مرآه الکمال لمن رام درک مصالح الاعمال المجلد 2

اشارة

شماره کتابشناسی ملی:3340706

سرشناسه:مامقانی ، عبدالله ، ‫1290؟ - 1351ق.

عنوان و نام پديدآور:مرآه الکمال لمن رام درک مصالح الاعمال /مامقانی

وضعيت نشر: دارالامیره - بیروت - لبنان

مشخصات ظاهری:3ج

عنوانهاي گونه گون ديگر:مرآت الکمال

موضوع:اخلاق اسلامی -- متون قدیمی تا قرن 14

احادیث اخلاقی -- متون قدیمی تا قرن 14 .

به زبان عربى است. اين اثر مشتمل بر بيان آداب در اعمال و مستحبات دينى است كه در سال 1335ق تأليف گرديده است.

مؤلف، انگيزه تأليف كتاب را اين گونه بيان مى كند: «فقهاء اهتمام به بيان واجبات و محرمات دارند و كمتر به آداب اعمال و مستحبات و مكروهات پرداخته اند به نحوى كه بسيارى از آنها فراموش شده است، پس براى سهولت كسانى كه دوستدار كمال و طالب درك مصالح اعمال هستند كتاب را تأليف نمودم».

ص :1

اشارة

ص :2

ص :3

مرآه الکمال لمن رام درک مصالح الاعمال

مامقانی

ص :4

شماره کتابشناسی ملی:3340706

سرشناسه:مامقانی ، عبدالله ، ‫1290؟ - 1351ق.

عنوان و نام پديدآور:مرآه الکمال لمن رام درک مصالح الاعمال [چاپ سنگی]/مامقانی

وضعيت نشر:: نجف اشرف: [بی نا]، 1341ق.(نجف اشرف:مطبعه مرتضویه)

مشخصات ظاهری:3ج

عنوانهاي گونه گون ديگر:مرآت الکمال

موضوع:اخلاق اسلامی -- متون قدیمی تا قرن 14

احادیث اخلاقی -- متون قدیمی تا قرن 14 .

ص :5

بسم الله الرحمن الرحیم

ص :6

الفصل السابع: في آداب التنظيفات و التزيينات

اشارة

اعلم أنّ المستفاد من الأخبار على وجه الجزم محبوبيّة النظافة و الزينة اللايقة بالمكلّف للشارع الحكيم غاية المحبوبيّة، و مبغوضيّة القذارة و الكسافة عنده نهاية البغض، و من أمعن النظر وجد ذلك بعين اليقين، و شرح آداب التنظيفات و التزيينات يقع في مقامين:

المقام الأول: في التنظيفات المندوب إليها

اشارة

و هي أمور:

الأوّل: تنظيف الجسد و الثياب و ازالة نتنهما و ريحهما و وسخهما، و حسن ذلك ممّا استفاض به الاخبار، حتّى ورد أنّ اللّه سبحانه يبغض من عباده

ص:7

القاذورة (1). و انّ غسل الثياب يذهب بالهمّ و الحزن، و هو طهور الصلاة (2).

الثاني: الاستحمام، فإنّه مسنون سيّما إذا تذكّر نار الآخرة عند دخوله، و قد استفاض عن رسول اللّه صلّى اللّه عليه و آله و سلّم و أمير المؤمنين عليه السّلام مدح الحمّام بقولهما: نعم البيت الحمّام، يذكّر النّار، و يذهب بالدّرن و الأذى (3).

و عن النّبيّ صلّى اللّه عليه و آله و سلّم انّه دواء البلغم (4). و ما ورد عن بعض الأئمة عليهم السّلام من الجمع بين الذّم و المدح محمول على التقيّة، لقول عمر: بئس البيت الحمام، يكثر فيه العناء، و يقلّ فيه الحياء. و هو مبني منه على ما جعله شعاره من مخالفة أمير المؤمنين عليه السّلام مهما امكنه (5)، و إلاّ فالحمام يذهب بالعناء بالوجدان، و قلّة الحياء فيه انّما هي بالنسبة إلى من لم يتأدّب بآداب الشرع، و لم يستر ما بين السّرة و الركبة، و ليت شعري كيف يعقل خفاء ذلك على معدني الحياء و العفّة و بان لمن خلى عنه بالمرّة؟ كما يكشف عنه ما ارتكبه مع أهل الكساء من قضاياه.

و على أيّ حال فيستحب دخول الحمّام يوما، و تركه يوما للأمر به، لانّه يكثر اللحم و يسمن (6). و يكره ادمانه كلّ يوم للنّهي عنه، مغلّلا بأنّه يذيب لحم

ص:8


1- الكافي:6/439 كتاب الزّي و التجمّل و المروءة برقم 6.
2- الكافي:6/444 باب اللباس برقم 14 [2] بسنده عن أبي عبد اللّه عليه السّلام قال: قال أمير المؤمنين عليه السّلام: النظيف من الثياب يذهب الهمّ و الحزن و هو طهور للصلاة.
3- الفقيه:1/63 باب 22 برقم 237.
4- الفقيه:1/72 باب 22 برقم 299.
5- وسائل الشيعة:1/362 باب 1 برقم 7 [3] بسنده قال دخل عليّ و عمر الحمّام فقال عمر بئس البيت الحمام يكثر فيه العناء و يقل فيه الحياء، فقال علي عليه السّلام: نعم البيت الحمّام يذهب الاذى، و يذكر النّارّ.
6- الخصال:2/155 باب ثلاثة لا يؤكلن فيسمن برقم 194.

الجسد، و شحم الكليتين، و يورث السلّ (1). و يجب فيه كغيره عند وجود النّاظر المحترم ستر العورة، فإن لم يستر كان كلّ من النّاظر و المنظور إليه ملعونا (2).

و يستحبّ ستر ما عداه من السّرة إلى الرّكبة (3).

و يستحبّ فيه كغيره ستر العورة عند عدم وجود الناظر المحترم حذرا من أن ينظر الشيطان إلى العورة فيطمع فيها، و ورد انّ من دخل الحمام بمئزر ساتر لعورته ستره اللّه بستره (4).

و يكره دخول ماء الحمّام و غيره بغير مئزر، لأنّ للماء أهلا و عمّارا و سكّانا من الملائكة (5). كما يكره الغسل تحت السماء بغير ميزر لاحترام الملائكة (6). و يجوز دخول الرّجل مع جواريه الحمّام اذا كان عليه و عليهنّ الأزر. و يكره كونهم عراة كالحمر (7)ينظر بعضهم إلى سوأة بعض (8).

و يستحبّ لمن يدخل الحمّام ان يقول في البيت الذي ينزع فيه الثياب:

«اللّهمّ انزع عنّي ربقة النفاق، و ثبّتني على الايمان» (9). و في البيت الذي هو

ص:9


1- الفقيه:1/65 باب 22 برقم 247. و التهذيب:1/377 برقم 1162.
2- تحف العقول/5، و وسائل الشيعة:1/634 باب 3 حديث 5.
3- وسائل الشيعة:1/365 باب 5 برقم 1.
4- ثواب الاعمال/35 ثواب دخول الحمام بمئزر رقم 1.
5- المجالس/301 المجلس الخمسون حديث 3.
6- المجالس/301 المجلس الخمسون. و الوسائل:1/370 باب 10 حديث 2 و 4.
7- الحمر جمع الحمار من ذوات الاربع اهليّا كان او وحشيا. لسان العرب:4/212 و [2]الكراهة هنا اعم من الحرمة لان الناظر اذا كان يحلّ له النظر كالزوج إلى الزوجة كان في المقام مكروها أي غير مرغوب فيه و اذا كان الناظر اجنبيّا كانت التعرية محرمة بلا ريب فتفطن.
8- التهذيب:1/374 باب 18 برقم 1146.
9- المجالس/363 المجلس الثامن و الخمسون. و الفقيه:1/62 باب 22 برقم 232.

بين المسلخ و بين محل الجلوس: «اللّهمّ إنّي اعوذ بك من شرّ نفسي، و استعيذ بك من أذاه» .

و في البيت الثاني: «اللّهمّ اذهب عنّي الرّجس النجس، و طهّر جسدي و قلبي» (1).

و يستحبّ ان يأخذ فيه من الماء الحارّ و يضعه على هامته، و يصبّ منه على رجليه، و يبلع منه جرعة إن أمكن، لأنه ينقي المثانة، و ان يلبث في البيت الثاني ساعة ثمّ يدخل البيت الثالث و يقول: «نعوذ باللّه من النّار و نسأله الجنّة» .

و يردد هذه المقالة إلى ان يخرج من البيت الحارّ الذي فيه الماء (2).

و يكره دخول الحمّام اذا لم يكن في الجوف ما يطفي وهج المعدة (3).

و يستحبّ أكل شيء قبل الدخول، لأنّه أقوى للبدن، و يطفي المرارة، و يسكّن حرارة الجوف (4). و قد ورد النّهي عن دخوله على الرّيق. و كذا يكره دخوله على الامتلاء للنّهي عنه (5). نعم ورد انّ دخول الحمّام على الرّيق ينقي البلغم و يذيب اللّحم، و بعد الأكل ينقي المرّة، و على الشّبع يزيد اللّحم (6).

و يكره في الحمّام أمور:

فمنها: شرب الماء البارد فيه، فإنّه يفسد المعدة (7).

ص:10


1- الفقيه:1/62 باب 22 برقم 232. و المجالس/219 المجلس الثامن و الخمسون.
2- الفقيه:1/62 باب 22 حديث 232.
3- وسائل الشيعة:1/377 باب 17 برقم 1.
4- وسائل الشيعة:1/377 باب 17 برقم 2.
5- الكافي:6/497 باب الحمام برقم 5.
6- طب الأئمة باب البلغم و علاجه و وسائل الشيعة:1/387 باب 17 [4] حديث 5.
7- الفقيه:1/62 باب 22 حديث 232.

و منها: صبّ الماء البارد على البدن فيه، فإنّه يضعفه (1).

و منها: الاضطجاع فيه، فإنّه يذيب شحم الكليتين (2).

و منها: الاستلقاء على القفاء فيه، فإنّه يورث داء الدّبيلة-بالتصغير- و هي الطاعون، و خراج و دمّل يظهر في الجوف و يقتل صاحبه غالبا (3).

و منها: التّمشّط فيه، فإنّه يورث وباء الشّعر (4).

و منها: السّواك فيه، فانّه يورث وباء الأسنان (5).

و منها: غسل الرأس بالطين، فانه يسمج الوجه-يعني يقبحه-و يذهب بالغيرة (6). و يتأكد في طين مصر، فانه يذهب بالغيرة، و يورث الدّياثة و الذّلة (7).

و منها: دلك الجسد و الرأس و الوجه بالمئزر، فانه يذهب بماء الوجه (8).

و منها: دلك ما تحت القدمين بالخزف، فانه يورث البرص و الجذام، و يتاكد ذلك في خزف الشام (9).

و منها: دلك الجسد بالخرقة على ما هو المتعارف الآن، و ورد أنّ من أخذ من الحمام خرقة فحكّ بها جسده فأصابه البرص فلا يلومنّ إلاّ نفسه (10).

ص:11


1- الفقيه:1/62 باب 22 حديث 232.
2- علل الشرايع:292 باب 220 برقم 1.
3- المصدر المتقدم.
4- وسائل الشيعة:1/372 باب 13 برقم 2، و [3]علل الشرايع:292 باب 220 حديث 1.
5- علل الشرايع:292 باب 220 برقم 1.
6- وسائل الشيعة:1/372 باب 13 حديث 2 و 3.
7- قرب الاسناد:166 من كتاب الرضا عليه السّلام. و الكافي:6/501 باب الحمام برقم 25.
8- الكافي:6/501 باب الحمام برقم 24.
9- الفقيه:1/64 باب 22 برقم 243.
10- الكافي:6/503 باب الحمّام برقم 38.

و منها: دلك الجسد بالخزف فانّه يبليه (1)، و لا بأس بدلكه بالدقيق و السويق و النخالة، و لا بدلكه بالسويق الملتوت بالزيت، و ليس ذلك باسراف (2). و كذا لا بأس بأن يمس الرجّل الخلوق في الحمّام، و يمسح بيده من شقاق يداويه به، و لا يستحب ادمانه، و لا أن يرى أثره عليه (3).

و منها: دخول الابن مع أبيه الحمّام (4).

و منها: دخوله بعد الحجامة بلا فصل و عندها، لقوله عليه السلام:

إياك و الحمّام إذا احتجمت، فان الحمّى الدائمة تكون فيه (5).

و يستحب في الحمام أمور:

فمنها: غضّ الطرف عن النظر الى عورة المؤمن، فإنّ من فعل ذلك آمنه اللّه من الحميم يوم القيامة (6). و المستحب إنّما هو الغض عمّا يحتمل رؤيته عورة المؤمن لو لم يغض، و اما الغض عمّا لولاه لوقع نظره اليها قطعا فواجب، لتوقّف ترك النظرة المحرّمة عليه (7).

ص:12


1- التهذيب:1/377 باب 18 حديث 1163.
2- الكافي:6/499 باب الحمام برقم 12 و 13 و 14.
3- الكافي:6/517 باب الخلوق برقم 2.
4- الكافي:6/503 باب الحمام برقم 36.
5- مستدرك وسائل الشيعة:1/63 باب 78 برقم 2 [3] ذيل الحديث.
6- ثواب الأعمال/36 ثواب من غض طرفه عن النظر إلى عورة اخيه برقم 1.
7- لا ريب في وجوب ستر العورة عن كل ناظر محترم على الرجل و المرأة، و الحكم اجماع [4]ي بقسميه، و الكلام في تحديد العورة و تعريف الناظر المحترم: أما العورة فلا خلاف في كون القبل و الدبر من الرجل و المرأة عورة، و الخلاف في ان الاليتين هل هما في الرجل من العورة ام لا، و في المرأة من السرّة إلى الفخذين عورة ام لا. و مختار جمع من الفقهاء ان الاليتين من-

و منها: التسليم على من عليه إزار، و يكره التسليم على من لا ازار عليه (1).

و منها: غسل الرأس بالخطمي، فقد ورد انّه يذهب بالدّرن، و ينفي الفقر، و يزيد في الرزق و يجلبه جلبا، و انه أمان من الصداع، و حرز من الجنون، و ينفي الأقذاء، و يطهّر الرأس من الحزازة (2). و يتأكد ذلك يوم الجمعة، و قد ورد انّ من غسل رأسه، و قلّم اظفاره، و قصّ شاربه يوم الجمعة، كان كمن اعتق نسمة (3).

و منها: غسل الرأس بالسّدر، فقد ورد انّه يجلب الرزق جلبا (4)، و يزيل الهمّ و الغمّ، و يصرف اللّه عمّن غسل رأسه بالسدر وسوسة الشيطان سبعين يوما، و من صرف اللّه عنه وسوسة الشيطان سبعين يوما لم يعص اللّه، و من لم يعص

ص:13


1- التهذيب:1/374 باب 18 برقم 1147. و وسائل الشيعة:1/373 باب 14 برقم 2، و قرب الاسناد:131.
2- الفقيه:1/71 باب 22 حديث 290 و 291 و [1]292 و 293. و ثواب الأعمال:36 باب ثواب غسل الرأس بالخطمي برقم 1. و الحزازة-بالحاء المهملة و الزاي-القشرة التي تتساقط من الرأس كالنخالة. و في المتن: الخزار.
3- الكافي:6/504 باب غسل الرأس حديث 4 [2]و انظر احاديث الباب.
4- الكافي:6/504 باب غسل الرأس برقم 6.

اللّه سبعين يوما دخل الجنّة (1).

و يجوز قراءة القرآن في الحمام لمن عليه إزار، و يكره اذا كان عريانا، او اراد امتحان صوته (2).

و يجوز الجماع في الحمّام اذا لم يكن معهما ثالث، كما يجوز الجماع في الماء (3). و قد ورد أنّ اطلاء النورة ثمّ الحنّاء في الحمّام يزيل البهق و الوضح (4).

و ورد النّهي عن دخول الصّائم الحمّام (5)و عن شرب الماء عند الخروج من الحمام لكلّ أحد، لأنّه يتولّد منه الماء الأصفر (6).

و يستحبّ بعد الخروج الى بيت الثياب غسل الرّجلين، فانه يذهب بالشقيقة، و صبّ الماء البارد على القدمين فانه يسلّ الداء من الجسد (7).

و يستحبّ إذا لبس ثيابه ان يقول: «اللّهم البسني التقوى و جنّبني الردى» فانه إن فعل ذلك امن من كلّ داء (8).

ص:14


1- ثواب الأعمال باب ثواب غسل الرأس بورق السدر برقم 1 و 2. و [1]الفقيه:1/72 باب 22 حديث 295 و 296.
2- الكافي:6/502 باب الحمام برقم 31 و 33.
3- الكافي:6/502 باب الحمام برقم 31. و [3]التهذيب:1/371 باب 17 برقم 1133.
4- مستدرك وسائل الشيعة:1/63 باب 78 برقم 5. البهق بياض يعتري الجسد يخالف لونه ليس ببرص. و الوضح هو البرص. مجمع البحرين.
5- عيون أخبار الرضا عليه السّلام:205: و [4]بهذا الاسناد قال: قال علي بن أبي طالب عليه السّلام ثلاثة لا يعرّض احدكم نفسه لهنّ و هو صائم: الحمّام، و الحجامة، و المرأة الحسناء.
6- المجالس/364 المجلس الثامن و الخمسون. . إلى ان قال: و اياك و شرب الماء البارد و الفقاع في الحمام فانه يفسد المعدة. . . مستدرك وسائل الشيعة:1/63 باب 78 [5] النوادر برقم 8.
7- المصدر المتقدم.
8- وسائل الشيعة:1/371 باب 13 برقم 1 و [6]الفقيه:1/62 حديث 232.

و يستحبّ التّعمم عند الخروج من الحمام في الشتاء و الصيف (1).

و يستحبّ ان يحيّى المؤمن الخارج من الحمّام يقول: «انقى اللّه غسلك» فيجّيب بقول: «طهركم اللّه» او يحيّى بقول: «طاب حمّامك» فيجيب بقول:

«أنعم اللّه بالك» او يحيّى بقول: «طهر ما طاب منك و طاب ما طهر منك (2)» .

و يستحبّ لمن خرج من الحمّام سالما أن يصلّي ركعتين شكرا (3). و يجوز اخلاء الحمّام لواحد إذا كان لداع عقلائي، لا للكبر من الدخول مع الناس، فانّه يكره حينئذ (4). و يكره تمكين الحليلة من دخول الحمّام في غير الضرورة، و ورد ان من كان يؤمن باللّه و اليوم الآخر فلا يرسل حليلته الى الحمّام (5). و أوّل جماعة هذه الأخبار المانعة من تمكينهنّ من الحمام بحملها على البلاد التي لا حاجة فيها الى الحمّام لحرارة هوائها كمكّة المعظّمة، أو على أنّ المراد الترخيص لهنّ في الذهاب الى الحمّامات للتفرّج و الأنس. و روي عن الإمام موسى بن جعفر عليهما السّلام استحباب الإستحمام يوم الأربعاء (6).

الثالث: حلق الرأس في غير الحجّ و العمرة، فانه مسنون، و هو جمال للشيعة، و مثلة لأعدائهم (7). و قد كان الأئمة عليهم السّلام ملتزمين به، و ورد استحبابه في كل سبع (8). و ورد الأمر بإلقاء الشعر لأنّه نجس (9)، و انّ التنظيف

ص:15


1- الكافي:6/500 باب الحمام برقم 17.
2- الكافي:6/500 باب الحمام برقم 20 و 21.
3- وسائل الشيعة:1/395 باب 36 حديث 4.
4- الكافي:1/493 برقم 2.
5- الكافي:6/502 باب الحمام برقم 30.
6- عيون اخبار الرضا عليه السّلام:154.
7- الفقيه:2/309 باب 112 برقم 1536.
8- الكافي:6/485 باب جز الشعر و حلقه برقم 7.
9- خ ل: يحسن. كما في الفقيه 1/67 باب 22 حديث 255.

بالموس من أخلاق الأنبياء (1). و انّ الشعر اذا طال ضعف البصر، و ذهب بضوء نوره (2). و انّ طمّه-يعني جزّه-يجلي البصر. و يزيد لضوء نوره (3). و قال الصادق عليه السّلام: استأصل شعرك تقلّ دوابّه، و درنه، و وسخه، و تغلظ رقبتك، و يجلو بصرك، و تستريح بذلك (4). و يستحب عند حلق الرأس الابتداء بالناصية، و مقدم الرأس الى العظمين، ثم حلق الباقي، لما ورد من انّه من سنن الأنبياء (5).

و ان يقول عنده: «بسم اللّه و باللّه و على ملّة رسول اللّه صلّى اللّه عليه و آله و سلّم و سنّته، حنيفا مسلما و ما أنا من المشركين، اللّهم أعطني بكل شعرة نورا ساطعا يوم القيامة، اللّهم ابدلني مكانه شعرا لا يعصيك، تجعله زينة لي و وقارا في الدنيا، و نورا ساطعا يوم القيامة» (6). و أن يقول بعد الفراغ: «اللّهم اجعله الى الجنّة و لا تجعله الى النّار، و قدّس عليه و لا تسخط عليه، و طهّره حتّى تجعله كفّارة و ذنوبا تناثرت عنّي بعدده، و ما تبدّله مكانه فاجعله طيّبا، و زينة، و وقارا، و نورا يوم القيامة منيرا يا أرحم الراحمين، اللّهم زيّني بالتقوى، و جنّبني و جنّب شعري و بشري المعاصي و جميع ما تكره منّي، و جنّبني الرّدى، فلا يملك ذلك احد سواك، و انّي لا أملك لنفسي نفعا و لا ضرّا» (7). و ورد قراءة هذا الدّعاء بعد جمع الشعر و دفنه، فان جمعه و دفنه مسنون.

ص:16


1- الفقيه:1/77 باب 22 برقم 344.
2- السرائر:469.
3- السرائر:469. و الكافي:6/484 باب جز الشعر و حلقه برقم 2.
4- ثواب الاعمال:41 برقم 1 ثواب استيصال الشعر. و الكافي:6/484 باب جز الشعر حديث 2.
5- مستدرك وسائل الشيعة:1/58 باب 34 حديث 5.
6- مستدرك وسائل الشيعة:1/58 باب 34 حديث 6 [4] مع تفاوت يسير.
7- مستدرك وسائل الشيعة:1/60 باب 48 برقم 3 [5] مع تفاوت يسير.

و يستحب غسل الرأس بالماء بعد حلقه (1). و يستحب حلق القفا فانّه يذهب بالغمّ (2).

و يكره حلق النقرة و ابقاء الباقي (3).

و يكره القزع حتّى للصبيان، و هو ان يحلق موضع من الرأس و يترك الباقي. و قيل: هو ان يحلق رأس الصبي و يترك في مواضع منه متفرقة غير محلوقة تشبيها بقزع السحاب. و قيل: ان يحلق الرأس إلاّ قليلا يترك من وسطه.

و بالجملة فالمستفاد من الأخبار أنّ حلق بعض الرأس و ابقاء بعضه مكروه، و انّ السّنّة في حلق جميعه أو إبقاء جميعه، و انّ الأول أفضل، لما ورد من أن الأنبياء ما كانوا يمسكون الشعر (4). و انّ غاية طول شعر رأس النبي صلّى اللّه عليه و آله و سلم كان إلى شحمة أذنه (5). و انّه كان يحلق رأسه و لم يرسل شعر رأسه إلاّ في قضيّة الرّؤيا التي أخبر اللّه بها في كتابه بقوله عزّ من قائل: لَتَدْخُلُنَّ اَلْمَسْجِدَ اَلْحَرامَ إِنْ شاءَ اَللّهُ آمِنِينَ مُحَلِّقِينَ رُؤُسَكُمْ وَ مُقَصِّرِينَ لا تَخافُونَ (6). و لمّا حلقه صلّى اللّه عليه و آله و سلّم لم يعد في توفير الشعر و لا كان ذلك من قبله (7). و يستحب

ص:17


1- قرب الاسناد:91: و [1]سألته عن الرجل اخذ من شعره و لم يمسحه بالماء ثم يقوم و يصلّى قال: ينصرف فيمسحه بالماء و لا يعتدّ بصلاته تلك.
2- الكافي:6/485 باب جز الشعر و حلقه برقم 8.
3- الكافي:6/484 باب جز الشعر و حلقه برقم 5.
4- الكافي:6/486 باب اتّخاذ الشعر و الفرق برقم 4 [4] بسنده عن أبي عبد اللّه عليه السّلام قال: قلت: انهم يردون ان الفرق من السّنة، [قال من السّنة]قلت: يزعمون ان النبي صلّى اللّه عليه و آله و سلّم فرق، قال: ما فرق النبي صلّى اللّه عليه و آله و سلّم و لا كان الانبياء عليهم السّلام تمسك الشعر.
5- وسائل الشيعة:1/418 حديث 4.
6- سورة الفتح:27.
7- الكافي:6/486 باب اتخاذ الشعر و الفرق برقم 5 [7] بسنده عن أبي بصير قال: قلت لأبي-

تسريح شعر الرأس إذا لم يحلق و طال، و قد ورد أنّ كثرة تسريح الرأس يذهب بالوباء، و يجلب الرزق، و يزيد في الجماع 1. و فسّر الوباء المذكور في بعض الأخبار بالحمّى، و في آخر: بالضعف. و يستحب فرق شعر الرأس إذا طال.

و قد ورد انّ من اتخذ شعرا فليحسن ولايته أو ليجزّه 2، و أنّ من اتّخذ شعرا فلم يفرقه فرّقه اللّه بمنشار من نار 3. و ورد أنّ من توسخ رأسه فليدق الآس، و يستخرج ماءه و يضربه على خلّ خمر أجود ما يقدر عليه ضربا شديدا حتّى يزيد ثم يغسل رأسه و لحيته به بكل قوة، ثم يدهنه بعد ذلك بدهن شيرج طري، فانه يقلع الوسخ باذن اللّه تعالى.

ص:18

تذييل:

ربما يعزى الى مولانا أمير المؤمنين عليه السّلام لحلق الرأس و قلم الأظفار في كل يوم من الأيام العربيّة خاصيّة بموجب الشكل المسطور.

أذكر ما نسب الى الرواية أوّلا، و اتبعه بقيل فيما إذا قيل بما ينافي ذلك:

[اليوم]1-يورث قصر العمر.

[اليوم]2-يورث قضاء الحاجة.

[اليوم]3-يطيل الشعر. و قيل: يورث نقصان البدن.

[اليوم]4-يورث الغمّ و الهم. و قيل: يطيل الشعر.

[اليوم]5-يورث السّرور.

[اليوم]6-يورث البلاء البغتة. و قيل: فيه نقصان و خطر.

[اليوم]7-يأتيه المال من الأشراف. و قيل: يتمرّض.

[اليوم]8-يتمرّض. و قيل: يزيد المال.

[اليوم]9-يورث داء في ظاهر البدن.

[اليوم]10-يصير عزيزا محترما. و قيل: يزيد غمّه و همّه.

[اليوم]11-يصير مغموما.

[اليوم]12-يصير وجيها بين الخلق عزيزا.

[اليوم]13-يورث الخصومة مع شخص.

[اليوم]14-يصير فرحانا.

[اليوم]15-يصير فرحانا. و قيل: يحصل مراده.

[اليوم]16-يصير محزونا.

[اليوم]17-وسط.

[اليوم]18-يورث المال.

[اليوم]19-يورث القدرة. و قيل: يورث الغنى.

ص:19

[اليوم]20-يورث الامن من الملامة. و قيل: يخلص من الغمّ.

[اليوم]21-يصله مال من الأكابر.

[اليوم]22-يورث الافلاس.

[اليوم]23-يصلح لكلّ شيء.

[اليوم]24-كذلك. و قيل: يخلص من الافلاس.

[اليوم]25-كذلك. و قيل: يخلص من الغمّ.

[اليوم]26-يخلص من البلاء. و قيل: يفرح المغموم.

[اليوم]27-يورث الندم. و قيل: يصلح.

[اليوم]28-لا يصلح كثيرا. و قيل: يصلح.

[اليوم]29-يتحرر من الخلق. و قيل: تقضى حاجته.

[اليوم]30-يصير مأمونا.

و لكن مقتضى ما يأتي في الأمر الثاني في ذيل المطلب الثاني من المقام السادس من الفصل الحادي عشر هو عدم تأتي ذلك في حقّ الشيعي اذا اعتصم بالأئمة عليهم السّلام، فراجع.

الرّابع: ازالة شعر الابطين للرّجل و المرأة، فإنّه مستحبّ مؤكّد. و يكره إطالته، فإنّ الشيطان يتخذّه مخبأ يستتر به. و نتفه ينفي الرائحة المكروهة. و هو طهور و سنّة (1).

و يستحب ان تكون إزالته بالطلي بالنّورة، و هو أفضل من إزالته بالحلق، كما أنّ إزالته بالحلق أفضل من نتفه، لأنّ نتفه يضعف المنكبين و يوهي و يضعف البصر (2).

الخامس: ازالة شعر العانة، فإنّها سنّة مؤكّدة. و ورد النّهي عن إطالته

ص:20


1- الفقيه 1/68 باب 22 برقم 264 و 265.
2- الفقيه 1/67 باب 22 برقم 262 و 263.

لأنّ الشيطان يتّخذه مخبأ يستتر به (1). و انّ السنّة في ذلك طلي النّورة في كلّ اسبوع، فإن لم يمكن ففي كلّ خمسة عشر يوما، و انّ من أتت عليه عشرون يوما فليستدن على اللّه عزّ و جلّ و ليتنوّر (2). و انّ من تركه أكثر من شهر فلا صلاة له. و انّ من أتت عليه أربعون يوما و لم يتنوّر فليس بمؤمن، و لا مسلم، و لا كرامة (3). و انّ من كان يؤمن باللّه و اليوم الآخر فلا يترك عانته فوق أربعين يوما (4). و انّه لا يحل لامرأة تؤمن باللّه و اليوم الآخر ان تدع منها فوق عشرين يوما (5). و يستحبّ اكثار طلي النّورة في الصّيف، فانّ طلية في الصّيف خير من عشر في الشتاء (6). و ظاهر جملة من الأخبار استحباب الطلي و لو بعد يومين (7).

و ورد انّ طول شعر الجسد يقطع ماء الصّلب، و يرخي المفاصل، و يورث الضعف و الكسل (8)و انّ إزالة شعر الجسد بالنّورة من أخلاق الانبياء (9). و انّها تزيد ماء الصلب، و تقوّي البدن، و تزيد في شحم الكليتين، و تسمّن البدن (10).

و يستحبّ لمن أراد التنوير أن يأخذ جزء من النّورة باصبعه و يجعله على

ص:21


1- وسائل الشيعة:1/422 باب 66 برقم 6.
2- الفقيه:1/67 باب 22 برقم 259: و قال الصادق عليه السّلام: السّنة في النورة في كل خمسة عشر يوما، فإن اتت عليك عشرون يوما و ليس عندك شيء فاستقرض على اللّه عزّ و جلّ. و برقم 260.
3- وسائل الشيعة:1/392 باب 33 برقم 4.
4- الخصال:2/538 برقم 5.
5- الكافي:6/506 باب النورة برقم 11.
6- الكافي:6/506 باب النورة برقم 12.
7- الكافي:6/505 باب النورة برقم 6.
8- السرائر:476 ما استطرفه من جامع البزنطي.
9- الفقيه:1/77 باب 22 برقم 344.
10- السرائر:476 ما استطرفه من جامع البزنطي.

طرف أنفه و يقول: «اللّهمّ ارحم سليمان بن داود كما أمرنا بالنورة» أو يقول:

«صلّى اللّه على سليمان بن داود كما أمرنا بالنورة» فانّه لا تحرقه النورة ان شاء اللّه تعالى (1). و ان يقول بعد الاطلاء: «اللّهمّ طيّب ما طهر منّي، و طهر ما طاب مني، و ابدلني شعرا طاهرا لا يعصيك، اللّهمّ إنّي تطهرت ابتغاء سنّة المرسلين، و ابتغاء رضوانك و مغفرتك فحرّم شعري و بشري على النّار، و طهّر خلقي، و طيّب خلقي، و ذكّ عملي، و اجعلني ممّن يلقاك يوم القيامة على الحنيفيّة السمحة السهلة ملّة ابراهيم خليلك عليه السّلام و دين محمّد صلّى اللّه عليه و آله و سلّم حبيبك و رسولك، عاملا بشرايعك، تابعا لسنّة نبيّك، آخذا به، متأدّبا بحسن تأديبك، و تأديب رسولك، و تأديب أوليائك الذين غذوتهم بأدبك، و زرعت الحكمة في صدورهم، و جعلتهم معادن لعلمك، صلواتك عليهم» فإنّ من قال ذلك طهّره اللّه من الأدناس في الدنيا و من الذنوب، و بدّله شعرا لا يعصي، و خلق اللّه بكلّ شعرة من جسده ملكا يسبّح له إلى أن تقوم الساعة، و انّ تسبيحة من تسبيحهم تعدل بألف تسبيحة من تسبيح أهل الأرض (2). و في الرّسالة الذّهبيّة للرضا عليه السّلام: أنّه إذا أردت استعمال النّورة و لا يصيبك قروح، و لا شقاق، و لا سواد، فاغتسل بالماء البارد قبل ان تتنوّر.

و من أراد دخول الحمام للنورة فليجتنب الجماع قبل ذلك باثنتي عشرة ساعة، و هو تمام يوم، و ليطرح في النّورة شيئا من الصبر و الأقاقيا و الحضض، و يجمع ذلك و يأخذ منه اليسير اذا كان مجتمعا أو متفرّقا، و لا يلقي في النّورة شيئا من ذلك حتّى تماث النورة بالماء الحارّ الذي طبخ فيه بابونج و مرزنجوش، أو ورد بنفسج يابس، و جميع ذلك أجزاء يسيرة مجموعة أو متفرقة بقدر ما يشرب

ص:22


1- الكافي:6/506 باب النورة برقم 13. و [1]الفقيه:1/67 باب 22 برقم 256.
2- الكافي:6/507 باب النورة حديث 15.

الماء رائحته، و ليكن الزرنيخ مثل سدس النّورة، و يدلك الجسد بعد الخروج بشيء يقلع رائحتها كورق الخوخ، و العصفر، و الحنّاء، و الورد، و السنبل منفردة أو مجتمعة. و من أراد أن يأمن إحراق النّورة فليقلّل من تقليبها، و ليبادر اذا عمل في غسلها، و ان يمسح البدن بشيء من دهن الورد، فإن احرقت البدن-و العياذ باللّه-يؤخذ عدس مقشّر يسحق ناعما و يداف في ماء ورد و خلّ يطلي به الموضع الّذي اثّرت فيه النّورة، فإنّه يبرأ بإذن اللّه تعالى.

و الّذي يمنع من آثار النّورة في الجسد هو أن يدلك الموضع بخلّ العنب المعنصل الثقيف و دهن الورد دلكا جيّدا. انتهى ما في الرسالة الذهبيّة (1).

و يكره جلوس المتنوّر حال كونه عليه، لأنّه يخاف منه عليه الفتق، و لذا مرّ انّه اذا أراد البول يبول قائما (2).

و يكره النّورة يوم الأربعاء فانّه يوم نحس مستمر، و التنوير فيه يورث البرص، و يجوز في ساير الايام (3). و أختلفت الأخبار في التنوير يوم الجمعة، ففي جملة منها المنع منه لانّه يورث البرص (4)، و في جملة أخرى انكار كراهته معلّلا بانّه: اي طهور أطهر من النّورة يوم الجمعة؟ ! (5). و عن الصادق عليه السّلام انّ رسول اللّه صلّى اللّه عليه و آله و سلّم كان يطلي العانة و ما تحت الاليين في كلّ جمعة (6). و حمل بعض الاصحاب أحاديث الكراهة على التقيّة، أو على أنّها منسوخة بفعله صلّى اللّه عليه و آله و سلّم، و باخبار عدم الكراهة.

ص:23


1- مستدرك وسائل الشيعة:1/64 باب 78 برقم 12.
2- وسائل الشيعة:1/396 باب 37 برقم 1 و 2.
3- الفقيه:1/68 باب 22 برقم 266.
4- وسائل الشيعة:1/399 باب 40 برقم 4. و [3]الفقيه:1/68 باب 22 حديث 267.
5- وسائل الشيعة:5/56 باب 38 برقم 1.
6- الكافي:6/507 باب النورة برقم 14.

و يجوز دلك الجسد بعد النّورة بكلّ من النخالة و الدقيق المجرّد و الملتوت بالزيت، و ليس ذلك من الاسراف، لما ورد في ذلك من انّه ليس فيما أصلح البدن اسراف، انّما الاسراف فيما أتلف المال و اضرّ بالبدن (1).

و يستحبّ خضاب جميع البدن من القرن إلى القدم بالحنّاء بعد النّورة، فإنّ من فعل ذلك نفى عنه الفقر، و أمن من الجنون، و الجذام، و البرص، و الاكلة إلى أن يتنوّر مرّة أخرى (2). و يجوز تولية الغير طلي ما عدا العورة من الجسد النّورة (3). و لا يكره الازار فوق النّورة (4). و يمكن القول باستحباب ازالة شعر الصّدر و اليدين و الرّجلين و نحوهما أيضا، لما عن أمير المؤمنين عليه السّلام من انّ كثرة الشعر في الجسد تقطع الشهوة (5). و ما عن الصادق عليه السّلام انّه ما كثر شعر رجل قطّ إلاّ قلّت شهوته (6).

السّادس: أخذ الشعر من الأنف، فانّه مندوب إليه، لأنّه يحسن الوجه و يزيد الجمال (7).

السّابع: قصّ الشارب و الأخذ منه فانّه من السّنة و الحنفيّة. و يكره إطالته فانّ الشيطان يتخذه مخبأ يستتر به (8). و ورد انّ طول الشارب من عمل

ص:24


1- الكافي:6/499 باب الحمام برقم 14.
2- الكافي:6/509 باب الحناء بعد النورة برقم 1 و 3.
3- الكافي:6/497 باب الحمام برقم 7.
4- الكافي:6/501 باب الحمام برقم 22.
5- مستدرك وسائل الشيعة:1/58 باب 33 برقم 2.
6- مستدرك وسائل الشيعة:1/58 باب 33 برقم 1.
7- الفقيه:1/71 باب 22 برقم 289. و الكافي:6/488 باب اخذ الشعر من الانف برقم 1.
8- الكافي:6/487 باب اللحية و الشارب برقم 8 و 11.

قوم لوط و بني أميّة (1). و يستحبّ الاخذ منه يوم السّبت و الخميس، و الأفضل الاخذ يوم الجمعة (2).

و قد ورد انّ أخذ الشارب من جمعة إلى جمعة أمان من الجذام (3). و من قلّم اظفاره و قصّ شاربه في كلّ جمعة ثمّ قال: «بسم اللّه و باللّه و على سنّة محمّد و آل محمّد صلوات اللّه و سلامه عليهم» أعطي بكلّ قلامة و جزازة (4)-و في خبر بكلّ شعرة و كلّ قلامة-عتق رقبة من ولد إسماعيل، و لم يمرض مرضا يصيبه الاّ مرض الموت (5). و حدّه ان يؤخذ منه إلى ان يصل إلى العسيب و هو منبت الشعر (6). و في خبر: انّ من السنّة أن تأخذ من الشارب حتّى يبلغ الاطار (7).

و فسّر الاطار-ككتاب-بحرف الشفة الأعلى الّذي يحول بين منابت الشعر و الشفة. و المستفاد من بعض الأخبار استحباب حلق الشارب من أصله، مثل قول الصادق عليه السّلام: حلق الشارب من السنّة (8). بل ظاهر قولهم عليهم السّلام: و نحن نجزّ الشارب و نعفي اللّحى، و هي الفطرة (9)، هو كون جزّ الشارب من شعارهم عليهم السّلام.

ص:25


1- مستدرك وسائل الشيعة:1/59 باب 39 برقم 4 و باب 40 برقم 3.
2- ثواب الأعمال:41 ثواب تقليم الاظفار و الاخذ من الشارب برقم 2.
3- المجالس:305 المجلس الخمسون حديث 10.
4- ثواب الأعمال:42 برقم 6. و مستدرك وسائل الشيعة:1/414 باب 28 برقم 2.
5- الحديث المتقدم.
6- الكافي:6/487 باب اللحية و الشارب برقم 9.
7- الكافي:6/487 باب اللحية و الشارب برقم 7.
8- الكافي:6/487 باب اللحية و الشارب برقم 9.
9- الفقيه:1/76 باب 22 برقم 334.

الثّامن: قلم الاظفار فانّه من الفطرة و السنّة (1)، و هو يمنع الدّاء الأعظم، و يزيد في الرّزق و يدرّه (2). و انّما سنّ قصّ الأظفار لأنّها مقيل الشيطان، و منه يكون النسيان (3)، و انّ أستر و أخفى ما يسلّط الشيطان من ابن آدم إن صار يسكن تحت الأظافير (4). و يستحبّ المبالغة في قصّ الأظفار للرّجال، و ترك النساء منها شيئا، لقول رسول اللّه صلّى اللّه عليه و آله و سلّم للرّجال: قصّوا أظافيركم، و للنساء: اتركن من اظفاركنّ، فإنّه أزين لكنّ (5). و الظاهر انّ المراد به ابقاء شيء يسير لا يجمع الوسخ.

و يكره قلم الاظفار بالأسنان، لما ورد من انّه من الوسواس، و انّه يورث الفقر (6). و يستحبّ ان يقول عند قلم الاظفار: «بسم اللّه و باللّه و على ملّة رسول اللّه صلّى اللّه عليه و آله و سلّم» و قد مرّ انّ من فعل ذلك كتب اللّه له بكلّ قلامة نسمة، و لم يمرض الاّ مرضه الذي يموت فيه (7).

و أختلفت الأخبار في الترتيب بين الاظفار في القلم، ففي بعضها: انّه يبدأ باليمنى بالسّبّابة، ثمّ بالخنصر، ثمّ بالابهام، ثمّ بالوسطى ثمّ بالبنصر، ثمّ يبدأ من اليسرى بالبنصر ثمّ بالوسطى ثمّ بالابهام ثمّ بالخنصر ثمّ بالسّبّابة (8).

و في بعضها الآخر: انّ الصادق عليه السّلام كان يقلّم أظفاره في كلّ خميس،

ص:26


1- الكافي:6/490 باب قصّ الاظفار برقم 5.
2- الكافي:6/490 باب قص الاظفار برقم 1.
3- الكافي:6/490 باب قص الاظفار برقم 6.
4- الكافي:6/491 باب قص الاظفار برقم 7.
5- الكافي:6/491 باب قص الاظفار برقم 15.
6- وسائل الشيعة:1/435 باب 82 برقم 1 و 2.
7- ثواب الأعمال:42 ثواب تقليم الاظفار حديث 7.
8- مستدرك وسائل الشيعة:1/60 باب 54 [7] احاديث الباب.

يبدأ بالخنصر الأيمن ثمّ يبدأ بالأيسر (1). و في ثالث عن الباقر عليه السّلام: انّ من يقلّم أظفاره يوم الجمعة يبدأ بخنصره من يده اليسرى و يختم بخنصره من يده اليمنى (2). و به أفتى والد الصّدوق رحمهما اللّه من غير تقييد بالجمعة.

و مقتضى القاعدة فضل كل من ذلك و ان كان الأرجح كون الأوّل أفضل، سيّما في غير الخميس و الجمعة، و كون الأفضل في الخميس الثاني، و الأفضل في الجمعة الثالث.

ثمّ انّه قد ورد انّ من قلم اظفاره يوم الخميس عوفي من وجع الأضراس، و لم ترمد عيناه، و يدرّ رزقه درّا، و أمن من الفقر و البرص و الجنون، و خرج منه الدّاء، و دخل فيه الشفاء، سيّما اذا بدأ بخنصر اليد اليمنى، و ختم على خنصر اليد اليسرى (3). و من قلّم أظفاره كلّ جمعة قبل الصّلاة خرج من تحت كلّ ظفر داء، و دخل الدّواء (4)، و منع الدّاء الأعظم (5)، و كان ذلك أمانا له من الجذام و البرص و الجنون و العمى (6)، و زيد عمره و ماله، و لم تشعث انامله (7). و ورد انّه ما استنزل الرّزق بشيء مثل أخذ الشارب و قلم الاظفار يوم الجمعة (8). و انّه ينفي الفقر و يزيد في الرّزق (9).

ص:27


1- مستدرك وسائل الشيعة:1/61 باب 54 حديث 3.
2- ثواب الأعمال:42 [1] ثواب تقليم الاظفار ذيل حديث 7.
3- طبّ الأئمّة:93، و [2]ثواب الاعمال:42.
4- ثواب الأعمال:41 ثواب تقليم الاظفار حديث 1، و مستدرك الوسائل:1/60 باب 54 حديث 1.
5- ثواب الأعمال:42 ثواب تقليم الاظفار حديث 4.
6- ثواب الأعمال:42 حديث 5، و الفقيه:1/73 باب 22 حديث 302.
7- الفقيه:1/73 باب 22 حديث 309، و في الاصل: تسعف.
8- الفقيه:1/74 باب 22 حديث 311.
9- الكافي:6/491 باب قصّ الاظفار حديث 10.

و ان كانت أظفاره قصارا حكّها حكّا و امرّ عليه السّكين أو المقراض (1).

و ورد انّ من قلم اظافيره يوم الجمعة و اخذ من شاربه و استاك و افرغ على رأسه من الماء حين يروح إلى الجمعة شيّعه سبعون ألف ملك كلّهم يستغفرون له و يشفعون له (2). و انّ من قصّ اظافيره يوم الخميس و ترك واحدا يوم الجمعة نفى اللّه عنه الفقر (3). و من قلّم أظفاره يوم السّبت عوفي من وجع الأضراس، و وجع العينين (4). لكن ينافيه ما روي انّ من قلّم اظفاره يوم السّبت وقعت عليه الاكلة في أصابعه (5)، و الأوّل أشهر. و من قلم أظفاره يوم الأحد ذهبت منه البركة، و من قلمها يوم الاثنين صار حافظا، أو كاتبا و قاريا. و من قلّمها يوم الثلاثاء خيف الهلاك عليه. و من قلّمها يوم الاربعاء يصير سيّىء الخلق (6). لكن في خبر آخر:

انّ من قصّها يوم الاربعاء يبتدئ من الابهام إلى الخنصر أمن من الرّمد (7).

و يستحبّ مسح الاظفار بالماء بعد قلمها و دفن القلامة (8)، و المعروف على الألسن إيراث ابقائها تحت الأرجل في قلامة اظفار اليد النسيان. و لم اقف له إلى الآن على مستند، كما لم أقف على مستند ما اشتهر من كراهة الجمع بين أظفار اليدين و الرجلين في مجلس واحد.

التّاسع: السّواك، و هو من السّنن السنيّة الاكيدة، حتّى انّه ورد عن

ص:28


1- الكافي:6/491 باب قصّ الاظفار حديث 12.
2- مستدرك وسائل الشيعة:1/414 باب 27 حديث 10.
3- ثواب الأعمال:41 ثواب تقليم الاظفار حديث 3.
4- ثواب الأعمال:41 ثواب تقليم الاظفار حديث 2.
5- مستدرك وسائل الشيعة:1/64 باب 78 حديث 20.
6- الحديث المتقدم.
7- مستدرك وسائل الشيعة:1/63 باب 78 حديث 10.
8- مستدرك وسائل الشيعة:1/61 باب 58.

رسول اللّه صلّى اللّه عليه و آله و سلّم انّه قال: ما زال جبرئيل يوصيني بالسّواك حتّى ظننت انّه سيجعله فريضة (1). و قال صلّى اللّه عليه و آله و سلّم: لولا أن أشقّ على أمّتي لأمرتهم بالسواك مع كلّ صلاة (2). و قد استفاضت الاخبار بإنّه من سنن المرسلين (3)و اخلاقهم (4)، و انّه طهور للفم، و مرضاة للربّ (5)، و يضاعف الحسنات سبعين ضعفا (6)، و تحضره الملائكة و يفرحون به و يصافحونه لما يرون عليه من النّور، و هو يمرّ بطريقة القرآن، و يزيد في الحفظ و العقل، و الفهم، و الفصاحة، و يذهب بالسقم و الحفر (7)و النسيان و وسوسة الصدر، و يبيّض الأسنان و ينقّيها و يذهب اوجاعها، و يشدّ اللّثة، و يطيّب الفم، و يقلّل البلغم و يقطعه، و يجلو البصر و يذهب بغشاوته و دمعته، و ينبت الشعر، و يرغم الشيطان، و يشهي الطعام، و يصلح المعدة، و يشيّعه الملائكة عند خروجه من البيت، و يستغفر له حملة العرش و الكروبيّون، و كتب اللّه له بكلّ مؤمن و مؤمنة ثواب ألف سنة، و رفع اللّه له ألف درجة، و فتح اللّه له أبواب الجنّة يدخل من أيّها شاء، و اعطاه اللّه كتابه بيمينه و حاسبه حسابا يسيرا، و فتح عليه ابواب الرّحمة، و لا يخرج من الدنيا حتّى يرى مكانه في الجنّة، و قد أقتدى بالأنبياء و دخل معهم

ص:29


1- وسائل الشيعة:1/348 باب 1 حديث 16.
2- الفقيه:1/34 باب 11 حديث 123.
3- الفقيه:1/32 باب 11 حديث 111.
4- الكافي:6/495 باب السواك حديث 1.
5- الكافي:6/495 باب السواك حديث 4.
6- الخصال:2/449 في السواك عشر خصال حديث 51.
7- اي الحفر الذي يحدث في الاسنان من اكل الدود (منه قدس سره) الحفر: صفرة تعلو الأسنان، أو تقشّر في أصولها (المعجم الوسيط) .

الجنّة (1). و انّ من استاك كلّ يوم لم يخرج من الدنيا حتّى يرى ابراهيم عليه السّلام في المنام، و كان يوم القيامة في عدد الانبياء، و قضى اللّه له كلّ حاجة كانت له في أمر الدّنيا و الآخرة، و يكون يوم القيامة في ظلّ العرش يوم لا ظلّ إلاّ ظلّه، و يكون في الجنّة رفيق ابراهيم عليه السّلام و رفيق جميع الانبياء (2). و انّ ركعتين بسواك أحبّ إلى اللّه عزّ و جلّ من سبعين ركعة بغير سواك (3). و في خبر آخر: انّ صلاة واحدة بسواك تفضل على صلاة أربعين يوما بغير سواك (4). و في ثالث: انّ من استاك في كلّ يوم مرّة رضي اللّه عنه و له الجنّة، و من استاك كلّ يوم مرّتين فقد داوم سنّة الانبياء صلوات اللّه عليهم، و كتب اللّه له بكلّ صلاة يصلّيها ثواب مائة ركعة، و استغنى من الفقر (5). و انّه لو يعلم النّاس ما في السواك لا باتوه معهم في اللحاف (6).

و يتأكّد استحبابه عند كلّ وضوء، فقد ورد أنّ السّواك شطر الوضوء، و الوضوء شطر الايمان (7). و من نسى الاستياك عند الوضوء استاك بعده ثمّ تمضمض ثلاث مرّات (8). و كذا يتأكّد السّواك عند كلّ صلاة سيّما صلاة الليل، بل هو من آداب الانتباه بعد نصف الليل (9). و قد كان النّبيّ صلّى اللّه عليه و آله

ص:30


1- مستدرك وسائل الشيعة:1/53 باب 1 [1] السواك احاديث الباب.
2- مستدرك وسائل الشيعة:1/53 باب 1 حديث 6.
3- الفقيه:1/33 باب 11 حديث 118.
4- مستدرك وسائل الشيعة:1/53 باب 3 حديث 2.
5- مستدرك وسائل الشيعة:1/53 باب 1 حديث 6.
6- ثواب الأعمال:34 باب ثواب السواك حديث 2 و في الاصل: لأتوه معهم في لحاف.
7- مستدرك وسائل الشيعة:1/53 باب 2 حديث 5.
8- الكافي:3/23 باب السواك حديث 6.
9- الكافي:3/23 باب السواك حديث 7. و وسائل الشيعة:1/357 باب 6 حديث 3.

و سلّم يستاك كلّ ليلة ثلاث مرّات: مرّة قبل نومه، و مرّة إذا قام من نومه إلى ورده، و مرّة قبل خروجه إلى صلاة الصّبح (1).

و يكره ترك السواك الى ثلاثة أيّام و لو مرة واحدة (2). و عن مولانا الصادق عليه السّلام انّه قال: إذا قمت بالليل فأستك، فان الملك يأتيك فيضع فاه على فيك، فليس من حرف تتلوه و تنطق به إلاّ صعد الى السماء، فليكن فوك طيّب الرّيح (3).

و يستحب الاستياك عرضا تأسيا بالنبي صلّى اللّه عليه و آله و سلّم (4).

و هل المراد عرض الأسنان أو عرض الفم؟ كلّ محتمل، و ان كان الأول أظهر، و به فسّره بعضهم من غير تردّد، و لعله لأنّ السّن هو المستاك فيكون المندوب استياك عرضه دون الفم. و يجوز للصائم أن يستاك في أيّ أوقات النّهار شاء، و يكره ان يستاك بعود رطب، و لا بأس بان يبلّه بالماء ثمّ ينفضه أو يمسحه حتى لا يبقى فيه شيء من الماء (5). و الأفضل أن يستاك بالغداة دون العشيّ، لأنّه ليس من صائم يبس شفتاه بالعشي إلاّ كان نورا بين عينيه يوم القيامة.

و تتأدّى السنّة بكل عود و أفضلها عود الأراك، لأنّ النبي صلّى اللّه عليه و آله و سلم كان يستاك به، أمره بذلك جبرئيل (6). و عود الزيتون، لأنّه أيضا سواكه صلّى اللّه عليه و آله و سلّم و سواك الأنبياء قبله (7). فإن لم يجد عودا استاك بالخرقة

ص:31


1- وسائل الشيعة:1/356 باب 6 حديث 1.
2- الفقيه:1/33 باب 11 حديث 119.
3- الكافي:3/23 باب السواك حديث 7.
4- الفقيه:1/33 باب 11 حديث 120.
5- الكافي:4/112 باب السواك للصائم حديث 3.
6- مستدرك وسائل الشيعة:1/54 باب 6 حديث 5.
7- مستدرك وسائل الشيعة:1/54 باب 6 حديث 7.

أو باصبعه، كما انّه لو خاف في صلاة الليل مفاجاة الفجر يستاك بإصبعه (1)، بل ورد على الاطلاق عن رسول اللّه صلّى اللّه عليه و آله و سلّم أنّ التّسوّك بالابهام و المسبّحة عند الوضوء سواك (2).

و يستحب اتّخاذ خمسة مساويك و كتابة اسم كل من الصلوات الخمس على واحد منها، و الاستياك عند كل منها بمسواكها تأسيّا بالرّضا عليه السّلام (3).

و يكره السواك في الحمّام، لأنّه يورث وباء الأسنان كما مرّ (4)، و في الخلاء، لأنّه يورث البخر كما مرّ (5).

و يستحبّ الدّعاء عند السّواك بقول: «اللّهمّ ارزقني حلاوة نعمتك، و ارزقني برد روحك، و اطلق لساني بمناجاتك، و قرّبني منك مجلسا، و أرفع ذكري في الأوّلين، اللّهمّ يا خير من سئل، و يا أجود من أعطى حوّلنا ممّا تكره إلى ما تحبّ و ترضى، و إن كانت القلوب قاسية، و ان كانت الأعين جامدة، و ان كنّا أولى بالعذاب فأنت أولى بالمغفرة، اللّهمّ أحيني في عافية، و أمتني في عافية» (6).

ثمّ انّ مقتضى اطلاق الأخبار هو استحباب السوّاك حتّى بعد سقوط الأسنان، لكن المروي عن مسلم مولى أبي عبد اللّه الصادق عليه السّلام انه عليه السّلام ترك السّواك قبل ان يقبض بسنتين، و ذلك انّ أسنانه ضعفت (7)، و لأجله أفتى غير واحد بسقوط استحباب السّواك عند ضعف الأسنان من

ص:32


1- الفقيه:1/34 باب 11 حديث 122.
2- التهذيب:1/357 باب 16 حديث 1070.
3- وسائل الشيعة:1/360 باب 13 حديث 1.
4- الفقيه:1/33 باب 11 برقم 117.
5- الفقيه:1/32 باب 11 برقم 110.
6- مستدرك وسائل الشيعة:1/54 باب 10 برقم 1.
7- الفقيه:1/33 باب 11 برقم 121.

الكبر مطلقا، و هو كما ترى بعد ما تقرّر في محلّه من اجمال الفعل، فلعلّ تركه عليه السّلام كان لوصول ضعف اسنانه إلى حدّ يؤذيها السّواك و يزيد اسنانه و هنا، فلا يثبت الاطلاق.

العاشر: الخلال، فإنّه سنّة كالسّواك، و يكره تركه بعد الطعام كما مرّ في ذيل سنن الأكل، لأنّ الملائكة تتأذّى بريح فم من لا يتخلّل بعد الطعام (1).

و روي انّ الكعبة شكت إلى اللّه عزّ و جلّ ما تلقى من أنفاس المشركين، فأوحى اللّه إليها: قرّي كعبة، فانّي مبدلك بهم قوما يتنظفون بقضبان الشجر، فلمّا بعث اللّه محمّدا صلّى اللّه عليه و آله و سلّم أوحى اللّه إليه مع جبرئيل بالسّواك و الخلال (2). بل مقتضى عموم بعض الأخبار هو استحباب اطابة الحلق بكلّ ما يمكن، مثل ما عن رسول اللّه صلّى اللّه عليه و آله و سلّم: أفواهكم طريق من طرق ربّكم فأحبّها إلى اللّه أطيبها ريحا، فطيّبوها بما قدرتم عليه (3). فإنّ عمومه يشمل حتّى مثل مضغ شيء معطّر، و لا بأس بالالتزام به، و اللّه العالم.

و قد مرّ في أواخر المقام الأوّل من الفصل الرابع بعض ما يتعلّق بالخلال.

هذا هو الكلام في التنظيفات، مضافا إلى ما مرّ عنوانه مستقلا من الاستنجاء و الوضوء و الغسل و الختان.

ص:33


1- المحاسن:558 باب 123 برقم 927.
2- المحاسن:558 باب 123 برقم 924.
3- المحاسن:558 باب 123 برقم 929.

المقام الثاني: في التّزيينات المندوب إليها في الشرع الانور

اشارة

و لقد ورد انّ التّهيئة و التزيّن من الرّجل تزيد في عفّة النّساء، و انّه قد ترك النّساء العفّة لترك أزواجهنّ التهيئة لهنّ (1).

ثم التزينات أمور:

الأوّل: التزّيّن باللّباس،

و قد تقدم في بابه.

الثّاني: التختم،

و قد مرّ أيضا في ذيل باب اللّباس.

الثّالث: فرق شعر الرأس،

و قد تقدم في ذيل الكلام على حلق الرّأس من المقام الأوّل.

الرّابع: تخفيف اللّحية و تدويرها و الأخذ من العارضين و الصدغين و تبطين

اشارة

اللحية،

فانّ ذلك كلّه مستحبّ، تأسّيا في التخفيف لمولانا الباقر عليه السّلام و غيره، و الأمر منهم عليهم السّلام بالتدوير (2)، و نفي البأس عن الأخذ من العارضين، و النهي عن الأخذ من عرض اللّحية، بل لازم النّهي الكراهة (3). نعم يستحبّ الأخذ من طولها بقصّ ما زاد عن القبضة، لما استفاض عنهم عليهم السّلام من الأمر بجزّ ما زاد عنها و قطعه، و أنّ الزايد عن القبضة في النّار (4).

ص:34


1- وسائل الشيعة:3/31 باب 141 برقم 14.
2- الفقيه:1/76 باب 22 حديث 336.
3- الذي يظهر من الاحاديث المجوزة للأخذ من اللحية و الناهية عن الاخذ منها هو كراهة الأخذ من عرض اللحية، و في المقام لا يستفاد أكثر من الكراهة، فراجع.
4- الفقيه:1/76 باب 22 حديث 335.

و انّ طول اللحية علامة خفّة العقل (1).

و يحرم حلق اللّحية، لما ورد من النّهي عن ذلك، لأنّه من عمل قوم لوط، و لعن فاعله و توبيخه و تشبيهه بالمجوس (2)، و للضرورة من المذهب بل الّدين، حتّى أنّ مرتكبيه معترفون بحرمته، مقدمون عليه باعتقاد الحرمة، معتذرون بأعذار واهية. و قد ورد بسند محكوم بالصّحة عن رسول اللّه صلّى اللّه عليه و آله و سلّم أنّ حلق اللّحية من المثلة، و انّ على من يفعله لعنة اللّه (3). و ورد أنّه ليس منّا من حلق، و فسّره ابن أبي جمهور بحلق اللّحية (4).

ص:35


1- الخصال:1/103 باب يعتبر عقل الرجل في ثلاث حديث 1.
2- الفقيه:1/76 باب 22 حديث 334.
3- مستدرك وسائل الشيعة:1/59 باب 40 برقم 1.
4- مستدرك وسائل الشيعة:1/59 باب 40 برقم 2 [2] عن عوالي اللآلي. بحث في حلق اللّحية قد اشتهر بين الفقهاء حرمة حلق اللّحية مستدلين على الحكم بأدلّة قابلة للنقاش العلمي و هي: 1-سيرة المتشرعة.2-ان حلق اللحية من المثلة، و من مثّل فعليه لعنة اللّه.3-ان حلق اللحية من عمل قوم لوط.4-لعنة اللّه على من حلق.5-التشّبه بالمجوس.6-التشّبه بالنساء. و كلّ هذه الأدلّة قابلة للنقاش العلمي، اما ان سيرة المتشرّعة ابقاء اللّحية و عدم حلقها فهو لا نقاش فيه، الاّ ان سيرة المتشرعة اذا كانت منبعثة عن امتثال امر شرعي و كاشفة عن حكم إلهي كانت تلك السيرة حجّة، اما اذا كانت السيرة منبعثة عن عرف اجتماعي زمني لم تكن تلك السيرة حجة و لا كاشفة عن حكم شرعي اصلا، و عند الشك فاصالة الاباحة محكّمة. و اما ان حلق اللحّية من المثلة ففي هذا التشبيه مسامحة قطعية، لان المثلة لا تكون إلاّ اذا كان قطع أعضاء شخص منبعثا عن التشفي و الاذلال، و ليس كل من قطع عضوا من آخر يصدق عليه انه مثّل به، فيكون الحكم مختصا بما إذا حلق شخص لحية آخر للتشفى منه و الاذلال به، و عند الشك فاصالة الاباحة ايضا محكمة، و هنا ليس الكلام في حلق شخص لحية الاخر، بل حلق المكلف لحيته. و اما حلق اللحية من عمل قوم لوط فلا دلالة في هذا الكلام على ان فعلهم كان محرما، لوضوح ان اعمال قوم لوط-

و ورد انّ اللّحية زينة، فعن النّبيّ صلّى اللّه عليه و آله و سلّم انّه قال: لما تاب اللّه على آدم عليه السّلام أتاه جبرئيل فقال: انّي رسول اللّه إليك، و هو يقرئك السّلام و يقول: يا آدم حيّاك اللّه و بيّاك، فقال: امّا حيّاك اللّه فأعرفه، فما بيّاك؟ قال: أصحّك، قال: فسجد آدم عليه السّلام فرفع رأسه إلى السّماء و قال: يا ربّ زدني جمالا، فأصبح و له لحية سوداء كالفحم، فضرب بيده إليها فقال: يا ربّ ما هذه؟ فقال: هذه اللحية زيّنتك بها أنت و ذكور ولدك إلى يوم القيامة.

و يستحبّ إكرام الشعر الحسن لأنّه من كسوة اللّه تبارك و تعالى (1).

و يكره كثرة وضع اليد في اللّحية للنّهي عنه لأنّه يشين الوجه (2). و كذا يكره وضعها في الفم و ازدرادها بالأسنان المعبّر عنه في الأخبار ب: أكل اللحية

ص:36


1- وسائل الشيعة:1/832 باب 78 برقم 2.
2- وسائل الشيعة:1/420 باب 64 برقم 1.

المجعول كأكل الطين، و قلم الاظفار بالاسنان من الوسواس (1).

تذييل:

يجوز نتف الشيب-و هو الشعر الأبيض بين الأسود-و جزّه على كراهية شديدة (2)، حتّى ورد انّ ثلاثة لا يكلّمهم اللّه تعالى يوم القيامة و لا ينظر إليهم و لا يزكيّهم و لهم عذاب أليم: النّاتف شيبه، و الناكح نفسه-يعني المستمني بيده أو فخذه-و المنكوح في دبره (3). و اقترانه بالمحرّمات لا يوجب حرمته بعد وضوح عدم حرمته بالاجماع و النصوص النافية للبأس عن جزّ الشّمط و نتفه، بعد تفسير الشّمط في اللّغة بالشعر الأبيض بين الشعر الاسود.

و عن أمير المؤمنين عليه السّلام انّه كان لا يرى بأسا بجزّ الشيب، و انّه يكره نتفه (4). و عن الصادق عليه السّلام انّه: لا بأس بجزّه و نتفه، و جزّه أحبّ إلىّ (5).

ثمّ أعلم انّه لم يكن النّاس سابقا يشيبون و إن هرموا، و كان لا يميّز الأب من الابن، فلمّا كان زمان ابراهيم عليه السّلام طلب من اللّه تعالى شيئا يعرف به فشاب و ابيضّ رأسه و لحيته، فلمّا رأى الشيب في لحيته قال: يا ربّ ما هذا؟ فقال اللّه تعالى: هو وقار، فقال: ربّ زدني وقارا (6). و عن النّبيّ صلّى اللّه عليه و آله و سلّم: انّ من شاب شيبة في الاسلام كانت له نورا يوم القيامة (7). و عنه

ص:37


1- وسائل الشيعة:1/435 باب 82 برقم 2.
2- وسائل الشيعة:1/432 باب 79 برقم 1 و 2 و 3.
3- وسائل الشيعة:1/432 باب 79 برقم 5.
4- الكافي:6/492 باب جزّ الشيب و نتفه برقم 3.
5- الكافي:6/492 باب جز الشيب و نتفه برقم 1.
6- الكافي:6/492 باب جز الشيب و نتفه برقم 4 و 5.
7- الكافي:6/480 باب الخضاب برقم 2.

صلّى اللّه عليه و آله و سلّم: انّ الشيب في مقدّم الرأس يمن، و في العارضين سخاء، و في الذّوائب شجاعة، و في القفا شوم (1).

و امّا قول الشاعر:

يشيب الكريم من العارضين و شيب اللئيم من العنفقة (2)

فلم أقف إلى الآن في الاخبار على ما يدلّ عليه.

الخامس: التمشّط

و هو من السنن السنيّة، و قد ورد أنه يذهب بالوباء-و هي الحمّى-كما في خبر (3)، و الضعف كما في آخر (4). و ينفي الفقر، و يجلب الرزق، و يحسّن الشعر، و ينجز الحاجة، و يزيد في الصلب و الجماع، و يقطع البلغم، و يذهب بالداء و الهم (5). و ان من أمرّ المشط على رأسه و لحيته و صدره سبع مرّات لم يقاربه داء أبدا (6). و ان تسريح الرأس بالمشط يقطع البلغم و الرطوبة، و تسريح الذوابتين يذهب ببلابل الصدور، و تسريح الحاجبين أمان من الجذام، و تسريح العارضين يشد الأضراس، و تسريح اللحية يذهب بالوباء، و امرار المشط على الصدر يذهب بالهم (7).

و يتأكد استحباب التمشّط بعد الصلاة فرضها و نفلها، و فسّرت الزينة

ص:38


1- الكافي:6/493 باب جز الشيب و نتفه برقم 6.
2- العنفقة: الشعر الذي في الشفة السفلى. و قيل الشعر الذي بينها و بين الذقن. مجمع البحرين.
3- الفقيه:1/75 باب 22 برقم 323 و 324.
4- الفقيه:1/75 باب 22 برقم 325.
5- الخصال:1/268 في المشط خمس خصال برقم 3، و الفقيه:1/75 حديث 321.
6- مكارم الاخلاق/77.
7- وسائل الشيعة:1/426 باب 71 [4] احاديث الباب.

-المأمور في الآية بأخذها عند كل مسجد-بالتمشّط عند كلّ صلاة فريضة و نافلة (1).

و يستحب التمشّط من جلوس، فانه يقوّي القلب و يمخّخ الجلد (2)بل يكره من قيام لأنه يورث الفقر، و الضعف في القلب، و لأن من امتشط قائما ركبه الدين (3).

و يستحب التمّشط بمشط عاج تأسيا بغير واحد من الأئمة عليهم السّلام. و قد ورد أن التمشّط بالعاج يذهب بالوباء و ينبت الشعر في الرأس، و يطرح الدود من الدماغ، و يطفئ المرار، و ينقّي اللّثة و العمور (4).

و يستحب تسريح اللحية من تحتها إلى فوق أربعين مرّة، و قراءة انا انزلناه، و من فوقها إلى تحت سبع مرات، و قراءة «و العاديات» ، و قول:

«اللهم سرّح (5)عني الهموم و الغموم و وحشة الصدور» تأسيّا بالنّبي صلّى اللّه عليه و آله و سلّم (6). و قد ورد أن ذلك يزيد في الذهن و يقطع البلغم (7). و ان من سرّح لحيته سبعين مرة و عدها مرة مرة لم يقربه الشيطان أربعين يوما (8). و أن من

ص:39


1- تفسير العياشي:2/13 برقم 25: [1] عن أبي بصير، عن أبي عبد اللّه عليه السّلام قال: سألته عن قول اللّه خُذُوا زِينَتَكُمْ عِنْدَ كُلِّ مَسْجِدٍ قال: هو المشط عند كل فريضة و نافلة. (سورة الاعراف الآية 31) .
2- مكارم الاخلاق/80.
3- وسائل الشيعة:1/428 باب 74 [4] احاديث الباب.
4- مكارم الاخلاق/80. [5] العمور اللّحم الّذي يتعلّق بالاسنان، و في الأصل: الغمور.
5- في الوسائل: [6] فرّج، و في المتن: سرج.
6- امان الاخطار/24.
7- مكارم الاخلاق/77 الفصل الثالث في تسريح الرأس و اللحية.
8- الكافي:6/489 باب التمشّط برقم 10.

أراد الامتشاط فليأخذ المشط بيده اليمنى و هو جالس و ليضعه على أمّ رأسه ثم يسرّح مقدم راسه و يقول: «اللّهم حسّن شعري و بشري و طيبهما، و اصرف عنّي السوء و الوباء» . ثم يسرح مؤخّر رأسه و يقول: «اللهم لا تردني على عقبي، و أصرف عنّي كيد الشيطان، و لا تمكّنه من قيادي فيردّني على عقبي» ، ثم يسرّح حاجبيه و يقول: «اللّهم زيّني بزينة الهدى (1)» ثم يسرّح اللحية من فوق، ثم يمّر المشط على صدره و يقول في الحالين معا: «اللّهم سرّح عنّي الهموم و الغموم، و وحشة الصدر، و وسوسة الشيطان» . ثم يشتغل بتسريح لحيته و يبتدي به من أسفل، و يقرأ: إِنّا أَنْزَلْناهُ فِي لَيْلَةِ اَلْقَدْرِ (2).

و ورد استحباب أن يقول عند تسريح اللحية: «اللّهم صلّ على محمد و آل محمد و ألبسني [اكسني. خ ل]جمالا في خلقك، و زينة في عبادك، و حسّن شعري و بشري، و لا تبتلني بالنفاق، و ارزقني المهابة بين بريّتك، و الرحمة من عبادك يا أرحم الراحمين» (3). و المعروف على الألسن كراهة التمشط بالليل إلاّ للمديون بين العشاءين لوفاء الدين، و لم أقف إلى الآن على مستند له.

السادس: الإكتحال

و هو من السنن المؤكدة في الشريعة المطهرة للرجل و المرأة جميعا، و قد ورد أن من كان يؤمن باللّه و اليوم الآخر فليكتحل (4). و ان الكحل ينبت الشعر، و يجفف الدمعة، و يحدّ البصر، و يعين على طول السجود، و يعذب الفمّ و ريقه،

ص:40


1- خ. ل: اهل التقوى.
2- مكارم الاخلاق/79 الفصل الثالث في تسريح الرأس و اللحية.
3- امان الاخطار/24 الفصل العاشر.
4- ثواب الاعمال:40 ثواب المكتحل برقم 2.

و يزيد في المباضعة (1). و يتأكد الاستحباب في الليل، فانه ينفع البدن، و منفعته الى أربعين صباحا، و هو أمان من الماء الذي ينزل في العين، و يطيب الفم، و يضيء الوجه، و هو في النهار زينة (2).

و يستحبّ الإكتحال بالإثمد تأسّيا بالنبي صلّى اللّه عليه و آله، و قد ورد أنه يطيب النكهة، و يشدّ أشفار العين، و يجلو البصر، و ينبت الشعر في الجفن، و يذهب بالدمعة. و ان من نام على إثمد غير مسك أمن من الماء الأسود أبدا ما دام [ينام]عليه (3).

و يستحبّ الايتار في الإكتحال، و الأفضل الإكتحال سبعا: أربعا في اليمنى و ثلاثا في اليسرى، سيما في الإكتحال بالإثمد (4). و قد ورد ان من أصابه ضعف في بصره فليكتحل بسبعة مراود من الإثمد عند منامه (5).

و يستحب لمن أراد الإكتحال أن يأخذ الميل بيده اليمنى و يضربه في المكحلة و يقول: «بسم اللّه» فإذا جعل الميل في عينه قال: «اللّهم نوّر بصري و اجعل فيه نورا أبصر به حكمتك، و أنظر به إليك يوم ألقاك، و لا تغش بصري ظلماء يوم ألقاك» (6). و في خبر آخر قال: «اللّهم نوّر بصري و اجعل (7)فيه نورا أبصر به حقك، و اهدني إلى طريق الحق، و ارشدني الى سبيل الرشاد، اللّهم

ص:41


1- الكافي:6/494 باب المكتحل برقم 3 و 4 و 5 و [1] 6 و 7 و 8 و 10.
2- وسائل الشيعة:1/413 باب 57 [2] احاديث الباب. الكافي:6/494 باب الكحل حديث 3
3- وسائل الشيعة:1/411 باب 55 [3] احاديث الباب. و في المصدر: ما دام عليه.
4- الكافي:6/495 باب الكحل برقم 12. [4] الاثمد: هو كحل مخصوص. و الايتار أي الوتر في الاكتحال مرّة أو ثلاث مثلا.
5- وسائل الشيعة:1/413 باب 57 حديث 4.
6- مستدرك وسائل الشيعة:1/64 باب 78 برقم 17.
7- في المتن: و اجعله.

نوّر عليّ دنياي و آخرتي» (1). و قال أيضا: «اللّهم إنّي أسالك بحقّ محمد و آل محمد ان تصلّي على محمد و آل محمد أن تجعل النور في بصري، و البصيرة في ديني، و اليقين في قلبي، و الإخلاص في عملي، و السلامة في نفسي، و السعة في رزقي، و الشكر لك أبدا ما أبقيتني» (2). . . إلى غير ذلك من الأدعية.

السابع: النظر في المرآة

و هو سنّة سنّية، و قد ورد عن الرسول صلّى اللّه عليه و آله و سلّم: أنّ الشاب إذا أكثر النظر في المرآة، و حمد اللّه عزّ و جلّ على أن خلقه على صورة حسنة، و لم يجعله معيوبا، أوجب اللّه له الجنة (3). و ورد أنّه صلّى اللّه عليه و آله و سلم كان ينظر في المرآة، و كان يمشط رأسه و لحيته، و كان يتزيّن لأصحابه و نسائه، و كان يقول: انّ اللّه يحبّ العبد إذا تزيّن عند الرواح الى إخوانه (4).

و يستحب لمن أراد النظر في المرآة أن يأخذها بيده اليسرى و يبسمل، فإذا نظر فيها وضع يده اليمنى على مقدّم الرأس و مسحها على وجهه، ثم أخذ بيده اليمنى لحيته و نظر في المرآة و قال: «الحمد للّه الّذي خلقني بشرا سويّا، و زيّنني و لم يشنّي، و فضّلني على كثير من خلقه (5)، و منّ عليّ بالاسلام و رضيه لي دينا» (6)و يقول أيضا: «الحمد للّه الذي خلقني فأحسن خلقي، و صوّرني فأحسن صورتي، [الحمد للّه الذي]و زان منّي ما شان من غيري، و أكرمني

ص:42


1- ذيل الحديث المتقدم.
2- مكارم الاخلاق:50.
3- ثواب الاعمال باب ثواب من أكثر النظر في المرآة و اكثر حمد اللّه [2]عز و جل.
4- مكارم الاخلاق/36 [3] في نظره صلّى اللّه عليه و آله و سلّم في المرآة.
5- في الاصل: ممن خلقه.
6- مكارم الاخلاق/76. و [4]لا توجد الجملة الأخيرة (و رضيه لي دنيا) في المتن.

بالإسلام» (1).

و يقول أيضا: «الحمد للّه الّذي أحسن و أكمل خلقي، و حسّن خلقي، و خلقني خلقا سويا، و لم يجعلني جبارا شقيا، الحمد للّه الّذي زيّن منّي ما شان من غيرى، اللّهم كما أحسنت خلقي فصلّ على محمد و آل محمد و حسّن خلقي، و أتمم نعمتك عليّ، و زيّني في عيون خلقك، و جمّلني في عيون بريّتك، و ارزقني القبول و المهابة و الرأفة و الرحمة يا أرحم الراحمين» . فاذا وضع المرآة من يده قال:

«اللّهم لا تغيّر ما بنا من نعمك، و اجعلنا لأنعمك من الشاكرين، و لآلائك من الذاكرين» 2.

و يستحب لمن نظر في المرآة أن يقول: «اللهم كما أحسنت خلقي فحسّن خلقي و رزقي» 3.

الثامن: الخضاب

اشارة

و هو من السنن الشريفة، و وردت أوامر أكيدة به، و بتغيير الشيب، و عدم التشبّه باليهود و النصارى و النصّاب الذين ينكرون على الشيعة استعمال الخضاب (2). و ورد انه من سنن المرسلين (3). و ان انفاق درهم فيه أفضل من نفقة ألف درهم في سبيل اللّه (4)، و انه يطرد الريح من الاذنين، و يجلو الغشاوة عن البصر، و ينبت الشعر، و يزيد في ماء الوجه و الباه، و يليّن الخياشيم، و يطيب الريح و النكهة، و يشدّ اللّثة، و يذهب بالضنى و السهك (5)، و يسكن الزوجة،

ص:43


1- 1و2و3) مكارم الاخلاق:76.
2- الخصال:2/498 في الخضاب أربع عشرة خصلة حديث 4.
3- مكارم الاخلاق:43 [2] في التطيّب.
4- ثواب الاعمال:38 ثواب المختضب برقم 3، و الخصال:2/497 حديث 1.
5- الضناء-بالفتح و المدّ-هو المرض الملازم حتى يشرف صاحبه على الموت. -

و يحسن الولد، و يقلّ وسوسة الشيطان، و تفرح به الملائكة، و يستبشر به المؤمن، و يغيظ به الكافر، و هو زينة و طيب و براءة في قبره، و يستحي منه منكر و نكير (1).

و من جملة فوائد خضاب المرأة رأسها بالحناء انه يردّ الى المرأة المنقطع طمثها حيضها (2).

و يكره نصول الخضاب-أعني تأخيره إلى أن يتبين بياض مقدار من أصول الشعر-للنهي عنه، و انه بؤس 3. و كذا يكره نقش اليد بالخضاب حتى للمرأة للنهي عنه. و ورد انه انّما هلكت نساء بني اسرائيل من قبل القصص و نقش الخضاب.

و يكره جماع المختضب، فإن فعل و رزق ولدا كان مخنّثا 4. و تخفّ الكراهة أو تزول بعد أخذ الحناء مأخذه 5.

و يكره خضاب المجنب، فإن الشيطان يحضره حينئذ، و عند جماع المختضب، و لا يؤمن عليه أن يصيبه الشيطان بسوء 6.

ثم إن هنا جهات من الكلام:

الاولى: ان استحباب الخضاب يعمّ كل شعر ابيض من الرأس كان أو

ص:44


1- ثواب الاعمال:38 ثواب المختضب برقم 3، و الخصال:2 في الخضاب اربع عشرة خصلة برقم 1، و الكافي:6/483 باب الخض [1]اب بالحناء احاديث الباب.
2- مكارم الاخلاق:90 الفصل الثالث في [2] الخضاب بالحناء و الكتم، و الكافي:6/484 باب الخضاب بالحناء حديث 6، و 482 باب الخضاب حديث 12.

اللحية، لاطلاق الاخبار الواردة في فضله، مضافا الى التنصيص بذلك في الاخبار، فقد استفاضت بأن خضاب الرأس و اللحية من السنّة (1).

و ورد أن سيد الشهداء أرواحنا فداه كان يخضب رأسه بالوسمة (2).

الثانية: انّ استحباب الخضاب لا يختصّ بالحناء، بل يعمّ الخضاب بكلّ ما يصبغ، لاطلاق جملة من الاخبار و التنصيص بذلك في جملة أخرى، غاية الأمر انّ كلا من الحناء و الكتم-و هي الوسمة على التحقيق مفردا و مركبا- أفضل من غيرهما، و أغلب الفوائد المزبورة ورد في الخضاب بالحنّاء، و من كان من الأئمة عليهم السّلام يختضب كان يختضب بها تارة و بالوسمة أخرى و بهما مركبا ثالثة، فالصبغ بغيرهما و ان كان يحصل به امتثال أوامر التزيّن للأهل و يحصل به سكون الزوجة، و فرح الملائكة، و استبشار المؤمن، و غيظ الكافر، و البراءة في القبر، و استحياء منكر و نكير، إلاّ أنّ ترتّب جملة أخرى من الثمرات التي هي طبّا و تجربة آثار الحناء و الوسمة كطرد الريح من الأذنين، و جلاء البصر، و طيب الريح و النكهة، و شدّ اللّثة. . و نحو ذلك، محلّ تأمل، لتخلّف بعض تلك الآثار عن الصبغ بالأصباغ الخاليه من الحناء و الوسمة بالوجدان، و مقتضى قاعدة عدم حمل المطلق على المقيد في السنن و إن كان هو القول بترتب تلك الآثار على مطلق صبغ الشعر بعد اطلاق الاخبار المرتبة جميع تلك الآثار أو اغلبها على مطلق الخضاب تارة، و على الخضاب بخصوص الحناء و الوسمة أخرى، إلاّ انّ تخلّف بعض تلك الآثار عن الصبغ بغيرهما من الاصباغ بالوجدان، و انصراف الخضاب الى الصبغ بهما يثبّطنا عن الالتزام بترتب جميع

ص:45


1- الكافي:6/481 باب الخضاب حديث 5.
2- الكافي:6/483 باب السواد و الوسمة حديث 5. اقول: الوسمة-بكسر السين-نبت يخضب بورقه، و يقال هو العظلم، و انكر الازهرى السكون، و في القاموس: الوسمة ورق النيل او نبات يختضب بورقه. مجمع البحرين.

الآثار المزبورة على مطلق الصبغ و لو بغيرهما، و ان كان استحباب مطلق الصبغ و لو بغيرهما، و ترتّب جملة من الآثار عليه بالوجدان ممّا لا ينبغي التامّل فيه، مضافا إلى ما ورد في مدح خصوص الحنّاء مثل قول النبي صلّى اللّه عليه و آله و سلم: الحنّاء خضاب الاسلام، يزيد في المؤمن عمله، و يذهب بالصداع، و يحدّ البصر، و يزيد في الوقاع، و هو سيد الرياحين في الدنيا و الآخرة (1).

و قوله صلّى اللّه عليه و آله و سلّم: ما خلق اللّه شجرة أحبّ إليه من الحناء (2).

الثالثة: ان استحباب الخضاب يعمّ الخضاب الموجب لصفرة الشعر و حمرته و سواده، لاطلاق جملة من الأخبار و التنصيص بذلك في جملة أخرى، غايته كون الأحمر أفضل من الأصفر، و الأسود افضل من الأحمر، لنطق جملة من الأخبار بذلك، فقد ورد أن رجلا دخل على رسول اللّه صلّى اللّه عليه و آله و سلم و قد صفّر لحيته فقال له رسول اللّه صلّى اللّه عليه و آله و سلّم: ما أحسن هذا، ثم دخل عليه بعد هذا و قد أقنى بالحنّاء، فتبسّم رسول اللّه صلّى اللّه عليه و آله و سلّم و قال: هذا أحسن من ذاك، ثم دخل عليه بعد ذلك و قد خضّب بالسواد، فضحك صلّى اللّه عليه و آله و سلّم إليه و قال: هذا أحسن من ذاك و ذاك (3).

و في عدة أخبار أخر أنه صلّى اللّه عليه و آله و سلّم سمّى الشيبة في الاسلام ب: النور، و الشيبة المصبوغة بالحناء نورا و اسلاما، و المصبوغة بالسواد بعد ذلك نورا و اسلاما و ايمانا (4).

ص:46


1- مستدرك وسائل الشيعة:1/57 باب 26 حديث 1.
2- مستدرك وسائل الشيعة:1/57 باب 26 حديث 1.
3- الفقيه:1/70 باب غسل الجمعة و آداب الحمام حديث 282.
4- الكافي:6/480 باب الخضاب حديث 2.

و ورد أن الخضاب بالسواد مهابة للعدو، و مكبتة له، و انس للنساء (1).

و انّ رسول اللّه صلّى اللّه عليه و آله و سلّم أمر في بعض الغزوات بأن يخضبوا بالسواد ليقووا به على المشركين (2).

و ورد أنّ اللّه يزيد به في عفّة النساء، و لقد ترك نساء العفّة بترك أزواجهنّ لهنّ التهيئة (3).

و ان أحبّ خضابكم الى اللّه الحالك (4)أي الشديد السواد.

ثم انه قد اشتهر على الالسن انّ الحنّاء و الوسمة يزيدان في الشيب و يعجّلان فيه، و القياس الطبّي لعلّه يساعده، و ارسل رواية بأن الحناء تكثر الشيب (5)، و لكن التجربة تشهد بخلاف ذلك، مضافا الى انّه قد قيل لمولانا باب الحوائج عليه السّلام: بلغنا أن الحناء تزيد في الشيب، فقال عليه السّلام:

أيّ شىء يزيد في الشيب؟ ! الشيب يزيد في كل يوم (6).

الرابعة: انه لا إشكال في استحباب خضاب اليد و الرجل بالحناء للنساء، ذوات بعل كن أم لا، لاطلاق الاخبار المزبورة، مضافا إلى ما روي عن الصادق عليه السّلام من انه قال: لا ينبغي للمرأة ان تعطّل نفسها و لو أن تعلّق في عنقها قلادة، و لا ينبغي لها أن تدع يدها من الخضاب، و لو ان تمسحها بالحناء مسحا و إن كانت مسنّة (7).

ص:47


1- الكافي:6/483 باب السواد و الوسمة حديث 7.
2- الكافي:6/481 باب الخضاب حديث 4.
3- الكافي:6/480 باب الخضاب حديث 1.
4- ثواب الاعمال:37 [4] ثواب المختضب حديث 2.
5- الكافي:6/483 باب الخضاب بالحناء، حديث 1.
6- الكافي:6/480 باب الخضاب حديث 1.
7- الفقيه:1/70 باب 22 حديث 283.

و ما روي عنه عليه السّلام من انه قال: رخّص رسول اللّه صلّى اللّه عليه و آله و سلّم للمرأة أن تخضب رأسها بالسواد، و أمر رسول اللّه صلّى اللّه عليه و آله و سلم النساء بالخضاب ذات البعل و غير ذات البعل، أما ذات البعل فتتزين لزوجها، و أمّا غير ذات البعل فلا تشبه يدها يد الرجال (1).

و هل يستحب خضاب اليد و الرجل للرجال؟ وجهان؛ من ظهور قوله عليه السّلام: فلا تشبّه يدها يد الرجال، في ان وظيفة الرجال بياض اليدين.

و من أعميّة ذلك من عدم الاستحباب لاجتماعه مع تعارف الترك، و عدم تأكد الفعل، و اقتضاء اطلاق اخبار الخضاب للرجل و المرأة الشامل لخضاب اليد و الرجل أيضا استحباب ذلك لهم ايضا، مضافا إلى ما عن أبي الصباح من انّي رأيت أثر الحناء في يد أبي جعفر عليه السّلام (2).

و ما عن محمد بن صدقة العنبري من أنّه لمّا توفّى أبو إبراهيم موسى بن جعفر عليهما السّلام كان في رجليه أثر الحنّاء (3).

و ما عن الحسين بن موسى قال: كان أبو الحسن عليه السّلام مع رجل عند قبر رسول اللّه صلّى اللّه عليه و آله و سلّم فنظر إليه و قد أخذ الحناء من يديه فقال بعض أهل المدينة: أما ترون إلى هذا كيف أخذ الحناء من يديه؟ فالتفت اليه. . إلى أن قال: فقال: انّه من أخذ الحناء بعد فراغه من النورة من قرنه إلى قدمه أمن من الأدواء الثلاثة: الجنون و الجذام و البرص (4).

و ما رواه الحكم بن عيينة قال: رأيت أبا جعفر عليه السّلام و قد أخذ

ص:48


1- مكارم الاخلاق:92 الفصل الثالث.
2- مكارم الاخلاق:89 الفصل الثالث.
3- كمال الدين:1/39 حديث 2.
4- الكافي:6/509 باب الحناء بعد النورة حديث 5.

الحناء و جعله على أظافيره فقال: يا حكم ما تقول في هذا؟ فقلت: ما عسيت أن أقول فيه و انت تفعله؟ و ان عندنا يفعله الشبّان (1)، فقال: يا حكم إن الأظافير اذا اصابتها النورة غيّرتها حتى تشبه أظافير الموتى، فغيّرها بالحناء (2).

و ما رواه الحسين بن موسى عن أبيه موسى بن جعفر عليهما السّلام انه خرج يوما من الحمام فاستقبله رجل من آل الزبير-يقال له: كنيد-و بيده أثر حناء فقال: ما هذا الاثر بيدك؟ فقال: أثر حناء، ويلك يا كنيد! حدثني أبي عليه السّلام-و كان أعلم أهل زمانه-عن أبيه عليه السّلام عن جده عليه السّلام قال: قال رسول اللّه صلّى اللّه عليه و آله و سلّم: من دخل الحمام فأطلى، ثم أتبعه بالحناء من قرنه الى قدمه كان أمانا له من الجنون و الجذام و البرص و الاكلة الى مثله من النورة (3).

و كون مورد هذه الاخبار الاخيرة ما بعد النورة لا يضرّ بعد عدم القول بالفصل بينه و بين غيره، على أنّ من له انس بالاخبار و فهم رموزها و نكاتها علم ان الاعتذار بكونه بعد النورة تقيّة من أهل زمانه التاركين لخضاب اليد، المستثقلين لرؤية أثره عليه.

و أما ما روي من أنه نظر ابو عبد اللّه عليه السّلام الى رجل و قد خرج من الحمام و هو مخضوب اليدين فقال له ابو عبد اللّه (عليه السّلام) : أيسرّك أن يكون خلق اللّه يديك هكذا؟ فقال: لا و اللّه، و إنّما فعلت ذلك لأنه بلغني عنكم انه من دخل الحمام فلير عليه أثره-يعني الحناء-فقال: ليس ذلك حيث ذهبت، انما معنى ذلك إذا خرج أحدكم من الحمام و قد سلم فليصل ركعتين

ص:49


1- في الاصل: الثبان، و هو غلط.
2- الكافي:6/509 باب الحناء بعد النورة حديث 2.
3- الكافي:6/509 باب الحناء بعد النورة حديث 1.

شكرا (1). فغير صريح في الانكار، لاحتمال كونه استفهاما منه عليه السّلام ليظهر غلط الرّاوي في فهم الحديث، و كون معناه ما ذكر لا ينافي الاستحباب، مضافا إلى احتمال كون الانكار ايضا من باب التقية، فان سببه يشبه علل العامة، لأنه لو تمّ لاقتضى انكار خضاب الرأس و اللّحية أيضا بالحناء و نحوه، و انكار خضاب يد المرأة و رجلها أيضا. و أمّا ما في خبر حمران الطويل الآتي في أواخر الفصل العاشر إن شاء اللّه تعالى المتكفّل لبيان علائم آخر الزمان من المنكرات من قول الصادق عليه السّلام: و رأيت التأنيث في ولد العباس قد ظهر، و أظهروا الخضاب، و امتشطوا كما تمتشط المرأة لزوجها. فيلزم حمله على التقيّة أو نحوها بعد إطلاقه (عليه السّلام) الخضاب الشامل لخضاب اللّحية و الرأس الذي لا شبهة في استحبابه، مع أن ولد العباس و نظراءهم يجتنبون الخضاب غاية الاجتناب.

و بالجملة فاستحباب خضاب البدن بالحناء بعد النورة ممّا لا ينبغي التأمل فيه، و استحباب خضاب اليد و الرجل للرجال سيما أظفارهما حتى عند عدم التنّور غير بعيد، و لو تنزّلنا عن ذلك فلا أقل من عدم الدليل على ما افتى به الفاضل المجلسي رحمه اللّه من كراهة خضاب اليد و الرجل للرجال، و ما هو إلا عودا على ظاهر ما مرّ مما ورد تقية و تقييدا للاطلاقات على خلاف القاعدة المقررة في باب المطلق و المقيد، و اللّه العالم.

الخامسة: ان اطلاق كثرة التأكيد في الاخبار في خضاب اللحية و إن كان يشمل جميع الأزمنة إلاّ أنّ ظاهر جملة من الاخبار اختصاص تأكّد استحباب ذلك على وجه لا يبعد كراهة تركه ببدو الاسلام، و أما بعد شيوع الاسلام فلا تأكّد و ان كان الاستحباب باقيا، و يكشف عمّا قلناه اختلاف

ص:50


1- معاني الاخبار:254 باب قول العالم عليه السّلام: من دخل الحمام فلير عليه اثره.

أفعال أئمتنا عليهم السّلام في ذلك، فإن أمير المؤمنين عليه السّلام لم يخضب شيبه، بل ورد أنّ النبي صلّى اللّه عليه و آله و سلّم لم يختضب إلاّ مرّة واحدة، و اختضب سيد الشهداء عليه السّلام و السجاد عليه السّلام و الباقران عليهما السّلام، و قد سئل أمير المؤمنين عليه السّلام عن قول النبي صلّى اللّه عليه و آله و سلم: غيّروا الشيب و لا تشبّهوا باليهود، فقال: إنّما قال صلّى اللّه عليه و آله و سلم ذلك و الدين قلّ (1)، فاما الآن و قد اتّسع نطاقه (2)و ضرب بجرانه فامرؤ و ما اختار.

فائدة:

يستفاد من تعليل أمير المؤمنين عليه السّلام عدم خضابه في بعض الاخبار بأنّي في مصيبة النبي صلّى اللّه عليه و آله و سلّم (3)عدم تأكد الاستحباب الخضاب [كذا]في حقّ المصاب.

التاسع: التطّيب

اشارة

فقد ورد انه من سنن المرسلين، و اخلاق الانبياء عليهم السّلام (4).

و انّ الملائكة تستنشق ريح الطّيب من المؤمن (5).

ص:51


1- اي قليل [منه (قدس سره)].
2- النطاقة: شفة تلبسه المرأة و تشد وسطها ثم ترسل الأعلى إلى الأسفل الى الركبة و الاسفل ينجر على الارض. و جران البعير: مقدّم عنقه. و اتساع نطاق الاسلام كناية عن كثرة المسلمين، و ضربه بجرانه عن ثباته و استقراره (منه قدس سره) .
3- وسائل الشيعة:1/403 باب 44 برقم 2.
4- الخصال:1/92 برقم 34، و الكافي:6/510 باب الطيب برقم 1 و 2.
5- مستدرك وسائل الشيعة:1/414 باب 30 برقم 1، الكافي:6/511 باب الطيب برقم 14.

و انّه يشدّ القلب، و يسمّن البدن، و يزيل الغمّ، و يزيد في الجماع (1).

و لو لا إلاّ اختيار النبي الاكرم صلّى اللّه عليه و آله و سلّم له من الدنيا لكفاه شرفا و فضلا (2).

و ورد انّه لا ينبغي ترك استعماله كلّ يوم، فإن لم يقدر فيوم و يوم لا، فإن لم يقدر ففي كلّ جمعة، و لا يدع ذلك (3). فانّ استحبابه مؤكّد يوم الجمعة، و بعد الوضوء، و للصلاة، و لدخول المساجد. و ان صلاة المتطيّب خير من سبعين صلاة بغير طيب (4). و انّ من تطيّب أوّل النهار لم يزل عقله معه إلى الليل (5). و انّ ما أنفق في الطيب ليس بسرف (6). و انّ رسول اللّه صلّى اللّه عليه و آله و سلّم كان ينفق في الطيّب أكثر ممّا ينفق في الطعام (7).

و يكره ردّ هدية الطيب، و به فسّرت الكرامة الّتي لا يردها إلاّ الحمار في الاخبار (8).

و يستحب تطيّب النساء بما ظهر لونه و خفى ريحه، و الرجال بما ظهر ريحه و خفي لونه (9).

و يكره للمرأة أن تخرج و هي متطيّبة. و قد ورد أنّ المرأة اذا تطيّبت

ص:52


1- مستدرك وسائل الشيعة:1/61 باب 59 برقم 1 و 4 و 7 و 11.
2- الخصال:1/165 برقم 217.
3- الكافي:6/510 باب الطيب برقم 4 و 12.
4- الكافي:6/511 باب الطيب برقم 10 و 12 و 13 و [2] 14.
5- الكافي:6/510 باب الطيب برقم 7.
6- الكافي:6/512 باب الطيب برقم 16.
7- الكافي:6/512 باب الطيب حديث 18.
8- الكافي:6/512 باب كراهية ردّ الطيب برقم 1 و 3.
9- الكافي:6/512 باب الطيب برقم 17.

و خرجت من منزلها كانت في لعنة اللّه تعالى إلى أن ترجع الى منزلها (1).

و يستحب تطييب الشارب بالطيب، فانه من أخلاق الانبياء و كرامة للكاتبين (2).

و روي انّ اوّل ما يستعمل الطيب في موضع السجود، ثم ساير البدن (3).

و يستحب التطيب بالمسك و شمّه، و وضعه في اللبّة-بالفتح-و هي المنحر (4). و في مفرق الرأس تأسيا بالنّبي و الأئمة صلوات اللّه عليه و عليهم أجمعين (5).

و كذا يستحب التطيّب بالعنبر، و الزعمران، و العود، و الغالية، و كذا الخلوق (6)، لكن يكره إدمان الأخير و المبيت متخلقا (7).

و كذا يستحب التطيب بماء الورد، و قد ورد انّ من ضرب في وجهه بكف من ماء الورد أمن ذلك اليوم من الذلّة و الفقر (8). و أن من وضع على رأسه ماء الورد أمن تلك السنة من البرسام (9)، و ان من أراد أن يذهب في حاجة له و مسح وجهه بماء ورد لم يرهق و تقضى حاجته، و لا يصيبه قتر و لا ذلة (10). و ان ماء

ص:53


1- مستدرك وسائل الشيعة:1/61 باب 62 حديث 3.
2- الكافي:6/511 باب الطيب برقم 15.
3- مستدرك وسائل الشيعة:1/63 باب 78 برقم 9.
4- الكافي:6/512 باب كراهية ردّ الطيب برقم 3.
5- قرب الاسناد:70.
6- الكافي:6/513 باب انواع الطيب برقم 1.
7- الكافي:6/517 باب الخلوق برقم 1 و 2 و 3.
8- مفتاح الفلاح:128 باب ما يعمل في صدر النهار.
9- البرسام-بتخفيف الميم-الموت. [منه (قدس سره)].
10- مستدرك وسائل الشيعة:1/62 باب 68 برقم 3، و [5]المقنع:45 [6] قبل انتهاء الرسالة-

الورد يزيد في ماء الوجه و ينفي الفقر 1.

و قد ورد فضل كثير في الورد الاحمر المنصرف إليه اطلاق الورد عرفا و طبا و حديثا، فمما ورد فيه أنه سيد ريحان الجنة بعد الياس 2. و ان من أراد أن يشمّ النبي صلّى اللّه عليه و آله و سلّم فليشمّ الورد، لانّه لمّا أسري به صلّى اللّه عليه و آله و سلّم الى السماء سقط من عرقه فنبت منه الورد فوقع في البحر فذهب السمك ليأخذها و ذهب الدعموص ليأخذها، فقالت السمكة: هي لي، و قالت الدعموص: هي لي، فبعث اللّه عزّ و جلّ إليهما ملكا يحكم بينهما فجعل نصفها للسمكة، و نصفها للدعموص، و لذا ترى أوراق الورد تحت جلناره خمسة:

اثنتان منها على صفة السمك، و اثنتان منها على صفة الدعموص، و واحدة منها نصفها على صفة السمك و نصفها على صفة الدعموص 3. لكن في رواية أخرى عن النبي صلّى اللّه عليه و آله و سلّم: انّ الورد الأبيض خلق من عرقي ليلة المعراج، و الورد الاحمر خلق من جبرئيل، و الورد الاصفر من البراق 4.

و يستحب شمّ الريحان و وضعه على العينين، لأنه من الجنّة 5.

و يكره ردّ هديّته، و ان اراد ردّه قبله و شمه ثم أهدى به الى المهدي 6.

ص:54

و يستحب تقبيل الوردة و الريحانة اذا تناولها و وضعها على عينيه ثم الصلاة على محمد و الأئمة عليهم السّلام، فان من فعل ذلك كتب اللّه تعالى له من الحسنات مثل رمل عالج، و محا عنه من السيئات مثل ذلك، و لم تقع على الأرض حتّى يغفر له (1).

و روي انّ النبي صلّى اللّه عليه و آله و سلّم كان اذا رأى الفاكهة الجديدة قبلها و وضعها على عينيه و فمه ثم قال: «اللّهم كما أريتنا أوّلها في عافية فأرنا آخرها في عافية» (2).

و يستحب شمّ النرجس لورود فضائل كثيرة فيه، و كفى في فضله أنه أنبته اللّه تعالى في النار التي أضرمت لإبراهيم عليه السّلام فجعلها اللّه تعالى بردا و سلاما (3). و قال الرضا عليه السّلام: لا تؤخّر شم النرجس، فإنه يمنع الزكام في مدة أيام الشتاء (4). و عن النبي صلّى اللّه عليه و آله و سلّم انه قال: شموا النرجس في اليوم مرة، و لو في الاسبوع مرة، و لو في الشهر مرة، و لو في السنة مرة، و لو في الدهر مرة، فان في القلب حبة من الجنون و الجذام و البرص و شمّه يقلعها (5).

و يستحب شمّ المرزنجوش، لقول النبي صلّى اللّه عليه و آله و سلّم: نعم الريحان المرزنجوش ينبت تحت ساقي العرش، و ماؤه شفاء العين (6). و ورد أن

ص:55


1- الكافي:6/525 باب الرياحين برقم 5، و [1]الامالي للشيخ الصدوق:266 المجلس الخامس و [2]الاربعون حديث 7.
2- الامالي للشيخ الصدوق:265 المجلس الخامس و [3]الاربعون حديث 6.
3- مكارم الاخلاق:47 [4] في النرجس.
4- مستدرك وسائل الشيعة:1/64 باب 78 برقم 12.
5- مستدرك وسائل الشيعة:1/65 باب 78 برقم 27.
6- مكارم الاخلاق:48 باب في المرزنجوش.

شمّه يقوّي الشامة (1). و قد كان صلّى اللّه عليه و آله و سلّم إذا دفع اليه الريحان شمه ورده إلاّ المرزنجوش فانه صلّى اللّه عليه و آله و سلّم كان لا يردّه (2).

و ورد أن الورد أحد و عشرون قسما و سيدها الآس (3).

و يلحق بالمقام البخور: فإن فيه فضلا كثيرا، و ينبغي للرجل أن يبخر ثيابه بشيء طيب الريح تأسيّا بالائمّة عليهم السّلام، و ورد أنّ العود الخالص تبقى رائحة بخوره أربعين يوما، و العود المربّى بسائر الروائح الطيّبة تبقى رائحته عشرين يوما (4)، و ان الرضا عليه السّلام كان يتبخر بالعود الخالص، ثم كان يتطيب بماء الورد و المسك (5). و النّبي صلّى اللّه عليه و آله و سلّم كان يتبخّر بالعود القماري، و أمر صلّى اللّه عليه و آله و سلّم بالتبخّر بالعود الهندي قائلا: ان فيه سبعة أشفية (6). و ورد أن تحفة الرجل الصائم أن يدهن لحيته و يبخّر ثيابه، و تحفة المرأة الصائمة أن تمشّط شعرها و تبخّر ثيابها (7). و انّ النّبي صلّى اللّه عليه و آله و سلّم كان يقول عند البخور: «الحمد للّه الذي بنعمته تتم الصالحات، اللّهم طيّب عرقنا، و زكّ روائحنا، و احسن منقلبنا، و اجعل التقوى زادنا، و الجنّة معادنا، و لا تفرّق بيننا و بين عافيتك ايّانا، و كرامتك لنا، إنّك على كلّ شيء قدير» .

و روي انّه صلّى اللّه عليه و آله و سلّم كان يقول عند التبخير و التطيّب:

ص:56


1- مكارم الاخلاق:47 باب في المرزنجوش.
2- الحديث المتقدم.
3- الكافي:6/525 باب الرياحين 3. [2] اسمه العجمي: مورد. [منه (قدس سره)].
4- الكافي:6/518 باب البخور برقم 1.
5- عيون اخبار الرضا عليه السّلام:307 باب 43 برقم 2.
6- مكارم الاخلاق:45 [4] في التطيّب.
7- مكارم الاخلاق/46 في التجمير.

«الحمد للّه ربّ العالمين، اللّهم امتعني بما رزقتني، و لا تسلبني ما خوّلتني، و اجعل ذلك رحمة و لا تجعله وبالا عليّ، اللّهم طيّب ذكري بين خلقك كما طيّبت بشري و نشواي بفضل نعمتك عندي» .

فائدة:

روي عن مولانا الصادق عليه السّلام في سبب وجدان الطيب في الأرض انّه لمّا هبط آدم عليه السّلام و حوّا من الجنة الى الارض استقرّ آدم عليه السّلام على جبل الصفا، و حوا على جبل المروة، و كانت حوا ممشطة شعر رأسها بطيب الجنة و شادّة به، فلمّا هبطت الى الارض قالت في نفسها: ما أؤمّل من المشاطة التي امتشطتها في الجنة و قد غضب عليّ ربّي؟ فنقضت شعر رأسها، فأخذ الريح الرايحة الطيّبة الّتي نزلت من شعرها الى المشرق و المغرب و ارسل اكثرها إلى أرض الهند، فلذا ينبت اكثر النباتات التي لها روائح طيبة في الهند (1).

و في خبر آخر: أن آدم عليه السّلام لما أكل من الشجرة و وقع ما عليه من حلّى الجنّة، و ستر عورته بأوراق من ورق الجنة، و هبط الى الارض، فأخذ ريح الجنوب رائحة تلك الورقة الى الهند، فأثر رائحته الطيبة أشجار الهند و نباتاتها، و لذا تكون اغلب النباتات ذوات الروائح الطيبة في الهند، و اكل من تلك الورقة من الحيوانات غزال المسك فجرى الريح الطيب في لحمه و جسده، فاجتمع عند سرّته و حصل منه المسك (2).

ص:57


1- الكافي:6/513 باب اصل الطيب برقم 1.
2- الكافي:6/514 باب اصل الطيب برقم 3. و [2]في الاصل: اشجار هند.

العاشر: التدهّن

و فيه فضل كثير و أوامر أكيدة، و قد ورد أن الدهن يذهب بالسوء و البؤس، و يليّن البشرة، و يرزن الدماغ و يزيد فيه، و يسهل مجاري الماء، و يذهب القشف (1)-و هو قذر الجلد-و رثاثة الهيئة، و سوء الحال، و يسفر اللون و يكشفه، و يظهر الغنى، و يذهب بالداء من الرأس و العينين (2).

و يتأكّد استحبابه في الليل، فإن دهن الليل يجرى في العروق، و يربّي البشرة، و يبيض الوجه (3).

و يستحب للمرأة إدمان الادهان و الاكثار منه (4)و يكره ذلك للرجل، بل يجتزى به في السنة مرّة، أو في الشهر مرة، أو في الاسبوع مرة (5).

و يستحبّ التبرّع بالدهن للمؤمن، فقد ورد أنّ من دهن مؤمنا كتب اللّه له بكل شعرة نورا يوم القيامة (6).

ص:58


1- القشف: قذر الجلد، و رثاثة الهيئة، و سوء الحال، و رجل قشف-ككتف-لوحته الشمس او الفقر فتغير. مجمع البحرين.
2- الكافي:6/419 باب الادهان احاديث [2]الباب.
3- الكافي:6/419 باب الادهان برقم 5.
4- لم اجد رواية تشير الى الاستحباب و انما توجد رواية في الكافي:6/520 باب كراهية ادمان الدهن برقم 1 [4] بسنده عن ابي عبد اللّه عليه السّلام قال: لا يدهّن الرجل كل يوم، يرى الرجل شعثا لا يرى متزلّقا كأنّه امرأة.
5- الكافي:6/520 باب كراهية ادمان الدهن برقم 3 [5] بسنده عن اسحاق بن جرير، قال: قلت لابي عبد اللّه عليه السّلام: في كم ادّهن؟ قال: في كلّ سنة مرّة فقلت: اذن يرى الناس بي خصاصة، فلم ازل اماكسه، فقال: ففي كل شهر مرّة لم يزدني عليها، و حديث 2.
6- الكافي:6/520 باب الادهان برقم 7.

و سيد الأدهان دهن البنفسج (1). فإنّ فضله عليها كفضل أهل البيت عليهم السّلام على الناس (2). أو كفضل الاسلام على بقية الأديان (3). أو كمثل الشيعة في الناس (4). و انه بارد بالصيف لين حار في الشتاء، لين للشيعة، يابس على أعداء أهل البيت عليهم السّلام. و ليس لساير الأدهان هذه الفضيلة، و لو علم الناس ما في البنفسج لقامت اوقيته بدينار (5).

و يستحب التداوى بالبنفسج دهنا، و سعوطا، للجراح، و الحمّى، و الصداع (6).

و يستحب الادهان بدهن الخيري، و دهن البان، و هو الفستق الهندي، لورود المدح فيهما. و ورد أنّ دهن البان ذكر (7)و أمان من كل بلاء (8). و ان الانبياء عليهم السّلام كانوا يستعملونه (9). و ان من ادّهن بدهن البان ثم قام بين يدي السلطان لم يضرّه باذن اللّه عز و جل (10). و شكا رجل الى ابي عبد اللّه عليه السّلام شقاقا في يديه و رجليه فقال: خذ قطنة و اجعل فيها بانا وضعها في سرّتك، فامتثل المأمور فعوفي و ذهب منه الشقاق (11).

ص:59


1- الكافي:6/521 باب دهن البنفسج برقم 1.
2- مكارم الاخلاق:51.
3- مكارم الاخلاق:51.
4- الكافي:6/522 باب دهن البنفسج برقم 10.
5- الكافي:6/521 باب دهن البنفسج برقم 2.
6- الكافي:6/521 باب دهن البنفسج برقم 1 و 9 و 11.
7- ذكورة الطيب ما ليس له ردع. القاموس.
8- الكافي:6/522 باب دهن الخيري برقم 1، و 523 باب دهن البان [5]برقم 1.
9- طبّ الأئمة:101.
10- طبّ الأئمة:101.
11- الكافي:6/523 باب دهن البان برقم 2.

و يستحب الادّهان بدهن الزنبق و هو الرازقي و يسمّى: الكيس أيضا، و السعوط به، لما ورد من انّه ليس شىء خيرا منه للجسد. و ان فيه لمنافع كثيرة و شفاء من سبعين داء (1). و كان باب الحوائج عليه السّلام يستعط به (2).

و يستحب أكل دهن الزيت و الادّهان به، فان من فعل ذلك لم يقربه الشيطان أربعين صباحا (3).

و يستحب السعوط بدهن السمسم، لما روى من حبّ النبي صلّى اللّه عليه و آله و سلّم ذلك، و كان هو صلّى اللّه عليه و آله و سلّم اذا أشتكى رأسه استعط بدهن الجلجان و هو السمسم (4).

و يستحب عند الادهان الابتداء بالرأس، ثم باللحية، ثم بالحاجبين، ثم الشارب (5). و يستحب ادخاله الانف و شمّه، كلّ ذلك تأسّيا بالنّبي صلّى اللّه عليه و آله و سلّم (6).

و يستحب دهن الحاجبين عند الصداع، و كون دهن الشارب غير دهن الحاجبين جنسا (7).

و يستحب وضع الدهن على الراحة-أي الكف-و قول: «اللّهم انّي اسألك الزين و الزينة و المحبّة في الدّنيا، و اعوذ بك من الشين و الشنآن و المقت في

ص:60


1- طبّ الأئمة:101. و [1]الكافي:6/523 باب دهن الزنبق حديث 1.
2- الكافي:6/524 باب دهن الزنبق برقم 2.
3- مستدرك وسائل الشيعة:1/64 باب 78 برقم 24.
4- الكافي:6/524 باب دهن الحل برقم 1.
5- مكارم الاخلاق:34 الفصل الخامس في دهنه صلّى اللّه عليه و آله و سلّم.
6- المصدر المتقدم.
7- المصدر السابق.

الدنيا و الآخرة» ، ثم جعله على اليافوخ (1)، ثم على الحاجبين و اللّحية و الصدر و غيرها (2). و قال الرضا عليه السّلام: من أراد أن لا يشتكي سرّته فيدهنها متى دهن رأسه، و من أراد أن لا تنشق شفتاه و لا يخرج فيها ناسور فليدهن حاجبه من دهن رأسه (3).

ص:61


1- اليافوخ: اعلى الدماغ. مجمع البحرين.
2- الكافي:6/519 باب الادهان برقم 6.
3- الكافي:6/523 باب دهن البان برقم 2، و مستدرك وسائل الشيعة:1/64 باب 78 حديث 13.

ص:62

الفصل الثامن: في آداب النكاح

اشارة

و فيه مقامات:

المقام الأول: ان النكاح سنّة سنّية من سنن المرسلين،

اشارة

و من عدو اللّه (1)حصن حصين، و فيه فضل كثير، لانه طريق التواصل، و باب التناسل، و سبب الألفة، و المعونة على العفّة، و قد حثّ اللّه سبحانه عليه، و دعا عباده اليه، فقال عزّ من قائل وَ أَنْكِحُوا اَلْأَيامى مِنْكُمْ وَ اَلصّالِحِينَ مِنْ عِبادِكُمْ وَ إِمائِكُمْ إِنْ يَكُونُوا فُقَراءَ يُغْنِهِمُ اَللّهُ مِنْ فَضْلِهِ وَ اَللّهُ واسِعٌ عَلِيمٌ (2). و قال النّبي صلّى اللّه عليه و آله و سلّم: تزوّجوا فإنّي مكاثر (3)بكم الأمم يوم القيامة، حتّى انّ السقط يجىء محبنطئا (4)على باب الجنّة فيقال له: ادخل، فيقول: لا ادخل حتى يدخل

ص:63


1- عدوّ اللّه هو الشيطان لعنه اللّه و أخزاه.
2- سورة النور:32.
3- أي مفاخر بكم الأمم [منه (قدس سره)].
4- المحبنطىء: العظيم البطن المنتفخ. [منه (قدس سره)].

أبواي الجنّة قبلي (1).

و قال صلّى اللّه عليه و آله و سلّم: من أحبّ ان يتّبع سنّتي فانّ من سنّتي التزويج (2).

و قال صلّى اللّه عليه و آله و سلّم: من احبّ ان يلقى اللّه طاهرا مطهّرا فليلقه بزوجة (3).

و قال صلوات اللّه عليه و آله: من تزوّج أحرز نصف دينه، فليتّق اللّه في النصف الآخر، أو الباقي (4).

و قال صلّى اللّه عليه و آله و سلّم: ركعتان يصلّيهما متزوّج أفضل من رجل أعزب يقوم ليله و يصوم نهاره (5).

و في خبر آخر: أفضل من سبعين ركعة يصلّيها أعزب (6).

و قال صلّى اللّه عليه و آله و سلّم: رذال موتاكم العزاب (7).

و قال صلّى اللّه عليه و آله و سلّم: تزوّجوا و زوّجوا الايم (8)، فمن حظ امرىء مسلم انفاق قيمة أيّمة، و ما من بناء أحب الى اللّه عز و جل من بيت يعمر في الاسلام بالنكاح، و ما من شىء أبغض الى اللّه عز و جل من بيت يخرب

ص:64


1- الفقيه:3/242 باب 101 برقم 1144.
2- الكافي:5/329 باب كراهة العزبة برقم 5.
3- المقنعة:77، [2]المقنع:98.
4- الكافي:5/328 باب كراهة العزبة برقم 2.
5- الكافي:5/329 باب كراهة العزبة برقم 6.
6- الكافي:5/328 باب كراهة العزبة برقم 1.
7- الكافي:5/329 باب كراهة العزبة برقم 3.
8- الأيّم: ككيّس من لا زوج لها بكرا أو ثيّبا، و من الرجال من لا امرأة له. تاج العروس: 8/195.

في الاسلام بالفرقة-يعني الطلاق- (1).

و من فضائل النكاح:

فضل الشفاعة و السعي فيه: فعن أمير المؤمنين عليه السّلام: افضل الشفاعات أن يشفع بين اثنين في نكاح حتى يجمع اللّه بينهما (2).

و عن النّبي صلّى اللّه عليه و آله و سلّم انّه قال: من عمل في تزويج بين مؤمنين حتى يجمع بينهما زوّجه اللّه ألف امرأة من الحور العين، كلّ امرأة في قصر من درّ و ياقوت، و كان له بكلّ خطوة خطاها و بكل كلمة تكلّم بها في ذلك عمل سنة، قيام ليلها و صيام نهارها، و من عمل في فرقة بين امرأة و زوجها كان عليه غضب اللّه و لعنته في الدنيا و الآخرة، و كان حقا على اللّه ان يرضحه (3)بألف صخرة من نار، و من مشى في فساد ما بينهما و لم يفرق كان في سخط اللّه و لعنته في الدنيا و الآخرة، و حرم اللّه عليه النظر إلى وجهه (4).

و عن مولانا الصادق عليه السّلام: ان من زوج اعزبا كان ممّن ينظر اللّه إليه يوم القيامة (5).

و عن باب الحوائج عليه السّلام: انّ ثلاثة يستظلّون بظلّ عرش اللّه يوم لا ظل إلاّ ظلّه: رجل زوج أخاه المسلم، أو خدمه، أو كتم له سرا (6).

ص:65


1- الكافي:5/328 باب في الحضّ على النكاح برقم 1.
2- الكافي:5/331 باب من سعى في التزويج برقم 1.
3- الرضح: الدق و الكسر، و منه رضحت رأسه بالحجارة. مجمع البحرين [منه (قدس سره)].
4- عقاب الأعمال/340 باب يجمع عقوبات الاعمال برقم 1.
5- الكافي:5/331 باب من سعى في التزويج برقم 2.
6- الخصال:1/141 باب الثلاثة برقم 162.

ثم ان مفاد الآية الشريفة (1)هو استحباب النكاح حتى مع الفقر و الاحتياج، و بذلك نطقت النصوص صريحا، فعن النّبي صلّى اللّه عليه و آله و سلم: انّ من ترك التزويج مخافة العيلة فقد أساء الظنّ باللّه (2).

و عن الصادق عليه السّلام في قول اللّه عز و جل وَ لْيَسْتَعْفِفِ اَلَّذِينَ لا يَجِدُونَ نِكاحاً حَتّى يُغْنِيَهُمُ اَللّهُ مِنْ فَضْلِهِ (3): فليتزوجوا حتى يغنيهم اللّه من فضله (4).

و عن رسول اللّه صلّى اللّه عليه و آله و سلّم انّه قال: اتخذوا الأهل فإنّه أرزق لكم (5). و مقتضى اطلاق الاخبار هو استحبابه حتى لمن لا تتوق نفسه إليه.

ثم انه قد يجب النكاح عينا، كما اذا خاف من تركه الوقوع في الزنا، و كفاية بمقدار يبقى به نوع الانسان. و قال رسول صلّى اللّه عليه و آله و سلّم: ما يمنع المؤمن ان يتّخذ أهلا، لعل اللّه يرزقه نسمة تثقل الأرض بلا إله إلاّ اللّه (6).

و يكره العزوبة و ترك التزويج و التسرّي، لما مرّ من الاخبار، حتى ورد عدم لزوم الحلف على ترك التزويج لاعتبار الرجحان في المحلوف و ترك التزوج مرجوح، فلا ينعقد اليمين به (7). و قد روي أنّ جماعة من الصحابة كانوا حرّموا

ص:66


1- قوله عز من قائل وَ أَنْكِحُوا اَلْأَيامى مِنْكُمْ وَ اَلصّالِحِينَ مِنْ عِبادِكُمْ وَ إِمائِكُمْ إِنْ يَكُونُوا فُقَراءَ يُغْنِهِمُ اَللّهُ مِنْ فَضْلِهِ.
2- الكافي:5/330 باب ان التزويج يزيد في الرزق برقم 1.
3- سورة النور:33.
4- الكافي:5/331 باب التزويج يزيد في الرزق برقم 7.
5- الفقيه:3/242 باب 101 برقم 1145.
6- الفقيه:3/241 باب 101 برقم 1139.
7- المحكم و المتشابه:91.

على أنفسهم النساء و الافطار بالنهار و النوم بالليل، فأخبرت أم سلمة رسول اللّه صلّى اللّه عليه و آله و سلّم فخرج الى أصحابه فقال: أترغبون عن النساء؟ ! إنّي آتي النساء، و آكل بالنهار، و أنام بالليل، فمن رغب عن سنتي فليس منّي. و أنزل اللّه: لا تُحَرِّمُوا طَيِّباتِ ما أَحَلَّ اَللّهُ لَكُمْ وَ لا تَعْتَدُوا إِنَّ اَللّهَ لا يُحِبُّ اَلْمُعْتَدِينَ* وَ كُلُوا مِمّا رَزَقَكُمُ اَللّهُ حَلالاً طَيِّباً وَ اِتَّقُوا اَللّهَ اَلَّذِي أَنْتُمْ بِهِ مُؤْمِنُونَ (1)فقالوا:

يا رسول اللّه صلّى اللّه عليه و آله و سلّم إنّا قد حلفنا عن ذلك، فأنزل اللّه لا يُؤاخِذُكُمُ اَللّهُ بِاللَّغْوِ فِي أَيْمانِكُمْ (2)(3).

و يستحبّ حبّ النساء المحلّلات و إخبارهنّ به، و اختيارهنّ على ساير

ص:67


1- سورة المائدة:87 و 88. [1] بحث اجمالى في متعلق اليمين اتفق فقهاؤنا رضوان اللّه تعالى عليهم في انعقاد اليمين و لزوم و الوفاء به على ان يكون متعلقه طاعة، فاذا تعلق اليمين بفعل أمر واجب أو مندوب وجب الوفاء به بلا ريب، و انما الخلاف فيما اذا تعلق بأمر مباح، فهل يجب الوفاء به ام لا؟ و على كل حال فالنكاح موضوع مندوب اليه شرعا، مرغوب فيه مستحب مؤكد، فالحلف على تركه حلف على ترك أمر مستحبّ مؤكد، فلا ينعقد اليمين، و يكون باطلا من رأسه، و عليه لا كفارة للحنث للغويته، و تفصيل البحث في المجاميع الفقهية المبسوطة.
2- سورة البقرة:225.
3- وسائل الشيعة:7/8 باب 2 برقم 9 [3] بسنده عن عليّ عليه السّلام قال: انّ جماعة من الصحابة كانوا حرّموا على انفسهم النساء، و الافطار بالنهار، و النوم بالليل، فاخبرت امّ سلمة رسول اللّه صلّى اللّه عليه و آله و سلّم فخرج الى اصحابه، فقال: اترغبون عن النساء، إنّي آتى النساء، و آكل بالنهار، و أنام بالليل، فمن رغب عن سنّتي فليس منّي، و انزل اللّه لا تُحَرِّمُوا طَيِّباتِ ما أَحَلَّ اَللّهُ لَكُمْ وَ لا تَعْتَدُوا إِنَّ اَللّهَ لا يُحِبُّ اَلْمُعْتَدِينَ، وَ كُلُوا مِمّا رَزَقَكُمُ اَللّهُ حَلالاً طَيِّباً وَ اِتَّقُوا اَللّهَ اَلَّذِي أَنْتُمْ بِهِ مُؤْمِنُونَ فقالوا: يا رسول اللّه انا قد حلفنا على ذلك، فأنزل اللّه: لا يُؤاخِذُكُمُ اَللّهُ بِاللَّغْوِ فِي أَيْمانِكُمْ الى قوله: ذلِكَ كَفّارَةُ أَيْمانِكُمْ إِذا حَلَفْتُمْ وَ اِحْفَظُوا أَيْمانَكُمْ

اللّذات. فقال الصادق عليه السّلام: ما أظن رجلا يزداد في الايمان خيرا إلاّ ازداد حبّا للنساء (1). و قال عليه السّلام: انّ العبد كلّما ازداد حبّا للنساء ازداد في الايمان فضلا (2). و قال عليه السّلام: كلّ من اشتدّ لنا حبّا اشتدّ للنساء حبّا و للحلوى (3).

و قال عليه السّلام: ما تلذّذ الناس في الدنيا و الآخرة بلذّة أكثر لهم من لذّة النساء، و هو قول اللّه عزّ و جلّ: زُيِّنَ لِلنّاسِ حُبُّ اَلشَّهَواتِ مِنَ اَلنِّساءِ الآية (4)، ثم قال عليه السّلام: إنّ أهل الجنّة ما يتلذّذون بشيء من الجنّة أشهى عندهم من النكاح، لا طعام و لا شراب (5). و قال عليه السّلام: من أخلاق الأنبياء عليهم السّلام حبّ النساء (6). و قال عليه السّلام: ألذّ الأشياء مباضعة النساء (7).

و قال رسول اللّه صلّى اللّه عليه و آله و سلّم: قول الرجل للمرأة إنّي أحبّك، لا يذهب من قلبها أبدا (8).

و لكن ينبغي للرجل التقي العاقل عدم الافراط في حب النساء و مراقبة نفسه في ذلك، حتى لا يوقعنه في المحرّم، فإنّ حبّهن سيف الشيطان (9)، و لأن حبّ الشيء يعمي و يصمّ، و هن ضعيفات العقول و الإيمان، كما يكشف عن الأول كون شهادتها في مورد القبول على النّصف من شهادة

ص:68


1- الكافي:5/320 باب حبّ النساء برقم 2.
2- الفقيه:3/242 باب 103 برقم 1150.
3- مستطرفات السرائر/484، و الكافي:5/321 باب حبّ النساء حديث 5 [2] بسنده عن ابي عبد اللّه عليه السلام قال: ما اظن رجلا يزداد في هذا الامر خيرا الاّ ازداد حبّا للنساء.
4- سورة آل عمران-الآية 14.
5- الكافي:5/321 باب حبّ النساء برقم 10.
6- الكافي:5/320 باب حبّ النساء برقم 1.
7- الكافي:5/321 باب حبّ النساء برقم 8.
8- وسائل الشيعة:14/10 باب 3 برقم 9.
9- الخصال:1/113 برقم 91.

الرّجل، و عن الثانى قعودها مقدارا من كلّ شهر عن الصّلاة الّتي هي عمود الدّين و الايمان، و الصّوم الذي هو جنّة من النّار (1). فيلزم العاقل عدم اتّباع هواها، لانّها تجرّه الى النّار من حيث لا يشعر.

و من لم يتمكّن من التزويج يلزمه الصّبر و التّعففّ حتّى ييسّر اللّه له ذلك.

و يستحبّ له اذا غلبت عليه الشهوة حينئذ أن يوفّر شعر جسده و يديم الصّيام، فانه ما كثر شعر رجل قطّ الاّ قلّت شهوته (2). فاذا رأى امرأة فأعجبته استحبّ له ان يرفع طرفه الى السّماء و يصلّي ركعتين و يحمد اللّه كثيرا و يصلّي على النّبيّ صلّى اللّه عليه و آله و سلّم ثمّ يسأل اللّه من فضله، فانّه يتيح له من رأفته ما يغنيه (3).

تذييل:

كما انّ للتزويج بالعقد الدائم فضلا و أجرا كثيرا فكذا للمتعة أجر عظيم و ثواب جسيم، و قد ورد انّ ما من رجل تمتّع ثمّ اغتسل الاّ خلق اللّه تعالى من كلّ قطرة تقطر منه سبعين ملكا يستغفرون له إلى يوم القيامة، و يلعنون متجنّبها الى ان تقوم السّاعة (4). و في خبر آخر قال: قلت لابي جعفر عليه السّلام: للمتمتّع

ص:69


1- الفقيه:3/247 باب 111 برقم 1175. بسنده عن محمد بن علي بن الحسين عليهم السّلام، قال: مرّ رسول اللّه صلّى اللّه عليه و آله و سلّم على نسوة فوقف عليهن ثم قال: يا معشر النساء ما رأيت نواقص عقول و دين اذهب بعقول ذوي الالباب منكنّ، اني قد رأيت انّكنّ اكثر اهل النار عذابا فتقربّن الى اللّه ما استطعتن، فقالت امرأة منهنّ: يا رسول اللّه ما نقصان ديننا و عقولنا، فقال: امّا نقصان دينكنّ فالحيض الّذي يصيبكنّ فتمكث احداكن ما شاء اللّه لا تصلّى و لا تصوم، و امّا نقصان عقولكنّ فشهادتكنّ انّما شهادة المرأة نصف شهادة الرجل.
2- الفقيه:3/303 حديث 1451.
3- وسائل الشيعة:14/73 باب 47 برقم 3، [1] الخصال:2/637 حديث الاربعمائة برقم 10.
4- وسائل الشيعة:14/444 باب 2 برقم 15.

ثواب؟ قال: ان كان يريد بذلك وجه اللّه تعالى و خلافا على من انكرها لم يكلّمها كلمة الاّ كتب اللّه له بها حسنة، و لم يمدّ يده اليها الاّ كتب اللّه له حسنة، فاذا دنا منها غفر اللّه له بذلك ذنبا، فاذا اغتسل غفر اللّه له بقدر ما مرّ من الماء على شعره. قلت: بعدد الشعر؟ قال: بعدد الشعر (1).

و عن النّبيّ صلّى اللّه عليه و آله و سلّم انّه قال: لما أسري بي إلى السّماء لحقني جبرئيل عليه السّلام فقال: يا محمّد صلّى اللّه عليه و آله و سلّم انّ اللّه تبارك و تعالى يقول: انّي قد غفرت للمتتّعين من امّتك من النّساء (2). بل ظاهر بعض الأخبار كراهة تركه بالمرّة، فعن الصادق عليه السّلام انّه قال: إنّي لأكره للرّجل المسلم ان يخرج من الدّنيا و قد بقيت عليه خلّة من خلال رسول اللّه صلّى اللّه عليه و آله و سلّم لم يقضها (3). و فى عدّة من الاخبار دلالة على استحبابه حتّى مع العهد أو النذر على تركه أو الحلف عليه، و لا يختصّ فضله بالفاقد للدّائمة و لا بالغائب عنها، بل يعمّ الجميع (4). فيجوز بل يستحبّ لمن عنده أربع دائميات أن يتمتع بأخريات، إلاّ إذا استلزم إكثار الشنعة أو لحوق العار، فإن الاجتناب حينئذ أفضل (5).

ص:70


1- وسائل الشيعة:14/442 باب 2 برقم 3، [1] الفقيه:3/295 باب 143 برقم 1401.
2- وسائل الشيعة:14/442 باب 2 برقم 4، [2] الفقيه:3/295 باب 143 برقم 1402.
3- وسائل الشيعة:14/442 باب 2 برقم 1، [3] الفقيه:3/295 باب 143 برقم 1403.
4- وسائل الشيعة:14/444 باب 3 برقم 1، و [4]منها بسنده عن علي السائي قال: قلت لابي الحسن عليه السلام: انّي كنت اتزوج متعة فكرهتها و تشاءمت بها، و اعطيت اللّه عهدا بين الركن و المقام، و جعلت عليّ ذلك نذرا أو صياما ان لا اتزوّجها، قال: ثم ان ذلك شقّ عليّ، و ندمت على يميني، و لم يكن بيدي من القوة ما اتزوّج به في العلانية، قال: فقال لي: عاهدت اللّه ان لا تطيعه، و اللّه لان لم تطعه لتعصيّنه. و انظر الفقيه:3/294 باب 143 حديث 1399.
5- وسائل الشيعة:14/450 باب 5 [5] أحاديث الباب، و الكافي:5/451 باب انهن بمنزلة الاماء و ليست من الاربع برقم 5 و 6 و 7.

المقام الثاني: إختيار الزوجة و صفاتها

انّه يستحبّ لمن اراد التزويج ان يصلّي قبل تعيين المرأة ركعتين و يحمد اللّه عزّل و جلّ و يقول: «اللّهمّ إنّي أريد أن أتزوّج، اللّهمّ فاقدر لي من النساء اعفهنّ فرجا، و احفظهنّ لي في نفسها و في مالي، و اوسعهنّ رزقا، و اعظمهنّ بركة، و اقدر لي منها ولدا طيّبا، تجعله خلفا صالحا في حياتي و بعد موتى» (1).

ثمّ اذا اراد الاختيار فليتروّ و لينظر أين يضع نفسه و من يشركها في ماله و يطلعها على دينه و سرّه، فانّما المرأة قلادة فلينظر ما يتقلّد به. و قد ورد انّه ليس للمرأة خطر لا لصالحتهنّ و لا لطالحتهنّ، فأمّا صالحتهنّ فليس خطرها الذّهب و الفضّة، هي خير من الذهب و الفضّة، و أما طالحتهنّ فليس خطرها التراب، التراب خير منها (2).

فينبغي أن يراعي الصفات المحمودة شرعا المنصوص عليها و هى كثيرة:

فمنها: كونها عاقلة مؤدّبة، فانّ عقلها و أدبها يغنيه عن الأمر و النّهي (3).

ص:71


1- الفقيه:3/249 باب 115 برقم 1187، و فيه: اذا تزوج احدكم كيف يصنع؟ قلت: ما ادري جعلت فداك، قال: اذا همّ بذلك فليصلّ. . . .
2- الكافي:5/332 باب اختيار الزوجة برقم 1.
3- وسائل الشيعة:14/13 باب 5 برقم 1 [2] بسنده قال: سمعت ابا الحسن موسى بن جعفر عليه السّلام يقول-و قد ذكرنا امر النساء-: امّا الحرائر فلا تذكروهن، و لكن خير الجواري ما كان لك فيها هوى، و كان لها عقل و ادب، فلست تحتاج الى ان تأمر و لا تنهى، و دون ذلك ما كان لك فيها هوى و ليس لها ادب، فانت تحتاج الى الأمر و النهي، و دونها ما كان لك فيها هوى و ليس لها عقل و لا أدب، فتصبر عليها لمكان هواك فيها، و جارية ليس لك فيها هوى و ليس لها عقل و لا أدب، فتجعل فيما بينك و بينها البحر الاخضر.

و يكره تزويج الحمقاء، للتحذير عنها في الأخبار، معلّلا بانّ صحبتها بلاء، و ولدها ضياع، و انّ الحمقاء لا تنجب، و كذا المجنونة (1).

و منها: كونها بكرا، للأمر بالتزوّج بهنّ، لأنّهنّ أطيب شىء افواها، و أنشفه أرحاما، و أدرّ شىء أخلاقا (2).

و منها: كونها نسيبة كريمة الأصل، الّتي لم تولد من الزّنا أو الحيض أو الشبهة، فانّ ولد الحرام لا ينجب و لا يفلح. و قد وردت الأوامر الأكيدة باختيار محلّ قابل للنّطفة، و إنّ الخال أحد الضجيعين (3). و ورد التحذير عن التزوّج بخضراء الدّمن، المفسّرة بالمرأة الحسناء في منبت السوء (4). فينبغي اختيار من لا عار في نسبها، و لا صفة مذمومة في أقاربها.

و منها: كونها عفيفة، فانّ العفّة من عمدة ما يراد منها (5).

و منها: كونها و لودا و ان لم تكن حسناء، للأوامر الاكيدة بذلك (6). و يعرف كونها و لودا يكون أمّها و أختها و ساير النّساء من أقاربها القريبة كذلك.

ص:72


1- المقنعة:80. و التهذيب:7/406 باب 34 برقم 1623 بسنده عن ابي عبد اللّه عليه السّلام قال: زوّجوا الاحمق و لا تزوّجوا الحمقاء فان الاحمق ينجب و الحمقاء لا تنجب.
2- الكافي:5/334 باب فضل الابكار برقم 1.
3- الكافي:5/332 باب اختيار الزوجة برقم 2 و 3.
4- الفقيه:3/248 باب 111 برقم 1177، و الكافي:5/332 باب اختيار الزوجة حديث 4.
5- الفقيه:3/246 باب 110 برقم 1167 بسنده عن جابر بن عبد اللّه الانصاري، قال: كنّا جلوسا مع رسول اللّه صلّى اللّه عليه و آله و سلّم قال: فتذاكرنا النساء و فضل بعضهن على بعض، فقال رسول اللّه صلّى اللّه عليه و آله و سلّم: الا اخبركم بخير نسائكم؟ قالوا: بلى يا رسول اللّه فاخبرنا، قال: انّ من خير نسائكم الولود الودود، الستيرة العفيفة العزيزة في اهلها، الذليلة مع بعلها، المتبرجة مع زوجها، الحصان مع غيره، الذي تسمع قوله، و تطيع أمره، و اذا خلا بها بذلت له ما اراد منها، و لم تبذل له تبذل الرجل.
6- الكافي:5/333 باب كراهيّة تزويج العاقر برقم 1 و 2 و 3

و يكره تزويج العاقر و ان كانت ذات رحم و دين، فانّ الحصير في زاوية البيت خير من امرأة لا تلد (1). و ورد انّ شوم المرأة كثرة مهرها و عقم رحمها (2).

و انّ السّوداء اذا كانت ولودا أحبّ من الحسناء العاقرة (3).

و منها: كونها تقيّة صالحة من ذوات الدّين، لو رود مدحها و الأمر باختيارها (4).

و منها: كونها جميلة، للأمر بذلك، لأنها تقطع البلغم، و لأنّ النظر اليها يجلّي البصر، و لانّ فعل حسنة الوجه أحرى ان يكون حسنا (5).

و منها: كونها حسنة الشعر، للأمر بالسؤال عن ذلك فيمن يراد تزويجها كالسؤال عن وجهها، لأنّ الشّعر أحد الجمالين (6).

و منها: كونها بيضاء سمراء، أى مشروبة بياضها حمرة، أو زرقاء، للامر بذلك (7).

ص:73


1- مستدرك وسائل الشيعة:2/535 باب 14 برقم 4.
2- الكافي:5/567 باب نوادر برقم 51.
3- الفقيه:3/248 باب 111 برقم 1178.
4- الكافي:5/332 باب فضل من تزوج ذات دين حديث 1 و 3.
5- الكافي:5/336 باب نادر حديث 1، و الخصال:1/92 برقم 35 بسنده عن ابي الحسن الأوّل عليه السّلام قال: ثلاثة يجلين البصر: النظر الى الخضرة، و النظر الى الماء الجاري، و النظر الى الوجه الحسن. و عيون الاخبار:230 [3] بسنده قال: قال رسول اللّه صلّى اللّه عليه و آله و سلّم: اطلبوا الخير عند حسان الوجوه، فان فعالهم احرى ان تكون حسنا.
6- الفقيه:3/245 باب 110 برقم 1164.
7- الكافي:5/335 باب ما يستدلّ به من المرأة على المحمدة برقم 8 [4] بسنده قال امير المؤمنين عليه السّلام: تزوّجها عيناه سمراء عجزاء مربوعة، فان كرهتها فعليّ صداقها، و صفحه 335 حديث 6 بسنده قال: قال رسول اللّه صلّى اللّه عليه و آله و سلّم: تزوّجوا الزّرق فان فيهن اليمن.

و ورد أنّ المرأة السّوداء تهيّج المرّة الصفراء (1). نعم ينبغي لعظيم الآلة اختيار السوداء العنطنطنة، لأنّها تحمل ما لا تحمل غيرها (2). و ورد انّ من سعادة الرّجل ان يكشف الثوب عن امرأة بيضاء (3). و انّ في الزّرق البركة (4). نعم ورد النّهي عن النبيّ صلّى اللّه عليه و آله و سلّم عن تزويج الزّرقاء، و فسّرها هو صلّى اللّه عليه و آله و سلّم الزّرقاء بالبذيّة-أي السفيهة (5).

و منها: كونها درماء الكعب، للأمر بذلك معلّلا بانّه اذا أدرم كعبها-أى كثر لحم كعبها-درم كعثبها-أي فرجها (6)-.

و منها: كون ريح عنقها طيّبا، لأمر النّبيّ صلّى اللّه عليه و آله و سلّم المبعوثة للنّظر الى المرأة الّتي يريد تزويجها بشمّ ليّتها-أى عنقها-معلّلا بانّه إذا طاب ليّتها طاب عرفها-أى رائحتها (7).

و منها: كونها عيناء، أى ذات عين مليحة (8)، فانّ العين سلطان البدن، و أغلب الحسن فيها.

و منها: كونها عجزاء-أى ذات العجز-و العجز ما بين الوركين، للأمر باختيارها، و هى المرادة من ذوات الورك اللاّتي أمر عليه السّلام باختيارهنّ، معلّلا بأنّهنّ انجب (9).

ص:74


1- الكافي:5/336 باب نادر برقم 1.
2- الكافي:5/336 باب ان اللّه تبارك و تعالى خلق للناس شكلهم حديث 1.
3- الكافي:5/335 باب ما يستدل به من المرأة على المحمدة حديث 7.
4- الكافي:5/335 باب ما يستدل به من المرأة على المحمدة حديث 6.
5- معاني الأخبار:318 باب معنى الشهيرة و اللهبرة. . . حديث 1.
6- الكافي:5/335 باب ما يستدلّ به من المرأة على محمدة برقم 4.
7- الحديث المتقدم.
8- الكافي:5/335 باب ما يستدل به من المرأة على محمدة برقم 8.
9- الحديث المتقدم.

و منها: كونها مربوعة-أى المتوسطة قامة غير الطويلة و لا القصيرة-، فقد قال أمير المؤمنين عليه السّلام: تزوّجوا سمراء عجزاء عيناء مربوعة، فان كرهتها فعليّ مهرها (1). و نهى النّبيّ صلّى اللّه عليه و آله و سلّم عن تزوّج اللّهبرة، و فسرها هو بالطّويلة المهزولة، و عن تزوّج النّهبرة، و فسرها بالقصيرة الذّميمة (2).

و منها: كونها قرشيّة، لما ورد من أنّ خير النّساء نساء قريش: أحناهنّ، و ارحمهنّ بأولادهنّ، و ألطفهنّ، و أرعاهنّ بأزواجهنّ في ذات يديهم، و انّ القرشيّة المجون لزوجها-أى الّتي لا تمتنع-الحصان على غيره (3).

و منها: أن تكون تنسب الى الخير، و إلى حسن الخلق (4).

ص:75


1- الحديث السالف.
2- وسائل الشيعة:14/19 باب 7 برقم 8، [1] معاني الأخبار:318 باب معنى الشهبرة و اللهبرة . . . حديث 1.
3- وسائل الشيعة:14/20 باب 8 حديث 1 و 2 و [2] 3. التهذيب:7/404 باب 34 برقم 1616.
4- وسائل الشيعة:14/13 باب 6 حديث 1 [3] بسنده عن ابراهيم الكرخي قال: قلت لابي عبد اللّه عليه السّلام: ان صاحبتي هلكت و كانت لي موافقة، و قد هممت ان اتزوّج، فقال لي: انظر اين تضع نفسك، و من تشركه في مالك، و تطلعه على دينك و سرّك، فان كنت لا بدّ فاعلا فبكرا تنسب الى الخير، و الى حسن الخلق، و اعلم انّهن كما قال: الا ان النساء خلقن شتّى فمنهن الغنيمة و الغرام و منهنّ الهلال اذا تجلّى لصاحبه و منهنّ الظلام فمن يظفر بصالحهن يسعد و من يغبن فليس له انتقام و هنّ ثلاث: فامرأة بكر ولود ودود، تعين زوجها على دهره لدنياه و آخرته، و لا تعين الدهر عليه، و امراة عقيم لا ذات جمال و لا خلق، و لا تعين زوجها على خير، و امرأة صخابة ولاجّة همّازة، -

و منها: كونها ودودة، لورود مدحها (1).

و يكره تزويج جملة من النساء ورد ذمها و التحذير من التزويج بها كالعاقر، و المجنونة، و الحمقاء، و غيرها ممّن تقدّم ذكرها فى طيّ الصّفات المحمودة.

و منها: الهيدرة، و هي العجوزة المدبرة، لنهي النّبيّ صلّى اللّه عليه و آله و سلم عن تزويجها (2).

و منها: اللّفوت، و هي ذات الولد من غيرك، لنهيه صلّى اللّه عليه و آله و سلم عن تزويجها 3.

و منها: الزّنجيّة و الخزريّة و الخوزيّة و السّنديّة و الهنديّة و القندهاريّة و النّبطيّة، للتحذير عن تزويجهنّ. و قد ورد أنّ أهل الزّنج خلق مشوّه 4. و انّ للزّنج و الخزر أرحاما تدلّ على غير الوفاء 5. و انّ للخوز عرقا يدعوهم الى غير الوفاء 6.

و انّ أهل السّند و قندهار و الهند ليس فيهم نجيب 7. و انّ أهل النّبط ليسوا من

ص:76


1- وسائل الشيعة:14/4 باب 6 برقم 2 بسنده عن جابر بن عبد اللّه قال: سمعته يقول: كنّا عند النبي صلّى اللّه عليه و آله و سلّم فقال: ان خير نسائكم الولود الودود العفيفة العزيزة في أهلها، الذليلة مع بعلها. . .
2- معانى الاخبار:318 باب ما يستدلّ به من المرأة على محمدة برقم 4.

العرب و لا من العجم، فلا تتّخذ منهم وليّا و لا نصيرا، فانّ لهم أصولا تدعوهم الى غير الوفاء (1).

و منها: العوراء العين، و الزرقاء العين كالفصّ، لما ورد من أنّ ثلاثة لا ينجبون: أعور عين، و أزرق كالفصّ، و مولد السّند (2).

و منها: كونها كرديّة، لما ورد من النّهي عن مناكحة الاكراد، فانّهم جنس من الجنّ كشف عنهم الغطاء (3).

و هناك صفات أخر محمودة و أخرى مذمومة تجمعها عدّة أخبار شريفة:

فعن النّبيّ صلّى اللّه عليه و آله و سلّم انّه قال: خير نسائكم الولود، الودود، العفيفة، العزيزة في أهلها، الذّليلة مع بعلها، المتبرجّة مع زوجها، الحصان مع غيره (4)، الّتي تسمع قوله، و تطيع امره، و اذا خلا بها بذلت له ما يريد منها، و لم تبذل كتبذّل الرّجل (5).

و قال صلّى اللّه عليه و آله و سلّم: افضل نساء امّتى اصبحهنّ وجها،

ص:77


1- علل الشرايع:2/566 باب 368 برقم 1.
2- الخصال:1/110 باب ثلاثة لا ينجبون برقم 80.
3- علل الشرايع:2/527 باب 310 برقم 1 [2] أقول: لا يخفى على المتضلع بأسانيد الروايات ان هذه الروايات الناهية عن التزويج بطائفة خاصة و حمل تلك النواهي على الكراهة رواتها اما مجاهيل او ضعاف، و على فرض وجود رواية صحيحة فهي لا تناهض العمومات المرغّبة للتزويج بكل امرأة واجدة للصفات الحسنه المنصوص عليها، و بإن الاسلام و الايمان يرفعان عن المسلم و المؤمن كل خصاصة و يجعلهم سواسية.
4- في الأصل: على غيره.
5- الفقيه:3/246 باب 110 حديث 1167.

و اقلهنّ مهرا (1).

و عن أمير المؤمنين عليه السّلام انّه قال: خير نسائكم الخمس، قيل:

و ما الخمس؟ قال: الهيّنة الليّنة المواتية، الّتي إذا غضب زوجها لم تكتحل بغمض حتّى يرضى، و اذا غاب عنها زوجها حفظته في غيبته، فتلك عامل من عمّال اللّه، و عامل اللّه لا يخيب (2).

و عن مولانا الباقر عليه السّلام انّه قال: خير النّساء الّتي اذا خلت مع زوجها فخلعت الدّرع خلعت معه الحياء، و إذا لبست الدّرع لبست معه الحياء (3).

و قال مولانا الصّادق عليه السّلام: خير نسائكم الطيّبة الرّيح، الطيبة الطبخ (4)الّتي إذا أنفقت أنفقت بمعروف، و إذا أمسكت أمسكت بمعروف، فتلك عامل من عمّال اللّه، و عامل اللّه لا يخيب و لا يندم (5).

و عن رسول اللّه صلّى اللّه عليه و آله و سلّم: انّ النّساء أربع: جامع مجمّع، و ربيع مربّع، و كرب مقمع، و غل قمل. و فسّرت الأولى بكثيرة الخير المخصبة، و الثّانية بالتي في حجرها ولد و في بطنها آخر، و الثالثة بسيئة الخلق مع زوجها، و الرابعة بالّتي هي عند زوجها كالغل القمل فلا يتهيّأ لزوجها أن يحذر منها شيئا (6). و روي انّه جاء رجل الى رسول اللّه صلّى اللّه عليه و آله و سلّم فقال: انّ لي زوجة اذا دخلت تلقّتني، و إذا خرجت شيعتنى، و اذا رأتني مهموما قالت: ما

ص:78


1- التهذيب:7/404 باب 43 حديث 1615.
2- الكافي:5/324 باب خير النساء حديث 5.
3- الكافي:5/324 باب خير النساء حديث 2.
4- في الاصل: الطبيخ.
5- الكافي:5/325 باب خير النساء حديث 6.
6- الفقيه:3/244 باب 108 حديث 1157.

يهمّك؟ إن كنت تهتمّ لرزقك فقد تكفّل به لك غيرك، و ان كنت تهتمّ لأمر آخرتك فزادك اللّه تعالى همّا. فقال رسول اللّه صلّى اللّه عليه و آله و سلّم: انّ للّه عمّالا، و هذه من عمّاله، لها نصف أجر الشّهيد (1).

و عن رسول اللّه صلّى اللّه عليه و آله و سلّم انّه قال: ألا أخبركم بشرار نسائكم؟ الذليلة في أهلها، العزيزة مع بعلها، العقيم الحقود الّتي لا تتورّع عن قبيح، المتبرّجة اذا غاب عنها بعلها، الحصان معه إذا حضر، التى (2)لا تسمع قوله، و لا تطيع أمره، و اذا خلا بها بعلها تمنّعت منه كما تمنع الصّعبة عند ركوبها، و لا تقبل منه عذرا، و لا تغفر له ذنبا (3).

و عنه صلّى اللّه عليه و آله و سلّم: انّ شرار نسائكم المعقرة الدّنسة اللّجوجة العاصية، الذليلة في قومها، العزيزة في نفسها، الحصان على زوجها، الهلوك على غيره (4).

و عن أمير المؤمنين عليه السّلام انّه قال: في آخر الزّمان و اقتراب السّاعة -و هو شرّ الأزمنة-نسوة كاشفات عاريات (5)متبرّجات، من الدين خارجات، في الفتن داخلات، مائلات الى الشهوات، مسرعات الى اللّذات، مستحلاّت المحرّمات، في جهنّم خالدات (6).

و قال صلّى اللّه عليه و آله و سلّم: ما اعطي أحد شيئا خيرا من امرأة صالحة،

ص:79


1- الفقيه:3/246 باب 110 برقم 1169.
2- لا توجد (التي) في الأصل.
3- الفقيه:3/247 باب 111 برقم 1176، و الكافي:5/325 باب شرار النساء حديث 1.
4- الكافي:5/326 باب شرار النساء حديث 2.
5- في الأصل: عاديات.
6- الفقيه:3/247 باب 111 حديث 1174.

إذا رآها سرّته، و اذا أقسم عليها أبرّته، و اذا غاب عنها حفظته، و ان أمرها أطاعته (1).

و عنه صلّى اللّه عليه و آله و سلّم انّه قال: قال اللّه عزّ و جلّ: إذا أردت أن أجمع للمسلم خير الدّنيا و خير الآخرة جعلت له قلبا خاشعا، و لسانا ذاكرا، و جسدا على البلاء صابرا، و زوجة مؤمنة تسرّه اذا نظر اليها، و تحفظه اذا غاب عنها في نفسها و ماله (2).

ثمّ انّ مريد التزويج إن تزوّج المرأة لجمالها و اقتصر على ذلك و لم يلاحظ جهات الدّين و التّقوى رأى ما يكره، و ان تزوّجها لمالها مقتصرا عليه و كله اللّه تعالى اليه، و ان تزوّجها لدينها رزقه اللّه الجمال و المال (3).

و يستحبّ تعجيل تزويج البنت، فإنّ تسعة أجزاء الشّهوة في النّساء و جزء في الرّجال (4)، أو عشرة في النّساء و واحد في الرّجال (5)، أو تسعة و تسعون في النّساء و واحدة فى الرّجال، على اختلاف الأخبار. فاذا هاجت شهوتها كانت لها شهوة تسعة رجال أو عشرة أو أزيد، و لو لا ما جعل اللّه سبحانه لهنّ من الحياء على قدر أجزاء الشهوة لتعلّقت تسع نساء برجل واحد (6). و قد أتى جبرئيل عليه السّلام الى النّبيّ صلّى اللّه عليه و آله و سلّم عن اللّطيف الخبير فقال

ص:80


1- تنبيه الخواطر/3.
2- الكافي:5/327 باب من وفق له الزوجة الصالحه برقم 2.
3- الكافي:5/333 باب فضل من تزوّج ذات دين. . . حديث 3 [3] بسند كالصحيح عن ابي عبد اللّه عليه السّلام قال: اذا تزوج الرجل المرأة [4]لجمالها أو مالها و كل الى ذلك، و اذا تزوجها لدينها رزقه اللّه الجمال و المال.
4- الكافي:5/338 باب فضل شهوة النساء على شهوة الرجال حديث 1.
5- الكافي:5/338 باب فضل شهوة النساء على شهوة الرجال حديث 2.
6- الكافي:5/339 باب فضل شهوة النساء على شهوة الرجال حديث 5.

انّ الأبكار بمنزلة الثّمر على الشّجر، إذا أدرك ثمارها فلم تجن أفسدته الشّمس، و نثرته الرّياح، و كذلك الأبكار إذا أدركن ما يدرك النّساء فليس لهنّ دواء الاّ البعولة، و الاّ لم يؤمن عليهنّ الفساد، لأنّهنّ بشر (1). و ورد أنّ من سعادة الرّجل أن لا تطمث ابنته في بيته (2). نعم يكره تزويج غير البالغة.

و عن الصادق عليه السّلام: انّ الصّغار اذا زوّجوا و هم صغار لم يكادوا ان يأتلفوا (3).

و يستحبّ للمرأة و أهلها اختيار الزّوج الذي يرضى خلقه، و دينه، و أمانته، و يكون عفيفا صاحب يسار (4).

و يكره تزويج شارب الخمر و سيّء الخلق و المخنّث (5). و لا بأس بالأحمق، لما ورد من انّه ينجب، بخلاف الحمقاء، فإنها لا تنجب (6).

ص:81


1- الكافي:5/337 باب ما يستحبّ من تزويج النساء عند بلوغهنّ حديث 2.
2- الكافي:5/336 باب ما يستحبّ من تزويج النساء عند بلوغهنّ حديث 1.
3- الكافي:5/398 باب ان الصغار اذا زوجوا لم يأتلفوا حديث 1.
4- الكافي:5/347 باب آخر منه برقم 1 و 2 و 3 و [4]باب الكفو حديث 1.
5- الكافي:5/347 باب كراهية ان ينكح شارب الخمر برقم 1، و وسائل الشيعة:14/54 باب 30 حديث 1 و 2.
6- التهذيب:7/406 باب 34 حديث 1623.

المقام الثّالث: ما يستحب عند الخطبة و العقد و العرس

انّه يستحبّ قبل كلّ من الخطبة-بالكسر-و العقد الخطبة بالحمد و الثّناء و الصّلاة على النّبيّ و آله الطّاهرين و الاستغفار و الوصيّة بتقوى اللّه سبحانه (1).

و يستحبّ الاشهاد و الإعلان عند العقد، و لا يجبان خلافا للعامة (2). و يكره التّزويج و القمر في برج العقرب (3)، و العقد في ساعة حارّة عند نصف النّهار، للنّصّ بذلك عن الأطهار سلام اللّه عليهم اجمعين (4). و قد جرّبت من غير مستند شرعيّ فوجدت حسن العقد تحت السّماء، و سوء عاقبة العقد تحت السّقف في الغالب. و لا يكره التّزويج في شوّال لتزويج النّبيّ صلّى اللّه عليه و آله و سلّم عائشة فيه، و للنّصوص (5).

و يستحبّ تخفيف مؤونة التّزويج و تقليل المهر، فانّ شوم المرأة غلاء مهرها (6). و يستحبّ ان لا يتجاوز به مهر السّنّة، بل يكره التجاوز، و قدره خمسمائة درهم جياد (7)، و هو بحساب عصرنا ثلثمائة و خمسة و سبعون مثقالا

ص:82


1- الكافي:5/369 باب خطب النكاح حديث 1، و 370 حديث 2 و 371 برقم 3 و 4.
2- الكافي:5/387 باب التزويج بغير بيّنة حديث 4 [1] بسنده قال: قال ابو الحسن موسى عليه السّلام لابي يوسف القاضي: انّ اللّه تبارك و تعالى امر في كتابه بالطلاق، و اكّد بشاهدين، و لم يرض بهما الاّ عدلين، و امر في كتابه بالتزويج فأهمله بلا شهود، فاثبتّم شاهدين فيما أهمل، و أبطلتم الشاهدين فيما أكّد.
3- التهذيب:7/407 باب 35 حديث 1628.
4- الكافي:5/366 باب الوقت الذي يكره فيه التزويج حديث 1.
5- التهذيب:7/475 باب 41 حديث 1905.
6- الكافي:5/324 باب خير النساء حديث 4 [3] بسنده قال رسول اللّه صلّى اللّه عليه و آله و سلّم: أفضل نساء امّتي أصبحهن وجها و أقلهنّ مهرا. و الخصال:1/100 حديث 53.
7- التهذيب:7/354 باب 31 حديث 1440 و 1443.

صيرفيا فضّة جيّدة مسكوكة. و لا تقدير فى طرف القلّة. و روي كراهة ان يكون أقل من عشرة دراهم (1).

و يستحبّ اذا اراد الزّفاف الوليمة يوما او يومين لا ثلاثة، فانّ الثالثة بدعة (2).

و ينبغي ان يدعى لها المؤمنون. و يستحبّ الإجابة و لا تجب خلافا لجمع من العامّة (3).

و اذا حضر استحبّ له الأكل و ان كان صائما ندبا، لما ورد من أفضليّة الافطار في منزل المؤمن من الامساك بسبعين أو تسعين ضعفا (4). و قد ورد أنّ لطعام العرس رائحة ليست برائحة غيره، لانّه ما من عرس يكون ينحر فيه جزورا، أو يذبح بقرة، أو شاة إلاّ بعث اللّه ملكا معه قيراط من مسك الجنّة حتّى يديفه في طعامهم، فتلك الرائحة الّتي تشمّ منه (5).

و يستحبّ ان يكون الاطعام نهارا، و الزّفاف ليلا (6).

و يستحبّ مشايعة العروس و زفافها من دارها إلى دار الزّوج. و أن يشتغل

ص:83


1- مستدرك وسائل الشيعة:2/606 باب 6 برقم 1 [1] بسنده عن علي عليه السّلام قال: انّي لاكره ان يكون المهر أقلّ من عشرة دراهم، لكيلا يشبه مهر البغي، و وسائل الشيعة:14/ 11 باب 6 حديث 1.
2- الكافي:5/368 باب الاطعام عند التزويج حديث 3 و 4.
3- قال في جواهر الكلام كتاب النكاح في المبحث الثاني: و [3]لا تجب الاجابة عندنا للاصل و غيره، بل تستحب خلافا للمحكّي عن بعض العامّة فتجب للنبوي «من دعي الى وليمة و لم يجب فقد عصى اللّه و رسوله» و حيث انه لم تجتمع فيه شرائط الحجّية لزم حملها على الاستحباب.
4- ثواب الأعمال/107 باب ثواب من أفطر في منزل اخيه 1.
5- الكافي:6/282 باب الولائم حديث 5 و 6.
6- مستدرك وسائل الشيعة:2/539 باب 31 برقم 3.

الزّفّ بالتكبير في تلك الحال، و أن تركب العروس من دارها الى دار الزّوج (1).

و يكره الزّفاف ليلة الأربعاء (2).

و يجوز نثر المال من مأكول و غيره في الاعراس، بل لا يبعد رجحانه، لما روى من قضيّة نثار أشجار الجنّة في عرس الصدّيقة الكبرى سلام اللّه عليها.

و أخذ ما ينثر و أكله جايزان ان كان هناك اذن صريح او شاهد حال كما هو الغالب. و في تملّك الآخذ له بالأخذ و عدمه بمعنى كونه إباحة محضة قولان لا ثمرة لهما، لجواز رجوع المالك قبل التلف على القولين، و ان كان الاقوى اوّلهما (3).

ص:84


1- الفقيه:3/253 باب 118 حديث 1202 روي عن جابر بن عبد اللّه الانصاري، قال: لمّا زوّج رسول اللّه صلّى اللّه عليه و آله و سلّم فاطمة من عليّ عليهما السّلام اتاه اناس من قريش، فقالوا: انّك زوّجت عليّا بمهر خسيس، فقال لهم: ما انا زوّجت عليّا، و لكن اللّه عزّ و جلّ زوّجه ليلة اسري بي عند سدرة المنتهى، اوحى اللّه عزّ و جلّ الى السدرة ان انثري، فنثرت الدر و الجوهر على الحور العين، فهنّ يتهادينه و يتفاخرن به و يقلن: هذا من نثار فاطمة بنت محمّد صلّى اللّه عليه و آله و سلّم. فلمّا كانت ليلة الزفاف اتى النبي صلّى اللّه عليه و آله و سلّم ببغلته الشهباء و ثنى عليها قطيفة و قال لفاطمة عليها السّلام: اركبي. و امر سلمان رحمه اللّه ان يقودها و النبي صلّى اللّه عليه و آله و سلّم يسوقها، فبينا هو في بعض الطريق اذ سمع النبي صلّى اللّه عليه و آله و سلّم وجبة فاذا هو بجبرئيل عليه السّلام في سبعين الفا و ميكائيل في سبعين الفا، فقال النبي صلّى اللّه عليه و آله و سلّم: ما اهبطكم الى الارض؟ قالوا: جئنا نزفّ فاطمة الى زوجها، و كبّر جبرئيل و كبّر ميكائيل عليه السّلام و كبّرت الملائكة، و كبّر محمد صلّى اللّه عليه و آله و سلّم فوضع التكبير على العرائس من تلك الليلة.
2- الكافي:5/366 باب الوقت الذي يكره فيه التزويج حديث 3.
3- اقول: لا شبهة في جواز نثر المال في كلّ مورد راجح عقلا ا [2]و شرعا و عرفا ما لم يصدق عليه عنوان الاسراف او التبذير، لعموم سلطنة الناس على اموالهم، كما و لا ريب في جواز التصرف بالمنثور، لكن الكلام في ان نثر الناثر هل هو اباحة محضة، بحيث يجوز لمن حازه ان يأكل المنثور اذا كان ممّا يؤكل، و ليس له ادّخاره او هبته او بيعه، أو أنه إباحة تمليكيّة، فيجوز للحائز-

و يستحبّ عند إدخال العروس على زوجها أن يكونا على طهر، و أن يستقبل الرّجل القبلة و يضع يده على ناصيتها و يقول: «اللّهمّ على كتابك تزوّجتها، و في أمانتك أخذتها، و بكلماتك استحللت فرجها، فإن قضيت لي في رحمها شيئا فاجعله مسلما سويّا، و لا تجعله شرك شيطان» (1).

و في رواية أخرى: «فإن قضيت لي منها ولدا فاجعله مباركا تقيّا من شيعة آل محمّد صلوات اللّه عليهم، و لا تجعل فيه للشيطان 2شركا و لا نصيبا» 3.

و يستحبّ أن يخلع الزّوج خفيّها حين تجلس، و يغسل رجليها، و يصبّ الماء من باب داره إلى أقصى الدّار 4. و أن يصلّي ركعتين إن خاف أن تكرهه، و يأمرها بصلاة ركعتين، ثمّ يحمد اللّه عزّ و جلّ و يصلّى على النّبيّ محمّد و آله، ثمّ يدعو اللّه تعالى، و يأمر من معها أن يأمّنوا على دعائه، و يقول: «اللّهمّ ارزقني إلفها و ودّها و رضاها، و ارضني بها، و اجمع بيننا بأحسن اجتماع و آنس ايتلاف، فانّك تحبّ الحلال و تكره الحرام» 5.

و يستحبّ ان يمنع العروس في اسبوع العرس من أكل الألبان و الخلّ

ص:85


1- الكافي:5/501 باب القول عند دخول الرجل باهله حديث 1 و 3.

و الكزبرة و التّفاح الحامض، لا يراثها البرودة في الرّحم (1).

و يستحبّ تهنئة المتزوّج في ايّام الزواج بقول: على الخير و البركة (2).

ص:86


1- الامالي: للشيخ الصدوق/566 المجلس الرابع و [1]الثمانون حديث 1.
2- الكافي:5/568 باب النوادر برقم 52.

المقام الرابع: في آداب الجماع:

يستحب لمريد الجماع المكث و اللبث، و الملاعبة و المداعبة، فإنّه أطيب للأمر (1)، و انّ للنساء حوائج، و انّ جماعها قبل الملاعبة من الجفاء (2).

و يكره التعجيل كالطّير للنهى عنه (3). و يستحبّ إتيان الزوجة عند ميلها إلى ذلك، فانّ ذلك من الزّوج عليها صدقة (4)، و كذا يستحب اتيانها إذا رأى امرأة فأعجبته، فإنّ عند أهله ما رأى، فلا يجعلنّ للشيطان على قلبه سبيلا، [و]ليصرف بصره عنها، فان لم تكن له زوجة فليرفع نظره إلى السماء و ليراقبه، و ليسأله من فضله (5). و أفضل منه أن يصلّى ركعتين و يحمد اللّه كثيرا، و يصلّى على النّبي صلّى اللّه عليه و آله و سلّم، ثم يسأل اللّه من فضله، فانّه يتيح له (6)من رأفته ما يغنيه (7).

ص:87


1- الخصال:2/637 حديث الاربعمائة، و وسائل الشيعة:14/82 باب 56 حديث 3.
2- قرب الاسناد:74 [1] بسنده قال: قال رسول اللّه صلّى اللّه عليه و آله و سلّم: ثلاثة من لجفاء: ان يصحب الرجل الرجل فلا يسأله عن اسمه و كنيته، و ان يدعى الرجل الى طعام فلا يجيب، أو يجيب فلا ياكل، و مواقعة الرجل أهله قبل المداعبة. و انظر: الكافي:5/497 باب النوادر برقم 2.
3- الكافي:5/497 باب النوادر برقم 2.
4- قرب الاسناد:32.
5- الكافي:5/494 باب ان النساء اشباه حديث 2.
6- ايّ يقدّر له و ييسّر. [منه (قدس سره)].
7- الخصال:2/637 حديث الاربعمائة.

و يستحب التسمية عند الجماع و الاستعاذة باللّه من الشيطان الرجيم (1)، و طلب الولد المسلم السويّ الصالح المصفّى من الشيطان كأن يقول: «بسم اللّه الرحمن الرحيم الذي لا إله الاّ هو، بديع السموات و الأرض، اللّهم جنّبني الشيطان، و جنّب الشيطان ما رزقتني، اللّهم بكلماتك استحللت فرجها، و بأمانتك أخذتها، اللهم فإن قضيت لي في هذه الليلة خليفة فلا تجعل للشيطان فيه شركا، و لا نصيبا، و لا حظّا، و اجعله مسلما، مؤمنا، تقيّا، زكيّا، مخلصا، مصفّى من الشيطان و رجزه جلّ ثناؤك» (2).

و قد ورد أن الرّجل اذا لم يسمّ اللّه تعالى عند الجماع جاء الشيطان و قعد كما يقعد الرّجل منها، و ينزل كما ينزل، و يحدث كما يحدث، و ينكح كما ينكح، فإن ولد الولد من نطفته كان مبغض أهل البيت عليهم السّلام، و إن ولد من نطفة الرجل كان محبّا لهم (3).

و يكره الكلام عند الجماع بغير ذكر اللّه تعالى و الدّعاء، فعن النّبيّ صلّى اللّه عليه و آله و سلّم انّ منه خرس الولد (4). و كذا يكره الجماع مختضبا زوجا كان أو زوجة، خوفا من خروج الولد مخنّثا (5). و عاريا كالحمارين، فانّ الملائكة تخرج من بينهما إذا فعلا ذلك (6). و مستقبل القبلة و مستدبرها (7)، و في السفينة، و على ظهر

ص:88


1- الكافي:5/502 باب القول عند الباه و ما يعصم من مشاركة الشيطان حديث 1.
2- الكافي:5/503 باب القول عند الباه و ما يعصم من مشاركة الشيطان حديث 4.
3- وسائل الشيعة:14/96 باب 68 برقم 2.
4- طبّ الأئمة/135، التهذيب:7/413 باب 36 برقم 1653.
5- طبّ الأئمة:135.
6- علل الشرايع/518 باب 289 برقم 8.
7- التهذيب:7/412 باب 36 برقم 1646.

طريق عامر (1)، و بعد الاحتلام قبل الغسل خوفا من جنون الولد (2). و ربّما اكتفى جماعة في رفع الكراهة بالوضوء، و لم أجد به دليلا.

و لا يكره الجماع عقيب الجماع (3).

و يكره الجماع ليلة الخسوف، و يوم الكسوف، و اليوم و اللّيلة اللذين تكون فيهما الزّلزلة، و عند الرّيح السّوداء أو الصّفراء أو الحمراء (4)، و بعد الغروب إلى ذهاب الشفق، و بعد الفجر الى طلوع الشّمس، و حين تطلع الشّمس و هي صفراء، و حين تصفّر قبل الغروب و بعد الظهر خوفا من كون الولد أحول (5)، و ليلة الفطر خوفا من كون الولد كثير الشّرّ، و أن لا يلد إلاّ على كبر السّنّ، و ليلة الأضحى خوفا من زيادة إصبع أو نقصانها (6)، و ليلة الاربعاء (7)، و في أوّل ليلة من كلّ شهر و وسطه و آخره، و إلاّ سقط الولد أو خرج مجنونا مخبّلا، ألا ترى أنّ المجنون اكثر ما يصرع في أوّل الشهر و وسطه و آخره (8)و في خبر انّه يكون الولد مقلا، فقيرا، فئيلا، ممتحنا (9).

ص:89


1- وسائل الشيعة:7/98 باب 69 حديث 3.
2- المحاسن:321 كتاب العلل حديث 60.
3- اقول: صرّحت أحاديث الباب بكراهة مقاربة المحتلم لزوجته، اما الجماع بعد الجماع فلا دليل على كراهته.
4- مستدرك وسائل الشيعة:2/545 باب 27 حديث 1 و 2. و [2]الكافي:5/498 باب الاوقات التي يكره فيها الباه حديث 1.
5- الامالي للشيخ الصدوق:566 المجلس الرابع و [4]الثمانون حديث 1.
6- الحديث المتقدم.
7- الكافي:5/366 باب الوقت الذي يكره فيه التزويج حديث 3.
8- الكافي:5/499 باب الاوقات التي يكره فيها الباه حديث 2 و 3 و [6]طبّ الأئمّة:134.
9- لم اظفر على هذه الرواية.

و يستثنى من ذلك شهر رمضان، فيستحبّ في أوّل ليلة منه (1). و كذا يكره الجماع في محاق الشهر إذا بقي منه يوم أو يومان خوفا من سقط الولد، أو كونه عشارا (2)و عونا للظّالم، و هلاك فئام (3)من النّاس على يده (4)، و ليلة النّصف من شعبان خوفا من كون الولد مشوها ذا شامة في وجهه (5)، و في اللّيلة الّتي يسافر فيها، لئلاّ ينفق الولد ماله في غير حق، و كونه جوالة، و في السّفر الّذي هو مسيرة ثلاثة ايّام و لياليهنّ، خوفا من كون الولد عونا لكلّ ظالم (6)، و تحت السّماء من دون حائل، و على سقوف البنيان، لئلاّ يكون الولد منافقا، مماريا، مبدعا، مبتدعا (7)، و مستقبلا للشّمس إلاّ مع ساتر، خوفا من فقر الولد و بؤسه حتّى يموت، و قائما و إلاّ خرج الولد بوّالا في الفراش، و تحت الاشجار المثمرة، فان فعل خرج الولد جلاّدا، قتّالا، و بين الأذان و الإقامة، خوفا من حرص الولد على إهراق الدّماء (8)، و على غير وضوء، خوفا من بخل الولد و عمى القلب، و بشهوة امرأة الغير، و الاّ خرج الولد مخنّثا، و على الامتلاء،

ص:90


1- الفقيه:2/112 باب 58 حديث 481 و قال امير المؤمنين صلوات اللّه عليه: يستحب للرجل أن يأتي أهله أول ليلة من شهر رمضان لقول اللّه عز و جل: أُحِلَّ لَكُمْ لَيْلَةَ اَلصِّيامِ اَلرَّفَثُ إِلى نِسائِكُمْ، سورة البقرة آيه 187.
2- العشار: هو الذي ياخذ العشر من المتاع بأمر الظالم، مجمع البحرين.
3- الفئام-بالكسر و الهمزة-: الجماعة. (منه قدس سره) .
4- الامال للصدوق:566 المجلس الرابع و الثمانون حديث 1.
5- الامالي للشيخ الصدوق:566 المجلس الرابع و [2]الثمانون حديث 1.
6- الفقيه:3/360 باب 178 النوادر حديث 1712.
7- الفقيه:3/359 باب 178 النوادر برقم 1712.
8- الفقيه:3/359 باب 178 النوادر برقم 1712. و الامالي للشيخ الصدوق/566 المجلس الرابع و [3]الثمانون حديث 1.

فانّه يهدم البدن، و ربّما قتل، و مثله في ذلك نكاح العجائز، و في مكان لا يوجد فيه الماء الاّ لضرورة لكونه شبقا، و الجماع و عليه خاتم فيه اسم اللّه أو شيء من القرآن، و الجماع و في البيت صبيّ أو صبيّة مميزان يحسنان وصف الحال، أو خادم يرى أو يسمع، خوفا من كونه زانيا، و كون الولد شهرة علما في الفسق و الفجور، و جماع الحرّة عند الحرّة، و لا بأس بجماع الأمة بين يدي الإماء. و كذا يكره تمسّحهما بخرقة واحدة، خوفا من وقوع العداوة بينهما المؤدّية إلى الفرقة و الطّلاق، و النظر الى فرج المرأة حال الجماع، خوفا من عمى الولد، و ابن حمزة على تحريمه، و لا بأس به في غير حال الجماع، و لا بالنظر اليها و هي عريانة، و قد سئل الصّادق عليه السّلام عن الأخير فقال: هل اللّذة إلاّ ذاك؟ و لا بأس بتقبيل قبل المرأة ما لم يؤدّ إلى الذّل، و لا بوضع الاصبع في فرجها.

و يستحبّ الجماع ليلة الجمعة بعد صلاة العشاء، لرجاء كون الولد من الأبدال، و يوم الجمعة ليكون خطيبا، قوّالا، مفوّها، و بعد عصرها ليكون مشهورا عالما، و ليلة الاثنين ليكون حافظا للقرآن راضيا بالمقسوم، و ليلة الثلاثاء ليكون شهيدا بعد شهادة أن لا اله الاّ اللّه و انّ محمّدا رسول اللّه صلّى اللّه عليه و آله و سلّم، و يكون رحيم القلب، سخّي اليد، طيّب النّكهة و الفم، طاهر اللّسان من الغيبة و الكذب و البهتان، و ليلة الخميس ليكون حاكما أو عالما، و يومه عند الزّوال لئلاّ يقرب الشيطان الولد إلى الشيب، و يكون فهيما سالما في الدّارين (1).

و يستحبّ زيادة السّتر حال الجماع، بحيث لا يرى أحد، و لا يسمع حتّى الطّفل الّذي يحسن أن يصف. و قد ورد الأمر بتعلّم ثلاث من الغراب:

ص:91


1- جميع المكروهات المذكورة هنا ذكرها شيخنا الوالد رضوان اللّه تعالى عليه في موسوعته الفقهية الثمينة مناهج المتقين:347 في المقام الثاني من آداب الجماع، فراجع.

أحدها الاستتار بالسّفاد، و كان مولانا زين العابدين عليه السّلام إذا أراد أن يغشى أهله أغلق الباب، و أرخى السّتر، و أخرج الخدم (1).

و ينبغى لمن فرغ من الجماع أن لا يقوم قائما، و لا يجلس جالسا، و لكن يميل على يمينه ثمّ ينهض، و أن يبول من ساعته حتّى يأمن من الحصاة بإذن اللّه تعالى (2).

و يستحبّ كثرة الزّوجات تأسّيا بالنّبيّ صلّى اللّه عليه و آله و سلّم، و قد بدأ اللّه تعالى في قوله فَانْكِحُوا ما طابَ لَكُمْ مِنَ اَلنِّساءِ (3)بمثنى و ثلاث و رباع، و جعل الواحدة لمن خاف ترك العدل بينهنّ في القسمة، و الحقوق الواجبة. و عن الصّادق عليه السّلام انّه قال: في كلّ شيء إسراف إلاّ في النّساء (4).

و ينبغي لمن عنده نساء متعدّدات أن يكفيهنّ، و قد ورد أنّ من جمع من النّساء ما لا ينكح فزنى منهنّ شيء فالإثم عليه (5).

و اعلم انّه قد اختلفت الأخبار في كثرة الجماع، فورد مدحه في أكثرها، ففي عدّة منها انّها من سنن المرسلين (6)، و في عدّة أخرى الأمر بتعلّم خمس خصال من الدّيك: المحافظة على أوقات الصّلاة، و الغيرة، و السّخاء،

ص:92


1- الكافي:5/500 باب كراهة ان يواقع الرجل أهله و في البيت صبيّ حديث 2 و [1]وسائل الشيعة: 14/94 باب 97 حديث 2.
2- مستدرك وسائل الشيعة:2/562 باب 16 حديث 19.
3- سورة النساء:3.
4- تفسير العياشي:1/218 برقم 23.
5- الكافي:5/566 باب نوادر برقم 42.
6- الكافي:5/320 باب حبّ النساء برقم 3.

و الشجاعة، و كثرة الطروقة (1).

و ورد في عدّة أخبار أخر النّهي عن كثرة الجماع، و أنّ من أراد البقاء و لا بقاء فليباكر بالغداء، و ليخفّف الرّداء، و ليقلّ غشيان النساء (2). و لم أقف على من تصدّى لدفع التّنافي بين الطائفتين، و يحتمل-و اللّه العالم-أن يكون استحباب الاكثار لمن ساعد عليه مزاجه و بدنه، و الاقلال لمن لا يساعد، فإنّ الرّجال في ذلك مختلفون، فمنهم من لا يضعفه الجماع بل يقوّيه، و منهم من يضعفه، فكلّ طائفة في بيان حكم فريق، بل رجل واحد يختلف باختلاف الأزمنة.

و قد ورد أنّ الرّسول الاكرم صلّى اللّه عليه و آله و سلّم كان أوّلا كساير الرّجال، إلى أن أهدى اللّه تعالى اليه هريسة من الجنّة، فأكل منها، فأعطي من تلك الأكلة في المباضعة قوّة أربعين رجلا، فكان إذا شاء غشى نساءه كلهنّ في ليلة واحدة (3).

ص:93


1- عيون أخبار الرضا عليه السّلام/153.
2- وسائل الشيعة:14/180 باب 140 حديث 6.
3- الكافي:5/565 باب النوادر حديث 41.

المقام الخامس: في جملة من آداب عشرة الزّوجين

يستحبّ حبس المرأة في البيت، فلا تخرج لغير حاجة و ضرورة، و لا يدخل عليها أحد من الرّجال غير محارمها، لما ورد عن النّبيّ صلّى اللّه عليه و آله و سلم من أنّ النساء عيّ و عورة، فاستروا عيّهنّ بالسّكوت و عوراتهنّ بالبيوت.

و عن أمير المؤمنين عليه السّلام في رسالته إلى الحسن عليه السّلام: انّ شدّة الحجاب خير لك و لهنّ من الارتياب، و ليس خروجهنّ بأشدّ من دخول من لا يوثق به عليهنّ، فان استطعت أن لا يعرفن غيرك من الرّجال (1).

و عنه صلّى اللّه عليه و آله و سلّم: انّ الرّجال خلقوا من الأرض، و انّما همّهم في الأرض، و خلقت المرأة من الرّجل، و انّما همّها في الرجال، فاحبسوا نساءكم معاشر الرّجال (2).

و عن سيّدة النساء سلام اللّه عليها أنّها قالت: خير للنّساء أن لا يرين الرّجال و لا يراهنّ الرّجال (3).

و عن النّبيّ صلّى اللّه عليه و آله و سلّم انّه قال: اشتدّ غضب اللّه عزّ و جلّ على امرأة ذات بعل ملأت عينها من غير زوجها، و غير ذي محرم منها، فإنّها إن فعلت ذلك أحبط اللّه عزّ و جلّ كلّ عمل عملته، فإن أوطأت فراشه غيره كان حقّا على اللّه أن يحرقها بالنّار بعد أن يعذّبها في قبرها (4).

ص:94


1- نهج البلاغة:3/63 [1] في وصية أمير المؤمنين لشبله الحسن عليهما السّلام.
2- الكافي:5/337 باب ما يستحب من تزويج النساء عند بلوغهن و تحصينهن بالأزواج حديث 6.
3- وسائل الشيعة:14/43 باب 24 حديث 7.
4- عقاب الأعمال/238 باب يجمع عقوبات الأعمال حديث 1: و [4]الحديث طويل.

و ورد أمر النّبيّ صلّى اللّه عليه و آله و سلّم عدّة من نسائه بالتستر عند حضور الأعمى، فقالت بعضهنّ: انّه أعمى لا يبصر، فقال: أعمياوان أنتما؟ ! أ لستما تبصرانه (1)؟ ! .

و تجب الغيرة على الرّجال، و عن النّبيّ صلّى اللّه عليه و آله و سلّم: انّ الغيرة من الايمان (2). و انّ الجنّة ليوجد ريحها من مسيرة خمسمائة عام و لا يجدها عاقّ، و لا ديّوث، قيل: يا رسول اللّه! و ما الدّيوث؟ قال: الّذي تزني امرأته و هو يعلم بها (3).

و لا تجوز الغيرة من النساء، فعن مولانا الصّادق عليه السّلام انّه قال:

غيرة النساء الحسد، و الحسد هو أصل الكفر، إنّ النّساء اذا غرن غضبن، و اذا غضبن كفرن، الاّ المسلمات منهنّ (4).

و يجب على المرأة تمكين زوجها من نفسها حيثما شاء، و لا يجوز التأخير و لو بإطالة الصّلاة عمدا (5). و لا يجوز للمرضعة منع زوجها من الوطي خوفا من حدوث الحمل (6). و من حقّه عليها أن تطيعه و لا تعصيه، و لا تتصدّق (7)من بيته

ص:95


1- الكافي:5/534 باب في نحو ذلك حديث 2 [1] بمعناه.
2- الكافي:5/536 باب الغيرة حديث 3. و [2]الفقيه:3/281 برقم 1342.
3- الفقيه:3/281 باب 133 حديث 1343.
4- وسائل الشيعة:14/110 باب 78 حديث 3.
5- الكافي:5/508 باب كراهية ان تمنع النساء أزواجهن حديث 1 و 2.
6- التهذيب:7/418 باب 36 برقم 1673. اقول: وجوب تمكين الزوجة زوجها إذا كانت على طهر و لم يكن مانع شرعي ممّا اتفق عليه الفقهاء، و من تلك الموارد المورد المذكور. نعم، اذا كان الحمل مضرا بها ضررا على نفسها او على بعض اعضائها، او كان مضرّا بالرضيع، جاز لها الامتناع من التمكين، و قد يجب، و اللّه العالم.
7- في المتن: تصدق.

إلاّ بإذنه، و لا تصوم تطوّعا إلاّ بإذنه، و لا تمنعه نفسها و إن كانت على ظهر قتب (1)، و لا تخرج من بيتها إلاّ بإذنه، و إن خرجت بغير إذنه لعنتها ملائكة السماء، و ملائكة الارض، و ملائكة الغضب، و ملائكة الرّحمة، حتّى ترجع الى بيتها (2)، و عليها أن تطيب بأطيب طيبها، و تلبس أحسن ثيابها، و تزيّن بأحسن زينتها، و تعرض نفسها عليه غدوة و عشيّة، و أزيد من ذلك حقوقه عليها (3)و لا يجوز لها أن تسخط زوجها، و لا أن تتطيّب و تتزين لغيره، فإن فعلت وجب عليها إزالته. و عن الصّادق عليه السّلام أنّه قال: ايّما امراة باتت و زوجها عليها ساخط في حقّ لم تتقبّل منها صلاة حتّى يرضى منها، و أيّما امرأة تطيّبت بغير إذن زوجها لم يقبل اللّه منها صلاة حتّى تغتسل من طيبها كغسلها من جنابتها (4).

و إنّ المرأة إذا صلّت خمسها، و صامت شهرها، و حجّت بيت ربّها، و أطاعت زوجها، و عرفت حقّ عليّ عليه السّلام، فلتدخل من أيّ أبواب الجنان شاءت (5).

و انّ رسول اللّه صلّى اللّه عليه و آله و سلّم نهى أن تخرج المرأة من بيتها بغير إذن زوجها، فان خرجت لعنها كلّ ملك في السّماء، و كلّ شىء تمرّ عليه من الجنّ و الانس حتّى ترجع الى بيتها.

و نهى صلّى اللّه عليه و آله و سلّم ان تتزيّن لغير زوجها، فان فعلت كان حقّا على اللّه أن يحرقها بالنّار (6).

ص:96


1- القتب: هو رحل البعير يكون صغيرا على قدر السنام. مجمع البحرين.
2- الفقيه:3/277 باب 130 حديث 1314.
3- الكافي:5/508 باب حق الزوج على المرأة حديث 7.
4- الكافي:5/507 باب حق الزوج على المرأة حديث 2.
5- الفقيه:3/279 باب 131 حديث 1332.
6- وسائل الشيعة:14/114 باب 80 حديث 6.

و قال مولانا الصّادق عليه السّلام: أيّما امرأة قالت لزوجها: ما رأيت قطّ من وجهك خيرا، فقد حبط عملها (1).

و سئل باب الحوائج عليه السّلام عن الامرأة المغاضبة زوجها هل لها صلاة؟ او ما حالها؟ فقال عليه السّلام: لا تزال عاصية حتّى يرضى عنها (2).

و ورد أنّ جهاد المرأة حسن التّبعّل (3). و انّه لو جاز سجود أحد لأحد لأمرت المرأة بالسجود لزوجها (4).

و يحرم على كلّ من الزّوجين إيذاء الآخر من غير حقّ، فعن النّبيّ صلّى اللّه عليه و آله و سلّم: انّ من كانت له امرأة تؤذيه لم يقبل اللّه صلاتها و لا حسنة من عملها حتّى تعتبه و ترضيه، و إن صامت الدّهر و قامت، و أعتقت الرّقاب، و أنفقت الأموال في سبيل اللّه، و كانت أوّل من ترد النّار، و على الرّجل مثل ذلك الوزر إذا كان لها مؤذيا (5).

و يستحبّ للزّوج الصّبر على أذيّة زوجته، و قد ورد أنّ من صبر على سوء خلق امرأته و احتسبه عند اللّه كان له بكلّ مرّة يصبر عليها من الثّواب مثل ما أعطي أيّوب على بلائه، و كان عليها من الوزر في كلّ يوم و ليلة مثل رمل عالج، فإن ماتت قبل أن تعتبه و قبل أن يرضى عنها حشرت يوم القيامة منكوسة مع المنافقين في الدّرك الأسفل من النّار، و من كانت له امرأة، و لم توافقه، و لم تصبر على ما رزقه اللّه، و شقّت عليه، و حمّلته ما لم يقدر عليه، لم يقبل اللّه لها حسنة

ص:97


1- الفقيه:3/278 باب 130 حديث 1325.
2- بحار الأنوار:10/285 باب 17 [1] الأخبار التي رواها على بن جعفر رحمه اللّه.
3- الفقيه:3/278 باب 130 حديث 1319.
4- الفقيه:3/277 باب 130 حديث 1316.
5- عقاب الأعمال/335.

تتقّى بها النّار، و غضب اللّه عليها ما دامت كذلك (1).

و يستحب للزّوج إكرام المرأة و الاحسان إليها و العفو عن ذنبها، لأنها ضعيفة و أسيرة و عورة، و قد استرحم مولانا الصّادق عليه السّلام على عبد أحسن فيما بينه و بين زوجته، لأنّ اللّه قد ملّكه ناصيتها، و جعله القيّم عليها (2).

و لعن رسول اللّه صلّى اللّه عليه و آله و سلّم من ضيّع من يعول (3)، و جعل خير النّاس خيرهم لأهله (4).

و يستحبّ مداراة الزّوجة و الجواري، لما ورد من أنّ مثلهنّ مثل الضلع المعوّج، إن أقمته كسرته، و ان تركته استمتعت به، اصبر عليها (5).

و يكره ضرب الزّوجة و ان كان بحق، لأنّها لعبة من اتّخذها فلا يضيّعها، و كيف يجتمع ضربها مع معانقتها (6)؟ !

و يستحبّ للزّوجة خدمة زوجها في البيت، و قد ورد أنّ أيّ امرأة خدمت زوجها سبعة أيّام أغلق اللّه عنها سبعة أبواب النار، و فتح لها ثمانية أبواب الجنّة تدخل من أيّها شاءت (7). و ما من امرأة تسقي زوجها شربة من ماء إلاّ كان خيرا لها من عبادة سنة، صيام نهارها، و قيام ليلها، و يبني اللّه لها بكلّ شربة تسقي

ص:98


1- عقاب الاعمال/339.
2- الحديث المتقدم.
3- الفقيه:3/362 باب 178 حديث 1720.
4- الفقيه:3/362 باب 178 حديث 1721.
5- الكافي:5/513 باب مداراة الزوجة حديث 2.
6- الكافي:5/509 باب إكرام الزوجة حديث 1. و [2]وسائل الشيعة:14/120 باب 87 [3]احاديث الباب.
7- وسائل الشيعة:14/123 باب 89 حديث 2.

زوجها مدينة في الجنّة، و غفر لها ستّين خطيئة (1). و انّه ما من امرأة تكسو زوجها إلاّ كساها اللّه يوم القيامة سبعين خلعة من الجنة، كل خلعة منها مثل شقايق النّعمان و الرّيحان، و تعطى يوم القيامة أربعون جارية تخدمها من الحور العين (2).

و يستحبّ أن تعرض نفسها عليه كل ليلة، لما عن النّبيّ صلّى اللّه عليه و آله و سلّم من انّه: لا يحلّ لامرأة أن تنام حتّى تعرض نفسها على زوجها، تخلع ثوبها و تدخل معه في لحافه فتلزق جلدها بجلده، فاذا فعلت ذلك فقد عرضت (3).

و يكره إنزال النّساء الغرف و ركوبهنّ السّرج، و كذا تعليمهنّ الكتابة و سورة يوسف، فانّ فيها الفتن (4).

و يستحبّ تعليمهنّ الغزل و سورة النّور، لانّ فيها المواعظ (5).

و يجب أمر الأهل بالمعروف و النّهى عن المنكر (6). و يكره اطاعتهنّ، و قد قالوا عليهم السّلام: تعوّذوا باللّه من طالحات النساء و شرارهنّ، و كونوا من خيارهنّ على حذر، و لا تطيعوهنّ في المعروف فيأمرنكم بالمنكر (7). و قال أمير المؤمنين عليه السّلام: معاشر النّاس لا تطيعوا النّساء على حال، و لا تأمنوهنّ

ص:99


1- وسائل الشيعة:14/123 باب 89 حديث 3.
2- مستدرك وسائل الشيعة:2/549 باب 60 حديث 2.
3- وسائل الشيعة:14/126 باب 91 برقم 5.
4- الكافي:5/516 باب في تأديب النّساء حديث 1 و 3 و [4] 4.
5- الكافي:5/516 باب في تأديب النّساء حديث 2.
6- الفقيه:3/280 باب 231 حديث 1334: و سئل الصادق عليه السّلام عن قول اللّه عزّ و جلّ قُوا أَنْفُسَكُمْ وَ أَهْلِيكُمْ ناراً كيف نقيهنّ؟ قال: تأمرونهنّ و تنهونهنّ، قيل له: إنّا نأمرهنّ و ننهاهنّ فلا يقبلن، قال: إذا أمرتموهن و نهيتموهنّ فقد قضيتم ما عليكم.
7- الكافي:5/517 باب في ترك طاعتهنّ برقم 7.

على مال، و لا تذروهنّ يدبّرن أمر العيال، فإنّهن إن تركن و ما أردن وردن المهالك، و عدون أمر المالك (1)، فإنّا وجدناهنّ لا ورع لهنّ عند حاجتهنّ، و لا صبر لهنّ عند شهوتهنّ، التّبرّج لهنّ لازم و ان كبرن، و العجب لهنّ لاحق و ان عجزن، لا يشكرن (2)الكثير إذا منعن القليل، ينسين الخير و يحفظن الشرّ، يتهافتن بالبهتان، و يتمارين في الطغيان، و يتصدّين للشّيطان، فداروهن على كلّ حال، و أحسنوا لهنّ المقال، لعلّهنّ يحسن الفعال (3). و قال رسول اللّه صلّى اللّه عليه و آله و سلّم: من أطاع امرأته اكبّه اللّه على وجهه في النّار. قيل: و ما تلك الطّاعة؟ قال: تطلب إليه الذّهاب الى الحمّامات و العرسات و العيدات و النّائحات و الثّياب الرّقاق (4).

و يكره استشارة النّساء في الامور الخفيّة و النّجوى (5)الاّ بقصد المخالفة، لأنّ فيهنّ الضّعف، و الوهن، و العجز، و عن رسول اللّه صلّى اللّه عليه و آله و سلم: انّ النساء لا يشاورن في النّجوى، و لا يطعن في ذوي القرابة، انّ المرأة إذا أسنّت ذهب خير شطريها و بقي شرّهما، و ذلك أنّه يعقم رحمها، و يسوء خلقها و يحتدّ لسانها، و انّ الرّجل إذا أسنّ ذهب شرّ شطريه و بقي خيرهما، و ذلك أنّه يؤوب عقله، و يستحكم رأيه، و يحسن خلقه (6).

و يكره مشي النّساء في وسط الطّريق، لكنّها تمشى الى جانب الحائط

ص:100


1- اي تجاوزن أمر اللّه الذي هو مالك الملوك.
2- في الاصل: يشكون.
3- الفقيه:3/361 باب 178 برقم 1713.
4- الكافي:5/517 باب في ترك طاعتهن حديث 3.
5- اي الأمور التي يتناجى بها و لا يتظاهر بها.
6- الكافي:5/518 باب في ترك طاعتهن حديث 12.

و الطريق (1). و كذا يكره للمسلمة التّكشّف بين يدي اليهوديّة و النّصرانيّة حذرا من وصفهنّ حالها لأزواجهنّ (2). و عن النّبي صلّى اللّه عليه و آله و سلّم انّه قال:

من وصف امرأة لرجل فافتتن بها الرّجل، و اصاب منها فاحشة، لم يخرج من الدّنيا الاّ مغضوبا عليه، و من غضب اللّه عليه غضب عليه السموات السّبع و الأرضون السّبع، و كان عليه من الوزر مثل الّذي أصابها، فان تاب و أصلح يتوب اللّه عليه (3).

و كذا يكره لهنّ بعد البلوغ القنازع (4)و القصص (5)و الجمّة (6)للنّهي عن ذلك، و انّ نساء بني اسرائيل هلكت من قبل القصص و نقش الخضاب (7).

و يكره النظر في أدبار النّساء الأجانب من وراء الثّياب من دون ريبة (8).

و يحرم معها، فإنّه لا يؤمن لمن نظر أن ينظر الى نسائه (9).

ص:101


1- الكافي:5/518 باب التّستّر حديث 1.
2- الكافي:5/519 باب التّستّر حديث 5.
3- عقاب الأعمال:337.
4- القزع: بالتحريك ان يحلق رأس الصبيّ و يترك في مواضع منه متفرقة غير محلوقة تشبيها بقزع السحاب. مجمع البحرين.
5- القصّة-بالضمّ و بالتشديد: شعر الناصية، و الجمع قصص، و منه نهى عن القنازع و القصص. مجمع البحرين.
6- الجمّة من الانسان مجتمع شعر ناصيته، و الجمع جمم كغرفة و غرف، و منه الحديث: لا يحلّ لامرأة حاضت ان تتّخذ قصّة و لا جمّة، و الجمّة-بالضمّ-مجتمع شعر الرأس و هي اكثر من الوفرة. مجمع البحرين.
7- الكافي:5/519 باب النهي عن خلال تكره لهن حديث 1.
8- وسائل الشيعة:14/144 باب 108 حديث 1 و 2.
9- وسائل الشيعة:14/145 باب 108 حديث 3 [8] بسنده عن أبي بصير انّه قال للصادق عليه السّلام: الرجل تمرّ به المرأة [9]فينظر الى خلفها، قال: ا يسرّ أحدكم أن ينظر الى أهله و ذات-

و يكره ابتداء الرّجل النّساء بالسّلام، و دعاؤه إيّاهنّ إلى الطّعام، و تتأكّد الكراهة في الشّابة مخافة أن يعجبه صوتها، فيدخل عليه اكثر مما طلب من الأجر (1). و يكره أو يحرم استماع صوت الأجنبيّة لغير ضرورة (2)، و قد نهى النّبيّ صلّى اللّه عليه و آله و سلّم أن تتكلّم المرأة عند غير زوجها و غير ذى رحم منها أكثر من خمس كلمات مما لا بدّ لها منه (3). و ورد أنّ كثرة محادثة النّساء تميت القلب 4. و قيل: انّه ينبغي ان تجيب المخاطب لها أو قارع الباب بصوت غليظ، و لا ترخّم صوتها ليطمع الّذي في قلبه مرض. و يكره خروج النّساء و اختلاطهنّ بالرّجال، و خروجهنّ إلى الجمعة و العيدين إلاّ العجائز 5. و نهى النّبيّ صلّى اللّه

ص:102


1- الكافي:2/648 باب التسليم على النساء حديث 1.
2- اقول: اذا كان الكلام مع الاجنبيّة [1]موجبا للفتنة و تهيج الشهوة فهو حرام بلا إشكال، و أما إذا لم يوجب ذلك كالكلام مع العجائز و من لا يحدث سماع صوتها و كلامها فتنة فالحكم بالكراهة هو المتعيّن، و ذلك تبعا لظاهر بعض النصوص و لكن الأولى الحكم بالجواز في هذا المورد بمقدار الضرورة، و اللّه العالم.
3- وسائل الشيعة:14/143 باب 106 برقم 2 بتصرف يسير.

عليه و آله و سلّم النّساء عن ان يتبتّلنّ و يعطّلن أنفسهن من الأزواج 1، و لكن قال بعد ذلك: انّ اللّه عز و جلّ يقول: وَ أَنْ يَسْتَعْفِفْنَ خَيْرٌ لَهُنَّ 2.

و يكره للمرأة ترك الحليّ و الخضاب و ان كانت مسنّة، و إن لم يكن لها زوج، أو كان زوجها أعمى، غايته انّها تتزيّن للأعمى بالطيب و الخضاب و نحوهما ممّا يمكن للاعمى دركه و التلذّذ به 3.

و يكره جلوس الرّجل في مجلس المرأة و مكانها إذا قامت عنه حتّى

ص:103

يبرد (1).

و يطلب باقي احكام النّساء من حرمة النّظر اليهنّ و حكم مصافحتهن و نحو ذلك من مناهج المتقين (2)، لكون وضع الكتاب على بيان السّنن و المكروهات دون الواجبات و المحرمات الاّ نادرا.

و روى الصّدوق رحمه اللّه في محكي الخصال مسندا عن جابر بن يزيد الجعفي رواية طويلة في خواص المرأة، يعجبني نقلها برمّتها و ان تقدّم شطر ممّا تضمّنته، قال: سمعت أبا جعفر محمّد بن علي الباقر عليهما السّلام يقول:

ليس على النساء أذان، و لا إقامة، و لا جمعة، و لا جماعة، و لا عيادة المريض، و لا اتّباع الجنائز، و لا اجهار بالتلبية، و لا الهرولة بين الصّفا و المروة، و لا استلام الحجر الأسود، و لا دخول الكعبة، و لا الحلق، و انّما يقصّرن من شعورهنّ، و لا تولّى المرأة القضاء، و لا تلي الإمارة، و لا تستشار، و لا تذبح إلاّ من اضطرار، و تبدأ بالوضوء (3)بباطن الذّراع، و الرّجل بظاهره، و لا تمسح كما يسمح الرّجال، بل عليها أن تلقي الخمار عن موضع مسح رأسها في صلاة الغداة و المغرب، و تمسح عليه في ساير الصّلوات، تدخل إصبعها فتمسح على رأسها من غير أن تلقي عنها خمارها، فاذا قامت في صلاتها ضمّت رجليها، و وضعت يديها على صدرها، و تضع يديها في ركوعها على فخذيها، و إذا أرادت السّجود سجدت لاطية بالأرض، و إذا رفعت رأسها من السّجود جلست ثم نهضت إلى القيام، و إذا قعدت للتّشهد رفعت رجليها و ضمّت فخذيها، و إذا سبّحت عقدت الأنامل

ص:104


1- الفقيه:3/361 باب 178 حديث 1716.
2- مناهج المتقين:348-350، و هي موسوعة فقهية لسيدي الوالد على نسق شرايع المحقق قدس سره، و تزيد على فروع الشرايع بنسبة ثلاثة أضعاف تقريبا.
3- خ ل: في الوضوء.

لأنّهنّ مسؤولات، و اذا كانت لها إلى اللّه حاجة صعدت فوق بيتها و صلّت ركعتين و رفعت رأسها الى السّماء، فانّها إذا فعلت ذلك استجاب اللّه لها و لم يخيّبها (1).

و ليس عليها غسل الجمعة في السفر، و لا يجوز (2)لها تركه في الحضر، و لا تجوز شهادة النّساء في شيء من الحدود، و لا تجوز شهادتهنّ في الطّلاق، و لا في رؤية الهلال، و تجوز شهادتهنّ فيما لا يحلّ للرّجل النّظر اليه، و ليس للنّساء من سروات الطّريق شيء (3)، و لهنّ جنبتاه، و لا يجوز لهنّ نزول الغرف، و لا تعلّم الكتابة، و يستحبّ لهنّ تعلّم الغزل (4)و سورة النّور، و يكره لهنّ سورة يوسف عليه السّلام، و اذا ارتدّت المرأة عن الاسلام استتيبت، فإن تابت و إلاّ خلّدت في السّجن، و لا تقتل كما يقتل الرّجل إذا ارتدّ، و لكنّها تستخدم خدمة شديدة، و تمنع من الطّعام و الشّراب إلاّ ما تمسك به نفسها، و لا تطعم إلاّ خبيث الطّعام، و لا تكسى إلاّ غليظ الثياب و خشنها، و تضرب على الصّلاة و الصّيام، و لا جزية على النّساء، و اذا حضر ولادة المرأة وجب اخراج من في البيت من النّساء كي لا يكنّ أوّل ناظر إلى عورته (5).

و لا يجوز للمرأة الحائض و لا الجنب الحضور عند تلقين الميّت، لأنّ الملائكة تتأذى بهما، و لا يجوز لهما إدخال الميّت قبره، و اذا قامت المرأة من مجلسها فلا يجوز للرّجل أن يجلس فيه حتّى يبرد، و جهاد المرأة حسن التبعّل، و أعظم النّاس حقّا عليها زوجها، و أحق النّاس بالصلاة عليها إذا ماتت زوجها، و لا

ص:105


1- خ ل: و لم يخبها.
2- خ ل: و ليس يجوز.
3- السراة-جمعه سروات-الطريق: اعلاه و متنه.
4- خ ل: المغزل.
5- خ ل: عورتها.

يجوز للمرأة أن تتكشّف (1)بين يدي اليهوديّة و النّصرانيّة، لأنّهنّ يصفن ذلك لأزواجهنّ، و لا يجوز لها أن تتطيّب إذا خرجت من بيتها، و لا يجوز لها أن تتشبّه بالرّجال، لأنّ رسول اللّه صلّى اللّه عليه و آله و سلّم لعن المتشّبهين من الرجال بالنّساء، و لعن المتشبّهات من النساء بالرّجال، و لا يجوز للمرأة أن تعطّل نفسها و لو أن تعلّق في عنقها خيطا، و لا يجوز أن يرى (2)أظافيرها بيضاء، و لو أن تمسّها بالحنّاء مسّا، و لا تخضب يديها في حيضها، لأنّه يخاف عليها الشيطان، و إذا أرادت المرأة الحاجة و هي في صلاتها صفقت بيديها، و الرّجل يومي برأسه و هو في صلاته و يشير بيده و يسبّح جهرا، و لا يجوز للمرأة أن تصلّي بغير خمار، إلا أن تكون أمة، فانّها تصلّي بغير خمار مكشوفة الرأس، و يجوز للمرأة لبس الدّيباج و الحرير في غير صلاة و إحرام، و حرم ذلك على الرّجال الاّ في الجهاد، و يجوز أن تتختّم بالذّهب و تصلّي فيه، و حرم ذلك على الرّجال (3).

ص:106


1- خ ل: تنكشف.
2- خ ل: ترى.
3- هذه الرواية رويت عن الخصال في الوسائل 3/28 باب 123 حديث 1. [1]الوسائل [2]الطبعة الجديدة:14/161-164. [3] و انظر الخصال:585-588 حديث 12.

الفصل التاسع: في آداب التّكسّب و طلب الرّزق

اشارة

و فيه مقامات:

المقام الأوّل: في استحباب الاكتساب:

إنّه لا ريب في استحباب الاكتساب، و طلب الرّزق الحلال، و رجحانه شرعا، و عقلا، و قد ورد الأمر به في آيات عديدة، و كفاك منها قوله عزّ من قائل (1)فَإِذا قُضِيَتِ اَلصَّلاةُ فَانْتَشِرُوا فِي اَلْأَرْضِ وَ اِبْتَغُوا مِنْ فَضْلِ اَللّهِ (2)، و أيضا فهو عمل الأنبياء، و أوصيائهم و الأولياء، فقد روي عن أئمّتنا

ص:107


1- سورة الجمعة آية:10.
2- مجمع البيان:5/289 عن الصادق عليه السّلام قال: انّي لأركب في الحاجة التي كفاها اللّه، ما اركب فيها الاّ التماس ان يراني اللّه اضحى في طلب الحلال، أما تسمع قول اللّه عزّ اسمه: فَإِذا قُضِيَتِ اَلصَّلاةُ فَانْتَشِرُوا فِي اَلْأَرْضِ وَ اِبْتَغُوا مِنْ فَضْلِ اَللّهِ أ رأيت لو انّ رجلا دخل بيتا و طيّن عليه بابه، ثم قال رزقي ينزل عليّ، كان يكون هذا؟ ! اما انّه احد الثلاثة الذين لا يستجاب لهم، قال: قلت من هؤلاء الثلاثة؟ قال: رجل تكون عنده امرأة فيدعو-

عليهم السّلام أنّ آدم عليه السّلام كان حرّاثا، و إدريس عليه السّلام خيّاطا، و نوح عليه السّلام نجّارا، و هود عليه السّلام تاجرا، و ابراهيم عليه السّلام راعيا أو زارعا، و داود عليه السّلام زرّادا، و سليمان عليه السّلام خوّاصا، و موسى عليه السّلام أجيرا راعيا، و عيسى عليه السّلام سيّاحا، و شعيب عليه السّلام راعيا، و لوط عليه السّلام زراعا، و أمير المؤمنين عليه السّلام كذلك، و كان النّبيّ صلّى اللّه عليه و آله و سلّم عاملا لخديجة، و سلمان خوّاصا، و ميثم تمّارا. . و هكذا.

و النصوص في فضل طلب الرزق متجاوزة عن حدّ التواتر، و قد روى الصّادقان عليهما السّلام عن رسول اللّه صلّى اللّه عليه و آله و سلّم أنّه قال: العبادة سبعون

ص:108

جزءا، أفضلها طلب الحلال (1). و في عدّة أخبار أنّ التّجارة تزيد العقل (2)، و تركها يذهب المال، و ينقص العقل و يقلّله (3).

و ورد الحثّ على التّجارة حتّى مع وجود ما يكفيه مدّة العمر العادي، معلّلا بأنّ ترك التّجارة مذهب للعقل (4). و قال الصّادق عليه السّلام لمن كفّ عن التّجارة لوجود ما يكفيه عنده: انّه كذلك تذهب أموالكم، لا تكفّوا التّجارة، و التمسوا من فضل اللّه عزّ و جلّ (5). و قال عليه السّلام: إن رأيت الصّفين قد التقيا فلا تدع طلب الرّزق في ذلك اليوم (6). و روى مولانا الباقر عليه السّلام عن رسول اللّه صلّى اللّه عليه و آله و سلّم انّه قال: البركة عشرة أجزاء، تسعة أعشارها في التّجارة، و العشر الباقي في الجلود، يعنى الغنم (7).

و ورد انّ التّاجر الّذي يترك التّجارة و يمضي الى الصّلاة في وقتها أعظم أجرا من غير التّاجر إذا حضر الصّلاة في وقتها (8). و عن ابي جعفر عليه السّلام انّه قال: من طلب الدّنيا استعفافا عن النّاس وسعيا عن أهله و تعطّفا على جاره لقي اللّه عزّ و جلّ يوم القيامة و وجهه مثل القمر ليلة البدر (9).

ص:109


1- الكافي:5/78 باب الحث على الطلب و التعرض للرزق حديث 6.
2- الكافي:5/148 باب فضل التجارة حديث 2.
3- التهذيب:7/3 باب 1 حديث 1 و 2، و الكافي:5/148 باب فضل التجارة حديث 4.
4- الكافي:5/148 باب فضل التجارة و المواظبة عليها حديث 6.
5- الكافي:5/149 باب فضل التجارة و المواظبة عليها حديث 11.
6- الكافي:5/78 باب الحث على الطلب و التعرض للرزق حديث 7.
7- الخصال:2/445 البركة في عشرة أجزاء حديث 44.
8- الفقيه:3/119 باب 61 برقم 508.
9- ثواب الاعمال/215 ثواب طلب الدنيا استعفافا عن الناس حديث 2. و الكافي:5/78 باب الحث على الطلب و التعرض للرزق حديث 5.

و عن أبى الحسن موسى عليه السّلام انّه قال: من طلب الرّزق من حلّه ليعود به على نفسه و عياله كان كالمجاهد في سبيل اللّه (1).

و عن رسول اللّه صلّى اللّه عليه و آله و سلّم: إنّ من بات كالا من طلب الحلال بات مغفورا له (2).

و يستحبّ الاستعانة بالدّنيا على الآخرة، ففي عدّة أخبار عن الصّادق عليه السّلام أنّه قال: نعم العون الدّنيا على الآخرة (3). و عنه عليه السّلام انّه قال: لا خير فيمن لا يحبّ جمع المال من حلال، يكفّ به وجهه، و يقضي به دينه، و يصل به رحمه (4).

ثمّ لا يخفى عليك أنّه ليس الكسب و جمع المال و صرفه على العيال و وفاء الدّين و صلة الرّحم و نحو ذلك من طلب الدّنيا المذموم. فقد ورد أنّ محمّد بن المنكدر خرج إلى بعض نواحي المدينة في ساعة حارّة فلقى مولانا الباقر عليه السّلام-و كان عليه السّلام رجلا بادنا ثقيلا-و هو متكّي على غلامين أسودين أو موليين و هو يتصابّ عرقا، فقال له: أصلحك اللّه شيخ من أشياخ قريش في هذه السّاعة على هذه الحالة في طلب الدّنيا؟ ! أ رأيت لو جاء أجلك و أنت على هذه الحالة؟ ! فقال عليه السّلام: لو جاءني الموت و أنا على مثل هذه الحالة جاءني و انا في طاعة من طاعة اللّه عزّ و جلّ، أكفّ بها نفسي و عيالي عنك و عن النّاس، و انّما كنت أخاف لو أن جاءني الموت و أنا على معصية من معاصي اللّه، فقال: صدقت يرحمك اللّه، أردت أن أعظك فوعظتني (5).

ص:110


1- الكافي:5/88 باب من كدّ على عياله حديث 1 و 2 و [1] 3.
2- وسائل الشيعة:12/13 باب 4 حديث 16.
3- الكافي:5/72 باب الاستعانة بالدنيا على الآخرة حديث 8.
4- الكافي:5/72 باب الاستعانة بالدنيا على الآخرة حديث 5.
5- الكافي:5/73 باب ما يجب من الاقتداء بالأئمة عليهم السّلام في التعرض للرزق حديث 1.

و قال رجل لأبي عبد اللّه عليه السّلام: إنّا لنطلب الدّنيا و نحبّ أن نؤتاها.

فقال: تحبّ أن تصنع بها ما ذا؟ فقال: أعود بها على نفسي و عيالي، و أصدّ بها، و أتصدّق بها، و أحجّ و أعتمر. فقال ابو عبد اللّه عليه السّلام: ليس هذا طلب الدّنيا، هذا طلب الآخرة (1).

بل يكره ترك طلب الرّزق للنّواهي الأكيدة عنه، و عدّهم عليهم السّلام تارك طلب الرّزق-و ان اشتغل بعبادة اللّه عزّ و جلّ و الصّلاة و الصّوم معتمدا في الرّزق على الرّبّ تعالى-من الّذين لا تستجاب لهم حاجة (2)، مشيرا بذلك إلى قول النّبيّ صلّى اللّه عليه و آله و سلّم: انّ اصنافا من أمّتي لا يستجاب لهم دعاؤهم: رجل يدعو على والديه، و رجل يدعو على غريم ذهب له بماله فلم يكتب له و لم يشهد عليه، و رجل يدعو على امرأته و قد جعل اللّه عزّ و جلّ تخلية سبيلها بيده، و رجل يقعد في بيته و يقول: يا ربّ ارزقني، و لا يخرج و لا يطلب الرّزق، فيقول اللّه عزّ و جلّ: عبدي ألم أجعل لك السّبيل الى الطّلب و الضّرب في الأرض بجوارح صحيحة، فتكون قد أعذرت فيما بيني و بينك في الطّلب لاتّباع أمري، و لكيلا تكون كلاّ على أهلك، فان شئت رزقتك، و إن شئت قتّرت عليك، و أنت غير معذور عندي؟ ! و رجل رزقه (3)اللّه مالا كثيرا فأنفقه ثمّ أقبل يدعو: يا ربّ ارزقني، فيقول اللّه عزّ و جلّ: ألم أرزقك رزقا واسعا؟ فهلا اقتصدت فيه كما أمرتك، و لم تسرف، و قد نهيتك عن الإسراف، و رجل يدعو في قطيعة رحم (4).

ص:111


1- الكافي:5/72 باب الاستعانة بالدنيا على الآخرة حديث 10.
2- الكافي:5/84 باب الرزق من حيث لا يحتسب حديث 5.
3- في المتن: أرزقه.
4- وسائل الشيعة:12/15 باب 5 حديث 6.

الى غير ذلك من الأخبار الواردة في فضل طلب الرّزق الحلال و التّكسّب للصّرف في الطّاعات، و الحثّ عليه، لكن ذلك انّما هو في حقّ غير طالب العلم، و امّا هو فليس عليه إلاّ أن يتوكّل على اللّه، و يفوّض أمره إليه، و لا يعتمد على الأسباب فيوكل اليها، و تكون وبالا عليه، و لا على أحد من خلق اللّه تعالى، بل يلقي مقاليد أمره إلى اللّه سبحانه في الرّزق و غيره، فإنّه إن فعل ذلك ظهرت له من نفحات قدسه و لحظات أنسه ما يقوم به أوده، و يحصل مطلبه، و يصلح به أمره. و قد ورد عن النّبيّ صلّى اللّه عليه و آله و سلّم أنّ اللّه تعالى قد تكفّل لطالب العلم رزقه خاصّة عمّا ضمنه لغيره، بمعنى أنّ غيره محتاج الى السعي على الرّزق حتّى يحصّله غالبا، و طالب العلم لا يكلّفه اللّه تعالى بذلك، بل بطلب العلم، و كفاه مؤونة الرّزق إذا أحسن النّيّة و أخلص العزيمة، و قد فسّر قوله عزّ و جلّ: وَ مَنْ يَتَّقِ اَللّهَ يَجْعَلْ لَهُ مَخْرَجاً* وَ يَرْزُقْهُ مِنْ حَيْثُ لا يَحْتَسِبُ (1)بطالب العلم.

ص:112


1- سورة الطلاق آية:2 و 3.

المقام الثاني: في تعداد المكاسب المندوبة و المكروهة

المكاسب المستحبّة

فمن المندوبة: مباشرة البيع و الشّراء، للحثّ على ذلك، و مباشرة النّبيّ صلّى اللّه عليه و آله و سلّم له، فقد روي مستفيضا انّه قدمت عير من الشّام فاشترى صلّى اللّه عليه و آله و سلّم منها مرابحة، و اتّجر فربح فيها ما قضى دينه و قسّم في قرابته (1).

و جميع ما ورد في مدح التّجارة و ذمّ تاركها-حتّى مع وجود ما يكفيه، و انّ من تركها ذهب عقله أو ثلثا عقله على اختلاف الأخبار (2)-يدلّ على المطلوب، لأنّ التّجارة هي البيع و الشراء للرّبح. و ورد عن الصّادق عليه السّلام الأمر بالشّراء و إن كان غاليا، فإن الرّزق ينزل مع الشّراء (3).

و منها: المضاربة:

لما ورد من أنّ الصّادق عليه السّلام دفع سبعمائة دينار، أو ألفا و سبعمائة، أو مرّة هذه (4)و مرّة (5)هذه إلى عذافر و أمره بالإتّجار بها و الأسترباح، و قال عليه

ص:113


1- وسائل الشيعة:12/6 باب 2 حديث 5.
2- الفقيه:3/119 باب 61 حديث 506.
3- الكافي:5/150 باب فضل التجارة و المواظبة عليها حديث 13، و [2]وسائل الشيعة:12/ 8 باب 2 حديث 10.
4- الكافي:5/76 باب ما يجب من الاقتداء بالأئمة عليهم السّلام في التعرض للرزق حديث 12.
5- الكافي:5/77 باب ما يجب من الاقتداء بالأئمة عليهم السّلام في التعرض حديث 15.

السّلام: ليس بي شره، و لا لي في ربحها رغبة، و ان كان الرّبح مرغوبا، و لكنّى أحببت أن يرانى اللّه عزّ و جلّ متعرّضا لفوائده. فربح عذافر مائة دينار، و أخبره بذلك، ففرح فرحا شديدا، فإنّ فعله يفيد الرّجحان، مضافا الى صراحة قوله عليه السّلام: أحببت أن يرانى اللّه. . . الى آخره في ذلك.

و منها: العمل باليد:

فانّه ممدوح غاية المدح، و قد ارتكبه مولانا الصّادق عليه السّلام، فأراد مواليه العمل عوضه فقال: لا، دعوني فانّي اشتهي أن يراني اللّه عزّ و جلّ أعمل بيدي و أطلب الحلال في اذى نفسي (1). و كذا عمل أبو الحسن موسى عليه السّلام، فقيل له في ذلك، فقال عليه السّلام: قد عمل باليد من هو خير منّي و من أبي، و هو رسول اللّه صلّى اللّه عليه و آله و سلّم و أمير المؤمنين عليه السّلام، و آبائي كلّهم عليهم السّلام كانوا قد عملوا بأيديهم، و هو من عمل النّبيّين، و المرسلين، و الأوصياء، و الصّالحين (2). و قد عرفت في المقام الأوّل انّ كسب جملة من الأنبياء كان باليد، و عن أمير المؤمنين عليه السّلام انّه قال: اوحى اللّه الى داود عليه السّلام: انّك نعم العبد، لولا انّك تأكل من بيت المال، و لا تعمل بيدك شيئا، قال: فبكى داود عليه السّلام أربعين صباحا، فأوحى اللّه إلى الحديد:

أن لن لعبدي داود عليه السّلام، فألان اللّه عزّ و جلّ له الحديد، فكان يعمل في كل يوم درعا فيبيعها بألف درهم، فعمل ثلاثمائة و ستّين درعا فباعها بثلاثمائه و ستّين ألفا و استغنى عن بيت المال (3). و عنه عليه السّلام ايضا في تفسير قوله

ص:114


1- الفقيه:3/99 باب 58 حديث 382.
2- الفقيه:3/98 باب 58 حديث 380.
3- الكافي:5/74 باب ما يجب من الاقتداء بالأئمة عليهم السّلام في التعرض للرزق حديث 5.

تعالى وَ أَنَّهُ هُوَ أَغْنى وَ أَقْنى (1)قال: اغنى كلّ انسان بمعيشته، و أرضاه بكسب يده (2).

و منها: الغرس و الزّرع و سقي الطلح و السدر، تأسّيا بأمير المؤمنين عليه السّلام و بعض آخر من الأئمّة عليهم السّلام، و قد سئل مولانا الصّادق عليه السّلام عن الفلاّحين فقال: هم الزارعون، كنوز اللّه في أرضه، و ما في الأعمال شيء أحبّ إلى اللّه من الزّراعة، و ما بعث اللّه نبيّا إلاّ زرّاعا (3)، إلاّ إدريس عليه السّلام فإنّه كان خيّاطا (4). و عنه عليه السّلام في قول اللّه عزّ و جلّ وَ عَلَى اَللّهِ فَلْيَتَوَكَّلِ اَلْمُتَوَكِّلُونَ قال: الزارعون (5). و عن النبيّ صلّى اللّه عليه و آله و سلّم أنّه قال: من سقى طلحة أو سدرة فكأنّما سقى مؤمنا من ظمأ (6).

بيان:

السّدرة معروفة، و الطّلحة: واحدة الطّلح، و هو شجر عظام كثير الشّوك، و الطّلح عند العرب شجر حسن اللّون لخضرته رفيف و نور طيب، و عن السّدي:

هو شجر يشبه طلح الدّنيا، لكن له ثمر أحلى من العسل. قاله في مجمع البحرين (7).

و منها: شراء العقار: لقول الصّادق عليه السّلام لمولاه: اتّخذ عقدة (8)

ص:115


1- سورة النجم:48.
2- تفسير الصافي:513 [2] حجري، في تفسير الآية الكريمه من السورة الشريفة.
3- في الأصل: ذرّاعا.
4- وسائل الشيعة:12/25 باب 10 حديث 3.
5- تفسير العياشي:2/222 [4]سورة إبراهيم:12.
6- وسائل الشيعة:12/25 باب 10 حديث 4.
7- في مجمع البحرين 2/392 باب ما اوّله الطاء و آخره الحاء.
8- العقدة من الأراضي: البقعة الكثيرة الشجر. (منه قدس سره) .

أو ضيعة، فانّ الرّجل اذا نزلت به النّازلة او المصيبة فذكر أنّ وراء ظهره ما يقيم عياله كان أسخى لنفسه (1)

و قال عليه السّلام: ما يخلّف الرّجل بعده شيئا أشدّ عليه من المال الصّامت. قيل له: فكيف يصنع به؟ قال: يجعله في الحائط و البستان و الدّار (2).

و الأولى شراء عقارات متفرّقة غير متواصلة، لما ورد من أنّ رجلا أتى الصادق عليه السّلام شبيها بالمستنصح له، فقال: كيف صرت؟ اتّخذت الأموال قطعا متفرّقة و لو كانت في موضع كان أيسر لمؤونتها و أعظم لمنفعتها؟ فقال أبو عبد اللّه عليه السّلام: اتّخذتها متفرّقة، فإن أصاب هذا المال شيء سلم هذا، و الصّرة تجمع هذا كلّه (3).

و يكره بيع العقار إلاّ أن يشترى بثمنه بدله، لما روي من أنّ مشتري العقدة مرزوق و بايعها ممحوق (4). و انّ من باع أرضا أو ماء و لم يضع ثمنه في أرض أو ماء، ذهب ثمنه محقا، و ماله هباء (5).

و أنّه نعم الشيء النّخل، من باعه فإنّما ثمنه بمنزلة رماد على رأس شاهق في يوم عاصف، إلاّ أن يخلّف مكانها (6).

ص:116


1- الكافي:5/92 باب شراء العقارات و بيعها حديث 5.
2- الكافي:5/91 باب شراء العقارات و بيعها حديث 2.
3- الكافي:5/91 باب شراء العقارات و بيعها حديث 1.
4- الكافي:5/92 باب شراء العقارات و بيعها حديث 4.
5- الكافي:5/92 باب شراء العقارات و بيعها حديث 8.
6- الامالي للشيخ الصدوق:350 المجلس السادس و [6]الخمسون حديث 2، و الكافي:5/92 باب شراء العقارات و بيعها حديث 8.

المكاسب المكروهة

و أما ما يكره التكسب به فأنواع ثلاثة:

الأوّل: ما يكره لإفضائه الى محرّم أو مكروه غالبا، كالصرف المفضي غالبا إلى الرّبا، و بيع الأكفان المفضي الى حبّ كثرة الموت، و بيع الطّعام المفضي الى الاحتكار أحيانا، و حبّ الغلاء غالبا، و بيع الرّقيق المفضي أحيانا الى بيع الحرّ من حيث لا يعلم، و اتّخاذ النّحر و الذّبح صنعة لإيراثه قساوة القلب، و الصياغة المفضية الى الوقوع في الحرام أحيانا. و لقد جاء رجل الى رسول اللّه صلّى اللّه عليه و آله و سلّم فقال: قد علّمت ابني هذا الكتابة، ففي أيّ شيء اسلّمه؟ فقال صلّى اللّه عليه و آله و سلّم: سلّمه-للّه أبوك-و لا تسلّمه في خمس:

لا تسلّمه سبّاء و لا صايغا و لا قصّابا و لا حنّاطا و لا نخّاسا. فقال: يا رسول اللّه (ص) ما السّباء؟ قال: الّذي يبيع الأكفان و يتمنّى موت أمّتي، و للمولود من أمّتي أحبّ إليّ ممّا طلعت عليه الشّمس. و امّا الصّائغ فإنّه يعالج زين أمّتي.

و امّا القصّاب فانّه يذبح حتّى تذهب الرّحمة من قلبه. و امّا الحنّاط فانّه يحتكر الطّعام على أمّتي، و لئن يلقى اللّه العبد سارقا أحبّ إليّ من أن يلقاه و قد احتكر الطّعام أربعين يوما. و امّا النّخّاس فإنّه أتاني جبرئيل عليه السّلام فقال: يا محمّد (ص) إنّ شرار أمّتك الذين يبيعون النّاس (1).

قلت: و حينئذ فالمكروه هو اتّخاذ [هذه الأمور]صنعة، حتّى في المورد الّذي سلم عن الجهات المزبورة للكراهة، فإنّ تلك الجهات حكم لا علل. نعم ظاهر بعض الأخبار عدم كراهة الصّرافة مع الأمن من الرّبا، فقد روى سدير

ص:117


1- وسائل الشيعة:12/543 باب 97 حديث 1. [1] الخصال:1/287 خمس صناعات مكروهة حديث 44.

الصّيرفي قال: قلت لأبي جعفر عليه السّلام: حديث بلغني عن الحسن البصري فإن كان حقّا فإنّ للّه و انّا إليه راجعون. قال: و ما هو؟ قال: قلت: بلغني أنّ الحسن كان يقول: لو غلي دماغه من حرّ الشّمس ما استظلّ بحايط صيرفيّ، و لو تفرثت كبده عطشا لم يستسق من دار صيرفيّ ماء، و هو عملي و تجارتي، و فيه نبت لحمي و دمي، و منه حجّي و عمرتي. قال: فجلس عليه السلام ثمّ قال: كذب الحسن، خذ سواء و أعط سواء، فاذا حضرت الصّلاة فدع ما بيدك و انهض الى الصّلاة، أما علمت أنّ أصحاب الكهف كانوا صيارفة (1).

بل ربّما يظهر من بعض الأخبار عدم شدّة كراهة الصنايع المذكورة، مثل ما روي عن انّه ذكر الحائك عند أبي عبد اللّه عليه السّلام انّه ملعون. فقال: انّما ذلك الّذي يحوك الكذب على اللّه و رسوله (2). و ما روي عن جابر عن أبي جعفر عليه السّلام قال: احتجم رسول اللّه صلّى اللّه عليه و آله و سلّم، حجمه مولى لبني بياضة و أعطاه، و لو ان حراما ما أعطاه، فلمّا فرغ قال رسول اللّه صلّى اللّه عليه و آله و سلّم: أين الدّم؟ فقال: أين الّدم؟ فقال: شربته يا رسول اللّه صلّى اللّه عليه و آله و سلّم. قال:

ما كان ينبغي لك أن تفعل، و قد جعله اللّه لك حجابا من النّار، فلا تعد (3).

و ربّما ألحق بعضهم ببيع الصّرف بيع كلّ ما يكال أو يوزن بمثله اذا اتّخذ صنعة، و ببيع الطّعام كلّ ما يجري فيه الاحتكار، و ببيع الأكفان التكسّب بالجريدتين و السدر و الكافور و النعش و النيابة في العبادات و بيع الأدوية و نحوها، و بالجزارة الجراحة المتضمّنة لقطع الأعضاء و الأجزاء و الجلود، و لا يخلو هذا الالحاق من تردّد، و اللّه العالم (4).

ص:118


1- الكافي:5/113 باب الصناعات حديث 2.
2- الكافي:2/340 باب الكذب حديث 10.
3- الفقيه:3/97 حديث 372.
4- ذكر المؤلف رضوان اللّه تعالى عليه في موسوعته الفقهية مناهج المتّقين:211 المكروهات-

الثّاني: ما يكره لضعته كالنساجة، و هي الحياكة، و الحجامة اذا اشترط، و ضراب الفحل، و عمل القابلة اذا اشترطت، و انّما تكره النّساجة بالمغزول و نحوه، دون عمل الخوص الّذي هو من فعل الأنبياء و الاوصياء صلوات اللّه عليهم أجمعين، و لا فرق في كراهة الحجامة مع الاشتراط بين الحرّ و العبد، و لا يكره شيء ممّا ذكر مع عدم الاتّخاذ صنعة (1).

الثالث: ما يكره لتطرّق الشبهة ككسب الصّبيان المميّزين غير البالغين بعنوان الآليّة عن الكبير، سواء كان الصّبي صاحب صنعة أم لا (2)، و كسب من لا يجتنب المحارم (3)، و تتفاوت الكراهة بتفاوت الشبهة و التّهمة، لاختلاف مراتب

ص:119


1- ذكر كراهة الأمور المذكورة هنا في مناهج المتقين كتاب المكاسب صفحة 211، فراجع.
2- حقق جماعة من فقهائنا قدس اللّه ارواحهم مسألة بيع الصبيّ المميز و ساير تصرفاته المتوقفة على الملك، و الذي يناسب المقام هو الاشارة باختصار الى المسألة، و هي: ان الصبي إذا لم يكن مميّزا لا يصح ترتيب اثر لبيعه أو شرائه و ساير تصرفاته، امّا اذا كان مميزا فان كان تصرفه تبعيا أو غيره مسبوقا باذن الوليّ و كان الصبيّ المميز آلة منفذة لإرادته كانت المعاملة صحيحة نافذة، اما اذا لم تكن مسبوقة باذن الولي لكن لحقت المعاملة اذنه ففي صحة تلك المعاملة بحث و نقاش، و لا يبعد القول بالصحة و النفوذ، و ان شئت فراجع الموسوعات الفقهية المتكفلة لبيان أدلة الاحكام و نقاشها.
3- لا ريب بعدم اشتراط صحة المعاملات ان يكون كلاهما او احدهما مسلما او مؤمنا، فتصح المعاملة ايّا كانت بين مسلمين و غيرهما، و عليه الاجماع بين المسلمين نصا و فتوى. نعم اذا كان الثمن و المثمن او احدهما متاعا محرّما و وقعت المعاملة على الثمن و المثمن المشخص في الخارج كانت المعاملة باطلة، سواء أكان المتعاملان مسلمين أم غيرهما، امّا ذا وقعت المعاملة على الثمن و المثمن المحلل بعنوان كلى، و في مقام الوفاء أعطي ما هو محرّم، لم تكن المعاملة-

الصبيان في القابليّة، و اختلاف مراتب عدم التجنّب من المحارم، و لا فرق في كراهة المعاملة مع من لا يجتنب المحارم بين أن لا يجتنب المحارم المتعلّقة بالمال، أو مطلق من لا يجتنب المحارم و إن اجتنب خصوص المحارم الماليّة، كالتّعاطي للمحرمات العمليّة كالشرب و الزّنا و اللّواط مع الاجتناب للمحرّمات الماليّة كالقمار و السّرقة و أكل مال الغير حراما (1).

و في أخذ الأجرة على تعليم القرآن أقوال: أظهرها الجواز على كراهية خفيفة عند الاشتراط، جمعا بين ما نطق بالمنع منه مطلقا، مثل قول الصادق عليه السّلام:

لا تأخذ على التعليم أجرا (2). و بين ما نطق بالمنع عند اشتراط الأجرة في بدء الأمر، مثل ما روي من نهي الصّادق عليه السّلام عن أجر القاري الّذي لا يقرأ إلاّ بأجر مشروط (3)، و بين ما نطق برفع المنع مطلقا مثل خبر ابن أبي قرة قال: قلت لأبي

ص:120


1- اسلفنا بيان عدم اشتراط صحة المعاملات بالاسلام او الايمان او العدالة، و قلنا بنفوذ و صحة معاملة من لم يكن متصفا بهذه الصفات، فلا مجال للتعميم المذكور. نعم لا بأس بالقول بكراهة المعاملة مع من لا يتجنب المحرمات المالية و عدم كراهة معاملة من يتجنب المحرمات المالية و ان كان فاسقا او كافرا. و ربّما يدعي ان الادلة المحمولة على الكراهة منصرفة الى من لا يتجنب المحرمات المالية، و اللّه العالم.
2- الاستبصار:3/65 باب 38 حديث 1 أقول حمل بعض الفقهاء الكراهة بما اذا اشترط المعلم الأجرة على التعليم و الجواز على عدم الاشتراط.
3- التهذيب:6/376 باب 93 حديث 1097.

عبد اللّه عليه السّلام: هؤلاء يقولون إنّ كسب المعلّم سحت. فقال: كذبوا أعداء اللّه، إنّما أرادوا أن لا يعلّموا أولادهم القرآن، لو أنّ المعلّم أعطاه رجل دية ولده لكان للمعلّم مباحا (1).

و ظاهر بعض الأخبار كراهة أخذه شيئا بعنوان الهديّة أيضا، فقد روى قتيبة الأعشى انّه قال لأبي عبد اللّه عليه السّلام: إنّي أقرأ القرآن فتهدى إليّ الهديّة فأقبلها؟ قال: لا. قلت: إنّي لم أشارطه. قال: أ رأيت لو لم تقرأ كان يهدى لك؟ قال: قلت:

لا. قال: فلا تقبله (2).

لكنّ هناك أخبار أخر ناطقة بعدم البأس بأخذ الهديّة، مثل ما روي عن الصّادق عليه السّلام أنّه قال: المعلّم لا يعلّم بالأجر، و يقبل الهديّة إذا أهدي إليه (3).

و لا كراهة ظاهرا في أخذ الأجرة على تعليم كتب الأدعية، و الحديث، و الفقه، و ساير العلوم، و يجوز أخذ الأجرة على كتابة القرآن، و الأفضل عدم اشتراط الأجرة عليها و كتابة الكاتب له للّه تعالى [و اعطاء المستكتب شيئا إياه للّه تعالى].

و يكره تعشير (4)المصاحف بالذهب و كتابتها به (5)أو بالبزاق أو بغير السواد، و أن تمحى بالبزاق (6). و جواز تحليته بالذهب و الفضّة، بل يحرم كتابته بالبزاق ان كان للهتك.

و أما المكاسب المحرّمة فقد طوينا ذكرها هنا التزاما بوضع الكتاب، فمن

ص:121


1- الاستبصار:3/65 باب 38 حديث 216.
2- الاستبصار:3/66 باب 38 حديث 219.
3- الاستبصار:3/66 باب 38 حديث 218.
4- التعشير نوع تحلية للمصحف بالذهب.
5- التهذيب:6/367 باب 93 حديث 1056.
6- وسائل الشيعة:12/117 باب 32 حديث 3.

شاءها راجع مناهج المتقين (1)، فانّا قد أستوفينا القول فيها بحمد اللّه تعالى و حسن توفيقه.

ص:122


1- مناهج المتقين:204-212، الحجرية.

المقام الثالث: في آداب البيع و الشّراء

و المستحبات منها أمور:

فمنها: التفقه؛ بتعلّم شروط صحّة البيع و موانعها و المحلّل من المكاسب عن المحرّم و الصّحيح عن الفاسد، عدّ ذلك من المستحبّات (1)، و الأظهر وجوبه (2). نعم يستحب تعلّم ما زاد على ذلك من الفروع و غيرها، و لا فرق في التفقّه بين كونه على وجه الاجتهاد أو التقليد (3).

ص:123


1- المقنعة:92 بسنده، قال الصادق عليه السّلام: من أراد التجارة فليتفقّه في دينه، ليعلم بذلك ما يحلّ له ممّا يحرم، و من لم يتفقّه في دينه، ثم اتّجر تورّط في الشبهات.
2- تعلّم الاحكام التي في مظّنة الابتلاء بها واجب بلا ريب من باب وجوب المقدمة بناء على القول بها. ففي المعاملات التي يتعاطاها المكلف يجب عليه أن يتعلم أحكام تلك المعاملات، فمثلا إذا كان تاجرا لا بد له ان يتعلم كل ما هو دخيل في حلّية البيع و الشراء من جواز التعاطي بذلك المتاع و جواز الثمن و المثمن و صحة الشروط التي تؤخذ في تلك المعاملة، أما وجوب معرفته لأحكام المعاملات التي لا يمارسها أصلا كأحكام المضاربة و المزارعة و المساقاة مثلا فلا يجب عليه تعلّمها و معرفتها. نعم ربما يمكن القول بالاستحباب ليكون على علم منها عند ابتلائه بتلك المعاملة مصادفة.
3- التفقّه في الدين و معرفة أحكام اللّه جلّ شأنه راجح عقلي لكل من يتمكن من ذلك، و رجحانه دليل استحبابه، و الروايات الواردة عن الأئمة المعصومين عليهم السّلام الحاثّة عليه إرشادية لذلك الحكم العقلي.

و منها: ابتداء صاحب السّلعة بالسوم، لأنّه أحقّ به (1).

و منها: تسوية البايع بين المشترين في الانصاف بالنّسبة إلى الثّمن، و حسن البيع، بأن لا يفرّق بين الفقير و الغنيّ و الصديق و غيره و المجادل و غيره (2)، و لو كان التفاوت بملاحظة إيمان من يراعيه في القيمة، أو الجوده، او علمه، أو تقواه، أو شرفه، لم يكن به بأس، بل هو حسن.

و منها: الدّعاء بما يأتي ان شاء اللّه تعالى.

و منها: أن يقبض لنفسه ناقصا و يعطي راجحا نقصا و رجحانا غير مؤدّيين الى الجهالة. و علّل ذلك في الأخبار بأنّه أعظم للبركة (3). و لو تشاحّ المتبايعان في تحصيل الفضيلة قدّم اختيار من بيده الميزان أو المكيال، و لو كان الميزان أو الكيل بيد ثالث أقرع بينهما (4).

و منها: ان يبيع عند حصول الرّبح، و يكره تركه، لما ورد من أنّ النّبيّ صلّى اللّه عليه و آله و سلّم مرّ على رجل معه سلعة يريد بيعها فقال: عليك بأوّل السوق (5). و قال مولانا الصّادق عليه السّلام: ما من أحد يكون عنده سلعة أو بضاعة إلاّ قيّض اللّه عزّ و جلّ من يربحه، فان قبل و إلاّ صرفه إلى غيره، و ذلك أنّه ردّ على اللّه عزّ و جلّ (6).

و منها: الإحسان في البيع و السّماح، لما ورد من الأمر بذلك، لأنّه أتقى للّه تعالى و أبقى للمال و أربح له (7).

ص:124


1- التهذيب:7/8 باب 1 حديث 27.
2- وسائل الشيعة:12/295 باب 11 حديث 1.
3- الكافي:5/152 باب آداب التجارة حديث 8.
4- مناهج المتقين:221 في آداب البيع.
5- الفقيه:3/122 باب 61 حديث 527.
6- التهذيب:7/8 باب 1 حديث 29.
7- الكافي:8 الروضة:153 حديث 143.

و منها: ان يكون سهل البيع و الشّراء و القضاء و الاقتضاء، لما ورد من أنّ اللّه يحبّ العبد يكون سهل البيع، سهل الشراء، سهل القضاء، سهل الاقتضاء، و انّه دعا له رسول اللّه صلّى اللّه عليه و آله و سلّم بالبركة و المغفرة (1).

و منها: اختيار شراء الجيّد و بيعه، و كراهة اختيار الرّدي للبيع و الشّراء، لما عن الصّادق عليه السّلام انّه قال: في الجيّد دعوتان، و في الرّدي دعوتان، يقال لصاحب الجيّد: بارك اللّه فيك و فيمن باعك، و يقال لصاحب الرّدي: لا بارك اللّه فيك و لا في من باعك (2).

و منها: المماكسة و التحفّظ من الغبن، لورود الأمر به، معلّلا بأنّه أطيب للنّفس و ان أعطى الجزيل، و انّ المغبون في بيعه و شرائه غير محمود و لا مأجور، و ما للّه من رضا ان يغبن الانسان في ماله (3). نعم يكره كثرة المماكسة و الوكس (4)، سيّما فيما كان من حوائج الحجّ، و في الأضحيّة، و الكفن، و النّسمة (5).

و منها: جلوس بايع الثّوب القصير إذا كان هو طويلا، للأمر به، معلّلا بانّه أنفق لسلعته (6).

و منها: ذوق ما يراد طعمه قبل الشراء. و يكره ذوق ما لا يريد شراءه (7).

و منها: إقالة المستقبل، و هي الموافقة على نقض البيع، و قد ورد أنّ من

ص:125


1- الفقيه:3/122 باب 61 حديث 525.
2- الخصال:1/46 باب في الجيد دعوتان و في الردّي دعوتان حديث 46.
3- وسائل الشيعة:12/335 باب 45 حديث 1 و 2 و [1] 3.
4- المماكسة انتقاص الثمن و استحطاطه. و الوكس النقص.
5- الخصال:1/245 باب لا يماكس في أربعة أشياء حديث 102 و وسائل الشيعة:12/336 باب 46 [2] احاديث الباب.
6- الكافي:5/312 باب النوادر حديث 35.
7- المحاسن:450 حديث 361 باب 48.

أقال مسلما في بيع أقال اللّه عثرته يوم القيامة (1). و لا فرق بين كون الاستقالة من النادم أو من غيره، من البايع أو المشترى، بل الأظهر استحباب إقالة النّادم بمجرّد فهم ندامته و إن لم يستقل.

و المكروهات مضافا إلى ما مرّ في طيّ المستحبات أمور:

فمنها: مدح البايع لما يبيعه و ذمّ المشتري لما يشتريه مع صدقهما في ذلك، و الاّ فعل حراما، و لا بأس بمدح ما يشتريه و ذمّ ما يبيعه (2).

و منها: الحلف على البيع و الشّراء صادقا، و يحرم كاذبا، و قد ورد انّ الأيمان منفقة للسّلعة ممحقة للرّبح و البركة (3). و انّ اللّه تعالى لا ينظر إلى من اتّخذ بضاعة لا يشتري إلاّ بيمين و لا يبيع إلاّ بيمين (4). و انّ اللّه تعالى يبغض المنفق سلعته بالأيمان، و ورد أنّ المنفق سلعته بالحلف الكاذب لا ينظر اللّه إليه يوم القيامة و لا يزكّيه و له عذاب اليم (5).

و منها: البيع في موضع يستر فيه العيب إذا لم يقصد الغشّ، و إلاّ كان محرّما (6).

و منها: ما أفتى به جمع من كراهة الرّبح على المؤمن إلاّ مع الحاجة إليه، أو كون شراء المشتري للتّجارة، أو كون المال أكثر من مائة درهم، لما ورد من

ص:126


1- الكافي:5/153 باب آداب التجارة حديث 16.
2- مناهج المتقين:221.
3- الكافي:5/162 باب الحلف في الشراء و البيع حديث 2 و 4.
4- الكافي:5/162 باب الحلف في الشراء و البيع حديث 3.
5- وسائل الشيعة 6/311 باب 25 حديث 9.
6- كلّما صدق عليه الغش فهو محرم بلا خلاف، كما صرحت بذلك النصوص، كما في الكافي 5/160 باب الغش، أحاديث الباب، و وسائل الشيعة 6/420 باب 9 أحاديث الباب. و لاحظ وسائل الشيعة 6/343 باب 58 حديث 1.

أنّ ربح المؤمن على المؤمن ربا، إلاّ أن يشترى بأكثر من مائة درهم فاربح فيه قوت يومك، أو يشتريه للتّجارة فاربحوا عليهم و ارفقوا بهم (1). ولي فيما أفتوا به تردّد، نظرا إلى خبر ميسر قال: قلت لأبي جعفر عليه السّلام: انّ عامّة من يأتيني من إخواني، فحدّ لي من معاملتهم ما لا أجوزه إلى غيره، فقال: ان ولّيت أخاك فحسن، و إلاّ فبعه بيع البصير المدّاق (2).

و خبر سالم قال: سألت أبا عبد اللّه عليه السّلام عن الخبر الّذي روي أنّ ربح المؤمن على المؤمن ربا، ما هو؟ فقال: ذاك إذا ظهر الحقّ و قام قائمنا أهل البيت عليهم السّلام، فأمّا اليوم فلا بأس بأن تبيع من الأخ المؤمن و تربح عليه (3).

و منها: أخذ الربح ممّن وعده بالإحسان إليه في البيع، بل يحرم إن فهم من كلامه عدم أخذ الربح منه، لكون إقدامه على الشراء حينئذ بزعم ذلك، و تقيّد رضاه بذلك (4).

و منها: السوم ما بين طلوع الفجر إلى طلوع الشمس (5).

و منها: دخول السوقي إلى السوق أوّلا و الخروج آخرا.

فقد ورد أن الأسواق أبغض بقاع الأرض إلى اللّه تعالى، و أبغض أهلها إليه أوّلهم دخولا إليها، و آخرهم خروجا منها (6).

ص:127


1- وسائل الشيعة:6/292 باب 9 و 10، [1] أحاديث الباب.
2- وسائل الشيعة:6/293 باب 10 حديث 2.
3- وسائل الشيعة:6/294 باب 10 حديث 4.
4- وسائل الشيعة:6/292 باب 9 حديث 2.
5- الكافي:5/152 باب آداب التجارة حديث 12، [5] بسنده قال: نهى رسول اللّه صلّى اللّه عليه و آله و سلّم عن السوم ما بين طلوع الفجر إلى طلوع الشمس.
6- الفقيه:3/124 باب السوق 62 حديث 539، بسنده قال أمي [6]ر المؤمنين عليه السّلام: -

و منها: الاستحطاط من الثمن بعد العقد و الصفقة بالرضا للنهي عنه، و يحرم بغير رضا (1).

و منها: دخول المؤمن في سوم أخيه المؤمن، و الإخلال بالبيع بأيّ طريق كان من زيادة التماس أو غير ذلك، قبل تراضي المتبايعين أو بعده، فإنّه مكروه، و قيل بتحريمه، و الأوّل أظهر، سواء كان من طرف الشراء أو من طرف البيع (2).

و يلحق بالبيع الصلح و غيره من عقود المعاوضات (3)، و لا يوجب الدخول في السوم فساد العقد (4)، و لا بأس بالدخول بعد اليأس من وقوع المعاملة بينهما، و ليس من السوم المكروه الدخول في شراء ما في الدلالة و المزايدة، كما أنّه لا يكره طلب شخص من المشتري الترك ليشتري هو.

و منها: الزيادة في السلعة وقت النداء، و لا بأس به بعد سكوته (5).

ص:128


1- الكافي:5/286 باب الاستحطاط بعد الصفقة حديث 1 و 2.
2- المشهور بين الفقهاء أعلى اللّه مقامهم هو الكراهة، و القول بالحرمة شاذ و ضعيف جدا لأن النهي الوارد في المقام نهي تنزيه لا تحريم، و الكراهة هي المختارة و اللّه العالم.
3- اقول دليل الالحاق اطلاق الدليل، و وحدة الملاك.
4- اقول لأنه ليس السوم داخلا في ضمن [1] عقد البيع و ما كان خارجا عن العقد و لم يقع العقد مبنيّا عليه لا يؤثر في صحة العقد.
5- الكافي:5/305 باب النوادر حديث 1، بسنده عن أبي عبد اللّه عليه السّلام قال: قال أمير المؤمنين عليه السّلام: يقول إذا نادى المنادي فليس لك أن تزيد، و إذا سكت فلك أن-

و منها: تلقّي الركبان فإنّه مكروه على الأقرب، و قيل بحرمته (1).

و ذهب جمع إلى كراهة البخس، و هو أن يزيد من لا يريد شراء شيء في ثمنه مواطاة مع البايع ليغترّ به غيره و يشتري بالزايد، و الأشهر حرمته 2، كما أنّ جمعا ذهبوا إلى كراهة الإحتكار، و الأقوى حرمته 3، و الكلام في الأمور الثلاثة و في فروعها يطلب من مناهج المتقين 4.

ص:129


1- الكافي:5/168 باب التلقي حديث 4. أقول: الحكم بالحرمة شاذ نادر، و المشهور لدى الفقهاء الكراهة لقصور الدليل عن الحرمة، و هو المختار، و اللّه العالم.

المقام الرابع: في بقية آداب الكسب و التجارة و طلب الرزق

و هي أمور:

فمنها: إنه يجب الاقتصار في طلب الرزق على الحلال منه، و اجتناب الحرام منه، فإنّ من اقتصر من الدّنيا على ما أحلّ اللّه له سلم، و من تناولها من غير حلّها هلك، كما أخبر به رسول اللّه صلّى اللّه عليه و آله و سلّم (1).

و منها: إنه يستحب الاجمال في طلب الرزق و الاقتصاد فيه (2)، لما ورد من الأمر به، و عن أمير المؤمنين عليه السّلام أنّه كثيرا ما كان يقول: إعلموا علما يقينا أنّ اللّه عزّ و جلّ لم يجعل للعبد-و إن اشتد جهده، و عظمت حيلته، و كثرت مكائدة-أن يسبق ما سمّي له في الذكر الحكيم، و لم يخل من العبد في ضعفه و قلّة حيلته أن يبلغ ما سمّي له في الذكر الحكيم. الحديث (3).

ص:130


1- الكافي:1/46 باب المستاكل بعلمه و المباهي به حديث 1
2- و لنعم ما قال الشاعر: يا طالب الرزق في الآفاق مجتهدا قصّر عناك فانّ الرزق مقسوم الرزق يسعى الى من ليس يطلبه و طالب الرزق يسعى و هو محروم و عن بعض التواريخ انّ ممّا كتب على داخل حائط الكعبة بماء الذهب: جرى قلم القضاء [2]بما يكون فسيان التحرّك و السكون جنون منك ان تسعى لرزق و يرزق في غشاوته الجنين [منه (قدس سره)].
3- الكافي:5/81 باب الإجمال في الطلب حديث 9، [3] بسنده عن أبي عبد اللّه عليه السّلام-

و عن رسول اللّه صلّى اللّه عليه و آله و سلّم أنه قال في حجة الوداع: ألا أن الروح الأمين نفث في روعي أنّه لا تموت نفس حتى تستكمل رزقها، فاتّقوا اللّه و اجملوا في الطلب، و لا يحملنّكم استبطاء شيء من الرزق أن تطلبوه بمعصية اللّه تعالى، فإنّ اللّه [تبارك]و تعالى قسّم الأرزاق بين خلقه حلالا و لم يقسمها حراما، فمن اتّقى اللّه عزّ و جلّ و صبر آتاه اللّه برزقه من حلّه، و من هتك حجاب الستر و عجّل فأخذه من غير حله، قصّ به من رزقه الحلال و حوسب عليه يوم القيامة (1). و عن أمير المؤمنين عليه السّلام أنّه قال: كم من متعب نفسه مقتر عليه، و مقتصد في الطلب قد ساعدته التقادير (2). و قال الصادق عليه السّلام:

إنّ اللّه عزّ و جلّ وسّع في أرزاق الحمقى ليعتبر العقلاء و يعلموا أنّ الدنيا ليس ينال ما فيها بعمل و لا حيلة (3)، و قال أمير المؤمنين عليه السّلام في وصيته لمحمد بن الحنفية: يا بنيّ! الرزق رزقان: رزق تطلبه و رزق يطلبك، فإن لم تأته أتاك، فلا تحمل همّ سنتك على همّ يومك، و كفاك كل يوم ما هو فيه، فإن تكن السنة من عمرك فإنّ اللّه تعالى سيأتيك في كل غد بجديد ما قسم لك، و إن لم تكن السنة من عمرك فما تصنع بهمّ و غمّ ما ليس لك؟ ! و اعلم أنّه لن يسبقك إلى رزقك طالب، و لن يغلب عليه غالب، و لن يحتجب عنك ما قدّر لك، فكم رأيت من طالب متعب نفسه مقتّر عليه رزقه و مقتصد في الطلب قد ساعدته المقادير، و كلّ مقرون به الفناء (4).

ص:131


1- الكافي:5/80 باب الإجمال في الطلب حديث 1.
2- الكافي:5/81 باب الإجمال في الطلب حديث 6.
3- الكافي:5/82 باب الإجمال في الطلب حديث 10.
4- الفقيه:4/276 باب 167 النوادر حديث 830، اواسط الحديث.

و كما يستحب الإجمال في الطلب، فكذا يكره كثرة المسامحة و الكسل، فإنّه مبغوض للإمام عليه السّلام، لأنّ من كسل عن أمر دنياه فهو عن أمر آخرته أكسل (1)، و إنّ الأشياء لمّا ازدوجت ازدوج الكسل و العجز فنتج بينهما الفقر (2).

و يكره زيادة الاهتمام بالرزق، لأنّ ضامنه قادر مأمون (3).

و منها: استحباب طلب قليل الرزق، و الشكر عليه، و عدم استقلاله، فإنّه يدعو إلى اجتلاب كثير من الرزق (4).

و يكره استقلال قليل الرزق فيحرم كثيره، لما ورد من أنّ من استقل قليل الرزق حرم كثيره (5).

و منها: انّه يستحب الدعاء في طلب الرزق (6)، و الرجاء للرزق من حيث

ص:132


1- الكافي:5/85 باب كراهية الكسل حديث 4.
2- الكافي:5/86 باب كراهية الكسل حديث 8.
3- سورة هود:6[و [3]ما من دابّة في الأرض الاّ على اللّه رزقها، و يعلم مستقرها و مستودعها كل في كتاب مبين]و سورة العنكبوت:60[و [4]كاين من دابّة لا تحمل رزقها، اللّه يرزقها و ايّاكم و هو السميع العليم]و آيات اخرى.
4- الكافي:5/311 باب النوادر حديث 29، [5] بسنده عن إسحاق بن عمار قال: سمعت أبا عبد اللّه عليه السّلام يقول: من طلب قليل الرزق كان ذلك داعية الى اجتلاب كثير من الرزق [و من ترك قليلا من الرزق كان ذلك داعية الى ذهاب كثير من الرزق].
5- الكافي:5/318 باب النوادر حديث 30 و 56.
6- الكافي:5/314 باب النوادر حديث 42، [7] بسنده عن حفص بن عمر البجلي، قال: شكوت إلى أبي عبد اللّه عليه السّلام حالي و انتشار أمري عليّ، قال: فقال لي: اذا قدمت الكوفة فبع وسادة من بيتك بعشرة دراهم و ادع اخوانك، و اعدّ لهم طعاما، و سلهم يدعون اللّه لك، قال: ففعلت و ما امكنني ذلك حتى بعت وسادة، و اتخذّت طعاما كما امرني، و سألتهم أن-

لا يحتسب (1)، و تهيئة من تعسّر عليه المعاش طعاما، و اطعامه المؤمنين و سؤالهم أن يدعو اللّه بالسعة 2، و إكثار الاستغفار 3، و ترطيب اللسان بقراءة إنا أنزلناه فإنّ الرزق يقبل بذلك.

و ورد أنّ من ساءت حاله و معاشه فليقرأ حولا إِنّا أَرْسَلْنا نُوحاً إِلى قَوْمِهِ. . . 4الآية، ثم قراءة إنا أنزلناه بعد الحول كلّ يوم مائة مرة 5، فإنّه يتسع رزقه.

و منها: استحباب تعرض غير طالب العلم للرزق، بفتح الباب و الجلوس في الدكان و بسط البساط، فإنّ من فعل ذلك فقد قضى ما عليه. و قد جرّب غير واحد من أهل أعصار الأئمة عليهم السّلام ذلك فوسّع اللّه عليه و كثر ماله 6.

ص:133


1- الكافي:5/83 باب الرزق من حيث لا يحتسب حديث 1 و 2.

و منها: استحباب مرمّة المعاش و اصلاح المال، لأنّه الذي ينبغي للمسلم العاقل (1)، و إنّ إصلاح المال من الإيمان و المروّة (2)، و إنّ فيه منبّهة للكريم و استغناء عن اللئيم (3).

و منها: استحباب الاقتصاد في المعيشة و تقديرها، لما ورد من أنّ القصد يورث الغنى، و السرف يورث الفقر 4، و انّه لا يصلح المرء المسلم إلاّ ثلاثة:

التفقّه في الدين، و الصبر على النائبة، و حسن التقدير في المعيشة 5، و إنّه إذا أراد اللّه تعالى بأهل بيت خيرا رزقهم الرفق في المعيشة 6، و إنّه لا خير في رجل

ص:134


1- الكافي:5/87 باب إصلاح المال و تقدير المعيشة حديث 1، بس [1]نده عن أبي عبد اللّه عليه السّلام قال: إنّ في حكمة آل داود ينبغي للمسلم العاقل ان لا يرى ظاعنا الاّ في ثلاث: مرمّة لمعاش، او تزوّد لمعاد، او لذّة في غير ذات محرّم، و ينبغي للمسلم العاقل ان يكون له ساعة يفضي الى عمله فيما بينه و بين اللّه عزّ و جلّ، و ساعة يلاقي إخوانه الذين يفاوضهم و يفاوضونه في أمر آخرته، و ساعة يخلي بين نفسه و لذّاتها في غير محرّم، فإنّها عون على تلك الساعتين.
2- الكافي:5/87 باب إصلاح المال و تقدير المعيشه حديث 3، [2] و الفقيه:3/102 باب 58 حديث 403.
3- الكافي:5/88 باب إصلاح المال و تقد [3]ير المعيشة حديث 6.

لا يقتصد في معيشته ما يصلح لا لدنياه و لا لآخرته (1).

و منها: استحباب مباشرة ذي الحسب و الدين كبار الأمور، كشراء العقار و الرقيق، و ما أشبههما، و الإستنابة في شراء الأشياء الحقيرة، لما ورد من أنّه لا ينبغي للمرء المسلم ذي الحسب و الدين أن يلي دقايق الأشياء بنفسه (2).

و منها: استحباب التغرّب في طلب الرزق، لما ورد من أنّ اللّه تبارك و تعالى يحبّ الاغتراب في طلب الرزق (3)، نعم ورد أنّ من سعادة الرجل أن يكون متجره ببلده، و يرزق معيشته ببلده، يغدو إلى أهله و يروح (4).

و منها: استحباب التبكير في طلب الرزق، و الإسراع في المشي، لما ورد من قول الصادق عليه السّلام: إذا أراد أحدكم حاجة فليبكّر إليها، و ليسرع المشي إليها (5).

و منها: استحباب الذهاب في الحاجة على طهارة، و المشي في الظل، لما ورد من ان من ذهب في حاجة على غير وضوء فلم تقض حاجته فلا يلومنّ إلاّ نفسه، و أن رسول اللّه صلّى اللّه عليه و آله و سلّم أرسل رجلا في حاجة و كان يمشي في الشمس، فقال له: امش في الظلّ، فإنّ الظلّ أبرك (6).

ص:135


1- التهذيب:7/236 باب 21 حديث 1028.
2- الكافي:5/90 باب مباشرة الأشياء بنفسه حديث 1، [1] بسنده عن أبي عبد اللّه عليه السّلام انه قال: باشر كبار أمورك بنفسك، و كلّ ما شفّ إلى غيرك، قلت: ضرب اىّ شيء؟ قال: ضرب اشربة العقار و ما اشبهها.
3- الفقيه:3/95 باب 58 حديث 358.
4- الفقيه:3/99 باب 58 حديث 385، و قال علي بن الحسين عليهما السّلام: انّ من سعادة المرء أن يكون متجره في بلاده، و يكون خلطاؤه صالحين، و يكون له أولاد يستعين بهم.
5- الفقيه:3/95 باب 58 حديث 362.
6- الفقيه:3/95 باب 58 حديث 364.

و منها: استحباب طلب الحوائج من الناس بالنهار، للأمر به معلّلا بأنّ اللّه جعل الحياء في العينين (1).

و منها: كراهة سهر ذي الصنعة و الكسب الليل كلّه بصنعته و كسبه، لما ورد من أنّ من بات ساهرا في كسب و لم يعط العين حقها من النوم فكسبه ذلك حرام (2).

و منها: كراهة إجارة الإنسان نفسه، لما ورد من أنّ من آجر نفسه فقد حظر على نفسه الرزق، لأن ما يصيبه فهو لربّه [الذي]اجره، و مقتضى التعليل هو عدم كراهة [اجارة]مثل البنّاء و النجّار و نحوهما نفسه يوما للعمل، و اللّه العالم (3).

و منها: كراهة ركوب البحر للتجارة، للنصوص بذلك، و بأنّه ما أجمل في الطلب من ركب البحر للتجارة (4).

و منها: كراهة التجارة في أرض لا يصلّى فيها إلاّ على الثلج، للنهي

ص:136


1- تفسير العياشي:1/370 حديث 66.
2- التهذيب:6/367 باب 93 المكاسب حديث 1059.
3- الكافي:5/90 باب كراهية إجارة الرجل نفسه حديث 1، [2] بسنده عن المفضل بن عمر، قال: سمعت أبا عبد اللّه عليه السّلام يقول: من آجر نفسه فقد حظر على نفسه الرزق، و في رواية أخرى: و كيف لا يحظره؟ ! و ما اصاب فيه فهو لربّه الذي آجره. تنبيه: لا بد من حمل الكراهة هنا بما اذا اجر الانسان نفسه لجميع اوقاته بحيث لا يملك لنفسه من وقته شيئا، و الاّ فإن موسى و شعيبا على نبينا و آله و عليهما السّلام قد اجرا انفسهما، و فوق ذلك فان من الثابت ان أمير المؤمنين عليه أفضل الصلاة و السّلام كان يواجر نفسه ليهوديّ و غيره طلبا للرزق، فتفطن.
4- الكافي:5/256 باب ركوب البحر للتجارة حديث 1، [3] بسنده عن محمد بن مسلم عن أبى جعفر و أبي عبد اللّه عليهما السّلام أنّهما كرها ركوب البحر للتجارة و حديث 2.

عنه (1).

و منها: كراهة التعرّض للكيل إذا لم يحسن (2).

و منها: إن صاحب السلعة أحقّ بالسوم (3).

و منها: استحباب مبادرة التاجر إلى الصلاة في أوّل وقتها، و كراهة اشتغاله بالتجارة عنها، و قد فسّر قوله تعالى رِجالٌ لا تُلْهِيهِمْ تِجارَةٌ وَ لا بَيْعٌ عَنْ ذِكْرِ اَللّهِ بالتجّار الذين إذا دخلت مواقيت الصلاة أدّوا إلى اللّه عزّ و جلّ حقّه فيها (4).

و منها: استحباب تعلّم الكتابة و الحساب و آداب الكتابة، و قد ورد: انّ اللّه تعالى منّ على الناس-برّهم و فاجرهم-بالكتاب و الحساب، و لو لا ذلك لتغالطوا (5).

و يستحب الكتابة عند التعامل و التداين، لما ورد من أنّ اللّه تبارك و تعالى أمر العباد أن يكتبوا بينهم إذا تداينوا أو تعاملوا (6)بنصّ الآية (7).

و منها: استحباب الدعاء عند دخول السوق بالمأثور، بأن يقول حين يضع رجله في السوق: «اللهم إني أسألك من خيرها و خير أهلها، و أعوذ بك من شرّها و من شرّ أهلها» ، فإنّه إذا قال ذلك و كلّ اللّه تعالى به من يحفظه و يحفظ

ص:137


1- التهذيب:6/381 باب 93 المكاسب حديث 1121.
2- الفقيه:3/123 باب آداب التجارة حديث 533.
3- الفقيه:3/122 باب آداب التجارة حديث 528.
4- الكافي:5/154 باب آداب التجارة حديث 21، [1] بسنده في قول اللّه عزّ و جلّ رِجالٌ لا تُلْهِيهِمْ تِجارَةٌ وَ لا بَيْعٌ عَنْ ذِكْرِ اَللّهِ. . قال: هم التجّار الذين لا تلهيهم تجارة و لا بيع عن ذكر اللّه عزّ و جلّ، إذا دخلت مواقيت الصلاة ادّوا الى اللّه حقّه فيها.
5- الكافي:5/155 باب فضل الحساب و الكتابة حديث 1.
6- وسائل الشيعة:12/299 باب استحباب كتابة كتاب عند التعامل و التداين حديث 1.
7- سورة البقرة:282.

عليه حتى يرجع إلى منزله فيقول له: قد أجرتك من شرّها و شرّ أهلها يومك هذا بإذن اللّه، و قد رزقت خيرها و خير أهلها في يومك هذا، و يقول حين يجلس [مجلسه]: «اشهد أن لا إله إلاّ اللّه وحده لا شريك له، و أنّ محمدا عبده و رسوله، اللّهم إنّي أسألك من فضلك رزقا حلالا طيّبا، و أعوذ بك من أن أظلم أو أظلم، و أعوذ بك من صفقة خاسرة، و يمين كاذبة» فإذا قال ذلك قال له الملك الموكل به: ابشر فما في سوقك اليوم أحد أوفر حظّا منك، قد تعجلت الحسنات و محيت عنك السيّئات، و سيأتيك ما قسم اللّه لك موفّرا حلالا مباركا فيه (1).

و ورد عند دخول السوق قول: «اللهمّ إنّي أسألك من خيرها و خير أهلها، و أعوذ بك من شرها و شر أهلها، اللهم إني أعوذ بك من أن أظلم أو أظلم، أو أبغي أو يبغى عليّ، أو أعتدي أو يعتدى عليّ، اللهمّ إنّي أعوذ بك من شرّ إبليس و جنوده، و شر فسقة العرب و العجم، و حسبي اللّه لا إله إلاّ هو، عليه توكلت و هو ربّ العرش العظيم» (2).

و ورد أنّ من قال حين يدخل السوق: «سبحان اللّه و الحمد للّه و لا إله إلاّ اللّه وحده لا شريك له، له الملك و له الحمد، يحيي و يميت و هو حيّ لا يموت، بيده الخير و هو على كل شيء قدير» أعطي من الأجر بعدد ما خلق اللّه إلى يوم القيامة (3)، و إطلاقه يشمل ما لو دخلها للاكتساب أو لمطلق المعاملة و شراء شيء، و مثله ما ورد من أنّ من قال في السوق: «أشهد أن لا إله إلاّ اللّه، و أشهد أنّ محمدا عبده و رسوله» كتب اللّه له ألف حسنة (4).

ص:138


1- الكافي:5/155 باب من ذكر اللّه تعالى في السوق حديث 1.
2- الكافي:5/156 باب ذكر اللّه تعالى في السوق حديث 2.
3- عيون أخبار الرضا عليه السّلام:2/199.
4- المحاسن:40 باب 36 حديث 47، و [4]فيه: ألف ألف حسنة.

و ما ورد من أنّ من دخل السوق فنظر إلى حلوها و حامضها فليقل:

«أشهد أن لا إله إلاّ اللّه وحده لا شريك له، و أنّ محمدا عبده و رسوله، اللهمّ إنّي أسألك من فضلك و أستجير بك من الظلم و الغرم و المآثم» (1).

و ورد أنّ من دخل سوقا أو مسجد جماعة فقال مرة واحدة: «أشهد أن لا إله إلاّ اللّه وحده لا شريك له، و اللّه أكبر كبيرا، و الحمد للّه كثيرا، و سبحان اللّه بكرة و أصيلا، و لا حول و لا قوّة إلاّ باللّه العليّ العظيم، و صلّى اللّه على محمّد و آله» ، عدلت حجة مبرورة (2).

و ورد أنّ من ذكر اللّه في الأسواق غفر له بعدد أهلها (3).

و ورد عند إرادة شراء شىء قول: «يا حيّ يا قيّوم، يا دائم، يا رؤوف، يا رحيم، اسألك بعزتك و قدرتك و ما أحاط به علمك أن تقسم لي من التجارة اليوم أعظمها رزقا، و أوسعها فضلا، و خيرها عاقبة، فإنّه لا خير فيما لا عاقبة له» (4).

و ورد عند شراء شىء من متاع أو غيره التكبير ثلاثا ثم قول: «اللهمّ إنّي اشتريته ألتمس فيه من خيرك فاجعل لي فيه خيرا، اللهم إنّي اشتريته التمس فيه من فضلك [فصلّ على محمد و آل محمد]و اجعل لي فيه فضلا، اللهمّ إنّي اشتريته ألتمس فيه [من]رزقك فاجعل لي فيه رزقا» أعاد كل واحدة ثلاث مرات (5)، و ظاهره-كأكثر الأدعية المذكورة-الإختصاص بمن أراد الشراء للاكتساب.

ص:139


1- المحاسن:40 باب 36 حديث 46.
2- الفقيه:3/124 باب 63 حديث 541.
3- الفقيه:3/125 باب 63 حديث 544.
4- الكافي:5/157 باب القول عند ما يشتري للتجارة حديث 3.
5- الفقيه:3/125 باب 64 حديث 545.

و ورد فيمن يريد شراء الدابّة أن يقول ثلاث مرات: «اللهمّ إن كانت عظيمة البركة، فاضلة المنفعة، ميمونة الناصية، فيسّر لي شراءها، و إن كانت غير ذلك فاصرفني عنها إلى التي هي خير لي منها، فإنّك تعلم و لا أعلم، و تقدر و لا أقدر، و أنت علاّم الغيوب» (1)، و فيمن يريد شراء دابّة أو رأس قول: «اللهم اقدر لي أطولها حياة، و أكثرها منفعة، و خيرها عاقبة» (2). و فيمن يريد شراء جارية قول: «اللهمّ إنّي أستخيرك و أستشيرك» و بعد شراء الدابة الوقوف من جانبها الأيسر و الأخذ بناصيتها بيده اليمنى و قراءة فاتحة الكتاب و التوحيد و المعوذتين و آخر الحشر و آخر بني اسرائيل أي «قل ادعوا اللّه. .» (3)الآية، و آية الكرسي على رأسها، فإنّ ذلك أمان لتلك الدابّة من الآفات (4).

و منها: استحباب الاقتصار على معاملة من نشأ في الخير، لما ورد من النهي عن المخالطة و المعاملة إلاّ معه (5).

و يكره معاملة المحارف، معلّلا بأنّ صفقته لا بركة فيها (6)، و المحارف:

هو المحروم الذي إذا طلب لا يرزق، أو لا يكون يسعى في الكسب، و هو خلاف قولك: المبارك.

و ورد عن أمير المؤمنين عليه السّلام الأمر بمشاركة الذي قد أقبل عليه الرزق، لأنّه أخلق للغنى و أجدر بإقبال الحظّ (7).

ص:140


1- الكافي:5/157 باب القول عند ما يشترى للتجارة.
2- الفقيه:3/126 باب 65 حديث 548.
3- سورة الإسراء آيه 110.
4- الفقيه:3/126 باب 65 حديث 548. آية 110.
5- الكافي:5/158 باب من تكره معاملته حديث 5.
6- الكافي:5/157 باب من تكره معاملته و مخالطة حديث 1.
7- وسائل الشيعة:12/306 باب 21 حديث 7، و [4]نهج البلاغة القسم الثاني.

و يكره طلب الحوائج من مستحدث النعمة و الاستقراض منه (1)، لما ورد من النهي عنهما، و أنّ إدخال اليد إلى المرفق إلى فم الأفعى لإخراج الدرهم خير من طلب الحوائج ممّن لم يكن فكان (2).

و يكره معاملة ذوي العاهات، لأنهم أظلم شيء (3)، و معاملة الأكراد و مخالطتهم، لأنهم حيّ من أحياء الجنّ كشف اللّه عنهم الغطاء (4)، و مخالطة السفلة فإنّها لا تؤول إلى خير (5)، و معاملة من ينفق ماله في معصية اللّه سبحانه،

ص:141


1- الكافي:5/158 باب من تكره معاملته حديث 4، [1] بسنده عن حفص بن البختري قال: استقرض قهرمان لأبي عبد اللّه [عليه السّلام]من رجل طعاما لأبي عبد اللّه فألحّ في التقاضي، فقال له أبو عبد اللّه: ألم أنهك أن تستقرض ممّن لم يكن له ثم كان. و لقد أجاد الشاعر في قوله: مستحدث النعمة لا يرتجى أحشاؤه مملّوة فقرا و قال الشاعر الفارسي: نعيم زاده چه مفلس شود بر او پيوند درخت چونكه تهي كشت بارور گردد لئيم زاده چه منعم شود از او بگريز كه مستراح چه پر شد گندتر گردد [منه (قدس سره)].
2- وسائل الشيعة:12/48 باب 26 حديث 2، و [2]التهذيب:6/329 باب 93 المكاسب حديث 912.
3- الفقيه:3/100 باب 58 حديث 389.
4- الكافي:5/158 باب من تكره معاملته حديث 2، و [3]الرواية ضعيفة السند لجهالة أبي الربيع الشامي.
5- الفقيه:3/100 باب 58 حديث 392، بسنده قال عليه السّلام: إيّاك و مخالطة السفلة فإنّ مخالطة السفلة لا تؤل الى خير. قال الصدوق رضوان اللّه تعالى عليه: جاءت الأخبار في معنى السفلة على وجوه: منها: ان السفلة هو الذي لا يبالي بما قال و لا ما قيل فيه، و منها: ان السفلة من يضرب بالطنبور، و منها: ان السفلة من لم يسرّه الاحسان، و لا تسوءه الإساءة.

و الاستعانة بالمجوس و لو على أخذ قوائم الشاة عند إرادة ذبحها (1).

و منها: كراهة البيع بربح الدينار دينارا فصاعدا، و الحلف عليه، بل يكره مطلق البيع الذي ربحه خلاف الانصاف (2).

و منها: استحباب تجربة الأشياء و ملازمة ما ينفعه من المعاملات (3).

و منها: استحباب ادّخار قوت السنة و تقديمه على شراء العقدة، لما ورد من أنّ الإنسان إذا أدخل طعام سنته داره خفّ ظهره و استراح، و النفس اذا احرزت قوتها استقرت (4)، و عن الصادق عليه السّلام: انّ سلمان كان اذا أخذ عطاؤه رفع منه قوته لسنته حتى يحضر عطاؤه من قابل، فقيل: يا أبا عبد اللّه! أنت في زهدك تصنع هذا؟ و أنت لا تدري لعلك تموت اليوم أو غدا! ؟ فكان جوابه أن قال: ما لكم لا ترجون لي البقاء كما خفتم عليّ الفناء، اما علمتم يا جهلة ان النفس قد تلتاث (5)على صاحبها إذا لم يكن لها من العيش ما تعتمد عليه، فإذا هي أحرزت معيشتها اطمأنّت (6).

و يستحب الأخذ من طعام الدار للصرف على العيال بالكيل، فإنه اعظم

ص:142


1- وسائل الشيعة:2/578 باب 24 حديث 1، [1] بسنده عن الباقر عليه السّلام: لا تستعن بمجوسيّ و لو على أخذ قوائم شاتك و أنت تريد ذبحها، الفقيه:3/100 باب 58 حديث 391.
2- الكافي:5/161 باب الحلف و الشراء حديث 1.
3- الكافي:5/168 باب لزوم ما ينفع حديث 1، [3] بسنده عن أبي عبد اللّه عليه السّلام قال: شكى رجل إلى رسول اللّه صلّى اللّه عليه و آله و سلّم الحرفة، فقال انظر بيوعا فاشترها ثم بعها فما ربحت فيه فالزمه.
4- الكافي:5/89 باب إحراز القوت حديث 1 و 2 و [4] 3.
5- أي تضطرب. [منه (قدس سره)].
6- الكافي:5/68 باب دخول الصوفية على أبي عبد اللّه عليه السّلام حديث 1.

للبركة، و يكره الأخذ جزافا (1).

و يستحب لمن عنده الطعام لقوته و عروض القحط ان يبيعه مواساة للناس، ثم يشتري يوما بيوم، و ان كانت عنده حنطة استحب ان يخلطها بشعير، و يبيع و يشتري من المسلمين يوما بيوم (2).

و منها: استحباب شراء الحنطة للقوت فإنّه ينفي الفقر (3).

و يكره شراء الدقيق و الخبز فان شراء الدقيق ذلّ، و ينشىء الفقر، و شراء الخبز فقر و محق، و من مرّ العيش (4).

و يكره منع قرض الخمير و الخبز، فقد ورد ان منعه يورث الفقر (5)، و ان منع الملح و النّار لا يحلّ (6)، و ان قرض الخمير و اقتباس النار يجلب الرزق على

ص:143


1- التهذيب:7/163 باب 13 حديث 722، بسنده عن أبي عبد اللّه عليه السّلام قال: شكى قوم الى رسول اللّه صلّى اللّه عليه و آله و سلّم سرعة نفاد طعامهم، فقال تكيلون او تهيلون؟ قالوا: نهيل يا رسول اللّه-يعني الجزاف-، قال: كيلوا فإنه أعظم للبركة.
2- التهذيب:7/160 باب 13 حديث 709، بسنده عن حمّاد بن عثمان، قال: أصاب أهل المدينة قحط حتى أقبل الرجل الموسر يخلط الحنطة بالشعير و يأكله، و يشتري فينفق الطعام، و كان عند أبي عبد اللّه عليه السّلام طعام جيّد قد اشتراه أوّل السنّة، فقال لبعض مواليه: أشتر لنا شعيرا و اخلط بهذا الطعام أو بعه فإنا نستكره أن نأكل جيدا و يأكل الناس رديّا.
3- التهذيب:7/162 باب 13 حديث 714، بسنده عن عائذ بن جندب قال: سمعت جعفر بن محمد عليهما السّلام يقول: شراء الحنطة ينفي الفقر، و شراء الدقيق ينشى الفقر، و شراء الخبز محق، قال: قلت: لم أبقاك اللّه فمن يقدر على شراء الحنطة؟ قال: ذلك لمن يقدر و لا يفعل.
4- الحديث المتقدم، و وسائل الشيعة:12/223 باب 33 حديث 3 و 4.
5- التهذيب:7/162 باب 13 حديث 718، بسنده عن جعفر بن محمد، عن أبيه عليهما السّلام قال: لا تمانعوا قرض الخمير و الخبز، فإنّ منعه يورث الفقر.
6- الكافي:5/308 باب النوادر حديث 19، [2] بسنده عن أبي عبد اللّه عليه السّلام قال: قال-

أهل البيت مع ما فيه من مكارم الأخلاق (1).

و يكره عدّ الخبز مع عدم الحاجة الى إحصائه (2).

و منها: استحباب الاستتار بالمعيشة و كتمها عن الناس، للأمر به معلّلا بأنهم ان لم يضرّوك لم ينفعوك (3).

و منها: استحباب شراء الصغار من الرقيق و تربيتها و بيعها كبارا عند ضيق الرزق، و كذا معالجة الكرسف (4).

و منها: كراهة حمل شىء في الكمّ، لأنّ الكمّ مضياع (5).

و منها: كراهة شكوى من رزقه بالبيع و الشراء من عدم الربح و الانفاق

ص:144


1- الكافي:5/315 باب النوادر حديث 47، بسنده قال أبو عبد اللّه عليه السّلام: لا تمانعوا قرض الخمير و الخبز و اقتباس النّار فإنّه يجلب الرزق على أهل البيت مع ما فيه من مكارم الأخلاق.
2- التهذيب:7/163 باب 13 حديث 721، و [1] قال عليه السّلام: دخل رسول اللّه صلّى اللّه عليه و آله و سلّم على عائشة و هي تحصي الخبز، فقال: يا عائشة! لا تحصي الخبز فيحصى عليك.
3- الكافي:7/305 باب النوادر حديث 4، [2] بسنده عن أبي جعفر الأحول، قال: قال لي أبو عبد اللّه عليه السّلام: ايّ شيء معاشك؟ قال: قلت: غلامان لي و حملان، قال: قال: استتر بذلك من إخوانك، فإنّهم ان لم يضرّوك لم ينفعوك.
4- الكافي:5/305 باب النوادر حديث 6، بسنده عن أبي عبد اللّه عليه السّلام قال: من ضاق عليه المعاش-او قال: الرزق-فليشتر صغارا، و ليبع كبارا، و روي عنه انه قال عليه السّلام: من اعيته الحيلة فليعالج الكرسف. .
5- التهذيب:7/227 باب 21 الزيادات حديث 992، بسنده عن أبي القداح عن أبي عبد اللّه عليه السّلام قال: جئت بكتاب إلى أبي أعطانيه إنسان فأخرجته من كميّ، فقال: يا بنيّ! لا تحمل في كمّك شيئا، فإنّ الكمّ مضياع.

من رأس المال، لأنه شكاية من الرب، و هل أصل المال و الربح إلا منه تعالى؟ ! كما نطق بذلك الخبر (1).

و منها: استحباب العود من غير طريق الذهاب تأسّيا بالنبيّ صلّى اللّه عليه و آله و الرّضا عليه السّلام لأنّه أرزق (2).

و منها: استحباب بيع التجارة قبل دخول مكّة، و كراهة الاشتغال فيها عن العبادة، فإن اللّه سبحانه أبى أن يجعل متجر المؤمن بمكة (3).

تذييل:

من السنن المؤكدة إقراض المؤمن، فإن أجره عظيم، و ثوابه جسيم، لما فيه من معونة المحتاج، و المعاونة على البرّ، و كشف كربة المسلم، و قضاء حاجته،

ص:145


1- وسائل الشيعة:12/340 باب 53 حديث 1، [1] بسنده عن أبي جعفر عليه السّلام قال: قال رسول اللّه صلّى اللّه عليه و آله و سلّم: يأتي على الناس زمان يشكون فيه ربّهم عزّ و جلّ قلت: و كيف يشكون ربّهم؟ قال: يقول الرجل: و اللّه ما ربحت شيئا. . كذا و كذا، و لا آكل و لا أشرب الاّ من رأس مالي، و يحك، و هل أصل مالك و ذروته إلاّ من ربّك عز و جل، و التهذيب: 7/226 باب 21 حديث 990.
2- وسائل الشيعة:12/341 باب 54 حديث 1، [2] بسنده عن موسى بن عمر بن بزيع قال: قلت للرضا عليه السّلام: جعلت فداك إنّ الناس رووا ان رسول اللّه صلّى اللّه عليه و آله و سلّم كان إذا أخذ في طريق رجع في غيره، فكذا كان يفعل؟ قال: فقال: نعم: و أنا أفعله كثيرا فافعله، ثم قال لي: اما انّه أرزق لك. و التهذيب:7/226 حديث 987.
3- وسائل الشيعة:2/584 باب 56 حديث 1، [3] بسنده قال قلت لأبي الحسن موسى عليه السّلام: إنّا نجلب المتاع من صنعاء، نبيعه بمكّة، العشرة ثلاثة عشر، و اثني عشر، و نجىء به فيخرج الينا تجار مكّة فيعطوننا بدون ذلك، الاحد عشر، و العشرة و نصف، و دون ذلك، فابيعه او اقدم مكة؟ . فقال لي: بعه في الطريق و لا تقدم به مكة، فان اللّه تعالى ابى ان يجعل متجر المؤمن بمكة. التهذيب:7/230 باب 21 حديث 1002.

و قد ورد عن الصادق عليه السّلام انه قال: لأن أقرض قرضا أحب اليّ من ان أتصدّق بمثله (1)، و ان المقرض يعطى ثواب الصدقة بمثل مال القرض حتى يرجع إليه (2)، و انه مكتوب على باب الجنة: إن الصدقة بعشرة و القرض الواحد بثمانية عشر، و صلة الإخوان بعشرين، و صلة الرحم باربعة و عشرين (3)، و عن رسول اللّه صلّى اللّه عليه و آله: ان من أقرض مؤمنا قرضا ينظر به ميسوره كان ماله في زكاة، و كان هو في صلاة من الملائكة حتى يؤدّيه (4)[اليه]، و ان من أقرض أخاه المسلم كان له بكل درهم أقرضه وزن جبل أحد من جبال رضوى و طور سيناء حسنات، و إن رفق به في طلبه تعدّي به على الصراط كالبرق الخاطف اللامع بغير حساب و لا عذاب، و من شكا إليه أخوه المسلم فلم يقرضه حرّم اللّه عزّ و جلّ عليه الجنّة يوم يجزي المحسنين (5).

و ارسل في وجه أفضلية اقراض شىء من التصدّق به انّ المستقرض لا يستقرض إلاّ من حاجة و ضرورة، و قد تطلب الصدقة من غير حاجة و اضطرار اليها (6)، و الظاهر ان مثل القرض-في ثواب الرفق في مطالبته و الامهال فيه- مطلق الدين، و يختص أجر القرض بما إذا قصد به القربة فلا أجر مع عدمها (7).

ص:146


1- وسائل الشيعة:13/87 باب 6 حديث 1، و [1]ثواب الأعمال: ص 166.
2- وسائل الشيعة:13/87 باب 6 حديث 2، [3] ثواب الأعمال باب ثواب القرض:166 حديث 2.
3- مستدرك وسائل الشيعة:2/490 باب 6 حديث 3، [4] الفقيه:2/38 حديث 164.
4- وسائل الشيعة:13/87 باب 6 حديث 3. [5] أقول: ماله في زكاة. . اي في نماء و كثره، -و كان هو في صلاة. . أى في رحمة اللّه تعالى. ثواب الأعمال:166 ثواب من أقرض المؤمن حديث 1.
5- وسائل الشيعة:2/621 باب 6 حديث 5.
6- مستدرك وسائل الشيعة:2/490 باب 6 حديث 3، [7] نقلا عن تفسير أبي الفتوح الرازي.
7- أقول: لأن الثواب من اللّه جلّ اسمه يكون إذا قصد العبد بفعله التقرب إ [8]ليه و إلاّ فلا-

و يجب إنظار المعسر 1و يستحب ابراؤه، و قد ورد ان من أراد ان يظلّه اللّه يوم لا ظلّ الاّ ظلّه-قالها ثلاثا-فهابه الناس أن يسألوه فقال: فلينظر معسرا أو ليدع له من حقّه 2، و انّ من أنظر معسّرا كان على اللّه عزّ و جلّ في كلّ يوم صدقة بمثل ما له [عليه]حتّى يستوفي حقّه، و ان من أبرأ المديون كان له بكل درهم عشرة 3.

و يكره الاستدانة مع الغنى عنها، و عدم القدرة على قضائها، و فقد وليّ قاض للدّين، و قيل يحرم، و الأوّل أظهر، و استدانة المعصومين عليهم السّلام انما هي لوجود الوفاء و الصرف فيما يلزم 4.

و يجب لنفقة واجب النفقة عند الاضطرار و يحرم الاستقراض للأمور المحرّمة، و يحرم اشتراط النفع في القرض و الربا فيه مطلقا، و يفسد به القرض 5. و لا يملك المقرض النفع في القرض و الربا فيه مطلقا و يفسد به القرض، و لا يملك المقرض النفع و يكون المال في يد المقترض أمانة شرعية مضمونة عليه 6، و تجب المبادرة الى ردّه اليه الا مع العلم برضاه ببقائه في يده،

ص:147

و يأتي مضارّ الربا في المقام الثامن من الفصل العاشر ان شاء اللّه تعالى، و لا فرق في حرمة الزيادة المشترطة بين كون مال القرض ربويّا ام لا، مثليّا او قيّميا، و لا بين كون الزيادة عينيّة او حكميّة من صفة او منفعة، فلو شرط الصحيح بدل المكسور، أو الخالص بدل المغشوش، او الجيّد بدل الرديّ، حرم و فسد (1)، و لو تبرع المقترض عند الوفاء بزيادة عينيّة أو حكميّة، جاز سواء علما بذلك لجريان عادة و نحوها ام لا، نويا ذلك ام لا، ما لم يشترطاها في العقد (2)، بل ظاهر جملة من الاخبار رجحان اعطاء المقترض الزيادة (3)، و اما الأخذ فقد أفتى جمع بكراهته، و لم أقف له على مستند، و قاعدة التسامح جارية (4)، و لا يتوهّم دلالة خبر حفص بن غياث-و هو ما رواه حفص بن غياث عليه [الرحمه] عن أبي عبد اللّه عليه السّلام قال: الربا ربوان: أحدهما: ربا حلال، و الآخر:

ربا حرام، فامّا الحلال فهو أن يقرض الرجل قرضا طمعا أن يزيده و يعوّضه بأكثر ممّا أخذه بلا شرط بينهما، فإن أعطاه اكثر ممّا أخذه بلا شرط بينهما فهو مباح له، و ليس له عند اللّه ثواب في ما أقرضه، و هو قوله عز و جل: فَلا يَرْبُوا عِنْدَ اَللّهِ (5)-، فان مورده ما إذا أقرض طمعا في الزيادة لا قصدا للقربة، و لا

ص:148


1- كل هذه الأحكام نتيجة عدم صحة القرض فإذا كان القرض باطلا كان ما شرط فيه باطلا ايضا.
2- اقول: في القرض المذكور لم يسبق التبرّع شرط في القرض، فالزيادة تبرعيّة، و الذي يبطل الزيادة في القرض هو الشرط لا غير، فالجواز ممّا لا ريب فيه.
3- مناهج المتقين:254 كتاب القرض المقام الاول. و الكافي:5/254 باب الرجل يقرض الدارهم و يأخذ أجود منها حديث 6.
4- قاعدة التسامح في أدلّة الس [1]نن ناقش في حجيتها سيّدنا الاستاد الحكيم قدّس سرّه، و سبقه شيخنا الوالد طاب ثراه في مقياس الهداية و غيرهم، فراجع.
5- تفسير علي بن إبراهيم:2/159 سورة الروم:39، بسنده عن حفص بن غياث قال: -

شبهة في عدم الثواب حينئذ، و أين ذلك ممّا إذا اقرضه للّه تعالى و زاد له المقترض عند الوفاء شيئا؟ (1).

ص:149


1- أقول: الأجر و الثواب إنّما يترتب على العمل إذا أقترن بقصد التقرب الى اللّه سبحانه و تعالى أما نفس العمل الحسن من دون نية التقرب فلا ثواب له من اللّه تعالى شأنه لعدم انتسابه اليه تعالى، نعم ربّما يترتب على العمل الحسن أو القبيح اثر وضعيّ و لا يسمى اجرا كصلة الرحم لطول العمر فان ذلك أثره الوضعي و ما عند اللّه خير و أبقى.

ص:150

الفصل العاشر: في آداب العشرة

اشارة

اعلم انّ معاشرة العباد في الجملة من ضروريّات العيش، و يجب بعض لوازم المعاشرة كإقامة الشهادة، و أداء الأمانة، و صدق الحديث.

و يستحب البعض الآخر كعيادة المريض، و حضور الجنازة، و حسن الجوار، و الصلاة في المساجد.

و الكلام في آداب المعاشرة و ما يتعلق بها و التحيات عندها و الصفات و الأفعال المحمودة و المذمومة يقع في مقامات:

المقام الأول: إن الاوصاف الحميدة المندوب إليها كثيرة،

اشارة

و لا بأس بذكر جملة منها كثير تعلق لها بالعشرة هنا:

فمنها: لين الكلام و حسن السيرة:

فقد ورد عن أمير المؤمنين عليه السّلام انّه قال: ليجتمع في قلبك الافتقار إلى الناس، و الاستغناء عنهم، يكون افتقارك اليهم في لين كلامك، و حسن

ص:151

سيرتك، و يكون استغناؤك عنهم في نزاهة عرضك، و بقاء عزك (1).

و منها: حسن المعاشرة و الصحبة و المجالسة و المجاورة:

لما ورد من قول مولانا أبي جعفر الباقر عليه السّلام: من خالطت فان استطعت ان تكون يدك العليا عليهم فافعل (2)، و قول الصادق عليه السّلام:

وطّن نفسك على حسن الصحابة لمن صحبت، و حسّن خلقك، و كفّ لسانك، و اكظم غيظك، و اقلّ لغوك، و تغرّس عفوك، و تسخو نفسك (3). و عنه عليه السّلام: إنّ من صحب مؤمنا اربعين خطوة سأله اللّه عنه يوم القيامة (4). و عن أمير المؤمنين عليه السّلام انّه قال: خالطوا الناس مخالطة إن متّم معها بكوا عليكم، و إن غبتم حنّوا إليكم (5).

و يكره الانقباض من الناس، لما ورد من انّ الانقباض مكسب للعداوة (6)، و عن مولانا الصادق انه قال: يا شيعة آل محمد (ص) ! اعلموا انه ليس منّا من لم يملك نفسه عند غضبه، و من لم يحسن صحبة من صحبه، و مخالفة من خالفه، و مرافقة من رافقة، و مجاورة من جاوره، و ممالحة من مالحه (7)، و قد مرّ رجحان حسن الجوار و ما يتعلق به في ذيل الفصل الثالث في آداب المسكن.

ص:152


1- الكافي:2/149 باب الاستغناء عن الناس حديث 7.
2- المحاسن:358 باب 16 حديث 69.
3- وسائل الشيعة:8/402 باب 2 حديث 2.
4- وسائل الشيعة:8/403 باب 2 حديث 8.
5- نهج البلاغة القسم الثاني.
6- اصول الكافي:2/237 باب حسن المعاشرة حديث 5.
7- وسائل الشيعة:8/402 باب 2 حديث 3.

و منها: حسن الخلق:

فقد ورد ان أكمل الناس إيمانا أحسنهم خلقا (1)، و ان صاحب الخلق الحسن له مثل أجر الصائم القائم (2). و انّ البرّ و حسن الخلق يعمّران الديار و يزيدان في الاعمار. (3)، و انّ الخلق الحسن يميث الخطيئة كما تميث الشمس الجليد (4)، و انّ اكثر ما تلج به امة نبينا صلّى اللّه عليه و آله تقوى اللّه و حسن الخلق (5)، و انّ حسن الخلق يسر (6)، و انّه ما يوضع في ميزان امرىء يوم القيامة أفضل من حسن الخلق (7)، و انّ اللّه تبارك و تعالى ليعطي العبد [الجنة]من الثواب على حسن الخلق كما يعطي المجاهد في سبيل اللّه يغدوا عليه و يروح (8)، و انّ حسن الخلق في الجنّة لا محالة، و سوء الخلق في النّار لا محالة (9)، و ان الخلق السيء يفسد العمل كما يفسد الخل العسل (10)، و انّه ما من شيء أثقل في الميزان

ص:153


1- أصول الكافي:2/99 باب حسن الخلق حديث 1.
2- أصول الكافي:2/100 باب حسن الخلق حديث 5، [2] بسنده عن أبي عبد اللّه عليه السّلام قال: قال رسول اللّه صلّى اللّه عليه و آله و سلّم. . . الى آخره.
3- أصول الكافي:2/100 باب حسن الخلق حديث 8.
4- أصول الكافي:2/100 باب حسن الخلق حديث 7.
5- أصول الكافي:2/100 باب حسن الخلق حديث 6.
6- أصول الكافي:2/102 باب حسن الخلق حديث 15 باختلاف يسير.
7- أصول الكافي:2/99 باب حسن الخلق حديث 2، [7] قال رسول اللّه صلّى اللّه عليه و آله و سلّم . . . الى آخره.
8- أصول الكافي:2/101 باب حسن الخلق حديث 12.
9- عيون أخبار الرضا عليه السّلام:199.
10- عيون أخبار الرضا عليه السّلام:103.

من حسن الخلق (1)، و انّ اقرب المؤمنين من رسول اللّه صلّى اللّه عليه و آله و سلّم مجلسا يوم القيامة أحسنهم خلقا، و خيرهم لأهله (2)، و انّ حسن الخلق نصف الدين (3)، و انّه ما أحسّن اللّه خلق عبد و لا خلقه الا استحيى ان يطعم لحمه يوم القيامة النار (4).

و منها: الالفة بالناس:

لما ورد عن رسول اللّه صلّى اللّه عليه و آله و سلّم من ان: أفضلكم أحسنكم أخلاقا، الموطؤون اكنافا، الذين يألفون و يؤلفون و توطأ رحالهم (5)، و عن مولانا الصادق عليه السّلام: إنّ المؤمن مألوف و لا خير في من لا يألف و لا يؤلف (6)، و عن أمير المؤمنين عليه السّلام انّه قال: قلوب الرجال وحشيّة فمن تألفها أقبلت عليه (7)، و قال رسول اللّه صلّى اللّه عليه و آله و سلّم: تحبّب إلى الناس يحبّوك (8)، و عن أبي الحسن عليه السّلام: إنّ التودّد إلى الناس نصف العقل (9)، و عن الإمام المجتبى عليه السّلام: إنّ القريب من قرّبته المودّة و إن بعد نسبه، و البعيد من بعدتّه المودّة و إن قرب نسبه (10).

ص:154


1- عيون أخبار الرضا عليه السّلام:103.
2- عيون أخبار الرضا عليه السّلام:104.
3- الخصال:1/30 خصلة هي نصف الدين.
4- ثواب الأعمال:115 [3] ثواب حسن الخلق حديث 2.
5- أصول الكافي:2/102 باب حسن الخلق حديث 16. و [4]في المتن: اكتافا.
6- أصول الكافي:2/102 باب حسن الخلق حديث 17.
7- نهج البلاغة القسم الثاني.
8- أصول الكافي:2/642 باب التحبّب إلى الناس و التودد إليهم حديث 1.
9- أصول الكافي:2/643 باب التحبّب إلى الناس و التودّد إليهم حديث 3 و 4.
10- أصول الكافي:2/643 باب التحبّب إلى الناس و التودّد إليهم حديث 7 و [9]تتمةّ الحديث: -

و منها: أن يكون الانسان هيّنا ليّنا:

فقد ورد انّ المؤمن هيّن ليّن سمح، له خلق حسن، و الكافر فظّ غليظ له خلق سيء، و فيه جبرية (1)، و انّ من تحرم عليه النّار غدا هو الهيّن القريب، اللّين السهل (2)، و انّ المؤمنين هيّنون ليّنون كالجمل الالف إن قيد انقاد، و إن أنيخ على صخرة استناخ (3).

و منها: صدق الحديث:

فقد ورد ان من صدق لسانه زكا عمله (4)، و انّ العبد ليصدق حتّى يكتب عند اللّه من الصادقين، و يكذب حتى يكتب عند اللّه من الكاذبين، فإذا صدق قال اللّه عزّ و جل: صدق و برّ، و إذا كذب قال اللّه عزّ و جل: كذب و فجر (5).

و إنّ من صدق لسانه زكا عمله، و من حسنت نيّته زيد في رزقه، و من حسن برّه بأهل بيته مدّ اللّه له في عمره (6).

و منها: صدق الوعد:

فقد ورد انّ من كان يؤمن باللّه و اليوم الآخر فليف إذا وعد (7)، و انّ عدّة

ص:155


1- وسائل الشيعة:8/511 باب 6 حديث 4.
2- ثواب الأعمال:205 ثواب الهين القريب اللّين السهل حديث 1.
3- أصول الكافي:2/234 باب المؤمن و علاماته و صفاته حدي [2]ث 14.
4- أصول الكافي:2/104 باب الصدق و أداء الأمانة حديث 3.
5- أصول الكافي:2/105 باب الصدق و أداء الأمانة حديث 9.
6- أصول الكافي:2/105 باب الصدق و أداء الأم [5]انة حديث 11.
7- أصول الكافي:2/364 باب خلف الوعد حديث 2.

المؤمن أخاه نذر لا كفارة له، فمن أخلف فبخلف اللّه بدأ، و لمقته تعرّض، و ذلك قوله تعالى: يا أَيُّهَا اَلَّذِينَ آمَنُوا لِمَ تَقُولُونَ ما لا تَفْعَلُونَ* كَبُرَ مَقْتاً عِنْدَ اَللّهِ أَنْ تَقُولُوا ما لا تَفْعَلُونَ (1)، و انّه إنّما سمّى اللّه إسماعيل صادق الوعد لأنّه وعد رجلا في مكان فانتظره سنة (2). و انّ رسول اللّه صلّى اللّه عليه و آله و سلّم وعد رجلا الى جنب صخرة فاشتدت الشمس عليه و لم يتحول الى الظل وفاء بالوعد (3).

و منها: الحياء:

فانّه خير كلّه (4)، و انّه من الإيمان، و الإيمان في الجنة (5)، و انّ من كساه الحياء ثوبه اختفى عن العيون عيوبه (6)، و انّه ما كان الفخر في شيء الاّ شأنه، و لا كان الحياء في شيء قطّ الاّ زانه (7)، نعم لا حياء في السؤال عن الاحكام الشرعية الدينيّة، لان من رقّ وجهه رقّ علمه (8)، و الحياء حياءان: حياء عقل

ص:156


1- اصول الكافي:2/363 باب خلف الوعد حديث 1، [1]سوره الصف:2 و 3.
2- عيون أخبار الرضا عليه السّلام:233.
3- علل الشرايع:1/78 باب 67 حديث 4، [4] بسنده عن عبد اللّه بن سنان، قال: سمعت أبا عبد اللّه عليه السّلام يقول: إن رسول اللّه صلّى اللّه عليه و آله و سلّم وعد رجلا إلى صخرة، فقال: إنّي لك ههنا حتى تأتى، قال: فاشتدّت الشمس عليه، فقال أصحابه: يا رسول اللّه! لو انّك تحولت إلى الظلّ، قال: قد وعدته إلى ههنا و ان لم يجىء كان منه المحشر.
4- الفقيه:4/272 باب 176 النوادر حديث 8.
5- أصول الكافي:2/106 باب الحياء حديث 1.
6- الفقيه:4/279 باب النوادر 10، في وصيّة أمير المؤمنين عليه السّلام لابنه ابن الحنفيّة.
7- وسائل الشيعة:8/517 باب 110 حديث 7.
8- أصول الكافي:2/106 باب الحياء حديث 3، [6] بسنده عن أبي عبد اللّه عليه السّلام قال: من رقّ وجهه رقّ علمه.

و حياء حمق، فحياء العقل: العلم، و حياء الحمق: الجهل (1).

و منها: العفو:

فقد ورد انه لا يزيد العبد الاّ عزّا (2)، و انّه ما التقت فئتان الاّ نصر أعظمها عفوا (3)، و ان أولى الناس بالعفو أقدرهم على العقوبة 4، و انّ الندامة على العفو أفضل و أيسر من الندامة على العقوبة 5، و ان شكر القدرة على العدوّ العفو عنه 6، و أنّه إذا كان يوم القيامة جمع اللّه الاوّلين و الآخرين في صعيد واحد ثم ينادي مناد: أين أهل الفضل؟ قال: فيقوم عنق من الناس فتتلّقاهم الملائكة فيقولون: و ما [كان]فضلكم؟ فيقولون: كنّا نصل من قطعنا، و نعطي من حرمنا، و نعفوا عمّن ظلمنا، فيقال لهم: صدقتم، ادخلوا الجنة 7. و ان خير خلائق الدنيا و الآخرة من وصل من قطعه، و أعطى من حرمه، و عفا عمّن ظلمه،

ص:157


1- أصول الكافي:2/106 باب الحياء حديث 6 [1].
2- أصول الكافي:2/108 باب العفو حديث 5، [2] بسنده عن أبي عبد اللّه عليه السّلام قال: قال رسول اللّه صلّى اللّه عليه و آله و سلّم: عليكم بالعفو، فإن العفو لا يزيد العبد الا عزّا، فتعافوا يعزّكم اللّه.
3- أصول الكافي:2/108 باب الع [3]فو حديث 8.

و أحسن إلى من أساء إليه (1).

و منها: كظم الغيظ:

فقد ورد انّه ما من عبد كظم غيظه الاّ زاده اللّه عزّ و جلّ عزّا في الدّنيا و الآخرة (2)و انّ أحبّ السبيل الى اللّه عزّ و جلّ جرعتان: جرعة غيظ تردّها بحلم، و جرعة مصيبة تردّها بصبر (3)و انّ من كظم غيظا-و هو يقدر على إمضائه- حشا اللّه قلبه أمنا و إيمانا، و أرضاه يوم القيامة، و أعطاه أجر شهيد (4).

و يستحب كظم الغيظ عن أعداء الدّين أيضا في دولتهم، لما ورد من انّ كظم الغيظ عن العدو في دولاتهم تقيّة حزم لمن اخذ (5)[به]مضافا الى التأسّي بالأئمة عليهم السّلام.

و منها: الصبر على الحسّاد و نحوهم من اعداء النعم:

فقد ورد الأمر بالصبر على أعداء النعم، لأنّك لن تكافيء من عصى اللّه

ص:158


1- أصول الكافي:2/107 باب العفو حديث 1.
2- أصول الكافي:2/110 باب كظم الغيظ حديث 5، [2] بسنده قال أبو عبد اللّه عليه السّلام: ما من عبد كظم غيظا الاّ زاده اللّه عزّ و جلّ عزا في الدنيا و الآخرة، و قد قال اللّه عزّ و جلّ وَ اَلْكاظِمِينَ اَلْغَيْظَ وَ اَلْعافِينَ عَنِ اَلنّاسِ وَ اَللّهُ يُحِبُّ اَلْمُحْسِنِينَ و اثابه اللّه مكان غيظه ذلك.
3- أصول الكافي:2/110 باب كظم الغيظ حديث 9.
4- أصول الكافي:2/110 باب كظم الغيظ حديث 6 و 7، و [4]وسائل الشيعة:8/525 باب 14 حديث 12.
5- أصول الكافي:2/109 باب كظم الغيظ حديث 4، [6] بسنده عن أبي عبد اللّه عليه السّلام قال: كظم الغيظ عن العدوّ في دولاتهم تقيّة حزم لمن أخذ به و تحرّز من التعرض للبلاء، و معاندة الأعداء في دولاتهم و مماظتهم [مخاصمة الخصم و منازعته]في غير تقيه ترك أمر اللّه، فجاملوا الناس يسمن ذلك لكم عندهم، و لا تعادوهم فتحملوهم على رقابكم فتذلوا.

فيك بأفضل من أن تطيع اللّه فيه (1)، و انّ اربعا لا يخلو منهنّ المؤمن او واحدة منهن: مؤمن يحسده و هو أشدهّن عليه، و منافق يقفو أثره، و عدو يجاهده، و شيطان يغويه (2).

و منها: الصمت و السكوت الاّ عن الخير :

(3)

فقد ورد انّ الصمت باب من أبواب الحكمة، و انّه يكسب المحبة، و انّه دليل على كلّ خير (4)و انما شيعتنا الخرس (5)، و انّ صمت اللّسان الاّ عن خير ممّا يجرّ العبد الى الجنّة (6)، و انّه لا يعرف عبد حقيقة الإيمان حتى يخزن لسانه (7)، و انّه لا يزال العبد المؤمن يكتب محسنا ما دام ساكتا، فاذا تكلم كتب محسنا أو

ص:159


1- الخصال:1/20 الصبر على أعداء النعم حديث 71.
2- وسائل الشيعة:8/526 باب 16 حديث 3.
3- لا بأس بمراجعة مرآة الرشاد في المقام. [منه (قدس سره)].
4- أصول الكافي:2/113 باب الصمت و حفظ اللسان حديث 1.
5- أصول الكافي:2/113 باب الصمت و حفظ اللسان حديث 2.
6- أصول الكافي:2/113 باب الصمت و حفظ اللسان حديث 5، [4] بسنده عن أبي عبد اللّه عليه السّلام قال: قال رسول اللّه صلّى اللّه عليه و آله و سلّم لرجل أتاه: ألا أدلّك على أمر يدخلك به الجنة؟ [5] قال: بلى يا رسول اللّه، قال: أنل ممّا أنالك اللّه، قال: فان كنت أحوج ممّن أنيله؟ قال: فانصر المظلوم، قال: و إن كنت أضعف ممّن أنصره؟ قال: فاصنع الخرق، يعني أشر عليه [يعني أشر على الجاهل]قال: فإن كنت أخرق ممّن أصنع له؟ قال: فاصمت لسانك إلاّ من خير، أما يسرّك أن تكون فيك خصلة من هذه الخصال تجرّك إلى الجنّة.
7- أصول الكافي:2/114 باب الصمت و حفظ اللسان حديث 7، [7] بسنده قال رسول اللّه صلّى اللّه عليه و آله و سلّم امسك لسانك فإنّها صدقة تصدق بها على نفسك، ثم قال: و لا يعرف عبد حقيقة الإيمان حتى يخزن من لسانه.

مسيئا (1)، و انّ الصمت كنز وافر، زين الحليم و ستر الجاهل (2)و انه راحة العقل كما انّ النطق راحة للروح، و النوم راحة للجسد (3)، و انّ الكلام في وثاقك ما لم تتكلّم به، فاذا تكلّمت به صرت في وثاقه، فاخزن لسانك كما تخزن ذهبك و ورقك (4)، و انّ اللسان كلب عقور فإن أنت خلّيته عقر (5)، و انّه ان كان في شيء شؤم ففي اللسان (6)، و ربّ كلمة سلبت نعمة (7)، و انّه ما من شىء احقّ بطول السجن من اللسان (8)، و انّ لسان ابن آدم يشرف في كل يوم على جوارحه كل صباح فيقول: كيف أصبحتم؟ فيقولون: بخير إن تركتنا، و يقولون: اللّه اللّه فينا، و يناشدونه و يقولون: إنّما نثاب و نعاقب بك (9).

و قد ورردت أوامر أكيدة في حفظ اللسان إلاّ من خير، و انّه لا يكبّ

ص:160


1- أصول الكافي:2/116 باب الصمت و حفظ اللسان حديث 21.
2- مستدرك وسائل الشيعة:2/88 باب 100 حديث 4.
3- الفقيه:4/287 باب 176 النوادر حديث 861.
4- نهج البلاغة-القسم الثاني، و [3]الفقيه:4/277 باب 176 حديث 830 في وصية امير المؤمنين عليه السّلام لشبله محمد بن الحنفية.
5- الفقيه:4/277 باب 176 حديث 10.
6- أصول الكافي:2/116 باب الصمت و حفظ اللسان حديث 17.
7- الفقيه:4/277 باب 176 حديث 10 في وصيّة أمير المؤمنين عليه السّلام لشبله محمد بن الحنفية، و من جملة تلك الوصية قوله عليه السّلام: و ما خلق اللّه شيئا أحسن من الكلام و لا أقبح منه، بالكلام ابيضّت وجوه و بالكلام اسودّت وجوه، و اعلم انّ الكلام في وثاقك ما لم تتكلم به فإذا تكلمت به صرت في وثاقه، فاخزن لسانك كما تخزن ذهبك و ورقك فإن اللسان كلب عقور فإن أنت خلّيته عقر، و ربّ كلمة سلبت نعمة، من سيّب عذاره قاده الى كريهة و فضيحة من دهره الاّ على مقت من اللّه عزّ و جلّ، و ذمّ من الناس.
8- الخصال:1/14 ما شىء احق بطول السجن من اللسان حديث 51.
9- أصول الكافي:2/115 باب الصمت و حفظ اللسان حديث 13.

الناس على مناخرهم في النّار إلا حصايد ألسنتهم (1)، و انّ نجاة المؤمن في حفظ لسانه (2)، و انّ من حفظ اللّه لسانه ستر اللّه عورته (3)، و انّ من حسن إسلام المرء تركه ما لا يعينه (4). و قال مولانا الصادق عليه السّلام: معاشر الشيعة! كونوا لنا زينا و لا تكونوا عليا شينا، و قولوا للناس حسنا، و احفظوا السنتكم، و كفّوها عن الفضول و قبيح القول (5).

و يتاكّد حسن الصمت في مثل هذه الأزمنة، لما ورد من انّه ياتي على النّاس زمان تكون العافية عشرة اجزاء، تسعة منها في اعتزال الناس، و واحدة في الصمت (6)، نعم النطق بالخير خير من الصّمت، و قد ورد عن علي بن الحسين عليهما السّلام ان: القول الحسن يثري المال، و ينمي الرزق، و ينسي الأجل، و يحبّب إلى الأهل، و يدخل الجنة (7)، و عن النبيّ صلّى اللّه عليه و آله و سلّم: انّ إملاء الخير خير من السكوت، و السكوت خير من إملاء الشر (8)، و سئل سيد

ص:161


1- أصول الكافي:2/115 باب الصمت و حفظ اللسان حديث 14.
2- أصول الكافي:2/114 باب الصمت و حفظ اللسان حديث 9.
3- ثواب الأعمال:217 ثواب حفظ اللسان حديث 1.
4- قرب الاسناد:32.
5- وسائل الشيعة:8/535 باب 119 حديث 18.
6- الخصال:2/437 العافية عشرة أجزاء حديث 24، و في الحاشية نسخة بدل: السكوت بدلا من الصمت.
7- أمال الشيخ الصدوق: المجلس الاول [5]حديث 1.
8- وسائل الشيعة:8/531 باب 118 حديث 1، [6] بسنده عن أبى ذر، عن النبي صلّى اللّه عليه و آله و سلّم في وصيّة له، قال: يا أبا ذر! الذاكرين في الغافلين كالمقاتل في الفّارين في سبيل اللّه، يا أبا ذر! الجليس الصالح خير من الوحدة، و الوحدة خير من جليس السوء، و إملاء الخير خير من السكوت، و السكوت خير من إملاء الشرّ، يا أبا ذر! اترك فضول الكلام، و حسبك من الكلام ما تبلغ به حاجتك، يا أبا ذر! كفى بالمرء كذبا أن يحدث بكل ما-

الساجدين عليه السّلام عن الكلام و السكوت أيّها أفضل؟ فقال عليه السّلام:

لكل واحد منهما آفات، فاذا سلما من الآفات فالكلام أفضل من السكوت. قيل:

و كيف ذلك يابن رسول اللّه صلّى اللّه عليه و آله و سلّم؟ فقال: لأنّ اللّه عزّ و جلّ ما بعث الانبياء و الاوصياء بالسكوت، إنّما بعثهم بالكلام، و لا استحقت الجنّة بالسكوت، و لا استوجبت ولاية اللّه بالسكوت، و لا وقيت النار بالسكوت، و لا تجنب سخط اللّه بالسكوت، انّما ذلك كلّه بالكلام، ما كنت لا عدل القمر بالشمس، انّك لتصف فضل السكوت بالكلام، و لست تصف فضل الكلام بالسكوت (1).

لكن لا يخفى عليك انّ النطق بالخير أيضا ينبغي الاقتصاد فيه، و عدم الاكثار منه، و ملاحظة محلّه و مورده، و لذا ترى تقيّد الأمر بالمعروف و النهي عن المنكر باحتمال التأثير، و إلى هذا المعنى أشار مولانا الصادق عليه السّلام بقوله:

لا يتكلم أحدكم بما لا يعنيه، و ليدع كثيرا من الكلام في ما يعنيه، حتى يجد له موضعا، فربّ متكلّم في غير موضعه جنى (2)على نفسه بكلامه، و لا يماريّن أحدكم حليما و لا سفيها، فإنّه من مارى حليما أقصاه (3)، و من مارى سفيها أرداه (4).

ص:162


1- وسائل الشيعة:8/532 باب 18 عن الاحتجاج للطبرسي حديث 2. و جاء في حاشية الكتاب بيت شعر فارسي غير معلّم منه قدس سره و هو: تا مرد سخن نگفته باشد عيب و هنرش نهفته باشد
2- في المتن خسر، بدلا من: جنى.
3- في المتن: اقضاه.
4- أمالي الشيخ الطوسي:228، بسنده عن أبي عبد اللّه جع [1]فر بن محمد الصادق عليه السّلام-

و ورد النهى عن إكثار الكلام في غير ذكر اللّه. لانّه يقسي القلب (1)و عن أمير المؤمنين عليه السّلام انه قال: من كثر كلامه قلّ عقله.

و منها: مداراة الناس و الاعداء:

فقد ورد انها نصف الإيمان (2)، و انّها رأس العقل بعد الإيمان باللّه عزّ و جلّ (3)، و انّ اللّه تعالى أمر رسوله بها كما أمره بأداء الفرائض (4)، و عن أبي عبد اللّه عليه السّلام انّه قال: خالطوا الابرار سرّا و خالطوا الفجّار جهرا، و لا

ص:163


1- أصول الكافي:2/114 [1] باب الصمت و حفظ اللسان حديث 11، بسنده عن أبي عبد اللّه عليه السّلام قال: كان المسيح عليه السّلام يقول: لا تكثروا الكلام في غير ذكر اللّه، فإن الذين يكثرون الكلام في غير ذكر اللّه قاسية قلوبهم و لكن لا يعلمون.
2- أصول الكافي:2/117 المداراة حديث 5، بسنده عن أبي عبد اللّه عليه السّلام قال: قال رسول صلّى اللّه عليه و آله و سلّم: مداراة الناس نصف الإيمان، و الرفق بهم نصف العيش، ثم قال أبو عبد اللّه عليه السّلام: خالطوا الابرار سرّا، و خالطوا الفجّار جهارا، و لا تميلوا عليهم فيظلموكم، فإنّه سيأتي عليكم زمان لا ينجو فيه من ذوي الدّين الاّ من ظنّوا أبله، و صبّر نفسه على أن يقال له: إنّه أبله لا عقل له.
3- الفقيه:4/277 باب 176 النوادر حديث 830، [2] في وصية أمير المؤمنين عليه السّلام لشبله محمد بن الحنفية، و منها: و اعلم ان رأس العقل بعد الإيمان باللّه عزّ و جلّ مداراة الناس، و لا خير فيمن لا يعاشر بالمعروف من لا بدّ من معاشرته حتى يجعل اللّه إلى الخلاص منه سبيلا، فإني وجدت جميع ما يتعايش به الناس و به يتعايشون ملء مكيال ثلثاه استحسان، و ثلثه تغافل.
4- أصول الكافي:2/117 باب المداراة حديث 4، بسنده قال رسول اللّه صلّى اللّه عليه و آله و سلم: أمرني ربّي بمداراة الناس كما أمرني بأداء الفرائض.

تميلوا عليهم فيظلموكم، فإنه سيأتي عليكم زمان لا ينجوا فيه من ذوي الدين إلا من ظنّوا انّه أبله، و صبّر نفسه على أن يقال انّه أبله لا عقل له (1)، و قال عليه السّلام أيضا: صانع المنافق بلسانك، و اخلص ودك للمؤمن، فإن جالسك يهودي فأحسن مجالسته (2)، و قال عليه السّلام أيضا: رأس العقل بعد الإيمان باللّه عزّ و جلّ مداراة الناس، و لا خير في من لا يعاشر بالمعروف من لا بد من معاشرته، حتى يجعل اللّه من الخلاص منه سبيلا (3)، و عن الزهري انّه قال:

لقيت علي بن الحسين عليهما السّلام-و ما لقيت احدا أفضل منه، و ما علمت له صديقا في السّر و لا عدوا في العلانية-، فقيل له: و كيف ذلك؟ قال: لأني لم أجد أحدا-و إن كان يحبه-الا و هو لشدة معرفته بفضله يحسده، و لا رأيت أحدا -و إن كان يبغضه-و هو لشدّة مداراته له يداريه (4)، و عن أبي جعفر عليه السّلام انه قال: مكتوب في التوراة في ما ناجى اللّه به موسى بن عمران عليه السّلام يا موسى أكتم مكتوم سرّي في سريرتك، و اظهر في علانيتك المداراة لعدوي و عدوك من خلقي، و لا تستسب لي عندهم باظهار مكتوم سرّي فتشرك عدوك و عدوي في سبّي (5).

ص:164


1- أصول الكافي:2/117 باب المداراة حديث 5.
2- الفقيه:4/289 باب 176 النوادر حديث 868.
3- الفقيه:4/277 باب 176 النوادر حديث 830، في وصية امير المؤمنين عليه السّلام لشبله محمد بن الحنفية.
4- علل الشرايع:1/230 باب 165 حديث 4، [2] بسنده عن سفيان بن عيينة قال: قلت للزهرى: لقيت علي بن الحسين عليه السّلام؟ قال: نعم، لقيته و ما لقيت احدا افضل منه، و اللّه ما علمت له صديقا في السر و لا عدوا في العلانية.
5- أصول الكافي:2/117 باب المداراة حديث 3.

و منها: قبول العذر لمن اعتذر:

فقد ورد في وصيّة النبيّ صلّى اللّه عليه و آله و سلّم لعليّ عليه السّلام: يا عليّ! من لم يقبل من متنصّل عذرا-صادقا أو كاذبا-لم ينل شفاعتي (1). و قال مولانا زين العابدين عليه السّلام لولده: ان شتمك رجل عن يمينك ثم تحوّل إليك عن يسارك فاعتذر إليك فاقبل عذره (2).

و منها: أداء حقّ المؤمن:

اشارة

فإنّه من الصفات الحميدة، بل هو في الجملة من الواجبات، و قد ورد انه ما عبد اللّه بشىء أفضل من أداء حقّ المؤمن (3)، و ان حقوق المؤمن على المؤمن سبعون حقا (4). و في آخر: ثلاثون حقا (5)، لا براءة له منها الاّ بالأداء أو العفو، و المؤكّد منها سبع، ما منهن حقّ إلاّ و هو عليه واجب، ان ضيّع منها شيئا خرج من ولاية اللّه و طاعته، و لم يكن للّه فيه نصيب:

ص:165


1- الفقيه:4/255 باب 176 النوادر، في جملة وصية النبي صلّى اللّه عليه و آله و سلّم لامير المؤمنين عليه السّلام.
2- روضة الكافي:8/152 حديث من ولد في الاسلام 141، بسنده عن علي بن جعفر، عن أخيه موسى بن جعفر عليه السّلام قال: أخذ أبي بيدي ثم قال: يا بنيّ! إن أبي محمد بن علي عليه السّلام أخذ بيدي كما أخذت بيدك، و قال: إنّ أبي علي بن الحسين عليهما السّلام أخذ بيدي و قال: يا بنيّ! افعل الخير إلى كلّ من طلبه منك، فإن كان أهله فقد أصبت موضعه، و إن لم يكن من أهله كنت أنت أهله، و إن شتمك رجل عن يمينك ثم تحوّل إلى يسارك فاعتذر إليك فأقبل عذره.
3- أصول الكافي:2/170 باب حق المؤمن على أخيه و أداء حقّه حديث 4.
4- أصول الكافي:2/169 باب حق المؤمن على أخيه و أداء حقّه حديث 2.
5- عن كنز الفوائد للكراجكي في وسائل الشيعة:8/550 باب 122 حديث 24.

فأولها-و هو أيسر حقّ منها-: أن يحبّ للمؤمن ما يحبّ لنفسه، و يكره له ما يكره لنفسه.

الثاني: أن يجتنب من سخطه، و يتّبع مرضاته، و يطيع أمره.

و الثالث: أن يعينه بنفسه و ماله و لسانه و يده و رجله.

و الرابع: أن يكون عينه و دليله و مرآته.

و الخامس: ان لا يشبع و يجوع، و لا يروي و يظمأ، و لا يلبس و يعري هو.

و السادس: انّه إن كان له خادم و لا خادم لأخيه المؤمن فواجب أن يبعث خادمه فيغسل ثيابه، و يصنع (1)طعامه، و يمهّد فراشه.

و السابع: أن يبرّ قسمه، و يجيب دعوته، و يعود مريضه، و يشهد جنازته، و إذا علم انّ له حاجة يبادر الى قضاءها و لا يلجئه الى ان يسأله إيّاها، بل يبادر هو مبادرة، فإذا فعل ذلك كله وصل ولايته بولاية أخيه المؤمن، و ولاية أخيه بولاية نفسه (2).

و ورد في أخبار أخر حقوق أخر مثل: ان لا يظلمه، و لا يخذله، و لا يخونه، و لا يخدعه، و لا يكذبه، و لا يغتابه، و لا يغشّه، و لا يعده عدة فيخلفه، و لا يملّه خيرا، و لا يقول له أف، فانه إذا قال له أف انقطع ما بينهما من الولاية، و لا يقول له: أنت عدوّي، و الاّ كفر أحدهما، و لا يتهّمه و إلاّ انماث الإيمان في قلبه كما ينماث الملح في الماء، و لا يدّخر عنه خيرا، و لا يقول فيه بعد موته الاّ خيرا، و ان يكون له ظهرا، و يقضي دينه، و يزوره، و يجلّه، و يكرمه، و يعاضده، و يلاطفه، و يحفظه، و ينصح له إذا غاب، و يعوده إذا مرض، و يسلّم عليه إذا لقيه، و يسمته اذا عطس، و يجيبه إذا دعاه، و ان عاتبه فلا يفارقه حتى يأخذ

ص:166


1- قد تقرأ في المتن: يضع طعامه.
2- وسائل الشيعة:8/546 باب 122 حديث 11.

سخيمته، و إن أصابه خير حمد اللّه، و ان ابتلى عضده، و ان تمحّل أعانه، و يسعى في حوائجه بالليل و النهار، و إذا كان في المسلمين نافلة و كان غايبا أخذ له بنصيبه، و يسأله إذا احتاج، و يعطيه إذا سأل، و يغفر زلّته، و يرحم عبرته، و يستر عورته، و يقيل عثرته، و يقبل معذرته، و يردّ غيبته، و يديم نصيحته، و يحفظ خلّته، و يرعى ذمّته، و يقبل هديّته، و يكافي صلته، و يشكر نعمته، و يحسن نصرته، و يحفظ حليلته، و يشفع مسألته، و يرشد ضالّته، و يردّ سلامه، و يطيب كلامه، و يبرّ انعامه، و يصدق اقسامه، و يوالي وليّه، و يعادي عدوّه، و ينصره ظالما و مظلوما، فامّا نصرته ظالما فيردّه عن ظلمه، و امّا نصرته مظلوما فيعينه على أخذ حقّه، و لا يسلمه، و إذا مات يخلفه في أهله و عياله، و يزور قبره، و يجتهد في حياته في التواصل و التعاطف و المواساة في المال، و يناصحه الولاية. . . إلى أن قال في خبر: فإذا كان منه بتلك المنزلة بثّه همّه، ففرح لفرحه، و حزن لحزنه إن هو حزن، و إن كان عنده ما يفرّج عنه فرج و الاّ دعا له (1).

و ورد عن رسول اللّه صلّى اللّه عليه و آله و سلّم انه قال: إن للّه خلقا عن يمين العرش بين يدي اللّه وجوههم أبيض من الثلج، و أضوء من الشمس الضاحية، يسأل السائل ما هؤلاء؟ فيقال: هؤلاء الذين تحابّوا في جلال اللّه (2).

ص:167


1- وسائل الشيعة:8/542 باب 122 [1] أحاديث الباب فراجعها تجد كل ما ذكره المؤلف قدس سره.
2- أصول الكافي:2/172 باب حق المؤمن على أخيه و أداء حقه حديث 9، [2] بسنده عن عيسى بن أبي منصور، قال: كنت عند أبي عبد اللّه عليه السّلام أنا و ابن أبي يعفور، و عبد اللّه بن طلحة، فقال ابتداء منه: يا ابن أبي يعفور! قال رسول اللّه صلّى اللّه عليه و آله و سلّم: ستّ خصال من كنّ فيه كان بين يدي اللّه عزّ و جلّ و عن يمين اللّه، فقال ابن أبي يعفور: و ما هنّ جعلت فداك؟ قال: يحب المرء المسلم لأخيه ما يحبّ لأعزّ أهله، و يكره المرء المسلم لأخيه ما يكره لأعزّ أهله، و يناصحه الولاية، فبكى ابن أبي يعفور و قال: كيف يناصحه الولاية؟ قال-

و قال صلّى اللّه عليه و آله و سلّم: إن أحدكم ليدع من حقوق أخيه شيئا فيطالبه به يوم القيامة فيقضي له و عليه (1). و قال الصّادق عليه السّلام: من حبس حقّ أخيه المؤمن أقامه اللّه مائة عام على رجليه حتّى يسيل من عرقه أودية، ثم ينادي مناد من عند اللّه جلّ جلاله: هذا الظالم الذي حبس عن اللّه حقه، قال: فيوبّخ أربعين عاما ثم يؤمر به إلى نار جهنم (2).

ثم انّ أخبار حقوق المؤمن و إن كانت مطلقة إلاّ انّه يمكن تقييدها بالأخ العارف بهذه الحقوق، المؤدّي لها بحسب اليسر، و أما المؤمن المضيّع لها فالظاهر -كما أفاده بعض الأساطين-عدم تأكّد مراعاة هذه الحقوق بالنسبة إليه، و عدم إيجاب مطالبته بها يوم القيامة، لتحقق المقاصّة، فإن التهاتر يقع في الحقوق كما

ص:168


1- كنز الفوائد للكراجكي، و وسائل الشيعة:8/550 حديث 24 آخر الحديث.
2- الخصال:1/328 المحمّدية السمحة حديث 20، بسنده عن يونس بن ظبيان قال: قال لي أبو عبد اللّه عليه السّلام: يا يونس! اتّقوا اللّه و آمنوا برسوله، قال: قلت: آمنّا باللّه و برسوله، فقال: المحمّدية السمحاء إقام الصلاة، و إيتاء الزكاة، و صيام شهر رمضان، و حج البيت الحرام، و الطاعة للإمام، و أداء حقوق المؤمن، فإن من حبس حقّ المؤمن أقامه اللّه يوم القيامة خمسمائة عام على رجيله حتى يسيل من عرقه أودية، ثم ينادي مناد من عند اللّه جلّ جلاله: هذا الظالم الذي حبس عن اللّه حقّه، قال: فيوبخ اربعين عاما، ثم يؤمر به إلى نار جهنّم.

يقع في الأموال.

و قد ورد في غير واحد من الأخبار ما يظهر منه الرخصة في ترك هذه الحقوق لبعض الإخوان، بل لجميعهم الاّ لقليل، مثل ما يأتي إن شاء اللّه تعالى في أوّل الجهة الثانية من المقام الخامس من الخبرين في بيان حدود الأخوّة و الصداقة و غيرهما من الأخبار الآتية هناك إن شاء اللّه تعالى.

تذييل:

للعالم حقوق خاصّة مضافة الى حقوق الأخوّة و هي:

إنّك اذا دخلت عليه و عنده قوم فسلّم عليهم جميعا، و خصّه بالتحيّة، و اجلس بين يديه، و لا تجلس خلفه، و لا تكثر عليه السؤال، و لا تسبقه في الجواب، و لا تلح إذا أعرض، و لا تأخذ بثوبه إذا كسل، و لا تشر إليه بيدك، و لا تغمز عينيك، و لا تسارّه في مجلسه، و لا تطلب عوراته، و لا تقل قال فلان خلاف قولك، و لا تفشي له سرّا، و لا تغتب عنده أحدا، و لا تملّ بطول صحبته، فإنّما هو مثل النخلة فانتظر متى تسقط عليك منه منفعته، و العالم أعظم أجرا من الصائم القائم المجاهد في سبيل اللّه، و إذا مات العالم انثلم في الاسلام ثلمة لا تسدّ إلى يوم القيامة، و إن طالب العلم ليشيّعه سبعون ألف ملك من مقرّبي السماء (1).

ص:169


1- الخصال:2/504 أبواب الست عشرة خصلة حديث 1.

المقام الثاني: في التحيات المقرونة بالمعاشرة

و قد مرّ في المقام الأول من الفصل السابع ما ينبغي في الحمام و بعد الخروج منه من التحيات.

و أمّا التحيات غير المقيدة فأمور:

إحداها: السّلام عند المواجهة (1).

و هي تحية آدم عليه السّلام و ذريته، فقد ورد انّ اللّه تعالى قال لآدم عليه السّلام: انطلق إلى هؤلاء الملأ من الملائكة فقل: السّلام عليكم و رحمة اللّه و بركاته، فسلّم عليهم، فقالوا: و عليك السّلام و رحمة اللّه و بركاته، فلمّا رجع إلى ربّه عزّ و جلّ قال له تبارك و تعالى: هذه تحيتك و تحية ذريتك من بعدك في ما بينهم إلى يوم القيامة (2).

و بالجملة فهو من السنن المؤكّدة، بل عبّر في الأخبار عنه بالوجوب المحمول-بقرينة ما نطق بأنّ السّلام تطوّع و الردّ فريضة-على المعنى اللغوي، و هو الثبوت الملائم للاستحباب الموكّد.

و قد ورد ان أبخل الناس رجل يمرّ بمسلم و لا يسلّم عليه، و أبخل الناس

ص:170


1- وسائل الشيعة:8/436 باب 32 حديث 2، [1] بسنده عن علي بن الحسين عليهما السّلام قال: من أخلاق المؤمن الإنفاق على قدر الإقتار، و التوسع على قدر التوسع، و إنصاف الناس، و ابتداؤهم ايّاهم بالسلام عليهم.
2- مستدرك وسائل الشيعة:2/68 باب 32 حديث 8.

من بخل بالسّلام (1)، و انّ السّلام سلام اللّه و هو لا ينال الظالمين (2)، و انّ ملكا مرّ برجل على باب فقال له: ما يقيمك على باب هذه الدار؟ فقال: أخ لي فيها أردت أن أسلّم عليه، فقال له الملك: بينك و بينه قرابة، أو نزعتك إليه حاجة؟ فقال: لا، ما بيني و بينه قرابة و لا نزعتني إليه حاجة إلاّ أخوّة الاسلام و حرمته، فأنا أسلّم عليه و أتعهّده للّه رب العالمين، فقال له الملك: أنا رسول اللّه إليك و هو يقرئك السّلام، و يقول لك: إيّاي زرت، و لي تعاهدت، و قد أوجبت لك الجنّة و أعفيتك من غضبي، و أجرتك من النّار (3).

و يستحب إفشاء السّلام للأمر به، و قد ورد انّ اللّه عزّ و جلّ يحبّ إفشاء السّلام (4)، و انّ من التواضع أن تسلّم على من لقيت (5)، و عن رسول اللّه صلّى اللّه عليه و آله و سلّم: إنّ في الجنة غرفا يرى ظاهرها من باطنها و باطنها من ظاهرها لا يسكنها من أمتي إلاّ من أطاب الكلام، و أطعم الطعام، و أفشى السّلام، و أدام الصيام، و صلّى بالليل و الناس نيام، فقال علي عليه السّلام: يا رسول اللّه صلّى اللّه عليه و آله و سلّم! من يطيق هذا من أمّتك؟ فقال: يا علي! أتدري ما إطابة الكلام؟ من قال إذا أصبح و أمسى: «سبحان اللّه و الحمد للّه و لا إله إلاّ اللّه و اللّه اكبر» عشر مرات، و اطعام الطعام نفقة الرجل على عياله، و أمّا إدامة الصيام فهو أن يصوم الرجل شهر رمضان، و ثلاثة أيام من كل شهر، يكتب له صوم الدهر، و امّا الصلاة بالليل و الناس نيام، فمن صلّى المغرب و العشاء الآخرة، و صلاة الغداة في المسجد جماعة فكانّما أحيا الليل، و إفشاء

ص:171


1- أمالي الشيخ الطوسي:1/87 حديث 136- [1]بترقيمنا-.
2- أصول الكافي:2/644 باب التسليم حديث 4.
3- ثواب الأعمال:204 باب ثواب التسليم على الأخ المؤمن في اللّه عزّ و جلّ حديث 1.
4- أصول الكافي:2/645 باب التسليم حديث 5.
5- أصول الكافي:2/646 باب التسليم حديث 12.

السّلام أن لا يبخل بالسّلام على أحد من المسلمين (1).

و يستحب الابتداء بالسّلام، لما ورد من انّه من أخلاق المؤمن (2). و انّ أولى الناس باللّه و برسوله من بدأ بالسّلام (3). و عن رسول اللّه صلّى اللّه عليه و آله و سلّم انّه قال: ابدؤا بالسّلام قبل الكلام، فمن بدء بالكلام قبل السّلام فلا تجيبوه (4). و عنه صلّى اللّه عليه و آله و سلّم انّه قال: لا تدع إلى طعامك أحدا حتّى يسلّم (5).

و يستحب التسليم على الصبيان أيضا، تأسّيا برسول اللّه صلّى اللّه عليه و آله و سلّم، حيث داوم عليه ليكون سنّته من بعده (6).

و يستحب التسوية بين الفقير و الغني في السّلام، بل ورد ان من لقى فقيرا مسلما فسلّم عليه خلاف سلامه على الغني لقي اللّه عزّ و جلّ يوم القيامة و هو عليه غضبان (7).

و يجوز تسليم الرجل على النساء، و يكره التسليم على الشّابة منهن، لما ورد من انّ أمير المؤمنين عليه السّلام كان يكره أن يسلّم على الشّابة منهنّ، و يقول: أتخوّف أن يعجبني صوتها، فيدخل عليّ أكثر مما أطلب من الاجر (8).

ص:172


1- معاني الأخبار/250 باب معنى إطابة الكلام و إطعام الطعام و إفشاء السّلام حديث 1.
2- وسائل الشيعة:8/436 باب 32 حديث 2، [1] بسنده عن علي بن الحسين عليهما السّلام قال: من أخلاق المؤمن الإنفاق على قدر الإقتار، و التوسع على قدر التوسّع، و إنصاف الناس، و ابتداؤه ايّاهم بالسلام عليهم.
3- أصول الكافي:2/644 باب التسليم حديث 3.
4- أصول الكافي:2/644 باب التسليم حديث 2.
5- الخصال:1/19 باب من بدأ بالكلام قبل السّلام فلا تجيبوه حديث 1.
6- عيون أخبار الرضا عليه السّلام:235.
7- عيون أخبار الرضا عليه السّلام:215.
8- أصول الكافي:2/648 باب التسليم على النساء حديث 1.

و حيث يسلّم الرجل عليها ففي وجوب الردّ عليها وجهان، أقربهما الوجوب (1)، و يتخيّر في التسليم بين: السّلام عليكم، و سلام عليكم، و ورد ان من قال: «السّلام عليكم» فهي عشر حسنات، و من قال: «سلام عليكم و رحمة اللّه» فهي عشرون حسنة، و من قال: «سلام عليكم و رحمة اللّه و بركاته» فهي ثلاثون حسنة (2)، و إذا أخبر حاضرا بأنّ فلانا الغائب يسلم عليك، فالفضل في ان يقول: عليك و عليه السّلام، و إذا أتيته فاقرأه السّلام.

و يجب ردّ السّلام بالمثل أو أحسن منه، و لذا كان الأفضل زيادة: و رحمة اللّه، و أفضل منه زيادة: و بركاته، معه في الجواب (3).

و يستحب مخاطبة المؤمن الواحد بضمير الجماعة في التسليم عليه، و عند تسميته، و قصد الملائكة الذين معه (4).

ص:173


1- أقول: لا يخفى ان عمومات وجوب ردّ السّلام تشمل ردّ سلام كل من الرجل و المرأة [1]على الآخر، و القول بعدم الوجوب غريب جدّا فالمختار وجوب ردّ سلامها، و لو كان الردّ منها لامكن التمسّك بعدم جواز إسماع صوتها للأجنبيّ بناء عليه، و المختار جوازه إن لم يحدث ريبة و فتنة، و للمسألة بحث دقيق علميّ من شاء راجع المصادر الفقهية المبسطة.
2- أصول الكافي:2/645 باب التسليم حديث 9.
3- قال سبحانه و تعالى في محكم كتابه العزيز وَ إِذا حُيِّيتُمْ بِتَحِيَّةٍ فَحَيُّوا بِأَحْسَنَ مِنْها أَوْ رُدُّوها و حيث ان السّلام من أظهر مصاديق التحيّة وجب ردّه بالمثل، بل الأولى ردّها بالأحسن. . و قد روى الكليني في أصول الكافي:2/645 باب التسليم حديث 9 [3] عن الصادق المصدّق جعفر بن محمد عليهما السّلام حيث قال: من قال: السّلام عليكم، فهي عشر حسنات، و من قال: السّلام عليكم و رحمة اللّه، فهي عشرون حسنة، و من قال: السّلام عليكم و رحمة اللّه و بركاته فهي ثلاثون حسنة و لا ريب ان الجواب كذلك.
4- أصول الكافي:2/645 باب التسليم حديث 10، [4] بسنده عن أبي عبد اللّه عليه السّلام ثلاثة تردّ عليهم ردّ الجماعة و إن كان واحدا، عند العطاس يقال: يرحمكم اللّه و إن لم يكن معه غيره، و الرجل يسلّم على الرّجل فيقول: السّلام عليكم، و الرجل يدعو للرجل فيقول: عافاكم اللّه و ان كان واحدا فان معه غيره.

و يستحب اعادة السّلام ثلاثا عند عدم ردّ المخاطب به، و يكفي جواب واحد عن الثلاث تسليمات المذكورة (1)، و اذا سلّم واحد من الجماعة أجزأ عنهم،

ص:174


1- الامالي للشيخ الصدوق:139 المجلس الثاني و [1]الأربعون حديث 5، بسنده عن الصادق جعفر بن محمد عليهما السّلام قال: جاء رجل الى رسول اللّه صلّى اللّه عليه و آله و سلّم و قد بلي ثوبه فحمل إليه اثنى عشر درهما، فقال: يا علي! خذ هذه الدراهم فاشتر لي ثوبا البسه، قال علي عليه السّلام: فجئت إلى السوق فاشتريت له قميصا باثنى عشر درهما و جئت به الى رسول اللّه، فنظر اليه، فقال: يا عليّ غير هذا احبّ اليّ، اترى صاحبه يقيلنا؟ فقلت: لا أدري، فقال: انظر، فجئت الى صاحبه فقلت انّ رسول اللّه صلّى اللّه عليه و آله و سلّم قد كره هذا، يريد ثوبا دونه، فاقلنا فيه، فردّ علي الدراهم، و جئت بها إلى رسول اللّه صلّى اللّه عليه و آله و سلّم فمشى معي إلى السوق ليبتاع قميصا فنظر الى جارية قاعدة على الطريق تبكي، فقال لها رسول اللّه صلّى اللّه عليه و آله و سلّم: ما شأنك؟ قالت: يا رسول اللّه! إنّ أهل بيتي أعطوني أربعة دراهم لأشتري لهم بها حاجة فضاعت فلا أجسر أن أرجع إليهم، فأعطاها رسول اللّه صلّى اللّه عليه و آله و سلّم أربعة دراهم، و قال: ارجعي إلى أهلك، و مضى رسول اللّه صلّى اللّه عليه و آله و سلّم إلى السوق فاشترى قميصا بأربعة دراهم و لبسه و حمد اللّه، و خرج فرأى رجلا عريانا يقول: من كساني كساه اللّه من ثياب الجنّة، فخلع رسول اللّه صلّى اللّه عليه و آله و سلّم قميصه الذي اشتراه و كساه السائل، ثم رجع إلى السوق فاشترى بالأربعة التي بقيت قميصا آخر فلبسه و حمد اللّه و رجع إلى منزله، و إذا الجارية قاعدة على الطريق، فقال لها رسول اللّه صلّى اللّه عليه و آله و سلّم: ما لك لا تأتين أهلك؟ قالت: يا رسول اللّه إنّي قد أبطأت عليهم و أخاف أن يضربوني، فقال لها رسول اللّه صلّى اللّه عليه و آله و سلّم: مري بين يدي و دلّيني على أهلك، فجاء رسول اللّه صلّى اللّه عليه و آله و سلّم حتى وقف على باب دارهم، [2] ثم قال: السّلام عليكم يا أهل الدار، فلم يجيبوه فأعاد السّلام فلم يجيبوه، فأعاد السّلام فقالوا: عليك السّلام يا رسول اللّه و رحمة اللّه و بركاته، فقال لهم: ما لكم تركتم إجابتي في أول السّلام و الثاني؟ قالوا: يا رسول اللّه سمعنا سلامك فأحببنا أن نستكثر منه، فقال رسول اللّه صلّى اللّه عليه و آله و سلّم: ان هذه الجارية أبطأت عليكم فلا تواخذوها، فقالوا: يا رسول اللّه! هي حرّة لممشاك، فقال رسول اللّه: الحمد للّه ما رأيت اثني عشر درهما أعظم بركة من هذه كسا اللّه بها عريانين و أعتق بها نسمة.

كما انّه اذا ردّ واحد منهم أجزأ عن الباقين في وجه قويّ (1)، نعم لو كان المجيب خارجا عنهم غير مقصود بالسّلام عليه لم يكف ردّه عنهم. و في اجزاء ردّ الصبي المميّز عن المكلّفين تأمّل، و العدم أشبه و أحوط (2).

و في وجوب ردّ السّلام المكتوب في المراسلات وجهان، و العدم أشبه، و إن كان الردّ أحوط، و كذا الحال في السّلام المرسول مع رسول.

و تسليم المرأة كالرجل في الابتداء بالسّلام، و روي ان المرأة تقدّم الخبر فتقول: عليكم السّلام، عكس الرجل، و لكنّها ضعيفة السند (3)، و لم نجد بمضمونها مفتيا.

و يستحب ابتداء الصغير بالسّلام على الكبير، و الواحد على المتعدّد، و القليل على الكثير، و المارّ على الواقف، و القائم على القاعد، و الراكب على الماشي، و راكب البغل على راكب الحمار، و راكب الفرس على راكب البغل (4).

و يكره ترك التسليم على المؤمن و تتأكّد الكراهة إذا قال له: حياك اللّه، فقد ورد عن أمير المؤمنين عليه السّلام انّه قال: يكره للرجل ان يقول حياك اللّه ثم يسكت حتى يتبعها بالسّلام (5).

نعم يسقط تأكّد استحباب التسليم عن الماشي مع الجنازة، و الماشي الى

ص:175


1- اصول الكافي:2/647 باب إذا سلم واحد من الجماعة أجزأهم و إذا رد واحد من الجماعة أجزأ عنهم حديث 1.
2- وجهه ظاهرا لانه و ان كان مميّزا الاّ انه ليس بمكلف و جواب غير المكلف لا يسقط التكليف عن المكلف فتدبّر.
3- وسائل الشيعة:8/444 باب 39 برقم 3.
4- أصول الكافي:2/646 باب من يحب أن يبدأ بالسلام برقم 1 و 2 و 3 و [2] 4 و 5.
5- أصول الكافي:2/646 باب التسليم برقم 15.

الجمعة، و في بيت الحمام مطلقا، أو مع عدم الاتزار (1).

و الأحوط ترك التسليم متعمدا على المصلي للنهي عنه (2)، و إن كان الجواز على كراهية اقرب، و على كل حال، فإذا سلّم على المصلّي لم يسقط عنه الجواب، بل يجب عليه أن يجيبه، بشرط مراعاة المطابقة بين جوابه و التسليم في الصيغة على الأحوط بل الأقوى (3). و لو ترك المصلّي الردّ الواجب و اشتغل بالصلاة، ففي بطلان صلاته وجه يوافق الاحتياط (4). و حيث يسقط الجواب عن المصلي برد غيره من الجماعة المسلّم عليهم، ففي جواز ردّه تأمّل، و الترك أحوط (5)، و يعتبر في جواب السّلام مطلقا الفورية، بمعنى عدم الفصل المعتدّ به بينهما على وجه لا يعدّ جوابا له عرفا، كما يعتبر اسماع المخاطب المسلّم الجواب تحقيقا او تقديرا، سواء سلّم عليه مواجهة، أو من وراء ستر، أو حائط،

ص:176


1- الخصال:1/91 ثلاثة لا يسلمون برقم 31.
2- مستدرك وسائل الشيعة:1/405 باب 15 برقم 2 [1] بسنده عن عليّ عليه السّلام أنّه أقبل رسول اللّه صلّى اللّه عليه و آله و سلّم في أول عمرة اعتمرها فأتاه رجل فسلّم عليه و هو في الصلاة فلم يردّ عليه، فلما صلّى و انصرف، قال أين المسلّم فقيل: إنّي كنت أصلّى و أتاني جبرئيل فقال إنه أمّتك أن يردوا السّلام في الصلاة.
3- افتى فقهاؤنا رفع اللّه شأنهم بوجوب ردّ المصلي السّلام بشرط مطابقة الجواب للسلام و استندوا فيه بروايات متعدّده ذكرها الشيخ الحرّ رحمه اللّه في الوسائل:4/1266 باب 16 ثم قال: أقول: و إذا جاز للمصلّي ردّ السّلام وجب عليه، و يأتي ما يدلّ على وجوبه.
4- لأن التقرب بالصلاة مع ترك الواجب لا يجتمعان و لا يمكن ان يتّصف عمل واحد بالمقربية و المبعديّة، و لكن المختار هو صحة تلك الصلاة لأن الأمر المبعّد اذا كان جزء للمقرب او شرطا مقوّما له صح الحكم ببطلان المقرب و ليس كذلك هنا لأن السّلام ليس جزء من الصلاة و لا شرطا مقوما و إنما هو أمر اتّفاقي فالقول بصحة الصلاة المذكورة لا ريب فيه عندي و اللّه العالم.
5- لأن ردّ السّلام واجب كفائيّ يسقط بتحققه و ان لم يكن ممّن سلّم عليه.

أو نحوهما (1). و لا يتعيّن في غير الصلاة مماثلة الجواب للسّلام في الصيغة، و لا تقديم الخبر-أعني عليك و عليكم-على المبتدأ-و هو السّلام- (2).

و يتأكد استحباب السّلام عند دخول دار الغير على أهل الدار، بل يكره الدخول من دون ذلك، لقوله تعالى لا تَدْخُلُوا بُيُوتاً غَيْرَ بُيُوتِكُمْ حَتّى تَسْتَأْنِسُوا وَ تُسَلِّمُوا عَلى أَهْلِها (3).

و يستحب لمن دخل داره التسليم على من فيها، فإن لم يكن فيها أحد، استحب أن يقول: السّلام علينا من عند ربّنا-كما مرّ في فصل المسكن-.

و الأحوط ترك التسليم على الكفّار و اصحاب الملاهي و نحوهم الاّ للضرورة، للنهي عن ذلك، و ان كان الجواز على كراهية شديدة أظهر، حملا للنواهي على الكراهة، بقرينة ما عن أمير المؤمنين عليه السّلام من ان: ستّة لا ينبغي ان تسلّم عليهم: اليهود، و النصارى، و أصحاب النرد، و الشطرنج، و أصحاب خمر و بربط و طنبور، و المتفكّهين بسبّ الامّهات، و الشعراء (4)، و قيّد الشاعر في خبر آخر بالذي يقذف المحصنات (5). و زاد في ذلك الخبر النهي عن التسليم على آكل الربا، و الجالس على الغائط، و الفاسق المعلن بفسقه (6). و زاد في ثالث: من يعمل التماثيل (7)، و في رابع: المخنّث.

ص:177


1- هذا الحكم هو المشهور لدى الفقهاء و المخالف شاذ لا يعتد بقوله.
2- لأن الدليل يدل على وجوب ردّ السّلام و كلّما دلّ عرفا على تحقق عنوان الجواب أجزأ في تحقق الجواب و إسقاط التكليف.
3- سورة النور آية 27.
4- السرائر/484 و الخصال:1/330 ستة لا ينبغي أن يسلم عليهم برقم 29.
5- الخصال:1/326 ستة لا يسلّم عليهم برقم 16.
6- الخصال:2/484 لا يسلّم على اثنى عشر برقم 57.
7- الخصال:1/237 أربعة لا يسلّم عليهم برقم 80.

و اذا سلّم الكتابي على المسلم فالجواب: و عليكم أو عليك فقط أو سلام فقط (1). و يجوز التسليم على الذّمي عند الحاجة اليه لطبّ و نحوه، و الدعاء له بقول: بارك اللّه لك في دنياك (2).

و يستحب التسليم على الخضر عليه السّلام كلّما ذكر، لما عن مولانا الرّضا عليه السّلام من انّ الخضر عليه السّلام شرب من ماء الحياة فهو حيّ لا يموت حتى ينفخ في الصور، و انّه ليأتينا فيسلّم علينا، فنسمع صوته و لا نرى شخصه، و انّه ليحضر حيث ذكر، و من ذكره منكم فليسلّم عليه (3).

و يستحب الصلاة و السّلام على النبيّ صلّى اللّه عليه و آله و سلّم، لما ورد عن أبي جعفر عليه السّلام من: انّ ملكا من الملائكة سأل اللّه ان يعطيه سمع العباد فأعطاه، فليس من أحد من المؤمنين قال: صلّى اللّه عليه و آله و سلّم، الا قال الملك: و عليك السّلام، ثم قال الملك: يا رسول اللّه (ص) ! انّ فلانا يقرئك السّلام، فيقول رسول اللّه صلّى اللّه عليه و آله و سلّم: و عليه السّلام (4).

و قد مرّ استحباب المواظبة بعد كلّ صلاة على سؤال الجنّة و الحور العين، و الاستعاذة من النّار، و الصّلاة على النّبي و آله (5)في المقام العاشر في التعقيب من الفصل السادس، فراجع.

ص:178


1- اصول الكافي:2/649 باب التسليم على أهل الملل برقم 3 و 4.
2- اصول الكافي:2/650 باب التسليم على أهل الملل برقم 7 و 8 و 9.
3- اكمال الدين:2/390 [2] ما روى من حديث الخضر عليه السّلام برقم 4.
4- وسائل الشيعة:8/447 باب 43 برقم 4 [3]عن أمالي [4]ابن بابويه الصدوق بسنده. . .
5- مستدرك وسائل الشيعة:1/342 باب 20 حديث 2 [5] بسنده قال رسول اللّه صلّى اللّه عليه و آله و سلّم أربع جعلن شفعاء، الجنّة و النار، و الحور العين، و ملك عند رأسي في القبر، فإذا قال العبد من امتّي: اللّهم زوّجني من الحور العين، قلن: اللهم زوجناه، و إذا قال العبد: اللهم أجرني من النار، قالت: اللهم أجره منّي، و إذا قال: اللهم اسألك الجنة، قالت الجنّة: اللهم-

و ينبغي السّلام و الصلاة على الأئمّة عليهم السّلام، و سيّدة النساء سلام اللّه عليها عند ذكر أسمائهم لفظا أو كتبا، نطقا او سماعا. و قد ورد عن النّبي صلّى اللّه عليه و آله و سلّم: انّ أجفى الناس رجل ذكرت عنده فلم يصلّ عليّ 1.

و يستحب الاكثار من الصلاة على محمّد و آله، و اختيارها على ما سواها، لما ورد من انّه ما في الميزان شىء أثقل من الصلاة على محمد و آل محمد، و انّ الرجل لتوضع أعماله في الميزان فتميل به فيخرج الصلاة عليه فيضعها في ميزانه فترجح 2، و انّ من صلّى على النبيّ صلّى اللّه عليه و آله و سلّم صلاة واحدة صلّى اللّه عليه ألف صلاة في ألف صفّ من الملائكة، و لم يبق شيء ممّا خلقه اللّه عزّ و جلّ الاّ صلّى على العبد لصلاة اللّه و صلاة ملائكته، فمن لم يرغب في هذا فهو جاهل مغرور، و قد برىء اللّه منه و رسوله و أهل بيته 3، و انّ من لم يقدر على ما يهدم ذنوبه فليكثر من الصّلاة على محمّد و آله، فإنّها تهدم الذنوب هدما 4، و انّ الصلاة على محمّد و آله تعدل عند اللّه عزّ و جلّ التسبيح و التهليل و التكبير 5، و انّ اللّه عزّ و جلّ إنّما اتّخذ ابراهيم عليه السّلام خليلا لكثرة صلاته على محمّد

ص:179

و أهل بيته (1)، و انّ الصلاة على النبي صلّى اللّه عليه و آله و سلّم أمحق للخطايا من الماء للنار، و انّ السّلام على النبيّ و آله أفضل من عتق رقاب (2)، و انّ من صلّى على محمد نبيه و آل محمد كتب اللّه له مائة حسنة، و من قال صلّى اللّه على محمد و أهل بيته كتب اللّه له ألف حسنة (3)، و انّ رسول اللّه صلّى اللّه عليه و آله و سلّم قال: من صلّى عليّ إيمانا و احتسابا استأنف العمل (4)، و انّه صلّى اللّه عليه و آله و سلم قال: أنا عند الميزان يوم القيامة فمن ثقلت سيّئاته على حسناته جئت بالصلاة عليّ حتّى أثقل به حسناته (5)، و من قال: «صلوات اللّه و صلوات ملائكته و أنبيائه و رسله و جميع خلقه على محمّد و آل محمّد و السّلام عليه و عليهم و رحمة اللّه و بركاته» ، خرج من ذنوبه كهيئة يوم ولدته أمه (6).

و يستحب الصلاة على محمّد و آله عشرا، لما ورد من أنّ من صلّى عليه عشرا صلّى اللّه عليه و ملائكته ألفا (7).

و يستحب ان يقرن الصلاة عليه بالصلاة على أهل بيته عليهم السّلام، لما ورد عن رسول اللّه صلّى اللّه عليه و آله و سلّم من انّ: من أراد التوسل اليّ و ان

ص:180


1- علل الشرايع:34 باب 32 [1] العلة التي من أجلها اتّخذ اللّه عزّ و جلّ إبراهيم خليلا حديث 3.
2- ثواب الأعمال:184 [2] ثواب الصلاة و السّلام على النبي صلّى اللّه عليه و آله و سلّم حديث 1.
3- ثواب الأعمال:186 [3] ثواب من صلى على محمد و أهل بيته عليهم السّلام حديث 1.
4- المحاسن:59 باب 75 حديث 97. و [4]الظاهر سقوط كلمة من الخبر.
5- ثواب الأعمال:186 ثواب الصلاة على النبي صلّى اللّه عليه و آله و سلّم حديث 1.
6- وسائل الشيعة:4/1213 باب 35 حديث 1 [5] عن معاني الاخبار.
7- أصول الكافي:2/493 باب الصلاة على النبي محمد و أهل بيته عليهم السّلام حديث 14، [6]بسنده قال أبو عبد اللّه عليه السّلام يا إسحاق بن فروخ! من صلّى على محمد و آل محمد عشرا صلّى اللّه عليه و ملائكته مائة، و من صلّى على محمد و آل محمد مائة مرّة صلّى اللّه عليه و ملائكته الفا، اما تسمع قول اللّه عز و جل هُوَ اَلَّذِي يُصَلِّي عَلَيْكُمْ وَ مَلائِكَتُهُ لِيُخْرِجَكُمْ مِنَ اَلظُّلُماتِ إِلَى اَلنُّورِ وَ كانَ بِالْمُؤْمِنِينَ رَحِيماً.

تكون له عندي يد أشفع له بها يوم القيامة، فليصلّ على أهل بيتي، و يدخل السرور عليهم (1)، بل ورد ذمّ ترك ذلك، فعنه صلّى اللّه عليه و آله و سلّم انّ: من صلّى عليّ و لم يصلّى على آلي لم يجد ريح الجنة، و انّ ريحها ليوجد من مسيرة خمسمائة عام (2). و عنه صلّى اللّه عليه و آله و سلّم أيضا انّه قال: أخبرني جبرئيل عليه السّلام انّ الرجل من أمّتي إذا صلّى عليّ و اتبع بالصلاة على أهل بيتي فتحت له ابواب السماء، و صلّت عليه الملائكة سبعين صلاة، و انّه لمذنب خطاء ثم تحاتّ عنه الذنوبب كما يتحاتّ الورق من الشجر، و يقول اللّه تبارك و تعالى: لبّيك [عبدي]و سعديك، يا ملائكتي! أنتم تصلّون عليه سبعين صلاة، و أنا أصلّي عليه سبعمائة صلاة، و إذا صلّى عليّ و لم يتبع بالصلاة على أهل بيتي كان بينها و بين السموات سبعون حجابا، و يقول اللّه تبارك و تعالى: لا لبيك و لا سعديك، يا ملائكتي لا تصعدوا دعاءه الاّ أن يلحق بالنبيّ صلّى اللّه عليه و آله و سلم عترته، فلا يزال محجوبا حتى يلحق بي أهل بيتي (3). و عنه صلّى اللّه عليه و آله و سلّم أنه قال: لا تصلّوا عليّ صلاة مبتورة بل صلوا (4)اليّ أهل بيتي و لا تقطعوهم، فان كل نسب و سبب يوم القيامة منقطع الاّ نسبي (5)، بل ورد انّ عدم اتباع النبيّ صلّى اللّه عليه و آله و سلّم بالآل عند الصلوات عليه ظلم لحقّهم عليهم

ص:181


1- أقول في الأمالي للشيخ الصدوق رحمه اللّه:379 [1] المجلس الستون حديث 5 هكذا بسنده قال رسول اللّه صلّى اللّه عليه و آله و سلّم: من أراد التوسل إليّ، و أن يكون له عندي يد أشفع له بها يوم القيامة فليصل أهل بيتي و يدخل السرور عليهم. و لم أظفر على رواية تتضمّن-فليصلي على أهل بيتي-و سقوط كلمة-على-يخرج الرواية عن البحث.
2- الأمالي للشيخ الصدوق رحمه اللّه:379 [2] المجلس الستون حديث 6.
3- ثواب الأعمال:188، و [3]أمالي الشيخ الصدوق:580 المجلس الخامس و [4]الثمانون حديث 18.
4- التخفيف بمعنى الوصل، بقرينة لا تقطعوا. [منه قدس سره].
5- المحكم و المتشابه المطبوع ضمن بحار الأنوار 93/14.

السّلام (1).

و الأفضل التعبير عنهم بالآل دون أهل البيت الاّ فيما ورد التعبير فيه بأهل البيت، لما رواه عمّار قال: كنت عند أبي عبد اللّه عليه السّلام، فقال رجل:

اللهم صلّ على محمّد و أهل بيت محمد، فقال: يا هذا! لقد ضيعت علينا! اما علمت انّ أهل البيت خمس أصحاب الكساء؟ ! فقال الرجل: كيف أقول؟ فقال: قل اللهمّ صلّى على محمّد و آل محمد، فنكون نحن و شيعتنا قد دخلنا فيه (2).

و يستحب رفع الصوت بالصلاة على محمّد و آله، للأمر به معلّلا بانّه يذهب بالنفاق (3).

و يستحبّ الصلاة على محمّد و آله عند النسيان، فإنّه يوجب ذكر ما نسي، لما ورد من انّ قلب الرجل في حقّ و على الحقّ طبق، فإن صلّى الرجل عند ذلك على محمّد و آل محمّد صلاة تامّة انكشف ذلك الطبق عن ذلك الحقّ فأضاء القلب، و ذكر الرجل ما كان نسي، و إن هو لم يصلّ على محمد و آل محمد أو نقص من الصلاة عليهم انطبق ذلك الطبق على ذلك الحقّ، فأظلم القلب و نسي الرجل ما كان ذكره (4).

ص:182


1- أصول الكافي:2/495 باب الصلاة على النبي و أهل بيته عليهم السّلام حديث 21، [1] بسنده عن أبي عبد اللّه عليه السّلام قال سمع ابي رجلا متعلقا بالبيت و هو يقول: اللهم صلّ على محمد فقال له ابي: يا عبد اللّه! لا تبترها، لا تظلمنا حقّنا، قل: اللهم صلّ على محمد و أهل بيته.
2- ثواب الأعمال:189 ثواب من صلى على النبي و آله الاوصياء المرضيين يوم الجمعة بعد الصلاة حديث 2.
3- أصول الكافي:2/493 باب الصلاة على النبي و آله صلّى اللّه عليهم أجمعين حديث 13، [2]بسنده قال رسول اللّه صلّى اللّه عليه و آله و سلّم: ارفعوا اصواتكم بالصلاة عليّ فإنّها تذهب بالنفاق.
4- عيون أخبار الرضا عليه السّلام:39.

و يستحب تقديم الصلاة على محمّد و آله حيثما ذكر أحد الانبياء عليهم السّلام أو أراد أن يصلّي عليه، للأمر بذلك (1).

و كذا يستحب الصلاة على محمد و آله كلّما ذكر اللّه تعالى، للأمر به، و به فسر قوله سبحانه وَ ذَكَرَ اِسْمَ رَبِّهِ فَصَلّى (2).

و يستحبّ الصلاة على محمد و آله في أواخر حال الاحتضار، لما ورد عن النبيّ صلّى اللّه عليه و آله و سلّم من: انّ من كان آخر كلامه الصلاة عليّ و على آلي دخل الجنّة (3).

و يستحب الصلاة على محمّد و آله في أوّل الدعاء، و وسطه، و آخره (4).

لانه لا يزال الدعاء محجوبا مرفرفا على رأسه حتّى يصلي على محمّد و آله، فإذا صلّى عليه و عليهم رفع (5).

و يستحبّ استحبابا مؤكّدا الصّلاة على النبيّ و آله كلّما ذكر صلوات اللّه عليه و آله نطقا، او كتبا، بل قيل بوجوبه (6)، لما ورد عنه صلّى اللّه عليه و آله و سلم من: أنّ من ذكرت عنده فنسي أن يصلّي عليّ أخطأ اللّه به طريق الجنّة (7)،

ص:183


1- الأمالي للشيخ الصدوق:380 [1] المجلس الستون حديث 9.
2- سورة الأعلى:15 [2]تفسير الصافي:562، و [3]تفسير البرهان:4/451.
3- عيون أخبار الرضا عليهم السّلام:223، و أمالي الطوسي:2/37 و باسناده عن عليّ عليه السّلام قال: قال النبي صلّى اللّه عليه و آله و سلّم: من كان آخر كلامه الصلاة عليّ و على عليّ [عليهما السّلام]دخل الجنة. و لم أظفر على الرواية التي أشار اليها المؤلف قدس سره و ان فيها-و الى-.
4- أصول الكافي:2/492 باب الصلاة على النبي صلّى اللّه عليه و آله و سلّم حديث 5.
5- أصول الكافي:2/491 باب الصلاة على النبي محمد و أهل بيته عليهم السّلام حديث 2.
6- أقول: الأحاديث المروية في المقام كلها لا تدلّ إلاّ على تاكد الاستحباب و لسان الحديث يأبى ذلك، فالقول بالوجب غريب جدا.
7- اصول الكافي:2/495 حديث 20.

و انّ من ذكرت عنده فلم يصلّ عليّ لم يغفر اللّه له، و أبعده اللّه (1)، و انّ أجفى الناس رجل ذكرت عنده فلم يصلّ عليّ (2).

الثانية من التحيات: قول: مرحبا، و أهلا و سهلا، للمؤمن عند رؤيته:

فإنّه من السنن، لما ورد عن مولانا الصادق عليه السّلام من: أنّ المؤمن إذا لقي أخاه فقال له: مرحبا يكتب له مرحبا إلى يوم القيامة. بضميمة ما ورد من أنّ من قال اللّه له: مرحبا أجزل اللّه له العطيّة. و قد صدر من النبيّ صلّى اللّه عليه و آله و الأئمة عليهم السّلام قول ذلك لشيعتهم كثيرا، و فعلهم صلوات اللّه عليهم امارة الرجحان.

الثالثة قول: صبحك اللّه بالخير، عند الصباح، و (مسّاك اللّه بالخير) ، عند المساء. و قد تعارفت التحيّة بذلك بين العرب بعد السلام، و لم اقف له إلى الآن على مستند مخصوص، لكن كونه دعاء مشمولا لاخبار رجحان الدعاء للأخ المؤمن، و تحية مشمولة لعموم ما دلّ على رجحان تحية المؤمن كاف في رجحانه، و الجواب عنهما بالمثل، و قد يزاد بعد الخير (الكرامة) و (العافية) في كلّ من الابتداء و الجواب، و في وجوب ردّ الجواب هنا وجهان ثانيهما اشبه، و اولهما احوط للاندراج تحت عموم قوله سبحانه وَ إِذا حُيِّيتُمْ بِتَحِيَّةٍ فَحَيُّوا بِأَحْسَنَ مِنْها أَوْ رُدُّوها (3)و كون السّلام من مصاديقها لا ينفي ما عداه، و العلم عند اللّه (4).

الرابعة: قول (هنيئا) أو هو مع (مريئا) لمن شرب الماء.

و هو أيضا متعارف، و الجواب: هنّاكم اللّه بالإيمان، و نحوه، و حالهما حال

ص:184


1- الكافي:4/67 باب فضل شهر رمضان حديث 5.
2- وسائل الشيعة:4/1222 باب 42 حديث 18.
3- سورة النساء:86.
4- المورد قابل للنقاش العلمي و البحث المبسط لا يسع المقام ذكره.

سابقتها.

الخامسة: قول: فيه الشفاء و العافية لمن شرب الدواء، و الجواب دعاء مثله أو قريب منه، و هو أيضا متعارف، و حاله حال سابقيه (1).

السادسة: تسميت العاطس-بالسين المهملة-و يستعمل كما في مجمع البحرين (2)و غيره بالشين المعجمة أيضا، و هو مستحب إذا كان العاطس مسلما و ان بعد مكانه، لما ورد من انّه من حقوق المسلم على أخيه و لو كان من وراء جزيرة أو بحر (3)، و كيفيّة التسميت له أن يقال: يرحمك اللّه أو يرحمكم اللّه، و الجواب الوارد: يهديكم اللّه و يصلح بالكم، أو يغفر اللّه لك، أو لكم، أو بإضافة و يرحمك، أو يرحمكم إلى يغفر اللّه لك أولكم (4). و الأظهر عدم اختصاص استحباب التسميت بما إذا حمد اللّه العاطس، و صلّى على النبيّ و آله صلّى اللّه عليه و آله، و ترك أبي جعفر عليه السّلام تسميت من حمد اللّه بعد العطسة و لم يصلّ على النبي صلّى اللّه عليه و آله، معلّلا بتنقيصه حقهم عليهم السّلام (5)، انما هو لإفهام أنّ الحمد و الصلاة على النبيّ و آله بعد العطاس سنّة مؤكدة، و لذا نطق عليه السّلام بسبب الترك.

و يجوز تسميت المسلمة، بل يستحب (6).

ص:185


1- لا بأس بمثله لاندراجه في عنوان الدعاء لأخيه المؤمن و كذلك التحيتين المتقدمتين.
2- مجمع البحرين:4/87 [1] في ما آخره السين و أوله العين.
3- أصول الكافي:2/653 باب العطاس و التسميت حديث 2.
4- أصول الكافي:2/653 باب العطاس و التسميت حديث 1 و [3]ص 655 حديث 11.
5- أصول الكافي:2/654 حديث 9.
6- إكمال الدين:2/430 باب 42 ولادة القائم حديث 5 ذيل الحديث. أقول: إذا لم يحدث التسميت ريبة فالاستحباب مستفاد من العمومات الدالة عليه و لا يحتاج الى دليل خاص لتسميت المرأة.

و عند تعدّد العطسة من واحد فاستحباب التسميت إلى ثلاث مرات، فإذا زاد ترك، لأنّ ما فوق الثلاث ريح (1)، و لا بأس بتسميت العاطس الذّمي بقول:

يهديك اللّه أو يرحمك اللّه (2).

ثم انّ العطسة ممدوحة، فقد ورد ان التثاؤب من الشيطان، و العطسة من اللّه عزّ و جلّ (3)، و انّ صاحب العطسة يأمن الموت سبعة ايام (4)، و انّ العطاس للمريض دليل العافية و راحة للبدن (5)، و انّ العطاس ينفع في البدن كله ما لم يزد على الثلاث فاذا زاد على الثلاث فهو داء و سقم (6)، و العطسة القبيحة مذمومة، و بها فسّر قوله سبحانه إِنَّ أَنْكَرَ اَلْأَصْواتِ لَصَوْتُ اَلْحَمِيرِ (7)في رواية الحضرمي (8).

و يجوز الاستشهاد على صدق الحديث باقترانه بالعطاس، لما ورد عن رسول اللّه صلّى اللّه عليه و آله من قوله: إذا كان الرجل يتحدّث بحديث فعطس عاطس فهو شاهد حقّ (9).

و يستحب لمن سمع عطاس الغير و لو من وراء البحر ان يحمد اللّه،

ص:186


1- أصول الكافي:2/657 باب العطاس و التسميت حديث 27.
2- أصول الكافي:2/656 باب العطاس و التسميت حديث 18، [1] بسنده عطس رجل نصرانيّ عند أبي عبد اللّه عليه السّلام فقال له القوم هداك اللّه، فقال أبو عبد اللّه عليه السّلام: فقولوا: يرحمك اللّه، فقالوا له: إنّه نصرانيّ؟ ! فقال: لا يهديه اللّه حتى يرحمه.
3- أصول الكافي:2/654 باب العطاس و التسميت حديث 5.
4- أصول الكافي:2/657 باب العطاس و التسميت حديث 23.
5- أصول الكافي:2/656 باب العطاس و التسميت حديث 19.
6- أصول الكافي:2/656 باب العطاس و التسميت حديث 20.
7- سورة لقمان:19.
8- أصول الكافي:2/656 باب العطاس و التسميت حديث 21.
9- أصول الكافي:2/657 باب العطاس و التسميت حديث 25.

و يصلي على محمد و أهل بيته، فإنه إن فعل ذلك لم يشتك عينه و لا ضرسه (1)، و ما تعارف عند العرب من أخذ سامع عطسة الغير باصبعيه طرف جيب الثوب و تحريكه يسيرا لم أقف على مستنده، و أرسل لي من أثق به رواية بذلك في حق المريض إذا سمع العطاس عنده.

و يستحب للعاطس أمور:

فمنها: التحميد: و قد ورد في علّته انّ للّه نعما على عبده في صحة بدنه، و سلامة جوارحه، و انّ العبد ينسى ذكر اللّه عزّ و جلّ على ذلك، و اذا نسي أمر اللّه الريح فتجاوز في بدنه ثم يخرجها من أنفه فيحمد اللّه على ذلك، فيكون حمده على ذلك شكرا لما نسي (2). و ورد انّ من قال إذا عطس: الحمد للّه ربّ العالمين على كل حال، لم يجد وجع الاذنين و الاضراس (3)، و ان المرء المسلم اذا عطس ثم سكت لعلة تكون به قالت الملائكة عنده الحمد للّه رب العالمين، فإن قال: الحمد للّه ربّ العالمين، قالت الملائكة: يغفر اللّه لك (4).

و منها: أن يصلّي على محمد و أهل بيته بعد التحميد للأمر به (5).

و منها: وضع اصبعه على أنفه عند التحميد و الصلاة على محمد و آله، لما ورد من أنّ من عطس ثم وضع يده على قصبة أنفه ثم قال: «الحمد للّه ربّ

ص:187


1- أصول الكافي:2/656 باب العطاس و التسميت حديث 17.
2- أصول الكافي:2/654 باب العطاس و التسميت حديث 6.
3- أصول الكافي:2/655 باب العطاس و التسميت حديث 15.
4- أصول الكافي:2/656 باب العطاس و التسميت حديث 19.
5- أصول الكافي:2/654 باب العطاس و التسميت حديث 9، [5] بسنده عطس رجل عند أبي جعفر عليه السّلام فقال: الحمد للّه، فلم يسمّته أبو جعفر عليه السّلام و قال: نقصنا حقّنا، ثم قال: إذا عطس أحدكم فليقل: الحمد للّه ربّ العالمين، و صلّى اللّه على محمد و أهل بيته. قال: فقال الرجل، فسمّته أبو جعفر عليه السّلام.

العالمين حمدا كثيرا كما هو أهله، و صلّى اللّه على محمد النبي و آله و سلّم» ، خرج من منخره الأيسر طائر أصغر من الجراد و أكبر من الذباب حتى يصير تحت العرش يستغفر اللّه له إلى يوم القيامة (1).

و منها: وضع اصبعه بعد التحميد على أنفه و قول: «رغم أنفي للّه رغما داخرا» ، تأسيا بمولانا الصادق عليه السّلام (2)، و أرسل لي بعض المحدثين قدّس سرّه رواية منذ عشر سنين تقريبا باستحباب ان يقول العاطس بعد عطسته: إِنِّي آمَنْتُ بِرَبِّكُمْ فَاسْمَعُونِ (3)، ليتعوّد بذلك، و يقوله عند العطسة في القبر، و يرجع منكر و نكير بسماع ذلك.

ص:188


1- أصول الكافي:2/657 باب العطاس و التسميت حديث 22.
2- أصول الكافي:2/655 باب العطاس و التسميت حديث 14.
3- سورة يس:25.

المقام الثالث: في المصافحة و المعانقة و التقبيل

و كلّ ذلك من السنن في حق المؤمن مع أخيه المؤمن، و قد ورد عن أبي عبد اللّه عليه السّلام: إنّ من تمام التحية للمقيم المصافحة، و تمام التسليم على المسافر المعانقة (1)، و المراد بذلك تأكّد الأولى في حقّ المقيم، و الثانية في حقّ المسافر، و الاّ فلا يختصّ استحباب الاولى بالمقيم، و لا الثانية بالمسافر، لإطلاق الاخبار الواردة في فضلهما، و توضيح ذلك: انّه قد ورد انّ اول اثنين قد تصافحا على وجه الارض ذو القرنين و ابراهيم الخليل عليه السّلام استقبله ابراهيم عليه السّلام فصافحه (2)، و أنّه اذا التقى المؤمنان فتصافحا أقبل اللّه بوجهه عليهما، و لا زال ناظرا إليهما بالمحبة و المغفرة حتى يفترقا، و تحاتّ الذنوب عن وجوههما، و تساقطت عنهما كما يتساقط ورق الشجر حتى يفترقا، و أدخل اللّه يده بين أيديهما فيصافح أشدّهما حبّا لصاحبه (3)، و انّ المؤمن إذا صافحه مثله أنزل اللّه في ما بين إبهاميهما مائة رحمة، تسعة و تسعون منها لاشدّهما حبّا لصاحبه، ثم أقبل اللّه عليهما فكان على أشدّهما حبّا لصاحبه أشد إقبالا (4). و انّ مصافحة المؤمن أفضل من مصافحة الملائكة (5)، و انّ المؤمن إذا صافح المؤمن تفرّقا من غير

ص:189


1- أصول الكافي:2/646 باب التسليم حديث 14.
2- أمالي الشيخ الطوسي: الجزء الثامن [2]على تجزئة المؤلف:218.
3- أصول الكافي:2/180 باب المصافحة حديث 6 و [3]أحاديث الباب.
4- ثواب الأعمال:178 [4] ثواب زيارة الاخوان و مصافحتهم و معانقتهم.
5- أصول الكافي:2/183 باب المصافحة حديث 21.

ذنب (1). و انّ للمؤمنين في تصافحهم مثل (2)اجور المجاهدين (3)، و انّ مصافحة المؤمن بألف حسنة (4)، و لا يسقط استحباب المصافحة عن الجنب. و لا يتقيّد ببعد العهد، فقد ورد استحباب المصافحة [و لو بمقدار]دور نخلة، أو التواري (5)بشجرة، او جولان جولة، او النزول عن الدابة و الركوب (6).

و يستحب عند المصافحة اشتباك أصابع أحدهما في أصابع الآخر و غمز اليد تأسّيا بأهل البيت عليهم السّلام (7).

و يستحبّ عدم نزع اليد عند المصافحة حتّى ينزع صاحبه يده، تأسّيا برسول اللّه صلّى اللّه عليه و آله و سلّم. و لما ورد من أنّه إذا صافح الرجل صاحبه فالذي يلزم التصافح أعظم اجرا من الذي يدع (8).

و ورد النهي عن مصافحة المسلم الذميّ (9)، و امّا مصافحة الرجل المرأة فان كانت محرما او زوجة فجائزة بل مسنونة، و ان كانت اجنبيّة لم تجز الاّ من وراء الثياب مع امن الافتتان، و عدم شهوة و لا ريبة، و لا غمز ليدها (10)، و لذا ورد انّ رسول اللّه صلّى اللّه عليه و آله و سلّم لمّا بايع النساء-اي بايعنه-و أخذ

ص:190


1- أصول الكافي:2/180 باب المصافحة حديث 7.
2- في المتن: و ان المؤمنين. . في مثل. .
3- وسائل الشيعة:8/556 باب 126 حديث 12 و 13.
4- وسائل الشيعة:8/557 باب 126 حديث 18.
5- في المتن: النواهي.
6- أصول الكافي:2/181 باب المصافحة حديث 8 و 9، و صفحه 179 حديث 1.
7- أصول الكافي:2/180 باب المصافحة حديث 5.
8- أصول الكافي:2/181 باب المصافحة حديث 13.
9- وسائل الشيعة:8/559 باب 127 حديث 7.
10- و هذا الحكم قطعي، لانّ ملامسة الأجنبيّة حرام و المصافحة مستحبّة، و لا يطاع اللّه من حيث يعصى.

عليهن، دعا بإناء فملأه، ثم غمس يده في الإناء، ثم أخرجها ثمّ أمرهن أن يدخلن أيديهن فيغمسن فيه.

و أما المعانقة: فقد ورد فيها انّ المؤمنين إذا اعتقنا غمرتهما الرحمة، فإذا التزما لا يريدان بذلك إلاّ وجه اللّه، و لا يريدان غرضا من أغراض الدنيا، قيل لهما: مغفور لكما فاستانفا، فإذا أقبلا على المساءلة قالت الملائكة بعضها لبعض:

تنحّوا عنهما فانّ لهما سرّا، و قد ستره اللّه عليهما. . الحديث (1).

و أما التقبيل: فيستحبّ تقبيل ما بين عيني المؤمن، لما ورد عن أبي عبد اللّه الصادق عليه السّلام من قوله: إنّ لكم لنورا تعرفون به في الدّنيا حتّى انّ أحدكم اذا لقي اخاه قبّله في موضع النور من جبهته (2)، و كذا تقبيل خدّه، لما ورد عنه عليه السّلام من أنّ قبلة الأخ على الخد، و قبلة الإمام بين عينيه (3)، و لا يستحب قبلة الفم، لما ورد عنه عليه السّلام من أنّه ليس القبلة على الفم الاّ للزوجة و الولد الصغير (4)، و أرسل بعضهم رواية بانّ الأطفال الذين يحتمل في حقّهم الريبة يقبلون في نواصيهم.

و يستحب تقبيل يد من انتسب إلى رسول اللّه صلّى اللّه عليه و آله و سلّم بنسب، أو علم دين، و ان لم يكن إماما، للصحيح على المختار في إبراهيم بن هاشم، و الحسن على المشهور عن أبي عبد اللّه عليه السّلام انّه قال: لا يقبّل رأس أحد و لا يده إلاّ رسول اللّه صلّى اللّه عليه و آله و سلّم أو من أريد به رسول اللّه صلّى اللّه عليه و آله و سلّم (5). و امّا خبر علي بن مزيد صاحب السابري-قال

ص:191


1- أصول الكافي:2/181 باب المصافحة حديث 14.
2- مستدرك وسائل الشيعة:2/98 باب 116 حديث 1.
3- مستدرك وسائل الشيعة:2/98 باب 116 حديث 3.
4- أصول الكافي:2/186 باب التقبيل حديث 6.
5- أصول الكافي:2/185 باب التقبيل حديث 2.

دخلت على أبي عبد اللّه عليه السّلام فتناولت يده فقبلتها، فقال: أما أنّها لا تصلح الاّ لنبيّ أو وصي نبيّ (1)-فلقصوره سندا و دلالة، يحمل في غير من أريد به رسول اللّه صلّى اللّه عليه و آله و سلّم على الكراهة، و يقيّد فيمن أريد به رسول اللّه صلّى اللّه عليه و آله و سلّم بالصحيح المذكور، فيكون المفاد استحباب تقبيل يد النبيّ صلّى اللّه عليه و آله و سلّم و الوصيّ عليه السّلام و من أريد به النبي صلّى اللّه عليه و آله و سلّم لنسب، أو علم دين، و كراهة تقبيل يد من لم يرد بتقبيل يده وجه اللّه، فما يظهر من بعضهم من الميل إلى حرمة ذلك لا مستند له (2)، بل الأظهر عدم حرمة تقبيل الرجل أيضا إذا لم يقترن بسجود محرّم لغير اللّه، للأصل بعد عدم الدليل عليه، و ما ورد من منع الأئمة عليهم السّلام في بعض الأوقات من تقبيل أرجلهم، فإنّما ورد ذلك تقية من أعداء الدين، كما يكشف عن ذلك تمكينهم عليهم السّلام من تقبيل أرجلهم في موارد أكثر من موارد المنع

ص:192


1- أصول الكافي:2/185 باب التقبيل حديث 3.
2- ما ذكره المؤلف قدس اللّه روحه الزكيّة في غاية المتانة و ذلك ان النبي صلّى اللّه عليه و آله و سلّم و الأئمة المعصومين عليهم السّلام كانوا يسمحون بتقبيل أيديهم و أرجلهم و صحيحة إبراهيم بن هاشم تدلّ بصراحة على أن تقبيل اليد و غيرها إذا أريد به رسول اللّه صلّى اللّه عليه و آله و سلّم بالنسب او المقام او ايّ جهة تمّت بالدين أمر مرغوب فيه، و بتعبير آخر إذا كان التقبيل ناشئا من الحب له صلّى اللّه عليه و آله و سلّم او حبّ أهل بيته أو من يعيش في خطه و يرفع راية دينه فهو راجح مندوب إليه و مرغوب فيه، نعم إذا كان تقبيل اليد ناشئا من حبّ استعلاء المقبّل يده او تكبره و تجبره او لإظهاره الامتيازات الماديّة و الدنيويّة كان التقبيل مرجوحا منهيا عنه كما في تقبيل أيدي الجبابرة و الطغاة، هذا و اعلم ان الحبّ للمؤمنين و اظهار الودّ لهم من القربات و المندوبات التي تظافرت الروايات على الحث عليها و اظهار مظاهر الحب و التقدير و الاجلال و الاحترام للمؤمن كلّها-الاّ ما ثبت ردع الشارع عنها-راجحة مندوب اليها بلا ريب، فالقول بكراهة أو حرمة تقبيل يد غير النبي و عترته عليهم السّلام مطلقا قول زائف و حكم باطل، فتفطن.

بمراتب، كما لا يخفى على من أحاط خبرا بالأخبار، و قد نقلنا عدة منها في رسالتنا: إزاحة الوسوسة عن تقبيل الاعتاب المقدّسة المطبوعة، و من الجليّ ان دلالة تمكينهم على الجواز أظهر من دلالة منعهم على الحرمة أو الكراهة سيما في أزمنة التقيّة الّتي هي منشأ كل بلية (1).

ص:193


1- ما ذكر المؤلف قدس سره لا مساغ للنقاش فيه لمن أمعن النظر في روايات أهل البيت عليهم السّلام، فتدبر.

المقام الرابع: في أمور متفرقة تستحب أو تكره عند المعاشرة

اشارة

فمن المستحبات؛ تعظيم المؤمن و توقيره بكل نحو مشروع للأمر به (1).

و منها: إلقاء الوسادة للوارد المسلم، لما رواه سلمان عن رسول اللّه صلّى اللّه عليه و آله و سلّم من انه: ما من مسلم دخل على أخيه المسلم فيلقي له الوسادة إكراما له إلاّ غفر اللّه له (2). و يكره ردّ ذلك كما يأتي في أواخر المقام الخامس.

و منها: ذكر الرجل في حضوره بكنيته احتراما له، و عند غيبته باسمه، للأمر بذلك أيضا (3).

و منها: أن يقول من رأى كافرا كتابيّا، او غير كتابيّ: «الحمد للّه الّذي فضّلني عليك بالإسلام دينا، و بالقرآن كتابا، و بمحمد صلّى اللّه عليه و آله و سلّم نبيّا، و بعليّ عليه السّلام إماما، و بالمؤمنين إخوانا، و بالكعبة قبلة» فقد ورد انّ من قال ذلك لم يجمع اللّه بينه و بينه في النّار أبدا (4). و الظاهر كفاية أن يقول

ص:194


1- أصول الكافي:2/173 باب حق المؤمن على أخيه و أداء حقّه حديث 12، [1] بسنده عن أبي عبد اللّه عليه السّلام قال: كان أبو جعفر صلوات اللّه عليه يقول: عظّموا أصحابكم و وقرّوهم، و لا يتهجم بعضكم بعضا، و لا تضارّوا و لا تحاسدوا، و إيّاكم و البخل، كونوا عباد اللّه المخلصين
2- مكارم الأخلاق:20 [2] في وصف النبي صلّى اللّه عليه و آله و سلّم.
3- اصول الكافي:2/671 باب النوادر حديث 2، [3] بسنده عن أبي الحسن عليه السّلام قال: إذا كان الرجل حاضرا فكنّه و إذا كان غائبا فسمّه.
4- قرب الأسناد:34.

خفاء او سرّا، بل يلزم الإسرار به عند خوف الضرر من الجهر به (1).

و منها: أن يقول من نظر إلى ذي عاهة أو إلى من مثّل به، أو صاحب بلاء [سرّا في نفسه]: «الحمد للّه الّذي عافاني ممّا ابتلاك اللّه به، و لو شاء لفعل» ، ثلاث مرات سرّا من غير ان يسمع المنظور إليه فينكسر قلبه، فإنّه إذا قال ذلك لم يصبه ذلك البلاء أبدا (2).

و منها: المزاح، فإنّه من السنن، و قد ورد انّه ما من مؤمن إلاّ و فيه دعابة، يعني المزاح (3)، و انّ اللّه يحبّ المداعب في الجماعة بلا رفث (4)، و ان المداعبة من حسن الخلق، و انك لتدخل بها السرور على أخيك، و لقد كان رسول اللّه صلّى اللّه عليه و آله و سلّم يداعب الرجل يريد أن يسرّه (5).

و يكره الإكثار منه سيّما للجليل الذي يزري به ذلك عادة، لما ورد من نهيهم عليهم السّلام في وصاياهم عن المزاح، معلّلا بانّه يذهب بالبهاء و الهيبة، و ماء الوجه، و يذهب بنور الإيمان (6)، و يستخفّ بالمرؤة، و يجرّ السخيمة،

ص:195


1- لا ريب في وجوب الإخفاء أو الإسرار اذا خاف الضرر و ذلك لحكومة أدلة التقية و قاعدة لا ضرر.
2- الأمالي للشيخ ابن بابويه رحمه اللّه:161.
3- معاني الأخبار:164 باب معنى الدعابة حديث 1، بسنده عن أبي عبد اللّه عليه السّلام قال: ما من مؤمن إلاّ و فيه دعابة، قلت: و ما الدعابة؟ قال: المزاح. و أصول الكافي:2/663 باب الدعابة و الضحك حديث 2.
4- أصول الكافي:2/663 باب الدعابة و الضحك حديث 4.
5- أصول الكافي:2/663 باب الدعابة و الضحك حديث 3، [4] بسنده قال أبو عبد اللّه عليه السّلام: كيف مداعبة بعضكم بعضا؟ قلت: قليل، قال: فلا تفعلوا فإنّ المداعبة من حسن الخلق و إنّك لتدخل بها السّرور على أخيك و لقد كان رسول اللّه صلّى اللّه عليه و آله و سلّم يداعب الرجل يريد أن يسرّه.
6- السرائر:484، بسنده عن حمران بن أعين، قال: دخلت [5] على أبي جعفر عليه السّلام فقلت-

و يورث الضغينة (1)، مريدين عليهم السّلام بذلك الإكثار منه، كما كشف عن ذلك ما قيد فيه إذهابه بماء الوجه بالإكثار منه، و عليه يحمل ما في نهج البلاغة عن أمير المؤمنين عليه السّلام من انّه: ما مزح الرجل مزحة إلاّ مجّ من عقله مجّة (2)، جمعا بينه و بين ما ذكر ممّا دلّ على رجحان المداعبة و المزاح، مضافا إلى المداعبات المنقولة عن النبي صلّى اللّه عليه و آله و سلّم الدّالة على الرجحان.

و منها: التبسم في وجه المؤمن، فإنّه مندوب إليه، و قد ورد انّ من تبسم في وجه أخيه المؤمن كتب اللّه له حسنة، و من كتب اللّه له حسنة لم يعذّبه (3)، و انّه ما عبد اللّه بمثل إدخال السرور على المؤمن (4).

و منها: صرف القذى عن المؤمن و وجهه، فانّه مستحب، لما ورد من انّ من أخذ من وجه أخيه المؤمن قذاه كتب اللّه له عشر حسنات (5)، و القذى -بالفتح و القصر-ما يقع في العين و غيرها من تراب أو تبن أو نحو ذلك، و ببالي انّ أحد تفاسير (المؤمن مرآة المؤمن) انّه يرى على وجهه أو عمامته او ما لا يراه هو من ثيابه شيئا من القذى فيرفعه و يزيله أو ينبّهه فيرفعه هو، فيكون

ص:196


1- أصول الكافي:2/665 باب الدعابة و ا [1]لضحك حديث 19، بسنده عن ابي الحسن عليه السّلام: اياك و المزاح، فإنه يذهب بنور ايمانك، و يستخف بمرؤتك، و صفحه 664 حديث 12، بسنده قال أمير المؤمنين عليه السّلام إيّاكم و المزاح فإنّه يجر السخيمة، و يورث الضغينة، و هو السبّ الاصغر.
2- وسائل الشيعة:8/483 [2] باب 83 حديث 16 عن نهج البلاغة.
3- مصادقة الإخوان:24.
4- مصادقة الإخوان: [4]24.
5- المصدر المتقدم.

كالمرآة له، و ورد ان صرف القذى عن المؤمن حسنة (1)، و يحتمل أن يراد به ما ذكر، أو يراد به إزالة الكدورة إن حصلت للمؤمن من حوادث الدهر، و العلم عند اللّه سبحانه.

و منها: الاستغفار لصاحبه عند المفارقة بان يقول: «غفر اللّه لك» ، لما ورد من قول رسول اللّه صلّى اللّه عليه و آله و سلّم: إذا لقيتم فتلاقوا بالسلام و التصافح، و إذا تفرّقتم فتفرّقوا بالاستغفار (2).

و منها: الدعاء لصاحبه بالسلامة و الحفظ و الحراسة و نحوها ممّا تعارف عند المفارقة، لإطلاق ما دلّ على حسن الدعاء للأخ المؤمن (3).

و منها: السّلام عند المفارقة، بناء على عدم مدخليّة المجلس في ذلك، لما ورد من قوله صلّى اللّه عليه و آله و سلّم: إذا قام أحدكم من مجلسه منصرفا فليسلّم، ليس الأولى بأولى من الأخرى (4).

و منها: تشييع الصاحب عند المفارقة و المشي معه هنيئة و لو كان ذميّا،

ص:197


1- المصدر السابق.
2- أصول الكافي:2/181 باب المصافحة حديث 11.
3- أصول الكافي:2/507 باب الدعاء للإخوان بظهر الغيب حديث 3، [2] بسنده عن أبي جعفر عليه السّلام في قوله تبارك و تعالى وَ يَسْتَجِيبُ اَلَّذِينَ آمَنُوا وَ عَمِلُوا اَلصّالِحاتِ وَ يَزِيدُهُمْ مِنْ فَضْلِهِ قال: هو المؤمن يدعو لأخيه بظهر الغيب فيقول له الملك: آمين، و يقول اللّه العزيز الجبار: و لك مثل ما سألت و قد أعطيت ما سألت بحبّك ايّاه. و في صفحة 508 حديث 6، بسنده قال رأيت عبد اللّه بن جندب في الموقف فلم أر موقفا كان أحسن من موقفه، ما زال مادّا يديه إلى السماء و دموعه تسيل على خدّيه حتى تبلغ الارض، فلما صدر الناس قلت له: يا أبا محمد! ما رأيت موقفا قطّ أحسن من موقفك، قال: و اللّه ما دعوت إلاّ لإخواني، و ذلك انّ أبا الحسن موسى عليه السّلام أخبرني انّ من دعا لأخيه بظهر الغيب نودي من العرش و لك مائة ألف ضعف، فكرهت أن أدع مائة ألف مضمونة لواحدة لا أدري تستجاب أم لا.
4- وسائل الشيعة:8/456 باب 52 حديث 2 [3]عن مكارم الأخلاق [4]بلفظه.

فإنّه من السنن، لما ورد من انّ أمير المؤمنين عليه السّلام صاحب رجلا ذميّا، فقال الذميّ: أين تريد يا عبد اللّه؟ قال: أريد الكوفة، فلمّا عدل الطريق بالذميّ عدل معه أمير المؤمنين عليه السّلام. . الى أن قال: فقال الذميّ: لم عدلت معي؟ فقال له أمير المؤمنين عليه السّلام: هذا من تمام حسن الصحبة أن يشيّع الرجل صاحبه هنيئة إذا فارقه، و كذلك أمرنا نبيّنا. . الحديث، و فيه انّ الذميّ أسلم لذلك (1)، و هذا غير ما يأتي إن شاء اللّه تعالى في الجهة الثالثة من المقام الخامس من استحباب مشايعة صاحب المنزل من كان عنده عند خروجه منه.

و منها: إكرام الكريم و الشريف، فقد ورد عنهم عليهم السّلام انّه إذا أتاكم كريم قوم فأكرموه، و إذا أتاكم شريف قوم فأكرموه، و سئل أبو عبد اللّه عليه السّلام عن الشريف و الحسيب و الكريم، ففسر عليه السّلام الشريف: بمن كان له مال، و الحسيب: بالذي يفعل الأفعال الحسنة بماله و غير ماله، و الكريم: بالمتّقي (2).

و منها: إجلال ذي الشيبة و توقيره و إكرامه و تبجيله، لما ورد من انّ من إجلال اللّه عزّ و جلّ إجلال الشيخ الكبير (3)، و إجلال ذي الشيبة المسلم (4)، و إنّ من عرف فضل شيخ كبير فوقّره لسنّه، آمنه اللّه من فزع يوم القيامة (5)،

ص:198


1- قرب الاسناد:7.
2- روضة الكافي:8/219 حديث 272.
3- أصول الكافي:2/658 باب وجوب إجلال ذي الشيبة المسلم حديث 1 [2] بلفظه.
4- أصول الكافي:2/658 باب وجوب إجلال ذي الشيبة المسلم حديث 3، [3] بسنده قال رسول اللّه صلّى اللّه عليه و آله و سلّم: من وقّر ذا شيبة في الإسلام أمنه اللّه عزّ و جلّ من فزع يوم القيامة، و حديث 6.
5- أصول الكافي:2/658 باب وجوب إجلال ذي الشيبة المسلم حديث 2، [4] بلفظه.

و انّ من اجلال اللّه تبجيل المشايخ (1)، و ان من أكرم مؤمنا فبكرامة اللّه بدأ، و من استخف بمؤمن ذي شيبة أرسل اللّه إليه من يستخف به قبل موته (2)، و انّ ثلاثة لا يجهل حقّهم إلاّ منافق معروف النفاق: ذو الشيبة في الإسلام، و حامل القرآن، و الإمام العادل (3)، و ورد الأمر بتعظيم الكبراء (4).

و منها: النظر الى صلحاء ذرّية النبيّ صلّى اللّه عليه و آله و سلّم، لما ورد عن الرضا عليه السّلام من قوله: النظر إلى ذرّيتنا عبادة، قال له الحسين بن خالد: النظر إلى الأئمة منكم أو النظر إلى ذرّية النبي صلّى اللّه عليه و آله و سلّم؟ فقال: بل النظر إلى جميع ذرية النبي صلّى اللّه عليه و آله و سلّم عبادة، ما لم يفارقوا منهاجه، و لم يتلّوثوا بالمعاصي (5).

و منها: النظر إلى الوالدين، و العالم، و غيرهما، لما ورد من انّ النظر إلى الكعبة عبادة، و النظر إلى الوالدين عبادة، و النظر إلى المصحف من غير قراءة عبادة، و النظر إلى وجه العالم عبادة، و النظر إلى آل محمد صلّى اللّه عليه و آله و سلم عبادة (6).

و منها: اتّقاء شحناء الرجال و عداوتهم و ملاحاتهم-يعني منازعتهم- و مشارتهم-يعني مخاصمتهم-و التباغض، فان الإتّقاء من كل منها سنّة، بل

ص:199


1- أصول الكافي:2/658 باب وجوب إجلال ذي الشيبة المسلم حديث 1.
2- أصول الكافي:2/658 باب وجوب إجلال ذي الشيبة المسلم حديث 5.
3- أصول الكافي:2/658 باب وجوب إجلال ذي الشيبة المسلم حديث 4.
4- وسائل الشيعة:8/467 باب 67 حديث 6، [4] بسنده قال أبو عبد اللّه عليه السّلام عظّموا كبراءكم و صلوا أرحامكم.
5- عيون أخبار الرضا عليه السّلام:214، و [5]الأمالي [6]أو المجالس لابن بابويه:194 المجلس التاسع و الاربعون حديث 2، بلفظه.
6- الفقيه:2/132 باب 62 فضائل الحج حديث 556.

لازم، لما ورد عن رسول اللّه صلّى اللّه عليه و آله و سلّم من قوله: ما كاد جبريل عليه السّلام يأتيني الاّ قال: يا محمد! اتّق شحناء الرجال و عداوتهم (1). و قوله صلّى اللّه عليه و آله و سلّم: لم يزل جبرئيل عليه السّلام ينهاني عن ملاحاة الرجال كما نهاني عن شرب الخمر و عبادة الاصنام (2). و قوله صلّى اللّه عليه و آله و سلّم:

من لاحى الرجال سقطت مروته (3). و قوله صلّى اللّه عليه و آله و سلّم: ما أتاني جبرئيل عليه السّلام قطّ الاّ وعظني، فآخر قوله: إيّاك و مشارة الناس فانها تكشف العورة، و تذهب بالعزّ (4). و قوله صلّى اللّه عليه و آله و سلّم: في التباغض الحالقة، لا أعني حالقة الشعر، و لكن حالقة الدّين (5). و قال أبو عبد اللّه عليه السّلام: من زرع العداوة حصد ما بذر (6).

و أما المكروهات:

فمنها: ما تعارف عند الأعاجم من قديم الدهر من تكفير الأذناب للأجلاّء و الأمراء قائما او قاعدا، و يستفاد كراهة ذلك من تعليل المنع من التكفير في الصلاة، بأنه من فعل المجوس، بضميمة ما دلّ على رجحان اجتناب

ص:200


1- اصول الكافي:2/301 باب المراء و الخصومة و معاداة الرجال حديث 5.
2- وسائل الشيعة:2/570 باب 136 حديث 8، [2]عن أمالي الشيخ الطوسي.
3- الحديث المتقدم.
4- أصول الكافي:2/302 باب المراء و الخصومة و معاداة الرجال حديث 10، [4] بسنده عن أبي عبد اللّه عليه السّلام قال: قال رسول اللّه صلّى اللّه عليه و آله و سلّم: ما أتاني جبرئيل عليه السّلام قطّ إلاّ وعظني فآخر قوله لي: إيّاك و مشارّة الناس فإنّها تكشف العورة و تذهب بالعزّ اقول: المشارة: المخاصمة-كما مرّ-انظر مجمع البحرين 3/345.
5- أصول الكافي:2/346 باب قطيعة الرحم حديث 1.
6- أصول الكافي:2/302 باب المراء و الخصومة حديث 12.

عادات الكفار، و يؤيد ذلك ما ورد من انّ رجلا قصّ على أبي الحسن موسى عليه السّلام قصّة طويلة و أبلغه سلام رجل كافر، ثم قال: إن أذنت يا سيدي كفّرت لك و جلست، فقال: آذن لك ان تجلس، و لا آذن لك ان تكفّر. فجلس ثم قال: اردّ على صاحبي السّلام أو ما تردّ السّلام؟ فقال: على صاحبك ان هداه اللّه، فاما التسليم فذلك إذا صار في ديننا (1).

و منها: تقبيل البساط بين يدي الأشراف، فانّ مقتضى المعهود من مذاق الشرع كراهته، لكن عدم إنكار الرضا عليه السّلام ذلك على الجاثليق حيث قبّل بساط الإمام عليه السّلام و قال: هكذا علينا في ديننا أن نفعل بأشراف زماننا (2)، ربّما يثبّطنا من القول به [بالكراهة]، و عليك بالتتبّع لعلك تعثر على ما يورث الجزم بالمرجوحية أو الرجحان.

و منها: وقوف مؤمن لآخر قاعدا تعظيما له، فانّه مذموم، لما ورد عن رسول اللّه صلّى اللّه عليه و آله و سلّم من: انّ من أحبّ أن تمثل له الرّجال قياما فيتبّوأ (3)مقعده من النّار (4)، و عليه يحمل قوله صلّى اللّه عليه و آله و سلّم: لا تقوموا كما يقوم الأعاجم بعضهم لبعض (5)، كما تأتي اليه الاشارة في الجهة الرابعة من المقام الخامس عند الكلام في القيام للمؤمن عند جلوسه و قيامه إن شاء اللّه تعالى.

و منها: القهقهة، لما ورد من انّها من الشيطان، و كفارتها قول: اللهمّ لا

ص:201


1- وسائل الشيعة:8/567 باب 134 حديث 1.
2- عيون أخبار الرضا عليه السّلام:345 باب 56 حديث 1.
3- في المتن: فليبوء.
4- وسائل الشيعة:8/560 باب 128 حديث 5، و [3]مكارم الأخلاق:25.
5- مكارم الأخلاق:25 [5] في جلوس النبي صلّى اللّه عليه و آله و سلّم.

تمقتني، بعدها [بعد القهقهة] (1).

و منها: الضحك من غير عجب، لما ورد من أنه من الجهل (2)، و فيه:

المقت (3)، و انّ: كم ممّن كثر ضحكه لاغيا يكثر يوم القيامة بكاؤه، و كم ممّن كثر بكاؤه على ذنبه خائفا يكثر يوم القيامة في الجنة ضحكه و سروره (4)، و ورد أنّ كثرة الضحك تميت (5)القلب. [و قال: كثرة الضحك تميث الدين]كما يميث الماء الملح (6)و تمجّ الايمان مجّا (7)، و تمحوه، و تذهب بماء الوجه (8)، و تترك الرجل فقيرا يوم القيامة (9).

و منها: اعتراض المسلم في حديثه، لما ورد عن رسول اللّه صلّى اللّه عليه

ص:202


1- أصول الكافي:2/664 باب الدعابه و الضحك حديث 13.
2- أصول الكافي:2/664 باب الدعابة و الضحك حديث 7، [1] بسنده عن أبي عبد اللّه عليه السّلام قال: من الجهل الضحك من غير عجب، قال: و كان يقول: لا تبديّن عن واضحة و قد عملت الأعمال الفاضحة، و لا يأمن البيات من عمل السيئات.
3- الخصال:1/89 ثلاث خصال فيهنّ المقت من اللّه حديث 25، بسنده عن أبي عبد اللّه عليه السّلام قال: ثلاث فيهنّ المقت من اللّه عزّ و جلّ: نوم من غير سهر، و ضحك من غير عجب، و أكل على الشبع.
4- عيون أخبار الرضا عليه السّلام: [2]179 من الأخبار المنثورة عن الرضا عليه السّلام
5- في المتن: تميث.
6- أصول الكافي:2/664 باب الدعابة و الضحك حديث 6.
7- أصول الكافي:2/665 باب الدعابة و الضحك حديث 14.
8- أصول الكافي:2/664 باب الدعابة و الضحك حديث 11.
9- قرب الاسناد:33، [6] بسنده جعفر بن محمد، عن أبيه [عليهم السّلام]أنّ داود قال لسليمان عليه السّلام يا بنيّ! ايّاك و كثرة الضحك فإنّ كثرة الضحك تترك العبد فقيرا يوم القيامة، يا بنيّ! عليك بطول الصمت إلاّ من خير فإنّ الندامة على طول الصمت مرّة واحدة خير من الندامة على كثرة الكلام مرّات. . .

و آله و سلّم من أن من عرض لأخيه المسلم المتكلّم في حديثه فكأنما خدش وجهه (1).

و منها: النجوى بين اثنين إذا كان لهما ثالث، لما ورد من أنّه إذا كان القوم ثلاثة فلا يتناجى منهم اثنان دون صاحبهما، فإنّ في ذلك ما يحزنه و يؤذيه و يغمّه (2).

و منها: المراء و الخصومة، لما ورد من التحذير عنهما، لأنّهما يمرضان القلوب على الإخوان، و ينبت عليهما النفاق (3)، و انّ الخصومة تشغل القلب، و تورث النفاق، و تكسب الضغائن (4)، و قال رسول اللّه صلّى اللّه عليه و آله و سلّم أنا زعيم ببيت في أعلى الجنة، و بيت في وسط الجنة، و بيت في رياض الجنة، لمن ترك المراء و إن كان محقّا (5). و قال أبو عبد اللّه: لا تمارين حليما و لا سفيها، فإن الحليم يقليك، و السفيه يؤذيك (6).

ص:203


1- أصول الكافي:2/660 باب في المناجاة حديث 3.
2- أصول الكافي:2/660 باب في المناجاة حديث 1 و 2.
3- أصول الكافي:2/300 باب المراء و الخصومة و معاداة الرجال حديث 1.
4- أصول الكافي:2/301 باب المراء و الخصومة و معاداة الرجال حديث 8.
5- وسائل الشيعة:2/232 باب 135 حديث 7[ [5]ط. ح:8/568]باختلاف يسير.
6- أصول الكافي:2/301 باب المراء و الخصومة و معاداة الرجال حديث 4.

المقام الخامس: في آداب المجالسة، و المحادثة، و المصاحبة، و المؤاخاة، و الصداقة، و التراحم و التزاور، و المجلس، و الجلوس

اشارة

فهنا جهات من الكلام:

الجهة الأولى: فيمن ينبغي مجالسته، و محادثته، و مصاحبته.

ينبغي للمرء أن يلاحظ من يجالس، و يتحدّث، و يصاحب، فإنّ المرء يعرف بجليسه، و الطبع مكتسب من كلّ مصحوب. و عن النبي صلّى اللّه عليه و آله و سلّم: إنّ المرء على دين خليله و قرينه (1)، و قد ورد انّ ثلاثة مجالستهم تميت القلوب: الجلوس مع الأنذال، و الحديث مع النساء، و الجلوس مع الأغنياء (2).

و ورد النهي عن مجالسة الأغنياء، لأن العبد يجالسهم و يرى أن للّه عليه نعمة فما يقوم حتى يرى ان ليس للّه عليه نعمة (3).

و ورد المنع عن مجالسة أهل البدع و المعاصي، و مصاحبتهم، و مجاورتهم، معلّلا بأنّكم تكونون عند الناس كواحد منهم (4). و عن الصادق عليه السّلام انّه

ص:204


1- أصول الكافي:2/642 باب من تكره مجالسته و مرافقته حديث 10، و:375 باب مجالسة اهل المعاصي حديث 3.
2- أصول الكافي:2/641 باب من تكره مجالسته و مرافقته حديث 8.
3- أمالي الشيخ الصدوق ابن بابويه:253 المجلس الرابع و [3]الاربعون حديث 3.
4- أصول الكافي:2/375 باب مجالسة أهل المعاصي حديث 3، [4] بسنده عن أبي عبد اللّه عليه السّلام انّه قال: لا تصحبوا أهل البدع، و لا تجالسوهم فتصيروا عند الناس كواحد منهم، -

قال: لآخذن البريء منكم بذنب السقيم، و لم لا أفعل؟ و يبلغكم عن الرجل ما يشينكم و يشينني فتجالسونهم و تحدثونهم فيمرّ بكم المارّ فيقول: هؤلاء شرّ من هذا، فلو انّكم اذ بلغكم عنه ما تكرهون، زبرتموهم و نهيتموهم، كان أبرّ بكم و بي 1، و قال أبو جعفر عليه السّلام: انّ اللّه ليعذب الجعل في حجرها بحبس المطر على الأرض التي هي بمحلتها، لخطايا من بحضرته، و قد جعل اللّه لها السبيل الى مسلك سوى محلّة أهل المعاصي، فاعتبروا يا أولي الأبصار 2.

و ورد انّ من لم تنتفع بدينه و لا دنياه فلا خير لك في مجالسته 3، و ورد كراهة ان يكلّم الرجل مجذوما إلا ان يكون بينه و بينه قدر ذراع 4، و ورد الأمر بمصاحبة العاقل و إن لم يكن كريما للانتفاع بعقله، و اخلاقه، و بصحبة الكريم، و الفرار كلّ الفرار من اللئيم الأحمق 5، و ورد انّ صاحب الشرّ يعدي، و قرين السوء يردي، فانظر من تقارن 6.

ص:205

و ورد الأمر بحضور مجالس ذكر اللّه تعالى، و أنّها رياض الجنّة (1)، و ان الحاضر مجلس الذكر يغفر له، و يؤمن ممّا يخاف بمجالسته الذاكرين، و ان لم يذكر (2). و ورد ان خير الجلساء من يذكّركم اللّه رؤيته، و يزيد في علمكم منطقه، و يرغبكم في الآخرة عمله (3)و قال لقمان عليه السّلام لابنه: يا بنيّ! اختر المجالس على عينك، فإن رأيت قوما يذكرون اللّه فاجلس معهم، فإن تكن عالما نفعك علمك، و ان تكن جاهلا علّموك، و لعلّ اللّه أن يظلهم برحمة فتعمّك معهم، و إن رأيت قوما لا يذكرون اللّه فلا تجلس معهم، فإنّك إن تكن عالما لا ينفعك علمك، و إن تكن جاهلا يزيدونك جهلا، و لعل اللّه ان يظلّهم بعذاب فيعمّك معهم (4).

و ورد الأمر باجتناب صحبة من لا يعينك منفعة في دينك، [فلا تعتدّن به، و لا ترغبّن في صحبته]فانّ كلّ ما سوى اللّه مضمحلّ وخيم عاقبته (5).

و ورد الأمر باتبّاع من يبكيك و هو لك ناصح، و اجتناب من يضحكك و هو لك غاشّ (6). و انّ أحبّ الإخوان من يعرّفك عيبك نصحا لا من يستره عنك

ص:206


1- الأمالي أو المجالس:363 المجلس الثامن و الخمسون حديث 2. و الفقيه:4/293 باب 176 النوادر حديث 885، بسنده و قال نبيّ اللّه صلّى اللّه عليه و آله و سلّم: بادروا إلى رياض الجنّة قالوا يا رسول اللّه و ما رياض الجنّة؟ قال: حلق الذكر.
2- مستدرك وسائل الشيعة:1/400 باب 42 حديث 3.
3- مستدرك وسائل الشيعة:1/400 باب 42 حديث 2 [2] بلفظه و أصول الكافي:1/39 باب مجالسة العلماء و صحبتهم، حديث 3.
4- أصول الكافي:1/39 باب مجالسة العلماء و صحبتهم حديث 1.
5- قرب الاسناد:25، [5] بسنده عن داود الرقّي، عن أبي عبد اللّه عليه السّلام قال: قال لي أبو عبد اللّه عليه السّلام انظر الى كل من لا يفيدك [يعديك خ ل]منفعة في دينك فلا تعتدنّ به و لا ترغبّن في صحبته فان كل ما سوى اللّه تعالى مضمحلّ، وخيم عاقبته.
6- أصول الكافي:2/638 باب من يجب مصادقته و مصاحبته حديث 2، [6] بسنده قال أبو جعفر-

غشّا (1).

و ورد المنع من مصاحبة خمسة و محادثتهم و مرافقتهم:

الاوّل: الكّذاب، فإنّه بمنزلة السراب يقرّب لك البعيد و يبعّد لك القريب.

الثاني: الفاسق، فإنّه بايعك بأكلة و أقل من ذلك.

الثالث: البخيل، فإنّه يخذلك في ماله أحوج ما تكون إليه.

الرابع: الأحمق، فإنّه يريد ان ينفعك فيضرّك، إن تكلم فضحه حمقه، و إن سكت قصر به عيبه، و إن عمل أفسد، و إن استرعى أضاع، لا علمه من نفسه يغنيه، و لا علم غيره ينفعه، و لا يطيع ناصحه، و لا يستريح مقارنه، تودّ امّه انّها ثكلته، و امرأته انّها فقدته، و جاره بعد داره، و جليسه الوحدة من مجالسته، إن كان أصغر من في المجلس أعيا من فوقه، و إن كان أكبرهم أفسد من دونه.

الخامس: القاطع لرحمه، فإنّه ملعون في كتاب اللّه في ثلاثة مواضع، اراد بالمواضع الثلاثة على ما صرح بها في الرواية قوله عزّ شأنه فَهَلْ عَسَيْتُمْ إِنْ تَوَلَّيْتُمْ أَنْ تُفْسِدُوا فِي اَلْأَرْضِ وَ تُقَطِّعُوا أَرْحامَكُمْ أُولئِكَ اَلَّذِينَ لَعَنَهُمُ اَللّهُ فَأَصَمَّهُمْ وَ أَعْمى أَبْصارَهُمْ (2)و قوله سبحانه وَ اَلَّذِينَ يَنْقُضُونَ عَهْدَ اَللّهِ مِنْ بَعْدِ مِيثاقِهِ وَ يَقْطَعُونَ ما أَمَرَ اَللّهُ بِهِ أَنْ يُوصَلَ وَ يُفْسِدُونَ فِي اَلْأَرْضِ أُولئِكَ لَهُمُ اَللَّعْنَةُ وَ لَهُمْ سُوءُ اَلدّارِ (3).

ص:207


1- أصول الكافي:2/639 باب [1]من يجب مصادقته و مصاحبته حديث 5، بسنده عن أبي عبد اللّه عليه السّلام قال: أحبّ إخواني إليّ من أهدى إليّ عيوبي.
2- سورة محمد آيه 22 و [2] 23.
3- سورة الرعد آية 25.

و قوله: اَلَّذِينَ يَنْقُضُونَ عَهْدَ اَللّهِ مِنْ بَعْدِ مِيثاقِهِ وَ يَقْطَعُونَ ما أَمَرَ اَللّهُ بِهِ أَنْ يُوصَلَ وَ يُفْسِدُونَ فِي اَلْأَرْضِ أُولئِكَ هُمُ اَلْخاسِرُونَ (1).

و زاد في خبر آخر: الجبان، لأنّه يهرب عنك و عن والديه (2).

و يستحبّ حسن المجالسة حتّى مع اليهوديّ، كما مرّ في أخبار مداراة الناس (3).

و يستحب سؤال الصاحب و الجليس عن اسمه، و كنيته، و نسبه، و حاله (4)، بل يكره ترك ذلك، لما ورد عن رسول اللّه صلّى اللّه عليه و آله و سلّم من أنّ العجز أن يصحب الرجل منكم الرجل أو يجالسه يحب أن يعلم من هو، و من أين هو، فيفارقه قبل أن يعلم ذلك، و أنّ من أعجز العجز رجل لقي رجلا فأعجبه فلم يسأله عن اسمه، و نسبه، و موضعه (5). و اقلّه: اذا أحب احدكم

ص:208


1- سورة البقرة آية 27.
2- أصول الكافي:2/641 باب من تكره مجالسته و مرافقته حديث 7 و الامالي للشيخ الطوسي: 2/226.
3- في الفقيه:4/289 باب 176 النوادر حديث 868، بسنده قال الصادق عليه السّلام يا إسحاق صانع المنافق بلسانك، و اخلص ودّك للمؤمن، و إن جالسك يهودي فأحسن مجالسته.
4- أصول الكافي:2/671 باب النوادر حديث 3، [2] بسنده عن أبي عبد اللّه عليه السّلام قال: قال رسول اللّه صلّى اللّه عليه و آله و سلّم: إذا أحب أحدكم أخاه المسلم فليسأل عن اسمه، و اسم أبيه، و اسم قبيلته و عشيرته فإنّ من حقّه الواجب و صدق الإخاء أن يسأله عن ذلك و إلاّ فإنها معرفة حمق.
5- أصول الكافي:2/671 باب النوادر حديث 4، [3] بسنده عن علي بن الحسين عليهما السّلام قال: قال رسول اللّه صلّى اللّه عليه و آله و سلّم يوما لجلسائه: تدرون ما العجز؟ قالوا: اللّه و رسوله أعلم، فقال: العجز ثلاثة أن يبدر أحدكم طعاما يصنعه لصاحبه فيخلفه و لا يأتيه و الثانيه أن يصحب الرجل منكم الرّجل أو يجالسه يحبّ أن يعلم من هو و من أين هو فيفارقه قبل أن يعلم ذلك و الثالثة امر النساء يدنو أحدكم من أهله فيقضى حاجته و هي لم تقض حاجتها إلى أن قال: قال-

أخاه المسلم فليسأله عن اسمه، و اسم ابيه، و اسم قبيلته و عشيرته، فإنّه من حقّه الواجب، و صدق الإخاء أن يسأله عن ذلك و إلاّ فإنّها معرفة حمق (1)، و إنّ من الجفاء أن يصحب الرجل الرجل فلا يسأله عن اسمه و كنيته (2).

و يستحبّ تسوية النظر الى الأصحاب، لما ورد عن الصادق عليه السّلام من انّ رسول اللّه صلّى اللّه عليه و آله و سلّم كان يقسّم لحظاته بين أصحابه فينظر إلى ذا و ينظر إلى ذا بالسوية 3. و نقل الإمام عليه السّلام لفعله صلّى اللّه عليه و آله و سلّم لبيان الرجحان، و التأسّي به صلّى اللّه عليه و آله و سلّم مندوب.

الجهة الثانية: في المؤاخاة، و المصادقة، و ما يتعلّق بهما

قال أمير المؤمنين عليه السّلام: الإخوان صنفان: إخوان الثقة، و إخوان المكاشرة 4، و أمّا إخوان الثقة فهم كالكفّ، و الجناح، و الأهل، و المال، فإذا كنت من أخيك على ثقة فابذل له مالك و يدك، و صاف من صافاه، و عاد من عاداه، و اكتم سرّه، و اعنه، و أظهر منه الحسن، و اعلم انّهم أعزّ من الكبريت الأحمر، و أمّا إخوان المكاشرة فإنّك تصيب منهم لذّتك فلا تقطعنّ ذلك منهم، و لا تطلبنّ ما وراء ذلك من ضميرهم، و ابذل لهم ما بذلوا لك من طلاقة الوجه

ص:209


1- أصول الكافي:2/6 [1]71 باب النوادر حديث 3.
2- قرب الاسناد:74.

و حلاوة اللسان (1)، و ورد أنّه لا تكون الصداقة إلاّ بحدودها، فمن كانت فيه هذه الحدود أو شيء منها فانسبه إلى الصداقة، و من لم يكن فيه شيء منها فلا تنسبه الى شيء من الصداقة.

فأوّلها: أن تكون سريرته و علانيته لك واحدة.

و الثانية: أن يرى زينك زينه، و شينك شينه.

و الثالثة: أن لا يغيّره عليك ولاية و لا مال.

و الرابعة: أن لا يمنعك شيئا تناله مقدرته.

و الخامسة: -و هي تجمع هذه الخصال-أن لا يسلمك عند النكبات (2).

و ملخّصه قول أمير المؤمنين عليه السّلام: لا يكون الصديق صديقا حتّى يحفظ أخاه في ثلاث: في نكبته، و غيبته، و وفاته (3).

و يستحبّ استفادة الإخوان في اللّه، لما ورد من أنّ من استفاد أخا (4)في اللّه استفاد بيتا في الجنة (5)، و أنّه ما استفاد امرؤ مسلم فائدة بعد الإسلام مثل أخ يستفيده في اللّه (6).

ص:210


1- مستدرك وسائل الشيعة:2/61 باب 3 حديث 1.
2- الخصال:1/277 حدود الصداقة خمسة حديث 19.
3- نهج البلاغة القسم الثالث 3/184.
4- في المتن: أخاه.
5- ثواب الأعمال:182 ثواب من استفاد أخا في اللّه عزّ و جلّ.
6- أمالي الشيخ الطوسي:1/45، [3] بسنده عن أبي العباس الفضل بن عبد الملك عن أبي عبد اللّه جعفر بن محمد عليهما السّلام، قال: قال رسول صلّى اللّه عليه و آله و سلّم: أوّل عنوان صحيفة المؤمن بعد موته ما يقول الناس فيه ان خيرا فخير، و إن كان شرّا فشرّ، و أول تحفة المؤمن أن يغفر له و لمن تبع جنازته، ثم قال: يا فضل! لا يأتي المسجد من كل قبيلة إلاّ وافدها، و من كل أهل بيت الاّ نجيبها، يا فضل! لا يرجع صاحب المسجد باقل من إحدى ثلاث اما دعاء يدعو به يدخله اللّه الجنّة، و أمّا دعاء يدعو به فيصرف اللّه به بلاء الدنيا، و أمّا-

و يكره الزهد في أخوّة فقراء الشيعة للنهي عنه، معلّلا بأنّ الفقير ليشفع يوم القيامة في مثل ربيعة و مضر، و أنّ المؤمن إنّما سمي مؤمنا لأنه يؤمّن على اللّه فيجيز أمانه 1.

و يستحب اجتماع إخوان الدّين، و محادثتهم بالدينيّات، و مصائب أهل البيت عليهم السّلام، و التفجّع و البكاء عليهم، لما ورد من قول أبي عبد اللّه عليه السّلام لفضيل: تجلسون و تحدّثون؟ قال: نعم، قال: تلك المجالس أحبّها، فأحيوا أمرنا، رحم اللّه من أحيا أمرنا، يا فضيل! من ذكرنا أو ذكرنا عنده فخرج من عينيه مثل جناح الذباب غفر اللّه له ذنوبه و لو كانت أكثر من زبد البحر 2.

و ورد الأمر بتلاقي بعض الشيعة مع بعض في بيوتهم، لأنّ في لقاء بعضهم بعضا حياة لأمر أهل البيت عليهم السّلام 3. و قال الصادق عليه السّلام لأصحابه: اتّقوا اللّه و كونوا أخوة بررة، متحابين في اللّه، متواصلين متراحمين 4.

ص:211

و عن أبي جعفر عليه السّلام انه قال: اجتمعوا و تذاكروا تحفّ بكم الملائكة، رحم اللّه من أحيا أمرنا (1).

و يستحب مواساة الإخوان، بل هي من شرط الأخوّة، لقول أبي جعفر عليه السّلام للوصافي: أ رأيت من قبلكم إذا كان الرجل ليس عليه رداء، و عند بعض إخوانه رداء يطرحه عليه؟ قال: قلت: لا، قال: فإذا كان ليس عنده إزار يوصل إليه بعض اخوانه بفضل إزاره حتّى يجد له إزارا؟ قال: قلت: لا، قال: فضرب يده على فخذه ثم قال: ما هؤلاء بإخوة (2).

و قد عدّ عليه السّلام مواساة الأخ المؤمن في المال من جملة الثلاثة الّتي جعلها اللّه من أشدّ ما افترض على خلقه (3)، لكن روى إسحاق بن عمّار قال:

كنت عند أبي عبد اللّه عليه السّلام، فذكر مواساة الرجل لإخوانه و ما يجب له عليهم، فدخلني من ذلك أمر عظيم، فقال: إنّما ذلك إذا قام قائمنا عجل اللّه تعالى فرجه وجب عليهم أن يجهزوا إخوانهم، و أن يقروهم (4).

و ينبغي الإغضاء عن الإخوان و ترك مطالبتهم بالإنصاف، لما ورد من قول الصادق عليه السّلام: لا تفتّش الناس فتبقى بلا صديق (5). و انّه ليس من

ص:212


1- مصادقة الإخوان:10.
2- مصادقة الإخوان:8.
3- وسائل الشيعة:8/415 باب 14 حديث 5، [3] بسنده عن ابن أعين انّه سأل أبا عبد اللّه عليه السّلام: عن حق المسلم على أخيه فلم يجيبه، قال: فلما جئت أودّعه قلت: سألتك فلم تجبني. قال: إنّي أخاف أن تكفروا. و ان أشد ما افترض اللّه على خلقه ثلاث، إنصاف المؤمن من نفسه حتى لا يرضى لأخيه المؤمن من نفسه إلاّ بما يرضى لنفسه، و مواساة الأخ المؤمن في المال [في اللّه]، و ذكر اللّه على كل حال، و ليس سبحان اللّه و الحمد للّه، و لكن عند ما حرّم اللّه عليه فيدعه.
4- مصادقة الإخوان:8.
5- أصول الكافي:2/651 باب الإغضاء حديث 2.

الإنصاف مطالبة الإخوان بالإنصاف (1).

و يستحبّ اختبار الإخوان بالمحافظة على الصلوات في أوقاتها، و البرّ بإخوانهم، و مفارقتهم مع الخلو عن الوصفين، لما ورد عنه عليه السّلام من قوله:

اختبروا إخوانكم بخصلتين فإن كانتا فيهم و الاّ فاعزب ثم اعزب: المحافظة على الصلوات في مواقيتها، و البر بالإخوان في العسر و اليسر (2).

و يستحبّ لمن احبّ أخا مؤمنا أن يخبره بحبّه له، للأمر بذلك، معلّلا بأنّه أثبت للمودّة، و خير للالفة (3).

و يكره ذهاب الحشمة بين الإخوان بالكليّة، و الاسترسال و المبالغة في الثقة، للنهي عن ذلك، معلّلا بانّ في ذهاب الحشمة ذهاب الحياء (4). و قال الصادق عليه السّلام: لا تطلع صديقك من سرّك إلاّ على ما لو اطّلع عليه عدوك لم يضرّك، فإن الصديق ربّما كان عدوّا (5).

و يكره كراهة شديدة مؤاخاة الفاجر الأحمق و الكذّاب، لما ورد من انّه ينبغي للمسلم ان يجتنب مواخاة ثلاثة: الماجن الفاجر، و الأحمق، و الكذّاب، فأمّا الماجن الفاجر فيزيّن لك فعله، و يحبّ أن تكون مثله، و لا يعينك على أمر دينك و معادك، و مقاربته جفاء و قسوة، و مدخله و مخرجه عار عليك، و أمّا الأحمق فإنّه لا يشير عليك بخير، و لا يرجى لصرف السوء عنك و لو أجهد نفسه، و ربّما أراد منفعتك فضرّك، فموته خير من حياته، و سكوته خير من نطقه، و بعده خير من قربه، و أمّا الكذّاب فإنه لا يهنيك معه عيش، ينقل حديثك، و ينقل إليك

ص:213


1- أمالي الشيخ الطوسي:286.
2- أصول الكافي:2/672 باب النوادر حديث 7.
3- أصول الكافي:2/644 باب إخبار الرجل أخاه بحبّه حديث 1 و 2.
4- أصول الكافي:2/672 باب النوادر حديث 5.
5- أمالي [4]أو المجالس للشيخ الصدوق:397 المجلس الخامس و التسعون.

الحديث كلّما فنى احدوثة مطها (1)باخرى مثلها حتى انّه يحدّث بالصدق فما يصدّق، و يفرق بين الناس بالعداوة فينبت السخايم (2)في الصدور، فاتّقوا اللّه و انظروا لانفسكم (3).

و قال لقمان عليه السّلام لابنه: يا بني! لا تقرب الفاجر فيكون ابعد لك، و لا تبعد فتهان، كلّ دابة تحبّ مثلها، و انّ ابن آدم يحبّ مثله، و لا تنشر بزّك (4)الاّ عند باغيه، كما ليس بين الذئب و الكبش خلّة كذلك ليس بين البارّ و الفاجر خلّة، من يقرب من الرفث (5)يعلق به بعضه، كذلك من يشارك الفاجر يتعلّم من طرقه، من يحبّ المراء يشتم، و من يدخل مداخل السوء يتّهم، و من يقارن قرين السوء لا يسلم، و من لا يملك لسانه يندم (6).

و ورد الأمر بملازمة الصديق القديم، و التحذير عن كل محدث لا عهد له، و لا أمانة، و لا ذمّة، و لا ميثاق. قال عليه السّلام: و كنّ على حذر من أوثق الناس عندك (7).

ص:214


1- اي كر على اخرى مثلها. [منه (قدس سره)].
2- اي الأحقاد [منه (قدس سره)]. و في المتن: رفت.
3- أصول الكافي:2/376 باب مجالسة أهل المعاصي حديث 6.
4- اي متاعك [منه (قدس سره)].
5- اي التبن [منه (قدس سره)].
6- أصول الكافي:2/642 باب من تكره مجالسته حديث 9، باختلاف يسير. [2] أقول: الرفت-بالراء غير المعجمة، و الفاء بنقطة واحدة من فوق، و التاء بنقطتين من فوق-هو التبن من الحنطة و الشعير. و في نسختنا من أصول الكافي [3]من الزّفت-بالزاي المعجمة-القار، و الظاهر صحة الأخير.
7- أصول الكافي:2/638 باب من يجب مصادقته و مصاحبته حديث 4، [4] بسنده قال أبو عبد اللّه عليه السّلام عليك بالتلاد، و إيّاك و كلّ محدث لا عهد له و لا أمان، و لا ذمّة و لا ميثاق، و كنّ على حذر من أوثق الناس عندك.

الجهة الثالثة: في التراحم و التزاور

اشارة

يستحبّ التراحم، و التزاور، و زيارة المؤمنين و الصلحاء، فقد قال الصادق عليه السّلام لأصحابه: اتّقوا اللّه، و كونوا إخوة بررة متحابّين في اللّه، متواصلين، متراحمين، متزاورين، و تلاقوا و تذاكروا أمرنا و أحيوه (1). و ورد أنّ من زار أخا في جانب المصر ابتغاء وجه اللّه فهو زوره (2)و حقّ على اللّه ان يكرم زوره (3). و انه ما زار مسلم أخاه المسلم في اللّه و للّه الاّ ناداه اللّه عزّ و جلّ: طبت و طابت لك الجنّة (4). و انّ من زار أخاه المؤمن للّه لا لغيره، في مرض او صحّة، و لا يأتيه خداعا و لا استبدالا، يطلب به ثواب اللّه، و تنجّز ما وعده اللّه عزّ و جلّ، و كلّ اللّه به سبعين ألف ملك من حين يخرج من منزله إلى حين يعود إليه ينادونه في قفاه: ألا طبت و طابت لك الجنة، تبوّأت من الجنّة منزلا، و كأنّ الراوي استغرب نداء الملائكة إلى أن يرجع إلى منزله، فقال: جعلت فداك فان كان المكان بعيدا؟ قال: نعم، و إن كان المكان مسيرة سنة، فإنّ اللّه جواد و الملائكة كثيرة يشيّعونه حتى يرجع إلى منزله (5). و ان من زار أخاه المؤمن في اللّه و للّه جاء

ص:215


1- أمالي الشيخ الطوسي 1/59.
2- لا يبعد صحة: زائره اي زائر للّه تعالى شأنه [1]في المقامين.
3- أصول الكافي:2/176 باب زيارة الإخوان حديث 5.
4- أصول الكافي:2/177 باب زيارة الإخوان حديث 10 [3].
5- أصول الكافي:2/177 باب زيارة الإخوان حديث 7.

يوم القيامة يخطو بين قباطي من نور، و لا يمرّ بشىء الاّ أضاء له حتى يقف بين يدي اللّه، فيقول اللّه عزّ و جلّ: مرحبا. و إذا قال مرحبا أجزل اللّه له العطية (1).

و عدّ في الأخبار من زار أخاه المؤمن ضيّف اللّه عزّ و جل، و زائر اللّه في عاجل ثوابه و خزائن رحمته (2)و ورد عنهم عليهم السّلام انّ زيارة الإخوان من روح اللّه (3)، و انّ من لم يقدر على زيارتنا فليزر صالحي إخوانه، تكتب له ثواب زيارتنا، و من لم يقدر على صلتنا فليزر (4)صالحي إخوانه تكتب له ثواب صلتنا (5)، و انّ ايّما ثلاثة مؤمنين اجتمعوا عند أخ لهم يأمنون بوائقه، و لا يخافون غوائله، و يرجون ما عنده، إن دعوا اللّه أجابهم، و إن سألوا أعطاهم، و ان استزادوه زادهم، و ان سكتوا ابتدأهم (6). و إنّ المؤمن ليخرج إلى أخيه يزوره فيوكل اللّه به ملكا فيضع جناحا في الأرض و جناحا في السماء يظلّه، فإذا دخل إلى منزله نادى الجبار تبارك و تعالى: أيّها العبد المعظّم لحقي المتبّع لآثار نبيّ (ص) ! حقّ عليّ اعظامك، سلني أعطك، ادعني أجبك، اسكت أبتدئك، فإذا انصرف شيّعه الملك يظلّه بجناحه حتّى يدخل إلى منزله، ثم يناديه تبارك و تعالى: أيّها العبد

ص:216


1- أصول الكافي:2/177 باب زيارة الإخوان حديث 8.
2- أصول الكافي:2/176 باب زيارة الإخوان حديث 6، [2] بسنده عن أبي جعفر عليه السّلام قال: قال رسول اللّه صلّى اللّه عليه و آله و سلّم: من زار أخاه في بيته قال اللّه عزّ و جلّ له: أنت ضيفي و زائري، عليّ قراك، و قد أوجبت لك الجنّة بحبك إيّاه.
3- أمالي الشيخ الطوسي 1/176 و فيه لقاء الاخوان.
4- الظاهر: فليصل، كما هو كذلك في خبر محمد بن زيد عن أبي الحسن الاول عليه السّلام، قال: من لم يستطع أن يصلنا ليصل فقراء شيعتنا، و من لم يستطع أن يزور قبرنا فليزر صلحاء إخواننا. [منه (قدس سره)].
5- كامل الزيارات:319 باب 105 حديث 1 و 2.
6- وسائل الشيعة:8/460 باب 98 حديث 3، و [4]أصول الكافي:2/178 باب زيارة الإخوان حديث 14.

المعظّم لحقي! حقّ علي إكرامك، قد أوجبت لك جنّتي، و شفعتك في عبادي (1).

و ورد انّ زيارة مؤمن في اللّه خير من عتق عشر رقاب مؤمنات، و من أعتق رقبة مؤمنة وقى كلّ عضو عضوا منه من النار حتّى انّ الفرج يقي الفرج (2)، و عن رسول اللّه صلّى اللّه عليه و آله و سلّم: انّ من مشى زائرا لأخيه فله بكل خطوة حتى يرجع إلى أهله مائة الف رقبة، و ترفع له مائة ألف درجة، و تمحى عنه مائة ألف سيئة (3).

فائدة:

روى الأصبغ بن نباتة قال: قال أمير المؤمنين عليه السّلام: كانت الحكماء في ما مضى من الدهر تقول: ينبغي أن يكون الاختلاف إلى الأبواب لعشرة أوجه:

أولها: بيت اللّه عزّ و جلّ، لقضاء نسكه، و القيام بحقّه، و أداء فرضه.

و الثاني: أبواب الملوك، الّذين طاعتهم متّصلة بطاعة اللّه، و حقّهم واجب، و نفعهم عظيم، و ضرّهم شديد.

و الثالث: أبواب العلماء، الذين يستفاد منهم الدّين و الدّنيا.

و الرابع: أبواب أهل الجود و البذل، الذين ينفقون أموالهم التماس الحمد و رجاء الآخرة.

و الخامس: أبواب السفهاء، الذين يحتاج إليهم في الحوادث، و يفزع إليهم في الحوائج.

و السادس: أبواب من يتقرّب إليه من الأشراف، التماس الهبة، و المروة،

ص:217


1- أصول الكافي:2/178 باب زيارة الإخوان حديث 12.
2- أصول الكافي:2/178 باب زيارة الإخوان حديث 13.
3- عقاب الأعمال:345 باب يجمع عقوبات الأعمال.

و الحاجة.

و السابع: أبواب من يرتجى عندهم النفع في الرأي و المشورة، و تقوية الحزم، و أخذ الأهبة لما يحتاج إليه.

و الثامن: أبواب الإخوان، لما يجب من مواصلتهم، و يلزم من حقوقهم.

و التاسع: أبواب الأعداء، الذين يسكن بالمداراة غوائلهم، و تدفع بالحيل و الرفق و الزيارة عداوتهم.

و العاشر: أبواب من ينتفع بغشيانهم، و يستفاد منهم حسن الأدب، و يؤنس بمحادثتهم (1).

الجهة الرابعة: في آداب المجلس و الجلوس

يكره حضور مجلس السوء و التهمة لوجوب حفظ العرض و الاعتبار، و منافاة الحضور لذلك. و قد ورد التحذير عن حضور مواضع التهمة، و المجلس المظنون به السوء، لأنّ قرين السوء يغيّر جليسه (2)، و انّ من وضع نفسه مواضع التهمة، و وقف موقفها، فلا يلومنّ من اساء الظنّ به (3). و انّ من دخل مداخل السوء اتّهم (4).

و ورد النهي عن الوقوف مع المرأة في الطريق، لأنّه ليس كل أحد

ص:218


1- الخصال:2/426 ينبغي أن يكون الاختلاف إلى الابواب لعشرة أوجه حديث 3.
2- أمالي الشيخ الطوسي:6 [1] في وصيّة أمير المؤمنين عليه السّلام لإبنه الإمام الحسن عليه السّلام.
3- نهج البلاغة الجزء الثالث: [2]192 حديث 159 مع اختلاف يسير.
4- نهج البلاغة الجزء الثالث: [3]235 حديث 349.

يعرفها (1).

و يستحبّ توسيع المجلس في الصيف، لما ورد عن رسول اللّه صلّى اللّه عليه و آله و سلّم من انّه ينبغي للجلساء في الصيف أن يكون بين كل اثنين مقدار عظم ذراع لئلا يشقّ بعضهم على بعض (2).

و يستحب عند ورود المؤمن تهيئة مكان له، و التوسعة، لورود تفسير قوله سبحانه: يا أَيُّهَا اَلَّذِينَ آمَنُوا إِذا قِيلَ لَكُمْ تَفَسَّحُوا فِي اَلْمَجالِسِ فَافْسَحُوا يَفْسَحِ اَللّهُ لَكُمْ (3)بالتوسعة و تهيئة المكان عند ورود المؤمن (4).

و يستحب الجلوس في بيت الغير و رحله حيث يأمر صاحب البيت، لما ورد من قوله عليه السّلام: إذا دخل أحدكم على أخيه في رحله فليقعد حيث يأمره صاحب الرحل، فإنّ صاحب الرحل أعرف بعورة بيته من الداخل عليه (5)، بل يجب عدم التخطّي عن المكان الذي عيّنه ان علم كراهته للجلوس في غير ذلك المكان مع ملكه للأرض، او الهواء، أو البساط الموجب لتوقّف التصرّف على إذنه (6).

و يستحبّ جلوس الانسان دون مجلسه تواضعا، و الجلوس على الأرض

ص:219


1- السرائر المستطرفات:470.
2- أصول الكافي:2/662 باب الجلوس حديث 8.
3- سورة المجادلة:11.
4- تفسير الصافي:526- [3]الحجرية-.
5- قرب الاسناد:33.
6- الحكم المذكور معلوم بالضرورة من المذهب، فإن كل تصرّف في مال الغير أو ما هو تحت سلطته أو ولايته لا يجوز إلاّ إذا استحصل رضاه أو علم برضاه، أما في صورة الشك في رضاء المالك أو من له الولاية على المال فلا يجوز بالإجماع إلاّ في بعض الصور المذكورة في المجاميع الفقيه كالمحجور و المفلس و نظائرها.

في أدنى مجلس إليه إذا دخل (1)، لما ورد من انّ من رضي بدون الشرف من المجلس، لم يزل اللّه و ملائكته يصلّون عليه حتّى يقوم (2)، و انّه كان رسول اللّه صلّى اللّه عليه و آله و سلّم يجلس على الأرض، و يأكل على الأرض (3)و إذا دخل منزلا قعد في أدنى المجلس إليه حين يدخل (4)، و إن من التواضع أن يجلس الرجل دون شرفه (5)، و انه إذا دخل المجلس و قد أخذ القوم مجالسهم فإن دعا رجل اخاه و أوسع له في مجلسه فليأته فإنّما هي كرامة أكرمه بها أخوه فلا يردّها، فانه لا يردّ الكرامة الاّ الحمار، و ان لم يوسع له أخوه فلينظر أوسع مكان يجده فليجلس فيه (6)، و عن النبي صلّى اللّه عليه و آله و سلّم انّه قال: إذا اتى احدكم مجلسا فليجلس حيث ما ينتهي مجلسه (7).

و يستحبّ القيام إكراما لمن أراد القعود بعد الورود، أو أراد القيام بعد الجلوس، إذا كان مؤمنا من أهل الدّين، لعموم ما دلّ على وجوب إكرام المؤمن و احترامه (8).

ص:220


1- أصول الكافي:2/662 باب الجلوس حديث 6، [1] بسنده عن أبي عبد اللّه عليه السّلام قال: كان رسول اللّه صلّى اللّه عليه و آله و سلّم إذا دخل منزلا قعد في أدنى المجلس إليه حين يدخل.
2- أصول الكافي:2/661 باب الجلوس حديث 3.
3- الأمالي للشيخ الطوسي:2/7، و [3]نهج البلاغة:2 خطبة 155/75.
4- أصول الكافي:2/662 باب الجلوس حديث 6.
5- أصول الكافي:2/123 باب التواضع حديث 9.
6- أمالي الطوسي:2/7.
7- مستدرك وسائل الشيعة:2/76 باب 62 حديث 7.
8- الأمالي للشيخ الصدوق:323 المجلس الثاني و [9]الخمسون، بسنده عن الباقر عليه السّلام انه قال: احبّ أخاك المسلم و أحبب له ما تحبّ لنفسك، و اكره له ما تكره لنفسك، إذا احتجت فسله، و إذا سألك فأعطه، و لا تدّخر عنه خيرا، فإنّه لا يدّخره عنك، كنّ له ظهرا فإنّه لك ظهر، إن غاب فاحفظه في غيبته، و إن شهد فزره و أجله و أكرمه فإنّه منك و أنت منه، و إن كان-

و يكره القيام لغيره لرواية إسحاق بن عمار قال: قلت لابي عبد اللّه عليه السّلام: من قام من مجلسه تعظيما لرجل؟ قال عليه السّلام: مكروه إلاّ لرجل في الدّين 1. و يدلّ على رجحان القيام للمؤمن-مضافا إلى العموم المذكور- قيام رسول اللّه صلّى اللّه عليه و آله و سلّم لجعفر بن أبي طالب عند مجيئه من الحبشة 2، و للصديقة الكبرى سلام اللّه عليها 3، و لعكرمة بن أبي جهل لمّا قدم من اليمن فرحا بقدومه 4، و قيام سيد الساجدين عليه السّلام للشابّ ابن علي بن مظاهر المقتول بالطف، لمّا صدر من أبويه من المواساة لأهل البيت عليهم السّلام بالشهادة و الأسر، فإن الأصل في أفعالهم الرجحان، بل روي انّه صلّى اللّه عليه و آله و سلّم قال للأنصار حين قام لجعفر: قوموا إلى سيدكم، و حاشاه أن يأمر بالمكروه، مع انّ أقلّ مفاد الأمر الرجحان، و أمّا ما أرسل انّ النبيّ صلّى اللّه عليه و آله و سلّم كان يكره أن يقام له 5فكانوا إذا قدم لا يقومون

ص:221

لعلمهم بكراهته ذلك، فإذا فارقهم قاموا حتى يدخل منزله لما يلزمهم من تعظيمه، فمع إرساله، محمول على كون ذلك منه تواضعا للّه سبحانه، كما يشهد بذلك عدم منعه إيّاهم من القيام عند المفارقة، و عدم علمه بذلك بعيد، كبعد مرجوحيّته، و خفاء ذلك عليهم.

و أما المرسل قال عليه السّلام: لا تقوموا كما يقوم الأعاجم بعضهم لبعض و لا بأس من ان يتخلخل من مكانه (1)، فينبغي حمله على القيام المؤبد المعبر عنه ب: التمثل بين يديه-الذي قد تقدّم في المقام الرابع بيان كراهته-كما يكشف عن ذلك ذكر الأعاجم فتجمع حينئذ الأخبار، فتأمل كي يظهر لك اباء كلمة بعضهم لبعض، و قوله: و لا بأس أن يتخلخل من مكانه عن ذلك، فالردّ بالإرسال او الحمل على غير أهل الدين أولى.

و أمّا ما ورد من أنّ: من حق المسلم على المسلم إذا أراد الجلوس أن يتزحزح له (2)، فلا ينافي ما ذكر، لأنّ إثبات شىء لا ينفي ما عداه، بل فيه نوع تأييد للمطلوب، و على كلّ حال فيستفاد منه حسن التزحزح لجعله له من حقّ المسلم على المسلم.

و يتاكد استحباب القيام للذريه الطاهرة، لما حكي (3)عن رياض الأبرار

ص:222


1- مكارم الأخلاق:25 [1]في جلوسه صلّى اللّه عليه و آله و سلّم.
2- مكارم الأخلاق:25. أقول: لا يخفى إن ترك القيام للأخ المؤمن إذا لم يستلزم توهينه و تحقيره رجح عدم القيام اما إذا استلزم ذلك كما هو الغالب في عصرنا هذا حرم تركه لحرمة تحقير المؤمن و توهينه، و العرف يعين المصداق، فتدبر.
3- حكى ذلك في روضات الجنات في ترجمة السيد فتح اللّه المذكور [منه (قدس سره)].

في مناقب الكرار تأليف السيد فتح اللّه بن هبة اللّه الحسني الحسيني السلامي الشامي الإمامي نقلا من كتاب الاربعين عن الاربعين (1)عن النبي صلّى اللّه عليه و آله و سلّم انه قال: من راى أحدا من أولادي و لم يقم اليه تعظيما فقد جفاني، و من جفاني فهو منافق. و حكي عن كتاب الاربعين للسيد علاء الدين عن سلمان الفارسي عن النّبي صلّى اللّه عليه و آله و سلّم انّه قال: من رأى واحدا من أولادي و لم يقم له قياما كاملا تعظيما له ابتلاه اللّه ببلاء ليس له دواء (2).

و يستحب استقبال القبلة في كل مجلس لما ورد عن أئمّتنا عليهم السّلام من انّ: خير المجالس ما استقبل به القبلة (3)، و انّه كان رسول اللّه صلّى اللّه عليه و آله و سلّم أكثر ما يجلس تجاه القبلة (4)، و يكره استقبال الشمس، و يستحب استدبارها للنهي عن استقبالها، و الأمر باستدبارها، معلّلا بأنّ الشمس مبخرة، تشحب اللون، و تبلي الثوب، و تظهر الداء الدفين (5)، و في خبر آخر: ان في الشمس اربع خصال: تغيّر اللون، و تنتن الريح، و تخلق الثياب، و تورث الداء (6).

و يستحب استقبال صاحب البيت للداخل إذا دخل و مشايعته إذا خرج، و جعل صاحب البيت الداخل أميرا، و امتثال أوامره المشروعة، لما ورد من انّ

ص:223


1- اي مشايخه الاربعين [منه (قدس سره)].
2- أقول: الظاهر ان عدم القيام للعلوي اذا كان ناش من عدم الاكتراث بالنبي صلّى اللّه عليه و آله و سلّم كان جفاء و التارك للقيام منافقا، فتدبر.
3- مفتاح الفلاح:13- [1]الحجرية-و شرايع الاسلام:211 باب آداب القاضي.
4- أصول الكافي:2/661 باب الجلوس حديث 4.
5- الخصال:1/97 في استقبال الشمس ثلاث خصال رديّة حديث 44.
6- الخصال:1/248 في الشمس أربع خصال حديث 111.

من حقّ الداخل على أهل البيت أن يمشوا معه هنيئا إذا دخل و إذا خرج (1)، و انّ رسول اللّه صلّى اللّه عليه و آله و سلّم استقبل جعفر بن أبي طالب اثنتى عشرة خطوة (2)، و انّ من حقّ الضيف أن تمشي معه فتخرجه من حريمك إلى الباب (3)، و انّه إذا دخل أحدكم على أخيه المسلم في بيته فهو أمير عليه حتّى يخرج (4).

و يستحب ذكر اللّه تعالى، و الصّلاة على محمّد و آله في كل مجلس، بل يكره ترك ذلك، لما ورد من انّه ما جلس قوم يذكرون اللّه عزّ و جلّ الاّ ناداهم ملك من السماء: قوموا فقد بدّلت سيّئاتكم حسنات، و غفرت لكم جميعا، و ما قعد عدة من أهل الأرض يذكرون اللّه عزّ و جلّ إلاّ قعد معهم عدّة من الملائكة (5)، و انه ما من مجلس يجتمع فيه ابرار و فجار فيقومون و لم يذكرون اللّه عزّ و جلّ و يصلّوا على نبيّهم، إلاّ كان ذلك المجلس حسرة و وبالا عليهم يوم القيامة (6).

و يستحب عند القيام من المجلس قول «سبحان ربّك ربّ العزّة عمّا يصفون و سلام على المرسلين و الحمد للّه ربّ العالمين» ، لما ورد من أنّ من أراد أن يكتال بالمكيال الأوفى فليقل ذلك إذا أراد أن يقوم من مجلسه (7)، و إنّ كفارة المجالس أن تقول ذلك عند قيامك منها (8)، و عن النبيّ صلّى اللّه عليه و آله و سلّم

ص:224


1- أصول الكافي:2/659 باب حق الداخل حديث 1.
2- عيون أخبار الرضا عليه السّلام:140 باب 26.
3- أصول الكافي:2/659 باب حق الداخل حديث 1.
4- المصدر المتقدم.
5- عدّة الدّاعي:241.
6- أصول الكافي:2/496 باب ما يجب من ذكر اللّه عزّ و جلّ في كل [6]مجلس حديث 1.
7- أصول الكافي:2/496 باب ما يجب من ذكر اللّه عز و جل في مجلس حديث 3.
8- مستدرك وسائل الشيعة:1/382 باب 4 حديث 2.

أنّ من ختم مجلسه بهذه الكلمات إن كان مسيئا كنّ كفارات الإساءة، و إن كان محسنا ازداد حسنا، و هي: «سبحانك اللّهم و بحمدك أشهد أن لا إله إلاّ أنت أستغفرك و أتوب إليك» (1).

و من جالس أحدا فائتمنه على حديث لم يجز له ان يحدّث به بغير إذنه إلاّ في مقام الشهادة على فعل حرام بشروطها، لما ورد من ان المجالس بالأمانة (2)، و انّه ليس لأحد أن يحدّث بحديث يكتمه صاحبه إلاّ باذنه إلاّ أن يكون ثقة او ذاكرا له بخير (3)، و في خبر آخر: انّ المجلس بالأمانة إلاّ ثلاثة مجالس: مجلس سفك فيه دم حرام، و مجلس استحل فيه فرج حرام، و مجلس يستحل فيه مال حرام بغير حقه (4).

و ورد المنع الشديد عن حجب الشيعة، فقد روي أنّ أبا عبد اللّه عليه السّلام نظر إلى إسحاق بن عمار بوجه قاطب، فقال له إسحاق: ما الذي غيّرك لي؟ . قال: الذي غيّرك لإخوانك، بلغني-يا إسحاق-أنّك أقعدت ببابك بوّابا يردّ عنك فقراء الشيعة، فقلت: جعلت فداك إنّي خفت الشهرة، فقال: أ فلا خفت البليّة (5)؟ ! . و عن أبي جعفر عليه السّلام: أنّ أيّما مسلم أتى مسلما زائرا أو طالب حاجة، و هو في منزله، فاستأذن عليه فلم يأذن له و لم يخرج إليه، لم يزل في لعنة اللّه حتى يلتقيا (6). و عن مولانا الصادق عليه السّلام أنّه: أيّما مؤمن كان بينه و بين مؤمن حجاب، ضرب اللّه بينه و بين الجنة سبعين ألف سور، من السور الى السور

ص:225


1- مستدرك وسائل الشيعة:1/382 باب 4 حديث 1.
2- أصول الكافي:2/660 باب المجالس بالأمانة حديث 1.
3- أصول الكافي:2/660 باب المجالس بالأمانة حديث 3.
4- أمالي الطوسي:53.
5- أصول الكافي:2/181 باب المصافحة حديث 14.
6- أصول الكافي:2/365 باب من حجب أخاه المؤمن حديث 4.

مسيرة ألف عام (1). و ورد أنّه ملعون ملعون من احتجب عن أخيه (2)، و أنّ ثلاثة من بني إسرائيل حجبوا مؤمنا و لم يأذنوا، ثم صحبوه، فنزلت نار من السماء فأحرقتهم و بقي هو (3).

و يكره في المجلس ردّ الإكرام بالوسادة التي يجلس عليها، أو يتكي، للنهي عن ذلك معلّلا بأنّه لا يأبى الكرامة إلاّ الحمار، و فسّرت الكرامة في الأخبار بالطيب يعرض عليه فلا يتطيّب به، و الوسادة توضع له فلا يجلس عليها و لا يتّكي، و المكان في المجلس يوسّع له فلا يجلس فيه (4). و روى عن النّبي صلّى اللّه عليه و آله و سلّم انّه قال: إذا قام أحدكم من مجلسه ثم رجع فهو اولى بمكانه (5).

و يستحب عند القيام من المجلس التسليم كما يفعله الهنود، كما مرّ، لما ورد من قول النبي صلّى اللّه عليه و آله و سلّم: إذا قام أحدكم من مجلسه منصرفا فليسلم، ليس الأولى بأولى من الاخرى (6).

و المستحب من الجلوس أقسام كان النبي صلّى اللّه عليه و آله و سلّم يجلس عليها:

أحدها: القرفصاء، و هو أن يقيم ساقيه و يستقبلهما بيديه و يشدّ يده في

ص:226


1- أصول الكافي:2/365 باب من حجب أخاه المؤمن حديث 3.
2- عدّة الداعي:174، [2] بسنده عن ابي الحسن الرضا عليه السّلام قال: المؤمن أخو المؤمن لأبيه و أمّه، ملعون ملعون من أتّهم أخاه، ملعون ملعون من غشّ أخاه، ملعون ملعون من لم ينصح أخاه، ملعون ملعون من أحتجب عن أخيه، ملعون ملعون من أغتاب أخاه.
3- أصول الكافي:2/364 باب من حجب أخاه المؤمن حديث 2، و قد ذكر المؤلف قدس سره الحديث باختصار.
4- عيون أخبار الرضا عليه السّلام:173.
5- مكارم الأخلاق:26 [4] في جلوسه صلّى اللّه عليه و آله و سلّم.
6- مكارم الأخلاق:26 [5] في جلوسه صلّى اللّه عليه و آله و سلّم و أمر أصحابه في آداب الجلوس.

ذراعه.

ثانيهما: الجثو على الركبتين مثل حال التشهد.

ثالثها: تثنية رجل واحدة و بسط الأخرى عليها.

و ورد انّ النبي صلّى اللّه عليه و آله و سلّم لم ير مترّبعا قط (1).

ص:227


1- مكارم الأخلاق:26 [1] في جلوسه صلّى اللّه عليه و آله و سلّم و أمر أصحابه في آداب الجلوس.

المقام السادس: في آداب المكاتبة

يستحبّ التكاتب بين إخوان الدّين عند كون كلّ منهم في بلد غير بلد الآخر، لما ورد عن الصادق عليه السّلام من أن التواصل بين الاخوان في الحضر التزاور، و في السفر التكاتب (1). و ورد عنه عليه السّلام انّ رد جواب الكتاب واجب كوجوب ردّ السّلام (2). و يستحب ابتداء الكتاب بذكر اللّه سبحانه و إلاّ كان أقطع (3)، و الأفضل الابتداء بالبسملة و أن تكون بأجود خط من يكتب، لما ورد من قوله عليه السّلام: لا تدع بسم اللّه الرّحمن الرّحيم و إن كان بعده شعر (4)، و اكتب بسم اللّه الرحمن الرحيم من أجود كتابك، و لا تمدّ الباء، حتى ترفع السين (5)، و قد شكر اللّه لكاتب ملك لم يرض الاّ بالابتداء باسم اللّه في كتابه، فاعطاه ملك ذلك الملك فتابعه الناس فسمّي تبّعا (6)، و عن رسول اللّه

ص:228


1- أصول الكافي:2/670 باب التكاتب حديث 1.
2- أصول الكافي:2/670 باب التكاتب حديث 2.
3- مستدرك وسائل الشيعة:2/80 باب 79 حديث 8 [3] عن الجعفريات.
4- أصول الكافي:2/672 حديث 1 [4] بلفظه.
5- أصول الكافي:2/672 حديث 2 [5] بلفظه. و قد جاء في الحاشية: [6] يعني اكتب هكذا: بسم، لا هكذا: بسم. . [منه (قدس سره)].
6- عيون أخبار الرضا عليه السّلام:136 باب 24 [7] في سؤال الرجل الشامي من أمير المؤمنين مسائل منها. . : و سأله لم سمّي تبّع تبّعا؟ فقال له: لأنه كان غلاما كاتبا و كان يكتب لملك كان قبله و كان إذا كتب كتب: بسم اللّه الذي خلق صبحا [خ. ل: صيحا]و ريحا، فقال الملك: -

صلّى اللّه عليه و آله و سلّم أنه قال لبعض كتابه: الق الدواة، و حرف القلم، و انصب الباء، و فرّق السين، و لا تعور الميم، و حسّن اللّه، و مدّ الرحمن، و جوّد الرحيم، وضع قلمك على أذنك اليسرى، فإنّه أذكر لك (1). و إنّ من كتب بسم اللّه الرّحمن الرّحيم فجوّده تعظيما للّه غفر اللّه له (2). و قال صلّى اللّه عليه و آله و سلّم: إذا كتبت بسم اللّه الرّحمن الرّحيم فبيّن السّين فيه (3). و قال صلّى اللّه عليه و آله و سلم: اعربوا القرآن و التمسوا غرايبه (4).

و ينبغي أن يكتب في ظهر الكتاب لفلان و لا يكتب إلى فلان، كما ينبغي ان يكتب في داخله إلى فلان، و لا يكتب لفلان للنص بذلك عن مولانا الصادق عليه السّلام (5)، و يستحب كتابة إن شاء اللّه تعالى في كلّ موضع يناسب ذلك للأمر بذلك، خصوصا (6)، و عموما، كتابا، و سنّة، قال اللّه سبحانه وَ لا تَقُولَنَّ لِشَيْءٍ إِنِّي فاعِلٌ ذلِكَ غَداً إِلاّ أَنْ يَشاءَ اَللّهُ (7). و يستحبّ تتريب الكتاب

ص:229


1- مستدرك وسائل الشيعة:2/80 باب 79 حديث 2.
2- مستدرك وسائل الشيعة:2/80 باب 79 حديث 6.
3- مستدرك وسائل الشيعة:2/80 باب 79 حديث 3.
4- أصول الكافي:2/615 باب ترتيل ا [3]لقرآن بالصوت الحسن حديث 5.
5- أصول الكافي:2/672 حديث 3 [4]و 4.
6- أصول الكافي:2/673 [5] حديث 7، بسنده عن مرازم بن حكيم، قال: أمر أبو عبد اللّه عليه السّلام بكتاب في حاجه فكتب، ثم عرض عليه و لم يكن فيه استثناء، فقال: كيف روجوتم ان يتمّ هذا و ليس فيه استثناء (اى إن شاء اللّه) انظروا كلّ موضع لا يكون فيه استثناء فاستثنوا فيه.
7- سوره الكهف:22-23.

تأسّيا بأبي الحسن الرضا عليه السّلام، و لما ورد من انّه أنجح للحاجة (1)، و ببالي ورد انه ما خاب خط تربّ. و يحرم إحراق القرطاس إذا كان فيه اسم اللّه سبحانه، و كذا محوه بالبزاق، للنهي عنهما (2)و لكونهما إهانة و هتكا لحرمة اسم اللّه سبحانه، بل يمحى بأطهر ما يوجد من الماء ثم يمزق، و كذا ورد النهي عن محو اسم اللّه بالأقلام (3). و يكره إحراق القرطاس الخالى من اسم اللّه تعالى (4).

و يجوز مكاتبة المسلم لأهل الذمّة، و التسليم عليهم في المكاتبة مع الحاجة، للإذن في ذلك، و لأنّ رسول اللّه صلّى اللّه عليه و آله و سلّم كان يكتب إلى كسرى و قيصر، و الأولى عدم الابتداء باسمائهم في الكتاب (5)، و يلزم إخلاء الكتاب حينئذ من اسم اللّه سبحانه لئلاّ يمسّوه فيكون هو السبب في ذلك.

و يستحب تعلم الكتابة، فعن أمير المؤمنين عليه السّلام: علموا أولادكم

ص:230


1- أصول الكافي:2/673 حديث 8، [1] بسنده عن أحمد بن محمد بن أبي نصر، عن أبي الحسن الرّضا عليه السّلام انّه كان يتربّ الكتاب، و قال: لا بأس به.
2- وسائل الشيعة:2/497 باب 98 حديث 4 و 5.
3- أصول الكافي:2/674 باب النهي عن إحراق القراطيس المكتوبة حديث 4، [2] بسنده عن أبي عبد اللّه عليه السّلام قال: قال رسول اللّه صلّى اللّه عليه و آله و سلّم: امحوا كتاب اللّه تعالى و ذكره بأطهر ما تجدون، و نهى أن يحرق كتاب اللّه، و نهى ان يمحى بالاقلام [خ. ل: بالاقدام]) .
4- أصول الكافي:2/673 باب النهي عن إحراق القراطيس المكتوبة حديث 2، بسنده عن أبي عبد اللّه عليه السّلام يقول: لا تحرقوا القراطيس، و لكن امحوها و خرّقوها.
5- أصول الكافي:2/651 باب مكاتبة أهل الذمّة حديث 1، [3] بسنده عن أبي بصير قال: سئل أبو عبد اللّه عليه السّلام عن الرجل يكون له الحاجة إلى المجوسي أو إلى اليهودي أو إلى النصرانيّ أو أن يكون عاملا او دهقانا من عظماء أهل ارضه فيكتب إليه الرجل في الحاجه العظيمة، أيبدأ بالعلج و يسلّم عليه في كتابه، و انما يصنع ذلك لكي تقضى حاجته؟ قال: اما ان تبدأ به فلا، و لكن تسلّم عليه في كتابك، فانّ رسول اللّه صلّى اللّه عليه و آله و سلّم قد كان كتب الى كسرى و قيصر.

الكتابة، فإنّ الكتابة همم الملوك و السلاطين. و قال عليه السّلام: عليكم بحسن الخطّ فإنه من مفاتيح الرزق.

ص:231

المقام السابع: في آداب المشورة

اشارة

يستحبّ المشورة للأمور، لما ورد من قوله صلّى اللّه عليه و آله و سلّم: ما حار من استخار، و لا ندم من استشار (1). و قوله: من لا يستشير يندم (2). و قوله صلّى اللّه عليه و آله و سلّم: لن يهلك امرؤ عن مشورة (3). و إنّ من استبدّ برأيه هلك، و من شاور الرجال شاركها في عقولها (4). و قوله عليه السّلام: لا مظاهرة أوثق من المشاورة (5). و قوله عليه السّلام: الاستشارة عين الهداية (6)، و قوله عليه السّلام: خاطر بنفسه من استغنى برأيه (7). و قوله عليه السّلام: رجل، و نصف رجل، و لا شىء، فالرجل من يعقل و يشاور العقلاء، و نصف الرّجل من يعقل و لا يشاور العقلاء، و لا شيء من لا يعقل و لا يشاور العقلاء.

و يستحب مراعاة أوصاف في المستشار.

ص:232


1- أمالي الطوسي:135 [1] في الجزء الخامس.
2- نهج البلاغة: القسم الثاني 219. [2] مستدرك وسائل الشيعة:2/65 باب 21 حديث 6.
3- المحاسن:600 باب 3 [3] الاستشارة حديث 18.
4- نهج البلاغة: القسم الثاني، و [4]مستدرك وسائل الشيعة:2/425.
5- المحاسن:601 باب 3 [5] الاستشارة حديث 15، بسنده عن أبي عبد اللّه عليه السّلام قال: فيما أوصى به رسول اللّه صلّى اللّه عليه و آله و سلّم عليّا عليه السّلام ان قال: لا مظاهرة اوثق من المشاورة، و لا عقل كالتدبير. و نهج البلاغة:3/177 حديث 113.
6- نهج البلاغة:3/201 حديث 211.
7- نهج البلاغة:3/201 حديث 211.

فمنها: كونه من أصحاب الرأي، لما ورد من أنّ مشاورة ذوى الرأي و اتباعهم هو الحزم (1)، و لأن استشارة غير ذي الرأى نقض للغرض.

و منها: كونه عاقلا، لقوله عليه السّلام: استرشدوا العاقل و لا تعصوه فتندموا (2).

و منها: كونه ورعا، لقوله عليه السّلام: استشروا العاقل من الرجال الورع فانه لا يأمر إلاّ بخير، و إيّاك و الخلاف، فانّ مخالفة الورع العاقل مفسدة في الدّين و الدّنيا (3). و ورد انّ من استشار عاقلا له دين و ورع لم يخذله اللّه بل يرفعه اللّه، و رماه بخير الأمور و أقربها إلى اللّه (4).

و منها: كونه ذا خشية، لقوله عليه السّلام: استشر في أمرك الّذين يخشون ربّهم (5).

و منها: كونه ناصحا، لقوله عليه السّلام: مشاورة العاقل الناصح رشد و يمن و توفيق من اللّه، فإذا أشار عليك الناصح العاقل فإيّاك و الخلاف، فإنّ في ذلك العطب (6). و روى الحلبي عن أبي عبد اللّه عليه السّلام انّه قال: المشورة لا تكون إلاّ بحدودها، فمن عرفها بحدودها و إلاّ كانت مضرتها على المستشير أكثر من منفعتها له.

ص:233


1- المحاسن:600 باب 3 [1] الاستشارة حديث 14، بسنده عن جعفر بن محمد، عن أبيه عليهما السّلام قال: قيل لرسول اللّه صلّى اللّه عليه و آله و سلّم: ما الحزم؟ قال: مشاروة ذوي الرّاي و اتّباعهم.
2- أمالي الشيخ الطوسي:1/152، و [2]مستدرك وسائل الشيعة:2/65 باب 21 حديث 3.
3- المحاسن:602 باب 3 [4] الاستشارة حديث 24.
4- المحاسن:602 باب 3 [5] الاستشارة حديث 26.
5- المحاسن:601 باب 3 [6] الاستشارة حديث 17.
6- المحاسن:602 باب 3 [7] الاستشارة حديث 25.

فاوّلها: أن يكون الّذي تشاوره عاقلا.

و الثانية: أن يكون حرّا متدّينا.

و الثالثة: أن يكون صديقا موافيا.

و الرابعة: أن تطلعه على سرّك فيكون علمه به كعلمك بنفسه، ثم يسرّ ذلك و يكتمه، فإنه إذا كان عاقلا انتفعت بمشورته، و اذا كان حرّا متديّنا أجهد نفسه في النصيحة لك، و إذا كان صديقا مواخيا كتم سرّك إذا أطلعته عليه، و إذا أطلعته على سرّك فكان علمه به كعلمك به تمّت المشورة، و كملت النصيحة (1).

و يجب نصح المستشير، لأن المستشار مؤتمن (2). و ترك النصح خيانة، و ورد انّ من استشار أخاه فلم ينصحه محض الرأي، سلبه اللّه عزّ و جلّ رأيه (3). و لا بأس باستشارة الكامل من دونه، و قد كان رسول اللّه صلّى اللّه عليه و آله و سلّم و الأئمّة عليهم السّلام يستشيرون أصحابهم و يعزمون بعد ذلك على ما يريدون (4)، و ربّما شاور باب الحوائج عليه السّلام الأسود من سودانه، فقيل له: تشاور مثل هذا؟ ! فقال: إنّ اللّه تبارك و تعالى ربّما فتح على لسانه (5)، و ورد انّ المشورة

ص:234


1- المحاسن:602 باب 3 [1] الاستشارة حديث 28.
2- المحاسن:601 باب 3 [2] الاستشارة حديث 20.
3- المحاسن:602 باب 3 [3] الاستشارة حديث 27.
4- المحاسن:601 باب 3 [4] الاستشارة حديث 21، بسنده عن معمّر بن خلاّد، قال: هلك مولى لأبي الحسن الرضا عليه السّلام يقال له سعد، فقال: أشر عليّ برجل له فضل و أمانة، فقلت أنا أشير عليك؟ ! فقال شبه المغضب: إن رسول اللّه صلّى اللّه عليه و آله و سلّم كان يستشير: أصحابه ثم يعزم على ما يريد، و حديث 22 بسنده عن الفضيل بن يسار، قال: استشارني أبو عبد اللّه عليه السّلام مرّة في أمر، فقلت: أصلحك اللّه مثلى يشير على مثلك؟ ! قال: نعم، إذا استشرتك.
5- المحاسن:602 باب 3 [5] الاستشارة حديث 23، بسنده عن الحسن بن الجهم، قال: كنّا عند-

مباركة، و لذا قال اللّه تعالى لنبيّه وَ شاوِرْهُمْ فِي اَلْأَمْرِ فَإِذا عَزَمْتَ فَتَوَكَّلْ عَلَى اَللّهِ (1).

و يكره مشاورة عدّة للنهي عن مشاورتهم.

فمنهم: النساء، لما ورد من أنّه إذا كان الشؤم في شىء ففي لسان المرأة (2)، و ان في النساء الضعف و الوهن و العجز، و انّ في خلافهن البركة (3)، و لذا استثنى مشورتهن للمخالفة فامر بها (4).

و منهم: الجبان، لأنه يضيّق على المستشير المخرج (5).

ص:235


1- تفسير العياشي:1/204 حديث 147 سورة آل عمران آية 159: بسنده عن علي بن مهزيار، قال: كتب إليّ أبو جعفر عليه السّلام: أن سل فلانا أن يشير عليّ و يتخيّر لنفسه فهو يعلم ما يجوز في بلده و كيف يعامل السلاطين، فان المشورة مباركة، قال اللّه لنبيّه في محكم كتابه فَاعْفُ عَنْهُمْ وَ اِسْتَغْفِرْ لَهُمْ وَ شاوِرْهُمْ فِي اَلْأَمْرِ فَإِذا عَزَمْتَ فَتَوَكَّلْ عَلَى اَللّهِ إِنَّ اَللّهَ يُحِبُّ اَلْمُتَوَكِّلِينَ فإن كان ما يقول ممّا يجوز كنت أصوب رأيّه، و إن كان غير ذلك رجوت أن أضعه على الطريق الواضح إن شاء اللّه وَ شاوِرْهُمْ فِي اَلْأَمْرِ قال: يعني الاستخارة.
2- الفقيه:4/263 باب النوادر في وصيّة النبي صلّى اللّه عليه و آله و سلّم لأمير المؤمنين عليه السّلام حديث 4.
3- مستدرك وسائل الشيعة:2/66 باب 24 أحاديث الباب.
4- مستدرك وسائل الشيعة:2/66 باب 24 حديث 3.
5- الفقيه:4/293 باب النوادر حديث 886، بسنده عن علي عليه السّلام قال: قال رسول اللّه صلّى اللّه عليه و آله و سلّم لعليّ عليه السّلام: يا علي! لا تشاورنّ جبانا فانّه يضيّق عليك المخرج، و لا تشاورنّ بخيلا فانه يقصّر بك عن غايتك، و لا تشاورن حريصا فانّه يزيّن لك شرّها، و اعلم انّ الجبن و البخل و الحرص غريزة يجمعها سوء الظنّ.

و منهم: البخيل، لأنّه يقصّر بالمستشير عن غايته (1).

و منهم: الحريص، لأنه يزيد المستشير شرها (2).

و منهم: العبيد و السفلة، لما ورد من انّك إن كنت تحبّ أن تستثبّت لك النعمة، و تكمل لك المروّة، و تصلح لك المعيشة، فلا تستشر العبد و السفلة في أمرك، فإنك إن ائتمنتهم خانوك، و إن حدثوك كذبوك، و إن نكبت خذلوك، و إن وعدوك بوعد لم يصدقوك (3)، و استشارة الكاظم عليه السّلام الأسود (4)لعلّه لإحرازه منه الأمانة و الصدق و ساير شروط الاستشارة، فلا ينافي تخلّف الشروط عن العبيد في الغالب.

و منهم: الفاجر، لما مرّ من أنّه ليس بين البارّ و الفاجر خلّة (5). و قال أبو جعفر الباقر عليه السّلام: قمّ بالحق، و لا تعرض لما فاتك، و اعتزل ما لا يعنيك، و تجنّب عدوّك، و احذر صديقك من الأقوام إلاّ الأمين، و الأمين من خشي اللّه، و لا تصحب الفاجر، و لا تطلعه على سرّك، و لا تأمنه على أمانتك، و استشر في أمورك الذين يخشون ربّهم (6). و قال مولانا الصادق عليه السّلام: حبّ الأبرار للابرار ثواب للأبرار، و حبّ الفجار للأبرار فضيلة للأبرار، و بغض الفجار للأبرار زين للأبرار، و بغض الأبرار للفجار خزي على الفجار (7).

ص:236


1- الحديث المتقدم.
2- الحديث السابق اقول: و لعل العبارة: لانه يزيّن للمستشير شرّها.
3- علل الشرايع:558 باب 349 [1] العلّة التي من أجلها يكره استشارة العبد و السفلة في الأمور حديث 1.
4- المحاسن:602 باب 3 الاستشارة حديث 23.
5- أصول الكافي:2/641 باب من تكره مجالسته و مرافقته حديث 9.
6- علل الشرايع:559 باب 349 [3] العلّة التي من أجلها يكره أن يستشار العبد و السفلة في الأمور حديث 2.
7- أصول الكافي:2/640 باب من تكره مجالسته و مرافقته حديث 6.

فائدة:

ينبغي توقّي فراسة المؤمن، لما ورد عن رسول اللّه صلّى اللّه عليه و آله و سلّم من قوله صلّى اللّه عليه و آله و سلّم: اتقوا فراسة المؤمن فإنه ينظر بنور اللّه (1)، و قوله صلّى اللّه عليه و آله و سلّم: اتقوا ظنون المؤمنين فإن اللّه جعل الحق على ألسنتهم (2).

ص:237


1- بصائر الدرجات:355 باب 17 [1] الأئمة هم المتوسمون في الأرض حديث 3 و 4.
2- نهج البلاغة/الجزء الثالث: [2]227 حديث 309.

المقام الثامن: في مكارم الأخلاق

اشارة

تعرّضنا لها هنا لكون جملة منها من شؤون المعاشرة و المباشرة، و تطفلّنا بالباقي لإعلام انّ مكارم الاخلاق ممّا ورد الحثّ العظيم عليها، فعن النبي صلّى اللّه عليه و آله و سلّم انّه قال: إنّما بعثت لأتّمم مكارم الاخلاق (1). و عن مولانا الصادق عليه السّلام: انّ اللّه تبارك و تعالى خصّ الانبياء صلوات اللّه عليهم أجمعين بمكارم الأخلاق، فمن كانت فيه فليحمد اللّه على ذلك، و من لم يكن فيه فليتضرّع إلى اللّه تعالى و ليسأله إيّاها (2). و قال عليه السّلام: عليكم بمكارم الأخلاق، فإنّ اللّه عزّ و جلّ يحبّها، و إيّاكم و مذامّ الأفعال، فإنّ اللّه عزّ و جلّ يبغضها (3). و قال أمير المؤمنين عليه السّلام: ذلّلوا أخلاقكم بالمحاسن، و قودوها

ص:238


1- مستدرك وسائل الشيعة:2/282 باب 6 حديث 1، [1] عن مجمع البيان، و في الامالي للشيخ المفيد:92 المجلس 23 حديث 22 و فيه انا لنحبّ من شيعتنا من كان عاقلا.
2- أصول الكافي:2/56 باب المكارم حديث 3، [2] بسنده عن أبي عبد اللّه عليه السّلام قال: إنّا لنحبّ من كان عاقلا فهما، فقيها، حليما، مداريا، صبورا، صدوقا، وفيّا، انّ اللّه عزّ و جلّ خصّ الأنبياء بمكارم الأخلاق، فمن كانت فيه فليحمد اللّه على ذلك و من لم تكن فيه فليتضرّع إلى اللّه عزّ و جلّ و ليسأله إيّاها، قال: قلت جعلت فداك و ما هنّ؟ قال: هنّ الورع، و القناعة، و الصبر، و الشكر، و الحلم، و الحياء، و السخاء، و الشجاعة، و الغيرة، و البرّ، و صدق الحديث، و أداء الأمانة.
3- الأمالي أو المجالس للشّيخ الصدوق:359 المجلس السابع و الخمسون حديث 10.

إلى المكارم (1). و قال عليه السّلام لولده: إنّ اللّه عزّ و جلّ جعل محاسن الأخلاق وصلة بينه و بين عباده، فيحب أحدكم ان يمسك بخلق متّصل باللّه (2). و قال عليه السّلام أيضا: لو كنّا لا نرجوا جنّة، و لا نخشى نارا، و لا ثوابا، و لا عقابا، لكان ينبغي لنا أن نطلب مكارم الأخلاق، فإنّها ممّا تدلّ على سبيل النجاح (3).

ثم إن مكارم الأخلاق كثيرة نقتصر في هذا المقام بما وقع التنصيص في الأخبار بعدّ جميعها و حذف مكرّراتها بكونها منها، و نلحقها في المقامات اللاّحقة بباقي الأخلاق الممدوحة و المذمومة إن شاء اللّه تعالى.

فمنها: اليقين:

عدّه مولانا الصادق عليه السّلام من مكارم الأخلاق (4).

و قال رسول اللّه صلّى اللّه عليه و آله و سلّم: كفى باليقين غنى، و بالعبادة شغلا (5).

و ورد انّه: لا عبادة إلاّ بيقين (6). و انّ اليقين أفضل من الإيمان، و ما شيء أعزّ

ص:239


1- مستدرك وسائل الشيعة:2/282 باب 6 حديث 6، [1] بسنده عن أمير المؤمنين عليه السّلام انّه قال: ذلّلوا أخلاقكم بالمحاسن، و قودوها إلى المكارم، و [2]عوّدوها الحكم، و اصبروا على الإيثار على أنفسكم فيما تحمدون عنه قليلا من كثير، و لا تداقّوا الناس وزنا بوزن، و عظموا أقداركم بالتغافل من الدّني من الامور، و امسكوا رمق الضعيف بالمعونة له بجاهكم، و إن عجزتم عمّا رجا عندكم فلا تكونوا بخاشن عمّا غاب عنكم فيكثر عائبكم، و تحفّظوا من الكذب فإنّه من أدقّ الأخلاق [3]قدرا، و هو نوع من الفحش، و ضرب من الدناءة، و تكرّموا بالغنى عن الاستقصاء.
2- مستدرك وسائل الشيعة:2/283 باب 6 حديث 19.
3- مستدرك وسائل الشيعة:2/283 باب 6 حديث 21.
4- الخصال:2/331 عشر خصال من المكارم حديث 11.
5- المحاسن:247 باب 29 [6] اليقين و الصبر في الدين حديث 251.
6- الجعفريات:150 باب التقوى و حسن الخلق، [7] بسنده عن علي بن أبي طالب عليه السّلام قال: سمعت رسول اللّه [صلّى اللّه عليه و آله و سلّم]يقول: لا حسب إلا التواضع، و لا كرم-

من اليقين 1. و انّ أفضل الدّين اليقين، و افضل الإيمان حسن الايقان، و انّ الدين شجرة أصلها اليقين، و انّ به ثبات الدّين، و ان به تتمّ العبادة 2. و قال أمير المؤمنين عليه السّلام: لا يجد عبد طعم الإيمان حتى يعلم انّ ما أصابه لم يكن ليخطيه، و ما اخطأه لم يكن ليصيبه، و انّ الضار النافع هو اللّه عزّ و جلّ 3، و ورد انّ الكنز الذي كان تحت الجدار للغلامين اليتيمين ما كان ذهبا و لا فضة و انّما كان اربع كلمات: لا إله إلاّ أنا، من أيقن بالموت لم يضحك سنّه، و من أيقن بالحساب لم يفرح قلبه، و من أيقن بالقدر لم يخش إلاّ اللّه 4. و انه ليس شيء إلاّ و له حدّ، و حدّ التوكل اليقين، و حدّ اليقين أن لا تخاف مع اللّه شيئا 5. و انّ من صحة يقين المرء المسلم أن لا يرضي الناس بسخط اللّه، و لا يلومهم على ما لم يؤته اللّه، و انّ الرزق لا يسوقه حرص حريص و لا يرده كراهية كاره، و لو انّ احدكم فرّ من رزقه كما يفرّ من الموت لأدركه رزقه كما يدركه الموت، و ان اللّه بعدله و قسطه جعل الروح و الراحة في اليقين و الرضا، و جعل الهم و الحزن في الشكّ و السخط 6. و انّ العمل الدائم القليل على اليقين أفضل عند اللّه من العمل الكثير على غير يقين 7. و قال الصادق عليه السّلام: إنّ أمير المؤمنين عليه السّلام جلس إلى حايط مايل يقضي بين الناس فقال بعضهم: لا تقعد تحت هذا

ص:240

الحائط فإنّه معور، فقال أمير المؤمنين عليه السّلام: حرس امرأ أجله، فلمّا قام سقط الحائط. و كان أمير المؤمنين عليه السّلام يفعل هذا و أشباهه، و هذا اليقين (1). و قد كان عليه السّلام في الحرب بثوبين بغير درع و لا غيره، فقيل له في ذلك، فقال عليه السّلام: ليس من عبد إلاّ و له من اللّه عزّ و جلّ حافظ و واقية، معه ملكان يحفظانه من أن يسقط من رأس جبل أو يقع في بئر، فإذا نزل القضاء خليّا بينه و بين كلّ شيء (2). و قال عليه السّلام في خطبة له: يا أيّها النّاس! سلوا اللّه اليقين، و ارغبوا إليه في العافية، فإنّ أجل النعمة العافية و خير ما دام في القلب اليقين (3). و عن مولانا السجاد عليه السّلام انّه كان يطيل القعود بعد المغرب يسأل اللّه اليقين (4). و عن النّبي صلّى اللّه عليه و آله و سلّم:

انّ علامة الموقن ستة: أيقن أن اللّه حقّ فآمن به، و أيقن بأنّ الموت حقّ فحذره، و أيقن أنّ البعث حقّ فخاف الفضيحة، و أيقن بأنّ الجنة حقّ فاشتاق إليها، و أيقن بانّ النّار حق فظهر سعيه للنجاة منها، و أيقن بأنّ الحساب حق فحاسب نفسه (5).

و اعلم انّ مراتب اليقين مختلفة، فمن قوى يقينه فعلامته التبرّي من الحول و القوة إلاّ باللّه، و الاستقامة على أمر اللّه، و عبادته ظاهرا و باطنا، قد استوت عنده حالتا العدم و الوجود، و الزيادة و النقصان، و المدح و الذم، و العزّ و الذلّ، لأنّه يرى كلّها من عين واحدة، و من ضعف يقينه تعلّق بالأسباب، [و رخّص لنفسه بذلك]، و اتّبع العادات و أقاويل الناس بغير حقيقة، و السّعي في

ص:241


1- أصول الكافي:2/58 باب فضل اليقين حديث 5.
2- أصول الكافي:2/58 باب فضل اليقين حديث 8.
3- المحاسن:248 حديث 254.
4- ذيل الحديث المتقدم.
5- مستدرك وسائل الشيعة:2/284 باب 7 حديث 13.

أمر الدّنيا و جمعها و إمساكها، مقرّا باللّسان انّه لا مانع و لا معطي إلاّ اللّه، و انّ العبد لا يصيبه إلاّ ما كتب اللّه له، و رزقه قد قسم له، و الجهد لا يزيد [في الرزق] و لا ينقص شيئا، و ينكر ذلك بفعله و قلبه، و قد كان الأنبياء-مع جلالة محلّهم من اللّه تعالى-تتفاوت في حقيقة اليقين، و لذا انّ رسول اللّه صلّى اللّه عليه و آله و سلم حين ذكر عنده انّ عيسى بن مريم عليه السّلام كان يمشي على الماء، قال صلّى اللّه عليه و آله و سلّم: لو زاد يقينه لمشى على الهواء، مشيرا بذلك الى المعراج (1).

و منها: الورع

عدّه مولانا الصادق عليه السّلام من مكارم الأخلاق (2).

و ورد: انّ الورع عماد الإسلام (3)و كمال الدّين (4). و ثبات الإيمان و رأسه (5).

و انّه لا ينفع اجتهاد لا ورع فيه (6)، و انه لا ينال ما عند اللّه إلاّ بالورع (7). و انّ

ص:242


1- مستدرك وسائل الشيعة:2/284 باب 7 حديث 16، [1] بتصرف.
2- أصول الكافي:2/56 باب المكارم حديث 3، و [2]تقدمت الرواية.
3- وسائل الشيعة:11/195 باب 20 حديث 15، [3] بسنده في وصية النبيّ لعليّ عليه السّلام قال: يا عليّ! ثلاثة من لقى اللّه عز و جل بهن فهو من أفضل الناس، من أتى اللّه عز و جل بما افترض عليه فهو من أعبد الناس، و من ورع عن محارم اللّه فهو من أورع الناس، و من قنع بما رزقه اللّه فهو من أغنى الناس، ثم قال: يا علي! ثلاث من لم يكن فيه لم يتمّ عمله، ورع يحجزه عن معاصي اللّه، و خلق يداري به الناس، و حلم يردّ جهل الجاهل إلى أن قال: يا علي! الإسلام عريان و لباسه الحياء، و زينته العفاف، و مروته العمل الصالح، و عماده الورع.
4- مستدرك وسائل الشيعة:2/299 باب 21 حديث 1.
5- روضة الواعظين:2/433، و مستدرك وسائل الشيعة:2/300 باب 21 حديث 6.
6- أصول الكافي:2/67 باب الورع حديث 1، [6] بسنده عن عمرو بن سعيد بن هلال الثقفي، عن أبي عبد اللّه عليه السّلام قال: قلت له: إنّي لا ألقاك إلاّ في السنين فأخبرني بشىء آخذ به، فقال: أوصيك بتقوى اللّه و الورع و الاجتهاد، و اعلم انه لا ينفع اجتهاد لا ورع فيه.
7- أصول الكافي:2/76 باب الورع حديث 3، [7] بسنده عن يزيد بن خليفة، قال: وعظنا أبو-

أشدّ العبادة الورع (1). و انّ من لقي اللّه منكم بالورع كان له عند اللّه عزّ و جلّ فرجا 2. و انّ من لم يتورع في دين اللّه تعالى ابتلاه اللّه بثلاث خصال: امّا ان يميته شابا، أو يوقعه في خدمة السلطان، او يسكنه في الرساتيق 3. و انّ احقّ النّاس بالورع آل محمد صلّى اللّه عليه و آله و سلّم و شيعتهم كي تقتدي الرعية 4[بهم]. و قال الصادق عليه السّلام في عدة أخبار: ابلغ موالينا انّا لسنا نغني عنهم من اللّه شيئا إلاّ بعمل، و انّهم لن ينالوا ولايتنا الاّ بالورع 5، و ان شيعتنا أهل الورع و الاجتهاد 6، و انّه ليس من أوليائنا من هو في قرية فيها عشرة آلاف رجل فيهم خلق اللّه أورع منه 7. و ان أصحابي من اشتدّ ورعه و عمل لخالقه، و رجا ثوابه؛ هؤلاء أصحابي 8. [و عن أبي عبد اللّه عليه السّلام قال]: و إنّا لا نعدّ الرجل مؤمنا حتّى يكون بجميع امرنا متبعا مريدا، الا و انّ من اتّباع امرنا و ارادته الورع، فتزيّنوا به يرحمكم اللّه، و كيدوا أعداءنا به ينعشكم اللّه 9، و سئل أبو عبد اللّه عليه السّلام عن الورع؟ فقال: الّذي يتورّع عن محارم اللّه 10. و ورد انّ المتورع يحتاج إلى ثلاثة أصول: الصفح عن عثرات الخلق أجمع،

ص:243


1- أصول الكافي:2/77 باب الورع حديث 4.

و ترك خطيئته فيهم، و استواء المدح و الذم، و أصل الورع دوام محاسبة النفس، و الصدق في المقاولة، و صفاء المعاملة، و الخروج من كل شبهة، و رفض كلّ عيبة و ريبة، و مفارقة جميع ما لا يعنيه، و ترك فتح أبواب لا يدري كيف يغلقها (1)، و لا يجالس من يشكل عليه الواضح، و لا يصاحب مستخف الدين، و لا يعارض من العلم ما لا يحتمل قلبه و لا يتفّهمه من قائله، و يقطع عمّن يقطعه عن اللّه عزّ و جلّ (2).

و منها: الحلم:

عدّه مولانا الصادق عليه السّلام من مكارم الأخلاق (3). و كفى في فضله و شرفه وصف اللّه سبحانه به نفسه 4، و ورد انّه لا يكون الرجل عابدا حتّى يكون حليما، و لا يكون عاقلا حتّى يكون حليما 5، و انّ اللّه يحبّ الحليم 6، و انّ الحلم ركن العلم 7و انه زينة 8، و انه سراج اللّه يستضيء به صاحبه إلى جواره 9، و انّه ما جمع شيء الى شيء افضل من حلم إلى علم 10، و انّ أول عوض الحليم

ص:244


1- خ ل: بفتحها.
2- مستدرك وسائل الشيعة:2/300 باب 21 حديث 15.
3- أمالي الشيخ المفيد:192 المجلس الثالث و العشرون حديث 22.

من حلمه انّ النّاس أنصاره على الجاهل (1)، و انّ المؤمن ليدرك بالحلم و اللّين درجة العابد المتهجّد (2)، و الصائم القائم (3)، و انّ مرارة الحلم أعذب من مرارة الانتقام (4). و قال صلّى اللّه عليه و آله و سلّم: احتمل ممّن هو أكبر منك، و ممّن هو أصغر منك، و ممّن هو خير منك، و ممّن هو شرّ منك، و ممّن هو فوقك، و ممّن هو دونك، فإن كنت كذلك باهى اللّه بك الملائكة (5). و سمع أمير المؤمنين عليه السّلام رجلا يشتم قنبرا و قد رام قنبر أن يردّه عليه، فناداه: مهلا يا قنبر! دع شاتمك مهانا، ترضي الرّحمن، و تسخط الشيطان، و تعاقب عدوّك، فو الذّي خلق الحبّة، و برأ النسمة، ما أرضى المؤمن ربّه بمثل الحلم، و لا أسخط الشيطان بمثل الصمت، و لا عوقب الأحمق بمثل السكوت عنه (6).

و المراد بالحلم: كظم الغيظ و ملك النفس.

و منها: الصبر:

عدّه مولانا الصادق عليه السّلام من مكارم الأخلاق (7)، و قد ورد انّ الصبر من الإيمان كالرأس من الجسد فإذا ذهب الرأس ذهب الجسد، كذلك إذا ذهب الصبر ذهب الإيمان (8). و انّ من لا صبر له لا إيمان له (9). و انّه نعم

ص:245


1- نهج البلاغة: القسم الثاني 3/199 [1] حديث 206.
2- مستدرك وسائل الشيعة:2/304 باب 26 حديث 7.
3- مستدرك وسائل الشيعة:2/304 باب 26 حديث 19.
4- إرشاد القلوب:13.
5- مستدرك وسائل الشيعة:2/305 باب 26 حديث 21.
6- أمالي الشيخ المفيد:118 المجلس الرابع عشر حديث 2.
7- أمالي الشيخ المفيد:192 المجلس الثالث و العشرون حديث 22.
8- أصول الكافي:2/87 باب الصبر حديث 2.
9- أصول الكافي:2/89 باب الصبر حديث 4.

الخلق (1)، و انّ معه النصر (2)، و انّه خير مركب (3)، و انّ من صبر نال بصبره درجة الصائم القائم، و درجة الشهيد الذي قد ضرب بسيفه قدّام محمّد صلّى اللّه عليه و آله و سلّم (4). و انّه لا يعدم الصبور الظفر و ان طال به الزمان (5)، و انّ من صبر على الفقر و هو يقدر على الغنى، و على البغضة و هو يقدر على المحبّة، و على الذلّ و هو يقدر على العزّ، آتاه اللّه ثواب خمسين صدّيقا ممّن صّدق برسول اللّه

ص:246


1- الفقيه:4/276 في وصية أمير المؤمنين عليه السّلام لشبله محمد بن الحنفيّة قال عليه السّلام -في جملة الوصيّة-الق عنك واردات الهموم بعزائم الصبر، عوّد نفسك الصبر فنعم الخلق الصبر، و احملها على ما أصابك من أهوال الدنيا و همومها.
2- الفقيه:4/296 باب النوادر حديث 896، بسنده عن الصادق جعفر بن محمد، عن أبيه عليهما السّلام قال: قال الفضل بن العباس: أهدي الى رسول اللّه صلّى اللّه عليه و آله و سلّم بغلة، أهداها له كسرى أو قيصر فركبها النبي صلّى اللّه عليه و آله و سلّم بجلّ من شعر، و أردفني خلفه، ثم قال لي: يا غلام! احفظ اللّه يحفظك، و احفظ اللّه تجده أمامك، تعرّف إلى اللّه عزّ و جلّ في الرّخاء يعرفك في الشدّة، إذا سألت فاسأل اللّه، و إذا استعنت فاستعن باللّه عزّ و جلّ، فقد مضى القلم بما هو كائن، فلو جهد الناس ان ينفعوك بأمر لم يكتبه اللّه لك لم يقدروا عليه، و لو جهدوا أن يضرّوك بأمر لم يكتبه اللّه عليك لم يقدروا عليه، فإن استطعت ان تعمل بالصبر مع اليقين فافعل، فإن لم تستطع فاصبر، فإن الصبر على ما تكره خيرا كثيرا، و اعلم أن الصبر مع النصر، و أن الفرج مع الكرب، و أن مع العسر يسرا انّ مع العسر يسرا.
3- الجعفريّات:149 باب في الحلم و الصّبر.
4- ثواب الأعمال:235 ثواب الصبر حديث 1، بسنده عن أبي عبد اللّه عليه السّلام قال: سمعت أبا جعفر عليه السّلام يقول: إنّي لأصبر من غلامي هذا و من أهلي على ما هو أمرّ من الحنظل، إنّه من صبر نال بصبره درجة الصائم القائم، و درجة الشهيد الذي قد ضرب بسيفه قدّام محمد صلّى اللّه عليه و آله و سلّم.
5- نهج البلاغة الجزء الثالث/ [2]191 حديث 153.

صلّى اللّه عليه و آله و سلّم (1). و ان قوما يأتون يوم القيامة يتخلّلون رقاب النّاس حتّى يضربوا باب الجنّة قبل الحساب فيقولون: بم؟ فيقولون: كنّا من الصابرين في الدنيا (2). و انّ من صبر عن معصية اللّه فهو كالمجاهد في سبيل اللّه (3)، و انه يدخل الجنة بغير حساب (4)و قد استفاضت الاخبار بانّ الصبر صبر على البلاء: و هو حسن جميل، و صبر على طاعة اللّه، و هو أحسن من الأوّل، و أحسن منه الصبر عن محارم اللّه (5). و عن رسول اللّه صلّى اللّه عليه و آله و سلّم:

انّه إذا كان يوم القيامة نادى مناد عن اللّه يقول: أين أهل الصبر؟ قال صلّى اللّه عليه و آله و سلّم: فيقوم عنق من الناس فتستقبلهم زمرة من الملائكة فيقول لهم: ما كان صبركم هذا الذي صبرتم؟ فيقولون: صبّرنا أنفسنا على طاعة اللّه، و صبّرناها عن معصية اللّه. قال صلّى اللّه عليه و آله و سلّم: فينادي مناد من عند اللّه: صدق عبادي؛ خلّوا سبيلهم ليدخلوا الجنّة بغير حساب (6). و عن أمير المؤمنين عليه السّلام انّه قال: إن من ورائكم قوما يلقون في الأذى و التشديد، و القتل و التنكيل ما لم يلقه أحد في الأمم السابقة، ألا و إنّ الصابر منهم الموقن بي، العارف فضل ما يأتي اليه فيّ لمعي في درجة واحدة، ثم تنفس الصعداء، فقال: آه آه على تلك الأنفس الزاكية، و القلوب الراضية المرضيّة، أولئك

ص:247


1- أصول الكافي:2/91 باب الصبر حديث 12، [1] بسنده عن أبي عبد اللّه عليه السّلام قال: قال رسول اللّه صلّى اللّه عليه و آله و سلّم: سيأتي على الناس زمان لا ينال الملك فيه إلاّ بالقتل و التجبّر، و لا الغنى إلاّ بالغصب و البخل، و لا المحبّة الاّ باستخراج الدين او اتباع الهوى، فمن أدرك ذلك الزمان فصبر على الفقر و هو يقدر على الغنى، و صبر على البغضة. . .
2- مستدرك وسائل الشيعة:2/303 باب 25 حديث 5.
3- مستدرك وسائل الشيعة:2/304 باب 25 حديث 15.
4- وسائل الشيعة:11/189 باب 19 حديث 15.
5- أصول الكافي:2/91 باب الصبر حديث 15.
6- وسائل الشيعة:11/189 باب 19 حديث 15.

أخلاّئي، هم منّي و أنا منهم (1). و قال رسول اللّه صلّى اللّه عليه و آله و سلّم لأبي ذر-في حديث طويل يذكر فيه حال إخوانه الذين يأتون بعده-: لو انّ أحدهم يؤذيه قملة في ثيابه فله عند اللّه أجر سبعين حجّة، و أربعين عمرة، و أربعين غزوة، و عتق أربعين نسمة من ولد إسماعيل، و يدخل واحد منهم اثنى عشر ألفا في شفاعته. . إلى أن قال صلّى اللّه عليه و آله و سلّم: لو انّ أحدا منهم اشتهى شهوة من شهوات الدنيا فيصبر و لا يطلبها كان له من الأجر بذكر أهله ثم يغتمّ و يتنّفس كتب اللّه له بكل نفس ألفي ألف حسنة، و محا عنه ألف ألف سيئة، و رفع له ألف ألف درجة، و إن شئت حتى أزيدك يا أبا ذر؟ ! قال أبو ذر:

قلت: حبيبي زدني. قال صلّى اللّه عليه و آله و سلّم: لو انّ احدا منهم صبر على أصحابه لا يقطعهم و يصبر في مثل جوعهم، و في مثل غمّهم، إلاّ كان له من الأجر كأجر سبعين ممّن غزا معي غزوة تبوك، و إن شئت حتى أزيدك؟ قلت:

نعم يا رسول اللّه صلّى اللّه عليه و آله و سلّم زدنا، قال صلّى اللّه عليه و آله و سلّم:

لو ان احدا منهم وضع جبينه على الأرض ثم يقول: آه. . فتبكي ملائكة السبع لرحمتهم عليه، فقال اللّه: يا ملائكتي! ما لكم تبكون؟ فيقولون: يا إلهنا و سيدنا كيف لا نبكي و وليّك على الأرض يقول في وجعه آه، فيقول اللّه عزّ و جلّ: يا ملائكتي! اشهدوا انتم أنّي راض عن عبدي بالذي يصبر في الشدّة و لا يطلب الراحة، فتقول الملائكة: يا إلهنا و سيّدنا لا تضرّ الشدة بعبدك و وليّك بعد ان تقول هذا القول (2). الخبر.

و عليك بمراجعة الفصل الثاني من مرآة الرشاد، التي هي كالمقدمة لهذا الكتاب، فإنّا قد ذكرنا هناك في الصبر ما ينبغي مراجعته و ملاحظته.

ص:248


1- مستدرك وسائل الشيعة:2/303 باب 25 حديث 7.
2- مستدرك وسائل الشيعة:2/303 باب 25 حديث 10.

و منها: الشكر:

عدّه مولانا الصادق عليه السّلام من مكارم الأخلاق (1)و هو محمود عقلا و نقلا، و كتابا، و سنّة، فقد قال اللّه سبحانه لَئِنْ شَكَرْتُمْ لَأَزِيدَنَّكُمْ، وَ لَئِنْ كَفَرْتُمْ إِنَّ عَذابِي لَشَدِيدٌ (2)و قال تعالى وَ مَنْ شَكَرَ فَإِنَّما يَشْكُرُ لِنَفْسِهِ (3)، و ورد عنهم عليهم السّلام انّه: ما فتح اللّه على عبد باب شكر فخزن عنه باب الزيادة (4)، و أنّه: ما أنعم اللّه على عبد من نعمة فعرفها بقلبه، و حمد اللّه ظاهرا بلسانه، فتمّ كلامه حتى يؤمر له بالمزيد (5). بل قال الباقر عليه السّلام: ما أنعم اللّه على عبد شكر النعمة بقلبه الاّ استوجب المزيد قبل أن يظهر شكره على لسانه (6)، و انّه من أعطي الشكر أعطي الزيادة يقول اللّه عزّ و جلّ لَئِنْ شَكَرْتُمْ لَأَزِيدَنَّكُمْ (7). و انه مكتوب في التوراة: اشكر من أنعم عليك، و أنعم على من شكرك، فإنّه لا زوال للنعماء إذا شكرت، و لا بقاء لها إذا كفرت، و انّ الشكر زيادة في النعم و أمان من الغير (8)، و انّ الطاعم الشاكر له من الأجر كأجر الصائم المحتسب، و المعافى الشاكر له [من الأجر]كاجر المبتلى الصابر، و المعطى الشاكر له من الأجر كأجر المحروم القانع (9). و انّ الشاكر بشكره أسعد

ص:249


1- أمالي الشيخ المفيد:192 المجلس الثالث و العشرون حديث 22.
2- سورة ابراهيم:7.
3- سورة النمل:40.
4- أصول الكافي:2/94 باب الشكر حديث 2.
5- أصول الكافي:2/95 باب الشكر حديث 9.
6- السرائر:487.
7- أصول الكافي:2/95 باب الشكر حديث 8.
8- أصول الكافي:2/94 باب الشكر حديث 3.
9- أصول الكافي:2/94 باب الشكر حديث 1.

منه بالنعمة الّتي وجبت عليها الشكر (1). و انّه ثلاث لا يضرّ معهنّ شيء، الدعاء عند الكرب، و الاستغفار عند الذنب، و الشكر عند النعمة (2)، و انّ شكر كل نعمة و إن عظمت أن تحمد اللّه عزّ و جل (3)، و ان من حمد اللّه على النعمة فقد شكره، و كان الحمد افضل من تلك النعمة (4). و وردت أوامر بحسن جوار النعم بالشكر، و أداء حقوقها معلّلا بأنّ النعمة كالابل المعتقلة في عطنها على القوم [ما أحسنوا جوارها]فإذا أساءوا معاملتها نفرت عنهم (5). و انّ ترك حسن جوار النعمة مزيلة لها، و إذا زالت لم ترجع (6).

ثمّ الشكر يحصل بقول «الحمد اللّه» ، و كان رسول اللّه صلّى اللّه عليه

ص:250


1- وسائل الشيعة:11/541 باب 8 حديث 13، [1] بسنده عن مالك بن أعين الجهني قال: أوصى علي بن الحسين عليهما السّلام بعض ولده فقال: يا بنيّ! اشكر من أنعم عليك، و أنعم على من شكرك، فإنّه لا زوال للنعماء إذا شكرت و لا بقاء لها اذا كفرت، و الشاكر بشكره أسعد منه بالنعمة التي وجب عليها الشكر، و تلا: لئن شكرتم لأزيدنّكم و لئن كفرتم إن عذابي لشديد. و الكافي:4/37 باب مؤونة النعم احاديث [2]الباب.
2- أمالي الشيخ الطوسي:207 الجزء السابع.
3- الخصال:1/21 شكر كل نعمة عظيمة حديث 73.
4- ثواب الأعمال:216 ثواب من أنعم اللّه عليه بنعمة فحمده عليها حديث 1، بسنده عن الهيثم بن واقد، قال: سمعت أبا عبد اللّه عليه السّلام يقول: ما أنعم اللّه على عبد نعمة بالغة ما بلغت فحمد اللّه عليها إلاّ كان حمده أفضل من تلك النعمة و أعظم و أوزن.
5- عيون أخبار الرضا عليه السّلام:185، [4] بسنده قال أبو الحسن الرضا عليه السّلام! يابن عرفة: إنّ النعم كالإبل المعقولة في عطنها على القوم ما أحسنوا جوارها، فإذا أساءوا معاملتها و إنالتها نفرت عنهم، و الكافي:4/38 باب حسن جوار النعم حديث 1.
6- الكافي:4/38 باب حسن جوار النعم حديث 3، [6] بسنده عن زيد الشحام، قال: سمعت أبا عبد اللّه عليه السّلام يقول: أحسنوا جوار نعم اللّه، و احذروا ان تنتقل عنكم إلى غيركم، أما انّها لم تنتقل عن أحد قطّ فكادت أن ترجع إليه، قال: و كان عليّ عليه السّلام يقول: قلّ ما أدبر شىء فأقبل. -

و آله و سلّم إذا ورد عليه أمر يسرّه قال: «الحمد للّه على هذه النعمة» ، و إذا ورد عليه امر يغمّ به قال: «الحمد للّه على كلّ حال» (1). و ظاهر بعض الأخبار كفاية المعرفة بالقلب في تحقّق الشكر، مثل قول الصادق عليه السّلام: من أنعم اللّه عليه بنعمة فعرفها بقلبه فقد أدّى شكرها (2). و اعتبر في بعض الأخبار في تحقّقه شيئا آخر، فروى ميسر عن أبي عبد اللّه عليه السّلام انّه قال: شكر النعمة اجتناب المحارم، و تمام الشكر قول الرجل: «الحمد للّه ربّ العالمين» (3).

و روى أبو بصير قال: قلت لأبي عبد اللّه عليه السّلام: هل للشكر حدّ إذا فعله العبد كان شاكرا؟ قال: نعم، قلت: ما هو؟ قال: يحمد اللّه على كل نعمة عليه في أهل و مال، و إن كان في ما أنعم عليه في ماله حقّ أدّاه (4).

و يستحب لمن ذكر نعمة ان يضع خدّه على التراب شكرا للّه تعالى، و أن كان راكبا فلينزل و ليضع خدّه على التراب، فإن لم يقدر على النزول [للشهرة] فليضع خده على قربوسه، فإن لم يقدر فليضع خدّه على كفّه، ثم يحمد اللّه على ما أنعم اللّه عليه، للأمر بذلك (5).

و يستحب في كل صباح و مساء قول عشر مرات: «اللهم ما اصبحت بي من نعمة أو عافية في دين أو دنيا فمنك وحدك لا شريك لك، لك الحمد، و لك الشكر بها عليّ يا رب حتى ترضى و بعد الرضا» ، فقد ورد انّه إذا قال ذلك فقد

ص:251


1- مستدرك وسائل الشيعة:1/386 باب 20 حديث 14.
2- مستدرك وسائل الشيعة:1/386 باب 20 حديث 25.
3- مستدرك وسائل الشيعة:2/386 باب 20 حد [3]يث 15.
4- أصول الكافي:2/95 باب الشكر حديث 12.
5- أصول الكافي:2/98 باب الشكر حديث 25.

أدّى شكر ما أنعم اللّه عليه في ذلك اليوم و في تلك الليلة (1).

و يستحب شكر المنعم من المخلوقين أيضا للتنصيص به عن أهل البيت عليهم السّلام، فقد ورد انّ المعروف غلّ لا يفكّه إلاّ شكر أو مكافأة، و انّ من قصرت يده بالمكافات فليطل لسانه بالشكر، و انّ من شكر من أنعمّ عليه فقد كافاه، و من همّ على معروف فقد كافاه (2)، و انّ من حقّ الشكر للّه ان تشكر من أجرى تلك النعمة على يده (3)، و من ألفاظ رسول اللّه صلّى اللّه عليه و آله و سلّم المنقولة: لا يشكر اللّه من لا يشكر الناس (4). و قال مولانا الرّضا عليه السّلام:

من لم يشكر المنعم من المخلوقين لم يشكر اللّه عزّ و جلّ (5). و أوضح من ذلك قول النبيّ صلّى اللّه عليه و آله و سلّم: يؤتى بالعبد يوم القيامة فيوقف بين يدى اللّه عزّ و جلّ فيؤمر به إلى النّار، فيقول: اى ربّ! أمرت بي إلى النّار و قد قرات القرآن؟ و يقول اللّه: أي عبدي قد أنعمت عليك و لم تشكر نعمتي، فيقول: أى ربّ أنعمت عليّ. . بكذا، و شكرتك. . بكذا، و أنعمت عليّ. . بكذا، و شكرتك. .

بكذا، فلا يزال يحصي النعمة و يقدّر الشكر، فيقول اللّه: صدقت عبدي، إلاّ إنّك لم تشكر من أجريت لك النعمة على يديه، و انّي آليت على نفسي أن لا أقبل شكر عبد لنعمة أنعمتها عليه حتى يشكر من ساقها من خلقي إليه (6).

ص:252


1- أصول الكافي:2/99 باب الشكر حديث 28.
2- مستدرك وسائل الشيعة:2/396 باب 7 حديث 8، [2] من غرر كلمات أمير المؤمنين عليه السّلام.
3- مستدرك وسائل الشيعة:2/396 باب 7 حديث 9، [3]عن العيون و المحاسن [4]للشيخ المفيد رحمه اللّه.
4- الفقيه:4/272 باب النوادر حديث 828، من ألفاظ رسول اللّه صلّى اللّه عليه و آله و سلّم.
5- عيون أخبار الرضا عليه السّلام:194 باب 30.
6- وسائل الشيعة:11/541 باب 8 حديث 12.

ثم لا فرق في حسن الشكر بين اليسير و الكثير، لما ورد من انّ لم يشكر على اليسير لم يشكر على الكثير (1).

و يستحب عند رؤية أهل البلاء قول: «الحمد للّه على العافية» ، لقول رسول اللّه صلّى اللّه عليه و آله و سلّم: إذا رأيتم أهل البلاء فاحمدوا اللّه، و لا تسمعوهم فإن ذلك يحزنهم (2). و قال أبو جعفر عليه السّلام: تقول ثلاث مرات إذا نظرت الى المبتلي من غير أن تسمعه: «الحمد للّه الذي عافاني ممّا ابتلاك به و لو شاء لفعل» ، قال عليه السّلام: من قال ذلك لم يصبه ذلك البلاء أبدا (3).

و قال أبو عبد اللّه عليه السّلام: ما من عبد يرى مبتلى فيقول: «الحمد للّه الذي عدل عنّي ما ابتلاك به، و فضّلني عليك بالعافية، اللهمّ عافني مما ابتليته به» إلا لم يبتل بذلك البلاء أبدا (4)، و قال عليه السّلام-أيضا-: إذا رايت الرجل قد ابتلى و أنعم اللّه عليك فقل: «اللّهم إنّي لا أسخر و لا أفخر، و لكن أحمدك على عظيم نعمائك عليّ» (5).

و منها: الغيرة:

عدّها مولانا الصادق عليه السّلام من مكارم الأخلاق (6)، و ورد انّ الغيرة من الإيمان (7)، و انّ اللّه غيور يحبّ كلّ غيور، و من غيرته حرّم الفواحش ظاهرها

ص:253


1- مستدرك وسائل الشيعة:2/396 باب 8 حديث 3 [1] كلمات رسول اللّه صلّى اللّه عليه و آله و سلّم.
2- مستدرك وسائل الشيعة:1/386 باب 20 حديث 11.
3- أصول الكافي:2/97 باب الشكر حديث 20.
4- أصول الكافي:2/97 باب الشكر حديث 21.
5- أصول الكافي:2/98 باب الشكر حديث 22.
6- أمالي الشيخ المفيد:192 حديث 22.
7- الجعفريات أو الاشعثيات:95 باب فضل الغيرة، [6] بسنده عن علي بن أبي طالب عليه السّلام-

و باطنها (1)، و انّها إذا لم يغر الرجل فهو منكوس القلب (2)، و انّه اذا اغير الرجل في أهله، أو بعض مناكحه من مملوكه، فلم يغر و لم يغيّر بعث اللّه [عزّ و جلّ] إليه طائرا يقال له: القفندر حتى يسقط على عارضة بابه، ثم يمهله أربعين يوما، ثم يهتف به إنّ اللّه غيور يحبّ كلّ غيور، فإن هو غار و غيّر فأنكر ذلك (فانكره) و إلاّ طار حتى يسقط على رأسه فيخفق بجناحيه [على عينيه]ثم يطير عنه، فينزع اللّه بعد ذلك منه روح الإيمان، و تسمّيه الملائكة: الديّوث (3).

و انّ الجنة ليوجد ريحها من مسيرة خمسمائة عام، و لا يجدها عاقّ و لا ديوث، و هو الذي تزني امرأته و هو يعلم بها (4).

ثمّ انّ الغيرة تختصّ بالرجال، لما ورد من انّ اللّه لم يجعل الغيرة للنساء، و إنّما تغار المنكرات (5)، و انّ النساء إذا غرن غضبن، و إذا غضبن كفرن، إلاّ المسلمات منهنّ (6)، و ان غيرة المرأة كفر، و غيرة الرجل إيمان (7). و إن من

ص:254


1- الكافي:5/535 باب الغيرة حديث 1.
2- الكافي:5/536 باب الغيرة حديث 2.
3- الكافي:5/536 باب الغيرة حديث 3.
4- الفقيه:3/281 باب 133 الغيرة حديث 134 [3]3.
5- الكافي:5/505 باب غيرة النساء حديث 2، [4] بسنده عن أبي عبد اللّه عليه السّلام قال: إنّ اللّه عزّ و جلّ لم يجعل الغيرة للنّساء و إنّما تغار المنكرات منهنّ، فأمّا المؤمنات فلا، إنّما جعل الغيرة للرّجال لأنّه أحلّ للرجال أربعا، و ما ملكت يمينه، و لم يجعل للمرأة إلاّ زوجها، فإذا أرادت معه غيره كانت عند اللّه زانية. . .
6- الكافي:5/505 باب غيرة النساء حديث 4.
7- نهج البلاغة القسم الثاني:3/179 حديث 124.

صبرت منهن و احتسبت أعطاها اللّه أجر ألف شهيد (1).

و منها: التودّد إلى الجار و الصاحب:

عدّهما الصادق عليه السّلام من مكارم الأخلاق (2)، و إليهما يرجع ما عدّه النبي صلّى اللّه عليه و آله و سلّم منها من التذمّم للجار و الصاحب، و قد مرّ فضل التودّد للجار في الفصل الثالث، و فضل التودّد إلى الصاحب في المقامات السابقة من هذا الفصل.

و منها: أداء الأمانة:

عدّه الصادق عليه السّلام من مكارم الأخلاق (3)، و ورد: ان صدق الحديث، و أداء الأمانة، يجلب الرزق (4). و انّ عليا عليه السّلام إنّما بلغ ما بلغ عند رسول اللّه صلّى اللّه عليه و آله و سلّم بصدق الحديث و أداء الأمانة (5). و انّه لا إيمان لمن لا أمانة له (6). و أنّه: لا تنظروا إلى طول ركوع الرجل و سجوده فإن ذلك شيء اعتاده، فلو تركه استوحش لذلك، و لكن انظروا الى صدق

ص:255


1- الجعفريات أو الاشعثيات:96.
2- مستدرك وسائل الشيعة:2/283 باب 6 حديث 16.
3- أمالي الشيخ المفيد:192 المجلس الثالث و العشرون حديث 22.
4- الكافي:5/133 باب أداء الأمانة حديث 7، [3] بسنده عن أبي عبد اللّه عليه السّلام قال: قال رسول اللّه صلّى اللّه عليه و آله و سلّم: ليس منّا من أخلف بالأمانة، و قال: قال رسول اللّه صلّى اللّه عليه و آله و سلّم: الأمانة تجلب الرزق، و الخيانة تجلب الفقر.
5- أصول الكافي:2/104 باب الصدق و أداء الأمانة حديث 5.
6- مستدرك وسائل الشيعة:2/504 باب 1 حديث 5.

حديثه، و أداء أمانته (1). و لا تنظروا إلى كثرة صلاتهم و صومهم و كثرة الحجّ، و المعروف، و طنطنتهم بالليل، بل انظروا الى صدق الحديث و أداء الأمانة (2). و انّ حافتا الصراط يوم القيامة الرّحم و الأمانة، فإذا مرّ الوصول للرحم المؤدّي للأمانة نفذ إلى الجنّة، و إذا مرّ الخائن للأمانة، القطوع للرّحم، لم ينفعه معهما عمل، و تكفأ به الصراط في النّار (3). و انّ من ائتمن على أمانة فأدّاها فقد حلّ ألف عقدة [من عنقه]من عقد النار، فبادروا بأداء الأمانة. و انّ من اؤتمن على امانة وكّل به إبليس مائة شيطان من مردة أعوانه ليضلّوه و يوسوسوا إليه حتى يهلكوه إلاّ من عصمه اللّه (4). و انّ اربعا من كنّ فيه كمل إيمانه و لو كان ما بين قرنه إلى قدمه ذنوبا لم ينقصه ذلك، و هي: الصدق، و أداء الأمانة، و الحياء، و حسن الخلق (5). و ان ثلاثا لا عذر فيها: أداء الأمانة الى البرّ و الفاجر، و الوفاء بالعهد للبرّ و الفاجر، و برّ الوالدين برّين كانا أو فاجرين (6). و لا فرق بين أمانة البرّ و الفاجر، و المسلم و الكافر، لما عرفت. و ورد: انّ اللّه عزّ و جلّ لم يبعث نبيّا إلاّ بصدق الحديث، و أداء الأمانة إلى البرّ و الفاجر (7). و قال الصادق عليه السّلام: إن ضارب عليّ عليه السّلام بالسيف و قاتله لو ائتمنني و استنصحني و استشارني ثم قبلت ذلك منه لأدّيت إليه الأمانة (8). و ورد عنهم عليهم السّلام الأمر الأكيد بردّ الأمانة و أدائها إلى الأسود و الأبيض، و ان كان حروريا، و إن

ص:256


1- أصول الكافي:2/105 باب الصدق و أداء الأمانة حديث 12.
2- الأمالي للشيخ الصدوق:383 [2] المجلس الخمسون حديث 6.
3- أصول الكافي:2/152 باب صلة الرحم حديث 11.
4- الأمالي أو المجالس للشيخ الصدوق:177 المجلس التاسع و الاربعون.
5- التهذيب:6/350 باب 93 المكاسب حديث 990.
6- الكافي:5/132 باب أداء الأمانة حديث 1.
7- أصول الكافي:2/104 باب الصدق و أداء الأمانة حديث 1.
8- الكافي:5/133 باب أداء الأمانة حديث 5.

كان شاميا (1)، و إن كان مجوسيا (2)، و إن كان قاتل ولد الانبياء عليهم السّلام (3)، و إن كان قاتل الحسين عليه السّلام (4)، و إن كان خبيثا خارجيا (5).

لأنه ائتمنه عليه بأمانة اللّه.

ص:257


1- روضة الكافي:8/236 حديث 316، بسنده عن أبي شبل قال: قال لي أبو عبد اللّه عليه السّلام ابتداء منه احببتمونا و أبغضنا الناس، و صدّقتمونا و كذّبنا النّاس، و وصلتمونا و جفانا النّاس، فجعل اللّه محياكم محيانا، و مماتكم مماتنا، أما و اللّه ما بين الرّجل و بين أن يقرّ اللّه عينه إلاّ أن تبلغ نفسه هذا المكان-و أومأ بيده إلى حلقه فمدّ الجلدة، ثم أعاد ذلك-، فو اللّه ما رضى حتّى حلف لي فقال: و اللّه الذي لا إله إلاّ هو لحدثني أبي محمد بن علي عليهما السّلام بذلك، يا أبا شبل! أما ترضون أن تصلّوا و يصلّوا فيقبل منكم و لا يقبل منهم، أما ترضون أن تزكّوا و يزكّوا فيقبل منكم و لا يقبل منهم، و اللّه ما تقبل الصلاة إلاّ منكم، و لا الزكاة إلاّ منكم، و لا الحجّ إلاّ منكم، فاتّقوا اللّه عزّ و جلّ فإنّكم في هدنة، و أدّوا الأمانة، فإذا تميّز الناس فعند ذلك ذهب كل قوم بهواهم، و ذهبتم بالحقّ ما أطعتمونا، أ ليس القضاة و الأمراء و أصحاب المسائل منهم؟ قلت: بلى، قال عليه السّلام: فاتقوا اللّه عزّ و جلّ فإنكم لا تطيقون الناس كلهم، إنّ الناس أخذوا هههنا و ههنا و انّكم أخذتم حيث أخذ اللّه عزّ و جلّ، إنّ اللّه عزّ و جلّ اختار من عباده محمدا صلّى اللّه عليه و آله و سلّم فاخترتم خيرة اللّه، فاتّقوا اللّه و أدّوا الأمانات إلى الأسود و الأبيض و إن كان حروريّا و إن كان شاميّا.
2- التهذيب:6/351 حديث 993، بسنده عن الحسين الشيباني، عن أبي عبد اللّه عليه السّلام قال قلت له: إن رجلا من مواليك يستحل مال بني اميّة و دماءهم و انه وقع لهم عنده وديعة، فقال: أدّوا الأمانات إلى أهلها و إن كانوا مجوسا، فإن ذلك لا يكون حتى يقوم قائمنا عليه السّلام. . .
3- الخصال:2/614 حديث الاربعمائة: أدّوا الأمانة إلى من أئتمنكم و لو إلى قتلة أولاد الأنبياء عليهم السّلام.
4- الأمالي أو المجالس للشيخ الصدوق:148.
5- التهذيب:6/351 باب 93 المكاسب حد [1]يث 996، بسنده عن محمد بن القاسم قال: سألت أبا الحسن موسى عليه السّلام عن رجل استودع رجلا مالا له قيمة و الرجل الذي-

و منها: السخاء و الجود:

عدّه مولانا الصادق عليه السّلام من مكارم الأخلاق 1، و ورد انّ السخاء شجرة في الجنّة أغصانها متدلّيات في الأرض، فمن أخذ بغصن من أغصانها قاده ذلك الغصن إلى الجنّة، و البخل شجرة في النار فمن تمسّك بغصن من أغصانها جذبته إلى النّار 2. و انّ شابا مقارفا للذنوب سخيا أحب إلى اللّه من شيخ عابد بخيل 3. و ان السخاء كمال المؤمن 4. و انّه من أفضل الأخلاق 5.

و انّ السخي قريب من اللّه قريب من الجنّة بعيد من النّار، و البخيل بعيد من اللّه بعيد من الجنة قريب من النّار 6، و انّ أحبّ الخلق إلى إبليس مؤمن بخيل، و أبغضهم إليه فاسق سخيّ يخاف أن يغفر له بسخائه 7، و انّ السخاء بالحرّ أخلق 8، و انّ به تزان الأفعال، و بالجود يسود الرجال، و انّ السخاء يستر العيوب، و انّ جود الرجل يحبّبه إلى اضداده، و بخله يبغضّه 9. و ان اللّه تعالى

ص:258

رفع عن حاتم العذاب الشديد لسخاء نفسه (1). و منع اللّه موسى عليه السّلام من قتل السامري لسخائه (2). و انّ السخي محبّب في السموات، محبّب في الارضين، خلق من طينة عذبة، و خلق ماء عينيه من [ماء]الكوثر، و البخيل مبغّض في السموات، مبغّض في الأرضين، خلق من طينة سبخة، و خلق ماء عينية من ماء العوسج (3). و انّ السخي الحسن الخلق في كنف اللّه لا يتخلّى [خ. ل يستخلي]اللّه منه حتى يدخله اللّه الجنة، و ما بعث اللّه نبيّا و لا وصيّا إلاّ سخيّا، و ما كان أحد من الصالحين الاّ سخيّا (4)، و انّ أفضل الناس إيمانا أبسطهم كفّا (5).

و ورد انّ السماحة البذل في اليسر و العسر (6)، و انّ سخاء المرء عمّا في أيدي الناس أكثر من سخاء النفس و البذل (7)، و ورد: ان السخاء ان تخرج من مالك الحق الذي أوجب اللّه عليك فتضعه في موضعه (8). و انّ الجواد الذي يؤدّي ما افترض اللّه عليه (9)، و انّ السخي [الكريم]. . الذي ينفق ماله في حق (10)، و انّ السخاء أن تسخوا نفس العبد عن الحرام أن يطلبه (11)، فإذا ظفر

ص:259


1- مستدرك وسائل الشيعة:2/643 باب 15 حديث 20.
2- الفقيه:2/34 باب 16 فصل السخاء و الجود حديث 136.
3- الكافي:4/39 باب معرفة الجود و السخاء حديث 3.
4- الكافي:4/39 باب معرفة الجود و السخاء حديث 4.
5- الكافي:4/40 باب معرفة الجود و السخاء حديث 7.
6- الكافي:4/41 باب معرفة الجود و السخاء حديث 11.
7- مشكاة الأنوار:207 الفصل الرابع في السخاوة و البخل.
8- الكافي:4/39 باب الجود و السخاء حديث 2.
9- الكافي:4/38 باب الجود و السخاء حديث 1.
10- معاني الأخبار:256 باب معنى السخاء و حدّه حديث 2.
11- في المطبوع: ان تطلبه، و المعنى واحد.

بالحلال طابت نفسه أن ينفقه في طاعة اللّه عزّ و جلّ (1).

و منها: ذكر اللّه كثيرا:

عدّه مولانا الصادق عليه السّلام من مكارم الأخلاق (2). و يأتي فضله في المقام الثاني من الفصل الحادي عشر ان شاء اللّه تعالى.

و منها: القناعة:

عدّه مولانا الصادق عليه السّلام من مكارم الأخلاق (3). . . و قد ورد أن من قنع بما قسم اللّه له فهو أغنى الناس، و انّ من رضي من اللّه باليسير من الرزق رضى اللّه منه باليسير من العمل (4)، و إن شئت زيادة على ذلك فراجع الفصل الثاني من مرآة الرشاد (5).

ص:260


1- معاني الأخبار:256 باب معنى السخاء و حدّه حديث 3. و جاء في حاشية المطبوع و لم يعلّم: و قال الشاعر الفارسي: تجربه كردم زهر انديشه نيست نكوتر ز سخا پيشه
2- مستدرك وسائل الشيعة:2/282 باب 6 حديث 7.
3- الأمالي للشيخ المفيد:192 حديث 22، و أصول الكافي:2/56 باب مكارم الاخلاق حديث 2.
4- أصول الكافي:2/138 باب القناعة حديث 3، [2] بسنده عن أبي عبد اللّه عليه السّلام قال: من رضي من اللّه باليسير من المعاش رضي اللّه منه باليسير من العمل. . و صفحه 139 حديث 9، بسنده عن أبي جعفر أو أبي عبد اللّه عليهاالسّلام قال: من قنع بما رزقه اللّه فهو من أغنى الناس.
5- جاء في حاشية المطبوع من الحجريه ما نصه: -

و منها: الحياء و حسن الخلق و العفو:

عدّها مولانا الصادق عليه السّلام من مكارم الأخلاق (1). بل ورد أنه رأس مكارم الاخلاق (2)و قد مر التعرّض لها في المقام الأول من هذا الفصل و في الفصل الثاني من مرآة الرشاد فلاحظ.

و منها: صدق الحديث:

عدّه النبي صلّى اللّه عليه و سلّم و الصادق عليه السّلام من مكارم الأخلاق (3)، و قد مرّ بيانه في المقام الأوّل، فراجع.

ص:261


1- أصول الكافي:2/56 باب المكارم حديث 2 [1]و 6 و/107 حديث 2.
2- أصول الكافي:2/55 باب المكارم حديث 1، بسنده عن الحسين بن عطيّة، عن أبي عبد اللّه عليه السّلام قال: المكارم عشر فإن استطعت أن تكون فيك فلتكن فإنّها تكون في الرجل و لا تكون في ولده، و تكون في الولد و لا تكون في أبيه، و تكون في العبد و لا تكون في الحرّ، قيل: و ما هنّ؟ قال: صدق اليأس [خ. ل: البأس]و صدق الّلسان، و أداء الأمانة، و صلة الرحم، و إقراء الضيف، و إطعام السائل، و المكافأة على الصنايع، و التذمّم للجار، و التذمّم للصّاحب، و رأسهنّ الحياء.
3- الأمالي للشيخ المفيد:192 حديث 22، بسنده عن أبي عبد اللّه جعفر بن محمد صلوات اللّه عليهما انّه قال: إنّا لنحبّ من شيعتنا من كان عاقلا، فهما، فقيها، حليما، مداريا، -

و منها: إقراء الضيف:

عدّه النبيّ صلّى اللّه عليه و آله و سلّم و الصادق عليه السّلام من مكارم الأخلاق (1). و قد مرّ في المقام السابع من الفصل الرابع فضله، فراجع.

و منها: صلة الرّحم:

عدّها النّبي صلّى اللّه عليه و آله و سلّم و الصّادق عليه السّلام من مكارم الأخلاق (2)، و قد مر في آخر الفصل الأول شطر ممّا ورد فيها. و عدّ النّبي صلّى اللّه عليه و آله و سلّم و الصّادق عليه السّلام صلة من قطعك من مكارم الأخلاق 3، و زاد الصادق عليه السّلام عدّ إعطاء من حرمك منها 4.

و منها: إطعام السائل:

عدّه الصادق عليه السّلام من مكارم الأخلاق 5، و بمعناه ما عدّ النّبي

ص:262


1- أصول الكافي:2/55 باب المكارم حديث 1.
2- أصول الكافي:2/55 باب المكارم حديث 1، و صفحه 150 باب صلة الرحم احاديث الباب

صلّى اللّه عليه و آله و سلّم منها، و هو إعطاء السائل، و يكفي في فضله مدح اللّه سبحانه به أهل البيت عليهم السّلام بقوله عزّ من قائل وَ يُطْعِمُونَ اَلطَّعامَ عَلى حُبِّهِ مِسْكِيناً وَ يَتِيماً وَ أَسِيراً (1)و قد مرّ في المقام السابع من الفصل الرابع ما ورد في فضل مطلق إطعام الطعام، و في المقام الأول من الفصل المذكور بيان كراهة ردّ السائل.

و منها: البرّ:

عدّه الصادق عليه السّلام من مكارم الأخلاق (2). و قد ورد الحثّ الأكيد على البرّ بالوالدين كما تقدّم بيانه في الفصل الأول، و بالمؤمن و على التعاون على البرّ، فورد: انّ ممّا خصّ اللّه به المؤمن أن يعرّفه برّ اخوانه و إن قلّ، و ليس البرّ بالكثرة [و ذلك]انّ اللّه عزّ و جلّ يقول في كتابه وَ يُؤْثِرُونَ عَلى أَنْفُسِهِمْ وَ لَوْ كانَ بِهِمْ خَصاصَةٌ ثم قال: وَ مَنْ يُوقَ شُحَّ نَفْسِهِ فَأُولئِكَ هُمُ اَلْمُفْلِحُونَ (3)و من عرّفه اللّه عزّ و جلّ بذلك أحبّه، و من احبه اللّه تبارك و تعالى وفّاه أجره يوم القيامة بغير حساب (4). و ورد انه ما أحسن مؤمن إلى مؤمن و لا أعانه إلا خمش وجه إبليس و قرح قلبه (5)، و انّ خياركم سمحاؤكم، و شراركم بخلائكم (6)،

ص:263


1- سورة هل اتى (الانسان) آية 8، و [1]قد أجمع المفسرون و المحدثون من الخاصة و العامّة إلاّ بعض أغيلمة النواصب لعنهم اللّه تعالى بأن الآية الشريفة نزلت في علي أمير المؤمنين و الصّديقة الطاهرة و سيدي شباب أهل الجنّة عليهم أفضل الصلاة و السّلام.
2- الأمالي للشيخ المفيد:192 حديث 22.
3- سورة الحشر:9.
4- أصول الكافي:2/206 باب الطاف المؤمن و إكرامه حديث 6، و [3]في آخر الحديث قول أبي عبد اللّه عليه السّلام: يا جميل! ارو هذا الحديث لإخوانك فإنّه ترغيب في البرّ.
5- أصول الكافي:2/207 باب الطاف المؤمن و إكرامه حديث 9.
6- الأمالي للشيخ المفيد 291 المجلس الرابع و [5] الثلاثون حديث 9، و تمام الحديث: و من صالح-

و انّ من خالص الإيمان البرّ بالإخوان، و في ذلك محبّة من الرحمن، و مرغمة للشيطان، و تزحزح عن النيران (1)، و إن من حسن بره بإخوانه و أهله مدّ في عمره (2). و انّ البرّ و حسن الجوار زيادة في الرزق، و عمارة في الديار (3). و انّه ما يعبد اللّه بمثل نقل الأقدام إلى برّ الإخوان و زيارتهم (4)، و إنّ أسرع الخير ثوابا البرّ (5). و قال تعالى تَعاوَنُوا عَلَى اَلْبِرِّ وَ اَلتَّقْوى (6)و قال رسول اللّه صلّى اللّه عليه و آله و سلّم: إنّ معاونة المسلم خير و أعظم أجرا من صيام شهر و اعتكافه في المسجد الحرام (7).

و منها: المروّة:

عدّها مولانا الصادق عليه السّلام من مكارم الأخلاق 8. و قال الكاظم عليه السّلام، لا دين لمن لا مروة له، و لا مروة لمن لا عقل له 9. و قال عليه

ص:264


1- مستدرك وسائل الشيعة:2/310 باب 31 حديث 1.
2- مستدرك وسائل الشيعة:2/310 باب 31 حديث 2، [2]عن تحف العقول.
3- مستدرك وسائل الشيعة:2/310 باب 31 حديث 11 [3].
4- مستدرك وسائل الشيعة:2/310 باب 31 حديث 3.
5- مستدرك وسائل ال [5]شيعة:2/310 باب 31 حديث 9.
6- سورة المائدة:2.
7- روضة الكافي:8/9 رسالة الصادق عليه ال [6]سّلام لجماعة الشيعة.

السّلام: من عامل الناس فلم يظلمهم، و حدّثهم فلم يكذبهم، و وعدهم فلم يخلفهم، كان ممّن حرمت غيبته، و كملت مروّته، و ظهر عدله، و وجبت أخوّته (1)، و يكفي في فضل المروة اشتراطهم ترك منافياتها في العدالة. و قد ورد تفسير المروّة بأمور يجمعها انّها وضع الرجل خوانه بفناء داره، و شحّه على دينه، و حفظه له، و إصلاحه ماله، و تعاهد ضيعته، و قيامه بالحقوق، و حسن منازعته، و إفشاء السّلام، و لين الكلام، و الكفّ، و التحّبب إلى الناس، و العفاف، و حسن التقدير في المعيشة، و الصبر على النائبة (2).

ص:265


1- وسائل الشيعة:18/293 باب 41 حديث 15، [1] بسنده عن أمير المؤمنين عليه السّلام قال: قال رسول اللّه صلّى اللّه عليه و آله و سلّم: من عامل الناس فلم يظلمهم، و حدّثهم فلم يكذبهم، و وعدهم فلم يخلفهم، فهو ممّن كملت مروّته، و ظهرت عدالته، و وجبت أخوّته، و حرمت غيبته.
2- الفقيه:2/192 باب 96 باب المروّة في السفر حديث 877، و الأمالي للشيخ الصدوق: 551 المجلس الثاني و [3]الثمانون حديث 3، بسنده عن أبان الاحمر، عن الصادق جعفر بن محمد عليهما السّلام قال: إنّ الناس تذاكروا عنده الفتوّة فقال: أتظنّون ان الفتوة بالفسق و الفجور؟ ! كلاّ، إن الفتوّة، و المروّة طعام موضوع، و نائل مبذول، و اصطناع المعروف، و أذى مكفوف، فأمّا تلك فشطارة و فسق، ثم قال عليه السّلام: ما المروّة؟ فقلنا: لا نعلم. قال: المروّة و اللّه ان يضع الرجل خوانه بفناء داره، و المروة مروتان: مروة في الحضر و مروة في السفر، فامّا التي في الحضر فتلاوة القرآن، و لزوم المساجد، و المشي مع الإخوان في الحوائج، و الإنعام على الخادم فإنه ممّا يسّر الصديق، و يكبت العدو، و أمّا التي في السفر فكثرة الزاد و طيبه و بذله لمن كان معك، و كتمانك على القوم سرّهم بعد مفارقتك إيّاهم. . و في معاني الأخبار:257 باب معنى المروة حديث 2، بسنده سأل معاوية الحسن بن علي عليه السّلام عن المروّة، فقال: شحّ الرجل على دينه، و إصلاحه ماله، و قيامه بالحقوق. و في 258 حديث 5، بسنده سئل الحسن بن علي عليهما السّلام عن المروّة فقال: العفاف في الدين و حسن التقدير في المعيشة، و الصبر على النائبة.

و ورد انّ المروة مروّتان: مروة في الحضر و هي تلاوة القرآن، و لزوم المساجد و عمارتها، و اتخاذّ الإخوان في اللّه، و المشي معهم في الحوائج، و صحبة أهل الخير، و النظر في الفقه، و الإنعام على الخادم، فانه ممّا يسّر الصديق و يكبت العدو.

و مروّة في السفر و هي كثرة الزّاد و طيبه، و بذله لمن كان معك، و كتمانك على القوم سرّهم بعد مفارقتك إيّاهم، و ترك الرواية، و حسن الخلق، و كثرة المزاح في غير ما يسخط اللّه عز و جل، و قلّة الخلاف على من صحبك (1). قال صلّى اللّه عليه و آله و سلّم: و الذي بعث محمدا صلّى اللّه عليه و آله و سلّم بالحقّ نبيّا انّ اللّه عزّ و جلّ ليرزق العبد على قدر المروة، و انّ المعونة لتنزل من السماء على قدر المؤونة، و انّ الصبر لينزل على قدر شدّة البلاء (2).

و منها: ان يعود من لا يعوده:

عدّه النبيّ صلّى اللّه عليه و آله و سلّم من مكارم الأخلاق، و فضله ظاهر، و يأتي في الفصل الثاني عشر فضل عيادة المريض ان شاء اللّه تعالى.

و منها: قول الحقّ و لو على النفس:

عدّه الإمام الصادق عليه السّلام من مكارم الأخلاق (3)، و قد مرّ في الإنصاف ما يدلّ عليه من الأخبار.

ص:266


1- الأمالي: للشيخ الصدوق:551 المجلس الثاني و [1]الثمانون حديث 3.
2- الأمالي أو المجالس للشيخ الصدوق:552 المجلس الثاني و الثمانون حديث 3 ذيله.
3- الأمالي أو المجالس للشيخ الصدوق:280 المجلس السابع و الأربعون حديث 10.

المقام التاسع: في بيان جملة من محامد الأوصاف و الأفعال غير ما مرّ في المقام الأول و الثامن

و هي كثيرة:

فمنها:

طلب العلم:

فانّه من أهمّ الفرائض، و أحمد الصفات، و هو المايز بين الحيوان و البشر، و قد استوفينا القول فيه في الفصل الرابع من رسالة مرآة الرشاد التي هي كالمقدمة لهذا الكتاب، فراجع ما هناك و تدّبر.

و منها:

جهاد النفس:

و ذمّها، و تأديبها، و إصلاحها عند ميلها إلى الشّر، و مخالفة الهوى و اجتناب الشهوات، فقد ورد انّ جهاد النفس هو الجهاد الأكبر (1)، و انّ المجاهد من جاهد نفسه (2)، و انّ أفضل الجهاد من جاهد نفسه التّي بين جنبيه (3)، و قال الصادق عليه السّلام: اجعل نفسك عدوّا تجاهده (4)، و قال أمير المؤمنين عليه السّلام: أيها النّاس تولّوا من أنفسكم تأديبها، و اعدلوا بها عن ضراوة

ص:267


1- الكافي:5/12 باب وجوه الجهاد حديث 3، [1] بسنده عن أبي عبد اللّه عليه السّلام ان النبي صلّى اللّه عليه و آله و سلّم بعث بسريّة فلما رجعوا، قال: مرحبا بقوم قضوا الجهاد الأصغر و بقي الجهاد الأكبر، قيل: يا رسول اللّه! و ما الجهاد الأكبر؟ قال: جهاد النفس.
2- المجازات النبويّة:128.
3- الأمالي للشيخ الصدوق:467 [2] المجلس الحادي و السبعون حديث 8.
4- وسائل الشيعة:11/122 باب 1 حديث 4.

عاداتها (1)، و قال رسول اللّه صلّى اللّه عليه و آله و سلّم: من مقت نفسه دون مقت الناس، آمنه اللّه من فزع يوم القيامة (2)، و قال أبو الحسن عليه السّلام: إنّ رجلا في بني إسرائيل عبد اللّه أربعين سنة، ثمّ قرّب قربانا فلم يقبل منه، فقال لنفسه: ما أتيت الاّ منك، و ما الذّم الاّ لك، فأوحى اللّه عزّ و جلّ إليه: ذمّك نفسك أفضل من عبادتك أربعين سنة (3). و قد جعل أمير المؤمنين عليه السّلام اتّباع الهوى، و طول الأمل، أخوف مما يخاف علينا، ثم قال عليه السّلام: امّا اتّباع الهوى فإنّه يصدّ عن الحق، و أمّا طول الأمل فإنّه ينسي الآخرة (4). و في خبر آخر: احذروا اهواءكم كما تحتذرون أعداءكم، فليس شىء أعدى للرجال من اتّباع أهوائهم، و حصائد ألسنتهم (5). و اعتبر الحجّة المنتظر عجّل اللّه تعالى فرجه و جعلنا من كلّ مكروه فداه، في المقلّد-بالفتح-مخالفة الهوى، و في الأخبار المستفيضة عنهم عليهم السّلام بعبارات متقاربة يجمعها انّ اللّه عزّ و جلّ يقول: و عزّتي و جلالي، و عظمتي و جمالي، و بهائي و نوري، و علوّي و ارتفاع مكاني، لا يؤثر عبد هواي على هوى نفسه، إلاّ جعلت همّهه في آخرته، و غناه في قلبه، و استحفظته ملائكتي، و كفلت السموات و الارضون رزقه، و كنت له من وراء تجارة كلّ تاجر، و أتته الدّنيا و هي راغمة، و لا يؤثر عبد هواه على هواي إلا شتّت أمره، و لبست عليه دنياه، و شغلت قلبه بها، و لم آته منها إلاّ ما قدّرت له (6). و قال أبو الحسن عليه السّلام: إنّ اللّه تبارك و تعالى أيّد المؤمن بروح منه،

ص:268


1- نهج البلاغة:3/238 حديث 359.
2- ثواب الأعمال:216 ثواب من مقت نفسه دون مقت الناس حديث 1.
3- أصول الكافي:2/73 باب الاعتراف بالتقصير حديث 3.
4- أصول الكافي:2/335 باب اتباع الهوى حديث 3.
5- أصول الكافي:2/335 باب اتباع الهوى حديث 1.
6- أصول الكافي:2/335 باب اتباع الهوى حديث 2، [5] مع تقديم و تأخير في بعض الجمل.

يحضره في كل وقت يحسن فيه و يتّقي، و يغيب عنه في كلّ وقت يذنب فيه و يعتدي، فهي معه تهتزّ سرورا عند إحسانه، و تسيح في الثرى عند اساءته، فتعاهدوا عباد اللّه نعمه بإصلاحكم انفسكم، تزدادوا يقينا، و تربحوا نفيسا ثمينا، رحم اللّه امرأ همّ بخير فعمله، او همّ بشّر فارتدع عنه، ثم قال: نحن نزيد الروح بالطاعة للّه و العمل له (1). و قال الصادق عليه السّلام: اقصر نفسك عمّا يضرّها من قبل أن تفارقك، واسع في فكاكها كما تسعى في طلب معيشتك، فإنّ نفسك رهينة بعملك (2). و قال أمير المؤمنين عليه السّلام: من اصلح ما بينه و بين اللّه أصلح اللّه بينه و بين الناس، و من أصلح أمر آخرته أصلح اللّه دنياه (3)، و من أصلح سريرته أصلح اللّه علانيته (4). و قال الباقر عليه السّلام: الجنّة محفوفة بالمكاره و الصبر، فمن صبر على المكاره في الدّنيا دخل الجنة، و جهنّم محفوفة باللّذات و الشهوات، فمن أعطى نفسه لذّتها و شهوتها دخل النّار (5). و قال رسول اللّه صلّى اللّه عليه و آله و سلّم: طوبى لمن ترك شهوة حاضرة لموعد لم يره (6). و قال أمير المؤمنين عليه السّلام: ترك الخطيئة أيسر من طلب التوبة، و كم من شهوة ساعة أورثت حزنا طويلا (7).

ص:269


1- أصول الكافي:2/268 باب الروح الذي أيّد به المؤمن حديث 1.
2- أصول الكافي:2/455 باب محاسبة النفس حديث 8.
3- نهج البلاغة/الجزء الثالث/ [3]254 حديث 423.
4- نهج البلاغة/الجزء الثالث [4]حديث 423، و فيه: و قال عليه السّلام: من أصلح سريرته أصلح اللّه علانيته، و من عمل لدينه كفاه اللّه دنياه، و من أحسن فيما بينه و بين اللّه كفاه اللّه ما بينه و بين الناس.
5- أصول الكافي:2/89 باب الصبر حديث 7.
6- الخصال:1/2 ترك خصلة موجودة بخصلة موعودة حديث 2.
7- أصول الكافي:2/451 باب ترك الخطيئة أيسر من طلب التوبة حديث 1 و [6]تمام الحديث-

و منها:

اجتناب الخطايا و الذنوب و المعاصي حتّى محقّراتها:

فإنّها تضرّ الدّنيا و الآخرة، امّا ضررها بالنسبة إلى الآخرة فواضح، لانّها توجب عقاب اللّه و عذابه، و قد ورد انّ العبد ليحبس على ذنب من ذنوبه مئة عام، و إنّه لينظر إلى أزواجه في الجنّة يتنعمّن (1)، و امّا ضررها بالنسبة إلى الدنيا فهو انّها تسلب العبد النعمة و تزوي عنه الرزق (2)، و توجّه اليه النقمة و النكبة و المرض و السقم و البلاء، كما نطقت بذلك الأخبار، فقد ورد انّ اللّه قضى قضاء حتما أن لا ينعم على العبد بنعمة فيسلبها إيّاه حتّى يحدث العبد ذنبا يستحق بذلك النقمة (3). و انّ العبد ليذنب الذنب فيزوى عنه الرزق (4). و انّ العمل السّيّىء أسرع لصاحبه من السكين في اللحم 5. و انّ كلّما أحدث العباد من الذنوب ما لم يكونوا يعملون، أحدث لهم من البلاء ما لم يكونوا يعرفون 6. و انّ أحدكم لتصيبه معرّة من السلطان، و ما ذلك إلاّ بذنوبه. و انّه ليصيبه السقم و ما ذاك إلاّ بذنوبه. و انّه ليحبس عنه الرزق و ما هو إلاّ بذنوبه. و انّه ليشدّد عليه عند الموت و ما ذلك إلاّ بذنوبه 7. و انّه ليس من عرق يضرب، و لا نكبة، و لا

ص:270


1- أصول الكافي:2/272 باب الذنوب حديث 19، [1]و الأمالي للشيخ الصدوق:412 المجلس الرابع و الستون حديث 9.
2- أصول الكافي:2/270 باب الذنوب حديث 8 و [2] صفحه 271 حديث 11.
3- أصول الكافي:2/273 باب الذنوب حديث 22 [3].
4- أصول الكافي [4]:2/270 باب الذنوب حديث 8.

صداع، و لا مرض، الاّ بذنب، و ما يعفو اللّه أكثر ممّا يؤاخذه به (1). و انّه ما شىء أفسد للقلب من الخطيئة. و انّ القلب ليواقع الخطيئة، فما تزال به حتّى تغلب عليه فيصير أعلاه أسفله (2). و انّه ما من عبد إلاّ و في قلبه نكته بيضاء فإذا أذنب ذنبا خرج في قلبه نكتة سوداء، فإن تاب ذهب ذلك السّواد، و إن تمادى في الذنوب زاد ذلك السواد حتّى يغطّي البياض، فإذا غطّى البياض لم يرجع صاحبه إلى خير أبدا (3). و انّ العبد يسأل اللّه الحاجة فيكون من شأنه قضاؤها إلى أجل قريب، أو إلى وقت بطيء، فيذنب العبد ذنبا فيقول اللّه تبارك و تعالى للملك: لا تقض حاجته، و احرمه إيّاها، فإنّه تعرّض لسخطي، و استوجب الحرمان منّي (4). و انّ من همّ بالسيئة فلا يعملها، فانّه ربّما عمل العبد السيئة فيراه اللّه تبارك و تعالى فيقول: و عزّتي و جلالي لا أغفر لك بعد ذلك أبدا (5).

و انّه أوحى اللّه إلى نبيّ من الأنبياء: إذا أطعت رضيت، و إذا رضيت باركت، و ليس لبركتي نهاية، و إذا عصيت غضبت، و إذا غضبت لعنت و لعنتي تبلغ السابع من الثرى (6). و انّه قال تعالى: أيّما عبد أطاعني لم أكله انى غيري، و ايّما عبد عصاني و كلته إلى نفسه، ثم لم أبال في أيّ واد هلك (7). و ان للّه عزّ و جلّ في كلّ يوم و ليلة مناديا ينادي: مهلا مهلا عباد اللّه عن معاصي اللّه، فلولا بهائم رتّع،

ص:271


1- أصول الكافي:2/269 باب الذنوب حديث 3.
2- أصول الكافي:2/268 باب الذنوب حديث 1.
3- أصول الكافي:2/273 باب الذنوب حديث 20.
4- أصول الكافي:2/271 باب الذنوب حديث 14.
5- أصول الكافي:2/272 باب الذنوب حديث 17.
6- أصول الكافي:2/275 باب الذنوب حديث 26.
7- الفقيه:4/489 باب النوادر حديث 865.

و صبية رضّع، و شيوخ ركّع، لصبّ عليكم العذاب صبّا، ترضّون به رضّا (1). و قال الصادق عليه السّلام: اتّقوا المحقّرات من الذنوب فإنّها لا تغفر. و فسر عليه السّلام المحقّرات بأن الرجل يذنب الذنب فيقول: طوبى لي ان لم يكن لي غير ذلك (2). و ورد ان أشدّ الذنوب ما استخفّ به صاحبه (3). و إيّاكم و محقّرات الذنوب، فإنّ لها من اللّه طالبا، و إنّها لتجتمع على المرء حتى تهلكه (4). و ان اللّه كتم ثلاثة في ثلاثة: كتم رضاه في طاعته، و كتم سخطه في معصيته، و كتم وليّه في خلقه، فلا يستخفن أحدكم شيئا من الطاعات، فإنّه لا يدري في أيّها رضى اللّه، و لا يستقلّن أحدكم شيئا من معاصي اللّه فإنه لا يدري في أيّها سخط اللّه، و لا يزرينّ أحدكم بأحد من خلق اللّه، فإنّه لا يدري أيّهم وليّ اللّه (5). و قال عليه السّلام: لا تستصغرنّ حسنة ان تعملها، فإنّك تراها حيث يسرّك، و لا تستصغرنّ سيّئة تعملها فإنّك تراها حيث تسوؤك (6).

و منها:

العدل:

فقد ورد انه احلى من الشهد، و ألين من الزبد، و اطيب ريحا من المسك (7).

و انه يطيل العمر كما ان الجور يقصره (8)، و انّ أشدّ الناّس و أعظمهم حسرة

ص:272


1- أصول الكافي:2/276 باب الذنوب حديث 31.
2- أصول الكافي:2/287 باب استصغار الذنب حديث 1.
3- نهج البلاغة:3/235 حديث 348، و صفحه 266 حديث 477.
4- وسائل الشيعة:11/247 باب 43 حديث 11.
5- وسائل الشيعة:11/247 باب 43 حديث 12.
6- وسائل الشيعة:11/246 باب 43 حديث 9.
7- أصول الكافي:2/147 باب العدل حديث 15.
8- روضة الكافي:8/271، حديث 400 و قد ذكر المؤلف قدس سره مضمون الحديث.

و عذابا يوم القيامة من وصف عدلا ثم خالفه إلى غيره (1).

و منها:

الإنصاف و لو من النفس:

فقد ورد انه سيد الأعمال (2). و انه من علائم الإيمان حقّا (3). و ان من أنصف الناس من نفسه لم يزده اللّه إلاّ عّزا (4). و انّ للّه جنّة لا يدخلها إلاّ ثلاثة أحدهم من حكم في نفسه بالحقّ (5). و انّه ما ناصح اللّه عبد في نفسه فأعطى الحقّ منها و أخذ الحق لها إلاّ أعطي خصلتين: رزقا من اللّه يسعه، و رضا عن اللّه يغنيه (6)و (7).

و منها:

اشتغال الإنسان بعيب نفسه عن عيوب الناس

فان من جملة وصايا الخضر عليه السّلام لموسى عليه السّلام ان قال له:

اذكر خطيئتك و ايّاك و خطايا الناس (8). و قال النّبي صلّى اللّه عليه و آله و سلّم:

ص:273


1- أصول الكافي:2/299 باب من وصف عدلا و عمل بغيره حديث 1، و [1]صفحه 300 حديث 2.
2- أصول الكافي:2/145 باب الإنصاف و العدل حديث 7، [2] بسنده عن أبي عبد اللّه عليه السّلام قال: قال رسول اللّه صلّى اللّه عليه و آله و سلّم: سيد الأعمال إنصاف الناس من نفسك، و مواساة الأخ في اللّه، و ذكر اللّه عزّ و جلّ على كل حال.
3- أصول الكافي:2/147 باب الإنصاف و العدل حديث 17، [3] بسنده قال رسول اللّه صلّى اللّه عليه و آله و سلّم: من واسى الفقير من ماله، و انصف الناس من نفسه فذلك المؤمن حقّا.
4- أصول الكافي:2/144 باب الإنصاف و العدل حديث 4.
5- أصول الكافي:2/148 باب الإنصاف و العدل حديث 19.
6- خ. ل: ينجيه.
7- المحاسن:28 [6] ثواب من ناصح اللّه في نفسه.
8- الأمالي [7] أو المجالس للشيخ الصد [8]وق:323 المجلس الثاني و الخمسون حديث 10، بسنده-

طوبى لمن شغله عيبه عن عيوب الناس من إخوانه (1). و ورد: انّ من نظر في عيوب الناس ثم رضيها لنفسه فذلك الأحمق بعينه 2. و انّه: كفى بالمرء شغلا بنفسه عن النّاس 3. و انّه: إذا رأيتم العبد متفقّدا لذنوب النّاس ناسيا لذنوبه

ص:274


1- الكافي الروضة:8/168 حديث 190، [1] بسنده عن أبي جعفر عليه السّلام قال: سمعت جابر بن عبد اللّه يقول: انّ رسول اللّه صلّى اللّه عليه و آله و سلّم مرّ بنا ذات يوم و نحن في نادينا و هو على ناقة، و ذلك حين رجع من حجّة الوداع، فوقف علينا فسلّم فرددنا عليه السّلام ثم قال: ما لي ارى حبّ الدنيا قد غلب على كثير من الناس حتى كأنّ الموت في هذه الدنيا على غيرهم كتب، و كأنّ الحق في هذه الدنيا على غيرهم وجب، و حتّى كأنّ لم يسمعوا و يروا من خبر الأموات قبلهم؛ سبيلهم سبيل قوم سفر عمّا قليل اليهم راجعون، بيوتهم أجداثهم، و يأكلون تراثهم، فيظنّون انّهم مخلدون بعدهم، هيهات هيهات أما يتّعظ آخرهم باوّلهم، لقد جهلوا و نسوا كلّ واعظ في كتاب اللّه، و امنوا شرّ كل عاقبة سوء، و لم يخافوا نزول فادحة و بوائق حادثة، طوبى لمن شغله خوف اللّه عزّ و جلّ عن خوف الناس، طوبى لمن منعه عيبه عن عيوب المؤمنين من اخوانه، طوبى لمن تواضع للّه عزّ ذكره و زهد فيما احلّ اللّه له من غير رغبة عن سيرتي و رفض زهرة الدنيا من غير تحوّل عن سنّتي، و اتبع الاخيار من عترتي من بعدي، و جانب اهل الخيلاء و التفاخر و الرغبة في الدنيا المبتدعين خلاف سنّتي، العاملين بغير سيرتى. . و الحديث طويل.

فاعلموا انه قد مكر به 1و ان من نظر في عيب نفسه اشتغل عن عيب غيره 2.

و قال أمير المؤمنين عليه السّلام في النهي عن الاشتغال بعيب الناس: و إنما ينبغي لأهل العصمة و المصنوع اليهم في السلامة أن يرحموا أهل الذنوب و المعصية، و يكون الشكر هو الغالب عليهم، و الحاجز لهم عنهم، فكيف بالعائب الذي عاب أخاه و عيّره ببلواه، اذكر موضع ستر اللّه عليه من ذنوبه ما هو أعظم من الذنب الذي عاب به، فكيف يذمّه بذنب قد ركب مثله؟ ! فإن لم يكن ركب ذلك الذنب بعينه فقد عصى اللّه فيما سواه مما هو أعظم منه، و أيم اللّه لو لم يكن عصاه في الكبير لقد عصاه في الصغير، و لجرأته على عيب النّاس أكبر، يا عبد اللّه! لا تعجل في عيب عبد بذنب، فلعلّه مغفور له، و لا تأمن على نفسك صغير معصية، فلعلك تعذّب عليه، فليكفف من علم منكم عيب غيره لما يعلم من عيب نفسه، و ليكن الشكر شاغلا [له]على معافاته ممّا أبتلى به غيره 3بل ورد: انّ العيب على الناس يوجب وقوع العائب فيما عاب به قبل موته 4. و قال رسول اللّه صلّى اللّه عليه و آله و سلّم: كان بالمدينة أقوام لهم عيوب فسكتوا عن عيوب الناس، فأسكت اللّه عن عيوبهم الناس، فماتوا و لا عيوب لهم عند الناس، و كان بالمدينة أقوام لا عيوب لهم فتكلّموا في عيوب النّاس فأظهر اللّه لهم عيوبا لم يزالوا يعرفون بها إلى أن ماتوا 5.

ص:275

و منها:

أن يحبّ الإنسان للمؤمنين ما يحبّ لنفسه، و يكره لهم ما يكره لها:

فإنّ ذلك قد جعل في الأخبار من شرايط الإيمان و علائمه. و ورد انّ أعرابيّا جاء إلى النّبي صلّى اللّه عليه و آله و سلّم فقال: يا رسول اللّه! علّمني عملا أدخل به الجنّة، فقال: ما أحببت أن يأتيه الناس إليك فأته إليهم، و ما كرهت أن يأتيه الناس إليك فلا تأته إليهم (1). و قال أمير المؤمنين عليه السّلام في وصيته للحسن عليه السّلام: يا بنيّ! تفهّم وصيتي، و اجعل نفسك ميزانا فيما بينك و بين غيرك، و أحبّ لغيرك ما تحبّ لنفسك، و اكره له ما تكره لها، لا تظلم كما لا تحب ان تظلم، و أحسن كما تحب أن يحسن إليك، و استقبح لنفسك ما تستقبحه من غيرك، و ارض من الناس ما ترضى لهم منك (2).

و منها:

تدّبر العاقبة قبل العمل:

فقد ورد عن النبي صلّى اللّه عليه و آله و سلّم انّه قال: إذا هممت بأمر فتدّبر عاقبته فإن يك رشدا فامضه، و إن يك غيّا فانته عنه (3). و في وصية أمير المؤمنين عليه السّلام لمحمد بن الحنفية: إنّ من استقبل وجوه الآراء عرف مواقع الخطأ، و من تورّط في الأمور غير ناظر في العواقب فقد تعّرض لمفظعات لنوائب،

ص:276


1- أصول الكافي:2/146 باب الإنصاف و العدل حديث 10.
2- مستدرك وسائل الشيعة:2/308 باب 35 حديث 1.
3- الكافي [3]الروضة:8/149 باب من ولد في الإسلام حديث 130، بسنده أنّ رجلا أتى النبي صلّى اللّه عليه و آله و سلّم فقال له: يا رسول اللّه! أوصني، فقال له رسول اللّه صلّى اللّه عليه و آله و سلّم: فهل أنت مستوص إن أنا أوصيتك. . ؟ حتى قال له ذلك ثلاثا، و في كلّها يقول له الرجل: نعم يا رسول اللّه، فقال له رسول اللّه صلّى اللّه عليه و آله و سلّم: فإنّي أوصيك إذا أنت هممت بأمر فتدبر عاقبته فإن يك رشدا فامضه، و ان يك غيا فانته عنه.

و التدبير قبل العمل يؤمنك من الندم، و العاقل [من]وعظته التجارب، و في التجارب علم مستأنف، و في تقلّب الأحوال علم جواهر الرجال (1). و عنه عليه السّلام: إنّ لسان العاقل وراء قلبه، و قلب الأحمق وراء لسانه (2). و قال الصادق عليه السّلام: ليس لحاقن رأي، و لا لملول صديق، و لا لحسود غنى، و ليس بحازم من لا ينظر في العواقب، و النظر في العواقب تلقيح للقلوب (3). و عنهم عليهم السّلام: إنّ من نظر في العواقب سلم من النوائب (4). و إن أصل السلامة من الزلل الفكر قبل الفعل، و الرويّة قبل الكلام (5). و انّه إذا لوحت الفكر في أفعالك حسنت عواقبك في كلّ أمر (6).

و منها:

التواضع:

فقد ورد انّه: أعظم العبادة و أفضلها (7)، و انّه: من كمال العقل (8)، و انّه:

زينة الشريف (9)، و لا يسلم الشرف التّام الحقيقي إلاّ للمتواضع في ذات

ص:277


1- الفقيه:4/278 باب 176 النوادر حديث 830.
2- نهج البلاغة:3/161 برقم 41.
3- وسائل الشيعة:11/224 باب 33 حديث 6، [2]عن أمالي الشيخ الطوسي.
4- مستدرك وسائل الشيعة:2/308 باب 33 حديث 6، [4] عن غوالي اللآلي.
5- مستدرك وسائل الشيعة:2/308 باب 33 حديث 8، [5]عن الآمدي [6]في غرر كلمات أمير المؤمنين عليه السّلام.
6- المصدر المتقدم.
7- مستدرك وسائل الشيعة:2/305 باب 28 حديث 4، [8] عن نهج البلاغة.
8- الاختصاص:244 عن الصادق عليه السّلام، و قال عليه السّلام: كمال العقل في ثلاثة، التواضع للّه، و حسن اليقين، و الصمت إلاّ من خير.
9- مستدرك وسائل الشيعة:2/306 باب 28 حديث 11.

اللّه (1). و انّ به تتمّ النعمة (2). و انّه: مزرعة الخشوع و الخضوع و الخشية و الحياء (3). و انّ الحكمة تعمر في قلب المتواضع (4). و انّ: من تواضع في الدنيا لإخوانه فهو عند اللّه من الصدّيقين من شيعة علي بن أبي طالب عليه السّلام (5). و انّه: يزيد صاحبه رفعة (6). و انّه: ما تواضع أحد إلاّ رفعه اللّه (7).

و انّ في السماء ملكين موكلّين بالعباد، فمن تواضع للّه رفعاه، و من تكبّر وضعاه (8).

و انّه: لو انّ الوضيع في قعر بئر لبعث اللّه عزّ و جلّ إليه ريحا ترفعه فوق الأخيار في دولة الأشرار (9). و أنّه: ما من أحد إلاّ و ناصيته بيد ملك، فإن تكبّر جذب بناصيته إلى الأرض، ثم قال له: تواضع وضعك اللّه، و ان تواضع جذب بناصيته و قال له: ارفع [رأسك]رفعك اللّه و لا وضعك (10). و انّ اللّه إنّما اصطفى موسى عليه السّلام بكلامه لتواضعه، و كونه أذّل خلقه نفسا، فجعله أرفعهم شأنا في عصره (11)،

ص:278


1- مستدرك وسائل الشيعة:2/306 باب 28 حديث 12.
2- مستدرك وسائل الشيعة:2/305 باب 28 حديث 4، [2] عن نهج البلاغة.
3- مستدرك وسائل الشيعة:2/306 باب 28 حديث 12، [3]عن مصباح الشريعة.
4- أصول الكافي:1/37 باب صفة العلماء حديث 6، و مستدرك وسائل الشيعة:2/306 باب 28 حديث 13.
5- مستدرك وسائل الشيعة:2/305 باب 28 حديث 1، [6] عن تفسير الإمام الحسن العسكري عليه السّلام.
6- أصول الكافي:2/121 باب التواضع حديث 1 [7] آخر الحديث.
7- مستدرك وسائل الشيعة:2/306 باب 28 حديث 8.
8- أصول الكافي:2/122 باب التواضع حديث 2.
9- الفقيه:4/262 باب النوادر حديث 4.
10- ثواب الأعمال:211 حديث 1.
11- أصول الكافي:2/123 باب التواضع حديث 7.

و انّ المتواضعين أقرب الناس إلى اللّه (1). و قد ورد في حدّ التواضع انّه أن تعطي الناس ما تحب أن تعطاه (2)، و ترضى بالمجلس دون المجلس، و تسلم على من تلقاه، و تترك المراء و إن كنت محّقا، و لا تحبّ أن تحمد على البرّ و التقوى (3). و انّ التواضع درجات، منها أن يعرف المرء قدر نفسه، فينزلها منزلتها بقلب سليم، لا يحبّ أن يأتي إلى أحد إلاّ مثل ما يؤتى إليه، إن رأى سيّئة درأها بالحسنة، كاظم الغيظ، عاف عن الناس، و اللّه يحّب المحسنين (4).

و يتأكّد التواضع في حقّ الغّني بالنسبة إلى الفقير، لما ورد من قوله عليه السّلام: ما أحسن تواضع الأغنياء للفقراء طلبا لما عند اللّه، و أحسن منه تيه الفقراء-يعني تكبّرهم-على الأغنياء توكّلا على اللّه (5). و كذا يتأكّد التواضع عند تجدّد النعمة، لما ورد من انّ: من حقّ اللّه على عباده أن يحدثوا للّه تواضعا عند ما يحدث لهم من نعمة (6). و كذا يتأكّد للعالم و المتعلّم، لقول الصادق عليه السّلام: اطلبوا العلم، و تزيّنوا معه بالحلم و الوقار، و تواضعوا لمن تعلّمونه العلم، و تواضعوا لمن طلبتم منه العلم، و لا تكونوا علماء جبّارين، فيذهب باطلكم

ص:279


1- أصول الكافي:3/123 باب التواضع حديث 11، [1] بسنده عن أبي عبد اللّه عليه السّلام قال: فيما أوحى اللّه عزّ و جلّ إلى داود عليه السّلام: يا داود! كما انّ أقرب الناس من اللّه المتواضعون كذلك أبعد الناس من اللّه المتكبّرون.
2- أصول الكافي:2/124 باب التواضع حديث 13.
3- أصول الكافي:2/122 باب التواضع حديث 6.
4- أصول الكافي:2/124 باب التواضع حديث 13 [4] ذيل الحديث.
5- مستدرك وسائل الشيعة:2/305 باب 28 [5] استحباب التواضع حديث 4، عن نهج البلاغة: 3/250 برقم 406.
6- أصول الكافي:2/121 باب التواضع حديث 1.

بحقّكم (1). و كذا يتأكد التواضع للّه سبحانه في الملبس و المأكل و المشرب كما مرّ في الفصل الثاني و الرابع، فراجع.

و منها:

الرفق في الأمور:

فقد ورد انّه: قفل الإيمان (2). و انّ: من قسم الرفق قسم له الإيمان (3).

و انّه: يمن له، كما ان الخرق شوم (4)، و انّه: رأس العلم و الحكمة، و آفته الخرق (5). و انّ اللّه رفيق يحبّ الرفق، و يعين عليه (6)، و يعطي على الرفق ما لا يعطي على العنف (7)، و انه نصف المعيشة (8). و انّه يعمر الدّيار، و يزيد في الرزق (9). و انّ فيه الزيادة و البركة (10). و انّ من أعطي الرفق أعطي خير الدنيا و الآخرة، و من حرمه حرم خير الدنيا و الآخرة (11). و انّ أيّما أهل بيت أعطوا

ص:280


1- أصول الكافي:1/36 باب صفة العلماء حديث 1.
2- أصول الكافي:2/118 باب الرفق حديث 1.
3- أصول الكافي:2/118 باب الرفق حديث 2.
4- أصول الكافي:2/119 باب الرفق حديث 4، [4] بسنده عن أبي عبد اللّه عليه السّلام قال: قال رسول اللّه صلّى اللّه عليه و آله و سلّم: الرفق يمن و الخرق شوم.
5- مستدرك وسائل الشيعة:2/305 باب 27 باب استحباب الرفق في الأمور حديث 11 و 14. و جاء في حاشية الطبعة الحجريه منه قدس سره على كلمة الخرق: هو ضد الرفق.
6- أصول الكافي:2/120 باب الرفق حديث 11.
7- أصول الكافي:2/119 باب الرفق حديث 5.
8- أصول الكافي:2/120 باب الرفق حديث 11.
9- مستدرك وسائل الشيعة:2/305 باب 27 حديث 10.
10- أصول الكافي:2/119 باب الرفق حديث 7.
11- الجعفريات:149 باب في التودّد و الترفّق.

حظهّم من الرفّق فقد وسع اللّه عليهم في الرّزق. و انّ الرفق في تقدير المعيشة خير من السعة في المال، و انّ الرفق لا يعجز عنه شيء، و التبذير لا يبقى معه شيء (1)، و انّ الرفق لم يوضع على شيء إلاّ زانه، و لا نزع من شيء إلاّ شانه (2).

و انّ من كان رفيقا في أمره نال ما يريد من الناس (3). و انّ أحب الأمور إلى اللّه ثلاثة: القصد في الجدة، و العفو في المقدرة، و الرفق لعباد اللّه. و ما ارفق أحد بأحد في الدنيا إلاّ رفق اللّه به يوم القيامة (4). و انّ الرفق بالاتباع من كرم الطباع (5)، و انّ الرفق ييسّر الصعاب و يسهل الأسباب (6). و انّه مفتاح كل أمر أحجم عليه الراي و اعيت به الحيل (7).

و منها:

العفّة:

فقد ورد انّه: ما من عبادة أفضل عند اللّه من عفّة بطن و فرج (8). و انّه:

لا اجتهاد أفضل منها (9)، و انّها: أفضل شيم الأشراف (10)، و قال رسول اللّه صلّى اللّه عليه و آله و سلّم: أكثر ما تلج به أمّتي النار الأجوفان: البطن

ص:281


1- أصول الكافي:2/119 باب الرفق حديث 9.
2- أصول الكافي:2/119 باب الرفق حديث 6.
3- أصول الكافي:2/120 باب الرفق حديث 16.
4- الخصال:1/111 أحبّ الأمور إلى اللّه حديث 83. الجدة: الرخاء و السعة.
5- مستدرك وسائل الشيعة:2/305 باب الرفق حديث 15.
6- المصدر المتقدم.
7- مستدرك وسائل الشيعة:2/305 باب الرفق حديث 13.
8- أصول الكافي:2/80 باب العفّة حديث 7.
9- أصول الكافي:2/79 باب العفّة حديث 4.
10- مستدرك وسائل الشيعة:2/301 باب 22 حديث 3.

و الفرج (1). و قال صلّى اللّه عليه و آله و سلّم: من ضمن لي اثنتين ضمنت له على اللّه الجنة، من ضمن لي ما بين لحييه و ما بين رجليه ضمنت له على اللّه الجنّة (2).

و قال مولانا الصادق عليه السّلام: من عفّ بطنه و فرجه كان في الجنة ملكا محبورا (3). و قال عليه السّلام: إنّما شيعة جعفر عليه السّلام من عفّ بطنه و فرجه، و اشتدّ جهاده، و عمل لخالقه، و رجا ثوابه، و خاف عقابه، فإذا رأيت أولئك فأولئك شيعة جعفر عليه السّلام (4). و قال رسول اللّه صلّى اللّه عليه و آله و سلّم:

من قدر على امرأة أو جارية حراما فتركها مخافة اللّه، حرّم اللّه عليه النّار، و آمنه من الفزع الأكبر، و أدخله الجنّة، فإن أصابها حراما حرم اللّه عليه الجنّة و أدخله النّار (5).

و منها:

اجتناب المحارم مخافة اللّه سبحانه:

فإنه من أعظم المحامد، و قد ورد أن من ترك معصية اللّه مخافة اللّه تبارك و تعالى أرضاه يوم القيامة (6)، و انّ من انتهك ما حرم اللّه عليه ها هنا في الدنيا حال اللّه بينه و بين الجنّة و نعيمها و لذّتها، و كرامتها القائمة الدائمة لأهل الجنة

ص:282


1- أصول الكافي:2/79 باب العفّة حديث 5.
2- وسائل الشيعة:11/199 باب 22 حديث 10. [2] اقول: ضمن ما بين لحييه. . اي لسانه، و ما بين رجليه اي فرجه و عورته.
3- الأمالي للشيخ الصدوق:552 المجلس الثاني و [3]الثمانون حديث 4، بسنده عن أبي بصير، قال: سمعت أبا عبد اللّه عليه السّلام يقول: من كفّ أذاه عن جاره أقاله اللّه عزّ و جلّ عثرته يوم القيامة، و من عفّ بطنه. . .
4- وسائل الشيعة:11/199 باب 22 حديث 13.
5- عقاب الأعمال:334 باب يجمع عقوبات الأعمال.
6- أصول الكافي:2/81 باب اجتناب المحارم حديث 6.

أبد الآبدين (1)، و ان: من قال لا إله إلاّ اللّه مخلصا دخل الجنة، و إخلاصه أن يحجزه عمّا حرم اللّه (2)و قال صلّى اللّه عليه و آله و سلّم: من أقام فرائض اللّه، و اجتنب محارم اللّه، و أحسن الولاية لأهل البيت عليهم السّلام، و تبرّأ من أعداء اللّه، فليدخل من أيّ أبواب الجنة الثمانية شاء (3)، و انّ من اجتنب ما حرم اللّه عليه فهو من أعبد النّاس (4)، و انّ الكريم من تجنّب المحارم، و تنزّه عن العيوب (5)، و انّ الغضّ عن محارم اللّه أفضل العبادة (6)، و قد ورد تفسير ذكر اللّه تعالى الوارد به تأكيدات كثيرة بذكره في كل موطن إذا هجمت على طاعة أو معصية، و انّه إذا ورد عليك شيء من أمر اللّه به أخذت به، و إذا ورد عليك شيء نهى اللّه عنه تركته (7). و اليه يرجع ما ورد من انّ من اطاع اللّه فقد ذكر اللّه و ان قلّت صلاته و صيامه و تلاوته للقران، و من عصى اللّه فقد نسي اللّه و ان كثرت صلاته و صيامه و تلاوته للقرآن (8).

ص:283


1- الكافي [1]الروضة:8/4 [2] في رسالة ابي جعفر عليه السّلام لاصحابه.
2- ثواب الأعمال:19 باب ثواب من قال: لا إله إلاّ اللّه مخلصا حديث 1.
3- الأمالي للشيخ الصدوق:474 المجلس الثاني و [3]السبعون حديث 10.
4- وسائل الشيعة:11/204 باب 23 حديث 17 [4]عن كتاب الزهد، [5] بسنده عن علي بن الحسين عليهما السّلام قال: من عمل بما افترض اللّه عليه فهو من خير الناس، و من اجتنب ما حرم اللّه عليه فهو من أعبد الناس، و من قنع بما قسم اللّه فهو من أغنى الناس.
5- مستدرك وسائل الشيعة:2/302 باب 23 حديث 17، [6] من غرر من كلام أمير المؤمنين.
6- المصدر المتقدم.
7- أصول الكافي:2/80 باب اجتناب المحارم حديث 4، [8] بسنده عن أبي عبد اللّه عليه السّلام قال: من أشدّ ما فرض اللّه على خلقه ذكر اللّه كثيرا، ثم قال: لا أعنى «سبحان اللّه و الحمد للّه و لا إله إلاّ اللّه و اللّه أكبر» و إن كان منه، لكن ذكر اللّه عند ما أحلّ و حرّم، فإن كان طاعة عمل بها، و إن كان معصية تركها، و انظر احاديث الباب.
8- وسائل الشيعة:11/203 باب 23 حديث 13.

و عن رسول اللّه صلّى اللّه عليه و آله و سلّم: إنّ قوما يجيئون يوم القيامة و لهم من الحسنات أمثال الجبال فيجعلها اللّه هباء منثورا، ثم يؤمر بهم إلى النّار، فقال سلمان: صفهم لنا يا رسول اللّه صلّى اللّه عليه و آله و سلّم؟ فقال: اما انّهم قد كانوا يصومون و يصلّون و يأخذون أهبة من الليل، و لكنهم كانوا إذا عرض لهم شيء من الحرام و ثبوا عليه (1).

و منها:

أداء الفرائض:

فإنّه من أهّم ما يلزم العباد.

و قد ورد انّ من عمل بما افترض اللّه عليه فهو من خير الناس، و من أعبد الناس، و من أتقى الناس، و من أورع الناس (2)، و انّ اللّه تبارك و تعالى قال: ما تحبّب إليّ عبدي بأحبّ ممّا افترضت عليه (3)و ما تقرّب إليّ عبدي المؤمن بمثل أداء الفرائض (4).

و منها:

تقوى اللّه سبحانه:

فقد ورد: انّها: خير الزاد (5)، و انّها الكرم (6)، و انّ: من سرّه أن يكون

ص:284


1- أصول الكافي:2/81 باب اجتناب المحارم حديث 5.
2- وسائل الشيعة:11/204 باب 23 حديث 17، [2] عن كتاب الزهد للحسين بن سعيد و مستدرك وسائل الشيعة:2/302 باب 24 احاديث الباب.
3- أصول الكافي:2/82 باب أداء الفرائض حديث 5.
4- مستدرك وسائل الشيعة:2/302 باب 24 حديث 1.
5- الفقيه:4/271 باب 176 النوادر حديث 828.
6- وسائل الشيعة:11/191 باب 20 حديث 6.

أكرم الناس فليتّق اللّه (1)، و انّ أكثر ما تلج به هذه الأمّة الجنّة تقوى اللّه (2)، و انّ التقوى توجب الرزق من حيث لا يحتسب بنص الآية (3). و انّ: من أخرجه اللّه عزّ و جلّ من ذلّ المعاصي إلى عزّ التقوى أغناه اللّه بلا مال، و أعزّه بلا عشيرة، و آنسه بلا أنيس (4). و انّ قليل العمل مع التقوى خير من كثير بلا تقوى، مثل الرجل يطعم طعامه، و يرفق جيرانه بخير، و يوطى رحله، فإذا ارتفع له الباب من الحرام دخل فيه، فهذا العمل بلا تقوى، و يكون الآخر ليس عنده فإذا

ص:285


1- مستدرك وسائل الشيعة:2/299 باب 20 حديث 6، [1]عن أمالي الشيخ الطوسي [2]بسنده قال صلّى اللّه عليه و آله و سلّم: يا أبا ذر! من سرّه أن يكون أكرم الناس فليتقّ اللّه، يا أبا ذر! أحبّكم إلى اللّه جلّ ثناؤه أكثركم ذكرا له، و أكرمكم عند اللّه أتقاكم له، و أنجاكم من عذاب اللّه أشدّكم خوفا له [منه]، يا أبا ذر! إنّ المتقين الذين يتقون اللّه من الشىء الذي لا يتقى خوفا من الدخول في الشبهة. . إلى أن قال: يا أبا ذر! إن اللّه لا ينظر إلى صوركم و لا إلى أموالكم و لكن ينظر إلى قلوبكم و أعمالكم، يا أبا ذر! إن التقوى ههنا، و اشار بينده إلى صدره.
2- الجعفريات أو الاشعثيات:150 باب التقوى و حسن الخلق.
3- مستدرك وسائل الشيعة:2/299 باب 20 حديث 15، [4]عن كنز الفوائد للكراجكي [5]عن رسول اللّه صلّى اللّه عليه و آله و سلّم انّه قال: خصلة من لزمها أطاعته الدنيا و الآخرة، و ربح الفوز في الجنّة، قيل: و ما هي يا رسول اللّه؟ قال: التقوى، من أراد أن يكون أعزّ الناس فليتق اللّه عزّ و جلّ، ثم تلا وَ مَنْ يَتَّقِ اَللّهَ يَجْعَلْ لَهُ مَخْرَجاً وَ يَرْزُقْهُ مِنْ حَيْثُ لا يَحْتَسِبُ.
4- الفقيه:4/293 باب 176 النوادر حديث 887، بسنده عن الهيثم بن واقد، قال: سمعت جعفر بن محمد عليهما السّلام يقول: من أخرجه اللّه عزّ و جلّ من ذلّ المعاصي إلى عزّ التقوى أغناه اللّه بلا مال، و أعزّه بلا عشيرة، و انسه بلا أنيس، و من خاف اللّه عزّ و جلّ أخاف اللّه منه كل شىء، و من لم يخف اللّه عزّ و جلّ أخافه اللّه من كل شيء، و من رضي من اللّه عزّ و جلّ باليسير من الرزق رضي اللّه منه باليسير من العمل، و من لم يستح من طلب المعاش خفّت مؤونته، و نعم أهله، و من زهد في الدنيا أثبت اللّه الحكمة في قلبه و أنطق بها لسانه، و بصرّه عيوب الدنيا داءها و دواءها، و أخرجه من الدنيا سالما إلى دار السّلام.

ارتفع الباب من الحرام لم يدخل فيه (1)، و ان الخطايا خيل شمس حمل عليها أهلها و خلعت لجمها فتقحمت بهم في النّار. و انّ التقوى مطايا ذلل حمل عليها أهلها، و اعطوا أزمّتها فاوردتهم الجنّة (2). و انّ المتّقين الّذين يتقّون اللّه من الشيء الّذي لا يتقى منه خوفا من الدخول في الشبهة. و انّ اللّه لا ينظر إلى صوركم و لا إلى أموالكم و لكن ينظر إلى قلوبكم [و أعمالكم] (3). و قال عليه السّلام: اتّق بعض التقى و ان قلّ، و اجعل بينك و بين اللّه سترا و إن رّق (4). و ورد أيضا: انّ القيامة عرس المتّقين (5). و أنّ لهم عند اللّه أفضل الثواب، و أحسن الجزاء و المآب (6)، و انّهم حازوا عاجل الخير و آجله، شاركوا أهل الدنيا في دنياهم، و لم يشاركهم أهل الدنيا في آخرتهم (7). و قال عليه السّلام: لا يغرنّك بكاؤهم، إنّما التقوى في القلب (8).

و منها:

طاعة اللّه جلّ ذكره:

فقد ورد عنهم عليهم السّلام انّه: لا يدرك ما عند اللّه إلاّ بطاعته (9).

ص:286


1- أصول الكافي:2/76 باب الطاعة و التقوى حديث 7.
2- نهج البلاغة:1/44 حديث 15، و [2]من كلام له عليه السّلام لما بويع بالمدينة.
3- مستدرك وسائل الشيعة:2/299 باب 20 حديث 6، [3]عن أمالي الشيخ الطوسي.
4- وسائل الشيعة:11/191 باب 20 حديث 8، [5]عن نهج البلاغة 3/206 برقم 242.
5- مشكاة الأنوار:42 الفصل الثاني عشر في التقوى و الورع.
6- مشكاة الأنوار:45 الفصل الثاني عشر في التقوى و الورع.
7- الأمالي للشيخ المفيد:263 المجلس الحادي و الثلاثون حديث 3، في كتاب أمير المؤمنين عليه السّلام إلى أهل مصر لمّا ولى محمد بن أبي بكر عليهم.
8- مشكاة الأنوار:42 الفصل الثاني عشر في التقوى و الورع.
9- أصول الكافي:2/74 باب الطاعة و التقوى حديث 2.

و انّ: أفضل ما يتقّرب به إلى اللّه عزّ و جلّ طاعة اللّه، و طاعة رسوله، و حبّ اللّه و حبّ رسوله (1). و انّ: من أراد أن يعّز فليطع العزيز (2). و أنّه: إذا أردت عزّا بلا عشيرة، و هيبة بلا سلطان، فاخرج من ذلّ معصية اللّه إلى عزّ طاعة اللّه عزّ و جلّ (3). و انّ: رضا اللّه مقرون بطاعته (4). و انّه: لا نجاة إلاّ بالطّاعة (5).

و انّ اللّه جعل الطّاعة غنيمة الأكياس عند تفريط العجزة (6). و قال رسول اللّه صلّى اللّه عليه و آله و سلّم: قال اللّه سبحانه أيّما عبد أطاعني لم أكله إلى غيري، و أيّما عبد عصاني وكلته إلى نفسه، ثم لم أبال في أيّ واد هلك (7). و قال أبو جعفر عليه السّلام: لا تذهب بكم المذاهب، فو اللّه ما شيعتنا إلاّ من أطاع اللّه عزّ و جلّ (8). و قال عليه السّلام: ما معنا و اللّه براءة و لا بيننا و بين اللّه قرابة، و لا لنا على اللّه حجّة، و لا نتقرّب إلى اللّه إلاّ بالطاعة، فمن كان منكم مطيعا للّه تنفعه ولايتنا و من كان منكم عاصيا للّه لم تنفعه ولايتنا، و يحكم! لا تغتروا! (9).

ص:287


1- مستدرك وسائل الشيعة:2/298 باب 18 حديث 10.
2- مستدرك وسائل الشيعة:2/298 باب 18 حديث 13.
3- مستدرك وسائل الشيعة:2/297 باب 18 حديث 7.
4- مستدرك وسائل الشيعة:2/298 باب 18 حديث 14.
5- مستدرك وسائل الشيعة:2/298 باب 18 حديث 9، [5] بسنده عن الكاظم عليه السّلام انه قال: يا هشام! نصب الخلق لطاعة اللّه، و لا نجاة إلاّ بالطاعة، و الطاعة بالعلم، و العلم بالتعلّم، و التعلّم بالعقل، و لا علم الاّ من عالم ربّاني، و معرفة العالم بالعقل.
6- وسائل الشيعة:11/186 حديث 8.
7- الأمالي للصدوق:489 المجلس الرابع و [7]السبعون حديث 2.
8- أصول الكافي:2/73 باب الطاعة و التقوى حديث 1.
9- أصول الكافي:2/75 باب الطاعة و التقوى حديث 6، [9] بسنده عن أبي جعفر عليه السّلام قال: يا معشر الشيعة شيعة آل محمد! كونوا النمرقة الوسطى يرجع إليكم الغالي و يلحق بكم التالي، فقال له رجل من الأنصار يقال له سعد: جعلت فداك ما الغالي؟ قال: قوم-

و قال الكاظم عليه السّلام لهشام: اصبر على طاعة اللّه، و اصبر عن معاصي اللّه، فإنّما الدّنيا ساعة، فما مضى فليس تجد له سرورا و لا حزنا، و ما لم يأت منها فليس تعرفه، فاصبر على تلك الساعة الّتي أنت فيها فكأنّك قد اغتبطت (1).

و قال أمير المؤمنين عليه السّلام: إنّ ولّي محمّد صلّى اللّه عليه و آله و سلّم من أطاع اللّه و إن بعدت لحمته، و إنّ عدو محمّد صلّى اللّه عليه و آله و سلّم من عصى اللّه و إن قربت قرابته (2). و قال عليه السّلام: شتّان بين عملين، عمل تذهب لذته و تبقى تبعته، و عمل تذهب مؤونته و يبقى أجره 3. و ورد أنّه ما من عبد يخطو خطوات في طاعة اللّه إلاّ رفع اللّه [له]بكل خطوة درجة، و حطّ عنه بها سيّئة 4. و انّ في الجنّة حوراء يقال لها: لعبة، خلقت من أربعة أشياء: من المسك و العنبر و الكافور و الزعفران، و عجن طينها بماء الحيوان، لو يزقت في البحر لعذب ماء البحر من طعم ريقها، مكتوب على نحرها: من أراد أن يكون مثلي فليعمل بطاعة ربّي 5.

و منها:

حسن الظّن باللّه سبحانه:

فإنّه من أحسن الصفات، كما انّ سوء الظّن باللّه من أقبحها. و قد ورد:

ص:288


1- مستدرك وسائل الشيعة:2/298 [1]باب 19 حديث 10، عن تحف العقول.
2- نهج البلاغة:3/171 حديث 96.

أنّ حسن الظّن به تعالى من أفضل السجايا، و أجزل العطايا (1). و انّ اللّه عزّ و جلّ يقول: أنا عند ظّن عبدي المؤمن بي، إن خيرا فخيرا، و ان شّرا فشّرا (2). و انّ رسول اللّه صلّى اللّه عليه و آله و سلّم قال-على منبره-: و الذّي لا إله إلاّ هو ما أعطي مؤمن قطّ خير الدنيا و الآخرة إلاّ بحسن ظنّه باللّه و رجائه له، و حسن خلقه، و الكّف عن اغتياب النّاس، و الّذي لا إله إلاّ هو لا يعذّب اللّه مؤمنا-بعد التوبة و الاستغفار-إلاّ بسوء ظّنه باللّه، و تقصير من رجائه له، و سوء خلقه، و اغتياب المؤمنين، و الذي لا إله إلاّ هو لا يحسن ظّن عبد مؤمن باللّه إلاّ كان اللّه عند ظّن عبده المؤمن، لأنّ اللّه كريم، بيده الخير، يستحيي أن يكون عبده المؤمن قد أحسن به الظّن ثّم يخلف ظنّه و رجاءه، فأحسنوا باللّه الظّن و ارغبوا إليه (3). و قال أبو عبد اللّه عليه السّلام: إنّ آخر عبد يؤمر به إلى النّار فيلتفت فيقول اللّه عزّ و جلّ: اعجلوه! فإذا أتي به قال له: عبدي! لم ألتفت؟ فيقول: يا رب! ما كان ظنّي بك هذا. فيقول اللّه جلّ جلاله: عبدي! ما كان ظنّك بي، فيقول: يا رب! كان ظنّي بك أن تغفر لي خطيئتي، و تدخلني جنتّك، قال: فيقول جلّ جلاله: ملائكتي! و عزّتي و جلالي و آلائي و ارتفاع مكاني، ما ظّن بي هذا ساعة من حياته خيرا قطّ، و لو ظّن بي ساعة من حياته خيرا ما روعتّه بالنار، أجيزوا له كذبه، و أدخلوه الجنّة، ثم قال عليه السّلام:

ما ظّن عبد باللّه خيرا إلاّ كان اللّه عند ظنّه، و ما ظّن به سوء إلاّ كان اللّه عند

ص:289


1- مستدرك وسائل الشيعة:2/296 باب 16 حديث 16، [1]عن الآمدي [2]في الغرر عن أمير المؤمنين عليه السّلام.
2- الكافي [3]الروضة:8/302 حديث 462، [4] بسنده عن سنان بن طريف، قال: سمعت أبا عبد اللّه عليه السّلام يقول: ينبغي للمؤمن أن يخاف اللّه تعالى خوفا كأنّه مشرف على النار، و يرجوه رجاء كأنّه من أهل الجنّة، ثم قال: . .
3- أصول الكافي:2/71 باب حسن الظنّ باللّه عزّ و جلّ حديث 2.

ظنّه به، و ذلك قول اللّه عزّ و جلّ: وَ ذلِكُمْ ظَنُّكُمُ اَلَّذِي ظَنَنْتُمْ بِرَبِّكُمْ أَرْداكُمْ فَأَصْبَحْتُمْ مِنَ اَلْخاسِرِينَ (1). و قال أمير المؤمنين عليه السّلام: الثقة باللّه و حسن الظّن به حصن لا يتحّصن به إلاّ كلّ مؤمن، و التوكّل عليه نجاة من كلّ سوء، و حرز من كلّ عدّو (2). و قال النبيّ صلّى اللّه عليه و آله و سلّم: إنّ حسن الظّن باللّه من حسن العبادة (3). و ورد: انّ حسن الظن ان تخلص العمل و ترجو من اللّه أن يعفو [عن]الزلل (4).

و منها:

الخوف من اللّه جلّ ذكره:

فقد ورد عنهم عليهم السّلام انّه رأس الحكمة (5). و انّ من خشي اللّه كمل علمه (6). و انّ غاية العلم الخوف من اللّه (7). و انّ أعقل الناس محسن خائف، و انّ أكثر النّاس معرفة أخوفهم لربّه، و انّ الخوف مطيّة الأمن، و سجن النفس عن المعاصي، و انّ خشية اللّه جماع الإيمان (8). و انّ المؤمن بين مخافتين: ذنب قد مضى

ص:290


1- ثواب الأعمال:206 ثواب حسن الظن باللّه تعالى عزّ و جلّ حديث 1. فصلت: آية 23.
2- مستدرك وسائل الشيعة:2/296 باب 16 حديث 7، [2]عن إرشاد القلوب للديلمي.
3- مستدرك وسائل الشيعة:2/296 باب 16 حديث 13، [4]عن مجموعة ورّام.
4- مستدرك وسائل الشيعة:2/296 باب 16 حديث 16، [6]عن الآمدي [7]في الغرر من كلام أمير المؤمنين عليه السّلام.
5- الفقيه:4/272 باب 176 النوادر حديث 8، من ألفاظ رسول اللّه صلّى اللّه عليه و آله و سلم رأس الحكمة مخافة اللّه عزّ و جلّ.
6- مستدرك وسائل الشيعة:2/292 باب 14 حديث 30، [8] عن الآمدي في الغرر من كلمات أمير المؤمنين عليه السّلام.
7- المصدر المتقدم.
8- هذه الجمل من كلمات أمير المؤمنين عليه السّلام كما في الغرر من كلمات أمير المؤمنين تأليف الآمدي، راجع المستدرك:2/292 باب 14 حديث 30.

لا يدري ما صنع اللّه فيه، و عمر قد بقي لا يدري ما يكتسب فيه من المهالك، فلا يصبح إلاّ خائفا، و لا يصلحه إلاّ الخوف (1). و انّ: من خاف اللّه أخاف اللّه منه كلّ شيء، و من لم يخف اللّه أخافه اللّه من كل شيء (2)، و ان من عرف اللّه خاف اللّه، و من خاف اللّه سخت نفسه عن الدنيا (3). و ان: من العبادة شدّة الخوف من اللّه عزّ و جلّ (4). و انّه: إذا اقشّعر جلد المؤمن من خشية اللّه تحاتت عنه خطاياه كما تحاتت ورق الشجر (5). و انّ من خاف اللّه حثّه الخوف من اللّه على العمل بطاعته و الأخذ بتأديبه، فبشّر المطيعين المتأدّبين بأدب اللّه، و الآخذين عن اللّه، انّه حقّ على اللّه أن ينجيهم من مضلاّت الفتن (6). و انّه لن يغضب ربّ العزة على من كان في قلبه مخافة اللّه، و لا تأكل النّار منه هدبة (7).

و انّ اللّه تعالى يقول: لا أجمع على عبد خوفين، و لا أجمع له أمنين، فإذا أمنني أخفته يوم القيامة، و إذا خافني آمنته يوم القيامة (8). و انّ رجلا لو كان له عمل

ص:291


1- أصول الكافي:2/71 باب الخوف و الرجاء حديث 12.
2- أصول الكافي:2/68 باب الخوف و الرجاء حديث 3.
3- أصول الكافي:2/68 باب الخوف و الرجاء حديث 4.
4- أصول الكافي:2/69 باب الخوف و الرجاء حديث 7 [4] بسنده قال أبو عبد اللّه عليه السّلام: إنّ من العبادة شدّة الخوف من اللّه عزّ و جلّ، يقول اللّه: «إنّما يخشى اللّه من عباده العلماء» و قال جلّ ثناؤه: «فلا تخشوا الناس و أخشون» و قال تبارك و تعالى: «و من يتّق اللّه يجعل له مخرجا» قال: أبو عبد اللّه عليه السّلام: إنّ حبّ الشرف و الذكّر لا يكونان من قلب الخائف الراهب.
5- مستدرك وسائل الشيعة:2/292 باب 14 حديث 14 [5] عن لب اللباب.
6- مستدرك وسائل الشيعة:2/291 باب 14 حديث 1 [6] عن اصل زيد النرسي.
7- مستدرك وسائل الشيعة:2/291 باب 14 حديث 8.
8- الخصال:1/79 حديث 127.

مثل سبعين نبيّا لاحتقره و خشي أن لا ينجو من شرّ يوم القيامة (1). و انّ اللّه إذا جمع النّاس يوم القيامة نادى فيهم مناد: أيّها النّاس! إنّ أقربكم اليوم من اللّه أشدّكم منه خوفا (2). و ورد عنهم عليهم السّلام: إنّ أنجاكم من عذاب اللّه أشدّكم خشية من اللّه (3)، و انّ من علم أنّ اللّه يراه و يسمع ما يقول و يعلم ما يفعله من خير أو شرّ فيحجزه ذلك عن القبيح من الأعمال فذلك الّذي خاف مقام ربّه و نهى النفس عن الهوى (4). و قال أبو عبد اللّه عليه السّلام لابن عمّار:

يا إسحاق! خف اللّه كأنّك تراه، و إن كنت لا تراه فإنه يراك، و إن كنت ترى أنّه لا يراك فقد كفرت، و إن كنت تعلم أنّه يراك ثم برزت له بالمعصية فقد جعلته من أهون الناظرين إليك (5). و قال عليه السّلام: من خلا بذنب فراقب اللّه فيه، و استحيا من الحفظة، غفر اللّه عزّ و جلّ له جميع ذنوبه، و إن كان مثل ذنوب الثقلين (6). و قال سيّدنا السجّاد عليه السّلام: اعلموا عباد اللّه انّه من خاف البيات تجافى عن الوسادة، و امتنع عن الرقاد، و أمسك عن بعض الطعام و الشراب من خوف سلطان أهل الدنيا، فكيف و يحك يا ابن آدم! من خوف بيات سلطان ربّ العزّة و أخذه الأليم، و بياته لأهل المعاصي و الذنوب مع طوارق المنايا بالليل و النهار، فذلك البيات الذي ليس منه منجى، و لا دونه ملجا، و لا منه مهرب، فخافوا اللّه أيّها المؤمنون من البيات خوف أهل اليقين، و أهل

ص:292


1- مستدرك وسائل الشيعة:2/291 باب 14 حديث 2 [1] عن أمالي الشيخ الطوسي.
2- مستدرك وسائل الشيعة:2/291 باب 14 حديث 9 [2] عن تحف العقول.
3- مستدرك وسائل الشيعة:2/291 باب 14 حديث 11.
4- أصول الكافي:2/80 باب اجتناب المحارم حديث 1.
5- أصول الكافي:2/67 باب الخوف و الرجاء حديث 2.
6- الفقيه:4/294 باب 176 النوادر حديث 891.

التقوى، فإنّ اللّه يقول: ذلِكَ لِمَنْ خافَ مَقامِي وَ خافَ وَعِيدِ (1). الخبر.

ثم اعلم انّه يعتبر في الخوف أن لا يصل العبد إلى حدّ اليأس و القنوط من رحمة اللّه، فإنّ القنوط كبيرة موبقه، بل اللاّزم اقتران الخوف بالرجاء كما ورد بذلك التنصيص في الأخبار، فقال الصادق عليه السّلام: لا يكون العبد مؤمنا حتّى يكون خائفا راجيا، و لا يكون خائفا راجيا حتّى يكون عاملا لما يخاف و يرجو (2). و نقل عليه السّلام: انّ أعجب ما في وصية لقمان (ع) لابنه أن قال له: خف اللّه خيفة لو جئته ببرّ الثقلين لعذّبك، و ارج اللّه رجاء لو جئته بذنوب الثقلين لرحمك (3)، ثم قال أبو عبد اللّه عليه السّلام: كان أبي عليه السّلام يقول:

ليس من عبد مؤمن إلاّ و في قلبه نوران: نور خيفة و نور رجاء، لو وزن هذا لم يزد على هذا، و لو وزن هذا لم يزد على هذا (4). و قال أمير المؤمنين عليه السّلام -في خطبة له-: يدّعي بزعمه انّه يرجوا اللّه، كذب-و العظيم-ما باله لا يتبيّن رجاؤه في عمله، فكلّ من رجا عرف رجاؤه في عمله إلاّ رجاء اللّه، فإنّه مدخول، و كل خوف محقّق الاّ خوف اللّه فإنّه معلول يرجو اللّه في الكبير و يرجو العباد في الصغير، فيعطى العبد ما لا يعطى الربّ، فما بال اللّه جل ثناؤه يقصّر به عمّا يصنع لعباده، أتخاف أن تكون في رجائك له كاذبا، أو تكون لا تراه للرّجاء موضعا، و كذلك إن هو خاف عبدا من عبيده أعطاه من خوفه ما لا يعطي ربّه، فجعل خوفه من العباد نقدا، و خوفه من خالقهم ضمارا و وعدا (5).

ص:293


1- مستدرك وسائل الشيعة:2/291 باب 14 حديث 10. [1]سورة إبراهيم/14.
2- أصول الكافي:2/71 باب الخوف و الرجاء حديث 11.
3- الأمالي للشيخ الصدوق:668 المجلس الخامس و [4]التسعون حديث 5. في الأصل عاقلا، بدلا من: عاملا.
4- أصول الكافي:2/71 باب الخوف و الرجاء حديث 13.
5- نهج البلاغة الجزء الثاني: [6]71 الخطبة 155، بتصرف في المتن.

و منها:

البكاء من خشية اللّه جلّ شأنه:

فإنّه من الحالات المحمودة، و المواهب المشكورة، فقد ورد: انّ البكاء من خشة اللّه نجاة من النّار (1)، و مفتاح الرحمة، و علامة القبول، و باب الإجابة (2)، و انّه: ينير القلب، و يعصم من معاودة الذنب (3).

و انّه ما يدخل النّار من بكى من خشية اللّه حتى يعود اللبن في الضرع (4)، و لا ترى النار عين بكت من خشية اللّه تعالى (5)، و انّ كلّ عين باكيه يوم القيامة الاّ ثلاثة أعين: عين بكت من خشية اللّه، و عين غضت عن محارم اللّه، و عين باتت ساهرة في سبيل اللّه (6)، و انّ: من ذرفت عيناه من خشية اللّه كان له بكل قطرة قطرت من دموعه قصر في الجنّة مكلّل بالدرّ و الجوهر، فيه ما لا عين رأت و لا أذن سمعت، و لا خطر على قلب بشر، و في خبر آخر: انّ له بكل قطرة مثل جبل أحد في ميزانه، و له بكل قطرة عين من الجنة على حافتيها من المداين ما لا عين رأت، و لا أذن سمعت، و لا خطر على قلب بشر (7)، و ان اسم نوح كان عبد الغفار او عبد الملك او عبد الأعلى، و إنّما سمّي نوحا لأنه بكى على نفسه خمسمائة عام (8)، و انّ الرجل يكون بينه و بين الجنة أكثر ممّا بين الثرى إلى

ص:294


1- مستدرك وسائل الشيعة:2/294 باب 15 حديث 15.
2- مستدرك وسائل الشيعة:2/295 باب 15 حديث 44.
3- مستدرك وسائل الشيعة:2/294 باب 15 حديث 36.
4- إرشاد القلوب:1/127 الباب الثالث و العشرون.
5- إرشاد القلوب:1/129 الباب الثالث و العشرون.
6- الخصال:1/98 كل عين باكية يوم القيامة إلاّ ثلاث أعين حديث 46.
7- عدّة الدّاعي:159.
8- علل الشرايع:28 باب 20 [7] العلة التي من أجلها سمي نوح عليه السّلام نوحا حديث 1 و 2 و 3.

العرش لكثرة ذنوبه فما هو إلاّ أن يبكي من خشية اللّه ندما عليها حتى يصير بينه و بينها أقرب من جفنه إلى مقلته (1). و انّه: ما من شىء إلاّ و له كيل و وزن إلاّ الدموع، فإنّ القطرة تطفي بحارا من نار يوم القيامة، فإذا اغر ورقت العين بمائها من خشية اللّه لم يرهق وجهه قتر و لا ذلّة، و حرّم اللّه سائر جسده على النّار، فإذا فاضت حرّمها اللّه على النّار، و لو انّ باكيا بكى في أمّة لرحموا (2). و انّه:

ما من عبد بكى من خشية اللّه إلاّ سقاه اللّه من رحيق رحمته، و ابدله اللّه ضحكا و سرورا في جنته، و رحم اللّه من حوله و لو كانوا عشرين ألفا. و لو بكى عبد في أمّة لنجّى اللّه تلك الأمّة ببكائه (3). و انّ من بكى من ذنب غفر له، و من بكى من خوف النار اعاذه اللّه منها، و من بكى شوقا إلى الجنّة أسكنه اللّه فيها، و كتب له أمانا من الفزع الأكبر، و من بكى من خشية اللّه حشره اللّه مع النبيّين و الصدّيقين و الشهداء و الصالحين و حسن أولئك رفيقا (4). و أنّه إذا بكى العبد من خشية اللّه تحاتت عنه الذنوب كما يتحاتّ الورق، فيبقى كيوم ولدته أمّه (5).

و قضايا بكاء الأئمة عليهم السّلام-على جلالتهم و قربهم-كثيرة مذكورة في بحار الأنوار و غيره.

ص:295


1- عيون أخبار الرضا عليه السّلام:179- [1]من الأخبار المنثورة عن الرضا عليه السّلام.
2- الأمالي للشيخ المفيد:143 المجلس الثامن عشر حديث 1 بسنده عن أبي جعفر الباقر عليه السّلام قال سمعته يقول: ما اغر ورقت عين بمائها من خشية اللّه عز و جل إلاّ حرّم اللّه جسدها على النار، و لا فاضت دمعة على خدّ صاحبها فرهق وجهه قتر و لا ذلّة يوم القيامة، و ما من شيء من أعمال الخير إلاّ و له وزن أو أجر إلاّ الدّمعة من خشية اللّه فإن اللّه يطفىء بالقطرة منها بحارا من نار يوم القيامة، و انّ الباكي ليبكي من خشية اللّه في امّة فيرحم اللّه تلك الأمّة ببكاء ذلك المؤمن فيها.
3- إرشاد القلوب:1/129 الباب الثالث و العشرون في البكاء من خشية اللّه عز و [2]جل.
4- المصدر المتقدم.
5- المصدر السابق أيضا:130.

و منها:

الاعتصام باللّه، و التوكّل عليه، و التفويض إليه، و قطع الرجاء

و الأمل من غيره:

فإن ذلك من أجمل الصفات، و أغبطها، و أشرف الحالات و أنفعها، و قد ورد عنهم عليهم السّلام انّ من اعتصم باللّه نجّاه، و لم يضرّه شيطان (1)، و ضمنت السموات و الأرض رزقه، و ان سأل اللّه أعطاه، بل و أعطاه قبل السؤال، و إن دعاه أجابه، و إن استغفره غفر له (2)، و ورد عنهم عليهم السّلام انه:

أوحى اللّه إلى داود عليه السّلام: ما اعتصم بي عبد من عبادي دون أحد من خلقي عرفت ذلك من نيته، ثم تكيده السموات و الأرض و من فيهنّ إلاّ جعلت له المخرج من بينهنّ، و ما اعتصم عبد من عبادي بأحد من خلقي عرفت ذلك من نيته إلاّ قطعت أسباب السموات من بين يديه، و اسخت الأرض من تحته و لا أبالي في أيّ واد هلك (3). و ورد: أنّ الغنى و العزّ يجولان فإذا ظفرا بموضع التوكّل اوطنا (4)، و انّ: المتوكل على اللّه أقوى النّاس، و أتقى الناس (5)، و ان:

ص:296


1- مستدرك وسائل الشيعة:2/288 باب 10 حديث 7.
2- روضة الواعظين:2/426 [2] مجلس في ذكر التوكل، و فيه قال النبي صلّى اللّه عليه و آله و سلّم: يقول اللّه عزّ و جلّ: ما من مخلوق يعتصم بمخلوق دوني إلاّ قطعت أسباب السماوات و الأرض من دونه، فإن سألني لم أعطه، و إن دعاني لم أجبه، و ما من مخلوق يعتصم بي دون خلقي إلاّ ضمنت السموات و الأرض رزقه، فإن سألني أعطيته، و إن دعاني أجبته و إن استغفرني غفرت له.
3- مشكاة الأنوار:16 الفصل الرابع في التوكّل على اللّه، و [3]مستدرك وسائل الشيعة:2/288 باب 10 حديث 3.
4- المصدر المتقدم.
5- روضة الواعظين:2/426 [6] مجلس في ذكر التوكل. عن النبي صلّى اللّه عليه و آله و سلّم: من سرّه أن يكون أقوى الناس فليتوكل على اللّه، و من سرّه أن يكون أكرم الناس فليتق اللّه، -

من توكّل على اللّه و قنع و رضى كفى المطلب و لا يغلب (1)، و انّ رجلا لو توكّل على اللّه بصدق النيّة لاحتاجت إليه الأمور فكيف يحتاج هو و مولاه الغنيّ الحميد (2)، و انّه: لو توكّلتم على اللّه حقّ توكّله لرزقكم كما يرزق الطير تغدو خماصا و تروح بطانا 3. و ان من توكّل على اللّه كفاه و هو حسبه 4. و انّ الإيمان له أركان أربعة: التوكّل على اللّه، و التفويض إليه، و التسليم لأمر اللّه تعالى، و الرضا بقضاء اللّه تعالى 5، و سأل النبي صلّى اللّه عليه و آله و سلّم جبرئيل عليه السّلام عن تفسير التوكّل فقال: اليأس من المخلوقين، و ان يعلم أنّ المخلوق لا يضرّ و لا ينفع، و لا يعطي و لا يمنع 6. و قال أبو الحسن الأول عليه السّلام:

التوكّل على اللّه درجات، منها: ان تتوكّل عليه في أمورك كلّها، فما فعل بك كنت

ص:297


1- مستدرك وسائل الشيعة [1]:2/288 باب 11 حديث 9، و روضة الواعظين:2/425 مجلس في ذكر التوكل.
2- روضة الواعظين:2/426 مجلس في ذكر التوكل، و [3] مستدرك وسائل الشيعة:2/228 باب 11 حديث 8.

عنه راضيا، تعلم أنه لا يألوك إلاّ خيرا و فضلا، و تعلم أنّ الحكم في ذلك له، فتوكّل على اللّه بتفويض ذلك إليه، وثق به فيها و في غيرها (1). و مرّ أمير المؤمنين عليه السّلام يوما على قوم أصحابه جالسين في زاوية المسجد فقال عليه السّلام:

من أنتم؟ فقالوا: نحن المتوكّلون، قال عليه السّلام: لا، بل أنتم المتأكّلة، فان كنتم متوكّلين فما بلغ بكم توكّلكم؟ قالوا: إذا وجدنا أكلنا و إذا فقدنا صبرنا، قال عليه السّلام: هكذا تفعل الكلاب عندنا، قالوا: فما تفعل؟ قال عليه السّلام: كما نفعل، قالوا: كيف تفعل؟ قال عليه السّلام: إذا وجدنا بذلنا و إذا فقدنا شكرنا (2). و قال مولانا الصادق عليه السّلام قريء في بعض الكتب انّ اللّه تبارك و تعالى يقول: و عزّتي و جلالي و مجدي و ارتفاعي على عرشي، لأقطعّن أمل كل مؤمل من الناس غيري باليأس، و لا كسوّنه ثوب المذلّة عند الناس، و لأنحيّنه من قربي، و لأبعدنّه من فضلي، أيؤمّل غيري في الشدائد و الشدائد بيدي؟ و يرجو غيري، و يقرع بالفكر باب غيري و بيدي مفاتيح الأبواب و هي مغلّقة، و بابي مفتوح لمن دعاني، فمن ذا الذي أمّلني لنائبة فقطعته دونها؟ ! و من ذا الّذي رجاني لعظيمة فقطعت رجاءه منّي؟ ! جعلت آمال عبادي عندي محفوظة فلم يرضوا بحفظي، و ملأت سمواتي ممّن لا يملّ من تسبيحي، و أمرتهم أن لا يغلقوا الأبواب بيني و بين عبادي، فلم يثقوا بقولي، ألم يعلم من طرقته نائبة من نوائبي أنّه لا يملك كشفها أحد غيري إلاّ من بعد إذني؟ ! فما لي أراه لاهيا عنّي، أعطيته بجودي ما لم يسألني ثم انتزعته منه فلم يسألني ردّه، و سأل غيري، أفتراني أبدأ بالعطاء قبل المسألة ثم أسأل فلا أجيب سائلى، أ بخيل أنا فيبخّلني

ص:298


1- مشكاة الأنوار:16 الفصل الرابع في التوكل على اللّه، و [1]مستدرك وسائل الشيعة:2/288 باب 11 حديث 5.
2- مستدرك وسائل الشيعة:2/289 باب 11 حديث 20، [3] عن تفسير أبي الفتوح.

عبدي؟ أو ليس الجواد و الكرم لي؟ او ليس العفو و الرحمة بيدي؟ ا و ليس انا محلّ الامال فمن يقطعها دوني؟ أ فلا يخشى المأمّلون أن يؤمّلوا غيري، فلو أنّ أهل سمواتي و أهل أرضي أملوني جميعا ثم أعطيت كل واحد منهم مثل ما امّل الجميع ما انتقص من ملكي عضو ذرة، و كيف ينقص ملك أنا قيّمه، فيا بؤسا للقانطين من رحمتي، و يا بؤسا لمن عصاني و لم يراقبني (1).

و ورد انّ قول: لو لا فلان لهلكت، او ما أصبت. . كذا، أو لضاع عيالي، أو. . نحو ذلك شرك. نعم لا بأس يقول: لو لا أن منّ اللّه عليّ بفلان لهلكت. . و نحوه (2).

و منها:

طاعة العقل، و مخالفة الجهل، و تغليب العقل على الشهوة:

فقد ورد عنهم عليهم السّلام: انّ صديق كلّ امرء عقله، و عدوّه جهله (3).

و انّ: العقل ما عبد به الرحمن و اكتسب به الجنان (4)، و هو دليل المؤمن (5)، و آلته، و عدّته، و هو قوام المرء و مطيّته، و دعامة الإسلام (6)، و انّه: لا فقر أشدّ من الجهل

ص:299


1- أصول الكافي:2/66 باب التفويض إلى اللّه و التوكل عليه حديث 7.
2- عدة الداعي:89.
3- المحاسن:194 باب العقل حديث 12.
4- المحاسن:195 باب العقل حديث 15.
5- أصول الكافي:1/25 كتاب العقل و الجهل حديث 24.
6- مستدرك وسائل الشيعة:2/286 باب 8 حديث 10، [5]عن كنز الفوائد، و [6]فيه: عن النبي صلّى اللّه عليه و آله و سلّم انّ قال: لكل شيء آلة و عدّة و آلة المؤمن و عدّته العقل، و لكل شيء مطيّة، و مطيّة المرء العقل، و لكل شيء غاية و غاية العبادة العقل، و لكل قوم راع و راع العابدين العقل، و لكل تاجر بضاعة و بضاعة المجتهدين العقل، و لكل خراب عمارة و عمارة الآخرة العقل، و لكل سفر فسطاط يلجأون إليه و فسطاط المسلمين العقل.

و لا مال أعود من العقل (1). و ان العقل هداية و الجهل ضلالة، و ان لكل شيء غاية، و غاية العبادة العقل، و لكل قوم راع و راع العابدين العقل، و لكلّ تاجر بضاعة و بضاعة المجتهدين العقل، و لكل خراب عمارة و عمارة الآخرة العقل، و لكل سفر فسطاطا يلجأون إليه و فسطاط المسلمين العقل (2). و أنّه إنّما يدرك الحق [الفوز خ. ل]بمعرفة العقل و جنوده و مجانبة الجهل و جنوده (3). و انّ: أساس من كان عاقلا كان له دين، و من كان له دين دخل الجنّة (4). و انّ: أساس الدّين بني على العقل، و فرضت الفرايض على العقل، و ربّنا يعرف بالعقل، و يتوسّل به إليه. و انّ العاقل أقرب من ربّه من جميع المجتهدين بالعقل، و لمثقال ذرّة من برّ العاقل أفضل من جهاد الجاهل ألف عام (5). و انّ اللّه سبحانه لما خلق العقل استنطقه ثم قال له: أقبل. . فأقبل، ثم قال له: أدبر. . فأدبر، ثم قال: و عزّتي و جلالي ما خلقت خلقا أحبّ إليّ منك، و لا أكملتك إلاّ في من أحبّ، أما إنّي إيّاك آمر، و إيّاك أنهى، و إيّاك أعاقب، و إيّاك أثيب (6). و انّ العقل

ص:300


1- روضة الواعظين:1/4 [1] مجلس في ماهيّة العقول و فضلها، و فيه: قال أمير المؤمنين عليه السّلام: صدر العاقل صندوق سرّه، لا غنى كالعقل، و لا فقر كالجهل، و لا ميراث كالأدب، اعقلوا الخبر إذا سمعتموه عقل رعاية لا عقل رواية، فإنّ رواة العلم كثير، و رعاته قليل، لا مال أعود من العقل، و لا عقل كالتدبير، و ليس للعاقل أن يكون شاخصا إلاّ في ثلاث: مرمّة لمعاش، أو خطوة إلى معاد، أو لذّة في غير محرّم، ما استودع اللّه امرأ عقلا إلاّ استنفذه به يوما ما.
2- مستدرك وسائل الشيعة:2/286 باب 8 حديث 10، [2]عن كنز الفوائد.
3- المحاسن:198 باب 1 [4] العقل حديث 22 آخر الحديث.
4- أصول الكافي:1/11 كتاب العقل و الجهل حديث 6.
5- روضة الواعظين:1/4 [6] مجلس في ماهية العقول و فضلها، و مستدرك وسائل الشيعة:2/ 286 باب 8 حديث 16.
6- أصول الكافي:1/10 كتاب العقل و الجهل حديث 1.

غطاء ستير، و الفضل جمال ظاهر، فاستر خلل خلقك بفضلك، و قاتل هواك بعقلك تسلم لك المودّة (1). و عن رسول اللّه صلّى اللّه عليه و آله و سلّم: إنّ اللّه خلق العقل من نور مخزون مكنون في سابق علمه الّذي لم يطلع عليه نبيّ مرسل، و لا ملك مقرّب، فجعل العلم نفسه، و الفهم روحه، و الزهد رأسه، و الحياء عينه، و الحكمة لسانه، و الرّأفة همّه، و الرّحمة قلبه، ثم حشّاه و قوّاه بعشرة أشياء:

باليقين، و الإيمان، و الصدق، و السكينة، و الإخلاص، و الرفق، و العطية، و القنوع، و التسليم، و الشكر، ثمّ قال عزّ و جلّ له: أدبر فأدبر، ثم قال له:

أقبل فأقبل، ثم قال له: تكلّم، فقال: الحمد للّه الّذي ليس له ضدّ و لا ندّ، و لا شبيه و لا كفو، و لا عديل، و لا مثيل [مثل]، الذي كلّ شىء لعظمته خاضع ذليل، فقال الربّ تبارك و تعالى: و عزّتي و جلالي ما خلقت خلقا أحسن منك، و لا أطوع لي منك، و لا أرفع منك، و لا أشرف منك، و لا أعزّ منك، بك أوحّد، و بك أعبد، و بك أدعى، و بك أرتجى، و بك أبتغى، و بك أخاف، و بك أحذر، و بك الثواب، و بك العقاب، فخرّ العقل عند ذلك ساجدا، فكان سجوده ألف عام، فقال الربّ تبارك و تعالى: ارفع رأسك و سل تعط، و اشفع تشفّع، فرفع العقل رأسه، فقال: إلهي! اسألك أن تشفّعني في من خلقتني فيه، فقال اللّه جلّ جلاله لملائكته: اشهدوا انّي قد شفّعته في من خلقته فيه (2). و سئل صلوات اللّه عليه و آله: ممّ خلق اللّه عزّ و جلّ العقل؟ قال: خلقه من ملك له رؤوس بعدد الخلائق من خلق و من لم يخلق إلى يوم القيامة، و لكل رأس وجه، و لكل آدميّ رأس من رؤوس العقل، و اسم ذلك [الملك]: الإمنان، على وجه ذلك الرأس مكتوب، و على كل وجه ستر ملقى لا يكشف ذلك الستر من ذلك الوجه حتّى يولد هذا المولود،

ص:301


1- أصول الكافي:1/20 كتاب العقل و الجهل حديث 13، و [1]في آخر الحديث: و تظهر لك المحبّة.
2- الخصال:2/427 انّ اللّه تبارك و تعالى قوّى العقل بعشرة أشياء حديث 4.

و يبلغ حدّ الرجال، أو حدّ النساء، فإذا بلغ كشف ذلك الستر فيقع في قلب هذا الإنسان نور فيفهم الفريضة و السنة، و الجيّد و الرديء، الا و مثل العقل في القلب كمثل السراج في البيت (1). و ورد عنهم عليهم السّلام: انّه إذا أراد اللّه أن يزيل من عبد نعمة كان أوّل ما يغير عنه عقله (2)، و انّه يغوص العقل على الكلام فيستخرجه من مكنون الصدر، كما يغوص الغائص على اللؤلؤ المستكنّة [في البحر] (3). و انّ أفضل طبايع العقل العبادة، و أوثق الحديث له العلم، و أجزل حظوظه الحكمة، و أفضل ذخائره الحسنات (4). و انّ العاقل من رضي بالدون من الدنيا مع الحكمة، و لم يرض بالدون من الحكمة مع الدنيا، فلذلك ربحت تجارتهم، و انّ العقلاء تركوا فضول الدنيا فكيف الذنوب، و ترك الدنيا من الفضل، و ترك الذنوب من الفرض. و انّ العاقل نظر إلى الدنيا و أهلها فعلم أنّها لا تنال الاّ بالمشقة، و نظر إلى الآخرة فعلم انّها لا تنال إلاّ بالمشقّة، فطلب بالمشقّة أبقاهما (5)، و لذلك كلّه ورد انّ الّذي كان في معاوية و أمثاله النكراء و الشيطنة، و هي شبيهة بالعقل و ليست بالعقل (6).

و اعلم انّ العقل يطلق في الأخبار و الأحاديث على ثلاثة معان:

أحدها: قوة إدراك الخير و الشرّ، و التمييز بينهما، و معرفة أسباب الأمور و نحو ذلك، و هذا هو مناط التكليف، و ضدّه: الجنون.

ص:302


1- مستدرك وسائل الشيعة:2/285 باب 8 حديث 2، و [1]علل الشرايع:1/98 باب 86 حديث 1.
2- الاختصاص:245.
3- الاختصاص:244.
4- المصدر المتقدم.
5- أصول الكافي:1/13 كتاب العقل و الجهل حديث 12.
6- أصول الكافي:1/11 كتاب العقل و الجهل حديث 3.

ثانيها: حالة و ملكة تدعو إلى اختيار الخير و المنافع، و اجتناب الشرّ و المضارّ.

ثالثها: التعقّل بمعنى العلم، و ضدّه: الجهل.

و أكثر الاخبار المزبورة قد استعمل فيه العقل بالمعنى الثاني و الثالث.

ثم انّه ينبغي للعاقل التفطّن و الالتفات و تغليب عقله على شهوته. و قد ورد انّ العقل و الشهوة ضدان، و مؤيد العقل العلم، و مزيّن الشهوة الهوى، و النفس متنازعة بينهما، فأيّهما قهر كان في جانبه، و ان أفضل الناس عند اللّه من أحيا عقله، و أمات شهوته، و ان من كمل عقله استهان بالشهوات، و ان من غلب عقله هواه أفلح، و من غلب هواه عقله افتضح (1). و انّ الهوى عدوّ العقل، و مخالف الحقّ، و قرين الباطل، و قوّة الهوى من الشهوات، و أصل علامات الهوى من أكل الحرام، و الغفلة عن الفرايض، و الاستهانة بالسنن، و الخوض في الملاهي (2). و انّ من عرضت له دنيا و آخرة فاختار الدّنيا على الآخرة لقي اللّه عزّ و جلّ يوم القيامة و ليست له حسنة يتّقي بها النّار، و من اختار الآخرة و ترك الدّنيا رضي اللّه عنه، و غفر له مساوي عمله (3).

و قال أمير المؤمنين عليه السّلام في جواب من سأله عن انّ الملائكة أفضل أم بنو آدم؟ : إنّ اللّه ركّب في الملائكة عقلا بلا شهوة، و ركّب في بني آدم كليهما [كلتيهما]، فمن غلب عقله شهوته فهو خير من الملائكة، و من غلبت شهوته عقله فهو شرّ من البهائم (4). و قال أبو جعفر عليه السّلام: إنّ طبايع النّاس

ص:303


1- مستدرك وسائل الشيعة:2/287 باب 9 حديث 2، [1] عن الآمدي في غرر كلام أمير المؤمنين عليه السّلام.
2- مستدرك وسائل الشيعة:2/287 باب 9 حديث 3، [2]عن مصباح الشريعة.
3- الفقيه:4/8 باب 1 في ذكر جمل من مناهي النبي صلّى اللّه عليه و آله و سلّم حديث 1.
4- علل الشرايع/4 باب 6 [4] العلة التي من أجلها صار في الناس من هو خير من الملائكة حديث 1.

كلّها مركّبة على الشهوة و الرغبة و الرهبة و الغضب و اللّذة، الاّ انّ في الناس من ذم هذه الخلال بالتقوى و الحياء و الانف، فإذا دعتك نفسك إلى كبيرة من الأمر فارم بصرك إلى السماء فانّ لم تخف من فيها فانظر إلى من في الأرض لعلك ان تستحيي ممّن فيها، فإن كنت لا ممّن في السماء تخاف، و لا ممّن في الأرض تستحيى فعدّ نفسك في البهائم (1).

و منها:

التفكّر فيما يوجب الاعتبار و العمل:

فإنّه من أعظم العبادات، فقد ورد أنّ أفضل العبادة إدمان التفكر في اللّه و في قدرته (2)و انّ التفكّر يدعو إلى البرّ و العمل [به] (3). و انّ الفكرة مرآة الحسنات، و كفّارة السيّئات، و ضياء القلب، و فسحة للخلق، و إصابة في إصلاح المعاد، و اطّلاع على العواقب، و استزادة في العلم، و هي خصلة لا يعبد اللّه بمثلها (4).

و انّ التفكّر في ملكوت السموات و الأرض عبادة المخلصين (5). و انّ كل سكوت ليس فيه فكر فهو غفلة (6). و ان تفكّر ساعة خير من قيام ليلة، كما في خبر (7)

ص:304


1- مستدرك وسائل الشيعة:2/287 باب 9 حديث 4، [1] عن نزهة الناظر.
2- أصول الكافي:2/55 باب التفكّر حديث 3.
3- أصول الكافي:2/55 باب التفكّر حديث 5.
4- مستدرك وسائل الشيعة:2/282 باب 5 حديث 7، [4]عن مصباح الشريعة.
5- مستدرك وسائل الشيعة:2/282 باب 5 حديث 8، [6] عن الآمدي في الغرر عن أمير المؤمنين عليه السّلام.
6- مشكاة الأنوار:37 الفصل التاسع في التفكر.
7- المحاسن:26 باب 3 [8] ثواب التفكر في اللّه حديث 5، بسنده عن الحسن الصيقل، قال: قلت لأبي عبد اللّه عليه السّلام: تفكّر ساعة خير من قيام ليلة؟ قال: نعم، قال رسول اللّه صلّى اللّه عليه و آله و سلّم: تفكّر ساعة خير من قيام ليلة. قلت: كيف يتفكّر؟ . قال: يمرّ بالدّار و الخربة فيقول: أين بانوك؟ أين ساكنوك؟ مالك لا تتكلمين؟

و من عبادة سنة، كما في عدة أخبار (1). و عن النبي صلّى اللّه عليه و آله و سلّم:

تفكر ساعه خير من عبادة ستين سنة (2). و انّه ليس العبادة كثرة الصلاة و الصوم، و إنما العبادة التفكر في أمر اللّه عزّ و جلّ (3). و انّه كان أكثر عبادة أبي ذر رضوان اللّه عليه التّفكر (4). و انّه ما أوتي لقمان الحكمة بحسب و لا مال و لا أهل، و لا بسط في جسم، و لا جمال، و لكنّه كان رجلا قويّا في أمر اللّه، متورّعا في اللّه، ساكتا سكينا، عميق النظر، طويل الفكر، حديد النظر، مستغن بالعبر (5). و انّ لقمان عليه السّلام كان يطيل الجلوس وحده، فكان يمرّ به مولاه فيقول: يا لقمان! إنّك قديم الجلوس وحدك، فلو جلست مع الناس كان آنس لك، فيقول لقمان: إنّ طول الوحدة أفهم للفكرة، و طول الفكرة دليل الجنّة (6).

و سئل عليه السّلام عن كيفية التفكّر فقال: إنّه يمرّ بالخربة أو بالدار فيقول:

أين ساكنوك؟ و أين بانوك؟ مالك لا تتكلمين (7)؟ و غرضه عليه السّلام من ذلك المثال، و الاّ فما من شيء تراه العين الاّ و فيه موعظة للمتدبّر، كما نبّه عليه السّلام على ذلك في خبر آخر. و عليك بمراجعة مرآة الرشاد في المقام، فإنّا قد ذكرنا هناك ما يفيدك و لا وجه للتكرار (8).

ص:305


1- مستدرك وسائل الشيعة:2/281 باب 5 حديث 2، [1] عن تفسير العياشي.
2- وسائل الشيعة:11/153 باب 5 حديث 6.
3- أصول الكافي:2/55 باب التفكّر حديث 4.
4- الخصال:1/42 حديث 33، بسنده عن أبي عبد اللّه عليه السّلام قال: كان اكثر عبادة أبي ذر-رحمة اللّه عليه-خصلتين: التفكر و الاعتبار.
5- تفسير على بن إبراهيم القمي:2/162 [4] سورة لقمان. و في المتن ساكنا، بدل: ساكتا.
6- تنبيه الخواطر [5]المعروف بمجموعة ورام:250 باب التفكّر.
7- المحاسن:26 باب 3 [7] ثواب التفكر في اللّه حديث 5.
8- جاء في [8]حاشية الطبعه الحجريه: [9] و قال الشاعر الفارسي: -

و منها:

محاسبة النفس في كلّ يوم و ليلة:

و قد شرحناها في مرآة الرشاد، و يأتي في أواخر المقام العاشر شطر من الكلام فيها ان شاء اللّه تعالى.

و منها:

حفظ اللّسان عمّا لا يعنيك:

فإنّه من الصفات الحميدة، و قد شرحناه في مرآة الرشاد، و مرّ في المقام الأول بعض الكلام فيه في الصمت و السكوت إلاّ عن الخير، فراجعهما.

و منها:

لزوم المنزل غالبا:

مع الإتيان بحقوق الإخوان الواجبة لمن يشقّ عليه اجتناب مفاسد العشرة، فإنّ ذلك حسن عقلا، و إليه أرشد مولانا الصادق عليه السّلام بقوله:

إن قدرت على أن لا تخرج من بيتك فافعل، فإنّ عليك في خروجك أن لا تغتاب، و لا تكذب، و لا تحسد، و لا ترائي، و لا تتصّنع، و لا تداهن، ثم قال عليه السّلام: نعم صومعة المسلم بيته، يكفّ فيه بصره، و لسانه، و نفسه، و فرجه (1). و قال باب الحوائج: الصبر على الوحدة علامة قوّة العقل، فمن عقل

ص:306


1- الكافي الروضه:8/128 حديث 98، بسنده عن حفص بن غ [1]ياث عن أبي عبد اللّه عليه السّلام قال: ان قدرتم ان لا تعرفوا فافعلوا، و ما عليك ان لم يثن الناس عليك، و ما عليك ان تكون مذموما عند الناس اذ كنت محمودا عند اللّه تبارك و تعالى، ان امير المؤمنين عليه السّلام كان يقول: لا خير في الدنيا الاّ لاحد رجلين، رجل يزداد فيها كل يوم احسانا؛ و رجل يتدارك منيّته بالتوبة، و انّى له بالتوبة! فو اللّه ان لو سجد حتى ينقطع عنقه ما قبل اللّه عزّ و جلّ منه عملا الاّ-

عن اللّه اعتزل أهل الدنيا و الراغبين فيها، و رغب فيما عند اللّه، و كان اللّه أنسه في الوحشة، و صاحبه في الوحدة، و غناه في العيلة، و معزّه من غير عشيرة (1).

و قال أمير المؤمنين عليه السّلام: طوبى لمن لزم بيته، و أكل كسرته، و بكى على خطيئته، و كان من نفسه في تعب، و الناس منه في راحة (2).

و إطلاق هذه الأخبار يقيّد بأخبار لزوم أداء الحقوق الواجبة، كما يقيّد أخبار النهي عن التبتّل و الانقطاع عن الناس بما اذا تمكّن من اجتناب المحرّمات.

و منها:

تسكين الغضب عن فعل الحرام:

فقد ورد أنّ الغضب مفتاح كلّ شرّ (3)، و مصياد 4الشيطان 5، و جند عظيم

ص:307


1- أصول الكافي:1/17 باب العقل و الجهل [1]حديث 12، و الحد [2]يث شريف مبسوط.
2- وسائل الشيعة:11/284 باب 51 حديث 5، [3]عن تفسير القمي.
3- أصول الكافي:2/303 باب الغضب حديث 3.

من جنوده (1)، و انه بئس القرين، و انّه يبدي المعائب، و يدني الشرّ، و يباعد الخير (2)، و انّه ليفسد الإيمان كما يفسد الخلّ العسل (3). و انّه ممحق لقلب الحكيم.

و من لم يملك غضبه لم يملك عقله (4). و انّه شرّ (5)، و عدوّ. و انّه يفسد الألباب و يبعد من الصواب. و أنّه جمرة من الشيطان، و نار موقدة، من كظمه أطفاها، و من أطاعه كان أول محترق بها (6). و انّ أوّله جنون و آخره ندم (7). و ورد: أنّ المؤمن هو الذي إذا غضب لم يخرجه غضبه من حقّ، و إذا رضي لم يدخله رضاه في باطل، و إذا قدر لم يأخذ أكثر ممّا له (8). و انّ من كفّ غضبه عن الناس ستر اللّه عورته، و كفّ عنه غضبه، و ملأ اللّه قلبه رضاه، و أقاله نفسه يوم القيامة (9). و انّ أعدى عدوّ للمرء غضبه و شهوته، فمن ملكهما علت درجته، و بلغ غايته (10). و انّ أعظم النّاس سلطانا على نفسه من قمع غضبه، و أمات شهوته (11). و ان رأس الفضائل ملك

ص:308


1- نهج البلاغة:3/144 [1] كتابه عليه السّلام إلى الحارث الهمداني برقم 69 آخر الحديث.
2- مستدرك وسائل الشيعة:2/326 باب 53 حديث 19، [2] عن الآمدي في الغرر من كلام أمير المؤمنين عليه السّلام.
3- أصول الكافي:2/302 باب الغضب حديث 1.
4- أصول الكافي:2/305 باب الغضب حديث 13.
5- مستدرك وسائل الشيعة:2/326 باب 53 حديث 19، [5]عن الآمدي [6]في الغرر من كلام أمير المؤمنين عليه السّلام.
6- المصدر المتقدم.
7- المصدر السابق.
8- أصول الكافي:2/233 باب المؤمن و علاماته و صفاته حديث 11.
9- مستدرك وسائل الشيعة:2/326 باب 53 حديث 20، [10] عن كتاب الأخلاق لأبي القاسم الكوفي و احاديث الباب.
10- مستدرك وسائل الشيعة:2/326 باب 53 حديث 19، [11]عن الآمدي [12]في الغرر من كلام أمير المؤمنين عليه السّلام.
11- المصدر المتقدم.

الغضب، و اماتة الشهوة (1). و انّه ظفر بالشيطان من ملك غضبه، و ظفر الشيطان بمن ملكه غضبه (2). و انّ من حفظ نفسه عند الغضب فهو كالمجاهد في سبيل اللّه (3).

و ورد للغضب مسكّنات أوردناها في رسالة مرآة الرشاد، فلاحظ.

و منها:

الزهد في الدنيا وحده:

لا ريب في حسن الزهد في الدّنيا، لأنّها لمّا كانت [الدنيا]رأس كلّ خطيئة، فكلّما كان الإنسان منها أبعد كان من شرورها و تبعاتها آمن. و قد ورد عنهم عليهم السّلام: انّ الزهد في الدّنيا الراحة العظمى، و انّكم إن زهدتهم خلصتم من شقاء الدنيا، و فزتم بدار البقاء. و انّ من زهد في الدنيا أعتق نفسه، و أرضى ربّه، و قرّت عينه بجنّة المأوى (4). و انّ العقلاء زهدوا في الدنيا، و رغبوا في الآخرة، لأنّهم علموا انّ الدنيا طالبة و مطلوبة، و الآخرة طالبة و مطلوبة، فمن طلب الآخرة طلبته الدّنيا حتّى يستوفي منها رزقه، و من طلب الدنيا طلبته الآخرة، فيأتيه الموت فيفسد عليه دينه و آخرته (5). و انّ من زهد في الدنيا أثبت اللّه الحكمة في قلبه، و أنطق بها لسانه، و بصّره عيوب الدنيا [الناس]داءها و دواءها، و أخرجه منها

ص:309


1- مستدرك وسائل الشيعة:2/326 باب 53 حديث 19، [1]عن الآمدي [2]في الغرر من كلام أمير المؤمنين عليه السّلام.
2- المصدر المتقدم.
3- مستدرك وسائل الشيعة:2/326 باب 53 حديث 21، [4] عن مجموعة الشهيد رحمه اللّه عن النبي صلّى اللّه عليه و آله و سلّم.
4- مستدرك وسائل الشيعة:2/332 باب 62 حديث 18 [5]عن الآمدي [6]في الغرر عن أمير المؤمنين عليه السّلام، و انظر احاديث الباب.
5- مستدرك وسائل الشيعة:2/332 باب 62 حديث 19، [7]عن تحف العقول.

سالما إلى دار السّلام (1). و انّ من أعون الأخلاق على الدين الزهد في الدّنيا (2).

و انّه جعل الخير كلّه في بيت و جعل مفتاحه الزهد في الدّنيا، و انّه حرام على قلوبكم أن تعرف حلاوة الإيمان حتّى تزهد في الدّنيا (3). و انّه: إذا أراد اللّه بعبد خيرا زهّده في الدّنيا، و فقّهه في الدّين، و بصّره عيوبها، و من أوتيهنّ فقد أوتي خير الدّنيا و الآخرة. و انّه لم يطلب أحد الحقّ بباب أفضل من الزهد في الدّنيا.

و انّه اذا تخلّى المؤمن من الدّنيا سما (4)، و وجد حلاوة حب اللّه فلم يشتغل بغيره (5).

و انّه: إذا رأيتم الرجل قد أعطي زهد الدنيا فاقتربوا منه فإنه يلقّن الحكمة (6).

و انّه: ما اتخذ اللّه نبيّا إلاّ زاهدا (7). و أنّ خياركم عند اللّه أزهدكم في الدّنيا و أرغبكم في الآخرة (8). و قال رجل لرسول اللّه صلّى اللّه عليه و آله و سلّم: دلّني على عمل يحبّني اللّه و يحبّني النّاس؟ فقال: ازهد في الدّنيا يحبّك اللّه، و ازهد عمّا في أيدي الناس يحبّك النّاس (9). و قال النبي صلّى اللّه عليه و آله و سلّم: إنّه قال

ص:310


1- مشكاة الأنوار:105 الفصل الثالث في الزهد.
2- مشكاة الأنوار:104 الفصل الثالث في الزهد.
3- أصول الكافي:2/128 باب ذم الدنيا و الزهد فيها حديث 2، [3] بسنده عن حفص بن غياث عن أبي عبد اللّه عليه السّلام قال: سمعته يقول: جعل الخير كلّه في بيت و جعل مفتاحه الزهد في الدنيا، ثم قال: قال رسول اللّه صلّى اللّه عليه و آله و سلّم: لا يجد الرجل حلاوة الإيمان في قلبه حتى لا يبالي من أكل الدنيا، ثم قال أبو عبد اللّه عليه السّلام: حرام على قلوبكم. . .
4- بمعنى: علا، كذا في حاشية الطبعة الحجريه.
5- أصول الكافي:2/130 باب ذم الدنيا و الزهد فيها حديث 10، و [4]قد ذكر الحديث هنا باختصار.
6- مشكاة الأنوار:106 الفصل الثالث في الزهد.
7- مستدرك وسائل الشيعة:2/333 باب 62 حديث 25، [6] عن لبّ اللباب.
8- المصدر المتقدم.
9- روضة الواعظين:432 [8] مجلس في الزهد و التقوى، و أمالي الشيخ الطوسي:205.

اللّه تعالى ليلة الإسراء: يا أحمد! هل تعرف ما للزاهدين عندي في الآخرة؟ فقال: لا، يا رب. قال: يبعث الخلق و يناقشون بالحساب و هم من ذلك آمنون، ان أدنى ما أعطي للزاهدين في الآخرة أن أعطيهم مفاتيح الجنان كلّها، حتّى يفتحوا أي باب شاءوا، و لا أحجب عنهم وجهي، و لأمتعنّهم بأنواع التلذّذ من كلامي، و لأجلسنّهم في مقعد صدق فأذكّرهم ما صنعوا و تعبوا في دار الدنيا، و أفتح لهم أربعة أبواب: باب تدخل عليهم الهدايا بكرة و عشيّا من عندي، و باب ينظرون منه إليّ كيف شاءوا بلا صعوبة، و باب يطلعون منه إلى النار فينظرون إلى الظالمين كيف يعذّبون، و باب يدخل عليهم منه الوصائف و الحور العين. .

الخبر (1).

ثم اعلم انّه قد اشتبه الأمر على جمع في المقام فوقع الخلط و الخبط بين الدنيا المحرّمة و المكروهة، و الذي تجتمع عليه الأخبار أنّ المحرّم هو حبّها و حبّ مالها، و شرفها، و فخرها، من غير تقيّد بتحصيلها من حرام أو حلال، و حبّ المال لنفسه، و الصرف فيما نهى اللّه تعالى عنه، أو على الطريق المنهي عنه، و انّ المكروه طلب ما زاد عن قدر الكفاف و العفاف مع التقيّد بتحصيله من حلال، و الخروج من أداء حقوقه، و صرفه على الوجه المحلّل، و أمّا طلب مقدار الكفاف و العفاف، و صون الوجه، و الصرف في سبيل اللّه سبحانه، و الأمور الخيريّة، و التوسعة على العيال على الوسط من دون إسراف و لا تبذير، و لا حرص في الطلب، فلا كراهة فيه، بل ورد أنّه الآخرة لا الدنيا (2). و لذا انّ الباقر عليه

ص:311


1- مستدرك وسائل الشيعة:2/333 باب 62 حديث 20.
2- الكافي:5/72 باب الاستعانة بالدنيا على الآخرة حديث 10، [2] بسنده عن عبد اللّه بن أبي يعفور قال: قال رجل لأبي عبد اللّه عليه السّلام: و اللّه إنّا لنطلب الدنيا و نحبّ أن نؤتاها، فقال: تحب أن تصنع بها ما ذا؟ قال: أعود بها على نفسي و عيالي، و أصل بها، و أتصدق بها، و أحجّ و أعتمر، فقال عليه السّلام: ليس هذا طلب الدنيا هذا طلب الآخرة.

السّلام-مع كونه بدينا شيخا-قد خرج لإصلاح أمر البستان، فقيل له في ذلك، فأجاب عليه السّلام بما يدلّ على رجحان مثله (1)كما مرّ الخبر الناطق بذلك في أوائل المقام الأول من الفصل التاسع.

و حدّ الزهد في الدنيا المحبوب إنّما هو عدم عقد القلب بالمال و الشرف و نحوهما من علايق الدّنيا، و عدم قطع الثقة باللّه بسبب المال، و ترك الزوائد عن مقدار تعيّش أواسط الناس، كما يستفاد ذلك كلّه من كلمات أهل بيت العلم و العصمة سلام اللّه عليهم أجمعين. فقال أمير المؤمنين عليه السّلام: إنّ الزهد بين كلمتين من القرآن، قال اللّه تعالى لِكَيْلا تَأْسَوْا عَلى ما فاتَكُمْ وَ لا تَفْرَحُوا بِما آتاكُمْ (2)، فمن لم ييأس على الماضي و لم يفرح بالآتي فقد استكمل الزهد بطرفيه (3). و قال عليه السّلام أيضا تارة: إنّ الزهد في الدنيا تنكيب حرامها (4).

ص:312


1- الكافي:5/73 باب ما يجب من الاقتداء بالأئمة عليهم السّلام في التعرض للرزق حديث 1، [1] بسنده عن أبي عبد اللّه عليه السّلام قال: إنّ محمد بن المنكدر كان يقول: ما كنت أرى أنّ علي بن الحسين عليه السّلام يدع خلفا أفضل منه حتى رأيت ابنه محمد بن علي عليهما السّلام، فأردت أن اعظه فوعظني، فقال له أصحابه: بايّ شيء وعظك؟ قال: خرجت إلى بعض نواحي المدينة في ساعة حارّة فلقيني أبو جعفر محمد بن علي-و كان رجلا بادنا ثقيلا و هو متّكىء على غلامين أسودين أو موليين-فقلت في نفسي: سبحان اللّه-شيخ من أشياخ قريش في هذه الساعة على هذه الحال في طلب الدنيا؟ ! أما لأعظنّه، فدنوت منه فسلّمت عليه فردّ عليّ السّلام بنهر [اي بزجر]و هو يتصابّ عرقا، فقلت: أصلحك اللّه! شيخ من أشياخ قريش في هذه الساعة على هذه الحال في طلب الدنيا أ رأيت لو جاء أجلك و أنت على هذه الحال ما كنت تصنع؟ فقال: لو جاءني الموت-و أنا على هذه الحال-جاءني و أنا في طاعة من طاعة اللّه عزّ و جلّ اكفّ بها نفسي و عيالي عنك و عن الناس، و إنّما كنت أخاف أن لو جاءني الموت و أنا على معصية من معاصي اللّه، فقلت: صدقت يرحمك اللّه، أردت أن أعظك فوعظتني.
2- سورة الحديد:23.
3- نهج البلاغة:3/258 برقم 439.
4- معاني الأخبار:251 باب معنى الزهد حديث 1.

و أخرى: انه قصر الأمل، و شكر كلّ نعمة، و الورع عمّا حرّم اللّه عليك (1)و قال أبو عبد اللّه عليه السّلام: ليس الزهد في الدنيا بإضاعة المال، و لا بتحريم الحلال، بل الزهد في الدنيا أن لا تكون بما في يدك أوثق منك بما في يد اللّه عزّ و جلّ (2). و في خبر آخر: لكن الزهد في الدّنيا الرضا بالقضاء، و الصبر على المصائب، و اليأس عن النّاس (3). و سئل رسول اللّه صلّى اللّه عليه و آله و سلّم عن أزهد الناس فقال: من لم ينس المقابر و البلى، و ترك فضل زينة الدّنيا، و آثر ما يبقى على ما يفنى، و لم يعدّ غدا من أيامه، و عدّ نفسه في الموتى (4). قال أمير المؤمنين عليه السّلام: الزهد في الدنيا قصر الأمل. و قال مولانا الصادق عليه السّلام: الزهد مفتاح باب الآخرة، و البراءة من النّار، و هو تركك كلّ شىء يشغلك عن اللّه تعالى، من غير تأسف على فوتها، و لا إعجاب في تركها، و لا انتظار فرج منها، و لا طلب محمدة عليها، و لا غرض لها، بل يرى فوتها راحة، و كونها آفة، و يكون أبدا هاربا من الآفة، معتصما بالرّاحة، و الزاهد الذي يختار الآخرة على الدنيا، و الذلّ على العزّ، و الجهد على الراحة، و الجوع على الشبع، و عافية الآجل على محنة العاجل، و الذكر على الغفلة، و تكون نفسه في الدنيا و قلبه في الآخرة. . الخبر (5). و قال أمير المؤمنين عليه السّلام: إنّما النّاس ثلاثة:

زاهد، و راغب، و صابر، فأما الزاهد فلا يفرح بشيء من الدنيا أتاه، و لا يحزن على شىء فانه، و أمّا الصابر فيتمنّاها بقلبه، فان أدرك منها شيئا صرف عنها نفسه، لما يعلم من سوء عاقبتها، و أمّا الراغب فلا يبالي من حلّ أصابها أم من

ص:313


1- معاني الأخبار:251 باب معنى الزهد حديث 2.
2- معاني الأخبار:251 باب معنى الزهد حديث 3.
3- مستدرك وسائل الشيعة:2/333 باب 62 حديث 25.
4- أمالي الشيخ الطوسي:2/144 المجلس الرابع [2]من محرم سنة سبع و خمسين و أربعمائة.
5- مستدرك وسائل الشيعة:2/332 باب 62 حديث 14، [3]عن مصباح الشريعة.

حرام (1). و قال عليه السّلام-أيضا-في تفسير الزهد: إنّه قصر الأمل، و تنقية القلب، و أن لا يفرح بالثناء و لا يغتمّ بالذم، و لا يأكل طعاما و لا يشرب شرابا، و لا يلبس ثوبا، حتى يعلم أن أصله طيّب، و ان لا يلتزم الكلام فيما لا يعنيه، و ان لا يحسد على الدنيا، و ان يحبّ العلم و العلماء، و لا يطلب الرفعة و الشرف (2).

و قال جبرئيل عليه السّلام حين سأله النبيّ صلّى اللّه عليه و آله و سلّم عن تفسير الزهد: انّ الزاهد يحبّ من يحبّ خالقه، و يبغض من يبغض خالقه، و يتحرّج من حلال الدنيا، و لا يلتفت إلى حرامها، فإنّ حلالها حساب، و حرامها عقاب، و يرحم جميع المسلمين كما يرحم نفسه، و يتحرّج من الكلام [خ. ل: الحرام] كما يتحرّج من الميتة التي قد اشتدّ نتنها، و يتحرّج من حطام الدّنيا [و زينتها] كما يتجنّب النّار أن تغشاه، و أن يقصر أمله و كأنّ بين عينيه أجله. . الخبر (3).

و أما قول أمير المؤمنين عليه السّلام: انّ الزاهدين قوم اتّخذوا مساجد اللّه بساطا، و ترابها فراشا، و ماءها طهورا، و القرآن شعارا، و الدعاء دثارا، ثم قبضوا الدنيا على منهاج عيسى عليه السّلام (4). فالمراد به أفضل مراتب الزهد، و لكن ينبغي تقييده بما إذا لم يؤدّ إلى الرهبانية المذمومة في شرعنا. و كذا الحال في قول اللّه سبحانه للنّبي صلّى اللّه عليه و آله و سلّم حين سأله عن وصف الزاهدين:

الزاهد الذي ليس له بيت يخرب فيغتمّ بخرابه، و لا ولد يموت فيحزن بموته، و لا له مال يذهب فيحزن بذهابه، و لا يعرفه انسان [حين]يشغله عن اللّه عزّ و جلّ طرفة عين، و لا له فضل طعام فيسأل عنه، و لا له ثوب ليّن. يا أحمد! وجوه

ص:314


1- روضة الواعظين:433 [1] مجلس في الزهد و التقوى.
2- مستدرك وسائل الشيعة:2/333 باب 62 حديث 23.
3- معاني الأخبار:261 باب معنى التوكل على اللّه عزّ و جلّ و الصبر و القناعة و الرضا و الزهد و الإخلاص و اليقين حديث 1
4- مستدرك وسائل الشيعة:2/333 باب 62 حديث 25، [3] عن القطب الراوندي في لب اللباب.

الزاهدين مصفرّة من تعب الليل، و صوم النهار، و ألسنتهم كلال إلاّ من ذكر اللّه، قلوبهم في صدورهم مطعونة من كثرة ما يخالفون أهواءهم، قد ضمروا أنفسهم من كثرة صمتهم، قد أعطوا المجهود من أنفسهم، لا من خوف نار و لا من شوق جنّة، و لكن ينظرون في ملكوت السموات و الأرضين، فيعلمون أنّ اللّه سبحانه و تعالى أهل للعبادة (1).

و منها:

ترك ما زاد عن قدر الضرورة من الدّنيا:

فإنّه محمود العاقبة، حسن النتيجة، ضرورة انّ كثرة المذام الواردة في حقّ الدنيا تقضي بحسن الاعراض عمّا زاد عن مقدار الضرورة منها، كيف لا؟ و قد ورد انّ: الدنيا سجن المؤمن، و جنّة الكافر (2). و انّها لو عدلت عند اللّه جناح بعوضة لما سقي الكافر منها شربة ماء (3). و انّه: ما من أحد من الاولين و الآخرين الاّ و هو يتمنّى يوم القيامة أنّه لم يعط من الدّنيا الاّ قوتا (4). و انّ مثل الدّنيا كمثل الحية ما ألين مسّها و في جوفها السمّ الناقع، يحذرها الرجل العاقل و يهوى إليها الصبيّ الجاهل (5). و قال أمير المؤمنين عليه السّلام-في وصيّته لمحمّد بن الحنفية-: لا مال أذهب للفاقة من الرضا بالقوت، و من اقتصر على بلغة الكفاف فقد انتظم الراحة (6). و قال الحسن بن علي عليهما السّلام-في حديث-:

ص:315


1- مستدرك وسائل الشيعة:2/333 باب 62 حديث 20.
2- الفقيه:4/262 باب 176 النوادر من وصايا النبي صلّى اللّه عليه و آله و سلّم لأمير المؤمنين عليه السّلام.
3- الفقيه:4/263 باب 176 النوادر.
4- الحديث المتقدم.
5- أصول الكافي:2/136 باب ذم الدنيا و الزهد فيها حديث 22.
6- الفقيه:4/276 باب النوادر حديث 10 في وصية أمير المؤمنين عليه السّلام لمحمد بن-

اعلم أنّك لا تكسب من المال شيئا فوق قوتك الاّ كنت فيه خازنا لغيرك، و اعلم انّ في حلالها حسابا، و في حرامها عقابا، و في الشبهات عتابا، فأنزل الدّنيا منزلة الميتة، خذ منها ما يكفيك 1، فإن كان ذلك حلالا كنت قد زهدت فيها، و إن كان حراما لم يكن فيه وزر، فأخذت كما أخذت من الميتة، و إن كان العتاب فإن العتاب سهل يسير 2. و في كلام لأمير المؤمنين عليه السّلام-في ذكر بعض حالات الأنبياء عليهم السّلام-: انهم الزموا أنفسهم الصبر، و أنزلوا الدّنيا من أنفسهم كالميتة الّتي لا يحلّ لأحد أن يشبع منها إلاّ في حال الضرورة إليها، و أكلوا منها بقدر ما أبقى لهم النفس، و أمسك الروح، و جعلوها بمنزلة الجيفة التي اشتدّ نتنها، فكلّ من مرّ بها أمسك على فيها 3، فهم يتبلّغون بأدنى البلاغ، و لا ينتهون إلى الشبع من النتن، و يتعجّبون من الممتلي منها شبعا و الرّاضي بها نصيبا. الخبر 4.

مضافا الى أنّ الدّنيا و الآخرة ضرّتان لا تجتمعان، فترك الدنيا الفانية أولى من ترك الآخرة الباقية، كما نبّه على ذلك رسول اللّه صلّى اللّه عليه و آله و سلم بقوله: في طلب الدنيا إضرار بالآخرة، و في طلب الآخرة إضرار بالدنيا، فاضّروا بالدنيا فانّها أحقّ بالإضرار 5. و إلى أنها تدبر على من أقبل إليها، و تقبل على من أدبر اليها، كما نطقت بذلك الأخبار، حتى ورد انّ اللّه أوحى

ص:316

الى الدّنيا أن أخدمي من خدمني، و أتعبي من خدمك (1). فالعاقل البصير يدبر عنها حتى تقبل إليه، و يعرض عنها حتّى تخدمه بأمر اللّه سبحانه. و إلى ذلك أرشد مولانا الصادق عليه السّلام بقوله: لا تحرص على شيء لو تركته لوصل إليك، و كنت عند اللّه مستريحا محمودا بتركه، و مذموما باستعجالك في طلبه، و ترك التوكّل عليه تعالى و الرضا بالقسم، فإن الدنيا خلقها اللّه بمنزلة ظلّك، إن طلبته اتبعك و لا تلحقه أبدا، و ان تركته تبعك و أنت مستريح (2).

و بالجملة فما رود في ذمّ الدّنيا لا يسع الكتاب جمعه، و من شاء راجع مظانه، و ان كان فيما سطرناه كفاية لمن كان له أدنى دراية، و من لا دراية له فلا تفيه ألف حكاية.

و لا بأس بالتذييل بخبر ورد في حقّ ما يشبه زماننا، فعن رسول اللّه صلّى اللّه عليه و آله و سلّم أنّه قال: لا تقوم الساعة حتّى يبغض النّاس من أطاع اللّه، و يحبّون من عصى اللّه، فقيل: يا رسول اللّه (ص) ! و النّاس يومئذ على الإسلام؟ ! قال: و أين الاسلام يومئذ؟ المسلم يومئذ كالغريب الشريد، ذلك الزمان يذهب فيه الإسلام، و لا يبقى إلاّ اسمه، و يندرس فيه القرآن، و لا يبقى إلا رسمه. فقيل: و فيما يكذّبون من أطاع اللّه و يطردونهم و يعذّبونهم؟ ! فقال:

تركوا القوم الطريق، و ركنوا إلى الدنيا، و رفضوا الآخرة، و أكلوا الطيبات، و لبسوا الثياب المزينات، و خدمهم أبناء فارس و الروم، فهم يعبدون في طيب الطعام، و لذيذ الشراب، و ذكيّ الريح، و مشيد البنيان، و مزخرف البيوت، و منجدة المجالس، و يتبرّج الرجل منهم كما تبرج المرأة لزوجها، و تتبرّج النساء بالحلي و الحلل [المزينة]، زيّهم يومئذ زىّ الملوك الجبابرة، يتباهون بالجاه

ص:317


1- الفقيه:4/262 باب 176 النوادر وصايا النبي صلّى اللّه عليه و آله و سلّم لأمير المؤمنين عليه السّلام.
2- مستدرك وسائل الشيعة:2/335 باب 64 حديث 9، [1]عن مصباح الشريعة.

و اللباس، و أولياء اللّه عليهم العباء، سحبة ألوانهم من السهر، و منحنية اصلابهم من القيام، قد لصقت بطونهم بظهورهم من طول الصيام.

. . إلى أن قال صلّى اللّه عليه و آله و سلّم: فإذا تكلّم منهم متكلّم بحقّ او تفوّه بصدق قيل له: اسكت فأنت قرين الشيطان، و رأس الضّلالة، يتأوّلون كتاب اللّه على غير تأويله، و يقولون: مَنْ حَرَّمَ زِينَةَ اَللّهِ اَلَّتِي أَخْرَجَ لِعِبادِهِ وَ اَلطَّيِّباتِ مِنَ اَلرِّزْقِ (1). الخبر (2).

و منها:

انتهاز فرص الخير.

و المبادرة إليه (3)مع الإمكان لإرشاد العقل إلى حسن ذلك، من حيث أنّ العمر يفنى و لا يبقى للمرء إلاّ عمله، فتفويت الوقت هدرا خلاف العقل، و انّ كلّ نعمة فهي في معرض الزّوال و الفناء، فيلزم معرفة قدرها قبل زوالها.

و إلى هذا المعنى أرشد أهل الحق صلوات اللّه عليهم أجمعين، ففي وصيّة النبي صلّى اللّه عليه و آله و سلّم لعليّ عليه السّلام: يا عليّ! بادر بأربع قبل أربع:

شبابك قبل هرمك، و صحّتك قبل سقمك، و غناك قبل فقرك، و حياتك قبل موتك (4). و قال أمير المؤمنين عليه السّلام في قول اللّه عزّ و جلّ وَ لا تَنْسَ نَصِيبَكَ مِنَ اَلدُّنْيا (5): لا تنس صحّتك، و قوّتك، و فراغك، و شبابك، و نشاطك أن تطلب بها الآخرة (6). و ورد عنهم عليهم السّلام

ص:318


1- سورة الأعراف:32.
2- مستدرك وسائل الشيعة:2/335 باب 63 حديث 12.
3- في الأصل: به، و لعله: اليها، أي الفرص، أو اليه، أي إلى الخير.
4- الفقيه:4/257 باب 167 النوادر حديث 822.
5- سورة القصص:77.
6- الأمالي للشيخ الصدوق:228 [4] المجلس الاربعون حديث 10.

أنّ: الفرص تمرّ مرّ السحاب فانتهزوها إذا أمكنت في أبواب الخير، و إلاّ عادت ندما (1). و إنّ إضاعة الفرصة غصّة. و انّ الفرصة غنم. و انّ التثبّت خير من العجلة إلاّ في فرص البرّ. و انّ الفرصة سريعة الفوت بطيئة العود. و انّ من قعد عن الفرصة أعجزه الفوت. و انّ من أخر الفرصة عن وقتها فليكن على ثقة من فوتها (2). و انّ من فتح له باب خير فلينتهزه فإنّه لا يدري متى يغلق عنه (3). و انّ الحزم ان تنتهز فرصتك، و تعاجل ما أمكنك (4). و من وصايا أمير المؤمنين عليه السّلام: أوصيكم بالعمل قبل أن يؤخذ منكم بالكظم، و باغتنام الصحة قبل السقم، و قبل أَنْ تَقُولَ نَفْسٌ يا حَسْرَتى عَلى ما فَرَّطْتُ فِي جَنْبِ اَللّهِ وَ إِنْ كُنْتُ لَمِنَ اَلسّاخِرِينَ (5)أَوْ تَقُولَ لَوْ أَنَّ اَللّهَ هَدانِي لَكُنْتُ مِنَ اَلْمُتَّقِينَ (6)أنّى؟ و من أين؟ و قد كنت للهوى متّبعا، فيكشف له عن بصره و يهتك له حجبه، يقول اللّه عزّ و جلّ: فَكَشَفْنا عَنْكَ غِطاءَكَ فَبَصَرُكَ اَلْيَوْمَ حَدِيدٌ (7)أنّى له بالبصر؟ الا أبصر قبل هذا الوقت؟ الا أبصر قبل أن يحجب التوبة بنزول الكربة، فتتمنّى النفس أن لو ردت لتعمل بتقواها، فلا تنفعها المنى (8).

ص:319


1- مستدرك وسائل الشيعة:2/350 باب 90 حديث 6.
2- المصدر المتقدم.
3- مستدرك وسائل الشيعة:2/350 باب 90 حديث 4.
4- مستدرك وسائل الشيعة:2/350 باب 90 حديث 3.
5- سورة الزمر:56.
6- سورة الزمر:57.
7- سورة ق:22.
8- مستدرك وسائل الشيعة:2/350 باب 90 حديث 5. باختلاف يسير

و منها:

الأمر بالمعروف و النهي عن المنكر:

فانهما من اهمّ الواجبات و ألزم الفرائض، عند اجتماع شرائطهما التي ذكرناها في مناهج المتّقين، و قد ورد انّهما سبيل الانبياء، و منهاج الصلحاء، فريضة عظيمة بها تقام الفرائض، و تأمن المذاهب، و تحلّ المكاسب، و تردّ المظالم، و تعمر الأرض، و ينتصف من الأعداء، و يستقيم الأمر (1). و انّهما لن يقرّبا أجلا، و لن يقطعا رزقا (2). و انّ فاعلهما خليفة اللّه في الأرض، و خليفة رسوله (3). و انّ من مشى إلى سلطان جائر فأمره بتقوى اللّه، و وعظه، و خوّفه كان له مثل أجر

ص:320


1- الكافي:5/55 باب الأمر بالمعروف و النهي عن المنكر حديث 1، [1] بسنده عن جابر، عن أبي جعفر عليه السّلام قال: يكون في آخر الزمان قوم يتبع فيهم قوم مراؤون يتقرّؤون و يتنسّكون، حدثاء، سفهاء، لا يوجبون امرا بمعروف، و لا نهيا عن منكر الاّ اذا آمنوا الضرر، يطلبون لانفسهم الرخص و المعاذير، يتّبعون زلاّة العلماء و فساد عملهم، يقبلون على الصلاة و الصيام و ما لا يكلمهم في نفس و لا مال، و لو أضرت الصلاة بسائر ما يعملون بامولاهم و ابدانهم لرفضوها كما رفضوا اسمى الفرائض و اشرفها، انّ الامر بالمعروف و النهي عن المنكر فريضة عظيمة بها تقام الفرائض، هنالك يتمّ غضب اللّه عزّ و جلّ عليهم فيعمّهم بعقابه، فيهلك الابرار في دار الفجّار، و الصغار في دار الكبار، ان الامر بالمعروف و النهي عن المنكر سبيل الانبياء، و منهاج [2]الصلحاء، فريضة عظيمة بها تقام الفرائض، و تأمن المذاهب، و تحلّ المكاسب، و تردّ المظالم، و تعمر الارض، و ينتصف من الاعداء، و يستقيم الامر، فانكروا بقلوبكم، و الفظوا بالسنتكم، و صكّوا بها جباههم، و لا تخافوا في اللّه لومة لائم، فان اتّعظوا و الى الحق رجعوا فلا سبيل عليهم إِنَّمَا اَلسَّبِيلُ عَلَى اَلَّذِينَ يَظْلِمُونَ اَلنّاسَ وَ يَبْغُونَ فِي اَلْأَرْضِ بِغَيْرِ اَلْحَقِّ أُولئِكَ لَهُمْ عَذابٌ أَلِيمٌ هنالك فجاهدوهم بابدانكم و ابغضوهم بقلوبكم غير طالبين سلطانا و لا باغين مالا، و لا مريدين بظلم ظفرا حتى يفيئوا الى امر اللّه و يمضوا على طاعته. . .
2- الكافي:5/57 باب الأمر بالمعروف و النهي عن المنكر حديث 6.
3- مستدرك وسائل الشيعة:2/358 باب 1 حديث 7.

الثقلين من الجنّ و الإنس و مثل أجورهم (1). و انّهما خلقان من خلق اللّه، فمن نصرهما أعزّه اللّه، و من خذلهما خذله اللّه (2)، و انّ من أمر بمعروف، او نهى عن منكر، أو دلّ على خير، [او أشار به]فهو شريك، و من أمر بشر (3)أو دلّ عليه أو أشار به فهو شريك (4). إنّ المؤمن الضعيف الذي لا دين له، من لا ينهى عن المنكر (5). و انّ تركهما يوجب غضب اللّه عزّ و جلّ، فيعمّ القوم التاركين لهما بعقابه، فيهلك الأبرار في دار الأشرار، و الصغار في دار الكبار (6). و انّ تركهما يوجب نزع البركات عنهم، و تسليط بعضهم على بعض، و لم يكن لهم ناصر في الارض و لا في السّماء (7). و انّ من راى المنكر فلم ينكره و هو يقدر عليه فقد أحبّ أن يعصى اللّه، و من أحبّ أن يعصى اللّه فقد بارز اللّه بالعداوة (8). و انّكم لا تتركوا الأمر بالمعروف و النهي عن المنكر، فيولي اللّه أموركم شراركم، ثم تدعون فلا يستجاب لكم دعاؤكم (9). و في خبر آخر: فيدعو خياركم فلا يستجاب لهم (10).

و انّ صبيين وثبا على ديك فنتفاه، فلم يدعا عليه ريشه، و شيخ قائم يصلّي لا

ص:321


1- الاختصاص:261 فضل العدل و العمل بمقتضاه.
2- مشكاة الأنوار:46 الفصل الثالث عشر في الأمر بالمعروف و النهي عن المنكر.
3- في مطبوع الحجريه: بسوء.
4- مستدرك وسائل الشيعة:2/357 باب 1 حديث 3، [2]عن الجعفريات.
5- الكافي:5/59 باب الأمر بالمعروف و النهى عن المنكر حديث 15.
6- الكافي:5/55 باب الأمر بالمعروف و النهى عن المنكر حديث 1، و [5]الحديث طويل جاء في التهذيب:6/180 حديث 372.
7- التهذيب:6/181 باب 80 الأمر بالمعروف و النهى عن المنكر حديث 373.
8- مستدرك وسائل الشيعة:2/357 باب 1 حديث 2.
9- مستدرك وسائل الشيعة:2/358 باب 1 حديث 9، [7]عن أمالي الشيخ الطوسي.
10- مستدرك وسائل الشيعة:2/358 باب 1 حديث 17.

يأمرهم و لا ينهاهم، فأمر اللّه الأرض فابتلعته (1). و قد عمّ عذاب أقوام فجّار أخيارهم، لتركهم نهي الفجار عن المنكر (2)، و نالت الفاجرة المغفرة بنهيها عن المنكر (3). و روي عن أبي عبد اللّه عليه السّلام: انّ ابليس احتال على عابد من بني إسرائيل حتى ذهب إلى فاجرة يريد الزنا بها، فقالت له: إن ترك الذنب أيسر من طلب التوبة، و ليس كلّ من طلب التوبة وجدها، فانصرف و ماتت من ليلتها، فأصبحت و إذا على بابها مكتوب: احضروا (فلانة) فإنّها من أهل الجنّة، فارتاب النّاس، فمكثوا ثلاثا لا يدفنونها ارتيابا في أمرها، فأوحى اللّه عزّ و جلّ إلى نبيّ من الأنبياء-و لا أعلمه إلاّ موسى بن عمران عليه السّلام-أن ائت فلانة فصّل عليها، و مرّ الناس فليصلّوا عليها، فإني قد غفرت لها، و أوجبت لها الجنة، بتثبيطها عبدي (فلانا) عن معصيتي (4).

و أمّا عند فقد شرائط الأمر و النهي فيكفي إنكار المنكر بالقلب، و الرضا بالمعروف بالقلب، كما استفاض بذلك الأخبار.

فعن النبي صلّى اللّه عليه و آله و سلّم: ان من رأى منكم منكرا فليغيّره بيده، فان لم يستطع فبلسانه، فإن لم يستطع فبقلبه، ليس وراء ذلك شيء من الإيمان (5). و عنه صلّى اللّه عليه و آله و سلّم: انه ستكون فتن لا يستطيع المؤمن أن يغيّر فيها بيد و لا لسان، فقال علي بن أبي طالب عليه السّلام: و فيهم يومئذ مؤمنون؟ ! قال: نعم، قال: فينقص ذلك من إيمانهم شيئا؟ قال: لا، إلاّ كما

ص:322


1- مستدرك وسائل الشيعة:2/359 باب 1 حديث 23، [1]عن فقه الرّضا عليه السّلام.
2- وسائل الشيعة:11/406 باب 3 حديث 12، [3] عن تفسير الإمام الحسن العسكري عليه السّلام.
3- الكافي [4]الروضة:8/384 حديث العابد حديث 584.
4- الحديث المتقدم.
5- روضة الواعظين:364 مجلس في ذكر الأمر بالمعروف و النهي عن المنكر.

ينقص القطر من الصفا، إنّهم يكرهونه بقلوبهم (1). و عنه صلّى اللّه عليه و آله و سلم أيضا: إنّ من شهد أمرا و كرهه كان كمن غاب عنه، و من غاب عن أمر فرضيه كان كمن شهده (2). و عن أمير المؤمنين عليه السّلام: إن من رأى منكرا يعمل به و منكرا يدعى إليه فأنكره بقلبه فقد سلم و بريء، و من أنكر بلسانه فقد أجر، و هو أفضل من صاحبه، و من أنكره بسيفه لتكون حجة اللّه العليا، و كلمة الظالمين الشفلى، فذلك الذي أصاب سبيل الهدى، و قام على الطريق، و نور في قلبه اليقين (3). و قال الصادق عليه السّلام: حسب المؤمن خيرا إن راى منكرا أن يعلم اللّه من نيّته انه له كاره (4).

و بالجملة، فاللاّزم-الذي لا محيص عنه-هو إنكار المنكر بالقلب، فإن أمكن معه الإنكار باللسان، و إظهار الكراهة بالجنان، و الإعراض عن فاعله وجب، و الاّ بأن خاف من المنع اللساني، و إظهار الكراهة و الإعراض، كفى الإنكار القلبي. و أما قول أمير المؤمنين عليه السّلام: أدنى الإنكار ان تلقى أهل المعاصي بوجوه مكفّهره (5). أي منقبضة، فمحمول على إمكان ذلك، و عدم الخوف فيه كما هو الغالب، و إلاّ فمع الخوف منه يجزي الإنكار القلبي، و يجب هجر فاعل المنكر، و ترك مجالسته إلاّ عند الضرورة، للنواهي الأكيدة عن مجالسته، و قد مرّ في المقام الخامس من هذا الفصل شطر ممّا ورد في ذلك، فراجع.

و ورد الأمر بهجر فاعل المنكر و اجتناب محلّه و مجلسه، و عن عيسى بن مريم عليه السّلام انّه كان يقول: يا معشر الحواريّين! تحبّبوا إلى اللّه ببغض أهل

ص:323


1- مستدرك وسائل الشيعة:2/360 باب 3 حديث 1، [1]عن أمالي الطوسي.
2- مستدرك وسائل الشيعة:2/361 باب 4 حديث 2، [3]عن الجعفريات.
3- مشكاة الأنوار:46 الفصل الثالث عشر في الأمر بالمعروف و النهي عن المنكر.
4- مشكاة الأنوار:47 الفصل الثالث عشر في الأمر بالمعروف و النهي عن المنكر.
5- الكافي:5/58 باب الأمر بالمعروف و النهي عن المنكر حديث 10.

المعاصي، و تقرّبوا إلى اللّه تعالى بالتباعد منهم، و التمسوا رضاه بسخطهم (1).

و منها:

الغضب للّه تعالى بما يغضب به لنفسه:

فإنه من الصفات المطلوبة من المؤمن، و قد ورد عن أمير المؤمنين عليه السّلام انّه قال: من احدّ سنان الغضب للّه سبحانه قوى على اشداء الباطل (2)، و ورد: انّ أهل اللّه الذين يظلهم في عرشه يوم لا ظلّ الا ظلّه هم المتحابّون في الدين، الذين إذا استحلت محارم اللّه غضبوا مثل النمر إذا جرح (3)، و قد عذب اللّه سبحانه أقواما بتركهم الغضب له، فعن ابي جعفر عليه السّلام في حديث قال: اوحى اللّه الى شعيب النبي عليه السّلام إنّي معذب من قومك مائة ألف، أربعين ألفا من شرارهم، و ستين ألفا من خيارهم، فقال عليه السّلام: يا ربّ هؤلاء الأشرار فما بال الاخيار؟ ! فاوحى اللّه عزّ و جل إليه: داهنوا أهل المعاصي و لم يغضبوا لغضبي (4)، و روي عن العالم عليه السّلام: انّ اللّه جلّ و علا بعث ملكين إلى مدينة ليقلباها على أهلها، فلمّا انتهيا إليها وجدا رجلا يدعو اللّه و يتضرّع إليه، فقال أحدهما لصاحبه: أما ترى هذا الرجل الداعي؟ فقال له: رأيته و لكنّي أمضي لما أمرني ربّي، فقال الآخر: و لكنّي لا أحدث شيئا حتى أرجع، فعاد إلى ربّه فقال: يا ربّ! إنّي انتهيت إلى المدينة فوجدت عبدك فلانا يدعو و يتضرّع إليك، فقال عزّ و جلّ: امض لما أمرتك! فإن ذلك رجل لم يتغيّر وجهه غضبا لي قط (5).

ص:324


1- تنبيه الخواطر المعروف بمجموعة ورام:2/24.
2- مستدرك وسائل الشيعة:2/362 باب 7 حديث 9.
3- المحاسن:16 باب فضل قول الخير 9 حديث 45.
4- الكافي:5/55 باب الأمر بالمعروف و النهي عن المنكر حديث 1، [4] آخر الحديث.
5- مستدرك وسائل الشيعة:2/362 باب 7 حديث 4 [5]عن فقه الرضا عليه السّلام.

و منها:

الإتيان بما يؤمر به من الواجبات، و ترك ما ينهى عنه من المحرّمات:

لما ورد من أنّ من كانت له ثلاث سلمت له الدنيا و الآخرة؛ يأمر بالمعروف و يأتمر به، و ينهى عن المنكر و ينتهى عنه، و يحفظ حدود اللّه جلّ جلاله (1). و انّ اللّه سبحانه لعن الآمرين بالمعروف التاركين له، و الناهين عن المنكر العاملين به (2). و انّ من كان فعله لقوله موافقا فهو ناج، و من لم يكن فعله لقوله موافقا فإنّما ذلك مستودع (3). و عن النّبي صلّى اللّه عليه و آله و سلّم أنّه قال:

رأيت ليلة أسري بي إلى السماء قوما تقرض شفاههم بمقاريض من نار ثم ترمى، فقلت: يا جبرائيل! من هؤلاء؟ . فقال: خطباء امّتك يأمرون النّاس بالبرّ و ينسون أنفسهم و هم يتلون الكتاب أ فلا يعقلون (4). و عنه صلّى اللّه عليه و آله و سلّم في وصيّته لأبي ذر: يا أبا ذر! يطّلع قوم من أهل الجنّة إلى قوم من أهل النار فيقولون: ما أدخلكم النار؟ و إنّما دخلنا الجنة بفضل تعليمكم و تأديبكم، فيقولون: إنّا كنّا نأمركم بالخير و لا نفعله (5). و عن أمير المؤمنين عليه السّلام في وصيته لمحمّد بن الحنفية: يا بنيّ! اقبل من الحكماء مواعظهم، و تدبّر أحكامهم، و كن آخذ الناس بما تأمر به، و أكفّ الناس عمّا تنهى عنه، و مر بالمعروف تكن من أهله، فان استتمام الأمور عند اللّه تبارك و تعالى الأمر

ص:325


1- مستدرك وسائل الشيعة:2/364 باب 9 حديث 13، [1]عن الآمدي [2]في غرر من كلام أمير المؤمنين عليه السّلام.
2- نهج البلاغة:2/17 خطبة 125.
3- الأمالي للشيخ الصدوق رحمه اللّه:358 حديث 7، [4] بسنده عن المفضّل بن عمر قال: قلت لأبي عبد اللّه عليه السّلام: بم يعرف الناس؟ فقال: من كان فعله لقوله موافقا. . . .
4- وسائل الشيعة:11/420 باب 10 حديث 11، [5]عن إرشاد القلوب للديلمي.
5- وسائل الشيعة:11/420 باب 10 حديث 12، [7] عن المجالس و الأخبار.

بالمعروف و النهي عن المنكر (1). و عن الصادق عليه السّلام في قوله تعالى:

فَلَمّا نَسُوا ما ذُكِّرُوا بِهِ أَنْجَيْنَا اَلَّذِينَ يَنْهَوْنَ عَنِ اَلسُّوءِ (2)، قال: كانوا ثلاثة أصناف ائتمروا و أمروا فنجوا، و صنف ائتمروا و لم يأمروا فمسخوا ذرّا، و صنف لم يأتمروا و لم يأمروا فهلكوا (3). و عن أمير المؤمنين عليه السّلام: انّ أهل النار ليتأذّون بنتن ريح العالم التارك لعلمه، و انّ أشد أهل النار ندامة و حسرة رجل دعا عبدا إلى اللّه فاستجاب له و أطاع اللّه فأدخله اللّه الجنّة، و عصى اللّه الداعي فأدخله اللّه النّار بترك علمه، و اتّباعه هواه (4). و عن النبي صلّى اللّه عليه و آله و سلّم: إنّ مثل من يعلم النّاس الخير و لم يعمل به كالسراج يحرق نفسه و يضيء غيره (5).

و ورد انّ أظهر النّاس نفاقا من أمر بالطاعة و لم يعمل بها و نهى عن المعصية و لم ينته عنها، و أنّه كفى المرء غوابة أن يأمر الناس بما لم يأتمر به، و ينهاهم عمّا لا ينتهي عنه (6).

و منها:

الرفق بالمؤمنين في أمرهم بالمندوبات:

و الاقتصار على ما لا يثقل على المأمور، فيزهد في الدين، و كذا في النهي عن المكروهات، لقول الصادق عليه السّلام لابن حنظلة: يا عمر! لا تحمّلوا

ص:326


1- الفقيه:4/277 باب 176 النوادر حديث 830.
2- سورة الأعراف:165.
3- الكافي [2]الروضة:8/158 حديث 151.
4- كتاب سليم بن قيس:161.
5- مستدرك وسائل الشيعة:2/363 باب 9 حديث 8.
6- مستدرك وسائل الشيعة:2/364 باب 9 حديث 13.

على شيعتنا، و ارفقوا بهم، فإنّ الناس لا يحتملون ما تحملون (1)، و قد استفاضت عنهم عليهم السّلام الأخبار بأنّ اللّه وضع الإيمان على سبعة أسهم، و أنّه لا يكلّف صاحب كلّ سهم بما يزيد عنه، فعن عمار بن أبي الأحوص قال قلت لأبي عبد اللّه عليه السّلام: إنّ عندنا قوما يقولون بأمير المؤمنين عليه السّلام و يفضّلونه على النّاس كلّهم، و ليس يصفون ما نصف من فضلكم، انتولاّهم؟ قال لي: نعم في الجملة، أ ليس عند اللّه ما لم يكن عند رسول اللّه صلّى اللّه عليه و آله و سلّم، و لرسول اللّه صلّى اللّه عليه و آله و سلّم عند اللّه ما ليس لنا، و عندنا ما ليس عندكم، و عندكم ما ليس عند غيركم؟ إنّ اللّه وضع الإسلام على سبعة أسهم: على الصبر، و الصدق، و اليقين، و الرضا، و الوفاء، و العلم، و الحلم، ثم قسّم ذلك بين الناس، فمن جعل فيه هذه السبعة الاسهم فهو كامل محتمل، ثم قسم لبعض الناس السهم، و لبعضهم السهمين، و لبعض الثلاثة اسهم، و لبعض الاربعة اسهم، و لبعض الخمسة اسهم، و لبعض الستة اسهم، و لبعض السبعة اسهم، فلا تحملوا على صاحب السهم سهمين، و لا على صاحب السهمين ثلاثة اسهم، و لا على صاحب الثلاثة أربعة اسهم، و لا على صاحب الأربعة خمسة اسهم، و لا على صاحب الخمسة ستة اسهم، و لا على صاحب الستة سبعة اسهم، فتثقلوهم، و تنفّروهم، و لكن ترفقوا بهم، و سهّلوا لهم المدخل، و سأضرب لك مثلا تعتبر به، إنّه كان رجل مسلم و كان له جار كافر، و كان الكافر يرافق المؤمن، فلم يزل يزيّن له الإسلام حتى أسلم، فغدا عليه المؤمن فاستخرجه من منزله فذهب به إلى المسجد ليصلّي معه الفجر جماعة، فلمّا صلى قال له: لو قعدنا نذكر اللّه حتى تطلع الشمس، فقعد معه، فقال له: لو تعلّمت القرآن إلى أن تزول الشمس و صمت اليوم كان أفضل، فقعد معه و صلى الظهر و العصر، فقال:

ص:327


1- الكافي [1]الروضة:8/334 حديث 522.

لو صبرت حتّى نصلي المغرب و العشاء الآخرة كان أفضل، فقعد معه حتى صلى المغرب و العشاء، ثم نهضا و قد بلغ مجهوده و حمل عليه ما لا يطيق، فلما كان من الغد، غدا عليه و هو يريد مثل ما صنع بالأمس فدقّ عليه بابه، ثم قال له:

اخرج حتى نذهب إلى المسجد، فأجابه: أن انصرف عني فإن هذا دين شديد لا أطيقه، فلا تخرقوا بهم، أما علمت أن إمارة بني أميّة كانت بالسيف و العنف و الجور، و أنّ إمامتنا بالرفق، و التألّف، و الوقار، و التقيّه، و حسن الخلطة، و الورع، و الاجتهاد، فرغّبوا النّاس في دينكم و ما أنتم فيه (1).

و منها:

نفع المؤمنين:

لما ورد مستفيضا عنهم عليهم السّلام: من أنّ أحبّ النّاس إلى اللّه أنفعهم للناس (2)، و انّ خصلتين ليس فوقهما شيء: الإيمان باللّه. و نفع الإخوان (3).

و قال أمير المؤمنين عليه السّلام: ليكن أحبّ الناس إليك، و أحظاهم لديك، أكثرهم سعيا في منافع الناس (4). و عن النّبي صلّى اللّه عليه و آله و سلّم:

إنّ الخلق عيال اللّه، فأحبّ الخلق إلى اللّه من نفع عيال اللّه، و أدخل على أهل (5)

ص:328


1- الخصال:2/354 وضع اللّه الإسلام على سبعة أسهم حديث 35.
2- أصول الكافي:2/164 باب الاهتمام بأمور المسلمين و النصيحة لهم و نفعهم حديث 7، [1] بسنده سئل رسول اللّه صلّى اللّه عليه و آله و سلّم: من أحبّ الناس إلى اللّه؟ قال: أنفع النّاس للناس.
3- مستدرك وسائل الشيعة:2/403 باب 22 حديث 11، [2] عن تحف العقول.
4- مستدرك وسائل الشيعة:2/403 باب 22 حديث 16، [3]عن الآمدي [4]في الغرر من كلام أمير المؤمنين عليه السّلام.
5- في المتن الحجري: على أهله سرورا.

بيت سرورا (1).

و عن أبي عبد اللّه عليه السّلام: انّ من كان وصولا لإخوانه بشفاعة في دفع مغرم، أو جرّ مغنم، ثبّت اللّه عزّ و جلّ قدميه يوم تزلّ فيه الأقدام (2).

و منها:

إدخال السرور على المؤمن:

فقد ورد انّه أحبّ الأعمال إلى اللّه تعالى و أفضلها (3). و انّ جزاءه الجنّة و الحور (4). و انّ من سرّ مؤمنا فقد سرّ الأئمّة عليهم السّلام و رسول اللّه صلّى اللّه عليه و آله و سلّم، بل سرّ اللّه سبحانه (5). و قال الكاظم عليه السّلام: من سرّ مؤمنا فباللّه بدأ، و بالنّبي صلّى اللّه عليه و آله و سلّم ثنّى، و بنّا ثلّث، و على ضدّه إدخال الكرب على المؤمن (6). و ورد: انّ تبسّم الرجل في وجه أخيه حسنة، و صرفه القذى عنه حسنة (7)، و انّ من أدخل على مؤمن سرورا فرّح اللّه قلبه

ص:329


1- الاشعثيات أو الجعفريات:193.
2- أمالي الشيخ الطوسي:96 الجزء الرابع.
3- أصول الكافي:2/189 باب إدخال السرور على المؤمنين حديث 4.
4- مستدرك وسائل الشيعة:2/406 باب 24 حديث 23، [3] عن تحف العقول بسنده عن أبي عبد اللّه عليه السّلام: يابن جندب! من سرّه أن يزوّجه اللّه الحور العين و يتوجّه به النور فليدخل على أخيه المؤمن السرور.
5- أصول الكافي:2/188 باب إدخال السرور على المؤمنين حديث 1، [4] بسنده قال رسول اللّه صلّى اللّه عليه و آله و سلّم: من سرّ مؤمنا فقد سرّني و من سرّني فقد سرّ اللّه، و صفحه 189 حديث 6، بسنده عن أبي عبد اللّه عليه السّلام قال: لا يرى أحدكم إذا دخل على مؤمن سرورا انّه عليه ادخله فقط بل و اللّه علينا، بل و اللّه على رسول اللّه صلّى اللّه عليه و آله و سلّم.
6- مستدرك وسائل الشيعة:2/405 باب 24 حديث 17، و [5]أصول الكافي:2/192 باب ادخال السرور على المؤمن حديث 14، و [6]صفحه 190 حديث 9.
7- أصول الكافي:2/188 باب إدخال السرور على المؤمنين حديث 2.

يوم القيامة و خلق اللّه من ذلك السرور خلقا فيلقاه عند موته، فيقول له: أبشر يا وليّ اللّه بكرامة من اللّه و رضوان، ثم لا يزال معه حتى يدخله قبره، فيقول له مثل ذلك، فاذا بعث تلقّاه فيقول مثل ذلك، ثم لا يزال معه عند كلّ هول يبشّره و يقول له مثل ذلك، فيقول له: من أنت يرحمك اللّه؟ فيقول: أنا السرور الذي أدخلته على فلان (1). و في خبر آخر طويل: إنّه إذا بعث اللّه المؤمن من قبره خرج معه مثال يقدمه أمامه، كلّما رأى المؤمن هولا من أهوال يوم القيامة قال له المثال: لا تفزع و لا تحزن، و أبشر بالسرور و الكرامة من اللّه عزّ و جل حتى يقف بين يدي اللّه فيحاسبه حسابا يسيرا، و يأمر به إلى الجنة، و المثال أمامه، فيقول له المؤمن: يرحمك اللّه، نعم الخارج خرجت معي من قبري، ما زلت تبشّرني بالكرامة و السرور من اللّه حتى رأيت ذلك، فمن أنت؟ فيقول:

أنا السرور الذي كنت أدخلته على أخيك المؤمن في الدنيا، خلقني اللّه منه لأبشّرك (2). و ورد: أنّ ثواب إدخال السرور على المؤمن ألف ألف حسنة (3).

و أنّ اللّه يسرّه يوم القيامة و يعطيه ما تمنّى، و يزيده اللّه من عنده ما لم يخطر على قلبه من نعيم الجنة (4). و قال أمير المؤمنين عليه السّلام لكميل: مر أهلك أن يروحوا في كسب المكارم، و يدلجوا في حاجة من هو نائم، فو الذي وسع سمعه الأصوات ما من عبد أودع قلبا سرورا إلاّ و خلق اللّه من ذلك السرور لطفا، فإذا نزلت به نائبة جرى كالماء في انحداره حتى يطردها عنه كما تطرد غريبة الإبل من حياضها (5).

ص:330


1- أصول الكافي:2/191 باب إدخال السرور على المؤمنين حديث 12.
2- أصول الكافي:2/190 باب إدخال السرور على المؤمنين حديث 8.
3- أصول الكافي:2/192 باب إدخال السرور على المؤمنين حديث 13.
4- ثواب الأعمال:179 ثواب من سرّ مؤمنا حديث 1.
5- نهج البلاغة:3/209 برقم 257.

و منها:

قضاء حاجة المؤمن و الاهتمام بها:

فانّ فضله عظيم، و قد قال النّبي صلّى اللّه عليه و آله و سلّم: المؤمنون إخوة، يقضي بعضهم حوائج بعض، [أقضى حوائجكم]يوم القيامة (1)، و ورد:

أنّ قضاء حاجة المؤمن يدفع الجنون، و الجذام، و البرص (2). و أنّ: من قضى لأخيه المؤمن حاجة قضى اللّه له يوم القيامة مائة ألف حاجة من ذلك، أوّلها الجنّة، و من ذلك أن يدخل قرابته و معارفه و إخوانه الجنّة بعد أن لا يكونوا نصّابا (3)، و أنّه: ما قضى مسلم لمسلم حاجة إلاّ ناداه اللّه تبارك و تعالى: عليّ ثوابك، و لا أرضى لك بدون الجنّة (4). و انّ العبد ليمشي في حاجة أخيه المؤمن فيوكّل اللّه عزّ و جلّ به ملكين واحد عن يمينه و آخر عن شماله يستغفران له ربّه، و يدعوان له بقضاء حاجته (5). و انّ من قضى لأخيه المؤمن حاجة كان كمن عبد اللّه دهره (6). و انّ من قضى لمسلم حاجة كتب اللّه له عشر حسنات، و محا عنه عشر سيئات، و رفع له عشر درجات، و كان عدل عشر رقاب، و صوم شهر

ص:331


1- مصادقة الإخوان:26.
2- الكافي:4/34 باب القرض حديث 4، [2] آخر الحديث.
3- أصول الكافي:2/192 باب قضاء حاجة المؤمن حديث 1.
4- قرب الاسناد:19.
5- أصول الكافي:2/195 باب قضاء حاجة المؤمن حديث 10، [5] بسنده قال أبو عبد اللّه عليه السّلام: تنافسوا في المعروف لإخوانكم و كونوا من أهله، فإنّ للجنّة بابا يقال له: المعروف، لا يدخله إلاّ من اصطنع المعروف في الحياة الدنيا، فإن العبد ليمشي في حاجة أخيه المؤمن [6]فيوكّل اللّه عزّ و جلّ به ملكين واحدا عن يمينه و آخر عن شماله، يستغفران له ربّه، و يدعوان بقضاء حاجته، ثم قال: و اللّه لرسول اللّه صلّى اللّه عليه و آله و سلّم أسرّ بقضاء حاجة المؤمن [7]إذا وصلت إليه من صاحب الحاجة.
6- وسائل الشيعة:11/579 باب 25 حديث 11.

و اعتكافه في المسجد الحرام، و أظلّه اللّه في ظلّه يوم لا ظلّ إلاّ ظلّه (1). و انّ للّه عبادا يحكّمهم في جنّته، و هم من قضى لمؤمن حاجة بنية (2). و انّ من أخلص النيّة في حاجة أخيه المؤمن جعل اللّه نجاحها على يديه، و قضى له كل حاجة في نفسه (3). و انّ للّه عبادا من خلقه يفزع الناس إليهم في حوائجهم، أولئك هم الآمنون يوم القيامة (4). و انّ قضاء حاجة المؤمن خير من عتق الف رقبة، و خير من حملان ألف فرس في سبيل اللّه (5)، و انّه أحبّ إلى اللّه من عشرين حجة، كل حجّة ينفق فيها صاحبها مائة ألف (6)، و انّ من طاف بالبيت أسبوعا كتب اللّه عزّ و جلّ له ستة آلاف حسنة، و محا عنه ستة آلاف سيئة، و رفع له ستة آلاف درجة، و قضى له ستة آلاف حاجة، حتّى إذا كان عند الملتزم فتح اللّه سبعة أبواب من ابواب الجنة، و إن قضاء حاجة المؤمن أفضل من طواف و طواف. . حتّى عدّ عشرا (7)، و ان قضاء حاجة المؤمن أفضل من ألف حجة متقبّلة بمناسكها، و عتق ألف رقبة لوجه اللّه، و حملان ألف فرس في سبيل اللّه بسرجها و لجمها (8).

و انّ حجّة عند اللّه خير من ملء الدنيا ذهبا و فضة ينفقه في سبيل اللّه عزّ و جلّ، و الذي بعث بالحق محمّدا بشيرا و نذيرا لقضاء حاجة امرىء مسلم، و تنفيس كربته، أفضل من حجّة و طواف. . حتى عقد عشرا، ثم خلّى يده. و قال عليه

ص:332


1- مصادقة الإخوان:26، و [1]أصول الكافي:2/196 حديث 1.
2- مصادقة الإخوان:26، و [2]وسائل الشيعة:11/580 باب 25 حديث 15.
3- مستدرك وسائل الشيعة:2/406 باب 25 حديث 14، [4] عن منهاج الصلاح للعلامة الحلي.
4- مستدرك وسائل الشيعة:2/407 باب 25 حديث 19.
5- أصول الكافي:2/193 باب قضاء حاجة المؤمن حديث 3.
6- أصول الكافي:2/193 باب قضاء حاجة المؤمن حديث 4.
7- أصول الكافي:2/194 باب قضاء حاجة المؤمن حديث 8.
8- الأمالي للشيخ الصدوق:136 المجلس الثاني و [9]الأربعون حديث 1.

السّلام: اتقوا اللّه، و لا تملّوا من الخير و لا تكسلوا، فانّ اللّه عزّ و جلّ و رسوله غنيّان عنكم و أعمالكم، و أنتم الفقراء إلى اللّه عزّ و جلّ، و إنّما أراد اللّه عزّ و جلّ بلطفه سببا يدخلكم به الجنّة. و ورد أنّ من أتاه أخوه المؤمن في حاجة فإنّما هي رحمة من اللّه تبارك و تعالى ساقها إليه، فان قبل ذلك فقد وصله بولايتنا و هو موصول بولاية اللّه، و ان ردّه عن حاجته و هو يقدر على قضائها سلّط اللّه عليه شجاعا من نار ينهشه في قبره إلى يوم القيامة (1). و حمل ما في الذيل على صورة اضطرار صاحب الحاجة لتجب معونته.

بل استفاضت الأخبار بحسن السعي في قضاء حاجة المؤمن قضيت أو لم تقض. فقد ورد انّ اللّه تعالى أوحى إلى داود عليه السّلام: انّ العبد من عبادي ليأتيني بالحسنة يوم القيامة فأحكّمه في الجنّة، و هو عبد مؤمن سعى في حاجة أخيه المسلم أحب قضاءها قضيت له او لم تقضى (2)، و أوحى مثله إلى موسى عليه السّلام (3). و ورد أنّ من ذهب مع أخيه في حاجة قضاها أو لم يقضها كان كمن عبد اللّه عمره (4). و انّ المؤمن لترد عليه الحاجة لأخيه فلا تكون عنده، يهتمّ بها قلبه فيدخله اللّه بهمّه الجنّة (5). و انّ من مشى في حاجة أخيه المؤمن يطلب بذلك ما عند اللّه حتى تقضى له كتب اللّه عزّ و جلّ له بذلك أجر حجة

ص:333


1- أصول الكافي:2/196 باب قضاء حاجة المؤمن حديث 13.
2- مصادقة الإخوان:38.
3- أصول الكافي:2/195 باب قضاء حاجة المؤمن حديث 12، [3] بسنده عن أبي جعفر عليه السّلام قال: أوحى اللّه عز و جل إلى موسى عليه السّلام: انّ من عبادي من يتقرّب إليّ بالحسنة فأحكّمه في الجنّة، فقال موسى: يا ربّ! و ما تلك الحسنة، قال: يمشي مع أخيه المؤمن [4]في قضاء حاجته قضيت أو لم تقض.
4- وسائل الشيعة:11/579 باب 25 حديث 11، [5] عن مجالس الطوسي.
5- أصول الكافي:2/196 باب قضاء حاجة المؤمن حديث 14.

و عمرة مبرورتين، و صوم شهرين من أشهر الحرم، و اعتكافهما في المسجد الحرام، و من مشى فيها بنيّة و لم تقض كتب اللّه له بذلك مثل حجة مبرورة (1). بل مقتضى إطلاق جملة من الأخبار الواردة في فضل المشي في حاجة المؤمن و السعي في قضائها هو ثبوت تلك الفضائل في مجرد السعي و المشي فيها، قضيت أو لم تقض، مثل ما ورد من ان: مشي المسلم في حاجة أخيه المسلم خير من سبعين طوافا بالبيت [الحرام] (2). و ان من مشى في حاجة أخيه يكتب له به عشر حسنات، و تمحى عنه عشر سيئات، و ترفع له عشر درجات، و يعدل عشر رقاب، و أفضل من اعتكاف شهر في المسجد الحرام (3). و انّ من مشى في حاجة أخيه المسلم أظله اللّه بخمس و سبعين ألف ملك، و لم يرفع قدما إلاّ كتب اللّه له بها حسنة، و حطّ عنه بها سيئة، و رفع له بها درجة (4). بل ورد انّ له بكلّ خطوة عشر حسنات، و كانت خيرا من عشر رقاب (5). و انّ من سعى في حاجة أخيه المسلم طلب وجه اللّه كتب اللّه عزّ و جل له ألف ألف حسنة، يغفر فيها لأقاربه، و معارفه، و جيرانه، و إخوانه. و من صنع إليه معروفا في الدنيا فإذا كان يوم القيامة قيل له: ادخل النار فمن وجدته فيها صنع إليك معروفا في الدنيا فأخرجه بإذن اللّه عزّ و جلّ، إلاّ أن يكون ناصبيّا (6). و انّ من كان في حاجة أخيه المسلم كان اللّه في حاجته ما كان في حاجة أخيه (7). و قال الصادق عليه السّلام:

ص:334


1- أصول الكافي:2/194 باب قضاء حاجة المؤمن حديث 9.
2- مستدرك وسائل الشيعة:2/408 باب 27 حديث 3.
3- أصول الكافي:2/196 باب السعي في حاجة المؤمن حديث 1.
4- أصول الكافي:2/197 باب السعي في حاجة المؤمن حديث 3، باختلاف يسير و [4]في آخر الحديث: فاذا فرغ من حاجته كتب اللّه عزّ و جلّ له بها اجر حاج و معتمر.
5- مستدرك وسائل الشيعة:2/408 باب 27 حديث 2.
6- أصول الكافي:2/197 باب السعي في حاجة المؤمن حديث 6.
7- وسائل الشيعة:11/584 باب 27 حديث 9.

لأن أمشي في حاجة أخ لي مسلم أحبّ إليّ من أن أعتق الف نسمة، و أحمل في سبيل اللّه على ألف فرس مسرجة ملجمة (1). و قال عليه السّلام لجندب:

الماشي في حاجة أخيه كالساعي بين الصفا و المروة، و قاضي حاجته كالمتشحّط بدمه في سبيل اللّه يوم بدر و أحد، و ما عذب اللّه أمّة إلا عند إستهانتهم بحقوق فقراء إخوانهم (2). و قال الصادق عليه السّلام: من لم يمش في حاجة ولي اللّه ابتلي بان يمشي في حاجة عدوّ اللّه.

و بعكس حاجة المؤمن حاجة المنافق، فقد ورد: انّ من قضى حق من لا يقضي اللّه حقّه فكأنّما قد عبده من دون اللّه تعالى (3).

و منها:

إغاثة المؤمن، و تنفيس كربه، و تفريجه:

فقد ورد: انّ من أغاث أخاه المؤمن اللهفان اللهثان (4)عند جهده، فنفّس كربته، و أعانه على نجاح حاجته، كتب اللّه عزّ و جلّ له بذلك اثنين و سبعين رحمة من اللّه يعجّل له منها واحدة يصلح بها أمر معيشته، و يدّخر له إحدى و سبعين رحمة لأفزاع يوم القيامة و أهواله (5). و انّ أيّ مؤمن نفّس عن مؤمن كربة-و هو معسر-فرّج اللّه و يسّر اللّه له حوائجه في الدنيا و الآخرة، و نفّس عنه سبعين كربة من كرب الدنيا و كرب يوم القيامة، و خرج من قبره و هو ثلج الفؤاد، و فرّح اللّه قلبه يوم القيامة (6). بل ورد في خبر آخر انه: فرّج اللّه عنه

ص:335


1- أصول الكافي:2/197 باب السعي في حاجة المؤمن حديث 4.
2- مستدرك وسائل الشيعة:2/408 باب 27 حديث 11.
3- الاختصاص:243.
4- كذا في المصدر، و في المتن: اللهفات، بدلا من: اللهفان اللهثان.
5- أصول الكافي:2/199 باب تفريج كرب المؤمن حديث 1.
6- ثواب الأعمال:188 [4] ثواب من نفس عن مؤمن كربة حديث 1، و أصول الكافي:2/200-

اثنتين و سبعين كربة من كرب الآخرة، و اثنتين و سبعين كربة من كرب الدنيا، أهونها المغفرة (1). و انّ من أغاث أخاه المسلم حتّى يخرجه من همّ، و كربة، و ورطة، كتب اللّه له عشر حسنات، و رفع له عشر درجات، و أعطاه ثواب عتق عشر نسمات، و رفع عنه عشر نقمات، و اعدّ له يوم القيامة عشر شفاعات 2.

و إن من كفّارات الذنوب العظام إغاثة الملهوف و التنفيس عن المكروب 3. و إنّ أفضل المعروف اغاثة الملهوف 4. و ان من اعان ضعيفا في بدنه على امره اعانه اللّه على امره، و نصب له في القيامة ملائكة يعينونه على قطع تلك الأهوال، و عبور تلك الخنادق من النّار، حتّى لا تصيبه من دخانها، و على سمومها، و على عبور الصراط إلى الجنّة سالما آمنا 5. و انه: ما من رجل رأى ملهوفا في طريق بمركوب له قد سقط و هو يستغيث و لا يغاث، فأعانه [فأغاثه]و حمله على مركبه إلاّ قال اللّه عزّ و جلّ: كدّرت نفسك، و بذلت جهدك في إغاثة أخيك هذا المؤمن، لا كدن ملائكة هم أكثر عددا من خلايق الإنس كلهم من أول الدهر إلى آخره، و أعظم قوّة كلّ واحد منهم ممّن يسهل عليه حمل السموات و الأرض، ليبنوا لك القصور و المساكن، و يرفعوا لك الدرجات، فإذا أنت في جنّاتي كأحد ملوكها الفاضلين 6. و قال رسول اللّه صلّى اللّه عليه و آله و سلّم: سر ستة أميال أغث

ص:336


1- الفقيه:4/10 باب 1 ذكر جمل من مناهي النبي صلّى اللّه عليه و آله و سلّم.

ملهوفا (1).

و منها:

إلطاف المؤمن، و إتحافه، و إكرامه:

فقد ورد انّ من ألطف أخاه في اللّه بشيء ألطف اللّه به من خدم الجنّة (2)، و من أخذ من وجه أخيه المؤمن قذاه، كتب اللّه له عشر حسنات، و من تبسّم في وجه أخيه المؤمن كانت له حسنة (3)، و انّ المؤمن ليتحف أخاه بشيء من مجلس، و متّكأ، و طعام، و كسوة، و سلام، فتطاول الجنة مكافاة له (4)، الحديث. و انّ من أتاه أخوه المسلم فأكرمه فإنّما أكرم اللّه عزّ و جلّ (5). و انّ من أكرم أخاه المؤمن بكلمة يلطفه بها، و فرّج عنه كربته لم يزل في ظل اللّه الممدود عليه من الرحمة ما كان في ذلك (6). و انّ من أكرم لأهل البيت عليهم السّلام وليّا فباللّه بدأ و برسوله

ص:337


1- الاشعثيات أو الجعفريات:186، و [1]مستدرك الوسائل:2/409 باب 28 حديث 8.
2- أصول الكافي:2/206 باب إلطاف المؤمن و إكرامه حديث 4.
3- أصول الكافي:2/205 باب إلطاف المؤمن و إكرامه حديث 1.
4- أصول الكافي:2/207 باب إلطاف المؤمن و إكرامه حديث 7، [5] بسنده عن أبي عبد اللّه عليه السّلام قال: إن المؤمن ليتحف أخاه التحفة، قلت: و أى شىء التحفة؟ ، قال: من مجلس و متكأ و طعام و كسوة و سلام فتطاول الجنة مكافاة له، و يوحى اللّه عزّ و جلّ إليها: إني قد حرمت طعامك على أهل الدنيا إلاّ على نبيّ أو وصيّ نبي، فإذا كان يوم القيامة أوحى اللّه عزّ و جلّ إليها أن كافي أوليائي بتحفهم، فيخرج منها وصفاء و وصائف معهم أطباق مغطاة بمناديل من لؤلؤ. فإذا نظروا إلى جهنّم و هولها و إلى الجنّة و ما فيها طارت عقولهم و امتنعوا أن يأكلوا، فينادي مناد من تحت العرش انّ اللّه عزّ و جلّ قد حرّم جهنم على من أكل من طعام الجنّة، فيمدّ القوم أيديهم فيأكلون.
5- أصول الكافي:2/206 باب إلطاف المؤمن و إكرامه حديث 3.
6- أصول الكافي:2/206 باب إلطاف المؤمن و إكرامه حديث 5.

صلّى اللّه عليه و آله و سلّم ثنّى، و عليهم سلام اللّه عليهم أدخل السرور (1). و انّ من أكرم أخاه يريد بذلك الأخلاق الحسنة كتب اللّه له من كسوة الجنة عدد ما في الدنيا من أولها إلى آخرها، و لم يثبته من أهل الرياء، و أثبته من أهل الكرم (2).

و انّ أعلم الناس باللّه و أنصرهم في اللّه أشدّهم تعظيما و حرمة لأهل لا إله إلاّ اللّه (3).

و منها:

حب المؤمن و بغض الكافر:

فإنهما من الصفات المحمودة، كما انّ عكسها من الصفات المذمومة المحرّمة، و قد ورد انّه ما التقى مؤمنان قطّ إلاّ كان أفضلهما أشدهما حبّا لأخيه (4).

و انّ من فضل الرجل عند اللّه محبّته لإخوانه، و من عرفه اللّه محبة إخوانه فقد أحبّه اللّه، و من أحبّه اللّه وفّاه أجره يوم القيامة (5). و انّه لا يكمل العبد حقيقة الإيمان حتّى يحبّ أخاه المؤمن (6). و انّ المؤمن أخو المؤمن لأبيه و امّه (7). و من حبّ الرجل دينه حبّه أخاه (8). و انّ شرار الناس من يبغض المؤمنين و تبغضه قلوبهم (9). و من أحبّ كافرا فقد أبغض اللّه، و من أبغض كافرا فقد أحبّ اللّه،

ص:338


1- مستدرك وسائل الشيعة:2/410 باب 30 حديث 6.
2- مستدرك وسائل الشيعة:2/410 باب 30 حديث 8.
3- مستدرك وسائل الشيعة:2/410 باب 30 حديث 10.
4- المحاسن:263 باب الحب و البغض في اللّه 34 حديث 333.
5- ثواب الأعمال:220 ثواب محبّة الإخوان حديث 1.
6- عدّة الداعي:173.
7- مستدرك وسائل الشيعة:2/369 باب 16 حديث 10.
8- مستدرك وسائل الشيعة:2/369 باب 16 حديث 11، [7] عن الاختصاص.
9- مستدرك وسائل الشيعة:2/370 باب 16 حديث 14، [8] عن أمالي الطوسي.

و صديق عدو اللّه عدو اللّه (1). و انّ الرجل ليحبّكم و ما يعرف ما أنتم عليه فيدخله اللّه الجنّة بحبّكم، و انّ الرجل ليبغضكم و ما يعلم ما أنتم عليه فيدخله اللّه ببغضكم النّار (2).

ثم انّه يعتبر أن يكون حبّ المؤمن و المطيع، و بغض الكافر و العاصي للّه سبحانه، و قد ورد انّ من أوثق عرى الايمان أن تحب في اللّه، و تبغض في اللّه، و تعطي في اللّه، و تمنع في اللّه، و توالي أولياء اللّه، و تتبرّأ من أعداء اللّه (3). و انّ من لم يحب على الدين و لم يبغض على الدين فلا دين له (4). و ان ودّ المؤمن للمؤمن في اللّه من أعظم شعب الإيمان، و من أحبّ في اللّه، و أبغض في اللّه، و أعطى في اللّه، و منع في اللّه فهو من أصفياء اللّه (5). و انّ المتحابّين في اللّه يوم القيامة على منابر من نور، قد أضاء نور وجوههم، و نور أجسادهم، و نور منابرهم على كلّ شيء، حتى يعرفوا به، فيقال: هؤلاء المتحابّون في اللّه (6). و انّ المتحابين في اللّه يوم القيامة على أرض زبرجد خضراء في ظلّ عرشه من يمينه و كلتا يديه يمين، وجوههم أشد بياضا [من الثلج]و أضوأ من الشمس الطالعة، يغبطهم بمنزلتهم كلّ ملك مقرّب، و كلّ نبيّ مرسل، يقول النّاس: من هؤلاء؟ فيقال:

هؤلاء المتحابون في اللّه (7). و انّ للّه عمودا من زبرجد أعلاه معقود بالعرش،

ص:339


1- مستدرك وسائل الشيعة:2/370 باب 16 حديث 13، [1] عن أمالي المفيد.
2- أصول الكافي:2/126 باب الحب في اللّه و البغض في اللّه حديث 10.
3- المحاسن:263 باب 34 باب الحبّ و البغض في اللّه حديث 328، و [3]صفحه 264 حديث 335. و أصول الكافي:2/125 حديث 2 و 3 و [4] 6.
4- أصول الكافي:2/127 باب الحب في اللّه و البغض في اللّه حديث 16.
5- أصول الكافي:2/125 باب الحب في اللّه و البغض في اللّه حديث 3.
6- أصول الكافي:2/125 باب الحب في اللّه و البغض في اللّه حديث 4.
7- أصول الكافي:2/126 باب الحب في اللّه و البغض في اللّه حديث 7.

و أسفله في تخوم الأرضين السابعة، عليه سبعون ألف قصر، في كل قصر سبعون ألف مقصورة، في كل مقصورة سبعون ألف حوراء، قد أعد اللّه ذلك للمتحابّين في اللّه، و المتباغضين في اللّه (1). و انّه إذا كان يوم القيامة ينادى مناد من اللّه عزّ و جلّ يسمع آخرهم كما يسمع أوّلهم، فيقول: أين جيران اللّه جل جلاله في داره؟ فيقوم عنق من الناس، فتستقبلهم زمرة من الملائكة فيقولون:

ما كان عملكم في دار الدنيا فصرتم اليوم جيران اللّه تعالى في داره؟ فيقولون:

كنّا نتحابّ في اللّه، و نتزاور في اللّه، قال: فينادي مناد من عند اللّه [تعالى]: صدق عبادي، خلّوا سبيلهم، فينطلقون الى جوار اللّه في الجنة بغير حساب، ثم قال عليه السّلام: فهؤلاء جيران اللّه في داره، يخاف الناس و لا يخافون، و يحاسب الناس و لا يحاسبون (2). و انّه قد يكون حبّ في اللّه و رسوله، و حبّ في الدّنيا، فما كان في اللّه و رسوله فثوابه على اللّه، و ما كان للدنيا (3)فليس بشيء (4). و انّه لن تنال ولاية اللّه، و لا يجد رجل طعم الإيمان إلاّ بالحبّ في اللّه، و البغض في اللّه، و ولاية وليّ اللّه، و عداوة عدوّ اللّه. و انّ المؤاخاة على الدنيا، و الموادّة عليها، و التباغض عليها، لا يغني عنهم من اللّه شيء (5). و ورد عنهم عليهم السّلام انّهم

ص:340


1- مصادقة الإخوان:22.
2- وسائل الشيعة:11/434 باب 15 حديث 15.
3- في المطبوع: في الدنيا.
4- تفسير العياشي:1/167 [3] سورة آل عمران:26 عن بشير الدهّان، عن أبي عبد اللّه عليه السّلام قال: قد عرفتم في منكرين كثير، و أحببتم في مبغضين كثير، و قد يكون حبّا للّه و في اللّه و رسوله و حبّا في الدنيا، فما كان في اللّه و رسوله فثوابه على اللّه، و ما كان في الدنيا فليس بشىء. . . .
5- بحار الأنوار:69/236 حديث 1 [4] بسنده قال: قال رسول اللّه صلّى اللّه عليه و آله و سلّم لبعض أصحابه ذات يوم: يا عبد اللّه! أحبب في اللّه، و أبغض في اللّه، و وال في اللّه، و عاد في اللّه، فإنّه لا تنال ولاية اللّه إلاّ بذلك، و لا يجد رجل طعم الإيمان-و إن كثرت صلاته و صيامه-حتى يكون-

قالوا: من عادى شيعتنا فقد عادانا، و من والاهم فقد تولاّنا (1)، لانّهم خلقوا من طينتنا، و من ردّ عليهم فقد ردّ على اللّه، و من طعن عليهم فقد طعن على اللّه، لأنّهم عباد اللّه حقّا و أولياؤه صدقا، و [اللّه]انّ أحدهم ليشفع في مثل ربيعة و مضر، فيشفّعه اللّه فيهم لكرامته على اللّه عزّ و جلّ (2). و انّ من والى اعداء اللّه فقد عادى أولياء اللّه، و من عادى أولياء اللّه فقد عادى اللّه، و حقّ على اللّه أن يدخله نار جهنّم 3.

و منها:

الستر على المؤمن:

و تكذيب من نسب إليه السوء إلا أن يتيقن، فقد ورد ان من ستر على مؤمن عورة يخافها، ستر اللّه عليه سبعين عورة من عورات الدنيا و الآخرة 4.

و انّ اللّه يحبّ للمؤمن ان يستر عليه سبعين كبيرة 5. و انّ شرّ النّاس من لا يغفر

ص:341


1- في المطبوع: فقد والانا.
2- صفات الشيعة:3.

الزلّة، و لا يستر العورة (1). و انّ للناس عيوبا فلا تكشف ما غاب عنك، فإنّ اللّه يحلم عليها (2). و استر العورة ما استطعت يستر عليك ما تحبّ ستره (3).

و انّ من اطّلع على مؤمن على ذنب أو سيئة فأفشى ذلك عليه و لم يكتمها و لم يستغفر اللّه له كان عند اللّه كعاملها، و عليه وزر ذلك الذي أفشاه عليه، و كان مغفورا لعاملها، و كان عقابه ما أفشي عليه في الدنيا، مستور ذلك عليه في الآخرة، ثم يجد اللّه أكرم من أن يثنّي عليه عقابا في الآخرة (4). و قال أمير المؤمنين عليه السّلام: ايّها الناس! من عرف من أخيه وثيقة في دين، و سداد طريق، فلا يسمعنّ فيه أقاويل الرجال، اما انّه قد يرمي الرامي و تخطي السهام، و يجيئك الكلام، و باطل ذلك يبور و اللّه سميع شهيد، الا انّه ما بين الحق و الباطل إلاّ أربع أصابع-و جمع أصابعه و وضعها بين أذنيه و عينيه-، ثم قال عليه السّلام:

الباطل أن تقول سمعت، و الحق أن تقول رأيت (5). و قال عليه السّلام: لا تظنّن بكلمة خرجت من أخيك سوء و أنت تجد لها في الخير محتملا (6).

و منها:

خدمة المسلمين و معونتهم بالجاه و غيره:

فقد ورد انّ ايّما مسلم خدم قوما من المسلمين إلاّ أعطاه اللّه مثل عددهم

ص:342


1- مستدرك وسائل الشيعة:2/411 باب 32 حديث 8، [1]الآمدي [2]في الغرر عن أمير المؤمنين عليه السّلام.
2- المصدر السالف.
3- المصدر المتقدم.
4- مستدرك وسائل الشيعة:2/411 باب 32 حديث 3.
5- نهج البلاغة:2/32 [5] من كلام له عليه السّلام برقم 137.
6- نهج البلاغة:3/238 برقم 360.

خدّاما في الجنّة (1). و في تفسير الإمام عليه السّلام وَ ما تُقَدِّمُوا لِأَنْفُسِكُمْ مِنْ خَيْرٍ (2): من مال تنفقونه في طاعة اللّه، فإن لم يكن مال فمن جاهكم تبذلونه لإخوانكم المؤمنين تجرون به إليهم المنافع، و تدفعون به عنهم المضارّ، تجدونه عند اللّه ينفعكم اللّه بجاه محمد و علي و آلهما صلوات اللّه عليهم أجمعين يوم القيامة، فيحطّ به سيئاتكم، و يرفع به درجاتكم (3). و انه ليسأل اللّه المرء عن جاهه كما يسأل عن ماله، يقول: جعلت لك جاها فهل نصرت به مظلوما، او قمعت به ظالما، او أغثت به مكروبا (4). و ان من قصد إليه رجل من إخوانه مستجيرا به في بعض أحواله فلم يجره-بعد أن يقدر عليه-فقد قطع ولاية اللّه عزّ و جلّ (5).

و قال علي بن الحسين عليهما السّلام: إنّي لاستحيى من ربّي انّي أرى الأخ من إخواني فأسأل اللّه له الجنة، و أبخل عليه بالدينار و الدرهم، فإذا كان يوم القيامة قيل لي: لو كانت الجنة لك لكنت بها أبخل و أبخل و أبخل (6). و قد ذمّ اللّه أقواما يمنعون الماعون، و فسر الماعون بمثل السراج، و النار، و الخمير، و. . أشباه ذلك من الذي يحتاج إليه الناس (7).

ص:343


1- أصول الكافي:2/207 باب في خدمته حديث 1.
2- سورة البقرة:110، و [2]المزمل:20.
3- مستدرك وسائل الشيعة:2/411 باب 33 حديث 3، [4] عن كتاب مصادقة الاخوان للصدوق.
4- مستدرك وسائل الشيعة:2/411 باب 33 حديث 11.
5- أصول الكافي:2/366 باب من استعان به أخوه فلم يعنه حديث 4.
6- مصادقة الإخوان:34.
7- تفسير علي بن إبراهيم القمي:2/444 [8] سورة الماعون: «و يمنعون الماعون» ، مثل السراج و النار و الخمير و أشباه ذلك ممّا يحتاج إليه الناس. و في رواية: الخمس و الزكاة.

و منها:

الشفاعة للمؤمن:

فقد ورد عن رسول اللّه صلّى اللّه عليه و آله و سلّم: انّ من شفع لأخيه شفاعة طلبها نظر اللّه إليه، و كان حقّا على اللّه ان لا يعذّبه أبدا، فإن هو شفع لأخيه شفاعة من غير أن يطلبها كان له أجر سبعين شهيدا (1).

و منها:

نصيحة المؤمن:

فإنّها لازمة، فقد ورد انّه يحب للمؤمن على المؤمن [أن يمحضه] النصيحة له في المشهد و المغيب كنصيحته لنفسه (2). و انّ أعظم النّاس منزلة عند اللّه يوم القيامة أمشاهم في أرضه بالنصيحة لخلقه (3)، و انه لن يلقى اللّه بعمل أفضل من نصح الخلق (4)، و ان النصيحة تثمر الودّ و المحبّة، و ان خير الإخوان أنصحهم، و انّها من أخلاق الكرام (5)، و ان ثلاثة رفع اللّه عنهم العذاب يوم القيامة: الراضي بقضاء اللّه، و الناصح للمسلمين، و الدالّ على الخير (6)، و انّ أنسك الناس نسكا أنصحهم جيبا، و أسلمهم قلبا للمسلمين (7).

ص:344


1- عقاب الأعمال:344 باب يجمع عقوبات الأعمال.
2- مستدرك وسائل الشيعة:2/411 باب 34 حديث 1، [1]عن فقه الرضا عليه السّلام.
3- أصول الكافي:2/208 باب نصيحة المؤمن حديث 5.
4- أصول الكافي:2/208 باب نصيحة المؤمن حديث 6.
5- مستدرك وسائل الشيعة:2/412 باب 34 حديث 2.
6- مستدرك وسائل الشيعة:2/412 باب 34 حديث 6، [6]عن إرشاد القلوب للديلمي.
7- أصول الكافي:2/163 باب الاهتمام بأمور المسلمين و النصيحة لهم و نفعهم حديث 2.

و منها:

إقراض المؤمن:

مرّ فضله في ذيل المقام الرابع من الفصل التاسع، فراجع.

و عن رسول اللّه صلّى اللّه عليه و آله و سلّم: إن منع قرض الخمير يورث الفقر.

و منها:

الاهتمام بامور المسلمين:

فقد ورد: انّ المؤمن لترد عليه الحاجة لأخيه فلا يكون عنده، فيهتمّ بها قلبه، فيدخله اللّه تبارك و تعالى بهمّه الجنة (1). و ورد مستفيضا: انّ من لم يهتمّ بأمور المسلمين فليس بمسلم (2)، و من سمع رجلا ينادى: يا للمسلمين! فلم يجبه فليس بمسلم (3).

و منها:

تذاكر فضل الأئمّة عليهم السّلام و أحاديثهم:

فإنّه من السنن المؤكّدة، فقد ورد: انّ للّه ملائكة سيّاحين سوى الكرام الكاتبين، فاذا مرّوا بقوم يذكرون محمّدا و آل محمّد، قالوا: قفوا؛ [فقد أصبتم حاجتكم]، فيجلسون فيتفقّهون معهم، فإذا قاموا عادوا مرضاهم، و شهدوا جنايزهم، و تعاهدوا غايبهم، فذلك المجلس الذي لا يشقى به جليس (4). و انّ

ص:345


1- أصول الكافي:2/196 باب قضاء حاجة المؤمن حديث 14.
2- أصول الكافي:2/163 باب الاهتمام بأمور المسلمين و النصيحة لهم و نفعهم حديث 1.
3- أصول الكافي:2/164 باب الاهتمام بأمور المسلمين و النصيحة لهم و نفعهم حديث 5.
4- أصول الكافي:2/186 باب تذاكر الإخوان حديث 3، [4] بسنده عن عباد بن كثير، قال: قلت لأبي عبد اللّه عليه السّلام: إنّي مررت بقاصّ يقصّ و هو يقول هذا المجلس لا يشقى به جليس، قال: فقال أبو عبد اللّه عليه السّلام! هيهات! هيهات! اخطأت استاهم الحفرة. . . -

من الملائكة الّذين في السماء ليطّلعون إلى الواحد و الاثنين و الثلاثة و هم يذكرون فضل آل محمد صلّى اللّه عليه و آله و سلّم، فتقول: أما ترون إلى هؤلاء في قلّتهم، و كثرة عدوّهم، يصفون فضل آل محمد؟ فتقول الطائفة الأخرى من الملائكة:

ذلِكَ فَضْلُ اَللّهِ يُؤْتِيهِ مَنْ يَشاءُ وَ اَللّهُ ذُو اَلْفَضْلِ اَلْعَظِيمِ 1 2.

و قال رسول اللّه صلّى اللّه عليه و آله و سلّم: ما اجتمع قوم يذكرون فضل علي بن أبي طالب عليه السّلام إلاّ هبطت عليهم ملائكة السماء حتّى تحفّ بهم، فإذا تفرّقوا عرجت الملائكة إلى السماء، فيقول لهم الملائكة: إنّا لنشمّ من رائحتكم ما لا نشمه من الملائكة، فلم نر رائحة أطيب منها، فيقولون: كنّا عند قوم يذكرون محمدا صلّى اللّه عليه و آله و سلّم و أهل بيته عليهم السّلام، فعلق علينا من ريحهم، فتعطّرنا، فيقولون: اهبطوا بنا إليهم، فيقولون: تفرّقوا و مضى كل واحد منهم إلى منزله، فيقولون: اهبطوا بنا حتى نتعطّر بذلك المكان 3. و قال أبو جعفر عليه السّلام: اجتمعوا و تذاكروا تحفّ بكم الملائكة، رحم اللّه من أحيا أمرنا 4. و قال أبو الحسن عليه السّلام: إن المؤمنين يلتقيان فيذكران اللّه، ثم يذكران فضلنا أهل البيت عليهم السّلام، فلا يبقى على وجه إبليس مضغة لحم الاّ تخدّد، حتّى ان روحه لتستغيث من شدّة ما يجد من الألم، فتحس ملائكة السماء و خزّان الجنان فيلعنونه، حتّى لا يبقى ملك مقرّب إلاّ لعنه،

ص:346

فيقع خاسئا حسيرا مدحورا (1). و قال أبو عبد اللّه عليه السّلام لابن سرحان:

يا داود! أبلغ مواليّ عنّي السّلام، و إنّي أقول: رحم اللّه عبدا اجتمع مع آخر فتذاكرا أمرنا، فإن ثالثهما ملك يستغفر لهما، و ما اجتمع اثنان على ذكرنا إلاّ باهى اللّه تعالى بهما الملائكة، فإذا اجتمعتم فاشتغلوا بالذكر، فإن اجتماعكم و مذاكرتكم إحياؤنا، و خير الناس بعدنا من ذاكر بأمرنا، و دعا إلى ذكرنا (2).

و قال أمير المؤمنين عليه السّلام: ذكرنا أهل البيت شفاء من الوعك، و الأسقام، و وسواس الريب، و حبّنا رضى الربّ تبارك و تعالى (3).

و منها:

بناء مكان على ظهر الطريق للمسافرين من المسلمين، و حفر بئر

ليشربوا منها:

فقد ورد عن النبي صلّى اللّه عليه و آله و سلّم انّ: من بنى على ظهر طريق مأوى عابر سبيل بعثه اللّه يوم القيامة على نجيب من درّ و جوهر، و وجهه يضيء لأهل الجمع نورا، حتّى يزاحم إبراهيم خليل الرحمن عليه السّلام في قبّته، فيقول أهل الجمع: هذا ملك من الملائكة لم نر مثله قطّ، و دخل في شفاعته الجنّة أربعون ألف ألف رجل، و من حفر بئرا للماء حتى استنبط ماءها، فبذلها للمسلمين، كان له كأجر من توضّأ منها و صلّى، و كان له بعدد كل شعرة لمن شرب منها من إنسان او بهيمة أو سبع أو طير عتق ألف رقبه، و ورد حوض القدس يوم القيامة، و دخل في شفاعته عدد النجوم، فقيل: يا رسول اللّه! و ما حوض القدس؟ قال:

ص:347


1- أصول الكافي:2/188 باب تذاكر الإخوان حديث 7.
2- أمالي الشيخ الطوسي:1/228.
3- المحاسن:62 باب 83 [3] ثواب من ذكر آل محمّد صلّى اللّه عليه و آله و سلّم حديث 107.

حوضي. . حوضي. . ثلاثا (1). و في خبر آخر عنه صلّى اللّه عليه و آله و سلّم: انّ من حفر بئرا أو حوضا في صحراء صلّت عليه ملائكة السماء، و كان له بكلّ من شرب منه من إنسان، أو طير، أو بهيمة، ألف حسنة متقبّلة، و ألف رقبة من ولد إسماعيل، و ألف بدنة، و كان حقا على اللّه أن يسكنه حظيرة القدس (2).

و منها:

اصلاح الطريق:

فقد ورد عن رسول اللّه صلّى اللّه عليه و آله و سلّم: انّه دخل عبد الجنّة بغصن من شوك كان على طريق المسلمين فأماطه عنه (3). و انّ من أماط عن طريق المسلمين ما يؤذيهم كتب اللّه له أجر قراءة أربع مائة آية، كلّ حرف منها بعشر حسنات (4). و انّ على كل مسلم في كل يوم صدقة، قيل: من يطيق ذلك؟ قال: إماطتك الأذى عن الطريق صدقه (5). و انه مرّ عيسى بن مريم عليه السّلام بقبر يعذّب صاحبه، ثم مرّ به من قابل فإذا هو ليس يعذب، فقال: يا ربّ! مررت بهذا القبر عامّ اول و هو يعذّب، و مررت به العام ليس يعذّب؟ ! فأوحى اللّه جلّ جلاله إليه: يا روح اللّه! قد أدرك له ولد صالح فأصلح طريقا، و آوى يتيما، فغفرت له بما عمل ابنه (6).

ص:348


1- عقاب الأعمال:343 باب يجمع عقوبات الأعمال.
2- مستدرك وسائل الشيعة:2/402 باب 20 حديث 1.
3- الخصال:1/32 دخل الرجل الجنّة بخصلة حديث 111.
4- مستدرك وسائل الشيعة:2/402 باب 19 حديث 3.
5- مستدرك وسائل الشيعة:2/402 باب 19 حديث 6.
6- الأمالي: للشيخ الصدوق:512 المجلس السابع و [5]السبعون حديث 8.

و منها:

رحمة الضعيف، و إيواء اليتيم، و الرفق بالمملوك:

ففي وصية النبي صلّى اللّه عليه و آله و سلّم لعليّ: يا عليّ! أربع من كنّ فيه بنى اللّه له بيتا في الجنّة: من آوى اليتيم، و رحم الضعيف، و أشفق على والديه، و رفق بمملوكه (1). ثم قال: يا عليّ! من كفى يتيما نفقته بماله حتى يستغني وجبت له الجنة البتّة، يا علي! من مسح يده على رأس يتيم ترحّما له أعطاه اللّه بكلّ شعرة نورا يوم القيامة (2). و قال الباقر عليه السّلام: أربع من كنّ فيه من المؤمنين أسكنه اللّه في أعلى عليّين، في غرف فوق الغرف، في محل الشرف كلّ الشرف: من آوى اليتيم، و نظر له، و كان له أبا [خ. ل: رحيما]، و من رحم الضعيف و أعانه و كفاه، و من أنفق على والديه و رفق بهما، و برّهما و لم يحزنهما، و لم يخرق [خ. ل: يحف، يحرف]بمملوكه، و أعانه على ما يكفّه و لم يستسعه فيما لا يطيق (3).

و قد مرّ في أواخر الفصل الأول بعض ما يتعلق بإيواء اليتيم و البر بالوالدين، فراجع.

ص:349


1- المحاسن:8 باب 2 [1] الأربعة حديث 23 بتفاوت، و ثواب الأعمال/161 ثواب إيواء اليتيم و رحمة الضعيف.
2- الفقيه:4/269 باب 176 النوادر.
3- أمالي الشيخ المفيد:166 المجلس الحادي و العشرون حديث 1، بسنده عن أبي حمزة الثمالي رحمه اللّه، عن أبي جعفر الباقر محمد بن علي عليهما السّلام، قال: سمعته يقول: اربع من كنّ فيه كمل اسلامه، و اعين على ايمانه، و محصت عنه ذنوبه، و لقى ربّه و هو عنه راض و لو كان فيما بين قرنه الى قدمه ذنوبا حطّها عنه، و هي: الوفاء بما يجعل اللّه على نفسه، و صدق اللّسان مع الناس، و الحياء ممّا يقبح عند اللّه و عند الناس، و حسن الخلق مع الاهل و الناس، و اربع من كنّ فيه من المؤمنين. . . .

و منها:

اصطناع المعروف إلى ذرّية رسول اللّه صلّى اللّه عليه و آله و سلّم و أهل

بيته عليهم السّلام:

لما ورد عنه صلّى اللّه عليه و آله و سلّم من انّ من صنع إلى أحد من أهل بيتي يدا كافأته يوم القيامة (1). و قال صلّى اللّه عليه و آله و سلّم: أنا شافع يوم القيامة لأربعة أصناف و لو جاءوا بذنوب أهل الدنيا: رجل نصر ذرّيتي، و رجل بذل ماله لذرّيتي عند الضيق، و رجل أحب ذرّيتي باللّسان و القلب، و رجل سعى في حوائج ذرّيتي إذا طردوا أو شرّدوا (2). و قال الصادق عليه السّلام: إذا كان يوم القيامة نادى مناد: أيّها الخلائق أنصتوا فإنّ محمّدا صلّى اللّه عليه و آله و سلّم يكلّمكم، فتنصت الخلائق، فيقوم النبيّ صلّى اللّه عليه و آله و سلّم فيقول:

يا معشر الخلائق! من كانت له عندي يد أو منّة أو معروف فليقم حتى أكافيه، فيقولون: بآبائنا و أمّهاتنا، و ايّ يد؟ و أيّ منّة؟ و أيّ معروف لنا؟ بل اليد و المنّة و المعروف للّه و لرسوله على جميع الخلائق، فيقول لهم: بلى، من آوى أحدا من أهل بيتي، أو برّهم، أو كساهم من عرى، أو أشبع جايعهم فليقم حتى أكافيه، فيقوم أناس قد فعلوا ذلك، فيأتي النداء من عند اللّه تعالى: يا محمّد! يا حبيبي! قد جعلت مكافأتهم إليك فأسكنهم من الجنّة حيث شئت. قال: فيسكنهم في الوسيلة حيث لا يحجبون عن محمد و أهل بيته صلوات اللّه عليه و عليهم أجمعين (3)

و تقدّم في الجهة الرابعة من المقام الخامس من هذا الفصل ما نطق بالتأكيد في القيام للذرية عند رؤية أحد منهم، فلاحظ.

ص:350


1- الكافي:4/60 باب الصدقة لبني هاشم و مواليهم و صلتهم حديث 8.
2- الكافي:4/60 باب الصدقة لبني هاشم و مواليهم و صلتهم حديث 9.
3- الفقيه:2/36 باب 18 ثواب اصطناع المعروف إلى العلوية حديث 154.

و روي عن مشايخ قم انّ الحسين بن الحسن بن الحسين بن جعفر بن محمد بن إسماعيل بن جعفر الصادق عليه السّلام كان بقم يشرب علانية، فقصد يوما لحاجة إلى باب أحمد بن إسحاق الأشعري-و كان وكيلا في الأوقاف بقم-فلم يأذن له، فرجع إلى بيته مهموما، فتوجّه أحمد بن إسحاق إلى الحجّ، فلمّا بلغ سرّ من رأى فاستأذن على أبي محمد العسكري عليه السّلام فلم يأذن له، فبكى أحمد طويلا و تضرّع حتّى أذن له، فلمّا دخل قال: يا بن رسول اللّه صلّى اللّه عليه و آله و سلّم! لم منعتني الدخول عليك و أنا من شيعتك و مواليك؟ قال عليه السّلام: لأنّك طردت ابن عمنا عن بابك، فبكى أحمد و حلف باللّه انّه لم يمنعه من الدخول عليه إلاّ لأن يتوب من شرب الخمر، قال: صدقت، و لكن لا بدّ من إكرامهم و احترامهم على كل حال، و ان لا تحقرهم، و لا تستهين بهم، لانتسابهم إلينا فتكون من الخاسرين. فلمّا رجع احمد إلى قم أتاه اشرافهم -و كان الحسين معهم-فلمّا رآه أحمد وثب عليه و استقبله و أكرمه و أجلسه في صدر المجلس، فاستغرب الحسين ذلك منه و استبعده، و سأله عن سببه، فذكر له ما جرى بينه و بين العسكري عليه السّلام في ذلك، فلمّا سمع ذلك ندم من أفعاله القبيحة، و تاب منه، و رجع إلى بيته و أهرق الخمور و كسر آلاتها، و صار من الأتقياء المتورّعين، و الصلحاء المتعبدين، و كان ملازما للمساجد و معتكفا بها حتى أدركه الموت (1).

و قال الصادق عليه السّلام: أحبب آل محمد و ابرأ ذممهم، و اجعلهم في حلّ، و بالغ في إكرامهم، و إذا خالطت بهم و عاملتهم فلا تغلظ عليهم القول و لا تسبّهم (2). و عن النبيّ صلّى اللّه عليه و آله و سلّم انّه قال: من أكرم أولادي فقد

ص:351


1- مستدرك وسائل الشيعة:2/400 باب 17 حديث 4.
2- مستدرك وسائل الشيعة:2/400 باب 17 حديث 6.

أكرمني. و قال صلّى اللّه عليه و آله و سلّم: أحبّوا أولادي؛ الصالحون للّه و الطالحون لي (1). و قال صلّى اللّه عليه و آله و سلّم: من لم يحبّ عترتي و العرب فهو من إحدى الثلاث: اما منافق، أو ولد من زنا، أو حملته امّه و هي حائض (2).

و ورد في عدّة أخبار-ما حاصله-انّ حق رحم أبوي الدّين-و هما محمّد و عليّ

ص:352


1- مستدرك وسائل الشيعة:2/400 باب 17 حديث 8.
2- مستدرك وسائل الشيعة:2/400 باب 17 حديث 7. [2] اقول: انّ الرواية لا تتفق و الآية الشريفة- إِنَّ أَكْرَمَكُمْ عِنْدَ اَللّهِ أَتْقاكُمْ -و تنافي ما ثبت من صلب التشريع الإسلامي بأن ما يرفع الإنسان من حضيض الحيوانيّة إلى قمة الإنسانيّة و ما به يتمايز أفراد الإنسان هو التقوى لا القبلية أو العنصريّة و لا اللون أو الجنس، و قد أعلن النبي صلّى اللّه عليه و آله و سلّم و من بعده من أئمة الهدى المعصومين عليهم أفضل الصلاة و السّلام بأنه لا فرق في نظر الإسلام بين العربي و العجمي و الأبيض و الأسود و القرشي و غيره، و انه من قال: لا إله إلاّ اللّه محمد رسول اللّه صلّى اللّه عليه و آله و سلّم عدّ من المسلمين و كان له ما لهم و عليه ما عليهم من دون فرق في هذا الحكم في كونه من أي عنصر او قبيلة كان، و عليه فالتنافي بين هذه الرواية المذكورة في المتن مع صلب التشريع واضح ثابت، و حيث انه كما ان القرآن المجيد يفسر بعضه بعضا فكذلك الحديث يفسر بعضه بعضا، و كما ان المتضلع في فهم الآيات الشريفة يستطيع أن يستلهم من كلمات أهل البيت عليهم السّلام تفسير بعض الآيات من بعض، فكذلك يستطيع المتضلع في فهم كلمات أئمة الهدى الذين هم عدل القرآن و المعصومون من الزلل و الخطأ بنص الكتاب العزيز أن يستفيد فهم بعض الروايات من روايات أخر، و في المقام حيث انهم عليهم السّلام صرحوا مرارا و تكرارا بقولهم: نحن و شيعتنا العرب و أعداؤنا العجم، و ثبت قوله صلّى اللّه عليه و آله و سلّم: لا تقولوا سلمان الفارسي بل قولوا سلمان المحمدي يتضح من الجمع بين الروايتين ان قوله عليه السّلام، و من لم يحب عترتي و العرب، أي من لم يحبّ عترتي و شيعتهم فهو من إحدى ثلاث، و ربّما يشير إلى هذا الجمع ما ثبت عن رسول اللّه صلّى اللّه عليه و آله و سلّم من قوله: يا علي! لا يحبك إلاّ كل مؤمن امتحن اللّه قلبه للإيمان و لا يبغضك الاّ منافق أو ولد زنا أو حملت أمّه به و هي حائض، و اتضح بما أشرنا إليه انه لا تنافي، بل كلماتهم لا بدّ من التعمق فيها و التفحص عن تفسيرها و تقريبها، و اللّه سبحانه و تعالى هو الموفق و الهادي إلى الصواب.

صلوات اللّه عليهما و آلهما-أعظم من حقّ رحم أبوي النسب، لأنّ أبوي النسب انّما غذيّاه من الدنيا، و وقياه مكارهها، و هي نعمة زائلة، و مكروه ينقضي، و محمد و علي صلّى اللّه عليهما و آلهما و سلم ساقاه إلى نعمة دائمة، و وقياه مكروها مؤيّدا لا يبيد، فنعمة أبوي الدّين أعظم و أجلّ و أكبر، فيكون حق قرابتهما و رحمهما أعظم من حق رحم أبوي النسب، و لأنّ حرمة رحم رسول اللّه صلّى اللّه عليه و آله و سلّم حرمة رسول اللّه صلّى اللّه عليه و آله و سلّم، و حرمة رسول اللّه صلّى اللّه عليه و آله و سلّم حرمة اللّه تعالى، و حرمة اللّه أعظم حقّا من كلّ منعم سواه، و انّ كلّ منعم سواه إنّما أنعم حيث قيّضه اللّه لذلك و وفّقه، و لأنّ شكر قرابات الدين أثمر من شكر قرابات أبوي النسب، لانّ قرابات أبوي الدّين إذا شكروا عندهما بأقلّ قليل يظهرهما لك يحط عنك ذنوبك، و لو كانت ملء ما بين الثرى إلى العرش، و قرابات أبوي نسبك ان شكروك عند ابويك و قد ضيعت قرابات أبوي دينك لم يغنيا عنك فتيلا، و لأن فضل صلة رحم أبوي دينك على صلة رحم أبوي نسبك على قدر فضل أبوي دينك على أبوي نسبك، فلذلك كلّه يلزم إيثار قرابة أبوي الدين على أبوي النسب، و ان من التهاون بجلال اللّه إيثار قرابة أبوي النسب على قرابة أبوي الدين محمّد و عليّ عليهما و آلهما الصلاة و السّلام (1).

ص:353


1- مستدرك وسائل الشيعة:2/400 باب 17 حديث 9 [1] عن تفسير الإمام عليه السّلام عن أمير المؤمنين عليه السّلام انه قال في حديث أو تدري ما هذه الرحم التي من وصلها وصله الرحمن، و من قطعها قطعه، فقيل: يا أمير المؤمنين حث بهذا كل قوم على أن يكرموا أقرباءهم، و يصلوا أرحامهم، فقال لهم: أيحثهم على أن يصلوا أرحامهم الكافرين قالوا لا، و لكنّه حثهم على صلة أرحامهم المؤمنين، قال: فقال: أوجب حقوق أرحامهم لاتّصالهم بآبائهم و أمّهاتهم قلت بلى يا أخا رسول اللّه، قال: فهم إذا انما يقضون فيهم حقوق الآباء و الأمهات، قلت بلى يا أخا رسول اللّه، قال: فآباءهم و امهّاتهم إنّما غذوهم من الدنيا و وقوهم مكارهها و هي-

و منها:

الدعاء إلى الإيمان و الاسلام:

مع الإمكان، و رجاء القبول، و عدم الخوف، فإنه من الأفعال الجميلة العظيمة الأجر، و قد فسّر قول اللّه عزّ و جلّ مَنْ قَتَلَ نَفْساً بِغَيْرِ نَفْسٍ أَوْ فَسادٍ فِي اَلْأَرْضِ فَكَأَنَّما قَتَلَ اَلنّاسَ جَمِيعاً. وَ مَنْ أَحْياها فَكَأَنَّما أَحْيَا اَلنّاسَ جَمِيعاً (1)بأنّ من أخرجها من ضلال إلى هدى فكأنّما أحياها، و من أخرجها من هدى إلى ضلال فكأنّما قتلها (2). و ورد انّ جزاء دعاء نفس كافرة إلى الاسلام اذن اللّه له في الشفاعة لمن يريد يوم القيامة (3). و ان من علّم الدّين من لا يعلمه غفر اللّه له (4). و انّ من دعا الى الاسلام فله بكلّ من أجابه عتق رقبة من ولد

ص:354


1- سورة المائدة آية 3 [1]2.
2- المحاسن:231 باب 18 من ترك المخاص [2]مة لأهل الخلاف حديث 181.
3- الأمالي للشيخ الصدوق:208 حديث 8.
4- تفسير علي بن إبراهيم القمي:2/294 [4]سورة الجاثية بسنده عن أبي عبد اللّه عليه السّلام في قول اللّه عزّ و جلّ: قُلْ لِلَّذِينَ آمَنُوا يَغْفِرُوا لِلَّذِينَ لا يَرْجُونَ أَيّامَ اَللّهِ قال: قل للذين منّنا عليهم بمعرفتنا أن يعرّفوا للذين لا يعلمون فإذا عرفوهم فقد غفروا لهم [فقد غفر اللّه-

يعقوب عليه السّلام (1). نعم يشترط عدم الخوف في الدعاء إلى الإسلام و الإيمان، و إلاّ لم يجز، لما استفاض بل تواتر نصا و وقع عليه الاتفاق فتوا من وجوب التقيّة في غير الدم، و شرب المسكر، و متعة الحج ما لم يظهر وليّ العصر عجل اللّه تعالى فرجه (2). و قد ورد انّ تسعة أعشار الدين في التقيّة. و انّه لا دين و لا إيمان لمن لا تقية له (3)و لا خير فيه 4. و انّها جنّة المؤمن و ترسه 5. و شيمة الأفاضل 6. و انّه ما على وجه الأرض شىء أحبّ إلى الأئمة عليهم السّلام من التقية 7. و إنه لو لا التقيّة ما عبد اللّه على وجه الأرض في دولة إبليس-يعني دولة تابعية-و هو كلّ من عادى وليّ العصر أرواحنا فداه 8. و ان أكرم الشيعة

ص:355


1- وسائل الشيعة:11/448 باب [1]19 حديث 5 عن كتاب الزهد.
2- إكمال الدين:2/371 [2]باب 35 ما روي عن الرضا عليه السّلام حديث 5 بسنده قال علي بن موسى الرضا عليه السّلام: لا دين لمن لا ورع له، و لا إيمان لمن لا تقيّة له، إنّ أكرمكم عند اللّه أعملكم بالتقيّة، فقيل له: يا ابن رسول اللّه إلى متى؟ قال: إلى يوم الوقت المعلوم و هو يوم خروج قائمنا أهل البيت، فمن ترك التقية قبل خروج قائمنا فليس منّا. . . .
3- المحاسن:259 باب 31 [3] التقيّة حديث 309.

على اللّه أتقاهم و أعملهم بالتقية، و ان تارك التقية كتارك الصلاة (1). و انّ التقية من أعظم الفرائض (2). و انّه من أفضل شعار الصالحين و دثارهم (3). و انّه من أفضل أعمال المؤمن، يصون بها نفسه و إخوانه من الفاجرين (4). نعم لا تقيّة في الدم، لأنّه شرّعت التقيّة لحقن الدم، فإذا بلغ الدم فلا تقيّة، كما ورد التنصيص بذلك (5). و بعدم التقيّة في شرب المسكر و متعة الحج مستفيضا (6).

و منها:

إظهار العلم عند ظهور البدع:

فإنّه واجب، و كتمه محرّم الاّ لتقيّة و خوف. و قد ورد انّ العالم الكاتم علمه يبعث أنتن أهل القيامة ريحا، تلعنه كلّ دابة من دواب الأرض الصغار (7)، و انه

ص:356


1- مستدرك وسائل الشيعة:2/373 باب 23 [1] احاديث الباب.
2- التفسير المنسوب إلى الإمام العسكري عليه السّلام:129 [2] في تفسير قوله تعالى: وَ عَمِلُوا اَلصّالِحاتِ قضوا الفرائض كلّها بعد التوحيد و اعتقاد النّبوة و الإمامة، قال و أعظمها فرضان، قضاء حقوق الأخوان في اللّه، و استعمال التقيّة من أعداء اللّه عز و جل.
3- التفسير المنسوب إلى الإمام العسكري:131.
4- بحار الأنوار:75/414 حديث 68.
5- أصول الكافي:2/220 باب التقيّة حديث 16 [5] بسنده عن أبي جعفر عليه السّلام قال: إنّما جعلت التقيّة ليحقن بها الدم فإذا بلغ الدم فليس تقيّة.
6- أقول اختلفت الروايات عن الائمة المعصومين عليهم السّلام في مشروعيّة التقية في الخمر و متعة الحج و المسح على الخفين و ما عليه المشهور عند الفقهاء و هو المختار هو ان التقية في كل شيء سوى التبريّ من الأئمة المعصومين عليهم السّلام و هناك قول ضعيف بجواز التبري منهم ظاهرا إذا كان قلبه مطمئنا للإيمان هذا اذا كان حفظ دمه أو دم أخيه المؤمن متوقفا على التبري. و للبحث في تحديد مشروعية التقيّة و مصاديقها بحث ينبغي مراجعة المصادر الفقهية الاستدلالية.
7- المحاسن:231 باب 17 [6] إظهار الحق حديث 177.

إذا ظهرت البدع فعلى العالم أن يظهر علمه، فإن لم يفعل سلب نور الإيمان، و كان عليه لعنة اللّه سبحانه (1).

و منها:

إقامة السنن الحسنة:

و إجراء عادات الخير و الأمر بها و تعليمها، فإنّها من الأفعال الحسنة.

و قد ورد انّ من استنّ بسنة عدل-كما في خبر (2)-و من سنّ سنّة هدى-كما في آخر (3)-و من علّم خيرا-كما في ثالث (4)-و من سنّ سنّة حسنة-كما في رابع-

ص:357


1- عيون أخبار الرضا عليه السّلام:63 باب 10 [1] بسنده عن يونس بن عبد الرحمن قال لما مات أبو الحسن عليه السّلام و ليس من قوّامه أحد إلاّ و عنده المال الكثير و كان ذلك سبب وقفهم و جحودهم لموته، و كانت عند زياد القندي سبعون ألف دينار، و عند علي بن أبي حمزة ثلاثون ألف دينار، قال: فلمّا رأيت ذلك و تبيّن لي الحق و عرفت من أمر أبي الحسن الرضا عليه السّلام ما عرفت تكلّمت و دعوت النّاس إليه، قال: فبعثا إليّ و قالا لي ما يدعوك إلى هذا ان كنت تريد المال فنحن نغنيك و ضمنّا لك عشرة آلاف دينار، و قالا لي كفّ فأبيت و قلت لهما إنّا روينا عن الصادقين عليهم السّلام إنّهم قالوا إذا ظهرت البدع فعلى العالم أن يظهر علمه، فإن لم يفعل سلب نور الإيمان، و ما كنت لأدع الجهاد في أمر اللّه عزّ و جلّ على كل حال، فناصباني و أضمروا لي العداوة.
2- أمالي الشيخ المفيد:191 المجلس الثالث و العشرون حديث 19 بسنده قال إسماعيل الجعفي: سمعت أبا جعفر محمد بن علي صلوات اللّه عليهما يقول: من سنّ سنّة عدل فأتّبع كان له مثل أجر من عمل بها من غير أن ينقص من أجورهم شيء، و من سنّ سنّة جور فأتّبع كان عليه وزر من عمل بها من غير ان ينقص من اوزارهم شيء.
3- مستدرك وسائل الشيعة:2/368 باب 15 [2] بسنده عن أبي عبد اللّه عليه السّلام انه قال: لا يتكلّم الرجل بكلمة هدى فيؤخذ بها إلاّ كان له مثل أجر من اخذها، و لا يتكلم بكلمة ضلال إلاّ كان عليه وزر من أخذ بها.
4- وسائل الشيعة:11/436 باب 16 حديث 1.

فاتّبع، كان له مثل أجر من عمل بها من غير أن ينتقص من أجورهم شيء (1)، و انّه لا يتكلّم الرّجل بكلمة حقّ يؤخذ بها إلاّ كان له مثل أجر من أخذ بها (2)و انّ الدّال على الخير كفاعله (3). و انّه لم يمت من ترك أفعالا يقتدى بها من الخير و من نشر حكمة ذكر بها (4)، و انّه ليس يتبع الرجل بعد موته الاّ ثلاث خصال: صدقة أجراها في حياته فهي تجري بعد موته، و سنة هدى سنّها فهي يعمل بها بعد موته، و ولد صالح يستغفر له (5). و انه ما من مؤمن سنّ على نفسه سنة حسنة أو شيئا من الخير ثم حال بينه و بين ذلك حائل إلاّ كتب اللّه له ما أجرى على نفسه أيّام الدنيا (6). و انّ خمسة في قبورهم و ثوابهم يجري إلى ديوانهم، من غرس نخلا، و من حفر بئرا، و من بنى مسجدا، و من كتب مصحفا، و من خلّف ابنا صالحا (7).

و منها:

بذل المال:

دون النفس و العرض، و بذل النفس دون الدين، فإن في وصيّة أمير المؤمنين عليه السّلام لأصحابه انّه: إذا حضرت بليّة فاجعلوا أموالكم دون

ص:358


1- مستدرك وسائل الشيعة:2/368 باب 15 حديث 2 [1] عن الاختصاص عن العالم عليه السّلام أنّه قال: من استنّ بسنّة حسنة فله أجرها و أجر من عمل بها من غير أن ينقص من أجورهم شيء. . .
2- وسائل الشيعة:11/437 باب 16 حديث 4.
3- وسائل الشيعة:11/436 باب 16 حديث 3.
4- مستدرك وسائل الشيعة:2/368 باب 15 حديث 4.
5- وسائل الشيعة:11/437 باب 16 حديث 6.
6- المحاسن:28 باب 8 [6] ثواب من سنّ سنّة عدل على نفسه حديث 10.
7- مستدرك وسائل الشيعة:2/368 باب 15 حديث 5.

أنفسكم، و إذا نزلت نازلة فاجعلوا أنفسكم دون دينكم، و اعلموا أنّ الهالك من هلك دينه، الخبر (1). و من كلام له عليه السّلام: إنّ أفضل الفعال صيانة العرض بالمال (2). و إن خير المال ما وقي به العرض (3). و انّ كلّ معروف وقيتم به أعراضكم و صنتموها عن ألسنة كلاب الناس كالشعراء الوقاعين في الأعراض تكفّونهم فهو محسوب لكم في الصدقات (4). و ان ما وقى الرجل به عرضه كتب له صدقة. قلت: ما معنى ما وقى به عرضه؟ قال: ما أعطاه الشاعر و ذا اللسان المتقى، و ما أنفق الرجل من نفقة فعلى اللّه خلفها ضمانا، الاّ ما كان من نفقة في بنيان أو معصية اللّه (5). و له صلّى اللّه عليه و آله و سلّم أيضا: صنّ دينك بدنياك تربحهما، و لا تصن دنياك بدينك فتخسرهما (6). و له عليه السّلام أيضا: صنّ الدّين بالدنيا ينجيك، و لا تصن الدنيا بالدين فترديك (7). و من وصايا النبي

ص:359


1- أصول الكافي:2/216 باب سلامة الدين حديث 2 [1] بسنده عن أبي جميلة، قال: قال أبو عبد اللّه عليه السّلام: كان في وصيّة أمير المؤمنين عليه السّلام لأصحابه اعلموا أنّ القرآن هدى الليل و النهار، و نور الليل المظلم على ما كان من جهد و فاقة، فإذا حضرت بليّة فاجعلوا أموالكم دون أنفسكم، و إذا نزلت نازلة فاجعلوا أنفسكم دون دينكم، و اعلموا انّ الهالك من هلك دينه، و الحريب من حرب دينه، ألاّ و أنّه لا فقر بعد الجنّة، ألاّ و انّه لا غنى بعد النارّ، لا يفكّ أسيرها و لا يبرأ ضريرها.
2- وسائل الشيعة:11/451 باب 22 حديث 3، [2]أصول الكافي:4/49 باب النوادر حديث 14
3- كشف الغّمة:2/706 [4] في ذكر شيء من كلام الإمام أبي عبد اللّه الحسين الزكي عليه السّلام.
4- مستدرك وسائل الشيعة:2/644 باب 21 حديث 1 [5] عن تفسير الامام.
5- مستدرك وسائل الشيعة:2/644 باب 21 حديث 2 [6] عن ابن أبي جمهور في درر اللآلي.
6- مستدرك وسائل الشيعة:2/372 باب 21 حديث 2 [7]عن الآمدي [8]في الغرر من كلام أمير المؤمنين عليه السّلام.
7- المصدر المتقدم بمضون ماني المتن.

صلّى اللّه عليه و آله و سلم لعلي عليه السّلام قوله صلّى اللّه عليه و آله و سلّم:

و الخامسة بذلك مالك و دمك دون دينك (1). و قال عيسى بن مريم للحواريين:

يا بني اسرائيل! لا تأسوا على ما فاتكم من دنياكم إذا سلم دينكم، كما لا يأسي أهل الدنيا على ما فاتهم من دينهم إذا سلمت دنياهم (2).

و منها:

فعل المعروف:

فإنّه من الأفعال المحمودة على لسان أهل العصمة عليهم السّلام. فقد ورد عنهم انّ كلّ معروف صدقة، و الدالّ على الخير كفاعله (3). و انّ صنايع المعروف تدفع ميتة السوء (4). و تقي مصارع السوء و الهوان (5). و انّ البركة أسرع إلى البيت الذي يمتار فيه المعروف من الشفرة في سنام الجزور، أو من السيل إلى منتهاه (6). و انّ أهل المعروف في الدنيا هم أهل المعروف في الآخرة، لأنّهم في الآخرة ترجع لهم الحسنات فيجودون بها على أهل المعاصي (7). و انّهم أوّل أهل الجنّة دخولا إليها، كما انّ أوّل أهل النار دخولا إليها أهل المنكر (8).

ص:360


1- المحاسن:17 باب 10 [1] وصايا النبي صلّى اللّه عليه و آله و سلّم حديث 48.
2- الأمالي للشيخ الصدوق:496 المجلس الخامس و [2]السبعون حديث 2.
3- الفقيه:2/30 باب 11 فضل المعروف حديث 109.
4- الفقيه:2/30 باب 11 فضل المعروف حديث 114.
5- علل الشرايع:1/247 باب 182 [3] علل الشرايع و أصول الإسلام حديث 1، الكافي الفروع :4/29 باب صنايع المعروف حديث 1.
6- الكافي:4/29 باب ان صنايع المعروف تدفع مصارع السوء حديث 2.
7- مستدرك وسائل الشيعة:2/393 أبواب فعل المعروف باب استحبابه و كراهة تركه روايات [6]الباب.
8- الأمالي للشيخ الصدوق:254 المجلس الرابع و [7]الأربعون حديث 5.

و انّ ايّما مؤمن أوصل إلى أخيه المؤمن معروفا فقد أوصل ذلك إلى رسول اللّه صلّى اللّه عليه و آله و سلّم (1). و انّ اللّه تعالى يقول للفقراء يوم القيامة: انظروا و تصفّحوا وجوه الناس فمن أتى إليكم معروفا فخذوا بيده و أدخلوه الجنّة (2).

و انّ المؤمن ليمرّ به الرجل له المعروف به في الدنيا و قد أمر به إلى النّار، و الملك ينطلق به فيقول: يا فلان! اغثني فقد كنت أصنع إليك المعروف في الدنيا، و اسعفك بالحاجة تطلبها منّي، فهل عندك اليوم مكافاة؟ فيقول المؤمن للملك الموكّل به: خلّ سبيله، فيسمع اللّه قول المؤمن، فيأمر الملك الموكّل به أن يجيز قول المؤمن فيخلّي سبيله (3). و انّه كان في بني اسرائيل مؤمن، و كان له جار كافر، فكان الكافر يرفق بالمؤمن و يوليه المعروف في الدّنيا، فلمّا أن مات الكافر بنى اللّه له بيتا في النّار من طين، و كان يقيه من حرّها و يأتيه الرزق من غيرها، و قيل له: هذا ما كنت تدخله على جارك المؤمن فلان بن فلان من الرفق، و توليه من المعروف في الدنيا (4). . إلى غير ذلك من فوائده.

فينبغي لمن وفّق له أن يبادر إليه، و يشكر اللّه تعالى على ما أنعم به عليه، و قد قال مولانا الصادق عليه السّلام: رأيت المعروف كاسمه، و ليس شيء أفضل من المعروف إلاّ ثوابه، و ذلك يراد منه، و ليس كلّ من يحبّ أن يصنع المعروف إلى الناس يصنعه، و ليس كل من يرغب فيه يقدر عليه، و لا كلّ من يقدر عليه يؤذن له فيه، فإذا اجتمعت الرغبة و القدرة و الإذن فهنالك تمّت السعادة للطالب و المطلوب إليه (5).

ص:361


1- ثواب الأعمال:203 ثواب من أوصل إلى أخيه المؤمن معروفا حديث 1.
2- وسائل الشيعة:11/525 باب 1 حديث 18.
3- ثواب الأعمال:206 ثواب اصطناع المعروف إلى المؤمن حديث 1.
4- ثواب الأعمال:202 ثواب الكافر يصطنع المعروف إلى المؤمن حديث 1.
5- الكافي:4/26 باب فضل المعروف حديث 3.

ثم لا فرق في حسن المعروف بين صنعه بأهله أو بغير أهله، للأمر بصنعه إلى كلّ برّ و فاجر و إلى كل أحد، فإن كان أهله و إلاّ فكنت أنت من أهله (1).

نعم صنعه بأهله آكد حسنا، و أعظم فضلا، حتّى ورد انّه: لا تصلح الصنيعة إلاّ عند ذي حسب و دين، و لكن فضله مطلقا لا ينكر. نعم قصر صنعه بغير أهله يكشف عن الشقاوة، و إلى ذلك ينظر قول الصادق عليه السّلام للمفضل بن عمر: يا مفضل بن عمر! إذا أردت أن تعلم أشقيّ الرجل أم سعيد، فانظر الى معروفه إلى من يصنعه، فإن كان يصنعه إلى من هو أهله فاعلم انه على خير، و إن كان يصنعه إلى غير أهله فاعلم أنه ليس له عند اللّه خير و لا له في الآخرة من خلاق (2). فإنّه محمول على استدامة المعروف إلى غير الأهل. لاستفاضة الأخبار بالأمر باصطناع المعروف مع أهله و غير أهله، نعم صرفه إلى أهله أفضل.

و عن أمير المؤمنين عليه السّلام-في حديث-انّه قال: من كان له منكم مال فإيّاه و الفساد، فإنّ إعطاءه في غير حقّه تبذير و إسراف، و هو يرفع ذكر صاحبه في النّاس و يضعه عند اللّه، و لم يضع امرؤ ماله في غير حقه و عند غير أهله إلاّ حرمه اللّه شكرهم، و كان لغيره ودّهم، فإن بقي معه بقية ممّن يظهر الشكر له و يريد النصح فإنّما ذلك ملق و كذب، فإن زلّت به النعل ثم احتاج إلى مؤونتهم و مكافأتهم فألأم خليل و شرّ خدين، و لم يضع امرؤ ماله في غير حقّه و عند غير أهله إلاّ لم يكن له من الحظّ فيما أتى إلاّ محمدة اللّئام، و ثناء الأشرار ما دام منعما مفضلا، و مقال الجاهل: ما أجوده، و هو عند اللّه بخيل، فأيّ حظّ أبور و أخسر من هذا الحظّ؟ و أي فائدة معروف اقلّ من هذا المعروف؟ فمن كان له منكم مال فليصل به القرابة، و ليحسن منه الضيافة، و ليفكّ به العاني و الأسير و ابن

ص:362


1- الكافي:4/27 باب فضل المعروف حديث 6 و 9.
2- الفقيه:2/31 باب 11 حديث 119، و الكافي:4/31 باب وضع المعروف موضعه حديث 2. [2] باختلاف بينهما و المتن.

السبيل، فإنّ الفوز بهذه الخصال مكارم الدنيا و شرف الآخرة (1).

و منها:

تعظيم فاعل المعروف و تحقير فاعل المنكر:

فإنهما محمودان، و العقل يقضي بحسنهما. و ورد الأمر بهما، و قال مولانا الصادق عليه السّلام: أجيزوا لاهل المعروف زلاّتهم، و اغفروها لهم، فإنّ كفّ اللّه عليهم هكذا، و أومى بيده كأنه يظلل شيئا (2).

و منها:

مكافاة المعروف بمثله، أو ضعفه، أو بالدّعاء له:

لقول رسول اللّه صلّى اللّه عليه و آله و سلّم: من اتاكم معروفا فكافوه، و ان لم تجدوا ما تكافؤنه فادعوا اللّه له حتّى تظنّوا أنكم قد كافيتوموه (3). أو قوله صلّى اللّه عليه و آله و سلّم: كفاك بثنائك على أخيك إذا أسدى إليك معروفا، ان تقول له: جزاك اللّه خيرا، و إذا ذكر و ليس هو في المجلس أن تقول: جزاءه اللّه خيرا، فاذا انت قد كافيته (4). و قال صلوات اللّه عليه: من اصطنع إليه المعروف فاستطاع أن يكافىء عنه فليكاف، و من لم يستطع فليثن خيرا، فإنّ من أثنى كمن جزى (5). و قال صلّى اللّه عليه و آله و سلّم: من اصطنع إليكم معروفا فكافوه، فإن لم تجدوا مكافاة فادعوا له، فكفى ثناء الرجل على أخيه إذا أسدى إليه معروفا فلم يجد عنده مكافاة أن يقول: جزاه اللّه خيرا، فإذا هو قد كافاه (6).

ص:363


1- الكافي:4/31 باب وضع المعروف موضعه حديث 3.
2- الكافي:4/28 [2] فضل المعروف حديث 12 باختلاف يسير.
3- وسائل الشيعة:11/537 باب 7 حديث 5.
4- وسائل الشيعة:11/537 باب 7 حديث 6.
5- مستدرك وسائل الشيعة:2/396 باب 7 حديث 4.
6- مستدرك وسائل الشيعة:2/396 باب 7 حديث 4 [6] ذيل الحديث.

و قال صلّى اللّه عليه و آله و سلّم: من أتى إليه معروف فليكافيء به، فإن عجز فليثني عليه، فإن لم يفعل كفر النعمة (1). و قال أمير المؤمنين عليه السّلام: حقّ من أنعم عليك أن تحسن مكافاة المنعم، فإن قصر عن ذلك وسعه، فإنّ عليه أن يحسن معرفة المنعم، و محبّة المنعم بها، فان قصر عن ذلك فليس للنعمة بأهل (2). و قال أبو عبد اللّه عليه السّلام: إنّ آية من كتاب اللّه و هي قوله سبحانه هَلْ جَزاءُ اَلْإِحْسانِ إِلاَّ اَلْإِحْسانُ (3)جرت في المؤمن و الكافر، و البرّ و الفاجر، من صنع إليه معروف فعليه أن يكافىء، و ليست المكافاة أن يصنع كما صنع به، بل يرى مع فعله لذلك أنّ له الفضل المبتدأ (4). و قال أمير المؤمنين عليه السّلام: من صنع مثل ما صنع إليه فإنما كافاه، و من أضعفه كان شكورا، و من شكر كان كريما، و من علم انّما صنع انما صنع إلى نفسه لم يستبط الناس في شكرهم و لم يستزدهم في مودّتهم (5). و فيه دلالة على انّه ينبغي لصاحب المعروف أن لا يرجو الشكر ممّن أنعم عليه، بل يكره طلبه المكافاة و توقّعه ذلك، لنهي أمير المؤمنين عليه السّلام عن ذلك بقوله: و لا تلتمس من غيرك شكر ما أتيت إلى نفسك، و وقيت به إلى عرضك، ثم قال عليه السّلام: و اعلم أنّ الطالب إليك الحاجة لم يكرم وجهه عن وجهك فأكرم وجهك عن ردّه (6). دلّ على رجحان عدم ردّ طالب الحاجة، و حسنه عقلي.

ص:364


1- الكافي:4/33 باب من كفر النعمة حديث 3.
2- وسائل الشيعة:11/538 باب 7 حديث 12.
3- سورة الرحمن الآية 60.
4- مجمع البيان:9/208 تفسير سورة الرحمن آية 61 بسنده عن علي بن سالم قال: سمعت ابا عبد اللّه عليه السّلام.
5- الكافي:4/28 باب منه حديث 1.
6- ذيل الحديث المتقدم.

و منها:

شكر النعمة:

من اللّه كانت او من الناس، فإنّه محمود عقلا و نقلا، و كتابا و سنّة، كما مرّ ذكر ذلك في المقام السابق، و نقلنا لك هناك ما نطق بأنّ اللّه سبحانه آلى على نفسه أن لا يقبل شكر عبد حتّى يشكر من ساق من خلقه تلك النعمة إليه.

و بقي شيء ينبغي التعرّض له هنا، و هو أنّه لا ينبغي لصاحب المعروف أن يتركه لترك من صنع إليه المعروف الشكر كما نصّ على ذلك أمير المؤمنين عليه السّلام بقوله: لا يزهدّنك في المعروف من لا يشكره لك، فقد يشكرك عليه من لا يستمتع بشىء منه، و قد يدرك من شكر الشاكر أكثر ممّا أضاع الكافر (1). بل ورد انّ معروف المؤمن غير مشكور، فعن أبي عبد اللّه عليه السّلام: إنّ المؤمن مكفر. و ذلك انّ معروفه يصعد إلى اللّه عزّ و جلّ فلا ينتشر في الناس، و الكافر مشهور، و ذلك انّ معروفه للنّاس ينتشر في النّاس و لا يصعد إلى السماء (2). و عن أمير المؤمنين عليه السّلام انّه قال: كان رسول اللّه صلّى اللّه عليه و آله و سلّم مكفرا لا يشكر معروفه، و لقد كان معروفه على القرشي و العربي و العجمي، و من كان أعظم من رسول اللّه صلّى اللّه عليه و آله و سلّم معروفا على هذا الخلق؟ و كذلك نحن أهل البيت مكفرون لا يشكر معروفنا، و خيار المؤمنين مكفرون لا يشكر معروفهم (3).

ص:365


1- نهج البلاغة:3/199 حديث 204 و [1]في آخره (و اللّه يحبّ المحسنين) .
2- علل الشرايع:2/560 باب 343 [2] العلة التي من اجلها صار المؤمن مكفّر حديث 1.
3- علل الشرايع:2/560 باب 353 [3] العلة التي من أجلها صار المؤمن مكفرا حديث 3.

و منها:

تصغير صاحب المعروف معروفه، و ستره، و تعجيله:

لقول الصادق عليه السّلام: رأيت المعروف لا يتمّ إلاّ بثلاث: تصغيره، و ستره، و تعجيله، فإنك إذا صغّرته عظّمته عند من تصنعه إليه، و إذا سترته تمّمته، و إذا عجلته هنّأته، و إذا كان غير ذلك سخفته [خ. ل: محقته]و نكدته (1).

و عن أمير المؤمنين عليه السّلام انّه قال: إذا صنعت معروفا فاستره، و إذا صنع إليك معروف فانشره (2).

و منها:

إطعام الطعام:

فقد ورد انّ اللّه عزّ و جلّ يحبّه (3). و انّه من موجبات المغفرة (4). و انّه من الإيمان (5). و انّ الرزق أسرع إلى من يطعم الطعام من السكين في السنام (6).

و قد مرّ شرح الإطعام و الضيافة في المقام السابع من الفصل الرابع، فلاحظ.

و منها:

افشاء السّلام:

فإنّه من الأفعال المحمودة-كما مرّ في المقام الثاني من هذا الفصل-و لو لا في فضله إلا إقدام النبيّ صلّى اللّه عليه و آله و سلّم عليه لكفى (7).

ص:366


1- الكافي:4/30 باب تمام المعروف حديث 1.
2- مستدرك وسائل الشيعة:2/397 باب 9 حديث 6.
3- الكافي:4/51 باب فضل إطعام الطعام حديث 6.
4- الكافي:4/50 باب فضل إطعام الطعام حديث 1.
5- الكافي:4/50 باب فضل إطعام الطعام حديث 2.
6- الكافي:4/51 باب فضل إطعام الطعام حديث 10.
7- مستدرك وسائل الشيعة:2/68 باب 33 [7] احاديث الباب.

و منها:

نيّة الخير و العزم عليه:

لما ورد من ان المؤمن إذا همّ بالحسنة كتبت له حسنة إن لم يعمل بها، فإن عمل بها كتبت له عشر حسنات (1). و انّ نية المؤمن خير من عمله، لأنّه ينوي من الخير ما لا يطيقه و لا يقدر عليه (2)، و لأنه ربما انتهت بالإنسان حالة مرض أو خوف فتفارقه الأعمال و معه نيّته (3)، و لأنّه لا يفارقه عقله أو نفسه، و الأعمال قد تفارقه قبل مفارقة العقل و النفس. و انّ أهل الجنة إنّما خلّدوا في الجنّة لأنّ نيّاتهم كانت في الدّنيا انّ لو بقوا فيها أن يطيعوا اللّه أبدا (4). و ان من حسنت نيّته زاد اللّه في رزقه، و ان العبادة هي حسن النّية بالطاعة من الوجه الذي يطاع اللّه منه (5). و انّ العبد المؤمن الفقير ليقول: يا رب! ارزقني حتّى أفعل. . كذا و كذا من البرّ و وجوه الخير، فإذا علم اللّه ذلك منه بصدق نيّة كتب اللّه له من الأجر مثل ما يكتب له لو عمله، إنّ اللّه واسع كريم (6). و انّ اللّه إنّما قدّر عون العباد على قدر نيّاتهم، فمن صحت نيته تمّ عون اللّه له، و من قصرت نيته قصر عنه العون بالقدر الذي قصرت نيته (7).

ص:367


1- وسائل الشيعة:1/39 باب 6 حديث 20.
2- بحار الأنوار:70/209 باب 53 حديث 31.
3- ذيل الحديث المتقدم.
4- بحار الأنوار:70/209 حديث 30.
5- بحار الأنوار:70/208 حديث 28.
6- بحار الأنوار:70/199 حديث 4.
7- بحار الأنوار:70/211 حديث 34.

و منها:

تعجيل فعل الخير، و كراهة تأخيره:

لقول الصادق عليه السّلام: إذا هممت بخير فلا تؤخّره، فإن اللّه تبارك و تعالى ربّما اطّلع على عبده و هو على شىء من طاعته فيقول: و عزّتي و جلالي لا أعذّبك بعدها، و إذا هممت بمعصية فلا تفعلها، فإنّ اللّه تبارك و تعالى ربّما اطّلع على العبد و هو على شىء من معاصيه فيقول: و عزّتي و جلالي لا أغفر لك أبدا (1).

و قوله عليه السّلام: إذا أردت شيئا من الخير فلا تؤخّره (2). و قوله عليه السّلام:

إذا همّ أحدكم بخير أعجله، فإنّ عن يمينه و شماله شيطانين، فليبادر لا يكفّاه عن ذلك (3). و قال رسول اللّه صلّى اللّه عليه و آله و سلّم: إنّ اللّه يحبّ من الخير ما يعجّل (4).

و منها:

حبّ العبادة:

و التفرّغ لها و الاشتغال بها، و الجدّ و الاجتهاد فيها، لما ورد من أنّ أفضل النّاس من عشق العبادة، فعانقها، و أحبّها بقلبه، و باشرها بجسده، و تفرّغ لها، فهو لا يبالي على ما أصبح من الدنيا، على عسر أم على يسر (5). و انّه مكتوب في التوراة: يابن آدم! تفرّغ لعبادتي أملأ قلبك غنى، و لا أكلك إلى طلبك، و عليّ أن أسدّ فاقتك، و أملأ قلبك خوفا منّي، و الاّ تفرّغ لعبادتي أملأ قلبك شغلا

ص:368


1- وسائل الشيعة:1/85 باب 27 حديث 6.
2- وسائل الشيعة:1/85 باب 27 حديث 7.
3- وسائل الشيعة:1/86 باب 27 حديث 9.
4- وسائل الشيعة:1/85 باب 27 حديث 5.
5- وسائل الشيعة:1/13 باب 19 حديث 2.

بالدنيا، ثم لا أسدّ فاقتك، و أكلك إلى طلبك (1). و قال أمير المؤمنين عليه السّلام:

عليكم بالجدّ و الاجتهاد، و التأهّب و الاستعداد، و التزوّد في منزل الزاد (2).

نعم ينبغي الاقتصاد في الاجتهاد، و عدم ارتكاب ما يوجب منه الملل عن العبادة، لقول أمير المؤمنين عليه السّلام للحارث: و خادع نفسك في العبادة، و ارفق بها، و لا تقهرها، و خذ عفوها و نشاطها إلاّ ما كان مكتوبا عليك من الفريضة، فإنّه لا بدّ من قضائها و تعاهدها عند محلها (3). و قول الصادق عليه السّلام: لا تكرهوا أنفسكم العبادة (4). و قوله عليه السّلام: اجتهدت في العبادة و أنا شاب، فقال لي أبي: يا بني! دون ما أراك تصنع، فإنّ اللّه عزّ و جلّ إذا أحبّ عبدا رضي [منه]باليسير (5). و قول النبي صلّى اللّه عليه و آله و سلّم: يا عليّ! إنّ هذا الدين متين، فأوغل فيه برفق، و لا تبغّض إلى نفسك عبادة ربّك، إنّ المنبت-يعني المفرط-لا ظهرا أبقى، و لا أرضا قطع، فاعمل عمل من يرجو أن يموت هرما، و احذر حذر من يتخوّف أن يموت غدا (6). و قوله صلّى اللّه عليه و آله و سلّم: ألاّ انّ لكل عبادة شرّة (7)، ثم تصير إلى فترة، فمن صارت شرّة عبادته الى سنّتي فقد اهتدى، و من خالف سنتي فقد ضلّ، و كان عمله في تبار، اما اني أصلّي و أنام و أصوم و أفطر، و أضحك و أبكي، فمن رغب عن

ص:369


1- وسائل الشيعة:1/13 باب 19 حديث 1.
2- نهج البلاغة:2/251 خطبة 225.
3- نهج البلاغة:3/143 من كتاب له عليه السّلام إلى الحارث الهمداني 69.
4- أصول الكافي:2/86 باب الاقتصاد في العبادة حديث 2. و [4]في المتن: الى أنفسكم.
5- أصول الكافي:2/87 باب الاقتصاد في العبادة حديث 5.
6- أصول الكافي:2/87 باب الاقتصاد في العبادة حديث 6.
7- الشّرة: بالكسر شدة الرغبة و النشاط. تاج العروس:3/295.

منهاجي و سنّتي فليس منّي (1). و قول الباقر عليه السّلام: ما من أحد أبغض إلى اللّه عزّ و جلّ من رجل يقال له: كان رسول اللّه صلّى اللّه عليه و آله و سلّم يفعل . . كذا و كذا، فيقول: لا يعذّبني اللّه على أن أجتهد في الصلاة و الصوم، كأنّه يرى أنّ رسول اللّه صلّى اللّه عليه و آله و سلّم ترك شيئا من الفضل عجزا عنه (2).

و منها:

إخلاص النّية في العبادة للّه سبحانه:

لما ورد من انّ بالإخلاص يكون الخلاص، و المراد بالإخلاص: أن لا يشاب العمل بشرك و لا رياء، فانّ اللّه خير شريك، من أشرك معه غيره في عمل فهو لشريكه دونه سبحانه، لأنّه لا يقبل إلاّ ما أخلص له (3). و ورد انّ لكلّ حقّ حقيقة، و ما بلغ عبد حقيقة الإخلاص حتّى لا يحبّ أن يحمد على شيء من عمله (4).

و يأتي إن شاء اللّه تعالى في القسم الثاني من المقام العاشر ذكر ما ورد في الرياء و السمعة. و ورد انّ للمرائي ثلاث علامات: ينشط إذا رأى الناس، و يكسل إذا كان وحده، و يحبّ أن يحمد في جميع أموره (5). و لذا أفتوا بكراهة

ص:370


1- أصول الكافي:2/85 باب 2 حديث 1 و [1]في آخر الحديث و قال: كفى بالموت موعظة، و كفى باليقين غنى، و كفى بالعبادة شغلا.
2- وسائل الشيعة:1/83 باب 26 حديث 8.
3- المحاسن:252 باب 30 [3] الإخلاص حديث 270 بسنده عن علي بن سالم، قال: سمعت أبا عبد اللّه عليه السّلام يقول: قال اللّه عز و جل: أنا خير شريك فمن أشرك معي غيري في عمل لم أقبله إلاّ ما كان لي خالصا.
4- مستدرك وسائل الشيعة:1/10 باب 8 حديث 6.
5- مستدرك وسائل الشيعة:1/12 باب 13 حديث 1، [5]أصول الكافي:2/295 باب الرياء حديث 8.

الكسل في الخلوة و النشاط بين الناس. و عن النبيّ صلّى اللّه عليه و آله و سلّم:

انّ من أحسن صلاته حين يراها الناس و أساءها حين يخلو فتلك استهانة استهان بها ربّه (1).

نعم سروره باطّلاع الغير على عبادته و فعله الخير لا بأس به، بعد أن يكون عمله للّه تعالى لا للسمعة و الرياء. و قد سئل أبو جعفر عليه السّلام عن الرجل يعمل الشىء من الخير فيراه إنسان فيسرّه ذلك. قال: لا بأس، ما من أحد إلاّ و هو يحبّ أن يظهر له في النّاس الخير، إذا لم يكن يصنع ذلك (2)لذلك (3).

بقي هنا أمران:

الأوّل: إنّه يكره للإنسان أن يذكر عبادته للناس، لما ورد من أن من عمل حسنة سرا كتبت له سرّا، فإذا أقرّ بها محيت و كتبت جهرا، فإذا أقرّ بها ثانيا محيت و كتبت رياء (4).

و انّ عابدا من بني إسرائيل سأل اللّه عن حال نفسه، فأتاه آت فقال له:

ليس لك عند اللّه خير، فسأل ربّه عن عمله الذي عمله، فقال: كنت إذا عملت لي خيرا أخبرت الناس به فليس لك منه إلاّ الذي رضيت به لنفسك (5).

نعم لا بأس بالتحدّث به في صورة رجاء أن ينفع الغير و يحثّه، كما صرّح بذلك مولانا الباقر عليه السّلام، كما انّه عليه السّلام قال: إذا سألك: هل قمت الليلة أو صمت؛ فحدّثه بذلك إن كنت فعلته، فقل: قد رزق اللّه ذلك، و لا تقل:

ص:371


1- مستدرك وسائل الشيعة:1/12 باب 13 حديث 3.
2- في المتن: صنع ذلك.
3- أصول الكافي:2/297 باب الرياء حديث 18.
4- أصول الكافي:2/296 باب الرياء حديث 16.
5- مستدرك وسائل الشيعة:1/12 باب 14 حديث 2.

لا، فإنّ ذلك كذب (1).

الثاني: إنّ الأفضل أن تكون العبادة حبّا للّه تعالى، لما ورد من انّ الناس يعبدون اللّه عزّ و جلّ على ثلاثة أوجه: فطبقة يعبدونه رغبة في ثوابه، فتلك عبادة الأجراء و الحرصاء و هو الطمع، و آخرون يعبدونه خوفا من النار، فتلك عبادة العبيد و هي الرهبة، و قوم يعبدونه حبّا له، فتلك عبادة الأحرار و الكرام، و هي أفضل العبادة، و هو الأمن، لقوله عزّ و جلّ: وَ هُمْ مِنْ فَزَعٍ يَوْمَئِذٍ آمِنُونَ (2)، و لقوله عزّ و جلّ: قُلْ إِنْ كُنْتُمْ تُحِبُّونَ اَللّهَ فَاتَّبِعُونِي يُحْبِبْكُمُ اَللّهُ وَ يَغْفِرْ لَكُمْ ذُنُوبَكُمْ (3)فمن أحبّ اللّه عزّ و جلّ أحبّه اللّه، و من أحبّه اللّه كان من الآمنين (4).

و منها:

الإتيان بالعبادة المندوبة في السرّ و اختيارها على العبادة علانية:

لما ورد من انّ أعظم العبادة أجرا أخفاها (5). و انّ الاشتهار بالعبادة ريبة (6). و انّ من شهر نفسه بالعبادة فاتهمّوه على دينه، فإنّ اللّه عز و جل يكره شهرة العبادة، و شهرة اللباس (7). و انّ الصدقة في السرّ أفضل من الصدقة في العلانية، و كذلك و اللّه العبادة في السرّ أفضل منها في العلانية (8). و انّ الصلاة

ص:372


1- مستدرك وسائل الشيعة:1/13 باب 14 حديث 3.
2- سورة النمل آية 89.
3- سورة آل عمران آية 31.
4- الخصال:1/188 الناس يعبدون اللّه عز و جل على ثلاثة أوجه حديث 1.
5- قرب الاسناد:64.
6- الأمالي للشيخ الصدوق:20 حديث 4 المجلس 6.
7- وسائل الشيعة:1/58 باب 17 حديث 7.
8- الفقيه:2/83 باب 91 فضل الصدقة حديث 162.

النافلة تفضل في السرّ على العلانية كفضل الفريضة على النافلة (1). و ان دعوة العبد سرا دعوة واحدة تعدل سبعين دعوة علانية (2). و انّه ما يعلم عظم ثواب الدعاء و تسبيح العبد فيما بينه و بين نفسه إلاّ اللّه تبارك و تعالى (3). و انّ اللّه سبحانه يباهي الملائكة برجل يصبح في أرض قفر فيؤذّن، ثم يقيم، ثم يصلّي، فيقول ربّك عزّ و جل للملائكة: انظروا إلى عبدي يصلّى و لا يراه أحد غيري، فينزل سبعون ألف ملك يصلّون وراءه، و يستغفرون له إلى الغد من ذلك اليوم (4). و انّه إذا كان يوم القيامة نظر «رضوان» خازن الجنان إلى قوم لم يمرّوا به، فيقول:

من أنتم؟ و من أين دخلتم؟ فيقولون: إيّاك عنّا، فإنّا قوم عبدنا اللّه سرّا فأدخلنا اللّه الجنّة سرّا (5).

بل ظاهر جملة من الأخبار هو كراهة أن يشهر نفسه بالتقى و الورع، مثل ما روي من أنّ أمير المؤمنين عليه السّلام قال لرجل: هل في بلادك قوم شهروا أنفسهم بالخير فلا يعرفون إلاّ به؟ قال: نعم، قال: فهل في بلادك قوم شهروا أنفسهم بالشرّ فلا يعرفون إلاّ به؟ قال: نعم، قال: ففيها بين ذلك قوم يجترحون السيئات و يعملون بالحسنات، يخلطون ذا بذا؟ قال: نعم، قال عليه السّلام: تلك خيار أمة محمد صلّى اللّه عليه و آله و سلّم، تلك النمرقة الوسطى، يرجع إليهم الغالي و ينتهي إليهم المقصر (6).

ص:373


1- أمالي الشيخ الطوسي:2/143، [1]وسائل الشيعة:3/556 باب 69 حديث 7.
2- فلاح السائل:30 الفصل السابع بسنده عن إسماعيل بن همام، [3] عن أبي الحسن عليه السّلام قال دعوة العبد سرا دعوة واحدة تعدل سبعين دعوة علانية.
3- مستدرك وسائل الشيعة:1/143 باب 4 حديث 4.
4- أمالي الشيخ الطوسي:2/147.
5- مستدرك وسائل الشيعة:1/13 باب 16 حديث 7.
6- مستدرك وسائل الشيعة:1/13 باب 16 حديث 2 [7]الجعفريات.

نعم لا بأس بتحسين العبادة ليقتدي به من يراه، و الترغيب في المذهب، لقول الصادق عليه السّلام: كونوا دعاة للناس بغير ألسنتكم، ليروا منكم الورع و الاجتهاد و الصلاة و الخير، فإن ذلك داعية (1). و قول عبيد: قلت لأبي عبد اللّه عليه السّلام: الرجل يدخل في الصلاة يجوّد صلاته و يحسنها رجاء أن يستجر بعض من يراه إلى هواه، قال: ليس هذا من الرياء (2). و قال عليه السّلام:

أوصيكم بتقوى اللّه، و العمل بطاعته، و اجتناب معاصيه، و أداء الأمامة لمن ائتمنكم، و حسن الصحابة لمن صحبتموه، و ان تكونوا لنا دعاة صامتين، فقالوا:

و كيف ندعو إليكم و نحن صموت؟ ! قال: تعملون بما أمرناكم به من العمل بطاعة اللّه، و تتناهون عن معاصي اللّه، و تعاملون الناس بالصدق و العدل، و تؤدّون الأمانة، و تأمرون بالمعروف، و تنهون عن المنكر، و لا يطلع الناس منكم إلاّ على خير، فإذا راؤا ما أنتم عليه علموا فضل ما عندنا فتسارعوا إليه (3).

و منها:

الاعتراف بالتقصير في العبادة:

فإنه من محامد الصفات، لقول باب الحوائج عليه السّلام: كلّ عمل تريد به اللّه عزّ و جلّ فكن فيه مقصّرا عند نفسك، فإنّ النّاس كلّهم في أعمالهم فما بينهم و بين اللّه مقصّرون، إلاّ من عصمه اللّه عزّ و جلّ (4). و قول رسول اللّه صلّى اللّه عليه و آله و سلّم: إنّه قال اللّه عزّ و جلّ: لا يتكّل العاملون لي على أعمالهم التّي يعملونها لثوابي، فإنّهم لو اجتهدوا و أتعبوا أنفسهم أعمارهم في عبادتي كانوا مقصرّين غير بالغين في عبادتهم كنه عبادتي فيما يطلبون عندي من

ص:374


1- أصول الكافي:2/105 باب الصدق و الأمامة حديث 10 [1] بتفاوت.
2- مستطرفات السرائر:137 من ما استطرفه من كتاب عبد اللّه بن بكير حديث 2.
3- مستدرك وسائل الشيعة:1/13 باب 15 حديث 2.
4- أصول الكافي:2/73 باب الاعتراف بالتقصير حديث 4.

كرامتي و النعيم في جناتي، و رفيع الدرجات العلى في جواري، و لكن برحمتي فليثقوا، و فضلي فليرجوا، و الى حسن الظن بي فليطمّئنوا (1). و لذا حرم العجب و فسد به العمل كما يأتي في القسم الثاني من المقام العاشر.

نعم لا بأس بالسرور بالعبادة من غير عجب، لما ورد من أن من سرته حسنته و ساءته سيئته فهو مؤمن (2).

و منها:

استواء العمل و المداومة عليه:

و أقلّه سنة، لقول أبي جعفر عليه السّلام: إنّي أحبّ أن أدوم على العمل إذا عودته نفسي، و إن فاتني من الليل قضيته من النهار، و إن فاتني من النهار قضيته بالليل، و انّ أحب الأعمال إلى اللّه ما ديم عليها، فإن الأعمال تعرض كل يوم خميس و كل رأس شهر، و أعمال السنة تعرض في النصف من شعبان، فإذا عودت نفسك عملا فدم عليه سنة (3). و قوله عليه السّلام: ما من شىء أحبّ إلى اللّه عزّ و جلّ من عمل يداوم عليه و إن قلّ (4). و قول الصادق عليه السّلام:

إذا كان الرجل على عمل فليدم عليه سنة، ثم يتحول عنه إن شاء إلى غيره، و ذلك انّ ليلة القدر يكون فيها في عامه ذلك ما شاء اللّه أن يكون (5).

ص:375


1- أصول الكافي:2/60 باب الرضا بالقضاء حديث 4 و [1]الحديث طويل.
2- مستدرك وسائل الشيعة:1/18 باب 22 حديث 2 [2] عن كتاب الغارات.
3- مستدرك وسائل الشيعة:1/15 باب 19 حديث 1.
4- أصول الكافي:2/82 باب استواء العمل و المداومة عليه حديث 2.
5- أصول الكافي:2/82 باب استواء العمل و المداومة عليه حديث 1.

المقام العاشر: في جملة من الاوصاف، و الافعال المذمومة

و هي قسمان:

الأوّل: فيما ورد عنه نواهي اكيده، و ذمّ كثير، و لم تتحقّق حرمته فقها،

اشارة

و هي امور:

فمنها: الحرص على الدنيا:

فإنّه من الصفات المذمومة، و لو لا الاّ ما ورد من كونه هو الّذي عمل بآدم عليه السّلام ما عمل لكفى (1). و ورد انّ مثل طالب الدنيا مثل دود القزّ كلّما ازدادت على نفسها لفّا كان أبعد لها من الخروج حتى تموت غمّا (2). و انّ أغنى الغنى من لم يكن للحرص أسيرا (3). و انّ من كثر اشتباكه بالدنيا كان اشدّ لحسرته عند فراقها (4). و أنّه حرم الحريص خصلتين، و لزمته خصلتان؛ حرم

ص:376


1- الخصال:1/50 خصلتان ذكرهما ابليس لنوح عليه السّلام حديث 61 بسنده عن أبي عبد اللّه عليه السّلام قال: لمّا هبط نوح عليه السّلام من السفينة أتاه إبليس فقال له: ما في الأرض رجل أعظم منّة علّي منك، دعوت اللّه على هؤلاء الفساق فأرحتن منهم، ألاّ أعلمك خصلتين: إيّاك و الحسد فهو الذي عمل بي ما عمل، و إيّاك و الحرص فهو الذي عمل بآدم ما عمل.
2- أصول الكافي:2/316 باب حبّ الدنيا و الحرص عليها حديث 7.
3- الحديث المتقدم.
4- أصول الكافي:2/320 باب حبّ الدنيا و الحرص عليها حديث 16.

القناعة فافتقد الراحة، و حرم الرضا فافتقد اليقين (1). و انّ الحرص على الدنيا أذلّ ذلّ و عناء (2). و انّه الفقر (3). و أنّه مفتاح التعب، و مطيّة النصب، و داع الى التقحّم في الذنوب، و الشره جامع لمساوى العيوب (4). و انّه موقع في كبير الذنوب.

و انّه علامة الاشقياء، و يفسد الايقان. و انّه يزري بالمروّة، و ينقص قدر الرجل، و لا يزيد في رزقه (5). و قال النّبي صلّى اللّه عليه و آله: الحريص محروم، و هو مع حرمانه مذموم في ايّ شيء كان، و كيف لا يكون محروما و قد فرّ من وثاق اللّه، و خالف قول اللّه عزّ و جلّ حيث يقول اللّه عز و جل: اَلَّذِي خَلَقَكُمْ ثُمَّ رَزَقَكُمْ ثُمَّ يُمِيتُكُمْ ثُمَّ يُحْيِيكُمْ (6). و الحريص بين سبع آفات صعبة، فكره يضر بدنه و لا ينفعه، و همّ لا يتمّ له اقصاه، و تعب لا يستريح منه إلاّ عند الموت، و يكون عند الراحة اشدّ تعبا، و خوف لا يورثه إلاّ الوقوع فيه، و حزن قد كدر عليه عيشه بلا فائدة، و حساب لا يخلصه من عذاب اللّه إلاّ ان يعفو اللّه عنه، و عقاب لا مفرّ منه و لا حيلة، و المتوكّل على اللّه يمسي و يصبح في كنف اللّه، و هو منه في عافية، و قد عجّل اللّه كفايته، و هيّأ له من الدرجات ما اللّه به عليم، و الحرص ما يجري في منافذ غضب اللّه، و ما لم يحرم العبد اليقين لا يكون حريصا، و اليقين أرض الاسلام و سماء الإيمان (7).

ص:377


1- الخصال:1/69 باب حرم الحريص خصلتين و لزمته خصلتان حديث 104.
2- معاني الأخبار:197 باب معنى الغايات حديث 4.
3- معاني الأخبار:244 باب معنى الفقر حديث 1.
4- مستدرك وسائل الشيعة:2/336 باب 64 حديث 10 [1]عن تحف العقول.
5- مستدرك وسائل الشيعة:2/336 باب 64 حديث 12 [3] عن الآمدي في الغرر من كلام أمير المؤمنين عليه السّلام، و في الأصل: الايمان، بدل: الايقان.
6- سورة الروم آية 40.
7- مستدرك وسائل الشيعة:2/335 باب 64 حديث 9 [5]عن مصباح الشريعة. [6] الروم:30.
و منها: حب المال و الشرف:

فقد بكى النّبيّ صلّى اللّه عليه و آله من نزول أشياء بأمّته بعده، منها حبّ المال و الشرف (1). و ورد عنهم عليهم السّلام انّه: ما ذئبان ضاريان في غنم قد غاب عنها رعاؤها احدهما في اولها و الآخر في آخرها بافسد فيها من حب المال و الشرف في دين المسلم (2). و انّ الدينار و الدرهم أهلكا من كان قبل هذه الأمّة، و هما مهلكاها (3). و عن ابن عباس عنه صلّى اللّه عليه و آله: انّ اول درهم و دينار ضربا في الارض نظر اليهما ابليس، فلما عاينهما اخذهما فوضعهما على عينه، ثم ضمهما الى صدره، ثم صرخ صرخة، ثم ضمهما الى صدره، ثم قال: انتما قرة عيني و ثمرة فؤادي، ما ابالي من بني آدم اذا احبّوكما أن لا يعبدوا و ثنا، حسبي من ابن آدم ان يحبّوكما (4).

و منها: الضجر و الكسل:

فقد ورد انهما يمنعان حظّ صاحبهما من الدّنيا و الآخرة (5). و انّ من ضجر لم يصبر على حقّ، و لم يؤد الشكر، و من كسل لم يؤدّ حقّا. و انّ من استولى عليه الضجر رحلت عنه الراحة (6). و انّ للكسل علامات يتوانى حتّى يفرّط، و يفرّط

ص:378


1- مستدرك وسائل الشيعة:2/336 باب 65 حديث 7 [1] عن لبّ اللباب للراوندي.
2- مستدرك وسائل الشيعة:2/336 باب 65 حديث 2 [2]عن كتاب الزهد للحسين بن سعيد.
3- الخصال:1/43 الدينار و الدرهم مهلكان حديث 37.
4- مستدرك وسائل الشيعة:2/336 باب 65 حديث 3.
5- الكافي:5/85 باب كراهية الكسل حديث 2 [5] بسنده عن أبي الحسن موسى عليه السّلام قال: قال أبي عليه السّلام لبعض ولده: إياك و الكسل و الضجر فإنّهما يمنعانك من حظّك من الدنيا و الآخرة.
6- الفقيه:4/256 باب 176 حديث 821 وصايا النبي صلّى اللّه عليه و آله و سلّم لعلي عليه السّلام.

حتّى يضيّع، و يضيّع حتى يأثم و يضجر (1)، انّ الحزم بضاعة، و انّ التواني اضاعة (2)، و انّ التواني في الدنيا اضاعة و في الآخرة حسرة (3).

و منها: الطمع:

فقد ورد انه الفقر الحاضر (4). و انّه يخرج العبد من الإيمان (5). و انّ به يفسد اليقين (6)و الورع (7). و انّ الحرّ عبد ما طمع، و العبد حرّ اذا قنع (8). و انّ خير الامور ما عري عن الطمع، و انّ صلاح النفس بقلة الطمع. و انّ كل طامع أسير. و انّ من لم ينزّه نفسه دناءة المطامع فقد أذلّ نفسه، و هو في الاخرة اذلّ و اخزى (9). و انّ الايمان يحجب بين العبد و بين الطمع في الخلق، و يقول: يا صاحبي خزائن اللّه مملّوة من الكرامات، و هو لا يضيع أجر من أحسن عملا،

ص:379


1- مستدرك وسائل الشيعة:2/336 باب 66 حديث 2 [1]عن الجعفريات.
2- مستدرك وسائل الشيعة:2/337 باب 66 حديث 8 [3] عن غرر الآمدي من كلمات أمير المؤمنين عليه السّلام.
3- المصدر المتقدم.
4- الفقيه:4/294 باب 176 النوادر حديث 890 بسنده قال: أتى رجل رسول اللّه صلّى اللّه عليه و آله و سلّم فقال: علمّني يا رسول اللّه شيئا فقال صلّى اللّه عليه و آله و سلّم: عليك بالياس ممّا في ايدي الناسّ فانّه الغنى الحاضر قال: زدني يا رسول اللّه، قال: إيّاك و الطمع فانّه الفقر الحاضر، قال زدني يا رسول اللّه، قال: إذا هممت بأمر فتدّبر عاقبته فان يك خيرا أو رشدا اتبعّته، و ان يك شرا أو غّيا تركته.
5- أصول الكافي:2/320 باب الطمع حديث 4 [5] بسنده عن سعدان عن أبي عبد اللّه عليه السّلام قال: قلت له: ما الذي يثبت الإيمان في العبد؟ قال: الورع، و الذي يخرجه منه قال: الطمع.
6- مستدرك وسائل الشيعة:2/337 باب 67 حديث 13 [6] عن تفسير أبي الفتوح الرازي.
7- المصدر المتقدم.
8- المصدر السابق.
9- المصدر السابق.

و ما في أيدي الناس فانّه مشوب بالعلل، و يردّه الى القناعة، و التوكّل، و قصر الامل، و لزوم الطاعة، و الياس من الخلق، فان فعل ذلك لزمه، و ان لم يفعل ذلك تركه مع شوم الطمع و فارقه (1). و قال علي بن الحسين عليهما السّلام: رأيت الخير كله قد اجتمع في قطع الطمع عمّا في أيدي الناس (2). و قال أمير المؤمنين عليه السّلام في وصيّته لابن الحنفية: اذا احببت ان تجمع خير الدنيا و الآخرة فاقطع طمعك عمّا في أيدى الناس (3). و قال عليه السّلام في وصيّته لولده المجتبى عليه السّلام: إيّاك ان توجف بك مطايا الطمع [فتوردك مناهل الهلكة]، و ان استطعت ان لا يكون بينك و بين اللّه ذو نعمة فافعل، فانك مدرك سهمك و آخذ قسمك (4). و قال عليه السّلام: الطمع رقّ مؤبّد (5). و قال عليه السّلام: الطامع في وثاق الذلّ (6). و قال رسول اللّه صلّى اللّه عليه و آله: أفقر النّاس الطمّاع (7).

و قال صلّى اللّه عليه و آله: عليك باليأس عمّا في أيدي النّاس فانه الغنى الحاضر، و اياك و الطمع فانه الفقر الحاضر (8)، و قال الصادق عليه السّلام الذي يثبت الايمان في العبد الورع، و الذي يخرجه منه الطمع (9). و قال عليه السّلام:

ان اردت ان تقرّ عينك و تنال خير الدنيا و الآخرة فاقطع الطمع عمّا في أيدي

ص:380


1- مستدرك وسائل الشيعة:2/337 باب 67 حديث 10 [1]عن مصباح الشريعة.
2- أصول الكافي:2/320 باب الطمع حديث 3.
3- الفقيه:4/280 باب 176 حديث 830.
4- نهج البلاغة:3/57 حديث 31 و [4]من وصية له عليه السّلام للحسن بن علي عليهما السّلام.
5- نهج البلاغة:3/194 حديث 180.
6- نهج البلاغة:3/203 حديث 226.
7- مستدرك وسائل الشيعة:2/337 باب 67 حديث 2 [7] عن معاني الأخبار.
8- وسائل الشيعة:11/322 باب 67 حديث 6.
9- الكافي:2/320 باب الطمع حديث 4، و [9]الخصال:1/9 حديث 29.

الناس وعد نفسك في الموتى (1). و قال الكاظم عليه السّلام: إيّاك و الطمع، و عليك باليأس عمّا في أيدي الناس، و امت الطمع من المخلوقين، فانّ الطمع مفتاح للذلّ، و اختلاس العقل، و اختلاف المروات، و تدنيس العرض، و الذهاب بالعلم، و عليك بالاعتصام بربّك و التوكّل عليه (2). و قال رسول اللّه صلّى اللّه عليه و آله: إيّاكم و استشعار الطمع، فانه يشوب القلب شدة الحرص، و يختم على القلوب بطابع حبّ الدنيا، و هو مفتاح كلّ سيئة، و رأس كلّ خطيئة، و سبب احباط كلّ حسنة (3). و قال لقمان لابنه: ان اردت ان تجمع عزّ الدنيا و الآخرة فاقطع طمعك عمّا في أيدي الناس، فإنّما بلغ الانبياء و الصديقون ما بلغوا بقطع طمعهم (4).

و منها: الخرق:

بضم الخاء المعجمة و سكون الراء المهملة ثم القاف، ضدّ الرفق. و قد ورد ان من قسم له الخرق حجب عنه الايمان (5). و انّه لو كان الخرق خلقا يرى ما كان في شىء من خلق اللّه اقبح منه (6). و انه ما كان الرفق في شيء قطّ الاّ زانه، و لا كان الخرق في شيء قط الا شانه (7). و ان الخرق آفة العلم، و شين الخلق، و اقبح شيء و اسوأه. و انّه رأس الجهل و لسانه. و انّ وقار الرجل يزينه، و خرقه يشينه. و انّ من كثر خرقه استرذل. و انّ الخرق مناواة الامراء و معاداة من

ص:381


1- مستدرك وسائل الشيعة:2/337 باب 67 حديث 3 [1] عن الخصال.
2- مستدرك وسائل الشيعة:2/337 باب 67 حديث 5 [2]عن تحف العقول.
3- مستدرك وسائل الشيعة:2/337 باب 67 حديث 12 [4]عن بحار الأنوار.
4- مستدرك وسائل الشيعة:2/337 باب 67 حديث 8 [6] عن القطب الراوندي في قصص الانبياء.
5- أصول الكافي:2/321 باب الخرق حديث 1.
6- أصول الكافي:2/321 باب الخرق حديث 2.
7- مستدرك وسائل الشيعة:2/337 باب 68 حديث 1 [10] عن القاضي العياض في الشهاب.

يقدر على الضراء. و انّ من الخرق العجلة قبل الامكان و الانائة بعد اصابة الفرصة (1).

و منها: سوء الخلق:

فقد ورد انّ الخلق السيىء يفسد العمل كما يفسد الخلّ العسل (2). و انّه لا سؤدد لسيّىء الخلق (3). و انّ سوء الخلق زمام من عذاب اللّه في أنف صاحبه. و الزمام بيد الشيطان يجرّه الى الشرّ، و الشرّ يجرّه الى النار (4). و انّ ادوم الناس غمّا أسوأهم خلقا (5). و انّ سوء الخلق شوم. و انّه نكد العيش، و عذاب النفس، و يرفع الانس. و انّه يوحش القريب، و ينفّر البعيد، و انّ كلّ داء يداوى الاّ سوء الخلق (6). و انّه ما من ذنب الاّ و له توبة، و ما من تائب الاّ و قد تسلم له توبته ما خلا سيّء الخلق لا يكاد يتوب من ذنب الاّ وقع في غيره اشرّ [خ. ل:

اشدّ]منه (7). و انّ سعد بن معاذ على جلالته اصابته في القبر ضمّة، لأنّه كان

ص:382


1- مستدرك وسائل الشيعة:2/337 باب 68 حديث 3 [1] عن الآمدي في الغرر عن أمير المؤمنين عليه السّلام. أقول: ان الطمع بالمال أو الجاه مفتاح كل شر و هو الذّل الحاضر به تفتح الشرور و تغلق خيرات الدنيا و الآخرة و من أراد أن يكون عزيزا عند اللّه و الناس فليقطع طمعه عن الناس و ليتوكل على من بيده أزّمة الأمور و مثله الخرق فانه يكسب عداوة الأقربين و الأبعدين و ينقل عليه أوزارا تجره لا محالة إلى العذاب الأليم أجارنا اللّه تعالى من هاتين الصفتين الرذيلتين و غيرهما.
2- أصول الكافي:2/321 باب سوء خلق حديث 1.
3- مستدرك وسائل الشيعة:2/338 باب 69 حديث 5 [3] عن الخصال.
4- مستدرك وسائل الشيعة:2/338 باب 69 حديث 11 [4]عن جامع الأخبار.
5- مستدرك وسائل الشيعة:2/338 باب 69 حديث 12.
6- مستدرك وسائل الشيعة:2/338 باب 69 حديث 14 [7]عن الآمدي [8]في الغرر.
7- قرب الاسناد:22.

في خلقه مع أهله سوء (1).

ثم لا يخفى عليك انّه ليس من سوء الخلق الحدّة، ضرورة انّ الحدّة الذاتيّة ممدوحة، فقد روى ابن اذينه قال: كنّا عند ابي عبد اللّه الصادق عليه السّلام فذكرنا رجلا من اصحابنا فقلنا فيه حدّة، فقال عليه السّلام: من علامات المؤمن ان تكون فيه حدّة. فقلنا له: انّ عامّة اصحابنا فيهم، فقال عليه السّلام: انّ اللّه في وقت ما ذرأهم أمر أصحاب اليمين-و أنتم هم-ان يدخلوا النّار فدخلوها فأصابهم وهج، فالحدّة من ذلك الوهج (2)، و أمر أصحاب الشمال-و هم مخالفوكم-ان يدخلو النار فلم يفعلوا فمن ثمّ لهم سمت (3)، و لهم وقار (4).

و منها: الافتخار:

فانّه من الصفات المذمومة غاية المذمّة، و قد كان متداولا في الجاهليّة فنهى عنه الشرع الشريف، و قبحه للعاقل المتامّل [فيه]ظاهر، اذ لا معنى للافتخار ممّن اوّله ماء نتن، و آخره جيفة، و هو بينهما معه جراب عذرة. و قد ورد انّ آفة الحسب الافتخار و العجب (5). و انّ من صنع شيئا للمفاخرة حشره اللّه يوم القيامة أسود (6). و انّ اللّه سبحانه قد أذهب عنكم نخوة الجاهلية و التفاخر بآبائها و عشائرها، و انّكم من آدم، و آدم من طين، و انّما خيركم عند اللّه و أكرمكم عليه أتقاكم و أطوعكم له (7). و انّ النّاس من عهد آدم عليه السّلام الى يومنا

ص:383


1- علل الشرايع:1/309 باب 262 [1] العلة التي من أجلها يكون عذاب القبر حديث 4.
2- الوهج: بالواو ثم الهاء ثم الجيم، الحرارة. [منه (قدس سره].
3- جاء في حاشية الحجرية: أي سكنية، انظر مجمع البحرين 2/206.
4- علل الشرايع:1/85 باب 80 حديث 1.
5- أصول الكافي:2/328 باب الفخر و الكبر حديث 2.
6- عقاب الأعمال:304 عقاب من صنع شيئا للمفاخرة حديث 1. و في الأصل: وضع شيئا.
7- مستدرك وسائل الشيعة:2/340 باب 75 حديث 4 [5]عن كتاب الزهد للحسين بن سعيد.

هذا مثل أسنان المشط، لا فضل للعربي على الأعجمي، و لا للأحمر على الأسود الاّ بالتقوى (1). و ان الافتخار من صغر الأقدار (2). و انّه أهلك الناس اثنان:

خوف الفقر، و طلب الفخر (3).

و منها: التعرض للذلّ:

فانّه مذموم، و قد ورد عنهم عليهم السّلام انّ اللّه عزّ و جلّ فوّض الى المؤمن اموره كلّها، و لم يفوّض اليه ان يذلّ نفسه، اما تسمع لقول اللّه عزّ و جلّ وَ لِلّهِ اَلْعِزَّةُ وَ لِرَسُولِهِ وَ لِلْمُؤْمِنِينَ (4). فالمؤمن ينبغي ان يكون عزيزا، و لا يكون ذليلا، يعزّه اللّه بالايمان و الاسلام. و انّ المؤمن اعزّ من الجبل، ان الجبل يستقل منه بالمعاول، و المؤمن لا يستقل من دينه شىء (5). و المراد بالذلّ المذكور هو الذلّ -بالضم-بمعنى ضعف النفس و مهانتها فهو ذليل، و اما الذل-بكسر الذال- بمعنى سهولة النفس و انقيادها و لينها فهي ذلول، فهو من كظم الغيظ الممدوح في المؤمن.

و منها: التعرّض لما لا يطيقه، و الدخول فيما يعتذر منه:

فانّهما مذمومان، و قد وردت اخبار نطقت بكونهما من الذلّ المذموم. و قال باب الحوائج عليه السّلام لهشام: انّ العاقل اللبيب من ترك ما لا طاقة له به (6).

و انّ العاقل لا يحدّث من يخاف تكذيبه، و لا يسأل من يخاف منعه، و لا يعد ما لا يقدر عليه، [و لا يرجوا ما يعنف برجاءه،]و لا يقدم على ما يخاف فوته بالعجز

ص:384


1- مستدرك وسائل الشيعة:2/340 باب 75 حديث 6 [1] عن الاختصاص.
2- مستدرك وسائل الشيعة:2/341 باب 75 حديث 15 [2] عن الآمدي في الغرر عن أمير المؤمنين عليه السّلام.
3- مستدرك وسائل الشيعة:2/341 باب 75 حديث 10.
4- سورة المنافقون آية 8.
5- التهذيب:6/179 باب 80 الأمر بالمعروف و النهي عن المنكر حديث 367 بلفظه.
6- مستدرك وسائل الشيعة:2/365 باب 12 حديث 5 [5]عن تحف العقول.

عنه (1).

و منها: اقامة السنة السيّئة:

و اجراء عادات الشرّ، فإنّهما مذمومتان، و قد ورد انّ من علّم باب ضلال (2)-كما في خبر-و سنّ سنّة ضلال-كما في آخر- (3)و استنّ بسنّة جور- كما في ثالث- (4)فاتّبع كان عليه مثل أوزار من عمل به، و لا ينقص أولئك من أوزارهم شيئا. و انّه لا يتكلم الرجل بكلمة ضلال يؤخذ بها إلاّ كان عليه مثل وزر من أخذ بها، و من استنّ بسنّة باطل كان عليه وزرها و وزر من عمل بها الى يوم القيامة (5). و انّ أظلم الناس من سنّ سنن الجور و محا سنن العدل (6).

و منها: الدخول في امر مضرّته عليه اكثر من منفعته لاخيه المؤمن:

للنواهي الاكيدة عن ذلك و عن الاجابة اليه، فقال الصادق عليه السّلام:

ابذل لاخيك المؤمن ما تكون منفعته له أكثر من ضرره عليك و لا تبذل له ما يكون ضرره عليك اكثر من منفعته لاخيك (7). و قال الباقر عليه السّلام: و ان دعاكم بعض قومكم الى امر ضرره عليكم اكثر من نفعه لهم فلا تجيبوا (8).

ص:385


1- أصول الكافي:1/20 كتاب العقل و الجهل حديث 12 و [1]الحديث طويل راجع آخر الحديث.
2- أصول الكافي:1/35 باب ثواب العالم و المتعلّم حديث 4.
3- ثواب الأعمال:160 ثواب من سنّ سنّة هدى حديث 1.
4- المحاسن:27 [3] ثواب من سّن سنّة عدل حديث 8.
5- ثواب الأعمال:160 ثواب من تكلّم بكلمة حقّ فاخذ بها حديث 1، و الاحتجاج للطبرسي في حديث الزنديق الذي جمع متناقضات القرآن.
6- مستدرك وسائل الشيعة:2/369 باب 15 حديث 13 [4]عن الآمدي [5]في الغرر عن أمير المؤمنين عليه السّلام.
7- مستدرك وسائل الشيعة:2/397 باب 10 حديث 1 [6] عن كتاب الاخلاق لأبي القاسم الكوفي.
8- أمالي الشيخ المفيد رحمه اللّه:300 المجلس الخ [7]امس و الثلاثون حديث 11 بسنده عن-

و منها: الوسوسة في النيّة:

فانّها من الصفات المذمومة، و قد روى عبد اللّه بن سنان انّه ذكر لابي عبد اللّه عليه السّلام رجلا مبتلى بالوضوء و الصّلاة و قال: هو رجل عاقل، فقال عليه السّلام: و ايّ عقل له و هو يطيع الشيطان؟ ! قال: فقلت: و كيف يطيع الشيطان؟ فقال: سله هذا الذي يأتيه من أيّ شيء هو؟ فإنّه يقول لك: من عمل الشيطان (1). و قد ورد في علاج الوسواس و دفعه اخبار، فشكا رجل الى رسول اللّه صلّى اللّه عليه و آله كثرة الوسوسة، فقال صلّى اللّه عليه و آله: ذلك شيطان يقال له: خنزب-بالخاء المعجمة المفتوحة و تكسر، و النون الساكنة، و الزاي المفتوحة-فاذا احسست ذلك فتعوّذ باللّه، و اتفل عن يسارك ثلاثا قال:

ففعلت ذلك فأذهب اللّه عنّي خنزب (2). و شكا اليه صلّى اللّه عليه و آله آخر ما يلقى من الوسوسة حتّى لا يعقل ما صلّى من زيادة أو نقصان، فقال صلّى اللّه عليه و آله: اذا قمت الى الصلاة فاطعن باصبعك اليمنى المسبحة فخذك اليسرى، ثم قل: «بسم اللّه و باللّه، توكّلت على اللّه، أعوذ بالسميع العليم من الشيطان الرجيم» فانك تنحّيه و تطرده عنك (3). و قال أمير المؤمنين عليه السّلام -في وصيّته لكميل-: اذا وسوس الشيطان في صدرك فقل: «أعوذ باللّه القويّ من الشيطان الغويّ و أعوذ بمحمد صلّى اللّه عليه و آله الرضيّ من شر ما قدّر و قضى، و أعوذ بإله الناس من شر الجنة و الناس أجمعين» و سلم، تكفىء مؤنة ابليس

ص:386


1- أصول الكافي:1/12 كتاب العقل و الجهل حديث [1] 10.
2- مستدرك وسائل الشيعة:1/484 باب 27 حديث 3 [2].
3- الجعفريات:37 كتاب الصلاة. باختلاف يسير.

و الشياطين معه، و لو أنّهم كلّهم ابالسة مثله (1). و ورد قول «لا اله الا اللّه» لمن ابتلي بالوسواس (2)، كما ورد قول: «هو الأوّل و الآخر و الظاهر و الباطن و هو بكل شيء عليم» (3).

و منها: استقلال شيء من العبادة و العمل استقلالا مؤدّيا الى الترك:

فانّه مذموم، بل افتى بعض بحرمته، لقول الصّادق عليه السّلام: لا تستقلّ ما يتقرّب به الى اللّه عزّ و جلّ و لو بشق تمرة (4). و قوله عليه السّلام: اذا عرفت فاعمل ما شئت من قليل الخير و كثيره فانّه يقبل منك (5). و قوله عليه السّلام: ايّاكم و الكسل، انّ ربّكم رحيم يشكر القليل، انّ الرجل يصلّى الركعتين تطوّعا يريد بهما وجه اللّه فيدخله اللّه بهما الجنّة، و انّه ليتصدّق بالدرهم تطوّعا يريد به وجه اللّه فيدخله اللّه به الجنّة، و انّه ليصوم يوما تطوّعا يريد به وجه اللّه فيدخله اللّه به الجنّة (6). و قول أمير المؤمنين عليه السّلام: انّ اللّه أخفى اربعة في أربعة، اخفى رضاه في طاعته، فلا تستصغرنّ شيئا من طاعته، فربّما وافق رضاه و انت لا تعلم، و أخفى سخطه في معصيته، فلا تستصغرنّ شيئا من معصيته، فربّما وافق سخطه معصيته و أنت لا تعلم، و أخفى إجابته في دعوته، فلا تستصغرنّ شيئا من دعائه، فربّما وافق إجابته و أنت لا تعلم، و أخفى وليّه في عباده، فلا تستصغرنّ عبدا من عبيد اللّه، فربّما يكون وليّه و أنت لا تعلم (7).

ص:387


1- مستدرك وسائل الشيعة:1/484 باب 27 حديث 4.
2- مستدرك وسائل الشيعة:1/484 باب 27 حديث 5 [2] عن المقنع.
3- مستدرك وسائل الشيعة:1/484 باب 27 حديث 3.
4- وسائل الشيعة:1/87 باب 28 حديث 1.
5- وسائل الشيعة:1/87 باب 28 حديث 2.
6- التهذيب:2/238 باب 12 فضل الصلاة و المفروض منها و المسنون حديث 941.
7- الخصال:1/209 ان اللّه تعالى أخفى أربعة في أربعة حديث 31.

و منها: نيّة الشر:

فانّها مذمومة، و قد ورد انّه ما من عبد أسرّ شرّا فتذهب الايام حتّى يظهر اللّه له شرّه (1)، و انّ من اسرّ ما يسخط اللّه أظهر اللّه له ما يخزيه (2). و انّ العبد إذا همّ بالسّيئة خرج نفسه منتن الريح، فيقول صاحب الشمال لصاحب اليمين:

قف، فإنّه قد همّ بالسيئة، فإذا هو فعلها كان لسانه قلمه، و ريقه مداده فاثبتها [عليه] (3).

القسم الثاني: فيما هو محرّم من الافعال و الصفات

اشارة

و انما خرجنا في هذا المقام عن وضع الكتاب-و هو القصر على الاداب دون الواجبات و المحرّمات-نظرا الى أهميّة معرفتها، و عدم تعرّضهم غالبا في المتون و الرسائل العمليّة لبيان مفسادها و مضارّها، و نحن نقتصر على بيان تلك المفاسد، و نحيل الفروع الى مناهج المتقين.

فمن تلك المحرمات: ابداع البدعة (4):

فانّه من اشدّ المحرّمات، و قد ورد ان كلّ بدعة ضلالة، و كلّ ضلالة سبيلها الى النّار (5). و انّ ادنى الشرك و النصب ان يبتدع الرجل رأيا فيحبّ عليه و يبغض عليه (6). و انّ من مشى الى صاحب بدعة فوقّره فقد سعى في هدم

ص:388


1- مستدرك وسائل الشيعة:1/9 باب 7 حديث 1 [1] عن فقه الرضا عليه السّلام.
2- مستدرك وسائل الشيعة:1/9 باب 7 حديث 4 [2] عن أمالي الشيخ الطوسي.
3- أصول الكافي:2/429 باب من يهمّ بالحسنة أو السيئة حديث 3.
4- جاء على الحجرية قول المصنّف طاب ثراه: روعي هنا ترتيب حروف الهجاء.
5- عقاب الأعمال:307 عقاب من ابتدع دينا حديث 2.
6- عقاب الأعمال:307 عقاب من ابتدع دينا حديث 4.

الاسلام (1). و ان من تبسّم في وجه مبتدع فقد اعان على هدم الاسلام (2). و ان من ضحك في وجه عدوّ لأهل البيت عليهم السّلام من النواصب و المعتزلة و الخوارج و القدرية و مخالف مذهب الامامية و من سواهم لا يقبل اللّه منه طاعة أربعين سنة (3). نعم يستثنى من ذلك ما اذا كان ذلك للتقيّة، فانه جائز، بل واجب بقدر رفع الضرورة، و زوال التقيّة (4). و عن النّبي صلّى اللّه عليه و آله أنّه قال: اذا رأيتم أهل [الرّيب و]البدع من بعدي فاظهروا البراءة منهم، و أكثروا من سبّهم و القول فيهم و الوقيعة، و باهتوهم كيلا يطمعوا في الفساد في الاسلام و يحذرهم الناس، و لا يتعلّمون من بدعهم، يكتب اللّه لكم بذلك الحسنات، و يرفع لكم به الدرجات في الآخرة (5). و عن الرضا عليه السّلام: انّ من ذكر عنده الصوفيّة و لم ينكرهم بلسانه و قلبه فليس منّا، و من أنكرهم فكأنّما جاهد الكفّار بين يدي رسول اللّه صلّى اللّه عليه و آله (6).

و منها: اتباع هوى النفس الامارة بالسوء:

فانّه رأس الذنوب و رئيسها، و مفتاح الخطايا و قائدها، و مصباح الشرور

ص:389


1- عقاب الأعمال:307 عقاب من ابتدع دينا حديث 6.
2- مستدرك وسائل الشيعة:2/389 باب 37 حديث 12.
3- مستدرك وسائل الشيعة:2/389 باب 37 حديث 13.
4- أقول: قد قيل بان التقية من مختصّات الطائفة الاماميّة رفع اللّه تعالى شأنهم و أهلك عدوهم مع وضوح فساد هذا القول و ذلك ان موارد تشريع التقية هي الخوف على النفس أو العرض أو المال الجليل و التقيّة في هذه الموارد مجبول عليها البشر حتى ممن لا يدين بدين و الواقع ان التقية عند الشيعة هي على الفطرة التي فطر اللّه عباده عليها و المنكرون لها يعملون بها رغم إنكارهم لها و لا محيص لهم عنها و من شاء صدق ما قلناه فليتأمل حياة المنكرين للتقية فهل عند تعرض دمائهم للخطر يتقون ام لا فتدبّر.
5- أصول الكافي:2/375 باب المجالسة لأهل المعاص حديث 4.
6- مستدرك وسائل الشيعة:2/389 باب 37 حديث 14.

و شبكتها، و لذا جعله أمير المؤمنين عليه السّلام أحد شيئين هما أخوف ما يخافه علينا، معلّلا بانّه يصدّ عن الحقّ (1). و قال عليه السّلام: احذروا أهواءكم كما تحذرون اعداءكم، فليس شيء اعدى للرجال من اتّباع أهوائهم، و حصائد ألسنتهم (2).

و منها: الاحتكار:

و هو جمع الطعام و حبسه تربصا به الغلاء أو زيادة الثمن، و هو محرّم بشروطه التي ذكرناها في مناهج المتقين، و قد ورد انّ المحتكر ملعون (3). و عن النبي صلّى اللّه عليه و آله عن جبرئيل عليه السّلام قال: اطلعت في النار فرأيت وادي في جهنّم يغلي فقلت: يا مالك لمن هذا؟ فقال: لثلاثة: المحتكرين، و المدمنين الخمر، و القوّادين (4).

و منها: احصاء عثرات المؤمن و عوراته:

لاجل تعييره بها، لما ورد من انّه أبعد ما يكون العبد من اللّه، و أقرب ما يكون من الكفر، ان يواخي الرجل الرجل على الدين فيحصي عليه عثراته و زلاّته ليعيّره بها يوما (5).

ص:390


1- أصول الكافي:2/335 باب اتباع الهوى حديث 3.
2- أصول الكافي:2/335 باب اتباع الهوى حديث 1.
3- الكافي:5/165 باب الحكرة حديث 6 [3] بسنده قال رسول اللّه صلّى اللّه عليه و آله و سلّم: الجالب مرزوق و المحتكر ملعون. أقول تقدمت منّا الاشارة إلى الاحتكار المحرّم و انه ليس إلاّ في الحنطة و الشعير و التمر و الزبيب و السمن و قيل في الملح أيضا و أشرنا إلى الشرائط و منها ان لا يكون طعام سواه و الناس في حاجة إليه و بعد رعاية جميع ما قيل في المقام يكون المقصود من الحديث ان المحتكر للأشياء الخمسة مع ضرورة الناس إليها و عدم باذل لبيعها يكون المحتكر ملعونا لأنه يكون مفّرطا بحياة المسلمين هذا و اللّه العالم.
4- وسائل الشيعة:12/314 باب 27 حديث 11 [4]عن تنبيه الخواطر.
5- أصول الكافي:2/355 باب من طلب عثرات المؤمنين و عوراتهم حديث 3 و 7.
و منها: إخافة المؤمن:

و لو بالنظر، لما ورد عن رسول اللّه صلّى اللّه عليه و آله من انّ من نظر الى مؤمن نظرة ليخيفه بها أخافه اللّه عزّ و جلّ يوم لا ظل الاّ ظلّه (1). و عن الصادق عليه السّلام من انّ: من روّع مؤمنا بسلطان ليصيبه منه مكروه فلم يصبه فهو في النّار، و من روّع مؤمنا بسلطان ليصيبه منه مكروه فأصابه فهو مع فرعون و آل فرعون [في النار] (2).

و مقتضى القاعدة كونها من الكبائر للتوعيد عليها بالنّار، و لكنّهم لم يعدّوها منها.

و منها: اختتال الدّنيا بالدين:

فانّه قد عدّ من المحرّمات، لما ورد عن رسول اللّه صلّى اللّه عليه و آله من:

انّ اللّه عزّ و جلّ يقول: ويل للذّين يختلون الدّنيا بالدّين (3). و انّ من عرضت له دنيا و آخرة فاختار الدّنيا و ترك الآخرة لقى اللّه [تعالى]و ليست له حسنة يتّقي بها النّار، و من أخذ الآخرة و ترك الدنيا لقى اللّه يوم القيامة و هو راض عنه (4).

و منها: إذاعة سرّ المؤمن:

لما ورد من حرمة المؤمن على المؤمن. و تفسيرها باذاعة سرّه (5). و انّ من

ص:391


1- أصول الكافي:2/368 باب من أخاف مؤمنا حديث 1.
2- أصول الكافي:2/368 باب من أخاف مؤمنا حديث 2.
3- أصول الكافي:2/299 باب اختتال الدنيا بالدين حديث 1. [3] المخاتلة هي المخادعة.
4- عقاب الأعمال:334 باب يجمع عقوبات الاعمال و هي آخر خطبة خطبها النبي صلّى اللّه عليه و آله و سلّم. باختلاف يسير.
5- أصول الكافي:2/358 [4] باب الرواية على المؤمن حديث 2 بسنده عن عبد اللّه بن سنان قال: قلت له: عورة المؤمن [5]على المؤمن [6]حرام؟ قال: نعم، قلت: يعني سفليه، قال: ليس حيث تذهب انما هو اذاعة سرّه.

روى على مؤمن رواية يريد بها شينه، و هدم مروّته، ليسقط من أعين الناس، أخرجه اللّه تعالى من ولايته الى ولاية الشيطان، فلا يقبله الشيطان (1). و انّ من أذاع الفاحشة كان كمبتديها (2). و لذا ورد الأمر بتكذيب من يذيع سرّ المؤمن (3).

و منها: إذاعة الحق مع الخوف به:

لما ورد عن الصادق عليه السّلام من انّ: من استفتح نهاره بإذاعة سرّنا سلّط اللّه عليه حرّ الحديد و ضيق المحابس (4). و قال عليه السّلام: انّ اللّه عزّ و جلّ عيّر قوما بالإذاعة في قوله عزّ و جلّ وَ إِذا جاءَهُمْ أَمْرٌ مِنَ اَلْأَمْنِ أَوِ اَلْخَوْفِ أَذاعُوا بِهِ (5)فايّاكم و الإذاعة (6). و قال عليه السّلام في قول اللّه عزّ و جلّ وَ يَقْتُلُونَ اَلْأَنْبِياءَ بِغَيْرِ حَقٍّ (7)اما و اللّه ما قتلوهم بأسيافهم، و لكن

ص:392


1- أصول الكافي:2/358 [1] باب الرواية على المؤمن حديث 1. في الأصل: فلا يقيله.
2- المحاسن:103 باب 42 [2] عقاب من اذاع فاحشة و عيّر مسلما بذنب حديث 82 بسنده عن منصور بن حازم قال: قال ابو عبد اللّه عليه السّلام: قال رسول اللّه صلّى اللّه عليه و آله و سلم من اذاع فاحشة كان كمبتديها و من عيّر مسلما بذنب لم يمت حتى يركبه.
3- روضة الكافي:8/147 حديث محاسبة النفس حديث 125 [3] بسنده عن محمد بن الفضيل، عن أبي الحسن الأول عليه السّلام قال: قلت له: جعلت فداك الرّجل من اخواني يبلغني عنه الشيء الذي اكرهه، فاسأله عن ذلك فينكر ذلك، و قد اخبرني عنه قوم ثقات، فقال لي: يا محمد كذّب سمعك و بصرك عن أخيك فإن شهد عندك خمسون قسامة و قال لك قولا فصّدقه و كذّبهم، لا تذيعن عليه شيئا تشينه به و تهدم به مروءته فتكون من الذين قال اللّه في كتابه «انّ الذين يحبون ان تشيع الفاحشة في الذين امنوا لهم عذاب أليم» .
4- أصول الكافي:2/372 باب الاذاعة حديث 12.
5- سورة النساء آية 83.
6- أصول الكافي:2/371 باب الاذاعة حديث 8.
7- سورة آل عمران آية 112.

أذاعوا عليهم، و أفشوا سرّهم، فقتلوا (1). و قال عليه السّلام: ان من أمرنا مستور مقنع بالميثاق، فمن هتك علينا أذلّه اللّه (2). و قال عليه السّلام: مذيع السرّ شاك، و قائله عند غير أهله كافر (3). و قال عليه السّلام: من أذاع علينا حديثنا فهو بمنزلة من جحدنا حقّنا (4). و قال عليه السّلام: من أذاع علينا حديثنا سلبه اللّه الإيمان (5). و ورد انّ المذيع لما أراد اللّه ستره مارق من الدين (6).

و انّ المذيع علينا أمرنا أشدّ علينا مؤنة من عدوّنا (7). و قال عليه السّلام: إنّكم على دين من كتمه اعزّه اللّه، و من أذاعه أذلّه اللّه (8). و قال عليه السّلام:

امّا ما حدثت به اصحابك فلا بأس، إنّما الإذاعة أن تحدّث به غير أصحابك (9).

و قال عليه السّلام لمعلّى بن خنيس: انّه من كتم الصعب من حديثنا جلعه اللّه نورا بين عينيه و رفعه، و رزقه اللّه العزّة في النّاس، و من اذاع الصعب من

ص:393


1- أصول الكافي:2/371 باب الاذاعة حديث 7.
2- أصول الكافي:2/226 باب الكتمان حديث 15.
3- أصول الكافي:2/371 باب الاذاعة حديث 10 و [3]تمام الحديث و من تمسّك بالعروة الوثقى فهو ناج، قلت: ما هو؟ قال: التسليم.
4- أصول الكافي:2/370 باب الإذاعة حديث 2.
5- أصول الكافي:2/370 باب الإذاعة حديث 3.
6- أصول الكافي:2/372 باب الإذاعة حديث 11.
7- المحاسن:255 باب 31 [7] التقية حديث 287 بسنده عن داود الرّقي و مفضل و فضيل قال: كنّا جماعة عند أبي عبد اللّه عليه السّلام في منزله يحدثنا في أشياء فلمّا انصرفنا وقف على باب منزله قبل ان يدخل ثم أقبل علينا فقال: رحمكم اللّه لا تذيعوا أمرنا، و لا تحدثوا به إلاّ أهله، فانّ المذيع علينا سرّنا أشد علينا مؤونة من عدونا، انصرفوا رحمكم اللّه و لا تذيعوا سرّنا.
8- المحاسن:257 باب 31 [8] التقية حديث 295.
9- المحاسن:258 باب 31 [9] التقية حديث 306.

حديثنا لم يمت حتّى يعضّه السلاح أو يموت متحيرا (1). و قال عليه السّلام: ما الشاتم لنا عرضا، و الناصب لنا حربا، بأشدّ مؤونة من المذيع علينا حديثنا عند من لا يحتمله (2)، فمن أذاع سرّنا الى غير أهله لم يفارق الدنيا حتّى يعضّه السلاح او يموت بخبل (3). و انّ من أذاع حديثنا فانّه قتلنا قتل عمد لا قتل خطأ (4).

و منها: إذلال المؤمن و احتقاره:

لما ورد من قول اللّه عزّ و جلّ: ليأذن بحرب منّي من أذلّ عبدي المؤمن، و ليأمن من غضبي من أكرم عبدي المؤمن (5). و انّ من أذلّ لي وليّا فقد أرصدني بالمحاربة، و من حاربني حاربته-بعد تفسير ولّي اللّه بمن أخذ اللّه ميثاقه لرسول اللّه صلّى اللّه عليه و آله و لأمير المؤمنين عليه السّلام و لذّريتهما عليهم السّلام بالولاية (6)-. و ورد انّ من استّذل مؤمنا و احتقره لقلّة ذات يده و لفقره، شهّره اللّه يوم القيامة على رؤوس الخلائق (7). و انّ من حقّر مؤمنا مسكينا أو غير مسكين لم يزل اللّه عزّ و جلّ حاقرا له، ماقتا، حتى يرجع من محقرته إيّاه (8). و انّ من بغى على فقير، أو تطاول عليه، أو استحقره حشره اللّه

ص:394


1- مستدرك وسائل الشيعة:2/382 باب 32 حديث 15.
2- مستدرك وسائل الشيعة:2/385 باب 32 حديث 43.
3- مستدرك وسائل الشيعة:2/384 باب 32 حديث 30.
4- أصول الكافي:2/370 باب الإذاعة حديث 4.
5- المحاسن:97 باب 25 [5] عقاب من حقّر مؤمنا و أذلّه حديث 61.
6- أصول الكافي:2/353 باب من آذى المسلمين و احتقرهم حديث 10.
7- أصول الكافي:2/353 باب من آذى المسلمين و احتقرهم حديث 9.
8- أصول الكافي:2/351 باب من آذى المسلمين و احتقرهم حديث 4.

يوم القيامة مثل الذرّة في صورة رجل حتّى يدخل النّار (1).

و منها: اساءة الخلق المؤدّية إلى ترك التوبة:

لما ورد من انّه أبى اللّه لصاحب الخلق السّىء بالتوبة، لأنّه اذا تاب من ذنب وقع في ذنب أعظم منه (2). و ان سوء الخلق ليفسد الإيمان و العمل كما يفسد الخلّ العسل (3). و ان لكلّ ذنب توبة إلاّ سوء الخلق، فإنّ صاحبه كلما خرج من ذنب دخل في ذنب اشّر منه (4). و ان سوء الخلق في النار لا محالة (5). . إلى غير ذلك ممّا تقدّم في القسم الأول بعد الحمل على سوء الخلق الموقع في الذنب أو المؤدّي إلى ترك التوبة.

و منها: استحلال بيت اللّه الحرام:

عدّه النبي صلّى اللّه عليه و آله و سلّم من الكبائر، و ورد في فضائل البيت ما لا يسعه هذا المختصر، و كفاك منها ما رواه أبو حمزة الثمالي قال: قلت لأبي جعفر عليه السّلام في المسجد الحرام: لأيّ شيء سمّاه اللّه العتيق؟ فقال عليه السّلام: ليس من بيت وضعه اللّه على وجه الأرض إلاّ له ربّ و سكّان يسكنونه إلاّ هذا البيت، و هو لا ربّ له إلاّ اللّه عزّ و جلّ، و هو الحرم (6). و روي انّه كانت مكّة في الجاهلية لا يظلم و لا يبغى فيها، و لا يستحلّ حرمتها ملك إلاّ هلك مكانه، و كانت تسمّى: بكة لأنّها تبّك أعناق الباغين اذا بغوا فيها، و تسمّى بساسة، كانوا إذا ظلموا فيها بستهم و اهلكتهم، و تسمّى: أم رحم، كانوا إذا

ص:395


1- عقاب الأعمال:335 باب يجمع عقوبات الأعمال.
2- أصول الكافي:2/321 باب سوء الخلق حديث 2.
3- أصول الكافي:2/321 باب سوء الخلق حديث 1.
4- قرب الاسناد:22 [3] باختلاف في الألفاظ.
5- عيون أخبار الرضا عليه السّلام:199.
6- الكافي:4/189 باب أول ما خلق اللّه من الأرضين موضع البيت حديث 5.

لزموها رحموا، فلما بغت جرهم و استحلّوا فيها بعث اللّه عليهم الرعاف و النمل و أفناهم (1).

و منها: استخفاف الحج و تسويفه:

عدّه الصادق عليه السّلام و الرضا عليه السّلام من الكبائر (2)، و ورد ان من سّوف الحّج حّتى يموت بعثه اللّه يوم القيامة يهوديّا أو نصرانيّا (3). و انّ من مات و لم يحجّ حجّة الاسلام و لم يمنعه من ذلك حاجة تجحف به، أو مرض لا يطيق فيه الحج، أو سلطان يمنعه فليمت يهوديّا أو نصرانيّا (4).

و منها: الاستخفاف بالصّلاة، و التهاون بها:

لقول النبي صلّى اللّه عليه و آله و سلّم عند وفاته: ليس منّي من استّخف بصلاته، لا يرد عليّ الحوض، لا و اللّه (5). و قول أبي الحسن الأوّل عليه السّلام:

لا ينال شفاعتنا من استخفّ بالصلاة (6). و ورد النهي عن التهاون بالصلاة (7).

ص:396


1- الكافي:4/211 باب حج إبراهيم و إسماعيل و بنائهما البيت حديث 18 و [1]الحديث طويل.
2- عيون أخبار الرضا عليه السّلام:269 باب 34 كتاب الرضا عليه السّلام للمأمون.
3- الفقيه:4/266 باب 176 النوادر حديث 822.
4- المحاسن:88 باب 13 [2] عقاب من ترك الحج حديث 31.
5- المحاسن:79 باب 3 [4] من تهاون بالصلاة حديث 5 رواية أبي بصير.
6- المحاسن:80 باب 3 [5] عقاب من تهاون بالصلاة حديث 6 بسنده عن أبي بصير قال: دخلت على امّ حميدة اعزّيها بأبي عبد اللّه عليه السّلام فبكت و بكيت لبكائها، ثم قالت: يا أبا محمد لو رأيت أبا عبد اللّه عليه السّلام عند الموت لرأيت عجبا: فتح عينيه ثم قال: اجمعوا لي كلّ من كان بيني و بينه قرابة، قالت فما تركنا أحدا إلاّ جمعناه، قالت فنظر إليهم ثم قال: انّ شفاعتنا لا تنال مستخفّا بالصلاة.
7- المحاسن:80 باب عقاب من تهاون بالصلاة حديث 8 [6] بسنده عن أبي جعفر عليه السّلام قال: قال رسول اللّه صلّى اللّه عليه و آله و سلّم ما بين المسلم و بين ان يكفر إلاّ ترك صلوة فريضة متعمّدا أو يتهاون بها فلا يصلّيها. -
و منها: الاستخفاف بالمؤمن:

لما ورد من انّ من استخفّ مؤمنا استخفّ بأهل البيت، و ضيّع حرمة اللّه عزّ و جلّ (1). و انّ من استخفّ بفقير [مسلم]فقد استخفّ بحقّ اللّه، و اللّه يستخفّ به يوم القيامة، إلاّ أن يتوب (2).

و منها: الاستكبار عن العبادة و الدعاء:

و هو من الكبائر، لقوله سبحانه: إِنَّ اَلَّذِينَ يَسْتَكْبِرُونَ عَنْ عِبادَتِي سَيَدْخُلُونَ جَهَنَّمَ داخِرِينَ. و استفاض انّ الدعاء أفضل العبادة، بل استفاض تفسير العبادة في الآية بالدعاء (3).

و منها: الاستهزاء بالمؤمن:

فانّه من الكبائر، للتوعيد فيه بالعذاب، بقوله عزّ و جلّ اَلَّذِينَ

ص:397


1- وسائل الشيعة:8/592 باب 148 حديث 1 بسنده عن أبي هارون، عن أبي عبد اللّه عليه السّلام قال: قال لنفر عنده و أنا حاضر: ما لكم تستخفون بنا؟ قال: فقام إليه رجل من خراسان فقال معاذ لوجه اللّه ان نستخف بك أو بشيء من أمرك، فقال: بلى إنك أحد من استخفّ بي، فقال: معاذ لوجه اللّه ان استخف بك، فقال له: ويحك ألم تسمع فلانا و نحن بقرب الجحفة و هو يقول لك: احملني قدر ميل فقد و اللّه عييت، و اللّه ما رفعت به رأسا لقد استخففت به، و من استخف بمؤمن فبنا استخفّ، و ضيّع حرمة اللّه عزّ و جلّ.
2- الفقيه:4/7 با [1]ب ذكر جمل من مناه [2]ي النبي صلّى اللّه عليه و آله و سلّم حديث 1.
3- تفسير الصافي سورة غافر آية 60.

يَلْمِزُونَ اَلْمُطَّوِّعِينَ مِنَ اَلْمُؤْمِنِينَ فِي اَلصَّدَقاتِ وَ اَلَّذِينَ لا يَجِدُونَ إِلاّ جُهْدَهُمْ فَيَسْخَرُونَ مِنْهُمْ سَخِرَ اَللّهُ مِنْهُمْ وَ لَهُمْ عَذابٌ أَلِيمٌ* اِسْتَغْفِرْ لَهُمْ أَوْ لا تَسْتَغْفِرْ لَهُمْ إِنْ تَسْتَغْفِرْ لَهُمْ سَبْعِينَ مَرَّةً فَلَنْ يَغْفِرَ اَللّهُ لَهُمْ الآية (1).

و منها: اسخاط الخالق في مرضاة المخلوق:

حتّى الوالدين، فإنّه من الصفات المحرّمة الرذيلة، و ايّ رذالة أعظم من ترك رضا اللّه المنعم بأنواع النعم، و اختيار رضا المخلوقين وَ إِنْ يَسْلُبْهُمُ اَلذُّبابُ شَيْئاً لا يَسْتَنْقِذُوهُ مِنْهُ (2)؟ ! و قد ورد عنهم عليهم السّلام انّه: ما أعظم وزر من طلب رضا المخلوقين بسخط الخالق (3). و انّ من طلب مرضاة الناس بما يسخط اللّه كان حامده من الناس ذامّا، و من آثر طاعة اللّه عزّ و جلّ بغضب الناس ردّ اللّه ذامّه من الناس حامدا، و كفاه اللّه عداوة كل عدوّ، و حسد كلّ حاسد، و بغي كلّ باغ، و كان اللّه عزّ و جلّ له ناصرا و ظهيرا (4). و انّه لا دين لمن دان بطاعة المخلوق و معصية الخالق (5). و انّ من أرضى سلطانا جائرا بسخط اللّه خرج عن [من]دين اللّه (6). و انّ من اتّقى اللّه يتقى، و من اطاع اللّه يطاع، و من أرضى الخالق لم يبال بسخط المخلوقين، و من أسخط الخالق فقمن ان يسلطّ اللّه عليه سخط المخلوقين (7). و انّ من اشترى مرضاة المخلوق بسخط الخالق فليتبّوأ

ص:398


1- سورة التوبة آية 79 و 80.
2- سورة الحج آية 73.
3- مستدرك وسائل الشيعة:2/364 باب 10 حديث 10 [3] عن الآمدي في الغرر عن أمير المؤمنين عليه السّلام.
4- أصول الكافي:2/372 باب من أطاع المخلوق في معصية الخالق حديث 2.
5- عيون أخبار الرضا عليه السّلام:208 باب 30.
6- عيون أخبار الرضا عليه السّلام:227 باب 30.
7- وسائل الشيعة:11/423 باب 11 حديث 11 [7]عن كتاب التوحيد.

مقعده من النار (1). و انّ من طلب رضى اللّه بسخط الناس كفاه اللّه أمور الناس، و من طلب رضا الناس بسخط اللّه وكله اللّه إلى النّاس (2).

و منها: الاستماع إلى حديث اثنين يكرهان استماع الغير لحديثهما:

لما ورد من انّ المستمع إلى حديث قوم و هم له كارهون يعذّب يوم القيامة و يصّب في أذنه الأنك و هو الاسرب (3).

و منها: استماع صوت الاجنبيّة:

اذا كان بريبة، فإنّه محرم مبصرا كان المستمع أو أعمى (4)، دون مجرّد السماع من غير ريبة، و في حرمة الاستماع من غير ريبة قولان، أشبههما العدم، و ان كان الاحتياط فيما عدا مورد الضرورة من استماعه صوتها لا ينبغي تركه (5)، و ربّما قيل بالكراهة.

و قال العلامة ره (6): ينبغي ان تجيب المخاطب لها أو قارع الباب بصوت

ص:399


1- مستدرك وسائل الشيعة:2/364 باب 10 حديث 5.
2- الاختصاص:225 و قال الصادق: حدثني أبي، عن أبيه عليهم السّلام قال: إنّ رجلا من أهل الكوفة كتب إلى أبي الحسين بن علي عليهما السّلام يا سيّدي أخبرني بخير الدنيا و الآخرة، [2]فكتب صلوات اللّه عليه بسم اللّه الرحمن الرحيم امّا بعد فانّ من طلب رضا اللّه بسخط الناس كفاه اللّه. . . .
3- مناهج المتقين:349.
4- لا ريب في الحكم لأن كل ما كان بريبة إلى أجنبيّ أو أجنبيّة من النظر أو السماع أو اللمس أو غير ذلك فهو محرّم بالاتفاق في كثير من الموارد و ليس ذلك للنظر أو السماع و نظائره بل لمكان الريبه فتدبّر.
5- هذا الاحتياط تورّع محض و القول بالكراهة لأحتمال ان ينجرّ سماع صوتها إلى الريبة.
6- في تذكرة الفقهاء كتاب النكاح في المقدمة الثانية، [3] في النظر في القسم الثاني، ان يكون هناك حاجة إلى النظر، في المسألة الخامسة فراجع.

غليظ و لا ترخّم صوتها (1).

و منها: الاستمناء:

فإنّه محرّم، لما ورد من تعزيره بضرب يده حتى تحمر (2)، و لا يعقل التعزير من دون كونه حراما. و ورد انّ الاستمناء من الفواحش (3). بل جعل عليه السّلام المستمني أحد الثلاثة الذين لا يكلّمهم اللّه يوم القيامة، و لا ينظر إليهم، و لا يزكّيهم و لهم عذاب أليم (4). و لازمه كونه من الكبائر. و روى محمد بن عيسى قال: سئل الصادق عليه السّلام عن الخضخضة، فقال: اثم عظيم، قد نهى اللّه عنه في كتابه، و فاعله كناكح نفسه، و لو علمت من يفعل (5)ما أكلت معه، فقال السائل: فبيّن لي يا بن رسول اللّه صلّى اللّه عليه و آله و سلّم من كتاب اللّه فيه؟ فقال عليه السّلام: قول اللّه عزّ و جلّ: فَمَنِ اِبْتَغى وَراءَ ذلِكَ فَأُولئِكَ هُمُ اَلعادُونَ (6)و هو ممّا وراء ذلك، فقال الرجل: أيّما أعظم الزنا أو هي؟ فقال:

هو ذنب عظيم، ثم قال للقائل (7)بعض الذنب أهون من بعض، و الذنوب كلّها عظيمة عند اللّه، لأنّها معاصي. و ان اللّه لا يحبّ من العباد العصيان. و قد نهانا اللّه عن ذلك، لأنّها من عمل الشيطان. و قد قال تعالى إِنَّ اَلشَّيْطانَ لَكُمْ

ص:400


1- و ذلك لمحض التورّع و التنزّه عن الوقوع في الحرام و اذا كان بريبة و تلذذ حرم الاستماع.
2- وسائل الشيعة:3/45 باب 28 حديث 3 [1] بسنده عن أبي عبد اللّه عليه السّلام قال: اتى برجل عبث بذكره، فضرب يده حتى احمرّت، ثم زوجه من بيت المال. و هذا من موارد التعزير الذي فوض الى الحاكم الشرعي في تعيين ما يراه من الضرب للتأديب بشرط ان لا يبلغ الحدّ.
3- وسائل الشيعة:3/45 باب 28 حديث 5. الطبعة الحجرية.
4- وسائل الشيعة:3/45 باب 28 حديث 7. الطبعة الحجرية.
5- في الطبعة الحجرية: بما يفعله بدلا من: من يفعل.
6- سورة المؤمنون آية 7.
7- في الحجرية: قد قال القائل. .

عَدُوٌّ فَاتَّخِذُوهُ عَدُوًّا إِنَّما يَدْعُوا حِزْبَهُ لِيَكُونُوا مِنْ أَصْحابِ اَلسَّعِيرِ (1) (2).

و منها: الإسراف:

لقوله جل ذكره في سورة الانعام وَ هُوَ اَلَّذِي أَنْشَأَ جَنّاتٍ مَعْرُوشاتٍ وَ غَيْرَ مَعْرُوشاتٍ وَ اَلنَّخْلَ وَ اَلزَّرْعَ مُخْتَلِفاً أُكُلُهُ وَ اَلزَّيْتُونَ وَ اَلرُّمّانَ مُتَشابِهاً وَ غَيْرَ مُتَشابِهٍ كُلُوا مِنْ ثَمَرِهِ إِذا أَثْمَرَ وَ آتُوا حَقَّهُ يَوْمَ حَصادِهِ وَ لا تُسْرِفُوا إِنَّهُ لا يُحِبُّ اَلْمُسْرِفِينَ (3)، و قوله عزّ من قائل في سورة الاعراف يا بَنِي آدَمَ خُذُوا زِينَتَكُمْ عِنْدَ كُلِّ مَسْجِدٍ وَ كُلُوا وَ اِشْرَبُوا وَ لا تُسْرِفُوا إِنَّهُ لا يُحِبُّ اَلْمُسْرِفِينَ (4)، و قوله تبارك و تعالى في سورة المؤمن إِنَّ اَللّهَ لا يَهْدِي مَنْ هُوَ مُسْرِفٌ كَذّابٌ (5)، و قوله تعالى بعده بيسير كَذلِكَ يُضِلُّ اَللّهُ مَنْ هُوَ مُسْرِفٌ مُرْتابٌ (6).

و قد عدّه مولانا الرضا عليه السّلام في صحيح الفضل بن شاذان من كبائر الذنوب، و كذا مولانا الصادق عليه السّلام (7). و ورد ان مع الإسراف قلة البركة (8). و انّ السرف امر يبغضه اللّه (9). و انّ الإسراف سبب الفقر (10). و انّ اللّه إذا أراد بعبد خيرا ألهمه الاقتصاد و حسن التدبير، و جنّبه سوء التدبير

ص:401


1- سورة فاطر آية 6.
2- مستدرك وسائل الشيعة:3/570 باب 23 حديث 1.
3- سورة الأنعام آية 141.
4- سورة الأعراف آية 31.
5- سورة غافر آية 28.
6- سورة غافر آية 34.
7- عيون أخبار الرضا عليه السّلام:269 باب 34 ما كتبه الرضا عليه السّلام للمأمون و مجمع البيان:3/39.
8- الكافي:4/55 باب كراهية السرف و التقتير حديث 3.
9- الكافي:4/52 باب فضل القصد حديث 2.
10- الكافي:4/53 باب فضل القصد حديث 8.

و الإسراف (1). و ان من أشرف الشرف الكفّ عن التبذير و السرف (2). و ورد انّه ليس فيما أصلح البدن إسراف، انّما الإسراف فيما أفسد المال و أضرّ بالبدن (3).

و انّ للمسرف ثلاث علامات: يأكل ما ليس له، و يلبس ما ليس له، و يشترى ما ليس له (4). و انّ كلّ ما زاد على الاقتصاد إسراف، و ما فوق الكفاف إسراف (5).

و منها: إشاعة الفاحشة في الذين آمنوا:

و هي من الكبائر، للتوعيد عليها بالعذاب في قوله عزّ من قائل إِنَّ اَلَّذِينَ يُحِبُّونَ أَنْ تَشِيعَ اَلْفاحِشَةُ فِي اَلَّذِينَ آمَنُوا لَهُمْ عَذابٌ أَلِيمٌ (6).

و منها: الاشتغال بالملاهي التّي تصدّ عن ذكر اللّه سبحانه:

عدّه مولانا الرضا عليه السّلام من الكبائر (7)، و قد ورد انّ الملائكة لا تدخل بيتا فيه خمر، أو دف، أو طنبور، أو نرد، و لا يستجاب لهم دعاؤهم، و ترفع

ص:402


1- مستدرك وسائل الشيعة:2/644 باب 20 حديث 5 [1]عن الآمدي [2]في الغرر عن أمير المؤمنين عليه السّلام.
2- المصدر المتقدم.
3- الكافي:4/53 باب فضل القصد حديث 10.
4- الخصال:1/97 للمسرف ثلاث علامات حديث 45.
5- مستدرك وسائل الشيعة:2/645 باب 20 حديث 10 [5] عن الآمدي في الغرر عن أمير المؤمنين عليه السّلام.
6- سورة النور آية:19. [6] تنبيه إن إشاعة الفاحشة من المحرمات التي يعاقب عليها فاعلها و يستحق العذاب و الهوان و لكن إشاعة الفاحشة في المؤمنين من المحرمات الكبيرة [7]التي توجب دخول النار و العذاب الاليم.
7- وسائل الشيعة:2/464 باب 45 حديث 33.

عنهم البركة (1). و انّ ضرب العيدان و استماع اللعب ينبت النفاق في القلب كما ينبت الماء الخضرة.

و منها: الإشراك باللّه:

عدّه النّبي صلّى اللّه عليه و آله و أمير المؤمنين و الصادق و الكاظم و الرضا و الجواد عليهم أفضل السّلام من الكبائر (2)، بل قال الصادق عليه السّلام: انّه أكبر الكبائر (3)، لقوله سبحانه إِنَّ اَللّهَ لا يَغْفِرُ أَنْ يُشْرَكَ بِهِ وَ يَغْفِرُ ما دُونَ ذلِكَ لِمَنْ يَشاءُ (4)و قوله جلّ ذكره وَ مَنْ يُشْرِكْ بِاللّهِ فَقَدْ ضَلَّ ضَلالاً بَعِيداً (5)و قوله تبارك و تعالى: إِنَّهُ مَنْ يُشْرِكْ بِاللّهِ فَقَدْ حَرَّمَ اَللّهُ عَلَيْهِ اَلْجَنَّةَ وَ مَأْواهُ اَلنّارُ وَ ما لِلظّالِمِينَ مِنْ أَنْصارٍ (6)، و قال سبحانه: وَ مَنْ يُشْرِكْ بِاللّهِ فَقَدِ اِفْتَرى إِثْماً عَظِيماً (7)، و قال جلّ شأنه: وَ مَنْ يُشْرِكْ بِاللّهِ فَكَأَنَّما خَرَّ مِنَ اَلسَّماءِ فَتَخْطَفُهُ اَلطَّيْرُ أَوْ تَهْوِي بِهِ اَلرِّيحُ فِي مَكانٍ سَحِيقٍ (8).

و منها: الإصرار على الذنوب:

فانّه من الكبائر إجماعا و نصّا، فقد نصّ على كونه من الكبائر مولانا

ص:403


1- وسائل الشيعة:2/466 باب 128 حديث 13.
2- وسائل الشيعة:2/464 باب 45 حديث 34 و 26 و [2] 20 و 33 و 2.
3- وسائل الشيعة:2/464 باب 45 حديث 2.
4- سورة النساء آية:115.
5- سورة النساء آية:115.
6- سورة المائدة آية:71.
7- سورة النساء آية:47.
8- سورة الحج آية:30 [8] أقول الشرك باللّه جلّ شأنه من أكبر الكبائر و لا كبيرة تضاهيها و قد عبر عنه اللّه جل شأنه بقوله: إِنَّ اَلشِّرْكَ لَظُلْمٌ عَظِيمٌ.

الصادق (1)و الرضا عليهما السّلام (2)، و ورد انّ اعظم الذنوب ذنب اصرّ عليه صاحبه (3). و انّ الإصرار أعظم حوبة. و انّه يجلب النقمة. و قال عليه السّلام:

إيّاك و الإصرار، فإنّه من أكبر الكبائر و أعظم الجرائم (4). و انّه لا يقبل اللّه شيئا من طاعته على الإصرار على شيء من معاصيه (5). و انّه من علامات الشقاء (6)، و انّه لا صغيرة مع الإصرار (7)، و فسّر مولانا الباقر عليه السّلام الإصرار بأن يذنب الذنب فلا يستغفر اللّه و لا يحدّث نفسه بالتوبة، فذلك الإصرار (8).

و منها: إضاعة الصلاة:

لقوله سبحانه فَوَيْلٌ لِلْمُصَلِّينَ* اَلَّذِينَ هُمْ عَنْ صَلاتِهِمْ ساهُونَ (9)بضميمة تفسيره بالتضييع (10). و ورد انّه لا يزال الشيطان ذعرا من المؤمن ما حافظ على الصلوات الخمس لوقتهن، فاذا ضيّعهن تجرى عليه فأدخله في العظايم (11). و ان من ضيّع صلاته حشر مع قارون و هامان، و كان حقّا على اللّه

ص:404


1- وسائل الشيعة:2/465 باب 45 حديث 36.
2- وسائل الشيعة:2/464 باب 45 حديث 33.
3- مستدرك وسائل الشيعة:2/319 باب 48 حديث 7.
4- المصدر المتقدم.
5- أصول الكافي:2/288 باب الإصرار على الذنب حديث 3.
6- أصول الكافي:2/290 باب في أصول الكفر و أركانه حديث 6.
7- أصول الكافي:2/288 باب الإصرار على الذنب حديث 1 [5] بسنده عن أبي عبد اللّه عليه السّلام قال: لا صغيرة مع الإصرار، و لا كبيرة مع الاستغفار.
8- أصول الكافي:2/288 باب الإصرار على الذنب حديث 2.
9- سورة الماعون آية:4 و 5.
10- مجمع البيان:10/548.
11- الجعفريات:39 كتاب الصلاة.

ان يدخله النّار مع المنافقين (1).

و منها: الإضلال عن سبيل اللّه جلّ ذكره:

و هي من الكبائر، للتوعيد عليها بالنّار بقوله عزّ شأنه: ثانِيَ عِطْفِهِ لِيُضِلَّ عَنْ سَبِيلِ اَللّهِ لَهُ فِي اَلدُّنْيا خِزْيٌ وَ نُذِيقُهُ يَوْمَ اَلْقِيامَةِ عَذابَ اَلْحَرِيقِ (2)و قوله جلّ شأنه إِنَّ اَلَّذِينَ فَتَنُوا اَلْمُؤْمِنِينَ وَ اَلْمُؤْمِناتِ ثُمَّ لَمْ يَتُوبُوا فَلَهُمْ عَذابُ جَهَنَّمَ وَ لَهُمْ عَذابُ اَلْحَرِيقِ (3).

و منها: إضمار السوء للمؤمن:

لما ورد من انّه لا يقبل اللّه من مؤمن عملا و هو مضمر على أخيه المؤمن سوء (4).

و منها: الإعراض عن ذكر اللّه تعالى:

و هو من الكبائر، للتصريح فيه بالعذاب في قوله جلّ شأنه: وَ قَدْ آتَيْناكَ مِنْ لَدُنّا ذِكْراً* مَنْ أَعْرَضَ عَنْهُ فَإِنَّهُ يَحْمِلُ يَوْمَ اَلْقِيامَةِ وِزْراً* خالِدِينَ

ص:405


1- مستدرك وسائل الشيعة:1/172 باب 7 حديث 5 [1] أقول ناقش بعض الأعلام [2]في صدق إضاعة الصلاة [3]بتأخيرها عن أول وقتها لأن التوسعة في الوقت جاء من قبل الشارع نعم تصدق الاضاعة فيما اذا فوتها عن مجموع وقتها و تركها تهاونا بها و هذه الإضاعة لا يبعد عدّها من الكبائر و للمسألة أبعاد كثيرة ينبغي البحث عنها ليس هذا محلها.
2- سورة الحج آية 9.
3- سورة البروج آية 9. [5] أقول: لا خلاف في ان الإضلال من الكبائر العظام الموجب لغضب الجبار و دخول النار و ربّما قيل بخلود المضل في النار و اللّه العالم.
4- المحاسن:99 باب 30 [6] عقاب من قال لمؤمن أف و أضمر له السوء حديث 67. أقول: لا ريب في ان إضمار السوء لكل أحد و خصوصا للمؤمن من الصفات الخبيثة التي تورد المتصف بها في المهالك الدنيوية و الأخروية مع ما يستعقب ذلك من سوء العاقبة أجارنا اللّه سبحانه و تعالى من كل صفة رديئة.

فِيهِ وَ ساءَ لَهُمْ يَوْمَ اَلْقِيامَةِ حِمْلاً (1).

و منها: إعلام الكفار بما يوجب غلبتهم على المسلمين:

و هو من الكبائر، لكونه أشدّ من الفرار من الزحف الذي يأتي أنّه من الكبائر (2).

و منها: اغتياب المؤمن:

بذكره فيه بما يكره ذكره ممّا هو مستور عليه، المنهيّ عنه في الكتاب المجيد بقوله تعالى وَ لا يَغْتَبْ بَعْضُكُمْ بَعْضاً أَ يُحِبُّ أَحَدُكُمْ أَنْ يَأْكُلَ لَحْمَ أَخِيهِ مَيْتاً فَكَرِهْتُمُوهُ (3). و ورد انّ الغيبة أسرع الى دين الرجل المسلم من الاكلة في جوفه (4). و انّ الجنّة محرّمة على المغتاب (5). و انّ الغيبة ادام كلاب النار (6).

و انّها اشدّ من الزنا (7). و انّ الرجل يزني فيتوب الى اللّه فيتوب اللّه عليه، و الغيبة

ص:406


1- سورة طه آية 99 و 100 و 101. [1] أقول: إذا كان الإعراض عن ذكر اللّه تعالى شأنه تهاونا و استخفافا بالعزيز تعالى شأنه كان في حدّ الكفر و مستحقا عليه ما يستحقه المشركون اما إذا كان الإعراض ناشئا عن غفلة أو جهل بذكر اللّه أو انصراف النفس و مثل هذا يعاتب عليه و لا يعدّ ذنبا ظاهرا و اللّه العالم.
2- أقول: ان من اظهر مصاديق الخيانة للإسلام و المسلمين تسبيب ما يوجب تفوّق اعداء الدّين أو المذهب أو اخبارهم عن عورات دار الاسلام أو نقاط ضعف المسلمين و لا ريب ان ذلك من الكبائر العظام و العقاب عليه بمقدار ما يترتب على تلك الخيانة من المفاسد على المسلمين أو على الاسلام.
3- سورة الحجرات آية 12.
4- أصول الكافي:2/356 باب الغيبة و البهت حديث 1.
5- وسائل الشيعة:8/599 باب 152 حديث 10.
6- الأمالي للشيخ الصدوق:209 المجلس السابع و [5]الثلاثون و الحديث طويل حديث 9.
7- وسائل الشيعة:8/601 باب 152 حديث 18.

لا تغفر حتى يغفرها صاحبها (1)، و ورد ان من اغتاب امرأ مسلما بطل صومه، و نقض وضوؤه، و جاء يوم القيامة يفوح من فيه رائحة أنتن من الجيفة يتأذّى بها أهل الموقف. و ان من مات قبل ان يتوب مات مستحلا لما حرّم اللّه عزّ و جلّ (2).

و أنّه كذب من زعم انه ولد من حلال و هو يأكل لحوم الناس بالغيبة (3). و انّ المغتاب في النّار خالدا فيها و بئس المصير (4). و حينئذ فهو من الكبائر. و يحرم استماع الغيبة، و يجب ردّها. و قد ورد انّ من تطول على أخيه المؤمن في غيبة سمعها فيه في مجلس فردها عنه ردّ اللّه عنه ألف باب من الشرّ في الدنيا و الآخرة، فان هو لم يردّها و هو قادر على ردّها كان عليه كوزر من اغتابه سبعين مرّة (5).

و ان من اغتيب عنده أخوه المسلم فاستطاع نصره فلم ينصره خذله اللّه في الدنيا و الآخرة (6)، و من لم ينصره و لم يعنه و لم يدفع عنه و هو يقدر على نصرته و عونه خفضه [حقّره]اللّه في الدّنيا و الآخرة (7). و انّ من ردّ عن عرض أخيه كان له حجابا من النار (8). و يطلب مستثنيات الغيبة من مناهج المتقين (9).

ص:407


1- تنبيه الخواطر لورام:115 باب الغيبة.
2- الفقيه:4/8 باب ذكر جمل من مناهي النبي صلّى اللّه عليه و آله و سلّم حديث 1.
3- الأمالي للشيخ الصدوق:209 المجلس السابع و [2]الثلاثون و الحديث طويل 9.
4- الأمالي للشيخ الصدوق:202 المجلس الثاني و [3]العشرون حديث 3.
5- الفقيه:4/8 باب ذكر جمل من مناهي النبي صلّى اللّه عليه و آله و سلّم حديث 1.
6- الفقيه:4/269 باب 176 النوادر في وصية النبي صلّى اللّه عليه و آله و سلّم لعلي عليه السّلام.
7- عقاب الأعمال:299 عقاب من اغتيب عنده المؤمن و [4]لم ينصره حديث 1.
8- أمالي الشيخ الطوسي:114 الجزء الرابع [5]حديث 177.
9- منهاج المتقين:209-110.
و منها: أكل مال اليتيم ظلما:

عدّه النبي صلّى اللّه عليه و آله (1)، و أمير المؤمنين (2)و الصادق (3)، و الكاظم (4)، و الرضا (5)، و الجواد (6)عليهم السّلام من الكبائر، و قد توعّد اللّه عليه بالنّار بقوله عزّ من قائل إِنَّ اَلَّذِينَ يَأْكُلُونَ أَمْوالَ اَلْيَتامى ظُلْماً إِنَّما يَأْكُلُونَ فِي بُطُونِهِمْ ناراً وَ سَيَصْلَوْنَ سَعِيراً (7). و ورد ان شرّ المأكل أكل مال اليتيم ظلما (8). و انّه إذا أكل الإنسان مال اليتيم ظلما فقد أعان على قتله، إذ اليتيم غير مستغن، و لا محتمل لنفسه، و لا قائم بشأنه، و لا له من يقوم عليه و يكفيه كقيام والديه، فإذا أكل ماله فكأنه قتله و صيّره إلى الفقر و الفاقة، مع ما حرم اللّه عليه و جعل له من العقوبة في قوله عزّ و جلّ وَ لْيَخْشَ اَلَّذِينَ لَوْ تَرَكُوا مِنْ خَلْفِهِمْ ذُرِّيَّةً ضِعافاً خافُوا عَلَيْهِمْ فَلْيَتَّقُوا اَللّهَ وَ لْيَقُولُوا قَوْلاً سَدِيداً (9)(10)يعني ليخش ان أخلفه في ذريّته كما صنع بهؤلاء اليتامى.

ص:408


1- الخصال:2/364 الكبائر سبع حديث 57.
2- أصول الكافي:2/278 باب الكبائر حديث 8.
3- أصول الكافي:2/280 باب الكبائر حديث 10.
4- أصول الكافي:2/276 باب الكبائر حديث 2.
5- عيون أخبار الرضا عليه السّلام:269 باب 34 [4] ما كتبه الرضا عليه السّلام للمأمون في محض الاسلام.
6- أصول الكافي:2/285 باب الكبائر حديث 24.
7- سورة النساء آية 10.
8- الفقيه:4/288 باب 176 النوادر حديث 864.
9- الفقيه:3/370 باب 179 معرفة الكبائر التي أوعد اللّه عز و جل عليها النار حديث 1748.
10- سورة النساء آية 9.

و ورد ان آكل مال اليتيم [ظلما]سيدركه [و بال]ذلك في عقبه من بعده في الدنيا، و يلحقه و بال ذلك في الآخرة (1). و ورد عن رسول اللّه صلّى اللّه عليه و آله و سلّم انّه قال: لمّا أسري بي الى السماء رأيت قوما يقذف في أجوافهم النار و تخرج من أدبارهم، فقلت: من هؤلاء يا جبرئيل؟ فقال: هؤلاء الذين يأكلون أموال اليتامى ظلما (2).

و ورد انّ من عال يتيما حتى ينقطع يتمه او يستغني بنفسه أوجب اللّه عزّ و جلّ له الجنّة كما أوجب النار لمن أكل مال اليتيم (3).

و منها: أكل مال الغير بغير إذنه:

و أكل المال بالباطل، للنواهي الأكيدة عن ذلك في الكتاب و السنّة (4).

ص:409


1- عقاب الأعمال:277 عقاب أكل مال اليتيم 1.
2- تفسير علي بن إبراهيم:1/13 [1]2 سورة النساء.
3- تفسير العياشي:1/224 حديث 24.
4- أقول: امّا الكتاب فما أكثر الآيات التي تدل على ذلك و منها لا تَأْكُلُوا أَمْوالَكُمْ بَيْنَكُمْ بِالْباطِلِ سورة البقرة آية 188 و [4]امّا السنة ففي المجاميع الحديثية أكثر من حدّ التواتر بل هو من ضروريات الدين و على سبيل المثال نذكر رواية ففي مستدرك وسائل الشيعة:3/ 145 باب 1 [5] الغصب حديث 3 عن أمير المؤمنين عليه السّلام انّه قال: في حديث و لا يجوز أخذ مال المسلم بغير طيب نفس منه. و حديث 9 بسنده عن النبي صلّى اللّه عليه و آله و سلّم: قال اربعة يزيد عذابهم على عذاب أهل النار، رجل مات و في عنقه أموال فيكون في تابوت من جمر. و في إكمال الدين:2/520 باب 45 حديث 49 [6] بسنده حدثنا أبو الحسين محمد بن جعفر الأسدي رضي اللّه عنه، قال فيما ورد علّى من الشيخ أبي جعفر محمد بن عثمان قدس اللّه روحه في جواب مسائلي إلى صاحب الزمان عليه السّلام إلى ان قال: فلا يحلّ لأحد أن يتصرف من مال غيره بغير إذنه فكيف يحلّ ذلك في مالنا. . فملخّص الكلام ان سلطنة الناس على أنفسهم و أموالهم ممّا لا يشك فيها أحد من المسلمين و باقي الملل و الأديان و ما يدعيه بعض منتحلي اسم الإسلام بإن الإسلام حدّد الملكية الفرديّة أو ان ولّي المسلمين له أن يحدّدّها، أو-
و منها: أكل الرّبا:

عدّه النّبي صلّى اللّه عليه و آله (1)و أمير المؤمنين عليه السّلام (2)و الصادق (3)و الكاظم (4)و الجواد (5)سلام اللّه عليهم من الكبائر، و قد ورد انّ درهما ربا عند اللّه أشد من سبعين زنية كلّها بذات محرم (6). و انّ الربا سبعون جزء أيسرها مثل أن ينكح الرجل أمّه في بيت اللّه الحرام (7). و ان من أكل الربا ملأ اللّه بطنه نار جهنم بقدر ما أكل، و إن اكتسب مالا منه لم يقبل اللّه منه شيئا [من عمله]، و لم يزل في لعنة اللّه و الملائكة ما كان عنده منه قيراط واحد (8). و انّه إذا أراد اللّه بقوم هلاكا ظهر فيهم الرّبا (9). و انّ من لم يتب عمّا مضى من الربا سخط اللّه عليه، و كانت النّار أولى به و أحقّ 10.

ص:410


1- الخصال:2/364 الكبائر سبع حديث 57.
2- الخصال:1/273 الكبائر خمس حديث 16.
3- الخصال:1/273 الكبائر خمس حديث 17.
4- أصول الكافي:2/276 باب الكبائر حديث 2.
5- أصول الكافي:2/285 باب الكبائر حديث 24.
6- الفقيه:3/174 باب 87 الربا حديث 782.
7- الخصال:2/583 الربا سبعون جزء حديث 8.
8- عقاب الأعمال:336 باب يجمع عقوبات الأعمال. باختلاف يسير.
9- مجمع البيان:2/390 سو [1]رة البقرة آية 275.
و منها: أكل الميتة و الدم و لحم الخنزير:

و ما أهلّ به لغير اللّه تعالى من غير ضرورة مسوّغة، نصّ الكتاب على تحريمه 1، وعده الصادق 2و الرضا 3عليهم السّلام من الكبائر، و قال الصادق عليه السّلام: انّ اللّه تبارك و تعالى لم يحرّم ذلك على عباده و أحلّ لهم ما سواه رغبة منه فيما حرم عليهم و لا رهبة فيما أحلّ لهم، و لكنه خلق الخلق فعلم ما تقوم به أبدانهم و ما يصلحهم فأحله لهم و أباحه تفضّلا منه عليهم لمصلحتهم، و علم ما يضرّهم فنهاهم عنه و حرّمه عليهم، ثم أباحه للمضطر و أحلّه له في الوقت الذي لا يقوم بدنه الاّ به، فأمر [ه]أن ينال منه بقدر البلغة لا غير ذلك، ثم قال:

اما الميتة فانّه لا يدنوا منها أحد [و لا يأكل منها]الاّ ضعف بدنه، و نحل جسمه، و ذهبت قوّته، و انقطع نسله، و لا يموت آكل الميتة إلاّ فجأة.

و أمّا الدم فإنّه يورث أكله الماء الأصفر، و يبخّر الفم، و ينتن الريح، و يسيء الخلق، و يورث الكلب 4، و القسوة في القلب، و قلّة الرأفة و الرحمة، حتّى لا يؤمن ان يقتل ولده و والديه، و لا يؤمن على حميمه و على من يصحبه.

و امّا لحم الخنزير فانّ اللّه تبارك و تعالى مسخ قوما في صور شتّى شبه الخنزير و القرد، و الدّب، و ما كان من المسوخ 5ثم نهى عن أكل مثله لكيلا

ص:411

ينتفع بها و لا يستخفّو بعقوبته (1).

و منها: أكل السّحت:

لما استفاض عنهم عليهم السّلام من انّ السّحت في النّار (2). و قد عدّه مولانا الصادق عليه السّلام (3)و الرضا عليه السّلام من الكبائر (4).

و منها: الإلحاد في بيت اللّه سبحانه:

فإنّه من الكبائر، للتصريح بالعذاب فيه في الكتاب الكريم بقوله جلّ ذكره في سورة الحج إِنَّ اَلَّذِينَ كَفَرُوا وَ يَصُدُّونَ عَنْ سَبِيلِ اَللّهِ وَ اَلْمَسْجِدِ اَلْحَرامِ اَلَّذِي جَعَلْناهُ لِلنّاسِ سَواءً اَلْعاكِفُ فِيهِ وَ اَلْبادِ وَ مَنْ يُرِدْ فِيهِ بِإِلْحادٍ بِظُلْمٍ نُذِقْهُ مِنْ عَذابٍ أَلِيمٍ (5).

و منها: الأمن من مكر اللّه تعالى:

عدّه مولانا الصادق (6)و الكاظم (7)و الرضا (8)و الجواد (9)عليهم السّلام

ص:412


1- الاختصاص:102 حديث محمد بن علي بن موسى الرضا عليه السّلام و عمّه عبد اللّه بن موسى.
2- السحت و السحت و الجمع اسحات الحرام و ما خبث و قبح من المكاسب فلزم عند العار كالرشوة. و انظر ما ذكره الطريحي في مجمع البحرين 2/204.
3- الخصال:2/610 أبواب ما فوق المائة خصال من شرايع الدين حديث 9.
4- عيون أخبار الرضا عليه السّلام:269 باب 34 ما كتبه الرضا عليه السّلام للمأمون من محض الاسلام و شرايع الدين.
5- سورة الحج آية 25.
6- أصول الكافي:2/277 باب الكبائر حديث 4.
7- أصول الكافي:2/285 باب الكبائر حديث 24.
8- عيون أخبار الرضا عليه السّلام:269 باب 34 ما كتبه الرضا عليه السّلام للمأمون من محض الاسلام و شرايع الدين.
9- الفقيه:3/367 باب 179 معرفة الكبائر التي أوعد اللّه عز و جل عليها النار حديث 1749.

من الكبائر، و قال اللّه سبحانه في سورة الاعراف أَ فَأَمِنُوا مَكْرَ اَللّهِ فَلا يَأْمَنُ مَكْرَ اَللّهِ إِلاَّ اَلْقَوْمُ اَلْخاسِرُونَ (1)و مكر اللّه هنا استعارة، لاستدراجه للعبد، و أخذه من حيث لا يحتسب، و ورد ان المكر من اللّه العذاب (2).

و منها: إنكار حقّ أهل البيت عليهم السّلام:

عدّه مولانا الصادق عليه السّلام من الكبائر، و هو من أكبرها بعد اشتراط الإيمان و قبول الإسلام بالإقرار بحقهم عليهم السّلام (3).

و منها: إنكار ما أنزل اللّه سبحانه:

عدّه مولانا الصادق عليه السّلام من الكبائر (4)، و ورد انّ اللّه عزّ و جل

ص:413


1- آية 99.
2- تفسير الصافي [1]سورة الأعراف في ذيل تفسير الآية الكريمة.
3- قال اللّه تعالى شأنه يا أَيُّهَا اَلرَّسُولُ بَلِّغْ ما أُنْزِلَ إِلَيْكَ مِنْ رَبِّكَ وَ إِنْ لَمْ تَفْعَلْ فَما بَلَّغْتَ رِسالَتَهُ وَ اَللّهُ يَعْصِمُكَ مِنَ اَلنّاسِ سورة المائدة، آية 67 [2] فلمّا بلّغ ما أمر به و نصب عليا عليه السّلام علما و إماما للناس و خليفته من بعده عليهم أنزل اللّه تعالى اَلْيَوْمَ أَكْمَلْتُ لَكُمْ دِينَكُمْ وَ أَتْمَمْتُ عَلَيْكُمْ نِعْمَتِي وَ رَضِيتُ لَكُمُ اَلْإِسْلامَ دِيناً فجعل اللّه جل جلاله إكمال دينه و اتمام نعمته و رضاه بان يكون الاسلام دينا كل ذلك بنصب علي خليفة و اماما للناس من بعده و لا بدّ (!) ، يكون كذلك لأن النبي صلّى اللّه عليه و آله و سلّم علّة إيجاد هذا الدين و أمير المؤمنين و الأئمة المعصومين عليهم السّلام من بعده هم علل بقائه و إذا لم تراع العلة المبقية لا يكون أثر و فائدة للعلة المحدثة و لذا قال تعالى و إن لم تفعل فكأنك ما بلغت الرسالة ثم انه جلّ شأنه أعلن صيانته لرسوله صلّى اللّه عليه و آله و سلّم من كيد المخالفين و طمأنه من شر المنافقين و الحاسدين بقوله وَ اَللّهُ يَعْصِمُكَ مِنَ اَلنّاسِ و من هنا يعلم ان من أنكر الخلافة و الإمامة لأمير المؤمنين علي ابن أبي طالب صلوات اللّه و سلامه عليه فقد أنكر رسالة الرسول و ما جاء به من عند اللّه تعالى و بذلك يتضح جليّا ان المنكر بمنزلة من خرج عن رتبة الاسلام و عليه لا بد من ان يكون انكار مقامهم من الكبائر بل من أكبرها فتفطّن.
4- وسائل الشيعة:11/257 باب 46 حديث 20.

فرض فرائض موجبات على العباد، فمن ترك فريضة من الموجبات فلم يعمل بها و جحدها كان كافرا (1).

و منها: إهانة المؤمن:

لما ورد من قول اللّه سبحانه: يا محمّد! من أهان لي وليّا فقد بارزني بالمحاربة و أرصد لمحاربتي، و أنا أسرع إلى نصرة أوليائي (2).

و منها: إهانة المصاحف:

و المساجد، و المراقد المشرّفة، و التربة المقدّسة، و العلماء العاملين، و كتب العلوم الشرعية، فانّ تلك كلّها للنسبة الى اللّه سبحانه يعدّ إكرامها اكرام اللّه عزّ و جلّ و إهانتها إهانته تعالى، و لو لا الاّ حرمة مسّ المصحف للمحدث بالحدث الأكبر و الأصغر لكفت في الدلالة على حرمة إهانته، و قد ورد

ص:414


1- وسائل الشيعة:1/20 باب 2 حديث 2 [1] بسنده عن داود بن كثير الرّقي قال: قلت لأبي عبد اللّه عليه السّلام سنن رسول اللّه صلّى اللّه عليه و آله و سلّم كفرائض اللّه عزّ و جلّ؟ فقال: انّ اللّه عزّ و جلّ فرض فرائض موجبات على العباد، فمن ترك فريضة من الموجبات فلم يعمل بها و جحدها كان كافرا، و أمر رسول اللّه صلّى اللّه عليه و آله و سلّم بأمور كلها حسنة، فليس من ترك بعض ما أمر اللّه عز و جل به عباده من الطاعة بكافر، و لكنّه تارك للفضل منقوص من الخير. أقول و ليعلم ان الكفر لجحد الفريضة و ليس لتركها فان ترك الفريضة يوجب الفسق و الجحد يوجب الكفر فتفطّن.
2- أصول الكافي:2/351 باب من آذى المسلمين و احتقرهم حديث 5 و 1 و [2] 3 و 7 و 10 و 11 أقول إذا انضمّ إلى هذه الأحاديث و غيرها الآية الكريمة في سورة المائدة 32 [3]إِنَّما جَزاءُ اَلَّذِينَ يُحارِبُونَ اَللّهَ وَ رَسُولَهُ وَ يَسْعَوْنَ فِي اَلْأَرْضِ فَساداً أَنْ يُقَتَّلُوا أَوْ يُصَلَّبُوا أَوْ تُقَطَّعَ أَيْدِيهِمْ وَ أَرْجُلُهُمْ مِنْ خِلافٍ أَوْ يُنْفَوْا مِنَ اَلْأَرْضِ ذلِكَ لَهُمْ خِزْيٌ فِي اَلدُّنْيا وَ لَهُمْ فِي اَلْآخِرَةِ عَذابٌ عَظِيمٌ اتّضح منزلة المؤمن [4]عند اللّه سبحانه و تعالى و ظهر مقامه و قربه و ما أعدّ لمن أهانه و احتقره من الخزي و الهوان اللهم اعصمنا من إهانة أوليائك أو احتقارهم و وفقنا لأداء حقوقهم آمين يا رب العالمين.

انّ اللّه عز و جل إذا جمع الأوّلين و الآخرين إذا هم بشخص قد أقبل لم ير قطّ أحسن صورة منه، فإذا نظر اليه المؤمنون-و هو القرآن-قالوا: هذا منّا، هذا أحسن شيء رأينا، فإذا انتهى اليهم جازهم. . الى ان قال: حتى يقف عن يمين العرش، فيقول الجبار عزّ و جلّ: و عزّتي و جلالي و ارتفاع مكاني لاكرمنّ اليوم من أكرمك، و لا هيننّ من أهانك (1)، و كذا حرمة تنجيس المسجد، و مكث المحدث بالحدث الأكبر فيه تدلّ على حرمة إهانته.

و بالجملة: فحرمة إهانة المذكورات من الضروريات.

و منها: إيذاء المؤمن:

لما ورد من قول اللّه عزّ و جلّ: ليأذن بحرب منّي من آذى عبدي المؤمن، و ليأمن غضبي من أكرم عبدى المؤمن. و انّه إذا كان يوم القيامة نادى مناد:

أين الموذون لأوليائي، فيقوم قوم ليس على وجوههم لحم، فيقال: هؤلاء الذين آذوا المؤمنين و نصبوا لهم، و عاندوهم، و عنّفوهم في دينهم، ثم يؤمر بهم الى جهنم (2).

و منها: إيذاء رسول اللّه صلّى اللّه عليه و آله:

و هو من الكبائر، بل من أكبرها، و قد قال سبحانه إِنَّ اَلَّذِينَ يُؤْذُونَ اَللّهَ وَ رَسُولَهُ لَعَنَهُمُ اَللّهُ فِي اَلدُّنْيا وَ اَلْآخِرَةِ وَ أَعَدَّ لَهُمْ عَذاباً مُهِيناً (3)و حيث انّه صلّى اللّه عليه و آله حيّ عند اللّه سبحانه مرزوق، فإيذاؤه بعد موته كإياذئه في حياته، أعاذنا اللّه تعالى من ذلك و أمثاله بجاهه صلّى اللّه عليه و آله عنده تعالى.

ص:415


1- أصول الكافي:2/602 كتاب فضل القرآن حديث 14 [1] أقول الحكم بحرمة الامور المذكورة اجماعيّ عند المسلمين بلا خلاف من احد.
2- وسائل الشيعة:8/587 باب 145 [2] احاديث الباب.
3- سورة الاحزاب آية 57.
و منها: البخس في المكيال و الميزان:

أي التنقيص فيها، عدّه الصادق (1)و الرّضا (2)عليهما السّلام من الكبائر، و قال اللّه تعالى وَ لا تَنْقُصُوا اَلْمِكْيالَ وَ اَلْمِيزانَ إِنِّي أَراكُمْ بِخَيْرٍ وَ إِنِّي أَخافُ عَلَيْكُمْ عَذابَ يَوْمٍ مُحِيطٍ* وَ يا قَوْمِ أَوْفُوا اَلْمِكْيالَ وَ اَلْمِيزانَ بِالْقِسْطِ وَ لا تَبْخَسُوا اَلنّاسَ أَشْياءَهُمْ وَ لا تَعْثَوْا فِي اَلْأَرْضِ مُفْسِدِينَ (3). و عن النّبي صلّى اللّه عليه و آله أنّه: لم ينقص قوم المكيال و الميزان الاّ أخذوا بالسنين، و شدّه المؤونة، و جور السلطان (4). و يأتي في التطفيف ما به يزداد وضوحا.

و منها: البخل و الشحّ عن الحق الواجب:

لقوله سبحانه سَيُطَوَّقُونَ ما بَخِلُوا بِهِ يَوْمَ اَلْقِيامَةِ 5و يأتي توضيحه في منع الزكاة. و ورد انه إذا لم يكن للّه في عبده حاجه ابتلاه بالبخل 6، و مرّ في المقام الثامن من هذا الفصل بعض ما ورد في البخل، و ورد انّ للشحّ دبيبا كدبيب النمل، و شعبا كشعب الشرك 7.

و منها: البذاء و عدم المبالاة بالقول:

لما ورد عن رسول اللّه صلّى اللّه عليه و آله من انّ اللّه حرّم الجنّة على كلّ

ص:416


1- الخصال:2/610 ابواب المائة و ما فوق المائة، خصال من شرايع الدين حديث 9.
2- عيون أخبار الرضا عليه السّلام:269 باب 34 ما كتبه الرضا عليه السّلام للمأمون في محض الاسلام و شرايع الدين.
3- سورة هود آية 84 و 85.
4- مستدرك وسائل الشيعة:2/461 باب 6 حديث 7.

فحّاش بذي، قليل الحياء، لا يبالي ما قال و لا ما قيل فيه، فانّك ان فتّشته لم تجده الاّ لغية أو شرك شيطان (1)، و ورد ان البذاء من الجفاء و الجفاء في النار (2).

و منها: بغض المؤمن:

لما ورد من انّ الرجل ليحبّكم و ما يعرف ما أنتم عليه فيدخله اللّه الجنة بحبّكم، و انّ الرّجل ليبغضكم و ما يعلم ما أنتم عليه فيدخله [ببغضكم]النّار (3).

و ورد عن أبي الحسن عليه السّلام انّه قال: من آذى شيعتنا فقد عادانا، و من والاهم فقد والانا، لأنّهم منّا، خلقوا من طينتنا، من أحبّهم فهو منّا و من أبغضهم فليس منّا (4)، و انّ من عادى أولياء اللّه فقد عادى اللّه، و حقّ على اللّه أن يدخله نار جهنّم (5).

و منها: البغي:

فقد ورد ان البغي يقود أصحابه الى النّار، و انّ اوّل من بغى على اللّه عناق بنت آدم، فاوّل قتيل قتله اللّه عناق، و كان مجلسها جريبا في جريب، و كان لها عشرون اصبعا، في كل اصبع ظفران مثل المنجلين، فسلط اللّه عليها اسدا كالفيل، و ذئبا كالبعير، و نسرا مثل البغل، فقتلتها (6).

و ورد انّ البغي يعدل عند اللّه الشرك (7)، و انّ أعجل الشرّ عقوبة

ص:417


1- أصول الكافي:2/323 باب البذاء حديث 3.
2- أصول الكافي:2/325 باب البذاء حديث 9.
3- أصول الكافي:2/126 باب الحب في اللّه و البغض في اللّه حديث 10.
4- وسائل الشيعة:11/441 باب 17 حديث 10 [4] عن صفات الشيعة:3.
5- وسائل الشيعة:11/441 باب 17 حديث 11 [5] عن صفات الشيعة:5.
6- أصول الكافي:2/327 باب البغي حديث 4 و [6]لا توجد: فقتلتها، في الأصل.
7- أصول الكافي:2/327 باب البغي حديث 2.

البغي (1)، و أسرع الخير ثوابا البرّ (2)، و كتب الصادق عليه السّلام الى مسمع:

انظر ان لا تكلّمن بكلمة بغي ابدا و ان أعجبتك نفسك و عشيرتك (3). و قال عليه السّلام في وصيّته لأصحابه، و إيّاكم ان يبغي بعضكم على بعض، فإنّه ليس من خصال الصالحين، فانه من بغى صيّر اللّه بغيه على نفسه، و صارت نصرة اللّه على من بغى عليه، و من نصره اللّه غلب و أصاب الظفر من اللّه (4). و ورد أنّه لو بغى جبل على جبل لجعل اللّه الباغي منهما دكا (5).

و منها: البول مستقبل القبلة و مستدبرها:

لورود النهي عن ذلك عن أئمّتنا عليهم السّلام (6).

و منها: البهتان:

و هو من الكبائر (7)، و قد قرن اللّه البهتان بالإثم المبين في قوله سبحانه وَ مَنْ يَكْسِبْ خَطِيئَةً أَوْ إِثْماً ثُمَّ يَرْمِ بِهِ بَرِيئاً فَقَدِ اِحْتَمَلَ بُهْتاناً وَ إِثْماً مُبِيناً (8).

ص:418


1- أصول الكافي:2/327 باب البغي حديث 1.
2- ثواب الأعمال:199 أسرع الخير ثوابا حديث 1 بسنده عن جعفر، عن أبيه عليهما السّلام قال: قال رسول اللّه صلّى اللّه عليه و آله و سلّم إنّ أسرع الخير ثوابا البرّ، و إن أسرع الشر عقابا البغي، و كفى بالمرء عيبا أن ينظر من الناس إلى ما يعمى عنه من نفسه، أو يعيّر الناس بما لا يستطيع تركه، أو يؤذي جليسه بما لا يعنيه.
3- أصول الكافي:2/327 باب البغي حديث 3.
4- روضة الكافي:8/8 رسالة أبي عبد اللّه جعفر بن محمد عليهما السّلام إلى أصحابه.
5- وسائل الشيعة:11/334 باب 74 حديث 10.
6- الكافي:3/15 باب الموضع الذي يكره ان يتغوط فيه أو يبال حديث 3.
7- أصول الكافي:2/358 باب الغيبة و البهت حديث 6 و 7.
8- سورة النساء آية 112.

و ورد انّ من بهت مؤمنا أو مؤمنة بما ليس فيه بعثه اللّه في طينة خبال حتّى يخرج ممّا قال، قيل له عليه السّلام: و ما طينة خبال؟ قال: صديد يخرج من فروج المومسات (1)يعني الفاجرات-و ورد انّ من بهت مؤمنا أو مؤمنة أو قال فيه ما ليس فيه، أقامه اللّه يوم القيامة على تلّ من نار حتى يخرج ممّا قال فيه (2). و ورد انّ من اغتاب مؤمنا بما ليس فيه فقد انقطعت العصمة بينهما، و كان المغتاب في النار خالدا فيها و بئس المصير (3).

و منها: تبديل الوصية:

و هو من الكبائر (4)، و قد قال اللّه سبحانه فَمَنْ بَدَّلَهُ بَعْدَ ما سَمِعَهُ فَإِنَّما إِثْمُهُ عَلَى اَلَّذِينَ يُبَدِّلُونَهُ (5)و روى أن الحيف في الوصية من الكبائر (6).

و منها: التبذير:

عدّه مولانا الصادق (7)و الرضا (8)عليهما السّلام من الكبائر، و قال اللّه سبحانه إِنَّ اَلْمُبَذِّرِينَ كانُوا إِخْوانَ اَلشَّياطِينِ وَ كانَ اَلشَّيْطانُ لِرَبِّهِ كَفُوراً (9).

ص:419


1- عقاب الأعمال:286 عقاب من بهت مؤمنا أو مؤمنة بما ليس فيهما حديث 1.
2- عيون أخبار الرضا عليه السّلام:201 باب 30 [1] فيما جاء عن الرضا عليه السّلام من الأخبار المجموعة.
3- الأمالي للشيخ الصدوق:103 المجلس 22 حديث 3.
4- الفقيه:4/148 باب 96 وجوب إنفاذ الوصية و النهي عن تبديلها حديث 514.
5- سورة البقرة آية 181.
6- الفقيه:4/136 باب 83 في ان الحيف في الوصية من الكبائر حديث 471.
7- الخصال:2/610 خصال من شرايع الدين حديث 9.
8- عيون أخبار الرضا عليه السّلام:269 باب 34 ما كتبه الرضا عليه السّلام للمأمون في محض الاسلام و شرايع الدين.
9- سورة الإسراء آية 27.

و ورد انّ من اقتصد في معيشته رزقه اللّه، و من بذّر حرمه اللّه (1)، و الفرق بين التبذير و بين الإسراف-الّذي تقدّم كونه من الكبائر-انّ التبذير هو الانفاق فيما لا ينبغي، و الإسراف هو الصرف زيادة عمّا ينبغي، و ورد ان من أنفق في غير طاعة اللّه فهو مبذّر، و من أنفق في سبيل الخير فهو مقتصد (2).

و منها: التجبّر:

عدّه مولانا الصادق عليه السّلام من الكبائر (3)، و قد قرن اللّه تعالى التجبّر بالعصيان في قوله جلّ شأنه في حق يحيى في سورة مريم عليهاالسّلام وَ لَمْ يَكُنْ جَبّاراً عَصِيًّا (4)، و بالشقاوه في قوله تعالى في حقّ عيسى عليه السّلام:

وَ لَمْ يَجْعَلْنِي جَبّاراً شَقِيًّا (5)، و قابله بالاصلاح في قوله جلّ ذكره في سورة القصص: إِنْ تُرِيدُ إِلاّ أَنْ تَكُونَ جَبّاراً فِي اَلْأَرْضِ وَ ما تُرِيدُ أَنْ تَكُونَ مِنَ اَلْمُصْلِحِينَ (6)و وصفه بالعناد في قوله تعالى في سورة هود عليه السّلام وَ اِتَّبَعُوا أَمْرَ كُلِّ جَبّارٍ عَنِيدٍ (7)و كذا في سورة إبراهيم عليه السّلام 8.

و ورد انّ الجبّارين أبعد النّاس من اللّه عزّ و جلّ يوم القيامة 9، و انّ في جهنم لجبلا يقال له: الصعداء، و ان في الصعداء لواد يقال له: سقر، و انّ في

ص:420


1- الكافي:4/54 باب فضل القصد حديث 12.
2- مستدرك وسائل الشيعة:2/645 باب 22 حديث 4.
3- الخصال:2/610 باب خصال من شرايع الدين حديث 9.
4- سورة مريم آية 14.
5- سورة مريم آية 32.
6- سورة القصص آية 19.
7- سورة هود آية 59.

سقر لجبّا يقال له: هبهب، كلّما كشف غطاء ذلك الجبّ ضجّ اهل النّار من حرّه، ذلك منازل الجبّارين (1). و انّ في السماء ملكين موكّلين بالعباد، فمن تجبّر وضعاه (2)، و انّ من مشى في الأرض اختيالا لعنته الأرض و من تحتها و من فوقها (3)و قال عليه السّلام: ويل لمن يختال في الأرض يعاند جبار السموات و الأرض (4)، و قال عليه السّلام: إيّاكم و التجبّر على اللّه، و اعلموا انّ عبدا لم يبتل [يقبل]بالتجبر على اللّه الاّ تجبّر على دين اللّه فاستقيموا للّه و لا ترتدّوا على أدباركم فتنقلبوا خاسرين، أجارنا اللّه و ايّاكم من التجبّر على اللّه (5).

و ورد المنع من المشى خيلاء. و انّ مشى السيد السجاد عليه السّلام و غيره من أهل البيت عليهم السّلام كان كأنّ على رؤوسهم الطير لا يسبق يمينهم شمالهم (6)، و عدّ اسبال الازار و القميص من الخيلاء (7)، و ورد انّ ما حاذى الكعبين من القميص في النار (8).

و منها: التخلّف عن الجهاد:

و هو من الكبائر (9)، و قد قال سبحانه فَرِحَ اَلْمُخَلَّفُونَ بِمَقْعَدِهِمْ خِلافَ رَسُولِ اَللّهِ وَ كَرِهُوا أَنْ يُجاهِدُوا بِأَمْوالِهِمْ وَ أَنْفُسِهِمْ فِي سَبِيلِ اَللّهِ وَ قالُوا لا

ص:421


1- عقاب الأعمال:323 [1] عقاب الجبّارين حديث 1.
2- المحاسن:123 باب 66 [2] عقاب الكبر حديث 137.
3- وسائل الشيعة:11/304 باب 59 حديث 9.
4- عقاب الأعمال:324 عقاب من مشى على الأرض اختيالا حديث 2.
5- روضة الكافي:8/12 رسالة أبي عبد اللّه الصادق عليه السّلام إلى جماعة الشيعة.
6- المحاسن:124 باب 69 [4] عقاب الاختيال في المشي حديث 141.
7- المحاسن:124 باب 68 [5] عقاب الخيلاء و اسيال الإزار حديث 140.
8- الحديث المتقدم.
9- عقاب الأعمال:277 عقاب من أتى الكبائر حديث 2.

تَنْفِرُوا فِي اَلْحَرِّ قُلْ نارُ جَهَنَّمَ أَشَدُّ حَرًّا لَوْ كانُوا يَفْقَهُونَ (1)و ورد انّ من ترك الجهاد البسه اللّه ذلا و فقرا في معيشته، و محقا في دينه (2)و انّ الجهاد لباس التقوى، و درع اللّه الحصينة، و جنّته الوثيقة، فمن تركه [رغبة عنه]ألبسه اللّه ثوب الذلّ، و شملة البلاء، و ديّث (3)بالصّغار و القماء (4)، و ضرب على قلبه بالاسداد، و أديل الحق منه بتضييع الجهاد، و سيم الخسف، و منع النصف. الحديث (5).

و منها: التدليس من الماشطة و غيرها:

فانّ كلّ تدليس محرّم (6).

و منها: ترك الصلاة عمدا:

عدّه أمير المؤمنين عليه السّلام (7)و الصادق (8)و الكاظم (9)و الرضا (10)و الجواد (11)عليهم سلام اللّه من الكبائر، و قد نقل اللّه سبحانه عن أهل سقر حين سألوا ما سَلَكَكُمْ فِي سَقَرَ قولهم لَمْ نَكُ مِنَ اَلْمُصَلِّينَ (12)، بل التارك

ص:422


1- سورة التوبة آية 81.
2- الأمالي أو المجالس:577 المجلس الخامس و الثمانون حديث 8.
3- ديث: أي ذلّل. [منه (قدس سره)].
4- القماءة: أي الذلّ. [منه (قدس سره)].
5- نهج البلاغة:1/63 و [2]من خطبته عليه السّلام حديث 26. -جنّبته-وقايته. -و شملة- نوع من اللباس. -ديّث-ذلّل. -القماءة-ذلّ و صغر-الاسداد-جمع سد الحجب.
6- مناهج المتقين:207 في محرمات المكاسب و الحكم إتفاقي بين الفقهاء.
7- بحار الأنوار:82/224 باب 1 [3] فضل الصلاة و عقاب تاركها حديث 48.
8- أصول الكافي:2/285 باب الكبائر حديث 24.
9- الحديث المتقدم.
10- الحديث السابق.
11- أصول الكافي:2/285 باب الكبائر حديث 24.
12- سورة المدثر آية 42 و 43.

مستحلا لها كافر، و عليه يحمل ما ورد من انّ تارك صلاة الفريضة كافر (1)، و انّ من تركها متعمّدا فقد برئت منه ملّة الاسلام، و برئ من ذمّة اللّه، و ذمّة رسوله صلّى اللّه عليه و آله (2)، و انّه ما بين المسلم و بين الكافر (3)ان يترك الصلاة الفريضة متعمّدا، او يتهاون بها فلا يصلّيها (4)، و كذا الحال في ترك الصوم فإنّه محرّم مع عدم الاستحلال، و موجب للكفر معه.

و منها: ترك الأمر بالمعروف و النهى عن المنكر:

فانه من الكبائر (5)، و ورد انّ أفضل الأعمال بعد الإسلام و الإيمان و صلة الرحم، الأمر بالمعروف و النهى عن المنكر (6)، فيكون تركهما تركا لأفضل الأعمال بعد الثلاثة. و ورد انّه يكون في آخر الزمان قوم يتّبع فيهم قوم مراؤن. .

الى أن قال: و لو أضرّت الصلاة بساير ما يعملون بأموالهم و أبدانهم لرفضوها كما رفضوا أسمى الفرائض و أشرفها، إنّ الأمر بالمعروف و النهي عن المنكر فريضة عظيمة، بها تقام الفرائض، هنالك يتمّ غضب اللّه عزّ و جلّ عليهم، [فيعمّهم] بعقابه، فيهلك الأبرار في دار الأشرار [الفجار]، و الصّغار في دار الكبار (7). .

ص:423


1- التهذيب:2/7 باب 1 المسنون من الصلوات حديث 13.
2- أصول الكافي:2/287 باب الكبائر حديث 24.
3- في الطبعة الحجرية: و بين إن يكفر، و هو الظاهر.
4- عقاب الأعمال:274 عقاب من ترك فريضة او تهاون بها متعمدا حديث 1.
5- المحاسن:295 باب 48 [2] المكروهات حديث 460 بسنده عن أبي عبد اللّه عليه السّلام قال: انّ رجلا من خثعم جاء إلى رسول اللّه صلّى اللّه عليه و آله و سلّم و قال: ايّ الأعمال أبغض إلى اللّه؟ فقال: الشرك باللّه، قال: ثم ما ذا؟ قال قطيعة الرحم، قال ثم ما ذا؟ قال الأمر بالمنكر و النهي عن المعروف.
6- المحاسن:291 باب 47 [3] المحبوبات حديث 444.
7- الكافي:5/55 باب الأمر بالمعروف و النهي عن المنكر حديث 1.

الى غير ذلك ممّا مرّ فيهما في المقام السابق.

و أعظم من تركهما ارتكاب خلافهما، فقد ورد ان أبغض الأعمال إلى اللّه بعد الشرك باللّه، و قطيعة الرحم، ترك الأمر بالمعروف و النهى عن المنكر (1).

و منها: ترك شىء ممّا فرض اللّه سبحانه:

عدّه مولانا الكاظم (2)و الرضا (3)و الجواد (4)عليهم السّلام من الكبائر، و لعلّه لقوله سبحانه فَلْيَحْذَرِ اَلَّذِينَ يُخالِفُونَ عَنْ أَمْرِهِ أَنْ تُصِيبَهُمْ فِتْنَةٌ أَوْ يُصِيبَهُمْ عَذابٌ أَلِيمٌ (5)و ورد انّ الكفر على خمسة أوجه، و عدّ منها ترك ما أمر اللّه عزّ و جلّ به، و هو قول اللّه عزّ و جلّ أَ فَتُؤْمِنُونَ بِبَعْضِ اَلْكِتابِ وَ تَكْفُرُونَ بِبَعْضٍ فكفّرهم بترك ما أمر اللّه عزّ و جلّ، و نسبهم الى الإيمان و لم يقبله منهم و لم ينفعهم عنده فقال فَما جَزاءُ مَنْ يَفْعَلُ ذلِكَ مِنْكُمْ إِلاّ خِزْيٌ فِي اَلْحَياةِ اَلدُّنْيا وَ يَوْمَ اَلْقِيامَةِ يُرَدُّونَ إِلى أَشَدِّ اَلْعَذابِ (6)الحديث (7).

و ورد انّه لا ينظر اللّه الى عبده و لا يزكّيه لو ترك فريضة من فرائض اللّه، أو ارتكب كبيرة من الكبائر. . . الى ان قال: أشرك باللّه؟ إنّ اللّه أمره بأمر، و أمره إبليس لعنه اللّه بأمر، فترك ما أمر اللّه عزّ و جلّ به، و صار الى ما أمر به إبليس، فهذا مع إبليس في الدرك السابع [الأسفل]من النار (8).

ص:424


1- المحاسن:295 باب 48 [1] المكروهات حديث 460.
2- أصول الكافي:2/285 باب الكبائر حديث 24.
3- الحديث المتقدم.
4- الحديث السابق.
5- سورة النور آية 63.
6- سورة البقرة آية 85.
7- أصول الكافي:2/390 باب وجوه الكفر حديث 1.
8- عقاب الأعمال:294 عقاب من ترك فريضة من فرائض اللّه أو ارتكب كبيرة من الكبائر-
و منها: ترك معونة المظلومين:

عدّه مولانا الصادق عليه السّلام من الكبائر (1).

و منها: ترك حضور صلاة الجماعة رغبة عنه:

فانّه من الكبائر، لما ورد من عدم قبول شهادته، و انّ من ترك الجماعة رغبة عنها و عن جماعة المؤمنين من غير علّة فلا صلاة له 2.

و منها: ترك نصيحة المؤمن و مناصحته:

لما ورد من ان من سعى في حاجة لأخيه فلم ينصحه، و لم يبالغه فيه بكلّ جهده، فقد خان اللّه و رسوله و المؤمنين، و كان اللّه و رسوله خصمه 3.

و منها: ترك معونة المؤمن عند ضرورته.

لما ورد من انّ من قصد اليه رجل من إخوانه مستجيرا به في بعض أحواله

ص:425


1- الخصال:2/610 باب خصال من شرايع الدين حديث 9.

فلم يجره-بعد أن يقدر عليه-فقد قطع ولاية اللّه عزّ و جلّ (1)و انّ أيّما رجل من شيعتنا أتى رجلا من إخوانه فاستعان به في حاجته فلم يعنه و هو يقدر، إلاّ ابتلاه اللّه بان يقضي حوائج عدّة من أعدائنا، يعذبه اللّه عليها يوم القيامة (2). و ان أيما مؤمن منع مؤمنا شيئا ممّا يحتاج اليه-و هو يقدر عليه من عنده و من عند غيره- أقامه اللّه يوم القيامة مسودّا وجهه، مزرّقة عيناه، مغلوله يداه الى عنقه، فيقال:

هذا الخائن الذي خان اللّه و رسوله، ثم يؤمر به الى النار (3). و انّ من كانت له دار فاحتاج مؤمن الى سكناها فمنعه إيّاها قال اللّه عزّ و جلّ: ملائكتي! ابخل عبدي على عبدي بسكنى الدنيا، و عزّتي لا يسكن جنّاتي أبدا (4). و ان من منع الماعون جاره منعه اللّه خيره يوم القيامة و وكله الى نفسه، و من وكله الى نفسه فما أسوأ حاله (5). و ان من منع طالبا حاجته-و هو يقدر على قضائها-فعليه مثل خطيئة عشار (6). و سئل عليه السّلام عن خطيئة العشار؟ فقال: على العشار كلّ يوم و ليلة لعنة اللّه و الملائكة و الناس أجمعين، و من يلعنه اللّه فلن تجد له نصيرا (7). و قال الصادق عليه السّلام: من أتاه أخوه المسلم يسأله عن فضل ما عنده فمنعه مثّله اللّه في قبره كانّما ينهش لحمه الى يوم القيامة (8). و قال عليه السّلام: ما آمن باللّه و لا بمحمد صلّى اللّه عليه و آله و لا بعلىّ عليه السّلام من

ص:426


1- أصول الكافي:2/366 باب من استعان به أخوه فلم يعنه حديث 4.
2- أصول الكافي:2/366 باب من استعان به أخوه فلم يعنه حديث 2.
3- أصول الكافي:2/367 باب من منع مؤمنا شيئا من عنده أو من عند غيره حديث 1.
4- أصول الكافي:2/367 باب من منع مؤمنا شيئا من عنده أو من عند غيره حديث 4.
5- الفقيه:4/8 باب 1 ذكر جمل من مناهي النبي صلّى اللّه عليه و آله و سلّم.
6- عقاب الأعمال:341 باب يجمع عقوبات الأعمال حديث 1.
7- عقاب الأعمال:342 باب يجمع عقوبات الأعمال حديث 1.
8- مستدرك وسائل الشيعة:2/412 باب 37 حديث 3.

إذا أتاه أخوه المؤمن في حاجة فلم يضحك في وجهه، فان كانت حاجته عنده سارع الى قضائها و ان لم يكن عنده تكلّف من عند غيره حتى يقضيها له، فإذا كان بخلاف ما وصفته فلا ولاية بيننا و بينه (1). و عن النّبي صلّى اللّه عليه و آله انّ:

من منع ماله من الأخيار اختيارا صرف اللّه ماله الى الأشرار اضطرارا.

و منها: التسخير:

فانّه محرّم عملا و إعمالا، لكونه قسما من السحر الذي ياتي ان شاء اللّه تعالى بيان كونه من الكبائر، مضافا الى كونه ايذاء للمسخّر و قهرا له (2).

و منها: التشبيب:

بالمرأة المعروفة على وجه يوجب هتكها، أو فضيحتها، أو إدخال النقص عليها، أو على أهلها، أو إغراء الفساق بها، أو تهييج القوّة الشهويّة بالنسبة اليها، سواء حصل شىء من ذلك بنظم أو نثر، أو سجع، أو غيره، و يختلف ذلك باختلاف الأشخاص و الأزمان و الأمكنه، فتدور الحرمة مدار حصول شيء من تلك العناوين (3). و اما التشبيب غير المستلزم لشىء من ذلك أصلا فلا دليل على حرمته، لكنّ الاحتياط بتركه لا يترك (4). و هل يختصّ ذلك بما إذا كانت مسلمة أم لا؟ وجهان، أوّلهما ظاهر أكثر الأصحاب، و الوجه التفصيل بين

ص:427


1- مستدرك وسائل الشيعة:2/412 باب 37 حديث 2.
2- اتفقت آراء فقهائنا الأعلام قدس اللّه سرهم على حرمة التسخير تعلمه و تعليمه إلاّ في بعض الصور النادرة و هي صورة إبطال التسخير و للمسألة تفصيل كثير موضوعا و حكما.
3- لا ريب و لا إشكال في حرمة كلّ هذه الصور المذكورة بل ربّما تعدّ بعضها من كبائر المحرمات و مصداقا لقوله تعالى شأنه في سورة النور آية 19 [2]إِنَّ اَلَّذِينَ يُحِبُّونَ أَنْ تَشِيعَ اَلْفاحِشَةُ فِي اَلَّذِينَ آمَنُوا لَهُمْ عَذابٌ أَلِيمٌ فِي اَلدُّنْيا وَ اَلْآخِرَةِ وَ اَللّهُ يَعْلَمُ وَ أَنْتُمْ لا تَعْلَمُونَ.
4- وجه الاحتياط هو ان التشبيب يهيج القوة الشهوية الحيوانية غالبا و إذا هاجت الشهوة صار الإنسان في شرك الشيطان و مستعدا لصدور الموبقات منه أعاذنا اللّه منها.

ما لو استلزم التشبيب بالكافرة هتكها، او إدخال النقص عليها و على أهلها، و بين ما لو استلزم إغراء الفساق بها و تهييج القوّة الشهويّة اليها، بالجواز في الاول (1)، و المنع في الثاني (2)، و مثل المرأة في حرمة التشبيب بها اذا استلزم شيئا ممّا ذكر [التشبيب ب]الغلام (3).

و منها: تشبّه الرّجال بالنساء و النساء بالرّجال:

لما ورد عن رسول اللّه صلّى اللّه عليه و آله من انّ اللّه لعن المتشبّهين من الرجال بالنساء و المتشبّهات من النساء بالرجال (4).

و منها: التطفيف:

و هو ان لا يوفي تمام الحقّ فيما إذا كال أو وزن أو عدّ أو ذرع، و هو حرام من المالك و الوكيل و الأجير، بل هو من الكبائر كما مرّ في البخس (5)، و قال جلّ

ص:428


1- في الفرض إذا كانت في ذمّة الاسلام و رعاية المسلمين كيف يمكن هتكها و إدخال النقص عليها و على أهلها و عندي ان الحكم بالحرمة لا يخلو من قوة و اللّه العالم.
2- لا ريب ان الاغراء بالمحرم محرّم بلا نقاش.
3- الحكم بالحرمة اجماعي عند الإمامية رفع اللّه شأنهم بل عند كثير من المسلمين إذا كان موجبا للوقوع في الحرام أو كان بغلام معين يوجب التشبيب به هتكا أو اهانة له أو لمن يخصّه.
4- تشبّه كلّ من الرجل و المرأة [1]بالآخر محرّم حسب الروايات الواردة و لكنّ المتيقن من التشبّه هو ان يصيّر الرجل نفسه كالمرأة [2]في لباسها و حركاتها و منطقها بحيث يقال له عرفا انه متأنّث و المرأة [3]بالعكس بحيث يقال لها عرفا انها ترجّلت امّا إذا تزيت بزيّ الرجل ساعة أو تكلمت بمنطق يشابه منطق الرجل ساعة إلى غير ذلك فهل هذا يعدّ تشبّها محرما أم لا محلّ كلام ينبغي تحقيقه في المباحث الفقهية.
5- لا ريب في حرمة التطفيف عند علماء المسلمين أجمع إذا كان المال المطفف به محترما أما إذا كان غير محترم كما إذا كان المال لكافر حربيّ أو كان للمطفّف-بالكسر-: في ذمّة المطفف منه -بالفتح-مال و انحصر تحصيل ماله في ذمّته بالتطفيف بالشرائط المقررة جاز التطفيف مع كلام فيه فراجع.

شأنه وَيْلٌ لِلْمُطَفِّفِينَ اَلَّذِينَ إِذَا اِكْتالُوا عَلَى اَلنّاسِ يَسْتَوْفُونَ وَ إِذا كالُوهُمْ أَوْ وَزَنُوهُمْ يُخْسِرُونَ أَ لا يَظُنُّ أُولئِكَ أَنَّهُمْ مَبْعُوثُونَ لِيَوْمٍ عَظِيمٍ يَوْمَ يَقُومُ اَلنّاسُ لِرَبِّ اَلْعالَمِينَ (1)و هو دالّ أيضا على كون التطفيف كبيرة، بعد ما ورد من ان الويل بئر في جهنم، و انه تعالى لم يجعل الويل لأحد حتى يسمّيه كافرا قال اللّه تعالى فَوَيْلٌ لِلَّذِينَ كَفَرُوا مِنْ مَشْهَدِ يَوْمٍ عَظِيمٍ (2).

ثم انّ المطفّف يبقى مشغول الذمّة للمستحقّين بالّذي نقصه، كما هو ظاهر (3).

و منها: التظاهر بالمنكرات:

فقد ورد عن النّبي صلّى اللّه عليه و آله الأمر بالاستعاذة باللّه منه عند إدراكه. و قال صلوات اللّه عليه انّه: لم تظهر الفاحشة في قوم قطّ يعلنوها الاّ ظهر فيهم الطاعون و الاوجاع التي لم تكن في اسلافهم الذين مضوا (4). و لو لا الاّ ايراثه اباحة غيبة مرتكبه لكفى في قبحه (5).

ص:429


1- سورة المطّففين آية 1 و 2 و 3 و 4 و [1] 5 و 6.
2- سورة مريم آية 37.
3- اشتغال ذمّة المطفّف بما طفّفه من المطفف منه لا ريب فيه و الحكم إجماعي.
4- أصول الكافي:2/373 باب في عقوبات المعاص العاجلة حديث 1 [3] بسنده عن أبي جعفر عليه السّلام قال: قال رسول اللّه صلّى اللّه عليه و آله و سلّم: خمس إن ادركتموهنّ فتعوذّوا باللّه منهن، لم تظهر الفاحشة في قوم قطّ حتى يعلنوها إلاّ ظهر فيهم الطاعّون و الأوجاع التي لم تكن في أسلافهم الذين مضوا، و لم ينقصوا المكيال و الميزان إلاّ أخذوا بالسنين، و شدّة المؤونة، و جور السلطان، و لم يمنعوا الزكاة إلاّ منعوا القطر من السماء و لو لا البهائم لم يمطروا، و لم ينقضوا عهد اللّه و عهد رسوله إلاّ سلّط اللّه عليهم عدوّهم و أخذوا بعض ما في أيديهم، و لم يحكموا بغير ما أنزل اللّه عز و جل إلاّ جعل اللّه عز و جل بأسهم بينهم.
5- مستدرك وسائل الشيعة:2/107 باب 134 حديث 1 [4] عن النبي صلّى اللّه عليه و آله و سلّم-
و منها: التعرّب بعد الهجرة:

عدّه أمير المؤمنين (1)و الصادق (2)و الكاظم (3)عليهم السّلام من الكبائر.

و قال الصادق عليه السّلام: ان التعرّب بعد الهجرة و الشّرك واحد (4). و فيما كتب عليه السّلام الى محمد بن سنان من جواب مسائله انّه حرّم اللّه التعرّب بعد الهجرة، للرجوع عن الدين، و ترك الموازرة للأنبياء و الحجج، و ما في ذلك من الفساد، و إبطال حقّ كلّ ذي حقّ، لعلة سكنى البدو، و لذلك لو عرف الرجل الدين كاملا لم يجز له مساكنة أهل الجهل و الخوف عليه، لأنّه لا يؤمن ان يقع منه ترك العلم و الدخول مع أهل الجهل، و التمادي في ذلك (5).

و منها: تعشير المصاحف بالذهب:

على قول غير ثابت، نعم هو مرجوح (6).

ص:430


1- أصول الكافي:2/278 باب الكبائر حديث 8.
2- أصول الكافي:2/280 باب الكبائر حديث 10.
3- أصول الكافي:2/276 باب الكبائر حديث 2.
4- أصول الكافي:2/281 باب الكبائر حديث 14 بس [3]نده عن أبي بصير، عن أبي عبد اللّه عليه السّلام قال: سمعته يقول: الكبائر سبعة: [4]منها قتل النفس متعمدا، و الشرك باللّه العظيم، و قذف المحصنة، و أكل الرّبا بعد البيّنة، و الفرار من الزحّف، و التعرب بعد الهجرة، و عقوق الوالدين، و أكل مال اليتيم ظلما، قال: و التعرّب و الشرك واحد.
5- عيون أخبار الرضا عليه السّلام:243 باب 32 في ذكر ما كتب به الرضا عليه السّلام إلى محمد بن سنان في جواب مسائله في العلل.
6- بحث الفقهاء رضوان اللّه تعالى عليهم حكم تعشير المصاحف فأجازه بعضهم و منعه آخرون و الظاهر جوازه على كراهة و اللّه العالم.
و منها: تعبير المؤمن و تأنيبه:

لكونه ايذاء له. و قد ورد انّ من عيّر مؤمنا بذنب لم يمت حتى يرتكبه. و انّ من أنبّ مؤمنا أنبّه اللّه عزّ و جلّ في الدنيا و الآخرة (1).

و منها: التعصّب على غير الحق:

لما ورد من ان من تعصّب او تعصّب له فقد خلع ربقه الإيمان من عنقه (2)، و ان من كان في قلبه حبّة من خردل من عصبيّة بعثه اللّه يوم القيامة مع أعراب الجاهليّة (3). و انّ من تعصّب عصّبه اللّه بعصابة من نار (4)، و ورد انّ العصبيّة التي يأثم عليها صاحبها أن يرى الرجل شرار قومه خيرا من خيار قوم آخرين، و ليس من العصبيّة ان يحبّ الرجل قومه، و لكن من العصبية ان يعين قومه على الظلم (5)، و ورد انّ اللّه سبحانه يعذّب ستة بستة، العرب بالعصبية، و الدهاقين بالكبر، و الأمراء بالجور، و الفقهاء بالحسد، و التجّار بالخيانة، و أهل الرساتيق بالجهل (6).

و منها: تقبيل الأجنبيّة:

فانّه محرّم، لورود النهي عنه، و يأتي في النظر اليها ما نطق بأنّ زنا الفم القبلة (7).

ص:431


1- أصول الكافي:2/356 باب التعيير احاديث [1]الباب.
2- أصول الكافي:2/308 باب العصبيّة حديث 2.
3- أصول الكافي:2/308 باب العصبيّة حديث 3.
4- أصول الكافي:2/308 باب العصبيّة حديث 4.
5- أصول الكافي:2/308 باب العصبيّة حديث 7.
6- المحاسن:10 باب 4 حديث 30.
7- الكافي:5/559 باب النوادر حديث 11 [7] بسنده عن أبي جميلة، عن أبي جعفر، و أبي عبد اللّه عليهما السّلام قالا: ما من أحد إلاّ و هو يصيب حظّا من الزّنا فزنا العينين النظر، و زنا-
و منها: تكذيب رسول اللّه صلّى اللّه عليه و آله أو الأئمّة عليهم السّلام:

فانّه من الكبائر، بل يورث الكفر أعاذنا اللّه تعالى منه (1).

و منها: التكلّم في ذات اللّه سبحانه:

و التفكّر فيه، و الخصومة في الدّين، و الكلام بغير كلام الأئمّة عليهم السّلام، صرّح جمع بحرمة ذلك كلّه، لما عن الصّادق عليه السّلام من: انّ اللّه يقول وَ أَنَّ إِلى رَبِّكَ اَلْمُنْتَهى 2فإذا انتهى الكلام الى اللّه فأمسكوا 3. و قوله عليه السّلام: إنّ الناس لا يزال بهم المنطق حتى يتكلّموا في اللّه فإذا سمعتم ذلك فقولوا: لا إله إلاّ اللّه الواحد الذي ليس كمثله شىء 4. و قول الباقر عليه السّلام: تكلّموا فيما دون العرش و لا تكلّموا فيما فوق العرش، فإنّ قوما تكلّموا في اللّه فتاهوا 5. و قول الصادق عليه السّلام: إيّاكم و الكلام في اللّه، تكلّموا في

ص:432


1- لا ريب لدى المسلمي [1]ن أجمع بان تكذيب النبي صلّى اللّه عليه و آله و سلّم يوجب الكفر و تكذيب اللّه تعالى شأنه العزيز حيث يقول [لا ينطق عن الهوى إن هو إلاّ وحي يوحى]و يستحق بذلك القتل عند الإماميّة. أما تكذيب أئمة الهدى المعصومين صلوات اللّه عليهم أجمعين فعند العامّة يوجب فسق المكذّب و عند الامامية رفع اللّه شأنهم و أهلك عدوهم تكذيب الإمام المعصوم موجب لكفره و هدر دمه و جواز لعنه و ان شئت تفصيل ذلك فعليك بالكتب الكلامية و الفقهية.

عظمته و لا تكلموا فيه، فان الكلام فيه لا يزيد الاّ تيها (1). و ورد عنهم عليهم السّلام النهي عن مجالسة أصحاب الكلام و الخصومات في اللّه، لأنّهم تركوا ما أمروا بعلمه و تكلّفوا ما لم يؤمروا بعلمه حتى تكلّفوا علم السماء (2). و قال عليه السّلام: تكلّموا في خلق اللّه و لا تكلموا في اللّه، فان الكلام في اللّه لا يزداد صاحبه الاّ تيها و تحيّرا (3). و ورد عنهم عليهم السّلام النهي عن الخصومة في الدّين، لأنها تشغل القلب عن ذكر اللّه، و تورث النفاق، و تكسب الضغاين، و تستجر الكذب (4)، و تمحق الدين، و تحبط العمل، و تكسب الشك، و تردى عن صاحبها (5).

قال عليه السّلام: عسى ان يتكلم بالشىء فلا يغفر له، انّه كان فيما مضى قوم تركوا علم ما وكّلوا به و طلبوا علم ما كفوه، حتى انتهى كلامهم الى اللّه فتحيّروا، حتّى انّ كان الرجل ليدعى من بين يديه فيجيب من خلفه، و يدعى من خلفه فيجيب من بين يديه (6).

و منها: تلقّي الركبان على قول غير مرضيّ

(7)

.

و منها: التنجيم:

افتى بحرمته و حرمة تعلّمه و تعليمه الأصحاب، و قد ورد في الأخبار النهي

ص:433


1- وسائل الشيعة:11/456 باب 23 حديث 19.
2- كشف المحجة:19 الفصل السابع و العشرون.
3- أصول الكافي:1/92 باب النهي عن الكلام في الكيفيّة حديث 1.
4- الأمالي أو المجالس للشيخ الصدوق:251 المجلس 65.
5- أصول الكافي:1/92 باب النهي عن الكلام في الكيفيّة حديث 4.
6- أصول الكافي:1/92 باب النهي عن الكلام في الكيفيّة حديث 4 [5] ذيله.
7- أفتى فقهاؤنا بكراهة تلقّي الركبان و هناك قول شاذّ بالحرمة في بعض الصور. و تلّقي الركبان هو الخروج إلى خارج البلد بمسافة قليلة أو كثيرة ليتلقي من يجلب متاعا للبيع في البلد فيشتري المتلقي المتاع باقلّ ممّا يساوي.

الأكيد عنه، و لعن المنجم، و الّذي يظهر لي كما شرحته في منتهى المقاصد انّ المحرم منه عملا و تعليما و تعلّما إنّما هو الحكم بمفاد أحوال النجوم حكما جزميّا، لا ما إذا ذكر على وجه الاحتمال أو الظن، و أما التنجيم بمعنى القول بان الكواكب و الأفلاك واجبة الوجود، و أنّ لها مؤثّرا لكنّها قديمة، و أنّها هي المدبّرة لهذا العالم بالاستقلال، أو أنّها حادثة خلقها اللّه تعالى و فوّض اليها تدبير العالم من دون مدخليّة له سبحانه أبدا، و انه يمتنع التحلّف عنها امتناع تخلّف المعلول عن العلّة العقليّة، فالقول به كفر، أعاذنا اللّه تعالى منه و من أمثاله. و أما اعتقاد انّها امارات ظنّية على جريان عادة اللّه الغالبة بتقدير الأمر الفلاني-و ان كان يمحو ما يشاء و يثبت-كجريان عادته تعالى على خلق الحرارة و الضوء عند محاذاة الشمس مثلا، و لا تأثير لها أصلا، أو ان ربط الحركات بالحوادث ربط الكاشف و المكشوف عنه، فلا بأس به (1). لأنّ الظاهر من الأخبار انّ للنجوم بهذا المعنى أصلا و حقيقة في سالف الزمان، قبل قتال داود عليه السّلام، و ردّ الشمس ليوشع عليه السّلام و أمير المؤمنين سلام اللّه تعالى عليه، بحيث كان يعرف به بدء الخلق و آجاله، و زمان الموت، و المرض، و الولادة، و ذكورة المولود و أنوثيته و غير ذلك، فلمّا طال اللّيل في قضيّة داود عليه السّلام، و ردّت الشمس مرتين ذهب الكامل من ذلك الحساب من أيد الناس، سوى خاصّة أولياء اللّه سبحانه كائمّتنا عليهم السّلام، و لم يبق في يد غيرهم الاّ ناقص غير ملازم للإصابه، فقد يصيب في الكشف و قد يخطىء (2).

ص:434


1- ان ما تفضّل به المؤلف قدس اللّه روحه الطاهرة هو خلاصة بحث فقهيّ مسهب تدارسه فقهاؤنا في مؤلفاتهم المبسوطة كالجواهر و منتهى المقاصد و غيرهما و الأحاديث الواردة في التنجيم تجدها في وسائل الشيعة:12/101 باب 24 روايات الباب.
2- أقول: إن ردّ الشمس ليوشع النبي عليه السّلام مرة [1]و لأمير المؤمنين و وصي رسول رب العالمين عليه السّلام مرّتين رواه الثقات من رواة العامّة و الخاصّة و نظم هذه الفضيلة الخارقة-
و منها: تهمة المؤمن:

لما ورد من انّه إذا اتّهم المؤمن أخاه انماث الإيمان في قلبه كما ينماث الملح في الماء (1)، و انّ من اتّهم أخاه فلا حرمة بينهما 2.

و منها: الجور:

و هو الظلم في الحكم ضدّ العدل فيه، و يدلّ على حرمته كلّ ما يأتي إن شاء اللّه تعالى ممّا يدلّ على حرمة الظلم.

و منها: حبّ الدّنيا المحرّمة:

فانه رأس كل خطيئة-كما استفاضت بذلك الأخبار 3-و ورد انّ من أحبّ دنياه أضرّ بآخرته 4، و ان اللّه تعالى قال لموسى عليه السّلام: إنّ الدنيا دار عقوبة، عاقبت فيها [آدم]عند خطيئته، و جعلتها ملعونة، ملعونا ما فيها، إلاّ ما كان فيها لي، يا موسى انّ عبادي الصالحين زهدوا في الدّنيا بقدر علمهم بي، و ساير الخلق رغبوا فيها بقدر جهلهم، و ما من أحد عظّمها فقرّت عينه بها، و لم يحقّرها أحد إلاّ انتفع بها 5.

و منها: حبّ الظالم و الفاسق و حبّ بقائه:

لما ورد من انّ من أحبّ حجرا حشره اللّه معه، و انّ من عظّم صاحب

ص:435


1- أصول الكافي:2/361 باب التهمة و سوء الظّن حديث 1.

دنيا و أحبّه لطمع دنياه سخط اللّه عليه، و كان في درجة مع قارون في التابوت الأسفل من النار (1). و انّ من أحبّ بقاء الظالمين فقد أحبّ أن يعصى اللّه (2).

و انّ من أحبّ بقاءهم فهو منهم، و من كان منهم كان ورد النّار (3).

و منها: حبس الحقوق بلا عذر:

فانّه محرّم لأنّه ظلم على أهله، بل عدّ مولانا الصادق (4)و الرضا (5)عليهما السّلام حبس الحقوق من غير عسر من الكبائر. و يدلّ على بعض المطلوب قول أبي عبد اللّه عليه السّلام ليونس بن ظبيان: من حبس حقّ المؤمن أقامه اللّه عزّ و جلّ يوم القيامة خمسمائة عام على رجليه حتى يسيل عرقه، أو دمه، و ينادي مناد من عند اللّه: هذا الظالم الذي حبس عن اللّه حقّه، قال: فيوبّخ أربعين يوما ثم يؤمر به الى النّار (6). و قوله عليه السّلام: أيّما مؤمن حبس مؤمنا عن ماله و هو محتاج إليه لم يذقه اللّه من طعام الجنّة و لا يشرب من الرحيق المختوم (7).

و منها: الحسد:

فإنّه مع ظهور اماراته بقول أو فعل معصية، و ان لم يبلغ المحسود خبره، و قد ورد

ص:436


1- وسائل الشيعة:12/131 باب 42 أبواب ما يكتسب به حديث 14.
2- وسائل الشيعة:12/134 باب 44 من أبواب ما يكتسب به حديث 5.
3- وسائل الشيعة:12/132 باب 42 أبواب ما يكتسب به حديث 17.
4- الخصال:2/610 باب خصال من شرايع الدين حديث 9.
5- عيون أخبار الرضا عليه السّلام:269 باب 34 ما كتبه الرضا عليه السّلام للمأمون في محض الاسلام و شرايع الدين.
6- أصول الكافي:2/367 باب من منع مؤمنا شيئا من عنده أو من عند غيره حديث 3.
7- عقاب الأعمال:286 عقاب من حبس حق المؤمن حديث 2.

مستفيضا أنّه ليأكل الإيمان و الحسنات كما تأكل النّار الحطب (1)، و يميث الإيمان في القلب كما يميث الماء الثلج (2). و لا يجتمع الإيمان و الحسد في قلب امرء (3). و انّ الإيمان برىء من الحسد، و انّه يشين الدّين (4). و ورد انّه آفة الدّين (5). و انّه من أصول الكفر (6).

و انّ الحاسد لا يصل عمله الى السماء السادسة، بل يضرب به وجه صاحبه (7). و انه لو قدم أحدكم ملء الأرض ذهبا على اللّه ثم حسد مؤمنا لكان ذلك الذهب ممّا يكوى به في النّار (8). و انّ الحسد حالق الدّين (9). و انّه شرّ ما استشعره قلب المرء (10)، و انّه ينكد العيش، و ينشىء الكمد، و يضني الجسد، و يزري بالنفس، و انه مقنصة إبليس الكبرى، و انه دأب السفل، و انّه شر شيمة، و أقبح سجيّة (11)، و ان أصل الحسد من عمى

ص:437


1- أصول الكافي:2/306 باب الحسد حديث 2.
2- مستدرك وسائل الشيعة:2/327 باب 55 حديث 6 و [2]في المطبوع: الملح بدلا من الثلج.
3- المصدر المتقدم.
4- مستدرك وسائل الشيعة:2/328 باب 55 حديث 18.
5- كنز الفوائد:1/136 [5] كلمات لامير المؤمنين عليه السّلام و غيره في ذم الحسد.
6- أصول الكافي:2/289 باب في أصول الكفر و أركانه حديث 1 [6] بسنده قال أبو عبد اللّه عليه السّلام أصول الكفر ثلاثة: الحرص و الاستكبار و الحسد. . . .
7- بحار الأنوار 73/262، [7] باختلاف و تصرف.
8- مستدرك وسائل الشيعة:2/327 باب 55 حديث 11.
9- أمالي الشيخ المفيد رحمه اللّه:344 المجلس الأربعون حديث 8 بسنده قال رسول اللّه صلّى اللّه عليه و آله و سلّم ذات يوم لأصحابه: ألاّ إنّه قد دبّ إليكم داء الأمم من قبلكم و هو الحسد، ليس بحالق الشعر، لكنّه حالق الدين، و ينجي منه ان يكفّ الإنسان يده، و يخزن لسانه، و لا يكون ذا غمز على أخيه المؤمن.
10- مستدرك وسائل الشيعة:2/328 باب 55 حديث 18 [9] عن الآمدي في الغرر من كلام أمير المؤمنين عليه السّلام.
11- هذه الجمل الذهبية تجدها في مستدرك وسائل الشيعة:2/328 باب 55 حديث 18 [10] نقلا-

القلب و الجحود لفضل اللّه، و هما جناجان للكفر (1). و ثمرته شقاء الدّنيا و الآخرة (2)، و انّ الحسود ذو نفس دائم، و قلب هائم، و حزن لازم 3. و أنّه لا ينال شرفا و لا يسود 4. و انّه مغتاظ على من لا ذنب له [اليه]بخيل بما لا يملكه 5، و انّه أقلّ الناس راحة، مغموم لا راحة له 6. و انّه لا خلة و لا شفاء له. و انه غضبان على القدر، و انه يفرح بالشر و يغتمّ بالسرور و انّه كثير الحسرات، متضاعف السيّئات، دائم السقم و ان كان صحيح الجسم 7. و ورد ان صحّة الجسد من قلّة الحسد 8.

قلت: و الوجه في ذلك ان الحاسد لحسرته و كدورته يسقم جسده، فهو في التعب في الدنيا و الآخرة، اما في الدنيا فلحسرته، و امّا في الآخرة فبعذاب اللّه تعالى إيّاه.

و ورد انّه لما هبط نوح عليه السّلام من السفينة أتاه إبليس فقال له: ما في الأرض رجل أعظم منّه عليّ منك، دعوت اللّه على هؤلاء الفساق فأرحتني منهم، ألا أعلّمك خصلتين، إيّاك و الحسد، فهو الذي عمل بي ما عمل، و إيّاك و الحرص فهو الذي

ص:438


1- مستدرك وسائل الشيعة:2/327 باب 55 حديث 7 [1]عن مصباح الشريعة.
2- مستدرك وسائل الشيعة:2/328 با [2]ب 55 حديث 18 عن الآمدي في الغرر من كلام أمير المؤمنين عليه السّلام.

عمل بآدم ما عمل (1). و في كون الحسد كبيرة يفسق فاعله و ان لم يبلغ حدّ الاصرار وجه.

و لا بأس بالحسد قلبا ما لم يظهر أثره (2)، يعني انّه ليس بمحرّم لكونه ممّا رفع عن هذه الأمّة (3)و إن كان من الصفات الذميمة التي ينكرها العقل السليم، من حيث انّه إذا كان حسد الحاسد لا يؤثّر انتقال ما في المحسود إلى الحاسد و لا خلو المحسود عمّا حسد فيه كان حسد الحاسد خلاف العقل المستقيم (4).

و لا بأس بالغبطة، فقد ورد ان المؤمن ليغبط، و ان المنافق ليحسد (5).

ص:439


1- الخصال:1/50 خصلتان ذكرهما إبليس لنوح عليه السّلام حديث 61.
2- روضة الكافي:8/108 حديث 86 بسنده عن أبي عبد اللّه عليه السّلام قال: ثلاثة لم ينج منها نبيّ فمن دونه، التفكّر في الوسوسة في الخلق، و الطيرة، و الحسد، إلاّ ان المؤمن لا يستعمل الحسد.
3- الخصال:2/417 رفع عن هذه الأمّة تسعة أشياء حديث 9 بسنده عن أبي عبد اللّه عليه السّلام قال قال رسول اللّه صلّى اللّه عليه و آله و سلّم: رفع عن امّتي تسعة: الخطأ، و النسيان، و ما اكرهوا عليه، و ما لا يطيقون، و ما اضطّروا إليه، و الحسد، و الطيرة، و التفكّر في الوسوسة في الخلق ما لم ينطق بشفة.
4- أقول إن الحسد غريزة طبيعية تكون في الإنسان مع خلقته يوم يولد كباقي الغرائز الحسنة و القبيحة و ما كان كذلك لا يمكن ذم المتّصف بها إلاّ من جهة إعماله لها و جميع الروايات الشريفة ناظرة إلى ان إعمال الحسد قبيح و يلام المكلف على ترك سعيه في دفع غريزة الحسد أو تضعيفها كما أشار إلى هذا الإمام الصادق عليه السّلام في الحديث الأسبق-إلاّ ان المؤمن لا يستعمل الحسد-أو قوله عليه السّلام في الحديث المتقدم-رفع عن الأمة تسعة-إلى ان قال: -ما لم ينطق بشفة-فتفطّن.
5- أصول الكافي:2/307 باب الحسد حديث 7 [1] بسنده عن أبي عبد اللّه عليه السّلام قال: ان المؤمن يغبط و لا يحسد، و المنافق يحسد و لا يغبط. أقول إن مفاد الحديث ان المؤمن لا يتمنى زوال النعمة عن الواجد لها، بل يتمنّى ان يرزق مثل تلك النعمة من دون ان يتمنى سلبها عن الواجد.

و الفرق بينهما ان الغبطه هو تمنّي وجود المغبوط به فيه من دون نظر الى زوالها عن المغبوط، و الحسد هو تمنّي زوال النعمة عن المحسود.

و منها: حفظ كتب الضلال:

بمعنى صيانتها من التلف، و اقتنائها، و نسخها لغير غرض النقض، فإنه محرّم، بل الإتلاف واجب. و لا بأس بحفظها على ظهر الخاطر لغرض صحيح، كما لا بأس بصيانتها من التلف لغرض عقلائي صحيح كالنقض و التعلّم للتقيّة في محلّها و نحو ذلك (1).

و المراد بكتب الضلال هي الكتب الموجب مطالعتها الوقوع في الضلالة بالنسبة الى غالب الناس مثل ما تضمن اثبات قدم العالم، و عدم المعاد، و انكار الصانع بالبراهين السوفسطائية الباطلة المورثة لغير الكامل الوقوع في هلكة الشبهة، و من هذا الباب الكتب المؤلفة في خلافة الثلاثة [سوى ائمّة اهل البيت (ع)]و كرامتهم بالأخبار الموضوعه الكاذبة المتناقضة، و كتب الفرق الضالّة الحادثة كالكشفيّة و البابيّة خذلهم اللّه سبحانه.

و بالجملة فالمدار على إيقاع الغالب في الضلالة، و ذلك يختلف باختلاف الأصقاع، و الأزمنة، و الكتب، و لو كان بعض ما في الكتاب موجبا للضلالة دون الباقي، اختصّ ذلك الموضع بحرمة الحفظ و وجوب الإتلاف دون الباقي، و كما يحرم حفظ كتب الضلال فكذا يحرم بيعها و شراؤها، و في حكم كتب الضلال ما اشتمل على قدح مؤمن، او أذية مسلم ممّا يذكر فيه الهجاء و المعايب بنظم أو نثر

ص:440


1- أقول كلّما يكون مضلاّ أو يكون مظنّة الإضلال يحرم إيجاده أو حفظه و اقتناؤه أو التشهير به و ترويجه اما تحديد الظلال و ما هو حقيقته و من يضل فهو امر بحثه فقهاؤنا الأعلام و استوفوا دراسته راجع المتاجر لشيخ الفقهاء الأنصاري و حاشية جدّنا الفقيه الكبير قدس سرهما و الكتب الفقهية المبسطة الاستدلالية.

صراحة أو كناية، و ما اشتمل على بيان طريق الشعبذة، و المحرّم من التسخير، بل و ما اشتمل على بيان علم الكيميا الموقع لأهل العقول الواهية في المهالك و تلف الأموال و إفناء الأعمار و صرفها فيما لا يرضي اللّه تعالى و لا رسوله صلّى اللّه عليه و آله (1).

و منها: الحكم بغير ما أنزل اللّه سبحانه، و بغير علم:

و هو من الكبائر، لقوله سبحانه و تعالى في سورة المائدة وَ مَنْ لَمْ يَحْكُمْ بِما أَنْزَلَ اَللّهُ فَأُولئِكَ هُمُ اَلْكافِرُونَ (2). و قال تعالى أيضا بعده بيسير وَ مَنْ لَمْ يَحْكُمْ بِما أَنْزَلَ اَللّهُ فَأُولئِكَ هُمُ اَلظّالِمُونَ (3)و قال جلّ شأنه بعده بيسير أيضا وَ مَنْ لَمْ يَحْكُمْ بِما أَنْزَلَ اَللّهُ فَأُولئِكَ هُمُ اَلْفاسِقُونَ (4).

و عن النبي صلّى اللّه عليه و آله انّه لم يحكم قوم بغير ما أنزل اللّه إلاّ جعل اللّه بأسهم بينهم، و ورد انّ من حكم بما لم يحكم به اللّه كان كمن شهد بشهادة زور، و يقذف به في النّار، و يعذّب بعذاب شاهد الزور (5)، و انّ من حكم في درهمن بغير ما أنزل اللّه فقد كفر (6). و انّ من حكم في درهمين بغير ما أنزل اللّه عزّ و جلّ ممّن له سوط أو عصا فهو كافر باللّه العظيم، و بما أنزل على محمّد صلّى

ص:441


1- أقول الأحكام التي ذكرها المؤلف قدس سره هنا هي التي بحثها فقهاؤنا قدس اللّه تعالى أرواحهم بحثا مسهبا راجع المتاجر-المكاسب-لشيخنا الأنصاري و الجواهر للشيخ محمد حسن قدس سرهما. و اعلم ان علم الكيمياء المذكور هنا غير الكيمياء المعروف اليوم.
2- سورة المائدة آية 44.
3- سورة المائدة آية 45.
4- سورة المائدة آية 47.
5- عقاب الأعمال:339 باب يجمع عقوبات الأعمال حديث 1.
6- تفسير العياشي:1/323 حديث 121.

اللّه عليه و آله (1). و ورد انّ من قضى بالحق و هو لا يعلم [فهو]في النار (2).

و منها: حلق اللحية:

كما مرّ في ذيل الأمر الرابع من المقام الثاني من الفصل السابع (3).

و منها: الحيف في الحكم:

و الميل مع أحد الخصمين، لما ورد عنهم عليهم السّلام من أن يد اللّه فوق رأس الحاكم ترفرف بالرحمة، فإذا حاف و كله اللّه إلى نفسه (4)، و انّه كان في بني إسرائيل قاض، و كان يقضي بالحق فيهم، فلمّا حضره الموت قال لامرأته إذا أنا متّ فغسّليني و كفّنيني و ضعيني على سريري و غطّي وجهي فإنّك لا ترين سوء، فلمّا مات فعلت ذلك، ثم مكثت بعد ذلك حينا ثم انّها كشفت عن وجهه لتنظر إليه فإذا هي بدودة تقرض منخره ففزعت من ذلك، فلما كان الليل أتاها في منامها فقال لها: أفزعك ما رأيت؟ قالت: أجل، فقال لها: اما لئن كنت فزعت ما كان الذي رأيت الاّ في أخيك فلان، أتاني و معه خصم له، فلما جلسا إليّ قلت:

اللهم اجعل الحق له و وجه القضاء على صاحبه، فلمّا اختصما إليّ كان الحق له، و رأيت ذلك مبينا في القضاء فوجهت القضاء له على صاحبه، فأصابني ما رأيت لموضع هواي كان مع موافقة الحق (5).

و منها: الخديعة:

و هي من الكبائر، لاستفاضة الأخبار بأن الخديعة في النار، و ورد عن رسول اللّه صلّى اللّه عليه و آله انّ من كان مسلما فلا يمكر و لا يخدع، فإني سمعت

ص:442


1- الكافي:7/407 باب من حكم بغير ما أنزل اللّه عزّ و جلّ حديث 1.
2- الكافي:7/407 باب أصناف القضاة حديث 1.
3- تقدّم البحث عنه إجمالا فراجع.
4- الكافي:7/410 باب من حاف بالحكم حديث 1.
5- الكافي:7/410 باب من حاف بالحكم حديث 2.

جبرئيل عليه السّلام يقول: إنّ المكر و الخديعة في النّار (1).

و منها: خذلان المؤمن:

لما ورد من انه ما من مؤمن يخذل أخاه و هو يقدر على نصرته إلاّ خذله اللّه في الدّنيا و الآخرة (2).

و منها: الخضوع للسلطان:

طمعا في دنياه لا لتقيّة و خوف، لما ورد من انّ من خضع لصاحب سلطان و لمن يخالفه على دينه طلبا لما في يده من دنياه أخمله اللّه عزّ و جلّ و مقته عليه، و وكله اليه، فان هو غلب على شيء من دنياه فصار اليه منه شيء نزع اللّه جلّ اسمه البركة منه، و لم يؤجره على شيء منه بنفقة (3)في حجّ [و لا عمرة]و لا عتق و لا برّ (4)، و انّ من تخفف و تضعضع لسلطان جائر طمعا فيه كان قرينه في النار (5).

و منها: الخلوة بالاجنبية في بيت واحد:

للنهي عن قعودهنّ مع الرجال في الخلاء (6)، و اشدّ من ذلك الخلوة بها تحت لحاف واحد، لما ورد من انّ حدّ الجلد في الزنا أن يوجدا في لحاف واحد (7).

ص:443


1- الأمالي للشيخ الصدوق:270 المجلس 46 حديث 5.
2- المحاسن:99 [2] عقاب من خذل مؤمنا 29 حديث 66.
3- في المصدر: ينفقه، و المعنى واحد.
4- عقاب الأعمال:294 عقاب من خضع لصاحب سلطان أو لمن يخالفه على دينه حديث 1.
5- الفقيه:4/6 باب ذكر جمل من مناهي النبي صلّى اللّه عليه و آله و سلّم حديث 1.
6- مكارم الأخلاق:266 الفصل التاسع في هنات تتعلق بالنساء.
7- التهذيب:10/40 باب 1 حدود الزنا حديث 141.
و منها: الخيانة:

عدّه الصادق (1)و الرّضا (2)عليهما السّلام من الكبائر، و ورد عن رسول اللّه صلّى اللّه عليه و آله انّ الخيانة في النّار (3)، و ورد انّها لا تدخل بيتا الاّ خرب و لم يعمر بالبركة (4)، و انّها تجلب الفقر (5)، و انّه ليس منّا من خان مسلما في أهله و ماله (6)، و انّ من خان أمانة و لم يردّها الى أهلها مات على غير دين الاسلام، و لقى اللّه و هو عليه غضبان، فيؤمر به الى النار، فيهوى به في شفير جهنم أبد الآبدين (7).

و منها: الدياثة:

و هي ان يرى امرأته تفجر و يسكت عنها، و قدر ورد انّ الديّوث ممّن لا يقبل اللّه منه صلاة (8). بل هي من الكبائر (9)، لما ورد من انّ اللّه تعالى خلق الجنّة من لبنتين: لبنة من ذهب و لبنة من فضة، و قال: و عزّتي و جلالي لا يدخلها

ص:444


1- الخصال:2/610 خصال من شرايع الدين حديث 9.
2- عيون أخبار الرضا عليه السّلام:269 باب 34 ما كتبه الرضا عليه السّلام للمأمون في محض الإسلام و شرايع الدين.
3- الجعفريات:171 باب المكر و الخيانة و الخديعة.
4- الخصال:1/230 أربعة لا تدخل واحدة منهن بيتا إلاّ خرب حديث 73، عقاب الأعمال: 289.
5- الكافي:5/133 باب أداء الأمانة حديث 7.
6- مستدرك وسائل الشيعة:2/505 باب 3 حديث 2.
7- عقاب الأعمال:337 باب يجمع عقوبات الأعمال حديث 1.
8- المحاسن:115 باب 55 [4] عقاب الديّوث حديث 118 بسنده عن أبي جعفر عليه السّلام قال: ثلاثة لا يقبل اللّه لهم صلاة، منهم الديّوث الذي يفجر بامرأته.
9- ليس في الروايات التي تعين الكبائر و المؤلف قدس سره أشار إلى ذلك بقوله-لما ورد.

مدمن خمر، و لا نمّام، و لا ديّوث (1)، و انّ الجنّة محرّمة على الديّوث (2)، و انّه ممّن لا يكلّمه اللّه يوم القيامة و لا يزكّيهم و لهم عذاب اليم (3).

و منها: ردّ حكم الحاكم الشرعيّ:

و هو الفقيه العادل، لما استفاض عنهم عليهم السّلام من انّ الحاكم الشرعي إذا حكم بحكم فلم يقبل منه فإنّما استخفّ بحكم اللّه، و علينا ردّ، و الرادّ علينا رادّ على اللّه، و هو على حدّ الشرك باللّه (4).

و منها: الرشا:

فإنّه محرّم، بل هو من الكبائر، لما ورد متسفيضا من انّ الرضا في الحكم

ص:445


1- الفقيه:4/256 باب 176 النوادر.
2- الكافي:5/537 باب الغيرة حديث 8.
3- الكافي:5/537 باب الغيرة حديث 7.
4- الكافي:7/412 باب كراهية الارتفاع إلى قضاة الجور حديث 5 [3] بسنده عن عمر بن حنظلة، قال: سألت أبا عبد اللّه عليه السّلام عن رجلين من أصحابنا يكون بينهما منازعة في دين أو ميراث فتحاكما إلى السلطان أو إلى القضاة أيحلّ ذلك؟ فقال: من تحاكم إلى الطاغوت فحكم له فإنّما يأخذ سحتا و ان كان حقّه ثابتا لأنّه أخذ بحكم الطاغوت، و قد أمر اللّه ان يكفر به، قلت كيف يصنعان، قال: انظروا إلى من كان منكم قد روى حديثنا و نظر في حلالنا و حرامنا و عرف أحكامنا فارضوا به حكما فإنّي قد جعلته عليكم حاكما، فإذا حكم بحكمنا فلم يقبله منه فإنّما بحكم اللّه قد استخف، و علينا ردّ و الرادّ علينا الرادّ على اللّه و هو على حدّ الشرك باللّه. أقول: ردّ حكم الحاكم الشرعي تارة ناشىء من عدم ثبوت كونه حاكما شرعيّا يجب اتباعه و يحرم مخالفته لعدم ثبوت علمه أو عدم ثبوت عدالته أو ثبوت فسقه و أخرى يكون ناشئا من عدم الاكتراث بحكمه مع ثبوت كلما يشترط في حجية حكم الحاكم و هذا القسم هو الذي يشير إليه الحديث بانه ردّ على أئمة الهدى و الردّ [4]عليهم على حدّ الشرك باللّه العظيم ثم لا يخفى انه ينبغي عدّ هذا القسم من الكبائر و اللّه العالم.

كفر باللّه العظيم (1)و انّ المرتشي مشرك (2)، و انّه ملعون على لسان رسول اللّه صلّى اللّه عليه و آله (3). و ورد انّ الرشوة سحت (4). و ان الراشي و المرتشي كلاهما ملعونان (5).

و منها: الرضا بالظلم:

لما ورد من انّ الراضي بالظلم شريك العامل بالظلم (6). و انّ من رضي شيئا كان كمن أتاه (7)، و انّه إنّما يجمع الناس الرضا و السخط، فمن رضي أمرا فقد دخل فيه، و من سخط فقد خرج منه (8)، و ورد انّ من عذر ظالما بظلمه

ص:446


1- الكافي:5/127 باب السحت حديث 3 [1] بسنده قال أبو عبد اللّه عليه السّلام: السحت انواع كثيرة منها كسب الحجّام إذا شارط، و أجر الزانية، و ثمن الخمر، فامّا الرشا في الحكم فهو الكفر باللّه العظيم.
2- عقاب الأعمال:310 عقاب والي يحتجب من حوائج الناسّ حديث 1 بسنده عن أمير المؤمنين عليه السّلام قال: ايّما وال احتجب عن حوائج الناس احتجب اللّه عنه يوم القيامة و عن حوائجه، و إن أخذ هديّة كان غلولا، و ان أخذ رشوة فهو مشرك.
3- التهذيب:6/224 باب 77 حديث 534 بسنده قال أبو جعفر عليه السّلام: لعن رسول اللّه صلّى اللّه عليه و آله و سلّم من نظر إلى فرج امرأة لا تحل له، و رجلا خان أخاه في امرأته، و رجلا احتاج الناس إليه لفقهه فسألهم الرشوة.
4- الكافي:5/126 باب السحت حديث 2.
5- مستدرك وسائل الشيعة:3/196 باب 8 حديث 8 [3] عن غوالي اللآلي عن النبي صلّى اللّه عليه و آله و سلّم انه قال لعن اللّه الرّاشي و المرتشي و ما بينهما يمشي. أقول أخذ الرشوة في الحكم حرام عند الإماميّة بالاتفاق امّا في غير الحكم ففيه نقاش علميّ ليس هذا محلّه.
6- أصول الكافي:2/333 باب الظلم حديث 16 [4] بسنده عن أبي عبد اللّه عليه السّلام قال: العامل بالظلم و المعين له، و الرّاضي به شركاء ثلاثتهم.
7- عيون أخبار الرضا عليه السّلام:151 باب 28.
8- نهج البلاغة:2/207 حديث 196 و [6]من كلام له عليه السّلام أيّها الناسّ لا تستوحشوا-

سلّط اللّه عليه من يظلمه، فان دعا لم يستجب له و لم يؤجره اللّه على ظلامته (1).

و منها: الركون الى الظالمين:

و حبّ بقائهم و صحبتهم، عدّه الصادق عليه السّلام (2)و الرضا (3)عليه السّلام من الكبائر، لقوله جلّ شأنه وَ لا تَرْكَنُوا إِلَى اَلَّذِينَ ظَلَمُوا فَتَمَسَّكُمُ اَلنّارُ 4و ورد في تفسير الركون في الآية انّه هو الرجل يأتي السلطان فيحبّ بقاءه الى ان يدخل يده الى كيسه فيعطيه 5. و ورد ان من أحب بقاء الظالمين فقد احبّ أن يعصى اللّه 6. و ان ما من جبار الاّ و معه مؤمن يدفع اللّه عزّ و جلّ به من المؤمنين، و هو أقلّهم حظّا في الآخرة، يعني أقلّ المؤمنين حظّا لصحبة الجبّار 7. و انّ قوما ممّن آمن بموسى عليه السّلام قالوا: لو أتينا عسكر فرعون فكنّا فيه و نلنا من دنياه حتّى إذا كان الّذي نرجوه من ظهور موسى عليه السّلام صرنا اليه، ففعلوا، فلمّا توجّه موسى عليه السّلام و من معه هاربين من فرعون

ص:447


1- أصول الكافي:2/334 باب الظلم حديث 18.
2- الخصال:2/610 خصال من شرايع الدين حديث 9.
3- عيون أخبار الرضا [1]عليه السّلام:269 باب 34 فيما كتبه الرضا عليه السّلام للمأمون في محض الاسلام و شرايع الدين.

ركبوا دوابّهم و أسرعوا في السير ليلحقوا موسى عليه السّلام و عسكره فيكونوا معهم، فبعث اللّه ملكا فضرب وجوه دوابّهم فردّهم الى عسكر فرعون فكانوا فيمن غرق مع فرعون (1).

و منها: الرياء:

و هو من الكبائر (2)، لما ورد من انّ من عمل عملا ممّا أمر اللّه به مراءاة الناس فهو مشرك لا يقبل اللّه عمل مراء (3). و انّه سئل رسول اللّه صلّى اللّه عليه و آله: فيم النجاة غدا؟ فقال: انّما النجاة في ان لا تخادعوا اللّه فيخدعكم، فانّه من يخادع اللّه يخدعه و يخلع منه الإيمان، و نفسه يخدع لو يشعر، قيل له: و كيف يخادع اللّه؟ قال: يعمل فيما أمره اللّه ثم يريد به غيره، فاتّقوا اللّه في الرياء فانه الشرك باللّه، انّ المرائي يدعى يوم القيامة بأربعة أسماء: يا فاجر، يا كافر، يا غادر، يا خاسر، حبط عملك و بطل أجرك، فلا خلاص لك اليوم فالتمس أجرك ممّن كنت تعمل له (4). و ورد عنه صلّى اللّه عليه و آله انّه: يؤمر برجال الى النّار فيقول لهم خازن النّار: يا أشقياء، ما كان حالكم؟ قالوا: كنّا نعمل لغير اللّه فقيل: لتأخذوا ثوابكم ممّن عملتم له (5). و عنه صلّى اللّه عليه و آله: انّه سيأتي

ص:448


1- الكافي:5/109 باب عمل السلطان و جوائزهم حديث 13.
2- أصول الكافي:2/293 باب الرياء حديث 3.
3- تفسير علي بن إبراهيم القمي:2/47 [2] في تفسير قوله تعالى شأنه فَمَنْ كانَ يَرْجُوا لِقاءَ رَبِّهِ فَلْيَعْمَلْ عَمَلاً صالِحاً وَ لا يُشْرِكْ بِعِبادَةِ رَبِّهِ أَحَداً سورة الكهف آية 110، و [3]أصول الكافي: 2/295 باب الرياء حديث 9.
4- مستدرك وسائل الشيعة:1/11 باب 11 حديث 5. [4]عقاب الأعمال:303 [5] عقاب المرائي حديث 1.
5- عقاب الأعمال:266 عقاب من عمل لغير اللّه عز و جل حديث 1 و وسائل الشيعة:1/51 باب 12 حديث 1.

على الناس زمان تخبث فيه سرائرهم و تحسن فيه علانيتهم طمعا في الدنيا، لا يريدون به ما عند ربهم، يكون دينهم رياء، لا يخالطهم خوف، يعمّهم اللّه بعقاب، فيدعونه دعاء الغريق فلا يستجيب لهم (1)، و ان الملك ليصعد بحسنات العبد مبتهجا به، فإذا صعد يقول اللّه عزّ و جلّ: اجعلوها في سجّين، انّه ليس إيّاي أراد بها (2). و انّ كل رياء شرك، و انّ من عمل للناس كان ثوابه على الناس، و من عمل للّه كان ثوابه على اللّه (3). و انّ من عمل لغير اللّه و كله اللّه الى عمله يوم القيامة (4). و ورد في تفسير قوله تعالى وَ لا يُشْرِكْ بِعِبادَةِ رَبِّهِ أَحَداً (5)انّه الرجل يعمل شيئا من الثواب لا يطلب به وجه اللّه، إنّما يطلب تزكية النفس يشتهي ان يسمع به الناس، فهذا الذي أشرك بعبادة ربّه أحدا (6). و ورد انه يجاء بالعبد يوم القيامة قد صلّى فيقول: يا ربّ قد صلّيت ابتغاء وجهك، فيقال:

بل صليت ليقال ما أحسن صلاة فلان، اذهبوا به الى النار. ثم ذكر مثل ذلك في القتال، و قراءة القران، و الصدقة (7). و ورد انّ من أراد اللّه عزّ و جلّ بالقليل من عمله أظهره اللّه أكثر ممّا أراده به، و من أراد الناس بالكثير من عمله في تعب من بدنه، و سهر من ليله، أبى اللّه الاّ أن يقلّله في عين من سمعه (8). . الى غير

ص:449


1- أصول الكافي:2/296 باب الرياء حديث 14.
2- أصول الكافي:2/294 باب الرياء حديث 7. [2] في الأصل: اراد به.
3- أصول الكافي:2/293 باب الرياء حديث 3.
4- أصول الكافي:2/297 باب الرياء حديث 17.
5- سورة الكهف آية 110.
6- أصول الكافي:2/293 باب الرياء حديث 4.
7- وسائل الشيعة:1/53 باب 12 حديث 10.
8- أصول الكافي:2/296 باب الرياء حديث 13. [8] أقول ان حق العبّودية ان لا يرى العبد سوى معبوده في عبادته و من خالف ذلك فقد أشرك في عبادته مع معبوده آخر و هو في حدّ الشرك-

ذلك ممّا يعسر استقصاؤه من الأخبار.

و منها: الزنا:

عدّه مولانا الصادق (1)و الكاظم (2)و الرضا (3)و الجواد (4)عليهم السّلام من الكبائر، و استدل غير واحد منهم عليهم السّلام لكونه كبيرة بقوله عزّ شأنه:

وَ مَنْ يَفْعَلْ ذلِكَ يَلْقَ أَثاماً* يُضاعَفْ لَهُ اَلْعَذابُ يَوْمَ اَلْقِيامَةِ وَ يَخْلُدْ فِيهِ مُهاناً 5و ورد عن النبي صلّى اللّه عليه و آله و الأئمّة عليهم السّلام أنّه لا يزني الزاني و هو مؤمن 6. و انّ الزنا يمحق البركة، و يهلك الدين 7، و يذهب بماء الوجه و نوره 8، و البهاء، و يقطع الرزق 9، و يورث الفقر، و ينقص العمر 10، و يعجّل الفناء 11، و يخرب البيت على وجه لا يعمر بالبركة، و يدع الديار بلاقع، و يسخط الرحمان، و يورث سوء الحساب، و يخلد في النّار، نعوذ

ص:450


1- الخصال:2/610 باب خصال من شرايع الدين ح [1]ديث 9.
2- أصول الكافي:2/285 باب الكبائر حديث 24.
3- عيون أخبار الرضا عليه السّلام:269 باب 34 ما كتبه الرضا عليه السّلام للمأمون في محض الاسلام و شرايع الدين.
4- أصول الكافي:2/285 باب الك [2]بائر حديث 24.

باللّه من النّار (1). و انّ الطير لو زنى لتناثر ريشه (2). و انّ الزاني إذا زنى فارقه روح الإيمان، فإذا قام ردّ عليه، لكن ما أكثر من يريد أن يعود، ثم لا يعود اليه الإيمان (3)، و انّ الارض تعجّ الى اللّه من الزنا (4). و انّ كثرة الزنا تورث كثرة موت الفجأة (5). و أوحى اللّه تعالى الى موسى عليه السّلام: لا تزنوا فتزني نساؤكم، من وطأ فراش امرىء مسلم وطىء فراشه، كما تدين تدان (6). و أوحى أيضا اليه: لا تزن فأحجب عنك نور وجهي، و تغلق أبواب السماء دون دعائك (7).

و تشتدّ الحرمة في زنا المحصنة، كما يكشف عن ذلك شدّة حدّه و هو الرجم.

و قد ورد انّ ثلاثة لا يكلّمهم اللّه و لا يزكّيهم و لهم عذاب أليم منهم المرأة توطىء فراش زوجها (8). و عن النبي صلّى اللّه عليه و آله: انّ من فجر بامرأة و لها بعل انفجر من فرجهما من صديد جهنم واد مسيرة خمسمائة عام يتأذّى أهل النار من نتن ريحهما، و كانا من أشد النّاس عذابا (9).

و يحرم مقدمات الزنا أيضا كالجلوس بين الرجلين و الألتزام و الملامسة و التقبيل و النظر، و ورد عن الصادقين عليهما السّلام انّهما قالا: ما من أحد إلا

ص:451


1- الكافي:5/542 باب الزاني حديث 9، و [1]الفقيه:4/13 باب 3 حديث 11.
2- الكافي:5/542 باب الزاني حديث 8.
3- المحاسن:101 حديث 93 باب 46.
4- الفقيه:4/13 باب 3 حديث 12.
5- الكافي:5/541 باب الزاني حديث 4.
6- المحاسن:107 باب 46 [5] عقاب الزاني حديث 94.
7- ذيل الحديث المتقدم.
8- الكافي:5/543 باب الزانية حديث 1.
9- وسائل الشيعة:14/238 باب 2 حديث 5.

و هو يصيب حظا من الزنا، فزنا العينين النظر، و زنا الفم القبلة، و زنا اليدين اللّمس، صدّق الفرج ذلك أم كذّب (1).

و منها: سبّ المؤمن:

لما ورد من انّ سباب المؤمن كالمشرف على الهلكة (2). و ان سباب المؤمن فسوق، و قتاله كفر، و أكل لحمه معصية، و حرمة ماله كحرمة دمه (3). و من وصايا النّبي صلّى اللّه عليه و آله: لا تسبّوا الناس فتكتسبوا العداوة بينهم (4). و ورد انّ البادي من المتاسبّين أظلم، و وزره و وزر صاحبه عليه، ما لم يعتذر الى المظلوم (5).

و في رواية: ما لم يعتد المظلوم (6). و مقتضى جعله عليه السّلام سباب المؤمن فسوقا كونه من الكبائر (7).

ص:452


1- الكافي:5/559 باب النوادر حديث 11.
2- أصول الكافي:2/359 باب السباب حديث 1.
3- أصول الكافي:2/359 باب السباب حديث 2.
4- أصول الكافي:2/360 باب السباب حديث 3. باختلاف يسير.
5- أصول الكافي:2/360 باب السباب حديث 4.
6- مستدرك وسائل الشيعة:2/109 باب 138 حديث 4.
7- أصول الكافي:2/359 باب السباب حديث 1. أقول: مجرّد سبّ المؤمن حرام اما انّه يوجب سقوط عدالة السابّ و لو لمرة واحدة ففيه كلام و نقاش لأن العدالة هي ملكة نفسيّة متأصلّة في النفس نعم الإصرار على السّب و تكرر ذلك يعدّ اصرارا على المحرّم و عنده يصح إطلاق الفسوق و يمكن عدّ الإصرار على السب من الكبائر و اللّه العالم.
و منها: السحر:

عدّه النبيّ صلّى اللّه عليه و آله (1)و الكاظم (2)و الرضا (3)و الجواد (4)عليهم السّلام من الكبائر. و قال اللّه سبحانه وَ اِتَّبَعُوا ما تَتْلُوا اَلشَّياطِينُ عَلى مُلْكِ سُلَيْمانَ وَ ما كَفَرَ سُلَيْمانُ وَ لكِنَّ اَلشَّياطِينَ كَفَرُوا يُعَلِّمُونَ اَلنّاسَ اَلسِّحْرَ وَ ما أُنْزِلَ عَلَى اَلْمَلَكَيْنِ بِبابِلَ هارُوتَ وَ مارُوتَ وَ ما يُعَلِّمانِ مِنْ أَحَدٍ حَتّى يَقُولا إِنَّما نَحْنُ فِتْنَةٌ فَلا تَكْفُرْ فَيَتَعَلَّمُونَ مِنْهُما ما يُفَرِّقُونَ بِهِ بَيْنَ اَلْمَرْءِ وَ زَوْجِهِ وَ ما هُمْ بِضارِّينَ بِهِ مِنْ أَحَدٍ إِلاّ بِإِذْنِ اَللّهِ وَ يَتَعَلَّمُونَ ما يَضُرُّهُمْ وَ لا يَنْفَعُهُمْ وَ لَقَدْ عَلِمُوا لَمَنِ اِشْتَراهُ ما لَهُ فِي اَلْآخِرَةِ مِنْ خَلاقٍ وَ لَبِئْسَ ما شَرَوْا بِهِ أَنْفُسَهُمْ لَوْ كانُوا يَعْلَمُونَ (5)و استدلّ مولانا الجواد عليه السّلام لكونه كبيرة (6)بقوله عزّ و جلّ:

وَ لَقَدْ عَلِمُوا لَمَنِ اِشْتَراهُ ما لَهُ فِي اَلْآخِرَةِ مِنْ خَلاقٍ (7).

ثم كما يحرم عمله فكذا يحرم تعلّمه و تعليمه للعمل به. و ورد انّ الساحر ملعون (8)، و انّه كالكافر و الكافر في النار (9). و انّ مدمن السحر لا يدخل الجنّة (10)، و ان من تعلّم شيئا من السحر قليلا أو كثيرا فقد كفر، و كان آخر

ص:453


1- الخصال:2/364 باب السبعة الكبائر سبع حديث 57.
2- أصول الكافي:2/285 باب الكبائر حديث 24.
3- الحديث المتقدم.
4- الحديث السابق.
5- سورة البقرة آية 102.
6- أصول الكافي:2/286 باب الكبائر حديث 24.
7- سورة البقرة آية 102.
8- الخصال:1/297 خمسة ملعونون حديث 67.
9- ذيل الحديث المتقدم.
10- الخصال:1/179 ثلاثة لا يدخلون الجنّة حديث 243.

عهده بربّه، و حدّه أن يقتل، إلا أن يتوب قبل ثبوت ذلك عليه (1). و انّ ساحر المسلمين يقتل و ساحر الكفار لا يقتل، لأنّ الكفر أعظم من السحر، و لأنّ السحر و الشرك مقرونان (2)، و ورد المنع من السحر حتى للتحبيب، فإن امرأة قالت لرسول اللّه صلّى اللّه عليه و آله: انّ لي زوجا و به غلظة عليّ، و انّي صنعت شيئا لأعطفه عليّ، فقال رسول اللّه صلّى اللّه عليه و آله: أفّ لك! كدّرت البحار، و كدّرت الطين، و لعنتك الملائكة الأخيار، و ملائكة السماء و الأرض. قال الامام عليه السّلام فصامت المرأة نهارها، و قامت ليلها، و حلقت رأسها، و لبست المسوح، فقال صلّى اللّه عليه و آله: انّ ذلك لا يقبل منها (3).

نعم لا بأس بحلّ السحر بالسحر، حتّى ورد انّ توبة الساحر ان يحلّ و لا يعقد (4)، كما لا بأس بتعلّمه لا للعمل، او للحلّ فقط دون العقد، أو لتعجيز من استند اليه في دعوى النبوّة (5).

و حقيقته معروفة عند أهله، و كلمات اللغويّين و الفقهاء رضى اللّه عنهم مختلفة في بيان حدّه، و الذي يقوى في النفس هو حرمة كلّ ما يسمّى سحرا عرفا سواء كان من قبيل استحداث الخوارق بمجرد التأثيرات النفسانيّة، أو من باب الاستعانة بالفلكيّات فقط، او على سبيل تمزيج القوى السماوية بالقوى الأرضيّة، أو على سبيل الاستعانة بالأرواح الساذجة. . او غير ذلك ممّا يسمّى سحرا، أو إضرارا بالغير و قهرا له و ان لم يسمّ سحرا، و الحقّ انّ لجملة من أقسامه

ص:454


1- قرب الاسناد:71.
2- الفقيه:3/371 باب 179 معرفة الكبائر التي أوعد اللّه عز و جل عليها النار حديث 1752.
3- الجعفريات:99 باب التغليظ في السحر.
4- قرب الاسناد:25.
5- الموارد المذكورة استثنى الفقهاء حرمتها فراجع.

حقيقة، و ليس مجرد تخيّل للناظر (1).

و منها: السرقة:

عدّه الصادق (2)و الرضا (3)عليهما السّلام من الكبائر، و ورد انّه لا يسرق السارق و هو مؤمن (4). و ان أربعا لا يدخل بيتا واحدة منهن إلاّ خرب و لم يعمر بالبركة: الخيانة، و السرقة، و شرب الخمر، و الزنا (5). و قد أمر اللّه تعالى بقطع يد السارق (6)، و قال الرّضا عليه السّلام انّ علّة قطع اليمين من السارق لأنّه يباشر الأشياء بيمينه، و هي أفضل أعضائه و أنفعها له، فجعل قطعها نكالا و عبرة للخلق، لئلاّ يبتغوا الأموال من غير حلّها، و لأنّه أكثر ما يباشر السرقه بيمينه، و حرّم غصب الأموال و أخذها من غير حلّها، لما فيه من أنواع الفساد، و الفساد محرّم لما فيه من الفناء و غير ذلك من وجوه الفساد، و حرّم السرقة لما فيها من فساد الأموال و قتل الأنفس لو كانت مباحة، و لما يأتي في التغاصب من القتل و التنازع و التحاسد، و ما يدعو الى ترك التجارات و الصناعات في المكاسب و اقتناء الأموال إذا كان الشيء المقتنى لا يكون أحد أحقّ به من أحد (7).

ص:455


1- أقول الحكم بكليته موضع وفاق فقهائنا رضوان اللّه تعالى عليهم و لكن في بعض صوره نقاش علمي فتدّبر.
2- الخصال:2/610 خصال من شرايع الدين حديث 9.
3- عيون أخبار الرضا عليه السّلام:269 باب 34 [1] ما كتبه الرضا عليه السّلام للمأمون في محض الاسلام و شرايع الدين.
4- مستدرك وسائل الشيعة:2/317 باب 46 حديث 17.
5- الخصال:1/230 أربعة لا تدخل واحدة منهنّ بيتا إلاّ خرب حديث 73.
6- سورة المائدة آية 37 [3]اَلسّارِقُ وَ اَلسّارِقَةُ فَاقْطَعُوا أَيْدِيَهُما جَزاءً بِما كَسَبا نَكالاً مِنَ اَللّهِ، وَ اَللّهُ عَزِيزٌ حَكِيمٌ.
7- وسائل الشيعة:18/481 باب 1 حديث 2. -
و منها: السعي في الفساد في الأرض:

و هو من الكبائر 1، لقوله سبحانه إِنَّما جَزاءُ اَلَّذِينَ يُحارِبُونَ اَللّهَ وَ رَسُولَهُ وَ يَسْعَوْنَ فِي اَلْأَرْضِ فَساداً أَنْ يُقَتَّلُوا أَوْ يُصَلَّبُوا أَوْ تُقَطَّعَ أَيْدِيهِمْ وَ أَرْجُلُهُمْ مِنْ خِلافٍ أَوْ يُنْفَوْا مِنَ اَلْأَرْضِ ذلِكَ لَهُمْ خِزْيٌ فِي اَلدُّنْيا وَ لَهُمْ فِي اَلْآخِرَةِ عَذابٌ عَظِيمٌ 2.

و منها: السفه:

و يكون الانسان ممّن يتّقى شرّه، لما ورد من انّ السفه لا يكون في قلب العالم 3. و قال الصادق عليه السّلام: لا تسفهوا فإنّ أئمّتكم ليسوا بسفهاء 4.

و ورد انّ السفه خلق لئيم، يستطيل على من دونه، و يخضع لمن فوقه 5. و ان من كافى السفيه بالسفه فقد رضى بمثل ما أتى به حيث احتذى مثاله 6، و ورد انّ أبغض خلق اللّه عبد اتّقي لسانه 7. و انّ شرّ الناس يوم القيامة الّذين

ص:456

يكرمون اتّقاء شرّهم (1). و انّ من خاف الناس لسانه فهو في النّار (2). و انّ من شرّ عباد اللّه من تكره مجالسته لفحشه (3).

و منها: شرب الخمر:

و قد عدّه مولانا الكاظم (4)و الرضا (5)و الجواد (6)عليهم السّلام من الكبائر. و ورد انّ اللّه حرّم الخمر لفعلها و فسادها (7)، و ان مدمن الخمر كعابد وثن (8)، تورثه الارتعاش، و تذهب بنوره، و تهدم مروءته، و تحمله على أن يجترىء على [ارتكاب]المحارم و سفك الدماء، و ركوب الزنا، و لا يؤمن إذا سكر أن يثب على حرمه و هو لا يعقل ذلك، و الخمر لا يزداد شاربها إلاّ كلّ شرّ (9).

و لا فرق في حرمتها بين قليلها و كثيرها، لما ورد من انّ ما أسكر كثيره فقليله حرام (10). و لا تختصّ الحرمة بالخمر بل يحرم شرب كلّ ما يسكر (11).

ص:457


1- أصول الكافي:2/327 باب من يتقى شرّه حديث 4.
2- أصول الكافي:2/327 باب من يتقى شره برقم 3.
3- أصول الكافي:2/326 باب من يتقى شرّه حديث 1.
4- أصول الكافي:2/285 باب الكبائر حديث 24.
5- الحديث المتقدم.
6- الحديث السابق.
7- علل الشرايع:476 باب 224 [5] علة تحريم الخمر حديث 2.
8- ثواب الأعمال:289 عقاب الخيانة و السرقة و شرب الخمر و الزنا حديث 2.
9- علل الشرايع:476 باب 224 [6] علّة تحريم الخمر حديث 2.
10- الكافي:6/409 باب انّ رسول اللّه صلّى اللّه عليه و آله و سلّم حرم كل مسكر قليله و كثيره حديث 8.
11- الكافي:6/417 باب النبيذ حديث 6. [8] أقول: لا خلاف في حرمة شرب كل مسكر قليله و كثيره عند الإماميّة كما و لا خلاف في كون-
و منها: الشعبذة:

بالذال المعجمة على الصحيح، و هي لعبة تري الناس بها ما ليس له حقيقة بسبب حركات سريعة توجب الالتباس، و هي محرّمة كأجرتها و تعلّمها و تعليمها، إلاّ أن يكون التعلّم لغرض صحيح كردّ من ادّعى النبوّة و نحوها بها (1)، و قد عدّها مولانا الصادق عليه السّلام من أقسام السحر (2)، فيشملها ما مرّ فيه.

و منها: شهادة الزور:

عدّها مولانا الصادق (3)و الكاظم (4)و الرّضا (5)و الجواد (6)عليهم السّلام من الكبائر، و ورد انّ شاهد الزور لا تزول قدماه حتّى تجب له النّار (7). و انّه ما من رجل يشهد بشهادة زور على مال رجل مسلم ليقطعه إلاّ كتب اللّه له مكانه

ص:458


1- الشعبذة أفعال و تمويه [1]ات و حركات سريعة تظهر منها للناظر أمور لا حقيقة لها بحيث تنطلي على الناظر، و حيث انه لا حقيقة و لا واقع لها حكموا بحرمتها و حرمة أخذ الأجرة على عملها أو تعليمها، و الحكم لا خلاف فيه إجمالا و في بعض الصور نقاش علمي تراجع الأسفار الفقهية الاستدلالية كالجواهر و منتهى المقاصد.
2- الاحتجاج للطبرسي:2/22 احتجاج ابو عبد اللّه الصادق عليه السّلام في انواع شتى من العلوم الدينية.
3- الخصال:2/610 خصال من شرايع الدين حديث 9.
4- أصول الكافي:2/285 باب الكبائر حديث 24.
5- عيون أخبار الرضا عليه السّلام:269 باب 34 ما كتبه الرضا عليه السّلام للمأمون في محض الاسلام و شرايع الدين.
6- أصول الكافي:2/285 باب الكبائر حديث 24.
7- الكافي:7/383 باب من شهد بالزور حديث 2.

صكّا الى النّار (1). و انّه لا يقتضي كلام شاهد الزور بين يدي الحاكم حتى يتبوّأ مقعده في النار (2). و انّ من شهد شهادة زور على أحد من الناس علق بلسانه مع المنافقين في الدرك الأسفل من النّار (3).

و منها: طلب الرياسة مع عدم الأمن من العدل:

لاستفاضة تحذير الأئمّة عليهم السّلام عنها، و ورد انّه ما خفقت النعال خلف الرجل إلاّ هلك و أهلك (4). و انّ من طلب الرياسة هلك (5). و انّه ملعون من ترأّس، ملعون من همّ بها، ملعون من حدّث نفسه بها (6). و انّ من تولّى عرافة قوم أتى يوم القيامة و يداه مغلولتان إلى عنقه فإن قام فيهم بأمر اللّه أطلقه اللّه، و إن كان ظالما هوى به في نار جهنّم و بئس المصير (7).

و منها: الطعن على المؤمن:

لو رود التحذير عنه، و قد ورد انّ ما من إنسان يطعن في عين مؤمن إلاّ

ص:459


1- الكافي:7/383 باب من شهد بالزور حديث 1.
2- الكافي:7/383 باب من شهد بالزور حديث 3.
3- عقاب الأعمال:326 باب يجمع عقوبات الأعمال حديث 1. [3] أقول: لا خلاف في حرمة شهادة الزور و انها تعدّ من المحرمات الكبيرة و عليها النص و الفتوى عند فقهائنا الإماميّة رفع اللّه تعالى شأنهم.
4- أصول الكافي:2/297 باب طلب الرّياسة حديث 3 [4] بسنده عن عبد اللّه بن مسكان، قال: سمعت أبا عبد اللّه عليه السّلام يقول: إيّاكم و هؤلاء الرؤسّاء الّذين يترأسون، فو اللّه ما خفقت النعال خلف رجل إلاّ هلك و أهلك.
5- أصول الكافي:2/297 باب طلب الرياسة حديث 2.
6- أصول الكافي:2/298 باب طلب الرياسة حديث 4.
7- وسائل الشيعة:11/282 باب 50 حديث 14. [7] أقول: طلب الرياسة من المحرّمات الكبيرة و هي من مزالّ الأقدام إلاّ أن يقيم حقّا أو يطفئ باطلا و هو نادر جدّا إلاّ ممّن عصمه اللّه تعالى شأنه.

مات بشّر ميتة و كان قمنا ان لا يرجع الى خير (1). و انّ اللّه عزّ و جلّ خلق المؤمنين من نور عظمته، و جلال كبريائه، فمن طعن عليهم او ردّ عليهم فقد ردّ على اللّه في عرشه، و ليس من اللّه في شيء، و إنّما هو شرك شيطان (2).

و منها: الظلم:

و هو من الكبائر، لقوله عزّ و جلّ إِنّا أَعْتَدْنا لِلظّالِمِينَ ناراً أَحاطَ بِهِمْ سُرادِقُها وَ إِنْ يَسْتَغِيثُوا يُغاثُوا بِماءٍ كَالْمُهْلِ يَشْوِي اَلْوُجُوهَ بِئْسَ اَلشَّرابُ وَ ساءَتْ مُرْتَفَقاً (3)و قال رسول اللّه صلّى اللّه عليه و آله: اتّقوا الظلم، فإنّه ظلمات يوم القيامة (4). و انّ اللّه عزّ و جلّ يقول: اشتدّ غضبي على من لا يجد ناصرا غيري (5). و ورد عن اهل البيت عليهم السّلام انّ ما من احد يظلم مظلمة الاّ أخذه اللّه بها في نفسه و ماله و ولده، فأمّا الظلم الّذي بينه و بين اللّه فاذا تاب غفر له (6). و انّ من ارتكب احدا بظلم بعث اللّه [عز و جل]من يظلمه بمثله، او على ولده، او على عقبه من بعده (7). و انّ قنطرة على الصراط لا يجوزها عبد بمظلمة (8). و ان ما من مظلمة لا يجد صاحبها عليها عونا الاّ اللّه (9).

ص:460


1- وسائل الشيعة:8/612 باب 160 حديث 3.
2- عقاب الأعمال:284 عقاب من طعن على المؤمنين أو ردّ عليهم قولهم حديث 1 و وسائل الشيعة: 8/612 باب 159 حديث 4. [2] أقول: لا ريب في حرمة ذلك عند الإماميّة نصّا و فتوى.
3- سورة الكهف آية 29.
4- أصول الكافي:2/332 باب الظلم حديث 10 و 11.
5- أمالي الشيخ الطوسي:2/19 الجزء الرابع [5]عشر.
6- أصول الكافي:2/332 باب الظلم حديث 9 و 12 باختلاف يسير.
7- عقاب الأعمال:322 عقاب من ظلم حديث 7.
8- عقاب الأعمال:318 [7] عقاب من ظلم حديث 2.
9- أصول الكافي:2/331 باب الظلم حديث 4.

و انّ من خاف القصاص كفّ عن ظلم النّاس (1). و انّه ما ظفر بخير من ظفر بالظلم (2). و انّ المظلوم يأخذ من دين الظالم أكثر ممّا يأخذ الظالم من مال المظلوم و دنياه (3). و انّ اللّه عزّ و جلّ يقول: و عزتي و جلالي لا اجيب دعوة مظلوم دعاني في مظلمة ظلمها و لا حد عنده تلك المظلمة (4).

و منها: ظن السوء بالمؤمن:

فقد قال اللّه تعالى اِجْتَنِبُوا كَثِيراً مِنَ اَلظَّنِّ إِنَّ بَعْضَ اَلظَّنِّ إِثْمٌ (5).

و ورد تفسيره بظن السوء، قال أمير المؤمنين عليه السّلام-في كلام له-: ضع أمر أخيك على أحسنه حتى يأتيك ما يقلبك منه، و لا تظنّن بكلمة خرجت من اخيك سوء و أنت تجد لها في الخير محملا (6).

لكن في نهج البلاغة اذا استولى الصلاح على الزمان و اهله ثم أساء رجل الظنّ برجل لم يظهر منه خزية فقد ظلم، و اذا استولى الفساد على الزمان و أهله ثم أحسن الرجل الظنّ برجل فقد غرّره (7).

ثم لا يخفى عليك انّ سوء الظنّ كالحسد في عدم ترتّب العقاب ما لم ينطق

ص:461


1- أصول الكافي:2/335 باب الظلم حديث 23.
2- أصول الكافي:2/334 باب الظلم حديث 22.
3- عقاب الأعمال:321 عقاب من ظلم حديث 5.
4- عقاب الأعمال:321 عقاب من ظلم حديث 3. أقول: إنّ الظلم من أعظم المحرّمات نصّا و فتوى و كفى فيه قوله عزّ من قائل فَوَيْلٌ لِلَّذِينَ ظَلَمُوا مِنْ عَذابِ يَوْمٍ أَلِيمٍ و عقاب الظلم يختلف باختلاف المظلوم و ما يظلم به و خصوصيات أخر أجارنا اللّه من ظلم عباده و ظلم أنفسنا و وفّقنا لدفع الظلم عن المؤمنين آمين يا ربّ العالمين.
5- سورة الحجرات آية 12.
6- أصول الكافي:2/362 باب التهمة و سوء الظنّ حديث 3 و [4]في الحديث (مجالسة الاشرار توجب ظن السوء بالاخيار) .
7- نهج البلاغة:3/177 برقم 114.

الانسان به و بقي في القلب، لانّ من جملة التسعة المرفوعة عن هذه الامّة ببركة نبيّها الأكرم صلّى اللّه عليه و آله التفكّر في الوسوسة في الخلق ما لم يظهر بلسان أو يد، فظن السوء قلبا من دون إظهاره رفعت عن هذه الامّة مؤاخذته أو جميع آثاره، و اللّه العالم.

و منها: العجب:

لما ورد عنهم عليهم السّلام من انّ من دخله العجب هلك (1). و ان إعجاب المرء بنفسه دليل على ضعف عقله (2). و انّ اللّه علم انّ الذنب خير للمؤمن من العجب، و لو لا ذلك ما ابتلي مؤمن بذنب أبدا (3). و انّ اللّه تبارك و تعالى قال:

إنّ من عبادي المؤمنين لمن يريد الباب من العبادة فأكفّه عنه لئلا يدخله عجب فيفسده (4). و انّ من عبادي المؤمنين لمن يجتهد في عبادتي، فيقوم من رقاده و لذيذ و ساده، فيتهجّد لي اللّيالي، فيتعب نفسه في عبادتي، فأضربه بالنعاس الليلة و الليلتين نظرا منّي له و اتّقاء عليه، فينام حتى يصبح، فيقوم و هو ماقت [لنفسه] زاري عليها، و لو أخلّي بينه و بين ما يريد من عبادتي لدخله العجب من ذلك، فيصيّره العجب الى الفتنة بأعماله، فيأتيه من ذلك ما فيه هلاكه لعجبه بأعماله و رضاه عن نفسه، حتى يظنّ انه قد فاق العابدين، و جاز في عبادته حدّ التقصير، فيتباعد منّي عند ذلك و هو يظن انه يتقرّب اليّ (5). الحديث.

و عن رسول اللّه صلّى اللّه عليه و آله أنّه قال موسى بن عمران عليه السّلام لإبليس: أخبرني بالذنب الذي إذا أذنبه ابن آدم استحودت عليه، قال:

ص:462


1- أصول الكافي:2/313 باب العجب حديث 2.
2- أصول الكافي:1/27 كتاب العقل و الجهل حديث 31.
3- أصول الكافي:1/313 باب العجب حديث 1.
4- وسائل الشيعة:1/78 باب 23 حديث 17.
5- أصول الكافي:2/61 باب الرضا بالقضاء حديث 4 و [5]الحديث طويل.

إذا اعجبته نفسه، و استكثر عمله، و صغر في عينه ذنبه (1).

و ورد انّ العجب درجات:

منها: ان يزيّن للعبد سوء عمله فيراه حسنا فيعجبه و يحسب انه يحسن صنعا.

و منها: ان يؤمن العبد بربّه فيمنّ على اللّه عزّ و جلّ، و للّه عليه فيه المنّ

(2)

.

و قال ابو عبد اللّه عليه السّلام انّه أتى عالم عابدا فقال له: كيف صلاتك؟ فقال: مثلي يسأل عن صلاته و انا أعبد اللّه منذ كذا و كذا؟ ، قال: فكيف بكاؤك؟ فقال: أبكي حتى تجري دموعي، فقال له العالم: فانّ ضحكك و أنت خائف أفضل من بكائك و أنت مدلّ، انّ المدلّ لا يصعد من عمله شيء (3). و عنه عليه السّلام: انّ الرجل يعمل العمل و هو خائف مشفق، ثم يعمل شيئا من البرّ فيدخله شبه العجب به، فقال: هو في حاله الأولى و هو خائف أحسن حالا منه في حال عجبه (4).

و منها: عقوق الوالدين:

عدّه النّبي صلّى اللّه عليه و آله (5)، و أمير المؤمنين (6)و الصادق (7)و الرضا (8)

ص:463


1- أصول الكافي:2/314 باب العجب حديث 8 و [1]الحديث طويل.
2- أصول الكافي:2/313 باب العجب حديث 3.
3- أصول الكافي:2/313 باب العجب حديث 5.
4- أصول الكافي:2/314 باب العجب حديث 7. [4] أقول: العجب صفة نفسانية خبيثة تهدي إلى كل سوء و شر و تردي المتصف بها إلى الهلكة و يجب السعي في التخلص منها بترويض النفس و تزكيتها و اللّه هو المعين.
5- مستدرك وسائل الشيعة:2/317 باب 46 حديث 23.
6- الخصال:1/273 الكبائر خمس حديث 16.
7- أصول الكافي:2/278 باب الكبائر حديث 8.
8- أصول الكافي:2/285 باب الكبائر حديث 24.

و الجواد (1)عليهم السّلام من الكبائر، معلّلا بانّ اللّه سبحانه جعل العاقّ جبّارا شقيّا، مشيرا بذلك الى قوله سبحانه نقلا عن عيسى بن مريم عليه السّلام وَ بَرًّا بِوالِدَتِي وَ لَمْ يَجْعَلْنِي جَبّاراً شَقِيًّا (2)بضميمة قوله سبحانه: وَ خابَ كُلُّ جَبّارٍ عَنِيدٍ* مِنْ وَرائِهِ جَهَنَّمُ وَ يُسْقى مِنْ ماءٍ صَدِيدٍ (3)و قوله سبحانه:

فَأَمَّا اَلَّذِينَ شَقُوا فَفِي اَلنّارِ لَهُمْ فِيها زَفِيرٌ وَ شَهِيقٌ (4)و ورد انّ العاقّ لا يدخل الجنّة و لا يجد ريحها (5). و انّه لا يكلّمه اللّه و لا ينظر اليه و لا يزكّيه و له عذاب أليم (6). و انّه ملعون ملعون من عقّ والديه (7). و ان من نظر الى والديه نظر ماقت و هما له ظالمان لم تقبل له صلاة (8). و انّ أكبر الكبائر الشرك، و عقوق الوالدين (9)، و من أسخط والديه فقد أسخط اللّه، و من أغضبهما فقد أغضب اللّه، و انّ أمراك أن تخرج من أهلك و مالك فاخرج لهما و لا تحزنهما (10).

و قد مرّ في أواخر الفصل الأوّل معنى البرّ بالوالدين الّذي هو ضدّ العقوق، و عن رسول اللّه صلّى اللّه عليه و آله: انّ من أحزن والديه فقد عقّهما (11).

ثم كما يمكن العقوق في الحياة فكذا بعد الموت، و قد ورد انّ الرجل

ص:464


1- أصول الكافي:2/285 باب الكبائر حديث 24.
2- سورة مريم 32.
3- سورة إبراهيم آية 15-16.
4- سورة هود آية 106.
5- أصول الكافي:2/348 باب العقوق حديث 3.
6- مستدرك وسائل الشيعة:2/631 باب 75 حديث 25.
7- أصول الكافي:2/349 باب العقوق حديث 5.
8- مشكاة الأنوار:149 الفصل الرابع عشر في حقوق الوالدين و برّهما.
9- مستدرك وسائل الشيعة:2/630 باب 75 حديث 19.
10- مستدرك وسائل الشيعة:2/630 باب 75 حديث 18.
11- الجعفريات:187.

يكون بارّا بوالديه و هما حيّان فاذا لم يستغفر لهما كتب عاقّا، و انّ الرجل يكون عاقّا لهما في حياتهما فإذا ماتا أكثر الاستغفار لهما فكتب بارا (1). و كما يحرم عقوق الوالدين البرّين المؤمنين فكذا يحرم عقوق الوالدين الكافرين، كما وردت بذلك الأخبار. نعم لو أمر الوالدان الولد بالشرك و نحوه لم يجز إطاعتهما، كما قال سبحانه: وَ إِنْ جاهَداكَ عَلى أَنْ تُشْرِكَ بِي ما لَيْسَ لَكَ بِهِ عِلْمٌ فَلا تُطِعْهُما (2).

و منها: العمل بالقياس:

و هو من الكبائر، لما ورد من انّ من قاس شيئا من الدّين برأيه قرنه اللّه مع إبليس في النّار، فانّ أوّل من قاس إبليس حين قال خَلَقْتَنِي مِنْ نارٍ وَ خَلَقْتَهُ مِنْ طِينٍ (3).

و منها: الغش:

فقد ورد عنهم انّه ليس منّا من غشّ مسلما (4). و انّ من غشّ مسلما في

ص:465


1- أصول الكافي:2/163 باب البر بالوالدين حديث 21 و [1]الحديث هكذا بسنده عن أبي جعفر عليه السّلام قال: ان العبد ليكون بارّا بوالديه في حياتهما ثم يموتان فلا يقضي عنهما ديونهما، و لا يستغفر لهما فيكتبه اللّه عاقا، و انه ليكون عاقا لهما في حياتهما غير بارّ بهما فإذا ماتا قضى دينهما و استغفر لهما فيكتبه اللّه عز و جل بارّا.
2- سورة لقمان آية 15. و [2]سورة العنكبوت آية 8. [3] أقول: لكلّ من الصفات المذمومة أثرها الوضعي في حياة الإنسان سوى الحكم التكليفي و عقوق الوالدين له أثره الوضعي في هذه النشأة عظيم و من تلك الآثار ان العاق لا يوفق في شؤون حياته العامة و حتى الخاصة و ربّما ذرّيته نالهم من عدم الموفقية المذكورة و شاهدنا ذلك في مجتمعنا كثيرا فتفطّن.
3- سورة الأعراف آية 12، و [4]الخصال:2/615 حديث الاربعمائة.
4- عيون أخبار الرضا عليه السّلام:198 بسنده قال رسول اللّه صلّى اللّه عليه و آله و سلّم ليس-

شراء أو بيع فليس منّا و يحشر يوم القيامه مع اليهود، لأنهم أغشّ الخلق للمسلمين (1). و انّ من غش النّاس فليس بمسلم (2). و انّه ليس من المسلمين من غشّهم (3). و انّ من بات و في قلبه غشّ لأخيه المسلم بات في سخط اللّه و أصبح كذلك حتّى يتوب (4)، و انّ من غشّ أخاه المسلم نزع اللّه بركة رزقه، و أفسد عليه معيشته، و وكله الى نفسه (5)، و قد مثّلوا للغش بشوب اللبن بالماء (6)، و مزج المايعات من المقطّرات و الشرابت و نحوها بالماء و نحوه، و مزج الأعلى من شيء بالأدنى من جنسه أو غيره، و وضع الحرير في البرودة ليكتسب ثقلا، و تعمّد ما يظهر الصفة المليحة و يخفى القبيحة و نحو ذلك (7). و ورد ان البيع في الظلال غشّ، و الغشّ لا يحلّ (8)، و المدار على كلّ ما يسمى غشّا عرفا (9).

ص:466


1- الفقيه:4/8 باب ذكر جمل من مناهي النبي صلّى اللّه عليه و آله و سلّم حديث 1.
2- عقاب الأعمال:334 باب يجمع عقو [1]بات الأعمال.
3- الكافي:5/160 باب الغش حديث 2.
4- عقاب الأعمال:335 باب يجمع عقوبات الأعمال.
5- عقاب الأعمال:337 باب يجمع عقو [2]بات الأعمال.
6- الكافي:5/160 باب الغش حديث 5.
7- أقول كل هذه الموارد هي مصاديق [3] للغش، و البرودة أي المكان البارد الرطب.
8- الكافي:5/160 باب الغش حديث 6.
9- أقول الغش هو إظهار البايع ظاهر متاعه بخلاف باطنه و واقعه و هو تارة يظهر الغش بالفحص كجعل حنطة جيدة في ما يظهر و حنطة ردّيه فيما خفى و تارة لا يظهر الغش بالفحص كشوب اللبن بالماء و حيث ان تحديد مصاديق ذلك متفاوتة مختلفة كثيرا فلا بد من تحكيم العرف في تشخيص الموضوع و بعد تحقق الموضوع و تشخيصه فالحكم بالحرمة ممّا لا خلاف فيه.
و منها: عمل الصور و التماثيل:

مجسّمة او غيرها، اذا كان المصوّر ذا روح، لما ورد عن النبي صلّى اللّه عليه و آله من النهي عن التصاوير، و انّه قال: من صوّر صورة كلّفه اللّه تعالى يوم القيامة ان ينفخ فيها و ليس بنافخ (1). و لا بأس بتصوير غير ذي الروح و ان كانت الصورة مجسّمة، و يعتبر في الحرمة القصد الى التصوير و الحكاية (2)، و يطلب فروع ذلك من المناهج (3).

و منها: الغلول:

عدّه الكاظم (4)و الرضا (5)و الجواد (6)عليهم السّلام من الكبائر مستندا الى قوله عزّ و جلّ وَ مَنْ يَغْلُلْ يَأْتِ بِما غَلَّ يَوْمَ اَلْقِيامَةِ (7).

ص:467


1- الفقيه:4/3 باب ذكر جمل من مناهي النبي صلّى اللّه عليه و آله و سلّم حديث 1.
2- المحاسن:619 باب 5 [1] تزويق البيوت و التصاوير حديث 54 و 55 و 56. أقول: من الواضح جدّا إن التكاليف الشرعية مبتنية على فعلها عن قصد أمّا إذا وقعت لا عن قصد فليست موضوعا للحكم و لا يترتب عليه حكم تكليفي أصلا و لهذا قيد المؤلف قدس سره الحرمة بالقصد إلى التصوير و للمسألة صور كثيرة و مباحث جليلة تصدى لشرحها فقهاؤنا رضوان اللّه عليهم.
3- مناهج المتقين تأليف فقيد العلم و التقى سيدي الوالد رضوان اللّه تعالى عليه و هو من أبسط المتون الفقهية و أوسعها و أشملها للفروع المبتلى بها و هو من أول كتاب الطهارة إلى كتاب الديات وفقنا اللّه لشرحه استدلاليا.
4- أصول الكافي:2/285 باب الكبائر حديث 24.
5- الحديث المتقدم.
6- الحديث السابق.
7- سورة آل عمران آية 161. و [2]الغلول: الخيانة، يقال ذلك لإنّ الأيدي فيها مغلولة أي ممنوعة مجعول فيها غلّ و هي الحديدة التي تجمع يد الأسير الى عنقه. أقول: الحكم إجماعي نصا و فتوى و اللّه سبحانه العالم.
و منها: الغناء:

و هو من الكبائر، لقوله جل شأنه وَ مِنَ اَلنّاسِ مَنْ يَشْتَرِي لَهْوَ اَلْحَدِيثِ لِيُضِلَّ عَنْ سَبِيلِ اَللّهِ بِغَيْرِ عِلْمٍ وَ يَتَّخِذَها هُزُواً أُولئِكَ لَهُمْ عَذابٌ مُهِينٌ (1)بضميمة ما ورد مستفيضا من تفسير لهو الحديث بالغناء، كما فسّر به قوله تعالى وَ اِجْتَنِبُوا قَوْلَ اَلزُّورِ (2)(3)و ورد انّ الغناء ممّا وعد اللّه عليه النّار (4).

و انّه يورث النفاق و ينبته كما ينبت الماء الزرع (5). و انّه يعقب الفقر (6)و انّ بيت الغناء لا تؤمن فيه الفجيعة، و لا تجاب فيه الدعوة، و لا يدخله الملك (7). و انّ الغناء غش النفاق (8). و انّ اللّه اذا ميّز بين الحقّ و الباطل كان الغناء مع الباطل (9)،

ص:468


1- سورة لقمان آية 6.
2- سورة الحج آية 30.
3- الكافي:6/431 باب الغناء حديث 5 [3] بسنده. عن أبي بصير قال سألت أبا عبد اللّه عليه السّلام عن قول اللّه عزّ و جلّ: فَاجْتَنِبُوا اَلرِّجْسَ مِنَ اَلْأَوْثانِ وَ اِجْتَنِبُوا قَوْلَ اَلزُّورِ قال الغناء.
4- الكافي:6/431 باب الغناء حديث 4 [4] بسنده عن محمد بن مسلم عن أبي جعفر عليه السّلام قال: سمعته يقول: الغناء ممّا وعد اللّه عزّ و جلّ عليه النار، و تلا هذه الآية: وَ مِنَ اَلنّاسِ مَنْ يَشْتَرِي لَهْوَ اَلْحَدِيثِ لِيُضِلَّ عَنْ سَبِيلِ اَللّهِ. . . .
5- الكافي:6/434 باب الغناء حديث 23.
6- الخصال:1/24 خصلة تورث النفاق و تعقّب الفقر حديث 84.
7- الكافي:6/433 باب الغناء حديث 15.
8- الكافي:6/431 باب الغناء حديث 2.
9- الكافي:6/435 باب الغناء حديث 25 [8] بسنده عن علي بن الريّان، عن يونس قال: سألت الخراساني عليه السّلام و قلت: انّ العباسيّ ذكر انّك ترخّص في الغناء، فقال كذب الزنديق ما هكذا قلت له: سألني عن الغناء فقلت له: انّ رجلا اتى أبا جعفر عليه السّلام فسأله عن الغناء، فقال: يا فلان إذا ميّز اللّه بين الحقّ و الباطل فانّى يكون الغناء، فقال: مع-

و سئل الصادق عليه السّلام عن الغناء فقال: لا تدخلوا بيوتا اللّه معرض عن أهلها (1). و انّ إبليس اوّل من تغنى (2).

و حقيقته-على الأظهر-ترجيع الصوت على وجه يلهي و يوافق ألحان أهل الفسوق و الكبائر، فهو كيفيّة في الصوت لا نفسه، و لا فرق في تحريمه بين أن يكون في نظم، أو نثر، أو قرآن، أو دعاء، أو رثاء على الأظهر، و كلّ ما (3)يحرم الغناء يحرم استماعه و تعليم الغير إيّاه، و قد ورد ان تعليم الغناء كفر، و الاستماع له نفاق، و أجرته سحت (4)، و اما السماع غير المؤدّى الى الاستماع فلا بأس به إذا لم يقصده و لم يعدّ سماعه إعانة، و الأحوط لزوما ترك الجلوس في مجلس الغناء حتى مع عدم الاستماع مع القدرة على مفارقته. و قد ورد المنع منه معلّلا بانّ اللّعنة إذا نزلت عمّت أهل المجلس، و لا بأس بالهلهولة (5)، و الحوراب، و مناغاة الأطفال (6)، و أصوات البنائين عند الاشتغال بالبناء ما لم يندرج في موضوع الغناء عرفا، و جوّز الاكثر الحداء-بالضمّ و المدّ-، و هو صوت يرجّع فيه للسير بالإبل، و لم أقف له على دليل، و عمومات حرمة الغناء بعد اندراجه فيه موضوعا تشمله (7).

ص:469


1- الكافي:6/434 باب الغناء حديث 18 [1].
2- الكافي:6/431 باب الغناء حديث 3.
3- كذا، و الظاهر: و كما.
4- مستدرك وسائل الشيعة:2/459 باب 80 حديث 3.
5- الهلهلة ترجيع خاص للصوت عند العرب لا تحدث طربا، و الحوراب هو الص [2]وت العالي بمدّ خاص.
6- المناغاة هي مكالمة الصبّي بما يعجبه و يسّره. مجمع البحرين 1/418.
7- ما ذكره المؤلف قدس س [3]ره في تعريف الغناء-بانه-ترجيع الصوت على وجه يلهى و يوافق-
و منها: الفتنة:

و هي من الكبائر، لقوله عزّ من قائل في سورة البقرة وَ اَلْفِتْنَةُ أَشَدُّ مِنَ اَلْقَتْلِ (1)و بعده بيسير وَ اَلْفِتْنَةُ أَكْبَرُ مِنَ اَلْقَتْلِ 2و قال عزّ شأنه في سورة البروج: إِنَّ اَلَّذِينَ فَتَنُوا اَلْمُؤْمِنِينَ وَ اَلْمُؤْمِناتِ ثُمَّ لَمْ يَتُوبُوا فَلَهُمْ عَذابُ جَهَنَّمَ وَ لَهُمْ عَذابُ اَلْحَرِيقِ 3.

و منها: الفتوى بغير ما أنزل اللّه تعالى و بغير علم:

و هي من الكبائر، و قد ورد أنّ من أفتى النّاس بغير علم و لا هدى من اللّه لعنته ملائكة الرّحمة، و ملائكة العذاب، و ملائكة الأرض، و ملائكة السماء، و لحقه وزر من عمل بفتياه. و انّ بالفتوى بالرأي هلك من هلك 4. و انّ اللّه يعذّب اللسان بعذاب لا يعذّب به شيئا من الجوارح، فيقول: أي ربّ عذّبتني بعذاب لم تعذّب به شيئا؟ فيقال له: خرجت عنك كلمة فبلغت مشارق الارض و مغاربها فسفك بها الدم الحرام، و انتهب بها المال الحرام، و انتهك بها

ص:470


1- سورة البقرة آية 191.

الفرج الحرام، و عزّتي لأعذبنّك بعذاب لا أعذّب به شيئا من جوارحك (1).

و منها: الفحش:

لما ورد من انّ اللّه يبغض الفاحش المتفحّش (2). و انّ من علامات شرك الشيطان الذي لا يشكّ فيه ان يكون فحّاشا لا يبالي ما قال و ما قيل فيه (3).

و انّ الفحش و البذاء و السلاطة من النّفاق (4). و انّ من فحش على أخيه المسلم نزع اللّه [منه]بركة رزقه، و وكله الى نفسه، و أفسد عليه معيشته (5). و انّ من شرّ عباد اللّه من تكره مجالسته لفحشه (6). و قد ورد المنع من الفحش حتّى من المظلوم على الظالم (7).

ص:471


1- مستدرك وسائل الشيعة:3/174 باب 4 حديث 21. [1] أقول: الفتوى بغير ما أنزل اللّه تعالى من المحرمات الكبيرة و ربّما أوجبت الخلود في النار كما إذا أوجبت سفك دم مؤمن أجارنا اللّه تعالى من المخزيات يوم الحساب.
2- أصول الكافي:2/324 باب البذاء حديث 4.
3- أصول الكافي:2/323 باب البذاء حديث 1.
4- وسائل الشيعة:11/228 باب 71 حديث 10 [4] بسنده عن أبي عبد اللّه عليه السّلام في حديث قال: إنّ الحياء و العفاف و العيّ أعني عيّ اللسان لا عيّ القلب من الإيمان، و الفحش و البذاء و السلاطة من النفاق.
5- أصول الكافي:2/325 باب البذاء حديث 13.
6- وسائل الشيعة:11/328 باب 71 حديث 8.
7- وسائل الشيعة:11/328 باب 71 حديث 7. [7] أقول: الفحش من الرذائل و إذا فحش المؤمن لزمه الاستغفار و ان أصّر على الفحش كان فحاشا و مصّرا على الحرام و موجبا لسقوط عدالته إن كان عادلا و مستحقا للعذاب عصمنا اللّه تعالى من الرذائل.
و منها: الفرار من الزحف:

عدّه الرسول الأكرم صلّى اللّه عليه و آله (1)و أمير المؤمنين (2)و الصادق (3)و الكاظم (4)و الرضا (5)و الجواد (6)عليهم أفضل الصلاة و السّلام من الكبائر، مستندا الى قوله عزّ و جلّ وَ مَنْ يُوَلِّهِمْ يَوْمَئِذٍ دُبُرَهُ إِلاّ مُتَحَرِّفاً لِقِتالٍ أَوْ مُتَحَيِّزاً إِلى فِئَةٍ فَقَدْ باءَ بِغَضَبٍ مِنَ اَللّهِ وَ مَأْواهُ جَهَنَّمُ وَ بِئْسَ اَلْمَصِيرُ (7).

و قال أمير المؤمنين عليه السّلام-في كلام له-: و ليعلم المنهزم بأنّه مسخط ربّه، و موبق نفسه، و انّ في الفرار موجدة اللّه، و الذلّ اللازم، و العار الباقي، و انّ الفارّ لغير مزيد في عمره، و لا محجوز بينه و بين يومه، و لا يرضي ربّه. و لموت الرجل محقّا قبل إتيان هذه الخصال خير من الرضا بالتلبس بها، و الإقرار عليها (8).

ص:472


1- الخصال:2/364 الكبائر سبع حديث 57.
2- أصول الكافي:2/278 باب الكبائر حديث 8.
3- الخصال:2/363 الكبائر سبع حديث 56.
4- أصول الكافي:2/285 باب الكبائر حديث 24.
5- عيون أخبار الرضا عليه السّلام:269 باب 34 [5] ما كتبه الرضا عليه السّلام للمأمون في محض الاسلام و شرايع الدين.
6- أصول الكافي:2/285 باب الكبائر حديث 24.
7- سورة الأنفال آية 16.
8- الكافي:5/41 باب ما كان يوصي أمير المؤمنين عليه السّلام به عند القتال حديث 1 و [8]الحديث طويل جدّا. أقول: لا خلاف في حرمة الفرار من الزحف خصوصا ما اذا كان فراره مخلاّ بجيش المسلمين و يعدّ من الكبائر عند جميع المسلمين.
و منها: قتل النفس المحترمة:

عدّه النبي (1)و أمير المؤمنين (2)و الصادق (3)و الكاظم (4)و الرضا (5)و الجواد (6)عليه و عليهم أفضل الصلوات و التحيّات من الكبائر، لقوله سبحانه و تعالى في سورة النساء: وَ مَنْ يَقْتُلْ مُؤْمِناً مُتَعَمِّداً فَجَزاؤُهُ جَهَنَّمُ خالِداً فِيها وَ غَضِبَ اَللّهُ عَلَيْهِ وَ لَعَنَهُ وَ أَعَدَّ لَهُ عَذاباً عَظِيماً (7)و قال سبحانه: وَ لا تَقْتُلُوا أَنْفُسَكُمْ إِنَّ اَللّهَ كانَ بِكُمْ رَحِيماً* وَ مَنْ يَفْعَلْ ذلِكَ عُدْواناً وَ ظُلْماً فَسَوْفَ نُصْلِيهِ ناراً وَ كانَ ذلِكَ عَلَى اَللّهِ يَسِيراً (8)و قال عزّ من قائل: مَنْ قَتَلَ نَفْساً بِغَيْرِ نَفْسٍ أَوْ فَسادٍ فِي اَلْأَرْضِ فَكَأَنَّما قَتَلَ اَلنّاسَ جَمِيعاً (9)و قال أبو جعفر عليه السّلام-عقيب الآية-: ان له في النار مقعدا لو قتل الناس جميعا لم يرد الاّ ذلك المقعد (10). و قال-في خبر آخر-: يوضع في موضع من نار جهنّم اليه ينتهي شدّة عذاب أهلها لو قتل الناس جميعا لكان انّما يدخل ذلك المكان (11).

ص:473


1- الخصال:2/364 الكبائر حديث 57.
2- أصول الكافي:2/278 باب الكبائر حديث 8.
3- أصول الكافي:2/280 باب الكبائر حديث 10.
4- أصول الكافي:2/276 باب الكبائر حديث 2.
5- عيون أخبار الرضا عليه السّلام:269 باب 34 ما كتبه الرضا عليه السّلام للمأمون في محض الاسلام و شرايع الدين.
6- أصول الكافي:2/285 باب الكبائر حديث 24.
7- سورة النساء آية 93.
8- سورة النساء آية 29 و 30.
9- سورة المائدة آية 32.
10- الكافي:7/272 باب القتل حديث 6.
11- الكافي:7/271 باب القتل حديث 1.

و ورد انّه لا يدخل الجنّة سافك الدم (1)، و انّه لا يزال المؤمن في فسحة من دينه ما لم يصب دما حراما. قال عليه السّلام: و لا يوفق قاتل المؤمن متعمدا للتوبة (2).

و ورد انّ اللّه تعالى أوحى الى موسى بن عمران عليه السّلام: [أن]يا موسى قل للملأ من بني إسرائيل إيّاكم و قتل النفس الحرام بغير حقّ فإنّ من قتل منكم نفسا [في الدنيا]قتلته مائة ألف قتلة مثل قتلة صاحبه (3). و ورد عن أئمّتنا عليهم السّلام انّ من قتل مؤمنا متعمّدا أثبت اللّه على قاتله جميع الذنوب، و برّأ المقتول عنها (4)، و ذلك قول اللّه: إِنِّي أُرِيدُ أَنْ تَبُوءَ بِإِثْمِي وَ إِثْمِكَ فَتَكُونَ مِنْ أَصْحابِ اَلنّارِ (5).

ثم كما يحرم القتل فكذا يحرم الاشتراك و السعي فيه، و الرضا به، كما يأتي عند بيان حرمة المعاونة على قتل المؤمن إن شاء اللّه تعالى.

و منها: قذف المحصنات:

عدّه النّبي صلّى اللّه عليه و آله (6)و مولانا الصادق (7)و الكاظم (8)و الرضا (9)

ص:474


1- الكافي:7/273 باب القتل حديث 11 [1] بسنده عن أبي عبد اللّه عليه السّلام قال: لا يدخل الجنّة سافك الدّم، و لا شارب الخمر، و لا مشاءّ بنميم.
2- الكافي:7/272 باب القتل حديث 7.
3- المحاسن:105 باب 45 [3] عقاب القتل حديث 87 ذيله.
4- المحاسن:105 باب 45 [4] عقاب القتل حديث 87.
5- سورة المائدة آية 29. [5] أقول: الحكم إجماعي بين المسلمين و عندنا إجماعي نصّا و فتوى كتابا و سنّة في قتل المؤمن و انه إذا كان مؤمنا أوجب قتله الخلود للقاتل في النار أما قتل غير المؤمن ففيه كلام و نقاش علمي.
6- الخصال:2/364 الكبائر حديث 57.
7- أصول الكافي:2/280 باب الكبائر حديث 10.
8- أصول الكافي:2/276 باب الكبائر حديث 2.
9- عيون أخبار الرضا عليه السّلام:269 باب 34 ما كتبه الرضا عليه السّلام للمأمون في محض-

و الجواد (1)عليهم السّلام من الكبائر، مستندا الى قوله عزّ و جل في سورة النور:

إِنَّ اَلَّذِينَ يَرْمُونَ اَلْمُحْصَناتِ اَلْغافِلاتِ اَلْمُؤْمِناتِ لُعِنُوا فِي اَلدُّنْيا وَ اَلْآخِرَةِ وَ لَهُمْ عَذابٌ عَظِيمٌ (2). و يدلّ عليه أيضا قوله سبحانه في أوائل سورة النور:

وَ اَلَّذِينَ يَرْمُونَ اَلْمُحْصَناتِ ثُمَّ لَمْ يَأْتُوا بِأَرْبَعَةِ شُهَداءَ فَاجْلِدُوهُمْ ثَمانِينَ جَلْدَةً وَ لا تَقْبَلُوا لَهُمْ شَهادَةً أَبَداً وَ أُولئِكَ هُمُ اَلْفاسِقُونَ 3. فان ردّ شهادته و كونه فاسقا من دون تقييد بالإصرار يقضي بكونه كبيرة. و لا فرق في حرمة القذف بين المسلمة و المشركة، لما ورد من انّ لكلّ قوم نكاحا يحتجزون به عن الزنا 4.

و ورد انّه كان لأبي عبد اللّه عليه السّلام صديق لا يكاد يفارقه. . الى ان قال:

فقال يوما لغلامه: يابن الفاعلة أين كنت؟ قال فرفع أبو عبد اللّه عليه السّلام يده فصكّ بها جبهة نفسه ثم قال: سبحان اللّه! تقذف أمّه، قد كنت أرى أنّ لك ورعا فاذا ليس لك ورع، فقال: جعلت فداك أمّه سنديّة مشركة. فقال:

أما علمت انّ لكلّ امّة نكاحا، تنحّ عنّي، فما رأيته يمشي معه حتى فرّق بينهما الموت 5. و ورد النهي عن قذف من كان على غير الإسلام إلاّ أن تكون قد اطلعت على ذلك منه 6. و ورد انّ من رمى محصنا أو محصنة أحبط اللّه عمله، و جلده يوم القيامة سبعون الف ملك من بين يديه و من خلفه، ثم يؤمر به الى النّار 7. و قال الرضا عليه السّلام: حرم اللّه قذف المحصنات لما فيه من فساد

ص:475


1- أصول الكافي:2/285 [1]باب الكبائر حديث 24.
2- سورة النور آية 23 [2].

الأنساب، و نفي الولد، و إبطال المواريث، و ترك التربية، و ذهاب المعارف، و ما فيه من الكبائر و العلل الّتي تؤدّى الى فساد الخلق (1).

و منها: قسوة القلب:

لما ورد من انّ اربع خصال من الشقاء: جمود العين، و قسوة القلب، و شدّة الحرص في الدّنيا، و الإصرار على الذنب (2). و انّ اللّه تعالى قال فيما ناجى موسى عليه السّلام: لا تطول في الدنيا أملك فيقسو قلبك، و القاسي القلب بعيد منّي (3)، و انّه ما جفّت الدموع الاّ لقسوة القلوب، و ما قست القلوب إلاّ لكثرة الذنوب (4).

و منها: قطع السبيل:

و هو من الكبائر لجعله تعالى ذلك أحد أسباب عذاب قوم لوط، حيث قال سبحانه في سورة العنكبوت: وَ لُوطاً إِذْ قالَ لِقَوْمِهِ إِنَّكُمْ لَتَأْتُونَ اَلْفاحِشَةَ ما سَبَقَكُمْ بِها مِنْ أَحَدٍ مِنَ اَلْعالَمِينَ أَ إِنَّكُمْ لَتَأْتُونَ اَلرِّجالَ وَ تَقْطَعُونَ اَلسَّبِيلَ وَ تَأْتُونَ فِي نادِيكُمُ اَلْمُنْكَرَ. . الى قوله تعالى إِنّا مُنْزِلُونَ عَلى أَهْلِ هذِهِ اَلْقَرْيَةِ رِجْزاً مِنَ اَلسَّماءِ بِما كانُوا يَفْسُقُونَ (5). و لأنّ جواز قتاله يكشف عن ذلك، بل ربّما يندرج ذلك في السعي في الأرض فسادا في قوله عزّ من قائل:

إِنَّما جَزاءُ اَلَّذِينَ يُحارِبُونَ اَللّهَ وَ رَسُولَهُ وَ يَسْعَوْنَ فِي اَلْأَرْضِ فَساداً أَنْ يُقَتَّلُوا

ص:476


1- علل الشرايع:2/480 باب 231 حديث 1. [1] أقول: الحكم متفّق عليه كتابا و سنّة و انه من الكبائر و ان فاعله مستوجب للحدّ في الدنيا بالاضافة إلى الآثار الوضعيّة في هذه النشأة.
2- الخصال:1/242 اربع من علامات الشقاء حديث 96.
3- أصول الكافي:2/329 باب القسوة حديث 1.
4- علل الشرايع:1/81 باب 74 حديث 1.
5- سورة العنكبوت آية 28 إلى 34.

أَوْ يُصَلَّبُوا أَوْ تُقَطَّعَ أَيْدِيهِمْ وَ أَرْجُلُهُمْ مِنْ خِلافٍ أَوْ يُنْفَوْا مِنَ اَلْأَرْضِ ذلِكَ لَهُمْ خِزْيٌ فِي اَلدُّنْيا وَ لَهُمْ فِي اَلْآخِرَةِ عَذابٌ عَظِيمٌ (1).

و منها: قطيعة الرحم:

عدها مولانا الكاظم (2)و الرضا (3)و الجواد (4)عليهم السّلام من الكبائر، و قال عزّ من قائل: وَ اَلَّذِينَ يَنْقُضُونَ عَهْدَ اَللّهِ مِنْ بَعْدِ مِيثاقِهِ وَ يَقْطَعُونَ ما أَمَرَ اَللّهُ بِهِ أَنْ يُوصَلَ وَ يُفْسِدُونَ فِي اَلْأَرْضِ أُولئِكَ لَهُمُ اَللَّعْنَةُ وَ لَهُمْ سُوءُ اَلدّارِ (5)و قال جلّ شأنه: فَهَلْ عَسَيْتُمْ إِنْ تَوَلَّيْتُمْ أَنْ تُفْسِدُوا فِي اَلْأَرْضِ وَ تُقَطِّعُوا أَرْحامَكُمْ* أُولئِكَ اَلَّذِينَ لَعَنَهُمُ اَللّهُ فَأَصَمَّهُمْ وَ أَعْمى أَبْصارَهُمْ (6).

و ورد انّ الرحم معلّقة يوم القيامة بالعرش يقول: اللهمّ صل من وصلني و اقطع من قطعني (7). [و انّ الناس]إذا قطعوا الأرحام جعلت الأموال في أيدي الأشرار (8).

و ان قطيعة الرحم تذر الديار بلاقع من أهلها، و تثقّل الرحم-يعني به انقطاع النسل-و تحجب الدعاء، و تزيل النعم (9). و ورد انّ من الذنوب الّتي تعجّل الفناء قطيعة الرحم (10)و قد شكى رجل الى أبي عبد اللّه عليه السّلام أقاربه فقال عليه السّلام: أكظم غيظك و افعل، فقال: إنّهم يفعلون و يفعلون. فقال عليه السّلام:

ص:477


1- سورة المائدة آية 33.
2- أصول الكافي:2/285 باب الكبائر حديث 24.
3- الحديث المتقدم.
4- الحديث السابق.
5- سورة الرعد آية 25.
6- سورة محمد آية 22 و 23.
7- أصول الكافي:2/151 باب صلة الرحم حديث 7 و 10.
8- أصول الكافي:2/348 باب قطيعة الرحم حديث 8.
9- أصول الكافي:2/347 باب قطيعة الرحم حديث 4.
10- أصول الكافي:2/347 باب قطيعة الرحم حديث 7.

أتريد أن تكون مثلهم فلا ينظر اللّه إليكم (1). و قال رسول اللّه صلّى اللّه عليه و آله: لا تقطع رحمك و ان قطعتك (2). و ورد انه ملعون ملعون قاطع رحم.

و انّه ما من ذنب أجدر أن يعجل اللّه لصاحبه العقوبة في الدنيا مع ما ادّخره في الآخرة من البغي و قطيعة الرحم. و انه لا يدخل الجنة قاطع رحم (3). و قد مرّ في أواخر الفصل الأول بيان فوائد صلة الرحم، فلاحظ.

و منها: القمار:

لاستفاضة النهي في الكتاب و السنّة عنه، و مقتضى الإطلاق حرمته، سواء كان مع الرهن او بدونه، و سواء كان بآلاته المعدّة له كالنرد، و الشطرنج، و الأربعة عشر، أو بما لم يعدّ لذلك كالجوز، و البيض، و نحوهما. و قد عدّه مولانا الرضا عليه السّلام من الكبائر (4)، و لعلّه لجعله تعالى الميسر الذي هو القمار من عمل الشيطان، و قد ورد مستفيضا تفسير قوله تعالى: فَاجْتَنِبُوا اَلرِّجْسَ مِنَ اَلْأَوْثانِ (5)بالشطرنج و نحوه. و قال سبحانه: يَسْئَلُونَكَ عَنِ اَلْخَمْرِ وَ اَلْمَيْسِرِ قُلْ فِيهِما إِثْمٌ كَبِيرٌ وَ مَنافِعُ لِلنّاسِ وَ إِثْمُهُما أَكْبَرُ مِنْ نَفْعِهِما (6).

و يحرم حضور مجلس القمار، و مشاهدة لعب الغير به ان اندرج في عنوان الإعانة على الإثم، أو ترك النهي عن المنكر مع اجتماع شرائطه، بل الأحوط اجتناب حضور مجلسه مطلقا، لما ورد من ان المطلع على الشطرنج كالمطلع في

ص:478


1- أصول الكافي:2/347 باب قطيعة الرحم حديث 5.
2- أصول الكافي:2/347 باب قطيعة الرحم حديث 6.
3- مستدرك وسائل الشيعة:2/104 باب 29 حديث 9.
4- عيون أخبار الرضا عليه السّلام:269 باب 34 ما كتبه الرضا عليه السّلام للمأمون في محض الاسلام و شرايع الدين.
5- سورة الحج آية 30.
6- سورة البقرة آية 219.

النار (1). و قد قيل لأبي الحسن موسى عليه السّلام انّي أقعد مع قوم يلعبون بالشطرنج و لست ألعب بها و لكنّي أنظر فقال: مالك و لمجلس لا ينظر اللّه إلى أهله (2). و قال مولانا الصادق عليه السّلام: بيع الشطرنج حرام، و أكل ثمنه سحت، و اتخاذها كفر، و اللعب بها شرك، و السّلام على اللاهي بها معصية كبيرة موبقة، و الخائض فيها يده كالخائض يده في لحم الخنزير، و الناظر اليها كالناظر في فرج امّه، و اللاّهي بها و الناظر إليها في حال ما يلهي بها في حالته تلك في الإثم سواء، و من جلس على اللعب بها فقد تبوأ مقعده من النّار، و كان عيشه ذلك حسرة عليه يوم القيامة، و إيّاك و مجالسة اللاّهي و المغرور بلعبها، فإنها من المجالس التي باء أهلها بسخط من اللّه يتوقّعونه في كلّ ساعة فيعمّك معهم (3).

و في خبر: انّ الناظر إلى الشطرنج كآكل لحم الخنزير (4).

و منها: القنوط من رحمة اللّه سبحانه:

عدّه مولانا الصّادق (5)و الرّضا (6)عليهما السّلام من الكبائر، و قد قال

ص:479


1- الكافي:6/437 باب النرد و الشطرنج حديث 16.
2- الكافي:6/437 باب النرد و الشطرنج حديث 12.
3- السرائر:470.
4- أقول: لا كلام نصّا و فتوى في حرمة القمار باي نحو كان و بايّ آلة من آلات القمار و مثله الشطرنج بلا خلاف اما المراهنة بغير آلات القمار كالبيض و الجوز و غيرهما فان كان على مال أو عمل ألحق بالقمار حكما و ان لم تكن المراهنة على مال أو عمل متموّل بل تكون المراهنة على أمر غير متموّل بقصد معرفة سرعة حدس الطرف الآخر أو غير ذلك من الدواعي المشروعة ففي مثل هذه المراهنة كلام و نقاش علمي و الجزم بالحرمة في محلّه فتفطّن.
5- أصول الكافي:2/280 باب الكبائر حديث 10.
6- عيون أخبار الرضا عليه السّلام:268 باب 34 [3] ما كتبه الرضا عليه السّلام للمأمون في محض الاسلام و شرايع الدين.

سبحانه و تعالى: وَ مَنْ يَقْنَطُ مِنْ رَحْمَةِ رَبِّهِ إِلاَّ اَلضّالُّونَ (1).

و منها: القيادة:

لما ورد من لعن القوّاد و القوّادة (2)، بل هي من الكبائر لثبوت الحدّ عليها شرعا، لبعد ثبوته على الصغيرة، مضافا الى ما ورد من انّ: من قاد بين امرأة و رجل حراما، حرّم اللّه عليه الجنّة و مأواه جهنم و ساءت مصيرا، و لم يزل في سخط اللّه حتى يموت (3).

و منها: القيافة:

و هي إلحاق الآثار و إلحاق الأنساب بين الأنساب بآثار و علامات يدّعي معرفتها، و هي محرّمة إذا رتّب عليها الحكم بتّا، و يحرم الرجوع الى القائف لترتيب الأثر على حكمه، و كلّ ما يحرم الحكم و الرجوع اليه يحرم أخذ الأجرة على ذلك، و كذا تعليمها و تعلّمها الاّ لغرض صحيح، مثل تعجيز من استند اليها في دعوى النبوّة (4).

و منها: الكبر:

عدّه الصادق (5)و الرضا (6)عليهما السّلام من الكبائر، و قد قال سبحانه:

ص:480


1- سورة الحجر آية 56. [1] أقول: القنوط من رحمة اللّه في حدّ الكفر باللّه العظيم و لا شك في انه من المحرمات الكبيرة التي توجب العذاب الأليم و سخط رب العالمين اعاذنا اللّه سبحانه من ذلك.
2- معاني الأخبار:250 باب معنى آخر للواصلة و المستوصلة حديث 1.
3- عقاب الأعمال:337 باب يجمع عقوبات الأعمال حديث 1. أقول: القيادة من أكبر الكبائر التي أوجب اللّه عز اسمه على فاعلها العذاب الأليم و الحكم إجماعي عندنا.
4- راجع مناهج المتقين كتاب المكاسب المحرّمة.
5- الخصال:2/610 خصال من شرايع الدين 9.
6- عيون أخبار الرضا ع [2]ليه السّلام:269 باب 34 ما كتبه الرضا عليه السّلام للمأمون في محض-

فَادْخُلُوا أَبْوابَ جَهَنَّمَ خالِدِينَ فِيها فَلَبِئْسَ مَثْوَى اَلْمُتَكَبِّرِينَ 1. و ورد ان أدنى الإلحاد الكبر 2. و انّ الكبر سعوط الشيطان 3. و انّه مطايا النّار 4. و انّ العزّ رداء اللّه، و الكبر إزاره، فمن تناول شيئا منه أكبّه اللّه في جهنّم 5. و في خبر آخر: فمن نازع اللّه شيئا من ذلك أكبّه اللّه في النّار 6. و ورد انّه لا يدخل الجنّة من في قلبه مثقال ذرّة من كبر 7. و ان في جهنّم لواديا للمتكبرين يقال له سقر، شكا الى اللّه شدّة حرّه و سأله عزّ و جلّ ان يأذن له ان يتنفّس فتنفّس فأحرق جهنّم 8، و انّ المتكبّرين يجعلون في صور الذرّ تتوطأهمّ الناس حتّى يفرغ اللّه من الحساب 9، ثم يسلك بهم الى النار، و يسقون من طينة خبال من عصارة أهل النار 10. و انّ ما من أحد من ولد آدم الاّ و ناصيته بيد ملك، فان تكبّر جذبه بناصيته الى الأرض، ثم قال له: تواضع وضعك اللّه، و ان تواضع جذبه بناصيته ثم قال له: ارفع رأسك رفعك اللّه و لا وضعك بتواضعك للّه 11. و انّ

ص:481

اللّه لا ينظر الى المتكبّر (1). و انّ أكثر أهل جهنّم المتكبّرون (2).

ثم التكبّر هو ان يرى الإنسان الكل حقيرا بالاضافة الى نفسه، و لا يرى الكمال و الشرف و العزّ الاّ لنفسه. و الّذي يفهم من رواية مولانا الجواد عليه السّلام عن أبيه عليه السّلام عن جدّه عليه السّلام هو وجود الفرق بينه و بين التجبّر، لكن في مجمع البحرين (3)انّه لا فرق بين المتجبّر و المتكبر لغة، نعم قال -بعد ذلك-: و قيل المتكبر المتعظم بما ليس فيه، و المتجبّر الذي لا يكترث لأمر.

و منها: كتمان الشهادة:

عدّه الكاظم (4)و الرضا (5)و الجواد (6)عليهم السّلام من الكبائر استنادا الى قوله سبحانه: وَ لا تَكْتُمُوا اَلشَّهادَةَ وَ مَنْ يَكْتُمْها فَإِنَّهُ آثِمٌ قَلْبُهُ وَ اَللّهُ بِما تَعْمَلُونَ عَلِيمٌ (7)و ورد تفسير «آثم قلبه» بكافر قلبه (8). و قال سبحانه:

ص:482


1- عقاب الأعمال:264 عقاب المتكبرين حديث 3 بسنده عن أبي عبد اللّه عليه السّلام قال ثلاثة لا ينظر اللّه عزّ و جلّ إليهم، ثاني عطفه، و مسبل إزاره خيلاء، و المنفق سلعته بالأيمان انّ الكبرياء للّه رب العالمين.
2- عقاب الأعمال:265 عقاب المتكبّرين حديث 9.
3- مجمع البحرين:3/240، [1] في مادة-جبر-. أقول: التكبر و التجبّر كانا صفتين ام صفة واحدة فهي من اخسّ الصفات و اقبحها، و الكتاب و السنة و العقل يحكمان باستحقاق المتصف باحدهما العقاب الشديد و العذاب الأليم أعاذنا اللّه من هذه الصفة الرذيلة و غيرها من رذائل الصفات.
4- أصول الكافي:2/287 باب الكبائر حديث 24.
5- الحديث المتقدم.
6- الحديث السابق.
7- سورة البقرة آية 283.
8- الفقيه:3/35 باب 22 الامتناع من الشهادة حديث 115.

وَ مَنْ أَظْلَمُ مِمَّنْ كَتَمَ شَهادَةً عِنْدَهُ مِنَ اَللّهِ (1). و ورد أن من كتمها اطعمه اللّه لحمه على رؤوس الخلائق، و يدخل النّار و هو يلوك لسانه (2). و انّ من كتم شهادة شهد بها (3)ليهدر بها دم امرئ مسلم، او ليزوي بها مال امرئ مسلم اتى يوم القيامة و لوجهه ظلمة مدّ البصر، و في وجهه كدوح (4)تعرفه الخلائق باسمه و نسبه (5).

و منها: كتمان ما أنزل اللّه سبحانه:

و هو من الكبائر، لقوله عزّ من قائل في سورة البقرة إِنَّ اَلَّذِينَ يَكْتُمُونَ ما أَنْزَلْنا مِنَ اَلْبَيِّناتِ وَ اَلْهُدى مِنْ بَعْدِ ما بَيَّنّاهُ لِلنّاسِ فِي اَلْكِتابِ أُولئِكَ يَلْعَنُهُمُ اَللّهُ وَ يَلْعَنُهُمُ اَللاّعِنُونَ (6). و قوله عزّ شأنه بعد ذلك بخمس عشرة آية: إِنَّ اَلَّذِينَ يَكْتُمُونَ ما أَنْزَلَ اَللّهُ مِنَ اَلْكِتابِ وَ يَشْتَرُونَ بِهِ ثَمَناً قَلِيلاً أُولئِكَ ما يَأْكُلُونَ فِي بُطُونِهِمْ إِلاَّ اَلنّارَ وَ لا يُكَلِّمُهُمُ اَللّهُ يَوْمَ اَلْقِيامَةِ وَ لا يُزَكِّيهِمْ وَ لَهُمْ عَذابٌ أَلِيمٌ (7).

و منها: الكذب:

و قد عدّه مولانا الصادق (8)و الرضا (9)عليهما السّلام من الكبائر، و ورد

ص:483


1- سورة البقرة آية 140.
2- عقاب الأعمال:333 باب يجمع عقوبات الأعمال حديث 1.
3- في الكافي- [2]أو شهد بها-.
4- كدوح: جمع الكدح، و هو كل أثر في الوجه من خدش أو عض. [منه (قدس سره)].
5- الكافي:7/380 باب كتمان الشهادة حديث 1 [3] اقول الحكم اجماعي بشروط مذكورة في الكتب الفقهية المبسوطة.
6- سورة البقرة آية 159.
7- سورة البقرة آية 174 [5] أقول لا خلاف في الحكم بالشروط المدوّنة في الاسفار الفقهية المبسطة.
8- الخصال:2/610 خصال من شرايع الدين حديث 9.
9- عيون أخبار الرضا عليه السّلام:269 ب [6]اب 34 ما كتبه الرضا عليه السّلام للمأمون في محض-

انّ اللّه عزّ و جلّ جعل للشرّ أقفالا، و جعل مفاتيح تلك الأقفال الشراب، و الكذب شرّ من الشراب (1). و ان الكذب هو خراب الإيمان (2)، و انه لعوق إبليس لعنه اللّه (3). و انّ الكذب يهدي الى الفجور، و الفجور يهدي الى النّار (4).

و ان ممّا أعان اللّه به على الكذابين النسيان (5). و انّ العبد ليكذب حتى يكتب من الكذابين، فإذا كذب قال اللّه عزّ و جلّ كذب و فجر (6). و انّه لا يكون المؤمن كذابا (7). و انّ أربى الربا الكذب 8. و انّ الكاذب على شفا مخزاة [و] هلكة 9، و انّ من كثر كذبه ذهب بهاؤه 10.

و تشتدّ الحرمة و القبح في الكذب على اللّه سبحانه و رسوله صلّى اللّه عليه و آله و أوليائه الكرام سلام اللّه عليهم أجمعين، و قد نصّ الصادق بكونه من الكبائر 11، و قال اللّه سبحانه: وَ يَوْمَ اَلْقِيامَةِ تَرَى اَلَّذِينَ كَذَبُوا عَلَى اَللّهِ وُجُوهُهُمْ مُسْوَدَّةٌ أَ لَيْسَ فِي جَهَنَّمَ مَثْوىً لِلْمُتَكَبِّرِينَ 12و قال تعالى: إِنَّ

ص:484


1- أصول الكافي:2/338 باب الكذب حديث 3.
2- أصول الكافي:2/339 باب الكذب حديث 4.
3- معاني الأخبار:138 باب معنى كحل ابليس و لع [2]وقه و سعوطه حديث [3]1.
4- مستدرك وسائل الشيعة:2/100 باب 120 حد [4]يث 14 عن جامع الأخبار.
5- أصول الكافي:2/341 [5]باب الكذب حديث 15.
6- المحاسن:117 باب 59 [6] عقاب الكذب حديث 125 ذيله.
7- المحاسن:118 باب 59 عقاب الكذب حديث 126.

اَلَّذِينَ يَفْتَرُونَ عَلَى اَللّهِ اَلْكَذِبَ لا يُفْلِحُونَ* مَتاعٌ فِي اَلدُّنْيا ثُمَّ إِلَيْنا مَرْجِعُهُمْ ثُمَّ نُذِيقُهُمُ اَلْعَذابَ اَلشَّدِيدَ بِما كانُوا يَكْفُرُونَ (1)و ورد انّ الكذب على اللّه و رسوله صلّى اللّه عليه و آله من الكبائر (2)، و انّ الذي يحوك الكذب على اللّه و رسوله ملعون (3). و انّ من كذب على أمير المؤمنين عليه السّلام فليتبوّأ مقعده من النّار (4). و ان من كذب على الأئمّة عليهم السّلام فقد كذب على رسول اللّه، و من كذب على رسول اللّه فقد كذب على اللّه، و من كذب على اللّه عذّبه اللّه عزّ و جلّ (5).

ثم المحرّم انّما هو الكذب المخبري و هو الإخبار بخلاف ما يعتقده دون الكذب الخبري، فلو أخبر بمقتضى معتقده بما اتّفق مخالفته للواقع لم يكن آتيا بالمحرّم إذا لم يقصّر في مقدّمات الاعتقاد. و لا فرق في حرمة الكذب بين جدّه و هزله، و قد ورد انّه لا يجد عبد طعم الإيمان حتى يترك الكذب هزله و جدّه (6)، و ويل للذي يحدّث فيكذب ليضحك به القوم (7). و قال زين العابدين عليه السّلام: اتّقوا الكذب الصغير منه و الكبير في كلّ جدّ و هزل، فانّ الرجل إذا كذب في الصغير اجترأ على الكبير، أما علمتم انّ رسول اللّه صلّى اللّه عليه و آله و سلم قال: ما يزال العبد يصدق حتى يكتبه اللّه صدّيقا، و ما يزال العبد يكذب

ص:485


1- سورة يونس آية 69 و 70.
2- عقاب الأعمال:318 عقاب الكذب على اللّه عز و جل و على رسوله و على الأئمة عليهم السّلام حديث 1، و صفحة 316.
3- أصول الكافي:2/340 باب الكذب حديث 10.
4- مستدرك وسائل الشيعة:2/101 باب 121 حديث 6.
5- وسائل الشيعة:8/575 باب 139 حديث 4.
6- أصول الكافي:2/340 باب الكذب حديث 11.
7- وسائل الشيعة:2/577 باب 140 حديث 4.

حتى يكتبه اللّه كذّابا (1). نعم لو علم السامع بهزله في الكذب لم يبعد عدم الحرمة و ان كان الترك أحوط (2).

و لا فرق في حرمة الكذب بين ترتّب مفسدة عليه و عدمها، كما لا فرق بين ما إذا كان في نثر أو نظم، إلاّ مع قرينة المبالغة كما في أغلب الاشعار و يستثنى من مطلق الكذب، لا الكذب على اللّه و رسوله صلّى اللّه عليه و آله، الكذب في الإصلاح (3)، لما ورد انّ اللّه أحبّ الكذب في الصلاح، و بغض الصدق في الفساد (4). و ان ثلاثا يحسن فيهن الكذب، المكيدة في الحرب، و عدتك زوجتك، و الإصلاح بين الناس (5). و ثلاثا يقبح فيهنّ الصدق: النميمة، و إخبارك الرجل عن أهله بما يكرهه، و تكذيبك الرجل عن الخبر (6). و ورد ان المصلح ليس بكذّاب (7). و فسّر عليه السّلام الإصلاح بين الناس بان يسمع من الرجل كلاما يبلغه فتخبث نفسه فتقول سمعت من فلان قال فيك من الخير كذا و كذا خلاف ما سمعته منه (8). بل ظاهر شطر من الأخبار هو جواز الكذب

ص:486


1- أصول الكافي:2/338 باب الكذب حديث 2.
2- إنّ الاحتياط في المقام لا يترك لأنّ الهزل يلازم غالبا توهين المؤمن و الحطّ من كرامته و هو محرّم فينبغي الاجتناب من الإكثار في الهزل و قديما قيل: الهزل في الحديث كالملح في الطعام فإذا تجاوز حدّه سقط عن الانتفاع.
3- الكذب حرام مطلقا نعم إذا زاحمت مفسدة الكذب مصلحة أهمّ و ان الكذب المحرّم جائزا لتحصيل تلك المصلحة أو دفع مفسدة أقوى و أهمّ و هذا حكم عقلي أمضاه الشارع المقدس كما في الحديث الآتي.
4- الفقيه:4/255 باب 176 النوادر حديث 821.
5- الفقيه:4/259 باب النوادر حديث 821.
6- الخصال:1/87 ثلاث يحسن فيهن الكذب و ثلاث يقبح فيهن الصدق حديث 20.
7- أصول الكافي:2/342 باب الكذب حديث 19.
8- أصول الكافي:2/341 باب الكذب حديث 16.

لمطلق الصلاح، مثل ما إذا استأذن عليه فقال للجارية قولي ليس هو هاهنا، و مثل الوعد الكاذب مع الزوجه بل مطلق الأهل (1)، و ان كان الأحوط الترك في غير مقام الإصلاح.

و لا بأس بالتورية، لخروجها عن الكذب موضوعا، كما لا بأس بالكذب فيما إذا دعت الضرورة إليه لخوف، أو تقيّة، أو نحو ذلك، بل يجوز الحلف كاذبا لذلك من دون توقّف على العجز عن التورية حينئذ، نعم التورية مع إمكانها أحوط (2).

و المدار في الضرر المسوغ للكذب على ما يسوغ به ساير المحرمات، نعم الأفضل ترك الكذب و تحمل الضرر المالي اذا كان ممّا لا يجحف، و اللّه العالم.

و منها: الكفر باللّه العظيم:

و هو رأس الكبائر و رئيسها، و قد عدّه أمير المؤمنين (3)و الصّادق (4)عليهما السّلام من الكبائر، و لا حاجة في بيان خطره الى ذكر آية و لا رواية.

و منها: كفران نعمة اللّه سبحانه:

فانّه محرّم، بل هو من الكبائر لقوله عزّ و جلّ لَئِنْ شَكَرْتُمْ لَأَزِيدَنَّكُمْ وَ لَئِنْ كَفَرْتُمْ إِنَّ عَذابِي لَشَدِيدٌ (5)و قال سبحانه وَ ضَرَبَ اَللّهُ مَثَلاً قَرْيَةً كانَتْ آمِنَةً مُطْمَئِنَّةً يَأْتِيها رِزْقُها رَغَداً مِنْ كُلِّ مَكانٍ فَكَفَرَتْ بِأَنْعُمِ اَللّهِ فَأَذاقَهَا اَللّهُ

ص:487


1- أصول الكافي:2/342 باب الكذب حديث 18.
2- جواز الكذب عند الضرورة مشروط بالعجز عن التورية ام لا و كذلك الحلف كاذبا و المسألة ذات أبعاد واسعة و أبحاث علمية ينبغي مراجعة المصادر الفقهية الاستدلالية.
3- أصول الكافي:2/278 باب الكبائر حديث 8.
4- وسائل الشيعة:11/254 باب 46 حديث 4.
5- سورة إبراهيم آية 7.

لِباسَ اَلْجُوعِ وَ اَلْخَوْفِ بِما كانُوا يَصْنَعُونَ (1). و سئل أبو عبد اللّه عليه السّلام عن قول اللّه عزّ و جلّ: فَقالُوا رَبَّنا باعِدْ بَيْنَ أَسْفارِنا وَ ظَلَمُوا أَنْفُسَهُمْ. . (2).

الآية، فقال: هؤلاء قوم كانت لهم قرى متّصلة بعضها إلى بعض، و أنهار جارية، و أموال ظاهرة، فكفّروا نعم اللّه، و غيّروا ما بأنفسهم من عافية اللّه، فغيّر اللّه ما بهم من نعمه، و انّ اللّه لا يغيّر ما بقوم حتّى يغيّروا ما بأنفسهم، فأرسل اللّه عليهم العرم، فغرّق قراهم، و خرّب ديارهم، و أذهب بأموالهم، و أبدلهم مكان جنانهم جنّتين ذواتي أكل خمط و أثل و شيء من سدر قليل ثم قال: ذلِكَ جَزَيْناهُمْ بِما كَفَرُوا وَ هَلْ نُجازِي إِلاَّ اَلْكَفُورَ (3).

و ورد انّه لا زوال للنعماء اذا شكرت، و لا بقاء لها إذا كفرت (4). بل أفتى بعضهم بحرمة كفران نعمة النّاس، لما ورد من لعن الصادق عليه السّلام قاطعي سبيل المعروف، مفسّرا ذلك بان يصل الى الرجل المعروف فيكفره فيمتنع صاحبه من أن يصنع ذلك الى غيره. و ورد انّ أسرع الذنوب عقوبة كفران النعمة، و عليك بمراجعة ما مرّ في المقام التاسع عند ذكر ثمرات الشكر.

و منها: الكهانة:

و هي تعاطي الاخبار عن أمور مخفيّة و التي تكون في مستقبل الزمان بحسب اخبار الجنّ له، و هي محرّمة بلا شبهة، و قد ورد انّ الكاهن برىء من دين محمّد صلّى اللّه عليه و آله (5). و انّ من أتاه و صدّقه فقد برىء ممّا أنزل اللّه عزّ

ص:488


1- سورة النحل آية 112.
2- سورة سبأ آية 19.
3- تفسير الصافي ص 441 [3] من نسختنا، و ما في المتن مضمون الرواية.
4- أصول الكافي:2/94 باب الشكر حديث 3.
5- الخصال:1/19 خصلة من فعلها أو فعلت له برئ من دين محمد صلّى اللّه عليه و آله و سلّم حديث 68.

و جلّ على محمّد صلّى اللّه عليه و آله (1). و انّ اجرتها من السحت (2)، و في حكمها تعلّمها و تعليمها إلاّ لغرض صحيح، مثل ردّ مدّعي المعجزة بها، بكهانة مثلها، و المحرّم منها انّما هو الاخبار على البتّ، فلا بأس بالاخبار به على سبيل التفاؤل، أو الاحتمال، و ان كان ترك ذلك اولى (3).

و منها: كون الانسان ذا وجهين و لسانين:

لما ورد من انّ من لقى المسلمين بوجهين و لسانين جاء يوم القيامة و له لسانان من نار (4)، و زاد في آخر: و له وجهان من نار، و انّه بئس العبد عبد يكون ذا وجهين و ذا لسانين يطري أخاه شاهدا، و يأكله غائبا، ان اعطى حسد، و ان ابتلى خذله (5). . و أنّه يجيء يوم القيامة ذو الوجهين دالعا لسانه في قفاه، و آخر من قدّامه يلتهبان نارا حتى يلهبا جسده، ثم يقال: هذا الذي كان في الدنيا ذا وجهين و لسانين يعرف بذلك يوم القيامة (6)، و ان شر الناس يوم القيامة ذا الوجهين (7).

ص:489


1- الفقيه:4/3 باب ذكر جمل من مناهي النبي صلّى اللّه عليه و آله و سلّم حديث 1، و السرائر: 473.
2- الكافي:5/126 باب السحت حديث 2.
3- اتفق فقهاؤنا على حرمة أخذ الأجرة على فعل محرّم أو تعليمه و تعلّمه و يكون الثمن سحتا لأنه أخذ للمال في مقابل أمر محرّم فيكون أكلا للمال بالباطل و هو حرام فتبنّه.
4- بحار الأنوار:75/204 حديث 8 [1] عن عقاب الأعمال:319 حديث 1.
5- بحار الأنوار:75/202 حديث 1 [2] عن معاني الأخبار:185 حديث 1، و أمالي الشيخ الصدوق: 337 حديث 18.
6- الخصال:1/37 حديث 16. و حكاه في البحار:75/203 حديث 5.
7- بحار الأنوار:75/203 حديث 6، [5] عن الخصال:1/38 حديث 17. و قد وردت أكثر هذه الروايات في عقاب الأعمال:319، باب: عقاب من كان ذا وجهين و ذا لسانين.
و منها: لبس الحرير و الذهب و لو خاتما للرجال:

فإنّه محرّم للنهي عنه (1)، و قد ورد انّ من لبس الحرير من الرجال أحرق اللّه تعالى جلده يوم يلقاه، و أنّه و الذهب زينة أهل الجنّة، و هما في الدنيا على الرجال محرّمان (2)، و يطلب فروع ذلك من مبحث لباس المصلّي من مناهج المتقين.

و منها: لعن المؤمن غير المستحق له:

فإنّه محرّم، و قد ورد انّ اللعنة اذا خرجت من في صاحبها تردّدت فيما بينهما، فإن وجدت مساغا و الاّ رجعت على صاحبها و كان أحقّ بها، فاحذروا أن تلعنوا مؤمنا فيحلّ بكم (3).

و منها: اللواط:
اشارة

عدّه الصّادق (4)و الرضا (5)عليهما السّلام من الكبائر، و قد ورد عن رسول اللّه صلّى اللّه عليه و آله ان من جامع غلاما جاء يوم القيامه جنبا لا ينقّيه ماء الدنيا، و غضب اللّه عليه و لعنه و أعدّ له جهنّم و سائت مصيرا (6). و انّ الذكر يركب على الذكر فيهتزّ العرش لذلك 7. و ورد انّ حرمة الدبر أعظم

ص:490


1- لبس الذهب و الحرير الخالص محرّم باجماع الامّامية و لا خلاف فيه اما اذا كان اللباس فيه الحرير بحيث لا يكون الغالب منه حريرا فلا بأس به و تفصيل ذلك في المجاميع الفقهية.
2- الفقيه:1/164 باب 39 حديث 774.
3- الكافي:2/360 باب السباب حديث 6 و 7 [1] أقول لا خلاف في حرمة لعن من لا يستحق اللّعن، و أنّه يعاقب اللاّعن و هذا الحكم بالعنوان الكلي متفق عليه و الاختلاف في بعض موارده اما لعن اعداء الدين و المذهب فيعد من القربات.
4- الخصال:2/610 باب خصال من شرايع الدين حديث 9.
5- عيون أخبار الرضا عليه السّلام:269 باب 34 ما كتبه الامام الرضا عليه السّلام للمأمون في محض الاسلام و شرايع الدين.
6- 6 و 7) الكافي:5/544 باب اللواط حديث 2.

من حرمة الفرج (1). و انّ اللّه أهلك امّة لحرمة الدبر، و لم يهلك أحدا لحرمة الفرج 2. و انّ من الحّ في وطي الرجال لم يمت حتّى يدعو الرجال الى نفسه (2).

و انّ من بات مصرّا على اللّواط لم يمت حتّى يرميه اللّه بحجر من الحجارة التي تضمّنها قوله تعالى وَ أَمْطَرْنا عَلَيْها حِجارَةً مِنْ سِجِّيلٍ مَنْضُودٍ* مُسَوَّمَةً عِنْدَ رَبِّكَ وَ ما هِيَ مِنَ اَلظّالِمِينَ بِبَعِيدٍ (3)تكون في منيّته، و لا يراه أحد (4). و انّ في اللواط انقطاع النسل، و فساد التدبير، و خراب الدنيا (5). و انّ قوم لوط لمّا عملوا ما عملوا بكت الارض الى ربّها حتى بلغت دموعها الى السماء، و بكت السماء حتى بلغت دموعها العرش، فأوحى اللّه الى السماء أن أحصبيهم (6)، و أوحى اللّه الى الأرض أن اخسفي بهم (7). و قضيّة قوم لوط طويلة فلتطلب من التفاسير.

و كما يحرم اللّواط على الفاعل فكذا على المفعول به، و قد ورد انّ الرجل ليؤتى في حقبه، فيحسبه اللّه على جسر جهنّم حتّى يفرغ اللّه من حساب الخلائق، ثم يؤمر به الى النّار، فيعذّب بطبقاتها، طبقة طبقة حتّى يرد الى أسفلها و لا يخرج منها (8). و ورد انّ اللّه عزّ و جلّ قال: و عزّتي و جلالي لا يقعد

ص:491


1- 1 و 2) الكافي:5/543 باب اللواط حديث 1.
2- الكافي:5/546 باب اللواط حديث 5.
3- سورة هود آية 82 و 83.
4- الكافي:5/548 باب اللّواط حديث 9.
5- عيون أخبار الرضا عليه السّلام:246 باب 32 [5] في ذكر ما كتبه الرضا عليه السّلام إلى محمد بن سنان في جواب مسائله في العلل.
6- يعني أرميهم بالحصباء، و هي صغار الحجر. [منه (قدس سره)].
7- المحاسن:110 باب 50 [6] عقاب اللواط حديث 102.
8- الكافي:5/544 باب اللواط حديث 2.

على نمارق الجنّة و استبرقها و حريرها من يؤتى في دبره (1). و ان من يؤتى في دبره ليس من الشيعة (2).

و يحرم مقدّمات اللّواط من النظر بشهوة و التقبيل و نحوهما، و قد ورد ان من قبّل غلاما بشهوة ألجمه اللّه يوم القيامة بلجام من نار (3). و قال رسول اللّه صلّى اللّه عليه و آله: إيّاكم و أولاد الأغنياء و الملوك المرد، فانّ فتنتهم أشدّ من فتنة العذاري في خدورهن (4).

فائدة:

روى عمر بن يزيد قال: كنت عند أبي عبد اللّه عليه السّلام و عنده رجل فقال: انّي أحبّ الصبيان، فقال له: فتصنع ما ذا؟ قال أحملهم على ظهري.

فوضع أبو عبد اللّه عليه السّلام يده على جبهته و ولّى عنه، فبكى الرجل، فنظر اليه فكأنّه رحمه، فقال: إذا أتيت بلدك فاشتر جزورا سمينا، و اعقله عقالا شديدا، فخذ السيف فاضرب السنام ضربة تقشر عنه الجلدة، و اجلس عليه بحرارته، قال الرجل: فأتيت بلدي ففعلت ذلك فسقط منّي على ظهر البعير شبه الوزغ أصغر من الوزغ و سكن ما بي (5).

و منها: لمس الأجنبيّة و الأجنبيّ:

فانه يحرم لمس كلّ ما يحرم النظر اليه من المرأة للرجل و من الرجل

ص:492


1- الكافي:5/550 باب من أمكن من نفسه حديث 8.
2- الكافي:5/551 باب من أمكن من نفسه حديث 9.
3- الكافي:5/548 باب اللواط حديث 10.
4- الكافي:5/548 باب اللواط حديث 8.
5- الكافي:5/550 باب من أمكن من نفسه حديث 6. [5] أقول: اتفقت كلمة فقهائنا رضوان اللّه تعالى عليهم على حرمة هذا الفعل الشنيع و انه من الكبائر بلا خلاف عندهم.

للمرأة، و من كلّ منهما لمماثله، و منهما لغيره، و يحرم مسّ وجه الأجنبيّة حتى على القول بجواز النظر اليه الاّ عند الضّرورة (1).

و منها: مجالسة أهل المعاصي و البدع:

لما ورد من النواهي الأكيدة عن ذلك، قال اللّه سبحانه وَ إِمّا يُنْسِيَنَّكَ اَلشَّيْطانُ فَلا تَقْعُدْ بَعْدَ اَلذِّكْرى مَعَ اَلْقَوْمِ اَلظّالِمِينَ (2). و ورد عنهم عليهم السّلام انّ من قعد عند سبّاب لأولياء اللّه فقد عصى اللّه (3). و قال الصادق عليه السّلام: لا تصحبوا أهل البدع و لا تجالسوهم فتصيروا عند الناس كواحد منهم.

قال رسول اللّه صلّى اللّه عليه و آله: المرء على دين خليله و قرينه (4).

و قال عليه السّلام: ثلاثة مجالس يمقتها اللّه، و يرسل نقمته على أهلها، فلا تقاعدوهم، و لا تجالسوهم، مجلسا فيه من يصف لسانه كذبا في فتياه، و مجلسا ذكر أعدائنا فيه جديد و ذكرنا فيه رثّ، و مجلسا فيه من يصدّ عنّا و أنت تعلم (5)، و علّل عليه السّلام المنع من مجالسة العاصين و أهل البدع و الظالمين بخوف نزول عذاب و نقمة يعمّ من جالسهم كما عمّ الغرق من تخلّف من أصحاب موسى عليه السّلام ليعظ أباه، فبلغ خبره موسى عليه السّلام فقال: هو في رحمة اللّه، و لكن النقمة إذا نزلت لم يكن لها عمّن قارب الذنب دفاع (6). و قال عليه السّلام: ما اجتمع ثلاثة من الجاحدين إلاّ حضرهم عشرة أضعافهم من

ص:493


1- الفقيه:4/8 باب ذكر جمل من مناهي النبي صلّى اللّه عليه و آله و سلّم حديث 1 و راجع مناهج المتقين كتاب النكاح.
2- سورة الأنعام آية 68.
3- مستدرك وسائل الشيعة:2/387 باب 36 حديث 16.
4- أصول الكافي:2/375 باب المجالسة لأهل المعاصي حديث 3.
5- أصول الكافي:2/378 باب المجالسة لأهل المعاصي حديث 12.
6- أصول الكافي:2/374 باب مجالسة أهل المعاصي حديث 2.

الشياطين، فإن تكلّموا تكلّم الشياطين بنحو كلامهم و إذا ضحكوا ضحكوا معهم، و إذا نالوا أولياء اللّه نالوا معهم، فمن ابتلي من المؤمنين بهم فإذا خاضوا في ذلك فليقم، و لا يكن شرك شيطان و لا جليسه، فانّ غضب اللّه لا يقوم له شىء، و لعنته لا يردّها شيء، فإن لم يستطع فلينكر بقلبه، و ليقم و لو حلب شاة أو فواق ناقة (1). و قال أمير المؤمنين عليه السّلام: مجالسة الأشرار توجب سوء الظنّ بالأخيار، و مجالسة الأخيار تلحقّ الأشرار بالأخيار، و مجالسة الفجار للأبرار تلحق الفجّار بالأبرار، فمن اشتبه عليكم أمره و لم تعرفوا دينه فانظروا الى خلطائه، فان كانوا أهل دين اللّه، فهو على دين اللّه، و إن لم يكونوا على دين اللّه فلا حظّ لهم في دين اللّه، انّ رسول اللّه صلّى اللّه عليه و آله و سلّم كان يقول:

من كان يؤمن باللّه و اليوم الآخر فلا يواخينّ كافرا، و لا يخالطنّ فاجرا، و من آخى كافرا أو خالط فاجرا كان فاجرا كافرا (2).

الى غير ذلك من الأخبار، بل ورد المنع من مجاورة أهل المعاصي حذرا من شمول ما ينزل من العذاب للمجاور (3). و قال مولانا الباقر عليه السّلام:

اما انه ليس من سنة أقلّ مطرا من سنة، و لكن اللّه يضعه حيث يشاء، إنّ اللّه جلّ جلاله إذا عمل قوم بالمعاصي صرف عنهم ما كان قدّر لهم من المطر في تلك السنة إلى غيرهم و إلى الفايفي و البحار و الجبال، و إن اللّه ليعذب الجعل في جحرها بحبس المطر عن الأرض التي هي بمحلتها لخطايا من بحضرتها، و قد جعل اللّه لها السبيل الى مسلك سوى محلّة أهل المعاصي، فاعتبروا يا أولي الأبصار. الحديث (4). و قال الصادق عليه السّلام: مرّ عيسى بن مريم عليه السّلام على

ص:494


1- وسائل الشيعة:10/505 باب 38 حديث 12.
2- صفات الشيعة:4، و وسائل الشيعة:11/506 باب 38 حديث 18.
3- الأمالي للشيخ المفيد:112 المجلس الثالث [3]عشر حديث 3.
4- الأمالي أو المجالس للشيخ الصدوق:308 المجلس الحادي و الخمسون حديث 2.

قرية قد مات أهلها و طيرها و دوابّها فقال: اما انهم لم يموتوا إلاّ بسخطه، و لو ماتوا متفرّقين لتدافنوا. فقال الحواريون: يا روح اللّه و كلمته ادع اللّه ان يحييهم لنا فيخبرونا ما كانت أعمالهم فنتجنّبها، قال: فدعا عيسى عليه السّلام فنودي من الجوّ: ان نادهم، فقام عيسى عليه السّلام بالليل على شرف من الأرض فقال:

يا أهل القرية، فأجابه مجيب منهم لبّيك فقال: و يحكم ما كانت أعمالكم؟ قال:

عبادة الطاغوت، و حبّ الدنيا، مع خوف قليل، و أمل بعيد، و غفلة في لهو و لعب . . الى أن قال: كيف عبادتكم للطاغوت، قال: الطاعة لأهل المعاصي، قال:

كيف كان عاقبة أمركم؟ قال: بتنا في عافية، و أصبحنا في الهاوية. فقال: و ما الهاوية؟ قال: سجّين، قال: و ما سجّين؟ قال: جبال من جمر توقد علينا إلى يوم القيامه. . إلى أن قال: ويحك كيف لم يكلّمني غيرك من بينهم؟ قال: يا روح اللّه انّهم ملجمون بلجم من نار بأيدي ملائكة غلاظ شداد، و إنّي كنت فيهم و لم أكن منهم، فلما نزل العذاب عمّني معهم، فانا معلّق بشعرة على شفير جهنّم لا أدري أكبكب فيها أم أنجو منها. الحديث (1).

و منها: محاربة أولياء اللّه جلّ شأنه:

عدّه مولانا الصّادق (2)و الرّضا (3)عليهم السّلام من الكبائر. و قال اللّه

ص:495


1- أصول الكافي:2/318 باب حب الدنيا و الحرص عليها حديث 11. [1] أقول: من جملة موارد التوقي من التهمة و الاجتناب عن الوقوع في الهلكة هذا المورد و مما لا خفاء فيه ان الطبع مكتسب من كل مصحوب، و ان المرء يعرف بجليسه فعلى هذا ينبغي الابتعاد عن مجالسة الفسقة و الأشرار و الظلمة الفجار إلاّ إذا كانت للمؤمن ملكة قويّة تردعه من تأثير المجالسة معهم، و كانت مجالسته لردع الفاسق عن فسقه و كبح جموحه مع الاطمينان التام في عدم تاثيره عليه، فمع هذه الشرائط يمكن القول بجواز معاشرة الفاسق في بعض المقامات و ترك المعاشرة في مقام آخر. و اللّه سبحانه و تعالى هو الهادي إلى الرشاد.
2- الخصال:2/610 خصال من شرايع الدين حديث 9.
3- عيون أخبار الرضا علي [2]ه السّلام:269 باب 34 ما كتبه الرضا عليه السّلام للمأمون في [3]محض-

سبحانه: إِنَّما جَزاءُ اَلَّذِينَ يُحارِبُونَ اَللّهَ وَ رَسُولَهُ وَ يَسْعَوْنَ فِي اَلْأَرْضِ فَساداً. . الى قوله ذلِكَ لَهُمْ خِزْيٌ فِي اَلدُّنْيا وَ لَهُمْ فِي اَلْآخِرَةِ عَذابٌ عَظِيمٌ (1).

و منها: مدح الظالم:

فقد ورد انّ من مدح سلطانا جائرا و تخفّف و تضعضع له طمعا فيه كان قرينه في النار (2)، و حينئذ فهو من الكبائر، بل يحرم مطلق مدح من يستحقّ الذمّ و ذمّ من يستحق المدح (3). و لو كان الشخص مستحقا للذمّ من جهة، كجوره و ظلمه أو نحو ذلك، و مستحقّا للمدح من جهة أخرى كسخاء او إيمان أو نحو ذلك جاز مدحه من الجهة الّتي يستحق بها المدح إلاّ أن يكون ذلك سببا لزيادة عظمته الموجبة لازدياد الجهة التي يستحقّ بها الذمّ من جور و ظلم و نحوهما (4). و يجوز مدح من يستحق الذمّ اتقاء شرّه، بل قد يجب ذلك إذا توقّف عليه حفظ نفس أو عرض، كما يجب ذمّه ردعا له عن المنكر عند عدم الخوف منه كما هو ظاهر (5).

ص:496


1- سورة المائدة آية 33. لا خلاف في أن محاربة أولياء اللّه من أكبر الكبائر و أعظم الجرائم و اذا كان من الأئمّة المعصومين صلوات اللّه عليهم أجمعين كانت محاربته كفرا و الفاعل له كافر حرّبي يحلّ دمه و ماله و هم في الآخرة من المخلّدين في عذاب اللّه الجبار المنتقم جل شأنه.
2- الفقيه:4/6 باب ذكر جمل من مناهي النبي صلّى اللّه عليه و آله و سلّم حديث 1.
3- لأن المدح و القدح في المقام كذب محرّم.
4- و دليل الحكم واضح لأنه إعانة لما هو فيه من الأمر المنّهي عنه و إمضاء لعمله.
5- المورد من موارد التقيّة و إذا لم يكن المورد من موارد التقية وجب نهيه عمّا يرتكبه من المنكر إن تحقّقت شروط وجوب النهي عن المنكر.
و منها: المساحقة:

فإنها محرمة، بل هي من الكبائر، لثبوت الحدّ فيها، و لما ورد من انّه اذا كان يوم القيامة يؤتى بالنساء المساحقة (1)قد ألبسن مقطّعات من نار، و قنّعن بمقانع من نار، و سرولن من النار، و أدخل في أجوافهن إلى رؤسهن اعمدة من نار، و قذف بهن في النار (2). و قد قيل له عليه السّلام: ليس هذا في كتاب اللّه.

فقال: بلى، قوله تعالى وَ عاداً وَ ثَمُودَ وَ أَصْحابَ اَلرَّسِّ (3). و ورد انّهما في النار عليهما سبعون حلّة من نار، فوق تلك الحلل جلد جاف غليظ من نار، عليهما نطاقان من نار و تاجان من نار، فوق تلك الحلل خفان من نار، و هما في النار (4). و ورد: ملعونة ملعونة الراكبة و المركوبة، و ملعونة حتى تخرج من أثوابهما الراكبة و المركوبة، فانّ اللّه و ملائكته و اولياءه يلعنونها [و انا]و من بقي في أصلاب الرجال و أرحام النساء، فهو و اللّه الزنا الأكبر، و لا و اللّه ما لهن توبة (5)و ورد انّ اللّه إنّما أهلك قوم لوط لما عمل النساء مثل ما عمل الرجال، يأتي بعضهم بعضا (6). و ان أوّل من عمل هذا العمل قوم لوط، فاستغنى الرجال بالرجال، فبقى النساء بلا رجال، ففعلن كما فعل رجالهن (7).

ص:497


1- المساحقة بفتح الحاء أي التي ساحقتها امرأة أخرى أو بالكسر أي التي فعلت ذلك وكلا الوجهين صحيح.
2- المحاسن:113 باب 52 [1] عقاب اللواتي مع اللوّاتي حديث 112، و عقاب الأعمال:317 حديث 12.
3- عقاب الأعمال:318 حديث 14، و المحاسن:114 باب عقاب اللواتي مع اللواتي حديث 114. [3]الفرقان:38.
4- الكافي:5/552 باب السحق حديث 3.
5- الكافي:5/552 باب السحق حديث 4.
6- عقاب الأعمال:317 حديث 10.
7- عقاب الأعمال:318 حديث 12. -
و منها: معونة الظالمين:

فإنّها محرّمة، بل عدّه مولانا الرضا عليه السّلام من الكبائر (1)، و قد ورد أنّه: إذا كان يوم القيامة نادى مناد: أين أعوان الظلمة؟ و من لاق لهم دواة؟ أو ربط لهم كيسا؟ أو مدّ لهم مدّة قلم؟ فاحشروهم معهم (2). بل عن مولانا الرّضا عليه السّلام: انّ الدخول في أعمال السلطان و العون له في حوائجه عديل الكفر، و النظر اليه على العمّد من الكبائر التي يستحق بها النار (3). و ورد انّ من مشى مع ظالم يعينه و هو يعلم انّه ظالم فقد خرج عن الاسلام (4). و انّه إذا كان يوم القيامة نادى مناد: أين الظلمة و أعوان الظلمة و أشباه الظلمة؟ حتى من برا لهم قلما و لاق لهم دواة، فيجتمعون في تابوت من حديد، ثم يرمى بهم في جهنّم 5. و انّ العامل بالظلم، و المعين به، و الراضي به شركاء 6. و ان من تولّى خصومة ظالم أو أعانه عليها نزل به ملك الموت بالبشرى بلعنة اللّه، و نار جهنّم خالدا فيها و بئس المصير. و من خفّ لسلطان جائر في حاجة كان قرينه في النّار، و من دلّ سلطانا على الجور قرن مع هامان، و كان هو و السلطان من أشدّ أهل النّار عذابا، و من عظّم صاحب دنيا و أحبّه لطمع دنياه سخط اللّه عليه،

ص:498


1- عيون أخبار الرضا عليه السّلام:269 باب 34 ما كتبه الرضا عليه السّلام للمأمون في محض الاسلام و شرايع الدين.
2- عقاب الأعمال:309 عق [1]اب الظلمة و أعوانهم حديث 1.
3- تفسير العياشي: [2]1/238 سورة النساء في تفسير قوله ت [3]عالى [ان تجتنبوا كبائر ما تنهون عنه]حديث 110.
4- تنبيه الخواطر- [4]مجموعة ورّام-:1/54 [5]. باختلاف يسير.

و كان في درجة مع قارون في التابوت الأسفل من النّار (1)، و من علّق سوطا بين يدي سلطان جائر جعلها اللّه حيّة طولها ستون [سبعون]ألف ذراع (2)فتسلّط عليه في نار جهنّم خالدا فيها مخلّدا، و من سعى بأخيه الى سلطان و لم ينله منه سوء و لا مكروه أحبط اللّه عمله، و إن وصل منه سوء أو مكروه أو أذى جعله اللّه في طبقة مع هامان في جهنّم (3).

و لا فرق في الحرمة بين إعانتهم على محرّم أو محلّل مع كون المعين معدودا لذلك في أعوان الظلمة، و على الثاني ورد المنع من إعانتهم على بناء المسجد (4)، و كذا ما ورد من قول رجل لأبي عبد اللّه عليه السّلام: جعلت فداك انه ربّما أصاب الرجل منّا الضيق أو الشدّة فيدعى الى البناء يبنيه، أو النهر يكريه، أو المسنّاة يصلحها، فما تقول في ذلك؟ فقال أبو عبد اللّه عليه السّلام: ما أحبّ انّي عقدت لهم عقدة، او وكيت لهم وكاء، و انّ لي ما بين لابتيها (5)، لا و لا مدّة قلم، إنّ اعوان الظلمة يوم القيامة في سرادق من نار حتى يحكم اللّه بين العباد (6).

ثم انه لا يختص الظالمون بحكّام العامّة و سلاطينهم، بل يعمّهم و غيرهم من الظالمين و الجائرين حتى من الشيعة (7).

ص:499


1- عقاب الأعمال:331 باب يجمع عقوبات الأعمال.
2- عقاب الأعمال:335 باب يجمع عقوبات الأعمال. و في الأصل: فيسلط اللّه عليه.
3- عقاب الأعمال:337 باب يجمع عقوبات الأعمال.
4- التهذيب:6/338 باب 93 المكاسب حديث 941 [1] بسنده عن يونس بن يعقوب قال: قال لي أبو عبد اللّه عليه السّلام: لا تعنهم على بناء مسجد.
5- جاء في الحاشية منه قدس سره: يعني و إن لي ما بين الجبلين المحيطين بالمدينة المنورة.
6- التهذيب:6/331 باب 93 المكاسب حديث 919.
7- الظلم من المحرّمات الكبيرة من أيّ فرد صدر مؤمنا كان ام مسلما نعم يمكن أن يقال إن الظلم من شيعة أهل البيت أقبح و أشدّ عقوبة بملاك حسنات الأبرار سيئات المقربين و المسألة ذات أبعاد واسعة و أبحاث كثيرة.

ثم انّه يختص المنع بصورة الاختيار فلا بأس بإعانتهم خوفا على النفس، أو العرض، أو المال الخطير (1)، و كلّما حرمت المعونة حرمت الأجرة المأخوذة عليها (2).

و منها: المعونة على قتل المؤمن:

و المشاركة فيه، و الرضا به، فإنّ كلا منهما محرّم، بل من الكبائر، لما ورد من قول رسول اللّه صلّى اللّه عليه و آله: و الذي بعثني بالحقّ لو انّ اهل السماء و الأرض شركوا في دم امرىء مسلم لأكبّهم اللّه على مناخرهم في النار، أو قال:

على وجوههم (3). و ورد انّ من أعان على قتل مؤمن بشطر كلمة جاء يوم القيامه مكتوب بين عينيه آيس من رحمة اللّه (4). و انه يجىء يوم القيامة رجل الى رجل حتى يلطخه بدمه و النّاس في الحساب، فيقول: يا عبد اللّه ما لي و لك؟ فيقول:

اعنت عليّ يوم كذا و كذا فقتلت (5)، و ان العبد يحشر يوم القيامة و ما ادمى دما فيدفع اليه شبه المحجمة أو فوق ذلك فيقال له: هذا سهمك من دم فلان، فيقول: يا رب انك تعلم انك قبضتني و ما سفكت دما. قال: بلى اما سمعت من فلان بن فلان كذا كذا فرويتها عنه فنقلت حتى صارت إلى فلان فقلته عليها؟ فهذا سهمك من دمه (6). و ورد: ان من أحبّ عمل قوم أشرك في عملهم. و ورد انّه: لو انّ رجلا قتل بالمشرق فرضي بقتله رجل بالمغرب لكان الراضي عند اللّه

ص:500


1- هذا المورد من موارد التقية التي أوجبها الشارع المقدس في موارد و منها المورد المذكور.
2- و هذه قاعدة عامّة لأنّ الأجرة إنما هي في مقابل العمل المحرّم و الأجرة على المحرم محرمة بلا ريب.
3- مستدرك وسائل الشيعة:3/250 باب 2. حديث 1.
4- أصول الكافي:2/368 باب من أخاف مؤمنا حديث 3.
5- عقاب الأعمال:326 [3] عقاب من أعان على قتل مؤمن بشطر كلمة حديث 2.
6- المحاسن:104 باب 44 [4] عقاب الإذاعة حديث 84.

عزّ و جلّ شريك القاتل. و انّ الحجّه المنتظر عجّل اللّه تعالى فرجه انّما يقتل ذراري قتلة الحسين عليه السّلام إذا خرج لرضاهم بفعل آبائهم (1).

و منها: المكر:

و هو من الكبائر، لما ورد عن رسول اللّه صلّى اللّه عليه و آله من قوله:

من كان مسلما فلا يمكر و لا يخدع، فإنّي سمعت جبرئيل عليه السّلام يقول:

انّ المكر و الخديعة في النار (2). و عن أمير المؤمنين عليه السّلام انّه قال: لو لا انّ المكر و الخديعة في النار لكنت أمكر الناس (3). و قال عليه السّلام لو لا انّي سمعت رسول اللّه صلّى اللّه عليه و آله يقول: إنّ المكر و الخديعة و الخيانة في النار لكنت أمكر العرب (4).

و منها: منع الزكاة:

عدّه مولانا الكاظم (5)و الرضا (6)و الجواد (7)عليهم السّلام من الكبائر، لقوله سبحانه وَ اَلَّذِينَ يَكْنِزُونَ اَلذَّهَبَ وَ اَلْفِضَّةَ وَ لا يُنْفِقُونَها فِي سَبِيلِ اَللّهِ فَبَشِّرْهُمْ بِعَذابٍ أَلِيمٍ* يَوْمَ يُحْمى عَلَيْها فِي نارِ جَهَنَّمَ فَتُكْوى بِها جِباهُهُمْ وَ جُنُوبُهُمْ وَ ظُهُورُهُمْ هذا ما كَنَزْتُمْ لِأَنْفُسِكُمْ فَذُوقُوا ما كُنْتُمْ تَكْنِزُونَ (8)بعد

ص:501


1- أقول: الإعانة على قتل المؤمن بأيّ نحو كان من المحرمات الكبيرة الموجبة لغضب الجبار و العذاب الأليم و ربّما قيل بخلود المعين في النار و اللّه سبحانه العاصم.
2- الأمالي للشيخ الصدوق:270 المجلس السادس و [1]الأربعون حديث 5.
3- أصول الكافي:2/336 باب المكر و الغدر و الخديعة حديث 1.
4- عقاب الأعمال:320 عقاب من مكر أو خدع حديث 2 و 3.
5- أصول الكافي:2/285 باب الكبائر حديث 24.
6- الحديث المتقدم.
7- الحديث السابق.
8- سورة التوبة آية 34 و 35.

تفسيره بذلك (1). و عن النّبي صلّى اللّه عليه و آله: انّه لم يمنع قوم الزكاة الاّ منعوا القطر من السماء، و لو لا البهائم لم يمطروا. و ورد انّ: ما من ذي مال ذهب أو فضة يمنع زكاة ماله إلاّ حبسه اللّه يوم القيامه بقاع قرقر، و سلّط عليه شجاعا أقرع يريده و هو يحيد عنه، فاذا رأى انّه لا يتخلّص منه امكنه من يده فقضمها كما يقضم الفجل، ثم يصير طوقا في عنقه، و ذلك قول اللّه عز و جل:

سَيُطَوَّقُونَ ما بَخِلُوا بِهِ يَوْمَ اَلْقِيامَةِ (2)و ما من ذي مال إبل أو بقر أو غنم يمنع من زكاة ماله إلاّ حبسه اللّه يوم القيامة بقاع قرقر تطأه كل ذي ظلف بظلفها، و تنهشه كلّ ذي ناب بنابها، و ما من ذي مال نخل أو كرم أو زرع يمنع زكاته إلاّ طوقّه اللّه عزّ و جلّ ربعة أرضه الى سبع أرضين إلى يوم القيامة (3). و ان مانع الزكاة يجرّ قصبه-يعني أمعاءه-في النّار، و مثّل له ماله في النار في صورة شجاع اقرع له [رأسان]زبانيان يفر الانسان منه و هو يتبعه حتّى يقضمه كما يقضم الفجل، و يقول أنا مالك الذي بخلت به (4). و ان منع الزكاة يورث موت المواشي (5)و أنّه إذا منعت الزكاة منعت الأرض بركاتها (6). و انّه ما من أحد أدّى الزكاة فنقصت من ماله، و لا منعها أحد فزادت في ماله (7). و انه لا تزال هذه الأمّة بخير ما لم يتخاونوا، و أدّوا الأمانة، و اتوا الزكاة، و إذا لم يفعلوا ذلك ابتلوا

ص:502


1- وسائل الشيعة:6/16 باب 3 حديث 26.
2- سورة آل عمران آية 180.
3- الفقيه:2/5 باب 2 حديث 10، و الكافي:3/506 باب منع الزكوة حديث 19.
4- أمالي الشيخ الطوسي:2/133 الجزء الثامن [4]عشر.
5- الأمالي للشيخ الطوسي:1/77 الجزء الثالث.
6- الكافي:3/505 باب منع الزكاة حديث 17.
7- الكافي:3/504 باب منع الزكاة حديث 6. باختلاف يسير.

بالقحط و السنين (1). و انّ الزكاة تحصن المال (2). و انّه ما تلف مال و لا ضاع في برّ أو بحر إلاّ بترك الزكاة و منعها و تضييعها. و انه ما من طير يصاد إلاّ بتركه التسبيح، و ما ممن مال يصاب إلاّ بترك الزكاة (3). و انّه ملعون ملعون مال لا يزكى (4). و انّ من منع الزكاة سأل الرجعة عند الموت، و هو قول اللّه عزّ و جلّ رَبِّ اِرْجِعُونِ لَعَلِّي أَعْمَلُ صالِحاً فِيما تَرَكْتُ (5). و انّ من منع الزكاة وقفت صلاته حتّى يزكّى (6). و انّه ما فرض اللّه على هذه الأمّة شيئا أشدّ عليهم من الزكاة و فيها تهلك عامّتهم (7). بل مقتضى قواعد المذهب كفر تارك الزكاة مستحلاّ و جاحدا، و عليه يحمل ما ورد من انّ بالزكاة حقنت دماء الأغنياء، و بها سمّوا مسلمين (8). و انّ من منع قيراطا من الزكاة فليس بمؤمن و لا مسلم و لا كرامة (9). و ليمت ان شاء يهوديّا أو نصرانيّا (10). و انّه كفر باللّه العظيم من هذه الأمّة عشرة، و عدّ منهم مانع الزكاة (11). و انّه إذا قام القائم عجّل اللّه تعالى فرجه أخذ مانع الزكاة و ضرب عنقه (12).

ص:503


1- عقاب الأعمال:300 عقاب التباغض و التخاون حديث 1.
2- ثواب الأعمال:70 ثواب إخراج الزكاة و وضعها في موضعها حديث 3.
3- الكافي:3/505 باب منع الزكاة حديث 15 و [1]حديث 18.
4- الكافي:3/505 باب منع الزكاة حديث 13.
5- الكافي:3/504 باب منع الزكاة حديث 11. [3]المؤمنون:99.
6- الكافي:3/504 باب منع الزكاة حديث 12.
7- الكافي:3/497 باب فرض الزكاة حديث 3.
8- الكافي:3/499 باب فرض الزكاة حديث 9 و [7]الحديث طويل.
9- وسائل الشيعة:6/20 باب 4 حديث 9 [8]عن تفسير علي بن إبراهيم.
10- المحاسن:87 باب 11 [10] عقاب من منع الزكاة حديث 28.
11- الفقيه:4/257 باب 176 النوادر حديث 821.
12- المحاسن:88 باب 11 [11] عقاب من منع الزكاة حديث 29.
و منها: المنع من مساجد اللّه سبحانه:

و هو من الكبائر، لقوله عزّ من قائل وَ مَنْ أَظْلَمُ مِمَّنْ مَنَعَ مَساجِدَ اَللّهِ أَنْ يُذْكَرَ فِيهَا اِسْمُهُ وَ سَعى فِي خَرابِها أُولئِكَ ما كانَ لَهُمْ أَنْ يَدْخُلُوها إِلاّ خائِفِينَ لَهُمْ فِي اَلدُّنْيا خِزْيٌ وَ لَهُمْ فِي اَلْآخِرَةِ عَذابٌ عَظِيمٌ (1).

و منها: الميسر:

و هو القمار، و قد تقدّم حرمته و كونه من الكبائر.

و منها: نبش القبر:

فانه محرّم، لثبوت الحدّ و التعزير فيه، بل ذلك يكشف عن كونه كبيرة (2).

و منها: النجش:

فانه محرّم على الأقوى و الأشهر، و حقيقته ان يزيد من لا يريد شراء شىء في ثمنه مواطاة مع البايع ليغترّ غيره و يشتري بالزايد، و قد ورد ان الناجش خائن (3)، و انّ الناجش و المنجوش ملعونان على لسان محمد صلّى اللّه عليه و آله (4).

و الأحوط الاجتناب عن المواطاة مع المشتري على ترك الزيادة ليشتري بالثمن الأقل (5).

ص:504


1- سورة البقرة آية 114.
2- لا يخفى ان الحدّ عند فقهائنا على نبش القبر و سرقة الكفن معا اما مجرّد النبش من غير سرقه للكفن و من غير مصلحة عائدة للميت فقد اختلف فيه لاختلاف الروايات و الظاهر ان مجرد النبش فيه التعزير و للمسألة بحث مبسوط.
3- معاني الأخبار:284 باب معنى المحاقلة و المزابنة. . . و قال صلّى اللّه عليه و آله و سلّم: لا تناجشوا و لا تدابروا. معناه ان يزيد الرجل الرجل في ثمن السلعة و هو لا يريد شراءها و لكن ليسمعه غيره فيزيد لزيادته. و الناجش الخائن. . .
4- وسائل الشيعة:12/337 باب 49 حديث 2.
5- أقول ينبغي ان لا ي [3]ناقش حرمة النجش للحديث المذكور و غيره و لأنه خيانة و إغراء للمشتري-
و منها: النظر الى الأجنبيّة:

فانّه محرّم على تفصيل شرحناه في نكاح المناهج، و قد ورد ان النظر سهم من سهام إبليس مسموم (1)، من تركه للّه عزّ و جلّ لا لغيره أعقبه اللّه أمنا و إيمانا يجد طعمه (2)، و كم من نظرة أورثت حسرة طويلة (3). و انّه ما من أحد إلاّ و يصيب حظّا من الزنا، فزنا العينين النظر، و زنا الفم القبلة، و زنا اليدين اللّمس، صدّق الفرج ذلك ام كذّب 45. و انّ النظرة بعد النظرة تزرع في القلب الشهوة، و كفى بها لصاحبها فتنة 6. و انّ من نظر الى امرأة فرفع بصره إلى السماء أو غمّض بصره لم يرتدّ اليه بصره حتى يزوجه اللّه من الحور العين، و يعقبه اللّه إيمانا يجد طعمه 7، و انّ من ملأ عينيه من امرأة حراما حشاهما اللّه يوم القيامة بمسامير من نار، و حشاهما نارا حتى يقضي بين الناس، ثم يؤمر به الى النار 8.

و منها: النظر في مكتوب الغير بغير إذنه:

فانّه محرّم، لكونه خيانة 9.

ص:505


1- المحاسن:109 باب 49 عقاب النظر إلى النساء [1] حديث 101.
2- مستدرك وسائل الشيعة:2/554 باب 80 حديث 1.
3- عقاب الأعمال:314 عقاب النظر إلى النساء حديث 1.
و منها: النظر الى دار الغير بغير اطلاعه و إذنه:

فانّه محرّم، بل ورد انه لو رماه صاحب الدار بحصاة أو عود أو غيرهما فجنى ذلك عليه لكانت الجناية هدرا 1. و ورد انّ من اطّلع في بيت جاره فنظر الى عورة رجل أو شعر امرأه أو شىء من جسدها كان حقّا على اللّه أن يدخله النّار مع المنافقين الذين كانوا يتّبعون عورات النساء في الدنيا، و لا يخرج من الدنيا حتّى يفضحه اللّه، و يبدي للناس عورته في الآخرة 2.

و منها: نقض العهد و اليمين و النذر:

فانّه محرّم، بل عدّه مولانا الكاظم 3و الرضا 4و الجواد 5عليهم السّلام من الكبائر، لقوله عزّ من قائل إِنَّ اَلَّذِينَ يَشْتَرُونَ بِعَهْدِ اَللّهِ وَ أَيْمانِهِمْ ثَمَناً قَلِيلاً أُولئِكَ لا خَلاقَ لَهُمْ فِي اَلْآخِرَةِ وَ لا يُكَلِّمُهُمُ اَللّهُ وَ لا يَنْظُرُ إِلَيْهِمْ يَوْمَ اَلْقِيامَةِ وَ لا يُزَكِّيهِمْ وَ لَهُمْ عَذابٌ أَلِيمٌ 6. و قال سبحانه: اَلَّذِينَ يَنْقُضُونَ عَهْدَ اَللّهِ مِنْ بَعْدِ مِيثاقِهِ وَ يَقْطَعُونَ ما أَمَرَ اَللّهُ بِهِ أَنْ يُوصَلَ وَ يُفْسِدُونَ فِي

ص:506

اَلْأَرْضِ أُولئِكَ هُمُ اَلْخاسِرُونَ (1)و قال جلّ شأنه في سورة الانفال: إِنَّ شَرَّ اَلدَّوَابِّ عِنْدَ اَللّهِ اَلَّذِينَ كَفَرُوا فَهُمْ لا يُؤْمِنُونَ اَلَّذِينَ عاهَدْتَ مِنْهُمْ ثُمَّ يَنْقُضُونَ عَهْدَهُمْ فِي كُلِّ مَرَّةٍ وَ هُمْ لا يَتَّقُونَ (2)و قال عزّ شأنه في سورة الرعد وَ اَلَّذِينَ يَنْقُضُونَ عَهْدَ اَللّهِ مِنْ بَعْدِ مِيثاقِهِ الى قوله تعالى أُولئِكَ لَهُمُ اَللَّعْنَةُ وَ لَهُمْ سُوءُ اَلدّارِ (3)و الامر في الاخبار بالتكفير و الاستغفار و التوبة (4)من ذلك أيضا يكشف عن كونه حراما و كبيرة، إذ لو لا الحرمة لما وجبت الكفّارة، و لو لا انّها كبيرة لم تورث الفسق، و لم تجب التوبة بمرّة من غير إصرار، فتامل.

و عن النبي صلّى اللّه عليه و آله انه: لم ينقض قوم عهد اللّه و عهد رسوله صلّى اللّه عليه و آله إلاّ سلّط اللّه عليهم عدوّهم و أخذ بعض ما في أيديهم (5).

و منها: نكاح البهيمة:

فانّه محرّم، و ان كانت ملك الفاعل، بل هو من الكبائر، لما ورد عن رسول اللّه صلّى اللّه عليه و آله من قوله: ملعون من نكح بهيمة (6). و سئل الصادق عليه السّلام عن الرجل ينكح بهيمة أو يدلك فقال: كلّ ما أنزل به الرجل ماءه من هذا و شبهه فهو زنا (7). و ورد انّ زنديقا قال له عليه السّلام: لم حرم اللّه إتيان

ص:507


1- سورة البقرة آية 27.
2- سورة الأنفال: آية 55 و 56.
3- سورة الرعد آية 25.
4- فقه الرضا:78 [4] بسنده عن أبي جعفر الثاني عليه السّلام قال في رجل عاهد اللّه عند الحجران لا يقرب محرما ابدا، فلما رجع عاد إلى المحرم، فقال أبو جعفر عليه السّلام: يعتق أو يصوم أو يتصدق على ستين مسكينا و ما ترك من الأمر أعظم، يستغفر اللّه و يتوب إليه.
5- أقول: نقض العهد من دون عذر شرعي حرام قطعا و معاقب فاعله بالاتفاق.
6- الكافي:5/541 باب الخضخضة و نكاح البهيمة حديث 5.
7- الكافي:5/540 باب الخضخضة و نكاح البهيمة حديث 3.

البهائم؟ قال: كره ان يضيّع الرجل ماءه و يأتي غير شكله، و لو أباح اللّه ذلك لربط كلّ رجل أتانا يركب ظهرها و يغشي فرجها، و كان يكون في ذلك فساد كثير، فاباح اللّه ظهورها و حرّم عليهم فروجها، و خلق للرجال النساء ليأنسوا و يسكنوا إليهن، و يكنّ موضع شهواتهم و أمّهات اولادهم (1).

و منها: النميمة:

و هي نقل الحديث من شخص إلى آخر، و من قوم الى آخرين على وجه السعاية و الإفساد، و هي بين مؤمنين محرّمة، بل هي من الكبائر، لما ورد عن رسول اللّه صلّى اللّه عليه و آله من انّه لا يدخل الجنّة القتّات و هو النمّام (2). و انّه أبغض الناس الى اللّه و شرّ النّاس (3). و انّ صاحب النميمة لا يستريح من عذاب اللّه في الآخرة (4). و انّ من مشى في نميمة بين اثنين سلّط اللّه عليه في قبره نارا تحرقه الى يوم القيامة، و إذا خرج من قبره سلّط اللّه عليه تنّينا أسود ينهش لحمه حتى يدخل النار (5). و ان اربعة يؤذون أهل النّار على ما بهم من الأذى يسقون من الحميم و الجحيم ينادون بالويل و الثبور، يقول أهل النار بعضهم لبعض: ما بال هؤلاء الاربعة قد أذونا على ما بنا من الأذى؟ و عدّ منهم من أكل لحوم الناس بالغيبة و مشى بالنميمة (6). و استفاض عن أئمّتنا عليهم السّلام انّ الجنّة محرّمة على القتّاتين، يعني المشائين بالنميمة، و انّ مأواهم النّار (7). و لا تختصّ النميمة بما

ص:508


1- الاحتجاج للطبرسي:2/93.
2- أصول الكافي:2/369 باب النميمة حديث 2.
3- الفقيه:4/271 باب النوادر.
4- الأمالي للشيخ الطوسي:2/151 [2] مجلس يوم الجمعة الرابع من محرّم.
5- عقاب الأعمال:335 باب يجمع عقوبات الأعمال حديث 1.
6- وسائل الشيعة:8/617 باب 164 حديث 5.
7- أصول الكافي:2/369 باب النميمة حديث 2، و [4]وسائل الشيعة:8/616 باب 164-

كان من مقولة القول، بل تحصل بالإشارة و نحوها أيضا (1).

و قد تجب النميمة لإيقاع الفتنة بين المشركين و تقوية المحقّين على المبطلين، خذلهم اللّه سبحانه (2).

و منها: نوح النائحة بالباطل:

و هو وصف الميت بما ليس فيه من المحاسن، أو تبرئته ممّا فيه من المساوي، أو بما لا يسوغ ذكره، كأن يصفه بما يرفعه في دنياه و يضعه في آخرته، أو يعدّ أفعاله القبيحة، و صفاته الذميمة شرعا، و لا بأس بالنوح بغير ذلك إذا لم يعرضه عنوان محرّم، من غناء، أو سماع أجنّبي صوتها، أو نحو ذلك، و على الأوّل يحمل ما نطق بالنهي عن النياحة (3)، و انّ النائحة اذا لم تتب قبل موتها تقوم يوم القيامة و عليها سربال من قطران و درع من جرب (4)، جمعا بينه و بين الأخبار المجوّزة.

نعم لا يبعد القول بالكراهة (5)إلاّ بالنسبة إلى المعصومين عليهم السّلام فإنّه مستحّب (6)، و لا يبعد الحاق ذريّتهم، بل و الفقهاء رضوان اللّه عليهم

ص:509


1- لوحدة الملاك في الحرمة.
2- هذا الحكم أحد مصاديق-ما يقوى به الحق، و يوهن به الباطل-و هو واجب بلا ريب فتفطّن.
3- الفقيه:4/3 باب ذكر جمل من مناهي النبي صلّ [1]ى اللّه عليه و آله و سلّم حديث 1: و نهى عن النياحة و الاستماع إليها.
4- مستدرك وسائل الشيعة:1/144 باب 71 حديث 15.
5- ربّما يكون وجه الكراهة هو ان الموقف هو موقف عاطفّي لفقدان عزيز و قلّ من لا يؤثر عليها الموقف فالنائحة و ان كانت لا تريد إلاّ النياحة بالحق لكن الموقف العاطفي يسيطر عليها غالبا و تنحرف عن القول الحق إلى الباطل و اللّه العالم.
6- ان النياحة و البكاء و الجزع في مصاب سادات الأنام و الأئمة الهداة و من خصهم بالنسب لمن أقرب القربات و أشرف العبادات و هي أيضا من أظهر مظاهر الموالاة لهم عليهم السّلام و البراءة من أعدائهم و ظالميهم عليهم اللعنة و العذاب و سيرة أئمة الهدى عليهم السّلام و حثهم على-

بهم (1). و كلّما حرمت النياحة، حرمت أجرتها، و حرم الاستيجار أيضا (2).

و منها: نوم الرجل مع مثله مجرّدين: تحت لحاف واحد. و كذا نوم المرأة

مع مثلها مجرّدتين تحت لحاف واحد، لما ورد عن رسول اللّه صلّى اللّه عليه و آله

و سلّم من انّه: لا يباشر الرجل الرجل إلاّ و بينهما ثوب، و لا تباشر المرأة المرأة

إلاّ و بينهما ثوب

(3)

. و عن أمير المؤمنين عليه السّلام من انّه: لا ينام الرجل مع الرجل في ثوب واحد، فمن فعل ذلك وجب عليه الأدب و هو التعزير (4). و ورد انّ عليّا عليه السّلام كان إذا وجد رجلين في لحاف واحد مجرّدين جلدهما حدّ الزاني مائة جلدة كل واحد منهما (5). و عن أبي عبد اللّه عليه السّلام انّ حدّ الجلد في الزنا ان يوجدا في لحاف واحد، و الرجلان يوجدان في لحاف واحد، و المرأتان توجدان في لحاف واحد (6). و لازم ذلك كونه كبيرة.

ص:510


1- الالحاق في المقام لا نتسابهم بهم عليهم السّلام واجد موارد ما يتقوى به الحق و يوهن به الباطل.
2- الحكم المذكور على القاعدة المتسالم عليها من ان ما حرم فعله حر [1]م أخذ الثمن عليه و السعي في ايجاده.
3- مكارم الأخلاق للطبرسي:266 الفصل التاسع في هنات تتعلق بالنساء.
4- الخصال:2/632 حديث الاربعم [2]ائة.
5- الكافي:7/182 باب ما يوجب [3]الجلد حديث 10.
6- الكافي:7/181 باب ما يوجب الجلد حديث 1. أقول: أفتى فقهاؤنا بالحرمة من دون تردّد.
و منها: وطء الميتة:

و لو كانت زوجته أو مملوكته، لورود النهي عن ذلك، بل ورد تعزيره إن كانت زوجته، و حدّه إن كانت أجنبيّة، و لازمه كونه كبيرة (1)، بل كلّما يحرم وطء في حال الحياة كوطء المرأة الأجنبيّة و الغلام و البهيمة يحرم بعد الموت (2).

و منها: الولاية من قبل الجائر لأجل الدّنيا:

فإنّها محرّمة، كافرا كان السلطان أو مسلما، مخالفا أو مؤمنا، و الحرمة فيها ذاتيّة، فهي ثابتة حتّى فيما لم تستلزم محرما، و يتضاعف الإثم عند استلزام شيء آخر من المحرمات، من ظلم و نحوه، نعم يجوز قبولها لا لأجل الدنيا بل لأجل القيام بمصالح العباد و دفع الظلم عنهم، و قد ورد انّ للّه تعالى مع السلطان أولياء يدفعون (3)عن أوليائه (4). و ان له تعالى في أبواب الظلمة من نوّر اللّه به البرهان، و مكّن له في البلاد، ليدفع بهم عن أوليائه، و يصلح اللّه به أمور المسلمين، لأنّهم ملجأ المؤمنين من الضرر، و إليهم يفزع ذو الحاجة من الشيعة، بهم يؤنس اللّه روعة المؤمن من دار الظلم، أولئك المؤمنون حقّا، أولئك أمناء اللّه في أرضه، أولئك

ص:511


1- الكافي:7/228 [1] حدّ النباش حديث 2، و التهذيب:10/62 باب 4 حديث 229 بسنده عن عبد اللّه بن محمد الجعفي قال: كنت عند أبي جعفر عليه السّلام و جاءه كتاب هشام بن عبد الملك في رجل نبش امرأة فسلبها ثيابها، ثم نكحها فإنّ الناسّ قد اختلفوا علينا ههنا فطائفة قالوا: اقتلوه، و طائفة قالوا: احرقوه، فكتب إليه أبو جعفر عليه السّلام إن حرمة الميّت كحرمة الحيّ، حدّه أن تقطع يده لنبشه و سلبه الثياب، و يقام عليه الحدّ في الزنى ان أحصن برجم و ان لم يكن أحصن جلد مائة. أقول: لا ريب في ان المرتكب لهذه الجريمة النكراء مرتكب لأشنع الجرائم و أقبحها و بذلك يستحق العقاب الأليم و الخزي في الدنيا و الآخرة.
2- ما ذكره المؤلف قدس اللّه روحه الطاهرة قاعدة كلّية لا نقاش فيها.
3- في المصدر: يدفع بهم عن. .
4- الكافي:5/112 باب شرط من اذن له في أعمالهم حديث 7.

نور اللّه في رعيتهم يوم القيامة و يزهر نورهم لأهل السموات كما تزهر الكواكب الزهرية لأهل الأرض، أولئك نورهم نور القيامة، خلقوا و اللّه للجنّة و خلقت الجنّة لهم. و لكن لا يخفى عليك ان مصداق الخبر في هذه الأزمنة، بل مطلقا كالكبريت الأحمر، و يلزمه مجاهدة النفس دائما حتى لا تزلق رجله، و انه على فرض الوجدان فلا يساوي المؤمن الذي ليس له الولاية من قبلهم، و لذا ورد انّه ما من جبّار إلاّ و معه مؤمن يدفع اللّه عزّ و جلّ به عن (1)المؤمنين، و هو أقلّهم حظّا في الآخرة لصحبة الجبّار (2).

و الحاصل من مجموع الأخبار هي حرمة قبول الولاية لأجل الدّنيا من دون جبره بشيء، و جوازه على كراهية فيما إذا جبره بفعل الطاعات، و قضاء حوائج المؤمنين، و دفع الضّر عنهم، و كشف كربهم من دون أن يرتكب محرّما آخر غير قبول الولاية و إلاّ حرم، و هذا هو الّذي ورد في حقّه انّه أقلّ المؤمنين حظّا يوم القيامة. و استحبابه فيما إذا لم يكن داعيه من الدخول فيها إلاّ محض فعل الخير للّه تعالى، و دفع الأذى عن المؤمنين، و الأمر بالمعروف، و النهي عن المنكر، مع خلوص نيّته في ذلك، و عدم اقتران عمله بمحرّم أصلا، و هذا هو النادر الذي ورد في حقّه ما سمعت من الفضائل، و اللّه العالم.

و يجوز قبول الولاية المحرّمة و انفاذ أوامره و نواهيه للإكراه و الخوف و التّقية مع عدم القدرة على التفصّي، إلاّ إراقة الدم المحترم، يعني القتل، فإنه لا تقيّة فيها بوجه، من غير فرق بين المباشرة و التسبيب، و لا بين دماء أفراد المؤمنين، و يطلب بقية الفروع من مناهج المتقّين (3).

ص:512


1- في المطبوع: من.
2- الكافي:5/111 باب شرط من اذن له في أعمالهم حديث 5.
3- أقول الولاية من قبل الجائر لها صور كثيرة فبعضها من أكبر المحرمات و بعضها الآخر في ظروف معيّنة واجبة و في أخرى جائزة و البحث عن صورها لا يسعه المجال فمن شاء الوقوف-
و منها: هجاء المؤمنين:

فإنّه محرّم، إلاّ لدفع ضرر الهلاك و نحوه عنه (1). و يعتبر في حرمته بروزه، فلا يحرم الهجاء من دون ان يطلّع عليه أحد و لو في الأزمنة المتأخرة (2)، و يلزم محو المكتوب من الهجو على الأحوط، بل الأظهر (3).

و منها: هجر المؤمن بغير موجب:

لما ورد من انّه لا يحلّ للمسلم أن يهجر أخاه ثلاثة أيّام، و انّ من كان مهاجرا لأخيه أكثر من ذلك كانت النار أولى به (4)، و انّ من مات في الثلاثة مهاجرا لأخيه كانت النار أولى به (5). و انه لا يزال الشيطان فرحا ما تهاجر المسلمان، فإذا التقيا اصطكّت ركبتاه، و تخلّعت أوصاله. و نادى: يا ويله! ممّا لقي من الثبور (6)، و ان أيّما مسلمين تهاجرا فمكثا ثلاثة لا يصطلحان إلاّ كانا خارجين (7)

ص:513


1- أقول الهجاء هو ذكر معايب المهّجو التي فيه، و هو حرام بلا ريب لإنّه إهانة للمؤمن و إشاعة لمعايبه و تنقيص له و إيذاء له و كل ذلك حرام بالاتفاق و منهّي عنه أشد النهي لكن إذا كان تنقيص المؤمن و هجاؤه لحفظ نفسه أو عرضه أو أمواله العظيمة من سطوة الظالم جاز ذلك لأن المحافظة على نفس المؤمن أو عرضه أو ماله الجسيم أهمّ و المسألة ذات أبعاد كثيرة و مباحث مبسطة من شاء راجع المصادر الفقهية الاستدلالية.
2- علّة الجواز هي عدم حصول الإهانة و التنقيص بالهجاء الخفيّ و في النفس فالفرض خارج عن البحث.
3- ما استظهره سماحة المؤلف قدس اللّه سره متين بل هو المتعيّن.
4- الفقيه:4/5 باب ذك [1]ر جمل من مناهي النبي صلّى اللّه عليه و آله و سلّم حديث 1.
5- مكارم الاخلاق:554 في وصايا النبي صلّ [2]ى اللّه عليه و آله و سلّم لأبي ذر: فمن مات فيها مهاجرا لأخيه كانت النار أولى به.
6- أصول الكافي:2/346 باب الهجرة حديث 7.
7- في المطبوع: يصالحان ان كانا مخرجين.

من الإسلام، و لم يكن بينهما ولاية، فأيّهما سبق إلى كلام أخيه كان السابق إلى الجنة يوم الحساب (1)و انه لا يفترق (2)رجلان على الهجران إلاّ استوجب أحدهما البراءة و اللعنّة، و ربّما استحقّ ذلك كلاهما، قيل له عليه السّلام: جعلت فداك هذا للظالم فما بال المظلوم؟ قال عليه السّلام: لأنه لا يدعو أخاه إلى صلته، و لا يتعامس (3)له من كلامه (4).

و منها: اليأس من روح اللّه سبحانه:

و قد عدّه مولانا الصادق (5)و الكاظم (6)و الرضا (7)و الجواد (8)عليهم السّلام من الكبائر مستندا إلى قوله سبحانه وَ لا تَيْأَسُوا مِنْ رَوْحِ اَللّهِ إِنَّهُ لا يَيْأَسُ مِنْ رَوْحِ اَللّهِ إِلاَّ اَلْقَوْمُ اَلْكافِرُونَ (9).

ص:514


1- أصول الكافي:2/345 باب الهجرة حديث 5.
2- في المطبوع: يفرق.
3- التعامس هو التغافل. تعامس عنه تغافل [منه (قدس سره)]راجع القاموس:2/233 مادة عمس.
4- أصول الكافي:2/344 باب الهجرة حديث 1. [2] أقول: المسألة لها موارد مختلفة كثيرة و الحكم فيها مختلف و النقاش العلمي فيها واسع ينبغي مراجعة الكتب الفقهية المبسوطة.
5- أصول الكافي:2/277 باب الكبائر حديث 4.
6- أصول الكافي:2/285 باب الكبائر حديث 24.
7- عيون أخبار الرضا عليه السّلام:269 باب 34 [5] ما كتبه الرضا عليه السّلام للمأمون في محض الإسلام و شرايع الدين.
8- أصول الكافي:2/285 باب الكبائر حديث 24.
9- سورة يوسف آية 87. [7] أقول: لا خلاف بين المسلمين في حرمة ذلك و انه من الكبائر [8]أعاذنا اللّه تعالى منه.
و منها: اليمين الغموس:

بفتح الغين المعجمة، و هي اليمين الكاذبة الفاجرة التي يقطع بها الحالف مال غيره مع علمه بأنّ الأمر بخلافه، سمّيت بذلك لأنها تغمس صاحبها في الإثم ثم في النار، و قد عدّها الصادق عليه السّلام (1)و الكاظم (2)و الرضا (3)و الجواد (4)عليهم أفضل الصلاة و السّلام من الكبائر، لقوله عز و جل إِنَّ اَلَّذِينَ يَشْتَرُونَ بِعَهْدِ اَللّهِ وَ أَيْمانِهِمْ ثَمَناً قَلِيلاً أُولئِكَ لا خَلاقَ لَهُمْ فِي اَلْآخِرَةِ وَ لا يُكَلِّمُهُمُ اَللّهُ وَ لا يَنْظُرُ إِلَيْهِمْ يَوْمَ اَلْقِيامَةِ وَ لا يُزَكِّيهِمْ وَ لَهُمْ عَذابٌ أَلِيمٌ (5). و قد ورد أن من حلف على يمين و هو يعلم أنّه كاذب فقد بارز اللّه (6). و أن اليمين الكاذبة تذر الديار بلاقع من أهلها، و تثقل الرحم-أي تعقر-و تقطع النسل (7)، و تورث العقب الفقر (8)، و توجب النّار (9). و انّ من حلف بيمين كاذبة صبرا ليقطع بها مال امرئ مسلم لقي اللّه عزّ و جلّ و هو عليه غضبان، إلاّ أن يتوب و يرجع (10). و انّه

ص:515


1- الخصال:2/610 خصال من شرايع الدين حديث 9.
2- الفقيه:3/369 باب 179 باب معرفة الكبائر التي أوعد اللّه عز و جل عليها النار حديث 1746.
3- عيون أخبار الرضا عليه السّلام:269 باب 34 [1] ما كتبه الرضا عليه السّلام للمأمون في محض الإسلام و شرايع الدين.
4- أصول الكافي:2/285 باب الكبائر حديث 24.
5- سورة آل عمران آية 77.
6- المحاسن:119 باب 62 [4] عقاب اليمين الفاجرة حديث 131.
7- أصول الكافي:2/347 باب قطيعة الرحم حديث 4.
8- عقاب الأعمال:271 عقاب من يحلف باللّه كاذبا حديث 5.
9- عقاب الأعمال:271 عقاب من يحلف باللّه كاذبا حديث 9.
10- الفقيه:4/4 باب 1 ذكر جمل من مناهي النبي صلّى اللّه عليه و آله و سلّم حديث 1.

تعالى قال: لا أنيل رحمتي من يعرضني للأيمان الكاذبة (1). و ان من أجلّ اللّه أن يحلف به كاذبا أعطاه اللّه عزّ و جلّ خيرا ممّا ذهب منه (2).

و هناك محرّمات أخر كمحرمات الإحرام، و محرمات الجنب، و الحائض، و النفساء، و محرمات الصوم، أهملنا ذكرها لكون حرمتها عرضيّة، من أرادها طلبها من مناهج المتقين.

تذييل: يتضمن أمورا:

الأول: انه قد وردت عدة أخبار طويلة تتعلّق بالمقام يعجبني نقلها
اشارة

برمّتها:

فمنها: خبر أبي خالد الكابلي:

قال: سمعت زين العابدين علي بن الحسين عليهما السّلام يقول:

الذنوب الّتي تغيّر النعم: البغي على النّاس، و الزوال عن العادة في الخير، و اصطناع المعروف، و كفران النعم، و ترك الشكر، قال اللّه تعالى: إِنَّ اَللّهَ لا يُغَيِّرُ ما بِقَوْمٍ حَتّى يُغَيِّرُوا ما بِأَنْفُسِهِمْ (3).

و الذنوب التي تورث الندم: قتل النفس الّتي حرم اللّه، قال اللّه تعالى في قصة قابيل حين قتل أخاه هابيل فعجز عن دفنه: فَأَصْبَحَ مِنَ اَلنّادِمِينَ (4)، و ترك صلة القرابة حتى يستغنوا، و ترك الصلاة حتى يخرج وقتها، و ترك الوصيّة، وردّ المظالم، و منع الزكاة حتى يحضر الموت و يتغلّق اللسان.

و الذنوب الّتي تنزل النقم: عصيان العارف بالبغي، و التطاول على الناس، و الاستهزاء بهم، و السخريّة منهم.

ص:516


1- عقاب الأعمال:261 عقاب البغي و قطيعة الرحم و اليمين الكاذبة و الزنا حديث 2، بتصرف.
2- وسائل الشيعة:16/121 باب 4 حديث 13.
3- سورة الرعد آية 11.
4- سورة المائدة آية 31.

و الذنوب الّتي تدفع القسم: إظهار الافتقار، و النوم على العتمة، و عن صلاة الغداة، و استحقار النعم، و شكوى المعبود عزّ و جل.

و الذنوب الّتي تهتك العصم: شرب الخمر، و اللعب بالقمار، و تعاطي ما يضحك الناس من اللغو و المزاح، و ذكر عيوب الناس، و مجالسة أهل الريب.

و الذنوب التي تنزل البلاء: ترك إغاثة الملهوف، و ترك معاونة المظلوم، و تضييع الأمر بالمعروف و النهي عن المنكر.

و الذنوب التي تديل الاعداء: المجاهرة بالظلم، و إعلان الفجور، و إباحة المحظور، و عصيان الأخيار، و الانطباع للأشرار.

و الذنوب التي تعجّل الفناء: قطيعة الرحم، و القنوط من رحمة اللّه، و الثقة بغير اللّه، و التكذيب لوعد اللّه عزّ و جلّ.

و الذنوب الّتي تظلم الهواء: السحر، و الكهانة، و الإيمان بالنجوم، و التكذيب بالقدر، و عقوق الوالدين.

و الذنوب التي تكشف الغطاء: الاستدانة بغير نيّة الأداء، و الإسراف في النفقة على الباطل، و البخل على الأهل و الولد و ذوي الأرحام، و سوء الخلق، و قلّة الصبر، و استعمال الضجر و الكسل، و الاستهانة بأهل الدين.

و الذنوب التي تردّ الدعاء: سوء النية، و خبث السريرة، و النفاق مع الإخوان، و ترك التصديق بالإجابة، و تأخير الصلوات المفروضة حتى تذهب أوقاتها، و ترك التقرب إلى اللّه عزّ و جلّ بالبرّ و الصدقة، و استعمال البذاء و الفحش في القول.

و الذنوب التي تحبس غيث السماء: جور الحكام في القضاء، و شهادة الزور، و كتمان الشهادة، و منع الزكاة، و القرض، و الماعون، و قساوة القلب على أهل الفقر و الفاقة، و ظلم اليتيم و الأرملة، و انتهار السائل ورده بالليل (1).

ص:517


1- معاني الأخبار:270 باب معنى الذنوب حديث 2.

و في خبر آخر: إنّ الذنوب التي تنزل النقم: الظلم، و التي تهتك الستور:

شرب الخمر، و التي تحبس الرزق: الزنا (1). و في ثالث: إن الذنوب التي تعجل الفناء و تقرّب الآجال و تخلي الديار، هي قطيعة الرحم، و العقوق، و ترك البرّ (2).

و منها: مرسل صفوان:

عن أبي عبد اللّه عليه السّلام قال: اذا فشا أربعة ظهرت أربعة: إذا فشا الزنا ظهرت الزلزلة، و اذا فشا الجور في الحكم احتبس القطر، و إذا خفرت الذّمة أديل لأهل الشرك من أهل الاسلام، و إذا منعت الزكاة ظهرت الحاجة (3).

و روى أبو حمزة عن أبي جعفر عليه السّلام انّه قال: وجدنا في كتاب رسول اللّه صلّى اللّه عليه و آله: إذا ظهر الزنا من بعدي كثر موت الفجأة، و إذا طفّف الميزان و المكيال أخذهم اللّه بالسنين و النقص، و إذا منعوا من الزكاة منعت الأرض بركاتها من الزرع و الثمار و المعادن كلّها، و إذا جاروا في الأحكام تعاونوا على الظلم و العدوان، و إذا نقضوا العهد سلّط اللّه عليهم عدوّهم، و إذا قطعوا الأرحام جعلت الأموال في أيدي الأشرار، و إذا لم يأمروا بالمعروف و لم ينهوا عن المنكر و لم يتبعوا الأخيار من أهل بيتي سلطّ اللّه عليهم شرارهم فيدعو خيارهم فلا يستجاب لهم (4).

و منها: خبر حمران:

عن أبي عبد اللّه عليه السّلام في حديث قال: ألا تعلم أن من انتظر أمرنا و صبر على ما يرى من الأذى و الخوف فهو غدا في زمرتنا، فإذا رأيت الحق قد مات و ذهب أهله، و رأيت الجور قد شمل البلاد، و رأيت القرآن قد خلق و أحدث

ص:518


1- معاني الأخبار:269 باب معنى الذنوب حديث 1.
2- وسائل الشيعة:11/514 باب 41 حديث 4.
3- أصول الكافي:2/447 باب في تفسير الذنوب حديث 3.
4- أصول الكافي:2/374 باب في عقوبات المعاصي العاجلة حديث 2.

فيه ما ليس فيه، و وجّه على الأهواء، و رأيت الدّين قد انكفى كما ينكفي الماء، و رأيت أهل الباطل قد استعلوا على أهل الحق، و رأيت الشّر ظاهرا لا ينهى عنه و يعذر أصحابه، و رأيت الفسق قد ظهر، و اكتفى الرجال بالرجال، و النساء بالنساء، و رأيت المؤمن صامتا لا يقبل قوله، و رأيت الفاسق يكذب و لا يرّد عليه كذبه و فريته، و رأيت الصغير يستحقر الكبير، و رأيت الأرحام قد تقطّعت، و رأيت من يمتدح بالفسق يضحك منه و لا يردّ عليه قوله، و رأيت الغلام يعطي ما تعطي المرأة، و رأيت النساء يتزوّجن النساء، و رأيت الثناء قد كثر، و رأيت الرجل ينفق المال في غير طاعة اللّه فلا ينهى و لا يؤخذ على يديه، و رأيت الناظر يتعوّذ باللّه ممّا يرى المؤمن فيه من الاجتهاد، و رأيت الجار يؤذي جاره و ليس له مانع، و رأيت الكافر فرحا لما يرى في المؤمن، مرحا لما يرى في الأرض من الفساد، و رأيت الخمور تشرب علانية و يجتمع عليها من لا يخاف اللّه عزّ و جلّ، و رأيت الآمر بالمعروف ذليلا، و رأيت الفاسق فيما لا يحبّ اللّه قويّا محمودا، و رأيت أصحاب الآيات (1)يحقّرون، و يحتقر من يحبّهم، و رأيت سبيل الخير منقطعا، و سبيل الشّر مسلوكا، و رأيت بيت اللّه قد عطّل و يؤمر بتركه، و رأيت الرجل يقول ما لا يفعله، و رأيت الرجال يتسمّنون للرجال، و النساء للنساء، و رأيت الرجل معيشته من دبره، و معيشة المرأة من فرجها، و رأيت النساء يتّخذن المجالس كما يتّخذها الرجال، و رأيت التأنيث في ولد العباس قد ظهر، و أظهروا الخضاب، و امتشطوا كما تمشط المرأة لزوجها، و أعطوا الرجال الأموال على فروجهم، و تنوفس في الرجل، و تغاير عليه الرجال، و كان صاحب المال أعزّ من المؤمن، و كان الرّبا ظاهرا لا يعيّر، و كان الزنا تمتدح به النساء، و رأيت المرأة تصانع زوجها على نكاح الرجال، و رأيت أكثر الناس و خير بيت من يساعد النساء على فسقهن، و رأيت المؤمن محزونا محتقرا ذليلا، و رأيت البدع

ص:519


1- خ. ل: الآثار منه.

و الزنا قد ظهر، و رأيت الناس يعتدون بشاهد الزور، و رأيت الحرام يحلّل، و الحلال يحرّم، و رأيت الدّين بالرأي، و عطّل الكتاب و أحكامه، و رأيت الليل لا يستخفى (1)به من الجرأة على اللّه، و رأيت المؤمن لا يستطيع أن ينكر إلاّ بقلبه، و رأيت العظيم من المال ينفق في سخط اللّه عزّ و جلّ، و رأيت الولاة يقرّبون أهل الكفر و يباعدون أهل الخير، و رأيت الولاة يرتشون في الحكم، و رأيت الولاية قبالة لمن زاد، و رأيت ذوات الأرحام ينكحن و يكتفى بهنّ، و رأيت الرجل يقتل على التهمة و على الظنة (2)، و يتغاير على الرجل الذكر فيبذل له نفسه و ماله، و رأيت الرجل يعيّر على اتيان النساء، و رأيت الرجل يأكل من كسب امرأته من الفجور يعلم ذلك و يقيم عليه، و رأيت المرأة تقهر زوجها و تعمل ما لا يشتهي، و ينفق (3)على زوجها، و رأيت الرجل يكري امرأته و جاريته، و يرضى بالدنّي من الطعام و الشراب، و رأيت الأيمان باللّه عزّ و جلّ كثيرة على الزور، و رأيت القمار قد ظهر، و رأيت الشراب يباع ظاهرا ليس عليه مانع، و رأيت النساء يبذلن أنفسهن لأهل الكفر، و رأيت الملاهي قد ظهرت يمرّ بها لا يمنعها أحد احدا، و لا يجتري أحد على منعها، و رأيت الشريف يستّذله الذي يخاف سلطانه، و رأيت أقرب الناس من الولاة من يمتدح بشتمنا أهل البيت عليهم السّلام، و رأيت من يحبّنا يزور [يزوي خ ل]و لا تقبل شهادته، و رأيت الزور من القول يتنافس فيه، و رأيت القرآن قد ثقل على الناس استماعه، و خفّ على الناس استماع الباطل، و رأيت الجار يكرم

ص:520


1- أي لا يجعلون الليل جنّة للجرأة على اللّه تعالى، بل يجترون في النهار علانية. [منه قدس سره].
2- كانت سياسة معاوية عليه الهاوية الخرقاء الحمقاء شعار (اقتل على التهمة، و احبس على الظنة) و اقتدي به الامويين و العباسيين و التاريخ مليء بذلك. و في الأصل: المضنة. .
3- الظاهر: تنفق. (منه قدس سره) .

الجار خوفا من لسانه، و رأيت الحدود قد عطّلت و عمل فيها بالأهواء، و رأيت المساجد قد زخرفت، و رأيت أصدق الناس عند الناس المفتري الكذب، و رأيت الشرّ قد ظهر و السعي بالنميمة، و رأيت البغي قد فشا، و رأيت الغيبة تستملح و يبشر بها الناس بعضهم بعضا، و رأيت طلب الحج و الجهاد لغير اللّه، و رأيت السلطان يذّل للكافر المؤمن، و رأيت الخراب قد أديل من العمران، و رأيت الرجل معيشته من بخس المكيال و الميزان، و رأيت سفك الدماء يستخف بها، و رأيت الرجل يطلب الرياسة لغرض الدّنيا، و يشهر نفسه بخبث اللسان ليتّقى و تسند إليه الأمور، و رأيت الصلاة قد استخف بها، و رأيت الرجل عنده المال الكثير لم يزكّه منذ ملكه، و رأيت الميت ينشر من قبره و يؤذى و تباع أكفانه، و رأيت الهرج قد كثر، و رأيت الرجل يمسي نشوان و يصبح سكران لا يهّتم بما الناس فيه، و رأيت البهائم تنكح، و رأيت البهائم يفرس بعضهم بعضا (1)، و رأيت الرجل يخرج إلى مصلاّه و يرجع و ليس عليه شيء من ثيابه، و رأيت قلوب الناس قد قست، و جمدت أعينهم، و ثقل الذكر عليهم، و رأيت السحت قد ظهر يتنافس فيه، و رأيت المصلي إنّما يصلّي ليراه الناس، و رأيت الفقيه يتفّقه لغير الديّن يطلب الدّنيا و الرياسة، و رأيت الناس مع من غلب، و رأيت طالب الحلال يذّم و يعيّر، و طالب الحرام يمدح و يعظّم، و رأيت الحرمين يعمل فيهما بما لا يحب اللّه، لا يمنعهم مانع، و لا يحول بينهم و بين العمل القبيح أحد، و رأيت المعارف ظاهرة في الحرمين، و رأيت الرجل يتكلّم بشيء من الحقّ، و يأمر بالمعروف و ينهى عن المنكر فيقوم إليه من ينصحه في نفسه، و يقول:

هذا عنك موضوع، و رأيت الناس ينظر بعضهم إلى بعض، و يقتدون بأهل الشرور، و رأيت مسلك الخير و طريقه خاليا لا يسلكه أحد، و رأيت الميّت يهزأ به فلا يفزع له أحد، و رأيت كل عامّ يحدث فيه من الشّر و البدعة أكثر ممّا كان،

ص:521


1- في المصدر: بعضها بعضا.

و رأيت الخلق و المجالس لا يتابعون إلاّ الأغنياء، و رأيت المحتاج يعطى على الضحك به، و يرحم لغير وجه اللّه، و رأيت الآيات في السماء لا يفزع لها أحد، و رأيت الناس يتسافدون كما تتسافد البهائم و لا ينكر أحد منكرا تخّوفا من الناس، و رأيت الرجل ينفق الكثير في غير طاعة اللّه، و يمنع اليسير في طاعة اللّه، و رأيت العقوق قد ظهر، و استخّف بالوالدين، و كانا من أسوأ الناس حالا عند الولد، و يفرح بأن يفترى عليهما، و رأيت النساء و قد غلبن على الملك و غلبن على كلّ أمر لا يؤتى إلاّ ما لهنّ فيه هوى، و رأيت ابن الرجل يفتري على أبيه و يدعو على والديه، و يفرح بموتهما، و رأيت الرجل إذا مرّ به يوم و لم يكسب فيه الذنب العظيم من فجور أو بخس مكيال أو ميزان أو غشيان حرام أو شرب مسكر كئيبا حزينا، يحسب أنّ ذلك اليوم عليه وضيعة (1)من عمره، و رأيت السلطان يحتكر الطعام، و رأيت أموال ذوي القربى تقّسم في الزور و يتقامر بها، و يشرب بها الخمور، و رأيت الخمر يتداوى بها و توصف للمريض و يستشفى بها، و رأيت الناس قد استووا في ترك الأمر بالمعروف و النهي عن المنكر و ترك التديّن به، و رأيت رياح المنافقين و أهل النفاق قائمة، و رياح أهل الحق لا تحرّك، و رأيت الأذان بالأجر، و الصلاة بالأجر، و رأيت المساجد محتشية ممّن لا يخاف اللّه، مجتمعون فيها للغيبة و أكل لحوم أهل الحق، و يتواصفون فيها شراب المسكر، و رأيت السكران يصلي بالناس و هو لا يعقل و لا يشأن (2)بالسكر، و اذا سكر أكرم و اتقّي و خيف و ترك لا يعاقب و يعذر بسكره، و رأيت من أكل أموال اليتامى يحدّث بصلاحه، و رأيت القضاة يقضون بخلاف ما أمر اللّه، و رأيت الولاة يأتمنون الخونة للطمع، و رأيت الميراث قد وضعته الولاة لأهل الفسوق و الجرأة على اللّه، يأخذون منهم و يخلونهم و ما يشتهون، و رأيت المنابر

ص:522


1- الوضيعة: الخسران.
2- شأن: أي عاب.

يؤمر عليها بالتقوى و لا يعمل القائل بما يأمر، و رأيت الصلاة قد استخف بأوقاتها، و رأيت الصدقة بالشفاعة لا يراد بها وجه اللّه و يعطى لطلب الناس، و رأيت الناس همّهم بطونهم و فروجهم لا يبالون بما اكلوا و ما نكحوا (1)، و رأيت الدنيا مقبلة عليهم، و رأيت أعلام الحق قد درست، فكن على حذر و اطلب من اللّه النجّاة، و أعلم انّ النّاس في سخط اللّه عزّ و جلّ إنما يمهلهم لأمر يراد بهم، فكن مترقّبا، و اجتهد ليراك اللّه عز و جل على خلاف ما هم (2)عليه، فإن نزل بهم العذاب و كنت فيهم عجلت إلى رحمة اللّه، و ان اخرّت ابتلوا و كنت قد خرجت ممّا هم فيه من الجرأة على اللّه عزّ و جلّ، و اعلم انّ اللّه لا يضيع أجر المحسنين، و ان رحمة اللّه قريب من المحسنين (3).

الثاني: الحسنه تكتب بمجرد الاتيان بها و السيئه يمهل فيها

انه قد استفاضت الأخبار، بل تواترت، بأن الحسنة تكتب بمجرد الاتيان بها، و ان السيئة يمهل فيها إلى مقدار من الزمان، فإن تاب و إلاّ كتب بعد ذلك. و قد اختلفت الأخبار في تقدير ذلك الزمان، فقدّر في أكثر الأخبار بسبع ساعات، ففي الصحيح عن أبي عبد اللّه عليه السّلام قال: قال رسول اللّه صلّى اللّه عليه و آله: أربع من كّن فيه لم يهلك على اللّه بعدهن إلاّ هالك، يهمّ العبد بالسيّئة أن يعملها فإن هو لم يعملها لم تكتب عليه شيء، و ان هو عملها أجلّ سبع ساعات، و قال صاحب الحسنات لصاحب السيّئات-و هو صاحب الشمال-: لا تعجل عسى أن يتبعها بحسنة تمحوها، فانّ اللّه عزّ و جلّ يقول:

إِنَّ اَلْحَسَناتِ يُذْهِبْنَ اَلسَّيِّئاتِ (4)أو الاستغفار، فإن قال: أستغفر اللّه الذي

ص:523


1- في المطبوع: لا يبالون ما اكلوا أو بما نكحوا.
2- في المطبوع: ليراك اللّه على خلاف ما هم. . .
3- روضة الكافي:8/37 في ذيل حديث أبي عبد اللّه عليه السّلام مع المنصور في موكبه حديث 7.
4- سورة هود آية 114.

لا إله إلاّ هو عالم الغيب و الشهادة العزيز الحكيم الغفور الرحيم ذو الجلال و الاكرام و أتوب إليه، لم يكتب عليه شىء، فان مضت سبع ساعات و لم يتبعها بحسنة و استغفار، قال صاحب الحسنات لصاحب السيّئات: اكتب على الشقيّ المحروم (1). و بمضمونه أخبار أخر. و قدر بغدوة الى الليل في الصحيح عن أبي عبد اللّه عليه السّلام قال: إنّ العبد إذا أذنب ذنبا أجلّ من غدوة إلى الليل، فإن استغفر لم تكتب عليه (2). و لم أقف على ما يوافق هذا الصحيح، فالعمل بالطائفة الأولى.

و ظاهر بعض الأخبار ان هذا الامهال بالنسبة إلى المؤمن خاصّة، فإنّ عبّادا البصري قال للصّادق عليه السّلام: بلغنا أنّك قلت: ما من عبد يذنب ذنبا إلاّ أجلّه اللّه سبع ساعات من النهار، فقال: ليس هكذا قلت، و لكنّي قلت:

ما من مؤمن، و كذلك كان قولي (3).

الثالث:
اشارة

انه يجب التوبة من جميع الذنوب و العزم على ترك العود أبدا،

قال اللّه سبحانه: يا أَيُّهَا اَلَّذِينَ آمَنُوا تُوبُوا إِلَى اَللّهِ تَوْبَةً نَصُوحاً عَسى رَبُّكُمْ أَنْ يُكَفِّرَ عَنْكُمْ سَيِّئاتِكُمْ (4).

و ورد عنهم عليهم السّلام تفسير التوبة النصوح بالتوبة عن الذنب على وجه لا يعود فيه أبدا (5). و قال سبحانه: إِنَّ اَللّهَ يُحِبُّ اَلتَّوّابِينَ وَ يُحِبُّ اَلْمُتَطَهِّرِينَ (6).

ص:524


1- أصول الكافي:2/429 باب من يهّم بالحسنة أو السيئة حديث 4.
2- أصول الكافي:2/437 باب الاستغفار من الذنب حديث 1.
3- أصول الكافي:2/439 باب الاستغفار من الذنب حديث 9.
4- سورة التحريم آية 8.
5- أصول الكافي:2/432 باب التوبة حديث 4.
6- سورة البقرة آية 222.

و ورد عنهم عليهم السّلام أنّ: من أحبّه اللّه لم يعذّبه و قال تعالى: فَاغْفِرْ لِلَّذِينَ تابُوا وَ اِتَّبَعُوا سَبِيلَكَ وَ قِهِمْ عَذابَ اَلْجَحِيمِ (1). و قال سبحانه: إِلاّ مَنْ تابَ وَ آمَنَ وَ عَمِلَ عَمَلاً صالِحاً فَأُوْلئِكَ يُبَدِّلُ اَللّهُ سَيِّئاتِهِمْ حَسَناتٍ (2).

الآية، و قال جلّ ذكره: وَ تُوبُوا إِلَى اَللّهِ جَمِيعاً أَيُّهَا اَلْمُؤْمِنُونَ لَعَلَّكُمْ تُفْلِحُونَ (3).

و ورد عنهم أنّ اللّه تبارك و تعالى أشدّ فرحا بتوبة عبده من الرجل براحلته الضايعة حين وجدها (4). و ورد أن العبد إذا تاب للّه توبة نصوحا أحّبه (5)اللّه فستر عليه في الدّنيا و الآخرة. و فسّره عليه السّلام بأنه تعالى ينسي ملكيه ما كتبا عليه من الذنوب، و يوحي إلى جوارحه: اكتمي عليه ذنوبه (6)، و يوحي إلى بقاع الأرض: اكتمي ما كان يعمل عليك من الذنوب، فيلقى اللّه حين يلقاه و ليس شيء يشهد عليه بشيء من الذنوب (7).

ثم إنّ الأخبار قد تضّمنت لقبول التوبة شرائط:
أحدها: الإيمان:

فقد قال الصادق عليه السّلام: إنّه لا خير في الدنيا إلاّ لرجلين: رجل يزداد في كلّ يوم إحسانا، و رجل يتدارك ذنبه بالتوبة، و انّى له بالتوبة؟ ! و اللّه لو سجد حتى ينقطع عنقه ما قبل اللّه منه إلاّ بولايتنا أهل البيت عليهم

ص:525


1- سورة الغافر آية 7.
2- سورة الفرقان آية 70.
3- سورة النور آية 31.
4- أصول الكافي:2/435 باب التوبة حديث 8.
5- في المطبوع: اجلّه اللّه.
6- في المطبوع: ذنبه.
7- أصول الكافي:2/431 باب التوبة حديث 1.

السّلام (1).

ثانيها: الندم على ما مضى:

جعله أمير المؤمنين عليه السّلام في نهج البلاغة ممّا يتحقّق به التوبة، و ظاهر أدعية الصحيفة أنّه هو التوبة، حيث قال عليه السّلام في دعاء التوبة:

«إلهي إن كان الندم من الذنب توبة فإنّي و عزتّك من النادمين» و قال في المناجاة الأولى من الأدعية الخمسة عشر: «إلهي إن كان الندم توبة إليك فأنا أندم النادمين» . و يساعده جملة من الأخبار، مثل ما رواه مولانا الصادق عليه السّلام من وحي اللّه إلى داود عليه السّلام: يا داود إنّ عبدي المؤمن إذا أذنب ذنبا ثم رجع و تاب من ذلك الذنب و يستحي منّي عند ذكره غفرت له، و أنسيته الحفظة، و أبدلته الحسنة (2).(3). و من ألفاظ رسول اللّه صلّى اللّه عليه و آله و سلّم المنقولة: إنّ الندامة توبة (4). و في كلمات أهل البيت عليهم السّلام: كفى بالندم توبة (5)، و انّ الرجل ليذنب الذنب فيدخله اللّه به الجنّة، قلت: يدخله اللّه بالذنب الجنة؟ ! قال:

نعم، إنه يذنب فلا يزال خائفا ماقتا لنفسه، فيرحمه اللّه فيدخله الجنّة (6).

ثالثها: العزم على عدم العود إليه أبدا:

عدّه أمير المؤمنين عليه السّلام من شرائط التوبة (7)، و قال عليه السّلام

ص:526


1- الخصال:1/41 لا خير في الدنيا إلاّ لأحد رجلين حديث 29.
2- الظاهر: بالحسنة [منه (قدس سره)].
3- ثواب الأعمال:158 ثواب من أذنب ثم رجع حديث 1.
4- الفقيه:4/272 باب 179 النوادر حديث 828 و من ألفاظ رسول اللّه صلّى اللّه عليه و آله و سلّم (الندم توبة) .
5- الخصال:1/16 كفى بالندم توبة برقم 57.
6- أصول الكافي:2/426 باب الاعتراف بالذنوب و الندم عليها برقم 3.
7- معاني الأخبار:174 باب معنى التوبة النصوح حديث 3.

في خبر آخر ما معناه: انّه لا يكفي الاستغفار لفظا، بل يعتبر تصديق القلب و إضمار أن لا يعود إلى الذنب الذي استغفر منه (1). و قال أبو جعفر عليه السّلام:

التائب من الذنب كمن لا ذنب له، و المقيم على الذنب و هو مستغفر منه كالمستهزئ (2). فالعزم على عدم العود معتبر في تحقّق التوبة. نعم، لا يعتبر وثوقه بحصول مراده، و لا يكون عوده كاشفا عن فساد التوبة، كما كشف عن ذلك أخبارهم عليهم السّلام، ففي الصحيح عن أبي جعفر الباقر عليه السّلام انّه قال لابن مسلم: يا محمد! ذنوب المؤمن إذا تاب منها مغفورة له، فليعمل المؤمن لما يستأنف بعد التوبة و المغفرة، اما إنها ليست إلاّ لأهل الإيمان، قال محمد بن مسلم: قلت: فإن عاد بعد التوبة و الاستغفار من الذنوب و عاد في التوبة؟ فقال:

يا محمد ابن مسلم! أترى العبد المؤمن يندم على ذنبه و يستغفر منه و يتوب ثم لا يقبل اللّه توبته؟ ! قال: قلت: فإنه فعل ذلك مرارا، يذنب ثم يتوب و يستغفر، فقال: كلّما عاد المؤمن بالإستغفار و التوبة عاد اللّه عليه بالمغفرة، و انّ اللّه توّاب رحيم يقبل التوبة و يعفو عن السيئات، و إيّاك أن تقنّط المؤمنين من رحمة اللّه (3).

و مثله أو أصرح منه ما روي من أنّه قال رجل لرسول اللّه صلّى اللّه عليه و آله:

إنّي أذنب فما أقول إذا تبت؟ قال: أستغفر اللّه، فقال إنّي أتوب ثم أعود، فقال:

كلّما أذنبت استغفر اللّه، فقال: إذن تكثر ذنوبي! فقال: عفو اللّه أكثر، فلا تزال تتوب حتى يكون الشيطان هو المدحور (4).

رابعها: أن يؤدّي إلى المخلوقين حقوقهم:

حتّى يلقى اللّه عزّ و جلّ أملس ليس عليه تبعة، عدّه أمير المؤمنين عليه

ص:527


1- وسائل الشيعة:11/361 باب 87 حديث 5 [1] عن تحف العقول.
2- أصول الكافي:2/435 باب التوبة برقم 10.
3- أصول الكافي:2/434 باب التوبة حديث 6.
4- وسائل الشيعة:11/364 [4] باب حديث 5 عن إرشاد الديلمي.

السّلام من شروط التوبة (1)، و يساعده قول رسول اللّه صلّى اللّه عليه و آله و سلّم:

من اقتطع مال مؤمن غضبا (2)بغير حلّه لم يزل معرضا عنه ماقتا لأعماله الّتي يعملها من البرّ و الخير لا يثبتها في حسناته حتى [يتوب]و يردّ المال الذي أخذه إلى صاحبه (3).

خامسها: أن يعمد إلى كلّ فريضة عليه ضيّعها فيؤدّي حقّها:

عدّه أمير المؤمنين عليه السّلام من الشروط (4).

سادسها: أن يعمد إلى اللّحم الذي نبت على السحت فيذيبه بالأحزان حتى يلصق الجلد بالعظم و ينشأ بينهما لحم جديد، عدّه أمير المؤمنين عليه السّلام من الشروط (5).

سابعها: أن يذيق الجسم ألم الطاعة:

كما أذاقه حلاوة المعصية، عدّه أمير المؤمنين عليه السّلام من الشرائط (6).

ثامنها: الاستغفار:

فقد ورد عن رسول اللّه صلّى اللّه عليه و آله: انّ لكلّ داء دواء، و دواء

ص:528


1- نهج البلاغة:3/252 حديث 417 و [1]قال عليه السّلام-لقائل قال بحضرته: «أستغفر اللّه» -: ثكلتك أمّك أتدري ما الاستغفار؟ الاستغفار درجة العلّيين، و هو اسم واقع على ستة معان: أولها الندم على ما مضى، و الثاني العزم على ترك العود إليه أبدا، و الثالث أن يؤدي إلى المخلوقين حقوقهم حتى تلقى اللّه أملس ليس عليك تبعة، و الرابع: أن تعمد إلى كل فريضة عليك ضيّعتها فتؤدّي حقها. . .
2- كذا، و الظاهر: غصبا.
3- عقاب الأعمال:322. عقاب من ظلم حديث 9.
4- نهج البلاغة:3/252 حديث 417.
5- المصدر المتقدم.
6- ايضا المصدر المتقدم.

الذنوب الاستغفار (1). و عنه صلّى اللّه عليه و آله: طوبى لمن وجد في صحيفة عمله يوم القيامة تحت كلّ ذنب أستغفر اللّه (2). و قال صلّى اللّه عليه و آله: ما أصرّ من استغفر (3). و قال أمير المؤمنين عليه السّلام: العجب ممّن يقنط و معه الممحاة، قيل: و ما الممحاة؟ قال: الاستغفار (4). و عن الصادق عليه السّلام انّه: ما من مؤمن يقترف في يوم و ليلة أربعين كبيرة فيقول و هو نادم: استغفر اللّه الذي لا إله إلاّ هو الحيّ القيّوم بديع السموات و الأرض ذا الجلال و الإكرام، و أسأله [ان يصلّي على محمد و آل محمد، و]أن يتوب عليّ. إلاّ غفرها اللّه له، ثم قال عليه السّلام: و لا خير فيمن يقارف كلّ يوم و ليلة أربعين كبيرة (5).

و لا يخفى عليك أنّ التوبة الجامعة للأمور الثمانية المزبورة إنّما هي التوبة التامّة المستتبعة للعدالة و اللّحوق بدرجة الصالحين و كمّل المؤمنين، و الاّ فلا يعتبر في الخروج عن الذنب الذي ليس إلاّ حقّا إلهيا كالصلاة أداء حقوق المخلوقين و لا أداء كلّ فريضة ضيّعها، لإطلاق الأخبار المتواترة الناطقة بمحو كلّ ذنب بالتوبة منها. نعم لا تتحقّق التوبة من الذنب الراجع إلى حق مخلوق إلاّ بالخروج من ذلك الحقّ، و لا من الذنب الراجع إلى الخالق خاصّة إلاّ بالخروج من ذلك الحقّ.

ثمّ إنّ ظاهر جملة من الآيات و الروايات مغايرة التوبة للاستغفار، ففي غير موضع من سورة هود عليه السّلام: وَ اِسْتَغْفِرُوا رَبَّكُمْ ثُمَّ تُوبُوا إِلَيْهِ (6)

ص:529


1- أصول الكافي:2/439 باب الاستغفار من الذنب حديث 8.
2- ثواب الأعمال:197 ثواب الاستغفار حديث 5.
3- مستدرك وسائل الشيعة:2/346 باب 85 حديث 10 [2] عن تفسير أبي الفتوح الرازي.
4- الأمالي للشيخ الطوسي:1/86 المجلس الثالث [3]حديث 134.
5- أصول الكافي:2/438 باب الاستغفار من الذنب حديث 7.
6- سورة هود: آية 90.

و قد عدّهما جندين من جنود العقل في الحديث المشهور في تعداد جنود العقل و الجهل المروي في أصول الكافي حيث قال عليه السّلام: التوبة و ضدها الإسرار، و الاستغفار و ضده الاغترار (1). و قال سيد العابدين عليه السّلام في المناجاة الأولى من الأدعية الخمسة عشر: «إلهي إن كان الندم من الذنب توبة إليك فأنا أندم النادمين، و ان يكن الاستغفار حطّة للذنوب فإنّي لك من المستغفرين» .

و يؤيد ذلك ظاهر العطف في الاستغفار المشهور المكرّر في الأدعية و الألسنة: استغفر اللّه ربّي و أتوب إليه.

و ربّما يظهر من أخبار أخر الإتحاد، حيث نطقت بأنّ دواء الذنوب الاستغفار (2)، و انّ التائب من الذنب يغفر له (3)، و انّه كمن لا ذنب له (4).

و الذي يقتضيه التدبّر في الأخبار أنّ التوبة تحصل بالندم و العزم على عدم العود، و ان الاستغفار مكمّل لذلك، و قد يحتمل حمل التوبة المعطوفة على الاستغفار على الإنابة-أعني التوجّه-إلى اللّه بعد طلب العفو عمّا سلف، و هذا متأخر عن التوبة إليه يطلب العفو الذي هو أيضا توجه إلى اللّه سبحانه، لكونه رجوعا من طريق البطلان، و عود إلى سلوك الطريق المستقيم الموصل إلى جناب الحقّ سبحانه، فهي كلّها توجّهات و اقبالات إلى الحقّ يمكن إطلاق التوبه التي هي لغة الرجوع على كلّ منها، و قد يطلق على المجموع اسم الاستغفار، كما في نهج البلاغة (5)حيث أن قائلا قال بحضرته عليه السّلام:

أستغفر اللّه، فقال: ثكلتك أمّك أتدري ما الاستغفار؟ ! الاستغفار درجة العليين،

ص:530


1- أصول الكافي:1/21 كتاب العقل و الجهل حديث 14 و [1]الحديث طويل.
2- ثواب الأعمال:197 ثواب الاستغفار حديث 1.
3- أصول الكافي:2/434 باب التوبة حديث 6.
4- أصول الكافي:2/435 باب التوبة حديث 10.
5- نهج البلاغة:3/252 حديث 417.

و هو اسم واقع على ستة معان: أوّلها الندم. . . ثم عدّ الخمسة التي بعده من الشروط المزبورة، ثم قال: فعند ذلك تقول: استغفر اللّه.

الرابع:

إنّه ينبغي تذكّر الذنب و الاستغفار منه، و التحرّز من نسيانه، لأن الشيطان همّه إنساء العبد الاستغفار، فقد روي انّه لما نزلت هذه الآية:

وَ اَلَّذِينَ إِذا فَعَلُوا فاحِشَةً أَوْ ظَلَمُوا أَنْفُسَهُمْ ذَكَرُوا اَللّهَ فَاسْتَغْفَرُوا لِذُنُوبِهِمْ (1)صعد ابليس جبلا بمكّة يقال له ثور، فصرخ بأعلى صوته بعفاريته فاجتمعوا إليه، فقال: نزلت هذه الآية فمن لها؟ فقال عفريت من الشياطين:

أنا لها. . بكذا و كذا، فقال: لست لها، ثم قام آخر فقال مثل ذلك، فقال: لست لها، فقال الوسواس الخنّاس: أنا لها، قال: بماذا؟ قال: أعدهم و أمنّيهم حتى يواقعوا الخطيئة، فإذا واقعوا الخطيئة أنسيتهم الاستغفار، فقال: أنت لها، فوكله بها إلى يوم القيامة (2).

و ورد أن المؤمن ليذكر ذنبه بعد عشرين سنة حتى يستغفر ربّه فيغفر له، و انّ الكافر لينساه من ساعته (3). و ورد أنّ اللّه إذا أراد بعبد خيرا فأذنب ذنبا أتبعه بنقمة و يذكّره الاستغفار (4). و انّ اللّه يخصّ أولياءه المصائب ليأجرهم عليها من غير ذنب (5). و ان العبد يذنب الذنب فيملي له و يجدّد له عندها النعم فتلهيه عن الاستغفار، فهو مستدرج من حيث لا يعلم (6).

ص:531


1- سورة آل عمران آية 135.
2- الأمالي للشيخ الصدوق:465 [2] المجلس الحادي و السبعون حديث 5.
3- أصول الكافي:2/437 باب الاستغفار من الذنب حديث 3.
4- أصول الكافي:2/452 باب الاستدراج حديث 1.
5- أصول الكافي:2/450 باب نادر أيضا حديث 2.
6- أصول الكافي:2/452 باب الاستدراج حديث 2.

الخامس:

انه يستحب صوم الأربعاء و الخميس و الجمعة للتوبة، و به فسّر التوبة النصوح في بعض الأخبار (1). و يستحب الغسل للتوبة، و كذا صلاة ركعتين (2).

و قد ورد أنّه ما من عبد أذنب ذنبا فقام فتطهّر و صلّى ركعتين و استغفر اللّه إلاّ غفر له و كان حقا على اللّه أن يقبله، لأنّ اللّه سبحانه قال: وَ مَنْ يَعْمَلْ سُوءاً أَوْ يَظْلِمْ نَفْسَهُ ثُمَّ يَسْتَغْفِرِ اَللّهَ يَجِدِ اَللّهَ غَفُوراً رَحِيماً (3).

السادس:

إنه يستحب تكرار التوبة و الاستغفار كل يوم و ليلة و لو من غير ذنب، و تجب مع الذنب. و قد ورد أنّ رسول اللّه صلّى اللّه عليه و آله كان يتوب إلى اللّه في كلّ يوم سبعين مرّة من غير ذنب (4)، و في خبر آخر مائة مرة (5). و أن من قال:

استغفر اللّه مائة مرة في يوم، غفر اللّه له سبعمائة ذنب، و لا خير في عبد يذنب

ص:532


1- وسائل الشيعة:11/362 باب 88 حديث 1 [1] عن معاني الأخبار.
2- الفقيه:1/45 باب 118 الأغسال حديث 177 و قال رجل للصادق عليه السّلام: إنّ لي جيران و لهم جوار يتغنين و يضربن بالعود فربما دخلت المخرج فاطيل الجلوس استماعا منّي لّهن، فقال له الصادق عليه السّلام لا تفعل، فقال و اللّه ما هو شيء آتية برجلي إنّما هو سماع أسمعه بأذني، فقال له عليه السّلام: ياللّه أنت أما سمعت اللّه عز و جل يقول: إِنَّ اَلسَّمْعَ وَ اَلْبَصَرَ وَ اَلْفُؤادَ كُلُّ أُولئِكَ كانَ عَنْهُ مَسْؤُلاً، فقال الرجل كأننّي لم أسمع بهذه الآية من كتاب اللّه عزّ و جلّ من عربيّ و عجميّ، لا جرم انّي قد تركتها و أنا أستغفر اللّه تعالى، فقال له الصادق عليه السّلام: قم فاغتسل و صلّ ما بدا لك فلقد كنت مقيما على أمر عظيم ما كان أسوأ حالك لو متّ على ذلك استغفر اللّه و اسأله التوبة من كل ما يكره فانه لا يكره إلاّ القبيح، و القبيح دعه لأهله فانّ لكلّ اهلا.
3- إرشاد القلوب للديلمي:1/54 الباب الحادي عشر في التوبة و شروطها. [2]النساء:110.
4- أصول الكافي:2/438 باب الاستغفار من الذنب حديث 4.
5- أصول الكافي:2/450 باب نادر ايضا حديث 2.

في يوم سبعمائة ذنب (1).

و يتأكّد استحباب الاستغفار بالأسحار، لقوله سبحانه وَ اَلْمُسْتَغْفِرِينَ بِالْأَسْحارِ (2). و قد ورد أنّ اللّه جلّ جلاله إذا رأى أهل قرية قد أسرفوا في المعاصي و فيها ثلاثة نفر ناداهم جلّ جلاله: يا أهل معصيتي، لو لا من فيكم من المؤمنين المتحابّين بجلالي، العامرين بصلواتهم أرضى و مساجدي، و المستغفرين بالأسحار خوفا منّي، لأنزلت بكم عذابي ثم لا أبالي (3).

السابع:

إنّه تصح التوبة في آخر العمر و لو عند بلوغ النفس الحلقوم قبل أن يعاين أمر الآخرة، لما ورد عن النبي صلّى اللّه عليه و آله من أنّ من تاب قبل موته بسنة قبل اللّه توبته، ثم قال صلّى اللّه عليه و آله و سلّم: إنّ السنة لكثير، من تاب قبل موته بشهر قبل اللّه توبته، ثم قال صلّى اللّه عليه و آله و سلّم: إنّ الشهر لكثير، من تاب قبل موته بجمعة قبل اللّه توبته، ثم قال صلّى اللّه عليه و آله و سلّم:

و انّ الجمعة لكثير، من تاب قبل موته بيوم قبل اللّه توبته، ثم قال صلّى اللّه عليه و آله و سلّم: إنّ يوما لكثير، من تاب قبل أن يعاين قبل اللّه توبته (4). و في خبر آخر بعد قوله: إن يوما لكثير من تاب قبل موته بساعة تاب اللّه عليه، ثم قال صلّى اللّه عليه و آله و سلّم: و إنّ ساعة لكثير، من تاب و قد بلغت نفسه هاهنا-و أشار بيده إلى حلقه-تاب اللّه عليه (5). و قد استفاضت الأخبار بقبول التوبة إلى أن تبلغ النفس الحلقوم. و سئل الصادق عليه السّلام عن قول اللّه عز و جل:

ص:533


1- أصول الكافي:2/439 باب الاستغفار من الذنب حديث 10.
2- سورة آل عمران آية 17.
3- وسائل الشيعة:11/374 باب 94 حديث 2.
4- أصول الكافي:2/440 باب فيما أعطى اللّه عزّ و جلّ آدم عليه السّلام وقت التوبة حديث 2.
5- الفقيه:1/79 باب 23 غسل الميت حديث 354.

وَ لَيْسَتِ اَلتَّوْبَةُ لِلَّذِينَ يَعْمَلُونَ اَلسَّيِّئاتِ حَتّى إِذا حَضَرَ أَحَدَهُمُ اَلْمَوْتُ قالَ إِنِّي تُبْتُ اَلْآنَ (1)فقال عليه السّلام: ذاك إذا عاين أمر الآخرة (2).

الثامن:

إنه ينبغي محاسبة النفس كل يوم و ملاحظتها، و حمد اللّه على الحسنات، و تدارك السيّئات، لما ورد عنهم عليهم السّلام من أنه: ليس منّا من لم يحاسب نفسه في كلّ يوم، فإن عمل حسنا استزاد اللّه، و ان عمل سيّئا استغفر اللّه منه و تاب إليه (3). و أنّه إذا أراد أحدكم أن لا يسأل اللّه شيئا إلاّ أعطاه، فلييأس من النّاس كلهم، و لا يكون له رجاء إلاّ من عند اللّه جلّ ذكره، فإذا علم اللّه جلّ و عزّ ذلك من قلبه لم يسأل اللّه شيئا إلاّ أعطاه، فحاسبوا أنفسكم قبل أن تحاسبوا عليها، فإنّ للقيامة خمسين موقفا، كلّ موقف مقدار ألف سنة (4).

و على العاقل-ما لم يكن مغلوبا-أن تكون له ساعات: ساعة يناجي فيها ربّه، و ساعة يحاسب فيها نفسه، و ساعة يتفكّر فيها صنع اللّه إليه، و ساعة يخلو فيها بحظ نفسه من الحلال، فإنّ هذه الساعة عون لتلك الساعات و استجمام للقلوب و تفريغ لها. الحديث (5). و انه لا يكون الرجل من المتّقين حتّى يحاسب نفسه أشدّ من محاسبة الشريك شريكه، فيعلم من أين مطعمه، و من أين مشربه، و من أين ملبسه، أمن حلال أو من حرام، من لم يبال من أين اكتسب المال لم يبال اللّه من أين أدخله اللّه النّار (6). بل ينبغي المحاسبة في كلّ يوم مرّة

ص:534


1- سورة النساء آية 18.
2- الفقيه:1/79 باب 23 غسل الميت حديث 355.
3- أصول الكافي:2/453 باب محاسبة النفس حديث 2.
4- روضة الكافي:8/143 حديث محاسبة النفس حديث 108.
5- معاني الأخبار:334 باب معنى تحية المسجد و معنى الصلاة و ما يتصل بذلك من تمام الحديث حديث 1.
6- وسائل الشيعة:11/379 باب 69 حديث 7.

و في كلّ ليلة مرّة. و قد ورد عن رسول اللّه صلّى اللّه عليه و آله انّه قال: لذكر اللّه بالغدوّ و الآصال خير من حطم السيوف في سبيل اللّه عزّ و جلّ-يعني من ذكر اللّه بالغدوّ، و تذكّر ما كان منه في ليله من سوء عمله، و استغفر اللّه و تاب إليه انتشر و قد حطت سيئاته و غفرت ذنوبه، و من ذكر اللّه بالآصال-و هي العشيّات- و راجع نفسه فيما كان منه يومه ذلك من سرفه على نفسه و إضاعته لأمر ربّه، فذكر اللّه و استغفر اللّه تعالى و أناب راح إلى أهله و قد غفرت له ذنوبه (1).

التاسع:

انه يلزم زيادة التحفّظ عند زيادة العمر، خصوصا لمن بلغ الأربعين، لما ورد عنهم عليهم السّلام من أنّه: إذا أتت على الرجل أربعون سنة قيل له: خذ حذرك، فإنّك غير معذور (2). و انّ العبد لفي فسحة من أمره ما بينه و بين أربعين سنة، فإذا بلغ أربعين سنة أوحى اللّه عزّ و جلّ إلى ملكيه: قد عمّرت عبدي هذا فغلّظا و شدّدا و تحفظا و اكتبا عليه قليل عمله و كثيره، و صغيره و كبيره (3). و انّه ينبغي لصاحب الخمسين أن يكون كمن كان في النزع (4).

العاشر:

انه يلزم من عمل سيّئا-و العياذ باللّه سبحانه-أن يعمل حسنة تمحوها، و قد ورد أنّه ما أحسن الحسنات بعد السيئات، و ما أقبح السيئات بعد الحسنات (5). و عن علي بن الحسين عليهما السّلام انه كان يقول: ويل لمن غلبت

ص:535


1- وسائل الشيعة:11/378 باب 96 حديث 5 [1] عن معاني الأخبار.
2- الخصال:2/545 فيمن عمّر أربعين [2]سنة فما فوقها حديث 24 ذيله و تمام الحديث: و ليس ابن أربعين [3]سنة أحقّ بالعذر من ابن عشرين سنة، فإنّ الذي يطلبهما واحد، و ليس عنهما براقد، فاعمل لما أمامك من الهول، و دع عنك فضول القول.
3- صدر الحديث المتقدم.
4- الخصال:2/545 فيمن عمّر أربعين [4]سنة فما فوقها حديث 23.
5- الأمالي للشيخ الصدوق:253 المجلس الرابع و [5]الاربعون حديث 1

آحاده أعشاره، و سئل عليه السّلام عن تفسيره فقال عليه السّلام: أما سمعت اللّه عزّ و جلّ يقول: مَنْ جاءَ بِالْحَسَنَةِ فَلَهُ عَشْرُ أَمْثالِها وَ مَنْ جاءَ بِالسَّيِّئَةِ فَلا يُجْزى إِلاّ مِثْلَها؟ فالحسنة الواحدة إذا عملها كتبت له عشرا، و السيئة الواحدة إذا عملها كتبت له واحدة. فنعوذ باللّه ممّن يرتكب في يوم واحد عشر سيئات و لا تكون له حسنة واحدة، فتغلب حسناته سيئاته (1).

الحادي عشر:

انّه يلزم الحذر من عرض العمل على اللّه و رسوله صلّى اللّه عليه و آله و الأئمّة عليهم السّلام، فقد روي مستفيضا أنّ أعمال العباد تعرض على رسول اللّه صلّى اللّه عليه و آله و على الأئمّة عليهم أفضل الصلاة و التحيات كلّ يوم، ابرارها و فجّارها، فاحذروا! و ذلك قول اللّه عزّ و جلّ وَ قُلِ اِعْمَلُوا فَسَيَرَى اَللّهُ عَمَلَكُمْ وَ رَسُولُهُ وَ اَلْمُؤْمِنُونَ (2)فالمراد بالمؤمنين هم الأئمة عليهم السّلام (3).

و قال مولانا أبو عبد اللّه الصّادق عليه السّلام: ما لكم تسوؤن رسول اللّه صلّى اللّه عليه و آله؟ ! قيل: و كيف نسوؤه؟ فقال: أما تعلمون أنّ أعمالكم تعرض عليه، فإذا رأى فيها معصية ساءه ذلك، فلا تسوؤا رسول اللّه صلّى اللّه عليه و آله و سرّوه (4).

و روي عن عبد اللّه بن الزيّات-و كان مكينا عند الرّضا عليه

ص:536


1- معاني الأخبار:248 باب معنى قول علي بن الحسين عليهما السّلام ويل لمن غلبت آحاده أعشاره حديث 1. سورة الأنعام:160.
2- أصول الكافي:1/219 باب عرض الأعمال على النبي صلّى اللّه عليه و آله و سلّم و الأئمة عليهم السّلام حديث 1 و 2. [2]سورة التوبة:105.
3- أصول الكافي:1/219 باب عرض الأعمال على النبي صلّى اللّه عليه و آله و سلّم و الأئمة عليهم السّلام حديث 1 و 2 و [4] 3.
4- أصول الكافي:1/219 باب عرض الأعمال على النبي صلّى اللّه عليه و آله و سلّم و الأئمة عليهم السّلام حديث 3.

السّلام-قال: قلت للرضا عليه السّلام: ادع اللّه لي و لأهل بيتي، فقال:

أو لست أفعل؟ و اللّه إنّ أعمالكم لتعرض عليّ في كلّ يوم و ليلة، قال: فاستعظمت ذلك! فقال عليه السّلام لي: أما تقرأ كتاب اللّه عزّ و جلّ وَ قُلِ اِعْمَلُوا فَسَيَرَى اَللّهُ عَمَلَكُمْ وَ رَسُولُهُ وَ اَلْمُؤْمِنُونَ (1)قال: هو و اللّه عليّ بن أبي طالب عليه السّلام (2). و عن داود بن كثير الرقّي قال: كنت جالسا عند أبي عبد اللّه عليه السّلام إذ قال مبتدئا من قبل نفسه: يا داود! لقد عرضت عليّ أعمالكم يوم الخميس، فرأيت فيما عرض عليّ من عملك صلتك لابن عمّك فلان، فسرّني ذلك، إنّي علمت أنّ صلتك له أسرع لفناء عمره و قطع أجله، قال داود: و كان لي ابن عمّ معاند ناصبي خبيث بلغني عنه و عن عياله سوء حال، فصككت (3)له نفقة قبل خروجي إلى مكّة، فلمّا صرت في المدينة أخبرني أبو عبد اللّه عليه السّلام بذلك (4).

ثم ان الاخبار في وقت العرض مختلفة، ففي جملة منها انها تعرض عليهم كلّ يوم و ليلة (5)، و في أخرى انّها تعرض عليهم كلّ صباح و مساء (6)، و في ثالثة

ص:537


1- سورة التوبة الآية 105.
2- أصول الكافي:1/220 باب عرض الأعمال على النبي صلّى اللّه عليه و آله و سلّم و الأئمة عليهم السّلام حديث 5.
3- الصك: الكتاب، معرب چك، يكنى به عن تعيين الرزق و تقديره، لان الأرزاق كانت تخرج مكتوبة [منه (قدس سره)].
4- بصائر الدرجات:429 الجزء التاسع [3]باب 6 باب في عرض الأعمال على الأئمة الأحياء من آل محمد صلّى اللّه عليه و آله و سلّم حديث 3.
5- أصول الكافي:1/219 باب عرض الأعمال على النبي صلّى اللّه عليه و آله و سلّم و الأئمة عليهم السّلام حديث 4، و بصائر الدرجات:429.
6- المناقب لابن شهر آشوب:4/341 [5] موسى بن سيّار، قال: كنت مع الرضا عليه السّلام و قد أشرف على حيطان طوس، و سمعت واعية فاتبعتها فإذا نحن بجنازة، فلمّا بصرت بها-

انّها تعرض عليهم يوم الخميس (1)، و في رابعة انّها تعرض عشيّة الاثنين و الخميس، فما كان من عمل صالح يحمد اللّه عليه، و ما كان من عمل سيّئ يستغفر اللّه لنا (2)، و لعلّ منشأ الاختلاف اختلاف مراتب العرض، فيعرض في كل يوم و ليله، و يعرض يوم الاثنين جميع ما بينه و بين الخميس الذي قبله، و يوم الخميس جميع ما بينه و بين الاثنين الذي قبله، و اللّه العالم.

و لنختم هذا الفصل بما روي عن أمير المؤمنين [عليه السّلام]من: انّ ابن آدم إذا كان في آخر يوم من أيّام الدّنيا و أوّل يوم من أيام الآخرة مثّل له ماله و ولده و عمله، فيلتفت الى ماله فيقول: و اللّه انّي كنت عليك حريصا شحيحا فما لي عندك؟ فيقول: خذ منّي كفنك، فيلتفت الى ولده فيقول: و اللّه انّي كنت لكم محبّا و انّي كنت عليكم محاميا، فماذا عندكم؟ فيقولون: نؤدّيك الى حفرتك [و]نواريك فيها، قال: فيلتفت الى عمله فيقول: و اللّه انّي كنت فيك لزاهدا و انّك (3)كنت لثقيلا، فيقول: انا قرينك في قبرك، و يوم نشرك حتى أعرض

ص:538


1- بصائر الدرجات:426 باب 4 الأعمال تعر [1]ض على رسول اللّه صلّى اللّه عليه و آله و سلّم و الأئمة صلوات اللّه عليهم حديث 16.
2- وسائل الشيعة:11/388 باب 101 حديث 9.
3- في المطبوع: و اني.

أنا و أنت على ربّك (1).

ص:539


1- وسائل الشيعة:11/385 باب 100 حديث 1.

فهرس موضوعات الجزء الثاني من

كتاب مرآة الكمال

الفصل السابع: في آداب التنظيفات و التزيينات

المقام الأول: في التنظيفات المندوب إليها 7

الأول: تنظيف الجسد و الثياب 7

الثاني: الاستحمام و آدابه 8

الثالث: حلق الرأس 15

الرابع: إزالة شعر الابطين 20

الخامس: إزالة شعر العانة 20

السادس: أخذ الشعر من الأنف 24

السابع: قصّ الشارب 24

الثامن: تقليم الأظفار 26

التاسع: السواك 28

العاشر: الخلال 33

المقام الثاني: في التزيينات المندوب إليها في الشرع الأنور 34

الأول: التزيّن باللباس 34

الثاني: التختّم 34

الثالث: فرق شعر الرأس 34

الرابع: تخفيف اللّحية 34

الخامس: التمشط 38

السادس: الاكتحال 40

ص:540

السابع: النظر في المرآة 42

الثامن: الخضاب 43

التاسع: التطيّب 51

العاشر: التدهّن 58

الفصل الثامن: في آداب النكاح

المقام الأول: إن النكاح سنّة سنيّة 63

فضائل النكاح 65

فضل التمتّع 69

المقام الثاني: إختيار الزوجة و صفاتها 71

المقام الثالث: ما يستحب عند الخطبة و العقد و العرس 82

المقام الرابع: في آداب الجماع 87

المقام الخامس: جملة من آداب عشرة الزوجين 94

الفصل التاسع: في آداب التكسّب و طلب الرزق

المقام الأول: في استحباب الاكتساب 107

المقام الثاني: في تعداد المكاسب المندوبة و المكروهة 113

المكاسب المندوبة 113

المكاسب المكروهة 117

المقام الثالث: في آداب البيع و الشراء 123

المقام الرابع: بقية آداب الكسب و التجارة و طلب الرزق 130

تذييل: استحباب إقراض المؤمن 145

الفصل العاشر: في آداب العشرة

المقام الأول: في الأوصاف الحميدة المندوب إليها 151

المقام الثاني: في التحيّات المقرونة بالمعاشرة 170

الأول: السّلام عند المواجهة 170

استحباب السّلام و الصلاة على النبي و الأئمة و الصدّيقة الطاهرة سلام اللّه عليهم أجمعين 178

الثاني: قول: مرحبا و أهلا و سهلا 184

الثالث: قول: صبّحك اللّه بالخير 184

الرابع: قول: هنيئا لمن شرب الماء 184

ص:541

الخامس: قول: فيه الشفاء و العافية لمن شرب الدواء 185

السادس: تسميت العاطس 185

المقام الثالث: في المصافحة و المعانقة و التقبيل 189

المقام الرابع: ما يستحب و يكره عند المعاشرة 194

ما يستحب عند المعاشرة 194

ما يكره عند المعاشرة 200

المقام الخامس: آداب المجالسة و المحادثة و المصاحبة و المؤاخاة و الصداقة و التراحم و التزاور و المجلس و الجلوس 204

الأولى: فيمن ينبغي مجالسته و محادثته و مصاحبته 204

الثانية: المؤاخاة و المصادقة 209

الثالثة: التراحم و التزاور 215

الرابعة: آداب المجلس و الجلوس 218

المقام السادس: آداب المكاتبة 228

المقام السابع: آداب المشورة 232

المقام الثامن: في مكارم الأخلاق 238

اليقين 239

الورع 242

الحلم 244

الصبر 245

الشكر 249

الغيرة 253

التودّد الى الجار و الصاحب 255

أداء الأمانة 255

السخاء و الجود 258

ذكر اللّه كثيرا 260

القناعة 260

الحياء و حسن الخلق و العفو 261

صدق الحديث 261

إقراء الضيف 262

صلة الرحم 262

إطعام السائل 262

ص:542

البرّ 263

المروّة 264

أن يعود من لا يعوده 266

قول الحق و لو على النفس 266

المقام التاسع: في بيان جملة من محامد الأوصاف و الأفعال 267

طلب العلم 267

جهاد النفس 267

اجتناب الخطايا و الذنوب و المعاصي 270

العدل 272

الانصاف و لو من النفس 273

اشتغال الانسان بعيب نفسه عن عيوب الناس 273

أن يحبّ الانسان للمؤمنين ما يحب لنفسه و يكره لهم ما يكره لها 276

تدبّر العاقبة قبل العمل 276

التواضع 277

الرفق في الأمور 280

العفّة 281

إجتناب المحارم مخافة اللّه سبحانه 282

أداء الفرائض 284

تقوى اللّه سبحانه 284

طاعة اللّه جلّ ذكره 286

حسن الظنّ باللّه سبحانه 288

الخوف من اللّه جلّ ذكره 290

البكاء من خشية اللّه جلّ شأنه 294

الاعتصام باللّه، و التوكل و التوفيض، و قطع الرجاء و الأمل من غيره 296

طاعة العقل و مخالفة الجهل 299

التفكّر فيما يوجب الاعتبار و العمل 304

محاسبة النفس في كل يوم و ليلة 306

حفظ اللسان عمّا لا يعنيك 306

لزوم المنزل غالبا 306

تسكين الغضب عن فعل الحرام 307

الزهد في الدنيا 309

ص:543

ترك ما زاد عن قدر الضرورة من الدنيا 315

إنتهاز فرص الخير 318

الأمر بالمعروف و النهي عن المنكر 320

الغضب للّه تعالى 324

الاتيان بما يؤمر به من الواجبات و ترك ما ينهى عنه 325

الرفق بالمؤمنين في أمرهم بالمندوبات 326

نفع المؤمنين 328

إدخال السرور على المؤمن 329

قضاء حاجة المؤمن 331

إغاثة المؤمن و تنفيس كربه و تفريحه 335

إلطاف المؤمن و إتحافه و إكرامه 337

حب المؤمن و بغض الكافر 338

الستر على المؤمن 341

خدمة المسلمين و معونتهم بالجاه و غيره 342

الشفاعة للمؤمن 344

نصيحة المؤمن 344

إقراض المؤمن 345

الاهتمام بأمور المسلمين 345

تذاكر فضل الأئمة عليهم السّلام و أحاديثهم 345

بناء مكان على ظهر الطريق للمسافرين، و حفر بئر 347

إصلاح الطريق 348

رحمة الضعيف، إيواء اليتيم، و الرفق بالمملوك 349

اصطناع المعروف الى ذريّة رسول اللّه صلّى اللّه عليه و آله و أهل بيته عليهم السّلام 350

الدعاء الى الايمان و الاسلام 354

إظهار العلم عند ظهور البدع 356

إقامة السنن الحسنة 357

بذل المال 358

فعل المعروف 360

تعظيم فاعل المعروف و تحقير فاعل المنكر 363

مكافاة المعروف 363

شكر النعمة 365

ص:544

تصغير صاحب المعروف معروفه و ستره و تعجيله 366

إطعام الطعام 366

إفشاء السّلام 366

نيّة الخير و العزم عليه 367

تعجيل فعل الخير 368

حبّ العبادة 368

إخلاص النيّة في العبادة للّه سبحانه 370

الاتيان بالعبادة المندوبة في السرّ 372

الاعتراف بالتقصير في العبادة 374

المداومة على العمل 375

المقام العاشر: جملة من الأوصاف و الأفعال المذمومة 376

الأول: الأمور المنهيّ عنها نواهي أكيدة 376

الحرص على الدنيا 376

حب المال و الشرف 378

الضجر و الكسل 378

الطمع 379

الخرق 381

سوء الخلق 382

الافتخار 383

التعرض للذل 384

التعرض لما لا يطيقه 384

إقامة السنّة السيئة 385

الدخول في أمر مضرّته عليه أكثر من منفعته لأخيه المؤمن 385

الوسوسة في النيّة 386

استقلال شيء من العبادة 387

نيّة الشرّ 388

الثاني: المحرّم من الأفعال و الصفات 388

إبداع البدعة 388

اتباع هوى النفس الأمّارة بالسوء 389

الاحتكار 390

إحصاء عثرات المؤمن و عوراته 390

ص:545

إخافة المؤمن 391

إختتال الدنيا بالدين 391

إذاعة سرّ المؤمن 391

إذاعة الحق مع الخوف به 392

إذلال المؤمن و احتقاره 394

إساءة الخلق المؤدية الى ترك التوبة 395

إستحلال بيت اللّه الحرام 395

استخفاف الحج و تسويفه 396

الاستخفاف بالصلاة و التهاون بها 396

الاستخفاف بالمؤمن 397

الاستكبار عن العبادة و الدعاء 397

الاستهزاء بالمؤمن 397

إسخاط الخالق في مرضاة المخلوق 398

الاستماع الى حديث اثنين يكرهان استماع الغير 399

استماع صوت الأجنبية 399

الإستمناء 400

الإسراف 401

إشاعة الفاحشة في الذين آمنوا 402

الاشتغال بالملاهي التي تصدّ عن ذكر اللّه سبحانه 402

الاشراك باللّه 403

الاصرار على الذنوب 403

إضاعة الصلاة 404

الاضلال عن سبيل اللّه جلّ ذكره 405

إضمار السوء للمؤمن 405

الاعراض عن ذكر اللّه تعالى 405

إعلام الكفّار بما يوجب غلبتهم على المسلمين 406

اغتياب المؤمن 406

أكل مال اليتيم ظلما 408

أكل مال الغير بغير إذنه 409

أكل الربا 410

أكل الميتة و الدم و لحم الخنزير 411

ص:546

أكل السحت 412

الإلحاد في بيت اللّه سبحانه 412

الأمن من مكر اللّه تعالى 412

إنكار حقّ أهل البيت عليهم السّلام 413

إنكار ما أنزل اللّه سبحانه 413

إهانة المؤمن 414

إهانة المصاحف و المساجد 414

إيذاء المؤمن 415

إيذاء رسول اللّه صلّى اللّه عليه و آله و سلّم 415

البخس في المكيال و الميزان 416

البخل و الشحّ عن الحق الواجب 416

البذاء و عدم المبالاة بالقول 417

بغض المؤمن 417

البغي 417

البول مستقبل القبلة و مستدبرها 418

البهتان 418

تبديل الوصية 419

التبذير 419

التجبّر 420

التخلّف عن الجهاد 421

التدليس من الماشطة و غيرها 422

ترك الصلاة عمدا 422

ترك الأمر بالمعروف و النهي عن المنكر 423

ترك شيء مما فرض اللّه سبحانه 424

ترك معونة المظلومين 425

ترك حضور صلاة الجماعة رغبة عنها 425

ترك نصيحة المؤمن و مناصحته 425

ترك معونة المؤمن عند ضرورته 425

التسخير 427

التشبيب 427

تشبّه الرجال بالنساء و بالعكس 428

ص:547

التطفيف 428

التظاهر بالمنكرات 429

التعرّب بعد الهجرة 430

تعشير المصاحف بالذهب 430

تعيير المؤمن و تأنيبه 431

التعصب على غير الحق 431

تقبيل الأجنبيّة 431

تكذيب رسول اللّه صلّى اللّه عليه و آله أو الأئمّة عليهم السّلام 432

التكلم في ذات اللّه سبحانه 432

تلقي الركبان 433

التنجيم 433

تهمة المؤمن 435

الجور 435

حب الدنيا المحرّمة 435

حب الظالم و الفاسق و حب بقائه 435

حبس الحقوق بلا عذر 436

الحسد 436

حفظ كتب الضلال 440

الحكم بغير ما أنزل اللّه سبحانه و بغير علم 441

حلق اللحية 442

الحيف في الحكم 442

الخديعة 442

خذلان المؤمن 443

الخضوع للسلطان 443

الخلوة بالأجنبية في بيت واحد 443

الخيانة 444

الدياثة 444

ردّ حكم الحاكم الشرعي 445

الرشا 445

الرضا بالظلم 446

الركون الى الظالمين 447

ص:548

الرياء 448

الزنا 450

سبّ المؤمن 452

السحر 453

السرقة 455

السعي في الفساد في الأرض 456

السفه 456

شرب الخمر 457

الشعبذة 458

شهادة الزور 458

طلب الرياسة مع عدم الأمن من العدل 459

الطعن على المؤمن 459

ظنّ السوء بالمؤمن 461

العجب 462

أن يزيّن للعبد سوء عمله فيراه حسنا 463

أن يؤمن العبد بربه فيمن على اللّه عزّ و جل 463

عقوق الوالدين 463

العمل بالقياس 465

الغش 465

عمل الصور و التماثيل 467

الغلول 467

الغناء 468

الفتنة 470

الفتوى بغير ما أنزل اللّه 470

الفحش 471

الفرار من الزحف 472

قتل النفس المحترمة 473

قذف المحصنات 474

قسوة القلب 476

قطع السبيل 476

قطيعة الرحم 477

ص:549

القمار 478

القنوط من رحمة اللّه سبحانه 479

القيادة 480

القيافة 480

الكبر 480

كتمان الشهادة 482

كتمان ما أنزل اللّه سبحانه 483

الكذب 483

الكفر باللّه العظيم 487

كفران نعمة اللّه سبحانه 487

الكهانة 488

كون الانسان ذا وجهين و لسانين 489

لبس الحرير و الذهب 490

لعن المؤمن غير المستحق له 490

اللواط 490

لمس الأجنبية و الأجنبي 492

مجالسة أهل المعاصي و البدع 493

محاربة أولياء اللّه جلّ شأنه 495

مدح الظالم 496

المساحقة 497

معونة الظالمين 498

المعونة على قتل المؤمن 500

المكر 501

منع الزكاة 501

المنع من مساجد اللّه سبحانه 504

الميسر 504

نبش القبر 504

النجش 504

النظر الى الأجنبية 505

النظر في مكتوب الغير بغير إذنه 505

النظر الى دار الغير بغير إطلاعه و إذنه 506

ص:550

نقض العهد و اليمين و النذر 506

نكاح البهيمة 507

النميمة 508

نوح النائحة بالباطل 509

نوم الرجل مع مثله مجردين تحت لحاف واحد و كذا امرأة 510

وطء الميتة 511

الولاية من قبل الجائر لأجل الدنيا 511

هجاء المؤمنين 513

هجر المؤمن بغير موجب 513

اليأس من روح اللّه سبحانه 514

اليمين الغموس 515

تذييل يتضمن امور:516

الأول: الأخبار الواردة في المقام 516

خبر أبي خالد الكابلي 516

مرسل صفوان 518

خبر حمران 518

الثاني: الحسنة تكتب بمجرد الاتيان بها و السيئة يمهل فيها 523

الثالث: يجب التوبة من جميع الذنوب و العزم على ترك العود أبدا 524

شرائط التوبة:525

الأول: الايمان 525

الثاني: الندم على ما مضى 526

الثالث: العزم على عدم العود إليه أبدا 526

الرابع: أن يؤدّي الى المخلوقين حقوقهم 527

الخامس: أن يعمد إلى كل فريضة عليه ضيّعها فيؤدّي حقّها 528

السادس: أن يعمد إلى اللحم الذي نبت على السحت فيذيبه 528

السابع: أن يذيق الجسم ألم الطاعة 528

الثامن: الاستغفار 528

الرابع: تذكّر الذنب و الاستغفار منه 531

الخامس: يستحب صوم الأربعاء و الخميس و الجمعة للتوبة 532

السادس: يستحب تكرار التوبة و الاستغفار كل يوم و ليلة 532

السابع: تصح التوبة في آخر العمر و لو عند بلوغ النفس الى الحلقوم 533

ص:551

الثامن: ينبغي محاسبة النفس كل يوم و ملاحظتها 534

التاسع: يلزم زيادة التحفظ عند زيادة العمر 535

العاشر: يلزم لمن عمل سيئة ان يعمل حسنة تمحوها 535

الحادي عشر: يلزم الحذر من عرض الأعمال على اللّه و رسوله و الأئمة سلام اللّه عليهم اجمعين 536

خبر أمير المؤمنين عليه السّلام عند ما يكون ابن آدم في آخر يوم من أيام الدنيا و أول يوم من أيام الآخرة 538

الفهرس 541

ص:552

تعريف مرکز

بسم الله الرحمن الرحیم
جَاهِدُواْ بِأَمْوَالِكُمْ وَأَنفُسِكُمْ فِي سَبِيلِ اللّهِ ذَلِكُمْ خَيْرٌ لَّكُمْ إِن كُنتُمْ تَعْلَمُونَ
(التوبه : 41)
منذ عدة سنوات حتى الآن ، يقوم مركز القائمية لأبحاث الكمبيوتر بإنتاج برامج الهاتف المحمول والمكتبات الرقمية وتقديمها مجانًا. يحظى هذا المركز بشعبية كبيرة ويدعمه الهدايا والنذور والأوقاف وتخصيص النصيب المبارك للإمام علیه السلام. لمزيد من الخدمة ، يمكنك أيضًا الانضمام إلى الأشخاص الخيريين في المركز أينما كنت.
هل تعلم أن ليس كل مال يستحق أن ينفق على طريق أهل البيت عليهم السلام؟
ولن ينال كل شخص هذا النجاح؟
تهانينا لكم.
رقم البطاقة :
6104-3388-0008-7732
رقم حساب بنك ميلات:
9586839652
رقم حساب شيبا:
IR390120020000009586839652
المسمى: (معهد الغيمية لبحوث الحاسوب).
قم بإيداع مبالغ الهدية الخاصة بك.

عنوان المکتب المرکزي :
أصفهان، شارع عبد الرزاق، سوق حاج محمد جعفر آباده ای، زقاق الشهید محمد حسن التوکلی، الرقم 129، الطبقة الأولی.

عنوان الموقع : : www.ghbook.ir
البرید الالکتروني : Info@ghbook.ir
هاتف المکتب المرکزي 03134490125
هاتف المکتب في طهران 88318722 ـ 021
قسم البیع 09132000109شؤون المستخدمین 09132000109.