عنوان و نام پديدآور: الفرج بعد الشده/محسن بن علی التنوخی ؛ مصحح- شالجی، عبود
مشخصات نشر: بیروت- لبنان: دارصادر
مشخصات ظاهری: 5ج.
کد کنگره: PJA 3910 / ف 4
موضوع: تربیت اخلاقی-- جنبه های مذهبی -- اسلام
موضوع: تربیت اخلاقی -- جنبه های قرآنی
موضوع: نثر عربی - قرن 4ق.
موضوع: داستانهای عربی - قرن 4ق.
در كتاب به داستان هایى پرداخته شده كه موضوعش فرج بعد از شدت است و دعاهایى نيز در اين باب ذكر شده است.
ص :1
ص:2
الفرج بعد الشده
محسن بن علی التنوخی ؛ مصحح- شالجی، عبود
ص:3
ص:4
بسم اللّه الرحمن الرّحيم اللهم يسّر
القاضي أبو علي،المحسّن بن علي التنوخي (1)،و والده القاضي أبو القاسم علي بن محمد (2)،و ولده القاضي أبو القاسم عليّ بن المحسّن (3)،أسماء لامعة، في عالم الأدب،و الشعر،و القضاء.
و قد أتحف القاضي أبو عليّ،المكتبة العربية،بتآليف نادرة المثال، أشهرها كتاب نشوار المحاضرة و أخبار المذاكرة،و كتاب الفرج بعد الشدّة.
قضى التنوخي في تأليف كتابه نشوار المحاضرة و أخبار المذاكرة،عشرين عاما (4)،و أخرجه في أحد عشر مجلّدا (5)،و اشترط على نفسه فيه،أن لا يضمّنه
ص:5
شيئا نقله من كتاب (1).
أمّا كتاب الفرج بعد الشدّة،فقد بدأ به في أواخر أيّامه (2)،على أثر محن تعرّض لها،و شدائد ابتلي بها (3)،ثم نجا منها،و أخرجه في ثلاثة مجلدات (4)، أودعها أخبارا استلّها من الكتب (5)،و أضاف إليها قسما من مسموعاته، و من مشاهداته.
بدأ تعلّقي بمؤلّفات المحسّن التنوخي،عند مطالعتي ما أصدرته المطابع منها،فقرأت له الأجزاء الثلاثة الّتي نشرها له الناشرون من كتاب نشوار المحاضرة (6)،و قرأت له كتاب الفرج بعد الشدّة،و كانت دار الهلال قد طبعته في جزءين اثنين (7).
و كنت كلّما أعدت مطالعة جزء من مؤلّفات القاضي التنوخي،زاد تعلّقي بها،و قد حاولت،مرّات و مرّات،أن أبحث عن الأجزاء الضائعة
ص:6
من النشوار،فأضمّها إلى المطبوعة،في طبعة جديدة،أبذل الجهد في تحقيقها، و العناية في إخراجها،و لكنّ انصرافي إلى عملي في المحاماة،كان يحول بيني و بين ذلك،ثم انفسح لي من بعد ذلك،وقت قصرته على تحقيق رغبتي السالفة،في البحث عن الأجزاء الضائعة من مؤلّفات التنوخي،و ضمّها إلى ما هو موجود منها،و نشرها.
و بدأت،فجمعت أفلاما للنسخ المخطوطة من كتاب نشوار المحاضرة (1)، فعثرت بين الأفلام على جزء من أجزائه الضائعة،فأصبحت الأجزاء المتيسّرة أربعة،ثم تتبّعت الفقرات الضائعة من الكتاب،في ثنايا الكتب،فجمعت ما أمكنني جمعه منها،و كان ذلك بدء عمل مضن،بذلت فيه وقتا، و جهدا،و صبرا (2)،حتى أخرجت-و الحمد للّه-ثمانية أجزاء من كتاب نشوار المحاضرة،كانت في تحقيقها،و تنسيقها،و طبعها،مثالا يحتذى (3).
ثم عكفت من بعد ذلك،على كتاب الفرج بعد الشدّة،فجمعت أفلاما لنسخه المخطوطة،فاجتمع عندي،فلم مخطوطة الجزء الأول منه،من
ص:7
المكتبة الظاهرية بالشام (1)،و فلم مخطوطة الجزء الثاني،من الخزانة الملكية بالرباط (2)، و أفلام ثلاثة أخرى،اشتمل كلّ واحد منها على الكتاب بتمامه،أولها من دار الكتب المصرية (3)،و ثانيها من مكتبة جون رايلند (4)،و ثالثها من مكتبة الاسكوريال (5)،كما استعنت في تحقيقي بالنسخة التي طبعتها دار الهلال (6)، و بمخطوطات مصنّفات أخرى،كان القاضي التنوخي قد نقل عنها،أو كان أصحابها قد نقلوا عنه.
و تبيّن لي عند البدء بالتّحقيق،أنّ النسخة المطبوعة من هذا الكتاب، و هي التي طبعتها دار الهلال(ه)،قد اختصرت فقرات من هذا الكتاب، اختصارا مخلاّ،إذ حذفت من أخباره الأسانيد،كما حذفت كثيرا من التفاصيل التي كان المؤلّف يوردها لبيان ظرف من ظروفه،أو لإيضاح هوية أحد من يروي عنهم،كما حذفت كثيرا من القصص بتمامها (7)،هذا فضلا عمّا ورد فيها من التصحيف،و بالرغم من ذلك،فقد أفدت منها،إذ وجدتها قد أثبتت بعض القصص التي سقطت من بقيّة المخطوطات الأخرى (8)،أمّا النسخ المخطوطة،فهي بالإضافة إلى ما ورد فيها من تصحيف يختلف زيادة
ص:8
و نقصا (1)،فإنّ النسّاخ فيها،كانوا يتعمّدون أن يغفلوا نسخ كثير من القصص تخفيفا عن أنفسهم،و قد تعمّدوا أن تكون القصص المغفلة في ثنايا الكتاب كي لا يفطن إليها أحد (2).
ذكر التنوخيّ،في مقدّمة كتابه،أنّه اطّلع على ثلاثة كتب في موضوع الفرج بعد الشدّة،أوّلها:كتاب صنّفه أبو الحسن علي بن محمّد المدائني، اسمه«كتاب الفرج بعد الشدّة و الضيقة» (3)،و ثانيها:كتاب ألّفه أبو بكر عبد اللّه بن محمّد المعروف بابن أبي الدّنيا،سمّاه«كتاب الفرج بعد الشدّة» (4)، و ثالثها:كتاب ألّفه القاضي أبو الحسين عمر بن محمّد ابن يوسف الأزدي،
ص:9
سمّاه كذلك«كتاب الفرج بعد الشدّة» (1)و ذكر التنوخيّ أنّ اطلاعه على هذه الكتب،كان من أسباب نشاطه لتأليف كتابه هذا،و قال:إنّه وضع ما في الكتب الثلاثة في مواضعه من أبواب كتابه«إلاّ ما اعتقد أنّه لا يجب أن يدخل فيه،و أنّ تركه و تعدّيه أصوب و أولى».
و على ذلك،فقد نقل التنوخيّ،في كتابه هذا،أكثر ما اشتملت عليه الكتب الثلاثة 2،كما نقل في كتابه أخبارا و قصصا من كتب أخرى،منها:
كتاب الآداب الحميدة،و الأخلاق النفيسة 3،للإمام أبي جعفر الطبري، و كتاب الأغاني 4،لأبي الفرج الأصبهاني،و كتاب الوزراء و الكتّاب 5،لأبي
ص:10
عبد اللّه محمّد بن عبدوس الجهشياري،و كتاب الأوراق،للصولي (1)،و كتاب الوزراء (2)،له،و كتاب نسب قريش (3)،للزبير بن بكّار،و كتاب الحماسة (4)، لأبي تمّام،و كتاب العمرين من الشعراء (5)،لمحمّد بن داود الجرّاح،و كتاب مناقب الوزراء و محاسن أخبارهم (6)،لأبي الحسن عليّ بن الفتح المعروف بالمطوّق، و كتاب المبيّضة (7)،لأبي العبّاس أحمد بن عبد اللّه بن عمّار،و كتاب السمّار و الندامى (8)،لأبي علي محمد بن الحسن بن جمهور العمّي (9)،و كتاب فضائل
ص:11
الورد على النرجس (1)،لأحمد بن أبي طاهر طيفور،و رسالة في فضل الورد على النرجس (2)،لأبي الحسين محمّد بن محمّد بن جعفر البصري المعروف بابن لنكك،و كتاب سمّاه التنوخي«شجا» (3)ذكر أنّه من تأليف إسحاق ابن إبراهيم الموصلي،و كتاب«المتيّمين» (4)للمدائني،و كتاب«من رثى ما لا يرثى مثله» (5)في رثاء البهائم و النبات و الأعضاء،لأبي عبد اللّه محمّد بن العبّاس اليزيدي،و كتب لم يذكر التنوخي أسماءها،و اكتفى بإيراد اسم المصنّف وحده،و الظاهر أنّها كانت من الشهرة،بحيث استغنى التنوخي عن ذكر الاسم،و لكنّها خفيت علينا الآن،منها كتاب سمّاه:كتاب أبي الفرج الببغاء عبد الواحد بن نصر بن محمّد المخزومي (6)،و كتاب سمّاه:كتاب أبي القاسم
ص:12
الحسين بن محمّد بن الحسن بن إسماعيل الكوفي (1)،كما نقل عن كتاب ذكر أنّه ليعقوب بن بيان (2)،يضاف إلى ذلك،ما نقله من الأخبار،عن كتب لم يذكر أسماءها و لا أسماء مصنّفيها (3).
و نقل التنوخي،في كتابه هذا،كثيرا من الأخبار عن بعض أساتذته الذين أجازوا له الرواية عنهم،مثل أبي بكر محمّد بن يحيى الصولي (4)،و أبي الفرج علي بن الحسين الأصبهاني (5)،و أبي عمر الزاهد،محمّد بن عبد الواحد، المعروف بغلام ثعلب (6)،و أبي طالب محمّد بن أبي جعفر أحمد بن إسحاق ابن البهلول التنوخي (7)،كما نقل عن أبيه،أبي القاسم علي بن محمّد التنوخي (8)، و عن القاضي أبي الحسن بن أبي الطيّب الجرّاحي (9)،و عن أبي القاسم عبيد اللّه ابن محمّد بن الحسن العبقسي الصرويّ (10)،و عن أبي علي محمّد بن الحسن بن
ص:13
المظفر الحاتمي (1)،و عن أبي الحسين علي بن هشام الكاتب،المعروف بابن أبي قيراط (2)،و عن أحمد بن عبد اللّه الورّاق الدوري (3)،و عن أبي الحسن أحمد ابن يوسف الأزرق التنوخي (4)،و عن أبي محمّد يحيى بن محمّد ابن سليمان بن فهد الموصلي الأزدي (5).
و تبيّن لي من دراسة ما أورده التنوخي،في نشواره،و في كتاب الفرج بعد الشدّة،أنّ المؤلف بدأ بجمع كتابه النشوار،في السنة 360 (6)،ثم ابتلي بشدائد و محن،فرغب في تأليف كتاب،فيمن امتحن و ابتلي،ثم سري عنه، فعمد إلى كتاب النشوار فاقتطع منه مجموعة من القصص المتعلّقة بهذا الموضوع، و ضمّها إلى قصص أخرى نقلها من الكتب،و أضاف إليها قصصا رواها له الراوون،فجمعها،و أخرجها كتابا سمّاه«كتاب الفرج بعد الشدّة» (7)و هو هذا الكتاب.
و قد صنّف في الفرج بعد الشدّة،عدا من تقدّم ذكرهم،أبو عبد اللّه محمّد بن عمران بن موسى المرزباني،فقد صنّف«كتابا في الفرج» (8)،
ص:14
و صنّف جلال الدين عبد الرحمن بن أبي بكر السيوطي (1)،كتابا سمّاه:«الفرج القريب» (2)كما أنّه لخّص كتاب الفرج بعد الشدّة،لابن أبي الدّنيا،مع زيادات،و سمّاه:«الأرج في الفرج» (3)،و ذكر صاحب كشف الظنون، كتابا في الفرج،لم يذكر اسم مؤلّفه،سمّاه«الفرج بعد الحرج» (4)و ذكر كذلك،كتابا في الفرج بعد الشدّة،قال إنّه باللغة التركية،و إنّ مصنّفه محمّد ابن عمر الحلبي،صنّفه في 13 بابا (5)،كما ذكر أنّ لطف اللّه بن حسن التوقاتي (6)، ترجم كتاب الفرج بعد الشدّة للقاضي التنوخي (7).
و قد وجدت في مكتبة«جستربيتي »بدبلن،كتابا مخطوطا،مرقّما لديها؛برقم 3546 الفهرس ج 3،اسمه«كتاب الفرج بعد الشدّة»لم أستطع أن أتبيّن اسم مصنّفه،مخروم الآخر،يشتمل على 133 ورقة،كلّ ورقة في صفحتين،كلّ صفحة تشتمل على 23 سطرا،خطّه حسن،و التصحيف فيه كثير،أوّله:الحمد للّه الذي[جعل]كلّ همّ بعده فرجا،و من[كلّ] ضيق إلى السعة مخرجا،و بعد،فانّي جمعت هذا المختصر من كتب عدّة،
ص:15
و لقّبته«الفرج بعد الشدّة»،ليكون تسلية لأولي الألباب،في كل نازلة و مصاب...الخ،و وجدته ينقل أخبارا كثيرة عن كتاب المعافى (1)،و عن كتاب التنوخيّ (2)،و عن كتاب صفوة الصفوة (3)،كما أنّه أورد في كتابه خبرا يستدلّ منه على أنّه كان مقيما بالقاهرة ما بين السنتين 676-678 (4)،و لم أجد لهذا الكتاب ذكرا فيما لديّ من مراجع،و وجدت أيضا،في مكتبة جستربيتي بدبلن، كتابا آخر،مرقّما لديها برقم 5212 في الفهرس ج 7.اسمه«ريحانة المهج من مختار كتاب الفرج»لم أتمكّن من معرفة اسم مصنّفه،و هو مخروم الآخر، في 74 ورقة،كلّ ورقة في صفحتين،كلّ صفحة تشتمل على 17 سطرا، الخطّ حسن،و التصحيف قليل،أوّله:«الحمد للّه مفرّج الكروب،و ستّار العيوب،المجازي بكرمه عن الحسنة عشرا،و الجاعل بعد عسر يسرا،و صلّى اللّه على سيّدنا محمّد نبيّه و آله الطاهرين،و سلّم تسليما إلى يوم الدين»،و بعد أن تعرّض للمحسّن التنوخي،و لكتابه الفرج بعد الشدّة (5)،قال:إنّه نقل
ص:16
كتابه هذا،عن كتاب التنوخي،إلاّ أنّه«انتقى زبده،و نفى زبده»و إنّه خدم به خزانة الملك الأشرف موسى بن الملك العادل محمّد الأيوبي (1)،و يظهر لي انّه قدمه لخزانة الملك،ما بين السنتين 616-635 (2).
و اطّلعت على كتاب سمّاه ناشره،«تفريج المهج،بتلويح الفرج» (3)و تبيّن لي عند مطالعته،أنّ هذه التّسمية من صنع الناشر،و أنّه يشتمل على ثلاثة كتب،أحدها:«كتاب الأرج في أدعية الفرج»،للسيوطي،و قد سبق ذكره،و ثانيها،و قد طبع في الحاشية:«معيد النعم،و مبيد النقم» (4)،
ص:17
لتاج الدين عبد الوهاب السبكي (1)،و ثالثها:«كتاب حلّ العقال،الذي يتخلّص من يلتجئ إليه من أهوال الأحوال» (2)،صنّفه السيد عبد اللّه الحجازي، المعروف بابن قضيب البان (3)،و قد اختصر كتاب القاضي التنوخي،اختصارا واضحا،وسطا عليه سطوا فاضحا (4)،و لم يكتف بما صنع،بل انّه تعرّض في مقدمة كتابه للتنوخي،فقال عنه«إنّه أطال في كتابه الفرج بعد الشدّة، إلى حدّ يورث الملل،و أورد ما لا حاجة إليه،و لا مناسبة له بهذا العمل».
يتّضح ممّا تقدّم،أنّ المحسّن التنوخي،لم ينفرد بتصنيف كتابه في موضوع الفرج بعد الشدّة،فقد سبقه إلى ذلك مصنّفون،ذكرهم في مقدّمة كتابه، و اعترف بأنّه نقل ما كتبوه إلى كتابه،و أعقبه مصنّفون آخرون،جاءوا بعده، و حاولوا السير على غراره،و النسج على منواله،فلم يصلوا،و لم يقاربوا، و بقي كتاب التنوخي،مجلّيا في الميدان،يشار إليه بالبنان،و يرد ذكره على كلّ لسان،و لا عجب،فإنّه قد جاء فريدا في بابه،جمع فيه مصنّفه من طريف الأخبار و الأشعار،و غريب القصص و الحكايات،ما يستهوي القارئ،و يلذّ السامع،و قد ذكره القاضي ابن خلّكان في وفيات الأعيان (5)،
ص:18
و ياقوت في معجم الأدباء (1)،و ابن العماد الحنبلي في شذرات الذهب (2)،و حاجي خليفة في كشف الظنون (3)،و إسماعيل البغدادي في هدية العارفين (4)،و قال فيه الثعالبي في اليتيمة (5):«كتاب الفرج بعد الشدّة،ناهيك بحسنه،و امتاع فنّه،و ما جرى الفال بيمنه،لا جرم إنّه أسير من الأمثال،و أسرى من الخيال».
أمّا فيما يتعلّق بأجزاء الكتاب،فإنّ الاختلاف الحاصل فيما تيسّر لديّ من معلومات،أوقفني موقفا محيّرا،فإنّ ياقوت الحموي،أثبت في معجم الأدباء«ج 6 ص 251»أنّ كتاب الفرج بعد الشدّة،للقاضي أبي علي التنوخي، يقع في ثلاثة مجلدات،و لكنّ الجزء الأوّل من المخطوطة الظاهرية(ظ) انتهى بنهاية القصّة 306 التي هي نهاية الباب السابع،و الكتاب يشتمل على أربعة عشر بابا،ممّا يدلّ على تجزئة الكتاب إلى جزئين اثنين،و كذلك مخطوطة (ن)فإنّ الجزء الثاني يبدأ بالقصّة 305 و ينتهي بنهاية الكتاب،أمّا مخطوطة الإسكوريال(غ)فإنّ الجزء الأول فيها قد انتهى بنهاية القصّة 150 الّتي هي نهاية الباب الرابع،ممّا يدلّ على تجزئة الكتاب إلى أجزاء ثلاثة،أمّا سبب إغفال الإشارة إلى انتهاء الجزء الثاني،و ابتداء الثالث،فذاك لأنّ الناسخ تعمّد إغفال نسخ خمس و تسعين قصّة في نسق واحد،من منتصف القصّة 211 الّتي هي في وسط الباب السادس إلى نهاية القصّة 306 الّتي هي نهاية الباب السابع، و أحسب أنّ نهاية الجزء الثاني،و بداية الجزء الثالث،كانت في ثنايا هذه القصص المغفلة،أمّا نسخة دار المكتب المصرية(م)،و نسخة مكتبة جون
ص:19
رايلند(ر)فلا تجزئة فيهما،و لدى رجوعي إلى نسخة دار الهلال المطبوعة (ه)وجدت أنّها جزّأت الكتاب إلى جزئين،و لكنّ الجزء الأوّل فيها انتهى بالقصّة 233 الّتي هي نهاية الباب السادس،فهي قد وافقت النسخة الظاهرية (ظ)في التجزئة إلى جزئين،و خالفتها في جعل الجزء الأوّل يشتمل على أبواب ستة،بينما اعتبرتها النسخة الظاهرية(ظ)سبعة أبواب،غير أنّي بعد أن أتممت تحقيق الكتاب،وجدت أنّ المتن الذي يشتمل على ما احتوت عليه جميع نسخ الأصل،إذا أضيف اليه التعليقات،و الشروح،و الفهارس،اتّسع الكتاب إلى مجلّدات خمسة،فأخرجته في خمسة مجلّدات.
و يسرّني،في مقامي هذا،أن أعلن شكري للأستاذين الجليلين الشيخ زهير شاويش،إذ دلّني على تراجم قسم من رجال السند،و الدكتور إحسان عبّاس،الذي أعانني في قراءة مخطوطة(ن)من هذا الكتاب،و نسخ لي بخطّه بعض قصصها.
و بعد فهذا كتاب الفرج بعد الشدّة،أقدّمه لقراء العربيّة،و قد بذلت جهدي في تحقيقه و إخراجه،و غاية مرادي أن ينتفع به طلاّب العلم و المعرفة.
و إلى اللّه نفزع في كلّ ريث و عجل،و عليه نتوكّل في كلّ سؤل و أمل، و إيّاه نستعين في كلّ قول و عمل،و نسأله تعالى أن يرزقنا قلبا عاقلا،و لسانا صادقا،و أن يوفّقنا للسداد في القول و العمل،و هو حسبنا و نعم الوكيل.
بحمدون في 1975/3/2
عبود الشالجي المحامي
ص:20
تشتمل هذه المخطوطة على الجزء الأوّل من كتاب الفرج بعد الشدّة.رمز إليها في هذا الكتاب،بالحرف(ظ).
تشتمل على 196 ورقة،كلّ ورقة في صفحتين،في كلّ صفحة 17 سطرا.
الخطّ جيّد قديم.و التصحيف قليل.
في صدر الكتاب:كتاب الفرج بعد الشدّة،تأليف العالم العلاّمة،الفقيه القاضي أبي علي المحسّن بن القاضي أبي القاسم علي بن محمّد بن أبي الفهم التنوخي رحمة اللّه عليه.
و تحت ذلك:وقف الملاّ عثمان الكردي على أرحامه،و طلبة العلم من المسلمين.
و تحت ذلك ختمان:الأوّل:ختم مكتبة أميّة بدمشق الشام.
و الثاني:ختم دار الكتب الظاهرية الأهليّة بدمشق.
و في الزاوية اليسرى من الأسفل:بتاريخ عشر جمادى الأوّل،بعنوان العارية من جناب فاضل التحرير،مولانا الشيخ عبد الرحمن المشهور بكزبري (1)، وصل إليّ.
محمّد رفيع الشافعي المحبوس في القلعة
ص:21
و في آخر الكتاب،ورد ما يلي:تمّ الجزء الأوّل من كتاب الفرج بعد الشدّة، للتنوخي،و الحمد للّه وحده،و صلواته و سلامه على محمّد خاتم النبيّين،و على الأنبياء أجمعين،و عباد اللّه الصالحين،أفضل الصلاة و السلام،و الحمد للّه ربّ العالمين.
و لم يثبت ناسخه تاريخ نسخه.إلاّ أنّ في ذيل الصفحة،شرح جاء فيه:
ملك هذا الكتاب المبارك،و طالعه،العبد الفقير إلى اللّه تعالى،ماجد بن عبد الوهاب،عفا اللّه عنه،و غفر لمن نظر فيه و دعا له بالمغفرة،و قال:غفر اللّه له ما تقدّم من ذنبه و ما تأخّر،و للقائل مثله،في جمادى الآخر سنة سبع و سبعون و سبعمائة،أحسن اللّه انقضاءها.
ص:22
تشتمل هذه المخطوطة على الجزء الثاني من كتاب الفرج بعد الشدّة،و لأنّ الإسم الذي سجل عليها:نشوار المحاضرة،فقد رمز إليها في هذا الكتاب بالحرف(ن).
تشتمل على 126 ورقة،كلّ ورقة في صفحتين،في كلّ صفحة 25 سطرا.
الخطّ مغربي قديم،و التصحيف قليل.
في صدر الكتاب:كتاب أخبار المذاكرة و نشوار المحاضرة،تأليف فريد عصره و وحيد دهره القاضي التنوخيّ رحمه اللّه،و هو الجزء الثاني.
و في الزاوية اليسرى من الأعلى:الحمد للّه وحده،ملك لعبد ربه الراجي عفوه و مغفرته محمّد بن إبراهيم بن محمّد ناصر أخذ اللّه بيده،شراء بحضرة فاس.
و في آخر الكتاب ورد ما يلي:نجز و الحمد للّه أهل الحمد و مستحقّه،و صلّى اللّه على سيّدنا محمّد خيرته من خلقه،و على آله و صحبه و سلّم تسليما،و ذلك بتاريخ اليوم الأغرّ،المبارك المعتبر،يوم الجمعة السابع و العشرين من رجب الفرد عام تسعة و أربعين و ثمانمائة.
ص:23
تشتمل هذه المخطوطة على كتاب الفرج بعد الشدّة بتمامه،و رقمها:
الإسكوريال 714.
رمز إليها في هذا الكتاب بحرف(غ).
تشتمل على 174 ورقة،كلّ ورقة في صفحتين،في كلّ صفحة 29 سطرا،و قد رقّمت صفحاتها،فبلغت 348 صفحة.
الخطّ جيّد،و التّصحيف قليل.
في صدر الكتاب:الجزء الأوّل من كتاب الفرج بعد الشدّة،تأليف القاضي أبي علي المحسّن بن القاضي أبي القاسم علي ابن محمّد بن أبي الفهم التنوخيّ رحمه اللّه آمين،آمين،آمين.
و على الزاوية اليسرى من أعلى الصفحة:من كتب عبد اللّه و وليّه أبي فارس ابن أمير المؤمنين،بن أمير المؤمنين،الحسني (1)،عامله اللّه بلطفه الخفي و الجلي.
و أسفل منه:ثم صار من يد المذكور لمالكه زيدان أمير المؤمنين،ابن أحمد أمير المؤمنين بن محمّد أمير المؤمنين بن محمّد أمير المؤمنين (2)،عامله اللّه بجميل لطفه في العاجل و الآجل،بمحمّد و آله.
ص:24
و في آخر المخطوطة:تمّ كتاب الفرج بعد الشدّة،و الحمد للّه وحده،و صلّى اللّه على سيّدنا محمّد و على آله و صحبه و عترته و جنده،و سلم تسليما كثيرا، دائما أبدا،إلى يوم الدين،سنة 975،على يد العبد الفقير إلى اللّه تعالى محمّد ابن بركات الحريري غفر اللّه له و لوالديه،و لمن قرأه و دعا لهم بالمغفرة،و لجميع المسلمين،آمين.
ص:25
تشتمل هذه المخطوطة على كتاب الفرج بعد الشدّة بتمامه،رقمها في المكتبة 667.
رمز إليها في هذا الكتاب بحرف(ر).
تشتمل على 298 صفحة،في كلّ صفحة 25 سطرا.
الخطّ وسط،و التصحيف كثير.
في صدر الكتاب:كتاب الفرج بعد الشدّة للتنوخيّ رحمه اللّه تعالى.
و أثبت النّاسخ تحت العنوان ترجمة مختصرة للمصنّف،و أخطأ في تاريخ مولده، و في تاريخ وفاته،و نسب ما أثبته إلى ما ذكره القطب الجعفري في الاكتساب في تمحيص كتب الأنساب.
و في ذيل الصفحة من الجهة اليسرى:دخل في ملك العبد الذليل،المشتاق إلى رحمة ربّه الجليل المدعو(ختم مطموس)ابن سيد(كلمة مطموسة) الحسني،اللهم أغفر له و لوالديه.
و تحته:من كتب الفقير المكرم اللّه تعالى الحبيب الحسن بن أمير المؤمنين المنصور باللّه،رضوان اللّه عليهم و رحمته،سابع عشر جمادى الآخرة سنة 1112.
و في آخر الكتاب:آخر الكتاب المسمّى بالفرج بعد الشدّة،و الحمد للّه على كلّ حال من الأحوال،و صلواته على سيّدنا محمّد و آله و صحبه و سلّم، فرغ من رقم هذا الكتاب المبارك تاسع عشر شهر ربيع الأوّل في سنة خمسين و ألف،و ذلك بعناية مولانا السيد المقام،العلم العلامة الهمام،واسطة العقد
ص:26
الثمين،نجل آل طه و ياسين،ضياء الدين إسماعيل بن أمير المؤمنين حفظه اللّه تعالى و متع به المسلمين،و بلغه في الخيرات ما أراده،و وفّقه لبلوغ السؤال فيما أراد إلى أقصى مراده،إنّه وليّ ذلك،و القادر على ما هنالك،و لا حول و لا قوة إلاّ باللّه العلي العظيم و صلّى اللّه على سيّدنا محمّد و آله و سلّم.
ص:27
تشتمل هذه المخطوطة،على كتاب الفرج بعد الشدّة بتمامه.
رقمها في دار الكتب:ب-22959،و عليها رقمان آخران،الأوّل:
1945/2170 و الثاني 132235 زيادات،و عليها ختم دار الكتب المصرية.
و قد رمز إليها في هذا الكتاب بحرف(م).
تشتمل هذه المخطوطة على 291 ورقة،كلّ ورقة في صفحتين،في كلّ صفحة 23 سطرا.
و قد تعاقب على النسخة عدّة نساخين،خطّهم بين وسط إلى رديء.
في صدر الكتاب:هذا كتاب الفرج بعد الشدّة،تأليف القاضي أبي علي المحسّن بن علي بن محمّد بن أبي الفهم التنوخيّ رحمه اللّه تعالى و نفعنا به آمين، آمين.
و في آخر الكتاب:هذا آخر كتاب الفرج بعد الشدّة،تأليف القاضي أبي علي المحسّن بن علي بن محمّد بن أبي الفهم التنوخيّ رحمه اللّه تعالى،و كان الفراغ من كتابته يوم الأربع سادس و العشرون خلت من رمضان سنة 1212 من الهجرة النبويّة،على صاحبها أفضل الصلاة و السلام،آمين،آمين.
ص:28
القاضي أبي علي المحسن بن علي التنوخي
القاضي أبو علي المحسّن بن علي التنوخي،و قد ساق الخطيب البغدادي (1)، و ياقوت الحموي (2)،نسبه إلى قضاعة،هو ابن القاضي أبي القاسم علي بن محمّد التّنوخي (3)،ولد الأب سنة 278 في أنطاكية،و نشأ بها (4)،و لما زار الخليفة المعتضد، أنطاكية،في السنة 287 (5)،كان التنّوخي الأب،صبيّا في المكتب (6)،و كان لأبيه-جدّ المحسّن-موقف محمود،مع المعتضد،إذ أقنعه بالرجوع عمّا صمّم عليه،من هدم سور المدينة (7).
قدم التّنوخي الأب بغداد في حداثته (8)،فأتمّ دروسه فيها،و تفقّه،و كان من الذكاء،و الفطنة،و قوّة الحافظة،على جانب عظيم (9).
ص:29
و كان قاضي القضاة،إذ ذاك،أبو جعفر أحمد بن إسحاق بن البهلول، و هو تنوخيّ،و أبو القاسم تنوخيّ،فصادفت لياقة أبي القاسم،و ذكاؤه،و فهمه، هذه الصلة بينه و بين قاضي القضاة (1)،فقلّده القضاء بعسكر مكرم،و تستر، و جنديسابور،و السوس،و أعمال ذلك،و كان ذلك في السنة 311،و كانت سنّ أبي القاسم-إذ ذاك-33 سنة (2).
و لما سلّم قاضي القضاة،إلى أبي القاسم التنوخيّ،عهده بالقضاء،أوصاه بتقوى اللّه،و بأشياء من أمور العمل و سياسته في الدّين و الدنيا،و بأمر جاريه، أي راتبه،فقد كان مسبّبا،أي مقرّرا،على خزينة الأهواز (3).
و لم ينس قاضي القضاة،أن يشدّد على أبي القاسم التنوخيّ،في النّصيحة بأن يكتم عن النّاس حقيقة سنّه،كي لا ينسب إلى الحداثة،و قلّة الحنكة.
و يقول أبو القاسم التنوخيّ،إنّ الصدفة الحسنة،أطلعت له،خلال سفره إلى محلّ عمله،شعرة بيضاء في لحيته،فأخذ يتعمّل لإخراجها،ليراها النّاس، متجمّلا بها (4).
و كان تقليد أبي القاسم التنوخيّ،القضاء في جنوبي العراق،مبدأ صلة ربطت هذه العائلة بتلك المنطقة.
تقلّد أبو القاسم التنوخيّ،القضاء بهذه المنطقة سنين،ثم صرف،فقصد الأمير سيف الدولة،زائرا،و مادحا،فأكرم سيف الدولة مثواه،و أحسن
ص:30
قراه (1)،و كتب في معناه إلى الحضرة (2)،ببغداد،فأعيد إلى عمله،و زيد في رزقه،و ولي القضاء رئاسة،بعهد كتبه له الوزير أبو علي بن مقلة،و شهد الشهود عنده فيما حكم بين أهل عمله بالحضرة،و الظاهر أنّه تقلّد القضاء بالكرخ (3).
إنّ ذكاء أبي القاسم التنوخيّ،و ألمعيّته،أيّام تقلّده القضاء في جنوبي العراق، نبّهت إليه أبا عبد اللّه البريدي،شيخ البريديّين،و كان-إذ ذاك-عاملا من عمّال السلطان في تلك المنطقة،فلمّا علت منزلته،و قويت سطوته،اجتذب إليه أبا القاسم التنوخيّ،فألحقه بخدمته،و نصبه مستشارا له،و أناط به الترسّل في أموره البالغة الأهمية الّتي لا يمكن أن يعوّل فيها إلاّ على شخص مثل أبي القاسم التنوخيّ،وافر الذكاء،عظيم الحرمة.
فقد كان في السنة 324 رسول البريديّ إلى القائد ياقوت،حيث عقد معه صلحا،و زوّج ابنة البريديّ،من ابن ياقوت (4).
و في السنة 325 كان رسول البريديّ إلى الأمير أبي بكر بن رائق (5).
و في السنة 326 كان رسول البريديّ،إلى أمير الأمراء بجكم،حيث عقد بينهما مصالحة،توجّت بزواج بجكم،من سارة ابنة أبي عبد اللّه البريدي (6).
و في هذا الوقت،ولد للقاضي أبي القاسم التنوخيّ،في السنة 327،بالبصرة،
ص:31
غلام سمّاه المحسّن،و هو صاحب الكتاب (1).
ولد المحسّن،في بيت فقه و علم،فنشأ منذ طفولته محبا للدرس،و هو يحدّثنا عن ذكرياته في الكتّاب (2)،كما أنّه سمع من أبي بكر الصولي (3)،و أبي العباس الأثرم (4)،و الحسن بن محمّد الفسوي (5)،و أبي بكر بن داسه،و أحمد ابن عبيد الصفار،و وهب بن يحيى المازني،و طبقتهم (6).
و قد ذكر لنا التنوخيّ المؤلّف،في إحدى قصصه،انّه كان في السنة 335 بالمكتب،بالبصرة،«و هو مترعرع،يفهم،و يحفظ ما يسمع،و يضبط ما يجري» (7).
و توفّي أبو عبد اللّه البريدي في السنة 332،فأقام أبو القاسم التنوخي بالبصرة، و انضاف إلى المهلبيّ،صديقه القديم (8)،الذي بدأ نجمه يلمع في سماء العراق، منذ أن ترك خدمة أبي زكريا،يحيى بن سعيد السوسي (9)،و اتّصل بالأمير أبي الحسن أحمد بن بويه،الّذي أصبح بعد أن استولى على العراق،الأمير معزّ الدولة (10).
ص:32
لقي أبو القاسم التنوخي،من الوزير المهلبيّ،كلّ رعاية و عناية،و كان يميل إليه جدّا،و يتعصّب له،و يعدّه ريحانة الندماء (1)،و كان من جملة القضاة الذين يجتمعون مع الوزير المهلّبي،مرّتين في كلّ أسبوع،على اطّراح الحشمة، و التبسّط في القصف و اللّهو (2).
و بلغ من وفاء المهلّبي،لأبي القاسم التنوخيّ،انّه لما توفّي التنوخيّ في السنة 342،صلّى عليه المهلّبي،و قضى ما عليه من الديون،و كان مقدارها خمسون ألف درهم (3).
نشأ المحسّن التنوخيّ بالبصرة،و هو يعتبر البصرة بلده،و يتحدّث عن نفسه،باعتباره بصريّا،فيقول في إحدى قصصه:ولي الجهني«عندنا في البصرة»الحسبة (4).
و يقول في قصّة أخرى:و كان«عندنا في البصرة»دلاّل من أهلها (5).
و يقول في قصّة ثالثة:و كان«عندنا بالبصرة»رجل من التجار (6).
و يقول في قصّة رابعة:حدّثني محمّد بن عديّ بن زحر البصري«جارنا بها» (7).
و يقول في قصّة خامسة:و حدّثني أبو عبد اللّه بن هارون التستري المؤذّن،
ص:33
و كان أقام«بمسجدنا بالبصرة» (1).
و هو يروي في نشواره،و في هذا الكتاب،كثيرا من القصص،عن حوادث وقعت بالبصرة،و عن أشخاص بصريّين،لا يتسنّى لغير البصريّ،أن يتحدّث عنهم.
شبّ المحسّن التنوخيّ بالبصرة،و تفقّه،و شهد عند القاضي أحمد بن سيّار، قاضي الأهواز (2)،و لما نزل الوزير المهلّبي بالسوس،قصده المحسّن للسلام عليه، و تجديد العهد بخدمته،فرحّب به الوزير،و طلب إليه أن يلحق به في بغداد، ليقلّده القضاء (3)،فأطاع،و لحق بالمهلّبي الّذي كلّم في أمره قاضي القضاة، فقلّده في السنة 349،قضاء القصر (4)،و بابل،و سورا (5).
و تقلّد التنوخيّ القضاء،في أماكن متعدّدة،و نحن نستطيع من متابعة ما قصّه علينا،ان نعرف بعض الأماكن الّتي تقلّد فيها،فقد قلّده المطيع القضاء في منطقة الأهواز،في عسكر مكرم،و إيذج،و رامهرمز (6)،كما تقلّد القضاء بتكريت،و دقوقا،و خانيجار،و قصر ابن هبيرة،و الجامعين،و سورا،و بابل، و الإيغارين،و خطرنية (7)،و تقلّده بحرّان،و نواح من ديار مضر،و قطعة من سقي الفرات (8)،و تقلّده بحلوان و قطعة من طريق خراسان (9)،و تقلّده بواسط،
ص:34
مضافا إلى قضاء الاهواز (1)،و تقلّده بجزيرة ابن عمر (2)،و تقلّده بالكوفة (3)، كما تقلّد لعضد الدولة القضاء بالموصل،و بجميع ما فتحه من البلاد الّتي كانت في يد أبي تغلب الحمداني (4).
استقرّ المحسّن التنوخيّ ببغداد،و شملته عناية الوزير المهلّبي (5)،فأصبح من ملازمي مجلسه (6)،و قد أثبت في كتابيه:نشوار المحاضرة،و الفرج بعد الشدّة، قصصا عن مكارم أخلاق الوزير المهلّبي،و شريف طباعه (7).
و كان وجود التنوخيّ ببغداد،قد سهّل له الاتّصال بجماعة من العلماء و الأدباء و الشعراء،فقد اتّصل بأبي الفرج الأصبهاني،و قرأ عليه،و أجاز له الرّواية عنه (8)،و قد نقل عنه كثيرا من القصص و الأحاديث (9)،كما اتّصل بأبي عمر الزّاهد،المعروف بغلام ثعلب،و حمل عنه،و أجاز له الرواية عنه (10)،و هو يروي لنا ما حدّثه به الوزير المهلّبي (11)،و ما قصّه عليه أبو علي الأنباري،صهر الوزير المهلّبي،و خليفته على الوزارة (12)،و ما رواه له أبو العلاء صاعد بن ثابت
ص:35
النصراني،«الّذي كان خليفة الوزراء» (1)كما يروي لنا،ما أملاه عليه أبو اسحاق الصابي (2)،و ما سمعه من ابن سكّرة الهاشمي (3)،و من ابن الحجّاج (4)،و إليه بعث أبو العلاء المعرّي،قصيدته الشهيرة:«هات الحديث عن الزوراء أو هيتا (5)».
إنّ استعراض القصص التي أدرجها القاضي التنوخيّ،في النشوار،و في الفرج بعد الشدّة،ينير لنا السبل،من أجل معرفة أحواله في حياته،و ما صادفه فيها من أحداث.
فهو يروي لنا في إحدى قصصه،حديثا،سمعه في السنة 349،من الأمير جعفر بن ورقاء الشيباني (6).
و يروي لنا في قصة أخرى،حديثا سمعه في السنة نفسها،من أبي أحمد بن أبي الورد،شيخ من أبناء القضاة (7).
و هو في قصص أخرى،يروي لنا انّه اجتمع في السنة 350 بأبي عليّ ابن أبي عبد اللّه،ابن الجصّاص الجوهري،و سأله عن أخبار والده،و أثبت أجوبته الّتي أجاب بها (8).
كما روى لنا،في قصّة أخرى،حديثا بلغه في عين السنّة،و هو ببغداد، عن صوفيّ،سمع،فطرب،فتواجد،فمات (9).
ص:36
و يروي لنا في هذا الكتاب،حديثا سمعه في السنة 350 بالأهواز من أيّوب ابن العبّاس بن الحسن،وزير المكتفي و المقتدر (1).
و قد اشتملت بعض قصصه عن مجالس الوزير المهلّبي،على حوادث نصّ التنوخي على وقوعها في السنة 350 (2)،و السنة 351 (3).
و أورد التنوخي،في موضع آخر من نشواره،انّه حضر مجلس أبي العبّاس بن أبي الشوارب،قاضي القضاة-إذ ذاك-و انّه-أي التنوخي-كان يكتب له على الحكم و الوقوف بمدينة السّلام،مضافا إلى ما كان يخلفه عليه بتكريت، و دقوقا،و خانيجار،و قصر ابن هبيرة،و الجامعين،و سورا،و بابل،و الإيغارين، و خطرنية (4).
و قد تقلّد أبو العبّاس هذا،قضاء القضاة،في النصف الثاني من السنة 350 (5)،و عزل في النصف الأول من السنة 352 (6).
و هو في إحدى قصصه،يخبرنا أنّه كان في السنة 352 ببغداد،و أنّه زار أبا الغنائم،ابن الوزير المهلّبي،و هنّأه بحلول شهر رمضان (7).
و لمّا مرّ المتنبّي،في السنة 354،بالأهواز،قاصدا عضد الدولة بفارس، كان التنوخي بالأهواز،و لقي المتنبّي،و سأله عن نسبه،فما اعترف له به،و قال له:
أنا رجل أخبط القبائل،و أطوي البوادي وحدي،فما دمت غير منتسب إلى أحد،
ص:37
فأنا أسلم على جميعهم (1)،و سأله أيضا عن معنى كلمة«المتنبّي»فأجابه بأنّ ذلك شيء كان في الحداثة،أوجبته الصبوة (2)،و هذا اعتراف من المتنبّي،بأنّه ادّعى النبوّة في حداثته.
و هو يروي لنا حديثا سمعه بعسكر مكرم(الأهواز)،في السنة 355،من أبي أحمد بن أبي سلمة الشّاهد،الفقيه،المتكلّم،العسكري (3).
كما يذكر لنا في قصّة أخرى،أنّ جنديا شابا من عمان،بارحها حين ملكها الديلم،و اجتاز بواسط،فمدح القاضي التنوخي،و اقتضاه ثواب المديح (4)، و قد ملك الديلم عمان في السنة 355 (5).
و كان القاضي التنوخي،في السنوات 356،357،358،يتقلّد القضاء و الوقوف بسوق الأهواز،و نهر تيرى،و الأنهار،و الأسافل،و سوق رامهرمز، سهلها و جبلها،و أعمال ذلك،و كانت داره في الأهواز (6).
و صرف عن عمله هذا في السنة 359 (7)،صرفه عنه أبو الفرج محمّد بن العبّاس بن فسانجس،لما ولي الوزارة (8)،و أخذ ضيعته بالأهواز،و أخرجها من يده (9)،فأصعد إلى بغداد متظلّما،فلم يجد منه إنصافا.
ص:38
و لمّا حلّ ببغداد في السنة 360،بعد غيبته عنها سنين،وجدها«محيلة ممن كانت به عامرة،و بمذاكراته آهلة ناضرة» (1)،فكان ذلك داعيا دفعه إلى تأليف كتابه نشوار المحاضرة،حيث بدأ به في السنة 360،و أنهاه في السنة 380،على ما رواه غرس النعمة،و اثبته ياقوت في ترجمته (2).
و أقام القاضي التنوخي ببغداد،في محاولة استعادة ضيعته الّتي أخرجت من يده،و عمله الّذي عزل عنه،و تهيّأ له ذلك،بأن عزل أبو الفرج عن الوزارة، و وليها أبو الفضل العبّاس بن الحسين،صهر الوزير المهلبي (3)،فكان التنوخي يحضر مجالسه في السنة 360 (4)،و قضى السنة 361 ببغداد كذلك (5).
و في السنة 362 أعيد القاضي التنوخي إلى القضاء بالأهواز،و الأعمال الّتي كان عليها معها،و أضيف إليها قضاء واسط و أعمالها،فاستخلف على واسط، و عاد فأقام بالأهواز (6).
و هو في إحدى قصصه،يروي لنا حديثا قصّه عليه في السنة 362 بواسط، الكاتب ابن أبي قيراط (7).
كما تحدّث إلينا في إحدى قصصه،عن شيخ لقيه بواسط،في ربيع الأوّل من السنة 363 (8).
و يروي لنا التنوخي،في إحدى قصصه،حديثا حدّثه به أبو بكر ابن أبي
ص:39
شجاع،المقرئ البغدادي،الّذي كان يخلفه على العيار في دار الضرب؛ بالأهواز،في سنة أربع و ستين و ثلاثمائة (1).
و اضطربت أحوال العراق في السنة 364 باختلاف عضد الدولة،و ابن عمّه عزّ الدولة،ثم استقرّ الأمر للأخير،و انصرف عضد الدولة عن العراق و هو مكره،و عاث ابن بقيّة،وزير بختيار،في حكم العراق،فقتل،و صادر، و نفى،و شرّد،و كان من جملة من شرّده ابن بقيّة،القاضي التنوخي،الّذي لجأ إلى البطيحة،حيث لقي الأمان و الاطمئنان،في ظلّ أميرها معين الدّولة، أبي الحسين عمران بن شاهين السلمي،فألفى هناك جماعة من معارفه،كانوا يجتمعون في الجامع هناك،و يتشاكون أحوالهم (2).
و لم تكن المحنة الّتي نالت القاضي التنوخي من الوزير ابن بقيّة،أوّل محنة نالته،و لا آخرها،فقد حدّثنا في إحدى قصصه،عن«نكبة عظيمة لحقته، يطول شرحها و ذكرها،و حبس،و تهدّد بالقتل،ففرّج اللّه عنه،و أطلق في اليوم التاسع،من يوم قبض عليه فيه» (3).
كما حدّثنا في إحدى قصصه،أنّه«دفع إلى شدّة لحقته شديدة،من عدوّ، فاستتر منه،فكفاه اللّه أمر ذلك العدوّ،بعد شهور،و أهلكه اللّه تعالى،من غير سعي للتنوخي في ذلك» (4).
و تحدّث في إحدى قصصه كذلك،«عن محنة عظيمة لحقته من السلطان،
ص:40
فكتب إليه أبو الفرج الببغاء،رقعة يتوجّع له فيها» (1).
و روى لنا التنوخي،أنّه لما كان لاجئا في البطيحة،روى له أبو الحسن الصلحي،في جمادى الأولى من السنة 365،حديثا في الفرج،فنظم فيه شعرا (2)،فلم تمض إلاّ أشهر،حتى اعتقل الوزير ابن بقيّة،في السنة 366 (3)، ففرّج باعتقاله عن التنوخي،و عن كثير ممن كان معه في البطيحة (4).
و لعلّ فساد الصلة بين التنوخي،و بين الوزير ابن بقيّة،كان من الأسباب الّتي قوّت علاقته بعضد الدولة الّذي استولى على العراق في السنة 366 (5)،و قتل بختيار (6)،و طرح ابن بقيّة،تحت أرجل الفيلة (7)،فإنّ التنوخي تقدّم في عهد عضد الدولة،تقدّما عظيما،و تقلّد القضاء في أماكن عدّة (8)،و أثبته عضد الدولة نديما له،و خصّص له كرسيّا يجلس عليه في مجلس شرابه،و كثير من الندماء قيام (9).
و يقصّ علينا التنوخي في إحدى قصصه (10)،أنّه كان ذات يوم يماشي عضد الدولة،في دار المملكة بالمخرّم،و أنّ الملك حدّثه عن مقدار ما صرف على البستان و المسنّاة.
ص:41
و في السنة 367 كان التنوخي في صحبة عضد الدولة،في حملته الّتي قام بها لاستئصال أبي تغلب بن حمدان،و قد قلّد التنوخي،جميع ما فتحه ممّا كان في يد أبي تغلب،مضافا إلى ما كان قد تقلّده من قبل،و هو حلوان، و قطعة من طريق خراسان (1).
و هو،في إحدى قصصه،يروي لنا،كيف ورد محمّد بن ناصر الدولة، يحجل في قيوده،حتّى أدخل على عضد الدولة،بالموصل،فأمر بقيوده ففكّت، و بالخلع فأفيضت عليه،و بالجنائب فقيدت معه (2).
و قيام التنوخي في السنة 369 بالخطبة،في الاحتفال الّذي جرى من أجل عقد زواج الخليفة الطائع،على ابنة عضد الدولة (3)،يدلّنا على قوّة صلته،في ذلك الحين،ببلاطي الخليفة و الملك (4).
و هو في إحدى قصصه،يروي لنا حديثا حدّثه به عضد الدولة،في السنة 370،عن شقيق له اعتبط،و عن حلم حلمت به أمّه،مما لا يتحدّث به أحد، إلاّ لأخصّ الأصدقاء (5).
و بلغت الصلة بين القاضي التنوخي،و عضد الدولة،من القوّة،بحيث أصبح يرافقه في أسفاره،و كانت هذه المرافقة من أهمّ الأسباب الّتي جرّت عليه المصائب،فقد كان في السنة 371،في همذان (6)،في معسكر عضد الدولة،و زار صديقه أبا بكر بن شاهويه،فحدّثه أبو بكر حديثا،أخطأ
ص:42
التنوخي في الإفضاء به إلى أبي الفضل بن أبي أحمد الشيرازي الّذي نقله بنصّه و فصّه إلى عضد الدولة،فغضب عضد الدولة على التنوخي،غير أنّ غضبه ما لبث أن انفثأ و عاد معه إلى بغداد (1).
و كان عضد الدولة،قد زوّج ابنته من الخليفة الطائع للّه،مؤمّلا أن تلد له حفيدا،يكون ولي عهد الخلافة،و تصبح الخلافة و الملك في بيت بني بويه (2).
و لكنّ الخليفة الطائع،الّذي أحسّ بما أضمره عضد الدولة،أبعد هذه الابنة عن فراشه،فاهتمّ والدها بالأمر،و لم يجد خيرا من القاضي التنوخي، يتوسّط في القضية،نظرا لعلاقته الطيّبة بالبلاطين،و لأنّه هو الّذي خطب خطبة عقد النكاح (3)،فطلب من التنوخي،أن يمضي إلى الخليفة،و أن يقول له،عن والدة الصبيّة،«إنّها مستزيدة لإقبال مولانا عليها» (4).
و كأنّ التنوخي،خشي مغبّة الدخول في هذا الحديث،أو كأنّه استشعر أن لا فائدة من التحدّث فيه،فأحسّ بأنّه قد أصبح بين نارين،إن كلّم الخليفة أغضبه،و إن اعتذر أغضب عضد الدولة،فاختار لنفسه أن يتمارض،و حبس نفسه في داره،متعلّلا بالتواء ساقه،و أنّه لا يطيق مبارحة فراشه (5).
و لكنّ عضد الدولة،أحسّ بأنّ التنوخي متمارض،فبعث إليه من كشف أمره،و عندئذ صبّ عليه جام غضبه،فعزله عن جميع أعماله،و نصب بدلا منه قضاة ستّة،يقومون بالعمل الّذي كان منوطا به وحده،كما أنّه أصدر إليه أمره بأن يظلّ في داره حبيسا،لا يبارحها (6).
ص:43
و ظلّ التنوخي على حاله هذه،حتّى توفّي عضد الدولة في السنة 372.
و ليس فيما بين أيدينا من قصص النشوار،و الفرج بعد الشدّة،ما نستطيع أن نتبيّن منه،كيفيّة حياة القاضي المحسّن التنوخي،بعد وفاة عضد الدولة، إلاّ أنّ فقرة وردت في كتاب الوافي بالوفيات ح 4 ص 6 في ترجمة القاضي أبي الحسين محمد بن عبيد اللّه بن معروف،جاء فيها«أن القاضي ابن معروف ردّت إليه أعمال القاضي أبي عليّ المحسّن التنوخي،لمّا توفي في السنة 384،فتولّى القضاء بها كلّها».و يتّضح مما تقدّم،أنّ القاضي أبا علي عاد من بعد وفاة عضد الدولة الى تقلّد القضاء،و قام خلال هذه المدة بإتمام كتابه النشوار،الّذي بدأ به في السنة 360 و على تأليف كتابه الفرج بعد الشدّة،الّذي بدأ به،على ما يظهر، في السنة 373 (1)،و قد استخلص كثيرا من أخباره من النشوار،و على تربية ولده أبي القاسم عليّ،الّذي ولد له بالبصرة في السنة 365 (2).
و كما أنّ المحسّن التنوخي،كان وحيد والديه،على ما يظهر،و قد ولد و أبوه كهل في الخمسين،فكذلك كان أبو القاسم عليّ بن المحسّن،وحيد والديه،و قد ولد و أبوه كهل قد قارب الأربعين،و العجيب أنّ أبا القاسم علي بن المحسّن،ولد له ولد سمّاه محمّدا،و هو وحيده أيضا،و قد ولد له و الأب شيخ قد تجاوز السبعين (3).
و هؤلاء الثلاثة،الجدّ،و الأب،و الابن،يشبه أحدهم الآخر،في الفضل، و في الذّكاء،و في كرم النفس،و في انخراطهم في سلك القضاة،و في تمذهبهم بمذهب أبي حنيفة،و في تمسّكهم بالاعتزال،و الدفاع عنه.
ص:44
و يتّضح تعصّب التنوخي للمعتزلة،من القصص الّتي أوردها في النشوار، فهو يثني عليهم،كلّما ورد ذكرهم (1).
و قد أضاف المحسّن،إلى تعلّقه بالاعتزال،و تعصّبه للمعتزلة،تعرّضه للتصوّف و الصوفيّة (2).
اتّهم ابن الأثير،في كتابه:الكامل في التاريخ (3)،المحسّن التنوخي، بأنّه كان شديد التعصّب على الإمام الشافعي،يطلق لسانه فيه،و هذه تهمة لم يقم عليها دليل،و هذه مؤلّفات التنوخي،ما تيسّر لنا منها،تنفي عنه هذه التهمة،و المحسّن التنوخي،أتقى للّه،من أن يعرض للإمام الشافعي بسوء.
و يلاحظ أنّ التنوخيّ قد أدرج في كتبه،قصصا عدّة،دلّت على اعتقاده بالتنجيم (4)،و لعلّ عدم الاستقرار الّذي رافق القرن الرابع الهجري،كان من الأسباب الّتي دفعت التنوخي،و أباه،إلى الاعتقاد بالتنجيم،و العيافة،و الزجر، و غيرها،ممّا يتمسّك به الإنسان،رغبة منه في الفرار من الحقيقة المرّة،إلى خيال يبشّر بمستقبل أطيب من حاضر لا خير فيه.
و في النشوار قصص لا تحصى عن القضاة و أخبارهم،و عمّا قام به بعضهم من أفعال كريمة،في رفع المظالم،و ردع المعتدي الظالم،بل إنّ هذا الموضوع، هو الموضوع الرئيسي الّذي اشتمل عليه ذلك الكتاب،بالنظر لاختصاص المؤلّف،
ص:45
و اطّلاعه على خباياه،اطّلاعا تاما.
و لمّا كانت المنافسة بين أبناء الصناعة الواحدة،أمر مترقّب منتظر،فالّذي لا شكّ فيه أنّ التنوخيّ المؤلّف،و والده،و بعض أقاربه من التنوخيّين،من قضاة و شهود،قد حصلت بين بعضهم،و بين بعض القضاة منافرة،و لذلك فإنّ التنوخيّ لم يتأخّر عن إثبات القدح في أولئك القضاة،و لكنّه-لكمال عقله- لم يشتم أحدا منهم بلسانه،و انّما شتمهم بلسان غيره،فهو يورد شعرا للشاعر الفلاني،هجا به القاضي الفلاني،و يثبت قولا قاله الفقيه الفلاني،في القاضي الفلاني (1).
إنّ كثيرا من القصص الواردة في النشوار،و في كتاب الفرج بعد الشدّة، تؤيّد علاقة التنوخيّين،أبي القاسم علي،و ولده أبي علي المحسّن،بالأهواز، هذه المنطقة الّتي سمّاها هارون الرّشيد«سرّة الدنيا» (2)و سمّاها عبد اللّه المأمون «سلّة الخبز» (3)،فقد كان لهما أقارب في الأهواز (4)،و كان لكلّ واحد منهما فيها ضيعة (5)،و قد تقلّد أبو القاسم الأب،القضاء في الاهواز،كما تقلّده أبو علي المحسّن أيضا (6).
بقيت ملاحظة يجدر بي أن أثبتها،و هي أنّ التنوخيّ،اختار في نشواره شعرا لشعراء مفلقين،كأبي فراس الحمداني مثلا (7)،ثم قرن بشعرهم،شعرا لا
ص:46
يتعدّى درجة النظم (1)،و ليس التنوخيّ بالّذي يصعب عليه التمييز بين الشعر الجيّد،و الشعر الرديء،و لكنّه أثبت بعض الرديء،لأنّه قيل في مدحه،أو في مدح أبيه،و لعمري،إنّ حبّ الإنسان نفسه،يدفعه إلى إثبات ما قيل في مدحه،حتّى و لو لم يكن من جيّد الشعر.
و للمحسّن التنوخي،شعر مجموع في ديوان،قال عنه أبو نصر،سهل ابن المرزبان،إنّه رآه في بغداد،و إنّ حجمه كان أكبر من حجم ديوان أبي القاسم والده،و انّ بعض العوائق حالت بينه و بين تحصيله،فاشتدّ أسفه عليه (2)، و نحن نشارك أبا نصر في أسفه،فإنّ ديوان المحسّن التنوخي،يعتبر الآن، من جملة الدواوين الضائعة.
و قد أورد الثعالبي في اليتيمة،شعرا في مدح المحسّن التنوخي،من نظم أبي عبد اللّه بن الحجّاج (3)،كما روى،في ترجمة المحسّن،أبياتا من الشعر،قال إنّه مرتاب في نسبتها إليه،لفرط جودتها (4)،و الثعالبي على حقّ في ارتيابه،فإنّ الباقي،المتوفّر لدينا من شعر التنوخي،لا يرتفع إلى مستوى تلك الأبيات.
أمّا مؤلّفات التنوخي،فإنّ أشهرها كتاب نشوار المحاضرة،و أخبار المذاكرة، الّذي أسلفنا أنّه ألّفه في عشرين عاما (5)،في أحد عشر مجلّدا (6).
و له هذا الكتاب،كتاب الفرج بعد الشدّة،في ثلاثة مجلّدات (7)،ألّفه
ص:47
بعد كتاب النشوار (1).
و له أيضا،كتاب المستجاد من فعلات الأجواد،و قد طبع بدمشق،حقّقه الأستاذ محمّد كردعلي ،و في المطبوع مآخذ كنت أتمنّى لو أشار إليها المحقّق رحمه اللّه،منها:أنّ بعض القصص الواردة في الكتاب (2)،جاءت على لسان «القاضي أبي القاسم عليّ بن المحسّن،مؤلّف كتاب الفرج بعد الشدّة»،مع أنّ مؤلّف الكتاب،هو والده المحسّن،و منها:أنّ بعض القصص (3)،جاء فيها:
قال القاضي أبو القاسم عليّ بن المحسّن التنوخيّ،حدّثني أبو الفرج الأصبهانيّ، من حفظه...الخ»،مع أنّ أبا الفرج الأصبهانيّ،توفّي في السنة 356،و القاضي أبو القاسم عليّ بن المحسّن التنوخي،ولد في السنة 365.
و للمحسّن التنوخيّ،أيضا،مجموعة أقوال في الحكمة،سمّاها:«عنوان الحكمة و البيان»،ذكر ذلك المستشرق مرجليوث،في مقدّمة الترجمة الإنكليزية،للجزء الأوّل من النشوار (4).
توفّي أبو علي المحسّن التنوخي،في السنة 384 عن سبعة و خمسين عاما، و خلّف ولده أبا القاسم عليّ بن المحسن،و لم يبلغ العشرين،و قد صاحب التوفيق الولد،كما صاحب أباه و جدّه،فجرى على سننهما،و درس،و تفقّه،و قبلت شهادته عند الحكام في حداثته،و تقلّد القضاء،و الإشراف على دار الضرب (5)، و لأبي القاسم هذا،ترجمة في معجم الأدباء،جديرة بالمطالعة (6).
ص:48
هذا ما أمكنني استخلاصه،عن حياة القاضي المحسّن التنوخي،ممّا تيسّر لديّ،من القصص الّتي قصّها علينا،و لو تيسّر لديّ عدد من القصص أكثر، لكان ما استخلصته أوفر.
و لعلّ الخطّ الحسن،يقود أحدا في مستقبل الأيّام،إلى العثور على بعض الأجزاء الضائعة من النشوار،فيضيف بنشرها إلى الكتاب العربي،ثروة عظيمة.
بحمدون 1975/3/2
عبود الشالجي المحامي
ص:49
ص:50
بسم اللّه الرحمن الرحيم ربّ يسّر (1)قال الفقيه القاضي أبو علي المحسّن بن القاضي أبي القاسم علي بن محمد بن أبي الفهم التنوخي رحمه اللّه تعالى:
الحمد للّه الذي جعل بعد الشدّة فرجا،و من الضرّ و الضيق سعة و مخرجا، و لم يخل محنة من منحة،و لا نقمة من نعمة،و لا نكبة و رزيّة،من موهبة و عطيّة،و صلّى اللّه على سيّد المرسلين،و خاتم النبيّين،محمد و آله الطيّبين، [و سلّم تسليما كثيرا إلى يوم الدّين] (2).
أمّا بعد،فإنّي لما رأيت أبناء الدنيا متقلّبين فيها،بين خير و شرّ،و نفع و ضرّ، و لم أر لهم في أيّام الرخاء،أنفع من الشكر و الثناء،و لا في أيّام البلاء،أنجع من الصبر و الدعاء،لأنّ من جعل اللّه عمره أطول من عمر محنته،فإنّه سيكشفها عنه بتطوّله و رأفته،فيصير ما هو فيه من الأذى،كما قال من مضى،و يروى للأغلب العجلي،أو غيره:
الغمرات ثمّ ينجلينا ثمّت يذهبن و لا يجينا
و يروى:
الغمرات ثمّ ينجلينه ثمّت يذهبن و لا يجينه
فطوبى لمن وفّق في الحالين،للقيام بالواجبين.
ص:51
و وجدت أقوى ما يفزع إليه من أناخ الدّهر بمكروه عليه،قراءة الأخبار الّتي تنبي عن تفضّل اللّه عزّ و جل،على من حصل قبله في محصله،و نزل به مثل بلائه و معضله،بما أتاحه له من صنع أمسك به الأرماق،و معونة حلّ بها من الخناق،و لطف غريب نجّاه،و فرج عجيب أنقذه و تلافاه،و إن خفيت تلك الأسباب،و لم تبلغ ما حدث من ذلك الفكر و الحساب،فإنّ في معرفة الممتحن بذلك،شحذ بصيرته في الصّبر،و تقوية عزيمته على التسليم إلى مالك كلّ أمر،و تصويب رأيه في الاخلاص،و التفويض إلى من بيده ملك النواص؛ و كثيرا ما إذا علم اللّه تعالى من وليّه و عبده،انقطاع آماله إلاّ من عنده،لم يكله إلى سعيه و جهده،و لم يرض له باحتماله و طوقه،و لم يخله من عنايته و رفقه.
و أنا بمشيئة اللّه تعالى،جامع في هذا الكتاب،أخبارا من هذا الجنس و الباب، أرجو بها انشراح صدور ذوي الألباب،عند ما يدهمهم من شدّة و مصاب، إذ كنت قد قاسيت من ذلك،في محن دفعت إليها،ما يحنو بي على الممتحنين، و يحدوني على بذل الجهد في تفريج غموم المكروبين.
و كنت وقفت في بعض محني،على خمس أو ست أوراق،جمعها أبو الحسن علي بن محمد المدائنيّ،و سمّاها«كتاب الفرج بعد الشدّة و الضيقة»، و ذكر فيها أخبارا يدخل جميعها في هذا العنى،فوجدتها حسنة،لكنّها لقلّتها أنموذج صبرة (1)،فلم يأت بها،و لا سلك فيها سبل الكتب[1 غ]المصنّفة، و لا الأبواب الواسعة المؤلّفة،مع اقتداره على ذلك،و لا أعلم غرضه في التقصير، و لعلّه أراد أن ينهج طريق هذا الفنّ من الأخبار،و يسبق إلى فتح الباب فيه بذلك المقدار،و استثقل تخريج جميع ما عنده فيه من الآثار.
و وقع إليّ كتاب لأبي بكر عبد اللّه بن محمّد بن أبي الدّنيا،قد سمّاه «كتاب الفرج بعد الشدّة»[في نحو عشرين ورقة] (2)،و الغالب عليه أحاديث
ص:52
عن النبي[2 م]صلّى اللّه عليه و سلّم و على آله،و أخبار عن الصّحابة و التابعين، رحمهم اللّه،يدخل بعضها في معنى طلبته،و لا يخرج عن قصده و بغيته، و باقيها أحاديث و أخبار في الدّعاء،و في الصبر،و في الأرزاق و التّوكّل، و التعوّض عن الشّدائد بذكر الموت (1)،و ما يجري مجرى التعازي،و يتسلّى به عن طوارق الهموم،و نوازل الأحداث و الغموم،بما يستحقّ فيها من الثّواب في الأخرى،مع التّمسّك بالحزم في الأولى،و هو عندي خال من ذكر فرج بعد شدّة،غير مستحقّ أن يدخل في كتاب مقصور على هذا الفنّ،و ضمّن الكتاب نبذا قليلة من الشعر[2 ظ]،و روى فيه شيئا يسيرا جدّا ممّا ذكره المدائني،إلاّ أنّه جاء بإسناد له،لا عن المدائني.
و قرأت أيضا كتابا للقاضي أبي الحسين عمر بن القاضي أبي عمر محمد ابن يوسف القاضي رحمهم اللّه،في مقدار خمسين ورقة،قد سمّاه:كتاب الفرج بعد الشدّة،أودعه أكثر ما رواه المدائني،و جمعه،و أضاف إليه أخبارا أخر،أكثرها حسن (2)،و فيها غير ما هو مماثل عندي لما عزاه،و لا مشاكل لما نحاه،و أتى في اثنائها بأبيات شعر يسيرة،من معادن لأمثالها جمّة كثيرة، و لم يلمّ بما أورده ابن أبي الدنيا،و لا أعلم أتعمّد ذلك،أم لم يقف على الكتاب.
و وجدت أبا بكر بن أبي الدنيا،و القاضي أبا الحسين،لم يذكرا أنّ للمدائني كتابا في هذا المعنى،فإن لم يكونا عرفا هذا،فهو طريف،و إن كانا تعمّدا ترك ذكره تنفيقا لكتابيهما و تغطية على كتاب الرجل،فهو أطرف،و وجدتهما قد استحسنا استعارة لقب كتاب المدائني،على اختلافهما في الاستعارة، و حيدهما عن أن يأتيا بجميع العبارة،فتوهّمت أنّ كلّ واحد منهما لما زاد على قدر ما أخرجه المدائني،اعتقد أنّه أولى منه بلقب كتابه،فإن كان هذا الحكم
ص:53
ماضيا،و الصّواب به قاضيا،فيجب أن يكون من زاد عليهما فيما جمعاه، أولى منهما بما تعبا في تصنيفه و وضعاه.
فكان هذا من أسباب نشاطي لتأليف كتاب يحتوي من هذا الفن على أكثر ممّا جمعه القوم و أشرح،و أبين للمغزى و أكشف و أوضح،و أن أخالف مذهبهم في التصنيف،و أعدل عن طريقتهم في الجمع و التّأليف،فإنّهم نسقوا ما أودعوه كتبهم جملة واحدة،و ربما صادفت مللا من سامعيها،أو وافقت سآمة من النّاظرين فيها،فرأيت أن أنوّع الأخبار،و أجعلها أبوابا،ليزداد من يقف على الكتب الأربعة،بكتابي من بينها إعجابا،و أن أضع ما في الكتب الثلاثة، في مواضعه من أبواب هذا الكتاب،إلاّ ما أعتقد أنّه لا يجب أن يدخل فيه، و أنّ تركه و تعدّيه،أصوب و أولى،و التشاغل بذكر غيره،مما هو داخل في المعنى[2 غ]و لم يذكره القوم،أليق و أحرى،و أن أعزو ما أخرجه ممّا في الكتب الثّلاثة،إلى مؤلّفيها،تأدية للأمانة،و استيثاقا في الرواية،و تبيينا لما آتي به من الزيادة،و تنبيها على موضع الإفادة.
فاستخرت اللّه عزّ ذكره،و بدأت بذلك في هذا الكتاب،و لقّبته بكتاب الفرج بعد الشدّة،تيمّنا لقارئه بهذا الفال،و ليستسعد في ابتدائه بهذا المقال.
و لم أستبشع إعادة هذا اللقب،و لم أحتشم تكريره على ظهور الكتب، لأنّه قد صار جاريا مجرى تسمية رجل اسمه محمّدا أو محمودا،أو سعدا، أو مسعودا،فليس لقائل-مع التّداول لهذين الاسمين-أن يقول لمن سمّى بهما الآن:إنّك انتحلت هذا الاسم أو سرقته.
و وجدتني[3 م]متى أعطيت كتابي هذا حقّه من الاستقصاء،و بلغت به حدّه من الاستيفاء،جاء في ألوف أوراق،لطول ما مضى من الزمان، و إنّ اللّه بحكمته،أجرى أمور عباده،و أغذياء نعمته،منذ خلقهم،و إلى أن يقبضهم،على التقلّب بين شدّة و رخاء،و رغد و بلاء،و أخذ و عطاء،
ص:54
و منع و صنع،و ضيق و رحب،و فرج و كرب (1)،علما منه تعالى بعواقب الأمور، و مصلحة الكافّة و الجمهور،و أخبار ذلك كثيرة المقدار،عظيمة الترديد (2)و التكرار،و ليست كلها بمستحسنة و لا مستفادة،و لا مستطابة الذّكر و الإعادة.
فاقتصرت على كتب أحسن ما رويت من هذه الأخبار،و أصحّ ما بلغني في معانيها من الآثار،و أملح ما وجدت في فنونها من الأشعار.
و جعلت قصدي الإيجاز و الاختصار،و إسقاط الحشو و ترك الإكثار، و إن كان المجتمع من ذلك جملة يستطيلها الملول،و لا يتفرّغ لقراءتها المشغول.
و أنا أرغب إلى من يصل كتابي هذا إليه،و ينشط[3 ظ]للوقوف عليه، أن يصفح عمّا يعثر به من زلل،و يصلح ما يجد فيه من خطأ و خلل،و اللّه أسأل السلامة من المعاب،و التوفيق لبلوغ المحاب،و الإرشاد إلى الصواب،و يفعل اللّه ذلك بكرمه،إنّه جواد وهاب (3).
الباب الأوّل:ما أنبأ اللّه تعالى به في القرآن،من ذكر الفرج،بعد البؤس و الامتحان.
الباب الثاني:ما جاء في الآثار،من ذكر الفرج بعد اللأواء،و ما يتوصّل به إلى كشف نازل الشدّة و البلاء.
الباب الثالث:من بشّر بفرج من نطق فال،و نجا من محنة بقول أو دعاء أو ابتهال.
ص:55
الباب الرابع:من استعطف غضب السلطان بصادق لفظ،أو استوقف مكروهه بموقظ بيان أو وعظ.
الباب الخامس:من خرج من حبس أو أسر أو اعتقال،إلى سراح و سلامة و صلاح حال.[3 غ].
الباب السادس:من فارق شدّة إلى رخاء،بعد بشرى منام،لم يشب صدق تأويله كذب الأحلام.
الباب السابع:من استنقذ من كرب و ضيق خناق،بإحدى حالتي عمد أو اتّفاق.
الباب الثامن:من أشفى على أن يقتل،فكان الخلاص إليه من القتل أعجل.
الباب التاسع:من شارف الموت بحيوان مهلك رآه،فكفاه اللّه سبحانه (1)ذلك بلطفه و نجّاه.
الباب العاشر:من اشتدّ بلاؤه بمرض ناله،فعافاه اللّه تعالى بأيسر سبب و أقاله.
الباب الحادي عشر:من امتحن من لصوص بسرق أو قطع،فعوّض من الارتجاع و الخلف بأجمل صنع.[2 ر]
الباب الثاني عشر:من ألجأه خوف إلى هرب و استتار،فأبدل (2)بأمن، و مستجدّ نعمة (3)،و مسارّ.
ص:56
الباب الثالث عشر:من نالته شدّة في هواه،فكشفها اللّه تعالى عنه،و ملّكه من يهواه.
الباب الرابع عشر:ما اختير من ملح الأشعار في أكثر[4 م]معاني ما ما تقدّم من الأمثال و الأخبار.
ص:57
ص:58
ما أنبأنا به اللّه تعالى في القرآن،من ذكر
الفرج بعد البؤس و الامتحان
إنّ مع العسر يسرا
قال اللّه تعالى،و هو أصدق القائلين،و هو الحقّ اليقين بِسْمِ اللّٰهِ الرَّحْمٰنِ الرَّحِيمِ، أَ لَمْ نَشْرَحْ لَكَ صَدْرَكَ، وَ وَضَعْنٰا عَنْكَ وِزْرَكَ، اَلَّذِي أَنْقَضَ ظَهْرَكَ، وَ رَفَعْنٰا لَكَ ذِكْرَكَ، فَإِنَّ مَعَ الْعُسْرِ يُسْراً، إِنَّ مَعَ الْعُسْرِ يُسْراً، فَإِذٰا فَرَغْتَ فَانْصَبْ، وَ إِلىٰ رَبِّكَ فَارْغَبْ (1).
فهذه السورة كلّها،مفصحة بإذكار اللّه عزّ و جلّ،رسوله عليه السّلام، منّته عليه،في شرح صدره بعد الغمّ و الضيق،و وضع وزره عنه،و هو الإثم، بعد إنقاض الظهر،و هو الإثقال،أي أثقله فنقض العظام،كما ينتقض البيت إذا صوّت للوقوع،و رفع-جلّ جلاله-ذكره،بعد أن لم يكن،بحيث جعله اللّه مذكورا معه (2)،و البشارة له،في نفسه عليه السلام،و في أمّته،بأنّ مع العسر الواحد يسرين،إذا رغبوا إلى اللّه تعالى ربّهم،و أخلصوا له طاعاتهم و نيّاتهم.
و روي عن عبد اللّه بن عباس (3)،أو عن عليّ[4 غ]بن أبي طالب عليه
ص:59
السلام (1)، أنّه قال:لا يغلب العسر الواحد يسرين،يريد أنّ العسر الأوّل هو الثاني،و أنّ اليسر الثاني هو غير الأوّل،و ذلك أنّ العسر معرفة،فإذا أعيد، فالثاني هو الأوّل،لأنّ الألف و اللام لتعريفه،و يسر،بلا ألف و لام،نكرة، فإذا أعيد،فالثاني غير الأوّل،و هذا كلام العرب،فإذا بدأت بالاسم النكرة، ثم أعادته،أعادته معرفة بالألف و اللام،أ لا ترى أنّهم يقولون:قد جاءني الرجل الذي تعرفه،فأخبرني الرجل بكذا و كذا،فالثاني هو الأوّل،فإذا قالوا:
جاءني رجل،و أخبرني رجل بكذا،و جاءني رجل،فأخبرني رجل بكذا و كذا، فالثاني غير الأوّل،و لو كان الثاني-في هذا الموضع-هو الأوّل،لقالوا:
فأخبرني الرجل بكذا و كذا،كما قالوا في ذلك الموضع.
و قال اللّه تعالى: سَيَجْعَلُ اللّٰهُ بَعْدَ عُسْرٍ يُسْراً 5.
و قال: وَ مَنْ يَتَّقِ اللّٰهَ،يَجْعَلْ لَهُ مَخْرَجاً، وَ يَرْزُقْهُ مِنْ حَيْثُ لاٰ يَحْتَسِبُ، وَ مَنْ [4 ظ] يَتَوَكَّلْ عَلَى اللّٰهِ فَهُوَ حَسْبُهُ 6.
و قال تعالى: أَوْ كَالَّذِي مَرَّ عَلىٰ قَرْيَةٍ،وَ هِيَ خٰاوِيَةٌ عَلىٰ عُرُوشِهٰا،قٰالَ أَنّٰى يُحْيِي هٰذِهِ اللّٰهُ بَعْدَ مَوْتِهٰا،فَأَمٰاتَهُ اللّٰهُ مِائَةَ عٰامٍ،ثُمَّ بَعَثَهُ،قٰالَ:كَمْ لَبِثْتَ، قٰالَ:لَبِثْتُ يَوْماً أَوْ بَعْضَ يَوْمٍ،قٰالَ:بَلْ لَبِثْتَ مِائَةَ عٰامٍ،فَانْظُرْ إِلىٰ طَعٰامِكَ وَ شَرٰابِكَ لَمْ يَتَسَنَّهْ،وَ انْظُرْ إِلىٰ حِمٰارِكَ،وَ لِنَجْعَلَكَ آيَةً لِلنّٰاسِ،وَ انْظُرْ إِلَى الْعِظٰامِ كَيْفَ نُنْشِزُهٰا،ثُمَّ نَكْسُوهٰا لَحْماً.فَلَمّٰا تَبَيَّنَ لَهُ قٰالَ:أَعْلَمُ أَنَّ اللّٰهَ عَلىٰ كُلِّ شَيْءٍ قَدِيرٌ 7.
ص:60
فأخبر اللّه تعالى:أنّ الّذي مرّ على قرية،استبعد أن يكشف اللّه تعالى عنها، و عن أهلها،البلاء،لقوله:أنّى يحيي هذه اللّه بعد موتها،فأماته اللّه مائة عام ثم بعثه...إلى آخر القصة، فلا شدّة (1)أشدّ من الموت و الخراب،و لا فرج أفرج من الحياة و العمارة،فأعلمه اللّه عزّ و جلّ،بما فعله به،أنّه لا يجب أن يستبعد فرجا من اللّه و صنعا،كما عمل به،و أنّه يحيي القرية و أهلها،كما أحياه، فأراه بذلك،آياته،و مواقع صنعه.
و قال عزّ و جلّ: أَ لَيْسَ اللّٰهُ بِكٰافٍ عَبْدَهُ،وَ يُخَوِّفُونَكَ بِالَّذِينَ مِنْ دُونِهِ (2).
و قال تعالى: وَ إِذٰا مَسَّ الْإِنْسٰانَ الضُّرُّ،دَعٰانٰا لِجَنْبِهِ،أَوْ قٰاعِداً أَوْ قٰائِماً،فَلَمّٰا كَشَفْنٰا عَنْهُ ضُرَّهُ،مَرَّ كَأَنْ لَمْ يَدْعُنٰا إِلىٰ ضُرٍّ مَسَّهُ،كَذٰلِكَ زُيِّنَ لِلْمُسْرِفِينَ مٰا كٰانُوا يَعْمَلُونَ (3).
و قال عزّ و جلّ: هُوَ الَّذِي يُسَيِّرُكُمْ فِي الْبَرِّ وَ الْبَحْرِ،حَتّٰى إِذٰا كُنْتُمْ فِي الْفُلْكِ،وَ جَرَيْنَ بِهِمْ بِرِيحٍ طَيِّبَةٍ،وَ فَرِحُوا بِهٰا،جٰاءَتْهٰا رِيحٌ عٰاصِفٌ،وَ جٰاءَهُمُ الْمَوْجُ مِنْ كُلِّ [5 م] مَكٰانٍ،وَ ظَنُّوا أَنَّهُمْ أُحِيطَ بِهِمْ،دَعَوُا اللّٰهَ مُخْلِصِينَ لَهُ الدِّينَ،لَئِنْ أَنْجَيْتَنٰا مِنْ هٰذِهِ،لَنَكُونَنَّ مِنَ الشّٰاكِرِينَ، فَلَمّٰا أَنْجٰاهُمْ،إِذٰا هُمْ يَبْغُونَ فِي الْأَرْضِ بِغَيْرِ الْحَقِّ (4).
و قال تعالى،في موضع آخر: قُلْ مَنْ يُنَجِّيكُمْ مِنْ ظُلُمٰاتِ الْبَرِّ وَ الْبَحْرِ، تَدْعُونَهُ تَضَرُّعاً وَ خُفْيَةً، لَئِنْ أَنْجَيْتَنٰا مِنْ هٰذِهِ،لَنَكُونَنَّ مِنَ الشّٰاكِرِينَ، قُلِ اللّٰهُ يُنَجِّيكُمْ مِنْهٰا،وَ مِنْ كُلِّ كَرْبٍ،ثُمَّ أَنْتُمْ تُشْرِكُونَ (5).
ص:61
و قال تعالى: وَ قٰالَ الَّذِينَ كَفَرُوا،لِرُسُلِهِمْ،لَنُخْرِجَنَّكُمْ مِنْ أَرْضِنٰا، أَوْ لَتَعُودُنَّ فِي مِلَّتِنٰا،فَأَوْحىٰ إِلَيْهِمْ رَبُّهُمْ لَنُهْلِكَنَّ الظّٰالِمِينَ، وَ لَنُسْكِنَنَّكُمُ الْأَرْضَ مِنْ بَعْدِهِمْ،ذٰلِكَ لِمَنْ خٰافَ مَقٰامِي،وَ خٰافَ وَعِيدِ (1).
و قال عزّ و جلّ: وَ نُرِيدُ أَنْ نَمُنَّ عَلَى الَّذِينَ اسْتُضْعِفُوا فِي الْأَرْضِ، وَ نَجْعَلَهُمْ أَئِمَّةً،وَ نَجْعَلَهُمُ الْوٰارِثِينَ، وَ نُمَكِّنَ لَهُمْ فِي [5 غ] اَلْأَرْضِ،وَ نُرِيَ فِرْعَوْنَ،وَ هٰامٰانَ،وَ جُنُودَهُمٰا مِنْهُمْ،مٰا كٰانُوا يَحْذَرُونَ (2).
و قال عزّ و جلّ: أَمَّنْ يُجِيبُ الْمُضْطَرَّ إِذٰا دَعٰاهُ وَ يَكْشِفُ السُّوءَ،وَ يَجْعَلُكُمْ خُلَفٰاءَ الْأَرْضِ،أَ إِلٰهٌ مَعَ اللّٰهِ،قَلِيلاً مٰا تَذَكَّرُونَ (3).
و قال جلّ من قائل (4): وَ قٰالَ رَبُّكُمُ ادْعُونِي،أَسْتَجِبْ لَكُمْ (5)، [و قال عزّ من قائل] (6)وَ إِذٰا سَأَلَكَ عِبٰادِي عَنِّي،فَإِنِّي قَرِيبٌ،أُجِيبُ دَعْوَةَ الدّٰاعِ إِذٰا دَعٰانِ،فَلْيَسْتَجِيبُوا لِي،وَ لْيُؤْمِنُوا بِي،لَعَلَّهُمْ يَرْشُدُونَ (7).
و قال تعالى: وَ لَنَبْلُوَنَّكُمْ بِشَيْءٍ مِنَ الْخَوْفِ،وَ الْجُوعِ،وَ نَقْصٍ مِنَ الْأَمْوٰالِ وَ الْأَنْفُسِ وَ الثَّمَرٰاتِ،وَ بَشِّرِ الصّٰابِرِينَ اَلَّذِينَ إِذٰا أَصٰابَتْهُمْ مُصِيبَةٌ قٰالُوا إِنّٰا لِلّٰهِ وَ إِنّٰا إِلَيْهِ رٰاجِعُونَ [3 ر]، أُولٰئِكَ عَلَيْهِمْ صَلَوٰاتٌ مِنْ رَبِّهِمْ وَ رَحْمَةٌ،وَ أُولٰئِكَ هُمُ الْمُهْتَدُونَ (8).
و قال جلّ جلاله (9): اَلَّذِينَ قٰالَ لَهُمُ النّٰاسُ،إِنَّ النّٰاسَ قَدْ جَمَعُوا لَكُمْ،
ص:62
فَاخْشَوْهُمْ،فَزٰادَهُمْ إِيمٰاناً،وَ قٰالُوا حَسْبُنَا اللّٰهُ وَ نِعْمَ الْوَكِيلُ، فَانْقَلَبُوا بِنِعْمَةٍ مِنَ اللّٰهِ وَ فَضْلٍ،لَمْ يَمْسَسْهُمْ سُوءٌ،وَ اتَّبَعُوا رِضْوٰانَ اللّٰهِ،وَ اللّٰهُ ذُو فَضْلٍ عَظِيمٍ (1).
و روي عن الحسن البصريّ (2)،أنّه قال:عجبا لمكروب غفل عن خمس، و قد عرف ما جعل اللّه لمن قالهنّ،قوله تعالى: وَ لَنَبْلُوَنَّكُمْ بِشَيْءٍ مِنَ الْخَوْفِ وَ الْجُوعِ وَ نَقْصٍ مِنَ الْأَمْوٰالِ وَ الْأَنْفُسِ وَ الثَّمَرٰاتِ،وَ بَشِّرِ الصّٰابِرِينَ اَلَّذِينَ إِذٰا أَصٰابَتْهُمْ مُصِيبَةٌ قٰالُوا إِنّٰا لِلّٰهِ وَ إِنّٰا إِلَيْهِ رٰاجِعُونَ، أُولٰئِكَ عَلَيْهِمْ صَلَوٰاتٌ مِنْ رَبِّهِمْ وَ رَحْمَةٌ،وَ أُولٰئِكَ هُمُ الْمُهْتَدُونَ (3).
و قوله تعالى: اَلَّذِينَ قٰالَ لَهُمُ النّٰاسُ إِنَّ النّٰاسَ قَدْ جَمَعُوا لَكُمْ فَاخْشَوْهُمْ، فَزٰادَهُمْ إِيمٰاناً،وَ قٰالُوا حَسْبُنَا اللّٰهُ وَ نِعْمَ الْوَكِيلُ، فَانْقَلَبُوا بِنِعْمَةٍ مِنَ اللّٰهِ وَ فَضْلٍ، لَمْ يَمْسَسْهُمْ سُوءٌ (4).
و قوله: وَ أُفَوِّضُ أَمْرِي إِلَى اللّٰهِ،إِنَّ اللّٰهَ بَصِيرٌ بِالْعِبٰادِ، فَوَقٰاهُ اللّٰهُ سَيِّئٰاتِ مٰا مَكَرُوا (5).
و قوله: وَ ذَا النُّونِ إِذْ ذَهَبَ مُغٰاضِباً فَظَنَّ أَنْ لَنْ نَقْدِرَ عَلَيْهِ،فَنٰادىٰ فِي الظُّلُمٰاتِ أَنْ لاٰ إِلٰهَ إِلاّٰ أَنْتَ سُبْحٰانَكَ إِنِّي كُنْتُ مِنَ الظّٰالِمِينَ، فَاسْتَجَبْنٰا لَهُ وَ نَجَّيْنٰاهُ مِنَ الْغَمِّ وَ كَذٰلِكَ نُنْجِي الْمُؤْمِنِينَ (6).
و قوله[5 ظ]: وَ مٰا كٰانَ قَوْلَهُمْ إِلاّٰ أَنْ قٰالُوا رَبَّنَا اغْفِرْ لَنٰا ذُنُوبَنٰا،وَ إِسْرٰافَنٰا
ص:63
فِي أَمْرِنٰا،وَ ثَبِّتْ أَقْدٰامَنٰا،وَ انْصُرْنٰا عَلَى الْقَوْمِ الْكٰافِرِينَ، فَآتٰاهُمُ اللّٰهُ ثَوٰابَ الدُّنْيٰا، وَ حُسْنَ ثَوٰابِ الْآخِرَةِ،وَ اللّٰهُ يُحِبُّ الْمُحْسِنِينَ (1).
و روي عن الحسن أيضا،أنّه قال:من لزم قراءة هذه الآيات في الشدائد، كشفها اللّه عنه،لأنّه قد وعد،و حكم فيهنّ،بما جعله لمن قالهنّ،و حكمه لا يبطل،و وعده لا يخلف.
ص:64
قصّة آدم عليه السلام
و قد ذكر اللّه تعالى،فيما اقتصّه من أخبار الأنبياء،شدائد و محنا، استمرّت على جماعة من الأنبياء عليهم السلام،و ضروبا جرت عليهم من البلاء، و أعقبها بفرج و تخفيف،و تداركهم فيها بصنع جليل لطيف.
فأوّل ممتحن رضي،فأعقب بصنع خفيّ،و أغيث بفرج قويّ،أوّل العالم وجودا،آدم أبو البشر،صلّى اللّه عليه،كما ذكر،فإنّ اللّه خلقه في الجنة، و علّمه الأسماء كلّها،و أسجد له ملائكته،و نهاه عن أكل الشجرة،فوسوس له الشيطان،و كان منه ما قاله الرحمن في محكم كتابه: وَ عَصىٰ آدَمُ رَبَّهُ فَغَوىٰ، ثُمَّ اجْتَبٰاهُ رَبُّهُ،فَتٰابَ عَلَيْهِ وَ هَدىٰ (1).
هذا بعد أن أهبطه[6 م]اللّه إلى الأرض،و أفقده لذيذ ذلك الخفض، فانتقضت عادته،و غلظت محنته،و قتل أحد ابنيه الآخر،و كانا أوّل أولاده.
فلما طال حزنه و بكاؤه،و اتّصل استغفاره و دعاؤه،رحم اللّه عزّ و جلّ تذلّله و خضوعه،و استكانته و دموعه،فتاب[6 غ]عليه و هداه،و كشف ما به و نجّاه.
فكان آدم عليه السلام،أوّل من دعا فأجيب،و امتحن فأثيب،و خرج من ضيق و كرب،إلى سعة و رحب،و سلّى همومه،و نسي غمومه،و أيقن بتجديد اللّه عليه (2)النعم،و إزالته عنه النقم،و أنّه تعالى إذا استرحم رحم.
فأبدله تعالى بتلك الشدائد،و عوّضه من الابن المفقود،و الابن العاقّ الموجود، نبيّ اللّه شيث صلّى اللّه عليه،و هو أوّل الأولاد البررة بالوالدين،و والد النبيّين
ص:65
و الصالحين،و أبو الملوك الجبّارين،الذي جعل اللّه ذرّيته هم الباقين،و خصّهم من النعم بما لا يحيط به وصف الواصفين.
و قد جاء في القرآن من الشرح لهذه الجملة و التبيان،بما لا يحتمله هذا (1)المكان،و روي فيه من الأخبار،ما لا وجه للإطالة به و الإكثار.
قصّة نوح عليه السلام
ثم نوح عليه السلام،فإنّه امتحن بخلاف قومه عليه،و عصيان ابنه له، و الطوفان العام،[و اعتصام ابنه بالجبل،و تأخّره عن الركوب معه] (2)،و بركوب السفينة و هي تجري بهم في موج كالجبال،و أعقبه اللّه الخلاص من تلك الأهوال، و التمكّن في الأرض،و تغييض الطوفان،و جعله شبيها لآدم،لأنّه أنشأ ثانيا جميع البشر منه،كما أنشأهم أوّلا من آدم عليه السلام،فلا ولد لآدم إلاّ من نوح.
قال اللّه تعالى: وَ لَقَدْ نٰادٰانٰا نُوحٌ،فَلَنِعْمَ الْمُجِيبُونَ، وَ نَجَّيْنٰاهُ وَ أَهْلَهُ مِنَ الْكَرْبِ الْعَظِيمِ، وَ جَعَلْنٰا ذُرِّيَّتَهُ هُمُ الْبٰاقِينَ، وَ تَرَكْنٰا عَلَيْهِ فِي الْآخِرِينَ (3)وَ نُوحاً إِذْ نٰادىٰ مِنْ قَبْلُ فَاسْتَجَبْنٰا لَهُ،فَنَجَّيْنٰاهُ وَ أَهْلَهُ مِنَ الْكَرْبِ الْعَظِيمِ (4).
ص:66
قصّة إبراهيم عليه السلام
ثم إبراهيم صلّى اللّه عليه[و سلم] (1)،و ما دفع إليه من كسر الأصنام،و ما لحقه من قومه،من محاولة إحراقه،فجعل اللّه تعالى عليه النار بردا و سلاما، و قال: وَ لَقَدْ آتَيْنٰا إِبْرٰاهِيمَ رُشْدَهُ مِنْ قَبْلُ،وَ كُنّٰا بِهِ عٰالِمِينَ (2)،ثم اقتصّ قصّته،إلى قوله تعالى: قٰالُوا حَرِّقُوهُ وَ انْصُرُوا آلِهَتَكُمْ إِنْ كُنْتُمْ فٰاعِلِينَ، قُلْنٰا يٰا نٰارُ كُونِي بَرْداً وَ سَلاٰماً عَلىٰ إِبْرٰاهِيمَ، وَ أَرٰادُوا بِهِ كَيْداً،فَجَعَلْنٰاهُمُ الْأَخْسَرِينَ، وَ نَجَّيْنٰاهُ وَ لُوطاً إِلَى الْأَرْضِ الَّتِي بٰارَكْنٰا فِيهٰا لِلْعٰالَمِينَ، وَ وَهَبْنٰا لَهُ إِسْحٰاقَ وَ يَعْقُوبَ نٰافِلَةً،وَ كُلاًّ جَعَلْنٰا صٰالِحِينَ، وَ جَعَلْنٰاهُمْ أَئِمَّةً يَهْدُونَ بِأَمْرِنٰا (3).
ثم ما كلّفه اللّه تعالى[4 ر]إيّاه،من مفارقة وطنه بالشام،لما غارت عليه سارة،من أمّ ولده هاجر،فهاجر بها و بابنه منها إسماعيل الذبيح عليهما السلام، فأسكنهما بواد غير ذي زرع،نازحين عنه،بعيدين منه،حتى أنبع اللّه تعالى لهما الماء،و تابع عليهما الآلاء،و أحسن[6 ظ]لإبراهيم فيهما الصنع،و الفائدة و النفع،و جعل لإسماعيل النسل و العدد،و النبوة و الملك،هذا بعد أن كلّف سبحانه إبراهيم أن يجعل (4)ابنه إسماعيل بسبيل الذبح،قال اللّه تعالى فيما اقتصّه من ذكره في سورة الصافّات: فَبَشَّرْنٰاهُ بِغُلاٰمٍ حَلِيمٍ، فَلَمّٰا بَلَغَ مَعَهُ السَّعْيَ، قٰالَ يٰا بُنَيَّ إِنِّي أَرىٰ فِي الْمَنٰامِ أَنِّي أَذْبَحُكَ،فَانْظُرْ مٰا ذٰا تَرىٰ،قٰالَ يٰا أَبَتِ افْعَلْ مٰا تُؤْمَرُ،سَتَجِدُنِي إِنْ شٰاءَ اللّٰهُ مِنَ الصّٰابِرِينَ، فَلَمّٰا أَسْلَمٰا وَ تَلَّهُ لِلْجَبِينِ، وَ نٰادَيْنٰاهُ
ص:67
أَنْ [7 م] يٰا إِبْرٰاهِيمُ قَدْ صَدَّقْتَ الرُّؤْيٰا،إِنّٰا كَذٰلِكَ نَجْزِي الْمُحْسِنِينَ، إِنَّ هٰذٰا لَهُوَ الْبَلاٰءُ الْمُبِينُ، وَ فَدَيْنٰاهُ بِذِبْحٍ عَظِيمٍ، وَ تَرَكْنٰا [7 غ] عَلَيْهِ فِي الْآخِرِينَ، سَلاٰمٌ عَلىٰ إِبْرٰاهِيمَ (1).
فلا بلاء أعظم من بلاء يشهد اللّه تعالى أنّه بلاء مبين،و هو تكليف الإنسان، أن يجعل بسبيل الذبح ابنه،و تكليفه،و تكليف المذبوح،أن يؤمنا و يصبرا، و يسلّما و يحتسبا،فلما أدّيا ما كلّفا من ذلك،و علم اللّه عزّ و جلّ منهما صدق الإيمان،و الصبر و التسليم و الإذعان،فدى الابن بذبح عظيم و جازى الأب بابن آخر على صبره،و رضاه بذبح ابنه الذي لم يكن له غيره،قال اللّه عزّ و جل:
وَ بَشَّرْنٰاهُ بِإِسْحٰاقَ نَبِيًّا مِنَ الصّٰالِحِينَ ،إلى قوله: لِنَفْسِهِ مُبِينٌ 6، و خلّصهما بصبرهما و تسليمهما من تلك الشدائد الهائلة.
و قد ذهب قوم إلى أنّ إبراهيم إنّما كلّف ذبح ابنه في الحقيقة،لا على ما ذهب إليه من ذلك أنّ الذي كلّفه أن يجعل ابنه بسبيل الذبح،لا أن يذبحه في الحقيقة،و استدلّ الحسن البصريّ على أنّ إسماعيل هو الذبيح،لا إسحاق، و أنّ المأمور به كان الذبح في الحقيقة،بقوله تعالى: فَبَشَّرْنٰاهٰا بِإِسْحٰاقَ،وَ مِنْ وَرٰاءِ إِسْحٰاقَ يَعْقُوبَ 7،فحصلت لإبراهيم البشرى،بأنّه سيرزق إسحاق، و أنّ إسحاق سيرزق يعقوب،و لا يجوز للنبيّ أن يشكّ في بشارة اللّه تعالى، فلو كان إسحاق هو الذبيح،ما صحّ أن يأمره بذبحه قبل خروج يعقوب من ظهره،لأنّه كان إذا أمر بذلك،علم أنّ البشرى الأوّلة 8،تمنع من ذبح إسحاق
ص:68
قبل ولادة يعقوب،و كان لا يصحّ تكليفه ذبح من يعلم أنّه لا يموت أو يخرج من ظهره من لم يخرج بعد،و متى وقع التكليف على هذا،لم يكن فيه ثواب،و في قوله تعالى: إِنَّ هٰذٰا لَهُوَ الْبَلاٰءُ الْمُبِينُ (1).دليل على عظم ثواب إبراهيم، و صحّة الأمر بالذبح،يبيّن ذلك قوله تعالى: فَلَمّٰا أَسْلَمٰا وَ تَلَّهُ لِلْجَبِينِ (2)، أي استسلما لأمر اللّه،و هما لا يشكّان في وقوع الذبح على الحقيقة حتى فداه اللّه تبارك و تعالى،فهذا دليل على أنّ الذبيح غير إسحاق،و لم يكن لإبراهيم ولد غير إسحاق،إلاّ إسماعيل صلّى اللّه عليهم أجمعين.
قصّة لوط عليه السلام
و من هذا الباب قصّة لوط عليه السلام،لما نهى قومه عن الفاحشة،فعصوه، و كذّبوه،و تضييفه الملائكة،فطالبوه فيهم بما طالبوه،فخسف اللّه بهم أجمعين، و نجّى لوطا،و أثابه ثواب الشاكرين،و قد نطق بهذا كلام اللّه العظيم في مواضع من الذكر الحكيم (3).
ص:69
قصّة يعقوب و يوسف عليهما السلام
و يعقوب و يوسف عليهما السلام،فقد أفرد اللّه تعالى بذكر شانهما،و عظيم بلواهما و امتحانهما،سورة محكمة،بيّن فيها كيف حسد إخوة يوسف،يوسف، على المنام الذي بشّره اللّه تعالى فيه بغاية الإكرام،حتى طرحوه في الجبّ، فخلّصه اللّه تعالى منه،بمن أدلى الدلو (1)،ثم استعبد،فألقى اللّه تعالى في قلب من صار إليه إكرامه،و اتّخاذه ولدا،ثم مراودة امرأة العزيز إيّاه عن نفسه، و عصمة اللّه له منها،و كيف جعل عاقبته بعد الحبس،إلى ملك مصر،و ما لحق يعقوب من العمى لفرط البكاء،و ما لحق إخوة يوسف من التسرّق (2)،و حبس أحدهم نفسه،حتى يأذن له أبوه،أو يحكم اللّه له،و كيف[7 ظ]أنفذ يوسف إلى أبيه قميصه،فردّه اللّه به بصيرا،و جمع بينهم،و جعل كلّ واحد منهم بالباقين و بالنعمة مسرورا (3).
ص:70
قصّة أيّوب عليه السلام
و أيّوب عليه السلام،و ما امتحن به من الأسقام و عظم[8 غ]اللأواء (1)، و الدود و الأدواء،و جاء القرآن بذكره،و نطقت الأخبار بشرح أمره،قال اللّه تعالى: وَ أَيُّوبَ إِذْ نٰادىٰ رَبَّهُ،أَنِّي مَسَّنِيَ الضُّرُّ وَ أَنْتَ أَرْحَمُ الرّٰاحِمِينَ، فَاسْتَجَبْنٰا لَهُ،فَكَشَفْنٰا مٰا بِهِ مِنْ ضُرٍّ،وَ آتَيْنٰاهُ أَهْلَهُ،وَ مِثْلَهُمْ مَعَهُمْ،رَحْمَةً مِنْ [8 م] عِنْدِنٰا،وَ ذِكْرىٰ لِلْعٰابِدِينَ (2).
و أخبرنا أبو علي الحسن بن محمد بن عثمان الفسوي (3)،قراءة عليه بالبصرة سنة سبع و ثلاثين و ثلاثمائة،قال:حدّثنا يعقوب بن سفيان الفسوي (4)،قال:
حدّثنا عمرو بن مرزوق (5)،قال:حدّثنا شعبة (6)،عن قتادة (7)،عن النضر بن
ص:71
أنس (1)عن بشير بن نهيك (2)عن أبي هريرة (3)،عن النبي صلى اللّه عليه و سلم،قال:
لما عافى اللّه عزّ و جلّ أيوب عليه السلام،أمطر عليه جرادا من ذهب،قال:
فجعل يأخذه،و يجعله في ثوبه،فقيل له:يا أيّوب أ ما تشبع؟قال:و من يشبع من رحمة اللّه؟.
ص:72
قصّة يونس عليه السلام
و يونس عليه السلام،و ما اقتصّ (1)اللّه تعالى من قصّته في غير موضع من كتابه، ذكر فيها التقام الحوت له،و تسبيحه في بطنه،و كيف نجّاه اللّه عزّ و جلّ، فأعقبه بالرسالة و الصنع.
قال اللّه تعالى: وَ إِنَّ يُونُسَ لَمِنَ الْمُرْسَلِينَ، إِذْ أَبَقَ إِلَى الْفُلْكِ الْمَشْحُونِ [5 ر]، فَسٰاهَمَ فَكٰانَ مِنَ الْمُدْحَضِينَ، فَالْتَقَمَهُ الْحُوتُ وَ هُوَ مُلِيمٌ، فَلَوْ لاٰ أَنَّهُ كٰانَ مِنَ الْمُسَبِّحِينَ، لَلَبِثَ فِي بَطْنِهِ إِلىٰ يَوْمِ يُبْعَثُونَ، فَنَبَذْنٰاهُ بِالْعَرٰاءِ وَ هُوَ سَقِيمٌ، وَ أَنْبَتْنٰا عَلَيْهِ شَجَرَةً مِنْ يَقْطِينٍ، وَ أَرْسَلْنٰاهُ إِلىٰ مِائَةِ أَلْفٍ أَوْ يَزِيدُونَ (2).
[قال صاحب الكتاب:«أو»هاهنا ظاهرها الشكّ،و قد ذهب إلى ذلك قوم،و هو خطأ،لأنّ الشكّ،لا يجوز على اللّه تعالى،العالم لنفسه،العارف بكل شيء قبل كونه،و قد روي عن ابن عباس،و هو الوجه،أنّه قال:أو يزيدون،بل يزيدون،و قال:كانت الزيادة ثلاثين ألفا،و روي عن ابن جبير (3)و نوف الشامي (4)أنّهما قالا:كانت الزيادة سبعين ألفا،فقد ثبت أنّ«أو»هنا، بمعنى«بل»و قد ذهب إلى هذا،الفرّاء (5)،و أبو عبيدة (6)،و قال آخرون:
ص:73
إنّ«أو»هاهنا،بمعنى«و يزيدون»] (1).
و منها قوله تعالى: وَ ذَا النُّونِ إِذْ ذَهَبَ مُغٰاضِباً،فَظَنَّ أَنْ لَنْ نَقْدِرَ عَلَيْهِ،فَنٰادىٰ فِي الظُّلُمٰاتِ أَنْ لاٰ إِلٰهَ إِلاّٰ أَنْتَ سُبْحٰانَكَ إِنِّي كُنْتُ مِنَ الظّٰالِمِينَ، فَاسْتَجَبْنٰا لَهُ، وَ نَجَّيْنٰاهُ مِنَ الْغَمِّ،وَ كَذٰلِكَ نُنْجِي الْمُؤْمِنِينَ (2)،قال بعض المفسرين:معنى «لن نقدر عليه»«لن نضيّق عليه».
و هذا مثل قوله: وَ مَنْ قُدِرَ عَلَيْهِ رِزْقُهُ،فَلْيُنْفِقْ مِمّٰا آتٰاهُ اللّٰهُ (3)،أي ضيّق عليه،و مثل قوله: قُلْ إِنَّ رَبِّي يَبْسُطُ الرِّزْقَ لِمَنْ يَشٰاءُ مِنْ عِبٰادِهِ وَ يَقْدِرُ لَهُ، وَ مٰا أَنْفَقْتُمْ مِنْ شَيْءٍ فَهُوَ يُخْلِفُهُ (4).
و قد جاء«قدر»بمعنى«ضيّق»في القرآن،في مواضع كثيرة،و من هذا قيل للفرس الضيّق الخطو:فرس أقدر،لأنّه لا يجوز أن يهرب من اللّه تعالى نبيّ من أنبيائه،و الأنبياء لا يكفرون،و من ظنّ أنّ اللّه تعالى لا يقدر عليه،أي لا يدركه،أو أنّه يعجز اللّه هربا،فقد كفر،و الأنبياء عليهم السلام،أعلم باللّه سبحانه،من أن يظنّوا فيه هذا الظنّ الذي هو كفر.
و قد روي:أنّ من أدام قراءة قوله[9 غ]عزّ و جلّ: وَ ذَا النُّونِ إِذْ ذَهَبَ مُغٰاضِباً... الآية..إلى قوله:المؤمنين،في الصلاة،و غيرها،في أوقات شدائده،عجّل اللّه[له منها فرجا و مخرجا.
و أنا أحد من واصلها في نكبة عظيمة لحقتني،يطول شرحها و] (5)ذكرها عن هذا الموضع،و كنت قد حبست،و هدّدت بالقتل،ففرّج اللّه عنّي،و أطلقت في اليوم التاسع[8 ظ]من يوم قبض عليّ فيه.
ص:74
قصّة موسى بن عمران عليه السلام
و موسى بن عمران عليه السلام،فقد نطق القرآن بقصّته في غير موضع، منها قوله تعالى: وَ أَوْحَيْنٰا إِلىٰ أُمِّ مُوسىٰ أَنْ أَرْضِعِيهِ،فَإِذٰا خِفْتِ عَلَيْهِ فَأَلْقِيهِ فِي الْيَمِّ،وَ لاٰ تَخٰافِي،وَ لاٰ تَحْزَنِي،إِنّٰا رَادُّوهُ إِلَيْكِ،وَ جٰاعِلُوهُ مِنَ الْمُرْسَلِينَ، فَالْتَقَطَهُ آلُ فِرْعَوْنَ لِيَكُونَ لَهُمْ عَدُوًّا وَ حَزَناً،إِنَّ فِرْعَوْنَ وَ هٰامٰانَ وَ جُنُودَهُمٰا كٰانُوا خٰاطِئِينَ، وَ قٰالَتِ امْرَأَتُ فِرْعَوْنَ قُرَّتُ عَيْنٍ لِي وَ لَكَ،لاٰ تَقْتُلُوهُ،عَسىٰ أَنْ يَنْفَعَنٰا أَوْ نَتَّخِذَهُ وَلَداً،وَ هُمْ لاٰ يَشْعُرُونَ. وَ أَصْبَحَ فُؤٰادُ أُمِّ مُوسىٰ فٰارِغاً إِنْ كٰادَتْ لَتُبْدِي بِهِ،لَوْ لاٰ أَنْ رَبَطْنٰا عَلىٰ قَلْبِهٰا لِتَكُونَ مِنَ الْمُؤْمِنِينَ، وَ قٰالَتْ لِأُخْتِهِ قُصِّيهِ،فَبَصُرَتْ بِهِ عَنْ جُنُبٍ وَ هُمْ لاٰ يَشْعُرُونَ، وَ حَرَّمْنٰا عَلَيْهِ الْمَرٰاضِعَ مِنْ قَبْلُ،فَقٰالَتْ هَلْ أَدُلُّكُمْ عَلىٰ أَهْلِ بَيْتٍ يَكْفُلُونَهُ لَكُمْ،وَ هُمْ لَهُ نٰاصِحُونَ فَرَدَدْنٰاهُ إِلىٰ أُمِّهِ كَيْ تَقَرَّ عَيْنُهٰا وَ لاٰ تَحْزَنَ،وَ لِتَعْلَمَ أَنَّ وَعْدَ اللّٰهِ حَقٌّ،وَ لٰكِنَّ أَكْثَرَهُمْ لاٰ يَعْلَمُونَ (1).
فلا شدّة أعظم من أن يبتلى الناس بملك يذبح أبناءهم،حتى ألقت أمّ موسى ابنها في البحر[مع طفوليّته] (2)،و لا شدّة أعظم من حصول طفل في البحر، فكشف الله[تبارك اسمه] (3)ذلك عنه،بالتقاط آل فرعون له،و ما ألقاه في قلوبهم من الرقة (4)عليه،حتى استحيوه،و تحريم المراضع عليه حتى ردّوه إلى أمّه،و كشف عنها الشدّة من[فراقه،و عنه الشدّة في] 2حصوله في البحر.
و معنى قوله تعالى:ليكون لهم عدوّا و حزنا،أي يصير عاقبة أمره معهم إلى
ص:75
عداوة لهم،و هذه لام العاقبة،كما قال الشاعر:
لدوا للموت و ابنوا للخراب و كلّكم يصير إلى ذهاب (1)
و قد علم أنّ الولادة لا يقصد بها الموت،و البناء لا يقصد به الخراب،و إنّما عاقبة الأمر فيهما تصير إلى ذلك.
و على الوجه[9 م]الأوّل،قوله تعالى وَ لَقَدْ ذَرَأْنٰا لِجَهَنَّمَ كَثِيراً مِنَ الْجِنِّ وَ الْإِنْسِ (2)أي إنّ عاقبة أمرهم،و فعلهم،و اختيارهم لنفوسهم،يصيّرهم إلى جهنم،فيصيرون لها،لأنّ اللّه عز و جل،لم يخلقهم ليقصد تعذيبهم بالنار في جهنم،عزّ اللّه عن هذا الظلم (3).
و جعل اللّه عاقبة أمر موسى عليه السلام،من تلك الشدائد،[و شدائد بعدها، إذ أرسله إلى فرعون،لتخليص بني إسرائيل،و قصصه التي قبلها،و حديثه إذ خرج خائفا يترقّب،فهذه شدّة أخرى كشفها اللّه تعالى عنه من تلك الشدائد] (4)، و شدائد بعدها،نالته،يأتي ذكرها،أن بعثه نبيا،و أنقذ به بني إسرائيل من الشدائد التي كانوا فيها مع فرعون،فقال عزّ و جلّ،في تمام هذه القصّة:
وَ جٰاءَ رَجُلٌ مِنْ أَقْصَى الْمَدِينَةِ يَسْعىٰ،قٰالَ:يٰا مُوسىٰ إِنَّ الْمَلَأَ يَأْتَمِرُونَ بِكَ لِيَقْتُلُوكَ،فَاخْرُجْ إِنِّي لَكَ مِنَ النّٰاصِحِينَ، فَخَرَجَ مِنْهٰا خٰائِفاً يَتَرَقَّبُ،قٰالَ:رَبِّ نَجِّنِي مِنَ الْقَوْمِ الظّٰالِمِينَ (5)،فهذه شدّة أخرى[10 غ]كشفها اللّه عزّ و جلّ.
قال تعالى: وَ لَمّٰا تَوَجَّهَ تِلْقٰاءَ مَدْيَنَ،قٰالَ:عَسىٰ رَبِّي أَنْ يَهْدِيَنِي سَوٰاءَ السَّبِيلِ، وَ لَمّٰا وَرَدَ مٰاءَ مَدْيَنَ،وَجَدَ عَلَيْهِ أُمَّةً مِنَ النّٰاسِ يَسْقُونَ،وَ وَجَدَ مِنْ دُونِهِمُ
ص:76
اِمْرَأَتَيْنِ تَذُودٰانِ،قٰالَ:مٰا خَطْبُكُمٰا،قٰالَتٰا:لاٰ نَسْقِي حَتّٰى يُصْدِرَ الرِّعٰاءُ،وَ أَبُونٰا شَيْخٌ كَبِيرٌ، فَسَقىٰ لَهُمٰا،ثُمَّ تَوَلّٰى إِلَى الظِّلِّ،فَقٰالَ رَبِّ إِنِّي لِمٰا أَنْزَلْتَ إِلَيَّ مِنْ خَيْرٍ فَقِيرٌ (1)،فهذه[6 ر]شدّة أخرى،لحقته بالاغتراب،و الحاجة إلى الاضطراب في المعيشة و الاكتساب،فوفّق اللّه تعالى له شعيبا،قال اللّه عز و جلّ،في تمام هذه القصّة: فَجٰاءَتْهُ إِحْدٰاهُمٰا تَمْشِي عَلَى اسْتِحْيٰاءٍ،قٰالَتْ إِنَّ أَبِي يَدْعُوكَ لِيَجْزِيَكَ أَجْرَ مٰا سَقَيْتَ لَنٰا،فَلَمّٰا جٰاءَهُ،وَ قَصَّ عَلَيْهِ الْقَصَصَ،قٰالَ لاٰ تَخَفْ، نَجَوْتَ مِنَ الْقَوْمِ الظّٰالِمِينَ (2).
ثم أخبر اللّه تعالى في هذه القصّة،كيف زوّجه شعيب ابنته،بعد أن استأجره ثماني حجج،و أنّه خرج بأهله[9 ظ]من عند شعيب،فرأى النار،فمضى يقتبس منها،فكلّمه اللّه تعالى،و جعله نبيّا،و أرسله إلى فرعون،فسأله أن يرسل معه أخاه هارون،فشدّ اللّه تعالى عضده به،و جعله نبيّا معه،فأي فرج أحسن من فرج أتى رجلا خائفا،هاربا،فقيرا،قد آجر نفسه ثماني حجج (3)،بالنبوّة و الملك؟
قال اللّه تعالى في سورة الأعراف: وَ قٰالَ الْمَلَأُ مِنْ قَوْمِ فِرْعَوْنَ،أَ تَذَرُ مُوسىٰ وَ قَوْمَهُ لِيُفْسِدُوا فِي الْأَرْضِ،وَ يَذَرَكَ وَ آلِهَتَكَ،قٰالَ:سَنُقَتِّلُ أَبْنٰاءَهُمْ، وَ نَسْتَحْيِي نِسٰاءَهُمْ،وَ إِنّٰا فَوْقَهُمْ قٰاهِرُونَ (4)،فهذه شدّة لحقت بني إسرائيل، فكشفها اللّه عنهم،قال سبحانه: قٰالَ مُوسىٰ لِقَوْمِهِ اسْتَعِينُوا بِاللّٰهِ وَ اصْبِرُوا، إِنَّ الْأَرْضَ لِلّٰهِ يُورِثُهٰا مَنْ يَشٰاءُ مِنْ عِبٰادِهِ،وَ الْعٰاقِبَةُ لِلْمُتَّقِينَ، قٰالُوا أُوذِينٰا مِنْ قَبْلِ أَنْ تَأْتِيَنٰا،وَ مِنْ بَعْدِ مٰا جِئْتَنٰا،قٰالَ عَسىٰ رَبُّكُمْ أَنْ يُهْلِكَ عَدُوَّكُمْ وَ يَسْتَخْلِفَكُمْ فِي
ص:77
اَلْأَرْضِ فَيَنْظُرَ كَيْفَ تَعْمَلُونَ (1).
و قال تعالى،في تمام هذه القصّة،في هذه السورة،بعد آيات، وَ تَمَّتْ كَلِمَتُ رَبِّكَ الْحُسْنىٰ عَلىٰ بَنِي إِسْرٰائِيلَ بِمٰا صَبَرُوا،وَ دَمَّرْنٰا مٰا كٰانَ يَصْنَعُ فِرْعَوْنُ وَ قَوْمُهُ، وَ مٰا كٰانُوا يَعْرِشُونَ (2)،فأخبر تعالى عن صنعه لهم،و فلقه البحر حتى عبروه يبسا،و إغراقه فرعون لمّا اتّبعهم.
و كلّ هذه أخبار عن محن عظيمة انجلت بمنح جليلة،لا يؤدّى شكر اللّه عليها،و يجب على العاقل تأمّلها،ليعرف كنه تفضّل اللّه عزّ و جلّ بكشف شدائده و إغاثته،بإصلاح كلّ فاسد لمن تمسّك بطاعته،و أخلص في خشيته، و أصلح من نيّته،فسلك هذه السبيل،فإنّها إلى النجاة من المكاره،أوضح طريق،[10 م]و أهدى دليل (3).
قصّة أصحاب الأخدود
و ذكر اللّه سبحانه[و تعالى]،في«و السماء ذات البروج»،أصحاب الأخدود،و روى قوم من أهل الملل المخالفة للإسلام عن كتبهم أشياء من ذلك، فذكرت اليهود و النصارى:أنّ أصحاب الأخدود كانوا دعاة إلى اللّه،و أنّ ملك بلدهم،أضرم لهم نارا،و طرحهم فيها،فاطّلع اللّه تعالى على صبرهم، و خلوص نيّاتهم في دينه و طاعته،فأمر النار أن لا تحرقهم،فشوهدوا فيها قعودا، و هي تضطرم عليهم،و لا تحرقهم،و نجوا منها[11 غ]،و جعل اللّه دائرة السوء على الملك،و أهلكه.
ص:78
قصّة دانيال عليه السلام
و ذكر هؤلاء القوم:أنّ نبيّا،كان في بني إسرائيل بعد موسى عليه السلام بزمان طويل،يقال له دانيال (1)،و أنّ قومه كذّبوه،فأخذه ملكهم،فقذفه إلى أسد مجوّعة في جبّ،فلمّا اطّلع اللّه تعالى على حسن اتّكاله عليه،و صبره طلبا لما لديه،أمسك أفواه الأسد عنه،حتى قام على رءوسها برجليه،و هي مذلّلة، غير ضارّة له،فبعث اللّه تعالى إرميا (2)من الشام،حتى تخلّص دانيال من هذه الشدّة،و أهلك من أراد إهلاك دانيال.
و عضدت روايتهم،أشياء رواها أصحاب الحديث،منها ما حدّثناه علي ابن أبي الطيّب الحسن بن علي بن مطرف الرامهرمزي (3)،قال:حدّثنا أحمد بن محمد بن الجرّاح،قال:حدّثنا أبو بكر عبد اللّه بن محمد بن أبي الدنيا القرشي (4)،قال:حدّثنا أحمد بن عبد الأعلى الشيباني (5)،قال:إن لم أكن سمعته
ص:79
من شعيب بن صفوان (1)،فحدّثنا بعض أصحابنا عنه،عن الأجلح الكنديّ (2)، عن عبد اللّه بن أبي الهديل (3)قال:ضرّى بخت نصّر (4)أسدين،فألقاهما في جبّ، و جا (5)بدانيال فألقاه عليهما،فلم يهيجاه،فمكث ما شاء اللّه،ثم اشتهى ما يشتهي الآدميون،من الطعام و الشراب،فأوحى اللّه إلى إرميا،و هو بالشام، أن أعدّ طعاما و شرابا لدانيال،فقال:يا ربّ،أنا بالأرض المقدّسة،و دانيال بأرض بابل من أرض العراق،فأوحى اللّه تعالى إليه أن أعدّ ما أمرناك به،فإنّا سنرسل إليك من يحملك،و يحمل ما أعددت[10 ظ]ففعل،فأرسل اللّه إليه من حمله،و حمل ما أعدّ،حتى وقف على رأس الجبّ.
فقال دانيال:من هذا؟
قال:أنا إرميا.
قال:ما جاء بك؟ (6)
قال:أرسلني إليك ربّك.
قال:و ذكرني؟
ص:80
قال:نعم.
قال:الحمد للّه الّذي لا ينسى من ذكره،و الحمد للّه الّذي لا[7 ر] يخيّب من رجاه[و الحمد للّه الذي من توكّل عليه كفاه] (1)،و الحمد للّه الّذي من وثق به لم يكله إلى غيره،و الحمد للّه الّذي يجزي بالإحسان إحسانا،[و بالسيّئات غفرانا] 12،و الحمد للّه الّذي يجزي بالصبر نجاة،و الحمد للّه الّذي يكشف ضرّنا،بعد كربنا،و الحمد للّه الّذي هو ثقتنا،حين تسوء ظنوننا بأعمالنا، و الحمد للّه الّذي هو رجاؤنا،حين تنقطع الحيل منّا (2).
ص:81
الشّدائد التي جرت على نبيّنا محمد
صلوات اللّه عليه
و قد ذكر اللّه تعالى في محكم كتابه،الشدّة التي جرت على محمّد صلّى اللّه عليه،و على آله الأخيار،فيما اقتصّه من قصّة الغار،فقال سبحانه: إِلاّٰ تَنْصُرُوهُ،فَقَدْ نَصَرَهُ اللّٰهُ،إِذْ أَخْرَجَهُ الَّذِينَ كَفَرُوا ثٰانِيَ اثْنَيْنِ إِذْ هُمٰا فِي الْغٰارِ، إِذْ يَقُولُ لِصٰاحِبِهِ لاٰ تَحْزَنْ إِنَّ اللّٰهَ مَعَنٰا،فَأَنْزَلَ اللّٰهُ سَكِينَتَهُ عَلَيْهِ،وَ أَيَّدَهُ بِجُنُودٍ لَمْ تَرَوْهٰا،وَ جَعَلَ كَلِمَةَ الَّذِينَ كَفَرُوا السُّفْلىٰ،وَ كَلِمَةُ اللّٰهِ هِيَ الْعُلْيٰا،وَ اللّٰهُ عَزِيزٌ حَكِيمٌ (1).
و روى أصحاب الحديث،ما يطول إعادته بألفاظه و أسانيده،أنّ النبيّ صلّى اللّه عليه و سلّم،لمّا خاف أن يلحقه المشركون،حين سار عن مكّة مهاجرا، دخل الغار هو و أبو بكر الصدّيق،فاستخفى فيه،فأرسل اللّه عنكبوتا فنسج في الحال على باب الغار،و حمامة عشّشت،و باضت،و فرّخت للوقت،فلما انتهى المشركون إلى الغار،رأوا ذلك،فلم يشكّوا أنّه غار لم يدخله حيوان[11 م] منذ حين،و إنّ رسول اللّه صلّى اللّه عليه و سلّم،و أبا بكر،ليريان أقدامهم، و يسمعان كلامهم،فلمّا انصرفوا،و أبعدوا،و جاء الليل،خرجا[12 غ]، فسارا نحو المدينة،فورداها سالمين.
و روى أصحاب الحديث أيضا،من شرح حال النبيّ صلّى اللّه عليه و سلّم،
ص:82
في المحن التي لحقته من شقّ الفرث عليه (1)،و محاولة أبي جهل (2)،و شيبة (3)و عتبة (4)ابني ربيعة،و أبي سفيان صخر بن حرب (5)و العاص بن وائل (6)،و عقبة بن أبي
ص:83
معيط (1)،و غيرهم،قتله،و ما كانوا يكاشفونه به،من السبّ و التكذيب، و الاستهزاء و الفدع (2)و التأنيب (3)،و رميهم إيّاه بالجنون،و قصدهم إيّاه غير دفعة بأنواع الأذى و العضيهة (4)و الافتراء،و حصرهم إيّاه صلّى اللّه عليه و سلّم،و جميع بني هاشم في الشّعب (5)،و تخويفهم إيّاه،و تدبيرهم أن يقتلوه،حتى بعد، و بيّت عليّا عليه السلام،على فراشه (6)،ما يطول اقتصاصه،و يكثر شرحه، ثم أعقبه اللّه تعالى،من ذلك،بالنصر و التمكين،و إعزاز الدين،و إظهاره على كلّ دين،و قمع الجاحدين و المشركين،و قتل أولئك الكفرة المارقين و المعاندين،و غيرهم من المكذّبين الكاذبين،الذين كانوا عن الحق ناكثين،
ص:84
و بالدين مستهزئين،و للمؤمنين مناصبين متوعّدين،و للنبيّ صلّى اللّه عليه و سلّم مكاشفين محاربين،و أذلّ من بقي منهم بعزّ الإسلام بعد أن عاذ بإظهاره، و أضمر الكفر في إسراره،فصار من المنافقين (1)الملعونين،و الحمد للّه ربّ العالمين.
ص:85
أخبار جاءت في آيات من القرآن
و هي تجري في هذا الباب و تنضاف إليه
حدّثنا علي بن أبي الطيّب بن مطرف،قال:حدّثنا أحمد بن محمد بن الجرّاح (1)،قال حدّثنا أبو بكر[عبد اللّه بن محمد القرشي المعروف با] (2)بن أبي الدّنيا،قال:حدّثنا إبراهيم بن راشد (3)،قال:حدّثنا عبد الرحمن بن حمّاد الشعيثي (4)،قال:حدّثنا كهمس بن الحسن (5)،عن أبي السليل (6)،قال:قال أبو ذر (7):كان نبيّ اللّه صلّى اللّه عليه و سلّم،يتلو هذه الآية: وَ مَنْ يَتَّقِ اللّٰهَ يَجْعَلْ لَهُ مَخْرَجاً، وَ يَرْزُقْهُ مِنْ حَيْثُ لاٰ يَحْتَسِبُ،وَ مَنْ يَتَوَكَّلْ عَلَى اللّٰهِ فَهُوَ
ص:86
حَسْبُهُ،إِنَّ اللّٰهَ بٰالِغُ أَمْرِهِ (1)،ثم يقول:يا أبا ذرّ،لو أنّ النّاس كلّهم أخذوا بها لكفتهم (2).
و حدّثنا علي بن الحسن (3)،قال:حدّثنا ابن الجرّاح،قال:حدّثنا ابن أبي الدنيا،قال:حدّثنا إسحاق بن إسماعيل (4)،قال:حدّثنا سفيان (5)،عن مسعر (6)،عن علي بن بذيمة (7)،عن أبي عبيدة (8)،قال:جاء رجل إلى النبيّ صلّى اللّه عليه و سلّم،فقال[11 ظ]إنّ بني فلان أغاروا عليّ،فذهبوا بإبلي و ابني،فقال رسول اللّه صلّى اللّه عليه و سلّم:إنّ آل محمد،لكذا و كذا أهل (9)، ما فيهم مدّ (10)من طعام،أو صاع (11)من طعام،فسل اللّه عزّ و جلّ.
ص:87
فرجع إلى امرأته،فقالت:ما قال لك رسول اللّه صلّى اللّه عليه و سلّم، فأخبرها.
فقالت:نعم ما ردّك إليه.
فما لبث أن ردّ اللّه عليه إبله أوفر ما كانت،فأتى النبيّ صلّى اللّه عليه و سلم فأخبره.
فصعد النبيّ صلّى اللّه عليه و سلّم المنبر،فحمد اللّه و أثنى عليه،و أمر الناس بمسألة اللّه عزّ و جلّ،و الرجوع إليه،و الرغبة فيه،و قرأ عليهم وَ مَنْ يَتَّقِ اللّٰهَ [8 ر] يَجْعَلْ لَهُ مَخْرَجاً، وَ يَرْزُقْهُ مِنْ حَيْثُ لاٰ يَحْتَسِبُ (1).
و حدّثني عليّ بن أبي الطيّب،قال:حدّثنا ابن الجراح،قال:حدّثنا ابن أبي الدّنيا،قال:حدّثنا[أبو عبد الرحمن الفرسي] (2)،عن إسحاق بن سليمان (3)[13 غ]،عن معاوية بن يحيى (4)،عن يونس بن ميسرة (5)،عن أبي إدريس الخولاني (6)،عن أبي الدرداء (7)،و سئل عن هذه الآية: كُلَّ يَوْمٍ هُوَ فِي
ص:88
شَأْنٍ (1)،قال:سئل عنها رسول اللّه صلّى اللّه عليه و سلّم[12 م]،فقال:
إنّ من شأنه أن يغفر ذنبا،و يكشف كربا،و يرفع أقواما،و يضع آخرين (2).
أخبرني محمد بن الحسن بن المظفر الكاتب (3)،قال:أنبأنا محمد بن عبد الواحد (4)،أبو عمر،قال:
حدّثنا بشر بن موسى الأسدي (5)،قال:حدّثنا أبو بكر الأسدي (6)،قال:
حدّثنا أبو حاتم الرازي (7)،قال:حدّثنا محمد بن عبد الكريم (8)، قال:سمعت سعيد بن عنبسة (9)يقول:بينما رجل جالس و هو يعبث بالحصى و يحذف بها، إذ رجعت حصاة منها فصارت في أذنه،فجهد بكلّ حيلة،فلم يقدر على إخراجها،فبقيت الحصاة في أذنه دهرا تؤلمه،فبينما هو ذات يوم جالس، إذ سمع قارئا يقرأ: أَمَّنْ يُجِيبُ الْمُضْطَرَّ إِذٰا دَعٰاهُ وَ يَكْشِفُ السُّوءَ... الآية،
ص:89
فقال الرجل:يا ربّ أنت المجيب،و أنا المضطرّ،فاكشف ضرّ ما أنا فيه، فنزلت الحصاة من أذنه.
قال مؤلّف هذا الكتاب:و قد لقيت أنا أبا عمر محمد بن عبد الواحد المعروف بغلام ثعلب،و بالزاهد،و حملت عنه،و أجاز لي جميع ما يصحّ عندي من رواياته،و لم أسمع هذا الخبر منه،إلاّ أنّه قد دخل في الإجازة.
حدّثنا علي بن أبي الطيّب،قال:حدّثنا ابن الجرّاح،قال:حدّثنا ابن أبي الدنيا،قال:حدّثنا خالد بن خداش (1)،قال:حدّثنا عبد اللّه بن زيد بن أسلم (2)،عن أبيه[زيد (3)عن أبيه]أسلم (4):أنّ أبا عبيدة حصر،فكتب إليه عمر:مهما نزل بامرئ من شدّة،يجعل له اللّه بعدها فرجا،و لن يغلب عسر يسرين،فإنّه يقول: اِصْبِرُوا،وَ صٰابِرُوا،وَ رٰابِطُوا،وَ اتَّقُوا اللّٰهَ لَعَلَّكُمْ تُفْلِحُونَ (5).
حدثنا علي بن أبي الطيّب،قال:حدّثنا ابن الجراح،قال:حدّثنا ابن أبي الدنيا،قال:حدّثنا الحسن بن علي (6)،قال:حدّثنا أحمد بن صالح (7)،قال:
ص:90
حدّثنا عبد اللّه بن وهب (1)،قال:حدّثنا أبو صخر (2):أنّ يزيد الرقاشي (3)حدّثه،قال:سمعت أنس بن مالك (4)،و لا أعلم إلاّ أنّ أنسا يرفع الحديث إلى النبيّ صلّى اللّه عليه و سلّم:إنّ يونس عليه السلام،حين بدا له أن يدعو اللّه عزّ و جلّ (5)بالظلمات،حين ناداه و هو في بطن الحوت،فقال:اللّهم، لاٰ إِلٰهَ إِلاّٰ أَنْتَ،سُبْحٰانَكَ إِنِّي كُنْتُ مِنَ الظّٰالِمِينَ (6)،فأقبلت الدعوة تحفّ بالعرش.
فقالت الملائكة:يا ربّ هذا صوت ضعيف مكروب،من بلاد غربة.
فقال:أ ما تعرفون ذاك؟
قالوا:و من هو؟
قال:ذاك عبدي يونس،الذي لم يزل يرفع له عمل متقبّل،و دعوة مجابة.
قالوا:يا ربّ،أ فلا ترحم ما كان يصنع في الرخاء،فتنجيه من البلاء؟
قال:بلى،فأمر الحوت فطرحه بالعراء.
قال أبو صخر:فأخبرني أبو سعيد[بن بسيط] (7)و أنا أحدّثه (8)بهذا
ص:91
الحديث،أنّه سمع أبا هريرة يقول:طرح بالعراء،فأنبت اللّه عليه اليقطينة (1).
قلنا:يا أبا هريرة،و ما اليقطينة؟
قال:شجرة الدّباء (2).
قال أبو هريرة:هيّأ اللّه تعالى له أروية (3)وحشيّة[14 غ]تأكل من حشيش الأرض،فتجيء،فتفشج له (4)،و ترويه من لبنها كلّ عشيّة[12 ظ]و بكرة، حتى نبت،يعني لحمه (5).
و قال أميّة بن أبي الصلت (6)،قبل الإسلام،في ذلك،بيتا من الشعر:
فأنبت يقطينا عليه برحمة من اللّه،لو لا اللّه ألفي ضاحيا (7)
حدّثنا عليّ بن الحسن،قال:حدّثني ابن الجراح،قال:حدّثنا ابن أبي الدّنيا،قال:حدّثنا يوسف بن موسى (8)،قال:حدّثنا عبيد اللّه بن موسى (9)عن
ص:92
إسرائيل (1)عن أبي إسحاق (2)،عن عمرو بن ميمون (3)،قال:حدّثنا عبد اللّه ابن مسعود (4)في بيت المال (5)،قال:لما ابتلع الحوت يونس عليه السلام،أهوى به إلى قرار الأرض،فسمع يونس تسبيح الحصى في الظلمات،ظلمات ثلاث، بطن الحوت،و ظلمات الليل،و ظلمة البحر،فنادى في الظلمات أَنْ لاٰ إِلٰهَ إِلاّٰ أَنْتَ،سُبْحٰانَكَ إِنِّي كُنْتُ مِنَ الظّٰالِمِينَ فَنَبَذْنٰاهُ بِالْعَرٰاءِ وَ هُوَ سَقِيمٌ ، قال:كهيئة الفرخ الممعوط (6)،الذي ليس له ريش (7).
ص:93
قرأت في بعض الكتب،إذا دهمك أمر تخافه،فبت و أنت طاهر،على فراش طاهر،و ثياب كلّها طاهرة،و اقرأ: وَ الشَّمْسِ وَ ضُحٰاهٰا (1)،إلى آخر السورة،سبعا،و وَ اللَّيْلِ إِذٰا يَغْشىٰ (2)[إلى آخر السورة] (3)،سبعا،ثم قل:
اللهمّ اجعل لي فرجا و مخرجا من أمري،فإنّه يأتيك في الليلة[الأوّلة] 7أو الثانية، و إلى السابعة،آت في منامك،يقول لك:المخرج منه كذا و كذا.
قال:فحبست بعد هذا بسنين،حبسة طالت حتى أيست من الفرج، فذكرته يوما و أنا في الحبس،ففعلت ذلك،فلم أر في[9 ر]الليلة الأوّلة، و لا الثانية،و لا الثالثة شيئا،فلما كان في الليلة الرابعة،فعلت ذلك على الرسم، فرأيت في منامي،كأنّ رجلا يقول لي:خلاصك على يد علي بن إبراهيم.
فأصبحت من غد متعجّبا،و لم أكن أعرف رجلا يقال له علي بن إبراهيم، فلما كان بعد يومين،دخل إليّ شاب لا أعرفه،فقال لي:قد كفلت بما عليك، فقم،و إذا معه رسول إلى السجّان بتسليمي إليه،فقمت معه،فحملني إلى منزلي،و سلّمني فيه،و انصرف.
فقلت لهم:من هذا؟
فقالوا:رجل بزّاز من أهل الأهواز،يقال له علي بن إبراهيم،يكون
ص:95
في الكرخ،قيل لنا إنّه صديق الذي حبسك،فطرحنا أنفسنا عليه،فتوسّط أمرك، و ضمن ما عليك،و أخرجك.
قال مؤلّف هذا الكتاب:فلما كان بعد سنين،جاءني علي بن إبراهيم هذا، و هو معاملي في البزّ،منذ سنين كثيرة،فذاكرته بالحديث،فقال:نعم،كان هذا الفتى قد حبسه عبدوس بن أخت أبي علي الحسن بن إبراهيم النصرانيّ،خازن معزّ الدولة (1)،و طالبه بخمسة[15 غ]آلاف درهم،كانت عليه من ضمانه (2)، و كان عبدوس لي صديقا،فجاءني من سألني خطابه في أمر هذا الرجل،و جرى الأمر على ما عرّفتك.
ص:96
اللّهم اجعل لي من أمري فرجا و مخرجا
و ما أعجب هذا الخبر،فإنّي قد وجدته في عدّة كتب،بأسانيد،و بغير أسانيد،على اختلاف الألفاظ،و المعنى قريب (1)،و أنا أذكر أصحّها عندي:
وجدت في كتاب محمد بن جرير الطبري (2)،الذي سماه:«كتاب الآداب الحميدة،و الأخلاق النفيسة»،حدّثني محمد بن عمارة الأسدي،قال:حدّثنا عبد اللّه بن يزيد،قال:أنبأنا أنيس بن عمران النافعي أبو يزيد،عن روح ابن الحارث بن حبش الصنعاني،عن أبيه،عن جدّه،أنّه قال لبنيه:يا بنيّ، إذا دهمكم أمر،أو كربكم،فلا يبيتنّ أحد منكم،إلاّ و هو طاهر،على فراش طاهر،في لحاف طاهر،و لا تبيتنّ معه امرأة،ثم ليقرأ و الشمس و ضحاها،سبعا، و الليل إذا يغشى،سبعا،ثم ليقل:اللهمّ اجعل لي من أمري فرجا و مخرجا، فإنّه يأتيه آت في أوّل ليلة،أو في الثالثة،أو في الخامسة،و أظنّه قال:أو في السابعة،فيقول له:المخرج مما أنت فيه كذا و كذا.
قال أنيس:فأصابني وجع لم أدر كيف أزيله،ففعلت أوّل ليلة[13 ظ] هكذا،فأتاني اثنان (3)فجلس أحدهما عند رأسي،و الآخر عند رجلي،ثم قال أحدهما لصاحبه:جسّه،فلمس جسدي كلّه،فلما انتهى إلى موضع من رأسي،
ص:97
قال:احجم هاهنا،و لا تحلق،و لكن اطله بغرا (1)،ثم التفت إليّ أحدهما، أو كلاهما،فقالا لي:كيف[14 م]لو ضممت إليهما وَ التِّينِ وَ الزَّيْتُونِ (2).
قال:فلما أصبحت سألت أيّ شيء الغرا؟،فقيل لي:الخطمي (3)،أو شيء تستمسك به المحجمة،فاحتجمت،فبرئت،و أنا ليس أحدّث بهذا الحديث أحدا،إلاّ وجد فيه الشفاء بإذن اللّه تعالى،[و أضم إليها التين و الزيتون] (4).
ص:98
من يتوكّل على اللّه فهو حسبه
و وجدت في كتاب أبي الفرج المخزومي عبد الواحد بن نصر (1)،عن أبي القاسم عبد الرحمن بن العباس،قال:حدّثني أبو ساعدة[بن أبي]الوليد بن أحمد[بن]أبي دؤاد،قال:حدّثني أبي (2)،قال:
حدّثنا إبراهيم بن رباح (3)،قال:حدّثنا أبو عبد اللّه أحمد بن أبي دؤاد، قال:حدّثنا الواثق،قال:حدّثنا المعتصم:
ص:99
أنّ قوما ركبوا البحر،فسمعوا هاتفا يهتف بهم،من يعطيني عشرة آلاف دينار حتى أعلّمه كلمة،إذا أصابه غمّ،أو أشرف على هلاك،فقالها،انكشف ذلك عنه.
فقام رجل من أهل المركب (1)،معه عشرة آلاف دينار،فصاح:أيّها الهاتف أنا أعطيك عشرة آلاف دينار،و علّمني.
فقال:ارم بالمال في البحر،فرمى به،و هو بدرتان فيهما عشرة آلاف دينار.
فسمع الهاتف يقول:إذا أصابك غمّ،أو أشرفت على هلكة،فاقرأ:
وَ مَنْ يَتَّقِ اللّٰهَ،يَجْعَلْ لَهُ مَخْرَجاً، وَ يَرْزُقْهُ مِنْ حَيْثُ لاٰ يَحْتَسِبُ،وَ مَنْ يَتَوَكَّلْ عَلَى اللّٰهِ فَهُوَ حَسْبُهُ،إِنَّ اللّٰهَ بٰالِغُ أَمْرِهِ،قَدْ جَعَلَ اللّٰهُ لِكُلِّ شَيْءٍ قَدْراً (2).
فقال جميع من في المركب للرجل:لقد ضيّعت مالك.
فقال:كلاّ،إنّ هذه لعظة ما أشكّ في نفعها.
قال:فلمّا كان بعد أيّام[10 ر]،كسر بهم المركب،فلم ينج منهم أحد غير ذلك الرجل،فإنّه وقع على لوح.
فحدّث بعد ذلك،قال:طرحني البحر على جزيرة،فصعدت أمشي فيها، فإذا بقصر منيف،فدخلته،فإذا فيه كلّ ما يكون في البحر من الجواهر و غيرها، و إذا بامرأة لم أر قطّ أحسن منها.
فقلت لها:من أنت و أيّ شيء تعملين هاهنا؟
قالت:أنا بنت فلان[16 غ]بن فلان التاجر بالبصرة،و كان أبي عظيم التجارة،و كان لا يصبر عنّي،فسافر بي معه في البحر،فانكسر مركبنا، فاختطفت،حتّى حصلت في هذه الجزيرة،فخرج إليّ شيطان من البحر،يتلاعب بي سبعة أيّام،من غير أن يطأني،إلاّ أنّه يلامسني،و يؤذيني،و يتلاعب بي،
ص:100
ثم ينظر إليّ،ثم ينزل إلى البحر سبعة أيّام،و هذا يوم موافاته،فاتّق اللّه في نفسك، و اخرج قبل موافاته،و إلاّ أتى عليك.
فما انقضى كلامها حتى رأيت ظلمة هائلة،فقالت:قد و اللّه جاء، و سيهلكك.
فلما قرب منّي،و كاد يغشاني،قرأت الآية،فإذا هو قد خرّ كقطعة جبل، إلاّ أنّه رماد محترق.
فقالت المرأة:هلك و اللّه،و كفيت أمره،من أنت يا هذا الذي منّ اللّه عليّ بك؟
فقمت أنا و هي،فانتخبنا ذلك الجوهر،حتى حملنا كلّ ما فيه من نفيس و فاخر،و لزمنا الساحل نهارنا أجمع،فإذا كان الليل،رجعنا إلى القصر.
قال:و كان فيه ما يؤكل،فقلت لها:من أين لك هذا؟
فقالت:وجدته هاهنا.
فلما كان بعد أيّام رأينا مركبا بعيدا،فلوّحنا إليه،فدخل،فحملنا، فسلّمنا اللّه تعالى إلى البصرة،فوصفت لي منزل أهلها،فأتيتهم.
فقالوا:من هذا؟
فقلت:رسول فلانة بنت فلان.
فارتفعت الواعية،و قالوا:يا هذا لقد جدّدت علينا مصابنا.
فقلت:اخرجوا،فخرجوا.
فأخذتهم حتى جئت بهم إلى ابنتهم،فكادوا يموتون فرحا،و سألوها عن خبرها،فقصّته عليهم.
و سألتهم أن يزوّجوني بها،ففعلوا،و حصّلنا (1)ذلك الجوهر رأس مال بيني و بينها.و أنا اليوم أيسر أهل البصرة،و هؤلاء أولادي منها.
ص:101
المعلّى بن أيّوب الكاتب يتخلّص من الفضل
ابن مروان بدعاء دعا به
و ذكر أبو عبد اللّه محمد بن عبدوس الجهشياري (1)،في كتابه،كتاب الوزراء،أنّ[15 م]المعلّى بن عبد اللّه بن المعلّى[14 ظ]بن أيّوب،حدّثه عن أبيه،قال:قال لي المعلّى بن أيّوب (2):
أعنتني (3)الفضل بن مروان (4)،و نحن في بعض الأسفار و طالبني بعمل طويل
ص:102
[يعمل] (1)في مدّة بعيدة،و اقتضانيه في كلّ يوم مرارا،إلى أن أمرني عن المعتصم باللّه (2)أن لا أبرح إلاّ بعد الفراغ منه.
فقعدت في ثيابي،و جاء الليل،فجعلت بين يديّ نفّاطة (3)،و طرح غلماني
ص:103
أنفسهم حولي،و ورد عليّ همّ عظيم،لأنّني قلت:ما تجاسر على أن يوكّل بي إلاّ و قد وقف على سوء رأي فيّ من المعتصم.
فإنّي لجالس،و ذقني على يدي،و قد مضى الليل،و أنا متفكّر،فحملتني عيناي،فرأيت كأنّ شخصا قد مثل بين يديّ،و هو يقول: قُلْ مَنْ يُنَجِّيكُمْ مِنْ ظُلُمٰاتِ الْبَرِّ وَ الْبَحْرِ،تَدْعُونَهُ تَضَرُّعاً وَ خُفْيَةً،لَئِنْ أَنْجٰانٰا مِنْ هٰذِهِ،لَنَكُونَنَّ مِنَ الشّٰاكِرِينَ، قُلِ اللّٰهُ يُنَجِّيكُمْ مِنْهٰا وَ مِنْ كُلِّ كَرْبٍ (1).
ثم انتبهت،فإذا أنا بمشعل (2)قد أقبل من بعيد،فلما قرب منّي كان وراءه [محمد بن]حماد دنقش (3)صاحب الحرس،و قد أنكر نفّاطتي،فجاء يعرف
ص:104
سببها،فأخبرته خبري.
فمضى إلى المعتصم،فأخبره،فإذا الرسل يطلبوني (1)،فدخلت إليه،و هو قاعد،و لم يبق[بين يديه] (2)من الشمع إلاّ أسفله.
فقال لي:ما خبرك؟فشرحته له.
فقال:و يلي على النبطيّ،يمتهنك،و أيّ يد له عليك،أنت كاتبي، كما هو كاتبي،انصرف.
فلما ولّيت،ردّني،و استدناني،ثم قال لي:تمضي مديدة،ثم ترى فيه ما تحبّ.
قال:فانصرفت،و بكّرت إلى الفضل على عادتي،لم أنكر شيئا.
ص:105
أ لم تر كيف فعل ربّك بأصحاب الفيل
و حدّثني أبو الفضل محمد بن عبد اللّه بن المرزبان الشيرازي الكاتب (1)،في المذاكرة،في خبر طويل،لست أقوم على حفظه:
أنّ رجلا كانت بينه و بين رجل متمكّن من أذاه عداوة،فخافه خوفا[17 غ] شديدا،و أهمّه أمره،و لم يدر ما يصنع.
فرأى في منامه،كأنّ قائلا يقول له:اقرأ في كلّ يوم،في إحدى ركعتي صلاة الفجر،[11 ر] أ لم تر كيف فعل ربّك بأصحاب الفيل..إلى آخر السورة.
قال:فقرأتها،فما مضت إلاّ شهور،حتى كفيت أمر ذلك العدوّ، و أهلكه اللّه تعالى،فأنا أقرؤها إلى الآن.
قال مؤلّف هذا الكتاب:دفعت أنا إلى شدّة لحقتني شديدة،من عدوّ، فاستترت منه،فجعلت دأبي قراءة هذه السورة في الركعة الثانية من صلاة الفجر، في كلّ يوم،و أنا أقرأ في الأوّلة منها:أ لم نشرح لك صدرك...إلى آخر السورة، لخبر كان بلغني أيضا فيها،فلما كان بعد شهور،كفاني اللّه أمر ذلك العدوّ، و أهلكه اللّه من غير سعي لي في ذلك،و لا حول و لا قوة إلاّ باللّه،و أنا أقرؤها في ركعتي الفجر إلى الآن.
ص:106
إذا ضاق بك الصّدر ففكّر في أ لم نشرح
و أمّا الخبر في:أ لم نشرح لك صدرك،فإنّ أبا بكر بن شجاع،المقرئ البغدادي،الذي كان يخلفني على العيار في دار الضرب بسوق الأهواز،في سنة ستّ و أربعين و ثلاثمائة،و كان خازن المسجد الجامع بها،و كان شيخا محدّثا ثقة نبيلا،من أمناء القاضي الأحنف و هو محمد بن عبد اللّه بن عليّ بن محمد ابن أبي الشوارب (1)،حدّثنا بإسناد له ذكره،لم أحفظه،و لا المتن بلفظه،و بعد عن يدي إخراجه من الأصل،و قد تحرّيت (2)مقاربة اللّفظ بجهدي،و لعلّه يزيد أو ينقص:
أنّ بعض الصالحين،ألحّ عليه الغمّ،و ضيق الصدر،و تعذّر الأمور، حتى كاد يقنط،فكان يوما يمشي،و هو يقول:
أرى الموت لمن أمسى على الذلّ له أصلح (3)
فهتف به هاتف،يسمع صوته،و لا يرى شخصه،أو أري في النوم -أنا الشاكّ (4)-كأنّ قائلا يقول:
ألا يا أيّها المرء الذي الهمّ به برّح
إذا ضاق بك الأمر ففكّر في أ لم نشرح
ص:107
قال:فواصلت قراءتها في صلاتي،فشرح اللّه صدري،و أزال همّي و كربي، و سهّل أمري،أو كما قال:
و حدّثني غيره بهذا[16 م]الخبر،على قريب من هذا،و زادني في الشعر:
فإنّ العسر مقرون بيسرين فلا تبرح
و قد ذكر القاضي أبو[15 ظ]الحسين (1)،في كتابه«كتاب الفرج بعد الشدّة»البيتين المتّصلين فقط،و قال في الآخر منهما:إذا أعضلك الأمر، و لم يذكر لهما خبرا،[و يروى أيضا:إذا لجّ بك الأمر] (2).
و روى غيره البيتين الأوّلين لأبي العتاهية،في غير حديث له.
ص:108
ما جاء في الآثار من ذكر الفرج بعد اللأواء
و ما يتوصّل به إلى كشف نازل الشدّة و البلاء
أفضل العبادة انتظار الفرج من اللّه تعالى
أخبرني القاضي أبو القاسم علي بن محمد بن أبي الفهم التنوخي،أبي رحمه اللّه تعالى (1)،قال:حدّثنا محمد بن إبراهيم الصلحي (2)،قال:حدّثنا بشر بن معاذ (3)،قال:حدّثنا حماد بن واقد (4).
و حدّثنا علي بن أبي الطيّب،قال:حدّثنا ابن الجرّاح،قال:حدّثنا ابن أبي الدنيا،قال:حدّثنا محمد بن عبد اللّه الأزدي (5)،قال:حدّثنا حماد بن واقد،
ص:109
قال:حدّثنا[18 غ]إسرائيل[بن يونس] (1)،عن أبي إسحاق[الهمذاني] 6، عن أبي الأحوص (2)، عن عبد اللّه[بن مسعود] (3)،قال:
قال رسول اللّه صلّى اللّه عليه و سلّم:سلوا اللّه عزّ و جلّ من فضله،فإنّ اللّه يحبّ أن يسأل،و أفضل العبادة انتظار الفرج من اللّه تعالى (4).
أخبرني أبي،قال:حدّثنا الفضل بن محمد العطار الأنطاكي (5)،قال:
حدّثنا سليمان بن سلمة (6)،قال:حدّثنا بقيّة (7)،عن مالك (8)،عن الزهري (9)، عن أنس،عن النبيّ صلّى اللّه عليه و سلّم،أنّه قال:انتظار الفرج من اللّه تعالى عبادة (10).
أخبرني أبي،قال:حدّثنا إسحاق بن إبراهيم الكوفيّ (11)،قال:حدّثنا حسين
ص:110
ابن حسن (1)،عن سفيان بن إبراهيم (2)،عن حنظلة المكّي (3)،عن مجاهد (4)، عن ابن عباس،قال:قال رسول اللّه صلّى اللّه عليه و سلّم:انتظار الفرج عبادة.
حدّثني أبي،قال:حدّثنا عبد اللّه بن أحمد بن عامر الطائي 21،قال:حدّثني أبي،قال:حدّثني عليّ بن موسى الرضا 22،قال:حدّثني أبي موسى 23،قال:
حدّثني أبي جعفر،قال:حدّثني أبي محمّد،قال حدّثني أبي عليّ،قال:حدّثني أبي الحسين،قال: حدّثني أبي عليّ بن أبي طالب رضي اللّه عنهم،قال:قال رسول اللّه صلّى اللّه عليه و سلّم،أفضل أعمال أمّتي انتظار الفرج من اللّه عزّ و جلّ.
أخبرني أبي،قال:حدّثني أحمد بن عبد اللّه بن النعمان،قال:حدّثني محمد بن يعقوب بن إسحاق الأعرج،قال:حدّثنا عبد اللّه بن محمّد عن
ص:111
سعدويه (1)،قال:حدّثنا أحمد بن محمّد بن بكر (2)،قال:حدّثنا عبد العزيز ابن عبد اللّه (3)عن عليّ بن أبي عليّ (4)،عن جعفر بن محمّد،عن أبيه عن جدّه، عن عليّ رضي اللّه عنه:أنّ رسول اللّه صلّى اللّه عليه و سلّم،قال لعليّ[عليه السلام] (5)،في حديث ذكره:و اعلم أنّ النصر مع الصبر،و الفرج مع الكرب، و أنّ مع العسر يسرا.
ص:112
اشتدّي أزمة تنفرجي
أخبرني أبي،قال:كتب إليّ عبد اللّه بن مبشّر (1)،حدّثنا أبو الأشعث (2)، قال:حدّثنا أميّة بن خالد (3)،عن الحسين بن عبد اللّه بن ضميرة (4)،عن أبيه (5)، عن جدّه (6)،عن عليّ بن أبي طالب رضي اللّه عنه (7)،قال:قال رسول اللّه صلّى اللّه عليه و سلّم:اشتدّي أزمة تنفرجي.
حدّثنا عليّ بن أبي الطيّب،قال:حدّثنا ابن الجرّاح،قال:حدّثنا ابن أبي الدّنيا،قال:حدّثني عليّ بن الجعد (8)،قال:أخبرني شعبة،عن عمرو بن مرّة (9)،
ص:113
قال:سمعت أبا وائل (1)يحدّث عن كردوس بن عمرو (2)،و كان ممن قرأ الكتب:إنّ اللّه[عزّ و جلّ]يبتلي العبد و هو يحبّه،ليسمع تضرّعه (3).
ص:114
النصر مع الصبر،و الفرج مع الكرب
حدّثنا عليّ بن أبي الطيّب،قال:حدّثنا ابن الجرّاح،قال:حدّثنا ابن أبي الدّنيا،قال:حدّثنا أبو سعيد المديني (1)،قال:حدّثني أبو بكر بن أبي شيبة الحزامي (2)،قال:حدّثني محمّد بن إبراهيم بن المطّلب بن أبي وداعة السّهمي (3)، قال:حدّثنا زهرة بن عمرو التيميّ (4)عن أبي حازم (5)عن[سهل بن]سعد الساعدي (6):
أنّ رسول اللّه صلّى اللّه عليه و سلّم،قال لعبد اللّه بن عبّاس:أ لا أعلّمك كلمات تنتفع بهنّ؟
قال:بلى،يا رسول اللّه.
ص:115
قال:احفظ اللّه يحفظك،احفظ اللّه تجده أمامك،تعرّف إلى اللّه في الرخاء،يعرفك في الشدّة،فإذا سألت،فسل اللّه،و إذا استعنت،فاستعن باللّه،[16 ظ]جفّ القلم بما[كان و ما هو] (1)كائن،فلو جهد العباد أن ينفعوك[19 غ]بشيء لم يكتبه اللّه عزّ و جلّ لك،لم يقدروا عليه،[17 م] فإن استطعت أن تعمل للّه بالصدق و اليقين،فافعل،فإن لم تستطع،فإنّ في الصّبر على ما تكره،خيرا كثيرا،و اعلم أنّ النّصر مع الصّبر،و أنّ الفرج مع الكرب،و أنّ مع العسر يسرا (2).
ص:116
المعونة على قدر المئونة
أخبرني أبي،قال:حدّثت عن إسحاق بن الضيف (1)،قال:حدّثنا داود ابن المحبّر (2)،قال:حدّثنا عبد اللّه بن أبي رزين (3)،عن فراس بن يحيى (4)، عن ثابت (5)،عن أنس،قال:
قال رسول اللّه صلّى اللّه عليه و سلّم:إنّ المعونة من اللّه عزّ و جلّ،تأتي العبد على قدر المئونة،و إنّ الصّبر يأتي[12 ر]على قدر شدّة البلاء.
و ربّما قال:إنّ الفرج يأتي من اللّه تعالى،على قدر شدّة البلاء.
ص:117
من كان في حاجة أخيه كان اللّه في حاجته
حدّثنا أبو محمد وهب بن يحيى بن عبد الوهاب المازني (1)،لفظا من حفظه، في داره بالبصرة،ببني سدوس الباطنة (2)،بحضرة قبر مجاشع و مجالد السلمي (3)، صاحبي رسول اللّه صلّى اللّه عليه و سلّم،بالقرب من بني يشكر،قال:حدّثنا نصر بن عليّ الجهضمي (4)،قال:أنبأنا محمّد بن بكر البرساني (5)،عن ابن جريج (6)،عن ابن المنكدر (7)،عن أبي أيّوب (8)،عن مسلمة بن مخلد (9)،قال:
ص:118
قال النبيّ صلّى اللّه عليه و سلّم:من ستر مسلما،ستره اللّه في الدنيا و الآخرة، و من فكّ عن مكروب،فكّ اللّه عنه كربة من كرب يوم القيامة،و من كان في حاجة أخيه،كان اللّه في حاجته.
ص:119
إنّ اللّه في عون العبد ما دام العبد في عون أخيه
أخبرني أبي،قال:حدّثنا أبو عقيل الخولاني (1)،قال:حدّثنا مؤمّل بن إهاب (2)،قال:حدّثنا مالك بن سعير (3)،عن الأعمش (4).
و أنبأنا نصر بن القاسم (5)،قال:حدّثنا الوكيعي (6)،قال:حدّثنا أبو معاوية (7)، عن الأعمش.
قال أبي:و أنبأنا ابن[بنت] (8)منيع (9)من طريق آخر،و اللفظ له،قال:
ص:120
حدّثنا عبد الأعلى بن حمّاد (1)،قال:حدّثنا حمّاد (2)عن محمد بن واسع (3)، و أبي سورة (4)،عن الأعمش،عن أبي صالح (5)، عن أبي هريرة،قال:قال رسول اللّه صلّى اللّه عليه و سلّم:
من ستر أخاه المسلم،ستره اللّه يوم القيامة،و من نفّس عن أخيه كربة من كرب الدنيا،نفّس اللّه عنه كربة من كرب يوم القيامة (6)،و إنّ اللّه في عون العبد،ما كان العبد في عون أخيه.
أخبرني أبي،قال:حدّثنا محمد بن محمد (7)،قال:حدّثنا محمد بن عبد الملك بن مغيث (8)،قال:أخبرني أبي عن جدّي،قال:حدّثنا عقيل بن شهاب (9)،أنّ سالم بن عبد اللّه بن عمر (10)أخبره،أنّ ابن عمر (11)أخبره،أنّ
ص:121
رسول اللّه صلّى اللّه عليه و سلّم،قال:
من كان في حاجة أخيه كان اللّه تعالى في حاجته،و من فرّج عن مسلم كربة،فرّج اللّه عنه بها كربة من كرب يوم القيامة،و من ستر مسلما ستره اللّه يوم القيامة.
هذا حديث مشهور،جاء به أبو داود،في كتاب السنن،الذي حدّثنا به عنه،محمد بن بكر بن داسه،باختلاف في اللفظ،و ليس غرضي جمع طرقه و ألفاظه،فآتي بها مستقصاة.
ص:122
من أكثر الاستغفار جعل اللّه
له من كل همّ فرجا
حدّثنا أحمد بن عبد اللّه بن أحمد الورّاق (1)،قال:حدّثنا أبو حامد محمد ابن هارون الحضرمي (2)،قال:حدّثنا محمد بن صالح النطّاح (3)،قال:حدّثنا المنذر بن زياد الطائي (4)،قال:حدّثنا عبد اللّه بن حسن بن حسن بن علي بن أبي طالب (5)،عن أبيه،عن جده،رضي اللّه عنهم،عن النبيّ صلى اللّه عليه و سلم، أنّه قال:
من أكثر الاستغفار جعل اللّه له من كلّ همّ فرجا،و من كلّ ضيق مخرجا، و رزقه من حيث لا يحتسب.
حدّثنا عليّ (6)،قال حدّثنا ابن الجرّاح،قال:حدّثنا ابن أبي الدنيا،قال:
ص:123
حدّثنا خالد بن خداش (1)،قال:حدّثنا عبد الرزاق (2)[20 غ]عن بشر بن رافع الحارثي (3)،عن محمد بن عجلان (4)،عن أبيه،عن أبي هريرة،قال:قال رسول اللّه صلّى اللّه عليه و سلّم:
قول لا حول و لا قوّة إلاّ باللّه،دواء من تسعة و تسعين داء،أيسرها الهمّ.
أخبرنا أبو محمّد الحسن بن خلاّد الرامهرمزي (5)،خليفة أبي على القضاء بها،قال:أخبرنا وكيع (6)،أنّ القاسم بن إسماعيل أبا المنذر[17 ظ]السّورمي حدّثه:قال:حدّثنا نصر بن زياد (7)،قال:كنت عند جعفر بن محمّد، فأتاه سفيان بن سعيد الثوري (8)،فقال:يا ابن رسول اللّه،حدّثني.قال:
يا سفيان،إذا استبطأت الرزق،فأكثر من الاستغفار،و إذا ورد عليك أمر تكرهه،فأكثر من لا حول و لا قوّة إلاّ باللّه،و إذا أنعم اللّه عليك،فأكثر من الحمد للّه.
ص:124
قصّة الثلاثة انطبقت عليهم صخرة
و نجّتهم أعمالهم
حدّثنا محمّد بن جعفر بن صالح الصالحي أبو الفرج (1)،من ولد عليّ بن صالح، صاحب المصلّى (2)،قال:حدّثنا أبو الجهم أحمد بن الحسين بن طلاب المشغرائي (3)، من قرية من قرى غوطة دمشق يقال لها:مشغرا (4)،قال:حدّثنا محمّد بن عبد الرحمن الجعفي (5)،قال:حدّثنا أبو أسامة،قال:حدّثنا عبيد اللّه بن عمر (6)، عن سالم،عن ابن عمر، عن النبيّ صلّى اللّه عليه و سلّم،أنّه قال:
بينما ثلاثة رهط من بني إسرائيل يسيرون،إذ أخذهم المطر،فأووا إلى
ص:125
غار،فانطبقت عليهم صخرة،فسدّت الغار،فقالوا:تعالوا فليسأل اللّه تعالى كلّ رجل منّا بأفضل عمله.
فقال أحدهم:اللّهمّ إنّه كانت لي ابنة عمّ جميلة،و كنت أهواها،فدفعت إليها مائة دينار،فلمّا جلست منها مجلس الرجل من المرأة،قالت:اتّق اللّه يا ابن عمّ،و لا تفضّ الخاتم[إلاّ بحقّه] (1)،فقمت عنها،و تركت المائة دينار، اللّهمّ إن كنت تعلم،أنّي فعلت هذا خشية منك،و ابتغاء ما عندك،فأفرج عنّا،فانفرج عنهم ثلث الصخرة.
و قال الآخر:اللّهمّ إن كنت تعلم أنه كان لي أبوان شيخان كبيران،و كنت أغدو عليهما بصبوحهما،و أروح عليهما بغبوقهما،فغدوت عليهما يوما، فوجدتهما نائمين،فكرهت أن أوقظهما،و كرهت أن أنصرف عنهما،فيفقدا غداءهما،فوقفت حتّى استيقظا،فدفعت إليهما غداءهما،اللّهمّ إن كنت تعلم أنّي إنّما فعلت ذلك ابتغاء ما عندك،و خشية منك،فأفرج عنّا،فانفرج الثلث الثاني.
و قال الثالث:اللّهمّ[18 م]إن كنت تعلم،أنّي استأجرت أجيرا، فلمّا دفعت إليه أجره،قال:عملي بأكثر من هذا،فترك عليّ أجره،و قال:
بيني و بينك يوم يؤخذ فيه للمظلوم من الظالم،و مضى،فابتعت له بأجره غنما، و لم أزل أنميها و أرعاها،و هي تزيد و تكثر،فلمّا كان بعد مدّة،أتاني،فقال لي:يا هذا إنّ لي عندك أجرا،عملت كذا و كذا في وقت كذا و كذا،فقلت:
خذ هذه الغنم،فهي لك،[فقال:تمنعني من أجري،و تهزأ بي،فقلت:
خذها فهي لك] (2)،فأخذها و دعا لي،اللّهمّ إن كنت تعلم أنّي فعلت هذا خشية
ص:126
منك،و ابتغاء ما عندك،فأفرج عنّا،فانفرج عنهم باقي الصخرة،و خرجوا يمشون،و ذكر الحديث كذا.
قال مؤلّف هذا الكتاب:هذا الحديث مشهور،رواه عن النبيّ صلّى اللّه عليه و سلّم،عليّ بن أبي طالب،و عبد اللّه بن عبّاس،و عبد اللّه بن عمر، و عبد اللّه بن أبي أوفى (1)،و النعمان بن بشير الأنصاري (2)،و غيرهم،و عن كلّ واحد منهم عدّة طرق،و قد اختلف في ألفاظه و المعنى واحد،و ليس غرضي هنا، جمع طرقه و ألفاظه،فأستقصي ما روي من ذلك،إلاّ أنّ في هذه الرواية، غلطا لا بد من تبيينه،و هو أنّه روي من غير طريق عن أبي أسامة[21 غ]، عن عمر بن حمزة العمريّ (3)،عن سالم،عن ابن عمر[ليس فيه عبيد اللّه، و المشهور أنّه عن عبيد اللّه عن نافع (4)عن ابن عمر] (5).
و جاء من طريق أخرى أبين من هذا،و وقع لنا بعلوّ،فحدّثني أبو العبّاس محمّد بن أحمد الأثرم (6)،المقرئ البغدادي،بالبصرة سنة خمس و ثلاثين
ص:127
و ثلاثمائة،قال:حدّثنا إبراهيم بن الهيثم البلدي (1)،قال:حدّثنا أبو اليمان الحكم ابن نافع (2)،قال:أنبأنا شعيب (3)،عن الزهري،قال:أخبرني سالم بن عبد اللّه ابن عمر،أنّ عبد اللّه بن عمر،قال:سمعت النبيّ صلّى اللّه عليه و سلّم يقول:
[18 ظ]انطلق ثلاثة رهط ممن كان قبلكم،حتى أواهم المبيت إلى غار، فدخلوا،فانحدرت عليهم صخرة من الجبل،فسدّت عليهم الغار،و ذكر الحديث إلى نحو الرواية الأولى.
ص:128
لا إله إلاّ أنت سبحانك إنّي كنت من الظالمين
حدّثنا عليّ بن الحسن،قال:حدّثنا ابن الجراح،قال:حدّثنا ابن أبي الدّنيا،قال:حدّثنا هارون بن سفيان (1)،قال:حدّثنا عبيد بن محمّد (2)عن محمّد بن مهاجر (3)،قال:حدّثنا إبراهيم بن محمّد بن سعد (4)عن أبيه (5)،عن جدّه (6)،قال:كنّا جلوسا عند رسول اللّه صلّى اللّه عليه و سلّم،فقال:
أ لا أخبركم و أحدّثكم بشيء،إذا نزل برجل منكم كرب أو بلاء من الدنيا، و دعا به،فرّج اللّه عنه؟
فقيل له:بلى.
قال:دعاء ذي النّون،لا إله إلاّ أنت سبحانك إنّي كنت من الظالمين.
ص:129
دعاء للمريض
وجدت في كتاب ألّفه محمّد بن جرير الطبري،و سمّاه:كتاب الآداب الحميدة و الأخلاق النفيسة:حدّثنا ابن بشّار (1)،قال:حدّثنا ابن أبي عديّ (2)، عن حميد بن عبد الرحمن الحميري (3)،قال:كان بأبي الحصاة،فكان يلقى -من شدّة ما به-البلاء.
قال حميد:فانطلقت إلى بيت المقدس،فلقيت أبا العوّام،فشكوت إليه الذي بأبي،و أخبرته خبره.
فقال:مره فليدع بهذه الدعوة:ربّنا الذي في السّماء عرشه،ربّنا الذي في السماء تقدّس اسمه،أمرك ماض في السماء و الأرض،و كما رحمتك في السّماء،فاجعلها في الأرض،اغفر لنا ذنوبنا و خطايانا،إنّك أنت الغفور الرحيم،اللّهمّ أنزل رحمة من رحمتك،و شفاء من شفائك،على ما بفلان من وجع.
قال:فدعا به،فأذهبه اللّه تعالى عنه.
ص:130
كلمات الفرج
حدّثنا عليّ بن الحسن،قال:حدّثنا ابن الجرّاح،قال:حدّثنا ابن أبي الدّنيا،قال:حدّثنا أبو خيثمة (1)،قال:حدّثنا يزيد بن هارون (2)عن سعيد بن أبي عروبة (3)،عن قتادة،عن أبي العالية (4)،عن ابن عبّاس،عن النبيّ صلّى اللّه عليه و سلّم،قال:
كلمات الفرج:لا إله إلاّ اللّه الحليم الكريم،لا إله إلاّ اللّه العليّ العظيم، لا إله إلاّ اللّه ربّ السموات السبع،و ربّ الأرضين السبع[13 ر]،و ربّ العرش العظيم (5).
ص:131
دعوات المكروب
حدّثنا عليّ بن الحسن،قال:حدّثنا ابن الجراح،قال:حدّثنا ابن أبي الدّنيا،قال:حدّثنا زيد بن أخزم الطائي (1)،قال:حدّثنا عبد الملك بن عمرو أبو عامر (2)،قال:حدّثنا عبد الجليل بن عطيّة (3)عن جعفر بن ميمون (4)،قال:
حدّثني عبد الرحمن بن أبي بكرة (5)،عن أبيه (6)، عن النبيّ صلّى اللّه عليه و سلّم، قال:
دعوات المكروب:اللّهمّ رحمتك أرجو،فلا تكلني إلى نفسي طرفة عين، و أصلح لي شأني كلّه،لا إله إلاّ أنت (7).
أخبرني أبو بكر مكرم بن أحمد بن عبد الوهّاب بن مكرم القاضي (8)،قال:
حدّثنا أبو الأزهر محمّد بن جعفر (9)،قال:حدّثنا أبو نعيم (10)،قال:حدّثنا
ص:132
عبد العزيز بن عمر بن عبد العزيز (1)عن هلال مولى غفرة (2)،عن عمر بن عبد العزيز (3)،عن عبد اللّه بن جعفر (4)،قال:
علّمتني أمّي أسماء بنت عميس (5)،شيئا أمرها رسول اللّه صلّى اللّه عليه و سلّم،أن تقوله عند الكرب:اللّه ربّي،لا أشرك به شيئا.
أخبرني مكرم بن أحمد القاضي،قال:حدّثنا محمد بن إسماعيل السلميّ (6)، قال:أنبأنا ابن أبي مريم (7)،قال:حدّثني يحيى بن أيّوب (8)،قال:حدّثني
ص:133
عبد العزيز بن عمر بن عبد العزيز،عن هلال مولى غفرة (1)[22 غ]،عن عمر بن عبد العزيز،عن عبد اللّه بن جعفر،أنّ رسول اللّه صلّى اللّه عليه و سلّم، كان يقول عند الكرب:اللّه ربّي،لا أشرك به شيئا.
حدّثنا بالموصل،في مجلس عضد الدولة (2)،و هو يسمع،إبراهيم بن محمّد الأنصاري المعروف بالثمدي (3)،و هو يخلفني يومئذ في جملة من جملة من أعمالي على القضاء بجزيرة ابن عمر (4)،و سنّه أكثر من تسعين سنة،و كان عضد الدولة استدعاه منها لعلوّ إسناده،و عمل له مجلسا بحضرته،حدّث فيه،و أحضرني و جماعة مخصوصين من أهل العلم،حتّى سمع منه،و سمعنا معه،قال:حدّثنا عبد اللّه بن محمّد بن قريعة الأزدي،و أبو العبّاس محمّد بن حسّان[19 ظ]
ص:134
البصريّان،قالا:حدّثنا عفّان بن مسلم (1)،قال:حدّثنا حمّاد بن سلمة (2)، عن أسامة بن زيد (3)،عن محمّد بن كعب القرظي (4)عن عبد اللّه بن شدّاد بن الهاد (5)،عن عبد اللّه بن جعفر،عن عليّ عليه السلام،قال:
علّمني رسول اللّه صلّى اللّه عليه و سلّم إذا نزل بي كرب أو شدّة،أن أقول:
لا إله إلاّ اللّه الحليم الكريم،عزّ اللّه،و تبارك اللّه،ربّ العرش العظيم،و الحمد للّه ربّ العالمين.
و أخبرني القاضي أبو الحسن عليّ بن إبراهيم بن حمّاد (6)،قال:حدّثنا محمد بن يونس الكديمي (7)،قال:حدّثنا روح بن عبادة (8)،قال:حدّثنا أسامة بن زيد،فذكر بإسناده مثله.
و أخبرني (9)القاضي عليّ بن إبراهيم،قال حدّثنا الكديمي،قال:حدّثني
ص:135
سعيد بن منصور البلخي (1)،قال:حدّثنا يعقوب بن عبد الرحمن (2)،عن محمّد ابن عجلان،عن محمّد بن كعب القرظي،فذكر بإسناده مثله.
حدّثنا عليّ بن الحسن،قال:حدّثنا ابن الجرّاح،قال:حدّثنا ابن أبي الدّنيا،قال:حدّثنا محمّد بن عبّاد بن موسى (3)،قال:حدّثني روح بن عبادة (4)، عن أسامة بن زيد،عن محمّد بن كعب القرظيّ،عن عبد اللّه بن شدّاد،عن عبد اللّه بن جعفر،عن عليّ بن أبي طالب رضي اللّه عنه،قال:علّمني رسول اللّه صلّى اللّه عليه و سلّم،إذا نزل بي كرب،أن أقول:لا إله إلاّ اللّه الحليم الكريم، سبحان اللّه،و تبارك اللّه ربّ العرش العظيم،و الحمد للّه ربّ العالمين (5)[19 م].
حدّثنا:عليّ بن الحسن،قال:حدّثنا ابن الجرّاح،قال:حدّثنا ابن أبي الدّنيا،قال:حدّثنا أبو خيثمة،قال:حدّثنا عفّان بن مسلم،عن عبد الواحد ابن زياد (6)،قال:حدّثنا مجمع بن يحيى (7)،قال:حدّثنا أبو العيوف صعب، أو صعيب العنزي،عن أسماء بنت عميس،قالت: سمعت رسول اللّه صلّى اللّه عليه و سلّم،يقول:
من أصابه همّ،أو غمّ،أو سقم،أو شدّة،أو ذلّ،أو لأواء،فقال:
ص:136
اللّه ربّي،لا شريك له،كشف اللّه ذلك عنه (1).
حدّثنا عليّ بن الحسن،قال:حدّثنا ابن الجرّاح،قال:حدّثنا ابن أبي الدّنيا،قال:حدّثني سعيد بن سليمان (2)،قال:حدّثنا فضيل بن مرزوق (3)، قال:حدّثنا أبو سلمة الجهني (4)،عن القاسم بن عبد الرحمن (5)،عن أبيه (6)، قال،[قال عبد اللّه بن مسعود:] (7)قال رسول اللّه صلّى اللّه عليه و سلّم:
ما أصاب مسلما قطّ،همّ،أو حزن،فقال:اللّهمّ إنّي عبدك،و ابن أمتك،ناصيتي في يدك،ماض فيّ حكمك،عدل فيّ قضاؤك،أسألك بكلّ اسم هو لك،سمّيت به نفسك،أو أنزلته في كتابك،أو علّمته أحدا من خلقك، أو استأثرت به في علم الغيب عندك،أن تجعل القرآن ربيع قلبي،و جلاء حزني، و ذهاب همّي،إلاّ أذهب اللّه عنه كربه،و أبدله مكان حزنه فرحا.
قالوا:يا رسول اللّه أ فلا نتعلّم هذه الكلمات؟
قال:بلى،ينبغي لمن سمعهنّ أن يتعلّمهنّ (8).
حدّثنا عليّ بن الحسن،قال:حدّثنا ابن الجرّاح،قال:حدّثنا ابن أبي الدّنيا،قال:حدّثنا أبو حفص الصفّار أحمد بن حميد،قال:حدّثنا جعفر
ص:137
ابن سليمان (1)،قال:حدّثنا الخليل بن مرة (2)،عن فقيه من أهل[23 غ] الأردن،قال:
بلغنا أنّ رسول اللّه صلّى اللّه عليه و سلّم،كان إذا أصابه غمّ أو كرب يقول:
حسبي الربّ من العباد،حسبي الخالق من المخلوق،حسبي الرازق من المرزوق، حسبي اللّه الذي هو حسبي،حسبي اللّه و نعم الوكيل،حسبي اللّه،لا إله إلاّ هو، عليه توكّلت،و هو ربّ العرش العظيم (3).
حدّثنا عليّ بن الحسن،قال:حدّثنا ابن الجرّاح،قال:حدّثنا ابن أبي الدّنيا،قال:حدّثنا القاسم بن هاشم (4)،قال:حدّثني الخطّاب بن عثمان (5)، قال:حدّثني ابن أبي فديك (6)،قال:حدّثنا سعد بن سعيد (7)،قال:حدّثنا أبو إسماعيل ابن أبي فديك،قال: قال رسول اللّه صلّى اللّه عليه و سلّم:
ما كربني أمر،إلاّ تمثّل لي جبريل عليه السّلام،فقال:يا محمّد،قل توكّلت على[20 ظ]الحيّ الذي لا يموت،و الحمد للّه الذي لم يتخذ ولدا، و لم يكن له شريك في الملك...إلى آخر الآية.
حدّثنا عليّ بن الحسن،قال:حدّثني ابن الجرّاح،قال:حدّثنا ابن أبي الدّنيا،قال:حدّثنا إسحاق بن إبراهيم (8)،قال:حدّثنا النضر بن إسماعيل
ص:138
البجليّ (1)عن عبد الرحمن بن إسحاق (2)،عن القاسم بن عبد الرحمن،عن عبد اللّه،قال:كان رسول اللّه صلّى اللّه عليه و سلّم،إذا نزل به همّ،أو غمّ،قال:
يا حيّ،يا قيّوم،برحمتك أستغيث (3).
حدّثنا جعفر بن أبي طالب بن أبي جعفر بن البهلول التنوخي القاضي (4)، قال:حدّثنا أبو القاسم عبد الوهاب بن أبي حيّة (5)،قال:حدّثنا إسحاق ابن أبي إسرائيل (6)،قال:حدّثني النضر بن إسماعيل،عن عبد الرحمن بن إسحاق،عن القاسم بن عبد الرحمن،قال:حدّثنا عبد اللّه بن مسعود قال:
كان رسول اللّه صلّى اللّه عليه و سلّم،إذا نزل به غمّ أو كرب،قال:يا حيّ،يا قيّوم،برحمتك أستغيث.
حدّثنا عليّ بن الحسن،قال:حدّثنا ابن الجرّاح،قال:حدّثنا ابن أبي الدّنيا،قال:حدّثنا هارون بن سفيان،قال:حدّثني عبد اللّه بن محمد القرشي (7)،
ص:139
عن نعيم بن مورع (1)،عن جويبر (2)،عن الضحّاك (3)،قال:
دعاء موسى حين توجّه إلى فرعون،و دعاء رسول اللّه صلّى اللّه عليه و سلّم [24 غ]،يوم حنين،و دعاء كلّ مكروب:كنت و تكون،حيّا لا تموت، تنام العيون،و تنكدر النجوم،و أنت حيّ قيّوم،لا تأخذك سنّة و لا نوم،يا حيّ،يا قيّوم (4).
ص:140
دعاء الفرج
دعاء الفرج،أعطانيه أبو الحمد داود بن الناصر لدين اللّه و اسمه أحمد بن الهادي للحقّ يحيى بن الحسين بن القاسم بن إبراهيم المعروف بطباطبا ابن إسماعيل ابن إبراهيم بن الحسن بن الحسن بن عليّ بن أبي طالب،و قال لي:إنّ أهله يتوارثونه،و هو عن أمير المؤمنين عليه السلام:
يا من تحلّ به عقد المكاره،و يفلّ حدّ الشدائد،و يا من يلتمس به المخرج، و يطلب منه روح الفرج،أنت المدعوّ في المهمّات،و المفزع في الملمّات،لا يندفع منها إلاّ ما دفعت،و لا ينكشف منها إلاّ ما كشفت،قد نزل بي ما قد علمت،و قد كادني ثقله،و ألمّ بي ما بهظني حمله،و بقدرتك أوردته عليّ، و بسلطانك وجّهته إليّ،و لا مصدر لما أوردت،و لا كاشف لما وجّهت،و لا فاتح لما أغلقت،و لا ميسّر لما عسّرت،و لا معسّر لما يسّرت،فصلّ اللّهمّ على محمد،و على آل محمد،و افتح لي باب الفرج بطولك،و احبس عنّي سلطان الهمّ بحولك،و أنلني حسن النظر فيما شكوت،و أذقني[20 م]حلاوة الصنع فيما سألت،وهب لي من لدنك فرجا هنيّا عاجلا،و صلاحا في جميع أمري سنيّا شاملا،و اجعل لي من لدنك فرجا قريبا،و مخرجا رحبا،و لا تشغلني بالاهتمام عن تعاهد فروضك،و استعمال سنّتك،فقد ضقت ذرعا بما عراني،و تحيّرت فيما نزل بي و دهاني،و ضعفت عن حمل ما قد أثقلني همّا،و تبدّلت[14 ر] بما أنا فيه قلقا و غمّا،و أنت القادر على كشف ما قد وقعت فيه،و دفع ما منيت به،فافعل بي ذلك يا سيّدي و مولاي،و إن لم أستحقّه،و أجبني إليه و إن لم أستوجبه،يا ذا العرش العظيم(ثلاث مرّات).
ص:141
دعاء آخر للفرج
و أعطاني دعاء آخر للفرج،و قال لي:إنّ أهله بصعدة (1)،يتوارثونه عن أهل البيت عليهم السلام:
لا إله إلاّ اللّه حقّا حقّا،لا إله إلاّ اللّه تعبّدا و رقّا،لا إله إلاّ اللّه إيمانا و صدقا، يا منزل الرحمة من معادنها،و منشئ البركة من أماكنها،أسألك أن تصلّي على محمد،عبدك و نبيّك،و خيرتك من خلقك و صفيّك،و على آله مصابيح الدجى، و أئمّة الهدى،و أن تفرّج عنّي فرجا عاجلا،و تنيلني صلاحا لجميع أمري شاملا، و تفعل بي،في ديني و دنياي،ما أنت أهله،يا كاشف الكرب،يا غافر الذنب، يا اللّه،يا ربّ.
ص:142
استغفروا ربّكم إنّه كان غفّارا
حدّثني أيوب بن العباس بن الحسن[21 ظ]الذي كان وزير المكتفي- و لقيت أيوب بالأهواز في حدود سنة خمسين و ثلاثمائة-من حفظة،قال:
حدّثني عليّ بن همّام،بإسناد لست أحفظه:
أنّ أعرابيا شكى إلى أمير المؤمنين علي بن أبي طالب عليه السلام شدّة لحقته، و ضيقا في الحال،و كثرة من العيال.
فقال له:عليك بالاستغفار،فإنّ اللّه[تعالى] (1)يقول:استغفروا ربّكم، إنّه كان غفّارا...الآيات.
فعاد إليه،و قال:يا أمير المؤمنين قد استغفرت كثيرا،و ما أرى فرجا مما أنا فيه.
قال:لعلّك لا تحسن أن تستغفر.
قال:علّمني.
قال:أخلص نيّتك،[25 غ]و أطع ربّك،و قل:اللّهم إنّي أستغفرك من كلّ ذنب،قوي عليه بدني بعافيتك،أو نالته يدي بفضل نعمتك،أو بسطت إليه يدي بسابغ رزقك،أو اتّكلت فيه،عند خوفي منه،على أناتك، أو وثقت فيه بحلمك،أو عوّلت فيه على كرم عفوك،اللّهم إنّي أستغفرك من كلّ ذنب خنت فيه أمانتي،أو بخست فيه نفسي،أو قدّمت فيه لذّتي،أو آثرت فيه شهوتي،أو سعيت فيه لغيري،أو استغويت فيه من تبعني،أو غلبت فيه بفضل حيلتي،أو أحلت فيه عليك يا مولاي،فلم تؤاخذني على فعلي،إذ كنت- سبحانك-كارها لمعصيتي،لكن سبق علمك فيّ باختياري،و استعمالي مرادي
ص:143
و إيثاري،فحلمت عنّي،لم تدخلني فيه جبرا،و لم تحملني عليه قهرا،و لم تظلمني شيئا،يا أرحم الراحمين،يا صاحبي عند شدّتي،يا مؤنسي في وحدتي،و يا حافظي عند غربتي (1)،يا وليّي في نعمتي،و يا كاشف كربتي،و يا سامع دعوتي، و يا راحم عبرتي،و يا مقيل عثرتي،يا إلهي بالتحقيق،يا ركني الوثيق،يا رجائي في الضيق (2)،يا مولاي الشفيق،و يا ربّ البيت العتيق،أخرجني من حلق المضيق، إلى سعة الطريق،و فرج من عندك قريب وثيق،و اكشف عنّي كلّ شدّة و ضيق، و اكفني ما أطيق و ما لا أطيق،اللّهمّ فرّج عنّي كلّ همّ و كرب،و أخرجني من كلّ غمّ و حزن،يا فارج الهمّ،و يا كاشف الغمّ،و يا منزل القطر[21 م]، و يا مجيب دعوة المضطرّ،يا رحمن الدنيا و الآخرة و رحيمها،صلّ على خيرتك محمد النبيّ،و على آله الطيّبين الطاهرين،و فرّج عنّي ما ضاق به صدري،و عيل معه صبري،و قلّت فيه حيلتي،و ضعفت له قوّتي،يا كاشف كلّ ضرّ و بليّة، و يا عالم كلّ سرّ و خفيّة،يا أرحم الراحمين،و أفوّض أمري إلى اللّه،إنّ اللّه بصير بالعباد،و ما توفيقي إلاّ باللّه،عليه توكّلت،و هو ربّ العرش العظيم.
قال الأعرابي:فاستغفرت بذلك مرارا،فكشف اللّه عزّ و جلّ عنّي الغمّ و الضيّق،و وسع عليّ في الرزق،و أزال عنّي المحنة.
ص:144
لا أبالي على أيّ حالة أصبحت
حدّثنا علي بن الحسن،قال:حدّثنا ابن الجرّاح،قال:حدّثنا ابن أبي الدنيا،قال:حدّثني علي بن الجعد و إسحاق بن إسماعيل (1)،قالا:حدّثنا سفيان ابن عيينة،عن أبي السوداء (2)،عن أبي مجلز (3)،قال: قال عمر بن الخطاب رضي اللّه عنه:
ما أبالي على أيّ حالة أصبحت،على ما أحبّ،أو على ما أكره،و ذلك أنّي لا أدري،الخير فيما أحبّ،أو فيما أكره (4).
حدّثنا علي بن الحسن،قال:حدّثنا ابن الجرّاح،قال:حدّثنا ابن أبي الدنيا،قال:حدّثنا إبراهيم بن سعيد (5)،قال:حدّثنا أبو أسامة (6)،عن الأعمش، عن إبراهيم (7)،قال:
إن لم يكن لنا خير فيما نكره،لم يكن لنا خير فيما نحبّ (8).
ص:145
حدّثنا علي بن الحسن،قال:حدّثنا ابن الجرّاح،قال:حدّثنا ابن أبي الدنيا،قال:حدّثنا عبد الرحمن بن صالح الأزدي (1)،قال:حدّثنا أبو روح (2)، رجل من أهل مرو،عن سفيان بن عيينة،قال:
مرّ محمد بن عليّ (3)،على محمد بن المنكدر (4)،فقال:ما لي أراك مغموما؟ فقال أبو حازم:ذلك لدين فدحه.
قال محمد بن علي:أفتح له في الدعاء؟
قال:نعم.
قال:لقد بورك لعبد في حاجة أكثر فيها دعاء ربّه،كانت ما كانت (5).
حدّثنا[26 غ]علي بن الحسن،قال:حدّثنا ابن الجرّاح،قال:حدّثنا ابن أبي[22 ظ]الدنيا،قال:حدّثنا عبد الرحمن بن صالح الأزدي،قال:
حدّثنا أبو روح،قال: قال ابن عيينة:
ما يكره العبد،خير له ممّا يحبّ،لأنّ ما يكره،يهيجه على الدعاء،و ما يحبّ،يلهيه عنه (6).
ص:146
دعاء داود عليه السلام
قال ابن أبي الدنيا،قال حدّثنا أبو نصر التمّار (1)،قال:حدّثنا سعيد بن عبد العزيز التنوخيّ (2)،قال: قال داود عليه السلام:
سبحان اللّه مستخرج الدعاء بالبلاء،سبحان اللّه مستخرج الشكر بالرخاء (3).
ما أقرب النعيم من البؤس
حدّثنا علي بن الحسن،قال:حدّثنا ابن الجرّاح،قال:حدّثنا ابن أبي الدنيا،قال:حدّثنا أحمد بن إبراهيم العبدي (4)،قال:حدّثنا العلاء بن عبد الجبار العطار (5)،قال:حدّثنا أبو عبد الصمد العمّي،قال:سمعت مالك بن دينار (6)،يقول في مرضه،و هو من آخر كلام سمعته يتكلّم به:
ما أقرب النعيم من البؤس،يعقبان،و يوشكان زوالا (7).
ص:147
عبيدك بفنائك
حدّثنا علي بن الحسن،قال:حدّثنا ابن الجرّاح،قال:حدّثنا ابن أبي الدّنيا،قال:حدّثنا محمد بن الحسين (1)،قال:حدّثني عبد اللّه بن محمد التميمي (2)،قال:حدّثنا شيخ مولى لعبد القيس، عن طاوس (3)،قال:
إنّي لفي الحجر ذات ليلة،إذ دخل عليّ بن الحسين عليهما السلام (4)،فقلت:
رجل صالح من أهل بيت الخير،لأستمعنّ إلى دعائه الليلة،فصلّى،ثم سجد، فأصغيت بسمعي إليه،فسمعته يقول:عبيدك بفنائك،مسكينك بفنائك، فقيرك بفنائك،سائلك بفنائك.
قال طاوس:فحفظتهنّ،فما دعوت بهنّ في كرب،إلاّ فرّج اللّه عنّي (5).
ص:148
ذبح عجلا بين يدي أمه فخبل
حدّثنا إبراهيم بن محمد الأنصاري،بالموصل،بحضرة عضد الدولة، قال:أنبأنا أبو خليفة الفضل بن الحباب الجمحي القاضي (1)،و أبو جعفر محمّد بن محمّد بن حبّان الأنصاري،البصريّان،قالا:حدّثنا موسى بن إسماعيل التبوذكي (2)،قال:حدّثني حمّاد بن سلمة (3).قال:حدّثنا أبو عمران الجوفي (4)عن نوف البكالي:
أنّ نبيا أو صدّيقا ذبح عجلا بين يدي أمّه،فخبل (5)،فبينما هو كذلك ذات يوم،تحت شجرة فيها وكر طير،إذ وقع فرخ طائر في الأرض،و تغبّر في التراب،فأتاه الطائر،فجعل يطير فوق رأسه،فأخذ النبيّ أو الصدّيق الفرخ، فمسحه من التراب،و أعاده في وكره،فردّ اللّه عزّ و جلّ عليه عقله.
ص:149
الغمرات ثمّ ينجلين
أخبرني أبي،قال:حدّثنا حرمي بن أبي العلاء (1)،قال:حدّثنا الزبير بن بكّار (2)،قال:و حدّثني أحمد بن عبد اللّه بن أحمد الورّاق،قال:حدّثنا أحمد ابن سليمان الطوسي (3)،قال:حدّثنا الزبير بن بكّار،قال:أخبرني عثمان بن سليمان (4)،قال:
قال عمر بن الخطاب رضي اللّه عنه،يوما لجلسائه،و فيهم عمرو بن العاص (5):ما أحسن شيء؟
فقال كلّ رجل برأيه؛و عمرو ساكت.
فقال:ما تقول يا عمرو؟قال:الغمرات ثم ينجلين.
ص:150
رقعة أبي الفرج الببغاء إلى القاضي
التنوخي مؤلّف الكتاب يتوجّع له في محنته
قال مؤلّف هذا الكتاب:و لحقتني محنة غليظة من السلطان (1)،فكتب إليّ أبو الفرج عبد الواحد بن نصر بن محمد المخزومي الكاتب الشاعر النصيبي، المعروف بالببغاء،رقعة،يتوجّع لي فيها،نسختها:
بسم اللّه الرّحمن الرحيم،مدد النعم-أطال اللّه بقاء سيّدنا القاضي-بغفلات المسارّ و إن طالت،أحلام،و ساعات المحن،و إن قصرت بشوائب الهمّ،أعوام، و أحظانا بالمواهب،من ارتبطها بالشكر،و أنهضنا بأعباء المصائب،من قاومها بعدد الصبر،إذ كان أوّلها بالعظة مذكّرا،و آخرها بمضمون الفرج مبشّرا، و إنّما يتعسّف ظلم الفتنة،و يتمسّك (2)بتفريط العجز،ضالّ الحكمة،من كان بسنة الغفلة مغمورا،و بضعف المنّة و الرأي مقهورا،و في انتهاز فرص الحزم مفرّطا،و لمرضيّ ما اختاره اللّه تعالى فيه متسخّطا.
و سيّدنا القاضي-أدام اللّه تأييده-أنور بصيرة،و أطهر سريرة،و أكمل حزما،و أنفذ مضاء و عزما،من أن يتسلّط الشكّ على يقينه[23 ظ]أو يقدح اعتراض الشبه في مروءته و دينه،فيلقى ما اعتمده اللّه من طارق القضاء المحتوم، بغير واجبه من فرض الرضا و التسليم،و مع ذلك فإنّما تعظم المحنة إذا تجاوزت،
ص:152
و ضعف التنبيه من اللّه جلّ ذكره إلى واجب العقوبة،و يصير مجيء السّلطان -أدام اللّه عزّه-بها،وجوب الحجة،و شغلت الألسن عن محمود الثناء (1)منها بمذموم اللائمة،فإذا خلت من هذه الصفات المليمة،و الشوائب المذمومة، كانت-و إن راع ظاهرها-بصفات النعم أولى،و بأسماء المنح (2)أحقّ و أحرى، و متى أعمل ذو الفهم الثاقب،و الفكر الصائب،مثله أعزّه اللّه،بكامل عقله، و زائد فضله،فيما يسامح به الدنيا من مرتجع هباتها،و تمدّ له من خدع لذّاتها، علم أنّ أسعد أهلها فيها ببلوغ الآمال،أقربهم فيما خوّله من التغيّر و الانتقال، فصفاؤها مشوب بالكدر،و أمنها مروع بالحذر،لأنّ انتهاء الشيء إلى حدّه، ناقل له عما كان عليه إلى ضدّه،فتكاد المحنة،بهذه القاعدة،لاقترانها من الفرج بفسيح الرجاء،و انتهاء الشدّة منها إلى مستجدّ الرخاء،أن تكون أحقّ بأسماء النعم،و أدخل في أسباب المواهب و القسم،و بالحقيقة،فكلّ وارد من اللّه تعالى على العبد،و إن جهل مواقع الحكم منه،و ساءه استتار عواقب الخيرة بمفارقة ما نقل عنه،غير خال من مصلحة،بتقديم عاجل،و ادّخار آجل.
و هذا وصف ما ذكّر اللّه به سيّدنا القاضي-أدام اللّه تأييده-إذ كان للمثوبة مفيدا،و للفرج ضامنا،و بالحظّ مبشّرا،و إلى المسرة مؤدّيا،و بأفضل ما عوّده اللّه جلّ اسمه عائدا،و هو-أدام اللّه كفايته-يتنجّز ذلك بمستحكم الثقة، و وجاهة الدعاء و الرغبة،و وسائط الصبر و المعونة،و لعلّه أن يكون إليه أقرب من ورود رقعتي هذه عليه،بقدرة اللّه و مشيئته،و لو لا الخوف من الإطالة،و التعرّض للإضجار و الملالة،بإخراج هذه الرقعة عن مذهب الرقاع،و إدخالها بذكر ما نطق به نصّ الكتاب،من ضمان اليسر بعد العسر،و ما وردت به في هذا المعنى،الأمثال السائرة،و الأشعار المتناقلة،في جمة الرسائل و حيز المصنّفات،
ص:153
لأودعتها نبذا من ذلك،لكنّي آثرت أن لا أعدل بها عما افتتحتها به،و استخدمتها له،مقتصرا على استغناء سيّدنا القاضي-أدام اللّه تأييده-عن ذلك،بمرشد حفظه،و وفور فضله،و مأثور نباهته و نبله،و اللّه يبلغه و يبلغنا فيه نهاية الآمال، و لا يخليه،في طول البقاء،من مواد السعادة و الإقبال،إن شاء اللّه تعالى، و هو حسبنا و نعم الوكيل.
حسن الظّن باللّه أقرب إلى الفرج
قال بعض الصالحين:[28 غ]استعمل في كلّ بليّة تطرقك حسن الظنّ باللّه عزّ و جلّ،في كشفها،فإنّ ذلك أقرب بك إلى الفرج.
الصبر على قدر البلاء
و روي عن عليّ بن أبي طالب عليه السلام،أنّه قال:أفضل عمل الممتحنين، انتظار الفرج من اللّه عزّ و جلّ،و الصبر على قدر البلاء.
و عنه:الصبر كفيل بالنجاح،و المتوكّل لا يخيب ظنّه.
ص:154
قد ينجلي المكروب عمّا يسرّ
و كان يقال:العاقل لا يذلّ بأوّل نكبة،و لا يفرج بأوّل نعمة،فربّما أقلع المحبوب عمّا يضر،و أجلى المكروه عمّا يسرّ.
شكا عبد اللّه بن طاهر (1)،إلى سليمان بن يحيى بن معاذ (2)كاتبه،بلاء خافه و توقّعه.
فقال له:أيّها الأمير،لا يغلبنّ على قلبك،إذا اغتممت،ما تكره دون ما تحبّ،فلعلّ العاقبة تكون بما تحبّ،و توقّي ما تكره،فتكون كمن يستسلف الغمّ و الخوف.
قال:أما أنّك قد فرّجت عنّي ما أنا فيه.
ص:155
لما ذا أصبح الاستغفار سنّة في الاستسقاء
بلغني أنّ الناس قحطوا بالمدينة،في سنة من خلافة عمر بن الخطاب (1)، فخرج بهم مستسقيا،فكان أكثر قوله الاستغفار.
فقيل له:يا أمير المؤمنين،لو دعوت.
فقال:أ ما سمعتم قوله عزّ و جلّ اِسْتَغْفِرُوا رَبَّكُمْ،إِنَّهُ كٰانَ غَفّٰاراً، يُرْسِلِ السَّمٰاءَ عَلَيْكُمْ مِدْرٰاراً، وَ يُمْدِدْكُمْ بِأَمْوٰالٍ وَ بَنِينَ،وَ يَجْعَلْ لَكُمْ جَنّٰاتٍ، وَ يَجْعَلْ لَكُمْ أَنْهٰاراً (2).
فصار الاستكثار من الاستغفار في الاستسقاء[24 ظ]سنّة إلى اليوم.
ص:156
أقوال الحكماء في الصبر
يحكى عن أنوشروان (1)،أنّه قال:
جميع المكاره في الدنيا،تنقسم على ضربين،فضرب فيه حيلة،فالاضطراب دواؤه،و ضرب لا حيلة فيه،فالاصطبار (2)شفاؤه.
كان بعض الحكماء يقول:الحيلة فيما لا حيلة فيه،الصبر.
و كان يقال:من اتّبع الصبر،اتّبعه النّصر.
و من الأمثال السائرة:الصبر مفتاح الفرج،من صبر قدر،ثمرة الصبر الظفر،عند اشتداد البلاء يأتي الرخاء.
و كان يقال:تضايقي تنفرجي (3).
و كان يقال:إذا اشتدّ الخناق انقطع.
و كان يقال:خف المضارّ،من خلل المسارّ،و ارج النفع،من موضع المنع،و احرص على الحياة،بطلب الموت،فكم من بقاء سببه استدعاء الفناء، و من فناء سببه إيثار البقاء،و أكثر ما يأتي الأمن من قبل الفزع.
و العرب تقول:إنّ في الشرّ خيارا.
و قال الأصمعيّ:معناه،أنّ بعض الشرّ أهون من بعض.
و قال أبو عبيدة:معناه،إذا أصابتك مصيبة،فاعلم أنّه قد يكون أجلّ منها،فلتهن عليك مصيبتك.
ص:157
قال بعض الحكماء:عواقب الأمور،تتشابه في الغيوب (1)،فربّ محبوب في مكروه،و مكروه في محبوب،و كم مغبوط بنعمة هي داؤه،و مرحوم من داء هو شفاؤه.
و كان يقال:ربّ خير من شرّ،و نفع من ضرّ.
و روي أنّ أمير المؤمنين عليّا قال:يا ابن آدم،لا تحمل همّ يومك الذي لم يأت،على يومك الذي أتى،فإنّه إن يكن في عمرك،يأتك اللّه فيه بمحبّتك، و اعلم أنّك لن تكسب شيئا سوى قوتك،إلاّ كنت فيه خازنا لغيرك بعد موتك.
و قال وداعة السهمي،في كلام له:اصبر على الشرّ إن قدحك (2)،فربّما أجلى عمّا يفرحك،و تحت الرغوة اللبن الصريح.
شريح القاضي يحمد اللّه على المصيبة أربع مرّات
قال شريح (3):إنّي لأصاب بالمصيبة،فأحمد اللّه عزّ و جلّ عليها أربع مرّات،أحمده إذ لم تكن أعظم ممّا هي،و أحمده إذ رزقني الصبر عليها، و أحمده إذ وفّقني للاسترجاع،لما أرجو فيه من الثواب،و أحمده إذ لم يجعلها في ديني.
ص:158
من ساعة إلى ساعة فرج
و يشبه هذا ما روي عن بزرجمهر بن البختكان الحكيم (1)،الذي كان وزير [15 ر]أنوشروان،فإنّه حبسه عند غضبه،في بيت كالقبر ظلمة و ضيقا، و صفّده بالحديد،و ألبسه الخشن من الصوف،و أمر أن لا يزاد في كلّ يوم، على قرصين خبزا شعيرا،و كفّ ملح جريش،و دورق ماء،و أن تحصى ألفاظه، فتنقل إليه،فأقام بزرجمهر شهورا،لا تسمع له لفظة.
فقال أنوشروان:أدخلوا إليه أصحابه،و مروهم أن يسألوه،و يفاتحوه في الكلام،و اسمعوا ما يجري بينهم،و عرّفونيه.
فدخل إليه جماعة من المختصّين-كانوا-به،فقالوا له:أيّها الحكيم، نراك في هذا الضيق،و الحديد،و الصوف،و الشدّة التي وقعت فيها،و مع هذا، فإنّ سحنة وجهك،و صحّة جسمك،على حالهما،لم تتغيّرا،فما السبب في ذلك؟.
فقال:إنّي عملت جوارشا (2)من ستّة أخلاط،آخذ منه كلّ يوم شيئا، فهو الذي أبقاني على ما ترون.
قالوا:فصفه لنا،فعسى أن نبتلى بمثل بلواك،أو أحد من إخواننا، فنستعمله و نصفه له.
ص:159
قال:الخلط الأوّل:الثقة باللّه عزّ و جلّ،و الخلط الثاني:علمي بأنّ كلّ مقدّر.كائن،و الخلط الثالث:الصبر خير ما استعمله الممتحنون،و الخلط الرابع:
إن لم أصبر أنا فأيّ شيء أعمل،و لم أعين على نفسي بالجزع،و الخلط الخامس:
قد يمكن أن أكون في شرّ مما أنا فيه،و الخلط السادس:من ساعة إلى ساعة فرج.
[قال:فبلغ كسرى كلامه،فعفا عنه] (1).
ص:160
يأتي اللّه بالفرج عند انقطاع الأمل
فصل لبعض كتّاب زماننا،و هو علي بن نصر بن علي الطبيب (1):
و كما أنّ اللّه جلّ و علا يأتي بالمحبوب،من الوجه الذي قدّر ورود المكروه منه، و يفتح بفرج،عند انقطاع الأمل،و استبهام[29 غ]وجوه الحيل،ليحضّ سائر خلقه،بما يريهم من تمام قدرته،على صرف الرجاء إليه،و إخلاص [آمالهم في] (2)التوكّل عليه،و أن لا يزووا وجوههم[22 م]في وقت من الأوقات [25 ظ]عن توقّع الروح منه،فلا يعدلوا بآمالهم على أيّ حال من الحالات،عن انتظار فرج يصدر عنه،و كذلك أيضا،يسرّهم فيما ساءهم،بأن كفاهم بمحنة يسيرة،ما هو أعظم منها،و افتداهم بملمّة سهلة،مما كان أنكى فيهم لو لحقهم.
قال إسحاق العابد:ربّما امتحن اللّه العبد،بمحنة يخلّصه بها من الهلكة، فتكون تلك المحنة،أجلّ نعمة.
قال:و سمعت،أنّ من احتمل المحنة،و رضي بتدبير اللّه تعالى في النكبة، و صبر على الشدّة،كشف له عن منفعتها،حتى يقف على المستور عنه من مصلحتها.
و قال عبد اللّه بن المعتزّ (3):ما أوطأ راحلة الواثق باللّه،و آنس مثوى المطيع للّه.
ص:161
حكى بعض النصارى،أنّ بعض الأنبياء عليهم السلام،قال:المحن تأديب من اللّه،و الأدب لا يدوم،فطوبى لمن تصبّر على التأديب،و تثبّت عند المحنة،فيجب له لبس إكليل الغلبة،و تاج الفلاح،الذي وعد اللّه به محبّيه، و أهل طاعته.
قال إسحاق:احذر الضجر،إذا أصابتك أسنّة المحن،و أعراض الفتن، فإنّ الطريق المؤدّي إلى النجاة صعب المسلك.
قال بزرجمهر:انتظار الفرج بالصبر،يعقب الاغتباط.
ص:162
حسن الظنّ باللّه لا يخيب
فصل آخر،لبعض كتّاب زماننا،و هو علي بن نصر بن بشر الطبيب:
كما أنّ الرجاء مادّة الصبر،و المعين عليه،فكذلك علّة الرجاء و مادّته، حسن الظنّ باللّه،الذي لا يجوز أن يخيب،فإنّا قد نستقري الكرماء،فنجدهم يرفعون من أحسن ظنّه بهم،و يتحوّبون (1)من تخييب أمله فيهم،و يتحرّجون من إخفاق رجاء من قصدهم،فكيف بأكرم الأكرمين،الذي لا يعوزه أن يمنح مؤمّليه،ما يزيد على أمانيهم فيه،و أعدل الشواهد بمحبّة اللّه جلّ ذكره، لتمسّك عبده برحابه،و انتظار الرّوح من ظلّه و مآبه،أنّ الإنسان لا يأتيه الفرج و لا تدركه النجاة،إلاّ بعد إخفاق أمله في كلّ ما كان يتوجّه نحوه بأمله و رغبته، و عند انغلاق مطالبه،و عجز حيلته،و تناهي ضرّه و محنته،ليكون ذلك باعثا له على صرف رجائه أبدا إلى اللّه عزّ و جلّ،و زاجرا له على تجاوز حسن ظنّه به.
ص:163
يدرك الصبور أحمد الأمور
و روي عن عبد اللّه بن مسعود:الفرج (1)و الرّوح،في اليقين و الرضا،و الهمّ و الحزن،في الشكّ و السخط.
و كان يقول:الصبور،يدرك أحمد الأمور.
قال أبان بن تغلب (2):سمعت أعرابيا يقول:
من أفضل آداب الرجال،أنّه إذا نزلت بأحدهم جائحة،استعمل الصبر عليها،و ألهم نفسه الرجاء لزوالها،حتى كأنّه لصبره يعاين الخلاص منها و الغناء، توكّلا على اللّه[16 ر]عزّ و جلّ،و حسن ظنّ به،فمتى لزم هذه الصفة، لم يلبث أن يقضي اللّه حاجته،و يزيل كربته،و ينجح طلبته،و معه (3)دينه و عرضه و مروءته.
ص:164
ربّ حياة سببها طلب الموت
روى الأصمعي،عن أعرابيّ،أنّه قال:
خف الشرّ من موضع الخير،و ارج الخير من موضع الشرّ،فربّ حياة سببها طلب الموت،و موت سببه طلب الحياة،و أكثر ما يأتي الأمن من ناحية الخوف.
قال مؤلّف هذا الكتاب:ما أقرب هذا الكلام،من قول قطري بن الفجاءة، الخارجي (1)،ذكره أبو تمّام الطائي (2)،في كتابه المعروف بالحماسة[30 غ]:
لا يركنن أحد إلى الإحجام يوم الوغى متخوّفا لحمام
فلقد أراني للرماح دريئة من عن يميني مرّة و أمامي
حتى خضبت بما تحدّر من دمي أحناء (3)سرجي أو عنان لجامي
ثم انصرفت و قد أصبت و لم أصب جذع البصيرة قارح الإقدام[23 م]
فهذا من أحبّ الموت،طلبا لحياة الذكر.
ص:165
و قد أفصح بهذا الحصين بن الحمام المريّ (1)،حيث يقول:
تأخّرت أستبقي الحياة فلم أجد لنفسي حياة مثل أن أتقدّما (2)
و هذا كثير متّسع،و ليس هو مما نحن فيه بسبيل،فنستوعبه و نستوفيه، و لكن[26 ظ]الحديث ذو شجون،و الشيء بالشيء يذكر،و نعود إلى ما كنّا فيه.
ص:166
أقوال في تهوين المصائب
قال بعض عقلاء التجّار:ما أصغر المصيبة بالأرباح،إذا عادت بسلامة الأرواح.
و كأنّه من قول العرب:إن تسلم الجلّة فالسخل هدر (1).
و من كلامهم:لا تيأس أرض من عمران،و إن جفاها الزمان.
و العامّة تقول:نهر جرى فيه الماء،لا بدّ أن يعود إليه (2).
و قال تيمسطوس (3):لم يتفاضل أهل العقول و الدين،إلاّ في استعمال الفضل في حال القدرة و النعمة،و ابتذال الصبر في حال الشدّة و المحنة.
و قال بعض الحكماء:العاقل يتعزّى فيما نزل به من المكروه بأمرين،أحدهما السرور بما بقي له،و الآخر رجاء الفرج مما نزل به،و الجاهل يجزع في محنته بأمرين،أحدهما استكثار ما أدّي إليه،و الآخر تخوّفه مما هو أشد منه.
ص:167
كلمات في الصبر على المحنة
و كان يقال:المحن آداب اللّه عزّ و جلّ لخلقه،و تأديب اللّه يفتح القلوب، و الأسماع،و الأبصار.
و وصف الحسن بن سهل (1)،المحن،فقال:فيها تمحيص من الذنب،و تنبيه من الغفلة،و تعرّض للثواب بالصبر،و تذكير بالنعمة،و استدعاء للمثوبة، و في نظر اللّه عزّ و جلّ و قضائه الخيار.
و بلغني هذا الخبر على وجه آخر:قرئ على أبي بكر الصولي (2)،و أنا حاضر أسمع،بالبصرة في سنة خمس و ثلاثين و ثلاثمائة،في كتابه«كتاب الوزراء»:
حدّثكم أبو ذكوان القاسم بن إسماعيل،قال:
سمعت أبا إسحاق إبراهيم بن العباس بن محمد بن صول الكاتب (3)، يصف الفضل بن سهل (4)،و يذكر تقدّمه،و علمه،و كرمه،و كان ممّا حدّثني
ص:168
به:أنّه برئ من علّة كان فيها،فجلس للناس،و هنّوه بالعافية،فلمّا فرغ الناس من كلامهم،قال الفضل:
إنّ في العلل لنعما لا ينبغي للعاقل أن يجهلها:تمحيص للذنب، و تعرّض لثواب الصبر،و إيقاظ من الغفلة،و إذكار بالنعمة في حال الصحّة، و استدعاء للمثوبة،و حضّ على الصدقة،و في قضاء اللّه و قدره بعد،الخيار.
عن مكّة،إلى الطائف:
أمّا بعد،فإنّه بلغني أنّ ابن الزبير سيّرك إلى الطائف،فأحدث اللّه عزّ و جلّ لك بذلك أجرا،و حطّ به عنك[31 غ]وزرا،يا ابن عمّ،إنّما يبتلى الصالحون، و تعدّ الكرامة للأخيار،و لو لم تؤجر إلاّ فيما تحبّ،لقلّ الأجر،و قد قال اللّه تعالى: وَ عَسىٰ أَنْ تَكْرَهُوا شَيْئاً وَ هُوَ خَيْرٌ لَكُمْ،وَ عَسىٰ أَنْ تُحِبُّوا شَيْئاً وَ هُوَ شَرٌّ لَكُمْ (1)عزم اللّه لنا و لك،بالصبر على البلاء[17 ر]،و الشكر على النعماء، و لا أشمت بنا و بك الأعداء،و السلام (2).
ص:170
النّعمة و العافية تبطران الإنسان
و كتب بعض الكتّاب إلى صديق له في محنة لحقته:
إنّ اللّه تعالى ليمتحن العبد،ليكثر التواضع له،و الاستعانة به،و يجدّد الشكر على ما يوليه من كفايته،و يأخذ بيده في شدته،لأنّ دوام النعم و العافية، يبطران الإنسان،حتى يعجب بنفسه،و يعدل عن ذكر ربه،و قد قال الشاعر:
لا يترك اللّه عبدا ليس يذكره ممن يؤدّبه أو من يؤنّبه
أو نعمة تقتضي شكرا يدوم له أو نقمة حين ينسى الشكر تنكبه[24 م]
كلمات في الشّكر على العافية
و الصّبر على الشدّة
و قال الحسن البصري:الخير الذي لا شرّ فيه،هو الشكر مع العافية،و الصبر عند المحنة،فكم من منعم عليه غير شاكر،و كم مبتلى بمحنة و هو غير صابر.
و قال أبو الحسن المدائني (1)،في كتابه«كتاب الفرج بعد الشدّة و الضيقة»:
كان ابن شبرمة إذا نزلت به شدّة،يقول:سحابة ثم تنقشع.
و قال في كتابه هذا،عن جعفر بن سليمان الهاشمي (2)،قال:قال بعض
ص:171
الحكماء:آخر الهمّ،أول الفرج،و كان جعفر يقول:قد وجدناه كذلك.
و قد ذكر هذا الخبر القاضي أبو الحسين،في كتابه«كتاب الفرج بعد الشدّة»عن المدائني،هكذا[27 ظ].
و ذكر أبو الحسين القاضي في كتابه«كتاب الفرج بعد الشدّة»،فقال:
حدّثني بعض أصحابنا،قال:حدّثني الحسن بن مكرم (1)،قال:حدّثني ابن أبي عديّ (2)،عن شعبة،عن قتادة،عن زرارة بن أوفى (3)، عن أبي هريرة (4)، قال:سمعت النبيّ صلّى اللّه عليه و سلّم،يقول:لأنّ أكون في شدّة،أتوقّع بعدها رخاء،أحبّ إليّ من أن أكون في رخاء،أتوقّع بعده شدّة.
ص:172
لو كان العسر في كوّة لجاء يسران فأخرجاه
و ذكر عن النبيّ صلّى اللّه عليه و سلّم،بغير إسناد،أنّه قال:لو كان العسر في كوّة،لجاء يسران،فأخرجاه.
قال مؤلّف هذا الكتاب:كان لي في هذا الحديث،خبر طريف،و ذلك أنّي كنت قد لجأت إلى البطيحة (1)،هاربا من نكبة لحقتني،و اعتصمت بأميرها معين الدولة أبي الحسين عمران بن شاهين السلمي (2)-على ما كان يقول رحمه
ص:173
اللّه-فألفيت هناك جماعة من معارفي،بالبصرة و واسط،خائفين على نفوسهم، قد هربوا من ابن بقيّة (1)،الذي كان في ذلك الوقت وزيرا،و لجئوا إلى البطيحة، فكنّا نجتمع في المسجد الجامع بشقشى الذي بناه معزّ الدولة أبو الحسين،فنتشاكى أحوالنا،و نتمنّى الفرج ممّا نحن فيه من الخوف و الشدّة و الشقاء.
فقال لي أبو الحسن محمد بن عبد اللّه بن جيشان (2)الصلحي التاجر،و كان هذا في يوم الجمعة لتسع ليال خلون من جمادى الأولى سنة خمس و ستّين و ثلاثمائة:
حدّثني في هذا اليوم أبو محمد الحسن بن محمد بن عثمان بن قنيف،و كان أحد خلفاء الحجّاب في دار المقتدر باللّه،و هو شيخ مشهور،ملازم الآن خدمة معين الدولة[32 غ]،قال:حدّثنا أبو القاسم بن بنت منيع،قال:حدّثنا أبو نصر التمّار،قال:حدّثنا حماد بن سلمة،عن ثابت البناني (3)،عن أنس بن مالك، قال:قال رسول اللّه صلّى اللّه عليه و سلّم:لو دخل العسر كوّة،جاء يسران فأخرجاه.
فلمّا سمعت ذلك،قلت بديها:
إنّا روينا عن النبيّ رسول ال له فيما أفيد من أدبه
لو دخل العسر كوّة لأتى يس ران،فاستخرجاه من ثقبه
ص:174
فما مضى على هذا المجلس،إلاّ أربعة أشهر،حتى فرّج اللّه تعالى عنّي، و عن كثير ممن حضر ذلك المجلس،من الممتحنين (1)،و ردّنا إلى عوائده عندنا، فله الحمد و الشكر.
وجدت هذا الخبر على غير هذا،فقد حدّثنا به-من أصل كتابه- جعفر بن أبي طالب ابن البهلول،قال:حدّثنا أبو القاسم عبد اللّه بن محمّد البغوي (2)،قال:حدّثني علي بن الجعد،قال:أنبأنا شعبة،عن معاوية بن قرة (3)، عمّن حدّثه عن عبد اللّه بن مسعود،قال:
لو أنّ العسر دخل في جحر،لجاء اليسر حتى يدخل معه،قال اللّه تعالى:
[فَإِنَّ مَعَ الْعُسْرِ يُسْراً] 9إِنَّ مَعَ الْعُسْرِ يُسْراً (4).
و حدّثنا علي بن الحسن،قال:حدّثنا ابن الجرّاح،قال:حدّثنا ابن أبي الدنيا،قال:حدّثنا علي بن الجعد،فذكر نحوه بإسناده.
و أخبرني أبي:قال:قال جعفر بن محمد بن عيينة،حدّثنا محمد بن معمر (5)،قال:حدّثنا حميد بن حماد (6)،قال:حدّثنا عائذ بن شريح (7)،
ص:175
قال:سمعت أنس بن مالك،قال:
كان رسول اللّه صلّى اللّه عليه و سلّم،ينظر إلى حجر بحيال وجهه،فقال:
لو جاءت العسرة حتى تدخل تحت هذا الحجر،لجاءت اليسرة حتّى تخرجها.
فأنزل اللّه تعالى: فَإِنَّ مَعَ الْعُسْرِ يُسْراً، إِنَّ مَعَ الْعُسْرِ يُسْراً (1).
ص:176
كلمات في انفراج المحن
و ذكر القاضي أبو الحسين،في كتابه«كتاب الفرج بعد الشدّة»،بغير إسناد: أنّ عليّا عليه السلام،قال:
عند تناهي الشدّة،تكون الفرجة،و عند تضايق البلاء،يكون الرخاء، و مع العسر،يكون اليسر.
و ذكر عنه عليه السلام،أنّه قال:ما أبالي بالعسر رميت،أو باليسر،لأنّ حقّ اللّه تعالى في العسر الرضا و الصبر،و في اليسر الحمد و الشكر.
قال مؤلّف هذا الكتاب:حدّثني بعض الشيعة،بغير إسناد،قال:
قصد أعرابيّ أمير المؤمنين عليا عليه السلام،فقال:إنّي ممتحن،فعلّمني شيئا أنتفع به.
فقال:يا أعرابيّ إنّ للمحن أوقاتا،و لها غايات،فاجتهاد العبد في محنته، قبل إزالة اللّه تعالى إيّاها،زيادة فيها،يقول اللّه عزّ و جلّ: إِنْ أَرٰادَنِيَ اللّٰهُ بِضُرٍّ، هَلْ هُنَّ كٰاشِفٰاتُ ضُرِّهِ،أَوْ أَرٰادَنِي بِرَحْمَةٍ،هَلْ هُنَّ [25 م] مُمْسِكٰاتُ رَحْمَتِهِ، قُلْ حَسْبِيَ اللّٰهُ،عَلَيْهِ يَتَوَكَّلُ الْمُتَوَكِّلُونَ (1)،و لكن،استعن باللّه،و اصبر،و أكثر من الاستغفار،فإنّ اللّه عزّ و جلّ وعد الصابرين خيرا،و قال: اِسْتَغْفِرُوا رَبَّكُمْ إِنَّهُ كٰانَ غَفّٰاراً، يُرْسِلِ السَّمٰاءَ عَلَيْكُمْ مِدْرٰاراً، وَ يُمْدِدْكُمْ بِأَمْوٰالٍ وَ بَنِينَ،وَ يَجْعَلْ لَكُمْ جَنّٰاتٍ،وَ يَجْعَلْ لَكُمْ أَنْهٰاراً ،فانصرف الرجل.
فقال أمير المؤمنين عليه السلام[33 غ]:
إذا لم يكن عون من اللّه للفتى فأوّل ما يجني عليه اجتهاده
ص:177
الوزير المهلبيّ يجيئه الغياث من اللّه تعالى
حدّثنا أبو محمد الحسن بن محمد المهلبيّ (1)،في وزارته،قال:
كنت في وقت من الأوقات-يعني في أوّل أمره-قد دفعت إلى شدّة شديدة، و خوف عظيم،لا حيلة لي فيهما،فأقمت يومي قلقا،و هجم[28 ظ]الليل، فلم أعرف الغمض،فلجأت إلى الصلاة و الدعاء،و أقبلت على البكاء في سجودي، و التضرّع[18 ر]،و مسألة اللّه عزّ و جلّ،تعجيل الفرج لي،و أصبحت من غد،على قريب من حالي،إلاّ أنّي قد سكنت قليلا،فلم ينسلخ اليوم حتى جاءني الغياث من اللّه تعالى،و فرّج عنّي ما كنت فيه،على أفضل ما أردت،فقلت:
بعثت إلى رب العطايا رسالة توسّل لي فيها دعاء مناصح
فجاء جواب بالإجابة و انجلت بها كرب ضاقت بهنّ الجوانح
ص:178
عند تناهي الشدّة تكون الفرجة
أخبرنا أبو عبيد اللّه محمد بن عمران بن موسى (1)،قال:حدّثنا ابن دريد (2)، [قال:أخبرنا السكن بن سعيد (3)عن محمّد بن عبّاد (4)عن ابن الكلبيّ (5)عن أبيه (6)] (7)قال:كان عمرو بن أحيحة الأوسي (8)يقول:
عند تناهي الشدّة،تكون الفرجة،و عند تضايق البلاء،يكون الرخاء، و لا أبالي أي الأمرين نزل بي عسر أم يسر،لأنّ كل واحد منهما يزول بصاحبه.
ص:179
المنصور العبّاسي يحول بين الإمام
الصادق و بين الحجّ
أخبرني أبو محمد الحسن بن عبد الرحمن بن خلاد الرامهرمزي،خليفة أبي على القضاء بها،قال:حدّثنا محمد بن العباس اليزيدي (1)،قال:حدّثني عمّي الفضل بن محمد اليزيدي (2)،قال:
أراد جعفر بن محمد الحجّ،فمنعه المنصور (3)،فقال:الحمد للّه الكافي، سبحان اللّه الأعلى،حسبي اللّه و كفى،ليس من اللّه منجى،ما شاء اللّه قضى، ليس وراء اللّه منتهى،توكّلت على اللّه ربّي و ربّكم،ما من دابة إلاّ و هو آخذ بناصيتها،إنّ ربّي على سراط مستقيم،اللهم إنّ هذا عبد من عبيدك،خلقته كما خلقتني،ليس له عليّ فضل،إلاّ ما فضلته عليّ به،فاكفني شرّه،و ارزقني خيره،و اقدح لي في قلبه المحبّة،و اصرف عنّي أذاه،لا إله إلاّ أنت،سبحان اللّه ربّ العرش العظيم،و صلّى اللّه على محمد النبي و على آله و سلّم كثيرا.
قال:فأذن له المنصور في الحجّ.
ص:180
من بشّر بفرج من نطق فال،و نجا من محنة بقول أو دعاء أو ابتهال
أعرابيّة ذهب البرد بزرعها فعوّضت خيرا
أخبرني أبو بكر محمد بن يحيى الصولي (1)[بالبصرة سنة خمس و ثلاثين و ثلاثمائة،قراءة عليه و أنا أسمع،] (2)عن البرقي (3)، قال:
رأيت امرأة بالبادية،و قد جاء البرد (4)فذهب بزرع كان لها،فجاء الناس يعزّونها،فرفعت طرفها الى السماء،و قالت:اللّهم أنت المأمول لأحسن الخلف، و بيدك التعويض عمّا تلف،فافعل بنا ما أنت[34 غ]أهله،فإنّ أرزاقنا عليك،و آمالنا مصروفة إليك.
قال:فلم أبرح،حتى جاء رجل من الأجلاّء (5)،فحدّث بما كان، فوهب لها خمسمائة دينار.
ص:181
المعتضد يتخلّص من سجنه و يبطش بالوزير
إسماعيل بن بلبل
و حدّثني أبي (1)في المذاكرة،من لفظه و حفظه،و لم أكتبه عنه في الحال، و علق بحفظي،و المعنى واحد،و لعلّ اللّفظ يزيد او ينقص،عن أبي محمد عبد اللّه بن أحمد بن حمدون (2)،[لا أظن إلاّ أنّه هو سمعه منه،أو حدّثه من سمعه من عبد اللّه بن أحمد بن حمدون] (3)نديم المعتضد باللّه،عن المعتضد (4)، أنّه قال (5):
ص:182
لما ضرب إسماعيل بن بلبل (1)بيني و بين أبي الموفّق (2)،فأوحشه منّي،حتّى حبسني الحبسة المشهورة (3)،و كنت أتخوّف القتل صباحا و مساء،و لا آمن أن يرفع إسماعيل عنّي،ما يزيد في غيظ الموفق عليّ،فيأمر بقتلي.
فكنت كذلك،حتى خرج الموفّق الى الجبل (4)،فازداد خوفي[26 م]، و أشفقت أن يحدّثه عنّي إسماعيل (5)بكذب،فيجعل غيبته طريقا إليه،فلا يكشفه،و يأمر بقتلي،فأقبلت على الدعاء،و التضرّع إلى اللّه،و الابتهال في تخليصي.
و كان إسماعيل يجيئني في كلّ يوم،مراعيا خبري،و يريني أنّ ذلك خدمة لي.
ص:183
[فدخل إليّ يوما:و بيدي المصحف،و أنا أقرأ،فتركته،و أخذت أحادثه.] (1)
فقال:أيّها الأمير،أعطني المصحف لأتفاءل لك به،فلم أجبه بشيء.
فأخذ المصحف،ففتحه،فكان في أوّل سطر منه: عَسىٰ رَبُّكُمْ أَنْ يُهْلِكَ عَدُوَّكُمْ،وَ يَسْتَخْلِفَكُمْ فِي الْأَرْضِ،فَيَنْظُرَ كَيْفَ تَعْمَلُونَ (2)،فاسودّ وجهه،و اربدّ،و خلط الورق.
و فتحه الثانية،فخرج وَ نُرِيدُ أَنْ نَمُنَّ عَلَى الَّذِينَ اسْتُضْعِفُوا فِي الْأَرْضِ، وَ نَجْعَلَهُمْ أَئِمَّةً وَ نَجْعَلَهُمُ الْوٰارِثِينَ .إلى قوله:يحذرون (3)،فازداد قلقا و اضطرابا.
و فتحه الثالثة،فخرج وَعَدَ اللّٰهُ الَّذِينَ آمَنُوا مِنْكُمْ وَ عَمِلُوا الصّٰالِحٰاتِ لَيَسْتَخْلِفَنَّهُمْ فِي الْأَرْضِ كَمَا اسْتَخْلَفَ الَّذِينَ مِنْ قَبْلِهِمْ (4).
فوضع المصحف من يده،و قال:أيّها الأمير،أنت و اللّه الخليفة، بغير شكّ،فما حقّ بشارتي؟
فقلت:اللّه،اللّه،في أمري،احقن دمي،أسأل اللّه أن يبقي أمير المؤمنين (5)، و الأمير الناصر،و ما أنا و هذا؟و مثلك في عقلك،لا يطلق مثل هذا القول [بمثل هذا الاتّفاق] (6)،فأمسك عني.
ص:184
و ما زال يحدّثني،و يخرجني من حديث،و يدخلني في غيره،إلى أن جرى حديث ما بيني و بين أبي،فأقبل يحلف لي بأيمان غليظة،انّه لم يكن له في أمري صنع،و لا سعاية بمكروه،فصدّقته،و لم أزل أخاطبه بما[29 ظ] تطيب به نفسه،خوفا من أن تزيد وحشته،فيسرع في التدبير لتلفي،إلى أن انصرف.
ثم صار إليّ بعد ذلك،و أخذ في التنصّل و الاعتذار،و أنا أظهر له التصديق و القبول[19 ر]،حتى سكن،و لم يشك أنّي معترف (1)ببراءة ساحته.
فما كان بأسرع من أن جاء الموفّق من الجبل (2)،و قد اشتدّت علّته،و مات (3)، فأخرجني الغلمان من الحبس (4)،فصيّروني مكانه،و فرّج اللّه عنّي،و قاد الخلافة إليّ،و مكّنني من عدوّي إسماعيل بن بلبل،فأنفذت حكم اللّه فيه (5).
ص:185
خلافة الواثق،آيس ما كنت من الفرج،و أشدّ محنة و غمّا،حتّى وردت عليّ رقعة أخي الحسن بن وهب (1)،و فيها شعر له (2):
محن (3)أبا أيّوب أنت محلّها فإذا جزعت من الخطوب فمن لها
إنّ الّذي عقد الّذي انعقدت به عقد المكاره فيك يحسن حلّها
فاصبر فإنّ اللّه يعقب فرجة و لعلّها أن تنجلي و لعلّها
و عسى تكون قريبة من حيث لا ترجو و تمحو عن جديدك ذلّها (4)
قال:فتفاءلت بذلك،و قويت نفسي،فكتبت إليه:
صبّرتني و وعظتني و أنالها و ستنجلي،بل لا أقول:لعلّها
و يحلّها من كان صاحب عقدها ثقة به إذ كان يملك حلّها
قال:[فلم أصلّ العتمة ذلك اليوم،حتّى أطلقت،فصلّيتها في داري] (5)و لم يمض يومي ذاك،حتّى فرّج اللّه عنّي،و أطلقت من حبسي.
و روي أنّ هاتين الرقعتين وقعتا بيد الواثق،الرّسالة و الجواب،فأمر بإطلاق
ص:187
سليمان،و قال:و اللّه،لا تركت في حبسي من يرجو الفرج (1)،و لا سيّما من خدمني،فأطلقه على[27 م]كره من ابن الزيّات لذلك (2).
ص:188
بين الحسن البصريّ و الحجّاج بن يوسف الثقفي
[و حدّثني بعض شيوخنا،بإسناد ذهب عنّي حفظه،و بلغني عن صالح بن مسمار (1)،فجمعت بين الخبرين] (2):
أنّ الحسن البصري دخل على الحجّاج (3)بواسط،فلمّا رأى بناءه قال:
الحمد للّه،أنّ هؤلاء الملوك ليرون في أنفسهم عبرا،و أنّا لنرى فيهم عبرا،يعمد أحدهم إلى قصر فيشيّده،و إلى فرش فيتّخذه،و قد حفّ به ذباب طمع، و فراش نار (4)،ثم يقول:ألا فانظروا ما صنعت،[فقد رأينا-يا عدوّ اللّه- ما صنعت] (5)،فما ذا يا أفسق الفسقة،و يا أفجر الفجرة،أما أهل السماء فلعنوك،و أما أهل الأرض فمقتوك.
ثم خرج و هو يقول:إنّما أخذ اللّه الميثاق على العلماء،ليبيّننه للنّاس، و لا يكتمونه.
فاغتاظ الحجّاج غيظا شديدا،ثم قال:يا أهل الشّام،هذا عبيد أهل البصرة يشتمني في وجهي فلا ينكر عليه أحد،عليّ به،و اللّه لأقتلنّه.
فمضى أهل الشام،فأحضروه،و قد أعلم بما قال،فكان في طريقه يحرّك شفتيه بما لا يسمع.
ص:189
فلمّا دخل على الحجّاج،رأى السّيف و النطع بين يديه و هو متغيّظ، فلمّا وقعت عليه عين الحجّاج،كلّمه بكلام غليظ،و رفق به الحسن،و وعظه.
فأمر الحجّاج بالسيف و النطع فرفعا،ثمّ لم يزل الحسن يمر في كلامه، إلى أن دعا الحجاج بالطعام،فأكلا،و بالوضوء فتوضّأ،و بالغالية (1)فغلّفه بيده،ثم صرفه مكرّما.
و قال صالح بن مسمار:قيل للحسن بن أبي الحسن:بم كنت تحرّك شفتيك؟
قال:قلت:[يا غياثي عند دعوتي،و يا عدّتي في ملمّتي،و يا ربّي عند كربتي]2و يا صاحبي في شدّتي،و يا وليّي في نعمتي،و يا إلهي،و إله إبراهيم، و إسماعيل،و إسحاق،و يعقوب،و الأسباط،و موسى،و عيسى،[و يا ربّ النبيّين كلّهم أجمعين،و يا ربّ كهيعص،و طه،و طس،و يس،و ربّ القرآن الحكيم] (2)يا كافي موسى فرعون،و يا كافي محمّد الأحزاب،صلّ على محمّد و آله الطيّبين الطاهرين الأخيار،و ارزقني مودّة عبدك الحجّاج،و خيره، و معروفه،و اصرف عنّي أذاه،و شرّه،و مكروهه،و معرّته[36 غ].
فكفاه اللّه[تعالى شرّه بمنّه و كرمه] (3).
[قال صالح:فما دعونا بها في شدّة إلاّ فرج عنّا] (4).
ص:190
أبو محمّد الحجّاج بن يوسف الثقفي(40-95):والي العراقين لعبد الملك بن مروان،و هو الّذي يضرب به المثل في الظلم و الجور،ثقفي من نسل أبي رغال(اليعقوبي 274/2)و أبو رغال،بقيّة من قوم ثمود،كان قائد الفيل،و دليل الحبشة،لمّا غزوا الكعبة،فهلك فيمن هلك منهم،و دفن بين مكّة و الطائف،و مرّ النبيّ صلوات اللّه عليه، بقبره،فأمر برجمه،فرجم(الأغاني 303/4).
و كانت ثقيف،عشيرة الحجّاج،من أشدّ القبائل على رسول اللّه،فقد تهزّءوا به، و قعدوا له صفّين،فلمّا مرّ بهم رجموه بالحجارة،حتّى أدموا رجله،و قال رسول اللّه:
ما كنت أرفع قدما،و لا أضعها،إلاّ على حجر(اليعقوبي 36/2)،و قال الإمام عليّ، في إحدى خطبه:لقد هممت أن أضع الجزية على ثقيف(الأغاني 306/4).
كلّ ذلك،كان من جملة أسباب حقد الحجّاج،على النبيّ صلوات اللّه عليه،و على أولاده،و بغضه إيّاهم،حتّى ضرب بذلك المثل،قال الشاعر:[معجم البلدان 323/2] أنا في الحلّة الغداة كأنّي علويّ في قبضة الحجّاج
و بلغ من حقده على النبيّ،أنّه لمّا دخل المدينة،سمّاها:نتنة،و قد سمّاها رسول اللّه:
طيّبة،و لمّا رأى الناس يطوفون بقبر رسول اللّه و منبره،قال:إنّما يطوفون برمّة و أعواد (العقد الفريد 49/5)يريد بالأعواد:منبر النبيّ،و بالرمّة:جسده الشريف،
و تبع حقده على النبيّ،حقده على الذين نصروه و آزروه،و هم الأنصار،فكان يسمّيهم:الأشرار(العقد الفريد 39/5)و ختم أعناق بعض الصحابة منهم بقصد إذلالهم (الطبري 195/6)و كان يقول:ويحكم ،أ خليفة أحدكم في أهله أكرم عليه،أم رسوله إليهم؟يشير بذلك إلى أنّ عبد الملك بن مروان،أكرم على اللّه من النبيّ صلوات اللّه عليه(العقد الفريد 52/5).
ولد الحجّاج بالطّائف،و كان والده يؤدّب الصبيان(العقد الفريد 13/5)،و جاء مشوّها،و احتيج إلى إجراء جراحة له،لكي يكون في حالة طبيعيّة(مروج الذهب 97/2)، و نشأ أخفش العينين،دقيق الصّوت،(شذرات الذهب 106/1 و العيون و الحدائق 11/3) فكان لتشويه بدنه،و خفش عينيه،و دقّة صوته،و وضاعة نشأته،أصل قويّ فيما ابتلي
ص:191
به من ساديّة عجيبة،فكان يخبر عن نفسه أنّ أكبر لذّاته في سفك الدّماء(وفيات الأعيان 30/2)و كان يقول:إنّي-و اللّه-لا أعلم على وجه الأرض خلقا هو أجرأ على دم منّي (العقد الفريد 176/2)،و كان له في القتل و سفك الدّماء غرائب لم يسمع بمثلها(وفيات الأعيان 31/2)،و هو أحد أربعة في الإسلام،قتل كلّ واحد منهم أكثر من ألف ألف رجل(لطائف المعارف 141)،راجع بعض غرائبه في التّعذيب و سفك الدّماء، في آخر القصّة 149 من هذا الكتاب.
و كانت سياسة الحجّاج الّتي سلكها في العراق،من أهمّ الأسباب الّتي أدّت إلى سقوط الدّولة الأمويّة(السيادة العربيّة 44)و لمّا مات،خلّف في حبسه ثمانين ألفا،حبسوا بغير جرم، منهم خمسون ألف رجل،و ثلاثون ألف امرأة،و كان يحبس الرجال و النّساء في موضع واحد،و لم يكن لحبسه ستر يستر النّاس من الشمس في الصيف و لا من المطر و البرد في الشتاء(مروج الذهب 128/2 و العيون و الحدائق 10/3)،و جاء في محاضرات الأدباء 195/3 أنّه أحصي من قتلهم الحجّاج،سوى من قتل في بعوثه و عساكره و حروبه،فوجدوا مائة و عشرين ألفا،و وجد في حبسه مائة ألف و أربعة عشر ألف رجل،و عشرون ألف امرأة،منهنّ عشرة آلاف امرأة مخدّرة،و كان حبس الرّجال و النّساء في مكان واحد، و لم يكن في حبسه سقف و لا ظلّ،و ربما كان الرّجل يستتر بيده من الشّمس،فيرميه الحرس بالحجارة،و كان أكثرهم مقرّنين بالسلاسل،و كانوا يسقون الزعاف،و يطعمون الشعير المخلوط بالرّماد،و كان المسجونون في سجن الحجّاج يقرّنون بالسلاسل،فإذا قاموا، قاموا معا،و إذا قعدوا قعدوا معا(الفرج بعد الشدّة لابن أبي الدّنيا،مخطوط ص 11)، و لا يجد المسجون المقيّد منهم،إلاّ مجلسه،فيه يأكلون،و فيه يتغوطون،و فيه يصلّون (القصّة 87 من هذا الكتاب).
و بلغ من شنيع سمعة الحجّاج،و شهرته بالظّلم،أنّ أبا مسلم الخراساني،الذي اشتهر بقسوته و ضراوته على الدم الحرام،حتّى قيل إنّه قتل أكثر من ألف ألف رجل(لطائف المعارف 141 و 142)،قيل في حقّه:إنّه حجّاج زمانه(مرآة الجنان 285/1).
قال الخليفة الصالح عمر بن عبد العزيز:لعن اللّه الحجّاج،فإنّه ما كان يصلح للدّنيا و لا للآخرة(معجم البلدان 178/3)و قال فيه:لو جاءت كلّ أمّة بمنافقيها،و جئنا بالحجّاج،لفضلناهم(العقد الفريد 49/5)،و قيل للشّعبي:أ كان الحجّاج مؤمنا؟ قال:نعم،بالطاغوت،كافرا باللّه(البصائر و الذخائر م 2 ق 1 ص 73،و العقد الفريد
ص:192
49/5)،و قيل لعبد اللّه بن المبارك:أبو مسلم كان خيرا أو الحجّاج؟فقال:لا أقول إنّ أبا مسلم كان خيرا من أحد،و لكنّ الحجّاج كان شرّا منه(ابن الأثير 479/5)، و كان الحسن البصري،يسمّيه:فاسق ثقيف(وفيات الأعيان 374/2)،و قال القاسم ابن محمّد بن أبي بكر:كان الحجّاج ينقض عرى الإسلام،عروة،عروة(العقد الفريد 49/5)،و قال ابن سيرين:إنّه لم ير أغشم من الحجّاج(شذرات الذهب 106/1).
و وصف الحجّاج نفسه بأنّه:حقود،حسود،كنود،فقال له سيّده عبد الملك بن مروان:ما في إبليس شرّ من هذه الخلال(نهاية الأرب 267/3).
و لعلّ أصدق ما وصف به الحجّاج،ما وصفه به سيّده عبد الملك بن مروان،فقد كتب إليه يقول:إنّك عبد،طمت بك الأمور،فغلوت فيها،حتّى عدوت طورك،و جاوزت قدرك،أنسيت حال آبائك في اللؤم،و الدناءة في المروءة و الخلق؟فعليك لعنة اللّه من عبد أخفش العينين،أصكّ الرجلين،ممسوح الجاعرتين(ابن الأثير 386/4).
أمّا بشأن ما ارتكبه الحجّاج من تخريب،بحيث نزلت جباية العراق من مائة ألف ألف و ثمانية و عشرين ألف ألف درهم،في عهد الخليفة الفاروق عمر بن الخطاب،إلى ثمانية عشر ألف ألف درهم فقط،فراجع في ذلك حاشية القصّة 182 من هذا الكتاب.
و عمّ شؤم الحجّاج،أفراد عائلته من آل أبي عقيل جميعهم،فإنّهم بعد هلاكه، أمر سليمان بن عبد الملك باعتقالهم،و سيّرهم إلى العراق،حيث حبسهم صالح بن عبد الرحمن بواسط،و عذّبهم حتّى قتلهم(ابن الأثير 588/4 و 589).
و لمّا استخلف الخليفة الصالح عمر بن عبد العزيز،سيّر الباقين من آل أبي عقيل إلى البلقاء،و كتب إلى الحارث بن عمر الطّائي،عامله عليها:أمّا بعد،فقد بعثت إليك بآل أبي عقيل،و بئس-و اللّه-أهل البيت في دين اللّه،و هلاك المسلمين،فأنزلهم بقدر هوانهم على اللّه تعالى،و على أمير المؤمنين(البصائر و الذخائر م 2 ق 2 ص 586).
ص:193
دعاء دعا به الحسن بن الحسن ففرّج اللّه عنه
وجدت في بعض الكتب،بغير إسناد:كتب الوليد بن عبد الملك بن مروان (1)إلى صالح بن عبد اللّه المزني (2)،عامله على المدينة،أن أنزل الحسن بن الحسن بن علي بن أبي طالب رضي اللّه عنهم (3)،فاضربه في مسجد رسول اللّه صلّى اللّه عليه و سلّم،خمسمائة سوط.
قال:فأخرجه صالح إلى المسجد،ليقرأ عليهم كتاب الوليد بن عبد الملك، ثم ينزل فيضرب الحسن،فبينما هو يقرأ الكتاب،إذ جاء علي بن الحسين عليهما السّلام،مبادرا يريد الحسن،فدخل و النّاس معه الى المسجد،و اجتمع النّاس،حتّى انتهى إلى الحسن فقال له:يا ابن عمّ،ادع بدعاء الكرب.
فقال:و ما هو يا ابن عمّ؟
قال:قل:لا إله إلاّ اللّه الحليم الكريم،لا إله إلاّ اللّه العليّ العظيم،
ص:194
سبحان اللّه ربّ السماوات السبع،و ربّ العرش العظيم،و الحمد للّه ربّ العالمين.
قال:و انصرف عليّ،و أقبل الحسن يكرّرها دفعات كثيرة.
فلما فرغ صالح من قراءة الكتاب و نزل عن المنبر،قال للنّاس:أرى سحنة رجل مظلوم،أخّروا أمره حتّى أراجع أمير المؤمنين،و أكتب في أمره.
ففعل ذلك،و لم يزل يكاتب،حتى أطلق.
قال:و كان النّاس يدعون،و يكرّرون هذا الدّعاء،و حفظوه.
قال:فما دعونا بهذا الدّعاء في شدّة إلاّ فرجها اللّه عنّا بمنّه.
[حدّثنا علي بن أبي الطيّب،قال:حدّثنا ابن الجراح،قال:حدّثنا ابن أبي الدنيا قال:حدّثني محمد بن الحسين قال:حدّثني محمد بن سعيد،قال:
حدّثنا شريك،عن عبد الملك بن عمير،قال:
كتب الوليد بن عبد الملك إلى عثمان بن حيّان المريّ:خذ الحسن بن الحسن، فاجلده مائة جلدة،وقفه للنّاس يوما،و لا أراني إلاّ قاتله.
قال:فبعث إليه فجيء به و بالخصوم بين يديه.
فقام إليه علي بن الحسين عليه السّلام،فقال:يا أخي تكلّم بكلمات الفرج يفرّج اللّه عنك.
قال:ما هنّ؟
قال:قل:لا إله إلاّ اللّه الحكيم الكريم،لا إله إلاّ اللّه العليّ العظيم، سبحان اللّه ربّ السموات السبع،و ربّ العرش العظيم،و الحمد للّه ربّ العالمين.
قال:فقالها،فأنفذ،فردّه،و قال:أنا أكاتب أمير المؤمنين بعذره،فإنّ الشاهد يرى ما لا يرى الغائب (1).
و وجدت هذا الخبر،بأعلى و أثبت من هذين الطريقين،حدّثنا أبو العبّاس
ص:195
محمّد بن أحمد الأثرم المقرئ،قال:حدّثنا أحمد بن الربيع اللّجمي الجرّار الكوفي (1)،قال:حدّثنا الحسين بن علي،يعني الجعفي (2)،عن والده،عن قدامة،عن عبد الملك بن عمير،قال:حدّثني أبو مصعب،قال:
كتب عبد الملك إلى عامله بالمدينة هشام بن إسماعيل (3):أنّ حسن بن حسن،كاتب أهل العراق،فإذا جاءك كتابي هذا،فابعث إليه الشرط، فليأتوا به.
قال:فأتي به،فسأله عن شيء.
فقام إليه علي بن الحسين عليهما السلام،فقال:يا ابن عمّ،قل كلمات الفرج،لا إله إلاّ اللّه ربّ السّماوات السّبع،و ربّ العرش العظيم،و الحمد للّه ربّ العالمين،قال:فقالها.
ثم إنّ الأمير نظر إلى وجهه،فقال:أرى وجها قد قرف بكذبة،خلّوا سبيله فلأراجعنّ أمير المؤمنين[37 غ]فيه (4).
ص:196
دعاء ينجي من المحنة
حدّثني علي بن أبي الطيّب،قال:حدّثني ابن الجرّاح،قال:حدّثنا ابن أبي الدنيا،عن الفضل بن يعقوب (1)[20 ر]،قال:[حدّثنا الفريابي] (2)،قال:
لما أخذ أبو جعفر (3)إسماعيل بن أميّة (4)،أمر به إلى الحبس،فرأى في طريقه على حائط مكتوبا:يا وليّي في نعمتي،و يا صاحبي في وحدتي،و يا عدّتي في كربتي،قال:فلم يزل يكرّرها حتى خلّى سبيله،فاجتاز بذلك الحائط فإذا ليس عليه شيء مكتوب (5).
ص:197
أجار حيّة فأرادت قتله،فخلّصه جميل صنعه
و يروى:أنّ حيّة استجارت برجل من العبّاد،من رجل يريد قتلها، [قال:فرفع ذيله،و قال:ادخلي،فتطوّقت على بطنه.
و جاء رجل بسيف،و قال له:يا رجل،حيّة هربت منّي الساعة،أردت قتلها،فهل رأيتها؟
قال:ما أرى شيئا] (1).
فلمّا أجارها،و انصرف من يريد قتلها،قالت له الحيّة:لا بدّ من قتلك.
[فقال لها الرجل:ليس غنى عن هذا؟
قالت:لا] 1.
قال:فأمهليني،حتى آتي سفح جبل،فأصلّي ركعتين،و أدعو اللّه تعالى، و أحفر لنفسي قبرا،فإذا نزلته،فافعلي ما بدا لك.
قالت:افعل.
فلمّا صلّى،و دعا،أوحى اللّه إليه:إنّي قد رحمتك،فاقبض على الحيّة، فإنّها تموت في يدك،و لا تضرّك.
ففعل ذلك،و عاد إلى موضعه،و تشاغل بعبادة ربّه[30 ظ].
[و روى هذا الخبر،جعفر العابد،برامهرمز (2)،على غير هذه السياقة، إلاّ أنّ المعنى متقارب،فأوردت ما بلغني من ذلك،فقال:
ص:198
قرأت في كتب الأوائل،أنّ حيّة أفلتت من يد طالب لها ليقتلها،و أنّها سألت الرجل أن يخبأها،فخبأها في فمه،و أنكرها للطّالب لها] (1).
و حدّثني عبد اللّه بن الحارث بن السراج الواسطي،قال:حدّثني بعض أصحاب أبي محمد سهل بن عبد اللّه التستري (2)،عنه،قال:
كان في بني إسرائيل،رجل في صحراء قريبة من جبل،يعبد اللّه تعالى، إذ مثلت له حيّة،فقالت له:قد أرهقني من يريد قتلي،فأجرني،أجارك اللّه في ظلّه،يوم لا ظلّ إلاّ ظلّه.
قال لها:و ممّن أجيرك؟
قالت:من عدوّ يريد[28 م]قتلي.
قال:و ممّن أنت؟
قالت:من أهل لا إله إلاّ اللّه.
قال:فأين أخبّيك؟
قالت:في جوفك،إن كنت تريد المعروف.
ففتح فاه،و قال:ادخلي،ففعلت.
فلمّا جاء الطالب،قال له:رأيت حيّة تسعى؟
فقال العابد:ما أرى شيئا،و صدق في ذلك.
فقال له الطالب:اللّه.
فقال:اللّه.
فتركه،و مضى،ثمّ قال لها:اخرجي الآن.
فقالت:إنّي من قوم لا يكافئون على الجميل إلاّ بقبيح.
ثم ساق الحديث على قريب ممّا تقدّم.
ص:199
[و وقع اليّ الخبر بقريب من هذا المعنى،على خلاف هذه السياقة:
قرئ على أبي العبّاس الأثرم،المقرئ البغدادي،و هو محمّد بن أحمد بن حمّاد بن إبراهيم بن ثعلب،في منزله بالبصرة،في جمادى الأولى سنة خمس و ثلاثين و ثلاثمائة،و أنا حاضر أسمع،حدّثكم علي بن حرب الطائي الموصلي (1)، قال:حدّثنا جعفر بن المنذر الطائي العابد بمهروبان] (2)،قال:
كنت عند سفيان بن عيينة،فالتفت إلى شيخ حاضر،فقال له:حدّث القوم بحديث الحيّة.
فقال الرجل:حدّثني عبد الجبّار،أنّ حميد بن عبد اللّه خرج إلى متعبّده (3)، فمثلت بين يديه حيّة،و قالت له:أجرني أجارك اللّه في ظلّه.
قال:و ممّن أجيرك؟
قالت:من عدوّ يريد قتلي.
قال:فأين أخبئك؟
قالت:في جوفك.
ففتح فاه،فما استقرّت،حتى وافاه رجل بسيف مجرّد،فقال له:يا حميد أين الحيّة؟
قال:ما أرى شيئا.
فذهب الرجل،فأطلعت الحيّة رأسها،و قالت:يا حميد أ تحسّ الرجل؟
ص:200
فقال:لا،قد ذهب،فاخرجي.
قالت:اختر منّي إحدى خصلتين،إمّا أن أنكتك نكتة فأقتلك،أو أفرث كبدك،فترميه من دبرك قطعا.
فقال:و اللّه،ما كافيتني.
فقالت:قد عرفت العداوة التي بيني و بين[31 ظ]أبيك آدم قديما، و ليس معي مال فأعطيك[و لا دابّة فأحملك عليها] (1).
فقال:امهليني،حتّى آتي سفح الجبل،و أحفر لنفسي قبرا.
قالت له:افعل.
فبينا هو يسير إذ لقيه فتى حسن الوجه،طيّب الرّيح،حسن الثياب، فقال له:يا شيخ،[29 م]ما لي أراك مستسلما للموت،آيسا من الحياة؟
قال:من عدوّ في جوفي يريد هلاكي.
فاستخرج من كمّه شيئا فدفعه إليه و قال:كله.
قال:ففعلت ذلك،فوجدت مغصا شديدا،ثم ناولني شيئا آخر،فإذا بالحيّة سقطت من جوفي قطعا.
فقلت له:من أنت يرحمك اللّه؟[فما أحد أعظم عليّ[38 غ]منّة منك]
فقال:أنا المعروف،إنّ أهل السماء رأوا غدر هذه الحيّة بك،فسألوا اللّه عزّ و جلّ،أن يعيذك،فقال لي اللّه تعالى:يا معروف،أدرك عبدي، فإيّاي أراد بما صنع.
ص:201
أهدر عبد الملك دمه،فدعا،فأمّنه و أحسن إليه
بلغني أنّه جنى رجل جناية على عهد عبد الملك بن مروان (1)،فأهدر دمه (2)و دم من يؤويه،و أمر بطلبه،فتحاماه النّاس كلّهم.
فكان يسيح في الجبال و البراري (3)،و لا يذكر اسمه،فيضاف اليوم و اليومين، فإذا عرف طرد[و لم يدع أن يستقر] (4).
قال الرّجل:فكنت أسيح يوما في بطن واد،فإذا بشيخ أبيض الرأس و اللحية،عليه ثياب بياض،و هو قائم يصلّي،فقمت إلى جنبه (5).
فلمّا سلّم[انفتل إليّ] 4،و قال لي:من أنت؟
قلت:رجل أخافني السلطان،و قد تحاماني الناس،فلم يجرني أحد [من خلق اللّه تعالى] (6)،فأنا أسيح في هذه البراري،خائفا على نفسي.
قال:فأين أنت عن السّبع؟
قلت:و أيّ سبع؟
قال:تقول:سبحان اللّه الإله الواحد،الّذي ليس غيره أحد،سبحان الدّائم الّذي ليس يعادله شيء،سبحان الدّائم القديم،الّذي لا ندّ له و لا عديل، سبحان الّذي يحيي و يميت،سبحان الّذي هو كلّ يوم في شأن،سبحان الّذي خلق ما يرى،و ما لا يرى،سبحان الّذي علم كلّ شيء بغير تعليم،اللّهم
ص:202
إنّي أسألك بحقّ هذه الكلمات و حرمتهنّ،أن تفعل بي كذا و كذا،و أعادهنّ عليّ،فحفظتهنّ.
قال الرّجل:و فقدت صاحبي،فألقى اللّه تعالى الأمن في قلبي،و خرجت من وقتي متوجّها إلى عبد الملك،فوقفت ببابه،و استأذنت عليه[21 ر]، فلمّا دخلت عليه،قال:أ تعلّمت السّحر (1)؟
قلت:لا،يا أمير المؤمنين،و لكن كان من شأني كذا و كذا،و قصصت عليه القصّة.
فأمّنني،و أحسن إليّ.
ص:203
(26-86)
استعمله معاوية على المدينة،و هو ابن ست عشرة سنة،و كان أحد فقهاء المدينة المعدودين،انتقلت إليه الخلافة بموت أبيه،و قد ناهز الأربعين،فلمّا بشّر بها،أطبق المصحف،و قال:هذا فراق بيني و بينك(تاريخ الخلفاء 217،الفخري 122،فوات الوفيات 32/2)،من محاسنه أنّه نقل الدواوين من الفارسيّة،و الروميّة،إلى العربيّة، و سكّ الدنانير في الإسلام،و من سيّئاته أنّه سلّط الحجّاج بن يوسف الثّقفي،الظالم السيئ الصيت،على النّاس،فولاّه الحجاز أوّلا،ثمّ العراق،فقتل العباد،و خرّب البلاد(أحسن التقاسيم 133 و واسطة السلوك 29،و السيادة العربيّة 44)،و هو أوّل من غدر في الإسلام، آمن عمرو بن سعيد الأشدق،ثمّ قتله(العقد الفريد 79/1 و 409/4)،و أوّل من نهى عن الأمر بالمعروف في الإسلام،قال في إحدى خطبه:و اللّه،لا يأمرني أحد بتقوى اللّه، إلاّ ضربت عنقه(فوات الوفيات 33/2 و تاريخ الخلفاء 219)،و منع أهل الشام من الحجّ إلى مكّة،و بنى قبّة الصخرة في بيت المقدس،و علّق عليها ستور الدّيباج،و أقام لها سدنة،و أخذ النّاس بأن يطوفوا حولها،بدلا من الكعبة،و أقام النّاس على ذلك أيّام بني أميّة(اليعقوبي 261/2)،و قد لخّص عبد الملك سياسته،في خطبة له،قال:إنّ من كان قبلي من الخلفاء،كانوا يأكلون و يطعمون من هذه الأموال،ألا و إنّي لا أداوي أدواء هذه الأمّة إلاّ بالسّيف(تاريخ الخلفاء 218)و لمّا حضره الموت جعل يضرب على رأسه بيده،و يقول:وددت أنّي كنت منذ ولدت إلى يومي هذا حمّالا(تاريخ الخلفاء 220 و ابن الأثير 521/4)،راجع أخباره في تاريخ الخلفاء 216-220 و العقد الفريد 25/4 و 399،و 103/5 و 99/6 و تاريخ اليعقوبي 273/2 و الهفوات النّادرة 42.
ص:204
يا كاشف الضّرّ،بك استغاث من اضطرّ
و أخبرني صديق لي:أنّ بعض أصحابنا من الكتّاب،دفع إلى محنة صعبة، فكان من دعائه:يا كاشف الضّر،بك استغاث من اضطرّ.
قال:و قد رأيته نقش ذلك على خاتمه (1)،و كان يردّد الدعاء به،فكشف اللّه محنته عن قريب.
ص:205
سليمان بن وهب يتخلّص من حبسه
بدعاء صادف استجابة
[حدّثني عليّ بن هشام (1)،قال:سمعت أبا عبد اللّه حمد بن محمد القنّائي (2)، ابن أخت الحسن بن مخلد.
قال مؤلّف هذا الكتاب:قال لي أبو القاسم عيسى بن علي بن عيسى (3)، في كلام جرى بيننا-غير هذا-طويل:كان حمد بن محمّد هذا،ابن عمّة الحسن بن مخلد،و كان أبي عرّفني أنّه أشار على المقتدر باللّه (4)،و قد استشاره
ص:206
فيمن يقلّده الوزارة (1)،قال:فأسميت له حمد بن محمد هذا،و أبا عيسى أخا أبي صخرة 6،و أبا زنبور 7،و محمد بن علي المادرائيّين 8.
ص:207
قال:سمعت عبيد اللّه بن سليمان بن وهب،يقول:كان المتوكّل (1)،أغيظ النّاس على إيتاخ (2)،و ذكر حديثا طويلا،وصف فيه كيف قبض المتوكّل على إيتاخ و ابنيه (3)ببغداد،لما رجع من الحجّ،بيد إسحاق بن إبراهيم بن مصعب، قال فيه] (4):قال سليمان بن وهب:[ساعة] 12قبض على إيتاخ ببغداد (5)،
ص:208
قبض عليّ بسرّ من رأى،و سلّمت الى عبيد اللّه بن يحيى (1).
و كتب المتوكّل إلى إسحاق بن إبراهيم (2)،بدخول سرّ من رأى،ليتقوّى به على الأتراك،لأنّه كان معه بضعة عشر ألفا،و لكثرة الطاهريّة (3)،بخراسان، و شدّة شوكتهم.
فلما دخل[39 غ]إسحاق سامراء،أمر المتوكّل بتسليمي إليه،و قال:
هذا عدوّي،ففصّل لحمه عن عظمه،هذا كان يلقاني في أيّام المعتصم، فلا يبدأني بالسلام[30 م]فأبدأه به لحاجتي إليه،فيردّ عليّ كما يردّ المولى على عبده،و كلّ ما دبّره إيتاخ،فعن رأيه.
فأخذني إسحاق،و قيّدني بقيد ثقيل،و ألبسني جبّة صوف،و حبسني في
ص:209
كنيف،و أغلق عليّ خمسة أبواب،فكنت لا أعرف الليل من النهار.
فأقمت على ذلك عشرين يوما،لا يفتح عليّ الباب إلاّ دفعة واحدة في كلّ يوم و ليلة،يدفع إليّ فيها خبز و ملح جريش،و ماء حار،فكنت آنس بالخنافس،و بنات وردان (1)،و أتمنّى الموت من شدّة ما أنا فيه.
فعرض لي ليلة من اللّيالي،أن أطلت الصلاة[32 ظ]،و سجدت، فتضرّعت إلى اللّه تعالى،و دعوته بالفرج،و قلت في دعائي:اللّهم،إن كنت تعلم[أنّه كان لي في دم نجاح بن سلمة (2)صنع،فلا تخلّصني مما أنا فيه، و إن كنت تعلم] (3)أنّه لا صنع لي فيه (4)،و لا في الدّماء الّتي سفكت،ففرّج عني.
فما استتممت الدّعاء،حتى سمعت صوت الأقفال تفتح،فلم أشكّ أنّه القتل،ففتحت الأبواب،و جيء بالشّمع،و حملني الفرّاشون،لثقل حديدي.
فقلت لحاجبه (5):[سألتك]22باللّه،اصدقني عن أمري.
فقال:ما أكل الأمير اليوم شيئا،لأنّه أغلظ عليه في أمرك،و ذلك أنّ
ص:210
أمير المؤمنين وبّخه بسببك،و قال:سلّمت إليك سليمان بن وهب تسمنه أو تستخرج ماله؟
فقال الأمير:أنا صاحب سيف،و لا أعرف المناظرة على الأموال و وجوهها، و لو قرّر أمره على شيء لطالبته به.
فأمر أمير المؤمنين الكتّاب بالاجتماع عند الأمير لمناظرتك،و إلزامك ما لا يؤخذ به خطّك،[و تطالب به،و قد اجتمعوا]19،و استدعيت لهذا.
قال:فحملت إلى المجلس،فإذا فيه موسى بن عبد الملك،صاحب ديوان الخراج،و الحسن بن مخلد،صاحب ديوان الضياع (1)،و أحمد بن إسرائيل الكاتب (2)،و أبو نوح عيسى بن إبراهيم،كاتب الفتح بن خاقان (3)،
ص:211
و داود بن الجرّاح (1)،صاحب الزمام (2)،فطرحت في آخر المجلس.
فشتمني إسحاق (3)أقبح شتم،و قال:يا فاعل،[يا صانع] (4)،تعرّضني لاستبطاء أمير المؤمنين (5)،و اللّه،لأفرّقنّ بين لحمك و عظمك،و لأجعلنّ بطن الأرض أحبّ إليك من ظهرها،أين الأموال؟.
فاحتججت بنكبة ابن الزيّات لي.
فبدرني الحسن بن مخلد،فقال:أخذت من النّاس أضعاف ما أدّيت، و عادت يدك إلى كتبة إيتاخ،فأخذت ضياع السلطان،و اقتطعتها لنفسك، و حزتها سرقة إليك،و أنت تغلّها ألفي ألف درهم،و تتزيّا بزيّ الوزراء،و قد بقيت عليك من تلك المصادرة[22 ر]جملة لم تؤدّها،و أخذت الجماعة تواجهني بكلّ قبيح،إلاّ موسى بن عبد الملك،فإنّه كان ساكتا لصداقة كانت بيني و بينه.
فأقبل من بينهم على إسحاق،و قال:يا سيّدي،أ تأذن لي في الخلوة به لأفصل أمره؟قال:افعل.
فاستدناني،فحملت إليه،فسارّني،و قال:عزيز عليّ[يا أخي] 28، حالك،و باللّه لو كان خلاصك بنصف ما أملكه لفديتك به،و لكن صورتك [قبيحة] (6)،و ما أملك إلاّ الرأي،فإن قبلت منّي،رجوت خلاصك،و إن
ص:212
خالفتني،فأنت-و اللّه-هالك.
قال:فقلت:لا أخالفك.
فقال:الرأي أن تكتب خطّك بعشرة آلاف ألف درهم (1)،تؤدّيها في عشرة أشهر،عند انقضاء كلّ شهر[40 غ]ألف ألف درهم،و تترفّه عاجلا مما أنت فيه.
[فسكتّ سكوت مبهوت،فقال لي:ما لك؟]30
فقلت له:و اللّه،ما أرجع إلى ربعها،إلاّ بعد[31 م]بيع عقاري، و من يشتري منّي و أنا منكوب،و كيف يتوفّر لي الثمن[و أنا على هذه الحالة؟]30.
فقال:أنا أعلم أنّك صادق،و لكن احرس نفسك عاجلا بعظم ما تبذله، و يطمع فيه من جهتك،و أنا من وراء الحيلة لك في شيء أميل به رأي الخليفة من جهتك،يعود إلى صلاحك،و اللّه المعين،و من ساعة إلى ساعة فرج،و لا تتعجّل الموت،و لو لم تستفد إلاّ الرّاحة مما أنت فيه يوما واحدا،لكفى.
قال:فقلت:لست أتّهم[ودّك و لا]30رأيك،و أنا أفعل ما تقول.
فأقبل على الجماعة،و قال:يا سادتي،إنّي قد أشرت عليه أن يكتب خطّه بشيء لا يطيقه،فضلا عما هو أكثر منه (2)،و رجوت أن نعاونه بأموالنا و جاهنا،ليمشي أمره،و قد واقفته ليكتب بكذا و كذا.
فقالوا:الصواب له أن يفعل هذا.
فدعا لي بدواة و قرطاس،و أخذ خطّي بالمال على نجومه (3)،فلمّا أخذه، قام قائما،و قال لإسحاق:يا سيّدي،هذا رجل قد صار عليه للسلطان-أعزّه اللّه-مال،و سبيله أن يرفّه،و تحرس نفسه،و ينقل من هذه الحال[33 ظ]
ص:213
و يغيّر زيّه،و يردّ جاهه،بإنزاله دارا كبيرة،و إخدامه بفرش و آلة حسنة، [و إخدامه خدّاما بين يديه] (1)،و يمكّن من لقاء من يؤثر لقاءه من معامليه، و من يحبّ لقاءه من أهله و ولده و حاشيته،ليجدّ في حمل المال (2)الحالّ عليه، قبل محلّه (3)،و نعينه نحن،و يبيع أملاكه،و يرتجع ودائعه ممّن هي عنده.
فقال إسحاق:السّاعة أفعل ذلك،و أبلغه جميع ما ذكرت،و أمكّنه منه، و نهضت الجماعة.
فأمر إسحاق بفكّ حديدي (4)،و إدخالي الحمّام،و جاءني بخلعة حسنة، و طيب،و بخور،فاستعملته،و استدعاني،فلمّا دخلت عليه،نهض إليّ، و لم يكن في مجلسه أحد،و اعتذر إليّ مما خاطبني به،و قال:أنا صاحب سيف، و مأمور،و قد لحقني اليوم من أجلك سماع كلّ مكروه،حتى امتنعت عن الطعام غمّا بأن أبتلى بقتلك،أو يعتب الخليفة عليّ من أجلك،و إنّما خاطبتك بذلك،إقامة عذر عند هؤلاء الأشرار (5)،ليبلغوا الخليفة ذلك،و جعلته وقاية لك من الضرب و العذاب،فشكرته،و قلت ما حضرني من الكلام.
فلما كان من الغد،حوّلني إلى دار كبيرة،واسعة،حسنة،مفروشة، و وكّل بي فيها،على إحسان عشرة و إجلال،فاستدعيت كلّ من أريده، و تسامع بي أصحابي (6)،فجاءوني و فرّج اللّه عنّي.
و مضت سبعة و عشرون يوما،و قد أعددت ألف ألف درهم،مال النجم
ص:214
الأوّل (1)،و أنا أتوقّع أن يحلّ،فأطالب،فأؤدّيه،فإذا بموسى بن عبد الملك قد دخل إليّ،فقمت إليه،فقال:أبشر.
فقلت:ما الخبر يا سيّدي؟.
فقال:ورد كتاب عامل مصر (2)،بمبلغ مال مصر لهذه السنة مجملا في مبلغ الحمل (3)و النفقات،إلى أن ينفذ حسابه مفصّلا،فقرأ عبيد اللّه ذلك على المتوكّل،فوقّع إلى ديواني بإخراج العبرة (4)لمصر،ليعرف أثر العامل،فأخرجت ذلك من ديوان الخراج و الضياع،لأنّ[مصر تجري في ديوان الخراج و الضياع] (5)[23 ر]و ينفذ حسابها إلى الديوانين،كما قد علمت،و جعلت سنتك الّتي تولّيت فيها عمالة مصر،مصدّرة (6)،و أوردت[41 غ]بعدها السنين النّاقصة عن سنتك،تلطّفا في خلاصك،و جعلت أقول:النقصان[في سنة كذا] (7)عن سنة كذا و كذا الّتي صدّرناها،كذا و كذا ألفا.
فلمّا قرأ عبيد اللّه العمل على المتوكل،قال:فهذه السنة الوافرة،من كان يتولّى عمالتها؟.
فقلت أنا:سليمان بن وهب[32 م]يا أمير المؤمنين.
فقال المتوكّل:فلم لا يردّ إليها؟
ص:215
فقلت:و أين سليمان بن وهب؟ذاك مقتول بالمطالبة،قد استصفي و افتقر.
فقال:تزال عنه المطالبة،و يعان بمائة ألف درهم،و يعجّل إخراجه.
فقلت:و تردّ ضياعه يا أمير المؤمنين،ليرجع جاهه.
قال:و يفعل ذلك،و قد تقدّم إلى عبيد اللّه بهذا،و استأذنته في إخراجك، فأذن لي،فقم بنا إلى الوزير،و قد كان دخل إلى اسحاق برسالة الخليفة بإطلاقي.
فخرجت من وقتي،و لم أؤدّ من مال النّجم الأوّل حبّة واحدة،و رددته إلى موضعه.
و جئت إلى عبيد اللّه،فوقّع لي بمائة ألف درهم معونة على سفري،و دفع إليّ عهدي على مصر،فخرجت إليها (1).
ص:216
أبو الفضل جعفر المتوكّل بن أبي إسحاق محمد المعتصم(207-247):لم يكن المتوكّل أكبر أولاد المعتصم،و لذلك فإنّه لم يعدّ في نشأته إعدادا يؤهّله للموضع الّذي وضعته الظروف فيه.
و عند ما توفّي الواثق،و اجتمع رجال الدّولة يتذاكرون فيمن يرشّح للحكم،كان المتوكّل-إذ ذاك-في قميص و سراويل قاعدا مع أبناء الأتراك،يتساءل ما الخبر؟ (الطبري 154/9).
و كان و هو شاب له شعر قفا في زيّ المخنثين(الطبرى 157/9)،غير أنّ وفاة أخيه الواثق،و عدم وجود خلف له في سنّ تؤهّله للحكم،اضطرّ رجال الدّولة إلى اختيار المتوكّل خلفا لأخيه،و أصرّ القاضي النبيل أبو عبد اللّه أحمد بن أبي دؤاد على مبايعته، و ألبسه الطويلة،و عمّمه بيده(الطبري 154/9)،و كان جزاؤه منه على ذلك أن قبض ضياعه و ضياع أولاده،و أجبرهم على الإقرار و الإشهاد ببيعها،و حبس أولاده،ثمّ نفاهم عن سامراء،و لم يحبس القاضي لأنّه كان مشلولا طريح الفراش(الطبري 189/9).
و لمّا تولّى الحكم ساس المملكة سياسة صبيانية خرقاء،قوامها التعصّب و النزق،و هو أوّل من أظهر من بني العبّاس الانهماك على الشهوات،و كان أصحابه يسخفون و يسفّون بحضرته،و كان يهاتر الجلساء،و يفاخر الرؤساء(زهر الآداب 252/1)و كان أوّل خليفة ظهر في مجلسه اللعب و المضاحيك(مروج الذهب 391/2)و كان له مضحكان، اسم أوّلهما شعرة،و اسم الثاني:بعرة(البصائر و الذخائر م 1 ص 25)و كان يستطيب معاشرة المخنّثين و مجالستهم(الملح و النوادر 282)و كان قد بسط نديمه عبادة المخنّث، الّذي كان مجاهرا بالعهر و البغاء(الصائر و الذخائر م 4 ص 65)،بحيث أباح له أن يدخل عليه و هو نائم مع نسائه(الملح و النوادر 148)،و كان أبو الشبل البرجمي قد نفق عليه بإيثاره العبث(الأغاني 193/14)(تجارب الأمم 556/6)و غضب على نديمه أحمد بن إبراهيم بن حمدون،فنفاه إلى تكريت،ثمّ قطع أذنيه(معجم الأدباء 365/1)،و كان قد غضب على إبراهيم بن حمدون،والد أحمد،إذ اتّهمه بأنّه قد حزن لموت الواثق،فأمر بنفيه إلى السند،و أن يضرب ثلاثمائة سوط(معجم الأدباء 368/1) و لاطف أحد ندمائه،فأمر بأن تدخل في استه فجلة(الهفوات النادرة رقم 218 ص 230).
ص:217
و كان شديد البغض للإمام عليّ و أهل بيته،يقصد من يتولّى عليا و أهله،بالقتل و المصادرة،بحيث كان اتّهام الإنسان بالتشيّع لآل عليّ،في أيّامه،كافيا لقتله(وفيات الأعيان 340/5)و كرب قبر الحسين الشهيد،و عفّى آثاره،و وضع على سائر الطريق مسالح،لا يجدون أحدا زاره إلاّ أتوه به،فقتله،أو أنهكه عقوبة(مقاتل الطالبيّين 597، و فوات الوفيات 203/1 و تاريخ الخلفاء 347 و الطبري 185/9)و ذكر أنّه كان يكره من تقدّمه من الخلفاء:المأمون،و المعتصم،و الواثق،لمحبتهم عليا و أهل بيته(ابن الأثير 56/7).
و كان يظهر من سبّ الإمام عليّ،و الاستهزاء بذكره كثيرا(خلاصة الذهب المسبوك 226)و كان نديمه عبادة المخنّث،يرقص بين يديه،و المغنّون يغنّون:أقبل الأصلع البطين،خليفة المسلمين(ابن الأثير 55/7)و بلغه أنّ أمير مصر،ضرب رجلا عشر درر،فاستحلفه بحقّ الحسن و الحسين أن يكفّ عنه،فكتب إلى الأمير أن يجلده مائة جلدة(الولاة و القضاة للكندي 203)و بلغه أنّ أبا عمر الجهضمي،روى حديثا عن النبيّ صلوات اللّه عليه أثنى فيه على الحسن و الحسين و أبيهما و أمّهما،فأمر بضربه ألف سوط (تاريخ بغداد للخطيب 287/13 و 288)و غضب ولده المنتصر،يوما،من استهزاء عبادة المخنّث بعليّ،فقال له:يا أمير المؤمنين،إنّ الّذي يحكيه هذا الكلب،و يضحك منه النّاس،هو ابن عمّك،و شيخ أهل بيتك،و به فخرك،فكل أنت لحمه،و لا تطعم هذا الكلب و أمثاله منه،فقال المتوكّل للمغنّين:غنّوا جميعا:(ابن الأثير 55/7)
غار الفتى لابن عمّه رأس الفتى في حر امّه
و قتل ابن السكّيت إمام اللّغة و الأدب،لأنّه أثنى على الحسن و الحسين(ابن الأثير 91/7)و غضب على قاضي القضاة بمصر،فأمر بأن تحلق لحيته،و أن يطاف به على حمار و أن يضرب في كلّ يوم عشرين سوطا(تاريخ الخلفاء 347).
و استعمل على المدينة و مكّة،عمر بن فرج الرخجي،لمعرفته بنصبه و بغضه عليا(ابن الأثير 56/7)،فمنع آل أبي طالب من التعرّض لمسألة النّاس،و منع النّاس من البرّ بهم، و كان لا يبلغه أنّ أحدا برّ أحدا منهم بشيء-و إن قلّ-إلاّ أنهكه عقوبة،و أثقله غرما، حتّى كان القميص يكون بين جماعة من العلويات،يصلّين فيه،واحدة بعد واحدة،ثمّ يرفعنه و يجلسن إلى مغازلهن،عواري،حواسر،إلى أن قتل المتوكّل،فعطف عليهم المنتصر،
ص:218
و أحسن إليهم(مقاتل الطالبيّين 599)و وصفت للمتوكّل عائشة بنت عمر بن فرج الرخجي، فوجّه في جوف اللّيل،و السّماء تهطل،إلى عمر،أن احمل إليّ عائشة،فسأله أن يصفح عنها،فأبى،و حملها إليه في اللّيل،فوطئها،ثمّ ردّها إلى منزل أبيها(المحاسن و الأضداد 118).
و أنفق على بناء قصوره في سامراء،أربعة و عشرين ألف ألف دينار(الديارات 364- 371)،و كان المصروف على ثلاثة منها مائة ألف ألف درهم(مروج الذهب 418/2)، و صرف في حفلة ختان ولده المعتزّ ستة و ثمانين ألف ألف درهم(الديارات 150-157) و بلغ ما نثره في تلك الحفلة على المغنّين و المغنّيات،عشرين ألف ألف درهم،و حصل في ذلك اليوم للمزيّن الّذي ختن المعتزّ،نيّف و ثمانون ألف دينار،سوى الصياغات و الخواتم و الجواهر و العدات(الديارات 155 و 156).و رغب يوما أن يعمل الشاذ كلاه،بأن يشرب على الورد،و لم يكن موسم ورد،فأمر فسكّ له خمسة آلاف ألف درهم،و أن تلوّن، و تنثر مكان الورد،لكي يشرب عليها.
و كان قد بايع لولده المنتصر،ثمّ المعتز،ثم المؤيّد(ابن الأثير 49/7)ثمّ رغب في تقديم المعتز،لمحبته لأمّه،فسأل المنتصر أن ينزل عن العهد،فأبى،فكان يحضره مجلس العامّة،و يحطّ منزلته،و يتهدّده و يشتمه(تاريخ الخلفاء 350)و يطلب من الفتح أن يلطمه(الطبري 225/9 و تجارب الأمم 555/6،و ابن الأثير 97/7)و أمر المتوكّل بقبض ضياع وصيف،و إقطاعها الفتح بن خاقان(الطبري 222/9،و تجارب الأمم 554/6)كما أنّه وافق الفتح بن خاقان على الفتك بوصيف،و بغا،و بابنه المنتصر، (تجارب الأمم 554/6)،و اشتدّ عبثه،قبل قتله بيومين،بابنه المنتصر،مرّة يشتمه، و مرّة يسقيه فوق طاقته،و مرّة يأمر بصفعه،و مرّة يتهدّده بالقتل(الطبري 225/9) فاضطر المنتصر أن يشاور بعض الفقهاء و أن يعلمهم بمذاهب أبيه،و حكى عنه أمورا قبيحة،فأفتوه بقتله،فاتّفق مع الأتراك،و قتلوه(تاريخ الخلفاء 350).
و قد كان تصرّف المتوكّل مع أولاده،و مع قوّاده،و مع حاشيته،و مع رعيّته،لا بدّ أن يؤدّي به إلى النهاية الّتي انتهى إليها،ففتح بذلك على من خلفه من الخلفاء،و على من يلوذ بهم من رجال الدّولة،بابا استحال سدّه،و كان فاتحة لما أصيب به الخلفاء من بعده، و الوزراء،و سائر رجال الدّولة،من قتل،و سمل،و تشريد،و امتهان.
ص:219
الديوان،كلمة كانت في الأصل تطلق على جريدة الحساب،ثمّ أطلقت على الحساب، ثمّ على الموضع الذي يجري فيه الحساب(المنجد).
و أوّل من دوّن الدواوين في الإسلام،الخليفة أبو حفص عمر بن الخطاب(الطبري 209/4 و الفخري 83 و الأعلام 204/5 و المنجد)و كتب فيه النّاس على قبائلهم،و فرض لهم العطاء(الطبري 209/4)،و كان يحمل دواوين القبائل بين مكّة و المدينة،فيوزّع بيده العطاء على الصغير و الكبير(الطبري 210/4).
ثمّ اتّسعت رقعة الدّولة،و مصّرت الأمصار،فأصبح للمدينة ديوان(الطبري 180/6) و للكوفة ديوان،و للبصرة ديوان(الطبري 179/6)،و أحدث معاوية بن أبي سفيان (35-60)ديوان الخاتم،و أمر أن تثبت فيه نسخة من كلّ توقيع يصدره،كما رتّب البريد الّذي أصبح من بعد ذلك ديوانا مهمّا من دواوين الدّولة(الفخري 107 و 108) و قلّد الدواوين الأخرى كتّابا منهم سرجون الرّومي،قلّده ديوان الخراج(الطبري 180/6).
و في أيّام عبد الملك بن مروان(65-86)،نقلت الدواوين من الروميّة و الفارسيّة، إلى العربيّة(الأعلام 312/4 و الفخري 122)و استعان أولاده بمواليهم،فنصبوهم كتّابا على الدواوين(الطبري 180/6)،و كانت الدواوين في أيّام بني أميّة،مقتصرة على دواوين الأصول،و لم تكن في أيّامهم دواوين أزمّة(الطبري 167/8).
و في أيّام الخلافة العبّاسيّة،اتّسعت الدواوين،و تشعّبت،و لما استقرّت الأمور في أيّام المهدي،قلّد الدواوين عمر بن بزيع،و تفكّر،فوجد أنّه لا يمكن أن يضبطها، لتعدّدها،و اتّساع أعمالها،فاتّخذ دواوين الأزمّة،و ولّى كلّ ديوان رجلا(الطبري 167/8)فأصبح لكل ديوان من دواوين الأصول،ديوان زمام يراقبه،و يشرف على أعماله(وزراء 294)،ثم اتّخذ المهدي ديوانا،أسماه:ديوان زمام الأزمّة(الطبري 167/8)يظهر من اسمه،أنّه كان يراقب و يشرف على دواوين الأزمّة.
و كان توقيع الخليفة ينقل إلى ديوان التّوقيع،و بعد التحقّق من صحّة التّوقيع،و تخليد نسخته في الديوان،ينقل إلى ديوان الزمام(وزراء 203)،و يقابله الآن في العراق، ديوان مراقب الحسابات العام،فإن أقرّه صاحب الديوان،نقل إلى حيث يجري تنفيذه، و إذا كان التّوقيع أمرا بصرف مال،نقل إلى ديوان بيت المال،و يقابله الآن في العراق، مديرية الخزينة المركزيّة،حيث يتمّ تسليم التّوقيع،و تسلّم المال.
ص:220
ثمّ انقسم ديوان بيت المال إلى ديوانين،واحد للعامّة(وزراء 208)و آخر للخاصّة (وزراء 141)،و انقسم ديوان الضياع إلى ديوانين،واحد للضياع العامّة،و آخر للضياع الخاصّة(وزراء 33)،و هي الضياع العائدة للخليفة و الأمراء من أهل بيته،و عليه ديوان زمام خاص(وزراء 284)ثمّ أضيفت إلى ديوان الضياع الخاصة،الضياع المستحدثة(وزراء 340)،و رتب لديوان الإعطاء،و هو ديوان الجيش(وزراء 164)مجالس للتّفرقة، يقوم فيها بتفريق الأموال،و كلاء عن صاحب الديوان(وزراء 26)و عليه ديوان زمام الجيش(القصّة 34/8 من نشوار المحاضرة)و للنفقات ديوان(وزراء 140)و عليه ديوان زمام النّفقات(وزراء 380)و كان أبو العبّاس بن الفرات أحدث ديوانا اسمه:
ديوان الدار(وزراء 148)فانتزع الوزير عبيد اللّه بن سليمان من ذلك الديوان،مجلس المشرق،و جعله ديوانا منفردا،سمّاه:ديوان المشرق(وزراء 149)و كذلك الوزير القاسم بن عبيد اللّه،فقد انتزع من ديوان الدار،مجلس المغرب،و جعله ديوانا منفردا، سمّاه:ديوان المغرب(وزراء 149).
و أحدثت دواوين اقتضت الظروف إحداثها،مثل ديوان البرّ(وزراء 310)و قد أحدثه الوزير أبو الحسن عليّ بن عيسى بن الجرّاح،عند ما أقنع المقتدر،فوقف على الحرمين و الثغور،المستغلاّت الّتي يملكها بمدينة السّلام،و غلّتها ثلاثة عشر ألف دينار،و الضياع الموروثة بالسّواد،الجارية في ديوان الخاصّة،و ارتفاعها نيّف و ثمانون ألف دينار،و ديوان المرافق،أي ديوان الرشى،و كان سبب إحداثه أنّ من سبق من الوزراء،تساهلوا في الجباية،و أنزلوا من بدلات ضمانات الأمصار،مبالغ عظيمة،لقاء مبالغ ارتفاق،يؤدّيها إليهم العمّال سرّا(وزراء 38)فأصبح الارتفاع لا يفي بالنفقات،فأنشأ الوزير ديوان الارتفاق،و أمر العمّال أن يبعثوا إليه بالمبالغ الّتي اتّفقوا على إرفاق الوزراء السّابقين بها، ليصرفها في أمور الدّولة.
و في السنة 324 لمّا ضعف أمر الدّولة في أيّام الراضي،نصب أبا بكر محمّد بن رائق، أميرا للأمراء،و قلّده إمارة الجيش و الخراج و المعاون،و جميع الدواوين،و كان ابن رائق بواسط،فانحدر إليه الكتّاب،و الحجّاب،و أصحاب الدواوين،فبطلت الدواوين من ذلك الحين،و بطلت الوزارة،و أصبح أمير الأمراء هو النّاظر في جميع الأمور، و صارت الأموال تحمل إلى خزائنه،و هو يطلق للخليفة ما يقوم بأوده(ابن الأثير 322/8 و 323).
ص:221
دعوة مستجابة
حدّثني أبو بكر محمد بن إسحاق الأهوازي (1)[أحد شهود أبي بها] (2).عن مسرور بن عبد اللّه الاستادي (3)،قال:
حزبني (4)أمر ضقت به ذرعا،فأتيت يحيى بن خالد الأزرق،و كان مستجاب الدعوة،فرآني مكروبا قلقا،فقال لي:ما شأنك؟
فقلت:دفعت إلى كيت و كيت.
فقال لي:استعن بالصبر،فإنّ اللّه وعد الصابرين خيرا (5).
فقلت له:ادع لي،فحرّك شفتيه بشيء لا أعلم ما هو،فانصرفت على جملتي من القلق،فلمّا أصبحت أتاني الفرج بإذن اللّه تعالى.
[قال مؤلّف هذا الكتاب:و يحيى بن خالد هذا،هو جدّ عبد اللّه بن محمّد بن يحيى الأهوازي الكاتب،و عبد اللّه هذا جدّي لأمّي] (6).
ص:222
دعاء لشفاء العلل
حدّثني عبد اللّه بن أحمد بن داسه البصري (1)،قال:اعتللت علّة شديدة، أيست فيها من نفسي،على[34 ظ]شدّة كنت فيها،فعادني بعض أصحاب أبي محمد سهل بن عبد الله التستري (2)،فقال:كان أبو محمّد سهل،يدعو اللّه في علله،بدعاء ما دعا به أحد إلاّ عوفي.
فقلت:و ما هو؟
فقال:قل:اللّهم اشفني بشفائك،و دواني بدوائك،و عافني من بلائك.
قال:فواصلت الدعاء بذلك،فعوفيت.
ص:223
غلام نازوك و كتاب العطف
حدّثني أبو الحسن أحمد بن يوسف الأزرق (1)،[بن يعقوب بن إسحاق ابن البهلول التنوخي] (2)،عن أبي الحسين بن البوّاب المقرئ (3)،قال:
كان يصحبنا[على القرآن] 2،رجل مستور صالح،يكنى أبا أحمد، و كان يكتب كتب العطف للناس،فحدّثني يوما،قال:
بقيت يوما بلا شيء،و أنا جالس في دكّاني،و قد دعوت اللّه أن يسهّل قوتي (4)،فما استتممت الدعاء،حتى فتح باب دكّاني غلام أمرد،حسن الوجه جدّا،فسلّم عليّ و جلس.
فقلت له:ما حاجتك؟
فقال:أنا عبد مملوك،و قد طردني مولاي،و غضب عليّ،و قال:انصرف عنّي إلى حيث شئت،و ما أعددت لنفسي من أطرحها عليه في مثل هذا الوقت، و لا أعرف من أقصده،و قد بقيت متحيّرا في أمري،و قيل لي إنّك تكتب كتب العطف،فاكتب لي كتابا.
فكتبت له الكتاب الذي كنت أكتبه،و هو:بسم اللّه الرّحمن الرّحيم،
ص:224
الحمد للّه ربّ العالمين[42 غ]إلى آخر السورة (1)،و المعوّذتين (2)،و سورة الإخلاص (3)، و آية الكرسي (4)،و لو أنزلنا هذا القرآن على جبل،لرأيته خاشعا[متصدّعا من خشية اللّه،و تلك الأمثال نضربها للنّاس،لعلّهم يتفكّرون]2...إلى آخر السورة (5)،و كتبت آيات العطف،و هي:لو أنفقت ما في الأرض جميعا، ما ألّفت بين قلوبهم،و لكن اللّه ألّف بينهم...الآية (6)،و من آياته أنّه خلق لكم من أنفسكم أزواجا لتسكنوا إليها،و جعل بينكم مودّة و رحمة إلى آخر الآية (7)،و اذكروا نعمة اللّه عليكم،إذ كنتم أعداء فألّف بين قلوبكم، فأصبحتم بنعمته إخوانا...إلى آخر الآية (8).
و قلت له:خذ هذه الرقعة،فشدّها على عضدك الأيمن،و لا تعلّقها عليك إلاّ و أنت طاهر.
فأخذها و قام[و هو يبكي]2،و طرح بين يديّ دينارا عينا،فداخلتني له رحمة،فصلّيت ركعتين،و دعوت له أن ينفعه اللّه بالكتاب،و يردّ عليه قلب
ص:225
مولاه،و جلست.
فما مضت[33 م]إلاّ ساعتان،و إذا بأبي الجود (1)،خليفة عجيب (2)، غلام نازوك،و كان خليفته على الشرطة،قد جاءني،فقال لي:أجب الأمير نازوك (3)،فارتعت.
فقال:لا بأس عليك،و أركبني بغلا،و جاء بي إلى دار نازوك،[فتركني في الدهليز و دخل] (4).
ص:226
فلما كان بعد ساعة،أدخلت،فإذا نازوك جالس في دست عظيم،و بين يديه الغلمان قياما سماطين،نحو ثلاثمائة غلام و أكثر،و كاتبه الحسين (1)جالس بين يديه،و رجل آخر لا أعرفه.
فارتعت،و أهويت لأقبّل الأرض،فقال:مه،عافاك اللّه،لا تفعل، هذا من سنن الجبّارين،و ما نريد نحن هذا،اجلس يا شيخ،و لا تخف، فجلست.
فقال لي:جاءك اليوم غلام أمرد،فكتبت له كتابا للعطف؟
قلت:نعم.
قال:اصدقني عمّا جرى بينكما،حرفا،حرفا.
فأعدته عليه،حتّى لم أدع كلمة (2)،و تلوت عليه الآيات الّتي كتبتها.
فلمّا بلغت إلى قول الغلام:أنا عبد مملوك،و ما أعددت لنفسي من أقصده في هذه الحال،و لا أعرف أحدا ألجأ إليه،و قد طردني مولاي،بكيت لما تداخلني من رحمة له،و أريته الدينار الذي أعطانيه،فدمعت عينا نازوك[24 ر] و تجلّد،و استوفى الحديث.
و قال:قم يا شيخ،بارك اللّه عليك،و مهما عرضت لك من حاجة، [أو لجار لك،أو صديق]16،فسلنا إيّاها،فإنّا نقضيها،[و أكثر عندنا و انبسط في هذه الدار،فإنّك غير محجوب عنها]16،فدعوت له و خرجت.
[فلمّا صرت خارج باب المجلس،إذا بغلام قد أعطاني قرطاسا فيه ثلاثمائة درهم،فأخذته و خرجت]16.
فلمّا صرت في الدهليز (3)،إذا بالفتى،فعدل بي إلى موضع و أجلسني.
ص:227
فقلت:ما خبرك؟
فقال:أنا غلام الأمير،و كان قد طردني،و غضب عليّ،فلمّا أن جئتك، و احتبست عندك،طلبني،فرجعت مع رسله.
فقال لي:أين كنت؟
فصدقته الحديث،فلم يصدّقني،و أمر بإحضارك،فلمّا اتّفقنا في الحديث، و خرجت الساعة،[أحضرني،و قال:يا بنيّ] (1)،أنت الساعة من أجلّ غلماني [35 ظ]عندي،و أمكنهم من قلبي،و أخصّهم بي،إذ كنت لمّا غضبت عليك (2)ما غيّرك ذلك عن محبّتي،و الرغبة في خدمتي،و طلب الحيل في الرجوع إليّ[43 غ]و انكشف لي أنّك ما أعددت لنفسك-بعد اللّه-سواي،[و لا عرفت وجها تلجأ إليه في الدّنيا غيري،فما ترى بعد هذا إلاّ كل ما تحبّ]16، و سأعلي منزلتك،و أبلغ بك أعلى مراتب نظرائك،و لعلّ اللّه سبحانه استجاب فيك دعاء هذا الرجل الصالح،و نفعك بالآيات،فبأيّ شيء كافأت الرجل؟.
فقلت:ما أعطيته غير ذلك الدينار.
فقال:سبحان اللّه،قم إلى الخزانة،فخذ منها ما تريد،و أعطه.
فأخذت منها هذا القرطاس،و جئتك به،فخذه،و أعطاني أيضا خمسمائة درهم،و قال لي:الزمني،فإنّي أحسن إليك.
فجئته بعد مديدة،فإذا هو قائد جليل،و قد بلغ به نازوك تلك المنزلة، فوصلني بصلة جليلة،و صار لي عدّة على الدهر و ذخيرة (3).
ص:228
الدهليز:الممرّ الذي بين باب الدار و وسطها،و يسمّى الآن ببغداد:المجاز، و الكلمة فصيحة،لأنّه موضع الجواز إلى داخل الدّار،و جمعه دهاليز،قال يحيى بن خالد:ينبغي للإنسان أن يتأنّق في دهليزه لأنّه وجه الدار،و منزل الضّيف،و موقف الصديق حتّى يؤذن له،و موضع المعلّم،و مقيل الخدم،و منتهى حدّ المستأذن.
و من لطيف الكلام:القبر دهليز الآخرة.
و قال ابن سكّرة:
قلت للنزلة لمّا أن ألمّت بلهاتي
بحياتي خلّ حلقي فهو دهليز حياتي
(وفيات الأعيان 92/7 و الغيث المسجم للصفدي 185/1 و شفاء الغليل 86).
و كانت دهاليز دور الوزراء،و القادة،و الأمراء،تشتمل على حجر عدّة،برسم الخدم،و الأتباع،و الوكلاء،و الحرّاس،و الرجّالة،و فيها مواضع للجلوس و الطعام، راجع القصّة 5/1 و 164/2 من كتاب نشوار المحاضرة و أخبار المذاكرة للقاضي التنّوخي.
و يحدّثنا أبو جعفر بن شيرزاد عن دهليز داره،أنّه كان محصّنا ببابين،باب على الطريق العام،و باب على صحن الدار،فإذا دخل الداخلون من الباب الأوّل،ظلّ الثاني مغلقا، حتّى إذا استتمّ دخولهم،و استقرّوا في الدهليز،أغلق الأوّل،و فتح الثّاني،لينفذوا منه إلى داخل الدّار،راجع القصّة 378 من هذا الكتاب.
و لمّا عزل الوزير أبو شجاع من وزارة الخليفة،خرج إلى الجامع يوم الجمعة،فانثالت العامّة عليه تصافحه و تدعو له،فأنكر الخليفة ذلك،فبنى في دهليز داره مسجدا،و كان يؤذّن و يصلّي فيه(المنتظم 93/9).
و كان بيت الطاحون في كلّ دار يقع في الدهليز،راجع في الملح و النوادر ص 283 قصّة العاشق الذي حلّ محلّ الحمار في الطاحون.
ص:229
جور أبي عبد اللّه الكوفي
حدّثني محمّد بن محمّد المهندس (1)،قال:حدّثني أبو مروان الجامدي (2)، قال:
ظلمني أحمد بن علي[بن سعيد] (3)الكوفي (4)،و هو يتقلّد واسط (5)لناصر الدولة (6)،و قد تقلّد إمرة الأمراء ببغداد (7)،[و كنت أحد من ظلم] 3،فظلمني، و أخذ من ضيعتي بالجامدة نيّفا و أربعين كرّا أرزّا،بالنصف من حقّ الرقبة،بغير
ص:230
تأويل و لا شبهة،سوى ما أخذه بحقّ بيت المال،و ظلم فيه أيضا،فتظلّمت إليه،و كلّمته،فلم ينفعني معه شيء،و كان الكرّ الأرز بالنصف-إذ ذاك- بثلاثين دينارا.
فقلت[34 م]له:قد أخذ منّي سيّدي ما أخذ،و و اللّه،ما أهتدي أنا و عيالي،إلى ما سوى ذلك،و ما لي ما أقوتهم به باقي سنتي،و لا ما أعمّر به ضيعتي،و قد طابت نفسي أن تطلق لي من جملته عشرة أكرار،و جعلتك من الباقي في حلّ.
فقال:ما إلى هذا سبيل.
فقلت:فخمسة أكرار.
فقال:لا أفعل.
فبكيت،و قبّلت يده،[و رقّقته] (1)،و قلت:هب لي ثلاثة أكرار، و تصدّق عليّ بها،و أنت من الجميع في حلّ.
فقال:لا و اللّه،و لا أرزة واحدة.
فتحيّرت،و قلت:فإنّي أتظلّم منك إلى اللّه تعالى.
فقال لي:كن على الظلامة،[يكرّرها دفعات،و يكسر الميم،بلسان أهل الكوفة] (2).
فانصرفت منكسر القلب (3)،منقطع الرجاء،فجمعت عيالي،و ما زلنا ندعو عليه ليالي كثيرة،فهرب من واسط في اللّيلة الحادية عشرة من أخذه الأرز،فجئت إلى البيدر،و الأرز مطروح،فأخذته،و حملته إلى منزلي،و ما عاد الكوفي بعدها إلى واسط،و لا أفلح.
ص:231
و أنا محبوس مقيّد في حجرة من دار ياقوت (1)،أمير فارس،و قد لحقني من اليأس من الفرج و ضيق الصدر ما أقنطني و كاد يذهب بعقلي،و كنّا،أنا و فلان (2)محبوسين،مقيّدين،في بيت واحد من الحجرة،إلاّ أنّا على سبيل ترفيه و إكرام.
فدخل علينا[25 ر]كاتب لياقوت،و كان كثيرا ما يجيئنا برسالته، فقال:الأمير يقرئكما السّلام،و يتعرّف أخباركما،و يعرض عليكما قضاء حاجة إن كانت لكما.
فقلت له:تقرأ عليه السّلام،و تقول له:قد-و اللّه-ضاق صدري، و اشتهيت أن أشرب على غناء طيّب،فإن جاز أن يسامحنا بذلك سرّا،و يتّخذ به منّة عليّ و يدا،تفضّل بذلك[44 غ].
فقال لي المحبوس الّذي كان معي:يا هذا،ما في قلوبنا فضل لذلك.
فقلت للكاتب:أدّ عنّي ما قلت لك.
ص:233
[قال:السمع و الطاعة] (1)و مضى،و عاد فقال:الأمير يقول لك:
نعم،و كرامة و عزازة،أيّ وقت شئت.
فقلت:الساعة.
فلم تمض إلاّ ساعة،حتّى جاءوا بالطعام،فأكلنا،و بالمشامّ و الفواكه و النبيذ،و صفّ المجلس،فجلست أنا و المحبوس الّذي معي في القيدين.
و قلت له:تعال،حتى نشرب،و نتفاءل بأوّل صوت تغنّيه المغنّية،في سرعة الفرج ممّا نحن فيه[فلعلّه يصحّ الفأل] (2).
فقال:أمّا أنا فلا أشرب،فلم أزل أرفق به حتّى شرب،فكان أوّل صوت غنّته المغنّية:[36 ظ].
تواعد للبين الخليط لينبّتوا و قالوا لراعي الذّود موعدك السّبت
و لكنّهم بانوا-و لم أدر-بغتة و أفظع شيء حين يفجؤك البغت
[قال أبو علي:ذكر المبرّد في كتابه المعروف بالكامل،البيت الأوّل، و رواه لمحمّد بن يسير] (3).
فقال لي:ما هذا ممّا يتفاءل به،[و أيّ معنى فيه،ممّا يدلّ على فرجنا؟] 6
فقلت:ما هو إلاّ فأل مبارك،و أنا أرجو أن يفرّق اللّه بيننا و بين هذه الحالة الّتي نحن عليها،و يبين الفرج و الصلاح،يوم السبت.
قال:و أخذنا في شربنا يومنا،و سكرنا،و انصرفت المغنّية،و مضت الأيّام.
فلمّا كان يوم السبت،و قد مضى من النّهار ساعتان،إذا بياقوت قد دخل علينا،فارتعنا،و قمت إليه،فقال:أيّها الوزير،اللّه،اللّه،في أمري،
ص:234
و أقبل إليّ مسرعا،و عانقني،و أجلسني،و أخذ يهنّيني بالوزارة،[فبهتّ] (1)، و لم يكن عندي علم بشيء من الأمر،و لا مقدّمة له.
فأخرج إليّ كتابا ورد عليه من القاهر باللّه (2)،يعلمه فيه[بما جرى على المقتدر، و مبايعة النّاس له بالخلافة،و يأمره[35 م]بأخذ البيعة على من بفارس من الأولياء،و فيه] 8تقليده إيّاي الوزارة،و يأمره بطاعتي،و سلّم إليّ أيضا، كتابا من القاهر،يأمرني فيه بالنّظر في أموال فارس،و الأولياء بها،و استصحاب ما يمكنني من المال،و تدبير أمر البلد بما أراه،و البدار إلى حضرته،و أنّه استخلف لي-إلى أن أحضر-الكلوذاني (3).
فحمدت اللّه كثيرا،و شكرته،و إذا الحدّاد واقف،فتقدّمت إليه بفكّ قيودي و قيود الرّجل،و دخلت الحمّام،و أصلحت أمري و أمر الرّجل،و خرجت،
ص:235
فنظرت في الأعمال و الأموال،و جمعت مالا جليلا في أيّام يسيرة،و قرّرت أمور البلد،و سرت،و استصحبت الرّجل معي إلى الحضرة،حتّى جلست هذا المجلس،و فرّج اللّه عنّا (1).
ص:236
أبو أيّوب يرفع شكواه إلى اللّه تعالى
برقعة يعلّقها في المحراب
قال محمّد بن عبدوس،في كتابه«كتاب الوزراء»:وجدت بخط أبي عليّ أحمد بن إسماعيل الكاتب (1)، حدّثني أحمد بن أبي الأصبغ (2)،قال:
وجّهني عبيد اللّه بن يحيى،إلى أبي أيّوب (3)،ابن أخت أبي الوزير (4)، أيّام تقلّد[أبي صالح عبد اللّه بن محمد] (5)بن يزداد الوزارة،و كان ابن يزداد (6)،
ص:237
يقصد أبا أيّوب و يعاديه.
فقال لي عبيد اللّه:القه،و سهّل عليه الأمر،و قل له:أرجو أن يكفيك اللّه شرّه.
فوصلت إليه و هو يصلّي،و قد علّق في محرابه رقعة،فأنكرتها،و أدّيت إليه الرسالة.
فقال[45 غ]لي:قل له:جعلت فداك،لست أغتمّ بشيء،لأنّ أمره قريب،و قد رفعت فيه إلى اللّه تعالى قصّة إذ أعجزني المخلوقون،أ ما تراها معلّقة في القبلة؟
فكاد يغلبني الضّحك،فضبطت نفسي،و انصرفت إلى عبيد اللّه،فحدّثته الحديث،فضحك منه.
قال:فو اللّه،ما مضت بابن يزداد إلاّ أيّام يسيرة،حتّى سخط عليه و صرف.
فاتّفق لأبي أيّوب الفرج،و نزل بابن يزداد المكروه،في مثل المدّة الّتي تخرج فيها التوقيعات في القصص (1).
ص:238
أبو نصر الواسطي يتظلّم إلى الإمام موسى الكاظم
برقعة علّقها على قبره
قال مؤلّف الكتاب:و أنا شاهدت مثل هذا،و ذلك أنّ أبا الفرج محمّد ابن العباس بن فسانجس (1)،لما ولي الوزارة (2)[26 ر]أظهر من الشرّ على النّاس (3)، و الظّلم لهم،بخلاف ما كان يقدّر فيه،و كنت أحد من ظلمه،فإنّه أخذ ضيعتي بالأهواز (4)،و أقطعها بالحقّين (5)،و أخرجها عن يدي (6).
ص:239
فأصعدت الى بغداد متظلّما إليه من الحال،فما أنصفني،على حرمات كانت بيني و بينه (1)،و كنت أتردّد إلى مجلسه،فرأيت فيه شيخا من شيوخ العمّال، يعرف بأبي نصر محمّد بن محمّد الواسطي،[أحد من كان يتصرّف في عمالات بنواحي الأهواز] (2)،و كان صديقا لي،فسألته عن أمره،فذكر أنّ الحسن بن بختيار (3)،أحد قوّاد الدّيلم،ضمن أعمال الخراج و الضياع بنهر تيرى (4)،و بها منزل أبي نصر هذا،و أنّه طالبه بظلم لا يلزمه،فبعد عن البلد،فكبس داره، و أخذ جميع ما كان فيها،و كان فيما أخذ،عهد (5)ضياعه كلّها،و أنّه حضر للوزير[محمّد بن العبّاس] (6)متظلّما منه،فلمّا عرف الحسن بن بختيار ذلك، أنفذ بالعهد إلى الوزير،و قال له:قد أهديت إليك هذه الضّياع،فقبل الوزير منه ذلك،و كتب إلى وكيله[في ضيعته] 12بالأهواز (7)،فأدخل يده في ضياعي،و قد تظلّمت[37 ظ]إليه،فلم ينصفني.
فلمّا كان بعد أيّام،دخلت المشهد بمقابر قريش (8)،فزرت موسى بن
ص:240
جعفر (1)،و عدلت[إلى موضع الصّلاة]12 لأصلّي،فإذا بقصّة معلّقة، بخطّ أبي نصر هذا،و قد كتبها إلى موسى بن جعفر،يتظلّم فيها من محمّد ابن العبّاس،و يشرح أمره،و يتوسّل في القصّة،بمحمّد،و عليّ،و فاطمة، و الحسن و الحسين،و باقي الأئمّة عليهم السّلام (2)،أن يأخذ له بحقّه من محمّد ابن العبّاس،و يخلّص له ضياعه.
فلمّا قرأت الورقة،عجبت من ذلك عجبا شديدا،و وقع عليّ الضّحك، لأنّها قصّة إلى رجل ميّت،[و قد علّقها عند رأسه]12،و كنت عرفت أبا نصر بمذهب الإماميّة الاثنى عشرية،فظننت أنّه مع هذا الاعتقاد كان أكبر قصده أن يشنّع (3)على الوزير بالقصّة[36 م]عند قبر موسى بن جعفر عليه السّلام،و كان كثير الزّيارة له،أيّام وزارته،و قبلها،[و بعدها] (4)،ليعلم أنّ الرّجل على مذهبه،فيتذمّم من ظلمه،و يرهب الدعاء في ذلك المكان، فانصرفت.
فلمّا كان بعد أيّام،كنت في المشهد،و جاء الوزير،فرأيته يلاحظ الرّقعة،فعلمت أنّه قد قرأها،و مضى على هذا الحديث مدّة،و ما رهب القصّة،
ص:241
و لا أنصف الرّجل.
و امتدّت محنة الرّجل شهورا،و رحل محمّد بن العبّاس إلى الأهواز، للنّظر في أبواب المال،و تقرير أمر العمّال[46 غ]،و أقمت أنا ببغداد، لأنّه لم يكن أنصفني،و لا طمعت في إنصافه إيّاي لو صحبته،و انحدر أبو نصر في جملة من انحدر معه.
فلمّا صار بالمأمونية (1)[قرية حيال سوق الأهواز،و هو يريد دخولها من غد]12 ورد من بغداد كتاب إلى بختكين التركي[مولى معزّ الدولة]12،المعروف بآزاذرويه (2)،و كان يتقلّد الحرب و الخراج،بالأهواز و كورها،فقبض عليه (3)، و قبض على أمواله،و قيّده،و مضى أبو نصر إلى ضياعه،فأدخل يده فيها، و كفي ما كان من أمر الوزير،و استقرّت ضياعه في يده إلى الآن.
و أقمت أنا سنين أتظلّم من تلك المحنة الّتي ظلمني فيها محمّد بن العبّاس، فما أنصفني أحد،و أيست،و خرجت تلك الضيعة من يدي،فما عادت إلى الآن.
و صحّ لأبي نصر،بقصّته،ما لم يصحّ لي،و كانت محنته و محنتي واحدة، ففاز هو بتعجيل الفرج بها،من حيث لم يغلب على ظنّي أن أطلب الفرج منه (4).
ص:242
أحمد بن أبي خالد،يبلغه أنّ جارية
له توطئ فراشه غيره
قال محمّد بن عبدوس في كتاب الوزراء:إنّ ابراهيم بن العباس الصولي (1).
قال:
كنت أكتب لأحمد بن أبي خالد (2)،فدخلت عليه يوما،فرأيته مطرقا، مفكّرا،مغموما،فسألته عن الخبر.
فأخرج[27 ر]إليّ رقعة،فإذا فيها أنّ حظيّة من أعزّ جواريه عنده، يخالف إليها،و توطئ فراشه غيره،و يستشهد في الرقعة،بخادمين كانا ثقتين عنده.
و قال لي:دعوت الخادمين،فسألتهما عن ذلك،فأنكرا،فتهدّدتهما، فأقاما على الإنكار،فضربتهما،و أحضرت لهما آلة العذاب،فاعترفا بكلّ ما في الرقعة على الجارية،و إنّي لم أذق أمس و لا اليوم طعاما،و قد هممت بقتل الجارية.
فوجدت بين يديه مصحفا،ففتحته لأتفاءل بما يخرج فيه،[فكان أوّل ما وقعت عيني عليه] (3):يا أيّها الّذين آمنوا إن جاءكم فاسق بنبإ فتبيّنوا.....
الآية (4)،فشككت في صحّة الحديث،و أريته ما خرج به الفأل.
ص:243
و قلت:دعني أتلطّف في كشف هذا.
قال:افعل.
فخلوت بالخادمين منفردين،و رفقت بأحدهما،فقال:النار و لا العار (1)، و ذكر أنّ امرأة ابن أبي خالد،أعطته ألف دينار،و سألته الشهادة على الجارية، و أحضرني الكيس مختوما بخاتم المرأة،و أمرته أن لا يذكر شيئا إلاّ بعد أن يوقع به المكروه،ليكون أثبت للخبر،و دعوت الآخر،فاعترف بمثل ذلك أيضا.
فبادرت إلى أحمد بالبشارة،فما وصلت إليه،حتى جاءته رقعة الحرّة (2)، تعلمه أنّ الرقعة الأولى كانت من فعلها،غيرة عليه من الجارية،و أنّ جميع ما فيها باطل،و أنّها حملت الخادمين على ذلك،و أنّها تائبة إلى اللّه تعالى من هذا الفعل و أمثاله.
فجاءته براءة الجارية من كلّ وجه[38 ظ]فسرّ بذلك،و زال عنه ما كان فيه،و أحسن الى الجارية.
ص:244
الحرّ في اللّغة،الّذي يملك أن يتصرّف كما يريد من دون أي قيد يحدّ من تصرّفاته، مادّيا كان القيد أو معنويا،و اتّسع مفهوم الكلمة،فأصبحت تدلّ على الشريف الكريم.
و الحرّ من كلّ شيء:خياره،و منه:الطير الحرّ،أي الصقر و البازي،و الطين الحرّ، أي الذي لا رمل فيه،و يسمّونه في العراق:الطين الحرّي.
أمّا في الاصطلاح فإنّ كلمة الحرّة،تعني خلاف الأمة،و سبب هذه التّسمية غلبة الجواري و الإماء،و قد كان ابن أبي عسرون يعرف بزوج الحرّة،لأنّه تزوّج بامرأة كانت زوجة المقتدر(القصّة 2/5 من كتاب نشوار المحاضرة).
و كان الأمويون يتحرّون أن يكون من تقلّد الخلافة منهم،من أمّ عربيّة،و كان أبو سعيد مسلمة بن عبد الملك من رجالهم المعدودين،إلاّ أنّ كونه ابن أمة،حال بينه و بين الخلافة، و عرض مسلمة على عمرة بنت الحارس،أن يتزوّج منها،فقالت:يا ابن الّتي تعلم،و إنّك لهناك؟تعني أن أمّه أمة(بلاغات النساء 190)و لما تنقّص هشام بن عبد الملك،الإمام زيد بن عليّ بن الحسين عليهم السلام،لم يجد ما يعيّره به،إلاّ قوله:أنت الّذي تنازعك نفسك في الخلافة،و أنت ابن أمة(مروج الذهب 162/2،و العقد الفريد 32/4 و 482).
ثمّ اختلف الحال في آخر أيّام الأمويين،فإنّ آخر من تقلّد الخلافة منهم،إبراهيم ابن الوليد،و مروان بن محمّد،كانا من أبناء الإماء(خلاصة الذهب المسبوك 46 و 47).
أمّا الخلفاء في الدّولة العبّاسية،و عددهم سبعة و ثلاثون،فلم يكن فيهم من هو عربيّ الأم،إلاّ ثلاثة،الأوّل:أبو العبّاس السفّاح،أمه ريطة بنت عبد المدان الحارثي (خلاصة الذهب 53)و كان يدعى:ابن الحارثيّة،و كانت عروبة أمّه،السبب في تقدّمه على أخيه المنصور الذي كان يكبره في السنّ،فإنّ أم المنصور بربرية،اسمها سلامة (خلاصة الذهب المسبوك 59)،و الثاني:المهدي بن المنصور،و أمّه أمّ موسى بنت منصور ابن عبد اللّه الحميري(خلاصة الذهب 90)،و الثالث:محمّد الأمين بن هارون الرّشيد، أمّه زبيدة بنت جعفر بن المنصور،قالوا:لم يل الخلافة هاشميّ من هاشميّين،إلاّ ثلاثة:
الإمام عليّ بن أبي طالب،و ابنه الحسن،و محمّد الأمين(خلاصة الذهب 171)أمّا بقية الخلفاء العبّاسيين،فكلّهم أبناء أمّهات أولاد،للتفصيل و معرفة أسماء أمّهات الخلفاء، راجع خلاصة الذهب المسبوك 59-289.
ص:245
هذا و إنّ غلبة الجواري على الخلفاء و الأمراء لم تقتصر على المشرق،و إنّما تجاوزته إلى المغرب و الأندلس،و قد وجدت في قرطبة،في السنة 1960،قنطرة على نهرها،شادتها زوجة أحد الخلفاء الأمويّين،فسمّيت:قنطرة الحرّة،و كان الدليل أسبانيا،لم يدرك سبب هذه التّسمية،فقال:إنّ كلمة الحرّة تعني النّبيلة الشريفة.
ص:246
سبب خروج أحمد بن محمّد بن المدبّر
إلى الشّام
[حدّثني أبو القاسم طلحة بن محمّد بن جعفر (1)،الشّاهد،المقرئ، المعروف بغلام ابن مجاهد،قال:حدّثني أبو الحسين الخصيبي (2)،قال:
حدّثني أبو خازم القاضي (3)، قال:حدّثني أبو الحسن أحمد بن محمّد بن المدبّر (4)،قال] (5):
كان بدء خروجي إلى الشّام،أنّ المتوكّل خرج يتنزّه بالمحمّديّة (6)،فخلا به
ص:247
الكتّاب هناك،فأحكموا عليّ القصّة و أنا لا أعلم،ثمّ بعثوا إليّ،و أنا لا أدري، فحضرت و هم مجتمعون[37 م]فقالوا لي:و كان المخاطب لي موسى بن عبد الملك (1).
فقال لي:قد جرت أسباب أوجبت أنّ أمير المؤمنين أمر أن تخرج إلى الرّقّة (2)،فكم تحتاج لنفقتك؟
فقلت:[47 غ]أمّا خروجي،فالسمع و الطّاعة لأمير المؤمنين،و أما الّذي أحتاج إليه للنّفقة،فهو ثلاثون ألف درهم.
فما برحت،حتى دفعت إليّ،و قالوا:اخرج السّاعة.
فقلت:أودّع أمير المؤمنين.
فقالوا:ما إلى ذلك سبيل.
فقلت:أصلح من شأني.
فقالوا:و لا هذا،و أخذ موسى يعرّض لي،أنّ السلطان قد سخط عليّ، و أنّ الصّواب الخروج،و ترك الخلاف.
و أقبل يقول:إنّ السلطان إذا سخط على الرّجل،فالصّواب لذلك الرّجل أن ينتهي إلى أمره كلّه،و أن لا يراجعه في شيء،و ينبغي أن يعلم أنّ التباعد عن السلطان،له فيه الحظّ.
فقلت:يكفي اللّه و يلطف.
ص:248
فوكّلوا بي جماعة،حتى خرجت من البلد،و أنا في حالة،الأسر عندي أحسن منها و أطيب،و حثّوا بي السير.
فلمّا قاربت الرقّة،و أردت الدّخول إليها،أدركنا اللّيل،فإذا بأعرابيّ في ناحية عنّي،و معه إبل يحدوها،و يقول:
كم مرّة حفّت بك المكاره خار لك اللّه و أنت كاره
[قال:و لم يزل يكرّر ذلك] (1)،فحفظته،و تبرّكت بالفأل،و دخلت الرقّة،فلم أقم بها إلاّ أيّاما يسيرة،حتّى ورد كتاب أمير المؤمنين بالخروج إلى الشّام للتعديل (2)،و أجرى عليّ مائة ألف درهم،و ذكر أنّ هذا عمل جليل، كان المأمون خرج فيه بنفسه،لجلالته و عظم خطره،و أنّه رآني أهلا له.
فخرجت،فرأيت كلّ ما أحبّ،حتّى لو بذلت لي العراق بأسرها،على فراق تلك النّاحية،ما سمحت نفسا بذلك،فللّه الحمد و المنّة (3).
[و ذكر هذا الخبر محمّد بن عبدوس في كتاب الوزراء،فقال:حدّثني أبو الحسين عبد الواحد بن محمّد الخصيبي،قال:حدّثني أبو خازم القاضي، قال:حدّثني جدّك أحمد بن محمّد بن مدبّر-و كان جدّه لأمّه،و حدّثني أنّه لم يره قط] (4)-أنّ المتوكّل خرج إلى المحمّديّة سنة إحدى و أربعين و مائتين متنزّها،فأتاني رسوله،و أحضرني،فحضرت،فوجدت عبيد اللّه بن يحيى (5)،
ص:249
و الحسن بن مخلد (1)،و أحمد بن الخصيب (2)،و جماعة من الكتّاب حضورا.
فقال لي عبيد اللّه بن يحيى:إنّ أمير المؤمنين يقول لك:قد فسد علينا أمر الرقّة،ثم ذكر نحوا من الحديث الأوّل،إلاّ أنّه لم يكن فيه إطلاق ثلاثين ألف درهم،بل قال:فخرجت و ما أقدر على نفقة،ففكّرت فيمن أقصده، و أستعين بماله،فما ذكرت غير المعلّى بن أيّوب (3)،و كانت بيني و بينه وحشة، فكتبت إليه رقعة حملت نفسي على الصّعب فيها،فوجّه اليّ خمسة آلاف دينار، فتحمّلت بها (4)...ثم ذكر باقي الحديث،على سياقة الخبر الأوّل،إلاّ أنّه قال:إنّ الّذي أجري عليه،لما أمر بالخروج للتعديل،في كلّ شهر مائة ألف و عشرين ألف درهم.
قال:فشخصت إليها،و لو أعطيت الآن بقصري فيها،سرّ من رأى كلّها،ما سمحت نفسا بذلك.
[و كان قصره بالرّملة،و كان جليلا] (5).
ص:250
بين الحسن بن عليّ عليهما السّلام
و معاوية بن أبي سفيان
[أخبرني أبو طالب محمّد بن[أحمد بن]إسحاق بن البهلول (1)،فيما أجاز لي روايته عنه،بعد ما سمعته منه من حديث،قال:حدّثني أبو سعيد أحمد بن الصقر بن ثوبان (2)،مستملي بندار (3)،و كتبه لنا بخطّه،و نقلته أنا من أصل أبي طالب،الّذي ذكر أنّه بخط أبي سعيد،قال:حدّثنا محمّد بن عبد اللّه الأنصاري (4)،قال:حدّثنا محمد بن[علي بن]الحسين بن علي،قال:] (5).
بعث معاوية إلى الحسن بن علي،أو الحسين بن علي عليهما السّلام، و دعا بضبارة (6)سياط،فوضعها بين يديه،فلمّا دخل الحسن عليه السّلام أخذ [48 غ]السياط فرمى بها،و مدّ يده إليه،و قال:مرحبا بسيّد شباب قريش و دعا بعشرة آلاف دينار،و قال:استعن[28 ر]بها على زمانك،فلمّا
ص:251
خرج تبعه الحاجب،فقال له:يا ابن رسول اللّه،إنّا نخدم هذا السلطان، و لسنا نأمن بادرته،و قد رأيتك تحرّك شفتيك بشيء،فما هو؟
فقال:أعلّمك،على أن لا تعلّم أحدا من[38 م]آل معاوية.
قال:نعم.
قال:إذا وقعت في شدّة أو مكروه،أو خفت من سلطان،فقل:لا إله إلاّ اللّه الحليم الكريم،لا إله إلاّ اللّه العليّ العظيم،لا إله إلاّ اللّه الكبير المتعال، سبحان اللّه ربّ السماوات[39 ظ]السبع،و ربّ العرش العظيم،و الحمد للّه ربّ العالمين،اللّهم جلّ ثناؤك،و عزّ جارك،و لا إله غيرك،اللّهم إنّي أعوذ بك من شرّ فلان،و أتباعه،و أشياعه،من الجنّ و الإنس،أن يفرطوا عليّ (1)،أو أن يطغوا (2).
ص:252
لا إله إلاّ اللّه الحليم الكريم
[أخبرني القاضي أبو طالب (1)إجازة،قال:حدّثنا أبو سعيد (2)،قال:
حدّثني سهل بن محمّد (3)،قال:حدّثنا أبو هشام الرّفاعي (4)،قال:حدّثنا وكيع (5)،قال:حدّثنا مسعر (6)،عن أبي بكر بن حفص] (7)عن الحسن بن أبي الحسن:
أنّ عبد اللّه بن جعفر،لما أراد أن يهدي ابنته إلى زوجها،خلا بها، فقال لها:إذا نزل بك أمر فظيع من أمور الدّنيا،أو الموت،فاستقبليه بقول:
لا إله إلاّ اللّه الحليم الكريم،لا إله إلاّ اللّه ربّ العرش العظيم،و الحمد للّه ربّ العالمين.
قال الحسن:فبعث إليّ الحجاج،فقلتهنّ،فلمّا مثلت بين يديه،قال:
لقد بعثت إليك و أنا أريد قتلك،و اليوم ما أحد أكرم عليّ منك،فسل حوائجك.
ص:253
دعاء يعقوب الّذي نال به الفرج
[حدّثنا علي بن الحسن،قال:حدّثنا أحمد بن محمّد بن الجرّاح،قال:
حدّثنا ابن أبي الدنيا،قال:حدّثني المثنّى بن عبد الكريم،قال:حدّثني زافر بن سليمان (1)، عن يحيى بن سليم (2)،قال] (3):
بلغني أنّ ملك الموت،استأذن ربّه عزّ و جلّ،أن يسلّم على يعقوب، فأذن له،فأتاه،فسلّم عليه.
فقال له يعقوب:بالّذي خلقك،أ قبضت روح يوسف؟
قال:لا،و لكنّي أعلّمك كلمات لا تسأل اللّه بها شيئا إلاّ أعطاك.
قال:ما هي؟
قال:قل يا ذا المعروف الّذي لا ينقطع أبدا،و لا يحصيه غيره.
فقالها،فما طلع الفجر من غده،حتى أتاه البشير بالقميص (4).
[حدّثنا علي بن الحسن،قال:حدّثنا ابن الجرّاح،قال:حدّثنا ابن أبي الدّنيا،قال:حدّثني الحسين بن عبد الرّحمن (5)،قال:حدّثني أبو غسّان مالك ابن ضيغم،عن إبراهيم بن خلاد الأزدي،قال:] (6).
ص:254
نزل جبريل على يعقوب عليه السّلام فشكى إليه ما هو عليه من الشّوق إلى يوسف،فقال:أ لا أعلّمك دعاء،إن دعوت به فرّج اللّه عنك؟
قال:بلى.
قال:قل،يا من لا يعلم كيف هو،إلاّ هو،و يا من لا يبلغ قدرته غيره،فرّج عنّي.
فقالها،فأتاه البشير بالقميص (1).
[حدّثنا علي بن الحسن،قال:حدّثنا ابن الجرّاح،قال:حدّثنا ابن أبي الدّنيا،قال:حدّثنا هارون بن عبد اللّه (2)،قال:حدّثنا سعيد بن عامر الضبعي (3)،عن المعمّر بن سليمان (4)،قال:] (5).
لقي يعقوب رجل،فقال له:يا يعقوب،ما لي لا أراك كما كنت؟
قال:طول الزمان،و كثرة الأحزان.
قال:قل:اللّهم اجعل لي من كلّ هم همّني و كربني من أمري،في ديني،و دنياي،و آخرتي،فرجا و مخرجا،و اغفر لي ذنوبي،و ثبّت رجاءك في قلبي،و اقطعه عمّن سواك،حتّى لا يكون لي رجاء إلاّ إيّاك (6).
[قال داود بن رشيد (7)،حدّثني الوليد بن مسلم (8)،عن خليد بن دعلج (9)،
ص:255
عن الحسن بن أبي الحسن،قال] (1):
لو عري من البلاء أحد،لعري منه آل يعقوب،مسّهم البلاء ثمانون سنة.
[حدّثنا علي بن الحسن،قال:حدّثني ابن الجرّاح،قال:حدّثنا ابن أبي الدنيا،قال:حدّثني مدلج بن عبد العزيز،عن شيخ من قريش] (2):
أنّ جبريل عليه السّلام هبط على يعقوب صلى اللّه عليه،فقال له:يا يعقوب،تملّق إلى ربّك.
فقال:يا جبريل،كيف أقول؟
فقال:قل:يا كثير الخير،يا دائم المعروف.
فأوحى اللّه إليه،لقد دعوتني بدعاء،لو كان ابناك ميتين،لأنشرتهما لك (3).
[حدّثنا علي بن الحسن،قال:حدّثنا ابن الجرّاح،قال:حدّثنا ابن أبي الدّنيا،قال:حدّثني الحسن بن عمرو بن محمد القرشي،قال:حدّثني أبي (4)،قال:حدّثنا زافر بن سليمان،عن يحيى بن عبد الملك (5)،عن رجل، عن أنس بن مالك،عن النّبي صلى اللّه عليه و سلّم،قال:] (6).
كان ليعقوب عليه السّلام،أخ مؤاخ في اللّه عزّ و جلّ،فقال ليعقوب:
ص:256
ما الّذي أذهب بصرك،و قوّس ظهرك؟
فقال:أمّا الّذي قوّس ظهري،فالحزن على بنيامين،و أمّا الّذي أذهب بصري،فالبكاء على يوسف[29 ر].
فأوحى اللّه تعالى إليه:أ ما تستحي،تشكوني إلى عبدي (1).
قال:إنّما أشكو بثّي و حزني إلى اللّه،ثم قال:يا ربّ،ارحم الشيخ الكبير،أذهبت بصري،و قوّست ظهري،أردد عليّ ريحانتي يوسف،أشمّه، ثم افعل بي ما شئت.
فقال له جبريل عليه السّلام:إنّ ربّك يقرؤك السّلام،و يقول لك:
أبشر،و ليفرح قلبك،فو عزّتي لو كانا ميتين،لأنشرتهما لك،فاصنع طعاما للمساكين[39 م]و ادعهم إليه،فإنّ أحبّ عبادي إليّ،الأنبياء و المساكين، و إنّ الّذي ذهب ببصرك،و قوّس ظهرك،[و سبب]صنع إخوة يوسف به ما صنعوا،أنّكم ذبحتم شاة،فأتاكم رجل صائم،فلم تطعموه.
فكان يعقوب بعد ذلك إذا أراد الغداء،أمر مناديه،فنادى:من كان يريد الغداء من المساكين فليتغدّ مع يعقوب،[و إن كان صائما أمر مناديه، فنادى:من كان صائما من المساكين فليفطر مع يعقوب] (2).
ص:257
كلمات الفرج الّتي دعا بها يوسف
[حدّثنا عليّ بن الحسن،قال:حدّثنا ابن الجرّاح،قال:حدّثنا ابن أبي الدّنيا،قال:حدّثنا القاسم بن هاشم (1)،قال:حدّثنا الخطّاب بن عثمان (2)، قال:حدّثنا محمود بن عمر (3)،عن رجل من أهل الكوفة] (4):
أنّ جبريل عليه السّلام دخل على يوسف السجن،فقال له:يا طيّب! ما الّذي أدخلك هاهنا؟
قال:أنت أعلم.
قال:أ فلا أعلّمك كلمات الفرج؟
قال:بلى.
قال:[50 غ]قل:اللّهم،يا شاهدا غير غائب،و يا قريبا غير بعيد، و يا غالبا غير مغلوب،اجعل لي من أمري هذا فرجا و مخرجا،و ارزقني[40 ظ] من حيث لا أحتسب (5).
[حدّثنا عليّ بن الحسن،قال:حدّثنا ابن الجرّاح،قال:حدّثنا ابن أبي الدّنيا،قال:حدّثني أزهر بن مروان الرقاشي (6)،قال:حدّثني قزعة بن
ص:258
سويد (1)،عن أبي سعيد مؤذّن الطّائف:] (2)أنّ جبريل عليه السّلام،أتى يوسف، فقال:يا يوسف،اشتدّ عليك الحبس؟
قال:نعم.
قال:قل:اللّهم اجعل لي من كلّ ما أهمّني،و حزبني،من أمر دنياي و آخرتي،فرجا و مخرجا،و ارزقني من حيث لا أحتسب،و اغفر لي ذنوبي، و ثبّت رجاءك في قلبي،و اقطعه عمّن سواك،حتّى لا أرجو أحدا غيرك (3).
[حدّثنا علي بن الحسن،قال:حدّثنا ابن الجرّاح،قال:حدّثنا ابن أبي الدّنيا،قال:حدّثني محمّد بن عباد بن موسى (4)،قال:حدّثني عبد العزيز القرشي (5)،عن جعفر بن سليمان (6)،عن غالب القطّان (7)] (8)قال:
لمّا اشتدّ كرب يوسف،و طال سجنه،و اتّسخت ثيابه،و شعث رأسه، و جفاه النّاس،دعا عند ذلك،فقال:اللّهم إنّي أشكو إليك ما لقيت من ودّي و عدوّي،أمّا ودّي،فباعوني،و أمّا عدوّي،فحبسني[49 غ]،اللّهم اجعل لي فرجا و مخرجا.
فأعطاه اللّه عزّ و جلّ ذلك (9).
ص:259
إبراهيم التيمي الزّاهد في حبس الحجّاج
ابن يوسف الثّقفي
[حدّثنا عليّ بن الحسن،قال:حدّثنا ابن الجرّاح،قال:حدّثنا ابن أبي الدنيا،قال:حدّثني[الحسن بن]محبوب،قال:قال الفيض بن إسحاق، قال الفضيل بن عياض (1)] (2)، قال إبراهيم التيمي (3):
لما حبست الحبسة المشهورة،أدخلت السجن،فأنزلت على أناس في قيد واحد،و مكان ضيّق،لا يجد الرّجل إلاّ موضع مجلسه،و فيه يأكلون، و فيه يتغوّطون،و فيه يصلّون.
قال:فجيء برجل من أهل البحرين،فأدخل علينا،فلم نجد مكانا، فجعلوا يتبرّمون به،فقال:اصبروا،فإنّما هي اللّيلة.
فلمّا دخل اللّيل،قام يصلّي،فقال:يا ربّ،مننت عليّ بدينك،و علّمتني كتابك،ثم سلّطت عليّ شرّ خلقك،يا ربّ،اللّيلة،اللّيلة،لا أصبح فيه.
فما أصبحنا حتّى ضربت أبواب السجن:أين البحراني،أين البحراني؟ فقال كلّ منّا:ما دعي السّاعة،إلاّ ليقتل،فخلّي سبيله.
فجاء،فقام على باب السجن،فسلّم علينا،و قال:أطيعوا اللّه لا يضيعكم (4).
ص:260
أبو سعد البقّال في حبس الحجّاج
ابن يوسف الثّقفي
[حدّثنا علي بن الحسن،قال:حدّثنا ابن الجرّاح،قال:حدّثنا ابن أبي الدّنيا،قال:حدّثني أبو نصر المؤدّب،عن أبي عبد الرّحمن الطائي، قال: أخبرنا أبو سعد البقّال،قال:] (1).
كنت محبوسا في ديماس (2)الحجّاج،و معنا إبراهيم التيمي،فبات في السّجن،فأتى رجل،فقال له:يا أبا إسحاق،في أيّ شيء حبست؟
فقال:جاء العريف،فتبرّأ منّي،و قال:إنّ هذا كثير الصّوم و الصّلاة، و أخاف أنّه يرى رأي الخوارج (3).
فإنّا لنتحدّث مع مغيب الشّمس،و معنا إبراهيم التيمي،إذ دخل علينا رجل السجن[30 ر]،فقلنا:يا عبد اللّه،ما قصّتك،و أمرك؟
ص:261
فقال:لا أدري،و لكنّي أخذت في رأي الخوارج،و و اللّه،إنّه لرأي ما رأيته قط،و لا أحببته،و لا أحببت أهله،يا هؤلاء،ادعوا لي بوضوء، فدعونا له به،ثمّ قام فصلّى أربع ركعات،ثمّ قال:اللّهمّ إنّك تعلم،أنّي كنت على إساءتي و ظلمي،و إسرافي على نفسي،لم أجعل لك ولدا،و لا شريكا، و لا ندّا،و لا كفؤا،فإن تعذّب فعدل،و إن تعف،فإنّك أنت العزيز الحكيم، اللّهمّ إنّي أسألك يا من لا تغلّطه المسائل،و لا يشغله سمع عن سمع،و يا من لا يبرمه إلحاح الملحّين،أن تجعل لي في ساعتي هذه،فرجا و مخرجا[40 م] ممّا أنا فيه،من حيث أرجو،و من حيث لا أرجو،و خذلي بقلب عبدك الحجّاج، و سمعه،و بصره،و يده،و رجله،حتّى تخرجني في ساعتي هذه،فإنّ قلبه، و ناصيته،بيدك،يا ربّ،يا ربّ.
قال:و أكثر،فو الّذي لا إله غيره،ما انقطع دعاؤه،حتّى ضرب باب [51 غ]السّجن[و قيل]أين فلان؟
فقام صاحبنا،فقال:يا هؤلاء،إن تكن العافية،فو اللّه،لا أدع الدّعاء لكم، و إن تكن الأخرى،فجمع اللّه بيننا و بينكم،في مستقرّ رحمته.
قال:فبلغنا من الغد،أنّه خلّي سبيله (1).
ص:262
سبحان اللّه و بحمده
[حدّثنا عليّ بن الحسن،قال:حدّثنا ابن الجرّاح،قال:حدّثنا ابن أبي الدّنيا،قال:حدّثني محمّد بن عباد بن موسى،قال:حدّثنا كثير بن هشام (1)، عن الحكم بن هشام الثقفي (2)،قال:] (3).
أخبرت أنّ رجلا،أخذ أسيرا،فألقي في جبّ،و ألقي على رأس الجبّ صخرة،فتلقّن فيه:قل:سبحان اللّه الحيّ القدّوس،سبحان اللّه و بحمده، فأخرج من غير أن يكون أخرجه إنسان (4).
ص:263
يا عزيز،يا حميد،يا ذا العرش المجيد
[قال مؤلّف هذا الكتاب،و قد ذكر القاضي (1)هذا الخبر في كتابه، قال:[حدّثني إبراهيم بن سعيد قال:] (2)حدّثنا أبو سفيان الحميري (3)،قال:
سمعت أبا بلج الفزاري (4)،قال:] (5).
أتي الحجّاج بن يوسف،برجل كان جعل على نفسه،إن ظفر به،أن يقتله،قال:فلمّا دخل عليه،تكلّم بكلام،فخلّى سبيله.
فقيل له:أيّ شيء قلت؟
فقال:قلت:يا عزيز،يا حميد،يا ذا العرش المجيد،اصرف عنّي ما أطيق،و ما لا أطيق،و اكفني شرّ كلّ جبّار عنيد (6)[41 ظ].
ص:264
دعاء النّبي صلوات اللّه عليه
في كل همّ
[حدّثنا علي بن الحسن،قال:حدّثنا ابن الجرّاح،قال:حدّثنا ابن أبي الدّنيا،قال:حدّثنا أحمد بن عبد الأعلى الشيباني،قال:حدّثنا أبو عبد الرّحمن الكوفي،عن صالح بن حسان (1)،عن محمّد بن علي (2):
أنّ النّبي صلّى اللّه عليه و سلّم] (3)علّم عليا عليه السّلام،دعاء يدعو به في كلّ همّ،و كان عليّ يعلّمه النّاس،و هو:يا كائنا قبل كلّ شيء،يا مكوّن كلّ شيء،و يا كائنا بعد كلّ شيء،افعل بي كذا و كذا (4).
ص:265
الدّعاء الّذي خلّص عمرو السّرايا من العلج
[حدّثنا علي بن الحسن،قال:حدّثنا ابن الجرّاح،قال:حدّثنا ابن أبي الدّنيا،قال:حدّثني إسحاق بن البهلول التّنوخي (1)،قال:حدّثني إسحاق ابن عيسى،ابن بنت داود بن أبي هند (2)،عن الحارث البصري (3)،عن عمرو السرايا] (4)، قال:
كنت أغير في بلاد الرّوم وحدي،فبينا أنا ذات يوم نائم،إذ ورد عليّ علج،فحرّكني برجله،فانتبهت.
فقال لي:يا عربي،اختر،إن شئت مسايفة،و إن شئت مطاعنة،و إن شئت مصارعة.
فقلت:أمّا المسايفة و المطاعنة،فلا بقيا لهما،و لكن مصارعة،فنزل، فلم ينهنهني أن صرعني،و جلس على صدري،و قال:أيّ قتلة تريد أن أقتلك؟
فذكرت الدّعاء،فرفعت رأسي إلى السماء،فقلت:أشهد أنّ كلّ معبود ما دون عرشك،إلى قرار الأرضين،باطل غير وجهك الكريم،فقد ترى ما أنا فيه،ففرّج عنّي،و أغمي عليّ،فأفقت،فرأيت الرّومي قتيلا إلى جانبي.
[قال إسحاق بن بنت داود،فسألت الحارث البصري،عن الدّعاء،فقال:
ص:266
سألت عنه عمرو السرايا،فقلت له:باللّه يا عمرو ما قلت؟
قال:قلت:اللّهم ربّ إبراهيم،و إسماعيل،و إسحاق،و يعقوب، و ربّ جبريل،و ميكائيل،و إسرافيل،و عزرائيل،و منزل التوراة و الإنجيل، و الزبور،و القرآن العظيم،ادرأ عنّي شرّه،فدرأ عنّي شرّه] (1).
قال[إسحاق بن[بنت]داود:فحفظته و] 5قلت أعلّمه النّاس،فوجدته نافذا،و هو الإخلاص بعينه (2).
ص:267
تخلّص من القتل بدعاء دعا به
[حدّثنا علي بن الحسن،قال:حدّثنا ابن الجرّاح،قال:حدّثنا ابن أبي الدّنيا،قال:حدّثنا إسحاق بن إسماعيل،قال:حدّثنا جرير بن حفص، عن الشعبي] (1)قال:
كنت جالسا عند زياد (2)،فأتي برجل[يحمل،ما يشكّ في] (3)قتله، فحرّك الرّجل شفتيه[52 غ]بشيء ما ندري ما هو،فخلّى سبيله.
فقلت للرّجل:ما قلت؟
قال:قلت:اللّهمّ ربّ إبراهيم و إسماعيل و إسحاق و يعقوب،و ربّ جبريل و ميكائيل و إسرافيل،و منزل التوراة و الإنجيل و الزبور و الفرقان العظيم، ادرأ عنّي شرّ زياد،فدرأه عنّي (4).
ص:268
من دهاة العرب و أذكيائهم،عمل في خدمة الدّولة،منذ نعومة أظفاره،فقد ولّي قسمة الغنائم،بأجر درهمين في اليوم،و هو ابن 14 سنة(معجم البلدان 640/1)، ثمّ كتب لأبي موسى الأشعري،أيّام ولايته البصرة،ثمّ ولّي فارس للإمام عليّ بن أبي طالب (الأعلام 89/3)،و لمّا قتل الإمام بايع زياد معاوية،فولاّه البصرة و الكوفة،و ارتفع أجره إلى خمسة و عشرين ألف درهم(تاريخ اليعقوبي 234/2).و بالغ زياد في التعصّب على شيعة عليّ،فقتلهم،و شرّدهم،و دفن بعضهم أحياء(الأغاني 153/17 و المحاسن و الأضداد 27)و كان يجمع النّاس و يحرّضهم على البراءة من عليّ،و من أبى ذلك،عرضه على السيف(المحاسن و المساوئ 39/1 و مروج الذهب 20/2)،و كان شعور زياد بنشأته المتواضعة،قد كوّن فيه مركّب نقص سعى جاهدا للتخلّص منه،فادّى ذلك به إلى سقطة شنيعة،و هي موافقته على إعلانه أحد أولاد أبي سفيان الأمويّ،بحجّة واضحة الخزي،و هي أنّ أبا سفيان،في السنة الأولى من الهجرة،زنى بأمّ زياد،سميّة، و كانت من البغايا بالطائف(مروج الذهب 5/2،و تاريخ اليعقوبي 219/2 و الفخري 109 و 110)فأكسبه ذلك خزيا و شناعة،و قال فيه أخوه أبو بكرة:هذا زنّى أمّه، و انتفى من أبيه(وفيات الأعيان 358/6)و قد كان له من حصافته،و دهائه،ما يغنيه عن هذا الاستلحاق الّذي جعله،و ذريّته من بعده،موضع هزء و سخرية(بلاغات النّساء 143 و المحاسن و المساوئ 148/2)حتّى أصبحوا مضرب المثل في الادّعاء الكاذب،قال الشاعر يهجو كاتبا:
حمار في الكتابة يدّعيها كدعوى آل حرب في زياد
راجع أخبار زياد في الأغاني 270/18،272،277 و 285/18 و 77/20 و العقد الفريد 26/4 و 100/6 و أدب الكتاب 170 و الطبري 129/8،130،134، 138،139.
ص:269
هارون الرّشيد يأمر بقتل فتى علويّ
فينجّيه اللّه تعالى
[أخبرني محمّد بن الحسن بن المظفّر،قال:أخبرني عيسى بن عبد العزيز الظّاهري،قال:أخبرني أبو عبد اللّه[31 ر]قال] (1):
أمر الرّشيد (2)بعض خدمه،فقال:إذا كان اللّيلة،فصر إلى الحجرة الفلانيّة، فافتحها،و خذ من رأيت فيها،فأت به موضع كذا و كذا،من الصّحراء الفلانيّة،فإنّ ثمّ قليبا (3)محفورا،فارم به،و طمّه بالتّراب،و ليكن معك فلان الحاجب.
قال:فجاء الغلام إلى باب الحجرة،ففتحه،فإذا فيها غلام كالشمس الطّالعة،فجذبناه جذبا عنيفا.
فقال له:اتّق اللّه،فإنّي ابن رسول اللّه،فاللّه،اللّه،أن تلقى اللّه بدمي، فلم يلتفت إلى قوله،و أخرجه إلى الموضع.
فلمّا أشرف الفتى على التلف،و شاهد القليب،قال له:يا هذا،إنّك على ردّ
ص:270
ما لم تفعل،أقدر منك على ردّ ما فعلت،فدعني أصلّي ركعتين،و امض لما أمرت به.
فقال له:شأنك و ما تريد.
فقام الفتى،فصلّى ركعتين،قال فيهما:يا خفيّ اللّطف،أغثني في وقتي هذا،و الطف بي بلطفك الخفيّ.
فلا و اللّه ما استتمّ دعاءه،حتّى هبّت ريح و غبرة،حتّى لم ير بعضهم بعضا،فوقعوا لوجوههم،و اشتغلوا بأنفسهم عن الفتى،ثمّ سكنت الرّيح و الغبرة،و طلبنا الفتى،فلم يوجد،و قيوده مرميّة.
فقال الحاجب لمن معه:هلكنا و اللّه،[41 م]سيقع لأمير المؤمنين أنّا أطلقناه،فما ذا نقول له؟إن كذبناه لم نأمن أن يبلغه خبر الفتى فيقتلنا، و لئن صدقناه،ليعجّلنّ لنا المكروه.
فقال له الآخر:يقول الحكيم:إن كان الكذب ينجي،فالصدق أرجى و أنجى.
فلمّا دخلوا عليه،قال لهم:ما فعلتم فيما تقدّمت به إليكم؟
فقال له الحاجب:يا أمير المؤمنين،الصدق أولى ما اتّبع في جميع الأمور، و مثلي لا يجترئ أن يكذب بحضرتك،و إنّه كان من الخبر كيت و كيت.
فقال الرّشيد:لقد تداركه اللّطف الخفيّ،و اللّه،لأجعلنّها في مقدّمات دعائي،امض لشأنك،و اكتم ما جرى (1).
ص:271
يا سامع كلّ صوت،و يا بارئ النّفوس
بعد الموت
[حدّثني محمّد بن الحسن،قال:حدّثني محمّد بن عمرو بن البحتري البزاز (1)،في جامع المنصور،في سنة ثلاث و ثلاثين و ثلاثمائة،قال:حدّثنا الفضل بن إسحاق الدوري (2)،عن محمّد بن الحسن،عن أبي سلمة عبد اللّه ابن منصور، قال:] (3)
حزن رجل حزنا شديدا،على شيء لحقه،و أمر أهمّه و أقلقه،فألحّ في الدّعاء،فهتف به هاتف:يا هذا،قل:يا سامع كلّ صوت،و يا بارئ النّفوس بعد الموت،و يا من لا تغشاه الظلمات،و يا من لا يشغله شيء عن شيء.
قال:فدعا بها،ففرّج اللّه عنه،و لم يسأل اللّه تلك اللّيلة حاجة،إلاّ أعطاه.
ص:272
لا حول و لا قوّة إلاّ باللّه
[حدّثنا عليّ بن أبي الطيّب،قال:حدّثنا ابن الجرّاح،قال:حدّثنا ابن أبي الدّنيا،قال:حدّثني القاسم بن هاشم،قال:حدّثنا أبو اليمان (1)، قال:حدّثنا صفوان بن عمرو (2)،عن أبي يحيى[53 غ] إسحاق العدواني، قال] (3):[42 ظ].
كنّا بإزاء آزرمهر (4)،عند مدينة الكرج (5)،و قد زحف إلينا في ثمانين فيلا،فكادت تنقض الصفوف،و تشتّت الخيول،و كان أميرنا محمّد بن القاسم (6)،فنادى عمران بن النعمان أمير أهل حمص،و أمراء الأجناد، فنهضوا،فما استطاعوا،فلمّا أعيته الأمور،نادى مرارا:لا حول و لا قوّة
ص:273
إلاّ باللّه،فكشف اللّه الفيلة،و سلّط عليها الحرّ،فأنضحها (1)،ففزعت إلى الماء،فما استطاع سوّاسها،و لا أصحابها،حبسها،و حملت خيلنا،و كان الفتح بإذن اللّه تعالى (2).
[حدّثنا علي بن الحسن،قال:حدّثنا ابن الجرّاح،قال:حدّثنا ابن أبي الدّنيا،قال:حدّثنا القاسم بن هاشم،قال:حدّثنا أبو اليمان قال:حدّثنا صفوان بن عمرو،عن الأشياخ:أنّ حبيب بن مسلمة (3)] (4)كان يستحبّ إذا لقي العدوّ،أو ناهض حصنا،أن يقول:لا حول و لا قوّة إلاّ باللّه.
ثمّ إنّه ناهض يوما حصنا،فانهزم الرّوم،و تحصّنوا في حصن آخر لهم، أعجزه،فقالها،فانصدع الحصن (5).
ص:274
الّذي كفاك الأمس يكفيك غدك
[حدّثنا عليّ بن أبي الطّيب،قال:حدّثنا ابن الجرّاح،قال:حدّثنا ابن أبي الدّنيا،قال:حدّثني الحسين بن عبد الرّحمن، قال:] (1).
بلغني أنّ بعض الملوك،نفى وزيرا له،لموجدة وجدها عليه،فاغتمّ لذلك غمّا شديدا،فبينا هو يسير،إذ أنشده رجل هذين البيتين:
أحسن الظنّ بربّ عوّدك حسنا أمس و سوّى أودك
إنّ ربّا كان يكفيك الّذي كان بالأمس سيكفيك غدك
فسرّي عن الوزير،و أمر له بعشرة آلاف درهم (2).
ص:275
لا تيأسنّ كأن قد فرّج اللّه
[حدّثنا عليّ بن أبي الطيب،قال:حدّثنا ابن السّراج،قال:حدّثنا ابن أبي الدّنيا،قال] (1):حدّثنا محمّد بن أبي رجاء،مولى بني هاشم قال:
أصابني همّ شديد،لأمر كنت فيه،فرفعت مقعدا لي،كنت جالسا عليه، فإذا برقعة مكتوبة[فنظرت فيها،فإذا فيها مكتوب] (2):
يا صاحب الهمّ إنّ الهمّ منقطع لا تيأسنّ كأن قد فرّج اللّه
قال:فذهب عنّي ما كنت فيه من الغمّ،و لم ألبث أن فرّج اللّه عنّي، فللّه الحمد و الشكر (3).
الوزير محمّد بن القاسم يلاقي
عاقبة ظلمه
[حدّثني أبو الحسن عليّ بن الحسن،الشّاهد المعروف بالجرّاحي (1)،من حفظه،قال:[54 غ] حدّثني أبو الحسن بن أبي الطاهر محمّد بن الحسن الكاتب،صاحب الجيش] (2)،قال:
قبض عليّ أبو جعفر محمّد بن القاسم بن عبيد اللّه (3)،في أيّام وزارته للقاهر باللّه،و على أبي،[فحبسنا في حجرة ضيّقة،و أجلسنا على التّراب،و شدّد علينا،و كان يخرجنا في كلّ يوم،فيطالب أبي بمال المصادرة،و أضرب أنا بحضرة أبي،و لا يضرب هو،] (4)،فلاقينا من ذلك أمرا شديدا صعبا.
فلمّا كان بعد أيّام،قال لي أبي:إنّ هؤلاء الموكّلين،قد صارت لهم بنا حرمة،فتوصّل إلى مكاتبة أبي بكر الصيرفي (5)-و كان صديقا لأبي-حتّى
ص:277
ينفذ إلينا بثلاثة آلاف درهم،نفرّقها فيهم،ففعلت ذلك،فأنفذ إلينا بالمال من يومه.
فقلت للموكّلين،في عشيّ ذلك اليوم:قد وجبت لكم علينا حقوق، فخذوا هذه الدراهم،فانتفعوا بها،فامتنعوا.
فقلت:ما سبب امتناعكم؟،فورّوا عن ذلك.
فقلت:إمّا قبلتم،و إمّا عرفتمونا السّبب الّذي لأجله امتناعكم.
فقالوا:[42 م]نشفق عليكم،و نستحي من ذلك.
فقال لهم أبي:اذكروه على كلّ حال.
قالوا:قد عزم الوزير على قتلكما اللّيلة،و لا نستحسن أخذ شيء منكما مع هذا.
[فقلقت،و دخلت إلى أبي بغير تلك الصّورة،فقال:ما لك؟فأخبرته بالخبر،]4 و قلت لأبي:ما أصنع بالدراهم؟
فقال:ردّها على أبي بكر،فرددتها عليه.
و كان أبي يصوم تلك الأيّام كلّها،فلمّا غابت الشّمس،تطهّر،و صلّى المغرب،فصلّيت معه،[و لم يفطر]4،ثم أقبل على الصّلاة و الدّعاء،إلى أن صلّى العشاء الآخرة،ثم دعاني.
فقال:اجلس يا بنيّ إلى جانبي،جاثيا على ركبتك،ففعلت،و جلس هو كذلك.
ثم رفع رأسه إلى السّماء،فقال:يا ربّ،محمّد بن القاسم ظلمني (1)، و حبسني على ما ترى،و أنا بين يديك،و قد استعديت إليك،و أنت أحكم الحاكمين،فاحكم بيننا؛لا يزيد عن ذلك.
ص:278
ثم صاح بها إلى أن ارتفع صوته،و لم يزل يكرّرها بصياح و نداء و استغاثة (1)، إلى أن ظننت أنّه قد مضى ربع اللّيل.
فو اللّه ما قطعها حتّى سمعت الباب يدقّ،فذهب عليّ أمري،و لم أشكّ في أنّه القتل.
[و فتحت الأبواب،فدخل قوم بشموع،فتأمّلت]4،و إذا فيهم سابور، خادم القاهر (2)،[فقال:أين أبو طاهر؟]4،فقام إليه أبي،فقال[43 ظ]:
ها أنا ذا.
فقال:أين ابنك؟
فقال:هو ذا.
فقال:انصرفا إلى منزلكما،فخرجنا،فإذا هو قد قبض على محمّد بن القاسم،و حدره إلى دار القاهر.
و عاش محمّد بن القاسم في الاعتقال ثلاثة أيّام،و مات (3).
ص:279
الظلم،في اللّغة:وضع الشيء في غير موضعه،و في الاصطلاح:إيذاء النّاس، و انتقاص حقوقهم،و هو خلاف التّقوى الّتي هي مخافة اللّه،و العمل بطاعته،و كفّ الأذى،قال اللّه تعالى:فقطع دابر القوم الذين ظلموا،و قال النبيّ صلوات اللّه عليه:
الظلم ظلمات يوم القيامة(محاضرات الأدباء 215/1)و قال:من أعان ظالما سلّطه اللّه عليه(محاضرات الأدباء 218/1).و التاريخ عامر بأخبار قوم آذوا و ظلموا،فمنهم من عوجل،كما في هذه القصّة،و منهم من أمهل،غير أنّ عاقبة ظلمه،أصابت أولاده و أحفاده و أهل بيته،مصداقا لقول النبيّ صلوات اللّه عليه:من خاف على عقبه،و عقب عقبه،فليتّق اللّه،و قد كان الحجّاج بن يوسف الثّقفي من الظالمين،و لم يعاجل،فلمّا استخلف سليمان بن عبد الملك،أمر بجميع الرجال من آل أبي عقيل،عائلة الحجّاج، فاعتقلوا بواسط،و عذّبوا،حتّى ماتوا جميعا(ابن الأثير 588/4،589)،و لما استخلف الخليفة الصالح عمر بن عبد العزيز،بعث الباقين من أهل بيت الحجّاج،إلى الحارث بن عمر الطائي،عامله على البلقاء،و كتب إليه:أمّا بعد،فقد بعثت إليك بآل أبي عقيل، و بئس-و اللّه-أهل البيت في دين اللّه،و هلاك المسلمين،فأنزلهم بقدر هوانهم على اللّه تعالى،و على أمير المؤمنين(البصائر و الذخائر م 2 ق 2 ص 586)،و كانت عاقبة ظلم بعض الخلفاء في العهد الأمويّ للناس،أنّ العبّاسيين لمّا انتصروا عليهم،قتلوا أولادهم، و أحفادهم،حتّى النّساء،قتلا ذريعا،فلم يفلت منهم إلاّ الرّضيع،أو من هرب إلى الأماكن القاصية كالأندلس(ابن الأثير 429/5-431 و أخبار مجموعة في فتح الأندلس 48 و 49)ثمّ تجاوزوا الأحياء منهم إلى الأموات،فنبشوا قبورهم،و أخرجوا رممهم و ضربوها بالسياط،ثمّ أحرقوها بالنّار،و نادى منادي عبد اللّه بن عليّ،بالأمان لمن بقي،فلمّا اجتمعوا،أمر الجند فشدخوهم بالأعمدة حتّى قتلوهم(الفخري 252 و العيون و الحدائق 206/3-211 و ابن الأثير 429/5 و العقد الفريد 483/4-487،و الأغاني 343/4 -355 و محاضرات الأدباء 535/4 و أخبار مجموعة في فتح الأندلس 48 و 49)،و روى ابن الأثير في كتابه الكامل في التاريخ 381/8 و 382 فصلا في مظالم البريديّين،ثم قال:
إنّه ذكر هذا الفصل ليعلم الظلمة أنّ أخبارهم تنقل،و تبقى على وجه الدهر،فربّما تركوا الظلم لهذا،إن لم يتركوه للّه سبحانه و تعالى.
ص:280
طاهر بن الحسين يحمل الدّراهم في
كمّه و يفرّقها على الفقراء
لمّا خرج طاهر بن الحسين (1)إلى محاربة عليّ بن عيسى بن ماهان (2)،جعل ذات يوم في كمّه (3)دراهم،يفرّقها في الفقراء،ثم سها عنها،فأرسلها،فتبدّدت، فتطيّر بذلك،و اغتمّ غمّا شديدا،حتّى تبيّن في وجهه،فأنشده شاعر كان في عسكره:
هذا تفرّق جمعهم لا غيره و ذهابه منكم ذهاب الهمّ
شيء يكون الهمّ بعض حروفه لا خير في إمساكه في الكمّ
قال:فسلا طاهر،و أمر له بثلاثين ألف درهم.
ص:281
الهادي يتهدّد يحيى البرمكيّ
و يتوعّده بكلّ عظيمة
انصرف يحيى بن خالد البرمكي (1)،من عند الهادي (2)،و قد ناظره في تسهيل خلع العهد على هارون،فحلف له يحيى أنّه فعل،و جهد[55 غ]فيه، فامتنع عليه هارون.
فقال له الهادي:كذبت،[و و اللّه لأفعلنّ بك و أصنعنّ] (3)،و توعّده بكلّ عظيمة،و صرفه.
فجاء الى بيته،فكلّم بعض غلمانه بشيء،فأجابه بما غاظه،فلطمه يحيى، فانقطعت حلقة خاتمه،و طاح الفصّ،فاشتدّ ذلك على يحيى،و تطيّر منه، و اغتمّ،فدخل عليه السياري (4)الشّاعر،و قد أخبر بالقصّة،فأنشده في الحال:
ص:282
أخلاك من كلّ الهموم سقوطه و أتاك بالفرج انفراج الخاتم
قد كان ضاق ففكّ حلقة ضيقه فاصبر فما ضيق الزمان بدائم[33 ر]
قال:[فما أمسى حتّى ارتفعت الواعية بموت موسى الهادي،و صار الأمر إلى هارون الرّشيد] (1)،فأعطاه مائة ألف درهم (2).
ص:283
موسى بن عبد الملك،صاحب ديوان الخراج
يموت و هو على صهوه جواده
قال أبو علي القنّائي (1)،قال لي جدّي:
بكّرت يوما إلى موسى بن عبد الملك (2)،و حضر داود بن الجرّاح (3)،فوقف إلى جانبي،فقال لي:كان لي أمس خبر طريف،انصرفت من عند موسى ابن عبد الملك،فوجدت في منزلي امرأة من شرائف النساء (4)،فشكته إليّ، و قالت:قد حاول أن يأخذ ضيعتي الفلانية،و أنت تعلم أنّها عمدتي في معيشتي، و أنّ في عنقي صبية أيتاما،فأيّ شيء تدبّر في أمري،أو تشير عليّ؟.
ص:284
فقلت:من معك وراء الستر؟
فقالت:ما معي أحد.
فقلت:أمّا التدبير في أمرك،فما لي فيه حيلة،و أمّا المشورة،فقد قال النبطيّ (1):لا تبع أرضك من إقدام الرّجل السّوء (2)،فإنّ الرّجل السّوء يموت، و الأرض تبقى،فدعت لي،و انصرفت.
فما انقضى كلامه،حتّى خرج موسى،فقال لداود:يا أبا سليمان، لأتبع أرضك من إقدام الرّجل الرديء (3)،فإنّه يموت،و الأرض تبقى.
فقال لي داود:أسمعت؟هذا و اللّه الموت،أين أهرب؟أين أمضي؟ ما آمنه و اللّه على نفسي،و لا على نعمتي،فأشر عليّ بما أصنع،قبل نفاذ طريقنا، و نزولنا معه إلى الديوان.
فقلت:و اللّه،ما أدري.
فرفع يديه إلى السماء،و قال:اللّهم اكفني أمره،و شرّه،و ضرّه،فإنّك تعلم قصّتي،و أنّي ما أردت بما قلت إلاّ الخير،و اشتدّ[43 م]قلقه و بكاؤه و دعاؤه.
و قربنا من الديوان،فقال موسى،و هو على دابته:متى حدث هذا الجبل الأسود في طريقنا؟و مال على سرجه حتى سقط،و أسكت.
فحمل إلى منزله،و كان آخر العهد به (4).
ص:285
يا ذا العرش اصنع كيف شئت
فإنّ أرزاقنا عليك
ذكر المدائني في كتابه:[قال أبو سعيد،و أنا أحسبه يعني]الأصمعي (1):
نزلت بحيّ من كلب مجدبين،قد توالت عليهم السنون (2)،فماتت المواشي،و منعت الأرض من إخراج النبات،و أمسكت السماء قطرها،فجعلت أنظر إلى السّحابة ترتفع من ناحية القبلة سوداء متقاربة،حتّى تطبّق الأرض، فيتشوّف لها أهل الحي و يرفعون أصواتهم بالتكبير،ثم يعدلها اللّه عنهم مرارا.
فلمّا كثر ذلك،خرجت عجوز[56 غ]منهم،فعلت نشزا من الأرض، ثمّ نادت بأعلى صوتها:يا ذا العرش،اصنع كيف شئت فإنّ أرزاقنا عليك.
فما نزلت من موضعها،حتّى تغيّمت السّماء غيما شديدا،و أمطروا[44 ظ] مطرا كاد أن يغرقهم،و أنا حاضر.
ص:286
يزيد بن أبي مسلم كاتب الحجّاج
و خليفته في الظّلم و البغي
و ذكر المدائني في كتابه،قال:وجّه سليمان بن عبد الملك (1)،حين ولي الخلافة،محمد بن يزيد (2)إلى العراق،فأطلق أهل السجون،و قسم الأموال، و ضيّق على يزيد بن أبي مسلم (3)كاتب الحجّاج،فظفر به يزيد بأفريقية[لما وليها] (4)في شهر رمضان عند المغرب،و في يده عنقود عنب.
فجعل محمد يقول:اللّهم احفظ لي إطلاقي الأسرى،و إعطائي الفقراء.
ص:287
فقال له يزيد حين دنا منه:محمّد بن يزيد؟ما زلت أسأل اللّه أن يظفرني بك.
قال له:و ما زلت أسأل اللّه،أن يجيرني منك.
قال:و اللّه،ما أجارك،و لا أعاذك منّي،و و اللّه لأقتلنّك قبل أن آكل هذه الحبّة العنب،و و اللّه لو رأيت ملك الموت يريد قبض روحك،لسبقته إليها.
فأقيمت الصّلاة،فوضع يزيد الحبّة العنب من يده،و تقدّم،فصلّى بهم.
و كان أهل أفريقية قد أجمعوا على قتله،فلمّا ركع،ضربه رجل منهم على رأسه بعمود حديد،فقتله.
و قيل لمحمّد:اذهب حيث شئت،فمضى سالما (1).
[ذكره القاضي أبو الحسين في كتابه بغير إسناد،و لم يعزه إلى المدائني، و جاء به على خلاف هذا اللّفظ،و المعنى واحد،إلاّ أنّه جعل بدل محمّد بن يزيد، وضّاحا،صاحب عمر بن عبد العزيز،و بدلا من سليمان بن عبد الملك، عمر بن عبد العزيز،و لم يذكر الدّعاء في خبره.] (2).
[و وقع إليّ هذا الخبر،على غير هذا،حدّثنيه علي بن أبي الطّيب،قال:
حدّثنا ابن الجرّاح،قال:حدّثنا ابن أبي الدّنيا،قال:حدّثنا يعقوب بن إسحاق ابن زياد (3)،قال:حدّثنا أبو همّام الصلت بن محمّد الخاركي (4)،قال:حدّثنا
ص:288
مسلمة بن علقمة (1)،عن داود بن أبي هند (2)،قال:حدّثني محمّد بن يزيد، قال:]6 انّ سليمان بن عبد الملك،أنفذ محمّد بن يزيد إلى ديماس الحجّاج، و فيه يزيد الرقاشي (3)،و يزيد الضبيّ،و عابدة (4)من أهل البصرة،فأطلق كلّ من فيه،غير يزيد بن أبي مسلم.
فلمّا مات سليمان،قال محمّد:كنت مستعملا على أفريقية،إذ قدم يزيد بن أبي مسلم،أميرا،في خلافة يزيد بن عبد الملك (5).
قال محمّد:فعذّبني عذابا شديدا (6)،حتّى كسر عظامي،فأتي بي يوما
ص:289
في كساء،أحمل عند المغرب.
فقلت له:ارحمني.
فقال:التمس الرّحمة من عند غيري،و لو رأيت ملك الموت عند رأسك، لبادرته إلى نفسك،اذهب حتّى أصبح لك.
فدعوت اللّه،و قلت:اللّهم اذكر ما كان منّي في أهل الديماس،اذكر يزيد الرقاشي،و فلانا،و فلانا،و اكفني شرّ يزيد بن أبي مسلم،و سلّط عليه من لا يرحمه،و اجعل ذلك من قبل أن يرتدّ إليّ طرفي،و جعلت أحبس طرفي رجاء الإجابة.
فدخل عليه ناس من البربر (1)،فقتلوه،ثمّ أطلقوني،فقالوا لي:اذهب حيث شئت.
فقلت لهم:اذهبوا و اتركوني،فإنّي أخاف إن انصرفت،أن يظنّ أنّ هذا من عملي.
فذهبوا،و تركوني (2).
[حدّثنا عليّ بن أبي الطّيب،قال:حدّثنا ابن الجرّاح،قال:حدّثنا ابن أبي الدّنيا،قال:حدّثني عمر بن شبّة (3)،قال:حدّثني محدّث[57 غ]
ص:290
عن أميّة بن خالد (1)] (2)عن وضّاح بن خيثمة (3)،قال:
أمرني عمر بن عبد العزيز (4)بإخراج[34 ر]من في السجن،فأخرجتهم إلاّ يزيد بن أبي مسلم،فنذر دمي،فإنّي لبإفريقية،إذ قيل لي:قد قدم يزيد ابن أبي مسلم،فهربت منه،فأرسل في طلبي،فأخذت،و أتي بي إليه.
ص:291
فقال:وضّاح؟
قلت:وضّاح.
فقال:أما و اللّه،طالما سألت اللّه أن يمكّنني منك.
فقلت:و أنا و اللّه لطالما سألت اللّه أن يعيذني منك.
فقال:و اللّه،ما أعاذك منّي،و و اللّه،لأقتلنّك،و لو سابقني إليك ملك الموت،لسبقته.
ثم استدعى بالسّيف و النطع (1)،فجيء بهما،[و كتّفت] (2)،[190 غ]، و أقعدت فيه،لتضرب عنقي،[و قام قائم على رأسي بالسّيف مشهورا] 23، فأقيمت الصّلاة فخرج يزيد و صلّى بهم،فلمّا خرّ ساجدا،أخذته سيوف الجند،و أطلقت (3).
حدّثني محمد بن الحسن بن المظفر،قال:أخبرني أحمد بن محمّد السّرخسي أبو بكر،قال:أخبرنا أبو العبّاس ثعلب (4)،عن الزبير بن بكّار، قال:
كان وضّاح حاجبا لعمر بن عبد العزيز،فلمّا حضرت عمر الوفاة أمر بإخراج كلّ من في الحبس،إلاّ يزيد بن أبي مسلم.و ذكر الحديث.
ص:292
عواقب مكروه الأمور خيار
[حدّثني أبو طالب عبد العزيز بن أحمد بن محمّد[بن الفضل بن أحمد ابن محمّد]بن حمّاد دنقش (1)،مولى المنصور و صاحب حرسه،و كان محمّد ابن حمّاد يحجب الرّشيد و المعتصم،و أحمد بن محمّد (2)أحد القوّاد بسرّ من رأى مع صالح بن وصيف (3)،و ولي الشرطة بها للمهتدي (4)،و أحمد بن محمّد بن الفضل،يكنّى أبا عيسى (5)،و كان أحد أمناء القضاة ببغداد،قال:قال لي القاضي أبو القاسم عليّ بن محمّد التنوخي،قال:حدّثني القاضي أبو جعفر أحمد بن إسحاق بن البهلول التنوخي الأنباري،قال:] (6)
ص:293
حدّثني[44 م]أبو عبد اللّه بن أبي عوف البزوري (1)،قال:دخلت على أبي العبّاس بن ثوابة (2)،و كان محبوسا،فقال لي:احفظ عنّي.
قلت:نعم.
فقال:
عواقب مكروه الأمور خيار و أيّام سوء لا تدوم قصار
و ليس بباق بؤسها و نعيمها إذا كرّ ليل ثمّ كرّ نهار
قال:فلم تمض إلاّ أيّام يسيرة،حتّى أطلق من حبسه.
و قد ذكر أبو الحسين القاضي،في كتابه،هذين البيتين،بغير إسناد، و لم يذكر القصّة،و لا سبب الشّعر.
ص:294
لا تيأس فإنّ اليأس كفر
[حدّثني أحمد بن عبد اللّه بن أحمد الورّاق،قال:حدّثني أبو بكر محمّد بن عبد اللّه العلاّف،المعروف بالمستعيني (1)،قال:حدّثنا عبد اللّه بن أبي سعد (2)،قال:حدّثني محمّد بن الحسين الأنصاري،قال:حدّثني إبراهيم ابن مسعود، عن بعض تجّار المدينة،قال:] (3)
كنت أختلف إلى جعفر بن محمّد (4)،و كنت له خليطا،و كان يعرفني بحسن حال،[فتغيّرت حالي،فأتيته] 3،فجعلت أشكو إليه،فأنشأ يقول:
فلا تجزع و إن أعسرت يوما فقد أيسرت في الزّمن الطّويل[45 ظ]
قال:فخرجت من عنده،و أنا أغنى النّاس (5).
[حدّثني أحمد بن عبد اللّه بن أحمد الورّاق،قال:حدّثنا أبو الفضل أحمد بن سليمان القاضي،قال:حدّثنا طاهر بن يحيى بن الحسن بن جعفر بن عبد اللّه بن الحسين بن علي بن أبي طالب عليهما السّلام،قال:حدّثني أبي، عن أبيه،عن جدّه،عن علي بن جعفر بن محمّد،قال:
ص:295
جاء رجل إلى جعفر بن محمّد،فشكا إليه الإضاقة،فأنشده جعفر بن محمّد:
فلا تجزع إذا أعسرت يوما فكم أرضاك باليسر الطّويل (1)[58 غ]
و لا تيأس فإنّ اليأس كفر لعلّ اللّه يغني عن قليل
و لا تظنن بربّك غير خير فإنّ اللّه أولى بالجميل
قال الرّجل:فذهب عنّي ما كنت أجد.
و روى القاضي أبو الحسين في كتابه«كتاب الفرج بعد الشدّة»هذا الشعر بغير خبر،و لا إسناد،و نسبه إلى الحسين بن علي بن أبي طالب عليهما السّلام، و روى البيت الأوّل كما رواه ابن أبي سعد في الخبر الّذي رويت قبل هذا،و قال بعده:
فإنّ العسر يتبعه يسار و قيل اللّه أصدق كلّ قيل
ثمّ جاء بالبيتين الثّاني و الثالث،كما جاءا في هذين الخبرين،و زاد بعد ذلك بيتا خامسا،و هو:
و لو أنّ العقول تسوق رزقا لكان المال عند ذوي العقول] (2)
ص:296
عبيد اللّه بن زياد يشتم رجلا من القرّاء
و يتهدّده
[و ذكر القاضي أبو الحسين،في كتابه:أنّ المدائني روى عن محمّد بن الزّبير التميمي]،أنّ عبيد اللّه بن زياد،أتي برجل من القرّاء (1)فشتمه،و قال له:أ حروريّ أنت (2)؟.
فقال الرّجل:لا و اللّه،ما أنا بحروريّ.
فقال:و اللّه،لأفعلنّ بك،و لأصنعنّ،انطلقوا به إلى السّجن،فانطلقوا به.
فسمعه ابن زياد يهمهم،فردّه،و قال له:ما قلت؟
فقال:عنّ لي بيتان من الشعر قلتهما.
فقال:إنّك لفارغ القلب،أنت قلتهما،أم شيء سمعته؟
قال:بل قلتهما،و هما:
عسى فرج يأتي به اللّه إنّه له كلّ يوم في خليقته أمر
إذا اشتدّ عسر فارج يسرا فإنّه قضى اللّه أنّ العسر يتبعه يسر
فسكت ابن زياد ساعة،ثم قال:قد أتاك الفرج،خلّوا سبيله.
ص:297
[أخبرني محمّد بن الحسن بن المظفر،قال:أخبرنا محمد بن عبد الواحد، قال:أخبرني عليّ بن دبيس الكاتب،عن أحمد بن الحارث الخرّاز (1)،عن علي بن محمّد المدائني،عن محمّد بن الزّبير التميمي،فذكر نحوه] (2).
ص:298
عليّ بن يزيد كاتب العبّاس بن المأمون
يتحدّث عن أيام فاقته
و ذكر القاضي أبو الحسين في كتابه،قال:حدّثني أبي،قال:حدّثني أبو يوسف يعقوب بن بيان،قال:حدّثني عليّ بن الحسين بن محمّد بن موسى ابن الفرات،قال:] (1).
كنت أتولّى ماسبذان (2)،و كان صاحب البريد (3)بها عليّ بن يزيد،و كان قديما يكتب للعبّاس بن المأمون (4)،فحدّثني:أنّ العبّاس غضب عليه و أخذ جميع ما كان يملكه،حتّى إنّه[59 غ]بقي بسرّ من رأى لا يملك شيئا، إلاّ برذونه (5)،بسرجه (6)و لجامه (7)،و مبطّنة (8)،و طيلسانا (9)،و قميصا (10)،و شاشيّة (11)، و أنّه كان يركب في أوّل النّهار،فيلقى من يريد لقاءه،ثم ينصرف،فيبعث
ص:299
ببرذونه إلى الكراء،فيكسب عليه ما يعلفه،و ما ينفقه هو و غلامه.
فاتّفق في بعض الأيّام أنّ الدابّة لم تكسب شيئا،فبات هو و غلامه طاويين (1)، قال:و نالنا من الغد مثل ذلك.
فقال غلامي:يا مولاي،نحن نصبر،و لكن الشأن في الدابّة،فإنّي أخاف أن تعطب.
قلت:فأيّ شيء أعمل؟ليس إلا السّرج،و اللّجام،و ثيابي،و إن بعت من ذلك شيئا،تعطّلت عن الحركة،و طلب التصرّف.
قال:فانظر في أمرك.
فنظرت،فإذا بحصيري[35 ر]خلق،و مخدّتي لبنة مغشّاة بخرقة، أدعها تحت رأسي،و مطهرة خزف للطهور،فلم أجد غير منديل دبيقيّ (2)خلق،قد بقي منه الرّسم.
فقلت للغلام:خذ هذا المنديل،فبعه،و اشتر علفا للدابّة (3)،و لحما بدرهم،و اشوه،و جيء به،فقد قرمت إلى أكل اللحم (4).
فأخذ المنديل،و مضى،و بقيت في الدّار وحدي،و فيها شاهمرج (5)قد جاع لجوعنا،فلم أشعر إلاّ بعصفور قد سقط في المطهرة الّتي فيها الماء للطهور، عطشا،[فشرب،فنهض إليه الشاه مرج،فناهضه،فلضعفه ما قصر عنه،
ص:300
و طار العصفور،و وقف الشاه مرج،فعاد العصفور إلى المطهرة،فبادره الشاه مرج] (1)فأخذه بحميّة،فابتلعه،فلمّا صار في حوصلته،عاد إلى المطهرة،فتغسّل، و نشر جناحيه و صاح،فبكيت،و رفعت رأسي إلى السّماء،و قلت:اللهمّ، كما فرّجت عن هذا الشّاه مرج،فرّج عنّا،و ارزقنا من حيث لا نحتسب.
فما رددت طرفي،حتّى دقّ بابي،فقلت:من أنت؟
قال:أنا إبراهيم بن يوحنّا،وكيل العبّاس بن المأمون.
فقلت:ادخل،فدخل[45 م]،فلمّا نظر إلى صورتي،قال:ما لي أراك على هذه الصّورة،فكتمته خبري.
فقال لي:الأمير يقرأ عليك السّلام،و قد اصطبح اليوم،و ذكرك و قد أمر لك بخمسائة دينار،و أخرج الكيس فوضعه بين يديّ.
فحمدت اللّه تعالى،و دعوت للعبّاس (2)،ثمّ شرحت له قصّتي،و أطفته في داري و بيوتي،و حدّثته بحديث الدابّة،و ما تقاسيه من الضرّ،و المنديل، و الشاه مرج،و الدعاء،فتوجّع لي،و انصرف.
و لم يلبث أن عاد،فقال لي:صرت الى الأمير،و حدّثته بحديثك كلّه، فاغتمّ لذلك،و أمر لك بخمسمائة دينار أخرى،قال:تأثّث بتلك،و أنفق [46 ظ]هذه،إلى أن يفرج اللّه.
و عاد غلامي،و قد باع المنديل،و اشترى منه ما أردته،فأريته الدنانير، و حدّثته الحديث،ففرح حتّى كاد أن تنشقّ مرارته.
و ما زال صنع اللّه يتعاهدنا (3).
ص:301
اختلف المؤرخون في أصل كلمة البريد،فقيل إنّ أصلها فارسي من:پريدن،أي العبور(المعجم الذّهبي،فارسي-عربي)،و قيل،من:بريده دم،أي محذوف الذنب،لأنّ دواب البريد كانت كذلك(شفاء الغليل 39)و قيل من:بردن،أي نقل و حمل(الألفاظ الفارسيّة المعرّبة 18)،و قيل:إنّ أصلها لاتيني،من veredus ،و معناها:
دابة البريد،ثمّ صرفت إلى ناقل البريد،ثم أطلقت بعد ذلك على نظام البريد(دائرة المعارف الإسلاميّة 609/3،و الألفاظ الفارسيّة المعرّبة 18).
و البريد:ولاية جليلة خطيرة،و متقلّدها يحتاج إلى جماعة كثيرة،و إلى مواد غزيرة، و من جملة أعماله حفظ الطريق،و بذرقتها،و صيانتها من القطّاع و السرّاق،و طروق الأعداء،و انسلال الجواسيس في البرّ و البحر،و إليه ترد كتب أصحاب الثغور،و ولاة الأطراف،و هو يوصلها بأسرع ما يمكن من اختصار الطرق،و اختيار المراكب و الراكب (آثار الدول 85)،و أصحاب البريد للملوك،بمنزلة العيون الباصرة،و الآذان السامعة، فإن أهمل الملك ذلك،و لم يكشف له حال أوليائه و أعدائه،انطوف عنه الأخبار،و لم تستقم له السياسة،بل لا يحسّ بالشرّ حتّى يقع فيه(آثار الدول 83).
و أوّل من وضع البريد،معاوية بن أبي سفيان(الفخري 106)و لم يكن البريد،عندئذ، مثل ما نعرفه الآن في نقل الرسائل،و إنّما كان مقصورا على نقل ما يهمّ الدّولة و رجالها، كما كان صاحب البريد،في كلّ كورة،بمثابة عين للخليفة يكتب إليه بكلّ ما يقع عليه بصره،أو يصل إلى أذنه من أخبار(تاريخ بغداد لابن طيفور 64).
و قال المنصور يوما:ما كان أحوجني إلى أن يكون على بابي أربعة نفر،لا يكون على بابي أعفّ منهم،و هم أركان الملك لا يصلح إلاّ بهم،أوّلهم:قاض لا تأخذه في اللّه لومة لائم،و ثانيهم:صاحب شرطة ينصف الضعيف من القوي،و ثالثهم:صاحب خراج يستقصي لي،و لا يظلم الرعيّة،أمّا الرابع:فصاحب بريد يكتب بخبر هؤلاء،على وجه الصحّة(لطف التدبير 13،ابن الأثير 26/6،الطبري 66/8).
و من مشاهير من ولّي البريد،أبو تمام حبيب بن أوس الطّائي،الشّاعر المشهور،فإنّ الحسن بن وهب ولاّه بريد الموصل،فأقام بها أقلّ من سنتين،و مات سنة 231 فبنى على قبره أبو نهشل بن حميد الطوسي قبّة(وفيات الأعيان 15/2-17)،و أحسب أنّ ذلك جزاء رثائه محمّد بن حميد الطّوسي بقصيدته العجيبة،الّتي مطلعها:
ص:302
كذا فليجلّ الخطب و ليفدح الأمر فليس لعين لم يفض ماؤها عذر
و كذلك مسلم بن الوليد الأنصاري الشاعر،ولاّه الفضل بن سهل بريد جرجان (القصّة 276 من هذا الكتاب)و عليّ بن بسّام،ولاّه القاسم بن عبيد اللّه البريد بجند قنسرين (مروج الذهب 546/2)و ابن خرداذبه،ولاّه المعتمد العبّاسي البريد و الخبر بنواحي الجبل(الأعلام 343/4)و كان أوّل أمر ابن عبدكان،شيخ الكتّاب بمصر،أنّه ولي البريد بدمشق و حمص،ثم كتب للطولونية بمصر،و توفي سنة 270(الوافي بالوفيات 315/3 و الأعلام 95/7)،و أبو محمّد عبد الرزّاق بن الحسن الشاعر المعروف بابن أبي الثياب، ولّي البريد ببخاري(أخلاق الوزيرين 247 و 348 و 425).
و لا ينبغي أن تكون بين صاحب البريد،و بين الملك،واسطة،كما أنّه ليس لأحد من الولاة،أو العمّال،أو القادة،على صاحب البريد حكم،و لا سلطة،و رسائله ترد إلى الحضرة بأعجل السبل،و ليس لأحد أن يفتحها،أو أن يؤخّرها،أو أن يتعرّض لها بكلّ وسيلة.
و للبريد،في الحضرة،ديوان خاص،يليه الثقة المؤتمن،يجمع صاحبه جميع الرسائل الّتي ترد من الأطراف،و يطالع بها فور وصولها.
و المقتضي أن يكون صاحب البريد مطّلعا على جميع الأخبار،في جميع الجهات، بحيث لا تخفى عليه خافية،قال الشاعر يهجو صاحب ديوان البريد[ديوان البحتري 792]:
دهتك بعلة الحمّام خود و مالت في الطريق:إلى سعيد
أرى أخبار بيتك عنك تخفى فكيف وليت ديوان البريد
ص:303
و يوم الوشاح من تعاجيب ربّنا
قال المدائني في كتابه،و جاء به القاضي أبو الحسين في كتابه عن المدائني بغير إسناد،و اللفظان متقاربان:
إنّ أعرابيّة كانت تخدم نساء النبي صلّى اللّه عليه و سلّم،و كانت كثيرا ما تتمثّل:
و يوم الوشاح من تعاجيب (1)ربّنا ألا أنّه من ظلمة الكفر نجّاني
فقيل لها:إنّك تكثرين من التمثّل بهذا البيت،و إنّا نظنّه لأمر،فما هو؟
قالت:أجل،كنت[60 غ]عسيفة على قوم بالبادية.
قال مؤلّف هذا الكتاب:العسيف:الأجير.
فوضعت جارية منهم وشاحا،فمرّت عقاب،فاختطفته و نحن لا ندري، ففقدنه،و قلن أين هو؟أنت صاحبته،فحلفت،و اعتذرت،فأبين قبول قولي و عذري،و استعدين بالرّجال،فجاءوا ففتّشوني،فلم يجدوا شيئا.
فقال بعضهم:احتملته في فرجها.
فأرادوا أن يفتّشوا فرجي،فما ظنّكم بامرأة تخاف ذلك.
فلمّا خفت الشرّ (2)،رفعت رأسي إلى السّماء فقلت:يا ربّاه،أغثني، فمرّت العقاب فطرحته بيننا،فندموا،و قالوا:ظلمنا المسكينة،و جعلوا يعتذرون إليّ،فما وقعت في كربة إلاّ ذكرت ذلك،و هو يوم الوشاح،فرجوت الفرج.
حدّثنا عليّ بن أبي الطّيب،قال:حدّثنا ابن الجرّاح،قال:حدّثنا ابن
ص:304
أبي الدّنيا،قال:حدّثني محمّد بن الحجّاج الضبّي،قال:حدّثنا أبو معاوية، عن هشام بن عروة،عن أبيه،عن عائشة رضي اللّه عنها،قالت:كانت امرأة تغشانا،تتمثّل بهذا البيت:
و يوم السّخاب من تعاجيب ربّنا على أنّه من ظلمة الكفر نجّاني
فقالت لها أمّ سلمة:و ذكر نحو ذلك...إلاّ أنّه قال فيه:فقالت عجوز منهنّ لا رعة لها فتّشوا مالها،أي فرجها (1)،فأشرفت على الفضيحة،فرفعت رأسي إلى السّماء،فقلت:يا غياث المستغيثين،فما أتممتها،حتّى جاء غراب
ص:305
فرمى السخاب (1)بيننا،فلو رأيتهم يا أمّ المؤمنين و هم حواليّ،يقولون:اجعلينا في حلّ،فنظمت ذلك في بيت،فأنا أنشده لئلاّ أنسى النّعمة،فأترك شكرها (2).
ص:306
له،فلم يرفع له رأسا،و لا قضى حاجته،فقام مغضبا،فلم يدع بدابّته،و لا اكترث له،ثم أتبعه رجلا،فقال:انظر ما يقول،فإنّ الرّجل ينبئ عما في نفسه في ثلاثة مواضع[61 غ]إذا اضطجع على فراشه،و إذا خلا بعرسه (1)، و إذا استوى على سرجه،قال الرّجل:فاتّبعته،فلمّا استوى على سرجه، عضّ على شفتيه،و قال:
عسى و عسى يثني الزّمان (2)عنانه بدور زمان و الزّمان يدور[36 ر]
فيعقب روعات سرورا و غبطة و تحدث من بعد الأمور أمور
فلم يكن بين ذلك،و بين أن سخط الرّشيد على البرامكة،و استوزر الفضل بن الرّبيع،إلاّ أيّاما يسيرة.
و حدّثني بهذا الخبر،أبي،على مثل هذا الإسناد،و لم أحفظه،لأنّي لم أكتبه عنه في الحال،فقال في البيت الأوّل:
عسى و عسى يثني الزّمان عنانه بعثرة دهر و الزّمان عثور
و قال في البيت الثّاني:
فتدرك حاجات و تقضى مآرب و تحدث من بعد الأمور أمور
و زاد فيه أنّ[الفضل بن]يحيى بن خالد ردّه فقضى حوائجه.
و أخبرنيه محمّد بن الحسن بن المظفّر،قال:حدّثني أبو بكر الصولي، عن ميمون بن هارون قال:حدّثني الحسين بن نمير الخزاعي،و ذكره،و قد دخل فيما أجازه لي الصولي.
و قرئ على أبي بكر الصولي بالبصرة،في كتابه«كتاب الوزراء»سنة خمس
ص:308
و ثلاثين و ثلاثمائة،و أنا حاضر أسمع،قال:حدّثنا أحمد بن يزيد بن محمد، يعني المهلّبي،قال:حدّثني أبي،عن إسحاق،قال:
دخل الفضل بن الرّبيع على يحيى بن خالد،فلم يوسّع له،و لا هشّ به، ثم قال:ما جاء بك يا أبا العبّاس؟
قال:رقاع معي.فردّه عن جميعها،فوثب الفضل و هو يقول:
عسى و عسى يثني الزّمان عنانه بعثرة دهر و الزّمان عثور
فتدرك آمال و تحوى رغائب و تحدث من بعد الأمور أمور
فردّه يحيى،و وقّع (1)له بجميع ما أراد.
ص:309
دعاء للشّفاء من العلل
و أخبرني علي بن عبد اللّه الورّاق،المعروف بابن أبي لؤلؤ،قال:حدّثنا محمّد بن جرير الطّبري،قال:حدّثنا يونس بن عبد الأعلى،قال:حدّثنا ابن وهب،قال:أخبرني سعيد بن أبي أيوب،عن عبد الرّحمن بن علي، عن عبد اللّه بن جعفر:
أنّ رجلا أصابه مرض شديد،منعه من الطّعام و الشّراب و النوم[62 غ]، فبينا هو ذات ليلة ساهرا،إذ سمع وجبة شديدة (1)في حجرته،فإذا هو كلام، فوعاه،فتكلّم به،فبرأ مكانه،و هو:اللهمّ أنا عبدك،و بك أملي،فاجعل الشّفاء في جسدي،و اليقين في قلبي،و النور في بصري،و الشّكر في صدري، و ذكرك باللّيل و النّهار-ما بقيت-على لساني،و ارزقني منك،رزقا غير محظور و لا ممنوع.
ص:310
من استعطف غضب السلطان بصادق لفظ
و استوقف مكروهه بموقظ بيان أو وعظ
بين المأمون و عمرو بن مسعدة
قرئ على أبي بكر محمد بن يحيى الصولي[بالبصرة] (1)،و أنا حاضر أسمع، [في كتابه الوزراء] 1[سنة خمس و ثلاثين و ثلاثمائة] (2)،قال:حدّثني عليّ ابن محمّد النوفليّ:
أنّ المأمون ذكر عمرو بن مسعدة (3)،فاستبطأه في أشياء،[و قال:أ يحسب عمرو أنّي لا أعرف أخباره،و ما يجبى إليه،و ما يعامل به الناس،بلى و اللّه، ثم يظنّ أنّه لا يسقط عليّ منه شيء؟] (4)،و كان أحمد بن أبي خالد حاضرا لذلك، فمضى إلى[46 م]عمرو،فأخبره بما قال المأمون.
فنهض من ساعته،و دخل إلى المأمون،فرمى بسيفه، و قال:أنا عائذ باللّه من سخط أمير المؤمنين (5)،و أنا أقلّ من أن يشكوني إلى أحد،أو يسرّ عليّ ضغنا
ص:311
يظهر منه بكلامه ما ظهر.
فقال له[المأمون:و ما ذاك؟فأخبره بما بلغه.
فقال:]1 لم يكن الأمر كذلك،و إنّما جرى معنى أوجب ذكر ما ذكرت، فقدّمته قبل أن أخبرك به،و كان ذلك عزمي،و ما لك عندي إلاّ ما تحبّ، فليفرخ روعك،و ليحسن ظنّك،و سكّن منه حتى شكره،و جعل ماء الحياة يدور في وجهه.
فلمّا دخل أحمد بن أبي خالد إلى المأمون،قال له:أشكو إليك من بحضرتي من خدمي و أهلي،أ ما لمجلسي حقّ و لا حرمة ليكتم ما يجري فيه،حتى يؤدّى إلى عمرو بن مسعدة؟فإنّه قد أبلغ أشياء قلتها فيه،و اتّهمت فيها بعض بني هاشم [47 ظ]ممّن كان حاضرا،و ذلك أنّ عمرا دخل عليّ،و أعاد ما كان، فاعتذرت له بعذر لم يبن الحق[نسجه،و لم يتّسق القول مني فيه،و إنّ لسان الباطل،لعيّ الظاهر و الباطن،و ما نعش الباطل أحدا]1 قال له أحمد[:لا يتّهم أمير المؤمنين أحدا]1،أنا أخبرت عمرا،
قال:و ما دعاك إلى ذلك؟
قال:الشكر للّه،و لك لاصطناعك،[و النصح لك]1،و المحبّة لتمام نعمتك على أوليائك و خدمك،و قد علمت أنّ أمير المؤمنين يحبّ استصلاح الأعداء و البعداء،فكيف بالأولياء و القرباء،و لا سيّما مثل عمرو،في موضعه من الدولة،و موقعه من الخدمة،و مكانه من رأي أمير المؤمنين،فخبّرته بما أنكره عليه،ليقوّم أود نفسه،و يتلافى ما فرط منه،و إنّما العيب لو أفشيت كلاما فيه لأمير المؤمنين سرّ،أو قدح على السلطان،أو نقض تدبير له.
فقال له:أحسنت و اللّه يا أحمد،إذ كفيتني مخاضة الظنّ،و صدقتني عن نفسك،و أزلت التهمة عن غيرك.
ص:312
المنصور العبّاسيّ يحشر العلويّين جميعا إلى الكوفة و يتهدّدهم
أخبرني أبو الفرج الأصبهانيّ،قال:حدّثني الحسن بن عليّ السلولي، قال:حدّثني أحمد بن رشيد،قال:حدّثني أبو معمر سعيد بن خثيم (1)،قال:
حدّثني يونس بن أبي يعفور (2)، قال:حدّثني جعفر بن محمّد (3)،من فيه إلى أذني،قال:
لما قتل إبراهيم بن عبد اللّه عليه السّلام (4)،بباخمرى (5)،حشرنا من المدينة، فلم يترك منّا فيها محتلم،حتّى قدمنا الكوفة،فمكثنا فيها شهرا نتوقّع القتل.
ثم خرج إلينا الربيع الحاجب،فقال:أين هؤلاء العلويّة؟[63 غ]أدخلوا على أمير المؤمنين رجلين منكم.
قال:فدخلت أنا إليه،و الحسن بن زيد،فلمّا صرت بين يديه،قال لي:أنت الّذي تعلم الغيب؟
ص:313
قلت:لا يعلم الغيب إلاّ اللّه.
قال:أنت الذي يجبى إليك هذا الخراج؟
قلت:إليك يجبى يا أمير المؤمنين الخراج.
قال:أ تدرون لم دعوتكم؟
قلت:لا.
قال:أردت أن أهدم رباعكم،و أغوّر قلبكم (1)،و أعقر نخلكم، و أنزلكم بالسّراة (2)،فلا يجيئكم أحد من أهل الحجاز و أهل العراق،فإنّهم لكم مفسدة.
فقلت:يا أمير المؤمنين،إنّ سليمان عليه السّلام أعطي فشكر،و إنّ أيّوب عليه السّلام ابتلي فصبر،و إنّ يوسف عليه السلام ظلم فغفر،و أنت من ذلك السنخ.
قال:فتبسّم،و قال:أعد،فأعدت.
فقال:مثلك فليكن زعيم القوم،قد عفوت عنكم،و وهبت لكم جرم أهل البصرة،حدّثني الحديث الّذي حدّثتني به عن أبيك،عن آبائه،عن رسول اللّه صلّى اللّه عليه و سلّم.
قلت:حدّثني أبي،عن آبائه،عن عليّ بن أبي طالب عليه السّلام،عن رسول اللّه صلّى اللّه عليه و سلّم،أنّه قال:صلة الرحم،تعمّر الديار،و تطيل الأعمار،و تكثر العمار،و إن كانوا كفارا.
قال:ليس هذا.
فقلت:حدّثني أبي،عن آبائه،عن عليّ،عن رسول اللّه صلّى اللّه عليه
ص:314
و سلم،أنّه قال:الأرحام معلّقة بالعرش،تقول:صل من وصلني،و اقطع من قطعني.
قال:ليس هذا.
قلت:حدّثني أبي،عن آبائه،عن علي،عن رسول اللّه صلّى اللّه عليه و سلّم، أنّه قال:إنّ اللّه تبارك و تعالى يقول:أنا الرحمن،خلقت الرحم،و شققت لها اسما من اسمي،فمن وصلها وصلته،و من قطعها قطعته.
قال:ليس هذا الحديث.
قلت:حدّثني أبي،عن آبائه،عن عليّ عليه السّلام،عن رسول اللّه صلّى اللّه عليه و سلّم،أنّه قال:إنّ ملكا من ملوك الأرض،كان بقي من عمره ثلاث سنين،فوصل رحمه،فجعلها اللّه عزّ و جلّ،ثلاثين سنة.
قال:هذا الحديث أردت،أيّ البلاد أحبّ إليكم؟فو اللّه،لأصلنّ رحمي اليوم.
قلنا:المدينة.
قال:فسرّحنا إلى المدينة،و كفانا اللّه عزّ و جلّ،مئونته (1).
ص:315
بين الإمام جعفر الصادق و المنصور العبّاسي
[و وقع إليّ هذا الخبر،على خلاف هذه السياقة،وجدته في بعض الكتب بغير إسناد:إنّ معاذا،مولى إسماعيل بن عليّ بن عبد اللّه بن عبّاس رحمهم اللّه، قال:
كنت قائما على رأس محمّد بن إسماعيل،مولاي،و رزام (1)،مولى [محمّد بن]خالد بن عبد اللّه القسريّ (2)،يحدّثه،و كان كاتبه إذ ذاك،قال:] (3)
وجّهني محمّد بن خالد القسريّ،لآتيه بجعفر بن محمّد بن عليّ بن الحسين ابن عليّ بن أبي طالب (4)،من المدينة،إلى المنصور.
ص:316
فلمّا صرنا بالنجف،نزل عن راحلته،و أسبغ الوضوء،و استقبل القبلة، و صلّى ركعتين،ثمّ رفع يديه إلى السماء،و أنا بالقرب منه،فسمعته يقول [37 ر]:اللّهم بك أستفتح،و بك أستنجح،و بمحمّد عبدك و رسولك أتوجّه،اللّهم إنّي أدرأ بك في نحره،و أعوذ بك من شرّه[47 م]اللّهمّ سهّل لي حزونته،و ذلّل لي صعوبته،و أعطني من الخير أكثر ممّا أرجو،و اكفني من الشرّ أكثر ممّا أخاف،ثم جاء فركب و مضى.
[فلمّا قيل لأبي جعفر:إنّه بالباب،أمر بالستور فرفعت،و بالأبواب ففتحت،ثم خرج إليه،فلقيه في منتصف الدّار[64 غ]فعانقه أبو جعفر، و أخذ بيده يماشيه مقبلا عليه،حتّى انتهى إلى مجلسه،فأجلسه فيه،ثمّ أقبل عليه المنصور يسائله،و أقبل جعفر يدعو له و يفدّيه.
ثمّ إنّ المنصور قال له:عرفت ما كان من أمر هذين الرجلين،يعني محمّدا و إبراهيم ابني عبد اللّه بن الحسن،و ما كان من برّي بهما،و قد استترا،و خفت أن يشقّا العصا،و يلقيا بين أهل هذا البيت شرّا لا يصلح أبدا،فأخبرني بخبرهما، و دلّني عليهما.
فقال له جعفر:قد و اللّه نهيتهما فلم يقبلا،و كرهت أن أطّلع على شيء من أمورهما،و ما زلت مائلا إليك،و حاطبا في حبلك،و مواظبا على طاعتك.
فقال له المنصور:صدقت،و لكنّك تعلم،أنّي أعلم،أنّ علم أمرهما عندك،و لن أقنع إلاّ أن تخبرني بخبرهما و أمرهما.
فقال:يا أمير المؤمنين،أتلو عليك آية من كتاب اللّه عزّ و جلّ،فيها منتهى علمي بهما.
قال:هات،على اسم اللّه.
فتلا عليه: لَئِنْ أُخْرِجُوا لاٰ يَخْرُجُونَ مَعَهُمْ،وَ لَئِنْ قُوتِلُوا لاٰ يَنْصُرُونَهُمْ، وَ لَئِنْ نَصَرُوهُمْ لَيُوَلُّنَّ الْأَدْبٰارَ،ثُمَّ لاٰ يُنْصَرُونَ.
ص:317
فخرّ المنصور ساجدا،و قال:حسبك.و لم يسأله بعد ذلك عن شيء من أمرهما] (1).
[و روي لي هذا الخبر على وجه آخر،حدّثنا به عليّ بن الحسن،قال:
حدّثنا ابن الجرّاح،قال:حدّثنا ابن أبي الدّنيا،قال:حدّثني عيسى بن أبي حرب الصفّار (2)،و المغيرة بن محمّد (3)،قالا:حدّثنا عبد الأعلى بن حمّاد (4)، قال:حدّثني الحسن بن الفضل بن الرّبيع،قال:حدّثني عبد اللّه بن الفضل ابن الرّبيع] (5)عن الفضل بن الربيع،قال:حدّثني أبي،قال:
حجّ أبو جعفر المنصور سنة سبع و أربعين و مائة،فلمّا قدم المدينة،قال لي:
ابعث إلى جعفر بن محمّد من يأتيني به بغتة (6)،قتلني اللّه إن لم أقتله،فأمسكت عنه (7)،رجاء أن ينساه،فأغلظ لي في الثانية.
فقلت:جعفر بن محمّد بالباب يا أمير المؤمنين،قال:ائذن له،فأذنت له.
فلمّا دخل،قال:السّلام عليك يا أمير المؤمنين و رحمة اللّه و بركاته.
فقال:لا سلّم اللّه عليك،يا عدوّ اللّه،تلحد في سلطاني،و تبغيني الغوائل في ملكي،قتلني اللّه إن لم أقتلك.
ص:318
فقال له جعفر:يا أمير المؤمنين،إنّ سليمان أعطي فشكر،و إنّ أيّوب ابتلي فصبر،و إنّ يوسف ظلم فغفر،و أنت من ذلك السنخ (1)ففكر (2)طويلا.ثمّ رفع رأسه،فقال:أنت عندي،يا أبا عبد اللّه،البريء الساحة، السّليم الناحية،القليل الغائلة،جزاك اللّه عن ذي رحمك،أفضل ما يجزي ذوي الأرحام عن أرحامهم.
ثم تناول يده،فأجلسه على مفرشه،و استدعى بالمنفحة،و المنفحة مدهن كبير فيه غالية،فغلّفه بيده،حتّى قطرت لحيته.
ثمّ قال له:في حفظ اللّه و في كلاءته،يا ربيع،ألحق أبا عبد اللّه جائزته و كسوته.
قال الرّبيع:فتبعته،فلمّا لحقته،قلت له:إنّي رأيت ما لم تر،و سمعت ما لم تسمع،و رأيت بعد ذلك ما قد رأيت،و قد رأيتك تحرّك شفتيك بشيء، فما الّذي قلت؟
فقال:نعم،إنّك رجل منّا أهل البيت،و لك محبّة و مودّة،اعلم أنّني قلت:اللّهمّ احرسني بعينك الّتي لا تنام،و اكنفني بركنك الّذي لا يرام، و أدركني برحمتك،و اعف عنّي بقدرتك،لا أهلك و أنت رجائي،ربّ، كم من نعمة أنعمت بها عليّ،قلّ لك عندها شكري فلم تحرمني،و كم من بليّة [65 غ]ابتليتني بها،قلّ لك عندها صبري فلم تخذلني،[فيا من قلّ عند نعمه شكري فلم يحرمني،و يا من قلّ عند بليّته صبري فلم يخذلني] (3)،يا من
ص:319
رآني على الخطايا فلم يهتكني (1)،يا ذا المعروف الّذي لا ينقضي (2)أبدا،و يا ذا النّعماء الّتي لا تحصى عددا،صلّ على محمّد و على آل محمّد،بك أدرأ في نحره،و أعوذ بك من شرّه،اللّهم أعنّي على ديني بدنياي،و على آخرتي بتقواي، و احفظني فيما غبت عنه،و لا تكلني إلى نفسي طرفة عين،يا من لا تضرّه الذنوب،و لا تنقصه المغفرة،اغفر لي ما لا يضرّك،و أعطني ما لا ينقصك، إنّك أنت الوهّاب،أسألك فرجا قريبا،و صبرا جميلا،و رزقا واسعا،و العافية من جميع البلايا،و شكر العافية (3).
ص:320
بين موسى الهادي و أحد كتّابه
و ذكر محمّد بن عبدوس الجهشياريّ (1)،في[48 ظ]كتابه«الوزراء»:
أنّ موسى الهادي،سخط على بعض كتّابه،و لم يسمّه،فجعل يقرّعه (2)، و يؤنّبه،و يتهدّده،و يتوعّده.
فقال له الكاتب:يا أمير المؤمنين،إنّ اعتذاري إليك[فيما تقرّعني به] (3)ردّ عليك،و إقراري بما بلغك عنّي،يوجب ذنبا لم أجنه،و لكنّي أقول كما قال الشّاعر:
إذا كنت ترجو في العقاب تشفّيا فلا تزهدن عند التجاوز في الأجر
فصفح عنه،[و أمر بترك التعرّض له] 3،و أحسن إليه،و صرفه مكرّما.
ص:321
ابن مقلة ينفذ من سجنه رقعة إلى الوزير ابن الفرات
حدّثني عليّ بن هشام بن عبد اللّه الكاتب (1)،عن أبي عبد اللّه زنجي الكاتب (2)، قال:
لما نكب أبو الحسن بن الفرات (3)،أبا عليّ بن مقلة،في وزارته الثّالثة،لم أدخل إليه في الحبس،و لا كاتبته متوجّعا له،و لا راسلته بحرف،خوفا من أن يرقى ذلك إلى ابن الفرات.
و كانت بيني و بين ابن مقلة مودّة،فلمّا طال مكثه في الحبس،كتب إليّ رقعة لطيفة (4)،أوّلها:
ص:322
ترى حرّمت كتب الأخلاّء بينهم أبن لي،أم القرطاس أصبح غاليا؟
فما كان لو ساءلتنا كيف حالنا و قد دهمتنا نكبة هي ما هيا
صديقك من راعاك عند شديدة و كلّ تراه في الرخاء مراعيا
فهبك عدوّي،لا صديقي،فربّما يكاد الأعادي يرحمون الأعاديا
ثمّ أتبع ذلك بكلام عاتبني فيه،و يذكر أنّه أنفذ إليّ،في طيّ رقعته، رقعة إلى الوزير،و سألني عرضها عليه،في وقت خلوة لا يكون فيها ابنه[48 م] أبو أحمد المحسّن (1).
فقرأت الرقعة الّتي للوزير (2)،فكان فيها:أقصرت[أطال اللّه بقاء الوزير، و فعل به[66 غ]و صنع] (3)،عن الاستعطاف و عن الشكوى،حتّى تناهت بي المحنة و البلوى،في النّفس و المال،و الجسم و الحال،إلى ما فيه شفاء للمنتقم، و تقويم للمجترم،حتّى أفضت بي،إلى الحيرة و التبلّد،و بعيالي إلى الهتكة (4)و التلدّد (5)،و ما أقول إنّ حالا أتاها الوزير-أيّده اللّه-في أمري،إلاّ بحقّ واجب، و ظنّ صادق غير كاذب،إلاّ أنّ القدرة تذهب الحفيظة،و الاعتراف يزيل الاقتراف،و ربّ المعروف (6)يؤثره أهل الفضل و الدين،و الإحسان إلى المسيء،
ص:323
من أفعال المتّقين،و على كلّ حال،[فلي ذمام و حرمة،و تأميل و خدمة] (1)، إن كانت الإساءة تضيعها،فرعاية الوزير-أيّده اللّه-تحفظها،فإن رأى الوزير-أطال اللّه بقاءه-أن يلحظ عبده بعين رأفته،و ينعم بإحياء مهجته، و يتخلّصها من العذاب الشديد،و الجهد الجهيد،و يجعل له من معروفه نصيبا، و من البلوى فرجا قريبا،فعل،إن شاء اللّه.
فأقامت الرقعة في كمّي أيّاما،لا أتمكّن من عرضها،إلى أن رسم لي الوزير ابن الفرات،كتب رقعة (2)إلى جعفر بن القاسم (3)،عامله على فارس،في مهمّ،و أن أحرّرها بين يديه،و أعرضها عليه،فأمرني بتحريرها و قد خلا، [فاغتنمت خلوته من كلّ أحد] (4)،فقلت له:قد عرف الوزير-أيّده اللّه- ما بيني و بين ابن مقلة،من العشرة و الألفة الّتي جمعتنا عليها خدمته،و و اللّه، ما كاتبته و لا راسلته،و لا قضيت له حقا بمعونة و لا غيرها،منذ سخط الوزير -أيّده اللّه-عليه،و هذه رقعته إليّ تدلّ على ذلك،و يسأل عرض رقعة له على الوزير [-أيّده اللّه-و هي معي،فإن أذن عرضتها عليه.
فقال:هاتها.
فناولته إيّاها،قال:فقرأ رقعته إليّ،ثم] 14قال:هات رقعته إليّ.
فقلت:أسأل الوزير-أيّده اللّه-أن يكتم ذلك عن سيّدي أبي أحمد-يعني المحسّن ابنه-فإنّي أخافه.
ص:324
فقال:أفعل.
فلمّا قرأ رقعة ابن مقلة إليه قال:و اللّه،يا أبا عبد اللّه،لقد تناهى هذا الرّجل في السّعاية على دمي،و مالي،و أهلي،و لقد صحّ عندي أنّه قال لما أسلم إليّ حامد:لو علمت أنّ ابن الفرات سيبقى بعد صرفه[يوما واحدا]14 ما سعيت عليه،و و اللّه،لقد كنت أدعو اللّه في حبسي،أن لا يمكّنني منه، و لا من الباقطائي (1)،أما هو فلإحساني العظيم-كان-إليه،فلم أحبّ أن أتمكّن منه فأشفي غيظي و أفسد إحساني إليه[38 ر]و أما الباقطائي،فلقبيح إساءته إليّ،و لأنّه شيخ من شيوخ الكتّاب،و خفت العار بما لعلّي كنت أعامله به لو حصل في يدي،فلم تجب دعوتي فيه،و أجيبت في الباقطائي (2)،و الآن [49 ظ]فو حقّ محمّد و آله عليهم السّلام،لا جرى على ابن مقلة مكروه بعد هذا،و أنا أتقدّم اليوم بأخذه من المحسّن،و إنفاذه مع سليمان بن الحسن (3)إلى فارس (4)،و أجريه مجراه في الأمر بحراسة نفسه،و باقي حاله،و أزيدك-يا أبا عبد اللّه-ما لا أحسبك فهمته.
فقلت:و ما هو؟فإنّي لم أزل أستفيد الفوائد من الوزير[-أيّده اللّه-
ص:325
تعلّما و إنعاما] (1).
فقال:قد بقيت له بقيّة وافرة من حاله،لولاها،لكان لا يقدر أن يقول قولا سديدا،و لا يتفرّغ قلبه لنظم شعر،و بلاغة نثر.
قال:فلمّا كان من الغد،أخرجه من المحبس،و أنفذه إلى فارس (2)، هو[67 غ]و سليمان بن الحسن،فسلما (3).
ص:326
كيف تخلّص طريح بن إسماعيل الثقفي من المنصور
[أخبرني أبو الفرج عليّ بن الحسين الأموي،المعروف بالأصبهاني،قال:
أخبرني حبيب بن نصر المهلّبي،قال:حدّثنا عبد اللّه بن شبيب (1)،قال:حدّثني محمّد بن عبد اللّه بن حمزة بن أبي عيينة المهلّبي،عن أبيه،عن] (2)طريح بن إسماعيل الثقفي (3)،أنّه دخل على أبي جعفر (4)،في الشعراء،فقال له:لا حيّاك اللّه،و لا بيّاك،أ ما اتّقيت اللّه حيث تقول في الوليد:
لو قلت للسيل دع طريقك و المو ج عليه كالهضب يعتلج[49 م]
لساخ و ارتدّ أو لكان له إلى طريق سواه منعرج
فقال طريح:قد علم اللّه أنّني أردت اللّه بهذا و عنيته،[و قلت ذلك، و يدي ممدودة إليه عزّ و جلّ] (5).
فقال أبو جعفر:يا ربيع،أما ترى هذا التخلّص؟
ص:327
المأمون يعفو عن الحسين بن الضحّاك و يمتنع عن استخدامه
[أخبرني أبو الفرج الأصبهاني،إجازة،قال:أخبرني محمّد بن مزيد بن أبي الأزهر (1)،و محمّد بن خلف بن المرزبان،و ألفاظهم تزيد و تنقص.
و أخبرني ببعضه محمد بن خلف،وكيع،من آخره،و قصّة وصوله إلى المأمون، و لم يذكر ما قبل ذلك،قالوا:حدّثنا حماد بن إسحاق (2)،عن أبيه (3)،و لم يقل وكيع عن أبيه،و اللفظ في الخبر لابن أبي الأزهر،و حديثه، ثم قال:] (4)
كنت بين يدي المأمون (5)قائما،فدخل ابن البوّاب الحاجب،برقعة فيها أبيات،فقال له:أ تأذن في إنشادها؟
قال:هات،فأنشد:
ص:328
أجرني فإنّي قد ظمئت إلى الوعد متى ينجز الوعد المؤكّد بالعهد
أعيذك من خلف الملول و قد ترى تقطّع أنفاسي عليك من الوجد
رأى اللّه عبد اللّه خير عباده فملّكه و اللّه أعلم بالعبد
ألا إنّما المأمون للنّاس عصمة مميّزة بين الضلالة و الرّشد
فقال له المأمون:أحسنت[يا عبد اللّه (1)] (2)،و ظنّها له.
فقال:بل أحسن قائلها يا أمير المؤمنين.
قال:و من هو قائلها؟
قال:عبدك الحسين بن الضحّاك (3).
فقطّب (4)،و قال:لا حيّا اللّه من ذكرت،و لا بيّاه،و لا قرّبه،أ ليس هو القائل:
أ عينيّ جودا و ابكيا لي محمّدا و لا تذخرا دمعا عليه و أسعدا[68 غ]
فلا تمّت الأشياء بعد محمّد و لا زال شمل الملك فيه مبدّدا
و لا فرح المأمون بالعيش بعده و لا زال في الدّنيا طريدا مشرّدا (5)
هذا بذاك،و لا شيء له عندنا.
فقال ابن البوّاب:فأين فضل أمير المؤمنين،وسعة حلمه،و عادته في
ص:329
العفو؟فأمر بإحضاره.
فلمّا حضر،سلّم،فردّ عليه السّلام ردّا خفيّا (1)،ثم قال:أخبرني عنك، هل عرفت-يوم قتل أخي-هاشمية قتلت،أو هتكت؟
قال:لا.قال:فما معنى قولك؟:
و مما شجى قلبي و كفكف عبرتي (2) محارم من آل النّبي استحلّت
و مهتوكة بالخلد عنها سجوفها كعاب كقرن الشمس حين تبدّت
إذا خفرتها روعة من منازع لها المرط (3)عاذت بالخضوع و رنّت (4)
و سرب ظباء من ذؤابة هاشم (5) هتفن بدعوى خير حيّ و ميّت
أردّ يدا منّي إذا ما ذكرته على كبد حرّى و قلب مفتّت
فلا بات ليل الشامتين بغبطة و لا بلغت آمالها من تمنّت (6)
فقال:يا أمير المؤمنين،لوعة غلبتني،و روعة فاجأتني،و نعمة فقدتها بعد أن غمرتني،و إحسان شكرته فأنطقني.
فدمعت عينا المأمون،و قال:قد عفوت عنك[39 ر]و أمرت لك بإدرار أرزاقك عليك،و إعطائك ما فات منها،و جعلت عقوبة ذنبك،امتناعي عن استخدامك.
ص:330
بين المعتصم و الحسين بن الضحّاك
[أخبرني محمّد بن يحيى الصولي،إجازة،و قد ذكره أبو الفرج الأصبهاني في كتابه الكبير،كتاب الأغاني،الّذي أجازه لي في جملة ما أجاز، في أخبار الحسين بن الضحّاك،قال:] (1)
غضب عليّ المعتصم (2)في شيء جرى على النبيذ،و قال:و اللّه لأؤدّبنّه، و حجبني،فكتبت إليه:
غضب الإمام أشدّ من أدبه[69 غ] و قد استجرت و عذت من غضبه
أصبحت معتصما بمعتصم أثنى عليه اللّه في كتبه
لا و الّذي لم يبق لي سببا أرجو النّجاة به سوى سببه
ما لي شفيع غير رحمته و لكلّ من أشفى على عطبه[50 ظ]
إلاّ كريم طباعه و به أرجو الّذي أرجوه في نسبه (3)
فلمّا قرئت عليه،التفت إلى الواثق (4)،و قال:بمثل هذا الكلام يستعطف الكرام،ما هو إلاّ أن سمعت أبيات حسين هذه،حتّى زال ما في نفسي عليه.
فقال الواثق:هو حقيق أن يهب له أمير المؤمنين ذنبه،و يتجاوز عنه،
ص:331
فرضي عنّي،و أمر بإحضاري.
قال الصولي:فحدّثني الحسين بن يحيى،أنّ هذه الأبيات إنّما كتب بها إلى المعتصم لأنّه بلغه عنه أنّه مدح[50 م]العبّاس بن المأمون (1)،و تمنّى له الخلافة، فطلب،فاستتر،و كتب بهذه الأبيات إلى المعتصم على يدي الواثق،فأوصلها، و شفع له،فرضي عنه،و أمّنه،فظهر،ثمّ استدعاه،فدخل عليه،و هجا العبّاس بن المأمون،فقال:
خلّ اللّعين و ما اكتسب لا زال منقطع السّبب
يا عرّة الثّقلين لا دينا رعيت و لا حسب
حسد الإمام مكانه جهلا هداك على العطب
و أبوك قدّمه لها لمّا تخيّر و انتخب
ما تستطيع سوى التنفّ س و التجرّع للكرب
لا زلت عند أبيك من تقص المروءة و الأدب
ص:332
الشعبيّ يروي قصّة دخوله على الحجّاج
وجدت بخطّ القاضي أبي جعفر أحمد بن البهلول الأنباري (1)، قال:
الشعبيّ (2):
كنت فيمن خرج مع ابن الأشعث (3)،على الحجّاج،فلمّا هزم،هربت، فأتيت يزيد بن أبي مسلم (4)،و كان لي صديقا،و ذكرت له أمري.
فقال:يا عامر،أنا أخوك الّذي تعرف،و و اللّه،ما أستطيع نفعك عند الحجّاج،و ما أرى لك إلاّ أن تمثل بين يديه،فتقرّ بذنبك،فإنّ الحجّاج ليس ممّن يكذب،فاصدقه،و استشهدني على ما بدا لك.
قال الشعبيّ:فما شعر الحجّاج،إلاّ و أنا قائم بين يديه،فقال:عامر؟
قلت:نعم أصلح اللّه الأمير.
[قال:أ لم أقدم العراق،فوجدتك خاملا،فشرّفتك،و أوفدتك إلى
ص:333
أمير المؤمنين،و أثبتّك عريف قومك (1)،و استشرتك؟
قلت:بلى.
قال:فما الّذي أخرجك عليّ،و أين كنت في هذه الفتنة؟
قلت:أصلح اللّه الأمير،أوحش الجناب،و أحزن بنا المنزل] (2)،فاستشعرنا الخوف،و اكتحلنا السهر،و استحلسنا البلاء (3)،و فقدنا صالح الإخوان، و شملتنا فتنة،لم نكن فيها بررة أتقياء،و لا فجرة أقوياء،و ما أعتذر ألاّ أكون سعيت،و هذا يزيد بن أبي[70 غ]مسلم،يشهد لي بذلك،و أنّي كنت أكتب إليه بعذري.
فقال ابن أبي مسلم:صدق،أعزّ اللّه الأمير.
فقال الحجّاج:هذا عامر،ضرب وجوهنا بسيفه،و أتانا يعتذر بالباطل، ردّوا عليه عطاءه.
و عفا عنه.
ص:334
من قصص ملوك الفرس
وجدت في بعض الكتب،عن ابن خرداذبه (1)،قال:غضب أبرويز الملك (2)، على بعض أصحابه،من جرم عظيم،فحبسه زمانا،ثم ذكره،فقال للسجّان:
هل يتعاهده أحد؟.
فقال:أيّها الملك،الفلهند (3)المغنّي وحده،فإنّه كان يوجّه إليه في كلّ يوم بسلّة من طعام.
فقال كسرى أبرويز للفلهند:غضبت على فلان،و حبسته،فقطعه النّاس غيرك،فإنّك كنت تتعاهده بالبرّ في كلّ يوم.
فقال:أيّها الملك،إنّ البقيّة الّتي بقيت له عندك،فأبقت روحه في جسده، أبقت له عندي مقدار سلّة من طعام.
فقال له:أحسنت،و قد وهبت لك ذنبه،و أطلقه للوقت.
ص:335
حدّثني الحسن بن محمّد بن الحسن الجنائني (1)،قال:قرأت في بعض كتب الفرس أنّ أبرويز الملك كان معجبا بغناء الفلهند مغنّيه،فنشأ للفلهند غلام أحسن غناء منه،فأدخله إلى أبرويز يتحفه به،و يتقرّب إليه بذلك، فاستطابه أبرويز و غلب على قلبه حتّى قدّمه على الفلهند،فحسده الفلهند، فقتله.
و بلغ أبرويز ذلك،فغضب عليه غضبا شديدا،و استدعى الفلهند، فقال له:يا كلب،علمت أنّ شطر لذّتي في الغناء كان فيك،و شطرها كان في غلامك،فقتلته لتذهب شطر لذّتي،و اللّه لأقتلنّك،و أمر به،فجّر ليقتل.
فقال:أيّها الملك،اسمع منّي كلمة،ثمّ اعمل ما شئت.
قال:قل.
قال:إذا كانت لذّتك شطرين،و قد أبطلت أنا بالجهل أحدهما،و تبطل أنت على نفسك الشطر الثاني بطاعة الغضب،فإنّ جنايتك على نفسك،أعظم من جنايتي عليك.
فقال أبرويز:ما نطقت بهذا الكلام،في مثل هذا المقام،إلاّ لما في أجلك من التأخير،و لما يريد اللّه تعالى إسعادي به من الالتذاذ بغنائك،و قد عفوت عنك.
و أطلقه (2).
ص:336
حدّثني الحسن بن محمّد الجنائني،قال:قرأت في بعض كتب الفرس المنقولة إلى العربيّة،أنّ ملكا من ملوكهم قدّم إليه صاحب مائدته غضارة (1)إسفيذباج (2)فنقطت منها نقطة على ساعد الملك،فأمر بقتله.
فقال له الرجل:أعيذ الملك باللّه أن يقتلني ظلما بغير ذنب قصدته.
فقال له الملك:قتلك واجب،ليتّعظ بك غيرك،فلا تهمل الحرمة.
فأخذ الرّجل الغضارة،فصبّها بأسرها على رأس الملك،و قال:أيّها الملك، كرهت أن يشيع عنك أنّك قتلتني ظلما،ففعلت هذا لأستحقّ القتل،فيزول عنك قبح الأحدوثة بظلم الخدم،فشأنك الآن و ما تريد.
فقال الملك:ما أحصن الأجل!و عفا عنه (3).
ص:337
الغلط الّذي لا يتلافى
وجدت في بعض الكتب:أنّ رجلين أتي بهما إلى بعض الولاة،و قد ثبت على أحدهما الزندقة (1)،و على الآخر شرب الخمر،فسلّم الوالي الرّجلين إلى بعض أصحابه،و قال له:اضرب عنق هذا،و أومى إلى الزنديق،و حدّ (2)هذا،و أومى إلى الشارب.
و قال:خذهما.
فلمّا ذهب بهما ليخرجا،قال شارب الخمر:أيّها الأمير،سلّمني إلى غير هذا ليحدّني،فلست آمن أن يغلط فيضرب عنقي،و يحدّ صاحبي، و الغلط في هذا لا يتلافى.
فضحك منه الأمير،و خلّى سبيله،و ضرب رقبة الزنديق (3).
ص:338
الأمير عبد اللّه بن طاهر يعفو عن الحصني و يحسن إليه
[وجدت في كتاب أبي الفرج المخزومي،عن أبي محمّد الحسن بن طالب،كاتب عيسى بن فرّخان شاه،قال:] (1)حدّثني عيسى بن فرّخان شاه (2)، قال:
لما وليت ديار مصر (3)،لم يزل وجوهها يصفون لي محمّد بن يزيد الأموي الحصنيّ (4)بالفضل،و ينشدوني قصيدته الّتي أجاب بها[51 م]عبد اللّه بن طاهر (5)،لما فخر بأبيه،و يذكرون قصّته معه لما دخل عبد اللّه الشام،و أشرف
ص:339
الحصني على الهلاك[51 ظ]خوفا منه،و كيف كفي[40 ر]أمره بلا سبب، [و كيف أحسن إليه،و أقرّه في حصنه] (1)،[فكنت أتفقّد أمره (2)في ضيعته، و أحسن إليه في معاملته] (3)،و كانت كتبه تردّ عليّ بالشكر بأحسن عبارة.
فلمّا خرجت لتصفّح كور عملي،و أحوال الرعيّة و العمّال بالنّواحي، وردت الكورة الّتي فيها حصن محمّد بن يزيد في ناحية منها،فخرج مستقبلا لي،و راغبا إليّ في النّزول عليه.
فلمّا التقينا،قال لي:لم أشكّ-مع فضلك-أنّك لا تتجاوزني،و لم آمن أن يعارضك ظنّ،يصوّر لك أنّ عدولك عنّي،إبقاء عليّ،و إشفاق من نسبة السلطان إيّاك إلى إيثار لذّتك في لقائي،فتطويني،فحملت نفسي على خلاف ما كنت أحبّ أن يشيع لك،من ابتدائي بالقصد[قبل رغبتي إليك فيه،فالحمد للّه الّذي جعل] 8لك السبق إلى المكرمة.
و سرنا إلى حصنه،و أوقفني على المواضع المذكورة[في الخبر و الشعر] 8إلى أن دخلنا حصنه،فلم أجد فيه أهبة للنّزول به،و رأيت أدبا و مروءة،و سبق بما حضر من القرى،و لم ينقبض من إحضار ما أعددته في سفرتنا،و وجدت خدمته كلّها تدور على جارية سوداء اللون،خفيفة الحركة،يدلّ نشاطها على اعتيادها الطرّاق،إلى أن رفع الطعام،و حضر الشراب،فحضرت السوداء في
ص:340
غير الزيّ الأوّل،و جلست تغنّي،فأنكرتها،حتّى استثبته فيها،فوصف لي [قديم]8 حرمتها،و قال[71 غ]:هي كانت طليعتي يوم قصدني عبد اللّه بن طاهر.
فاستفتحني لمسألته عن الخبر،فسألته.
فقال:لمّا بلغني إجماع عبد اللّه بن طاهر[على الخروج]8 لطلب نصر بن شبث-الخارجيّ (1)كان في ذلك الوقت-بنفسه،أيقنت بالهلاك،و خفت أن يقرب منّي،فتنالني منه بادرة مكروه،و لم أشكّ في ذهاب النعمة،و إن سلمت النفس لما بلغه من إجابتي إيّاه،عن قصيدته الّتي فخر بها،و أنشدنيها:
مدمن الإغضاء موصول و مديم العتب مملول (2)
و مدين البيض في تعب و غريم البيض ممطول (3)
و أخو الوجهين حيث رمى بهواه فهو مدخول (4)
و قليل من يبرّزه في يد التهذيب تحصيل (5)
فاتّئد تلق النجاح به و اعتساف الأمر تضليل
و اغض (6)عن عيب أخيك يدم لك حبل منه موصول
ص:341
من يرد حوض الردى صردا (1) لا يسعه الريّ تعليل
من بنات الرّوم لي سكن (2) وجهها للشمس إكليل
عتبت،و العتب من سكن فيه تكثير و تقليل (3)
أقصري عمّا لهجت به ففراغي عنك مشغول
سائلي عمّا تسائلني قد يردّ الخبر مسئول (4)
أنا من تعرفن نسبته سلفي الغرّ البهاليل
مصعب جدّي نقيب بني هاشم (5)،و الأمر مجهول
و حسين رأس دعوتهم (6) و دعاء الحقّ مقبول
سل بهم تنبيك نجدتهم (7) مشرفيّات (8)مصاقيل
كلّ عضب مشرب عللا و جراز الحدّ مفلول
و أبي من لا كفاء له من يسامي مجده؟قولوا!
صاحب الرأي الّذي حصلت رأيه القوم المحاصيل (9)
حلّ منهم بالذرى شرفا دونه عزّ و تبجيل
ص:342
تفصح الأنباء عنه إذا أسكت الأنباء مجهول
سل به،و الخيل ساهمة (1) حوله جرد أبابيل
إذ علت من فوقه يده نوطها أبيض مصقول (2)
و بربّات الخدور و قد جعلت تبدو الخلاخيل
من ثنى عنه الخيول بأك نافها الخطّيّة الشول (3)
أبطن المخلوع (4)كلكله و حواليه المغاويل
فثوى و الترب مضجعه غال عنه ملكه غول[52 م]
قاد جيشا نحو قاتله (5) ضاق عنه العرض و الطول
من خراسان مصمّمهم كليوث ضمّها غيل
وهبوا للّه أنفسهم لا معازيل و لا ميل
ملك تجتاح سطوته و نداه الدّهر مبذول
قطعت عنه (6)تمائمه و هو مرهوب و مأمول[52 ظ][72 غ]
وتره يسعى إليه به و دم يجنيه مطلول (7)
قال:و كنت لما بلغتني القصيدة،امتعضت للعربيّة،و أنفت أن يفخر عليها رجل من العجم،لأنّه قتل ملكا من ملوكها بسيف أخيه،لا بسيفه، فيفخر عليها هذا الفخر،و يضع منها هذا الوضع،فرددت على قصيدته،
ص:343
و لم أعلم أنّ الأيّام تجمعنا،و لا أنّ الزمان يضطرّني إلى الخوف منه،فقلت:
لا يرعك القال و القيل كلّما بلّغت تهويل[41 ر]
ما هوى لي حيث أعرفه (1) بهوى غيرك موصول
أين لي عدل إلى بدل أ بديل منك مقبول
إذ عدمت العدل منك و إذ أنا فيك الدّهر معدول
حمّليني كلّ لائمة كلّ ما حمّلت مقبول (2)
و احكمي ما شئت و احتكمي فحرامي فيك تحليل (3)
و الّذي أرجو النجاة به ما لقلبي عنك تحويل
ما لداري منك مقفرة و ضميري منك مأهول
أ يخون العهد ذو ثقة لا يخون العهد مسئول
و أخو حبّيك في تعب مطلق مرّا (4)و مغلول
ما فراغي عنك مشتغل بل فراغي بك مشغول (5)
و بدت يوم الوداع لنا غادة عيطاء عطبول (6)
حاسرا أو ذات مقنعة ذات تاج فيه إكليل
أيّ عطفيها به انصرفت أرج بالمسك معلول
تتعاطى شدّ معجرها و نطاق الخصر محلول
ص:344
بأداليل لها قتل حبّذا تلك الأداليل (1)
فبنفسي دمج مشطتها (2) و مثانيها المراسيل (3)
سبقت بالدمع مقلتها فلها بالدّمع تفصيل
و رمت بالسّحر من كثب فدفين الدّاء مقتول
لاحظت بالسّحر عابثة فحسام الصّبر مفلول
شملنا إذ ذاك مجتمع و جناح البين مشكول
ثمّ ولّت كي تودّعنا كحلها بالدمع مغسول (4)
لا تخاف الدهر طائره فأذاه عنك معقول
أيّها النازي مطيّته لأغاليطك تحصيل (5)
قد تأوّلتم على جهة و لنا في ذاك تأويل
إنّ دلّيلاك يوم غدا بك في الحين لضلّيل 40
قاتل المخلوع مقتول و دم القاتل مطلول[73 غ]
قد يخون الرّمح عامله و سنان الرّمح مصقول 40
و ينال الوتر طالبه بعد ما تسلو المثاكيل 40
سار أو حلّ فمتّبع بالّتي يكبو لها الفيل
لا تنجّيه مذاهبه نهر بوشنج (6)و لا النّيل
ص:345
و مدين القتل مرتهن بدماء القوم مقتول
بأخي المخلوع (1)طلت يدا لم يكن في باعها طول
و بنعماه الّتي سلفت فعلت تلك الأفاعيل
و براع غير ذي شفق جالت الخيل الأبابيل
يا ابن بيت النّار موقدها ما لحاديه سراويل (2)
أيّ مجد فيك نعرفه أيّ جدّ لك بهلول
من حسين أو أبوك و من مصعب غالتهم غول
و زريق إذ تخلّفه نسب عمرك مجهول
تلك دعوى لا نناقشها (3) و أبوّات مراذيل (4)
أسرة ليست مباركة غيرها الشمّ البهاليل 46[53 م]
ما جرى في عود أثلتكم ماء مجد فهو مدخول 46
قدحت فيه أسافله و أعاليه مجاهيل (5)
إنّ خير القول أصدقه حين تصطكّ الأقاويل
كن على منهاج معرفة لا تغرّنك الأباطيل
إنّ للإصعاد منحدرا فيه للهاوي أهاويل[53 ظ]
و لريب الدّهر عن عرض بالرّدي علّ و تنهيل
يعسف الصعبة رائضها و لها بالعسف تدليل
و يخون الرّمح حامله و سنان الرّمح مصقول
ص:346
و ينال الثأر طالبه (1) بعد ما تسلو المثاكيل
مضمر حقدا و منصله مغمد في الجفن مسلول
قال:فلمّا قرب عبد اللّه بن طاهر منّي،استوحشت من المقام خوفا على نفسي،و رأيت بعدي و تسليمي حرمي عارا باقيا،و لم يكن لي إلى هربي بالحرم سبيل،فأقمت على أتمّ خوف مستسلما للاتّفاق،حتّى إذا كان اليوم الّذي قيل إنّه ينزل فيه العسكر[بهذه النواحي] (2)أغلقت باب حصني،و أقمت هذه الجارية السوداء[ربيئة] 49تنظر لي على مرقب من شرف الحصن،و أمرتها أن تعرّفني الموضع الّذي ينزل فيه العسكر قبل أن يفجأني،و لبست ثياب الموت أكفانا،و تطيّبت،و تحنّطت.
فلمّا رأت الجارية العسكر يقصد حصني،نزلت فعرّفتني،فلم يرعني إلاّ دقّ باب الحصن فخرجت،فإذا عبد اللّه بن طاهر،واقف وحده،منفرد عن أصحابه،فسلّمت عليه سلام خائف[42 ر]،فرد عليّ غير مستوحش [74 غ]،فأومأت إلى تقبيل رجله في الركاب،فمنع ألطف منع و أحسنه، و نزل على دكّان (3)على باب الحصن.
ثمّ قال:ليسكن روعك،فقد أسأت الظنّ بنا،و لو علمنا أنّا[بزيارتنا لك] 49نروعك ما قصدناك.
ثمّ أطال المسألة،حتّى رأى الثقة منّي قد ظهرت،فسألني عن سبب مقامي في البرّ،و إيثاري إيّاه على الحاضرة،و رفاهة عيشها،و عن حال ضيعتي و معاملتي في ناحيتي،فأجبته بما حضر لي.
ص:347
حتى إذا لم يبق من التأنيس شيء أفضى إلى مساءلتي عن حديث نصر بن شبث (1)، و كيف الطريق إلى الظفر به،فأخبرته بما حضرني (2).
ثمّ أقبل عليّ و قد انبسطت في محادثته كلّ الانبساط،فقال:أحبّ أن تنشدني القصيدة الّتي فيها:
يا ابن بيت النار موقدها ما لحاديه سراويل
فقلت:أصلح اللّه الأمير،قد أربت نعمتك على مقدار همّتي،فلا تكدّرها بما ينغّصها.
فقال:إنّما أريد الزيادة في تأنيسك،بأن لا تراني متحفّظا ممّا خفت، و عزم عليّ في إنشادها،[عزم مجدّ] (3)فقلت:يريد أن تطرأ على سمعه، فيثور ما في نفسه،فيوقع بي.و لم أجد من إنشادها بدّا،فأنشدته القصيدة، فلمّا فرغت منها،عاتبني عتابا سهلا (4)،فكان منه أن قال:يا هذا،ما حملك على تكلّف إجابتي؟
فقلت:الأمير أصلحه اللّه،حملني على ذلك بقوله:
و أبي من لا كفاء له من يسامي مجده؟قولوا!
فقلت كما تقول العرب،و تفتخر السوقة على الملوك،و كنت لما بلغت إلى قولي:
يا ابن بيت النّار موقدها ما لحاديه سراويل
قال لي:يا ابن مسلمة،لقد أحصينا في خزائن ذي اليمينين بعد موته،
ص:348
ألفين و ثلاثمائة (1)سراويل من صنوف الثّياب،ما أصلح في أحدها تكّة،سوى ما استعمل في اللّبس،على أنّ النّاس يقلّون اتّخاذ السراويلات في كساهم.
فاعتذرت إليه بما حضرني من القول في هذا،و في[54 م]جميع ما ما تضمّنته القصيدة،فقبل القول،و بسط العذر،و أظهر الصفح.
و قال:قد دللتنا على ما احتجنا إليه،من معرفة أمر نصر بن شبث، أ فتستحسن القعود عنّا في حربه.و لا يكون لك في الظفر به أثر يشاكل إرشادك لوجوه مطالبه؟فاعتذرت إليه بلزوم ضيعتي و منزلي،و عجزي عن السّفر للقصور عن آلته.
فقال:نكفيك ذلك،و تقبله منّا،و دعا بصاحب دوابّه[54 ظ]، فأمره بإحضار خمسة مراكب من الخيل الهماليج بسروجها و لجمها المحلاّة، و بثلاث دوابّ من دوابّ الشاكريّة،و خمسة أبغل من بغال الثقل،و أمر صاحب كسوته بإحضار خمسة (2)تخوت من أصناف الثياب الفاخرة،و أمر خازنه بإحضار خمس بدر دراهم،فأحضر جميع ذلك،و وضع على الدّكّان الّذي كان عليه جالسا بباب الحصن.
ثم قال لي:كم مدّة تأخّرك عنّا إلى أن تلحق بنا؟فقرّبت الموعد،فقام ليركب،فابتدرت إلى يده لأقبلها،فمنعني،و ركب،و سار الجيش معه، و ما ترك أحدا ينزل،و كفى اللّه مئونتهم،و خرجت السوداء،فنقلت الثياب [75 غ]و البدر،و أخذ الغلمان الكراع،و ما لقيت عبد اللّه بعدها (3).
قال عيسى بن فرخان شاه:فأقمت عند محمّد بن يزيد يومي و ليلتي،
ص:349
فأضافني أحسن ضيافة،و كانت مذاكرته لي،و أدبه،ألذّ إليّ من كلّ شيء (1)، فأسقطت عنه جميع خراجه في تلك السنة،و انصرفت.
[و وقع إليّ هذا الخبر،بخلاف هذا،فأخبرني أبو الفرج الأصبهاني،قال:
حدّثني عمّي الحسن بن محمّد،قال:حدّثني ابن الدهقانة النديم (2)،قال:] (3)حدّثني محمّد بن الفضل الخراساني (4)،و كان من وجوه قوّاد طاهر،و ابنه عبد اللّه،[و كان أديبا،عاقلا،فاضلا] (5):
لما[43 ر]قال عبد اللّه،قصيدته الّتي فخر فيها[بمآثر أبيه و أهله، و بقتل المخلوع] (6)،عارضه محمّد بن يزيد الأموي الحصني،و هو رجل من ولد مسلمة بن عبد الملك،فأفرط في السبّ،و تجاوز الحدّ في قبح الردّ،فكان فيما قال:
يا ابن بيت النار موقدها ما لحاديه سراويل
من حسين و أبوك و من مصعب غالتهم غول
[نسب في الفخر مؤتشب (7) و أبوّات أراذيل (8)
قاتل المخلوع مقتول و دم المقتول مطلول
و هي قصيدة طويلة.] (9)
ص:350
فلمّا ولي عبد اللّه مصر،و ردّ إليه تدبير الشام،علم الحصنيّ أنّه لا يفلت منه إن هرب،و لا ينجو من يده حيث حلّ،فثبت مكانه،و أحرز حرمه، و ترك أمواله و كلّ ما يملكه في موضعه،و فتح باب حصنه،و هو يتوقّع من عبد اللّه أن يوقع به.
قال:فلمّا شارفنا بلده،[و كنّا على أن نصبحه]66،دعاني عبد اللّه في الليل،فقال:بت عندي،و ليكن فرسك معدّا،ففعلت،فلمّا كان في السّحر،أمر غلمانه و أصحابه أن لا يرحلوا حتّى تطلع الشمس،و ركب هو و أنا و خمسة من خواصّ غلمانه،و سار حتّى صبّح الحصنيّ،فرأى بابه مفتوحا، و رآه جالسا مسترسلا،فقصده و سلّم عليه،و نزل عنده.
و قال:ما أجلسك هاهنا،و حملك على أن تفتح بابك،و لم تتحصّن من هذا الجيش المقبل،و لم تتنحّ عن عبد اللّه بن طاهر،مع علمك بما في نفسه منك، و ما بلغه عنك؟
فقال:إنّ الّذي قلت لم يذهب عنّي،و لكنّي تأمّلت أمري،و علمت أنّي قد أخطأت عليه خطيئة حملني عليها نزق الشباب،و غرّة الحداثة،و أنّي إن هربت منه لم أفته،فباعدت الحرم،و استسلمت بنفسي و بكلّ ما أملك، فإنّا أهل بيت قد أسرع فينا القتل،و لي بمن مضى من أهلي أسوة،و أنا واثق بأنّ الرّجل إذا قتلني،و أخذ مالي،شفى غيظه،فلم يتجاوز ذلك إلى الحرم،و لا له فيهنّ أرب،و لا يوجب جرمي إليه أكثر ممّا بذلته.
فو اللّه،ما أجابه عبد اللّه إلاّ بدموعه تجري على لحيته،ثمّ قال له:أ تعرفني؟.
قال:لا و اللّه.
قال:أنا عبد اللّه بن طاهر،و قد أمّن اللّه روعك،و حقن دمك،و صان حرمك،و حرس نعمتك،و عفا عن ذنبك،و ما تعجّلت إليك وحدي،[إلاّ
ص:351
لتأمن،قبل هجوم الجيش] (1)،و لئلاّ يخالط عفوي عنك،روعة تلحقك.
فبكى الحصنيّ،و قام فقبّل يده (2)،فضمّه عبد اللّه إليه،و أدناه،ثم قال له:أمّا إنّه لا بدّ من العتاب،يا أخي،جعلني اللّه فداك،قلت[55 م] شعرا في قومي أفخر بهم،و لم أطعن فيه على نسبك،و لا ادّعيت فضلا عليك، و فخرت بقتل رجل هو و إن كان[76 غ]من قومك،فهو من الّذين ثأرك عندهم،و قد كان يسعك السّكوت،و إن لم يسعك،أن لا تغرق و لا تسرف.
فقال:أيّها الأمير،قد عفوت فاجعله عفوا لا يخالطه تثريب،و لا يكدّر صفوه تأنيب.
قال:قد فعلت،فقم بنا ندخل إلى منزلك،حتّى توجب علينا حقّا و ذماما بالضيافة (3).
فقام مسرورا[55 ظ]فأدخلنا منزله،و أتانا بالطّعام فأكلنا،و جلسنا نشرب في مستشرف له،و أقبل الجيش،فأمرني أن أتلقّاهم فأرحّلهم،و لا ينزل أحد منهم إلاّ في المنزل،و كان على ثلاثة فراسخ من الحصن،فنزلت، فرحّلتهم،و أقام عنده إلى العصر،ثم دعا بدواة،فكتب له بتسويغه خراجه ثلاث سنين.
ثمّ قال له:إن نشطت،فالحق بنا[إلى مصر] (4)،و إلاّ فأقم بمكانك.
فقال:أتجهّز،و ألحق بالأمير.
ففعل،و لحق بنا،فلم يزل مع عبد اللّه،لا يفارقه،حتّى رحل إلى العراق، فودّعه،و أقام ببلده (5).
ص:352
[و حدّثني أبو الفرج المعروف بالأصبهاني،بهذا الخبر،من لفظه و حفظه، بخلاف هذا،قال:أخبرني أبو دلف هاشم بن محمّد الخزاعيّ (1)،قال:
حدّثني أبو أحمد عبيد اللّه بن عبد اللّه بن طاهر،قال:
لما قال أبي قصيدته الّتي يقول فيها:
و أبي من لا نظير له من يسامي مجده؟قولوا
و ذكر أبياتا من القصيدة،قال الحصنيّ الأمويّ قصيدة أوّلها:
لا يرعك القال و القيل كلّما بلّغت تمحيل (2)
و ذكر أبياتا من القصيدة يشتمه فيها،فلمّا ولي تلك النواحي،علم المسلمي (3)أنّه لا يفوته،فأقام ببلده،فلمّا قرب أبي من حصن مسلمة،أمر الجيش فنزلوا على فرسخ منه،و نزع من موضعه،مع عدّة من غلمانه،فجاء إلى الحصن، فابتدأه و هو على باب داره،فسلّم،و نزل.
فقال له:من أنت؟
قال:أنا محمّد بن مسلمة القرشيّ الحصنيّ.
قال:الّذي هجوت آل طاهر.
قال:نعم أعزّك اللّه.
قال:فلم فعلت ذلك،فو اللّه ما فخر القوم إلاّ بقتلهم رجلا[من قبيل] قتلكم و أفناكم،فما دخولك في هذا؟
قال:أطّت الرحم (4)و إن كانت مقطوعة،و لحقتني الرّحمة و الحميّة،
ص:353
و هو أمرني أن أقول،إذ قال:
من يسامي مجده قولوا
قال:فذكرنا ما عندنا.
قال:فلم لم تستتر من عبد اللّه بن طاهر و قد أظلّك؟
قال:علمت أنّي لا أفوته،فجدت بنفسي،و صنت حرمي.
قال:أ تعرفني؟
قال:أمّا في الحقيقة،فلا،و لكنّي أظنّك من قوّاده.
قال:لا،بل أنا هو،و إنّما سبقت إليك لئلاّ تراع،و قد أمّنك اللّه، و أمّن حرمك،فسلني حاجاتك.
قال:أمّا أنا أيّها الأمير،فقد أجبتني عن قولي بفعلك،و أكذبت شعري بفضلك،و ما لي بعدها حاجة،فإنّي في كفاف من معيشتي (1).
فاحتمل له خراجه،و قال له:إن شئت فأقم ببلدك،و إن شئت فكن معي.
قال:بل أقيم ببلدي،و أزور الأمير إذا نشط لي.
فأجابه إلى ذلك] (2).
ص:354
الباب الّذي بين اللّه و النّاس،لا يغلق
و حدّثني[عبد اللّه بن أحمد] (1)بن داسة،المقرئ البصريّ (2)،قال:
سمعت أنّ بعض الجند،اغتصب امرأة نفسها من الطريق،فعرض له الجيران يمنعونه منها،فقاتلهم هو و غلمانه حتّى تفرّقوا،و أدخل[77 غ] المرأة إلى داره،و غلّق الأبواب،ثم راودها عن نفسها،فامتنعت،فأكرهها، و لحقها منه شدّة،حتّى جلس منها مجلس الرّجل من المرأة.
فقالت له:يا هذا،اصبر حتّى تغلق الباب الّذي بقي عليك أن تغلقه.
[44 ر]
قال:أيّ باب هو؟
قالت:الباب الّذي بينك و بين اللّه.
فقام عنها،و قال:اخرجي،قد فرّج اللّه عنك.
فخرجت،و لم يتعرّض لها.
ص:355
و يدني مجلسه،و جعله أوّل داخل و آخر خارج من عنده،فاستفرغ مديحه كلّه فيه،فحسده النّاس من أهل بيت الوليد،و قدم حمّاد الراوية،في تلك الأيّام إلى الشّام.
فقالوا له:قد ذهب طريح بالأمير كلّ مذهب،فما لنا معه ليل و لا نهار.
فقال حمّاد:اطلبوا لي (1)من ينشده بيتين من الشّعر[في خلوة] (2)لأسقط منزلته عنده.
فطلبوا إلى الخصيّ الّذي كان يقوم على رأس الوليد،و جعلوا له عشرة آلاف درهم،على أن ينشد بيتين من الشّعر،على خلوة،فإذا سأله عنهما و عن قائلهما،قال له:طريح،فأجابهم الخصيّ إلى ذلك،و تعلّم البيتين.
فلمّا[كان ذات يوم] 6دخل طريح على الوليد،و دخل النّاس،و جلسوا طويلا،ثمّ نهضوا،و بقي طريح مع الوليد،فدعا بغدائه فتغدّيا،ثمّ إن طريحا خرج،فركب إلى منزله،و بقي الوليد وحده[في مجلسه ليس معه أحد] 6فاستلقى على فراشه،فاغتنم الخصيّ خلوته،فأنشده البيتين،و هما:
سيري ركابي إلى من تسعدين به فقد أقمت بدار الهون (3)ما صلحا
سيري إلى سيّد سمح خلائقه ضخم الدسيعة قرم يحمل المدحا
فأصغى الوليد إليه،ثمّ قال:من يقول هذا يا غلام؟
ص:357
قال:يقوله طريح.
فامتلأ غيظا و غضبا،ثم قال:و الهف أمّ لم تلدني،قد جعلته أوّل داخل عليّ،و آخر خارج عنّي،و يزعم أنّ هشاما (1)يحمل المدح،و أنّي لا أحملها.
ثمّ قال:عليّ بالحاجب.
فجاء،فقال له:لا أعلم أنّك أذنت لطريح،و لا أراه في بسيط الأرض، فإذا جادلك في ذلك،فاخبطه بالسّيف.
فلمّا صلّيت العصر،جاء طريح في السّاعة الّتي كان يؤذن له فيها،فدنا من الباب ليدخل،فقال له الحاجب:وراءك[56 م].
فقال:ما لك،هل دخل على وليّ العهد أحد بعدي؟
قال:لا،و لكن ساعة ولّيت من عنده،دعاني،فأمرني أن لا آذن لك، و إن جادلتني في الإذن خبطتك بالسيف.
فقال له:لك عشرة آلاف درهم،و أدخلني.
فقال له الحاجب:و اللّه،لو أعطيتني خراج العراق (2)ما أذنت لك، و ما لك خير في الدخول عليه،فارجع.
فقال: ويحك،هل تعلم من دهاني عنده؟
قال:لا و اللّه،لقد دخلت عليه،و ما عنده أحد،و لكن اللّه تعالى يحدث ما يشاء،في اللّيل و النّهار.
فرجع طريح،و أقام بباب الوليد سنة،لا يخلص إليه،و لا يقدر[56 ظ] على الدّخول عليه،و أراد الرّجوع إلى وطنه و قومه.
ص:358
ثمّ قال:و اللّه،إنّ هذا منّي لعجز،أرجع من غير أن ألقى وليّ العهد، فأعلم من دهاني عنده؟
و رأى أناسا كانوا أعداء له،قد فرحوا بما كان من أمره[78 غ]، و لم يزل يلطف بالحاجب،حتّى قال له:أمّا إذ أطلت المقام،فأنا أكره أن تنصرف على حالك هذه،و لكنّ الأمير،إذا كان يوم كذا و كذا،دخل الحمّام، ثمّ أمر بسريره فأبرز،و ليس عليه يومئذ حجاب،فإذا كان ذلك اليوم حضرت، فدخلت عليه،و ظفرت بحاجتك،و يكون لي أنا عذر.
فلمّا كان ذلك اليوم دخل الحمّام،و أبرز سريره،و جلس عليه،و أذن للنّاس فدخلوا،و بعث الحاجب إلى طريح،فأقبل.
فلمّا رآه الوليد من بعيد،صرف وجهه عنه،و كره أن يردّه من بين النّاس، فسلّم،فلم يردّ عليه،فأنشأ طريح يقول:
نام الخليّ من الهموم و بتّ في ليل أكابده و همّ مضلع
و سهرت لا أسري و لا في لذّة أرقي و أعقد ما لقيت المضجع (1)
أبغي وجوه مخارجي من تهمة أزمت عليّ و سدّ منها المطلع[45 ر]
جزعا لمغضبة الوليد و لم أكن من قبل ذاك من الحوادث أجزع
يا ابن الخلائف إنّ سخطك لامرئ أمسيت عصمته بلاء مفظع
فلأنزعنّ عن الذي لم تهوه إن كان لي-و رأيت ذلك-منزع
فاعطف-فداك أبي-عليّ تعطّفا و فضيلة،فعسى الفضيلة تنفع (2)
فلقد كفاك،و زاد ما قد نالني إن كنت لي ببلاء ضرّ تقنع
سمة لذاك عليّ جسم شاحب باد تحسّره،و لون أسفع
ص:359
إن كنت في ذنب عتبت فإنّني عمّا كرهت لنازع متضرّع
و يئست منك فكلّ عسر باسط يده إليّ و كلّ يسر أقطع
من بعد أخذي من حبالك بالّذي قد كنت أحسب أنّه لا يقطع
أرمضتني حتّى انقطعت و سدّدت عنّي الوجوه و لم يكن لي مدفع
و دخلت في حرم الذمام و حاطني خفر أخذت به و عهد مولع
أ فهادم ما قد بنيت و خافض شرفي و أنت بغير ذلك أوسع
أ فلا خشيت شمات قوم فيهم شنف (1)و أنفسهم عليّ تقطّع
و فضلت في الحسب الأشمّ عليهم و صنعت في الأقوام ما لم يصنع
فكأنّ أنفهم بكلّ صنيعة أسديتها،و جميل فعل،يجدع
ودّوا لو انهم ينال أكفّهم شلل و أنّك عن صنيعك تنزع
أو تستليم (2)فيجعلونك أسوة و أبى الملام لك الندى و المصنع
فقال له:زعمت أنّ هشاما يحمل المدح،و أنا لا أحملها؟فأنكر.
فدعا الخصيّ،و كشف عن الصورة،فاعترف الخصيّ،بما كان قد رشي،حتّى أنشد البيتين بحضرة الوليد،فرضي عنه،و أجزل عطاءه،و عوّضه ما فاته،و ردّه إلى ما كان عليه.
ص:360
بين الجاحظ و أحمد بن أبي دؤاد
وجدت في بعض الكتب:أتي بالجاحظ (1)،إلى أحمد بن أبي دؤاد، بعد نكبة محمّد بن عبد الملك الزيّات[79 غ]مقيّدا في جبّة صوف (2).
فقال له ابن أبي دؤاد:و اللّه يا عمرو[57 م]ما علمتك إلاّ متناسيا للنعمة، جاحدا للصنيعة،معدّدا للمثالب،مخفيا للمناقب،و إنّ الأيّام لا تصلح مثلك، لفساد طويّتك،و سوء اختبارك.
فقال له الجاحظ:خفّض عليك،فو اللّه،لأن تكون المنّة لك عليّ،خير من أن تكون لي عليك،و لأن أسيء و تحسن،أحسن في الأحدوثة من أن أسيء و تسيء،و لأن تعفو في حال قدرتك،أجمل بك من أن تنتقم.
فقال له ابن أبي دؤاد:ما علمتك إلاّ كثير تزويق اللّسان،قد جعلت لسانك أمام قلبك،ثم اضطغنت فيه النفاق،اغرب قبحك اللّه.
فأنهض في قيوده[57 ظ]،ثمّ قال:يا غلام،الحقه،فخذ قيوده، و صر به إلى الحمّام،و احمل إليه خلعة يلبسها،و احمله إلى منزل فيه فرش و آلة و قماش[تزاح فيه علله] (3)،و ادفع إليه عشرة آلاف درهم لنفقته،إلى أن أصلح من خلّته،ففعل ذلك كلّه.
فلمّا كان من الغد،رؤي الجاحظ متصدّرا في مجلس ابن أبي دؤاد،و عليه خلعة من ثيابه،و طويلة من قلانسه 5،و هو مقبل عليه بوجهه،يقول:هات يا أبا عثمان.
ص:361
الرشيد يمضي ما تعهّد به وزيره جعفر البرمكي،في مجلس أنس
[أخبرني أبو الفرج الأصبهاني،قال:حدّثني يحيى بن عليّ المنجّم (1)،قال حدّثني أبي (2)] (3)عن إسحاق بن إبراهيم الموصلي،قال:
لم أر قطّ مثل جعفر بن يحيى بن خالد البرمكي (4)،كانت له فتوّة،و ظرف، و أدب،و حسن غناء،و ضرب بالطبل،و كان يأخذ بأجزل حظّ،من كلّ فنّ (5).
فحضرت باب الرّشيد يوما،و كان الرشيد نائما،فوافى جعفر،فقلت له:
إنّه نائم،فرجع،و قال:سر بنا إلى المنزل،حتّى نخلو جميعا بقيّة يومنا، [فأغنّيك،و تغنّيني،و نأخذ في شأننا،من وقتنا هذا] 3.
فقلت:نعم
فسرنا إلى مجلسه،فطرحنا ثيابنا،و دعا بالطعام،فأكلنا،و أمر بإخراج الجواري،و قال:ليبرزن،فليس عندنا من نحتشمه.
فلمّا رفع الطعام،و جيء بالشراب،دعا بقميص حرير فلبسه،و دعا لي بمثله،و دعا بخلوق (6)،فتخلّق،و خلّقني،و جعل يغنيني،و أغنّيه.
و كان قد دعا بالحاجب،فتقدّم إليه أن لا يأذن لأحد من النّاس كلّهم، و إن جاء رسول أمير المؤمنين،فأعلمه أنّي مشغول،و احتاط في ذلك،و تقدّم
ص:362
فيه إلى جميع الحجّاب و الخدم.
ثمّ قال:إن جاء عبد الملك،فأذنوا له،يعني رجلا كان يأنس به، و يمازحه،و يحضره خلواته (1)،ثمّ أخذنا في شأننا.
فبينما نحن على حالة سارّة،إذ رفع الستر،فإذا عبد الملك بن صالح الهاشميّ (2)قد أقبل،و غلط الحاجب،فلم يفرّق بينه و بين عبد الملك الّذي يأنس به جعفر.
و كان عبد الملك هذا من جلالة القدر و التقشّف،على حالة معروفة، حتّى إنّه كان يمتنع من منادمة الخليفة،على اجتهاد من الخليفة أن يشرب معه قدحا واحدا،فلم يفعل،ترفّعا.
فلمّا رأيناه مقبلا،أقبل كلّ واحد منّا ينظر إلى صاحبه،و كاد جعفر أن تنشقّ مرارته غيظا.
و فهم الرّجل حالنا،فأقبل نحونا،حتّى صار إلى الرّواق الّذي نحن فيه، فنزع قلنسوته،فرمى بها مع طيلسانه جانبا،ثمّ قال:أطعمونا شيئا.
فدعا له جعفر[80 غ]بطعام،و هو منتفخ غيظا و غضبا،فأكل،ثمّ دعا برطل (3)فشربه[46 ر].
ثمّ أقبل إلى المجلس الّذي كنّا فيه،فأخذ بعضادتي الباب،ثمّ قال:
أشركونا فيما أنتم فيه.
ص:363
فقال له جعفر:ادخل،فدخل[فدعا له بقميص حرير و خلوق،فلبس، و تخلّق،ثمّ دعا برطل،و رطل] (1)حتّى شرب ثلاثة أرطال (2)،ثمّ اندفع يغنّينا،فكان-و اللّه-أحسننا غناء.
فلمّا طابت نفس جعفر،و سرّي عنه ما كان به،التفت إليه،و قال:
ارفع حوائجك.
فقال:ليس هذا موضع حوائج.
فقال:أقسم عليك،لتفعلنّ.
و لم يزل يلحّ عليه حتّى قال له:أمير المؤمنين واجد عليّ كما قد علمت، فأحبّ أن تترضّاه.
قال:فإنّ أمير المؤمنين قد رضي عنك،فهات حوائجك،كما أقول لك.
قال:عليّ دين فادح.
قال:كم مبلغه؟
قال:أربعة آلاف ألف درهم (3).
قال:هذه[58 م]أربعة آلاف ألف درهم (4)،فإن أحببت قبضها، قبضتها الساعة،فإنّه لا يمنعني من إعطائك إيّاها،إلاّ أنّ قدرك يجلّ عندي أن يصلك مثلي،و لكنّي ضامن لها،حتّى تحمل لك في غد،من مال أمير المؤمنين،فسل أيضا.
قال:تكلّم أمير المؤمنين حتّى ينوّه باسم ابني.
قال:ولاّه أمير المؤمنين مصر،و زوّجه ابنته الغالية،و مهرها عنه ألفي
ص:364
ألف درهم (1).
قال إسحاق:فقلت في نفسي،قد سكر الرّجل-يعني جعفر-.
فلمّا أصبحنا،حضرت دار الرّشيد،فإذا بجعفر بين يديه،و وجدت [58 ظ]في الدار جلبة،فإذا بأبي يوسف القاضي (2)و نظرائه،و قد دعي بهم، ثم دعي بعبد الملك و ابنه،فدخلا على الرّشيد.
فقال الرّشيد لعبد الملك:إنّ أمير المؤمنين كان واجدا عليك،و قد رضي عنك،و أمر لك بأربعة آلاف ألف درهم 13،فخذها من جعفر السّاعة.
ثمّ دعا بابنه،و قال:اشهدوا عليّ أنّني قد زوّجته ابنتي الغالية،و مهرتها عنه ألفي ألف درهم 14،و ولّيته مصر.
فلمّا خرج جعفر سألته عن الخبر،فقال:بكّرت إلى دار الرّشيد، فحكيت له جميع ما جرى حرفا حرفا،و وصفت له دخول عبد الملك و ما صنع، فعجب منه،و سرّ به.
فقلت له:و قد ضمنت له عن أمير المؤمنين ضمانا.
فقال:ما هو؟فأعلمته.
فقال:نفي له بضمانك،و أمر بإحضاره،فكان ما رأيت (3).
ص:365
أبو الفضل جعفر بن يحيى بن خالد البرمكيّ(150-187):وزير الرشيد، أحد مشهوري البرامكة و مقدّميهم،كان الرشيد يدعوه:أخي،و استوزره،و ألقى إليه أزمّة الملك،فانقادت له الدولة،ثمّ قتله و أحرق جثته.
و هو أحد الموصوفين بفصاحة المنطق،و بلاغة القول،و كرم اليد و النفس،و كان كاتبا بليغا،يتدارس الكتّاب تواقيعه(الأعلام 126/2).
حلف إسحاق الموصلي باللّه الذي لا إله إلاّ هو،ما رأيت أذكى من جعفر بن يحيى قطّ،و لا أفطن،و لا أعلم بكلّ شيء،و لا أفصح لسانا،و لا أبلغ في المكاتبة(الأغاني 325/4)و قال ثمامة بن أشرس:ما رأيت رجلا أبلغ من جعفر بن يحيى البرمكيّ (تاريخ الخلفاء 326)و قال إبراهيم بن المهديّ:ما رأيت أكمل من جعفر قطّ(الأوراق للصولي،أشعار أولاد الخلفاء 34 و العقد الفريد 425/2).
قتل الرشيد جعفرا في السنة 287 بالأنبار،و هما قادمان من مكّة في آخر شهر محرم، أمر،فأحيط بجعفر ليلا،و دخل عليه مسرور و هو في لهوه،فأخرجه إخراجا عنيفا، يقوده،حتى أتى به المنزل الذي فيه الرشيد،و قيّده بقيد حمار،ثمّ ضرب عنقه(الطبري 295/8)،و كان قتله و هو ابن 37 سنة،بعد أن استمرّت وزارة البرامكة للرشيد 17 سنة (الطبري 300/8).
و ذكر الصولي في كتابه الأوراق،أشعار أولاد الخلفاء ص 57:أنّ عليّة،أخت الرشيد،قالت له،بعد إيقاعه بالبرامكة:ما رأيت لك يوم سرور تامّا،منذ قتلت جعفرا، فلأيّ شيء قتلته؟فقال:يا حياتي،لو علمت أنّ قميصي يعلم السبب الذي قتلت له جعفرا، لأحرقته.
و في العقد الفريد،لابن عبد ربّه 61/5:إنّ الرشيد،لما قتل جعفرا،أمر بجثّته ففصلت على ثلاثة جذوع،رأسه في جذع على الجسر،مستقبل الصراة،و بعض جسده على جذع بالجزيرة،و سائر جسده على جذع على آخر الجسر الثاني ممّا يلي باب بغداد، فلمّا دنا الرشيد من باب بغداد،استقبله وجه جعفر مستقبلا الشمس،فاربدّ وجه الرشيد، و أغضى بصره،و أمر بالنضّاحات،فنضح عليه،حتى احترق عن آخره.
ص:366
الرشيد يرضى عن فرج الرخّجي،و يعيده إلى عمالة الأهواز
ذكر ابن عبدوس في كتابه«الوزراء»،قال:
كان الرّشيد قد قلّد فرجا الرخّجيّ (1)،الأهواز،فاتّصلت السعايات به عنده، و كثرت الشكايات منه،و تظلّم الرعية،و ادعي عليه أنّه اقتطع مالا عظيما، فصرفه[بمحمّد بن أبان الأنباري] (2)و قبض عليه.
و حدث للرّشيد سفر،فأشخصه معه،فلمّا كان في بعض الطّريق دعا به، فقال مطر بن سعيد،كاتب فرج:فلمّا أمر بإحضاره،حضر و أنا معه، و لست أشكّ في الإبقاء به،و إزالة نعمته،[فوقفت بباب مضرب الرّشيد] (3)، و دخل فرج،و نحن نتوقّعه أن يخرج منكوبا،إذ خرج و عليه الخلع،فتضاعفت النعمة عندي،و سرت معه إلى منزله.
فلمّا خلا سألته عن خبره،فقال:دخلت عليه و وجهه إلى الحائط، و ظهره إلي،فلمّا[81 غ]أحسّ بي،شتمني أقبح شتم،و توعّدني أشدّ توعّد.
ص:367
ثمّ قال:يا ابن الفاعلة،رفعتك فوق قدرك،و ائتمنتك،فخنتني، و سرقت مالي،و فعلت،و صنعت،و اللّه،لأفعلنّ بك،و لأصنعنّ.
فلمّا سكت،قلت:القول ما قاله أمير المؤمنين في إنعامه،و أكثر منه، و حلفت له بأيمان البيعة و غيرها،أنّي ناصحت و ما سرقت،و وفّرت و ما خنت، و استقصيت حقوقه من غير ظلم،و لكنّي كنت إذا حضر وقت الغلاّت، جمعت التجّار و ناديت عليها،فإذا تقرّرت العطايا أنفذت البيع،و جعلت لي مع التجّار حصّة،فربّما ربحت،و ربّما وضعت (1)،إلى أن اجتمع لي من ذلك و غيره،في عدّة سنين،عشرون ألف ألف درهم (2)،[فاتّخذت أزجا كبيرا،و أودعته المال،و سددته عليه] (3)فخذها،و حوّل وجهك إلى عبدك، و كرّرت عليه الأيمان،بأيمان البيعة على صدقي.
فقال لي:بارك اللّه لك في مالك،ارجع إلى عملك.
ص:368
بين ثمامة بن أشرس و الفضل بن سهل وزير المأمون
و ذكر ابن عبدوس[أيضا في كتاب«الوزراء»] (1)،عن ثمامة بن أشرس (2)، أنّه قال:
اجتمع النّاس،و جلس لهم الفضل بن سهل (3)،على فرش مرتفعة،فقام خطيبا،فحمد اللّه و أثنى عليه،و ذكر النبيّ فصلّى عليه،ثمّ ابتدأ بالوقيعة في عبد اللّه بن مالك الخزاعي (4)،و ذكر أنّه كان يدّعي على الرّشيد-في حكاية حكاها-دخول بيت القيان،و هو كاذب في ذلك،و هو الّذي كان يفعل هذا الفعل،و يدخل المواخير و الدساكر،و لا يرفع نفسه عن ذلك،و لا يصون عرضه.
ص:369
قال ثمامة:ثمّ أقبل عليّ،فقال:و إنّ أبا معن (1)،ليعلم ذلك،و يعرف صحّة ما أقول،فتركت تشييع كلامه بالتصديق،و أطرقت[59 م]إلى الأرض،و دخلتني عصبية العربيّة لابن مالك.
[ثمّ عاد إلى تهجين عبد اللّه،و التوسّع في الدعاوى عليه] (2)،ثمّ أقبل عليّ ثانية،و قال:إنّ ثمامة ليعرف ذلك،فسكتّ،و أطرقت،و إنّما كان يريد منّي تشييع كلامه بالتصديق.
فلمّا رأى إعراضي عن مساعدته ترك الإقبال عليّ،و أخذ في خطبته، حتّى فرغ من أربه في أمر عبد اللّه بن مالك.
فلمّا تفرّق النّاس عنه،و انصرفت،علمت أنّي قد تعرّضت لموجدة الفضل، و هو الوزير،[و حالي عنده حالي] 6.
فلمّا حصلت في منزلي،جاءني بعض إخواني[ممّن كان في ناحية الفضل]، فأخبرني أنّ يحيى بن عبد اللّه (3)،و غيره،قالوا:ما ذا صنع أبو معن،يخاطبه الوزير،فيعرض عنه مرّة بعد أخرى.
فقلت:أنا[59 ظ]و اللّه،بالموجدة عليه-أعزّه اللّه-أحقّ،لأنّه قام في ذلك الجمع،و قد حضر كلّ شريف و مشروف،فلم يستشهد بي في خطبته،و ما أجراه في كلامه،إلاّ في موضع ريبة،أو ذكر نبوة (4)،و دار مقيّن و مغنّية،و ما أقدر أن أشهد إلاّ أن أكون مع القوم ثالثا.
فقالوا:صدقت-و اللّه-يا أبا معن،بئس الموضع وضعك.
فرجع كلامي إليه،فقال:صدق و اللّه ثمامة،و هو بالمعتبة أحقّ.
و اندفعت عنّي موجدته،و ما كان بي إلاّ ما داخلني من الحميّة لعبد اللّه بن مالك.
ص:370
بين الأمين و إبراهيم بن المهديّ
[أخبرني أبو الفرج الأمويّ الأصبهانيّ،قال:أخبرني محمّد بن خلف ابن المرزبان،قال:حدّثنا حمّاد بن إسحاق،عن أبيه،و وجدت في بعض الكتب بإسناد غير هذا،ليس لي بسماع،فجمعت بين الخبرين،على أتمّ اللّفظ] (1)،قال:[82 غ]
جرى بين الأمين (2)،و بين عمّه إبراهيم بن المهدي (3)،كلام،و هما على النبيذ[47 ر]،فوجد الأمين على إبراهيم،و بانت لإبراهيم الوحشة منه، فانصرف إبراهيم إلى منزله قلقا،و حجبه الأمين عنه.
و بلغ إبراهيم ذلك،فبعث إلى الأمين بألطاف،و رقعة يعتذر فيها، فردّ الأمين الهديّة،و لم يجب إبراهيم عن الرّقعة.
فوجّه إبراهيم إليه وصيفة مليحة مغنّية،كان ربّاها،و علّمها الغناء، و بعث معها عودا معمولا من العود الهندي،مكلّلا بالجوهر،و ألبسها حلّة منسوجة بالذّهب،و قال أبياتا،و غنّى فيها،و ألقى عليها الأبيات حتّى حفظتها، و أخذت الصوت،و أحكمت الصنعة فيه.
ص:371
فوقفت الجارية بين يدي الأمين،و قالت:عمّك و عبدك،يقول..
و اندفعت تغنّي:
هتكت الضمير بردّ اللّطف (1) و كشّفت هجرك لي فانكشف
فإن كنت تنكر شيئا جرى فهب للعمومة ما قد سلف
وجد لي بالصّفح عن زلّتي فبالفضل يأخذ أهل الشرف
فقال لها الأمين:أحسنت يا صبيّة،ما اسمك؟
قالت:هديّة.
قال:أ فأنت كاسمك،أم عارية؟
قالت:أنا كاسمي،و به سمّاني آنفا،لمّا أهداني إلى أمير المؤمنين.
فسرّ بها الأمين،و بعث إلى إبراهيم،فأحضره،و رضي عنه،و أمر له بخمسين ألف دينار (2).
ص:372
وال مستعطف خير من وال مستأنف
و وقف أحمد بن عروة (1)بين يدي المأمون،لمّا عزله عن الأهواز،فقال له:
أخربت البلاد،و قتلت العباد،لأفعلنّ بك و أصنعنّ.
فقال:يا أمير المؤمنين،ما تحبّ أن يفعله اللّه بك إذا وقفت بين يديه، و قد قرّعك بذنوبك؟.
قال:العفو،و الصفح.
قال:فافعل بعبدك،ما تحبّ أن يفعله اللّه بك.
قال:قد فعلت،ارجع إلى عملك،فول مستعطف (2)،خير من وال مستأنف (3).
ص:373
عبد الملك بن مروان يسقط حدّا من حدود اللّه تعالى
حكى الأصمعيّ،قال:أتي عبد الملك بن مروان،برجل قد قامت عليه البيّنة بسرقة يقطع في مثلها،فأمر بقطع يده.
فأنشأ الرّجل يقول:
يدي يا أمير المؤمنين أعيذها بعفوك من عار عليها يشينها (1)
فلا خير في الدّنيا و لا في نعيمها إذا ما شمال فارقتها يمينها
فقال:هذا حدّ من حدود اللّه تعالى،و لا بدّ من إقامته عليك.
فقالت أمّ له كبيرة السنّ:يا أمير المؤمنين،كادّي،و كاسبي،و ابني، و واحدي،فهبه لي.
فقال لها:بئس الكادّ كادّك،و بئس الكاسب كاسبك،لا بدّ من إقامة حدود اللّه عزّ و جلّ.
فقالت:يا أمير المؤمنين،اجعله من ذنوبك الّتي تستغفر اللّه منها.
فقال:خلّوه،فأطلق.
ص:375
و من العناء رياضة الهرم
و ذكر ابن عبدوس في كتاب الوزراء:أنّ عاملا للمنصور على فلسطين (1)كتب إليه:أنّ بعض أهلها وثب عليه،و استغوى[83 غ]جماعة منهم،و عاث في العمل.
فكتب إليه المنصور[60 ظ]:أن قيّده،و أنفذه إليّ،فأنفذه (2).
فلمّا مثل بين يديه،قال المنصور:أنت المتوثّب على عامل أمير المؤمنين [48 ر]،لأبرينّ لحمك من عظمك،و كان شيخا كبيرا،ضئيل الصوت، فقال:
أتروض عرسك بعد ما هرمت و من العناء رياضة الهرم
فلم يفهم المنصور ما قال،فقال:ما يقول يا ربيع؟
قال:إنّه يقول:
العبد عبدكم و المال مالكم فهل عذابك عنّي اليوم مصروف
قال:يا ربيع قد عفوت عنه،خلّوا سبيله،و أحسن إليه.
ص:376
أوّل مائة ألف أعطيها شاعر في أيّام بني العبّاس
أخبرني أبو الفرج الأصبهانيّ[قال:أخبرني حبيب بن نصر المهلّبيّ، قال:حدّثنا عبد اللّه بن أبي سعد (1)،قال:حدّثني عبد اللّه بن محمّد بن موسى، قال:حدّثني محمّد بن موسى بن حمزة] (2)،قال:أخبرني الفضل بن الرّبيع، قال:
رأيت مروان بن أبي حفصة (3)،و قد دخل على المهدي (4)،بعد وفاة معن بن زائدة (5)،في جماعة من الشعراء منهم سلم الخاسر (6)،و غيره،فأنشده مديحا فيه.
فقال له:من أنت؟
ص:377
قال:شاعرك يا أمير المؤمنين،و عبدك،مروان بن أبي حفصة.
فقال له المهدي:أ لست القائل في معن بن زائدة:
أقمنا باليمامة بعد معن مقاما لا نريد به زوالا (1)
و قلنا أين نذهب بعد معن و قد ذهب النوال فلا نوالا
فقد ذهب النوال كما زعمت،فلم جئت تطلب نوالنا؟لا شيء لك عندنا، جرّوا برجله،فجرّوا برجله حتّى أخرج.
فلمّا كان في العام المقبل،تلطّف حتّى دخل مع الشّعراء،و إنّما كانت الشعراء،تدخل على الخلفاء في كلّ عام مرّة،فمثل بين يديه،فأنشد،رابع أو خامس شاعر،قصيدته الّتي أوّلها:
طرقتك زائرة فحيّ خيالها بيضاء تخلط بالجمال دلالها
قادت فؤادك فاستقاد و مثلها قاد القلوب إلى الصبا فأمالها
قال:فأنصت المهدي يستمع منه،إلى أن بلغ منها إلى قوله:
هل تطمسون من السماء نجومها بأكفّكم أو تسترون هلالها
أو تجحدون مقالة عن ربّه جبريل بلّغها النبيّ فقالها
شهدت من الأنفال آخر آية بتراثهم فأردتهم إبطالها (2)[84 غ]
ص:378
قال:فرأيت المهدي،و قد زحف من صدر مصلاّه،حتّى صار على البساط،إعجابا منه بما سمع.
ثمّ قال:كم بيت هي؟قال:مائة بيت.
فأمر له بمائة ألف درهم،فكانت أوّل مائة ألف أعطيها شاعر في أيّام بني العبّاس (1).
و مضت الأيّام،و ولي هارون الخلافة،فرأيت مروان و قد دخل في جملة الشعراء،فأنشده قصيدة امتدحه بها.
فقال له:من أنت؟
قال:عبدك،و شاعرك[61 م]،مروان بن أبي حفصة.
فقال:أ لست القائل في معن؟و أنشده البيتين اللّذين أنشدهما المهدي.
ثمّ قال:خذوا بيده فأخرجوه،فلا شيء له عندنا،فأخرج أقبح إخراج.
فلمّا كان بعد أيّام،تلطّف حتّى دخل،فأنشده:
لعمرك ما أنسى غداة المحصّب إشارة سلمى بالبنان المخضّب
و قد صدر الحجّاج إلاّ أقلّهم مصادر شتّى موكبا بعد موكب
قال:فأعجبته القصيدة،فقال:كم هي؟
قال:سبعون بيتا،فأمر له بعدد أبياتها ألوفا.
فصار ذلك رسما له عندهم إلى أن مات (2).
ص:379
الرّشيد يرضى عن العتّابي الشّاعر
أخبرني أبو الفرج الأصبهانيّ،قال:[أخبرني الحسن بن عليّ،قال:
حدّثنا محمّد بن القاسم بن مهرويه،قال:حدّثنا عبد اللّه بن أبي سعد،قال:] (1)
غضب الرّشيد على العتّابي (2)،و حجبه (3)،فدخل سرّا مع المتظلّمين،بغير إذن (4)،فمثل بين يدي الرّشيد،فقال له:يا أمير المؤمنين،قد أدّبني النّاس لك، [و لنفسي فيك] 1،و ردّني ابتلاؤهم إلى شكرك،و ما مع ذكرك قناعة بأحد غيرك،و لعمري لنعم الصائن كنت لنفسي،لو أعانني الصبر عليك،و لذلك أقول:
ص:380
أخضني المقام الغمر إن كان غرّني سنا خلّب أو زلّت القدمان (1)
أ تتركني جدب المعيشة مقترا و كفّاك من ماء النّدى يكفان
و تجعلني سهم (2)المطامع بعد ما بللت يميني (3)بالنّدى و لساني[61 ظ]
قال:فرضي عنه،و خلع عليه،و أمر له بجائزة سنيّة،فما رأيت العتّابي أنشط منه في ذلك اليوم،و لا أفرح،[و لا أبسط لسانا منه يومئذ] (4).
قال أبو الفرج الأصبهاني:في البيتين الأوّلين غناء لمخارق (5)،ثاني ثقيل بالوسطى،[و قيل إنّ فيه للواثق ثاني ثقيل آخر]1.
ص:381
المأمون يصفح عن دعبل الخزاعي الشاعر و يصله
[قرئ على أبي بكر الصولي،سنة خمس و ثلاثين و ثلاثمائة،بالبصرة، و أنا أسمع:حدّثكم هارون بن عبد اللّه المهلّبي،سنة ثمانين و مائتين،قال:] (1)
لما هجا دعبل (2)،المأمون،قال لهم:أسمعوني ما قال،فأنشدوه هذين البيتين من أبيات،و هما:
إنّي من القوم الّذين سيوفهم قتلت أخاك و شرّفتك بمقعد[85 غ]
شادوا بذكرك بعد طول خموله و استنقذوك من الحضيض الأوهد. (3)
فقال المأمون:قبّحه اللّه،ما أبهته،متى كنت خامل الذّكر،و في حجر الخلافة ربيت،و بدرّها غذيت،خليفة،و أخو خليفة،و ابن خليفة (4).
ثمّ جدّ في طلب دعبل،حتّى ظفر به،فلم يشكّ أحد في أنّه قاتله.
فلمّا دخل عليه،قال له:يا دعبل،و استنقذوك من الحضيض الأوهد.
ص:382
فقال:يا أمير المؤمنين،قد عفوت عمّن هو أعظم منّي جرما.
فقال:صدقت،لا بأس عليك،أنشدني«مدارس آيات (1)».
فقال:أنشدها و أنا آمن؟
قال:نعم.
فأنشده إيّاها،فجعل المأمون يبكي،لمّا بلغ قوله:
بنات زياد (2)في القصور مصونة و بنت رسول اللّه في الفلوات
[ثمّ وصله و أمّنه.] (3)
ص:383
المأمون يهب عمرو بن مسعدة ستة آلاف ألف درهم،
فيهبها عمرو لأحد أتباعه
[قرئ على أبي بكر الصولي،و أنا أسمع،في كتابه«كتاب الوزراء»، حدّثكم أحمد بن إسماعيل،قال:حدّثني سعد بن يعقوب النصراني،قال:] (1):
أمر المأمون محمّد بن يزداد (2)،و أحمد بن أبي خالد (3)،أن يناظرا عمرو ابن مسعدة (4)،في مال الأهواز،فناظراه،فتحصّل عليه ستّة عشر ألف ألف درهم،فأعلما المأمون بذلك.
فقال:اقبلا منه كلّ حجّة،و كلّ تعلّق،و كلّ ادّعاء.
فقالا:قد[62 م]فعلنا.
فقال:عودا.فعادا،فتعلّق عمرو بن مسعدة بأشياء لا أصل لها،فسقط من المال عشرة آلاف ألف درهم،و بقي ستة آلاف ألف درهم[واجبة عليه] 1، لا حجّة له فيها،و أخذ خطّه بذلك.
فأحضر المأمون عمرا،بعد خروجهما،فقال له:هذه رقعتك؟
قال:نعم.
قال:و هذا المال واجب عليك؟
قال:نعم.
ص:384
قال:خذ رقعتك،فقد وهبته لك.
فقال:أما إذ تفضّل أمير المؤمنين عليّ به،فإنّه واجب على أحمد بن عروة (1)،و أشهدك أنّي قد وهبته له.
فاغتاظ المأمون،و خرج عمرو و قد عرف غيظ المأمون،و علم خطأه في عمله،فلجأ إلى أحمد بن أبي خالد (2)،فأعلمه بذلك،و كان يختصّه.
فقال:لا عليك،و دخل إلى المأمون.
فلمّا رآه المأمون،قال:أ لا تعجب يا أحمد من عمرو،وهبنا له ستّة آلاف ألف درهم،بعد أن تجاوزنا له عن أضعافها،فوهبها بين يديّ لأحمد بن عروة، كأنّه أراد أن يباريني (3)،و يصغّر معروفي؟
فقال له أحمد:أ و قد فعل ذلك يا أمير المؤمنين؟
فقال:نعم.
قال:لو لم يفعل هذا،لوجب أن يسقط حاله.
قال:و كيف؟
قال:لأنّه لو استأثر به على أحمد بن عروة،و أخذ أحمد بأداء هذا المال، لكان قد أخرجه من معروفك صفرا،و لما كانت نعمتك على عمرو،نعمة على أحمد،و هما خادماك،فكان الأجمل أن يتضاعف معروفك عندهما،فقصد عمرو ذلك،فصار المال تفضّلا منك على عمرو،[و على أحمد بن عروة، و مع ذلك،فأنت سيّد عمرو] (4)لا يعرف سيّدا[62 ظ]غيرك،و عمرو سيّد أحمد،فاقتدى في أمر أحمد بما فعلت في أمره،و أراد أيضا أن ينتشر
ص:385
في ملوك الأمم،أنّ خادما من خدمك اتّسع قلبه لهبة هذا المال،من فضل إحسانك إليه،فيزيد في جلالة الدّولة،و جلالة قيمتها،فيكسر ذلك الأعداء الّذين يكاثرونك.
فسرّي عن المأمون،و زال ما بقلبه على عمرو.[50 ر]
المأمون يصفح عن الفضل بن الربيع
[و قرئ على أبي بكر الصولي،بالبصرة[86 غ]،و أنا أسمع،في كتاب «الوزراء»،خبر فيه ذكر الفضل بن الرّبيع،و ظفر المأمون به،و عفوه عنه، و قرئ بعقبه:حدّثكم عون بن محمّد (1)،قال:حدّثنا سعيد بن هريم،قال:] (2)لما ظفر المأمون بالفضل بن الرّبيع،و مثل بين يديه،قال له:يا فضل، أ كان من حقّي عليك،و حقّ آبائي،و نعمتهم عندك،و عند أبيك،أن تثلبني، و تشتمني[49 ر]،و تحرّض على دمي؟أ تحبّ أن أفعل بك مع القدرة، ما أردته بي (3)؟.
ص:386
فقال له الفضل:يا أمير المؤمنين،إنّ عذري يحقدك إذا كان واضحا جميلا، فكيف إذا عفته العيوب،و قبّحته الذّنوب،فلا يضيق عنّي من عفوك ما وسع غيري منه،فأنت-و اللّه-يا أمير المؤمنين،كما قال الشّاعر:
صفوح عن الإجرام حتّى كأنّه من العفو لم يعرف من النّاس مجرما
و ليس يبالي أن يكون به الأذى إذا ما الأذى لم يغش بالكره مسلما
قال الصولي:و الشعر للحسن بن رجاء.
جعفر بن محمّد بن الأشعث يهدّئ من غضب الرّشيد
غضب الرّشيد على جعفر بن محمّد بن الأشعث (1)،غضبا شديدا،من كلام جرى بينهما،فخاف جعفر أن يستفزّه الغضب،فقال:يا أمير المؤمنين، إنّما تغضب للّه عزّ و جلّ،فلا تغضب له بما لا يغضب به لنفسه،فانعطف له الرّشيد.
ص:387
بين هشام بن عبد الملك و إبراهيم بن أبي عبلة
أحضر هشام بن عبد الملك،إبراهيم بن أبي عبلة،الّذي تقلّد ديوان الخاتم لمروان بن محمّد،فقال له:إنّا قد عرفناك صغيرا،و خبرناك كبيرا، و أريد أن أخلطك بحاشيتي،و قد ولّيتك خراج مصر،فاخرج إليها.
فأبى إبراهيم عليه،و قال له:ليس الخراج من عملي،و لا لي به معرفة (1).
فغضب هشام عليه غضبا شديدا،حتّى خاف إبراهيم بادرته،فقال له:
يا أمير المؤمنين أ تأذن لي في الكلام.
فقال:قل.
قال:إنّ اللّه تعالى،قال:إنّا عرضنا الأمانة على السماوات و الأرض و الجبال فأبين أن يحملنها،و أشفقن منها،فو اللّه ما أكرهها،و لا غضب عليها (2)في إبائها،[و لقد ذمّ الإنسان لمّا قبلها] (3).
فقال له هشام:أبيت إلاّ رفقا،و أعفاه،و رضي عنه.
ص:388
صاحب ديوان الخراج يسرق توقيع الخليفة من يد الرسول
استسلف موسى بن عبد الملك (1)من بيت مال الخاصّة (2)،مالا،إلى أجل قريب،و ضمن للمتوكّل أن يردّه في الأجل.
فجاء الأجل و لم يحمل المال،فغضب المتوكّل من مدافعته،و قال لعبيد اللّه ابن يحيى بن خاقان،وقّع إليه عنّي بردّ المال اليوم،و ضيّق عليه في المطالبة، و أنفذ التوقيع مع عتّاب بن عتّاب (3)،و مره أن يطالبه،فإن أخّر أداء المال، طالبه،و ضربه بالمقارع في ديوان الخراج (4)بحضرة النّاس،و أن لا يرفع عنه المقارع،حتّى يصحّح المال.
ص:389
فبادر بعض الخدم إلى موسى،فأخبره بذلك،فجلس ينظر في وجوه يردّ منها المال.
و صار إليه عتّاب بالتوقيع مختوما،و كان يوما شديد الحرّ،و قد انتصف النهار،و موسى[63 م]في خيش (1)،في حجرة من ديوانه،و فيه مروحة (2)، يتناوبها فرّاشان (3)يروّحانه،فدخل عتّاب،و في يد موسى كتاب طويل يقرأه،
ص:390
فجلس،و أكبّ موسى على الكتاب يتشاغل به عن خطاب عتّاب،و أصاب عتّاب برد المروحة و الخيش،فنام و استثقل.
و كان عتّاب قد أخرج التوقيع حين جلس،فوضعه على دواة[87 غ]موسى، [فغمز موسى بعض غلمانه] (1)فأخذ الكتاب فغيّبه.
و ما زال عتّاب ينام مرّة و ينتبه أخرى،و موسى يعمل،إلى أن انقضت الهاجرة،و قد توجّه لموسى بعض المال،و أنفذ أصحابه لقبضه.
فقال له عتّاب:انظر فيما جئنا له.
قال:قل أصلحك اللّه فيم جئت؟
قال:فيما تضمّن التوقيع.
قال:و أيّ توقيع؟
قال:الّذي أوصلته إليك من أمير المؤمنين.
قال:متى؟
قال:السّاعة وضعته على الدواة.
فقال له:قد نمت نومات،و أظنّ أنّك رأيت في نومك شيئا.
فطلب عتّاب التوقيع،فلم يجده،فقال:سرق و اللّه التوقيع،يا أصحاب الأخبار (2)،اكتبوا.
فقال موسى:يا أصحاب الأخبار،اكتبوا،كذب فيما ادّعاه،ما أوصل إليّ توقيعا،و أنتم حاضرون،فهل رأيتموه أوصل إليّ توقيعا؟قم فانظر لعلّك يا أبا محمّد ضيّعت التوقيع في طريقك.
فانصرف عتّاب إلى عبيد اللّه (3)فأخبره بذلك.
ص:391
فدخل عبيد اللّه إلى المتوكّل،فحدّثه،فضحك،و قال:أحضروا موسى السّاعة،فحضر.
فقال له المتوكّل:يا موسى،سرقت التوقيع من عتّاب؟
قال:إي و اللّه يا سيّدي خمّنت أنّ فيه مكروها،و نام عتّاب من قبل أن يوصله[63 ظ]إليّ،فأمرت من سرقه،و قد أعددت نصف المال،و الساعة أحمله إلى صاحب بيت مال[الخاصّة]8،و أحمل الباقي بعد خمسة أيّام، و أتبع ذلك بتضرّع (1).
فأنفذ المتوكّل معه من قبض منه ذلك،و انصرف و قد رضي عنه.
ص:392
صاحب الشرطة لا يصلح أن يكون نديما للخليفة
دعا الواثق[إسحاق بن]إبراهيم المصعبيّ (1)إلى منادمته،فامتنع،فتلاحيا في ذلك،إلى أن تغيّر الواثق على[إسحاق بن]إبراهيم،فأمر بحجبه عنه.
فكتب إليه إسحاق:يا أمير المؤمنين،لو أطلقتني الحشمة الّتي عقد بها لساني عن الانبساط لتغيّره عليّ،لقلت:ما لي فيما عقده عليّ قلب أمير المؤمنين ذنب،إذ كان يوقّيني من امتهان العامّة إيّاي.
فرمى الواثق كتابه إلى ابن أبي دؤاد (2).
فقال له ابن أبي دؤاد:يا أمير المؤمنين،ما على من كانت هذه همّته فيما يردّ على أمير المؤمنين عيب،و هو يجد من إسحاق عوضا في المنادمة،و لا يجد منه عوضا في شرطته.
فرضي عنه الواثق،و أعفاه من المنادمة (3)،و منع من حجبه،و أجراه على رسمه،و عاد إلى ما كان عليه.
ص:393
الرّشيد يرضى عن نصر بن مالك
لمّا عزل الرّشيد نصر بن مالك،بسعي البرامكة،أمره أن يلزم بيته،و لا يخرج منه،فكتب إلى الرّشيد:قد قبضني سوء رأي أمير المؤمنين فيّ،عن الاعتذار بحجّة،أو نشر دلالة تنبئ بخلاف ما قرفت به عنده،فما أهتدي إلى وجه طلب الاعتذار،و ما يجرّئني على الإبانة عمّا لا أعلمه إلاّ حسن رأيه أعزّه اللّه، و اطّلاعه على قلقي بضميره،فإنّي عبد نعمته،و غذيّ إحسانه،إن أسبغا عليّ، و فى شكري لهما،و إن أزيلا عنّي،اعتضت منهما الرجوع إلى الحرمة (1)،و لزوم فائدة يتطوّل بها عليّ،من تطوّل على أمير المؤمنين بردّ ميراثه (2)من الخلافة عليه.
فوقّع الرّشيد على ظهر رقعته:«نصر بن مالك،أولى من ردّت عليه النعمة، إذ كان معترفا بسمتها،و بالغا بالشكر حقّ قيمتها،فما شكرني أحد من أوليائي كشكره،فليهنه ما أوليناه من رأينا،و منحناه من برّنا».و أظهر الرضا عنه، و ولاّه ولاية أخرجه إليها (3).
ص:394
بين الحجّاج و يوسف بن عبد اللّه بن عثمان
ذكر أبو الحسن المدائنيّ في كتابه،عن ابن أبي عقبة،عن أبيه،قال:
لما أمّن الحجاج (1)النّاس،أتاه يوسف بن عبد اللّه بن عثمان (2)،و كان عبد الملك ابن مروان قد كتب له أمانا.
فقال له الحجّاج:ثكلتك أمّك.
قال:و أبي مع أمّي.
قال:أين ألقتك الأرض بعدي؟[88 غ]
قال:ما قمت مقاما،منذ لم ترني،أوسع من مقام قمته السّاعة،إنّ اللّه استعملك علينا،فأبينا،فأبى علينا،فعفا عنه.
فقال الفرزدق في ذلك:
و لو لم ينل حبل الخليفة يوسفا لمجّ نجيعا من دم الجوف أحمرا[64 م]
ص:395
بين زياد و أحد قعدة الخوارج
و ذكر المدائنيّ في كتابه،قال:أرسل زياد إلى رجل من قعدة الخوارج (1)، من بني تميم (2)،فاستدعاه،فأتاه خائفا.
فقال له زياد:ما منعك من إتياني؟
فقال له:قدمت علينا،فقلت:لا أعدكم خيرا و لا شرّا إلاّ وفيت به و أنجزته،و قلت:من كفّ يده و لسانه لم أعرض له،فكففت يدي و لساني، و جلست في بيتي،فأمر له بصلة،فخرج و النّاس لا يشكّون في أنّه يقتله.
فقالوا له:ما قال لك الأمير؟
فقال:ما كلّكم أستطيع أن أخبره بما كان بيننا،و لكنّي وصلت إلى رجل لا يملك لنفسه ضرّا و لا نفعا،فرزق اللّه منه خيرا.
ص:396
الحجّاج يحبس رجلا لأنّه شكا إليه أخاه محمّدا عامل اليمن
و ذكر المدائنيّ في كتابه،قال:قدم رجل من أهل اليمن،على الحجّاج، يشكو أخاه،محمّد بن يوسف (1)،فصادف الحجّاج على المنبر،فقام إليه، فشكا أخاه محمّدا،فأمر به الحجّاج،فحبس.
فلمّا نزل عن المنبر،استدعاه و هو متغيّظ عليه،فقال له:ما جرّأك على أن ترفع على أخي؟
فقال له:أنا باللّه،أعزّ من أخيك بك.
فقال الحجّاج:خلّوا سبيله.
ص:397
الحجّاج يأمر بتعذيب آزاد مرد
[و ذكر المدائنيّ في كتابه،عن أبي المضرحي،و قد وجدته أنا،في غير موضع،عن المدائني،بما يقرب من هذه العبارة:أخبرني محمّد بن الحسن ابن المظفّر،قال:أخبرني الحرمي،عن الزّبير،قال:] (1)
أمر الحجّاج محمّد بن المنتشر بن الأجدع الهمداني،ابن أخي مسروق (2)، أن[64 ظ]يعذّب آزاد مرد بن الفرند،فأخذه محمّد.
فقال له آزاد مرد:[أرى لك يا محمّد،شرفا،و دينا] 1،و إنّا من أهل بيت لا نعطي على الذلّ شيئا،فارفق بي،و استأن فيّ.
فقال:أفعل.
فرفّهه محمّد،و أكرمه،فكان يؤدّي إليه،في كلّ جمعة (3)،ثلاثمائة ألف درهم.
فغضب الحجّاج،و أمر معدّ،صاحب العذاب،أن يأخذه من محمّد، فأخذه معدّ من محمّد،فعذّبه،و دقّ يديه و رجليه (4)،فلم يعطه شيئا.
فقال محمّد:فإنّي لأسير،بعد ثلاثة أيّام،إذا به معترضا على بغل، مدقوق اليد و الرّجل.
ص:398
فصاح بي:يا محمّد.
فكرهت[51 ر]أن آتيه،فيبلغ الحجّاج،فأقع معه في مكروه،ثمّ تذمّمت أن لا أدنو منه،فدنوت.
فقلت:حاجتك؟
فقال:إنّك وليت منّي مثل هذا،فأحسنت،و لي عند فلان مائة ألف درهم، فخذها منه برسالتي إليه.
فقلت:و اللّه،لا أخذت منك شيئا،و أنت على هذه الحال.
فقال:أمّا إذ أبيت،فاستمع منّي،أحدّثك حديثا سمعته من أهل دينك، عن نبيّك،سمعتهم يقولون،إنّه قال:إذا أراد اللّه تعالى بالعباد خيرا،أمطرهم المطر في أوانه،و استعمل عليهم خيارهم،و جعل المال في سمحائهم،و إذا أراد بهم شرّا،[أمطرهم المطر في غير أوانه] (1)و استعمل عليهم شرارهم، و موّل بخلاءهم،ثمّ مضى.
و أتيت منزلي،فما وضعت ثيابي حتّى أتاني رسول الحجّاج،و قد بلغه ما جرى.
فخفته خوفا شديدا،[و وقعت في أمر عظيم] (2)،فأتيته و قد اخترط سيفه، و هو في حجره منتضى.فقال لي:ادن.
فقلت:ما بي دنوّ،و في حجر الأمير السيف.
فضحك،و قال:ما قال[89 غ]لك الخبيث؟
فقلت له:و اللّه ما غششتك منذ استنصحتني،و لا خنتك منذ ائتمنتني، و لا كذبتك مذ صدّقتني،و أخبرته بما قال.
فلمّا أردت ذكر الرّجل الّذي عنده المال،صرف وجهه عنّي،و قال:
لا تسمّه،لقد سمع عدوّ اللّه الأحاديث،انصرف راشدا.
فانصرفت آمنا،و قد زال خوفي.
ص:399
كان الحجّاج بن يوسف الثقفي،قد جمع خلالا قبيحة،ظاهرة،و باطنة،من دمامة الصورة،و قبح المنظر،و قساوة القلب،و شراسة الأخلاق،و غلظ الطبع،و قلّة الدين،و الإقدام على انتهاك حرمة اللّه تعالى،حتّى حاصر مكّة،و هدم الكعبة،و رماها بالمنجنيق،و النفط،و النار،و أباح الحرم،و سفك،و هتك،و قتل في مدّة ولايته ألف ألف و ستمائة ألف مسلم،و مات في حبوسه ثمانية عشر ألف إنسان،و كان لا يرجو عفو اللّه، و لا يتوقّع خيره،و كأنّه قد ضرب بينه و بين الرحمة و الرأفة،بسور من فظاظة،و غلاظة، و قسوة(العقد الفريد للملك السعيد 118).
و قد أوردنا في ترجمة الحجّاج،في حاشية القصّة 67،العاهات الّتي ابتلي بها،فأدّت به إلى الساديّة،و لذلك،فقد كان يتفنّن في ابتكار أنواع العذاب،و يتلذّذ بمشاهدة ضحاياه عند تعذيبهم،و كان يعذّب بعضهم و يقتلهم بيده.
فقد جيء له بابن القريّة،فأمر به،فأمسكه رجال أربعة،حتى لا يستطيع حراكا، ثمّ وضع الحجّاج حربة في ثندؤته،و دفعها،حتى خالطت جوفه،ثم خضخضها، و أخرجها،فأتبعها دم أسود،فقال الحجّاج:هكذا تشخب أوداج الإبل،و فحص ابن القريّة برجله،و شخص ببصره،و جعل الحجّاج ينظر إليه،حتى قضى(الأخبار الطوال 222،223).
و أمر بأحد أسراه،فشدّ عليه القصب الفارسيّ،ثم سلّ عنه،حتى شرّح بدنه،ثم نضح بالخلّ و الملح،حتى مات(الكامل للمبرد 207/2).
و جيء إليه بمحمّد بن سعد بن أبي وقاص أسيرا،فظلّ يضرب رأسه بعصا كانت في يده،حتى أدماه،ثم أطمعه في أن يطلقه،و أطرق مليا،كأنّه يفكّر،ثم قال لرجل من أهل الشام:اضرب لي مفرق رأسه،فضربه،فمال نصفه هاهنا،و نصفه هاهنا (الطبري 379/6 و الإمامة و السياسة 41/2 و 42).
و حبس إبراهيم بن يزيد التيمي الزاهد،و منع عنه الطعام،ثم أرسل عليه الكلاب تنهشه،حتى مات(اللباب 190/1)،و لمّا مات،رمى بجثته في الخندق،و لم يجرأ أحد أن يدفنه،حتى مزّقته الكلاب(البصائر و الذخائر م 3 ق 1 ص 304).
و في معركة الزاوية،إحدى المعارك مع ابن الأشعث،قتل الحجاج أحد عشر ألفا،
ص:400
بالخديعة و المكر،فقد أمر مناديه:فصاح:لا أمان لفلان بن فلان،و سمّى رجالا، فقال العامّة:قد آمن الناس،و حضروا،فأمر بهم فقتلوا(ابن الأثير 469/4).
و لمّا دخل البصرة،دخل الجامع،و جلس على المنبر،و أمر لجنده بأخذ الأبواب و قال لهم:إذا رأيتموني وضعت عمامتي عن رأسي،فضعوا سيوفكم،ثمّ بدأ خطبته، فحصبه الناس،فخلع عمامته،و وضعها على ركبتيه،فجعلت السيوف،تبري الرقاب و سالت الدماء إلى أبواب المسجد،و إلى السكك(الإمامة و السياسة 25/2 و 26).
و كان صغيرا في تصرّفاته،حبس مالك بن أسماء بن خارجة،و ضيّق عليه كلّ أحواله، حتى كان يشاب له الماء الذي كان يشربه،بالرماد و الملح،و أحضره عنده يوما،فبينما هو يحدّثه،استسقى ماء،فأتي به،فلما نظر إليه الحجّاج،قال:لا،هات ماء السجن، فأتي به،و قد خلط بالملح و الرماد،فسقيه(الأغاني 231/17).
و قبض على يزيد بن المهلّب و عذّبه،فكان يزيد يصبر على العذاب،فقيل له:إنّه رمي بنشّابة،فثبت أصلها في ساقه،فلا يمسّها شيء إلاّ صاح،فأمر أن يعذّب بذلك، و أن يدهق ساقه،فلمّا فعل به ذلك،صاح،و سمعته أخته هند،و كانت عند الحجّاج، فصاحت،فطلّقها الحجاج(وفيات الأعيان 291/6).
و بقدر ما كان الحجّاج،قاسيا،متغطرسا على الناس،كان ذليلا أمام عبد الملك بن مروان،كتب إليه مرّة:إنّ خليفة اللّه في أرضه،أكرم من رسوله إليهم.
و بلغه أنّ عبد الملك،عطس يوما،فشمّته أصحابه،فردّ عليهم،و دعا لهم،فكتب إليه:بلغني ما كان من عطاس أمير المؤمنين،و من تشميت أصحابه له،و ردّه عليهم، فيا ليتني كنت معهم،فأفوز فوزا عظيما(العقد الفريد 53/5)،راجع ترجمة الحجّاج في حاشية القصّة 67،و بحثا عن سياسته المالية المخرّبة في حاشية القصّة 182.
ص:401
المأمون يرضى عن إسحاق بن إبراهيم الموصلي
[حدّثني أبو الفرج الأصبهاني،قال:أخبرني محمّد بن مزيد بن أبي الأزهر،و الحسين بن يحيى (1)،عن حمّاد بن إسحاق الموصلي،عن أبيه، قال أبو الفرج،و أخبرني يحيى بن عليّ بن يحيى المنجم،عن أبيه،عن إسحاق، قال:] (2)
أقام المأمون بعد دخوله بغداد عشرين شهرا،و لم يسمع حرفا من الأغاني، ثمّ كان أوّل من تغنّى بحضرته أبو عيسى بن الرّشيد (3)أوّل مرّة،ثمّ واظب على السماع متستّرا،متشبّها بالرّشيد في أوّل أمره،فأقام المأمون كذلك أربع سنين، ثم ظهر للندماء و المغنّين (4).
قال إسحاق بن إبراهيم الموصلي:و كان حين أحبّ السّماع،سأل عنّي، فجرحت بحضرته،و قال الطاعن عليّ:ما يقول أمير المؤمنين في رجل يتيه على الخلفاء،ما بقّى هذا من التيه شيئا إلاّ استعمله.
فأمسك عن ذكري،و جفاني من كان يصلني[65 م]لسوء رأيه فيّ، فأضرّ ذلك بي،حتّى جاءني علويه (5)يوما،فقال لي:أ تأذن لي في ذكرك
ص:402
بحضرة المأمون،فإنّا قد دعينا اليوم.
فقلت:لا،و لكن غنّه بهذا الشعر،فإنّه يبعثه على أن يسألك لمن هو؟
فإذا سألك انفتح لك ما تريده،و كان الجواب أسهل عليك من الابتداء.
قال:هات،فألقيت عليه لحني في شعري:
يا سرحة الماء قد سدّت موارده أما إليك طريق غير مسدود
لحائم حام حتّى لا حيام به مشرّد (1)عن طريق الماء مطرود
قال أبو الفرج الأصبهاني:و الغناء فيه لإسحاق الموصلي،رمل بالوسطى، عنه،و عن عمرو بن بانة.
رجع الحديث،قال:فمضى علويه،فلمّا استقرّ به المجلس،غنّاه بالشعر، الّذي أمره به إسحاق.
فقال المأمون:ويلك يا علويه،لمن هذا الشعر؟.
فقال:يا سيّدي لعبد من عبيدك،جفوته،و اطّرحته،من غير ذنب.
فقال:إسحاق تعني؟
قال:نعم.
فقال:يحضر الساعة.
قال إسحاق:فجاءني رسول المأمون،فصرت إليه،فلمّا دخلت إليه استدناني،فدنوت منه[65 ظ]،فرفع يديه إليّ مادّهما،فانكببت عليه، فاحتضنني بيديه،و أظهر من برّي و إكرامي،ما لو أظهره صديق مؤانس لصديق،لسرّ به.
ص:403
و قد ذكر القاضي أبو الحسين هذا الخبر،في كتابه بغير إسناد،و بأقلّ من هذا الشرح،و المعنى متقارب (1).
ص:404
5 مقدّمة المحقّق
29 ترجمة المؤلّف
51 مقدمة المؤلّف
ما أنبأ اللّه تعالى به في القرآن،من ذكر الفرج،بعد البؤس و الامتحان
59 1 إنّ مع العسر يسرا
65 2 قصّة آدم عليه السلام
66 3 قصّة نوح عليه السلام
67 4 قصّة إبراهيم عليه السلام
69 5 قصّة لوط عليه السلام
70 6 قصّة يعقوب و يوسف عليهما السلام
71 7 قصّة أيّوب عليه السلام
73 8 قصّة يونس عليه السلام
75 9 قصّة موسى بن عمران عليه السلام
78 10 قصّة أصحاب الأخدود
79 11 قصّة دانيال عليه السلام
82 12 الشّدائد الّتي جرت على نبيّنا محمّد صلوات اللّه و سلامه عليه
ص:405
86 13 أخبار جاءت في آيات من القرآن،و هي تجري في هذا الباب و تنضاف اليه
94 14 أبو الحسن بن أبي اللّيث الكاتب يطلق من حبسه على أثر دعاء دعا به
97 15 اللّهم اجعل لي من أمري فرجا و مخرجا
99 16 و من يتوكّل على اللّه فهو حسبه
102 17 المعلّى بن أيّوب الكاتب يتخلّص من الفضل بن مروان بدعاء دعا به
106 18 أ لم تر كيف فعل ربك بأصحاب الفيل
107 19 إذا ضاق بك الصدر ففكّر في أ لم نشرح
ما جاء في الآثار،من ذكر الفرج بعد اللأواء،و ما يتوصّل به إلى كشف نازل الشدّة و البلاء.
109 20 أفضل العبادة انتظار الفرج من اللّه تعالى
113 21 اشتدّي أزمة تنفرجي
115 22 النصر مع الصبر و الفرج مع الكرب
117 23 المعونة على قدر المئونة
118 24 من كان في حاجة أخيه كان اللّه في حاجته
120 25 إنّ اللّه في عون العبد ما كان العبد في عون أخيه
123 26 من أكثر الاستغفار جعل اللّه له من كلّ همّ فرجا
125 27 قصّة الثلاثة انطبقت عليهم صخرة و نجّتهم أعمالهم
129 28 لا إله إلاّ أنت سبحانك إنّي كنت من الظالمين
ص:406
130 29 دعاء للمريض
131 30 كلمات الفرج
132 31 دعوات المكروب
141 32 دعاء الفرج
142 33 دعاء آخر للفرج
143 34 استغفروا ربّكم إنّه كان غفّارا
145 35 لا أبالي على أيّة حالة أصبحت
147 36 دعاء داود عليه السّلام
147 37 ما أقرب النعيم من البؤس
148 38 عبيدك بفنائك
149 39 ذبح عجلا بين أيدي أمّه فخبل
150 40 الغمرات ثمّ ينجلين
151 41 طول الغمّة يطمع في انقضائها
152 42 رقعة أبي الفرج الببغاء إلى القاضي التنّوخي مؤلّف الكتاب يتوجّع له في محنته
154 43 حسن الظنّ باللّه أقرب إلى الفرج
154 44 الصبر على قدر البلاء
155 45 قد ينجلي المكروه عمّا يسّر
156 46 لما ذا أصبح الاستغفار سنّة في الاستسقاء
157 47 أقوال الحكماء في الصبر
158 48 شريح القاضي يحمّد اللّه على المصيبة أربع مرّات
159 49 من ساعة إلى ساعة فرج
ص:407
161 50 يأتي اللّه بالفرج عند انقطاع الأمل و استبهام الحيل
163 51 حسن الظنّ باللّه لا يخيب
164 52 يدرك الصبور أحمد الأمور
165 53 ربّ حياة سببها طلب الموت و موت سببه طلب الحياة
167 54 أقوال في تهوين المصائب
168 55 كلمات في الصبر على المحنة
169 56 إنّما يبتلي الصالحون
171 57 النعمة و العافية تبطران الإنسان
171 58 كلمات في الشكر على العافية و الصبر على الشدّة
173 59 لو كان العسر في كوّة لجاء يسران فأخرجاه
177 60 كلمات في انفراج المحن
178 61 الوزير المهلّبي يجيئه الغياث من اللّه تعالى
179 62 عند تناهي الشدّة تكون الفرجة
180 63 المنصور العبّاسي يحول بين الإمام الصادق و بين الحجّ
من بشّر بفرج من نطق فال،و نجا من محنة بقول أو دعاء أو ابتهال.
181 64 أعرابيّة ذهب البرد بزرعها فعوّضت خيرا
182 65 المعتضد يتخلّص من سجنه و يبطش بالوزير اسماعيل ابن بلبل
186 66 قال الواثق:لا أترك الفرج يموت في حبسي
189 67 بين الحسن البصريّ و الحجّاج بن يوسف الثقفي
ص:408
194 68 دعاء دعا به الحسن بن الحسن ففرّج اللّه عنه
197 69 دعاء ينجي من المحنة
198 70 أجار حيّة فأرادت قتله فخلّصه جميل صنعه
202 71 أهدر عبد الملك دمه فدعا فأمنّه و أحسن اليه
205 72 يا كاشف الضرّ بك استغاث من اضطرّ
206 73 سليمان بن وهب يتخلّص من الحبس و العذاب بدعاء صادف استجابة
222 74 دعوة مستجابة
223 75 دعاء لشفاء العلل
224 76 غلام نازوك و كتاب العطف
230 77 جور أبي عبد اللّه الكوفيّ
232 78 من طريف ما اتّفق لابن مقلة في نكبته الّتي أدّته إلى الوزارة
237 79 أبو أيّوب يرفع شكواه إلى اللّه تعالى برقعة يعلّقها في المحراب
239 80 أبو نصر الواسطي يتظلّم إلى الإمام موسى الكاظم برقعة علّقها على قبره
243 81 أحمد بن أبي خالد يبلغه أنّ جارية له توطئ فراشه غيره
247 82 سبب خروج أحمد بن محمّد بن المدبّر إلى الشام
251 83 بين الحسن بن علي عليهما السلام و معاوية بن أبي سفيان
253 84 لا إله إلاّ اللّه الحليم الكريم
254 85 دعاء يعقوب الذي نال به الفرج
ص:409
258 86 دعاء الفرج الذي دعا به يوسف
260 87 إبراهيم التيميّ الزاهد في حبس الحجّاج بن يوسف الثقفي
261 88 أبو سعد البقّال في حبس الحجّاج بن يوسف الثقفي
263 89 سبحان اللّه و بحمده
264 90 يا عزيز يا حميد يا ذا العرش المجيد
265 91 دعاء النبي صلوات اللّه و سلامه عليه في كل همّ
266 92 الدعاء الذي خلّص عمرو السرايا من العلج
268 93 تخلّص من القتل بدعاء دعا به
270 94 هارون الرشيد يأمر بقتل فتى علويّ فينجيه اللّه تعالى
272 95 يا سامع كلّ صوت و يا بارئ النفوس بعد الموت
273 96 لا حول و لا قوّة إلاّ باللّه
275 97 الذي كفاك بالأمس يكفيك غدك
276 98 لا تيأسنّ كأن قد فرّج اللّه
276 99 كن للمكاره بالعزاء مقطّعا
277 100 الوزير محمّد بن القاسم يلاقي عاقبة ظلمه
281 101 طاهر بن الحسين يحمل الدراهم في كمّه و يفرّقها على الفقراء
282 102 الهادي يتهدّد يحيى البرمكي و يتوعّده بكلّ عظيمة
284 103 موسى بن عبد الملك صاحب ديوان الخراج يموت و هو على صهوة جواده
286 104 يا ذا العرش اصنع كيف شئت فإنّ أرزاقنا عليك
287 105 يزيد بن أبي مسلم كاتب الحجّاج و خليفته في الظلم و البغي
ص:410
293 106 عواقب مكروه الأمور خيار
295 107 لا تيأس فإنّ اليأس كفر
297 108 عبيد اللّه بن زياد يشتم رجلا من القرّاء و يتهدّده
299 109 عليّ بن يزيد كاتب العبّاس بن المأمون يتحدّث عن أيّام فاقته
304 110 و يوم الوشاح من تعاجيب ربّنا
307 111 بين يحيى البرمكي و الفضل بن الربيع
310 112 دعاء للشفاء من العلل
من استعطف غضب السلطان بصادق لفظ،أو استوقف مكروهه بموقظ بيان أو وعظ.
311 113 بين المأمون و عمرو بن مسعدة
313 114 المنصور العبّاسي يحشر العلويّين جميعا إلى الكوفة و يتهدّدهم
316 115 بين الامام جعفر الصادق و المنصور العبّاسي
321 116 بين موسى الهادي و أحد كتّابه
322 117 ابن مقلة ينفذ من سجنه رقعة إلى الوزير ابن الفرات
327 118 كيف تخلّص طريح بن إسماعيل الثقفي من المنصور
328 119 المأمون يعقو عن الحسين بن الضحّاك و يمتنع عن استخدامه
331 120 بين المعتصم و الحسين بن الضحّاك
333 121 الشعبي يروي قصّة دخوله على الحجّاج
ص:411
122 من قصص ملوك الفرس
335 ا-بين كسرى أبرويز و مغنّيه الفلهند
336 ب-الفلهند يحرم الملك أبرويز من شطر لذّته
337 ج-صاحب المائدة يصبّ ما في الغضارة على رأس الملك
338 123 الغلط الذي لا يتلافى
339 124 الأمير عبد اللّه بن طاهر يعفو عن الحصنيّ و يحسن إليه
355 125 الباب الذي بين اللّه و الناس لا يغلق
356 126 بين الوليد بن يزيد و طريح بن اسماعيل الثقفي
361 127 بين الجاحظ و أحمد بن أبي دؤاد
362 128 الرشيد يمضي ما تعهّد به جعفر البرمكي في مجلس أنس
367 129 الرشيد يرضى عن فرج الرخّجي و يعيده إلى عمالة الأهواز
369 130 بين ثمامة بن أشرس و الفضل بن سهل وزير المأمون
371 131 بين الأمين و ابراهيم بن المهدي
373 132 وال مستعطف خير من وال مستأنف
374 133 و اللّه يحبّ المحسنين
375 134 عبد الملك بن مروان يسقط حدّا من حدود اللّه تعالى
376 135 و من العناء رياضة الهرم
377 136 أوّل مائة ألف أعطيها شاعر في أيّام بني العبّاس
380 137 الرشيد يرضى عن العتّابيّ الشاعر
382 138 المأمون يصفح عن دعبل الخزاعي الشاعر و يصله
384 139 المأمون يهب عمرو بن مسعدة ستّة آلاف ألف درهم
ص:412
386 140 المأمون يصفح عن الفضل بن الربيع
387 141 جعفر بن محمّد بن الأشعث يهدّئ من غضب الرشيد
388 142 بين هشام بن عبد الملك و إبراهيم بن أبي عبلة
389 143 صاحب ديوان الخراج يسرق توقيع الخليفة من بين يدي الرسول
393 144 صاحب الشرطة لا يصلح أن يكون نديما للخليفة
394 145 الرشيد يرضى عن نصر بن مالك
395 146 بين الحجّاج و يوسف بن عبد اللّه بن عثمان
396 147 بين زياد و أحد قعدة الخوارج
397 148 الحجّاج يحبس رجلا لأنّه شكا إليه أخاه محمّدا عامل اليمن
398 149 الحجّاج يأمر بتعذيب آزادمرد
402 150 المأمون يرضى عن اسحاق بن إبراهيم الموصلي
ص:413
الأرقام المثبتة في العمود الأيمن:للصفحات،و الأرقام التالية لها:للقصص.
أوردت في مقدّمة الكتاب(ص 12)أنّ من جملة مراجع التنوخي المؤلّف كتاب سمّاه التنوخي«شجا»ذكر إنّه من تأليف إسحاق بن إبراهيم الموصلي،و ذكرت في الحاشية،أنّني لم أجد فيما لديّ من المراجع ذكرا لهذا الكتاب،ثم وجدت من بعد ذلك،أنّ«شجا»اسم الجارية التي أهداها إسحاق بن إبراهيم الموصلي للخليفة الواثق،و عمل لها المصنّف في الغناء،الذي بين أيدي الناس،راجع الأغاني 279/19 و 311/16.
ص:414