بسم الله الرحمن الرحیم

هویة الکتاب:

الکتاب: تفسیر أهل البیت علیهم السلام _ المجلد 5

المؤلف : المفسر والمحقق آیة الله الدکتور نجاح الطائی

الطبعة الاولی 2017 م _ 1438 هج ق _1396 هج ش

مؤسسة دار الهدی لاحیاء التراث الاسلامی العالمیة _ بیروت_ حارة حریک

ISBN: 4_004 _ 343 _ 600 _ 978

ISBN : 2_008 _ 343 _ 600 _ 978 موسوعة تفسیر أهل البیت

مجلد 1_25

Fipa : 3651738

عدد المطبوع : 1000 نسخة

Najahtaee@yahoo.com

WWW.AL_TAEI.COM

ص: 2

{فَهَلْ وَجَدْتُمْ مَا وَعَدَ رَبُّکُمْ حَقّاً }بوعده الحق فی ادخال المشرکین المجرمین النار .{قَالُوا} المشرکون: {نَعَمْ فَأذَّنَ مُؤَذِّنٌ بَیْنَهُمْ أنْ لَعْنَةُ اللّهِ عَلَی الظَّالِمِینَ44 } قال: المؤذن أمیر المؤمنین ((1)) .

الحسکانی الحنفی: روی الحافظ الحاکم الحسکانی الحنفی, قال: أخبرنا أبو عبدالله الشیرازی, بإسناده المذکور, عن محمد بن الحنفیة, عن علی علیه السلام قال: أنا ذلک المؤذّن ((2)) .

وقال علی علیه السلام :

أنا أذان الله تعالی فی الدنیا ((3)) .

وروی هو أیضاً عن فرات بن إبراهیم الکوفی, بإسناده المذکور, عن ابن عباس, قال: إنّ لعلی بن أبی طالب علیه السلام فی کتاب الله أسماء لا یعرفها الناس. قوله تعالی: (فَأذَّنَ مُؤَذِّنٌ بَیْنَهُمْ ) . فهو المؤذّن بینهم یقول:

ألا لعنة الله علی الذین کذّبوا بولایتی, واستخفوا بحقّی((4)) .

ص: 4

القندوزی الحنفی: وممّن أخرج حدیث محمد بن الحنفیة فقیه الأحناف الحافظ سلیمان القندوزی فی ینابیعه, وأخرجه عن غیره أیضاً بمعناه((1)) .

وممّن أخرجه أیضاً العلاّمة الکشفی المیر محمد صالح الترمذی الحنفی فی مناقبه((2)) .

النداءات السماویة المسموعة:

أول من یدعی بنداء یسمع الخلائق أجمعین أن یهتف باسم محمد بن عبد الله صلی الله علیه و آله و سلم النبی القرشی العربی قال فیتقدم حتی یقف علی یمین العرش((3))

ینادی مناد من تحت العرش یسمع الخلائق: غضوا أبصارکم حتی تجوز فاطمة الصدیقة ابنة محمد صلی الله علیه و آله و سلم ومن معها . فلا ینظر إلیک یومئذ إلا إبراهیم خلیل الرحمان [ صلوات الله وسلامه علیه ] وعلی بن أبی طالب علیه السلام ((4)) .

وظعن أبان بن تغلب عن أبی عبد الله الصادق علیه السلام : ان أول من یبایع القائم جبرئیل علیه السلام ینزل علیه فی صورة طیر أبیض فیبایعه ، ثم یضع رجلا علی

ص: 5

البیت الحرام ورجلا علی البیت المقدس ، ثم ینادی بصوت رفیع یسمع الخلائق: { أتَی أمْرُ اللّهِ فَلا تَسْتَعْجِلُوهُ } ((1)) .

فی الکافی ، والقمی: عن الکاظم ، والعیاشی: عن الرضا علیهما السلام المؤذن: أمیر المؤمنین وزاد القمی یؤذن أذانا یسمع الخلائق .وفی المجمع ، والمعانی: عن أمیر المؤمنین علیه السلام أنا ذلک المؤذن ((2)) .

عن ابن عباس قال: إن لعلی بن أبی طالب علیه السلام فی کتاب الله أسماء لا یعرفها الناس . قال: قلنا: وما هی ؟ قال : سماه الله فی القرآن مؤذنا وأذانا ، فأما قوله [ تعالی ] ( فأذن مؤذن بینهم أن لعنة الله علی الظالمین ) فهو المؤذن بینهم یقول: ألا لعنة الله علی [ الظالمین ] الذین کذبوا بولایتی واستخفوا بحقی ((3)) .

وفی معرکة أحد قال جبرئیل ( علیه السلام ): یا رسول الله إن هذه للمواساة , فقال رسول الله: " إنه منی وأنا منه ((4)): قال جبرائیل: أنا منکما, قال: فسمعوا صوتا:

ص: 6

لا سیف إلا ذو الفقار _ ولا فتی إلا علی " ((1)) .

ص: 7

وجاء: حدثنی محمد بن عمیر قال کان المتوکل قد اعتل علة شدیدة فنذر ان عافاه الله ان یتصدق بدنانیر کثیرة أو قال بدراهم کثیرة فعوفی ، فجمع العلماء فسألهم عن ذلک فاختلفوا علیه ، قال أحدهم عشرة آلاف وقال

ص: 8

بعضهم مائة الف فلما اختلفوا قال له عبادة ابعث إلی ابن عمک علی بن محمد بن علی الرضا علیهم السلام فاسأله فبعث إلیه فسأله فقال الکثیر ثمانون ، فقالوا له رد إلیه الرسول فقل من أین قلت ذلک ؟

فقال من قوله تعالی لرسوله " لقد نصرکم الله فی مواطن کثیرة " وکانت المواطن ثمانین موطنا ((1)) .

وهذا یبین أن حروب النبی صلی الله علیه و آله و سلم کانت ثمانین معرکة نصره الله تعالی فیها.

{ الَّذِینَ یَصُدُّونَ عَنْ سَبِیلِ اللّهِ وَیَبْغُونَهَا عِوَجاً وَهُمْ بِالآخِرَةِ کَافِرُون 45}_سورة الاعراف :

{الَّذِینَ یَصُدُّونَ عَنْ سَبِیلِ اللّهِ } هذا وصف للظالمین :

یمنعون الحق ویخالفون المعروف {وَیَبْغُونَهَا عِوَجاً } یریدون الفوضی والهرج والمرج کی یصلوا الی أهدافهم فی النهب والاستعلاء ونیل الامتیازات الدینیة و السیاسیة والاقتصادیة والاجتماعیة .

{وَهُمْ بِالآخِرَةِ کَافِرُونَ 45 } .

ولو أعلنوا الدین زیفاً , ورفعوا رایته مثل الخوارج و الأمویین والعباسیین والعثمانیین وغیرهم , اذ کان السلطان العثمانی یقتل أخوته الأبریاء فی یوم

ص: 9

تعیینه , کی تصفی الأمور له فی البلاد .ولا یبالی بازهاق أرواحهم واراقة دمائهم وهم أبریاء .

{ وَبَیْنَهُمَا حِجَابٌ وَعَلَی الأعْرَافِ رِجَالٌ یَعْرِفُونَ کُلا بِسِیمَاهُمْ وَنَادَوْا أصْحَابَ الجَنَّةِ أنْ سَلامٌ عَلَیْکُمْ لَمْ یَدْخُلُوهَا وَهُمْ یَطْمَعُونَ 46 } سورة الاعراف : {وَبَیْنَهُمَا حِجَابٌ } یفصل أهل الجنة عن أهل النار .

{وَعَلَی الأعْرَافِ رِجَالٌ } :من هؤلاء ؟ هم النبی محمد صلی الله علیه و آله و سلم وأهل بیته الطاهرین , وعلی رأسهم امام المسلمین علی علیه السلام وسیدا شباب أهل الجنة الحسن والحسین وعلی بن الحسین ومحمد بن علی وجعفر الصادق وموسی الکاظم وعلی الرضا ومحمد الجواد وعلی الهادی والحسن العسکری والامام المهدی علیهم السلام .

رجال الاعراف هم النبی محمد صلی الله علیه و آله و سلم و الائمة الخلفاء الاثنی عشر العظام .

{یَعْرِفُونَ کُلا } من أهل الجنة والنار {بِسِیمَاهُمْ } حیث وضع الله تعالی علامات فارقة تمیزهم عن بعضهم البعض .

الثعلبی وابن الجوزی والهیثمی: قال الثعلبی وابن الجوزی والهیثمی: أهل البیت یعرفون محبّیهم ببیاض الوجوه ومبغضیهم بسواد الوجوه((1))

.

ص: 10

وقال الإمام علی( علیه السلام ):

نحن أصحاب الأعراف من عرفناه بسیماه أدخلناه الجنة((1))

.

ابن کثیر: قال الخلیفة علی( علیه السلام ): نحن أصحاب الأعراف یعرفون محبّیهم ببیاض الوجوه ومبغضیهم بسواد الوجوه((2))

.

ص: 11

{وَنَادَوْا } أصحاب الاعراف {أصْحَابَ الجَنَّةِ أنْ سَلامٌ عَلَیْکُمْ } سلام من الله تعالی علیکم بما عملتم , وان أهل الجنة .{لَمْ یَدْخُلُوهَا وَهُمْ یَطْمَعُونَ46 }_سورة الاعراف .

لم یدخلوا فی ملذات الدنیا الفاسدة , وأعمال الحرام ولا یطمعون فی افعال الفسق والفجور وقتل الناس واللهو واللعب مثل آل أمیة والعباسیین والعثمانیین والوهابیین والسعودیین .

هؤلاء أصحاب الجنة المؤمنون کانوا یأنفون من أعمال الشر والرذیلة فی الدنیا علی عکس أهل النار الفاسقین .

ص: 12

الثعلبی وابن الجوزی والهیثمی: قال الثعلبی وابن الجوزی والهیثمی: أهل البیت یعرفون محبّیهم ببیاض الوجوه ومبغضیهم بسواد الوجوه

((1)) .

وقال الإمام علی( علیه السلام ): نحن أصحاب الأعراف من عرفناه بسیماه أدخلناه الجنة((2)) .

ابن کثیر: قال علی( علیه السلام ): نحن أصحاب الأعراف یعرفون محبّیهم ببیاض الوجوه ومبغضیهم بسواد الوجوه ((3)) .

ص: 13

{ وَإذَا صُرِفَتْ أبْصَارُهُمْ تِلْقَاءَ أصْحَابِ النَّارِ قَالُوا رَبَّنَا لا تَجْعَلْنَا مَعَ القَوْمِ الظَّالِمِینَ47 } سورة الاعراف .

{وَإذَا صُرِفَتْ أبْصَارُهُمْ } أهل الجنة {تِلْقَاءَ أصْحَابِ النَّارِ قَالُوا رَبَّنَا لا تَجْعَلْنَا مَعَ القَوْمِ الظَّالِمِینَ47 } .

أهل الجنة مؤمنون عابدون عوَّدوا أنفسهم علی الدعاء للواحد الاحد طائعین ایاه فرزقهم الجنة .

{ وَنَادَی أصْحَابُ الأعْرَافِ رِجَالا یَعْرِفُونَهُمْ بِسِیمَاهُمْ قَالُوا مَا أغْنَی عَنْکُمْ جَمْعُکُمْ وَمَا کُنتُمْ تَسْتَکْبِرُونَ 48 }

{وَنَادَی أصْحَابُ الأعْرَافِ } محمد وآل محمد { رِجَالا یَعْرِفُونَهُمْ بِسِیمَاهُمْ قَالُوا مَا أغْنَی عَنْکُمْ جَمْعُکُمْ } بحشودکم الکبیرة المحاربة الذین قتلوا رسول الله صلی الله علیه و آله و سلم , وفاطمة وعلیاً والحسن والحسین وباقی أئمة أهل البیت, واغتصبوا خلافتهم وضیعوا تراثهم .

ص: 14

قال النبی صلی الله علیه و آله و سلم : مامنَّا الا مسموم أو مقتول ((1)) .

وروی القندوزی الحنفی فی ینابیع المودّة, بإسناده المذکور, عن سلمان الفارسی علیه السلام . قال: سمعت رسول الله صلی الله علیه و آله و سلم یقول لعلی أکثر من عشر مرات: یا علی: إنّک والأوصیاء من ولدک أعراف بین الجنّة والنار, لا یدخل الجنّة إلاّ من عرفکم وعرفتموه, ولا یدخل النار إلاّ من أنکرکم وأنکرتموه ((2)) .

{وَمَا کُنتُمْ تَسْتَکْبِرُونَ48 }: طلقاء مکة الذین حررهم النبی صلی الله علیه و آله و سلم بعد فتح مکة خانوا الاسلام فی معرکة حنین باتفاقهم مع کفار هوازن علی قتل الرسول صلی الله علیه و آله و سلم فی المعرکة .

وهجم رجال السقیفة بأربعة آلاف رجل علی دار فاطمة الزهراء ÷ لارغامها وزوجها علی البیعة لابی بکر أو احراقهم بالنار .

ص: 15

ولما قال له الصحابة: إنَّ فی الدار فاطمة . قال عمر: وإن وأقدم علی دفع الباب علی فاطمة وحصرها بین الباب والجدار متسبباً فی کسر ضلعها واسقاط جنینها ((1)) .

ولما قالت فاطمة (علیها السلام ) لعمر: أجئت لتحرق دارنا ؟ قال: نعم أو تدخلوا فیما دخلت فیه الأُمّة ((2)) .

وذکره المسعودی فی أخبار عبد الله بن الزبیر قائلا: فقد کان عروة بن الزبیر یعذر اخاه ، إذا جری ذکر بنی هاشم ، وحصره إیاهم فی الشعب ، وجمعه لهم الحطب لتحریقهم ویقول: إنَّما أراد بذلک إرهابهم ، لیدخلوا فی طاعته ، کما أُرهب بنو هاشم ، وجُمِع لهم الحطب لاحراقهم اذ هم أبوا

ص: 16

البیعة فیما سلف ، وهذا خبر لا یحتمل ذکره هنا ، وقد أتینا علی ذکره فی مناقب أهل البیت وأخبارهم المترجم بکتاب حدائق الأذهان((1)) .

وکانت المجموعة التی هجمت علی بیت فاطمة ÷ ، تضمُّ عمر وهو قائد لها ، وأسید بن حضیر((2)) وسلمة بن سلاّمة بن وقش((3)) ، وثابت بن قیس بن شماس الخزرجی((4)) ، ومحمد بن مسلمة((5)) ، وخالد بن الولید((6)) ، وبشیر بن سعد ، والمغیرة بن شعبة((7)) ، وأبا عبیدة بن الجراح ((8)) ، وسالماً مولی

ص: 17

أبی حذیفة ((1)) ، ومعاذ بن جبل ، وقنفذ((2)) ، وعثمان((3)) ، وعبد الرحمن بن عوف((4)) ، وزیاد بن لبید((5)) ، ومسلمة بن أسلم((6)) .

ومعاویة بن أبی سفیان ((7)) ، وعمرو بن العاص ((8)) وکان خارج البیت جمع کثیر من الناس أرسلهم أبو بکر ردءاً لهم .

وقد أثبت الشهرستانی والبلاذری والصفدی والجوهری وابن عبد ربه الاندلسی وعروة بن الزبیر ، أنَّه لم یکن تجمُّع معارض فی بیت فاطمة ÷ ، کما صوَّرته السلطة الأمویة .

ص: 18

القندوزی الحنفی: روی الحافظ القندوزی الحنفی فی ینابیع المودّة, بإسناده المذکور, عن سلمان الفارسی قال: (سمعت رسول الله صلی الله علیه و آله و سلم یقول لعلی علیه السلام أکثر من عشر مرات: یا علی: إنّک والأوصیاء من ولدک أعراف بین الجنّة والنار, لا یدخل الجنّة إلاّ من عرفکم وعرفتموه, ولا یدخل النار إلاّ من أنکرکم وأنکرتموه )((1)) .

{وَمَا کُنتُمْ تَسْتَکْبِرُونَ}((2)): فی الارض باذلالکم المتقین ونصرتکم للظالمین المنافقین .

قال الامام علی علیه السلام : حین سکت أهل الحق عن الباطل توهم أهل الباطل أنهم علی حق .

{ أهَؤُلاءِ الَّذِینَ أقْسَمْتُمْ لا یَنَالُهُمْ اللّهُ بِرَحْمَة ادْخُلُوا الجَنَّةَ لا خَوْفٌ عَلَیْکُمْ وَلا أنْتُمْ تَحْزَنُونَ49 } سورة الاعراف. قال أهل البیت علیهم السلام للنواصب السلفیین { أهَؤُلاءِ الَّذِینَ أقْسَمْتُمْ لا یَنَالُهُمْ اللّهُ بِرَحْمَة } .

کان المعاندون لأهل البیت یستهزؤون بالفقراء الصالحین , ویسخرون من ادعائهم دخول الجنة , هنا الخطاب للکفار والمنافقین : { أهَؤُلاءِ الَّذِینَ أقْسَمْتُمْ لا یَنَالُهُمْ اللّهُ بِرَحْمَة } .

ص: 19

{ادْخُلُوا الجَنَّةَ لا خَوْفٌ عَلَیْکُمْ وَلا أنْتُمْ تَحْزَنُونَ49 } .

ووفقا لهذا المنهج الجاهلی قال الامویون للامام الحسین علیه السلام العطشان فی کربلاء: لا تذوق الماء وسترد علی الحمیم . فکانوا یتأملون دخولهم الجنة بقتلهم الحسین وأهل بیته وأسرهم نساءه واطفاله وسعیهم لاعلاء رایة یزید المتجاهر بالفسق والفجور .

فقال لهم الحسین علیه السلام : بل سأرد علی جدی رسول الله صلی الله علیه و آله و سلم یسقینی شربة لا أظمأ بعدها أبداً .

وکان أهل الکوفة یعتقدون بأن الحسین علیه السلام سید شباب أهل الجنة وخاطبه بعضهم من الامویین بخطاباته للکفار !!! وهذا یبین انحرافهم عن الدین وانغماسهم فی مشروع الکافرین ولهو اللاهین .

{وَنَادَی أصْحَابُ النَّارِ أصْحَابَ الجَنَّةِ أنْ أفِیضُوا عَلَیْنَا مِنَ المَاءِ أوْ مِمَّا رَزَقَکُمُ اللّهُ قَالُوا إنَّ اللّهَ حَرَّمَهُمَا عَلَی الکَافِرِینَ50 سورة الاعراف.

تحول الطغاة العتاة من الملوک والوزراء وعموم الکافرین والمنافقین فی جهنم الی مساکین یتمنون الماء والطعام ولا یصلون الیهما, وهذا یذکرهم بما فعلوه فی الدنیا من تحریمهم الماء والطعام عن المؤمنین فی السجون والمدن وفی الحروب وفی اجرائهم المذابح المروعة فی حقهم .

ص: 20

{ الَّذِینَ اتَّخَذُوا دِینَهُمْ لَهْواً وَلَعِباً وَغَرَّتْهُمُ الحَیَاةُ الدُّنْیَا فَالْیَوْمَ نَنسَاهُمْ کَمَا نَسُوا لِقَاءَ یَوْمِهِمْ هَذَا وَمَا کَانُوا بِآیَاتِنَا یَجْحَدُونَ 51}

سورة الاعراف.

{الَّذِینَ اتَّخَذُوا دِینَهُمْ لَهْواً وَلَعِباً } :حلَّلوا وحرموا ما شاؤوا , وقد وصف الإمام الحسین علیه السلام هؤلاء المکرة الکفرة المدَّعین للدین کذباً: یدورونه ما درَّت معایشهم فان محِّصوا بالبلاء قلَّ الدیانون .

{وَغَرَّتْهُمُ الحَیَاةُ الدُّنْیَا } بزینتها وحلاوتها وزبرجها .

{فَالْیَوْمَ نَنسَاهُمْ کَمَا نَسُوا لِقَاءَ یَوْمِهِمْ هَذَا } أی القیامة والحساب .

{وَمَا کَانُوا بِآیَاتِنَا یَجْحَدُونَ(51) } یستهزؤون و یکذبون .

{ وَلَقَدْ جِئْنَاهُمْ بِکِتَاب فَصَّلْنَاهُ عَلَی عِلْم هُدیً وَرَحْمَةً لِقَوْم یُؤْمِنُونَ 52} سورة الاعراف.

{وَلَقَدْ جِئْنَاهُمْ بِکِتَاب } القرآن {فَصَّلْنَاهُ عَلَی عِلْم } قال النبی محمد صلی الله علیه و آله و سلم : ( القرآن أربعة أرباع: ربع فینا أهل البیت , وربع قصص وأمثال, وربع فضائل وإنذار, وربع أحکام) ((1)) .

ص: 21

وهذا الحدیث یعنی أن ألف وخمسمائة آیة فی القرآن فی حق أهل البیت علیهم السلام . { هُدیً } یهدی الی الرشد {وَرَحْمَةً لِقَوْم یُؤْمِنُونَ52 } .

یهدی المؤمنین الی طاعة الخالق العظیم خالق السماوات والارض .

{ هَلْ یَنظُرُونَ إلا تَأوِیلَهُ یَوْمَ یَأتِی تَأوِیلُهُ یَقُولُ الَّذِینَ نَسُوهُ مِنْ قَبْلُ قَدْ جَاءَتْ رُسُلُ رَبِّنَا بِالحَقِّ فَهَلْ لَنَا مِنْ شُفَعَاءَ فَیَشْفَعُوا لَنَا أوْ نُرَدُّ فَنَعْمَلَ غَیْرَ الَّذِی کُنَّا نَعْمَلُ قَدْ خَسِرُوا أنفُسَهُمْ وَضَلَّ عَنْهُمْ مَا کَانُوا یَفْتَرُونَ 53 سورة الاعراف.

{هَلْ یَنظُرُونَ إلا تَأوِیلَهُ }: تفسیر القرآن الکریم المبین لیوم القیامة وثواب المتَّقین وهلاک المستکبرین .

{یَوْمَ یَأتِی تَأوِیلُهُ } یوم القیامة حیث یتبین الحق بعلو رایة الانبیاء وصدق القرآن وحقیقة الجنة والجحیم .

{ یَقُولُ الَّذِینَ نَسُوهُ } المعاندون {مِنْ قَبْلُ قَدْ جَاءَتْ رُسُلُ رَبِّنَا بِالحَقِّ فَهَلْ لَنَا مِنْ شُفَعَاءَ فَیَشْفَعُوا لَنَا } ویدخلونا الجنة مع المؤمنین ویغضوا النظر عن جرائمهم الکثیرة والخطیرة, واعاثتنهم الفساد فی الارض . وان استحال هذا الطلب فالتماس الکافرین الثانی:

{أوْ نُرَدُّ } الی الدنیا مرة أخری {فَنَعْمَلَ غَیْرَ الَّذِی کُنَّا نَعْمَلُ } من قتل وسرقة وظلم وخیانة. وجاءهم الرد الالهی:

{قَدْ خَسِرُوا أنفُسَهُمْ } بأعمالهم الرثَّة المستقبحة.

ص: 22

{وَضَلَّ عَنْهُمْ مَا کَانُوا یَفْتَرُونَ53 } من الکذب بوجود الشرکاء لله وشفاعتهم لهم .

{ إنَّ رَبَّکُمُ اللّهُ الَّذِی خَلَقَ السَّمَاوَاتِ وَالأرْضَ فِی سِتَّةِ أیَّام ثُمَّ اسْتَوَی عَلَی العَرْشِ یُغْشِی اللَّیْلَ النَّهَارَ یَطْلُبُهُ حَثِیثاً وَالشَّمْسَ وَالقَمَرَ وَالنُّجُومَ مُسَخَّرَات بِأمْرِهِ ألا لَهُ الخَلْقُ وَالأمْرُ تَبَارَکَ اللّهُ رَبُّ العَالَمِینَ 54 سورة الاعراف.

{إنَّ رَبَّکُمُ اللّهُ الَّذِی خَلَقَ السَّمَاوَاتِ وَالأرْضَ فِی سِتَّةِ أیَّام } .

سأل المأمون أبا الحسن علی بن موسی الرضا علیهما السلام ، عن قول الله عزوجل: ( وهو الذی خلق السموات والارض فی ستة أیام وکان عرشه علی الماء لیبلوکم أیکم أحسن عملا ) .

فقال علیه السلام : إن الله تبارک وتعالی خلق العرش والماء والملائکة قبل خلق السموات والارض ، وکانت الملائکة تستدل بأنفسها وبالعرش والماء علی الله عزوجل ، ثم جعل عرشه علی الماء لیظهر بذلک قدرته للملائکة فیعلموا أنه علی کل شئ قدیر ، ثم رفع العرش بقدرته ونقله فجعله فوق السموات السبع وخلق السموات والارض فی ستة أیام ، وهو مستول علی عرشه ، وکان قادرا علی أن یخلقها فی طرفة عین ، ولکنه عزوجل خلقها فی ستة إیام لیظهر للملائکة ما یخلقه منها شیئا بعد شئ وتستدل بحدوث ما یحدث علی الله تعالی ذکره مرة بعد مرة ، ولم یخلق الله العرش لحاجة به إلیه لانه

ص: 23

غنی عن العرش وعن جمیع ما خلق ، لا یوصف بالکون علی العرش لانه لیس بجسم ، تعالی الله عن صفة خلقه علوا کبیرا ((1)) .

تفسیر فرات بن ابراهیم: بإسناده عن أبی ذر فی خبر طویل فی وصف المعراج ، ساقه إلی أن قال: قلت: یا ملائکة ربی هل تعرفونا حق معرفتنا ؟

فقالوا: یا نبی الله وکیف لا نعرفکم وأنتم أول ما خلق الله ؟ خلقکم أشباح نور من نوره ، وجعل لکم مقاعد فی ملکوت سلطانه وعرشه علی الماء قبل أن تکون السماء مبینة ، والارض مدحیة ، ثم خلق السماوات والارض فی ستة أیام ثم رفع العرش إلی السماء السابعة ، فاستوی علی عرشه وأنتم أمام عرشه تسبحون وتقدسون وتکبرون ، ثم خلق الملائکة من بدو ما أراد من أنوار شتی ((2)) .

{ثُمَّ اسْتَوَی عَلَی العَرْشِ } استوی أی استولی ومعنی العرش أی الملک والتدبیر ولا یمکن أن نقول بجلوسه علی العرش اذ جاء: (لیس کمثله شیء) . فهو لیس بجسم یجلس علی العرش المحسوس ولو قلنا بهذا لاحتاج الی حیز وهو الغنی عن جمیع ما خلق .

ص: 24

{یُغْشِی اللَّیْلَ النَّهَارَ یَطْلُبُهُ حَثِیثاً } کل واحد یطلب الثانی ویعقبه سریعاً {وَالشَّمْسَ وَالقَمَرَ وَالنُّجُومَ مُسَخَّرَات بِأمْرِهِ } سبحانه عبر أنظمة علمیة رائعة , اندهشت لها العقول .

روی الحافظ الحاکم الحسکانی الحنفی, قال: أخبرنا أبو سعد السعدی, بإسناده المذکور, عن أنس بن مالک, قال: قال رسول الله صلی الله علیه و آله و سلم :

{إذا فقدتم الشمس فأتوا القمر, وإذا فقدتم القمر فأتوا الزهرة, وإذا فقدتم الزهرة فأتوا الفرقدین } . قیل: یا رسول الله صلی الله علیه و آله و سلم ما الشمس؟

قال صلی الله علیه و آله و سلم : أنا .قیل: ما القمر؟ قال صلی الله علیه و آله و سلم : علی علیه السلام . قیل: ما الزهرة ؟ قال صلی الله علیه و آله و سلم : فاطمة ÷ . قیل: ما الفرقدان ؟ قال صلی الله علیه و آله و سلم : الحسن والحسین ((1)) .

أقول: یمکن أن یکون هذا تأویلا للآیة الکریمة .

{ألا لَهُ } وحده {الخَلْقُ وَالأمْرُ } یخلق بنفسه ویدیر بأمره {تَبَارَکَ اللّهُ رَبُّ العَالَمِینَ54 } .

{ ادْعُوا رَبَّکُمْ تَضَرُّعاً وَخُفْیَةً إنَّهُ لا یُحِبُّ المُعْتَدِینَ 55}

سورة الاعراف : { ادْعُوا رَبَّکُمْ تَضَرُّعاً وَخُفْیَةً } بتواضع وتذلل وعدم العجب , بعیداً عن الریاء أی حاولوا التفرد مع ربکم فی الدعاء سواء فی النهار أو فی جوف اللیل {إنَّهُ لا یُحِبُّ المُعْتَدِینَ 55 } .

ص: 25

وصفة المعتدین من صفات الکفار والمنافقین الذین یبغضهم الله تعالی لکنک تجد الکثیر ممن یدَّعون الایمان یعتدون علی العلماء وباقی المؤمنین لیلا نهارا فیحشر مع المعتدین .

{ وَلا تُفْسِدُوا فِی الأرْضِ بَعْدَ إصْلاحِهَا وَادْعُوهُ خَوْفاً وَطَمَعاً إنَّ رَحْمَةَ اللّهِ قَرِیبٌ مِنَ المُحْسِنِینَ} 56 سورة الاعراف.

{ وَلا تُفْسِدُوا فِی الأرْضِ بَعْدَ إصْلاحِهَا } امتنعوا عن أذی الناس علی اختلاف مشاربهم والوانهم وقومیاتهم .

وقال الامام محمد الباقر علیه السلام : أصلحها النبی محمد صلی الله علیه و آله و سلم والامام علی علیه السلام وافسدها المخالفون لولایة علی((1)) .

وقال الصادق ( علیه السلام ): (ولایتی لعلی أحب الیَّ من ولادتی منه , لانَّ ولایتی لعلی فرض وولادتی منه فضل ) ((2)) .

وقال الإمام الصادق ( علیه السلام ) أیضاً: ولایتی لآبائی أحب الیَّ من نسبی , ولایتی لهم تنفعنی من غیر نسب , ونسبی لا ینفعنی بغیر ولایة ((3)) .

ص: 26

{وَادْعُوهُ } الله تعالی { خَوْفاً } من عقابه {وَطَمَعاً } فی رضاه وجنَّته {إنَّ رَحْمَةَ اللّهِ قَرِیبٌ مِنَ المُحْسِنِینَ56 } .

{ وَهُوَ الَّذِی یُرْسِلُ الرِّیَاحَ بُشْراً بَیْنَ یَدَیْ رَحْمَتِهِ حَتَّی إذَا أقَلَّتْ سَحَاباً ثِقَالا سُقْنَاهُ لِبَلَد مَیِّت فَأنزَلْنَا بِهِ المَاءَ فَأخْرَجْنَا بِهِ مِنْ کُلِّ الثَّمَرَاتِ کَذَلِکَ نُخْرِجُ المَوْتَی لَعَلَّکُمْ تَذَکَّرُونَ 57 } سورة الاعراف.

{ وَهُوَ الَّذِی یُرْسِلُ الرِّیَاحَ بُشْراً بَیْنَ یَدَیْ رَحْمَتِهِ حَتَّی إذَا أقَلَّتْ سَحَاباً ثِقَالا سُقْنَاهُ لِبَلَد مَیِّت فَأنزَلْنَا بِهِ المَاءَ فَأخْرَجْنَا بِهِ مِنْ کُلِّ الثَّمَرَاتِ } .

الشمس تبخر ماء البحر والریاح تحمله بصورة سحاب ملیء بالکتل المائیة تنقله معها الی أراضی الله الواسعة , فتجذبه الارض الیها , لتحیا بعد موتها.

{کَذَلِکَ نُخْرِجُ المَوْتَی لَعَلَّکُمْ تَذَکَّرُونَ57 }:

بنزول المطر علی الارض تنبت ملیارات الاشجار والنباتات وبهذه الصورة یخرج الباری تعالی الموتی .

{ وَالبَلَدُ الطَّیِّبُ یَخْرُجُ نَبَاتُهُ بِإذْنِ رَبِّهِ وَالَّذِی خَبُثَ لا یَخْرُجُ إلا نَکِداً کَذَلِکَ نُصَرِّفُ الآیَاتِ لِقَوْم یَشْکُرُونَ58 } سورة الاعراف.

ص: 27

{ وَالبَلَدُ الطَّیِّبُ } الارض الخصبة {یَخْرُجُ نَبَاتُهُ بِإذْنِ رَبِّهِ وَالَّذِی خَبُثَ } والارض الخبیثة { لا یَخْرُجُ إلا نَکِداً } قلیلا وضعیفاً {کَذَلِکَ نُصَرِّفُ الآیَاتِ } نبینها {لِقَوْم یَشْکُرُونَ58 } .

وهم الصالحون المتقون الشاکرون .

تفسیر الکلبی: هذا مثل ضربه الله للمؤمن والمنافق ؛ البلد الطیب مثل

المؤمن یعمل ما عمل من شیءٍ ابتغاء وجه الله ( والذی خبث ) مثل المنافق لا یعطی شیئاً ولا یعمله ( إلا نکدا ) أی: لیست له فیه حسبةٌ ( کذلک نصرف الآیات ) نبینها ( لقوم یشکرون ) یؤمنون .

الرازی: قوله تعالی ( والبلد الطیب یخرج نباته باذن ربه ) هذه الآیة داله علی ان السعید لا ینقلب شقیا وبالعکس وذلک لأنها دلت علی ان الأرواح قسمان : منها ما تکون فی أصل جوهرها طاهره نقیه . . . ومنها ما تکون فی أصل جوهرها غلیظه کدره . . . . ومما یقوی هذا الکلام انا نری النفوس مختلفة فی هذه الصفات فبعضها مجبولة علی حب عالم الصفاء والإلهیات . . . . ومنها قاسیة شدیدة القسوة . . . والوجه الثانی: من الاستدلال بهذه الآیة قوله تعالی ( باذن ربه ) وذلک یدل علی ان کل ما یعمله المؤمن من خیر وطاعة لا یکون إلا بتوفیق الله تعالی ((1)) .

ص: 28

ووادی السلام یشمل الکوفة وکربلاء وهو محل ولادة بعض الانبیاء (آدم ونوح وصالح وهود علیهم السلام ) والامام علی علیه السلام وهو محل سکنهم وصلاتهم ودعائهم فهی الارض المقدسة .

وهو مقر حکومة الامام علی علیه السلام والحسن والمهدی علیهم السلام .

وقال النبی صلی الله علیه و آله و سلم : (سیظهر من نجد شیطان تتزلزل جزیرة العرب من فتنته)((1)).

شیاطین نجد الذین ولدوا وسکنوا فی هذه البقعة الملعونة :

1 _ عامر بن الطفیل النجدی :المحارب للنبی صلی الله علیه و آله و سلم والاسلام .

2 _ وحرقوص الخارجی

3 _ ومسیلمة الکذاب النجدی

4_ سجاح بنت أوس أم صادر التمیمیة من بنی یربوع

5 _ طلیحة الاسدی :المحارب للاسلام.

6_ ومحمد بن عبد الوهاب وأولاده الفقهاء الشیاطین

ص: 30

7_ حمد بن سعود رئیس آل سعود وأولاده الابالسة عملاء الیهود والکفار ومحاربی الدین وناشری الفسق والفجور .

هؤلاء هم زعماء نجد الابالسة الذین قتلوا العباد وأفسدوا الاوضاع وخربوا الدیار .

وقال نجاح الطائی :أمر عام لکل أرض طیبة وشخص طیب طاهر ینمو بأمر الله تعالی وفی ظله ورعایته: أول المصادیق أهل البیت الذین ولدوا وعاشوا فی البقع الشریفة: مکة والمدینة والنجف وکربلاء :

ونزل فی حقهم آیة التطهیر: ( انما یرید الله لیذهب عنکم الرجس أهل البیت ویطهرکم تطهیرا ) .

کذلک النطفة الطاهرة والنفس الزکیة والاسرة النقیة والبذرة الطیبة والمشروع الخیری والمزرعة السامیة الی آخره .

{لَقَدْ أرْسَلْنَا نُوحاً إلَی قَوْمِهِ فَقَالَ یَا قَوْمِ اعْبُدُوا اللّهَ مَا لَکُمْ مِنْ إلَه غَیْرُهُ إنِّی أخَافُ عَلَیْکُمْ عَذَابَ یَوْم عَظِیم59*} سورة الاعراف.

{ لَقَدْ أرْسَلْنَا نُوحاً إلَی قَوْمِهِ فَقَالَ یَا قَوْمِ اعْبُدُوا اللّهَ مَا لَکُمْ مِنْ إلَه غَیْرُهُ } تخجل النفس البشریة من عبادة البعض للاصنام والقیادات البشریة , وترکها عبادة الباری سبحانه {إنِّی أخَافُ عَلَیْکُمْ عَذَابَ یَوْم عَظِیم59 } .

تحذیر من العذاب الاخروی بان یجتنبوه ویحذروه .

{ قَالَ المَلأُ مِنْ قَوْمِهِ إنَّا لَنَرَاکَ فِی ضَلال مُبِین60 } سورة

الاعراف.

ص: 31

قال الکفار من قوم نوح علیه السلام : لعبادته الله الواحد الاحد: إنَّا لَنَرَاکَ فِی ضَلال مُبِین, وهذا رأی خطیر لهؤلاء الکافرین .

العجیب فیهم وفی أمثالهم من الخوارج اعتقادهم بصحة عباداتهم وقتلهم المتقین وخطأ الصالحین الموحدین .

{ قَالَ یَا قَوْمِ لَیْسَ بِی ضَلالَةٌ وَلَکِنِّی رَسُولٌ مِنْ رَبِّ العَالَمِینَ سورة الاعراف. 61: {قَالَ } نوح {یَا قَوْمِ لَیْسَ بِی ضَلالَةٌ وَلَکِنِّی رَسُولٌ مِنْ رَبِّ العَالَمِینَ (61) } ارید أن أهدیکم الی الصراط المستقیم .

قابل نوح قومه المعاندین بکل لین وسماحة ولم یرد علیهم بالمثل .

{ اُبَلِّغُکُمْ رِسَالاتِ رَبِّی وَأنصَحُ لَکُمْ وَأعْلَمُ مِنَ اللّهِ مَا لا

تَعْلَمُونَ62 }

سورة الاعراف.

{اُبَلِّغُکُمْ رِسَالاتِ رَبِّی وَأنصَحُ لَکُمْ وَأعْلَمُ مِنَ اللّهِ } عن طرق الوحی .

وأنصح لکم فی شتی میادین العلم والمعرفة والعمل ما لا تعلمون ولا تعرفون ولا تدرکون .

{مَا لا تَعْلَمُونَ62 }: أعلم یقینا بارکان الدین وشریعة الخالق ما لا تعلمون وأعلم بالجنة والنار وانتم تجهلون وتنکرون .

{ أوَ عَجِبْتُمْ أنْ جَاءَکُمْ ذِکْرٌ مِنْ رَبِّکُمْ عَلَی رَجُل مِنْکُمْ لِیُنذِرَکُمْ وَلِتَتَّقُوا وَلَعَلَّکُمْ تُرْحَمُونَ 63 } سورة الاعراف.

ص: 32

{ أوَ عَجِبْتُمْ أنْ جَاءَکُمْ ذِکْرٌ مِنْ رَبِّکُمْ عَلَی رَجُل مِنْکُمْ } رفضوا رسالته لحسدهم له , لکونه رجلا منهم وقد تعودوا علی سلطة الغرباء المتسلطین بالقهر والسیف .

فهم یطالبون بملک من الملائکة ینزل الیهم ولو جاءهم ملک لرفضوه واختلقوا حجة أخری .

{لِیُنذِرَکُمْ وَلِتَتَّقُوا وَلَعَلَّکُمْ تُرْحَمُونَ63 } أکثر مشاکل الناس من الحسد لیحذرکم الباری تعالی من السقوط فی جهنم کی تتقوا الرحمن لعلکم ترحمون .

{ فَکَذَّبُوهُ فَأنجَیْنَاهُ وَالَّذِینَ مَعَهُ فِی الفُلْکِ وَأغْرَقْنَا الَّذِینَ کَذَّبُوا بِآیَاتِنَا إنَّهُمْ کَانُوا قَوْماً عَمِینَ 64 } سورة الاعراف. {فَکَذَّبُوهُ } قومه وکانوا رافضین تحذیراته ونصائحه {فَأنجَیْنَاهُ وَالَّذِینَ مَعَهُ فِی الفُلْکِ } السفینة.

{وَأغْرَقْنَا الَّذِینَ کَذَّبُوا بِآیَاتِنَا إنَّهُمْ کَانُوا قَوْماً عَمِینَ64 } : لا یبصرون الحق قد أعمی الله تعالی قلوبهم بسبب کثرة ذنوبهم .

{ وَإلَی عَاد أخَاهُمْ هُوداً قَالَ یَا قَوْمِ اعْبُدُوا اللّهَ مَا لَکُمْ مِنْ إلَه غَیْرُهُ أفَلا تَتَّقُونَ65 } سورة الاعراف. {وَإلَی عَاد أخَاهُمْ هُوداً } کان هود علیه السلام نبی مرسل الی قومه عاد . {قَالَ یَا قَوْمِ اعْبُدُوا اللّهَ مَا لَکُمْ مِنْ إلَه غَیْرُهُ أفَلا تَتَّقُونَ65 } سطوته وانتقامه.

ص: 33

{قَالَ المَلأُ الَّذِینَ کَفَرُوا مِنْ قَوْمِهِ إنَّا لَنَرَاکَ فِی سَفَاهَة وَإنَّا لَنَظُنُّکَ مِنَ الکَاذِبِینَ66 }

سورة الاعراف.

فیک خفَّة عقل . وکذبوه فی ادعائه النبوة , لقد اتهموا هوداً بما کانوا علیه فعلا من الانحطاط والکذب والکفر.

{ قَالَ یَا قَوْمِ لَیْسَ بِی سَفَاهَةٌ وَلَکِنِّی رَسُولٌ مِنْ رَبِّ العَالَمِینَ 67} سورة الاعراف.

{قَالَ } هود{ یَا قَوْمِ لَیْسَ بِی سَفَاهَةٌ } بل أنا فی کامل عقلی ووعیی {وَلَکِنِّی رَسُولٌ مِنْ رَبِّ العَالَمِینَ 67 } بعثنی لابلغکم رسالته وأدعوکم الی صراطه المستقیم .

{ اُبَلِّغُکُمْ رِسَالاتِ رَبِّی وَأنَا لَکُمْ نَاصِحٌ أمِینٌ68* }

سورة الاعراف.

{ اُبَلِّغُکُمْ رِسَالاتِ رَبِّی } التی أرسلنی بها {وَأنَا لَکُمْ نَاصِحٌ أمِینٌ68 } کما عرفتونی .

{ أوَ عَجِبْتُمْ أنْ جَاءَکُمْ ذِکْرٌ مِنْ رَبِّکُمْ عَلَی رَجُل مِنْکُمْ لِیُنذِرَکُمْ وَاذْکُرُوا إذْ جَعَلَکُمْ خُلَفَاءَ مِنْ بَعْدِ قَوْمِ نُوح وَزَادَکُمْ فِی الخَلْقِ بَصْطَةً فَاذْکُرُوا آلاءَ اللّهِ لَعَلَّکُمْ تُفْلِحُونَ 69 } سورة الاعراف.

{أوَ عَجِبْتُمْ أنْ جَاءَکُمْ ذِکْرٌ مِنْ رَبِّکُمْ عَلَی رَجُل مِنْکُمْ لِیُنذِرَکُمْ } لقد اندهشوا اذ جاءهم رجل منهم بکتاب سماوی ولو جاءهم رجل من غیرهم لقالوا: لماذا لم یأتِ رجل منَّا!!

ص: 34

{وَاذْکُرُوا إذْ جَعَلَکُمْ خُلَفَاءَ مِنْ بَعْدِ قَوْمِ نُوح } ذکر لفضل الله علیهم {وَزَادَکُمْ فِی الخَلْقِ بَصْطَةً } قوة فی الجسم .

{فَاذْکُرُوا آلاءَ } نعم {اللّهِ لَعَلَّکُمْ تُفْلِحُونَ69 } .

قال الصادق علیه السلام : تلا علی علیه السلام هذه الآیة (فَاذْکُرُوا آلاءَ اللّهِ) . فقال: هی أعظم نعم الله وهی ولایتنا ((1)) .

وقال الإمام موسی الکاظم ( علیه السلام ): {ولایة علی( علیه السلام )مکتوبة فی جمیع صحف الأنبیاء((2)) .

القرطبی والسیوطی وابن حجر: عن النبی صلی الله علیه و آله و سلم : لن (لم) یبعث الله رسولا الا بنبوة محمد ووصیه علی( علیه السلام )((3)) .

ص: 35

ص: 36

{قَالُوا أجِئْتَنَا لِنَعْبُدَ اللّهَ وَحْدَهُ وَنَذَرَ مَا کَانَ یَعْبُدُ آبَاؤُنَا فَأتِنَا بِمَا تَعِدُنَا إنْ کُنتَ مِنَ الصَّادِقِینَ70 } سورة الاعراف.

{قَالُوا أجِئْتَنَا لِنَعْبُدَ اللّهَ وَحْدَهُ وَنَذَرَ مَا کَانَ یَعْبُدُ آبَاؤُنَا } من الاصنام والکواکب والشمس والقمر {فَأتِنَا بِمَا تَعِدُنَا إنْ کُنتَ مِنَ الصَّادِقِینَ70}

هذا استعجال منهم للعذاب الذی کان هود علیه السلام یعدهم به لشدة تمردهم علی الله . وسار الحارث علی منهجهم عندما نصب النبی صلی الله علیه و آله و سلم علیا علیه السلام خلیفة فی الغدیر قائلا لله تعالی:

(إنْ کَانَ هَذَا هُوَ الحَقَّ مِنْ عِنْدِکَ فَأمْطِرْ علینا حِجَارَةً مِنَ السَّمَاءِ أوْ ائْتِنَا بِعَذَاب ألِیم) ((1)) .

رواه ابن الصباغ المالکی فی کتاب الفصول المهمّة ص 36 .

ص: 37

: وروی القضیة ابن حجر و الشبلنجی الشافعی فی کتابه نور الأبصار: ((1)) .

وقال الثعلبی والقرطبی: نزل ایضا فی الواقعة قوله تعالی (أفبعذابنا یستعجلون) ((2)) .

ص: 38

{ قَالَ قَدْ وَقَعَ عَلَیْکُمْ مِنْ رَبِّکُمْ رِجْسٌ وَغَضَبٌ أتُجَادِلُونَنِی فِی أسْمَاء سَمَّیْتُمُوهَا أنْتُمْ وَآبَاؤُکُمْ مَا نَزَّلَ اللّهُ بِهَا مِنْ سُلْطَان فَانتَظِرُوا إنِّی مَعَکُمْ مِنَ المُنتَظِرِینَ 71 } سورة الاعراف.

رجس: عذاب ، من الارتجاس ، وهو الاضطراب ( وغَضَبٌ ): انتقام الهی .

{ أتُجَادِلُونَنِی فِی أسْمَاء سَمَّیْتُمُوهَا أنْتُمْ وَآبَاؤُکُمْ مَا نَزَّلَ اللّهُ بِهَا مِنْ سُلْطَان فَانتَظِرُوا إنِّی مَعَکُمْ مِنَ المُنتَظِرِینَ(71).

أتناظروننی وتخاصموننی ( فِی أَسْماءٍ سَمَّیْتُمُوها أَنْتُمْ وآباؤُکُمْ ) فی أشیاء ما هی إلَّا أسماء لیس تحتها مسمّیات ، لأنّکم سمّیتموها آلهة ،وهی حجارة أو طین ولیست ربا ومعنی الإلهیّة فیها معدوم ، فإنّ المستحقّ للعبادة بالذات هو الموجد للکلّ وهو ربنا الخالق العظیم .

وأی سلطان یوجد لشخص تربع علی رقاب العباد وسمی نفسه سلطانا لا یستطیع أن یدفع عن نفسه المرض والموت والعوارض الطبیعیة کالزلزال والفیضان والصاعقة .

{ فَانتَظِرُوا إنِّی مَعَکُمْ مِنَ المُنتَظِرِینَ 71 } :

حیث یخرج الامام المهدی المنتظر علیه السلام فیقضی علی طغاة العالم وینشر العدل والامان فی کل مکان وفی کل الارجاء .

یحیی بن أبی القاسم ، قال: سألت الصادق علیه السلام عن قول الله عز وجل: ( الم ذلِکَ الْکِتابُ لا رَیْبَ فِیه هُدیً لِلْمُتَّقِینَ الَّذِینَ یُؤْمِنُونَ بِالْغَیْبِ ) فقال:

ص: 39

« المتقون: شیعة علی علیه السلام ، والغیب فهو الحجة الغائب ، وشاهد ذلک قوله تعالی: ویَقُولُونَ لَوْ لا أُنْزِلَ عَلَیْه آیَةٌ مِنْ رَبِّه فَقُلْ إِنَّمَا الْغَیْبُ لِلَّه فَانْتَظِرُوا إِنِّی مَعَکُمْ مِنَ الْمُنْتَظِرِینَ ) ((1)) .

وعن أبی الحسن الرضا علیه السلام ، قال: سمعته یقول: « ما أحسن الصبر وانتظار الفرج ! أما سمعت قول العبد الصالح ، قال: ( فَانْتَظِرُوا إِنِّی مَعَکُمْ مِنَ الْمُنْتَظِرِینَ ) ((2)) .

{ فَأنجَیْنَاهُ وَالَّذِینَ مَعَهُ بِرَحْمَة مِنَّا وَقَطَعْنَا دَابِرَ الَّذِینَ کَذَّبُوا بِآیَاتِنَا وَمَا کَانُوا مُؤْمِنِینَ72 } سورة الاعراف.

أنقذ الله تعالی هودا علیه السلام فکان سالما معافی , بعدما بلغ رسالته الی قومه العاصین , وأتم عمله علی أحسن الاحوال فی الرغبة فی نجاتهم وانتشالهم من وضعهم المزری ونقلهم الی المرتبة العالیة فی السمو فی الدنیا والاخرة وقضی علی قومه الکفار ولم یجعل لهم من باقیة .

{ وَإلَی ثَمُودَ أخَاهُمْ صَالِحاً قَالَ یَا قَوْمِ اعْبُدُوا اللّهَ مَا لَکُمْ مِنْ إلَه غَیْرُهُ قَدْ جَاءَتْکُمْ بَیِّنَةٌ مِنْ رَبِّکُمْ هَذِهِ نَاقَةُ اللّهِ لَکُمْ آیَةً فَذَرُوهَا تَأکُلْ

ص: 40

فِی أرْضِ اللّهِ وَلا تَمَسُّوهَا بِسُوء فَیَأخُذَکُمْ عَذَابٌ ألِیمٌ 73 } سورة الاعراف. {وَإلَی ثَمُودَ أخَاهُمْ صَالِحاً قَالَ یَا قَوْمِ اعْبُدُوا اللّهَ مَا لَکُمْ مِنْ إلَه غَیْرُهُ قَدْ جَاءَتْکُمْ بَیِّنَةٌ مِنْ رَبِّکُمْ هَذِهِ نَاقَةُ اللّهِ لَکُمْ آیَةً } :

بعدما هلکت عاد بطغیانها وذنوبها ورثت أرضهم ثمود فعمروها أکثر من غیرهم , ولما زاد خیرهم طغوا فی البلاد , فأرسل الله تعالی الیهم صالحاً علیه السلام لهدایتهم , وارسل معه الناقة , مثلما اعطی موسی علیه السلام عصاه الشهیرة , قال لقومه:

{فَذَرُوهَا تَأکُلْ فِی أرْضِ اللّهِ وَلا تَمَسُّوهَا بِسُوء فَیَأخُذَکُمْ عَذَابٌ ألِیمٌ73 } طلب منهم ترک الناقة الالهیة وشأنها والا سیصیبهم العذاب السماوی .

{وَاذْکُرُوا إذْ جَعَلَکُمْ خُلَفَاءَ مِنْ بَعْدِ عَاد وَبَوَّأکُمْ فِی الأرْضِ تَتَّخِذُونَ مِنْ سُهُولِهَا قُصُوراً وَتَنْحِتُونَ الجِبَالَ بُیُوتاً فَاذْکُرُوا آلاءَ اللّهِ وَلا تَعْثَوْا فِی الأرْضِ مُفْسِدِینَ74 } سورة الاعراف.

قال النبی صالح علیه السلام لقومه ثمود تذکروا الفضل الالهی علیکم بعد قوم عاد المفضوحین المدمرین حیث جعلکم خلفاء أرضهم تبنون القصور والبیوت فاذکروا نعم الله تعالی ولا تفسدوا فی الارض ولا تنشروا العصیان والخراب . لم یطلب الله تعالی منهم الا الاستقامة فی الارض .

ص: 41

{قَالَ المَلأُ الَّذِینَ اسْتَکْبَرُوا مِنْ قَوْمِهِ لِلَّذِینَ اسْتُضْعِفُوا لِمَنْ آمَنَ مِنْهُمْ أتَعْلَمُونَ أنَّ صَالِحاً مُرْسَلٌ مِنْ رَبِّهِ قَالُوا إنَّا بِمَا اُرْسِلَ بِهِ مُؤْمِنُونَ75 } سورة الاعراف.

قال المستکبرون المستهزؤون بالدین للَّذین استضعفوهم واستذلَّوهم: أتَعْلَمُونَ أنَّ صَالِحاً مُرْسَلٌ مِنْ رَبِّهِ .

کان المستضعفون مؤمنین یصرحون باعتقادهم بالنبی صالح علیه السلام .لذا قالوا: إنَّا بِمَا اُرْسِلَ بِهِ مُؤْمِنُونَ .

{ قَالَ الَّذِینَ اسْتَکْبَرُوا إنَّا بِالَّذِی آمَنتُمْ بِهِ کَافِرُونَ76 } سورة الاعراف.

طغیان المستکبرین هو أساس فساد العالم وأساس الفتن فی الارض دائما .

{ فَعَقَرُوا النَّاقَةَ وَعَتَوْا عَنْ أمْرِ رَبِّهِمْ وَقَالُوا یَا صَالِحُ ائْتِنَا بِمَا تَعِدُنَا إنْ کُنتَ مِنَ المُرْسَلِینَ77} سورة

الاعراف.

فلما حصل الاصطدام بین الکافرین والمؤمنین أقدم المستکبرون علی عقر الناقة: {فَعَقَرُوا النَّاقَةَ } استکباراً وعصیاناً للنبی ولیس حاجة الیها .

{وَعَتَوْا عَنْ أمْرِ رَبِّهِمْ وَقَالُوا یَا صَالِحُ ائْتِنَا بِمَا تَعِدُنَا } من العذاب .

{ وَقَالُوا یَا صَالِحُ ائْتِنَا بِمَا تَعِدُنَا إنْ کُنتَ مِنَ المُرْسَلِینَ77 }.

لم یطلب هؤلاء الخیر من السماء دلالة علی نبوته مثلا یرسل لهم مائدة سماویة, ومطرا ینفعهم وخیرا یعمهم بل طلبوا الهلاک دلالة علی طغیانهم .

ص: 42

قال امام الحکمة علی علیه السلام : من کثر نزاعه بالجهل دام عماه عن الحق , ومن زاغ ساءت عنده الحسنة , وحسنت عنده السیئة , و سکر الضلالة ((1)) .

لذا تری أحبار الدین وساسة السوء وسلاطین الفسق مشغولین بمؤامرات ومکائد شیطانیة .

وهو نفس منهج الحارث المعاند لبیعة الامام علی علیه السلام ونزلت علیه حجارة من السماء . وهو منهج الکفار الطغاة .

{فَأخَذَتْهُمُ الرَّجْفَةُ فَأصْبَحُوا فِی دَارِهِمْ جَاثِمِینَ78 } سورة الاعراف.

أخذتهم الزلزلة فأصبحوا صرعی تحت الانقاض یأنون مما حلَّ بهم , فتولی صالح علیه السلام .

عن جابر بن عبد الله ، قال: لما مر النبی صلی الله علیه و آله و سلم بالحجر فی غزوة تبوک قال لأصحابه: « لا یدخلن أحد منکم القریة ولا تشربوا من مائهم ولا تدخلوا علی هؤلاء المعذبین إلا أن تکونوا باکین أن یصیبکم الذی أصابهم » .

ثم قال: « أما بعد ، فلا تسألوا رسولکم الآیات ، هؤلاء قوم صالح سألوا رسولهم الآیة ، فبعث الله لهم الناقة ، وکانت ترد من هذا الفج وتصدر من هذا الفج ، تشرب ماءهم یوم ورودها _ وأراهم مرتقی الفصیل حین ارتقی فی القارة _ فعتوا عن أمر ربهم فعقروها ، فأهلک الله من تحت أدیم السماء

ص: 43

منهم فی مشارق الأرض ومغاربها إلا رجلا واحدا یقال له: أبو رغال ، وهو أبو ثقیف ، کان فی حرم الله فمنعه حرم الله من عذاب الله ، فلما خرج أصابه ما أصاب قومه فدفن ، ودفن معه غصن من ذهب ، وأراهم قبر أبی رغال ، فنزل القوم فابتدروه بأسیافهم ، وحثوا عنه ، فاستخرجوا ذلک الغصن ، ثم قنع رسول الله صلی الله علیه و آله و سلم رأسه وأسرع السیر حتی جاز الوادی »((1)) .

{فَتَوَلَّی عَنْهُمْ وَقَالَ یَا قَوْمِ لَقَدْ أبْلَغْتُکُمْ رِسَالَةَ رَبِّی وَنَصَحْتُ لَکُمْ وَلَکِنْ لا تُحِبُّونَ النَّاصِحِینَ79 } سورة الاعراف.

مثل حال المعاندین سابقاً وحاضراً .

کان قومه قد اتفقوا علی التآمر لقتل النبی صالح علیه السلام : ( وکان فی المدینة تسعة رهط یفسدون فی الأرض ولا یصلحون . قالوا تقاسموا بالله لنبیتنه وأهله ثم لنقولن لولیه ما شهدنا مهلک أهله وإنا لصادقون ) ((2)) .

قال قتادة: تحالفوا علی أن یفتکوا بصالح لیلا, فمروا یتعانقون _ أی یسرعون _ فأرسل الله علیهم صخرة فأهلکتهم .

قال مجاهد: تقاسموا علی أن یأتوا صالحا لیلا, فأهلکوا , وهلک قومهم أجمعون ((3)) .

ص: 44

ورد: " إنه بعث إلی قومه وهو ابن ست عشرة سنة ، فلبث فیهم حتی بلغ عشرین ومائة سنة لا یجیبونه إلی خیر ، وکان لهم سبعون صنما یعبدونها من دون الله . فقال لهم: إن شئتم فاسألونی حتی أسأل إلهی فیجیبکم فیما سألتمونی الساعة ، وإن شئتم سألت آلهتکم ، فإن أجابتنی بالذی أسألها خرجت عنکم ، فقد سأمتکم وسأمتمونی .

فقالوا: قد أنصفت . فدعا کلها بأسمائها فلم یجبه منها شئ ، فنحوا بسطهم وفرشهم وثیابهم ، وتمرغوا علی التراب ، وطرحوا التراب علی رؤوسهم ، وقالوا لأصنامهم:

لئن لم تجیبی صالحا الیوم لنفتضحن ، ثم دعوه فقالوا: یا صالح أدعها ، فدعاها ، فلم تجبه . قال: فاسألونی حتی أدعو إلهی یجبکم الساعة ، فقالوا:

أدع لنا ربک یخرج لنا من هذا الجبل الساعة ناقة حمراء شقراء وبراء عشراء بین جنبیها میل . فقال لهم: لقد سألتمونی شیئا یعظم علی ویهون علی ربی تعالی ، فسأل الله ذلک ، فانصدع الجبل صدعا کادت تطیر منه عقولهم لما سمعوا ذلک ، ثم اضطرب ذلک الجبل اضطرابا شدیدا کالمرأة إذا أخذها المخاض ، ثم لم یفجأهم إلا رأسها قد طلع علیهم من ذلک الصدع ، فما استتمت رقبتها حتی اجترت ، ثم خرج سایر جسدها ثم استوت قائمة علی الأرض فلما رأوا ذلک قالوا: یا صالح ما أسرع ما أجابک ربک ، أدع لنا

ص: 45

یخرج لنا فصیلها ، فسأل الله ذلک ، فرمت به ، فدب حولها . فقال لهم: یا قوم أبقی شئ ؟

قالوا: لا ، انطلق بنا إلی قومنا نخبرهم بما رأینا ویؤمنون بک .قال: فرجعوا ، فلم یبلغ السبعون إلیهم حتی ارتد منهم أربعة وستون رجلا ، وقالوا: سحر وکذب . قالوا فانتهوا إلی الجمیع ، فقال الستة: حق ، وقال الجمیع: کذب وسحر ، فانصرفوا علی ذلک ، ثم ارتاب من الستة واحد ، فکان فیمن عقرها " ((1)) .

أخرج أبو الحسن الفقیه علی بن محمد بن شاذان فی المناقب المائة التی جمعها من طرق العامّة, بسنده عن عکرمة, عن ابن عباس قال: قال رسول الله صلی الله علیه و آله و سلم بعد منصرفه من حجّة الوداع: {أیّها الناس...

إلی أن قال صلی الله علیه و آله و سلم : ألا وإنّ ربّی أمرنی بوصیّتکم .

ألا وإنّ ربّی أمرنی أن أدلّکم علی سفینة نجاتکم وباب حطّتکم.

فمن أراد منکم النجاة بعدی والسلام ة من الفتن المردیة فلیتمسّک بولایة علی بن أبی طالب علیه السلام .

ص: 46

فإنّه الصدّیق الأکبر والفاروق الأعظم وهو إمام کلّ مسلم بعدی, من أحبّه واقتدی به فی الدنیا ورد علیَّ حوضی, ومن خالفه لم یرده (الحوض) , ولم یرنی واختلج دونی, وأخذ به ذات الشمال إلی النار.

أیّها الناس إنّی: (نَصَحْتُ لَکُمْ وَلَکِنْ لا تُحِبُّونَ النَّاصِحِینَ) ((1)) .

أقول: هذه الآیة الکریمة نزلت فی شأن ثمود قوم نبی الله صالح علیه السلام ...

واستشهد بها النبی الأعظم صلی الله علیه و آله و سلم لبیان أهمیة ولایة الامام علی علیه السلام , فمن ترکها کان کبنی ثمود المعاندین للنبی صالح .

لذا کان تفسیر القرآن بید النبی وآله الکرام لان القرآن له بطون کثیرة لا یعرفها الناس . وأمر النبی صلی الله علیه و آله و سلم أن لا یفسر القرآن الا أهل البیت الثقل الثانی للقرآن .

{ وَلُوطاً إذْ قَالَ لِقَوْمِهِ أتَأتُونَ الفَاحِشَةَ مَا سَبَقَکُمْ بِهَا مِنْ أحَد مِنَ العَالَمِینَ80* } _سورة الاعراف.{وَلُوطاً إذْ قَالَ لِقَوْمِهِ أتَأتُونَ الفَاحِشَةَ } السیئة الذکر الا وهی اللواط (الشذوذ الجنسی):

{ مَا سَبَقَکُمْ بِهَا مِنْ أحَد مِنَ العَالَمِینَ80 }.

تفنن الکفار فی مخالفة الدین بالشرک بالله تعالی والزنا واللواط والسرقة والقتل والربا وغیرها الکثیر .

ص: 47

وکان قوم بنی لوط أول من اخترع عادة اللواط القبیحة والحقیرة وکانوا یسکنون مدینة الزرقاء الاردنیة .

وعن أمیر المؤمنین علیه السلام : ( إن أخوف ما أخاف علیکم اثنتان : اتباع الهوی وطول الأمل ، أما اتباع الهوی فإنه یصد عن الحق ، وأما طول الأمل فینسی الآخرة ) ((1))

.

وقال رسول الله ( صلی الله علیه و آله و سلم ) : إن أخوف ما أخاف علی أمتی من عمل قوم لوط ((2)) .

_ عنه ( صلی الله علیه و آله و سلم ) : من وجدتموه یعمل عمل قوم لوط ، فاقتلوا الفاعل والمفعول به ((3))

.

_ عنه ( صلی الله علیه و آله و سلم ) : من ألح فی وطی الرجال لم یمت حتی یدعو الرجال إلی نفسه ((4)) . وقال الإمام الرضا ( علیه السلام ) : علة تحریم الذکران للذکران والإناث للإناث ، لما رکب فی الإناث وما طبع علیه الذکران ، ولما فی

ص: 48

إتیان الذکران الذکران والإناث الإناث من انقطاع النسل ، وفساد التدبیر ، وخراب الدنیا((1)).

{إنَّکُمْ لَتَأتُونَ الرِّجَالَ شَهْوَةً مِنْ دُونِ النِّسَاءِ بَلْ أنْتُمْ قَوْمٌ

مُسْرِفُونَ 81 }

سورة الاعراف.{إنَّکُمْ لَتَأتُونَ الرِّجَالَ } فی أدبارهم {شَهْوَةً مِنْ دُونِ النِّسَاءِ } وتترکون النساء عرضة للشیطان فبعضهن یتعففن ویلتزمن الایمان وبعضهن تساحق بعضا والبعضی تزنی بسبب ترک الازواج لهن .{بَلْ أنْتُمْ قَوْمٌ مُسْرِفُونَ (81) }. فی أعمال الحرام .

{وَمَا کَانَ جَوَابَ قَوْمِهِ إلا أنْ قَالُوا أخْرِجُوهُمْ مِنْ قَرْیَتِکُمْ إنَّهُمْ اُنَاسٌ یَتَطَهَّرُونَ82 } سورة الاعراف:

العقوبة تنفذ فی الشاذ عادة جزاءا بما یفعلون لکن الشاذین نفذوها فی الطاهرین الممتنعین عن اللواط !!!

وأصبحت عادة محاربة الطاهرین العفیفین الزاهدین المخلصین معروفة فقد جاء أربعة آلاف رجل من الطلقاء والاعراب وباقی المنافقین یحملون النار

ص: 49

والحطب علی باب دار فاطمة ÷ سیدة نساء أهل الجنة ((1)) ولم ینفکوا عنه الا بعدما کسروا ضلعها وقتلوا ما فی بطنها, متسببین فی شهادتها ((2)) .

{فَأنجَیْنَاهُ وَأهْلَهُ إلا امْرَأتَهُ کَانَتْ مِنَ الغَابِرِینَ83 } سورة الاعراف.

لقد کانت زوجة لوط من الداعیات الی اللواط وترک النساء علی خلاف سجایا بنات آدم , وقد ابتلی الکثیر من الأنبیاء ببعض نسائهم ومنهم النبی محمد صلی الله علیه و آله و سلم حیث حذر عائشة من التبرج والخروج لمحاربة الامام علی

ص: 50

علیه السلام : فتنبحها کلاب الحوأب وتکون من المرتدین .وکان قد نزل فی حقها هذه الایة: (وَقَرْنَ فِی بُیُوتِکُنَّ وَلاَ تَبَرَّجْنَ تَبَرُّجَ الْجَاهِلِیَّةِ الاُْولَی) ((1)).

ونزلت فی أهل الجمل ومنهم عائشة :{یَا أیُّهَا الَّذِینَ آمَنُوا مَنْ یَرْتَدَّ مِنْکُمْ عَنْ دِینِهِ فَسَوْفَ یَأتِی اللّهُ بِقَوْم یُحِبُّهُمْ وَیُحِبُّونَهُ أذِلَّة عَلَی المُؤْمِنِینَ أعِزَّة عَلَی الکَافِرِینَ یُجَاهِدُونَ فِی سَبِیلِ اللّهِ وَلا یَخَافُونَ لَوْمَةَ لائِم ذَلِکَ فَضْلُ اللّهِ یُؤْتِیهِ مَنْ یَشَاءُ وَاللّهُ وَاسِعٌ عَلِیمٌ } 54 سورة المائدة .

روی أنه قال أمیر المؤمنین علیه السلام یوم البصرة : والله ما قوتل أهل هذه الآیة حتی الیوم ، و تلا : {یا أیها الذین آمنوا من یرتد منکم عن دینه } ، ومثل ذلک قال عمار وحذیفة وابن عباس ((2)).

واخبر جبرائیل بخروج عائشة لمحاربة الامام علی علیه السلام فی البصرة فقال النبی لعائشة أمام باقی نسائه: « کأنّی بک تنبحک کلاب الحوأب إیّاک أن

ص: 51

تکونی أنت یاحمیرا ((1)) , تقاتلین علیّاً وأنتِ له ظالمة »((2)).

فهی المرأة المخالفة للآیة الشریفة والحدیث وعصت أمر الباری تعالی وخرجت إلی البصرة محاربة لله ورسوله وولیّه ، ظاهرة ومتبرجة بین الرجال

ص: 52

، داعیة للفتنة مریقة لدماء المسلمین فی حرب الجمل ، وساعیة لقتل وصی رسول الله ( صلی الله علیه و آله و سلم ) والحسن والحسین ‘ ((1)).

وعندما دعا الرسول الأعظم ( صلی الله علیه و آله و سلم ) بورقة ودواة لیکتب کتاباً لن یضلّ المسلمون بعده أبداً ، قال عمر وأعوانه (أبو بکر وعثمان وابن الجرّاح وعائشة وحفصة وسودة) لرسول الله: یهجر ، یهجر ((2)).

وقال رسول الله ( صلی الله علیه و آله و سلم ) لنسائه العاصیات: « إنّکنّ صواحب یوسف » ((3)).

ص: 53

وقال الرسول ( صلی الله علیه و آله و سلم ) لمن سقاه الدواء (السمّ) فی بیت عائشة متسببا فی قتله: إنّها من الشیطان((1)).

والذین سقوا النبی ( صلی الله علیه و آله و سلم ) السمّ بإسم الدواء وقتلوه هم: عائشة وحفصة وأبو بکر وعمر((2)). حیث قال الامام جعفر الصادق : إجتمع الأربعة علی سمّه ((3)).

وأکد الامام الصادق سقی عائشة وحفصة السمَّ للنبی بقوله علیه السلام : عائشة وحفصة سقتاه (سماً) ((4)).

وجاء فی صحیح البخاری :أشار رسول الله ( صلی الله علیه و آله و سلم ) إلی بیت عائشة قائلا:

ص: 54

« هاهنا الفتنة هاهنا الفتنة من حیث یخرج قرن الشیطان » ((1)) .

ص: 55

صحیح مسلم: عن ابن عمر :خرج رسول الله صلی الله علیه و آله و سلم من بیت عائشة قال: رأس الکفر من هاهنا من حیث یطلع قرن الشیطان ((1))

.

وقال رسول الله صلی الله علیه و آله و سلم لعائشة یوماً: أفأخذک شیطانکِ((2)).

{وَأمْطَرْنَا عَلَیْهِمْ مَطَراً فَانظُرْ کَیْفَ کَانَ عَاقِبَةُ المُجْرِمِینَ}84 سورة الاعراف.{وَأمْطَرْنَا عَلَیْهِمْ مَطَراً } جاء فی سورة الحجر آیة 74: (وأمطرنا علیهم حجارة من سجیل ) . فَانظُرْ کَیْفَ کَانَ عَاقِبَةُ المُجْرِمِینَ84 .

فقتلوا جمیعا ولم ینجُ منهم أحدا . والسؤال المطروح :کم شخصا یسیر الیوم علی منهج قوم بنی لوط ویستحق المطر الالهی القاتل ؟

عن جابر بن عبد الله ، قال: قال رسول الله صلی الله علیه و آله و سلم : « إن من أخوف ما أخاف علی امتی عمل قوم لوط » ((3)) .

وعن ابن عباس ، أن النبی صلی الله علیه و آله و سلم قال: « من وجدتموه یعمل عمل قوم لوط

ص: 56

، فاقتلوا الفاعل والمفعول به » ((1)) .

{ وَإلَی مَدْیَنَ أخَاهُمْ شُعَیْباً قَالَ یَا قَوْمِ اعْبُدُوا اللّهَ مَا لَکُمْ مِنْ إلَه غَیْرُهُ قَدْ جَاءَتْکُمْ بَیِّنَةٌ مِنْ رَبِّکُمْ فَأوْفُوا الکَیْلَ وَالمِیزَانَ وَلا تَبْخَسُوا النَّاسَ أشْیَاءَهُمْ وَلا تُفْسِدُوا فِی الأرْضِ بَعْدَ إصْلاحِهَا ذَلِکُمْ خَیْرٌ لَکُمْ إنْ کُنتُمْ مُؤْمِنِینَ 85 } سورة الاعراف.

{ وَإلَی مَدْیَنَ أخَاهُمْ شُعَیْباً } کان شعیب لیناً فی الخطابة فقالوا عنه خطیب الانبیاء , وقد بعث الی مدین وهم أولاد مدین بن ابراهیم .

{قَالَ } شعیب {یَا قَوْمِ اعْبُدُوا اللّهَ مَا لَکُمْ مِنْ إلَه غَیْرُهُ قَدْ جَاءَتْکُمْ بَیِّنَةٌ } معجزة الهیة {مِنْ رَبِّکُمْ فَأوْفُوا الکَیْلَ وَالمِیزَانَ } ولا تنقصوهما.

{وَلا تَبْخَسُوا النَّاسَ أشْیَاءَهُمْ } أی لا تنالوا من الناس وتشوهوا سمعتهم وتحرفوا صورهم کذباً وزوراً .

{وَلا تُفْسِدُوا فِی الأرْضِ } بالکفر والفسق والفجور {بَعْدَ إصْلاحِهَا } بالانبیاء والشرائع السماویة .

{ذَلِکُمْ خَیْرٌ لَکُمْ إنْ کُنتُمْ مُؤْمِنِینَ85 } .

ص: 57

{ وَلا تَقْعُدُوا بِکُلِّ صِرَاط تُوعِدُونَ وَتَصُدُّونَ عَنْ سَبِیلِ اللّهِ مَنْ آمَنَ بِهِ وَتَبْغُونَهَا عِوَجاً وَاذْکُرُوا إذْ کُنتُمْ قَلِیلا فَکَثَّرَکُمْ وَانظُرُوا کَیْفَ کَانَ عَاقِبَةُ المُفْسِدِینَ 86 }

سورة الاعراف.

{ وَلا تَقْعُدُوا بِکُلِّ صِرَاط تُوعِدُونَ وَتَصُدُّونَ عَنْ سَبِیلِ اللّهِ } بالتهدید والوعید {مَنْ آمَنَ بِهِ وَتَبْغُونَهَا عِوَجاً } کان قوم شعیب یقعدون علی الطریق لمنع الناس من لقاء المؤمنین بشعیب .

{وَاذْکُرُوا إذْ کُنتُمْ قَلِیلا فَکَثَّرَکُمْ } فی العدد {وَانظُرُوا کَیْفَ کَانَ عَاقِبَةُ المُفْسِدِینَ86 } من الامم الاخری الذین أهلکهم الله تعالی مثل قوم نوح وهود وصالح .

وکان أمیر المؤمنین علیه السلام یقول: إذا لقی العدو محاربا :

« اللهم أفضت [ إلیک ] القلوب ومدت الأعناق ، وشخصت الأبصار ، ونقلت الأقدام ، وأنضیت الأبدان ، اللهم قد صرح مکنون الشنآن ، وجاشت مراجل الأضغان ، اللهم إنا نشکو إلیک غیبة نبینا ، وکثرة عدونا ، وتشتت أهوائنا ربنا افتح بیننا وبین قومنا بالحق وأنت خیر الفاتحین ((1)) .

{ وَإنْ کَانَ طَائِفَةٌ مِنْکُمْ آمَنُوا بِالَّذِی اُرْسِلْتُ بِهِ وَطَائِفَةٌ لَمْ یُؤْمِنُوا فَاصْبِرُوا حَتَّی یَحْکُمَ اللّهُ بَیْنَنَا وَهُوَ خَیْرُ الحَاکِمِینَ87 } سورة الاعراف.

ص: 58

دعا الله تعالی الذین آمنوا بشعیب والذین لم یؤمنوا به الی التعایش بسلام الی أن یحکم فی قضیتهم , والتعایش السلمی یؤدی الی نشر الدین , والقضاء علی الجهل والکفر .

{ قَالَ المَلأُ الَّذِینَ اسْتَکْبَرُوا مِنْ قَوْمِهِ لَنُخْرِجَنَّکَ یَا شُعَیْبُ وَالَّذِینَ آمَنُوا مَعَکَ مِنْ قَرْیَتِنَا أوْ لَتَعُودُنَّ فِی مِلَّتِنَا قَالَ أوَلَوْ کُنَّا کَارِهِینَ88 }

سورة الاعراف. لکن {قَالَ المَلأُ الَّذِینَ اسْتَکْبَرُوا مِنْ قَوْمِهِ لَنُخْرِجَنَّکَ یَا شُعَیْبُ وَالَّذِینَ آمَنُوا مَعَکَ مِنْ قَرْیَتِنَا أوْ لَتَعُودُنَّ فِی مِلَّتِنَا } کافرین , رافضین فکرة التعایش السلمی مع المؤمنین {قَالَ } شعیب :

{ أوَلَوْ کُنَّا کَارِهِینَ88 } :

الاکراه علی النفی والکفر وهو منهج الکفار الماضین والحاضرین .

عن الباقر علیه السلام قال: « أما شعیب فإنه أرسل إلی مدین ، وهی لا تکمل أربعین بیتا » ((1)) . رغم صغر القریة وقلة دورها تراهم لم یستوعبوا التعالیم الالهیة النبویة وهددوا النبی بالقتل والنفی !!!

فکیف لو کانوا خمسة عشر ملیونا مثل سکان مدن الدنیا حالیا .

{ قَدْ افْتَرَیْنَا عَلَی اللّهِ کَذِباً إنْ عُدْنَا فِی مِلَّتِکُمْ بَعْدَ إذْ نَجَّانَا اللّهُ مِنْهَا وَ مَا یَکُونُ لَنَا أنْ نَعُودَ فِیهَا إلا أنْ یَشَاءَ اللّهُ رَبُّنَا وَسِعَ رَبُّنَا کُلَّ شَیْء

ص: 59

عِلْماً عَلَی اللّهِ تَوَکَّلْنَا رَبَّنَا افْتَحْ بَیْنَنَا وَبَیْنَ قَوْمِنَا بِالحَقِّ وَأنْتَ خَیْرُ الفَاتِحِینَ89* } سورة الاعراف.

{قَدْ افْتَرَیْنَا عَلَی اللّهِ کَذِباً } الافتراء یکون لاننا نؤمن بالله , ثم نعود الی الکفر مدَّعین افتراءاً عدم وجوده تعالی فهذا افتراء .

{إنْ عُدْنَا فِی مِلَّتِکُمْ } کیف نعود الی الکفر والی جماعتکم الکافرة الفاسدة { بَعْدَ إذْ نَجَّانَا اللّهُ مِنْهَا } واصبحنا مسلمین .

{وَ مَا یَکُونُ لَنَا أنْ نَعُودَ فِیهَا إلا أنْ یَشَاءَ اللّهُ } بناء ما لا یکون علی ما لا یکون , اذ لا یوافق الله علی عودتهم الی الکفر .

{رَبُّنَا وَسِعَ رَبُّنَا کُلَّ شَیْء عِلْماً } أحاط علمه بکل شی .

{عَلَی اللّهِ تَوَکَّلْنَا } فی مناهج حیاتنا جمیعاً {رَبَّنَا افْتَحْ بَیْنَنَا وَبَیْنَ قَوْمِنَا بِالحَقِّ } اللهم اظهر المحق من المبطل .

{وَأنْتَ خَیْرُ الفَاتِحِینَ89 }: خیر الناصرین .

{ وَقَالَ المَلأُ الَّذِینَ کَفَرُوا مِنْ قَوْمِهِ لَئِنْ اتَّبَعْتُمْ شُعَیْباً إنَّکُمْ إذاً لَخَاسِرُونَ 90} سورة الاعراف.{ وَقَالَ المَلأُ الَّذِینَ کَفَرُوا مِنْ قَوْمِهِ } وهو تهدید للمؤمنین به والتابعین له {لَئِنْ اتَّبَعْتُمْ شُعَیْباً إنَّکُمْ إذاً لَخَاسِرُونَ90 } أموالکم وأنفسکم ونساءکم وأطفالکم .

ص: 60

کان هذا تهدیدا منهم بقتلهم وسبی أطفالهم ونسائهم وسلب أموالهم ودورهم وهو تهدید خطیر یرتجف منه الناس ولا یقوی علی صده الا المؤمنون الزاهدون فی الدنیا المتهیؤون للشهادة والتضحیة فی سبیل الله .

{فَأخَذَتْهُمُ الرَّجْفَةُ فَأصْبَحُوا فِی دَارِهِمْ جَاثِمِینَ(91) } سورة الاعراف. صعقتهم الزلزلة فأهلکتهم , فأصبحوا من الهالکین , وهو جواب الله تعالی لهم بعد تهدیدهم المتقین .

{الَّذِینَ کَذَّبُوا شُعَیْباً کَأنْ لَمْ یَغْنَوْا فِیهَا الَّذِینَ کَذَّبُوا شُعَیْباً کَانُوا هُمُ الخَاسِرِینَ92 } سورة الاعراف. بعد طغیانهم وتهدیدهم للمؤمنین أهلکهم الله تعالی فکأنما لم یسکنوا فی الارض , لقصر مدَّة حیاتهم فی الدنیا .

{ فَتَوَلَّی عَنْهُمْ وَقَالَ یَا قَوْمِ لَقَدْ أبْلَغْتُکُمْ رِسَالاتِ رَبِّی وَنَصَحْتُ لَکُمْ فَکَیْفَ آسَی عَلَی قَوْم کَافِرِینَ 93 }

سورة الاعراف.

{فَتَوَلَّی } شعیب {عَنْهُمْ } قومه الهلکی {وَقَالَ یَا قَوْمِ لَقَدْ أبْلَغْتُکُمْ رِسَالاتِ رَبِّی وَنَصَحْتُ لَکُمْ } فلم تستمعوا لی .

{فَکَیْفَ آسَی }أحزن {عَلَی قَوْم کَافِرِینَ93 } .

{ وَمَا أرْسَلْنَا فِی قَرْیَة مِنْ نَبِیٍّ إلا أخَذْنَا أهْلَهَا بِالبَأسَاءِ وَالضَّرَّاءِ لَعَلَّهُمْ یَضَّرَّعُونَ94 } سورة الاعراف. { وَمَا أرْسَلْنَا فِی قَرْیَة مِنْ نَبِیٍّ } الی قومه فکفروا {إلا أخَذْنَا أهْلَهَا بِالبَأسَاءِ } الفقر {وَالضَّرَّاءِ } المرض . {لَعَلَّهُمْ یَضَّرَّعُونَ94 } :یتوبون ویندمون علی زیغهم .

ص: 61

{ثُمَّ بَدَّلْنَا مَکَانَ السَّیِّئَةِ الحَسَنَةَ حَتَّی عَفَوا وَقَالُوا قَدْ مَسَّ آبَاءَنَا الضَّرَّاءُ وَالسَّرَّاءُ فَأخَذْنَاهُمْ بَغْتَةً وَهُمْ لا یَشْعُرُونَ 95 } سورة الاعراف.

{ثُمَّ بَدَّلْنَا مَکَانَ السَّیِّئَةِ الحَسَنَةَ } طوینا صفحة الفقر والمرض وجئنا بصفحة الخیر والعافیة , لنمتحنهم فیه .

{حَتَّی عَفَوا}ازداد خیرهم وتحسن حالهم , لکن هل شکروا؟

الجواب: لا بل {وَقَالُوا } کفراً بالنعمة السماویة .

{قَدْ مَسَّ آبَاءَنَا الضَّرَّاءُ وَالسَّرَّاءُ } أمَّا نحن فخیرنا وافر بسبب شطارتنا ومیل الدنیا الینا ولم تکن من الله تعالی لذا لا نشکره , فأبطرتهم النعمة والصحّة فجاءهم الرد الربَّانی .

{فَأخَذْنَاهُمْ } بالعذاب {بَغْتَةً وَهُمْ لا یَشْعُرُونَ95 }.

قال رسول الله صلی الله علیه و آله و سلم : حفوا الشوارب وأعفوا اللحی ولا تتشبهوا بالمجوس » . قال الکسائی: قوله ( تعفی ) یعنی توفر وتکثر ، قال الله عز وجل: ( حَتَّی عَفَوْا ) یعنی کثروا ((1)) .

{وَلَوْ أنَّ أهْلَ القُرَی آمَنُوا وَاتَّقَوْا لَفَتَحْنَا عَلَیْهِمْ بَرَکَات مِنَ السَّمَاءِ وَالأرْضِ وَلَکِنْ کَذَّبُوا فَأخَذْنَاهُمْ بِمَا کَانُوا یَکْسِبُونَ 96} سورة

ص: 62

الاعراف. قال رسول الله صلی الله علیه و آله و سلم : « أکرموا الخبز ، فإن الله أنزله من برکات السماء ، وأخرجه من برکات الأرض »((1)) .

{ وَلَوْ أنَّ أهْلَ القُرَی آمَنُوا } بالله ورسله وکتبه , وعملوا بالأصول والفروع الدینیة {وَاتَّقَوْا } المعاصی ممتنعین عنها وعملوا الصالحات {لَفَتَحْنَا عَلَیْهِمْ بَرَکَات مِنَ السَّمَاءِ وَالأرْضِ } بکثرة المطر والعافیة والأمان, کما قال النبی صلی الله علیه و آله و سلم : نعمتان مجهولتان العافیة والأمان .

{وَلَکِنْ کَذَّبُوا } بربهم ورسله وکتبه {فَأخَذْنَاهُمْ } بالعذاب .

{بِمَا کَانُوا یَکْسِبُونَ96 }: یفعلون من فسق وفجور .

{ أفَأمِنَ أهْلُ القُرَی أنْ یَأتِیَهُمْ بَأسُنَا بَیَاتاً وَهُمْ نَائِمُونَ97 } سورة الاعراف. { أفَأمِنَ أهْلُ القُرَی } هؤلاء المعاندون , الهمزة للتوبیخ والفاء للعطف {أنْ یَأتِیَهُمْ بَأسُنَا } عذابنا {بَیَاتاً } لیلا . لذا جاء فی الحروب :بیتوهم وقتلوهم علی حین غفلة منهم .

{وَهُمْ نَائِمُونَ97 } فی سررهم .هذا الانتقام الالهی یحدث لکل فرد فی الجبال والسهول والصحاری ولا یقتصر علی القری والمدن , والزمان والحاضر .

ص: 63

{أوَ أمِنَ أهْلُ القُرَی أنْ یَأتِیَهُمْ بَأسُنَا ضُحیً وَهُمْ یَلْعَبُونَ 98 } سورة الاعراف. {أوَ أمِنَ أهْلُ القُرَی أنْ یَأتِیَهُمْ بَأسُنَا } عذابنا {ضُحیً } نهاراً .{وَهُمْ یَلْعَبُونَ98 }: یلهون فی مفاسد الدنیا .

ویمکن أن یأتی الموت الالهی نهارا لان الله تعالی لم یحدد زمن الموت فی اللیل . فالکثیر من الناس یموتون نهارا .

{ أفَأمِنُوا مَکْرَ اللّهِ فَلا یَأمَنُ مَکْرَ اللّهِ إلا القَوْمُ الخَاسِرُونَ 99 } سورة الاعراف. {أفَأمِنُوا مَکْرَ اللّهِ } فی إعطائه للخیرات .

مکر الله: انتقامه من العابثین الماکرین بالعذاب .

وفی بعض الروایات: « خف اللَّه خیفة لو جئته ببر الثقلین لعذبک ، وارج اللَّه رجاءً لو جئته بذنوب الثقلین لرحمک » .

وأسلوب هذه الروایة من أبلغ أسالیب التخویف والتحذیر من معصیته تعالی وإلا فإن اللَّه سبحانه قد کتب علی نفسه الرحمة بالمتقین ، وأمنهم بقوله: ( فَلَهُمْ أَجْرُهُمْ عِنْدَ رَبِّهِمْ ولا خَوْفٌ عَلَیْهِمْ ولا هُمْ یَحْزَنُونَ ) _ 62 البقرة .

{فَلا یَأمَنُ مَکْرَ اللّهِ إلا القَوْمُ الخَاسِرُونَ99 } البعیدون عن التدبٌّر والعبر.

{ أوَ لَمْ یَهْدِ لِلَّذِینَ یَرِثُونَ الأرْضَ مِنْ بَعْدِ أهْلِهَا أنْ لَوْ نَشَاءُ أصَبْنَاهُمْ بِذُنُوبِهِمْ وَنَطْبَعُ عَلَی قُلُوبِهِمْ فَهُمْ لا یَسْمَعُونَ 100} سورة الاعراف.

{أوَ لَمْ یَهْدِ } یتبین {لِلَّذِینَ یَرِثُونَ الأرْضَ مِنْ بَعْدِ أهْلِهَا أنْ لَوْ نَشَاءُ أصَبْنَاهُمْ بِذُنُوبِهِمْ } ألم یتدبَّر الوارثون من هلاک الموروثین وما حلَّ بهم

ص: 64

جماعات وأفراداً , نتیجة أعمالهم الشرِّیرة من شرک وحسد وبخل وطمع و..وقد یقع التدمیر بالوارثین .

أولا یستفید الوارثون من التدبر فی ان مصیرهم سوف یکون مثل مصیر المورثین من الموت والانتقال الی المقابر .

{وَنَطْبَعُ عَلَی قُلُوبِهِمْ } بسبب کفرهم وذنوبهم {فَهُمْ لا یَسْمَعُونَ(100) }.

الوعظ الدینی , لوصولهم الی طریق مسدود .

{ تِلْکَ القُرَی نَقُصُّ عَلَیْکَ مِنْ أنْبَائِهَا وَلَقَدْ جَاءَتْهُمْ رُسُلُهُمْ بِالبَیِّنَاتِ فَمَا کَانُوا لِیُؤْمِنُوا بِمَا کَذَّبُوا مِنْ قَبْلُ کَذَلِکَ یَطْبَعُ اللّهُ عَلَی قُلُوبِ الکَافِرِینَ 101 }

سورة الاعراف. {تِلْکَ القُرَی نَقُصُّ عَلَیْکَ مِنْ أنْبَائِهَا } قوم نوح وهود وصالح ولوط وشعیب.

{وَلَقَدْ جَاءَتْهُمْ رُسُلُهُمْ بِالبَیِّنَاتِ فَمَا کَانُوا لِیُؤْمِنُوا } عند مجیء الانبیاء {بِمَا کَذَّبُوا مِنْ قَبْلُ }: وصول الانبیاء واستمروا فی کفرهم. {کَذَلِکَ یَطْبَعُ اللّهُ عَلَی قُلُوبِ الکَافِرِینَ(101) } .

الذین لم یتَّعظوا بقصص الآخرین .

{فَمَا کَانُوا لِیُؤْمِنُوا بِمَا کَذَّبُوا مِنْ قَبْلُ }: فی الذر الأول قال لا یؤمنون فی الدنیا بما کذبوا فی الذر الأول وهی رد علی من انکر المیثاق فی الذر

ص: 65

الأول ثم قال ( وما وجدنا لأکثرهم من عهد ) ای ما عهدنا علیهم فی الذر لم یفوا به فی الدنیا ((1)) .

عن الامام ابی جعفر الباقر علیه السلام ، قال: « إن الله عز وجل خلق الخلق ، فخلق من أحب مما أحب ، فکان ما أحب أن خلقه من طینة الجنة ، وخلق من أبغض مما أبغض ، وکان ما أبغض أن خلقه من طینة النار ، ثم بعثهم فی الظلال » .

فقلت: وأی شیء الظلال ؟ فقال: « ألم تر إلی ظلک فی الشمس شیئا ولیس بشیء ، ثم بعث منهم النبیین فدعوهم إلی الإقرار بالله عز وجل ، وهو قوله عز وجل: (ولَئِنْ سَأَلْتَهُمْ مَنْ خَلَقَهُمْ لَیَقُولُنَّ اللَّه ) ثم دعوهم إلی الإقرار بالنبیین ، فأقر بعض وأنکر بعض ، ثم دعوهم إلی ولایتنا ، فأقر بها والله من أحب ، وأنکرها من أبغض ، وهو قوله: فَما کانُوا لِیُؤْمِنُوا بِما کَذَّبُوا بِه مِنْ قَبْلُ » . ثم قال أبو جعفر علیه السلام : « کان التکذیب » ((2)) .

ص: 66

قال: وروی [ هذا الحدیث ابن بابویه فی ( العلل ) عن أبیه ، عن سعد بن عبد الله ، عن ] أحمد بن محمد ، عن محمد بن إسماعیل بن بزیع ، بباقی السند والمتن ((1)) .

علی بن إبراهیم: قوله تعالی: ( وما وَجَدْنا لأَکْثَرِهِمْ مِنْ عَهْدٍ ) أی: ما عهدنا علیهم فی الذر لم یفوا به فی الدنیا ( وإِنْ وَجَدْنا أَکْثَرَهُمْ لَفاسِقِینَ ) ((2)) .

نزلت فی الشاک _ أی شکک بعد إقامة البرهان بالمعجزة أو بالنص من أبی لیس إلا عنادا عن الحق فلا ینفع فیک معجزة أخری وفی القوی عن أمیر المؤمنین علیه السلام ، لا ترتابوا فتشکوا ولا تشکوا فتکفروا _ أی لا تنظروا إلی الشبهات فتکفروا بالشک .

وفی الحسن کالصحیح عن الکاهلی قال : قال أبو عبد الله علیه السلام لو أن قوما عبدوا الله وحده لا شریک له وأقاموا الصلاة وآتوا الزکاة ، وحجوا البیت وصاموا شهر رمضان ثمَّ قالوا شیء صنعه الله أو صنعه النبی صلی الله علیه و آله و سلم ألا صنع خلاف الذی صنع أو وجدوا ذلک فی قلوبهم لکانوا بذلک من المشرکین ثمَّ تلا هذه الآیة ، فلا وربک لا یؤمنون حتی یحکموک فیما شجر بینهم ثمَّ لا

ص: 67

یجدوا فی أنفسهم حرجا مما قضیت ویسلموا تسلیما ثمَّ قال أبو عبد الله علیه السلام فعلیکم بالتسلیم ((1)) .

وقال نجاح الطائی: مشکلة معظم الناس فی الدنیا عدم الوفاء بما تعاهدوا علیه فی عالم الذر وما تعاهدوا علیه عند اسلامهم من أصول الدین وفروعه

{وَمَا وَجَدْنَا لأکْثَرِهِمْ مِنْ عَهْد وَإنْ وَجَدْنَا أکْثَرَهُمْ لَفَاسِقِینَ102 } سورة الاعراف. {وَمَا وَجَدْنَا لأکْثَرِهِمْ } الناس {مِنْ عَهْد } فی الوفاء بالحق اًوالعمل الصالح وحفظ الامانة .

{وَإنْ وَجَدْنَا أکْثَرَهُمْ } الناس {لَفَاسِقِینَ(102) }.

قال أبو ذر: والله ما صدق أحد ممن أخذ الله میثاقه فوفی بعهد الله غیر أهل بیت نبیهم وعصابة قلیلة من شیعتهم , وذلک قول الله:

(وَمَا وَجَدْنَا لأکْثَرِهِمْ مِنْ عَهْد وَإنْ وَجَدْنَا أکْثَرَهُمْ لَفَاسِقِینَ) ((2)) . وجاءت أخطاء الناس الکثیرة رغم کثرة الأنبیاء والأوصیاء .

{ ثُمَّ بَعَثْنَا مِنْ بَعْدِهِمْ مُوسَی بِآیَاتِنَا إلَی فِرْعَوْنَ وَمَلائِهِ فَظَلَمُوا بِهَا فَانظُرْ کَیْفَ کَانَ عَاقِبَةُ المُفْسِدِینَ103 } _سورة الاعراف.

ص: 68

{ثُمَّ بَعَثْنَا مِنْ بَعْدِهِمْ } الانبیاء السابقین {مُوسَی بِآیَاتِنَا } معجزاتنا الکثیرة وعلی رأسها المعجزات العشر المعروفة .

{إلَی فِرْعَوْنَ } ملک مصر . {وَمَلائِهِ } جماهیر البلد وعموم شعبه , فالکل مکلفون أمامهم یوم الحساب .

{فَظَلَمُوا بِهَا } ترکوا الرسالة وظلموها بجحودهم لها .

{فَانظُرْ کَیْفَ کَانَ عَاقِبَةُ المُفْسِدِینَ(103) } نقمة الهیة وعاقبتهم جهنم.

عن عاصم المصری رفعه قال: ان فرعون بنی سبع مداین یتحصن فیها من موسی علیه السلام ، وجعل فیما بینهما آجاما وغیاضا ((1)) .

وجعل فیها الأسد لیتحصن بها من موسی ، قال: فلما بعث الله موسی إلی

فرعون

فدخل المدینة ، فلما رآه الأسد تبصبص ((2)) , وولت مدبرة ثم لم یأت مدینة الا انفتح له بابها حتی انتهی إلی قصر فرعون الذی هو فیه ، قال:

ص: 69

فقعد علی بابه وعلیه مدرعة ((1)) من صوف ومعه عصاه فلما أخرج الآذن قال له موسی: استأذن لی علی فرعون فلم یلتفت إلیه ، قال: فقال له موسی: انی رسول رب العالمین قال فلم یلتفت إلیه قال: فمکث بذلک ما شاء الله یسئله أن یستأذن له ، قال فلما أکثر علیه قال له: أما وجد رب العالمین من یرسله غیرک ؟

قال: فغضب موسی وضرب الباب بعصاه فلم یبق بینه وبین فرعون باب الا انفتح حتی نظر إلیه فرعون وهو فی مجلسه ، فقال: أدخلوه قال: فدخل علیه وهو فی قبة له مرتفعة کثیرة الارتفاع ثمانون ذراعا ، قال: فقال: انی رسول رب العالمین إلیک ، قال: فقال: فأت بآیة ان کنت من الصادقین ، قال: فألقی عصاه وکان لها شعبتان ، قال: فإذا هی حیة قد وقع أحد الشعبتین فی الأرض والشعبة الأخری فی أعلی القبة ، قال: فنظر فرعون إلی جوفها وهو یلتهب نیرانا قال: وأهوت إلیه فأحدث وصاح یا موسی خذها ((2)) .

{وَقَالَ مُوسَی یَا فِرْعَوْنُ إنِّی رَسُولٌ مِنْ رَبِّ العَالَمِینَ(104) } الیک.

ص: 70

والرسول بین قدرة المرسل الخالق للمخلوقات فلا یمکن أن یعصیه أحد .

{حَقِیقٌ عَلَی أنْ لا أقُولَ عَلَی اللّهِ إلا الحَقَّ قَدْ جِئْتُکُمْ بِبَیِّنَة مِنْ رَبِّکُمْ فَأرْسِلْ مَعِی بَنِی إسْرَائِیلَ 105* } سورة

الاعراف.

{حَقِیقٌ عَلَی } واجب علیَّ {أنْ لا أقُولَ عَلَی اللّهِ إلا الحَقَّ قَدْ جِئْتُکُمْ بِبَیِّنَة } دلیل علی نبوتی{مِنْ رَبِّکُمْ فَأرْسِلْ مَعِی بَنِی إسْرَائِیلَ(105) } أی حررهم من الرق والعبودیة .

{ قَالَ إنْ کُنتَ جِئْتَ بِآیَة فَأتِ بِهَا إنْ کُنتَ مِنَ الصَّادِقِینَ 106*فَألْقَی عَصَاهُ فَإذَا هِیَ ثُعْبَانٌ مُبِینٌ 107 }_سورة الاعراف.

{قَالَ } فرعون {إنْ کُنتَ جِئْتَ بِآیَة } تبیِّن نبوتک {فَأتِ بِهَا إنْ کُنتَ مِنَ الصَّادِقِینَ(106) فَألْقَی } موسی {عَصَاهُ فَإذَا هِیَ ثُعْبَانٌ مُبِینٌ(107) } حقیقی لا سحر فیه ولا تمویه .

وکان الثعبان مخیفا للکبیر والصغیر لفرعون وجنده فاستغاث فرعون بموسی علیه السلام أن یکفها عنه ففعل وقال قتادة: تحولت حیة عظیمة مثل المدینة . وقال السدی فی قوله " فإذا هی ثعبان مبین " الثعبان الذکر من الحیات فاتحة فاها واضعة لحیها الأسفل فی الأرض والآخر علی سور القصر ثم توجهت نحو فرعون لتأخذه فلما رآها ذعر منها ووثب وأحدث ولم یکن یحدث قبل ذلک وصاح یا موسی خذها وأنا أومن بک وأرسل معک بنی إسرائیل فأخذها موسی علیه السلام فعادت عصا .

ص: 71

وروی عن عکرمة (الکذاب) عن ابن عباس نحو هذا وقال وهب بن منبه (الیهودی) لما دخل موسی علی فرعون قال له فرعون أعرفک ؟قال: نعم . قال " ألم نربک فینا ولیدا ". قال فرد إلیه موسی الذی رد . فقال فرعون خذوه فبادر موسی " فألقی عصاه فإذا هی ثعبان مبین " فحملت علی الناس فانهزموا منها فمات منهم خمسة وعشرون ألفا قتل بعضهم بعضا وقام فرعون منهزما حتی دخل البیت . رواه ابن جریر والإمام أحمد فی کتابه الزهد وابن أبی حاتم وفیه غرابة فی سیاقه والله أعلم وقوله " ونزع یده فإذا هی بیضاء للناظرین " أی أخرج یده من درعه بعدما أدخلها فیه فإذا هی بیضاء تتلألأ من غیر برص ولا مرض کما قال تعالی " وأدخل یدک فی جیبک تخرج بیضاء من غیر سوء " الآیة .

وعرف عن وهب الخیال فی الطرح والکذب فی الحدیث مثل رئیسه کعب الاحبار وعبد الله بن سلام .

وقال ابن عباس فی حدیث الفتون من غیر سوء یعنی من غیر برص ثم أعادها إلی کمه فعادت إلی لونها الأول ((1)) .

ومن الذین أحدثوا أمام جماعة خوفا :کان فرعون من ثعبان موسی علیه السلام ومعاویة بن ابی سفیان خوفا من علی علیه السلام حینما طلب منه الامام علیه السلام المبارزة فی معرکة صفین .

ص: 72

وکشف قادة الجیوش عوراتهم خوفا من الامام علی علیه السلام فی ساحات الحرب مثل عمرو بن العاص وبسر بن ارطأة وعمرو بن عبد ود العامری .

{ وَنَزَعَ یَدَهُ فَإذَا هِیَ بَیْضَاءُ لِلنَّاظِرِینَ108 } سورة

الاعراف.

{وَنَزَعَ یَدَهُ } أخرجها من جیبه , وکان موسی أسمر اللون .

{فَإذَا هِیَ بَیْضَاءُ لِلنَّاظِرِینَ(108) } کیف تکون یده بیضاء مشعَّة وهو أسمر اللون من غیر مرض ولا علَّة .

{قَالَ المَلأُ مِنْ قَوْمِ فِرْعَوْنَ إنَّ هَذَا لَسَاحِرٌ عَلِیمٌ(109)} _سورة الاعراف.

حاذق فی السحر , وکان السحر منتشراً فی مصر یومذاک , والسحرة کثیرون

{یُرِیدُ أنْ یُخْرِجَکُمْ مِنْ أرْضِکُمْ فَمَاذَا تَأمُرُونَ(110) قَالُوا أرْجِهِ وَأخَاهُ وَأرْسِلْ فِی المَدَائِنِ حَاشِرِینَ 111 }_سورة الاعراف.

{ قَالُوا أرْجِهِ } أخره {وَأخَاهُ } هارون { وَأرْسِلْ } شرطتک .{فِی المَدَائِنِ حَاشِرِینَ(111) } جامعین السحرة من کل مکان .

عن یونس بن ظبیان قال: قال: ان موسی وهارون حین دخلا علی فرعون لم یکن فی جلسائه یومئذ ولد سفاح کانوا ولد نکاح کلهم ، ولو کان فیهم ولد سفاح لامر بقتلهما ، فقالوا :

ص: 73

( أرجه وأخاه ) وأمروه بالتأنی والنظر ، ثم وضع یده علی صدره قال: وکذلک نحن لا ینزع الینا الا کل خبیث الولادة ((1)) .

مثلما قال سید الانسانیة محمد صلی الله علیه و آله و سلم : یا علی لا یحبک إلاّ مؤمن طاهر المولد ولا یبغضک إلاّ ابن زنا ((2)) .

{یَأتُوکَ بِکُلِّ سَاحِر عَلِیم112) } _سورة الاعراف.

خبیر فی عالم السحر مجرب فیه .

ص: 74

{وَجَاءَ السَّحَرَةُ فِرْعَوْنَ قَالُوا إنَّ لَنَا لأجْراً إنْ کُنَّا نَحْنُ الغَالِبِینَ113 }

{ وَجَاءَ السَّحَرَةُ فِرْعَوْنَ } وهم اکثر من سبعین ساحراً , یمثلون الدین {قَالُوا إنَّ لَنَا لأجْراً } مالا {إنْ کُنَّا نَحْنُ الغَالِبِینَ113) } .

{ قَالَ نَعَمْ وَإنَّکُمْ لَمِنَ المُقَرَّبِینَ 114 } سورة الاعراف. {قَالَ } فرعون {نَعَمْ وَإنَّکُمْ لَمِنَ المُقَرَّبِینَ(114) }: من البلاط, وسوف تشملکم العنایة الملکیة فی حیاتکم بالعطاء والطعام وانجاز المعاملات .

{ قَالُوا یَا مُوسَی إمَّا أنْ تُلْقِیَ وَإمَّا أنْ نَکُونَ نَحْنُ المُلْقِینَ 115*قَالَ ألْقُوا فَلَمَّا ألْقَوْا سَحَرُوا أعْیُنَ النَّاسِ وَاسْتَرْهَبُوهُمْ وَجَاؤُوا بِسِحْر عَظِیم 116 } سورة الاعراف.

{قَالُوا } السحرة {یَا مُوسَی إمَّا أنْ تُلْقِیَ } ما معک {وَإمَّا أنْ نَکُونَ نَحْنُ المُلْقِینَ(115) } ما فی أیدینا .

{قَالَ } موسی: { ألْقُوا فَلَمَّا ألْقَوْا } عصیهم الغلیظة وحبالهم الطویلة {سَحَرُوا أعْیُنَ النَّاسِ وَاسْتَرْهَبُوهُمْ وَجَاؤُوا بِسِحْر عَظِیم(116) }.

{وَأوْحَیْنَا إلَی مُوسَی أنْ ألْقِ عَصَاکَ فَإذَا هِیَ تَلْقَفُ مَا یَأفِکُونَ (117) } .

عن الامام ابی جعفر الباقر علیه السلام قال: کانت عصا موسی لآدم علیه السلام فصارت إلی شعیب ، ثم صارت إلی موسی بن عمران ، وإنها لعندنا وإن عهدی بها آنفا وهی خضراء کهیئتها حین انتزعت من شجرتها ، وإنها لتنطق إذا

ص: 75

استنطقت ، أعدت لقائمنا علیه السلام یصنع بها ما کان یصنع موسی وإنها لتروع وتلقف ما یأفکون وتصنع ما تؤمر به ، إنها حیث أقبلت تلقف ما یأفکون یفتح لها شعبتان : إ

حداهما فی الأرض والأخری فی السقف ، وبینهما أربعون ذراعا تلقف ما یأفکون بلسانها ((1)) .

اذ امتلأ الوادی بهذه الحیَّات {وَأوْحَیْنَا إلَی مُوسَی أنْ ألْقِ عَصَاکَ } فصارت حیَّة کبیرة {فَإذَا هِیَ تَلْقَفُ مَا یَأفِکُونَ(117) }.

بلعت عصیهم وحبالهم وتوقف سحرهم بأمر الله تعالی , فتحیَّر السحرة من توقف عملهم جمیعاً , وبقاء حیَّة موسی المخیفة فی وسط المیدان .

{فَوَقَعَ الحَقُّ وَبَطَلَ مَا کَانُوا یَعْمَلُونَ 118*فَغُلِبُوا هُنَالِکَ وَانقَلَبُوا صَاغِرِینَ119* }

{فَوَقَعَ الحَقُّ وَبَطَلَ } لأول مرَّة {مَا کَانُوا یَعْمَلُونَ(118) } من أعمال السحر .

{فَغُلِبُوا هُنَالِکَ وَانقَلَبُوا صَاغِرِینَ(119) } عشرات السحرة من رؤساء هذا الفن فی مصر توقفت فنون سحرهم , التی قضوا عمرهم فی تهذیبها وتحسینها .

ص: 76

{وَاُلْقِیَ السَّحَرَةُ سَاجِدِینَ(120) قَالُوا آمَنَّا بِرَبِّ العَالَمِینَ(121) رَبِّ مُوسَی وَهَارُونَ(122) { قَالَ فِرْعَوْنُ آمَنتُمْ بِهِ قَبْلَ أنْ آذَنَ لَکُمْ إنَّ هَذَا لَمَکْرٌ مَکَرْتُمُوهُ فِی المَدِینَةِ لِتُخْرِجُوا مِنْهَا أهْلَهَا فَسَوْفَ تَعْلَمُونَ 123 }_سورة الاعراف.

قال أمیر المؤمنین علیه السلام : کن لما لا ترجو أرجی منک لما ترجو ، فإن موسی بن عمران علیه السلام خرج یقتبس لأهله نارا فکلمه الله عز وجل ورجع نبیا مرسلا, وخرجت ملکة سبأ فأسلمت مع سلیمان علیه السلام وخرجت سحرة فرعون یطلبون العز لفرعون فرجعوا مؤمنین ((1)) .

{ قَالَ فِرْعَوْنُ آمَنتُمْ بِهِ قَبْلَ أنْ آذَنَ لَکُمْ } وکأن اعتناق الدین یحتاج الی إذن من فرعون .

{إنَّ هَذَا لَمَکْرٌ مَکَرْتُمُوهُ فِی المَدِینَةِ } اتهمهم بالمؤامرة علیه بالاتفاق مع موسی علیه السلام , وهذه حجج الطغاة لاجهاض الاعمال الدینیة والشعبیة .

فهم یقومون بالمؤامرات یومیا ویتهمون الاخرین بها فهو دیدنهم .{لِتُخْرِجُوا مِنْهَا أهْلَهَا } أی الیهود الذین طلب موسی خروجهم معه ,

ص: 77

وکانت الدولة تستفید من عمل هؤلاء العبید المجانی , فلا ترغب بالاستغناء عنهم , وحجة فرعون انَّ هؤلاء الیهود من أهل مصر, فکیف یخرجهم موسی علیه السلام معه الی خارجها .

والجواب علی أکاذیب فرعون: لو کانوا من أهل مصر ومواطنین فیها فلماذا تستعبدهم وتسترقهم ؟

{فَسَوْفَ تَعْلَمُونَ(123): کیف ینتصر الحق علیکم .

{لاَُقَطِّعَنَّ أیْدِیَکُمْ وَأرْجُلَکُمْ مِنْ خِلاف ثُمَّ لاَُصَلِّبَنَّکُمْ أجْمَعِینَ(124) } _سورة الاعراف. هکذا یعمل الملوک دائما کذب وافتراء وقتل وتعذیب . وکیف حکم فرعون علی سحرة آمنوا بالموت فهل جزاء الاعتقاد بالله الواحد الاحد الموت ؟

{ قَالُوا إنَّا إلَی رَبِّنَا مُنقَلِبُونَ 125 } _سورة الاعراف.

{قَالُوا } السحرة {إنَّا إلَی رَبِّنَا مُنقَلِبُونَ(125) }. أی لا نعود الی الکفر بعد مشاهدتنا للمعجزة الالهیة , فنحن لا ترهبنا یا فرعون بقتلک لنا فلو قتلتنا انا الی ربنا منقلبون . وأعلنوا ثباتهم وشجاعتهم الفذة التی لا تقهر أمام بطش أعظم فرعون قاهر فی ذلک الزمان .

فکسروا شوکة فرعون وحطموا أسس عزه وجبروته واستکباره فکان انتصارا ثانیا لجبهة الایمان علی جبهة الکفر فی یوم واحد .

ص: 78

فشاهدت الامة المصریة کیف انتصر الحق الالهی علی الباطل الملکی بضربتین متتالیتین وهی بینت حجج الرحمن وأدلة الایمان .

{ وَمَا تَنقِمُ مِنَّا إلاَّ أنْ آمَنَّا بِآیَاتِ رَبِّنَا لَمَّا جَاءَتْنَا رَبَّنَا أفْرِغْ عَلَیْنَا صَبْراً وَتَوَفَّنَا مُسْلِمِینَ 126 } _سورة الاعراف.

{وَمَا تَنقِمُ مِنَّا إلاَّ أنْ آمَنَّا بِآیَاتِ رَبِّنَا لَمَّا جَاءَتْنَا } وکان دعاؤهم اننا آمنا بآیات ربنا لما جاءتنا فعلینا الحجة ولا حجة لک .

{رَبَّنَا أفْرِغْ عَلَیْنَا صَبْراً وَتَوَفَّنَا مُسْلِمِینَ(126) } :

أی ثبتنا علی دینک وأمتنا مسلمین فاستجاب لهم ربهم فکانوا فی أول النهار کفارا وفی آخر النهار شهداء فی سبیل الله تعالی .

اذ قتلهم فرعون سریعا والحقهم بالصالحین الاخیار بعدما عذبهم عذابا مریراً بقطع ایدیهم وارجلهم من خلاف .

لقد نالوا درجة الصابرین والمؤمنین والشهداء وکانوا قد جاءوا من مدن مصر البعیدة والقریبة لنسف دین موسی علیه السلام .

{ وَقَالَ المَلأُ مِنْ قَوْمِ فِرْعَوْنَ أتَذَرُ مُوسَی وَقَوْمَهُ لِیُفْسِدُوا فِی الأرْضِ وَیَذَرَکَ وَآلِهَتَکَ قَالَ سَنُقَتِّلُ أبْنَاءَهُمْ وَنَسْتَحْیِی نِسَاءَهُمْ وَإنَّا فَوْقَهُمْ قَاهِرُونَ 127}_سورة الاعراف.

{

وَقَالَ المَلأُ } جماعة الاشراف الحاکمة مثل المستشارین والوزراء وقادة الجیش وولاة الاقالیم والحکام {مِنْ قَوْمِ فِرْعَوْنَ } وعادة ما تکون حواشی

ص: 79

الملوک وأتباعها من الساعین الی القتل والتحطیم لتستمر فی عملها فی سرقة الاموال والاعتداء علی النساء ونیل مآربها الدنیویة .

والواضح من مطالب هذه المجموعة الاکبر من قوم فرعون انهم الطغاة المتنفذون الظالمون فحرکوا فرعون نحو الاجرام فقال : سَنُقَتِّلُ أبْنَاءَهُمْ وَنَسْتَحْیِی نِسَاءَهُمْ وَإنَّا فَوْقَهُمْ قَاهِرُونَ .

تفسیر علی بن إبراهیم : " وقال الملا من قوم فرعون أتذر موسی وقومه لیفسدوا فی الأرض و یذرک وآلهتک " قال : کان فرعون یعبد الأصنام ثم ادعی بعد ذلک الربوبیة ، فقال فرعون : " سنقتل أبناءهم ونستحیی نساءهم وإنا فوقهم قاهرون " قوله : " قالوا أوذینا من قبل أن تأتینا ومن بعدما جئتنا " قال : قال الذین آمنوا لموسی :

قد أوذینا قبل مجیئک یا موسی بقتل أولادنا ، ومن بعدما جئتنا لما حبسهم فرعون لایمانهم بموسی ، فقال موسی : " عسی ربکم أن یهلک عدوکم ویستخلفکم فی الأرض فینظر کیف تعملون " ومعنی " ینظر " أی یری کیف تعملون ، فوضع النظر مکان الرؤیة . وقوله : " ولقد أخذنا آل فرعون بالسنین ونقص من الثمرات " یعنی السنین الجدبة لما أنزل الله علیهم الطوفان والجراد والقمل و الضفادع والدم ((1)) .

ص: 80

{أتَذَرُ مُوسَی وَقَوْمَهُ } أتباعه {لِیُفْسِدُوا فِی الأرْضِ } نشر دینهم السماوی الداعی للعفَّة والفضیلة والاخلاق الحضاریة والمساواة بین الناس , والغریب انَّ الفراعنة یسمٌّون الفضائل الانسانیة بالمفاسد والعکس بالعکس {وَیَذَرَکَ وَآلِهَتَکَ } وحیدین فی المیدان لا مدافع ولا مساند , وکان فرعون قد اتَّخذ لقومه أصناماً یعبدونها وأمرهم بعبادتها لتقربهم الیه وقال: أنا ربٌّکم الاعلی {قَالَ } فرعون.

{ سَنُقَتِّلُ أبْنَاءَهُمْ وَنَسْتَحْیِی نِسَاءَهُمْ } لاجبارهم علی العودة الی حظیرته . وکل وعود السلاطین بافناء الاخرین کاذبة یراد بها ارهابهم , ولا یسمح الله تعالی بتحقیقها , لذا بقیت الامم والشعوب الکبیرة والصغیرة , وفنیت الطغاة المهدِّدة بالافناء . {وَإنَّا فَوْقَهُمْ قَاهِرُونَ (127)}: متسلطون .

وصمم فرعون علی قتل موسی ، فأوحی اللَّه إلیه أن یخرج ببنی إسرائیل من مصر لیلا ، وأن یضرب البحر بعصاه ، فینشق إلی قطع بینها طرق وشعاب ، یسلکها الإسرائیلیون إلی الجانب الآخر ، وهم آمنون علی أنفسهم من الغرق ومن فرعون وشره .

{ قَالَ مُوسَی لِقَوْمِهِ اسْتَعِینُوا بِاللّهِ وَاصْبِرُوا إنَّ الأرْضَ لِلّهِ یُورِثُهَا مَنْ یَشَاءُ مِنْ عِبَادِهِ وَالعَاقِبَةُ لِلْمُتَّقِینَ 128 } _سورة الاعراف.

{قَالَ مُوسَی لِقَوْمِهِ اسْتَعِینُوا بِاللّهِ وَاصْبِرُوا } ومن نصر الله واستعان به انتصر, سبحان القائل: (إن تنصروا الله ینصرکم ) .

ص: 81

{إنَّ الأرْضَ لِلّه } ولیست للطغاة فرعون وهرقل وکسری {یُورِثُهَا مَنْ یَشَاءُ مِنْ عِبَادِهِ وَالعَاقِبَةُ لِلْمُتَّقِینَ(128) } .

بعدما شاهد المؤمنون صبر السحرة المؤمنین وشهادتهم طلب موسی منهم الاستمرار فی نهجهم مع الصبر لیهزموا فرعون وجنده وفعلا صبروا وانتصروا حیث عبروا البحر وغرق موسی وجیشه

فکان المتقون قد شاهدوا أثر صبرهم وتقواهم فی افناء فرعون وأنصاره .

وبعدما وعدهم فرعون بالموت والفناء واذا بهم یشاهدون بأعینهم اذلال فرعون وهزیمته وموته .

قال الامام علی علیه السلام : أنا وأهل بیتی الذین أورثنا اللهُ الأرض ونحن المتَّقون والأرض َ کلَّها لنا فمن أحیا أرضاً من المسلمین فلیعمرها ولیؤد خراجها الی الامام من أهل بیتی وله ما أکل منها, فإن ترکها أو أخر بها وأخذها رجل من المسلمین من بعده فعمرها وأحیاها فهو أحق بها من الذی ترکها یؤدی خراجها إلی الإمام من أهل بیتی وله ما أکل منها حتی یظهر القائم من أهل بیتی بالسیف فیحویها ویمنعها ویخرجها منها کما حواها رسول الله صلی الله علیه و آله و سلم ومنعها إلا ما کان فی أیدی شیعتنا فإنه یقاطعهم علی ما فی أیدیهم ویترک الأرض فی أیدیهم ((1)) .

ص: 82

وتکون عاقبة الارض للامام المهدی علیه السلام وأتباعه المخلصین.

وقال الامام الصادق علیه السلام : فما کان لله فهو لرسوله , وما کان لرسوله فهو للامام بعد رسول الله((1)) .

ومن الآیات الأخری النازلة فی الامام المهدی علیه السلام قوله تعالی:

(وَعَدَ اللّهُ الَّذِینَ آمَنُوا مِنْکُمْ وَعَمِلُوا الصَّالِحَاتِ لَیَسْتَخْلِفَنَّهُم فِی الأرْضِ کَمَا اسْتَخْلَفَ الَّذِینَ مِنْ قَبْلِهِمْ) _ سورة النور 55 : نزلت فی الامام علی بن أبی طالب علیه السلام والأئمّة من ولده وعنی به ظهور القائم المهدی علیه السلام ((2)) .

وقال تعالی: ( حَتَّی إذَا رَأوْا مَا یُوعَدُونَ فَسَیَعْلَمُونَ مَنْ أضْعَفُ نَاصِراً وَأقَلُّ عَدَداً) _سورة الجن 24 .

نزلت فی القائم المهدی علیه السلام وانصاره .

ص: 83

{ قَالُوا اُوذِینَا مِنْ قَبْلِ أنْ تَأتِیَنَا وَمِنْ بَعْدِ مَا جِئْتَنَا قَالَ عَسَی رَبُّکُمْ أنْ یُهْلِکَ عَدُوَّکُمْ وَیَسْتَخْلِفَکُمْ فِی الأرْضِ فَیَنظُرَ کَیْفَ تَعْمَلُونَ129 } سورة

الاعراف.

{قَالُوا } بنو اسرائیل لموسی: {اُوذِینَا مِنْ قَبْلِ أنْ تَأتِیَنَا وَمِنْ بَعْدِ مَا جِئْتَنَا قَالَ } موسی {عَسَی رَبُّکُمْ أنْ یُهْلِکَ عَدُوَّکُمْ وَیَسْتَخْلِفَکُمْ فِی الأرْضِ فَیَنظُرَ کَیْفَ تَعْمَلُونَ(129) } هل تعودون الی غیِّکم السابق أم تصحِّحون أعمالکم وتصبحون متَّقین .

{ وَلَقَدْ أخَذْنَا آلَ فِرْعَوْنَ بِالسِّنِینَ وَنَقْص مِنَ الثَّمَرَاتِ لَعَلَّهُمْ یَذَّکَّرُونَ 130 } سورة الاعراف.

{ وَلَقَدْ أخَذْنَا آلَ فِرْعَوْنَ بِالسِّنِینَ } قحط وجدب .

{وَنَقْص مِنَ الثَّمَرَاتِ } بکثرة الآفات لطغیانهم فی الارض . {لَعَلَّهُمْ یَذَّکَّرُونَ(130) } شرکهم بالله وأعمالهم الفاسدة المجرمة بحق شعبهم .

{ فَإذَا جَاءَتْهُمُ الحَسَنَةُ قَالُوا لَنَا هَذِهِ وَإنْ تُصِبْهُمْ سَیِّئَةٌ یَطَّیَّرُوا بِمُوسَی وَمَنْ مَعَهُ ألا إنَّمَا طَائِرُهُمْ عِنْدَ اللّهِ وَلَکِنَّ أکْثَرَهُمْ لا یَعْلَمُونَ 131}

سورة الاعراف.

{فَإذَا جَاءَتْهُمُ الحَسَنَةُ } الخیر الالهی بألوانه المختلفة العافیة والامان والمطر والخصب {قَالُوا لَنَا هَذِهِ } أی تعود الی عملنا وجهودنا وادارتنا {وَإنْ تُصِبْهُمْ سَیِّئَةٌ } من القحط والجدب والمرض .

ص: 84

{یَطَّیَّرُوا بِمُوسَی وَمَنْ مَعَهُ ألا إنَّمَا طَائِرُهُمْ } نصیبهم .

{عِنْدَ اللّهِ } ولیس عند موسی علیه السلام وغیره .

{وَلَکِنَّ أکْثَرَهُمْ لا یَعْلَمُونَ(131)} الحق المحیط بهم فهم غافلون .

وقال الفرعونیون لموسی علیه السلام :

{ وَقَالُوا مَهْمَا تَأتِنَا بِهِ مِنْ آیَة لِتَسْحَرَنَا بِهَا فَمَا نَحْنُ لَکَ بِمُؤْمِنِینَ 132 سورة الاعراف.واصل الفرعونیون وصف حرکة موسی الالهیة بالسحر لطمسها وتضعیفها وواصل الحزب القرشی وصف النبی محمد صلی الله علیه و آله و سلم بالمجنون رغم الآیات القرآنیة الکثیرة النافیة لها :

{ وما صاحبکم بمجنون } فقالوا للنبی صلی الله علیه و آله و سلم فی یوم شهادته عند طلبه کتابة الوصیة لعلی علیه السلام : انه یهجر أی مجنون ((1)) .

ص: 85

ووصفوه یوم بیعة الغدیر بالمجنون فنزلت فی حقهم :{وَإِنْ یَکَادُ الَّذِینَ کَفَرُوا لَیُزْلِقُونَکَ بِأَبْصَارِهِمْ لَمَّا سَمِعُوا الذِّکْرَ وَیَقُولُونَ إِنَّهُ لََمجْنُونٌ}

((1)) , جاء بأنّها نزلت فی أبی بکر وعمر((2)).

وواصلت عائشة ذکر قصص مختلَقَة تبین رسول الله صلی الله علیه و آله و سلم بالمجنون مثلما وصفه ابو بکر وعمر بالمجنون :

ص: 86

إذ جاء عن عروة عن عائشة أنّ رسول الله ( صلی الله علیه و آله و سلم ) کان یرید أن یلقی بنفسه من حالق جبل, قائلا ( صلی الله علیه و آله و سلم ): إنّ الأبعد یعنی نفسه لشاعر أو مجنون لا تحدِّث بها عنّی قریش أبداً ((1)) .

وقال تعالی عن هؤلاء: {وَیَقُولُونَ أَئِنَّا لَتَارِکُوا آلِهَتِنَا لِشَاعِر مَجْنُون} ((2)).وفی یوم شهادة النبی وقبل موته قال له عمر( ومعه ابو بکر وعثمان وعائشة وحفصة ): إن الرجل لیهجر ((3)) .

ص: 87

وفی أواخر أیام عائشة قبل أن یقتلها معاویة بکت کثیراً وقالت: یالیتنی کنتُ ورقة من هذه الشجرة ((1)) .

اذ فشلت فی ابعاد المسلمین عن النبی بوصفها له بالمجنون .

وفشلت فی مشروع رضاعة الرجال کلهم من النساء کلهن لافساد المسلمین اذ رفضه المسلمون لمخالفته القرآن والحدیث وبقی مقتصرا علی النواصب.

ص: 88

وفشلت فی قتل الامام علی علیه السلام فی معرکة الجمل بالرغم من انها نقلت قول النبی صلی الله علیه و آله و سلم فیه : علی سیّد العرب وإمام المتّقین ((1)) .

وفشلت فی المجیء بطلحة الی سدة الخلافة الاسلامیة بعدما قتلت عثمان بقولها المشهور « ایه ذا الأصبع لله أبوک أما أنّهم وجدوا طلحة لها کفؤاً »((2)). فقال عبدالله بن عباس للزبیر کیف تترک قریبک علیاً ( علیه السلام ) وعائشة تدعو لقریبها طلحة ؟ ((3))

وکان طلحة بن عبیدالله قد أعلن رغبته فی موت رسول الله ( صلی الله علیه و آله و سلم ) سریعاً لیتزوّج عائشة قائلا: إن قبض النبی ( صلی الله علیه و آله و سلم )لننکحنّ أزواجه من بعده ، فما جعل الله محمّداً أحقّ ببنات عمّنا منّا .

ص: 89

وقالوا غضب طلحة وقال: یحرِّم محمّد علینا نساءه ویتزوّج هو نساءنا ، لئن أمات الله محمّداً لنرکضن بین خلاخیل نسائه کما رکض بین خلاخیل نسائنا ، وقال: لأتزوّج عائشة ((1)).

فأنزل الله تعالی قوله الشریف: (وَمَا کَانَ لَکُمْ أَنْ تُؤْذُوا رَسُولَ اللهِ وَلاَ أَنْ تَنْکِحُوا أَزْوَاجَهُ مِنْ بَعْدِهِ أَبَداً إِنَّ ذَلِکُمْ کَانَ عِنْدَ اللهِ عَظِیماً)((2)).

وکان المفروض بعائشة هجاء طلحة والابتعاد عنه لأقواله فیها ورغبته العلنیة فیها فی عهد النبی صلی الله علیه و آله و سلم وأمام الصحابة لا یستحی منهم ولا یخاف من الله تعالی مما یبین تحلله من الشریعة .

لکنّها مدحته أمام الملأ العام وسارت معه فی طریق طویل لمدة شهر بلیالیه ونهاره غیر مهتمة بالاشاعات الصادرة من قبل المنافقین فی جیشها .

{فَمَا نَحْنُ لَکَ بِمُؤْمِنِینَ(132) } أی قرر الفرعونیون أن لا یؤمنوا بموسی علیه السلام ولو جاء بکل المعاجز والدلائل .

{ فَأرْسَلْنَا عَلَیْهِمُ الطُّوفَانَ وَالجَرَادَ وَالقُمَّلَ وَالضَّفَادِعَ وَالدَّمَ آیَات مُفَصَّلات فَاسْتَکْبَرُوا وَکَانُوا قَوْماً مُجْرِمِینَ 133} سورة الاعراف.

ص: 90

{فَأرْسَلْنَا عَلَیْهِمُ الطُّوفَانَ } المطر الکثیر الذی طاف بهم وخرَّب دورهم وأخرجهم منها الی البریة {وَالجَرَادَ } الذی أکل المحاصیل الزراعیة {وَالقُمَّلَ } تعلقت بجلودهم وشعورهم {وَالضَّفَادِعَ } ملأت بیوتهم وزروعهم .

{ وَالدَّمَ } تحوَّل ماؤهم دماً {آیَات مُفَصَّلات } مبینات {فَاسْتَکْبَرُوا } علی الدین والعباد {وَکَانُوا قَوْماً مُجْرِمِینَ(133) .

واما قوله ( وقالوا مهما تأتنا به من آیاتنا لتسحرنا بها فما نحن لک بمؤمنین فأرسلنا علیهم الطوفان والجراد والقمل والضفادع والدم آیات مفصلات فاستکبروا وکانوا قوما مجرمین ) فإنه لما سجد السحرة ومن آمن به من الناس قال هامان لفرعون ان الناس قد آمنوا بموسی فانظر من دخل فی دینه فاحبسه فحبس کل من آمن به من بنی إسرائیل ، فجاء إلیه موسی فقال له خل عن بنی إسرائیل فلم یفعل فأنزل الله علیهم فی تلک السنة الطوفان ، فخرب دورهم ومساکنهم حتی خرجوا إلی البریة وضربوا الخیام ، فقال فرعون لموسی ادع ربک ربه یکف عنا الطوفان حتی أخلی عن بنی إسرائیل وأصحابک.

فدعا موسی ربه فکف عنهم الطوفان وهم فرعون ان یخلی عن بنی إسرائیل ، فقال له هامان ان خلیت عن بنی إسرائیل غلبک موسی وأزال ملکک ، فقبل منه ولم یخل عن بنی إسرائیل ، فأنزل الله علیهم فی السنة

ص: 91

الثانیة الجراد فجردت کل شئ کان لهم من النبت والشجر حتی کانت تجرد شعرهم ولحیتهم ، فجزع من ذلک جزعا شدیدا ، وقال یا موسی ادع ربک ان یکف عنا الجراد حتی أخلی عن بنی إسرائیل وأصحابک ، فدعا موسی ربه ، فکف عنهم الجراد فلم یدعه هامان ان یخلی عن بنی إسرائیل ، فأنزل الله علیهم فی السنة الثالثة القمل ، فذهبت زروعهم وأصابتهم المجاعة ، فقال فرعون لموسی ان دفعت عنا القمل کففت عن بنی إسرائیل ، فدعا موسی ربه حتی ذهب القمل ، وقال أول ما خلق الله القمل فی ذلک الزمان ، فلم یخل عن بنی إسرائیل ، فأرسل الله علیهم بعد ذلک الضفادع .

فکانت تکون فی طعامهم وشرابهم ویقال انها کانت تخرج من ادبارهم وآذانهم وآنافهم . فجزعوا من ذلک جزعا شدیدا فجاؤوا إلی موسی فقالوا ادع الله ان یذهب عنا الضفادع فانا نؤمن بک ونرسل معک بنی إسرائیل ، فدعا موسی ربه فرفع الله عنهم ذلک فلما أبوا ان یخلوا عن بنی إسرائیل حوَّل الله ماء النیل دما فکان القبطی یراه دما والإسرائیلی یراه ماءا فإذا شربه الإسرائیلی کان ماءا وإذا شربه القبطی کان دما فکان القبطی یقول للإسرائیلی خذ الماء فی فمک وصبه فی فمی فإذا صبه فی فم القبطی تحول دما فجزعوا جزعا شدیدا ، فقالوا لموسی علیه السلام لان رفع الله عنا الدم لنرسلن معک بنی إسرائیل .

فلما رفع الله عنهم الدم غدروا ولم یخلُّوا عن بنی إسرائیل فأرسل الله علیهم الرجز وهو الثلج ولم یروه قبل ذلک فماتوا فیه وجزعوا جزعا شدیدا

ص: 92

وأصابهم ما لم یعهدوا قبله فقالوا :( ادع لنا ربک بما عهد عندک لئن کشفت عنا الرجز لنؤمنن لک ولنرسلن معک بنی إسرائیل ) فدعا ربه فکشف عنهم الثلج فخلی عن بنی إسرائیل فلما خلی عنهم اجتمعوا إلی موسی علیه السلام وخرج موسی من مصر واجتمع إلیه من کان هرب من فرعون وبلغ فرعون ذلک فقال له هامان: قد نهیتک ان تخلی عن بنی إسرائیل فقد اجتمعوا إلیه فجزع فرعون وبعث فی المدائن حاشرین وخرج فی طلب موسی علیه السلام .

وقوله ( وأورثنا القوم الذین کانوا یستضعفون مشارق الأرض ومغاربها التی بارکنا فیها ) یعنی بنی إسرائیل لما أهلک الله فرعون ورثوا الأرض وما کان لفرعون ((1)) .

{ وَلَمَّا وَقَعَ عَلَیْهِمُ الرِّجْزُ قَالُوا یَا مُوسَی ادْعُ لَنَا رَبَّکَ بِمَا عَهِدَ عِنْدَکَ لَئِنْ کَشَفْتَ عَنَّا الرِّجْزَ لَنُؤْمِنَنَّ لَکَ وَلَنُرْسِلَنَّ مَعَکَ بَنِی إسْرَائِیلَ } 134_ سورة الاعراف.

ص: 93

{ وَلَمَّا وَقَعَ عَلَیْهِمُ الرِّجْزُ } العذاب واشتدَّ بهم الخوف ذهبوا الی موسی , مثل باقی الطغاة {قَالُوا یَا مُوسَی ادْعُ لَنَا رَبَّکَ بِمَا عَهِدَ عِنْدَکَ لَئِنْ کَشَفْتَ عَنَّا الرِّجْزَ لَنُؤْمِنَنَّ لَکَ وَلَنُرْسِلَنَّ مَعَکَ بَنِی إسْرَائِیلَ(134) } ذلک الطلب الذی أردته .

{فَلَمَّا کَشَفْنَا عَنْهُمُ الرِّجْزَ إلَی أجَل هُمْ بَالِغُوهُ إذَا هُمْ یَنکُثُونَ(135) } _سورة الاعراف.

ولما کشف الله تعالی عنهم العذاب بدعوة موسی علیه السلام عادوا الی عنادهم واجرامهم وکفرهم ولم یعطوا موسی مطالیبه المتفق علیها .

{فَانتَقَمْنَا مِنْهُمْ فَأغْرَقْنَاهُمْ فِی الیَمِّ بِأنَّهُمْ کَذَّبُوا بِآیَاتِنَا وَکَانُوا عَنْهَا غَافِلِینَ(136) } _سورة الاعراف.

الیَمِّ: البحر . وغافلین: معرضین .

الفرعونیون عُرفوا بنقض العهود ونکث الوعود والکذب الکثیر مما تسبب فی الانتقام الالهی منهم وقتلهم فی البحر .

والیوم تجد الیهود والنواصب الخوارج یتصفون بهذه الصفات ویستحقون الانتقام السماوی .

{وَأوْرَثْنَا

القَوْمَ الَّذِینَ کَانُوا یُسْتَضْعَفُونَ مَشَارِقَ الأرْضِ وَمَغَارِبَهَا الَّتِی بَارَکْنَا فِیهَا وَتَمَّتْ کَلِمَةُ رَبِّکَ الحُسْنَی عَلَی بَنِی إسْرَائِیلَ بِمَا صَبَرُوا

ص: 94

وَدَمَّرْنَا مَا کَانَ یَصْنَعُ فِرْعَوْنُ وَقَوْمُهُ وَمَا کَانُوا یَعْرِشُونَ 137} _سورة الاعراف.

{ وَأوْرَثْنَا القَوْمَ } الیهود {الَّذِینَ کَانُوا یُسْتَضْعَفُونَ } من قبل فرعون وجنده {مَشَارِقَ الأرْضِ وَمَغَارِبَهَا الَّتِی بَارَکْنَا فِیهَا } اشارة الی ملک سلیمان وداود .{وَتَمَّتْ کَلِمَةُ رَبِّکَ الحُسْنَی } قوله تعالی: (ونرید أن نمن ) .

{ عَلَی بَنِی إسْرَائِیلَ بِمَا صَبَرُوا وَدَمَّرْنَا مَا کَانَ یَصْنَعُ فِرْعَوْنُ وَقَوْمُهُ وَمَا کَانُوا یَعْرِشُونَ(137) } یبنون من البنیان .

{وَجَاوَزْنَا بِبَنِی إسْرَائِیلَ البَحْرَ فَأتَوْا عَلَی قَوْم یَعْکُفُونَ عَلَی أصْنَام لَهُمْ قَالُوا یَا مُوسَی اجْعَل لَنَا إلَهاً کَمَا لَهُمْ آلِهَةٌ قَالَ إنَّکُمْ قَوْمٌ تَجْهَلُونَ(138) } _سورة الاعراف.

جاوزنا: عبرنا البحر

بهم .

بعد کل تلک المعجزات الالهیة التی أظهرها النبی موسی علیه السلام للیهود یطلبون منه أن یصنع أصناما یعبدونها !!! مما یبین ضعف ایمانهم ولا یمکن الاعتماد علیهم .

وامتدادا لهذا المشروع: کان کثیر من المسلمین ما زالوا حدیثی العهد بالإسلام فطلبوا من النبی صلی الله علیه و آله و سلم فی أثناء مسیره إلی حنین أن یجعل لهم شجرة ذات أنواط مثلما عند الکفّار یذبحون عندها ویعکفون علیها ((1)) .

ص: 95

فوصف الله تعالی حالهم بقوله: (اجْعَل لَنَا إِلَهاً کَمَا لَهُمْ آلِهَةٌ) ((1)) . وکانت معرکة حنین فی السنة الثامنة للهجرة النبویة أی بعد ثلاث وعشرین سنة علی البعثة النبویة الشریفة وقبل شهادة النبی صلی الله علیه و آله و سلم بسنتین فقط .

{ إنَّ هَؤُلاءِ مُتَبَّرٌ مَا هُمْ فِیهِ وَبَاطِلٌ مَا کَانُوا یَعْمَلُونَ 139} سورة الاعراف. {إنَّ هَؤُلاءِ مُتَبَّرٌ } مهلک . قال خسران والخسران تفسیر التتبیر .

{مَا هُمْ فِیهِ } من الدین {وَبَاطِلٌ مَا کَانُوا یَعْمَلُونَ(139) } .

من عبادة الاصنام ومن یعبدها نتیجته الخسران .

{قَالَ أغَیْرَ اللّهِ أبْغِیکُمْ إلَهاً وَهُوَ فَضَّلَکُمْ عَلَی العَالَمِینَ(140) } سورة الاعراف. قال موسی علیه السلام : هل تریدون أن أطلب لکم الها من الاحجار والخالق فضلکم علی العالمین فی زمانکم .

قال أبو یعقوب: قلت للإمام علیه السلام : فهل کان لرسول الله صلی الله علیه و آله و سلم ولأمیر المؤمنین علیه السلام آیات تضاهی آیات موسی علیه السلام ؟

فقال الإمام علیه السلام : علی علیه السلام نفس رسول الله صلی الله علیه و آله و سلم ، وآیات رسول الله آیات علی علیه السلام ، وآیات علی علیه السلام آیات رسول الله صلی الله علیه و آله و سلم ، وما من آیة أعطاها الله تعالی موسی علیه السلام ولا غیره من الأنبیاء إلا وقد أعطی الله محمدا مثلها أو أعظم منها .

ص: 96

واما العصا التی کانت لموسی علیه السلام فانقلبت ثعبانا ، فتلقفت ما أتته السحرة من عصیهم وحبالهم ، فلقد کان لمحمد صلی الله علیه و آله و سلم أفضل من ذلک ، وهو أن قوما من الیهود أتوا محمدا صلی الله علیه و آله و سلم فسألوه وجادلوه ، فما أتوه بشئ إلا أتاهم فی جوابه بما بهرهم .

فقالوا له: یا محمد إن کنت نبیا فأتنا بمثل عصا موسی .

فقال رسول الله صلی الله علیه و آله و سلم : إن الذی أتیتکم به أعظم من عصا موسی ، لأنه باق بعدی إلی یوم القیامة معرض لجمیع الاعداء والمخالفین ، لا یقدر أحد منهم أبدا علی معارضة سورة منه ، وإن عصا موسی زالت ولم تبق بعده فتمتحن ، کما یبقی القرآن فیمتحن .

ثم إنی سأتیکم بما هو أعظم من عصا موسی علیه السلام وأعجب . فقالوا: فأتنا .

فقال: إن موسی کانت عصاه بیده یلقیها ، فکانت القبط یقول کافرهم: هذا موسی یحتال فی العصا بحیلة .

وإن الله سوف یقلب خشبا لمحمد ثعابین بحیث لا تمسها ید محمد ولا یحضرها إذا رجعتم إلی بیوتکم واجتمعتم اللیلة فی مجمعکم فی ذلک البیت قلب الله تعالی جذوع سقوفکم کلها أفاعی ، وهی أکثر من مائة جذع ، فتتصدع مرارات أربعة منکم فیموتون ، ویغشی علی الباقین منکم إلی غداة غد ، فیأتیکم یهود فتخبرونهم بما رأیتم فلا یصدقونکم ، فتعود بین أیدیهم ، وتملا أعینهم ثعابین کما کانت فی بارحتکم ، فیموت منهم جماعة ، ویخبل جماعة ، ویغشی علی أکثرهم .

ص: 97

قال الإمام علیه السلام : فوالذی بعثه بالحق نبیا لقد ضحک القوم [ کلهم ] بین یدی رسول الله صلی الله علیه و آله و سلم لا یحتشمونه ولا یهابونه ، یقول بعضهم لبعض: انظروا ما ادعی ؟ وکیف قد عدا طوره ؟

فقال رسول الله صلی الله علیه و آله و سلم : إن کنتم الآن تضحکون ، فسوف تکبون وتتحیرون إذا شاهدتم ما عنه تخبرون ألا فمن هاله ذلک منکم ، وخشی علی نفسه أن یموت أو یخبل فلیقل :

" اللهم بجاه محمد الذی اصطفیته ، علی الذی ارتضیته ، وأولیائهم الذین من سلم لهم أمرهم اجتبیته ، لما قویتنی علی ما أری " . وإن کان من یموت هناک ممن ( تحییه وترید إحیاءه ) فلیدع [ له ] بهذا الدعاء ، ینشره الله عز وجل ویقویه . قال علیه السلام : فانصرفوا ، واجتمعوا فی ذلک الموضع ، وجعلوا یهزأون بمحمد صلی الله علیه و آله و سلم وقوله: " إن تلک الجذوع تنقلب أفاعی " . فسمعوا حرکة من السقف ، فإذا تلک الجذوع انقلبت أفاعی ، وقد ولت رؤوسها عن الحائط وقصدت نحوهم تلتقمهم ، فلما وصلت إلیهم کفت عنهم ، وعدلت إلی ما فی الدار من أحباب وجرار وکیزان وصلایات وکراسی وخشب وسلالیم وأبواب ، فالتقمتها وأکلتها .

فأصابهم ما قال رسول الله صلی الله علیه و آله و سلم إنه یصیبهم ، فمات منهم أربعة ، وخبل جماعة وجماعة خافوا علی أنفسهم ، فدعوا بما قال رسول الله صلی الله علیه و آله و سلم فقویت قلوبهم .

ص: 98

وکانت الأربعة ، أتی بعضهم فدعا لهم بهذا الدعاء ، فنشروا ، فلما رأوا ذلک قالوا: إن هذا الدعاء مجاب به ، وإن محمدا صادق ، وإن کان یثقل علینا تصدیقه واتباعه أفلا ندعوا به لتلین _ للایمان به ، والتصدیق له ، والطاعة لأوامره وزواجره _ قلوبنا ؟

فدعوا بذلک الدعاء ، فحبب الله عز وجل إلیهم الایمان وطیبه فی قلوبهم ، وکره إلیهم الکفر ، فآمنوا بالله ورسوله .

فلما أصبحوا من غد جاءت الیهود ، وقد عادت الجذوع ( الثعابین) کما کانت ، فشاهدوها وتحیروا ، وغلب الشقاء علیهم ((1)) .

{ وَإذْ أنجَیْنَاکُمْ مِنْ آلِ فِرْعَوْنَ یَسُومُونَکُمْ سُوءَ العَذَابِ یُقَتِّلُونَ أبْنَاءَکُمْ وَیَسْتَحْیُونَ نِسَاءَکُمْ وَفِی ذَلِکُمْ بَلاءٌ مِنْ رَبِّکُمْ عَظِیمٌ 141} سورة الاعراف.{وَ } اذکروا {إذْ أنجَیْنَاکُمْ مِنْ آلِ فِرْعَوْنَ یَسُومُونَکُمْ } یذیقونکم {سُوءَ العَذَابِ یُقَتِّلُونَ أبْنَاءَکُمْ وَیَسْتَحْیُونَ نِسَاءَکُمْ } یستعبدونهن فی الخدمة {وَفِی ذَلِکُمْ بَلاءٌ مِنْ رَبِّکُمْ عَظِیمٌ(141)} .

وکیف نسیتم الفضل الالهی علیکم بانقاذکم من آل فرعون الذین کانوا یستعبدونکم ویستحیون نساءکم ویقتلون أبناءکم ؟

ص: 99

{ وَوَاعَدْنَا مُوسَی ثَلاثِینَ لَیْلَةً وَأتْمَمْنَاهَا بِعَشْر فَتَمَّ مِیقَاتُ رَبِّهِ أرْبَعِینَ لَیْلَةً وَقَالَ مُوسَی لأخِیهِ هَارُونَ اخْلُفْنِی فِی قَوْمِی وَأصْلِحْ وَلا تَتَّبِعْ سَبِیلَ المُفْسِدِینَ142 } سورة

الاعراف.

{ وَوَاعَدْنَا مُوسَی ثَلاثِینَ لَیْلَةً وَأتْمَمْنَاهَا بِعَشْر } طلب النبی موسی علیه السلام من ربه أن ینزل علیه کتاباً من السماء لهدایة بنی اسرائیل , فوعده ربه أن ینزل علیه کتاباً بعد ثلاثین لیلة ویستمر انزاله عشر لیال .

{فَتَمَّ مِیقَاتُ رَبِّهِ أرْبَعِینَ لَیْلَةً وَقَالَ مُوسَی لأخِیهِ هَارُونَ اخْلُفْنِی فِی قَوْمِی وَأصْلِحْ } أمورهم {وَلا تَتَّبِعْ سَبِیلَ المُفْسِدِینَ(142) } من بنی اسرائیل.

وکان النبی موسی علیه السلام یعرف بأن هارون سوف یصلح فی قومه لکنه قال هذا هدایة لقومه بأنهم جاءوا للاصلاح فی البشریة ولم یأتوا لجمع الاموال (مثلما یفعل الملوک وعلماء البلاط من الیهود والنصاری والمسلمین )بالتربع علی السلطة وجعلها وراثیة لهم ولاصهارهم والاستحواذ علی النساء .

{وَلَمَّا جَاءَ مُوسَی لِمِیقَاتِنَا وَکَلَّمَهُ رَبُّهُ قَالَ رَبِّ أرِنِی أنظُرْ إلَیْکَ قَالَ لَنْ تَرَانِی وَلَکِنِ انْظُرْ إلَی الجَبَلِ فَإنْ اسْتَقَرَّ مَکَانَهُ فَسَوْفَ تَرَانِی فَلَمَّا تَجَلَّی رَبُّهُ لِلْجَبَلِ جَعَلَهُ دَکّاً وَخَرَّ مُوسَی صَعِقاً فَلَمَّا أفَاقَ قَالَ سُبْحَانَکَ تُبْتُ إلَیْکَ وَأنَا أوَّلُ المُؤْمِنِینَ 143}سورة الاعراف.

ابن شهر آشوب: قال علی علیه السلام لرأس الجالوت ، لما قال له: لم تلبثوا بعد نبیکم إلا ثلاثین سنة ، حتی ضرب بعضکم وجه بعض بالسیف ؟

ص: 100

فقال الامام علیه السلام : « وأنتم ، لم تجف أقدامکم من ماء البحر حتی قلتم لموسی علیه السلام : ( اجْعَلْ لَنا إِلهاً کَما لَهُمْ آلِهَةٌ ) » ((1)) .

وکلم الله تعالی النبی آدم فی الجنة قائلا له: { وَقُلْنَا یَا آدَمُ اسْکُنْ أنْتَ وَزَوْجُکَ الجَنَّةَ وَکُلا مِنْهَا رَغَداً حَیْثُ شِئْتُمَا وَلا تَقْرَبَا هَذِهِ الشَّجَرَةَ فَتَکُونَا مِنْ الظَّالِمِینَ35*_سورة البقرة .

{وَلَمَّا جَاءَ مُوسَی لِمِیقَاتِنَا } المحدد لنزول التوراة .

{وَکَلَّمَهُ رَبُّهُ قَالَ رَبِّ أرِنِی أنظُرْ إلَیْکَ } وهو نفس السؤال الذی سأله بنو اسرائیل لموسی , رغبة من موسی علیه السلام لسماع الجواب من الله تعالی , والا فان موسی یعلم عدم امکانیة رؤیة الله تعالی .

{قَالَ لَنْ تَرَانِی وَلَکِنِ انْظُرْ إلَی الجَبَلِ فَإنْ اسْتَقَرَّ مَکَانَهُ فَسَوْفَ تَرَانِی فَلَمَّا تَجَلَّی رَبُّهُ لِلْجَبَلِ جَعَلَهُ دَکّاً وَخَرَّ مُوسَی صَعِقاً فَلَمَّا أفَاقَ قَالَ سُبْحَانَکَ } تنزیهاً لک {تُبْتُ إلَیْکَ وَأنَا أوَّلُ المُؤْمِنِینَ }(143) . بأنک لا تری .

فی المجمع: عن الصادق علیه السلام أنا أول من آمن وصدق بأنک لا تری .

وفی العیون: عن الرضا علیه السلام أنه سئل کیف یجوز أن یکون کلیم الله موسی ابن عمران لا یعلم أن الله لا یجوز علیه الرؤیة حتی یسأله هذا السؤال ؟

ص: 101

فقال علیه السلام :إن کلیم الله علم أن الله منزه عن أن یری بالأبصار ، ولکنه لما کلمه الله وقربه نجیا رجع إلی قومه فأخبرهم أن الله کلمه وقربه وناجاه فقالوا: لن نؤمن لک حتی نسمع کلامه کما سمعته ، وکان القوم سبعمأة ألف فاختار منهم سبعین ألفا ، ثم اختار منهم سبعة آلاف ، ثم اختار منهم سبعمأة ، ثم اختار منهم سبعین رجلا لمیقات ربه فخرج بهم إلی طور سیناء.

فأقامهم فی سفح الجبل وصعد موسی إلی الطور وسأل الله أن یکلمه ویسمعهم کلامه .

فکلمه الله وسمعوا کلامه من فوق وأسفل ویمین وشمال ووراء وأمام ، لأن الله أحدثه فی الشجرة ثم جعله منبعثا منها حتی سمعوه من جمیع الوجوه ، فقالوا: لن نؤمن بأن هذا الذی سمعناه کلام الله حتی نری الله جهرة .

فلما قالوا: هذا القول العظیم واستکبروا وعتوا ، بعث الله علیهم صاعقة یعنی نارا وقع من السماء فأخذتهم الصاعقة بظلمهم فماتوا ، فقال موسی: یا رب ما أقول لبنی إسرائیل إذا رجعت إلیهم وقالوا: إنک ذهبت بهم فقتلتهم لأنک لم تکن صادقا فیما ادعیت من مناجاة الله إیاک ، فأحیاهم وبعثهم معه فقالوا: إنک لو سألت الله أن یریک تنظر إلیه لأجابک فتخبرنا کیف هو ونعرفه حق معرفته .

فقال موسی: یا قوم إن الله لا یری بالأبصار ولا کیفیة له وإنما یعرف بآیاته ویعلم بأعلامه ، فقالوا: ( لن نؤمن لک ) حتی تسأله ، فقال موسی: یا رب إنک قد سمعت مقالة بنی إسرائیل وأنت أعلم بصلاحهم ، فأوحی الله إلیه یا

ص: 102

موسی سلنی ما سألوک فلم أؤاخذک بجهلهم فعند ذلک قال موسی: ( رب أرنی أنظر إلیک قال لن ترانی ولکن أنظر إلی الجبل فإن استقر مکانه ) وهو یهوی ( فسوف ترانی فلما تجلی ربه للجبل ) بآیاته من آیاته ( جعله دکا وخر موسی صعقا فلما أفاق قال سبحانک تبت إلیک ) یقول: رجعت إلی معرفتی بک عن جهل قومی ( وأنا أول المؤمنین ) منهم بأنک لا تری .

وفی الإکمال: عن القائم علیه السلام فی کلام فلما وجدنا اختیار من قد اصطفیه الله للنبوة یعنی موسی علیه السلام واقعا علی الأفسد دون الأصلح وهو یظن أنه الأصلح دون الأفسد علمنا أن لا اختیار إلا لمن یعلم ما فی الصدور وتکن الضمائر الحدیث ، ویأتی تمامه فی سورة القصص إنشاء الله .

وفی التوحید: عن أمیر المؤمنین علیه السلام فی حدیث وسأل موسی علیه السلام وجری علی لسانه من بعد حمد الله عز وجل ( رب أرنی أنظر إلیک ) فکانت مسألته تلک أمرا عظیما ، وسأل أمرا جسیما فعوتب فقال الله وتعالی:

( لن ترانی ) فی الدنیا حتی تموت فترانی فی الآخرة ، ولکن إن أردت أن ترانی فی الدنیا فانظر إلی الجبل فإن استقر مکانه فسوف ترانی فأبدی الله سبحانه بعض آیاته وتجلی ربنا للجبل فتقطع الجبل فصار رمیما وخر موسی صعقا ، ثم أحیاه الله وبعثه فقال: ( سبحانک تبت إلیک وأنا أول المؤمنین ) یعنی أول من آمن بک منهم أنه لن یراک ((1)) .

ص: 103

{ قَالَ یَا مُوسَی إنِّی اصْطَفَیْتُکَ عَلَی النَّاسِ بِرِسَالاتِی وَبِکَلامِی فَخُذْ مَا آتَیْتُکَ وَکُنْ مِنَ الشَّاکِرِینَ 144} سورة الاعراف.

{قَالَ } الله تعالی {یَا مُوسَی إنِّی اصْطَفَیْتُکَ عَلَی النَّاسِ } من أهل زمانک . وهذا یبین اصطفاء الرحمن لانبیائه من صفوف الناس أجمعین فکیف یفضل البعض أبا بکر وعمر علی النبی صلی الله علیه و آله و سلم فی موارد شتی مع أخطائهم الکثیرة ومخالفتهما للشریعة .

لذا قالت عائشة: عمر محدَّث ((1)) أی تحدثه الملائکة محاولة لسلب هذه الصفة من الامام علی علیه السلام واعطائها لعمر !!!

بینما قال ابو بکر لعمر: أجبار فی الجاهلیة وخوَّار فی الاسلام یا عمر ((2)) .

وجاء فی العقد الفرید: « کان عمر فی الجاهلیة مبرطشاً أی سمساراً فی

معاملات البیع والشراء بین البائع والمشتری» ((3)), یبیع الحمیر ((4)).

ص: 104

{بِرِسَالاتِی } التوراة فعبر هذا الکتاب السماوی أصبحت من المقدسین وبحدیثی معک {وَبِکَلامِی } معک {فَخُذْ مَا آتَیْتُکَ وَکُنْ مِنَ الشَّاکِرِینَ(144) .

{وَکَتَبْنَا لَهُ فِی الألْوَاحِ مِنْ کُلِّ شَیْء مَوْعِظَةً وَتَفْصِیلا لِکُلِّ شَیْء فَخُذْهَا بِقُوَّة وَأمُرْ قَوْمَکَ یَأخُذُوا بِأحْسَنِهَا سَاُرِیکُمْ دَارَ الفَاسِقِینَ سورة الاعراف_ 145. {وَکَتَبْنَا لَهُ فِی الألْوَاحِ } التوراة {مِنْ کُلِّ شَیْء مَوْعِظَةً } تحذر الناس من النار وتبشر المؤمنین بالجنة .{وَتَفْصِیلا لِکُلِّ شَیْء } من الحرام والحلال والمکروه والمباح {فَخُذْهَا } یا موسی .

{بِقُوَّة وَأمُرْ قَوْمَکَ یَأخُذُوا بِأحْسَنِهَا } أثراً وأکثرها ثواباً {سَاُرِیکُمْ دَارَ الفَاسِقِینَ(145) }

قال القمی: قوله تعالی: {سَاُرِیکُمْ دَارَ الفَاسِقِینَ } أی یجیأکم قوم فساق تکون الدولة لهم ((1)) .

ص: 105

{سَاُرِیکُمْ دَارَ الفَاسِقِینَ } : فرعون وقومه فی جهنم.

:منازل القرون الماضیة المخالفة لأمر الله ، الخارجة عن طاعة الله لتعتبروا .

عن محمد بن سابق بن طلحة الأنصاری قال :

کان مما قال هارون لأبی الحسن موسی علیه السلام حین ادخل علیه ما هذه

الدار ؟ قال: هذه دار الفاسقین ، قال: وقرأ "( سأصرف عن آیاتی الذین یتکبرون فی الأرض بغیر الحق وان یروا سبیل الغی یتخذوه سبیلا ).

یعنی وان یروا کل آیة لا یؤمنوا بها وان یروا سبیل الرشد لا یتخذوه سبیلا ، فقال له هارون: فدار من هی ؟

قال: هی لشیعتنا قرة ولغیرهم فتنة قال: فما بال صاحب الدار لا یأخذها ؟

قال: أخذت منهم عامرة ولا یأخذها الا معمورة ((1)) .

( سأصرف عن آیاتی الذین یتکبرون فی الأرض بغیر الحق ) بالطبع علی قلوبهم ، فلا یتفکرون فیها ولا یعتبرون بها .

( وإن یروا کل آیة لا یؤمنوا بها ) لأنهم یتبعون الهوی . ورد: " إذا عظمت أمتی الدنیا نزعت عنها هیبة الاسلام وإذا ترکوا الامر بالمعروف والنهی عن

ص: 106

المنکر حرمت برکة الوحی " ((1)) .

{ سَأصْرِفُ عَنْ آیَاتِی الَّذِینَ یَتَکَبَّرُونَ فِی الأرْضِ بِغَیْرِ الحَقِّ وَإنْ یَرَوْا کُلَّ آیَة لا یُؤْمِنُوا بِهَا وَإنْ یَرَوْا سَبِیلَ الرُّشْدِ لا یَتَّخِذُوهُ سَبِیلا وَإنْ یَرَوْا سَبِیلَ الغَیِّ یَتَّخِذُوهُ سَبِیلا ذَلِکَ بِأنَّهُمْ کَذَّبُوا بِآیَاتِنَا وَکَانُوا عَنْهَا غَافِلِینَ 146} _سورة الاعراف.

{سَأصْرِفُ عَنْ آیَاتِی } المتکبرین الفاسدین بغیر الحق من طغاة الارض {الَّذِینَ یَتَکَبَّرُونَ فِی الأرْضِ بِغَیْرِ الحَقِّ } طغیاناً وکفراً .

{وَإنْ یَرَوْا کُلَّ آیَة لا یُؤْمِنُوا بِهَا } یکذبون بکل آیة سماویة بدءا من الامام علی علیه السلام وهو أکبر آیة سماویة کما قال أمیر المؤمنین علیه السلام :

ما لله آیة أکبر منِّی , فاذا رجعوا الی الدنیا یعرفهم اعداؤهم اذا رأوهم فی الدنیا((2)) .

ص: 107

{وَإنْ یَرَوْا سَبِیلَ الرُّشْدِ }فی الدین والصلاح {لا یَتَّخِذُوهُ سَبِیلا } ویحاربوه {وَإنْ یَرَوْا سَبِیلَ الغَیِّ یَتَّخِذُوهُ سَبِیلا } لحبهم للفساد .

{ذَلِکَ بِأنَّهُمْ کَذَّبُوا بِآیَاتِنَا وَکَانُوا عَنْهَا غَافِلِینَ(146) }: فهم یحاربون الحق والعدل ولا یهتمون بالحجج الالهیة ولا یعیرون الاخلاق أهمیة .

{ وَالَّذِینَ کَذَّبُوا بِآیَاتِنَا وَلِقَاءِ الآخِرَةِ حَبِطَتْ أعْمَالُهُمْ هَلْ یُجْزَوْنَ إلا مَا کَانُوا یَعْمَلُونَ 147*} _سورة الاعراف.

{وَالَّذِینَ کَذَّبُوا بِآیَاتِنَا }

القرآنیة وغیرها {وَلِقَاءِ الآخِرَةِ } القیامة {حَبِطَتْ أعْمَالُهُمْ } لا قیمة لها {هَلْ یُجْزَوْنَ إلا مَا کَانُوا یَعْمَلُونَ(147)} :

من رفضهم الحق ودعمهم الباطل . الذین کذبوا بآیاتنا الالهیة وکذبوا بیوم القیامة لا قیمة لاعمالهم الاخری فهم خاسرون .

{وَاتَّخَذَ قَوْمُ مُوسَی مِنْ بَعْدِهِ مِنْ حُلِیِّهِمْ عِجْلا جَسَداً لَهُ خُوَارٌ ألَمْ یَرَوْا أنَّهُ لا یُکَلِّمُهُمْ وَلا یَهْدِیهِمْ سَبِیلا اتَّخَذُوهُ وَکَانُوا ظَالِمِینَ 148 } _سورة الاعراف: {وَاتَّخَذَ قَوْمُ مُوسَی مِنْ بَعْدِهِ } ذهابه لمناجاة ربه {مِنْ حُلِیِّهِمْ عِجْلا جَسَداً لَهُ خُوَارٌ } صنعوا من حلی النساء عجلا له صوت , وهذا الصوت ابتدعوه بأمور سحریة أو فنیة .

کان الکهنة قبل الاسلام یضعون رجلا أو امرأة فی داخل الصنم یتکلم ویجیب الحاضرین بانه الاله یتحدث معهم فعندما حطم المسلمون أصنام الطائف خرجت منها نساء عاریات کانت تمثل أصوات الالهة .

ص: 108

وفی مصر کانوا یضعون رجلا فی جوف الصنم یتکلم بدلا عنه ضحکا من الکهنة علی الناس . {ألَمْ یَرَوْا أنَّهُ } العجل الصنم .

{لا یُکَلِّمُهُمْ وَ لا یَهْدِیهِمْ سَبِیلا } صالحاً ینفعهم فی حیاتهم {اتَّخَذُوهُ وَکَانُوا ظَالِمِینَ(148) }

لانفسهم وللآخرین تارکین المعجزات الکثیرة النازلة علیهم , مثلهم مثل الذین یعبدون الدرهم والدینار فی عالمنا السالف والحاضر .

{ وَلَمَّا سُقِطَ فِی أیْدِیهِمْ وَرَأوْا أنَّهُمْ قَدْ ضَلُّوا قَالُوا لَئِنْ لَمْ یَرْحَمْنَا رَبُّنَا وَیَغْفِرْ لَنَا لَنَکُونَنَّ مِنَ الخَاسِرِینَ 149 } سورة الاعراف.

{وَلَمَّا سُقِطَ فِی أیْدِیهِمْ وَرَأوْا أنَّهُمْ قَدْ ضَلُّوا } لما وعظهم هارون وبیَّن لهم انحرافهم الدینی ندموا علی فعلهم الصبیانی و{قَالُوا لَئِنْ لَمْ یَرْحَمْنَا رَبُّنَا وَیَغْفِرْ لَنَا } لعبادتنا العجل {لَنَکُونَنَّ مِنَ الخَاسِرِینَ(149) }: فی الآخرة .

{ وَلَمَّا رَجَعَ مُوسَی إلَی قَوْمِهِ غَضْبَانَ أسِفاً قَالَ بِئْسَمَا خَلَفْتُمُونِی مِنْ بَعْدِی أعَجِلْتُمْ أمْرَ رَبِّکُمْ وَألْقَی الألْوَاحَ وَأخَذَ بِرَأسِ أخِیهِ یَجُرُّهُ إلَیْهِ قَالَ ابْنَ اُمَّ إنَّ القَوْمَ اسْتَضْعَفُونِی وَکَادُوا یَقْتُلُونَنِی فَلا تُشْمِتْ بِیَ الأعْدَاءَ وَلا تَجْعَلْنِی مَعَ القَوْمِ الظَّالِمِینَ150 قَالَ رَبِّ اغْفِرْ لِی وَلأخِی وَأدْخِلْنَا فِی رَحْمَتِکَ وَأنْتَ أرْحَمُ الرَّاحِمِینَ 151} سورة

الاعراف.

ص: 109

{وَلَمَّا رَجَعَ مُوسَی إلَی قَوْمِهِ غَضْبَانَ أسِفاً } علی تصرفاتهم الکافرة المتقلبة وانحدارهم ذلک الانحدار الخطیر فی توجههم لعبادة العجل( الصنم )بعد عبادتهم الرحمن وتوحیدهم له .

والیوم تجد الکثیر من المسلمین یعبدون رؤساءهم واحزابهم وشهواتهم وطغاة الغرب ویدَّعون اعتقادهم بالاسلام .

{قَالَ بِئْسَمَا خَلَفْتُمُونِی مِنْ بَعْدِی } بعد ذهابی.

{أعَجِلْتُمْ أمْرَ رَبِّکُمْ } استعجلتم هذه المدة القصیرة وبدَّلتم التوحید بالشرک رغم الایات التی رایتموها { وَألْقَی الألْوَاحَ } المکتوب فیها التوراة .

{وَأخَذَ بِرَأسِ أخِیهِ یَجُرُّهُ إلَیْهِ } یسحبه نحوه {قَالَ } هارون:

{ابْنَ اُمَّ إنَّ القَوْمَ اسْتَضْعَفُونِی } لوجودی وحیداً وتجمعهم علی الکفر {وَکَادُوا یَقْتُلُونَنِی } بعد الحاحی علیهم بترک عبادة العجل .

{فَلا تُشْمِتْ بِیَ الأعْدَاءَ } باهانتک لی {وَلا تَجْعَلْنِی مَعَ القَوْمِ الظَّالِمِینَ(150) } . فی نظرتک لی , وأنا لست منهم , عندها لان موسی وتغیَّر و{قَالَ رَبِّ اغْفِرْ لِی وَلأخِی وَأدْخِلْنَا فِی رَحْمَتِکَ وَأنْتَ أرْحَمُ الرَّاحِمِینَ

}(151) سورة الاعراف.

عن

حبة العرنی ، قال: سمعت أمیر المؤمنین علیا علیه السلام یقول: « إن یوشع بن نون کان وصی موسی بن عمران ، وکانت ألواح موسی من زبرجد أخضر ، فلما غضب موسی علیه السلام ألقی الألواح من یده ، فمنها ما تکسر ، ومنها ما بقی

ص: 110

، ومنها ما ارتفع ، فلما ذهب عن موسی الغضب ، قال لیوشع بن نون: عندک تبیان ما فی الألواح ؟ قال: نعم ، فلم یزل یتوارثها رهط بعد رهط حتی وقعت فی أیدی أربعة رهط من الیمن ، وبعث الله محمدا صلی الله علیه و آله و سلم بتهامة وبلغهم الخبر ، فقالوا: ما یقول هذا النبی ؟

قیل: ینهی عن الخمر والزنا ، ویأمر بمحاسن الأخلاق وکرم الجوار . فقالوا: هذا أولی بما فی أیدینا منا . فاتفقوا أن یأتوه فی شهر کذا وکذا ، فأوحی الله إلی جبرئیل علیه السلام أن إئت النبی صلی الله علیه و آله و سلم فأخبره الخبر ، فأتاه فقال: إن فلانا وفلانا وفلانا وورثوا فلانا ما کان فی الألواح ، ألواح موسی علیه السلام ، وهم یأتوک فی شهر کذا وکذا ، فی لیلة کذا وکذا » .

قال: « فسهر لهم تلک اللیلة فجاء الرکب فدقوا علیه الباب ، وهم یقولون: یا محمد . قال: نعم یا فلان بن فلان ، ویا فلان بن فلان ، ویا فلان بن فلان ، ویا فلان بن فلان ، أین الکتاب الذی توارثتموه من یوشع بن نون وصی موسی ابن عمران علیه السلام ؟

قالوا:

نشهد أن لا إله إلا الله ، وحده لا شریک له وأنک رسول الله ، والله ما علم به أحد قط _ منذ وقع عندنا _ قبلک » .قال: « فأخذه النبی صلی الله علیه و آله و سلم فإذا هو کتاب بالعبرانیة دقیق ، فدفعه إلی ، ووضعته عند رأسی ، فأصبحت

ص: 111

بالغداة وهو کتاب بالعربیة جلیل ، فیه علم ما خلق الله منذ قامت السماوات والأرض إلی أن تقوم الساعة ، فعلمت ذلک »((1)) .

{ إنَّ الَّذِینَ اتَّخَذُوا العِجْلَ سَیَنَالُهُمْ غَضَبٌ مِنْ رَبِّهِمْ وَذِلَّةٌ فِی الحَیَاةِ الدُّنْیَا وَکَذَلِکَ نَجْزِی المُفْتَرِینَ(152) } سورة الاعراف.

وهو جزاء کل من یعبد صنماً أو حزباً أو شخصاً من دون الله تعالی ذکره .

قال الإمام العسکری علیه السلام : « قال الله عز وجل: واذکروا إذ فعلنا ذلک بأسلافکم لما أبوا قبول ما جاءهم به موسی علیه السلام من دین الله وأحکامه ، ومن الأمر بتفضیل محمد وعلی ( صلوات الله علیهما ) وخلفائهما علی سائر الخلق .

( خُذُوا ما آتَیْناکُمْ ) قلنا لهم: خذوا ما آتیناکم من هذه الفرائض ( بِقُوَّةٍ ) قد جعلناها لکم ، ومکناکم بها ، وأزحنا عللکم فی ترکیبها فیکم ( واسْمَعُوا ) ما یقال لکم ، وتؤمرون به ( قالُوا سَمِعْنا ) قولک ( وعَصَیْنا ) أمرک ، أی إنهم عصوا بعد ، وأضمروا فی الحال أیضا العصیان ( وأُشْرِبُوا فِی قُلُوبِهِمُ الْعِجْلَ ) أمروا بشرب العجل الذی کان قد ذریت سحالته فی الماء الذی أمروا بشربه ، لیتبین من عبده ممن لم یعبده ( بِکُفْرِهِمْ ) لأجل کفرهم ، أمروا بذلک .

ص: 112

( قُلْ ) یا محمد ( بِئْسَما یَأْمُرُکُمْ بِه إِیمانُکُمْ ) بموسی کفرکم بمحمد وعلی وأولیاء الله من آلهما ( إِنْ کُنْتُمْ مُؤْمِنِینَ ) بتوراة موسی ، ولکن معاذ الله ، لا یأمرکم إیمانکم بالتوراة الکفر بمحمد وعلی ( علیهما السلام ) » .

قال الإمام علیه السلام : « قال أمیر المؤمنین علیه السلام : إن الله تعالی ذکر بنی إسرائیل فی عصر محمد صلی الله علیه و آله و سلم أحوال آبائهم الذین کانوا فی أیام موسی علیه السلام ، کیف أخذ علیهم العهد والمیثاق لمحمد وعلی وآلهما الطیبین المنتجبین للخلافة علی الخلائق ، ولأصحابهما وشیعتهما وسائر أمة محمد صلی الله علیه و آله و سلم .

فقال: ( وإِذْ أَخَذْنا مِیثاقَکُمْ ) اذکروا لما أخذنا میثاق آبائکم ( ورَفَعْنا فَوْقَکُمُ الطُّورَ ) الجبل ، لما أبوا قبول ما أرید منهم والاعتراف به ( خُذُوا ما آتَیْناکُمْ ) أعطیناکم ( بِقُوَّةٍ ) یعنی بالقوة التی أعطیناکم تصلح لذلک ( واسْمَعُوا ) أی أطیعوا فیه .

( قالُوا سَمِعْنا ) بآذاننا ( وعَصَیْنا ) بقلوبنا ، فأما فی الظاهر فأعطوا کلهم الطاعة داخرین صاغرین ، ثم قال: ( وأُشْرِبُوا فِی قُلُوبِهِمُ الْعِجْلَ بِکُفْرِهِمْ ) عرضوا لشرب العجل الذی عبدوه حتی وصل ما شربوه [ من ] ذلک إلی قلوبهم » .

وقال: « إن بنی إسرائیل لما رجع إلیهم موسی وقد عبدوا العجل تلقوه بالرجوع عن ذلک ، فقال لهم موسی :

من الذی عبده منکم حتی أنفذ فیه حکم الله ؟ خافوا من حکم الله الذی ینفذه فیهم ، فجحدوا أن یکونوا عبدوه ، وجعل کل واحد منهم یقول: أنا

ص: 113

لم أعبده وإنما عبده غیری ، ووشی بعضهم ببعض فذلک ما حکی الله عز وجل عن موسی من قوله للسامری: وانْظُرْ إِلی إِلهِکَ الَّذِی ظَلْتَ عَلَیْه عاکِفاً لَنُحَرِّقَنَّه ثُمَّ لَنَنْسِفَنَّه فِی الْیَمِّ نَسْفاً ) فأمره الله ، فبرده بالمبارد ، وأخذ سحالته فذرأها فی البحر العذب ، ثم قال لهم: اشربوا منه فشربوا ، فکل من کان عبده اسودت شفتاه وأنفه ممن کان أبیض اللون ، ومن کان منهم أسود اللون ابیضت شفتاه وأنفه ، فعند ذلک أنفذ فیهم حکم الله » ((1)) .

العیاشی: عن أبی بصیر ، عن الامام ابی جعفر الباقر علیه السلام ، فی قول الله عز وجل: ( وأُشْرِبُوا فِی قُلُوبِهِمُ الْعِجْلَ بِکُفْرِهِمْ ) .

قال: « لما ناجی موسی علیه السلام ، ربه أوحی إلیه: أن یا موسی ، قد فتنت قومک . قال: وبماذا ، یا رب ؟

قال :بالسامری . قال: وما [ فعل ] السامری ؟ قال: صاغ لهم من حلیهم عجلا

قال: یا رب ، إن حلیهم لتحتمل [ أن یصاغ ] منها غزال أو تمثال أو عجل ، فکیف یفتنهم ؟ قال: إنه صاغ لهم عجلا فخار . قال: یا رب ، ومن أخاره ؟

قال: أنا . فقال عندها موسی: إِنْ هِیَ إِلَّا فِتْنَتُکَ تُضِلُّ بِها مَنْ تَشاءُ وتَهْدِی مَنْ تَشاءُ ) » _ قال _: فلما انتهی موسی إلی قومه ورءاهم یعبدون العجل ، ألقی الألواح من یده فتکسرت » .

ص: 114

{وَالَّذِینَ عَمِلُوا السَّیِّئَاتِ ثُمَّ تَابُوا مِنْ بَعْدِهَا وَآمَنُوا إنَّ رَبَّکَ مِنْ بَعْدِهَا لَغَفُورٌ رَحِیمٌ(153) } سورة الاعراف.

من تاب عن الذنب کمن لا ذنب له بشرط أن یصبح انسانا مستقیماً .

{ وَلَمَّا سَکَتَ عَنْ مُوسَی الغَضَبُ أخَذَ الألْوَاحَ وَفِی نُسْخَتِهَا هُدیً وَرَحْمَةٌ لِلَّذِینَ هُمْ لِرَبِّهِمْ یَرْهَبُونَ 154}

سورة الاعراف.

{وَلَمَّا سَکَتَ عَنْ مُوسَی الغَضَبُ أخَذَ الألْوَاحَ } رفعها من الأرض , وکان غضب موسی لله سبحانه لا لشخصه , فقد فعل الکثیر لاخراج الیهود من قبضة فرعون , وها هم بدأوا یعبدون الصنم مثل قوم فرعون , متأسین بهم ومتنکرین للنبی موسی الذی أنقذهم من العبودیة لفرعون !!!

{وَفِی نُسْخَتِهَا هُدیً } هدایة الی الحق { وَرَحْمَةٌ } من یتبعها یحصل علی الرحمة الالهیة .

{لِلَّذِینَ هُمْ لِرَبِّهِمْ یَرْهَبُونَ(154)} یتَّقون ویخافون .

{ وَاخْتَارَ مُوسَی قَوْمَهُ سَبْعِینَ رَجُلا لِمِیقَاتِنَا فَلَمَّا أخَذَتْهُمُ الرَّجْفَةُ قَالَ رَبِّ لَوْ شِئْتَ أهْلَکْتَهُمْ مِنْ قَبْلُ وَإیَّایَ أتُهْلِکُنَا بِمَا فَعَلَ السُّفَهَاءُ مِنَّا إنْ هِیَ إلا فِتْنَتُکَ تُضِلُّ بِهَا مَنْ تَشَاءُ وَتَهْدِی مَنْ تَشَاءُ أنْتَ وَلِیُّنَا فَاغْفِرْ لَنَا وَارْحَمْنَا وَأنْتَ خَیْرُ الغَافِرِینَ155 }

سورة الاعراف.

{وَاخْتَارَ مُوسَی } من {قَوْمَهُ سَبْعِینَ رَجُلا لِمِیقَاتِنَا } لیسمعوا کلام الله تعالی ذکره , فلما سمعوا کلامه قالوا أرنا الله جهرة , فأخذتهم الرجفة .

ص: 115

{فَلَمَّا أخَذَتْهُمُ الرَّجْفَةُ قَالَ } موسی: {رَبِّ لَوْ شِئْتَ أهْلَکْتَهُمْ مِنْ قَبْلُ وَإیَّایَ } قبل مجیئنا الی هنا , لان بنی اسرائیل ستتهمه بقتلهم .

{أتُهْلِکُنَا بِمَا فَعَلَ السُّفَهَاءُ مِنَّا } وهم بعض الحاضرین.

{إنْ هِیَ إلا فِتْنَتُکَ } امتحانک وبلاؤک وعبر الامتحانات الالهیة یعرف المؤمن من السیء .

{تُضِلُّ بِهَا مَنْ تَشَاءُ } لا یظلم الله أحداً قال سبحانه: (فلما زاغوا أزاغ الله قلوبهم/سورة الصف 5) .

عن أبی بصیر عن الامام ابی جعفر الباقر علیه السلام فی قول الله "{ وأشربوا فی قلوبهم العجل بکفرهم }" . قال لما ناجی موسی علیه السلام ربه أوحی الله إلیه أن یا موسی قد فتنت قومک قال وبما ذا یا رب ؟ قال: بالسامری قال: وما فعل السامری ؟ قال صاغ لهم من حلیهم عجلا ، قال: یا رب ان حلیهم لتحتمل ان یصاغ منه غزال أو تمثال أو عجل فکیف فتنتهم ! قال: انه صاغ لهم عجلا فخار قال: یا رب ومن أخاره ؟ قال: أنا فقال عندها موسی: " ان هی الا فتنتک تضل بها من تشاء وتهدی بها من تشاء " قال: فلما انتهی موسی إلی قومه ورآهم یعبدون العجل ألقی الألواح من یده فتکسرت فقال أبو جعفر علیه السلام : کان ینبغی أن یکون ذلک عند اخبار الله إیاه قال: فعمد موسی فبرد العجل من أنفه إلی طرف ذنبه ثم أحرقه بالنار ، فذره فی الیم قال:

ص: 116

فکان أحدهم لیقع فی الماء وما به إلیه من حاجة ، فیتعرض بذلک للرماد فیشربه ، وهو قول الله: " واشربوا فی قلوبهم العجل بکفرهم " ((1)) .

{ وَتَهْدِی مَنْ تَشَاءُ } لا یهدی سبحانه الظالم بل یهدی من قرر السیر فی طریق الهدایة (والذین اهتدوا زادهم هدی / سورة محمد 17 ) .{ أنْتَ وَلِیُّنَا فَاغْفِرْ لَنَا } ذنوبنا .

{وَارْحَمْنَا وَأنْتَ خَیْرُ الغَافِرِینَ(155) .

وقال نجاح الطائی :

الفتنة الالهیة للبشر تأتی لاجل امتحان الناس ومعرفة توجهاتهم ودرجة تدینهم .فبها ینجح الناس فی الامتحان أو یرسبون فالیهود شاهدوا ولمسوا المعجزات الالهیة العشرة ضد فرعون وصنعوا العجل لیعبدوه فجعل تعالی له صوتا لامتحانهم .

فمضوا فی مشروعهم عبدة لعجل لا یفهم وترکوا رب العالمین وتناسوا معجزات الجبار فی البحر وغیرها .

{ وَاکْتُبْ لَنَا فِی هَذِهِ الدُّنْیَا حَسَنَةً وَفِی الآخِرَةِ إنَّا هُدْنَا إلَیْکَ قَالَ عَذَابِی اُصِیبُ بِهِ مَنْ أشَاءُ وَرَحْمَتِی وَسِعَتْ کُلَّ شَیْء فَسَأکْتُبُهَا

لِلَّذِینَ یَتَّقُونَ وَیُؤْتُونَ الزَّکَاةَ وَالَّذِینَ هُمْ بِآیَاتِنَا یُؤْمِنُونَ 156 } سورة

ص: 117

الاعراف: { وَاکْتُبْ لَنَا فِی هَذِهِ الدُّنْیَا حَسَنَةً } حیاة سعیدة فی ظل الایمان بک وخدمة المؤمنین ورضاک عنَّا .

{وَفِی الآخِرَةِ } حسنة وهی الجنة {إنَّا هُدْنَا } تبنا واهتدینا الیک . وأصله الرجوع من هاد یهود ، فهو هاید إذا رجع ، فمعناه رجعنا بتوبتنا إلیک {إلَیْکَ قَالَ } الله تعالی ذکره:

{عَذَابِی اُصِیبُ بِهِ مَنْ أشَاءُ } من المعاندین الکافرین .

{وَرَحْمَتِی وَسِعَتْ کُلَّ شَیْء } البلدان الکافرة والمسلمة , والنواصب النجسین والمتَّقین الطاهرین .

{فَسَأکْتُبُهَا لِلَّذِینَ یَتَّقُونَ وَیُؤْتُونَ الزَّکَاةَ } یصرون علی الامتناع عن الحرام ویطهرون أنفسهم باعطاء الزکاة .

{وَالَّذِینَ هُمْ بِآیَاتِنَا یُؤْمِنُونَ(156) } :یؤمنون بأهل البیت وباقی الایات الالهیة.

{ الَّذِینَ یَتَّبِعُونَ الرَّسُولَ النَّبِیَّ الاُمِّیَّ الَّذِی یَجِدُونَهُ مَکْتُوباً عِنْدَهُمْ فِی التَّوْرَاةِ وَالإنجِیلِ یَأمُرُهُمْ بِالمَعْرُوفِ وَیَنْهَاهُمْ عَنِ المُنکَرِ وَیُحِلُّ لَهُمُ الطَّیِّبَاتِ وَیُحَرِّمُ عَلَیْهِمُ الخَبَائِثَ وَیَضَعُ عَنْهُمْ إصْرَهُمْ وَالأغْلالَ الَّتِی کَانَتْ عَلَیْهِمْ فَالَّذِینَ آمَنُوا بِهِ وَعَزَّرُوهُ وَنَصَرُوهُ وَاتَّبَعُوا النُّورَ الَّذِی اُنزِلَ مَعَهُ اُوْلَئِکَ هُمُ المُفْلِحُونَ157 } سورة الاعراف.

ص: 118

{الَّذِینَ یَتَّبِعُونَ الرَّسُولَ النَّبِیَّ الاُمِّیَّ } المنسوب الی أم القری مکة , وهو یقرأ ویکتب اذ قال الله له فی بدایة البعثة:

{إقرأ بإسم ربک الذی خلق } .

ولا یمکن أن یقول له العلیم الحکیم :اقرأ وهو لا یقرأ , ولو کان لا یقرأ لقال: انی لا أحسن القراءة .

وکل الانبیاء والاوصیاء یقرأون ویکتبون فهم أهل العلم والمعرفة فلا یجوز وصمهم بالامیة .لان الامیة نقص فی الانسان والمعصومون لیس فیهم عیب ولا نقص .

ومن وصمهم بالامیة اعتمد علی روایات ضعیفة مخالفة للقرآن فهی باطلة ومرفوضة فالمخالف للقرآن مردود .

ومردود أیضاً بقول النبی صلی الله علیه و آله و سلم : أنا مدینة العلم وعلی بابها ((1)) .

ص: 119

ص: 120

ص: 121

وقال محمد سید البریة صلی الله علیه و آله و سلم عن اهل البیت علیهم السلام :

«أولوا العلم والراسخون فی العلم , ومدینة العلم والعلماء ((1)) .

وقال تعالی: (فَسَْألُواْ أَهْلَ الذِّکْرِ إِنْ کُنتُمْ لاَتَعْلَمُونَ)((2)).

ص: 122

الطبری والثعلبی وابن کثیر: قال علی ( علیه السلام ): «نحن اهل الذکر ».وهو الماثور عن سائر أئمة الهدی من أهل البیت (علیهم السلام ) ((1)).

وهل یتوقع عاقل لبیب أن یلتقی برئیس مدینة العلم الالهیة وهو أمی ؟

{الَّذِی یَجِدُونَهُ مَکْتُوباً عِنْدَهُمْ فِی التَّوْرَاةِ وَالإنجِیلِ } اوصافهم کاملة عندهم أی النبی والوصی والقائم .

{ یَأمُرُهُمْ بِالمَعْرُوفِ وَیَنْهَاهُمْ عَنِ المُنکَرِ وَیُحِلُّ لَهُمُ الطَّیِّبَاتِ } المحرمة زیفاً فی دینهم {وَیُحَرِّمُ عَلَیْهِمُ الخَبَائِثَ } کالکلب والخنزیر و المیتة {وَیَضَعُ عَنْهُمْ إصْرَهُمْ } یبعد عنهم التکالیف الصعبة , التی وضعها علماء السوء .

ص: 123

{وَالأغْلالَ الَّتِی کَانَتْ عَلَیْهِمْ } قال الامام علی علیه السلام : یولد الانسان حرَّاً لکنه مقیَّد بالأغلال فی کل مکان .

ولا یضع الاغلال الا المستبدون أعداء الشعوب المقهورة .

{فَالَّذِینَ آمَنُوا بِهِ } محمد صلی الله علیه و آله و سلم {وَعَزَّرُوهُ } أعانوه فی مشروعه الدینی {وَنَصَرُوهُ } فی الحرب والسلم .

{ الَّذِی اُنزِلَ مَعَهُ } .

قال الامام الصادق علیه السلام : النور علی أمیر المؤمنین والأئمة((1)) .

وقال الامام علی بن الحسین علیه السلام : النور هو الإمام((2)).

الطبری: ونقل العلامة القبیسی, عن الحافظ ابن جریر الطبری عن النبی صلی الله علیه و آله و سلم أنه قال فی خطبة الغدیر فیما قال: ( «معاشر الناس: آمنوا بالله ورسوله والنور الذی أنزلنا».

ثم قال صلی الله علیه و آله و سلم : النور من الله فیَّ, ثم فی علی, ثم فی النسل منه إلی القائم

ص: 124

المهدی) ((1)).

اُوْلَئِکَ هُمُ المُفْلِحُونَ(157) . من تمسک بالتوحید والنبوة والامامة .

والذین کفروا ( بولایة علی) أولیاؤهم الطاغوت .

أعداؤه وأتباعهم أخرجوا الناس من النور وولایة علی ( علیه السلام ) إلی الظلمات وولایة أعدائه((2)) .

من اتبع الثقلین کان من المفلحین , البعیدین عن عبادة الجبت والطاغوت فلان وفلان وفلان .

ومن جملة الأحادیث الصحیحة لعائشة قولها : قال رسول الله ( صلی الله علیه و آله و سلم ) :

« علی سیّد المسلمین وإمام المتّقین وقائد الغرّ المحجّلین یوم القیامة » ((3)).

وعن جمیع بن عمیر ، أن أمه وخالتاه دخلتا علی عائشة ، فقالتا : یا أم المؤمنین أخبرینا عن علی ، قالت : أی شیء تسألن عن رجل وضع یده من رسول الله صلی الله علیه و آله و سلم موضعا فسالت نفسه فی یده ، فمسح بها وجهه واختلفوا

ص: 125

فی دفنه فقال : إن أحب البقاع إلی الله مکان قبض فیه نبیه ، قالت : فلم خرجتِ علیه ؟

قالت : أمر قضی ، لوددت أنی أفدیه بما علی الأرض ((1)) .

وقال ابن منظور أیضا : عن عائشة قالت : علی أعلم الناس بالسنة ((2)) .

قال : وسأل الإمام محمد الباقر علیه السلام جابر بن عبد الأنصاری لما دخل علیه ، عن عائشة وما جری بینها وبین علی علیه السلام ؟

فقال جابر : دخلت علیها یوما وقلت لها : ما تقولین فی علی علیه السلام ؟

فأطرقت (عائشة) رأسها ثم رفعت وقالت :

إذا ما التبر حک علی المحک _ تبین غشه من غیر شک

وفینا الغش والذهب المصفی _ علی بیننا شبه المحک ((3)).

ص: 126

{ قُلْ یَا أیُّهَا النَّاسُ إنِّی رَسُولُ اللّهِ إلَیْکُمْ جَمِیعاً الَّذِی لَهُ مُلْکُ السَّمَاوَاتِ وَالأرْضِ لا إلَهَ إلا هُوَ یُحْیِی وَیُمِیتُ فَآمِنُوا بِاللّهِ وَرَسُولِهِ النَّبِیِّ الاُمِّیِّ الَّذِی یُؤْمِنُ بِاللّهِ وَکَلِمَاتِهِ وَاتَّبِعُوهُ لَعَلَّکُمْ تَهْتَدُونَ158 } سورة الاعراف:

{قُلْ یَا أیُّهَا النَّاسُ إنِّی رسول الله إلَیْکُمْ جَمِیعاً } الی الأسود والأبیض والاصفر والعربی والصینی والهندی لا فضل لأحد علی أحد وما هذه الفوارق الا من ملوک القهر وعلماء السوء .

{الَّذِی لَهُ مُلْکُ السَّمَاوَاتِ وَالأرْضِ لا إلَهَ إلا هُوَ } ولا ملک الا هو .

{یُحْیِی وَیُمِیتُ فَآمِنُوا بِاللّهِ وَرَسُولِهِ النَّبِیِّ الاُمِّیِّ } والله تعالی ذکره هو الوحید الذی یحیی ویمیت .

فآمنو بالله ورسوله المنحدر من أم القری مکة .

{الَّذِی یُؤْمِنُ بِاللّهِ وَکَلِمَاتِهِ } هذا النبی الذی یؤمن بالله وکلماته أی الائمة الإثنی عشر علیهم السلام .

«فَتَلَقَّی آدَمُ مِنْ رَبِّهِ کَلِمَات فَتَابَ علیه إنَّهُ هُوَ التَّوَّابُ الرَّحِیمُ ((1)) .

السیوطی: وأخرج نحواً منه السیوطی فی تفسیره: «أخرج ابن النجار عن ابن عباس قال: سألت رسول الله صلی الله علیه و آله و سلم عن الکلمات التی تلقاها آدم من ربه

ص: 127

فتاب علیه .قال: " سأل بحق محمد وعلی وفاطمة والحسن والحسین علیهم السلام إلا تبت علیَّ, فتاب علیه "»((1)) .

{وَاتَّبِعُوهُ لَعَلَّکُمْ تَهْتَدُونَ(15) } .

اتبعوا النبی صلی الله علیه و آله و سلم لعلکم تهتدون بهداه وتدخلون الجنة .

روی الحافظ القندوزی الحنفی فی کتابه ینابیع المودّة, بإسناده المذکور, عن المفضّل قال: سألت جعفراً الصادق علیه السلام عن قوله عزّ وجل: (وَإذِ ابْتَلَی إبْرَاهِیمَ رَبُّهُ بِکَلِمَات فَأتَمَّهُنَّ قَالَ إنِّی جَاعِلُکَ لِلنَّاسِ إمَاماً قَالَ وَمِنْ ذُرِّیَّتِی قَالَ لا یَنَالُ عَهْدِی الظَّالِمِینَ) .

ص: 128

وکلماته: الآیة, قال: ( هی الکلمات التی تلقّاها آدم من ربّه فتاب علیه, وهو أنّه قال یا رب أسألک بحقّ محمد وعلی وفاطمة والحسن والحسین إلاّ تبت علیَّ . فتاب علیه إنّه هو التواب الرحیم . فقلت له: یا ابن رسول الله فما یعنی بقوله (الآیة)؟

قال ( علیه السلام ): یعنی أتمهنّ إلی القائم المهدی اثنا عشر إماماً تسعة من نسل الحسین) ((1)) .

الدیلمی وابن المغازلی والبیهقی: وروی الدیلمی :قال (یعنی جبرئیل لادم ): { فعلیک بهؤلاء الکلمات, فإن الله قابل توبتک وغافر ذنبک, قل: اللهم إنی أسألک بحق محمد وآل محمد, سبحانک لا إله إلا أنت, عملت سوء وظلمت نفسی فاغفر لی انک أنت الغفور الرحیم, اللهم إنی أسالک بحق محمد وآل محمد سبحانک لا إله إلا أنت, عملت سوءاً وظلمت نفسی فتب علی إنک أنت التواب الرحیم . فهذه الکلمات التی تلقاها آدم }((2)) .

ص: 129

{وَمِنْ قَوْمِ مُوسَی اُمَّةٌ یَهْدُونَ بِالحَقِّ وَبِهِ یَعْدِلُونَ(159) } _سورة الاعراف:

قال النبی صلی الله علیه و آله و سلم : معاشر الناس : إن الله قد أمرنی ، ونهانی وقد أمرت علیا ونهیته . وعلیه الامر والنهی من ربه عز وجل فاسمعوا لامره وانتهوا لنهیه وصیروا إلی مراده ، ولا تتفرق بکم السبل عن سبیله انا صراط الله المستقیم الذی أمرکم باتباعه ثم علی من بعدی ثم ولدی من صلبه أئمة یهدون بالحق وبه یعدلون ثم قرأ ( صلی الله علیه وآله ) الحمد لله إلی آخرها ، وقال صلی الله علیه و آله و سلم فیَّ نزلت وفیهم نزلت ولهم عمت وإیاهم خصت وعمت أولئک أولیاء الله لا خوف علیهم ولا هم یحزنون ألا إن حزب الله هم الغالبون ألا إن أعدائهم أهل الشقاق العادون واخوان الشیاطین الذین یوحی بعضهم إلی بعض زخرف القول غرورا (1)

.

قال الامام علیه السلام : اللهم صل علی محمد وآل محمد وفرج عن آل محمد واجعلهم أئمة یهدون بالحق وبه یعدلون ، وانصرهم وانتصر بهم وأنجز لهم

ص: 130

ما وعدتهم ، وبلغنی فتح آل محمد ، واکفنی کل هول دونهم ، ثم أقسم اللهم لی فیهم نصیبا خالصا یا مقدر 112 الآجال (1)

.

عن أبی خالد الکابلی عن الامام ابی جعفر الباقر علیه السلام قال: " ضرب الله مثلا رجلا فیه شرکاء متشاکسون ورجلا سلما لرجل هل یستویان مثلا " قال أما الذی فیه شرکاء متشاکسون فلان الأول یجمع المتفرقون ولایته وهم فی ذلک یلعن بعضهم بعضا ویبرأ بعضهم من بعض فأما رجل سلم رجل فإنه الأول حقا وشیعته.

ثم قال: إن الیهود تفرقوا من بعد موسی علیه السلام علی إحدی وسبعین فرقة منها فرقة فی الجنة و وسبعون فرقة فی النار وتفرقت النصاری بعد عیسی علیه السلام علی اثنین وسبعین فرقة ، فرقة منها فی الجنة وإحدی وسبعون فی النار وتفرقت هذه الأمة بعد نبیها صلی الله علیه و آله و سلم علی ثلاث وسبعین فرقة اثنتان وسبعون فرقة فی النار وفرقة فی الجنة ومن الثلاث وسبعین فرقة ثلاث عشرة فرقة تنتحل ولایتنا ومودتنا اثنتا عشرة فرقة منها فی النار وفرقة فی الجنة وستون فرقة من سائر الناس فی النار ((2)) .

ص: 131

طائفة أو جماعة من قوم موسی علیه السلام یعملون بالحق والعدل والمساواة , قالوا: إنَّهم جماعة وراء الصین (قد تکون مالیزیا واندونیسیا) . یخرجون مع قائم آل محمد علیه السلام .

ویجمع الله له أصحابه ثلاث مائة وثلاثة عشر رجلا " فیجمعهم الله له علی غیر میعاد قزع کقزع الخریف وهی یا جابر الآیة التی ذکرها الله ".

{ أیْنَ مَا تَکُونُوا یَأتِ بِکُمُ اللّهُ جَمِیعاً إنَّ اللّهَ عَلَی کُلِّ شَیْء قَدِیرٌ 148 _ سورة البقرة } " فیبایعونه بین الرکن و المقام ومعه عهد من رسول الله صلی الله علیه و آله و سلم قد توارثه الأنبیاء عن الآباء ((1)) .

ذکر النبی صلی الله علیه و آله و سلم المهدی علیه السلام من ولده یرضی به کل مؤمن ، یحکم بالعدل ویأمر به ، یخرج من تهامة حتی تظهر الدلائل والعلامات ، یجمع الله له من أقاصی البلاد ، علی عدد أهل بدر ثلاث مائة وثلاثة عشر رجلا ، معه صحیفة فیها عدد أسماء أصحابه وآبائهم وبلدانهم وحلاهم وکناهم ((2)).

ص: 132

{ وَقَطَّعْنَاهُمْ اثْنَتَیْ عَشْرَةَ أسْبَاطاً اُمَماً وَأوْحَیْنَا إلَی مُوسَی إذِ اسْتَسْقَاهُ قَوْمُهُ أنْ اضْرِب بِعَصَاکَ الحَجَرَ فَانْبَجَسَتْ مِنْهُ اثْنَتَا عَشْرَةَ عَیْناً قَدْ عَلِمَ کُلُّ اُنَاس مَشْرَبَهُمْ وَظَلَّلْنَا عَلَیْهِمُ الغَمَامَ وَأنزَلْنَا عَلَیْهِمُ المَنَّ وَالسَّلْوَی کُلُوا مِنْ طَیِّبَاتِ مَا رَزَقْنَاکُمْ وَمَا ظَلَمُونَا وَلَکِنْ کَانُوا أنفُسَهُمْ یَظْلِمُونَ160 }

سورة الاعراف.

{وَقَطَّعْنَاهُمْ اثْنَتَیْ عَشْرَةَ أسْبَاطاً } قبیلة {اُمَماً } أصبحوا أمماً .

{وَأوْحَیْنَا إلَی مُوسَی إذِ اسْتَسْقَاهُ قَوْمُهُ } فی التیه بسبب عطشهم . {أنْ اضْرِب بِعَصَاکَ الحَجَرَ } فضربه .

{فَانْبَجَسَتْ مِنْهُ } انفجرت .{اثْنَتَا عَشْرَةَ عَیْناً قَدْ عَلِمَ کُلُّ اُنَاس مَشْرَبَهُمْ } کل سبط له عین منها {وَظَلَّلْنَا عَلَیْهِمُ الغَمَامَ } جعلنا السحاب تظلهم من حرارة الشمس .

{وَأنزَلْنَا عَلَیْهِمُ المَنَّ وَالسَّلْوَی } رزقا من الله تعالی ذکره .

{کُلُوا مِنْ طَیِّبَاتِ مَا رَزَقْنَاکُمْ وَمَا ظَلَمُونَا وَلَکِنْ کَانُوا أنفُسَهُمْ یَظْلِمُونَ(160) } برجوعهم القهقری , وتوسلهم بالشیطان , وشرکهم بالله العظیم , بعد تلک المعجزات الالهیة الفذَّة .

ص: 133

قوله تعالی ذکره: " وظللنا علیکم الغمام " قال الطبرسی: أی جعلنا لکم الغمام ظلة وسترة تقیکم حر الشمس فی التیه " وأنزلنا علیکم المن " هو الذی یعرفه الناس یسقط علی الشجر ، وقیل: إنه شئ کالصمغ کان یقع علی الأشجار طعمه کالزبد والعسل ، وقیل: إنه الخبز المرقق ، وقیل: إنه جمیع النعم التی أتتهم مما من الله به علیهم بلا تعب " والسلوی " قیل: هو السمانی ، وقیل: طائر أبیض یشبه السمانی " کلوا من طیبات ما رزقناکم " أی قلنا لهم: کلوا من الشهی اللذیذ ، وقیل: المباح الحلال ، وقیل: المباح الذی یستلذ أکله " وما ظلمونا " أی فکفروا هذه النعمة وما نقصونا بکفرانهم أنعمنا " ولکن کانوا أنفسهم یظلمون " ینقصون ، وقیل: أی ما ضرونا ولکن کانوا أنفسهم یضرون .

وکان سبب إنزال المن والسلوی علیهم أنه لما ابتلاهم الله بالتیه إذ قالوا لموسی: " اذهب أنت وربک فقاتلا إنا ههنا قاعدون " حین أمرهم بالمسیر إلی بیت المقدس وحرب العمالقة بقوله: " ادخلوا الأرض المقدسة " فوقعوا فی التیه فصاروا کلما ساروا تاهوا فی قدر خمسة فراسخ أو ستة ، وکلما أصبحوا ساروا غادین فأمسوا فإذا هم فی مکانهم الذی ارتحلوا منه ،

کذلک حتی تمت المدة وبقوا فیها أربعین سنة ، وفی التیه توفی موسی وهارون ، ثم خرج یوشع بن نون ، وقیل: کان الله یرد الجانب الذی انتهوا إلیه من الأرض إلی الجانب الذی ساروا منه ، فکانوا یضلون علی الطریق ، لأنهم کانوا خلقا عظیما ، فلا یجوز أن یضلوا کلهم عن الطریق فی هذه

ص: 134

المدة المدیدة ، وفی هذا المقدار من الأرض ، ولما حصلوا فی التیه ندموا علی ما فعلوه ، فألطف الله بهم بالغمام لما شکوا حر ا لشمس ، وأنزل علیهم المن من وقت طلوع الفجر إلی طلوع الشمس ، وکانوا یأخذون منها ما یکفیهم لیومهم وقال الصادق علیه السلام :

وکان ینزل المن علی بنی إسرائیل من بعد الفجر إلی طلوع الشمس ، فمن نام فی ذلک الوقت لم ینزل نصیبه ، فلذلک یکره النوم فی هذا الوقت إلی طلوع الشمس ((1)).

وعن أبی سعید الخراسانی ، عن أبی عبد الله الصادق علیه السلام قال: قال

أبو جعفر علیه السلام : إن القائم إذا قام بمکة وأراد أن یتوجه إلی الکوفة نادی منادیه: ألا لا یحمل أحد منکم طعاما ولا شرابا ، ویحمل حجر موسی بن عمران وهو وقر بعیر ، فلا ینزل منزلا إلا انبعث عین منه ، فمن کان جائعا شبع ومن کان ظامئا روی ، فهو زادهم حتی ینزلوا النجف من ظهر الکوفة ((2)) .

ص: 135

وعن أبی حمزة الثمالی ، عن أبی عبد الله الصادق علیه السلام ، قال: سمعته یقول: « ألواح موسی علیه السلام عندنا ، وعصا موسی عندنا ، ونحن ورثة النبیین » ((1)) .

أهل البیت ورثة علم کل الانبیاء لذا تمرکز عندهم العلم والقوة والتراث النبوی وتفسیر التراث السماوی المتمثل فی الکتب الالهیة .

{وَإذْ قِیلَ لَهُمُ اسْکُنُوا هَذِهِ القَرْیَةَ وَکُلُوا مِنْهَا حَیْثُ شِئْتُمْ وَقُولُوا حِطَّةٌ وَادْخُلُوا البَابَ سُجَّداً نَغْفِرْ لَکُمْ خَطِیئَاتِکُمْ سَنَزِیدُ المُحْسِنِینَ(161) .

قالوا : القریة: بیت المقدس . وجاء فی تفسیر هذه الآیة:

(وَإذْ قُلْنَا ادْخُلُوا هَذِهِ القَرْیَةَ )قریة أریحاء فی الشام «فَکُلُوا مِنْهَا حَیْثُ شِئْتُمْ رَغَداً »واسعاً «وَادْخُلُوا البَابَ سُجَّداً » باب بیت المقدس شاکرین «وَقُولُوا حِطَّةٌ »سجودنا استغفار لذنوبنا «نَغْفِرْ لَکُمْ خَطَایَاکُمْ وَسَنَزِیدُ المُحْسِنِینَ بشکرکم.

وأخرج ابن أبی شیبة عن علی( علیه السلام ): أنّه قال: «إنّما مثلنا فی هذه الأمّة کسفینة نوح, وکباب حطّة»((2)).

ص: 136

الطبری: ونقل قریباً من ذلک الطبری فی المسترشد ضمن خطبة للامام علی( علیه السلام )((1)). ونقله النعمانی أیضاً عن الموافق والمخالف((2)).

الهیثمی: روی الحافظ نور الدین علی بن ابی بکر الهیثمی الشافعی_ المتوفی سنة 807 هج _ فی کتابه مجمع الزوائد, عن أبی سعید الخدری, قال: سمعت النبی صلی الله علیه و آله و سلم یقول: «إنّما مثل أهل بیتی فیکم مثل باب حطّة فی بنی إسرائیل من دخله غفر له»((3)).

ص: 137

المتقی الهندی الحنفی الشافعی: وفی کنز العمال أخرج المتقی الهندی الحنفی الشافعی, عن أبی سعید الخدری, عن النبی صلی الله علیه و آله و سلم , قال:

«علی بن أبی طالب باب حطّة, من دخل منه کان مؤمناً ومن خرج منه کان کافراً» ((1)). وذکر ذلک أیضاً جمع من العلماء منهم:

ص: 138

: إبراهیم بن عبدالله الوصالی فی أسنی المطالب((1)).

وذکره الشیخ محمد درویش فی أسنی المطالب ((2)).

: والعلاّمة الهندی الفقیر العینی فی مناقبه

((3)).

وقال نجاح الطائی: اذا کان الامام علی والائمة الاثنا عشر باب حطة وسفینة نوح والصراط المستقیم والعروة الوثقی فکیف یترکهم البعض ویأخذ الشریعة من منافسیهم ومخالفیهم ممن جاء من الامصار والاقالیم الاسلامیة ولم یشاهد النبی صلی الله علیه و آله و سلم ولم یسمعه ؟

{ فَبَدَّلَ الَّذِینَ ظَلَمُوا مِنْهُمْ قَوْلا غَیْرَ الَّذِی قِیلَ لَهُمْ فَأرْسَلْنَا عَلَیْهِمْ رِجْزاً مِنَ السَّمَاءِ بِمَا کَانُوا یَظْلِمُونَ(162) }_سورة الاعراف.

عن الامام ابی جعفر الباقر ( علیه السلام ) قال: نزل جبرئیل ( علیه السلام ) بهذه الآیة علی محمد ( صلی الله علیه و آله و سلم ) هکذا: ( فبدّل الّذین ظلموا ( آل محمد حقّهم ) قولاً غیر

ص: 139

الّذی قیل لهم فأنزلنا علی الّذین ظلموا ( آل محمد حقّهم ) رجزاً من السّماء بما کانوا یظلمون ) الاعراف 162 .

الشرح: قوله ( فبدّل الذین ظلموا آل محمد حقهم ) وهو الولایة والخمس والطاعة وغیرها من حقوقهم علی الاُمة .

قوله ( فأنزلنا علی الذین ظلموا آل محمد حقهم ) وضع الظاهر موضع الضمیر للمبالغة فی تقبیح أمرهم والإشعار بأن إنزال الرجز وهو العذاب علیهم لظلمهم بوضع غیر المأمور به موضعه وتبدیلهم ما یوجب هدایتهم ونجاتهم بما یوجب ضلالتهم وهلاکهم ، ولعل الغرض من نزول جبرئیل ( علیه السلام ) بالآیة هکذا هو الإشعار بأن هذه الاُمة یخالفون قول الله تعالی ذکره فیما یوجب حطة لذنوبهم وهو الولایة کما خالف بنو إسرائیل أمره بأن یقولوا حطة عند دخول الباب سجداً وبدلوها بغیرها حذو النعل بالنعل ، وإلاّ فالظاهر أن الآیة نزلت فی ذم بنی إسرائیل بقرینة التفریع وقد صرّح علی بن إبراهیم فی تفسیر هذه الآیة بما ذکره ( علیه السلام ) قال قوله تعالی ذکره : ( وقولوا حطة ) أی حط عنا ذنوبنا فبدلوا ذلک وقالوا: حنطة وقال الله تعالی ذکره ( فبدّل الذین ظلموا قولاً غیر الذی قیل لهم فأنزلنا علی الذین ظلموا

( آل محمد حقهم ) رجزاً من السماء بما کانوا یفسقون ) ((1)) .

ص: 140

وعن الامام ابی جعفر الباقر ( علیه السلام ) قال: نزل جبرئیل ( علیه السلام ) بهذه الآیة هکذا: ( إنّ الّذین ظلموا ( آل محمد حقّهم ) لم یکن الله لیغفر لهم ولا لیهدیهم طریقاً إلاّ طریق جهنّم خالدین فیها أبداً وکان ذلک علی الله یسیراً ) ثمّ قال : ( یا أیّها النّاس قد جاءکم الرسول بالحقّ من ربّکم ( فی ولایة علیّ ) فآمنوا خیراً لکم وإن تکفروا ( بولایة علیّ ) فانّ لله ما فی السّموات وما فی الأرض ) .

الشرح: قوله ( إن الذین ظلموا ) فی سورة النساء ( إن الذین کفروا وظلموا ) ولعل الاختصار للدلالة علی أن العطف للتفسیر مع احتمال عدم نزوله ، یدل علی ما ذکره ( علیه السلام ) .

ما رواه علی بن إبراهیم قال حدثنی أبی عن ابن أبی عمیر عن أبی بصیر عن أبی عبد الله الصادق ( علیه السلام ) أنه قرأ هذه الآیة هکذا: ( الذین کفروا وظلموا ( آل محمد حقهم ) لم یکن الله لیغفر لهم ) وفیه دلالة علی أن ذلک نزل قرآناً ((1)) .

ص: 141

وقال نجاح الطائی: التحریف عند النواصب فرع من التحریف عند معلمیهم الیهود فهو منهج واحد معارض لکتب السماء ورسل الله تعالی ذکره .وهؤلاء اتفقوا علی طمس تراث محمد وأهل بیته الکرام وصناعة تراث مزور لمعارضیهم ومغتصبی خلافتهم .

لقد قاد هذا المشروع کعب الاحبار وعائشة وابو هریرة وعبد الله بن عمر واولاد الزبیر بن العوام و الامویون والعباسیون .

{وَاسْألْهُمْ عَنِ القَرْیَةِ الَّتِی کَانَتْ حَاضِرَةَ البَحْرِ إذْ یَعْدُونَ فِی السَّبْتِ إذْ تَأتِیهِمْ حِیتَانُهُمْ یَوْمَ سَبْتِهِمْ شُرَّعاً وَیَوْمَ لا یَسْبِتُونَ لا تَأتِیهِمْ کَذَلِکَ نَبْلُوهُمْ بِمَا کَانُوا یَفْسُقُونَ163 } _سورة الاعراف.

{وَاسْألْهُمْ عَنِ القَرْیَةِ الَّتِی کَانَتْ حَاضِرَةَ البَحْرِ } وهی أیلة بین مدین والطور , المستقرة علی ساحل البحر .

فإنها قریة کانت لبنی إسرائیل قریبا من البحر ، وکان الماء یجری علیها فی المد والجزر فیدخل أنهارهم وزروعهم ، ویخرج السمک من البحر حتی یبلغ آخر زرعهم ، وقد کان الله قد حرم علیهم الصید یوم السبت وکانوا یضعون الشباک فی الأنهار لیلة الأحد یصیدون بها السمک وکان السمک یخرج یوم السبت ویوم الأحد لا یخرج وهو وقوله :

ص: 142

( إذ تأتیهم حیتانهم یوم سبتهم شرعا ویوم لا یسبتون لا تأتیهم ) فنهاهم علماؤهم عن ذلک فلم ینتهوا فمسخوا قردة وخنازیر ، وکانت العلة فی تحریم الصید علیهم یوم السبت ان عید جمیع المسلمین وغیرهم کان یوم الجمعة فخالفت الیهود وقالوا عیدنا یوم السبت فحرم الله علیهم الصید یوم السبت ومسخوا قردة وخنازیر ((1)) .

أی: ویوم لا یکون السبت ، کانت تغوص فی الماء . واختلف فی أنهم کیف اصطادوا ، فقیل: إنهم ألقوا الشبکة فی الماء یوم السبت ، حتی کان یقع فیها السمک ، ثم کانوا لا یخرجون الشبکة من الماء إلی یوم الأحد ، وهذا تسبب محظور . وفی روایة عکرمة ، عن ابن عباس: اتخذوا الحیاض ، فکانوا یسوقون الحیتان إلیها ، ولا یمکنها الخروج منها ، فیأخذونها یوم الأحد ، وقیل: إنهم اصطادوها وتناولوها بالید فی یوم السبت ، عن الحسن ( کذلک نبلوهم ) أی: مثل ذلک الاختبار الشدید نختبرهم ( بما کانوا یفسقون ) أی: بفسقهم وعصیانهم ، وعلی المعنی الآخر لا تأتیهم الحیتان مثل ذلک الإتیان الذی کان منها یوم السبت ، ثم استأنف فقال: نبلوهم .

ص: 143

( وإذ قالت أمة ) أی: جماعة ( منهم ) أی: من بنی إسرائیل الذین لم یصطادوا ، وکانوا ثلاث فرق: فرقة قانصة ، وفرقة ساکتة ، وفرقة واعظة ، فقال الساکتون للواعظین ، والناهین: ( لم تعظون قوما الله مهلکهم ) أی: یهلکهم الله ، ولم یقولوا ذلک کراهیة لوعظهم ، ولکن لأیاسهم عن أن یقبل أولئک القوم الوعظ ، فإن الأمر بالمعروف ، إنما یجب عند عدم الأیاس من القبول .

عن الجبائی ، ومعناه: ما ینفع الوعظ ممن لا یقبل ، والله مهلکهم فی الدنیا بمعصیتهم ( أو معذبهم عذابا شدیدا ) فی الآخرة ( قالوا ) أی: قال الواعظون فی جوابهم: ( معذرة إلی ربکم ) معناه: موعظتنا إیاهم معذرة إلی الله ، وتأدیة لفرضه فی النهی عن المنکر ، لئلا یقول لنا:

لم لم تعظوهم ( ولعلهم ) بالوعظ ( یتقون ) ویرجعون ((1)).

{إذْ یَعْدُونَ فِی السَّبْتِ } یتجاوزون حدود الله بالصید فیه , بعدما عاقبهم سبحانه بحرمة الصید فی هذا الیوم , اذ بنوا أحواضاً علی شاطیء البحر, لحصر الحیتان فی یوم السبت , واصطیادها یوم الاحد وهی حیلة شرعیة فی نظرهم تنقذهم من الحرمة المفروضة علیهم , وقد کثر استخدام هذه الحیل من أحبار الیهود وباقی علماء البلاط , خصوصاً فی اصطیاد أموال الزکاة والخمس والضرائب والصدقات وغیرها .

ص: 144

وسار بعض النصاری والمسلمین علی هذا المنهج فی الحیل الشرعیة وأکثروا من استخدامها فی شتی نواحی الحیاة .

{إذْ تَأتِیهِمْ حِیتَانُهُمْ یَوْمَ سَبْتِهِمْ } امتحنهم الله تعالی ذکره بمجیء الحیتان الیهم فی یوم السبت{ شُرَّعاً } ظاهرة علی الماء یسهل اصطیادها .

{ وَیَوْمَ لا یَسْبِتُونَ لا تَأتِیهِمْ } وعندما یهتکون حرمة السبت ویأتون للصید لا تأتی الحیتان الیهم ((1)) .

{کَذَلِکَ نَبْلُوهُمْ بِمَا کَانُوا یَفْسُقُونَ(163) .

قال نجاح الطائی: هذا امتحان الهی لهم لمعرفة المؤمن من الفاسق فیهم بعدما کثر عصیانهم للاوامر الالهیة وعبادتهم العجل .

لکنهم التافوا علی الامتحان الالهی وراحوا یبنون الاحواض لاصطیادها یوم السبت والقبض علیها یوم الاحد فی حیلة شرعیة وهذا المنهج الیهودی انتشر بین الناس جمیعا فی کل ضروب الحیاة فتری بعض المسلمین یعملون تحت قیادة الیهود والنصاری خلافا للامر الالهی بمنع ذلک لکنهم یبررون عملهم باسم التمدن والتطور ومحاربة الشیعة فها هی قواعد الکفار تنتشر فی دول المسلمین تستعبدهم وتحتلهم .

ص: 145

{وَإذْ قَالَتْ اُمَّةٌ مِنْهُمْ لِمَ تَعِظُونَ قَوْماً اللّهُ مُهْلِکُهُمْ أوْ مُعَذِّبُهُمْ عَذَاباً شَدِیداً قَالُوا مَعْذِرَةً إلَی رَبِّکُمْ وَلَعَلَّهُمْ یَتَّقُونَ(164) } سورة الاعراف.

إنقسم الیهود الی ثلاث فرق فی هذا الموضوع الاولی عصت الصید , والثانیة عارضت والثالثة بقیت علی الحیاد , لم تعصِ ولم تعارض , فقالت الثالثة للثانیة: اترکوا العصاة لله وحده فهو الذی ینتقم منهم, .فقالت الثانیة: نهیناهم لمنعهم من عصیانهم وکی یعلم سبحانه أنَّا معارضون لفعلهم .

{ فَلَمَّا نَسُوا مَا ذُکِّرُوا بِهِ أنْجَیْنَا الَّذِینَ یَنْهَوْنَ عَنْ السُّوءِ وَأخَذْنَا الَّذِینَ ظَلَمُوا بِعَذَاب بَئِیس بِمَا کَانُوا یَفْسُقُونَ 165*}

{فَلَمَّا نَسُوا } العصاة {مَا ذُکِّرُوا بِهِ }من النهی عن الصید .

{أنْجَیْنَا الَّذِینَ یَنْهَوْنَ عَنْ السُّوءِ } الآمرون بالمعروف الناهون عن المنکر

{ وَأخَذْنَا الَّذِینَ ظَلَمُوا بِعَذَاب بَئِیس بِمَا کَانُوا یَفْسُقُونَ(165)

{ فَلَمَّا عَتَوْا عَنْ مَا نُهُوا عَنْهُ قُلْنَا لَهُمْ کُونُوا قِرَدَةً خَاسِئِینَ}(166) سورة الاعراف.

عن

أبی عبیدة عن الامام ابی جعفر الباقر علیه السلام قال: وجدنا فی کتاب أمیر المؤمنین علیه السلام ان قوما من أهل أیلة من قوم ثمود ، وان الحیتان کانت سبقت إلیهم یوم السبت لیختبر الله طاعتهم فی ذلک ، فشرعت لهم یوم سبتهم فی نادیهم وقدام أبوابهم فی أنهارهم وسواقیهم ، فتبادروا إلیها فاخذوا یصطادونها ویأکلونها ، فلبثوا بذلک ما شاء الله لا ینهاهم الأحبار ولا

ص: 146

ینهاهم العلماء من صیدها ، ثم إن الشیطان أوحی إلی طائفة منهم إنما نهیتم من اکلها یوم السبت ولم تنهوا عن صیدها فاصطادوا یوم السبت وأکلوها فیما سوی ذلک من الأیام ، فقالت طائفة منهم الآن نصطادها وانحازت طائفة [ أخری ] منهم ذات الیمین وقالوا :

الله الله انا نهیناکم عن عقوبة الله ان تعرضوا لخلاف امره واعتزلت طائفة منهم ذات الیسار فسکتت فلم یعظهم ، وقالت الطایفة التی لم تعظهم: لم تعظون قوما الله مهلکهم أو معذبهم عذابا شدیدا وقالت الطایفة التی وعظتهم: معذرة إلی ربکم ولعلهم یتقون ، قال الله: ( فلما نسوا ما ذکروا به ) یعنی لما ترکوا ما وعظوا به ومضوا علی الخطیئة قالت الطایفة التی وعظتهم لا والله لا نجا معکم ولا نبایتکم اللیل فی مدینتکم هذه التی عصیتم الله فیها مخافة أن ینزل بکم البلاء ، فنزلوا قریبا من المدینة فباتوا تحت السماء ، فلما أصبح أولیاء الله المطیعون لامر الله غدوا لینظروا ما حال أهل [ المعصیة فأتوا باب المدینة فإذا هو مصمت فدقوه فلم یجابوا ولم یسمعوا منها حس أحد فوضعوا سلما علی سور ] المدینة ثم اصعدوا رجلا منهم فأشرف علی المدینة ، فنظر فإذا هو بالقوم قردة یتعاوون فقال الرجل لأصحابه: یا قوم أری والله عجبا ! فقالوا: وما تری ؟

قال القوم قردة یتعاوون لهم أذناب [ قال ]: فکسروا الباب ودخلوا المدینة ، قال فعرفت القردة أنسابها من الانس ولم تعرف الانس أنسابها من القردة قال: فقال القوم للقردة: ألم ننهکم ؟ قال: فقال أمیر المؤمنین :

ص: 147

والذی فلق الحبة وبرء النسمة انی لأعرف أنسابها من هذه الأمة ، لا ینکرون ولا یغیرون ، بل ترکوا ما أمروا به [ فتفرقوا ] وقد قال الله: ( فبعدا للقوم الظالمین ) وقال الله ( فأنجینا الذین ینهون عن السوء وأخذنا الذین ظلموا بعذاب بئیس بما کانوا یفسقون ) . بعدما عَتَوْا أی تکبروا وامتنعوا حولهم الله تعالی ذکره قردة خاسئین, والکثیر من الطغاة العاصین لاقوا هذا العقاب السماوی, لکن المذنبین لا یعتبرون ((1)) .

وعن الأصبغ عن علی علیه السلام قال: أمتان مسختا من بنی إسرائیل فأما الذی أخذت البحر فهی الجراری واما الذی أخذت البر فهی الضباب ((2)) .

عن هارون بن عبید رفعه إلی أحدهم قال: جاء قوم إلی أمیر المؤمنین علیه السلام بالکوفة وقالوا له: یا أمیر المؤمنین ان هذه الجراری (نوع من السمک) تباع فی أسواقنا ، قال: فتبسم أمیر المؤمنین علیه السلام ضاحکا ثم قال: قوموا لأریکم عجبا ولا تقولوا فی وصیکم الا خیرا ، فقاموا معه فأتوا شاطئ بحر فتفل فیه تفلة وتکلم بکلمات ، فإذا بجریة رافعة رأسها ، فاتحة فاها ، فقال لها أمیر المؤمنین: من أنت ؟

ص: 148

الویل لک ولقومک ! فقالت: نحن من أهل القریة التی کانت حاضرة البحر إذ یقول الله فی کتابه: ( إذ تأتیهم حیتانهم یوم سبتهم شرعا ) الآیة فعرض الله علینا ولایتک فقعدنا عنها فمسخنا الله ، فبعضنا فی البر وبعضنا فی البحر ، فأما الذین فی البحر فنحن الجراری ، واما الذین فی البر فالضب والیربوع قال: ثم التفت أمیر المؤمنین علیه السلام الینا فقال: أسمعتم مقالتها ؟ قلنا: اللهم نعم ، قال: والذی بعث محمدا بالنبوة لتحیض کما تحیض نساؤکم ((1)) .

وقال نجاح الطائی: لقد شاهد المسلمون المعجزات علی یدی الامام علی علیه السلام وباقی الأئمة الخلفاء الراشدین فالبعض انحرف وقال للامام علی علیه السلام أنت أنت الله وقال لهم الامام علیه السلام : أنا عبد الله .

والبعض الاخر عصا وتمرد فتجمهروا تحت رایة النواصب والخوارج .

وقضیة المسخ الالهی للعصاة متفق علیها بین الادیان السماویة للحد من العصیان البشری لخالقهم وربهم .

والامر الاخر یبین أن الله تعالی ذکره علی کل شیء قدیر .

ومن أدلة المسخ النصوص الواردة فی القرآن والتوراة والانجیل .

ومن علامات المسخ حیض الحیوانات الانثویة الممسوخة مثل القرود والارانب .

ص: 149

{ وَإذْ تَأذَّنَ رَبُّکَ لَیَبْعَثَنَّ عَلَیْهِمْ إلَی یَوْمِ القِیَامَةِ مَنْ یَسُومُهُمْ سُوءَ العَذَابِ إنَّ رَبَّکَ لَسَرِیعُ العِقَابِ وَإنَّهُ لَغَفُورٌ رَحِیمٌ167 } سورة الأعراف

أی من یذیق الیهود ویولیهم شدة العذاب بالقتل وأخذ الجزیة منهم ، والمعنی به أمة محمد صلی الله علیه و آله و سلم عند جمیع المفسرین ، وهو المروی عن أبی جعفر علیه السلام ((1)) .

{وَإذْ تَأذَّنَ } أذن {رَبُّکَ لَیَبْعَثَنَّ عَلَیْهِمْ } لیسلطنَّ علی الیهود .

{إلَی یَوْمِ القِیَامَةِ مَنْ یَسُومُهُمْ سُوءَ العَذَابِ } یعذبهم ویصارعهم ویحاربهم لظلمهم المستمر {إنَّ رَبَّکَ لَسَرِیعُ العِقَابِ } للعصاة .

{وَإنَّهُ لَغَفُورٌ رَحِیمٌ(167) } لمن أطاعه .

{ وَقَطَّعْنَاهُمْ فِی الأرْضِ اُمَماً مِنْهُمُ الصَّالِحُونَ وَمِنْهُمْ دُونَ ذَلِکَ وَبَلَوْنَاهُمْ بِالحَسَنَاتِ وَالسَّیِّئَاتِ لَعَلَّهُمْ یَرْجِعُونَ }168 سورة الأعراف {وَقَطَّعْنَاهُمْ فِی الأرْضِ اُمَماً } فرقاً {مِنْهُمُ الصَّالِحُونَ وَمِنْهُمْ دُونَ ذَلِکَ } فاسقون .

أی : فرقناهم فی البلاد فرقا وجماعات شتی ، فلا یکاد یخلو بلد من فرقة منهم ( منهم الصالحون )وهم الذین آمنوا بالله ورسوله.( ومنهم دون ذلک ) أی : ومنهم ناس دون ذلک الوصف أی : منحطون عنه.

ص: 150

الطبرسی: معناه وفرقناهم فی البلاد فرقا مختلفة ، وجماعات شتی ، یعنی الیهود ، عن ابن عباس ، ومجاهد ، وإنما فرقهم بأن فرق دواعیهم حتی افترقوا فی البلاد ، وتفرقهم ذل لهم بمنزلة أخذ الجزیة ، لأنهم لا یتعاونون ، ولا یتناصرون . وقیل : إنه فرقهم لما علم سبحانه من الصلاح لهم فی دینهم ، فصلح فریق ، وعصی فریق ، ثم أخبر سبحانه عنهم فقال:

( منهم الصالحون ) أی : من هؤلاء الصالحون یعنی من بنی إسرائیل ، وهم الذین یؤمنون بالله ورسله ، ویطیعونه ( ومنهم دون ذلک ) أی : دون الصالح فی الدرجة والمنزلة ، وهم الذین امتثلوا بعض الأوامر دون بعض ، وعملوا بعض المعاصی ((1))

.

{وَبَلَوْنَاهُمْ } إمتحنَّاهم {بِالحَسَنَاتِ

} الرخاء والعافیة والاستقرار {وَالسَّیِّئَاتِ } الحرب والغربة والذلة {لَعَلَّهُمْ یَرْجِعُونَ(168) } .

تفریق الیهود فی الارض فیه ذلة کبیرة لهم اذ أصبحوا تابعین للامم الاخری وراضخین لهم ویعطوهم الجزیة وهذا عقاب منه تعالی بسبب أعمالهم الظالمة للعباد ومحاربتهم

للادیان السماویة .

{ فَخَلَفَ مِنْ بَعْدِهِمْ خَلْفٌ وَرِثُوا الکِتَابَ یَأخُذُونَ عَرَضَ هَذَا الأدْنَی وَیَقُولُونَ سَیُغْفَرُ لَنَا وَإنْ یَأتِهِمْ عَرَضٌ مِثْلُهُ یَأخُذُوهُ ألَمْ یُؤْخَذْ عَلَیْهِمْ

ص: 151

مِیثَاقُ الکِتَابِ أنْ لا یَقُولُوا عَلَی اللّهِ إلا الحَقَّ وَدَرَسُوا مَا فِیهِ وَالدَّارُ الآخِرَةُ خَیْرٌ لِلَّذِینَ یَتَّقُونَ أفَلا تَعْقِلُونَ 169 } سورة الأعراف .

{ َخَلَفَ مِنْ بَعْدِهِمْ خَلْفٌ } أسوأ وأقبح {وَرِثُوا الکِتَابَ } التوراة {یَأخُذُونَ عَرَضَ هَذَا الأدْنَی } عکس الاعلی وهو المال الحرام کالرشا والربا والغش والقمار {وَیَقُولُونَ سَیُغْفَرُ لَنَا } الله لاننا شعب الله المختار , افتراءاً منهم علی الله تعالی {وَإنْ یَأتِهِمْ عَرَضٌ مِثْلُهُ یَأخُذُوهُ } یبررون عملهم الحرام انه مغفور لهم .

أی جاء من بعد المذکورین ( خلف )

وهم الذین کانوا فی زمن رسول الله ( صلی الله علیه و آله و سلم ) ، قال الفراء : یقال : " خلف صدق " و " خلف سوء " .

بالسکون ، قال لبید : ( ورثوا الکتاب ) بقیت التوراة فی أیدیهم بعد سلفهم یقرؤونها ویدرسونها ولا یعملون بها ( یأخذون عرض هذا الأدنی ) أی : متاع هذا الشئ الأدنی ، یرید الدنیا وما یتمتع به منها .

والنواصب الخوارج مثل هؤلاء یقرأون القرآن ولا یعملون به فتراهم یذبحون مخالفیهم من الشیعة وغیرهم من السنة والنصاری دائما .

لکن النواصب بذلوا جهدهم لیکونوا أتباعا للیهود فی العالم یسیرون بسیرهم وبدینهم ومشروعهم الحیاتی .

{ألَمْ یُؤْخَذْ عَلَیْهِمْ مِیثَاقُ الکِتَابِ أنْ لا یَقُولُوا عَلَی اللّهِ إلا الحَقَّ }169 سورة الأعراف .

ص: 152

عن الامام أبی عبد الله الصادق الصادق ( علیه السلام ) ، قال : إن الله تبارک وتعالی عیر عباده بآیتین من کتابه : أن لا یقولوا حتی یعلموا ، ولا یردوا ما لم یعلموا ، قال الله عز وجل : ( ألم یؤخذ علیهم میثاق الکتاب أن لا یقولوا علی الله إلا الحق ) ، وقال : ( بل کذبوا بما لم یحیطوا بعلمه ولما یأتهم تأویله ) ((1))

.

انَّ الحرمة تشمل الیهود وغیرهم فی کل زمان ومکان , بنص التوراة : یغفر لمن تاب وأقلع عن الذنب وإن أصرَّ علیه فهو من الهالکین .وهناک عهد التوراة بحرمة الافتراء والکذب .

لکنکم ترون الکثیر من المسلمین أیضا یقولون أشیاءً قبل أن یعلموا الصحیح منها فیحکمون علی الناس والامور قبل معرفتهم الحق منها .هذا البعض المخالف للقرآن یسیر علی درب الیهود .

{وَدَرَسُوا مَا فِیهِ } ترکوا التوراة {وَالدَّارُ الآخِرَةُ خَیْرٌ لِلَّذِینَ یَتَّقُونَ أفَلا تَعْقِلُونَ(169) }.

الاخرة خیر من هذه الدنیا الفانیة التی قضیتموها فی الزیف والتحریف علی الانبیاء والعلماء وعموم الصالحین .

ص: 153

{وَالَّذِینَ یُمَسِّکُونَ بِالکِتَابِ وَأقَامُوا الصَّلاةَ إنَّا لا نُضِیعُ أجْرَ المُصْلِحِینَ 170 } سورة الأعراف .

{ وَالَّذِینَ یُمَسِّکُونَ بِالکِتَابِ } الربانی ویعملون به وبأحکامه ویتَّقون ما حرِّم فیه {وَأقَامُوا الصَّلاةَ } وهی عمود الدین لانه لا دین دون صلاة , فهی فرع من فروع الدین .

{إنَّا لا نُضِیعُ أجْرَ المُصْلِحِینَ(170) } نزلت فی آل محمد علیهم السلام وأشیاعهم((1)) .

فالمصلح الاسلامی له منزلة عالیة علی باقی الناس , بسمو روحه , وتفانیه من أجل البلاد والعباد , لنیل الامتیازات الراقیة والصفات الرائدة .

المصلح من ألقاب الامام المهدی علیه السلام فهو المنقذ والامام والراشد والهادی والخلیفة .

ومن المصلحین سلمان الفارسی وأبو ذر وعمار بن یاسر ومالک الاشتر وشهداء کربلاء العباس بن علی بن أبی طالب علیه السلام ومسلم بن عوسجة وحبیب بن مظاهر الاسدی ومؤمن الطاق وجمال الدین الأفغانی .

وکان سعی الانبیاء والاوصیاء لبناء الجیل المصلح والانسان الصالح الهادی الی الحق والدال علی الخیر والصراط المستقیم .

ص: 154

{وَإذْ نَتَقْنَا الجَبَلَ فَوْقَهُمْ کَأنَّهُ ظُلَّةٌ وَظَنُّوا أنَّهُ وَاقِعٌ بِهِمْ خُذُوا مَا آتَیْنَاکُمْ بِقُوَّة وَاذْکُرُوا مَا فِیهِ لَعَلَّکُمْ تَتَّقُونَ(171) } سورة الأعراف .

نتقنا : رفعنا الجبل .

أذعن الیهود وأطاعوا موسی عند خوفهم من سقوط الجبل علیهم ثم عادوا الی عصیانهم وکفرهم .

قال الامام الصادق علیه السلام : إن قوم موسی علیه السلام لما استثقلوا أحکام التوراة ولم یعملوا بها ، قلع الله سبحانه وتعالی جبلا من أصله ، فرفعه فی الهواء فوق رؤوسهم ، وقال لهم موسی علیه السلام : لئن لم تؤمنوا بالتوراة ، وتعملوا بها ، لسقط علیکم . کما قال الله تعالی : ( وإذ نتقنا الجبل فوقهم کأنه ظلة وظنوا أنه واقع بهم خذوا ما آتیناکم بقوة واذکروا ما فیه لعلکم تتقون ) ((1)) .

الطبرسی فی ( الاحتجاج ) : عن أبی بصیر ، قال : کان مولانا أبو جعفر محمد بن علی الباقر ( علیه السلام ) ، جالسا فی الحرم وحوله عصابة من أولیائه ، إذ أقبل طاوس الیمانی فی جماعة من أصحابه ، ثم قال للامام أبی جعفر الباقر ( علیه السلام ) : أتأذن لی فی السؤال ؟

ص: 155

قال : « أذنا لک ، واسأل » . فسأله عن مسائل فأجابه ( علیه السلام ) ، وکان فیما سأله ، قال : فأخبرنی عن طائر طار [ مرة ] ولم یطر قبلها ولا بعدها ، ذکره الله عز وجل فی القرآن ، فما هو ؟

فقال : « طور سیناء ، أطاره الله عز وجل علی بنی إسرائیل الذین أظلهم بجناح منه ، فیه ألوان العذاب حتی قبلوا التوراة ، وذلک قوله عز وجل : ( وإِذْ نَتَقْنَا الْجَبَلَ فَوْقَهُمْ کَأَنَّه ظُلَّةٌ وظَنُّوا أَنَّه واقِعٌ بِهِمْ ) الآیة »((1)) .

علی بن إبراهیم : فی معنی الآیة ، قال : قال الصادق ( علیه السلام ) : « لما أنزل الله التوراة علی بنی إسرائیل لم یقبلوها ، فرفع الله علیهم جبل طور سیناء ، فقال لهم موسی ( علیه السلام ) : إن لم تقبلوا وقع علیکم الجبل ، فقبلوه وطأطؤوا رؤوسهم » ((2))

.

ص: 156

و قال نجاح الطائی : البعض لا یرضخ الا بالقوة والسطوة ولا یهتم بتعالیم الانبیاء وارشاداتهم الفاخرة .

وهؤلاء الیهود لم تؤثر فیهم المعجزات السماویة وتعالیم النبی موسی علیه السلام ونصوص التوراة وبقوا عصاة زائغین ومتمردین علی الدین .

{ وَإذْ أخَذَ رَبُّکَ مِنْ بَنِی آدَمَ مِنْ ظُهُورِهِمْ ذُرِّیَّتَهُمْ وَأشْهَدَهُمْ عَلَی أنفُسِهِمْ ألَسْتُ بِرَبِّکُمْ قَالُوا بَلَی شَهِدْنَا أنْ تَقُولُوا یَوْمَ القِیَامَةِ إنَّا کُنَّا عَنْ هَذَا غَافِلِینَ172 }سورة الأعراف .

{وَإذْ أخَذَ رَبُّکَ مِنْ بَنِی آدَمَ مِنْ ظُهُورِهِمْ ذُرِّیَّتَهُمْ } أی الناس فی أصلاب آبائهم , جاء فی الحدیث الشریف : أن الله تعالی أخرج من ظهر آدم ذریته الی یوم القیامة , فخرجوا کالذر فعرَّفهم نفسه وأراهم صنعه .

وکان عمر فی الطواف فاستقبل الحجرالاسود , وقال : إنِّی أعلم إنَّک حجر لا تضرُّ ولا تنفع ولولا أنِّی رأیت رسول الله صلی الله علیه و آله و سلم قبَّلک ما قبلتک ثمَّ قبّله .

فقال له علی بن أبی طالب علیه السلام : بلی إنَّه یضرُّ وینفع .

قال : بم ؟ قال : بکتاب الله عزّ وجل :

(وَإِذ أَخَذَ رَبُّکَ مِن بَنِی آدَمَ مِن ظُهُورِهِم ذُرِّیَّتَهُم وَأَشهَدَهُم عَلَی أَنْفُسِهِم أَلَستُ بِرَبِّکُم) ((1)) .

ص: 157

خلق الله آدم ومسح علی ظهره فقرّرهم بأنَّه الربّ , وأنَّهم العبید وأخذ عهودهم ومواثیقهم , وکتب ذلک فی رقّ , وکان لهذا الحجر عینان ولسان . فقال له : إفتح فاک , ففتح فاه , فألقمه ذلک الرقّ .

فقال : إشهد لمن وافاک بالموافاة یوم القیامة , وإنِّی أشهد لسمعت رسول الله صلی الله علیه و آله و سلم یقول : { یؤتی یوم القیامة بالحجر الأسود وله لسان ذلق , یشهد لمن یستلمه بالتوحید } . فهو یضرُّ وینفع .

فقال عمر : أعوذ بالله أن أعیش فی قوم لست فیهم یاأبا الحسن((1)) .

ابن المغازلی الشافعی : وأخرج الحافظ أبو الحسن ابن المغازلی الشافعی فی مناقبه عن أبی الحسن أحمد بن المظفّر العطار بسنده المذکور , عن الحسین بن علی بن أبی طالب علیه السلام , عن أبیه أنه قرأ علیه أصبغ بن نباتة هذه الآیة فبکی علی کرّم الله وجهه , وقال :

{إنّی لأذکر الوقت الذی أخذ الله تعالی علیّ فیه المیثاق } ((2)) .

{وَأشْهَدَهُمْ عَلَی أنفُسِهِمْ ألَسْتُ بِرَبِّکُمْ } وأنَّ محمداً رسولی وأنَّ علیاً أمیر المؤمنین((3)) .

ص: 158

{ قَالُوا بَلَی شَهِدْنَا أنْ تَقُولُوا یَوْمَ القِیَامَةِ إنَّا کُنَّا عَنْ هَذَا غَافِلِینَ(172) }.

فصاروا بمنزلة من شهد بربوبیة الله تعالی وأقروا علی أنفسهم بالایمان .

قال الامام الباقر علیه السلام : إنَّ الله تعالی حیث خلق الخلق خلق ماءاً عذباً وماءاً مالحاً أجاجاً , فامتزج الماءان فأخذ طیناً من أدیم الارض فعرکه عرکاً شدیداً فقال لاصحاب الیمین وهم کالذر یدبون : الی الجنة بسلام , وقال لاصحاب الشمال : الی النار ولا أبالی . ثم قال : (ألَسْتُ بِرَبِّکُمْ قَالُوا بَلَی شَهِدْنَا أنْ تَقُولُوا یَوْمَ القِیَامَةِ إنَّا کُنَّا عَنْ هَذَا غَافِلِینَ } .

ثم أخذ المیثاق علی النبیین فقال : ألست بربکم وإنَّ هذا محمداً رسولی وإنَّ هذا علیاً أمیر المؤمنین ؟

قالوا : بلی .فثبتت لهم النبوة , وأخذ المیثاق علی أولی العزم : أننی ربکم ومحمداً رسولی وعلیاً أمیر المؤمنین وأوصیاءه من بعده ولاة أمری وخزان علمی وأنَّ المهدی أنتصر به لدینی وأطهر به أرضی وأظهر به دولتی وأنتقم به من أعدائی وأُعبد به طوعاً وکرهاً .

قالوا : أقررنا یا رب وشهدنا .ولم یجحد آدم ولم یقر فثبتت العزیمة لهؤلاء الخمسة فی المهدی , ولم یکن لآدم عزم , وهو قوله عز وجل :

(ولقد عهدنا الی آدم من قبل فنسی ولم نجد له عزماً) ((1)) .

ص: 159

قال : إنما هو : فترک , ثم أمر تعالی ناراً فأججت , فقال تعالی لاصحاب الشمال : ادخلوها فهابوا , وقال تعالی لأصحاب الیمین : ادخلوها , فکانت علیهم برداً وسلاماً .

فقال اصحاب الشمال : یا رب اقلنا .

فقال تعالی : قد اقلتکم اذهبوا فادخلوها فهابوا ثم ثبتت الطاعة والولایة والمعصیة ((1)) .

علی بن إبراهیم ، عن أبیه ، عن ابن أبی عمیر ، عن ابن أذینة ، عن زرارة أن رجلا سأل أبا جعفر ( علیه السلام ) عن قول الله عز وجل : " وإذ أخذ ربک من بنی آدم من ظهورهم ذریتهم وأشهدهم علی أنفسهم ألست بربکم قالوا بلی _ إلی آخر الآیة " فقال وأبوه یسمع ( علیهما السلام ) حدثنی أبی أن الله عز وجل قبض قبضة من تراب التربة التی خلق منها آدم ( علیه السلام ) فصب علیها الماء العذب الفرات ثم ترکها أربعین صباحا ، ثم صب علیها الماء المالح الأجاج فترکها أربعین صباحا ، فلما اختمرت الطینة أخذها فعرکها عرکا شدیدا فخرجوا کالذر من یمینه وشماله وأمرهم جمیعا أن یقعوا فی النار ،

ص: 160

فدخل أصحاب الیمین ، فصارت علیهم بردا وسلاما وأبی أصحاب الشمال أن یدخلوها ((1)) .

علی بن إبراهیم ، عن أبیه ، عن أحمد بن محمد بن أبی نصر ، عن أبان بن عثمان عن محمد بن علی الحلبی ، عن الامام أبی عبد الله الصادق الصادق

( علیه السلام ) قال : إن الله عز وجل لما أراد أن یخلق آدم علیه السلام أرسل الماء علی الطین ، ثم قبض قبضة فعرکها ثم فرقها فرقتین بیده ثم ذرأهم فإذا هم یدبون ، ثم رفع لهم نارا فأمر أهل الشمال أن یدخلوها فذهبوا إلیها فهابوها فلم یدخلوها ثم أمر أهل الیمین أن یدخلوها فذهبوا فدخلوها فأمر الله عز وجل النار فکانت علیهم بردا وسلاما ، فلما رأی ذلک أهل الشمال قالوا :

ربنا أقلنا ، فأقالهم ، ثم قال لهم : ادخلوها فذهبوا فقاموا علیها ولم یدخلوها ، فأعادهم طینا وخلق منها آدم ( علیه السلام ) وقال أبو عبد الله ( علیه السلام ) : فلن یستطیع هؤلاء أن یکونوا من هؤلاء ولا هؤلاء أن یکونوا من هؤلاء . قال : فیرون أن رسول الله صلی الله علیه و آله و سلم أول من دخل تلک النار فلذلک قوله عز وجل : " قل إن کان للرحمن ولد فأنا أول العابدین ((2)) .

ص: 161

العلاّمة الحلی : روی العلاّمة الحلی , عن جمهور علماء السنّة فی تفسیر قوله تعالی: (الآیة) أنّه قال رسول الله صلی الله علیه و آله و سلم :

لو یعلم الناس متی سُمی علی أمیر المؤمنین( علیه السلام )ما أنکروا فضله , سمی أمیر المؤمنین وآدم بین الروح والجسد , قال عزّ وجل: {وَإِذ أَخَذَ رَبُّکَ مِن بَنِی آدَمَ مِن ظُهُورِهِم ذُرِّیَّتَهُم وَأَشهَدَهُم علی أَنْفُسِهِم أَلَستُ بِرَبِّکُم} .

قالت الملائکة: بلی .

فقال الله تعالی : أنا ربّکم , ومحمد نبیّکم, وعلی أمیرکم ((1)) .

{أوْ تَقُولُوا إنَّمَا أشْرَکَ آبَاؤُنَا مِنْ قَبْلُ وَکُنَّا ذُرِّیَّةً مِنْ بَعْدِهِمْ أفَتُهْلِکُنَا بِمَا فَعَلَ المُبْطِلُونَ(173) } سورة

الأعراف .

عن داود الرقی قال : سألت أبا عبد الله علیه السلام عن قول الله عز وجل : " وکان عرشه علی الماء " فقال علیه السلام : ما یقولون ؟

قلت : یقولون : إن العرش کان علی الماء والرب فوقه ، فقال علیه السلام : کذبوا ، من زعم هذا فقد صیر الله محمولا و صفه بصفة المخلوق ولزمه أن الشئ الذی یحمله أقوی منه ، قلت : بین لی جعلت فداک ؟

فقال علیه السلام : إن الله حمل دینه وعلمه الماء قبل أن یکون أرض أو سماء أو جن أو إنس أو شمس أو قمر ، فلما أراد الله أن یخلق الخلق نثرهم بین یدیه فقال لهم : من ربکم ؟

ص: 162

فأول من نطق : رسول الله صلی الله علیه و آله و سلم وأمیر المؤمنین علیه السلام والأئمة صلوات الله علیهم فقالوا :

أنت ربنا ، فحمَّلهم العلم والدین ، ثم قال للملائکة : هؤلاء حملة دینی وعلمی وأمنائی فی خلقی وهم المسؤولون ، ثم قال لبنی آدم : أقروا لله بالربوبیة ولهؤلاء النفر بالولایة والطاعة ، فقالوا : نعم ربنا أقررنا ، فقال الله للملائکة : اشهدوا .

فقالت الملائکة شهدنا علی أن لا یقولوا غدا : " إنا کنا عن هذا غافلین أو یقولوا إنما أشرک آباؤنا من قبل وکنا ذریة من بعدهم أفتهلکنا بما فعل المبطلون " یا داود ولایتنا مؤکدة علیهم فی المیثاق ((1))

.

التوحید من المسلمات والبدیهیات للفرد الانسانی وسار علیه المؤمنون الصالحون لکن خالفه الکفار والمنافقون .

أفَتُهْلِکُنَا بِمَا فَعَلَ المُبْطِلُونَ(173) : ومعناه : ولأن لا تقولوا أفتهلکنا لما فعل آباؤنا من الشرک ؟ وتقدیره : إنا لا نهلککم بما فعلوه ، وإنما نهلککم بفعلکم أنتم ( وکذلک نفصل الآیات ) معناه : إنا کما بینا لکم هذه الآیات ، کذلک نفصلها للعباد ، ونبینها لهم ، وتفصیل الآیات ((2)) .

ص: 163

ومن الطبیعی أن لا یتحمل الابریاء عمل السابقین المذنبین لان هذا مخالف للعدل الالهی .

{وَکَذَلِکَ نُفَصِّلُ الآیَاتِ وَلَعَلَّهُمْ یَرْجِعُونَ(174) }سورة الأعراف .

وتفصیله الآیات هو تمییز بعضها من بعض لیتمکنوا من الاستدلال بکل واحدة منها علی جهتها وبین أنه فعل ذلک بهم لیتوبوا ولیرجعوا عن معاصیه إلی طاعته وعن الکفر إلی الایمان به .

وَلَعَلَّهُمْ یَرْجِعُونَ :أی : عن التقلید واتّباع الباطل .

{ وَاتْلُ عَلَیْهِمْ نَبَأ الَّذِی آتَیْنَاهُ آیَاتِنَا فَانسَلَخَ مِنْهَا فَأتْبَعَهُ الشَّیْطَانُ فَکَانَ مِنَ الغَاوِینَ 175} سورة الأعراف .

{ وَاتْلُ } یا محمد {عَلَیْهِمْ } الیهود {نَبَأ الَّذِی آتَیْنَاهُ آیَاتِنَا فَانسَلَخَ مِنْهَا فَأتْبَعَهُ الشَّیْطَانُ فَکَانَ مِنَ الغَاوِینَ(175) } .

وهو بلعم بن باعورا من بنی هاب بن لوط .

کان بلعم بن باعورا من المؤمنین الأخیار ثم انحرف تدریجیاً الی السلاطین الطغاة , ودعا علی النبی موسی علیه السلام فسلبه الله تعالی برکته ودعوته , فأصبح زعیماً لعلماء السوء السارقین لأموال المساکین , والمتکبرین علیهم .

یذکر بأنه هناک منهجان منهج الأنبیاء ومنهج الملوک. والعلماء منقسمون بین المنهجین :

ص: 164

منهج الأنبیاء یتمثل فی خدمة الناس ومساعدتهم والعیش فی صفوفهم , بالزهد والبساطة وحضور حروبهم ومشاکلهم , وعدم الاستعلاء علیهم , وعیادة مرضاهم والعائدین من سفرهم , والسؤال عن الغائبین منهم , وحل مشکلاتهم دون التفات الی أن یکونوا من حزبهم وقومیتهم ومدینتهم والداعین الی رئاستهم .

والمنهج الثانی :

قال أمیر المؤمنین علی علیه السلام : من عنده حاشیة فاسدة فهو یهودی .

منهج الملوک والعلماء السائرون فی مشروعهم یتمثل فی تحصنهم فی قلاعهم وقصورهم , وصعوبة وصول الناس الیهم الا للقلیل منهم .

والقلیل هم القادمون لتقبیل أیادیهم وإعطاء أموالهم وتأکید خضوعهم لهم وبیان تسخیرهم لهم , واثبات ذلهم . وهم لا یساعدون الا أفراد حزبهم , ولا ینصرون الا جماعتهم المختصین بهم , ولا یعمل معهم الا العتاة والسفلة.

حاشیتهم سفلة الناس فاسقون عاهرون مما یکشف بالدلیل العقلی أنَّ الرئیس علی شاکلتهم , ولو حاول التخفی عن وجهه الحقیقی لیقال أن الرئیس زاهد عابد صالح لکن أتباعه مترفون منافقون فاسقون .

وهذا هو مشروع بلعم بن باعورا. وقد أدرک الملوک سابقاً وحاضراً أن لا سیطرة لهم علی الشعوب من دون العلماء , فمدٌّوا خیوطهم الی المنافقین منهم وعددهم قلیل .

ص: 165

فعملوا مع المنافقین فی الخفاء , وسار الاثنان فی طریق استعباد الشعوب واحتقارها واذلالها , وعدم الاکتراث بمصیرها وحاجاتها وموتها فتری الناس یموتون ویُقتلون والملوک وعلماء البلاط یضحکون ویلهون ویزدادون ثروة وجاه .

وقال أبو جعفر علیه السلام : الأصل فی ذلک بلعم ، ثم ضربه الله مثلا لکل مؤثر هواه علی هدی الله من أهل القبلة ((1)) .

قال : " أعطی بلعم بن باعورا الاسم الأعظم وکان یدعو به فیستجیب له ، فمال إلی فرعون ، فلما مر فرعون فی طلب

موسی وأصحابه ، قال فرعون لبلعم : ادع الله علی موسی وأصحابه لیحبسه علینا ، فرکب حمارته لیمر فی طلب موسی ، فامتنعت علیه حمارته فأقبل یضربها ، فأنطقها الله عز وجل فقالت : ویلک علی ماذا تضربنی ، أترید أن أجئ معک لتدعو علی نبی الله وقوم مؤمنین ؟

فلم یزل یضربها حتی قتلها ، وانسلخ الاسم من لسانه ، وهو قوله : " فانسلخ منها " ) ((2)) .

ص: 166

وقیل : هو أمیّة بن أبی الصلت ، کان قد قرأ الکتب ، وعلم أنّ اللَّه تعالی مرسل رسولا فی ذلک الزمان ، ورجا أن یکون هو ، فلمّا بعث محمد صلی الله علیه و آله و سلم حسده وکفر به .

( فَانْسَلَخَ مِنْها ) من الآیات ، بأن کفر بها وأعرض عنها ، کالشئ الَّذی ینسلخ من الجلد ( فَأَتْبَعَه الشَّیْطانُ ) تبعه ولحقه فأدرکه ، وصار قرینا له حتّی أضلَّه . وتبع وأتبع واتّبع بمعنی .

وقیل : استتبعه . ( فَکانَ مِنَ الْغاوِینَ ) فصار من الضالَّین .

{ وَلَوْ شِئْنَا لَرَفَعْنَاهُ بِهَا وَلَکِنَّهُ أخْلَدَ إلَی الأرْضِ وَاتَّبَعَ هَوَاهُ فَمَثَلُهُ کَمَثَلِ الکَلْبِ إنْ تَحْمِلْ عَلَیْهِ یَلْهَثْ أوْ تَتْرُکْهُ یَلْهَثْ ذَلِکَ مَثَلُ القَوْمِ الَّذِینَ کَذَّبُوا بِآیَاتِنَا فَاقْصُصِ القَصَصَ لَعَلَّهُمْ یَتَفَکَّرُونَ 176} سورة الأعراف .

{وَلَوْ شِئْنَا لَرَفَعْنَاهُ بِهَا } بلعم بن باعورا الی منزلة العلماء .

{ وَلَکِنَّهُ أخْلَدَ إلَی الأرْضِ } الدنیا الفانیة فصدق فیه القول النبوی صلی الله علیه و آله و سلم : «الدنیا جیفة وطلابها کلاب»((1))

.

{وَاتَّبَعَ هَوَاهُ فَمَثَلُهُ کَمَثَلِ الکَلْبِ إنْ تَحْمِلْ عَلَیْهِ یَلْهَثْ أوْ تَتْرُکْهُ یَلْهَثْ ذَلِکَ مَثَلُ القَوْمِ الَّذِینَ کَذَّبُوا بِآیَاتِنَا فَاقْصُصِ القَصَصَ } علی الناس {لَعَلَّهُمْ یَتَفَکَّرُونَ(176) } : یتدبرون ویهتدون .

ص: 167

وعن أبی الحسن الرضا علیه السلام : « أنه أعطی بلعم بن باعوراء الاسم الأعظم وکان یدعو به فیستجاب له ، فمال إلی فرعون ، فلما مر فرعون فی طلب موسی علیه السلام وأصحابه : قال فرعون لبلعم : ادع الله علی موسی وأصحابه لیحبسه علینا ، فرکب حمارته لیمر فی طلب موسی وأصحابه ، فامتنعت علیه حمارته ، فأقبل یضربها ، فأنطقها الله عز وجل ، فقالت : ویلک ، علی ماذا تضربنی ، أترید أن أجیء معک لتدعو علی موسی نبی الله وقوم مؤمنین ؟ !

ولم یزل یضربها حتی قتلها ، فانسلخ الاسم من لسانه ، وهو قوله : ( فَانْسَلَخَ مِنْها فَأَتْبَعَه الشَّیْطانُ فَکانَ مِنَ الْغاوِینَ ولَوْ شِئْنا لَرَفَعْناه بِها ولکِنَّه أَخْلَدَ إِلَی الأَرْضِ واتَّبَعَ هَواه فَمَثَلُه کَمَثَلِ الْکَلْبِ إِنْ تَحْمِلْ عَلَیْه یَلْهَثْ أَوْ تَتْرُکْه یَلْهَثْ ) وهو مثل ضربه الله » ((1)) .

{سَاءَ مَثَلا القَوْمُ الَّذِینَ کَذَّبُوا بِآیَاتِنَا وَأنفُسَهُمْ کَانُوا یَظْلِمُونَ(177) مَنْ یَهْدِ اللّهُ فَهُوَ المُهْتَدِی وَمَنْ یُضْلِلْ فَاُوْلَئِکَ هُمُ الخَاسِرُونَ } 178 سورة الأعراف .

لعلمهم بصدق الآیات {مَنْ یَهْدِ اللّهُ فَهُوَ المُهْتَدِی } الحقیقی لا من ترفعه الحکومات والاحزاب .

ص: 168

القندوی الحنفی : أخرج الحافظ القندوی الحنفی قال :

فی المناقب , عن أبی بصیر , عن جعفر الصادق علیه السلام , قال : قال أمیر المؤمنین علی سلام الله علیه فی خطبته : أنا الهادی , وأنا المهتدی ((1)) .

: یعنی أنا المقصود بکلمة الهادی فی القرآن , وأنا المهتدی المذکور فی القرآن.

{مَنْ یَهْدِ اللّهُ فَهُوَ المُهْتَدِی وَمَنْ یُضْلِلْ فَاُوْلَئِکَ هُمُ الخَاسِرُونَ } 178 } .

{وَمَنْ یُضْلِلْ } لکفره وعصیانه {فَاُوْلَئِکَ هُمُ الخَاسِرُونَ(178)} _سورة الأعراف . فی الآخرة .

{ وَلَقَدْ ذَرَأنَا لِجَهَنَّمَ کَثِیراً مِنَ الجِنِّ وَالإنْسِ لَهُمْ قُلُوبٌ لا یَفْقَهُونَ بِهَا وَلَهُمْ أعْیُنٌ لا یُبْصِرُونَ بِهَا وَلَهُمْ آذَانٌ لا یَسْمَعُونَ بِهَا اُوْلَئِکَ کَالأنْعَامِ بَلْ هُمْ أضَلُّ اُوْلَئِکَ هُمُ الغَافِلُونَ179 } سورة

الأعراف .

{وَلَقَدْ ذَرَأنَا } خلقنا {لِجَهَنَّمَ کَثِیراً مِنَ الجِنِّ وَالإنْسِ } ممَّن صمَّموا علی العناد والکفر {لَهُمْ قُلُوبٌ لا یَفْقَهُونَ } لا یفهمون {بِهَا وَلَهُمْ أعْیُنٌ لا یُبْصِرُونَ بهَا وَلَهُمْ آذَانٌ لا یَسْمَعُونَ بِهَا } لولوغهم فی الباطل وعصیانهم للحق , وحبهم للدنیا .

ص: 169

{اُوْلَئِکَ کَالأنْعَامِ بَلْ هُمْ أضَلُّ اُوْلَئِکَ هُمُ الغَافِلُونَ(179)} .

بل هم أضل یعنی انهم کفار .

قال الله تعالی عن الصحابة : أمْ تَحْسَبُ أنَّ أکْثَرَهُمْ یَسْمَعُونَ أوْ یَعْقِلُونَ إنْ هُمْ إلا کَالأنْعَامِ بَلْ هُمْ أضَلُّ سَبِیلا

.الفرقان 25 / 44 .

وَمَا کَانَ أکْثَرُهُمْ مُؤْمِنِینَ ((1)) .

و قال نجاح الطائی : قال احمد بن حنبل: من لم یثبت الولایة لعلی علیه السلام فهو أضل من حمار ((2)) .

أصبح

معروفا عند المسلمین أن المخالفین لولایة إمام المسلمین علی علیه السلام أضل من الحمار .

ورغم هذا تجد الکثیر یتحلل من ولایة علی علیه السلام ویلتزم بولایة مخالفیه ومعارضیه .

{وَللّهِ الأسْمَاءُ الحُسْنَی فَادْعُوهُ بِهَا وَذَرُوا الَّذِینَ یُلْحِدُونَ فِی أسْمَائِهِ سَیُجْزَوْنَ مَا کَانُوا یَعْمَلُونَ 180} سورة الأعراف .

ص: 170

{ وَللّهِ الأسْمَاءُ الحُسْنَی } الخاصَّة به , وکل أسمائه علی درجة واحدة فی الحسن اذ لا صفات متغایرة ولا حالات متعددة للذات القدسیة .

وجاء عن الامام الصادق علیه السلام : نحن والله الأسماء الحسنی التی لا یقبل الله من العباد عملا الا بمعرفتنا ((1)) .

{ فَادْعُوهُ بِهَا وَذَرُوا الَّذِینَ یُلْحِدُونَ فِی أسْمَائِهِ } لاغواء الناس مثل تحریف الله الی اللات , والعزیز الی العزی باسم الاشتقاق.

{ سَیُجْزَوْنَ مَا کَانُوا یَعْمَلُونَ(180) } من الباطل .

علی بن ابراهیم : {وَللّهِ الأسْمَاءُ الحُسْنَی فَادْعُوهُ بِهَا } قال :الرحمن

الرحیم ((2)) .

{وَمِمَّنْ خَلَقْنَا اُمَّةٌ یَهْدُونَ بِالحَقِّ وَبِهِ یَعْدِلُونَ(181) } سورة الأعراف . وهم النبی محمد صلی الله علیه و آله و سلم والأئمة الاثنی عشر .

یعدلون : أی یحکمون .

ص: 171

عن الامام أبی عبد الله الصادق علیه السلام فی خطبة له یذکر فیها حال الأئمة علیه السلام و صفاتهم : أن الله عز وجل أوضح بأئمة الهدی من أهل بیت نبینا عن دینه ، وأبلج بهم عن سبیل منهاجه ، وفتح بهم عن باطن ینابیع علمه ، فمن عرف من أمة محمد صلی الله علیه و آله و سلم واجب حق إمامه ، وجد طعم حلاوة إیمانه ، وعلم فضل طلاوة إسلامه ، لان الله تبارک وتعالی نصب الإمام علما لخلقه ، وجعله حجة علی أهل مواده وعالمه ، وألبسه الله تاج الوقار ، وغشاه من نور الجبار ، یمد بسبب إلی السماء ، ولا ینقطع عنه مواده ، ولا ینال ما عند الله إلا بجهة أسبابه ، ولا یقبل الله أعمال العباد إلا بمعرفته ، فهو عالم بما یرد علیه من ملتبسات الدجی ، ومعمیات السنن ، ومشبهات الفتن ، فلم یزل الله تبارک وتعالی یختارهم لخلقه من ولد الحسین علیه السلام

من عقب کل إمام ، یصطفیهم لذلک ویجتبیهم ، ویرضی بهم لخلقه ویرتضیهم ، کل ما مضی منهم إمام نصب لخلقه من عقبه إماما ، علما بینا ، وهادیا نیرا ، وإماما قیما ، وحجة عالما ، أئمة من الله ، یهدون بالحق وبه یعدلون ، حجج الله ودعاته ورعاته علی خلقه ، یدین بهدیهم العباد وتستهل بنورهم البلاد ، وینمو ببرکتهم التلاد ، جعلهم الله حیاة للأنام ، ومصابیح للظلام ، ومفاتیح للکلام ، ودعائم للاسلام ، جرت بذلک فیهم مقادیر الله علی محتومها ((1)) .

ص: 172

عن حمران عن الامام أبی جعفر الباقر علیه السلام فی قول الله : ( وممن خلقنا أمة یهدون بالحق وبه یعدلون ) قال : هم الأئمة ((1)) .

فهذه الآیة لآل محمد واتباعهم ((2)) .

وقال سید الرسل محمد صلی الله علیه و آله و سلم : یا علی أنت وشیعتک الفائزون یوم القیامة((3)) .

وقال الامام علی علیه السلام : تفترق هذه الأمة إلی ثلاث وسبعین فرقة اثنتان

ص: 173

وسبعون فی النار و احدة فی الجنة وهم أنا وشیعتی((1)) .

وقال الطبری والسیوطی والآلوسی : قال النبی صلی الله علیه و آله و سلم : {اولئک هم خیر

البریَّة } أنت یا علیُّ وشیعتک((2)) .

ابن حجر : وقال ابن حجر فی الصواعق عن ابن عباس قال النبی صلی الله علیه و آله و سلم لعلی : تأتی أنت وشیعتک یوم القیامة , راضین مرضیین , ویأتی عدوّک غضاباً مقمحین((3)) .

القندوزی الحنفی : روی الحافظ سلیمان القندوزی الحنفی , عن زاذان , عن علی علیه السلام , قال: تفترق هذه الأمّة علی ثلاث وسبعین فرقة , إثنتان وسبعون فی النار , وو احدة فی الجنّة , وهم الذین قال الله عزّ وجل فی حقّهم : (وَمِمَّنْ خَلَقْنَا اُمَّةٌ یَهْدُونَ بِالحَقِّ) . أنا وشیعتی ((4)) .

ص: 174

الخوارزمی الحنفی : وأخرجه فقیه الحنفیة موفّق بن أحمد الخوارزمی الحنفی فی مناقبه((1)) .

وأخرجه أیضاً العلاّمة السید هاشم البحرانی فی کتابه الصغیر , عن مناقب أحمد بن موسی بن مردویه _المناقب_ ابن مردویه .

وقال نجاح الطائی : اجتمعت عدة آیات وأحادیث فی أهل البیت والحق

تبین انهم الحق ویهدون بالحق وانهم مع الحق والحق معهم وقل الحق من ربکم فی ولایة علی علیه السلام جاء فیها :

قوله تعالی : {ولو اتّبع الحقّ أهواءهم لفسدت السماوات والأرض ومن فیهنّ } المؤمنون 71 .

قال الامام علی بن أبی طالب علیه السلام نحن والله هذا الحقّ ((2)) .

{وَمِمَّنْ خَلَقْنَا اُمَّةٌ یَهْدُونَ بِالحَقِّ وَبِهِ یَعْدِلُونَ(181) } سورة الأعراف .

{ولو اتّبع الحقّ أهواءهم لفسدت السماوات والأرض ومن فیهنّ } المؤمنون 71 .

ص: 175

وقال النبی صلی الله علیه و آله و سلم : علی مع الحق والحق مع علی یدور معه حیثما دار ((1)).

قوله تعالی : { وقل الحق من ربکم } فی ولایة علی . قال علی بن إبراهیم قال أبو عبد الله ( علیه السلام ): نزلت هذه الآیة هکذا ( قل الحق من ربکم ) یعنی

ص: 176

ولایة علی ( علیه السلام ) ( فمن شاء فلیؤمن ومن شاء فلیکفر إنّا اعتدنا للظالمین

( آل محمّد صلی الله علیه و آله و سلم ) ناراً أحاط بهم سُرادقُها ((1))

.

{ وَالَّذِینَ کَذَّبُوا بِآیَاتِنَا سَنَسْتَدْرِجُهُمْ مِنْ حَیْثُ لا یَعْلَمُونَ 182} سورة الأعراف .

{وَالَّذِینَ کَذَّبُوا بِآیَاتِنَا } الکفار والمنافقون کذبوا بآیات الله وعلی رأسها أهل البیت علیهم السلام وحاربوهم وأنکروا منزلتهم .

{سَنَسْتَدْرِجُهُمْ } الی الهلاک {مِنْ حَیْثُ لا یَعْلَمُونَ(182) } : انه حتفهم .

سئل أبو عبد الله علیه السلام عن الاستدراج ، فقال : هو العبد یذنب الذنب فیملی له ویجدد له عندها النعم فتلهیه عن الاستغفار من الذنوب فهو مستدرج من حیث لا یعلم ((2)) .

عن سماعة بن مهران قال : سألت أبا عبد الله علیه السلام عن قول الله عز وجل :

" سنستدرجهم من حیث لا یعلمون

" قال : هو العبد یذنب الذنب فتجدد له النعمة معه تلهیه تلک النعمة عن الاستغفار من ذلک الذنب ((3)) .

ص: 177

3558 _ 4 الکافی ، 2 / 452 / 4 / 1 علی عن أبیه عن القاسم بن محمد عن المنقری عن حفص بن غیاث عن أبی عبد اللَّه علیه السلام قال « کم من مغرور بما أنعم اللَّه تعالی علیه وکم من مستدرج یستر اللَّه تعالی علیه وکم من مفتون بثناء الناس علیه » .

3559 _ 5 الکافی ، 2 / 97 / 17 / 1 الثلاثة عن الحسن بن عطیة عن عمر بن یزید قال « قلت لأبی عبد اللَّه علیه السلام إنی سألت اللَّه تعالی أن یرزقنی مالا فرزقنی وإنی سألت اللَّه أن یرزقنی ولدا فرزقنی وسألته أن یرزقنی دارا فرزقنی وقد خفت أن یکون استدراجا فقال أما واللَّه مع الحمد فلا » .

عَنْ أَبِی عَبْدِ اللَّه علیه السلام قَالَ : کَمْ مِنْ مَغْرُورٍ بِمَا قَدْ أَنْعَمَ اللَّه عَلَیْه وکَمْ مِنْ مُسْتَدْرَجٍ بِسَتْرِ اللَّه عَلَیْه وکَمْ مِنْ مَفْتُونٍ بِثَنَاءِ النَّاسِ عَلَیْه ((1))

.

قال : إیاکم وهؤلاء الرؤساء الذین یترأسون ، فوالله ما خفقت النعال خلف رجل إلا هلک وأهلک ! ((2)) .

ص: 178

وعن الامام الصادق ( علیه السلام ) قال : یا معشر الأحداث ، اتقوا الله ولا تأتوا الرؤساء ، ذرهم حتی یصیروا أذنابا ، لا تتخذوا الرجال ولیجة من دون الله ((1))

.

{وَاُمْلِی لَهُمْ إنَّ کَیْدِی مَتِینٌ(183) } أی أقوی من کیدهم , قال الامام علی علیه السلام : الحذر الحذر , فوالله لقد ستر حتی کأنه قد غفر . فالله یمهل المعتدین ولا یهمل .

و قال نجاح الطائی : کلنا یری الظالمین فی طغیان وترف واسراف ونشوة وهم یسرقون أموال المسلمین ویهضمون حقوقهم ویسحقوهم .

وهم فرحون فی زیادة أموالهم ونمو جاههم وشهرتهم .لا یتأسفون علی جرائمهم ولا یستغفرون , والمشروع الالهی المعد

لهم : { سَنَسْتَدْرِجُهُمْ مِنْ حَیْثُ لا یَعْلَمُونَ }.

قال رسول الله صلی الله علیه و آله و سلم : لکل داء دواء ودواء الذنوب الاستغفار .

وعن أبی جعفر علیه السلام قال : سمعته یقول : کان رسول الله صلی الله علیه و آله و سلم والاستغفار لکم حصنین حصینین من العذاب ، فمضی أکبر الحصنین وبقی الاستغفار

ص: 179

فأکثروا منه فإنه ممحاة للذنوب ، قال الله عز وجل : وما کان الله لیعذبهم وأنت فیهم وما کان الله معذبهم وهم یستغفرون ((1))

.

{ أوَ لَمْ یَتَفَکَّرُوا مَا بِصَاحِبِهِمْ مِنْ جِنَّة إنْ هُوَ إلا نَذِیرٌ مُبِینٌ }184 _سورة الأعراف .

{أوَ لَمْ یَتَفَکَّرُوا }یعقلوا {مَا بِصَاحِبِهِمْ } النبی محمد صلی الله علیه و آله و سلم .

{مِنْ جِنَّة إنْ هُوَ إلا نَذِیرٌ مُبِینٌ(184) } .

کانت أعظم ضربة عدوانیة للنبی صلی الله علیه و آله و سلم قد بدأت من ساعة بعثته الی ساعة احتضاره من قبل مخالفیه تتمثل فی وصمه بالجنون , لذا ردَّ علیهم الله تعالی بهذه الآیة وآیة : {وما صاحبکم بمجنون }.

وآیة : {مَا بِصَاحِبِهِمْ مِنْ جِنَّة} .

وآیات أخری , فلم یرتدعوا .لقد اتَّفق رجال السیاسة المکیین علی وصمه بالجنون لتهمیش آیاته الإلهیة ومنع أحادیثه الشریفة , وطمس معاییره الإخلاقیة والثقافیة , وردع وصیته للإمام علی علیه السلام تمهیداً لوصولهم للخلافة .

ص: 180

لذا قال عمر ورجال السقیفة للنبی فی یوم موته وعند طلبه کتابة الوصیه الالهیة : إنَّه لیهجر ((1)) أی مجنون .وهذا یعنی تکذیبهم للقرآن الکریم وللنبی صلی الله علیه و آله و سلم وردهم له واستعلاءهم علیه !!!

ص: 181

ومنهج عمر وأبی بکر وعثمان وعائشة فی وصمهم سید الانبیاء بالجنون هو منهجهم القدیم فی مکة والمدینة

الذی قرره الولید بن المغیرة وابو جهل وابو لهب وابو سفیان , لکن فی هذه المرة قالوها للنبی فی آخر ساعة قبل شهادته وفی داخل بیته وأمام أهله للنیل منه .

{أوَ لَمْ یَنظُرُوا فِی مَلَکُوتِ السَّمَاوَاتِ وَالأرْضِ وَمَا خَلَقَ اللّهُ مِنْ شَیْء وَأنْ عَسَی أنْ یَکُونَ قَدْ اقْتَرَبَ أجَلُهُمْ فَبِأیِّ حَدِیث بَعْدَهُ یُؤْمِنُونَ 185 } _سورة الأعراف .

قال تعالی : وأملی لهم انَّ کیدی متین {أوَ لَمْ یَنظُرُوا فِی مَلَکُوتِ السَّمَاوَاتِ وَالأرْضِ وَمَا خَلَقَ اللّهُ مِنْ شَیْء } فیعرفوا عظمة الخالق ودقة ما خلق فیهابوه ویطیعوه .

عن الحسن الصیقل قال : سألت أبا عبد الله علیه السلام عما یروی الناس أن تفکر ساعة خیر من قیام لیلة ، قلت : کیف یتفکر ؟ قال : یمر بالخربة أو بالدار فیقول : أین ساکنوک ، أین بانوک ، ما [ با ] لک لا تتکلمین ((1)) .

ص: 182

عدة من أصحابنا ، عن أحمد بن محمد بن خالد ، عن أحمد بن محمد بن أبی نصر عن بعض رجاله ، عن الامام أبی عبد الله الصادق ( علیه السلام ) قال : أفضل العبادة إدمان التفکر فی الله وفی قدرته ((1)) .

وعن معمر بن خلاد ، قال : سمعت أبا الحسن الرضا علیه السلام یقول : « لیس العبادة کثرة الصلاة والصوم ، إنما العبادة التفکر فی أمر الله عز وجل » ((2)) .

وعنه : عن محمد بن یحیی ، عن أحمد بن محمد ، عن إسماعیل بن سهل ، عن حماد ، عن ربعی ، قال : قال أبو عبد الله علیه السلام : « قال أمیر المؤمنین علیه السلام : التفکر یدعوا إلی البر والعمل به » ((3)) .

ص: 183

وقال رسول الله صلی الله علیه و آله و سلم : « أفضلکم منزلة عند الله تعالی أطولکم جوعا وتفکرا ، وأبغضکم إلی الله کل نئوم أکول » ((1)) .

وقال ابن عباس : إن قوما تفکروا فی الله تعالی ، فقال النبی صلی الله علیه و آله و سلم : « تفکروا فی خلق الله ، ولا تفکروا فی الله ، فإنکم لم تقدروا قدره » ((2)) .

{وَأنْ عَسَی أنْ یَکُونَ قَدْ اقْتَرَبَ أجَلُهُمْ } فیصبحوا مؤمنین متَّقین قبل موتهم{ فَبِأیِّ حَدِیث بَعْدَهُ } القرآن {یُؤْمِنُونَ(185) } اذا لم یهتدوا بالقرآن العظیم فلن یقبلوا کتاباً آخر .

التفکر فی خلق الله تعالی یزید الایمان بالتوحید والنبوة والامامة والمعاد

وهو یدفع الی الصلاة والصیان والزکاة والحج والجهاد .

لذا التفکر فی خلق الله سبحانه أعظم من الصلاة والصیام .

{ منْ یُضْلِلِ اللّهُ فَلا هَادِیَ لَهُ وَیَذَرُهُمْ فِی طُغْیَانِهِمْ یَعْمَهُونَ 186 } _سورة الأعراف .

{مَنْ یُضْلِلِ اللّهُ } لکفره وقتله وظلمه المسلمین وخیانته الدین .

{فَلا هَادِیَ لَهُ وَیَذَرُهُمْ } تعالی{فِی طُغْیَانِهِمْ یَعْمَهُونَ(186) } یترکهم یتحیرون.

ص: 184

القمی : یکله إلی نفسه ((1)) .

ومن یکله الله تعالی الی نفسه فقد خسر الدنیا والاخرة , لان کل حاجات الانسان یمررها الله تعالی . واذا عصا الله تعالی یترکه لنفسه فلا یقوی علی الدفاع عنها وایجاد قوتها ورزقها وعافیتها .

{ یسْألُونَکَ عَنْ السَّاعَةِ أیَّانَ مُرْسَاهَا قُلْ إنَّمَا عِلْمُهَا عِنْدَ رَبِّی لا یُجَلِّیهَا لِوَقْتِهَا إلا هُوَ ثَقُلَتْ فِی السَّمَاوَاتِ وَالأرْضِ لا تَأتِیکُمْ إلا بَغْتَةً یَسْألُونَکَ کَأنَّکَ حَفِیٌّ عَنْهَا قُلْ إنَّمَا عِلْمُهَا عِنْدَ اللّهِ وَلَکِنَّ أکْثَرَ النَّاسِ لا یَعْلَمُونَ 187}_سورة الأعراف .

ان قریشا بعثوا العاص بن وائل السهمی والنضر بن حارث بن کلدة وعقبة بن أبی معیط إلی نجران لیتعلموا من علماء الیهود مسائل ویسألوا بها رسول الله صلی الله علیه و آله و سلم .

وکان فیها : سلوا محمدا متی تقوم الساعة ؟ [ فإن ادعی علم ذلک فهو کاذب ، فإن قیام الساعة لم یطلع الله علیه ملکا مقربا ولا نبیا مرسلا ، فلما سألوا رسول الله صلی الله علیه و آله و سلم : متی تقوم الساعة ؟ ] أنزل الله تعالی :

( یَسْئَلُونَکَ عَنِ السَّاعَةِ أَیَّانَ مُرْساها قُلْ إِنَّما عِلْمُها عِنْدَ رَبِّی لا یُجَلِّیها لِوَقْتِها إِلَّا هُوَ ثَقُلَتْ فِی السَّماواتِ والأَرْضِ لا تَأْتِیکُمْ إِلَّا بَغْتَةً یَسْئَلُونَکَ کَأَنَّکَ حَفِیٌّ

.

ص: 185

عَنْها ) أی جاهل بها ( قُلْ ) لهم یا محمد :

( إِنَّما عِلْمُها عِنْدَ اللَّه ولکِنَّ أَکْثَرَ النَّاسِ لا یَعْلَمُونَ )((1)) و قال نجاح الطائی : احتفاظ الباری تعالی بعلم الساعة لنفسه بانه هو الخالق العالم المدیر المدبر وانه لا شریک له یدیر الکون ویعلم ما یعلمه تعالی بل الباقی کلهم من الانبیاء والاوصیاء والعوام عبید لله عز وجل .

{یَسْألُونَکَ } یا محمد {عَنْ السَّاعَةِ } القیامة {أیَّانَ مُرْسَاهَا } متی وقوعها {قُلْ إنَّمَا عِلْمُهَا عِنْدَ رَبِّی } فهو العارف بوقتها .

{لا یُجَلِّیهَا لِوَقْتِهَا إلا هُوَ } وحده لا شریک له {ثَقُلَتْ فِی السَّمَاوَاتِ وَالأرْضِ } ثقل وقعها وأثرها {لا تَأتِیکُمْ إلا بَغْتَةً } فجأة {یَسْألُونَکَ کَأنَّکَ حَفِیٌّ عَنْهَا } عالم بها .

{قُلْ إنَّمَا عِلْمُهَا عِنْدَ اللّهِ وَلَکِنَّ أکْثَرَ النَّاسِ لا یَعْلَمُونَ(187) } سورة الأعراف .

روی : أنّ المشرکین کانوا یسألون رسول اللَّه صلی الله علیه و آله و سلم عن وقت قیام الساعة استعجالا علی سبیل الهزء ، والیهود یسألونه امتحانا ، لأنّ اللَّه تعالی عمّی

ص: 186

وقتها فی التوراة وفی کلّ کتاب ، فأمر رسول اللَّه صلی الله علیه و آله و سلم أن یجیبهم بأنّه علم قد استأثره اللَّه لنفسه ، لم یعلَّمه أحدا ، فقال :

( یَسْئَلُکَ النَّاسُ عَنِ السَّاعَةِ ) عن وقت قیامها ، استهزاء وتعنّتا ، أو امتحانا

( قُلْ إِنَّما عِلْمُها عِنْدَ اللَّه ) لم یطلع علیه ملکا ولا نبیّا .

ثمّ بیّن لرسوله أنّها قریبة الوقوع ، تهدیدا للمستعجلین ، وإسکاتا للممتحنین ، فقال : ( وما یُدْرِیکَ ) أیّ شیء یعلمک من أمر الساعة ومتی قیامها ، أی : أنت لا تعرفها ( لَعَلَّ السَّاعَةَ تَکُونُ قَرِیباً ) أی : شیئا قریبا مجیئها .

{ قُلْ لا أمْلِکُ لِنَفْسِی نَفْعاً وَلا ضَرّاً إلا مَا شَاءَ اللّهُ وَلَوْ کُنتُ أعْلَمُ الغَیْبَ لاسْتَکْثَرْتُ مِنْ الخَیْرِ وَمَا مَسَّنِیَ السُّوءُ إنْ أنَا إلا نَذِیرٌ وَبَشِیرٌ لِقَوْم یُؤْمِنُونَ188 } سورة الأعراف .

{ قُلْ لا أمْلِکُ لِنَفْسِی نَفْعاً وَلا ضَرّاً إلا مَا شَاءَ اللّهُ } کل شیء بید الله تعالی , فهو الذی ینفع الناس ویدفع عنهم الضر إن اراد .

{وَلَوْ کُنتُ أعْلَمُ الغَیْبَ لاسْتَکْثَرْتُ مِنْ الخَیْرِ } الفوائد والمنافع والاعمال الصالحة قبل موتی القریب .

ولو کنت أعلم الغیب لادخرت من السنة المخصبة للسنة المجدبة ، ولاشتریت وقت الرخص لأیام الغلاء . وقیل معناه : لاستکثرت من الأعمال الصالحة قبل اقتراب الأجل ، ولم أشتغل بغیرها ، ولاخترت الأفضل فالأفضل ، عن مجاهد ، وابن جریج . وقیل معناه : لو کنت أعلم ما أسأل

ص: 187

عنه من الغیب ، لاستکثرت من الخیر أی : لأجبت فی کل ما أسأل عنه من الغیب فی أمر الساعة وغیرها ، عن الزجاج ((1))

.

{وَمَا مَسَّنِیَ السُّوءُ } : قال الصادق علیه السلام : السوء : الفقر ((2))

.

{إنْ أنَا إلا نَذِیرٌ وَبَشِیرٌ لِقَوْم یُؤْمِنُونَ(188) } .

{ ُوَ الَّذِی خَلَقَکُمْ مِنْ نَفْس وَاحِدَة وَجَعَلَ مِنْهَا زَوْجَهَا لِیَسْکُنَ إلَیْهَا فَلَمَّا تَغَشَّاهَا حَمَلَتْ حَمْلا خَفِیفاً فَمَرَّتْ بِهِ فَلَمَّا أثْقَلَتْ دَعَوَا اللّهَ رَبَّهُمَا لَئِنْ آتَیْتَنَا صَالِحاً لَنَکُونَنَّ مِنَ الشَّاکِرِینَ 189} سورة الأعراف .

ینتفعون بالإنذار والبشارة {هُوَ الَّذِی خَلَقَکُمْ مِنْ نَفْس وَاحِدَة } آدم {وَجَعَلَ مِنْهَا } من ضلعها {زَوْجَهَا

} حواء .

{لِیَسْکُنَ إلَیْهَا } یتعایشا معاً {فَلَمَّا تَغَشَّاهَا } جامعها {حَمَلَتْ حَمْلا خَفِیفاً } متمثلا بالمضغة {فَمَرَّتْ بِهِ } استمرت فی تغذیته .

{فَلَمَّا أثْقَلَتْ } بحملها وبان علیها الحمل {دَعَوَا اللّهَ رَبَّهُمَا لَئِنْ آتَیْتَنَا } ولداً {صَالِحاً لَنَکُونَنَّ مِنَ الشَّاکِرِینَ(189) } لک .

{ فَلَمَّا آتَاهُمَا صَالِحاً جَعَلا لَهُ شُرَکَاءَ فِیمَا آتَاهُمَا فَتَعَالَی اللّهُ عَمَّا یُشْرِکُونَ 190 } سورة

الأعراف .

ص: 188

{فَلَمَّا آتَاهُمَا صَالِحاً جَعَلا لَهُ شُرَکَاءَ فِیمَا آتَاهُمَا } المشهور بین المفسرین أن ضمیر المثنی فی آتیتنا یعود الی آدم وحواء , وأن الضمیر فی جعلا یعود الی أولادهما علی حذف مضاف .وفی الحقیقة هی قصَّة کلَّ من طلب أمراً من الله تعالی ولما أعطاه تنکَّر له هو أو أولاده , فهی عبرة عامة من عبر الدنیا حیث قاموا بجعل شرکاء لله تعالی .

{فَتَعَالَی اللّهُ عَمَّا یُشْرِکُونَ(190) } به فی عبادتهم وأعمالهم .

عن زرارة ، عن أبی جعفر علیه السلام قال : سمعته یقول : " فلما آتاهما صالحا " جعلا له شرکاء فیما آتاهما " قال : هو آدم وحواء ، إنه کان شرکهما شرک طاعة ، ولیس شرک عبادة ((1)) .

{أیُشْرِکُونَ مَا لا یَخْلُقُ شَیْئاً وَهُمْ یُخْلَقُونَ(191) سورة الأعراف .

توبیخ لهم علی أعمالهم الرثَّة فی عبادة ما یخلقونه من التمر والذهب والطین ثم یعبدونه.

وان هذه الاصنام لا قدرة لها علی خلق الاشیاء وهم بأیدی البشر یُخلقون .

{ وَلا یَسْتَطِیعُونَ لَهُمْ نَصْراً وَلا أنفُسَهُمْ یَنصُرُونَ192 } سورة الأعراف .

{وَلا یَسْتَطِیعُونَ لَهُمْ نَصْراً } لا تستطیع الأصنام مساعدتهم {وَلا أنفُسَهُمْ یَنصُرُونَ(192) } عند هجوم الاعداء علیها وتدمیرها

ص: 189

{ َإنْ تَدْعُوهُمْ إلَی الهُدَی لا یَتَّبِعُوکُمْ سَوَاءٌ عَلَیْکُمْ أدَعَوْتُمُوهُمْ أمْ أنْتُمْ صَامِتُونَ193* } سورة الأعراف .

نص عام للمحاربین النبی صلی الله علیه و آله و سلم وللطغاة المخالفین للامام علی علیه السلام .

{وَإنْ تَدْعُوهُمْ إلَی الهُدَی } الایمان بو لایة علی علیه السلام :

وقال تعالی: (وَمَنْ یُشَاقِقِ الرَّسُولَ مِنْ بَعْدِ مَا تَبَیَّنَ لَهُ الهُدَی وَیَتَّبِعْ غَیْرَ سَبِیلِ المُؤْمِنِینَ نُوَلِّهِ مَا تَولی وَنُصْلِهِ جَهَنَّمَ وَسَاءَتْ مَصِیراً) ((1)) .

ابو بکر بن مردویه الشافعی : روی العلامة البحرانی عن ابن مردویه الشافعی فی معنی هذه الآیة : (مِنْ بَعْدِ مَا تَبَیَّنَ لَهُ الهُدَی) : نزلت فی أمر علی ((2)) ولایته وخلافته .

ابن شهر أشوب : (مِنْ بَعْدِ مَا تَبَیَّنَ لَهُمُ الهُدَی). أمر علی بن أبی طالب ((3)).

{لا یَتَّبِعُوکُمْ سَوَاءٌ عَلَیْکُمْ أدَعَوْتُمُوهُمْ أمْ أنْتُمْ صَامِتُونَ(193) } لولوغهم فی الجریمة والظلم .

ص: 190

{ إنَّ الَّذِینَ تَدْعُونَ مِنْ دُونِ اللّهِ عِبَادٌ أمْثَالُکُمْ فَادْعُوهُمْ فَلْیَسْتَجِیبُوا لَکُمْ إنْ کُنتُمْ صَادِقِینَ194 } سورة الأعراف .

{ إنَّ الَّذِینَ تَدْعُونَ مِنْ دُونِ اللّهِ } فرعون ونمرود .

{عِبَادٌ أمْثَالُکُمْ فَادْعُوهُمْ فَلْیَسْتَجِیبُوا لَکُمْ } أی حتی لو فرضنا الاصنام أحیاء فهم عباد مثلکم ضعفاء لا یقوون علی فعل شیء , فکیف لو کانوا من حجر لا ینطق ولا یعقل {إنْ کُنتُمْ صَادِقِینَ(194) } .

َاسْتَفْهَمَ الله تعالی منهم اسْتِفْهَامَ إنْکَارٍ وَجُحُودٍ بوسائل الْإِدْرَاکِ التَّامِّ وَهُوَ السَّمْعُ وَالْبَصَرُ .

{ ألَهُمْ أرْجُلٌ یَمْشُونَ بِهَا أمْ لَهُمْ أیْد یَبْطِشُونَ بِهَا أمْ لَهُمْ أعْیُنٌ یُبْصِرُونَ بِهَا أمْ لَهُمْ آذَانٌ یَسْمَعُونَ بِهَا قُلْ ادْعُوا شُرَکَاءَکُمْ ثُمَّ کِیدُونِ فَلا تُنظِرُونِ (195) } سورة الأعراف .

أی قل یا محمد للمشرکین أن یعدوا أصنامهم لحربی وبکل طاقتهم ولا یتأخرون , فی محاولة لاثبات عجزها وخرافتها .

والایة استهزاء الهی بکل الالهة الوهمیة التی یعبدها المشرکون بأن تجتمع لتکید الخالق العظیم , فهل یمکنها أن تفعل شیئا علی وهنها وضعفها ؟

وهل یمکن للجن والانس وباقی المخلوقات والاصنام الحجریة أن تحارب رب العالمین ؟

ص: 191

{ إنَّ وَلِیِّیَ اللّهُ الَّذِی نَزَّلَ الکِتَابَ وَهُوَ یَتَوَلَّی الصَّالِحِینَ 196} سورة الأعراف .

{إنَّ وَلِیِّیَ اللّهُ } قول النبی محمد صلی الله علیه و آله و سلم لهم , فهو تعالی الذی یتولی حفظی ومساعدتی {الَّذِی نَزَّلَ الکِتَابَ}القرآن{وَهُوَ یَتَوَلَّی صَّالِحِینَ(196) .

{ وَالَّذِینَ تَدْعُونَ مِنْ دُونِهِ لا یَسْتَطِیعُونَ نَصْرَکُمْ وَلا أنفُسَهُمْ یَنصُرُونَ197 }

{ وَالَّذِینَ تَدْعُونَ مِنْ دُونِهِ } الاصنام والطغاة الکفار منهم والمنافقون

{لا یَسْتَطِیعُونَ نَصْرَکُمْ وَلا أنفُسَهُمْ یَنصُرُونَ(197) } فکیف نخاف منهم .

{ وَإنْ تَدْعُوهُمْ إلَی الهُدَی لا یَسْمَعُوا وَتَرَاهُمْ یَنظُرُونَ إلَیْکَ وَهُمْ لا یُبْصِرُونَ198 } سورة الأعراف .

{وَإنْ تَدْعُوهُمْ إلَی الهُدَی} تدعو المنافقین الی ولایة أمیر المؤمنین .

{ لا یَسْمَعُوا وَتَرَاهُمْ یَنظُرُونَ إلَیْکَ وَهُمْ لا یُبْصِرُونَ(198) } : لانهم ینظرون الیک بأبصارهم وختم الله تعالی علی قلوبهم .

محمد بن یعقوب : عن ابن محمد ، عن علی بن العباس ، عن علی بن حماد ، عن عمرو بن شمر ، عن جابر ، عن أبی جعفر ( علیه السلام ) فی قوله عز وجل : ( کَمَثَلِ الَّذِی اسْتَوْقَدَ ناراً فَلَمَّا أَضاءَتْ ما حَوْلَه ) یقول :

ص: 192

« أضاءت الأرض بنور محمد ( صلی الله علیه و آله و سلم ) کما تضیء الشمس ، فضرب الله مثل محمد ( صلی الله علیه و آله و سلم ) الشمس ، ومثل الوصی القمر ، وهو قوله عز وجل : هُوَ الَّذِی جَعَلَ الشَّمْسَ ضِیاءً والْقَمَرَ نُوراً ) » . وقوله : وآیَةٌ لَهُمُ اللَّیْلُ نَسْلَخُ مِنْه النَّهارَ فَإِذا هُمْ مُظْلِمُونَ .

وقوله عز وجل : ( ذَهَبَ اللَّه بِنُورِهِمْ وتَرَکَهُمْ فِی ظُلُماتٍ لا یُبْصِرُونَ ) یعنی قبض محمد ( صلی الله علیه و آله و سلم ) فظهرت الظلمة ، فلم یبصروا فضل أهل بیته ، وهو قوله عز وجل : وإِنْ تَدْعُوهُمْ إِلَی الْهُدی لا یَسْمَعُوا وتَراهُمْ یَنْظُرُونَ إِلَیْکَ وهُمْ لا یُبْصِرُونَ ) ((1)) .

{ خُذِ العَفْوَ وَأمُرْ بِالعُرْفِ وَأعْرِضْ عَنِ الجَاهِلِینَ199* } سورة الأعراف .

{خُذِ العَفْوَ } تدعو الی قبول العذر من الناس .

{وَأمُرْ بِالعُرْفِ } العرف المقبول عقلا وشرعاً .{وَأعْرِضْ عَنِ الجَاهِلِینَ(199) } .

قال الإمام الصادق علیه السلام : العرف یعنی الولایة((2)) وأعرض عن الجاهلین بالولایة . الجهلة لا یعرفون الامانة وتخصیص الأمانة بالولایة والإمامة

ص: 193

والانسان بالأول , لا ینافی عمومها لکل تکلیف بعبودیة لله وأمانة وشمول الانسان کل مکلف .

فقد ورد : إن علیاً ( علیه السلام )إذا حضر وقت الصلاة یتململ ویتزلزل ویتلون , فیقال له : مالک یا أمیر المؤمنین؟ ! فیقول : جاء وقت الصلاة , وقت أمانة عرضها الله علی السماوات والأرض والجبال فأبین أن یحملنها وأشفقن منها ((1)) .

وفی وصایاه ( علیه السلام ): ( ثم أداء الأمانة , فقد خاب من لیس من أهلها , إنها عرضت علی السماوات المبنیة , والأرض المدحوة , والجبال ذات الطول المنصوبة , فلا أطول ولا أعرض ولا أعلی ولا أعظم منها , ولو امتنع شئ بطول أو عرض أو قوة أو عز لإمتنعن , ولکن أشفقن من العقوبة , وعقلن ما جهل من هو أضعف منهن , وهو الانسان , ( إنه کان ظلوما جهولا )((2)) .

وظاهر هذه الوصیة التعمیم . و رد : ( فی الرجل یبعث إلی الرجل یقول له : ابتع لی ثوبا , فیطلب له فی السوق فیکون عنده ما یجد له فی السوق فیعطیه

ص: 194

من عنده . قال : لا یقربن هذا ولا یدنس نفسه , إن الله عز وجل یقول :

( إنا عرضنا الأمانة )((1)) .

وقال الصادق ( علیه السلام ) : والله ما جاءت ولایة علی من الأرض , ولکن جاءت من السماء مشافهة((2)) .

أفمن یمشی مکبا علی وجهه أهدی أمن یمشی سویا علی صراط مستقیم " قال , ان الله ضرب مثل من حاد عن ولایة علیکمثل من یمشی علی وجهه لا یهتدی لامره وجعل من تبعه سویا علی صراط مستقیم , و الصراط المستقیم أمیر المؤمنین( علیه السلام )((3)) .

عن الرضا علی بن موسی علیه السلام ، قال : « لا یکون المؤمن مؤمنا حتی یکون فیه ثلاث خصال : سنة من ربه ، وسنة من نبیه ، وسنة من ولیه . فأما السنة

ص: 195

من ربه فکتمان السر ، قال الله عز وجل : عالِمُ الْغَیْبِ فَلا یُظْهِرُ عَلی غَیْبِه أَحَداً إِلَّا مَنِ ارْتَضی مِنْ رَسُولٍ ) ، وأما السنة من نبیه فمداراة الناس ، فإن الله عز وجل أمر نبیه صلی الله علیه و آله و سلم بمداراة الناس ، فقال : ( خُذِ الْعَفْوَ وأْمُرْ بِالْعُرْفِ وأَعْرِضْ عَنِ الْجاهِلِینَ ) ، وأما السنة من ولیه فالصبر علی البأساء والضراء ، یقول الله عز وجل :

والصَّابِرِینَ فِی الْبَأْساءِ والضَّرَّاءِ وحِینَ الْبَأْسِ أُولئِکَ الَّذِینَ صَدَقُوا وأُولئِکَ هُمُ الْمُتَّقُونَ ) ((1)) .

، عن الحارث بن الدهان مولی الرضا علیه السلام ، قال : سمعت أبا الحسن علیه السلام ، مثله ((2)) .

فکانوا یعیشون حیاة الفساد والترف بکل اشکالها وفی نفس الوقت لم تحمهم قلاعهم من الهجمات الخارجیة , وامتنعت الجماهیر عن الدفاع عنهم , مما تسبب فی سقوط دولهم بین الفینة والاخری .

بینما سعی الانبیاء والاوصیاء الی بناء الانسان وتلبیة حاجاته قبل الامور الاخری بتسهیل حصوله علی الطعام والشراب واللباس والمسکن والضمان الصحی والدراسی والدینی وتسهیل کسبه للعمل والزواج لتتکون نواة مجتمع اسلامی منسجم ومتحصن بالدین .

وقد فرض النبی الاکرم صلی الله علیه و آله و سلم العطاء للمسلمین بشکل متساو لا فرق بین قرشی وموالی واسود وابیض لکن الملوک ابا بکر وعمر وعثمان ومعاویة ویزید اضعفوا هذا المشروع الحضاری تدریجیا وحرفوه .

ثم منعته الدولتان العباسیة والعثمانیة وقضت علیه وانتقلت الی نظریة فرعون فی افقار الامة وتحویلها الی عبید لیسهل مسخها واخضاعها واستعبادها .

وسارت الحکومات فی الدول الاسلامیة علی هذا البرنامج الی یومنا هذا بینما سارت الدول الغربیة علی المشروع النبوی فی العطاء والتکافل الصحی والدراسی والسکنی .

الشیخ فی ( مجالسه ) ، قال : أخبرنا الحسین بن عبید الله ، عن أبی محمد هارون بن موسی ، قال : حدثنا محمد بن علی بن معمر ، قال : حدثنی حمدان بن المعافی ، عن حمویه بن أحمد ، قال : حدثنی أحمد بن عیسی العلوی ، قال : قال لی جعفر بن محمد ( علیهما السلام ) : « أنه لیعرض لی

ص: 197

صاحب الحاجة فأبادر إلی قضائها مخافة أن یستغنی عنها صاحبها ، ألا وإن مکارم الدنیا والآخرة فی ثلاثة أحرف من کتاب الله عز وجل : ( خُذِ الْعَفْوَ وأْمُرْ بِالْعُرْفِ وأَعْرِضْ عَنِ الْجاهِلِینَ ) ، وتفسیره أن تصل من قطعک ، وتعفو عمن ظلمک ، وتعطی من حرمک » ((1)) .

وقال الامام جعفر الصادق علیه السلام : لیس فی القرآن أجمع لمکارم الاخلاق من هذه الآیة .

وکان الائمة المعصومون لا یصطدمون مع أعدائهم بل یکرموهم ویغضون الطرف عنهم ویتجاهلون سبابهم .

بینما کان أهل الجاهلیة یواجهون اعداءهم بالسیف والظلم والافترا ء ولا یقبلون عذرهم ویواصلون محاربتهم علی مر السنین فیخربون الحیاة الاجتماعیة للامة , ویجعلوها فتنة مستعرة .

{ وَإمَّا یَنزَغَنَّکَ مِنَ الشَّیْطَانِ نَزْغٌ فَاسْتَعِذْ بِاللّهِ إنَّهُ سَمِیعٌ عَلِیمٌ200 } سورة الأعراف .

{وَإمَّا یَنزَغَنَّکَ مِنَ الشَّیْطَانِ نَزْغٌ } وسوسة واغراء علی المعاصی من الشیطان وعند الغضب , وعند رؤیة المنکر , وهی خطاب للنبی من باب

ص: 198

إیاک أعنی واسمعی یاجارة , قال الامام علی علیه السلام فی وصفه تعالی : ولا یشغله غضب عن رحمة .

{فَاسْتَعِذْ بِاللّهِ إنَّهُ سَمِیعٌ عَلِیمٌ200 } یبعد تعالی الانسان من الخطر .

والنزغ : الوسوسة والنخسة فی القلب . قال ابن زید : لما نزلت هذه الآیة قال

النبی ( صلی الله علیه و آله و سلم ) : کیف یا ربّ والغضب ؟ فنزل قوله : وإِمّا ینزغنّک من الشیطان نزغ ((1)) .

وقال تعالی : « وإِنِّی أُعِیذُها بِکَ وذُرِّیَّتَها مِنَ الشَّیْطانِ الرَّجِیمِ » ((2))

.

وقال تعالی :{ إِنَّ الَّذِینَ اتَّقَوْا إِذَا مَسَّهُمْ طَائِفٌ مِنَ الشَّیْطَانِ تَذَکَّرُوا فَإِذَا هُمْ مُبْصِرُونَ } ((3)) .

: { وَإِخْوَانُهُمْ یَمُدُّونَهُمْ فِی الْغَیِّ ثُمَّ لَا یُقْصِرُونَ } ((4)) .

( فإذا قرأت القرآن فاستعذ بالله من الشیطان الرجیم ) ((5)) .

ص: 199

رسول الله ( صلی الله علیه و آله و سلم ) : من استعاذ بالله فی الیوم عشر مرات من الشیطان الرجیم ، وکل الله به ملکا یرد عنه الشیاطین ((1))

.

{ إنَّ الَّذِینَ اتَّقَوْا إذَا مَسَّهُمْ طَائِفٌ مِنَ الشَّیْطَانِ تَذَکَّرُوا فَإذَا هُمْ مُبْصِرُونَ 201 } سورة الأعراف .

{إنَّ الَّذِینَ اتَّقَوْا إذَا مَسَّهُمْ طَائِفٌ مِنَ الشَّیْطَانِ } اذا تعارضت شهوته مع دینه , أو عاطفته مع دینه مثلما حدث للنبی یوسف علیه السلام عندما داهمته زلیخا ففر منها {تَذَکَّرُوا} دینهم, والعقاب الالهی{ فَإذَا هُمْ مُبْصِرُونَ(201) .

وهو اسم فاعل من : طاف یطوف . کأنّها طافت بهم ودارت حولهم ، فلم تقدر أن تؤثّر فیهم . أو من : طاف به الخیال ، یطیف طیفا .

وعن زید بن أبی أسامة عن أبی عبد الله علیه السلام قال : سألته عن قول الله

( إن الذین اتقوا إذا مسهم طائف من الشیطان تذکروا فإذا هم مبصرون ) قال : هو الذنب یهم به العبد فیتذکر فیدعه ((2)) .

ص: 200

وعن علی بن أبی حمزة عن أبی عبد الله علیه السلام قال : سألته فی قول الله : ( ان الذین اتقوا إذا مسهم طائف من الشیطان تذکروا فإذا هم مبصرون ) ما ذلک الطائف ؟

فقال : هو السئ یهم العبد به ثم یذکر الله فیبصر ویقصر((1)) .

علی بن إبراهیم : قوله تعالی : ( إِنَّ الَّذِینَ اتَّقَوْا إِذا مَسَّهُمْ طائِفٌ مِنَ الشَّیْطانِ تَذَکَّرُوا ) قال : إذا ذکرهم الشیطان المعاصی وحملهم علیها یذکرون الله ( فَإِذا هُمْ مُبْصِرُونَ وإِخْوانُهُمْ ) من الجن ( یَمُدُّونَهُمْ فِی الغَیِّ ثُمَّ لا یُقْصِرُونَ ) أی لا یقصرون عن تضلیلهم ( وإِذا لَمْ تَأْتِهِمْ بِآیَةٍ قالُوا ) قریش ( لَوْ لا اجْتَبَیْتَها ) وجواب هذا فی الأنعام ، فی قوله تعالی : قُلْ لهم یا محمد لَوْ أَنَّ عِنْدِی ما تَسْتَعْجِلُونَ بِه یعنی من الآیات لَقُضِیَ الأَمْرُ بَیْنِی وبَیْنَکُمْ ، وقوله فی بنی إسرائیل : وما نُرْسِلُ بِالآیاتِ إِلَّا تَخْوِیفاً ((2)) .

{إنَّهُ لَیْسَ لَهُ سُلْطَانٌ عَلَی الَّذِینَ آمَنُوا وَعَلَی رَبِّهِمْ َتَوَکَّلُونَ99 } سورة النحل : إنَّ الشیطانُ لَیْسَ لَهُ سُلْطَانٌ علی المؤمنین المتحصنین بحصن الدین اللائذین بالرب الجلیل .

مثلما قال الشیطان: لأغوینهم أجمعین الا عبادک منهم المخلصین .

ص: 201

وقال الامام الصادق علیه السلام : لیس له سلطان أن یزیلهم عن الولایة, فأما الذنوب فانهم ینالون منه کما ینالون من غیره ((1)) .

العیاشی: عن سماعة عن أبی عبد الله علیه السلام فی قول الله: " وإذا قرأت القرآن فاستعذ بالله من الشیطان الرجیم " قلت: کیف أقول ؟

قال: تقول: " أستعیذ بالسمیع العلیم من الشیطان الرجیم " قال: إن الرجیم أخبث الشیاطین, قلت: لم یسمی الرجیم ؟

قال: لأنه یرجم, قلت: فما ینفلت منها شئ ؟

قال: لا, قلت: فکیف سمی الرجیم ولم یرجم بعد ؟

قال: یکون فی العلم أنه رجیم ((2)) .

{إنَّمَا سُلْطَانُهُ عَلَی الَّذِینَ یَتَوَلَّوْنَهُ وَالَّذِینَ هُمْ بِهِ مشرکونَ100 } _سورة النحل .

ص: 202

: الذین هم بالله العظیم مشرکون .

وقال نجاح الطائی: یجد الناس الیوم تسلط الشیاطین علی الکافرین والمنافقین وسحبهم الی ما یریدون من فتن وفجور .

{ وَإخْوَانُهُمْ یَمُدُّونَهُمْ فِی الغَیِّ ثُمَّ لا یُقْصِرُونَ202

} الشیاطین اخوان الظالمین یشجعوهم علی الفسق والفجور .

الشیاطین هم إخوان المشرکین یلحون فی غوایتهم وتضلیلهم .

وجاء قوله تعالی فی الآیة ( 27 ) من سورة الإسراء {إن المبذرین کانوا إخوان الشیاطین} .

{ وَإذَا لَمْ تَأتِهِمْ بِآیَة قَالُوا لَوْلا اجْتَبَیْتَهَا قُلْ إنَّمَا أتَّبِعُ مَا یُوحَی إلَیَّ مِنْ رَبِّی هَذَا بَصَائِرُ مِنْ رَبِّکُمْ وَهُدیً وَرَحْمَةٌ لِقَوْم یُؤْمِنُونَ203 } سورة الأعراف .

{وَإذَا لَمْ تَأتِهِمْ بِآیَة } کان الکفار کثیراً ما یطلبون المعاجز من النبی رغبة فی تعجیزه {قَالُوا لَوْلا اجْتَبَیْتَهَا } فاذا لم یأت بها قالوا : إتی بها من نفسک أو من ربک , وکأن القضیة بیده .

ای إذا جئتهم بآیة کذبوا بها وإذا أبطأت عنهم یقترحونها ویقولون : هلا جئتنا من قبل نفسک ، فلیس کل ما تقوله وحیا من السماء ، وقیل : إذا لم

ص: 203

تأتهم بآیة مقترحة قالوا : هلا اخترتها من قبل نفسک فتسأل ربک أن یأتیک بها ((1))

.

وفی روایة أخری عن ابن عباس وقتادة : معناه هلا اخذتها من ربک وتقبلتها

منه . ویکون الاجتباء بمعنی الاختیار .

وقال الفراء : اجتبیت الکلام واختلقته

وارتجلته إذا افتعلته من قبل نفسک . وقال أبو عبیدة : اخترعته مثل ذلک . وقال أبو زید : هذه الحروف تقولها العرب للکلام یبتدؤه الرجل لم یکن أعده قبل ذلک فی نفسه .

{قُلْ } یا محمد {إنَّمَا أتَّبِعُ مَا یُوحَی إلَیَّ مِنْ رَبِّی } کل شیء منه تعالی {هَذَا } القرآن {بَصَائِرُ } دلائل تهدی العقول {مِنْ رَبِّکُمْ وَهُدیً وَرَحْمَةٌ لِقَوْم یُؤْمِنُونَ203 } .

{ وَإذَا قُرِئَ القُرْآنُ فَاسْتَمِعُوا لَهُ وَأنصِتُوا لَعَلَّکُمْ تُرْحَمُونَ 204 } سورة الأعراف .

عن أبی جعفر علیه السلام قال : لا تقرأ فی الرکعتین الأخیرتین من الأربع الرکعات المفروضات شیئا إماما کنت أو غیر إمام ، قال وقلت فما أقول فیهما ؟

ص: 204

قال : إن کنت إماما فقل سبحان الله والحمد الله ولا إله إلا الله والله أکبر ثلاث مرات ثم تکبر وترکع وإن کنت خلف إمام فلا تقرأ شیئا من الأولتین وأنصت لقرائته ولا یقولن شیئا فی الاخرتین فإن الله عز وجل یقول للمؤمنین : ( وإذا قرئ القرآن ) یعنی فی الفریضة خلف الامام ( فاستمعوا له وانصتوا لعلکم ترحمون )((1)) .

وقول الصادق علیه السلام : « مَنْ رضیت قراءته فلا تقرأ خلفه » . وحُمل الأمر علی الندب والنهی علی الکراهة جمعاً بینهما وبین ما دلّ علی عدم التحریم :کصحیحة علیّ بن یقطین عن الکاظم علیه السلام فی الرجل یصلَّی خلف مَنْ یقتدی به ویجهر بالقراءة فلا یسمع القراءة ، فقال : « لا بأس إن صمت وإن قرأ » .

وأمّا استحبابها مع عدم السماع : فلروایة عبد اللَّه بن المغیرة عن الصادق علیه السلام قال : « إذا کنت خلف مَنْ ترتضی فی صلاة یجهر فیها فلم تسمع قراءته فاقرأ ، وإن تسمع الهمهمة فلا تقرأ »((2)) .

ص: 205

{وَإذَا قُرِئَ القُرْآنُ فَاسْتَمِعُوا لَهُ وَأنصِتُوا } لان الانصات والاستماع احترام لهذا الکلام السماوی , والعکس صحیح , والانصات یستلزم التدبر فی معانیه ,{ لَعَلَّکُمْ تُرْحَمُونَ} 204من قبل الباری تعالی .

وفی السنة عن عبد الله بن أبی یعفور((1)) عن أبی عبد الله _ علیه السلام _ قال : قلت له : الرجل یقرأ القرآن أیجب علی من سمعه الإنصات له والاستماع . قال : نعم . إذا قرئ عندک القرآن وجب علیک الإنصات والاستماع .

وعن زرارة قال : سمعت أبا عبد الله _ علیه السلام _ یقول : یجب الإنصات للقرآن فی الصلاة وغیرها ((2)). وإذا قرئ عندک القرآن وجب علیک الإنصات والاستماع .

وکانت عائشة تشیع بین الناس أن القرآن ناقص لان النبی اعترف باسقاطه آیات من القرآن الکریم وحفظها المسلمون بالطبع ومن یسمع هذا یشکک فی القرآن .

وسعت عائشة لمدح أبیها ورفعه والنیل من النبی صلی الله علیه و آله و سلم بکلّ الصور الممکنة

فی حین حاولت التشکیک بآیات القرآن الکریم وعدم الاعتناء بها سائرة علی نهجها فی رفض النصوص الإلهیة والنبویة .

قالت عائشة: نسی النبی صلی الله علیه و آله و سلم آیات من القرآن ((1)) .

وعندنا شاة أکلت صحیفة قرآنیة فی دارنا :

عن عائشة ، قالت: لقد نزلت آیة الرجم ورضاعة الکبیر عشراً ولقد کان فی صحیفة تحت سریری فلمّا مات رسول الله صلی الله علیه و آله و سلم وتشاغلنا بموته ، دخل داجن فأکله ((2)).

والقرآن کذب منهجیة عائشة للترویج بنقص القرآن وجنون النبی صلی الله علیه و آله و سلم :

الایة القرآنیة: { إنَّا نَحْنُ نَزَّلْنَا الذِّکْرَ وَإنَّا لَهُ لَحَافِظُونَ }9 _الحجر.

{ وَاذْکُرْ رَبَّکَ فِی نَفْسِکَ تَضَرُّعاً وَخِیفَةً وَدُونَ الجَهْرِ مِنَ القَوْلِ بِالغُدُوِّ وَالآصَالِ وَلا تَکُنْ مِنَ الغَافِلِینَ205 } سورة الأعراف .

ص: 208

أی اذکر الله تعالی صباحاً ومساءاً , لتحیا روحک معه , وتتهذب نفسک , بتلازمها له , وتسکن جوارحک الیه , ویزداد ایمانک به , ویکثر فعلک للخیر , ذکراً خافتاً .

وقال سبحانه « ادْعُونِی أَسْتَجِبْ لَکُمْ إِنَّ الَّذِینَ یَسْتَکْبِرُونَ عَنْ عِبادَتِی سَیَدْخُلُونَ جَهَنَّمَ داخِرِینَ » ((1)) .

وقال جل ذکره « ادْعُوا رَبَّکُمْ تَضَرُّعاً وَخُفْیَةً إِنَّهُ لا یُحِبُّ الْمُعْتَدِینَ وَلا تُفْسِدُوا فِی الأَرْضِ بَعْدَ إِصْلاحِها وَادْعُوهُ خَوْفاً وَطَمَعاً إِنَّ رَحْمَتَ اللَّهِ قَرِیبٌ مِنَ الْمُحْسِنِینَ »((2))

.

{إنَّ الَّذِینَ عِنْدَ رَبِّکَ لا یَسْتَکْبِرُونَ عَنْ عِبَادَتِهِ وَیُسَبِّحُونَهُ وَلَهُ یَسْجُدُونَ206 } سورة الأعراف . : من الجن والانس ویسبحون له , وله یسجدون هم المفلحون وهم المؤمنون.

وقال نجاح الطائی : « اذْکُرُوا اللَّهَ ذِکْراً کَثِیراً » صباحا ومساءا و أثنوا علیه بضروب الثناء من التمجید والتهلیل والتسبیح والتکبیر وأکثروا ذلک وتعودوا علیه , وَسَبِّحُوهُ نزهوه عن الجسمیة وعما لا یلیق به « بُکْرَةً وَأَصِیلًا » غدوا وعشیا أو دائما أو المراد أطیعوا اللَّه وأکثروا من طاعته .

ص: 209

{إنَّ الَّذِینَ عِنْدَ رَبِّکَ لا یَسْتَکْبِرُونَ عَنْ عِبَادَتِهِ وَیُسَبِّحُونَهُ وَلَهُ یَسْجُدُونَ206 } سورة الأعراف . : من الجن والانس ویسبحون له , وله یسجدون هم المفلحون وهم المؤمنون.

وقال نجاح الطائی : « اذْکُرُوا اللَّهَ ذِکْراً کَثِیراً » صباحا ومساءا و أثنوا علیه بضروب الثناء من التمجید والتهلیل والتسبیح والتکبیر وأکثروا ذلک وتعودوا علیه , وَسَبِّحُوهُ نزهوه عن الجسمیة وعما لا یلیق به « بُکْرَةً وَأَصِیلًا » غدوا وعشیا أو دائما أو المراد أطیعوا اللَّه وأکثروا من طاعته .

« إِنَّ الَّذِینَ عِنْدَ رَبِّکَ » وهم الملائکة أو کل من له مقام العندیة والدنو « لا یَسْتَکْبِرُونَ عَنْ عِبادَتِهِ » مع جلالة أمرهم وعلو قدرهم « لا یُحِبُّ الْمُعْتَدِینَ » الظالمین للانسانیة .

الانفال : عنه صلی الله علیه و آله و سلم من قرأ الانفال وبراءة فانا شفیع له وشاهد یوم القیمة انه برئ من النفاق واعطی من الاجر بعدد کل منافق ومنافقة فی دار الدنیا عشر حسنات ومحی عنه عشر سیئات ورفع له عشر درجات وکان العرش وحملته یضلون علیه ایام حیوته فی الدنیا .

وعن الصادق علیه السلام من قراهما فی کل شهر لم یدخله نفاق ابدا وکان من شیعة امیر المؤمنین ( علیه السلام ) حقا ویاکل یوم القیمة من موائد الجنة معهم حتی یفرغ الله تعالی من الحساب .

بسم الله الرحمن الرحیم

{ یَسْألُونَکَ عَنْ الأنْفَالِ قُلِ الأنْفَالُ لِلّهِ وَالرَّسُولِ فَاتَّقُوا اللّهَ وَأصْلِحُوا ذَاتَ بَیْنِکُمْ وَأطِیعُوا اللّهَ وَرَسُولَهُ إنْ کُنتُمْ مُؤْمِنِینَ1 } سورة الأنفال.

{ یَسْألُونَکَ عَنْ الأنْفَالِ } یا محمد صلی الله علیه و آله و سلم قل هی کل ما أخذ من دار الحرب بغیر حرب ومیراث من لا وارث له والارض الموات ورؤوس الجبال وبطون الاودیة والمعادن والآجام وقطائع الملوک .

ص: 211

{قُلِ الأنْفَالُ لِلّهِ وَالرَّسُولِ فَاتَّقُوا اللّهَ وَأصْلِحُوا ذَاتَ بَیْنِکُمْ وَأطِیعُوا اللّهَ وَرَسُولَهُ } فهی لهما یختص بهما , وتکون لمن قام مقامه من بعده وصیه علی بن أبی طالب علیه السلام {إنْ کُنتُمْ مُؤْمِنِینَ }.

(یسألونک عن الأنفال قل الأنفال لله والرسول ) فرجع الناس ولیس لهم فی الغنیمة شئ ثم أنزل الله بعد ذلک ( واعلموا أنما غنمتم ) الآیة فقسمه رسول الله صلی الله علیه و آله و سلم بینهم , فقال سعد بن أبی وقاص : یا رسول الله أتعطی فارس القوم الذی یحمیهم مثل ما تعطی الضعیف ؟

فقال النبی صلی الله علیه و آله و سلم : ثکلتک أمک وهل تنصرون إلا بضعفائکم قال : فلم یخمس رسول الله صلی الله علیه و آله و سلم , ببدر , وقسم بین أصحابه , ثم استقبل بأخذ الخمس بعد بدر فاتقوا الله : فی الاختلاف والمشاجرة ((1)) .

واستمر ابن أبی وقاص باحثا عن المال ساعیا الیه فنقل باب القصر الفارسی فی المدائن (تیسفون) الی قصره الکبیر فی الکوفة مما أغضب عمر وارسل الیه محمد بن مسلمة الیهودی فأحرقه .

اذ جاء : احرق محمد بن مسلمة بیت سعد ابن أبی وقاص ((2)) .

ص: 212

اذ لم یقبل عمر لاحد بمنافسته ومنافسة معاویة فسمح لمعاویة ببناء قصر وانشاء جیش کبیر وسماه کسری العرب ((1)) .

لانه أراد أن یکون خلیفته من بعده .

وأصلحوا ذات بینکم : الحال التی بینکم بالمواساة , والمساعدة فیما رزقکم الله , وتسلیم أمره إلی الله والرسول . وأطیعوا الله ورسوله : فیه إن کنتم مؤمنین : فإن الأیمان یقتضی ذلک .

إنما المؤمنون : أی الکاملون فی الأیمان . الذین إذا ذکر الله وجلت قلوبهم : فزعت لذکره استعظاما له وهیبة من جلاله .

{ وإذا تلیت علیهم آیاته زادتهم إیمانا } :

ازدادوا بها یقینا وطمأنینة نفس . وعلی ربهم یتوکلون : وإلیه یفوضون أمورهم فیما یخافون ویرجون .

عن أبی الصباح قال : قال لی أبو عبد الله علیه السلام : نحن قوم فرض الله طاعتنا ، لنا الأنفال ولنا صفو المال ((2)) .

ص: 213

ولنا کرائم القرآن ، وبإسنادهما عن الأصبغ بن نباتة قال : سمعت أمیر المؤمنین علیه السلام یقول نزل القرآن أثلاثا : ثلث فینا وفی عدونا وثلث سنن وأمثال وثلث فرائض وأحکام .

وروی العیاشی بإسناده عن خیثمة عن الامام أبی جعفر الباقر علیه السلام قال : القرآن نزل أثلاثا : ثلث فینا وفی أحبائنا ((1)) وثلث فی أعدائنا وعدو من کان قبلنا ، وثلث سنة ومثل ، ولو أن الآیة إذا نزلت فی قوم ثم مات أولئک القوم ماتت الآیة لما بقی من القرآن شئ ولکن القرآن یجری أوله علی آخره ما دامت السماوات والأرض ولکل قوم آیة یتلونها هم منها من خیر أو شر((2)).

والمؤمنون هم :

{إنَّمَا المُؤْمِنُونَ الَّذِینَ إذَا ذُکِرَ اللّهُ وَجِلَتْ قُلُوبُهُمْ وَإذَا تُلِیَتْ عَلَیْهِمْ آیاتُهُ زَادَتْهُمْ إیمَاناً وَعَلَی رَبِّهِمْ یَتَوَکَّلُونَ 2 }

سورة الأنفال.

{ إنَّمَا المُؤْمِنُونَ الَّذِینَ إذَا ذُکِرَ اللّهُ وَجِلَتْ قُلُوبُهُمْ } خافت وخشعت قلوبهم احتراماً لرب العزة .

ص: 214

إذا ذکر الله وجلت قلوبهم " أی فزعت وخافت قلوبهم لذکر الله العظیم وودت الطاعة لنهیه وعقابه ، والائتمار والانتهاء والانزجار بأوامره ، فیحتمل أن یکون ذلک شرطا لکمال الایمان ، فالمطلوب : إنما المؤمنون الکاملون فی الایمان .

ومن لا یخاف عند ذکر الله تعالی لیس بمؤمن .

1676 _ 1 الکافی ، 2 / 25 / 1 / 1 محمد عن أحمد عن السراد عن جمیل بن صالح عن سماعة قال : قلت لأبی عبد اللَّه علیه السلام أخبرنی عن الإسلام والإیمان أهما مختلفان فقال إن الإیمان یشارک الإسلام والإسلام لا یشارک الإیمان فقلت فصفهما لی فقال الإسلام شهادة أن لا إله إلا اللَّه والتصدیق برسول اللَّه صلی الله علیه و آله و سلم به حقنت الدماء وعلیه جرت المناکح والمواریث وعلی ظاهره جماعة الناس

والإیمان الهدی وما یثبت فی القلوب من صفة الإسلام وما ظهر من العمل به والإیمان أرفع من الإسلام بدرجة إن الإیمان یشارک الإسلام فی الظاهر

والإسلام لا یشارک الإیمان فی الباطن وإن اجتمعا فی القول والصفة » .

1677 _ 2 الکافی ، / 2 / 26 / 5 / 1 العدة عن سهل ومحمد عن أحمد جمیعا عن السراد عن ابن رئاب عن حمران بن أعین عن أبی جعفر علیه السلام قال سمعته یقول : الإیمان ما استقر فی القلب وأفضی به إلی اللَّه وصدقه العمل بالطاعة لله والتسلیم لأمر اللَّه والإسلام ما ظهر من قول أو فعل وهو الذی علیه جماعة الناس من الفرق کلها وبه حقنت الدماء وعلیه جرت

ص: 215

المواریث وجاز النکاح واجتمعوا علی الصلاة والزکاة والصوم والحج فخرجوا بذلک من الکفر وأضیفوا إلی الإیمان والإسلام لا یشرک الإیمان والإیمان یشرک الإسلام وهما فی القول والفعل یجتمعان کما صارت الکعبة فی المسجد والمسجد لیس فی الکعبة فکذلک الإیمان یشرک الإسلام والإسلام لا یشرک الإیمان .

وقد قال اللَّه تعالی « قالَتِ الأَعْرابُ آمَنَّا قُلْ لَمْ تُؤْمِنُوا وَلکِنْ قُولُوا أَسْلَمْنا وَلَمَّا یَدْخُلِ الإِیمانُ فِی قُلُوبِکُمْ » فقول اللَّه أصدق القول قلت فهل للمؤمن فضل علی المسلم فی شیء من الفضائل والأحکام والحدود وغیر ذلک فقال « لا ، هما یجریان فی ذلک مجری واحدا ولکن للمؤمن فضل علی المسلم فی إعمالهما وما یتقربان به إلی اللَّه تعالی » قلت : « ألیس اللَّه تعالی یقول « مَنْ جاءَ بِالْحَسَنَةِ فَلَهُ عَشْرُ أَمْثالِها » وزعمت أنهم مجتمعون علی الصلاة والزکاة والصوم والحج مع المؤمن قال ألیس قد قال اللَّه تعالی « فَیُضاعِفَهُ لَهُ أَضْعافاً کَثِیرَةً » فالمؤمنون هم الذین یضاعف اللَّه تعالی لهم حسناتهم لکل حسنة سبعین ضعفا فهذا فضل المؤمن ویزیده اللَّه فی حسناته علی قدر صحة إیمانه أضعافا کثیرة ویفعل اللَّه بالمؤمنین ما یشاء من الخیر » .

قلت أرأیت من دخل فی الإسلام ألیس هو داخلا فی الإیمان فقال لا ولکنه قد أضیف إلی الإیمان وخرج من الکفر وسأضرب لک مثلا تعقل به فضل الإیمان علی الإسلام أرأیت لو أبصرت رجلا فی المسجد أکنت تشهد أنک

ص: 216

رأیته فی الکعبة قلت لا یجوز لی ذلک قال فلو أبصرت رجلا فی الکعبة أکنت شاهدا أنه قد دخل المسجد الحرام قلت نعم قال کیف ذلک قلت إنه لا یصل دخول الکعبة حتی یدخل المسجد . فقال أصبت وأحسنت ثم قال « کذلک الإیمان والإسلام » .

{وَإذَا تُلِیَتْ عَلَیْهِمْ آیاتُهُ } القرآنیة {زَادَتْهُمْ إیمَاناً } لشدة تعلقهم بالقرآن الکریم .

{وَعَلَی رَبِّهِمْ یَتَوَکَّلُونَ2 } .

فی أمورهم الصغیرة والکبیرة فهو مالک السماوات والارض , ولا اله الا هو.

{ الَّذِینَ یُقِیمُونَ الصَّلاةَ وَمِمَّا رَزَقْنَاهُمْ یُنفِقُونَ3 }

سورة الأنفال.

{الَّذِینَ یُقِیمُونَ الصَّلاةَ } وهی عمود الدین فی أوقاتها وبشروطها , وهی الحد الفاصل بین الایمان والکفر , ومن لا صلاة له لا دین له .

{ وَمِمَّا رَزَقْنَاهُمْ یُنفِقُونَ3 } لان المال مال الله , ومن ینکر الزکاة فهو کافر .

جعل انفاق الرزق من صفات المؤمنین فلما لم یکن للغاصبین انفاق ما اغتصبوه وکانوا مذمومین علیه معاقبین علی تصرفهم فیه دل ذلک علی أن الله تعالی لم یرزقهم إیاه فی الحقیقة وإذا لم یکن رزقا للغاصب فهو رزق للمغصوب منه وان حیل بینه وبینه ( فصل ) مما روی فی الأرزاق روی عن

ص: 217

سیدنا رسول الله صلی الله علیه و آله و سلم أنه قال أکثروا الاستغفار فإنه یجلب الرزق وقال علیه السلام من رضی بالیسیر من الرزق رضی الله عنه بالیسیر من العمل .

وقال تعالی :{اللّهُ یَبْسُطُ الرِّزْقَ لِمَنْ یَشَاءُ وَیَقْدِرُ وَفَرِحُوا بِالحَیَاةِ الدُّنْیَا وَمَا الحَیَاةُ الدُّنْیَا فِی الآخِرَةِ إلا مَتَاعٌ 26 } سورة الرعد .

اللّهُ یَبْسُطُ الرِّزْقَ لِمَنْ یَشَاءُ وَیَقْدِرُ: یعطی بعض الناس کثیرا ویعطی بعض الناس قلیلا لیمتحنهم فی الدنیا ولا علاقة لایمانهم بالامر

.وقال الامام علی علیه السلام : الرزق رزقان رزق تطلبه ورزق یطلبک فان لم تأته أتاک .

وهو تفسیر لهذه الآیة والآیة الاخری: {هو الذی جعل لکم الارض ذلولا فامشوا فی مناکبها وکلوا من رزقه} - سورة الملک 15 .

والاسلام مدرسة علمت الانسان کل شیء لیکون حضاریا راقیا بعیدا عن ضروب الوحشیة من سرقة وسطو واغتصاب الاموال وقطع الطرق البریة والبحریة وسرقة الاموال وأکل السحت والربا .

وقال تعالی :{ إنَّ هَذَا لَرِزْقُنَا مَا لَهُ مِنْ نَفَاد }54* _ سورة ص .

فلا یخاف الناس علی رزقهم فلا هو ینفذ ولا هو ینقص انه تعالی الرزاق الجواد الکریم .

( وروی ) ان الله تعالی اوحی إلی عیسی بن مریم علیه السلام لیحذر الذی یستبطئنی فی الرزق ان اغضب فافتح علیه بابا من الدنیا . ( وقال ) أمیر المؤمنین علیه السلام الرزق رزقان رزق تطلبه ورزق یطلبک فإن لم

ص: 218

تأته اتاک ( وروی ) عن أحد الأئمة علیهم السلام أنه قال فی الرزق المقسوم بالحرکة ان من طلبه من غیر حله فوصل إلیه حوسب من حله وبقی علیه وزره فالواجب لا یطلب إلا من الوجه المباح دون المحظور

( وروی ) عن أمیر المؤمنین علیه السلام أنه قال من حسنت نیته زید فی رزقه ( واعلم ) ان الدلیل علی جواز الزیادة فی الأرزاق هو الدلیل علی جواز الزیادة فی الأعمار لأن الله تعالی إذا زاد فی عمر عبده وجب ان یرزقه.

{ اُوْلَئِکَ هُمُ المُؤْمِنُونَ حَقّاً لَهُمْ دَرَجَاتٌ عِنْدَ رَبِّهِمْ وَمَغْفِرَةٌ وَرِزْقٌ کَرِیمٌ4 } سورة الأنفال.

{اُوْلَئِکَ هُمُ المُؤْمِنُونَ حَقّاً } لتوفر صفات المؤمنین فیهم , وحصول أرکان المتَّقین عندهم .

{لَهُمْ دَرَجَاتٌ عِنْدَ رَبِّهِمْ وَمَغْفِرَةٌ وَرِزْقٌ کَرِیمٌ4 }.

درجات المؤمنین فی الجنة کثیرة والفرق کبیر , لم یحدد الباری تعالی درجاتهم لاختلافها باختلاف مقدار إیمانهم وأعمالهم , فی الجهاد الاصغر والاکبر , وأفضل الجهاد أن لا تهم بظلم , والدین النصیحة , وخیر الناس أنفعهم للناس , وأفضل العبادة کف الأذی عن الناس .

{ کَمَا أخْرَجَکَ رَبُّکَ مِنْ بَیْتِکَ بِالحَقِّ وَإنَّ فَرِیقاً مِنَ المُؤْمِنِینَ لَکَارِهُونَ 5 }_ سورة الأنفال.

ص: 219

{کَمَا أخْرَجَکَ رَبُّکَ مِنْ بَیْتِکَ بِالحَقِّ } أخرج الکافرون المسلمین من مکة واغتصبوا أموالهم وذهبوا بها للتجارة الی الشام , فخرج النبی بالمسلمین فی طلب هذه العیر فی 313 رجلا , وکانت العیر بقیادة

أبی سفیان وخرج أبوجهل للدفاع عنها من مکة .

و عد الله تعالی النبی احدی الطائفتین عیر أبی سفیان أو نفیر أبی جهل , ولما فرَّت العیر شاور النبی الصحابة أیعودون الی المدینة أم یذهبون لمحاربة نفیر أبی جهل , جاء فی سنن مسلم والواقدی وسیرة ابن کثیر : أنّ رسول الله صلی الله علیه و آله و سلم شاور حین بَلَغَهُ إقبالُ أبی سفیان , فتکلَّم أبو بکر فأعرض عنه , ثمَّ تکلَّم عمر فأعَرضَ عنه , إذ قال أبو بکر وعمر : إنّها والله قریش وعزّها والله ما ذلّت منذ عزّت , والله ما آمنت منذ کفرت , والله لا تُسلم عزّها أبداً ولتقتلنّک , فاتّهب لذلک أُهبته واعد لذلک عُدَّته((1)) .

وهذا یعنی انهما یعتقدان بعزة قریش الکافرة وانها ستنتصر علی المسلمین وتقتل النبی صلی الله علیه و آله و سلم ولم یذکرا شیئا من مواعید القرآن بنصر المؤمنین ورفع رایتهم وهلاک الکافرین .

وکانت بنو اسرائیل قد قالت لموسی علیه السلام : اذهب أنت وربک فقاتلا إنَّا هاهنا قاعدون .

ص: 220

وفعل عمر فعلاً آخر قبل معرکة بدر إذ هجر أمام رسول الله((1)) .

أی قال کلاما بذیئاً لا یمکن أن یقوله المؤمنون .

فقال سعد بن عبادة زعیم الانصار : لو أمرتنا أنْ نخیضها البحر لخضناها , ولو أمرتنا أن نضرب أکبادها إلی بَرْکِ الغِمادِ لفعلنا. ثم قال المقداد بن عمرو : یا رسول الله : امض لأمر الله فنحن معک والله لانقول لک کما قالت بنو إسرائیل لنبیّها : {فاذهب أنت وربّک فقاتلا إنّا هاهنا قاعدون } ((2)) .

بالحق لو سرت بنا إلی برک الغماد لسرنا معک (وبرک الغماد من وراء مکّة بخمس لیال من وراء الساحل مما یلی البحر) .

فقال له رسول الله صلی الله علیه و آله و سلم خیراً ودعاً له بخیر ((3)) .

ص: 221

فسر النبی صلی الله علیه و آله و سلم بقول سعد ونشَّطه((1)) . فانطلقوا حتَّی نزلوا بدراً... ((2)) .

{ وَإنَّ فَرِیقاً مِنَ المُؤْمِنِینَ لَکَارِهُونَ5 } کارهون لمحاربة کفار قریش وهی الجماعة التی أعرض عنها النبی صلی الله علیه و آله و سلم فی مشاورته لها واولهم ابو بکر وعمر.

حدثنا أبو بکر بن أبی شیبة حدثنا عفان حدثنا حماد بن سلمة عن ثابت عن انس ان رسول الله صلی الله علیه وسلم شاور حین بلغه اقبال أبی سفیان قال

فتکلم أبو بکر فاعرض عنه ثم تکلم عمر فاعرض ((3)) .

وکان سبب ذلک ان عیرا لقریش خرجت إلی الشام فیها خزائنهم ، فامر رسول الله أصحابه بالخروج لیأخذوها فأخبرهم ان الله قد وعده احدی

ص: 222

الطائفتین اما العیر واما قریش ان اظفر بهم ، فخرج فی ثلاث مائة وثلاثة عشر رجلا ، فلما قارب بدر کان أبو سفیان فی العیر فلما بلغه ان الرسول صلی الله علیه و آله و سلم قد خرج یتعرض العیر خاف خوفا شدیدا ومضی إلی الشام فلما وافی البهرة اکتری ضمضم الخزاعی بعشرة دنانیر وأعطاه قلوصا وقال له امض إلی قریش وأخبرهم ان محمدا والصباة من أهل یثرب قد خرجوا یتعرضون لعیرکم فادرکوا العیر وأوصاه ان یخرم ناقته ویقطع اذنها حتی یسیل الدم ویشق ثوبه من قبل ودبر فإذا دخل مکة ولی وجهه إلی ذنب البعیر وصاح بأعلی صوته یا آل غالب ! اللطیمة اللطیمة العیر العیر أدرکوا أدرکوا ! وما أراکم تدرکون ، فان محمدا والصباة من أهل یثرب قد خرجوا یتعرضون لعیرکم ، فخرج ضمضم یبادر إلی مکة ورأت عاتکة بنت عبد المطلب قبل قدوم ضمضم فی منامها بثلاثة أیام کأن راکبا قد دخل مکة ینادی یا آل عذر یا آل فهر اغدوا إلی مصارعکم صبح ثالث ثم وافی بجملة علی أبی قبیس فاخذ حجرا فدهده من الجبل فما ترک من دور قریش الا أصابها منه فلذة وکان وادی مکة قد سال من أسفله دما فانتبهت ذعرة فأخبرت العباس بذلک فأخبر العباس عتبة بن ربیعة ، فقال عتبة مصیبة تحدث فی قریش وفشت الرؤیا فی قریش وبلغ ذلک أبا جهل فقال ما رأت عاتکة هذه الرؤیا وهذه نبیة ثانیة فی بنی عبد المطلب واللات والعزی لننتظر ثلاثة أیام فإن کان ما رأت حقا فهو کما رأت وإن کان غیر ذلک لنکتبن بیننا کتابا انه ما من أهل بیت من العرب اکذب رجالا ولا نساءا من بنی هاشم ، فلما مضی

ص: 223

یوم قال أبو جهل هذا یوم قد مضی فلما کان الیوم الثانی قال أبو جهل هذان یومان قد مضیا ، فلما کان الیوم الثالث وافی ضمضم ینادی فی الوادی " یا آل غالب یا آل غالب اللطیمة اللطیمة العیر العیر أدرکوا أدرکوا وما أراکم تدرکون فان محمدا والصباة من أهل یثرب قد خرجوا یتعرضون لعیرکم التی فیها خزائنکم " فتصایح الناس بمکة وتهیئوا للخروج وقام سهیل بن عمرو وصفوان بن أمیة وأبو البختری ابن هشام ومنیة وبنیة ابنا الحجاج ونوفل بن خویلد فقال یا معشر قریش والله ما أصابکم مصیبة أعظم من هذه ان یطمع محمد والصباة عن أهل یثرب ان یتعرضوا لعیرکم التی فیها خزائنکم فوالله ما قرشی ولا قرشیة الا ولها فی هذه العیر شئ فصاعدا وانه الذل والصغار ان یطمع محمد فی أموالکم ویفرق بینکم وبین متجرکم فأخرجوا ، واخرج صفوان بن أمیة خمس مائة دینار وجهز بها ، واخرج سهیل بن عمرو خمس مائة وما بقی أحد من عظماء قریش الا اخرجوا مالا وحملوا وقووا واخرجوا علی الصعب والذلول ما یملکون أنفسهم کما قال الله تعالی : خرجوا من دیارهم بطرا ورئاء الناس ، وخرج معهم العباس بن عبد المطلب ونوفل بن الحارث وعقیل ابن أبی طالب واخرجوا معهم القینان یشربون الخمر ویضربون بالدفوف ؟ .

وخرج رسول الله صلی الله علیه و آله و سلم فی ثلاث مائة وثلاثة عشر رجلا ، فلما کان بقرب بدر علی لیلة منها بعث بشیر بن أبی الرعبا ( بن أبی الدعناء ) ومجد بن عمرو یتجسسان خبر العیر فأتیا ماء بدر وأناخا راحلتیهما ؟ واستعذبا من

ص: 224

الماء ، وسمعا جاریتین قد تشبثت إحدیهما بالأخری وتطالبها بدرهم کان لها علیها فقالت عیر قریش نزلت أمس فی موضع کذا وکذا وهی تنزل غدا هاهنا وانا اعمل لهم وأقضیک ، فرجع أصحاب رسول الله صلی الله علیه و آله و سلم إلیه فأخبراه بما سمعا ، فاقبل أبو سفیان بالعیر فلما شارف بدر تقدم العیر واقبل وحده حتی انتهی إلی ماء بدر وکان بها جل من جهینیة یقال له کسب الجهنی فقال له یا کسب هل لک علم بمحمد وأصحابه ؟ قال لا ، قال واللات والعزی لان کتمتنا امر محمد لا یزال قریش معادیة لک آخر الدهر فإنه لیس أحد من قریش الا وله فی هذه العیر النش فصاعدا فلا تکتمی ، فقال والله مالی علم بمحمد وما بال محمد وأصحابه بالتجار الا وانی رأیت فی هذا الیوم راکبین أقبلا واستعذبا من الماء وأناخا راحلتیهما ورجعا فلا أدری من هما ، فجاء أبو سفیان إلی موضع مناخ ابلهما ففت ابعار الإبل بیده فوجد فیها النوی فقال هذه علایف یثرب هؤلاء عیون محمد ، فرجع مسرعا وامر بالعیر فاخذ بها نحو ساحل البحر وترکوا الطریق ومروا مسرعین ونزل جبرئیل علی رسول الله صلی الله علیه و آله و سلم فأخبره ان العیر قد أفلتت وان قریشا قد أقبلت لتمنع عن عیرها وأمره بالقتال ووعده النصر ، وکان نازلا ماء الصفراء فأحب ان یبلو الأنصار لأنهم إنما وعدوه ان ینصروه فی الدار ، فأخبرهم ان العیر قد جازت وان قریشا قد أقبلت لتمنع عن عیرها وان الله قد امرنی بمحاربتهم ، فجزع أصحاب رسول الله صلی الله علیه و آله و سلم من ذلک وخافوا خوفا شدیدا ، فقال رسول الله صلی الله علیه و آله و سلم أشیروا علی ، فقام الأول فقال یا رسول الله انها قریش

ص: 225

وخیلاؤها ما آمنت منذ کفرت ولا ذلت مند عزت ، ولم تخرج علی هیئة الحرب ، فقال رسول الله صلی الله علیه و آله و سلم له اجلس فجلس قال أشیروا علی فقام الثانی فقال مثل مقالة الأول فقال صلی الله علیه و آله و سلم اجلس فجلس ثم قام المقداد فقال یا رسول الله وانا قد آمنا بک وصدقناک وشهدنا ان ما جئت به حق من عند الله ولو امرتنا ان نخوض جمر الغضا وشوک الهراش خضنا معک ولا نقول لک ما قالت بنو إسرائیل لموسی " اذهب أنت وربک فقاتلا انا ههنا قاعدون " ولکنا نقول " امض لامر ربک فانا معک مقاتلون " فجزاه النبی صلی الله علیه و آله و سلم خیرا ثم جلس ثم قال أشیروا علی ، فقام سعد بن معاذ ، فقال بأبی أنت وأمی یا رسول الله کأنک أردتنا ؟ قال نعم قال فلعلک خرجت علی امر قد أمرت بغیره قال نعم قال بأبی أنت وأمی یا رسول الله انا قد آمنا بک وصدقناک وشهدنا أن ما جئت به حق من عند الله فمرنا بما شئت وخذ من أموالنا ما شئت واترک منه ما شئت والذی اخذت منه أحب إلی من الذی ترکت منه ، والله لو امرتنا ان نخوض هذا البحر لخضناه معک ، فجزاه خیرا ثم قال سعد بأبی أنت وأمی یا رسول الله والله ما خضت هذا الطریق قط ومالی به علم وقد خلفنا بالمدینة قوما لیس نحن بأشد جهادا لک منهم ولو علموا انه الحرب لما تخلفوا ولکن نعد لک الرواحل ونلقی عدونا فانا نصبر عند اللقاء ، انجاد فی الحرب وانا لنرجو ان یقر الله عینک بنا فان یک ما تحب فهو ذلک وان یکن غیر ذلک قعدت علی رواحلک فلحقت بقومنا ، فقال رسول الله صلی الله علیه و آله و سلم أو یحدث الله غیر ذلک ، کأنی بمصرع فلان ههنا وبمصرع فلان ههنا

ص: 226

وبمصرع أبی جهل وعتبة بن ربیعة وشیبة ابن ربیعة ومنیة وبنیة ابنی الحجاج فأن الله قد وعدنی احدی الطائفتین ولن یخلف الله المیعاد ، فنزل جبرئیل علیه السلام علی رسول الله صلی الله علیه و آله و سلم بهذه الآیة " کما أخرجک ربک من بیتک بالحق _ إلی قوله _ ولو کره المجرمون " فامر رسول الله صلی الله علیه و آله و سلم بالرحیل حتی نزل عشاءا علی ماء بدر وهی العدوة الشامیة .

وأقبلت قریش فنزلت بالعدوة الیمانیة ، وبعثت عبیدها تستعذب من الماء فأخذهم أصحاب رسول الله صلی الله علیه و آله و سلم وحبسوهم ، فقالوا لهم من أنتم ؟ قالوا نحن عبید قریش ، قالوا فأین العیر ؟ قالوا لا علم لنا بالعیر ، فاقبلوا یضربونهم ، وکان رسول الله صلی الله علیه و آله و سلم یصلی فانقتل من صلاته فقال إن صدقوکم ضربتموهم وان کذبوکم ترکتموهم علی بهم ، فاتوا بهم فقال لهم من أنتم ؟ قالوا یا محمد نحن عبید قریش ، قال کم القوم قالوا لا علم لنا بعددهم ، قال کم ینحرون فی کل یوم جزورا ؟

قالوا تسعة أو عشرة ، فقال صلی الله علیه و آله و سلم تسعمائة أو الف ، ثم قال فمن فیهم من بنی هاشم ؟ قال العباس بن عبد المطلب ونوفل بن الحارث وعقیل بن أبی طالب ، فامر رسول الله صلی الله علیه و آله و سلم بهم فحبسوهم ، وبلغ قریشا ذلک فخافوا خوفا شدیدا ((1)) .

ص: 227

{ یُجَادِلُونَکَ فِی الحَقِّ بَعْدَ مَا تَبَیَّنَ کَأنَّمَا یُسَاقُونَ إلَی المَوْتِ وَهُمْ یَنظُرُونَ6 } سورة الأنفال.

{یُجَادِلُونَکَ فِی الحَقِّ بَعْدَ مَا تَبَیَّنَ } : قال نجاح الطائی: جماعة من الصحابة وهم ابو بکر وعمر ذکرهم مسلم فی صحیحه وابن حنبل فی مسنده وباقی الکتب الاخری کرهت محاربة قریش .

فتکلم أبو بکر فاعرض عنه ثم تکلم عمر فاعرض ((1)) .

وفعل عمر فعلاً آخر قبل معرکة بدر إذ هجر أمام رسول الله((2)) .

وکان کفارُ مکة لا یقتلون جواسیسهم فی صفوف المسلمین ولا یقتل الجواسیسُ کافرا , وحصل هذا مع عمر :

ولم یقتل زعماء قریش وهم العاص بن سعید وخالد بن الولید وضرار بن الخطاب الفهری عمر فی حروبهم عندما تمکنّوا منه ثلاث مرات فی بدر واحد والخندق ((3)).

ص: 228

وسبب قولهم المذکور تواتر الروایة وشهرتها بحیث ذکرها الامویون طلاب ابن تیمیة الناصبی وعموم المؤرخین السنة .

لم یقتل سعید بن العاص عمر فی معرکة بدر ((1))

.

و شاهد خالدٌ عمرَ فاراً فی معرکة أحد فلم یقتله ((2)) .

ولم یقتل ضرار بن الخطاب الفهری الکافر فی معرکة الخندق عمر أیضاً , وقتل باقی المسلمین ((3))

.

لانهم یعرفون تعاونه معهم وارتباطه السری بقادة قریش المشرکین .

وکرر المنافقون هذا العمل فی معرکة حنین اذ جاء :

قال صفوان بن أمیة فی حنین : نادی أحد المنافقین ((4)): قُتِل محمد واستراح الناس منه ((5)) .

ص: 229

متسببین فی هزیمة جیش المسلمین وکان أول الفارین أبو بکر وعمر واصحابهما : وبین البخاری فرار عمر بوضوح :

قال البخاری فی صحیحه عن أبی قتادة الأنصاری: وانهزم المسلمون یوم حنین وانهزمت معهم , فإذا عمر بن الخطاب فی الناس (المنهزمین) , فقلت له: ما شأن الناس ؟ قال عمر : أمرُ الله ((1)) .

بینما جاء العاص بن سعید لقتل الامام علی علیه السلام فی بدر فقتله الامام علیه السلام :

جاء فی الإصابة : قتل علی ( علیه السلام ) العاص بن سعید بن العاص بن أمیَّة بن عبد شمس فی معرکة بدر کافراً ((2)) .

ثم هجر عمر بعد شهادة النبی صلی الله علیه و آله و سلم محرضا الامویین علی علی علیه السلام الذی قتل العاص الکافر فی معرکة بدر :

ص: 230

قال عمر لسعید بن العاص إنِّی لم أقتل أباک وإنَّما قتله علی ( علیه السلام ) . إلاّ أنَّ سعیداً قال له : إنَّه قُتِل علی الباطل((1)) .

ولم یحدِّثنا الواقدی وغیره فی المغازی بقتل عمر بن الخطاب لرجل من مشرکی قریش . وقد ذکر بأنَّ سیف عمر لم یستخدم فی الحروب : « عن ابن عمر قال : کان سیف عمر فیه فضَّة أربع مائة درهم ، وقد أخذ معاویة سیف عمر ، ولم یستعمله ایضاً »((2)) .

إذن لم یستخدم عمر سیفه فی الحرب ، وقد اشترک فی حرب بدر فقط ، وانهزم فی المعارک الأخری !

ولا أدری کیف حدث هذا فهم لم یقتلوا عمرَ ، وعمرُ وابو بکر وعثمان لم یقتلوا شخصاً منهم .

وأقدم عمر بن الخطاب علی مدح قتلی بدر المشرکین بعد شربه الخمر قائلا :

وکائن بالقلیب قلیب بدر((3))***من الفتیان والعرب الکرام

أیوِعدُنی إبنُ کبشةَ((4)) أن سَنَحیا***وکیف حیاة أصداء وهامِ

ص: 231

أیعجز أن یردَّ الموت عنِّی***وینشرنی إذا بَلِیَتْ عظامی

ألا من مُبْلغ الرحمنِ عنِّی***بأنِّی تارکٌ شهرَ الصِّیام ((1))

وکانت جماعة الجواسیس تجادل النبی فی الحق الظاهر وترغب للعودة الی المدینة وتهبط معنویات المسلمین وتکذب النصر الالهی الموعود للمسلمین , وتصر علی انتصار الکافرین .

{ وَمَنْ یُشَاقِقِ الرَّسُولَ مِنْ بَعْدِ مَا تَبَیَّنَ لَهُ الهُدَی وَیَتَّبِعْ غَیْرَ سَبِیلِ المُؤْمِنِینَ نُوَلِّهِ مَا تَوَلَّی وَنُصْلِهِ جَهَنَّمَ وَسَاءَتْ مَصِیراً } 115_النساء_: بعدما تبینت لهم ولایة علی علیه السلام .

{ یُجَادِلُونَکَ فِی الحَقِّ بَعْدَ مَا تَبَیَّنَ کَأنَّمَا یُسَاقُونَ إلَی المَوْتِ وَهُمْ یَنظُرُونَ} 6_الانفال.

( بعد ما تبین ) : بعد إعلام رسول الله بأنهم ینصرون فی معرکة بدر .

الشیخ المفید: ثم زجرهم اللَّه تعالی عن شقاق نبیّهم صلی الله علیه و آله و سلم لمّا علم من خبث نیّاتهم وأمرهم بالطاعة والإخلاص ، وضرب لهم فیما أنبأ به من بواطن أخبارهم وسرائر هم الأمثال ، وحذّرهم من الفتنة بارتکابهم قبائح الأعمال ،

ص: 232

وعدّد علیهم نعمه لیشکروه ویطیعوه فیما دعاهم إلیه من الأعمال ، وأنذرهم العقاب من الخیانة للَّه جلَّت عظمته ، ولرسوله صلی الله علیه و آله و سلم ، فقال تعالی :

{ یا أَیُّهَا الَّذِینَ آمَنُوا أَطِیعُوا اللَّه ورَسُولَه ولا تَوَلَّوْا عَنْه وأَنْتُمْ تَسْمَعُونَ ولا تَکُونُوا کَالَّذِینَ قالُوا سَمِعْنا وهُمْ لا یَسْمَعُونَ إِنَّ شَرَّ الدَّوَابِّ عِنْدَ اللَّه الصُّمُّ الْبُکْمُ الَّذِینَ لا یَعْقِلُونَ ولَوْ عَلِمَ اللَّه فِیهِمْ خَیْراً لأَسْمَعَهُمْ ولَوْ أَسْمَعَهُمْ لَتَوَلَّوْا وهُمْ مُعْرِضُونَ } الانفال 20_23 _ ((1))

.

{ کَأنَّمَا یُسَاقُونَ إلَی المَوْتِ وَهُمْ یَنظُرُونَ6 } لشدة کرههم محاربة النبی لکفار قریش وانتصاره علیهم .

وقال نجاح الطائی: وکان عبد الرحمن بن عوف من الجواسیس فی صفوف المسلمین وبعد هزیمة الکفار حاول انقاذ أمیة بن خلف أحد قادة الکفار وعنده رسائل سریة معه :

مختصر تاریخ دمشق : بعد هزیمة الکفار فی معرکة بدر ، حاول عبد الرحمن بن عوف حمایة أُمیَّة ابن خَلَف ، الطاغیة المعروف ، وانقاذه من ید المسلمین ، وسبب ذلک وجود کتابات خطیة بینهما ، وظاهر تلک الخطابات کونها سرّیة . إذ جاء عن إبراهیم بن عبد الرحمن بن عوف عن أبیه : کاتبت أمیَّة بن خلف کتابة فی أن یحفظنی فی صاغیتی بمکَّة ، واحفظه فی

ص: 233

صاغیته((1)) فی المدینة ، فلما بلغ أسم عبد الرحمن ، قال : لا أعرف الرحمن کاتبنی باسمک الذی کان فکاتبته عبد عمرو ، فلما کان یوم بدر خرجت لأُحرزه فی شعب ، حتی یأمن الناس ، فرأیت بلالا مولی أبی بکر ، فأقبل حتی وقف علی مجلس الأنصار ، فقال : یا معشر الأنصار أمیَّة بن خلف لا نجوت ان نجا ، فخرج مع نفر .

قال فلما خشیت أن یدرکونا خلَّفت لهم ابنه اشغلهم به فقتلوه ، ثم أتوا حتی لحقونا ، وکان أمیَّة رجلا ثقیلا((2)) .

ابن کثیر الاموی : ولقد نادی بلال : یا أنصار الله رأس الکفر أمیَّة بن

خلف ، وقال : لا نجوت أن نجا ((3)) .

ابن کثیر : وروی إبراهیم بن عبد الرحمن أیضاً ان رجلا قال لأبیه : قد جئت لأمر ، وقد رأیت اعجب منه ، هل جاءکم إلاّ ما جاءنا ، أم هل علمتم إلاّ ما علمنا ؟

قال عبد الرحمن : لم یأتنا إلاّ ما قد جاءکم ، ولم نعلم إلاّ ما علمتم ; قلت : فما لنا نزهد فی الدنیا وترغبون فیها ، ونخفُّ فی الجهاد وتتشاغلون عنه ! وانتم سلفنا وخیارنا وأصحاب نبینا ( صلی الله علیه و آله و سلم ) .

ص: 234

قال عبد الرحمن : لم یأتنا إلاّ ما جاءکم ، ولم نعلم إلاّ ما علمتم ، ولکنَّا بُلینا بالضَّرَّاء فصبرنا ، وبلینا بالسَّرَّاء فلم نصبر ((1))

.

وکان ابن عوف وعمر من رجال العقبة ((2)) , الذین حاولوا قتل النبی صلی الله علیه و آله و سلم فی عقبة تبوک .

واستمر ابن عوف فی خیاناته فخان الامام علیا علیه السلام فی مجلس شوری الستة وبایع عثمان بالخلافة علی أن یردها الیه .

لکن عثمان خانه ولم یردها الیه فأعلن کفر عثمان وفضح خیاناته فقتله عثمان . حیث جاء: وطُعن (عبدالرحمن) فی حیاته وزُعم أنّ عثمان سمَّه فمات((3))، وقد مات سنة 32 هجریة((4)).

ولمّا سقی عثمان السمّ لابن عوف مثلما سقی أبا بکر سابقاً أوصی ابن عوف إلی الزبیر بن العوام عدوّ عثمان((5))، وصلی علیه الزبیر بن العوام((6)). نکایة بعثمان القاتل .

ص: 235

انَّ وصیّة ابن عوف للزبیر بصلاة المیت علیه وصلاة الزبیر علیه أقوی إهانة وجّهت لحکم عثمان من الناحیة السیاسیة والدینیة فهی بمثابة عدم اعتراف منهما بشرعیّة خلافة عثمان والتشکیک فی عدالته، ورفض سلطته!

هذه جماعة الصحابة التی یسمونها بالمقدسة وهی یقتل بعضها بعضا فی سبیل الحکم والمال وتریق الدماء کالسواقی للوصول الی مآربها وأهوائها .

{ وَإذْ یَعِدُکُمُ اللّهُ إحْدَی الطَّائِفَتَیْنِ أنَّهَا لَکُمْ وَتَوَدُّونَ أنَّ غَیْرَ ذَاتِ الشَّوْکَةِ تَکُونُ لَکُمْ وَیُرِیدُ اللّهُ أنْ یُحِقَّ الحَقَّ بِکَلِمَاتِهِ وَیَقْطَعَ دَابِرَ الکَافِرِینَ 7 } سورة الأنفال .

{وَإذْ یَعِدُکُمُ اللّهُ إحْدَی الطَّائِفَتَیْنِ أنَّهَا لَکُمْ } عیر أبو سفیان أو نفیر

أبی جهل { وَتَوَدُّونَ أنَّ غَیْرَ ذَاتِ الشَّوْکَةِ } القوة .

{تَکُونُ لَکُمْ } أی تریدون الغنائم ولا تریدون الحرب {وَیُرِیدُ اللّهُ أنْ یُحِقَّ الحَقَّ بِکَلِمَاتِهِ وَیَقْطَعَ دَابِرَ الکَافِرِینَ7 } .

قال المفسر القمی : الکلمات : الأئمة ((1)) .

وفعلا انتصر المسلمون فی معرکة بدر بسیف الامام علی÷ حیث قتل خمسة وثلاثین کافرا أی نصف ما قتله المسلمون جمیعا فنادی جبرائیل فی

ص: 236

السماء : وهو الوحید الذی نادی باسمه جبرائیل : فی معرکتی بدر وأحد قائلا :

لا فتی إلاَّ علی - لا سیف إلاّ ذو الفقار((1))

ص: 237

وقال عمر بن الخطّاب: « لولا سیفه (علی) لما قام عمود الإسلام ((1)) .

معنی الآیة القرآنیة : (یُحِقَّ الحَقَّ بِکَلِمَاتِهِ) روی الجمهور عن ابن عباس , قال : سئل رسول الله عن الکلمات التی تلقاها آدم من ربه , فتاب علیه , قال : سأله بحق محمد , وعلی , وفاطمة , والحسن , والحسین , : إلا تبت علی , فتاب علیه ((2)) .

ص: 238

وقال النبی صلی الله علیه و آله و سلم : انتهت الدعوة إلی , وإلی علی , لم یسجد أحدنا قط لصنم , فاتخذنی نبیا واتخذ علیاً وصیا ((1)) .

الدیلمی والسیوطی والبیهقی والحلبی: وأخرج نحواً منه علامة الشوافع السیوطی فی تفسیره : { أخرج ابن النجار عن ابن عباس قال : سألت رسول الله صلی الله علیه و آله و سلم عن الکلمات التی تلقاها آدم من ربه فتاب علیه .

قال : " سأل بحق محمد وعلی وفاطمة والحسن والحسین علیهم السلام إلا تبت علی , فتاب علیه " .

وروی خبرا طویلا أخرجه الدیلمی , وفیه أنه قال ( یعنی جبرئیل) : فعلیک بهؤلاء الکلمات , فإن الله قابل توبتک وغافر ذنبک, قل : اللهم إنی أسألک بحق محمد وآل محمد , سبحانک لا إله إلا أنت , عملت سوءًوظلمت نفسی فاغفر لی انک أنت الغفور الرحیم , اللهم إنی أسالک بحق محمد وآل

ص: 239

محمد سبحانک لا إله إلا أنت , عملت سوءاً وظلمت نفسی فتب علیَّ إنک أنت التواب الرحیم .

فهذه الکلمات التی تلقاها آدم((1)) .

وقد روی بعض العلماء حدیث توسل آدم مبتورا من آل محمد بأیدیهم أو بأیدی النساخ مثلما فعلوا فی الصلاة البتراء وغیرها بمحوهم آل محمد .

قال آدم لانک لما خلقتنی بیدک ونفخت فی من روحک رفعت رأسی فرأیت علی قوائم العرش مکتوبا : لا إله الا الله محمد رسول الله , فعلمت أنک لم تضف إلی اسمک إلا أحب الخلق إلیک . فقال الله : صدقت یا آدم

ص: 240

إنه لاحب الخلق إلیَّ , ادعنی بحقه فقد غفرت لک , ولولا محمد صلی الله علیه و آله و سلم ما خلقتک((1)) .

یرید الله تعالی محاربة الکافرین والانتصار علیهم , ویرید المسلمون الاستحواذ علی غنائم ابی سفیان .

وکان الانتصار الاسلامی للمسلمین فی بدر وقعة کبری فی شبه جزیرة العرب اذ تم الاعتراف بهم رسمیا کقوة عظیمة وجدیدة تهدد کل القوی الاخری فی خیبر ومکة وفی حنین والطائف .

وأصبح الناس یحسبون لها ألف حساب فی أمورهم الدینیة و التجاریة والسیاسیة والاجتماعیة والعسکریة.

{لِیُحِقَّ الحَقَّ وَیُبْطِلَ البَاطِلَ وَلَوْ کَرِهَ المُجْرِمُونَ8 } سورة الأنفال.

أیاً کانوا الذین یکرهون هزیمة المشرکین .

ص: 241

قال الباقر علیه السلام : تفسیرها فی الباطن یرید الله فانه شیء یریده , ولم یفعله بعد , وأما قوله (یحق الحق بکلماته) . فانه یعنی یحق حق آل محمد .وأما قوله (بکلماته) : فی الباطن علی علیه السلام هو کلمة الله فی الباطن .

وأما قوله (ویقطع دابر الکافرین ) . فهم بنو أمیة هم الکافرون یقطع الله دابرهم .

وأما قوله (لیحق الحق) : حق آل محمد حین یخرج القائم ((1)) .

مسلم : روی العلاّمة البحرانی : قال : أسند ابن مردویه - وهو من ثقاة العامّة - الی أبان بن تغلب , عن مسلم , قال :

سمعت أبا ذر والمقداد وسلمان یقولون : کنّا قعوداً عند النبی صلی الله علیه و آله و سلم إذ أقبل ثلاثة من المهاجرین , فقال النبی صلی الله علیه و آله و سلم :

تفترق أمّتی بعدی ثلاث فرق : أهل حقّ لا یشوبونه بباطل , مثلهم کالذهب کلّما فتنته النار زاد جودة , وإمامهم هذا وأشار صلی الله علیه و آله و سلم إلی أحد الثلاثة , وهو الذی أمر الله فی کتابه أن یکون إماماً ورحمة.

وفرقة أهل باطل لا یشوبونه بحقّ , مثلهم کمثل الحدید کلّما فتنته النار ازداد خبثاً , وإمامهم هذا .

قال مسلم : فسألتهم عن أهل الحقّ وإمامهم فقالوا علی بن أبی طالب علیه السلام , وأمسکوا عن الآخرین , فجهدت فی الآخرین أن یسمّوهما فلم یفعلوا.

ص: 242

ثمّ قال : هذه روایة أهل المذهب ((1)) .

و قال نجاح الطائی : الواضح من الروایة کون الثلاثة من المعروفین بین المهاجرین زعیم أهل الحق علی علیه السلام .

وفرقة أهل باطل لا یشوبونه بحقّ : والاثنان هما الاول والثانی ((2)) کما هو واضح من تخوف الراوی من ذکر اسمیهما , ولو کان غیرهما لذکروه دون خوف ولا حیطة .

{إذْ تَسْتَغِیثُونَ رَبَّکُمْ فَاسْتَجَابَ لَکُمْ أنِّی مُمِدُّکُمْ بِألْف مِنْ المَلائِکَةِ مُرْدِفِینَ 9 }_سورة الأنفال.

{ إذْ تَسْتَغِیثُونَ رَبَّکُمْ } دعا النبی فی بدر : اللهم أنجز لی ما وعدتنی , اللهم إنَّ تهلک هذه العصابة لا تعبد فی الارض {فَاسْتَجَابَ لَکُمْ } الله تعالی. { أنِّی مُمِدُّکُمْ بِألْف مِنْ المَلائِکَةِ مُرْدِفِینَ9 } .

یتبع بعضهم بعضاً .

وبسبب هذا الاخبار الالهی النبوی للمسلمین بالنصر فقد خاف ابو بکر وعمر من مقتل کفار قریش فحاولا منع هذه المعرکة بتخویف النبی منها

ص: 243

وارعاب المسلمین بکل السبل فلم یفلحا . وبعدما قتلهم المسلمون جلسا عند قتلی الکفار فی القلیب وشربا الخمر ((1)) وأنشدا الشعر المعروف حزنا علیهم:

وکائن بالقلیب قلیب بدر *** من الفتیان والعرب الکرام

فقل لله یمنعنی شرابی *** وقل لله یمنعنی طعامی ((2))

فعزرهما رسول الله صلی الله علیه و آله و سلم .

قال عمر : والله یا رسول الله إنَّ الشیطان رکب علی عنقی ((3)).

ص: 244

والواقعة تتمثل فی الآتی: بعد انتصار المسلمین فی بدر حصلوا علی غنائم کثیرة منها قنانی خمر الکفار الی جانب أسلحتهم وأطعمتهم وقد شرب عمر من ذلک الخمر وقال شعرا یمدح الکفار المقتولین . فبلغ ذلک رسول الله صلی الله علیه و آله و سلم ، فخرج مغضباً یجرُّ رداءه ، فرفع صلی الله علیه و آله و سلم شیئاً کان فی یده فضربه به . فقال عمر: أعوذ بالله من غضبه ، وغضب رسوله ، فأنزل الله تعالی:

(إنَّما یُرِیدُ الشَّیطانَ أَن یُوقِعَ بَینَکُمُ العَداوَةَ والبَغضَآءَ فی الخمر والمَیسِرِ ویَصُدَّکُم عَن ذِکرِ اللهِ وَعنِ الصَّلاةِ فَهَل أَنتُم مُّنتَهُونَ) ((1)) .

فقال عمر: إنتهینا إنتهینا .

{ وَمَا جَعَلَهُ اللّهُ إلا بُشْرَی وَلِتَطْمَئِنَّ بِهِ قُلُوبُکُمْ وَمَا النَّصْرُ إلا مِنْ عِنْدِ اللّهِ إنَّ اللّهَ عَزِیزٌ حَکِیمٌ10 } _سورة الأنفال.

{وَمَا جَعَلَهُ اللّهُ } هذا الامداد {إلا بُشْرَی } لکم بالنصر {وَلِتَطْمَئِنَّ بِهِ قُلُوبُکُمْ } تسکن وتهدأ {وَمَا النَّصْرُ إلا مِنْ عِنْدِ اللّهِ إنَّ اللّهَ عَزِیزٌ حَکِیمٌ(10) .

النصر من الله تعالی ولا یأتی بکثرة الجیوش والسلاح والاموال والخبرة .

ص: 245

{ إذْ یُغَشِّیکُمُ النُّعَاسَ أمَنَةً مِنْهُ وَیُنَزِّلُ عَلَیْکُمْ مِنَ السَّمَاءِ مَاءً لِیُطَهِّرَکُمْ بِهِ وَیُذْهِبَ عَنکُمْ رِجْزَ الشَّیْطَانِ وَلِیَرْبِطَ عَلَی قُلُوبِکُمْ وَیُثَبِّتَ بِهِ الأقْدَامَ11 } سورة الأنفال.

{ إذْ یُغَشِّیکُمُ النُّعَاسَ أمَنَةً مِنْهُ } کان عدد الکافرین ألف مقاتل وعدد المسلمین 313 مقاتلا , فألقی تعالی النوم علی المسلمین فناموا کی تسکن نفوسهم ویذهب الخوف عنهم , ولما أفاقوا ذهب القلق عنهم بإذن الله تعالی , والنوم یعالج القلق , ونهضوا من النوم فی أتم النشاط والعافیة .

وأصبح المسلمون بعضهم محدث وبعضهم جنب لأنَّهم لمّا ناموا احتلم أکثرهم وأصابهم الظمأ , وهم لا یصلون إلی الماء لسبق المشرکین الیه .

و سوس الشیطان لبعضهم وقال : تزعمون أنّکم علی الحقّ وفیکم نبی صلی الله علیه و آله و سلم وأنّکم أولیاء الله وقد غلبکم المشرکون علی الماء , وأنتم عطاشی وتصلُّون محدثین مجنبین , وما ینتظر أعداؤکم , إلاّ أن یقطع العطش رقابکم , ویذهب قواکم , فیتحکّموا فیکم کیف شاؤوا ؟!

فأرسل الله علیهم مطراً سال منه الوادی فشرب المسلمون واتّخذوا الحیاض علی عدوة الوادی , واغتسلوا وتوضّأوا وسقوا الرکاب وملأوا الأسقیة وأطفأ المطرُ الغبارَ ولبد الأرض حتّی ثَبَتَتْ علیها الأقدام والحوافر وزالت عنهم وسوسة الشیطان , وقد أشار سبحانه إلی ذلک بقوله : (إِذْ یُغَشِّیکُمْ النُّعَاسَ

ص: 246

أَمَنَةً مِنْهُ وَیُنَزِّلُ عَلَیْکُمْ مِنْ السَّمَاءِ مَاءً لِیُطَهِّرَکُمْ بِهِ وَیُذْهِبَ عَنکُمْ رِجْزَ الشَّیْطَانِ وَلِیَرْبِطَ عَلَی قُلُوبِکُمْ) ((1)) .

وبعدما سیطر النبی صلی الله علیه و آله و سلم علی عیون بدر لم یمنع الکافرین من الشرب منه فأصبحت سنّة محمّدیة معروفة .

وفشل الکفار فی قتل المسلمین عطشا إذ انتصر المسلمون علیهم ودفعوهم عن عیون بدر . وسمحوا للکفار بشرب الماء .

وطبقا لنظریة أهل البیت علیهم السلام أوصل الإمام علی علیه السلام الماء إلی عثمان یوم حاصروه((2)).حیث منع الزبیر وطلحة وعائشة الماءَ عنه .

وفی معرکة صفّین سار معاویة علی نظریة ونهج آبائه وأسلافه الجاهلیین والنواصب فی قتل المسلمین عطشاً . اذ سار معاویة بجیشه مسرعاً وسیطر علی نهر الفرات لکن جیش الإمام بقیادة الأشتر حاربهم وطردهم

عن شریعة الماء .

ثمّ سمح لهم الإمام بشرب الماء من تلک الشریعة فی معرکة صفّین .

جاء : ولمّا سیطرت قوّات معاویة بن أبی سفیان علی نهر الفرات فی معرکة صفّین منعت الماء عن جیش الإمام علی علیه السلام ، فقال له عمرو بن العاص الذی کان فی معرکة بدر مع المشرکین : سوف تأخذ قوّات الإمام علی

ص: 247

علیه السلام منک السیطرة علی الماء . وفعلا تقدّمت قوّات أمیر المؤمنین علیه السلام وسیطرت علی الماء فخاف معاویة من العطش ، فقال له عمرو بن العاص : إنّ علی بن أبی طالب علیه السلام سوف لا یمنع عنک الماء رغم منعک الماء عنه وعن جیشه ، لأنّه لا یحارب من أجل الماء ، وفعلا تمَّ ما ذکره((1)).

ثم قطع جیش یزید الماء عن الامام الحسین علیه السلام وأطفاله ونسائه وأنصاره فی واقعة کربلاء ((2))

واستشهدوا عطاشی .

{وَیُنَزِّلُ عَلَیْکُمْ مِنَ السَّمَاءِ مَاءً لِیُطَهِّرَکُمْ بِهِ } من الجنابة والحدث { وَیُذْهِبَ عَنکُمْ رِجْزَ الشَّیْطَانِ } وسوسة الشیطان بانهم سوف یموتون عطشاً {وَلِیَرْبِطَ عَلَی قُلُوبِکُمْ } بالیقین فی الدین والاطمئنان بالنصر {وَیُثَبِّتَ بِهِ الأقْدَامَ(11) } فی الحرب .

{ إذْ یُوحِی رَبُّکَ إلَی المَلائِکَةِ أنِّی مَعَکُمْ فَثَبِّتُوا الَّذِینَ آمَنُوا سَاُلْقِی فِی قُلُوبِ الَّذِینَ کَفَرُوا الرُّعْبَ فَاضْرِبُوا فَوْقَ الأعْنَاقِ وَاضْرِبُوا مِنْهُمْ کُلَّ بَنَان 12 } سورة الأنفال.

{إذْ یُوحِی رَبُّکَ إلَی المَلائِکَةِ أنِّی مَعَکُمْ فَثَبِّتُوا الَّذِینَ آمَنُوا } :سعی تعالی لتثبیت قلوب المؤمنین بواسطة الملائکة أیضاً بصور مختلفة {سَاُلْقِی فِی

ص: 248

قُلُوبِ الَّذِینَ کَفَرُوا الرُّعْبَ } ومن ناحیة أخری ألقی تعالی الرعب فی قلوب الکافرین .

{فَاضْرِبُوا فَوْقَ الأعْنَاقِ } أو قطعوا الرؤوس {وَاضْرِبُوا مِنْهُمْ کُلَّ بَنَان(12) }.

{ ذَلِکَ بِأنَّهُمْ شَاقُّوا اللّهَ وَرَسُولَهُ وَمَنْ یُشَاقِقِ اللّهَ وَرَسُولَهُ فَإنَّ اللّهَ شَدِیدُ العِقَابِ13* ذَلِکُمْ فَذُوقُوهُ وَأنَّ لِلْکَافِرِینَ عَذَابَ النَّارِ 14 } سورة

الأنفال.

{ ذَلِکَ بِأنَّهُمْ شَاقُّوا اللّهَ وَرَسُولَه } عصوا وحاربوا الله والنبی {وَمَنْ یُشَاقِقِ اللّهَ وَرَسُولَهُ فَإنَّ اللّهَ شَدِیدُ العِقَابِ(13) } للمجرمین .

{ذَلِکُمْ } العقاب الالهی{فَذُوقُوهُ وَأنَّ لِلْکَافِرِینَ عَذَابَ النَّارِ(14)} .

{ یَا أیُّهَا الَّذِینَ آمَنُوا إذَا لَقِیتُمُ الَّذِینَ کَفَرُوا زَحْفاً فَلا تُوَلُّوهُمُ الأدْبَارَ 15 } سورة

الأنفال.

{ یَا أیُّهَا الَّذِینَ آمَنُوا إذَا لَقِیتُمُ الَّذِینَ کَفَرُوا زَحْفاً } اذا زحف الاعداء علیکم لقتلکم وانتهاب أموالکم .

{فَلا تُوَلُّوهُمُ الأدْبَارَ(15) } لا تفروا من الحرب .

ص: 249

أخرج العالم الشافعی السید المؤمن الشبلنجی فی نور الأبصار , قال : قال ابن عباس : لیس آیة من کتاب الله تعالی : (یا أیّها الذین آمنوا) . إلاّ وعلی أمیرها وشریفها((1)) .

عن عبید بن زرارة قال : قلت لأبی عبد الله علیه السلام : أخبرنی عن الکبائر ، فقال : هن خمس ، وهن مما أوجب الله علیهن النار ، قال الله تعالی : " إن الله لا یغفر أن یشرک به " وقال : " إن الذین یأکلون أموال الیتامی ظلما إنما یأکلون فی بطونهم نارا وسیصلون سعیرا " وقال : " یا أیها الذین آمنوا إذا لقیتم الذین کفروا زحفا فلا تولوهم الادبار " إلی آخر الآیة وقال عز وجل : " یا أیها الذین آمنوا اتقوا الله وذروا ما بقی من الربا " إلی آخر الآیة ، ورمی المحصنات الغافلات المؤمنات ، وقتل مؤمن متعمدا علی دینه ((2)) .

{ وَمَنْ یُوَلِّهِمْ یَوْمَئِذ دُبُرَهُ إلا مُتَحَرِّفاً لِقِتَال أوْ مُتَحَیِّزاً إلَی فِئَة فَقَدْ بَاءَ بِغَضَب مِنَ اللّهِ وَمَأوَاهُ جَهَنَّمُ وَبِئْسَ المَصِیرُ 16 }

سورة الأنفال.

{وَمَنْ یُوَلِّهِمْ یَوْمَئِذ دُبُرَهُ إلا مُتَحَرِّفاً لِقِتَال أوْ مُتَحَیِّزاً إلَی فِئَة } لا یفر الا بسببین وجیهین الاول خداع العدو لینعطف علیه .

ص: 250

والثانی : الفرار للانضمام لجماعة مسلمة مقاتلة هم فی حاجة الیه , وفی غیر ذلک {فَقَدْ بَاءَ بِغَضَب مِنَ اللّهِ وَمَأوَاهُ جَهَنَّمُ وَبِئْسَ المَصِیرُ(16) . } .

والفارون فی معارک المسلمین معروفون ومشهورون اعترفوا بفرارهم تکراراً.

صحیحة عبد العظیم الحسنی ، قال : حدثنی أبو _ جعفر الثانی علیه السلام قال : سمت أبی یقول : سمعت أبی موسی بن جعفر ( علیهما السلام ) یقول :

دخل عمرو بن عبید علی أبی عبد الله علیه السلام فلما سلم وجلس ، تلا هذه الآیة « الَّذِینَ یَجْتَنِبُونَ کَبائِرَ الإِثْمِ وَالْفَواحِشَ . » ثمَّ أمسک . فقال له أبو عبد اللَّه :

ما أسکتک ؟ قال : أحب ان أعرف الکبائر من کتاب اللَّه عز وجل . قال الامام الصادق علیه السلام : الکبائر :

1 _ فقال : نعم یا عمرو ، أکبر الکبائر ، الإشراک بالله . یقول الله « إِنَّه ُ مَنْ یُشْرِکْ بِاللَّه ِ فَقَدْ حَرَّمَ اللَّه ُ عَلَیْه ِ الْجَنَّةَ » .

2 _ وبعده یأس من روح الله . لان الله عز وجل یقول « إِنَّه ُ لا یَیْأَسُ مِنْ رَوْحِ اللَّه ِ إِلَّا الْقَوْمُ الْکافِرُونَ » .

3 _ ثمَّ الأمن من مکر الله . لان الله عز وجل یقول « فَلا یَأْمَنُ مَکْرَ اللَّه ِ إِلَّا الْقَوْمُ الْخاسِرُونَ » .

4 _ ومنها عقوق الوالدین . لان الله سبحانه جعل العاق جبارا شقیا .

5 _ وقتل النفس التی حرم الله الا بالحق . لان الله عز وجل یقول « فَجَزاؤُه ُ جَهَنَّمُ خالِداً فِیها » .

ص: 251

6 _ وقذف المحصنة . لأن اللَّه عز وجل یقول « لُعِنُوا فِی الدُّنْیا وَالآخِرَةِ وَلَهُمْ عَذابٌ عَظِیمٌ » .

7 _ وأکل مال الیتیم . لان الله عز وجل یقول « إِنَّما یَأْکُلُونَ فِی بُطُونِهِمْ ناراً وَسَیَصْلَوْنَ سَعِیراً » .

8 _ والفرار من الزحف . لان الله عز وجل یقول « وَمَنْ یُوَلِّهِمْ یَوْمَئِذٍ دُبُرَه ُ إِلَّا مُتَحَرِّفاً لِقِتالٍ أَوْ مُتَحَیِّزاً إِلی فِئَةٍ فَقَدْ باءَ بِغَضَبٍ مِنَ اللَّه ِ وَمَأْواه ُ جَهَنَّمُ وَبِئْسَ الْمَصِیرُ » .

9 _ وأکل الربا . لان الله عز وجل یقول : « الَّذِینَ یَأْکُلُونَ الرِّبا لا یَقُومُونَ إِلَّا

کَما یَقُومُ الَّذِی یَتَخَبَّطُه ُ الشَّیْطانُ مِنَ الْمَسِّ » .

10 _ والسحر . لان الله عز وجل یقول « وَلَقَدْ عَلِمُوا لَمَنِ اشْتَراه ُ ما لَه ُ فِی الآخِرَةِ مِنْ خَلاقٍ » .

11 _ والزنا . لان الله عز وجل یقول « وَمَنْ یَفْعَلْ ذلِکَ یَلْقَ أَثاماً ، یُضاعَفْ لَه ُ الْعَذابُ یَوْمَ الْقِیامَةِ وَیَخْلُدْ فِیه ِ مُهاناً » .

12 _ والیمین الغموس الفاجرة . لأن الله عز وجل یقول « الَّذِینَ یَشْتَرُونَ بِعَهْدِ اللَّه ِ وَأَیْمانِهِمْ ثَمَناً قَلِیلًا أُولئِکَ لا خَلاقَ لَهُمْ فِی الآخِرَةِ » .

ص: 252

13 _ والغلول ((1)) . لان الله عز وجل یقول « وَمَنْ یَغْلُلْ یَأْتِ بِما غَلَّ یَوْمَ الْقِیامَةِ » .

14 _ ومنع الزکاة المغروضة . لان الله عز وجل یقول : فَتُکْوی بِها جِباهُهُمْ وَجُنُوبُهُمْ وَظُهُورُهُمْ » .

15 _ وشهادة الزور .

16 _ وکتمان الشهادة ، لأن الله عز وجل « وَمَنْ یَکْتُمْها فَإِنَّه ُ آثِمٌ قَلْبُه ُ » .

17 _ وشرب الخمر . لان الله عز وجل نهی عنها کما نهی عن عبادة الأوثان

18 _ وترک الصلاة متعمدا أو شیئا مما فرض الله عز وجل ، لان رسول الله

( صلی الله علیه و آله و سلم ) قال : من ترک الصلاة متعمدا فقد برئ من ذمة الله وذمة رسوله .

19 _ ونقض العهد .

اختلف الأصحاب فی صیغة العهد علی أقوال أحدها انّها علیّ عهد اللَّه فقط وهو للغنیة وثانیها انّها عاهدت اللَّه فقط وهو للوسیلة وثالثها انّها علیّ عهد اللَّه أو عاهدت اللَّه فیکون مخیّرا بینهما لا غیر وهو للسّرائر والتّحریر والتّبصرة ورابعها انّها کلّ لفظ دلّ علی المراد وقد صار إلیه فی الکفایة قائلا صورة العهد ان یقول عاهدت اللَّه أو علیّ عهد اللَّه ونحو ذلک والأقرب هو القول الثّالث الَّذی علیه المعظم ولهم علی التّخییر بین

ص: 253

الصّیغتین العمومات الَّتی تضمنتها الرّوایات منها خبر علیّ بن جعفر عن أخیه علیه السلام قال سألته عن رجل عاهد اللَّه فی غیر معصیته ما علیه ان لم یف به للَّه بعهده؟ قال علیه السلام یعتق رقبة أو یتصدق بصدقة أو یصوم شهرین متتابعین .

20 _ وقطیعة الرحم . لان الله عز وجل یقول « لَهُمُ اللَّعْنَةُ وَلَهُمْ سُوءُ الدَّارِ » .

قال : فخرج عمرو بن عبید وله صراخ من بکائه وهو یقول : هلک من قال برأیه ونازعکم فی الفضل والعلم ((1))

.

{ فَلَمْ تَقْتُلُوهُمْ وَلَکِنَّ اللّهَ قَتَلَهُمْ وَمَا رَمَیْتَ إذْ رَمَیْتَ وَلَکِنَّ اللّهَ رَمَی وَلِیُبْلِیَ المُؤْمِنِینَ مِنْهُ بَلاءً حَسَناً إنَّ اللّهَ سَمِیعٌ عَلِیمٌ 17}

سورة الأنفال.

{فَلَمْ تَقْتُلُوهُمْ } بقوتکم {وَلَکِنَّ اللّهَ قَتَلَهُمْ } بما ساعدکم فیه من الربط علی قلوبکم والقاء الخوف فی قلوب أعدائکم .

{وَمَا رَمَیْتَ إذْ رَمَیْتَ وَلَکِنَّ اللّهَ رَمَی } أخذ النبی قبضة من تراب ورمی بها الاعداء قائلا : شاهت الوجوه , والرامی هو الله تعالی , الذی یقتل و یجرح ویمیت ویعافی متی شاء .

ص: 254

الثعلبی : روی العلاّمة البحرانی , عن الثعلبی فی تفسیره , عن سمّاک بن حربن , عن عکرمة , عن ابن عباس فی قوله تعالی:

(وما رمیت إذ رمیت) : إنّ النبی صلی الله علیه و آله و سلم قال لعلی : ناولنی کفّاً من حصی , فناوله , فرمی به فی وجوه القوم , فما بقی أحد إلاّ امتلأت عیناه من الحصی

وفی روایة غیره یعنی غیر الثعلبی : وأفواههم ومناخرهم .

قال أنس : رمی بثلاث حصیات فی المیمنة , والمیسرة , والقلب , (ولیبلی المؤمنین منه بلاءً حسناً) : یعنی وهزم الکفار لیعمّ النبی والوصی ((1)) .

اخذ رسول الله صلی الله علیه و آله و سلم کفا من حصی فرمی به وجوه قریش وقال " شاهت الوجوه " فبعث الله ریاحا تضرب فی وجوه قریش فکانت الهزیمة ، فقال رسول الله صلی الله علیه و آله و سلم اللهم لا یفلتن فرعون هذه الأمة أبو جهل بن هشام ، فقتل منهم سبعون ، واسر منهم سبعون ، والتقی عمرو بن الجموح مع أبی جهل فضرب عمرو أبا جهل بن هشام علی فخذیه وضرب أبو جهل عمرو علی یده فأبانها من العضد فتعلقت بجلدة فاتکأ عمرو علی یده برجله ثم نزا فی السماء حتی انقطعت الجلدة ورمی بیده ، وقال عبد الله بن مسعود انتهیت إلی أبی جهل وهو یتشحط فی دمه فقلت الحمد لله الذی أخزاک ، فرفع رأسه فقال إنما أخزی الله عبد بن أم عبد الله لمن الدین ویلک قلت لله ولرسوله وانی قاتلک و ضعت رجلی علی عنقه فقال ارتقیت مرتقا صعبا

ص: 255

یارویعی الغنم اما انه لیس شئ أشد من قتلک إیای فی هذا الیوم الا تولی قتلی رجل من المطمئنین أو رجل من الاحلاف

فاقتلعت بیضة کانت علی رأسه فقتلته واخذت رأسه وجئت به إلی رسول الله صلی الله علیه و آله و سلم ، فقلت یا رسول الله البشری هذا رأس أبی جهل بن هشام ، فسجد لله شکرا ((1)).

أقول : المؤمنون هنا تعنی النبی وعلیاً علیهما الصلاة والسلام لانهما المصداق الأفضل والأتم للآیة .

لقد فعل البعض الاعاجیب فی معرکة بدر لمنع انتصار المسلمین ودفعهم نحو الهزیمة فی أول حرب مع الکافرین :

إذ هجر عمر ((2)) .

ومدح أبو بکر وعمر قریشاً فقالا : إنّها والله قریش وعزّها , والله ما ذلّت منذ عزّت , والله ما آمنت منذ کفرت , والله لا تُسلم عزّها أبداً , ولتقتلنّک , فاتّهب لذلک أُهبته واعد لذلک عُدَّته((3)) .

ص: 256

وأعرض النبی صلی الله علیه و آله و سلم عن قولی أبی بکر وعمر واستنکره , لأنهما قالا قولا فیه مجد وعزَّة لقریش , وخوف من مواجهتها((1)) .

ثم قال المقداد بن عمرو وسعد بن عبادة : یا رسول الله : امض لأمر الله فنحن معک والله لانقول لک کما قالت بنو إسرائیل لنبیّها :

{فَاذْهَبْ أنْتَ وَرَبُّکَ فَقَاتِلا إنَّا هَا هُنَا قَاعِدُونَ }((2)) .

وشرب ابو بکر وعمر الخمر بعد بدر من غنائم الکفار , وکانت محرمة أساساً فی أول البعثة((3)) . استمراراً لفعل الجاهلیة , وقالا هذا الشعر فی رثاء قتلی بدر من الکفار

وکائن بالقلیب قلیب بدر *** من الفتیان والعرب الکرام

أیوعدنا ابن کبشة أن سنحیا *** وکیف حیاة أصداء وهام

أیعجز أن یرد الموت عنِّی *** وینشرنی إذا بلیت عظامی

فقل لله یمنعنی شرابی *** وقل لله یمنعنی طعامی ((4))

ص: 257

وأخرج محمد بن جریر الطبری فی تاریخه , أنزل اللهُ فی الخمر ثلاث مرَّات , وأول من ما أنزل قال الله : ( یَسأَلُونَکَ عَنِ الخَمرِ والمَیسِرِ قُل فِیهِمآ إثمٌ کَبیرٌ وَمنافِعُ للنَّاسِ وإثمُهُمآ أَکبَرُ مِن نَفعِهِما) ((1)) .

وقال : فشربها من المسلمین ما شاء الله منهم علی ذلک , حتی شرب رجلان فدخلا فی الصلاة , فجعلا یهجران کلاماً لا یدری عوف ما هو , فأنزل الله عزوجل فیهما : ( یا أیُّها الَّذِینَ آمَنُوا لا تَقرَبُوا الصَّلاةَ وأَنتُم سُکاری حَتَّی تَعلَمُوا مَا تَقُولُونَ) ((2)) .

فیما زعم رجل (عمر) , فجعل ینوح علی قتلی بدر :

تُحیَّ بالسلام ة ام عمرو***وهل لک بعد رهطک من سلام

ذرینی أصطبح بکراً فإنی***رأیت الموت نقب عن هشام

و د بنو المغیرة لو فدوه***بألف من رجال أو سوام

ص: 258

کأنی بالطوی طوی بدر***من الشیزی یکلل بالسنام

کأنی بالطوی طوی بدر***من الفتیان والحلل الکرام

وذکر أنَّ عمر هو الذی شربها وقال شعراً فی مدح قتلی قریش الکفار فی بدر ((1)) .

: لقد شرب عمر الخمر فی آخر یوم من حیاته عندما طلبوا منه بعد جرحه من قبل أبی لؤلؤ أی الأشربة أحب الیه ؟

قال عمر : النبیذ . فسقوه النبیذ فخرج من جرحه ((2)).

فرار من الحرب : لقد فرَّ الملوک الثلاثة فراراً مراً فی معرکة الاسلام الاولی بدر , وفروا فی المعرکة الاخیرة حنین باعترافهم , وفی باقی المعارک , تارکین رسول الله صلی الله علیه و آله و سلم طعمة سائغة لسیوف الاعداء , عسی أن یُقتل ویعود الناس الی دینهم الاول .

لقد هرب أبو بکر وعمر من القتال واستقرا فی العریش((3)) .

ولکثرة فرار أبی بکر من الحروب سمَّته الصحابة الفرَّار((4)) .

ص: 259

وفرَّ عثمان بن عفان وسعید بن زید فعیَّره الصحابة بفراره :

عیَّره بذلک عبد الرحمن بن عوف , وقال :

أبلغه عنِّی أنِّی لم أغِب عن بدر , ولم أفِرّ یوم عیین (أحد) ((1)) .

وذمَّه لاحقاً الامام علی بن أبی طالب علیه السلام وطلحة بن عبد الله((2)) .

وو صمه عبد الله بن مسعود بالفرَّار قائلا : لست کذلک ولکن صاحب رسول الله صلی الله علیه و آله و سلم یوم بدر ویوم بیعة الرضوان((3)) .

وعیّره بالفرار المقداد بن عمرو((4)) .

وتغیّب طلحة بن عبدالله وسعید بن زید((5)) , عن بدر .

ص: 260

وکان عبد الرحمن بن عوف یتکاتب سراً مع قائد مکی کافر اسمه أمیة بن خلف قبل معرکة بدر , ولما أسر فی معرکة بدر حاول ابن عوف منع المسلمین من قتله الا انهم قتلوه , ولم یهتموا لدعوات ابن عوف((1)) .

وو بَّخت سَوْدة أم المؤمنین الکفار تسلیم أنفسهم أسری بید النبی صلی الله علیه و آله و سلم , طالبة منهم القتال حتی الموت , فنهرها النبی((2)) .

أی حرَّضت الکفار علی محاربة المسلمین وقتلهم .

واستمر الناس فی سماع بطولات علی علیه السلام فی المعارک الکبری من بدر والی صفین والنهروان ففی بدر قتل نصف قتلی الکفار , وفی صفین قتل بطل الشام حریثا اذ قال معاویة لبطله الشهیر:

اتق علیاً وضع رمحک حیث شئت .لکن عمرو بن العاص احتال علیه ورغبه بمبارزة علی علیه السلام فبرز حریث وصاح یا علی هل لک فی المبارزة ؟

فأقبل علی علیه السلام ثم خالطه فما أمهله أن ضربه ضربة واحدة فقطعه نصفین((3))

ص: 261

وکان أمیر المؤمنین علی علیه السلام یضرب فی الرأس فیقطه نصفین ویضرب فی البطن والصدر فیقطعه نصفین .

وکان المسلمون والکفار یعرفون القتلی بسیف علی علیه السلام من ذلک , ولا یقوی شخص فی العالم علی هذه الضربات فهو فارس وبطل العالم بلا منازع .

والبشریة تحب البطل فکیف لو کان البطل عادلا عالما زاهدا مدیرا مدبرا ووصیا الهیا ؟

لذا أحبت البشریة الطاهرة علیا علیه السلام وابغضته البشریة الهوجاء الشریرة .

{وَلِیُبْلِیَ المُؤْمِنِینَ مِنْهُ بَلاءً حَسَناً } البلاء هنا العطاء أی نصرهم تعالی جوداً منه وکرماً {إنَّ اللّهَ سَمِیعٌ عَلِیمٌ(17) .

{ذَلِکُمْ وَأنَّ اللّهَ مُوهِنُ کَیْدِ الکَافِرِینَ(18) } سورة الأنفال.

یبطل تعالی مکر الاعداء بصور مختلف , وعلی المسلم الاستعداد للحرب والدفاع کما أوصاه تعالی بأن یعد العدَّة لتجری الامور علی أسبابها ویطلب النصر الالهی , کما فعل النبی فی حروبه , لا أن یجلس متکاسلا ویطلب النصر .

ص: 262

{إنْ تَسْتَفْتِحُوا فَقَدْ جَاءَکُمُ الفَتْحُ وَإنْ تَنتَهُوا فَهُوَ خَیْرٌ لَکُمْ وَإنْ تَعُودُوا نَعُدْ وَلَنْ تُغْنِیَ عَنکُمْ فِئَتُکُمْ شَیْئاً وَلَوْ کَثُرَتْ وَأنَّ اللّهَ مَعَ المُؤْمِنِینَ }19_سورة الأنفال.

{إنْ تَسْتَفْتِحُوا فَقَدْ جَاءَکُمُ الفَتْحُ } طلب المشرکون من الله تعالی أن ینصر أحب الطائفتین له , فنصر تعالی المسلمین , بما فتح علیهم .

{وَإنْ تَنتَهُوا } ایها المشرکون عن حرب المسلمین {فَهُوَ خَیْرٌ لَکُمْ وَإنْ تَعُودُوا } لحربهم {نَعُدْ } الی نصرتهم {وَلَنْ تُغْنِیَ عَنکُمْ فِئَتُکُمْ شَیْئاً وَلَوْ کَثُرَتْ } لا نفع من کثرة عددکم { أنَّ اللّهَ مَعَ المُؤْمِنِینَ(19) } المتَّقین.

{یَا أیُّهَا الَّذِینَ آمَنُوا أطِیعُوا اللّهَ وَرَسُولَهُ وَلا تَوَلَّوْا عَنْهُ وَأنْتُمْ تَسْمَعُونَ 20 }_سورة الأنفال.

{یَا أیُّهَا الَّذِینَ آمَنُوا أطِیعُوا اللّهَ وَرَسُولَهُ } :

روی الحافظ الحاکم الحسکانی الحنفی , قال : حدّثنا أبو زکریا بن إسحاق , بإسناده المذکور , عن حذیفة : إنّ أناساً تذاکروا فقالوا : ما نزلت آیة فی القرآن فیها (یا أیّها الذین آمنوا) إلاّ فی أصحاب محمد صلی الله علیه و آله و سلم . فقال حذیفة : ما نزلت فی القرآن (یا أیّها الذین آمنوا) إلاّ کان لعلی لبّها ولبابها }((1)) .

ص: 263

أقول : یعنی : إنّ (یا أیّها الذین آمنوا) فی القرآن یشمل عامّة أصحاب النبی صلی الله علیه و آله و سلم باعتبارهم تظاهروا بالإیمان بالله ورسوله , أمّا واقع الإیمان ولبّه ولبابه فإنّما هو لعلی بن أبی طالب علیه السلام .

لأنّه الذی آمن بکلّ أعماقه إیماناً مطلقاً لا یشوبه شیء أبداً , ولا تخلف طرفة عین إطلاقاً.

{وَلا تَوَلَّوْا عَنْهُ } تفروا عنه { وَأنْتُمْ تَسْمَعُونَ 20 } القرآن والحدیث النبوی .

{وَلا تَکُونُوا کَالَّذِینَ قَالُوا سَمِعْنَا وَهُمْ لا یَسْمَعُونَ 21*إنَّ شَرَّ الدَّوَابِّ عِنْدَ اللّهِ الصُّمُّ البُکْمُ الَّذِینَ لا یَعْقِلُونَ 22 وَلَوْ عَلِمَ اللّهُ فِیهِمْ خَیْراً لأسْمَعَهُمْ وَلَوْ أسْمَعَهُمْ لَتَوَلَّوا وَهُمْ مُعْرِضُونَ 23 }

سورة الأنفال.

{وَلا تَکُونُوا کَالَّذِینَ قَالُوا } للانبیاء {سَمِعْنَا وَهُمْ لا یَسْمَعُونَ(21) } معرضون ومعاندون {إنَّ شَرَّ الدَّوَابِّ عِنْدَ اللّهِ الصُّمُّ البُکْمُ الَّذِینَ لا یَعْقِلُونَ22 } شرَّ الناس هم المخالفون للانبیاء والاوصیاء مع وجود عقولهم .إن الأنبیاء والأئمة یوفقهم الله ویؤتیهم من مخزون علمه وحکمه مالا یؤتیه غیرهم فیکون علمهم فوق علم أهل زمانهم فی قوله تبارک وتعالی : { أفَمَنْ یَهْدِی إلَی الحَقِّ أحَقُّ أنْ یُتَّبَعَ أمَّنْ لا یَهِدِّی إلا أنْ یُهْدَی فَمَا لَکُمْ کَیْفَ تَحْکُمُونَ 35} سورة یونس .

ص: 264

فی ( جامع الجوامع ) : قال الباقر علیه السلام

: « هم بنو عبد الدار ، لم یسلم منهم غیر مصعب بن عمیر وسوید بن حرملة ، وکانوا یقولون : نحن صم بکم عمی عمَّا جاء به محمد ، وقد قتلوا جمیعا بأحد ، کانوا أصحاب اللواء » ((1)) , قتلهم الامام علی علیه السلام .

" وقوله عز وجل : " ومن

یؤتی الحکمة فقد أوتی خیرا کثیرا " وقوله عز وجل فی طالوت : " إن الله اصطفاه علیکم وزاده بسطة فی العلم والجسم والله یؤتی ملکه من یشاء والله واسع علیم " وقال عز وجل لنبیه صلی الله علیه و آله و سلم : " وکان فضل الله علیک عظیما " وقال عز وجل فی الأئمة من أهل بیته وعترته وذریته : " أم یحسدون الناس علی ما آتاهم الله من فضله فقد آتینا آل إبراهیم الکتاب والحکمة وآتیناهم ملکا عظیما فمنهم من آمن به ومنهم من صد عنه وکفی بجهنم سعیرا .

{وَلَوْ عَلِمَ اللّهُ فِیهِمْ خَیْراً لأسْمَعَهُمْ} رغماً عنهم , ولکن لا فائدة من جماعة مجبرة علی الخیر .

{ وَلَوْ أسْمَعَهُمْ } الله تعالی الحق ولم یجبرهم علیه {لَتَوَلَّوا وَهُمْ مُعْرِضُونَ23 } أکثر الناس یلهثون خلف بطونهم وشهواتهم ویفعلون

ص: 265

الافعال غیر الصحیحة المخالفة للحق وینطقون بألفاظ جمیلة خلابة . فهم یعرفون الحق ویعصونه .

{یَا أیُّهَا الَّذِینَ آمَنُوا اسْتَجِیبُوا لِلّهِ وَلِلرَّسُولِ إذَا دَعَاکُمْ لِمَا یُحْیِیکُمْ وَاعْلَمُوا أنَّ اللّهَ یَحُولُ بَیْنَ المَرْءِ وَقَلْبِهِ وَأنَّهُ إلَیْهِ تُحْشَرُونَ24 } سورة

الأنفال.

{یَا أیُّهَا الَّذِینَ آمَنُوا اسْتَجِیبُوا لِلّهِ وَلِلرَّسُولِ إذَا دَعَاکُمْ لِمَا یُحْیِیکُمْ } .

قال الامام الصادق علیه السلام : نزلت فی ولایة علی((1)) .

وقال الباقر علیه السلام : اتباعکم إیاه (علی ) علیه السلام و لایته أجمع لأمرکم وأبقی للعدل فیکم((2)) .

من التعالیم الاسلامیة الرائدة والعلوم الاجتماعیة والصحیة والزراعیة والاقتصادیة والسیاسیة والبرامج التعلیمیة المفیدة لرقی الانسان فی الحیاة , لذا تکون کل الاعمال المفیدة لاستمرار بقاء الانسان حیَّاً مثابة من قبله

ص: 266

تعالی , واذا توفَّر شرط الایمان یکون مهیَّئاً للجنَّة {وَاعْلَمُوا أنَّ اللّهَ یَحُولُ بَیْنَ المَرْءِ وَقَلْبِهِ } فهو الذی یوجد الاسباب والمقدمات الدافعة الیه نحو .

ابن مردویه : روی العلاّمة الکشفی المیر محمد صالح الترمذی الحنفی , روی ابن مردویه فی مناقبه عن الإمام محمد الباقر رضوان الله علیه أنّه قال : قوله تعالی:

(اسْتَجِیبُوا لِلّهِ وَلِلرَّسُولِ إذَا دَعَاکُمْ لِمَا یُحْیِیکُمْ ) : نزلت فی ولایة علی بن أبی طالب علیه السلام کرّم الله وجهه ((1)) .

أقول : الدعوة لولایة علی بن أبی طالب علیه السلام , فیها الحیاة الدنیویة والاخرویة والابتعاد عنها هو الموت والهلاک فی جهنم وبئس المصیر .

{وَاتَّقُوا فِتْنَةً لا تُصِیبَنَّ الَّذِینَ ظَلَمُوا مِنْکُمْ خَاصَّةً وَاعْلَمُوا أنَّ اللّهَ شَدِیدُ العِقَابِ 25 } سورة الأنفال.

فتنة : بلیة ومصیبة .وأعظم فتنة علی المسلمین فتنة السقیفة باغتصاب خلافة أمیر المؤمنین علی علیه السلام .

اذا حصلت الفتنة فالواجب علی الناس الاحتیاط منها مثل الحروب العقیمة غیر المفیدة للدین والصراعات الاجتماعیة التی یدیرها الشیطان , التی لا تعرف شریراً ومسالماً , ومجرماً وبریئاً , ورجلا وطفلا .

ص: 267

روی العلاّمة البحرانی , عن أبی عبدالله محمد بن علی السراج یرفعه إلی عبدالله بن مسعود , قال : قال النبی صلی الله علیه و آله و سلم :

یا ابن مسعود قد أنزلت الآیة (وَاتَّقُوا فِتْنَةً لا تُصِیبَنَّ الَّذِینَ ظَلَمُوا مِنْکُمْ خَاصَّةً) . وأنا مستودعکها , ومسلم لک خاصّة الظلمة فکن لما أقول واعیاً وعنی له مؤدیّاً : من ظلم علیّاً مجلسی هذا کمن جحد نبوّتی ونبوّة من کان قبلی ((1)) .

وقال الامام الصادق علیه السلام : عن الآیة : أصابت الناس فتنة بعدما قبض الله نبیه حتی ترکوا علیاً علیه السلام وبایعوا غیره , وهی الفتنة التی فتنوا بها , وقد أمرهم رسول الله صلی الله علیه و آله و سلم باتباع علی علیه السلام والأوصیاء من آل محمد صلی الله علیه و آله و سلم ((2)) .

(ومن ینقلب علی عقبیه فلن یضر الله شیئاً ) ((3)) .

وقال الامام علی علیه السلام یفضح رجال السقیفة :

ص: 268

حتی اذا قبض الله رسوله رجع قوم علی الأعقاب , غالتهم السبل((1)) علی الولائج((2)) بمودته((3)) . وأبواب کل ضارب فی غمرة((4)) علی سنة من آل فرعون((5)) .

{وَاعْلَمُوا أنَّ اللّهَ شَدِیدُ العِقَابِ25 } .

لسفکة الدماء , ومثیری الحروب ومهیجی الفتن من الیهود والنواصب والغربیین المتحالفین بینهم علی افناء طائفة أهل البیت وشیعتهم .

{وَاذْکُرُوا إذْ أنْتُمْ قَلِیلٌ مُسْتَضْعَفُونَ فِی الأرْضِ تَخَافُونَ أنْ یَتَخَطَّفَکُمُ النَّاسُ فَآوَاکُمْ وَأیَّدَکُمْ بِنَصْرِهِ وَرَزَقَکُمْ مِنَ الطَّیِّبَاتِ لَعَلَّکُمْ تَشْکُرُونَ26 }_سورة الأنفال.

ص: 269

کان المسلمون قلیلین خائفین مُعذبین فآواهم تعالی فی المدینة وألقی برکته علیهم فی شتَّی المجالات فأصبحوا کثیرین أقویاء بفضله تعالی.

وکان المسلمون مستضعفین فی الارض یهاجمهم القوی والضعیف ثم أصبحوا أصحاب دولة قویة وجیوش لکن معظمهم نسوا أن یشکروا الله عز وجل وانغمسوا فی مجالات الحیاة ولهوها .

{یَا أیُّهَا الَّذِینَ آمَنُوا لا تَخُونُوا اللّهَ وَالرَّسُولَ وَتَخُونُوا أمَانَاتِکُمْ وَأنْتُمْ تَعْلَمُونَ27* } سورة الأنفال.

{یَا أیُّهَا الَّذِینَ آمَنُوا لا تَخُونُوا اللّهَ وَالرَّسُولَ

} بمنع تطبیق أصول وفروع الدین جمیعاً الکفیلة بنصرة الاسلام , ومن خالف فرعاً منها کالأمر بالمعروف والنهی عن المنکر , والتولی لاولیاء الله , والتبری من اعداء الله خان الله والرسول.

{وَتَخُونُوا أمَانَاتِکُمْ }فیما بینکم , وقد خان الکثیر من الاشخاص والاحزاب أمانات الفقراء والمعدمین ;من الخمس والزکاة والصدقات , ومیزانیات الدولة العامة , وهم یلبسون ملابس الدین والاصلاح والانسانیة , ویتشدقون بألفاظ الخیر والصدق والامانة والوفاء والاخلاص {وَأنْتُمْ تَعْلَمُونَ27 } .

ص: 270

فلمّا بلغ رسول الله ( صلی الله علیه و آله و سلم )خبره، وکان قد استبطأه، قال: أما إنّه لو جاءنی لاستغفرت له، فأمّا إذ قد فعل ما فعل فما أنا بالذی أطلقه من مکانه حتّی یتوب الله علیه.

ونزلت توبة أبی لُبابة علی رسول الله ( صلی الله علیه و آله و سلم ) من السحر، وهو فی بیت اُمّ سلمة فقالت اُمّ سلمة: سمعت رسول الله ( صلی الله علیه و آله و سلم )فی السحر وهو یضحک.

فقلت: ممّ تضحک یارسول الله؟ أضحک الله سنّک.

قال( صلی الله علیه و آله و سلم ): تِیبَ علی أبی لُبابة.

قلت: أفلا اُبشّره یارسول الله؟

قال( صلی الله علیه و آله و سلم ): بلی، إن شئت، فقامت علی باب حجرتها، وذلک قبل أن یُضرب علیهنّ الحجاب.

فقالت: یا أبا لبابة; أبشر فقد تاب الله علیک.

فثار الناس إلیه لیُطلقوه، فقال: لا والله حتّی یکون رسولُ الله ( صلی الله علیه و آله و سلم )هو الذی یطلقنی بیده، فلمّا مرّ علیه رسول الله صلی الله علیه و آله و سلم خارجاً إلی صلاة الصبح أطلقه((1)).

وأقام أبو لبابة مرتبطاً بالجذع ستَّ لیال، تأتیه امرأته فی کلّ وقت صلاة، فتحلّه للصلاة، ثمّ یعود فیرتبط بالجذع،والآیة التی نزلت فی توبته :

ص: 272

(وآخرونَ اعتَرَفُوا بِذُنُوبِهِم خَلَطُوا

عَمَلا صالِحاً وآخَرَ سیّئاً عَسَی اللهُ أنْ یتوبَ علیهم إنّ اللهَ غفورٌ رحیمٌ)((1)).

هذه روایة کاذبة اذ لم یذهب ابو لبابة الی بنی قریظة .

والصحیح ان النبی( صلی الله علیه و آله و سلم ) والمسلمین امتنعوا عن الکلام مع أبی لبابة واصحابه لتخلفهم عن حملة تبوک فربط أبولبابة نفسه بعمود مستغفرا الله تعالی ،فغفر الله سبحانه ذنبه((2)).

: روی الحافظ الحسکانی الحنفی , قال : فی العتیق روی , عن یونس بن بکار , عن أبیه , عن الامام أبی جعفر الباقر محمد بن علی علیه السلام فی قوله تعالی ذکره :

{یا أیّا الذین آمنا لا تخونوا الله والرسول وتخونوا أماناتکم - فی آل محمد - وأنتم تعلمون} _الانفال 27 . } ((3)) .

أقول : آل محمد هنا من التفسیر أو التأویل عن کلمة (أماناتکم) . کما جاء فی حدیث الکساء : سورة الأحزاب آیة 33 , حیث قال النبی صلی الله علیه و آله و سلم وقد أدخل علیاً وفاطمة والحسن والحسین اللهم إنّ هؤلاء آل محمد الخ ((4)) .

ص: 273

وعن ابن عباس: سمعت رسول الله صلی الله علیه و آله و سلم یقول : " من لقی الله تعالی وهو جاحد ولایة علی بن ابی طالب ( علیه السلام )لقی الله وهو علیه غضبان , لا یقبل الله منه شیئا من أعماله , فیوکل به سبعون ملکا یتفلون فی وجهه , ویحشره الله تعالی أسود الوجه أزرق العینین " . قلنا : یا بن عباس , أینفع حب علی بن ابی طالب فی الآخرة ؟

قال : قد تنازع أصحاب رسول الله صلی الله علیه و آله و سلم فی حبه حتی سألنا رسول الله , فقال : "دعونی حتی أسأل الوحی " , فلما هبط جبرئیل ( علیه السلام ) سأله , فقال : " أسأل ربی عز وجل عن هذا " , فرجع إلی السماء ثم هبط إلی الأرض , فقال : " یا محمد , إن الله تعالی یقرأ علیک السلام وقال : أحب علیاً , فمن أحبه فقد أحبنی , ومن أبغضه فقد أبغضنی , یا محمد , حیث تکن یکن علی , وحیث یکن علی یکن محبوه وإن اجترحوا "((1)) .

ص: 274

{ وَاعْلَمُوا أنَّمَا أمْوَالُکُمْ وَأوْلادُکُمْ فِتْنَةٌ وَأنَّ اللّهَ عِنْدَهُ أجْرٌ عَظِیمٌ28 }_سورة الأنفال. فتنة : امتحان للبشریة .

وهذا الامتحان یفشل فیه أغلب الناس لاهتمامهم بالدنیا الفانیة وترکهم الآخرة الخالدة , فتجدهم یوجهون أولادهم نحو الکسب الحرام والفعل الحرام والاهداف الردیئة فیصبحون أوغاداً مجرمین , ویوظفون أموالهم فی الربا وإفساد النساء والاولاد بالرذیلة , وتعیین افراد المجتمع فی مؤسساتهم المنکرة المخالفة للشریعة والقانون القائمة علی الغش والتزویر والقمار والاحتیال .

فتکون أموالهم وأولادهم وبالا علیهم تؤدی بهم الی جهنم وبئس المصیر , فقد خسر فهد بن عبد العزیز السعودی سبعة ملیون دولار فی دار القمار الفرنسی الشهیر فی باریس وکان مخموراً لرأسه .بینما أصلح البعض أولاده وهداهم نحو الدین و لایة الثقلین القرآن وأهل البیت , مثل عدی بن حاتم الطائی .

أصبح عدی من أصحاب رسول الله صلی الله علیه و آله و سلم ومن أتباع الإمام علی علیه السلام وقد أراد معاویة أیّام ملکه النیل من الإمام علی علیه السلام فقال لعدی أین الطرفات ؟ یعنی بنیه طریفاً وطارفاً وطرفة .

قال عدی : قُتلوا یوم صفّین بین یدی الإمام علی بن أبی طالب علیه السلام .

فقال معاویة : ما أنصفک ابن أبی طالب إذ قدَّم بنیک وأخَّر بنیه .

ص: 275

قال عدی : بل ما أنصفت أنا علیاً اذ قُتل وبقیت((1))!

ومن جملة من أنفق ماله فی طریق الخیر کانت خدیجة أم المؤمنین حیث صرفتها فی طریق الاسلام جمیعاً , بینما کان أولاد الأشعث بن قیس الکندی من الأوغاد السائرین علی درب أبیهم اذ شارک هو فی قتل الامام علی بن أبی طالب علیه السلام بینما سمَّت بنته جعدة الامام الحسن بن علی علیه السلام وشارک أولاده قیس وعبد الرحمن ومحمد فی قتل الحسین علیه السلام فی کربلاء , وکأنهم خُلقواً لقتل أوصیاء الانبیاء .

{ یَا أیُّهَا الَّذِینَ آمَنُوا إنْ تَتَّقُوا اللّهَ یَجْعَلْ لَکُمْ فُرْقَاناً وَیُکَفِّرْ عَنکُمْ سَیِّئَاتِکُمْ وَیَغْفِرْ لَکُمْ وَاللّهُ ذُو الفَضْلِ العَظِیمِ29 }_سورة الأنفال.

{ یَا أیُّهَا الَّذِینَ آمَنُوا إنْ تَتَّقُوا اللّهَ } اذا ابتعدتم عن

الاموال من الحرام واجتنبتم باقی أعمال الحرام {یَجْعَلْ لَکُمْ فُرْقَاناً } تتمکنون عندها من التفریق بین الحق والباطل .

تفسیر مجاهد : روی العلاّمة السید هاشم البحرانی , عن تفسیر مجاهد :

{ما فی القرآن (یا أیّا الذین آمنوا) . إلاّ ولعلی علیه السلام سابقة ذلک , لأنّه سابقهم إلی الإسلام , فسمّاه الله تعالی فی تسعة وثمانین موضعاً أمیر المؤمنین }((2)) .

ص: 276

یَجْعَلْ لَکُمْ فُرْقَاناً وَیُکَفِّرْ عَنکُمْ سَیِّئَاتِکُمْ وَیَغْفِرْ لَکُمْ وَاللّهُ ذُو الفَضْلِ العَظِیمِ29

: یجعل لکم مخرجا فی الدنیا والآخرة ، عن مجاهد . وقیل . یجعل لکم نجاة ، عن السدی . وقیل : یجعل لکم فتحا ونصرا کما قال : ( یوم الفرقان یوم التقی الجمعان ) ، عن الفراء . وقیل : یجعل لکم عزا فی الدنیا ، وثوابا فی الآخرة ، وعقوبة وخذلانا لأعدائکم ، وذلا وعقابا ، کل ذلک یفرق بینکم وبینهم فی الدنیا والآخرة ، عن الجبائی ( ویکفر عنکم سیئاتکم ) التی عملتموها ( ویغفر لکم ) ذنوبکم .

وَیُکَفِّرْ عَنکُمْ سَیِّئَاتِکُمْ

وَیَغْفِرْ لَکُمْ : یسترها بینما یکشفها تعالی للبعض ویعاقب علیها . ویغفر لکم : بالتجاوز والعفو عنها .

{ وَإذْ یَمْکُرُ بِکَ الَّذِینَ کَفَرُوا لِیُثْبِتُوکَ أوْ یَقْتُلُوکَ أوْ یُخْرِجُوکَ وَیَمْکُرُونَ وَیَمْکُرُ اللّهُ وَاللّهُ خَیْرُ المَاکِرِینَ30 } _سورة الأنفال.

لِیُثْبِتُوکَ : یقیدوک .

قال أبو جهل لعصابة المتآمرین علی النبی صلی الله علیه و آله و سلم : لکن أری لکم أن تعمدوا إلی قبائلکم العشرة ، فتنتدبوا من کل قبیلة رجلا نجدا ، ثم تسلحوه حساما عضبا ( قاطعا ) ، وتمهل الفتیة حتی إذا غسق اللیل وغور بیتوا بابن أبی کبیشة بیاتا ، فیذهب دمه فی قبائل قریش جمیعا فلا یستطع بنو هاشم

ص: 277

وبنو المطلب مناهضة قبائل قریش فی صاحبهم ، فیرضون حینئذ بالعقل منهم ، فقال صاحب رأیهم : أصبت یا أبا الحکم .

ثم أقبل علیهم فقال : هذا الرأی فلا تعدلوا به رأیا ، وأوکئوا فی ذلک أفواهکم حتی یستتب أمرکم ، فخرج القوم عزین ، وسبقهم بالوحی بما کان من کیدهم جبرئیل ( علیه السلام ) ، فتلا هذه الآیة علی رسول الله ( صلی الله علیه و آله و سلم ) : ( وإذ یمکر بک الذین کفروا لیثبتوک أو یقتلوک أو یخرجوک ویمکرون ویمکر الله والله خیر الماکرین ) .

فلما أخبره جبرئیل ( علیه السلام ) بأمر الله فی ذلک و حیه ، وما عزم له من الهجرة ، دعا رسول الله ( صلی الله علیه و آله و سلم ) علیا ( علیه السلام ) ، وقال له : یا علی إن الروح هبط علی بهذه الآیة آنفا ، یخبرنی أن قریشا اجتمعوا علی المکر بی وقتلی ، وأنه أوحی إلی ربی ( عز وجل ) أن أهجر دار قومی ، وأن انطلق إلی غار ثور تحت لیلتی ، وأنه أمرنی أن آمرک بالمبیت علی مضجعی _ لیخفی بمبیتک علیهم أثری ، فما أنت قائل ، وما صانع ؟

فقال علی ( علیه السلام ) : أو تسلم بمبیتی هناک یا نبی الله ؟

قال صلی الله علیه و آله و سلم : نعم ، فتبسم علی ( علیه السلام ) ضاحکا ، وأهوی إلی الأرض ساجدا ، شکرا بما أنبأه رسول الله ( صلی الله علیه و آله و سلم ) من سلامته ، وکان علی( صلوات الله علیه ) أول من سجد لله شکرا ، وأول من وضع وجهه علی الأرض بعد سجدته من هذه الأمة بعد رسول الله ( صلی الله علیه و آله و سلم ) ، فلما رفع رأسه قال علیه السلام له

ص: 278

: امض لما أمرت فداک سمعی وبصری وسویداء قلبی ، ومرنی بما شئت أکن فیه کمسرتک ، واقع منه بحیث مرادک ، وإن توفیقی إلا بالله .

وخرج رسول الله صلی الله علیه و آله و سلم من الدار , ومرّ بین أیدی الکفار المحاصرین لداره لقتله وهم لا یرونه , وقد قرأ هذه الآیة :

{ وَجَعَلْنَا مِنْ بَیْنِ أیْدِیهِمْ سَدّاً وَمِنْ خَلْفِهِمْ سَدّاً فَأغْشَیْنَاهُمْ فَهُمْ لا یُبْصِرُونَ9* } سورة یس.

فاغشی الله تعالی أبصارهم , وخرج صلی الله علیه و آله و سلم قاصداً الغار فی جبل ثور لوحده , وکان أبو بکر وعمر وعثمان وحمزة وطلحة وعبد الله بن عمر وحمزة وآخرون قد هاجروا الی المدینة وأقاموا هناک صلاة الجماعة بإمامة سالم مولی أبی حذیفة کما ذکرت الروایات ((1)) .

ص: 279

لقد أحاط الکفّار بدار النبی صلی الله علیه و آله و سلم یحرسونها ریثما یطلع الفجر فیهجموا علیه هجمة رجل واحد , ونام علی بن أبی طالب علیه السلام علی فراشه فادیاً له بنفسه , موطّناً مهجته علی القتل , عند ذلک نزلت هذه الآیة((1)) .

وهناک روایة اخری , وبلفظ قریب ممّا ذکرناه أعلاه , وهی عن أمیر المؤمنین علی بن أبی طالب علیه السلام نفسه قال (انقل هنا مفادها موجزاً) : لما کانت اللیلة التی خرج فیها رسول الله صلی الله علیه و آله و سلم إلی الغار , کانت قریش قد

ص: 280

اختارت خمسة عشر رجلا من شجعانها من خمسة عشر بطناً , من بطونها , وکان فیها ابو لهب وهو یمثّل بنی عبد المطلب أو بنی هاشم , لیتفرّق دمّه صلی الله علیه و آله و سلم فی بطون قریش وحینئذ فلا یمکن لبنی هاشم أن یأخذوا بطناً واحداً أو یقاتلوا بطون قریش کلّها , فیضطرون عند ذلک لقبول الدیة , فهبط الأمین جیرئیل علیه السلام علی رسول الله صلی الله علیه و آله و سلم , وأخبره بالواقعة مفصلاً , فقال رسول الله صلی الله علیه و آله و سلم لأصحابه:

لا یخرج اللیلة أحد من داره. فلمّا أمسی المساء قصد الکفّار دار عبد المطّلب , فقال لهم ابو لهب : یا قوم , فی هذه الدار نساء بنی هاشم وبناتهم , ولا نأمن ان تقع ید خاطئة إذا وقعت الصیحة علیهن فیبقی ذلک علینا سبّة_ عاراً _ فی العرب إلی آخر الدهر , ولکن اقصدوا بنا جمیعاً علی الباب نحرس محمّداً فی مرقده , فإذا طلع الفجر تواثبنا إلی الدار , فضربناه ضربة رجل واحد وخرجنا , فإلی أن یجتمع الناس قد اضاء الصبح , فیزول عنّا العار عند ذلک , فقعدوا بالباب یحرسونه.

وقال النبی صلی الله علیه و آله و سلم لعلی علیه السلام : یا علی اتّشح ببردی الحضرمی , ثمّ نم علی فراشی فإنّه لا یخلص إلیک منهم مکروه إن شاء الله عزّ وجل .

وفعل ذلک الامام علی علیه السلام فأوحی الله عزّ وجل إلی جبرائیل ومیکائیل(علیهما السلام )أنّی آخیت بینکما وجعلت عمر أحدکما أطول من الآخر فأیّکما یؤثر صاحبه بالحیاة ؟ فاختارا کلاهما الحیاة , فأوحی الله عزّ وجل إلیهما ألا کنتما مثل علی بن أبی طالب آخیت بینه وبین محمد , فنام

ص: 281

علی فی فراشه یفدیه بنفسه , ویؤثره بالحیاة , إهبطا إلی الأرض فاحفظاه من عدوّه.

فنزلا فکان جبرائیل( علیه السلام ) عند رأسه , ومیکائیل عند رجله , فقال جبرائیل : بخٍّ بخ من مثلک یا ابن أبی طالب؟ یباهی الله بک الملائکة , فأنزل الله تعالی علی رسوله - وهو متوجّه إلی المدینة - فی شأن علی بن أبی طالب(الآیة)((1))

وأخرج الحاکم بسنده عن ابن عباس , قال : شری علی نفسه ولبس ثوب النبی صلی الله علیه و آله و سلم ((2)) .

وفتح رسول الله صلی الله علیه و آله و سلم الباب , وخرج علیهم , وهم جمیعاً جلوس أمام الدار ینتظرون الفجر , فمرّ علیهم وهو یقرأ هذه الآیة المبارکة :

{ وَجَعَلْنَا مِنْ بَیْنِ أیْدِیهِمْ سَدّاً وَمِنْ خَلْفِهِمْ سَدّاً فَأغْشَیْنَاهُمْ فَهُمْ لا یُبْصِرُونَ9* } سورة یس

, ومضی وهم لا یرونه ووضع التراب علی رؤوسهم ((3)) , کی یعرفون بخروجه من وسطهم وهم غافلون فلمّا طلع الفجر تواثبوا

ص: 282

إلی الدار وهم یظنون أنّی محمّد صلی الله علیه و آله و سلم فوثبت فی وجوههم وصحت بهم((1)) . قالو : علی .

قلت : نعم.

قالوا : وأین محمد ؟! قلت : خرج من بلدکم.

قالوا : وإلی أین خرج ؟! فقلت : الله أعلم , فهجموا علی علی علیه السلام فمسک علی علیه السلام بید خالد وأخذ السیف منه وطاردهم فانهزموا من البیت .جاء فی النص :

(فلما أبصر بهم علی علیه السلام قد انتضوا السیوف وأقبلوا علیه بها یقدمهم خالد بن الولید بن المغیرة ، وثب له علی علیه السلام فختله وهمز یده ، فجعل خالد یقمص قماص البکر» ، ویرغو رغاء الجمل ، ویذعر ویصیح وهم فی عوج الدار من خلفه ، وشد علی علیه السلام بسیفه _ یعنی سیف خالد _ فأجفلوا أمامه إجفال النعم إلی ظاهر الدار ، وتبصروه فإذا هو علی علیه السلام ، قالوا : وإنک لعلی ! قال : « أنا علی » . قالوا : فإنا لم نردک ، فما فعل صاحبک ؟

قال : « لا علم لی به » وقد کان علم _ یعنی علیا علیه السلام _ أن الله تعالی قد أنجی نبیه صلی الله علیه و آله و سلم بما کان أخبره من مضیه إلی الغار ، واختبائه فیه ) ((2)) .

ص: 283

وحدیث مبیت علی علیه السلام علی فراش النبی رواه وصحّحه عدد من کبار العلماء والمحدّثین , وأخرجوه بطرق وأسانید تنتهی إلی ثلّة من اجلاّء الصحابة کابن عبّاس , وابی ذر الغفاری , وابن ابی رافع وعمّار بن یاسر . وذکره المفسّرون فی ذیل آیتین :

الأوّلی : (ومن الناس من یشری نفسه ابتغاء مرضات الله ) ((1)) .

الثانیة : (وإذ یمکر بک الذین کفروا لیثبتوک أو یقتلوک أو یخرجوک) ((2)) نزلت الآیة فی علی علیه السلام ((3)) .

أمّا عن کیفیة رؤیة سید الرسل لأزقّة مکّة فی ظلام اللیل الدامس فراجع إلی قدرته الشریفة علی الرؤیة اللیلیّة مثلما یری فی النهار((4)).

ص: 284

وکان سیّد الأنبیاء یری من الخلف مثلما یری من الأمام وهذا من المعجزات العظیمة التی وهبها الباری عزّوجلّ لرسوله الکریم ((1)).

وکان فی انتظاره هناک صاحبه ودلیله عبد الله بن بکر الدیلی ابن أریقط المذکور فی آیة الغار وهما اثنان لا ثالث لهما وجعل المغیرة بن شعبة فی زمن الامویین أبا بکر ثالثاً فی الغار لایجاد منقبة کبیرة له تؤهله للخلافة.

بینما کان ابو بکر قد هاجر الی المدینة مع ابی بکر وعمر وعثمان وسالم مولی ابی حذیفة .

لقد تمکن الامام علی علیه السلام الاعزل من سلب خالد بطل المهاجمین من سیفه

ولقد فرَّ خمسة عشر بطلا وهم رؤوس الابطال فی شبه جزیرة العرب من الامام علی علیه السلام ولو هاجموه لقتلهم جمیعا .

فحاوروه محاورة الاذلاء المهزومین وخرجوا من الدار مطأطئی الرؤوس مدحورین .

{ وَإذَا تُتْلَی عَلَیْهِمْ آیَاتُنَا قَالُوا قَدْ سَمِعْنَا لَوْ نَشَاءُ لَقُلْنَا مِثْلَ هَذَا إنْ هَذَا إلا أسَاطِیرُ الأوَّلِینَ 31}_سورة الأنفال.

ص: 285

{وَإذَا تُتْلَی عَلَیْهِمْ آیَاتُنَا } القرآن {قَالُوا } بعض طغاة مکة {قَدْ سَمِعْنَا لَوْ نَشَاءُ لَقُلْنَا مِثْلَ هَذَا } القرآن , لکنهم لم یفعلوا ما قالوا {إنْ هَذَا إلا أسَاطِیرُ الأوَّلِینَ(31) } .

ومعنی قوله " قالوا سمعنا وهم لا یسمعون " معناه سمعنا سماع عالم قابل ،

ولیسوا کذلک ، وهو من صفة المنافقین فی قول ابن إسحاق وأبی علی . وقال الحسن : یعنی به أهل الکتاب . وقیل : هو من صفة المشرکین ، فجعلوا بمنزلة من لا یسمع فی أنهم لم ینتفعوا بالمسموع . وقال أبو علی : هی نفی القبول من قولک سمع الله لمن حمده . وقال الزجاج : یعنی الذین قالوا " لو نشاء لقلنا مثل هذا " فسماهم الله لا یسمعون لأنهم استمعوا استماع عداوة وبغضاء فلم یتفهموا ولم یتفکروا فکانوا بمنزلة من لم یسمع . وقال ابن إسحاق : أراد به الذین یظهرون الایمان ویسرون النفاق .

قوله تعالی : إن شر الدواب عند الله الصم البکم الذین لا یعقلون .

قائله : النضر بن الحارث بن کلدة ، وأسر یوم بدر فقتله النبی ( صلی الله علیه و آله و سلم ) صبرا بید علی ( علیه السلام ) ، وإنما قاله صلفا ونفاجة ، فإنهم لم یتوانوا فی مشیئتهم لو استطاعوا ذلک .

لقد قُتل النضر بن الحارث بن کلدة فی المعرکة ولم یقتل النبی محمد صلی الله علیه و آله و سلم والامام علی علیه السلام أسیرا قط ((1)) .

ص: 286

والنضر من

بنی عبد الدار بن قصی ، ثم قال : ( إن هذا ) الذی یقول محمد من القرآن ( إلا أساطیر الأولین ) .

تفسیر مقاتل : یعنی أحادیث الأولین ، یعنی محمداً صلی الله علیه وسلم یحدث عن الأمم الخالیة ، وأنا أحدثکم عن رستم وأسفندباز ، کما یحدث محمد ، فقال عثمان بن مظعون الجمحی : اتق الله یا نضر ، فإن محمداً یقول الحق ، قال : وأنا أقول الحق ، قال عثمان : فإن محمداً یقول : لا إله إلا الله ، قال : وأنا أقول : لا إله إلا الله ، ولکن الملائکة بنات الرحمن .

فأنزل الله عز وجل فی حم الزخرف ، فقال : ( قل ) یا محمد : ( إن کان للرحمن ولد فأنا أول العابدین ) [ الزخرف : 81 ] ، أول الموحدین من أهل مکة ، فقال عند ذلک : ألا ترون قد صدقنی : ( إن کان للرحمن ولد ) ، قال الولید بن المغیرة : لا والله ما صدقک ، ولکنه قال : ما کان للرحمن ولد ، ففطن لها النضر ، فقال : ( وإذ قالوا اللهم إن کان هذا ) ما یقول محمد ( هو الحق من عندک ) ، یعنی القرآن ، ( فأمطر علینا حجارة من السماء أو ائتنا بعذاب ألیم ) [ آیة : 32 ] ، یعنی وجیع .

فأنزل الله : ( وما کان الله لیعذبهم ) ، یعنی أن یعذبهم ( وأنت فیهم ) بین

أظهرهم حتی یخرجک عنهم کما أخرجت الأنبیاء عن قومهم ، ( وما کان الله معذبهم وهم یستغفرون ) [ آیة : 33 ] ، یعنی یصلون لله ، کقوله : ( وبالأسحار هم یستغفرون ) [ الذاریات : 18 ] ، یعنی یصلون ، وذلک أن نفراً من بنی عبد الدار ، قالوا :

ص: 287

إنا نصلی عند البیت ، فلم یکن الله لیعذبنا ونحن نصلی له . ثم قال : ( وما لهم ألا یعذبهم الله ) إذ لم یکن نبی ولا مؤمن بعد ما خرج النبی صلی الله علیه وسلم إلی المدینة من أهل مکة ، ( وهم یصدون عن المسجد الحرام ) المؤمنین ، ( وما کانوا أولیاءه ) ، یعنی أولیاء الله ، ( إن أولیاؤه ) ، یعنی ما أولیاء الله ( إلا المتقون ) الشرک ، یعنی المؤمنین أصحاب النبی صلی الله علیه وسلم ، ( ولکن أکثرهم لا یعلمون ) ((1)) .

{وَإذْ قَالُوا اللَّهُمَّ إنْ کَانَ هَذَا هُوَ الحَقَّ مِنْ عِنْدِکَ فَأمْطِرْ علینا حِجَارَةً مِنَ السَّمَاءِ أوْ ائْتِنَا بِعَذَاب ألِیم} _سورة الأنفال32 .

العقاب الربانی هبط علی عدَّة رجال مخالفین لولایة الإمام علی بن أبی طالب ( علیه السلام )کالتی نزلت علی جیش إبرهة الحبشی الذی جاء لهدم الکعبة , اذ غضب الحارث الفهری من تنصیب الرسول صلی الله علیه و آله و سلم لعلی ( علیه السلام ) فی منصب الولایة العظمی وسأل الرسول قائلا : (هذا منک أم من الله ؟ فقال الرسول صلی الله علیه و آله و سلم : من الله تعالی .

فقال الحارث : اللهم ان کان هذا هو الحق من عندک فامطر علینا حجارة من السماء او ائتنا بعذاب ألیم فأصابته حجارة من السماء فسقطت فی رأسه وخرجت من دبره وسقط میتا . ونزل قوله تعالی :

ص: 288

{سأَلَ سَائِلٌ بعذاب واقع} ((1)) .

الثعلبی والقرطبی : ونزل ایضا قوله تعالی (أفبعذابنا یستعجلون)((2)) فی هذه الواقعة المتعلقة بمعارضة البعض تعیین علی علیه السلام خلیفة للمسلمین .

ونقل العلاّمة القبیسی , عن الحافظ أبی عبید الهروی المتوفَّی سنة 333 هجریة فی تفسیره (غریب القرآن) قال:

لمّا بلَّغ رسول الله صلی الله علیه و آله و سلم فی غدیر خم فی حقّ علی علیه السلام ما بلَّغ وشاع ذلک أتی جابر بن النضر بن الحارث بن کلدة العبدی , فقال : یا محمد أمرتنا من الله أن نشهد أن لا إله إلاّ الله , وأنّک رسول الله , وبالصلاة , والصوم , والحجّ , والزکاة فقبلنا منک , ثمّ لم ترض بذلک حتی رفعت بضبع ابن

ص: 289

عمّک ففضَّلته علینا وقلت : (من کنت مولاه فعلی مولاه) ((1)) فهذا شیء منک أم من الله ؟

ص: 290

ص: 291

فقال رسول الله صلی الله علیه و آله و سلم والله الذی لا إله إلاّ هو إنّ هذا من الله . فولی جابر یرید راحلته وهو یقول : اللهمّ إن کان ما یقول محمد حقّاً فأمطر علینا حجارة من السماء أو إئتنا بعذاب ألیم .

فما وصل إلیها حتی رماه الله بحجر فسقط علی هامته وسقط من دبره وقتله ((1)) .

وقال سعد أفندی فی حاشیة له علی تفسیر البیضاوی مخطوطة فی تفسیر سورة المعارج والسائل نفر بن الحراث علی قول الجمهور فإنّه قال :

(إن کان هذا هو الحقّ) . الآیة , ف- (واقع) .

بمعنی سیقع لا محالة , عبر بما یدلّ علی الدالّ لتحقّقه إمّا فی الدنیا أو فی الآخرة((2)) .

ورواه من أعلام المذاهب السنیة : شیخ الإسلام الحموینی الحنفی فی کتابه فرائد السمطین فی الباب الثالث عشر .

ابن الصباغ المالکی : ورواه ابن الصباغ المالکی فی کتاب الفصول المهمّة ص 36.

الشبلنجی الشافعی : ذکره الشبلنجی الشافعی فی کتابه نور الأبصار : 78.

{ وَمَا کَانَ اللّهُ لِیُعَذِّبَهُمْ وَأنْتَ فِیهِمْ وَمَا کَانَ اللّهُ مُعَذِّبَهُمْ وَهُمْ یَسْتَغْفِرُونَ 33 }_سورة الأنفال.

ص: 292

{وَمَا کَانَ اللّهُ لِیُعَذِّبَهُمْ وَأنْتَ } یا محمد {فِیهِمْ } لبیان منزلة النبی الاعظم عند الله تعالی {وَمَا کَانَ اللّهُ مُعَذِّبَهُمْ وَهُمْ یَسْتَغْفِرُونَ33 }.

هذا یبین أن للاستغفار مکانة عزیزة عند الله تعالی .

ابن حجر و الکشفی الترمذی : روی العلاّمة المیر محمد صالح الکشفی الترمذی فی کتابه المناقب المرتضویة , قال : أورد ابن حجر فی الصواعق المحرقة قوله تعالی : (وَمَا کَانَ اللّهُ مُعَذِّبَهُمْ وَهُمْ یَسْتَغْفِرُونَ) .

إنّ المراد أهل البیت کما قال النبی صلی الله علیه و آله و سلم : النجوم أمان لأهل السماء وأهل بیتی أمان لأمّتی ((1))

.

ص: 293

لعلّ المقصود بذلک أنّ کون أهل البیت(علیهم السلام ) فی الأمّة بمثابة کون الرسول صلی الله علیه و آله و سلم بنفسه فی الأمّة , فکما أنّ الله تعالی لا یعذّب الأمة ما دام الرسول صلی الله علیه و آله و سلم بین ظهرانیها , کذلک لا یعذبّ الله أمّة الإسلام بعد شهادة الرسول صلی الله علیه و آله و سلم ما دام واحد من أهل البیت بین ظهرانی الأمّة.

وحیث لا تخلو الأرض من حجّة , وحیث یوجد فی هذا الزمان الإمام المهدی المنتظر عجّل الله فرجه وهو من أهل البیت فلا یستحقّ الناس العذاب .

کان رسول الله صلی الله علیه و آله و سلم جالس ذات یوم اذ اقبل أمیر المؤمنین فقال رسول الله صلی الله علیه و آله و سلم : إنَّ فیک شبهاً من عیسی بن مریم لولا أن تقول فیک طوائف من أمتی ما قالت النصاری فی عیسی بن مریم لقلت فیک قولا لا تمر بملأ من الناس الا أخذوا التراب من تحت قدمیک , یلتمسون بذلک البرکة .

فغضب الأعرابیان (فلان وفلان أی ابو بکر وعمر ) والمغیرة بن شعبة وعدة من قریش معهم فقالوا : ما رضی أن یضرب لابن عمه مثلا الا عیسی بن مریم , فأنزل الله علی نبیه :

(وَلَمَّا ضُرِبَ ابْنُ مَرْیَمَ مَثَلا إذَا قَوْمُکَ مِنْهُ یَصِدُّونَ

57 وَقَالُوا أآلِهَتُنَا خَیْرٌ أمْ هُوَ مَا ضَرَبُوهُ لَکَ إلا جَدَلا بَلْ هُمْ قَوْمٌ خَصِمُونَ 58 إنْ هُوَ إلا عَبْدٌ أنْعَمْنَا

ص: 294

عَلَیْهِ وَجَعَلْنَاهُ مَثَلا لِبَنِی إسْرَائِیلَ 59 وَلَوْ نَشَاءُ لَجَعَلْنَا مِنْکُمْ مَلائِکَةً فِی الأرْضِ یَخْلُفُونَ 6 ((1)) .

فغضب الحارث بن عمر الفهری فقال : اللهم إن کان هذا هو الحق من عندک بأنَّ بنی هاشم یتوارثون هرقلا بعد هرقل , فامطر علینا حجارة من السماء أو ائتنا بعذاب ألیم .فأنزل الله علیه مقالة الحارث , ونزلت هذه الآیة :

(وَمَا کَانَ اللّهُ لِیُعَذِّبَهُمْ وَأنْتَ فِیهِمْ وَمَا کَانَ اللّهُ مُعَذِّبَهُمْ وَهُمْ یَسْتَغْفِرُونَ) . فنزل علیه العذاب الالهی ومات .

ونزل قوله : (سأل سائل بعذاب واقع , للکافرین بولایة علی لیس له دافع , من الله ذی المعارج ) ((2)) .

{ وَمَا لَهُمْ ألاَّ یُعَذِّبَهُمُ اللّهُ وَهُمْ یَصُدُّونَ عَنِ المَسْجِدِ الحَرَامِ وَمَا کَانُوا أوْلِیَاءَهُ إنْ أوْلِیَاؤُهُ إلا المُتَّقُونَ وَلَکِنَّ أکْثَرَهُمْ لا یَعْلَمُونَ} 34 _سورة الأنفال.

{وَمَا لَهُمْ ألاَّ یُعَذِّبَهُمُ اللّهُ وَهُمْ یَصُدُّونَ عَنِ المَسْجِدِ الحَرَامِ } بعد خروج النبی والمسلمین من مکة أصبح أهل مکة مؤهلین لنزول العذاب علیهم

ص: 295

{وَمَا کَانُوا أوْلِیَاءَهُ } زعموا أنهم ولاة البیت الحرام {إنْ أوْلِیَاؤُهُ إلا المُتَّقُونَ } المسلمون .

الحسکانی الحنفی : روی الحافظ الحاکم الحسکانی الحنفی , قال : أخبرنا عقیل بن الحسین , بإسناده المذکور , عن عبدالله بن عباس فی قوله تعالی : (وما کانوا) . یعنی : کفّار مکّة.

(إنْ أوْلِیَاؤُهُ إلا المُتَّقُونَ ) .

یعنی : اتّقوا الشرک والکبائر , یعنی : علی بن أبی طالب علیه السلام

وحمزة وجعفراً وعقیلا. هؤلاء هم أولیاؤهم. (ولکنّ أکثرهم لا یعلمون) ((1)) .

أولیاؤه هم أهل البیت المطهرون والمعصومون فی القرآن کما جاء النص القرآنی : (إنَّمَا وَلِیُّکُمُ اللّهُ وَرَسُولُهُ وَالَّذِینَ آمَنُوا الَّذِینَ یُقِیمُونَ الصَّلاةَ وَیُؤْتُونَ الزَّکَاةَ وَهُمْ رَاکِعُونَ) .

{وَمَا کَانَ صَلاتُهُمْ عِنْدَ البَیْتِ إلا مُکَاءً وَتَصْدِیَةً فَذُوقُوا العَذَابَ بِمَا کُنتُمْ تَکْفُرُونَ 35 } سورة الأنفال.

{ وَمَا کَانَ صَلاتُهُمْ عِنْدَ البَیْتِ إلا مُکَاءً } صفیراً {وَتَصْدِیَةً } تصفیقاً , بدل الصلاة التی أمروا بها {فَذُوقُوا العَذَابَ بِمَا کُنتُمْ تَکْفُرُونَ35 } .

ص: 296

وای صلاة یعلوها الصفیر والتصفیق ومن قبل أناس یعبدون الاصنام ویقدمون لها القرابین لا تساوی شیئا . وسکنهم فی جهنم یأتی بسبب کفرهم بالله العظیم .

تفسیر علی بن إبراهیم : لما اجتمعت قریش أن یدخلوا علی النبی لیلا فیقتلوه ، وخرجوا إلی المسجد یصفرون ویصفقون ویطوفون بالبیت فأنزل الله : " وما کان صلاتهم عند البیت إلا مکاء وتصدیة " فالمکاء : التصفیر ، والتصدیة : صفق الیدین ((1)).

{ إنَّ الَّذِینَ کَفَرُوا یُنْفِقُونَ أمْوَالَهُمْ لِیَصُدُّوا عَنْ سَبِیلِ اللّهِ فَسَیُنفِقُونَهَا ثُمَّ تَکُونُ عَلَیْهِمْ حَسْرَةً ثُمَّ یُغْلَبُونَ وَالَّذِینَ کَفَرُوا إلَی جَهَنَّمَ یُحْشَرُونَ 36 }سورة

الأنفال.

{ إنَّ الَّذِینَ کَفَرُوا یُنْفِقُونَ أمْوَالَهُمْ لِیَصُدُّوا عَنْ سَبِیلِ اللّهِ } لمحاربة الاسلام سابقاً وحاضراً والیوم تنفق الحکومات الوهابیة والعلمانیة ملیارات الدولارات بتوجیه من الغرب الکافر لضرب المسلمین ومحاربة الدین .کان الامویون یحاربون الشیعة وینفقون أموالا کثیرة فی هذا السبیل ((2)).

ص: 297

{فَسَیُنفِقُونَهَا ثُمَّ تَکُونُ عَلَیْهِمْ حَسْرَةً }لانها صرفت لمحاربة الاسلام والمسلمین وفوات فائدتها وذهابها مع الریاح .

قال ابن سعد : لمّا رجع من حضر بدراً من المشرکین إلی مکّة وجدوا العیر التی قدم بها أبو سفیان بن حرب موقوفة فی دار الندوة فمشت أشراف قریش إلی أبی سفیان فقالوا : نحن طیّبوا أنفس أن تجهّزوا بربح هذه العیر جیشاً إلی محمّد .

فقال أبو سفیان : فأنا أوّل من أجاب إلی ذاک وبنو عبد مناف((1)) .

فباعوها فصارت ذهباً , وکانت ألف بعیر والمال خمسین ألف دینار , فسلّم إلی أهل العیر رؤوس أموالهم وأخرجوا أرباحهم , وکانوا یربحون فی تجاراتهم لکلّ دینار دیناراً ((2)) .

قال ابن إسحاق ففیهم أنزل الله تعالی : (إِنَّ الَّذِینَ کَفَرُوا یُنْفِقُونَ أَمْوَالَهُمْ لِیَصُدُّوا عَنْ سَبِیلِ اللهِ فَسَیُنفِقُونَهَا ثُمَّ تَکُونُ عَلَیْهِمْ حَسْرَةً ثُمَّ یُغْلَبُونَ ) ((3)) .

{ثُمَّ یُغْلَبُونَ } فی الحرب وباقی البرامج السیاسیة والاجتماعیة {وَالَّذِینَ کَفَرُوا إلَی جَهَنَّمَ یُحْشَرُونَ36 } خسروا الدنیا والاخرة .

ص: 298

{ لِیَمِیزَ اللّهُ الخَبِیثَ مِنَ الطَّیِّبِ وَیَجْعَلَ الخَبِیثَ بَعْضَهُ عَلَی بَعْض فَیَرْکُمَهُ جَمِیعاً فَیَجْعَلَهُ فِی جَهَنَّمَ اُوْلَئِکَ هُمُ الخَاسِرُونَ 37 } سورة الأنفال.

{لِیَمِیزَ اللّهُ الخَبِیثَ مِنَ الطَّیِّبِ } من القول والفعل .

{وَیَجْعَلَ الخَبِیثَ بَعْضَهُ عَلَی بَعْض فَیَرْکُمَهُ جَمِیعاً فَیَجْعَلَهُ فِی جَهَنَّمَ } یضع الباری تعالی المجرمین بعضاً علی بعض فی جماعة کبیرة ثم یلقی به فی جهنم {اُوْلَئِکَ هُمُ الخَاسِرُونَ37 }بالامر والعدل الربانی .

الحسن بن علی علیه السلام : « أن الله عز وجل بمنه وبرحمته لما فرض علیکم الفرائض لم یفرض ذلک علیکم لحاجة منه إلیه بل رحمة منه _ لا إله إلا هو _ لیمیز الخبیث من الطیب ، ولیبتلی ما فی صدورکم ، ولیمحص ما فی قلوبکم ، ولتتسابقوا إلی رحمته ، ولتتفاضل منازلکم فی جنته ، ففرض علیکم الحج والعمرة وإقام الصلاة وإیتاء الزکاة والصوم والولایة ، وجعل لکم بابا لتفتحوا به أبواب الفرائض مفتاحا إلی سبیله ، ولولا محمد صلی الله علیه و آله و سلم والأوصیاء من ولده ( علیهم السلام ) کنتم حیاری کالبهائم ، لا تعرفون فرضا من الفرائض ، وهل تدخل قریة إلا من بابها ؟

فلما من علیکم بإقامة الأولیاء بعد نبیکم صلی الله علیه و آله و سلم ، قال : ( الْیَوْمَ أَکْمَلْتُ لَکُمْ دِینَکُمْ وأَتْمَمْتُ عَلَیْکُمْ نِعْمَتِی ورَضِیتُ لَکُمُ الإِسْلامَ دِیناً )

ففرض علیکم لأولیائه حقوقا ، وأمرکم بأدائها إلیهم ، لیحل لکم ما وراء ظهورکم من

ص: 299

أزواجکم وأموالکم ومآکلکم ومشاربکم ، ویعرفکم بذلک البرکة والنماء والثروة لیعلم من یطیعه منکم بالغیب .

ثم قال عز وجل : قُلْ لا أَسْئَلُکُمْ عَلَیْه أَجْراً إِلَّا الْمَوَدَّةَ فِی الْقُرْبی ) فاعلموا أن من یبخل فإنما یبخل عن نفسه ، إن الله هو الغنی وأنتم الفقراء إلیه ، فاعملوا من بعد ما شئتم ، فسیری الله عملکم ورسوله والمؤمنون ، ثم تردون إلی عالم الغیب والشهادة فینبئکم بما کنتم تعملون ، والعاقبة للمتقین ، ولا عدوان إلا علی الظالمین .

سمعت جدی رسول الله صلی الله علیه و آله و سلم ، یقول : خلقت من نور الله عز وجل وخلق أهل بیتی من نوری ، وخلق محبوهم من نورهم ، وسائر الناس فی

النار » ((1)) .

و قال نجاح الطائی : ان الاموال التی یصرفها الکفار فی الاثم والجرائم والترف ستکون علیهم حسرة یوم القیامة لانهم لم یصرفوها فی مجالات الخیر والبرکة واعمار الارض واطعام المسکین .

ان الاموال التی أعطاها الله تعالی هدفها تمییز الخبیث من الطیب فیرسل الخبیث الی جهنم فیکونوا هم الخاسرین .

ص: 300

وکثیر ما یبتلی جباة الاموال من الزکاة والخمس وغیرها بها فیسرقوها لینفقوها فی أعمال الباطل والتوجهات الصبیانیة فتکون علیهم حسرة .

ویفکر الناس وخصوصا المترفین کثیرا فی أفضل الاطعمة والاشربة بینما قال الامام المعصوم علیه السلام : أفضل الطعام ما أکلته جائعا وأفضل الشراب الماء .

قال علیه السلام : لا تجلس علی الطعام إلا وأنت جائع ، ولا تقم عن الطعام إلا وأنت تشتهیه ، وجود المضغ ، وإذا نمت فأعرض نفسک علی الخلاء ، وإذا استعملت هذا استغنیت عن الطب ((1)) .

وسئل فقیل : إن فی القرآن کل علم إلا الطب ؟ فقال علیه السلام : أما أن فی القرآن لآیة تجمع الطب کله ( کلوا واشربوا ولا تسرفوا ) ((2)) .

وعن

عامر الشعبی قال : قال زر بن حبیش : قال أمیر المؤمنین علیه السلام : أربع کلمات فی الطب لو قالها بقراط أو جالینوس لقدم أمامها مائة ورقة ثم

ص: 301

زینها بهذه الکلمات وهی ( قوله : ) توقوا البرد فی أوله وتلقوه فی آخره فإنه یفعل فی الأبدان کفعله فی الأشجار ، أوله یحرق ، وآخره یورق ((1)) .

وعن أمیر المؤمنین علیه السلام : من أراد البقاء ولا بقاء فلیباکر الغذاء ولیؤخر العشاء ولیقل غشیان النساء ، ولیخفف الرداء ، قیل وما خفة الرداء یا ولی الله ؟ قال علیه السلام الدین ((2)) .

{قُلْ لِلَّذِینَ کَفَرُوا إنْ یَنتَهُوا یُغْفَرْ لَهُمْ مَا قَدْ سَلَفَ وَإنْ یَعُودُوا فَقَدْ مَضَتْ سُنَّةُ الأوَّلِینَ 38 } سورة

الأنفال.

{قُلْ لِلَّذِینَ کَفَرُوا إنْ یَنتَهُوا } یتوبوا عن أفعالهم الشائنة والظالمة للعباد من ارتکاب للمحارم وقتل النفس التی حرم الله تعالی .

{یُغْفَرْ لَهُمْ مَا قَدْ سَلَفَ } . قال امام البلاغة علی علیه السلام : ما کان الله لیفتح علی عبد باب التوبة ویغلق عنه باب المغفرة .

ص: 302

{وَإنْ یَعُودُوا فَقَدْ مَضَتْ سُنَّةُ الأوَّلِینَ38 } فی تدمیر المجرمین المصرین علی الباطل .

{ وَقَاتِلُوهُمْ حَتَّی لا تَکُونَ فِتْنَةٌ وَیَکُونَ الدِّینُ کُلُّهُ لِلّهَِ فإنْ انتَهَوْا فَإنَّ اللّهَ بِمَا یَعْمَلُونَ بَصِیرٌ39 } سورة الأنفال.

{وَقَاتِلُوهُمْ حَتَّی لا تَکُونَ فِتْنَةٌ } حتی افناء الشرک وذلک عند ظهور المهدی((1)) .

المروی عن الامام الباقر علیه السلام قال تعالی: « وَالْفِتْنَةُ أَشَدُّ مِنَ الْقَتْلِ _

البقرة: 187 » . وَالفِتْنَةُ أکْبَرُ مِنْ القَتْلِ_البقرة 217.

{وَیَکُونَ الدِّینُ کُلُّهُ لِلّهِ } عند اجتماعهم علی الحق {فَإنْ انتَهَوْا } عن الکفر {فَإنَّ اللّهَ بِمَا یَعْمَلُونَ بَصِیرٌ39 }.

الهدف من القتال هو رفع الفتنة وبسط التوحید . ولعل الأول هو الدفاعی المصطلح ، والثانی هو الابتدائی ، وإذا حصل الهدف فلا عدوان بالاحتلال والتسخیر ، إِلاّ ان یکون القوم ظالمین فیراد رفع ظلمهم وشرّهم .

عموم قوله صلی الله علیه و آله و سلم : ( أمرت أن أقاتل الناس حتی یقولوا : لا إله إلا الله ، فمن قال : لا إله إلا الله ، فقد عصم منی ماله ونفسه إلا بحقه وحسابه علی الله ) ((2)) .

ص: 303

وعن أبی حفص الکلبی ، عن أبی عبد الله علیه السلام قال : ( إن الله عز وجل بعث رسوله بالإسلام إلی الناس عشر سنین ، فأبوا أن یقبلوا حتی أمره بالقتال ، فالخیر فی السیف وتحت السیف . . . ) ((1)) .

{ وَإنْ تَوَلَّوْا فَاعْلَمُوا أنَّ اللّهَ مَوْلاکُمْ نِعْمَ المَوْلَی وَنِعْمَ النَّصِیرُ40 }

سورة الأنفال.

{وَإنْ تَوَلَّوْا } عن دین الاسلام {فَاعْلَمُوا أنَّ اللّهَ مَوْلاکُمْ } .

یدیر أمورکم {نِعْمَ المَوْلَی وَنِعْمَ النَّصِیرُ40 }: من حیث الادارة والعون والمساعدة والهدایة .

{ وَاعْلَمُوا أنَّمَا غَنِمْتُمْ مِنْ شَیْء فَأنَّ لِلّهِ خُمُسَهُ وَلِلرَّسُولِ وَلِذِی القُرْبَی وَالیَتَامَی وَالمَسَاکِینِ وَابْنِ السَّبِیلِ إنْ کُنتُمْ آمَنْتُمْ بِاللّهِ وَمَا أنزَلْنَا عَلَی عَبْدِنَا یَوْمَ الفُرْقَانِ یَوْمَ التَقَی الجَمْعَانِ وَاللّهُ عَلَی کُلِّ شَیْء قَدِیرٌ41 } سورة الأنفال.

{ وَاعْلَمُوا أنَّمَا غَنِمْتُمْ } کسبتم {مِنْ شَیْء } قال علماء الشیعة یشمل کل غنیمة , وقال علماء السنَّة : یشمل غنائم الحرب فقط .

ص: 304

{ فَأنَّ لِلّهِ خُمُسَهُ وَلِلرَّسُولِ وَلِذِی القُرْبَی } قال : هم قرابة رسول الله صلی الله علیه و آله و سلم والخمس لله وللرسول و { وَالیَتَامَی وَالمَسَاکِینِ وَابْنِ السَّبِیلِ } .

مصرف الخمس : وعن مصرف الخمس قالت الشیعة یصرف نصفه الاول لنصرة الدین وترویج الشریعة والمراسم الاسلامیة , ویصرف القسم الثانی لاهل البیت خاصة أی المعصومین وقالوا : لکل اقرباء النبی أی بنی هاشم .

وعن سلیم بن قیس قال : سمعت أمیر المؤمنین علیه السلام یقول : نحن والله الذین عنی الله بذی القربی ، الذین قرنهم الله بنفسه ونبیه صلی الله علیه و آله و سلم ، فقال : " ما أفاء الله علی رسوله من أهل القری فلله وللرسول ولذی القربی والیتامی والمساکین " منا خاصة ولم یجعل لنا سهما فی الصدقة ، أکرم الله نبیه وأکرمنا أن یطعمنا أوساخ ما فی أیدی الناس ((1)) .

الکلینی : عن الامام أبی عبد الله الصادق علیه السلام فی قول الله تعالی : " {واعلموا أنما غنمتم من شئ فأن لله خمسه وللرسول ولذی القربی} ((2)) .

قال : أمیر المؤمنین والأئمة علیهم السلام ((3)) .

ص: 305

عن الامام أبی جعفر الباقر علیه السلام فی قول الله تعالی : " واعلموا أنما غنمتم من شئ فأن لله خمسة و للرسول ولذی القربی " قال : هم قرابة رسول الله صلی الله علیه و آله و سلم والخمس لله وللرسول ولنا ((1)) .

وروی الطبری فی تفسیره (جامع البیان فی تفسیر القرآن) . بإسناده المذکور , عن ابن الدیلمی قال : قال علی بن الحسین علیه السلام لرجل من أهل الشام : أما قرأت فی الأنفال :

(واعلموا أنّما غنمتم من شیء فأنّ لله خمسه , وللرسول ولذی القربی...) . الآیة؟ قال الشامی : نعم , قال علیه السلام : نحن هم , قال الشامی : فإنّکم لأنتم هم؟ قال : نعم ((2)) .

وروی الطبری فی تفسیره عن الحارث , بإسناده المذکور , عن المنهال بن عمرو , قال : سألت عبدالله بن محمد بن علی , وعلی بن الحسین بن علی بن أبی طالب علیه السلام عن الخمس؟ فقالا : هو لنا.

فقلت لعلی بن الحسین بن علی بن أبی طالب علیه السلام : إنّ الله یقول : (والیتامی والمساکین وابن السبیل) . قال : یتامانا ومساکیننا ((3)) .

ص: 306

وقال العلاّمة محمد جمال الدین القاسمی فی تفسیره عند ذکر هذه الآیة : أجمع العلماء : علی أنّ المراد ب- (ذی القربی) . قرابته صلی الله علیه و آله و سلم وآله((1)) .

وقال الإمام التونسی الشیخ محمد الطاهر بن عاشور فی تفسیره التحریر والتنویر , وأمّا ذو القربی , ف- (ال) . فی القربی عوض عن المضاف إلیه , والمراد هنا هو الرسول المذکور قبله , أی : ولذی قربی الرسول وذلک إکرام من الله لرسوله صلی الله علیه و آله و سلم إذ جعل لأهل قرابته حقّاً فی مال الله; لأنّ الله حرّم علیهم أخذ الصدقات والزکاة , فلا جرم أنّه أغناهم من مال الله , ولذلک کان حقّهم فی الخمس ثابتاً بوصف القرابة((2)) .

وقال بعضهم : بل لکل مسلم من الاصناف هاشمیاً کان أو غیر هاشمی.

وأخرج الشیخ المفسّر شهاب الدین السیویسی فی تفسیره المخطوط الممزوج بآیات القرآن قال :

(فَأنَّ لِلّهِ خُمُسَهُ وَلِلرَّسُولِ وَلِذِی القُرْبَی) .

ص: 307

أی : ولا قاربه کبنی هاشم وبنی المطلب - دون بنی شمس وبنی نوفل - لأنّ هؤلاء لم یفارقوه فی الجاهلیة والإسلام((1)) .

وقال صاحب المنار فی تفسیره , عند تفسیره هذه الآیة :

(ولذوی القربی; لأنّهم أکثر الناس حمیة للإسلام , حیث اجتمع فیهم الحمیة الدینیة إلی الحمیة النسبیة , فإنّه لا فخر لهم إلاّ بعلوّ دین محمد صلی الله علیه و آله و سلم ولأنّ فی ذلک تنویهاً بأهل بیت النبی صلی الله علیه و آله و سلم وتلک مصلحة راجعة إلی الملة , وإذا کان العلماء والقرّاء یکون توقیرهم تنویهاً بالملة یجب أن یکون توقیر ذوی القری کذلک بالأولی.

ثمّ قال أیضاً : (روی عن زین العابدین علی بن الحسین علیه السلام أنه قال : إنّ الخمس لنا , فقیل له , إنّ الله یقول : (والیتامی , والمساکین , وابن

السبیل) ((2)) .

وقال المفسّر المعاصر عبدالکریم الخطیب فی تفسیره المسمی بالتفسیر القرآنی للقرآن , فی هذه الآیة :

فهذا الخمس من الغنائم موزّع علی خمسة أقسام , قسم لله , وما کان لله فهو لرسول الله , وقسم لذوی القربی من رسول الله((3)) .

ص: 308

وقال الإمام أبو حامد الغزالی فی إحیائه قال صلی الله علیه و آله و سلم : لا تحلّ الصدقه لآل محمد إنّما هی أوساخ الناس ((1)) .

وأخرج إمام الحنابلة أحمد بن حنبل فی مسنده , قال : إنّ نجدة الحروری سأل ابن عباس عن سهم ذی القربی فقال :

هو لنا , لقربی رسول الله صلی الله علیه و آله و سلم قسمه رسول الله صلی الله علیه و آله و سلم لهم ((2)) .

الزمخشری: وأخرج الزمخشری فی تفسیره قال :

وعن ابن عباس أنّه - أی الخمس - علی ستّة أسهم , لله والرسول سهمان , وسهم لأقاربه , حتی قبض صلی الله علیه و آله و سلم ((3)) .

وقال المفسّر أحمد بن یوسف کواشی الموصلی فی تفسیره المخطوط المزجی : فی (ولذی القربی) . من سورة الأنفال :

والمراد أقاربه صلی الله علیه و آله و سلم وهم بنو هاشم وبنو المطّلب یعطون... إلی أن قال :

قال صلی الله علیه و آله و سلم : أمّا بنو هاشم وبنو المطلب فشیء واحد وشبک بین أصابعه ما فارقونا فی جاهلیة ولا إسلام ((4)) .

ص: 309

والمفسّر أبو الفضل فیض الله بن المبارک الفیض الهندی فی تفسیره المخطوط المزجی المهمل الکلمات التی لا نقط لها , قال :

(ولذی القربی) . والمراد الد أرحام رسول الله صلی الله علیه و آله و سلم وهم أولاد والد والده , و الد والد والده ((1)) .

یعنی : أولاد عبدالمطلب , وأولاد هاشم.

والشیخ إسماعیل بن مصطفی الحقی الإسلامبولی فی تفسیره المخطوط قال : (ولذی القربی) . وهم بنو هاشم وبنو المطلب.

وإنّما خصّ ذو قرابة رسول الله صلی الله علیه و آله و سلم بنی هاشم وبنی المطلب , لأنّهم لم یفارقوه علیه السلام فی جاهلیة ولا فی إسلام , فکانت قرابتهم قرابة کاملة وهی القرابة نسباً وتواصلا فی حال العسر والیسر فأعطوا الخمس ((2)) .

وقال المؤرّخ المشهور محمد فرید وجدی صاحب دائرة معارف القرن العشرین فی

تفسیره المختصر المسمی ب- المصحف المفسّر فی تفسیر هذه الآیة الکریمة :

{ما غنمتم من شیء فان خمسه لله ورسوله ولذی القربی }من الرسول وهم بنو هاشم , وبنو المطّلب , وقیل بنو هاشم وحدهم ((3)) .

ص: 310

وقال مفتی دمشق الشام السید محمد أفندی النقیب فی تفسیره المهمل بلا نقطعة المسمی ب- (در الأسرار) :

{واعلموا أنّما غنمتم من شیء فإنّ لله خمسه وللرسول , ولذی القربی } : للرسول((1)) .

وقال مدرس کلیة الشریعة الإسلامیة بمصر الشیخ محمد علی السایس فی کتابه فی التفسیر عند هذه الآیة الکریمة :

ثالثها : ذوی القربی , والمراد بها قرابة رسول الله صلی الله علیه و آله و سلم ((2)) .

وقال الحافظ ابن رشد فی بدایة المجتهد فی باب الخمس عند ذکر هذه الآیة الکریمة : واختلفوا فی القرابة من هم؟

فقال قوم : بنو هاشم فقط , وقال قوم بنو عبدالمطلب وبنو هاشم...((3)) .

{ وَاعْلَمُوا أنَّمَا غَنِمْتُمْ مِنْ شَیْء فَأنَّ لِلّهِ خُمُسَهُ وَلِلرَّسُولِ وَلِذِی القُرْبَی وَالیَتَامَی وَالمَسَاکِینِ وَابْنِ السَّبِیلِ إنْ کُنتُمْ آمَنْتُمْ بِاللّهِ وَمَا أنزَلْنَا عَلَی عَبْدِنَا یَوْمَ الفُرْقَانِ یَوْمَ التَقَی الجَمْعَانِ وَاللّهُ عَلَی کُلِّ شَیْء قَدِیرٌ41 }_سورة الأنفال.

{إنْ کُنتُمْ آمَنْتُمْ بِاللّهِ وَمَا أنزَلْنَا عَلَی عَبْدِنَا } محمد صلی الله علیه و آله و سلم .

ص: 311

{ یَوْمَ الفُرْقَانِ } یوم بدر اذ فرَّق تعالی فیه بین الاسلام والکفر بنص الاسلام { یَوْمَ التَقَی الجَمْعَانِ } جمع المسلمین وجمع الکافرین .

{وَاللّهُ عَلَی کُلِّ شَیْء قَدِیرٌ(41) } . یهب النصر لمن یشاء .

{إذْ أنْتُمْ بِالعُدْوَةِ الدُّنْیَا وَهُمْ بِالعُدْوَةِ القُصْوَی وَالرَّکْبُ أسْفَلَ مِنْکُمْ وَلَوْ تَوَاعَدتُمْ لاخْتَلَفْتُمْ فِی المِیعَادِ وَلَکِنْ لِیَقْضِیَ اللّهُ أمْراً کَانَ مَفْعُولا لِیَهْلِکَ مَنْ هَلَکَ عَنْ بَیِّنَة وَیَحْیَا مَنْ حَیَّ عَنْ بَیِّنَة وَ إنَّ اللّهَ لَسَمِیعٌ عَلِیمٌ42 } سورة الأنفال.

{ إذْ أنْتُمْ بِالعُدْوَةِ الدُّنْیَا } جانب الوادی.

{وَهُمْ بِالعُدْوَةِ القُصْوَی } الجانب الابعد من الوادی .

{وَالرَّکْبُ } عیر أبی سفیان { أسْفَلَ مِنْکُمْ } فی ساحل البحر حیث سلک أبو سفیان {وَلَوْ تَوَاعَدتُمْ } للقتال و جدتم انهم ضعفکم.

{لاخْتَلَفْتُمْ } رفض بعضکم حضور الحرب لانهم ضعفکم , ولکن حدث اجتماعکما صدفة فی الحرب .

{فِی المِیعَادِ وَلَکِنْ لِیَقْضِیَ اللّهُ أمْراً کَانَ مَفْعُولا} یتمثل فی لقاء النفیر ولیس العیر لیهزم تعالی المشرکین .

{لِیَهْلِکَ مَنْ هَلَکَ عَنْ بَیِّنَة وَیَحْیَا مَنْ حَیَّ عَنْ بَیِّنَة } نصر المسلمین یصبح حجة علی أهل الکفر وقهر الکافرین لیکون حجة علی أهل المسلمین .

{وَ إنَّ اللّهَ لَسَمِیعٌ عَلِیمٌ42 }.

ص: 312

وقال نجاح الطائی : کان الناس قبل الاسلام وفی العصر النبوی جاهزین للحرب للدفاع عن أنفسهم وأموالهم لذا جهز المسلمون ثلاثمائة وثلاثة عشر مقاتلا بسرعة خاطفة ورد علیهم کفار مکة بتجهیر ألف مقاتل بسرعة کبیرة .

وخرج ابو جهل بجیشه للدفاع عن قافلة قریش التجاریة , فنجت القافلة وأخبر ابو سفیان أبا جهل بذلک طالباً منهم الرجوع الا أن أبا جهل رفض ذلک راغباً فی الذهاب الی عیون بدر بطرا وسمعة لیذبح الجزور هناک ویشرب الخمر وتغنی القیان ویفتخر هناک بعز وشموخ قریش الکافرة .

ولاجل محاربة الاسلام والمسلمین والقضاء علی شریعة الله العادلة والکاملة تبرع کفار مکة بأرباح تجارتهم تلک لافناء المسلمین وقتل النبی صلی الله علیه و آله و سلم فی معرکة أحد .

بینما کان کفار مکة لصوصا یسرقون الحاج ولا یکرمون الفقیر والیتیم .

{ إذْ یُرِیکَهُمُ اللّهُ فِی مَنَامِکَ قَلِیلا وَلَوْ أرَاکَهُمْ کَثِیراً لَفَشِلْتُمْ وَلَتَنَازَعْتُمْ فِی الأمْرِ وَلَکِنَّ اللّهَ سَلَّمَ إنَّهُ عَلِیمٌ بِذَاتِ الصُّدُورِ 43 }

سورة الأنفال.

{ إذْ یُرِیکَهُمُ اللّهُ فِی مَنَامِکَ قَلِیلا }تشاهدهم فی منامک قلیلا یا محمد {وَلَوْ أرَاکَهُمْ کَثِیراً لَفَشِلْتُمْ } ولو شاهدتهم کثیراً لترددتم عن لقائهم {وَلَتَنَازَعْتُمْ فِی الأمْرِ } لاختلفتم فی محاربتهم .

{وَلَکِنَّ اللّهَ سَلَّمَ إنَّهُ عَلِیمٌ بِذَاتِ الصُّدُورِ43 } یعلم کل شی .

ص: 313

وعن الامام أبی جعفر الباقر علیه السلام قال : کان إبلیس یوم بدر یقلل المسلمین فی أعین الکفار ویکثر الکفار فی أعین المسلمین فشد علیه جبرئیل علیه السلام بالسیف فهرب منه وهو یقول : یا جبرئیل إنی مؤجل ، إنی مؤجل حتی وقع فی البحر قال زرارة : فقلت لأبی جعفر علیه السلام : لأی شئ کان یخاف وهو مؤجل قال : یقطع بعض أطرافه ((1))

.

{ وَإذْ یُرِیکُمُوهُمْ إذِ التَقَیْتُمْ فِی أعْیُنِکُمْ قَلِیلا وَیُقَلِّلُکُمْ فِی أعْیُنِهِمْ لِیَقْضِیَ اللّهُ أمْراً کَانَ مَفْعُولا وَإلَی اللّهِ تُرْجَعُ الاُمُورُ44 } .

{وَإذْ یُرِیکُمُوهُمْ إذِ التَقَیْتُمْ فِی أعْیُنِکُمْ قَلِیلا } عند لقائهم شاهدتموهم قلیلا لتثبتوا لهم وتحاربوهم {وَیُقَلِّلُکُمْ فِی أعْیُنِهِمْ } لیجترئوا علیکم ویحاربوکم {لِیَقْضِیَ اللّهُ أمْراً کَانَ مَفْعُولا } یتمثل فی نصر الاسلام {وَإلَی اللّهِ تُرْجَعُ الاُمُورُ 44 } .

{ یَا أیُّهَا الَّذِینَ آمَنُوا إذَا لَقِیتُمْ فِئَةً فَاثْبُتُوا وَاذْکُرُوا اللّهَ کَثِیراً لَعَلَّکُمْ تُفْلِحُونَ 45 } سورة الأنفال.

{یَا أیُّهَا الَّذِینَ آمَنُوا إذَا لَقِیتُمْ فِئَةً } کافرة {فَاثْبُتُوا } لحربهم .قال عتبة بن ربیعة یوم بدر لأصحابه : ألا ترونهم _ یعنی أصحاب النّبی صلی الله علیه و آله و سلم _ جثیّا علی الرّکب کأنّهم خرس یتلمّظون تلمّظ الحیّات .

قالها دلالة علی قوتهم واستعدادهم للموت أو النصر .

ص: 314

قال : وسمعت عائشة جیشها یکبّرون یوم الجمل فقالت : لا تکثروا الصّیاح فإنّ کثرة التکبیر عند اللَّقاء من الفشل .

وکان عتبة بن ربیعة وعائشة یعتقدان بفشل حربهما مع حامل لواء الاسلام علی علیه السلام فبیَّنا هزیمتهما قبل الحرب للناس , وانهزما .

أخرج السید المؤمن الشبلنجی الشافعی فی نور الأبصار عن ابن عباس أنّه قال : لیس آیة من کتاب الله تعالی (یا أیّها الذین آمنوا) , إلاّ وعلی أوّلها أمیرها وشریفها((1)) .

الحسکانی الحنفی : وروی الحافظ الحاکم الحسکانی الحنفی , قال : أخبرنی الحسین بن أحمد , بإسناده المذکور , عن الحکم بن عیینة , قال :

أربعة لا شکّ فیهم أنّهم ثبتوا یوم حنین فیهم علی بن أبی طالب علیه السلام ((2)) .

لقد فرَّ الصحابة المهاجرین والانصار فی المعارک الا علی بن أبی طالب علیه السلام لم یفر أبداً , وهو الذی یقول فی نهج البلاغة:

(لو تظاهر العرب علیَّ لما ولیت عنها ).

و ذکر الحکم بن عیینة ذلک إنّما هو تأکید لثباته , لأنّ یوم حنین فرّ کثیر من أصحاب الرسول صلی الله علیه و آله و سلم حیث اعتمدوا علی کثرتهم ولم یتوکّلوا علی الله

ص: 315

, قال تعالی : (ویوم حنین إذ أعجبتکم کثرتکم فلم تغن عنکم شیئاً وضاقت علیکم الأرض بما رحبت ثمّ ولیتم مدبرین) ((1)) .

{وَاذْکُرُوا اللّهَ کَثِیراً } فی الحرب مستعینین به فی النصر علی الاعداء {لَعَلَّکُمْ تُفْلِحُونَ45 } تنتصرون .

{ وَأطِیعُوا اللّهَ وَرَسُولَهُ وَلا تَنَازَعُوا فَتَفْشَلُوا وَتَذْهَبَ رِیحُکُمْ وَاصْبِرُوا إنَّ اللّهَ مَعَ الصَّابِرِینَ46 } سورة الأنفال.

{وَأطِیعُوا اللّهَ وَرَسُولَهُ } طاعة کاملة ومخلصة .

{وَلا تَنَازَعُوا } تختلفوا {فَتَفْشَلُوا } تنهزموا فی الحرب وتفشل مشاریعکم فی کافَّة المجالات .

{وَتَذْهَبَ رِیحُکُمْ }شوکتکم و قوتکم وعزکم {وَاصْبِرُوا } فی الصعاب والحروب {إنَّ اللّهَ مَعَ الصَّابِرِینَ46 } .

{وَلا تَکُونُوا کَالَّذِینَ خَرَجُوا مِنْ دِیَارِهِمْ بَطَراً وَرِئَاءَ النَّاسِ وَیَصُدُّونَ عَنْ سَبِیلِ اللّهِ وَاللّهُ بِمَا یَعْمَلُونَ مُحِیطٌ47 } سورة الأنفال.

{ وَلا تَکُونُوا کَالَّذِینَ خَرَجُوا مِنْ دِیَارِهِمْ بَطَراً وَرِئَاءَ النَّاسِ } خرج ابو جهل بجیشه للدفاع عن قافلة قریش التجاریة , فنجت القافلة وأخبر ابو سفیان أبا جهل بذلک طالباً منهم الرجوع الا أن أبا جهل رفض ذلک

ص: 316

راغباً فی الذهاب الی عیون بدر لیذبح الجزور هناک ویشرب الخمر وتغنی القیان ویفتخر هناک بعز وشموخ قریش الکافرة .

{وَیَصُدُّونَ عَنْ سَبِیلِ اللّهِ } یحاربون مناهج الخیر الاخلاقیة کافَّة .

{وَاللّهُ بِمَا یَعْمَلُونَ } من سعی لنصرة أعمال النهب والسلب والاعتداء علی الابریاء {مُحِیطٌ47 } .

خروج أبی جهل بهذه الصورة للریاء واعلاء سمعة الاصنام واعلاء رایات الکفر کان یستوجب التدخل الالهی لتحطیم هذا الاستکبار الجاهلی .

وفعلا أنزل تعالی نصره علی المسلمین حیث قتل الامام علی علیه السلام نصف عدد القتلی وقتل کل المسلمین النصف الثانی البالغ خمسة وثلاثون رجلا .

{وَإذْ زَیَّنَ لَهُمُ الشَّیْطَانُ أعْمَالَهُمْ وَقَالَ لا غَالِبَ لَکُمُ الیَوْمَ مِنَ النَّاسِ وَإنِّی جَارٌ لَکُمْ فَلَمَّا تَرَاءَتِ الفِئَتَانِ نَکَصَ عَلَی عَقِبَیْهِ وَقَالَ إنِّی بَرِیءٌ مِنْکُمْ إنِّی أرَی مَا لا تَرَوْنَ إنِّی أخَافُ اللّهَ وَاللّهُ شَدِیدُ العِقَابِ48 } سورة الأنفال.

{وَإذْ زَیَّنَ لَهُمُ الشَّیْطَانُ أعْمَالَهُمْ } فی محاربة المسلمین والطغیان والفساد فی الارض {وَقَالَ } حین تصوَّر لهم بصورة سراقة بن غالب قائلا : {لا غَالِبَ لَکُمُ الیَوْمَ مِنَ النَّاسِ } لعددکم الکثیر وعدتکم العظیمة {وَإنِّی جَارٌ لَکُمْ } نصیر ومجیر .

{فَلَمَّا تَرَاءَتِ الفِئَتَانِ } التقی المسلمون والکافرون فی الحرب {نَکَصَ عَلَی عَقِبَیْهِ } تراجع فاراً من الحرب .

ص: 317

{وَقَالَ إنِّی بَرِیءٌ مِنْکُمْ } بعدما أوصلهم الشیطان الی ساحة القتال تبریء منهم رغم ضمانته لهم بالنصر علی المسلمین .

وهکذا یفعل دائماً مع ضحایاه , وقال ابلیس : {إنِّی أرَی مَا لا تَرَوْنَ } رأی الملائکة جاهزة للحرب فأدرک نصر الله تعالی للمسلمین , وهزیمة الکافرین.

فقال : {إنِّی أخَافُ اللّهَ وَاللّهُ شَدِیدُ العِقَابِ48 } لا یهمل المفسدین المجرمین .

قال جابر بن عبد الله بن حرام الأنصاری : تمثل إبلیس ( لعنه الله ) فی أربع صور : تمثل یوم بدر فی صورة سراقة بن مالک بن جعشم المدلجی ، فقال لقریش : ( لا غالِبَ لَکُمُ الْیَوْمَ مِنَ النَّاسِ وإِنِّی جارٌ لَکُمْ فَلَمَّا تَراءَتِ الْفِئَتانِ نَکَصَ عَلی عَقِبَیْه وقالَ إِنِّی بَرِیءٌ مِنْکُمْ ) .

وتصور یوم العقبة فی صورة منبه بن الحجاج ، فنادی أن محمدا والصباة معه عند العقبة فأدرکوهم ، فقال رسول الله صلی الله علیه و آله و سلم للأنصار : « لا تخافوا فإن صوته لن یعدوه » .

وتصور یوم اجتماع قریش فی دار الندوة فی صورة شیخ من أهل نجد ، وأشار علیهم فی أمرهم ، فأنزل الله تعالی :

{ وإِذْ یَمْکُرُ بِکَ الَّذِینَ کَفَرُوا لِیُثْبِتُوکَ أَوْ یَقْتُلُوکَ أَوْ یُخْرِجُوکَ ویَمْکُرُونَ ویَمْکُرُ اللَّه واللَّه خَیْرُ الْماکِرِینَ } .

ص: 318

وتصور یوم قبض رسول الله صلی الله علیه و آله و سلم فی صورة المغیرة بن شعبة ، فقال : أیها الناس ، لا تجعلوها کسروانیة ولا قیصرانیة ، وسعوها تتسع ، فلا تردوا إلی بنی هاشم فتنتظر بها الحبالی ((1))

.

و قال نجاح الطائی : لا یتمثل ابلیس بصورة بشر الا فی حالات نادرة وبحصوله علی اذن من الباری تعالی .

وأثره محدود وضعیف أمام النصر الالهی الواسع والقوی لکن الشیطان یؤثر علی أتباعه ویغویهم ویحرفهم عن الصراط المستقیم .

ومن یتوکل علی الله تعالی ویستعیذ به لا سلطة لابلیس علیه :

وَقَالَ الشَّیْطَانُ لَمَّا قُضِیَ الأمْرُ إنَّ اللّهَ وَعَدَکُمْ وَعْدَ الحَقِّ وَوَعَدْتُکُمْ فَأخْلَفْتُکُمْ وَمَا کَانَ لِی عَلَیْکُمْ مِنْ سُلْطَان إلا أنْ دَعَوْتُکُمْ فَاسْتَجَبْتُمْ لِی فَلا تَلُومُونِی وَلُومُوا أنْفُسَکُمْ_ابراهیم 22.

{إذْ یَقُولُ المُنَافِقُونَ وَالَّذِینَ فِی قُلُوبِهِمْ مَرَضٌ غَرَّ هَؤُلاءِ دِینُهُمْ وَمَنْ یَتَوَکَّلْ عَلَی اللّهِ فَإنَّ اللّهَ عَزِیزٌ حَکِیمٌ 49 }

سورة الأنفال.

{إذْ یَقُولُ المُنَافِقُونَ وَالَّذِینَ فِی قُلُوبِهِمْ مَرَضٌ } هؤلاء المشککون فی الاسلام نفذوا فی صفوف المسلمین بأوامر قرشیة , وکانوا یحسدون محمداً علی نبوته الالهیة فنزلت فیهم آیة :

ص: 319

(وان یکاد الذین کفروا لیزلقونک بأبصارهم...) . وهم الذین حذَّروا النبی من محاربة قریش کما ذکرنا فأعرض النبیُ عنهم عند مشاورته لهم , واستمرت هذه الجماعة فی کیدها النبی و فرارها من الحروب الی نهایة عمرها , ولم تقتل قرشیاً قطا , وهم الذین قالوا :

{غَرَّ هَؤُلاءِ دِینُهُمْ } أی دینهم دفعهم نحو الهلاک والهزیمة {وَمَنْ یَتَوَکَّلْ عَلَی اللّهِ فَإنَّ اللّهَ عَزِیزٌ حَکِیمٌ49 } بینما حصر تعالی عزَّته ونصره بالمتوکلین علیه لا الاکثر عدداً وعدَّة .

عن علی بن الحسین علیه السلام قال : لما عطش القوم یوم بدر انطلق علی علیه السلام بالقربة یستقی وهو علی القلیب إذ جاءت ریح شدیدة ثم مضت فلبث ما بدا له ، ثم جاءت ریح أخری ثم مضت ثم جاءته أخری کاد أن تشغله وهو علی القلیب ثم جلس حتی مضی ، فلما رجع إلی رسول الله صلی الله علیه و آله و سلم أخبره بذلک ، فقال رسول الله صلی الله علیه و آله و سلم :

اما الریح الأولی [ فیها ] جبرئیل مع ألف من الملائکة ، والثانیة فیها میکائیل مع ألف من الملائکة ، والثالثة فیها إسرافیل مع ألف من الملائکة ، وقد سلموا علیک وهم مدد لنا ، وهم الذین رآهم إبلیس فنکص علی عقبیه

ص: 320

یمشی القهقری حتی یقول : ( انی أری مالا ترون ، انی أخاف الله والله شدید العقاب ) ((1))

.

عن ابن عباس والسدی والکلبی وغیرهم ، وقیل : انهم لما التقوا کان إبلیس فی صف المشرکین آخذا بید الحارث ابن هشام فنکص علی عقبیه فقال له الحارث : یا سراقة أتخذلنا علی هذه الحال ؟

فقال له : انی أری ما لا ترون فقال : والله ما نری الا جعاسیس یثرب ((2)) فدفع فی صدر الحارث وانطلق وانهزم الناس ، فلما قدموا مکة قالوا : هزم الناس سراقة فبلغ ذلک سراقة فقال : والله ما شعرت بمسیرکم حتی بلغنی هزیمتکم.

فقالوا : انک أتیتنا یوم کذا فحلف لهم ، فلما أسلموا علموا ان ذلک کان الشیطان ((3))

.

وقال نجاح الطائی: کان کفار مکة ثلاثة أضعاف المسلمین لذا فاقت کفتهم علیهم وانبهروا واستکبروا , ولم یتوقعوا غیر النصر المؤزر علی الموحدین .

ص: 321

لکن القوة الالهیة تدخلت فقتل علی علیه السلام ابطال قریش وقتل المسلمون عدد ماا قتله علی علیه السلام وألقی تعالی الرعب فی قلوب المشرکین فانهزموا

مدبرین .

وهذا یبین التوکل النبوی علی النصر الالهی ولولا هذا التوکل لکان مصیر المسلمین الی الهزیمة .

{وَلَوْ تَرَی إذْ یَتَوَفَّی الَّذِینَ کَفَرُوا المَلائِکَةُ یَضْرِبُونَ وُجُوهَهُمْ وَأدْبَارَهُمْ وَذُوقُوا عَذَابَ الحَرِیقِ50 }سورة الأنفال.

أی النصر الهی فالملائکة هی التی تتوفی الکافرین ولیس العکس کی یذل الکافرون وعزرائیل أحد الملائکة , ثم تبدأ فی تعذیبهم فی جهنم فالدنیا بیدها والاخرة باذن الله تعالی , والنصر یهبه تعالی للمتَّقین

.

ففی الفقیه وسئل الصادق علیه السلام عن قول الله عز وجلّ : ( ا للهُ یَتَوَفَّی الأَنْفُسَ حِینَ مَوْتِها ) وعن قوله تعالی :

( قُلْ یَتَوَفَّاکُمْ مَلَکُ الْمَوْتِ الَّذِی وُکِّلَ بِکُمْ ) وعن قوله تعالی ( الَّذِینَ تَتَوَفَّاهُمُ الْمَلائِکَةُ طَیِّبِینَ ) وَ ( الَّذِینَ تَتَوَفَّاهُمُ الْمَلائِکَةُ ظالِمِی أَنْفُسِهِمْ ) وعن قوله عزّ وجلّ ( تَوَفَّتْه ُ رُسُلُنا ) وعن قوله عزّ وجلّ : ( وَلَوْ تَری إِذْ یَتَوَفَّی الَّذِینَ کَفَرُوا الْمَلائِکَةُ ) .

وقد یموت فی الساعة الواحدة فی جمیع الآفاق ما لا یحصیه إلَّا الله عزّ وجلّ فکیف هذا فقال علیه السلام :

ص: 322

إنّ الله تبارک وتعالی جعل لملک الموت أعوانا من الملائکة یقبضون الأرواح بمنزلة صاحب الشّرطة له أعوان من الانس ، فیبعثهم فی حوائجه فتتوفّاهم الملائکة ویتوفّاهم ملک الموت من الملائکة مع ما یقبض هو ویتوفّاهم الله من ملک الموت .

وفی الاحتجاج عن أمیر المؤمنین علیه السلام أنّه سئل عن قول الله تعالی : ( ا للهُ یَتَوَفَّی الأَنْفُسَ حِینَ مَوْتِها ) وقوله : ( قُلْ یَتَوَفَّاکُمْ مَلَکُ الْمَوْتِ ) وقوله عزّ وجلّ :

( تَوَفَّتْه ُ رُسُلُنا ) وقوله تعالی ( تَتَوَفَّاهُمُ الْمَلائِکَةُ ) فمرّة یجعل الفعل لنفسه ، ومرّة لملک الموت ، ومرّة للرّسل ، ومرّة للملائکة فقال علیه السلام : إنّ الله تبارک وتعالی أجلّ وأعظم من أن یتولَّی ذلک بنفسه ، وفعل رسله وملائکته فعله ، لأنّهم بأمره یعملون ، فاصطفی من الملائکة رسلا وسفرة بینه وبین خلقه ، وهم الذین قال الله فیهم :

( ا للهُ یَصْطَفِی مِنَ الْمَلائِکَةِ رُسُلًا وَمِنَ النَّاسِ ) فمن کان من أهل الطاعة تولَّت قبض روحه ملائکة الرّحمة ، ومن کان من أهل المعصیة تولَّت قبض روحه ملائکة النقمة ، ولملک الموت أعوان من الملائکة الرّحمة والنقمة یصدرون عن أمره وفعلهم فعله ، وکلّ ما یأتونه منسوب إلیه ، وإذا کان فعلهم فعل ملک الموت ففعل ملک الموت فعل الله لأنّه یتوفّی الأنفس علی ید من یشاء ، ویعطی ویمنع ویثیب ویعاقب علی ید من یشاء ، وانّ فعل امنائه فعله .

ص: 323

وقال نجاح الطائی: یمکن للظالمین أن یفتخروا ویتکبروا فی الدنیا الزائلة لکن تتوقف طاقاتهم فی الاخرة أمام الموت والنار والجحیم فتری الذل یحف بهم والانکسار بادیا علیهم والهزیمة مرتسمة علی جباههم .

{ ذَلِکَ بِمَا قَدَّمَتْ أیْدِیکُمْ وَأنَّ اللّهَ لَیْسَ بِظَلاَّم لِلْعَبِیدِ51 }

سورة الأنفال.

{ذَلِکَ بِمَا قَدَّمَتْ أیْدِیکُمْ

} من الاعمال الصالحة.

{ وَأنَّ اللّهَ لَیْسَ بِظَلاَّم لِلْعَبِیدِ(51) }.

لا یظلم الله تعالی أحدا انما الناس یظلم بعضهم بعضا ویظلمون أنفسهم .

یعنی الیهود لن یتمنوا الموت بما قدمت أیدیهم من کفرهم بالله ، وبمحمد رسول الله ونبیه وصفیه ، وبعلی أخی نبیه ووصیه

وبالطاهرین من الأئمة المنتجبین ((1))

.

{ کَدَأبِ آلِ فِرْعَوْنَ وَالَّذِینَ مِنْ قَبْلِهِمْ کَفَرُوا بِآیَاتِ اللّهِ فَأخَذَهُمُ اللّهُ بِذُنُوبِهِمْ إنَّ اللّهَ قَوِیٌّ شَدِیدُ العِقَابِ 52 } سورة الأنفال.

{ کَدَأبِ آلِ فِرْعَوْنَ وَالَّذِینَ مِنْ قَبْلِهِمْ } انَّ قصَّة المنافقین فی الصف الاسلامی مثل عادة آل فرعون الذین {کَفَرُوا بِآیَاتِ اللّهِ فَأخَذَهُمُ اللّهُ بِذُنُوبِهِمْ إنَّ اللّهَ قَوِیٌّ شَدِیدُ العِقَابِ52 } .

ص: 324

المنافقون فی الصف الاسلامی کفروا بأهل البیت واغتصبوا خلافتهم وتنکروا لنعم الرحمن فأخذهم الباری أخذ عزیز مقتدر .

{ ذَلِکَ بِأنَّ اللّهَ لَمْ یَکُ مُغَیِّراً نِعْمَةً أنْعَمَهَا عَلَی قَوْم حَتَّی یُغَیِّرُوا مَا بِأنفُسِهِمْ وَأنَّ اللّهَ سَمِیعٌ عَلِیمٌ 53 } سورة الأنفال.

{ ذَلِکَ بِأنَّ اللّهَ لَمْ یَکُ مُغَیِّراً نِعْمَةً أنْعَمَهَا عَلَی قَوْم } بالزوال والاضمحلال {حَتَّی یُغَیِّرُوا مَا بِأنفُسِهِمْ } من أعمال فاضلة الی أعمال طالحة.

مثلا هتک الحرمات ومنع الزکاة واعلان الفسق والفجور ومحاربة أئمة أهل البیت وشیعتهم .

{ وَأنَّ اللّهَ سَمِیعٌ عَلِیمٌ53 }.یسمع ما یقوله العباد من حق وباطل وعلیم بأفعال الناس ومؤامراتهم الصغیرة والکبیرة .

{ کَدَأبِ آلِ فِرْعَوْنَ وَالَّذِینَ مِنْ قَبْلِهِمْ کَذَّبُوا بِآیَاتِ رَبِّهِمْ فَأهْلَکْنَاهُمْ بِذُنُوبِهِمْ وَأغْرَقْنَا آلَ فِرْعَوْنَ وَکُلٌّ کَانُوا ظَالِمِینَ 54 } سورة الأنفال.

{ کَدَأبِ } سیرة وعادة {آلِ فِرْعَوْنَ وَالَّذِینَ مِنْ قَبْلِهِمْ } من الطغاة {کَذَّبُوا بِآیَاتِ رَبِّهِمْ } المتمثلة فی النبی صلی الله علیه و آله و سلم والائمة الخلفاء العظام وکتبه السماویة ومعجزاته النازلة علیهم بواسطة أنبیائه .

{فَأهْلَکْنَاهُمْ بِذُنُوبِهِمْ } المتمثلة فی أعمالهم الاجرامیة فی الشرک بالله وقتل الابریاء ومحاربة الانبیاء .

ص: 325

{وَأغْرَقْنَا آلَ فِرْعَوْنَ } فی البحر عند طغیانهم المتمثل فی ملاحقة النبی موسی علیه السلام وأتباعه من الیهود .

{وَکُلٌّ } الامم المکذبة للانبیاء ولایات الله تعالی {کَانُوا ظَالِمِینَ54 } کانت حکومات غالبة ومتسلطة علی بلادها وبلدان أخری تظلمها وتذیقها العذاب .

وزعم الفراء أن المعنی : کفرت العرب کفرا ککفر آل فرعون .

قال أبو جعفر الطبری : لا یجوز أن تکون الکاف متعلقة بکفروا لأن کفروا داخل فی الصلة وکدأب خارج منها . قال أبو حاتم : وسمعت یعقوب یذکر « کدأب » بفتح الهمزة وقال لی وأنا غلیم : علی أی شیء یجوز « کدأب » فقلت : أظنه من دئب یدأب دأبا فقیل ذلک منی وتعجب من جودة تقدیری علی صغری ولا أدری أیقال ذلک أم لا ؟

قال أبو جعفر الطبری : هذا القول خطأ لا یقال البتة : دئب ، وإنما یقال : دأب یدأب ، دؤبا ودأبا ، هکذا حکی النحویون منهم الفراء ((1)) .

{إنَّ شَرَّ الدَّوَابِّ عِنْدَ اللّهِ الَّذِینَ کَفَرُوا فَهُمْ لا یُؤْمِنُونَ 55 }_سورة الأنفال.

نزلت الایة فی مغتصبی الخلافة ومحرفی الشریعة وقاتلی النبی وفاطمة .

ص: 326

شر الدواب من سموا رسول الله وقتلوا فاطمة البتول واغتصبوا الخلافة وسلموا الامور الی الامویین :

أبی طالب ، ولسلَّمنا إلیه ، ولکنَّا رأینا أباک فعل ذلک به من قبلنا ، فأخذنا بمثله ، فعب أباک بما بدا لک أو دَعْ ذلک ، والسلام علی من أناب

((1)) .

فی هذه الرسالة إعتراف واضح وصراحة شاملة بسلب أبی بکر وعمر الخلافة من الامام علی بن أبی طالب ( علیه السلام ) ، وقد اضطرَّ إلیها معاویة فی ردِّ حجة محمد بن أبی بکر ، وردعه عن مواصلة دعم الامام علی ( علیه السلام ) .

وبیَّن معاویة إتِّفاق الشیخین علی سلب الخلافة من الامام علی ( علیه السلام ) ، وعملهما المشترک لإنزال أقسی العقوبات به لاجباره علی البیعة ، إذ قال : فهمّا به الهموم وأرادا به العظیم ((2)) .

عن عمرو بن أبی المقدام عن أبیه عن جده ما أتی علیَّ یوم قط أعظم من یومین أتیا علی ، فاما الیوم الأول فیوم قبض رسول الله صلی الله علیه و آله و سلم ، واما الیوم الثانی فوالله انی لجالس فی سقیفة بنی ساعدة عن یمین أبی بکر والناس یبایعونه ، إذ قال له عمر : یا هذا لیس فی یدیک شئ مهما لم یبایعک علی ،

ص: 330

فابعث إلیه حتی یأتیک یبایعک ، فإنما هؤلاء رعاع فبعث إلیه قنفذ فقال له : اذهب فقل لعلی : أجب خلیفة رسول الله صلی الله علیه و آله و سلم ، فذهب قنفذ فما لبث أن رجع فقال لأبی بکر : قال لک : ما خلف رسول الله أحدا غیری ، قال : ارجع إلیه فقل :

أجب فان الناس قد أجمعوا علی بیعتهم إیاه ، وهؤلاء المهاجرین والأنصار یبایعونه وقریش ، وإنما أنت رجل من المسلمین لک ما لهم وعلیک ما علیهم ، فذهب إلیه قنفذ فما لبث أن رجع فقال : قال لک : ان رسول الله صلی الله علیه و آله و سلم قال لی وأوصانی ان إذا واریته فی حفرته لا أخرج من بیتی حتی أؤلف کتاب الله ، فإنه فی جراید النخل وفی أکتاف الإبل ، قال عمر : قوموا بنا إلیه ، فقام أبو بکر ، وعمر ، وعثمان وخالد بن الولید والمغیرة بن شعبة ، وأبو عبیدة بن الجراح ، و سالم مولی أبی حذیفة ، وقنفذ ، وقمت معهم ، فلما انتهینا إلی الباب فرأتهم فاطمة صلوات الله علیها أغلقت الباب فی وجوههم ، وهی لا تشک أن لا یدخل علیها الا باذنها ، فضرب عمر الباب برجله فکسره وکان من سعف ثم دخلوا فأخرجوا علیا علیه السلام ملببا فخرجت فاطمة علیها السلام فقالت : یا با بکر أترید أن ترملنی من زوجی والله لئن لم تکف عنه لأنشرن شعری ولأشقن جیبی ولآتین قبر أبی ولأصیحن

إلی ربی ، فأخذت بید الحسن والحسین علیهم السلام ، وخرجت ترید قبر النبی صلی الله علیه و آله و سلم فقال علی علیه السلام لسلمان : أدرک ابنة محمد فانی أری جنبتی المدینة تکفیان ، والله ان نشرت شعرها وشقت جیبها

ص: 331

وأتت قبر أبیها وصاحت إلی ربها لا یناظر بالمدینة أن یخسف بها [ وبمن فیها ] فأدرکها سلمان رضی الله عنه . فقال : یا بنت محمد ان الله إنما بعث أباک رحمة فارجعی ، فقالت : یا سلمان یریدون قتل علی ما علی علی صبر فدعنی حتی آتی قبر أبی فانشر شعری واشق جیبی وأصیح إلی ربی ، فقال سلمان : انی أخاف أن تسخف بالمدینة ، وعلی بعثنی إلیک ویأمرک أن ترجعی إلی بیتک وتنصرفی ، فقالت :

إذا أرجع واصبر وأسمع له وأطیع ، قال : فأخرجوه من منزله ملببا ومروا به علی قبر النبی علیه وآله السلام قال : فسمعته یقول : ( یا بن أم ان القوم استضعفونی ) إلی آخر الآیة وجلس أبو بکر فی سقیفة بنی ساعدة وقدم علی فقال له عمر : بایع ، فقال له علی : فان أنا لم افعل فمه ؟ فقال له عمر :

إذا أضرب والله عنقک ، فقال له علی علیه السلام إذا والله أکون عبدا لله المقتول ، وأخا رسول الله ، فقال عمر اما عبدا لله المقتول فنعم ، واما أخو رسول الله فلا _ حتی قالها ثلثا _ فبلغ ذلک العباس بن عبد المطلب فأقبل مسرعا یهرول فسمعته یقول : ارفقوا بابن أخی ولکم علیَّ أن یبایعکم ، فأقبل العباس واخذ بید علی علیه السلام فمسحها علی ید أبی بکر ، ثم خلوه مغضبا فسمعته یقول :

ورفع رأسه إلی السماء اللهم انک تعلم أن النبی صلی الله علیه و آله و سلم قد قال لی : ان تموا عشرین فجاهدهم ، وهو قولک فی کتابک ( ان یکن منکم عشرون صابرون

ص: 332

یغلبوا مأتین ) قال : وسمعته یقول : اللهم وانهم لم یتموا عشرین ، حتی قالها ثلاثا ثم انصرف ((1))

.

القمی عن الباقر علیه السلام نزلت فی بنی أمیة ، فهم أشر خلق الله ، هم الذین کفروا فی بطن القرآن .

{الَّذِینَ عَاهَدْتَ مِنْهُمْ ثُمَّ یَنقُضُونَ عَهْدَهُمْ فِی کُلِّ مَرَّة وَهُمْ لا یَتَّقُونَ56 سورة الأنفال.

کان الیهود ینقضون عهودهم مع رسول الله صلی الله علیه و آله و سلم مراراً وتکراراً ومنهم بنو قریظة مرة ساعدوا الکفار بالسلاح وأخری دخلوا الحرب الی جانبهم .

فهم أصحابه الذین فروا یوم أحد قوله ( واما تخافن من قوم خیانة فانبذ إلیهم علی السواء ) نزلت فی معاویة لما خان أمیر المؤمنین ((2)) .

{ فَإمَّا تَثْقَفَنَّهُمْ فِی الحَرْبِ فَشَرِّدْ بِهِمْ مَنْ خَلْفَهُمْ لَعَلَّهُمْ یَذَّکَّرُونَ 57* سورة الأنفال.

ص: 333

{فَإمَّا تَثْقَفَنَّهُمْ } تصادفنهم {فِی الحَرْبِ فَشَرِّدْ بِهِمْ } فرق وشرد ونکل بهم {مَنْ خَلْفَهُمْ لَعَلَّهُمْ یَذَّکَّرُونَ57 } .

وَإمَّا تَخَافَنَّ مِنْ قَوْم خِیَانَةً فَانْبِذْ إلَیْهِمْ عَلَی سَوَاء إنَّ اللّهَ لا یُحِبُّ الخَائِنِینَ58 } سورة الأنفال.

نبذ : ترک .

لم یخن النبی العهود الموقَّعة بینه وبین الکفار وکذلک وصیه علی علیه السلام , وفی قضیة هدنة الحدیبیة لم یغدر النبی بهم بل

کفار قریش غدروا به بقتلهم لقبیلة خزاعة المتحالفة معه , فشنَّ النبی صلی الله علیه و آله و سلم الحرب علیهم وفتح مکة , قال الامام علی علیه السلام : الوفاء لاهل الغدر غدر عند الله والغدر لاهل الغدر وفاء عند الله ((1))

.

یعنی أنَّ إیفاء العهد والعمل بمقتضاه لأهل الغدر ترک العهد ونقضه فی حکم الله تعالی ویترتّب علیه أثره ، والغدر فی حقّهم وفاء وذلک إذا کان الغادر علی الحقّ لأنّ الموفی حینئذ یمدّهم علی المعصیة ((2))

.

واذا أراد المسلم ترک العهد بینه وبین جماعة غادرة علیه اعلامهم بذلک کی لا یتَّهموه بالخیانة , فینتفی العهد بینه وبینهم .

ص: 334

عن الامام أبی عبد الله الصادق علیه السلام قال : قال رسول الله صلی الله علیه و آله و سلم : ثلاث من کن فیه کان منافقا وإن صام وصلی وزعم أنه مسلم : من إذا ائتمن خان, وإذا حدث کذب وإذا وعد أخلف ، إن الله عز وجل قال : فی کتابه : " إن الله لا یحب الخائنین " وقال : " أن لعنة الله علیه إن کان من الکاذبین " وفی قوله عز وجل : " واذکر فی الکتاب إسماعیل إنه کان صادق الوعد وکان رسول نبیا ((1)) .

{وَلا یَحْسَبَنَّ الَّذِینَ کَفَرُوا سَبَقُوا إنَّهُمْ لا یُعْجِزُونَ 59 } سورة الأنفال.

{وَلا یَحْسَبَنَّ الَّذِینَ کَفَرُوا سَبَقُوا } فاتوا من العذاب ونجوا {إنَّهُمْ لا یُعْجِزُونَ59 } الله تعالی لان قدرته عظیمة .

أی لا یحسبن الکافرون قد سبقوا أمر الله وأعجزوه ، وأنهم قد فاتوک ، فإن الله سبحانه یظفر النبی بهم کما وعده " إنهم لا یعجزون

{ وَأعِدُّوا لَهُمْ مَا اسْتَطَعْتُمْ مِنْ قُوَّة وَمِنْ رِبَاطِ الخَیْلِ تُرْهِبُونَ بِهِ عَدُوَّ اللّهِ وَعَدُوَّکُمْ وَآخَرِینَ مِنْ دُونِهِمْ لا تَعْلَمُونَهُمْ اللّهُ یَعْلَمُهُمْ وَمَا تُنفِقُوا مِنْ شَیْء فِی سَبِیلِ اللّهِ یُوَفَّ إلَیْکُمْ وَأنْتُمْ لا تُظْلَمُونَ60 }

سورة الأنفال.

ص: 335

{وَأعِدُّوا لَهُمْ } لحربهم {مَا اسْتَطَعْتُمْ مِنْ قُوَّة وَمِنْ رِبَاطِ

الخَیْلِ } أی أعدوا کل أسباب القوة کل قوة تستخدم فی الدفاع والهجوم لصالح الاسلام والمسلمین , من سلاح وعتاد وملابس حرب وعدد کاف من الجیش مدرب ومنظم وو سائل علمیة تنفع فی الحروب , وخیل تنقل العساکر من مکان الی آخر .

جاء عن الائمة علیهم السلام فی تفسیر الایة : السلاح والرمی والخضاب ((1))

.

{ تُرْهِبُونَ بِهِ عَدُوَّ اللّهِ وَعَدُوَّکُمْ وَآخَرِینَ مِنْ دُونِهِمْ } مثل الیهود والمنافقین والاعراب المحیطین بالمدینة .

{لا تَعْلَمُونَهُمْ اللّهُ یَعْلَمُهُمْ وَمَا تُنفِقُوا مِنْ شَیْء فِی سَبِیلِ اللّهِ یُوَفَّ إلَیْکُمْ وَأنْتُمْ لا تُظْلَمُونَ60 } بقوله تعالی : (فَمَنْ یَعْمَلْ مِثْقَالَ ذَرَّة خَیْراً یَرَه) .

{ وَإنْ جَنَحُوا لِلسَّلْمِ فَاجْنَحْ لَهَا وَتَوَکَّلْ عَلَی اللّهِ إنَّهُ هُوَ السَّمِیعُ العَلِیمُ 61 }

سورة الأنفال.

{وَإنْ جَنَحُوا لِلسَّلْمِ فَاجْنَحْ لَهَا } : الدخول فی أمر أهل البیت((2)) .

ص: 336

وقال الصادق علیه السلام : الدخول فی أمرنا((1)) .

لان هدف الاسلام هدایة الناس ولیس قتلهم , هذا مع أهل الکتاب أما مع الکافرین فمنسوخ بآیة السیف {وَتَوَکَّلْ عَلَی اللّهِ } فی أمورک کافَّة .

{إنَّهُ هُوَ السَّمِیعُ العَلِیمُ(61) } .

{ وَإنْ یُرِیدُوا أنْ یَخْدَعُوکَ فَإنَّ حَسْبَکَ اللّهُ هُوَ الَّذِی أیَّدَکَ بِنَصْرِهِ وَبِالمُؤْمِنِینَ 62 } سورة الأنفال.

{ وَإنْ یُرِیدُوا أنْ یَخْدَعُوکَ } بابرام الصلح {فَإنَّ حَسْبَکَ اللّهُ هُوَ الَّذِی أیَّدَکَ بِنَصْرِهِ وَبِالمُؤْمِنِینَ 62 } .

: قوله تعالی نزل فی علی علیه السلام ((2)) .

وعن جعفر الصادق علیه السلام فی قوله تعالی : ( هُوَ الَّذِی أَیَّدَکَ بِنَصْرِهِ وَبِالْمُؤْمِنِینَ) . قالوا نزلت فی علی علیه السلام , وأنّ رسول الله صلی الله علیه و آله و سلم قال : رأیت مکتوباً علی العرش , لا إله إلاّ الله وحده لا شریک له محمّد عبدی ورسولی أیّدته ونصرته بعلی بن أبی طالب علیه السلام ((3)) .

ص: 337

وفعلا نصر اللهُ النبیَ بعد غدر الکافرین بصلح الحدیبیة ففتح المسلمون مکة.

عن أبی نعیم والسمعانی والسیوطی بأسانیدهم , عن أبی هریرة , قال فی قوله تعالی : (هو الذی أیّدک بنصره وبالمؤمنین) . قال رسول الله صلی الله علیه و آله و سلم : علی بن ابی طالب علیه السلام .

ومنهم : مفسّر الشافعیة جلال الدین بن أبی بکر السیوطی فی تفسیره((1)) .

ابن المغازلی الشافعی : ومنهم علاّمة واسط فقیه الشافعیة الحافظ

أبو الحسن بن المغازلی فی مناقبه((2)) .

محبّ الدین الطبری الشافعی ومنهم : علاّمة الشوافع الحافظ محبّ الدین الطبری فی ریاضه((3)) .

ابن حجر الهیثمی الشافعی : ومنهم : الحافظ ابن حجر الهیثمی الشافعی فی مجمع الزوائد((4)) .

ص: 338

الخطیب البغدادی : ومنهم الخطیب البغدادی فی تاریخه الکبیر((1)) .

المتّقی الهندی : ومنهم المتقی الهندی الحنفی فی کنز العمال((2)) .

سلیمان القندوزی الحنفی : وأخرج نحوه الحافظ الحنفی سلیمان القندوزی فی ینابیعه((3)) .

وأخرج قریباً من ذلک باختلاف اللفظ واتّفاق المعنی العدید من الحفاظ والأثبات : منهم المحبّ الطبری فی ذخائر العقبی , عن النبی صلی الله علیه و آله و سلم ((4)) .

{ وَألَّفَ بَیْنَ قُلُوبِهِمْ لَوْ أنفَقْتَ مَا فِی الأرْضِ جَمِیعاً مَا ألَّفْتَ بَیْنَ قُلُوبِهِمْ وَلَکِنَّ اللّهَ ألَّفَ بَیْنَهُمْ إنَّهُ عَزِیزٌ حَکِیمٌ63 } سورة

الأنفال.

{وَألَّفَ بَیْنَ قُلُوبِهِمْ } رغم العداوة التی بینهم .

{لَوْ أنفَقْتَ مَا فِی الأرْضِ جَمِیعاً مَا ألَّفْتَ بَیْنَ قُلُوبِهِمْ وَلَکِنَّ اللّهَ ألَّفَ بَیْنَهُمْ إنَّهُ عَزِیزٌ حَکِیمٌ63 }.

الله یجمع القلوب علی المحبة , والعمل الطیب, والاخلاق الفاضَّلة والاحسان الی الناس ونشر الخیر والصلاح فی المجتمع .

ص: 339

والاساءة تولد الکراهیة والفتنة والقتل والحروب قال تعالی :

{ إدفع بالتی هی أحسن فاذا الذی بینک وبینه عداوة کأنه ولی حمیم } _ سورة فصلت 34 .

وفی الحسن کالصحیح ، عن زرارة ، عن أبی جعفر علیه السلام قال : قال رسول الله صلی الله علیه و آله و سلم : إن الرفق لم یوضع علی شیء إلا زانه ولا نزع من شیء إلا شانه ((1)) .

وفی الموثق کالصحیح عن ابن فضال ، عن ثعلبة عمن حدثه ، عن أحدهما علیهما السلام قال : إن الله رفیق یحب الرفق ومن رفقه بکم تسلیله أضغانکم ومضادة قلوبکم وأنه لیرید تحویل العبد عن الأمر فیترکه علیه حتی یحوله بالناسخ کراهة تثاقل الحق علیه ((2)).

« وحلم یرد به جهل الجاهل » أی سفاهته _ روی الکلینی فی الصحیح عن أبی حمزة قال المؤمن خلط علمه بالحلم یجلس لیعلم ، وینطق لیفهم لا یحدث أمانة الأصدقاء ، ولا یکتم شهادته الأعداء ، ولا یفعل شیئا من الخیر

ص: 340

ریاء ولا یترکه حیاء ، إن زکی خاف مما یقولون ، واستغفر الله مما لا یعلمون ، لا یغره قول من جهله ویخشی إحصاء ما قد عمله ((1)) .

وفی الصحیح ، عن البزنطی ، عن محمد بن عبد الله قال : سمعت الرضا علیه السلام یقول : لا یکون الرجل عابدا حتی یکون حلیما وإن الرجل کان إذا تعبد فی بنی إسرائیل لم یعد عابدا حتی یصمت قبل ذلک عشر سنین ((2)).

و قال نجاح الطائی : التالیف بین القلوب مسألة حیویة یقوم علیها اساس العائلة والمجتمع وعبر التآلف الاجتماعی بین المؤمنین والعلماء یمکن قیادة المجتمع , والمحبة اساس نشر التآلف بین المسلمین قال تعالی :

: وألقیت علیک محبة منی .

: رب اجعل افئدة من الناس تهوی الیهم .

{یَا أیُّهَا النَّبِیُّ حَسْبُکَ اللّهُ وَمَنِ اتَّبَعَکَ مِنَ المُؤْمِنِینَ64 } سورة الأنفال.

وهو اطمئنان للنبی بنصرة الباری والمؤمنین له , نزلت فی علی علیه السلام ((3)) .

الخطیب البغدادی : روی الخطیب أبو بکر أحمد بن علی البغدادی فی مناقبه عن جابر بن عبدالله الأنصاری فی قوله تعالی :

ص: 341

(یا أیّها النبی حسبک الله ومن اتّبعک من المؤمنین) : هو علی بن أبی طالب علیه السلام وهو رأس المؤمنین((1)) .

وأخرجه علاّمة الهند عبیدالله بسمل الحنفی فی مناقبه((2)) .

الکشفی الترمذی : وأخرجه أیضاً علاّمة الحنفیة المیر محمد صالح الکشفی الترمذی فی مناقبه عن المحدّث الحنبلی((3)) .

و

قال نجاح الطائی : رأس المؤمنین علی علیه السلام وامامهم کما قال النبی صلی الله علیه و آله و سلم : لعلی : « أنت أمیر المؤمنین , ویعسوب الدین , وإمام المتّقین , وقائد الغرّ المحجّلین » ((4)).

ص: 342

ص: 343

وقوله تعالی : «وَمَنْ یَکْفُرْ بِالإیمَانِ »((1)) .

قال الإمام محمد الجواد ( علیه السلام ): یکفر بولایة علی , وعلی هو الایمان ((2)) .

{یَا أیُّهَا النَّبِیُّ حَرِّضِ المُؤْمِنِینَ عَلَی القِتَالِ إنْ یَکُنْ مِنْکُمْ عِشْرُونَ صَابِرُونَ یَغْلِبُوا مِائَتَیْنِ وَإنْ یَکُنْ مِنْکُمْ مِائَةٌ یَغْلِبُوا ألْفاً مِنَ الَّذِینَ کَفَرُوا بِأنَّهُمْ قَوْمٌ لا یَفْقَهُونَ65 } سورة الأنفال.

تعنی نصراً الهیاً بغلبة الواحد للعشرین , لانهم قوم لا یفهمون .

وعندما سحب رجال الانقلاب علی الخلافة علیا علیه السلام من بیته بالحبال وکسروا ضلع زوجته فاطمة ÷ رفع رأسه إلی السماء اللهم انک تعلم أن النبی صلی الله علیه و آله و سلم قد قال لی :

ان تموا عشرین فجاهدهم ، وهو قولک فی کتابک ( ان یکن منکم عشرون صابرون یغلبوا مأتین ) قال : وسمعته یقول : اللهم وانهم لم یتموا عشرین ،

ص: 344

حتی قالها ثلاثا ثم انصرف ((1))

.

وقال نجاح الطائی: لقد خانت الامم الماضیة الانبیاء والاوصیاء ونکثت بیعاتها وعهودها ومواثیقها معهم وکذلک نکث المسلمون بیعتهم للامام علی علیه السلام فی یوم الدار وبیعة الرضوان وبیعة العقبة وبیعة الغدیر ((2))

.

وبالرغم من مشارکة مائة وعشرین الف مسلم فی بیعة الغدیر کلهم قالوا لعلی علیه السلام : بخ بخ لک یاابن ابی طالب اصبحت مولای ومولی کل مسلم ومسلمة .

وقد اشترط النبی صلی الله علیه و آله و سلم علی الامام علی علیه السلام أن لا ینهض فی وجه مغتصبی الخلافة الا اذا اجتمع له اربعون مناصرا , وفی روایة عشرون مناصرا .

لکنهم خافوا من ارهاب الحکومة وبایعوا ابا بکر خوفا وجبنا ونکثا لبیعة الغدیر الرسمیة .

{الآنَ خَفَّفَ اللّهُ عَنکُمْ وَعَلِمَ أنَّ فِیکُمْ ضَعْفاً فَإنْ یَکُنْ مِنْکُمْ مِائَةٌ صَابِرَةٌ یَغْلِبُوا مِائَتَیْنِ وَإنْ یَکُنْ مِنْکُمْ ألْفٌ یَغْلِبُوا ألْفَیْنِ بِإذْنِ اللّهِ وَاللّهُ مَعَ الصَّابِرِینَ66 }سورة الأنفال.

ص: 345

واذا ضعف المسلمون فتکون الغلبة لکل واحد علی اثنین .

فنسخ بهذه الآیة ما قبلها فصار فرض المؤمنین فی الحرب إذا کان عدة المشرکین أکثر من رجلین لرجل لم یکن فارا من الزحف وإن کان العدة رجلین لرجل کان فارا من الزحف ((1))

.

وکان الحکم فی أول النبوة فی أصحاب رسول الله صلی الله علیه و آله و سلم ان الرجل الواحد وجب علیه ان یقاتل عشرة من الکفار ، فان هرب منهم فهو الفار من الزحف والمائة یقاتلون ألفا ثم علم الله ان فیهم ضعفا لا یقدرون علی ذلک فأنزل الله ( ألآن خفف الله عنکم وعلم أن فیکم ضعفا فان یکن منکم مائة صابرة یغلبوا مائتین ) ففرض الله علیهم ان یقاتل رجل من المؤمنین رجلین من الکفار فان فر منهما فهو الفار من الزحف ، فان کانوا ثلاثة من الکفار و احد من المسلمین ففر المسلم منهم فلیس هو الفار من الزحف ((2)) .

وفی معرکة بدر کان عدد المسلمین ثلاث مائة رجل والکفار کانوا ألف رجل أی واحد الی ثلاثة . ورغم ذلک انتصر المسلمون حیث قتلوا سبعین مقاتلا واسروا سبعین کافرا .

ص: 346

{ مَا کَانَ لِنَبِیٍّ أنْ یَکُونَ لَهُ أسْرَی حَتَّی یُثْخِنَ فِی الأرْضِ تُرِیدُونَ عَرَضَ الدُّنْیَا وَاللّهُ یُرِیدُ الآخِرَةَ وَاللّهُ عَزِیزٌ حَکِیمٌ 67 } سورة

الأنفال.

{مَا کَانَ لِنَبِیٍّ أنْ یَکُونَ لَهُ أسْرَی حَتَّی یُثْخِنَ فِی الأرْضِ } اذ لا یمکن الحصول علی الأسری دون دخول فی حرب وشراسة فی القتال مثلما فعلوا فی بدر , اذ قتلوا سبعین وتمکنوا من أسر سبعین .

اتفق المفسرون علی ان هذه الآیة نزلت فی أسری بدر ، وظاهر السیاق یدل علی ذلک ، واختلفوا فی تفسیرها علی أقوال .

ونظریة النبی صلی الله علیه و آله و سلم تتمثل فی عدم قتل الاسری بینما نظریة مغتصبی الخلافة من المخالفین تصر علی التمثیل بالاسری وقتلهم مثما فعل خالد بمسلمی شبه جزیرة العرب حیث قتلهم ووضع رؤوسهم حطبا لقدور طعامه وطعام جیشه متسببا فی تأسیس جیش بربری یسرق ویقتل ویزنی بالمسلمات ویسترق اطفال المسلمین ویحرق مزارعهم ودورهم ومدنهم و فعلت عائشة نفس الاعمال فی البصرة : بقتل اسری بیت مال البصرة اذ نهبت الاموال وقتلت الاسری ((1)) .

ولم یقتل النبی صلی الله علیه و آله و سلم أسری الکفار والیهود فی کل معارکه ومن ذکر ذلک فهو رأی یهودی وناصبی لتشویه سمعة الاسلام وتنفیر الناس من النبی .

{تُرِیدُونَ عَرَضَ الدُّنْیَا } بترک الحروب والتوجه للدنیا .

ص: 347

{ وَاللّهُ یُرِیدُ الآخِرَةَ } عبر الجهاد والفداء {وَاللّهُ عَزِیزٌ حَکِیمٌ67 } .

الایة تعنی وجوب الجد والاجتهاد فی الحرب لارضاء الله تعالی والحصول علی الجنة .

{لَوْلا کِتَابٌ مِنَ اللّهِ سَبَقَ لَمَسَّکُمْ فِیمَا أخَذْتُمْ عَذَابٌ عَظِیمٌ68 } سورة الأنفال..

فِیمَا أخَذْتُمْ : من الغنائم .

فأخبر سبحانه بالنص الذی لا یحتمل التأویل أنهم أرادوا الدنیا دون الآخرة ، وآثروا العاجلة علی الآجلة ، وتعمدوا من العصیان ما لولا سابق علم الله وکتابه ، لعجل لهم العقاب ((1)) .

وهم الذین شکوا یوم الخندق فی وعید الله ورسوله ، وخبثت نیاتهم ، فظنوا أن الأمر بخلاف ما أخبرهم به النبی ( صلی الله علیه و آله و سلم ) إذ نزل فیهم : ( إذ جآءوکم من فوقکم ومن أسفل منکم وإذ زاغت الأبصار وبلغت القلوب الحناجر وتظنون بالله الظنونا هنالک ابتلی المؤمنون وزلزلوا زلزالا شدیدا وإذ یقول المنافقون والذین فی قلوبهم مرض ما وعدنا الله ورسوله إلا غرورا ) .

وهم الذین نکثوا عهد رسول الله ( صلی الله علیه و آله و سلم ) ونقضوا ما عقده علیهم فی بیعته تحت الشجرة ، وأنفذهم إلی قتال خیبر فولوا الدبر ، ونزل فیهم :

ص: 348

( ولقد کانوا عاهدوا الله من قبل لا یولون الأدبار وکان عهد الله مسؤولا ) ((1)) .

{ فَکُلُوا مِمَّا غَنِمْتُمْ حَلالا طَیِّباً وَاتَّقُوا اللّهَ إنَّ اللّهَ غَفُورٌ رَحِیمٌ 69 } سورة الأنفال.

{ فَکُلُوا مِمَّا غَنِمْتُمْ حَلالا طَیِّباً } مما حصلتم علیه بجهودکم وأتعابکم {وَاتَّقُوا اللّهَ } فی أفعالکم ومشاریعکم .

الغنیمة ما أخذ من أموال أهل الحرب من الکفار بقتال .

{إنَّ اللّهَ غَفُورٌ رَحِیمٌ69}.لمن یرید طریق الاستغفار والتوبة .

وقال الطبرسی : « وقال أصحابنا : إن الخمس واجب فی کل فائدة تحصل للإنسان من المکاسب وأرباح التجارات ، وفی الکنوز والمعدن والغوص ، وغیر ذلک مما هو مذکور فی الکتب . ویمکن أن یستدلّ علی ذلک بهذه الآیة ، فإن فی عرف اللغة یطلق علی جمیع ذلک اسم الغنم والغنمیة » .

وقال الشیخ الطوسی : « وعند أصحابنا : الخمس یجب فی کل فائدة تحصل للإنسان من المکاسب ، وأرباح التجارات والکنز والمعادن والغوص وغیر ذلک مما ذکرناه فی کتب الفقه ، ویمکن الاستدلال علی ذلک بهذه الآیة ، لأن جمیع ذلک یسمی غنیمة » .

ص: 349

{ یَا أیُّهَا النَّبِیُّ قُلْ لِمَنْ فِی أیْدِیکُمْ مِنَ الأسْرَی إنْ یَعْلَمِ اللّهُ فِی قُلُوبِکُمْ خَیْراً یُؤْتِکُمْ خَیْراً مِمَّا اُخِذَ مِنْکُمْ وَیَغْفِرْ لَکُمْ وَاللّهُ غَفُورٌ رَحِیمٌ 70 } سورة

الأنفال.

{ یَا أیُّهَا النَّبِیُّ قُلْ لِمَنْ فِی أیْدِیکُمْ مِنَ الأسْرَی إنْ یَعْلَمِ اللّهُ فِی قُلُوبِکُمْ خَیْراً

} ایماناً خالصا لله تعالی .

{ یُؤْتِکُمْ خَیْراً مِمَّا اُخِذَ مِنْکُمْ } من الفداء {وَیَغْفِرْ لَکُمْ وَاللّهُ غَفُورٌ رَحِیمٌ70 }.

وعن الامام أبی عبد الله الصادق علیه السلام قال : سمعته یقول فی هذه الآیة :

( یا أَیُّهَا النَّبِیُّ قُلْ لِمَنْ فِی أَیْدِیکُمْ مِنَ الأَسْری إِنْ یَعْلَمِ اللَّه فِی قُلُوبِکُمْ خَیْراً یُؤْتِکُمْ خَیْراً مِمَّا أُخِذَ مِنْکُمْ ویَغْفِرْ لَکُمْ ) ، قال : « نزلت فی العباس وعقیل ونوفل » .

وقال : « إن رسول الله صلی الله علیه و آله و سلم نهی یوم بدر أن یقتل أحد من بنی هاشم وأبو البختری» ، فأسروا ، فأرسل علیا علیه السلام فقال : انظر من ها هنا من بنی هاشم ؟ _ قال : _ فمر علیه السلام علی عقیل بن أبی طالب فحاد عنه ، فقال له عقیل : یا بن ام علی ، أما والله لقد رأیت مکانی ((1)) _ قال : _ فرجع إلی

ص: 350

رسول الله صلی الله علیه و آله و سلم وقال : هذا أبو الفضل فی ید فلان ، وهذا عقیل فی ید فلان ، وهذا نوفل بن الحارث فی ید فلان .

فقام رسول الله صلی الله علیه و آله و سلم حتی انتهی إلی عقیل ، فقال له : یا أبا یزید ، قتل

أبو جهل . فقال : إذن لا تنازعون فی تهامة ، فقال : إن کنتم أثخنتم القوم ، وإلا فارکبوا أکتافهم » .

قال : « فجیء بالعباس ، فقیل له : أفد نفسک ، وافد ابن أخیک . فقال : یا محمد ، تترکنی أسأل قریشا فی کفی ؟

فقال : أعط مما خلفته عند ام الفضل ، وقلت لها : إن أصابنی فی وجهی هذا شیء فأنفقیه علی نفسک و لدک . فقال له : یا بن أخی من أخبرک

بهذا ؟

فقال صلی الله علیه و آله و سلم : أتانی [ به ] جبرئیل علیه السلام من عند الله عز ذکره .

فقال : ومحلوفه ما علم بهذا أحد إلا أنا وهی ، أشهد أنک رسول الله » .

قال : « فرجع الأساری کلهم مشرکین إلا العباس وعقیل ونوفل کرم الله وجوههم ، وفیهم نزلت هذه الآیة ( قُلْ لِمَنْ فِی أَیْدِیکُمْ مِنَ الأَسْری إِنْ یَعْلَمِ اللَّه فِی قُلُوبِکُمْ خَیْراً )

إلی آخر الآیة » ((1))

.

ص: 351

{ وَإنْ یُرِیدُوا خِیَانَتَکَ فَقَدْ خَانُوا اللّهَ مِنْ قَبْلُ فَأمْکَنَ مِنْهُمْ وَاللّهُ عَلِیمٌ حَکِیمٌ 71 } سورة الأنفال.

{ وَإنْ یُرِیدُوا خِیَانَتَکَ فَقَدْ خَانُوا اللّهَ مِنْ قَبْلُ } فی بدر {فَأمْکَنَ مِنْهُمْ } بوقوعهم فی الاسر فی معرکة بدر .

معنی الآیة ان هؤلاء الأساری ان علم الله فی قلوبهم خیرا اخلف علیهم خیرا مما اخذ منهم . وان عزموا علی الخیانة ، ونقض العهد وفعلوا خلاف ما وقع علیه العقد من تأدیة فرض الله ، فقد خانوا الله من قبل هذا . والمعنی فقد خانوا أولیاء الله ، لان الله لا یمکن ان یخان ، لأنه عالم بالأشیاء کلها لا یخفی علیه خافیة .

والخیانة هاهنا نقض الطاعة لله ورسوله التی شهدت بها الدلالة . وقوله " فأمکن منهم " المعنی لما خانوا بأن خرجوا إلی بدر وقاتلوا مع المشرکین ، فقد أمکن الله منهم بان غلبوا وأسروا . فان خانوا ثانیا فیمکن الله منهم مثل ذلک . والامکان هو القدرة علی الشئ مع ارتفاع المانع ((1))

.

ومن هذه الاعمال الخائنة غیر اللائقة بالمسلمین : لم یذکر الطبری رسالة معاویة الی محمد بن أبی بکر بحجة عدم تحمل العامة لها بقوله : لا یحتمل سماعها العامة . وجاء فیها :

ص: 352

من معاویة بن صخر إلی الزاری علی أبیه محمد بن أبی بکر أمَّا بعد : فقد أتانی کتابک ، فتذکر فیه ما الله أهله فی عظمته وقدرته وسلطانه ، وما اصطفی به رسول الله ( صلی الله علیه و آله و سلم ) مع کلام کثیر لک فیه تضعیف ، ولأبیک فیه تعنیف ، ذکرت فیه فضائل ابن أبی طالب ، وقدیم سوابقه وقرابته إلی رسول الله ( صلی الله علیه و آله و سلم ) ومواساته إیَّاه فی کل هول وخوف ، فکان احتجاجک علیّ وعیبک لی بفضل غیرک لابفضلک ، فاحمد ربّاً صرف هذا الفضل عنک ، وجعله لغیرک ، فقد کنَّا وأبوک فینا نعرف فضل ابن أبی طالب ، وحقّه لازماً لنا ، مبروراً علینا ، فلمَّا اختار اللهُ لنبیه علیه الصلاة والسلام ما عنده وأتمَّ له ما وعده ، واظهر دعوته ، وأبلج حُجَّته ، وقبضه الله إلیه صلوات الله علیه .

وکنّا فی زمن الرسول صلی الله علیه و آله و سلم انا وابو بکر وعمر ننظر الی ابن ابی طالب کالنجم فی الثریا ((1)) .

فکان أبوک وفاروقه أوَّل من ابتزه حقّه ، وخالفه علی أمره ، علی ذلک إتَّفقا وإتَّسقا ، ثمَّ إنَّهما دَعواه إلی بیعتهما ، فأبطأ عنهما وتلکَّأ علیهما ، فهمَّا به الهموم وأرادا به العظیم ، ثمَّ إنّه بایع لهما وسلّم لهما ، وأقاما لا یشرکانه فی

ص: 353

أمرهما ، ولا یطلعانه علی أمرهما ، حتَّی قبضهما اللهُ ، ثمَّ قام ثالثهما عثمان فهدی بهدیهما وسار بسیرهما ، فعبته أنتَ وصاحبک ، حتَّی طمع فیه الأقاصی من أهل المعاصی ، فطلبتما له الغوائل وأظهرتما عداوتکما فیه ، حتَّی بلغتما فیه مناکما ، فخذ حذرک یا ابن أبی بکر ، وقس شِبرَک بفَترک ، یقصر عنه أن توازی وتساوی مَن یزن الجبال بحلمه ، لایلین عن قَسْر قناته ، ولا یدرک ذو مقال أناته ، أبوک مهَّد مهاده وبنی لملکه وساده ، فإن یکن ما نحن فیه صواباً ، فأبوک استبدَّ به ونحن شرکاؤه ، ولولا مافعل أبوک من قبل ، ما خالفنا ابن أبی طالب ، ولسلَّمنا إلیه ، ولکنَّا رأینا أباک فعل ذلک به من قبلنا ، فأخذنا بمثله ، فعب أباک بما بدا لک أو دَعْ ذلک ، والسلام علی من أناب ((1)) .

ص: 354

وأقرَّ ابن هشام تزویره للسیرة النبویة قائلا :وإنّی تارک أشیاء بعضها یشنع الحدیث به، وبعض یسوء بعض الناس ذکره، وبعض لم یقرّ لنا البکائی بروایته((1)).

{وَاللّهُ عَلِیمٌ حَکِیمٌ(71) .

{ إنَّ الَّذِینَ آمَنُوا وَهَاجَرُوا وَجَاهَدُوا بِأمْوَالِهِمْ وَأنفُسِهِمْ فِی سَبِیلِ اللّهِ وَالَّذِینَ آووا وَنَصَرُوا اُوْلَئِکَ بَعْضُهُمْ أوْلِیَاءُ بَعْض وَالَّذِینَ آمَنُوا وَلَمْ یُهَاجِرُوا مَا لَکُمْ مِنْ وَلایَتِهِمْ مِنْ شَیْء حَتَّی یُهَاجِرُوا وَإنْ اسْتَنصَرُوکُمْ فِی الدِّینِ فَعَلَیْکُمُ النَّصْرُ إلا عَلَی قَوْم بَیْنَکُمْ وَبَیْنَهُمْ مِیثَاقٌ وَاللّهُ بِمَا تَعْمَلُونَ بَصِیرٌ 72 } سورة الأنفال.

{ إنَّ الَّذِینَ آمَنُوا وَهَاجَرُوا وَجَاهَدُوا بِأمْوَالِهِمْ وَأنفُسِهِمْ فِی سَبِیلِ اللّهِ وَالَّذِینَ آو ا وَنَصَرُوا } .

إنّها نزلت فی الامام علی علیه السلام وجعفر وحمزه((2)) .

{اُوْلَئِکَ } المؤمنون {بَعْضُهُمْ أوْلِیَاءُ بَعْض } فی النصرة والمیراث , اذ کان المهاجرون والانصار یتوارثون دون الأقارب فنسخه تعالی بقوله : (وأولوا الأرحام بعضهم أولی ببعض ) .

ص: 355

{وَالَّذِینَ آمَنُوا وَلَمْ یُهَاجِرُوا مَا لَکُمْ مِنْ وَلایَتِهِمْ مِنْ شَیْء } لا توارث بینکم وبینهم {حَتَّی یُهَاجِرُوا وَإنْ اسْتَنصَرُوکُمْ فِی الدِّینِ فَعَلَیْکُمُ } واجب علیکم .

{ فَعَلَیْکُمُ النَّصْرُ إلا عَلَی قَوْم بَیْنَکُمْ وَبَیْنَهُمْ مِیثَاقٌ } عهد عندها لا تنصروهم علیهم {وَاللّهُ بِمَا تَعْمَلُونَ بَصِیرٌ72 }_سورة الأنفال.

قال أبو الحسن موسی بن جعفر ( علیهما السلام ) : « لما أمرهم هارون الرشید بحملی ، دخلت علیه ، فسلمت ، فلم یرد السلام ، ورأیته مغضبا ، فرمی إلی بطومار فقال : « اقرأه . فإذا فیه کلام قد علم الله عز وجل براءتی منه . وفیه : أن موسی بن جعفر یجبی إلیه خراج الآفاق من غلاة الشیعة ممن یقول بإمامته ، یدینون الله بذلک ، ویزعمون أنه فرض علیهم إلی أن یرث الله الأرض ومن علیها ، ویزعمون أنه من لم یهب إلیه العشر ، ولم یصل بإمامتهم ، ویحج بإذنهم ،ویجاهد بأمرهم ، ویحمل الغنیمة إلیهم ، ویفضل الأئمة علی جمیع خلقه ، ویفرض طاعتهم مثل طاعة الله وطاعة رسوله فهو کافر ، حلال ماله ودمه .

وفیه کلام شناعة مثل : المتعة بلا شهود ، واستحلال الفروج بأمره ولو بدرهم ، والبراءة من السلف ، ویلعنون علیهم فی صلاتهم ، ویزعمون أن من لم یتبرأ منهم فقد بانت امرأته منه ، ومن أخر الوقت فلا صلاة له ، لقول الله تبارک وتعالی : أَضاعُوا الصَّلاةَ واتَّبَعُوا الشَّهَواتِ فَسَوْفَ یَلْقَوْنَ غَیًّا ) یزعمون أنه واد فی جهنم .

ص: 356

والکتاب طویل ، وأنا قائم أقرأ ، وهو ساکت ، فرفع رأسه ، وقال : قد اکتفیت بما قرأت فتکلم بحجتک بما قرأت .

قلت : یا أمیر المؤمنین ، والذی بعث محمدا صلی الله علیه و آله و سلم بالنبوة ما حمل إلی قط أحد درهما ولا دینارا من طریق الخراج ، لکنا معاشر آل أبی طالب نقبل الهدیة التی أحلها الله عز وجل لنبیه علیه السلام فی قوله :

لو أهدی إلی کراع لقبلته ، ولو دعیت إلی ذراع غنم لأجبته . وقد علم أمیر المؤمنین ضیق ما نحن فیه ، وکثرة عدونا ، وما منعنا السلف من الخمس الذی نطق لنا به الکتاب ، فضاق بنا الأمر ، وحرمت علینا الصدقة ، وعوضنا الله عز وجل منها الخمس ، فاضطررنا إلی قبول الهدیة ، وکل ذلک مما علمه أمیر المؤمنین . فلما تم کلامی سکت .

ثم قلت : إن رأی أمیر المؤمنین أن یأذن لابن عمه فی حدیث عن آبائه ، عن النبی صلی الله علیه و آله و سلم ؟ فکأنه اغتنمها ، فقال : مأذون لک ، هاته .

فقلت : حدثنی أبی عن جدی یرفعه إلی النبی صلی الله علیه و آله و سلم : إن الرحم إن مست رحما تحرکت واضطربت . فإن رأیت أن تناولنی یدک ؟

فأشار بیده إلی ، ثم قال : ادن . فدنوت ، فصافحنی وجذبنی إلی نفسه ملیا ، ثم فارقنی وقد دمعت عیناه ، فقال لی : اجلس یا موسی ، فلیس علیک بأس ، صدقت وصدق جدک ، وصدق النبی صلی الله علیه و آله و سلم ، لقد تحرک دمی ، واضطربت عروقی ، واعلم أنک لحمی ودمی ، وأن الذی حدثتنی به صحیح ، وإنی أرید أن أسألک عن مقالة ، فإن أجبتنی أعلم أنک قد

ص: 357

صدقتنی ، وخلیت عنک ووصلتک ، ولم أقبل ما قیل فیک . فقلت : ما کان علمه عندی أجبتک فیه .

فقال : لم لا تنهون شیعتکم عن قولهم لکم : یا بن رسول الله . وأنتم ولد علی ، وفاطمة إنما هی وعاء ، والولد ینسب إلی الأب لا إلی الأم ؟

فقلت : إن رأی أمیر المؤمنین أن یعفینی من هذه المسألة ففعل .

فقال : لست أفعل أو أجبت . فقلت : فأنا فی أمانک أن لا یصیبنی من آفة السلطان شیء ؟ فقال : لک الأمان .

قلت : أعوذ بالله من الشیطان الرجیم ، بسم الله الرحمن الرحیم و هَبْنا لَه إِسْحاقَ ویَعْقُوبَ کُلًّا هَدَیْنا ونُوحاً هَدَیْنا مِنْ قَبْلُ ومِنْ ذُرِّیَّتِه داوُدَ وسُلَیْمانَ وأَیُّوبَ ویُوسُفَ ومُوسی وهارُونَ وکَذلِکَ نَجْزِی الْمُحْسِنِینَ وزَکَرِیَّا ویَحْیی وعِیسی ) فمن أبو عیسی ؟ فقال : لیس له أب ، إنما خلق من کلام الله عز وجل وروح القدس .

فقلت : إنما الحق عیسی بذراری الأنبیاء ( علیهم السلام ) من قبل مریم ، وألحقنا بذراری الأنبیاء من قبل فاطمة ( علیها السلام ) ، لا من قبل علی علیه السلام . فقال : أحسنت أحسنت ، یا موسی ، زدنی من مثله .

فقلت : اجتمعت الأمة ، برها وفاجرها ، أن حدیث النجرانی حین دعاه النبی صلی الله علیه و آله و سلم إلی المباهلة لم یکن فی الکساء إلا النبی صلی الله علیه و آله و سلم وعلی وفاطمة والحسن والحسین ( علیهم السلام ) ، فقال الله تبارک وتعالی : فَمَنْ حَاجَّکَ فِیه مِنْ بَعْدِ ما جاءَکَ مِنَ الْعِلْمِ فَقُلْ تَعالَوْا نَدْعُ أَبْناءَنا وأَبْناءَکُمْ ونِساءَنا

ص: 358

ونِساءَکُمْ وأَنْفُسَنا وأَنْفُسَکُمْ ) فکان تأویل أَبْناءَنا الحسن والحسین ونِساءَنا فاطمة وأَنْفُسَنا علی بن أبی طالب علیه السلام .

فقال : أحسنت .

ثم قال : أخبرنی عن قولکم : لیس للعم مع ولد الصلب میراث ؟

فقلت : أسألک _ یا أمیر المؤمنین _

بحق الله وبحق رسول الله صلی الله علیه و آله و سلم أن تعفینی من تأویل هذه الآیة وکشفها ، وهی عند العلماء مشهورة .

فقال : إنک قد ضمنت لی أن تجیب فیما أسألک ، ولست أعفیک ، فقلت : فجدد لی الأمان . فقال : قد أمنتک .

فقلت : إن النبی صلی الله علیه و آله و سلم لم یورث من قدر علی الهجرة فلم یهاجر ، وإن عمی العباس قدر علی الهجرة فلم یهاجر ، وإنما کان فی عداد الأساری عند النبی صلی الله علیه و آله و سلم ، وجحد أن یکون له الفداء ، فأنزل الله تبارک وتعالی علی النبی صلی الله علیه و آله و سلم یخبره بدفین له من ذهب ، فبعث علیا علیه السلام فأخرجه من عند أم الفضل ، وأخبر العباس بما أخبره جبرئیل عن الله تبارک وتعالی ، فأذن لعلی ، وأعطاه علامة الموضع الذی دفن فیه ، فقال العباس عند ذلک : یا بن أخی ، ما فاتنی منک أکثر ، وأشهد أنک رسول رب العالمین . فلما أحضر علی علیه السلام الذهب قال العباس :

أفقرتنی یا بن أخی . فأنزل الله تبارک وتعالی : ( إِنْ یَعْلَمِ اللَّه فِی قُلُوبِکُمْ خَیْراً یُؤْتِکُمْ خَیْراً مِمَّا أُخِذَ مِنْکُمْ ویَغْفِرْ لَکُمْ ) ، وقوله : ( والَّذِینَ آمَنُوا ولَمْ

ص: 359

یُهاجِرُوا ما لَکُمْ مِنْ وَلایَتِهِمْ مِنْ شَیْءٍ حَتَّی یُهاجِرُوا ) _ ثم قال : _ ( وإِنِ اسْتَنْصَرُوکُمْ فِی الدِّینِ فَعَلَیْکُمُ النَّصْرُ ) ، فرأیته قد اغتم » ((1))

.

{وَالَّذِینَ کَفَرُوا بَعْضُهُمْ أوْلِیَاءُ بَعْض إلا تَفْعَلُوهُ تَکُنْ فِتْنَةٌ فِی الأرْضِ وَفَسَادٌ کَبِیرٌ 73 } سورة الأنفال.

{ وَالَّذِین َ کَفَرُوا بَعْضُهُمْ أوْلِیَاءُ بَعْض }الکفار تحت مظلة الشیطان ینصر بعضهم بعضاً , فالکفر ملة واحدة والمسلمون ملة واحدة , ومن ناصر الکفار فهو منهم , قال سلطان الأنبیاء محمد صلی الله علیه و آله و سلم : المسلم أخو المسلم لا یظلمه ولا یخذله ولا یحقره .

وقال النبی صلی الله علیه و آله و سلم : من سمع منادیاً ینادی یا للمسلمین فلم یجبه لیس بمسلم {إلا تَفْعَلُوهُ } إن لم تلتزموا الوحدة والاتحاد , وخضعتم للاستکبار الغربی فقد ساعدتم علی الفساد .

{تَکُنْ فِتْنَةٌ فِی الأرْضِ وَفَسَادٌ کَبِیرٌ73 } .

وفی الصحیح عن محمد بن إبراهیم بن محمد الهمدانی قال کتبت إلی أبی جعفر « علیه السلام » فی التزویج فأتانی کتابه بخطه قال رسول الله صلی الله علیه و آله و سلم إذا جاءکم من ترضون خلقه ودینه فزوجوه ألا تفعلوه تکن فتنة فی الأرض وفساد کبیر .

ص: 360

وروی الشیخ فی الموثق کالصحیح عن علی بن مهزیار قال قرأت کتاب أبی جعفر « علیه السلام » إلی ابن شیبة الأصبهانی : فهمت ما ذکرت من أمر بناتک وأنک لا تجد

أحدا مثلک فلا تنظر فی ذلک یرحمک الله ، فإن رسول الله « صلی الله علیه و آله و سلم » قال : إذا جاءکم من ترضون خلقه ودینه فزوجوه فإنکم إن لا تفعلوا ذلک تکن فتنة فی الأرض وفساد کبیر .

وفی القوی عن علی علیه السلام قال قال رسول الله « صلی الله علیه و آله و سلم » یوما ونحن عنده إذا جاءکم من ترضون خلقه ودینه فزوجوه قال : قلت : یا رسول الله وإن کان دنیا فی نسبه ؟

قال إذا جاءکم من ترضون خلقه ودینه فزوجوه إنکم : « إِلَّا تَفْعَلُوهُ تَکُنْ فِتْنَةٌ فِی الأَرْضِ وفَسادٌ کَبِیرٌ » .

فظهر من هذه الأخبار المتواترة وما سیجیء أنه یجب الإجابة حینئذ ویحرم المنع کما ذکره الأصحاب ، بل یظهر منها أنه من الکبائر وذکر بعض أنه یجوز إذا کان المطلوب الأصلح والأفضل ، والأحوط العدم ، وعلی أی حال فهی مقیدة بما إذا کان قادرا علی النفقة کما سیجیء .

وروی الکلینی فی الصحیح عن أبی حمزة الثمالی قال کنت عند أبی جعفر علیه السلام إذا استأذن علیه رجل فأذن له فدخل علیه فسلم فرحب به أبو جعفر علیه السلام وأدناه وسائله فقال الرجل : جعلت فداک إنی خطبت إلی مولاک فلان

ص: 361

بن أبی رافع ابنته فلانة فردنی ورغب عنی وازدرأنی « أی احتقرنی » لدمامتی « أی لحقارتی » وحاجتی وغربتی وقد دخلنی من ذلک غضاضة

( أی انتقاص ) هجمة غض لها قلبی تمنیت عندها الموت .

فقال أبو جعفر علیه السلام اذهب فأنت رسولی إلیه وقل له یقول لک محمد بن علی بن الحسین بن علی بن أبی طالب علیهم السلام زوج منجح بن رباح مولای بنتک فلانة ولا ترده قال أبو حمزة : فوثب الرجل فرحا مسرعا برسالة أبی جعفر « علیه السلام » فلما أن تواری الرجل قال أبو جعفر « علیه السلام » : إن رجلا کان من أهل الیمامة یقال له جویبر أتی

رسول الله صلی الله علیه و آله و سلم منتجعا للإسلام فأسلم وحسن إسلامه وکان رجلا قصیرا دمیما محتاجا عاریا وکان من قباح السودان فضمه رسول الله صلی الله علیه و آله و سلم لحال غربته وعراه « أو عریة » وکان یجری علیه طعاما « طعامه » صاعا من تمر بالصاع الأول وکساء شملتین وأمره أن یلزم المسجد ویرقد فیه باللیل فمکث بذلک ما شاء الله حتی کثر الغرباء ممن یدخل فی الإسلام من أهل الحاجة بالمدینة وضاق بهم المسجد . فأوحی الله عز وجل إلی نبیه صلی الله علیه و آله و سلم أن طهر مسجدک واخرج من المسجد من یرقد فیه باللیل ومر بسد أبواب من کان له فی مسجدک باب إلا باب علی ومسکن فاطمة علیهما السلام ولا یمرن فیه جنب ولا یرقد فیه غریب قال : فأمر رسول الله صلی الله علیه و آله و سلم بسد أبوابهم إلا باب علی علیه السلام وأقر مسکن فاطمة علیهما السلام علی حاله .

ص: 362

قال : ثمَّ إن رسول الله « صلی الله علیه و آله و سلم » أمر أن یتخذ للمسلمین سقیفة فعملت لهم وهی الصفة ثمَّ أمر الغرباء والمساکین أن یظلوا فیها نهارهم ولیلهم فنزلوها واجتمعوا فیها فکان رسول الله « صلی الله علیه و آله و سلم » یتعاهدهم بالبر والتمر والشعیر والزبیب إذا کان عنده وکان المسلمون یتعاهدونهم ویرقون علیهم لرقة رسول الله صلی الله علیه و آله و سلم ویصرفون صدقاتهم إلیهم .

وإن رسول الله « صلی الله علیه و آله و سلم » نظر إلی جویبر ذات یوم برحمة منه له ورقة علیه فقال له :

یا جویبر لو تزوجت امرأة فعففت بها فرجک وأعانتک علی دنیاک وآخرتک ؟ فقال له جویبر یا رسول الله بأبی أنت وأمی من یرغب فی ؟ فو الله ما من حسب ولا نسب ولا مال ولا جمال فأیة امرأة ترغب فی ؟ .

فقال له رسول الله « صلی الله علیه و آله و سلم » : یا جویبر إن الله قد وضع بالإسلام من کان فی الجاهلیة شریفا وشرف بالإسلام من کان فی الجاهلیة وضیعا وأعز بالإسلام من کان فی

الجاهلیة ذلیلا واذهب بالإسلام ما کان من نخوة الجاهلیة وتفاخرها بعشائرها وباسق أنسابها « أی رفعها » فالناس الیوم کلهم أبیضهم وأسودهم وقرشیهم وعربیهم وعجمیهم من آدم ، وإن آدم علیه السلام خلقه الله من طین وإن أحب الناس إلی الله عز وجل یوم القیمة أطوعهم له وأتقاهم وما أعلم

ص: 363

یا جویبر لأحد من المسلمین علیک الیوم فضلا إلا لمن کان اتقی لله منک وأطوع ، ثمَّ قال له : انطلق یا جویبر إلی زیاد بن لبید فإنه من أشرف بنی بیاضة حسبا فیهم فقل له :

إنی رسول الله صلی الله علیه و آله و سلم إلیک وهو یقول لک : زوج جویبر ابنتک الدلفاء ( الذلفاء ) قال : فانطلق جویبر برسالة رسول الله صلی الله علیه و آله و سلم إلی زیاد بن لبید وهو فی منزله وجماعة من قومه عنده فاستأذن فأعلم فأذن له فدخل وسلم علیه ثمَّ قال یا زیاد بن لبید إنی رسول رسول الله صلی الله علیه و آله و سلم إلیک فی حاجة لی فأبوح بها أم أسرها إلیک ؟ فقال له زیاد بل بح بها فإن ذلک شرف لی وفخر .

فقال له جویبر إن رسول الله « صلی الله علیه و آله و سلم » یقول لک زوج جویبر ابنتک الدلفاء ( الذلفاء) فقال له زیاد أرسول الله صلی الله علیه و آله و سلم أرسلک إلی بهذا یا جویبر ؟ فقال له نعم ما کنت لا کذب علی رسول الله صلی الله علیه و آله و سلم فقال له زیاد إنا لا نزوج فتیاننا إلا أکفاءنا من الأنصار فانصرف یا جویبر حتی ألقی رسول الله صلی الله علیه و آله و سلم فأخبره بعذری .

فانصرف جویبر وهو یقول : والله ما بهذا أنزل القرآن ولا بهذا ظهرت نبوة محمد صلی الله علیه و آله و سلم فسمعت مقالته الدلفاء ( الذلفاء ) بنت زیاد وهی فی خدرها فأرسلت إلی أبیها أدخل إلی فدخل إلیها فقالت له ما هذا الکلام الذی سمعته منک تحاور به جویبر ؟

ص: 364

فقال لها ذکر لی أن رسول الله صلی الله علیه و آله و سلم أرسله وقال یقول لک رسول الله

صلی الله علیه و آله و سلم زوج جویبر ابنتک الذلفاء فقالت له والله ما کان جویبر لیکذب علی رسول الله صلی الله علیه و آله و سلم بحضرته فابعث الآن رسولا یرد علیک جویبر .

فبعث زیاد رسولا فلحق جویبر فقال له زیاد یا جویبر مرحبا بک اطمأن حتی أعود إلیک ثمَّ انطلق زیاد إلی رسول الله صلی الله علیه و آله و سلم فقال له بأبی أنت وأمی إن جویبر أتانی برسالتک وقال إن رسول الله صلی الله علیه و آله و سلم یقول لک زوج جویبر ابنتک الدلفاء فلم أن لن له فی القول ورأیت لقاءک ، ونحن لا نزوج إلا أکفائنا من الأنصار فقال له رسول الله صلی الله علیه و آله و سلم یا زیاد جویبر مؤمن والمؤمن کفو للمؤمنة والمسلم کفو للمسلمة فزوجه یا زیاد ولا ترغب عنه .

قال فرجع زیاد إلی منزله ودخل علی ابنته فقال لها ما سمعه من رسول الله صلی الله علیه و آله و سلم فقالت له إنک إن عصیت رسول الله صلی الله علیه و آله و سلم کفرت فزوج جویبر فخرج زیاد فأخذ بید جویبر ثمَّ أخرجه إلی قومه فزوجه علی سنة الله وسنة رسوله صلی الله علیه و آله و سلم وضمن صداقه. قال فجهزها زیاد وهیأوها ثمَّ أرسلوا إلی جویبر فقالوا له: ألک منزل فنسوقها إلیک ؟ فقال والله ما لی من منزل قال

ص: 365

فهیأوا وهیأوا لها منزلا وهیأوا فیه فراشا ومتاعا وکسوا جویبر ثوبین وأدخلت الدلفاء ( الذلفاء ) فی بیتها وأدخل جویبر علیها معتما ((1))

.

فلما رآها نظر إلی بیت ومتاع وریح طیبة قام إلی زاویة البیت فلم یزل تالیا للقرآن راکعا وساجدا حتی طلع الفجر فلما سمع النداء خرج وخرجت زوجته إلی الصلاة فتوضأت وصلت الصبح فسئلت هل مسک ؟ فقالت ما زال تالیا للقرآن راکعا وساجدا حتی سمع النداء فخرج فلما کان اللیلة الثانیة فعل مثل ذلک وأخفوا ذلک من زیاد فلما کان الیوم الثالث فعل مثل ذلک فأخبر بذلک أبوها .

فانطلق إلی رسول الله « صلی الله علیه و آله و سلم » فقال بأبی وأمی یا رسول الله أمرتنی بتزویج جویبر ولا والله ما کان من مناکحنا ولکن طاعتک أوجبت علی تزویجه فقال له النبی « صلی الله علیه و آله و سلم » فما الذی أنکرتم منه ؟ قال : إنا هیأنا له بیتا ومتاعا وأدخلت ابنتی البیت وأدخل معها معتما فما کلمها ولا نظر إلیها ولا دنا منها بل قام إلی زاویة البیت فلم یزل تالیا للقرآن راکعا وساجدا حتی سمع النداء فخرج ثمَّ فعل مثل ذلک فی اللیلة الثانیة ومثل ذلک فی اللیلة الثالثة ولم یدن

ص: 366

منها ولم یکلمها إلی أن جئتک وما نراه یرید النساء فانظر فی أمرنا ، فانصرف زیاد .

وبعث رسول الله صلی الله علیه و آله و سلم إلی جویبر فقال له أما تقرب النساء ؟ فقال له جویبر أوما أنا فحل ؟ بلی یا رسول الله إنی لشبق نهم ( وهو بالتحریک إفراط الشهوة ) إلی النساء فقال له رسول الله صلی الله علیه و آله و سلم قد خبرت بخلاف ما وصفت به نفسک قد ذکر لی أنهم هیأوا لک بیتا وفراشا ومتاعا وأدخلت علیک فتاة حسناء عطرة وأتیت مغتما ( معتما ) فلم تنظر إلیها ولم تکلمها ولم تدن منها فما دهاک إذا .

فقال له جویبر یا رسول الله دخلت بیتا واسعا ورأیت فراشا ومتاعا وفتاة حسناء عطرة وذکرت حالی التی کنت علیها وغربتی وحاجتی ووضعی وکسوتی ( أو وکینونتی ) مع الغرباء والمساکین فأحببت إذ أولانی الله ذلک أن أشکره علی ما أعطانی وأتقرب إلیه بحقیقة الشکر فنهضت إلی جانب البیت فلم أزل فی صلاتی تالیا للقرآن راکعا ساجدا أشکر الله حتی سمعت النداء فخرجت فلما أصبحت رأیت أن أصوم ذلک الیوم ففعلت ذلک ثلاثة أیام ولیالیها ورأیت ذلک فی جنب ما أعطانی الله یسیرا ولکنی سأرضیها وأرضیهم اللیلة إن شاء الله .

ص: 367

فأرسل رسول الله « صلی الله علیه و آله و سلم » إلی زیاد فأتاه فأعلمه ما قال جویبر فطابت أنفسهم قال : ووفی لهم جویبر بما قال ، ثمَّ إن رسول الله « صلی الله علیه و آله و سلم » خرج فی غزوة له ومعه جویبر فاستشهد رحمه الله فما کان فی الأنصار أیم أنفق منها بعد جویبر فتأمل ذلک فإنه مشتمل علی أحکام کثیرة وفوائد جمة

وعن أبی عبد الله علیه السلام قال أتی رجل النبی « صلی الله علیه و آله و سلم » فقال یا رسول الله عندی مهیرة العرب ( أی الحرة الغالیة المهر ) وأنا أحب أن تقبلها وهی ابنتی قال فقال قد قبلتها قال فأخری یا رسول الله ؟ قال : وما هی ؟

قال لم یضرب علیها صدغ ( صدع ) قط قال لا حاجة لی فیها ولکن زوجها من جلبیب ( جلیبیب ) قال فسقط رجلا الرجل مما دخله ثمَّ أتی أمها فأخبرها الخبر فدخلها مثل ما دخله فسمعت الجاریة مقالته ورأت ما دخل أباها ( أو أبویها ) فقالت لهما:

ارضیا لی ما رضی الله ورسوله لی . قال فتسلی ذلک عنهما وأتی أبوها النبی « صلی الله علیه و آله و سلم » فأخبره الخبر فقال رسول الله « صلی الله علیه و آله و سلم » قد جعلت مهرها الجنة

ص: 368

وزاد فیه صفوان قال فمات عنها جلبیب فبلغ مهرها بعده مائة ألف درهم ((1)) .

{ وَالَّذِینَ آمَنُوا وَهَاجَرُوا وَجَاهَدُوا فِی سَبِیلِ اللّهِ وَالَّذِینَ آووا وَنَصَرُوا اُوْلَئِکَ هُمُ المُؤْمِنُونَ حَقّاً لَهُمْ مَغْفِرَةٌ وَرِزْقٌ کَرِیمٌ 74 } سورة الأنفال.

{ وَالَّذِینَ آمَنُوا وَهَاجَرُوا وَجَاهَدُوا فِی سَبِیلِ اللّهِ وَالَّذِینَ آووا } المهاجرین یقصد الانصار الذین آووا المهاجرین {وَنَصَرُوا } الدین {اُوْلَئِکَ هُمُ المُؤْمِنُونَ حَقّاً لَهُمْ مَغْفِرَةٌ وَرِزْقٌ کَرِیمٌ74 } .

{ وَالَّذِینَ آمَنُوا مِنْ بَعْدُ وَهَاجَرُوا وَجَاهَدُوا مَعَکُمْ فَاُوْلَئِکَ مِنْکُمْ وَاُوْلُوا الأرْحَامِ بَعْضُهُمْ أوْلَی بِبَعْض فِی کِتَابِ اللّهِ إنَّ اللّهَ بِکُلِّ شَیْء عَلِیمٌ75 } سورة الأنفال.

عن تفسیر جابر بن یزید عن الامام علیه السلام : أثبت الله بهذه الآیة ولایة علی بن ابی طالب , لانَّ علیاً کان أولی برسول الله صلی الله علیه و آله و سلم من غیره , لأنه کان أخاه کما قال فی الدنیا والآخرة , وقد أحرز میراثه , وسلاحه ومتاعه وبغلته

ص: 369

الشهباء وجمیع ما ترک وورث کتابه من بعده , قال الله تعالی : (ثم أورثنا الذین اصطفینا من عبادنا) .

وهو

القرآن کله نزل علی رسول الله صلی الله علیه و آله و سلم وکان یعلم الناس من بعد النبی ولم یعلمه أحد , فکان یُسأل ولا یسأل أحداً من دین الله((1)) .

وبالمعنی

العام دلالة هذه الآیة علی أنَّ من کان أقرب الی المیت نسباً فهو أولی من غیره بمیراثه من الأبعد مثلا بنت المیت تحجب أخاه عن الارث .

وروی الحافظ سلیمان القندوزی الحنفی , عن الحافظ أبی بکر بن مردویه الشافعی فی کتاب المناقب أنّه قال: فی قوله تعالی :

(وَاُوْلُوا الأرْحَامِ بَعْضُهُمْ أولی بِبَعْض فِی کِتَابِ اللّهِ)((2)) .

إنّه قیل: ذلک علی علیه السلام , لأنّه کان مؤمناً مهاجراً ذا رحم((3)) .

وفی الأنفال والذین آمنوا من بعد وهاجروا وجاهدوا معکم فأولئک منکم .

ص: 370

وشهادة عمر ویمینه بأن الآیة نزلت بدون واو ، وأن الله مدح الأنصار فیها بأنهم تابعون للمهاجرین ! !

حیث قال عمر فی روایة ابن شبة أشهد أن الله أنزلها هکذا ((1)).

لکنه تراجع عن یمینه بمجرد شهادة أبی بن کعب وتأکیده ولم یسأل باقی الصحابة .

ص: 371

انتصر النبی صلی الله علیه و آله و سلم فی معرکة خیبر فی السنة السابعة , وفتح النبی محمد مکة فی السنة الثامنة للهجرة , ثم انتصر فی معرکة حنین ثم نزلت هذه السورة فی السنة التاسعة تعلن البراءة من المشرکین وتنذرهم جمیعاً بالحرب إن لم یسلموا , عندها دفع النبی السورة الی أبی بکر لیقرأها علی الحجاج فی مکة فی السنة التاسعة للهجرة , لکن الله تعالی بعث جبرئیل الی النبی صلی الله علیه و آله و سلم طالباً منه أخذ السورة من أبی بکر واعطائها الی الإمام علی علیه السلام , فذهب الإمام علی أمیراً للحاج وقرأ سورة التوبة علی المشرکین فی مکة .

ورجع أبو بکر إلی النبی صلی الله علیه و آله و سلم , فقال : یارسول الله هل نزل فیَّ شیء ؟ قال النبی صلی الله علیه و آله و سلم : لا , ولکن جبرئیل جاءنی فقال : لن یؤدّی عنک إلاّ أنت أو رجل منک , ونقله فی الکنز عن أبی الشیخ وابن مردویه الشافعی , ونحوه فی الکشّاف أیضاً((1))

.

وقال الحاکم عن ابن عمر : إنّ رسول الله صلی الله علیه و آله و سلم بعث أبا بکر وعمر ببراءة إلی أهل مکّة فانطلقا , فإذا هما براکب فقال : مَن هذا ؟

ص: 373

و جد أتباع الخط الأموی فی ذلک الفعل الإلهی تضعیف لخطّهم فتحرّکوا لتحریف ذلک النهج الإلهی فقالوا کذباً : إنَّ أبا بکر استمرّ فی أمارة الحجّ والإمام علی ( علیه السلام ) مأمور تحت إمارته .

وقالوا : إنّ أمر الله هذا جاء وفق عادة عرب الجاهلیة أن لا یبلّغ فی العهود إلاّ شخص من قبیلته .

لقد أراد ابن شهاب الزهری الأموی إرضاء الحکم الأموی عنه فقال : إنّما أمر النبی علیاً ( علیه السلام )بتبلیغ براءة دون غیره لأنّ عادة العرب أن لا یتولی العهود إلاّ سیّد القبیلة وزعیمها أو رجل من أهل بیته یقوم مقامه کأخیه أو ابن عمه فأجراهم علی عادتهم((1)) .

وهذا من أکاذیب الزهری التی لیس لها دلیل إذ کان الوکیل عند العرب کالأصیل !

وأضاف النواصب الی الروایة عبارة : (مالکما الا خیر ) بینما ظاهر الروایة لا یوجد فیها هذا المقطع اذ بکی ابو بکر بسبب الغضب الالهی علیه فی عزله من إمارة الحج .

ص: 374

بکاء أبی بکر بعد طرده من أمارة الحج : وقد روی عودة أبی بکر وبکاءه وذهاب الإمام علی بن أبی طالب( علیه السلام )أمیراً علی الحجّ محمد بن إسحاق وأحمد بن حنبل وأبو یعلی من روایة أبی إسحاق عن یزید بن منبع عن أبی بکر((1))وابن شهر آشوب والطبرسی والبلاذری والترمذی والواقدی والشعبی والسدّی والثعلبی والواحدی والقرطبی والقشیری والسمعانی وابن بطة والأعمش وسماک بن حرب فی کتبهم عن عروة بن الزبیر وأبی هریرة وأنس وأبی رافع وزید بن نفیع وابن عمر وابن عباس .

وحرّف ابن هشام سیرة ابن إسحاق استمرارا منه لمنهج قریش وبنی أمیة فی تحریف الحدیث والأحداث

((2)) .

لقد بلغ عدد المسلمین الراغبین فی الحجّ فی السنة التاسعة ثلاثمائة مسلم , وبعث رسول الله صلی الله علیه و آله و سلم معهم عشرین بدنة , ولمّا وصل المسلمون إلی ذی الحلیفة وهو المیقات المعروف بمسجد الشجرة ((3)) جاء جبرائیل الی النبی صلی الله علیه و آله و سلم یخبره : لایؤدّی عنک إلاّ أنت أو رجل منک .

ص: 375

فقال النبی صلی الله علیه و آله و سلم : علی منِّی وأنا منه , ولا یؤدّی إلاّ أنا أو علی((1)) .

وقال لعلی : أنت منی وأنا منک((2)) .

وقد روی أحمد بن حنبل فی مسنده عن أبی بکر أنّ النبی صلی الله علیه و آله و سلم بعثه ببراءة لأهل مکَّة : لا یحجّ بعد العام مشرک , ولا یطوف بالبیت عریان , ولا تدخل

ص: 376

الجنّة إلاّ نفس مسلمة , ومن کان بینه وبین رسول الله صلی الله علیه و آله و سلم عهد فأجله إلی مدّته , والله بری من المشرکین ورسوله , فسار بها (أبو بکر) ثلاثاً ثم قال النبی صلی الله علیه و آله و سلم لعلی ( علیه السلام ) : إلحقه فرُد علیَّ أبا بکر وبلّغها أنت , ففعل . فلمّا قدم أبو بکر علی النبی صلی الله علیه و آله و سلم بکی وقال : یارسول الله هل حدث فیَّ شیء ؟

قال النبی صلی الله علیه و آله و سلم : ما حدث فیک إلاّ خیر , ولکن أُمرت أن لا یبلّغها إلاّ أنا أو رجل منِّی((1)) .

ص: 377

وحکاه فی الکنز فی تفسیر سورة التوبة ((1)) .

وروی أحمد بن حنبل بسنده عن الإمام علی ( علیه السلام ) قائلاً : لمّا نزلت عشر آیات من سورة براءة علی النبی صلی الله علیه و آله و سلم دعا النبی صلی الله علیه و آله و سلم أبا بکر فبعثه بها , ثمّ دعانی النبی صلی الله علیه و آله و سلم فقال لی : أدرک أبا بکر , فحیثما لحقته فخذ الکتاب منه , فاذهب به إلی مکَّة , فاقرأه علیهم , فلحقته بالجحفة فأخذت الکتاب منه ورجع أبو بکر إلی النبی صلی الله علیه و آله و سلم , فقال : یارسول الله هل نزل فیَّ شیء ؟ قال النبی صلی الله علیه و آله و سلم : لا ((2)), ولکن جبرئیل جاءنی فقال : لن یؤدّی عنک إلاّ أنت أو رجل منک , ونقله فی الکنز عن أبی الشیخ وابن مردویه الشافعی , ونحوه فی الکشّاف أیضاً ((3)) .

ص: 378

وروی الحاکم عن ابن عمر حدیثاً قال فیه : أنّ رسول الله صلی الله علیه و آله و سلم بعث أبا بکر وعمر ببراءة إلی أهل مکّة فانطلقا , فإذا هما براکب فقال : مَن هذا ؟

قال : أنا علی یاأبا بکر , هات الکتاب الذی معک , فأخذ الإمام علی ( علیه السلام )الکتاب فذهب به , ورجع أبو بکر وعمر إلی المدینة فقالا : ما لنا یارسول الله ؟ قال النبی صلی الله علیه و آله و سلم : ما لکما إلاّ خیر , ولکن قیل لی لا یبلّغ عنک إلاّ أنت أو رجل منک((1)) .

ص: 379

وجاء : قال سید الأنبیاء صلی الله علیه و آله و سلم : ولکن أُمرت أن لا یبلّغها إلاّ أنا أو رجل منِّی((1)) .

وأخرج ابن مردویه الشافعی عن سعد بن أبی وقّاص : أنّ رسول الله صلی الله علیه و آله و سلم بعث أبا بکر ببراءة إلی أهل مکّة ثم بعث علیاً ( علیه السلام ) علی أثره , فأخذها منه , فکأنَّ أبا بکر وجد فی نفسه , فقال النبی صلی الله علیه و آله و سلم :

یاأبا بکر إنّه لا یؤدِّی عنِّی إلاّ أنا أو رجل منِّی .

وجاء فی تفسیر البرهان : السید هاشم البحرانی _ الوفاة : 1107هج _ مؤسسة البعثة _ قم عن ابن شهر آشوب أنّه رواه الطبرسی والبلاذری والترمذی والواقدی والشعبی والسدّی والثعلبی والواحدی والقرطبی والقشیری والسمعانی وأحمد بن حنبل وابن بطة ومحمد بن إسحاق وأبو یعلی الموصلی والأعمش وسماک بن حرب فی کتبهم عن عروة بن الزبیر وأبی هریرة وأنس وأبی رافع وزید بن نفیع وابن عمر وابن عباس واللفظ له : إنّه لمّا نزل (بَرَاءَةٌ مِنْ اللهِ وَرَسُولِهِ) إلی تسع آیات , أنفذ النبی صلی الله علیه و آله و سلم أبا بکر إلی مکَّة لأدائها .

فنزل جبرئیل وقال : إنّه لا یؤدّیها إلاّ أنت أو رجل منک , فقال النبی صلی الله علیه و آله و سلم لأمیر المؤمنین : ارکب ناقتی العضباء والحق أبا بکر , وخذ براءة من یده . ولمّا رجع أبو بکر إلی النبی صلی الله علیه و آله و سلم جزع . وقال : یارسول الله إنّک أهَّلتنی لأمر طالت الأعناق إلیه , فلمّا توجّهت إلیه رددتنی منه ؟

فقال النبی صلی الله علیه و آله و سلم : الأمین هبط إلیَّ عن الله تعالی : إنّه لا یؤدِّی عنک إلاّ أنت أو رجل منک , وعلی منِّی ولا یؤدِّی عنِّی إلاّ علی . وکلام الله تعالی : لا یؤدّی عنک إلاّ أنت أو رجل منک مطلقة تسمح لعلی ( علیه السلام )بتبلیغ

ص: 381

الأحکام الإبتدائیة مثل تلک التی جاءت فی سورة براءة بمنع طواف العریان , ومنع دخول المشرکین البیت الحرام((1)).

هل تأمَّر أحد علی علی علیه السلام ؟

فی زمن حیاة محمّد صلی الله علیه و آله و سلم لم یتأمّر أحد علی علی علیه السلام أبداً .

وکان أبو بکر وعمر فی مرَّات عدیدة مأمورین , تحت قیادة أحد الصحابة مرَّة فی حملة ذات السلاسل تحت قیادة عمرو بن العاص وقیادة الامام علی علیه السلام ومرَّة تحت قیادة أبی عبیدة بن الجرّاح , ومرَّة فی السنة العاشرة عندما استعمل النبی صلی الله علیه و آله و سلم سباع بن عرفطة الغفاری علی ما فی سیرة ابن هشام ورواه البخاری ومسلم وأبو داود والنسائی وغیرهم .

ومرَّة تحت قیادة أُسامة بن زید إلی الشام فی حملة اسامة فبقی أبو بکر وعمر ینادیان أُسامة بالأمیر طول مدّة حیاتهما((2)) .

وبذلک یکون الامام علی علیه السلام و عمرو بن العاص وأبو عبیدة بن الجراح وأُسامة بن زید قد ترأّسوا علی جیوش من جنودها أبو بکر وعمر , وهذا یثبت أنّهما مع عثمان بن عفّان من عامّة أصحاب النبی صلی الله علیه و آله و سلم , لم یمیّزهم عن غیرهم سوی السلطة السیاسیة التی سیطروا علیها فی انقلاب السقیفة .

ص: 382

بینما لم یتزعَّم شخص علی رسول الله صلی الله علیه و آله و سلم وو صیّه الامام علی بن أبی طالب علیه السلام .

وأیّد علی بن إبراهیم القمّی رجوع أبی بکر إلی المدینة وذهاب الامام علی علیه السلام أمیراً علی الحج((1)) .

قال النبی صلی الله علیه و آله و سلم : لا ینبغی لأحد أن یبلِّغ هذا إلاّ رجل من أهلی .فقال صاحب المنار إنّ قوله صلی الله علیه و آله و سلم أو رجل منّی فی روایة السدی قد فسرتها الروایات الأُخری عند الطبری وغیره بقوله صلی الله علیه و آله و سلم أو رجل من أهل بیتی وهذا النصّ الصریح یثبت تأویل کلمة منّی بأنّ معناها أنّ نفس الامام علی علیه السلام کنفس

رسول الله صلی الله علیه و آله و سلم وإنّه مثله وإنّه أفضل من کل أصحابه((2)) . علیه السلام لا یکون مأموراً أبداً .

وفی

کتاب المستجاد للعلاّمة الحلّی أنّ النبی محمّداً صلی الله علیه و آله و سلم أبلغ

علیاً علیه السلام أن یخیّر أبا بکر بین الذهاب معه أی (مأموراً) . أو الرجوع فرجع

أبو بکر((3)) .

ص: 383

وأیّد

السهیلی رجوع أبی بکر إلی المدینة وذهاب الامام علی بن أبی طالب علیه السلام ببراءة((1)) .

وصحح

سبط بن الجوزی ذهاب الامام علی بن أبی طالب علیه السلام أمیراً علی الحج ورجوع أبی بکر إلی المدینة قائلاً : ودفع النبی صلی الله علیه و آله و سلم ناقته العضباء الی علی علیه السلام فأدرک أبا بکر بذی الحلیفة فأخذ منه الآیات فرجع أبو بکر إلی رسول الله صلی الله علیه و آله و سلم فقال : بأبی أنت وأُمّی هل نزل فیَّ شیء ؟

فقال

النبی صلی الله علیه و آله و سلم : لا ولکن لا یبلّغ عنّی غیری أو رجل منّی((2)) .

وهناک

مئات المصادر الأُخری تذکر روایة أخذ الامام علی بن أبی طالب علیه السلام سورة براءة من أبی بکر ورجوع أبی بکر إلی المدینة وخوفه من نزول قرآن فیه أو وجده من ذلک , ومن الذین ذکروا تبلیغ الامام علی علیه السلام لسورة براءة وأذانه وحجّه بالناس : أبو محمد إسماعیل السدی الکوفی المتوفَّی سنة 128ه- ومحمد بن اسحاق المتوفَّی سنة 151ه- , وإمام الحنابلة أحمد بن حنبل المتوفَّی سنة 241ه- , وأبو محمد عبدالله الدارمی صاحب السنن المتوفّی سنة 255ه- , وأبو عبدالله بن ماجة القزوینی صاحب السنن المتوفَّی سنة 273ه- وأبو عیسی الترمذی صاحب الصحیح المتوفَّی سنة

ص: 384

279ه- , والیعقوبی المتوفی سنة 292ه((1)) وعبدالله البغوی صاحب المصابیح المتوفَّی سنة 317ه- , وسلیمان بن أحمد الطبرانی المتوفَّی سنة 360ه- , وعلی بن عمر الدارقطنی المتوفَّی سنة 385ه- , والحاکم النیسابوری صاحب المستدرک المتوفَّی سنة 405ه- , وجار الله الزمخشری , وإبن أبی الحدید , والسخاوی , وجلال الدین السیوطی , والقسطلانی , وابن حجر الهیثمی .

وأثبت الطبری رجوع أبی بکر إلی المدینة((2)) .

وقیل

رجع مرة أُخری أمیراً علی الحجّ ! الأمر الذی یرفضه العقل . لأنّ

أبا بکر إذا عاد إلی المدینة ورجع مرّة أُخری إلی مکّة لاحتاج إلی ستة أیّام علی الأقل .

کان المسلمون مع ابی بکر قد وصلوا الی ذی الحلیفة وهو المیقات المعروف بمسجد الشجرة ((3)) وهم یحتاجون الی لیلة واحدة للوصول الی مکة أو أقل .

ص: 385

فاذا

تحرک ابو بکر لیلتحق بالمسلمین لوصل الی مکة بعد دخولهم الیها بخمسة أیام , ولو وصلها لکان فردا عادیا فی موسم الحج وهذا ما لا یریده ابو بکر لذا جزع وبکی مثلما نقلت الروایات .

ولا یوجد دلیل أصلاً علی أنّ النبی صلی الله علیه و آله و سلم بعثه مرّة أُخری أمیراً علی الحاج .کما لم ینقل لنا أی راو وجود محادثة ثانیة بین الامام علی علیه السلام وأبی بکر : هل جئت یاأبا بکر أمیراً أو مأموراً ؟

لقد

قال رسول الله صلی الله علیه و آله و سلم مرتین : علی منّی وأنا منه مرّة فی معرکة أُحد یوم فرَّ عنه أصحابه وبقی الامام علی بن أبی طالب علیه السلام فقال جبریل : وأنا منکما .

وقال

محمد بن إسحاق فی المغازی قال الزهری : إنّما قال جبرئیل إنّ هذه لهی المواساة لأنّ الناس فرّوا عن رسول الله صلی الله علیه و آله و سلم یوم أُحد حتّی عثمان بن عفّان فإنّه أوّل من فرّ

ودخل المدینة وفیه نزل : (إِنَّ الَّذِینَ تَوَلَّوْا مِنْکُمْ یَوْمَ الْتَقَی الْجَمْعَانِ إِنَّمَا اسْتَزَلَّهُمْ الشَّیْطَانُ بِبَعْضِ مَا کَسَبُوا)((1)) .

ومرّة

أُخری قال الرسول صلی الله علیه و آله و سلم : علی منّی وأنا منه عندما أرسل علیاً علیه السلام أمیراً علی الحجّ فی السنة التاسعة((2)) .

وو جب بسورة براءة ستر العورة أی لا یحجّ بعد هذا العام عریان ولا یقرب المسجد بعد هذا العام مشرک وکان الکفّار یطوفون بالبیت عراة .

ص: 386

وقال

تعالی : (یَا بَنِی آدَمَ خُذُوا زِینَتَکُمْ)((1)) .

ممّا

یلزم ستر العورة وکان الرجال یطوفون عراة لیس علی رجل منهم ثوب باللیل یعظّمون بذلک الحرمة ویقول بعضهم : أطوف بالبیت کما ولدتنی أُمّی لیس عَلَیَّ شیء من الدنیا خالطه الظلم فکره رسول الله صلی الله علیه و آله و سلم أن یحجّ ذلک العام((2)) .

{فَسِیحُوا } أیها المشرکون {فِی الأرْضِ أرْبَعَةَ أشْهُر } أمهل الله تعالی المشرکین أربعة أشهر کی یعودوا الی مأمنهم ویسافروا فی الارض بعد اعلانه الحرب علیهم , فإن أسلموا فقد صانوا أنفسهم والا یهدر دمهم أینما وجدوا .