ماهية الصلاة - من غير دخالة لعدم القذارة ، أو وجود الطهارة فيه - مضادّ لوجود القذارة أو المفسدة الواقعية الحاصلة منه ، وهذه المضادّة موجبة لمانعية الملاك الأقوى للملاك الأضعف ، من غير تقي-يد وجود أحدهما بعدم الآخر ؛ حتّى ترجع المانعية إلى الاشتراط بعدم المانع .

وبعبارة اُخرى : كما أنّ البياض والسواد متضادّان ، ويكون وجود كلٍّ مانعاً عن وجود الآخر من غير اشتراط وجود أحدهما بعدم الآخر ، ولا مقدّمية له ، بل نفس المضادّة موجبة للتمانع ، فإذا كان أحدهما أقوى مقتضياً يمنع عن تحقّق الآخر ، كذلك يتصوّر ذلك في الملاكات الواقعية ، فمع تحقّق المانع والملاك المضادّ الذي هو أقوى ، لا يمكن تحقّق الممنوع ، ومع عدم تحقّقه تقع الصلاة بلا ملاك وباطلة .

ص: 42

ولا تتوهّم : أنّ ذلك مستلزم للقول بالاشتغال في الشكّ في المانع ، وهو خلاف مختارك في مباحث البراءة والاشتغال(1) ، قائلاً : إنّ احتمال عدم سقوط الأمر - لاحتمال عدم حصول الملاك الواقعي وأخصّية الغرض - لا يصير حجّة على العبد .

ضرورة أنّ ما ذكرناه في مباحث البراءة ، إنّما هو في مقام الإثبات وتمامية الحجّة ، وقلنا : إنّ العقل يحكم بالبراءة مع عدم تمامية حجّة المولى ، واحتمال بقاء الأمر - لأجل احتمال بقاء الملاك - لا يوجب تمامية حجّته بعد قيام العبد بما هو حجّة عليه ، والكلام هاهنا في الملاكات الواقعية وتصوّر المانعية والشرطية بحسب الثبوت ، فلا تناقض بين الكلامين .

ثمّ إنّه بعد تصوّر المانعية بنحو لا ترجع إلى شرطية العدم ، لو قام دليل ظاهر في المانعية لا يجوز رفع اليد عنه ، وإنّما نطرح الظاهر إن قلنا بعدم تعقّل المانعية ، وقد عرفت تعقّلها .

امتناع الجمع بين شرطية شيء ومانعية ضدّه

ثمّ إنّ ما ذكرناه من تردّد الأمر بين شرطية الطهارة أو عدم القذارة ، وبين مانعية القذارة الراجعة إلى منع الجمع بينهما ، إنّما يصحّ لو امتنع الجمع بين شرطية الضدّ ومانعية ضدّه فيما لا ثالث لهما ، وكذا بين شرطية الشيء ومانعية نقيضه ، وإلاّ لما بقي مجال للتردّد ، ولا تتعارض الأدلّة لو فرض فيها ما هو ظاهرها الشرطية وما ظاهرها المانعية ، كما لا يخفى .

ص: 43


1- أنوار الهداية 1 : 129 - 130 .

والتحقيق امتناع ذلك ، وعدم إمكان الجمع بين شرطية شيء ومانعية نقيضه أو ضدّه الذي لا ثالث له ؛ لأنّ اشتراط شيء لماهية المأمور به ، لا يعقل - بحسب الملاكات الواقعية - إلاّ مع دخالته في حاملية الملاك ؛ لئلاّ يلزم جُزافية الإرادة ، وكذا لا يمكن تعلّق الإرادة بالفاقد لما هو دخيل في تحصيل الملاك ، وكذا الحال في تعلّق الأمر الواقعي .

فحينئذٍ لو كان عدم النجاسة مثلاً شرطاً لماهية المأمور به ، لا يعقل وقوع التمانع بين الملاك الواقعي لها مع وجود النجاسة ؛ إذ قد عرفت أنّ التمانع إنّما يكون بين الوجودين لا الماهيتين ، وأمّا الشرطية فترجع إلى قيد في الماهية ، مع عدمه لا تكون حاملة للملاك ، ومع عدم الملاك لا يعقل التمانع بين الملاكين .

وبالجملة : الماهية المشروطة بشرط مع فقده لا تكون ذات ملاك ، ولا متعلّقة للإرادة ولا للأمر ، ومعه لا يعقل التمانع الذي ظرفه الوجود بعد تمامية الملاك . هذا كلّه بحسب التصوّر والثبوت .

المأخوذ في الصلاة مانعية النجاسة لا شرطية الطهارة

وأمّا حال مقام الإثبات ودلالة الأدلّة ، فتتّضح بعد التنبيه إلى ما مرّ منّا من أنّ الطهارة الخبثية ليست أمراً وجودياً مضادّاً للقذارة ، بل هي عبارة عن خلوّ الجسم من القذارات ، ونقائه عنها (1) ، لا بمعنى دخالة هذا العنوان ، بل الطهارة عدمُ تلوّث الجسم الموجود بشيء من القذارات وكونُه على حالته الأصلية ؛ فإنّ الضرورة قاضية بأ نّه لم يكن في الجسم - غير أوصافه الذاتية والعرضية - شيء وجودي

ص: 44


1- تقدّم في الصفحة 11 - 12 .

هو الطهارة مقابل القذارة ، فالطهارة عبارة اُخرى عن عدم القذارة ، وكذا النظافة .

بل الطهارة من الأخباث المعنوية والصفات الخبيثة ، ليست إلاّ خلوّ النفس منها ، وأمّا حصول كمالات مقابلات لها فهي اُمور اُخر غير الطهارة منها ، كما يظهر بالتأمّل .

وما ذكرناه هو الموافق للعرف واللغة . فما ادّعى بعض الأعيان من وضوح كون الطهارة ضدّاً وجودياً للقذارة الخبثية(1) ، في غير محلّه ، بل مدّعي وضوح خلافه غير مجازف .

فحينئذٍ نقول : لا يعقل شرطية حيثية العدم للماهية المأمور بها ؛ لا بحسب الملاكات الواقعية ، ولا بحسب تعلّق الإرادة الجدّية ، ولا بحسب الأوامر المتعلّقة بمتعلّقاتها :

أمّا الاُولى ، فلعدم إمكان مؤثّرية العدم - ولو بنحو جزء الموضوع - في شيء . وما يتوهّم ذلك في بعض الأمثلة العرفية ، ناشئ من الخلط وقلّة التدبّر ، وإلاّ فما ليس بشيء أصلاً كيف يمكن تأثيره ودخالته في أمر ؟ ! فإنّ التأثير ونحوه من الاُمور الوجودية لا يمكن اتّصاف العدم به .

ومن هنا يظهر امتناع تعلّق الإرادة والأمر به ؛ أي بما هو عدم حقيقة ، لا بمفهوم العدم الذي هو وجود بالحمل الشائع .

وما ذكرناه ليس أمراً دقيقاً عقلياً خارجاً عن فهم العرف ؛ حتّى يقال : إنّ الميزان في هذه الأبواب هو الفهم العرفي .

ص: 45


1- اُنظر مصباح الفقيه ، الطهارة 2 : 9 .

وبعد امتناع شرطية العدم ، لا محيص عن إرجاع ما يظهر منه الشرطية إلى مانعية الوجود التي قد عرفت تعقّلها . مع أنّ غالب الأدلّة ظاهرة في مانعية النجاسة ، لا شرطية الطهارة أو عدم النجاسة ، كقوله علیه السلام في مكاتبة خَيْران

الخادم في الخمر : «لا تصلّ فيه ؛ فإنّه رجس»(1) .

وفي رواية أبي يزيد القسمي في جلود الدارِش : «لا تصلّ فيها ؛ فإنّها تدبغ بخرء الكلاب»(2) .

ومثلِ ما دلّت على نفي البأس عن الدم ما لم يكن مجتمعاً قدر الدرهم(3) حيث يظهر منها البأس في مقداره ، وهو عين المانعية . وما دلّت على نفي البأس عن القذارة فيما لا تتمّ فيه الصلاة وحدها (4) وما دلّت على إعادة الصلاة مع إتيانها في النجس في الموارد الخاصّة(5) وهي كثيرة ، والمتفاهم منها عرفاً أنّ النجس موجب للإعادة . بل ما دلّت على وجوب الغسل والإعادة إذا صلّى في النجس(6) وهي كثيرة . بل لك أن تتمسّك بقوله علیه السلام : «لا تجوز الصلاة في شيء

ص: 46


1- الكافي 3 : 405 / 5 ؛ وسائل الشيعة 3 : 469 ، كتاب الطهارة ، أبواب النجاسات ، الباب 38 ، الحديث 4 .
2- الكافي 3 : 403 / 25 ؛ وسائل الشيعة 3 : 516 ، كتاب الطهارة ، أبواب النجاسات ، الباب 71 ، الحديث 1 .
3- راجع وسائل الشيعة 3 : 429 ، كتاب الطهارة ، أبواب النجاسات ، الباب 20 .
4- راجع وسائل الشيعة 3 : 455 ، كتاب الطهارة ، أبواب النجاسات ، الباب 31 .
5- راجع وسائل الشيع-ة 3 : 428 ، كتاب الطهارة ، أبواب النجاسات ، الباب 18 - 21 و40 - 44 .
6- نفس المصدر .

من الحديد ؛ فإنّه نجس ممسوخ»(1) فإنّه يظهر منها كراهة الصلاة في النجس الذي صار ممسوخاً، ويستأنس منه عدم الجواز في النجس غير الممسوخ، تأمّل.

حول الروايات الظاهرة في شرطية الطهارة

نعم ، بإزائها روايات ربّما تكون ظاهرة في شرطية الطهارة ، كقوله علیه السلام في صحيحة زرارة : «لا صلاة إلاّ بطهور»(2) بناءً على شمولها للطهارة الخبثية ، أو ظهورها فيها بقرينة ذيلها . وصحيحة زرارة الثانية(3) من أدلّة الاستصحاب . وقوله علیه السلام : «الصلاة ثلثها الطهور»(4) . وقوله علیه السلام : «لا تعاد الصلاة إلاّ من خمس . . .»(5) وعدّ منها الطهور .

وما عدّ الطهور من فروض الصلاة(6) بناءً على أعمّيته من الطهور من الخبث .

ص: 47


1- الكافي 3 : 400 / 13 ؛ تهذيب الأحكام 2 : 227 / 894 ؛ وسائل الشيعة 4 : 419 ، كتاب الصلاة ، أبواب لباس المصلّي ، الباب 32 ، الحديث 6 .
2- تهذيب الأحكام 1 : 49 / 144 ؛ وسائل الشيعة 1 : 315 ، كتاب الطهارة ، أبواب أحكام الخلوة ، الباب 9 ، الحديث 1 .
3- يأتي في الصفحة 49 .
4- الكافي 3 : 273 / 8 ؛ الفقيه 1 : 22 / 66 ؛ وسائل الشيعة 1 : 366 ، كتاب الطهارة ، أبواب الوضوء ، الباب 1 ، الحديث 8 .
5- الفقيه 1 : 225 / 991 ؛ وسائل الشيعة 1 : 371 ، كتاب الطهارة ، أبواب الوضوء ، الباب 3 ، الحديث 8 .
6- كصحيحة زرارة قال : سألت أبا جعفر عليه السلام عن الفرض في الصلاة ، فقال : «الوقت والطهور والقبلة . . .» ، راجع وسائل الشيعة 1 : 365 ، كتاب الطهارة ، أبواب الوضوء ، الباب 1 ، الحديث 3 .

وهو محلّ إشكال في كثير منها . مع أنّ قوله علیه السلام مثلاً : «لا صلاة إلاّ بطهور»

- بناءً على ما تقدّم من أنّ «الطهور» ليس إلاّ خلوَّ المحلّ من القذارة وكونَه على حالته الأصلية - معناه : لا صلاة إلاّ بإزالة القذارة والتطهّر منها ، وهو غير ظاهر

في شرطية الطهور ، بل غير ظاهر في شرطية الإزالة . بل لا يبعد دعوى ظهورها في أنّ النجاسة لمّا كانت مانعة عن الصلاة قال : «لا صلاة إلاّ بإزالتها» .

ولو نوقش في ذلك ، فرفع اليد عن مثله أولى من رفع اليد عن الأدلّة الكثيرة الدالّة على مانعية النجاسة ؛ لو لم نقل بتعيّنه بلحاظ ما تقدّم(1) .

فالأقرب : أنّ النجاسة مانعة ، لا الطهارة أو إزالة النجاسة شرط ، فما قيل : «من أنّ إزالة النجاسات واجبة شرطاً للصلاة»(2) لا يخلو من تسامح .

نعم ، يجب عقلاً إزالتها ؛ لمانعيتها عن الصلاة :

من غير فرق بين الواجبة والمندوبة ؛ لإطلاق الأدلّة .

ومن غير فرق بين أنواع النجاسات ؛ للإجماع المنقول عن جملة من الأصحاب(3) . بل لزومها في الجملة من الواضحات ، والنصوص في الموارد الخاصّة مستفيضة أو متواترة ؛ بحيث لا يبقى للناظر فيها شكّ في مانعية مطلق النجاسات بإلغاء الخصوصية عن الموارد المنصوصة ، من غير احتياج إلى دعوى الإجماع المركّب(4) .

ص: 48


1- تقدّم في الصفحة 44 .
2- تقدّم في الصفحة 41 .
3- اُنظر جواهر الكلام 6 : 89 ؛ الخلاف 1 : 476 - 477 ؛ السرائر 1 : 179 - 180 ؛ تذكرة الفقهاء 1 : 71 .
4- جواهر الكلام 6 : 89 .

بل المستفاد من جملة من الروايات عموم الحكم لمطلق النجاسات ، كصحيحة عبداللّه بن سِنان قال : سأل أبي أبا عبداللّه علیه السلام -

وأنا حاضر - : إنّي أعير الذمّي ثوبي ، وأنا أعلم أ نّه يشرب الخمر ، ويأكل لحم الخنزير ، فيردّه عليّ ، فأغسله قبل أن اُصلّي فيه ؟ فقال أبو عبداللّه علیه السلام : «صلّ فيه ، ولا تغسله من أجل ذلك ؛ فإنّك أعرته إيّاه وهو طاهر ، ولم تستيقن أ نّه نجّسه ، فلا بأس أن تصلّي فيه حتّى تستيقن أ نّه نجّسه»(1) .

يعلم منها : أنّ غاية جواز الصلاة فيه العلم بتنجّسه ، ومقتضى الإطلاق ثبوت الحكم لمطلق النجاسات .

وصحيحة زرارة ، عن أبي جعفر علیه السلام قال : قلت له : أصاب ثوبي دم رعاف أو غيره أو شيء من المنيّ - إلى أن قال - : فإن ظننت أ نّه قد أصابه ، ولم أتيقّن ذلك ، فنظرت فلم أرَ شيئاً ، ثمّ صلّيت فيه فرأيت فيه ؟ قال : «تغسله ولا تعيد الصلاة» .

قلت : لِمَ ذلك ؟ قال : «لأ نّك كنت على يقين من طهارتك ثمّ شككت ، فليس ينبغي لك أن تنقض اليقين بالشكّ أبداً» .

قلت : فإنّي قد علمت أ نّه قد أصابه ، ولم أدرِ أين هو فأغسله ، قال : «تغسل من ثوبك الناحية التي ترى أ نّه قد أصابها حتّى تكون على يقين من طهارتك . . .»(2) إلى آخره .

ص: 49


1- تهذيب الأحكام 2 : 361 / 1495 ؛ وسائل الشيعة 3 : 521 ؛ كتاب الطهارة ، أبواب النجاسات ، الباب 74 ، الحديث 1 .
2- علل الشرائع : 361 / 1 ؛ تهذيب الأحكام 1 : 421 / 1335 ؛ وسائل الشيعة 3 : 402 ؛ كتاب الطهارة ، أبواب النجاسات ، الباب 7 ، الحديث 2 ، والباب 37 ، الحديث 1 .

فإنّ المستفاد منها أنّ الطهارة من جميع القذارات ، لازمة في الصلاة . بل الظاهر من صدرها أنّ المذكور فيها من قبيل المثال لمطلق النجاسات . وكيف كان فلا إشكال في استفادة حكم مطلق النجاسات منها . . . إلى غير ذلك ممّا سيأتي الكلام في بعضها ، كرواية خَيْران الخادم(1) .

ومن غير فرق بين الثوب والبدن؛ للإجماع المتقدّم ولفحوى ما دلّت على لزوم إزالتها عن الثوب(2) وللمستفيضة الدالّة على إعادة الصلاة على من نسي

غسل البول عن فخذه ، أو جسده ، أو ذكرِه ، أو نسي الاستنجاء فصلّى ، أو دخل في الصلاة(3) .

ولصحيحة زرارة ، عن أبي جعفر علیه السلام قال : «لا صلاة إلاّ بطهور ، ويجزيك عن الاستنجاء ثلاثة أحجار ، بذلك جرت السنّة من رسول اللّه صلی الله علیه و آله وسلم ، وأمّا البول فلا بدّ من غسله»(4) .

حيث يظهر منها لزوم طهارة البدن - بل الثوب - عن النجاسات ، وسيأتي ت-تمّة لفقه الحديث(5) .

ص: 50


1- يأتي في الصفحة 51 .
2- راجع وسائل الشيعة 3 : 404 ؛ كتاب الطهارة ، أبواب النجاسات ، الباب 8 و16 و19 و42 .
3- راجع وسائل الشيعة 1 : 294 ، كتاب الطهارة ، أبواب نواقض الوضوء ، الباب 18 ، و : 317 ، أبواب أحكام الخلوة ، الباب 10 .
4- تهذيب الأحكام 1 : 49 / 144 ، و : 209 / 605 ؛ وسائل الشيعة 1 : 315 ، كتاب الطهارة ، أبواب أحكام الخلوة ، الباب 9 ، الحديث 1 .
5- يأتي في الصفحة 57 - 58 .

ولرواية علي بن جعفر ، عن أخيه موسى بن جعفر علیهما السلام قال : سألته عن النَضُوح يجعل فيه النبيذ ، أيصلح أن تصلّي المرأة وهو على رأسها ؟ قال : «لا ، حتّى تغتسل منه»(1) . . . إلى غير ذلك . ويظهر منها عدم الفرق بين الشعر وغيره ، كما أنّ مقتضى إطلاق ما تقدّم - كصحيحة زرارة - عدم الفرق بين الظفر والشعر وغيرها .

ومن غير فرق بين ما صدق عليه اسم «الثوب» عرفاً ، أو لا إذا كان للمصلّي نحو تلبّس به ، كالقطن والصوف غير المنسوجين الملفوفين بالبدن ، والحصير والحشيش كذلك ؛ لإمكان دعوى أنّ «الثوب» الوارد في الأدلّة من باب المثال ، أو لجري العادة على السؤال عنه .

ولرواية خَيْران الخادم الحسنة أو الصحيحة(2) قال : كتبت إلى الرجل أسأله عن الثوب يصيبه الخمر ولحم الخنزير ، أيصلّى فيه أم لا ؛ فإنّ أصحابنا قد اختلفوا فيه ، فقال بعضهم : صلّ فيه ؛ فإنّ اللّه إنّما حرّم شربها ، وقال بعضهم :

لا تصلّ فيه ؟ فوقّع : «لا تصلّ فيه ؛ فإنّه رجس . . . »(3) إلى آخره .

يظهر من التعليل عدم جواز الصلاة في الرجس مطلقاً .

نعم ، يقع الكلام في هذه الظرفية هل هي للمصلّي ، فيكون المعنى : لا يصلّ المصلّي وهو في رجس ، فلا تصدق في مثل الخاتم والسيف والخفّ والجَوْرَب

ص: 51


1- مسائل علي بن جعفر : 151 / 200 ؛ وسائل الشيعة 25 : 380 ، كتاب الأطعمة والأشربة ، أبواب الأشربة المحرّمة ، الباب 37 ، الحديث 3 .
2- تقدّم وجه الترديد في الجزء الثالث : 12 ، الهامش 4 .
3- الكافي 3 : 405 / 5 ؛ وسائل الشيعة 3 : 469 ، كتاب الطهارة ، أبواب النجاسات ، الباب 38 ، الحديث 4 .

والتِكّة ، وغيرها ممّا لا تتمّ فيها الصلاة ، فتكون خارجة تخصّصاً ؛ ضرورة عدم صدق «كون الإنسان في الخاتم والسيف» ونحوهما ممّا ليس لها نحو اشتمال على البدن ، كالقميص والرداء والقَباء ممّا هي صادقة فيها عرفاً بخلاف ما قبلها ؟

بل التأويل والادّعاء فيها أيضاً لا يخلو من إشكال ونحو ركاكة ، إلاّ في بعض الأحيان الذي ليس المقام منه .

أو هي للصلاة بالمعنى المصدري أو حاصله بنحو من الادّعاء والتخيّل ، فيكون المعنى : لا تجعل صلاتك في النجس ؟

وهو نحو ادّعاء واعتبار ليس للعرف تشخيص مراده إلاّ ببيان من المتكلّم ؛ وإقامة قرينة على مراده .

ويمكن دعوى أقربية الاحتمال الثاني بالنظر إلى الروايات وموارد الاستعمال في خصوص المقام ؛ لشيوع استعمال الظرفية في مثل الخفّ والنعل والجَوْرَب والجُرْمُوق والتِكّة والكمرة والمنديل والقَلَنْسوة والفصّ والسيف وأشباه ذلك .

وقد عرفت أنّ دعوى ظرفية هذه الاُمور للمصلّي - ولو بنحو من التأويل - بعيدة ، وأمّا ظرفيتها لفعل الصلاة وحاصله فمبتنية على نحو اعتبار وادّعاء ، فلو قامت قرينة على اعتبار ظرفية تلك الاُمور له ، يتبع بمقدار دلالتها .

والذي يمكن دعواه : أنّ شيوع استعمال الظرفية فيما يتلبّس المصلّي بنحو تلبّس - كالتختّم والتقلّد ، والتلبّس بنحو التكّة والكمرة وأشباهها - يوجب حمل ما يستفاد من الرواية المتقدّمة - أي «لا تصلّ في النجس» - على الأعمّ من الثياب ومن مثل هذا النحو من المتلبّسات ، فالاستعمال الشائع الكثير والمتعارف قرينة على إرادة الأعمّ ، فيكون خروج ما لا ت-تمّ فيه الصلاة من قبيل الاستثناء .

ص: 52

جواز الصلاة مع المحمول النجس

وأمّا إلحاق المحمول بها ، فلا بدّ من قيام دليل آخر غير ذلك ؛ لعدم الظرفية : لا للمصلّي ، وهو واضح ، ولا للصلاة ؛ لعدم قيام قرينة عليه بعد عدم تشخيص العرف ؛ لإناطته على اعتبار المعتبِر ، وهو يحتاج إلى قيام القرينة .

نعم ، لو كان استعمال الظرف في المحمول أيضاً شائعاً - كاستعماله في الملبوس وما يتلبّس به بنحو ما تقدّم - كان الإلحاق وجيهاً ، لكن لم يثبت ذلك .

بل التعبير في لسان الأدلّة سؤالاً وجواباً في المحمول والمصاحب ، على خلافه في اللباس وما يتلبّس به :

ففي صحيحة علي بن جعفر ، عن أخيه موسى علیه السلام قال : سألته عن فأرة

المسك تكون مع من يصلّي ، وهو في جيبه أو ثيابه ، فقال : «لا بأس بذلك»(1) ونحوها مكاتبة عبداللّه بن جعفر الآتية(2) .

وفي صحيحته الاُخرى : سألته عن الرجل يصلّي ومعه دَبّة من جلد حمار أو بغل ، قال : «لا يصلح أن يصلّي وهي معه»(3) ونحوها صحيحته الاُخرى(4) .

ص: 53


1- الفقيه 1 : 165 / 775 ؛ تهذيب الأحكام 2 : 362 / 1499 ؛ وسائل الشيعة 4 : 433 ، كتاب الصلاة ، أبواب لباس المصلّي ، الباب 41 ، الحديث 1 .
2- يأتي في الصفحة 55 .
3- الفقيه 1 : 164 / 775 ؛ وسائل الشيعة 4 : 461 ، كتاب الصلاة ، أبواب لباس المصلّي ، الباب 60 ، الحديث 2 .
4- تهذيب الأحكام 2 : 373 / 1553 ؛ وسائل الشيعة 4 : 462 ، كتاب الصلاة ، أبواب لباس المصلّي ، الباب 60 ، الحديث 4 .

وعلى هذا التعبير ورد في الطير والدراهم في جملة من الروايات(1) وفي المفتاح والسكّين(2) . . . إلى غير ذلك .

وأمّا مرسلة عبداللّه بن سِنان ، عن أبي عبداللّه علیه السلام أ نّه قال : «كلّ ما كان على

الإنسان أو معه - ممّا لا تجوز الصلاة فيه وحده - فلا بأس أن يصلّي فيه وإن كان فيه قذر ، مثل القلنسوة والتِكّة والكمرة والنعل والخفّين وما أشبه ذلك»(3).

فلا تدلّ على استعمال الظرف فيما مع الإنسان أو عليه ، بل الظاهر استعمالها فيما يتلبّس به المصلّي ، كالأمثلة المذكورة ، فإنّها مع الإنسان ، وبعضها عليه ، لكن مع نحو من التلبّس . ويشهد له قصر الأمثلة في الملبوسات ، فلو كان ما معه مختصّاً بالمحمول أو الأعمّ منه ، كان عليه ذكر مثال له ، سيّما على الأوّل .

وأمّا قوله علیه السلام في موثّقة ابن بكير : «الصلاة في وبره وروثه وبوله . . .»(4) إلى آخره وقوله في رواية فارس عن ذرق الدجاج : «يجوز الصلاة فيه؟»(5) فليس في مورد المحمول ، بل فيما تلوّث اللباس بها ، فاستعمال الظرف باعتبار

ص: 54


1- راجع وسائل الشيعة 4 : 437 ، كتاب الصلاة ، أبواب لباس المصلّي ، الباب 45 ، الحديث 3 ، والباب 60 ، الحديث 1 .
2- راجع وسائل الشيعة 4 : 417 ، كتاب الصلاة ، أبواب لباس المصلّي ، الباب 32 .
3- تهذيب الأحكام 1 : 275 / 810 ؛ وسائل الشيعة 3 : 456 ، كتاب الطهارة ، أبواب النجاسات ، الباب 31 ، الحديث 5 .
4- الكافي 3 : 397 / 1 ؛ وسائل الشيعة 4 : 345 ، كتاب الصلاة ، أبواب لباس المصلّي ، الباب 2 ، الحديث 1 .
5- تهذيب الأحكام 1 : 266 / 782 ؛ وسائل الشيعة 3 : 412 ، كتاب الطهارة ، أبواب النجاسات ، الباب 10 ، الحديث 3 .

الصلاة في الثوب المتلوّث بها .

فتحصّل من جميع ذلك : عدم صحّة الاستدلال بمثل رواية خَيْران الخادم(1) لعدم صحّة الصلاة في المحمول .

وربّما يستدلّ على المنع فيه بروايات أجنبيّة عن المقام ، كمكاتبة عبداللّه بن جعفر الواردة في فأرة المسك(2) ، وصحيحة علي بن جعفر الواردة في دَبّة من جلد الحمار والبغل(3) ، فإنّهما - على فرض دلالتهما - غير مربوطتين بالمقام ، بل ترجعان إلى مانعية الميتة وأجزائها .

نعم ، لو كان المراد ب- «الذكيّ» الطاهر كان له وجه ، لكنّه خلاف ظاهره . وقد مرّ الكلام في الرواية في نجاسة الميتة(4) .

وكرواية رِفاعة وفيها : أيصلّي في حِنّائه ؟ قال : «نعم ، إذا كانت خرقته طاهرة»(5) .

فإنّ الخرقة إذا كانت نجسة ، تسري لا محالة إلى البدن . بل لا يبعد صدق «الصلاة فيها وفي الحِنّاء» مع هذا التلبّس نحو التلبّس بالكمرة والتِكّة .

وكرواية وهب بن وهب ، عن جعفر ، عن أبيه علیهما السلام : «إنّ علياً علیه السلام قال :

ص: 55


1- تقدّمت في الصفحة 51 .
2- تهذيب الأحكام 2 : 362 / 1500 ؛ وسائل الشيعة 4 : 433 ، كتاب الصلاة ، أبواب لباس المصلّي ، الباب 41 ، الحديث 2 .
3- تقدّمت في الصفحة 53 .
4- تقدّم في الجزء الثالث : 138 - 139 .
5- الفقيه 1 : 173 / 819 ؛ تهذيب الأحكام 2 : 356 / 1470 ؛ وسائل الشيعة 4 : 429 ، كتاب الصلاة ، أبواب لباس المصلّي ، الباب 39 ، الحديث 2 .

السيف بمنزلة الرداء تصلّي فيه ما لم ترَ فيه دماً ، والقوس بمنزلة الرداء»(1) .

فإنّها أيضاً مربوطة بما يتلبّس به ؛ فإنّ المراد منه السيف المتقلَّد والصلاة فيه لا المحمول ، ولهذا قال علیه السلام : إنّه «بمنزلة الرداء» وكذا القوس . ولولا ضعف سندها (2) لما كانت روايات ما لا ت-تمّ فيه الصلاة معارضة معها ؛ لحكومتها عليها بواسطة التنزيل منزلة الرداء ، فخرج السيف والقوس عمّا لا ت-تمّ . مع أ نّها أخصّ من تلك الروايات .

وكرواية علي بن جعفر ، عن أخيه موسى علیه السلام قال : وسألته عن الرجل يمرّ بالمكان فيه العَذِرة ، فتهبّ الريح فتسفي عليه من العَذِرة ، فيصيب ثوبه ورأسه ، يصلّي فيه قبل أن يغسله ؟ قال : «نعم ، ينفضه ويصلّي فلا بأس»(3) .

فإنّ الظاهر أ نّه من قبيل المتلبّسات التي يصدق معها «الصلاة فيه» فإنّ سفيَ الريح من العَذِرة على الثوب والرأس ، وصيرورتَهما مغبّرين بما هو نحو الذرّ ، يوجب نحو تلبّس بالنجاسة يصدق معه «الصلاة فيه» فلا تجوز الصلاة كذلك ، فلا يستفاد منها حكم المحمول الذي عرفت عدم صدق «الصلاة فيه» هذا مع ضعف سندها .

ص: 56


1- قرب الإسناد : 131 / 460 ؛ تهذيب الأحكام 2 : 371 / 1546 ؛ وسائل الشيعة 4 : 458 ، كتاب الصلاة ، أبواب لباس المصلّي ، الباب 57 ، الحديث 2 .
2- رواها الشيخ الطوسي بإسناده، عن محمّد بن أحمد بن يحيى، عن أبيه، عن وهب بن وهب. والرواية ضعيفة بوهب بن وهب. رجال النجاشي: 430 / 1155؛ الفهرست، الطوسي: 256 / 779.
3- مسائل علي بن جعفر : 155 / 214 ؛ وسائل الشيعة 3 : 443 ، كتاب الطهارة ، أبواب النجاسات ، الباب 26 ، الحديث 12 .

وقد يقال : لا يدلّ قوله علیه السلام : «ينفضه» على وجوب النفض ؛ لجريانه مجرى العادة ، والرواية بصدد بيان نفي الغسل(1) .

وفيه ما لا يخفى ، سيّما إن قلنا : بأنّ المستفاد من قوله علیه السلام : «فلا بأس» أ نّه جواب شرط ، فكأ نّه قال : «إن ينفضه ويصلّي فلا بأس» .

وبالجملة : رفع اليد عن ظاهر الدليل الموافق لارتكاز مانعية النجاسة -

ولو في الجملة - بمجرّد احتمال الجري مجرى العادة ، ممّا لا وجه له ، فالوجه ما ذكرناه . بل مع احتماله لا تدلّ الرواية على مطلق المحمول بعد كون موردها غيره عرفاً .

ويمكن الاستدلال عليه بصحيحة زرارة : «لا صلاة إلاّ بطهور»(2) الشاملة للطهور من الخبث ؛ بدعوى شمولها للمحمول - بمناسبة الحكم والموضوع - بأن يقال : إنّ المصلّي المناجي لربّه القائم بين يدي الجبّار ، لا بدّ وأن يكون طاهراً

نقيّاً عن الأدناس والأرجاس مطلقاً في بدنه وثوبه ومصاحباته .

كما ربّما يستأنس به من رواية «العلل» عن الفضل بن شاذان ، عن الرضا علیه السلام

قال : «إنّما اُمر بالوضوء وبدئ به ؛ لأن يكون العبد إذا قام بين يدي الجبّار عند مناجاته إيّاه ، مطيعاً له فيما أمره ، نقيّاً عن الأدناس والنجاسة»(3) .

ومع نجاسة شيء منها لا تكون الصلاة بطهور ؛ ضرورة أنّ المراد منه مطلق

ص: 57


1- مصباح الفقيه ، الطهارة 8 : 41 .
2- تقدّمت في الصفحة 47 .
3- علل الشرائع : 257 / 9 ؛ وسائل الشيعة 1 : 367 ، كتاب الطهارة ، أبواب الوضوء ، الباب 1 ، الحديث 9 .

وجود الطهور ، لا صِرف وجوده ، وهو لا يتحقّق إلاّ مع كون المصلّي طاهراً بجميع ما معه وعليه .

هذا ، ولكنّ الإنصاف عدم جواز التعويل على هذه الاستحسانات

والاعتبارات في تعميم الصحيحة للبدن والثوب ، فضلاً عن المحمول ، مع ما نرى من إعمال تعبّدات في العبادة بعيدة عن العقول ، كجواز الصلاة فيما لا تتمّ الصلاة فيه ولو كان متلطّخاً بالقذارة ، وجوازها في الدم القليل غير الدماء

الثلاثة ، وإجزاء الأحجار في الغائط دون البول ، مع أقذريته عرفاً ، فأمثال ما ذكر وغيرها ممّا هو وارد في باب التعبّديات ، توجب عدم الاتّكال على الاعتبارات والمقايسات العقلية ، كمقايسة محضر الربّ الجليل بمحاضر أشراف البشر .

وأمّا رواية «العلل» فلا تكون بمثابة يمكن التعدّي عن موردها - الذي هو الطهارة عن الحدث - إلى غيره .

وأمّا دعوى : أنّ المراد من «الطهور» هو مطلق الوجود الشامل للمحمول ، فخالية عن الشاهد . نعم، الظاهر - ولو بمساعدة فهم العرف - مطلق وجوده بالنسبة إلى البدن ، وعدم الاختصاص بمحلّ النجو . لكنْ إسراؤه إلى اللباس - فضلاً عن المحمول - محلّ إشكال .

وإن شئت قلت : إن كان المراد من قوله علیه السلام : «لا صلاة إلاّ بطهور» أنّ الصلاة لا بدّ وأن تكون طاهرة ، فلا ت-تّصف هي بالطهارة . مع أنّ العقول قاصرة عن إدراك كيفية طهارتها .

وإن كان المراد غير ذلك - كما أنّ الأمر كذلك - فلا بدّ من تقدير ، مثل «لا صلاة إلاّ بطهور بدن المصلّي» أو «نفس المصلّي» أو «بدنه ولباسه» أو «مع

ص: 58

ملابساته» أو «مع محموله» ولا طريق إلى إثبات شيء منها إلاّ بدنه الذي يدلّ

عليه ذيل الصحيحة ، وغاية ما يمكن دعواه هو التعميم بالنسبة إلى ما يصلّي فيه ، فيكون مساوقاً لقوله : «لا تصلّ في النجس» وهو غير شامل للمحمول الذي كالأجنبيّ عن الصلاة .

وأضعف ممّا تقدّم أو نحوها التمسّك بصحيحة زرارة المعروفة في الاستصحاب ، وفيها : فإنّي قد علمت أ نّه أصابه ، ولم أدرِ أين هو فأغسله ، قال : «تغسل من ثوبك الناحية التي ترى أ نّه أصابها ؛ حتّى تكون على يقين من طهارتك»(1) ؛ بأن يقال : إنّ انتساب الطهارة إليه ، دالّ على لزوم طهارته وطهارة جميع ما عليه وفيه ومعه(2) .

وفيه ما لا يخفى من الوهن ؛ ضرورة أنّ الانتساب إلى اللابس إنّما يكون بنحو من التأويل والدعوى ، وهما في اللباس صحيحان ؛ لأنّ المصحّح هو التلبّس ، فيصحّ أن يقال مع نجاسة اللباس : «إنّي نجس» ومع طهارته : «إنّي طاهر» دون مثل المحمول ، فهل يصحّ لمن يكون في جيبه سكّين نجس أن يقول : «إنّي نجس» أو كان بيده سيف نجس يقول ذلك ؟ !

بل لا تصحّ الدعوى في بعض الألبسة والملابسات ، كالخاتم والسيف المتقلّد . مضافاً إلى أنّ فرض صحّة الدعوى لا يوجب وقوعها . فلا تدلّ الرواية إلاّ على لزوم طهارة الإنسان ولباسه ، لا مطلق متلبّساته ، فضلاً عن محمولاته

ص: 59


1- تهذيب الأحكام 1 : 421 / 1335 ؛ وسائل الشيعة 3 : 402 ، كتاب الطهارة ، أبواب النجاسات ، الباب 7 ، الحديث 2 .
2- تقرير بحث سماحة آية اللّه العظمى السيّد البروجردي 1 : 304 .

التي لا يصحّ إطلاق «طهارتك» -

حتّى مجازاً وادّعاءً - بالنسبة إليها .

فمقتضى الأصل جواز الصلاة مع المحمول النجس ؛ من غير فرق بين كونه عين النجاسة أو لا .

قال الشيخ في «الخلاف» في قارورة مشدودة الرأس بالرصاص فيها بول أو نجاسة : «ليس لأصحابنا فيه نصّ ، والذي يقتضيه المذهب أ نّه لا ينقض الصلاة به» وهو كذلك ؛ للأصل السالم عن الدليل الحاكم .

وقوله بعد ذلك : «ولو قلنا : إنّه يبطل الصلاة لدليل الاحتياط ، كان قويّاً» مبنيّ على القول بالاشتغال في الشكّ في القيود والموانع ، وهو ضعيف .

وأمّا قوله : «ولأنّ على المسألة الإجماع ؛ فإنّ خلاف ابن أبي هريرة لا يعتدّ

به»(1) فالظاهر منه إجماع القوم بدليل ما تقدّم منه ، وبدليل استثناء ابن أبي هريرة . وأمّا احتمال أن يكون مراده الإجماع على القاعدة فبعيد .

بل يمكن الاستدلال على الجواز في عين النجاسة بصحيحة علي بن جعفر : أ نّه سأل أخاه موسى بن جعفر علیه السلام عن الرجل يكون به الثُؤْلول أو الجرح ، هل له أن يقطع الثُؤْلول وهو في صلاته ، أو ينتف بعض لحمه من ذلك الجرح ويطرحه ؟ قال : «إن لم يتخوّف أن يسيل الدم فلا بأس ، وإن تخوّف أن يسيل الدم فلا يفعله»(2) .

فإنّ اللحم الذي على الجرح أو حوله ، ليس مثل الثُؤْلول الذي ترفضه الطبيعة

ص: 60


1- الخلاف 1 : 503 - 504 .
2- الفقيه 1 : 165 / 775 ؛ تهذيب الأحكام 2 : 378 / 1576 ؛ وسائل الشيعة 7 : 284 ، كتاب الصلاة ، أبواب قواطع الصلاة ، الباب 27 ، الحديث 1 .

بإذن اللّه تعالى ، وقلنا في محلّه بعدم نجاسته ، وعدمِ كونه ميتة أو في حكمها (1) ، لأنّ اللحم الفاسد بتبع الجرح ممّا تحلّه الحياة ، وذهاب حياته لأجل الفساد - لو فرض - لا يوجب عدم كونه ممّا تحلّه الحياة ، فنفي البأس عنه دليل على عدم مانعية المحمول النجس .

وتوهّم : أنّ قوله علیه السلام : «إن لم يتخوّف أن يسيل الدم» كناية عن عدم كونه ممّا تحلّه الحياة ، والخوف من السيلان كناية عمّا تحلّه ، كما ترى .

كتوهّم عدم صدق المحمول على النتف والرمي ، فإنّ قلّة زمان الحمل لا يوجب نفي الصدق . إلاّ أن يقال بانصراف الدليل ، فيلزم منه الالتزام بعدم مانعية سائر الموانع مع قلّته ، فيقال بجواز لبس ما لا يؤكل والنجس عمداً وطرحه فوراً ، وهو كما ترى .

مع أنّ الطرح الذي في لسان السائل ليس به غايته ؛ أي ليس نظره إلى قلّة الزمان ، بل نظره إلى جواز الأخذ في حال الصلاة ، فلا يبعد فهم جوازه - ولو مع حفظ القطعة المأخوذة - من الرواية ، تأمّل .

ولك الاستدلال للمطلوب بموثّقة محمّد بن مسلم ، عن أحدهما علیهما السلام : في الرجل يمسّ أنفه في الصلاة فيرى دماً ، كيف يصنع أينصرف ؟ قال : «إن كان يابساً فليرمِ به ، ولا بأس»(2) . بتقريب : أنّ التفصيل بين الرطب واليابس ، دليل على أنّ الدم لو كان رطباً كان مانعاً ، فالمفروض فيه ما كان

ص: 61


1- تقدّم في الجزء الثالث : 131 .
2- الكافي 3 : 364 / 5 ؛ وسائل الشيعة 7 : 239 ، كتاب الصلاة ، أبواب قواطع الصلاة ، الباب 2 ، الحديث 5 .

بمقدار غير معفوّ عنه ، ومع ذلك نفى البأس عن يابسه .

إلاّ أن يقال : إنّ التفصيل لأجل أ نّه مع عدم يبسه ، يمكن أن يسري إلى اللباس والبدن ، فصار زائداً عن المعفوّ عنه ، دون ما إذا كان يابساً . مضافاً إلى بُعد كون

الدم اليابس المأخوذ بمسّ الأنف ، زائداً عنه .

إلاّ أن يقال : إنّ التعرّض للفرد النادر لا مانع منه . وحملها على عدم بيان الحكم الشرعي بعيد .

وكيف كان : لا فرق بين عين النجاسة وغيرها ، والتفصيل ضعيف(1) ، لعلّ منشأه رواية الفأرة والدَبّة وقد عرفت حالهما (2) . ولو قال أحد بالتفصيل بين عينها وغيرها - بعكس ما ذهب إليه المفصّل - وقال بالعفو في العين كان أوجه ؛ لمكان الروايتين المتقدّمتين ، لكنّ الوجه عدم التفصيل .

ولا فرق في المحمول بين ما تتمّ فيه الصلاة وغيره ، ولا وجه للتفريق بينهما

إلاّ تخيّل صدق «الصلاة فيه» في المحمول مطلقاً ، وقد خرج ما لا تتمّ بالأدلّة الآتية ، وبقي غيره ، وقد عرفت بطلانه(3) .

وإلاّ توهّم دلالة مرسلة عبداللّه بن سِنان المتقدّمة(4) عليه ؛ بدعوى أنّ المراد من قوله : «معه» هو المحمول ، وقد فصّل فيها بين ما تتمّ الصلاة فيه وغيره ، وقد مرّ ما فيها ، فراجع(5) .

ص: 62


1- العروة الوثقى 1 : 211 - 212 .
2- تقدّم في الصفحة 55 .
3- تقدّم في الصفحة 54 - 55 .
4- تقدّمت في الصفحة 54 .
5- تقدّم في الصفحة 54 .

جواز الصلاة فيما لا تتمّ فيه الصلاة منفرداً مع نجاسته

ثمّ إنّه لا إشكال نصّاً وفتوى - في الجملة - في استثناء ما لا ت-تمّ فيه الصلاة منفرداً ، وقد حكي عليه الإجماع أو الاتّفاق في «الانتصار» و«الخلاف» وعن «السرائر»(1) . ونسبه في «التذكرة» إلى علمائنا (2) . وعن «المختلف» و«المدارك» نسبته إلى الأصحاب(3) ، وعن «الذخيرة» و«الكفاية» و«شرح الاُستاذ» : «لا أعلم في أصل الحكم خلافاً بين الأصحاب»(4) .

وبه يجبر ضعف الروايات سنداً ، ودلالةً إن كان ضعف في دلالة ما هي معتبرة الإسناد ، فإنّه قد يقال(5) : إنّ الروايات في الباب بين ما هي ضعيفة دلالة مع اعتبار سندها ، كصحيحة زرارة أو موثّقته(6) ، عن أحدهما علیهما السلام قال : «كلّ ما كان

ص: 63


1- اُنظر جواهر الكلام 6: 128؛ الانتصار: 136؛ الخلاف 1: 479 - 480؛ السرائر 1: 264.
2- تذكرة الفقهاء 2 : 481 - 482 .
3- مختلف الشيعة 1 : 325 ؛ مدارك الأحكام 2 : 322 .
4- ذخيرة المعاد : 160 / السطر 31 ؛ كفاية الفقه (كفاية الأحكام) 1 : 63 ؛ مصابيح الظلام 6 : 226 .
5- مدارك الأحكام 2 : 322 .
6- رواها الشيخ الطوسي بإسناده ، عن محمّد بن علي بن محبوب ، عن محمّد بن الحسين ، عن علي بن أسباط ، عن علي بن عقبة ، عن زرارة . والترديد لوقوع علي بن أسباط في السند؛ لأ نّه اختلف في رجوعه عن الفطحية . رجال النجاشي : 252 / 663 ؛ اختيار معرفة الرجال : 345 / 639 و : 562 / 1061 ؛ تنقيح المقال 2 : 268 / السطر 14 (أبواب العين) .

لا تجوز فيه الصلاة وحده فلا بأس بأن يكون عليه الشيء ، مثل القَلَنْسوة

والتِكّة والجَوْرَب»(1) .

فإنّ في قوله علیه السلام : «عليه الشيء» إجمالاً غير معلوم المراد . كما أنّ كونه «عليه» غير متّضح المقصود .

وبين ما هي واضحة الدلالة غير معتبرة الإسناد ، كمرسلة إبراهيم(2) وابن سِنان(3) وحمّاد(4) وكرواية زرارة(5) وحفص بن أبي عيسى(6) و«فقه الرضا»(7) .

لكن الإنصاف : عدم ورود الإشكال بشيء مع استفاضة الروايات وعمل

ص: 64


1- تهذيب الأحكام 2 : 358 / 1482 ؛ وسائل الشيعة 3 : 455 ، كتاب الطهارة ، أبواب النجاسات ، الباب 31 ، الحديث 1 .
2- تهذيب الأحكام 2 : 358 / 1481 ؛ وسائل الشيعة 3 : 456 ، كتاب الطهارة ، أبواب النجاسات ، الباب 31 ، الحديث 4 .
3- تهذيب الأحكام 1 : 275 / 810 ؛ وسائل الشيعة 3 : 456 ، كتاب الطهارة ، أبواب النجاسات ، الباب 31 ، الحديث 5 .
4- تهذيب الأحكام 1 : 274 / 807 ، و2 : 357 / 1479 ؛ وسائل الشيعة 3 : 456 ، كتاب الطهارة ، أبواب النجاسات ، الباب 31 ، الحديث 2 .
5- تهذيب الأحكام 2 : 357 / 1480 ؛ وسائل الشيعة 3 : 456 ، كتاب الطهارة ، أبواب النجاسات ، الباب 31 ، الحديث 3 .
6- تهذيب الأحكام 1 : 274 / 808 ؛ وسائل الشيعة 3 : 458 ، كتاب الطهارة ، أبواب النجاسات ، الباب 32 ، الحديث 6 .
7- الفقه المنسوب للإمام الرضا عليه السلام : 95 ؛ مستدرك الوسائل 2 : 575 ، كتاب الطهارة ، أبواب النجاسات ، الباب 24 ، الحديث 1 .

الأصحاب بها قديماً وحديثاً ؛ لا في الإسناد ، ولا في دلالة الموثّقة ؛ فإنّه لا يشكّ أحد في أنّ المراد قذارة المذكورات ، لا حمل القذر ؛ لعدم التناسب معها ، ولا حمل سائر الموانع ، والتشكيك فيه وسوسة ، ولهذا لم يعهد من أحدٍ الإشكال فيها من هذه الجهة ، فالمسألة لا إشكال فيها إجمالاً .

كما أنّ الحكم عامّ لجميع مصاديق ما لا تتمّ ؛ سواء كانت من المذكورات أو غيرها ، فما عن القطب من الحصر(1) ضعيف . بل لا يبعد عدم استفادة الحصر من عبارته المحكيّة في «مفتاح الكرامة»(2) . ونسب ذلك إلى أبي الصلاح وسلاّر(3) . ولعلّهم اقتصروا على مورد اتّفاق النصّ والفتوى بعد الخدشة في الروايات بما مرّت منّا ، تأمّل .

فروع الأوّل : في تحقيق المراد من «ما لا تجوز الصلاة فيه وحده»

يحتمل في بادئ النظر أن يكون المراد من قوله علیه السلام : «كلّ ما كان لا يجوز فيه الصلاة وحده» أ نّه كلّ ما لا تجوز مطلقاً وبنحو السلب الكلّي ، في مقابل جوازها في الجملة وبنحو الإيجاب الجزئي ؛ بمعنى أنّ الموضوع للعفو ما لا تتمّ الصلاة فيه ؛ لا من الرجال ، ولا من النساء ، ولا من صغير الجثّة ، ولا كبيرها ، فإذا صحّ الصلاة في الجملة يرتفع العفو .

ص: 65


1- اُنظر مختلف الشيعة 1 : 325 - 326 .
2- مفتاح الكرامة 2 : 123 .
3- اُنظر جواهر الكلام 6 : 129 ؛ الكافي في الفقه : 140 ؛ المراسم : 56 .

وأن يكون المراد : أ نّه كلّ ما لا تجوز في الجملة بنحو السلب الجزئي ، يكون

موضوعاً للعفو ، في مقابل الإيجاب الكلّي ، فإذا لم تصحّ ولو من مكلّف ، يكون معفوّاً عنه من جميع المكلّفين ، ولازمه العفو عن كلّ ثوب لا يصحّ الصلاة فيه - ولو من النساء - للرجال والنساء .

وأن يكون المراد ما لا تتمّ بالقياس إلى صنف الرجال وصنف النساء ، فيكون مثل المقنعة والقميص غيرَ معفوّ عنه للرجال ؛ لجواز صلاتهم فيه منفرداً ، ومعفوّاً عنه للنساء .

وأن يكون عدم التمام بالقياس إلى أشخاص المكلّفين ، فيكون بعض الثياب معفوّاً عنه عن صغير الجثّة لا كبيرها .

وجوه أوجهها الأوّل ، لا للأمثلة المذكورة في الروايات ؛ فإنّها لا توجب التقييد في موضوع الحكم بصِرف كونها من قبيله . نعم، يمكن تأي-يد الوجه الآتي بها ، بل لا يبعد أن تكون الأمثلة مرجّحة له .

بل لأجل أنّ الظاهر أنّ الحكم لطبيعة الصلاة ، وعدمها بعدم جميع الأفراد عرفاً ، كما أنّ وجودها بوجود فرد ما ، فما لا تتمّ الصلاة فيه إنّما يصدق إذا لم تتمّ فيه مطلقاً ، وإلاّ فيصدق أ نّه ممّا تتمّ فيه ، وهو الموافق لفهم العرف .

ثمّ الثالث بدعوى : أنّ الروايات متعرّضة لحال الرجال ، كنوع الأحكام المشتركة بينهم وبين النساء ، كقوله : «رجل شكّ بين كذا وكذا» لكنّ العرف - بإلغاء الخصوصية - يفهم أنّ الحكم أعمّ ومشترك بين الصنفين ، ومقتضى ذلك أنّ ما لا تتمّ الصلاة فيه للرجال ، تصحّ صلاتهم فيه مع القذارة ، وما لا تتمّ للنساء تصحّ صلاتهنّ فيه .

ص: 66

أو يقال : إنّ العرف لمّا علم أنّ ما لا تتمّ للرجال مغاير لما لا تتمّ للنساء ، لا ينقدح في ذهنه إلاّ أنّ لكلّ صنف حكمه ، فكلّ صنف لا تتمّ صلاته في شيء تصحّ صلاته فيه مع القذارة .

وأمّا الاحتمالان الآخران فضعيفان ، سيّما الأخير .

والأقوى هو الوجه الأوّل وإن كان الثاني لا يخلو من قوّة . ولو شككنا في ترجيح أحد الوجهين ، كان المرجع عموم عدم جواز الصلاة في النجس ؛ لإجمال المخصّص المنفصل ، والمتيقّن منه مورد الأمثلة المذكورة وأشباهها .

الثاني : في عدم كون العمامة ممّا لا تتمّ الصلاة فيها

عن الصدوقين عدّ العمامة ممّا لا تتمّ الصلاة فيها (1) ، وهو موافق «للفقه الرضوي»(2) وربّما يحمل كلامهما على العمامة التي تكون كذلك لصغرها (3) .

وقد يقال : إنّ العمامة بالهيئة الفعلية المعهودة لا تتمّ فيها ، وهو الميزان فيما لا تتمّ ، وإلاّ لأمكن تغيير القَلَنْسوة أيضاً بنحو يتمّ الصلاة فيها (4) .

والتحقيق : أنّ الظاهر من الروايات أنّ الثياب على نوعين :

منها : ما يصدق عليها أ نّها موصوفة بجواز الصلاة فيها وحدها .

ومنها : ما هي بخلاف ذلك .

والموضوع لجواز الصلاة مع القذارة ، هو الثوب الذي له هذا الوصف العنواني

ص: 67


1- اُنظر مختلف الشيعة 1 : 327 ؛ الفقيه 1 : 42 ، ذيل الحديث 167 ؛ المقنع : 14 .
2- تقدّم تخريجه في الصفحة 64 ، الهامش 7 .
3- اُنظر المعتبر 1 : 435 ؛ تذكرة الفقهاء 2 : 482 .
4- اُنظر مدارك الأحكام 2 : 322 ؛ جواهر الكلام 6 : 130 .

من غير لحاظ كونه على المصلّي ، ولا لحاظ إتيان الصلاة معه فعلاً ، فالقلنسوة

متّصفة فعلاً بأ نّها ممّا لا تجوز الصلاة فيها وحدها ؛ سواء صلّى فيها مصلٍّ أو لا ، والرداء متّصف بجواز الصلاة فيه ؛ صلّى فيه مصلٍّ أو لا ، والعمامة من الثياب التي تتّصف بالوصف العنواني - أي جواز الصلاة فيها - بأيّة هيئة كانت ، كما أنّ الرداء

كذلك ؛ كان ملفوفاً أو لا .

وبالجملة : لم يلحظ في الثياب هيئة فعلية ، بل الملحوظ نفس الثياب ، ولا شبهة في أنّ العمامة كالمئزر في صدق جواز الصلاة فيها .

فما قد يقال : إنّ الروايات - لولا الأمثلة المذكورة - لا يبعد دلالتها على قول الصدوق ؛ لظهورها في أنّ المدار جواز الصلاة فيها وحدها بالفعل لا بالفرض(1) .

غير وجيه ؛ لأنّ الظاهر منها النظر إلى ذات الثياب لا هيئاتها ، فكما أنّ الرداء بذاته يصدق عليه جواز الصلاة فيه ولو كان ملفوفاً ، كذلك العمامة ، فهي قطعة كرباس مثلاً يجوز الصلاة فيها ؛ أي يمكن جعلها ساتراً ، وهو ثابت لها بأيّة هيئة كانت . فلو لوحظ فعلية جواز الصلاة فيها حقيقة ، لا يصدق ذلك على شيء إلاّ مع جعله مئزراً بالفعل ، واعتبار ذلك - مع كونه خلاف الضرورة ؛ للزوم البناء على العفو عن سائر الألبسة عدا الساتر الفعلي - خلاف المتفاهم من الروايات .

وبالجملة : الجواز الفعلي لا يصدق إلاّ مع فعلية التلبّس والتستّر به وهو غير مقصود بالبداهة ، والوصف العنواني صادق حتّى مع لفّه وكونه على هيئة العمامة .

وأمّا النقض بالقلنسوة : بأ نّه يمكن تغييرها بنحو يجوز الصلاة فيها فهو كما ترى .

ص: 68


1- اُنظر مصباح الفقيه، الطهارة 8 : 109 - 110 .

الثالث : في عدم اعتبار كون الملابس المعفوّ عنها في محالّها

اعتبر العلاّمة وجمع آخر - منهم الشيخ الأعظم - أن تكون الملابس المعفوّ عنها في محالّها مدّعياً : «أ نّه المتبادر من إطلاق النصّ ومعاقد الإجماعات ، فلو شدّ تكّته في وسطه أو حملها على عاتقه لم تجز الصلاة»(1) .

أقول : أمّا لو أخذها من محالّها وحملها من غير تلبّس ، فعدم الجواز مبنيّ على عدم جواز حمل المتنجّس ، وقد مرّ جوازه(2) .

وأمّا مع التلبّس بها في غير محلّها فالظاهر أيضاً الجواز ؛ لأنّ الظاهر من الروايات أنّ ما له هذا الوصف العنواني لصغره ، يكون تمام الموضوع لجواز الصلاة فيه من غير دخالة شيء آخر فيه . ولم يلحظ فيها حال الصلاة والمصلّي فعلاً حتّى يقال : «إنّ المتبادر تلبّسه بها في محلّها» .

وتوهّم : أنّ الحكم مبنيّ على العفو ، كما هو ظاهر تعبير الفقهاء ، وهو مناسب لكون تلك الألبسة في محلّها . وبالجملة : معنى «العفو»: أنّ المقتضي للمنع موجود ، لكن مصلحة التسهيل على المكلّف أوجبت العفو عنها ، فيقتصر على ما إذا كانت في محلّها .

مدفوع أوّلاً : بأن لا إشعار في شيء من روايات الباب بالعفو ، ولم يتّضح من تعبير بعض الفقهاء بذلك أن يكون مراده وجود الاقتضاء فيها ، بل الظاهر جريانه

ص: 69


1- تحرير الأحكام 1 : 159 ؛ قواعد الأحكام 1 : 193 ؛ البيان : 96 ؛ كشف اللثام 1 : 434 ؛ الطهارة ، ضمن تراث الشيخ الأعظم 5 : 256 .
2- تقدّم في الصفحة 53 .

مجرى العادة ؛ وتبعاً لذكر دم الجروح والقروح الذي يظهر من نفس الواقعة فيه

العفو ، فدعوى العفو في المقام بهذا المعنى خالية عن الشاهد .

وثانياً : لو فرض العفو ، لكن لا يلزم منه رفع اليد عن ظاهر الرواية وإطلاقها . ودعوى الانصراف ممنوعة ، وإلاّ فلقائل أن يدّعي الانصراف في دليل المنع أيضاً ، فالأقوى عدم الفرق بين كونها في المحالّ وعدمه .

الرابع : في المحمول الذي لا تتمّ فيه بناءً على عدم جواز حمل المتنجّس

بناءً على عدم جواز حمل المتنجّس ، لا فرق بين ما تتمّ فيه الصلاة وغيره ؛

إن قلنا باستفادة عدم جوازه من غير ما دلّ على عدم جواز الصلاة في النجس ، كصحيحة زرارة(1) وغيرها ، ومنعنا صدق «الصلاة فيه» بالنسبة إلى المحمول ؛ لأنّ أدلّة التجويز إنّما أجازت فيما لا تتمّ الصلاة فيها إذا كانت قذرة ، والمحمول

خارج عنه فرضاً .

نعم ، لو قلنا بصدق «الصلاة فيه» وقلنا باستفادة حكمه من الكبرى الدالّة على عدم جواز الصلاة في النجس ، فمقتضى أدلّة العفو التفصيل في المحمول أيضاً ، كالتفصيل في الملبوس .

الخامس : في جواز الصلاة فيما لا تتمّ فيه مهما كان جنسه ونجاسته

قيل : «مقتضى إطلاق النصّ والفتوى ، عدم الفرق في العفو بين النجاسات التي من فضلات غير مأكول اللحم أو غيرها ، وكذا عدم الفرق بين ما يكون ما

ص: 70


1- تقدّمت في الصفحة 49 .

لا تتمّ من أعيان النجاسات - كالخفّ المتّخذ من جلد الميتة ، والقَلَنْسوة

المنسوجة من شعر الكلب والخنزير - أو غيرها»(1) .

أقول : ما هو المناسب بالبحث عنه هاهنا هو حيثية إطلاق نصوص العفو لما ذكر .

وأمّا البحث عن أدلّة عدم الجواز فيما لا يؤكل أو في الميتة ونجس العين ومقدار دلالتها ومعارضتها ، فهو موكول إلى محلّ آخر .

والظاهر عدم الإطلاق في الأدلّة :

أمّا غير موثّقة زرارة(2) ، فلأنّ الظاهر منه هو العفو من حيث النجاسة ، لا الموانع الاُخر ، ولهذا لا يتوهّم إطلاقها لما إذا كان ما لا تتمّ مغصوباً .

وبالجملة : إطلاق العفو عن النجس حيثي ؛ لا يقتضي رفع مانعية اُخرى تكون مستقلّة في المانعية ، كغير المأكول ، والميتة بناءً على مانعيتها من غير جهة النجاسة .

وأمّا الموثّقة(3) ، فلأنّ قوله علیه السلام : «بأن يكون عليه الشيء» ليس له إطلاق ، بل الظاهر أ نّه إشارة إلى شيء خاصّ ، وإلاّ لقال : «عليه شيءٌ» منكّراً ، وهو

إمّا القذر ، كما هو الظاهر ولو بقرينة سائر الروايات ، أو مجمل لا يدلّ على المقصود .

ص: 71


1- مصباح الفقيه ، الطهارة 8 : 112 .
2- تقدّم في الصفحة 64 .
3- تقدّمت في الصفحة 63 - 64 .

فصل في العفو عن دم الجروح والقروح في الصلاة

لا إشكال نصّاً وفتوى في العفو عن دم القروح والجروح في الجملة ، وعليه الإجماع في محكيّ «الخلاف» و«الغنية» وغيرهما (1) ، لكن عبارات القوم مختلفة في اعتبار الدوام والسيلان وعدمه ، ومشقّةِ الإزالة وعدمها ، ووجوبِ التقليل وعدمه ، ووجوبِ إبدال الخرقة مع الإمكان وعدمه . والعفوِ لو ترشرش عليه من دمِ غيره وعدمه ، ووجوبِ العصب وعدمه ، وأنّ الغاية هي الاندمال ، أو قطع الدم . . . إلى غير ذلك .

وقبل الورود في أصل المسألة ، لا بأس بذكر أمر يبتني عليه بعض فروعها ، ويترتّب عليه ثمرات في غير المقام وهو :

هل المانع صِرف وجود النجاسة أو الطبيعة السارية؟

إنّه بعد ما فرغنا فيما سلف عن أنّ النجاسة مانعة عن الصلاة ، لا أنّ الطهارة شرط فيها (2) ، يقع الكلام في المانع وكيفية مانعيته ؛ بمعنى أنّ المانع هل هو عنوان «النجس» الجامع بين أنواع النجاسات ، فيكون المانع شيئاً واحداً هو النجس ، أو كلّ نوع من أنواعها مانع مستقلّ بنحو تمام الموضوع أو بعضه ،

ص: 72


1- الخلاف 1 : 252 ؛ غنية النزوع 1 : 41 ؛ كشف اللثام 1 : 431 .
2- تقدّم في الصفحة 44 .

فيكون المنيّ بعنوانه مانعاً ، والبول كذلك بناءً على تمام الموضوعية ، أو المنيّ أو البول النجسان كذلك بناءً على جزء الموضوعية ؟

وعلى أيّ تقدير : هل يكون المانع بعنوان صِرف الوجود أو الطبيعة السارية ؟

ولوازم الصور معلومة ، فإنّه إن كان المانع النجس الجامع بعنوان صِرف الوجود ، لو اضطرّ المكلّف إلى بعض النجاسات في صلاته ، لا يجب التطهير من سائر الأنواع ، ولا تقليل ما يضطرّ إليها ، بخلاف ما لو كان بالوجود الساري ، فيجب عليه التطهير والتقليل .

وكذا الحال بالنسبة إلى كلّ نوع لو قلنا بمانعيته مستقلاًّ ، أو بنحو جزء الموضوع ، فإن قلنا بمانعية كلّ نوع بنحو صِرف الوجود ، فإذا اضطرّ إلى ارتكاب نوع منها ، لا يجب تقليله ، لكن يجب تطهير سائر الأنواع غير المضطرّ إليها ، بخلاف ما إذا كان بنحو الوجود الساري ، فإنّه يجب عليه التقليل والتطهير .

ويمكن أن يكون الاعتبار في بعض الأنواع بنحو صِرف الوجود وفي بعضها بنحو الوجود الساري ، ولوازمه معلومة .

هذا بحسب مقام الثبوت .

وأمّا بحسب مقام الدلالة والإثبات ، فيمكن أن يستدلّ برواية خَيْران الخادم المتقدّمة(1) على أنّ المانع هو النجاسة بعنوانها ؛ بأن يقال : إنّ قوله علیه السلام : «لا تصلّ فيه» - أي في الثوب الذي أصابه الخمر - «فإنّه رجس» يدلّ على أنّ تمام الموضوع لعدم جواز الصلاة ، هو الرجس من غير دخالة الخمر فيه ،

ص: 73


1- تقدّمت في الصفحة 51 .

لا بنحو تمام الموضوع ، ولا جزئه .

ومقتضى عموم العلّة : أنّ النجس بعنوانه مانع في جميع أنواع النجاسات ومع مانعية النجاسة التي هي صفة زائدة على الذات لازمة لها ، لا يكون المانع ذات العناوين ، وإلاّ نسبت المانعية إليها ؛ لأولوية الانتساب إلى الذات من الانتساب إلى الصفة الزائدة ، أو تعيّنه ، فالانتساب إلى الرجس بعنوانه الظاهر في أ نّه مانع ، دليل على أن لا مانعية لذوات العناوين ، ولا دخالة لها رأساً .

وتدلّ عليه صحيحة عبداللّه بن سِنان ، عن أبي عبداللّه علیه السلام في الثوب الذي يستعيره الذمّي ، وفيها «ولا بأس أن تصلّي فيه حتّى تستيقن أ نّه نجّسه»(1) .

ويدلّ عليه أيضاً بعض ما ورد فيما لا تتمّ الصلاة فيه(2) .

وكذا يمكن الاستدلال برواية خَيْران الخادم على أنّ المانع هو الطبيعة السارية ؛ بأن يقال : إنّ النهي إذا تعلّق بطبيعة ، يكون ظاهره الزجر عن تلك الطبيعة ، ولازمه العرفي مبغوضيتها بأيّ وجود تحقّقت به ، بخلاف الأمر كما حقّق في محلّه(3) . هذا في الأوامر والنواهي النفسيتين .

وكذا الحال في الإرشاديتين مثل المقام ، فإنّ النهي عن الصلاة في النجس وإن كان إرشاداً إلى مانعيته ، لكن ليس معناه : أ نّه مستعمل في عنوان المانع ؛ بحيث يكون معنى «لا تصلّ في النجس» : أنّ النجس مانع ؛ حتّى يتوهّم

ص: 74


1- تقدّمت في الصفحة 49 .
2- راجع وسائل الشيعة 3 : 456 ، كتاب الطهارة ، أبواب النجاسات ، الباب 31 ، الحديث 2 و4 و5 .
3- مناهج الوصول 2 : 90 .

ظهوره في صِرف الوجود ، على تأمّل فيه أيضاً .

بل هو مستعمل في معناه الموضوع له ؛ أي الزجر عن الصلاة في النجس ، لكن المتفاهم العرفي من الزجر الكذائي هو أ نّه لمانعية النجس ، لا للمبغوضية النفسية .

ولا ريب في أنّ الزجر عن الصلاة في النجس - كالزجر عن شرب الخمر - لازمه الزجر عن الطبيعة بأيّ وجود وجدت ، ولازمه مانعيتها لجميع أنحاء تحقّقها .

وتدلّ عليه - في الجملة - رواية أبي يزيد القسمي ، عن أبي الحسن الرضا علیه السلام : أ نّه سأله عن جلود الدارِش التي يتّخذ منها الخفاف ، قال : «لا تصلّ فيها ؛ فإنّها تدبغ بخرء الكلاب»(1) ويتمّ المطلوب بعدم الفصل جزماً .

بل يمكن أن يقال : إنّ المتفاهم من التعليل - ولو بضميمة الارتكاز - أنّ خرء

الكلاب لنجاسته منهيّ عنه . بل لا ينبغي الشكّ فيه بعد دلالة الأدلّة المتقدّمة على

أنّ المانع هو القذارة ، لا العناوين الذاتية ، فيصيرمفادها كرواية خَيْران .

ومنه يعلم الوجه في دلالة موثّقة عمّار ، عن أبي عبداللّه علیه السلام وفيها : «لا تصلّ في ثوب قد أصابه خمر أو مسكر حتّى يغسل»(2) بالتقريب المتقدّم ، سيّما مع إشعار به في نفسها .

ص: 75


1- الكافي 3 : 403 / 25 ؛ تهذيب الأحكام 2 : 373 / 1552 ؛ وسائل الشيعة 3 : 516 ، كتاب الطهارة ، أبواب النجاسات ، الباب 71 ، الحديث 1 .
2- تهذيب الأحكام 1 : 278 / 817 ؛ وسائل الشيعة 3 : 470 ، كتاب الطهارة ، أبواب النجاسات ، الباب 38 ، الحديث 7 .

هذا غاية ما يمكن أن يقال في تقريب مانعية الطبيعة السارية .

لكن مع ذلك لا تخلو من إشكال بل منع ؛ لأنّ الظاهر من تلك الروايات تعلّق النهي بطبيعة الصلاة ؛ بمعنى أنّ المنهيّ عنه هو الصلاة في النجس ، أو ثوب أصابه الخمر ، ولازمه - بالتقريب المتقدّم - النهي عن جميع مصاديق الصلاة في النجس ، لا في جميع مصاديق النجس .

فمعنى قوله علیه السلام : «لا تصلّ في وبر ما لا يؤكل»(1) - على فرض الانحلال، أو على التقريب المتقدّم - هو النهي عن إيجاد المكلّف الصلاة مطلقاً وبأيّ مصداق منها في وبر ما لا يؤكل ، لا عدم التلبّس بأيّ مصداق من الوبر ؛ ضرورة أنّ ما يقال في الانحلال(2) أو ما قلنا في لازم النهي(3) ، إنّما هو في الطبيعة التي جعلت تلو النهي ، وصارت منهيّاً عنها ، وهي الصلاة في الوبر على أن يكون ظرفاً لها .

فتحصّل من ذلك : أنّ المتفاهم من الروايات مانعية النجس عن كلّ صلاة ، لا مانعية كلّ مصداق منه عن الصلاة .

مضافاً إلى الفرق بين النواهي النفسية والإرشادية ؛ فإنّ وقوع جميع مصاديق الطبيعة في الاُولى على صفة المبغوضية الفعلية ، لا مانع منه ، بخلاف الثانية ؛ لعدم إمكان اتّصاف المصداق الثاني بالمانعية الفعلية مع اتّصاف المصداق المتقدّم بها ، فلا بدّ من الالتزام بالمانعية الشأنية أو التقديرية ، وهو خلاف ظاهر الأدلّة .

ص: 76


1- اُنظر علل الشرائع : 342 / 1 ؛ وسائل الشيعة 4 : 347 ، كتاب الصلاة ، أبواب لباس المصلّي ، الباب 2 ، الحديث 7 .
2- فوائد الاُصول (تقريرات المحقّق النائيني) الكاظمي 2 : 395 ؛ نهاية الاُصول : 248 .
3- مناهج الوصول 2 : 90 ، وراجع ما تقدّم أيضاً في الصفحة 75 .

ولا يرد النقض بالموانع الاُخر من غير سنخ النجاسة ؛ لأنّ الأدلّة في كلّ نوع غير ناظرة إلى حال الأدلّة الاُخرى ، فضلاً عن حال تقدّم بعض المصاديق وتأخّرها ، وهذا بخلاف الدليل الواحد الظاهر في النهي الفعلي عن الصلاة في النجس الظاهر في فعلية المانعية، وهي تناسب مانعية صِرف الوجود، ولهذا يمكن دعوى ظهور الأدلّة في مانعية صِرف الوجود من النجس لطبيعة الصلاة السارية .

ولو نوقش في هذا الأخير ، فلا أقلّ من عدم دلالة الروايات على مانعية الوجود الساري بما تقدّم .

نعم ، لرواية أبي يزيد القسمي نوع إشعار به لا يبلغ حدّ الظهور والدلالة ، مع

ضعف سندها جدّاً (1) ، كالإشعار في صحيحة علي بن جعفر الواردة في الثُؤْلول

والجرح(2) .

وأمّا صحيحة الحلبي(3) وموثّقة ابن سِنان(4) الواردتان في كيفية غسل

ص: 77


1- رواها الكليني ، عن محمّد بن أحمد ، عن السيّاري ، عن أبي يزيد القسمي . والرواية ضعيفة بالسيّاري وأبي يزيد القسمي ؛ فإنّ الأوّل منهما ضعيف الحديث وفاسد المذهب عند الشيخ والنجاشي ، والثاني منهما مجهول . رجال النجاشي : 80 / 192 ؛ الفهرست ، الطوسي : 66 / 70 .
2- الفقيه 1 : 164 / 775 ؛ تهذيب الأحكام 2 : 378 / 1576 ؛ وسائل الشيعة 3 : 504 ، كتاب الطهارة ، أبواب النجاسات ، الباب 63 ، الحديث 1 .
3- الكافي 3 : 33 / 3 ؛ وسائل الشيعة 3 : 437 ، كتاب الطهارة ، أبواب النجاسات ، الباب 24 ، الحديث 3 .
4- الكافي 3 : 32 / 2 ؛ وسائل الشيعة 3 : 438 ، كتاب الطهارة ، أبواب النجاسات ، الباب 24 ، الحديث 4 .

الجرح فلا ينبغي توهّم الإشعار فيهما ، فضلاً عن الدلالة . مع أ نّهما غير واردتين في الصلاة .

فتحصّل ممّا ذكر : عدم الدليل على أنّ المانع هو الوجود الساري للنجاسة .

بل يمكن الاستدلال بجملة من الروايات على عدم مانعيته ، مثل ما وردت في جواز الصلاة في الثوب النجس مع تعذّر الإزالة ، كصحيحة الحلبي قال : سألت أبا عبداللّه علیه السلام عن رجل أجنب في ثوبه ، وليس معه ثوب غيره ، قال : «يصلّي فيه ، فإذا وجد الماء غسله»(1) . ونحوها صحيحة عبدالرحمان بن أبي عبداللّه (2) وغيرها .

وكصحيحة علي بن جعفر، عن أخيه موسى علیه السلام قال: سألته عن رجل عريان، وحضرت الصلاة ، فأصاب ثوباً نصفه دم أو كلّه دم ، يصلّي فيه ، أو يصلّي عرياناً ؟ قال : «إن وجد ماءً غسله ، وإن لم يجد ماءً صلّى فيه ، ولم يصلّ عرياناً»(3) .

فإنّ عدم الأمر بفرك المنيّ والدم عن الثوب مع أنّ لهما عيناً قابلة له -

سيّما الثوب الذي كلّه أو نصفه دم - دليلٌ على عدم لزوم فركهما وتقليلهما ، ولازمه كون المانع صِرف الوجود ، لا الساري منه .

ومنها : ما وردت في المقام ؛ أي دم القرح والجرح ، كصحيحة أبي بصير قال :

ص: 78


1- الفقيه 1 : 40 / 155 ؛ وسائل الشيعة 3 : 484 ، كتاب الطهارة ، أبواب النجاسات ، الباب 45 ، الحديث 1 .
2- الفقيه 1 : 160 / 754 ؛ وسائل الشيعة 3 : 484 ، كتاب الطهارة ، أبواب النجاسات ، الباب 45 ، الحديث 4 .
3- تهذيب الأحكام 2 : 224 / 884 ؛ وسائل الشيعة 3 : 484 ، كتاب الطهارة ، أبواب النجاسات ، الباب 45 ، الحديث 5 .

دخلت على أبي جعفر علیه السلام وهو يصلّي ، فقال قائدي : إنّ في ثوبه دماً ، فلمّا انصرف قلت له : إنّ قائدي أخبرني أنّ بثوبك دماً ، فقال : «إنّ بي دماميل ، ولست أغسل ثوبي حتّى تبرأ»(1) .

وموثّقة عبدالرحمان بن أبي عبداللّه قال : قلت لأبي عبداللّه علیه السلام : الجرح

يكون في مكان لا يقدر على ربطه ، فيسيل منه الدم والقيح فيصيب ثوبي ، فقال : «دعه ، فلا يضرّك أن لا تغسله»(2) .

وصحيحة ليث المرادي قال : قلت لأبي عبداللّه علیه السلام : الرجل يكون به الدماميل والقروح ، فجلده وثيابه مملوءة دماً وقيحاً ، وثيابه بمنزلة جلده ، فقال :

«يصلّي في ثيابه ولا يغسلها ، ولا شيء عليه»(3) .

ورواية سَماعة ، عن أبي عبداللّه علیه السلام قال : «إذا كان بالرجل جرح سائل فأصاب ثوبه من دمه ، فلا يغسله حتّى يبرأ وينقطع الدم»(4) . . . إلى غير ذلك .

فإنّ أقرب الاحتمالات فيها : هو أ نّه بعد الابتلاء بالدم زائداً على المقدار المعفوّ عنه وحرجية غسل الدماميل نوعاً أو شخصاً ، لا يكون الدم في

ص: 79


1- الكافي 3 : 58 / 1 ؛ وسائل الشيعة 3 : 433 ، كتاب الطهارة ، أبواب النجاسات ، الباب 22 ، الحديث 1 .
2- تهذيب الأحكام 1 : 259 / 751 ؛ وسائل الشيعة 3 : 435 ، كتاب الطهارة ، أبواب النجاسات ، الباب 22 ، الحديث 6 .
3- تهذيب الأحكام 1 : 258 / 750 ؛ وسائل الشيعة 3 : 434 ، كتاب الطهارة ، أبواب النجاسات ، الباب 22 ، الحديث 5 .
4- تهذيب الأحكام 1 : 259 / 752 ؛ وسائل الشيعة 3 : 435 ، كتاب الطهارة ، أبواب النجاسات ، الباب 22 ، الحديث 7 .

الثوب والبدن مانعاً عن الصلاة .

وأمّا احتمال حرجية غسل الثوب نوعاً أو شخصاً فواضح البطلان ، سيّما إلى أن يبرأ القرح والجرح ؛ ضرورة أنّ البرء والاندمال تدريجي التحقّق ، وقبله يوماً أو أزيد لا يكون الدم سائلاً ، ولا تعويض الثوب أو غسله حرجياً ؛ لا نوعاً ولا شخصاً .

فعدم لزوم الغسل والتعويض إلى زمان البرء ، إمّا للعفو عن المانع بعد فرض مانعية الطبيعة السارية ، أو لعدم مانعية الزائد عن صِرف وجود الزائد عن مقدار الدرهم بعد الابتلاء به وحرجية غسله .

والعفو مع فرض المانعية - بلا جهة موجبة له ؛ من الحرج نوعاً أو شخصاً ، بل

مع سهولة التعويض ، كما هو كذلك نوعاً - بعيد في نفسه ، بل عن سوق الروايات ؛ فإنّ الظاهر من قوله علیه السلام : «لا يضرّك» وقوله علیه السلام : «لست أغسله حتّى تبرأ» لا يبعد أن يكون عدم اقتضائه للمانعية ، لا العفو عن المقتضي .

بل إقامة الدليل على أنّ المانع صِرف الوجود ، غير لازمة ، وعدم الدليل على مانعية الطبيعة السارية كافٍ ؛ بعد جريان الأصل أو الاُصول .

نعم ، يمكن أن يستدلّ لمانعية الطبيعة السارية بموثّقة سَماعة قال : سألته عن الرجل به الجرح والقرح ، فلا يستطيع أن يربطه ، ولا يغسل دمه ، قال : «يصلّي ولا يغسل ثوبه كلّ يوم إلاّ مرّة واحدة ؛ فإنّه لا يستطيع أن يغسل ثوبه كلّ ساعة»(1) .

ص: 80


1- الكافي 3 : 58 / 2 ؛ وسائل الشيعة 3 : 433 ، كتاب الطهارة ، أبواب النجاسات ، الباب 22 ، الحديث 2 .

وروايةِ محمّد بن مسلم عن «مستطرفات السرائر» قال : قال : «إنّ صاحب القرحة التي لا يستطيع صاحبها ربطها ولا حبس دمها يصلّي ، ولا يغسل ثوبه في اليوم أكثر من مرّة»(1) .

بدعوى : أنّ الظاهر منهما لزوم غسل الثوب مرّة في اليوم ، ولولا مانعية الطبيعة السارية لما كان وجه للزومه . بل الظاهر من تعليل الاُولى أنّ عدم لزوم الغسل زائداً على مرّة واحدة لعدم استطاعته ، وإلاّ فالمقتضي له محقّق ، وهو لا يتمّ إلاّ مع مانعية الوجود الساري .

وفيه : أنّ دلالتهما على ما ذكر فرع لزوم الغسل في اليوم مرّة واحدة ، ولا يمكن الالتزام به ؛ إمّا لإعراض الأصحاب عن ظاهرهما وعدم الإفتاء بهما . وإمّا لأنّ مقتضى الجمع بينهما وبين ما تقدّم حملهما على الاستحباب ؛ ضرورة عدم إمكان حمل صحيحة أبي بصير المتقدّمة(2) على غسل أبي جعفر علیه السلام ثوبَه

كلّ يوم مرّة ؛ فإنّها ليست من قبيل المطلق القابل للتقييد ، بل هو إخبار منه عن عدم غسله إلى زمان البرء ، فاللازم حملهما على الاستحباب ، فيكون التعليل لأمر استحبابي لا لزومي ، فدلّت الاُولى على أ نّه لو كان مستطيعاً لكان الراجح عليه الغسل لا اللازم ، وهو لا يتمّ إلاّ بما ذكرناه .

لكن لازم ما ذكرناه أمر لا يمكن الالتزام به ؛ لمخالفته لارتكاز المتشرّعة ، بل من البعيد التزام أحد من الأصحاب به ؛ وهو عدم مانعية سائر النجاسات عن الصلاة بعد ابتلاء المكلّف بواحدة منها ، فيقال فيما نحن فيه : لا يكون البول

ص: 81


1- السرائر 3 : 558 .
2- تقدّمت في الصفحة 78 - 79 .

والمنيّ وغيرهما مانعة ، ويجوز للمكلّف الصلاة مع التلوّث بها عمداً ، والالتزام به في النوع غير المبتلى به غير ممكن ، وأمّا في المبتلى به فليس بذلك البعد ، كما هو مورد الروايات المتقدّمة في الدم والمنيّ(1) .

وقد التزم به - في الجملة - بعضهم مدّعياً عليه الإجماع ؛ قال في «مفتاح الكرامة» : وفي «نهاية الإحكام» و«المنتهى» : لو ترشرش عليه من دمِ غيره فلا عفو(2) ، ونقله الاُستاذ الآقا - أيّده اللّه تعالى

- عن بعض من قرب زمانه ، وردّه بالإجماع على عدم الفرق بين الدمين ، وبمطلقات أخبار العفو . وإليه أشار في «المبسوط»(3) حيث قال : وما نقص(4) عنه . . . من سائر الحيوان»(5) انتهى .

وعن «المدارك» تقريب ثبوت العفو إن أصاب الدم ماءً ، فأصاب الماء الثوب(6) ، وعن «الذكرى» تقويته(7) .

نعم ، عن «شرح الاُستاذ» دعوى الاتّفاق على عدم العفو إن أصاب الدم نجاسة خارجية(8) .

ص: 82


1- تقدّمت في الصفحة 78 .
2- نهاية الإحكام 1 : 287 ؛ منتهى المطلب 3 : 248 .
3- المبسوط 1 : 36 .
4- في مفتاح الكرامة «نقص» بالقاف والصاد المهملة ، ولعلّه بالفاء والضاد المعجمة . [منه قدس سره ]
5- مفتاح الكرامة 2 : 119 - 120 .
6- مدارك الأحكام 2 : 310 .
7- ذكرى الشيعة 1 : 138 .
8- مصابيح الظلام 6 : 201 .

فالتفصيل بين النوع المبتلى به وغيره غير بعيد ؛ وإن كان الاحتياط -

سيّما في بعض الفروع - لازم المراعاة .

المحتملات في العفو عن دم القروح والجروح

إذا عرفت ذلك ، فالمحتملات في باب دم القرح والجرح كثيرة :

ككون الحكم مطلقاً - في نفس القروح والجروح وما يتلوّث بدمهما - دائراً مدار الحرج الشخصي ، فلا يكون في الباب تعبّد خاصّ ، ويكون ممّا قال فيه أبو عبداللّه علیه السلام : «يعرف هذا وأشباهه من كتاب اللّه»(1) .

أو الحرج النوعي ، فيكون التعبّد في المقام لأجله .

أو كون حكم نفس القرح والجرح دائراً مداره شخصاً أو نوعاً ، دون الثياب وما يتلوّث بالدم ، فلا يكون فيهما مانعاً كما تقدّم(2) .

أو يكون معفوّاً عنه على فرض المانعية .

أو كون حكم نفسهما العفو مع الاستمرار واللزوم أو مطلقاً مع فرض عدم المانعية في غيرهما أو العفو .

أو كون الحكم فيهما وما يتلوّث بدمهما مبنيّاً على العفو إمّا مطلقاً ، أو مع الاستمرار . والاستمرار أينما يعتبر يمكن أن يكون المراد منه الاستمرار الفعلي في جميع الأوقات . أو شأنيته ؛ أي تكون له مادّة قابلة لدفع الدم وجريانه . . . إلى غير ذلك من الاحتمالات .

ص: 83


1- الكافي 3 : 33 / 4 ؛ تهذيب الأحكام 1 : 363 / 1097 ؛ وسائل الشيعة 1 : 464 ، كتاب الطهارة ، أبواب الوضوء ، الباب 39 ، الحديث 5 .
2- تقدّم في الصفحة 79 .

ثمّ إنّ بعضَها مقطوع الفساد بحسب مفاد الأدلّة ، كالاحتمالين الأوّلين ؛ ضرورة عدم حرجية غسل الثياب أو تبديلها إلى زمان البرء ؛ لا شخصاً ولا نوعاً . وبعضَها مبنيّ على عدم مانعية الدم بطبيعته السارية ، وقد مرّ الكلام فيه(1) .

والأولى عطف الكلام على بعض الاحتمالات المعتدّ بها :

في احتمال اختصاص العفو بصورة حرجية الغسل نوعاً

منها : أنّ موضوع العفو هل القرح والجرح إذا كان غسلهما حرجياً ؛ بمعنى أ نّه مع حرجية غسلهما يعمّ العفو الثيابَ وغيرها ممّا يتلوّث به عادة مطلقاً ؛ حرجياً كان غسلهما أو لا ؟

فنقول : بناءً على مانعية الطبيعة السارية ، لا بدّ في رفع اليد عن دليل المانعية من دليل ، والظاهر قصور الأدلّة عن إفادة العفو عن مطلق دم القروح والجروح ، والمتيقّن منها ما يلزم منه الحرج :

أمّا صحيحة أبي بصير ، عن أبي جعفر علیه السلام (2) فمع كونها قضيّة شخصية ، ولم يتّضح أنّ دماميله علیه السلام على أيّة كيفية ، أنّ الظاهر أنّ الدماميل مع كثرتها يعسر عادة غسلها ، ويكون تطهيرها حرجياً ولو نوعاً ، سيّما في اليدين .

بل لا يبعد أن يكون الدُمَّل غير مطلق الجراح عرفاً ، بل ما له مادّة معتدّ بها .

وكيف كان : لا يستفاد منها العفو عن مطلق القروح .

وفي موثّقة سَماعة(3) يكون عدم استطاعة الغسل مفروضاً ، والمراد منه غسل

ص: 84


1- تقدّم في الصفحة 78 - 80 .
2- تقدّمت في الصفحة 78 - 79 .
3- تقدّمت في الصفحة 80 .

نفس الجرح والقرح ، لا غسل الدم عن الثوب ، كما يظهر من الجواب . أو غسل جميع الدم الحاصل منهما باعتبار عدم إمكان غسلهما .

وفي موثّقة عبد الرحمان(1) كان المفروض سيلان الدم والقيح ، وغسل مثله في معرض الضرر ، ويكون فيه الحرج ولو نوعاً .

مع أنّ قوله : «لا يقدر على ربطه» دالّ على احتياجه إلى الربط ، ومثله يكون معتدّاً به ، وغسله حرجياً نوعاً .

والمفروض في صحيحة محمّد بن مسلم(2) أ نّها لا تزال تدمي ، وغسل مثلها حرجي بلا شبهة .

وكذا مورد صحيحة ليث المرادي(3) . وكذا ظاهر «جرح سائل» في رواية سَماعة(4) .

ورواية عمّار(5) مع ضعفها بعلي بن خالد ، ظاهرة فيما يكون معتدّاً به ؛ فإنّ

ص: 85


1- تقدّمت في الصفحة 79 .
2- عن محمّد بن مسلم ، عن أحدهما عليهماالسلام قال : سألته عن الرجل تخرج به القروح فلا تزال تدمي ، كيف يصلّي ؟ فقال : «يصلّي وإن كانت الدماء تسيل» . تهذيب الأحكام 1 : 256 / 744 ؛ وسائل الشيعة 3 : 434 ، كتاب الطهارة ، أبواب النجاسات ، الباب 22 ، الحديث 4 .
3- تقدّمت في الصفحة 79 .
4- تقدّمت في الصفحة 79 .
5- عن عمّار ، عن أبي عبداللّه عليه السلام قال : سألته عن الدمّل يكون بالرجل فينفجر وهو في الصلاة ؟ قال : «يمسحه ويمسح يده بالحائط أو بالأرض ، ولا يقطع الصلاة» . تهذيب الأحكام 1 : 349 / 1028 ؛ وسائل الشيعة 3 : 435 ، كتاب الطهارة ، أبواب النجاسات ، الباب 22 ، الحديث 8 .

«الانفجار» لا يصدق إلاّ مع مادّة كثيرة معتدّ بها ، فيكون غسله حرجياً .

فتحصّل من ذلك : اعتبار الحرج النوعي في غسل نفس الجرح والقرح . لكن لا بمعنى دوران الحكم مدار الحرج حتّى يلزم منه وجوب الغسل عند قرب الاندمال ؛ لعدم الحرج فيه نوعاً ، بل بمعنى أنّ المعتبر كونهما على وجه يكون غسلهما ولو في زمان طغيانهما حرجياً ، فحينئذٍ يكون الدم مطلقاً معفوّاً عنه ولو في زمان لا يكون الغسل حرجياً ، والثوب كذلك .

وتوهّم : أنّ ذلك مستلزم للعفو عن مطلق الجرح والقرح ؛ لعدم الفرق بين ما هو قريب بالاندمال وما هو في رتبته ، مدفوع بكونه قياساً ممنوعاً .

في احتمال اعتبار الاستمرار وتحديده

ومنها : أنّ الاستمرار هل هو معتبر أم لا ؟

لا شبهة في أنّ الاستمرار الفعلي وعدم الفتور في جميع الأوقات غير معتبر ، كما هو ظاهر النصوص ؛ فإنّ الظاهر من صحيحة أبي بصير(1) ، أنّ الغاية لعدم وجوب الغسل هي البرء ، ومعلوم أ نّه تدريجي الحصول ، وينقطع الدم وسيلانه قبله بيوم أو أيّام حسب اختلاف الدماميل .

وأمّا رواية سَماعة ، عن أبي عبداللّه علیه السلام قال : «إذا كان بالرجل جرح سائل فأصاب ثوبه من دمه ، فلا يغسله حتّى يبرأ وينقطع الدم»(2) .

فالظاهر أنّ البرء غاية لا الانقطاع ، وذكره جارٍ مجرى العادة ؛ لكونه لازم

ص: 86


1- تقدّمت في الصفحة 78 - 79 .
2- تقدّمت في الصفحة 79 .

البرء ، فلا يظهر منه القيدية وليس المراد بقوله علیه السلام : «جرح سائل» السيلان الفعلي في كلّ زمان ، بل المراد الذي له مادّة سائلة يسيل منه الدم دفعة بعد دفعة ، وإلاّ فليس في الجروح ما يكون دائم السيلان فعلاً إلى زمان البرء .

هذا مضافاً إلى عدم المفهوم للقيد ولا للشرطية ؛ لكونها محقّقة للموضوع .

ولا يراد من قوله في صحيحة ابن مسلم : «فلا تزال تدمي»(1) السيلان الدائمي الفعلي ؛ لما عرفت . مع أ نّه في السؤال ، لا في كلامه علیه السلام .

وبالجملة : اعتبار السيلان الفعلي ضعيف .

نعم ، المتيقّن من مورد الروايات كونهما داميتين ؛ بمعنى أن يكون لهما مادّة معتدّ بها يكون لها شأنية السريان والإدماء ، فتكون صاحبة الدم والمادّة ، فلا يشمل العفو مطلق الدماميل .

وهذا هو المراد من «الجرح السائل» ومن قوله : «لا تزال تدمي» ولا إطلاق في الباب يشمل غير الداميات والسائلات بالمعنى المتقدّم ؛ أمّا صحيحة أبي بصير فواضح ؛ لكون القضيّة شخصية ، مع أنّ خروج الدماميل ملازم نوعاً لشأنية السيلان وكونها ذا مادّة قابلة له ، سيّما في الأبدان السمينة البدينة . وظاهر

موثّقة سَماعة ذلك ؛ لأنّ ما يحتاج إلى الربط ملازم لها .

وكذا الحال في سائر الروايات حتّى رواية عمّار(2) ؛ لأنّ «الانفجار» لا يقال إلاّ في ما له مادّة سائلة .

ص: 87


1- تقدّمت في الصفحة 85 ، الهامش 2 .
2- تقدّمت في الصفحة 85 ، الهامش 5 .

ثمّ إنّه بناءً على مانعية النجاسات بطبائعها السائلة ، لا يكون سائر النجاسات معفوّاً عنها إذا أصابت الدم المعفوّ عنه ؛ حتّى دم نفسه ، فضلاً عن دم غيره ، فضلاً

عن سائر النجاسات .

بل الظاهر عدم العفو عن الماء الواصل لهذا الدم فتنجّس به .

نعم ، الرطوبات الملازمة للقرح والجرح كالعرق والقيح وكذا الدواء الموضوع عليهما ، معفوّ عنها .

حكم الدم المشكوك كونه من القروح

ولو شكّ في دم أ نّه من القروح أو لا ، فالأحوط عدم العفو وإن كان العفو لا يخلو من وجه ؛ لأنّ المانع عن الصلاة ليس مطلق الدم ، بل الدم المسفوح ، وقد خرج منه ما سفح بالجرح والقرح ، فصار الموضوع بحسب الواقع واللبّ «الدم المسفوح لا منهما» على نحو القضيّة المعدولة ، أو «الدم الذي لا يكون مسفوحاً منهما» على نعت القضيّة الموجبة السالبة المحمول ولا حالة سابقة لهما .

واستصحاب العدم الأزلي لإثبات القضيّة على أحد النحوين مثبت ، كاستصحاب عدم خروجه منهما ، أو استصحاب كون هذا الدم غير خارج منهما ، أو لم يكن خارجاً منهما ؛ فإنّ هذه العناوين ليست موضوعة للحكم .

بل الموضوع الدم المسفوح بالقيد المتقدّم ، وتلك الاستصحابات لا تثبته إلاّ

على الأصل المثبت ، والتفصيل موكول إلى محلّه(1) .

ص: 88


1- مناهج الوصول 2 : 228 ؛ الاستصحاب ، الإمام الخميني قدس سره : 104 - 114 .

فصل في العفو عن الدم القليل

وعفي عن قليل الدم - غير ما استثني - يكون في الثوب بلا إشكال ، وحكي عليه الإجماع مستفيضاً (1) . وهو العمدة في إطلاق الحكم ، وإلاّ فربّما يمكن

المناقشة في دلالة الروايات وإطلاقها بالنسبة إلى العالم العامد :

أمّا صحيحة ابن أبي يعفور(2) فموردها الناسي ، ودعوى فهم عدم المانعية مطلقاً بإلغاء الخصوصية ، ممنوعة بعد اختلاف الحكم في الناسي وغيره في موارد ، فمن الجائز اختصاص العفو به في الدم القليل .

وأمّا رواية إسماعيل الجُعْفي ، عن أبي جعفر علیه السلام ق-ال في الدم يكون في الثوب :

«إن كان أقلّ من قدر الدرهم فلا يعيد الصلاة ، وإن كان أكثر من قدر الدرهم وكان رآه فلم يغسله حتّى صلّى فليعد صلاته ، وإن لم يكن رآه

ص: 89


1- راجع مفتاح الكرامة 2 : 103 ؛ المعتبر 1 : 429 ؛ تذكرة الفقهاء 1 : 73 ؛ نهاية الإحكام 1 : 285 .
2- وهي ما عن عبداللّه بن أبي يعفور - في حديث - قال : قلت لأبي عبداللّه عليه السلام : الرجل يكون في ثوبه نقط الدم لا يعلم به ، ثمّ يعلم فينسي أن يغسله فيصلّي ثمّ يذكر بعد ما صلّى أيعيد صلاته ؟ قال : «يغسله ولا يعيد صلاته إلاّ أن يكون مقدار الدرهم مجتمعاً فيغسله ويعيد الصلاة» . تهذيب الأحكام 1 : 255 / 740 ؛ وسائل الشيعة 3 : 429 ، كتاب الطهارة ، أبواب النجاسات ، الباب 20 ، الحديث 1 .

حتّى صلّى فلا يعيد الصلاة»(1) .

فمع ضعفها سنداً (2) ، أنّ الظاهر أنّ مقول قول أبي جعفر علیه السلام قوله : «إن كان أقلّ . . .» إلى آخره ، ولم يذكر الجُعْفي خصوصيات السؤال ، ويظهر من الجواب أنّ سؤاله كان فيمن صلّى مع الدم ، ولم يتّضح أ نّه كان مختصّاً بالناسي ، أو العامد ، أو الأعمّ ، ومجرّد عدم ذكره لا يدلّ على الأعمّ . واحتمال كون قوله : «في الدم يكون في الثوب» من أبي جعفر علیه السلام بعيد ، بل غير مناسب لابتداء الكلام .

نعم ، يمكن أن يقال : إنّ قوله علیه السلام : «وإن كان أكثر» قرينة على أعمّية السؤال والجواب في الدم الأقلّ ، لكنّه محلّ إشكال وتأمّل .

بل الظاهر من قوله علیه السلام : «وكان رآه . . .» إلى آخره ، أنّ رؤيته السابقة صارت موجبة للإعادة ، وهو مخصوص بالناسي .

وبالجملة : في دلالتِها على العفو مطلقاً تأمّل ، فتأمّل .

كدلالةِ مرسلة جميل ، عن أبي جعفر وأبي عبداللّه علیهما السلام أ نّهما قالا : «لا بأس بأن يصلّي الرجل في الثوب وفيه الدم متفرّقاً شبه النضح ، وإن كان قد رآه صاحبه قبل ذلك فلا بأس به ما لم يكن مجتمعاً قدر الدرهم»(3) .

فإنّه مع ضعف سندها بعلي بن حديد - ومجرّد أنّ الراوي عنه أحمد بن محمّد

ص: 90


1- تهذيب الأحكام 1 : 255 / 739 ؛ وسائل الشيعة 3 : 430 ، كتاب الطهارة ، أبواب النجاسات ، الباب 20 ، الحديث 2 .
2- الرواية ضعيفة بالحسن بن الحسين اللؤلؤي . راجع الجزء الثاني : 409 .
3- تهذيب الأحكام 1 : 256 / 742 ؛ وسائل الشيعة 3 : 430 ، كتاب الطهارة ، أبواب النجاسات ، الباب 20 ، الحديث4 .

ابن عيسى ، وهو كان يخرج من «قم» من يروي عن الضعفاء ويعتمد المراسيل ، لا يوجب وثاقة الراوي(1) وهو ظاهر ، ولا موثّقية الصدور(2) ؛ لاحتمال اتّكاله على أمر لم يكن عندنا معتمداً عليه. كما أنّ كون المرسل جميلاً وهو من أصحاب الإجماع ، لا يوجب اعتبارها (3) ؛ لعدم دليل مقنع على ما ذكروا في أصحاب الإجماع ، وقد مرّ شطر من الكلام فيهم في باب العصير(4) - يمكن المناقشة في دلالتها ؛ لاحتمال كون «إن» في قوله علیه السلام : «وإن كان . . .» إلى آخره وصليةً .

وقوله علیه السلام : «فلا بأس» اُعيد للفصل الطويل بينه وبين سابقه ، وللتوطئة للقيد المذكور ؛ أي قوله علیه السلام : «ما لم يكن مجتمعاً . . .» إلى آخره ، فيكون التالي للوصلية أخفى الأفراد . ولو كان العفو مطلقاً حتّى بالنسبة إلى العامد ، كان حقّ العبارة غير ما ذكرت . فعلى الوصلية تدلّ الرواية على العفو بالنسبة إلى من رأى ، فنسيه وصلّى .

ولو قلنا بشرطية «إن» كان الظاهر من الرواية عدمَ البأس بشبه النضح مطلقاً ، على تأمّل ، والتفصيلَ بين قدر الدرهم وأقلّه في غيره ، فلا يبعد أن يكون الظاهر حينئذٍ أيضاً بيان حال الناسي ؛ لظهور قوله علیه السلام : «رآه صاحبه قبل ذلك» في أنّ المقتضي للإعادة رؤيته قبلاً ، وفي العامد يكون المقتضي العلم به فعلاً لا سابقاً .

ص: 91


1- الطهارة ، ضمن تراث الشيخ الأعظم 5 : 243 .
2- نفس المصدر .
3- نفس المصدر .
4- تقدّم في الجزء الثالث : 350 .

وكيف كان : لا دلالة فيها على العفو مطلقاً ولو عن العامد .

وأمّا صحيحة محمّد بن مسلم ، عن أبي جعفر علیه السلام قال : قلت له : الدم يكون في الثوب عليّ وأنا في الصلاة ، قال : «إن رأيته وعليك ثوب غيره فأطرحه وصلّ في غيره ، وإن لم يكن عليك ثوب غيره فامض في صلاتك ، ولا إعادة عليك ؛ ما لم يزد على مقدار الدرهم . وما كان أقلّ من ذلك فليس بشيء ؛ رأيته من قبلُ أو لم تره . وإذا كنت قد رأيته وهو أكثر من مقدار الدرهم فضيّعت غسله وصلّيت فيه صلاة كثيرة ، فأعد ما صلّيت فيه»(1) .

فالتفصيل فيها بين الثوب المنحصر وغيره ، وهو مسألة اُخرى . واحتمال أنّ قوله علیه السلام : «وما كان أقلّ» أمر مستأنف ، لا من فروع الثوب المنحصر ، بعيد غايته . مع أ نّه على فرضه يكون مخصوصاً بالناسي ؛ بمناسبة قوله علیه السلام : «رأيته من قبلُ أو لم تره» بالتقريب المتقدّم .

نعم ، عن «التهذيب» : «وما لم يزد على مقدار الدرهم من ذلك فليس بشيء» بزيادة الواو ، وحذف «وما كان أقلّ»(2) وعن «الاستبصار» حذفه بلا زيادة الواو(3) .

وفي نسخة من «التهذيب» مقروءة على المحدّث المجلسي كتبت الواو في ذيل السطر ، مع علامة النسخة ، يظهر منها أنّ نسخة الأصل بلا واو ، وفي نسخة

ص: 92


1- وسائل الشيعة 3 : 431 ، كتاب الطهارة ، أبواب النجاسات ، الباب 20 ، الحديث 6 .
2- اُنظر الحدائق الناضرة 5 : 307 ؛ تهذيب الأحكام 1 : 254 / 736 .
3- اُنظر الحدائق الناضرة 5 : 307 ؛ جامع أحاديث الشيعة 2 : 178 ، كتاب الطهارة ، أبواب النجاسات ، الباب 28 ، الحديث 1621 .

زيادتها ، وليس فيها لفظ «من قبل» بعد قوله علیه السلام : «رأيته» فتكون العبارة كذلك : «وما لم يزد على مقدار الدرهم من ذلك فليس بشيء ؛ رأيته أو لم تره . . .» إلى آخره .

فعلى نسخة زيادة الواو وسقوط «من قبل» تدلّ الرواية على مذهب المشهور من جهةٍ ؛ أي التفصيل بين القليل والكثير مطلقاً ، وجواز الصلاة مع قليله ولو عمداً .

لكنّ الاتّكال على هذه النسخة - مع مخالفتها «للكافي» و«الفقيه»(1) بل و«الاستبصار» وبعض نسخ «التهذيب» - مشكل ، سيّما مع مخالفتها لمذهب المشهور من جهة اُخرى ، كما يأتي(2) .

وأمّا رواية أبي بصير ، عن أبي عبداللّه أو أبي جعفر علیهما السلام قال : «لا تعاد الصلاة من دم لا تبصره غير دم الحيض ، فإنّ قليله وكثيره في الثوب إن رآه أو لم يره سواء»(3) فمع ضعف سندها (4) ، منصرفة عن العمد .

لكنّ الإنصاف : أنّ المناقشة في هذه المسألة المجمع عليها في غير محلّها . بل

ص: 93


1- الكافي 3 : 59 / 3 ؛ الفقيه 1 : 161 / 758 .
2- يأتي في الصفحة 99 .
3- الكافي 3 : 405 / 3 ؛ تهذيب الأحكام 1 : 257 / 745 ؛ وسائل الشيعة 3 : 432 ، كتاب الطهارة ، أبواب النجاسات ، الباب 21 ، الحديث 1 .
4- رواها الكليني ، عن أحمد بن إدريس ، عن محمّد بن أحمد ، عن محمّد بن عيسى ، عن النضر بن سويد ، عن أبي سعيد المكاري ، عن أبي بصير . والرواية ضعيفة السند بأبي سعيد المكاري ، كما يأتي التصريح به من المصنّف قدس سره في الصفحة 107 .

الظاهر أنّ المناقشة في إطلاق بعض الروايات - كرواية الجُعْفي وبعض آخر - كذلك .

بل مقتضى موثّقة داود بن سِرحان ، عن أبي عبداللّه علیه السلام : في الرجل يصلّي ، فأبصر في ثوبه دماً ، قال : «يتمّ»(1) صحّة الصلاة في الدم مطلقاً ، خرج منه الزائد على مقدار العفو إجماعاً ونصوصاً ، وبقي الباقي .

وتوهّم التفصيل بين أثناء الصلاة وغيره ، فاسد مخالف للإجماع .

وكيف كان : لا ينبغي الإشكال في المسألة من هذه الجهة .

إلحاق البدن بالثوب في العفو

كما لا ينبغي الإشكال في إلحاق البدن بالثوب ؛ لعدم القول بالفرق . بل مقتضى تصريح جمع(2) وإطلاق آخر(3) الإجماع عليه . ومجرّد سكوت جمع عن البدن(4) ، لا يوجب استظهار الفتوى بالاختصاص ، سيّما أنّ مثل الصدوق يوافق لفظ النصّ في التعبير(5) .

والشيخ في «الخلاف» - على النسخ المشهورة(6) - ألحق البدن به ، ويظهر منه

ص: 94


1- تهذيب الأحكام 1 : 423 / 1344 ؛ وسائل الشيعة 3 : 430 ، كتاب الطهارة ، أبواب النجاسات ، الباب 20 ، الحديث 3 .
2- الانتصار : 93 ؛ السرائر 1 : 177 ؛ نهاية الإحكام 1 : 285 .
3- المعتبر 1 : 429 ؛ تذكرة الفقهاء 1 : 73 ؛ مدارك الأحكام 2 : 311 .
4- المقنعة : 69 ؛ المراسم : 55 ؛ المبسوط 1 : 36 .
5- الفقيه 1 : 42 / 165 ؛ الهداية ، الصدوق: 72.
6- اُنظر مفتاح الكرامة 2 : 103 ؛ الخلاف 1 : 476 - 477 .

الإجماع عليه ، وهو قرينة على أنّ ما في «المبسوط»(1) ليس مخالفاً للخلاف .

كما أنّ دعوى السيّد إجماع الإمامية على العفو في البدن(2) ، دليل على أنّ رأي اُستاذه المفيد موافق له .

وأمّا ابن زُهرة ، فكلامه في دم القروح والجروح ، وهو أمر آخر . مع أ نّه لا يظهر منه الاختصاص ، بل مقتضى مجموع كلامه عدمه ، وإنّما ذكر الثوب مثالاً ، ولهذا ذكره أيضاً في الدماء الثلاثة(3) مع القطع بعدم إرادته الخصوصية .

وأمّا سلاّر ، فقد عقد البحث رأساً في تطهير الثياب عن النجاسات ، فلا يظهر

منه القيدية(4) .

هذا مضافاً إلى إمكان استفادة الإلحاق من رواية أبي بصير ، عن أبي عبداللّه أو أبي جعفر علیهما السلام المتقدّمة(5) ، فإنّ مقتضى إطلاق صدرها عدم وجوب الإعادة في الدم القليل في الثوب والبدن .

وأمّا ذكر الثوب في التعليل الراجع إلى المستثنى ، فالمقطوع عدم قيديته ، بل ذكر من باب المثال ؛ ضرورة وجوب تطهير البدن - كالثوب - عن دم الحيض ، فلا يجوز تقديره في الصدر ودعوى دخالته في الحكم ، كما لا تتّجه دعوى عدم الإطلاق في الصدر ؛ بتوهّم أ نّه بصدد بيان الفرق بين الدمين ، أو أنّ الصدر

ص: 95


1- المبسوط 1 : 36 .
2- الانتصار : 93 .
3- غنية النزوع 1 : 41 .
4- المراسم : 55 .
5- تقدّمت في الصفحة 93 .

توطئة لبيان حكم دم الحيض ، فإنّ كلّ ذلك تكلّف وتهجّس مخالف للظاهر .

ثمّ إنّ المستفاد منها أصل التفصيل ، وأمّ-ا مقدار المعفوّ عن-ه فمستفاد : من سائر الروايات ؛ بعد الجزم بعدم التفصيل فيه بين الثوب والبدن ، ومن صحيح-ة ابن مسلم المتقدّمة(1) ؛ فإنّ قوله علیه السلام : «وما كان أقلّ من ذلك فليس بشيء» ظاهر في أنّ القليل منه لأجل قلّته ليس بشيء ، ولا يكون مانعاً ، وأنّ القلّة بما هي ، تمام الموضوع لعدم المانعية ، ولو كان الثوب دخيلاً في الحكم لم يتّجه ذلك التعبير .

بل يمكن الاستئناس لعدم دخالة الثوب في الروايات بمقطوعية عدم دخالته في الدم الذي بمقدار الدرهم أو أكثر ، مع أ نّه مذكور فيها أيضاً ، فالقطع بعدم دخالته في غير المعفوّ عنه وأ نّه ذكر تبعاً للسائل أو من باب المثال ، يقرّب أنّ ذكره في المعفوّ عنه أيضاً كذلك ؛ فإنّ التفرقة بين الفقرات خلاف ظاهر السياق وارتكاز العرف .

ومن رواية مثنّى بن عبدالسلام ، عن أبي عبداللّه علیه السلام قال : قلت : إنّي حككت جلدي ، فخرج منه دم ، فقال : «إن اجتمع قدر حمّصة فاغسله ، وإلاّ فلا»(2) بعد عدم إمكان التفصيل بين الثوب والبدن في مقدار الدم ، وفساد حمل الرواية على عدم نجاسته إذا كان أقلّ من حمّصة ؛ لمخالفته لارتكاز العقلاء والمتشرّعة ، بل للقطع بفساده ، فلا محيص عن حملها على عدم مانعية الأقلّ منها ، وهو يعطي

ص: 96


1- تقدّمت في الصفحة 92 .
2- تهذيب الأحكام 1 : 255/ 741 ؛ وسائل الشيعة 3 : 430 ، كتاب الطهارة ، أبواب النجاسات ، الباب 20 ، الحديث 5 .

التفصيل بين القليل والكثير في البدن ، وإن كانت في مقداره محمولة على بعض المحامل(1) ، تأمّل . وكيف كان : لا إشكال في أصل الحكم .

هل الدرهم غاية للرخصة أو للمنع ؟

وإنّما الإشكال في أنّ مقدار الدرهم غاية للرخصة أو للمنع ، فالمشهور - كما عن «كشف الالتباس» و«المسالك» - الثاني(2) ، بل في «الخلاف» الإجماع عليه(3) .

وذهب سلاّر إلى الأوّل(4) ، وربّما نسب(5) ذلك إلى السيّد في «انتصاره» وهو خلاف الواقع ؛ فإنّه بعد ما صرّح بأ نّه ممّا انفردت به الإمامية هو جواز الصلاة في

ثوب أو بدن أصاب منه ما ينقص مقداره عن سعة الدرهم ، ونقل عن الشافعي القول بعدم الاعتبار بالدرهم في جميع النجاسات(6) ، وعن أبي حنيفة القول باعتبار مقداره في جميعها (7) قال : «فاعتباره في بعضها دون بعض هو التفرّد» .

ثمّ ق-ال : «ويمكن القول : بأنّ الشيعة غير متفرّدة بهذه التفرقة» ثمّ حكى

ص: 97


1- جواهر الكلام 6 : 108 ؛ الطهارة، ضمن تراث الشيخ الأعظم 5 : 240 ؛ مصباح الفقيه ، الطهارة 8 : 71 .
2- كشف الالتباس 1 : 454 ؛ مسالك الأفهام 1 : 125 .
3- الخلاف 1 : 477 .
4- المراسم : 55 .
5- مدارك الأحكام 2 : 312 .
6- الاُمّ 1 : 55 ؛ بداية المجتهد 1 : 83 ؛ المبسوط ، السرخسي 1 : 60 .
7- المجموع 3 : 136 .

قول زفر وقال : «هو نظير قول الإمامية» ثمّ حكى قول حسن بن صالح وقال : «هذا مضاهٍ لقول الإمامية»(1) .

ومراده في أصل التفصيل والتفرقة بين الدم وغيره ، لا في مقداره ؛ ضرورة أنّ قوليهما مختلفان في المقدار ، فإنّ الأوّل جعل الدرهم معفوّاً عنه دون الثاني .

وأمّا ما في خلال كلامه في مقام الاستدلال ممّا يوهم خلاف المشهور ، فلا بدّ من حمله على صدر كلامه ؛ دفعاً للتناقض . بل ليس في خلال البحث بصدد بيان الخصوصيات ، بل بصدد بيان أصل التفرقة ، فالمخالف هو سلاّر ظاهراً .

وتدلّ على المشهور صحيحة ابن أبي يعفور ومرسلة جميل بل ورواية إسماعيل الجُعْفي(2) فإنّ الظاهر من قوله : «إن كان أقلّ فكذا ، وإن كان أكثر فكذا» أنّ الجملة الثانية بيان لمفهوم الجملة الاُولى ، وإنّما خصّ بالذكر بعض المصاديق الشائعة منه ؛ لأنّ المساوي لمقدار الدرهم قليل الوجود ، بخلاف الأكثر منه ، ولا مفهوم للجملة الثانية التي بصدد بيان مفهوم الاُولى عرفاً . فتوهّم

أنّ مفهومي الجملتين متعارضان ، بل مفهوم الثانية معارض للروايتين المتقدّمتين ، أيضاً ضعيف .

وأضعف منه توهّم كون الجملة الاُولى بيان بعض مصاديق مفهوم الجملة الثانية عكس ما قلناه ؛ ضرورة أ نّه في غاية الحزازة ، ومخالف للمحاورات العرفية .

ص: 98


1- الانتصار : 93 - 94 .
2- تقدّمت الروايات في الصفحة 90 - 91 .

نعم ، يحتمل أن لا يكون لمثل الجملتين مفهوم ، فكان مقدار المساوي مسكوتاً عنه .

لكنّ الأقرب ما ذكرناه وإن لا يختلف الحكم على هذا الاحتمال ، غاية الأمر لا تكون هذه الرواية متعرّضة للمقدار المساوي ، فنأخذ فيه بالروايتين المتقدّمتين .

وأمّا صحيحة محمّد بن مسلم المتقدّمة(1) ، فعلى نسخة «الكافي» و«الفقيه» لا يبعد أن يكون مفادها كرواية الجُعْفي ؛ فإنّ قوله علیه السلام : «ما لم يزد عليه» من تتمّة حكم انحصار الثوب مع رؤية الدم في الأثناء ، وهو مسألة اُخرى ، والظاهر أنّ قوله علیه السلام : «وما كان أقلّ من ذلك» مسألة اُخرى برأسها ، لا في موضوع الثوب المنحصر حتّى يكون تتمّة للجملة السابقة ؛ فإنّ جعله من ت-تمّتها يوجب التكرار في حكم الزائد عن مقدار الدرهم .

مضافاً إلى أنّ ظاهر الذيل ينافي كونه في الفرض السابق ، فحينئذٍ تكون الشرطيتان نظير الشرطيتين في رواية الجُعْفي ، وقد عرفت حالهما ، فلو فرض كونها من تتمّتها فتكون مسألة اُخرى : هي فرض انحصار الثوب ، تأمّل .

نعم ، على نسخة «التهذيب» تكون معارضة لسائر الروايات ، لكن قد عرفت عدم جواز الاعتماد على نسخته(2) ، وعلى فرض التعارض لا يعتمد عليها ؛ لمخالفتها للمشهور ، وكونها شاذّة ، ولموافقتها لأبي حنيفة ، ومخالفتها للقواعد والعمومات ، فلا إشكال في الحكم . هذا إن كان الدم مجتمعاً قدر الدرهم .

ص: 99


1- تقدّمت في الصفحة 92 .
2- تقدّم في الصفحة 92 - 93 .

حكم الدم المتفرّق

وأمّا إن كان متفرّقاً ، فإن لم يكن قدره لو اجتمع فلا إشكال - بل لا خلاف كما في «الجواهر»(1) - في مساواته للمجتمع في العفو عنه ؛ لإطلاق الأدلّة ، وخصوص ما تقدّم(2) .

وإن كان قدره أو زائداً ففيه خلاف ، فعن «المبسوط» و«السرائر» و«النافع» و«الشرائع» وابن سعيد(3) والأردبيلي(4) و«التلخيص» و«الكفاية» و«الذخيرة» و«الحدائق» وبعض من متأخّري المتأخّرين العفو(5) . وعن «الذكرى» : «أ نّه المشهور»(6) .

وفي «المراسم» و«الوسيلة»(7) وعن العلاّمة - في جملة من كتبه(8) - وجملة

ص: 100


1- جواهر الكلام 6 : 125 .
2- هي صحيحة ابن أبي يعفور ، تقدّمت في الصفحة 89 .
3- المبسوط 1 : 36 ؛ السرائر 1 : 178 ؛ المختصر النافع : 18 ؛ شرائع الإسلام 1 : 45 ؛ الجامع للشرائع : 23 .
4- اُنظر جواهر الكلام 6 : 125 ؛ مجمع الفائدة والبرهان 1 : 317 و328 .
5- تلخيص المرام : 17 (وفيه : فقد عني . . . عن المتفرّق على رأي) ؛ كفاية الفقه (كفاية الأحكام) 1 : 62 ؛ ذخيرة المعاد : 159 / السطر 12 ؛ الحدائق الناضرة 5 : 315 - 316 ؛ مدارك الأحكام 2 : 318 .
6- ذكرى الشيعة 1 : 137 .
7- المراسم : 55 ؛ الوسيلة إلى نيل الفضيلة : 77 .
8- تحرير الأحكام 1 : 160 ؛ منتهى المطلب 3 : 253 ؛ تذكرة الفقهاء 1 : 74 ؛ قواعد الأحكام 1 : 193 .

وافرة ممّن تأخّر عنه(1) عدمه ، بل عن بعضهم دعوى الشهرة عليه(2) ، وعن جملة نسبته إلى أكثر المتأخّرين(3) ، وهو ظاهر «نهاية» الشيخ(4) على تأمّل .

وعن المحقّق في «المعتبر» القول بالعفو إلاّ أن يتفاحش(5) ، لكنّ عبارته فيه على خلاف ما نسب إليه ، فراجع(6) .

ومنشأ اختلافهم الاختلاف في فهم الروايات ، فقد استدلّ كلّ من القائل بالعفو وعدمه برواية ابن أبي يعفور ، ومحتملاتها كثيرة لا يمكن الركون إلى واحد منها ، ولا استظهار واحد من القولين منها ؛ لاحتمال أن يكون «مقدار الدرهم» في قوله علیه السلام : «إلاّ أن يكون مقدار الدرهم مجتمعاً» مرفوعاً اسماً للفعل الناقص ، وخبره «مجتمعاً» .

وأن يكون منصوباً خبراً له ، واسمه الضمير الراجع إلى الدم و«مجتمعاً» خبراً بعد خبر ، أو الراجع إلى نقط الدم و«مجتمعاً» خبراً ثانياً ؛ إمّا لسهولة أمر التذكير والتأنيث ، أو لكونها مضافة إلى المذكّر الممكن قيامه مقامها .

وعلى التقديرين : يمكن أن يكون «مجتمعاً» حالاً محقّقة من «مقدار

الدرهم» أو من الضمير ، وأن يكون حالاً مقدّرة .

ص: 101


1- ذكرى الشيعة 1 : 137 ؛ جامع المقاصد 1 : 172 ؛ روض الجنان 1 : 444 .
2- كشف الالتباس 1 : 456 .
3- روض الجنان 1 : 444 ؛ ذخيرة المعاد : 159 / السطر 13 ؛ الحدائق الناضرة 5 : 315 .
4- النهاية : 51 - 52 .
5- اُنظر مدارك الأحكام 2 : 318 .
6- المعتبر 1 : 430 - 431 .

وعلى جميع الاحتمالات تكون ظاهرة في العفو ، إلاّ على تقدير كون الحال مقدّرة ، وقد قيل : «باتّفاق أئمّة الأدب على اشتراط كون الحال مقدّرة بمخالفة زمان العامل مع الحال»(1) وهو مفقود في المقام ، فعلى فرض صحّة ذلك يكون

هذا الاحتمال مرجوحاً ؛ وإن كان انقطاع الاستثناء على سائر الاحتمالات مخالفَ الظاهر أيضاً .

لكنّ الإنصاف : أنّ الاتّكال على تلك الرواية - مع تلك الاحتمالات الكثيرة - لإثبات كلّ من طرفي الدعوى مشكل .

نعم ، ظاهر مرسلة جميل(2) العفو ؛ فإنّ قوله علیه السلام : «وإن كان قد رآه صاحبه . . .» إلى آخره ، وصلية ، وإلاّ يلزم التفصيل بين شبه النضح وغيره في العلم به وعدمه ، وهو خلاف الواقع ، وعلى الوصلية تكون ظاهرة في العفو ؛ فإنّ قوله علیه السلام : «فلا بأس به . . .» إلى آخره ، بيان للجملة المتقدّمة ؛ أي لا بأس بالدم ما لم يكن مجتمعاً قدر الدرهم ، فشبه النضح لا بأس به .

لكنّ الاتّكال عليها مشكل ؛ لضعف سندها (3) ، وعدم جابر له ؛ لأنّ الأصحاب وإن أفتوا بمضمون روايات الباب ، لكن لمّا كانت بينها روايات صحيحة معتمدة لا يظهر منهم الاتّكال على تلك المرسلة .

ص: 102


1- رياض المسائل 2 : 378 ؛ مستند الشيعة 4 : 302 ؛ جواهر الكلام 6 : 126 - 127 ؛ مغني اللبيب 2 : 605 - 606 .
2- تقدّمت في الصفحة 90 .
3- تقدّم وجه ضعف سندها بعلي بن حديد في الصفحة 90 .

وأمّا رواية إسماعيل الجُعْفي(1) وصحيحة محمّد بن مسلم(2) فيمكن أن يستدلّ بهما للطرفين بأن يقال : إنّ المراد بالدم والثوب جنسهما ، فيكون المعنى : إن كان جنس الدم في جنس الثوب أقلّ من قدر الدرهم فلا يعيد ، وإن كان أكثر فيعيد ، وإطلاقهما شامل للمتفرّق .

وأن يقال : إنّ الحكم على طبيعتي الدم والثوب ، وهما صادقتان على المصداق الخارجي الفعلي ، وليس في الخارج من طبيعة الدم إلاّ هذا المصداق ، وذاك ، وذلك ، وكذا الثوب ، وأمّا مجموع الدمين والدماء فليس مصداقاً للدم ، ولا موجوداً في الخارج ، وفرض الاجتماع لا يوجب إلاّ المصداق الفرضي لا الفعلي ، وهذا خلاف ظواهر الأدلّة .

فك-لّ مصداق محقّق في الخارج منه أقلّ من مقدار الدرهم فرضاً ، وغير ذلك غير موجود خارجاً إلاّ بحسب الفرض والتعليق المخالف للظاهر ، فالروايتان دالّتان على القول بالعفو إن كان العرف مساعداً على ما ذكرناه ، كما لا يبعد .

ومن هنا يمكن الاستدلال عليه برواية أبي بصير المعمول بها عند الأصحاب ، عن أبي جعفر أو أبي عبداللّه علیهما السلام قال : «لا تعاد الصلاة من دم لا تبصره غير دم الحيض ، فإنّ قليله وكثيره في الثوب إن رآه وإن لم يره سواء»(3) .

ص: 103


1- تقدّمت في الصفحة 89 .
2- تقدّمت في الصفحة 92 .
3- تقدّمت في الصفحة 93 .

فإنّ ما في الخارج شبه النضح مصاديق كثيرة يصدق على كلّ منها : «أ نّها دم لا تبصره» ومجموعها ليس إلاّ مصداقاً تخيّلياً . إلاّ أن يكون قوله علیه السلام : «لا تبصره» كناية عن الدم القليل المقابل للكثير ، وقلنا : بأنّ العرف يرى الدماء التي على شبه النضح كثيراً .

وتدلّ على العفو صحيحة الحلبي قال : سألت أبا عبداللّه علیه السلام عن دم البراغيث يكون في الثوب ، هل يمنعه ذلك من الصلاة فيه ؟ قال : «لا ، وإن كثر فلا بأس أيضاً بشبهه من الرعاف ، ينضحه ولا يغسله»(1) .

فإنّ الظاهر أنّ قوله علیه السلام : «ينضحه ولا يغسله» راجع إلى دم البراغيث ؛ لأ نّه مورد السؤال والجواب ، وإنّما ذكر الرعاف استطراداً وتطفّلاً ، والمنظور الأصلي بيان حكم دم البراغيث . وللمناسبة بينه وبين النضح ، كما هو وارد في بعض موارد اُخر نظيره ممّا لا يكون قذراً ، كالملاقي مع الكلب يابساً . وللقرينة العقلية على عدم كون المراد منه دم الرعاف ؛ حيث يوجب النضح تكثير النجس لا تطهيره ، فلا شبهة في رجوعهما إلى دم البراغيث ، فلا إشكال في الرواية من هذه الحيثية .

وأمّا دلالتها على المطلوب فواضحة ، بل تدلّ على العفو وإن كثر وتفاحش ؛ لظهور التشبيه فيه ، فلا إشكال في الرواية سنداً ولا دلالة .

وتدلّ عليه إطلاق مرفوعة أبي عبداللّه ، عن أبي عبداللّه علیه السلام قال : قال : «دمك

ص: 104


1- الكافي 3 : 59 / 8 ؛ تهذيب الأحكام 1 : 259 / 753 ؛ وسائل الشيعة 3 : 431 ، كتاب الطهارة ، أبواب النجاسات ، الباب 20 ، الحديث 7 .

أنظف من دم غيرك ، إذا كان في ثوبك شبه النضح من دمك فلا بأس ، وإن كان دم غيرك - قليلاً أو كثيراً - فاغسله»(1) بعد حمل ذيلها على الاستحباب في الدم القليل ، وكون المراد بالكثير مقابل النضح ؛ لعدم الفصل في الدماء .

فتحصّل ممّا ذكر : قوّة القول الأوّل .

عدم الفرق في الدم المتفرّق بين المتفاحش وغيره

ومقتضى إطلاق الروايات عدم الفرق بين المتفاحش وغيره . مضافاً إلى ظهور صحيحة الحلبي فيه كما تقدّم . ودعوى انصرافها عن المتفاحش(2) في غير محلّها ، كما أنّ الاستبعاد في الأحكام التعبّدية المجهولة المناط ، في غير محلّه .

وأمّا رواية «دعائم الإسلام»(3) فلا ركون إليها بعد ضعفها سنداً ، ووهنها متناً .

لكنّ الاحتياط حسن على كلّ حال ، سيّما مع كون الثوب واحداً ، وسيّما مع التفاحش جدّاً .

ص: 105


1- الكافي 3 : 59 / 7 ؛ وسائل الشيعة 3 : 432 ، كتاب الطهارة ، أبواب النجاسات ، الباب 21 ، الحديث 2 .
2- راجع مصباح الفقيه ، الطهارة 8 : 103 .
3- وهي ما عن الباقر والصادق عليهماالسلام أ نّهما قالا في الدم يصيب الثوب : «يغسل كما تغسل النجاسات» ورخّصا في النضح اليسير منه ومن سائر النجاسات ، مثل دم البراغيث وأشباهه ، قالا : «فإذا تفاحش غسل» . دعائم الإسلام 1 : 117 ؛ بحار الأنوار 77 : 92 / 9 ؛ مستدرك الوسائل 2 : 565 ، كتاب الطهارة ، أبواب النجاسات ، الباب 15 ، الحديث 2 .

حول ما استثني من أدلّة العفو

ثمّ إنّه قد استثني من أدلّة العفو موارد :

منها : الدماء الثلاثة

كما في «الوسيلة» و«المراسم» و«الغنية» و«الشرائع» وعن «السرائر» و«كشف الحقّ» وكتب الشهيدين(1) ، بل في «الغنية» الإجماع(2) ، ولا يبعد استظهار دعوى الإجماع من «الخلاف»(3) وعن «السرائر» عدم الخلاف فيه(4) ، بل عن ظاهر «كشف الحقّ» هو من دين الإمامية(5) . ويظهر من «الانتصار» إلحاق النفاس بالحيض(6) .

هذا مضافاً إلى رواية أبي بصير المتقدّمة(7) بالنسبة إلى دم الحيض ، وهي مرويّة في «الوافي» عن أبي جعفر أو أبي عبداللّه علیهما السلام

وفي «التهذيب»

ص: 106


1- الوسيلة إلى نيل الفضيلة : 77 ؛ المراسم : 55 ؛ غنية النزوع 1 : 41 ؛ شرائع الإسلام 1 : 45 ؛ السرائر 1 : 176 ؛ نهج الحقّ وكشف الصدق : 419 ؛ الدروس الشرعية 1 : 126 ؛ البيان : 95 ؛ مسالك الأفهام 1 : 125 ؛ الروضة البهية 1 : 67 .
2- غنية النزوع 1 : 41 .
3- الخلاف 1 : 476 - 477 .
4- السرائر 1 : 176 .
5- نهج الحقّ وكشف الصدق : 419 .
6- الانتصار : 95 .
7- تقدّمت في الصفحة 93 .

عن أبي عبداللّه وأبي جعفر علیهما السلام كليهما (1) .

والإشكال فيها بالقطع(2) غير وجيه ، مضافاً إلى أنّ قطع مثل أبي بصير لا يضرّ ؛ بعد القطع بأنّ مثله لا يقول إلاّ مع السماع عن المعصوم علیه السلام .

كما أنّ تضعيفها بأبي سعيد المُكاري(3) في غير محلّه بعد الجبر بعمل الأصحاب ، كما أشار إليه المحقّق(4) أيضاً .

وظاهرها بل صريحها عدم العفو عن الأقلّ من الدرهم ، فإنّ الاستثناء فيه عن دم لم تبصره ، وهو أقلّ من الدرهم ، فالمراد بالقليل هو مثل ما في المستثنى منه ، وهو واضح .

وأمّا دم النفاس ، فمضافاً إلى الإجماعات المتقدّمة - التي لا يضرّ بها نسبة الإلحاق في «المعتبر» إلى الشيخ ؛ بحيث يظهر منه اختصاصه به(5) ، فإنّه خلاف الوجدان ؛ لأنّ كثيراً ممّن تقدّم على المحقّق لم يفرّق بين الدماء الثلاثة ، بل ادّعى

الإجماع أو عدم الخلاف عليه(6) - الإجماعات المدّعاة في اتّحاد حكم النفاس مع الحيض إلاّ فيما استثني(7) .

ص: 107


1- الوافي 6 : 183 / 7 ؛ تهذيب الأحكام 1 : 257 / 745 .
2- اُنظر المعتبر 1 : 428 ؛ مدارك الأحكام 2 : 316 .
3- نفس المصدر .
4- المعتبر 1 : 428 .
5- المعتبر 1 : 429 .
6- راجع الخلاف 1 : 476 - 477 ؛ غنية النزوع 1 : 41 ؛ السرائر 1 : 176 .
7- غنية النزوع 1 : 40 ؛ المعتبر 1 : 257 ؛ تذكرة الفقهاء 1 : 332 ؛ جواهر الكلام 6 : 120 .

وأمّا دعوى : أنّ النفاس حيض محتبس(1) ، فقد مرّ في محلّه أ نّه لا دليل عليها (2) .

وأمّا دم الاستحاضة ، فمضافاً إلى ما تقدّم ، تدلّ على عدم العفو عنه : الإجماعات المستفيضة المنقولة(3) والشهرة المحقّقة على لزوم تبديل القطنة في أوقات الصلاة في القليلة منها . مع أنّ الغالب فيها عدم بلوغ الدم مقدار الدرهم ، سيّما إذا قلنا : بأنّ مقداره قدر أخمص الراحة .

فالشهرة قائمة على وجوب التبديل من غير تفصيل من الصدر الأوّل ، وهي الحجّة القاطعة ، سيّما مع ما مرّ في محلّه : من أنّ إطلاق الأدلّة على خلاف الإجماعات والشهرات(4) ، ومعه يزيد الوثوق بها .

ولا شبهة في أنّ التبديل ليس واجباً تعبّدياً نفسياً ، بل لمانعيته عن الصلاة ، كما لا شبهة في أنّ الظاهر من الأدلّة أنّ المانع هو الدم بما هو من غير دخالة للقطنة والمحلّ فيه ، ولهذا قلنا بلزوم تبديل الخرقة أيضاً إن تلوّثت به(5) ، فيستفاد منها مانعيته في الثوب والبدن ؛ قليلاً كان أو كثيراً .

بل يمكن الاستدلال عليه بإطلاق بعض ما ورد في المستحاضة المتوسّطة على لزوم تبديل القطنة(6) ؛ لعدم ملازمة التوسّط مع كون الدم بمقدار

ص: 108


1- جواهر الكلام 6 : 120 - 121 .
2- تقدّم في الجزء الأوّل : 534 - 535 .
3- راجع مفتاح الكرامة 3 : 329 .
4- تقدّم في الجزء الأوّل : 447 .
5- تقدّم في الجزء الأوّل : 449 - 450 .
6- راجع وسائل الشيعة 2 : 371 ، كتاب الطهارة ، أبواب الاستحاضة ، الباب 1 .

الدرهم ، فإنّ الميزان فيه هو ثقب القطن ، ولا يلزم منه أكثريته منه ، فلو منع ذلك فيكفي ما تقدّم .

فإلحاقهما بالحيض مع أ نّه أحوط ، لا يخلو من قوّة .

ومنها : دم نجس العين

فقد استثناه العلاّمة في «القواعد» و«التذكرة» وعن سائر كتبه ذلك(1) ، بل عن جملة من الأصحاب استثناؤه(2) .

وعن الطوسي(3) والراوندي(4) استثناء دم الكلب والخنزير ، وربّما ينسب إليهما استثناء مطلق دم نجس العين(5) .

وعن ابن إدريس - بعد نسبة استثناء دم الكلب والخنزير إلى الراوندي معلّلاً : بأ نّه دم نجس العين - قال : «وهذا خطأ عظيم وزلل فاحش ؛ لأنّ هذا هدم وخرق لإجماع أصحابنا»(6) انتهى .

وقد استدلّ عليه تارة : بأنّ ملاقاة دم نجس العين لسائر أجزائه ، موجبة لطروّ

ص: 109


1- قواعد الأحكام 1 : 193 ؛ تذكرة الفقهاء 1 : 73 ؛ منتهى المطلب 3 : 255 ؛ تبصرة المتعلّمين : 17 ؛ مختلف الشيعة 1 : 318 .
2- الدروس الشرعية 1 : 126 ؛ مسالك الأفهام 1 : 125 ؛ رياض المسائل 2 : 381 ؛ جواهر الكلام 6 : 121 - 122 .
3- الوسيلة إلى نيل الفضيلة : 77 .
4- اُنظر مفتاح الكرامة 2 : 114 ؛ مختلف الشيعة 1 : 318 .
5- كشف الالتباس 1 : 453 .
6- السرائر 1 : 177 .

نجاسة اُخرى عليه منها ، وهي غير معفوّ عنها (1) .

وبعبارة اُخرى : أدلّة العفو عن الدم ناظرة إلى العفو عنه ، لا عنه وعن ملاقيه ، كما لو لاقى نجاسة اُخرى كالعذرة والبول .

واُخرى : بأنّ دم نجس العين منطبَق عنوانين :

أحدهما : كونه دماً ، وهو مانع .

وثانيهما : كونه جزء من نجس العين ، وهو مانع آخر .

وما دلّ على العفو عن الدم قاصر عن الدلالة على العفو عن العنوان الثاني(2) .

وثالثة : بأنّ دم نجس العين من أجزاء غير المأكول ، وهو مانع آخر ، فالعفو عن الدم لا عنه(3) .

وسيأتي الكلام في هذا الأخير .

وأمّا الوجه الأوّل ففيه : أ نّه لا دليل على انفعال أجزاء نجس العين بعضها ببعض ، بل ولا انفعال نجس بمثله ، فلا يتنجّس بول من بول آخر ، ولا بعض أجزاء الكافر بملاقاة بعض آخر من أجزائه . بل لا دليل على تنجّس النجاسات بملاقاة بعضها مع بعض حتّى فيما إذا كان أحد النجسين أغلظ وأشدّ ؛ لعدم إطلاق أو عموم في أدلّة الانفعال بالملاقاة ، وعدم إمكان إلغاء الخصوصية من الموارد الجزئية .

ص: 110


1- المعتبر 1 : 429 ؛ منتهى المطلب 3 : 255 ؛ جواهر الكلام 6 : 121 .
2- اُنظر مصباح الفقيه ، الطهارة 8 : 91 .
3- مصباح الفقيه ، الطهارة 8 : 93 .

ولهذا لا يبعد القول بالعفو فيما إذا لاقى الدم المعفوّ عنه نجاسة اُخرى ؛ إذا لم تكن أجزاؤها محقّقةً فيه فعلاً ، بل استهلكت فيه ، ومع عدم ملاقاتها للجسد ، فإنّه مع ملاقاته يشكل العفو .

وبالجملة : لا شبهة في عدم الدليل على تنجّس دم نجس العين بملاقاة أجزائه ، فلا يكون دمه نجساً ذاتاً وعرضاً .

وأمّا الوجه الثاني ففيه : أ نّه لا دليل على مانعية أجزاء نجس العين بما أ نّه أجزاؤه ؛ بمعنى أنّ جزء الكلب بما أ نّه كلب يكون مانعاً ، بل الظاهر من الأدلّة أنّ

المانع النجاسة ، فأجزاء الكلب بما أ نّها نجسة مانعة عن الصلاة لا بما أ نّها أجزاؤه ، وكذا الدم ليس بعنوانه مانعاً ، فلا يكون عنوان «نجس العين» مانعاً آخر مغايراً لمانعية النجس .

ومنها : دم غير المأكول

فقد استثناه من العفو بعضهم(1) ، وعن الاُستاذ اختياره(2) ، وهو مخالف لتضاعيف كلمات الفقهاء ، حيث اقتصروا على استثناء الدماء الثلاثة ، أو مع نجس العين(3) ، ولإجماع الحلّي(4) .

ويدلّ على العفو إطلاق أدلّته . ودعوى الانصراف فاسدة جدّاً ، كدعوى(5)

ص: 111


1- اُنظر جواهر الكلام 6 : 121 ؛ العروة الوثقى 1 : 206 .
2- كشف الغطاء 2 : 363 .
3- الخلاف 1 : 476 - 477 ؛ مختلف الشيعة 1 : 318 ؛ الدروس الشرعية 1 : 126 .
4- السرائر 1 : 177 .
5- اُنظر مصباح الفقيه ، الطهارة 8 : 94 .

معارضتها لموثّقة ابن بكير(1) فإنّها حاكمة عليها أوّلاً .

ويحتمل قريباً عدم شمول الموثّقة للدم والمنيّ المانعين عن الصلاة ؛ سواء كانا من مأكول اللحم أو غيره ، ثانياً .

ومثلها في الضعف دعوى : أنّ أدلّة العفو متعرّضة لحيثية نجاسة الدم لا لحيثية

اُخرى منطبقة عليه ؛ وهو كونه من غير المأكول(2) ، ضرورة أ نّه ليس فيها ما يمكن استشمام تعرّضها لحيثية نجاسته ، بل الموضوع فيها نفس الدم ، ومقتضى إطلاقها عدم مانعيته بأيّ عنوان منطبق عليه ذاتاً ، فلا قصور فيها لشمول مطلق الدماء ؛ من المأكول أو غيره ، نجس العين أو غيره ، وقد عرفت حكومتها على موثّقة ابن بكير وإن كان بينهما عموم من وجه .

ودعوى قوّة إطلاق الموثّقة بل صراحتها في الإطلاق - كدعوى إبائها عن التقييد(3) - مردودة على مدّعيها .

وأضعف من الجميع استبعاد العفو عن الدم القليل من غير المأكول مع كونه نجساً ، وعدم العفو عن سائر أجزائه مع طهارتها (4) ؛ ضرورة عدم طريق للعقول

ص: 112


1- عن ابن بكير قال : سأل زرارة أبا عبداللّه عليه السلام عن الصلاة في الثعالب والفنك والسنجاب وغيره من الوبر ؟ - إلى أن قال عليه السلام - : «وإن كان غير ذلك ممّا قد نهيت عن أكله وحرم عليك أكله فالصلاة في كلّ شيء منه فاسد» . الكافي 3 : 397 / 1 ؛ وسائل الشيعة 4 : 345 ، كتاب الصلاة ، أبواب لباس المصلّي، الباب 2 ، الحديث 1 .
2- جواهر الكلام 6 : 121 ؛ مستمسك العروة الوثقى 1 : 566 .
3- اُنظر مصباح الفقيه ، الطهارة 8 : 95 .
4- جواهر الكلام 6 : 121 ؛ مصباح الفقيه 8 : 95 .

إلى فهم مناطات الأحكام التعبّدية ، وإلاّ فأيّ فارق عند العقول بين الدم

وغيره ، وبين مقدار الدرهم والأقلّ منه ، وبين دم القروح والجروح وغيره . . . إلى غير ذلك من التعبّديات ؟ !

فالفقيه كلّ الفقيه من يقف على التعبّديات ، ولا يستبعد شيئاً منها بعد ما رأى

رواية أبان في الدية(1) .

تعيين سعة الدرهم

ثمّ إنّ البحث في أطراف كون الدرهم هو البغلي أو الوافي ، وكونهما واحداً أو متعدّداً ، وكون وزنه درهماً وثلثاً ، لا فائدة فيه في المقام .

وما هو مفيد : البحث عن تعيين سعته التي هي موضوع الحكم نصّاً وفتوى ، لكن لا طريق لنا إليه ؛ لاختلاف الكلمات في ذلك .

وما نسب إلى الحلّي من كونه قريباً من أخمص الراحة(2) ليس على ما ينبغي ؛ قال في محكيّ «السرائر» :

«إنّ الشارع عفى عن ثوب وبدن أصابه منه دون سعة الدرهم الوافي المضروب من درهم وثلث .

وبعضهم يقولون : دون قدر الدرهم البغلي المضروب المنسوب إلى مدينة قديمة يقال لها : «بغل» قريبة من «بابل» بينهما قريب من فرسخ ، متّصلة ببلد

ص: 113


1- الكافي 7 : 299 / 6 ؛ الفقيه 4 : 88 / 283 ؛ تهذيب الأحكام 10 : 184 / 719 ؛ وسائل الشيعة 29 : 352 ، كتاب الديات ، أبواب ديات الأعضاء ، الباب 44 ، الحديث 1 .
2- روض الجنان 1 : 443 ؛ رياض المسائل 2 : 374 .

«الجامعين» يجد فيها الحَفَرة دراهم واسعة ، شاهدت درهماً من تلك الدراهم . وهذا الدرهم أوسع من الدينار المضروب بمدينة «السلام» المعتاد ، يقرب سعته من سعة أخمص الراحة»(1) انتهى .

وهذا كما ترى بعد الغضّ عن نحو إجمال فيه ، ليس شهادة برؤية الدرهم الوافي وأنّ سعته كذا ، بل شهادة برؤية درهم ممّا وجدها الحَفَرة ، من غير تعرّض لكون ما شاهده عين الوافي .

مع أنّ الشهادة في ذلك مبنيّة على الحدس والاجتهاد ولو فرض رسم فيه يدلّ على كونه وافياً أو بغلياً ؛ لاحتمال ضرب الحَفَرة دراهم على نعت الدراهم القديمة اختلاقاً ؛ لجلب الأنظار وبيعها بثمن غالٍ على طالبي الآثار القديمة .

كما أ نّه لا اعتماد على مدّعي الخبرة في هذا العصر ، ولا على الدراهم المنقوشة ممّا يزعم الناظر أ نّها من الآثار القديمة ؛ لكثرة الخدعة والاختلاق ، وعدم الوثوق بأقوالهم وما في أيديهم .

فمقتضى القاعدة الاقتصار على الأقلّ فيما دار الأمر بينه وبين الأقلّ منه .

ص: 114


1- السرائر 1 : 177 .

المطلب الثالث: في إدخال النجاسات في المساجد

حكم النجاسات غير المتعدّية

ومن أحكام النجاسات : عدم جواز إدخالها في المساجد ولو مع عدم التعدّي . قال الشيخ في «الخلاف» : «لا يجوز للمشركين أن يدخلوا المسجد الحرام ، ولا شيئاً من المساجد ؛ لا بإذن ولا بغير إذن» .

ثمّ تمسّك بالآية الشريفة الآتية . ثمّ قال :

«وإذا ثبت نجاستهم فلا يجوز أن يدخلوا شيئاً من المساجد ؛ لأ نّه لا خلاف في أنّ المساجد يجب أن تجنّب النجاسات»(1) انتهى .

وعن الحلّي في مقام الاستدلال على طهارة ميّت الإنسان :

«ولا خلاف بين الاُمّة كافّة أنّ المساجد يجب أن تجنّب النجاسات العينية ،

ص: 115


1- الخلاف 1 : 518 .

وقد أجمعنا - بغير خلاف بيننا - أنّ من غسّل ميّتاً له أن يدخل المسجد ، ويجلس فيه»(1) انتهى .

وقد أنكر المحقّق عليه جواز دخول الغاسل المسجد(2) ، ولم ينكر عليه دعواه عدم الخلاف بين الاُمّة تجنّب المساجد .

ولأحد أن يقول : إنّ معقد عدم الخلاف وجوب تجنّب المساجد النجاسات ، والظاهر من تجنّبها منها أو المتيقّن منه هو وجوب تجنّبها عن التلوّث بالقذارة ، لا حرمة إدخال النجاسة غير المتعدّية فيها ، ولعلّ استدلالهما على ما ذكراه مبنيّ عل-ى اجتهادهما واستظهارهما الإطلاق من معقد الإجماع ، وهو ليس بحجّة .

ومنه يظهر النظر فيما عن «كشف الحقّ» في توجيه الاستدلال بالآية : «بأ نّه لا خلاف في وجوب تجنّب المساجد كلّها عن النجاسات بأجمعها»(3) فضلاً عمّا عن «المفاتيح» من نفي الخلاف عن إزالة النجاسة عنها (4) ، فإنّ «الإزالة» ظاهرة في رفع تلوّث المسجد عنها ، أو منصرفة إليه ، وأمّا إخراج النجس غير المتعدّي منها فلا يقال له : «الإزالة» .

فالمتيقّن من تلك الدعاوى وجوب تنزّه المساجد عن التنجّس أو حرمة تنجّسها ، أو وجوب إزالتها عنها ، سيّما مع دعوى الحلّي عدم الخلاف في جواز

ص: 116


1- السرائر 1 : 163 .
2- المعتبر 1 : 350 .
3- نهج الحقّ وكشف الصدق : 436 .
4- مفاتيح الشرائع 1 : 74 .

دخول من غسّل الميّت المساجدَ والجلوسَ فيها (1) وهو وإن استدلّ به على أمر آخر ، لكن نحن نأخذ بروايته ، ونترك درايته كما أشار إليه الشيخ الأعظم(2) .

واستدلّ(3) على حرمة إدخال مطلق النجاسات فيها - ولو مع عدم التعدّي - قوله تعالى : )يَا أَ يُّهَا الَّذِينَ ءَامَنُوا إِنَّمَا الْمُشْرِكُونَ نَجَسٌ فَلاَ يَقْرَبُوا الْمَسْجِدَ الْحَرَامَ((4) .

وقد مرّ في باب نجاسة الكافر تقريب أنّ المراد بالنجاسة المعنى المعهود(5) ، فلا نعيده .

نعم ، هاهنا مناقشة اُخرى في دلالتها : وهي أنّ النهي قد تعلّق بالفعل الاختياري ؛ أي دخول المشركين المسجد ، ومقتضى تفريع الحكم على نجاستهم أنّ كلّ نجس لا يدخله ، فيعمّ الحكم سائر طوائف الكفّار ، وأمّا إدخال النجس فيه فلا ؛ لاحتمال دخالة الفعل الاختياري من نجس العين في الحكم ، وهذا الاحتمال سيّال في جميع الأوامر والنواهي المتعلّقة بالأفعال الاختيارية ، إلاّ أن تقوم القرينة على إلغاء الخصوصية .

لكنّها مدفوعة : بأنّ النهي عن القرب متفرّع على النجاسة ، فيدلّ على أنّ نجاستهم تمام الموضوع لعدم الدخول ، لا الاختياري منه ، فدخالة الاختيارية

ص: 117


1- السرائر 1 : 163 .
2- الطهارة ، ضمن تراث الشيخ الأعظم 5 : 224 .
3- اُنظر مدارك الأحكام 2 : 305 ؛ جواهر الكلام 6 : 93 .
4- التوبة (9) : 28 .
5- تقدّم في الجزء الثالث : 420 - 422 .

خلاف الظاهر . مع أنّ العرف يساعد على إلغاء خصوصية الاختيار ، سيّما في المقام الذي يؤكّده مناسبة الحكم والموضوع .

نعم ، هنا أمر آخر : وهو أنّ حمل المصدر على الذات لا يصحّ إلاّ بادّعاء وتأوّل ، وهو لا يصحّ إلاّ في مقام المبالغة ، سيّما مع المقارنة لكلمة )إِنّما( المفيدة للحصر أو التأكيد ، فكأ نّه قال : «لا حيثية للمشركين إلاّ حيثية القذارة» أو

«المشركون بتمام حقيقتهم عين القذارة» .

وهذه الدعوى إنّما تحسن وتصير بليغة إذا كان المشرك خبيثاً في باطنه ، ونجساً في ظاهره ، ولا تكون له نقطة طهارة ولو ادّعاء ، وإنّما تفرّع عدم قرب المسجد الحرام على هذه المرتبة من النجاسة الادّعائية ، وهي مختصّة بالمشرك ، أو هو وسائر الكفّار ، وأمّا سائر النجاسات فلا دليل على إلحاقها بهم ما لم يدّعَ لها ما ادّعي ، فالحكم لم يتفرّع على النجِس - بالكسر - حتّى يتعدّى إلى سائر النجاسات ، بل على ما بلغ مرتبة يدّعى له هذه الدعوى على سبيل المبالغة .

ولعلّ ما ذكرناه هو مراد من قال بغلظة نجاستهم(1) ، فلا يرد عليه ما قيل : «إنّ أغلظية نجاسة الكافر من الكلب أو دم الحيض ، غير معلومة»(2) .

وبالجملة : إسراء الحكم من هذه الحقيقة الادّعائية - المبنيّة على ما أشرنا إليه - إلى غيرها مشكل ، بل ممنوع .

ولا يتوهّم: أنّ أعيان النجاسات كلّها عين النجَس - بالفتح - وذلك أنّ شيئاً منها ليس كذلك ، بل لها ذوات وحقائق غير هذا المعنى المصدري ، أو الحاصل من

ص: 118


1- ذكرى الشيعة 1 : 122 .
2- جواهر الكلام 6 : 95 .

المصدر. نعم يصدق عليها النجِس - بالكسر - بلا تأوّل، لكن لم يتفرّع عليه الحكم.

ثمّ إنّ هاهنا كلاماً آخر : وهو أنّ قوله : )فَلاَ يَقْرَبُوا الْمَسْجِدَ الْحَرَامَ بَعْدَ عَامِهِمْ هذَا( ، لا يبعد أن يكون كناية عن عدم دخولهم للحجّ وعمل المناسك ؛ بقرينة قوله : )بَعْدَ عَامِهِمْ هَذَا( المتفاهم منه عدم قربهم في سائر الأعوام ، ومع كون المعهود من شدّ رحال المشركين في كلّ سنة إلى المسجد الحرام لعمل المناسك ، لم يبقَ للآية ظهور في الكناية عن مطلق الدخول ، بل لا يبعد أن تكون كناية عن الدخول للعمل ، أو عمل المناسك المستلزم للدخول .

ففي «المجمع» : «والعام الذي أشار إليه هو سنة تسع الذي نادى فيه علي علیه السلام

بالبراءة ، وقال : «لا يحجّنّ بعد هذا العام مشرك»(1) .

وفي «البرهان» عن العيّاشي ، عن حَريز ، عن أبي عبداللّه علیه السلام قال : «إنّ رسول اللّه صلی الله علیه و آله وسلم بعث أبا بكر - إلى أن قال - : وقال - أي قال علي علیه السلام - : لا يطوف بالبيت عريان ولا عريانة ولا مشرك بعد هذا العام»(2) .

وعنه ، عن أبي بصير ، عن أبي جعفر علیه السلام قال : «خطب علي علیه السلام بالناس

واخترط سيفه ، وقال : لا يطوفنّ بالبيت عريان ، ولا يحجّنّ بالبيت مشرك . . .»(3) إلى آخره .

ص: 119


1- مجمع البيان 5 : 32 ؛ مستدرك الوسائل 9 : 408 ، كتاب الحجّ ، أبواب الطواف ، الباب 37 ، الحديث 2 .
2- البرهان في تفسير القرآن 4 : 385 / 6 ؛ تفسير العيّاشي 2 : 73 / 4 ؛ وسائل الشيعة 13 : 401 ، كتاب الحجّ ، أبواب الطواف ، الباب 53 ، الحديث 7 .
3- البرهان في تفسير القرآن 4 : 386 / 9 ؛ تفسير العيّاشي 2 : 74 / 7 ؛ وسائل الشيعة 13 : 401 ، كتاب الحجّ ، أبواب الطواف ، الباب 53 ، الحديث 5 .

وعن الصدوق بسنده عن أبي عبداللّه علیه السلام في حديث قال : «إنّما سمّي :

الأكبر» أي الحجّ «لأ نّها كانت سنة حجّ فيها المسلمون والمشركون ، ولم يحجّ المشركون بعد تلك السنة»(1) .

وفي بعض الروايات : «فكان ما نادى به : أن لا يطوف بعد هذا العام عريان ، ولا يقرب المسجد الحرام بعد هذا العام مشرك»(2) .

ولا يبعد أن يكون الظاهر من تلك الروايات : أنّ النهي عن القرب لأجل الحجّ والطواف وأعمال المناسك لا مطلقاً . لكن الظاهر تسالمهم على عدم جواز تمكين الكفّار المسجد الحرام .

ثمّ إنّ إلحاق سائر المساجد به - بعد عدم إلغاء الخصوصية عرفاً ؛ لما له من العظمة والأحكام الخاصّة - يحتاج إلى دليل .

ودعوى عدم القول بالفصل(3) غير مسموعة ، بل هو غير حجّة ما لم يرجع إلى الإجماع على التلازم .

ولو سلّم عدم القول بالفصل بين تمكينهم سائر المساجد وتمكينهم المسجد الحرام ، لكن عدم القول بالفصل بين تمكينهم وإدخال النجاسة سائر المساجد لو نوقش في دلالة الآية بما تقدّم ، أو عدم القول بالفصل بين حرمة إدخال النجاسات في المسجد الحرام ، وبين إدخالها في سائر المساجد على فرض

ص: 120


1- البرهان في تفسير القرآن 4 : 390 / 27 ؛ علل الشرائع : 442 / 1 .
2- البرهان في تفسير القرآن 4 : 387 / 14 ؛ تفسير العيّاشي 2 : 76 / 12 ؛ وسائل الشيعة 13 : 401 ، كتاب الحجّ ، أبواب الطواف ، الباب 53 ، الحديث 6 .
3- مدارك الأحكام 2 : 305 ؛ جواهر الكلام 6 : 93 .

تسليم دلالتها بالنسبة إلى المسجد الحرام - بحيث يرجع إلى الإجماع على التلازم - أ نّى لنا بإثباته ؟ !

فالقول بجواز إدخال النجاسات غير المتعدّية غير المستلزمة لهتك حرمة المسجد ، لا يخلو من قوّة ؛ فإنّ عمدة الدليل على عدم الجواز دعوى الإجماع والشهرة ودلالة الآية ، وقد تقدّم الكلام فيهما .

وأمّا قوله تعالى : )وَطَهِّرْ بَيْتِىَ لِلطَّائِفِينَ((1) فهو أجنبيّ عن إدخال النجاسة غير المتعدّية فيها . مع أنّ الخطاب لإبراهيم علیه السلام أو هو وإسماعيل علیه السلام كما في آية اُخرى(2) .

وأمّا ما عن النبي صلی الله علیه و آله وسلم : «جنّبوا مساجدكم النجاسة»(3) ففي سنده ودلالته إشكال ؛ إذ استنادهم إليه غير ثابت ، واحتمال أن يكون المراد بالمساجد محالّ السجدة قريب .

هذا مضافاً إلى ما دلّت على جواز اجتياز الجنب والحائض المساجد ؛ بما لايمكن حملها على الجواز الحيثي ، كصحيحة أبي حمزة قال : قال أبوجعفر علیه السلام : «إذا كان الرجل نائماً في المسجد الحرام أو مسجد الرسول صلی الله علیه و آله وسلم ، فاحتلم

فأصابته جنابة ، فليتيمّم ، ولا يمرّ في المسجد إلاّ متيمّماً ، ولا بأس أن يمرّ

ص: 121


1- الحجّ (22) : 26 .
2- قال اللّه تعالى : )وَعَهِدْنَا إِلَى إِبراهِيمَ وإِسمَاعِيلَ أَنْ طَهِّرا بَيْتِى لِلطَّائِفِينَ . . .(، البقرة (2) : 125 .
3- المعتبر 2 : 449 ؛ تذكرة الفقهاء 2 : 433 ؛ وسائل الشيعة 5 : 229 ، كتاب الصلاة ، أبواب أحكام المساجد ، الباب 24 ، الحديث 2 .

في سائر المساجد ، ولا يجلس في شيء من المساجد»(1) .

وهي - كما ترى - ظاهرة في أنّ الذي احتلم يجوز له الاجتياز ، وهو حكم فعلي لا حيثي .

وقريب منها روايته الاُخرى إلاّ أنّ فيها : «وكذلك الحائض إذا أصابها الحيض تفعل ذلك ، ولا بأس أن يمرّا في سائر المساجد ، ولا يجلسان فيها»(2) .

وهذه بملاحظة ذيلها أوضح دلالة . مضافاً إلى أ نّه قلّما يتّفق كون الحائض طاهرة . بل لعلّ نوع النساء لا يتجنّبن عن بعض النجاسات في أيّام الحيض ، فتجويز دخولها في المساجد ملازم لتجويز دخول النجاسة .

وتدلّ عليه ما وردت في المستحاضة : من جواز دخولها في المسجد ، وجواز الطواف لها (3) . والسيرة المستمرّة على تمكين الصبيان ، بل إدخالهم في المساجد . بل ادّعيت السيرة على عدم منع أصحاب القروح والجروح ومن به دم قليل عن الجمعة والجماعات(4) .

وهذه كلّها شاهدة على عدم العموم في الآية ، وعدم إمكان إلغاء الخصوصية ، وعدم صحّة دعوى عدم القول بالفصل بين حرمة تمكين الكفّار

ص: 122


1- تهذيب الأحكام 1 : 407 / 1280 ؛ وسائل الشيعة 2 : 206 ، كتاب الطهارة ، أبواب الجنابة ، الباب 15 ، الحديث 6 .
2- الكافي 3 : 73 / 14 ؛ وسائل الشيعة 2 : 205 ، كتاب الطهارة ، أبواب الجنابة ، الباب 15 ، الحديث 3 .
3- وسائل الشيعة 2 : 371 ، كتاب الطهارة ، أبواب الاستحاضة ، الباب 1 ، الحديث 1 و8 .
4- الطهارة ، ضمن تراث الشيخ الأعظم 5 : 225 ؛ مصباح الفقيه ، الطهارة 8 : 50 .

المسجد الحرام أو مطلق المساجد ، وبين إدخال سائر النجاسات غير المتعدّية .

وممّا ذكر ظهر عدم حرمة إدخال المتنجّس فيها مع عدم السراية .

حرمة إدخال النجاسات السارية لأجل استلزامه تنجيس المساجد

وأمّا إدخال النجاسات السارية ، فالظاهر أنّ حرمته لا بعنوان إدخالها فيها ، بل بعنوان تنجيس المساجد ، وهو القدر المتيقّن من الإجماعات . بل حرمة التنجيس معروفة لدى المتشرّعة .

وهما العمدة فيها ، وأمّا سائر ما استدلّ لها - كقوله تعالى : )وَطَهِّرْ بَيْتِىَ لِلطَّائِفِينَ . . .((1) إلى آخره ، ورواية الثُمالي التي لا يبعد صحّتها ، عن أبي جعفر علیه السلام وفيها : «إنّ اللّه أوحى إلى نبيّه أن طهّر مسجدك ، وأخرج من المسجد من يرقد بالليل ، ومر بسدّ أبواب من كان له في مسجدك باب إلاّ باب علي علیه السلام ومسكن فاطمةI ولا يمرّنّ فيه جنب»(2) ، وصحيحة الحلبي الواردة في زُقاق قذر بينه وبين المسجد(3) ، ورواية علي بن جعفر الواردة في إصابة بول الدابّة المسجد أو حائطه(4) . . . إلى غير ذلك - فغير تامّ :

ص: 123


1- الحجّ (22) : 26 .
2- الكافي 5 : 339 / 1 ؛ وسائل الشيعة 2 : 205 ، كتاب الطهارة ، أبواب الجنابة ، الباب 15 ، الحديث 1 .
3- الكافي 3 : 38 / 3 ؛ وسائل الشيعة 3 : 458 ، كتاب الطهارة ، أبواب النجاسات ، الباب 32 ، الحديث 4 .
4- مسائل علي بن جعفر : 188 / 380 ؛ قرب الإسناد : 205 / 794 ؛ وسائل الشيعة 3 : 411 ، كتاب الطهارة ، أبواب النجاسات ، الباب 9 ، الحديث 18 .

إذ الآية الشريفة مع كونها مربوطة بالاُمم السالفة ، لا يبعد أن يكون المراد من «التطهير» فيها هو التنظيف العرفي والكنس ، لا التطهير من النجاسة ؛ بمناسبة قوله : )لِلطَّائِفِينَ وَالْعَاكِفِينَ . . .((1) إلى آخره . مع أنّ التعدّي من المسجد الحرام يحتاج إلى دليل .

ورواية الثُمالي راجعة إلى مسجد النبي صلی الله علیه و آله وسلم والتعدّي منه إلى غيره يحتاج إلى دليل بعد عدم إمكان إلغاء الخصوصية عرفاً .

ورواية الزُقاق أجنبيّة عن المقام ؛ فإنّ الظاهر منها أنّ مورد الكلام تنجّس الرِجل المانع عن الصلاة .

ورواية علي بن جعفر لا تدلّ على المطلوب بعد طهارة أبوال الدوابّ ، فيمكن أن يكون وجه السؤال معهودية كراهة الصلاة مع تلوّث المسجد .

وقد يستدلّ على ذلك بالأخبار المستفيضة الدالّة على جواز اتّخاذ الكنيف مسجداً بعد تطهيره ، مثل صحيحة الحلبي : أ نّه سأل أبا عبداللّه علیه السلام في مسجد

يكون في الدار ، فيبدو لأهله أن يتوسّعوا بطائفة منه ، أو يحوّلوه عن مكانه ، فقال : «لا بأس بذلك» .

قال : فقلت : أفيصلح المكان الذي كان حشّاً زماناً - حشي رماداً (خ . ل)

- أن ينظّف ويتّخذ مسجداً ؟ قال : «نعم ، إذا اُلقي عليه من التراب ما يواريه ، فإنّ ذلك ينظّفه ويطهّره»(2) .

ص: 124


1- البقرة (2) : 125 .
2- الفقيه 1 : 153 / 713 ؛ وسائل الشيعة 5 : 208 ، كتاب الصلاة ، أبواب أحكام المساجد ، الباب 10 ، الحديث 1 ، و : 209 ، الباب 11 ، الحديث 1 .

وقريب منها رواية أبي الجارود(1) وصحيحة عبداللّه بن سِنان(2) .

ومثل رواية علي بن جعفر ، عن أخيه موسى علیه السلام قال : سأله عن بيت كان حشّاً زماناً ، هل يصلح أن يجعل مسجداً ؟ قال : «إذا نظّف واُصلح فلا بأس»(3) .

ورواية مَسْعدة - التي لا يبعد أن تكون موثّقة(4) - عن جعفر بن محمّد علیهما السلام : أ نّه سأل أيصلح مكان حشّ أن يتّخذ مسجداً ؟ فقال : «إذا اُلقي عليه من التراب ما يواري ذلك ويقطع ريحه فلا بأس ، وذلك لأنّ التراب يطهّره ، وبه مضت السنّة»(5) .

واستدلّ بعضهم بها على وجوب تطهير ظاهر المسجد دون باطنه مطلقاً ، أو في خصوص مورد الأخبار ، وبعضهم على عدم وجوبه مطلقاً (6) .

أقول : لا يبعد أن يكون المساجد في تلك الروايات ، غيرَ المساجد المعهودة التي هي محلّ البحث ، بل المراد منها الأمكنة التي اتّخذت في البيت مسجداً ،

ص: 125


1- الكافي 3 : 368 / 2 ؛ تهذيب الأحكام 3 : 259 / 727 ؛ وسائل الشيعة 5 : 210 ، كتاب الصلاة ، أبواب أحكام المساجد ، الباب 11 ، الحديث 3 .
2- تهذيب الأحكام 3 : 260 / 730 ؛ وسائل الشيعة 5 : 210 ، كتاب الصلاة ، أبواب أحكام المساجد ، الباب 11 ، الحديث 4 .
3- قرب الإسناد : 289 / 1142 ؛ وسائل الشيعة 5 : 211 ، كتاب الصلاة ، أبواب أحكام المساجد ، الباب 11 ، الحديث 7 .
4- راجع تنقيح المقال 3 : 212 / السطر 5 (أبواب الميم) .
5- تهذيب الأحكام 3 : 260 / 729 ؛ وسائل الشيعة 5 : 210 ، كتاب الصلاة ، أبواب أحكام المساجد ، الباب 11 ، الحديث 5 .
6- راجع مجمع الفائدة والبرهان 2 : 160 ؛ جواهر الكلام 14 : 98 - 100 ؛ مصباح الفقيه ، الطهارة 8 : 55 .

كما قد يشهد صدر الروايات الثلاث المتقدّمة ، ويشعر به قوله : «يتّخذ مسجداً» .

ويحتمل في بعضها أن يكون المراد من «اتّخاذ المسجد» اتّخاذها محلاًّ يسجد عليه ، فيكون سؤاله عن جواز السجدة على مكان كان حشّاً بعد تنظيفه .

وأمّا الحمل على السؤال عن بناء المسجد أو الوقف للمسجدية ، فبعيد عن سوق الروايات .

وربّما تشهد لما ذكرناه رواية عبيد بن زرارة ، عن أبي عبداللّه علیه السلام قال : «الأرض كلّها مسجد إلاّ بئر غائط أو مقبرة»(1) .

ولو اُريد بها المساجد المعهودة ، فمقتضى الجمع بينها جواز جعل الكنيف بعد تطهيره وتنظيفه مسجداً ، وعليه يحمل المطلق منها ، وأمّا إلقاء التراب فلكمال النظافة ، لا للتطهير الشرعي ، ولهذا أمر به مع فرض السائل تنظيفه .

وحمل «التنظيف» في لسان السائل على الكنس مع بقاء النجاسة ، لا وجه معتدّ به له .

وكيف كان : لا يمكن التشبّث بتلك الروايات على جواز تنجيس بواطن المساجد ، أو عدم وجوب تطهيرها .

نعم ، ربّما يقال : إنّ المتيقّن من معاقد الإجماع والروايات تطهير ظواهرها (2) .

وفيه : أنّ «المسجد» عنوان معهود واسم للمعبد المعهود بين المسلمين ، والمعنى الوضعي منسيّ ، والإجماع القائم على تجنّب المساجد النجاسات ، يدلّ

ص: 126


1- تهذيب الأحكام 3 : 259 / 728 ؛ وسائل الشيعة 5 : 211 ، كتاب الصلاة ، أبواب أحكام المساجد ، الباب 11 ، الحديث 8 .
2- اُنظر مصباح الفقيه ، الطهارة 8 : 55 .

على وجوب ما يصدق عليه هذا العنوان ، وهو مجموع ما جعلت للمعبدية : أرضها إلى مقدار متعارف ، وسقفها وجدارها داخلاً وخارجاً ، وليس «المسجد» من قبيل المطلق حتّى يؤخذ بالقدر المتيقّن فيه ، بل هو كالعلم اسم لهذه البنْية .

فالأظهر حرمة تنجيس أجزائه ظاهراً وباطناً . بل لا يبعد استفادة حرمة تنجيس حصيره وفرشه بالمناسبات المغروسة في الأذهان من النبوي ومعقد الإجماع . بل الظاهر معهوديتها لدى المتشرّعة .

وجوب إزالة النجاسة عن المساجد وما يلحق بها

ثمّ إنّه كما يحرم تنجيسه يجب إزالة النجاسة منه ، ولا يبعد أن يكون قوله صلی الله علیه و آله وسلم : «جنّبوا مساجدكم»(1) وكذا معاقد الإجماعات ، ظاهرةً في وجوب الإزالة .

لكن المتفاهم منها عرفاً أنّ الأمر بها وبتجنّب المساجد ؛ لمبغوضية تنجيسها حدوثاً وبقاءً . ومنه يعلم أنّ وجوب الإزالة فوري عقلاً ؛ لاستفادة مبغوضية تلوّث المساجد مطلقاً من الأدلّة .

ويلحق بالمساجد المصحف الشريف ، والمشاهد المشرّفة ، والضرائح المقدّسة ، والتربة الحسينية ، سيّما المتّخذة للتبرّك والاستشفاء والسجدة عليها ، بلا إشكال مع لزوم الوهن ، بل مطلقاً على وجه موافق للارتكاز . بل لا يبعد أن يكون المناط في نظر المتشرّعة وارتكازهم في وجوب تجنّب المساجد النجاسات ، هو حيثية عظمتها وحرمتها لدى الشارع الأقدس ، أو كون التنجيس

ص: 127


1- تقدّم في الصفحة 121 .

مطلقاً هتكاً عنده ولو لم يكن عندنا كذلك .

هذا بالنسبة إلى غير الخطّ من المصحف ، وأمّا هو فلا ينبغي الإشكال في حرمة تنجيسه ، ووجوب الإزالة عنه ؛ لارتكازية الحكم لدى المتشرّعة ، ولفحوى قوله تعالى : )لاَ يَمَسُّهُ إِلاَّ الْمُطَهَّرُونَ((1) الظاهر منه مبغوضية مسّ غير الطاهر إيّاه بأيّ وجه اتّفق ، والمفهوم منه الحكم فيما نحن فيه ، سيّما أنّ الظاهر من الآية الكريمة أنّ المناط فيها غاية علوّ القرآن وعظمته وكرامته .

ص: 128


1- الواقعة (56) : 79 .

المطلب الرابع: في اعتبار انفصال الغسالة

اعتبار انفصال الغسالة في التطهير بالقليل

يعتبر في التطهير بالماء القليل انفصال الغسالة على النحو المتعارف ، ففي مثل

الأجسام التي لا يرسب فيها النجاسة - كالبدن والجسم الصقيل - يكفي صبّ الماء بنحو ينفصل غسالته عنها ، وفيما ترسب النجاسة فيه وتنفذ ، لا بدّ من إخراج الغسالة بالعصر أو بغيره بأيّ نحو يمكن :

لا لقيام إجماع(1) أو شهرة(2) عليه ، كما قد يدّعى ، فإنّ الظاهر من تعليل من

يدّعي الشهرة أو الإجماع أنّ الاستناد لم يكن إليهما ، بل المسألة من التفريعات التي يدخلها الاجتهاد ، وفي مثلها لا يكون الإجماع حجّة ، فضلاً عن الشهرة .

ص: 129


1- اُنظر مستند الشيعة 1 : 266 ؛ منتهى المطلب 3 : 267 ؛ الحدائق الناضرة 5 : 365 .
2- كفاية الفقه (كفاية الأحكام) 1 : 64 ؛ الطهارة ، ضمن تراث الشيخ الأعظم 5 : 261 ؛ مصباح الفقيه ، الطهارة 8 : 118 .

بل الظاهر أ نّه لم يكن للشارع إعمال تعبّد في تطهير النجاسات ، إلاّ ما استثني ممّا نصّ على كيفية تطهيره . والشاهد عليه : أنّ الروايات الواردة في باب تطهير أنواع النجاسات - على كثرتها - لم تزد على الأمر بالغسل أو الصبّ في بعض الموارد ، من غير تعرّض لبيان الكيفية إلاّ نادراً . والتنصيصُ في بعض الموارد على التعدّد كالبول(1) أو على كيفية خاصّة كالولوغ(2) ، دليل على كونها في مقام البيان في سائر النجاسات أيضاً ، فإطلاق الأمر بالغسل فيها ، يكشف عن عدم طريقة خاصّة في التطهير ، فدعوى ورود تعبّد خاصّ زائداً على لزوم الغسل ، في غير محلّها .

ولا لأنّ «الغسل» متضمّن للعصر لغةً أو عرفاً ؛ وإن قال المحقّق في «المعتبر» : «الغسل يتضمّن العصر ، ومع عدم العصر يكون صبّاً» .

ثمّ قال : ويجري ذلك - أي قولهم : «يغسل الثياب والبدن» - مجرى قول الشاعر : علفتها تبناً وماء بارداً (3) .

ثمّ استشهد برواية الحسين بن أبي العلاء ، حيث قال في الجسد : «يصبّ عليه الماء مرّتين» وفي الثوب : «اغسله مرّتين»(4) فجعل الصبّ مقابل الغسل .

ثمّ قال : «أمّا الفرق بين الثوب والبدن : فلأنّ البول يلاقي ظاهر البدن ،

ص: 130


1- راجع وسائل الشيعة 3 : 395 ، كتاب الطهارة ، أبواب النجاسات ، الباب 1 .
2- راجع وسائل الشيعة 3 : 516 ، كتاب الطهارة ، أبواب النجاسات ، الباب 70 .
3- وتمامه : علفتها تبناً وماء بارداً حتّى شتت همّالة عيناها اُنظر جامع الشواهد 2 : 100 .
4- يأتي تمام الرواية في الصفحة 134 .

ولا يرسب فيه ، فيكفي صبّ الماء ؛ لأ نّه يزيل ما على ظاهره ، وليس كذلك الثوب ؛ لأنّ النجاسة ترسخ فيه ، فلا تزول إلاّ بالعصر»(1) انتهى .

والظاهر من كلامه أنّ العصر مأخوذ في مفهوم «الغسل» فلا بدّ في الثياب من الغسل ، ولا يكفي فيها الصبّ ؛ لأ نّه لا يزيل النجاسة التي رسبت فيها ، وسائر كلامه تعقيب لما فهم من معنى «الغسل» .

ولا يبعد أن يكون قوله : «وهو مذهب علمائنا» استشهاداً بفهمهم لتضمّن «الغسل» العصرَ ، لا دعوى الإجماع على حكم تعبّدي . وإنّما قلنا : لا لذلك ؛ لأنّ «الغسل» صادق عرفاً ولغةً على صبّ الماء على البدن لإزالة القذارة وغيرها ، وقد ورد الأمر بغسل الجسد والبدن والوجه واليدين في الكتاب(2) والسنّة(3) إلى ما شاء اللّه من غير شائبة تجوّز وتأوّل .

وسيأتي الكلام في مثل رواية الحسين بن أبي العلاء(4) .

وتوهّم اعتبار العصر في مفهوم «غسل الثياب» ونحوها دون غيرها ، فيكون «الغسل» مشتركاً لفظياً ، في غاية الفساد يردّه العرف واللغة .

ولا لأنّ خروج الغسالة وانفصالها معتبر في مفهوم «الغسل» كما يظهر من المحقّق القمّي(5) - على ما ببالي - لمنع ذلك ، وصدقه مع عدم انفصالها عرفاً .

ص: 131


1- المعتبر 1 : 435 .
2- المائدة (5) : 6 .
3- راجع وسائل الشيعة 3 : 404 ، كتاب الطهارة ، أبواب النجاسات ، الباب 7 ، الحديث 10 ، والباب 12 ، الحديث 9 ، والباب 13 ، الحديث 3 و4 ، والباب 14 ، الحديث 3 .
4- يأتي في الصفحة 134 .
5- غنائم الأيّام 1 : 440 .

ولا لأنّ مفهوم «الإزالة» مأخوذ في ماهية الغسل ، كما قال به في «مصباح الفقيه»(1) ضرورة صدقه على الفاقد لها أيضاً ، فيصدق على صبّ الماء على اليد ولو لم تكن قذرة ، كالغسلتين في الوضوء .

بل لأنّ الظاهر من أدلّة غسل النجاسات : أنّ الأمر به غيري لإزالة النجاسة ، ولا يكون عنوان «الغسل» بما هو مطلوباً حتّى نقتصر في تحقّقه على أوّل المصاديق بأيّ نحو وجد ، ولا شبهة في أنّ إزالة النجاسة وإرجاع الأجسام إلى حالتها الأصلية ، تختلف باختلاف الأجسام واختلاف النجاسات ، فإذا أمر بغسل الثوب من المنيّ ، يفهم العرف منه أ نّه لا بدّ من الفرك والدلك والغمز ونحوها ، لا لاعتبارها في مفهوم «الغسل» بل لأ نّه توصّلي إلى حصول النظافة للجسم ورجوعه إلى حالته الأصلية ، وهو لا يحصل إلاّ بها .

وإذا أمر بغسل اليد من البول الذي لا جرم له ، لا يفهم منه إلاّ صبّ الماء عليه وإخراج غسالته ؛ لأنّ ملاقاة البول لا توجب حصول أثر يحتاج إلى الدلك ؛ وإن احتاج إلى إخراج غسالته لزوال القذارة به .

وبعبارة اُخرى : أنّ الغسل بالماء إنّما يوجب النظافة ورفع القذارة ، لأ نّه إذا صبّ على المحلّ وغسل به ، يوجب ذلك انتقال القذارة منه إليه ، فمع بقاء الغسالة على المحلّ لا يرتفع القذارة ، فلو يبس الثوب المغسول بالماء من غير إخراج غسالته ، تبقى قذارته عرفاً ، بخلاف ما لو خرجت منه ، فالمعتبر في التطهير ليس العصر بعنوانه ، بل المعتبر خروج الغسالة بأيّ علاج كان ، وهو أمر

ص: 132


1- مصباح الفقيه ، الطهارة 8 : 122 .

عقلائي متفاهم من الأوامر الواردة في غسل النجاسات .

وهذا بالنسبة إلى القذارات التي يدرك العرف قذارتها ، لا إشكال فيه ، ولا في مساعدة العرف عليه .

وإن كانت حكمية بنظر العرف ؛ بأن لا يبقى في الملاقي أثر من الملاقى ، لكن تتنفّر الطباع بمجرّد ملاقاته ، كملاقاته لبدن الميّت ، أو العَذِرة اليابسة ، أو ملاقاة

طعامه لها ، فإنّ غسله لرفع النفرة لا يتحقّق إلاّ بانفصال الغسالة .

وأمّا النجاسات الجعلية الإلحاقية كالكافر والكلب ونحوهما ، فهي أيضاً كذلك لأنّ الغسل كما عرفت لإزالة القذارة ، وهي تتوقّف على إخراج الغسالة بالعصر أو ما يقوم مقامه في القذارات العرفية ، فإذا جعل الشارع قذارة لشيء ، وأوجد مصداقاً من القذارة في عالم التعبّد ، يجب على المكلّف ترتيب آثار القذارة العرفية عليه .

نعم ، لمّا لم يكن التنزيل والجعل إلاّ في نفس القذارة لا غير ، يكون حكمه حكم القذارات غير العينية إذا لم يلصق من أعيانها على الملاقي ، كالمثال المتقدّم ، فلا يحتاج في التطهير إلى الدلك ونحوه .

اعتبار انفصال الغسالة حتّى مع القول بعدم انفعال الغسالة

ثمّ إنّ ما ذكرناه من لزوم العصر أو ما يقوم مقامه لإخراج الغسالة ، ثابت حتّى

مع القول بعدم انفعال الغسالة(1) ؛ فإنّ عدم انفعالها لا يلازم إزالة النجاسة عن المحلّ المتوقّفة على إخراج الماء وانفصاله .

ص: 133


1- المبسوط 1 : 92 .

نعم ، لو قلنا : بأنّ المحلّ يصير طاهراً قبل خروج الغسالة ، ومع بقائها فيه ينفعل ثانياً بها ، لكان للتفصيل وجه . لكن المبنى غير صحيح ؛ لأنّ طهارة المحلّ ونظافته إنّما تحصل بمرور الماء على المحلّ القذر ، وخروجِه منه ، فلو صبّ الماء في إناء قذر ، وقلنا بعدم انفعاله ، فمع بقائه فيه حتّى ييبس ، لا يصير طاهراً نظيفاً بحكم العقلاء ولو لم ينفعل الماء ، فالنظافة موقوفة على إزالة النجاسة وذهابها بوسيلة مرور الماء على المحلّ ؛ سواء انفعل أم لا .

وبعبارة اُخرى : أنّ الماء يزيل القذارة بمروره على المحلّ وانفصاله عنه ، لا بانتقال النجاسة إليه محضاً . مضافاً إلى أنّ الأقوى انفعال الغسالة ، وعدم التلازم بين طهارة المحلّ وطهارتها ، كما هو المقرّر في محلّه(1) .

المراد بالغسل والصبّ في الأخبار الواردة في غسل البول

ثمّ إنّ الأخبار الواردة في غسل البول - كصحيحة الحسين بن أبي العلاء على الأصحّ(2) قال : سألت أبا عبداللّه علیه السلام عن البول يصيب الجسد ، قال : «صبّ عليه الماء مرّتين ؛ فإنّما هو ماء» وسألته عن الثوب يصيبه البول ،

ص: 134


1- الطهارة (تقريرات الإمام الخميني قدس سره) الفاضل اللنكراني : 199 .
2- الحسين بن أبي العلاء الخفّاف هو أبو علي الأعور وأخواه علي وعبد الحميد وكان الحسين أوجههم ، ولا ريب في كونه إمامياً ولكن اختلفوا في وثاقته ، فمنهم من عدّه ثقة ومنهم من توقّف في حاله ، ولكنّ المصنّف قدس سره رجّح جانب الوثاقة . رجال النجاشي : 52 / 117 ؛ الفهرست ، الطوسي : 107 / 204 ؛ تنقيح المقال 1 : 317 / السطر 11 .

قال : «اغسله مرّتين» ، وسألته عن الصبيّ يبول على الثوب ، قال : «يصبّ عليه الماء قليلاً ، ثمّ يعصره»(1) ، وصحيحة البَزَنْطي قال : سألته عن البول يصيب الجسد ، قال : «صبّ عليه الماء مرّتين ؛ فإنّما هو ماء» وسألته عن الثوب ، قال : «اغسله مرّتين»(2) - لا تدلّ على اعتبار العصر أو نحوه في مفهوم «الغسل»

وهو واضح .

ولا تدلّ على أنّ الصبّ ليس بغسل ، بل تدلّ على أنّ الغسل المطلوب لإزالة القذارة ، يحصل في مثل البول والجسد بالصبّ من غير احتياج إلى الدلك والغمز ، ولهذا يفهم العرف منه أنّ الصبّ بوجه خاصّ تزال به القذارة مطلوب ، لا مطلقه ولو لم يمرّ على المحلّ ، ولم تخرج غسالته .

وإنّما قال في الثوب : «اغسله» لأجل أ نّه لو قال : «صبّ عليه» لتوهّم منه عدم لزوم إخراج غسالته ردعاً لبناء العقلاء في كيفية الغسل ، وأمر بالغسل لمعهودية كيفيته إذا كان لإزالة القذارة .

فتحصّل ممّا ذكرناه : أنّ ما يعتبر في التطهير إخراج الغسالة وانفصالها بأيّ علاج كان . بل لو كان «العصر» مصرّحاً به في الروايات ، لما كان ينقدح منه في الأذهان إلاّ الطريقية لخروج الغسالة ، لا موضوعية عنوانه بحيث لم يقم مقامه ما فَعل فعلَه .

ص: 135


1- الكافي 3 : 55 / 1 ؛ وسائل الشيعة 3 : 395 ، كتاب الطهارة ، أبواب النجاسات ، الباب 1 ، الحديث 4 ، و : 397 ، الباب 3 ، الحديث 1 .
2- السرائر 3 : 557 ؛ وسائل الشيعة 3 : 396 ، كتاب الطهارة ، أبواب النجاسات ، الباب 1 ، الحديث 7 .

اعتبار انفصال الغسالة في التطهير بالجاري ونحوه

ثمّ إنّه يظهر ممّا مرّ من أنّ عدم انفعال ماء الغسالة ، لا يلازم عدم لزوم إخراجها في التطهير : أ نّه يعتبر في الغسل بالماء الجاري والكثير المعتصم ، خروج الماء المحيط بالثوب ولو بتغيّره وتبدّله ؛ ولو في داخل الماء ، بأيّ نحو كان : من الغمز ، أو تموّج الماء ، أو قوّة حركته وجريانه . . . إلى

غير ذلك .

فالاكتفاء في التطهير بمطلق إصابة الثوب الكرّ أو الجاري ، مشكل لا دليل عليه . والأخذ بإطلاق أدلّة الغسل(1) - بعد ما مرّ من مساعدة العرف في كيفية التطهير على إمرار الماء على المحلّ لإذهاب القذارة - في غير محلّه .

كما أنّ التمسّك(2) بمرسلة الكاهلي الواردة في المطر ، وفيها : «كلّ شيء يراه ماء المطر فقد طهر»(3) مع دعوى عدم القول بالفصل بينه وبين الجاري ، بل عدمِ القول به بينه وبين الكثير ، مضافاً إلى المرسل المحكيّ عن «المنتهى»(4) عن أبي جعفر علیه السلام مشيراً إلى غدير ماء : «إنّ هذا لا يصيب شيئاً إلاّ طهّره»(5) مشكل ؛

ص: 136


1- مستمسك العروة الوثقى 2 : 36 .
2- مصباح الفقيه ، الطهارة 8 : 128 .
3- الكافي 3 : 13 / 3 ؛ وسائل الشيعة 1 : 146 ، كتاب الطهارة ، أبواب الماء المطلق ، الباب 6 ، الحديث 5 .
4- اُنظر مصباح الفقيه ، الطهارة 8 : 128 .
5- مختلف الشيعة1 : 15 ؛ مستدرك الوسائل 1 : 198 ، كتاب الطهارة ، أبواب الماء المطلق ، الباب 9 ، الحديث 8 .

لضعف المرسلة ولو سلّم جبرها بالعمل ، كما لا يبعد ، وسيأتي في محلّه(1) .

فعدم القول بالفصل والإجماع على التلازم بين المطر والجاري والكرّ ، غير ثابت . بل مقتضى إطلاق كثير من الأصحاب - على ما حكي(2) - عدم الفرق في لزوم العصر بين القليل وغيره ولو لبنائهم على كون العصر مأخوذاً في مفهوم «الغسل» .

ومرسلة «المنتهى» غير حجّة ، واشتهار الحكم بين المتأخّرين - بل واستنادهم إليها - لا يوجب الجبر مع عدم معلومية الاستناد إليها .

فالأحوط لو لم يكن الأقوى لزوم الفرك ، أو العصر ، أو التحريك ، أو نحوها ممّا يوجب تبدّل الماء الداخل في الجملة .

والظاهر تحقّقه بالغمس في الجاري الذي يكون جريانه محسوساً ، سيّما إذا كان قويّاً .

بل الظاهر حصول ذلك في القليل في بعض الأحيان ، كما إذا صبّ من مكان مرتفع بقوّة ، أو صبّ على الثوب مستمرّاً ؛ بحيث خرجت الغسالة بورود الماء بعد ورود مستمرّاً .

كفاية صبّ الماء على بول الصبيّ وعدم لزوم غسله

ثمّ إنّه يستثنى ممّا ذكر بول الصبيّ قبل أن أكل واُطعم ، وقد ادّعى السيّد إجماع الفرقة المحقّة على جواز الاقتصار على صبّ الماء والنضح ، ثمّ تمسّك

ص: 137


1- يأتي في الصفحة 343 .
2- اُنظر مصباح الفقيه ، الطهارة 8 : 128 .

بما روي عن أمير المؤمنين علیه السلام عن النبي صلی الله علیه و آله وسلم قال : «يغسل من بول الجارية ، وينضح من - على (خ . ل) - بول الصبيّ ما لم يأكل الطعام» .

وبما روت زينب - لباب (خ ل) - بنت الجون : أنّ النبي صلی الله علیه و آله وسلم أخذ الحسين ابن علي علیهما السلام فأجلسه في حجره ، فبال عليه ، قالت : فقلت له : لو أخذت ثوباً وأعطيتني إزارك لأغسله ، فقال : «إنّما يغسل من بول الاُنثى ، وينضح على بول الذكر»(1) انتهى . والروايتان من غير طرق أصحابنا (2) .

وكذا ادّعى الشيخ إجماع الفرقة فيه على كفاية الصبّ بمقدار ما يغمره ، وعدم

وجوب غسله(3) .

وعن غير واحد من المتأخّرين دعوى عدم الخلاف، وأ نّه مذهب الأصحاب(4).

وتدلّ عليه - مضافاً إلى ذلك - صحيحة الحلبي قال : سألت أبا عبداللّه علیه السلام

عن بول الصبيّ ، قال : «تصبّ عليه الماء ، فإن كان قد أكل فاغسله بالماء غسلاً ، والغلام والجارية في ذلك شرع سواء»(5) ونحوها عن «فقه الرضا علیه السلام »(6) .

ص: 138


1- مسائل الناصريات : 89 - 90 .
2- سنن أبي داود 1: 155/ 375، و: 156/ 377؛ سنن ابن ماجة 1 : 174 / 522 و525.
3- الخلاف 1 : 484 - 485 .
4- مدارك الأحكام 2 : 332 ؛ ذخيرة المعاد : 164 / السطر 29 ؛ مفاتيح الشرائع 1 : 74 ؛ الحدائق الناضرة 5 : 384 ؛ جواهر الكلام 6 : 160 .
5- الكافي 3 : 56 / 6 ؛ وسائل الشيعة 3 : 397 ، كتاب الطهارة ، أبواب النجاسات ، الباب 3 ، الحديث 2 .
6- الفقه المنسوب للإمام الرضا عليه السلام : 95 ؛ مستدرك الوسائل 2 : 554 ، كتاب الطهارة ، أبواب النجاسات ، الباب 2 ، الحديث 1 .

وعن الصدوق في «معاني الأخبار» : أنّ رسول اللّه صلی الله علیه و آله وسلم اُتي بالحسن بن علي علیهما السلام فوضع في حجره فبال ، فقال : «لا تزرموا ابني» ثمّ دعا بماء فصبّ عليه(1) .

وعن «دعائم الإسلام» : قال الصادق علیه السلام في بول الصبيّ : «يصبّ عليه الماء

حتّى يخرج من الجانب الآخر»(2) .

وموثّقة السَكوني ، عن جعفر ، عن أبيه علیهما السلام : «أنّ علياً علیه السلام قال : لبن الجارية وبولها يغسل منه الثوب قبل أن تطعم ؛ لأنّ لبنها يخرج من مثانة اُمّها ، ولبن الغلام لا يغسل منه الثوب ولا من بوله قبل أن يطعم ؛ لأنّ لبن الغلام يخرج من العضدين والمنكبين»(3) .

وروى في «فقه الرضا علیه السلام » نحوها ، عنه علیه السلام (4) وقريب منها ما عن «الجعفريات» عن جعفر بن محمّد ، عن أبيه ، عن علي علیهم السلام (5) .

ص: 139


1- معاني الأخبار : 211 / 1 ؛ وسائل الشيعة 3 : 405 ، كتاب الطهارة ، أبواب النجاسات ، الباب 8 ، الحديث 4 .
2- دعائم الإسلام 1 : 117 ؛ مستدرك الوسائل 2 : 555 ، كتاب الطهارة ، أبواب النجاسات ، الباب 2 ، الحديث 5 .
3- تهذيب الأحكام 1 : 250 / 718 ؛ وسائل الشيعة 3 : 398 ، كتاب الطهارة ، أبواب النجاسات ، الباب 3 ، الحديث 4 .
4- الفقه المنسوب للإمام الرضا عليه السلام : 95 ؛ مستدرك الوسائل 2 : 554 ، كتاب الطهارة ، أبواب النجاسات ، الباب 2 ، الحديث 1 .
5- الجعفريات ، ضمن قرب الإسناد : 12 ؛ مستدرك الوسائل 2 : 554 ، كتاب الطهارة ، أبواب النجاسات ، الباب 2 ، الحديث 3 .

وعنها ، عن جعفر بن محمّد ، عن علي علیهم السلام : «أنّ النبي صلی الله علیه و آله وسلم بال

عليه الحسن والحسين علیهما السلام قبل أن يطعما ، فكان لا يغسل بولهما من ثوبه»(1) .

ولا منافاة بين ما دلّ على عدم الغسل من بوله ، وبين ما دلّ على وجوب الصبّ ؛ فإنّ دلالة الأوّل على طهارته وعدم لزوم شيء ، بالسكوت في مقام البيان ، وهو لا يقاوم التصريح بالصبّ . بل في كون موثّقة السَكوني وما بمضمونها في مقام البيان من هذه الجهة منع ؛ فإنّ الظاهر أ نّها في مقام بيان نكتة الفرق بين بول الغلام والجارية بعد معهودية أصل الفرق .

وأمّا موثّقة سَماعة قال : سألته عن بول الصبيّ يصيب الثوب ، فقال : «اغسله» . قلت : فإن لم أجد مكانه ، قال : «اغسل الثوب كلّه»(2) .

فطريق الجمع بينها وبين صحيحة الحلبي تقييدها بها . ويمكن حملها على الاستحباب وكمال النظافة ؛ تحكيماً لنصّ رواية السَكوني على ظاهرها .

وأمّا رواية الحسين بن أبي العلاء - الصحيحة على الأصحّ(3) - قال : سألت أبا عبداللّه علیه السلام عن البول يصيب الجسد قال : «صبّ عليه الماء مرّتين ؛ فإنّما هو ماء» . وسألته عن الثوب يصيبه البول ، قال : «اغسله مرّتين» .

ص: 140


1- الجعفريات ، ضمن قرب الإسناد : 12 ؛ مستدرك الوسائل 2 : 554 ، كتاب الطهارة ، أبواب النجاسات ، الباب 2 ، الحديث 2 .
2- تهذيب الأحكام 1 : 251 / 723 ، و : 267 / 785 ؛ وسائل الشيعة 3 : 398 ، كتاب الطهارة ، أبواب النجاسات ، الباب 3 ، الحديث 3 .
3- راجع ما تقدّم في الصفحة 134، الهامش 2.

وسألته عن الصبيّ يبول على الثوب ، قال : «يصبّ عليه الماء قليلاً ، ثمّ يعصره»(1) .

فليس المراد من «العصر» فيها العصر المعهود في غسل الثياب ؛ بقرينة مقابلة صبّ الماء قليلاً والعصر ، مع غسل الثوب في بول غير الصبيّ ، فإنّه لو كان المراد منه صبّ الماء والعصر على النحو المعهود في غسل سائر النجاسات ، لقال : «اغسله» ولو كان الفرق بين بوله وبول غيره بالمرّة والمرّتين لقال : «اغسله مرّة» فتغيير التعبير دليل على عدم لزوم الغسل ، فلو كان العصر هو المعهود لزم منه وجوب الغسل ، وهو ينافي المقابلة سيّما مع تقييد الصبّ بكونه قليلاً ، وهو دليل آخر على عدم لزوم الغسل ، وعلى عدم كون العصر لإخراج الغسالة .

بل الظاهر أ نّه لإيصال الماء إلى جوف الثوب ؛ فإنّ من طباع البول - لحرارته - أن يرسب في الثوب ، ومن طباع الماء البارد أن لا يرسب عاجلاً إلاّ بالعلاج ، سيّما مع قلّته ، فلا منافاة بينها وبين صحيحة الحلبي المقتصر فيها على الصبّ ، فإنّه أيضاً لا يكفي إلاّ مع الغلبة على البول ووصول الماء إلى جميع ما وصل إليه البول ، ولا يكفي الصبّ على ظاهر الثوب لتطهير باطنه ، كما هو الظاهر من رواية «الدعائم» المتقدّمة(2) ، فإنّ الخروج من الجانب الآخر من الثوب لوصوله إلى كلّ ما وصل إليه البول في غالب الثياب ، فلا تعارض بين الروايات بحمد اللّه .

ص: 141


1- تقدّم في الصفحة 134 - 135 .
2- تقدّم في الصفحة 139 .

حول إلحاق الصبيّة بالصبيّ

وهل تلحق الصبيّة بالصبيّ ؟ ظاهر «الخلاف» بل «الناصريات» الإجماع على عدم الإلحاق(1) . وعن «المختلف» الإجماع على اختصاص الحكم بالصبيّ(2) . وعن جمع دعوى الشهرة عليه(3) .

وعن «الذكرى» : «وفي بول الصبيّة قول بالمساواة»(4) ، ولعلّه استظهره من محكيّ عبارة الصدوقين(5) ، حيث أوردا عبارة «الرضوي» بعينها (6) واختاره صاحب «الحدائق» صريحاً (7) .

والأقوى عدم الإلحاق كما عليه الأصحاب ؛ لإعراضهم عن ذيل الصحيحة .

ص: 142


1- الخلاف 1 : 484 - 485 ؛ مسائل الناصريات : 89 - 90 .
2- نقله عنه صاحب مفتاح الكرامة ، لكن لم نعثر عليه في «المختلف» كما قاله صاحب الجواهر أيضاً . اُنظر مفتاح الكرامة 2 : 172 - 173 ؛ جواهر الكلام 6 : 167 .
3- مدارك الأحكام 2 : 333 ؛ ذخيرة المعاد : 165 / السطر 3 ؛ جواهر الكلام 6 : 167 .
4- ذكرى الشيعة 1 : 123 .
5- اُنظر المعتبر 1 : 437 ؛ الفقيه 1 : 40 / 156 ؛ الهداية ، ضمن الجوامع الفقهية : 48 / السطر 23 .
6- هذا نصّ عبارة الرضوي : «وإن كان بول الغلام الرضيع فتصبّ عليه الماء صبّاً وإن كان قد أكل الطعام فاغسله ، والغلام والجارية سواء» . الفقه المنسوب للإمام الرضا عليه السلام : 95 ؛ مستدرك الوسائل 2 : 554 ، كتاب الطهارة ، أبواب النجاسات ، الباب 2 ، الحديث 1 .
7- الحدائق الناضرة 5 : 386 .

مع معارضتها لموثّقة السَكوني(1) ، حيث إنّها نفت التفرقة بينهما ، وهي صرّحت بها ، ولا جمع عقلائي بينهما . ومع التعارض فإن قلنا : بأنّ الشهرة مرجّحة ، فالترجيح مع الموثّقة .

وإن قلنا : بأ نّها موهنة لمخالفها ، فالوهن للصحيحة .

وإن قلنا : بأنّ موافقة السنّة القطعية مرجّحة ، فالترجيح للموثّقة .

وإن قلنا : بأنّ العمومات مرجع لدى التعارض ، فعمومات غسل النجاسات وغسل البول مرّتين حاكمة على عدم المساواة .

موضوع الحكم هو الصبيّ الذي لم يطعم أو لم يأكل

ثمّ إنّ الظاهر المتفاهم من الأدلّة : أنّ الموضوع للحكم هو الصبيّ الذي لم يطعم ، أو لم يأكل الطعام ، كما هو معقد إجماع «الخلاف»(2) بل «الناصريات»(3) كما يظهر من عنوان البحث فيها ، وهو المراد من «الرضيع» في خلال كلامه ، كما هو ظاهر .

وهو ومقابله مأخوذان في الروايات المحكيّة من طرقهم وطرقنا (4) عدا «فقه الرضا علیه السلام » الذي لم يثبت كونه رواية ، ولا شبهة في أنّ الظاهر من قوله علیه السلام في صحيحة الحلبي : «فإن كان قد أكل فاغسله» أ نّه إذا كان متغذّياً

ص: 143


1- تقدّمت في الصفحة 139 .
2- الخلاف 1 : 484 - 485 .
3- مسائل الناصريات: 89 .
4- تقدّمت في الصفحة 138 - 139 .

وآكلاً بشهوته وإرادته على النحو المعهود ؛ بحيث يقال : «إنّه صار متغذّياً»

للفرق بين قوله : «إذا أكل فاغسله» وقوله : «فإن كان قد أكل» لأنّ الثاني ظاهر فيما ذكرناه دون الأوّل .

وكذا الحال في قوله علیه السلام في موثّقة السَكوني : «قبل أن يطعم» وقوله علیه السلام : «ما لم يأكل الطعام» . . . إلى غير ذلك من التعابير .

وليس الرضيع موضوعاً للحكم حتّى يقال : بانصرافه إلى من لم يبلغ سنتين . واحتمال كون العنوانين كناية عن عدم كونه رضيعاً ، وفي مقابله الرضيع ، لا يساعده الظاهر ، ولهذا لا يحتمل كون بول المولود آنَ ولادته قبل الرضاع ، كبول سائر الناس ، ولا أظنّ التزام أحد بذلك . إلاّ أن يقال : بصدق «الرضيع» عليه ؛ بمعنى كونه في سنّ الرضاع ، وهو كما ترى مجاز في مجاز .

وممّا ذكرناه من كون الموضوع هو الصبيّ الذي لم يطعم ولم يأكل ، يتّضح ثبوت الحكم للصبيّ الذي شرب من لبن كافرة أو خنزيرة ، فضلاً عن بقرة ونحوها .

بل لا يبعد ثبوته لمن شرب من الألبان الجافّة المعمولة في هذه الأعصار ، على إشكال ، سيّما إذا كان ممزوجاً ببعض الأغذية ، بل الأقرب عدم الثبوت في هذا الفرض .

ثمّ إنّ ما ذكرناه من ثبوت الحكم للمذكورات ؛ إنّما هو لإطلاق الأدلّة ، ودعوى انصرافها عنها إنّما تسمع - على تأمّل في بعضها - إذا كان الموضوع للحكم الرضيع ، والاستئناس أو الاستدلال لوجوب الغسل في بعضها بموثّقة

ص: 144

السَكوني(1) - بدعوى : أنّ مقتضى التعليل فيها وجوبه(2) - كما ترى ؛ فإنّ التعليل على فرض العمل به ، تعبّدي يناسب استحباب الغسل لا لزومه ؛ ضرورة أنّ اللبن إذا خرج من المثانة ، لا يوجب ذلك نجاسته لو اُريد الملاقاة للنجس في الباطن . ومع ذلك هو غير مربوط بالاغتذاء باللبن النجس ، كما هو ظاهر .

نعم ، في إلحاق بول طفل الكافر نوع تردّد ، ناشئ من أنّ ملاقاته لجسمه يمكن أن يلحقه الأثر الزائد وإن لم ينجّسه . ويأتي ذلك التردّد فيما إذا لاقى بوله نجساً آخر ، واستهلك ذلك النجس فيه .

ولو لاقى المحلّ بعد ملاقاته لبول الصبيّ نجساً آخر - كبول غيره - فالظاهر

وجوب غسله ، وعدم الاكتفاء بالصبّ .

عدم كفاية النضح والرشّ عن الصبّ

ثمّ إنّ الظاهر من الأخبار المعتمدة لزوم الصبّ ، فلا يكفي النضح والرشّ ، وهو معقد إجماع «الخلاف»(3) .

ولا يبعد أن يكون عطف السيّد في «الناصريات» «النضح» على «الصبّ»(4) إنّما أراد به ما يصدق عليه «الصبّ» كبعض مصاديقه ، ولهذا لم يعطفه ب- «أو» إذ من البعيد استناده في الفتوى إلى الروايتين المتقدّمتين(5) من طرقهم ، وإنّما استدلّ

ص: 145


1- تقدّم في الصفحة 139 .
2- راجع جواهر الكلام 6 : 166 ؛ مستمسك العروة الوثقى 2 : 47 .
3- الخلاف 1 : 484 .
4- مسائل الناصريات : 90 .
5- تقدّمتا في الصفحة 138 .

بهما إقحاماً لهم ، كما هو دأبه ، وكذا دأب شيخ الطائفة وبعض آخر من أصحابنا . كما أ نّهم ربّما يستدلّون في الأحكام باُمور تشبه القياس إرغاماً لهم ، لا استناداً

إليها ، وظنّ الغافل غير ذلك ، وربّما طعن بهم والعياذ باللّه .

وكيف كان : فالأقوى عدم كفاية الرشّ . ودعوى إلغاء الخصوصية لو فرضت قاهرية الماء بالرشّ مع تكرّره(1) وإن لا تخلو من وجه ، لكنّ الأوجه خلافها ؛ لاحتمال كون الدفعة دخيلة في التطهير ، والقاهرية التدريجية غير كافية . بل العرف يساعد على ذلك في أبواب التطهير وإزالة النجاسات .

عدم لزوم إخراج غسالة بول الصبيّ وطهارتُها

ثمّ إنّ الظاهر من الأخبار : أنّ مجرّد صبّ الماء على بوله موجب لطهارته ؛ من غير لزوم خروج الغسالة وجري الماء على المحلّ ، ولازمه عرفاً عدم نجاسة ما انفصل منه لو فرض انفصاله بعصر أو غيره؛ للفرق الواضح بين غسالته وغسالة سائر النجاسات بحسب اقتضاء الأدلّة ؛ فإنّ كيفية تطهير سائرها - على ما مرّ(2) - بصبّ الماء على المحلّ القذر وإجرائه عليه ؛ لإزالة القذارة بذلك ، بمعنى أنّ الماء

بإجرائه على المحلّ وانفصاله يذهب بقذارته ، فصار الماء قذراً ، والمحلّ طاهراً ؛ لانتقال قذارته إلى الماء ، وهو أمر يساعد عليه العرف والعقلاء في رفع القذارات العرفية ، كما هو واضح ، ولهذا قلنا بنجاسة الغسالة حتّى المطهِّرة(3) .

ص: 146


1- جواهر الكلام 6 : 163 .
2- تقدّم في الصفحة 132 .
3- الطهارة (تقريرات الإمام الخميني قدس سره) الفاضل اللنكراني : 199 .

وأمّا بول الرضيع الذي بيّن الشارع كيفية تطهيره ، وأخطأ العرف فيها ، فلا ينبغي الإشكال في أنّ المتفاهم من أدلّتها : أنّ غلبة الماء عليه مطهّرة من غير انفعاله به ، وإلاّ فلا يحكم بجواز بقائه في الثوب حتّى ييبس ، ومعه كيف يمكن التفكيك عرفاً بين الماء الذي في المحلّ ؛ فيقال بطهارته إذا كان فيه ، ونجاسته إذا انفصل منه ؟ !

وبالجملة : فرق واضح بين الغسلة المزيلة للنجاسة بجريانها وانفصالها ، وبين

الماء المطهّر للمحلّ بنفس إصابته وقاهريته ولو لم يخرج منه ، فالقول بالتفكيك كالقياس على الغسالة(1) ضعيف جدّاً .

كيفية تطهير ظاهر الفراش وباطنه

ثمّ إنّ ما ذكرناه في صدر المبحث - من اعتبار حصول الغسل في النجاسات لإزالتها وتطهيرها ، وهو يتوقّف على قاهرية الماء على المحلّ وخروج غسالته ؛ لتحصيل الإزالة وإذهاب القذارة بمرور الماء وخروجه - هو مقتضى الأدلّة الواردة في غسل النجاسات ، وليس للشارع - إلاّ فيما استثني - طريقة خاصّة في ذلك ، ولا إعمال تعبّد ، فحينئذٍ يكون غسل الفرش المحشوّة بالصوف أو القطن ممكناً :

أمّا ظاهرها : فبإجراء الماء عليه وعصرها ، ولا تسري النجاسة من باطنها إليه بمجرّد رطوبة متّصلة ما لم يلاقِ النجسَ برطوبة . وملاقاة أحد الطرفين لا يوجب نجاسة الطرف الآخر ، كما هو مقتضى صحيحة إبراهيم بن أبي محمود

ص: 147


1- مصباح الفقيه ، الطهارة 8 : 159 .

قال : قلت للرضا علیه السلام : الطنفسة والفراش يصيبهما البول ، كيف يصنع بهما وهو ثخين كثير الحشو ؟ قال : «يغسل ما ظهر منه في وجهه»(1) .

وأمّا باطنها : فلا بدّ في تطهيره من حصول الغسل بالمعنى المتقدّم فيه ، وهو يحصل بغمرها في الماء الكثير وتحريكها ، أو غمزها أو عصرها لخروج الماء الداخل فيها ، أو صبّ الماء القليل عليها حتّى يقهر على النجاسة ، ثمّ إخراج غسالته بوجه من العلاج .

وربّما يتوهّم(2) من رواية علي بن جعفر ، عن أخيه موسى علیه السلام خلافُ ذلك ، وأوسعيةُ الأمر فيها ، قال : سألته عن الفراش يكون كثير الصوف ، فيصيبه البول ، كيف يغسل ؟ قال : «يغسل الظاهر ، ثمّ يصبّ عليه الماء في المكان الذي أصابه البول حتّى يخرج من جانب الفراش الآخر»(3) .

بدعوى دلالتها على عدم لزوم العصر وإخراج الغسالة .

وفيه أوّلاً : أنّ الظاهر منها إصابة البول لظاهر الفراش ؛ للفرق بين قوله علیه السلام : «أصابه البول» وبين قوله : «بال عليه شخص» لأنّ الظاهر من الأوّل إصابة ظاهره ، ولعلّ السؤال عنه والقيد بكثرة الصوف ؛ لاحتماله لزومَ إخراج الصوف منه ثمّ غسله ، وعدمَ تحقّق غسل ظاهره إلاّ به ، والأمر بصبّ الماء عليه بعد

ص: 148


1- الكافي 3 : 55 / 2 ؛ تهذيب الأحكام 1 : 251 / 724 ؛ وسائل الشيعة 3 : 400 ، كتاب الطهارة ، أبواب النجاسات ، الباب 5 ، الحديث 1 .
2- جواهر الكلام 6 : 144 ؛ مصباح الفقيه ، الطهارة 8 : 130 - 131 .
3- مسائل علي بن جعفر : 192 / 397 ؛ قرب الإسناد : 281 / 1114 ؛ وسائل الشيعة 3 : 400 ، كتاب الطهارة ، أبواب النجاسات ، الباب 5 ، الحديث 3 .

غسل ظاهره ؛ لعلّه لاحتمال السراية ، كالرشّ الوارد في نظيره ، ولهذا أمر بغسل

ظاهره أوّلاً ، ثمّ صبّ الماء عليه .

وتشهد لما ذكرناه صحيحة إبراهيم بن عبد الحميد قال : سألت أبا الحسن علیه السلام

عن الثوب يصيبه البول ، فينفذ إلى الجانب الآخر ، وعن الفرو وما فيه من الحشو ، قال : «اغسل ما أصاب منه ، ومسّ الجانب الآخر ، فإذا أصبت مسّ(1) شيء منه فاغسله ، وإلاّ فانضحه»(2) .

حيث أمره بالغسل في فرض نفوذ النجاسة إلى الباطن .

وثانياً : أ نّه من المحتمل أن يكون مراده من خروجه من الجانب الآخر ، خروجَ جميعه أو معظمه ، ولم يذكر العصر أو نحوه ؛ لعدم الاحتياج إلى الذكر بعد توقّفه عليه ، تأمّل .

وثالثاً : يمكن أن يكون الصوف الكثير في باطن الفراش بوجه لا يقبل الماء نوعاً ، وخرج منه الغسالة بلا علاج .

والإنصاف : أنّ رفع اليد عن إطلاق أدلّة الغسل الموافق للقواعد وارتكاز العقلاء وخصوص صحيحة إبراهيم المتقدّمة ، لا يجوز بمثل هذه الرواية .

هذا كلّه فيما يمكن فيها الغسل بالمعنى المعتبر في إزالة النجاسة .

ص: 149


1- في الوافي «من» بدل «مسّ» . [منه قدس سره]
2- الكافي 3 : 55 / 3 ؛ وسائل الشيعة 3 : 400 ، كتاب الطهارة ، أبواب النجاسات ، الباب 5 ، الحديث 2 .

كيفية تطهير ما لا ينفذ فيها الماء

وأمّا الأجسام التي لا يمكن فيها ذلك - كالصابون والحبوب والفواكه ، وما يجري مجراها ممّا لا ينفذ الماء فيها ، بل تنفذ الرطوبة فيها - فالظاهر عدم إمكان تطهير بواطنها ؛ لا بالماء الكثير ، ولا بالقليل ؛ فإنّ تطهيرها يتوقّف على مرور الماء المطلق عليها وخروجه منها لإزالة القذارة ، كما مرّ مراراً (1) ، وليس للشارع تعبّد خاصّ في تطهير البواطن ، وسيأتي في حال بعض الأخبار المتمسّك بها لذلك .

كما أ نّه ليس في الأدلّة ما تدلّ على قبول كلّية الأجسام للتطهير .

وما قيل : «إنّه يستفاد من تتبّع الأخبار وكلمات الأصحاب : أنّ كلّ متنجّس

حاله حال الثوب والبدن في قبوله للتطهير ، والتشكيك في ذلك سفسطة»(2) غير وجيه ، ولا مستند إلى دليل .

نعم ، لا شبهة في أنّ تحقّق الغسل في كلّ متنجّس موجب للطهارة ، وأمّا مع تعذّره - لأجل عدم إمكان نفوذ الماء فيه ، أو عدم إمكان إخراج غسالته منه - فلا دليل على حصولِ الطهارة له وغمضِ الشارع عن الغسل ، والاكتفاءِ بغيره بدله ، أو اكتفائه بغسل ظاهره - لطهارة باطنه تبعاً من غير تحقّق الغسل - إلاّ بعض الروايات ، كرواية زكريّا بن آدم قال : سألت أبا الحسن علیه السلام عن قطرة خمر أو نبيذ مسكر ، قطرت في قدر فيه لحم كثير ومرق كثير ؟

ص: 150


1- تقدّم في الصفحة 132 و133 و134 و146 و147 .
2- اُنظر مصباح الفقيه ، الطهارة 8 : 133 .

قال : «يهراق المرق ، أو يطعمه أهل الذمّة أو الكلب ، واللحم اغسله وكله»(1) .

وقريب منها خبر السَكوني(2) .

بدعوى : أنّ مقتضى إطلاقها إمكان غسل اللحم مطلقاً ؛ سواء كان ممّا ينفذ فيه الماء أو لا ، فتدلّ على جواز غسل مطلق اللحوم - بل مطلق أجسام نحوها - بماء كثير أو قليل يمرّ على ظاهرها، وطهارة باطنها بتبعه ، وعدم لزوم مرور الماء أو سرايته ونفوذه إلى باطنها ؛ فإنّ اللحم الذي يكون رطباً ولزجاً وقد رسب فيه الماء المتنجّس ، لا يرسب فيه الماء حتّى يتحقّق الغسل بالنسبة إلى باطنه ، فالأمر بغسله وأكله دليل على أنّ غسل ظاهره، كافٍ في طهارته ظاهراً وباطناً(3) .

وفيه : أنّ ما ذكر وجيه لو لم يقبل باطن اللحوم مطلقاً غسلاً ، وأمّا مع قبول كثير من أفرادها فلا وجه له ؛ لأنّ الأمر بغسل اللحم وأكله لا يدلّ على قبول كلّ لحم ذلك ، كما هو واضح .

فهل يمكن أن يقال : إنّ قوله : «اغسل ثوبك من البول وصلّ فيه» يدلّ على قبول كلّ ثوب الغسل ، فلو فرض عدم إمكان غسل باطن ثوب لعارض ، يكتفى بظاهره ويصلّى فيه ؟ !

ص: 151


1- تهذيب الأحكام 1 : 279 / 820 ؛ وسائل الشيعة 3 : 470 ، كتاب الطهارة ، أبواب النجاسات ، الباب 38 ، الحديث 8 .
2- الكافي 6 : 261 / 3 ؛ وسائل الشيعة 24 : 196 ، كتاب الأطعمة والأشربة ، أبواب الأطعمة المحرّمة ، الباب 44 ، الحديث 1 .
3- مصباح الفقيه ، الطهارة 8 : 142 - 143 .

بل لأحد أن يقول : إنّ الروايتين - بما أ نّهما تد لاّن على توقّف جواز الأكل

على الغسل الذي هو أمر عقلائي معهود - دالّتان على أنّ ما لا يمكن غسله لا يجوز أكله ، فلا يجوز أكل مثل الشحم وبعض أقسام اللحوم الذي لا يرسب فيه الماء ، ولا يمكن غسله .

مضافاً إلى أنّ في إطلاقهما لصورة العلم بنفوذ النجاسة إلى باطن اللحم مع ندرة حصوله إشكالاً . بل لعلّ الجمع بين إفادةِ لزوم الغسل فيما يمكن غسل باطنه ، والاكتفاءِ بغسل الظاهر عن الباطن وطهارته تبعاً ، بلفظ واحد غير ممكن ، وكالجمع بين اللحاظين المختلفين ، فتدبّر .

والإنصاف : أنّ القول بتبعية الباطن للظاهر - التي هي خلاف القواعد المحكمة - بمثل هاتين الروايتين اللتين هما على خلاف المطلوب أدلّ ، ممّا لا يمكن المساعدة عليه .

وأضعف منه التمسّك(1) بمرسلة الكاهلي ، وفيها : «كلّ شيء يراه ماء المطر فقد طهر»(2) . بدعوى عدم الفصل بينه وبين سائر المياه -

حتّى الماء القليل - من هذه الجهة .

ومرسلة العلاّمة في غدير الماء(3) مع الدعوى المذكورة .

ص: 152


1- اُنظر الطهارة ، ضمن تراث الشيخ الأعظم 5 : 266 - 267 .
2- الكافي 3 : 13 / 3 ؛ وسائل الشيعة 1 : 146 ، كتاب الطهارة ، أبواب الماء المطلق ، الباب 6 ، الحديث 5 .
3- مختلف الشيعة 1 : 15 ؛ مستدرك الوسائل 1 : 198 ، كتاب الطهارة ، أبواب الماء المطلق ، الباب 9 ، الحديث 8 .

وذلك لمنع إصابة ماء المطر وإصابة الكرّ بواطن الأشياء ، بل ما أصابها هو الرطوبة ، وهي غير الماء عرفاً .

مع ضعف مرسلة العلاّمة ، وعدم الجابر لها ، وعدم ثبوت الإجماع على الملازمة ، سيّما مع القليل .

وأغرب منه التمسّك بمرسلة الصدوق(1) الحاكية لوجدان أبي جعفر علیه السلام لقمة

خبز في القذر ، فأخذها وغسلها ليأكلها ، فأكلها غلامه(2) لأ نّها قضيّة شخصية لا يعلم كيفية قذارة الخبز، بل لا يعلم تأثّره من القذر، فضلاً عن العلم بقذارة باطنه.

ويتلوه في الضعف التشبّث(3) برواية طهارة طين المطر إلى ثلاثة أيّام(4) ونحوها ممّا هي أجنبيّة عن المقام . مع أنّ في المطر كلاماً ربّما يلتزم فيه بما لا يلتزم في غيره .

فتحصّل ممّا ذكر : أنّ في كلّ جسم من المذكورات تحقّق الغسل بما هو معتبر فيه لإزالة النجاسة - ولو بجعله مرّة أو مرّات في الماء العاصم لينفذ الماء المطلق

إلى باطنها ويخرج منه - صار طاهراً ، وإلاّ فمجرّد وصول الرطوبة ولو من الماء العاصم إليه ، لا يوجب الطهارة .

ص: 153


1- مصباح الفقيه ، الطهارة 8 : 145 .
2- الفقيه 1 : 18 / 49 ؛ وسائل الشيعة 1 : 361 ، كتاب الطهارة ، أبواب أحكام الخلوة ، الباب 39 ، الحديث 1 .
3- مصباح الفقيه ، الطهارة 8 : 136 - 137 .
4- الكافي 3 : 13 / 4 ؛ تهذيب الأحكام 1 : 267 / 783 ؛ وسائل الشيعة 3 : 522 ، كتاب الطهارة ، أبواب النجاسات ، الباب 75 ، الحديث 1 .

ودعوى وحدة الماء مع الرطوبة التي في الجوف(1) ، غير مسموعة أوّلاً ، وغير مفيدة للطهارة ثانياً ، كما مرّ(2) .

وأوضح منها فساداً دعوى : «أنّ المناط في التطهير على صدق نفوذ الكرّ فيه ،

ووصولِ الماء المطلق إلى باطنه ، ولا ملازمة بينه وبين إطلاق اسم «الماء» عليه ، فإنّه لو سرت نداوة الماء إلى خارج الإناء يطلق عرفاً : « أنّ ماءه نفذ فيه ، وخرج منه» إطلاقاً حقيقياً ، لكن لو لوحظ الأجزاء المائية السارية فيه بحَيالها لا يطلق عليها اسم «الماء» لاستهلاكها في الظرف»(3) انتهى .

إذ لم يتّضح كيف لا يصدق على ما سرى فيه «الماء» ومع ذلك صدق نفوذ الماء فيه ، ووصول الماء المطلق إلى باطنه ، وأ نّه غسل باطنه بالماء ، مع كون الرطوبة غير الماء عرفاً ، وهل هذا إلاّ تناقض ظاهر ؟ !

ومجرّد لحاظ الأجزاء تارة مستقلاًّ ، واُخرى تبعاً ، لا يوجب صيرورة الرطوبةِ ماءً ، والماءِ رطوبةً .

وليت شعري ، ما الداعي إلى هذه التكلّفات البعيدة عن الواقع والأذهان لإثبات أمر لا دليل عليه ، وأيّ دليل على قبول كلّ شيء التطهير ؟ !

فالأقوى ما تقدّم .

ص: 154


1- اُنظر الطهارة ، ضمن تراث الشيخ الأعظم 5 : 270 .
2- تقدّم في الصفحة 150 .
3- مصباح الفقيه ، الطهارة 8 : 136 .

لزوم إمرار الماء على الأرض وإخراج الغسالة في تطهيرها

ويظهر ممّا مرّ في كيفية غسل المتنجّسات : أ نّه لو تنجّس الأرض تصير طاهرة بإمرار الماء القليل عليها ، وإخراج الغسالة ، ولا يكفي صبّه عليها من غير الإمرار والإخراج .

ورواية أبي هريرة(1) - مع كونها ضعيفة ، وتسميتها : «مقبولة»(2) غير مقبولة ، ومجرّد تمسّك شيخ الطائفة(3) بها إرغاماً للقوم ، لا يوجب مقبوليتها - فيها نقل قضيّة مجهولة لا يعلم كيفيتها ؛ لاحتمال أنّ الأعرابي بال عند باب المسجد ؛ بحيث صار صبّ ذَنُوب من الماء عليه موجباً لخروج غسالته عن المسجد .

ص: 155


1- عن أبي هريرة قال : قام أعرابي فبال في المسجد فتناوله الناس فقال لهم النبي صلى الله عليه و آله وسلم : «دَعوه وأهريقوا على بوله سَجلاً من ماء أو ذَ نُوباً من ماء فإنّما بعثتم ميَسِّرين ولم تبعثوا معسِّرين» . صحيح البخاري 1 : 164 / 214 ؛ سنن أبي داود 1 : 157 / 380 ؛ سنن الترمذي 1 : 99 / 147 .
2- ذكرى الشيعة 1 : 130 .
3- الخلاف 1 : 494 .

المطلب الخامس: في اعتبار التعدّد في التطهير

لزوم الغسل مرّتين في تطهير البول بالماء القليل

يعتبر في تطهير البول - عدا ما استثني - بالماء القليل الغسل مرّتين من غير فرق بين الثوب والجسد ؛ لتظافر الأخبار عليه ، كصحيحة محمّد بن مسلم ، عن أحدهما علیهما السلام قال : سألته عن البول يصيب الثوب ، قال : «اغسله مرّتين»(1) .

ونحوها صحيحة ابن أبي يعفور(2) وصحيحة الحسين بن أبي العلاء المتقدّمة(3) .

وصحيحة البَزَنْطي المنقولة عن «جامعه» قال : سألته عن البول يصيب

ص: 156


1- تهذيب الأحكام 1 : 251 / 721 ؛ وسائل الشيعة 3 : 395 ، كتاب الطهارة ، أبواب النجاسات ، الباب 1 ، الحديث 1 .
2- تهذيب الأحكام 1 : 251 / 722 ؛ وسائل الشيعة 3 : 395 ، كتاب الطهارة ، أبواب النجاسات ، الباب 1 ، الحديث 2 .
3- تقدّمت في الصفحة 134 .

الجسد ، قال : «صبّ عليه الماء مرّتين ؛ فإنّما هو ماء» .

وسألته عن الثوب يصيبه البول ، قال : «اغسله مرّتين»(1) .

وصحيحة أبي إسحاق النحوي - ثعلبة بن ميمون الثقة على الأصحّ(2) - عن أبي عبداللّه علیه السلام قال : سألته عن البول يصيب الجسد ، قال : «صبّ عليه الماء مرّتين»(3) .

فالتفصيل بين الثوب وغيره بلزوم المرّتين في الأوّل والاكتفاء بالمرّة في الثاني - للخدشة في إسناد ما دلّ على المرّتين في الجسد(4) - ضعيف ؛ لصحّة الروايات المتقدّمة ، ووثاقة رواتها على الأصحّ . مع أنّ الحكم مشهور بين الأصحاب ، كما عن «البحار» و«المدارك» و«الكفاية»(5) وعن «المعتبر» نسبته إلى علمائنا (6) ، وعن «الذخيرة» : «أنّ عليه عمل الطائفة»(7) وليس لهم مستند غيرها ، فإسنادها مجبور لو فرض ضعفها .

وتوهّم : أنّ حمل أخبار المرّتين على الاستحباب ، أولى من رفع اليد عن

ص: 157


1- السرائر 3 : 557 ؛ وسائل الشيعة 3 : 396 ، كتاب الطهارة ، أبواب النجاسات ، الباب 1 ، الحديث 7 .
2- راجع تنقيح المقال 1 : 196 / السطر5 .
3- تهذيب الأحكام 1 : 249 / 716 ؛ وسائل الشيعة 3 : 395 ، كتاب الطهارة ، أبواب النجاسات ، الباب 1 ، الحديث 3 .
4- مدارك الأحكام 2 : 336 - 337 .
5- بحار الأنوار 77 : 129 ؛ مدارك الأحكام 2 : 336 ؛ كفاية الفقه (كفاية الأحكام) 1 : 64 .
6- المعتبر 1 : 435 .
7- ذخيرة المعاد : 161 / السطر 38 .

إطلاق الروايات الكثيرة المقتصرة على الأمر بالغسل ، مؤيّداً بما دلّ على الاكتفاء

بالمرّة في الاستنجاء ، بعد عدم الفارق عرفاً بينه وبين غيره .

فاسد ؛ لعدم الإطلاق في الأخبار ؛ لأنّ كلّها أو جلّها في مقام بيان أحكام اُخر ، فلا إطلاق فيها ، كما تقدّم في غسل الفراش(1) ؛ لكونها في مقام بيان كيفية غسل الفراش ، لا حال البول ، فقوله علیه السلام في صحيحة إبراهيم بن أبي محمود : «يغسل ما ظهر منها في وجهه»(2) يراد منه أ نّه يكتفى بغسل ظاهره ، ولا يجب إخراج حشوه أو غسله ؛ لعدم الاحتياج إليه ، وعدم الابتلاء إلاّ بظاهره ، فلا إطلاق فيها ، وكذا الحال في غيرها .

نعم ، لا يبعد الإطلاق في صحيحة عبداللّه بن سِنان قال : قال أبو عبداللّه علیه السلام : «اغسل ثوبك من أبوال ما لا يؤكل لحمه»(3) على إشكال فيه ؛ لاحتمال كونه بصدد الفرق بين بول ما يؤكل وما لا يؤكل ، لا بصدد كيفية الغسل . ولو فرض الإطلاق في بعضها ، فيقيّد بالمستفيضة الدالّة على وجوب التعدّد .

والتأييد بما في باب الاستنجاء في غير محلّه ، فإنّه لو التزمنا فيه بكفاية المرّة فلا يمكن إلغاء الخصوصية ؛ بعد ما نرى فيه من التخفيف ما ليس في غيره .

ص: 158


1- تقدّم في الصفحة 147 - 149 .
2- تقدّمت في الصفحة 147 - 148 .
3- الكافي 3 : 57 / 3 ؛ تهذيب الأحكام 1 : 264 / 770 ؛ وسائل الشيعة 3 : 405 ، كتاب الطهارة ، أبواب النجاسات ، الباب 8 ، الحديث 2 .

لزوم إخراج الغسالة في كلّ غسلة

ثمّ إنّ الظاهر منها : أنّ المعتبر في كلّ غسلة هو إخراج الغسالة على النحو المتقدّم(1) ، وأمّا الاكتفاء في الغسلة الاُولى بإزالة العين كيفما اتّفقت ، فخلاف ظاهر الأدلّة حتّى بناءً على أنّ قوله : «مرّة للإزالة ، ومرّة للإنقاء» من تتمّة رواية ابن أبي العلاء المحكيّة في «المعتبر» و«الذكرى»(2) فإنّ الغسل للإزالة بنظر العرف هو بإمرار الماء وإخراج غسالته ، لا الإزالة كيفما اتّفقت .

فالمأمور به الغسلُ للإزالة لا الإزالةُ ، كما لا يكتفى بالإنقاء كيفما اتّفق ، فكما أنّ الغسل للإنقاء لا يقتضي الاكتفاء بالإنقاء ولو بغير الغسل ، فكذا للإزالة ، سيّما مع الارتكاز على أنّ للماء خصوصيةً ، وأنّ للغسل لإزالة النجاسة لديهم كيفيةً معهودةً .

هذا كلّه مع أنّ الوثوق حاصل بعدم كون هذا الذيل من تتمّة الحديث ، بل هو من اجتهاد الناقل ؛ لعدم وجوده في شيء من كتب الحديث ، كما هو المحكيّ(3) والمشاهد . هذا كلّه حال بول غير الصبيّ .

ص: 159


1- تقدّم في الصفحة 129 .
2- المعتبر 1 : 435 ؛ ذكرى الشيعة 1 : 124 .
3- ذخيرة المعاد : 161 / السطر 33 ؛ الحدائق الناضرة 5 : 359 - 360 ؛ جواهر الكلام 6 : 186 - 187 ؛ مصباح الفقيه ، الطهارة 8 : 176 .

عدم اعتبار تعدّد الصبّ في تطهير بول الصبيّ

وأمّا بوله فالظاهر عدم اعتبار تعدّد الصبّ فيه ؛ لإطلاق صحيحة الحسين المتقدّمة(1) ، سيّما بعد وقوع السؤال عن بوله عقيب السؤال عن البول الذي أصاب الجسد والثوب ، والأمر فيهما بالصبّ والغسل مرّتين ، إذ لا يبقى معه مجال توهّم عدم الإطلاق .

بل الظاهر إطلاق صحيحة الحلبي أيضاً ، قال : سألت أبا عبداللّه علیه السلام عن بول

الصبيّ ، قال : «تصبّ عليه الماء ، فإن كان قد أكل فاغسله بالماء غسلاً»(2) .

فإنّ الظاهر أنّ سؤاله كان بعد الفراغ عن كيفية غسل بول غير الصبيّ ، وإنّما

كان شاكّاً في كيفية غسل بوله ، فقوله علیه السلام : «تصبّ عليه الماء» لبيان كيفيته ، وقوله علیه السلام : «فإن كان قد أكل» لبيان غاية الحكم في الصبيّ ، لا لبيان غسل بول غيره حتّى يقال : كما لم يذكر الكيفية في الثاني - لعدم كونه في مقام بيانها - فكذا

بول الصبيّ .

وبالجملة : إنّ الظاهر كونه في مقام بيان كيفية غسل بول الصبيّ الذي هو محطّ السؤال ، فيؤخذ بإطلاقه ، لا لبيان كيفية غسل بول غيره ، فلا إطلاق فيها من هذه الجهة ، فلا ينبغي الإشكال في كفاية المرّة . هذا حال الغسل بالماء القليل .

ص: 160


1- تقدّمت في الصفحة 134 .
2- الكافي 3 : 56 / 6 ؛ وسائل الشيعة 3 : 397 ، كتاب الطهارة ، أبواب النجاسات ، الباب 3 ، الحديث 2 .

كفاية المرّة في تطهير البول بالماء الجاري لا الكرّ

وأمّا الجاري فيكفي فيه مرّة واحدة بلا خلاف على المحكيّ(1) ، وتدلّ عليه صحيحة محمّد بن مسلم قال : سألت أبا عبداللّه علیه السلام عن الثوب يصيبه البول ، قال : «اغسله في المِرْكَن مرّتين ، فإن غسلته في ماءٍ جارٍ فمرّةً واحدةً»(2) .

ويمكن الاستدلال بها للاكتفاء بالغسل في الكرّ بمرّة واحدة بأن يقال : لا إشكال في أنّ قوله علیه السلام : «في المِرْكَن» كناية عن الغسل بالماء القليل ، وإلاّ فالكون في المِرْكَن لا دخالة له في الحكم ، سيّما مع مقابلته للجاري ، فكأ نّه قال : «اغسله بالقليل مرّتين» .

ولا ريب في أنّ لقيد القلّة دخالةً في إيجاب المرّتين ، ومفهوم القيد وإن لم يكن حجّة في غير المقام ، لكن فيه خصوصية لا بدّ من الالتزام بحجّيته : وهي عدم كون شيء آخر صالح للقيام مقام القيد في إيجاب المرّتين ؛ فإنّ ما يتوهّم إمكان قيامه هو الكثير المقابل للجاري والقليل المذكورين ، وهو لا يصلح للنيابة ؛ لأنّ دخالة القلّة في ثبوت حكم لا يمكن مع دخالة الكثرة أيضاً ، وكون الحكم للجامع بينهما يخالف ظاهر الرواية ، فلا بدّ من القول : بأنّ القلّة علّة منحصرة ، ومع فقدها لا يجب المرّتان ، والأكثر منهما مقطوع العدم ، فيجب المرّة في غير القليل ، وهو المطلوب .

ص: 161


1- جواهر الكلام 6 : 195 ؛ مصباح الفقيه ، الطهارة 8 : 179 .
2- تهذيب الأحكام 1 : 250 / 717 ؛ وسائل الشيعة 3 : 397 ، كتاب الطهارة ، أبواب النجاسات ، الباب 2 ، الحديث 1 .

وإنّما ذكر أحد مصاديق المفهوم وهو الجاري ؛ لنكتة خفيّة علينا .

وقد قلنا سابقاً (1) : أنْ لا مفهوم للقضيّة الشرطية التي ذكرت تصريحاً

بالمفهوم ؛ وإن قلنا بالمفهوم في سائر الموارد . هذا مع أنّ الشرطية في المقام سيقت لبيان تحقّق الموضوع ، والوصف لا مفهوم له في غير المقام ، فضلاً عن المقام الذي ذكرت القضيّة الثانية لبيان مفهوم القيد في القضيّة الاُولى .

فتحصّل من ذلك : حجّية مفهوم القيد في الجملة الاُولى دون الثانية ، فلا تعارض بينهما من حيث المفهوم ، وإنّما ذكر الجاري - وهو أحد مصاديق المفهوم - لنكتة لعلّها كثرة وجوده في بلد السائل .

هذا غاية ما يمكن أن يقال في تقريب الصحيحة لإثبات المطلوب .

لكنّه محلّ إشكال ولو سلّم كون المِرْكَن كناية عن القلّة ؛ لإمكان أن يكون النائب مناب القيد الركود لا الكثرة ، فلا يأتي فيه ما تقدّم من البيان .

لا يقال : إنّ الركود مشترك بين القليل والكرّ ؛ فإنّ الجاري القليل حكمه مرّة ، فلا معنى لنيابته عنه .

فإنّه يقال : يمكن أن تكون القلّة سبباً مستقلاًّ ، والجريان مانعاً عن تأثيره ، والركود سبباً آخر ، وإنّما نسب الحكم في القليل إلى القلّة لكونها كالوصف الذاتي للماء ، بخلاف الركود المقابل للجريان ، فإنّه من الأعراض اللاحقة ، والوصف الذاتي أسبق في التأثير .

هذا مع إمكان أن يقال : إنّ ذكر المِرْكَن ليس للاحتراز ، بل لمجرّد ذكر قسم

ص: 162


1- تقدّم في الصفحة 98 .

من الماء ، فحينئذٍ لأحد أن يعكس الأمر ويقول : إنّ توصيف الماء ب- «الجاري» لدخالته في الحكم ، وليس شيء ينوب منابه ؛ إذ مقابل الجاري الراكد ، وهو لا يصلح للنيابة ؛ لعين ما تقدّم ، فيكون للجملة الثانية مفهوم بعد عدم المفهوم للاُولى ، وإنّما ذكر المِرْكَن لأ نّه أحد المصاديق ، فتدلّ الرواية بمفهومها على وجوب التعدّد في غير الجاري .

لكنّه أيضاً محلّ إشكال ؛ لأنّ الراكد وإن لم يصلح للنيابة ، لكنّ الكثير يمكن أن ينوب عن الجاري ، سيّما مع التناسب بينهما .

ولكن الإنصاف : أنّ إثبات حكم المرّة أو المرّتين في الكرّ بهذه الرواية ، في غاية الإشكال ، والظاهر سكوتها عن حكم الكرّ .

وأمّا الاستدلال(1) على الاكتفاء بالمرّة بمرسلة العلاّمة المتقدّمة ، عن أبي جعفر علیه السلام مشيراً إلى غدير : «إنّ هذا لا يصيب شيئاً إلاّ طهّره»(2) بدعوى انجبار سندها بالشهرة ، وأقوائية دلالتها ممّا وردت في غسل البول مرّتين ؛ لأ نّها بالعموم ، وتلك بالإطلاق . بل الإطلاق أيضاً صار موهوناً بخروج الجاري منها . بل يمكن إنكار دلالتها إلاّ على القليل ؛ لكثرة القليل ، وقلّة الكثير في تلك البلاد ، سيّما مع مقابلة الغسل للصبّ فيها ، ومصبّه القليل .

ففيه : منع جبر السند بعمل المتأخّرين ، مع عدم ثبوت الاشتهار بالعمل بها حتّى منهم .

ص: 163


1- مصباح الفقيه ، الطهارة 8 : 180 .
2- تقدّمت في الصفحة 136 .

ومنع أقوائية دلالتها ؛ لأ نّها بالإطلاق أيضاً لا العموم ، كما قرّر في محلّه(1) . بل للمنع من أقوائية العموم من الإطلاق مجال .

وخروج الجاري لا يوجب وهناً في الإطلاق لو لم نقل بإيجابه القوّة ، ولا مجال لإنكار إطلاقها حتّى فيما اشتملت على الصبّ ، فضلاً عن غيرها . وقلّة الكثير في بلد السائل - كابن مسلم وأبي إسحاق وابن أبي يعفور الكوفيين - كما ترى .

والاستدلال عليه(2) بروايات ماء الحمّام - كقوله علیه السلام : «هو بمنزلة الماء الجاري»(3) وقوله : «ماء الحمّام كماء النهر يطهّر بعضه بعضاً»(4) - فرع إثبات عموم التنزيل ، وهو ممنوع ؛ لأنّ الناظر في الروايات لا ينبغي أن يشكّ في أنّ التنزيل في عدم الانفعال ، وتقوّي بعضه ببعض آخر ، وتطهيرِ المادّة الحياضَ كما هو الظاهر من الأسئلة والأجوبة ، فلا دلالة على عمومه ، سيّما مع كون المعهود ذلك .

ودعوى إلغاء الخصوصية عرفاً من قوله علیه السلام : «فإن غسلته بالماء الجاري فمرّة واحدة»(5) فإنّ الاكتفاء فيه بها ليس إلاّ لقاهريته واستهلاك النجاسة فيه ،

ص: 164


1- مناهج الوصول 2 : 209 .
2- اُنظر مصباح الفقيه ، الطهارة 8 : 181 .
3- تهذيب الأحكام 1 : 378 / 1170 ؛ وسائل الشيعة 1 : 148 ، كتاب الطهارة ، أبواب الماء المطلق ، الباب 7 ، الحديث 1 .
4- الكافي 3 : 14 / 1 ؛ وسائل الشيعة 1 : 150 ، كتاب الطهارة ، أبواب الماء المطلق ، الباب 7 ، الحديث 7 .
5- تقدّم في الصفحة 161 .

ولا دخالة للمادّة والجريان فيه . بل ربّما يدّعى القطع بالمساواة(1) .

فيها ما لا يخفى ؛ لعدم مجال لإلغائها عرفاً بعد ما نرى أنّ للجاري خصوصية عرفاً ولدى العقلاء . ومن هنا لا ظنّ بالمساواة ، فضلاً عن القطع بها ، سيّما مع ما

في الأحكام من المناطات التي تقصر العقول عن إدراكها .

ولقد أطنب المحقّق صاحب «الجواهر» وأكثر في الاستدلال على الاكتفاء ، ولم يأتِ بشيء مقنع يمكن التشبّث به في مقابل الإطلاقات والأصل(2) .

عدم الفرق بين بول الإنسان وغيره من الحيوانات غير المأكولة

ثمّ إنّ مقتضى الأدلّة عدم الفرق بين بول الإنسان وغيره من الحيوانات غير المأكولة ، ودعوى الانصراف وعدم الإطلاق(3) ضعيفة ، كما لا يتوهّم فيما ورد في الدم وغيره ، مع كونهما من قبيله ، أو أسوأ حالاً .

بل لا يبعد استفادة حكم سائر الأبوال لو فرض السؤال عن بوله الذي أصاب ثوبه ، فإنّه كما تلغى الخصوصية من الثوب عرفاً تلغى من البول ، فيقال : إنّ الحكم لطبيعة البول ، لا لبول نفسه أو نوعه ، تأمّل .

مضافاً إلى أ نّه لا قصور في إطلاق صحيحة ابن مسلم وأبي إسحاق وابن أبي يعفور وغيرها (4) ، والظاهر منها أنّ الحكم لنفس طبيعته ، وقلّة الابتلاء ببول

ص: 165


1- جواهر الكلام 6 : 196 - 197 .
2- جواهر الكلام 6 : 196 - 198 .
3- مصباح الفقيه ، الطهارة 8 : 189 .
4- تقدّمت الروايات في الصفحة 156 - 157 .

غير الإنسان وكثرة الابتلاء ببوله ، لا توجب الانصراف ، كما لا تنصرف سائر المطلقات عن الأفراد القليلة الابتلاء بها . مع منع قلّة الابتلاء ببعض الأبوال .

ومضافاً إلى موثّقة سَماعة قال : سألته عن أبوال الكلب والسِنَّوْر والحمار

والفرس ، فقال : «كأبوال الإنسان»(1) .

ومقتضى عموم التشبيه أنّ حدّ قذارتها كقذارة بوله ، فلا بدّ من غسلها مرّتين . وحمل الحكم في الحمار والفرس على محمل كالتقيّة ونحوها (2) ، لا يوجب رفع اليد عن غيره . والظاهر أنّ ذكر الكلب والسِنَّوْر من باب المثال لكلّ ما لا يؤكل .

ولو نوقش فيما ذكر ففي الإطلاقات كفاية .

لزوم التعدّد فيما زالت عين البول بغير الغسل

كما أنّ مقتضى إطلاقها لزوم الغسل مرّتين ولو بعد جفاف البول ، أو زواله بغير الماء ، وكذا مقتضاه عدم لزوم كونهما بعد زوال العين إذا فرض زوالها بالغسلة الاُولى .

وبالجملة : ما يعتبر فيه هو المرّتان ، سواء كانت عين البول زائلة بشيء آخر ، أو زالت بإحداهما ، فيضمّ إليها الاُخرى ، ويكتفى بهما .

والقول : بالاكتفاء بالمرّة مع زوال العين ولو بالجفاف ، أو بغير الماء ؛ بدعوى أنّ الغسلة الاُولى للإزالة ، فإذا تحقّقت لا يحتاج إليها ، بل يطهر مع مرّة ، كما هو

ص: 166


1- تهذيب الأحكام 1 : 422 / 1336 ؛ وسائل الشيعة 3 : 406 ، كتاب الطهارة ، أبواب النجاسات ، الباب 8 ، الحديث 7 .
2- كما حمله الشيخ الطوسي ، اُنظر الاستبصار 1 : 180 ، ذيل الحديث627 .

مقتضى ذيل صحيحة الحسين - على نقل المحقّق والشهيد(1) -(2) .

ضعيف ؛ لعدم الدليل على كون الاُولى لمجرّد الإزالة بأيّ نحو اتّفقت ، بل لا دليل على كونها لها مطلقاً ، وقد مرّ الكلام في حال ذيل الصحيحة .

بل قلنا : إنّه مع فرضه أيضاً لا ينتج ، فمقتضى إطلاق الأدلّة لزومهما ؛ جفّ أو لا ، اُزيل بغير الغسل أو لا .

كما أنّ القول بكفاية المرّتين ولو لم تزل العين بالاُولى(3) ، ضعيف جدّاً ؛ فإنّ فرض حصول الغسل بالاُولى وبقاء عين البول ، فرض غير واقع أو نادر جدّاً ، ولو فرض تحقّقه في بعض الأحيان - كما إذا تكرّر البول في شيء ورسب ، وبقي جرمه ورسوبه فيه - فلا يطهر إلاّ بالدلك وإزالة العين ، ثمّ غسله مرّتين ، ويكفي ضمّ غسله إلى الغسلة المزيلة .

عدم كفاية الغسل المستمرّ بقدر الغسلتين

وقريب منها في الضعف دعوى كفاية التقدير في الغسلتين ؛ بمعنى الاكتفاء بالصبّ المستمرّ بقدر الغسلتين، بدعوى: أنّ الأمر بالمرّتين لحصول النظافة، وهي تحصل بالاستمرار. بل ربّما يكون ذلك أوقع في التنظيف. بل لا دخالة لقطع الماء جزماً ، وما هو المزيل والمطهّر جريان الماء وقاهريته ، وقد حصلا بالاستمرار(4) .

ص: 167


1- تقدّم تخريجهما في الصفحة 159 ، الهامش 2 .
2- اُنظر مصباح الفقيه ، الطهارة 8 : 175 ؛ قواعد الأحكام 1 : 193 .
3- اُنظر مصباح الفقيه ، الطهارة 8 : 182 .
4- اُنظر جواهر الكلام 6 : 190 ؛ ذكرى الشيعة 1 : 128 .

وفيها : أنّ تلك الدعاوى لا توجب رفع اليد عن ظاهر الأخبار المستفيضة . ودعوى الجزم بالمناط في غير محلّها في الأحكام التعبّدية .

فالأقوى اعتبار التعدّد ولو في الكرّ ؛ بناءً على اعتباره فيه . ولا يكفي الجري تحت الماء مرّتين إلاّ إذا حصل تعدّد الغسل عرفاً ، كما لا يبعد حصوله بعض الأحيان ، تأمّل .

فرع في عدم اعتبار التعدّد في تطهير غير البول

هل يختصّ اعتبار التعدّد بغسل البول ، فيكفي في غيره غسله مرّة واحدة ، أم يجري في سائر النجاسات ؟

الأقوى الأوّل ، كما نسب إلى الأكثر ، بل المشهور(1) :

لا لإطلاق الأدلّة(2) ؛ لعدم الإطلاق في جميع الأنواع ، بل يتطرّق الإشكال في كثير من الموارد التي ادّعي فيها الإطلاق . نعم لا يبعد في بعضها ، لكن كفايته بالنسبة إلى ما لا إطلاق فيه مشكلة .

ودعوى عدم القول بالفصل(3) غير متّجهة .

وما يمكن دعوى الإطلاق فيها بالنسبة إلى جميع النجاسات ، ليست إلاّ مرسلة محمّد بن إسماعيل ، عن أبي الحسن علیه السلام في طين المطر : «إنّه لا بأس به

ص: 168


1- مستند الشيعة 1 : 286 ؛ مصباح الفقيه ، الطهارة 8 : 184 .
2- اُنظر جواهر الكلام 6 : 192 - 193 ؛ مصباح الفقيه ، الطهارة 8 : 184 .
3- مصباح الفقيه ، الطهارة 8 : 186 .

أن يصيب الثوب ثلاثة أيّام ، إلاّ أن يعلم أ نّه قد نجّسه شيء بعد المطر ، فإن أصابه بعد ثلاثة أيّام فاغسله ، وإن كان الطريق نظيفاً لم تغسله»(1) .

بدعوى : أنّ قوله علیه السلام : «فإن أصابه بعد ثلاثة أيّام فاغسله» يراد به أ نّه إذا نجّسه شيء من النجاسات ، ومقتضى إطلاقها كفاية المرّة في مطلق النجاسات إلاّ ما خرجت بالدليل .

لكنّها مشكلة ، بل ممنوعة ؛ فإنّه بعد الغضّ عن كونها في مقام بيان حكم آخر فلا إطلاق فيها من هذه الجهة ، أنّ ظاهرها لزوم الغسل بعد ثلاثة أيّام في فرض عدم العلم ، وإلاّ فلا وجه للفرق بين ثلاثة أيّام وبعدها ، فلا بدّ من حمل الأمر على الاستحباب بعد المخالفة للقواعد ، والظاهر عدم التزامهم بمضمونها . مع أ نّها ضعيفة أيضاً .

وأمّا غيرها ، ففي موارد خاصّة(2) لا يمكن إلحاق غيرها بها بدعوى إلغاء الخصوصية ؛ بعد إعمال التعبّد في بعض الموارد ، كالبول والولوغ .

ولا لأصالة البراءة عن الغسلة الثانية بدعوى : أنّ النجاسة في الحكميات انتزاعية من التكليف ، فمرجع الشكّ في زوالها إلى الشكّ في لزوم المرّة أو المرّتين ، فتدفع الثانية بالأصل ، ولا يجري الاستصحاب(3) .

ص: 169


1- الكافي 3 : 13 / 4 ؛ تهذيب الأحكام 1 : 267 / 783 ؛ وسائل الشيعة 3 : 522 ، كتاب الطهارة ، أبواب النجاسات ، الباب 75 ، الحديث 1 .
2- مثل ما ورد في الكلب والخنزير والكافر . راجع وسائل الشيعة 3 : 414 ، كتاب الطهارة ، أبواب النجاسات ، الباب 12 ، 13 ، 14 ، 15 و16 .
3- جواهر الكلام 6 : 193 ؛ مصباح الفقيه ، الطهارة 8 : 187 .

إذ هي ضعيفة مخالفة لظواهر الأدلّة ، ولقد قلنا سابقاً : إنّه ليس للشارع المقدّس في باب النجاسات اصطلاح خاصّ ، وقد تصرّف فيها بالإلحاق والإخراج(1) ، فالقذارة - كما لدى العرف والعقلاء - أمر قائم بالجسم ، باقٍ فيه إلى أن تزول بمزيل ولو في المعنوي منها بنظرهم ، فكذلك لدى الشارع ، ومع الشكّ في بقائها يجري الاستصحاب ، ولا مجال لجريان أصالة البراءة .

وبالجملة : للقذارة مصداقان : عرفي ، وجعلي وضعي ، ولا ينبغي الإشكال في جريان الاستصحاب فيها ، كما في أشباهها .

ولا لقوله علیه السلام (2) : «خلق اللّه الماء طهوراً لا ينجّسه شيء»(3) ضرورة عدم الإطلاق فيه للمقام ، ومثله أجنبيّ عنه .

بل لأنّ الطهور وإزالة النجاسة لمّا كانا أمرين معلومين لدى العقلاء ، وتكون كيفية حصولهما معهودة معروفة لديهم ، ولهم طريقة عقلائية معمولة فيهما ، وحصول الطهور - وهو إرجاع الأمر المتلوّث بالقذارة إلى حالته الأوّلية ونظافته الذاتية - أمر معلوم لدى كلّ أحد ، فلا محالة إذا حكم الشارع بعدم جواز الصلاة في الثوب المستقذر بالمنيّ أو الدم مثلاً إلاّ إذا طهّر ، لا يشكّ العرف في كيفية رفع

قذارته وحصول الطهارة له ، فإذا تحقّق لا يرى العقلاء بقاء المانع أو عدم حصول الشرائط ، إلاّ أن يدلّ دليل على الخلاف .

ص: 170


1- تقدّم في الجزء الثالث : 9 - 11 .
2- اُنظر مستمسك العروة الوثقى 2 : 17 .
3- السرائر 1 : 64 ؛ المعتبر 1 : 41 ؛ وسائل الشيعة 1 : 135 ، كتاب الطهارة ، أبواب الماء المطلق ، الباب 1 ، الحديث 9 .

وإن شئت قلت : إنّ ذلك نظير بناء العقلاء على العمل بشيء ، فإذا لم يرد منع عنه يكشف عن ارتضاء الشارع به . بل هو أولى من ذلك ؛ فإنّه أمر تكويني حاصل بالوجدان ، فإذا قال الشارع : «إنّ الثوب النجس بالبول أو الدم لا يجوز الصلاة فيه حتّى يطهّر» لا يشكّ العرف في كيفية تطهّره وإرجاعه إلى حالته الاُولى ، إلاّ أن يرد تعبّد خاصّ من الشارع يردعه عمّا هو المعلوم عنده .

وإن شئت سمّ ذلك : ب- «الإطلاق المقامي» بل هو أوضح عنده ، ولهذا لم يرد في شيء من الأدلّة - إلاّ فيما فيه تعبّد خاصّ - بيان كيفية الغسل إلاّ نادراً ، وليس

ذلك إلاّ لعدم الاحتياج إليه ، كعدم الاحتياج إلى بيان سائر الموضوعات المعلومة لدى العرف .

هذا مضافاً إلى إمكان الاستدلال للمطلوب بكفاية المرّة في ملاقي الكلب ؛ لإطلاق أدلّة غسله ، كصحيحة الفضل قال : قال أبو عبداللّه علیه السلام : «إن أصاب ثوبك من الكلب رطوبة فاغسله ، وإن أصابه جافّاً فاصبب عليه الماء»(1) .

وصحيحة محمّد بن مسلم قال : سألت أبا عبداللّه علیه السلام عن الكلب يصيب شيئاً من جسد الرجل ، قال : «يغسل المكان الذي أصابه»(2) .

ص: 171


1- تهذيب الأحكام 1 : 261 / 759 ؛ وسائل الشيعة 3 : 414 ، كتاب الطهارة ، أبواب النجاسات ، الباب 12 ، الحديث 1 .
2- تهذيب الأحكام 1 : 260 / 758 ؛ وسائل الشيعة 3 : 415 ، كتاب الطهارة ، أبواب النجاسات ، الباب 12 ، الحديث 4 .

وفي حديث الأربعمائة عن علي علیه السلام قال : «تنزّهوا عن قرب الكلاب ، فمن أصاب الكلب وهو رطب فليغسله ، وإن كان جافّاً فلينضح ثوبه بالماء»(1) .

إلى غير ذلك ممّا لا ينبغي الإشكال في إطلاقها ، سيّما صحيحة ابن مسلم ، فإنّ السامع إذا سمع مثل ذلك ، يفهم منه أنّ تحقّق الغسل كافٍ في رفع القذارة ، سيّما مع كون الغسل من القذارات معهوداً عندهم .

فإذا ضمّ إلى ذلك موثّقة ابن أبي يعفور ، عن أبي عبداللّه علیه السلام قال : «وإيّاك أن تغتسل من غسالة الحمّام ؛ ففيها يجتمع غسالة اليهودي والنصراني والمجوسي والناصب لنا أهلَ البيت ، وهو شرّهم ؛ فإنّ اللّه تبارك وتعالى لم يخلق خلقاً أنجس من الكلب ، وإنّ الناصب لنا أهلَ البيت لأنجس منه»(2) .

يستفاد منها أنّ سائر النجاسات التي لا تكون بمثابة نجاسة الكلب تطهر بمرّة ، إلاّ ما ورد دليل على عدم الاكتفاء بها ، فيستكشف منه أقذريته من الكلب . واستثناء شيء منها موضوعاً أو حكماً لا مانع منه .

وتوهّم عدم ملازمة الأقذرية لما ذكر ، مدفوع بمخالفته لفهم العرف . نعم لا يلزم أن يكون ملاقي الأقذر محتاجاً إلى مرّتين ؛ لإمكان أن تكون المرّة مزيلة لتمام مراتب النجاسة .

ص: 172


1- الخصال : 626 ؛ وسائل الشيعة 3 : 417 ، كتاب الطهارة ، أبواب النجاسات ، الباب12 ، الحديث 11 .
2- علل الشرائع : 292 / 1 ؛ وسائل الشيعة 1 : 220 ، كتاب الطهارة ، أبواب الماء المضاف ، الباب 11 ، الحديث 5 .

ولا ينبغي الإشكال في أنّ النجاسة المذكورة في الرواية هي المعهودة ؛ بقرينة صدرها ، لا القذارة المعنوية .

والمراد من «غسالة الحمّام» فيها هي ماء البئر الذي يكون من فضالة ماء الحياض التي لها مادّة من المنابع التي في الحمّامات ، فإنّ الظاهر من مجموع ما وردت في الحمّامات : أنّ لها في تلك الأعصار منابع محفوظة ، لها مزمّلة ، وتحت المزمّلات حياض صغار متقوّيات بتلك المنابع بوسيلة المزمّلات ، وكان يغتسل الناس في تلك الحياض، وتجري فضالتها إلى محلّ آخر يقال له: «البئر».

فما وردت من عدم انفعال ماء الحمّام وأ نّه بمنزلة الجاري(1) يراد به ما في الحياض الصغار المتقوّية بالمنابع التي يقال لها : «المادّة» ، وما بمضمون الموثّقة(2) يراد به ماء البئر الذي غير متقوٍّ بالمادّة ، فلا منافاة بينها حتّى نحتاج إلى حمل هذه الطائفة على الاستحباب ، كما صنع صاحب «الوسائل»(3) وتخرج عن الاستشهاد بها للمقام . ودعوى اختصاص أقذرية الكلب بولوغه أو أ نّه أقذر بلحاظها ، مخالفة لظاهر الدليل ، كما لا يخفى .

وأمّا الاستدلال(4) للزوم المرّتين في سائر النجاسات بقوله علیه السلام في البول : «إنّما هو ماء»(5) مع لزوم المرّتين فيه ، فإذا وجب الغسل في الأهون

ص: 173


1- راجع وسائل الشيعة 1 : 148 ، كتاب الطهارة ، أبواب الماء المطلق ، الباب 7 .
2- راجع وسائل الشيعة 1 : 218 ، كتاب الطهارة ، أبواب الماء المضاف ، الباب 11 .
3- وسائل الشيعة 1 : 220 ، ذيل الحديث5 .
4- منتهى المطلب 3 : 264 ؛ كشف اللثام 1 : 437 ؛ مصباح الفقيه ، الطهارة 8 : 188 .
5- تقدّم في الصفحة 157 .

مرّتين يجب في غيره ، كالمنيّ الذي شدّده وجعله أشدّ من البول ، كما في الحديث(1) .

فضعيف ؛ لأنّ قوله علیه السلام : «هو ماء» يراد به عدم لزوم الدلك ، لا أهونية نجاسته ، كما يراد بأشدّية المنيّ احتياجه إليه ، لا أقذريته من البول ، ولهذا قال أبو عبداللّه علیه السلام - على ما في حديث إبطال القياس - ردّاً على أبي حنيفة : «أيّهما أرجس : البول أو الجنابة ؟» فقال : البول ، فقال أبو عبداللّه علیه السلام : «فما بال الناس يغتسلون من الجنابة ، ولا يغتسلون من البول ؟ !»(2) .

والظاهر أنّ أرجسية البول كان متسالماً بينهما ؛ وإن احتمل كونها عند أبي حنيفة ، وألزمه بما هو مسلّم عنده .

اعتبار جريان الماء على المتنجّس بعد زوال عين النجاسة

ثمّ إنّ الظاهر كون المرّة في سائر النجاسات غير الغسلة المزيلة ، لا بمعنى

لزوم مرّة بعدها ، بل بمعنى إمرار الماء على المحلّ بعد الإزالة ولو باستمرار الغسلة المزيلة ؛ فإنّ التطهير وإزالة القذارة لدى العرف معهودان ، وإطلاقات الغسل محمولة على ما هو المعهود ، وهما متقوّمتان على ما مرّ(3) بما ذكر ، فلا مجال للأخذ بإطلاق الأدلّة(4) .

ص: 174


1- وسائل الشيعة 3 : 424 ، كتاب الطهارة ، أبواب النجاسات ، الباب 16 ، الحديث 2 .
2- علل الشرائع : 90 / 5 ؛ وسائل الشيعة 2 : 180 ، كتاب الطهارة ، أبواب الجنابة ، الباب 2 ، الحديث 5 .
3- تقدّم في الصفحة 132 .
4- مدارك الأحكام 2 : 338 ؛ مستمسك العروة الوثقى 2 : 21 .

عدم العبرة ببقاء لون النجاسة أو ريحها في التطهير

ويظهر ممّا مرّ آنفاً - من أنّ الغسل للإزالة معهود - أ نّه لا عبرة باللون والريح ، ونحوهما ممّا لا تعدّ لدى العرف من أعيان النجاسات ، فغسل الدم من الثوب ليس إلاّ إزالة عينه بالماء بالطريق المعهود ، واللون ليس بدم عرفاً ، وليس بنجس ، ولا يحتاج في تطهير الدم إلى إزالته .

ولا عبرة بحكم العقل البرهاني ببقاء العين حتّى في الرائحة ، ولا بالآلات المستحدثة المكبّرة للأجزاء الصغار حتّى يرى بتوسّطها الألوان أعياناً .

وهذا واضح لا يحتاج إلى تجشّم استدلال ؛ بعد وضوح كون المشخّص لموضوعات الأحكام - مفهوماً ومصداقاً - هو العرف العامّ .

وأمّا الروايات المستدلّ بها (1) للمطلوب ، فلا تخلو دلالتها من نوع مناقشة ؛ لأنّ صحيحة ابن المغيرة - عن أبي الحسن علیه السلام قال : قلت له : إنّ للاستنجاء حدّاً ؟ قال : «لا ، حتّى ينقى ما ثمّة» .

قلت : فإنّه ينقى ما ثمّة ويبقى الريح ، قال : «الريح لا ينظر إليه»(2) - يحتمل فيها أن يكون الحكم من مختصّات الاستنجاء ، ولا يجوز إلغاء الخصوصية بعد اختصاصه بأحكام وتخفيفات لا تعمّ غيره .

نعم ، لو أراد بقوله علیه السلام : «الريح لا ينظر إليه» أ نّه ليس بشيء ، يمكن أن يقال

ص: 175


1- الحدائق الناضرة 5 : 297 ؛ جواهر الكلام 6 : 198 - 199 .
2- الكافي 3 : 17 / 9 ؛ وسائل الشيعة 3 : 439 ، كتاب الطهارة ، أبواب النجاسات ، الباب 25 ، الحديث 2 .

باستفادة الحكم الكلّي منه ، وأمّا إن أراد منه أ نّه لا بأس به فالاستفادة مشكلة .

ومنه يظهر الكلام في مرسلة الصدوق في الريح الباقي بعد الاستنجاء(1) .

وأمّا ما ورد من نفي الشيء عليه من الشقاق ، فلعلّه لكونه من البواطن كباطن الأنف ، بل هو أولى منه .

ورواية علي بن أبي حمزة ، عن العبد الصالح علیه السلام قال : سألته اُمّ ولد لأبيه - إلى أن قال - قالت : أصاب ثوبي دم حيض ، فغسلته فلم يذهب أثره ، فقال : «اصبغيه بمشق(2) حتّى يختلط ويذهب أثره»(3) فمع ضعفها (4) على خلاف المطلوب أدلّ ؛ لاحتمال أن يكون بصدد بيان العلاج لرفع الأثر وصيرورته طاهراً ؛ ضرورة أنّ مجرّد الاختلاط لا يذهب بالأثر ، بل لا بدّ من غسله حتّى يذهب ، والسكوت عنه لمعلوميته . والحمل على أمر عادي لا حكم شرعي ، خلاف المعهود من شأن المعصوم علیه السلام .

ص: 176


1- قال : سئل الرضا عليه السلام عن الرجل يطأ في الحمّام وفي رجله الشقاق فيطأ البول والنورة فيدخل الشقاق أثر أسود ممّا وطئ من القذر وقد غسله ، كيف يصنع به وبرجله ، التي وطئ بهما ؟ أيجزيه الغسل أم يخلّل أظفاره بأظفاره ويستنجي فيجد الريح من أظفاره ولا يرى شيئاً ؟ فقال : «لا شيء عليه من الريح والشقاق بعد غسله» . الفقيه 1 : 42 / 165 ؛ وسائل الشيعة 3 : 440 ، كتاب الطهارة ، أبواب النجاسات ، الباب 25 ، الحديث 6 .
2- المِشق : الطين الأحمر . [منه قدس سره]
3- الكافي 3 : 59 / 6 ؛ تهذيب الأحكام 1 : 272 / 800 ؛ وسائل الشيعة 3 : 439 ، كتاب الطهارة ، أبواب النجاسات ، الباب 25 ، الحديث 1 .
4- لوقوع علي بن أبي حمزة البطائني في السند، وقد مرّ الكلام فيه من المصنِّف في الجزء الثالث : 357 .

وعليها يحمل إطلاق قول أبي عبداللّه علیه السلام : «قل لها : تصبغه بمشق حتّى يختلط»(1) ومرفوعة الأشعري قال : «اصبغيه بمشق»(2) فإنّ الاختلاط بغير الغسل بعده لا يذهب بالأثر .

فالاستدلال بتلك الروايات لإثبات عدم العبرة مشكل ، ولإثبات العبرة بها أشكل ؛ بعد ضعف إسنادها ، ومخالفتها للسيرة القطعية في تطهير الأشياء ومعهودية كيفية التطهير .

وأشكل منها الاستدلال بضعيفة القسمي(3) ، عن أبي الحسن الرضا علیه السلام : أ نّه سأل عن جلود الدارِش التي يتّخذ منها الخفاف قال : «لا تصلّ فيها ؛ فإنّها تدبغ بخرء الكلاب»(4) .

لأنّ الظاهر النهي عنها لنجاستها الحاصلة من ملاقاة الخرء ، كقوله : «لا تصلّ في الثوب الكذائي ؛ لأ نّه أصابته الخمر» فلا تدلّ على عدم تطهّرها بالغسل بالماء .

مع أنّ ظاهرها النهي عن الصلاة في الخفّ ، وهو ممّا لا تتمّ فيه الصلاة ، واحتمال كون السؤال عن أثواب اُخر غير الخفاف ، خلاف الظاهر منها ، تأمّل .

ص: 177


1- تهذيب الأحكام 1 : 272 / 801 ؛ وسائل الشيعة 3 : 439 ، كتاب الطهارة ، أبواب النجاسات ، الباب 25 ، الحديث 3 .
2- تهذيب الأحكام 1 : 257 / 746 ؛ وسائل الشيعة 3 : 440 ، كتاب الطهارة ، أبواب النجاسات ، الباب 25 ، الحديث 4 .
3- تقدّم وجه الضعف في الصفحة 77 ، الهامش 1 .
4- الكافي 3 : 403 / 25 ؛ تهذيب الأحكام 2 : 373 / 1552 ؛ وسائل الشيعة 3 : 516 ، كتاب الطهارة ، أبواب النجاسات ، الباب 71 ، الحديث 1 .

فصل في كيفية تطهير الأواني

وفيها مسائل :

المسألة الاُولى : في كيفية تطهير الأواني من ولوغ الكلب

اشارة

اختلفت كلمات الأصحاب في كيفية تطهيرها من ولوغ الكلب ؛ فعن المشهور : يغسل ثلاث مرّات اُولاهنّ بالتراب(1) . وفي «الناصريات» : «الصحيح عندنا أنّ الإناء يغسل من ولوغ الكلب ثلاث مرّات ، اُولاهنّ بالتراب» .

ثمّ قال بعد كلام : «لا خلاف بين الأصحاب في التحديد بوجوب الثلاث»(2) .

والظاهر منه عدم الخلاف في الثلاث على الكيفية المتقدّمة ، سيّما مع قوله :

«الصحيح عندنا» وادّعى الإجماع عليها في «الغنية»(3) .

ص: 178


1- المهذّب البارع 1: 265 - 266 ؛ مفتاح الكرامة 2 : 246 ؛ مستند الشيعة 1: 293 و295.
2- مسائل الناصريات : 103 و104 .
3- غنية النزوع 1 : 43 .

وعلى ما في «الناصريات» يحمل ما في «الانتصار» وهو قوله : «ممّا انفردت الإمامية إيجابهم غسل الإناء من ولوغ الكلب ثلاث مرّات ، إحداهنّ بالتراب»(1) .

وكذا ما في «الخلاف» أي «ثلاث مرّات إحداهنّ بالتراب»(2) بقرينة قوله في «النهاية» : «إحداهنّ - وهي الاُولى - بالتراب»(3) . فهي مفسّرة لما في «الخلاف» بل يمكن رفع الإجمال عنه بإجماع «الناصريات» إذ من البعيد أن يكون مراد الشيخ الإجماع على عنوان «إحداهنّ» في مقابل دعوى السيّد . كما أ نّه من البعيد دعوى ابن زهرة الإجماع على أنّ اُولاهنّ بالتراب ، مقابل دعوى الشيخ الإجماع على الإطلاق .

فلا ينبغي الإشكال في أنّ مراد الجميع - حتّى الصدوقين(4) - واحد ؛ وهو كون الاُولى بالتراب ، كما تدلّ عليه صحيحة البقباق الآتية (5).

كما لا إشكال في اعتبار العدد ؛ للإجماع المتقدّم ، وعدم نقل خلاف من أحد منّا ، فيقيّد به إطلاق صحيحة محمّد بن مسلم ، عن أبي عبداللّه علیه السلام

قال : سألته عن الكلب يشرب من الإناء ، قال : «اغسل الإناء»(6) لو فرض لها إطلاق .

ص: 179


1- الانتصار : 86 .
2- الخلاف 1 : 175 .
3- النهاية : 5 .
4- اُنظر منتهى المطلب 3 : 334 ؛ المقنع : 37 ؛ الفقيه 1 : 8 / 10 .
5- وهي صحيحة الفضل أبي العبّاس ، تأتي بعد أسطر .
6- تهذيب الأحكام 1 : 225 / 644 ؛ وسائل الشيعة 3 : 415 ، كتاب الطهارة ، أبواب النجاسات ، الباب 12 ، الحديث 3 .

مع إمكان الخدشة فيه ؛ بأن يقال : إنّها بصدد بيان أصل نجاسة الكلب ، لا كيفية الغسل ، وإنّما أمر به إرشاداً لنجاسته ، تأمّل .

وإطلاق صحيحة الفضل أبي العبّاس ، عن أبي عبداللّه علیه السلام في حديث قال في الكلب : «رجس نجس ، لا يتوضّأ بفضله ، واصبب ذلك الماء ، واغسله بالتراب أوّل مرّة ، ثمّ بالماء»(1) .

ويحتمل بعيداً عدم الإطلاق فيها ؛ بدعوى كونها بصدد بيان الترتيب بين الغسل بالتراب والغسل بالماء ، فلا إطلاق لها من جهة العدد .

هذا مع أ نّها منقولة في «الخلاف» في أوّل مسائل الولوغ مع زيادة «مرّتين» بعد قوله : «ثمّ بالماء»(2) وإن نقلها في مواضع اُخر منه وكذا في «التهذيب»

بغير الزيادة(3) ، وفي «المعتبر» و«المنتهى» مع الزيادة(4) ، وعن «المختلف» بلا زيادة(5) ، وعليه لا وثوق بإطلاقها . بل يمكن كشف الزيادة من شهرة القول بالعدد بين قدماء أصحابنا (6) . بل استدلّ الشيخ في «التهذيب» و«الخلاف» بها على لزوم الثلاث(7) ؛ وإن تشبّث في الأوّل عليه بما لا دلالة فيه ، ولولا استدلاله

ص: 180


1- تهذيب الأحكام 1 : 225 / 646 ؛ وسائل الشيعة 3 : 415 ، كتاب الطهارة ، أبواب النجاسات ، الباب 12 ، الحديث 2 .
2- الخلاف 1 : 176 .
3- الخلاف 1 : 177 و188 ؛ تهذيب الأحكام 1 : 225 / 646 .
4- المعتبر 1 : 458 ؛ منتهى المطلب 3 : 336 .
5- مختلف الشيعة 1 : 336 .
6- المقنعة : 65 و68 ؛ الانتصار : 86 ؛ المراسم : 36 ؛ المهذّب 1 : 28 .
7- تهذيب الأحكام 1 : 224 - 225 ؛ الخلاف 1 : 175 - 176 .

بغيرها لم يبقَ شكّ في كون النقيصة من النسّاخ .

هذا مع ما اشتهر بينهم من تقديم أصالة عدم الزيادة على أصالة عدم النقيصة ؛ وإن كان للتأمّل في أصله مجال ، فضلاً عن مثل المقام الذي تكرّر الحديث بلا زيادة في كتب الاُصول والفروع .

وأمّا ما قال الشيخ البهائي - ردّاً على من قال : «بأنّ الزيادة من قلم النسّاخ»(1) - : «إنّ المحقّق مصدَّق فيما نقله ، وعدم اطّلاعنا عليها في الاُصول المتداولة في هذا الزمان غير قادح ؛ فإنّ كلامه في أوائل «المعتبر»(2) يعطي أ نّه نقل بعض الأحاديث المذكورة فيه عن كتب ليس في أيدي أهل زماننا هذا إلاّ أسماؤها ، ككتب الحسن بن محبوب ومحمّد بن أبي نصر البَزَنْطي(3) والحسين بن سعيد والفضل بن شاذان وغيرهم ، فلعلّه - طاب ثراه - نقل هذه الزيادة من بعض تلك الكتب»(4) انتهى .

فغير وجيه ؛ لأنّ الظاهر من الفصل الرابع من مقدّمات «المعتبر» أ نّه اقتصر في النقل فيه عن كتب المتقدّمين على ما نقله [ الحسن] بن محبوب وأحمد بن محمّد ابن أبي نصر والحسين بن سعيد والفضل بن شاذان ويونس بن عبد الرحمان ، وعن المتأخّرين على كتب الصدوقين والكليني والشيخ وعدّة اُخرى سمّاهم(5) ،

ص: 181


1- مدارك الأحكام 2 : 391 .
2- المعتبر 1 : 33 .
3- هكذا في الحبل المتين ، وكذا في نسخة غير نقيّة من المعتبر . والصحيح أحمد بن محمّد بن أبي نصر . [منه قدس سره]
4- الحبل المتين : 98 / السطر 19 .
5- المعتبر 1 : 33 .

وليس أبو العبّاس الفضل منهم ، فلم ينقل منه إلاّ بتوسّط الجوامع المتأخّرة ، لا من أصل آخر .

هذا مع أ نّه لم يُنقل لأبي العبّاس إلاّ كتاب واحد نقله سعد بن عبداللّه (1) والنجاشي(2) ، فلا معنى لنقل المحقّق روايته عن أصل آخر غير كتابه ، فهو إمّا ناقل عن كتابه ، أو من كتاب آخر ناقل عنه ، أو من «التهذيب» الناقل عنه .

وعلى أيّ حال : يدور الأمر بين الزيادة والنقيصة في كتاب أبي العبّاس ، أو فيما نقل عنه .

والظاهر أ نّه حكاها عن «التهذيب» والشاهد عليه أنّ العلاّمة في «المنتهى» نقلها مع الزيادة عن الشيخ(3) ، فيظهر منه اختلاف نسخ «التهذيب» بل من البعيد أن يكون كتاب أبي العبّاس عند المحقّق ، وكانت الرواية فيها مع الزيادة ، ولم يطّلع عليها العلاّمة مع تلمّذه عليه ، ونقَلها بتوسّط الشيخ .

وعلى أيّ حال : فالاعتماد في الحكم على الإجماع والشهرة قديماً وحديثاً في مثل هذه المسألة التعبّدية ، سيّما لو كانت الرواية خالية منها ، وسيّما مع إطلاقها والبناء على إطلاق صحيحة ابن مسلم المتقدّمة(4) ، فإنّ ترك أصحابنا إطلاق الصحيحتين والفتوى بلزوم العدد ، يوجب الجزم بكون الحكم معروفاً بين السلف والخلف ، ومأخوذاً عن أئمّة أهل البيت علیهم السلام .

ص: 182


1- اُنظر رجال البرقي: 91 / 880.
2- رجال النجاشي : 308 / 843 .
3- منتهى المطلب 3 : 336 .
4- تقدّم في الصفحة 179 .

ويظهر ممّا مرّ ضعف قول ابن الجنيد من لزوم السبع ، إحداهنّ أو اُولاهنّ بالتراب(1) ، وفاقاً للشافعي(2) ؛ وإن أمكن الاستدلال عليه - بعد عدم ثبوت الزيادة

المتقدّمة في صحيحة أبي العبّاس - بتقي-يد إطلاقها بموثّقة عمّار ، عن أبي عبداللّه علیه السلام : في الإناء يشرب فيه النبيذ ، قال : «تغسله سبع مرّات ، وكذا الكلب»(3) وتقييد الغسلات في الموثّقة بكون الاُولى منها بالتراب ، وكذا الكلب بالولوغ ؛ وإن كانت التقييدات - سيّما الأخيرتان - بعيدة .

وكيف كان : لا ينبغي التأمّل في ضعف ما ذهب إليه بعد عدم موافق له ، فالمتيقّن حمل الموثّقة على الاستحباب .

ويتلوه في الضعف قول المفيد ؛ وهو وجوب الثلاث وسطهنّ بالتراب(4) ، وإن قال في «الوسيلة» : «به رواية»(5) إذ هي غير ثابتة ، ومع ثبوتها شاذّة بلا إشكال ، فالأقوى ما عليه المشهور .

ص: 183


1- اُنظر المعتبر 1 : 458 ؛ الحدائق الناضرة 5 : 474 .
2- الاُمّ 1 : 6 / السطر 4 ؛ المحلّى بالآثار 1 : 123 ؛ بداية المجتهد 1 : 88 .
3- تهذيب الأحكام 9 : 116 / 502 ؛ وسائل الشيعة 25 : 368 ، كتاب الأطعمة والأشربة ، أبواب الأشربة المحرّمة ، الباب 30 ، الحديث 2 .
4- المقنعة : 65 و68 .
5- الوسيلة إلى نيل الفضيلة : 80 .
تنبيهات
الأوّل : اختصاص التعفير بالولوغ
اشارة

ظاهر الأصحاب قديماً وحديثاً - عدا شاذّ منهم ، كالصدوقين(1) والمحكيّ عن المفيد(2) من القدماء ، وكالمحكيّ عن الكركي وصاحبي «المدارك»

و«الحدائق» من المتأخّرين(3) - اختصاص الحكم بالولوغ ، وهو شربه من الإناء بأطراف لسانه ، على ما هو المعهود من شربه ، ويظهر من اللغة(4) . وهو معقد إجماع السيّد والشيخ وابن زهرة(5) .

وألحق جمع اللطع بالولوغ(6) ، وادّعى شيخنا المرتضى الشهرة عليه(7) ، وهي غير ثابتة ، بل الظاهر من قدماء أصحابنا الاختصاص(8) ، والتعدّي من بعض المتأخّرين .

ص: 184


1- اُنظر مفتاح الكرامة 2 : 246 ؛ المقنع : 37 ؛ الفقيه 1 : 8 / 10 .
2- المقنعة : 68 .
3- جامع المقاصد 1 : 190 ؛ مدارك الأحكام 2 : 390 ؛ الحدائق الناضرة 5 : 475 .
4- الصحاح 4 : 1329 ؛ لسان العرب 15 : 397 ؛ القاموس المحيط 3 : 119 .
5- مسائل الناصريات : 103 ؛ الخلاف 1 : 175 - 176 ؛ غنية النزوع 1 : 43 .
6- جامع المقاصد 1 : 190 ؛ الحدائق الناضرة 5 : 475 ؛ مدارك الأحكام 2 : 390 .
7- الطهارة ، ضمن تراث الشيخ الأعظم 5 : 364 و366 .
8- الخلاف 1 : 175 - 176 ؛ غنية النزوع 1 : 43 ؛ الوسيلة إلى نيل الفضيلة : 80 ؛ السرائر 1 : 91 .

وألحق الصدوق الوقوع بالولوغ(1) ، وهو المحكيّ عن أبيه(2) موافقاً «للرضوي»(3) .

والأصل في الحكم صحيحة أبي العبّاس المتقدّمة(4) ففي صدرها : سألت أبا عبداللّه علیه السلام عن فضل الهرّة والشاة - إلى أن قال - حتّى انتهيت إلى الكلب ، فقال : «رجس نجس . . .» إلى آخره .

واحتمل بحسب التصوّر : أن يكون «رجس نجس» علّة للحكم ، فتعمّم إلى كلّ رجس ولو كان غير الكلب .

وأن يكون علّة لكون فضله محكوماً بالحكم ، فيتعدّى إلى فضل كلّ نجس ، كالخنزير والكافر .

وأن تكون نجاسة الكلب علّة ، فيتعدّى من ولوغه إلى مباشرة سائر أجزائه .

وأن تكون نجاسته علّة لكون فضله محكوماً بالحكم ، فيختصّ بالولوغ .

والحقّ : عدم استفادة العلّية منها ؛ بحيث يدور الحكم مدارها كائنة ما كانت ، بل هو خلاف المقطوع به وضرورة الفقه ، نعم الحكم متفرّع على كون الكلب رجساً نجساً ، ومن المحتمل - بل المعلوم - أنّ لمرتبة نجاسته دخالةً في ذلك ،

ص: 185


1- المقنع : 37 ؛ الفقيه 1 : 8 / 10 .
2- اُنظر مفتاح الكرامة 2 : 246 ؛ منتهى المطلب 3 : 339 .
3- وما في فقه الرضا عليه السلام هكذا : «إن وقع كلب في الماء ، أو شرب منه ، اُهريق الماء ، وغسل الإناء ثلاث مرّات : مرّة بالتراب ومرّتين بالماء ، ثمّ يجفف» . الفقه المنسوب للإمام الرضا عليه السلام : 93 ؛ مستدرك الوسائل 2 : 602 ، كتاب الطهارة ، أبواب النجاسات ، الباب 45 ، الحديث 1 .
4- تقدّمت في الصفحة 180 .

فاحتمال أنّ الحكم لمطلق النجس ، أو لفضل مطلق نجس العين ، ضعيف ؛ وإن قال الشيخ وبعض من تأخّر عنه : «إنّ الخنزير كالكلب»(1) بل في «الخلاف» : «هو مذهب جميع الفقهاء» لكنّ ظاهره فقهاء العامّة ، ولهذا لم يستدلّ عليه بالإجماع ، بل تشبّث بأمرين ضعيفين(2) ، فراجع .

فانحصر الاحتمال بالآخرين ، وأقواهما الثاني ؛ لعدم فهم العلّية بنحو توجب التعدّي من فضله إلى مباشرة سائر أجزائه ، وعدم إمكان إلغاء الخصوصية عن الفضل ؛ لخصوصية ظاهرة في ولوغه ليست في غيره حتّى في لطعه ، فإنّ لشربه بأطراف لسانه - بكيفية معهودة موجبة لرجوع المشروب إلى الإناء مراراً - قذارةً ليست في سائر ملاقياته حتّى لطعه ، بل ولا لعابه ، فمن المحتمل أن يكون للشرب كذلك دخالة في الحكم ، فلا تلغى الخصوصية عرفاً .

فما يقال في اللطع : «إنّه مساوٍ للولوغ ، ولا يفقد شيئاً ممّا يتضمّنه من الاُمور

المناسبة للتنجيس»(3) وفي اللعاب : «إنّ المقصود قلعه من غير اعتبار السبب»(4).

ممنوع ؛ لوضوح الفرق بين الولوغ ومجرّد اللطع ، فإنّ الثاني يفقد بعض الخصوصيات المناسبة لشدّة الاستقذار ممّا يتضمّنها الأوّل ، كما مرّت الإشارة إليه ، وعدم الدليل على أنّ المقصود قلع اللعاب ، بل في شربه خصوصية خاصّة به .

ص: 186


1- الخلاف 1 : 186 ؛ المبسوط 1 : 15 ؛ المهذّب 1 : 28 .
2- الخلاف 1 : 186 - 187 .
3- مصباح الفقيه ، الطهارة 8 : 406 .
4- نهاية الإحكام 1 : 294 .

فالتحقيق قصور الرواية عن إثبات الحكم لما عدا ولوغه . بل لو شرب بغير النحو المتعارف لعلّة - كقطع لسانه - بحيث لم يسمّ : «ولوغاً» لا يلحقه الحكم .

وتوهّم : أنّ الحكم متعلّق بالفضل ، وهو أيضاً فضله(1) ، في غير محلّه بعد معهودية نحو شربه الموجبة لانصراف الدليل إليه ، سيّما مع الخصوصية التي في شربه المعهود ، ولهذا اُخذ الولوغ خاصّة في معاقد الإجماعات وظواهر الفتاوى ، مع أنّ الأصل في الحكم صحيحة أبي العبّاس .

ولكن الاحتياط - سيّما في الأخير وفي وقوع اللعاب - لا ينبغي تركه .

نعم ، لا إشكال في أنّ العرف لا يرى لخصوصية الماء دخالة ، بل الظاهر المتفاهم من الدليل : أنّ الشرب الكذائي تمام الموضوع للحكم ، فلو كان المشروب لبناً أو غيره من المائعات يلحقه الحكم .

وأمّا فضله من غير المائعات - كاللحم الفاضل منه في الإناء مع ملاقاته له

- فلا يلحقه الحكم ؛ لقصور الدليل عن إثباته .

اختصاص التعفير بالإناء دون غيره

فهل يلحق غير الإناء - ممّا يمكن تعفيره - بالإناء ؛ بأن يقال : إنّ الإناء غير مذكور في النصّ ، ولو فرض فهمه منه لكن لا يفرّق العرف بينه وبين حجر مثلاً لو اجتمع على سطحه الماء ، وولغ فيه الكلب ، فإنّ الحكم عرفاً للولوغ من غير دخالة للمحلّ فيه ؟(2)

ص: 187


1- مصباح الفقيه ، الطهارة 8 : 406 .
2- اُنظر جواهر الكلام 6 : 359 ؛ مستمسك العروة الوثقى 2 : 31 .

لكنّ الأقوى الاختصاص ، كما هو ظاهر الفقهاء وظاهر معاقد الإجماعات(1) ؛ لأنّ في الأواني - التي مورد استعمال الأكل والشرب - غالباً خصوصية ليست في غيرها ، والنظافة المطلوبة فيها ليست مطلوبة في غيرها ، ولهذا ترى أنّ الشارع الأقدس اعتبر في كيفية تطهيرها ما لا يعتبر في غيرها ، كالغسل ثلاثاً من مطلق النجاسات ، وسبعاً من بعضها ، فالأقوى اختصاص الحكم بولوغ الكلب في الأواني ونحوها ، كما هو ظاهر الأصحاب والمتيقّن من النصّ ، وطريق الاحتياط واضح .

الثاني : في مزج التراب بالماء

هل يعتبر مزج التراب بالماء مع بقاء مسمّى «التراب» ؟ أو يتعيّن عدم مزجه ؟ أو يعتبر المزج بما يخرجه عن مسمّاه ؟ أو بمقدار حصول الميعان ؟ أو يعتبر الغسل بالماء مع مزجه بالتراب بما لا يخرجه عن الإطلاق ؟ أو بما يخرجه عنه ؟ أو يجب الجمع بين الأوّلين ؟ أو هما مع الثالث ؟ أو هي مع ما قبل الأخير ؟ أو يتخيّر بينها ؟ وجوه ، بل في بعضها قول .

لم يتعرّض النصّ ولا الفتوى في الطبقة الاُولى من الفقهاء - كالصدوقين والسيّد والشيخين ، ومن في تلك الطبقة ، أو قريب منها - لكيفية الغسل بالتراب ، بل اقتصروا على ما في النصّ ؛ أي غسله بالتراب .

وعن الحلّي والراوندي لزوم المزج(2) ، ولم يظهر من الاستدلال المحكيّ عن

ص: 188


1- راجع ما تقدّم في الصفحة 184 .
2- اُنظر ذكرى الشيعة 1 : 125 .

الأوّل أ نّه قائل بأيّ نحو من الامتزاج ؛ قال : «إنّ الغسل بالتراب غسل بمجموع

الأمرين منه ومن الماء ، لا يفرد أحدهما عن الآخر ؛ إذ الغسل بالتراب لا يسمّى «غسلاً» لأنّ حقيقته جريان المائع على الجسم المغسول ، والتراب وحده غير جارٍ»(1) انتهى ، ولا يبعد إرادته المزج بمقدار حصول الميعان .

ويظهر من «التذكرة» أ نّه - عند القائل بالامتزاج - : الاكتفاء بامتزاج لا يخرج الماء عن إطلاقه مسلّم ؛ قال : «التاسع : إن قلنا بمزج الماء بالتراب ، فهل يجزي لو صار مضافاً ؟ إشكال»(2) .

ثمّ إنّ أردأ الوجوه الوجه الثالث وما هو نظيره بحسب ظاهر النصّ ؛ لأ نّه موجب لرفع اليد عن مفهوم «الغسل» ومفهوم «التراب» ومفهوم «الغسل بالتراب» جميعاً .

ودعوى كونه موافقاً لفهم العرف من إضافة «الغسل» إلى «التراب»(3) فاسدة ، كما يأتي الإشارة إليه .

ثمّ الوجه الخامس ؛ لأ نّه وإن كان موجباً لحفظ ظهور «الغسل» لكن موجب لرفع اليد عن ظهور «التراب» وظهور الظرف في اللغوية وتعلّقه بالغسل ، وعن ظهور المقابلة بين الغسل بالتراب والغسل بالماء في المغايرة . وصِرف كون أحد الماءين خالصاً والآخر مخلوطاً بما لا يخرجه عن الإطلاق ، لا يوجب مقابلته للغسل بالماء ، بل في مثله لا بدّ من مقابلة القُراح بالمخلوط ، وظاهر النصّ

ص: 189


1- اُنظر منتهى المطلب 3 : 339 ؛ السرائر 1 : 91 .
2- تذكرة الفقهاء 1 : 87 .
3- كشف اللثام 1 : 495 ؛ مستمسك العروة الوثقى 2 : 25 .

خلافه ، فحفظ ظهور الغسل موجب لارتكاب مخالفات للظواهر المتقدّمة .

وأمّا الاحتياط بالجمع بين الاثنين فما زاد ، فلزومه يتوقّف على التوقّف في فهم النصّ .

والظاهر المتفاهم منه عرفاً - بالمناسبات المغروسة في الأذهان ؛ من كون الغسل بالتراب لقلع اللزوجة الحاصلة للإناء من لعاب الكلب الخارجة من فمه بواسطة الولوغ ، أو لأجل رفع القذارة الشديدة التي حصلت به - أنّ المراد من ذلك التعفير ، ووضع التراب في الإناء ، ودلكه عنيفاً حتّى يقلع الأثر ، أو يدفع الاستقذار منه ، وهذا هو الموافق لفهم العرف في محاوراتهم ومقاولاتهم .

وبعبارة اُخرى : كانت الظهورات المتقدّمة محكّمة لدى العرف على ظهور «الغسل» لو سلّم ظهوره، بل تكون إضافته إلى «التراب» موجبة لظهوره فيما قلناه.

نعم ، مقتضى إطلاق الرواية عدم الفرق بين التراب اليابس ، أو مع المزج بمقدار لا يخرجه عن مسمّى «التراب» وكما أنّ العرف يرى أنّ التراب مع مزج ما موجب لقلع القذارة ، كذلك يرى هذه الخاصّة للتراب بلا مزج ، كما يشاهد أنّ ذلك التراب أو نحوه يابساً على الأواني ، موجب لنظافتها جدّاً ، بل لعلّه أبلغ فيها

من الممزوج بالماء .

فالأقوى هو التخيير بينهما أخذاً بإطلاق النصّ ومعاقد الإجماعات .

ثمّ إنّ طريق الاحتياط التامّ الموجب للعمل بقول جميع الأصحاب : أن يغسله أوّلاً بالماء ، ثمّ أربع مرّات بالتراب ؛ أي يابسة ، وممزوجة مع بقاء اسمه ،

ص: 190

وممزوجة مع ميعانه ، ومزجه بالماء مع بقاء إطلاقه ، ثمّ ستّاً بالماء عملاً بقول ابن الجنيد(1) .

وأمّا ما أفاده الشيخ الأعظم : «من لزوم العشر إذا روعي مذهب المفيد مع احتمالات أربعة : ثمان بالتراب بينها غسلة وبعدها غسلة ، وإذا روعي مذهب الإسكافي بالسبع صارت الغسلات المتأخّرة خمساً ، فيصير أربعة عشر»(2) انتهى ، فيحتاج إلى مزيد تأمّل ، وإلاّ فيرد على ظاهره إشكالات .

الثالث : في قيام غير التراب مقامه في التعفير
اشارة

حكي عن أبي علي الغسل بالتراب أو ما يقوم مقامه من غير قيد بفقده(3) . وعن «التحرير» احتمال القيام مطلقاً (4) . وعن الشيخ في «المبسوط» والعلاّمة في جملة من كتبه قيام ما يشبهه - كالاُشْنان والصابون والجصّ ونظائرها - مقامَه عند فقده(5) . وعن الشيخ وجمع آخر : «أ نّه مع تعذّر التراب سقط اعتباره ، وطهر الإناء بغسله مرّتين»(6) .

ص: 191


1- اُنظر منتهى المطلب 3 : 334 .
2- الطهارة ، ضمن تراث الشيخ الأعظم 5 : 363 .
3- اُنظر مختلف الشيعة 1 : 338 .
4- تحرير الأحكام 1 : 167 .
5- المبسوط 1 : 14 ؛ تحرير الأحكام 1 : 167 ؛ تذكرة الفقهاء 1 : 86 ؛ مختلف الشيعة 1 : 338 .
6- اُنظر مفتاح الكرامة 2 : 249 ؛ المبسوط 1 : 14 ؛ منتهى المطلب 3 : 337 ؛ الدروس الشرعية 1 : 125 .

ولولا مخافة مخالفة ظاهر الأصحاب والاحتياط ، لكان قول أبي علي قويّاً في النفس ؛ فإنّ النصّ وإن اقتصر على التراب ، وكذا ظاهر كلمات الأصحاب لزوم الغسل بالتراب ، لكن ليس باب غسل القذارات كباب التيمّم من الاُمور التعبّدية التي ليس للعرف طريق إلى فهم الملاك منها، فإنّه أمر معهود معلوم الملاك.

بل طريق تطهير جملة من الاُمور لدى العرف الغسل بالتراب ، كالأواني المتلوّثة بالدسومات ونحوها ممّا فيها لزوجة ، بل استقذار شديد ، ولم يقتصروا فيها على الغمس في الماء ، أو الدلك باليد .

ومع هذا وذاك لا ينقدح في ذهن العرف من قوله : «اغسله بالتراب أوّل مرّة» إلاّ أنّ ذكره من باب المثال لكلّ قالع نحوه ، وإنّما ذكره لكونه كثير الوجود والمتعارف في التعفير ، فلو أمر بعض أهل العرف بعضاً بغسل إناء دسم بالتراب لا ينقدح في ذهنه أنّ للتراب خصوصية لا يحصل التنظيف إلاّ به ، وأ نّه لو غسله بالرماد أو الرمل أو النورة أو الجصّ ونحوها ، تخلّف عن الإتيان بالمراد .

وتوهّم : أنّ نجاسة الولوغ أمر معنوي مغفول لا يصل إليها العقول ، والغسل بخصوص التراب موجب لحصول النظافة منه بكشف الشارع ، فاسد وإن كانت نجاسة الكلب بجعل من الشارع ، لكن لم تكن إلاّ كسائر النجاسات الشديدة التي كان لنظافتها طريق معهود .

وبالجملة : لمّا كان التطهير في ارتكاز العقلاء ، عبارةً عن إرجاع الأجسام والملاقيات للقذارات إلى حالتها الأصلية الأوّلية ، وهو يحصل بقلع المادّة القذرة بكيفية معهودة عندهم - من التغسيل بالماء في جملة منها ، والتعفير ثمّ التغسيل في جملة اُخرى - لا ينقدح في ذهنهم من قوله : «اغسله بالتراب أوّل مرّة ثمّ

ص: 192

بالماء مرّتين» إلاّ ما هو المعهود بينهم في التعفير والغسل فيما يحتاج إليهما ، وإلاّ

كان لازم الاقتصار والجمود على النصّ ، وجوبَ غسله بالتراب الخالص ، وعدمَ كفاية التراب الممزوج بالتبن أو الرمل أو الحصاة في الجملة مثلاً ، كما أنّ الأمر كذلك في التيمّم بالتراب ، فيعتبر أن يكون خالصاً من الأجزاء غير الأرضية إلاّ إذا استهلك فيها ، ولا أظنّ التزامهم به في المقام ، وليس ذلك إلاّ لما ذكرناه من الارتكاز .

وبالجملة : لا ينقدح في الأذهان الخالية عن الدقائق العلمية والفارغة من الشبهات المخرجة للنفوس عن السذاجة لفهم المطالب العرفية : أنّ للتراب خصوصية ليست لغيره ، فكما لا يفهم العقلاء من قوله : «رجل شكّ بين الثلاث والأربع» أنّ للرجل خصوصية ، فلا يكون إسراء الحكم إلى المرأة قياساً ، كذلك الأمر فيما نحن فيه .

ولولا مخافة مخالفتهم لقلنا بقيام كلّ قالع مقامه ، لكنّ الخروج عمّا قالوا مشكل ، بل الخروج عن مورد النصّ كذلك ، فالاقتصار على مورده لو لم يكن أقوى فهو أحوط ، سيّما في هذه النجاسة المجعولة من قِبل الشارع .

عدم سقوط التعفير عند فقد التراب

وأمّا سقوط التعفير مطلقاً مع فقد التراب والاقتصار على الغسلتين ، فغير وجيه جدّاً ، فهو نظير الالتزام بسقوط إحدى الغسلتين إذا فقد الماء إلاّ لمرّة ، أو

سقوطهما مع فقده .

كما أنّ قيام غير التراب مقامه حال الفقدان والعذر كذلك ؛ لأنّ خصوصية

ص: 193

التراب معتبرة ، فلا تتحقّق الطهارة إلاّ به ، والعذر والفقدان لا يوجبان مطهّرية غير المطهّر .

ودليل الميسور(1) - مع عدم ثبوت جابر له ، وعدم كون مثل المورد مصبّه - لا يدلّ على حصول الطهارة بالميسور ، ولهذا لو فقد الماء بمقدار الغسلتين ، لا يقوم المرّة مقام المرّتين بدليله .

كما أنّ مثل المورد ليس مجرى دليل الحرج(2) والضرر(3) ، ولا يكون دليلهما مشرّعاً ، ولهذا لو فقد الماء والتراب ، لا يمكن أن يقال بطهارة الإناء ، وهو واضح .

فالأوجه من تلك الأقوال قول أبي علي ؛ وإن كان الوقوف على ظاهر النصّ وكلمات الأصحاب أحوط أو أوجه .

الرابع : في صور العجز عن التعفير وأحكامها

لو لم يمكن التعفير ، فهو إمّا لضيق المجرى ؛ بحيث لا يمكن معه ذلك ولو بآلة ، كخشبة رقيقة أو ميل كذلك تجعل في رأسهما خرقة ليعفّر بها .

أو لعدم قابلية المحلّ ، ككون الإناء من القرطاس ونحوه .

أو يلزم منه فساده ، كآنية منقوشة لو غسلت بالتراب زالت النقوش وفسدت .

لا شبهة في أنّ الأخيرة لا تطهر إلاّ بالتعفير ، وزوال النقوش به لا يوجب طهارتها بلا مطهّر معتبر ، كما لو فرض زوالها بالغسل ، فإنّه لا يوجب طهارتها

ص: 194


1- عوالي اللآلي 4 : 58 / 205 - 207 .
2- الحجّ (22) : 78 .
3- راجع وسائل الشيعة 25 : 427 ، كتاب إحياء الموات ، الباب 12 .

بلا غسل . وقد مرّ ما في التمسّك بدليل الحرج والضرر .

وأمّا الاُوليان ، فيمكن القول بقصور دليل التعفير عن إثباته لنحوهما :

أمّا الاُولى : فلأنّ تحقّق الولوغ فيها غير معلوم ، أو معلوم العدم ؛ لأ نّه عبارة

عن شرب الكلب من الإناء بأطراف لسانه بالنحو المعهود ، وهو لا يحصل في مثل قارورة ضيّقة الفم جدّاً بحيث لا يمكن إدخال ميل فيه .

نعم ، لو فرض تحقّقه - كما لو كان رأسها وسيعاً ، وعنقها ضيّقاً - فالظاهر

بقاؤها على النجاسة . وكون تعطيلها حرجاً أو ضرراً قد مرّ الكلام فيه .

وأمّا الثانية : فلأنّ سوق الرواية في إناء يمكن تعفيره ، فالدليل منصرف عمّا لا يمكن تعفيره لفقد القابلية، ولهذا اقتصر الفقهاء قديماً وحديثاً على الأواني، مع

أنّ مورد النصّ فضل الكلب ، وهو صادق فيما إذا ولغ في ثوب اجتمع فيه الماء ، كعمامة أو قَلَنْسوة ، لكن لمّا لم يكن التعفير ونحوه في الأثواب ونظائرها متعارفاً

لدى العرف ، بل لم تكن قابلة له عرفاً ، لم يفهم من النصّ غير الأواني القابلة له .

فالأقوى في مثل الآنية غير القابلة ذاتاً للتعفير عدم لزومه ، وطهارته بغيره ؛ أخذاً بإطلاق صحيحة محمّد بن مسلم ، عن أبي عبداللّه علیه السلام قال : سألته عن الكلب يشرب من الإناء ، قال : «اغسل الإناء»(1) لقصور صحيحة البقباق(2) عن تقييدها في مثل المورد .

ص: 195


1- تهذيب الأحكام 1 : 225 / 644 ؛ وسائل الشيعة 3 : 415 ، كتاب الطهارة ، أبواب النجاسات ، الباب 12 ، الحديث 3 .
2- تهذيب الأحكام 1 : 225 / 646 ؛ وسائل الشيعة 3 : 415 ، كتاب الطهارة ، أبواب النجاسات ، الباب 12 ، الحديث 2 . وتقدّمت في الصفحة 175 .

ولو استشكل في إطلاقها أو قيل بوهنها - لاستلزام تقييدها بصحيحة البقباق في الأواني الممكنة الغسل ، بقاءَ الفرد النادر تحتها ، وهو مستهجن حتّى في المطلقات - يمكن التمسّك بموثّقة عمّار الساباطي ، عن أبي عبداللّه علیه السلام قال : سئل عن الكوز والإناء يكون قذراً ، كيف يغسل ، وكم مرّة يغسل ؟ قال : «يغسل ثلاث مرّات : يصبّ فيه الماء فيحرّك فيه ، ثمّ يفرغ منه ، ثمّ يصبّ فيه ماء آخر فيحرّك فيه ، ثمّ يفرغ ذلك الماء ، ثمّ يصبّ فيه ماء آخر فيحرّك فيه ، ثمّ يفرغ منه ، فقد طهر»(1) .

بعد تقييدها بصحيحة البقباق في إناء يمكن تعفيره ، ولا يلزم فيه استهجان ، كما لا يخفى .

فالأقوى في الموارد التي كانت خارجة عن مصبّ الصحيحة ، الغسل ثلاثاً ، والاكتفاء بالواحد غير جائز ؛ لما عرفت من الإشكال في إطلاق صحيحة ابن مسلم . بل لقرب احتمال عدم الإطلاق فيها ، بل لعلّه مقطوع الخلاف ؛ لما يأتي من لزوم غسل الأواني من مطلق النجاسات ثلاث مرّات(2) ، مع كون الكلب أنجس من سائر المخلوقات ، وكون المتنجّس بولوغه أشدّ رجساً من سائر أجزائه ، كما يظهر من الروايات(3) .

ص: 196


1- تهذيب الأحكام 1 : 284 / 832 ؛ وسائل الشيعة 3 : 496 ، كتاب الطهارة ، أبواب النجاسات ، الباب 53 ، الحديث 1 .
2- سيأتي في الصفحة 204 .
3- نظير موثّقة ابن أبي يعفور ، وصحيحة الفضل أبي العبّاس ، تقدّمتا في الصفحة 172 و180 .

ومنه يظهر : أنّ الاكتفاء بالمرّتين بدعوى : أنّ التعفير ساقط والغسلتين مطهّرتان بعد سقوطه - أخذاً بصحيحة البقباق في المرّتين - ضعيف ؛ لأنّ مصبّها أنّ الغسلتين مطهّرتان فيما إذا سبقهما التعفير ، المؤثّر في تخفيف النجاسة بالقلع ورفع الأثر ، ولولا موثّقة عمّار المتقدّمة لأمكن القول ببقاء تلك الأواني على النجاسة أخذاً بالاستصحاب .

الخامس : عدم سقوط التعفير والعدد عند الغسل بالماء الكثير والجاري

هل يسقط التعفير بالغسل بالماء الكثير والجاري والمطر وما بحكمها وكذا العدد فيكتفى بمرّة واحدة ؟ أو يسقط العدد دون التعفير ؟ أو يسقط العدد أيضاً ؟ وجوه :

قال في «الحدائق» : «المشهور بين الأصحاب سقوط التعدّد في الغسل إذا وقع الإناء في الماء الكثير ، وكذا كلّ نجس يحتاج إلى العدد ، إلاّ أ نّه لا بدّ من

تقديم التعفير في إناء الولوغ»(1) انتهى .

وفيما ادّعى من الشهرة - سيّما في الطبقة المتقدّمة من فقهاء أصحابنا - إشكال ومنع ، بل مقتضى إطلاقهم وإطلاق معاقد الإجماعات المدّعاة(2) ، عدم الفرق بين القليل والكثير وسائر أقسام المياه . ويؤكّد الإطلاق تصريح شيخ الطائفة بلزوم العدد في الكثير(3) ، فيظهر منه أ نّه أراد بلزوم الغسل بالماء

ص: 197


1- الحدائق الناضرة 5 : 489 .
2- تقدّم في الصفحة 178 - 179 .
3- الخلاف 1 : 178 و179 ؛ المبسوط 1 : 14 .

مرّتين مطلقَ المياه ، فتمسّكه بالإجماع وصحيحة أبي العبّاس ، يكون في الأعمّ

من القليل(1) .

وكيف كان : الأقوى عدم سقوط التعفير ، وكذا العدد :

أمّا الأوّل ، فلأنّ المتفاهم من قوله علیه السلام : «اغسله بالتراب» أنّ التعفير به لقلع الأثر لا التطهير . ومرسلة الكاهلي في المطر(2) ومرسلة العلاّمة في الكثير(3) - مع الغضّ عن إرسالهما - إنّما تد لاّن على قيام المطر والكثير مقام العدد في المطهّر المعتبر فيه العدد ، لا في القالع للأثر ؛ لظهورهما في كونهما مطهّرين وقائمين مقام

المطهّر لا القالع ، وليس القالع مطهّراً ، ولهذا إنّ الأقوى عدم اعتبار الطهارة في

التراب ؛ لإطلاق الصحيحة(4) ، ومنع الانصراف إلى الطاهر فيما لا يكون إلاّ للقلع

الحاصل به مطلقاً (5) .

وإن شئت قلت : إنّ الروايتين منصرفتان عن القيام مقامه .

وأمّا القيام مقام العدد ، فقد يقال في تقريبه : بأ نّه إذا سلّمنا وجود المرّتين في رواية البقباق ، ومقتضى إطلاقها لزومهما حتّى في غير القليل ، لكن تقييدها بما إذا كان الغسل بالقليل ، أولى في مقام الجمع من تخصيص الخبرين بها ؛ فإنّ ظهور المطلق أضعف من ظهور العامّين في العموم بالنسبة إلى مورد الاجتماع .

ص: 198


1- الخلاف 1 : 176 .
2- تقدّم في الصفحة 136 .
3- تقدّم في الصفحة 136 .
4- وهي صحيحة البقباق التي تقدّمت في الصفحة 180 .
5- جواهر الكلام 6 : 365 .

بل قد يدّعى انصراف المطلق في حدّ ذاته إلى إرادة الغسل بالماء القليل ؛ لكونه هو الغالب في مكان صدور المطلق(1) .

ولا يخفى ما فيه ؛ فإنّ الأمر لا يدور بين التخصيص والتقي-يد حتّى يقال فيه

بالترجيح ، مع إشكال فيه أيضاً ، بل يدور بين التقييدين ؛ فإنّ لقوله علیه السلام : «كلّ شيء يراه ماء المطر فقد طهر»(2) عموماً أفرادياً بالنسبة إلى المتنجّسات ، وإطلاقاً لازمه الاكتفاء بمجرّد الرؤية وعدم لزوم العدد ، فلو خرج المتنجّس بالولوغ عنه تخصيصاً ، يلزم منه عدم مطهّرية المطر له ؛ سواء أصابه مرّة أو دفعات ، وهو كما ترى . وأمّا لو قيل بلزوم العدد فليس ذلك تخصيصاً للأفراد ، بل تقييد لإطلاق الرؤية ، كما أنّ لزوم التعفير أيضاً تقي-يد ؛ لو فرض إطلاقها من هذه الجهة ، وغضّ البصر عمّا تقدّم .

فحينئذٍ الأرجح في النظر العرفي تقديم إطلاق الصحيحة على إطلاق المرسلة ؛ لأنّ العرف يرى أنّ للولوغ خصوصية موجبة لشدّة نجاسة الإناء به ، بحيث لا يكتفى فيه بالماء فقط ، ولا بالمرّة ، فلا ينقدح في الأذهان إلاّ إخراج الإناء الذي ولغ فيه الكلب من سائر النجاسات ؛ لمزيد خصوصية فيه .

وإن شئت قلت : إنّ الأظهر تحكيم الصحيحة على المرسلة .

وأضعف منه دعوى الانصراف إلى القليل ؛ فإنّ مجرّد ذلك لا يوجبه . مع أنّ السائل من الكوفيين ، والمجيب يراعي حال السائل وبلده ، وهو محلّ وفور الجاري والكثير .

ص: 199


1- مصباح الفقيه ، الطهارة 8 : 416 .
2- وهي مرسلة الكاهلي التي تقدّمت في الصفحة 136 .

وممّا ذكرناه يظهر حال مرسلة العلاّمة ، مع أنّ فيها ضعفاً غير مجبور . نعم الظاهر كون سند الاُولى مجبوراً بالعمل .

المسألة الثانية : في تطهير إناء الخنزير أو الخمر أو ما مات فيه جُرَذ

اختلفوا في إناء شرب منه الخنزير ؛ فالشيخ في «الخلاف» ألحقه بولوغ الكلب متمسّكاً بوجهين غير وجيهين(1) . وألحقه المحقّق بسائر النجاسات ؛ واكتفى بمرّة(2) .

وحكيت الشهرة بين المتأخّرين على وجوب السبع(3) ؛ أخذاً بصحيحة علي ابن جعفر ، عن أخيه علیه السلام قال : سألته عن خنزير يشرب من الإناء ، كيف يصنع

به ؟ قال : «يغسل سبع مرّات»(4) . وقد حملها المحقّق على الاستحباب(5) .

قيل : «لقلّة العامل بها»(6) وهو كذلك ؛ لأنّ الظاهر من قدماء أصحابنا كالمفيد

والسيّد والشيخ وابن حمزة وسلاّر بل الصدوق ومن بعدهم - كالحلّي وابن

ص: 200


1- الخلاف 1 : 186 - 187 .
2- المعتبر 1 : 459 - 460 .
3- الحدائق الناضرة 5 : 492 ؛ مصباح الفقيه ، الطهارة 8 : 417 - 418 .
4- هذه ذيل رواية الكليني على ما رواها الشيخ الطوسي في «التهذيب» والشيخ الحرّ في «الوسائل» ولكن هذا الذيل غير موجود في النسخ الموجودة لدينا من الكافي . الكافي 3 : 61 / 6 ؛ تهذيب الأحكام 1 : 261 / 760 ؛ وسائل الشيعة 1 : 225 ، كتاب الطهارة ، أبواب الأسآر ، الباب 1 ، الحديث 2 ، و3 : 417 ، أبواب النجاسات ، الباب 13 ، الحديث 1 .
5- المعتبر 1 : 460 .
6- جواهر الكلام 6 : 358 .

زهرة - عدم وجوب السبع(1) ، بل ظاهر «الخلاف» على عدم وجوب الزيادة على الثلاث في النجاسات سوى الولوغ(2) ، ومعه لا يبقى وثوق بها مع كونها بمرأى ومنظر لهم رواها الكليني والشيخ ، ومع عدم معارض لها ، فتقييد موثّقة عمّار الآتية(3) بها مشكل ، وطريق الاحتياط واضح .

وأمّا الخمر ، فذهب جملة من الأصحاب إلى وجوب غسل الإناء منها سبعاً (4) . وذهب جمع إلى الثلاث(5) ، وهو مقتضى الجمع بين الروايات ؛ فإنّ منها : ما تدلّ على السبع ، كموثّقة عمّار ، عن أبي عبداللّه علیه السلام : في الإناء يشرب فيه النبيذ ، قال : «تغسله سبع مرّات ، وكذلك الكلب»(6) .

والظاهر إلغاء الخصوصية وفهم حكم الخمر منها ، ولهذا استدلّوا بها لها (7) .

ومنها : ما تدلّ على الثلاث ، كموثّقته الاُخرى ، عنه علیه السلام قال : سألته عن الدَنّ يكون فيه الخمر ، هل يصلح أن يكون فيه خلّ ، أو ماء كامخ ، أو زيتون ؟ قال : «إذا غسل فلا بأس» .

ص: 201


1- اُنظر المقنعة : 68 ؛ الانتصار : 86 - 88 ؛ الخلاف 1 : 186 - 187 ؛ الوسيلة إلى نيل الفضيلة : 80 ؛ المراسم : 36 ؛ المقنع : 37 ؛ السرائر 1 : 91 - 92 ؛ غنية النزوع 1 : 43 .
2- راجع الخلاف 1 : 182 .
3- تأتي في الصفحة 204 .
4- المراسم : 36 ؛ الدروس الشرعية 1 : 125 ؛ جامع المقاصد 1 : 191 .
5- شرائع الإسلام 1 : 48 ؛ قواعد الأحكام 1 : 197 ؛ كشف الرموز 1 : 121 .
6- تهذيب الأحكام 9 : 116 / 502 ؛ وسائل الشيعة 25 : 368 ، كتاب الأطعمة والأشربة ، أبواب الأشربة المحرّمة ، الباب 30 ، الحديث 2 .
7- كشف الرموز 1 : 121 ؛ جامع المقاصد 1 : 191 ؛ مدارك الأحكام 2 : 396 .

وعن الإبريق وغيره يكون فيه خمر ، أيصلح أن يكون فيه ماء ؟ قال : «إذا غسل فلا بأس» .

وقال في قدح أو إناء يشرب فيه الخمر ، قال : «تغسله ثلاث مرّات» .

وسأل : أيجزيه أن يصبّ فيه الماء ؟ قال : «لا يجزيه حتّى يدلكه بيده ، ويغسله ثلاث مرّات»(1) .

فتحمل الاُولى على الاستحباب جمعاً ، سيّما مع عطف الكلب عليها ، ويحمل إطلاق الغسل في الدَنّ والإبريق على المقيّد .

لكن هو في المقام لا يخلو من إشكال ؛ لقوّة ظهور الصدر في الإطلاق ، لمقابلته مع الأمر بالثلاث في القدح والإناء ، واحتمالِ الفرق بين الأواني المستعملة في الشرب وغيرها .

لكنّ الأقوى التقييد ؛ لأنّ من المحتمل - بل الظاهر - أنّ عمّاراً جمع في النقل بين روايات مستقلّة ، لا أ نّها كانت واحدة ، ومعه لا قوّة في الإطلاق .

مع أنّ ذلك التفصيل مخالف لفهم العقلاء ، ولهذا لم ينقل من أحد حتّى احتماله .

بل لا يبعد إنكار إطلاق الصدر رأساً ؛ لاحتمال أن تكون شبهة السائل عدمَ جواز جعل الخلّ في ظرف الخمر ولو بعد الغسل ، فأجاب بجوازه بعده ، فلا يكون في مقام بيان كيفية الغسل .

ص: 202


1- الكافي 6 : 427 / 1 ؛ تهذيب الأحكام 9 : 115 / 501 ؛ وسائل الشيعة 25 : 368 ، كتاب الأطعمة والأشربة ، أبواب الأشربة المحرّمة ، الباب 30 ، الحديث 1 .

وأمّا ما مات فيه الجُرَذ ، فقد ورد عن عمّار في الموثّقة الغسل سبعاً (1) ومقتضى الجمود هو الأخذ بها مع كونها موثّقة ، ولا معارض لها ، فيقيّد بها موثّقته الاُخرى الآتية(2) في مطلق القذارات الآمرة بالثلاث .

لكن في النفس وسوسة : وهي أنّ السبع في الكلب والخمر والخنزير بعد ما كان محمولاً على الاستحباب ، واكتفي فيها بالثلاث ، وكذا في جميع النجاسات ، يشكل الالتزام بوجوب السبع - من بين جميع النجاسات - بميتة الجُرَذ . مع أنّ الكلب بحسب النصّ أنجس من جميع المخلوقات(3) ، وورد في الخمر ما يظهر منه شدّة قذارته(4) . مضافاً إلى دعوى الشيخ الإجماع على طهارة النجاسات

سوى الولوغ بالثلاث(5) .

والإنصاف : أنّ حمل الموثّقة على الاستحباب - مع ما نرى من حمل نظائرها عليه في الباب - أهون من تقييد الموثّقة الآمرة بالثلاث ، مع قوّة إطلاقها ، كما يظهر بالتأمّل فيها . لكن رفع اليد عن ظاهر الأمر بالسبع - مع دعوى

ص: 203


1- عن عمّار عن أبي عبداللّه عليه السلام في حديث قال : «اغسل الإناء الذي تصيب فيه الجرذ ميتاً ، سبع مرّات» . تهذيب الأحكام 1 : 284 / 832 ؛ وسائل الشيعة 3 : 496 ، كتاب الطهارة ، أبواب النجاسات ، الباب 53 ، الحديث 1 .
2- تأتي بعد أسطر .
3- تقدّم في الصفحة 172 .
4- راجع وسائل الشيعة 3 : 470 ، كتاب الطهارة ، أبواب النجاسات ، الباب 38 ، الحديث 6 و7 ، و25 : 368 ، كتاب الأطعمة والأشربة ، أبواب الأشربة المحرّمة ، الباب 30 ، الحديث 1 و2 .
5- الخلاف 1 : 182 .

اشتهاره(1) ، وفتوى جمع من قدماء أصحابنا (2) - جرأة على المولى ، فالسبع أشبه مع كونه أحوط ؛ وإن بقيت الوسوسة في النفس .

إلاّ أن يقال أو يحتمل : كون الغسل سبعاً لشيء آخر غير محض القذارة .

المسألة الثالثة : في لزوم غسل الأواني ثلاث مرّات من سائر النجاسات

اشارة

مقتضى موثّقة عمّار عن أبي عبداللّه علیه السلام وجوب غسل الأواني من سائر النجاسات ثلاثاً ، قال : سئل عن الكوز والإناء يكون قذراً ، كيف يغسل ، وكم مرّة يغسل ؟

قال : «يغسل ثلاث مرّات : يصبّ فيه الماء فيحرّك فيه ، ثمّ يفرغ منه ، ثمّ يصبّ فيه ماء آخر فيحرّك فيه ، ثمّ يفرغ ذلك الماء ، ثمّ يصبّ فيه ماء آخر فيحرّك فيه ، ثمّ يفرغ منه ، وقد طهر»(3) .

وهو المحكيّ عن أبي علي(4) والشيخ في غير «المبسوط»(5) والشهيد في «الذكرى» و«الدروس»(6) والكركي في «جامع المقاصد» و«تعليق

ص: 204


1- جامع المقاصد 1 : 191 .
2- المقنع : 34 ؛ النهاية : 5 - 6 ؛ الوسيلة إلى نيل الفضيلة : 80 .
3- تهذيب الأحكام 1 : 284 / 832 ؛ وسائل الشيعة 3 : 496 ، كتاب الطهارة ، أبواب النجاسات ، الباب 53 ، الحديث 1 .
4- اُنظر مفتاح الكرامة 2 : 254 ؛ المعتبر 1 : 461 .
5- الخلاف 1 : 182 ؛ مصباح المتهجّد : 14 ؛ النهاية : 5 ؛ الرسائل العشر للشيخ الطوسي ، الجمل والعقود : 171 .
6- ذكرى الشيعة 1 : 127 ؛ الدروس الشرعية 1 : 125 .

النافع»(1) وجعلها في «الشرائع» ومحكيّ «المبسوط» و«النافع» و«الإصباح» أحوط(2) .

واختار في «المعتبر» المرّة ، وقال : «والذي يقوى عندي الاقتصار في اعتبار العدد على الولوغ ، وفيما عداه على إزالة النجاسة ، وغسلِ الإناء بعد ذلك مرّة واحدة ؛ لحصول الغرض من الإزالة»(3) انتهى .

وتقريب ما ذكره : أنّ النجاسة والطهارة ليستا من الاُمور المعنوية التي لم يصلها العقول ، بل هما من الاُمور الواضحة والمفاهيم الظاهرة عنواناً ومصداقاً ، فإذا علم من الشارع لزوم تطهير الأواني أو غيرها ، وعدم جواز استعمالها إلاّ مع طهارتها ، لا يحتاج العقلاء في تحصيل الطهارة إلى بيان من الشارع ، كما لا يحتاجون في بيان سائر المصاديق العرفية والعناوين الكذائية إليه .

واحتمال أنّ الطهارة أمر غير ما يدركها العقلاء - كاحتمال لزوم الغسل تعبّداً ؛ من غير نظر إلى التطهير وإرجاع الشيء إلى حالته الأصلية - ضعيف مخالف لظواهر الأدلّة وفهم العقلاء منها ، ولهذا لا ينقدح في ذهن العقلاء من الأمر بغسل الأواني ثلاثاً ، إلاّ أ نّه لغرض تنظيفها ، فإذا حصلت النظافة بمرّة إذا بالغ في تنظيفها ، فقد حصل الغرض .

وبهذا الوجه يمكن الاستدلال على جواز الاكتفاء بمرّة في الغسل بماء جارٍ أو كثير ؛ إذا حصل الغرض من الغمس فيهما .

ص: 205


1- اُنظر مفتاح الكرامة 2 : 254 ؛ جامع المقاصد 1 : 192 .
2- شرائع الإسلام 1 : 48 ؛ المبسوط 1 : 15 ؛ المختصر النافع : 20 ؛ إصباح الشيعة : 26 .
3- المعتبر 1 : 461 - 462 .

بل يتّسع نطاق البيان إلى جميع أنواع النجاسات ، كالبول والولوغ أيضاً ؛ بدعوى عدم إعمال تعبّد من الشرع في باب النجاسات والطهارات ، إلاّ بجعل مصداق نجساً ، أو سلب النجاسة عن قذر عرفي ، فالطهارة أمر واضح يدركه العقلاء ، والأمر بالغسل والدلك والتعفير والتعدّد لأجل حصولها ، من غير إعمال تعبّد في ماهيتها ، فإذا علم حصولها - ولو بنحو مغاير لما في الأوامر الشرعية التوصّلية - تسقط الأوامر ؛ لحصول الغرض .

هذا غاية تقريب كلام المحقّق رحمه الله علیه .

وبه قال العلاّمة ، وحمل الروايات الآمرة بالعدد على الغالب ، لا على المقدّر ؛ قال في جملة من كلامه في الخمر :

«والأقرب عندي عدم اعتبار العدد ، بل الواجب الإنقاء ، لنا محلّ نجس ، فوجب تطهيره بصيرورته إلى الحال الأوّل ، وذلك إنّما يحصل بالنقاء ، فيجب الإنقاء . لكنّ الغالب أ نّه لا يحصل إلاّ مع الثلاث ، فيجب لا باعتبار أ نّه مقدّر»(1) انتهى ، وهو متين .

لكن مع ذلك يشكل الخروج عن مقتضى موثّقة عمّار ، سيّما مع ما نرى من إعمال التعبّد في أبواب النجاسات إلى ما شاء اللّه ، كالاكتفاء في محلّ النجو بالأحجار ونحوها ، دون محلّ البول ، مع أشدّية قذارة الأوّل عرفاً ، وكالاكتفاء بالأرض في تطهير بعض الاُمور خاصّة ، مثل تحت الأقدام ، وكالاكتفاء بتطهير الشمس في بعض الاُمور ؛ أي غير المنقول ، وكزوال عين النجاسة في الحيوان

ص: 206


1- منتهى المطلب 3 : 344 .

الصامت بأيّ نحو كان . . . إلى غير ذلك ، ومعه كيف يمكن دعوى عدم إعمال تعبّد

من قِبله في أبوابهما ؟ ! فلا محيص عن الوقوف على المنصوص .

لزوم التعدّد حتّى مع الغسل بالكثير والجاري والمطر

وعليه لا فرق ظاهراً بين القليل والكثير والجاري والمطر ؛ لأنّ الظاهر من موثّقة عمّار أ نّه علیه السلام سئل عن كيفية الغسل وعن كمّيته ، فأجاب عن الثانية

بقوله علیه السلام : «يغسل ثلاث مرّات» وعن الاُولى بقوله : «يصبّ فيه الماء . . .»(1) إلى آخره . وإطلاق الجواب الأوّل يقتضي عدم الفرق بين القليل وغيره .

والجملة الثانية لا تكون قرينة على أنّ المراد بالاُولى الغسل بالقليل ؛ لأنّ

بيان الكيفية إنّما يحتاج إليه في القليل ، دون الكرّ والجاري ؛ فإنّ كيفية غسله فيهما واضحة ، وأمّا الغسل بالقليل فلمّا كان في نظر العرف أنّ صبّ الماء في الإناء يوجب تنجيسه ، فلا يمكن التطهير به إلاّ بنحو يجري الماء من غير أن يجتمع فيه ، كان بيانه لازماً ورافعاً للتحيّر ، فلا يصير الذيل قرينة على الصدر ، ولا مقيّداً له ، فتكون الموثّقة مقدّمة على مرسلة الكاهلي الواردة في المطر ، وعلى مرسلة العلاّمة في الكثير(2) ؛ لما مرّ سابقاً من تحكيم مثلها عليهما (3) . هذا مع ضعف الثانية بلا جبر .

فالأحوط - لو لم يكن أقوى - اعتبار التعدّد مطلقاً .

ص: 207


1- تقدّمت في الصفحة 204 .
2- تقدّمتا في الصفحة 136 .
3- تقدّم في الصفحة 199 - 200 .
فائدة استطرادية في أحكام الأواني والجلود
اشارة

جرت عادتهم باستطراد أحكام الأواني والجلود في المقام ، وفيها مسائل :

المسألة الاُولى : حكم استعمال آنية الذهب والفضّة
اشارة

لا يجوز الأكل والشرب وكذا سائر الاستعمالات من آنية الذهب والفضّة وهو في الجملة ثابت ، ادّعي عليه الإجماع(1) وعدم الخلاف(2) ، وسيأتي الكلام فيه(3) .

في التمسّك بالروايات لإثبات حرمة الأكل والشرب

وتدلّ على الأوّل جملة من الروايات من طرق الناس ، كالمرويّ عن النبي صلی الله علیه و آله وسلم : «لا تشربوا في آنية الذهب والفضّة ، ولا تأكلوا في صحافها ، فإنّها لهم في الدنيا ، ولكم في الآخرة»(4) .

وعنه صلی الله علیه و آله وسلم : «نهى عن الشرب في آنية الفضّة»(5) .

ص: 208


1- ذكرى الشيعة 1 : 145 ؛ مجمع الفائدة والبرهان 1 : 362 ؛ مدارك الأحكام 2 : 379 .
2- كشف الرموز 1 : 118 ؛ الحدائق الناضرة 5 : 504 .
3- سيأتي في الصفحة 216 .
4- صحيح البخاري 7 : 144 / 338 ؛ صحيح مسلم 4 : 301 / 5 .
5- صحيح البخاري 7 : 213 / 537 ، و : 214 / 540 ؛ صحيح مسلم 4 : 298 / 3 .

وعنه صلی الله علیه و آله وسلم : «من يشرب في آنية الفضّة في الدنيا لم يشرب فيها في الآخرة»(1).

وعنه صلی الله علیه و آله وسلم : «الذي يشرب في آنية الفضّة إنّما يجرجر في بطنه نار جهنّم»(2) .

ومن طرقنا صحيحة محمّد بن مسلم ، عن أبي جعفر علیه السلام قال : «لا تأكل من آنية الذهب والفضّة»(3) .

وصحيحته الاُخرى - على الأصحّ(4) - عنه علیه السلام : «أ نّه نهى عن آنية الذهب والفضّة»(5) .

ورواية داود بن سِرحان ، عن أبي عبداللّه علیه السلام قال : «لا تأكل في آنية

الذهب والفضّة»(6) .

ص: 209


1- صحيح مسلم 4 : 299 / 3 .
2- صحيح البخاري 7 : 213 / 539 ؛ سنن الدارمي 2 : 121 ؛ صحيح مسلم 4 : 297 / 1 .
3- الفقيه 3 : 222 / 1031 ؛ وسائل الشيعة 3 : 508 ، كتاب الطهارة ، أبواب النجاسات ، الباب 65 ، الحديث 7 .
4- رواها الكليني ، عن عدّة من أصحابنا ، عن سهل بن زياد ، عن ابن محبوب ، عن العلاء بن رزين ، عن محمّد بن مسلم . وليس في السند من يتأمّل فيه إلاّ سهل بن زياد، وهو ثقة عند المصنّف قدس سره؛ لكثرة رواياته وقدمه الراسخ في جميع أبواب الفقه . راجع الجزء الأوّل : 78 .
5- الكافي 6 : 267 / 4 ؛ وسائل الشيعة 3 : 506 ، كتاب الطهارة ، أبواب النجاسات ، الباب 65 ، الحديث 3 .
6- الكافي 6 : 267 / 1 ؛ وسائل الشيعة 3 : 506 ، كتاب الطهارة ، أبواب النجاسات ، الباب 65 ، الحديث 2 .

وفي حديث المناهي قال : «نهى رسول اللّه صلی الله علیه و آله وسلم عن الشرب في آنية الذهب والفضّة»(1) .

ورواية مَسعدة بن صدقة - الموثّقة ظاهراً (2) - عن جعفر بن محمّد ، عن أبيه علیهما السلام : «أنّ رسول اللّه صلی الله علیه و آله وسلم نهاهم عن سبع منها : الشرب في آنية الذهب والفضّة»(3) .

لكن بإزائها روايات ربّما يكون مقتضى الجمع العقلائي بينها وبين الاُولى ، الحكم على الكراهة لولا الجهات الخارجية ، كموثّقة سَماعة بن مِهران ، عن أبي عبداللّه علیه السلام قال : «لا ينبغي الشرب في آنية الذهب والفضّة»(4) .

وصحيحة الحلبي ، عن أبي عبداللّه علیه السلام : «أ نّه كره آنية الذهب والفضّة والآنية المفضّضة»(5) .

وظاهرها أنّ الكراهة في الفضّة والمفضّضة سواء ، فتكون الكراهة ظاهرة في الاصطلاحية .

ولو قيل : إنّ الكراهة لأصل الآنية لا تنافي حرمة الشرب منها .

ص: 210


1- الفقيه 4 : 4 / 1 ؛ وسائل الشيعة 3 : 508 ، كتاب الطهارة ، أبواب النجاسات ، الباب 65 ، الحديث 9 .
2- راجع تنقيح المقال 3 : 212 / السطر 5 (أبواب الميم) .
3- قرب الإسناد : 71 / 228 ؛ وسائل الشيعة 3 : 508 ، كتاب الطهارة ، أبواب النجاسات ، الباب 65 ، الحديث 11 .
4- الكافي 6 : 385 / 3 ؛ الفقيه 3 : 222 / 1030 ؛ وسائل الشيعة 3 : 507 ، كتاب الطهارة ، أبواب النجاسات ، الباب 65 ، الحديث 5 .
5- المحاسن : 582 / 61 ؛ وسائل الشيعة 3 : 508 ، كتاب الطهارة ، أبواب النجاسات ، الباب 65 ، الحديث 10 .

يقال : الظاهر أنّ المراد من كراهتهما كراهة الأكل والشرب ، كما تشهد به روايته الاُخرى عنه علیه السلام قال : «لا تأكل في آنية من فضّة ، ولا آنية مفضّضة»(1) .

ولعلّ الرواية الاُولى نقل بالمعنى للثانية ، وإنّما فهم الحلبي من النهي الكراهة

بقرينة ذكر المفضّضة . وهو جيّد ؛ لأنّ الظاهر من الثاني أنّ المفضّضة كالفضّة ، فإذا ضمّ إليها صحيحة عبداللّه بن سِنان ، عن أبي عبداللّه علیه السلام قال : «لا بأس أن يشرب الرجل في القدح المفضّض ، واعزل فمك عن موضع الفضّة»(2) يستفاد منها الكراهة . وكون الاُولى في الأكل والثانية في الشرب ، لا يقدح في ذلك ؛ لإلغاء الخصوصية عرفاً ، وعدم الفصل جزماً .

وموثّقة بُرَيد ، عن أبي عبداللّه علیه السلام : «أ نّه كره الشرب في الفضّة ، وفي القدح المفضّض ، وكذلك أن يدهن في مدهن مفضّض ، والمشطة كذلك»(3) .

وهي ظاهرة الدلالة في الكراهة الاصطلاحية بعد عطف «المفضّض» و«المشطة» عليها .

وصحيحة ابن بَزيع قال : سألت أبا الحسن الرضا علیه السلام عن آنية الذهب والفضّة فكرههما ، فقلت : قد روى بعض أصحابنا : أ نّه كان لأبي الحسن علیه السلام مرآة ملبّسة فضّة ، قال : «لا والحمد للّه ، وإنّما كانت لها حلقة من فضّة . . .» إلى أن قال : «نحواً

ص: 211


1- الكافي 6 : 267 / 3 ؛ وسائل الشيعة 3 : 509 ، كتاب الطهارة ، أبواب النجاسات ، الباب 66 ، الحديث 1 .
2- تهذيب الأحكام 9 : 91 / 392 ؛ وسائل الشيعة 3 : 510 ، كتاب الطهارة ، أبواب النجاسات ، الباب 66 ، الحديث 5 .
3- الكافي 6 : 267 / 5 ؛ وسائل الشيعة 3 : 509 ، كتاب الطهارة ، أبواب النجاسات ، الباب 66 ، الحديث 2 .

من عشرة دراهم ، فأمر به أبو الحسن علیه السلام فكسر»(1) .

وهي أيضاً - بلحاظ ذيلها ونحو تعبيرها - ظاهرة في الكراهة مقابل الحرمة .

ورواية موسى بن بكر ، عن أبي الحسن علیه السلام قال : «آنية الذهب والفضّة متاع الذين لا يوقنون»(2) .

وهي أيضاً مشعرة بالكراهة ، أو ظاهرة فيها .

والإنصاف : أنّ الجمع بين الطائفتين من أهون التصرّفات العقلائية . نعم لو كانت الروايات التي من طرقهم معتبرة عندنا ، كان الجمع بينهما مشكلاً ، لكنّها غير معوّل عليها . هذا حال الأكل والشرب .

بيان حكم سائر الاستعمالات على ضوء الأخبار

ومنه يظهر حال سائر الاستعمالات ، فإنّ ما يمكن الاستشهاد بها على حرمة سائرها ، ليست إلاّ صحيحة محمّد بن مسلم الثانية(3) ، لكن لمّا لا يمكن أن يتعلّق النهي بماهية آنية الذهب والفضّة ، لا بدّ وأن يتعلّق بمحذوف ، كالأكل والشرب ، أو الاستعمال ، أو الاقتناء .

وليس المقام ممّا يقال فيه : «إنّ حذف المتعلّق دليل العموم» لأنّ محمّد بن مسلم حكى أ نّه علیه السلام نهى عنها ، ولم يحكِ نحو النهي الذي في كلامه ، ولا متعلّقه ،

ص: 212


1- الكافي 6 : 267 / 2 ؛ وسائل الشيعة 3 : 505 ، كتاب الطهارة ، أبواب النجاسات ، الباب 65 ، الحديث 1 .
2- المحاسن : 582 / 62 ؛ الكافي 6 : 268 / 7 ؛ وسائل الشيعة 3 : 507 ، كتاب الطهارة ، أبواب النجاسات ، الباب 65 ، الحديث 4 .
3- تقدّمت في الصفحة 209 .

والمتيقّن - بل الظاهر - هو النهي عن الأكل والشرب ، لا كلّ شيء ، كما تشهد به سائر الروايات .

وقياس المورد بقوله علیه السلام : «نهى النبي صلی الله علیه و آله وسلم عن الغرر»(1) حيث يستفاد منه الغرر في كلّ معاملة ، مع الفارق ؛ لأنّ «الغرر» مصدر يمكن تعلّق النهي به ، دون آنية الذهب .

بل الظاهر أنّ هذه الرواية نقل بالمعنى لروايته الاُخرى عنه علیه السلام قال : «لا تأكل من آنية الذهب والفضّة»(2) .

وبالجملة : لو سمع ابن مسلم من أبي جعفر علیه السلام هذا النهي ، يجوز له أن يقول : «نهى أبو جعفر علیه السلام عن آنية الذهب والفضّة» .

وتوهّم : أنّ الصادر عن أبي جعفر علیه السلام بتوسّط ابن مسلم روايتان : إحداهما منقولة بلفظها ، والاُخرى بمعناها ، ولا بدّ أن يكون النهي عن عنوان عامّ حتّى يصحّ له أن يحكي عنه علیه السلام بقوله : «نهى عن الآنية» كما ترى .

والحاصل : أ نّه لا يمكن إثبات نهي عن مطلق الاستعمال بحكايته النهي عن الآنية ، مع صحّة الحكاية إن لم يصدر عن أبي جعفر علیه السلام إلاّ روايته الاُخرى المتقدّمة .

وأمّا سائر الروايات التي يمكن استفادة حكم مطلق الاستعمال منها ، فظاهرة في الكراهة ، كرواية موسى بن بكر ، وصحيحة ابن بَزيع وصحيحة الحلبي - مع إشكال فيها تقدّم ذكره : وهو أ نّها عين صحيحته الاُخرى منقولة بالمعنى -

ص: 213


1- الخلاف 3 : 319 .
2- تقدّم في الصفحة 209 .

ورواية علي بن جعفر ، عن أخيه موسى بن جعفر علیه السلام قال : سألته عن المرآة ، هل يصلح إمساكها إذا كان لها حلقة من فضّة ؟ قال : «نعم ، إنّما يكره استعمال ما يشرب فيه»(1) . بناءً على أنّ المراد كراهة مطلق استعمال إناء يشرب فيه ؛ أي يكون معدّاً للشرب . وهذه أيضاً ظاهرة الدلالة على الكراهة المصطلحة . بل لو فرض ظهور في صحيحة ابن مسلم في حرمة مطلق الاستعمال ، تكون هذه الرواية حاكمة عليها موجبة لصرفها عنه .

فتحصّل ممّا ذكر : عدم دليل لفظي على حرمة استعمال الأواني بنحو الإطلاق ، ولا الأكل والشرب منها .

حكم الاستعمالات غير المتعارفة والتزيين والاقتناء

ثمّ لو فرض دلالة الأدلّة على حرمة الأكل والشرب وكذا حرمة الاستعمال ، هل تنصرف إلى حرمة الشرب والأكل في آنية يتعارف الأكل والشرب منها ، وكذا تنصرف إلى الأكل والشرب المتعارفين ، أو تعمّ غير المتعارفين في البابين ؟

وجهان ، لا يبعد القول بالتعميم ؛ لأجل ارتكاز العقلاء على عدم دخالة كيفية الأكل والشرب ، ولا تعارف الإناء فيهما .

نعم ، الظاهر أنّ استعمال الإناء منصرف إلى استعمال يكون من شأن الأواني ، لا مثل قتل الحيّة ودقّ الباب بها ، فلو ورد دليل على أنّ استعمال الأواني محرّم - كمرسلة «الخلاف» : روي عن النبي صلی الله علیه و آله وسلم : «أ نّه نهى عن استعمال أواني

ص: 214


1- مسائل علي بن جعفر : 299 / 756 ؛ المحاسن : 583 / 69 ؛ وسائل الشيعة 3 : 511 ، كتاب الطهارة ، أبواب النجاسات ، الباب 67 ، الحديث 5 .

الذهب والفضّة»(1) - لا يعمّ إلاّ ما يكون الاستعمال نحو استعمال الأواني .

ولو استعمل ما للشرب في الأكل أو بالعكس ، أو استعمل ما ليس لهما فيهما ، فشرب من القنديل وغلاف السيف ، يكون محرّماً - على إشكال في مثل الأخير - دون ما لو استعمل الإناء فيما لا يكون شأن الأواني بما هي ، كاستعمالها في ضرب الدابّة ، ووضعها والجلوس عليها .

كما أنّ الظاهر عدم التعميم لمثل الوضع على الرفوف للتزيين ، إلاّ ما كان نحو استعمالها كذلك ؛ بناءً على عموم حرمة الاستعمال .

وأولى بعدم الحرمة اقتناؤها . نعم لو استفيد من صحيحة ابن بَزيع(2) الحرمة ، لا يبعد أن يقال : إنّها متعلّقة بذات الآنية ، فيكون وجودها مبغوضاً لا يجوز اقتناؤها ، بل يجب كسرها ، كما أمر أبو الحسن علیه السلام بكسر قضيب ملبّس بالفضّة على ما فيها لكنّها ظاهرة في الكراهة ، أو غير دالّة على الحرمة .

كما أ نّه لو فرض استفادة الحرمة من قوله علیه السلام : «آنية الذهب والفضّة متاع الذين لا يوقنون»(3) يكون دالاًّ على حرمة مطلق الانتفاع والتمتّع بها ممّا هو من شأن الأواني . نعم لا يشمل مثل الاقتناء ، فإنّه تعطيل عن الانتفاع ، لا انتفاع بها .

هذا كلّه حال الأدلّة اللفظية ، وقد عرفت عدم نهوضها لإثبات حرمة الأكل والشرب ، فضلاً عن سائر الاستعمالات .

ص: 215


1- الخلاف 1 : 70 ؛ مستدرك الوسائل 2 : 598 ، كتاب الطهارة ، أبواب النجاسات ، الباب 42 ، الحديث 9 .
2- تقدّمت في الصفحة 211 .
3- تقدّم في الصفحة 212 .

في التمسّك بالإجماع على حرمة الأكل والشرب وسائر الاستعمالات

نعم ، قد تكرّر واستفاض نقل الإجماع من عصر العلاّمة إلى عصرنا على حرمة الأكل والشرب في جملة من الكتب(1) ، وعن «الذكرى»(2) و«المجمع» للأردبيلي(3) و«المدارك»(4) وغيرها (5) على حرمة سائر الاستعمالات أيضاً ، وعن «كشف الرموز» : «لا خلاف فيه»(6) ونسبه في محكيّ «الكفاية» إلى المشهور(7) .

وعن الصدوق والمفيد وسلاّر والشيخ في «النهاية» الاقتصار على الأكل والشرب(8) ، وعن «المدارك» و«الكفاية» : «أنّ تحريم اتّخاذها لغير الاستعمال هو المشهور»(9) ، وعن «المجمع» : «هو مذهب الأكثر»(10) وهو المحكيّ عن الشيخ والمحقّق واليوسفي والعلاّمة والفخر والكركي وظاهر الشهيد(11) .

ص: 216


1- تذكرة الفقهاء 2 : 225 ؛ الحبل المتين : 128 / السطر 6 ؛ جواهر الكلام 6 : 328 .
2- اُنظر ذخيرة المعاد : 173 / السطر 38 ؛ ذكرى الشيعة 1 : 145 .
3- مجمع الفائدة والبرهان 1 : 362 .
4- مدارك الأحكام 2 : 379 .
5- رياض المسائل 2 : 419 .
6- كشف الرموز 1 : 118 .
7- كفاية الفقه (كفاية الأحكام) 1 : 73 .
8- الفقيه 3 : 222 / 1030 و1031 ؛ المقنع : 424 ؛ المقنعة : 584 ؛ المراسم : 210 ؛ النهاية : 589 .
9- مدارك الأحكام 2 : 380 ؛ كفاية الفقه (كفاية الأحكام) 1 : 73 .
10- مجمع الفائدة والبرهان 1 : 363 .
11- المبسوط 1 : 13 ؛ المعتبر 1 : 456 ؛ كشف الرموز 1 : 119 ؛ نهاية الإحكام 1 : 297 ؛ إيضاح الفوائد 1 : 32 ؛ جامع المقاصد 1 : 188 ؛ ذكرى الشيعة 1 : 145 .

وعن الحلّي والعلاّمة في «المختلف» تقريب الجواز(1) ، وعن «المدارك» استحسانه(2) ، وعن شيخه الأردبيلي الميل إليه(3) .

هذا ، والذي يوجب وسوسة في النفس أمران :

أحدهما : احتمال تخلّل الاجتهاد في الحكم ؛ وأنّ الفقهاء إنّما أفتوا بالحرمة في الأكل والشرب وسائر الاستعمالات اتّكالاً على الروايات ، سيّما مع استدلال الشيخ والمفيد ، ومن بعدهما كالمحقّق والعلاّمة ، وأمثالهما من عُمَد أصحاب الفتوى وأئمّة الفنّ ، بها .

ومعه كيف يمكن القطع بأنّ عندهم غير تلك الروايات أمراً آخر ، ويكون الحكم معروفاً من لدن زمن الأئمّة علیهم السلام وإنّما ذكروا الروايات إيراداً ، لا استناداً واعتماداً ، أو أعرضوا عن الروايات الحاكمة عليها ، لا رجّحوا مفاد ما دلّت على التحريم عليها بالتقريبات التي ذكرها المتأخّرون ؟ !

والحاصل : أ نّه مع الظنّ الراجح على استنادهم إلى الروايات ، كيف يمكن القطع بكشف الإجماع عن الدليل المعتبر غيرها ، أو عن أخذهم الحكم خلفاً عن سلف من غير تخلّل اجتهاد ؟ !

وثانيهما : عبارة الشيخ في «الخلاف» قال في (مسألة 15) من كتاب الطهارة : يكره استعمال أواني الذهب والفضّة ، وكذلك المفضّض منها .

ص: 217


1- اُنظر مفتاح الكرامة 2 : 238 ؛ السرائر 3 : 123 ؛ مختلف الشيعة 1 : 336 .
2- مدارك الأحكام 2 : 380 .
3- مجمع الفائدة والبرهان 1 : 363 - 364 .

وقال الشافعي : «لا يجوز استعمال أواني الذهب والفضّة»(1) وبه قال أبو حنيفة في الشرب والأكل والتطيّب على كلّ حال(2) . وقال الشافعي : «يكره المفضّض»(3) وقال أبو حنيفة : «لا يكره»(4) وهو مذهب داود .

دليلنا : إجماع الفرقة ، وأيضاً روى الحلبي ، عن أبي عبداللّه علیه السلام : «لا تأكل في آنية من فضّة ، ولا في آنية مفضّضة»(5) . وروى ابن محبوب ، عن العلاء بن رَزين ، عن محمّد بن مسلم ، عن أبي جعفر علیه السلام : «أ نّه نهى عن آنية الذهب والفضّة»(6) . وروي عن النبي صلی الله علیه و آله وسلم : «أ نّه نهى عن استعمال أواني الذهب والفضّة»(7) انتهى .

وهذه - كما ترى - ظاهرةٌ في الكراهة المصطلحة ، غيرُ ممكن التأويل بغيرها من وجوه ؛ وإن كان مقتضى تمسّكه بالروايات الظاهرة في الحرمة أن يكون مدّعاه التحريم ، لكن نصوصية الصدر حاكمة على الذيل ، سيّما مع أنّ رواية الحلبي محمولة على الكراهة بقرينة عطف «المفضّضة» على «آنية الفضّة»

ص: 218


1- المغني ، ابن قدامة 1 : 62 / السطر 15 ؛ المجموع 1 : 246 .
2- بدائع الصنائع 5 : 132 .
3- المجموع 1 : 258 / السطر 6 .
4- المغني ، ابن قدامة 1 : 64 / السطر 11 ؛ المجموع 1 : 261 / السطر 5 .
5- الكافي 6 : 267 / 3 ؛ وسائل الشيعة 3 : 509 ، كتاب الطهارة ، أبواب النجاسات ، الباب 66 ، الحديث 1 .
6- الكافي 6 : 267 / 4 ؛ وسائل الشيعة 3 : 506 ، كتاب الطهارة ، أبواب النجاسات ، الباب 65 ، الحديث 3 .
7- الخلاف 1 : 69 .

والنصّ قائم على عدم البأس بها ؛ وهو صحيحة عبداللّه بن سِنان المتقدّمة(1) .

ولعلّ استناد الشيخ إليها للكراهة كذلك ، كما أنّ الحلبي الناقل لها عن أبي عبداللّه علیه السلام قال في موضع آخر : «إنّه كره آنية الذهب والفضّة ، والآنية المفضّضة»(2).

وأمّا فتواه في زكاة «الخلاف» بحرمة الاتّخاذ والاستعمال(3) مستدلاًّ بالنبويين المتقدّمين(4) ، وكذا فتواه في «النهاية» بحرمة الأكل والشرب(5) ، فلا يصيران قرينة على أنّ مراده في المقام الحرمة، أو الجامع بينهما وبين الكراهة؛ فإنّ التصرّف في عبارة «الخلاف» كطرح النصّ ، لا تأويل الظاهر أو المجمل .

نعم ، لأحد أن يقول بتصحيف نسخة «الخلاف» وهو كما ترى .

فإذا كان الأمر كذلك ، والمسألة على هذا المنوال ، كيف يمكن الاتّكال على دعوى إجماع العلاّمة ومن تأخّر عنه ، سيّما في مطلق الاستعمال . مع أنّ جمعاً من المتقدّمين اقتصروا على الأكل والشرب ، كما تقدّم ؟ ! فالمسألة قويّة الإشكال .

ولكن الخروج عن الإجماعات المنقولة في الأكل والشرب والاستعمالات

ص: 219


1- تقدّمت في الصفحة 211 .
2- المحاسن : 582 / 61 ؛ وسائل الشيعة 3 : 508 ، كتاب الطهارة ، أبواب النجاسات ، الباب 65 ، الحديث 10 .
3- الخلاف 2 : 90 .
4- وهما : «نهى عن الشرب في آنية الفضّة» و«نهى عن استعمال أواني الذهب والفضّة» تقدّمتا في الصفحة 208 و214 - 215 .
5- النهاية : 589 .

المتعارفة المتيقّنة أشكل ؛ للوهن الحاصل منها في الروايات المقابلة للنواهي الواردة عن الأكل والشرب ، أو حصول الوثوق بأنّ المراد من «الكراهة» في الروايات غير معناها الاصطلاحي .

المختار في المقام

وعلى أيّ حال : غاية ما يمكن الاتّكال عليها في ذاك وذلك ، هي حرمة الأكل والشرب والاستعمالات المتعارفة ، دون غير المتعارفة ، أو غير المتوقّعة من الأواني ، ولا سيّما الثانية ، فضلاً عمّا لا يكون استعمالاً أو شكّ فيه ، كالوضع

على الرفوف للتزي-ين والاقتناء ونحوهما .

فالأقوى حلّية غير الأكل والشرب والاستعمالات المتوقّعة من الأواني ؛ وإن لا يخلو عن تأمّل فيما لا يتعارف فيها ، كالشرب من غلاف السيف لو قلنا : بأ نّه آنية ، أو جعل الكوز والكأس محلاًّ للمداد لأجل الكتابة ونظائرها .

عدم حرمة الأكل والشرب من الآنية المفضّضة

وقد ظهر من بعض ما تقدّم عدم حرمة المفضّض . وهل يحرم الشرب من موضع الفضّة ، أو يكره ؟

ظاهر ذيل صحيحة ابن سِنان المتقدّمة(1) الأوّل ، وبه قال جملة من الأصحاب قديماً وحديثاً (2) .

ص: 220


1- تقدّم في الصفحة 211 .
2- المبسوط 1 : 13 ؛ المهذّب 1 : 28 ؛ الجامع للشرائع : 391 ؛ جامع المقاصد 1 : 188 - 189 ؛ رياض المسائل 2 : 422 ؛ جواهر الكلام 6 : 341 .

بل عن «الكفاية» نقل الشهرة عليه(1) ، وفي «المدارك» نسبته إلى عامّة المتأخّرين(2) .

واختار المحقّق في «المعتبر» الاستحباب(3) ، واستحسنه صاحب «المدارك»(4) ، لإطلاق صحيحة معاوية بن وهب قال : سئل أبو عبداللّه علیه السلام عن الشرب في القدح فيه ضَبّة من فضّة ، قال : «لا بأس ، إلاّ أن يكره الفضّة فينزعها»(5) .

ومقتضى الجمود على قواعد الفنّ وإن كان تقييد هذا الإطلاق ، لكن لا يبعد أقربية حمل الصحيحة على استحباب العزل أو كراهة الشرب من المحلّ منها ؛ لقوّة الإطلاق ، سيّما إذا كانت «الضَبّة» بمعنى الشُعَب التي يزيّن بها الإناء ، فإنّ الابتلاء بها في الشرب كثير ، فعدم النهي عنها والتذييل بقوله علیه السلام : «إلاّ أن يكره الفضّة فينزعها» والمناسبات المغروسة في الذهن ، ربّما توجب ترجيح الحمل على الكراهة على التقييد .

لكن مع ذلك رفع اليد عن ظهور الصحيحة مشكل .

فالأحوط العزل ، كما أنّ الأحوط إلحاق المذهّب بالمفضّض ، بل لا يخلو من قوّة .

ص: 221


1- كفاية الفقه (كفاية الأحكام) 1 : 74 .
2- مدارك الأحكام 2 : 383 .
3- المعتبر 1 : 455 .
4- مدارك الأحكام 2 : 383 .
5- المحاسن : 582 / 65 ؛ تهذيب الأحكام 9 : 91 / 391 ؛ وسائل الشيعة 3 : 509 ، كتاب الطهارة ، أبواب النجاسات ، الباب 66 ، الحديث 4 .
المسألة الثانية في أنّ المحرّم هو الأكل والشرب ونحوهما أو عنوان الاستعمال

يحتمل بحسب التصوّر حرمة «الأكل» و«الشرب» من الآنيتين ، وكذا سائر العناوين التي نظيرهما في استلزام الاستعمال ، ك- «الوضوء» و«التدهين» و«التطيّب» و«التدخين» وهكذا ؛ بمعنى أنّ المنهيّ عنه ذات تلك العناوين ، فكلّ منها محرّم بعنوانه .

ويحتمل حرمة عنوان «استعمالهما» سواء كان في الأكل أو الشرب أو غيرهما من المقاصد ؛ بحيث يكون نفس الاستعمال بما هو محرّماً ، لا العناوين المتقدّمة .

ويحتمل أن يكون الأكل والشرب بعنوانهما محرّماً دون سائر العناوين ، بل هي بعنوان الاستعمال محرّمة .

ظاهر شيخ الطائفة في عبارته المتقدّمة(1) عن موضعين من «الخلاف» ثاني الاحتمالات .

وهو ظاهر المحقّق في «المعتبر»(2) و«النافع»(3) حيث قال في الأوّل : «لا يجوز استعمال أواني الذهب والفضّة في الأكل والشرب وغيرهما» والظاهر منه حرمة نفس الاستعمال ، لا عنوان «الشرب» و«الأكل» وهكذا .

ويشهد له ما قال بعد ذلك : «لا يحرم المأكول والمشروب فيهما وإن كان

ص: 222


1- تقدّمت في الصفحة 217 - 218 و219 .
2- المعتبر 1 : 454 و456 .
3- المختصر النافع : 20 .

الاستعمال محرّماً ؛ لأنّ النهي عن الاستعمال لا يتناول المستعمل» .

ويؤيّده ما قال في ردّ من قال ببطلان الوضوء من آنية الذهب والفضّة : «لنا : أنّ انتزاع الماء ليس جزءاً من الطهارة ، بل لا يحصل الشروع فيها إلاّ بعده» انتهى ، تأمّل تعرف .

بل لا يبعد رجوع عبارة «الشرائع» إليه ، قال : «لا يجوز الأكل والشرب في آنية من ذهب أو فضّة ، ولا استعمالها في غير ذلك»(1) ؛ بأن يقال : إنّ الأكل والشرب المذكورين ، مثال لأنحاء الاستعمال المذكور في الذيل ، فكأ نّه قال : «لا يجوز استعمالها في الأكل والشرب وغير ذلك» سيّما مع قرينية ما في «المعتبر» و«النافع» عليه .

وهو ظاهر «القواعد»(2) و«التذكرة»(3) قال في الثاني : «ويحرم استعمال المتّخذ من الذهب والفضّة في أكل وشرب وغيرهما عند علمائنا أجمع» .

ثمّ قال : «فروع : الأوّل : لا فرق في تحريم الاستعمال بين الأكل والشرب وغيرهما ، كالبخور والاكتحال منه ، والطهارة وشبهه ، وجميع وجوه الاستعمال ؛ لأنّ في تحريم الأكل والشرب تنبيهاً على منع غيرهما» انتهى .

فيظهر منه البناء على إلغاء الخصوصية من الأكل والشرب الواردين في النصوص .

ولولا ذهابه إلى صحّة الوضوء والغسل في آنيتهما (4) ، واستدلاله بما استدلّ

ص: 223


1- شرائع الإسلام 1 : 47 .
2- قواعد الأحكام 1 : 196 .
3- تذكرة الفقهاء 2 : 225 و226 .
4- تذكرة الفقهاء 2 : 227 - 228 .

به المحقّق ، لكان المحتمل في عبارته أنّ مراده من سائر الاستعمالات غير الأكل

والشرب ، عناوين اُخر نظيرهما ك- «الوضوء» و«الغسل» حتّى يكون موافقاً للاحتمال الأوّل من الاحتمالات المتقدّمة . لكنّ ما ذكره أخيراً كالنصّ في أنّ النهي لم يتعلّق بالعناوين ، فيكون قرينة على أنّ مراده من كون الأكل والشرب تنبيهاً على منع غيرهما ، أ نّهما مثال لمطلق الاستعمال ، فهو محرّم منطبق على سائر العناوين ، وهو قرينة على ما في «المنتهى»(1) .

وكيف كان : ظاهرهم حرمة الاستعمال والتناول ، كما نسب إلى المشهور(2) .

وما ذكروه هو الأقرب ؛ لأنّ مقتضى الجمود على ظاهر النواهي المتعلّقة بعنوان «الأكل» و«الشرب» وإن كان موضوعيتهما ؛ وأنّ المحرّم نفس عنوانهما ، لا الاستعمالات التي هي مقدّمات لهما ، فلا بدّ من الاقتصار عليهما لولا دليل آخر ، لكن بعد ثبوت حرمة مطلق الاستعمالات - إمّا للإجماع(3) أو بعض الأدلّة المتقدّمة(4) - وبعد كون الشرب والأكل فيها نحو استعمال لها عرفاً ، لا يبقى ظهور في موضوعية العنوانين .

ألا ترى أ نّه لو ورد دليل بعدم جواز استعمال الأواني مطلقاً ، ثمّ ورد النهي عن الاغتراف منها ، لا ينقدح في الذهن إلاّ أنّ النهي عنه لكونه استعمالاً ، لا لخصوصية في عنوانه ! !

وإن شئت قلت : إنّ ملازمةَ الأكل والشرب للاستعمال ، وكونَهما من الأفراد

ص: 224


1- منتهى المطلب 3 : 322 .
2- كفاية الفقه (كفاية الأحكام) 1 : 73 .
3- راجع ما تقدّم في الصفحة 216 .
4- تقدّمت في الصفحة 212 - 214 .

الشائعة في استعمال الأواني ، وبُعدَ حرمة العنوانين مستقلاًّ في مقابل الاستعمال المطلق ، وبُعدَ كون الشرب من الآنية محرّماً من حيث الشرب ومن حيث الاستعمال ، فيكون وضع الفم على الآنية وجذب الماء منها محرّماً ، وبلعه وازدراده محرّماً آخر ، وبُعدَ عدم حرمة التناول والاستعمال في الأكل والشرب ، فيكون المحرّم مطلق الاستعمالات إلاّ ما كانت مقدّمة لهما ، توجب رفع اليد عن موضوعية عنوان «الأكل» و«الشرب» .

بل بعد التنبيه على تلك المقدّمات ، لا ينقدح في الذهن من قوله : «لا تأكل من آنية الذهب والفضّة» إلاّ ما يفهم من قوله : «لا تحجّ على الدابّة المغصوبة» وقوله : «لا ترتفع على السطح بالسلَّم المغصوب» حيث يرى العرف أنّ المبغوض هو التصرّف في المال المغصوب ، لا الحجّ أو الكون على السطح .

نعم ، لو لم يكن في المقام إلاّ قوله : «لا تشرب من آنية الذهب» أو «لا تأكل

منها» كان الظاهر حرمة عنوانهما ، بخلاف باب الغصب في المثالين ؛ للقرينة العرفية فيهما ، لكن بعد ما ذكرناه من الشواهد ، لا يبقى مجال لدعوى الظهور في حرمة نفس العنوانين(1) ، بل المستفاد عرفاً منه أنّ المحرّم هو الاستعمال مطلقاً ، ولهذا ترى أنّ الشيخ قد استدلّ على حرمة مطلق الاستعمالات بالروايات الناهية عن الأكل والشرب(2) ، وكذا المحقّق(3) ، بعد الوثوق بأنّ استدلالهما بروايات الناس ليس استناداً واعتماداً ، بل جدلاً في مقابلهم .

ص: 225


1- مصباح الفقيه ، الطهارة 8 : 358 .
2- الخلاف 1 : 69 ، و2 : 90 .
3- المعتبر 1 : 455 .
المسألة الثالثة في عدم سراية الحرمة إلى المأكول والمشروب

لو فرضنا حرمة العنوانين ، فهل تسري إلى المأكول والمشروب ؟

فعن المفيد : نعم(1) . وعن «الذكرى» : «وهو يلوح من كلام أبي الصلاح»(2) .

وردّه المحقّق : «بأنّ النهي عن الاستعمال لا يتناول المستعمل»(3) وهو موافق للتحقيق ولو كان المراد من الاستعمال عنوان «الشرب» و«الأكل» لأنّ ما تعلّق به النهي هو الشرب من الآنية من غير لحاظ إضافته إلى مشروب أصلاً ، ولزوم التعلّق بمشروب ما محقّق عنوان «الشرب» لا جزء موضوع المحرّم .

وإن شئت قلت : إنّ هاهنا عناوين يمكن بحسب الثبوت أن يتعلّق النهي بكلّ منها :

الأوّل : «الشرب» المطلق ، مقابل الأكل والمشي ونحوهما ، فيكون المبغوض أصل الشرب ، لا الشرب المتعلّق بمائع ؛ وإن كان في تحقّقه يتوقّف على متعلّق ما ، لكنّه خارج عن الموضوع المنهيّ عنه .

الثاني : «شرب الخمر» مقابل شرب الماء ، فيكون المنهيّ عنه شرب هذا العنوان الخاصّ ، وهو بذاته مبغوض .

ص: 226


1- لم نعثر عليه في المقنعة ، اُنظر ذكرى الشيعة 1 : 148 ؛ المقنعة : 584 .
2- ذكرى الشيعة 1 : 148 ؛ الكافي في الفقه : 278 .
3- المعتبر 1 : 456 .

ومنه شرب المتنجّس أو أكل لحم الموطوء ، فإنّ النهي إذا تعلّق بالعنوان الخاصّ - كشرب المتنجّس - يكون بذاته مبغوضاً ، نعم إذا تعلّق بمائع إذا تنجّس يكون المائع مبغوضاً بالعرض .

والثالث : «شرب المائع» مطلقاً ، والفرق بينه وبين الأوّل : بأنّ المائع هاهنا اُخذ جزء الموضوع بخلافه هناك .

والرابع : «شرب الخمر من آنية كذائية» أو «في مكان كذا» بحيث يكون عنوان «الخمر» جزء الموضوع ، والإضافة إلى الآنية أو المكان جزءاً آخر له .

والخامس : «شرب المائع المطلق من آنية كذائية» أو «مكان كذا» .

والسادس : «الشرب في آنية» أو «من آنية كذائية» بحيث تكون نفس طبيعة الشرب - بلا تعلّق بمتعلّق - إذا كانت من آنية كذائية أو فيها مبغوضةً ، فيكون الشرب في آنية كذائية متعلّق النهي ، فيكون الشرب المطلق من حيث المتعلّق جزءاً من الموضوع ، والإضافة إلى الآنية جزءاً آخر منه ، فالمتعلّق في هذه الصورة محتاج إليه في وجوده من غير أن يكون مقوّماً للموضوع المنهيّ عنه .

والمقام من قبيل الأخير ؛ فإنّ قوله : «لا تشرب في آنية الذهب والفضّة ، ولا تأكل فيها» يكون من حيث المتعلّق ساقط الإضافة ، فلا يكون المائع بنحو الإطلاق ولا العناوين الخاصّة - كالماء واللبن - جزءاً للموضوع المنهيّ عنه ، ولا متعلّقاً للنهي ، ولا مبغوضاً .

وهذا مرادنا من أنّ النهي عن الشرب لا يتناول المشروب ، ولعلّه مراد المحقّق

ص: 227

أيضاً وإن استظهرنا من كلامه : أنّ المحرّم هو الاستعمال والتناول من الآنيتين(1) .

وممّا ذكرنا يظهر ضعف الاستدلال للسراية بقوله صلی الله علیه و آله وسلم : «الذي يشرب في آنية الذهب والفضّة إنّما يجرجر في بطنه نار جهنّم»(2) فإنّ ظاهره أنّ نفس الشرب منها يوجب الجرجرة ، لا المشروب . بل المناسب للجرجرة هو الشرب ؛ لأ نّه سببها ، لا المشروب .

وكيف كان : يتّضح ممّا ذكرناه ضعف توجيه صاحب «الحدائق» كلام المفيد : «بأنّ المأكول صار حراماً بالعرض ، ويرجع النهي ثانياً وبالعرض إلى المأكول ، فيكون حراماً متى اُكل بهذه الكيفية ، وظاهر النصوص يساعده»(3) انتهى .

أقول : بل لا يساعده شيء من النصوص ؛ فإنّ النهي فيها إنّما تعلّق بالشرب من الآنية ، لا بالمشروب .

وأضعف منه تنظيره بما اُخذ من الحقّ الشرعي بحكم حاكم الجور ؛ لوضوح الفارق ، فإنّ الدليل هناك - وهو مقبولة عمر بن حنظلة(4) - دالّ على أنّ ما أخذه بحكمه سُحت ، فالحرمة تعلّقت بما أخذ ، بخلاف المقام ، فإنّ النهي لم يتعلّق بما شرب .

ص: 228


1- تقدّم في الصفحة 222 .
2- صحيح البخاري 7 : 213 / 539 ؛ سنن الدارمي 2 : 121 ؛ صحيح مسلم 4 : 297 / 1 .
3- الحدائق الناضرة 5 : 508 .
4- الكافي 1 : 67 / 10 ، و7 : 412 / 5 ؛ تهذيب الأحكام 6 : 218 / 514 ، و : 301 / 845 ؛ وسائل الشيعة 27 : 136 ، كتاب القضاء ، أبواب صفات القاضي ، الباب 11 ، الحديث 1 .

ويتلوه في الضعف قول بعض أهل النظر : «بأنّ إضافة الحرمة إلى الذوات ، إنّما هي بلحاظ الفعل المتعلّق بها ، فالمراد بحرمة المأكول ما دام في الآنية ، ليس

إلاّ حرمة أكله فيها ، فالاعتراض عليه : بأنّ النهي عن الأكل لا يتعدّي إلى المأكول ، ليس على ما ينبغي» .

ثمّ ذكر المناقشة التي أوردوها في الاستدلال بحديث الجرجرة ، وأجاب عنها : «بأنّ المتبادر منه كون الشرب بنفسه سبباً لجرجرة النار في البطن ، لا مقدّمته التي هي أجنبيّة عن البطن ، فالمتبادر إلى الذهن من التشبيه ، ليس إلاّ

حرمة المأكول التي مآلها إلى حرمة الأكل ، كما أنّ هذا هو المتبادر من الأخبار الناهية ، فهذا هو الأقوى»(1) انتهى .

وأنت خبير بما فيه ؛ فإنّ المراد من عدم حرمة المأكول ، ليس عدم حرمة الذات بما هي ، حتّى يقال : إنّ الذات لا يتعلّق بها النهي إلاّ بلحاظ الفعل ، بل المراد أنّ المنهيّ عنه هو الاستعمال ، أو الشرب والأكل من الآنية أو فيها ، لا شرب المائع فيها ، أو شرب الماء واللبن وسائر العناوين ، فلا تسري الحرمة من الشرب إلى متعلّقه ؛ أي الماء ، فلا يكون شرب الماء من الآنية حراماً ، بل الشرب منها حرام بلا إضافة إلى متعلّق ، وإنّما هو دخيل في تحقّق عنوان المحرّم ، لا جزء لموضوعه .

فالمفيد رحمه الله علیه قائل : بأنّ المأكول حرام كحرمة الخمر ، أو حرمة المال الذي اُخذ بحكم حاكم الجور ، أو حرمة لحم الموطوء ، أو العين المنذور عدم أكلها ، وكلّ

ص: 229


1- مصباح الفقيه ، الطهارة 8 : 359 .

ذلك يرجع إلى حرمة أكل هذه العناوين ذاتاً أو عرضاً بالمعنى الذي أشرنا إليه(1)، على تأمّل في المثال الأخير ، قد أشرنا إليه في بعض مسفوراتنا (2) .

والمحقّق رحمه الله علیه منكر لذلك(3) ؛ إمّا لأنّ المحرّم التناول والاستعمال ، كما قدّمنا

تقريبه وتقويته(4) ، وإمّا لأنّ المحرّم الشرب والأكل من الإناء ، لا شرب المائع أو الماء ، كما تقدّم(5) . وقد تقدّم الكلام في حديث الجرجرة(6) .

وإنّما ارتكبنا في المقام التطويل المملّ مع وضوح المطلب بنظري القاصر ، لما وقع الخلط من بعض أهل التحقيق ، وحمله كلام المحقّق على غير مرضيّه(7) .

ص: 230


1- تقدّم في الصفحة 226 .
2- مناهج الوصول 1 : 121 ، و2 : 124 .
3- تقدّم في الصفحة 226 .
4- تقدّم في الصفحة 222 - 224 .
5- تقدّم في الصفحة 227 .
6- تقدّم في الصفحة 228 .
7- مصباح الفقيه ، الطهارة 8 : 359 .
المسألة الرابعة في الوضوء والغسل بأواني الذهب والفضّة
اشارة

إن قلنا : بأنّ المنهيّ عنه استعمال الأواني ، فالأقوى صحّة الوضوء والغسل بها ؛ سواء كانا بالاغتراف أو الارتماس ، وسواء كان الماء منحصراً ولم يمكن إفراغه في غيرها أم لا :

أمّا في صورة عدم الانحصار وإتيانه بالاغتراف فواضح .

وأمّا مع الانحصار والإتيان بالاغتراف ، فلأنّ غاية ما يقال في وجه البطلان : عدم الأمر بهما ، أو عدم تنجّز التكليف بهما (1) .

وفيه : أنّ صحّتهما لا تتوقّف على الأمر ، ولا على تنجّزه ، وكفى فيها عباديتهما ومطلوبيتهما الذاتية ، والمفروض أنّ النهي لم يتعلّق بهما ، والتبديل بالتيمّم ليس لمبغوضيتهما في هذه الحالة ، بل لمبغوضية استعمال الإناء .

وبالجملة : إنّ المقام من قبيل تزاحم المطلوب الأعلى مع المبغوض ، فاكتفاء الشارع بالمطلوب الأدنى بلحاظ عدم الابتلاء باستعمال المبغوض ، لا بلحاظ عدم الاقتضاء في المحبوب الأعلى أو مبغوضيته ، فلو تخلّف المكلّف وأتى بالمطلوب الأعلى ، صحّ وضوؤه وإن عصى باستعمال الآنية .

مع أنّ لنا الالتزام بتعلّق الأمر الاستحبابي النفسي بالوضوء والغسل ؛ بناءً

ص: 231


1- منتهى المطلب 3 : 325 ؛ جواهر الكلام 6 : 332 ؛ مصباح الفقيه ، الطهارة 8 : 361 .

على ما حقّقناه(1) : من أنّ عباديتهما غير متقوّمة بالأمر الوجوبي الغيري ، بل إنّما تتوقّف على الأمر الاستحبابي - بناءً على توقّفها على الأمر - وذلك لأنّ الأوامر متعلّقة بنفس الطبائع من غير لحاظ حال التزاحم ، وفي صورة التزاحم لا يسقط الأمر ، بل يرجّح العقل أو الشرع المزاحمَ الأقوى على الأضعف ، فالوضوء فيما نحن فيه متعلّق لأمر استحبابي فعلي ، لكنّ الشارع رجّح جانب حرمة الاستعمال على الوضوء الاستحبابي الذي هو مقدّمة وشرط للصلاة الواجبة .

ويتّضح ممّا ذكر حال ما لو قلنا بتقوّم العبادية بالأمر الغيري ، فتدبّر .

وبالجملة : لا وجه معتدّ به لبطلان الوضوء والغسل في صورة الانحصار ؛ لأنّ الأمر بالتيمّم لا يوجب النهي عن الوضوء ، ولا مبغوضيته ، بل ولا عدم الأمر ، على ما حقّقناه في تصويره(2) .

وكذا يصحّ الوضوء والغسل ارتماساً ؛ لما قلنا في باب اجتماع الأمر والنهي :

من صحّة العبادة المتّحدة في الوجود مع المنهيّ عنه ، وحديث «أنّ المبعّد لا يمكن أن يصير مقرّباً» قد فرغنا عن حلّه(3) .

بل لو قلنا : بأنّ المستفاد من الأدلّة النهي عن العناوين الخاصّة فكأ نّه قال : «لا تتوضّأ من الآنيتين» ، يمكن تقريب الصحّة بأن يقال : إنّ المنهيّ عنه في أمثال المقام هو إيجاد الطبيعة بتلك الإضافة ، فالنهي في قوله علیه السلام : «لا تصلّ في

ص: 232


1- مناهج الوصول 1 : 319 .
2- تقدّم في الجزء الثاني : 124 .
3- مناهج الوصول 2 : 111 .

الحمّام»(1) إنّما تعلّق بأمر خارج ؛ وهو تمكين الصلاة المطلوبة في المكان الكذائي .

وهكذا الحال في المقام ، فإنّ النهي تعلّق بالإضافة الخارجية أو نحوها ؛ وهي

كون الوضوء من آنية الذهب ، لا بنفس طبيعة الوضوء ، فالمسألة في هذه الصورة - بحسب حكم العقل - محلّ نظر وإشكال وإن كان العرف لا يساعد على هذا التحليل ، ويكون قوله : «لا تتوضّأ من آنية الذهب» من قبيل النهي في العبادة عرفاً ، فالأوجه في هذه الصورة البطلان .

مرجعية العرف في تشخيص الإناء

ثمّ إنّ المرجع في تشخيص الإناء والآنية والأواني المذكورة في النصوص ، هو العرف ، كما عن كثير من اللغويين إيكاله إليه(2) . والتفسير ب- «الوعاء» و«الأوعية»(3) في غير محلّه ؛ لإطلاق «الوعاء» على ما لا تكون آنية جزماً من غير تأويل ، قال تعالى في قضيّة يوسف - على نبيّنا وآله وعليه السلام - : )فَبَدَأَ

بِأَوْعِيَتِهِمْ قَبْلَ وِعَاءِ أَخِيهِ((4) ومعلوم أنّ أوعيتهم لم تكن من الأواني ، بل كانت

من الجواليق وما يشبهها .

وأمّا ما عن كاشف الغطاء في تشخيص الموضوع : من اعتبار الظرفية ، وكون

ص: 233


1- الكافي 3 : 390 / 12 ؛ تهذيب الأحكام 2 : 219 / 863 ؛ وسائل الشيعة 5 : 177 ، كتاب الصلاة ، أبواب مكان المصلّي ، الباب 34 ، الحديث 3 .
2- الصحاح 6 : 2274 ؛ لسان العرب 1 : 250 ؛ مجمع البحرين 1 : 36 .
3- المصباح المنير : 28 .
4- يوسف (12) : 76 .

المظروف معرضاً للرفع والوضع ؛ احترازاً عن موضع فصّ الخاتم وعَكُّوز الرمح ونحوها .

وأن تكون موضوعة على صورة متاع البيت الذي يعتاد استعماله عند أهله في أكل أو شرب أو طبخ أو غسل أو نحوها ؛ احترازاً عن كوز الغليان ورأسها ، ورأس الشطب ، وقراب السيف ونحوه ، وبيت السهام ، وبيت المكحلة والمرآة والصندوق وقوطي النَشُوق والعطر ونحوها .

وأن يكون لها أسفل يمسك ما يوضع فيه ، وحواشٍ كذلك ؛ احترازاً عن القناديل والمشبّكات والمخرّمات والطبق(1) .

فلا يخلو من إشكال ؛ وإن كان كلامه ذلك - مع كونه من أهل اللسان - يوجب لنا الشكّ في صدقها على كثير ممّا ذكره ، ومعه مقتضى الأصل الإباحة .

والإنصاف : أنّ المتيقّن منها ما ذكره ؛ وإن كان الاحتياط في مثل كوز الغليان لا ينبغي تركه ، بل لا يترك .

وأمّا ما عدّ صاحب «الجواهر» منها كرأس الغليان ، ورأس الشطب ، وما يجعل موضعاً له ، وقراب السيف والخنجر والسكّين ، وبيت السهام ، وظروف الغالية والكحل والعنبر والقير والمعجون والتتن والتنباك والأفيون ، والمشكاة والمجامر والمحابر ونحوها (2) .

فكثير منها محلّ إشكال أو منع ، سيّما مع جزم الاُستاذ على خلافه ، وهو يوجب الشكّ لنا . مع عدم إمكان إحرازها أو إحراز كثير منها من العرف واللغة ؛

ص: 234


1- كشف الغطاء 2 : 392 .
2- جواهر الكلام 6 : 334 .

بعد ما كان الإناء في عصرنا قليل الاستعمال أو عديمه ، على ما شهد به صاحب «الجواهر» وغيره من أهل اللسان(1) .

ودعوى : استفادة إنائية كثير منها أو جميعها من صحيحة محمّد بن إسماعيل ابن بَزيع قال : سألت أبا الحسن الرضا علیه السلام عن آنية الذهب والفضّة فكرهها ، فقلت : قد روى بعض أصحابنا أ نّه كان لأبي الحسن علیه السلام مرآة ملبّسة فضّة ، فقال : «لا والحمد للّه ، إنّما كانت لها حلقة من فضّة ، وهي عندي» .

ثمّ قال : «إنّ العبّاس حين عذر عمل له قضيب ملبّس فضّة من نحو ما يعمل للصبيان ، تكون فضّة نحواً من عشرة دراهم ، فأمر به أبو الحسن علیه السلام فكسر»(2) . بدعوى : أنّ الظاهر أنّ الراوي نقض عليه بفعل أبي الحسن علیه السلام فأنكره شديداً ، وحكى أمره بكسر القضيب الملبّس ، وهو دليل على صدقها في جميع تلك الموارد(3) حتّى فيما لا يقول به صاحب «الجواهر» كالمثال .

ضعيفة ؛ لمنع كون كلام الراوي نقضاً بالنسبة إلى المرآة بدعوى صدق «الآنية» عليها ، بل من المحتمل قريباً أ نّه فهم من كراهة أبي الحسن الرضا علیه السلام

أنّ استعمال مطلق الذهب والفضّة مكروه ، فقال ما قال ، وإلاّ فالظاهر عدم صدق «الآنية» على المرآة الملبّسة ، ولا على لباس المرآة ، وكذا لا يصدق على القضيب أو لباسه .

ص: 235


1- جواهر الكلام 6 : 334 ؛ مستمسك العروة الوثقى 2 : 173 .
2- المحاسن : 582 / 67 ؛ الكافي 6 : 267 / 2 ؛ وسائل الشيعة 3 : 505 ، كتاب الطهارة ، أبواب النجاسات ، الباب 65 ، الحديث 1 .
3- اُنظر الطهارة ، ضمن تراث الشيخ الأعظم 5 : 348 .

والظاهر من قوله علیه السلام : «تكون فضّة نحواً من عشرة دراهم» أنّ إدخار الفضّة حتّى بهذا المقدار ، كان مكروهاً لدى أبي الحسن علیه السلام فضلاً عن إدخار الملبّسة بها .

والإنصاف : أنّ دعوى تشخيص الآنية من الرواية في غاية السقوط ؛ بعد عدم صدقها على ما فيها .

وأضعف منه دعوى كون الموضوع الشرعي أعمّ ؛ بدعوى أنّ للآنية حقيقة شرعية ، وهو كما ترى .

نعم لا يبعد استفادة كراهة مطلق استعمال الآلات المعمولة من الفضّة والذهب من هذه الرواية وبعض روايات اُخر واردة فيها وفي الذهب(1) والأمر سهل .

ص: 236


1- راجع وسائل الشيعة 3 : 510 ، كتاب الطهارة ، أبواب النجاسات ، الباب 67 ، الحديث 1 و6 .
المسألة الخامسة اشتراط التذكية في جواز استعمال الجلود
اشارة

لا يجوز استعمال شيء من الجلود إذا كانت من ذوات الأنفس فيما يشترط فيه الطهارة - إلاّ إذا كانت من حيوان وردت عليه تذكية شرعية بالشروط المقرّرة - ولو دبغت سبعين مرّة ؛ إذ هي بدون التذكية نجسة ميتة لا تحلّ الصلاة فيها . وهذا لا إشكال فيه نصّاً وفتوى إلاّ من ابن الجنيد القائل بطهارتها بالدباغة(1) ؛ وإن قال بعدم جواز الصلاة فيها (2) .

حكم الحيوان مشكوك التذكية

والذي ينبغي بسط الكلام فيه : أ نّه هل يعتبر في جواز استعمالها ، وكذا في حلّية اللحوم من الحيوانات المحلّلة الأكل ، وكذا في صحّة الصلاة فيما تجوز فيها مع التذكية ، إحرازها بالعلم أو بأمارة شرعية معتبرة ، ومع عدمه يحكم بنجاستها ، وحرمةِ الانتفاع بها ، وعدمِ جواز الصلاة فيها ؟

أو عدم التذكية يحتاج إلى دليل ، ومع عدمه يحكم بطهارتها ، وجوازِ الصلاة فيها ، وحلّيةِ أكل اللحم ؟ أو تفصيل بين الطهارة وغيرها ؟

قد استقرّ آراؤهم على جريان أصالة عدم التذكية في الجملة ، وإن فصّل

ص: 237


1- اُنظر مختلف الشيعة 1 : 342 .
2- اُنظر مختلف الشيعة 2 : 93 .

بعضهم بين ما إذا رتّبت الأحكام على مجرّد عدم التذكية بنحو السالبة المحصّلة ، وبين ما إذا كان الموضوع بنحو الإيجاب العدولي ، كما لعلّه الظاهر من الشيخ الأعظم(1) .

وفصّل آخر بين كون المذكّى ومقابله من قبيل الضدّين فلا تجري ، وبين كونهما من قبيل العدم والملكة فتجري ، وتترتّب عليها الأحكام ؛ بدعوى كون الموضوع في هذه الصورة من قبيل الموضوعات المركّبة أو المقيّدة المشكوك فيها بقيدها أو جزئها ، فيحرز بالأصل ، وهو ظاهر المحقّق الخراساني(2) .

وثالث بين الآثار التي رتّبت على عدم كون الحيوان مذكّى ، كعدم الحلّية ، وعدم جواز الصلاة ، وعدم الطهارة ؛ من الأحكام العدمية المنتزعة من الوجوديات التي تكون التذكية شرطاً في ثبوتها ، فيقال : الأصل عدم تعلّق التذكية بهذا اللحم الذي زهق روحه ، فلا يحلّ أكله ، ولا الصلاة فيه ، ولا استعماله

فيما يشترط بالطهارة ، وبين الآثار المترتّبة على كونه غير المذكّى ، كالأحكام الوجودية الملازمة لهذه العدميات ، كحرمة أكله ، ونجاسته وتنجيس ملاقيه ونحوها .

بدعوى : أنّ الحلّية وسائر الأحكام الوجودية المترتّبة على سبب حادث تصير منتفية بانتفاء سببها ، فالموت المقرون بالشرائط أمر مركّب سبب للأحكام ، وهو أمر حادث مسبوق بالعدم ، فأصالة عدمه ممّا يترتّب عليها عدم الحلّية والطهارة وجواز الصلاة فيها ، فعدم حلّية اللحم من آثار عدم حدوث ما

ص: 238


1- فرائد الاُصول ، ضمن تراث الشيخ الأعظم 26 : 199 - 200 .
2- درر الفوائد ، المحقّق الخراساني : 340 - 341 .

يؤثّر في حلّيته بعد الموت ، لا من آثار كون الموت فاقداً للشرائط حتّى لا يمكن إحرازه بالأصل .

وهو صريح المولى الهمداني(1) تبعاً لظاهر الشيخ الأعظم ، ولعلّه يرجع إلى التفصيل الأوّل ، أو قريب منه .

حول جريان أصالة عدم التذكية

ونحن قد استقصينا البحث في أطراف أصالة عدم التذكية وما هي نحوها بما لا مزيد عليه مع مقدّمات مفيدة في المقام وسائر المقامات في الاُصول(2) ، وتذكارها ونقلها هاهنا موجب للتطويل المخالف لوضع هذا المختصر ، ولهذا نشير إلى لمحة منها احترازاً عن الحوالة .

فنقول : لا شبهة في أنّ التذكية عبارة عن أمر وجودي ؛ هو إزهاق الروح بكيفية خاصّة معتبرة في الشرع ؛ أي فري المسلم الأوداج الأربعة ، متوجّهاً بالحيوان إلى القبلة ، ذاكراً عليه اسم اللّه ، مع قابلية الحيوان لها ، وهو الموضوع

للأحكام المتقدّمة ؛ أي الطهارة ، وحلّية الأكل ، وجواز الصلاة في أجزائه وغيرها .

ومقابل هذا العنوان الذي يكون موضوعاً لأحكام اُخر - أي الحرمة والنجاسة، أو عدم الحلّية وعدم الطهارة، وعدم جواز الصلاة فيه - يمكن أن يكون

ص: 239


1- مصباح الفقيه ، الطهارة 8 : 378 و382 ؛ حاشية فرائد الاُصول ، المحقّ-ق الهمداني : 388 و390 .
2- أنوار الهداية 2 : 94 ؛ الاستصحاب ، الإمام الخميني قدس سره : 104 .

عنواناً وجودياً؛ هو إزهاق الروح بكيفية اُخرى ضدّ الكيفية المأخوذة في التذكية.

ويمكن أن يكون إزهاقه لا بالكيفية المذكورة ؛ على نعت الإيجاب العدولي .

أو إزهاقه الذي لم يكن بالكيفية الخاصّة ؛ على نعت الموجبة السالبة المحمول .

أو إزهاقه مسلوباً عنه الكيفية الخاصّة ؛ على نعت سلب محصّل بسلب المحمول ، مع فرض وجود الموضوع .

ويمكن أن يكون أمراً سلبياً بالسلب التحصيلي الأعمّ من سلب الموضوع .

ويمكن أن يكون مركّباً من إزهاق الروح ، وعدمِ تحقّق الكيفية الخاصّة بنحو العدم المحمولي .

هذا بحسب التصوّر والاحتمال البدوي .

لكن لا شبهة في أنّ الموضوع للأحكام ، ليس عدم إزهاق الروح بالكيفية الخاصّة بنحو السالبة المحصّلة الأعمّ من سلب الموضوع ؛ ضرورة عدم إمكان موضوعية عدمٍ محض للأحكام ثبوتاً ، وعدم مساعدة الأدلّة عليها إثباتاً .

ومنه يظهر بطلان الصورة الأخيرة ؛ لعدم تعقّل كون جزء الموضوع للأحكام ، شيئاً أعمّ من الوجود . بل يلزم من جزئيته له التناقض ؛ لأنّ فرضَ إزهاق الروح الذي هو صفة لأمر وجودي وفرضَ سلب الكيفية بالسلب البسيط الأعمّ ، فرض كون المتناقضين موضوع الحكم .

فبقيت الاعتبارات الاُخر ، وفي شيء منها لا مصير لجريان أصالة عدم التذكية لإثبات الحكم :

أمّا في صورة الضدّية فواضح ؛ ضرورة أنّ سلب الضدّ - على فرض جريان

ص: 240

الأصل - لا يثبت تحقّق الضدّ الآخر إلاّ بالأصل المثبت ولو مع فرض عدم الثالث لهما .

وأمّا صورة اعتبار الإيجاب العدولي ، والموجبة السالبة المحمول ، والسالبة المحصّلة مع فرض وجود الموضوع وكون السلب عنه ، فليس لشيء منها بعنوانه حالة سابقة يقينية .

واستصحاب السلب البسيط التحصيلي الجامع بين سلب الحيوان وسلب الزهوق وسلب الكيفية ، لا يثبت الحكم المترتّب على مصداقه المنحصر إلاّ بالأصل المثبت ؛ فإنّ موضوع الحكم إذا كان بأحد الاعتبارات الثلاثة ، لا يكون السلب التحصيلي موضوعاً له ، بل هو - أي السلب المطلق - كلّي جامع منطبق على السلب الأزلي بسلب الحيوان وسلب الإزهاق مع وجود الحيوان وإزهاق روحه بغير الكيفية الخاصّة ، وموضوع الحكم هو الأخير ، واستصحاب الجامع وإثبات الفرد وأحكامه مثبت ، كما هو ظاهر .

ومنه يتّضح بطلان ما يمكن أن يقال : إنّ الحيوان في حالة حياته يصدق عليه : أ نّه غير زاهق الروح بالكيفية الخاصّة ، أو مسلوب عنه الزهوق الكذائي ، وهذا العنوان وإن لم يكن موضوعاً للحكم في حال اليقين ، لكنّه موضوع له في حال الشكّ ، وهو كافٍ في الاستصحاب .

وذلك لأنّ موضوعه ليس عنوان عدم زهوق الروح القابل للصدق على الحيوان الحيّ ولو بنحو الإيجاب العدولي مع موضوعية الحيوان ، بل الموضوع زهوقه بلا كيفية خاصّة ، فاستصحاب أنّ الحيوان غير زاهق الروح بالكيفية الخاصّة لترتّب الأحكام عليه ، غير صحيح ؛ لأنّ هذا العنوان المستصحب ليس

ص: 241

موضوع الحكم ، بل الموضوع عنوان آخر منطبَق هذا العنوان ، واستصحاب العنوان الأعمّ لا يثبت أحكام الأخصّ .

وما ذكره المولى الهمداني فهو غفلة عن دقيقة : وهي أنّ سلب السبب الموجب لأحكام وجودية بالسلب المطلق ، لازمه سلبُ الأحكام الوجودية القابلُ للانطباق على عدم التشريع رأساً ، لا ثبوت حكم آخر سلبي أو ثبوتي ، فاستصحاب عدم تحقّق السبب لإثبات حكم من الشارع - كعدم الحلّية ونحوه - من المثبتات لو لم نقل : بأنّ سلب السبب لإثبات سلب المسبّب أيضاً من المثبتات ، فأصالة الحلّ والطهارة محكّمة ما لم يدلّ دليل على خلافها .

هذا إجمال ممّا فصّلناه في الاُصول(1) ، ولا بدّ أن يطلب التحقيق من هناك .

دلالة الأخبار على توقّف حلّية الأكل على إحراز التذكية

والأولى في المقام صرف الكلام إلى حال الروايات :

فنقول : قد وردت جملة من الأخبار في باب الصيد والذباحة ، يستفاد منها توقّف حلّية الأكل على إحراز الذبح الشرعي ، كصحيحة الحذّاء قال : سألت أبا عبداللّه علیه السلام عن الرجل يسرّح كلبه المعلّم ، ويسمّي إذا سرّحه ، قال : «يأكل ممّا أمسك عليه ، فإذا أدركه قبل قتله ذكّاه ، وإن وجد معه كلباً غير معلّم فلا يأكل منه»(2) .

ص: 242


1- تقدّم تخريجه في الصفحة 239 ، الهامش 2 .
2- الكافي 6 : 203 / 4 ؛ تهذيب الأحكام 9 : 26 / 106 ؛ وسائل الشيعة 23 : 332 ، كتاب الصيد والذبائح ، أبواب الصيد ، الباب 1 ، الحديث 2 .

ورواية أبي بصير ، عنه علیه السلام قال : سألته عن قوم أرسلوا كلابهم وهي معلّمة

كلّها ، وقد سمّوا عليها ، فلمّا أن مضت الكلاب دخل فيها كلب غريب لا يعرفون له صاحباً ، واشتركت جميعاً في الصيد ، فقال : «لا يؤكل منه ؛ لأ نّك لا تدري أخذه معلّم أم لا»(1) .

وصحيحة محمّد بن قيس ، عن أبي جعفر علیه السلام قال : «من جرح صيداً بسلاح ، وذكر اسم اللّه عليه ، ثمّ بقي ليلة أو ليلتين لم يأكل منه سبع ، وقد علم أنّ سلاحه هو الذي قتله ، فليأكل منه إن شاء»(2) وبمضمونها عدّة روايات(3) .

وصحيحته الاُخرى ، عنه علیه السلام قال : «قال أمير المؤمنين علیه السلام في صيد وجد فيه سهم ، وهو ميّت لا يدرى من قتله ، قال : لا تطعمه»(4) .

وحسنة(5) حُمران ، عنه علیه السلام : أ نّه سأله عن الذبح فقال : «إن تردّى في جُبّ أو

ص: 243


1- الكافي 6 : 206 / 19 ؛ وسائل الشيعة 23 : 343 ، كتاب الصيد والذبائح ، أبواب الصيد ، الباب 5 ، الحديث 2 .
2- الكافي 6 : 210 / 2 ؛ وسائل الشيعة 23 : 362 ، كتاب الصيد والذبائح ، أبواب الصيد ، الباب 16 ، الحديث 1 .
3- راجع وسائل الشيعة 23 : 362 ، كتاب الصيد والذبائح ، أبواب الصيد ، الباب 16 و18 .
4- الكافي 6 : 211 / 8 ؛ وسائل الشيعة 23 : 368 ، كتاب الصيد والذبائح ، أبواب الصيد ، الباب 19 ، الحديث 1 .
5- رواها الكليني ، عن علي بن إبراهيم ، عن أبيه ، عن أبي هاشم الجعفري ، عن أبيه ، عن حمران بن أعين . والظاهر أنّ الرواية حسنة بالقاسم بن إسحاق وهو والد داود بن القاسم المعروف بأبي هاشم الجعفري .

وَهْدة من الأرض فلا تأكله ولا تطعم ؛ فإنّك لا تدري التردّي قتله أو

الذبح»(1) . . . إلى غير ذلك .

ويستفاد من التعليل فيها وفي رواية أبي بصير - ولو بالمناسبات وإلغاء الخصوصيات عرفاً - أ نّه مع الشكّ في وقوع التذكية الشرعية على الحيوان ، لا يجوز الأكل منه ، فجواز الأكل موقوف على إحراز التذكية الشرعية .

وبإزائها موثّقة السَكوني ، عن أبي عبداللّه علیه السلام : «إنّ أمير المؤمنين علیه السلام سئل

عن سفرة وجدت في الطريق . . .» إلى أن قال : «قيل له : يا أمير المؤمنين ، لا يدرى سفرة مسلم ، أم سفرة مجوسي ، فقال : هم في سعة حتّى يعلموا»(2) .

ومقتضى إطلاقها وإن كان جواز الأكل حتّى مع الشكّ في التذكية ، لكنّها مقيّدة بالروايات المتقدّمة ، فتحمل على جواز الأكل إذا كانت الشبهة في الطهارة والنجاسة .

نعم ، لو كان بدل «المجوسي» «اليهودي» لكان الحمل مشكلاً ؛ لأنّ اليهود لا يأكلون من ذبائح المسلمين ، ونقل عن بعضهم : «أنّ أكل ذبائح المسلمين علامة الخروج عن التهوّد» أو «كالخروج منه» لكن الظاهر أنّ المجوس ليسوا كذلك ، فلا مانع من هذا الجمع .

ص: 244


1- الكافي 6 : 229 / 4 ؛ وسائل الشيعة 24 : 26 ، كتاب الصيد والذبائح ، أبواب الذبائح ، الباب 13 ، الحديث 2 .
2- الكافي 6 : 297 / 2 ؛ وسائل الشيعة 24 : 90 ، كتاب الصيد والذبائح ، الباب38 ، الحديث 2 .
الكلام في مقدار ما يستفاد من الأخبار السابقة

إنّما الكلام في أ نّه هل يستفاد من تلك الروايات : أ نّه مع عدم إحراز التذكية يحكم بأ نّه غير مذكّى في جميع الأحكام ، فهو محكوم بالنجاسة ، ولا تصحّ الصلاة في أجزائه ، مع قطع النظر عن الروايات الواردة في الصلاة ؟ :

إمّا بدعوى : أنّ الظاهر منها أنّ هذا الحكم إنّما هو للاتّكال على الاستصحاب ، فيكشف منها جريان استصحاب عدم التذكية ، كما جعلها بعضهم شاهدة على جريانه(1) .

وإمّا بدعوى : إلغاء الخصوصية عرفاً بين عدم جواز الأكل وسائر أ حكام غير المذكّى .

وإمّا بدعوى : أنّ التعليل في الروايتين ، دليل على أنّ تمام العلّة للحكم بعدم جواز الأكل ، هو الجهل بالتذكية ، ومعه يكون محكوماً بعدمها .

وإمّا بدعوى : أنّ النهي عن الأكل ليس إلاّ للشكّ في عدم التذكية ، فما

شكّ في تذكيته محكوم بعدمها ، والحكم بالحرمة متفرّع على ذلك ، سيّما مع ما يأتي من الروايات الدالّة على لزوم إحراز التذكية الشرعية في صحّة الصلاة(2) .

فإذا ضمّ تلك الروايات إلى هذه ، يستفاد منها استفادة قطعية بأنّ المشكوك فيه في حكم غير المذكّى مطلقاً ، وأنّ الحكم بعدم جواز الصلاة فيه وعدم

ص: 245


1- مصباح الفقيه ، الطهارة 8 : 384 .
2- يأتي في الصفحة 248 .

جواز الأكل منه ، متفرّعان على ترجيح احتمال عدم التذكية على الاحتمال المقابل .

وللإشكال في جميع الدعاوى مجال واسع ؛ فإنّ الاتّكال على الاستصحاب لم يظهر في شيء منها ، بل الظاهر منها أنّ مجرّد عدم الدراية موضوع للحكم بالحرمة ، لا إحراز عدم التذكية بالأصل . مع أنّ لازمه حجّية الاستصحاب في المثبتات بعد ما عرفت : أنّ الأصل المذكور مثبت ، وهذا وإن لم يكن محذوراً لو دلّ الدليل عليه ، لكنّ التزامهم به مشكل . مع أنّ الشأن في قيام الدليل عليه ، وهو

ممنوع مخالف للظواهر .

ودعوى إلغاء الخصوصية عرفاً ممنوعة ، مع الاحتمال القريب في أنّ لأكل الميتة خصوصية لا يرضى الشارع بارتكابه بمجرّد الشكّ وأصل الحلّ ، بل لا بدّ فيه من إحراز التذكية والحلّية بأمارة معتبرة ، فدعوى إلغاء الخصوصية من حرمة الأكل ومن عدم صحّة الصلاة ، والحكم بترتّب سائر الأحكام - كالنجاسة وحرمة سائر الانتفاعات - غير وجيهة .

وأضعف منها دعوى الاستفادة من التعليل ؛ فإنّه وإن يعمّ ، لكن لا لموضوع أجنبيّ أو حكم كذلك ، فأيّ تناسب بين قوله علیه السلام : «لا تأكله ؛ فإنّك لا تدري التردّي قتله أو الذبح» وبين نجاسة الحيوان المذبوح ، أو عدم جواز الصلاة في أجزائه ؟ ! والنهي عن الأكل وإن كان للشكّ في تذكيته ، لكن لا ينتج : أنّ كلّ ما شكّ في تذكيته محكوم بعدمها في جميع الأحكام ، وحكم حرمة الأكل متفرّع على التعبّد بعدمها مطلقاً ؛ إذ لا شاهد عليها ، وإنّما هي مجرّد دعوى بلا بيّنة ،

ص: 246

كدعوى ترجيح جانب احتمال عدم التذكية .

والحاصل : أنّ المشكوك فيه ليس غير المذكّى واقعاً ، فلا بدّ من قيام دليل على التعبّد بعدم التذكية مطلقاً ، ولم يظهر من تلك الروايات ولا الروايات الآتية إشعار بأنّ المشكوك فيه محكوم بعدمها ، فضلاً عن الدلالة ، فضلاً عن عموم التنزيل والتعبّد ، والتفكيك في الأحكام تعبّداً بين المتلازمات غير عزيز .

نعم ، دعوى حصول الظنّ من جميع ما ذكر بعدم التفكيك وجيهة ، لكنّه لا يغني من الحقّ شيئاً .

فمقتضى قصور الأخبار عن إثبات عدم التذكية مطلقاً تعبّداً ، البناء على الطهارة وجواز لبسها وسائر الانتفاعات بها إلاّ الأكل .

ص: 247

حكم الصلاة في مشكوك التذكية

وأمّا جواز الصلاة في أجزائها ، فمع عدم جريان أصالة عدم التذكية والبناء على البراءة في الأقلّ والأكثر ، هو ذلك مع قطع النظر عن الأخبار ، فلا بدّ من التماس دليل على المنع ، وفي كلّ مورد قصرت الأدلّة عن إثبات المنع يحكم بالجواز على طبق القواعد .

الأخبار الواردة في المقام

ثمّ إنّ الأخبار في المقام على طوائف :

منها : ما تدلّ على عدم جواز الصلاة فيها إلاّ بعد العلم بالتذكية :

كموثّقة ابن بكير قال : سأل زرارة أبا عبداللّه علیه السلام عن الصلاة في الثعالب . . . إلى أن قال : «فإن كان ممّا يؤكل لحمه ، فالصلاة في وبره وبوله وشعره وروثه وألبانه وكلّ شيء منه جائز ؛ إذا علمت أ نّه ذكيّ وقد ذكّاه الذبح»(1) .

ومنها : ما تدلّ على الجواز مطلقاً حتّى يعلم أ نّها ميتة :

كصحيحة جعفر بن محمّد بن يونس : أنّ أباه كتب إلى أبي الحسن علیه السلام يسأله

عن الفرو والخفّ ، ألبسه واُصلّي فيه ولا أعلم أ نّه ذكيّ ، فكتب «لا بأس به»(2) .

ص: 248


1- الكافي 3 : 397 / 1 ؛ وسائل الشيعة 4 : 345 ، كتاب الصلاة ، أبواب لباس المصلّي ، الباب 2 ، الحديث 1 .
2- الفقيه 1 : 167 / 789 ؛ وسائل الشيعة 4 : 456 ، كتاب الصلاة ، أبواب لباس المصلّي ، الباب 55 ، الحديث 4 .

وموثّقة سَماعة : أ نّه سأل أبا عبداللّه علیه السلام عن تقليد السيف في الصلاة وفيه الفراء والكيمخت ، فقال : «لا بأس ما لم تعلم أ نّه ميتة»(1) .

ورواية علي بن أبي حمزة : أنّ رجلاً سأل أبا عبداللّه علیه السلام وأنا عنده عن الرجل يتقلّد السيف ويصلّي فيه قال : «نعم» .

فقال الرجل : إنّ فيه الكيمخت ، قال : «وما الكيمخت ؟» فقال : جلود دوابّ ، منه ما يكون ذكيّاً ، ومنه ما يكون ميتة ، فقال : «ما علمت أ نّه ميتة فلا تصلّ فيه»(2) .

ومنها : ما دلّت على جوازها في موارد :

كمورد السؤال عن الاشتراء من السوق ، وهي صحيحة الحلبي قال : سألت أبا عبداللّه علیه السلام عن الخفاف التي تباع في السوق ، فقال : «اشتر وصلّ فيها حتّى تعلم أ نّه ميتة بعينه»(3) وقريب منها صحيحته الاُخرى(4) .

وصحيحة البَزَنْطي قال : سألته عن الرجل يأتي السوق فيشتري جبّة فراء ، لا يدري أ ذكيّة هي أم غير ذكيّة ، أيصلّي فيها ؟

ص: 249


1- الفقيه 1 : 172 / 811 ؛ تهذيب الأحكام 2 : 205 / 800 ؛ وسائل الشيعة 3 : 493 ، كتاب الطهارة ، أبواب النجاسات ، الباب 50 ، الحديث 12 .
2- تهذيب الأحكام 2 : 368 / 1530 ؛ وسائل الشيعة 3 : 491 ، كتاب الطهارة ، أبواب النجاسات ، الباب 50 ، الحديث 4 .
3- تهذيب الأحكام 2 : 234 / 920 ؛ وسائل الشيعة 3 : 490 ، كتاب الطهارة ، أبواب النجاسات ، الباب 50 ، الحديث 2 .
4- الكافي 3 : 403 / 28 ؛ وسائل الشيعة 3 : 491 ، كتاب الطهارة ، أبواب النجاسات ، الباب 50 ، ذيل الحديث 2 .

فقال : «نعم ، ليس عليكم المسألة ؛ إنّ أبا جعفر علیه السلام كان يقول : إنّ الخوارج ضيّقوا على أنفسهم بجهالتهم ، إنّ الدين أوسع من ذلك»(1) وقريب منها صحيحته الاُخرى عن الرضا علیه السلام (2) .

ورواية الحسن بن الجهم قال : قلت لأبي الحسن علیه السلام : أعترض السوق فأشتري خفّاً لا أدري أ ذكيّ أم لا ، قال : «صلّ فيه» .

قلت : فالنعل ، قال : «مثل ذلك» . قلت : إنّي أضيق من هذا ، قال : «أترغب عمّا كان أبو الحسن علیه السلام يفعله ؟ !»(3) .

ومثل مورد الضمان ، وهي رواية محمّد بن الحسين الأشعري قال : كتب بعض أصحابنا إلى أبي جعفر الثاني علیه السلام : ما تقول في الفرو يشترى من السوق ؟ فقال : «إذا كان مضموناً فلا بأس»(4) .

ومورد المصنوع في أرض الإسلام ، وهي موثّقة إسحاق بن عمّار ، عن

العبد الصالح علیه السلام أ نّه قال : «لا بأس بالصلاة في الفراء اليماني ، وفيما صنع

في أرض الإسلام» . قلت : فإن كان فيها غير أهل الإسلام ؟ قال : «إذا كان

ص: 250


1- تهذيب الأحكام 2 : 368 / 1529 ؛ وسائل الشيعة 3 : 491 ، كتاب الطهارة ، أبواب النجاسات ، الباب 50 ، الحديث 3 .
2- تهذيب الأحكام 2 : 371 / 1545 ؛ وسائل الشيعة 3 : 492 ، كتاب الطهارة ، أبواب النجاسات ، الباب 50 ، الحديث 6 .
3- الكافي 3 : 404 / 31 ؛ وسائل الشيعة 3 : 493 ، كتاب الطهارة ، أبواب النجاسات ، الباب50 ، الحديث9 .
4- الكافي 3 : 398 / 7 ؛ وسائل الشيعة 3 : 493 ، كتاب الطهارة ، أبواب النجاسات ، الباب 50 ، الحديث 10 .

الغالب عليها المسلمين فلا بأس»(1) .

ومورد صلاتهم فيها ، كرواية إسماعيل بن عيسى قال : سألت أبا الحسن علیه السلام عن جلود الفراء يشتريها الرجل في سوق من أسواق الجيل ، أيسأل عن ذكاته إذا كان البائع مسلماً غير عارف ؟

قال : «عليكم أنتم أن تسألوا عنه إذا رأيتم المشركين يبيعون ذلك ، وإذا رأيتم يصلّون فيه فلا تسألوا عنه»(2) .

ومنها : ما فصّلت بين النعل والخفاف في المشترى في أرض غير المسلمين وغيرهما ، كموثّقة إسماعيل بن الفضل الهاشمي قال : سألت أبا عبداللّه علیه السلام عن لباس الجلود والخفاف والنعال والصلاة فيها إذا لم تكن من أرض المسلمين (المصلّين خ . ل)؟ فقال : «أمّا النعل والخفاف فلا بأس بهما»(3) .

ومنها : ما يظهر منها التفصيل بين ما صنع في أرض يستحلّ أهلها الميتة بدباغتها وغيرها ، كرواية أبي بصير قال :

سألت أبا عبداللّه علیه السلام عن الصلاة في الفراء ، فقال : «كان علي بن الحسين علیه السلام رجلاً صَرِداً لا يدفئه فراء الحجاز ؛ لأنّ دباغها بالقَرَظ ، فكان يبعث إلى العراق فيؤتى ممّا قِبلكم بالفرو فيلبسه ، فإذا حضرت الصلاة ألقاه

ص: 251


1- تهذيب الأحكام 2 : 368 / 1532 ؛ وسائل الشيعة 3 : 491 ، كتاب الطهارة ، أبواب النجاسات ، الباب 50 ، الحديث 5 .
2- تهذيب الأحكام 2 : 371 / 1544 ؛ وسائل الشيعة 3 : 492 ، كتاب الطهارة ، أبواب النجاسات ، الباب 50 ، الحديث 7 .
3- تهذيب الأحكام 2 : 234 / 922 ؛ وسائل الشيعة 4 : 427 ، كتاب الصلاة ، أبواب لباس المصلّي ، الباب 38 ، الحديث 3 .

وألقى القميص الذي يليه ، فكان يسأل عن ذلك ، فقال : إنّ أهل العراق يستحلّون لباس جلود الميّت ، ويزعمون أنّ دباغه ذكاته»(1) .

وصحيحة الحلبي ، عن أبي عبداللّه علیه السلام ، قال : «تكره الصلاة في الفراء إلاّ ما صنع في أرض الحجاز ، أو ما علمت منه ذكاة»(2) .

وجوه الجمع بين الطوائف السابقة من الأخبار

وقد جمعوا بين الروايات بحمل المطلقات من الطرفين على الموارد الخاصّة ، فصارت النتيجة : عدم جواز الصلاة فيها إلاّ إذا علم تذكيته ، أو قامت أمارة عليها ،

كسوق المسلمين ، أو الصنع في أرضهم ، أو يد المسلم مطلقاً أو مع معاملته معه معاملة المذكّى أو إخباره بالتذكية(3) .

وهذا الجمع لا يخلو من إشكال :

أمّا في مثل الطائفة الاُولى من الطائفة الثالثة التي لم يرد القيد في كلام المعصوم علیه السلام - كصحيحتي الحلبي وما بعدهما - فلأنّ فهم القيدية فيهما مشكل ؛ فإنّ قوله : «الرجل يأتي السوق فيشتري» أو قوله : «أعترض السوق فأشتري خفّاً» بل وكذا قوله : «سألت أبا عبداللّه علیه السلام عن الخفاف التي تباع في السوق»

ص: 252


1- الكافي 3 : 397 / 2 ؛ وسائل الشيعة 4 : 462 ، كتاب الصلاة ، أبواب لباس المصلّي ، الباب 61 ، الحديث 2 .
2- الكافي 3 : 398 / 4 ؛ وسائل الشيعة 4 : 462 ، كتاب الصلاة ، أبواب لباس المصلّي ، الباب 61 ، الحديث 1 .
3- مستند الشيعة 1 : 352 - 355 ؛ مصباح الفقيه ، الطهارة 8 : 385 ؛ مستمسك العروة الوثقى 1 : 325 .

إنّما يجري مجرى العادة ، كقوله : «ادخلْ السوق واشترِ كذا» وليست العناية بالاشتراء منه بخصوصه والسؤال عن حاله حتّى يقال : إنّه بصدد بيان أمارية السوق للتذكية ، بل الظاهر من قوله علیه السلام : «صلّ فيها حتّى تعلم أ نّه ميتة بعينه» أنّ الموضوع لجواز الصلاة عدم العلم ، لا الأمارة على التذكية .

فهل ترى من نفسك فيما إذا قال أبو عبداللّه علیه السلام : «كلّ شيء نظيف حتّى تعلم أ نّه قذر»(1) ثمّ سئل عنه منفصلاً : «إنّي أعترض السوق ، فأشرب من المياه التي فيه» فقال : «اشرب منها حتّى تعلم أ نّها قذرة» تقييد الرواية الاُولى

بالثانية ، فيقال : لا يجوز الشرب إلاّ مع قيام أمارة - وهي سوق المسلمين - على الطهارة ؟ !

فهل المقام إلاّ نظيره ؟ ! إذ قال علیه السلام في مورد : «لا بأس ما لم تعلم أ نّه ميتة» وسئل في مورد : إنّي أعترض السوق ، فأشتري الخفّ واُصلّي فيه ، فقال : «صلّ حتّى تعلم أ نّه ميتة» فهل الذهن الخالي عن شبهة جريان أصالة عدم التذكية وأ نّه لا بدّ من قيام أمارة يدفع بها الأصل ، ينقدح فيه غير ما ينقدح فيه من المثال المتقدّم ؟ ! فكما لا يتوهّم منه أمارية السوق كذلك فيما نحن فيه ، سيّما مع ما تقدّم من عدم جريان أصالة عدم التذكية(2) .

إن قلت : نعم ، ولكن إلغاء الخصوصية وفهم الإطلاق أشكل .

قلت : إنّما المراد عدم صالحية تلك الروايات لتقي-يد المطلقات ، لا التمسّك

ص: 253


1- تهذيب الأحكام 1 : 285 / 832 ؛ وسائل الشيعة 3 : 467 ، كتاب الطهارة ، أبواب النجاسات ، الباب 37 ، الحديث 4 .
2- تقدّم في الصفحة 239 .

بإطلاقها . مع أنّ الإنصاف أنّ عدّ تلك الروايات في عداد المطلقات ، أقرب إلى الفهم العرفي من عدّها في المقيّدات والبناء على أمارية سوق المسلمين ، سيّما إن قلنا : إنّ إحراز عدم التذكية يحتاج إلى أمارة ، لا جواز الصلاة ونحوه .

وأمّا سائر الروايات ما عدا موثّقة ابن بكير وموثّقة الهاشمي ، فالجمع بينها بالحمل على مراتب الفضل في التنزّه عن المشكوك فيه ، أقرب من تقييد المطلقات أو حملها على مورد قيام الأمارة ؛ فإنّ الظاهر من قوله علیه السلام : «صلّ فيها حتّى تعلم أ نّه ميتة بعينه» وما هو نظيره ؛ أنّ تمام الموضوع لجواز الصلاة هو عدم العلم بكونه ميتة ، وعدم اعتبار قيام الأمارة على التذكية في الجواز ، وإرجاع مثله إلى مورد قيام الأمارة بعيد عن الأذهان .

ودعوى الانصراف إلى ما يشترى من سوق المسلمين(1) وإن لم تكن بعيدة ذلك البعد ، لكن حملها على مراتب الفضل في التنزّه أو مراتب الكراهة في الارتكاب لعلّه أقرب ، بأن يقال : إنّ ما شكّ في تذكيته تصحّ الصلاة فيه إلى أن يعلم كونه ميتة ، أو قامت أمارة عليه ، لكن يكره ارتكابه ، وترتفع كراهته بمراتبها إذا علم وجداناً تذكيته ، أو صنع في مثل أرض الحجاز ، كما هو ظاهر صحيحة الحلبي الأخيرة .

وعليه يحمل فعل زين العابدين علي بن الحسين علیه السلام وتنزّهه عمّا صنع في أرض العراق ، وفعل أبي جعفر علیه السلام على ما في رواية عبداللّه بن سِنان قال : سمعت أبا عبداللّه علیه السلام يقول : «اُهديت لأبي جبّة فرو من العراق ، وكان إذا أراد

ص: 254


1- مصباح الفقيه ، الطهارة 8 : 385 .

أن يصلّي نزعها فطرحها»(1) . فإنّ اشتراءه وقبول هديّته ولبسه وعدم التنزّه عنه إلاّ في الصلاة ، دليل على أ نّه على سبيل الفضل .

وكذا ترتفع ببعض مراتبها أو جميعها إذا اشترى من سوق المسلمين من مسلم ضمن تذكيته ، وهو ظاهر رواية الأشعري(2) ، فإنّ «الاشتراء من السوق» منصرف إلى الاشتراء من سوق المسلمين ، والظاهر من قوله علیه السلام : «إذا كان مضموناً» أنّ الضامن البائع المسلم لا الكافر فإنّه في غاية البعد ، فمع قيام أمارة أو أمارتين - أي سوق المسلم ، وبيعه على التذكية - لا يكون اعتبار الضمان إلاّ على الفضل .

وترتفع ببعض مراتبها فيما إذا صنع في أرض الإسلام ، أو أرض كان الغالب عليها المسلمين ، أو صلّى فيه المسلم ، أو كان في سوق المسلمين .

والحمل المذكور قريب جدّاً ، لكنّ المانع منه موثّقة ابن بكير المتقدّمة(3) ، حيث إنّ ظاهرها أنّ الصلاة في الجلود مع عدم العلم بتذكيتها فاسدة ، وأنّ الجواز موقوف على العلم بالتذكية ، وحملها على الجواز بلا كراهية مع العلم بها ، بعيد غايته ، سيّما مع التصريح بالفساد في صدرها وذيلها ، الموجب لقوّة ظهور كون الجواز مقابل الفساد .

فالأقرب بالنظر إلى الموثّقة ، حمل الروايات المتقدّمة - التي ترك فيها الاستفصال - على كون الكيمخت وغيره كان في أرض المسلمين وسوقهم

ص: 255


1- مكارم الأخلاق 1 : 257 / 772 ؛ وسائل الشيعة 4 : 428 ، كتاب الصلاة ، أبواب لباس المصلّي ، الباب 38 ، الحديث 5 .
2- تقدّمت في الصفحة 250 .
3- تقدّمت في الصفحة 248 .

لا الكفّار ؛ فإنّ المظنون أنّ ما كان مورد السؤال ، الأشياءُ التي اشتريت من الأسواق ، وكانت هي من المسلمين ، أو كان الغالب على أهلها الإسلام .

فتحصّل من ذلك : أنّ الجمع الذي صنعه أهل التحقيق(1) لا محيص عنه .

نعم ، يبقى الكلام في موثّقة الهاشمي(2) ، ولا يبعد أن يكون التفصيل فيها بين ما تتمّ وما لا تتمّ في غير المذكّى ، لا في مشتبه التذكية ، كما فصّل بينهما في النجس ، ويشهد له أنّ الظاهر منها قيام الأمارة العقلائية على عدم التذكية ، فإنّ قوله : «في غير أرض المسلمين» أو «المصلّين» يراد به أ نّه من أرض الكفّار ، والحمل على مشتبه الحال أو الأعمّ فاسد .

فاتّضح أ نّها بصدد بيان مسألة غير ما نحن بصددها .

أمارية سوق المسلمين على التذكية وإن كانوا مستحلّين لغير المذكّى

ثمّ إنّ «السوق» منصرف إلى سوق المسلمين ، سيّما بالنظر إلى موثّقة إسحاق بن عمّار(3) ، وهو واضح . ولا فرق بين سوق المستحلّين وغيرهم ؛ لما قدّمنا من ظهور رواية أبي بصير(4) الحاكية عن فعل علي بن الحسين علیهما السلام في أنّ جلود الع-راق أيضاً محكومة بالتذكية ، وإلاّ لما اشتراها ، ولما لبسها ، ولما قبل

ص: 256


1- تقدّم تخريجه في الصفحة 252 ، الهامش 3 .
2- تهذيب الأحكام 2 : 234 / 922 ؛ وسائل الشيعة 4 : 427 ، كتاب الصلاة ، أبواب لباس المصلّي ، الباب 38 ، الحديث 3 . وتقدّمت في الصفحة 242 .
3- تقدّمت في الصفحة 250 .
4- تقدّمت في الصفحة 251 .

أبو جعفر علیه السلام هديّتها ، وإنّما ألقاها لفضل التنزّه منها ، فهي ونحوها ظاهرة في عدم الفرق بين السوقين ، فتوهّم تقي-يد إطلاق الأدلّة بها فاسد .

ويشهد للتعميم موثّقة إسحاق بن عمّار ، حيث نفي فيها البأس عن الفراء اليماني وفيما صنع في أرض الإسلام ، ومقتضى المقابلة بينهما جواز الصلاة فيما صنع في أرض غير المستحلّين كاليمن ، والمستحلّين ، وحملها على سائر المستحلّين بعيد ، لها إطلاق قويّ في قوّة التصريح .

ويشهد له أيضاً كون السائلين فقهاء العراق ، كالحلبي وابن أبي نصر وإسحاق بن عمّار ، ومن البعيد جدّاً استثناء سوق العراق ، وعدم جواز الصلاة فيما يشترى من أرضه ، وعدم التنبّه للعراقيين مع ابتلائهم به ، ولعلّ سوق العراق القدر المتيقّن من الروايات .

أمارية سوق المسلمين ومجتمعهم وإن كان البائع كافراً

ثمّ إنّ مقتضى إطلاق الأدلّة ، اعتبار سوق المسلمين وأماريته للتذكية مطلقاً

ولو كان الكافر بائعاً في سوقهم ، فضلاً عن مجهول الحال . بل لموثّقة إسحاق بن عمّار قوّة إطلاق بالنسبة إلى الأخذ من الكافر . بل قوله : فإن كان فيها غير أهل الإسلام ؟ قال : «إذا كان الغالب عليها المسلمين فلا بأس»(1) لا يبعد أن يراد به الاشتراء من غير المسلم بعد كون يد المسلم أمارة بنفسها . بل الظاهر منها أنّ غلبة المسلمين في بلد ، أمارة على أنّ المصنوع من صنعهم ، لا صنع الصنف الذي في الأقلّية .

ص: 257


1- تقدّمت في الصفحة 250 .

والحاصل : أنّ مقتضى الإطلاق اعتبار سوق المسلمين وأرضهم ، فهما أمارة على وقوع التذكية الشرعية ، وإن شئت قلت : أمارة على إجراء يد المسلمين عليه ، وكون المصنوع منهم ولو كان بيد الكافر ، إلاّ أن يعلم عدم إجراء يد المسلم عليه .

والظاهر أنّ الأمر كذلك لدى العقلاء أيضاً ؛ فإنّ السوق إذا كان للمسلمين ، ويكون متاعٌ متاعَ تجارتهم ، وكان فيهم بعض أهل ملّة اُخرى ، وكانت تحت يده من ذلك المتاع ، يكون احتمال كونه من غير بلد المسلمين واشترائه من غير أهل هذا السوق ، احتمالاً بعيداً لا يعتني به العقلاء .

ولو استشكل في هذا البناء أو حجّيته ، لكن لا إشكال في أنّ ذلك الارتكاز موجب لفهم العرف من الروايات : أنّ سوق المسلمين وغلبتهم صار سبباً لحكم الشارع بجواز الصلاة فيما يشترى منه ، أو ممّا صنع في أرضهم .

نعم ربّما يقال(1) : إنّ رواية إسماعيل بن عيسى قال : سألت أبا الحسن علیه السلام

عن جلود الفراء يشتريها الرجل في سوق من أسواق الجيل ، أيسأل عن ذكاته إذا كان البائع مسلماً غير عارف ؟

قال : «عليكم أنتم أن تسألوا عنه إذا رأيتم المشركين يبيعون ذلك ، وإذا رأيتم يصلّون فيه فلا تسألوا عنه»(2) دلّت على أنّ يد الكافر أمارة على عدم التذكية .

ص: 258


1- جواهر الكلام 8 : 54 .
2- تهذيب الأحكام 2 : 371 / 1544 ؛ وسائل الشيعة 3 : 492 ، كتاب الطهارة ، أبواب النجاسات ، الباب50 ، الحديث7 .

وفيه : - مع ضعف الرواية(1) - أنّ الظاهر منها أنّ الفراء إذا كان من المتاع الذي يبيعه المشركون ، وكان له نحو اختصاص بهم في التجارة ، وكانوا هم الذين يبيعونه ، لا يجوز الصلاة فيه ، ويجب السؤال عنه ، وهو غير أمارية يد الكافر ، فكما أنّ سوق المسلمين أمارة على التذكية بما قدّمناه ، كذلك سوق الكفّار ، وكون المتاع منهم ومن مال تجارتهم يكون أمارة على عدمها .

وبالجملة : فرق بين قوله : «إذا كان المشركون يبيعون ذلك» وبين قوله : «إذا اشتريت من مشرك» أو «من المشركين» فالمفهوم من العبارة الاُولى أنّ للمتاع نحو اختصاص بهم في التجارة دون الثانية . ولا أقلّ من مساواة هذا الاحتمال للاحتمال الآخر ، فلا يجوز معه رفع اليد عن إطلاق أدلّة اعتبار السوق الموافق لارتكاز العقلاء .

نعم ، سوق الكفّار أو كون المتاع من أمتعتهم ، أمارة على عدم التذكية ، ما لم تقم أمارة أقوى عليها ، كترتيب المسلم آثار التذكية عليها . ولعلّه الظاهر من ذيل رواية إسماعيل ، وهو قوله علیه السلام : «وإذا رأيتم يصلّون فيه فلا تسألوا عنه» . فإنّ المفهوم منه أنّ ما رأيتم المشركين يبيعونه يجب السؤال عنه ، إلاّ إذا رأيتم المسلمين يصلّون فيه ؛ أي في ذلك المتاع الذي يبيعه المشركون . وليس المراد من قوله : «يصلّون فيه» أنّ جميع المسلمين يصلّون فيه ، فلا محالة يراد به جواز الصلاة إذا رتّب المسلم آثار التذكية عليه . ولا اختصاص بالصلاة فيه ، بل الظاهر

ص: 259


1- رواها الشيخ بإسناده عن أحمد بن محمّد ، عن سعد بن إسماعيل ، عن أبيه إسماعيل بن عيسى . والرواية ضعيفة بسعد بن إسماعيل وأبيه؛ فإنّهما غير مذكورين في كتب الرجال .

أنّ ترتيب مطلق آثارها موجب لذلك ، وسيأتي إشكال فيه(1) .

ثمّ اعلم : أ نّا وإن قلنا بعدم جريان أصالة عدم التذكية(2) ، لكن بمقتضى موثّقة ابن بكير التي علّق فيها جواز الصلاة على العلم بالتذكية(3) ، نحكم بعدم الجواز إلاّ مع قيام الأمارة عليها ، أو دلّ دليل على جواز معاملة المذكّى معه ، ولا شبهة عندهم في أنّ سوق المسلمين والصنع في أرضهم أمارة عليها ، لا بمعنى اعتبار مفهوم «السوق» بل الظاهر أنّ ما هو الموضوع للحكم هو اجتماع المسلمين ، وكون المتاع في مجتمعهم ومورد تجارتهم ، سواء كان في السوق أو غيره .

كما أنّ المراد بما صنع في أرض الإسلام ، أنّ المصنوع من مصنوعات مجتمعهم ولو لم تكن الأرض لهم ، فلو اجتمع المسلمون في أرض غيرهم ، وكان المتاع الفلاني - كالفراء - من مصنوعات ذلك المجتمع ، وكان صنع غيرهم له مشكوكاً فيه أو نادراً ، يحكم عليه بالتذكية .

والحاصل : أنّ الأمارة على التذكية كون الجلد في مجتمعهم ؛ سوقاً أو غيره ، وكونُه صنعَ مجتمعهم ومستقرّهم ؛ كان الأرض ملكاً لهم أو لا ، وهذا لا ريب فيه ظاهراً . واحتمال خصوصية «السوق» ونحوه من العناوين ، ضعيف ملغى بنظر العرف ؛ ضرورة أ نّهم لا يرون لخصوصية السقف والجدار دخالة في الحكم ، وكذا لمملوكية الأرض . وكون النكتة للجعل دفع الحرج ، مشتركة بين السوق وغيره . مع أنّ كونها ذلك غير معلوم .

ص: 260


1- يأتي في الصفحة 262 .
2- تقدّم في الصفحة 239 .
3- تقدّم في الصفحة 248 .
أمارية سوق المسلمين على التذكية بلا وسط

ثمّ إنّه لا ثمرة مهمّة في البحث عن أنّ عنوان «السوق» وعنوان «الصنع في أرض المسلمين» أو «الفراء اليماني» أو «الحجازي» - ممّا ورد في النصوص - يرجع إلى عنوان واحد هو «كون الشيء في مجتمعهم» أو عناوين مستقلّة ؟

نعم ، الظاهر بناءً على الأمارية أنّ عنوان «السوق» وغيره أمارة على التذكية بلا وسط - لا أمارة على الأمارة عليها ، وما هي أمارة بلا وسط يد المسلم ، أو يده مع ترتيبه أثر التذكية على ما في اليد ، أو نفس ترتيب المسلم أثرها ولو لم يكن تحت يده ، مثل عدم احترازه عن ملاقاته والصلاة في ملاقيه - لأنّ ظاهر الأدلّة أنّ السوق بنفسه أمارة عليها لا بوسط ، ولا دليل على الوسطية ، بل لا إشعار في الروايات عليها .

حول أمارية يد المسلم على التذكية

فحينئذٍ يقع الكلام في أنّ يد المسلم مطلقاً أو مع ترتيب أثر التذكية أو نفس ترتيبه الأثر ، أمارة عليها ، فإن كان شيء تحت يده أو تعامل معه معاملة المذكّى في غير سوق المسلمين وأرضهم ، يحكم عليه بالتذكية ؟ الظاهر ذلك .

لا لكون الأدلّة الواردة في المقام ، ظاهرة في أمارية يده عليها أصالة ؛ لما عرفت .

ولا لرواية إسماعيل بن عيسى المتقدّمة(1) :

ص: 261


1- تقدّمت في الصفحة 258 .

بدعوى : أنّ الظاهر منها عدم لزوم السؤال عمّا كان بائعه مسلماً غير عارف ، فضلاً عن العارف ؛ لقصرها لزوم السؤال على ما إذا كان المشركون يبيعونه ، فكأ نّه قال : «لا يجب السؤال إذا كان المسلم يبيعه» .

وبدعوى : أنّ دلالة ذيلها على أنّ ترتيب المسلم أثر التذكية أمارة كما تقدّم(1)، فتدلّ على اعتبار يد المسلم وترتيبه الأثر وإن كانت يده مسبوقة بيد الكافر ، كما يظهر من ذيلها بالتقريب السابق .

وذلك لأنّ في الرواية احتمالاً آخر مساوياً له ، أو أقرب منه ؛ وهو أنّ قوله علیه السلام : «عليكم أنتم أن تسألوا عنه» أي عليكم أن تسألوا عمّا يبيعه المسلم غير العارف إذا كان المتاع ممّا يبيعه المشركون ، فيكون المراد أنّ المبيع إذا كان من متاع المشركين ومورد تجارتهم نوعاً ، يجب السؤال عنه وإن باعه مسلم ؛ ترجيحاً للغلبة .

وقوله علیه السلام : «وإذا رأيتهم يصلّون فيه فلا تسألوا عنه» معناه : أنّ ما كان من متاع تجارة المشركين ، وكان له نحو اختصاص بهم ، لا يجوز الصلاة فيه ، إلاّ أن يكون المسلمون يصلّون فيه ، لا بمعنى صلاة جميع المسلمين فيه ، بل بمعنى بناء المسلمين على الصلاة فيه .

وحاصل فقه الحديث على هذا الاحتمال : أنّ البائع إذا كان مسلماً ، وباع المتاع الذي كان يبيعه المشركون نوعاً - بحيث ينسب المتجر إليهم - يجب السؤال عنه ؛ لترجيح غلبة الكفّار على فرد من المسلمين .

ص: 262


1- تقدّم في الصفحة 259 .

نعم إن كان بناء المسلمين على الصلاة فيه ، يجوز الصلاة فيه بلا سؤال ؛ ترجيحاً لعمل المسلمين على سوق الكفّار .

وهذا الاحتمال لو لم يكن ظاهر الرواية ، فلا أقلّ من مساواته للاحتمال المتقدّم ، فتدلّ الرواية حينئذٍ على عدم اعتبار يد المسلم في مثل الواقعة ، نعم لاتدلّ على نفي الاعتبار مطلقاً ، ولا على الاعتبار ولو في الجملة . هذا بعد تسليم أنّ السوق المسؤول عنه أعمّ من سوق المسلمين في خصوص الرواية ؛ لقرينة .

ولا للروايات الواردة في باب سَوْق الهدي ، كصحيحة حفص بن البَخْتَري قال : قلت لأبي عبداللّه علیه السلام : رجل ساق الهدي ، فعطب في موضع لا يقدر على من يتصدّق به عليه[ولا يعلم أنّه هدي] ، قال : «ينحره ، ويكتب كتاباً يضعه عليه ؛ ليعلم من مرّ به أ نّه صدقة»(1) وقريب منها روايات اُخر(2) .

وذلك لأنّ في مورد تلك الروايات يكون النحر وجدانياً ، وكونه بيد مسلم مجزوماً به بالأمارات ، كالنحر والكتابة وكونه في طريق الحجّ ، وإنّما الشكّ في حصول التذكية الشرعية ، وهي محرزة بأصالة الصحّة ، ولا كلام في جريانها فيما إذا اُحرز عمل المسلم وشكّ في صحّته ، وهو غير ما نحن بصدده من إحراز التذكية من غير إحراز الذبح والنحر ، فضلاً عن كونهما بيد المسلم ، فتلك الروايات أجنبيّة عن المدّعى .

ولا لأولوية اعتبار يد المسلم من يد مجهول الحال في سوق المسلمين ؛

ص: 263


1- الفقيه 2 : 297 / 1477 ؛ وسائل الشيعة 14 : 141 ، كتاب الحجّ ، أبواب الذبح ، الباب 31 ، الحديث 1 .
2- راجع وسائل الشيعة 14 : 141 ، كتاب الحجّ ، أبواب الذبح ، الباب 31 .

وذلك لأنّ المعتبر في المفروض سوق المسلمين ، لا يد مجهول الحال . ولولا مخافة مخالفة الأصحاب ، لقلنا باعتبار سوق المسلمين ولو كان الشيء في يد الكافر ، لا لكون يده معتبرة ، بل لكون السوق كذلك .

ولا لأصالة الصحّة ؛ لأنّ إثباتها لتلك المثبتات محلّ إشكال .

مضافاً إلى أنّ مبنى أصالة الصحّة عند العقلاء ، أنّ العاقل إذا أتى بعمل يعتبر

في صحّته اُمور، لا يتركها عمداً ، ولا يأتي بها فاسداً ؛ لمنافاة الترك عمداً لقصد

فراغ الذمّة وقصد تحقّق المأتيّ به ، والترك من غير عمد مخالف للأصل ، وهذا غير جارٍ في المستحلّ . ولا تجري أصالة الصحّة مع احتمال التصادف للواقع من باب الاتّفاق ، كما قرّر في محلّه(1) .

مع أنّ الصحّة في بعض الأحيان والأعمال لا تلازم التذكية ، كما لو صلّى في شيء لإمكان كون صلاته فيه لعذر ، ولا يحرز بأصالة الصحّة عدم العذر .

ولا لكون ترتيب آثار التذكية بمنزلة الإخبار عنها ، فكما أنّ إخبار ذي اليد حجّة عند العقلاء كذلك ما هو بمنزلته ؛ وذلك لمنع كونه بمنزلته ، سيّما في المستحلّ ذبيحة أهل الكتاب ومستحلّ الصلاة في جلد الميتة مع دباغه ، وسيّما مع اختلاف الناس معنا في بعض شرائط التذكية ، كالتسمية وفري الأوداج وغيرهما .

بل لا يلازم بعض الأعمال من غير المستحلّ أيضاً التذكيةَ ، كما تقدّم ، فلا يكون مطلق ترتيب الآثار بمنزلة الإخبار .

بل لبناء المتشرّعة على ترتيب آثار الملكية على ما في يد المسلمين

ص: 264


1- الاستصحاب ، الإمام الخميني قدس سره : 402 .

من غير نكير ، وهو كاشف عن التذكية .

وإن شئت قلت : سيرة المتشرّعة على ترتيب آثار الملكية والتذكية على ما في يدهم من غير تفرقة بين المستحلّ وغيره ؛ سواء كان في سوق المسلمين أم لا .

مضافاً إلى أنّ البناء العملي على التذكية فيما في يد غير المستحلّ مع ترتيبه

آثارها ، كأ نّه إجماعي لم ينقل الخلاف فيه من أحد(1) .

والإنصاف : أنّ الخدش في كلّ واحد ممّا ذكر وإن أمكن ، لكن لا يبعد دعوى الوثوق من مجموعها على أ نّه يتعامل مع ما في أيدي المسلمين معاملة المذكّى ، سيّما مع كون ذبيحة المسلمين محلّلة علينا ، وقد اختلفوا معنا في شرائط الذبح ، مع مناسبة الحكم لسهولة الملّة وسمحتها .

مضافاً إلى أنّ سوق المسلمين في تلك الأعصار والبلاد ، كان لغير الطائفة المحقّة ، ولم يكن لهذه الطائفة سوق في تلك البلاد ، وهم مختلفون مع الطائفة في كثير من الشرائط ، كفري الأوداج(2) واستقبال القبلة(3) ، والتسمية(4) ، ومورد النحر والذبح(5) ، وآلة الذبح(6) ، وفي الصيد أيضاً في صائده وشرائطه(7) ، وفي

ص: 265


1- راجع مستند الشيعة 1 : 352 .
2- الخلاف 6 : 47 ؛ الاُمّ 2 : 236 ؛ المجموع 9 : 90 .
3- الخلاف 6 : 50 ؛ الاُمّ 2 : 239 ؛ المجموع 9 : 86 .
4- الخلاف 6 : 10 ؛ الاُمّ 2 : 227 و234 ؛ المغني ، ابن قدامة 11 : 4 و33 .
5- الخلاف 6 : 48 ؛ الاُمّ 2 : 239 ؛ المجموع 9 : 90 .
6- الخلاف 6: 22؛ المبسوط 6: 263؛ بداية المجتهد 1: 467؛ المغني، ابن قدامة 11 : 43.
7- الخلاف 6 : 5 - 6 ؛ الاُمّ 2 : 227 ؛ المجموع 9 : 92 - 97 .

استحلال ذبيحة أهل الكتاب(1) مع كثرتهم في ذلك العصر ، كما يظهر من الأسئلة والأجوبة في الروايات الواردة في ذبيحتهم وأوانيهم وأثوابهم(2) . ومعه يمكن أن يقال :

اعتبار السوق واليد لأجل التوسعة على العباد لا الأمارية

إنّ حكم تحليل ما يشترى من السوق ، لأجل التوسعة على العباد لا لكاشفيته وأماريته عن التذكية ؛ ضرورة أ نّه مع هذا الاختلاف الفاحش بين الفرقتين ، وأقلّية الفرقة الحقّة ، لم يكن سوق المسلمين ولا يدهم أمارة عقلائية على التذكية الشرعية ، فخصوصية السوق ليست لكاشفيته عن التذكية الشرعية ، بل لأجل أ نّه يتعامل مع المأخوذ من يد المسلمين الذين لا يراعون شرائط التذكية ، معاملة المذكّى توسعةً على العباد ، كما أ نّه يتعامل مع ما في سوقهم وما صنع في أرضهم معاملته ، كلّ ذلك للتوسعة .

وتشهد لما ذكرناه - مضافاً إلى عدم صالحية مثل هذا السوق وتلك اليد للأمارية - الروايات الواردة في الباب الظاهرة فيما ذكرناه ، وليس فيها بكثرتها ما

تشعر بالأمارية ، بل لسانها لسان أدلّة الاُصول :

كقوله علیه السلام : «هم في سعة حتّى يعلموا»(3) .

ص: 266


1- الخلاف 6 : 23 - 24 ؛ الاُمّ 2 : 231 ؛ المجموع 9 : 78 .
2- راجع وسائل الشيعة 24 : 48 ، كتاب الصيد والذبائح ، أبواب الذبائح ، الباب 26 و27 ، و3 : 517 ، كتاب الطهارة ، أبواب النجاسات ، الباب 72 - 74 .
3- تقدّم في الصفحة 244 .

وقولِه علیه السلام : «إنّ الدين أوسع من ذلك»(1) .

وقولِه علیه السلام : «لا بأس ما لم تعلم أ نّه ميتة»(2) .

وقولِه علیه السلام : «صلّ فيها حتّى تعلم أ نّه ميتة بعينه»(3) .

وما ظهر لي بعد التأمّل في الأخبار والنظر في حال سوق المسلمين في تلك الأعصار الذي كان منحصراً بالعامّة أمران :

أحدهما : أنّ منشأ سؤال السائلين احتمال عدم مراعاة القصّابين شرائطَ التذكية .

وثانيهما : أنّ الحكم على سبيل التوسعة ، لا للأمارية العقلائية ، ولا الجعلية الشرعية لو سلّم إمكانها ، كما تشهد لهما صحيحة الفضلاء : أ نّهم سألوا أبا جعفر علیه السلام عن شراء اللحوم من الأسواق ، ولا يدرى ما صنع القصّابون ؟ فقال : «كل إذا كان ذلك في سوق المسلمين ، ولا تسأل عنه»(4) .

فكان منشأ سؤال فقهاء أصحاب أبي جعفر علیه السلام اطّلاعهم على فتاوى أبي حنيفة ومالك ، واختلافها معنا .

وقوله علیه السلام : «كل . . .» إلى آخره ، لا يدلّ إلاّ على جواز الأكل ممّا كان في سوق المسلمين ، لا لأماريته على التذكية الشرعية بالشرائط المقرّرة عند الفرقة

ص: 267


1- تقدّم في الصفحة 250 .
2- تقدّم في الصفحة 249 .
3- تقدّم في الصفحة 249 .
4- الكافي 6 : 237 / 2 ؛ الفقيه 3 : 211 / 976 ؛ وسائل الشيعة 24 : 70 ، كتاب الصيد والذبائح ، أبواب الذبائح ، الباب29 ، الحديث1 .

المحقّة ؛ ضرورة عدم أماريته لها ، كما مرّ .

ولا لأصالة الصحّة ، فإنّها غير جارية في مثل المقام الذي يحتمل الانطباق من باب الاتّفاق .

ولا لأمارية اليد الكذائية ؛ لعين ما ذكر .

بل للتوسعة على العباد ، كما تدلّ عليه الروايات المتقدّمة .

وإن شئت قلت : هذه الرواية لا تدلّ إلاّ على جواز الأكل بلا سؤال ، وسائر الروايات ظاهرة في أنّ الحكم على نحو التوسعة لا الأمارية ، فلا تنافي بينهما .

بل يمكن أن يقال : إنّ تجويزَ الأكل وتركَ السؤال في موضوع لا يقوم عليه أمارة عند العقلاء ، ظاهر في التوسعة .

وتشهد أيضاً لما ذكرناه رواية أبي الجارود ، عن أبي جعفر علیه السلام ، وفيها : «واللّه ، إنّي لأعترض السوق ، فأشتري بها اللحم والسمن والجبن ، واللّه ما أظنّ كلّهم يسمّون : هذه البربر ، وهذه السودان»(1) .

فلو كان السوق أمارة على التذكية لكان المناسب أن يقول علیه السلام : «إنّ ما يشترى منه مذكّى» ولا يتناسب هذا التعبير مع إلغاء احتمال الخلاف في الأمارات.

ويشهد له خبر عبد الرحمان بن الحجّاج ، قال : قلت لأبي عبداللّه علیه السلام : إنّي أدخل السوق - أعني هذا الخلق الذي يدّعون الإسلام - فأشتري منهم الفراء للتجارة ، وأقول لصاحبها : أ ليس هي ذكيّة ؟ فيقول : بلى ، فهل يصلح لي أن أبيعها على أ نّها ذكيّة ؟ فقال : «لا ، ولكن لا بأس أن تبيعها وتقول : قد شرط

ص: 268


1- المحاسن : 495 / 597 ؛ وسائل الشيعة 25 : 119 ، كتاب الأطعمة والأشربة ، أبواب الأطعمة المباحة ، الباب 61 ، الحديث 5 .

لي الذي اشتريتها منه أ نّها ذكيّة» .

قلت : وما أفسد ذلك ؟ قال : «استحلال أهل العراق الميتةَ»(1) .

حيث يظهر منها جواز البيع والشراء مطلقاً ، وعدم جواز الإخبار بتذكيتها حتّى مع إخبار صاحبها ؛ لاستحلال أهل العراق الميتة ، فلو كان سوق المسلمين أمارة على التذكية ، جاز الإخبار بها ولو لم يخبر صاحبها بها ، وليس هذا إلاّ لكون جواز ترتيب أثر التذكية عملاً ، إنّما هو للتوسعة على العباد ، لا أنّ السوق أو اليد أمارة عليها .

فظهر من جميع ذلك جواز معاملة المذكّى لما في سوق المسلمين وما صنع في أرضهم وما في أيدي المستحلّ وغيره ، بل مورد الروايات هو ما في أيدي المستحلّين للميتة ولو لاستحلال ذبيحة أهل الكتاب ، أو استحلال ما لا يكون مذكّى شرعاً عند الفرق الناجية .

ومقتضى إطلاق الروايات جواز الشراء من يد مجهول الحال .

بل لعلّ سوق المسلمين وأرضهم أمارة على أنّ مجهول الحال مسلم .

وأمّا المأخوذ من يد الكافر ، فمع كون الحكم بعدم التذكية مظنّة الإجماع(2) ، يمكن دعوى قصور الروايات عن شموله بالتقريب الأخير ؛ فإنّها - سؤالاً وجواباً - بصدد بيان حال المأخوذ من سوق العامّة وأيديهم . والمسألة بجميع جوانبها تحتاج إلى مزيد تدبّر .

ص: 269


1- الكافي 3 : 398 / 5 ؛ وسائل الشيعة 3 : 503 ، كتاب الطهارة ، أبواب النجاسات ، الباب 61 ، الحديث 4 .
2- مستند الشيعة 1 : 353 .

المطلب السادس: في ثبوت الطهارة والنجاسة وسائر الموضوعات الخارجية بالعلم وما قام مقامه

اشارة

طريق ثبوت النجاسة والطهارة وغيرهما من الموضوعات الخارجية : العلم ، وما قام مقامه من الأمارات الشرعية ، وبعض الاُصول .

وقيل : بثبوتها بمطلق الظنّ ؛ فإنّ الشرعيات كلّها ظنّية ، والعمل بالمرجوح في مقابل الراجح قبيح . وهو منقول عن أبي الصلاح الحلبي(1) .

وفيه منع اعتبار الظنّ المطلق في الشرعيات . ولو فرض اعتباره في الأحكام فإلحاق الموضوعات بها قياس . ومنع كون عدم العمل بالظنّ من باب ترجيح المرجوح عليه ، بل لعدم الدليل على اعتباره ، والعمل بالاُصول المعتبرة في مقابل الظنّ عمل بالراجح .

وعن ابن البرّاج أنّ طريق ثبوتها العلم فقط ، قائلاً : «إنّ الطهارة ثابتة بالعلم ، والبيّنة لا تفيد إلاّ الظنّ»(2) .

ص: 270


1- اُنظر مصباح الفقيه ، الطهارة 8 : 162 ؛ إيضاح الفوائد 1 : 23 ؛ الكافي في الفقه : 140 .
2- جواهر الفقه : 9 .

وفيه منع ثبوت الطهارة بالعلم إلاّ في بعض الأحيان . ومنع الملازمة بين ثبوتها بالعلم وثبوت النجاسة به ؛ لعدم الدليل على أنّ الشيء إذا ثبت بالعلم لا

بدّ وأن يثبت ضدّه به أيضاً .

وأمّا الاستدلال(1) له بنحو قوله علیه السلام : «كلّ شيء نظيف حتّى تعلم أ نّه قذر»(2) فلا يخفى ما فيه بعد تحكيم أدلّة اعتبارات الأمارات عليه ؛ لو سلّم أنّ المراد بالعلم هو العلم الوجداني ، وإلاّ فهو أيضاً محلّ منع أشرنا إلى وجهه في بعض المقامات(3) .

فالأولى صرف الكلام إلى ما يثبت به النجاسة غير العلم :

في ثبوت النجاسة وسائر الموضوعات بالبيّنة

لا ينبغي الإشكال في ثبوتها بالبيّنة ، كما عن المشهور(4) ؛ فإنّ الأدلّة الواردة في ثبوت المعظّمات بها (5) - مثل ما يوجب القتل كالزندقة وعبادة الأوثان

ص: 271


1- اُنظر مصباح الفقيه ، الطهارة 8 : 162 .
2- تهذيب الأحكام 1 : 285 / 832 ؛ وسائل الشيعة 3 : 467 ، كتاب الطهارة ، أبواب النجاسات ، الباب 37 ، الحديث 4 .
3- الاستصحاب ، الإمام الخميني قدس سره : 87 و275 .
4- جواهر الكلام 6 : 172 ؛ مصباح الفقيه ، الطهارة 8 : 166 ؛ مستمسك العروة الوثقى 1 : 202 .
5- راجع وسائل الشيعة 27 : 241 ، كتاب القضاء ، أبواب كيفية الحكم ، الباب 7 و8 و12 و15 ، و : 332 ، كتاب الشهادات ، الباب 14 و41 و49 و51 ، و28 : 156 ، كتاب الحدود والتعزيرات ، أبواب حدّ اللواط ، الباب 2 ، و : 262 ، أبواب حدّ السرقة ، الباب 8 ، الحديث 1 ، و : 239 ، أبواب حدّ المسكر ، الباب 14 .

واللواط ، أو القطع كالسرقة ، أو الحدّ كشرب الخمر ونحوها ممّا يعثر عليه المتتبّع - وكذا في موارد حقوق الناس وغيرها من الموارد الكثيرة المختلفة موجبة لإلغاء الخصوصية عرفاً ؛ لأنّ العرف يرى أنّ ثبوت تلك الأحكام كالقطع والقتل والحدّ ، إنّما هو لثبوت موضوعاتها بالبيّنة من غير دخالة لخصوصية الموضوع أو الحكم في ذلك .

بل دعوى الجزم باعتبارها في مثل النجاسة والطهارة من غير المعظّمات - بعد ثبوت تلك المعظّمات بها - غير جزاف .

هذا مضافاً إلى موثّقة مَسْعدة بن صدقة ، عن أبي عبداللّه علیه السلام قال : «كلّ شيء هو لك حلال حتّى تعلم أ نّه حرام بعينه ، فتدعه من قِبل نفسك ، وذلك مثل الثوب عليك قد اشتريته وهو سرقة ، والمملوك عندك ولعلّه حرّ قد باع نفسه ، أو خدع فبيع قهراً ، أو امرأة تحتك وهي اُختك أو رضيعتك ، والأشياء كلّها على هذا حتّى يستبين لك غير ذلك ، أو تقوم به البيّنة»(1) .

وفي الرواية احتمالان :

أحدهما : ما فهموا منها ؛ وهو أنّ كلّ شيء لك حلال حتّى تعرف الحرام بعينه ؛ سواء كان من قبيل الأمثلة ممّا قامت أمارة عقلائية وشرعية على حلّيتها أم لا ، فإنّ الأمارة لا توجب العلم الوجداني بالحلّية ، فيصحّ انسلاك موردها فيما لا يعلم ، وذكر خصوص تلك الأمثلة إنّما هو من باب الاتّفاق .

ص: 272


1- الكافي 5 : 313 / 40 ؛ تهذيب الأحكام 7 : 226 / 989 ؛ وسائل الشيعة 17 : 89 ، كتاب التجارة ، أبواب ما يكتسب به ، الباب 4 ، الحديث 4 .

ثمّ عقّبها بقاعدة كلّية شاملة لمواردها وغيرها ؛ هي قوله علیه السلام : «والأشياء كلّها على هذا . . .» إلى آخره .

والمراد بالاستبانة المقابلة للبيّنة إن كان خصوص العلم الوجداني ، فاختصاصهما بالذكر لكونهما أوضح مصاديق ما يثبت به الموضوع ، فلا ينافي ثبوته بغيرهما ، كإخبار ذي اليد والاستصحاب .

وإن كان المراد بها مطلق الأمارات والاُصول المحرزة ، فاختصاص البيّنة بالذكر لكونها أوضح مصاديق ما جعله الشارع حجّة .

والمراد من «قيام البيّنة» قيامها على السرقة والحرّية والاُختية ونحوها من الموضوعات التي تقوم عليها البيّنة عادة .

وتوهّم أنّ المراد قيامها على الحكم ، فاسد جدّاً مخالف لظاهر الرواية ، وللمعهود من قيامها على الموضوعات فتترتّب عليها الأحكام ، لا عليها .

ولا شبهة في عدم فهم خصوصية للموضوعات التي تترتّب عليها الحرمة حتّى يقال : لا دلالة لها على حجّية البيّنة فيما يترتّب عليه حكم وجوبي ؛ لأنّ المستفاد منها أنّ تمام الملاك لثبوت الموضوع قيام البيّنة ، سيّما مع كونها أمارة عقلائية مضاعفة ، فإنّ خبر الثقة أيضاً أمارة عقلائية .

وبالجملة : لمّا كانت للبيّنة حيثية الأمارية ، فلا يفهم العرف من قاطعيتها للحلّية إلاّ لأماريتها على الواقع وثبوته بها ؛ من غير خصوصية للموضوعات أو الأحكام المترتّبة عليها ، خصوصاً مع جعلها عدلاً للاستبانة .

والاحتمال الثاني الذي يمكن أن يكون ثقيلاً على الأسماع ابتداءً ، وليس بعيداً بعد التنبّه لخصوصيات الرواية : هو أنّ المراد بقوله علیه السلام : «كلّ شيء هو لك

ص: 273

حلال» أنّ ما هو لك بحسب ظاهر الشرع حلال ، فيكون قوله علیه السلام : «هو لك» من قيود الشيء «وحلال» خبره ، وتشهد لهذا اُمور :

منها : ذكر «هو» في خلال الكلام ، وهو غير مناسب لبيان حلّية المجهول ، كما هو غير مذكور في الروايات التي سيقت لبيان حلّيته(1) ، فنكتة ذكر الضمير لعلّها لإفادة خصوصية زائدة ؛ هي تقييد الشيء بكونه لك .

ومنها : قوله : «وذلك مثل . . .» كذا وكذا ، فإنّ الظاهر منه أنّ له عناية خاصّة بالأمثلة التي ذكرها ، ولها نحو اختصاص بالحكم .

ومنها : ذكر الأمثلة التي كلّها من قبيل ما تقدّم من كون الموضوع ممّا يختصّ به بحسب أمارة شرعية ، كاليد ، أو أصالة الصحّة ، أو الاستصحاب ، فذكر خصوص تلك الأمثلة التي ليست واحدة منها من مورد كون الشكّ موجباً للحلّية ، يؤكّد ما ذكرناه ، بل يدلّ عليه .

ومنها : أنّ لسان الرواية بناءً على الاحتمال الأوّل لسان الأصل ، وهو لا يناسب الأمثلة المذكورة ، وأمّا بناءً على الاحتمال الثاني فليس المنظور جعل الحكم الظاهري حتّى لا يناسبها ، بل أمر آخر يأتي بيانه .

ومنها : تخصيص العلم الوجداني والبيّنة بالذكر ، فإنّ الظاهر من «الاستبانة» في مقابل البيّنة هو العلم الوجداني ، فحملها على الأعمّ خلاف الظاهر المتفاهم منها ، فعليه تكون الرواية بصدد بيان أنّ ما هو لك بحسب الأمارات الشرعية

ص: 274


1- راجع وسائل الشيعة 17 : 88 ، كتاب التجارة ، أبواب ما يكتسب به ، الباب 4 ، الحديث 1 ، و25 : 118 ، كتاب الأطعمة والأشربة ، أبواب الأطعمة المباحة ، الباب 61 ، الحديث 1 و2 و7 .

ونحوها ، لا تنقطع حلّيته إلاّ بالعلم الوجداني وخصوص البيّنة من بين الأمارات ، وليست بصدد بيان الحكم الظاهري .

ففقه الحديث على هذا : أنّ ما هو بحسب ظاهر الشرع لك ومختصّ بك - كالثوب الذي اشتريته واحتمل أن يكون سرقة ، والمملوك الذي تحت يدك ومحكوم بملكيتك واحتمل حرّيته ، والامرأة التي تحتك واحتمل كونها اُختك أو رضيعتك ، مع أنّ اليدَ وأصالةَ الصحّة بل والاستصحابَ الموضوعي في الرضيعة بل في الاُخت على فرض جريانه في الأعدام الأزلية ، كلّ يقتضي كونها زوجتك - هو حلال لك لا تنقطع حلّيته إلاّ بأمرين : العلم الوجداني ، والبيّنة ، دون

سائر الأمارات .

وهذا الاحتمال وإن كان بعيداً ابتداءً ؛ لاُنس الأذهان بأنّ مثل العبارة سيقت

في سائر الروايات لبيان الحكم الظاهري ، لكن بعد التأمّل في الجهات المتقدّمة لا يبعد أن يكون أظهر من الأوّل ، ولا أقلّ من مساواته له في رفع الإشكال به عن الرواية ، فيكون حينئذٍ المراد من قوله علیه السلام : «والأشياء كلّها على هذا» أنّ كلّ شيء من قبيل الأمثلة ، لا جميع الأشياء .

وكيف كان : تثبت على هذا الاحتمال أيضاً حجّية البيّنة مطلقاً ؛ ضرورة أنّ جعلها عِدلاً للعلم في قطع الاُصول والأمارات العقلائية والشرعية المخالفة لها ، موجب لاستظهار كونها أقوى الأمارات في إثبات الموضوعات ، واحتمال دخالة خصوصية قيام الأمارة على خلافها في حجّيتها ، مدفوع بالقطع ومخالفته لفهم العقلاء ، فالمستفاد منها أنّ البيّنة عِدل العلم في إثبات الموضوعات حتّى مع قيام الأمارات على خلافها .

ص: 275

وتدلّ على ثبوتها بها أيضاً رواية عبداللّه بن سليمان قال : «كلّ شيء لك حلال حتّى يجيئك شاهدان يشهدان أنّ فيه ميتة»(1) .

في عدم ثبوت النجاسة وسائر الموضوعات بخبر الثقة

وهل يثبت النجاسة بل سائر الموضوعات بخبر الثقة ؟

قيل : نعم(2) ؛ تمسّكاً باستقرار سيرة العقلاء على العمل به ، ولم يثبت الردع من الشارع ، بل ثبت الإنفاذ في أخذ الأحكام والأخبار من الثقات .

والظاهر من الأخبار الواردة في هذا المضمار أنّ الشارع لم يؤسّس حكماً بل أنفذ ما لدى العقلاء من الأخذ عن الثقات ، ولا فرق في نظر العقل والعقلاء بين الأحكام وموضوعاتها . نعم ، ورد الردع في بعض الموارد ، كأبواب الخصومات .

بل يمكن الاستدلال للمطلوب بموثّقة مَسْعدة المتقدّمة(3) ؛ بدعوى أنّ الاستبانة أعمّ من العلم وغيره ، كخبر الثقة ، وإنّما خصّت البيّنة بالذكر لكونها أوضح الطرق الشرعية ، لا لخصوصية فيها .

وتشهد له أيضاً الأخبار الواردة في أبواب مختلفة ، مثل صحيحة هشام بن سالم ، عن أبي عبداللّه علیه السلام ، وفيها : قلت : فإنّ الوكيل أمضى الأمر قبل أن يعلم العزل أو يبلغه أ نّه قد عزل عن الوكالة ، فالأمر على ما أمضاه ؟

ص: 276


1- الكافي 6 : 339 / 2 ؛ وسائل الشيعة 25 : 118 ، كتاب الأطعمة والأشربة ، أبواب الأطعمة المباحة ، الباب 61 ، الحديث 2 .
2- مصباح الفقيه ، الطهارة 8 : 168 - 169 .
3- تقدّمت في الصفحة 272 .

قال : «نعم» . قلت له : فإن بلغه العزل قبل أن يمضي الأمر ، ثمّ ذهب حتّى أمضاه ، لم يكن ذلك بشيء ؟ قال : «نعم ؛ إنّ الوكيل إذا وكّل ثمّ قام عن المجلس ، فأمره ماضٍ أبداً ، والوكالة ثابتة ؛ حتّى يبلغه العزل عن الوكالة بثقة يبلغه ، أو يشافه بالعزل عن الوكالة»(1) .

وموثّقةِ إسحاق بن عمّار ، عن أبي عبداللّه علیه السلام قال : سألته عن رجل كانت له عندي دنانير ، وكان مريضاً ، فقال لي : إن حدث بي حدث فأعط فلاناً عشرين ديناراً ، وأعط أخي بقيّة الدنانير ، فمات ولم أشهد موته ، فأتاني رجل مسلم صادق فقال لي : إنّه أمرني أن أقول لك : اُنظر الدنانير التي أمرتك أن تدفعها إلى أخي ، فتصدّق منها بعشرة دنانير ؛ اقسمها في المسلمين ، ولم يعلم أخوه أنّ عندي شيئاً ، فقال : «أرى أن تصدّق منها بعشرة دنانير»(2) .

وموثّقةِ سَماعة قال : سألته عن رجل تزوّج امرأة أو تمتّع بها ، فحدّثه رجل

ثقة أو غير ثقة فقال : إنّ هذه امرأتي ، وليست لي بيّنة ، فقال : «إن كان ثقة فلا يقربها ، وإن كان غير ثقة فلا يقبل»(3) .

والأخبارِ الدالّة على جواز الاعتماد على أذان الثقة(4) وما دلّت على جواز

ص: 277


1- الفقيه 3 : 49 / 170 ؛ تهذيب الأحكام 6 : 213 / 503 ؛ وسائل الشيعة 19 : 162 ، كتاب الوكالة ، الباب2 ، الحديث1 .
2- الكافي 7 : 64 / 27 ؛ تهذيب الأحكام 9 : 237 / 923 ؛ وسائل الشيعة 19 : 433 ، كتاب الوصايا ، الباب97 ، الحديث1 .
3- تهذيب الأحكام 7 : 461 / 1845 ؛ وسائل الشيعة 20 : 300 ، كتاب النكاح ، أبواب عقد النكاح ، الباب 23 ، الحديث 2 .
4- راجع وسائل الشيعة 5 : 378 ، كتاب الصلاة ، أبواب الأذان والإقامة ، الباب 3 .

وطي الأمة بغير استبراء إذا كان البائع ثقة أميناً (1) .

وصحيحةِ ابن سِنان ، عن أبي عبداللّه علیه السلام قال : «اغتسل أبي من الجنابة ، فقيل له : قد أبقيت لُمعة في ظهرك لم يصبها الماء ، فقال له : ما كان عليك لو سكتّ ؟ ! ثمّ مسح تلك اللُمعة بيده»(2) .

أقول : وفي الجميع نظر :

أمّا استقرار سيرة العقلاء ، فمسلّم ، لكن مع ما نرى من اعتبار البيّنة في موارد كثيرة لا تحصى ، لا يبقى وثوق بها ؛ فإنّها بنفسها ليست بحجّة ، ومع ورود الردع في تلك الموارد لا يمكن استكشاف عدمه في الموارد المشكوك فيها .

إلاّ أن يقال : إنّ للموارد المردوعة خصوصيات ، كباب الخصومات ؛ فإنّ غالب مواردها قامت أمارة شرعية على أمر يراد دفعها ، فلا بدّ وأن تكون الأمارة الدافعة أقوى منها ، ولهذا اعتبرت فيها البيّنة لقطعها ، وفي موارد الحدود ونحوها ،

يكون للشارع الأقدس مزيد عناية بعدم ثبوتها ، ومحفوظيةِ عِرض المسلم ودمه ، ولهذا تدرأ بالشبهات ، ولا يعتنى في بعض الموارد بإقرار المرتكب مرّة أو مرّتين أو أزيد ، فردع الشارع في تلك الموارد المهمّة ، لا يدلّ على ردعه في سائر الموارد .

ص: 278


1- راجع وسائل الشيعة 21 : 89 ، كتاب النكاح ، أبواب نكاح العبيد والإماء ، الباب6 ، الحديث 1 و2 و4 و6 .
2- الكافي 3 : 45 / 15 ؛ وسائل الشيعة 2 : 259 ، كتاب الطهارة ، أبواب الجنابة ، الباب 41 ، الحديث 1 .

لكن نَقْل الشهرة على عدم اعتبار خبر الثقة فيما نحن فيه(1) ، وكذا نَقْلها بل نَقْل الإجماع في الموارد التي ورد فيها الخبر بالخصوص باعتبار خبر الثقة ، على عدم الثبوت به ، كمورد عزل الوكيل(2) ، ومورد الوصيّة(3) ، ومورد أذان الثقة(4) ، ممّا تأتي الإشارة إليه(5) ، ربّما توجب الوثوق بمعهودية عدم اعتباره في الموضوعات .

هذا مع أنّ موثّقة مَسْعدة(6) ظاهرة في الردع عنه ؛ بناءً على ما هو المعروف في معناها ، أي الاحتمال الأوّل من الاحتمالين المتقدّمين ؛ فإنّ الظاهر أنّ الغاية

للحلّ مطلقاً البيّنة ، فلو كان خبر الثقة مثبتاً للموضوع ، كان اعتبار البيّنة بلا وجه ؛ فإنّ معنى اعتبارها أن يكون كلّ واحد من الشاهدين جزء الموضوع للإثبات ، ومقتضى ثبوته بخبر الثقة أ نّه تمام الموضوع ، فلا يمكن الجمع بينهما في الجعل ، فالقول بأنّ الاستبانة أعمّ من العلم وخبر الثقة(7) ، ضعيف غايته ؛ ضرورة لغوية جعل البيّنة حينئذٍ غايةً .

فإن قلت : المراد بالبيّنة شاهدا عدل ولو لم يكونا ثقتين من غير جهة الكذب ، بل من جهته أيضاً ، فإنّ ظهور الصلاح كاشف تعبّدي عن العدالة ، فحينئذٍ يكون

ص: 279


1- مصباح الفقيه ، الطهارة 8 : 168 .
2- جامع المقاصد 8 : 290 .
3- جواهر الكلام 28 : 352 و354 .
4- جواهر الكلام 7 : 268 ؛ مستمسك العروة الوثقى 5 : 152 .
5- ستأتي في الصفحة 281 .
6- تقدّمت في الصفحة 272 .
7- مصباح الفقيه ، الطهارة 8 : 170 - 171 .

خبر الثقة في مقابل البيّنة ، لا جزءها حتّى يرد الإشكال العقلي ، فالبيّنة إحدى طرق الإثبات ، وهي شاهدا عدل ثبت عدالتهما بظهور الصلاح ولو لم نثق بهما من جهة الاحتراز عن الكذب ، أو من جهة الغفلة والخطأ ، وخبر الثقة - ولو لم يكن عدلاً - طريق آخر له مباين لها ، لا مداخل فيها . نعم لو قلنا باعتبار خبر واحد عدل ، لتطرّق الإشكال المتقدّم .

قلت : نمنع عدم اعتبار الوثوق من جهة احتمال الغفلة والخطأ في البيّنة ؛ فإنّ الشاهدين إذا كانا من متعارف الناس ، تجري فيهما أصالة عدم الخطأ والغفلة لدى العقلاء . وإن لم يكونا كذلك ، وكان الغالب عليهما الاشتباه والخطأ ، أو كانا بحيث لم يتّكل عليهما العقلاء ، ولم تجرِ في حقّهما الاُصول العقلائية ، لا تعتبر شهادتهما ، وتكون أدلّة اعتبار البيّنة منصرفة عن مثلهما .

والظاهر ملازمة ظهور الصلاح - بالمعنى المعتبر في الكاشف - للوثوق النوعي بالاحتراز عن الكذب ، والوثوق الشخصي غير معتبر ؛ لا في البيّنة ، ولا في خبر الثقة ، ومع عدم حصول الوثوق النوعي لجهة من الجهات في الشاهدين ، فلا محالة تكون تلك الجهة منافية لظهور الصلاح .

مضافاً إلى أنّ إطلاق الموثّقة ، يقتضي اعتبار التعدّد ولو كان الشاهدان موثّقين . وحملها على خصوص غير الموثّق مع كون العدلين موثوقاً بهما نوعاً ، كما ترى .

فتحصّل ممّا ذكرناه : أنّ الموثّقة رادعة عن العمل بخبر الثقة في الموضوعات ، ومن هنا ظهر ضعف التمسّك بها لإثبات اعتبار خبر الثقة ، كما هو واضح .

نعم ، بناءً على الاحتمال الثاني لا تكون الموثّقة رادعة إلاّ عن الموارد

ص: 280

التي قامت أمارة على إحراز موضوع ، ويراد إثبات خلافها ، نظير الأمثلة المتقدّمة(1) .

وأمّا الروايات المستشهد بها ، فمع كونها في موارد خاصّة لا يمكن إثبات سائر الموارد بها ، سيّما مع البناء على كون الموثّقة رادعة ، وسيّما مع قلّة العامل

بها على الظاهر ، كما حكي عن «التذكرة» و«جامع المقاصد» الإجماع على عدم ثبوت العزل بخبر العدل(2) ، وظهور الكتاب والسنّة في عدم ثبوت الوصيّة إلاّ

بشاهدين عدلين(3) ، بل أرسل الأصحاب إرسال المسلّمات عدم ثبوت شيء من الوصيّة بإخبار رجل عدل(4) ؛ وإن ثبت الربع منها بإخبار مرأة ، والربعين بمرأتين ، وثلاثة أرباع بثلاث للنصّ(5) فضلاً عن ثبوت التمام به ، وعدم عمل المشهور بالأخبار الواردة في أذان الثقة في حال إمكان العلم(6) ، ومع عدمه يكون مطلق الظنّ حجّة يثبت به الوقت .

أنّ المحتمل في خبر عزل الوكيل ، أنّ العزل المحقّق واقعاً إذا بلغ بثقة ، ينعزل الوكيل به ، لا لأجل ثبوت العزل به ، بل لبلوغه ، ففرق بين ثبوت العزل به عند الشكّ فيه ، وبين بلوغ العزل المحقّق بثقة ، فالأوّل محطّ البحث هاهنا ، والثاني مورد دلالة الخبر .

ص: 281


1- تقدّم في الصفحة 279 .
2- تذكرة الفقهاء 15: 228 ؛ جامع المقاصد 8 : 290 .
3- المائدة (5) : 106 - 107 ؛ وسائل الشيعة 19 : 309 ، كتاب الوصايا ، الباب20 .
4- جامع المقاصد 11 : 305 ؛ مسالك الأفهام 6 : 204 ؛ جواهر الكلام 28 : 352 و354 .
5- راجع وسائل الشيعة 19 : 316 ، كتاب الوصايا ، الباب22 .
6- مستمسك العروة الوثقى 5 : 152 .

وبعبارة اُخرى : أنّ العزل الواقعي لا يكون موضوع حكم حتّى يكون خبر الثقة مثبتاً له ، بل الموضوع للحكم بلوغ العزل بثقة ؛ على أن يكون كلّ من العزل والبلوغ جزءاً للموضوع ، وهو أجنبيّ عمّا نحن بصدده ، ولا دليل على أنّ أحد الجزءين مثبت للجزء الآخر ؛ وبهذا اللحاظ يكون موضوعاً له ، فتدبّر تعرف .

والمحتمل في خبر الوصيّة، أنّ الوصيّ لم تكن شبهته في ثبوت الوصاية بخبر الثقة ، بل الظاهر فرض حصول الاطمئنان بها ، حيث فرض كون المخبر صادقاً .

مع أ نّه أخبر عن واقعة شخصية كانت بينه وبين الموصي ، ومعه تطمئنّ النفس بصدقه ، سيّما في أمر لا داعي له أن يكذب فيه ، بل كانت شبهته في أنّ تبديل الوصيّة بوصيّة اُخرى جائز ، ومعه هل يجب على الموصي العمل بالاُولى أو الثانية ؟ تأمّل .

وموثّقة سَماعة(1) محمولة على الاستحباب ؛ ضرورة عدم اعتبار قول المدّعي ولو كان ثقة ، وقد ورد في موردها ما يدلّ على عدم سماع دعواه إلاّ بالبيّنة(2) .

وخبر قبول الاستبراء من البائع(3) من إخبار ذي اليد ، وهو أمر آخر غير مربوط بالمقام .

ولم يظهر من خبر اللُمعة(4) العمل بخبر الثقة ، بل لعلّه كان مشتغلاً بالعمل ،

ص: 282


1- تقدّمت في الصفحة 277 .
2- وسائل الشيعة 20 : 300 ، كتاب النكاح ، أبواب عقد النكاح ، الباب 23 ، الحديث 3 .
3- تقدّم تخريجه في الصفحة 278 ، الهامش 1 .
4- تقدّم في الصفحة 278 .

فصار خبره موجباً للشكّ حال الاشتغال ، أو كانت اللمعة في الطرف الأيسر ؛ بناءً

على اعتبار الشكّ فيه ولو بعد الفراغ ، أو كان من باب الاحتياط .

فالمسألة محلّ إشكال من جهة الإشكال في معنى موثّقة مَسْعدة ، ومن جهة عدم العثور على مورد عمل الأصحاب بخبر الثقة في الموضوعات كما عملوا به في الأحكام . ومن هنا يشكل الاعتماد على السيرة والوثوق بعدم الردع ، فالأحوط عدم الثبوت بخبر الثقة لو لم يكن الأقوى .

في ثبوت النجاسة وسائر الموضوعات بإخبار ذي اليد

وأمّا إخبار ذي اليد - أي من كان له نحو استيلاء وتصرّف في الشيء ولو كان غاصباً وفاسقاً ، فضلاً عمّن كان مالكاً أو أميناً ، كالمستأجر والمستودع ، بل والخادم وغيرهم - فلا ينبغي الإشكال في اعتبار قوله في ثبوت النجاسة والطهارة ، بل وغيرهما إلاّ ما استثني .

والدليل عليه السيرة المستمرّة ، وبناء العقلاء ، ونقل الشهرة ، والاتّفاق على

قبول قوله(1) .

ويدلّ على اعتباره في الجملة الأخبار المختلفة في موارد لا يبعد إلغاء الخصوصية منها عرفاً :

منها : روايات قبول خبر غير العارف وغير معروف الحال في البختج إن لم يكن مستحلاًّ ، كصحيحة عمر بن يزيد قال : قلت لأبي عبداللّه علیه السلام : الرجل يهدي إليّ البختج من غير أصحابنا فقال : «إن كان ممّن يستحلّ المسكر فلا تشربه ،

ص: 283


1- مصباح الفقيه ، الطهارة 8 : 172 ؛ مستمسك العروة الوثقى 1 : 206 .

وإن كان ممّن لا يستحلّ فاشربه»(1) .

وصحيحةِ معاوية بن عمّار قال : سألت أبا عبداللّه علیه السلام عن الرجل من أهل المعرفة بالحقّ ، يأتيني بالبختج ويقول : قد طبخ على الثلث ، وأنا أعرف أ نّه يشربه على النصف ، فأشربه بقوله وهو يشربه على النصف ؟ فقال : «لا تشربه» .

قلت : فرجل من غير أهل المعرفة ممّن لا نعرفه يشربه على الثلث ، ولا يستحلّه على النصف ، يخبرنا أنّ عنده بختجاً على الثلث قد ذهب ثلثاه ، وبقي ثلثه ، يشرب منه ؟ قال : «نعم»(2) .

دلّتا على أ نّه مع كون الرجل غير متّهم ولا مكذّب عملُه قولَه ، يقبل منه إخباره ولو كان إخباراً عملياً ؛ سواء كان من أهل المعرفة أو لا ، معلوم الحال أو لا ، وإطلاقهما يقتضي قبول قول الفاسق في مذهبه .

نعم ، في بعض الروايات اعتبار كون المخبر مسلماً ورعاً مؤمناً ، أو مسلماً عارفاً ، أو اعتبار كون البختج حلواً يخضّب الإناء مضافاً إلى إخبار صاحبه(3) ، والاُوليان محمولتان على الاستحباب حملاً على النصّ ، والثالثة محمولة على ما إذا كانت الأمارة على خلاف قوله ؛ فإنّ عدم الاختضاب دليل على عدم التثليث ،

ص: 284


1- الكافي 6 : 420 / 4 ؛ تهذيب الأحكام 9 : 122 / 524 ؛ وسائل الشيعة 25 : 292 ، كتاب الأطعمة والأشربة ، أبواب الأشربة المحرّمة ، الباب7 ، الحديث1 .
2- الكافي 6 : 421 / 7 ؛ تهذيب الأحكام 9 : 122 / 526 ؛ وسائل الشيعة 25 : 293 ، كتاب الأطعمة والأشربة ، أبواب الأشربة المحرّمة ، الباب 7 ، الحديث 4 .
3- راجع وسائل الشيعة 25 : 294 ، كتاب الأطعمة والأشربة ، أبواب الأشربة المحرّمة ، الباب 7 ، الحديث 6 و7 ، و : 293 ، الحديث 3 .

بل لعلّه دليل قطعي على عدمه ، وأمّا الاختضاب فأعمّ من حصول التثليث ، فاعتباره لأجل حصول الشكّ فيه ، لا قيام الأمارة عليه .

نعم ، إطلاق صحيحة عمر بن يزيد ، عن أبي عبداللّه علیه السلام وفيها : «إذا كان يخضّب الإناء فاشربه»(1) يقتضي أمارية الاختضاب على التثليث ، لكنّها محمولة

على صحيحة معاوية بن وهب(2) التي اعتبر فيها مضافاً إلى ذلك إخبار ذي اليد ؛ حملاً للمطلق على المقيّد .

ومنها : بعض الروايات الواردة في الجبن ، كرواية بكر بن حبيب قال : سئل أبو عبداللّه علیه السلام عن الجبن ؛ وأ نّه توضع فيه الإنفحة من الميتة ؟ قال : «لا تصلح» ثمّ أرسل بدرهم ، فقال : «اشترِ من رجل مسلم ، ولا تسأله عن شيء»(3) ونحوها في عدم لزوم السؤال رواية حمّاد بن عيسى(4) .

وهذه الروايات وإن صدرت تقيّة ؛ لأنّ الإنفحة من الميتة طاهرة عندنا ، لكن يظهر منها أ نّه لا بأس بالاشتراء والأكل من سوق المسلمين ، ولا يلزم السؤال ، لكن لو سأل ، وأجاب صاحب اليد بكون الميتة فيه ، لا يجوز الأكل ، فيظهر منهما

ص: 285


1- الكافي 6 : 420 / 5 ؛ تهذيب الأحكام 9 : 122 / 525 ؛ وسائل الشيعة 25 : 293 ، كتاب الأطعمة والأشربة ، أبواب الأشربة المحرّمة ، الباب7 ، الحديث2 .
2- الكافي 6 : 420 / 6 ؛ تهذيب الأحكام 9 : 121 / 523 ؛ وسائل الشيعة 25 : 293 ، كتاب الأطعمة والأشربة ، أبواب الأشربة المحرّمة ، الباب7 ، الحديث3 .
3- المحاسن : 496 / 598 ؛ وسائل الشيعة 25 : 118 ، كتاب الأطعمة والأشربة ، أبواب الأطعمة المباحة ، الباب 61 ، الحديث 4 .
4- قرب الإسناد : 19 / 63 ؛ وسائل الشيعة 3 : 492 ، كتاب الطهارة ، أبواب النجاسات ، الباب 50 ، الحديث 8 .

أنّ هذا الحكم كان معهوداً في ذلك العصر .

ومنها : ما وردت في قبول قول البائع الأمين الثقة في استبراء الأمة(1) . واعتبار الأمانة والثقة لكون أمر الفروج مهمّاً ، كما يظهر من تلك الروايات .

ومنها : رواية عبد الرحمان بن الحجّاج قال : قلت لأبي عبداللّه علیه السلام : إنّي

أدخل السوق - أعني هذا الخلق الذي يدّعون الإسلام - فأشتري منهم الفراء للتجارة ، وأقول لصاحبها : أ ليس هي ذكيّة ؟ فيقول : بلى ، فهل يصلح لي أن أبيعها على أ نّها ذكيّة ؟ فقال : «لا ، ولكن لا بأس أن تبيعها وتقول : قد شرط لي الذي اشتريتها منه أ نّها ذكيّة» .

قلت : ما أفسد ذلك ؟ قال : «استحلال أهل العراق الميتةَ»(2) .

وقد مرّ في المسألة السابقة(3) : أنّ الظاهر منها ومن سائر الروايات أنّ سوق المسلمين - أي هذا الخلق - ليس أمارة على التذكية وإن جاز لنا ترتيب آثارها توسعةً ، وأمّا جواز الإخبار بها فهو من آثار ثبوتها لدى المخبر ، وإنّما نهي عن الإخبار بها مع إخبار ذي اليد ؛ لاستحلال أهل العراق الميتة ، فيظهر منه أ نّه لولا

ذلك لجاز الاتّكال على إخباره .

وقول عبد الرحمان : «ما أفسد ذلك ؟» دليل على معروفية الاتّكال على قول صاحب اليد ، فسأل عن وجه عدم الجواز ، فأجابه علیه السلام بذلك .

ص: 286


1- تقدّم تخريجه في الصفحة 278 ، الهامش 1 .
2- الكافي 3 : 398 / 5 ؛ وسائل الشيعة 3 : 503 ، كتاب الطهارة ، أبواب النجاسات ، الباب 61 ، الحديث 4 .
3- تقدّم في الصفحة 266 - 269 .

إن قلت : مع عدم استحلاله تكون يده أمارة .

قلت : المراد ب- «الاستحلال» استحلال الميتة بالدباغ ، ولهذا نسبه إلى أهل العراق ، فحينئذٍ مع عدم الاستحلال أيضاً لا يكون سوقهم أمارة ، ولا يدهم ؛ لاختلافهم معنا في معظم شرائط التذكية ، تأمّل .

ويمكن أن تعدّ من الشواهد أو الأدلّة الروايات الواردة في سياق الهدي ، كصحيح حفص بن البَخْتَري قال : قلت لأبي عبداللّه علیه السلام : رجل ساق الهدي ، فعطب في موضع لا يقدر على من يتصدّق به عليه [ولا يعلم أنّه هدي] ، قال : «ينحره ، ويكتب كتاباً يضعه عليه ؛ ليعلم من مرّ به أ نّه صدقة»(1) .

بدعوى دلالتها على معروفية قبول قول صاحب اليد : بأ نّها صدقة .

إلى غير ذلك من الموارد التي يعلم - بإلغاء الخصوصية عنها عرفاً - أنّ

قول صاحب اليد معتبر عند الشارع ، كما هو معتبر عند العرف ، سيّما مع قبوله في المهمّات .

ص: 287


1- الفقيه 2 : 297 / 1477 ؛ وسائل الشيعة 14 : 141 ، كتاب الحجّ ، أبواب الذبح ، الباب31 ، الحديث1 .

المطلب السابع: في بطلان الصلاة الواقعة في النجس

اشارة

مقتضى إطلاق أدلّة شرطية الطهارة أو مانعية النجاسة - كقوله علیه السلام في صحيحة زرارة : «لا صلاة إلاّ بطهور»(1) المتيقّن منها بقرينة ذيلها الطهور من الخبث ، وقوله علیه السلام : «لا تعاد الصلاة . . .»(2) إلى آخره ؛ بناءً على أنّ الطهور في المستثنى أعمّ من الخبث - بطلان الصلاة التي يؤتى بها في النجس مطلقاً ؛ سواء كان عن عمد ، أو جهل بالحكم ، أو الموضوع ، أو النسيان ، أو غيرها من الأعذار ، فلا بدّ من التماس دليل على صحّة الصلاة المأتيّ بها في النجس .

ص: 288


1- تهذيب الأحكام 1 : 49 / 144 ، و : 209 / 605 ؛ وسائل الشيعة 1 : 315 ، كتاب الطهارة ، أبواب أحكام الخلوة ، الباب 9 ، الحديث 1 .
2- الفقيه 1 : 225 / 991 ؛ وسائل الشيعة 1 : 371 ، كتاب الطهارة ، أبواب الوضوء ، الباب 3 ، الحديث 8 .

حكم الصلاة في النجس مع الجهل بالحكم

وقد يقال : إنّ الأدلّة قاصرة عن إثبات الحكم للجاهل ؛ لقبح تعلّق التكليف بالغافل(1) ، وعليه يكون المأتيّ به مع النجاسة مجزياً ؛ لأ نّه صلاة تامّة في حقّه بعد عدم الدليل على إثبات المانعية أو الشرطية في حقّه .

وفيه ما حقّق في الاُصول : من عدم قصور الأدلّة عن إثبات التكليف لمطلق المكلّفين ، ولا مانع من تعلّقه بالعناوين الكلّية الشاملة لعامّة المكلّفين ؛ وإن كان

التارك عن عذر معذوراً في أدائه(2) .

والسرّ فيه : عدم انحلال الخطاب المتعلّق بالعناوين ك- «الناس» و«المؤمنين» إلى خطابات جزئية بعدد النفوس أو العناوين الطارئة ، ولهذا يكون العصاة مكلّفين ، مع أنّ العاصي الذي يعلم المولى طغيانه ، لا يمكن تكليفه جدّاً لغرض الانبعاث ؛ لامتناع انقداح إرادة التكليف جدّاً ممّن لا يطيع .

هذا مع أنّ ما ذكر لا يتأتّى في الوضعيات ، كقوله علیه السلام : «لا صلاة إلاّ بطهور» ولا شبهة في إطلاقه بالنسبة إلى كلّ صلاة من دون إشكال .

نعم ، لا فرق في الإشكال بين الأوامر النفسية ، وما هي للإرشاد إلى الشرطية ، كقوله : )إِذَا قُمْتُمْ إِلَى الصَّلَوةِ فَاغْسِلُوا وُجُوهَكُمْ . . .((3) إلى آخره فإنّها وإن كانت للإرشاد ، لكنّها لم تنسلخ عن البعث والتكليف ، ولم تستعمل في

ص: 289


1- مجمع الفائدة والبرهان 1 : 342 ؛ مدارك الأحكام 2 : 344 .
2- مناهج الوصول 2 : 18 - 20 ؛ أنوار الهداية 2 : 204 .
3- المائدة (5) : 6 .

الاشتراط ، بل يفهم العرف من البعث إلى تحصيل الطهور للصلاة اشتراطها بها ،

فإن قَبح أو امتنع تعلّق التكليف بالغافل ، لا يمكن انتزاع الاشتراط مطلقاً منها بحيث يشمل الغافل .

فما قد يقال في الجواب عنه : «إنّ الأوامر الإرشادية لا إشكال فيها»(1) كأ نّه في غير محلّه .

هذا مع اقتضاء بعض الأدلّة الخاصّة في المقام ، بطلان الصلاة في النجاسة ، كصحيحة عبداللّه بن سِنان قال : سألت أبا عبداللّه علیه السلام عن رجل أصاب ثوبه جنابة أو دم ، قال : «إن كان علم أ نّه أصاب ثوبه جنابة قبل أن يصلّي ، ثمّ صلّى فيه ولم يغسله ، فعليه أن يعيد ما صلّى»(2) وغيرها ممّا تشمل بإطلاقها العالم وغيره(3) .

حكم الصلاة في النجس مع الجهل بالموضوع

وأمّا الجاهل بالموضوع ففيه أقوال : عدم الإعادة مطلقاً (4) ، والإعادة كذلك ، كما حكي عن بعض(5) ، والتفصيل بين التذكّر في الوقت وخارجه ، فيعيد في

ص: 290


1- مصباح الفقيه ، الطهارة 8 : 204 .
2- الكافي 3 : 406 / 9 ؛ تهذيب الأحكام 2 : 359 / 1488 ؛ وسائل الشيعة 3 : 482 ، كتاب الطهارة ، أبواب النجاسات ، الباب 43 ، الحديث 1 .
3- وسائل الشيعة 3 : 482 ، كتاب الطهارة ، أبواب النجاسات ، الباب 43 ، الحديث 2 .
4- مدارك الأحكام 2 : 348 - 349 ؛ جواهر الكلام 6 : 209 - 210 ؛ مصباح الفقيه ، الطهارة 8 : 203 .
5- اُنظر الخلاف 1 : 478 ؛ مصباح الفقيه ، الطهارة 8 : 203 .

الأوّل(1) ، والتفصيل بين المتذكّر الذي لم يتفحّص وغيره ، فيعيد الأوّل(2) .

في التفصيل بين التذكّر في الوقت وخارجه

وقد يقال : إنّ مقتضى الجمع بين الروايات التفصيل الأوّل ؛ لأنّ منها : ما تدلّ على عدم الإعادة مطلقاً ، كموثّقة عبد الرحمان بن أبي عبداللّه قال : سألت أبا عبداللّه علیه السلام عن الرجل يصلّي وفي ثوبه عَذِرة إنسان أو سِنَّوْر أو كلب ، أيعيد صلاته ؟ قال : «إن كان لم يعلم فلا يعيد»(3) ونحوها روايات(4) .

ومنها : ما تدلّ على الإعادة مطلقاً ، كصحيحة وهب بن عبد ربّه ، عن أبي عبداللّه علیه السلام : في الجنابة تصيب الثوب ولا يعلم بها صاحبه ، فيصلّي فيه ، ثمّ يعلم بعد ذلك ، قال : «يعيد إذا لم يكن علم»(5) .

ورواية أبي بصير الصحيحة - بناءً على كون وهب بن حفص هو الجُرَيْري الثقة - عن أبي عبداللّه علیه السلام قال : سألته عن رجل صلّى وفي ثوبه بول أو جنابة ،

ص: 291


1- المهذّب 1 : 27 و153 و154 ؛ غنية النزوع 1 : 66 ؛ قواعد الأحكام 1 : 189 ؛ جامع المقاصد 1 : 150 .
2- اُنظر ذكرى الشيعة 1 : 141 ؛ مصباح الفقيه ، الطهارة 8 : 203 .
3- الكافي 3 : 406 / 11 ؛ تهذيب الأحكام 2 : 359 / 1487 ؛ وسائل الشيعة 3 : 475 ، كتاب الطهارة ، أبواب النجاسات ، الباب 40 ، الحديث 5 .
4- راجع وسائل الشيعة 3 : 474 ، كتاب الطهارة ، أبواب النجاسات ، الباب 40 ، الحديث 2 و3 و7 .
5- تهذيب الأحكام 2 : 360 / 1491 (وفيه «لا يعيد» ) ؛ وسائل الشيعة 3 : 476 ، كتاب الطهارة ، أبواب النجاسات ، الباب 40 ، الحديث 8 .

فقال : «علم به أو لم يعلم فعليه إعادة الصلاة إذا علم»(1) .

ومنها : ما تدلّ على عدم وجوب القضاء ، كصحيحة العِيص بن القاسم قال : سألت أبا عبداللّه علیه السلام عن رجل صلّى في ثوب رجل أيّاماً ، ثمّ إنّ صاحب الثوب أخبره أ نّه لا يصلّي فيه ، قال : «لا يعيد شيئاً من صلاته»(2) .

ورواية علي بن جعفر ، عن أخيه موسى بن جعفر علیه السلام قال : سألته عن الرجل احتجم فأصاب ثوبه دم ، فلم يعلم به حتّى إذا كان من الغد ، كيف يصنع ؟ قال : «إذا كان رآه فلم يغسله فليقض جميع ما فاته على قدر ما كان يصلّي ، ولا يَنقص منه شيء . وإن كان رآه وقد صلّى فليعتدّ بتلك الصلاة ثمّ ليغسله»(3) .

وطريق الجمع بينها بتقييد صحيحة ابن عبد ربّه ورواية أبي بصير بالروايتين الأخيرتين ، فيصير مفادهما بعده الإعادة في الوقت دون خارجه ، فتقيّد بهما الطائفة الاُولى الدالّة على عدم الإعادة مطلقاً ، فتصير النتيجة التفصيل بين الوقت وخارجه .

وفيه : مضافاً إلى منع كون الأخيرتين مختصّتين بالقضاء :

أمّا صحيحة العِيص فظاهر ؛ ضرورة أنّ ترك الاستفصال في وقت إخبار

ص: 292


1- تهذيب الأحكام 2 : 202 / 792 ؛ وسائل الشيعة 3 : 476 ، كتاب الطهارة ، أبواب النجاسات ، الباب 40 ، الحديث 9 .
2- الكافي 3 : 404 / 1 ؛ تهذيب الأحكام 2 : 360 / 1490 ؛ وسائل الشيعة 3 : 475 ، كتاب الطهارة ، أبواب النجاسات ، الباب 40 ، الحديث 6 .
3- قرب الإسناد : 208 / 810 ؛ وسائل الشيعة 3 : 477 ، كتاب الطهارة ، أبواب النجاسات ، الباب 40 ، الحديث 10 .

صاحب اليد ، دليل على عموم الحكم لما إذا أخبره في الوقت وقد صلّى في ثوبه وبقي وقت الإعادة .

والرواية الثانية وإن كان صدرها متعرّضاً للقضاء ، لكنّ ذيلها مطلق يشمل الفرض المتقدّم . ومجرّد تعرّض الصدر للقضاء ، لا يوجب الانصراف أو تقييد الإطلاق .

أنّ المتفاهم العرفي من نفي القضاء هو الإرشاد إلى صحّة الصلاة المأتيّ بها فيفهم العرف من نفي القضاء نفي الإعادة ، كما أ نّه يفهم من نفي الإعادة نفي القضاء ؛ وذلك لأنّ نفي كلّ منهما دليل عرفاً على صحّة الصلاة ، وإرشاد إليها . واحتمال أن تكون النجاسة المحرزة في جزء من أجزاء الوقت مانعة منها - وبعبارة اُخرى : تعقّبها بالإحراز في الوقت ولو بعد الصلاة مانعة - بعيد عن فهم

العرف غايته .

نعم ، لو ورد دليل على التفصيل بين الإعادة في الوقت وعدم القضاء خارجه ، كان هذا التصوير العقلي موجباً لعدم جواز طرحه وعدم العمل به ، وأمّا إن كانت الواقعة مثل المقام في عدم الدليل على التفصيل ، وإنّما أردنا البناء عليه بدليل نفي القضاء والتقييد المشار إليه ، فلا يساعده العرف ؛ فإنّ ما يدلّ على نفي القضاء يدلّ على صحّة الصلاة لدى العرف ، فيعارض ما دلّ على الإعادة .

هذا مع التأمّل في أنّ هذا النحو من التقي-يد وانقلاب النسبة ، جمع مقبول عقلائي ، بل كأ نّه أمر صناعي عقلي ، لا جمع عرفي ، والميزان في جمع الأدلّة هو الثاني ، وهو محلّ إشكال ، سيّما في المقام الذي يأبى جلّ الروايات عن الحمل على ما بعد الوقت ، كما لا يخفى على المتأمّل فيها .

ص: 293

فبقيت صحيحة ابن عبد ربّه ورواية أبي بصير ، معارضتين لسائر الروايات .

ويمكن أن يجاب عن الاُولى : بأنّ الشرطية المذكورة فيها ظاهرة في دخالتها في الحكم ، فيكون موضوع الإعادة النجاسة غير المعلومة ، وهذا غير البناء على المفهوم ، كما هو المقرّر في محلّه ، فإذا قطعنا بعدم دخالتها في الحكم ، بل كان ذكرها مخلاًّ بالمقصود ، أو لغواً يجب تنزيه ساحة القائل عنهما ، يدور الأمر بين زيادة الشرطية وما بعدها ، ونقصان كلمة «لا» قبل «يعيد» أو كون أداة الاستفهام غير مذكورة ؛ فيكون الاستفهام إنكارياً ، ولا ترجيح لواحد منها .

وبعبارة اُخرى : أنّ العمل بالظواهر ليس أمراً تعبّدياً ، بل أمر عقلائي يتوقّف

على جريان الاُصول العقلائية - كأصالة عدم الخطأ والنسيان والغفلة في صدورها - حتّى يجوز الاتّكال عليها ، وفي مثل المورد الذي كان القيد الزائد بلا وجه ، لا يعتدّ العقلاء بالاُصول المتقدّمة ، سيّما مع معارضتها بالروايات المستفيضة المصرّحة : بأ نّه لا يعيد إذا لم يعلم .

والإنصاف : أنّ دعوى الجزم بوجود خلل فيها غير بعيدة .

وأوضح منه الجواب عن الثانية ؛ فإنّه بعد الغضّ عن عدم الدليل على أنّ وهب بن حفص هو الجُرَيْري الثقة ، أنّ صحّة الشرطية فيها أيضاً تحتاج إلى التوجيه والتأويل ، وإلاّ فبعد قوله علیه السلام : «علم به» الظاهر في أ نّه علم به حين الصلاة ، لا وجه للتقييد بأ نّه إذا علم ، فلا بدّ من أن يقال : «سواء علم به فنسي أو لم يعلم ، فعليه الإعادة إذا علم بالخلل» وهو تأويل فيها بلا دليل .

ولا ترجيح لهذا الاحتمال على الاحتمال الآخر : وهو الحمل على أنّ قوله علیه السلام : «علم به أو لم يعلم» استفسار عن الواقعة ؛ وأنّ الشرطية لإفادة أنّ في

ص: 294

شقّ منهما يعيد دون الآخر ، وعليه تكون الرواية من أدلّة القول المشهور .

والإنصاف : عدم إمكان التعويل عليهما في مقابل تلك الروايات الظاهرة الدلالة ، الواضحة المراد ، السليمة عن المناقشة في الأسناد والمتون .

والحمل على الاستحباب(1) لا يخلو من بُعد وإشكال ، سيّما في المقام الذي يكون الأمر بالإعادة لدى العرف ، إرشاداً إلى الفساد .

كما أنّ النهي عنها إرشاد إلى الصحّة ، ولم ينقدح في الأذهان منهما النفسية ؛ وجوباً كان أو استحباباً .

كما أ نّه مع تصديق التعارض بين الأخبار ، يشكل ترجيح الروايات النافية للإعادة عليهما ؛ بعد ما قرّر في محلّه : أنّ كثرة الرواية ليست من المرجّحات(2) . وليس في المقام شهرة فتوائية موهنة لمقابلها ؛ بحيث يكون المقابل شاذّاً نادراً ؛ بعد عملِ عُمَد الفقهاء بها ، كالشيخ وابن زهرة والمحقّق والعلاّمة وثاني المحقّقين والشهيدين وغيرهم على ما حكي عنهم(3) ، وموافقتِهما لأدلّة الاشتراط ، مثل «لا صلاة إلاّ بطهور»(4) و«لا تعاد . . .»(5)

ص: 295


1- اُنظر جواهر الكلام 6 : 212 ؛ مصباح الفقيه ، الطهارة 8 : 208 و209 .
2- التعادل والترجيح ، الإمام الخميني قدس سره : 123 .
3- اُنظر جواهر الكلام 6 : 211 ؛ المبسوط 1 : 38 ؛ غنية النزوع 1 : 66 ؛ المختصر النافع : 19 (حكى عنه صاحب الجواهر رحمه الله ولكن صريح عبارته خلاف ذلك) ؛ قواعد الأحكام 1 : 194 ؛ جامع المقاصد 1 : 150 ؛ مسالك الأفهام 1 : 127 ؛ المهذّب 1 : 154 .
4- تهذيب الأحكام 1 : 49 / 144 ، و : 209 / 605 ؛ وسائل الشيعة 1 : 315 ، كتاب الطهارة ، أبواب أحكام الخلوة ، الباب 9 ، الحديث 1 .
5- الفقيه 1 : 225 / 991 ؛ وسائل الشيعة 1 : 371 ، كتاب الطهارة ، أبواب الوضوء ، الباب 3 ، الحديث 8 .

بناءً على أنّ «الطهور» أعمّ ، وغيرهما من أدلّة اعتبار الطهارة أو مانعية النجاسة .

فالتفصيل المتقدّم ضعيف ، لا لما ذكر آنفاً ، بل لما تقدّم من الوجه(1) .

في التفصيل بين المتذكّر الذي لم يتفحّص وغيره

وأضعف منه التفصيل الثاني ؛ لعدم دليل عليه سوى رواية ميمون الصيقل ، عن أبي عبداللّه علیه السلام قال : قلت له : رجل أصابته جنابة بالليل فاغتسل ، فلمّا أصبح نظر فإذا في ثوبه جنابة ، فقال : «الحمد للّه الذي لم يدع شيئاً إلاّ وله حدّ : إن كان حين قام نظر فلم يرَ شيئاً فلا إعادة عليه ، وإن كان حين قام لم ينظر فعليه الإعادة» .كذا في نسخة «الوسائل» و«مرآة العقول»(2) .

وفي «الوافي» عن «الكافي» و«التهذيب» بزيادة «وصلّى» بعد «فاغتسل»(3) .

وفي هامش «الوافي» : «هذا الخبر أورده في «التهذيب» مرّتين(4) ، وليس في أحدهما قوله علیه السلام : «حين» الأوّل إلى «حين» الثاني [منه رحمه الله علیه ] »(5) انتهى .

وفي «الوسائل» بعد نقله عن «الكافي» كما تقدّم قال : ورواه الشيخ بإسناده عن محمّد بن يعقوب ، ورواه أيضاً بإسناده عن الصفّار ، عن الحسن بن علي بن

ص: 296


1- تقدّم في الصفحة 292 - 293 .
2- وسائل الشيعة 3 : 478 ، كتاب الطهارة ، أبواب النجاسات ، الباب 41 ، الحديث 3 ؛ مرآة العقول 15 : 325 / 7 .
3- الوافي 6 : 163 / 10 .
4- تهذيب الأحكام 1 : 424 / 1346 ، و2 : 202 / 791 .
5- الوافي 1 : 26 ، أبواب الطهارة عن الخبث (ط - الحجري) .

عبداللّه ، ورواه أيضاً مثله إلى قوله علیه السلام : «فلا إعادة عليه»(1) .

وفي نسخة من «التهذيب» مقروءة على المحدّث المجلسي كما تقدّم عن «الوسائل» لكن بزيادة «إلى الصلاة» بعد قوله علیه السلام : «حين قام» الأوّل .

وقد اختلف نقلها في الكتب الاستدلالية أيضاً (2) .

فهذه الرواية مع هذا السند الضعيف - بل المغشوش ، كما يظهر بالرجوع إلى كتب الحديث - وهذا المتن المشوّش ، لا يمكن الاتّكال عليها ، سيّما مع عدم تحقّق عامل بها .

مع أ نّه على نسخة «الوسائل» التي ليس فيها قوله : «وصلّى » لم يتّضح أنّ الإعادة إعادة الصلاة ، ولعلّها إعادة الغسل .

ولزوم فساد المتن على هذا الفرض لا يوجب العلم بكون المقدّر فيها الصلاة ، إلاّ أن يكون ذلك موجباً لترجيح النسخة الاُخرى .

وعلى النسخة التي ليس فيها جملة : «وإن كان حين قام لم ينظر . . .» إلى آخره ، لا تدلّ على المقصود إلاّ بتوهّم : أنّ المفهوم لها «أ نّه إذا لم ينظر . . .» إلى آخره ، وهو غير معلوم ؛ لأنّ أخذ النظر وغيره من العناوين التي لها طريقية إلى الواقع في موضوع ، لا يكون ظاهراً في الموضوعية ، ولعلّ قوله علیه السلام : «نظر فلم يرَ» اُخذ أمارة على عدم الجنابة فيه واقعاً ، ومقابلها وجودها واقعاً فيه . ومعارضة هذا المفهوم للأدلّة المتقدّمة لا توجب ظهوراً فيها .

ص: 297


1- وسائل الشيعة 3 : 478 ، كتاب الطهارة ، أبواب النجاسات ، الباب 41 ، ذيل الحديث 3 .
2- راجع الحدائق الناضرة 5 : 415 ؛ رياض المسائل 2 : 400 ؛ مستند الشيعة 4 : 264 ؛ جواهر الكلام 6 : 213 .

وأمّا دعوى تقدّم أصالة عدم الزيادة على أصالة عدم النقيصة ، فعلى فرض تسليمها لا تسلّم في المقام ؛ فإنّ المحتمل فيه أن تكون الزيادة عن عمد نقلاً بالمعنى ، وتفصيلاً لما اُجمل في الرواية ، وهو ليس بممنوع حتّى ينافي العدالة ، فيدور الأمر بين النقيصة السهوية أو العمدية بلا وجه ، وبين الزيادة السهوية أو العمدية مع الوجه .

إلاّ أن يقال : يحتمل في النقيصة أن تكون عن عمد في المقام أيضاً ؛ لاحتمال اكتفاء الراوي بالمنطوق وإيكال فهم المفهوم إلى السامع ، لكنّه بعيد .

بل ما ذكرناه أيضاً كذلك ، فالأوجه في الجواب عنها الطعن في السند والهجر في العمل .

وبالأخير يجاب عن سائر الروايات التي استدلّ بها (1) للمقصود لو سلّمت دلالتها ، لكنّها غير مسلّمة ؛ لأنّ الظاهر من صحيحة محمّد بن مسلم - عن أبي عبداللّه علیه السلام قال : ذكر المنيّ فشدّده وجعله أشدّ من البول ، ثمّ قال : «إن رأيت

المنيّ قبل أو بعد ما تدخل في الصلاة ، فعليك إعادة الصلاة ، وإن أنت نظرت في ثوبك فلم تصبه ، ثمّ صلّيت فيه ، ثمّ رأيته بعد ، فلا إعادة عليك ، وكذلك البول»(2) - أنّ الجملة الثانية مفهوم الشرطية الاُولى ، وليست جملة مستقلّة غير مربوطة بها ، فيكون المراد عدم رؤية المنيّ في الثوب ، وقد مرّ منّا : أنّ الجملة المذكورة لبيان المفهوم لا مفهوم لها (3) .

ص: 298


1- راجع الحدائق الناضرة 5 : 415 - 416 ؛ مستمسك العروة الوثقى 1 : 532 .
2- تهذيب الأحكام 1 : 252 / 730 ، و2 : 223 / 880 ؛ وسائل الشيعة 3 : 478 ، كتاب الطهارة ، أبواب النجاسات ، الباب 41 ، الحديث 2 .
3- تقدّم في الصفحة 162 .

وأمّا مرسلة الصدوق(1) فهي - على الظاهر - عين الرواية المتقدّمة ، ورواية مُيسّر(2) أجنبيّة عن المقام .

حكم الصلاة فيما لو رأى النجاسة في أثنائها

ولو رأى النجاسة في أثناء الصلاة ، فإن علم بسبقها وأنّ بعض صلاته وقع مع النجاسة ، بطلت صلاته مع سعة الوقت ؛ لبطلان المشروط مع فقد شرطه ، ولجملة من الروايات الآتية عن قريب(3) .

القول بتصحيح الصلاة في هذه الصورة وما فيه

وقد يقال : إنّ مقتضى الرواياتِ الواردة في حدوث الدم في أثناء الصلاة - كصحيحة معاوية بن وهب ، عن أبي عبداللّه علیه السلام قال : سألته عن الرعاف أينقض الوضوء ؟ قال : «لو أنّ رجلاً رعف في صلاته ، وكان عنده ماء ، أو من

ص: 299


1- هكذا نصّها : قال : وقد روي في المنيّ أ نّه : «إن كان الرجل جنباً حيث قام نظر وطلب فلم يجد شيئاً فلا شيء عليه ، فإن كان لم ينظر ولم يطلب فعليه أن يغسله ويعيد صلاته » . الفقيه 1 : 42/ 167 ؛ وسائل الشيعة 3 : 478 ، كتاب الطهارة ، أبواب النجاسات ، الباب 41 ، الحديث 4 .
2- قال : قلت لأبي عبداللّه عليه السلام : آمر الجارية فتغسل ثوبي من المنيّ فلا تبالغ في غسله ، فاُصلّي فيه فإذا هو يابس . قال : «أعد صلاتك ، أمّا أ نّك لو كنت غسلت أنت لم يكن عليك شيء» . الكافي 3 : 53 / 2 ؛ وسائل الشيعة 3 : 428 ، كتاب الطهارة ، أبواب النجاسات ، الباب 18 ، الحديث 1 .
3- سيأتي في الصفحة 303 .

يشير إليه بماء ، فتناوله فقال برأسه فغسله ، فليبن على صلاته ولا يقطعها»(1) ونحوها جملة من الصحاح وغيرها (2) - والرواياتِ الواردة في صحّتها لو علم بالنجاسة بعدها (3) ، صحّة صلاته في الفرض ؛ فإنّ الجهل إذا كان في جميعها عذراً ، يكون في بعضها بالأولوية وإلغاء الخصوصية عرفاً ، فصحّت صلاته إلى حين الالتفات ، وفي حاله والاشتغال بالتطهير ، يكون معذوراً بمقتضى الروايات المتقدّمة في الرعاف ، والعرف لا يفرّق بين الحدوث والعلم بالوجود ؛ لأنّ المانع للصلاة النجاسة لا حدوثها .

وبالجملة : تصحّ صلاته هذه بعضها بدليل معذورية الجاهل ، وبعضها بما دلّ على معذوريته حال الاشتغال بالتطهير ، وبعضها بوجدانها للشرط(4) .

وفيه : منع الأولوية المدّعاة :

وأمّا إن قلنا بالعفو ؛ فلأنّ العفو في الجميع ربّما يكون تخفيفاً على المكلّف ؛ وعدم إرادة إعادة جميع الصلاة ، دون بعضها .

وإن قلنا بعدم المانعية فكذلك ؛ لإمكان أن يكون للجهل في جميع الصلاة دخالة فيه ، فلا قطع بالمناط ، وهو واضح ، سيّما مع وقوع نظائره في الشرع .

ص: 300


1- تهذيب الأحكام 2 : 327 / 1344 ؛ وسائل الشيعة 7 : 241 ، كتاب الصلاة ، أبواب قواطع الصلاة ، الباب 2 ، الحديث 11 .
2- راجع وسائل الشيعة 7 : 238 ، كتاب الصلاة ، أبواب قواطع الصلاة ، الباب 2 .
3- راجع وسائل الشيعة 3 : 474 ، كتاب الطهارة ، أبواب النجاسات ، الباب 40 .
4- مصباح الفقيه ، الطهارة 8 : 218 .

ولا يمكن دعوى إلغاء الخصوصية ؛ لمنع فهم العرف من الأدلّة ذكر «بعد الصلاة» من باب المثال مثلاً ؛ بعد ما يرى أنّ لتمام الصلاة خصوصيةً وأحكاماً في الشرع ليست لبعضها .

ومنع القطع بعدم الفارق بين حدوث الدم وحدوث الالتفات إليه ؛ لاحتمال أن يكون للحدوث القهري خصوصية لم تكن لغيره . بل لو كان الدليل في الباب منحصراً بأدلّة الرعاف ، لا يمكن لنا التعدّي منها إلى سائر النجاسات ؛ بعد ثبوت التخفيف في الدم بما لا يكون في غيره ، كالتخفيف في دم القروح والجروح كائناً ما كان ، وكالأقلّ من الدرهم .

لكن سيأتي ما يستفاد منه العموم لسائر النجاسات .

وقد يقال لتصحيح العبادة في الفرض وسائر الفروض في المقام : إنّه لا دليل على مانعية النجاسة في جميع الصلاة أفعالاً وأكواناً ؛ لقصور أدلّة الاشتراط أو المانعية عن شمول الأكوان ، ومع الشكّ مقتضى الأصل البراءة ، فتكون الصلاة صحيحة إلى حين الالتفات بأدلّة الجهل كما تقدّم ، وفي حينه وحين الاشتغال بالتطهير بأصالة البراءة(1) .

وفيه : ما مرّ من عدم الدليل على معذورية الجاهل مع الالتفات في أثناء الصلاة ، ومنع فقدان الدليل على اعتبار الطهارة أو عدم النجاسة في الأكوان ؛ لعدم قصور صحيحة زرارة - عن أبي جعفر علیه السلام قال : «لا صلاة إلاّ بطهور ، ويجزيك عن الاستنجاء ثلاثة أحجار ، بذلك جرت السنّة عن رسول اللّه صلی الله علیه و آله وسلم

ص: 301


1- اُنظر مصباح الفقيه ، الطهارة 8 : 220 .

وأمّا البول فإنّه لا بدّ من غسله»(1) - عن إفادة ذلك ؛ لأنّ الظاهر منها أنّ الصلاة

باطلة مع فقد الطهور ، فإذا فَقدت الطهور في بعضها لم تكن هي بطهور ، وبالجملة الظاهر منها اعتباره في جميعها .

إن قلت : نعم ، لكن الأكوان ليست بصلاة ، بل هي عبارة عن التكبير إلى التسليم ؛ أي الأجزاء الوجودية من الأذكار وغيرها ، والسكوتات المتخلّلات بينها ليست من الصلاة(2) .

قلت : - مضافاً إلى إمكان أن يقال : إنّ المصلّي من أوّل صلاته إلى آخرها ،

لا يخلو من التلبّس بفعل من أفعال الصلاة ، كالقيام والقعود والركوع والسجود ، بل يمكن أن يقال : إنّ النهوض للقيام والهويّ للسجود أيضاً من أجزائها ، لا من مقدّماتها ، فأجزاء الصلاة متّصلة إلى آخرها ، تأمّل - إنّ المرتكز لدى المتشرّعة أنّ المصلّي إذا كبّر ، يكون في الصلاة إلى أن يخرج عنها بالسلام ، فتكون الصلاة عندهم أمراً ممتدّاً يكون المكلّف متلبّساً بها في جميع الحالات ؛ أكواناً أو أفعالاً ، ودعوى أنّ الأكوان خارجة عنها مخالفة لارتكازهم .

مع أنّ التعبير ب- «القاطع» في جملة من الموارد(3) ، يدلّ على أ نّها أمر ممتدّ في الاعتبار يقطعها بعض القواطع . والقول بأنّ التعبير ب- «القاطع» لأجل

ص: 302


1- تهذيب الأحكام 1 : 49 / 144 ، و : 209 / 605 ؛ وسائل الشيعة 1 : 315 ، كتاب الطهارة ، أبواب أحكام الخلوة ، الباب 9 ، الحديث 1 .
2- اُنظر مصباح الفقيه ، الطهارة 8 : 220 .
3- وسائل الشيعة 7 : 233 ، كتاب الصلاة ، أبواب قواطع الصلاة ، الباب 1 ، الحديث 2 ، والباب 7 ، الحديث 2 و3 و4 ، والباب 25 ، الحديث 6 .

إبطاله الأجزاء السابقة ، وسلب صلوح اتّصالها بالأجزاء اللاحقة ، خلاف ظاهر

«القطع» و«القاطع» .

مع أنّ اعتبار الطهور وسائر ما يعتبر في الصلاة في جميع الأجزاء والأكوان ، ممّا لا ينبغي الشكّ والترديد فيه ، ومن هنا لا يجوز الإتيان بالموانع عمداً في الأكوان ورفعها للأفعال ، وهو كالضروري ، وليس إلاّ لبعض ما تقدّم .

مقتضى القاعدة والروايات بطلان الصلاة في المقام

فتحصّل ممّا ذكر : أنّ مقتضى القاعدة بطلان الصلاة في صورة العلم بسبق العروض ؛ سواء علم بسبقه على الدخول في الصلاة ، أو سبقه على الرؤية ، مع إتيان بعض الصلاة مع النجس .

هذا مضافاً إلى دلالة صحيحة زرارة الطويلة عليه ، قال : قلت له : أصاب ثوبي دم رعاف أو غيره أو شيء من منيّ ، فعلّمت أثره . . . إلى أن قال :

قلت : إن رأيته في ثوبي وأنا في الصلاة ، قال : «تنقض الصلاة وتعيد إذا شككت في موضع منه ثمّ رأيته ، وإن لم تشكّ ثمّ رأيته رطباً قطعت الصلاة وغسلته ، ثمّ بنيت على الصلاة ؛ لأ نّك لا تدري لعلّه شيء اُوقع عليك ، فليس ينبغي أن تنقض اليقين بالشكّ»(1) .

ولا ريب في أ نّه يستفاد منها حكم مطلق النجاسات ؛ ضرورة أنّ ذكر الدم والمنيّ من باب المثال ، كما يظهر - مضافاً إلى وضوحه - من سائر فقراتها .

ص: 303


1- علل الشرائع : 361 / 1 ؛ تهذيب الأحكام 1 : 421 / 1335 ؛ وسائل الشيعة 3 : 482 ، كتاب الطهارة ، أبواب النجاسات ، الباب 44 ، الحديث 1 .

كما لا شبهة في أنّ المراد بالفرع الأوّل من الفرعين ، مورد العلم بسبق النجاسة على زمان الرؤية . وقوله علیه السلام : «إذا شككت في موضع منه ثمّ رأيته» لتنقيح موضوع الاطمئنان بكون ما رآه هو المشكوك فيه قبلاً ، كما يظهر ذلك من تقييد المرئيّ في الفقرة الثانية بكونه رطباً ؛ فإنّه مع فرض اليبوسة يعلم بسبقه .

ويؤيّده بل يشهد عليه قوله علیه السلام : «لأ نّك لا تدري لعلّه شيء اُوقع عليك» فإنّه لإلقاء الشبهة بحدوث النجاسة .

وبالجملة : لا ينبغي الإشكال في ظهورها في أ نّه مع العلم بوجود النجاسة قبل الرؤية ، تبطل الصلاة ، ومع الشكّ لا تبطل . وحمل الفقرة الاُولى على مورد العلم الإجمالي(1) ، مخالف للظاهر من وجوه .

فيبقى سؤال الفارق بين الفرعين ، حيث تمسّك في الثانية بالاستصحاب دون الأوّل ، مع أنّ جريان الأصل إنّما يفيد لحال الجهل ، لا الالتفات بوجود النجاسة ، وفي الفرع الأوّل أيضاً كان المصلّي شاكّاً في عروضها ، وتبيّن الخلاف غير مضرّ به ، كما أجراه في صدر الصحيحة بالنسبة إلى من صلّى في الثوب ، ثمّ علم بالنجاسة .

وبالجملة : كما أ نّه في الفرع الثاني يجري الاستصحاب ، ويفيد بالنسبة إلى حال قبل الالتفات ، كذا في الأوّل بالنسبة إليه ، ولا بدّ في تصحيح حال الالتفات والعلم من دليل آخر غير الاستصحاب .

والجواب عنه ما ذكرناه(2) : من احتمال عدم العفو عن النجاسة الموجودة قبل

حال الرؤية في حالها ؛ لقصور الأدلّة الدالّة على حدوث الرعاف بين الصلاة عن

ص: 304


1- اُنظر مصباح الفقيه ، الطهارة 8 : 224 .
2- تقدّم في الصفحة 301 .

إثباته ، وهذه الصحيحة شاهدة على ما ذكرناه من اقتضاء القواعد ، وإنّما تمسّك

في الفرع الثاني بالاستصحاب لإصلاح حال الجهل ، لا حال الالتفات ، وأمّا في حال العلم فلمّا شكّ في وقوعها من الأوّل أو حدوثها في الآن ، يشكّ في حدوث المانع ، فأصالة البراءة عقلاً وشرعاً جارية ، ومع التطهير تصحّ صلاته ببركة الاستصحاب وأصالة البراءة والطهارة الواقعية .

هذا إذا كان المراد من الاستصحاب في الرواية ، استصحابَ عدم عروض النجاسة ، وإنّما تمسّكنا بأصالة البراءة دون أدلّة الرعاف ، فإنّ استصحاب عدم عروض النجاسة إلى زمان الرؤية ، لا يثبت حدوثها في الحال حتّى ينقّح به موضوع الأدلّة الاجتهادية ، فالأصل لإثبات الحدوث مثبت .

وأمّا إن اُريد استصحاب عدم عروض المانع أو استصحاب بقاء الهيئة الاتّصالية للصلاة - على فرض جريانهما - فالأمر واضح .

وأمّا الفرع الأوّل فلا يمكن تصحيحه بالاستصحاب ؛ لأ نّه مع انكشاف أنّ النجس عرض سابقاً ، يحرز عدم اندراج المورد في أدلّة العفو الظاهرة في حدوث النجاسة لدى الرؤية ، فتبقى أدلّة اعتبار الطهور في الصلاة بلا مقيّد .

وتدلّ على المطلوب أيضاً صحيحة أبي بصير ، عن أبي عبداللّه علیه السلام : في رجل صلّى في ثوب فيه جنابة ركعتين ، ثمّ علم به ، قال : «عليه أن يبتدئ الصلاة» .

قال : وسألته عن رجل يصلّي وفي ثوبه جنابة أو دم حتّى فرغ من صلاته ، ثمّ علم ، قال : «مضت صلاته ، ولا شيء عليه»(1) .

ص: 305


1- الكافي 3 : 405 / 6 ؛ تهذيب الأحكام 2 : 360 / 1489 ؛ وسائل الشيعة 3 : 474 ، كتاب الطهارة ، أبواب النجاسات ، الباب 40 ، الحديث 2 .

واحتمال أن يكون المراد فرض نسيان النجاسة(1) ، في غاية البعد لو لم نقل : مقطوع الخلاف ، سيّما بملاحظة ذيلها الذي لا شبهة في أنّ المراد منه الجهل لا النسيان .

واحتمال أنّ الفقرة الثانية كانت رواية اُخرى مستقلّة ذكرت في ذيلها تلفيقاً (2) ، بعيد لا يصار إليه .

وبالجملة : لا ينبغي الإشكال في دلالتها على المطلوب .

وتدلّ عليه أيضاً إطلاق صدر صحيحة محمّد بن مسلم ، عن أبي عبداللّه علیه السلام

قال : ذكر المنيّ فشدّده وجعله أشدّ من البول ، ثمّ قال : «إن رأيت المنيّ قبل أو بعد ما تدخل في الصلاة ، فعليك إعادة الصلاة ، وإن أنت نظرت في ثوبك فلم تصبه ، وصلّيت فيه ، ثمّ رأيته بعد ذلك ، فلا إعادة عليك ، وكذلك البول»(3) .

ولو نوقش فيها بدعوى ظهورها - بمناسبة الإعادة وغيرها - فيما لو صلّى وأتمّها بعد رؤية الدم(4) ، ففيما عداها كفاية وإن أمكن إنكار المناقشة .

وربّما يقال : بأنّ الإعادة مختصّة بما إذا لم يمكن نزع الثوب أو تطهيره ، ومع إمكان ذلك فعَله وأتمّها ؛ جمعاً بين الروايات(5) بشهادة صحيحة محمّد بن مسلم

ص: 306


1- اُنظر مرآة العقول 15 : 325 ؛ مصباح الفقيه ، الطهارة 8 : 225 .
2- اُنظر الوافي 6 : 163 .
3- تهذيب الأحكام 1 : 252 / 730 ، و2 : 223 / 880 ؛ وسائل الشيعة 3 : 478 ، كتاب الطهارة ، أبواب النجاسات ، الباب 41 ، الحديث 2 .
4- مصباح الفقيه ، الطهارة 8 : 225 .
5- جواهر الكلام 6 : 223 ؛ مصباح الفقيه ، الطهارة 8 : 216 و220 .

قال : قلت له : الدم يكون في الثوب عليّ وأنا في الصلاة ، قال : «إن رأيته وعليك ثوب غيره فاطرحه وصلّ ، وإن لم يكن عليك ثوب غيره فامض في صلاتك ، ولا إعادة عليك ما لم يزد على مقدار الدرهم ، وما كان أقلّ من ذلك فليس بشيء ؛ رأيته من قبل أو لم تره ، وإذا كنت قد رأيته وهو أكثر من مقدار الدرهم ، فضيّعت غسله وصلّيت فيه صلاة كثيرة ، فأعد ما صلّيت فيه»(1) .

وفيه : - بعد الغضّ عن اغتشاش متنها ونقلها ، كما مرّ في باب العفو عن الدم القليل(2) ، والغضّ عن أنّ ظاهرها بيان أحكام لموضوعات ثلاثة : الدم المساوي للدرهم ، والدم الأقلّ منه ، والأكثر منه ؛ فإنّ «ما لم يزد» إذا وقع في مقابل الزائد والقليل ، يتعيّن أن يكون بمقداره ، وهو تفصيل لم يقل به أحد - أنّ الاستدلال بها لما ذكر موقوف على أنّ المراد بالشرطية الاُولى الدم الكثير ، وبالثانية طبيعة الدم ، وإرجاع القيد إلى الثانية فقط ، وهو خلاف الظاهر ؛ فإنّ الظاهر أنّ قوله علیه السلام : «وإن لم يكن عليك ثوب غيره» بيان مفهوم الشرطية الاُولى ، فحينئذٍ يكون القيد راجعاً إليهما ، فيكون الأمر بالطرح محمولاً على الاستحباب إن اُريد ب- «ما لم يزد» الدم الأقلّ ، وإلاّ كانت الشرطية الثانية خلاف الإجماع والأخبار .

والإنصاف : أنّ رفع اليد عن القواعد والتصرّف في الأخبار بهذه الرواية ، غير ممكن .

ص: 307


1- وسائل الشيعة 3 : 431 ، كتاب الطهارة ، أبواب النجاسات ، الباب 20 ، الحديث 6 ، وراجع أيضاً ما تقدّم في الصفحة 92 .
2- تقدّم في الصفحة 92 - 93 .

حكم الصلاة مع نسيان النجاسة

وأمّا الناسي ، بأن علم بالنجاسة فنسيها وصلّى ، فعليه الإعادة في الوقت وخارجه على المشهور أو مذهب الأكثر ، كما عن «المعتبر» و«كشف الالتباس» و«الروض» وغيرها (1) . وعن «كشف الرموز» نسبته إلى الشيخ والمفيد وعلم

الهدى وأتباعهم(2) .

وعن «التنقيح» : «أ نّه مذهب الثلاثة وأتباعهم ، وعليه الفتوى»(3) .

وعن ابن زهرة والحلّي وظاهر «شرح القاضي» الإجماع عليه(4) .

ولم ينسب الخلاف إلى متقدّمي أصحابنا إلاّ الشيخ في «الاستبصار»(5) الذي لم يعدّ للفتوى ، بل لرفع التنافي بين الأخبار ، فلا ينبغي عدّه مخالفاً .

نعم عن «التذكرة» نسبة عدم وجوب الإعادة مطلقاً إليه في بعض أقواله(6) .

وعلى أيّ تقدير : الشهرة محقّقة في الطبقة الاُولى من أصحابنا .

وقبل التكلّم في مفاد الأخبار الخاصّة ، لا بأس بالتكلّم في مقتضى القواعد :

ص: 308


1- المعتبر 1 : 441 - 442 ؛ كشف الالتباس 1 : 457 ؛ روض الجنان 1 : 449 - 450 ؛ ذخيرة المعاد : 168 / السطر 8 .
2- كشف الرموز 1 : 113 .
3- التنقيح الرائع 1 : 152 .
4- غنية النزوع 1 : 66 ؛ السرائر 1 : 271 ؛ شرح جمل العلم والعمل : 101 - 102 .
5- اُنظر السرائر 1 : 183 ؛ الاستبصار 1 : 184 .
6- تذكرة الفقهاء 2 : 490 .

بيان مقتضى القواعد

فنقول : مقتضى أدلّة اشتراط الطهور أو مانعية النجس - سيّما مثل قوله علیه السلام : «لا صلاة إلاّ بطهور»(1) - هو بطلانها مع فقده نسياناً . وقد فرغنا عن رفع إشكال الأردبيلي ومن تبعه في المسألة المتقدّمة(2) .

وأمّا حديث «لا تعاد الصلاة . . .»(3) إلى آخره ، فإن قلنا : بأنّ «الطهور» في المستثنى أعمّ من الطهور من الخبث كما هو الأظهر ، يكون مقتضاه موافقاً لأدلّة الاشتراط .

وإن قلنا باختصاصه بالطهور من الحدث ، فيكون الطهور من الخبث في العقد المستثنى منه ، تكون النسبة بينه وبين «لا صلاة إلاّ بطهور» أعمَّ من وجه ؛ سواء كان الحديث مخصوصاً بالنسيان ، كما حكي عن المشهور(4) ، أو كان الأعمّ منه ومن الجهل بالحكم والموضوع ومن نسيان الحكم ، ويكون الخارج منه العالم العامد ؛ للانصراف عنه ، لا للإشكال العقلي كما قيل(5) .

وكيف كان : يكون «لا صلاة إلاّ بطهور» حاكماً عليه ؛ لأنّ الصحيحة تنفي موضوع الحديث بلسانها ، وهو الصلاة المأخوذة في موضوعه ، فوزان الصحيحة

ص: 309


1- تقدّم في الصفحة 288 .
2- تقدّم في الصفحة 289 .
3- تقدّم في الصفحة 288 .
4- الصلاة (تقريرات المحقّق النائيني) الآملي 2 : 406 ؛ فوائد الاُصول (تقريرات المحقّق النائيني) الكاظمي 4 : 238 - 239 ؛ مستمسك العروة الوثقى 7 : 383 .
5- الصلاة ، المحقّق الحائري : 315 .

معه وزان «لا سهو لمن أقرّ على نفسه بالسهو»(1) مع أدلّة السهو .

وما قد يقال من حكومة حديث «لا تعاد . . .» على أدلّة اعتبار الأجزاء والشرائط(2) ، ممنوع على إطلاقه ، نعم هو حاكم على نحوِ قوله : «لا تصلّ في النجس» لا مثلِ الصحيحة التي تتصرّف في عقد وضع الحديث . بل ولا على ما دلّت على الإعادة بعنوانها ؛ فإنّها معارضة معه ، أو مخصّصة إيّاه .

فتحصّل ممّا ذكر : أنّ حديث «لا تعاد . . .» إمّا معاضد للصحيحة ، أو محكوم لها ، فتصير النتيجة بطلان الصلاة مع نسيان الطهور .

وأمّا حال حديث «لا تعاد . . .» مع حديث الرفع(3) ، فإن قلنا باختصاص «لا تعاد . . .» بالنسيان ، وشمولِ المستثنى للطهور من الخبث ، فيكون مخصّصاً لحديث الرفع ؛ لأخصّيته منه ، ويقدّم عليه ولو فرض تحكيم لسان حديث الرفع ؛ فإنّ التحكيم إنّما يفيد في الجمع العرفي فيما كانت نتيجته التخصيص ، لا فيما كانت النتيجة سقوط الدليل في جميع مفاده ، فالخاصّ والمقيّد مقدّمان على العامّ والمطلق ولو كان لسانهما الحكومة .

نعم ، لو كان «لا تعاد . . .» أعمّ من النسيان ، وشاملاً لغير العامد العالم ، تكون

ص: 310


1- السرائر 3 : 614 ؛ وسائل الشيعة 8 : 229 ، كتاب الصلاة ، أبواب الخلل الواقع في الصلاة ، الباب 16 ، الحديث 8 .
2- فوائد الاُصول (تقريرات المحقّق النائيني) الكاظمي 4 : 238 - 239 ؛ مستمسك العروة الوثقى 1 : 528 ، و7 : 383 .
3- الخصال : 417 / 9 ؛ الفقيه 1 : 36 / 132 ؛ وسائل الشيعة 15 : 369 ، كتاب الجهاد ، أبواب جهاد النفس ، الباب 56 ، الحديث 1 .

النسبة بينه وبين حديث الرفع العموم من وجه ، ويمكن أن يقال بتقدّم حديث الرفع عليه ؛ فإنّ المستثنى في «لا تعاد . . .» إن كان إرشاداً إلى اشتراط الصلاة بالخمسة في جميع الأحوال ، فحديث الرفع حاكم عليه ؛ لأ نّه ناظر إلى أدلّة الاشتراط بالرفع حال النسيان .

وإن كان متعرّضاً لعدم التقبّل في المستثنى ، والتقبّل في المستثنى منه ، فالمفروض فيه الاشتراط حال العمل ، ولسان الرفع مقدّم عليه ، على تأمّل ، لكن لا يمكن تحكيم حديث الرفع عليه ؛ لأنّ «لا تعاد . . .» وإن كان شاملاً لغير العامد ، لكن حديث الرفع أيضاً بفقراته مستغرق لجميع مفاد «لا تعاد . . .» في العقد المستثنى ، فيقع التعارض بينهما ، كما قرّر في محلّه(1) ، فيكون المرجع أو المرجّح أدلّة الاشتراط .

وأمّا حال حديث الرفع ، وقوله علیه السلام في صحيحة زرارة : «لا صلاة إلاّ بطهور» - مع الغضّ عن «لا تعاد . . .» - فلا يبعد أن يقال بتحكيمه على حديث الرفع ؛ فإنّ الحديث يرفع الشرط والجزء بعد مفروغية كون المأتيّ به صلاة ، والصحيحة ترفع الموضوع ، ومع عدمه لا معنى لرفع الجزء والشرط ، تأمّل .

فتحصّل من ذلك : أنّ مقتضى القواعد بطلانها مع فقد الطهور نسياناً .

بيان مقتضى الروايات وتعارضها

وتدلّ عليه - مضافاً إلى ذلك - روايات مستفيضة ، كصحيحةِ زرارة قال : قلت له : أصاب ثوبي دم رعاف أو غيره أو شيء من منيّ ، فعلّمت أثره إلى أن اُصيب

ص: 311


1- الخلل في الصلاة ، الإمام الخميني قدس سره : 51 .

له الماء ، وحضرت الصلاة ، ونسيت أنّ بثوبي شيئاً وصلّيت ، ثمّ إنّي ذكرت بعد

ذلك ، قال : «تعيد الصلاة وتغسله» . قلت : فإنّي لم أكن رأيت موضعه ، وعلمت أ نّه أصابه ، فطلبته فلم أقدر عليه ، فلمّا صلّيت وجدته ، قال : «تغسله وتعيد . . .»(1) إلى آخره .

وصحيحةِ أبي بصير ، عن أبي عبداللّه علیه السلام قال : «إن أصاب ثوب الرجل الدم ، فصلّى فيه وهو لا يعلم ، فلا إعادة عليه . وإن هو علم قبل أن يصلّي ، فنسي وصلّى فيه ، فعليه الإعادة»(2) .

وموثّقةِ سَماعة قال : سألت أبا عبداللّه علیه السلام عن الرجل يرى في ثوبه الدم ، فينسى أن يغسله حتّى يصلّي ، قال : «يعيد صلاته كي يهتمّ بالشيء إذا كان في ثوبه ؛ عقوبة لنسيانه»(3) .

إلى غير ذلك ممّا وردت في البول والدم والاستنجاء ، كموثّقة سَماعة قال : قال أبو عبداللّه علیه السلام : «إذا دخلت الغائط ، فقضيت الحاجة فلم تهرق الماء ، ثمّ توضّأت ونسيت أن تستنجي ، فذكرت بعد ما صلّيت ، فعليك الإعادة . فإن كنت أهرقت الماء ، فنسيت أن تغسل ذكرك حتّى صلّيت ، فعليك إعادة الوضوء

ص: 312


1- علل الشرائع : 361 / 1 ؛ تهذيب الأحكام 1 : 421 / 1335 ؛ وسائل الشيعة 3 : 479 ، كتاب الطهارة ، أبواب النجاسات ، الباب 42 ، الحديث 2 .
2- تهذيب الأحكام 1 : 254 / 737 ؛ وسائل الشيعة 3 : 476 ، كتاب الطهارة ، أبواب النجاسات ، الباب 40 ، الحديث 7 .
3- تهذيب الأحكام 1 : 254 / 738 ؛ وسائل الشيعة 3 : 480 ، كتاب الطهارة ، أبواب النجاسات ، الباب 42 ، الحديث 5 .

والصلاة وغسل ذكرك ؛ لأنّ البول مثل البراز»(1) . وقريب منها غيرها (2) .

وبإزائها روايات :

منها : صحيحة العلاء ، عن أبي عبداللّه علیه السلام قال : سألته عن الرجل يصيب ثوبه الشيء ينجّسه ، فينسى أن يغسله فيصلّي فيه ، ثمّ يذكر أ نّه لم يكن غسله ، أيعيد الصلاة ؟ قال : «لا يعيد ، قد مضت الصلاة وكتبت له»(3) .

ومنها: موثّقة عمّار بن موسى قال : سمعت أبا عبداللّه علیه السلام يقول: «لو أنّ رجلاً نسي أن يستنجي من الغائط حتّى يصلّي ، لم يعد الصلاة»(4) ونحوها غيرها (5) .

وجوه الجمع بين الروايات السابقة وإبطالها

ولولا روايات الاستنجاء ، أو أمكن الالتزام باختلاف حكمه مع غيره كما قيل(6) ، لأمكن الجمع بين روايات الباب بالتفصيل بين نسيان الغسل من أعيان

ص: 313


1- الكافي 3 : 19 / 17 ؛ علل الشرائع : 580 / 12 ؛ وسائل الشيعة 1 : 319 ، كتاب الطهارة ، أبواب أحكام الخلوة ، الباب 10 ، الحديث 5 .
2- راجع وسائل الشيعة 1 : 294 ، كتاب الطهارة ، أبواب نواقض الوضوء ، الباب 18 ، و : 317 ، أبواب أحكام الخلوة ، الباب 10 .
3- تهذيب الأحكام 1 : 423 / 1345 ، و2 : 360 / 1492 ؛ وسائل الشيعة 3 : 480 ، كتاب الطهارة ، أبواب النجاسات ، الباب 42 ، الحديث 3 .
4- تهذيب الأحكام 2 : 201 / 789 ؛ وسائل الشيعة 1 : 318 ، كتاب الطهارة ، أبواب أحكام الخلوة ، الباب 10 ، الحديث 3 .
5- راجع وسائل الشيعة 1 : 317 ، كتاب الطهارة ، أبواب أحكام الخلوة ، الباب 10 ، الحديث 2 و4 .
6- اُنظر الحدائق الناضرة 5 : 418 ؛ مصباح الفقيه ، الطهارة 8 : 231 .

النجاسات ، كالدم والمنيّ وغيرهما ، فيقال فيه بالإعادة ، وبين نسيان غسل المتنجّس بها ، فيقال بعدمها ؛ فإنّ موردَ روايات إيجاب الإعادة نسيان الأعيان ، وموردَ صحيحة العلاء تنجّس الثوب بها .

لكن مضافاً إلى بُعْد ذلك جدّاً ، أنّ هذا التفصيل لم ينقل من أحد ولو احتمالاً .

ويمكن الجمع بين الروايات بحمل ما دلّت على عدم الإعادة على الحكم الحيثي ؛ بقرينة موثّقة سَماعة الاُولى ، فإنّ ظاهرها أنّ إيجاب الإعادة إنّما هو لعقوبة الناسي وعدم اهتمامه ، فتحمل رواياتُ إيجابها على كونه للعقوبة ، لا جبراً لبطلانها ، وأخبارُ نفيها على أ نّها لا تعاد لأجل فسادها ، وقد مضت صلاته وكتبت له ، لكن تجب الإعادة لكي يهتمّ بالشيء .

وهذا الجمع وإن كان أقرب من حمل روايات الإعادة على الاستحباب(1) - لإباء بعضها عنه ، سيّما مع ما أشرنا إليه(2) : من أنّ الأمرَ بالإعادة إرشاد إلى فساد الصلاة ، كما أنّ النهي عنها إرشاد إلى صحّتها ، والحملَ على الاستحباب النفسي بعيد في الغاية وغير مقبول عرفاً - لكنّه أيضاً بعيد عن مذاق العرف ، وليس جمعاً عقلائياً مقبولاً .

وأبعد منه التفصيل بين الوقت وخارجه(3) ؛ بشهادة صحيحة علي بن مَهْزِيار قال : كتب إليه سليمان بن رشيد يخبره أ نّه بال في ظلمة الليل ، وأ نّه أصاب كفَّه بردُ نقطة من البول لم يشكّ أ نّه أصابه ، ولم يره ، وأ نّه مسحه بخرقة ، ثمّ

ص: 314


1- مدارك الأحكام 2 : 348 ؛ وسائل الشيعة 3 : 481 ، ذيل الحديث6 .
2- تقدّم في الصفحة 295 .
3- الاستبصار 1 : 184 ، ذيل الحديث642 .

نسي أن يغسله ، وتمسّح بدهن ، فمسح به كفّيه ووجهه ورأسه ، ثمّ توضّأ وضوء

الصلاة فصلّى .

فأجابه بجواب قرأته بخطّه : «أمّا ما توهّمت ممّا أصاب يدك ، فليس بشيء إلاّ ما تحقّق ، فإن حقّقت ذلك كنت حقيقاً أن تعيد الصلوات اللواتي كنت صلّيتهنّ بذلك الوضوء بعينه ما كان منهنّ في وقتها ، وما فات وقتها فلا إعادة عليك لها ؛ من قِبل أنّ الرجل إذا كان ثوبه نجساً ، لم يعد الصلاة إلاّ ما كان في وقت ، وإن كان جنباً ، أو صلّى على غير وضوء ، فعليه إعادة الصلوات المكتوبات اللواتي فاتته ؛ لأنّ الثوب خلاف الجسد ، فاعمل على ذلك إن شاء اللّه»(1) .

وأنت خبير : بأنّ الروايات آبية عن هذا التفصيل ، ولو سلمت هذه الصحيحة عن الخدشة ، فكيف يمكن حمل موثّقة الساباطي المتقدّمة على نفي القضاء ؟ !

وكذا الحال في صحيحة علي بن جعفر ، عن أخيه موسى بن جعفر علیه السلام قال : سألته عن رجل ذكر وهو في صلاته أ نّه لم يستنجِ من الخلاء ، قال : «ينصرف ويستنجي من الخلاء ، ويعيد الصلاة ، وإن ذكر وقد فرغ من صلاته فقد أجزأه ذلك ، ولا إعادة»(2) .

فضلاً عن أ نّه لم تسلم عنها سنداً ؛ لإضمارها وإن كان المظنون كون

ص: 315


1- تهذيب الأحكام 1 : 426 / 1355 ؛ وسائل الشيعة 3 : 479 ، كتاب الطهارة ، أبواب النجاسات ، الباب 42 ، الحديث 1 .
2- تهذيب الأحكام 1 : 50 / 145 ؛ وسائل الشيعة 1 : 318 ، كتاب الطهارة ، أبواب أحكام الخلوة ، الباب 10 ، الحديث 4 .

المسؤول عنه أبو الحسن الرضا ، أو أحد الإمامين بعده علیهم السلام ، ومتناً ، وهو واضح .

والمظنون أنّ فيها سقطاً بعد قوله علیه السلام : «وما فات وقتها» ولا يبعد أن يكون السقط نحو هذه العبارة : «وإن كان ثوبك نجساً» ويكون قوله : «وما فات وقتها» عطفاً على سابقه ، لا استئنافاً ، ويكون المراد من قوله : «إنّ الثوب خلاف الجسد» أنّ النجاسة خلاف الحدث الذي محلّه الجسد .

وكيف كان : لا يمكن الاتّكال على مثل هذه الرواية ؛ والتصرّف بها في سائر الروايات ، وتخصيص القواعد بها .

ترجيح الروايات الدالّة على وجوب الإعادة

والإنصاف : أنّ الروايات متعارضة ، والترجيح لروايات إيجاب الإعادة . بل الظاهر عدم عمل متقدّمي أصحابنا بروايات نفي الإعادة ، وأعرضوا عنها ، فلا تصلح للحجّية ؛ لما ذكرنا أنّ العمل بالأخبار لبناء العقلاء وإمضاء الشارع(1) ، وفي مثل تلك الروايات التي لم يعمل بها رواتها ، لا يتّكل العقلاء عليها ، فهي ساقطة عن الحجّية ، لا مرجوحة بعد الفراغ عن حجّيتها .

ومع الغضّ عنه فالترجيح مع أخبار الإعادة ؛ لموافقة مقابلاتها للعامّة ، كأبي حنيفة والشافعي في القديم والأوزاعي ، حيث ذهبوا - على ما حكي عنهم - إلى عدم وجوب الإعادة في الناسي وغيره(2) ، بل ذهب أبو حنيفة إلى

ص: 316


1- تقدّم في الصفحة 21 .
2- اُنظر الخلاف 1 : 479 ؛ المجموع 3 : 132 / السطر 4 ، و : 157 / السطر 4 .

استحباب الاستنجاء من الغائط(1) ، فتحمل موثّقة عمّار(2) على التقيّة . ورواية هشام بن سالم(3) ضعيفة(4) .

مع أنّ أخبار وجوب الإعادة موافقة لقواعد السنّة القطعية ، ولعلّها تكون مرجّحة كموافقة الكتاب .

فالأقوى وجوب الإعادة وقتاً وخارجاً . هذا حال الناسي .

بطلان الصلاة مع العلم بالنجاسة وما يستثنى منه

وأمّا إذا صلّى فيه عالماً عامداً ، فعليه الإعادة بلا إشكال نصّاً وفتوى .

ثوب المربّية المتنجّس ببول المولود

نعم ، يستثنى منه موارد قد تقدّم بعضها (5) ، ومنها المرأة المربّية لمولود إذا تنجّس ببوله قميصها مع وحدته ، فإنّها تغسل ثوبها في اليوم مرّة واحدة ،

ص: 317


1- اُنظر الخلاف 1 : 104 ؛ المغني ، ابن قدامة 1 : 141 / السطر 11 ؛ فتح العزيز ، ذيل المجموع 1 : 456 .
2- تقدّمت في الصفحة 313 .
3- عن أبي عبداللّه عليه السلام ، في الرجل يتوضّأ وينسى أن يغسل ذكره وقد بال ، فقال : «يغسل ذكره ولا يعيد الصلاة» . تهذيب الأحكام 1 : 48 / 140 ؛ وسائل الشيعة 1 : 317 ، كتاب الطهارة ، أبواب أحكام الخلوة ، الباب 10 ، الحديث 2 .
4- رواها الشيخ الطوسي بإسناده ، عن سعد ، عن موسى بن الحسن والحسن بن علي ، عن أحمد بن هلال ، عن محمّد بن أبي عمير ، عن هشام بن سالم . والرواية ضعيفة بأحمد بن هلال .
5- تقدّم في الصفحة 63 و72 و89 .

وتجزيها عن الغسل في بقيّته . والأصل فيه رواية أبي حفص ، عن أبي عبداللّه علیه السلام قال : سئل عن امرأة ليس لها إلاّ قميص واحد ، ولها مولود فيبول عليها ، كيف تصنع ؟ قال : «تغسل القميص في اليوم مرّة»(1) .

ولا ينبغي الإشكال في سندها (2) بعد عمل الأصحاب بها قديماً وحديثاً ، فأصل الحكم لا إشكال فيه ، وإنّما الكلام في بعض الفروع ، ولا بدّ من الخروج عن القواعد بمقدار دلالتها .

فنقول : إلحاق الرجل المربّي بالمرأة محلّ إشكال ؛ لأنّ النصّ مخصوص بها ، ولها خصوصية ؛ وهي كونها ضعيفة - بحسب النوع - جسماً وروحاً ، فيمكن أن يكون التخفيف عنها دون الرجال ، فإنّ غسل الثوب في كلّ يوم مراراً ربّما يكون موجباً لمعرضية فساده ، وهو مشقّة على النساء نوعاً دون الرجال ، فإلغاء الخصوصية منها أو القطع بالملاك ممنوعان .

والظاهر عدم الفرق بين القميص وغيره كالسربال ، لا نحو المقنعة التي لا يبول عليها عادة ؛ وذلك لإلغاء الخصوصية عرفاً .

نعم ، لا يجوز التعدّي إلى البدن ؛ لعسر الغسل في الثوب دون البدن ، لاحتياج الأوّل في تجفيفه إلى زمان معتدّ به دون الثاني ، فلا يمكن التعدّي .

وهل الحكم مختصّ بقميص واحد كما هو مورد النصّ ، أو يتعدّى إلى المتعدّد مع الاحتياج إليه في اللبس ؛ بحيث لا يمكنها الاكتفاء بغيره ؟

ص: 318


1- تهذيب الأحكام 1 : 250 / 719 ؛ وسائل الشيعة 3 : 399 ، كتاب الطهارة ، أبواب النجاسات ، الباب 4 ، الحديث 1 .
2- مدارك الأحكام 2 : 355 .

الظاهر ذلك ؛ لمساعدة العرف في الفهم من النصّ بإلغاء الخصوصية .

كما أنّ الحكم لا يختصّ بما ولد منها ، فيتعدّى إلى المؤجرة والمتبرّعة والمربّية بغير رضاع ؛ لأنّ العرف يرى أنّ الحكم جعل تخفيفاً عن المرأة المتصدّية للطفل ؛ من غير دخالة للولادة في ذلك ، وإنّما ذكر المولود مثالاً ومن باب الغلبة .

كما أ نّه شامل للذكر والاُنثى، والواحد والمتعدّد، ولو قيل باختصاصه بالأوّلين منهما لا يختصّ الحكم بهما ؛ لأنّ المفهوم من النصّ أنّ ذلك تخفيف بالنسبة إلى المرأة ؛ من غير دخالة لخصوصية الولد ، ولا لكونه واحداً ، فتوهّم أنّ بول الصبيّ والواحد أخفّ من الصبيّة والمتعدّد ، فيمكن الاختصاص بهما (1) ، في غير محلّه بعد ما يتفاهم منه أنّ الحكم جعل للتخفيف عن المرأة ، لا لتخفيف البول .

والظاهر أنّ الحكم مختصّ بالبول لخصوصية فيه - دون الغائط ، فضلاً عن سائر نجاساته - وهي كثرة الابتلاء به دون غيره ، فلا يمكن التعدّي من ظاهر النصّ . نعم الظاهر أنّ ملاقي بوله في حكمه .

والظاهر أنّ المراد ب- «الغسل» في النصّ ، ليس إلاّ ما كان تكليفها في تطهير بول المولود ، فإن كان ذكراً فبالصبّ ، وإن كان اُنثى فبالغسل ، فتوهّم أنّ الغسل في خصوص المورد واجب حتّى في مورد جواز الصبّ(2) ، ضعيف .

وإن شئت قلت : إنّ الرواية ليست بصدد بيان حال الغسل وكيفيته ، حتّى

ص: 319


1- اُنظر مصباح الفقيه ، الطهارة 8 : 239 ؛ نهاية الإحكام 1 : 288 ؛ الحدائق الناضرة 5 : 347 .
2- ذخيرة المعاد : 165 / السطر 20 ؛ الحدائق الناضرة 5 : 348 .

يقال : أراد ب- «الغسل» عنوانه مطلقاً ، بل بصدد بيان الاجتزاء بتطهير واحد عن الكثير . بل لا إشكال في أ نّها بصدد تخفيف ما كان عليها ، لا تبديل الحكم بحكم آخر ، فضلاً عن التضييق عليها .

والظاهر أنّ المراد من «اليوم» اليوم بليلته ؛ بمعنى كفاية غسل واحد للصلوات النهارية والليلية ، ولا دخالة لبياض اليوم في الحكم . وتخصيص التخفيف باليوم والتضييق في الليل - مع أ نّها أولى بالتخفيف - مخالف لفهم العرف من الرواية .

وهل يجب وقوع الغسل في النهار ، ولا يكفي الغسل في الليل عنه ؟

مقتضى الجمود على اللفظ ذلك ، لكن الظاهر المتفاهم من الرواية : أنّ «اليوم» فيها في مقابل اليومين والثلاثة ، وكذا في مقام ردع لزومه لكلّ صلاة ، فلا عناية فيه بحيثية وقوع الغسل فيه ، سيّما أنّ السائل إنّما سأل عن تكليفها في صلواتها الخمس ؛ وأ نّه مع الابتلاء بالبول كيف تصنع ؟ فترك ذكر الليل وأ نّه لو ابتليت فيها لا بدّ من غسله لكلّ صلاة ، يدلّ على أنّ الغسل مرّة واحدة عند الابتلاء به وإرادة الصلاة ، كافٍ ولو وقع في الليل ، وتكون تلك النجاسة معفوّة في سائر الصلوات . والبناء على الشرط المتأخّر(1) كما ترى .

وبالجملة : لا يفهم العرف لليوم خصوصية وإن كان الغسل فيه أسهل ، بل الظاهر المتفاهم أنّ الغسل الواحد المحتاج إليه ، كافٍ لجميع الصلوات .

والظاهر أنّ المقصود ب- «الغسل في اليوم مرّة» هو وقوع صلاة منها مع الطهارة ، والعفو عن البقيّ-ة ، فالغسل في غير موقع الصلاة وإتيان جميع

ص: 320


1- اُنظر مصباح الفقيه ، الطهارة 8 : 243 .

الصلوات مع النجس ، غير مراد جزماً .

وبعبارة اُخرى : أنّ الغسل لمّا كان لأجل الصلاة ولا نفسية له ، لا ينقدح في الذهن إطلاق في الرواية لوقوعه في أيّ قطعة من اليوم ، بل لا بدّ من إيقاعه قبل صلاة من الصلوات اليومية ؛ لتقع بعضها مع الطهور .

نعم ، لا يجب عليها الجمع بين الصلوات ، بل ولا الصلاتين ؛ لإطلاق الرواية ، فلو كان عليها الجمع لكان عليه التنبيه عليه ، سيّما أنّ بناءهم في الصدر الأوّل على تفريق الصلوات ، وكانوا يصلّون صلاة الظهر أوّل الزوال ، والعصر في موقعه ، وهكذا في المغرب والعشاء ، كما ورد في أخبار المستحاضة من الأمر بتأخير الظهر وتقديم العصر ، وكذا في العشاءين(1) فيظهر منها أنّ بناء النساء أيضاً كان على التفريق بينها ، ومع هذا البناء والعادة ، لو كان الواجب عليها الجمع بين الصلاتين ، لوجب عليه التنبيه عليه .

وتوهّم عدم الإطلاق لها ؛ فإنّها بصدد بيان الاجتزاء بغسل واحد مقابل الغسل لكلّ صلاة ، في غاية الفساد ؛ لأ نّه سأل عن تكليفها ؛ وأ نّها كيف تصنع مع هذا الابتلاء ؟ فلو كان أمر آخر غير الغسل دخيلاً فيه لنبّه عليه .

ثمّ إنّ الظاهر من الرواية : أنّ الغسل إنّما هو لتحصيل شرط الصلاة على وِزان سائر المكلّفين ؛ وإن عفي عن الشرط في بعضها ، لا أنّ الشرط المجعول لسائر المكلّفين سقط عنها ، وجعل لها شرط آخر متأخّر إذا أوقعت الطهارة آخر النهار بعد الصلوات اليومية والليلية السابقة ، أو بعد العشاء على احتمال ، ومتقدّم إذا

ص: 321


1- راجع وسائل الشيعة 2 : 371 ، كتاب الطهارة ، أبواب الاستحاضة ، الباب 1 .

أوقعت قبلها ، ومتقدّم ومتأخّر إن أوقعت في خلالها ، فإنّ كلّ ذلك خلاف الواقع

والمتفاهم من الدليل . ومع القول بالعفو أيضاً لا ينقدح في الأذهان هذا النحو من العفو ؛ بأن يكون موقوفاً على أمر متأخّر تارة ، ومتقدّم اُخرى ، وهما معاً ثالثة .

فدعوى الإطلاق بالنسبة إلى ساعات النهار(1) ممنوعة .

وكذا بالنسبة إلى الصلوات أيضاً ؛ بأن تكون مخيّرة في إيقاعه قبل صلاة من صلواتها الخمس ؛ بحيث تصحّ المتقدّمة والمتأخّرة بغسلها المتخلّل(2) ، فإنّه أيضاً مستلزم لتغيّر شرط الصلاة بالنسبة إليها من بين سائر المكلّفين ، وهو مقطوع الفساد .

كما أ نّه لا إطلاق لها يشمل ما إذا غسلت ثوبها للصلاة ، فبال عليه قبل إتيان الصلاة ؛ فإنّ الأمر بالغسل في المقام ، ليس إلاّ كالأمر به في سائر المقامات ، والفرق بينه وبينها : أنّ الشارع الأقدس خفّف عليها إذا غسلت ثوبها وصلّت فيه مع الطهارة في أوّل الدورة ؛ بالنسبة إلى سائر الصلوات في هذه الدورة .

والحاصل : أنّ الظاهر منها أ نّه إذا تنجّس ثوبها ببول الصبيّ ، غسلته وصلّت فيه ، فإذا ابتلت به بعدها يكون معفوّاً عنه ، وتصحّ صلاتها في ذلك اليوم وليلته ، ولا يجوز عليها إتيان الصلاة في النجس في أوّل الابتلاء والغسل لسائرها ، فإذا ابتلت في الصبح غسلته وصلّت بطهور ، وعفي عن سائر صلواتها إلى العشاء ، ويجب عليها الغسل ليوم آخر ، وإذا ابتلت في الظهر صلّت الظهر بطهور ، وعفي عمّا بعدها إلى العشاء وهكذا. والتلفيق وإن كان محتملاً، لكن خلاف ظاهر الدليل.

ص: 322


1- رياض المسائل 2 : 406 ؛ جواهر الكلام 6 : 236 ؛ مستمسك العروة الوثقى 1 : 587 .
2- اُنظر جواهر الكلام 6 : 237 ؛ مستمسك العروة الوثقى 1 : 589 .

فرع حكم من علم إجمالاً بنجاسة أحد الثوبين

لو كان مع المصلّي ثوبان أحدهما نجس ، ولا يعلمه بعينه ، وتعذّر غسل أحدهما ليصلّي فيه بطهارة ، صلّى في كلّ منهما تحصيلاً للقطع بفراغ الذمّة ، على المشهور نقلاً وتحصيلاً ، بل لا نعرف فيه خلافاً إلاّ من ابني إدريس وسعيد ، كما في «الجواهر»(1) .

وعن الشيخ في «الخلاف» حكاية الخلاف عن قوم من أصحابنا ، فأوجبوا الصلاة عارياً (2) .

وهو ضعيف مخالف للنصّ والفتوى ، ففي صحيحة صفوان بن يحيى ، عن أبي الحسن علیه السلام : أ نّه كتب إليه يسأله عن الرجل كان معه ثوبان ، فأصاب أحدَهما بول ، ولم يدرِ أيّهما هو ، وقد حضرت الصلاة وخاف فوتها ، وليس عنده ماء ، كيف يصنع ؟ قال : «يصلّي فيهما جميعاً»(3) .

وعن الحلّي الاستدلال على ما ذهب إليه بأمرين :

أحدهما : أ نّه يجب عليه عند افتتاح كلّ فريضة القطع بطهارة ثوبه ؛ فإنّ المؤثّرات في وجوه الأفعال تجب أن تكون مقارنة لها ، لا متأخّرةً عنها ،

ص: 323


1- جواهر الكلام 6 : 241 ؛ السرائر 1 : 184 - 185 ؛ الجامع للشرائع : 24 .
2- الخلاف 1 : 481 .
3- الفقيه 1 : 161 / 757 ؛ تهذيب الأحكام 2 : 225 / 887 ؛ وسائل الشيعة 3 : 505 ، كتاب الطهارة ، أبواب النجاسات ، الباب 64 ، الحديث 1 .

والمسألة خلافية ، ودليل الإجماع فيها مفقود ، والاحتياط يوجب ما قلناه .

ثانيهما : أنّ كون الصلاة واجبة وجهٌ تقع عليه الصلاة ، وكيف يؤثّر في هذا الوجه ما يأتي بعدها ، ومن شأن المؤثّر في وجوه الأفعال أن يكون مقارناً لها لا يتأخّر عنها ؟ !(1)

والظاهر أ نّهما يرجعان إلى عدم إمكان الجزم بالنيّة المعتبر في العبادات .

وفيه : أ نّه على فرض تسليم اعتبار الجزم لا يتمّ مطلوبه ؛ لعدم القطع بكون الصلاة عارياً مأموراً بها ، ولا يدلّ عليه دليل شرعي ، ولهذا تمسّك هو بفقد الإجماع وتشبّث بدليل الاحتياط ، ومعه كيف يمكن الجزم بأنّ المأتيّ به هو الواجب الشرعي ، والفرض أنّ الوجوب وجه للواجب يجب العلم به مقارناً للإتيان ؟ !

بل الإتيان عارياً أسوأ حالاً من الإتيان فيهما ؛ فإنّه مع الإتيان فيهما يعلم بإتيان المأمور به الواقعي وإن ترك نيّة الوجه ، ومع الإتيان عارياً لا يعلم بإتيانه

بعد الصلاة ، ولا مقارناً لها ، تأمّل .

وليت شعري ، أ نّه كيف بنى على تحقّق الجزم في الصلاة عارياً مع تمسّكه في الواقعة بالاحتياط ؟ ! هذا مع ما في مبناه من الضعف ؛ لعدم الدليل على اعتباره ، ولا يمكن كشف الحكم الشرعي من الإجماع المنقول فيه ؛ لأنّ المسألة عقلية كلامية ، ولهذا نقل عليها الإجماع في الكتب الكلامية(2) .

ص: 324


1- السرائر 1 : 185 .
2- اُنظر جامع المقاصد 1 : 202 ؛ ذخيرة المعاد : 23 / السطر 33 ؛ مفتاح الكرامة 2 : 322 ؛ فرائد الاُصول، ضمن تراث الشيخ الأعظم 25 : 408 .

وأمّا ما أجاب عنه صاحب «الجواهر» : «من إمكان الجزم في النيّة في المقام ؛ لأنّ كلّ واحد منهما واجب وإن كان أحدهما أصلياً ، والآخر مقدّمياً»(1) .

ففيه ما لا يخفى ؛ لأنّ التحقيق عدم وجوب المقدّمات الوجودية ، فضلاً عن المقدّمة العلمية ، ولا يستفاد من الصحيحة المتقدّمة وجوبهما شرعاً ؛ بعد كون الحكم موافقاً للعقل ، ووضوح عدم تغيير التكليف الشرعي في المورد ، فلا يفهم منها إلاّ الإرشاد إلى حكم العقل ، فدعوى كونهما صلاة شرعية تمسّكاً بها في غير محلّها .

ثمّ على فرض تسليم اعتبار الجزم في النيّة وحصوله بالصلاة عارياً ، لا يرد عليه : أ نّه مع الدوران بين سقوط هذا وغيره من الاُمور المعتبرة في الماهية ، يتعيّن سقوط هذا الشرط المتأخّر عن غيره في الرتبة(2) .

ضرورة أنّ القائل باعتباره في العبادات إنّما يدّعي : أ نّها بلا نيّة جازمة لا تقع عبادة ، فالجزم - كالنيّة - مقوّم لعبادية العبادة ؛ إذ وقوعها على صفة الطاعة للمولى متوقّف على انبعاثه ببعثه ، ومع عدم الجزم لا يمكن ذلك ، فلا تقع ما فعل عبادة ، فدار الأمر بين ترك أصلها ، أو ترك شرطها ، أو جزئها .

مع أنّ مجرّد التأخّر الرتبي لا يوجب أولوية السقوط ، بل هي تابعة للأهمّية ، والقائل يمكنه أن يقول بأهمّية النيّة وما بحكمها ؛ لتقوّم العبادة بها ،

دون سائر الشروط .

ص: 325


1- جواهر الكلام 6 : 242 .
2- مصباح الفقيه ، الطهارة 8 : 250 - 251 .

فالتحقيق في الجواب تضعيف المبنى وفساد ما بني عليه . هذا مع ما تقدّم من النصّ الصحيح الصريح المعمول به(1) .

حكم صورة كثرة الثياب

ولو كانت الثياب كثيرة ، وأمكن الإتيان بصلاة في ثوب طاهر بتكرارها ، يجب عليه ذلك حتّى يعلم الإتيان بصلاة صحيحة ؛ على قاعدة العلم الإجمالي . بل يستفاد حكمها من الصحيحة المتقدّمة بإلغاء الخصوصية عرفاً .

حكم عدم التمكّن إلاّ من الإتيان بصلاة واحدة

ولو لم يمكنه إلاّ صلاة واحدة ؛ لضيق أو غيره ، هل يجب عليه نزع الثوب والصلاة عارياً ، أو يصلّي في أحدهما ، أو يتخيّر بينهما ؟ وجوه .

ويقع الكلام هاهنا بعد الفراغ عن وجوبها عارياً مع انحصار الثوب النجس ، كما يأتي في المسألة الآتية(2) .

وأمّا إن قلنا في تلك المسألة بوجوبها في النجس ، فلا إشكال في وجوبها في محتمل النجاسة في المقام ؛ ضرورة أ نّه على أيّ تقدير يجب الصلاة فيه .

وكذا إن قلنا فيها بالتخيير بين الصلاة فيه أو عارياً ؛ فإنّ الإتيان فيه حينئذٍ مسقط يقيني ، لأنّ الثوب إمّا طاهر يتعيّن الصلاة فيه ، أو نجس يتخيّر بين الصلاة فيه أو عارياً ، وأمّا إن صلّى عارياً فلا يحصل له اليقين بالبراءة ؛ لاحتمال كونه

ص: 326


1- تقدّم في الصفحة 323 .
2- يأتي في الصفحة 330 .

طاهراً يجب الصلاة فيه ، ففي مورد دوران الأمر بين التعيين والتخيير يحكم العقل بالتعيين ، سيّما في مقام إبراء الذمّة والفراغ عن الاشتغال اليقيني .

فمع وجوبها عارياً في تلك المسألة ، قد يقال : بوجوبها فيه في هذه المسألة ؛

لدوران الأمر بين المخالفة القطعية لدليل الستر ، والمخالفة الاحتمالية لدليل مانعية النجس(1) .

وقد يجاب عنه : باحتمال أن يكون أهمّية المانع بحدّ يقدّم مخالفته الاحتمالية

على المخالفة القطعية لشرطية الستر ، ولازمه التخيير بينهما (2) .

والتحقيق أن يقال : إنّ كون المورد من قبيل الدوران بين المخالفة القطعية والاحتمالية ، يتوقّف على استفادة شرطية الستر للصلاة مطلقاً ؛ بحيث يكون مطلوباً ولو مع النجاسة ، وتكون النجاسة أيضاً مانعة مطلقاً ، فيكون المورد من قبيل المتزاحمين وإن قدّم الشارع أحدهما - وهو المانع - على الآخر ، وذلك يتوقّف على إطلاق أدلّة الستر ، وهو مفقود ؛ فإنّ دليله الإجماع(3) الذي لا إطلاق فيه وبعض الأخبار(4) التي في مقام بيان حكم آخر ، ولا إطلاق فيها .

فحينئذٍ يحتمل أن يكون الستر الطاهر مطلوباً واحداً ، فيكون المورد من الدوران بين الموافقتين الاحتماليتين ؛ فإنّ إتيان الصلاة في الثوب لا يكون موافقة قطعية للشرط ، كما أنّ ترك الصلاة في أحد الثوبين ، ليس مخالفة قطعية

ص: 327


1- اُنظر مصباح الفقيه ، الطهارة 8 : 255 .
2- اُنظر مصباح الفقيه ، الطهارة 8 : 255 ؛ مستمسك العروة الوثقى 1 : 547 .
3- تذكرة الفقهاء 2 : 444 ؛ جواهر الكلام 8 : 175 .
4- راجع وسائل الشيعة 4 : 448 ، كتاب الصلاة ، أبواب لباس المصلّي ، الباب 50 .

في خصوص المقام الذي لا يمكنه إلاّ صلاة واحدة .

فحينئذٍ يمكن أن يقال : إنّ الأوجه وجوب الصلاة عارياً ؛ لأنّ أهمّية مراعاة المانع كما أوجبت الصلاة عارياً مع النجس المحرز ، توجب تقديم الموافقة الاحتمالية فيه على الموافقة الاحتمالية في الستر عقلاً في مقام الامتثال ، فيجب الصلاة عارياً .

إلاّ أن يقال : إنّه مع احتمال تعدّد المطلوب يأتي احتمال أهمّية الستر من المانع ، كما يحتمل العكس ، فالقاعدة التخيير .

لكن يمكن أن يقال : إنّه مع الشكّ في اعتبار الستر مع نجاسته ، يكون إطلاق دليل مانعية النجس محكّماً .

هذا مضافاً إلى جريان البراءة الشرعية عن الستر في حال نجاسته ، وهو كافٍ في وجه التقديم في المقام ، فتدبّر جيّداً وتأمّل ؛ فإنّه لا يخلو منه .

عدم سقوط القضاء عند العمل على وفق حكم العقل

وهل العمل على طبق حكم العقل يوجب سقوط القضاء ؟

بدعوى كشف التكليف الشرعي من حكم العقل بتقديم محتمل الأهمّية ، ومع إحرازه يحكم بسقوط الأمر ، فلا إعادة عليه ولا قضاء .

مضافاً إلى أنّ إثبات القضاء يتوقّف على إحراز الفوت، وهو لا يحرز بالأصل.

أو لا يوجبه ؟ بدعوى : أنّ كشف الحكم الشرعي ، يتوقّف على إحراز وحدة المطلوب في الستر الطاهر ، وأمّا مع احتمال التعدّد فلا يمكن ذلك . وهذا لا ينافي ما تقدّم من تقدّم محتمل الأهمّية ، تأمّل .

مضافاً إلى أنّ تقديم محتمل الأهمّية على غيره بحكم العقل ، لا يكشف

ص: 328

عن حكم الشرع ، فلا دليل على سقوط القضاء .

وأمّا دعوى : أنّ القضاء مترتّب على «الفوت» وهو عنوان لا يمكن إحرازه بالأصل .

فممنوعة ؛ لأنّ الأمر بالقضاء وإن علّق على «الفوت» في غالب الأخبار(1) ، لكن علّق على عدم الإتيان والترك في بعضها (2) ، فلا يبعد دعوى عدم دخالة هذا العنوان الوجودي فيه ، وموضوعه صِرْف عدم الإتيان بها في الوقت ؛ أي عدم إتيانها إلى خارج الوقت ، ومعه لا مانع من إحرازه بالأصل .

وقد يقال : بأ نّه لا شكّ في الخارج في المورد ؛ لأنّ ما أتى بها هي الصلاة عارياً ، وما لم يأتِ بها هي مع الثوب ، فالمقام نظير الشكّ في كون الغروب سقوط الشمس أو ذهاب الحمرة ؛ ممّا لا يجري فيه الاستصحاب .

وفيه ما لا يخفى ولو سلّم عدم الجريان في مورد النقض ؛ لأ نّا لا نريد إثبات حكم للصلاة المتحقّقة في الخارج ، بل الموضوع لوجوب القضاء عدم إتيان المكلّف بالصلاة المأمور بها إلى بعد الوقت ، والآتي بها عارياً يشكّ في إتيانه للمأمور به شرعاً ؛ لاحتمال أن يكون الثوب طاهراً ، وكان تكليفه إتيانها فيه ، فيجري استصحاب عدم الإتيان بالمأمور به ، فيجب عليه القضاء .

فالأحوط - لو لم يكن أقوى - إتيانها عارياً ، وقضاؤها خارج الوقت .

ص: 329


1- راجع وسائل الشيعة 8 : 256 ، كتاب الصلاة ، أبواب قضاء الصلوات ، الباب 2 ، الحديث 1 و3 و5 ، والباب 4 ، الحديث 2 و8 و13 ، والباب 6 ، الحديث 1 .
2- راجع وسائل الشيعة 8 : 253 ، كتاب الصلاة ، أبواب قضاء الصلوات ، الباب 1 ، الحديث 2 و5 ، والباب 3 ، الحديث 25 ، والباب 4 ، الحديث 1 و12 .

فرع حكم من لم يجد إلاّ ثوباً نجساً

لو لم يجد إلاّ ثوباً نجساً يجب أن يلقيه ويصلّي عرياناً ؛ إذا لم يتمكّن من

غسله ، ولم يضطرّ إلى لبسه لضرورة عرفية أو شرعية ، كما عن جلّ المتقدّمين ، بل كلّهم عدا ابن الجنيد ، فإنّ المحكيّ عنه التخيير بين الصلاة فيه والصلاة عرياناً (1) ، ولم ينقل ذلك عن غيره إلى عصر المحقّق .

نعم ، حكي عن الشيخ احتماله(2) ، لكن ادّعى في «الخلاف» الإجماع على الأوّل(3) وعن «الدروس» و«المسالك» و«الروض» و«الدلائل» و«المدارك» نقل الشهرة فيه(4) .

وعن المحقّق في «المعتبر»(5) والعلاّمة في بعض كتبه(6) وبعض من تأخّر عنهما (7) القول بالتخيير .

ص: 330


1- اُنظر مختلف الشيعة 1 : 330 .
2- اُنظر مفتاح الكرامة 2 : 195 ؛ كشف اللثام 1 : 455 ؛ تهذيب الأحكام 2 : 224 ، ذيل الحديث 885 .
3- الخلاف 1 : 398 - 399، و474 - 475 .
4- اُنظر مفتاح الكرامة 2 : 195 ؛ الدروس الشرعية 1 : 127 ؛ مسالك الأفهام 1 : 129 ؛ روض الجنان 1 : 452 ؛ مدارك الأحكام 2 : 359 .
5- المعتبر 1 : 445 .
6- منتهى المطلب 3 : 303 .
7- الدروس الشرعية 1 : 127 ؛ جامع المقاصد 1 : 177 ؛ مسالك الأفهام 1 : 129 .

ولم يحك عن أحدٍ القول بتعيّن الصلاة فيه ، وإنّما هو أمر حادث بين بعض متأخّري المتأخّرين ممّن قارب عصرنا (1) .

فالمسألة لدى القدماء ذات قول واحد حقيقة ، ولدى المتأخّرين ذات قولين إلى الأعصار القريبة منّا ، فحدث قول ثالث فيها .

ثمّ إنّه حكي عن «المنتهى» : «أ نّه لو صلّى عارياً فلا إعادة قولاً واحداً»(2) وعن «الذخيرة» و«الكفاية» حكاية الشهرة على أ نّه لو صلّى بالثوب لم يعد(3) ، ولعلّ مرادهما فيما لا يمكن نزعه ، أو حكاية الشهرة بين المتأخّرين .

واختلفت آراء العامّة فيها ؛ فعن الشافعي : «يصلّي عرياناً ، ولا إعادة

عليه»(4) وعن مالك ومحمّد بن الحسن والمُزني : «يصلّي فيه ، ولا إعادة عليه»(5) وعن أبي حنيفة : «إن كان أكثره طاهراً لزمه أن يصلّي فيه ، ولا إعادة عليه ، وإن كان أكثره نجساً فهو بالخيار بين أن يصلّي فيه ، وبين أن يصلّي عرياناً ، وكيف كان ما صلّى فلا إعادة عليه»(6) ومنشأ الاختلاف بيننا اختلاف الأخبار .

ص: 331


1- العروة الوثقى 1 : 195 ، مسألة 4 .
2- منتهى المطلب 3 : 305 .
3- ذخيرة المعاد : 169 / السطر 32 ؛ كفاية الفقه (كفاية الأحكام) 1 : 68 .
4- الخلاف 1 : 398 ؛ المجموع 3 : 143 و188 .
5- الخلاف 1 : 474 ؛ المبسوط ، السرخسي 1 : 187 / السطر 13 ؛ المجموع 3 : 143 .
6- الخلاف 1 : 475 ؛ المبسوط ، السرخسي 1 : 187 / السطر 11 ؛ المجموع 3 : 143 .

تعيّن الصلاة عارياً وردّ القول بجواز الصلاة في النجس

فممّا تدلّ على الصلاة فيه صحيحة الحلبي قال : سألت أبا عبداللّه علیه السلام

عن رجل أجنب في ثوبه ، وليس معه ثوب غيره ، قال : «يصلّي فيه ، فإذا وجد الماء غسله»(1) .

وقريب منها صحيحة عبد الرحمان بن أبي عبداللّه عنه علیه السلام (2) وموثّقته(3) وهما رواية واحدة .

ويحتمل في هذه الروايات أن يكون السؤال عن عرق المجنب ، كما سئل عنه في روايات عديدة(4) . وحمل شيخ الطائفة رواية الحلبي على عرق المجنب من الحرام(5) . وما ذكرناه وإن كان خلاف المظنون ، لكنّه ظنّ خارجي لا دليل على حجّيته ، تأمّل .

وأمّا موثّقة الساباطي ، عن أبي عبداللّه علیه السلام : أ نّه سئل عن رجل ليس معه إلاّ ثوب ، ولا تحلّ الصلاة فيه ، وليس يجد ماءً يغسله ، كيف يصنع ؟

ص: 332


1- الفقيه 1 : 40 / 155 ؛ تهذيب الأحكام 1 : 271 / 799 ؛ وسائل الشيعة 3 : 447 ، كتاب الطهارة ، أبواب النجاسات ، الباب 27 ، الحديث 11 ، و : 484 ، الباب 45 ، الحديث 1 .
2- الفقيه 1 : 160 / 754 ؛ وسائل الشيعة 3 : 484 ، كتاب الطهارة ، أبواب النجاسات ، الباب 45 ، الحديث 4 .
3- تهذيب الأحكام 2 : 224 / 885 ؛ وسائل الشيعة 3 : 485 ، كتاب الطهارة ، أبواب النجاسات ، الباب 45 ، الحديث 6 .
4- راجع وسائل الشيعة 3 : 444 ، كتاب الطهارة ، أبواب النجاسات ، الباب 27 ، الحديث 1 ، 4 ، 8 ، 9 ، 10 و12 .
5- تهذيب الأحكام 1 : 271 ، ذيل الحديث799 .

قال : «يتيمّم ويصلّي ، فإذا أصاب ماءً غسله وأعاد الصلاة»(1) .

فلا يظهر منها بأ نّه يصلّي فيه ، سيّما مع قوله : «ولا تحلّ الصلاة فيه» فيمكن

أن أقرّه على عدم الصحّة ، وأراد ب- «الصلاة» الصلاة عرياناً . والظنّ الخارجي بأنّ المراد الصلاة فيه قد مرّ حاله .

وأمّا صحيحة الحلبي الاُخرى : أ نّه سأل أبا عبداللّه علیه السلام عن الرجل يكون له الثوب الواحد ، فيه بول لا يقدر على غسله ، قال : «يصلّي فيه»(2) .

فمن المحتمل قريباً وقوع التقطيع فيها ؛ فإنّ الحلبي روى ثلاث روايات :

الاُولى : ما تقدّمت ، وهي متعرّضة لحكم الثوب الذي أجنب فيه .

والثانية : متعرّضة لحكم البول ؛ وهي أ نّه سأل أبا عبداللّه علیه السلام عن الرجل . . .» إلى آخره التي تقدّمت آنفاً .

والثالثة : قال : سألت أبا عبداللّه علیه السلام عن الرجل يجنب في الثوب ، أو يصيبه بول ، وليس معه ثوب غيره ، قال : «يصلّي فيه إذا اضطرّ إليه»(3) .

فيحتمل أن تكون الثالثة هي الأصل ، والاُوليان تقطيعاً منها ؛ إذ من البعيد أن يسأل الحلبي أبا عبداللّه علیه السلام تارة : عن الثوب الذي أجنب فيه ، واُخرى : عن

ص: 333


1- تهذيب الأحكام 1 : 407 / 1279 ، و2 : 224 / 886 ؛ وسائل الشيعة 3 : 485 ، كتاب الطهارة ، أبواب النجاسات ، الباب 45 ، الحديث 8 .
2- الفقيه 1 : 160 / 753 ؛ وسائل الشيعة 3 : 484 ، كتاب الطهارة ، أبواب النجاسات ، الباب 45 ، الحديث 3 .
3- تهذيب الأحكام 2 : 224 / 883 ؛ وسائل الشيعة 3 : 485 ، كتاب الطهارة ، أبواب النجاسات ، الباب 45 ، الحديث 7 .

الثوب الذي أصابه البول ، وثالثة : عن كليهما ، فقيد الاضطرار غير مذكور للتقطيع . وهذا وإن كان غير مرضيّ في غير الباب ، لكن يوجب فيه نحو وهن فيها لخصوصية فيه ، والرواية الثالثة إمّا ظاهرة في الاضطرار في اللبس ؛ لبرد أو ناظر محترم ، أو محتملة له ، فلا يمكن معه استفادة الإطلاق منها .

فبقيت صحيحة علي بن جعفر ، عن أخيه موسى علیه السلام قال : سألته عن رجل عريان وحضرت الصلاة ، فأصاب ثوباً نصفه دم أو كلّه دم ، يصلّي فيه ، أو يصلّي عرياناً ؟ قال : «إن وجد ماءً غسله ، وإن لم يجد ماءً صلّى فيه ، ولم يصلّ عرياناً»(1) فهي صريحة الدلالة وصحيحة السند .

لكن ربّما يمكن الخدشة فيها : بأنّ الظاهر من «إصابة الثوب» أ نّه وجده مطروحاً كاللقطة ، فكيف أجاز التصرّف والصلاة فيه ؟ ! وهو نحو وهن فيها .

ولو نوقش في الخدشات بضعف الاحتمالات المتطرّقة ، وظهورها في صحّة الصلاة في الثوب النجس ، كما هو الصواب ، يمكن أن يقال : إنّ وجه الجمع بينها وبين موثّقة سَماعة قال : سألته عن رجل يكون في فلاة من الأرض ، وليس معه إلاّ ثوب فأجنب فيه ، وليس يجد الماء ، قال : «يتيمّم ويصلّي عرياناً قائماً يومئ إيماء»(2) .

ص: 334


1- تهذيب الأحكام 2 : 224 / 884 ؛ وسائل الشيعة 3 : 484 ، كتاب الطهارة ، أبواب النجاسات ، الباب 45 ، الحديث 5 .
2- تهذيب الأحكام 1 : 405 / 1271 ؛ وسائل الشيعة 3 : 486 ، كتاب الطهارة ، أبواب النجاسات ، الباب 46 ، الحديث 3 .

ونحوها روايته الاُخرى ، إلاّ أنّ فيها : «ويصلّي . . . قاعداً»(1) وعن الكليني والشيخ رواية الموثّقة أيضاً كذلك(2) .

ومصحّحة الحلبي ، عن أبي عبداللّه علیه السلام : في رجل أصابته جنابة وهو بالفلاة ، وليس عليه إلاّ ثوب واحد ، وأصاب ثوبه منيّ ، قال : «يتيمّم ويطرح ثوبه فيجلس مجتمعاً ، فيصلّي فيومئ إيماء»(3) .

بحمل الأخبار المتقدّمة على حال وجود الناظر المحترم ؛ بدعوى أنّ قوله : «وهو في الفلاة» لإفادة فقدان الناظر المحترم ، فتكون أخصّ مطلقاً منها ، فتقيّد بها .

وتشهد له رواية الحلبي المتقدّمة(4) ، وحملها على اضطرار اللبس للصلاة(5) تأكيد ، والتأسيس خير منه وأظهر .

ولو نوقش في ذلك : بأنّ ذكر «الفلاة» توطئة لبيان عدم إصابة ثوب آخر وعدم إصابة الماء ، وبمنع ظهور رواية الحلبي في الاضطرار التكويني ؛ بعد كون الصلاة عند المسلمين من الضرورات التي يصدق معها الاضطرار ، فصارت الروايات متعارضة ، فلا ينبغي الإشكال في ترجيح الروايات الحاكمة بالصلاة عارياً على معارضاتها ، بل لا تصلح هي للحجّية ؛ لإعراض الطبقة الاُولى من

ص: 335


1- وسائل الشيعة 3 : 486 ، كتاب الطهارة ، أبواب النجاسات ، الباب 46 ، الحديث 1 .
2- الكافي 3 : 396 / 15 ؛ تهذيب الأحكام 2 : 223 / 881 .
3- تهذيب الأحكام 1 : 406 / 1278 ، و2 : 223 / 882 ؛ وسائل الشيعة 3 : 486 ، كتاب الطهارة ، أبواب النجاسات ، الباب 46 ، الحديث 4 .
4- تقدّمت في الصفحة 333 .
5- مستمسك العروة الوثقى 1 : 546 .

أصحابنا عنها ، والميزان في وهن الرواية هو إعراض تلك الطبقة المتقدّمة .

والظاهر أنّ المحامل التي تراها من شيخ الطائفة - ممّا هي مقطوع الخلاف ، ولا يليق بجنابه ، كحمل صحيحة علي بن جعفر على الدم المعفوّ عنه(1) ، وحمل الأخبار الاُخر على صلاة الجنازة(2) - إنّما هي بعد مفروغية عدم صلوحها للعمل ، لا أنّ اتّكاله على هذا الجمع في الفتوى .

فتركُ الروايات المتكثّرة الصحيحة الظاهرة الدلالة - لأجل روايتين ربّما يخدش في سندهما بالقطع ، وبأحمد بن محمّد بن يحيى ومحمّد بن عبد الحميد وسيف بن عميرة - إلى عصر المحقّق ، وعدمُ طرح أحد من أصحابنا هاتين الروايتين حتّى صاحب «المدارك» الذي دأبه الإشكال والخدشة في الروايات ، فإنّه لم يردّهما ، بل جعل الأخذ بالروايات الاُولى أولى(3) ، يدفعنا عن الاستبداد بالرأي اغتراراً بصحّة تلك الروايات وكثرتها ، ففي مثل المقام يقال : «كلّما ازدادت الروايات صحّة وكثرة ، ازدادت ضعفاً ووهناً» .

هذا مع موافقتها لمالك وغيره ممّن تقدّم ذكره(4) ، ولأبي حنيفة غالباً ، والروايتان الآمرتان بالصلاة عارياً مخالفتان لأبي حنيفة ومالك ، وهما من عُمَد الفقهاء من أهل الخلاف في عصر صدور الروايات ، ولم يكن الشافعي موجوداً

ص: 336


1- تهذيب الأحكام 2 : 224 ، ذيل الحديث 886 .
2- تهذيب الأحكام 2 : 224 ، ذيل الحديث 885 .
3- مدارك الأحكام 2 : 361 .
4- تقدّم في الصفحة 331 .

فيه ، بل لعلّه لم يكن معتمداً في زمن أبي الحسن علیه السلام فإنّه كان شابّاً في عصره ، فلا ينبغي الإشكال في تعيّن الصلاة عارياً .

فما قد يقال : من أنّ أصل الستر أولى بالرعاية من وصفه أو أ نّه مع إلقائه يلزم

ترك السجود والركوع الاختياري(1) .

اجتهاد في مقابل النصّ المعمول به .

ثمّ إنّه مع عدم تمكّنه من النزع لعذر عقلي أو شرعي ، صلّى فيه بلا إشكال ؛ لعدم سقوط الصلاة بحال ، وتكون صحيحة مجزية لا تجب إعادتها ، كما عن المشهور(2) ، وهو الموافق للقواعد . وما في موثّقة الساباطي من الأمر بالإعادة(3) - فمع اشتمالها على التيمّم - محمول على الاستحباب .

ص: 337


1- كشف اللثام 1 : 455 ؛ جواهر الكلام 6 : 249 .
2- جواهر الكلام 6 : 252 ؛ مصباح الفقيه ، الطهارة 8 : 263 .
3- تقدّم في الصفحة 332 .

ص: 338

خاتمة في باقي المطهّرات

اشارة

وهو اُمور :

ص: 339

ص: 340

الأمر الأوّل: في مطهّرية المطر

اشارة

الأوّل : المطر ، ومطهّريته - كطهارته - من الواضحات التي لا ينبغي التكلّم

فيها ، كيف ؟ ! وهو من أقسام الماء المطلق الذي خلقه اللّه طهوراً ، ونزل فيه

قوله تعالى : )وَأَنْزَلْنَا مِنَ السَّمَاءِ مَاءً طَهُوراً((1) وقوله : )وَيُنَزِّلُ عَلَيْكُمْ مِنَ السَّمَاءِ مَاءً لِيُطَهِّرَكُمْ بِهِ . . .((2) إلى آخره .

اعتصام المطر وكيفية التطهير به

ولهذا لم يعنون في كلمات القوم أصل طهوريته أو طهارته ، وإنّما أفردوه بالذكر لبيان حكمين آخرين :

أحدهما : عدم انفعاله بملاقاة النجس حال تقاطره ، مع أ نّه من أقسام الماء القليل ، فكان معتصماً حين نزوله ؛ سواء فيه القطرات النازلة المعتصمة بعضها

ص: 341


1- الفرقان (25) : 48 .
2- الأنفال (8) : 11 .

بالبعض ، كالماء الجاري والكرّ المعتصم بالمادّة والكثرة ، أو ما اجتمع منه بعد النزول وكان قليلاً ؛ بشرط تمطير السماء فعلاً ، وعدم الانقطاع وارتباط بينهما .

وثانيهما : كيفية التطهير به ؛ وأنّ مجرّد إصابته للمحلّ المتنجّس موجب لطهارته ؛ بشرط قابليته لها .

ثمّ اعلم : أ نّا لو التزمنا باعتبار الكرّية في الماء الجاري ، أو قلنا باعتبار العصر

فيه في مثل الثياب ، أو التعدّد في الأواني ، لا يوجب ذلك التزامنا باعتبارها في المطر ؛ لعدم دليل على مشاركته للجاري في الأحكام والشروط ، وإنّما حكي الشهرة على أنّ ماء المطر كالجاري في عدم الانفعال وتطهير ما أصابه(1) ، بعد الفراغ عن عدم اعتبار ما تقدّم ؛ أي الكرّية والعصر والتعدّد في الجاري ، فمع سقوط تلك القيود نزّلوا المطر منزلته ، لا لقيام دليل على التنزيل ، فالمتّبع في ماء

المطر الأدلّة الخاصّة .

أدلّة الحكمين السابقين

فنقول : تدلّ على الحكمين - مضافاً إلى الشهرة المنقولة ، واعتراف بعض الأعيان بعدم معرفة الخلاف بين الأصحاب ، بل عن «الذخيرة» : «الظاهر عدم الخلاف في أ نّه لو أصاب حال تقاطره متنجّساً غير الماء طهر مطلقاً»(2) اللازم منه عدم انفعاله - مرسلة عبداللّه بن يحي-ى الكاهلي ، عن أبي عبداللّه علیه السلام قال قلت : أمرّ في الطريق ، فيسيل عليّ الميزاب في أوقات أعلم أنّ الناس يتوضّؤون ،

ص: 342


1- جواهر الكلام 6 : 312 ؛ مصباح الفقيه ، الطهارة 8 : 345 .
2- ذخيرة المعاد : 121 / السطر 35 .

قال : «ليس به بأس ، لا تسأل عنه» .

قلت : يسيل عليّ من ماء المطر ، أرى فيه التغيّر ، وأرى فيه آثار القذر ، فتقطر

القطرات عليّ ، وينتضح عليّ منه ، والبيت يتوضّأ على سطحه ، فيكِفُ على ثيابنا ، قال : «ما بذا بأس لا تغسله ؛ كلّ شيء يراه ماء المطر فقد طهر»(1) .

والظاهر جبر سندها بالشهرة ؛ لنقل جمع من الأعيان الشهرة على الحكم الثاني من الحكمين المتقدّمين(2) ، وليس في المسألة دليل صالح للاتّكال عليه إلاّ المرسلة ، ولهذا لم يرمها صاحب «المدارك» بالضعف(3) .

وقال الأردبيلي بعد الإشكال في طريقها : «وقد يقال : ينجبر بالشهرة ، وفيه تأمّل»(4) والظاهر تأمّله في الانجبار بالشهرة ، لا في تحقّقها ، ولعلّه استشكل في أصل الانجبار بها ، أو ثبوت اتّكالهم عليها .

أقول : في مثل هذا الحكم المخالف للقواعد المفقود فيه الدليل إلاّ المرسلة والمرسلة الآتية(5) - على إشكال فيها - يطمئنّ النفس بأنّ اتّكالهم كان عليها ، وهذا يكفي في الجبر .

ولا إشكال في دلالتها على مطهّريته بمجرّد الإصابة ؛ من غير لزوم خروج

ص: 343


1- الكافي 3 : 13 / 3 ؛ وسائل الشيعة 1 : 146 ، كتاب الطهارة ، أبواب الماء المطلق ، الباب 6 ، الحديث 5 .
2- مجمع الفائدة والبرهان 1 : 256 ؛ الحدائق الناضرة 1 : 220 و222 ؛ مشارق الشموس : 211 / السطر 8 ؛ مستند الشيعة 1 : 28 .
3- مدارك الأحكام 2 : 376 .
4- مجمع الفائدة والبرهان 1 : 256 .
5- سيأتي في الصفحة 345 .

الغسالة أو شرط آخر فيما يعتبر في الغسل بالماء القليل ، ولازمه عدم انفعاله ؛ إذ لو انفعل لما يمكن التطهير به مع بقاء الغسالة ، فتدلّ على الحكمين .

ثمّ إنّ قوله : «أمرّ في الطريق . . .» إلى آخره في صدرها ، سؤال عن مورد يظنّ بكون ما سال من الميزاب نجساً ؛ فإنّ المراد ب- «توضّي الناس» إمّا استنجاؤهم ، أو الوضوء ، لكنّهم كانوا يتوضّؤون في محلّ يبولون فيه ويستنجون ، فأجابه بما أجاب .

ثمّ سأل عن سيلان المطر مع فرض العلم بملاقاته للنجاسة برؤية آثارها فيه ، ورؤية تغيير فيه ، وهذا التعبير لا يدلّ على كون ماء المطر متغيّراً ولو فرض أنّ المراد التغيير بالنجاسة ، فإنّ الظاهر من رؤية التغيير فيه أنّ فيه آثار القذارة ؛ بأن يكون بعض الماء الذي يسيل متغيّراً ، فقوله : «وأرى فيه آثار القذر» على هذا يكون بياناً للجملة المتقدّمة .

وبالجملة : الظاهر منه عدم تغيّر جميع الماء ، بل رأى تغيّراً وآثاراً من القذارة فيه ، فأجاب بأ نّه لا بأس به ، وعلّله بأنّ «كلّ شيء يراه ماء المطر فقد طهر» .

لا يقال : التعليل لا يناسب هذا الحكم ؛ لأنّ المناسب أن يقول : «ماء المطر لا ينفعل» لا «أ نّه مطهّر لما يراه» لعدم التنافي بين مطهّريته وتنجّسه به ، كغسالة

الماء القليل .

فإنّه يقال : يحتمل أن يكون المراد تطبيق الكبرى على الماء الذي يسيل ويرى فيه آثار القذر ، فأفاد أنّ هذا الماء الذي يسيل حال تقاطر المطر يطهّر ما أصابه ، فكيف يتنجّس به ، بل كيف يمكن انفعاله ، فإنّ الماء المتنجّس لا يكون

ص: 344

مطهّراً ؟ ! فأفاد المراد بلازمه بنحو بليغ .

ويحتمل أن يكون المراد تطبيقها على الماء حال وصوله إلى المحلّ القذر قبل جريانه ؛ بأن يقال : إنّ ماء المطر ليس كسائر المياه القليلة ؛ لأ نّه بمجرّد الإصابة مطهّر ، وما من شأنه ذلك لا بدّ وأن لا ينفعل بملاقاة النجس ولو بمثل الأعيان النجسة ؛ لعدم الفرق في التنجّس بينها وبين ما تنجّس بها ، تأمّل .

وكيف كان : لا إشكال في إفادتها الحكمين المتقدّمين .

وتدلّ عليهما أيضاً مرسلة محمّد بن إسماعيل ، عن بعض أصحابنا ، عن أبي الحسن علیه السلام في طين المطر : «أ نّه لا بأس به أن يصيب الثوب ثلاثة أيّام ، إلاّ أن يعلم أ نّه قد نجّسه شيء بعد المطر . فإن أصابه بعد ثلاثة أيّام فاغسله ، وإن كان الطريق نظيفاً فلا تغسله»(1) .

ومقتضى إطلاقها أنّ طينه طاهر ولو نجّسه شيء قبل المطر ، سيّما مع تعقّبه بقوله علیه السلام : «إلاّ أن يعلم . . .» إلى آخره ، المتفاهم منه أنّ العلم بنجاسته قبل المطر لا يوجب التحرّز . ولعلّ الأمر بالغسل بعد ثلاثة أيّام للاستحباب .

وعلى أيّ تقدير : يظهر منها طهارة المتنجّس ، ولازمها عدم انفعال ماء المطر ؛ لعدم خروج الغسالة واختلاط المطر بالطين .

وتدلّ على الحكم الأوّل من الحكمين المتقدّمين جملة من الروايات ، كصحيحةِ هشام بن سالم : أ نّه سأل أبا عبداللّه علیه السلام عن السطح يبال عليه ،

ص: 345


1- الكافي 3 : 13 / 4 ؛ تهذيب الأحكام 1 : 267 / 783 ؛ وسائل الشيعة 3 : 522 ، كتاب الطهارة ، أبواب النجاسات ، الباب 75 ، الحديث 1 .

فتصيبه السماء، فيكف فيصيب الثوب، فقال: «لا بأس به؛ ما أصابه من الماء أكثر منه»(1).

وصحيحةِ هشام بن الحكم ، عنه علیه السلام : في ميزابين سالا ، أحدهما بول ، والآخر ماء المطر ، فاختلطا فأصاب ثوب رجل : «لم يضرّه ذلك»(2) . . . إلى غير ذلك .

ويمكن أن يستدلّ بها للحكم الثاني في الجملة ؛ بأن يقال : إنّه - بعد عدم انفعال ماء المطر بملاقاة النجس - إذا أصاب المتنجّس وغلب عليه يصير طاهراً ؛ لصدق «الغسل» وعدم لزوم إخراج غسالته .

وإنّما اعتبر إخراجها في الغسل بالماء القليل ؛ لانفعاله بالملاقاة ، فلا بدّ في الغسل به من صبّ الماء عليه وإخراج غسالته لإزالة النجاسة بعد انتقال القذارة من المتنجّس إلى الماء ، كما مرّ تقريبه في بابه(3) .

وأمّا ماء المطر ، فلمّا لم ينفعل بحكم تلك الروايات ، فلا يحتاج في التطهير به إلى إخراجه من المحلّ المتنجّس ، ولازمه تطهيره بإصابته وغلبته عليه .

هذا بناءً على عدم لزوم العصر في الكثير والجاري ؛ بدعوى صدق «الغسل» بمجرّد نفوذ الماء في المحلّ .

ص: 346


1- الفقيه 1 : 7 / 4 ؛ وسائل الشيعة 1 : 144 ، كتاب الطهارة ، أبواب الماء المطلق ، الباب 6 ، الحديث 1 .
2- الكافي 3 : 12 / 1 ؛ تهذيب الأحكام 1 : 411 / 1295 ؛ وسائل الشيعة 1 : 145 ، كتاب الطهارة ، أبواب الماء المطلق ، الباب 6 ، الحديث 4 .
3- تقدّم في الصفحة 129 .

وأمّا لو بني على عدم صدقه أو شكّ فيه إلاّ بعد العصر ، أو التحريك في الماء ؛ حتّى ينتقل الماء الداخل في الجملة - كما تقدّم احتماله أو اختياره(1) - فلا تدلّ تلك الروايات على الحكم الثاني .

وعلى الفرض الأوّل أيضاً لا تدلّ على تمام المطلوب ؛ أي الكفاية عمّا يحتاج إلى التعدّد ، كالبول والأواني ، بخلاف مرسلة الكاهلي المتقدّمة(2) ، فهي الأصل في إثبات الحكم على نحو الإطلاق .

عدم اعتبار الجريان في التطهير بالمطر

ثمّ إنّ مقتضى إطلاق المرسلتين وصحيحة هشام بن سالم وذيل صحيحة

علي بن جعفر الآتية ورواية أبي بصير قال : سألت أبا عبداللّه علیه السلام عن الكنيف

يكون خارجاً ، فتمطر السماء ، فتقطر عليّ القطرة ، قال : «ليس به بأس»(3) .

ثبوت الحكم بمجرّد صدق «المطر» من غير اعتبار الجريان على الأرض ، فضلاً عن كونه بحدّ يجري من الميزاب ، كما لعلّه مراد الشيخ وابن سعيد(4) ؛ ضرورة فساد توهّم : أنّ مرادهما من «الجريان منه» دخالة الجريان منه في الحكم ؛ بحيث لو لم يجرِ منه بالفعل لفقدانه ، أو كون محلّ التمطير

ص: 347


1- تقدّم في الصفحة 136 .
2- تقدّم في الصفحة 342 .
3- تهذيب الأحكام 1 : 424 / 1348 ؛ وسائل الشيعة 1 : 147 ، كتاب الطهارة ، أبواب الماء المطلق ، الباب 6 ، الحديث 8 .
4- تهذيب الأحكام 1 : 411 ، ذيل الحديث 1296 ؛ المبسوط 1 : 6 ؛ الجامع للشرائع : 20 .

كالصحاري والبراري ، لم يحكم بمطهّريته ، فالنقض عليهما بمثل ذلك(1) غير صحيح ؛ فإنّ ذكر الميزاب لبيان تعيين حدّ الجريان ، لا اعتبار ذاك الخشب والجريان منه .

كما إنّ الظاهر من ابن حمزة أنّ الحدّ جريانه من الشِعْب ، قال في بيان ما

هو بحكم الماء الجاري : «وحكم الماء الجاري من الشِعْب(2) من ماء المطر كذلك»(3) و«الشِعْب» - بكسر الأوّل - : الطريق في الجبل ، ومسيل الماء في بطن الأرض(4) ، فيرجع كلامه إلى اعتبار الجريان بمقدار يسيل من مسيل الجبل المنحدر .

وهو يوافق الجريان من الميزاب الذي ظاهر الشيخ ، قال في «التهذيب» : «قال محمّد بن الحسن : الوجه في هذين الخبرين - أي خبر هشام بن الحكم وخبر محمّد بن مروان الواردين في ميزابين - أنّ ماء المطر إذا جرى من الميزاب ، فحكمه حكم الماء الجاري ؛ لا ينجّسه شيء إلاّ ما غيّر لونه أو طعمه أو رائحته .

ويدلّ على ذلك ما رواه علي بن جعفر قال : سألت أبا الحسن موسى علیه السلام عن البيت يبال على ظهره ، ويغتسل فيه من الجنابة ، ثمّ يصيبه المطر ، أيؤخذ من مائه

ص: 348


1- مستمسك العروة الوثقى 1 : 176 - 177 .
2- هكذا في الطبع الحجري ، ولكن في الطبع الجديد «المثعب» . راجع الجوامع الفقهية ، الوسيلة إلى نيل الفضيلة : 704 / السطر 23 .
3- الوسيلة إلى نيل الفضيلة : 73 .
4- أقرب الموارد 1 : 593 ؛ المنجد : 390 .

فيتوضّأ به للصلاة ؟ فقال : «إذا جرى فلا بأس(1) »(2) انتهى .

ولا يبعد أن يكون مراده مطلق الجريان ، وإنّما ذَكر في ذيل الخبرين الواردين في ميزابين ، وجهَ عدم الانفعال في موردهما ، لا تقي-يد أصل الحكم ؛ بقرينة تمسّكه برواية علي بن جعفر ، فالقول باشتراطه الجريان من خصوص الميزاب ، فاسد جدّاً . نعم ، لا يبعد اعتباره ذلك بحدٍّ جرى من الميزاب .

لكنّ الأقرب أ نّه اشترط أصل الجريان ، على تأمّل فيه أيضاً ناشئ من أنّ كتاب «التهذيب» لم يعمل للفتيا ، بل عمل لتأويل الروايات المختلفة وتوجيهها ؛ لحفظ القلوب الضعيفة التي ثقل عليها الاختلاف فيها ، كما يظهر من أوّله(3) . ولم يحضرني كتاب «المبسوط»(4) .

وكيف كان : فالمشهور - على ما حكي - عدم اعتبار الجريان شهرةً عظيمةً(5) بل عن «الروض» أ نّه جعل المخالف الشيخ(6) وعن «المصابيح» بعد نسبته إلى فتوى الأصحاب : «أ نّه لم يثبت مخالف ناصّ»(7) وهو كذلك بالنسبة إلى الشيخ

ص: 349


1- مسائل علي بن جعفر : 204 / 433 ؛ الفقيه 1 : 7 / 6 ؛ وسائل الشيعة 1 : 145 ، كتاب الطهارة ، أبواب الماء المطلق ، الباب 6 ، الحديث 2 .
2- تهذيب الأحكام 1 : 411 ، ذيل الحديث 1296 .
3- تهذيب الأحكام 1 : 2 - 3 .
4- المبسوط 1 : 6 ، قال فيه : «ومياه الموازيب الجارية من المطر حكمها حكم الماء الجاري سواء» .
5- جواهر الكلام 6 : 312 و321 .
6- روض الجنان 1 : 372 .
7- المصابيح في الفقه : 102 / السطر 4 (مخطوط) .

في «تهذيبه» على ما تقدّم . لكن ظاهر ابن حمزة اعتباره بنحو ما تقدّم .

ومستند أصل الجريان صحيحة علي بن جعفر المتقدّمة ، فتقيّد بها المطلقات .

و لا يخفى ما فيه ؛ فإنّ الظاهر من قوله : «البيت يبال على ظهره» أنّ ظهره معدّ لذلك ، والظاهر أ نّه كان متعارفاً في تلك الأمكنة والأزمنة ، كما يظهر من سائر الروايات(1) ، فحينئذٍ يكون اشتراط الجريان لخصوصية المورد ؛ لعدم غلبة المطر على النجاسة بلا جريان في مثله ممّا يكون مُبالاً . كما أنّ السؤال عن الاغتسال من الجنابة يؤيّده ، فيكون اعتبار الجريان للغلبة على النجاسة .

ويحتمل أن يكون المراد من «الأخذ من مائه» أخذ ما جرى خارج المحلّ ؛ فإنّه إذا كان الماء فيه وكان معدّاً للبول ، لم يذهب بالمطر عينُ النجاسة ، ومع بقائها فيه والأخذ منه لا محالة يبتلي المكلّف بها إذا أخذ منه ، فيكون القيد للإرشاد إلى الأخذ من المحلّ الخارج ؛ لئلاّ يبتلي بها ، ولهذا لم يذكر الجريان في ذيلها ، وهو هكذا : قال : وسألته عن الرجل يمرّ في ماء المطر ، وقد صبّ فيه خمر فأصاب ثوبه ، هل يصلّي فيه قبل أن يغسله ؟ فقال : «لا يغسل ثوبه ولا رجله ، ويصلّي فيه ، ولا بأس به»(2) .

هذا مضافاً إلى احتمال أن يكون المراد من «جريانه» فعلية تمطير السماء ، فالشرط لأجل أنّ المحلّ المعدّ للبول ، لا يرتفع جرم البول المتراكم فيه بالمطر ، فمع قطع الجريان ينفعل ماؤه ، كسائر المياه القليلة .

ص: 350


1- راجع وسائل الشيعة 1 : 144 ، كتاب الطهارة ، أبواب الماء المطلق ، الباب 6 .
2- الفقيه 1 : 7 / 7 ؛ وسائل الشيعة 1 : 145 ، كتاب الطهارة ، أبواب الماء المطلق ، الباب 6 ، الحديث 2 .

والإنصاف : أ نّه لا يجوز رفع اليد عن الإطلاقات - سيّما مثل قوله علیه السلام : «ما أصابه من الماء أكثر»(1) - بمثل هذه الرواية .

وأمّا رواية الحِمْيَري بإسناده عن علي بن جعفر : وسألته عن الكنيف يكون فوق البيت ، فيصيبه المطر ، فيكف فيصيب الثياب ، أيصلّى فيه قبل أن تغسل ؟ قال : «إذا جرى من ماء المطر فلا بأس»(2) .

فظاهرها أنّ ما يكف إن كان من ماء المطر فلا بأس ، في مقابل ما كان من البول أو ماء الكنيف ، فهي في الحقيقة من أدلّة عدم اعتبار الجريان فيه ، أو لا أقلّ

من عدم دلالتها على اعتباره .

كما إنّ ما في «كتاب علي بن جعفر» عن أخيه موسى علیه السلام قال : سألته عن المطر يجري في المكان فيه العَذِرة ، فيصيب الثوب ، أيصلّى فيه قبل أن يغسل ؟ قال : «إذا جرى فيه المطر فلا بأس»(3) لا ظهور فيه في القيدية بعد مسبوقيته بفرض جريانه في المكان ، فكأ نّه قال : «على هذا الفرض لا بأس به» .

مضافاً إلى أنّ الظاهر أنّ المفروض جريان ماء المطر إلى محلّ فيه العَذِرة ، ولم يكن ذلك المكان مورد إصابة المطر ، فالسؤال عن تمطير السماء في مكان ، وإجراء مائه في مكان آخر فيه العَذِرة ، فلا يدلّ على القيدية في مورد البحث .

ص: 351


1- تقدّم في الصفحة 346 .
2- مسائل علي بن جعفر : 192 / 398 ؛ قرب الإسناد : 192 / 724 ؛ وسائل الشيعة 1 : 145 ، كتاب الطهارة ، أبواب الماء المطلق ، الباب 6 ، الحديث 3 .
3- مسائل علي بن جعفر : 130 / 115 ؛ وسائل الشيعة 1 : 148 ، كتاب الطهارة ، أبواب الماء المطلق ، الباب 6 ، الحديث 9 .

مع أنّ الشرطية لبيان تحقّق الموضوع ؛ فإنّ مفهومها «إذا لم يجر فيه المطر» لا «إذا تحقّق المطر ولم يكن جارياً» فالأقوى ما عليه القوم من عدم اعتبار الجريان .

نعم ، لا عبرة بالقطرات اليسيرة ؛ لانصراف الأدلّة عنها ، بل لا يبعد عدم صدق «المطر» عليها عرفاً ، بل ولغة .

توقّف التطهير بالمطر على صدق رؤية مائه للمتنجّس

ثمّ إنّ التطهير بالمطر متوقّف على صدق رؤية مائه للشيء النجس؛ أي المحلّ الذي تنجّس ، فإذا تقاطر على بعض الجسم النجس ، طهر موضع التقاطر لا غير .

هذا في غير المائعات ، وأمّا فيها فلا إشكال في عدم طهارة غير الماء منها به ؛ لعدم إمكان رؤيته جميع أجزائها ، وما وصل إليه أيضاً لا يطهر ؛ للسراية ، ففي مثله لا يمكن حصول الطهارة .

وإن شئت قلت : إنّ قوله علیه السلام : «كلّ شيء يراه ماء المطر فقد طهر»(1) لا يشمل مثل المائعات ؛ فإنّها غير قابلة للتطهير كالأعيان النجسة ؛ فإنّ رؤية المطر جميعَ أجزائها غير ممكن ، وبعضَها المتّصل بالنجس غير قابل له فلا يشمله الدليل .

ومن ذلك يعلم الحال في الماء أيضاً .

ودعوى صدق رؤيته إيّاه بتقطير قطرات بل قطرة عليه(2) ، غير وجيهة ؛ لأنّ

ص: 352


1- تقدّمت في الصفحة 343 .
2- روض الجنان 1 : 372 ؛ جواهر الكلام 6 : 319 .

المراد من صدقها إن كان صدق الرؤية لهذا الجسم بملاحظة كونه موجوداً واحداً ، فإذا صدق رؤيته لجزء منه صدق رؤيته له ، فلازمه طهارة جميع الأرض إذا تقاطر على نقطة منها المطر ؛ لصدق رؤيته إيّاها .

والحلّ : أنّ الظاهر من قوله علیه السلام : «كلّ شيء يراه . . .» إلى آخره - بمناسبة الحكم والموضوع - أنّ الطهارة مخصوصة بموضع الملاقاة دون غيره ، وهو واضح .

ولو قيل : إنّ مقتضى إطلاق الرؤية طهارة الجزء الذي رآه المطر ، ولازمه طهارة جميع الماء ؛ للإجماع على عدم محكومية الماء الواحد بحكمين .

يقال له : - بعد تسليم ثبوت الإجماع المذكور - إنّا نمنع إطلاقها لمثل المورد ؛ لعدم إمكان قبوله للتطهير كسائر المائعات ؛ فإنّ الجزء المائع المتّصل بالنجس اللازم الانفعال منه ، لا يصير طاهراً بورود المطهّر عليه .

بل لولا الإجماع على قبول المياه للطهارة(1) ودلالة بعض الأخبار عليه - كصحيحة محمّد بن إسماعيل بن بَزيع الواردة في ماء البئر(2) وما وردت في ماء الحمّام(3) - لكان الحكم بقبوله لها مشكلاً ، والمتيقّن من الإجماع طهارته بعد

ص: 353


1- مستند الشيعة 1 : 15 .
2- عن الرضا عليه السلام قال : «ماء البئر واسع لا يفسده شيء إلاّ أن يتغيّر ريحه أو طعمه ، فينزح حتّى يذهب الريح ويطيب طعمه لأنّ له مادّة» . تهذيب الأحكام 1 : 234 / 676 ؛ وسائل الشيعة 1 : 172 ، كتاب الطهارة ، أبواب الماء المطلق ، الباب 14 ، الحديث 7 .
3- راجع وسائل الشيعة 1 : 148 ، كتاب الطهارة ، أبواب الماء المطلق ، الباب 7 .

الامتزاج ، كما إنّ مورد الروايات المتقدّمة(1) ذلك ، فالأقوى عدم طهارة الماء المتنجّس إلاّ بالامتزاج بالمعتصم .

وقد يقال : بدلالة مرسلة الكاهلي على طهارته بالتقاطر عليه على بعض نسخ «الكافي» كما نقل في «الوافي» : «ويسيل على الماء المطرُ» بتعريف «الماء» وجرّه ب- «على» وكون «المطرُ» فاعل «يسيل» قال في «الوافي» : «والغرض من السؤال الثاني أنّ المطر يسيل على الماء المتغيّر بالقذر ، فيثب من الماء القطرات ، وينتضح عليّ ، و«البيت يتوضّأ على سطحه . . .» سؤال آخر»(2) انتهى ، بدعوى : أنّ «كلّ شيء يراه . . .» إلى آخره بعد تعقّبه بذلك ، يدلّ على المطلوب(3) .

وفيه : - مع عدم ثبوت صحّة هذه النسخة ، ولهذا لم يشر إليها المحدّث المجلسي في «مرآته»(4) ولا الحرّ في جامعه(5) ، والاستشهاد على صحّتها بمنافاة فرض السيلان عليه على النسخة المعروفة مع فرض ورود القطرات عليه(6) ، غير تامّ ؛ لإمكان رفع التنافي بأن يقال : إنّ فرض ورود القطرات ، قرينة على أنّ المراد من سيلانه عليه سيلانه من فوق رأسه ، فكأ نّه قال :

ص: 354


1- تقدّم في الصفحة 345 .
2- الوافي 6 : 46 .
3- مستمسك العروة الوثقى 1 : 182 .
4- مرآة العقول 13 : 43 - 44 .
5- وسائل الشيعة 1 : 146 ، كتاب الطهارة ، أبواب الماء المطلق ، الباب 6 ، الحديث 5 .
6- مستمسك العروة الوثقى 1 : 182 .

«يسيل عليّ الميزاب ، فيقطر عليّ منه القطرات» - أنّ سيلان المطر على الماء بناءً على هذه النسخة ، ملازم لامتزاجه به ، ولعلّه مع الامتزاج صدق الرؤية عرفاً بنحو من التسامح .

مع أنّ لنا أن نقول : إنّ تطبيق الكبرى على المورد دليل على صحّة النسخة المشهورة ؛ لو منع الصدق العرفي مع الامتزاج .

وكيف كان : لا يمكن إثبات هذا الحكم المخالف للقواعد والارتكاز العرفي بهذه النسخة غير الثابتة .

ص: 355

الأمر الثاني: في مطهّرية الشمس

اشارة

الثاني : الشمس إذا جفّفت بإشراقها البول وغيره من النجاسات والمتنجّسات التي لا يبقى جِرمها بعد الجفاف بالتبخير عن الأرض وغيرها ممّا لا ينقل ، كالنباتات والأشجار ، وأثمارها الموصولة بها ، والأبنية وما يتعلّق بها من الأبواب والأخشاب والمسامير وغيرها ، بل عن البواري والحصر من المنقولات ، على الأظهر الأقوى في جميع المذكورات .

وقد خالف في أصل الحكم المحدّث الكاشاني ، فاختار في «الوافي» عدم مطهّريتها ، بل عدم العفو حتّى عن السجدة عليها ، قال في ذيل رواية ابن أبي عمير - قال : قلت لأبي عبداللّه علیه السلام : اُصلّي على الشاذكونة وقد أصابتها الجنابة ، قال : «لا بأس»(1) - بهذه العبارة :

«والوجه في ذلك عدم اشتراط الطهارة في مواضع الصلاة إلاّ بقدر ما يسجد

ص: 356


1- تهذيب الأحكام 2 : 370 / 1538 ؛ وسائل الشيعة 3 : 454 ، كتاب الطهارة ، أبواب النجاسات ، الباب 30 ، الحديث 4 .

عليه . نعم يشترط أن لا يكون فيها - إذا كانت نجسة - رطوبة يتعدّى بها النجاسة إلى ثوب المصلّي أو بدنه . وبناء الأخبار الآتية على هذا الأصل ، إلاّ أنّ

جماعة من أصحابنا اشتبه ذلك عليهم ، فزعموا أنّ الشمس تطهّر الأرض والبواري»(1) .

ثمّ ذكر في ذيل بعض الأحاديث مؤيّداتٍ لما اختاره ، وحمل صحيحة زرارة الآتية ورواية أبي بكر الحضرمي على المعنى اللغوي ؛ أي عدم سراية القذر ، كقوله علیه السلام : «كلّ شيء يابس زكيّ»(2) ليوافقا سائر الأخبار(3) .

وعن جملة من الأصحاب القول بصحّة السجود عليها وبقائها على النجاسة(4) ، فيكون البناء على العفو في خصوص هذا الحكم .

والمشهور البناء على الطهارة ، بل عن جملة منهم دعوى الإجماع عليها ، ففي «الخلاف» الإجماع على طهارة الأرض والحصر والبواري من البول(5) ، وعن «السرائر» الإجماع على التطهير بالشمس(6)، وعن «كشف الحقّ»: «ذهب الإمامية إلى أنّ الأرض لو أصابها البول وجفّت بالشمس طهرت ، وجاز التيمّم منها»(7)

ص: 357


1- الوافي 6 : 231 .
2- تهذيب الأحكام 1 : 49 / 141 ؛ وسائل الشيعة 1 : 351 ، كتاب الطهارة ، أبواب أحكام الخلوة ، الباب 31 ، الحديث 5 .
3- الوافي 6 : 231 و232 و234 .
4- اُنظر جواهر الكلام 6 : 258 ؛ الوسيلة إلى نيل الفضيلة : 79 ؛ المعتبر 1 : 446 .
5- الخلاف 1 : 218 - 219 و495 .
6- السرائر 1 : 182 .
7- نهج الحقّ وكشف الصدق : 418 .

وعن جملة منهم دعوى الشهرة عليها (1) .

وأيضاً يظهر من بعضهم اختصاص الحكم بالبول(2) . وعن جملة منهم دعوى الشهرة على التطهير من سائر النجاسات المائعة(3) . وظاهر بعضهم اختصاص الحكم بالأرض والحصر والبواري(4) . وعن جملة منهم نقل الشهرة عليها وعلى كلّ ما لا ينقل ، كالنباتات والأبنية وغيرهما (5) .

والأقوى في المقامات الثلاثة ما حكي عن المشهور أي :

1 - حصول الطهارة .

2 - وعموم الحكم لكلّ مائع متنجّس أو نجس ، نظير البول ممّا يتبخّر بإشراق الشمس .

3 - وعمومه لكلّ ما لا ينقل ، وللحصر والبواري .

فيما يدلّ على مطهّرية الشمس

وتدلّ على المطلوب في المقامات الثلاثة صحيحة زرارة ، قال : سألت أبا جعفر علیه السلام عن البول يكون على السطح ، أو في المكان الذي يصلّى فيه ،

ص: 358


1- مختلف الشيعة 1 : 323 ؛ المهذّب البارع 1 : 252 ؛ مفاتيح الشرائع 1 : 79 ؛ الحدائق الناضرة 5 : 436 - 437 .
2- المقنعة : 71 ؛ المبسوط 1 : 38 ؛ المراسم : 56 .
3- مختلف الشيعة 1 : 323 ؛ المهذّب البارع 1 : 252 ؛ الحدائق الناضرة 5 : 450 ؛ جواهر الكلام 6 : 259 - 260 .
4- المقنعة : 71 ؛ المبسوط 1 : 38 ؛ السرائر 1 : 182 ؛ المختصر النافع : 19 .
5- الحدائق الناضرة 5 : 436 ؛ مستند الشيعة 1 : 320 ؛ مستمسك العروة الوثقى 2 : 78 .

فقال : «إذا جفّفته الشمس فصلّ عليه ؛ فهو طاهر»(1) .

أمّا دلالتها على الطهارة فلا ينبغي الإشكال فيها . وتوهّم أنّ «الطهارة» فيها

بمعنى عدم السراية(2) - كقوله علیه السلام : «كلّ شيء يابس زكيّ»(3) - خلاف الظاهر بل الصريح ؛ لا يذهب إليه إلاّ مع قيام قرينة ، وسيأتي حال بعض ما يتوهّم قرينيته(4) .

بل الظاهر من قوله علیه السلام : «فصلّ عليه» أنّ شرط الصلاة عليه حاصل ، ومعلوم أنّ المتعارف في تلك الأعصار السجود على المكان الذي كانوا يصلّون فيه .

نعم ، من كان على مذهب الحقّ ، كان لا محالة يراعي كون المكان ممّا تصحّ السجدة عليه ، وأمّا وضع شيء - كتراب قبر مولانا الحسين - سلام اللّه عليه - أو

حجر ، أو خشب ، فلم يكن معهوداً ومتعارفاً ، سيّما مع شدّة التقيّة .

فسؤال زرارة عن البول في المكان الذي يصلّى فيه ، إنّما هو عن صحّة الصلاة والسجود عليه مع جفاف البول ؛ ضرورة عدم تعقّل السؤال عن البول الرطب الساري ، فقوله علیه السلام في مقام الجواب : «إذا جفّفته الشمس فصلّ عليه» يدلّ على حصول شرط السجود .

والحمل على العفو مع بقاء النجاسة ، خلاف الظاهر المتفاهم ، فهل ترى من

ص: 359


1- الفقيه 1 : 157 / 732 ؛ وسائل الشيعة 3 : 451 ، كتاب الطهارة ، أبواب النجاسات ، الباب 29 ، الحديث 1 .
2- الوافي 6 : 234 .
3- تقدّم في الصفحة 357 .
4- يأتي في الصفحة 362 .

نفسك - بعد معهودية اشتراط الطهارة في ثوب المصلّي - انقداحَ احتمال العفو

وبقاء النجاسة من قوله مثلاً : «إن أصابه المطر صلّ فيه» ؟ ! وليس ذلك إلاّ لأنّ تجويز الصلاة فيه دليل على حصول شرطه ، فيستفاد من الصحيحة - مع الغضّ عن قوله علیه السلام : «فهو طاهر» - حصول شرط السجدة مع الجفاف بالشمس .

فاحتمال التجفيف مخالف للظاهر ، فضلاً عن احتمال ارتكبه الكاشاني ؛ فإنّه بناءً على ما ذكره يكون ذكر الشمس والتعليق عليها ، في غير محلّه ؛ إذ لو كان الموضوع هو التجفيف فلا معنى للتقييد . وكون الشمس أسرع في التجفيف ، لا يوجب تعليقه عليها من غير دخالة لها .

هذا مع أنّ «الطاهر» في مقابل «القذر» عرفاً وشرعاً ، وليس للشارع اصطلاح خاصّ فيهما ، كما مرّ مراراً (1) . وحملها على عدم السراية مع الجفاف ، من قبيل توضيح الواضحات بعد وضوحه لدى العرف .

وبالجملة : لا شبهة في دلالتها وصراحتها على المطلوب .

وتدلّ عليه أيضاً رواية الحضرمي ، عن أبي جعفر علیه السلام قال : «كلّ ما أشرقت عليه الشمس فهو طاهر»(2) . وفي رواية اُخرى عنه علیه السلام «ما أشرقت عليه الشمس فقد طهر»(3) .

ص: 360


1- تقدّم في الصفحة 16 و170 ، وفي الجزء الثالث : 9 - 11 .
2- تهذيب الأحكام 2 : 377 / 1572 ؛ وسائل الشيعة 3 : 453 ، كتاب الطهارة ، أبواب النجاسات ، الباب 29 ، الحديث 6 .
3- تهذيب الأحكام 1 : 273 / 804 ؛ وسائل الشيعة 3 : 452 ، كتاب الطهارة ، أبواب النجاسات ، الباب 29 ، الحديث 5 .

والظاهر أ نّهما رواية واحدة ، والسند وإن كان ضعيفاً بعثمان بن عبد الملك ، بل في الحضرمي تأمّل ، لكن رواية أحمد بن محمّد بن عيسى إيّاها - مع ما هو المعروف من طريقته(1) - لا يبعد أن تكون نحو توثيق لهما ، أو دالّةً على قرينة على صدورها .

وأمّا صحيحة محمّد بن إسماعيل بن بَزيع قال : سألته عن الأرض والسطح يصيبه البول وما أشبهه ، هل تطهّره الشمس من غير ماء ؟ قال : «كيف يطهّر من غير ماء ؟ !»(2) .

فالظاهر منها أنّ الشمس تطهِّر مع الماء ، سيّما لو كان «يطهّر» في الذيل من التفعيل ، وضميره راجعاً إلى الشمس ، كما هو المناسب للسؤال .

وفي نسخة «الوافي» : «تطهّر» بالتاء(3) ، والظاهر منها كونه من التفعيل ، لا من باب المجرّد ، فتكون الرواية دالّة على المطلوب ، فدعوى الكاشاني بأ نّها صريحة في عدم التطهّر بالشمس(4) ، غير وجيهة .

ومن بعض ما ذكرناه يظهر إمكان الاستدلال للمطلوب - أي حصول الطهارة - بصحيحة زرارة وحديد الأزدي قالا : قلنا لأبي عبداللّه علیه السلام : السطح يصيبه البول أو يبال عليه ، يصلّى في ذلك المكان ؟ فقال : «إن تصيبه الشمس والريح

ص: 361


1- راجع رجال النجاشي : 185 / 490 و : 332 / 894 ؛ خلاصة الأقوال : 63 / 7 .
2- تهذيب الأحكام 1 : 273 / 805 ؛ وسائل الشيعة 3 : 453 ، كتاب الطهارة ، أبواب النجاسات ، الباب 29 ، الحديث 7 .
3- الوافي 6 : 231 / 20 .
4- الوافي 6 : 231 ، ذيل الحديث 20 .

وكان جافّاً فلا بأس به ، إلاّ أن يكون يتّخذ مبالاً»(1) . فإنّ التفصيل بين ما يتّخذ مبالاً ، فلا يجوز فيه الصلاة مع جفافه ، وبين غيره فيجوز ، كالصريح في مخالفة مختار الكاشاني . ومع معهودية اشتراط الطهور في محلّ سجدة المصلّي ، وكون المتعارف عدم وضع شيء للسجود ، تدلّ الرواية على حصول الشرط ؛ أي الطهور .

فدعوى : أنّ تجويز الصلاة فيه ونفي البأس ، لا يدلاّن على حصول الطهارة ؛ لإمكان كونهما مبنيّين على العفو(2) ، خلاف فهم العرف وظهور الرواية .

نعم ، فيها مناقشة ناشئة من ضمّ الريح إلى الشمس(3) .

ومناقشة اُخرى : وهي دعوى كون قوله علیه السلام : «وكان جافّاً» ظاهراً في أنّ الجفاف موضوع الحكم ولو لم يحصل بالشمس(4) .

وهما ضعيفتان ؛ فإنّ ذكر الريح - بعد قيام الإجماع(5) وظهور الأدلّة في عدم دخالتها - لعلّه لدفع توهّم : أنّ دخالتها الجزئية مضرّة بتطهير الشمس ، ومن المعلوم أنّ الشمس إذا أشرقت على موضع ، وهبّ الريح عليه ، يكون التأثير في التجفيف مستنداً إلى إشراقها ؛ وإن كان للريح أيضاً تأثير

ص: 362


1- الكافي 3 : 392 / 23 ؛ تهذيب الأحكام 2 : 376 / 1567 ؛ وسائل الشيعة 3 : 451 ، كتاب الطهارة ، أبواب النجاسات ، الباب 29 ، الحديث 2 .
2- مصباح الفقيه ، الطهارة 8 : 267 .
3- اُنظر جواهر الكلام 6 : 255 ؛ الوافي 6 : 231 .
4- اُنظر جواهر الكلام 6 : 255 ؛ مستمسك العروة الوثقى 2 : 77 .
5- مصباح الفقيه ، الطهارة 8 : 267 .

ضعيف ، فلا يكون هذا التأثير مضرّاً ، لا أ نّه جزء الموضوع بحيث ينتفي

الحكم بانتفائه .

وأمّا قوله علیه السلام : «وكان جافّاً» فلا ظهور فيه فيما ادّعي . نعم لا ظهور فيه بأنّ الجفاف حصل بالشمس فقط ؛ وإن لا يبعد ظهوره العرفي فيه . ولو كان فيه إجمال يرفع بسائر الروايات ، فلا إشكال فيها .

وأمّا موثّقة عمّار الساباطي ، عن أبي عبداللّه علیه السلام قال : سئل عن الموضع القذر يكون في البيت أو غيره ، فلا تصيبه الشمس ، ولكنّه قد يبس الموضع القذر ، قال : «لا يصلّى ، وأعلم موضعه حتّى تغسله» .

وعن الشمس هل تطهّر الأرض ؟ قال : «إذا كان الموضع قذراً من البول أو غير ذلك ، فأصابته الشمس ثمّ يبس الموضع ، فالصلاة على الموضع جائزة . وإن أصابته الشمس ولم ييبس الموضع القذر وكان رطباً ، فلا يجوز الصلاة حتّى ييبس ، وإن كانت رجلك رطبة أو جبهتك رطبة أو غير ذلك منك ما يصيب ذلك الموضع القذر ، فلا تصلّ على ذلك الموضع حتّى ييبس . وإن كان غير الشمس أصابه حتّى ييبس فإنّه لا يجوز ذلك» .

كذا في «الوسائل»(1) وليس في «الوافي» : «حتّى ييبس» بعد قوله علیه السلام : «ذلك الموضع» ويكون بدل «غير الشمس» «عين الشمس» وبدل «أصابه» «أصابته»(2) .

وفي نسخة من «التهذيب» مقروءة على المولى المجلسي رواها نحو

ص: 363


1- وسائل الشيعة 3 : 452 ، كتاب الطهارة ، أبواب النجاسات ، الباب 29 ، الحديث 4 .
2- الوافي 6 : 232 / 21 .

«الوافي» إلاّ أ نّه جعل فيها لفظ «غير» فوق «عين» مع علامة نسخة ، ونقل «أصابه» مذكّراً .

وفي «حبل المتين» : «ربّما يوجد في بعض نسخ «التهذيب» بدل «عين الشمس» بالعين المهملة والنون «غير الشمس» بالغين المعجمة والراء ، والصحيح الموجود في النسخ الموثوق بها هو الأوّل»(1) انتهى .

وفي «المنتهى» رواها نحو ما في «الوسائل» وصرّح في ذيلها : «بأنّ رواية عمّار فرّقت بين اليبوسة بالشمس وغيرها»(2) .

وفي هامش «حبل المتين» : «وقد ظفرنا في النسخ الصحيحة المعتمد عليها جدّاً على لفظة «غير» أيضاً نسخة»(3) ، والظاهر أنّ الهامش لمصحّح الكتاب .

وكيف كان : فالموثّقة متعرّضة لأحكام :

منها : أ نّه إن يبس الموضع بغير الشمس ، لا يجوز الصلاة عليه حتّى يغسل ، ووجهه لزوم كون محلّ السجدة طاهراً ، فالمراد من النهي عنها إمّا عن خصوص السجود ، أو عن الصلاة بجميع أجزائها التي منها السجود ؛ لما ذكرناه من عدم تعارف وضع شيء للسجدة عليه(4) ، فلا محالة يكون السؤال عن الصلاة على موضع قذر ، شاملاً للسجود عليه .

ومنها : أ نّه إذا كان الموضع قذراً ببول أو غيره فيبس بالشمس ، يجوز الصلاة

ص: 364


1- الحبل المتين : 126 / السطر 10 .
2- منتهى المطلب 3 : 275 - 276 .
3- الحبل المتين : 126 ، الهامش .
4- تقدّم في الصفحة 359 و362 .

عليه ، والتفصيل بين الجفاف بالشمس وغيرها كالنصّ على ردّ الكاشاني ، وليس المراد من قوله علیه السلام : «ثمّ يبس» اليبوسة ولو بغير الشمس ، بل المراد الجفاف بها ، وتخلّل لفظة «ثمّ» لكون الجفاف يحصل بتدريج ، فيكون متأخّراً عن حدوث إصابتها .

ولو كان فيه نوع إجمال يرفع بصحيحة زرارة المتقدّمة(1) ، وبالإجماع على أنّ الجفاف بغير الشمس غير مفيد ، كما أ نّه لو كان له إطلاق يقيّد بهما .

والتقريب فيها لحصول الطهارة بنحو ما تقدّم من أنّ العرف بعد ما رأى أنّ الطهارة في محلّ السجدة معتبرة ، لا ينقدح في ذهنه من تجويز الصلاة إلاّ حصول الشرط ، والعفو لا ينقدح في الأذهان غير المشوّشة بالعلميات .

ومنها : أ نّه إن أصابته الشمس فلم ييبس وكان رطباً ، لا يجوز الصلاة عليه حتّى ييبس .

والظاهر أنّ هذه الفقرة مفهوم الفقرة المتقدّمة ، وقولَه علیه السلام : «حتّى ييبس» تأكيد لها . ولو فرض الإجمال أو الإطلاق فيها يرفع أو يقيّد ، كما تقدّم .

ومنها : أ نّه مع رطوبة الأعضاء لا يجوز الصلاة عليه حتّى ييبس ، والمراد اليبوسة بالشمس بقرينة الفقرة الآتية ؛ أي «وإن كان غير الشمس أصابه . . .» إلى آخره .

والمراد من الفقرتين التفصيل في الصلاة عليه مع رطوبة الأعضاء بين الجفاف بالشمس وغيرها ، فتدلّ على حصول الطهارة بالأوّل دون الثاني .

هذا على نسخة «الوسائل» الموافقة ل- «منتهى العلاّمة» وللنصوص والفتاوى ،

ص: 365


1- تقدّم في الصفحة 358 .

والمناسب لتذكير الضمير ، كما في «التهذيب» و«الوسائل» .

ولعلّ البهائي والكاشاني تصرّفا في النسخة بعد ترجيح «عين» على «غير» فجعلا الضمير مؤنّثاً ، كما يظهر من «حبل المتين» حيث جعل «أصابته» بالتأنيث في المتن ، والتذكير فوق السطر مع علامة «التهذيب»(1) مع أنّ الرواية من «التهذيب» فكأنّ نسخته كذلك ، وتصرّف فيها تصحيحاً .

وأمّا على النسخة الاُخرى وهي هكذا :

«وإن كانت رجلك رطبة أو جبهتك رطبة أو غير ذلك منك ما يصيب ذلك الموضع القذر ، فلا تصلّ على ذلك الموضع وإن كان عين الشمس أصابه حتّى ييبس ؛ فإنّه لا يجوز ذلك» .

ففيه احتمالان :

أحدهما : أنّ المراد ب- «ذلك الموضع» هو الموضع القذر الرطب ؛ أي لا تصلّ مع رطوبة الأعضاء على ذلك الموضع - وإن كان عين الشمس أصابته - إلاّ أن ييبس بالشمس ، فيجوز حينئذٍ الصلاة عليه مع رطوبتها ، فكأنّ المقصود بهذه الفقرة إثبات طهارة ما أصابته الشمس ، فتكون مخالفة للقول بالعفو دون الطهارة .

فعلى هذا الاحتمال تكون الفقرة السابقة على هذه الفقرة ، متعرّضةً لعدم جواز الصلاة على الموضع حتّى ييبس ، وهذه الفقرة لجواز الصلاة مع رطوبة الأعضاء فيما إذا يبس الموضع بالشمس ، فيكون التعرّض لعدم الجواز حتّى ييبس ، توطئةً لهذا الحكم ، فتدلّ على طهارة الموضع بالتجفيف بالشمس .

ص: 366


1- الحبل المتين : 125 / السطر 17 .

وعلى هذا الاحتمال يكون «حتّى ييبس» غاية لعدم جواز الصلاة . نعم ، يحتمل أن يكون متعلّقاً بقوله : «أصابه» فتدلّ على عدم الطهارة .

وثانيهما : أنّ المراد الموضع القذر بعد اليبوسة ؛ أي لا تصلّ مع رطوبة الأعضاء على الموضع الذي يبس وإن كان أصابه عين الشمس ويبس بها ، فتدلّ على نجاسة ما يبس بالشمس .

ولا ترجيح لهذا الاحتمال على الاحتمال الأوّل ، بل الترجيح معه ، سيّما مع كونه موافقاً لسائر الروايات الدالّة على الطهارة صريحاً .

فدعوى الكاشاني بأنّ الرواية على هذه النسخة صريحة في عدم الطهارة(1) غير وجيهة ، بل لا ظهور لها فيه ، بل الأرجح دلالتها على الطهارة على هذه النسخة أيضاً .

واستدلّ(2) على عدم الطهارة بها بصحيحة ابن بَزيع قال : سألته عن الأرض والسطح يصيبه البول وما أشبهه ، هل تطهّره الشمس من غير ماء ؟ قال : «كيف يطهر من غير ماءٍ ؟ !»(3) .

بدعوى : أنّ المراد من السؤال أنّ الشمس مطهّرة في قبال الماء ، ومن الجواب أ نّه كيف يطهر بالشمس ؟ ! بل لا بدّ من الغسل بالماء .

وفيها : أنّ هاهنا احتمالاً آخر أقرب منه بلفظ الرواية ؛ وهو أنّ الشمس في

ص: 367


1- الوافي 6 : 232 .
2- الوافي 6 : 231 .
3- تهذيب الأحكام 1 : 273 / 805 ؛ وسائل الشيعة 3 : 453 ، كتاب الطهارة ، أبواب النجاسات ، الباب 29 ، الحديث 7 .

تطهيرها تحتاج إلى ماء ، أو يطهر المحلّ بصِرف إشراقها عليه ؟ فتعجّب من ذلك

وقال : «كيف تطهر من غير ماءٍ ؟ !» أي تحتاج في التطهير إلى التبخير والتجفيف ، وهما لا يتمّان إلاّ بماء ، ولعلّ المراد ب- «الماء» مطلق المائع القابل للتبخير ، ولهذا

نكّره . ولو نوقش في ذلك يجب تقييد إطلاقها بصحيحة زرارة(1) .

وإنّما قلنا : هذا الاحتمال أقرب ؛ لأنّ الرواية مشعرة بأنّ مطهّرية الشمس كانت مفروضة ، وإنّما سئل عن كيفيتها ؛ وأنّ الإشراق بلا ماء كافٍ أو لا ؟

وقوله علیه السلام : «كيف يطهر . . . ؟ !» معناه : كيف يطهر المحلّ بالشمس فقط من دون ماء ؟ ! سيّما على نسخة «الوافي» فإنّ فيها «تطهّر» بالتاء المثنّاة(2) ، والظاهر أ نّه من التفعيل بمناسبة السؤال ، وسيّما مع تنكير «ماءٍ» فإنّه مشعر بأنّ المراد ليس التطهير بالماء على النحو المعهود ، بل لا بدّ فيه من ماء يتبخّر بالشمس .

ومع تساوي الاحتمالين ، لا يجوز رفع اليد عن صحيحة زرارة وغيرها الناصّة على الطهارة بمثلها .

بل مع فرض أرجحية الاحتمال الأوّل صارت معارضة لها ، والترجيح معها ؛ لموافقتها مع الشهرة والإجماعات المنقولة(3) .

والإنصاف : أنّ طرح الصحيحة الصريحة بمثل هذه المضمرة المجملة غير جائز .

ص: 368


1- تقدّمت في الصفحة 358 .
2- الوافي 6 : 231 / 20 .
3- تقدّم في الصفحة 357 .

وأمّا الروايات الواردة في الشاذكونة وغيرها (1) ؛ ممّا تدلّ على جواز الصلاة عليها مع الجفاف بلا تقييد بالشمس ، وهي التي صارت موجبة لاغترار الكاشاني ؛ وارتكابه للتأويل البعيد في صحيحة زرارة وغيرها ، فهي مطلقات يمكن تقييدها بتلك الروايات .

ومع المناقشة فيه فالتصرّف فيها بحملها على جواز الصلاة فيها ، أو عليها إذا

كان موضع السجدة طاهراً - بتقييدها بالإجماع على لزوم طهارته - أولى من التصرّف في صحيحة زرارة ونحوها الموافقة للشهرة والإجماعات المنقولة . هذا حال إحدى المقامات الثلاثة .

فيما يدلّ على تعميم موضوع الحكم لغير السطح والمصلّى

وأمّا دلالة صحيحة زرارة على تعميم الموضوع وعدم الاختصاص بالسطح والمكان الذي يصلّى فيه ، فبإلغاء الخصوصية عرفاً . بل لدلالة الشرطية على أنّ تمام العلّة للتطهير هو تجفيف الشمس ، من غير دخالة القابل فيه ، والمقام لا يقصر عن سائر المقامات التي يدّعى فيها إلغاء الخصوصية عرفاً .

وبالجملة : لا ينقدح في ذهن العرف من هذا الكلام ؛ أنّ السطح بما هو مكان خاصّ أو مكان المصلّي بما هو كذلك ، دخيل في تطهيره بالشمس ، بل يرى أنّ التأثير للشمس وإشراقها والتجفيف بها ، من غير دخالة الأرض والسطح ومكان المصلّي فيه .

نعم ، لو كان الحكم من قبيل العفو لكان لدعوى الخصوصية وجه ، لكن بعد

ص: 369


1- وسائل الشيعة 3 : 453 ، كتاب الطهارة ، أبواب النجاسات ، الباب 30 .

البناء على حصول الطهارة ، لا ينقدح في الأذهان الخصوصية ، سيّما مع وقوع المكان الخاصّ في كلام السائل ، فلو كان بدل هذه الشرطية قوله : «إذا أصابه المطر صلّ عليه ، وهو طاهر» هل يختلج في الذهن أنّ المطر مطهّر السطح أو مكان المصلّي ؛ بحيث يكون للجدار تحت السطح أو لصلاة المصلّي دخالة فيه ؟ ! والمقام من قبيله .

وعدم معهودية كون الشمس مطهّرة ، لا يوجب فهم الخصوصية بعد دلالة الدليل على أصل الحكم .

وبالجملة : إنّ الظاهر المتفاهم من الشرطية أنّ السبب الوحيد للتطهير تجفيف الشمس ، كما هو المتفاهم في غير المقام .

نعم ، يستثنى المنقولات - ما عدا الحصر والبواري - عنها بالإجماع(1) ودلالة بعض الأدلّة(2) ، أو بدعوى عدم إلغاء الخصوصية بالنسبة إليها ؛ بملاحظة الأخبار الواردة في كيفية تطهير الأواني والثياب وأمثالهما (3) ، تأمّل .

ويدلّ على التعميم رواية أبي بكر الحضرمي المتقدّمة(4) بعد تقييدها بحصول

ص: 370


1- رياض المسائل 2 : 410 ؛ مستند الشيعة 1 : 320 ؛ مستمسك العروة الوثقى 2 : 80 .
2- كرواية فقه الرضا عليه السلام : «وما وقعت الشمس عليه من الأماكن - التي أصابها شيء من النجاسة مثل البول وغيره - طهّرتها ، وأمّا الثياب فلا تطهر إلاّ بالغسل» . الفقه المنسوب للإمام الرضا عليه السلام : 303 ؛ مستدرك الوسائل 2 : 574 ، كتاب الطهارة ، أبواب النجاسات ، الباب 22 ، الحديث 5 .
3- راجع وسائل الشيعة 3 : 395 ، كتاب الطهارة ، أبواب النجاسات ، الباب 1 ، 2 ، 3 ، 13 ، 51 و53 .
4- تقدّم في الصفحة 360 .

الجفاف ، لو لم نقل بانصرافها عمّا قبله ؛ بعد عدم إمكان كون إشراقها مطهّراً مع بقاء عين النجس أو الرطوبة المتنجّسة ، فلا ينقدح في الأذهان من قوله علیه السلام : «كلّ ما أشرقت عليه الشمس فهو طاهر» إلاّ إذهاب الإشراق عين النجس أو الرطوبة المتنجّسة بالتبخير . لكن يجب تقييدها بالمنقولات بالإجماع .

وتوهّم انصرافها إلى غير المنقول الذي من شأنه الثبات وإشراق الشمس عليه(1) ، كما ترى .

إلاّ أن يدّعى الانصراف بملاحظة ما وردت في كيفية تطهير الأواني والثياب ، وهو أيضاً لا يخلو من تأمّل .

ويشهد على التعميم حكاية جمع من الأعاظم الشهرة عليه(2) .

وممّا تقدّم يظهر الحال في الاُمور التي يشكّ في كونها منقولاً أو لا ؛ لعدم دليل على هذا العنوان ، بل ما دلّ على الاستثناء هو الإجماع ، والواجب الأخذ بالمتيقّن منه ؛ وهو غير المذكورات .

فيما يدلّ على تعميم الحكم بالنسبة إلى غير البول

وتدلّ على تعميم الحكم بالنسبة إلى غير البول - ممّا هو نظيره في رقّته وتبخيره - صحيحة زرارة بعد إلغاء الخصوصية منه عرفاً ، سيّما مع كون البول أشدّ نجاسة من المائعات المتنجّسة بسائر النجاسات، بل من كثير من النجاسات.

ص: 371


1- مصباح الفقيه ، الطهارة 8 : 272 ؛ مستمسك العروة الوثقى 2 : 79 .
2- مصباح الفقيه ، الطهارة 8 : 272 ؛ جواهر الكلام 6 : 262 ؛ مستمسك العروة الوثقى 2 : 78 .

ويدلّ عليه أيضاً - مضافاً إلى الشهرة المنقولة بتوسّط كثير من الأعيان(1) - إطلاق رواية الحضرمي وموثّقة الساباطي(2) وصحيحة ابن بزيع بناءً على أح-د الاحتمالين(3) .

اشتراط تحقّق اليبوسة واستقلال الشمس فيه

ثمّ إنّ المراد من «الجفاف» في صحيحة زرارة وغيرها هو حصول اليبوسة ، كما في موثّقة عمّار ؛ ضرورة أ نّه مع بقاء رطوبة عين البول وكذا سائر المائعات النجسة أو المتنجّسة ، لا يطهر المحلّ ، وهو واضح ، والميزان حصول اليبوسة ، وعدم بقاء أثر النجس .

ولو كان للبول وغيره - بواسطة التكرار على المحلّ - جِرم لا يتبخّر بإشراق

الشمس ، لم يطهر ، وهذا هو المراد من استثناء المحلّ المتّخذ مبالاً في صحيحة زرارة وحديد(4) ، ولعلّه مراد الشيخ من استثناء الخمر(5) .

والظاهر من النصوص أن يكون الجفاف واليبس ، حاصلاً بإشراقها استقلالاً ، فلو اشترك معه غيره ولو بتنشيف المحلّ ؛ بحيث لا يبقى من الرطوبة السارية شيء ، أو اُعينت الشمس في فعلها بحرارة ونحوها ، لا يطهر المحلّ . وكون الشمس متأخّرة في التأثير في بعض الصور ، لا يوجب استقلالها في حصوله .

ص: 372


1- تقدّم تخريجها في الصفحة 358 ، الهامش 3 .
2- تقدّمتا في الصفحة 360 و363 .
3- تقدّمت في الصفحة 367 .
4- تقدّمت في الصفحة 361 .
5- المبسوط 1 : 93 .

نعم ، لا يضرّ تقليل العين والرطوبة عنه مع بقاء شيء من الرطوبة السارية ؛ للصدق العرفي .

لا يقال : إطلاق موثّقة عمّار - أي قوله علیه السلام : «إذا كان الموضع قذراً من البول أو غير ذلك ، فأصابته الشمس ، ثمّ يبس الموضع ، فالصلاة على الموضع جائزة» - يقتضي طهارته ولو مع نداوة غير سارية ، فاللازم استقلال الشمس في تحصيل اليبوسة ، وهو حاصل ولو كان الوصول إلى حدّ الرطوبة غير السارية بفاعل آخر ، بل ولو لم يبقَ للمحلّ إلاّ نداوة ضعيفة جدّاً ؛ لصدق أنّ المحلّ كان قذراً بالبول ، ويبس بالشمس(1) .

فإنّه يقال : إطلاقها محلّ تأمّل ؛ لأنّ اليبوسة فيها في مقابل الرطب المذكور في الفقرة الثانية ، وهو لا يصدق على النداوة الضعيفة غير السارية ؛ فإنّ المتفاهم من كون الشيء رطباً - ولو بالانصراف - هو كونه ذا نداوة سارية ، ولا يلزم أن تكون الرطوبة أيضاً كذلك ؛ أي لا تصدق إلاّ على السارية ؛ لاختلاف المشتقّات بعضها مع بعض أحياناً ولو للانصراف ، ك- «جري الماء» و«الماء الجاري» ألا ترى أنّ الظاهر من قوله علیه السلام في الفقرة الاُخرى منها : «إن كانت

رجلك رطبة . . .» إلى آخره ، كونها ذات نداوة سارية ؟ !

مع إمكان أن يقال : إنّها بصدد بيان حكم آخر ؛ وهو حصول اليبس بالشمس تارةً ، وبغيرها اُخرى ، لا بصدد بيان كيفية التطهير بها .

مضافاً إلى أنّ صحيحة محمّد بن إسماعيل - على الاحتمال الراجح - تقيّد الإطلاق لو كان .

ص: 373


1- مستمسك العروة الوثقى 2 : 82 .

هذا مع أنّ في صحيحة زرارة التي هي الأصل في المسألة ، علّق الحكم على التجفيف ، وهو لا يصدق على ما ذكر ، ولا يلزم منه كفاية حصول الجفاف مع بقاء رطوبة غير سارية في التطهير ؛ للقرينة العقلية على أنّ المراد حصول الجفاف إلى حدّ اليبوسة ، فلا بدّ من حفظ مفهوم «الجفاف» غير الصادق على حصول اليبس من النداوة غير السارية ، والتقييد بانتهائه إلى حدّ اليبوسة .

فالأحوط بل الأقوى عدم الطهارة إلاّ مع نداوة سارية للمحلّ .

ولو جفّ بغير الشمس ويراد تطهيره يرشّ عليه الماء ، فإذا جفّفته الشمس طهر ؛ لعدم الفرق بين النجس والمتنجّس .

ص: 374

الأمر الثالث: في مطهّرية النار

اشارة

الثالث : النار ، والكلام فيها يقع في مقامين :

المقام الأوّل : في أنّها هل هي مطهّرة كمطهّرية الشمس ؟

فكما أنّ الثانية مطهّرة بإشراقها على المحلّ وتبخير النجس أو المتنجّس ، كذلك الاُولى إذا أصابت شيئاً طهّرته ؟

يظهر من الشيخ في مياه «نهايته» ومحكيّ «استبصاره»(1) ذلك في الجملة ، قال في «النهاية» : «فإن استُعمل شيء من هذه المياه النجسة في عجين يعجن به ويخبز ، لم يكن بأس بأكل ذلك الخبز ؛ لأنّ النار قد طهّرته»(2) .

نعم ، عدل عنه في أطعمتها فقال : «لم يجز أكل ذلك الخبز ، وقد رويت رخصة في جواز أكله ، وذكر أنّ النار طهّرته»(3) .

ص: 375


1- الاستبصار 1 : 29 - 30 ، ذيل الحديث 77 .
2- النهاية : 8 .
3- النهاية : 590 .

ويظهر من «المقنع» ذلك أيضاً ، حيث أجاز الأكل من خبز عجينٍ عجن بماء البئر الواقع فيه الفأرة وغيرها وماتت فيها (1) ؛ بناءً على انفعال ماء البئر عنده .

وعن «خلاف» الشيخ و«مبسوطه» وجمع آخر القول بطهارة الخزف والآجرّ مع نجاسة طينهما (2) ، وادّعى الشيخ الإجماع عليه (3) ، واستدلّ على الطهارة بصحيحة ابن محبوب الآتية . والظاهر منهم مطهّريتها مع عدم تبدّل الموضوع ، سيّما مع الاستدلال بالصحيحة .

وقد أفتى الشيخ في أطعمة «النهاية»(4) بمضمون رواية زكريّا بن آدم(5) الظاهر منها : أنّ النار إذا أكلت الدم طهر المرق ، فكانت مطهّريتها فوق سائر المطهّرات حتّى الماء .

وكيف كان : فما يمكن أن يستدلّ به على مطلوبهم روايات :

منها : صحيحة الحسن بن محبوب قال : سألت أبا الحسن علیه السلام عن الجصّ

يوقد عليه بالعَذِرة وعظام الموتى ، ثمّ يجصّص به المسجد ، أيسجد عليه ؟ فكتب إليّ بخطّه : «إنّ الماء والنار قد طهّراه»(6) .

ص: 376


1- المقنع : 33 .
2- الخلاف 1 : 499 ؛ المبسوط 1 : 94 ؛ البيان : 92 ؛ كفاية الفقه (كفاية الأحكام) 1 : 70 ؛ رياض المسائل 2 : 415 .
3- الخلاف 1 : 500 .
4- النهاية : 588 .
5- تأتي في الصفحة 380 .
6- الفقيه 1 : 175 / 829 ؛ تهذيب الأحكام 2 : 235 / 928 ؛ وسائل الشيعة 3 : 527 ، كتاب الطهارة ، أبواب النجاسات ، الباب 81 ، الحديث 1 .

بدعوى : أنّ السؤال عن الجصّ الملاقي للعَذِرة والعظام الموقدتين عليه ، وهما ملازمتان للرطوبة ، سيّما الثانية التي لا تنفكّ غالباً عن دسومة سارية في أوّل الإيقاد ، فسئل عن النجاسة العارضة للجصّ ، فأجاب علیه السلام : ب- «إنّ الماء والنار قد طهّراه» .

ومعلوم أ نّهما لم يقعا عليه دفعة ، بل النار أصابته أوّلاً للطبخ ، والماء بعدها للتجصيص ، وبعد عدم مطهّرية الماء المخلوط بالجصّ جزماً وإجماعاً ، وعدم كونه جزء المطهّر أيضاً - كالمرّة الثانية في الماء المطهّر للبول - فلا محالة تكون

المطهّرية مستندة إلى النار حقيقة ، وللماء أيضاً نحو تأثير في رفع القذارة العرفية .

ولا يلزم منه استعمال اللفظ في المعنى الحقيقي والمجازي ؛ لما مرّ مراراً : من أنّ «الطهارة» و«القذارة» في اصطلاح الشارع ليستا إلاّ بالمعنى العرفي واللغوي(1) . مع أنّ الاستعمال في الجامع - بعد قيام القرينة - لا مانع منه . بل لا يمتنع الاستعمال في المعنيين ، كما قرّر في محلّه(2) .

فتحصّل من ذلك : أنّ الجصّ النجس بملاقاة النجاسة ، صار طاهراً بإيقاد النار عليه .

وفيه: أنّ في الرواية احتمالات اُخر لعلّ بعضها أقرب ممّا ذكر ، كاحتمال كون السؤال عن الجصّ الموقد عليه ما ذكر لأجل اختلاطه برمادهما وعدم إمكان تفكيكه عنه ، فعليه يكون المراد من التطهير بالنار استحالتهما وبالماء رفع القذارة العرفية ، والتطهير بالاستحالة وتبدّل الموضوع غير ما هو المطلوب في المقام .

ص: 377


1- تقدّم في الصفحة 16 و170 ، وفي الجزء الثالث : 9 - 11 .
2- مناهج الوصول 1 : 131 .

وكاحتمال كون السؤال لتوهّم : أنّ الطبخ بالعَذِرة وعظام الموتى ، منافٍ لاحترام المسجد والسجود ، فسئل عن جوازه ، فأجاب بعدم المنافاة ؛ لرفع القذارة العرفية بالنار والماء .

وكاحتمال أن يكون المراد أنّ إيقادهما عليه معرض لعروض النجاسة ، فيكون مظنّة لذلك ، فأجاب بما ذكر ، والمراد بالتطهير رفع القذارة المظنونة أو المحتملة ، كما ورد الرشّ في موارد الشبهات في الأخبار(1) .

والإنصاف : أنّ إثبات هذا الحكم المخالف للقواعد بمثل هذه الرواية ، غير ممكن . مع أنّ الظاهر منها أنّ النار جزء الموضوع للتطهير ، والحمل المتقدّم بعيد جدّاً .

ومنها : مرسلة ابن أبي عمير ، عن أبي عبداللّه علیه السلام : في عجين عجن وخبز ، ثمّ علم أنّ الماء كانت فيه ميتة ، قال : «لا بأس ؛ أكلت النار ما فيه»(2) .

وفيه : مضافاً إلى أ نّه لم يصرّح فيها بأنّ العجين عجن بالماء النجس ، بل الظاهر منها أ نّه بعد العجن علم : أنّ في الماء الذي اُخذ ماء العجين منه كانت ميتة ، فلو فرض أنّ المأخوذ منه لم يكن بئراً ، لكن لم يعلم أنّ الميتة كانت فيه حين اُخذ الماء منه ، أو وقعت فيه بعده ، كانت الشبهة موضوعية .

ص: 378


1- وسائل الشيعة 1 : 292 ، كتاب الطهارة ، أبواب نواقض الوضوء ، الباب 16 ، الحديث 3 ، و : 320 ، أبواب أحكام الخلوة ، الباب 11 ، الحديث 1 ، و3 : 403 ، أبواب النجاسات ، الباب 7 ، الحديث 6 .
2- تهذيب الأحكام 1 : 414 / 1304 ؛ وسائل الشيعة 1 : 175 ، كتاب الطهارة ، أبواب الماء المطلق ، الباب 14 ، الحديث18 .

وقوله علیه السلام : «أكلت النار ما فيه» لدفع القذارة المحتملة ، كرشّ الماء في مثله ، ولم يتّضح حال من أرسل عنه ابن أبي عمير ، فلعلّه كان رجلاً مبتلىً بوسواس ، فأراد أبو عبداللّه علیه السلام دفعها ، كما نقل عن الشيخ الأعظم : «أ نّه رأى رجلاً مبتلىً بالوسواس يتحرّز عن بخار الحمّام ؛ لكونه بخار الماء النجس ، فقال له : إنّ هذا البخار متّصل بالخزانة ، وهي كرّ ، فلا ينفعل» .

وبالجملة : إنّ الشبهة ظاهراً كانت موضوعية ، تأمّل .

أ نّها معارضة بما هو أوضح سنداً ومتناً ، وهو مرسلته الاُخرى بالسند المتقدّم ، عن بعض أصحابنا - وما أحسبه إلاّ عن حفص بن البَخْتَري - قال : قيل لأبي عبداللّه علیه السلام : في العجين يعجن من الماء النجس ، كيف يصنع به ؟ قال : «يباع ممّن يستحلّ أكل الميتة»(1) .

وبالإسناد عنه ، عن بعض أصحابه ، عنه علیه السلام قال : «يدفن ولا يباع»(2) .

وحمل الثانية على الاستحباب(3) كما ترى ؛ فإنّ دفن المال المحترم تبذير . ولا يبعد حملها على النهي عن بيعه على المسلم ، فيجوز البيع على المستحلّ ، ومع عدمه أو عدم اشترائه - كما هو الغالب - يدفن ، فهذه نصّ في العجين بالماء النجس ، والاُولى محتمل للأمرين ، فتحمل على مورد الشبهة .

ص: 379


1- تهذيب الأحكام 1 : 414 / 1305 ؛ وسائل الشيعة 1 : 242 ، كتاب الطهارة ، أبواب الأسآر ، الباب 11 ، الحديث 1 .
2- تهذيب الأحكام 1 : 414 / 1306 ؛ وسائل الشيعة 1 : 243 ، كتاب الطهارة ، أبواب الأسآر ، الباب 11 ، الحديث 2 .
3- وسائل الشيعة 1 : 243 ، ذيل الحديث 2 .

هذا مع عدم نقل عامل بها يعتدّ به ؛ فإنّ الشيخ قد رجع عن القول به في أطعمة «النهاية» . و«الاستبصار» ليس كتاب الفتوى .

ومنها : رواية زكريّا بن آدم قال : سألت أبا الحسن علیه السلام عن قطرة خمر أو نبيذ مسكر ، قطرت في قدر فيه لحم كثير ومرق كثير ، قال : «يهراق المرق ، أو يطعمه أهل الذمّة أو الكلب ، واللحم اغسله وكله» .

قلت : فإنّه قطر فيه الدم ، قال : «الدم تأكله النار إن شاء اللّه» .

قلت : فخمر أو نبيذ قطر في عجين أو دم ، قال : فقال : «فسد» .

قلت : أبيعه من اليهودي والنصراني واُبيّن لهم ؟ قال : «نعم ، فإنّهم يستحلّون شربه . . . »(1) إلى آخره .

وفيه : أ نّها - مع ضعفها سنداً (2) ، ومناقضة صدرها وذيلها في الدم ، ومخالفتها لقاعدة انفعال المضاف ، وتفصيلها بين الدم وغيره ، وهو كما ترى ، وظهور ذيلها في كراهة أكل ما قطر فيه الفُقّاع - لا تصلح لإثبات هذا الحكم المخالف للقواعد . بل الظاهر منها أنّ أكل النار الدم موجب لطهارة المرق أيضاً ، وهو غير معهود في شيء من المطهّرات .

ص: 380


1- تهذيب الأحكام 1 : 279 / 820 ؛ وسائل الشيعة 3 : 470 ، كتاب الطهارة ، أبواب النجاسات ، الباب 38 ، الحديث 8 .
2- رواها الشيخ الطوسي بإسناده ، عن محمّد بن أحمد بن يحيى ، عن يعقوب بن يزيد ، عن الحسن بن المبارك ، عن زكريّا بن آدم . والرواية ضعيفة؛ لوقوع الحسن بن المبارك - كما في المطبوعة - أو الحسين بن المبارك - كما في بعض النسخ المعتبرة - في سندها؛ فإنّه مجهول أو مهمل لم يرد بشأنه شيء من الجرح أو التعديل . اُنظر رجال النجاشي : 56 / 129 ؛ الفهرست ، الطوسي : 108 / 210 .

هذا مضافاً إلى أنّ الدم المستهلك في المرق ، لا تأكله النار بالتبخير أو لا يمكن العلم به إلاّ بعد تبخير جميع المرق . بل المستهلك ليس بشيء عرفاً حتّى تأكله النار .

فتحصّل ممّا ذكر : عدم كون النار مطهّرة مطلقاً .

المقام الثاني : في تطهيرها كلّ ما أحالته دخاناً أو رماداً
اشارة

وهذا الحكم ليس من مختصّات النار ، وليست الاستحالة مطهّرة ، بل هي من قبيل تبديل موضوع بموضوع آخر ، كما أنّ الأمر كذلك في بعض آخر ممّا يعدّ مطهّراً .

والميزان الكلّي في الحكم بالطهارة بالاستحالة : تبدّل موضوع النجس أو المتنجّس بآخر طاهر ؛ بنحو لا يصدق عليه عنوان موضوع الدليل الاجتهادي المثبت للحكم على الموضوع الأوّل ، ولم يبق موضوع القضيّة المتيقّنة عرفاً حتّى يستصحب ، فإنْ فرض حصول التغيّر للموضوع الأوّل ، لكن بنحو لم يخرج عن صدق عنوانه عليه ، أو فرض حصوله بنحو بقي عرفاً موضوع القضيّة المتيقّنة المعتبر في الاستصحاب ، حكم عليه بالنجاسة ، وخرج عن موضوع الاستحالة ولو ظاهراً .

نعم ، قد يتّفق حصول التغيّر على النحو الأوّل دون الثاني ، فيكون المورد مجرى الاستصحاب ، لكن قام دليل لفظي اجتهادي أو إجماع أو سيرة على طهارته ، فيحكم بها تحكيماً للدليل على الأصل .

ثمّ إنّ الاختلافات التي وقعت في المقام - كالاختلاف في التفرقة بين

ص: 381

النجاسات والمتنجّسات وعدمها ، وكالاختلاف في الآجرّ والخزف المعمولين من الطين النجس ، وكالاختلاف في الفحم ، وفي بخار الماء النجس ، أو المائع النجس ، ودخان الدهن المتنجّس وغيرها - كلّها موضوعية ، فالقائل بالنجاسة يرى الموضوع الاستصحابي باقياً ، والقائل بالطهارة ينكره ، أو يشكّ فيه ، وليست الاختلافات فيها فقهية ؛ وإن يظهر من بعض استدلالاتهم كونها في بعض الموارد كذلك .

حكم الانتقال على ضوء القاعدة

ثمّ إنّ الانتقال من الاستحالة لو فرض إيجابه لتعدّد الموضوع ؛ بحيث لا يبقى موضوع الدليل الاجتهادي ، ولا القضيّة المتيقّنة ، وذلك مثل ما إذا انتقل إلى النبات ، وتبدّل إلى الرطوبة التي جزء له ، وخرج عن مسمّاه ، أو شرب حيوان دم إنسان ، فتبدّل بتصرّف جهاز هضمه إلى أجزائه ، كالدم وغيره .

وأمّا لو لم يتبدّل ، بل انتقل إلى المنتقل إليه وبقي على حقيقته ، فلا يخلو إمّا أن يصدق عليه أ نّه من المنتقل منه ، ولم يصدق أ نّه من المنتقل إليه ، أو على عكسه ، أو يصدقا عليه ، أو لم يصدق شيء منهما عليه ، أو يصدق أحدهما ، ويشكّ في صدق الآخر ، أو شكّ في صدق كلّ منهما عليه .

وعلى أيّ تقدير : فإمّا كان لدليل المنتقل منه إطلاق يشمله ، أو للمنتقل إليه ، أو لدليلهما ، أو لا إطلاق لهما :

فمع إطلاق دليل أحدهما وإحراز موضوعه - ولو بالأصل - دون الآخر ، يحكم به ، فلو اُحرز أنّ الدم من الإنسان كدم مصّه العلق ، وكان لدليل نجاسته

ص: 382

إطلاق ، حكم بها له . وكذا لو شكّ في تبديل الإضافة ؛ لتنقيح موضوع الدليل بالاستصحاب .

ولو كان لدليل طهارة دم المنتقل إليه إطلاق دون المنتقل منه ، واُحرز كونه من المنتقل إليه ، يحكم عليه بالطهارة . ولو شكّ فيه يحكم بالنجاسة ؛ للاستصحاب الحكمي .

ولو كان لدليلهما إطلاق ، واُحرز كونه لهما - لو فرض صحّة ذلك - يقع التعارض بين الدليلين ، فيؤخذ بالأرجح لو قلنا بالترجيح في مثل المقام ، ومع عدمه يحكم بالنجاسة لو قلنا بسقوطهما في مثله . بل وكذلك لو شكّ في كونه مضافاً إلى المنتقل منه ؛ سواء اُحرز كونه من المنتقل إليه ، أم شكّ فيه ؛ كلّ ذلك للاستصحاب ، على تأمّل في بعض الصور .

ومنه يظهر حال الفروض الاُخر . هذا بحسب القاعدة .

طهارة دم البقّ والبرغوث دون العلق

لكن لا يبعد الحكم بطهارة دم البقّ والبرغوث ؛ ولو مع العلم بأنّ الدم الذي

فيهما من الإنسان ؛ لقيام السيرة على عدم الاحتراز منه ، ولإطلاق صحيحة ابن أبي يعفور قال : قلت لأبي عبداللّه علیه السلام : ما تقول في دم البراغيث ؟ قال : «ليس به بأس» .

قلت : إنّه يكثر ويتفاحش ، قال : «وإن كثر»(1) .

ص: 383


1- تهذيب الأحكام 1 : 255 / 740 ؛ وسائل الشيعة 3 : 435 ، كتاب الطهارة ، أبواب النجاسات ، الباب 23 ، الحديث 1 .

ورواية الحلبي قال : سألت أبا عبداللّه علیه السلام عن دم البراغيث في الثوب ، هل يمنعه ذلك من الصلاة ؟ قال : «لا»(1) .

ورواية غياث ، عن جعفر ، عن أبيه علیهما السلام قال : «لا بأس بدم البراغيث والبقّ وبول الخشاشيف»(2) .

ومكاتبة محمّد بن ريّان قال : كتبت إلى الرجل علیه السلام : هل يجري دم البقّ مجرى دم البراغيث ، وهل يجوز لأحد أن يقيس دم البقّ على البراغيث فيصلّي فيه ، وأن يقيس على نحو هذا فيعمل به ؟ فوقّع : «يجوز الصلاة ، والطهر منه أفضل»(3) .

وتلك الروايات وإن وردت في الدم المضاف إليهما ، لكن ما يضاف إليهما - سيّما إلى البقّ - هو ما اجتمع في جوفهما من دم الإنسان ، وأمّا بعد هضمه فلا يتبدّل بالدم عرفاً ، ولهذا لا يرى للبقّ دم إلاّ ما امتصّه من الإنسان .

ولعلّ البرغوث أيضاً كذلك ، ولو كان له دم أيضاً فلا شبهة في شمول الروايات للدم الذي في جوفه وامتصّه من الإنسان .

فالأقوى ما ذكر ؛ وإن كان الأحوط الاجتناب عن الدم الذي امتصّه من الإنسان ولم يستقرّ في جوفه زماناً .

ص: 384


1- الكافي 3 : 59 / 8 ؛ تهذيب الأحكام 1 : 259 / 753 ؛ وسائل الشيعة 3 : 431 ، كتاب الطهارة ، أبواب النجاسات ، الباب 20 ، الحديث 7 .
2- تهذيب الأحكام 1 : 266 / 778 ؛ وسائل الشيعة 3 : 413 ، كتاب الطهارة ، أبواب النجاسات ، الباب 10 ، الحديث 5 .
3- الكافي 3 : 60 / 9 ؛ وسائل الشيعة 3 : 436 ، كتاب الطهارة ، أبواب النجاسات ، الباب 23 ، الحديث 3 .

كما إنّ الأقوى نجاسة الدم الذي امتصّه العلق ؛ للاستصحاب . بل لإطلاق الدليل ، على احتمال ، وعدم سيرة أو دليل آخر على طهارته .

نعم ، لو صار جزء بدنه وتبدّل إلى موضوع آخر - ولو كان دماً - طهر .

طهارة الخمر بانقلابها خلاًّ ولو بعلاج

وأمّا انقلاب الخمر خلاًّ فلا يكون استحالة ؛ للتبدّل في الصفة عرفاً ، فبقي موضوع الاستصحاب ، وجرى الاستصحاب الحكمي فيه . بل مع الغضّ عنه يحكم بنجاسته ؛ لملاقاته مع الإناء المتنجّس بالخمر .

فلا بدّ في الحكم بطهارته من قيام دليل مخرج عن الأصل وإطلاق الدليل ، وهو النصوص المستفيضة - مضافاً إلى الإجماع المنقول مستفيضاً فيما ينقلب خلاًّ بنفسه(1) ، وإطلاق بعض معاقده فيما ينقلب بالعلاج(2) . وعن جمع دعوى الشهرة عليه(3) - مثل موثّقةِ زرارة ، عن أبي عبداللّه علیه السلام قال : سألته عن الخمر العتيقة تجعل خلاًّ ، قال : «لا بأس»(4) .

وموثّقةِ عبيد بن زرارة قال : سألت أبا عبداللّه علیه السلام عن الرجل يأخذ الخمر

ص: 385


1- الانتصار : 422 ؛ منتهى المطلب 3 : 219 ؛ التنقيح الرائع 4 : 61 ؛ مجمع الفائدة والبرهان 1 : 354 .
2- المهذّب البارع 4 : 240 ؛ كشف اللثام 1 : 466 .
3- مسالك الأفهام 12 : 101 ؛ كفاية الفقه (كفاية الأحكام) 2 : 622 ؛ مستند الشيعة 1 : 332 .
4- الكافي 6 : 428 / 2 ؛ وسائل الشيعة 25 : 370 ، كتاب الأطعمة والأشربة ، أبواب الأشربة المحرّمة ، الباب 31 ، الحديث 1 .

فيجعلها خلاًّ ، قال : «لا بأس»(1) .

وموثّقتِه الاُخرى ، عنه علیه السلام : أ نّه قال في الرجل إذا باع عصيراً ، فحبسه السلطان حتّى صار خمراً ، فجعله صاحبه خلاًّ ، قال : «إذا تحوّل عن اسم «الخمر» فلا بأس»(2) .

والظاهر منها جعلها خلاًّ بالعلاج ؛ فإنّ الخمر بنفسها ولو بقيت طويلاً لا تصير خلاًّ ، فالمراد من جعلها خلاًّ هو علاجها حتّى صارت كذلك ؛ بأن يوضع فيها شيء كالخلّ والملح .

هذا مع تصريح بعض الروايات به ، مثل ما عن ابن إدريس نقلاً عن «جامع البَزَنْطي» عن أبي بصير ، عن أبي عبداللّه علیه السلام : أ نّه سئل عن الخمر تعالج بالملح وغيره لتحوّل خلاًّ ، قال : «لا بأس بمعالجتها . . . »(3) إلى آخره .

وصحيحةِ عبد العزيز بن المهتدي - على الأصحّ(4) - قال : كتبت إلى

ص: 386


1- الكافي 6 : 428 / 3 ؛ تهذيب الأحكام 9 : 117 / 505 ؛ وسائل الشيعة 25 : 370 ، كتاب الأطعمة والأشربة ، أبواب الأشربة المحرّمة ، الباب 31 ، الحديث 3 .
2- تهذيب الأحكام 9 : 117 / 507 ؛ وسائل الشيعة 25 : 371 ، كتاب الأطعمة والأشربة ، أبواب الأشربة المحرّمة ، الباب 31 ، الحديث 5 .
3- السرائر 3 : 577 ؛ وسائل الشيعة 25 : 372 ، كتاب الأطعمة والأشربة ، أبواب الأشربة المحرّمة ، الباب 31 ، الحديث 11 .
4- رواها الشيخ الطوسي بإسناده ، عن محمّد بن أحمد بن يحيى ، عن محمّد بن عيسى بن عبيد ، عن عبد العزيز بن المهتدي . وليس في السند من يتأمّل فيه غير محمّد بن عيسى ابن عبيد ، فإنّه وثّقه النجاشي وضعّفه الشيخ . أمّا عند المصنّف قدس سره فهو ثقة على الأصحّ كما صرّح به في الجزء الأوّل أيضاً في الصفحة 363 ، فراجع .

الرضا علیه السلام : جعلت فداك ، العصير يصير خمراً ، فيصبّ عليه الخلّ وشيء يغيّره حتّى يصير خلاًّ ، قال : «لا بأس به»(1) .

فما في بعض الروايات الشاذّة من المنع مطروح ، أو مؤوّل ومحمول على الكراهة ، مثل ما عن «العيون» عن علي علیه السلام : «كلوا من الخمر ما انفسد ، ولا تأكلوا ما أفسدتموه أنتم»(2) .

ورواية أبي بصير - ولا يبعد أن تكون صحيحةً(3) - عن أبي عبداللّه علیه السلام

قال : سئل عن الخمر يجعل فيها الخلّ ، فقال : «لا ، إلاّ ما جاء من قِبَل نفسه»(4) .

مع ما في الاُولى من الإجمال . بل الثانية لا تخلو منه أيضاً .

وأمّا موثّقة أبي بصير قال : سألت أبا عبداللّه علیه السلام عن الخمر تجعل خلاًّ ، قال :

ص: 387


1- تهذيب الأحكام 9 : 118 / 509 ؛ وسائل الشيعة 25 : 372 ، كتاب الأطعمة والأشربة ، أبواب الأشربة المحرّمة ، الباب 31 ، الحديث 8 .
2- عيون أخبار الرضا عليه السلام 2 : 40 / 127 ؛ وسائل الشيعة 25 : 25 ، كتاب الأطعمة والأشربة ، أبواب الأطعمة المباحة ، الباب 10 ، الحديث 24 .
3- رواها الشيخ الطوسي بإسناده ، عن الحسين بن سعيد ، عن محمّد بن أبي عمير ، عن حسين الأحمسي ، عن محمّد بن مسلم وأبي بصير وعلي عن أبي بصير . وليس في السند من يناقش فيه إلاّ علي بن أبي حمزة البطائني . راجع رجال النجاشي : 249 / 656 ؛ الفهرست ، الطوسي : 161 / 418 ؛ اختيار معرفة الرجال : 403 / 755 ؛ تنقيح المقال 2 : 260 / السطر 39 (أبواب العين) .
4- تهذيب الأحكام 9 : 118 / 510 ؛ وسائل الشيعة 25 : 371 ، كتاب الأطعمة والأشربة ، أبواب الأشربة المحرّمة ، الباب 31 ، الحديث 7 .

«لا بأس إذا لم يجعل فيها ما يغلبها» ففي «الوسائل» و«الكافي» : «يغلبها» بالغين المعجمة(1) ، وفي بعض كتب الاستدلال «يقلبها» بالقاف(2) .

والظاهر أ نّها موافقة لمضمون روايته الاُخرى عنه ، قال : سألت أبا عبداللّه علیه السلام عن الخمر يصنع فيها شيء حتّى تحمّض ، قال : «إن كان الذي صنع فيها هو الغالب على ما صنع فيه ، فلا بأس به»(3) .

فهي مؤيّدة لصحّة نسخة «الكافي» و«الوسائل» وفيها نحو إجمال يرفع بما في النسختين ، فيكون المراد من الروايتين النهي عن غلبة ما يعالج به الخمر لتصير خلاًّ ، فلا يجوز صبّ مقدار منها في خلّ كثير ، ولا تطهر ولو مع العلم بصيرورتها خلاًّ ؛ لأ نّه صار نجساً بصبّها فيه . ولا دليل على صيرورته طاهراً بالتبع ؛ فإنّ ما طهر بالتبع هو شيء يصبّ للعلاج بحسب المتعارف ، كمقدار من الملح أو الخلّ ممّا يتعارف صبّه فيها للانقلاب .

فما عن الشيخ من القول بطهارة الخمر القليلة الملقاة في خلّ كثير ؛ إذا مضى عليها زمان يعلم عادة باستحالتها (4) ضعيف ، لا لما قيل : «بأنّ صبّ

ص: 388


1- الكافي 6 : 428 / 4 ؛ وسائل الشيعة 25 : 371 ، كتاب الأطعمة والأشربة ، أبواب الأشربة المحرّمة ، الباب 31 ، الحديث 4 .
2- جواهر الكلام 6 : 284 ؛ مصباح الفقيه ، الطهارة 8 : 293 .
3- ا لكافي 6 : 428 / 1 ؛ تهذيب ا لأحكام 9 : 119 / 511 ؛ وسائل ا لشيعة 25 : 370 ، كتاب ا لأطعمة وا لأشربة ، أبواب ا لأشربة ا لمحرّمة ، ا لباب 31 ، الحديث 2 .
4- النهاية : 592 - 593 ؛ تهذيب الأحكام 9 : 118 - 119 .

المائع حتّى للعلاج محلّ إشكال ، فضلاً عن غيره»(1) فإنّ الخلّ الوارد في الأدلّة من المائعات . مضافاً إلى أنّ مقتضى إطلاق الأدلّة عدم الفرق .

بل منشأ الإشكال أنّ المستفاد من الأدلّة ، هو طهارة ما يعمل علاجاً ويتعارف استعماله فيه دون غيره ، فإلقاء الأجسام الأجنبيّة فيها - سواء كانت من المائعات أو الجامدات ؛ لتصير طاهرة بالتبع - محلّ إشكال ومنع .

بل الإشكال في الجامدات أشدّ إذا كانت المائعات بمقدار يستهلك فيها ؛ وإن زاد عن المتعارف . بل مع الاستهلاك يكون للقول بالطهارة وجه .

نعم ، يمكن أن يقال : إنّ مقتضى موثّقتي أبي بصير ، جواز جعل الخلّ وغيره فيها إذا لم يغلبها وإن زاد عن المتعارف . لكنّ الاتّكال عليهما - مع اختلاف نسخة الاُولى ، والإجمال في الثانية - لا يخلو من إشكال ، فالأحوط عدم التجاوز عن المقدار المتعارف للعلاج .

وأمّا ذهاب الثلثين ، فلا موجب للبحث عنه بعد ما تقدّم من عدم نجاسة العصير بغليانه(2) . ولو فرض حصول الإسكار في بعض الأحيان وصار خمراً ، فلا يطهر إلاّ بالانقلاب .

ص: 389


1- مصباح الفقيه ، الطهارة 8 : 295 .
2- تقدّم في الجزء الثالث : 310 .
الكلام في مطهّرية الإسلام

وأمّا الإسلام ، فموجب لارتفاع نجاسة الكفر ، وهو - نظير الانقلاب - من تبدّل عنوان بالآخر دلّت الأدلّة على طهارة المعنون به .

نعم ، إن قلنا بطهارة رطوباته المتّصلة به ، كعرقه وبصاقه ووسخه وثوبه المتنجّس بها ، كما ادّعي عليها السيرة ، وعدم معهودية الأمر بتطهيره بعد الإسلام مع ملازمته لها (1) ، يكون الإسلام مطهّراً لها .

وأمّا بناءً على ما قيل من تبدّل النسبة وصيرورتها من المسلم(2) ، فيكون من الانقلاب . لكنّه كما ترى ، سيّما في بعضها .

وكيف كان : فالحكم بطهارة المسلم من الكفر الأصلي إجماعي(3) ، بل ضروري ، كما ادّعاه الأعلام(4) ، وهو كذلك .

طهارة من أسلم عن الارتداد الملّي

وهو متسالم عليه فيمن أسلم عن ارتداد ملّي ، وحكي عليه الاتّفاق(5) . وتدلّ عليه - مضافاً إلى أولوية قبول إسلامه وتوبته من الفطري ، الذي يأتي قوّة قبوله

ص: 390


1- اُنظر مستمسك العروة الوثقى 2 : 116 .
2- جواهر الكلام 6 : 299 .
3- منتهى المطلب 3 : 225 ؛ ذكرى الشيعة 1 : 131 .
4- مستند الشيعة 1 : 341 ؛ جواهر الكلام 6 : 293 .
5- مستمسك العروة الوثقى 2 : 116 .

منه آنفاً - صحيحة علي بن جعفر ، عن أخيه أبي الحسن علیه السلام قال : سألته عن مسلم تنصّر ، قال : «يقتل ولا يستتاب» .

قلت : فنصراني أسلم ثمّ ارتدّ ، قال : «يستتاب ، فإن رجع وإلاّ قتل»(1) .

وبها يقيّد إطلاق نحو صحيحة محمّد بن مسلم قال : سألت أبا جعفر علیه السلام

عن المرتدّ ، فقال : «من رغب عن الإسلام ، وكفر بما اُنزل على محمّد بعد إسلامه ، فلا توبة له وقد وجب قتله ، وبانت منه امرأته ، ويقسم ما ترك على ولده»(2) .

والمراد من قوله علیه السلام : «بعد إسلامه» بعد كونه مسلماً ، لا بعد دخوله في الإسلام ؛ جمعاً بينها وبين صحيحة علي بن جعفر المصرّحة باستتابته .

قبول توبة المرتدّ الفطري باطناً وظاهراً وطهارته بعدها

وأمّا المرتدّ الفطري ، فالظاهر قبول توبته أيضاً :

أمّا باطناً : فيمكن دعوى القطع به ؛ لعموم رحمته تعالى وفضله على العباد ، وعدم إمكان طرد من رجع إليه وتاب وأسلم وآمن ؛ بأن ردّه من بابه ، وعذّبه عذاب الكفّار . بل لعلّه مخالف لاُصول العدلية .

وأمّا ظاهراً : - بمعنى صحّة إسلامه - فقد يقال بعدم قبوله . وعلى فرض قبوله

ص: 391


1- الكافي 7 : 257 / 10 ؛ تهذيب الأحكام 10 : 138 / 548 ؛ وسائل الشيعة 28 : 325 ، كتاب الحدود والتعزيرات ، أبواب حدّ المرتدّ ، الباب 1 ، الحديث 5 .
2- الكافي 7 : 256 / 1 ؛ تهذيب الأحكام 10 : 136 / 540 ؛ وسائل الشيعة 28 : 323 ، كتاب الحدود والتعزيرات ، أبواب حدّ المرتدّ ، الباب 1 ، الحديث 2 .

وصيرورته مسلماً فلا دليل على صيرورته طاهراً ؛ لعدم عموم على طهارة كلّ مسلم يشمل مثله ، فمقتضى الاستصحاب نجاسته(1) .

وقد يستدلّ(2) على عدم قبوله بصحيحة محمّد بن مسلم المتقدّمة .

وفيه : مضافاً إلى عدم الملازمة بين عدم قبول توبته وعدم صحّة إسلامه ؛ لإمكان أن يكون المرتدّ الذي عصى ربّه واستوجب القتل في الدنيا والعذاب في الآخرة ، لا تقبل توبته من هذا العصيان وإن صار مسلماً ، فمقتضى الجمع بين الصحيحة وبين ما دلّت على أنّ الإسلام عبارة عن الشهادتين(3) ، أن يصحّ إسلامه ، ويترتّب عليه أحكام الإسلام : من الطهارة وغيرها ، لكن لا يصير إسلامه موجباً لقبول توبته من عصيانه السابق ، فيستحقّ العقوبة في الآخرة ، لا نحو عقوبة الكفّار من الخلود ، وفي الدنيا تترتّب عليه أحكام المرتدّ .

أنّ الصحيحة قاصرة عن إثبات عدم قبول توبته باطناً وظاهراً ؛ فيما هو راجع إلى الأحكام الثابتة له بالارتداد ، كوجوب قتله وبينونة زوجته وتقسيم ماله وما لا يرجع إليه ؛ لأنّ الظاهر من قوله علیه السلام : «وقد وجب قتله ، وبانت امرأته ، ويقسم ما ترك على ولده» أنّ الجمل حالية .

فحاصل الصحيحة : أنّ الأحكام الثلاثة بعد ثبوتها بحدوث الارتداد ، لا ترفع بالتوبة ، فلا توبة له والحال أنّ القتل صار ثابتاً ، والامرأة بائنةً ، والمال منتقلاً

ص: 392


1- مستمسك العروة الوثقى 2 : 118 - 119 .
2- جواهر الكلام 6 : 294 .
3- الكافي 2 : 25 / 1 .

إلى الورثة ، فيمكن دعوى ظهورها أو إشعارها بأنْ لا توبة له بالنسبة إلى ما ثبت عليه ومضى ؛ وهي الأحكام الثلاثة ، دون ما سيأتي من الأحكام ، كطهارته وغيرها .

بل الظاهر أنّ الصحيحة نظير غيرها من الروايات الواردة في الباب(1) ، الدالّة على أنّ المرتدّ الملّي يستتاب ولا يقتل ، والفطري لا يستتاب ، وعلى الإمام أن يقتله بلا استتابة ، فلا إطلاق فيها .

وبالجملة : لا يصحّ إثبات هذا الحكم المخالف للعقول في قبول توبته باطناً وللأدلّة في قبول إسلامه وتحقّقه منه ، بتلك الرواية . ولا يبعد رجوع كلمات الفقهاء إلى ما تقدّم ، فلا يمكن الاعتماد على الشهرة المحكيّة في الباب(2) .

وأمّا احتمال بقاء نجاسته بعد صحّة إسلامه ، فلا ينبغي التفوّه به بعد وضوح طهارة كلّ مسلم لدى المتشرّعة . بل لو أنكر أحد نجاسة هذا المرتدّ الراجع عن ارتداده ، كان أقرب إلى الصواب من إنكار طهارة هذا المسلم الذي إسلامه كسائر المسلمين .

مضافاً إلى أنّ الروايات الواردة في تشريح حقيقة الإسلام ، ظاهرة في أنّ جميع أحكام الإسلام مترتّبة على من أقرّ بالشهادتين ، كموثّقة سَماعة قال : قلت لأبي عبداللّه علیه السلام : أخبرني عن الإسلام . . . إلى أن قال : «الإسلام : شهادة أن لا إله إلاّ اللّه ، والتصديق برسول اللّه ، به حقنت الدماء ، وعليه جرت المناكح

ص: 393


1- وسائل الشيعة 28 : 323 ، كتاب الحدود والتعزيرات ، أبواب حدّ المرتدّ ، الباب 1 و3 .
2- جواهر الكلام 6 : 294 ؛ مصباح الفقيه ، الطهارة 8 : 306 .

والمواريث، وعلى ظاهره جماعة الناس»(1) ونحوها صحيحة حُمران بن أعين(2).

ومعلوم أنّ تلك الأمثلة لإفادة أنّ جميع الأحكام الظاهرة - من المعاشرات والمناكحات وغيرها - مترتّبة على الشهادتين ، فتوهّم أنّ الطهارة التي هي من أوضح ما يحتاج إليها الناس في عشرتهم لا تترتّب عليها ، في غاية السقوط .

نعم ، لأحد أن يقول : إنّ الروايات في هذا المضمار إنّما هي لبيان الإسلام المقابل للإيمان ، ولا إطلاق لها بالنسبة إلى المرتدّ عن الإسلام إذا رجع وأظهر الشهادتين .

لكنّه وهم ؛ فإنّ المنساق من الروايات أنّ الشهادتين تمام حقيقة الإسلام ، وتمام الموضوع لترتّب الآثار الظاهرة على مظهرها ، فالتشكيك في طهارة المسلم - سيّما المؤمن بجميع ما جاء به النبي صلی الله علیه و آله وسلم الذي هو أعزّ من الكبريت الأحمر ، ويكون من أولياء اللّه تعالى . . . إلى غير ذلك من الأوصاف التي ذكرت له في الروايات(3) - كالتشكيك في البديهي .

وأمّا الاستدلال عليها : بأ نّه مكلّف بالإسلام وشرائعه ، فلا بدّ من صحّتها منه ، وإلاّ فلا يعقل تكليفه بها جدّاً ، والصحّة متوقّفة على قبول إسلامه وعلى طهارته(4) .

فغير وجيه ؛ إذ غاية ما يدلّ عليه هذا الوجه ، هو قبول إسلامه الذي هو شرط

ص: 394


1- الكافي 2 : 25 / 1 .
2- الكافي 2 : 26 / 5 .
3- راجع الكافي 2 : 242 / 1 ؛ بحار الأنوار 64 : 159 / 3 .
4- الروضة البهية 4 : 386 ؛ اُنظر مستمسك العروة الوثقى 2 : 118 .

في قبول عمله ، ولا يمكن التخصيص في دليله ، وأمّا اشتراط الطهارة فيمكن أن يقال بسقوطه منه ، فالعلم بصحّة العبادات منه ملازم للعلم بصحّة إسلامه ، لا العلم بطهارته .

ومنه يظهر أنّ الاستدلال(1) عليها برواية محمّد بن مسلم ، عن أبي جعفر علیه السلام : فيمن كان مؤمناً فحجّ وعمل في إيمانه ، ثمّ أصابته في إيمانه فتنة فكفر ، ثمّ تاب وآمن ، قال : «يحسب له كلّ عمل صالح في إيمانه ، ولا يبطل منه شيء»(2) غير وجيه ؛ لأ نّها تدلّ على قبول أعماله الصالحة ، وهو لا يلازم طهارة بدنه .

نعم ، يلازم صحّة عباداته ولو مع إسقاط شرطية الطهارة .

ص: 395


1- مصباح الفقيه ، الطهارة 8 : 311 .
2- تهذيب الأحكام 5 : 459 / 1597 ؛ وسائل الشيعة 1 : 125 ، أبواب مقدّمة العبادات ، الباب 30 ، الحديث 1 ، (وفيهما : «عن زرارة عن أبي جعفر عليه السلام» ) .

الأمر الرابع: في مطهّرية الأرض

اشارة

الرابع : الأرض ، ولا ينبغي الإشكال في مطهّريتها إجمالاً ، وعن «جامع المقاصد» الإجماع عليها في باطن النعل وأسفل القدم والخفّ والقبقاب ونحوه(1) .

وعن «المدارك» : «أنّ هذا الحكم مقطوع به في كلام الأصحاب ، وظاهرهم الاتّفاق عليه»(2) . وعن «الدلائل» : «هو مقطوع به في كلام الأصحاب ، ونقل بعضهم الإجماع عليه»(3) . وعن «المعالم» و«الذخيرة» : «لا يعرف فيه خلاف بين الأصحاب»(4) . وربّما يظهر من الشيخ في «الخلاف» خلاف في ذلك(5) ، على إشكال في ظهور كلامه ، وعلى فرضه لا بدّ من تأويله .

ص: 396


1- جامع المقاصد 1 : 179 .
2- مدارك الأحكام 2 : 372 .
3- اُنظر مفتاح الكرامة 2 : 214 .
4- معالم الدين (قسم الفقه) 2 : 752 ؛ ذخيرة المعاد : 173 / السطر 7 .
5- الخلاف 1 : 217 - 218 .
الروايات الدالّة على مطهّرية الأرض

وتدلّ عليها الكبرى الواردة في الروايات ب- «إنّ الأرض يطهّر بعضها بعضاً» :

تارة : في وط ء العَذِرَة ، كصحيحة محمّد بن مسلم قال : كنت مع أبي جعفر علیه السلام

إذ مرّ على عَذِرة يابسة ، فوطأ عليها فأصابت ثوبه ، فقلت : جعلت فداك ، قد وطأت على عَذِرة فأصابت ثوبك ، فقال : «أ ليس هي يابسة ؟» فقلت : بلى ، قال : «لا بأس ؛ إنّ الأرض تطهّر بعضها بعضاً»(1) .

ولعلّ المراد أ نّه لا بأس بإصابة الثوب ؛ لكونها يابسة ، ولا بوطئها الملازم لصحابة أجزائها للرجل أو النعل ؛ لأنّ الأرض تزيلها ، وعلى هذا يكون مفادها غير مفاد ما تأتي في سائر الروايات .

ويحتمل بعيداً أن يراد بنفي البأس إذا كانت يابسة ، نفيه عن إصابة الثوب ، وذكر الكبرى لأجل التنبيه على أ نّها لو كانت رطبة وتلوّثت بها الرجل ، تطهر بالأرض ، فضلاً عمّا كانت يابسة ، وعليه يكون مفادها كغيرها . واحتمل بعضهم وقوع سقط فيها (2) .

واُخرى : في مورد التنجّس بملاقي الخنزير ، كحسنة(3) المعلّى بن خُنيس قال : سألت أبا عبداللّه علیه السلام عن الخنزير يخرج من الماء ، فيمرّ على الطريق

فيسيل منه الماء ، أمرّ عليه حافياً ؟ فقال : «أ ليس وراءه شيء جافّ ؟» قلت : بلى ،

ص: 397


1- الكافي 3 : 38 / 2 ؛ وسائل الشيعة 3 : 457 ، كتاب الطهارة ، أبواب النجاسات ، الباب 32 ، الحديث 2 .
2- غنائم الأيّام 1 : 483 .
3- تقدّم وجهها في الصفحة 24 ، الهامش 3 .

قال : «فلا بأس ؛ إنّ الأرض يطهّر بعضها بعضاً»(1) .

وثالثة : في مورد التنجّس بالبول ، كحسنة الحلبي ، عن أبي عبداللّه علیه السلام

قال : قلت له : إنّ طريقي إلى المسجد في زقاق يبال فيه ، فربّما مررت فيه وليس عليّ حذاء ، فيلصق برجلي من نداوته ، فقال : «أ ليس تمشي بعد ذلك في أرض يابسة ؟» قلت : بلى ، قال : «فلا بأس ؛ إنّ الأرض يطهّر بعضها بعضاً»(2) . . . إلى آخره .

ورابعة : في مورد التنجّس بمطلق القذر ، كموثّقة الحلبي(3) لو كانت القضيّة غير ما في الحسنة ، وإلاّ كان المراد من «القذر» البول ، كما صرّح به في الاُولى .

وكيف كان : يظهر من تلك الكبرى أنّ الأرض مطهّرة للرجل ولو فرض أنّ فيها إجمالاً ؛ فإنّ صدورها لإفادة طهارتها وجواز الدخول معها في المسجد والدخول في الصلاة - كما لعلّه المنساق منها - ممّا لا ينبغي الإشكال فيه .

وإنّما الإشكال في كيفية إفادتها طهارة الرجل ، ولا يبعد أن يكون المتفاهم منها : أنّ الأرض يطهّر بعضها ما يتنجّس ببعضها ، أو يكون المراد ب- «البعض» الثاني نفسَ النجاسات الحالّة في الأرض بنحو من التأويل ، فإنّها صارت كالجزء لها ، والمراد ب- «تطهيرها» تطهير آثارها من الملاقي ، كقوله : «الماء يطهّر

الدم» .

ص: 398


1- الكافي 3 : 39 / 5 ؛ وسائل الشيعة 3 : 458 ، كتاب الطهارة ، أبواب النجاسات ، الباب 32 ، الحديث 3 .
2- السرائر 3 : 555 ؛ وسائل الشيعة 3 : 459 ، كتاب الطهارة ، أبواب النجاسات ، الباب 32 ، الحديث 9 .
3- الكافي 3 : 38 / 3 ؛ وسائل الشيعة 3 : 458 ، كتاب الطهارة ، أبواب النجاسات ، الباب 32 ، الحديث 4 ، وقد تقدّم متنه في الصفحة 13 .

نعم ، ما احتمله الكاشاني(1) غير بعيد بالنسبة إلى صحيحة ابن مسلم المتقدّمة(2) ، والظاهر أنّ مراده توجيه هذه الرواية دون غيرها .

بل يمكن استفادة الطهارة من سائر الروايات أيضاً ؛ فإنّ اشتراط طهارة البدن

لمّا كان معهوداً لدى السائل والمسؤول ، فلا يفهم من تجويز الصلاة مع رجل ساخت في العَذِرة بعد مسحها وذهاب أثرها (3) ، ولا من نفي البأس إذا مشى نحو خمسة عشر ذراعاً (4) ، إلاّ حصولَ شرط الصلاة والطهارة ، وأمّا رفع اليد عنه والعفو فشيء لا يفهمه العرف ، فلا ينبغي التأمّل في حصولها .

نعم ، الاستدلال عليها (5) بمثل قوله صلی الله علیه و آله وسلم : «جعلت لي الأرض مسجداً وطهوراً»(6) أو قوله علیه السلام : «إنّ اللّه جعل التراب طهوراً كما جعل الماء طهوراً»(7) ضعيف ؛ لأنّ الظاهر منهما - سيّما الثانية - كونهما إشارة إلى آية التيمّم(8) ، وإلاّ فالأخذ بإطلاقهما خلاف الإجماع، بل الضرورة. وتقييدهما موجب للاستهجان.

ص: 399


1- الوافي 6 : 225 .
2- تقدّمت في الصفحة 397 .
3- كما في صحيحة زرارة الآتية في الصفحة 402 - 403 .
4- كما في صحيحة الأحول الآتية في الصفحة 400 .
5- الحدائق الناضرة 5 : 457 .
6- الفقيه 1 : 155 / 724 ؛ وسائل الشيعة 3 : 350 ، كتاب الطهارة ، أبواب التيمّم ، الباب 7 ، الحديث 2 .
7- الفقيه 1 : 60 / 223 ؛ وسائل الشيعة 3 : 386 ، كتاب الطهارة ، أبواب التيمّم ، الباب 24 ، الحديث 2 .
8- النساء (4) : 43 ؛ المائدة (5) : 6 .
عموم مطهّرية الأرض لجميع النجاسات

ثمّ إنّ مقتضى إطلاق بعض الروايات - كالكبرى المتقدّمة(1) ، وصحيحة الأحول ، عن أبي عبداللّه علیه السلام قال : في الرجل يطأ على الموضع الذي ليس بنظيف ، ثمّ يطأ بعده مكاناً نظيفاً ، قال : «لا بأس إذا كان خمسة عشر ذراعاً ، أو نحو ذلك»(2) بل وموثّقة عمّار بن موسى ، عن أبي عبداللّه علیه السلام في حديث : أ نّه سأله عن رجل يتوضّأ ويمشي حافياً ورجله رطبة ، قال : «إن كانت أرضكم مبلّطة أجزأكم المشي عليها . . .»(3) إلى آخره - عموم الحكم لجميع النجاسات من غير فرق بين العَذِرة والبول وغيرهما .

اعتبار كون النجاسة من الأرض

وهل يعمّ الحكم حصولها بأيّ نحو كان ، أو يختصّ بحصولها من الأرض بمشي ونحوه ، لا النجاسة الخارجية ؛ كأن قطرت على باطن القدم قطرة دم أو غيره ؟

قد يقال : «إنّ مورد جلّ الروايات أو كلّها وإن كان ما حصل التلوّث من الأرض ، بل قد يستشعر من قوله علیه السلام : «الأرض يطهّر بعضها بعضاً»(4) ذلك ،

ص: 400


1- تقدّمت في الصفحة 397 .
2- الكافي 3 : 38 / 1 ؛ وسائل الشيعة 3 : 457 ، كتاب الطهارة ، أبواب النجاسات ، الباب 32 ، الحديث 1 .
3- تهذيب الأحكام 2 : 372 / 1548 ؛ وسائل الشيعة 3 : 459 ، كتاب الطهارة ، أبواب النجاسات ، الباب 32 ، الحديث 8 .
4- تقدّم في الصفحة 397 .

لكن استبعاد مدخلية مثل هذه الخصوصية في موضوع الحكم ، مانع عن أن يقف الذهن دونها ، ولهذا لم يفهم الأصحاب منها الاختصاص»(1) .

وحاصل كلامه يرجع إلى إلغاء الخصوصية عرفاً .

ويمكن أن يستدلّ له بإطلاق صحيحة الأحول ؛ فإنّ الموضع الذي ليس بنظيف أعمّ من الأرض ؛ كأن وطأ على فراش ونحوه ، ويتمّ في غيره بعدم الفصل جزماً .

لكن الحكم بالتعميم في المقام لا يخلو من إشكال ؛ لأنّ الكبرى المتقدّمة لمّا

كانت في مقام بيان الضابط ، لا بدّ من أخذ القيود التي فيها ، ولا يجوز إلغاؤها إذا

كانت في مورد إعطاء القاعدة ، ولا يبعد أن يكون أظهر الاحتمالات فيها أحد الاحتمالين المتقدّمين(2) ، فيفهم منها دخالة خصوصية حصول النجاسة من الأرض ، وإلاّ لم يأخذها في مقام إعطاء الضابط .

واحتمال أن يكون المراد من «البعض» الثاني الأرض ، ويكون المراد من «تطهيرها» إزالة أثرها ، أو استحالتها وتبديل موضوعها ، ويكون الاستدلال بهذه القضيّة لطهارة الرجل والخفّ ، مبنيّاً على تنزيلهما منزلة الأرض بعلاقة المجاورة(3) ، بعيد مخالف للمتفاهم العرفي ، بل لعلّه من أبعد الاحتمالات .

كما أنّ في إطلاق صحيحة الأحول إشكالاً ، سيّما مع أنّ المراد من المكان النظيف الذي بعده هو الأرض ، كما يأتي الكلام فيه(4) . والتفكيك بينهما - بدعوى

ص: 401


1- مصباح الفقيه ، الطهارة 8 : 325 - 326 .
2- تقدّما في الصفحة 398 .
3- مصباح الفقيه ، الطهارة 8 : 324 - 325 .
4- يأتي في الصفحة 405 - 406 .

إطلاق «الموضع الذي ليس بنظيف» لكلّ موضع ؛ لمساعدة العرف ، مع عدم الفرق بين أسباب حصول النجاسة ، وعدم إطلاق قوله : «مكاناً نظيفاً» - بعيد ، سيّما مع الكبرى المتقدّمة .

بل يمكن تقييد إطلاقه بها لو فرض الإطلاق ؛ بعد ما عرفت ظهورها ؛ وأنّ القيد فيها ظاهر في القيدية . بل وظهور النبويين العامّيين في الاختصاص ؛ فإنّ قوله صلی الله علیه و آله وسلم : «إذا وطأ أحدكم الأذى بخفّيه فطهورهما التراب»(1) وقوله صلی الله علیه و آله وسلم : «إذا وطأ أحدكم بنعليه الأذى فإنّ التراب له طهور»(2) ظاهر أو مشعر بالاختصاص ، ومعه يشكل إلغاء الخصوصية .

وأمّا عدم ذكر الأصحاب هذا القيد ، بل مقتضى إطلاق كلامهم عدم القيدية ، فليس إلاّ لاجتهادهم في تلك الروايات ؛ للجزم بعدم أمر آخر عندهم وراءها ، ومعه ليست الشهرة بحجّة .

إلاّ أن يقال : إنّ عدم دخالة الخصوصية عرفاً يستكشف من فهم الأصحاب ؛ فإنّهم أيضاً من العرف .

وهو مشكل بعد عدم استفادتنا إلغاء الخصوصية بالشواهد المتقدّمة ، فالأحوط - لو لم يكن أقوى - اعتبار كون النجاسة من الأرض .

نعم ، لا يلزم أن يكون التنجّس بملاقاة الأرض المتنجّسة ، بل أعمّ منه ومن ملاقاة عين النجس الملقاة فيها ، كما تدلّ عليه صحيحة زرارة قال : قلت لأبي جعفر علیه السلام : رجل وطأ على عَذِرة ، فساخت رجله فيها ، أينقض ذلك

ص: 402


1- سنن أبي داود 1 : 158 / 386 .
2- سنن أبي داود 1 : 158 / 385 ؛ المستدرك على الصحيحين 1 : 166 .

وضوءه ، وهل يجب عليه غسلها ؟ فقال : «لا يغسلها إلاّ أن يقذرها ، ولكنّه يمسحها حتّى يذهب أثرها ويصلّي»(1) .

كما تدلّ على ثبوت الحكم لملاقاة الأرض المتنجّسة حسنة المعلّى(2) وإطلاق بعض الروايات .

مطهّرية الأرض لأسفل القدم وباطن النعل والخفّ

ثمّ إنّه لا ينبغي الإشكال في ثبوت الحكم لأسفل القدم ؛ لإطلاق بعض الروايات ، كصحيحة الأحول وإحدى روايتي الحلبي ، وصراحة جملة منها ، كحسنتي المعلّى والحلبي وصحيحة زرارة وموثّقة عمّار ، ولم يتّضح مع ذلك وجه إشكال العلاّمة في محكيّ «التحرير»(3) وتوقّفه في محكيّ «المنتهى»(4) فيه.

وأمّا باطن النعل والخفّ ، فمضافاً إلى حكاية الشهرة(5) والإجماع وعدم الخلاف فيه(6) ، يدلّ عليه إطلاق الكبرى المتقدّمة ، وإطلاق صحيحة الأحول وصحيحة ابن مسلم ، فإنّ من المعلوم عدم كون أبي جعفر علیه السلام بلا حذاء ، ورواية حفص بن أبي عيسى قال : قلت لأبي عبداللّه علیه السلام : إنّي وطأت عَذِرة بخفّي ،

ص: 403


1- تهذيب الأحكام 1 : 275 / 809 ؛ وسائل الشيعة 3 : 458 ، كتاب الطهارة ، أبواب النجاسات ، الباب 32 ، الحديث 7 .
2- تقدّمت في الصفحة 397 .
3- تحرير الأحكام 1 : 163 .
4- منتهى المطلب 3 : 285 .
5- الحدائق الناضرة 5 : 451 .
6- تقدّم في الصفحة 396 .

ومسحته حتّى لم أرَ فيه شيئاً ، ما تقول في الصلاة فيه ؟ فقال : «لا بأس»(1) .

إذ الظاهر أنّ سؤاله عن طهارته بالمسح ، وإلاّ فصلاته صحيحة مع نجاسته أيضاً .

ويلحق بهما مثل القبقاب ، وظاهر القدم والنعل إذا كان المشي عليه لنقص في الخلقة على الأقوى ؛ لإطلاق بعض الأخبار .

وفي إلحاق الركبتين واليدين ممّن يمشي عليهما تأمّل، وإن لا يخلو من وجه؛ للتعليل المتقدّم . بل لا يبعد صدق «الوط ء» عليهما على تأمّل ، سيّما في اليدين .

وفي إلحاق عصى الأعرج وخشبة الأقطع إشكال ؛ لاحتمال انصراف الأدلّة عنهما . وأشكل منهما نعل الدوابّ وأسفل العكّاز وكعب الرمح . ومن الكلّ أسفل العربات والدبّابات ونحوها .

واحتمال إلحاق الجميع ؛ لإطلاق الكبرى المتقدّمة ، غير وجيه ؛ لعدم إمكان الأخذ بإطلاقها ، إذ مقتضى ذلك أنّ كلّ ما تنجّس بالأرض يطهر بها ، وهو مقطوع البطلان ، فلا بدّ من اختصاصها بأنحاء ما وقع السؤال عنها ، وعدم التعدّي عن إطلاق بعض الأدلّة ، مثل صحيحة الأحول .

وبالجملة : بعد وضوح بطلان الأخذ بإطلاق الكبرى المتقدّمة - للزوم التعدّي

إلى كلّ ما تنجّس بالأرض ؛ حتّى الثياب والأواني - لا يبقى لإطلاقها في المذكورات وثوق ، بل يوهن ذلك الإطلاق ، ويشكل التعدّي عن موردها ؛ أي القدم والنعل .

ص: 404


1- تهذيب الأحكام 1 : 274 / 808 ؛ وسائل الشيعة 3 : 458 ، كتاب الطهارة ، أبواب النجاسات ، الباب 32 ، الحديث 6 .

نعم ، لا فرق بين أنحاء النعال ، بل لا يبعد إلحاق الجورب إذا خيط في أسفله

جلد الدابّة - كما قد يعمل - على تأمّل فيه . وأمّا الجورب المعمول من القطن والصوف أو غيرهما ، فالأقوى عدم الإلحاق ؛ لانصراف صحيحة الأحول(1) عنه ، وعدم دليل آخر عليه .

اعتبار كون المطهّر أرضاً لا حصيراً مثلاً

ثمّ إنّه يعتبر في المطهّر أن يكون أرضاً ، وعن ابن الجنيد كفاية المسح بكلّ

قالع(2) ، وعن «النهاية» احتماله(3) . واختار النراقي الاجتزاء بالمشي في غير الأرض ، كالحصير والنبات والخشب(4) .

والدليل على الاعتبار : الكبرى الملقاة في مقام الضابط ، حيث لا بدّ من الأخذ بقيودها والحكم بدخالتها ، فلو كان مطلق القالع أو المشي على مطلقه مجزياً ، لما كان اختصاص الأرض بالذكر في مقام ذكر الضابط مناسباً ، سيّما مع قوله علیه السلام في حسنة الحلبي : «أ ليس تمشي بعد ذلك في أرض يابسة ؟» .

وهي المراد بقوله علیه السلام : «أ ليس وراءه شيء جافّ ؟» في حسنة المعلّى بقرينة ذكر الكبرى بعده ، وهما يؤكّدان خصوصية الأرض .

ويؤيّد الاعتبار بل يدلّ عليه موثّقة عمّار . ويؤيّده النبويان المتقدّمان . بل

ص: 405


1- تقدّمت في الصفحة 400 .
2- اُنظر المعتبر 1 : 447 ؛ مصباح الفقيه ، الطهارة 8 : 331 .
3- نهاية الإحكام 1 : 291 .
4- مستند الشيعة 1 : 338 .

كون الأرض بخصوصها مطهّرة للحدث ، لا يخلو من تأي-يد .

وبكلّ ذلك يقيّد إطلاق صحيحتي الأحول وزرارة ورواية حفص المتقدّمات ، وذيل صحيحة زرارة ، عن أبي جعفر علیه السلام قال : «جرت السنّة في أثر الغائط بثلاثة أحجار أن يمسح العجان ولا يغسله ، ويجوز أن يمسح رجليه ولا يغسلهما»(1) على فرض تسليم إطلاقها .

مع إمكان إنكاره بدعوى : أنّ صحيحة الأحول منصرفة إلى الأرض ، كما عن صاحب «الحدائق»(2) وهو غير بعيد ، سيّما مع أنّ الوط ء بالرجل القذرة لمثل الفراش بعيد ، خصوصاً عمداً . وأنّ غير الأرض في محلّ الصدور نادر .

ودعوى : أنّ صحيحة زرارة في مقام بيان عدم وجوب الغسل وكفاية المسح ، وليست بصدد بيان ما يمسح به وشرائطه . مع أنّ المتعارف في مسح ما يقذر بالعذرة هو المسح على الأرض ، سيّما في تلك البلاد وذلك العصر .

ومنه يظهر الحال في رواية حفص . والصحيحة الأخيرة - مع عدم وضوح المراد منها - يأتي فيها ما ذكر .

وأمّا دعوى كون المقام نظير باب الاستنجاء ، بل هو منه ، فكما يكفي فيه مطلق القالع ، كذلك في المقام ، ففيه ما لا يخفى ، فالأقوى اعتبار كون القالع أرضاً .

ص: 406


1- تهذيب الأحكام 1 : 46 / 129 ؛ وسائل الشيعة 3 : 459 ، كتاب الطهارة ، أبواب النجاسات ، الباب 32 ، الحديث 10 .
2- اُنظر مستمسك العروة الوثقى 2 : 67 - 68 ؛ الحدائق الناضرة 5 : 458 .
عدم الفرق بين أجزاء الأرض في التطهير

نعم ، لا فرق بين أجزاء الأرض ، كالتراب والحجر والحصى والرمل والجصّ والنورة ، بل والآجرّ والخزف ؛ لصدق «الأرض» عليها ، ولجريان استصحاب كونها مطهّرة في بعضها .

ولا يضرّ بالحكم اختلاط غير الأرض بها بما لا يضرّ بالصدق العرفي ، كالتبن القليل ونحوه ؛ لابتلاء الأراضي نوعاً به ، فمقتضى الإطلاق عدم الإضرار ، وإلاّ لوجب التنبيه عليه .

اعتبار جفاف الأرض ويبوستها

ومن بعض ما تقدّم يظهر اعتبار الجفاف واليبوسة في الأرض ؛ لأنّ ذكر «الجافّ» في حسنة المعلّى(1) و«اليابس» في حسنة الحلبي(2) ، دليل عليه ، سيّما في مقام بيان الضابط .

ودعوى : أنّ «الجافّ» في الاُولى في مقابل الماء السائل من الخنزير ، و«اليابسة» في الثانية في مقابل نداوة البول(3) ، كما ترى ؛ فإنّه إن اُريد مقابلتهما للنداوة والرطوبة مطلقاً فمسلّم ، لكن يستفاد منهما التقي-يد .

وإن اُريد مقابلتهما لنداوة البول وما سال من الخنزير - أي يكون جافّاً من هذه الرطوبة والنداوة حتّى لا ينافي كونه رطباً بغيرها ، بل وحلاً - فهو ممنوع

ص: 407


1- تقدّمت في الصفحة 397 .
2- تقدّمت في الصفحة 398 .
3- اُنظر مصباح الفقيه ، الطهارة 8 : 334 ؛ مستمسك العروة الوثقى 2 : 70 .

جدّاً ؛ لعدم صدق «الجفاف» و«اليبوسة» عليه ، كما لا يخفى .

مع أنّ للمسح على الجافّ واليابس ، دخالةً في قلع القذارة لدى العرف ؛ فإنّ المسح بشيء رطب رطوبة سارية أو بشيء نحو الوحل ، يوجب انتشار القذارة ، بل صيرورة المحلّ أقذر ، لا قلعها ، ولهذا يناسب «الجفاف» و«اليبس» القلعَ بارتكاز العرف ، فيفهم منهما القيدية ، وبهما يقيّد إطلاق لو كان .

نعم ، لا يبعد أن يقال : إنّ الرطوبة الضعيفة غير السارية غير مضرّة ؛ لصدق «الجافّ» بل و«اليابس» على الأرض إذا كانت كذلك ، سيّما بعض مراتبها .

ولو كان «الجفاف» أعمّ من «اليبوسة» وكانت الثانية غير صادقة على الأرض التي لها رطوبة غير سارية ، فلا يبعد أيضاً القول بكفاية الجفاف ؛ بدعوى أنّ ذكر «اليبوسة» لكونها أحد المصاديق الحاصل به التطهير ، فيكون كلّ من الجافّة واليابسة مطهّرة ؛ وإن كانت الثانية أسرع في القلع وأوقع . وبعبارة اُخرى : تقييد حسنة المعلّى بحسنة الحلبي ، أبعد من البناء على ما ذكر .

وأمّا تأييد كفاية الرطوبة السارية بل الوحل : بأنّ الملّة سمحة سهلة ، وبحصول الحرج في فصل الشتاء(1) ، فهو كما ترى .

اعتبار طهارة الأرض

وتعتبر طهارة الأرض ؛ لأنّ الظاهر من قوله علیه السلام : «إنّ الأرض يطهّر بعضها بعضاً»(2) التقابل بين الأرض التي تنجّس بها القدم والأرض المطهّرة ، فيفهم منه

ص: 408


1- راجع مفتاح الكرامة 2 : 216 ؛ غنائم الأيّام 1 : 484 .
2- تقدّم في الصفحة 397 و398 .

أنّ الأرض الطاهرة ترفع النجاسة الحاصلة من الأرض القذرة ، تأمّل .

مضافاً إلى أنّ التناسب بين طهارة الشيء ومطهّريته ، يوجب صرف الذهن إلى ذلك ، ولهذه المناسبة قابل الأحول في روايته(1) بين الموضع الذي ليس بنظيف والمكان النظيف ، فيمكن أن يستدلّ على اعتبارها بالرواية للارتكاز المذكور .

ولهذا لو قيل : «إنّ العَذِرة اليابسة مطهّرة للنجاسة إذا ذهب بالمسح بها أثرها» عدّ عند العرف مستنكراً ، فلا ينقدح في الأذهان من الأدلّة إطلاق يشمل الأرض النجسة ، فلو كانت الأرض نجسةً بالبول ، وكانت رطوبة البول موجودة غير سارية ، وقلنا باجتزاء الجفاف ، فهل ترى من نفسك أنّ المشي في رطوبة البول صار مطهّراً لنداوته ؟ !

والإنصاف : أنّ الأدلّة منصرفة عن الأرض النجسة ، فلا وجه للتمسّك بإطلاقها لنفي الاعتبار .

وتوهّم : أنّ ترك هذا القيد في الأخبار على كثرتها ، دليل على عدم الاعتبار(2) .

مدفوع : بأنّ الترك للاتّكال على الارتكاز العقلائي ، ولهذا لم يرد هذا القيد في مطهّرية الماء ؛ لعدم الاحتياج إلى ذكره ، لا لعدم الاعتبار .

ص: 409


1- تقدّمت في الصفحة 400 .
2- اُنظر جواهر الكلام 6 : 308 ؛ رياض المسائل 2 : 418 .
عدم الفرق بين المشي والمسح في حصول الطهارة

ثمّ إنّه لا فرق بين المشي والمسح في حصول الطهارة ، كما تدلّ على كلّ منهما الروايات المتقدّمة .

ولا يتقدّر المشي بمقدار معيّن ، بل المعتبر زوال عين النجاسة . ولا تصلح صحيحة الأحول(1) لتقي-يد الإطلاقات ، سيّما مثل قوله علیه السلام : «إنّ الأرض يطهّر بعضها بعضاً» خصوصاً بعد قوله علیه السلام : «أ ليس وراءه شيء جافّ ؟» أو «أ ليس

يمشي بعد ذلك في أرض يابسة ؟» .

مضافاً إلى أنّ الظاهر من قوله علیه السلام في صحيحة زرارة : «لكنّه يمسحها حتّى يذهب أثرها» أنّ المسح ونحوه إنّما هو لإذهاب الأثر ، فلها نحو حكومة على سائر الأخبار ، فيفسّر المقصود من مشي خمسة عشر ذراعاً بأ نّه ليس إلاّ للقلع ، ولهذا لا يشكّ أحد في أ نّه مع عدم القلع بهذا المقدار لا يصير طاهراً .

مع أنّ قوله علیه السلام في الصحيحة : «أو نحو ذلك» دليل على أنّ التحديد ليس تعبّدياً ، بل لحصول الغاية بها نوعاً .

واحتمال أن يكون في التطهير بالمشي إعمال تعبّد ، وهو المقدار الذي في الصحيحة ، دون المسح ، فإذا مسح كانت الغاية زوال الأثر ، دون ما إذا مشى ، في غاية السقوط ؛ ضرورة عدم انقداح النفسية في أمثال المقامات في الأذهان .

بل يمكن أن يقال : بأنْ لا خفاء لمفهوم «التطهير» عند العرف ، فإذا قال الشارع : «إنّ الأرض تطهّر كذا» يستفاد منه أنّ التطهير بها عبارة عن رفع القذارة

ص: 410


1- تقدّمت في الصفحة 400 .

عن الشيء بها ، وهو بقلع عين النجس عنه ، كما إذا قال أحد من أهل العرف لصاحبه : «نظّف قدمك بالتراب» يفهم منه إزالة القذارة منها بمسحها به ، أو المشي عليه . فظاهر قوله علیه السلام : «الأرض يطهّر بعضها بعضاً» أنّ تطهيره عبارة عن إزالة قذارته ، فلا يختلج في الأذهان - بعد هذا الارتكاز - إعمال تعبّد خاصّ في مقدار المشي . نعم ، لا مانع من إعمال التعبّد ، لكن يحتاج إلى بيان غير ما في الصحيحة .

تعيّن المسح على الأرض وعدم الاجتزاء بمسح التراب على الموضع

وهل يتعيّن المسح على الأرض ، أو يجتزى بمسح التراب أو الحجر على الموضع حتّى يذهب أثره ؟

ظاهر الكبرى المتقدّمة هو الأوّل ؛ لعدم صدق بعض الأرض على الجزء المنفصل عنها صدقاً حقيقياً ، وإنّما يصدق عليه حال الاتّصال .

ولو نوقش فيه فالظاهر من الكبرى - ولو بقرينة سابقها - هو المشي على الأرض ، ولمّا كانت الكبرى في مقام بيان الضابط ، لا بدّ من الحكم بدخالة الخصوصية فيه .

ولا يجوز في المقام الاتّكال على ارتكاز العرف ؛ فإنّه يوجب اتّساع الخرق كما تقدّم(1) ، فبها يقيّد إطلاق صحيحة زرارة(2) و[روايةحفص(3) ، على فرض تسليم إطلاقهما .

ص: 411


1- تقدّم في الصفحة 404 .
2- تقدّمت في الصفحة 402 .
3- تقدّمت في الصفحة 403 .

قد يقال : إنّ الظاهر منهما أنّ الرجل والخفّ ممسوحتان ، لا ماسحتان(1) .

وفيه : أنّ المتعلّق غير مذكور ، فإن كان التقدير : «يمسحها على الأرض» تكون الرجل ماسحة ، وإن كان : «يمسحها بالتراب» مثلاً تكون ممسوحة ، ومع عدم الذكر ولو فرض أنّ مقتضاه الاجتزاء بكلّ منهما ، نظير الإطلاق ، لكن مقتضى الكبرى عدم الاجتزاء إلاّ بالمسح على الأرض ، فيقدّم عليه .

ولو قيل : إنّ بين الصحيحة والكبرى عموماً من وجه .

قلنا : إنّ الترجيح مع الكبرى ؛ لأظهريتها وموافقتها للشهرة ظاهراً .

في حصول الطهارة بذهاب عين النجاسة وأثرها

ثمّ إنّ التطهير حاصل بذهاب عين النجاسة وأثرها ؛ بمعنى الأجزاء الصغار التي تعدّ أثراً لدى العرف ، ولا يلزم رفع الآثار ، كالرائحة واللون .

وأمّا احتمال أنّ الأرض مطهّرة للأجزاء الصغار التي يراها العرف الأعيان النجسة ، فلا ينبغي التفوّه به ، فضلاً عن اختياره ؛ لعدم معنى طهارة عين النجاسة .

نعم ، لو كانت الإزالة بالأرض من قبيل العفو لا التطهير ، لكان لاحتمال العفو عن الأجزاء الصغار سبيل ؛ وإن كان أيضاً خلاف الأدلّة ، لكن مع البناء على الطهارة فلا سبيل إليه . وبناء الحكم على السهولة لا يوجب طهارة النجس ذاتاً .

وأمّا الأجزاء الصغار التي لا يراها العرف أعياناً ، فلا يعتنى بها .

بل الألوان والروائح من بقايا الأعيان واقعاً بحسب البرهان ، أو كشف الآلات الحديثة المكبّرة ، لكنّ الميزان في التشخيص العرف العامّ ، فلا يعبأ بمثلها .

ص: 412


1- اُنظر مستمسك العروة الوثقى 2 : 66 .
عدم لزوم إزالة النجاسة بالمشي أو المسح

وهل يتعيّن أن يكون السبب لذهاب عين النجاسة المشي أو المسح ، أو لا ، فلو ذهبت بغيرهما يطهر المحلّ بالمشي أو المسح ؟

وبالجملة : كما أ نّهما موجبان للطهارة بإذهاب العين ، موجبان لها عن ملاقي الأعيان ؟

الأقوى الثاني ؛ لإطلاق الكبرى المتقدّمة وصحيحة الأحول . بل إطلاق بعض روايات اُخر .

ولا ينافيها صحيحة زرارة ورواية حفص ؛ لعدم ظهورهما في القيدية ، بل فرض فيهما وجود العين ، فقوله علیه السلام : «يمسحها حتّى يذهب أثرها» لبيان حال قضيّة مفروضة ، فيكون بياناً عادياً لا يستفاد منه دخالة وجود العين في طهارة المحلّ ، ولا ينقدح في الأذهان منه بقاء النجاسة على المحلّ لو زالت العين بغير الأرض ولو مشى بعده ما مشى .

وبالجملة : لا تصلح الصحيحة ونحوها لتقييد إطلاق الكبرى وغيرها . مع أنّ تطهير المحلّ الخالي من العين ، أولى من المشغول بها في نظر العرف . فالأقوى عدم اعتبار وجودها أو أثرها في المحلّ .

ومع عدمهما يكفي مجرّد المسح أو المشي دون المسّ ؛ لعدم الدليل عليها إلاّ دعوى إطلاق الكبرى ، وهو مشكل ، سيّما مع سبقِها في حسنة الحلبي بقوله علیه السلام : «أ ليس تمشي بعد ذلك . . . ؟»(1) إلى آخره ، وتبادرِ المشي من موارد

ص: 413


1- تقدّمت في الصفحة 398 .

غيرها ، وهو وإن لا يصلح لتقي-يد إطلاق لو كان ، لكن يوهن توهّم الإطلاق ، فإنّ

الأظهر عدم إطلاقها لصِرف المماسّة ؛ لأنّ التطهير به خلاف ارتكاز العقلاء في باب التنظيف بالأرض ، دون التمسّح الذي هو موافق له ، ودون المشي الذي دلّ عليه الدليل .

مع إمكان أن يقال : إنّه كالمسح في رفع الأثر .

هذا مع إمكان تقييد إطلاقها - لو فرض - بموثّقة عمّار بن موسى(1) ، تأمّل .

وكيف كان : فالأحوط - لو لم يكن أقوى - عدم الاجتزاء بمجرّد المماسّة .

والحمد للّه أوّلاً وآخراً، وظاهراً وباطناً، والصلاة والسلام على سيّدنا محمّد وآله الطاهرين. وقد وقع الفراغ من هذه الوجيزة يوم الثامن والعشرين من شهر ذي القعدة الحرام سنة (1377 ه- . ق).

ص: 414


1- تقدّمت في الصفحة 400 .

الفهارس العامّة

اشارة

1 - الآيات الكريمة

2 - الأحاديث الشريفة

3 - أسماء المعصومين علیهم السلام

4 - الأعلام

5 - الكتب الواردة في المتن

6 - مصادر التحقيق

7 - الموضوعات

ص: 415

ص: 416

1 - فهرس الآيات الكريمة

الآية رقمها الصفحة

البقرة (2)

(لِلطَّائِفِينَ وَالْعَاكِفِينَ) 125 124

المائدة (5)

(إذَا قُمْتُمْ إلَى الصَّلَوةِ فَاغْسِلُوا

وُجُوهَكُمْ) 6 289

الأنفال (8)

(وَيُنَزِّلُ عَلَيْكُمْ مِنَ السَّمَاءِ مَاءً

لِيُطَهِّرَكُمْ بِهِ) 11 341

التوبة (9)

(يَا أَ يُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا إِنَّمَا الْمُشْرِكُونَ

نَجَسٌ فَلاَ يَقْرَبُوا الْمَسْجِدَ الْحَرَامَ) 28 117

ص: 417

الآية رقمها الصفحة

(فَلاَ يَقْرَبُوا الْمَسْجِدَ الْحَرَامَ بَعْدَ

عَامِهِمْ هَذَا) 28 119

(بَعْدَ عَامِهِمْ هَذَا) 28 119

يوسف (12)

(فَبَدَأَ بِأَوْعِيَتِهِمْ قَبْلَ وِعَاءِ أَخِيهِ) 76 233

الحجّ (22)

(وَطَهِّرْ بَيْتِىَ لِلطَّائِفِينَ) 26 121، 123

الفرقان (25)

(وَأَنْزَلْنَا مِنَ السَّمَاءِ مَاءً طَهُوراً) 48 341

الواقعة (56)

(لاَ يَمَسُّهُ إِلاَّ الْمُطَهَّرُونَ) 79 128

ص: 418

2 - فهرس الأحاديث الشريفة

آنية الذهب والفضّة متاع الذين لا يوقنون 212، 215

أترغب عمّا كان أبو الحسن علیه السلام يفعله ؟ ! 250

إذا اُلقي عليه من التراب ما يواري ذلك ويقطع ريحه فلا بأس 125

إذا بلغ الماء قدر كرّ لا ينجّسه شيء 27

إذا تحوّل عن اسم «الخمر» فلا بأس 386

إذا جرى فلا بأس 349

إذا جرى فيه المطر فلا بأس 351

إذا جرى من ماء المطر فلا بأس 351

إذا جفّفته الشمس فصلّ عليه ؛ فهو طاهر 359

إذا دخلت الغائط ، فقضيت الحاجة فلم تهرق الماء . . . 312

إذا شككت في موضع منه ثمّ رأيته 304

إذا غسل فلا بأس 201، 202

إذا كان الرجل نائماً في المسجد الحرام أو مسجد الرسول . . . 121

إذا كان الغالب عليها المسلمين فلا بأس 251، 257

ص: 419

إذا كان الموضع قذراً من البول أو غير ذلك، فأصابته الشمس... 363، 373

إذا كان بالرجل جرح سائل فأصاب ثوبه من دمه ، فلا يغسله 79، 86

إذا كان جافّاً فلا بأس 17

إذا كان رآه فلم يغسله فليقض جميع ما فاته على قدر ما كان يصلّي 292

إذا كان مضموناً فلا بأس 250

إذا كان يخضّب الإناء فاشربه 285

إذا نظّف واُصلح فلا بأس 125

إذا وطأ أحدكم الأذى بخفّيه فطهورهما التراب 402

إذا وطأ أحدكم بنعليه الأذى فإنّ التراب له طهور 402

إذا وقعت الفأرة في السمن فماتت ، فإن كان جامداً فألقها 36

الأرض كلّها مسجد إلاّ بئر غائط أو مقبرة 126

الأرض يطهّر بعضها بعضاً 400، 411

أرى أن تصدّق منها بعشرة دنانير 277

استحلال أهل العراق الميتةَ 269، 286

الإسلام : شهادة أن لا إله إلاّ اللّه ، والتصديق برسول اللّه 393

اشترِ من رجل مسلم ، ولا تسأله عن شيء 285

اشتر وصلّ فيها حتّى تعلم أ نّه ميتة بعينه 249

اصبغيه بمشق 177

اصبغيه بمشق حتّى يختلط ويذهب أثره 176

أعرته إيّاه وهو طاهر ، ولم تستيقن أ نّه نجّسه ، فلا بأس أن تصلّي فيه . . . 27

اغتسل أبي من الجنابة ، فقيل له : قد أبقيت لُمعة في ظهرك 278

اغسل الإناء 179، 195

اغسل الثوب كلّه 140

ص: 420

اغسل ثوبك من أبوال ما لا يؤكل لحمه 158

اغسل ما أصاب منه ، ومسّ الجانب الآخر ، فإذا أصبت 149

اغسله بالتراب 198

اغسله بالتراب أوّل مرّة 192، 193

اغسله في المِرْكَن مرّتين ، فإن غسلته في ماءٍ جارٍ . . . 161

اغسله مرّتين 130، 135، 140، 156، 157

أكلت النار ما فيه 379

إلاّ أن يكره الفضّة فينزعها 221

إلاّ أن يكون مقدار الدرهم مجتمعاً 101

أليس تمشي بعد ذلك . . . ؟ 413

أليس تمشي بعد ذلك في أرض يابسة ؟ 398، 405

أليس وراءه شيء جافّ؟ 25، 397، 405، 410

أليس هي يابسة ؟ 397

أليس يمشي بعد ذلك في أرض يابسة ؟ 410

أمّا النعل والخفاف فلا بأس بهما 251

أمّا ما توهّمت ممّا أصاب يدك ، فليس بشيء 315

إن أبيتم فشيء من ماء فانضحه 17

إن اجتمع قدر حمّصة فاغسله ، وإلاّ فلا 96

إن أصاب ثوب الرجل الدم ، فصلّى فيه وهو لا يعلم ، فلا إعادة عليه 312

إن أصاب ثوبك من الكلب رطوبة فاغسله 29، 171

إنّ الأرض يطهّر بعضها بعضاً 397، 408، 410

إنّ الثوب خلاف الجسد 316

إنّ الدين أوسع من ذلك 267

ص: 421

إنّ العبّاس حين عذر عمل له قضيب ملبّس فضّة من نحو ما يعمل للصبيان 235

إنّ اللّه أوحى إلى نبيّه أن طهّر مسجدك ، وأخرج من المسجد من يرقد بالليل 123

إنّ اللّه تبارك وتعالى أعطى محمّداً صلی الله علیه و آله وسلم شرائع نوح وإبراهيم وموسى . . . 11

إنّ اللّه جعل التراب طهوراً كما جعل الماء طهوراً 11، 399

إنّ الماء والنار قد طهّراه 376، 377

أنّ النبي صلی الله علیه و آله وسلم بال عليه الحسن والحسين علیهما السلام قبل أن يطعما . . . 140

إنّ أمير المؤمنين علیه السلام سئل عن سفرة وجدت في الطريق . . . 244

إنّ بي دماميل ، ولست أغسل ثوبي حتّى تبرأ 79

إن تردّى في جُبّ أو وَهْدة من الأرض فلا تأكله ولا تطعم 244

إن تصيبه الشمس والريح وك-ان جافّاً فلا بأس به 362

إن رأيت المنيّ قبل أو بعد ما تدخل في الصلاة ، فعليك إعادة الصلاة 298، 306

إن رأيته وعليك ثوب غيره فاطرحه وصلّ 92، 307

أنّ رسول اللّه صلی الله علیه و آله وسلم نهاهم عن سبع منها : الشرب في آنية الذهب والفضّة 210

إنّ صاحب القرحة التي لا يستطيع صاحبها ربطها ولا حبس دمها يصلّي . . . 81

إنّ علياً علیه السلام سئل عن قدر طبخت ، وإذا في القدر فأرة . . . 36

أنّ علياً علیه السلام قال : لبن الجارية وبولها يغسل منه الثوب 139

إن كان أقلّ من قدر الدرهم فلا يعيد الصلاة 89

إن كان الذي صنع فيها هو الغالب على ما صنع فيه ، فلا بأس به 388

إن كانت أرضكم مبلّطة أجزأكم المشي عليها 400

إن كانت رجلك رطبة . . . 373

إن كان ثقة فلا يقربها ، وإن كان غير ثقة فلا يقبل 277

إن كان رآها في الإناء قبل أن يغتسل أو يتوضّأ أو يغسل ثيابه . . . 34

إن كان علم أ نّه أصاب ثوبه جنابة قبل أن يصلّي . . . 290

ص: 422

إن كان لم يعلم فلا يعيد 291

إن كان ممّن يستحلّ المسكر فلا تشربه ، وإن كان ممّن لا يستحلّ فاشربه 284

إن كان يابساً فليرمِ به ، ولا بأس 61

أن لا يطوف بعد هذا العام عريان ، ولا يقرب المسجد الحرام . . . 120

إن لم يتخوّف أن يسيل الدم 61

إن لم يتخوّف أن يسيل الدم فلا بأس ، وإن تخوّف أن يسيل الدم فلا يفعله 60

إنّما اُمر بالوضوء وبدئ به ؛ لأن يكون العبد إذا قام بين يدي الجبّار . . . 57

إنّما سمّي : الأكبر؛ لأ نّها كانت سنة حجّ فيها المسلمون والمشركون 120

إنّما يغسل من بول الاُنثى ، وينضح على بول الذكر 138

إن وجد ماءً غسله، وإن لم يجد ماءً صلّى فيه، ولم يصلّ عرياناً 78، 334

إنّ هذا لا يصيب شيئاً إلاّ طهّره 136، 163

أ نّه لا بأس به أن يصيب الثوب ثلاثة أيّام ، إلاّ أن يعلم أ نّه قد نجّسه . . . 169، 345

اُهديت لأبي جبّة فرو من العراق ، وكان إذا أراد أن يصلّي نزعها فطرحها 255

أيّهما أرجس : البول أو الجنابة ؟ 174

تصبّ عليه الماء 160

تصبّ عليه الماء ، فإن كان قد أكل فاغسله بالماء غسلاً 138، 160

تعيد الصلاة وتغسله 312

تغسل القميص في اليوم مرّة 318

تغسل من ثوبك الناحية التي ترى أ نّه أصابها 59

تغسل من ثوبك الناحية التي ترى أ نّه قد أصابها 49

تغسله ثلاث مرّات 202

تغسله سبع مرّات ، وكذا الكلب 183

تغسله سبع مرّات ، وكذلك الكلب 201

ص: 423

تغسله وتعيد . . . 312

تغسله ولا تعيد الصلاة 49

تكره الصلاة في الفراء إلاّ ما صنع في أرض الحجاز 252

تكون فضّة نحواً من عشرة دراهم 236

تنزّهوا عن قرب الكلاب ، فمن أصاب الكلب وهو رطب فليغسله 172

تنقض الصلاة وتعيد إذا شككت في موضع منه ثمّ رأيته . . . 303

جرت السنّة في أثر الغائط بثلاثة أحجار أن يمسح العجان ولا يغسله 406

جعلت لي الأرض مسجداً وطهوراً 399

جعل له الأرض مسجداً وطهوراً 11

جنّبوا مساجدكم 127

جنّبوا مساجدكم النجاسة 121

الحمد للّه الذي لم يدع شيئاً إلاّ وله حدّ 296

خلق اللّه الماء طهوراً لا ينجّسه شيء 27، 170

دعه ، فلا يضرّك أن لا تغسله 79

الدم تأكله النار إن شاء اللّه 380

دمك أنظف من دم غيرك ، إذا كان في ثوبك شبه النضح من دمك فلا بأس 105

الذي يشرب في آنية الذهب والفضّة إنّما يجرجر في بطنه نار جهنّم 228

الذي يشرب في آنية الفضّة إنّما يجرجر في بطنه نار جهنّم 209

رجس نجس 185

رجس نجس ، لا يتوضّأ بفضله ، واصبب ذلك الماء ، واغسله بالتراب 23، 180

الريح لا ينظر إليه 175

السيف بمنزلة الرداء تصلّي فيه ما لم ترَ فيه دماً 56

صبّ عليه الماء مرّتين 157

ص: 424

صبّ عليه الماء مرّتين ؛ فإنّما هو ماء 134، 135، 140، 157

الصلاة ثلثها الطهور 47

الصلاة في وبره وروثه وبوله . . . 54

صلّ حتّى تعلم أ نّه ميتة 253

صلّ فيها حتّى تعلم أ نّه ميتة بعينه 253، 254، 267

صلّ فيه ، ولا تغسله من أجل ذلك ؛ فإنّك أعرته إيّاه وهو طاهر 49

علم به أو لم يعلم 294

علم به أو لم يعلم فعليه إعادة الصلاة إذا علم 292

عليكم أنتم أن تسألوا عنه . . . 257

عليكم أنتم أن تسألوا عنه إذا رأيتم المشركين يبيعون ذلك 251، 258

عليه أن يبتدئ الصلاة 305

فإن أصابه بعد ثلاثة أيّام فاغسله 169

فإن غسلته بالماء الجاري فمرّة واحدة 164

فإن كان قد أكل . . . 144، 160

فإن كان قد أكل فاغسله 143

فإن كان ممّا يؤكل لحمه ، فالصلاة في وبره وبوله وشعره . . . 248

فضّلت بأربع : جعلت لي الأرض مسجداً وطهوراً 11

فلا بأس؛ إنّ الأرض يطهّر بعضها بعضاً 25، 398

فما بال الناس يغتسلون من الجنابة ، ولا يغتسلون من البول ؟ ! 174

قال أمير المؤمنين علیه السلام في صيد وجد فيه سهم ، وهو ميّت . . . 243

قل لها : تصبغه بمشق حتّى يختلط 177

كان علي بن الحسين علیه السلام رجلاً صَرِداً لا يدفئه فراء الحجاز 251

كل إذا كان ذلك في سوق المسلمين ، ولا تسأل عنه 267

ص: 425

كلّ شيء لك حلال حتّى يجيئك شاهدان يشهدان أنّ فيه ميتة 276

كلّ شيء نظيف حتّى تعلم أ نّه قذر 253، 271

كلّ شيء هو لك حلال 274

كلّ شيء هو لك حلال حتّى تعلم أ نّه حرام بعينه 272

كلّ شيء يابس زكيّ 357، 359

كلّ شيء يراه ماء المطر فقد طهر 136، 152، 199، 344، 352

كلّ ما أشرقت عليه الشمس فهو طاهر 360، 371

كلّ ما كان على الإنسان أو معه - ممّا لا تجوز الصلاة فيه وحده . . . 54

كلّ ما كان لا تجوز فيه الصلاة وحده فلا بأس بأن يكون عليه الشيء 64، 65

كلوا من الخمر ما انفسد ، ولا تأكلوا ما أفسدتموه أنتم 387

كيف يطهّر من غير ماء ؟ ! 361، 367، 368

لا ، إلاّ ما جاء من قِبَل نفسه 387

لا بأس إذا كان خمسة عشر ذراعاً ، أو نحو ذلك 400

لا بأس إذا لم يجعل فيها ما يغلبها 388

لا بأس ؛ أكلت النار ما فيه 14، 378

لا بأس ، إلاّ أن يكره الفضّة فينزعها 221

لا بأس ؛ الأرض يطهّر بعضها بعضاً 13

لا بأس ؛ إنّ الأرض تطهّر بعضها بعضاً 397

لا بأس أن يشرب الرجل في القدح المفضّض 211

لا بأس بالصلاة في الفراء اليماني ، وفيما صنع في أرض الإسلام 250

لا بأس بأن يصلّي الرجل في الثوب وفيه الدم متفرّقاً شبه النضح 90

لا بأس بدم البراغيث والبقّ وبول الخشاشيف 384

لا بأس بمعالجتها 386

ص: 426

لا بأس به؛ ما أصابه من الماء أكثر منه 346

لا بأس ما لم تعلم أ نّه ميتة 249، 253، 267

لا تأكل في آنية الذهب والفضّة 209

لا تأكل في آنية من فضّة ، ولا آنية مفضّضة 211

لا تأكل في آنية من فضّة ، ولا في آنية مفضّضة 218

لا تأكل من آنية الذهب والفضّة 209، 213، 225

لا تأكله ؛ فإنّك لا تدري التردّي قتله أو الذبح 246

لا تجوز الصلاة في شيء من الحديد ؛ فإنّه نجس ممسوخ 47

لا تزرموا ابني 139

لا تشربوا في آنية الذهب والفضّة ، ولا تأكلوا في صحافها 208

لا تصلّ في الحمّام 233

لا تصلّ في ثوب قد أصابه خمر أو مسكر حتّى يغسل 75

لا تصلّ في وبر ما لا يؤكل 76

لا تصلّ فيها ؛ فإنّها تدبغ بخرء الكلاب 46، 75، 177

لا تصلّ فيه ؛ فإنّه رجس 46، 51

لا تعاد . . . 295، 310، 311

لا تعاد الصلاة . . . 288، 309

لا تعاد الصلاة إلاّ من خمس . . . 47

لا تعاد الصلاة من دم لا تبصره غير دم الحيض 93، 103

لا ، حتّى تغتسل منه 51

لا ، حتّى ينقى ما ثمّة 175

لا سهو لمن أقرّ على نفسه بالسهو 310

لا صلاة إلاّ بطهور 47، 48، 57، 58، 288،

289، 295، 309، 311

ص: 427

لا صلاة إلاّ بطهور ، ويجزيك عن الاستنجاء ثلاثة أحجار 50، 301

لأنّ النبي صلی الله علیه و آله وسلم أمر بقتلها 29

لأ نّك كنت على يقين من طهارتك ثمّ شككت 49

لأ نّك لا تدري لعلّه شيء اُوقع عليك 304

لا والحمد للّه ، وإنّما كانت لها حلقة من فضّة . . . 211، 235

لا ، وإن كثر فلا بأس أيضاً بشبهه من الرعاف ، ينضحه ولا يغسله 104

لا ، ولا يغسل مكانها ؛ لأنّ الحجّام مؤتمن إذا كان ينظّفه 15

لا ، ولكن لا بأس أن تبيعها وتقول : قد شرط لي... أ نّها ذكيّة 269، 286

لا يجزيه حتّى يدلكه بيده ، ويغسله ثلاث مرّات 202

لا يحجّنّ بعد هذا العام مشرك 119

لا يدرى سفرة مسلم ، أم سفرة مجوسي ، فقال : هم في سعة حتّى يعلموا 244

لا يصلح أن يصلّي وهي معه 53

لا يصلّى ، وأعلم موضعه حتّى تغسله 363

لا يطوف بالبيت عريان ولا عريانة ولا مشرك بعد هذا العام 119

لا يطوفنّ بالبيت عريان ، ولا يحجّنّ بالبيت مشرك 119

لا يعيد شيئاً من صلاته 292

لا يعيد ، قد مضت الصلاة وكتبت له 313

لا يغسل ثوبه ولا رجله ، ويصلّي فيه ، ولا بأس به 350

لا يغسلها إلاّ أن يقذِرها 13

لا يغسلها إلاّ أن يقذِرها ، ولكنّه يمسحها حتّى يذهب أثرها ، ويصلّي 12، 403

لا ينبغي الشرب في آنية الذهب والفضّة 210

لا يؤكل منه ؛ لأ نّك لا تدري أخذه معلّم أم لا 243

لست أغسله حتّى تبرأ 80

ص: 428

لكنّه يمسحها حتّى يذهب أثرها 410

لو أنّ رجلاً رعف في صلاته ، وكان عنده ماء ، أو من يشير إليه بماء . . 300

لو أنّ رجلاً نسي أن يستنجي من الغائط حتّى يصلّي ، لم يعد الصلاة 313

ليس به بأس 347

ليس به بأس ، لا تسأل عنه 343

ما أرى به بأساً 17

ما أشرقت عليه الشمس فقد طهر 360

ما أصابه من الماء أكثر 351

ماء الحمّام كماء النهر يطهّر بعضه بعضاً 164

ما بذا بأس لا تغسله ؛ كلّ شيء يراه ماء المطر فقد طهر 343

ما علمت أ نّه ميتة فلا تصلّ فيه 249

ما لم يأكل الطعام 144

ما يبلّ الميل ينجّس حبّاً من ماء 27

مضت صلاته ، ولا شيء عليه 305

من جرح صيداً بسلاح ، وذكر اسم اللّه عليه ، ثمّ بقي ليلة أو ليلتين . . . 243

من رغب عن الإسلام ، وكفر بما اُنزل على محمّد بعد إسلام-ه ، فلا توبة له 391

من يشرب في آنية الفضّة في الدنيا لم يشرب فيها في الآخرة 209

نحواً من عشرة دراهم ، فأمر به أبو الحسن علیه السلام فكسر 212

نظر فلم يرَ 297

نعم ، إذا اُلقي عليه من التراب ما يواريه ، فإنّ ذلك ينظّفه ويطهّره 124

نعم ، إذا كانت خرقته طاهرة 55

نعم ، إنّ الوكيل إذا وكّل ثمّ قام عن المجلس ، فأمره ماضٍ أبداً 277

نعم ، إنّما يكره استعمال ما يشرب فيه 214

ص: 429

نعم ، فإنّهم يستحلّون شربه . . . 380

نعم ، لا بأس به ، إلاّ أن تكون النطفة فيه رطبة ، فإن كانت جافّة فلا بأس 18

نعم ، ليس عليكم المسألة ؛ إنّ أبا جعفر علیه السلام كان يقول : إنّ الخوارج ضيّقوا . . . 250

نعم ، ينفضه ويصلّي فلا بأس 56

نهى النبي صلی الله علیه و آله وسلم عن الغرر 213

نهى رسول اللّه صلی الله علیه و آله وسلم عن الشرب في آنية الذهب والفضّة 210

وإذا رأيتم يصلّون فيه فلا تسألوا عنه 259

وإذا رأيتهم يصلّون فيه فلا تسألوا عنه 262

والأشياء كلّها على هذا . . . 273، 275

واللّه ، إنّي لأعترض السوق ، فأشتري بها اللحم والسمن والجبن 268

وإن كانت رجلك رطبة أو جبهتك رطبة أو غير ذلك منك ما يصيب ذلك . . . 366

وإن كان حين قام لم ينظر . . . 297

وإن كان غير الشمس أصابه . . . 365

وإن لم يكن عليك ثوب غيره 307

وإيّاك أن تغتسل من غسالة الحمّام ؛ ففيها يجتمع غسالة اليهودي . . . 172

وقد وجب قتله ، وبانت امرأته ، ويقسم ما ترك على ولده 392

وكذلك الحائض إذا أصابها الحيض تفعل ذلك 122

ولا بأس أن تصلّي فيه حتّى تستيقن أ نّه نجّسه 74

وما الكيمخت ؟ 249

وما فات وقتها 316

وما كان أقلّ من ذلك فليس بشيء 96

وما لم يزد على مقدار الدرهم من ذلك فليس بشيء 92

ويصلّي . . . قاعداً 335

ص: 430

هم في سعة حتّى يعلموا 266

هو بمنزلة الماء الجاري 164

يأكل ممّا أمسك عليه ، فإذا أدركه قبل قتله ذكّاه 242

يباع ممّن يستحلّ أكل الميتة 379

يتيمّم ويصلّي عرياناً قائماً يومئ إيماء 334

يتيمّم ويصلّي ، فإذا أصاب ماءً غسله وأعاد الصلاة 333

يتيمّم ويطرح ثوبه فيجلس مجتمعاً ، فيصلّي فيومئ إيماء 335

يجوز الصلاة ، والطهر منه أفضل 384

يحسب له كلّ عمل صالح في إيمانه ، ولا يبطل منه شيء 395

يدفن ولا يباع 379

يستتاب ، فإن رجع وإلاّ قتل 391

يصبّ عليه الماء حتّى يخرج من الجانب الآخر 139

يصبّ عليه الماء قليلاً ، ثمّ يعصره 135، 141

يصبّ عليه الماء مرّتين 130

يصبّ فيه الماء . . . 207

يصبّ من الماء ثلاثة أكفّ ، ثمّ يدلك الكوز 35

يصلّي في ثيابه ولا يغسلها ، ولا شيء عليه 79

يصلّي فيه إذا اضطرّ إليه 333

يصلّي فيه ، فإذا وجد الماء غسله 78، 332

يصلّي فيهما جميعاً 323

يصلّي ولا يغسل ثوبه كلّ يوم إلاّ مرّة واحدة 80

يعرف هذا وأشباهه من كتاب اللّه 83

يعيد إذا لم يكن علم 291

ص: 431

يعيد صلاته كي يهتمّ بالشيء إذا كان في ثوبه ؛ عقوبة لنسيانه 312

يغسل الظاهر ، ثمّ يصبّ عليه الماء في المكان الذي أصابه البول 148

يغسل المكان الذي أصابه 171

يغسل ثلاث مرّات 207

يغسل ثلاث مرّات : يصبّ فيه الماء فيحرّك فيه ، ثمّ يفرغ منه 196، 204

يغسل سبع مرّات 200

يغسل ما ظهر منها في وجهه 158

يغسل ما ظهر منه في وجهه 148

يغسل من بول الجارية ، وينضح من بول الصبيّ ما لم يأكل الطعام 138

يقتل ولا يستتاب 391

يمسحها حتّى يذهب أثرها 413

ينحره ، ويكتب كتاباً يضعه عليه ؛ ليعلم من مرّ به أ نّه صدقة 263، 287

ينصرف ويستنجي من الخلاء ، ويعيد الصلاة 315

ينضحه ولا يغسله 104

يهراق المرق ، أو يطعمه أهل الذمّة أو الكلب ، واللحم اغسله وكله 151، 380

ص: 432

3 - فهرس أسماء المعصومين علیهم السلام

النبي، محمّد، رسول اللّه صلی الله علیه و آله وسلم = محمّد

بن عبداللّه صلی الله علیه و آله وسلم ، نبي الإسلام

محمّد بن عبداللّه صلی الله علیه و آله وسلم ، نبي الإسلام 5،

11، 29، 50، 119، 121، 123،

124، 138، 139، 140، 208، 210،

213، 214، 218، 233، 301، 391،

393، 394، 414

علي، أمير المؤمنين علیه السلام = علي بن أبي

طالب علیه السلام ، الإمام الأوّل

علي بن أبي طالب علیه السلام ، الإمام الأوّل 36،

55، 119، 123، 138، 139، 140،

172، 243، 244، 387

فاطمة الزهراء (سلام اللّه عليها) 123

الحسن بن علي علیه السلام ، الإمام الثاني 139،

140

الحسين بن علي علیه السلام ، الإمام الثالث 138،

140، 359

علي بن الحسين علیه السلام ، الإمام الرابع 251،

254، 256

أبو جعفر علیه السلام = محمّد بن علي علیه السلام ،

الإمام الخامس

محمّد بن علي علیه السلام ، الإمام الخامس 12،

36، 49، 50، 79، 81، 84، 89، 90،

92، 93، 95، 103، 106، 107،

119، 121، 123، 136، 153، 163،

209، 213، 218، 243، 250، 254،

257، 267، 268، 301، 358، 360،

391، 395، 397، 402، 403، 406

الصادق، أبو عبداللّه علیه السلام = جعفر بن

محمّد علیه السلام ، الإمام السادس

جعفر بن محمّد علیه السلام ، الإمام السادس 11،

13، 14، 15، 16، 17، 18، 23، 24،

29، 34، 35، 49، 54، 74، 75، 78،

79، 83، 86، 90، 93، 94، 95، 96،

103، 104، 106، 107، 119، 120،

124، 125، 126، 134، 138، 139،

ص: 433

140، 157، 158، 160، 161، 171،

172، 174، 177، 179، 180، 183،

185، 195، 196، 201، 204، 209،

210، 211، 218، 219، 221، 242،

244، 248، 249، 251، 252، 253،

254، 263، 268، 272، 276، 277،

278، 283، 284، 285، 286، 287،

290، 291، 292، 296، 298، 299،

305، 306، 312، 313، 318، 332،

333، 335، 342، 345، 347، 356،

361، 363، 378، 379، 383، 384،

385، 386، 387، 388، 393، 397،

398، 400، 403

الصادقين علیهما السلام (محمّد بن علي علیه السلام ، الإمام

الخامس / جعفر بن محمّد علیه السلام ، الإمام

السادس) 37

أحدهما علیهما السلام (محمّد بن علي علیه السلام ، الإمام

الخامس / جعفر بن محمّد علیه السلام ، الإمام

السادس) 61، 63، 156

العبد الصالح، أبو الحسن علیه السلام = موسى

بن جعفر علیه السلام ، الإمام السابع

موسى بن جعفر علیه السلام ، الإمام السابع 16،

36، 51، 53، 56، 60، 78، 125،

148، 149، 150، 168، 175، 176،

211، 212، 214، 215، 235، 236،

248، 250، 251، 258، 292، 315،

323، 334، 337، 345، 348، 351،

376، 380، 391

الرضا، أبو الحسن (الثاني) علیه السلام = علي

بن موسى علیه السلام ، الإمام الثامن

علي بن موسى علیه السلام ، الإمام الثامن 57،

64، 75، 138، 139، 143، 148،

177، 211، 235، 250، 316، 387

أبو جعفر الثاني علیه السلام = محمّد بن

علي علیه السلام ، الإمام التاسع

محمّد بن علي علیه السلام ، الإمام التاسع 250

الهادي علیه السلام = علي بن محمّد علیه السلام ، الإمام

العاشر

علي بن محمّد علیه السلام ، الإمام العاشر 37

العسكري علیه السلام = الحسن بن علي علیه السلام ،

الإمام الحادي عشر

الحسن بن علي علیه السلام ، الإمام الحادي عشر

37

نوح، النبي 11

إبراهيم، النبي 11، 121

إسماعيل، النبي 121

يوسف، النبي 233

موسى، نبي اليهود 11

عيسى المسيح 11

ص: 434

4 - فهرس الأعلام

الآبي، الحسن بن أبي طالب 216

الآخوند الخراساني، محمّد كاظم بن

الحسين 238

آل بحر العلوم، علي بن محمّد رضا 32

أبان بن تغلب 113

أبان بن عثمان 11

أبان = أبان بن تغلب

أبان = أبان بن عثمان

إبراهيم بن أبي البلاد 64

إبراهيم بن أبي محمود 147، 158

إبراهيم بن عبدالحميد 149

ابن أبي العلاء = الحسين بن أبي العلاء

ابن أبي عمير، محمّد 14، 356، 378،

379

ابن أبي نصر = البزنطي، أحمد بن محمّد

ابن أبي هريرة 60

ابن أبي يعفور = عبداللّه بن أبي يعفور

ابن إدريس ، محمّد بن أحمد 22، 31،

32، 33، 109، 111، 113، 115،

116، 188، 200، 217، 308، 323،

386

ابن البرّاج، عبدالعزيز بن نحرير 270

ابن الجنيد الإسكافي، محمّد بن أحمد

183، 191، 192، 194، 204، 237،

330، 405

ابن الشهيد الثاني، الحسن بن زين الدين

بن علي 33

ابن المغيرة، عبداللّه = عبداللّه بن المغيرة

ابن بابويه، محمّد بن علي 68، 94، 120،

139، 153، 176، 185، 200، 216،

299

ابن بزيع = محمّد بن إسماعيل بن بزيع

ابن بكير، عبداللّه 54، 112، 248، 254،

255، 260

ص: 435

ابن حمزة، محمّد بن علي 109، 200،

348، 350

ابن حنبل، أحمد بن محمّد 39

ابن زهرة، حمزة بن علي 95، 179،

184، 201، 295، 308

ابن سعيد الحلّي = ابن سعيد، يحيى بن

أحمد

ابن سعيد، يحيى بن أحمد 100، 323،

347

ابن سنان = عبداللّه بن سنان

ابن شاذان، الفضل بن شاذان 57، 181

ابن عبد ربّه = وهب بن عبد ربّه

ابن محبوب = الحسن بن محبوب

ابن مسلم = محمّد بن مسلم

أبو اُسامة = زيد الشحّام

أبو البختري 55

أبو الجارود 125، 268

أبو الصلاح الحلبي، التقي بن نجم 65،

226، 270

أبو العبّاس الفضل = الفضل بن

عبدالملك البقباق

أبو اُمامة 11

أبو بصير 36، 78، 81، 84، 86، 87، 93،

95، 103، 106، 107، 119، 243،

244، 251، 256، 291، 292، 294،

305، 312، 347، 386، 387، 389

أبو بصير، ليث المرادي 79، 85

أبو بكر = أبوبكر، عبداللّه بن أبي قحافة

أبو بكر، عبداللّه بن أبي قحافة 119

أبو حفص 318

أبو حمزة الثمالي، ثابت بن دينار 121،

123، 124

أبو حنيفة 31، 37، 38، 39، 97، 99،

174، 218، 267، 316، 331، 336

أبو عبداللّه = البرقي، محمّد بن خالد

أبو هريرة، عبداللّه بن عامر 155

أحمد بن حنبل = ابن حنبل، أحمد بن

محمّد

أحمد بن محمّد بن أبي نصر = البزنطي،

أحمد بن محمّد

أحمد بن محمّد بن عيسى 90، 361

أحمد بن محمّد بن يحيى 336

الأحول 400، 401، 403، 404، 405،

406، 409، 410، 413

الأردبيلي، أحمد بن محمّد 100، 216،

217، 309، 343

الاُستاذ الآقا = البهبهاني، محمّد باقر بن

محمّد أكمل

ص: 436

الاُستاذ الأكبر = البهبهاني، محمّد باقر

بن محمّد أكمل

الاُستاذ = البهبهاني، محمّد باقر بن

محمّد أكمل

الاُستاذ = كاشف الغطاء، جعفر بن خضر

إسحاق بن عمّار 250، 256، 257، 277

الإسكافي = ابن الجنيد الإسكافي،

محمّد بن أحمد

إسماعيل بن عيسى 251، 258، 259،

261

الأشعري، محمّد بن أحمد بن يحيى 177

الأشعري، محمّد بن الحسين 250، 255

الأنصاري، مرتضى بن محمّد أمين 32،

69، 117، 191، 238، 239، 379

الأوزاعي، عبدالرحمان بن عمرو بن

يُحمد 316

الأهوازي، الحسين بن سعيد 180

البحراني، يوسف بن أحمد 142، 184،

228، 406

البرقي، محمّد بن خالد 104

بريد بن معاوية 211

بريد = بريد بن معاوية

البزنطي، أحمد بن محمّد 36، 135،

156، 181، 249، 257، 386

البطائني، علي بن أبي حمزة 17، 176،

249

بعض أهل التحقيق = الهمداني، رضا بن

محمّد هادي

بعض أهل النظر = الهمداني، رضا بن

محمّد هادي

البقباق = الفضل بن عبدالملك البقباق

بكّار بن أبي بكر 35

بكر بن حبيب 285

البهائي = شيخ البهائي، محمّد بن

الحسين

البهبهاني، محمّد باقر بن محمّد أكمل 32،

63، 82

ثعلبة بن ميمون 157

الثمالي = أبو حمزة الثمالي، ثابت بن

دينار

الجريري، وهب بن حفص 291، 294

جعفر بن محمّد بن يونس 248

الجعفي، إسماعيل 89، 90، 94، 98، 99،

103

جميل بن درّاج 11، 90، 91، 98، 102

جميل = جميل بن درّاج

حديد الأزدي = حديد بن حكيم

الأزدي

ص: 437

حديد بن حكيم الأزدي 361، 372

الحذّاء، زياد بن عيسى 242

الحرّ العاملي، محمّد بن الحسن 173

حريز = السجستاني، حريز بن عبداللّه

الحسن بن الجهم 250

الحسن بن صالح بن حيّ 98

الحسن بن علي بن عبداللّه 297

الحسن بن محبوب = السرّاد، الحسن بن

محبوب

الحسين بن أبي العلاء 130، 131، 134،

140، 156، 159، 160، 167

الحسين بن سعيد = الأهوازي، الحسين

بن سعيد

الحضرمي، أبو بكر 357، 360، 361،

370، 372

حفص بن أبي عيسى 64، 403، 406،

411، 413

حفص بن البختري 263، 287، 379

حكم بن حكيم 16

الحلبي، عبيداللّه بن علي 13، 77، 78،

104، 105، 123، 124، 138، 140،

141، 143، 160، 210، 211، 213،

218، 219، 249، 252، 254، 257،

270، 332، 333، 335، 384، 398،

403، 405، 407، 408، 413

الحلّي = ابن إدريس، محمّد بن أحمد

حمّاد بن عثمان 64

حمّاد بن عيسى 285

حمران بن أعين 243، 394

الحميري، محمّد بن عبداللّه 351

الخادم، خيران 46، 50، 51، 55، 73،

74، 75

الخراساني = الآخوند الخراساني،

محمّد كاظم بن الحسين

خيران الخادم = الخادم، خيران

داود 37، 38، 218

داود بن سرحان 94، 209

الراوندي = القطب الراوندي، سعيد بن

هبة اللّه

رفاعة = النخّاس، رفاعة بن موسى

زرارة 12، 18، 36، 47، 49، 50، 51،

57، 59، 63، 64، 70، 71، 248،

288، 301، 303، 311، 357، 358،

359، 361، 365، 368، 369، 371،

372، 374، 385، 402، 403، 406،

410، 411، 413

زفر 98

زكريّا بن آدم = القمّي، زكريّا بن آدم

ص: 438

الزهري، محمّد بن مسلم بن شهاب 37،

38

زيد الشحّام (أبو اُسامة) 16، 17، 18

زينب بنت الجون 138

الساباطي، عمّار بن موسى 26، 34، 75،

85، 87، 183، 196، 197، 201،

202، 203، 204، 206، 207، 313،

315، 317، 332، 337، 363، 364،

372، 373، 400، 403، 405، 414

السجستاني، حريز بن عبداللّه 119

السرّاد، الحسن بن محبوب 181، 218،

376

سعد بن عبداللّه 182

السكوني، إسماعيل بن أبي زياد 36،

139، 140، 143، 144، 145، 151،

244

سلاّر = سلاّر الديلمي، حمزة بن

عبدالعزيز

سلاّر الديلمي، حمزة بن عبدالعزيز 65،

95، 97، 98، 200، 216

سليمان بن رشيد 314

سماعة بن مهران 16، 79، 80، 84، 85،

86، 87، 140، 166، 210، 249،

277، 282، 312، 314، 334، 393

السيّد المرتضى = علم الهدى، علي بن

الحسين

سيف بن عميرة 336

الشافعي، محمّد بن إدريس 31، 37، 38،

39، 97، 183، 218، 316، 331،

336

الشهيد = الشهيد الأوّل، محمّد بن مكّي

الشهيد الأوّل، محمّد بن مكّي 167،

204، 216

الشهيد الثاني، زين الدين بن علي 33،

295

الشهيدان (الشهيد الأوّل، محمّد بن

مكّي / الشهيد الثاني، زين الدين بن

علي) 106

الشيباني، محمّد بن الحسن 331

الشيخ = الطوسي، محمّد بن الحسن

الشيخ الأعظم = الأنصاري، مرتضى بن

محمّد أمين

الشيخان (المفيد، محمّد بن محمّد /

الطوسي، محمّد بن الحسن) 188

شيخ البهائي، محمّد بن الحسين 181،

366

شيخ الطائفة محمّد بن الحسن =

الطوسي، محمّد بن الحسن

ص: 439

صاحب البرهان = آل بحر العلوم، علي

بن محمّد رضا

صاحب الجواهر، محمّد حسن بن باقر

32، 165، 234، 235، 325

صاحب الحدائق = البحراني، يوسف بن

أحمد

صاحب المدارك = الموسوي العاملي،

محمّد بن علي

صاحب المعالم = ابن الشهيد الثاني،

الحسن بن زين الدين

صاحب الوسائل = الحرّ العاملي، محمّد

بن الحسن

الصدوقان (ابن بابويه، علي بن الحسين /

ابن بابويه، محمّد بن علي) 67، 142،

179، 181، 184، 188

الصدوق = ابن بابويه، محمّد بن علي

الصفّار، محمّد بن الحسن 296

صفوان بن يحيى 323

الصيقل، ميمون 296

الطوسي، أبو حمزة محمّد بن علي = ابن

حمزة، محمّد بن علي

الطوسي، محمّد بن الحسن 29، 31، 60،

94، 101، 107، 115، 138، 146،

155، 179، 180، 181، 182، 184،

186، 191، 197، 200، 201، 203،

204، 216، 217، 219، 222، 225،

295، 296، 308، 323، 330، 332،

335، 336، 347، 348، 349، 372،

375، 376، 380، 388، 396

العبّاس 235

عبدالأعلى = عبدالأعلى بن أعين مولى

آل سام

عبدالأعلى بن أعين مولى آل سام 15

عبدالرحمان بن أبي عبداللّه 78، 79، 85،

291، 332

عبدالرحمان بن الحجّاج 268، 286

عبدالعزيز بن المهتدي 386

عبداللّه بن أبي يعفور 89، 98، 101،

156، 164، 165، 172، 383

عبداللّه بن المغيرة 175

عبداللّه بن جعفر 53، 55

عبداللّه بن سليمان 276

عبداللّه بن سنان 49، 54، 62، 64، 74،

77، 125، 158، 211، 219، 220،

254، 278، 290

عبيد بن زرارة 126، 385

عثمان بن عبدالملك 361

العلاّمة الحلّي، الحسن بن يوسف 33،

ص: 440

69، 100، 109، 152، 153، 163،

182، 191، 198، 200، 206، 207،

216، 217، 219، 295، 330، 365،

403

العلاء بن رزين 218، 313، 314

علم الهدى، علي بن الحسين 9، 10، 12،

22، 31، 95، 97، 137، 145، 179،

184، 188، 200، 308

علي بن أبي حمزة = البطائني، علي بن

أبي حمزة

علي بن جعفر 17، 24، 51، 53، 55، 56،

60، 77، 78، 123، 124، 125،

148، 200، 214، 292، 315، 334،

336، 347، 348، 349، 350، 351،

391

علي بن حديد 90

علي بن خالد 85

علي بن مهزيار 314

عمر بن حنظلة 228

عمر بن يزيد 283، 285

العيّاشي، محمّد بن مسعود 119

العيص بن القاسم 26، 292

غياث 14، 384

فارس 54

الفخر = فخر المحقّقين، محمّد بن

الحسن

فخر الدين = فخر المحقّقين، محمّد بن

الحسن

فخر المحقّقين، محمّد بن الحسن 216

الفضل أبو العبّاس = الفضل بن

عبدالملك البقباق

الفضل بن شاذان = ابن شاذان، الفضل

بن شاذان

الفضل بن عبدالملك البقباق 23، 29،

171، 179 180، 182، 183، 185،

187، 195، 196، 197، 198

الفيض الكاشاني، محمّد بن شاه مرتضى

10، 22، 32، 35، 356، 360، 361،

362، 365، 366، 367، 369، 399

القسمي، أبو يزيد 46، 75، 77

القطب = القطب الراوندي، سعيد بن

هبة اللّه

القطب الراوندي، سعيد بن هبة اللّه 65،

109، 188

القمّي = الميرزا القمّي، أبو القاسم بن

محمّد حسن

القمّي، زكريّا بن آدم 150، 376، 380

الكاشاني = الفيض الكاشاني، محمّد بن

شاه مرتضى

ص: 441

كاشف الغطاء، جعفر بن خضر 111،

233، 234

الكاهلي، عبداللّه بن يحيى 136، 152،

198، 207، 342، 347، 354

الكليني، محمّد بن يعقوب 181، 201،

296، 335

لباب بنت الجون 138

ليث المرادي = أبو بصير، ليث المرادي

مالك 37، 38، 39، 267، 331، 336

مثنّى بن عبدالسلام 96

المجلسي = المجلسي، محمّد باقر بن

محمّد تقي

المجلسي، محمّد باقر بن محمّد تقي 92،

297، 354، 363

المحقّق الثاني = المحقّق الكركي، علي

بن الحسين

المحقّق الحلّي، جعفر بن الحسن 32،

101، 107، 116، 130، 167، 181،

182، 200، 206، 216، 217، 221،

222، 224، 225، 226، 227، 230،

295، 330، 336

المحقّق الكركي، علي بن الحسين 184،

204، 216، 295

محمّد بن أبي نصر البزنطي = البزنطي،

أحمد بن محمّد

محمّد بن إسماعيل بن بزيع 168، 211،

213، 215، 235، 345، 353، 361،

367، 372، 373

محمّد بن ريّان 384

محمّد بن عبدالحميد 336

محمّد بن قيس 243

محمّد بن مروان 348

محمّد بن مسلم 24، 61، 81، 85، 87،

92، 96، 99، 103، 156، 161،

164، 165، 171، 172، 179، 182،

195، 196، 209، 212، 213، 214،

218، 298، 306، 391، 392، 395،

397، 399، 403

المزني 331

مسعدة بن صدقة 125، 210، 272،

276، 279، 283

معاوية بن عمّار 26، 284

معاوية بن وهب 221، 285، 299

المعلّى بن خنيس 24، 397، 403، 405،

407، 408

المفيد، محمّد بن محمّد 95، 183، 184،

191، 200، 216، 217، 226، 228،

229، 308

ص: 442

المكاري، أبو سعيد 107

الموسوي العاملي، محمّد بن علي 184،

221، 336، 343

موسى بن بكر 212، 213

الميرزا القمّي، أبو القاسم بن محمّد حسن

32، 131

ميسّر 299

النجاشي، أحمد بن علي 182

النحوي، أبو إسحاق 157، 164، 165

النخّاس، رفاعة بن موسى 55

النراقي، أحمد بن محمّد مهدي 32، 405

الوحيد البهبهاني = البهبهاني، محمّد باقر

بن محمّد أكمل

وهب بن حفص = الجريري، وهب بن

حفص

وهب بن عبد ربّه 291، 292، 294

وهب بن وهب = أبو البختري

الهاشمي، إسماعيل بن الفضل 251،

254، 256

هشام بن الحكم 346، 348

هشام بن سالم 276، 317، 345، 347

الهمداني، رضا بن محمّد هادي 239،

242

اليوسفي = الآبي، الحسن بن أبي طالب

يونس بن عبدالرحمان 181

ص: 443

ص: 444

5 - فهرس الكتب الواردة في المتن

القرآن الكريم 128

الاستبصار 92، 93، 308، 375، 380

الإصباح = إصباح الشيعة

إصباح الشيعة 205

الانتصار 63، 97، 106، 179

البحار = بحار الأنوار

بحار الأنوار 157

البرهان القاطع 32

البرهان في تفسير القرآن 119

التحرير = تحرير الأحكام

تحرير الأحكام 191، 403

التذكرة = تذكرة الفقهاء

تذكرة الفقهاء 63، 109، 189، 223،

281، 308

تعليق النافع 205

التلخيص = تلخيص المرام

تلخيص المرام 100

التنقيح الرائع 308

التهذيب = تهذيب الأحكام

تهذيب الأحكام 92، 93، 99، 106،

180، 182، 296، 297، 348،

349،350، 363، 364، 366

جامع البزنطي 156، 386

جامع المقاصد 204، 281، 396

الجعفريات 139

الجواهر = جواهر الكلام

جواهر الكلام 32، 100، 165، 234،

235، 323، 325

الحبل المتين 364، 366

الحدائق الناضرة 100، 142، 184،

197، 228، 406

الخصال 11

الخلاف 29، 60، 63، 72، 94، 95، 97،

106، 115، 142، 143، 145، 179،

ص: 445

180، 186، 200، 201، 214، 217،

219، 222، 323، 330، 357، 376،

396

الدروس الشرعية 204، 330

دعائم الإسلام 105، 139، 141

الدلائل 330، 396

الذخيرة = ذخيرة المعاد

ذخيرة المعاد 63، 100، 157، 331،

342، 396

الذكرى = ذكرى الشيعة

ذكرى الشيعة 82، 100، 142، 159،

204، 216، 226

الروض = روض الجنان

روض الجنان 33، 308، 330، 349

السرائر 63، 100، 106، 113، 357

الشرائع = شرائع الإسلام

شرائع الإسلام 100، 106، 205، 223

شرح الاُستاذ = مصابيح الظلام

شرح جمل العلم والعمل 308

شرح القاضي = شرح جمل العلم

والعمل

الصحاح 10

العلل = علل الشرائع

علل الشرائع 57، 58

العيون = عيون أخبار الرضا علیه السلام

عيون أخبار الرضا علیه السلام 387

الغنية = غنية النزوع

غنية النزوع 72، 106، 178

فقه الرضا علیه السلام = الفقه المنسوب للإمام

الرضا علیه السلام

الفقه الرضوى = الفقه المنسوب للإمام

الرضا علیه السلام

الفقه المنسوب للإمام الرضا علیه السلام 64، 67،

138، 139، 143

الفقيه = من لايحضره الفقيه

القواعد = قواعد الأحكام

قواعد الأحكام 109، 223

الكافي 93، 99، 296، 354، 388

كتاب علي بن جعفر 351

كشف الالتباس 97، 308

كشف الحقّ 106، 116، 357

كشف الرموز 216، 308

الكفاية = كفاية الفقه

كفاية الفقه (كفاية الأحكام) 63، 100،

157، 216، 221، 331

المبسوط 82، 95، 100، 191، 204،

205، 349، 376

المجمع = مجمع البيان

ص: 446

المجمع = مجمع الفائدة والبرهان

مجمع البيان 119

مجمع الفائدة والبرهان 216

المختصر النافع 100، 205، 222، 223

المختلف = مختلف الشيعة

مختلف الشيعة 63، 142، 180، 217

المدارك = مدارك الأحكام

مدارك الأحكام 63، 82، 157، 184،

216، 217، 221، 330، 336، 343،

396

مرآة العقول 296، 354

المراسم 100، 106

المسالك = مسالك الأفهام

مسالك الأفهام 97، 330

مستطرفات السرائر 81

المصابيح في الفقه 349

مصابيح الظلام 63، 82

مصباح الفقيه 132

المعالم = معالم الدين

معالم الدين 33، 396

معاني الأخبار 139

المعتبر 32، 101، 107، 130، 157،

159، 180، 181، 205، 221، 222،

223، 308، 330

المفاتيح = مفاتيح الشرائع

مفاتيح الشرائع 22، 116

مفتاح الكرامة 65، 82

المقنع 376

المنتهى = منتهى المطلب

منتهى المطلب 82، 136، 137، 180،

182، 224، 331، 364، 365، 403

من لايحضره الفقيه 93، 99

الناصريات 142، 143، 145، 178،

179

النافع = المختصر النافع

النهاية = نهاية الإحكام

النهاية = النهاية في مجرّد الفقه

والفتاوى

النهاية في مجرّد الفقه والفتاوى 101،

179، 216، 219، 375، 376، 380

نهاية الإحكام 82، 405

الوافي 106، 296، 354، 356، 361،

363، 364، 368

الوسائل = وسائل الشيعة

وسائل الشيعة 173، 296، 297، 354،

363، 364، 365، 366، 388

الوسيلة إلى نيل الفضيلة 100، 106،

183

ص: 447

ص: 448

6 - فهرس مصادر التحقيق

«القرآن الكريم» .

«أ»

1 - أحكام القرآن . أبو بكر أحمد بن علي الجصّاص (م 370) ، الطبعة الاُولى ، 3 مجلّدات ، بيروت ، نشر دار الكتاب العربي ، 1406 ق / 1986 م .

2 - اختيار معرفة الرجال (رجال الكشّي) . أبو جعفر شيخ الطائفة محمّد بن الحسن المعروف بالشيخ الطوسي (385 - 460) ، تصحيح حسن المصطفوي ، جامعة مشهد ، 1348 ش .

3 - الاستبصار فيما اختلف من الأخبار . أبو جعفر شيخ الطائفة محمّد بن الحسن المعروف بالشيخ الطوسي (385 - 460) ، إعداد السيّد حسن الموسوي الخرسان ، الطبعة الثالثة ، 4 مجلّدات ، طهران ، دار الكتب الإسلامية ، 1390 ق .

4 - الاستصحاب ، ضمن «موسوعة الإمام الخميني قدّس سرّه » . = موسوعة الإمام الخميني قدّس سرّه .

5 - إصباح الشيعة بمصباح الشريعة . قطب الدين محمّد بن الحسين الكيدرى ( القرن السادس) ، تحقيق الشيخ إبراهيم البهادري ، الطبعة الاُولى ، قم ، مؤسّسة الإمام الصادق علیه السلام ، 1416 ق .

6 - أقرب الموارد . سعيد الخوري الشرتوني اللبناني ، 3 مجلّدات ، قم ، مكتبة آية اللّه المرعشي ، 1403 ق .

ص: 449

7 - الاُمّ . أبو عبداللّه محمّد بن إدريس الشافعي (150 - 204) ، تصحيح محمّد زهري النجّار ، بيروت ، نشر دار المعرفة للطباعة والنشر ، 1408 ق .

8 - الانتصار . السيّد المرتضى علم الهدى أبو القاسم علي بن الحسين الموسوي (355 - 436) ، قم ، مؤسّسة النشر الإسلامي ، 1415 ق .

9 - أنوار الهداية في التعليقة على الكفاية ، ضمن «موسوعة الإمام الخميني قدّس سرّه » . = موسوعة الإمام الخميني قدّس سرّه .

10 - إيضاح الفوائد في شرح إشكالات القواعد . فخر المحقّقين الشيخ أبو طالب محمّد بن الحسن بن يوسف بن المطهّر الحلّي (682 - 771) ، إعداد عدّة من العلماء ، الطبعة الاُولى ، 4 مجلّدات ، قم ، المطبعة العلمية ، 1387 ق .

«ب»

11 - بحار الأنوار الجامعة لدُرر أخبار الأئمّة الأطهار. العلاّمة محمّد باقر بن محمّدتقيّ المجلسي (1037 - 1110) ، الطبعة الثانية ، إعداد عدّة من العلماء ، 110 مجلدٍ (إلاّ

6 مجلّدات ، من المجلّد 29 - 34) + المدخل ، بيروت ، دار إحياء التراث العربي ، 1403 ق / 1983 م .

12 - بدائع الصنائع في ترتيب الشرائع . علاء الدين أبو بكر بن مسعود الكاشاني (م 587) ، الطبعة الاُولى ، پاكستان ، المكتبة الحبيبية ، 1409 ق / 1989 م .

13 - بداية المجتهد ونهاية المقتصد . محمّد بن أحمد بن رشد القرطبي (520 - 595) ، الطبعة الاُولى ، مجلّدان ، قم ، منشورات الشريف الرضيّ ، 1412 ق / 1371 ش .

14 - البرهان القاطع في شرح المختصر النافع . السيّد علي آل بحر العلوم (م 1298) ، 3 مجلّدات ، الطبعة الحجرية .

15 - البرهان في تفسير القرآن . السيّد هاشم بن سليمان بن إسماعيل بن عبدالجواد الحسيني البحراني (م 1107) ، تحقيق قسم الدراسات الإسلامية ، مؤسّسة البعثة ، الطبعة الاُولى ، 10 مجلّدات ، بيروت ، مؤسّسة البعثة ، 1419 ق / 1999 م .

ص: 450

16 - البيان . الشهيد الأوّل شمس الدين محمّد بن مكّي العاملي (م 786) ، تحقيق الشيخ محمّد الحسّون ، الطبعة الاُولى ، قم ، 1412 ق .

«ت»

17 - تبصرة المتعلّمين في أحكام الدين . العلاّمة الحلّي جمال الدين الحسن بن يوسف بن المطهّر (648 - 726) ، تحقيق السيّد أحمد الحسينى والشيخ هادي اليوسفي ، قم ، مجمع الذخائر الإسلامية .

18 - تحرير الأحكام الشرعية على مذهب الإمامية . العلاّمة الحلّي جمال الدين الحسن بن يوسف بن المطهّر (648 - 726) ، تحقيق الشيخ إبراهيم البهادري ، الطبعة الاُولى ، 6 مجلّدات ، قم ، مؤسّسة الإمام الصادق علیه السلام ، 1421 ق .

19 - تذكرة الفقهاء . جمال الدين الحسن بن يوسف بن المطهّر ، العلاّمة الحلّي (648 - 726) ، تحقيق مؤسّسة آل البيت علیهم السلام لإحياء التراث ، الطبعة الاُولى ، صدر منه حتّى

الآن 20 مجلّداً ، قم ، مؤسّسة آل البيت علیهم السلام لإحياء التراث ، 1414 - 1433 ق .

20 - التعادل والترجيح ، ضمن «موسوعة الإمام الخميني قدّس سرّه » . = موسوعة الإمام الخميني قدّس سرّه .

21 - تفسير العيّاشي . أبو النضر محمّد بن مسعود بن محمّد بن عيّاش السمرقندي (أواخر قرن الثالث) ، تصحيح السيّد هاشم الرسولي المحلاّتي ، مجلّدان ، طهران ، المكتبة العلمية الإسلامية .

22 - التفسير الكبير . محمّد بن عمر الخطيب فخرالدين الرازي (544 - 606) ، الطبعة الثالثة ، 32 جزءاً في 16 مجلّداً ، قم ، مكتب الإعلام الإسلامي ، 1411 ق .

23 - تقرير سماحة آية اللّه العظمى السيّد البروجردي . الشيخ علي پناه الاشتهاردي (م 1429) ، تحقيق مؤسّسة النشر الإسلامي ، الطبعة الاُولى ، مجلّدان ، قم ، مؤسّسة

النشر الإسلامي ، 1416 ق .

24 - تلخيص المرام في معرفة الأحكام . العلاّمة الحلّي جمال الدين الحسن بن يوسف بن

ص: 451

المطهّر (648 - 726) ، تحقيق هادي القبيسي ، الطبعة الاُولى ، قم ، مكتب الإعلام

الإسلامي ، 1421 ق / 1379 ش .

25 - التنقيح الرائع لمختصر الشرائع . جمال الدين مقداد بن عبداللّه السيوري الحلّي المعروف بالفاضل المقداد (م 826) ، تحقيق السيّد عبداللطيف الكوه كمري ، الطبعة الاُولى ، 4 مجلّدات ، قم ، مكتبة آية اللّه المرعشي ، 1404 ق .

26 - تنقيح المقال في علم الرجال . الشيخ عبداللّه بن محمّد حسن المامقاني (1290 - 1351) ، الطبعة الثانية ، 3 مجلّدات ، قم ، بالاُفست عن طبعة النجف الأشرف ، المطبعة

المرتضوية ، 1352 ق .

27 - تهذيب الأحكام . أبو جعفر محمّد بن الحسن ، الشيخ الطوسي (385 - 460) ، إعداد السيّد حسن الموسوي الخرسان ، الطبعة الرابعة ، 10 مجلّدات ، طهران ، دار الكتب الإسلامية ، 1365 ش .

«ج»

28 - جامع أحاديث الشيعة ، الذي اُلّف تحت إشراف آية اللّه العظمى الحاج آقا حسين الطباطبائي البروجردي (1291 - 1380) ، الشيخ إسماعيل المعزّي الملايري ، الطبعة الثانيه ، 26 مجلّداً ، مطبعة مهر ، 1413 ق / 1371 ش .

29 - جامع الشواهد . الشيخ ميرزا محمّد باقر بن المولى عليرضا الأردكاني (م حدود 1300) ، جزءان في مجلّد واحد ، أصفهان ، مؤسّسة المطبوعات الأدبية ، 1380 ق .

30 - جامع المقاصد في شرح القواعد . المحقّق الثاني علي بن الحسين بن عبدالعالي الكركي (868 - 940) ، تحقيق مؤسّسة آل البيت علیهم السلام لإحياء التراث ، الطبعة الاُولى ، 13 مجلّداً ، قم ، مؤسّسة آل البيت علیهم السلام لإحياء التراث ، 1408 - 1411 ق .

31 - الجامع للشرائع . نجيب الدين يحيى بن أحمد بن سعيد الحلّي الهذلي (601 - 689) ، تحقيق جمع من الفضلاء ، قم ، مؤسّسة سيّد الشهداء علیه السلام ، 1405 ق .

ص: 452

32 - الجعفريات أو الأشعثيات المطبوع مع «قرب الإسناد» . أبو على محمّد بن محمّد الأشعث ( القرن الرابع) ، طهران ، مكتبة نينوى الحديثة .

33 - الجوامع الفقهية . جماعة من الأركان وعدّة من الأعيان ، الطبع الحجري ، قم ، منشورات مكتبة آية اللّه العظمى المرعشي النجفي ، 1404 ق .

34 - جواهر الفقه . القاضي عبد العزيز بن البرّاج الطرابلسي (400 - 481) تحقيق إبراهيم البهادري ، الطبعة الاُولى ، قم ، مؤسّسة النشر الإسلامي ، 1411 ق .

35 - جواهر الكلام في شرح شرائع الإسلام . الشيخ محمّد حسن بن باقر النجفي (م 1266) ، تحقيق الشيخ عبّاس القوچاني ، الطبعة الثالثة ، 43 مجلّداً ، طهران ، دار الكتب الإسلامية ، 1367 ش .

«ح»

36 - حاشية فرائد الاُصول أو الفوائد الرضوية على الفرائد المرتضوية . الحاج آقا رضا بن محمّد هادي الهمداني النجفي (م 1322) ، تحقيق محمّد رضا الأنصاري القميّ ، الطبعة الاُولى ، قم ، مهدي موعود(عج) ، 1421 ق / 1379 ش .

37 - الحبل المتين . الشيخ بهاء الدين محمّد بن الحسين بن عبد الصمد الحارثي العاملي (953 - 1030) ، قم ، مكتبة بصيرتي ، 1398 ق .

38 - الحدائق الناضرة في أحكام العترة الطاهرة . الشيخ يوسف بن أحمد البحراني (1107 - 1186) ، تحقيق محمّد تقيّ الإيرواني ، الطبعة الاُولى ، 25 مجلّداً ، قم ، مؤسّسة النشر

الإسلامي ، 1406 ق .

«خ»

39 - الخصال . أبوجعفر محمّد بن علي بن الحسين بن بابويه القمّي المعروف بالشيخ الصدوق (م 381) ، تصحيح علي أكبر الغفّاري ، الطبعة الثانية ، جزءان في مجلّد واحد ،

قم ، مؤسّسة النشر الإسلامي ، 1403 ق .

40 - خلاصة الأقوال في معرفة الرجال . العلاّمة الحلّي جمال الدين الحسن بن يوسف بن

ص: 453

المطهّر (648 - 726) ، تحقيق جواد القيّومي ، الطبعة الاُولى ، قم ، مؤسّسة نشر الفقاهة ، 1417 ق .

41 - الخلاف . أبو جعفر شيخ الطائفة محمّد بن الحسن المعروف بالشيخ الطوسي (385 - 460) ، تحقيق جماعة من المحقّقين ، الطبعة الاُولى ، 6 مجلّدات ، قم ، مؤسّسة النشر

الإسلامي ، 1407 ق .

42 - الخلل في الصلاة ، ضمن «موسوعة الإمام الخميني قدّس سرّه » . = موسوعة الإمام الخميني قدّس سرّه .

«د»

43 - درر الفوائد في الحاشية على الفرائد . الآخوند محمّد كاظم الهروي الخراساني (1255 - 1329) ، تحقيق السيّد مهدي شمس الدين ، الطبعة الاُولى ، طهران ، مؤسّسة الطبع والنشر التابعة لوزارة الثقافة والإرشاد الإسلامي ، 1410 ق / 1990 م .

44 - الدروس الشرعية في فقه الإمامية . الشهيد الأوّل شمس الدين محمّد بن مكّي العاملي (م 786) ، تحقيق مؤسّسة النشر الإسلامي ، الطبعة الاُولى ، 3 مجلّدات ، قم ، مؤسّسة

النشر الإسلامي ، 1412 - 1414 ق .

45 - دعائم الإسلام . أبو حنيفة القاضي النعمان بن محمّد بن منصور بن أحمد بن حيّون التميمي المغربي (م 363) ، تحقيق آصف بن علي أصغر فيضي ، مجلّدان ، القاهرة ، دار المعارف ، 1383 ق / 1963 م .

«ذ»

46 - ذخيرة المعاد في شرح الإرشاد . المحقّق السبزواري محمّد باقر بن محمّد مؤمن (1017 - 1090) ، الطبعة الحجرية ، قم ، مؤسّسة آل البيت علیهم السلام لإحياء التراث .

47 - ذكرى الشيعة في أحكام الشريعة . الشهيد الأوّل شمس الدين محمّد بن مكّي العاملي (م 786) ، تحقيق مؤسّسة آل البيت علیهم السلام لإحياء التراث ، الطبعة الاُولى ، 4 مجلّدات ، قم ، مؤسّسة آل البيت علیهم السلام لإحياء التراث ، 1414 ق .

ص: 454

«ر»

48 - رجال البرقي . الشيخ أبو جعفر أحمد بن محمّد بن خالد البرقي (م 280)، تحقيق جواد القيّومي الأصفهاني ، الطبعة الاُولى ، نشر مؤسّسة القيّوم ، 1419 ق .

49 - رجال النجاشي . أبو العبّاس أحمد بن علي بن أحمد بن العبّاس النجاشي الأسدي الكوفي (372 - 450) ، تحقيق السيّد موسى الشبيري الزنجاني ، الطبعة الاُولى ، قم ، مؤسّسة النشر الإسلامي ، 1407 ق .

50 - الرسائل العشر . أبو جعفر محمّد بن الحسن بن علي الطوسي المعروف بشيخ الطائفة (385 - 460) ، تحقيق مؤسّسة النشر الإسلامي ، الطبعة الاُولى ، قم ، مؤسّسة النشر الإسلامي .

51 - روض الجنان في شرح إرشاد الأذهان . الشهيد الثاني زين الدين بن علي بن أحمد العاملي (911 - 965) ، تحقيق مركز الأبحاث والآثار الإسلامية ، الطبعة الاُولى ، مجلّدان ، قم ، مكتب الإعلام الإسلامي ، 1422 ق .

52 - الروضة البهيّة في شرح اللمعة الدمشقية . الشهيد الثاني زين الدين بن علي بن أحمد العاملي (911 - 965) ، تحقيق مجمع الفكر الإسلامي ، الطبعة الاُولى ، 4 مجلّدات ، قم ، مجمع الفكر الإسلامي ، 1424 ق .

53 - رياض المسائل في بيان أحكام الشرع بالدلائل . السيّد علي بن محمّد علي الطباطبائي (1161 - 1231) ، تحقيق مؤسّسة النشر الإسلامي ، الطبعة الاُولى ، 14 مجلّداً ، قم ،

مؤسّسة النشر الإسلامي ، 1412 - 1423 ق .

«س»

54 - السرائر الحاوي لتحرير الفتاوي . أبو جعفر محمّد بن منصور بن أحمد بن إدريس الحلّي (543 - 598) ، إعداد مؤسّسة النشر الإسلامي ، الطبعة الثانية ، 3 مجلّدات ، قم ، مؤسّسة النشر الإسلامي ، 1410 - 1411 ق .

55 - سنن ابن ماجة . أبو عبداللّه محمّد بن يزيد بن ماجة القزويني (207 - 275) ، تحقيق محمّد فؤاد عبدالباقي ، مجلّدان ، بيروت ، دار الكتب العلمية .

ص: 455

56 - سنن أبي داود . أبو داود سليمان بن الأشعث السجستاني (م 275) ، إعداد كمال يوسف الحوت ، الطبعة الاُولى ، مجلّدان ، بيروت ، دار الجنان ، 1409 ق / 1988 م .

57 - سنن الترمذي . أبو عيسى محمّد بن عيسى بن سورة الترمذي (209 - 279) ، تحقيق عبدالوهّاب عبداللطيف ، الطبعة الثانية ، 5 مجلّدات ، بيروت ، دار الفكر للطباعة والنشر ، 1403 ق .

58 - سنن الدارمي . أبو محمّد عبداللّه بن عبدالرحمن السمرقندي الدارمي (181 - 255) ، مجلّدان ، بيروت ، دار الفكر ، 1398 ق .

«ش»

59 - شرائع الإسلام في مسائل الحلال والحرام . المحقّق الحلّي نجم الدين جعفر بن الحسن ابن يحيى بن سعيد الهذلي (602 - 676) ، تحقيق عبدالحسين محمّد علي بقّال ، الطبعة الثالثة ، 4 أجزاء في مجلّدين ، قم ، مؤسّسة إسماعيليان ، 1409 ق .

60 - شرح جمل العلم والعمل . القاضي ابن البرّاج أبو القاسم عبدالعزيز بن نحرير بن عبدالعزيز (400 - 481) ، تحقيق كاظم مدير شانه چى ، الطبعة الاُولى ، مشهد ، جامعة مشهد ، 1352 ش .

«ص»

61 - الصحاح (تاج اللغة وصحاح العربية) . إسماعيل بن حمّاد الجوهري (م 393) ، تحقيق أحمد عبدالغفور عطّار ، الطبعة الرابعة ، 6 مجلّدات ، بيروت ، دار العلم للملايين ،

1407 ق / 1987 م .

62 - صحيح البخاري . أبو عبداللّه محمّد بن إسماعيل البخاري الجعفي (م 256) ، تحقيق وشرح الشيخ قاسم الشمّاعي الرفاعي ، الطبعة الاُولى ، 9 أجزاء في 4 مجلّدات ، بيروت ، دار القلم ، 1407 ق / 1987 م .

63 - صحيح مسلم . أبو الحسين مسلم بن الحجّاج القشيري النيسابوري (206 - 261) ، تحقيق وتعليق الدكتور موسى شاهين لاشين والدكتور أحمد عمر هاشم ، الطبعة الاُولى ، 5 مجلّدات ، بيروت ، مؤسّسة عزّ الدين ، 1407 ق / 1987 م .

ص: 456

64 - الصلاة . المحقّق الحائري (م 1355) ، قم ، مكتب الإعلام الإسلامي ، 1362 ش .

65 - الصلاة (تقريرات المحقق النائيني) . الشيخ محمّد تقي الآملى (1304 - 1391) ، 3 مجلّدات ، قم ، مؤسّسة آل البيت للطباعة والنشر .

«ط»

66 - الطهارة (تقريرات الإمام الخميني قدّس سرّه ) . الشيخ محمّد الفاضل اللنكراني(1310 - 1386) ، الطبعة الاُولى ، قم ، مؤسّسة تنظيم ونشر آثار الإمام الخميني قدّس سرّه » ، 1422 ق .

67 - الطهارة ، ضمن «تراث الشيخ الأعظم» ج 1 - 5 . الشيخ الأعظم مرتضى بن محمّد أمين الأنصاري الدزفولي (1214 - 1281) ، إعداد لجنة تحقيق تراث الشيخ الأعظم ، الطبعة الاُولى ، 5 مجلّدات ، قم ، المكتبة الفقهية ، 1415 ق .

«ع»

68 - العروة الوثقى . السيّد محمّد كاظم الطباطبائي اليزدي (م 1337) ، مع تعليقات عدّة من الفقهاء العظام ، إعداد أحمد المحسني السبزواري ، الطبعة الثانية ، 6 مجلّدات ، قم ،

مؤسّسة النشر الإسلامي ، 1421 ق .

69 - علل الشرائع . أبو جعفر محمّد بن علي بن الحسين بن بابويه القمّي المعروف بالشيخ الصدوق (م 381) ، الطبعة الاُولى ، النجف الأشرف ، المكتبة الحيدرية ، 1385 ق / 1966 م .

70 - عوالي اللآلي العزيزية في الأحاديث الدينية . محمّد بن علي بن إبراهيم الأحسائي المعروف بابن أبي جمهور (م - أوائل القرن العاشر) ، تحقيق مجتبى العراقي ، الطبعة الاُولى ، قم ، مطبعة سيّدالشهداء ، 1403 ق .

71 - عيون أخبار الرضا علیه السلام . أبو جعفر محمّد بن علي بن الحسين بن بابويه القمّي ، الشيخ الصدوق (م 381) ، تصحيح السيّد مهدي الحسيني اللاجوردي ، الطبعة الثانية ، منشورات جهان .

«غ»

72 - غنائم الأيّام في مسائل الحلال والحرام . الميرزا أبو القاسم بن الحسن الجيلاني

ص: 457

المعروف بالمحقّق القمّي (1151 - 1231) ، تحقيق مكتب الإعلام الإسلامي - فرع

خراسان ، الطبعة الاُولى ، 6 مجلّدات ، قم ، مركز النشر التابع لمكتب الإعلام الإسلامي ، 1417 - 1420 ق / 1375 - 1378 ش .

73 - غنية النزوع إلى علمي الاُصول والفروع . أبو المكارم السيّد حمزة بن علي بن زهرة الحلبي المعروف بابن زهرة (511 - 585) ، تحقيق الشيخ إبراهيم البهادري ، الطبعة الاُولى ، مجلّدان، قم ، مؤسّسة الإمام الصادق علیه السلام ، 1417 ق .

«ف»

74 - فتح العزيز شرح الوجيز . = المجموع (شرح المهذّب) .

75 - فرائد الاُصول ، ضمن «تراث الشيخ الأعظم» ج 24 - 27 . الشيخ الأعظم مرتضى بن محمّد أمين الأنصاري (1214 - 1281) ، إعداد لجنة تحقيق تراث الشيخ الأعظم ، الطبعة الاُولى ، 4 مجلّدات ، قم ، مجمع الفكر الإسلامي ، 1419 ق / 1377 ش .

76 - الفقه المنسوب للإمام الرضا علیه السلام . تحقيق مؤسّسة آل البيت علیهم السلام لإحياء التراث ، الطبعة الاُولى ، مشهد المقدّس ، المؤتمر العالمي للإمام الرضا علیه السلام ، 1406 ق .

77 - الفقيه (من لا يحضره الفقيه) . أبو جعفر بن محمّد بن علي بن الحسين بن بابويه القمّي المعروف بالشيخ الصدوق (م 381) ، إعداد السيّد حسن الموسوي الخرسان ، الطبعة الرابعة ، 4 مجلّدات ، النجف الأشرف ، دار الكتب الإسلامية ، 1377 ق / 1957 م .

78 - فوائد الاُصول (تقريرات المحقّق النائيني) . الشيخ محمّد علي الكاظمي الخراساني (1309 - 1365) ، الطبعة الاُولى ، 4 مجلّدات ، قم ، مؤسّسة النشر الإسلامي ، 1404 ق .

79 - الفهرست . أبو جعفر محمّد بن الحسن المعروف بالشيخ الطوسي (380 - 460) ، تحقيق الشيخ جواد القيّومي ، الطبعة الاُولى ، قم ، مؤسّسة نشر الفقاهة ، 1417 ق .

«ق»

80 - القاموس المحيط والقابوس الوسيط . أبو طاهر مجد الدين محمّد بن يعقوب الفيروزآبادي (729 - 817) ، 4 مجلّدات ، بيروت ، دار الجيل .

ص: 458

81 - قرب الإسناد . أبو العبّاس عبداللّه بن جعفر الحميري القمّي (م بعد 304) ، تحقيق مؤسّسة آل البيت علیهم السلام لإحياء التراث ، الطبعة الاُولى ، قم ، مؤسّسة آل البيت علیهم السلام لإحياء التراث ، 1413 ق .

82 - قواعد الأحكام في مسائل الحلال والحرام . العلاّمة الحسن بن يوسف بن علي بن المطهّر الحلّي (648 - 726) ، تحقيق مؤسّسة النشر الإسلامي ، الطبعة الاُولى ، 3 مجلّدات ، قم ، مؤسّسة النشر الإسلامي ، 1413 ق .

«ك»

83 - الكافي . ثقة الإسلام أبو جعفر محمّد بن يعقوب بن إسحاق الكليني الرازي (م 329) ، تحقيق علي أكبر الغفّاري ، الطبعة الخامسة ، 8 مجلّدات ، طهران ، دار الكتب الإسلامية ، 1363 ش .

84 - الكافي في الفقه . تقيّ الدين بن نجم أبو الصلاح الحلبي (374 - 447) ، تحقيق رضا الاُستادي ، أصفهان ، مكتبة الإمام أمير المؤمنين علیه السلام ، 1403 ق .

85 - كشف الالتباس عن موجز أبي العبّاس . مفلح بن الحسن بن رشيد بن صلاح الصيمري (م حدود 900) ، تحقيق مؤسّسة صاحب الأمر (عج) ، قم ، مؤسّسة صاحب الأمر(عج) ، 1417 ق .

86 - كشف الرموز في شرح المختصر النافع . زين الدين أبو علي الحسن بن أبيطالب بن أبيالمجد اليوسفي المعروف بالفاضل والمحقّق الآبي (م بعد 672) ، تحقيق علي پناه الاشتهاردي وحسين اليزدي ، الطبعة الاُولى ، مجلّدان ، قم ، مؤسّسة النشر الإسلامي ،

1408 ق .

87 - كشف الغطاء عن مبهمات الشريعة الغرّاء . الشيخ جعفر بن خضر المعروف ب- «كاشف الغطاء» (1156 - 1228) ، تحقيق مكتب الإعلام الإسلامي - فرع خراسان ، الطبعة الاُولى ، 4 مجلّداً ، قم ، مركز النشر التابع لمكتب الإعلام الإسلامي ، 1422 ق / 1380 ش .

88 - كشف اللّثام . محمّد بن الحسن بن محمّد الأصفهاني المعروف بالفاضل الهندي (1062

ص: 459

- 1137) ، تحقيق مؤسّسة النشر الإسلامي ، الطبعة الاُولى ، 11 مجلّداً ، قم ، مؤسّسة النشر الإسلامي ، 1416 - 1424 ق .

89 - كفاية الفقه المشتهر ب- «كفاية الأحكام» . محمّد باقر بن محمّد مؤمن الشريف الخراساني السبزواري (1017 - 1090) ، تحقيق الشيخ مرتضى الواعظي الأراكي ، الطبعة الاُولى ، مجلّدان ، قم ، مؤسّسة النشر الإسلامي ، 1423 ق .

«ل»

90 - لسان العرب . أبو الفضل جمال الدين محمّد بن مكرم بن منظور المصري (630 - 711) ، الطبعة الاُولى ، 15 مجلّداً + الفهرس ، بيروت ، دار إحياء التراث العربي ، 1408 ق / 1988 م .

«م»

91 - المبسوط . شمس الدين محمّد بن أحمد بن أبي سهل السرخسي (م 483) ، 30 جزءاً في 15 مجلّداً ، بيروت ، دار المعرفة ، 1409 ق / 1989 م .

92 - المبسوط في فقه الإمامية . أبو جعفر شيخ الطائفة محمّد بن الحسن المعروف بالشيخ الطوسي (385 - 460) ، إعداد السيّد محمّد تقيّ الكشفي ، الطبعة الثانية ، 8 أجزاء في 4 مجلّدات ، طهران ، المكتبة المرتضوية لإحياء الآثار الجعفرية ، 1387 - 1393 ق .

93 - مجمع البحرين ومطلع النيّرين . فخر الدين الطريحي (972 - 1085) ، الطبعة الاُولى ، 6 مجلّدات ، بيروت ، دار ومكتبة الهلال ، 1985 م .

94 - مجمع الفائدة والبرهان في شرح إرشاد الأذهان . أحمد بن محمّد المعروف بالمقدّس الأردبيلي (م 993) ، تحقيق مجتبى العراقي وعلي پناه الاشتهاردي وحسين اليزدي ، الطبعة الاُولى ، 14 مجلّداً ، قم ، مؤسّسة النشر الإسلامي ، 1402 - 1414 ق .

95 - المجموع (شرح المهذّب) ويليه فتح العزيز ويليه التلخيص الحبير . أبو زكريّا يحيى بن شرف النووي الشافعي (631 - 676) ، [الطبعة الاُولى]، 20 مجلّداً ، بيروت ، دار الفكر .

96 - المحاسن . أبو جعفر أحمد بن محمّد بن خالد البرقي (م 274 أو 280) ، تحقيق

ص: 460

جلال الدين الحسيني الاُرموي ، الطبعة الثانية ، قم ، دار الكتب الإسلامية .

97 - المحلّى بالآثار . أبو محمّد علي بن أحمد بن سعيد بن حزم الأندلسي (م 456) ، تحقيق الدكتور عبدالغفّار سليمان البنداري ، 12 مجلّداً ، بيروت ، دار الفكر .

98 - المختصر النافع . أبو القاسم نجم الدين جعفر بن الحسن بن يحيى بن سعيد الهُذَلي (602 - 676) ، الطبعة الثانية ، قم ، منشورات مؤسّسة المطبوعات الديني ، 1368 ش .

99 - مختلف الشيعة في أحكام الشريعة . العلاّمة الحلّي جمال الدين الحسن بن يوسف بن المطهّر (648 - 726) ، تحقيق مركز الأبحاث والدراسات الإسلامية ، الطبعة الاُولى ، 9 مجلّدات + الفهرس ، قم ، مكتب الإعلام الإسلامي ، 1412 - 1420 ق .

100 - مدارك الأحكام في شرح شرائع الإسلام . السيّد محمّد بن علي الموسوي العاملي (م 1009) ، تحقيق مؤسّسة آل البيت علیهم السلام لإحياء التراث ، الطبعة الاُولى ، 8 مجلّدات ، قم ، مؤسّسة آل البيت علیهم السلام لإحياء التراث ، 1410 ق .

101 - المراسم في الفقه الإمامي . حمزة بن عبد العزيز الديلمي الملقّب بسلاّر (م 463) ، إعداد محمود البستاني ، قم ، منشورات حرمين ، 1404 ق .

102 - مرآة العقول في شرح أخبار آل الرسول . العلاّمة محمّد باقر بن محمّد تقيّ المجلسي (1037 - 1110) ، تصحيح السيّد هاشم الرسولي والسيّد جعفر الحسيني والشيخ علي الآخوندي ، الطبعة الثانية ، 26 مجلّداً ، طهران ، دار الكتب الإسلامية ، 1363 ش .

103 - مسائل الناصريات . أبو القاسم علي بن الحسين الموسوي المعروف بالشريف المرتضى وعلم الهدى (355 - 436) ، تحقيق مركز البحوث والدراسات العلمية ، قم ، مؤسّسة الهدى ، 1417 ق .

104 - مسائل علي بن جعفر ومستدركاتها . تحقيق مؤسّسة آل البيت علیهم السلام لإحياء التراث ، الطبعة الاُولى ، بيروت ، مؤسّسة آل البيت علیهم السلام لإحياء التراث ، 1410 ق / 1990 م .

105 - مسالك الأفهام إلى آيات الأحكام . العلاّمة الفاضل الجواد الكاظمي (م - أواسط القرن

الحادي عشر) ، إعداد السيّد محمّد تقيّ الكشفي والشيخ محمّد باقر شريف زاده ، 4

ص: 461

أجزاء في مجلّدان ، طهران ، المكتبة المرتضوية لآثار الجعفرية .

106 - مستدرك الوسائل ومستنبط المسائل . الحاج الميرزا حسين المحدّث النوري الطبرسي ، (1254 - 1320) ، تحقيق مؤسّسة آل البيت علیهم السلام لإحياء التراث ، الطبعة الاُولى ، 25 مجلّداً ، قم ، مؤسّسة آل البيت علیهم السلام لإحياء التراث ، 1407 ق .

107 - المستدرك على الصحيحين . الإمام الحافظ أبو عبداللّه الحاكم النيسابوري (312 - 405) ، تحت إشراف يوسف عبدالرحمن المرعشلي ، 4 مجلّدات + الفهرس ، بيروت ، دار المعرفة .

108 - مستمسك العروة الوثقى . السيّد محسن الطباطبائي الحكيم (1306 - 1390) ، الطبعة الاُولى ، 14 مجلّداً ، قم ، مؤسّسة دار التفسير ، 1416 ق / 1374 ش .

109 - مستند الشيعة في أحكام الشريعة . أحمد بن محمّد مهدي النراقي (م 1245) ، تحقيق مؤسّسة آل البيت علیهم السلام لإحياء التراث ، الطبعة الاُولى ، 18 مجلّداً ، قم ، مؤسّسة آل البيت علیهم السلام لإحياء التراث ، 1415 - 1420 ق .

110 - مشارق الشموس في شرح الدروس . آقا حسين بن جمال الدين محمّد الخوانساري (1019 - 1099) ، قم ، مؤسّسة آل البيت علیهم السلام لإحياء التراث .

111 - مصابيح الظلام في شرح مفاتيح الشرائع . المولى محمّد باقر بن محمّد الوحيد البهبهاني (1117 - 1205) ، تحقيق مؤسّسة العلاّمة المجدّد الوحيد البهبهاني ، الطبعة الاُولى ،

11 مجلّداً ، قم ، مؤسّسة علاّمة المجدّد الوحيد البهبهاني ، 1424 ق .

112 - المصابيح في الفقه . السيّد محمّد مهدي بن مرتضى بن محمّد الطباطبائي البروجردي (م 1212) ، مخطوط .

113 - مصباح الفقيه (الطهارة ، الصلاة ، الزكاة ، الخمس ، الصوم ، الرهن) . الحاج آقا رضا بن محمّد هادي الهمداني النجفي (م 1322) ، الطبعة الاُولى ، 19 مجلّداً :

الطهارة والصلاة . تحقيق المؤسّسة الجعفرية لإحياء التراث ، (ج 1 - 17) ، قم ، مؤسّسة مهديّ الموعود(عج) ، 1417 - 1431 ق .

ص: 462

الزكاة والخمس والصوم والرهن . (ج 13 و14 ، حسب ترتيب مؤسّسة النشر الإسلامي) قم ، مؤسّسة النشر الإسلامي ، 1416 ق .

114 - مصباح المتهجّد وسلاح المتعبّد . أبو جعفر شيخ الطائفة محمّد بن الحسن المعروف بالشيخ الطوسي (385 - 460) ، تحقيق الشيخ حسين الأعلمي ، الطبعة الاُولى ، بيروت ، مؤسّسة الأعلمي للمطبوعات ، 1418 ق / 1998 م .

115 - المصباح المنير في غريب الشرح الكبير . أحمد بن محمّد بن علي المقري الفيّومي (م 770) ، الطبعة الاُولى ، جزءان في مجلّد واحد ، قم ، دار الهجرة ، 1405 ق .

116 - معالم الدين وملاذ المجتهدين «قسم الاُصول» . أبو منصور جمال الدين الحسن بن زين الدين العاملي (959 - 1011) ، تحقيق لجنة التحقيق ، الطبعة الحادي عشر ، قم ، مؤسّسة النشر الإسلامي ، 1416 ق .

117 - معاني الأخبار . أبو جعفر محمّد بن علي بن الحسين بن بابويه القمّي المعروف بالشيخ الصدوق (م 381) ، تصحيح علي أكبر الغفّاري ، قم ، مؤسّسة النشر الإسلامي ، 1361 ش .

118 - المعتبر في شرح المختصر . المحقّق الحلّي نجم الدين جعفر بن الحسن بن يحيى بن سعيد الهُذلي (602 - 676) ، تحقيق عدّة من الأفاضل ، الطبعة الاُولى ، مجلّدان ، قم ، مؤسّسة سيّد الشهداء علیه السلام ، 1364 ش .

119 - مغني اللبيب عن كتب الأعاريب . ابن هشام أبو محمّد عبداللّه بن يوسف بن هشام الأنصاري (708 - 761) ، تحقيق عدّة من العلماء ، الطبعة الخامسة ، قم ، مكتبة سيّد الشهداء علیه السلام ، 1375 ش .

120 - المغني ويليه الشرح الكبير . أبو محمّد عبداللّه بن أحمد بن محمّد بن قدامة (541 - 620) ، وأبو الفرج عبدالرحمان بن أبي عمر محمّد بن أحمد بن قدامة المقدسي (م 682) ، الطبعة الاُولى ، 21 مجلّداً ، بيروت ، دار الكتب العربي .

121 - مفاتيح الشرائع . المولى محسن الفيض الكاشاني (م 1091) ، تحقيق السيّد مهدي

ص: 463

الرجائي ، 4 مجلّدات ، قم ، مطبعة الخيّام ، 1401 ق .

122 - مفتاح الكرامة في شرح قواعد العلاّمة . السيّد محمّد جواد الحسيني العاملي (1160 - 1228) ، تحقيق محمّد باقر الخالصي ، الطبعة الاُولى ، 26 مجلّداً ، قم ، مؤسّسة النشر

الإسلامي ، 1419 - 1433 ق .

123 - المقنع . أبو جعفر محمّد بن علي بن الحسين بن بابويه القمّي المعروف بالشيخ الصدوق (311 - 381) ، تحقيق لجنة التحقيق التابعة لمؤسّسة الإمام الهادي علیه السلام ، قم ، مؤسّسة الإمام الهادي علیه السلام ، 1415 ق .

124 - المقنعة . أبو عبداللّه محمّد بن محمّد بن النعمان العكبري البغدادي المعروف بالشيخ المفيد (م 413) ، تحقيق مؤسّسة النشر الإسلامي ، الطبعة الثانية ، قم ، مؤسّسة النشر

الإسلامي ، 1410 ق .

125 - مكارم الأخلاق . أبو نصر رضيّ الدين الحسن بن الفضل الطبرسي ( القرن السادس الهجري) ، تحقيق علاء آل جعفر ، مجلّدان ، الطبعة الاُولى ، قم ، مؤسّسة النشر الإسلامي ، 1414 ق .

126 - مناهج الوصول إلى علم الاُصول ، ضمن «موسوعة الإمام الخميني قدّس سرّه » . = موسوعة

الإمام الخميني قدّس سرّه .

127 - منتهى المطلب في تحقيق المذهب . العلاّمة الحلّي جمال الدين الحسن بن يوسف بن المطهّر (648 - 726) ، تحقيق قسم الفقه في مجمع البحوث الإسلامية ، الطبعة الاُولى ، 15 مجلّداً ، مشهد ، مجمع البحوث الإسلامية ، 1412 - 1428 ق .

128 - المنجد في اللغة . لوئيس معلوف وعدّة من الأساتذة ، الطبعة الثالثة والثلاثون ، بيروت ، دار المشرق ، 1992 م .

129 - موسوعة الإمام الخميني قدّس سرّه . تحقيق مؤسّسة تنظيم ونشر آثار الإمام الخميني قدّس سرّه ، الطبعة الاُولى ، قم ، مؤسّسة تنظيم ونشر آثار الإمام الخميني قدّس سرّه ، 1434 ق / 1392 ش .

130 - المهذّب . أبو القاسم عبدالعزيز بن نحرير بن عبدالعزيز القاضي ابن البرّاج (400 -

ص: 464

481) ، إعداد مؤسّسة سيّدالشهداء ، الطبعة الاُولى ، مجلّدان ، قم ، مؤسّسة النشر الإسلامي ، 1406 ق .

131 - المهذّب البارع في شرح المختصر النافع . العلاّمة أبو العبّاس أحمد بن محمّد بن فهد الحلّي (757 - 841) ، تحقيق مجتبى العراقي ، الطبعة الاُولى ، 5 مجلّدات ، قم ، مؤسّسة النشر الإسلامي ، 1407 - 1413 ق .

«ن»

132 - نهاية الإحكام في معرفة الأحكام . العلاّمة الحلّي جمال الدين الحسن بن يوسف بن المطهّر (648 - 726) ، تحقيق السيّد مهدي الرجائي ، الطبعة الثانية ، مجلّدان ، قم ،

مؤسّسة إسماعيليان ، 1410 ق .

133 - نهاية الاُصول (تقريرات المحقّق البروجردي) . الشيخ حسينعلي المنتظري ، الطبعة الاُولى ، قم ، نشر تفكّر ، 1415 ق .

134 - النهاية في مجرّد الفقه والفتاوى . أبو جعفر شيخ الطائفة محمّد بن الحسن المعروف بالشيخ الطوسي (385 - 460) ، قم ، انتشارات قدس محمّدي .

135 - نهج الحقّ وكشف الصدق . العلاّمة الحلّي جمال الدين الحسن بن يوسف بن المطهّر (648 - 726) ، تحقيق الشيخ عين اللّه الحسيني الاُرموي ، الطبعة الرابعة ، قم ، دار الهجرة ، 1414 ق .

«و»

136 - الوافي . محمّد بن المرتضى المولى محسن المعروف بالفيض الكاشاني (1006 - 1091) ، إعداد ضياء الدين الحسيني ، الطبعة الاُولى ، 26 مجلّداً ، أصفهان ، مكتبة الإمام أمير المؤمنين علیه السلام ، 1412 ق .

والطبع الحجري منه 3 مجلّدات ، قم ، منشورات مكتبة آية اللّه العظمى المرعشي النجفي ، 1404 ق .

137 - وسائل الشيعة إلى تحصيل مسائل الشريعة. الشيخ محمّد بن الحسن الحرّ العاملي

ص: 465

(1033 - 1104) ، تحقيق مؤسّسة آل البيت علیهم السلام لإحياء التراث ، الطبعة الاُولى ، 30 مجلّداً ، قم ، مؤسّسة آل البيت علیهم السلام لإحياء التراث ، 1409 ق .

138 - الوسيلة إلى نيل الفضيلة . عماد الدين أبو جعفر محمّد بن علي الطوسي المعروف بابن حمزة ( القرن السادس) ، تحقيق الشيخ محمّد الحسّون ، الطبعة الاُولى ، قم ، مكتبة آية

اللّه المرعشي ، 1408 ق .

«ه- »

139 - الهداية [في الاُصول والفروع] . أبو جعفر محمّد بن علي بن الحسين بن بابويه القمّي المعروف بالشيخ الصدوق (311 - 381) ، تحقيق مؤسّسة الإمام الهادي علیه السلام ، الطبعة

الاُولى ، قم ، مؤسّسة الإمام الهادي علیه السلام ، 1418 ق .

ص: 466

7 - فهرس الموضوعات

الفصل

الثاني : في أحكام النجاسات

وفيه مطالب :

المطلب الأوّل : في سراية النجاسة إلى الملاقيات

فهاهنا جهات من البحث :

الجهة الاُولى : في سراية النجاسة من الأعيان النجسة ... 9

فيما استدلّ به لعدم سراية النجاسة ... 10

التحقيق في المقام ... 21

الجهة الثانية : في أصل سراية النجاسة من المتنجّس ... 22

الجهة الثالثة : في تنجّس الوسائط الكثيرة ... 26

بيان حال الإجماعات المنقولة في المقام ... 29

الشواهد الداخلية والخارجية في المقام ... 34

المطلب الثاني : في إزالة النجاسة للصلاة

في الوجوب الشرطي لإزالة النجاسة عن الثوب والبدن ... 41

الفرق بين الشرطية والمانعية ... 42

ص: 467

امتناع الجمع بين شرطية شيء ومانعية ضدّه ... 43

المأخوذ في الصلاة مانعية النجاسة لا شرطية الطهارة ... 44

حول الروايات الظاهرة في شرطية الطهارة ... 47

جواز الصلاة مع المحمول النجس ... 53

جواز الصلاة فيما لا تتمّ فيه الصلاة منفرداً مع نجاسته ... 63

فروع :

الأوّل : في تحقيق المراد من «ما لا تجوز الصلاة فيه وحده» ... 65

الثاني : في عدم كون العمامة ممّا لا تتمّ الصلاة فيها ... 67

الثالث : في عدم اعتبار كون الملابس المعفوّ عنها في محالّها ... 69

الرابع : في المحمول الذي لا تتمّ فيه بناءً على عدم جواز حمل المتنجّس ... 70

الخامس : في جواز الصلاة فيما لا تتمّ فيه مهما كان جنسه ونجاسته ... 70

فصل : في العفو عن دم الجروح والقروح في الصلاة ... 72

هل المانع صِرف وجود النجاسة أو الطبيعة السارية ؟... 72

المحتملات في العفو عن دم القروح والجروح ... 83

في احتمال اختصاص العفو بصورة حرجية الغسل نوعاً ... 84

في احتمال اعتبار الاستمرار وتحديده ... 86

حكم الدم المشكوك كونه من القروح ... 88

فصل : في العفو عن الدم القليل ... 89

إلحاق البدن بالثوب في العفو ... 94

هل الدرهم غاية للرخصة أو للمنع ؟... 97

حكم الدم المتفرّق ... 100

عدم الفرق في الدم المتفرّق بين المتفاحش وغيره ... 105

حول ما استثني من أدلّة العفو ... 106

ص: 468

منها : الدماء الثلاثة ... 106

ومنها : دم نجس العين ... 109

ومنها : دم غير المأكول ... 111

تعيين سعة الدرهم ... 113

المطلب الثالث : في إدخال النجاسات في المساجد

حكم النجاسات غير المتعدّية ... 115

حرمة إدخال النجاسات السارية لأجل استلزامه تنجيس المساجد ... 123

وجوب إزالة النجاسة عن المساجد وما يلحق بها ... 127

المطلب الرابع : في اعتبار انفصال الغسالة

اعتبار انفصال الغسالة في التطهير بالقليل ... 129

اعتبار انفصال الغسالة حتّى مع القول بعدم انفعال الغسالة ... 133

المراد بالغسل والصبّ في الأخبار الواردة في غسل البول ... 134

اعتبار انفصال الغسالة في التطهير بالجاري ونحوه ... 136

كفاية صبّ الماء على بول الصبيّ وعدم لزوم غسله ... 137

حول إلحاق الصبيّة بالصبيّ ... 142

موضوع الحكم هو الصبيّ الذي لم يطعم أو لم يأكل ... 143

عدم كفاية النضح والرشّ عن الصبّ ... 145

عدم لزوم إخراج غسالة بول الصبيّ وطهارتُها ... 146

كيفية تطهير ظاهر الفراش وباطنه ... 147

كيفية تطهير ما لا ينفذ فيها الماء ... 150

لزوم إمرار الماء على الأرض وإخراج الغسالة في تطهيرها ... 155

ص: 469

المطلب الخامس : في اعتبار التعدّد في التطهير

لزوم الغسل مرّتين في تطهير البول بالماء القليل ... 156

لزوم إخراج الغسالة في كلّ غسلة ... 159

عدم اعتبار تعدّد الصبّ في تطهير بول الصبيّ ... 160

كفاية المرّة في تطهير البول بالماء الجاري لا الكرّ ... 161

عدم الفرق بين بول الإنسان وغيره من الحيوانات غير المأكولة ... 165

لزوم التعدّد فيما زالت عين البول بغير الغسل ... 166

عدم كفاية الغسل المستمرّ بقدر الغسلتين ... 167

فرع : في عدم اعتبار التعدّد في تطهير غير البول ... 168

اعتبار جريان الماء على المتنجّس بعد زوال عين النجاسة ... 174

عدم العبرة ببقاء لون النجاسة أو ريحها في التطهير ... 175

فصل : في كيفية تطهير الأواني ... 178

وفيه مسائل :

المسألة الاُولى : في كيفية تطهير الأواني من ولوغ الكلب ... 178

تنبيهات :

الأوّل : اختصاص التعفير بالولوغ ... 184

اختصاص التعفير بالإناء دون غيره ... 187

الثاني : في مزج التراب بالماء ... 188

الثالث : في قيام غير التراب مقامه في التعفير ... 191

عدم سقوط التعفير عند فقد التراب ... 193

الرابع : في صور العجز عن التعفير وأحكامها ... 194

الخامس : عدم سقوط التعفير والعدد عند الغسل بالماء الكثير والجاري ... 197

المسألة الثانية : في تطهير إناء الخنزير أو الخمر أو ما مات فيه جُرَذ ... 200

ص: 470

المسألة الثالثة : في لزوم غسل الأواني ثلاث مرّات من سائر النجاسات ... 204

لزوم التعدّد حتّى مع الغسل بالكثير والجاري والمطر ... 207

فائدة استطرادية في أحكام الأواني والجلود ... 208

وفيها مسائل :

المسألة الاُولى : حكم استعمال آنية الذهب والفضّة ... 208

في التمسّك بالروايات لإثبات حرمة الأكل والشرب ... 208

بيان حكم سائر الاستعمالات على ضوء الأخبار ... 212

حكم الاستعمالات غير المتعارفة والتزيين والاقتناء ... 214

في التمسّك بالإجماع على حرمة الأكل والشرب وسائر الاستعمالات ... 216

المختار في المقام ... 220

عدم حرمة الأكل والشرب من الآنية المفضّضة ... 220

المسألة الثانية : في أنّ المحرّم هو الأكل والشرب ونحوهما أو عنوان الاستعمال ... 222

المسألة الثالثة : في عدم سراية الحرمة إلى المأكول والمشروب ... 226

المسألة الرابعة : في الوضوء والغسل بأواني الذهب والفضّة ... 231

مرجعية العرف في تشخيص الإناء ... 233

المسألة الخامسة : اشتراط التذكية في جواز استعمال الجلود ... 237

حكم الحيوان مشكوك التذكية ... 237

حول جريان أصالة عدم التذكية ... 239

دلالة الأخبار على توقّف حلّية الأكل على إحراز التذكية ... 242

الكلام في مقدار ما يستفاد من الأخبار السابقة ... 245

حكم الصلاة في مشكوك التذكية ... 248

الأخبار الواردة في المقام ... 248

وجوه الجمع بين الطوائف السابقة من الأخبار ... 252

ص: 471

أمارية سوق المسلمين على التذكية وإن كانوا مستحلّين لغير المذكّى ... 256

أمارية سوق المسلمين ومجتمعهم وإن كان البائع كافراً ... 257

أمارية سوق المسلمين على التذكية بلا وسط ... 261

حول أمارية يد المسلم على التذكية ... 261

اعتبار السوق واليد لأجل التوسعة على العباد لا الأمارية ... 266

المطلب السادس : في ثبوت الطهارة والنجاسة بالعلم وما قام مقامه

في ثبوت النجاسة وسائر الموضوعات بالبيّنة ... 271

في عدم ثبوت النجاسة وسائر الموضوعات بخبر الثقة ... 276

في ثبوت النجاسة وسائر الموضوعات بإخبار ذي اليد ... 283

المطلب السابع : في بطلان الصلاة الواقعة في النجس

حكم الصلاة في النجس مع الجهل بالحكم ... 289

حكم الصلاة في النجس مع الجهل بالموضوع ... 290

في التفصيل بين التذكّر في الوقت وخارجه ... 291

في التفصيل بين المتذكّر الذي لم يتفحّص وغيره ... 296

حكم الصلاة فيما لو رأى النجاسة في أثنائها ... 299

القول بتصحيح الصلاة في هذه الصورة وما فيه ... 299

مقتضى القاعدة والروايات بطلان الصلاة في المقام ... 303

حكم الصلاة مع نسيان النجاسة ... 308

بيان مقتضى القواعد ... 309

بيان مقتضى الروايات وتعارضها ... 311

ص: 472

وجوه الجمع بين الروايات السابقة وإبطالها ... 313

ترجيح الروايات الدالّة على وجوب الإعادة ... 316

بطلان الصلاة مع العلم بالنجاسة وما يستثنى منه ... 317

ثوب المربّية المتنجّس ببول المولود ... 317

فرع : حكم من علم إجمالاً بنجاسة أحد الثوبين ... 323

حكم صورة كثرة الثياب ... 326

حكم عدم التمكّن إلاّ من الإتيان بصلاة واحدة ... 326

عدم سقوط القضاء عند العمل على وفق حكم العقل ... 328

فرع : حكم من لم يجد إلاّ ثوباً نجساً ... 330

تعيّن الصلاة عارياً وردّ القول بجواز الصلاة في النجس ... 332

خاتمة : في باقي المطهّرات

وهو اُمور :

الأمر الأوّل : في مطهّرية المطر ... 341

اعتصام المطر وكيفية التطهير به ... 341

أدلّة الحكمين السابقين ... 342

عدم اعتبار الجريان في التطهير بالمطر ... 347

توقّف التطهير بالمطر على صدق رؤية مائه للمتنجّس ... 352

الأمر الثاني : في مطهّرية الشمس ... 356

فيما يدلّ على مطهّرية الشمس ... 358

فيما يدلّ على تعميم موضوع الحكم لغير السطح والمصلّى ... 369

فيما يدلّ على تعميم الحكم بالنسبة إلى غير البول ... 371

اشتراط تحقّق اليبوسة واستقلال الشمس فيه ... 372

ص: 473

الأمر الثالث : في مطهّرية النار ... 375

الكلام فيها يقع في مقامين :

المقام الأوّل : في أنّها هل هي مطهّرة كمطهّرية الشمس ؟... 375

المقام الثاني : في تطهيرها كلّ ما أحالته دخاناً أو رماداً ... 381

حكم الانتقال على ضوء القاعدة ... 382

طهارة دم البقّ والبرغوث دون العلق ... 383

طهارة الخمر بانقلابها خلاًّ ولو بعلاج ... 385

الكلام في مطهّرية الإسلام ... 390

طهارة من أسلم عن الارتداد الملّي ... 390

قبول توبة المرتدّ الفطري باطناً وظاهراً وطهارته بعدها ... 391

الأمر الرابع : في مطهّرية الأرض ... 396

الروايات الدالّة على مطهّرية الأرض ... 397

عموم مطهّرية الأرض لجميع النجاسات ... 400

اعتبار كون النجاسة من الأرض ... 400

مطهّرية الأرض لأسفل القدم وباطن النعل والخفّ ... 403

اعتبار كون المطهّر أرضاً لا حصيراً مثلاً ... 405

عدم الفرق بين أجزاء الأرض في التطهير ... 407

اعتبار جفاف الأرض ويبوستها ... 407

اعتبار طهارة الأرض ... 408

عدم الفرق بين المشي والمسح في حصول الطهارة ... 410

تعيّن المسح على الأرض وعدم الاجتزاء بمسح التراب على الموضع ... 411

في حصول الطهارة بذهاب عين النجاسة وأثرها ... 412

عدم لزوم إزالة النجاسة بالمشي أو المسح ... 413

ص: 474

الفهارس العامّة

1 - فهرس الآيات الكريمة ... 417

2 - فهرس الأحاديث الشريفة ... 419

3 - فهرس أسماء المعصومين علیهم السلام ... 433

4 - فهرس الأعلام ... 435

5 - فهرس الكتب الواردة في المتن ... 445

6 - فهرس مصادر التحقيق ... 449

7 - فهرس الموضوعات ... 467

ص: 475

تعريف مرکز

بسم الله الرحمن الرحیم
جَاهِدُواْ بِأَمْوَالِكُمْ وَأَنفُسِكُمْ فِي سَبِيلِ اللّهِ ذَلِكُمْ خَيْرٌ لَّكُمْ إِن كُنتُمْ تَعْلَمُونَ
(التوبه : 41)
منذ عدة سنوات حتى الآن ، يقوم مركز القائمية لأبحاث الكمبيوتر بإنتاج برامج الهاتف المحمول والمكتبات الرقمية وتقديمها مجانًا. يحظى هذا المركز بشعبية كبيرة ويدعمه الهدايا والنذور والأوقاف وتخصيص النصيب المبارك للإمام علیه السلام. لمزيد من الخدمة ، يمكنك أيضًا الانضمام إلى الأشخاص الخيريين في المركز أينما كنت.
هل تعلم أن ليس كل مال يستحق أن ينفق على طريق أهل البيت عليهم السلام؟
ولن ينال كل شخص هذا النجاح؟
تهانينا لكم.
رقم البطاقة :
6104-3388-0008-7732
رقم حساب بنك ميلات:
9586839652
رقم حساب شيبا:
IR390120020000009586839652
المسمى: (معهد الغيمية لبحوث الحاسوب).
قم بإيداع مبالغ الهدية الخاصة بك.

عنوان المکتب المرکزي :
أصفهان، شارع عبد الرزاق، سوق حاج محمد جعفر آباده ای، زقاق الشهید محمد حسن التوکلی، الرقم 129، الطبقة الأولی.

عنوان الموقع : : www.ghbook.ir
البرید الالکتروني : Info@ghbook.ir
هاتف المکتب المرکزي 03134490125
هاتف المکتب في طهران 88318722 ـ 021
قسم البیع 09132000109شؤون المستخدمین 09132000109.