بطاقة تعريف:ترحيني العاملي، السيّد محمّد حسن
الروضة البهیة في شرح اللمعة الدمشقیة .شرح
عنوان واسم المؤلف:الزبدة الفقهيّة في شرح الروضة البهیة المجلد 6/تالیف السيّد محمّد حسن ترحيني العاملي.
تفاصيل المنشور: قم: دارالفقه للطباعه والنشر، 1427ق.= 1385.
مواصفات المظهر:9 ج.
ISBN:دوره 964-8220-31-X : ؛ 300000 ریال: ج.1، الطبعة الثالثة 964-8220-32-8 : ؛ ج.2 964-8220-33-6 : ؛ ج.3 964-8220-34-4 : ؛ 300000 ریال (ج. 2، الطبعة الثالثة) ؛ 300000 ریال (ج.3، الطبعة الثالثة) ؛ ج.4 964-8220-35-2 : ؛ 300000 ریال (ج.4، الطبعة الثالثة) ؛ ج.5 964-8220-36-0 : ؛ 300000 ریال (ج.5، الطبعة الثالثة) ؛ 30000 ریال (ج.6، الطبعة الثالثة) ؛ 35000 ریال : ج.6، طبعة رابعة 964-8220-37-9 : ؛ 300000 ریال : ج.7، الطبعة الثالثة 964-8220-38-7 : ؛ 35000 ریال (ج.7، طبعة رابعة) ؛ ج. 8، الطبعة الثالثة 964-8220-39-5 : ؛ 350000 ریال ( ج.8 ، طبعة رابعة ) ؛ 300000 ریال (ج. 9، الطبعة الثالثة) ؛ 35000 ریال: ج.9، طبعة رابعة 964-8220-40-9 :
حالة الاستماع:برون سپاری(ج.6، الطبعة الثالثة)
لسان:العربية.
ملحوظة:چاپ قبلی: مهدیس، 1383.
ملحوظة:ج. 1، 6(چاپ سوم: 1426ق.=1384).
ملحوظة:ج.6، 7 و 9 (چاپ چهارم 1427ق. = 1385) .
ملحوظة:ج.2 - 9 (چاپ سوم: 1426ق. = 1384).
ملحوظة:چ.8 ( چاپ چهارم : 1427ق. = 1385 )
ملحوظة:الكتاب الحالي شرح لكتاب "روضة الباهية" للشهيد الثاني ، وهو في حد ذاته تعليق على "اللمعان الدمشقية" للشهيد الأول.
ملحوظة:فهرس.
مشكلة:الشهيد ثاني، زين الدين بن علي، 911-966ق . الروضة البهیة في شرح اللمعة الدمشقیة-- نقد و تفسیر
مشكلة:شهید اول، محمد بن مکی، 734-786ق . اللمعة الدمشقیة-- نقد و تفسیر
مشكلة:فقه جعفری -- قرن 8ق.
المعرف المضاف:الشهيد الاول، محمد بن مكي، 734-786ق . اللمعة الدمشقیة. شرح
المعرف المضاف:الشهيد ثاني، زين الدين بن علي، 911-966ق . الروضة البهیة في شرح اللمعة الدمشقیة.شرح
ترتيب الكونجرس:BP182/3/ش9ل80212 1385
تصنيف ديوي:297/342
رقم الببليوغرافيا الوطنية:1033560
ص: 1
ص: 2
ص: 3
ص: 4
كتاب الوصايا
(كتاب الوصايا) وفيه فصول :
(الأول الوصية) مأخوذة (1) من وصى يصي ،
______________________________________________________
(1) الوصية مأخوذة من الثلاثي وصى يصي وصيا ، كما عن الشيخ في المبسوط والعلامة في التذكرة والمحقق في جامع المقاصد ، والوصي هو الوصل ، والوصية مأخوذة من الوصل لما فيها من وصل القربات الواقعة في حال الحياة بالقربات الواقعة بعد الممات ، أو لما فيها من وصل التصرف في حال الحياة بالتصرف الواقع بعد الممات ، وعليه فالوصية اسم مصدر.
والظاهر أن الوصية مأخوذة من الرباعي المضاعف وصّى يوصّي إيصاء ، أو من الرباعي المهموز أوصى يوصي توصية ، وهي اسم مصدر حينئذ بمعنى العهد ، ففي لسان العرب (أوصى الرجل ووصّاه : عهد إليه) ، ويشهد له تتبع استعمالها في القرآن الكريم ، قال تعالى : ( مِنْ بَعْدِ وَصِيَّةٍ يُوصِي بِهٰا أَوْ دَيْنٍ ) (1) ، وقال تعالى : ( مِنْ بَعْدِ وَصِيَّةٍ تُوصُونَ بِهٰا أَوْ دَيْنٍ ) (2) ، وقال تعالى : ( وَوَصَّيْنَا الْإِنْسٰانَ بِوٰالِدَيْهِ حُسْناً ) (3).
ومنه يظهر ضعف القول الأول ، ويظهر ضعف التردد من الشارح وغيره بأن الوصية قد تكون من الثلاثي وقد تكون من الرباعي ، بل قد عرفت تعين اشتقاق الوصية من الرباعي وأنها بمعنى العهد.
هذا ولا ريب في مشروعيتها ، قال تعالى ( كُتِبَ عَلَيْكُمْ إِذٰا حَضَرَ أَحَدَكُمُ الْمَوْتُ إِنْ تَرَكَ خَيْراً الْوَصِيَّةُ لِلْوٰالِدَيْنِ وَالْأَقْرَبِينَ ) (4) ، وقال تعالى : ( مِنْ بَعْدِ وَصِيَّةٍ يُوصِي بِهٰا -
ص: 5
أو أوصى يوصي ، أو وصّى يوصّي ، وأصلها الوصل ، وسمي هذا التصرف وصية لما فيه من وصلة التصرف في حال الحياة به بعد الوفاة ، أو وصلة القربة في تلك الحال بها في الحالة الأخرى. وشرعا (1): (تمليك عين ، أو منفعة ، أو تسليط على)
______________________________________________________
- أَوْ دَيْنٍ ) (1) ، وللأخبار.
منها : خبر محمد بن مسلم عن أبي جعفر عليه السلام (الوصية حق وقد أوصى رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم فينبغي للمسلم أن يوصي) (2) ، ومرسل المفيد في المقنعة (قال عليه السلام : ما ينبغي لامرئ مسلم أن يبيت ليلة إلا ووصيته تحت رأسه) (3) ، ومرسله الآخر (قال عليه السلام : من مات بغير وصية مات ميتة جاهلية) (4) ، وخبر أبي بصير عن أبي عبد الله عليه السلام (من لم يحسن عند الموت وصيته كان نقصا في مروته وعقله) (5) ، وفي خبر آخر (من لم يحسن وصيته عند موته كان نقصا في مروته ولم يملك الشفاعة) (6).
(1) عرفها المحقق في الشرائع بأنها تمليك عين أو منفعة بعد الوفاة ، ونسب ذلك إلى أكثر الأصحاب ، وأشكل عليه بأنه غير جامع لعدم شموله الولاية إلى الغير بإنفاذ الوصية ، والولاية على الأطفال والمجانين الذين تجوز له الوصية عليهم ، مع أنها من الوصية ، ولذا زاد المحقق في النافع والشهيد على التعريف (أو تسليط على تصرف بعد الوفاة).
وقد قيل : إن الوصية غير الوصاية فلا يحتاج إلى الاحتراز عنها ، ولذا عنون الشهيد في الدروس كل واحد منها تحت عنوان وأشكل على هذا التعريف بأنه غير جامع أيضا بالوصية بالعتق ، فإنه فك ملك لا تمليك العبد نفسه ، وكذلك التدبير على القول بأنه وصية كما ذهب إليه الأكثر ، والوصية بإبراء المديون وبوقف المسجد ، فإنه فك ملك ، وبالوصية بالمضاربة والمساقاة ، فإنهما وإن أفادا ملك العامل للحصة من الربح والثمرة على تقدير ظهورهما ، إلا أن حقيقتهما ليست كذلك ، بل قد لا يحصل ربح ولا ثمرة فينتفي التمليك ، وهذا الإشكال أورده الشارح هنا وفي المسالك.
وقد رده صاحب الجواهر بقوله : (اللهم إلا أن يريدوا من ذلك أحد أفراد الوصية ، ولعل الظاهر ذلك ، وحينئذ فلا وجه لنقض التعريف المذكور بالوصاية وبالوصية بإبراء المديون) إلى آخر كلامه ، ومراده أنهم يريدون من الوصية خصوص الوصية التمليكية لا الأعم منها ومن العهدية.
ص: 6
تصرف بعد الوفاة) فالتمليك بمنزلة الجنس يشمل سائر التصرفات المملكة من البيع ، والوقف ، والهبة. وفي ذكر العين والمنفعة تنبيه على متعلقي (1) الوصية ، ويندرج في العين : الموجود منها بالفعل كالشجرة ، والقوة كالثمرة المتجددة ، وفي المنفعة (2) المؤبدة (3) ، والمؤقتة (4) والمطلقة (5) ، ويدخل في التسليط على التصرف الوصاية إلى الغير بانفاذ الوصية ، والولاية على من (6) للموصي عليه ولاية ، ويخرج ببعدية الموت الهبة ، وغيرها من التصرفات المنجّزة في الحياة المتعلقة بإحداهما (7) ، والوكالة (8) لأنها تسليط على التصرف في الحياة.
وينتقض في عكسه (9) بالوصية بالعتق ، فإنه فك ملك ، والتدبيرية به عند الأكثر ، والوصية المديون ، وبوقف المسجد ، فإنه فك ملك أيضا ، وبالوصية بالمضاربة والمساقاة فإنهما وإن أفادا ملك العامل الحصة من الربح والثمرة على تقدير ظهورهما ، إلا أن حقيقتهما ليست كذلك ، وقد لا يحصل ربح ، ولا ثمرة فينتفي التمليك.
(وإيجابها (10) : أوصيت) لفلان بكذا ، (أو افعلوا كذا بعد وفاتي) هذا
______________________________________________________
(1) أي أن الوصية تارة تتعلق بالعين وأخرى بالمنفعة.
(2) أي ويندرج في المنفعة.
(3) ما لو أوصى بسكنى الدار أبدا.
(4) ما لو أوصى بسكنى الدار سنة.
(5) ما لو أوصى بسكنى الدار من غير تقييد.
(6) كالطفل والمجنون.
(7) أي بالعين أو المنفعة.
(8) أي وتخرج ببعدية الموت الوكالة.
(9) فلا يكون جامعا وقد تقدم.
(10) اعلم أن الوصية على قسمين : تمليكية وعهدية ، فالأولى الوصية بتمليك شي ء من ماله بعد وفاته لشخص ، والثانية الوصية بالتصرف بشي ء يتعلق ببدنه أو ماله بعد الوفاة لشخص.
والمشهور على أن الوصية التمليكية من العقود فتحتاج إلى قبول ، لأن القول بثبوت الملك للموصى له من غير قبوله موجب لإلحاق ضرر المنّة عليه ، ولأن الموصى به قد يكون شيئا يتضرر به الموصى له كالعبد الأعمى والزمن والمقعد ، فلو لزمه الملك من غير قبوله -
ص: 7
القيد (1) يحتاج إليه في الصيغة الثانية خاصة ، لأنها أعم مما بعد الوفاة ، أما الأولى فمقتضاها كون ذلك بعد الوفاة ، (أو لفلان بعد وفاتي كذا) ، ونحو ذلك من الألفاظ الدالة على المعنى المطلوب.
______________________________________________________
- لحقه الضرر من غير التزام منه ، ولأن الموصى به لو دخل في ملك الموصى له من غير قبول لكان الموصي صاحب سلطنة على الموصى له بإدخال ما يشاء في ملكه ، وهو مناف لسلطنته على نفسه.
وذهب البعض إلى أنها من الإيقاعات فلا تحتاج إلى القبول ، لأنها لو كانت عقدا لوجب التوالي بين الإيجاب والقبول مع أنه غير واجب إذ يجوز إيقاع القبول بعد الوفاة ، ولأن القبول على فرض اشتراطه في الوصية إنما يكون بعد وفاة الموصي على مبنى المشهور وهذا يتم بعد بطلان الإيجاب بموت الموصي ، فاشتراط القبول بعد بطلان الإيجاب كضم الحجر إلى جنب الإنسان.
وعلى فرض اشتراط القبول فهو شرط إذا كانت الوصية التمليكية لمعيّن كزيد ، وأما إذا كانت لغير معيّن كالفقراء فلا يشترط القبول ، لأن اعتباره من الجميع متعذر ومن البعض ترجيح بلا مرجح فيسقط اعتباره كما عن العلامة في التذكرة وجماعة ، وعن سيد الرياض اشتراط القبول مطلقا ولو كانت لغير معين ويتولاه الحاكم.
وعلى كل فالوصية التمليكية إن كانت من العقود فهي عقد جائز بلا خلاف لجواز رجوع الموصي فيما أوصى به ما دام حيا.
وأما الوصية العهدية فلا تحتاج إلى القبول على المشهور ، بل ظاهرهم الاتفاق عليه كما في الحدائق ، وفي الجواهر : (أنها بهذا المعنى ليست من العقود قطعا بل ضرورة).
ثم إن إيجابها منعقد بكل لفظ دال عليها ، سواء كان لفظا مخصوصا وهو : أوصيت ، أو مشتركا مع قيام القرينة الدالة على خصوص الوصية كأن يقول : اعطوا فلانا بعد وفاتي كذا وكذا مع أنه يستعمل في الأمر كاستعماله في الوصية ، قال الشارح في المسالك : (واعلم أن التقييد بقوله بعد وفاتي في الإيجاب إنما يفتقر إليه في اللفظ المشترك بينه وبين غيرها ، كقوله اعطوا فلانا ، المشترك بين الوصية والأمر ، وقوله : لفلان كذا ، المشترك بينها وبين الإقرار له ، فلا بدّ من مائز يخرج ما يحتمله اللفظ من غيرها ، وهو يحصل بقوله : بعد وفاتي.
وأما قوله : أوصيت له بكذا فلا يفتقر إلى القيد ، لأنه صريح في العطية ونحوها بعد الموت) انتهى.
(1) أي بعد وفاتي.
ص: 8
(والقبول الرضا) بما دل عليه الإيجاب ، سواء وقع باللفظ (1) أم بالفعل (2) الدال عليه (3) كالأخذ ، والتصرف ، وإنما يفتقر إليه (4) في من يمكن في حقه كالمحصور لا غيره كالفقراء ، والفقهاء ، وبني هاشم ، والمسجد ، والقنطرة كما سيأتي.
واستفيد من افتقارها (5) إلى الإيجاب والقبول أنها من جملة العقود ، ومن جواز رجوع الموصي ما دام حيا ، والموصى له كذلك (6) ما لم يقبل بعد الوفاة كما سيأتي أنها من العقود الجائزة ، وقد تلحق باللازمة على بعض الوجوه كما يعلم ذلك من القيود (7).
ولما كان الغالب عليها حكم الجواز لم يشترط فيها القبول اللفظي (8) ، ولا مقارنته (9) للإيجاب ، بل يجوز مطلقا سواء(تأخر) عن الإيجاب ، (أو قارن).
______________________________________________________
(1) أي باللفظ الدال على الرضا بالإيجاب.
(2) كذلك الدال على الرضا بالإيجاب ، وقد تقدم جريان المعاطاة بالبيع فهنا أولى.
(3) على الرضا بالإيجاب.
(4) إلى القبول.
(5) أي افتقار الوصية التمليكية.
(6) أي ما دام حيا.
(7) بحيث لو مات الموصي وقد قبل الموصى له بعد الوفاة فتصير الوصية لازمة.
(8) بل لا يشترط القبول اللفظي في العقود اللازمة على ما تقدم بيانه في البيع.
(9) لا يشترط مقارنة القبول للإيجاب لجواز وقوع القبول بعد الوفاة مع كون الإيجاب في زمن الحياة بلا خلاف من أحد بناء على اشتراط الوصية بالقبول.
وإنما وقع الخلاف بينهم في اشتراط وقوع القبول بعد الوفاة ، أو جواز وقوعه في زمن حياة الموصي ، ذهب الأكثر إلى الثاني ، لأن القبول في زمن الحياة قبول ما نقل إليه من الملك على الوجه الذي نقل إليه وإن لم يكن في وقته ، بل كما صح وقوع الإيجاب قبل وقت الانتقال فالقبول كذلك.
وذهب البعض منهم العلّامة والمحقق الثاني إلى الأول ، لأن القبول في حياة الموصي غير مطابق للإيجاب ، لأن الإيجاب تمليك بعد الوفاة فالقبول في زمن الحياة حينئذ كالقبول قبل الوصية.
ص: 9
ويمكن أن يريد بتأخره تأخره عن الحياة ، ومقارنته للوفاة (1) ، والأول أوفق بمذهب المصنف ، لأنه يرى جواز تقديم القبول على الوفاة (2) ، والثاني للمشهور (3).
ومبنى القولين على أن (4) الإيجاب في الوصية إنما يتعلق بما بعد الوفاة لأنها (5) تمليك ، أو ما في حكمه (6) بعد الموت ، فلو قبل قبله (7) لم يطابق القبول الإيجاب ، وأن المتعلق (8) بالوفاة تمام الملك على تقدير القبول والقبض (9) لا إحداث سببه (10) ، فإن
______________________________________________________
(1) لو قال الشارح : ويمكن أن يريد بتأخره تأخره عن الوفاة ومقارنته لها كان أحضر وأظهر ، هذا من جهة ومن جهة أخرى فالتفسير الأول مبني على جواز وقوع القبول قبل الوفاة ، والثاني مبني على عدم جواز وقوع القبول قبل الوفاة فلا تغفل.
(2) كما يظهر من كلامه في الدروس ، ولكن يحتمل تبدل رأيه في اللمعة لذا قال الشارح بأن الأول أوفق.
(3) بل قد عرفت أن الثاني لغير المشهور ، وقد نسب الشارح الأول إلى المشهور في المسالك فراجع.
(4) شروع في دليل القول الثاني الذي هو لغير المشهور ، القائل بحصر القبول بعد الوفاة.
(5) أي الوصية.
(6) أي حكم التمليك من التسليط.
(7) قبل الموت.
(8) شروع في دليل القول الأول الذي هو للمشهور القائل بجواز القبول قبل الوفاة.
(9) اعلم أن النقل والانتقال في الوصية يتمان على تقدير تحقق الإيجاب والقبول وعلى تقدير تحقق وفاة الموصي ، هذا على المشهور ، أما الأول فلأن الملك بحاجة إلى سبب ناقل ، وسببه هو العقد المؤلف من الإيجاب والقبول ، وأما الثاني فلان الوفاة قد جعلت قيدا في الإيجاب فهي قيد في القبول أيضا فلا يتحقق الملك قبلها.
وذهب الشيخ في مبسوطه وابن سعيد في جامعه إلى أن القبض شرط في تحقق الملك أيضا قياسا على القبض في الهبة ، وهو ضعيف لعدم القول بالقياس ، على أن القبض في الهبة إنما تم لدليل خارجي وهو مفقود في الوصية.
وعلى كل فيتحقق الملك بعد الإيجاب والقبول ، وإن كان لا يتحقق تمامه إلا بعد الوفاة والقبض أو الوفاة فقط على اختلاف القولين ولازمه جواز القبول قبل الوفاة.
(10) أي لا أن الوفاة إحداث سبب الملك.
ص: 10
الإيجاب جزء السبب فجاز أن يكون القبول كذلك (1) وبالموت يتم (2) ، أو يجعل الموت شرطا لحصول الملك بالعقد (3) كالبيع على بعض الوجوه (4).
وهذا أقوى ، وتعلّق الإيجاب بالتمليك بعد الموت لا ينافي قبوله قبله (5) لأنه قبوله (6) بعده أيضا ، وإنما يصح القبول على التقديرين(ما لم يردّ) الوصية قبله (7) (فإن ردّ) حينئذ (8) لم يؤثر القبول لبطلان الإيجاب برده (9). نعم لو رده(في حياة)
______________________________________________________
(1) أي جزء السبب قبل الوفاة.
(2) أي يتم الملك بتحقق سببه الآخر وهو الوفاة.
(3) أي بسبب العقد المؤلف من الإيجاب والقبول الواقعين قبل الوفاة ، ويكون الموت شرطا متأخرا ، وهذا لم يذهب إليه أحد.
(4) وهو رأي الشيخ كما في جامع المقاصد ، بحيث أن عقد البيع يفيد الملك ، وانقضاء الخيار شرط متأخر في تحققه.
(5) قبل الموت ، وقد تقدم دليله.
(6) أي قبول التمليك المذكور.
(7) أي قبل القبول.
(8) أي حين قبل القبول.
(9) رد الموصى له للوصية مبطل لها إذا كان قبل حصول الملكية ، وإذا كان بعد حصولها لا يكون مبطلا لها كما هو واضح مع ضميمة أن الملكية متوقفة على الإيجاب والقبول ووفاة الموصي عند المشهور ، وعلى هذا مع ضميمة القبض على مبنى الشيخ وابن سعيد على ما تقدم.
فإذا تقرر ذلك فلو ردّ بعد موت الموصي وبعد القبول فلا أثر لهذا الرد لتحقق الملكية حينئذ فلا تزول بالرد ، لأن الرد هنا إعراض عن الملك ، والإعراض لا يوجب زوال الملك ، لأن زواله بعد ثبوته محتاج إلى سبب ناقل وهو غير متحقق ، نعم الإعراض يفيد إباحة التصرف للغير.
ولو ردّ بعد الموت وقبل القبول فتبطل الوصية لعدم تحقق الملكية ، ولكون الرد حينئذ موجبا لبطلان الإيجاب.
ولو رد قبل الموت سواء كان قبل القبول أم بعده ، فلا أثر لهذا الرد ، وله أن يجدد القبول بعد ذلك ، لأن الرد قد وقع قبل حصول الملكية فيقع لاغيا.
إن قلت ما الفرق بينه وبين الرد بعد الوفاة وقبل القبول ، مع أنهما رد قبل حصول -
ص: 11
الموصي جاز القبول بعد وفاته) إذ لا اعتبار برده السابق ، حيث إن الملك لا يمكن تحققه حال الحياة ، والمتأخر (1) لم يقع بعد.
وهذا بمذهب من يعتبر تأخر القبول عن الحياة أوفق. أما على تقدير جواز تقديمه (2) في حال الحياة فينبغي تأثير الرد حالتها (3) أيضا ، لفوات أحد (4) ركني العقد حال اعتباره (5) ، بل يمكن القول بعدم جواز القبول بعد الرد مطلقا (6) ، لإبطاله (7) الإيجاب السابق ، ولم يحصل بعد ذلك (8) ما يقتضيها (9) كما لو رد المتّهب الهبة.
ولو فرّق (10) بأن المانع هنا (11) انتفاء المقارنة بين القبول والإيجاب قلنا : مثله
______________________________________________________
- الملكية فيجب أن يؤثر الرد في إبطال الوصية في كليهما ، فلم حكم بالإبطال في ما بعد الوفاة دونه قبل الوفاة.
قلت إن الرد بعد الموت رد للإيجاب بعد كونه مقتضيا للتمليك ، والرد لما هو قابل للتمليك إبطال له ، بخلاف الرد قبل الموت فالإيجاب غير مقتضي للتمليك لأنه لا يكون مقتضيا إلا بعد الوفاة ، وعليه فالرد لغير المقتضي للتمليك لا يبطله بل يجوز له القبول بعد الرد قبل الوفاة.
(1) أي والرد المتأخر بعد الموت لم يقع بعد ، نعم لو وقع فقد عرفت أنه مبطل للوصية.
(2) تقديم القبول.
(3) حال الحياة ، لأن الرد في زمن الحياة رد للإيجاب بعد كونه مقتضيا للتمليك ، بناء على جواز تقديم القبول قبل الموت.
(4) وهو الإيجاب.
(5) أي حال اقتضائه للتمليك ، وإن كان تحقق التملك بعد الوفاة لأن الوفاة جزء في تحقق الملك كما تقدم.
(6) سواء كان الرد في حال الحياة أم لا.
(7) أي لإبطال الرد.
(8) بعد الإبطال.
(9) أي ما يقتضي الوصية من إيجاب جديد.
(10) أي فرق بين الوصية والهبة ، فالهبة مشروطة بمقارنة القبول للإيجاب ومع الرد لم تتحقق المقارنة ، وهذا غير جار في الوصية فالمقارنة غير شرط فالرد غير مانع.
(11) في الهبة.
ص: 12
في رد الوكيل الوكالة فإنه ليس له التصرف بعد ذلك (1) بالإذن السابق وإن جاز تراخي القبول ، وفي الدروس نسب الحكم بجواز القبول حينئذ (2) بعد الوفاة إلى المشهور مؤذنا بتمريضه ، ولعل المشهور مبني على الحكم المشهور السابق (3) (وإن رد بعد الوفاة قبل القبول بطلت (4) وإن قبض) اتفاقا ، إذ لا أثر للقبض من دون القبول(إن رد بعد القبول لم تبطل وإن لم يقبض) على أجود القولين ، لحصول الملك بالقبول فلا يبطله الرد ، كردّ غيره من العقود المملكة بعد تحققه ، فإن زوال الملك بعد ثبوته يتوقف على وجود السبب الناقل ولم يتحقق ، والأصل عدمه (5).
وقيل يصح الرد (6) على أن القبض شرط في صحة الملك (7) كالهبة فتبطل بالرد قبله (8).
ويضعّف ببطلان القياس (9) وثبوت حكمها (10) بأمر خارج لا يقتضي المشاركة بمجرده وأصالة عدم الزوال بذلك (11) ، واستصحابك ثابت (12).
(وينتقل حق القبول إلى الوارث) (13)
______________________________________________________
(1) بعد الرد ، بمعنى أن الوكالة كالوصية في عدم اشتراط المقارنة ، مع أن الرد مبطل للإيجاب في الوكالة فكذلك في الوصية.
(2) أي حين الرد.
(3) وهو عدم جواز تقديم القبول على الوفاة ، وقد عرفت أن توصيف هذا الحكم بالمشهوري ليس في محله ، بل هو قول غير المشهور.
(4) أي الوصية.
(5) أي والأصل عدم زوال الملك لو شككنا به بعد ثبوته.
(6) بعد القبول وقبل القبض.
(7) وهو قول الشيخ وابن سعيد وقد تقدم.
(8) أي قبل القبض.
(9) وهو قياس الوصية على الهبة.
(10) أي حكم الهبة.
(11) أي وأصالة عدم زوال الملك لو شككنا بزواله بسبب الرد بعد القبول وقبل القبض.
(12) والفرق بين هذا وبين سابقه كالفرق بين استصحاب الموجود واستصحاب المعدوم.
(13) لو مات الموصى له قبل القبول قام وارثه مقامه في قبول الوصية وردها ، سواء كان ذلك -
ص: 13
لو مات الموصى له قبله (1) ، سواء مات في حياة الموصي أم بعدها على المشهور ، ومستنده رواية تدل بإطلاقها عليه.
______________________________________________________
- في حياة الموصي أم بعد وفاته على المشهور لخبر محمد بن قيس عن أبي جعفر الباقر عليه السلام (قضى أمير المؤمنين عليه السلام في رجل أوصى لآخر ، والموصى له غائب فتوفى الموصى له قبل الموصي ، قال : الوصية لوارث الذي أوصى له ، ومن أوصى لأحد شاهدا كان أو غائبا فتوفى الموصى له قبل الوصي فالوصية لوارث الذي أوصى له ، إلا أن يرجع في وصيته قبل موته) (1) ، وأشكل بأن محمد بن قيس مشترك بين الثقة وغيره ، فلا يصلح الخبر مستندا للحكم كما في المسالك.
وفيه : إن ابن قيس هنا هو البجلي الثقة لا الأسدي الضعيف ، بقرينة رواية عاصم بن حميد عنه ، على أن الخبر مؤيد بخبر الساباطي (سألت أبا جعفر عليه السلام عن رجل أوصى إليّ وأمرني أن أعطي عما له في كل سنة شيئا ، فمات العم فكتب : أعط ورثته) (2) ، وخبر عباس بن عامر عن أبي عبد الله عليه السلام (سألته عن رجل أوصى له بوصية فمات قبل أن يقبضها ولم يترك عقبا ، قال : اطلب له وارثا أو مولى فادفعها إليه) (3) ، وذهب جماعة منهم ابن الجنيد والعلامة في المختلف إلى البطلان بموت الموصى له قبل القبول ، سواء كان موته في حياة الموصي أم لا ، بناء على أن عقد الوصية مفتقر إلى إيجاب وقبول ، وموت الموصى له قبل القبول يوجب عدم تحقق العقد ، ولصحيح أبي بصير ومحمد بن مسلم عن أبي عبد الله عليه السلام (سئل عن رجل أوصى لرجل فمات الموصى له قبل الموصي ، قال : ليس بشي ء) (4) ، وموثق منصور بن حازم عن أبي عبد الله عليه السلام (سألته عن رجل أوصى لرجل بوصيته إن حدث به حدث ، فمات الموصى له قبل الموصي ، قال : ليس بشي ء) (5).
وفصّل ثالث وهو المحقق كما في الدروس بين موته في حياة الموصي فتبطل ، وبين موته بعد موت الموصي فتصح للجمع بين الأخبار بحمل الطائفة الثانية على ما لو مات في حياة الموصي كما هو صريحها ، وبحمل الأول على ما لو مات بعد الموصي.
وفصّل رابع بين ما لو علم أن غرض الموصي خصوص الموصى له فتبطل ، وبين غيره فلورثته ، وقال الشهيد في الدروس : إن التفصيل المذكور حق وبه يجمع بين النصوص.
(1) قبل القبول.
ص: 14
وقيل تبطل الوصية بموته ، لظاهر صحيحة أبي بصير ، ومحمد بن مسلم عن الصادق عليه السلام.
وفصّل ثالث فأبطلها بموته في حياته ، لا بعدها.
والأقوى البطلان مع تعلق غرضه بالمورّث ، وإلا فلا. وهو مختار المصنف في الدروس ، ويمكن الجمع به (1) بين الأخبار لو وجب (2).
ثم إن كان موته (3) قبل موت الموصي لم تدخل العين في ملكه (4) ، وإن كان بعده ففي دخولها (5) وجهان مبنيان على أن القبول هل هو كاشف (6) عن سبق الملك من حين الموت ، أم ناقل له من حينه (7) ، أم الملك يحصل للموصى له
______________________________________________________
(1) بالتفصيل الأخير.
(2) أي وجب الجمع بين الأخبار المتعارضة إذا كانت متكافئة من ناحية السند ، غير أن خبر ابن قيس الدال على انتقال القبول إلى الوارث ضعيف لاشتراك ابن قيس بين الثقة وغيره كما أشكل بذلك الشارح في المسالك ، وفيه : إن ابن قيس هنا هو الثقة لا الضعيف فالتعارض وارد غير أن الترجيح لخبر ابن قيس لأن الطائفة الثانية موافقة للعامّة حيث إن المنقول عنهم هو بطلان الوصية ، وفي مخالفتهم الرشد.
(3) أي موت الموصى له ، وهذا شروع من الشارح في تأييد التفصيل القائل ببطلان الوصية لو مات الموصى له في حياة الموصي ، وبين انتقال حق القبول إلى الوارث لو مات الموصى له بعد موت الموصي.
(4) أي في ملك الموصى له ، وذلك لأن انتقال الملك عن الموصي مشروط بموت الموصي والمفروض عدمه ، وهذا هو الشق الأول من التفصيل المذكور.
(5) أي دخول العين في ملك الموصى له.
(6) فيكون قبول الوارث كاشفا عن ملك مورّثه من حين موت الموصي ، وهو المفروض فالموصى له يكون حيا حينئذ ، وهذا القول بالكشف يؤيد الشق الثاني من التفصيل المتقدم لأنه يدل على كون الموصى له قبل وفاته وبعد وفاة الموصي هو قابل للملك ، وهذا دال على عدم بطلان الوصية على هذا الشق.
(7) أي من حين قبول الوارث ، قال الشارح في المسالك : (نعم لو قيل بأن الوارث مع قبوله ينتقل الملك إليه ، ولا يدخل في ملك الميت كما اختاره العلامة أشكل هذا القول - أي الشق الثاني من التفصيل المتقدم - ، من حيث أن الموصى له لم يكن مالكا ولا صالحا -
ص: 15
بالوفاة (1) متزلزلا ويستقر بالقبول (2) أوجه تأتي.
وتظهر الفائدة فيما لو كان الموصى به ينعتق على الموصى له الميت لو ملكه (3).
(وتصح) الوصية(مطلقة) غير مقيدة بزمان ، أو وصف(مثل ما تقدم) من قوله : أوصيت ، أو افعلوا كذا بعد وفاتي ، أو لفلان بعد وفاتي ، (ومقيدة مثل) افعلوا(بعد وفاتي في سنة كذا ، أو في سفر كذا فتخصص) (4) بما خصصه من السنة والسفر ، ونحوهما فلو مات في غيرها (5) ، أو غيره (6) بطلت الوصية (7) ، لاختصاصها بمحل القيد فلا وصية بدونه.
(وتكفي الإشارة) الدالة على المراد (8) قطعا (9) في إيجاب الوصية(مع تعذر اللفظ) (10) لخرس ، أو اعتقال لسان بمرض ، ونحوه ، (وكذا) تكفي(الكتابة)
______________________________________________________
- للملك بسبب موته قبل القبول ، والوارث قبل موت مورثه ليس بقابل أيضا لملك الموصى به ، لأنه ليس بموصى له) انتهى.
(1) أي بوفاة الموصي.
(2) أي بقبول الوارث ، ولكن قد عرفت أن القول بالكشف هو الذي يفيد ترجيح الشق الثاني من التفصيل المتقدم.
(3) كما إذا كان الموصى به أبا للموصى له بحيث ينعتق على المورّث لو ملكه ، ولا ينعتق على الوارث لأنها زوجة الموصى له ، فعلى الأول والأخير ينعتق لدخوله في ملك المورّث ابتداء من حين موت الموصي.
وعلى القول بالنقل فيدخل في ملك الوارث ابتداء فلا ينعتق.
(4) أي الوصية.
(5) غير السنة.
(6) غير السفر.
(7) إن كان القيد المذكور قيدا في التمليك.
(8) وهو إنشاء التمليك بعد الوفاة.
(9) لا ظنا.
(10) تكفي الإشارة الدالة على المراد من العاجز عن النطق بلا خلاف فيه للأخبار.
منها : صحيح الحلبي عن أبي عبد الله عليه السلام (ذكر أن أباه حدثه عن أبيه أن أمامه بنت -
ص: 16
كذلك (1) (مع القرينة) الدالة قطعا (2) على قصد الوصية بها (3) ، لا مطلقا (4) ، لأنها أعم ، ولا تكفيان مع الاختيار (5) وإن شوهد كاتبا ، أو علم خطه ، أو علم الورثة
______________________________________________________
- أبي العاص بن الربيع ، وأمها زينب بنت رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم كانت تحت علي عليه السلام بعد فاطمة - إلى أن قال - وتزوجها بعد علي عليه السلام المغيرة بن نوفل ، ذكر أنها توجّعت وجعا شديدا حتى اعتقل لسانها ، فجاءها الحسن والحسين أبناء علي عليهم السلام ، لا تستطيع الكلام فجعلا يقولان لها - والمغيرة كاره لما يقولان - : أعتقت فلانا وأهله فتشير برأسها نعم ، وكذا وكذا فجعلت تشير برأسها نعم ، فلا تفصح بالكلام فأجاز ذلك لها) (1) ، وخبر علي بن جعفر عن أخيه عليهما السلام (سألته عن رجل اعتقل لسانه عند الموت أو امرأة ، فجعل أهاليه يسائله أعتقت فلانا وفلانا فيومئ برأسه أو تومئ برأسها ، في بعض نعم وفي بعض لا ، وفي الصدقة مثل ذلك ، أيجوز ذلك؟ قال : نعم هو جائز) (2).
(1) مع العجز عن النطق.
(2) أي الدالة على المراد على نحو القطع لا الظن.
(3) بالكتابة.
(4) أي لا مطلق الكتابة ، لأن مطلق الكتابة أعم من الوصية لاحتمال أن يكون قد كتب ذلك ليوصي به فيما بعد.
(5) أي لا تكفي الإشارة ولا الكتابة مع القدرة على النطق كما عن ابن إدريس والفاضل وولده والشهيدين والمحقق الثاني والقطيفي ، وفيه : إنه قد تقدم جريان المعاطاة في تحقق العقد للعرف ، ومثله نقول هنا في الكتابة ولا إشكال في صدق العقد على المكتوب الذي فيه إنشاء تمليك ، فالأقوى كفاية الكتابة الدالة على نحو القطع وإن كان قادرا على النطق ، ويدل عليه خبر إبراهيم بن محمد الهمداني (كتبت إلى ابن الحسن عليه السلام رجل كتب كتابا ، فيه ما أراد أن يوصي به ، هل يجب على ورثته القيام بما في الكتاب بخطه ، ولم يأمرهم بذلك فكتب عليه السلام إليه : إن كان له ولد ، ينفذون كل شي ء يجدونه في كتاب أبيهم في وجوه البر وغيره) (3) ، وجملة من النصوص الناهية أن يبيت الإنسان إلا ووصيته تحت رأسه كقوله عليه السلام (ما ينبغي لامرئ مسلم أن يبيت ليلة إلا ووصيته تحت رأسه) (4) وهذه دالة على كفاية الكتابة حال الاختيار.
ص: 17
ببعضها (1) ، خلافا للشيخ في الأخير ، أو قال (2) : إنه بخطي وأنا عالم به ، أو هذه وصيتي فاشهدوا عليّ بها ، ونحو ذلك ، بل لا بد من تلفظه به (3) ، أو قراءته عليه واعترافه بعد ذلك ، لأن الشهادة مشروطة بالعلم وهو (4) منفي هنا ، خلافا لابن الجنيد حيث اكتفى به (5) مع حفظ الشاهد له عنده (6).
والأقوى الاكتفاء بقراءة الشاهد له (7) مع نفسه (8) مع اعتراف الموصي بمعرفه بما فيه وأنه يوصي به. وكذا القول في المقر (9).
(والوصية للجهة العامة مثل الفقراء) ، والفقهاء ، وبني هاشم ، (والمساجد ، والمدارس لا تحتاج إلى القبول) (10) ، لتعذره إن أريد من الجميع ، واستلزامه الترجيح من غير مرجح إن أريد من البعض ، ولا يفتقر إلى قبول الحاكم ، أو منصوبه وإن أمكن كالوقف (11).
______________________________________________________
(1) ببعض الوصية لأمور دلتهم على صحة هذا البعض فلا يلزمهم العمل بالجميع على مبنى المشهور ، وعن الشيخ في النهاية ألزمهم بالعمل بالجميع لمكاتبة الهمداني المتقدمة ، وقد ردت بقصورها سندا ودلالة ، وقد تقدم كفاية الكتابة من القادر لصدق العقد عرفا فيلزمهم العمل بالجميع مع العلم بكونها من المورّث.
(2) لو كتب وصية وقال : إنها بخطي أو أنا عالم بما فيها ، أو هذه وصيتي فاشهدوا عليّ بها ، ففي القواعد لم تجز الشهادة حتى يسمعوا ما فيها أو تقرأ عليهم من قبله ، أو تقرأ عليه فيقرّ به ، لأن الشهادة مشروطة بالعلم فلا تصح الشهادة على ما فيها ، نعم تصح الشهادة على أصل الوصية.
(3) بما كتب.
(4) أي العلم بما في الوصية.
(5) بالخط.
(6) أي مع حفظ الخط عند الشاهد فيؤمن من التزوير.
(7) للخط.
(8) من دون قراءته على الموصي.
(9) أي الحكم في المقر بكتاب الوصية كالحكم بالمقر بكتاب الإقرار ، فمع قراءة الشاهد لكتاب الإقرار مع اعتراف المقرّ بمعرفة ما فيه وأنه مقرّبه فتجوز الشهادة على الإقرار.
(10) قد تقدم الكلام فيه.
(11) الذي هو غير محتاج إلى القبول.
ص: 18
وربما قيل فيه بذلك (1) ، ولكن لا قائل به هنا (2). ولعل مجال الوصية أوسع ، ومن ثمّ (3) لم يشترط فيها التنجيز (4) ، ولا فورية القبول (5) ، ولا صراحة الإيجاب (6) ، ولا وقوعه بالعربية مع القدرة (7).
(والظاهر أن القبول كاشف عن سبق الملك) للموصى له(بالموت) (8) لا ناقل له من حينه ، إذ لولاه (9) لزم بقاء الملك بعد الموت بغير مالك إذ الميت لا يملك ، لخروجه به عن أهليته كالجمادات ، وانتقال ماله عنه (10) ، ولا الوارث لظاهر قوله
______________________________________________________
(1) أي ربما قيل في الوقف بافتقاره إلى القبول.
(2) في الوصية.
(3) أي ولأن مجال الوصية أوسع.
(4) لأنه قد علّق إنشاء التمليك في الإيجاب على وفاة الموصي.
(5) حيث جاز بالاتفاق وقوع القبول بعد وفاة الموصي.
(6) لجواز إيقاعه بكل لفظ دال عليه ولو بمعونة القرينة.
(7) أي مع القدرة على العربية.
(8) أي موت الموصي ، وقد وقع الخلاف بينهم في أن قبول الموصى له بعد وفاة الموصي هل هو كاشف عن سبق الملك للموصى له من حين موت الموصي كما هو المشهور ، أو أن القبول المذكور جزء السبب الناقل فيتعين تحقق الملك للموصى له بعد وفاة الموصي من حين القبول كما ذهب إليه العلامة في المختلف.
حجة الثاني : أن القبول معتبر في عقد الوصية فوجب أن لا يتحقق الملك قبله مطلقا وحجة الأول أن الله قد جعل ملك الوارث بعد الوصية والدين لقوله تعالى : ( مِنْ بَعْدِ وَصِيَّةٍ يُوصِي بِهٰا أَوْ دَيْنٍ ) (1) ، والوصية هنا موجودة فلا يجوز انتقال متعلقها إلى الوارث لظاهر الآية ، ولا يبقى على ملك الميت لانتفاء أهليته ، ولا ينتقل إلى غير الوارث وغير الموصى له بالاتفاق ، فلم يبق إلا الانتقال إلى ملك الموصى له انتقالا متوقفا على قبوله على نحو يكون القبول كاشفا عن سبق ملكه من حين الموت فرارا من المحذور المتقدم ، ولو ردّ الموصى له لكشف الرد عن ملك الوارث من حين الموت.
(9) أي لو لا الكشف.
(10) أي عن الميت إلى الوارث وغيره.
ص: 19
تعالى : ( مِنْ بَعْدِ وَصِيَّةٍ يُوصِي بِهٰا أَوْ دَيْنٍ ) (1) فلو لم ينتقل إلى الموصى له لزم خلوه عن المالك ، إذ لا يصلح لغير من ذكر.
ووجه الثاني (2) : أن القبول معتبر في حصول الملك ، فهو إما جزء السبب ، أو شرط كقبول البيع فيمتنع تقدم الملك عليه (3) ، وكونها (4) من جملة العقود يرشد إلى أن القبول جزء السبب الناقل للملك ، والآخر الإيجاب كما يستفاد من تعريفهم العقود بأنها الألفاظ الدالة على نقل الملك على الوجه المناسب له (5) ، وهو (6) العين في البيع ، والمنفعة في الإجارة ، ونحو ذلك ، فيكون الموت شرطا في انتقال الملك (7) ، كما أن الملك للعين ، والعلم بالعوضين شرط فيه (8) ،
فإن اجتمعت الشرائط قبل تمام العقد بأن كان مالكا للمبيع تحققت ثمرته به (9) ، وإن تخلف بعضها (10) فقد يحصل منه بطلانه (11) كالعلم بالعوض ، وقد تبقى موقوفة على ذلك الشرط (12) ، فإذا حصل تحقق تأثير السبب الناقل وهو
______________________________________________________
(1) النساء الآية : 11.
(2) أي النقل.
(3) أي على القبول ودعوى انتفاء الملك عن الميت ممنوع كما لو قتل وقد وجبت الدية فإنها تدخل في ملكه وتؤدى منها ديونه ، وكما لو نصب شبكة فوقع فيها صيد بعد موته ، فالصيد له ثم ينتقل إلى وارثه ، والآية المباركة يراد منها من بعد وصية مقبولة بدليل أنه مع عدم القبول يكون المال للوارث لا محالة من حين الموت وهذا دال على عدم تحقق الملك للموصى له من حين وفاة الموصي.
(4) أي الوصية.
(5) أي للملك.
(6) أي الملك.
(7) أي فيكون الموت شرطا في انتقال الملك في الوصية ، لأن إيجابها قد جعل التمليك متوقفا على الموت.
(8) في نقل الملك بالبيع.
(9) أي تحققت ثمرة عقد البيع بالقبول ، وثمرته النقل والانتقال.
(10) بعض الشرائط.
(11) بطلان عقد البيع.
(12) أي الشرط المتخلف.
ص: 20
العقد ، كإجازة المالك في عقد الفضولي ، والموت في الوصية ، فالانتقال حصل بالعقد ، لكنه موقوف على الشرط المذكور ، فإذا تأخر قبول الوصية كان الملك موقوفا عليه ، والشرط وهو الموت حاصل قبله (1) فلا يتحقق الملك قبل القبول.
ويشكل بأن هذا لو تم (2) يقتضي أن قبول الوصية لو تقدم على الموت حصل الملك به (3) حصولا متوقفا على الشرط وهو الموت ، فيكون الموت كاشفا عن حصوله (4) بعد القبول كإجازة المالك بعد العقد ، والقائل بالنقل لا يقول بحصول الملك قبل الموت مطلقا (5). فتبين أن الموت شرط في انتقال الملك ، بل حقيقة الوصية التمليك بعده (6) كما علم من تعريفها (7) ، فإن تقدم القبول توقف الملك على الموت ، وإن تأخر عنه فمقتضى حكم العقد عدم تحققه (8) بدون القبول ، فيكون تمام الملك موقوفا على الإيجاب والقبول والموت ، وبالجملة فالقول بالكشف متوجه لو لا مخالفة ما علم من حكم العقد(9).
(ويشترط في الموصي الكمال) بالبلوغ (10) ،
______________________________________________________
(1) أي قبل القبول.
(2) وهو القول بكون القبول ناقلا لا كاشفا.
(3) بالقبول.
(4) أي حصول الملك.
(5) أي أبدا.
(6) بعد الموت.
(7) وهو إنشاء تمليك عين أو منفعة بعد الوفاة.
(8) أي عدم تحقق الملك.
(9) حيث إن العقد يرشد إلى كون القبول جزءا ناقلا ، ولكن يتعين تركه والذهاب إلى الكشف لئلا يلزم تحقق الملك بعد القبول في حياة الموصي مع أن الإيجاب قد قيّد التمليك بعد الوفاة.
هذا وقد تقدم أن الوجوه ثلاثة ، وثالثها القول بكون القبول شرطا في لزوم الملك بحيث أن الملك يحصل بالوفاة متزلزلا ويستقر بالقبول ، وهو قول لم يذهب إليه أحد وهذا لازمه أن القبول ليس له الدخل في أصل الملك وهذا مناف لكون الوصية من جملة العقود ولعله لضعفه الظاهر ولعدم القائل به لم يذكره الشارح.
(10) لا تصح وصية غير البالغ في الجملة بلا خلاف فيه ، لحديث رفع القلم (أما علمت أن -
ص: 21
والعقل (1) ، ورفع الحجر (2) ، (وفي وصية من بلغ عشرا قول مشهور) بين الأصحاب (3) ، مستندا إلى روايات متظافرة ، بعضها صحيح إلا أنها مخالفة لأصول المذهب ، وسبيل الاحتياط.
______________________________________________________
- القلم يرفع عن ثلاثة : عن الصبي حتى يحتلم ، وعن المجنون حتى يفيق ، وعن النائم حتى يستيقظ) ((1).
(1) فلا تصح وصية المجنون بلا خلاف فيه لحديث رفع القلم أيضا (2) ، نعم تصح وصية الأدواري منه إذا كانت في دور إفاقته ، لأنه حينئذ عاقل ، وأما لو طرأ الجنون على الموصي بعد الوصية فلا تبطل لعدم الموجب لذلك حتى لو قلنا ببطلان العقود الجائزة بالجنون ، وذلك لأن العقد الجائز الذي يبطل بالجنون هو العقد الذي يبطل بالموت ، والوصية ليست كذلك ، فكما لا تبطل بالموت لا تبطل بالجنون.
(2) لأن المحجور ممنوع من التصرف كما هو واضح.
(3) المشهور على صحة وصية من بلغ عشرا للأخبار.
منها : صحيح زرارة عن أبي جعفر عليه السلام (إذا أتى على الغلام عشر سنين ، فإنه يجوز له في ماله ما أعتق أو تصدق أو أوصى على حد معروف وحق ، فهو جائز) (3) ، وصحيح أبي بصير المرادي عن أبي عبد الله عليه السلام (إذا بلغ الغلام عشر سنين وأوصى بثلث ماله في حق جازت وصيته) (4) ، وموثق أبي أيوب وأبي بصير عن أبي عبد الله عليه السلام (في الغلام ابن عشر سنين يوصي قال عليه السلام : إذا أصاب موضع الوصية جازت) (5).
وعن ابن إدريس عدم النفوذ قال في السرائر : (الذي يقتضيه أصول مذهبنا أن وصية غير المكلف البالغ غير صحيحة ، سواء كانت في وجوه البر أو غير وجوه البر - إلى أن قال - وإنما هذه أخبار آحاد أوردها في النهاية إيرادا) انتهى.
وتبعه جماعة منهم العلامة في المختلف حيث قال : (وهذه الروايات وإن كانت متظافرة والأقوال مشهورة ، لكن الأحوط عدم إنفاذ وصيته مطلقا حتى يبلغ ، لعدم مناط التصرف في المال عنه) ، ومنهم المحقق الثاني في جامعه حيث قال : (والمناسب لأصول المذهب وطريقة الاحتياط القول بعدم الجواز) ، ومنهم الشارح حيث قال في المسالك : (وهذه الروايات التي دلت على الحكم وإن كان بعضها صحيحا إلا أنها مختلفة ، بحيث لا -
ص: 22
(أما المجنون (1) والسكران (2) ومن جرح نفسه بالمهلك (3) فالوصية) من كل
______________________________________________________
- يمكن الجمع بينها ، وإثبات الحكم المخالف للأصل بها مشكل) انتهى.
وأشار باختلافها إلى ما ورد في خبر الحسن بن راشد عن العسكري عليه السلام (إذا بلغ الغلام ثماني سنين فجائز أمره في ماله ، وقد وجب عليه الفرائض والحدود ، وإذا تم للجارية سبع سنين فكذلك) (1) ، وقد عمل به ابن الجنيد ، وإلى صحيح محمد بن مسلم عن أبي عبد الله عليه السلام (إن الغلام إذا حضره الموت فأوصى ولم يدرك جازت وصيته لذوي الأرحام ولم تجز للغرباء) (2).
وفيه : إن الخبرين الأخيرين لا يصلحان لمعارضة الباقي من هذه الطائفة الدال على نفوذ وصية من بلغ عشرا سواء كانت لأرحامه أم لا ، وهذا الباقي صالح لتخصيص ما دل على اشتراط البلوغ ، ومعه لا سبيل للاحتياط فالأقوى ما عليه المشهور
(1) فقد تقدم.
(2) لا تصح وصية السكران حال سكره بلا إشكال لسلب قصده الموجب لرفع القلم منه.
(3) قاتل نفسه لا تصح وصيته ، بمعنى أنه أحدث في نفسه ما يوجب هلاكه من جرح أو شرب سم أو نحو ذلك ثم أوصى فلا تصح وصيته على المشهور لصحيح أبي ولّاد حفص بن سالم (سمعت أبا عبد الله عليه السلام يقول : من قتل نفسه متعمدا فهو في نار جهنم خالدا فيها ، قلت : أرأيت إن كان أوصى بوصية ثم قتل نفسه من ساعته تنفذ وصيته؟ فقال عليه السلام : إن كان أوصى قبل أن يحدث حدثا في نفسه من جراحة أو قتل أجيزت وصيته في ثلثه ، وإن كان أوصى بوصية بعد ما أحدث في نفسه من جراحة أو قتل لعله يموت لم تجز وصيته) (3) ، وعلّله العلامة في المختلف بدلالة فعله على سفهه وبعدم استقرار حياته فيكون في حكم الميت ، وبأن القاتل يمنع عن الميراث لغيره فيمنع من نفسه ، لأن إنفاذ وصيته نوع إرث لنفسه ، ولكنها أمور استحسانية العمدة على الصحيح المتقدم.
وخالف ابن إدريس فجوّز إنفاذ وصيته ، وردّ الخبر بأنه خبر آحاد قال في السرائر : (الذي يقتضيه أصولنا وتشهد بصحته أدلتنا أن وصيته ماضية صحيحة إذا كان عقله ثابتا عليه) إلى آخر كلامه وتبعه بعضهم كالعلامة في المختلف والقواعد. -
ص: 23
منهم(باطلة) أما الأولان فظاهر ، لانتفاء العقل ، ورفع القلم ، وأما الأخير فمستنده صحيحة أبي ولّاد عن الصادق عليه السلام : «فإن كان أوصى بوصية بعد ما أحدث في نفسه من جراحة ، أو قتل لعله يموت لم تجز وصيته» ولدلالة هذا الفعل على سفهه ، ولأنه (1) في حكم الميت فلا تجري عليه الأحكام الجارية على الحي ، ومن ثم لا تقع عليه الذكاة لو كان قابلا لها (2).
وقيل تصح وصيته مع ثبات عقله كغيره. وهو حسن ، لو لا معارضة النص المشهور ، وأما دلالة الفعل على سفهه فغير واضح ، وأضعف منه كونه في حكم الميت ، فإنه غير مانع من التصرف مع تيقن رشده.
وموضع الخلاف ما إذا تعمد الجرح ، فلو وقع منه سهوا ، أو خطأ لم تمتنع وصيته إجماعا.
(و) يشترط(في الموصى له الوجود) (3) حالة الوصية ، (وصحة التملك (4) ،)
______________________________________________________
- هذا والحكم مختص بما إذا كان فعل ذلك في نفسه عمدا كما هو صدر الصحيح المتقدم ، وأما إذا كان سهوا أو خطأ فتنفذ وصيته لعموم أدلة نفوذها بعد عدم المانع ، إذا المانع هو الصحيح وهو مختص بحال العمد.
(1) أي ولأن الجارح نفسه بمهلك.
(2) أي أن الجارح نفسه بمهلك مثله كمثل الحيوان الذي جرح بمهلك فلا تقع عليه التذكية لأنه بحكم الميت فكذا الإنسان الجارح نفسه بما ذكر.
(3) يشترط وجود الموصى له حال الوصية ، فلو أوصى لميت أو لمن ظن وجوده فبان ميتا عند الوصية لم تصح ، وكذا لو أوصى لما تحمله المرأة في الزمان المستقبل ، أو لمن يوجد من أولاد فلان ، بلا خلاف في ذلك ، لأن الوصية تمليك عين أو منفعة كما تقدم من تعريفها والمعدوم غير قابل للتملك.
(4) تصح الوصية للحمل الموجود حين الوصية وإن لم تلجه الروح على فرض ولادته حيا بلا خلاف بينهم أمّا صحة الوصية له لأنه غير مقدوم وأمّا اشتراط تولاه حيّا لأنه على تقدير عدم ولادته حيّا فهو غير قابل للتملك.
غايته يعلم وجوده حين الوصية لو ولدته أمه لأقل من ستة أشهر - وهو أقل الحمل - من حين الوصية فيعلم أنه كان موجودا حين الوصية ، نعم لو ولدته لأكثر من عشرة أشهر - وهو أقصى الحمل - علم أنه لم يكن موجودا حال الوصية. -
ص: 24
(فلو أوصى للحمل اعتبر) وجوده حال الوصية(بوضعه لدون ستة أشهر منذ حين الوصية) فيعلم بذلك (1) كونه موجودا حالتها ، (أو بأقصى) مدة(الحمل) فما دون(إذا لم يكن هناك زوج ، ولا مولى) ، فإن كان أحدهما (2) لم تصح ، لعدم العلم بوجوده عندها ، وأصالة عدمه (3) ، لإمكان تجدده بعدها ، وقيام الاحتمال (4) مع عدمهما بامكان الزنا ، والشبهة مندفع بأن الأصل عدم إقدام المسلم على الزنا كغيره من المحرمات ، وندور الشبهة.
ويشكل الأول لو كانت كافرة (5) ، حيث تصح الوصية لحملها.
وربما قيل على تقدير وجود الفراش (6) باستحقاقه (7) بين الغايتين (8) عملا بالعادة الغالبة من الوضع لأقصاهما (9) ، أو ما يقاربها (10). وعلى كل تقدير فيشترط انفصاله حيا ، فلو وضعته ميتا بطلت ، ولو مات بعد انفصاله حيا كانت (11) لوارثه.
______________________________________________________
- نعم لو ولدته بين أقصى مدة الحمل وأقله أمكن وجوده حال الوصية وعدمه ، فينظر إن كانت أمّه فراشا لزوج أو مولى بحيث يمكن تجدده بعد الوصية لم يحكم بصحتها ، لأصالة عدم تقدمه عليها ، وإن كانت خالية من الفراش بأن فارقها الواطئ - الذي يباح له وطئها - من حين الوصية حكم بوجوده عملا بالظاهر وأصالة عدم وطئ غيره لها.
إن قلت : إن الخالية يمكن وطؤها بالشبهة بل وبالزنا.
قلت : الشبهة نادرة والزنا منتف لأن الظاهر أن المسلم لا يقدم على فعل المحرم.
(1) بوضعه لأقل من ستة أشهر.
(2) أي الزوج أو المولى وقد وضعته بين أقصى الحمل وأقله.
(3) أي ولأصالة عدم الحمل عند الوصية لإمكان وجود الحمل بعد الوصية.
(4) وهم وقد تقدم ذكره بلفظ إن قلت ، وهو مبني على كونها خالية من الزوج أو المولى.
(5) فلا محذور فيها لعدم صيانتها فلا يجري فيها أصل عدم إقدام المسلم على فعل الحرام.
(6) من وجود الزوج أو المولى.
(7) باستحقاق الحمل.
(8) غاية أقصى الحمل وغاية أقله.
(9) وهو عشرة أشهر.
(10) وهو تسعة أشهر وهو الغالب ، قال في المسالك : (إن الظاهر الغالب إنما هو الولادة لتسعة أشهر تقريبا فما يولد قبلها يظهر كونه موجودا وإن كان لها فراش) انتهى.
(11) أي الوصية.
ص: 25
وفي اعتبار قبوله (1) هنا وجه قوي ، لإمكانه منه ، بخلاف الحمل.
وقيل (2) : يعتبر قبول وليه. ثم إن اتحد (3) فهي له ، وإن تعدد قسّم الموصى به على العدد بالسوية (4) ، وإن اختلفوا بالذكورية ، والأنوثية.
(ولو أوصى للعبد لم يصح) (5) ، سواء كان قنا أم مدبرا أم أمّ ولد. أجاز مولاه
______________________________________________________
(1) أي قبول الوارث فيما لو مات الحمل بعد انفصاله حيا وجه قوي لإمكانه في حقه ، نعم لا نعتبر القبول من الحمل لتعذره فيسقط كما سقط القبول عند تعذره فيما لو أوصى لغير معيّن.
(2) وهو الحلي كما نقل.
(3) أي الحمل فالوصية له.
(4) قضاء لحق العدل.
(5) لا تصح الوصية للمملوك الأجنبي ، لانتفاء أهلية الملك عن العبد ، لأنه لا يملك ولو أذن له سيده ، بلا فرق بين القن والمدبّر وأم الولد لاشتراكهم في تمحض الرقية ، نعم لو قلنا بملك العبد فتصح الوصية وتحتاج إلى قبوله ، ويؤيد الأول بل يدل عليه خبر عبد الرحمن بن الحجاج عن أحدهما عليهما السلام (لا وصية لمملوك) (1).
نعم إذا كان عبد الغير الموصى له مكاتبا ، فإن كان مطلقا لم يؤد شيئا أو مشروطا فكذلك لا تصح الوصية له ببقائه على المملوكية ، ولصحيح محمد بن قيس عن أبي جعفر عليه السلام (في مكاتب كانت تحته امرأة حرة فأوصت له عند موتها بوصية ، فقال أهل الميراث لا تجوز وصيتها ، إنه مكاتب لم يعتق ولا يرث ، فقضى أنه يرث بحساب ما أعتق منه ، ويجوز له من الوصية بحساب ما أعتق منه ، وقضى في مكاتب أوصي له بوصية وقد قضى نصف ما عليه فأجاز نصف الوصية ، وقضى في مكاتب قضى ربع ما عليه فأجاز له ربع الوصية) (2) ، والمناقشة بالسند باشتراك محمد بن قيس بين الثقة وغيره ، وباشتماله على إبراهيم بن هاشم وهو لم يمدح ولم يذم ليست في محلّها ، لأن ابن قيس هو البجلي الثقة بقرينة رواية عاصم بن حميد ، ولأن إبراهيم بن هاشم من مشايخ الإجازة وهذا ما يغني عن توثيقه وعن المحقق الثاني والشارح في المسالك صحة الوصية للمكاتب لانقطاع سلطنة المولى عنه ، ولهذا يصح ما يقع من المكاتب من بيع واكتساب من دون توقف على -
ص: 26
أم لا ، لأن العبد لا يملك بتمليك سيده ، فبتمليك غيره أولى ولرواية عبد الرحمن بن الحجاج عن أحدهما عليه السلام قال : «لا وصية لمملوك». ولو كان مكاتبا مشروطا ، أو مطلقا لم يؤد شيئا ففي جواز الوصية له قولان. من أنه (1) في حكم المملوك حيث لم يتحرر منه شي ء ، ولرواية محمد بن قيس عن الباقر عليه السلام ومن انقطاع (2) سلطنة المولى عنه. ومن ثم جاز اكتسابه ، وقبول الوصية نوع منها (3).
والصحة مطلقا أقوى. والرواية لا حجة فيها (4) ، (إلا أن يكون) العبد الموصى له(عبده) أي عبد الموصي(فتنصرف) الوصية(إلى عتقه) (5) فإن
______________________________________________________
- إذن المولى ، والوصية نوع من الاكتساب ، بعد رمي الرواية بالضعف لاشتراك ابن قيس بين الثقة وغيره كما في المسالك ، وبعد كونها قضية في واقعة لا عموم فيها كما عن جامع المقاصد.
وفيه : أما المناقشة في السند فمردودة على ما تقدم ، وأما لا عموم فيها فهي دعوى واضحة الفساد كما في الجواهر لظهور دلالتها في المطلوب ، وأما انقطاع السلطنة فلا دليل عليه إذا المكاتبة لا تقتضي قابليته للملك ، نعم جاز له البيع والاكتساب ونحو ذلك بعد المكاتبة ليوفّي للمولى ما طلبه ، فهو تصرف بإذن المولى وليس تصرفا غير متوقف على الاذن.
ثم ممّا تقدم تعرف أنه لو تحرر من العبد المكاتب شي ء لصحت الوصية له بالنسبة.
(1) دليل عدم الصحة.
(2) دليل الصحة.
(3) من المكاسب.
(4) قد تقدم ما فيه.
(5) لا خلاف في صحة الوصية لعبد الموصي ، سواء كان قنّا أم مدبرا أم مكاتبا في الجملة.
وصحة الوصية لعبد الموصي أنه ننظر في الموصى به بعد خروجه من الثلث ، فإن كان بقدر قيمته اعتق العبد وكان الموصى به للورثة ، وإن كانت قيمته أقلّ أعطي الفاضل ، وإن كانت قيمته أكثر من الموصى به سعى للورثة فيما بقي هذا ما لم تبلغ قيمته ضعف ما أوصى له به ، وهذا مما لا خلاف فيه ، وأما لو كانت قيمته ضعف ما أوصي له به بأن كانت قيمته مائتين والموصى به إليه مائة بطلت الوصية كما عن المفيد والشيخ في النهاية والقاضي ، وقال المفيد في المقنعة : (بهذا جاء الأثر عن آل محمد عليهم السلام). واستدل لهذا القول بمؤيد وهو : أن القيمة لما كانت ضعف الموصى به كان نصف العبد على الرقية والنصف الآخر على الحرية ، ولا ترجيح فيبقى على أصالة عدم صحة الوصية للعبد. -
ص: 27
ساواه (1) أعتق أجمع ، وإن نقص (2) عتق بحسابه(وإن زاد المال عن ثمنه فله الزائد).
ولا فرق في ذلك بين القن ، وغيره ، ولا بين المال المشاع ، والمعين على الأقوى(3).
______________________________________________________
- وعن الصدوق والشيخ في الخلاف والحلبي والحلي تصح الوصية ويسعى في الباقي ، وفي الفرض المذكور يسعى في المائة ، ويشهد له إطلاق الفقه الرضوي (فإن أوصى لمملوكه بثلث ماله قوّم المملوك قيمة عادلة ، فإن كانت قيمته أكثر من الثلث استسعى في الفضيلة) (1) ، وخبر الحسن بن صالح عن أبي عبد الله عليه السلام (في رجل أوصى لمملوك له بثلث ماله فقال : يقوّم المملوك بقيمة عادلة ، ثم ينظر ما ثلث الميت ، فإن كان الثلث أكثر أقل من قيمة العبد بقدر ربع القيمة استسعى العبد في ربع القيمة ، وإن كان الثلث أكثر من قيمة العبد أعتق العبد ودفع إليه ما فضل من الثلث بعد القيمة) (2) بناء على أن المراد من قوله بقدر ربع القيمة مثال لجميع أفراد الأقل ولا خصوصية فيه
نعم عن المحقق والشهيد الثاني جعل هذا الخبر هو الدليل على القول الأول بدلالة المفهوم ، لأن منطوقه على أن الثلث لو كان أقل من قيمة العبد بقدر ربع القيمة فيجب عليه السعي ومفهومه على أن الثلث لو لم يكن أقل من قيمة العبد بقدر الربع فلا يستسعي بل تبطل الوصية.
وفيه : ما قاله الشارح في المسالك. إن هذا المفهوم شامل لما لو كانت القيمة قدر الضعف أو أقل من ذلك إلى أن يبلغ النقصان قدر الربع فمن أين خصّوا البطلان بما لو كانت قيمته قدر الضعف ما هذا إلا عجيب من مثل هذين الشيخين الجليلين - المفيد والطوسي - هذا مع تسليم الرواية فإنها ضعيفة السند بالحسن المذكور فإن حاله في الزيدية مشهور) انتهى.
(1) أي ساوى الموصى به العبد.
(2) أي نقص الموصى به عن قيمة العبد عتق ، وسعى بالباقي.
(3) المشهور على ما سمعت سواء كان الموصى به مشاعا كالثلث والربع والخمس ونحو ذلك أم كان معينا كالدار والبستان ، وعن العلامة في المختلف موافقة المشهور في الجزء المشاع ، لأن العبد حينئذ من جملة الموصى به فكأنه قد أوصى بعتق جزء منه فيعتق ويسري في الباقي ، بخلاف ما لو كانت الوصية بجزء معين فتبطل الوصية لعموم (لا -
ص: 28
ويحتمل اختصاصه (1) بالأول (2) ، لشيوعه في جميع المال وهو (3) من جملته ، فيكون كعتق جزء منه ، بخلاف المعين ، ولا بين أن تبلغ قيمته ضعف الوصية ، وعدمه.
وقيل : تبطل في الأول (4) استنادا إلى رواية ضعيفة.
(وتصح الوصية للمشقّص) وهو الذي عتق منه شقص بكسر الشين وهو الجزء(بالنسبة) أي بنسبة ما فيه من الحرية (5). والمراد به (6) مملوك غير السيد ، أما هو (7) فتصح في الجميع (8) بطريق أولى (9) ، (ولأم الولد) (10) أي أم ولد الموصي ،
______________________________________________________
- وصية لمملوك) (1) ، على ما تقدم في خبر ابن الحجاج ، ولأن تنفيذ الوصية بتمليك العبد الموصى به محال لامتناع ملك العبد ، والتخطي إلى رقبته يقتضي تبديل الوصية ، ويدفعه إطلاق خبر الحسن بن صالح المتقدم حيث هو شامل للمشاع والمعيّن ، ودعوى كونه ضعيف السند مردودة بجبره بعمل الأصحاب.
(1) أي اختصاص الحكم.
(2) بالمشاع.
(3) أي العبد الموصى له.
(4) ما لو كانت قيمته ضعف الموصى به.
(5) قد تقدم الكلام فيه.
(6) بالمشقّص.
(7) أي مملوك الموصي.
(8) أي جميع ما أوصى به.
(9) لأنه إذا جازت الوصية من المولى لعبده إذا كان قنا كما تقدم فتجوز الوصية لعبده المشقّص الذي تحرر بعضه من باب أولى.
(10) لو أوصى الإنسان لأم ولده صحت الوصية من الثلث بلا خلاف ، كما لا خلاف في أنه إذا مات سيدها ولم يوصى لها بشي ء تعتق من نصيب ولدها ، وإنما الكلام في أنها هل تعتق من الوصية إذا وفّت بقيمتها ، أو من نصيب ولدها ، إذا أوصى لها بشي ء ، وهما قولان مشهوران كما في الرياض ومتكافئان كما في المسالك.
واستدل للأول بأنه لا ميراث إلا بعد الوصية ، فلا يحكم لابنها بشي ء حتى يحكم لها بالوصية فتعتق منها إن وفت بقيمتها ، ومع القصور يكمل الباقي من نصيب ولدها.
واستدل للثاني بأن التركة تنتقل من حين الموت إلى الوارث لئلا يلزم خلو المال عن -
ص: 29
لأنها في حياته من جملة مماليكه ، وإنما خصها ليترتب عليها قوله : (فتعتق من نصيبه) أي نصيب ولدها ، (وتأخذ الوصية) لصحيحة أبي عبيدة عن الصادق عليه السلام ، ولأن التركة تنتقل من حين الموت إلى الوارث فيستقر ملك ولدها على جزء منها فتعتق عليه وتستحق الوصية ، والوصية للمملوك (1) وإن لم تتوقف على القبول فينتقل إلى ملك الموصى له بالموت ، إلا أن تنفيذها يتوقف على معرفة القيمة ، ووصول التركة إلى الوارث ، بخلاف ملك الوارث.
وقيل : تعتق من الوصية ، فإن ضاقت فالباقي من نصيب ولدها ، لتأخر الإرث عن الوصية والدين ، بمقتضى الآية (2) ، ولظاهر الرواية (3).
(والوصية لجماعة تقتضي التسوية) (4) بينهم فيها ، ذكورا كانوا أم أناثا أم
______________________________________________________
- المالك ، لكنه لا يستقر ملك الوارث إلا بإخراج الوصية والدين ، وعليه فيستقر ملك ولدها على جزء منها فتعتق عليه وتستحق الوصية ، ويدل عليه أيضا صحيح أبي عبيدة المروي في الكافي والتهذيب (سألت أبا عبد الله عليه السلام عن رجل كانت له أم ولد ، وله منها غلام فلما حضرته الوفاة أوصى لها بألفي درهم أو أكثر ، للورثة أن يسترقوها؟ فقال : لا بل تعتق من ثلث الميت وتعطي من ثلثه ما أوصى لها به ، وفي كتاب أبي العباس : تعتق من نصيب ابنها وتعطى من ثلثه ما أوصى لها به) (1) ، وما في كتاب أبي العباس نص في المطلوب ، وهناك أقوال نادرة في المسألة.
(1) وهم وحاصله : أن الوصية لا تحتاج إلى القبول فينتقل الموصى به إلى المملوك الموصى له من حين وفاة الموصي ، فالقول بانتقال التركة بأجمعها إلى الوارث من حين موت الموصي ليس في محله.
ودفعه : أن الوصية للمملوك وإن كانت غير محتاجة إلى القبول إلا أن تنفيذها متوقف على معرفة قيمة المملوك ووصول التركة إلى الوارث بخلاف ملك الوارث فإنه غير متوقف على شي ء.
(2) وهي قوله تعالى : ( مِنْ بَعْدِ وَصِيَّةٍ يُوصِي بِهٰا أَوْ دَيْنٍ ) (2).
(3) أي صحيح أبي عبيدة المتقدم بحسب صدره.
(4) إطلاق الوصية لجماعة محصورة يقتضي التسوية ما بينهم من غير فرق بين القريب والبعيد -
ص: 30
مختلفين ، وسواء كانت الوصية لأعمامه وأخواله أم لغيرهم على الأقوى(إلا مع التفضيل) فيتّبع شرطه ، سواء جعل المفضّل الذكر أم الأنثى.
(ولو قال : على كتاب الله فللذكر ضعف الأنثى) ، لأن ذلك حكم الكتاب في الإرث ، والمتبادر منه هنا ذلك(والقرابة (1) : من عرف بنسبه) عادة ، لأن
______________________________________________________
- والذكر والأنثى والوارث وغيره بلا خلاف للتساوي في سبب الملك.
ومنه تعرف أنه إذا أوصى لأولاده وهم ذكور وإناث ، فهم فيه سواء ، وكذا لأخواله وخالاته ، أو لأعمامه وعماته ، وعن الشيخ وجماعة أنه لو أوصى لأخواله وأعمامه ، فالأعمام لهم الثلثان والأخوال لهم الثلث لصحيح زرارة عن أبي جعفر عليه السلام (في رجل أوصى بثلث ماله في أعمامه وأخواله فقال : لأعمامه الثلثان ، ولأخواله الثلث) (1) ، وقد حملت على ما لو أوصى على كتاب الله.
(1) لا إشكال في صحة الوصية للقرابة ، ولما فيها من الصدقة وصلة الرحم ، وقد اختلف الأصحاب في القرابة ، فعن الأكثر لا بد من الرجوع إلى العرف في تحقيق معناها ، لأن العرف هو الحجة المتبع في الألفاظ بعد عدم ورود تحديد من قبل الشارع.
وعن الشيخ بانصراف القرابة إلى كل من يتقرب إليه إلى آخر أب وأم له في الإسلام ويحكم للجميع بالقرابة ، ولا يرتقى إلى آباء الشرك وإن عرفوا بقرابة عرفا ، فقد اعتبر الإسلام للنبوي (قطع الإسلام أرحام الجاهلية) (2) ، كما أورده صاحب الجواهر وغيره في كتب الفقه وإلا فلم يعثر عليه في كتب الحديث عند العامة والخاصة ، ولقوله تعالى لنوح عن ابنه ( إِنَّهُ لَيْسَ مِنْ أَهْلِكَ ) (3).
وفيه : إن المدار في مسألتنا على صدق اللفظ ولا ريب أن المرجع فيه هو اللغة والعرف ، على أن النبوي ضعيف السند لما تقدم على أن نفي الإسلام لأرحام الجاهلية قد يكون بمعنى تحريم العصبية الجاهلية في الإسلام ، ولو سلم أن الإسلام قد قطع أرحام الجاهلية فهو لا يدل على نفي القرابة.
وأما الآية فنفي الأهلية لا يدل على نفي القرابة ، على أنها تحمل على نفي الأهلية من نوح من حيث هو نبي معصوم ومطيع لله جل وعلا وليس على نفي الأهلية من حيث كونه أبا. -
ص: 31
المرجع في الأحكام إلى العرف حيث لا نص ، وهو (1) دال على ذلك. ولا يكفي مطلق العلم بالنسب كما يتفق ذلك في الهاشميين ، ونحوهم ممن يعرف نسبه مع بعده الآن مع انتفاء القرابة عرفا.
ولا فرق بين الوارث ، وغيره ، ولا بين الغني ، والفقير ، ولا بين الصغير ، والكبير ، ولا بين الذكر ، والأنثى. وقيل : ينصرف إلى أنسابه الراجعين إلى آخر أب وأم له في الإسلام ، لا مطلق الأنساب استنادا إلى قوله صلى الله عليه وآله وسلم : «قطع الإسلام أرحام الجاهلية» فلا يرتقى إلى آباء الشرك وإن عرفوا بالنسب ، وكذا لا يعطى الكافر وإن انتسب إلى مسلم ، لقوله تعالى عن ابن نوح : ( إِنَّهُ لَيْسَ مِنْ أَهْلِكَ ) (2) ، ودلالتهما على ذلك ممنوعة مع تسليم سند الأول.
(والجيران (3) لمن يلي داره إلى أربعين ذراعا) من كل جانب على المشهور
______________________________________________________
- وعن ابن الجنيد أن القرابة والأرحام من لا يتجاوز ولد الأب الرابع ، لأن رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم لم يتجاوزه في تفرقة سهم ذوي القربى من الخمس ، وفيه : إن فعل النبي صلى الله عليه وآله وسلم بالخمس لدليل لا يدل على نفي القرابة عما عداه.
وقيل : إن القرابة مختصة بالوارث ، وقيل : إنها مختصة بالمحرم من ذوي الأرحام ، وهما مع ضعفهما لعدم الدليل عليهما مع مخالفتهما للمعنى العرفي للقرابة فهما مجهولا القائل.
(1) أي العرف.
(2) النساء آية : 11.
(3) الوصية للجيران إنما تكون لمن صدق عليه لفظ الجار عرفا ، وعن المشهور لمن يلي داره إلى أربعين ذراعا من كل جانب ، ولا مستند له كما في المسالك ، ولم نقف له على شاهد كما في الجواهر.
وعن البعض على أنه لمن يلي داره إلى أربعين دارا استندا إلى أخبار.
منها : صحيح جميل بن دارج عن أبي عبد الله عليه السلام (حد الجوار أربعون دارا من كل جانب من بين يديه ومن خلفه وعن يمينه وعن شماله) (1) ، وخبر عمرو بن مكرمة عنه عليه السلام (قال رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم : كل أربعين دارا جيران من بين يديه ومن خلقه وعن يمينه وعن شماله) (2).
ص: 32
والمستند ضعيف ، وقيل إلى أربعين دارا ، استنادا إلى رواية عامية (1).
والأقوى الرجوع فيهم (2) إلى العرف ، ويستوي «فيه» مالك الدار ، ومستأجرها ، ومستعيرها ، وغاصبها على الظاهر (3) ، ولو انتقل منها إلى غيرها اعتبرت الثانية ، ولو غاب لم يخرج عن الحكم ما لم تطل الغيبة بحيث يخرج عرفا ، ولو تعددت دور الموصي وتساوت في الاسم عرفا استحق جيران كل واحدة ، ولو غلب أحدها اختص ، ولو تعددت دور الجار واختلفت في الحكم (4) اعتبر اطلاق اسم الجار عليه عرفا كالمتحد.
ويحتمل اعتبار الأغلب سكنى فيها ، وعلى اعتبار الأذرع ففي استحقاق ما كان على رأس الغاية وجهان أجودهما الدخول (5) ، وعلى اعتبار الدور قيل (6): يقسم على عددها ، لا على عدد سكانها. ثم تقسم حصة كل دار على عدد سكانها (7). ويحتمل القسمة على عدد السكان مطلقا (8) ، وعلى المختار (9) فالقسمة على الرءوس مطلقا.
______________________________________________________
(1) العجب منه كيف جعل المستند رواية عامية مع أنه في المسالك قال : (وقد حققنا في الوقف أن به من طرقنا روايات كثيرة منها حسنة جميل بن دراج عن أبي جعفر عليه السلام) انتهى.
(2) في الجيران.
(3) لأن المعتبر هو السكنى فلا يعتبر في الجار العرفي الملكية فيدخل المستأجر والمستعير بل والغاصب ، وعن العلامة في التحرير عدم استحقاق الغاصب ، وحكي عنه التوقف في المستأجر والمستعير.
(4) بحيث خرجت بعد الدور عن جواره.
(5) بحيث انتهى عدد الأذرع إلى باب الدار فعن ابن البراج الدخول وقواه في الدروس وغيره في غيره ، لدخول الغاية في المغيّا ، ولو انتهى عدد الأذرع إلى وسط الدار فلا إشكال في الدخول.
(6) ولم يعرف القائل.
(7) وفيه : إن المدار على عدد السكان لأنهم هم المراد بالجيران ، نعم كانت الدور لتحديد سعة الجيرة.
(8) سواء تساوى سكان الدور أم اختلفوا في العدد.
(9) أي على الجار العرفي.
ص: 33
(وللموالي) (1) أي موالي الموصي ، واللام عوض عن المضاف إليه(تحمل على العتيق) بمعنى المفعول(والمعتق) بالبناء للفاعل على تقدير وجودهما ، لتناول الاسم لهما كالأخوة (2) ، ولأن المضاف يفيد العموم فيما يصلح له ، (إلا مع القرينة) الدالة على إرادة أحدهما خاصة فيختص به بغير إشكال ، كما أنه لو دلت على ارادتهما معا تناولتهما بغير إشكال ، وكذا لو لم يكن له موالي إلا من إحدى الجهتين (3).
(وقيل : تبطل) مع عدم قرينة تدل على ارادتهما ، أو أحدهما ، لأنه (4) لفظ مشترك (5) ، وحمله على معنييه مجاز (6) ، لأنه موضوع لكل منهما على سبيل البدل ،
______________________________________________________
(1) إذا كان له موال من أعلى وهم المعتقون له أو من انتهى إليه ولاء المعتق ، وله موال من أسفل وهم الذين أعتقهم أو من انتهى إليه ولاء العتق ثم أوصى لمواليه ، فإن علم أنه أراد أحدهما بقرينة حال أو مقال انصرفت الوصية إليه ، بلا خلاف ولا إشكال. وكذا لو علم دخول الجميع.
وإن لم يعلم ، فعن المشهور انصراف الوصية إليهما بناء على أن الجمع وهو الموالي يحمل على جميع معانيه مع التجرد عن القرائن ولا يشترط في الجمع اتفاق المعنى كما ذهب إليه ابن مالك في التسهيل ، وكذا لو أوصى للمولى فيحمل على المولى الأعلى والمولى الأدنى بناء على جواز استعمال اللفظ في أكثر من معنى.
وعن العلامة في التحرير والقواعد وولده في الإيضاح والمحقق الثاني والشارح في المسالك البطلان ، لأن الوصية لو كانت للفظ الجمع أعني الموالي فيتعذر إرادة جميع معانيه المختلفة كما صرح به أكثر أهل اللغة على ما في الارتشاف ، ولو كانت الوصية بلفظ المفرد أعني المولى فيتعذر استعمال اللفظ في أكثر من معنى ، ولا قرينة على تعيين أحدهما فتكون الوصية مبهمة فتبطل.
(2) فإنه متناول للأخوة من الأب والأخوة من الأم.
(3) فتختص الوصية به ، لأن وحدة وجوده هي القرينة المعيّنة.
(4) أي المولى بما هو لفظ مفرد.
(5) أي مشترك لفظي كما عليه الأكثر وحكي التصريح به كما عن بعض أهل اللغة ، كما في الرياض ، وفي التنقيح للمقداد أنه مشترك معنوي.
(6) لأن استعمال اللفظ المشترك في أكثر من معنى محال ، وحمله على عموم الاشتراك مجاز كما هو واضح.
ص: 34
والجمع (1) تكرير الواحد فلا يتناول غير صنف واحد ، والمعنى المجازي لا يصار إليه عند الاطلاق (2) ، وبذلك (3) يحصل الفرق بينه (4) ، وبين الأخوة ، لأنه (5) لفظ متواطئ ، لا مشترك ، لأنه موضوع لمعنى يقع على المتقرب بالأب ، وبالأم ، وبهما وهذا أقوى.
(و) الوصية(للفقراء (6) تنصرف إلى فقراء ملة الموصي) ، لا مطلق الفقراء وإن كان جمعا معرفا مفيدا للعموم. والمخصص شاهد الحال الدال على عدم إرادة فقراء غير ملته ، ونحلته ، (ويدخل فيهم المساكين (7) إن جعلناهم (8) مساوين) لهم (9) في الحال بأن جعلنا اللفظين بمعنى واحد ، كما ذهب إليه بعضهم ، (أو أسوأ) حالا (10) كما هو الأقوى (11) ،
______________________________________________________
(1) أي الموالي بما هو لفظ جمع ، والحاصل أن الجمع تكرير للمفرد ، وكما أن مفرده لا يصح استعماله إلا في معنى واحد من المعاني المشتركة ، فكذلك جمعه.
(2) فلا يحمل اللفظ على عموم المشترك.
(3) أي مما تقدم من عدم جواز إرادة أكثر من معنى من اللفظ المفرد والجمع ، مع عدم إرادة الجميع على نحو المجاز لأنه بحاجة إلى قرينة وهي مفقودة.
(4) بين الموالي.
(5) أي الأخوة ، فهو لفظ متواطئ وهو الموضوع لمعنى يشترك فيه الكثير وهو موضوع لكل من يتقرب إليك بأحد الأبوين.
(6) لو وصى المسلم للفقراء لانصرفت الوصية إلى فقراء المسلمين ، لأن لفظ الفقراء وإن كان عاما لأنه جمع محلى باللام إلا أن شاهد الحال قرينة على الاختصاص ، ولذا فتنصرف الوصية إلى خصوص فقراء ملته ، وكذا وصية الكافر تنصرف إلى فقراء نحلته.
نعم لو لم يكن في البلد إلا فقراء غير مذهبه سواء كان الموصي مسلما أم كافرا وكان عالما بذلك اتجه حينئذ الصرف إليهم للقرينة الخارجية ، ومما تقدم تعرف أن اللفظ يحمل على المعنى اللغوي في مقام تحديد مراد المتكلم إن لم تقم قرينة حالية أو مقالية تشهد بإرادة المعنى الخاص.
(7) أي ويدخل المساكين في الفقراء.
(8) أي المساكين.
(9) للفقراء.
(10) فيدخلون بطريق أولى.
(11) وقد تقدم الكلام فيه في كتاب الزكاة.
ص: 35
(وإلا (1) فلا) يدخلون ، لاختلاف المعنى ، وعدم دلالة دخول الأضعف (2) على دخول الأعلى ، بخلاف العكس.
وذكر جماعة من الأصحاب أن الخلاف في الأسوأ ، والتساوي إنما هو مع اجتماعهما (3) كآية الزكاة ، أما مع انفراد أحدهما خاصة فيشمل الآخر إجماعا. وكأن المصنف لم تثبت عنده هذه الدعوى (4).(وكذا) القول(في العكس) بأن أوصى للمساكين فإنه يتناول الفقراء على القول بالتساوي ، أو كون الفقراء أسوأ حالا (5) ، وإلا (6) فلا. وعلى ما نقلناه عنهم (7) يدخل كل منهما في الآخر هنا (8) مطلقا (9).
الفصل الثاني في متعلق الوصية
(وهو (10) ......
______________________________________________________
(1) بأن كان المسكين أحسن حالا من الفقير.
(2) وهو الفقير.
(3) وقد تقدم في كتاب الزكاة أن الفقير والمسكين إذا افترقا اجتمعا وإذا اجتمعا افترقا ، بمعنى لو ذكر أحدهما فهو يشمل الآخر ، وإذا ذكرا معا فلكل له معنى.
وعليه فلو اجتمعا كاجتماعهما في آية الزكاة وهي قوله تعالى : ( إِنَّمَا الصَّدَقٰاتُ لِلْفُقَرٰاءِ وَالْمَسٰاكِينِ وَالْعٰامِلِينَ عَلَيْهٰا وَالْمُؤَلَّفَةِ قُلُوبُهُمْ وَفِي الرِّقٰابِ وَالْغٰارِمِينَ وَفِي سَبِيلِ اللّٰهِ وَابْنِ السَّبِيلِ فَرِيضَةً مِنَ اللّٰهِ ، وَاللّٰهُ عَلِيمٌ حَكِيمٌ ) (1) ، فقد وقع الخلاف بينهم في معنى الفقير والمساكين من أنهما متساويان أو أن أحدهما أسوأ من الآخر وقد تقدّم الكلام فيه.
(4) وهي إذا افترقا اجتمعا ، وذلك لأن الوصيّة هنا للفقراء ، وعلى أساس الدعوى يجب أن يشمل اللفظ المساكين سواء كانوا أسوأ حالا أم لا.
(5) بطريق الأولوية.
(6) بأن كان الفقير أحسن حالا من المسكين.
(7) من أنه إذا افترقا اجتمعا.
(8) للانفراد.
(9) سواء كان الآخر أحسن حالا أم لا عند الانفراد.
(10) الموصى به إما أن يكون عينا وإما منفعة وإما حقا قابلا للنقل ، فإن كان الموصى به عينا -
ص: 36
كل مقصود (1)) للتملك عادة(يقبل النقل) عن الملك من مالكه إلى غيره ، فلا تصح الوصية بما ليس بمقصود كذلك ، إما لحقارته كفضلة الإنسان ، أو لقلته كحبة الحنطة ، وقشر الجوزة ، أو لكون جنسه لا يقبل الملك كالخمر ، والخنزير ، ولا بما لا يقبل النقل كالوقف ، وأم الولد ، (ولا يشترط كونه معلوما) (2) للموصي ، ولا للموصى له ، ولا مطلقا (3) ، (ولا موجودا) بالفعل(حال الوصية) (4) بل يكفي صلاحيته للوجود عادة في المستقبل.
(فتصح الوصية بالقسط ، والنصيب ، وشبهه) كالحظ ، والقليل ، والكثير ، والجزيل ، (ويتخير الوارث في تعيين ما شاء) إذا لم يعلم من الموصي إرادة قدر معين ، أو أزيد مما عينه الوارث.
(أما الجزء (5) فالعشر) لحسنة أبان بن تغلب عن الباقر عليه السلام متمثلا بالجبال
______________________________________________________
- أو منفعة فيشترط كونه ملكا للموصي ، على معنى قابليته للملك فلا تصح الوصية بما لا يملك كالخمر ، ولا بما يملكه الغير لعدم جواز التصرف بمال الغير ، ولا بما يملك ولكنه مما لا يتموّل كحبة الحنطة وقشر الجوزة ، هذا وأما الحق فهو على أقسام :
الأول : ما لا يقبل المعارضة بالمال ولا يقبل النقل ولا الإسقاط كحق الحضانة والولاية.
الثاني : ما يقبل الإسقاط ولا يقبل النقل كحق الشفعة والخيار.
الثالث : ما يكون قابلا للنقل والانتقال والإسقاط كحق التحجير ، والوصية لا تصلح إلا بالقسم الثالث القابل للنقل والانتقال.
(1) بمعنى صلاحية الملك للموصى والموصى له.
(2) بل تصح الوصية بالمجهول قدرا أو جنسا بعد تعيينه بالجملة ، لأن الغرر المنهي مختص بالعقود العوضية.
(3) أي ولا معلوما لأحد ولو غيرهما.
(4) بلا خلاف فيه ، لأن المالك كما يملك العين ملكية مرسلة غير محددة بزمن كذلك يملك منافعها ، وعليه فما يتجدد من منافعها هو مملوك له فتجوز الوصية به إذا كان مما يتوقع وجوده في الزمن المستقبل.
(5) من أوصى بجزء ماله ولم تكن هناك قرينة تعينه من عرف أو عادة ففيه قولان : الأول أنه السبع كما عن المفيد والإسكافي والديلمي والقاضي وابن زهرة والعلامة بل هو المنسوب إلى الأكثر لأخبار.
منها : صحيح البزنطي عن أبي الحسن عليه السلام (عن رجل أوصى بجزء من ماله ، -
ص: 37
العشرة التي جعل على كل واحد منها جزء من الطيور الأربعة.
(وقيل. السبع) ، لصحيحة البزنطي عن أبي الحسن عليه السلام متمثلا بقوله تعالى : ( لَهٰا سَبْعَةُ أَبْوٰابٍ لِكُلِّ بٰابٍ مِنْهُمْ جُزْءٌ مَقْسُومٌ ) ورجّح الأول بموافقته للأصل (1). ولو أضافه إلى جزء آخر كالثلث فعشره (2) لصحيحة عبد الله بن سنان عن الصادق عليه السلام وتمثل أيضا بالجبال وهو مرجح آخر(والسهم الثمن) (3) لحسنة
______________________________________________________
- فقال عليه السلام : واحد من سبعة ، إن الله تعالى يقول : لها سبعة أبواب لكل باب منهم جزء مقسوم) (1) ، وصحيح إسماعيل بن حمام الكندي عن أبي الحسن الرضا عليه السلام (في رجل أوصى بجزء من ماله فقال : الجزء من سبعة ، إن الله يقول : لها سبعة أبواب) إلى آخره (2).
وعن الصدوقين والشيخ في كتابي الأخبار والعلامة في المختلف وولده والشهيد في الدروس واللمعة هنا والمحقق الثاني أنه العشر لأخبار ادعي تواترها.
منها : صحيح عبد الله بن سنان (أن امرأة أوصت إليّ وقالت : ثلثي يقضى به ديني ، وجزء منه لفلانة ، فسألت عن ذلك ابن أبي ليلى ، فقال : ما أدري ما الجزء ، فسألت أبا عبد الله عليه السلام عن ذلك فقال : كذب ابن أبي ليلى ، لها عشر الثلث ، إن الله عزوجل أمر إبراهيم عليه السلام فقال : اجعل على كل جبل منهن جزءا ، وكانت الجبال يومئذ عشرة ، فالجزء هو العشر من الشي ء) (3) ، ومثله حسنة أبان بن تغلب (4).
(1) لأن الأصل عدم إخراج الزائد المشكوك ، والزائد هو في السبع.
(2) وهذا كاشف عن أن السابق هو عشر التركة بتمامها.
(3) لو أوصى بالسهم من التركة كان الموصى به هو الثمن على المشهور للأخبار.
منها : صحيح البزنطي (سألت أبا الحسن عليه السلام عن رجل أوصى بسهم من ماله ، فقال : السهم واحد من ثمانية ، ثم قرأ : إنما الصدقات) (4) ، ومثله حسنة صفوان عن الرضا عليه السلام 5 ، وموثق السكوني عن أبي عبد الله عليه السلام (6). وعن الصدوق والشيخ وابن زهرة أنه السدس لما روي عن ابن مسعود (أن رجلا أوصى لرجل بسهم من المال فأعطاه النبي صلى الله عليه وآله وسلم السدس) (7) ، وما قيل عن أياس بن معاوية : (إن السهم في لغة العرب السدس) (8) ، والجميع لا يصلح لمعارضة ما تقدم. -
ص: 38
صفوان عن الرضا عليه السلام ، ومثله روى السكوني عن الصادق عليه السلام معللا بآية أصناف الزكاة الثمانية ، وأن النبي صلى الله عليه وآله وسلم قسمها على ثمانية أسهم.
ولا يخفى أن هذه التعليلات لا تصلح للعلية ، وإنما ذكروها عليه السلام على وجه التقريب ، والتمثيل.
وقيل : السهم العشر استنادا إلى رواية ضعيفة.
وقيل : السدس لما روي عن النبي صلى الله عليه وآله وسلم أنّه أعطاه لرجل أوصي له بسهم.
وقيل : إن في كلام العرب أن السهم سدس ، ولم يثبت.
(والشي ء السدس) (1) ولا نعلم فيه خلافا.
وقيل : إنه إجماع ، وبه نصوص غير معللة.
(و) حيث لم يشترط في الموصى به كونه موجودا بالفعل (2) (تصح الوصية بما ستحمله الأمة ، أو الشجرة) إما دائما ، أو في وقت مخصوص كالسنة المستقبلة ، (وبالمنفعة) كسكنى الدار مدة معينة ، أو دائما. ومنفعة العبد كذلك (3) ، وشبهه (4) وإن استوعبت قيمة العين.
______________________________________________________
- نعم ورد خبر طلحة بن زيد عن أبي عبد الله عليه السلام (من أوصى بسهم من ماله فهو سهم من عشرة) (1) ، ولا قائل به ، ونسبه الشيخ إلى توهم الراوي وأنه سمعه من أوصى بجزء من ماله فظنه بالسهم أو أنه ظن أن السهم والجزء بمعنى واحد.
(1) لو أوصى بالشي ء من ماله كان هو السدس بلا خلاف ، فيه لخبر أبان عن علي بن الحسين عليه السلام (عن رجل أوصى بشي ء من ماله ، فقال عليه السلام : الشي ء في كتاب علي عليه السلام واحد من ستة) (2) ، ومثله غيره.
(2) قد تقدم الكلام.
(3) أي مدة معينة أو دائما.
(4) أي شبه العبد كالدابة.
ص: 39
(ولا تصح الوصية بما لا يقبل النقل (1) ، كحق القصاص ، وحدّ القذف ، والشفعة) فإن الغرض من الأول (2) تشفي الوارث باستيفائه فلا يتم الغرض بنقله إلى غيره ، ومثله حد القذف ، والتعزير للشتم ، وأما الشفعة فالغرض منها دفع الضرر عن الشريك بالشركة ، ولا حظ للموصى له في ذلك (3). نعم لو أوصي له بالشقص (4) والخيار (5) معا ، لم تبعد الصحة ، لأن الوصية بالمال والخيار تابع ، ونفعه ظاهر مقصود ، وكذا غيرها (6) من الخيار.
(وتصح) الوصية(بأحد الكلاب الأربعة) (7) ، والجرو القابل للتعليم ، لكونها مالا مقصودا ، (لا بالخنزير ، وكلب الهراش) ، لانتفاء المالية فيهما. ومثله طبل اللهو (8) الذي لا يقبل التغيير عن الصفة المحرمة مع بقاء المالية.
(ويشترط في الزائد عن الثلث إجازة الوارث) (9) ، ....
______________________________________________________
(1) وهو القسمان الأولان من أقسام الحقوق وقد تقدم الكلام في ذلك.
(2) أي حق القصاص.
(3) لأنه ليس شريكا.
(4) أي الجزء المشاع.
(5) أي خيار الشفعة.
(6) أي غير الشفعة فينقل إلى الموصى له تبعا للموصى به.
(7) وهي كلب الصيد والماشية والحائط والزرع ، لما تقدم في كتاب البيع من جواز بيعها لمالها من ماليّة ، وكذا الجرو القابل للتعليم.
نعم لا يجوز الوصية بالكلب الذي لا يجوز اقتناؤه والذي لا مالية له وهو كلب الهراش وهو غير الأربعة المتقدمة.
(8) فإنه من الأمور التي يحرم بيعها وشراؤها لحرمة ما يترتب عليه كما تقدم في كتاب البيع ، غايته إن أمكن تغييره عن الصفة المحرمة مع بقاء ماليته فتصح الوصية به ولكن يجب تغييره حينئذ.
(9) الوصية نافذة في الثلث على كل حال ، بلا خلاف فيه ، ولو زادت على الثلث وأجاز الوارث فكذلك بلا خلاف فيه للأخبار.
منها : خبر محمد بن مسلم عن أبي جعفر عليه السلام (في رجل أوصى بأكثر من الثلث وأعتق ممالكيه في مرضه فقال عليه السلام : إن كان أكثر من الثلث ردّ إلى الثلث وجاز -
ص: 40
وإلا بطل (1) ، (وتكفي) الإجازة(حال حياة الموصي) (2) وإن لم يكن الوارث مالكا
______________________________________________________
- العتق) (1) ، وخبر حمران عنه عليه السلام (في رجل أوصى عند موته وقال : اعتق فلانا وفلانا حتى ذكر خمسة ، فنظر في ثلثه فلم يبلغ ثلثه أثمان قيمة المماليك الخمسة الذين أمر بعتقهم ، قال عليه السلام : ينظر إلى الذين سماهم وبدأ بعتقهم فيقوّمون وينظر إلي ثلثه فيعتق منه أول شي ء ذكر ، ثم الثاني والثالث ثم الرابع ثم الخامس ، فإن عجز الثلث كان في الذين سمّى أخيرا ، لأنه أعتق بعد مبلغ الثلث ما لا يملك ، فلا يجوز له ذلك) (2).
وعن علي بن بابويه نفوذ الوصية من دون توقف على إجازة الوارث وإن زادت على الثلث لموثق عمار عن أبي عبد الله عليه السلام (الرجل أحق بما له ما دام فيه الروح ، إن أوصى به كله فهو جائز) (3) وخبر محمد بن عبدوس (أوصى رجل بتركته ، متاع وغير ذلك ، لأبي محمد عليه السلام ، فكتب إليه : رجل أوصى إليّ بجميع ما خلّف لك ، وخلّف ابنتي أخت له ، فرأيك في ذلك؟ فكتب عليه السلام إليّ : بع ما خلّف وابعث به إليّ ، وبعثت به إليه فكتب عليه السلام إليّ : قد وصل) (4) ، ولكنه لا يصلح لمعارضة ما تقدم لأنه أكثر عددا وأصح سندا فلا بد من الإعراض عنه أو حمله على ما لا ينافي مضمون الطائفة الأولى.
(1) أي الزائد.
(2) لا إشكال في صحة الوصية بما زاد لو أجاز الوارث بعد وفاة الموصي ، ويشهد به صحيح أحمد بن محمد (كتب أحمد بن إسحاق إلى أبي الحسن عليه السلام : إن درة بنت مقاتل توفيت وتركت ضيعة أشقاصا في مواضع ، وأوصت لسيدنا في أشقاصها بما يبلغ أكثر من الثلث ، ونحن أوصياؤها وأحببنا إنهاء ذلك إلى سيدنا ، فإن أمرنا بإمضاء الوصية على وجهها أمضيناها ، وإن أمرنا بغير ذلك انتهينا إلى أمره في جميع ما يأمر به إن شاء الله ، فكتب عليه السلام بخطه : ليس يجب لها في تركتها إلا الثلث ، وإن تفضلتم وكنتم الورثة كان جائزا لكم إن شاء الله) (5).
ثم لو أجاز الوارث فليس له الرجوع ، لأن الوصية قد نفذت بالإجازة ، فبطلانها بالرجوع محتاج إلى دليل وهو مفقود.
وأما إذا أجاز الوارث في حياة الموصي ففي نفوذها قولان ، فعن المشهور النفوذ للأخبار : -
ص: 41
الآن ، لتعلق حقه (1) بالمال ، وإلا لم يمنع (2) من التصرف فيه (3) ، ولصحيحة منصور بن حازم ، وحسنة محمد بن مسلم عن الصادق عليه السلام.
وقيل : لا تعتبر إلا بعد وفاته ، لعدم استحقاق الوارث المال حينئذ (4) وقد عرفت جوابه.
ولا فرق بين وصية الصحيح والمريض في ذلك (5) ، لاشتراكهما (6) في الحجر بالنسبة إلى (7) ما بعد الوفاة ، ولو كان التصرف منجزا (8) افترقا (9).
______________________________________________________
- منها : صحيح محمد بن مسلم عن أبي عبد الله عليه السلام (في رجل أوصى بوصية ، وورثته شهود فأجازوا ذلك ، فلما مات الرجل نقضوا الوصية ، هل لهم أن يردوا ما أقروا به؟ فقال عليه السلام : ليس لهم ذلك والوصية جائزة عليهم إذا أقروا بها في حياته) (1) ، ومثله صحيح منصور بن حازم (2) وعن المفيد وابن إدريس أنه لا عبرة بالإجازة حال الحياة لعدم استحقاق الوارث المال قبل الوفاة فيلغو إذنه كرده ، وفيه : إن الوارث قد تعلق حقه بالمال حال حياة الموصي بدليل منع الموصي من التصرف في المال إذا كان مريضا وكان مرضه متصلا بالموت.
ولذا ذهب بعضهم ولم يعرف أن الإجازة من الوارث حال مرض الموصي نافذة ، وأما في حال صحته فلا تصح ، والأخير هو الموافق للقواعد لو لا النصوص المتقدمة التي لا بد من العمل بها.
(1) حق الوارث.
(2) أي الموصي إذا كان مريضا.
(3) في المال.
(4) حين الحياة.
(5) أي في اشتراط إجازة الوارث فيما زاد على الثلث.
(6) أي اشتراك الصحيح والمريض.
(7) أي إلى التصرف فيما زاد عن الثلث ، وكان التصرف بعد الوفاة.
(8) أي في حال الحياة.
(9) أي افتراق الصحيح عن المريض ، فالصحيح له مطلق التصرف في ماله ، والمريض ليس له التصرف إلا في ثلث ماله فقط.
ص: 42
ويعتبر في المجيز جواز التصرف فلا عبرة بإجازة الصبي ، والمجنون (1) ، والسفيه (2) ، أما المفلس فإن كانت اجازته حال الحياة نفذت إذ لا ملك له حينئذ (3) ، وإنما إجازته تنفيذ لتصرف الموصي ، ولو كان بعد الموت ففي صحتها وجهان ، مبناهما على أن التركة هل تنتقل إلى الوارث بالموت وبالإجازة تنتقل عنه (4) إلى الموصى له ، أم تكون الإجازة كاشفة عن سبق ملكه (5) من حين الموت ، فعلى الأول لا تنفذ (6) ، لتعلق حق الغرماء بالتركة قبل الإجازة ، وعلى الثاني يحتمل الأمرين (7). وإن كان النفوذ أوجه.
(والمعتبر بالتركة) بالنظر إلى مقدارها ليعتبر ثلثها(حين الوفاة) (8) لا حين
______________________________________________________
(1) لسلب عبارة الصبي والمجنون شرعا لحديث رفع القلم (1).
(2) لأنه محجور عليه كما تقدم في كتاب الحجر.
(3) أي حين حياة الموصي ، إذ لا يملك الوارث شيئا من الارث في حياة المورّث وهذا لا ينافي ما تقدم من تعلق حق الوارث بالمال ، لأن التعلق لا ينافي عدم الملك.
(4) عن الوارث.
(5) أي ملك الموصى له من حين موت الموصي.
(6) أي لا تنفذ إجازة الوارث المحجور عليه بالتفليس.
(7) من النفوذ وعدمه ، أما النفوذ فلأن الإجازة كاشفة عن سبق ملك الموصى له من حين الموت فلم تكن الإجازة تصرفا فيما يتعلق بنفسه وهو محجور ، وأما عدم النفوذ فلأن الإجازة تدل على ملكيته ظاهرا فلا تنفذ إجازته لتعلق حق الغرماء قبل الإجازة.
(8) يعتبر الثلث وقت الوفاة لا وقت الوصية ، فلو أوصى بشي ء وكان موسرا في حال الوصية ثم افتقر عند الوفاة أو العكس فالمدار على ما عرفت بلا خلاف فيه ، واعتبار الثلث عند الوفاة لأنه وقت تعلق الوصية بالمال وعن ثاني المحققين والشهيدين أنه يتم بغير إشكال لو كانت الوصية بمقدار معين كمائة دينار أو بشي ء معين ، أما لو كانت الوصية بجزء مشاع وكانت التركة حال الوفاة أزيد منها حال الوصية لأشكل الأمر لعدم العلم بإرادة الموصي للزيادة المتجددة ، ولشهادة الحال بأن الموصي لا يريد ثلث المتجدد حيث لا يكون متوقعا غالبا خصوصا في الزائد الفاحش ، ولأصالة عدم التعلق وهو مدفوع بأن المفهوم عرفا من الوصية بالثلث هو الثلث حين الموت الذي هو زمن الانتقال -
ص: 43
الوصية ، ولا ما بينهما ، لأنه وقت تعلق الوصية بالمال(فلو قتل فأخذت ديته حسبت) الدية(من تركته) واعتبر ثلثها ، لثبوتها بالوفاة ، وإن لم تكن عند الوصية.
وهذا إنما يتم بغير إشكال لو كانت الوصية بمقدار معين كمائة دينار مثلا ، أو كانت بجزء من التركة مشاع كالثلث وكانت التركة (1) حين الوصية أزيد منها حين الوفاة ، أما لو انعكس (2) أشكل اعتبارها عند الوفاة مع عدم العلم بإرادة الموصي للزيادة المتجددة ، لأصالة عدم التعلق ، وشهادة الحال بأن الموصي لا يريد ثلث المتجدد حيث لا يكون تجدده متوقعا غالبا ، خصوصا مع زيادته كثيرا.
وينبغي على ما ذكر (3) اعتبارها (4) بعد الموت أيضا ، إذ قد يتجدد للميت مال بعد الموت كالدية إذا ثبتت صلحا (5) ، وقد يتجدد تلف بعض التركة قبل قبض الوارث فلا يكون محسوبا عليه (6).
______________________________________________________
- إلى الموصى له ، ويشهد له بأن الموصي لو قتل أو جرح على نحو الخطأ كانت الوصية من ثلث التركة والدية والأرش ، مع أن الدية والأرش من المال المتجدد بعد الوفاة كما في صحيح محمد بن قيس عن أبي عبد الله عليه السلام (رجل أوصى لرجل بوصية من ماله ثلث أو ربع فقتل الرجل خطأ - يعني الموصي - فقال عليه السلام : يجاز لهذه الوصية من ماله وديته) (1) ، وخبر السكوني عن أبي عبد الله عليه السلام (قال أمير المؤمنين عليه السلام : من أوصى بثلثه ثم قتل خطأ ، فإن ثلث ديته داخل في وصيته) (2) ، ومثله غيره.
(1) قيد للأخير فقط.
(2) بأن كانت التركة حال الوصية أقل منها حين الوفاة وكان الموصى به جزءا مشاعا كالثلث.
(3) من اعتبار التركة حين الوفاة لأصالة الوصية.
(4) اعتبار التركة.
(5) وهو الدية على دم العمد.
(6) أي على الوارث فالثلث يخرج من التركة بعد تلف بعضها بحيث لا يكون التلف من الوارث بل يكون على الجميع.
ص: 44
والأقوى (1) اعتبار أقل الأمرين من حين الوفاة إلى حين القبض (2).
(ولو أوصى بما يقع اسمه على المحرّم والمحلّل ، صرف إلى المحلّل) (3) حملا لتصرف المسلم على الصحيح(كالعود) وله عود لهو ، وعيدان قسيّ (4) ، وعيدان عصيّ ، وعيدان السقف ، والبنيان ، (والطبل) وله طبل لهو ، وطبل حرب ، ثم إن اتحد المحلّل حمل عليه ، وإن تعدد تخيّر الوارث في تعيين ما شاء ، وإن لم يكن له إلا المحرم (5) بطلت الوصية إن لم يمكن إزالة الوصف المحرّم مع بقاء ماليته ، وإلا صحت وحوّل إلى المحلل.
(ويتخير الوارث في المتواطي) (6) وهو المقول على معنى يشترك فيه كثير(كالعبد ، وفي المشترك) (7)
______________________________________________________
(1) بناء على ما استتشكله الشارح.
(2) أي قبض الوارث ، فما زاد على التركة كالدية غير معلوم أن الموصي قد أراده بل شاهد الحال قاض بعدم دخوله ولأصالة عدم التعلق ، وأما ما نقص من التركة كالتلف فهو تلف من أصل المال وفيه : إنه على خلاف النصوص المتقدّمة فهو اجتهاد في قبالها وهو غير مسموع.
(3) لو أوصى بما يقع اسمه على المحلّل والمحرم كالعود ، للاشتراك اللفظي أو المعنوي ، انصرف إلى المحلّل حملا لفعل المسلم على الصحة.
(4) جمع قوس ، هذا وقد أفرد عود اللهو وجمع ما بعده لأن الغالب وحدة عود اللهو عند المالك وتعدد عيدان غيره.
(5) وهو عود اللهو فقيل : تبطل الوصية لأنها بغير المشروع ، وقيل : تصح ويزال عنه الصفة المحرمة لإطلاق أدلة الوصية ، وكونه على صفة محرمة لا يخرجه عن الملكية ما دام قابلا لنزع هذه الصفة عنه ، نعم لو توقف زوالها على كسره المخرج له عن اسم العود اتجه البطلان كما في الجواهر لعدم إمكان إنفاذ الوصية على وجهها ، وعن غيره لو توقف زوالها على كسره المخرج له عن المالية اتجه البطلان.
(6) وهو الصادق على إفراد كثيرة متساوية كالعبد يتخير الوارث في أيّ شاء ، لأن الوصية به وصية بالماهية الكلية وخصوصيات الأفراد غير مقصودة إلا تبعا ، فيتخير الوارث في أي فرد لوجود متعلق الوصية في جميع الأفراد.
(7) وهو الموضوع بوضعين أو أكثر لأكثر من معنى ، وقد صرّح أكثر من واحد بإلحاقه بالمتواطئ لإرادة معنى واحد منه وهو منطبق على معانيه المتعددة فيتخير الوارث ، وهذا -
ص: 45
وهو المقول على معنيين فصاعدا بالوضع الأول (1) من حيث هو كذلك(كالقوس) (2) ، لأن الوصية بالمتواطئ وصية بالماهية الصادقة بكل فرد من الأفراد كالعبد ، لأن مدلول اللفظ فيه هو الماهية الكلية. وخصوصيات الأفراد غير مقصودة إلا تبعا ، فيتخير الوارث في تعيين أي فرد شاء ، لوجود متعلق الوصية في جميع الأفراد.
وكذا المشترك ، لأن متعلق الوصية فيه هو الاسم ، وهو صادق (3) على ما تحته من المعاني حقيقة فتحصل البراءة بكل واحد منها.
وربما احتمل هنا (4) القرعة ، لأنه (5) أمر مشكل (6) ، إذ الموصى به ليس كل واحد ، لأن اللفظ لا يصلح له (7) ، وإنما المراد واحد غير معين فيتوصل إليه بالقرعة.
______________________________________________________
- يتم بناء على كون استعماله على نحو عموم الاشتراك ، أما لو أريد به معنى معيّن من معانيه فلا بد من القرعة لأنها لكل أمر مشكل كما سيأتي في محله ولذا ذهب بعضهم إلى القرعة بناء على ذلك ، نعم ذهب الشارح وغيره أنه يتخير الوارث من دون قرعة بناء على أن معنى المشترك منطبق على أي واحد من معانيه حقيقة على نحو البدلية ، وفيه : إن معنى المشترك المراد من الموصي لا ينطبق إلا على واحد منها وهو غير معيّن فلا بد من القرعة.
(1) احتراز عن المجاز ، لأن المجاز عند المتقدمين موضوع بوضع ثانوي على ما حرر في علم الأصول.
(2) قال في المسالك : (اسم القوس يطلق على العربية وهي التي يرمى بها النبل ، وهي السهام العربية ، وعلى الفارسية وهي التي يرمى بها سهام النشاب ، وعلى القسي التي لها مجرى ينفذ فيها السهام الصغار وتسمى الحسبان ، وعلى الجلاهق وهي ما يرمى به البندق ، وعلى قوس الندف) انتهى.
(3) على نحو البدلية.
(4) في المشترك اللفظي.
(5) أي المشترك.
(6) والقرعة لكل أمر مشكل ، بحيث يكون معيّنا واقعا ومشكلا ظاهرا.
(7) أي لكل واحد.
ص: 46
ويضعف بأنها لبيان ما هو معين في نفس الأمر مشكل ظاهرا ، وليس هنا كذلك فإن الإبهام حاصل عند الموصي (1) ، وعندنا ، وفي نفس الأمر (2) فيتخير الوارث ، وسيأتي في هذا الاشكال بحث.
(والجمع (3) يحمل على الثلاثة) جمع(قلة كان كاعبد ، أو كثرة كالعبيد) لتطابق اللغة ، والعرف العام على اشتراط مطلق الجمع في اطلاقه على الثلاثة فصاعدا.
والفرق بحمل جمع الكثرة على ما فوق العشرة اصطلاح خاص لا يستعمله أهل المحاورات العرفية ، والاستعمالات العامية فلا يحمل اطلاقهم عليه (4).
ولا فرق في ذلك (5) بين تعيين الموصي قدرا من المال يصلح لعتق العبيد بما يوافق جمع الكثرة لو اقتصر على الخسيس من ذلك الجنس ، وعدمه (6) فيتخير بين شراء النفيس المطابق لأقل الجمع فصاعدا ، وشراء الخسيس الزائد (7) المطابق لجمع الكثرة حيث يعتبر بها.
(ولو أوصى بمنافع العبد دائما (8) ، أو بثمرة البستان دائما قومت المنفعة على)
______________________________________________________
(1) لا إبهام عند الموصي ، لأنه قد أراد واحدا منها.
(2) لا إبهام في نفس الأمر ما دام قد أراد الموصي واحدا منها.
(3) لو أوصي بجمع فإنه يحمل على ثلاثة كما هو العرف ، بلا فرق بين جموع القلة وجموع الكثرة ، والفارق اللغوي بينها بحمل الأول على ما دون العشرة والثاني على العشرة ما فوقها لا يضرّ هنا ما دام الموصي من أهل العرف وقد أراد مخاطبتهم بالوصية فلا بدّ من حمل كلامه على العرفي دون اللغوي.
(4) على الاصطلاح الخاص.
(5) بحمل الجمع على الثلاثة.
(6) عدم تعيين الموصي قدرا من المال يصلح لما ذكر.
(7) أي الزائد عن أقل الجمع.
(8) قد تقدم جواز الوصية بمنافع العين دائما أو في مدة معينة ، وقد يشكل بأن هذه المنافع ليست من تركة الميت ولا من أملاكه ، بل هي نماء التركة التي تملكها الوارث بالموت ، فتكون له فكيف جاز للمورّث أن يوصي بها بعد وفاته ، وهو مردود بأن هذه المنافع تكون للوارث لو لم يوصي بها الميت وإلا فمع الوصية فهي ليست للوارث وبيانه أن -
ص: 47
(الموصى له ، والرقبة على الوارث إن فرض لها (1) قيمة (2)) كما يتفق في العبد لصحة عتق الوارث له ولو عن الكفارة ، وفي البستان بانكسار جذع ونحوه ،
______________________________________________________
- المورّث في زمن حياته له التسلط على أمواله ويجوز له أن يصنع بها ما شاء ، ومن جملته إجارة أعيان أمواله مدة من الزمن تزيد على عمره ، وبهذا الاعتبار جاز له أن يوصي بمنافع أمواله بعد وفاته لمن شاء بشرط الخروج من الثلث.
ثم إن الغرض من التعرض للمسألة ثانيا هو معرفة كيفية احتساب المنفعة المؤبدة أو المنقطعة من الثلث ، فإن كانت المنفعة الموصى بها منقطعة فأمرها سهل إذ تقوّم العين مسلوبة المنفعة تلك المدة ، وتقوّم العين بجميع منافعها مطلقا ، وينظر إلى التفاوت ويخرج من الثلث ، فلو أوصى بمنفعة العبد عشر سنين ، قوّم العبد بجميع منافعه ثم يقوّم مسلوب المنفعة تلك المدة ، فلو كانت قيمته مائة على الأول ، وخمسين على الثاني ، فالتفاوت خمسون ، وهو الذي يخرج من الثلث ، بمعنى أنه يعتبر أن يكون بيد الوارث مائة منها رقبة العبد مع أن الرقبة قيمتها خمسون كما في المثال.
وإن كانت المنفعة الموصى بها مؤبدة فللأصحاب طرق ثلاثة في ذلك :
الأول : تقويم العين بمنافعها ، وخروج مجموع القيمة من الثلث ، لعدم قيمة للعين حال كونها مسلوبة المنفعة وفيه : إنه مبني على عدم القيمة للعين حينئذ ، مع أنها تبقى لها منفعة تعود للوارث كالعتق في العبد وأكل اللحم في الشاة لو أشرفت على الموت فذبحت ونحو ذلك.
الثاني : تقويم العين مسلوبة المنافع الموصى بها وإن قلّت قيمتها ، وتقويمها غير مسلوبة وينظر إلى التفاوت ، ويخرج من الثلث ، لكون العين للوارث له بعض المنافع فيها من حيث الملك ، وبذلك تكون ذا قيمة فلا معنى لاحتسابها من الثلث ، ثم ما دامت الرقبة للوارث فيقدر على الانتفاع بها كالعتق ، وهو غرض كثير متقوم بالمال ، ويمكن الانتفاع بها كما لو أوصى بثمرة البستان فانكسرت أشجاره ويبست فيجوز للوارث استعمالها حطبا أو خشبا لخروجها عن الثمرة وهكذا.
الثالث : أن تحسب قيمة المنفعة من الثلث ولا تحتسب قيمة الرقبة على أحد من الوارث ولا الموصى له ، أما الموصى له فلأنها ليست له ، وأما الوارث فللحيلولة بينه وبينها ، وفيه : إن الحيلولة مانعة عن الانتفاع بالمنافع وليست مانعة عن الانتفاع بالرقبة من حيث الملك.
(1) للرقبة.
(2) بأن يفرض للعين منافع غير منافع الموصى بها.
ص: 48
فيستحقه الوارث حطبا ، أو خشبا ، لأنه ليس بثمرة ، ولو لم يكن للرقبة نفع البتة (1) قومت العين أجمع على الموصى له.
وطريق خروجها (2) ، من الثلث حيث يعتبر منه (3) يستفاد من ذلك (4) فتقوّم العين بمنافعها مطلقا (5) ثم تقوّم مسلوبة المنافع الموصى بها فالتفاوت هو الموصى به (6) ، فإن لم يكن تفاوت فالمخرج من الثلث جميع القيمة (7). ومنه (8) يعلم حكم ما لو كانت المنفعة مخصوصة بوقت.
(ولو أوصى بعتق مملوكه وعليه دين قدم الدين) (9) من أصل المال الذي من
______________________________________________________
(1) ولا يمكن تصوره في العبد ، بل لا بد من فرضه في غير العبد.
(2) أي خروج المنفعة الدائمة أو المنقطعة.
(3) من الثلث.
(4) أي من الوجهين السابقين بحيث إن كانت العين مسلوبة المنفعة ذات قيمة كانت المنفعة للموصى له والرقبة للوارث ، وإن لم تكن العين مسلوبة المنفعة ذات قيمة كانت العين مع منافعها للموصى له وتخرج من الثلث ، ولم يذكر الوجه الأخير لضعفه.
(5) أي سواء كانت المنافع هي الموصى بها أم غير موصى بها ، والثاني على فرض كون الوصية ببعض المنافع فقط.
(6) وهو الذي يخرج من الثلث.
(7) أي قيمة العين مع منافعها.
(8) أي ومما تقدم في المنفعة المؤبدة.
(9) لو أوصى بعتق مملوكه ولم يكن له سواه وكان عليه دين يحيط بقيمته بطلت الوصية ، وبيع المملوك في الدين ، وإن لم يكن محيطا بالقيمة بل كانت قيمة المملوك التي هي التركة أكثر من الدين ، فعن المحقق وجماعة أنه يبدأ بالدين ، ثم يعتق من العبد بمقدار ثلث الباقي ، وإن قلّ هذا الباقي ، ثم يسري العتق في الجميع ، ويسعى العبد للورثة والديّان في باقي قيمته ، لأن العتق قد تعلقت به الوصية فيخرج من الثلث ، والمعتبر هو الثلث مما يبقى من التركة بعد الدين على تقدير وجوده ، وهذا ما تقتضيه القواعد.
وعن الشيخين وابن البراج أنه إذا كانت قيمة العبد بقدر الدين مرتين أعتق المملوك ويسعى في خمسة أسداس قيمته ، وإن كانت القيمة أقل من الدين بمقدار مرتين بطلت الوصية بعتقه لما تسمعه من النصوص الواردة في التنجيز ، وهو المسألة الآتية.
ص: 49
جملته المملوك ، (وعتق من الفاضل) (1) عن الدين من جميع التركة(ثلثه) (2) إن لم يزد على المملوك (3) ، فلو لم يملك سواه (4) بطل منه (5) فيما قابل الدين وعتق ثلث الفاضل إن لم يجز الوارث.
ولا فرق بين كون قيمة العبد ضعف الدين وأقل على أصح القولين.
وقيل : تبطل الوصية مع نقصان قيمته عن ضعف الدين.
(ولو نجّز عتقه) في مرضه (6) (فإن كانت قيمته ضعف الدين صح العتق)
______________________________________________________
(1) أي فاضل التركة.
(2) أي ثلث المملوك.
(3) أي لم يزد الفاضل على المملوك ، وإلا فلو زاد الفاضل بحيث يفي ثلثه بكل مملوك عتق كله حينئذ.
(4) أي سوى العبد.
(5) من العبد.
(6) التنجيز هنا هو التبرع بعمل في مرض الموت وعليه فلو أعتق المولى عبده وهو في مرض الموت ، ولم يكن له سواه وكان عليه دين كان فيه الخلاف المتقدم فيما لو أوصى بعتقه ولم يكن له سواه وعليه دين ، واتحاد المسألتين ناشئ من كون تصرف المريض حال الموت كتصرف الموصي غير نافذ إلا في الثلث ما لم يجز الوارث ، غايته قد تقدم دليل القول الأول ، ومستند الثاني صحيح عبد الرحمن بن الحجاج (قال : سألني أبو عبد الله عليه السلام : هل يختلف ابن أبي ليلى وابن شبرمة؟ فقلت : بلغني أنه مات مولى لعيسى بن موسى وترك عليه دينا كثيرا وترك مماليك يحيط دينه بأثمانهم فأعتقهم عند الموت ، فسألهما عيسى بن موسى عن ذلك ، فقال ابن شبرمة : أرى أن تستسعيهم في قيمتهم فتدفعها إلى الغرماء ، فإنه قد أعتقهم عند موته ، وقال ابن أبي ليلى : أرى أن أبيعهم وأدفع أثمانهم إلى الغرماء ، فإنه ليس له أن يعتقهم عند موته وعليه دين يحيط بهم ، وهذا أهل الحجاز اليوم يعتق الرجل عبده وعليه دين كثير فلا يجيزون عتقه إذا كان عليه دين كثير ، فرفع ابن شبرمة يده إلى السماء فقال : سبحان الله يا ابن أبي ليلى متى قلت هذا القول؟ والله ما قلت إلا طلب خلافي.
فقال أبو عبد الله عليه السلام : وعن رأي أيهما صدر؟ قلت : بلغني أنه أخذ برأي ابن أبي ليلى ، وكان له في ذلك هوى فباعهم وقضى دينه.
قال عليه السلام : فمع أيهما من قبلكم؟ قلت له : مع ابن شبرمة ، وقد رجع ابن أبي ليلى إلى -
ص: 50
فيه أجمع(وسعى في قيمة نصفه للديان (1) ،)
______________________________________________________
- رأي ابن شبرمة بعد ذلك ، فقال عليه السلام : أما والله إن الحق لفي الذي قال ابن أبي ليلى ، وإن كان قد رجع عنه ، فقلت له : هذا منكسر عندهم في القياس ، فقال عليه السلام : هات قايسني ، فقلت : أنا أقايسك؟ فقال عليه السلام : لتقولنّ بأشد ما يدخل فيه من القياس ، فقلت له : رجل ترك عبدا ولم يترك مالا غيره ، وقيمة العبد ستمائة درهم ودينه خمسمائة درهم فأعتقه عند الموت كيف يصنع؟ قال عليه السلام : يباع العبد فيأخذ الغرماء خمسمائة درهم ويأخذ الورثة مائة درهم ، فقلت : أليس قد بقي من قيمة العبد مائة درهم من دينه ، فقال عليه السلام : بلى ، قلت : أليس للرجل ثلثه يصنع به ما شاء؟ قال عليه السلام : بلى ، قلت : أليس قد أوصى للعبد بالثلث من المائة حين أعتقه؟ فقال عليه السلام : إن العبد لا وصية له إنما أمواله لمواليه ، فقلت له : فإن كان قيمة العبد ستمائة درهم ودينه أربعمائة؟ فقال عليه السلام : كذلك يباع العبد فيأخذ الغرماء أربعمائة درهم ويأخذ الورثة مائتين ، ولا يكون للعبد شي ء ، قلت له : كان قيمة العبد ستمائة درهم ودينه ثلاثمائة درهم فضحك وقال : من هاهنا أتي أصحابك ، جعلوا الأشياء شيئا واحدا ، ولم يعلموا السنة ، إذا استوى مال الغرماء ومال الورثة ، أو كان مال الورثة أكثر من مال الغرماء ولم يتهم الرجل على وصيته وأجيزت وصيته على وجهها ، فالآن يوقف هذا فيكون نصفه للغرماء ، ويكون ثلثه للورثة ويكون له السدس) (1).
وصحيح زرارة عن أحدهما عليه السلام (في رجل أعتق مملوكه عند موته وعليه دين فقال : إن كان قيمته مثل الذي عليه ومثله جاز عتقه ، وإلا لم يجز) (2) وفي صحيح آخر (إذا ملك المملوك سدسه استسعى) (3) ، إلى غير ذلك من النصوص الجامعة لشرائط الحجية من حيث السند فلا بدّ من تخصيص تلك القواعد بها ، ودعوى إعراض الأصحاب عنها عهدتها على مدعيها.
بل هي على ما تقتضيه القواعد ، لأن الموصي إن لم يترك إلا عبدا وكان عليه دين ، وكانت قيمته بمقدار ضعف الدين ، كان نصف العبد للغرماء ، والنصف الآخر تركة ، والموصي يملك ثلث التركة بعد الدين وهو السدس هنا ، فلو كانت قيمة العبد بمقدار الضعف فتنفذ وصية الموصي في السدس عند عدم إجازة الوارث ، وهذا ما صرحت به الأخبار المتقدمة.
(1) والمعنى ينعتق سدسه الذي هو ثلث الباقي هو إخراج الدين من قيمة العبد الذي هو تمام -
ص: 51
(وفي ثلثه (1)) الذي هو ثلثا النصف الباقي عن الدين(للوارث) ، لأن النصف الباقي (2) هو مجموع التركة بعد الدين ، فيعتق ثلثه (3) ويكون ثلثاه (4) للورثة ، وهو ثلث مجموعه (5). وهذا مما لا خلاف فيه ، وإنما الخلاف فيما لو نقصت قيمته عن ضعف الدين ، فقد ذهب الشيخ وجماعة إلى بطلان العتق حينئذ (6) استنادا إلى صحيحة عبد الرحمن بن الحجاج عن الصادق عليه السلام. ويفهم من المصنف هنا الميل إليه ، حيث شرط في صحة العتق كون قيمته ضعف الدين ، إلا أنه لم يصرح بالشق الآخر (7).
والأقوى أنه (8) كالأول (9) ، فينعتق منه بمقدار ثلث ما يبقى من قيمته فاضلا عن الدين ، ويسعى للدّيان بمقدار دينه ، وللورثة بضعف (10) ما عتق منه مطلقا (11) فإذا أدّاه (12) عتق أجمع. والرواية المذكورة مع مخالفتها للأصول معارضة بما يدل على المطلوب وهو حسنة الحلبي (13) عنه عليه السلام.
______________________________________________________
- التركة ، ثم يسري العتق في الجميع ويسعى العبد للديّان والورثة ، فيسعى بثلاثة أسداسه للديان ، وسدسين للورثة.
(1) أي ثلث العبد الذي هو سدسا العبد.
(2) وهو ثلاثة أسداس.
(3) أي ثلث النصف الباقي الذي هو السدس ، لأن المريض ينفذ تصرفه في ثلث تركته عند عدم إجازة الوارث وكذلك الموصي.
(4) أي ثلثا النصف الباقي وهو السدسان.
(5) أي مجموع قيمة العبد.
(6) حين النقصان.
(7) وهو فيما لو نقصت قيمته عن ضعف الدين وأن العتق باطل.
(8) أي الشق الآخر.
(9) أي كما لو كانت قيمته ضعف الدين وأنه لا يبطل العتق.
(10) لأن ما بقي من التركة بعد الدين ثلثاه للورثة وثلثه للمورث تنفذ فيه وصاياه ومنجزاته عند عدم إجازة الوارث ، وما كان للمورث يصح فيه العتق لو أوصى به أو نجزّه.
(11) سواء كانت قيمته ضعف الدين أم لا.
(12) أي أدى العبد ما للديان وما للورثة.
(13) بل هي صحيح الحلبي عن أبي عبد الله عليه السلام (رجل قال : إن متّ فعبدي حرّ وعلى -
ص: 52
(ولو أوصى بعتق ثلث عبيده ، أو عدد منهم مبهم) (1) كثلاثة(استخرج) الثلث والعدد(بالقرعة) (2) لصلاحية الحكم لكل واحد فالقرعة طريق التعيين ، لأنها لكل أمر مشكل ، ولأن العتق حق للمعتق ، ولا ترجيح لبعضهم ، لانتفاء التعيين فوجب استخراجه بالقرعة.
وقيل : يتخير الوارث في الثاني ، لأن متعلق الوصية متواطئ فيتخير في تعيينه الوارث كما سبق ، ولأن المتبادر من اللفظ هو الاكتفاء بعتق أيّ عدد كان من الجميع فيحمل عليه. وهو قوي ، وفي الفرق بينه ، وبين الثلث نظر (3).
(ولو أوصى بأمور) متعددة (4) (فإن كان فيها واجب قدم) على غيره وإن
______________________________________________________
- الرجل دين ، فقال عليه السلام : إن توفي وعليه دين قد أحاط بثمن الغلام بيع العبد ، وإن لم يكن قد أحاط بثمن العبد استسعى في قضاء دين مولاه ، وهو حر إذا أوفى) (1) ، وهو مطلق يشمل ما لو كانت قيمة العبد أقل من ضعف الدين.
وفيه : إنه لا بد من تقييده بما تقدم من النصوص جمعا بين الأخبار ، على أن هذا الصحيح لم يتعرض لحق الورثة مع أن لهم حق في ثلثي ما بقي من فاضل قيمته بعد الدين.
(1) أي مبهم من ناحية المصداق إلا أنه عدد معيّن كثلاثة.
(2) فالعتق حق للمعتق ولا ترجيح فيه لبعضهم على بعض فوجب التوصل إليه بالقرعة لأنها لكل أمر مشكل ، وعن المحقق وجماعة أن الوارث مخيّر في التعيين بالنسبة للعدد لأن الموصى به من المتواطي والخيار في تعيينه للوارث لا للقرعة.
(3) وجهه أن الثلث متواطئ أيضا فيتخير فيه الوارث.
(4) لو أوصى بأمور متعددة ، ومن بينها واجب مالي وغيره أخرج الواجب المالي من الأصل ، لأنه كالدين ويشهد به النصوص الكثيرة :
منها : صحيح معاوية بن عمار عن أبي عبد الله عليه السلام (في رجل توفي وأوصى أن يحج عنه ، قال عليه السلام : إن كان صرورة فمن جميع المال ، إنه بمنزلة الدين الواجب ، وإن كان قد حج فمن ثلثه) (2).
والتعليل عموم لكل ما هو بمنزلة الدين فيشمل كل واجب مالي ، والمراد به ما كان ماليا -
ص: 53
تأخرت الوصية به ، سواء كان الواجب ماليا أم غيره ، وبدئ بعده بالأول فالأول. ثم إن كان الواجب ماليا كالدين والحج أخرج من أصل المال ، والباقي من الثلث ، وإن كان بدنيا كالصلاة ، والصوم قدّم من الثلث وأكمل (1) من الباقي مرتبا للأول فالأول.
(وإلا) يكن فيها واجب(بدئ بالأول) منها(فالأول حتى يستوفي الثلث)
______________________________________________________
- محضا كالزكاة والخمس ونذر المال والكفارات أم مشويا بالبدن إلا أن جانب المالية غلب كالحج.
أما لو كان الواجب بدنيا محضا كالصلاة والصوم فلا يخرج من الأصل وإنما من الثلث إذا أوصى به فتشمله أدلة الوصية التي تخرج من الثلث والفرق بين الواجب البدني والمالي واضح ، لأن الثاني لما كان متعلقا بالمال حال الحياة وجب إخراجه من المال بعد الوفاة بالإضافة إلى النصوص وقد تقدم بعضها ، والأول لما كان متعلقا بالبدن حال الحياة فيبقى الخطاب به بعد الوفاة متعلقا بالبدن.
ثم بعد إخراج الواجب المالي يخرج الباقي من الثلث ويقدم الواجب البدني ولو ذكر مؤخرا في الوصية ، ثم يشرع في الباقي ويبدأ بالأول فالأول على حسب الذكر في الوصية حتى يستوفي الثلث ويبطل فيما زاد عليه مع عدم إجازة الوارث بلا خلاف فيه لخبر حمران عن أبي جعفر عليه السلام (في رجل أوصى عند موته وقال : اعتق فلانا وفلانا حتى ذكر خمسة ، فنظر في ثلثه فلم يبلغ ثلثه أثمان قيمة المماليك الخمسة الذين أمر بعتقهم ، فقال عليه السلام : ينظر إلى الذين سماهم وبدأ بعتقهم فيقوّمون وينظر إلى ثلثه فيعتق منه أول شي ء ذكرتم الثاني والثالث ثم الرابع ثم الخامس ، فإن عجز الثلث كان في الذين سمّي أخيرا ، لأنه اعتق بعد مبلغ الثلث ما لا يملك ، فلا يجوز له ذلك) (1).
ولا فرق في الترتيب الذكري بين ما لو رتّب بأداة كثمّ والفاء وبين الذكر فقط من دون أداة الترتيب ، ولا فرق بين العطف بالواو وعدمه نعم لو جمع بأن ذكر أشياء ثم أوصى لمجموعها بأن قال : اعطوا فلانا وفلانا مائة ، أو قال بعد الترتيب : لا تقدموا بعضها على بعض ، وقد نقص الثلث عن الجميع فيدخل النقص على الجميع بالنسبة فيقسم عليهم قضاء لحق العدل.
(1) أي أكمل الثلث من الباقي منه في بقية الوصية.
ص: 54
ويبطل الباقي إن لم يجز الوارث ، والمراد بالأول : الذي قدمه الموصي في الذكر ولم يعقبه بما ينافيه ، سواء عطف عليه التالي بثم أم بالفاء أو بالواو أم قطعه عنه بأن قال : أعطوا فلانا مائة ، أعطوا فلانا خمسين ، ولو رتب ثم قال : ابدءوا بالأخير ، أو بغيره أتّبع لفظه الأخير ، (ولو لم يرتب) بأن ذكر الجميع دفعة فقال : أعطوا فلانا ، وفلانا ، وفلانا مائة ، أو رتب باللفظ ، ثم نص على عدم التقديم(بسط الثلث على الجميع) وبطل من كل وصية بحسابها ، ولو علم الترتيب واشتبه الأول أقرع (1) ، ولو اشتبه الترتيب وعدمه فظاهرهم اطلاق التقديم بالقرعة كالأول (2).
ويشكل باحتمال كون الواقع عدمه (3) ، وهي (4) لإخراج المشكل ولم يحصل (5) فينبغي الإخراج (6) على الترتيب وعدمه ، لاحتمال أن يكون غير مرتب فتقديم كل واحد ظلم.
ولو جامع الوصايا منجز (7) يخرج من الثلث قدم عليها مطلقا (8) وأكمل
______________________________________________________
(1) لتحقق مناط القرعة ، وهو التعيين واقعا والاشتباه ظاهرا ، وهو متحقق هنا.
(2) أي فيما لو علم الترتيب واشتبه الأول هذا وقد علق الشارح هنا كما في الطبعة الحجرية بقوله : (ينبغي تأمل ذلك ، لأن أحدا لم ينبه عليه).
(3) أي عدم الترتيب.
(4) أي القرعة والواو حالية.
(5) أي لم يحصل المشكل هنا.
(6) أي فينبغي إجراء القرعة على الترتيب وعدمه ، لا على إخراج الأول فالأول ، لأن الثاني متوقف على إحراز الترتيب واقعا وهو مشكوك.
(7) أي فعل تبرعي قد صدر من المريض بمرض الموت ، وقد تقدم أنه من الثلث عند عدم إجازة الوارث.
(8) سواء تقدم بالذكر أم تأخر ، وسواء كان في الوصايا واجب أم لا ، وتقديم المنجز على الوصية مما لا خلاف فيه لخبر محمد بن مسلم عن أبي عبد الله عليه السلام (سألته عن رجل حضره الموت فأعتق غلامه وأوصى بوصيته ، وكان أكثر من الثلث ، قال : يمضي عتق الغلام ، ويكون النقصان فيما بقي) (1).
ص: 55
الثلث منها (1) كما ذكر (2).
(ولو أجاز الورثة) ما زاد على الثلث(فادعوا) بعد الإجازة(ظن القلة) أي قلة الموصى به وأنه ظهر أزيد مما ظنوه ، (فإن كان الإيصاء بعين لم يقبل منهم) (3) لأن الإجازة وقعت على معلوم لهم فلا تسمع دعواهم أنهم ظنوا زيادته عن الثلث بيسير مثلا فظهر أزيد ، أو ظن أن المال (4) كثير لأصالة عدم الزيادة في المال فلا
______________________________________________________
(1) من الوصايا.
(2) من تقديم الواجب على غيره ، مع مراعاة الترتيب في غير الواجب.
(3) أي هذا الادعاء ، فلو أوصى بعبد أو دار ونحوهما من الأعيان مما زاد على الثلث فأجاز الوارث الوصية ثم ادعى الظن بأن العين الموصى بها بمقدار ثلث التركة أو أزيد بيسير فظهرت أزيد بكثير ، فلا يلتفت إلى دعواه لأن الإجازة هنا تضمنت معلوما وهو العين المخصوصة.
نعم لو أوصى بمقدار من المال مشاع في التركة كنصف ماله مثلا فأجاز الوارث ثم ادعى أنه ظن أنه قليل بالنسبة إلى مجموع التركة فبان أنه كثير فتقبل دعواه ويقضي له بما ظن ، وعليه الحلف على الزائد ، كذا ذكره جماعة من الأصحاب ، وعلّل بأن الإجازة هناك قد تعلقت بالمعلوم وهو العين المخصوصة مهما كانت التركة فكانت الإجازة ماضية على الوارث بخلافها هنا فإنها قد تعلقت بالجزء المشاع ، والعلم بمقداره متوقف على العلم بمجموع التركة ، والأصل عدم العلم بالمجموع فتقبل فيه دعوى الوارث بالجهالة لموافقة قوله للأصل.
ومال في الدروس إلى التسوية بين المسألتين والقبول في الحالتين ، وجعله العلامة في التحرير وجها وفي القواعد احتمالا واستوجهه الشارح في المسالك ، ووجهه القبول أن الإجازة قد وقعت على معلوم إلا أن كونه بمقدار الثلث أو أزيد إنما هو متوقف على العلم بمقدار التركة والأصل عدم العلم بمقدارها ، فلا فرق بين ظن الوارث في قلة النصف في نفسه بالنسبة لمجموع التركة وبين قلة المعين بالإضافة إلى مجموع التركة وإن كان المعين معروفا في نفسه من ناحية المالية ، والأصل بعدم العلم بمجموع التركة جار في المسألتين فلا معنى للتفريق بينها في الحكم.
هذا وذهب صاحب الجواهر وتبعه جمع من المتأخرين إلى التسوية بينهما في عدم القبول لما ادعاه الوارث بعد الإجازة ، لأن الإجازة نافذة عليه ودعوى ظن القلة غير مانعة لعدم توقف الإجازة على تصور الواقع بما هو واقع.
(4) أي مال التركة كثير بحيث يكون المعيّن بمقدار الثلث أو أزيد بيسير ، فتبين أن مال التركة -
ص: 56
تعتبر دعواهم ظن خلافه (1).
(وإن كان) الإيصاء(بجزء شائع) في التركة(كالنصف قبل) قولهم(مع اليمين) ، لجواز بنائهم على أصالة عدم زيادة المال فظهر خلافه (2) عكس الأول (3).
وقيل : يقبل قولهم في الموضعين ، لأن الإجازة في الأول وإن وقعت على معلوم إلا أن كونه بمقدار جزء مخصوص من المال كالنصف لا يعلم إلا بعد العلم بمقدار التركة ، ولأنه كما احتمل ظنهم قلة النصف في نفسه يحتمل ظنهم قلة المعيّن بالإضافة إلى مجموع التركة ظنا منهم زيادتها (4). وأصالة عدمها (5) لا دخل لها في قبول قولهم (6) ، وعدمه لإمكان صدق دعواهم ، وتعذر إقامة البينة عليها (7) ، ولأن الأصل عدم العلم بمقدار التركة على التقديرين (8). وهو (9) يقتضي جهالة قدر المعين من التركة كالمشاع ، ولإمكان ظنهم أنه لا دين على الميت فظهر (10) ، مع أن الأصل عدمه (11).
وهذا القول متجه ، وحيث يحلفون على مدعاهم يعطى الموصى له من الوصية ثلث المجموع وما ادعوا ظنه من الزائد (12).
______________________________________________________
- أقل مما تصوره ولازمه كون المعيّن الموصى به أزيد من الثلث بكثير.
(1) أي خلاف الأصل.
(2) أي خلاف الأصل بعدم زيادة المال.
(3) فهنا ظن عدم زيادة المال ، والظن موافق للأصل بخلاف هناك فقد ظن زيادة المال وهو ظن مخالف للأصل ، لذا قبل دعوى الوارث هنا ولم تقبل دعواه هناك.
(4) أي زيادة التركة.
(5) أي عدم زيادة التركة.
(6) فيما لو كان قولهم موافقا لهذا الأصل كما في المشاع دون المعيّن.
(7) على الدعوى.
(8) من الوصية بالعين أو الجزء المشاع.
(9) أي الأصل بعدم العلم بمجموع التركة الجاري على التقديرين.
(10) أي ظهر الدين.
(11) أي عدم الدين.
(12) أي الزائد عن الثلث ، ولا يعطى الموصى له تمام ما أجاز الوارث.
ص: 57
(ويدخل في الوصية بالسيف جفنه) (1) بفتح أوله وهو غمده بكسره وكذا تدخل حليته ، لشمول اسمه لها (2) عرفا وإن اختص (3) لغة بالنصل ، ورواية أبي جميلة بدخولها شاهد مع العرف ، (وبالصندوق أثوابه) (4) الموضوعة فيه ، وكذان
______________________________________________________
(1) لو أوصى بسيف معين ، وهو في جفن دخل الجفن والحلية في الوصية على المشهور لخبر أبي جميلة المفضل بن صالح (كتبت إلى أبي الحسن عليه السلام : أسأله عن رجل أوصى لرجل بسيف فقال الورثة : إنما لك الحديد وليس لك الحلية ، فكتب إليّ : السيف له وحليته) (1) ، وخبره الآخر (سألت الرضا عليه السلام عن رجل أوصى لرجل بسيف وكان في جفني وعليه حلية ، فقال الورثة : إنما لك النصل وليس لك المال ، فقال : لا بل السيف بما فيه له) (2) ، بالإضافة إلى العرف الشاهد بذلك ، فلو قيل : خذ سيفك وسافر ، فلا يفهم منه إلا المجموع حتى لو جرده عن غمده وسافر لعدّ عند العقلاء سفيها.
هذا والجفن هو الغمد بالكسر ، والحلية ما يزيّن به من مصوغ المعدنيات والأحجار الكريمة.
وعن العلامة في المختلف وولده عدم دخول شي ء منهما في الوصية وهو واضح الضعف.
(2) للحلية.
(3) أي السيف.
(4) لو أوصى رجل لرجل بصندوق وفيه ثياب ، أو سفينة وفيها متاع ، أو جراب وفيه قماش ، فإن الوعاء وما فيه داخل في الوصية على المشهور لخبر أبي جميلة عن أبي الحسن عليه السلام (فقلت : رجل أوصى بصندوق وكان فيه مال ، فقال الورثة : إنما لك الصندوق وليس لك ما فيه ، فقال عليه السلام : الصندوق بما فيه له) (3) ، وضر عقبة (سألت أبا عن رجل أوصى رجل بصندوق وكان في الصندوق مال ، فقال الورثة وليس لك ما فيه فقال عليه السلام : الصندوق بما فيه (4) لك) ، وخبره الآخر عنه عليه السلام (سألته عن رجل قال : هذه السفينة لفلان ولم يسمّ ما فيها ، وفيها طعام ، أيعطيها الرجل وما فيها؟ قال : هي للذي أوصى له بها ، إلا أن يكون صاحبها متهما وليس للورثة شي ء) (5).
ص: 58
الأموال المظروفة ، (وبالسفينة متاعها) الموضوع فيها عند الأكثر. ومستنده رواية أبي جميلة عن الرضا عليه السلام ، وغيرها مما لم يصح سنده ، والعرف قد يقضي بخلافه في كثير من الموارد ، وحقيقة الموصى به (1) مخالفة للمظروف ، فعدم الدخول أقوى ، إلا أن تدل قرينة حالية ، أو مقالية على دخول الجميع ، أو بعضه فيثبت ما دلت عليه خاصة. والمصنف اختار الدخول(إلا مع القرينة) (2) فلم يعمل بمدلول الرواية مطلقا (3).
فكان تقييد الدخول بالقرينة أولى (4) ، ويمكن حمل الرواية عليه (5).
(ولو عقب الوصية بمضادها) (6) بأن أوصى بعين مخصوصة لزيد ، ثم أوصى بها لعمرو (عمل بالأخيرة) ، لأنها ناقضة للأولى ، والوصية جائزة من قبله فتبطل الأولى.
(ولو أوصى بعتق رقبة مؤمنة) (7) وجب تحصيل الوصف بحسب الإمكان
______________________________________________________
- هذا وقال الشارح في المسالك : (لا يدل العرف على تناول الظرف للمظروف غالبا ، والرواية قاصرة عن إثبات المطلوب ، فالقول بعدم الدخول أجود ، نعم لو دل العرف أو القرينة على شي ء في بعض الأفراد أتبع ، كما أنه لو دل على عدم دخول الجفن أو الحلية في بعض الموارد لم يدخل ، وجملة الأمر ترجع إلى عدم الدخول إلا مع العرف أو القرينة) انتهى.
(1) وهو الظرف.
(2) أي القرينة على عدم الدخول.
(3) أي على الإطلاق حتى مع القرينة على عدم الدخول ، فقد عمل بالرواية عند عدم القرينة على عدم الدخول ، أما مع القرينة على عدم الدخول فلم يعمل بالرواية.
(4) لما ذكره الشارح من أن الأصل عدم دلالة الظرف على المظروف إلا مع القرينة.
(5) أي على الدخول بواسطة القرينة.
(6) إذا أوصى بوصية ثم أوصى بوصية مضادة للأولى كما إذا أوصى بعين لزيد ثم أوصى بها لعمرو ، أو أوصى بربع ماله لشخص ثم أوصى به لآخر ، عمل بالأخيرة بلا خلاف فيه لكون الثانية ناسخة للأولى ، والثانية رجوع عن الأولى عرفا.
(7) لو أوصى بعتق رقبة وأطلق أجزأ الصغير والكبير والذكر والأنثى للإطلاق ولخبر الحضرمي عن أبي عبد الله عليه السلام (قلت له : إن علقمة بن محمد وصّاني أن أعتق عنه رقبة ، فأعتقت عنه امرأة فيجزيه ، أم أعتق عنه من مالي؟ قال : تجزيه ، ثم قال لي : إن -
ص: 59
(فإن لم يجد أعتق من لا يعرف بنصب) على المشهور ، ومستنده رواية علي بن أبي حمزة عن أبي الحسن عليه السلام. والمستند ضعيف. والأقوى عدم الإجزاء ، بل يتوقع المكنة وفاقا لابن إدريس ، (ولو ظنها مؤمنة) على وجه يجوز التعويل عليه بإخبارها ، أو بإخبار من يعتد به فأعتقها(كفى وإن ظهر خلافه) (1) لإتيانه بالمأمور به على الوجه المأمور به فيخرج عن العهدة ، إذ لا يعتبر في ذلك اليقين ، بل ما ذكر من وجوه الظن.
______________________________________________________
- فاطمة أم ابني أوصت أن أعتق عنها رقبة فأعتقت عنها امرأة) (1).
ولو أوصى بعتق رقبة مؤمنة وجب التقيد بما أوصى به بلا خلاف ولا إشكال ، والمراد بالإيمان هو الاعتقاد بإمامة الأئمة الاثني عشر عليهم السلام ، وإن لم يجد أعتق من لا يعرف بنصب لخبر علي بن حمزة (سألت أبا الحسن عليه السلام عن رجل أوصى بثلاثين دينارا يعتق بها رجل من أصحابنا فلم يوجد بذلك ، قال : يشتري من الناس فيعتق) (2) ، وهو وإن كان خاليا من التقييد بعدم النصب إلا أنه من المعلوم خروج الناصب لكفره ، وخبره الآخر (سألت عبدا صالحا عن رجل هلك فأوصى بعتق نسمة مسلمة بثلاثين دينارا فلم يوجد الذي سمى ، قال : ما أرى لهم أن يزيدوا على الذي سمّى قلت : فإن لم يجدوا ، قال : فليشتروا من عرض الناس ما لم يكن ناصبا) (3).
وعن ابن إدريس عدم الاجتزاء بغير الناصبي عند عدم وجود المؤمن ، وعن ابن البراج الاحتياط به ، بل اختاره جماعة منهم ثاني المحققين والشهيدين للنهي عن تبديل الوصية فيتوقع المكنة حينئذ ، ومع اليأس يكون حكمه حكم ما لو تعذر صرف الموصى به فيما أوصى به ، وهو واضح الضعف بل هو من الاجتهاد وفي مقابلة النص كما في الجواهر.
(1) فلو ظنها مؤمنة لإخبارها أو لإخبار من يعتد به أو لغير ذلك فأعتقها ثم بانت بخلاف ذلك أجزأت عن الموصي ، بلا خلاف فيه لقاعدة الإجزاء حيث طابق الماتي به المأمور به بحسب ظنه ، وهو من الموارد التي يتعبد بها المرء بظنه ، لخبر مروان عن أبي عبد الله عليه السلام (عن رجل أوصى بنسمة مؤمنة عارمة فلما أعتقناها بان أنها بغير رشدة ، فقال : قد أجزأت عنه ، إنما مثل ذلك مثل رجل اشترى أضحية على أنها سمينة فوجدها مهزولة) (4).
ص: 60
(ولو أوصى بعتق رقبة بثمن معين وجب) (1) تحصيلها به مع الإمكان(ولو تعذر إلا بأقل اشتري وعتق ودفع إليه ما بقي) من المال المعين على المشهور بين الأصحاب.
وربما قيل : إنه إجماع. ومستنده رواية سماعة عن الصادق عليه السلام : ولو لم ير جد إلا بأزيد توقع المكنة ، فإن يئس من أحد الأمرين (2) ففي وجوب شراء بعض رقبته (3) ، فإن تعذر صرف في وجوه البر (4) ، أو بطلان الوصية ابتداء (5) ، أو مع تعذر بعض الرقبة أوجه أوجهها الأول. ويقوى (6) لو كان التعذر طارئا على زمن الوصية ، أو على الموت لخروج القدر عن ملك الورثة فلا يعود إليهم (7).
(الفصل الثالث في الأحكام)
(تصح الوصية للذمي (8).
______________________________________________________
(1) لو أوصى بعتق رقبة بثمن معين فلم يجد به ، لم يجب الشراء بالزائد ، حتى لو بذل له الوارث للنهي عن تبديل الوصية. ولو وجد الرقبة بالأقل اشتراها وأعتقها ودفع إليها ما بقي ، ولا يجوز صرف الباقي في وجوه البر ، لأنه أقرب إلى الموصي ، ولموثق سماعة (سألت أبا عبد الله عليه السلام عن رجل أوصى أن يعتق عنه نسمة من ثلثه بخمسمائة درهم ، فاشترى الوصي بأقل من خمسمائة درهم وفضلت فضلة فما ترى في الفضلة؟
قال : تدفع إلى النسمة من قبل أن تعتق ثم تعتق من الميت) (1).
(2) وهو الشراء بالثمن المعين أو الأقل.
(3) لأنه أقرب إلى مراد الموصي.
(4) لأن متعلق الوصية قد خرج عن ملك المورث بالموت فلا يعود إليه ولا يدخل في ملك الوارث للوصية ووجوه البر مصرف لكل مال لا مالك له.
(5) لتعذر الموصى به ولا دليل على وجوب غيره ونفى عنه في التذكرة الباس.
(6) أي الوجه الأول.
(7) فلا بدّ من صرفه إما بشراء بعض رقبته أو في وجوه البر ، والأول أقرب لمراد الموصي فيتعين.
(8) تصح الوصية للذمي الملتزم بشرائط الذمة لإطلاق أدلة الوصية ، ولقوله تعالى : ( لٰا -
ص: 61
(وإن كان أجنبيا) ، للأصل (1) ، والآية والرواية ، (بخلاف الحربي (2) وإن كان رحما) ،
______________________________________________________
يَنْهٰاكُمُ اللّٰهُ عَنِ الَّذِينَ لَمْ يُقٰاتِلُوكُمْ فِي الدِّينِ وَلَمْ يُخْرِجُوكُمْ مِنْ دِيٰارِكُمْ أَنْ تَبَرُّوهُمْ وَتُقْسِطُوا إِلَيْهِمْ ) بالمودة (1) ، والوصية برّ والذمي الملتزم بشرائط الذمة غير مقاتل للمسلمين ، وللأخبار.
منها : صحيح محمد بن مسلم عن أبي عبد الله عليه السلام (عن رجل أوصى بماله في سبيل الله ، فقال عليه السلام : أعطه لمن أوصى له وإن كان يهوديا أو نصرانيا ، إن الله تعالى يقول : فمن بدله بعد ما سمعه فإنما إثمه على الذين يبدلونه) (2) ، ومثله صحيحه الآخر عن أحدهما عليه السلام (3) ، وصحيح الريان بن شبيب عن أبي الحسن الرضا عليه السلام (قلت له : إن أختي أوصت بوصية لقوم نصارى وأردت أن أصرف ذلك إلى قوم من أصحابنا مسلمين ، فقال عليه السلام : أمض الوصية على ما أوصت به ، قال الله تعالى : فمن بدله بعد ما سمعه) (4) وعن القاضي عدم الجواز لقوله تعالى : ( لٰا تَجِدُ قَوْماً يُؤْمِنُونَ بِاللّٰهِ وَالْيَوْمِ الْآخِرِ يُوٰادُّونَ مَنْ حَادَّ اللّٰهَ وَرَسُولَهُ وَلَوْ كٰانُوا آبٰاءَهُمْ أَوْ أَبْنٰاءَهُمْ ) (5) ، والوصية تستلزم المودة وهي محرمة بالنسبة إلى الكافر سواء كان من الأرحام أم لا.
ويضعّف بمعارضته بقوله تعالى : ( لٰا يَنْهٰاكُمُ اللّٰهُ عَنِ الَّذِينَ لَمْ يُقٰاتِلُوكُمْ ... ) (6) ، وبما تقدم من الأخبار ، والاستدلال منقوض بجواز هبته وإطعامه مع أنها موادة ، على أننا نمنع كون مطلق الوصية له موادة ، لأن الظاهر أن المراد منها هي موادة المحادّ لله من حيث هو محادّ لله بقرينة جواز صلته لآية البر والمودة وعن ثالث التفصيل بصحة الوصية للذمي إن كان رحما للموصي وبطلانها إن كان أجنبيا ، لما ورد من الحث على صلة الرحم (7) ، وهو متناول للذمي ، وفيه : إنه غير مناف لما دل على صلة غيره فالقول بالجواز هو الأقوى.
(1) أي إطلاق أدلة الوصية.
(2) فلا تجوز الوصية له لقوله تعالى : ( لٰا يَنْهٰاكُمُ اللّٰهُ عَنِ الَّذِينَ لَمْ يُقٰاتِلُوكُمْ فِي الدِّينِ إلى -
ص: 62
لا لاستلزامها (1) الموادة المنهي عنها لهم ، لمنع الاستلزام (2) ، بل (3) لأن صحة الوصية تقتضي ترتيب أثرها ، الذي من جملته وجوب الوفاء بها ، وترتب العقاب على تبديلها ومنعها ، وصحتها تقتضي كونها مالا للحربي ، وماله في ء للمسلم في الحقيقة ولا يجب دفعه إليه ، وهو (4) ينافي صحتها بذلك المعنى (5) ، بخلاف الذمي.
وهذا المعنى (6) من الطرفين (7) يشترك فيه الرحم وغيره (8). ويمكن أن تمنع
______________________________________________________
- قوله تعالى - ( إِنَّمٰا يَنْهٰاكُمُ اللّٰهُ عَنِ الَّذِينَ قٰاتَلُوكُمْ فِي الدِّينِ ) (1) ، والحربي من أبرز مصاديق الآية ، وأشكل الشارح على هذا الاستدلال في المسالك بقوله : (وفيه نظر لأن الحربي قد لا يكون مقاتلا بالفعل بل ممتنعا من التزام شرائط الذمة فلا يدخل في الآية) انتهى ، بل ما تقدم من الأخبار بإعطاء من أوصى له وإن كان يهوديا أو نصرانيا شامل للحربي بإطلاقه ، ولذا ذهب بعضهم إلى جواز الوصية للحربي أيضا.
(1) أي الوصية.
(2) لأن المراد من الموادة هي الموادة للمحادّ لله من حيث هو محادّ لله ، وليس النزاع في ذلك بل النزاع في جواز الوصية للحربي بما هو ذو روح وعبد من عباد الله جلّ وعلا.
(3) الدليل الثاني على عدم صحة الوصية للحربي ، فلو صحت الوصية لوجب ترتيب آثارها ، ومن جملتها وجوب الوفاء بها ودفع الموصى به إلى الموصى له ، ولو وجب الدفع إلى الحربي لوقع التنافي بينه وبين ما وقع عليه اتفاقهم من أن مال الحربي غير معصوم ويجوز أخذه لأن ماله في ء للمسلمين ، ولازمه عدم وجوب الدفع إليه وهو معنى بطلان الوصية ، وفيه ما قاله الشارح في المسالك : (لأن معنى صحتها ثبوت الملك له إذا قبله ، فتصير حينئذ ملكا من أملاكه ، ويلزمه حكمه ، ومن حكمه جواز أخذ المسلم له) انتهى.
(4) أي عدم وجوب الدفع إليه.
(5) من ترتيب آثار الوصية على تقدير الصحة ، ومن جملة الآثار وجوب الدفع إليه.
(6) من ترتيب الآثار على الوصية على تقدير الصحة ، ومن جملة الآثار وجوب الدفع إلى الموصى له ، مع أنه لا يجب الدفع إلى الحربي لأن ماله في ء للمسلمين ، ومن إطلاق الآية والرواية الواردتين في الذمي.
(7) من الذمي والحربي إثباتا ونفيا.
(8) فالتفصيل بين الرحم وغيره كما تقدم ليس في محله.
ص: 63
المنافاة (1) ، فإن منع الحربي منها (2) من حيث إنها ماله (3) غير مناف للوفاء بالوصية من حيث إنها وصية ، بل منعه من تلك الحيثية (4) مترتب على صحة الوصية وعدم تبديلها (5) ، وفي المسألة أقوال أخر.
(وكذا المرتد) عطف على الحربي ، فلا تصلح الوصية له ، لأنه بحكم الكافر المنهي عن موادته.
ويشكل بما مر (6). نعم يتم ذلك في الفطري ، بناء على أنه لا يملك الكسب المتجدد (7) ، وأما الملّي ، والمرأة مطلقا (8) فلا مانع من صحة الوصية له (9) ، وهو خيرة المصنف في الدروس.
(ولو أوصى في سبيل الله فلكل قربة) (10) ، لأن السبيل هو الطريق ، والمراد
______________________________________________________
(1) بين القول بصحة الوصية القاضية بوجوب الدفع إلى الحربي ، وبين كون مال الحربي فيئا للمسلمين.
(2) من الوصية.
(3) بعد القبول.
(4) أي من حيث إنها ماله.
(5) قال الشارح في المسالك : (وتظهر الفائدة في جواز استيلاء الوصي على العين الموصي بها للحربي فيختص بها دون الورثة ، وكذا لو استولى عليها بعض الورثة دون بعض ، حيث لم يكن في أيديهم ابتداء ، ولو حكمنا بالبطلان لم يتأتّ هذا ، بل يكون الموصى به من جملة التركة لا يختص بأحد من الورّاث) انتهى.
(6) من أن الموادّة المنهي عنها لا تستلزم بطلان الوصية له من حيث أنه ذو روح وعبد من عباد الله جل وعلا.
(7) لوجوب قتله وسيأتي البحث فيه في محله.
(8) سواء كان ارتدادها عن فطرة أو ملّة.
(9) لعدم المانع من كسبه المتجدد لعدم وجوب قتله.
(10) لو أوصى في سبيل الله صرف إلى ما فيه أجر ، لأن السبيل هو الطريق والمراد بسبيل الله الطريق إلى رضوانه أو ثوابه لاستحالة التحيز عليه ، وهذا شامل لكل ما يتقرب به إلى الله فيحمل اللفظ عليه.
وعن الشيخ اختصاصه بالغزاة ، وعند تعذر الجهاد يصرف في أبواب البر من معونة الفقراء والمساكين وابن السبيل وصلة آل الرسول عليهم السلام ، وفيه منع واضح إذ لا دليل عليه.
ص: 64
هنا ما كان طريقا إلى ثوابه فيتناول كل قربة جريا له على عمومه.
وقيل : يختص الغزاة ، (ولو قال : أعطوا فلانا كذا ، ولم يبين ما يصنع به ، دفع إليه يصنع به ما شاء) (1) لأن الوصية بمنزلة التمليك فتقتضي تسلط الموصى له تسلط المالك ، ولو عين له المصرف تعين.
(وتستحب الوصية لذوي القرابة ، وارثا كان أم غيره) (2) لقوله تعالى :
______________________________________________________
(1) لأن الوصية تمليك للموصى له ، والتمليك يقتضي تسليط الموصى له على المال كتسلط غيره من الملّاك على أموالهم ، نعم لو عين مصرفا بحيث قال : اعطوه ليصرفه في الجهة الفلانية تعين عليه صرفه فيها للنهي عن تبديل الوصية ، قال تعالى : ( فَمَنْ بَدَّلَهُ بَعْدَ مٰا سَمِعَهُ فَإِنَّمٰا إِثْمُهُ عَلَى الَّذِينَ يُبَدِّلُونَهُ ) (1) ، ولو صرفه في غير الجهة المعيّنة ضمن ولزمه إقامة بدله وصرفه في الوجه المعين.
(2) تجوز الوصية للوارث كما تجوز للأجنبي لإطلاق أدلة الوصية ، ولقوله تعالى : ( كُتِبَ عَلَيْكُمْ إِذٰا حَضَرَ أَحَدَكُمُ الْمَوْتُ إِنْ تَرَكَ خَيْراً الْوَصِيَّةُ لِلْوٰالِدَيْنِ وَالْأَقْرَبِينَ بِالْمَعْرُوفِ حَقًّا عَلَى الْمُتَّقِينَ ) (2) ، ولا بدّ أن يكون الوالدان وارثين ، إلا أن يكونا ممنوعين من الإرث للكفر ونحوه لكن اللفظ أعم فيشمل موضع النزاع ، والأقربين أيضا يشمل الوارث على بعض الوجوه ، وللأخبار.
منها : صحيح محمد بن مسلم عن أبي جعفر عليه السلام (الوصية للوارث لا بأس بها) (3) ، وموثقه الآخر عنه عليه السلام (عن الوصية للوارث ، فقال عليه السلام : تجوز ثم تلا هذه الآية إن ترك خيرا ...) (4) ، وصحيح أبي ولّاد الحناط عن أبي عليه السلام (عن الميت يوصي للوارث بشي ء؟ قال عليه السلام : نعم ، أو قال : جائز له) (5) ، ومثلها غيرها.
وذهب أكثر الجمهور إلى عدم جوازها للوارث وهو واضح الفساد بعد ما سمعت من الأدلة ، ولذا ما ورد من طرقنا وهو دال على أن الوصية لا تجوز للوارث محمول على التقية.
هذا بل الآية تدل على استحباب الوصية لذوي القرابة وارثا كان أم غيره ، لأن معنى (كتب) الوارد وفي الآية هو الفرض وهو بمعنى الحث والترغيب وهو يدل على الاستحباب فضلا عن الجواز.
ص: 65
( كُتِبَ عَلَيْكُمْ إِذٰا حَضَرَ أَحَدَكُمُ الْمَوْتُ إِنْ تَرَكَ خَيْراً الْوَصِيَّةُ لِلْوٰالِدَيْنِ وَالْأَقْرَبِينَ ) (1) ، ولأن فيه صلة الرحم ، وأقل مراتبه (2) الاستحباب ، (ولو أوصى للأقرب) أي أقرب الناس إليه نسبا(نزّل على مراتب الإرث) (3) لأن كل مرتبة أقرب إليه من التي بعدها ، لكن يتساوى المستحق هنا ، لاستواء نسبتهم إلى سبب الاستحقاق وهو الوصية ، والأصل عدم التفاضل فللذكر مثل حظّ الأنثى ، وللمتقرب بالأب مثل المتقرب بالأم ، ولا يتقدم ابن العم من الأبوين على العم للأب وإن قدم في الميراث (4) ، ويتساوى الأخ من الأم والأخ من الأبوين ، وفي تقديم الأخ من الأبوين على الأخ من الأب وجه قوي ، لأن تقدمه عليه في الميراث يقتضي كونه أقرب شرعا ، والرجوع إلى مراتب الإرث يرشد إليه (5) ولا يرد مثله في ابن العم للأبوين ، لاعترافهم بأن العم أقرب منه (6) ، ولهذا جعلوه مستثنى بالإجماع ، ويحتمل تقديمه (7) هنا لكونه أولى بالميراث.
(ولو أوصى بمثل نصيب ابنه فالنصف إن كان له ابن واحد (8) ، والثلث إن)
______________________________________________________
(1) سورة البقرة ، الآية : 180.
(2) إما أقل مراتب صلة الرحم ، أو أقل مراتب الأمر الواقع في الآية المستفاد من قوله تعالى : ( كُتِبَ عَلَيْكُمْ ) .
(3) إذا أوصى للأقرب نزّل على مراتب الارث بالنسب بمعنى تقديم المرتبة الأولى على الثانية ، والثانية على الثالثة لأن كل مرتبة أقرب إليه من التي بعدها ، فلا يعطى الأبعد مع وجود الأقرب ، والتنزيل على مراتب الارث من حيث المرتبة لا في كيفية الاستحقاق ، لأن الوصية يتساوى فيها الذكر والأنثى ، والمتقرب بالأب والمتقرب بالأم وإن كان إخوة.
(4) فتقديم ابن العم لدليل خاص في الارث وسيأتي بحثه في بابه.
(5) إلى تقديم الأخ من الأبوين ، ووجهه أن التنزيل المذكور يقتضي مراعاة مراتب الارث فالطبقة الأولى مقدمه على الثانية وهكذا ، إلا أن الأقربية التي أوجبت التنزيل المذكور يقتضي تقديم الأخ من الأبوين لأنه أقرب من الأخ من الأب.
وفيه : لو سلم ذلك لاقتضى تقديم الأخ من الأبوين على الأخ من الأم ، مع أنه قد سلم بتساويهما عرفا.
(6) أي أقرب من ابن العم من الأبوين عرفا.
(7) أي تقديم ابن العم من الأبوين على العم للأب في الوصية.
(8) إذا أوصى لأجنبي بمثل نصيب ابنه ، وليس له إلا واحد ، فتكون الوصية بالنصف ، لأنه -
ص: 66
(كان له ابنان ، وعلى هذا).
والضابط أنه يجعل كأحد الورّاث ويزاد في عددهم ، ولا فرق بين أن يوصي له بمثل نصيب معين ، وغيره ، ثمّ إن زاد نصيبه على الثلث توقف الزائد عليه (1) على الإجازة ، فلو كان له ابن وبنت وأوصى لأجنبي بمثل نصيب البنت فللموصى له ربع التركة (2) ، وإن أوصى له بمثل نصيب الابن فقد أوصى له
______________________________________________________
- أضاف إلى الوارث الواحد آخرا بالوصية ، وللموصى له كما عرفت النصف ، وهو أزيد من الثلث فإن أجاز الوارث فهو ، وإلا كان له الثلث والباقي للولد ، ولو أوصى للأجنبي بمثل نصيب ابنه وله ولدان كانت الوصية بالثلث ، لأنه قد أضاف إليهما ثالثا بالوصية ، ولو كان له ثلاثة كانت الوصية بالربع وهكذا ، والضابط أن الموصى له يضاف إلى الوارث ، ويجعل كأحدهم إن كانوا متساويين ، وإن كانوا مختلفين بالسهام جعل الموصى له مثل أضعفهم سهما لصدق الموصى به عليه ، ولأصالة البراءة عن الزائد إلا أن يصرح الموصي بأن نصيبه مثل أعظمهم سهما فيعمل بمقتضى الوصية حينئذ إن لم تزد على الثلث ، وإلا توقفت على إجازة الوارث بلا خلاف فيه بيننا.
نعم عن بعض العامة أن الموصى له يخرج من أصل التركة ثم يقسم الباقي على الورثة فلو أوصى له بمثل نصيب أحدهم وليس له إلا ولد واحد فالوصية بجميع المال ، لأن جميع المال هو نصيب ولده في هذا الفرض ، ولو أوصى له وعنده ابنان فالوصية بالنصف والنصف الآخر بين الولدين الوارثين ، وكان للأجنبي النصف لأنه هو نصيب ولده في هذا الفرض ، ولو أوصى له وكان له ثلاثة فالوصية بالثلث ، والباقي بين الورثة الثلاثة بالسوية وهكذا ، ومال إليه العلامة في التحرير وجعله قريبا من الصواب.
وأجيب عن هذا القول بأن التماثل يقتضي شيئين ، والوارث لا يستحق شيئا إلا بعد الوصية النافذة ، وعليه فالموصى له يكون نصيبه كنصيب الوارث بعد الوصية ، لا كنصيبه قبل الوصية ، مع أن الوصية في الأول بالجميع والوارث لا نصيب له ، وفي الثاني بالنصف ولكل وارث ربع ، وفي الثالث بالثلث ولكل وارث تسعان وهو أقل من الثلث بتسع ، وفي الجميع لم يكن نصيب الموصى له كنصيب الوارث وهو على خلاف مدلول الوصية مع أن النهي قد تعلق بتغييرها وتبديلها.
(1) على الثلث.
(2) وثلاثة أرباعها بين الذكر والأنثى على قاعدة أن له ضعف ما للأنثى ، فالذكر له ربعان والأنثى لها ربع ، وأما الموصى له فله الربع لأنه بمنزلة البنت بحسب الفرض فكأن الميت له ذكر وابنتان ، والمسألة من أربعة.
ص: 67
بخمسي التركة (1) فيتوقف الزائد عن الثلث وهو ثلث خمس (2) على اجازتهما (3) ، فإن أجازا فالمسألة من خمسة لأن الموصى له بمنزلة ابن آخر ، وسهام الابنين مع البنت خمسة وإن ردّا فمن تسعة (4) ، لأن للموصى له ثلث التركة ، وما يبقى لهما (5) أثلاثا (6) فتضرب ثلاثة في ثلاثة ، وإن أجاز أحدهما وردّ الآخر ضربت مسألة الإجازة في مسألة الرد (7) ، فمن أجاز ضربت نصيبه من مسألة الإجازة في مسألة الرد (8) ومن رد ضربت نصيبه من مسألة الرد في مسألة الإجازة (9) ، فلها مع اجازتها تسعة من خمسة وأربعين ، وله (10) عشرون ، وللموصى له ستة عشر (11) ، هي ثلث الفريضة وثلث الباقي من النصيب على تقدير الإجازة (12) ،
______________________________________________________
(1) لأن الموصى له كالذكر ، فتحسب التركة على أساس وجود ذكرين وبنت ، والمسألة من خمسة ، فالموصى له خمسان ، والذكر خمسان أيضا ، والخمس الباقي للبنت.
(2) المسألة من خمسة ، والخمسة لا تنقسم بغير كسر على الثلث ، فنضرب أحدهما بالآخر ، والحاصل خمسة عشر وثلثها خمسة ، وخمساها ستة والفرق بين الخمسين والثلث حينئذ واحد ، وهو ثلث خمس التركة.
(3) أي إجازة الابن والبنت لانحصار الورثة بهما.
(4) أي فالمسألة من تسعة.
(5) للابن والبنت.
(6) لقاعدة للأنثى نصف الذكر ، أو للذكر ضعف ما للأنثى.
(7) فمسألة الإجازة من خمسة ، ومسألة الرد من تسعة ، والحاصل خمسة وأربعون ، وعليه فالمسألة عند الاختلاف في الإجازة من خمسة وأربعين.
(8) فلو أجاز الابن فتضرب اثنين بتسعة فالحاصل ثمانية عشر ويعطى للابن ، فالاثنان هما نصيبه من مسألة الإجازة والتسعة هي مسألة الرد.
ولو أجازت البنت لضربت الواحد بتسعة فالحاصل تسعة وتعطي للبنت فالواحد هو نصيبها من مسألة الإجازة والتسعة هي مسألة الرد.
(9) فلو ردّ الابن فتضرب أربعة بخمسة فالحاصل عشرون فتعطى للابن ، والأربعة هي نصيبه من مسألة الرد ، والخمسة هي مسألة الإجازة ولو ردت البنت فتضرب اثنين بخمسة فالحاصل عشرة فتعطى للبنت ، والاثنان هما نصيب البنت في مسألة الرد والخمسة هي مسألة الإجازة.
(10) أي للابن على تقدير الرد لأنهما مختلفان.
(11) وهي الباقي من الخمسة والأربعين التي هي مسألة الاختلاف.
(12) أي والستة عشر هي ثلث الفريضة الذي هو خمسة عشر ، وثلث الباقي أي ثلث المقدار -
ص: 68
وله مع اجازته (1) ثمانية عشر ولها عشرة وللموصى له سبعة عشر ، وعلى هذا القياس.
(ولو قال : أعطوه مثل سهم أحد ورّاثي أعطي مثل سهم الأقل) (2) لصدق الاسم به ، ولأصالة البراءة من الزائد ، فلو ترك ابنا وبنتا فله (3) الربع ، ولو ترك ابنا وأربع زوجات فله سهم من ثلاثة وثلاثين (4) ، (ولو أوصى بضعف نصيب ولده فمثلاه) (5) على المشهور بين الفقهاء ، وأهل اللغة.
______________________________________________________
- الذي لو كان الابن والبنت قد أجاز الأخذة ، ولكن لمّا لم يجز الابن فيأخذ الموصى له ثلث الباقي ، ولذا ستعرف عند إجازة الابن فقط فللموصى له ثلث الفريضة وثلثا هذا الباقي والمجموع هو سبعة عشر.
(1) أي للابن.
(2) قد تقدم الكلام فيه.
(3) أي الموصى له ، لأنه بمنزلة البنت.
(4) لأن ثمن التركة لزوجاته مهما بلغ عددهن ، وهذا الثمن فنقسم على أربعة على تقدير عدم الوصية ، فلا بد من عدد ينقسم أثمانا وثمنه ينقسم على أربعة وما هو إلا اثنان وثلاثون ، ونصيب الزوجة واحد من اثنين وثلاثين فلا بد من جعل الموصى له كالزوجة له واحد أيضا فتكون المسألة من ثلاثة وثلاثين والموصى له واحد وكل زوجة من زوجاته الأربعة لها واحد والباقي وهو ثمانية وعشرون للابن وعن الشيخ أنه جعل المسألة من اثنين وثلاثين لكل زوجة واحد ، وجعل نصيب الموصى له واحدا كنصيب الزوجة وجعله من نصيب الولد ، فيأخذ الولد سبعة وعشرون.
وفيه : لا معنى لإدخال النقص الحاصل من نصيب الموصى له على حصة الولد فقط بل لا بد من إدخاله على حصص جميع الورثة.
(5) إذا أوصى للأجنبي بضعف نصيب ولده ، كان له مثلاه ، لأن ضعف الشي ء مثلاه كما هو الأشهر بين الفقهاء ، بل عن الخلاف حكايته عن عامة الفقهاء والعلماء ، نعم عن الصحاح والجمهرة وأبي عبيد القاسم بن سلام أن الضعف هو المثل ، وعن الأزهري الضعف هو المثل فما فوقه وليس بمقصور على مثليه فأقله واحد وأكثره غير محصور ، والعرف شاهد على أن الضعف هو المثل مضاعفا فيكون له مثلين ، ويشهد له قوله تعالى : ( إِذاً لَأَذَقْنٰاكَ ضِعْفَ الْحَيٰاةِ وَضِعْفَ الْمَمٰاتِ ) (1) ، أي عذاب الدنيا والآخرة مضاعفا.
ص: 69
وقيل : مثله. وهو قول بعض أهل اللغة. والأصح الأول(وبضعفيه (1) ثلاثة أمثاله) ، لأن ضعف الشي ء ضم مثله إليه ، فإذا قال : ضعفيه فكأنه ضم مثليه إليه.
وقيل : أربعة أمثاله ، لأن الضعف مثلان كما سبق فإذا ثنّى كان أربعة.
ومثله القول في ضعف الضعف (2).
(ولو أوصى بثلثه للفقراء (3) جاز صرف كل ثلث إلى فقراء بلد المال) الذي
______________________________________________________
(1) لو أوصى للأجنبي بضعفي نصيب ولده كان له ثلاثة أمثاله ، لأن ضعفي الشي ء هو ومثلاه ، وقد حكي التصريح به عن بعض أهل اللغة لأن الضعف هو ضم مثل الشي ء إليه ، والضعفان هو تضعيف هذا الضم مرة أخرى ، وعن الشيخ في المبسوط يكون له أربعة أمثاله ، لأن كل ضعف مثلان.
(2) لو أوصى للأجنبي بضعف ضعف نصيب ولده فيجري فيه الكلام المتقدم ، فعن الشيخ يكون له أربعة أمثاله لأن الضعف مثلان ، وعن غيره يكون له ثلاثة أمثاله لأن الضعف هو ضم مثل الشي ء إليه ، وضعف الضعف أي يضعّف هذا الضم مرة أخرى فيكون المجموع ثلاثة.
(3) لو أوصى بثلثه للفقراء وله أمواله متفرقة في بلاد شتى جاز صرف كل ما في بلد إلى فقرائه ، لحصول الغرض من الوصية مع عدم وجود مانع منه.
ويجوز صرف الجميع في فقراء بلد الموصي كذلك لحصول الغرض من الوصية ، نعم قيده الشارح في المسالك بما إذا لم يستلزم تغريرا بالمال بسبب نقله ، ولا تأخيرا لإخراج الوصية مع إمكان التعجيل ، وإلا أشكل الجواز لذلك.
وفيه : أنه لا إشكال وإن اثم أو ضمن لأن الكلام في أصل جواز الصرف فيهم ، على أنه يمكن فرض غرض صحيح لجواز النقل كأولوية المستحق ووجود الحاكم وغير ذلك مما تقدم في جواز نقل الزكاة من بلد إلى آخر.
نعم لو فرض عدم المستحق في بلد المال وعدم الخطر في النقل جاز بلا إشكال حينئذ ، كما أنه لا إشكال في جواز إخراج قدر ثلث التركة من المال الذي في بلد الموصي إلى فقرائه مع ترك الأموال المتفرقة للورثة مع رضاهم بذلك ، لأن المعتبر إخراج ثلث المال بالقيمة ، لا الإخراج من كل شي ء ثلثه ، وإن كان إطلاق الثلث في الوصية يقتضي الإشاعة إلا أن يتعلق غرض الموصي بشي ء من الأعيان أو الجميع فيجب إتباع مراده حينئذ.
ص: 70
هو فيه ، وهو الأفضل ليسلم من خطر النقل ، وفي حكمه (1) ، احتسابه على غائب مع قبض وكيله في البلد ، (ولو صرف الجميع في فقراء بلد الموصي) ، أو غيره(جاز) ، لحصول الغرض من الوصية وهو صرفه إلى الفقراء.
واستشكل المصنف جواز ذلك (2) في بعض الصور (3) بأنه إن نقل المال (4) من البلاد المتفرقة إلى بلد الإخراج كان فيه تغرير في المال ، وتأخير للإخراج ، وإن أخرج قدر الثلث (5) من بعض الأموال ففيه خروج عن الوصية ، إذ مقتضاها الإشاعة (6). والأوسط منها (7) متوجه ، فإن تأخير (8) إخراج الوصية مع القدرة عليه (9) غير جائز ، إلا أن يفرض عدم وجوبه ، إما لعدم المستحق في ذلك الوقت الذي نقل فيه ، أو تعيين الموصي الإخراج في وقت مترقب بحيث يمكن نقله إلى غير البلد قبل حضوره (10) ، ونحو ذلك.
وينبغي جوازه (11) أيضا لغرض صحيح ككثرة الصلحاء ، وشدة الفقر ، ووجود من يرجع إليه (12) في أحكام ذلك (13) ، كما يجوز نقل الزكاة للغرض ،
______________________________________________________
(1) أي وفي حكم الصرف في بلد المال الاحتساب على غائب.
(2) أي صرف الجميع في بلد واحد والمال في بلاد شتى.
(3) وهي ما لو كان في النقل تغرير في المال أو تأخير في إخراج الوصية وإلا فلا إشكال.
(4) وهو الثلث.
(5) أي ثلث مجموع التركة.
(6) ولازمها إخراج ثلث كل مال في بلده.
(7) من هذه الإشكالات ، والأوسط هو تأخير الإخراج ، والإشكالات هي التغرير وتأخير الإخراج وإخراج ثلث المجموع من بعض مال التركة.
(8) تعليل لتوجه الأوسط.
(9) على الإخراج.
(10) أي حضور الوقت الذي عينه الموصي.
(11) أي جواز نقل الثلث إلى بلد الموصي.
(12) وهو الحاكم.
(13) أي أحكام صرف الوصية.
ص: 71
وأما التغرير (1) فغير لازم في جميع أفراد النقل (2) ، وأما إخراج الثلث (3) من بعض الأموال فالظاهر أنه لا مانع منه ، إذ ليس الغرض الإخراج من جميع أعيان التركة ، بل المراد إخراج ثلثها بالقيمة ، إلا أن يتعلق غرض الموصي بذلك (4) ، أو تتفاوت فيه مصلحة الفقراء.
والمعتبر صرفه إلى الموجدين في البلد ، ولا يجب تتبع الغائب (5) ، ويجب الدفع إلى ثلاثة فصاعدا (6) ، لا في كل بلد ، بل المجموع.
(ولو أوصي له بأبيه (7) فقبل وهو (8) مريض ثم مات) الموصى له(عتق) أبوه
______________________________________________________
(1) وهو الأول من اللوازم الثلاثة.
(2) فلا بد من الاقتصار على موارد الخطر في مقام عدم جواز النقل ، على أنه قد يكون في إبقائه في بلد المال تغرير فيه إذا كان هناك خطر في البقاء فيجب النقل.
(3) أي إخراج ثلث المجموع وهو الثالث من اللوازم الثلاثة.
(4) أي بالإخراج من جميع أعيان التركة.
(5) وكيف كان مما تقدم من جواز النقل وعدمه فلا بد من دفع الثلث إلى الموجودين في البلد ولا يجب تتبع من غاب ، لأن الفقراء غير منحصرين فلا يجب الاستيعاب ولا تتبع من ليس بالبلد لعدم انحصارهم.
(6) فيجب أن يعطى ثلاثة فصاعدا عملا بمقتضى اللفظ ، لأن الفقراء جمع وأقله ثلاثة ، نعم من يقول إن أقله اثنان اكتفى بهما ، هذا والمدار على الثلاثة في ثلث مجموع التركة ، وليس في كل بلد ، عملا بظاهر لفظ الوصية أيضا.
(7) لو أوصى لرجل بأب الموصى له ، وقبل الوصية وهو مريض مرض الموت ، عتق عليه من أصل المال بلا خلاف فيه ، وإن كان منجزات المريض من الثلث ، لأن المعتبر من الثلث ما يخرجه المريض عن ملكه بنفسه اختيارا كما لو باشر عتقه فيكون فيه ضرر بالوارث فيخرج من الثلث حينئذ.
ومقامنا ليس كذلك ، لأن الموصى له لم يخرجه عن ملكه حتى يكون من التنجيز ، بل بالقبول ملكه ولكن الله هو الذي أخرجه عن ملكه حين ملكه بالقبول ، فقد انعتق عليه تبعا لملكه بغير اختياره.
نعم عن بعض العامة أن الخروج من الثلث كما لو أعتقه اختيارا ، وعن العلامة في التحرير أنه قوّاه لأن اختيار السبب وهو القبول اختيار للمسبب وهو الانعتاق عليه حين ملكه.
(8) أي الموصى له.
ص: 72
(من صلب ماله) ، لأنه لم يتلف على الورثة (1) شيئا مما هو محسوب مالا له وإنما يعتبر (2) من الثلث ما يخرجه عن ملكه كذلك (3) ، وإنما ملكه هنا بالقبول (4) وانعتق عليه قهرا تبعا لملكه.
ومثله (5) ما لو ملكه بالإرث ، أو بالاتهاب (6) على الأقوى (7) ، أما لو ملكه بالشراء فإنه ينعتق من الثلث على الأقوى (8) ، لاستناد العتق إلى حصول الملك الناشئ عن الشراء. وهو (9) ملكه في مقابلة عوض ، فهو بشرائه ما لا يبقى في ملكه مضيع للثمن على الوارث ، كما لو اشتري ما يقطع بتلفه. ويحتمل اعتباره (10) من الأصل ، لأنه مال متقوم بثمن مثله ، إذ الفرض ذلك ، والعتق أمر قهري طرأ بسبب القرابة. وضعفه واضح ، لأن بذل الثمن في مقابلة ما قطع بزوال ماليته محض التضييع على الوارث.
______________________________________________________
(1) أي ورثة نفس الموصى له.
(2) أي ويعتبر منجز المريض من الثلث ما لو أتلف على الورثة شيئا باختياره.
(3) أي باختياره.
(4) علق الشارح كما في الطبعة الحجرية بقوله : (وهنا لم يخرجه المريض كذلك ، وإنما أخرجه الله تعالى عن ملكه بالقبول ، وانعتق عليه تبعا لملكه بغير اختياره فلم يكن مفوّتا بغير اختياره ، وإنما جاء الفوات من قبل الله تعالى).
(5) أي أنه يخرج من الأصل لا من الثلث.
(6) وكان ملكه في المرض هذا من جهة ومن جهة أخرى يشترط في الهبة أن لا تكون معوّضة وإلا فهو ينعتق عليه من الثلث كما لو ملكه بالشراء.
(7) وفي قباله احتمال وليس قولا لأحد ، وهو أنه ينعتق عليه من الثلث لتحقق الملك في المرض فيكون من جملة أمواله وانعتاقه يفوّت عليهم المالية ، وفيه : إنه لم يتلف على الورثة لأن العتق قهري ، ولم يبذل في إزائه شيئا من أمواله حتى يقال أنه فوّت على الورثة شيئا ماليا.
(8) لأن تملكه له بالشراء تملك له باختياره.
(9) أي الشراء.
(10) كما هو المحكي عن العلامة في القواعد ، لأنه يحجر عليه في التبرعات ولا تنفذ من الأصل بل من الثلث ، والشراء هنا ليس تبرعا فلا يكون محجورا عليه ، مع أن العتق قد حصل بغير اختياره فلا يعتبر إخراجه من الثلث.
ص: 73
(ولو قال : أعطوا زيدا والفقراء فلزيد النصف) (1) لأن الوصية لفريقين فلا ينظر إلى آحادهما كما لو أوصى لشخصين ، أو قبيلتين.
(وقيل : الربع) ، لأن أقل الفقراء ثلاثة من حيث الجمع وإن كان جمع كثرة ، لما تقدم من دلالة العرف واللغة على اتحاد الجمعين (2) ، فإذا شرّك بين زيد ، وبينهم بالعطف كان كأحدهم.
ويضعف بأن التشريك بين زيد والفقراء ، لا بينه وبين آحادهم فيكون زيد فريقا ، والفقراء فريقا آخر.
وفي المسألة وجه ثالث وهو أن يكون زيد كواحد منهم ، لأنهم وإن كانوا جمعا يصدق بالثلاثة ، لكنه يقع على ما زاد (3) ولا يتعين (4) الدفع إلى ثلاثة ، بل
______________________________________________________
(1) إذا قال : اعطوا زيدا والفقراء كذا ، كان لزيد النصف من الوصية كما لو أوصى لفريقين مختلفي العدد فلا ينظر إلى آحادهما ، وقيل له الربع لأن أقل الفقراء ثلاثة وقد شرك بينهم وبين زيد بالعطف فيكون كأحدهم ، وفيه : إن التشريك بينه وبين الفقراء وليس التشريك بينه وبين آحادهم ، فهو حينئذ فريق والجمع فريق آخر ، ثم لو سلم أن التشريك بينه وبين آحادهم فليس له الربع ضرورة عدم انحصار الجمع في ثلاثة إذ قد يكونوا أكثر من ذلك ، وكون الثلاثة أقل الجمع لا يوجب المصير إليها مع وجود اللفظ الشامل لها ولغيرها.
هذا ويحكى عن بعض العامة قول ثالث وهو أن يكون زيد كأحد الفقراء ، فإن كان أفراد الفقراء أربعة زيد عليهم زيد وقسمت الوصية على خمسة وهكذا.
وعن بعض منهم قول رابع أنه يعطى أقل ما يتموّل به ولا يجوز حرمانه وإن كان غنيا ، وعن خامس أنه إن كان فقيرا فهو كأحدهم وتخصيصه للاهتمام به ، وإن كان غنيا فله النصف ، وعن سادس إن كان غنيا فله الربع وإلا فالثلث لدخوله فيهم ، وعن سابع أن الوصية في حق زيد باطلة لجهالة من أضيف إليه ، وهذه الأوجه كلها ضعيفة ما عدا الأولين وقد تقدم تضعيف الثاني وتقوية الأول.
ثم هذا كله إذا أطلق لفظ زيد ، وكذا لو وصفه بوصف الجماعة فقال : لزيد الفقير والفقراء كذا وكذا ، أو وصفه بغير صفة الجماعة كما لو قال : لزيد الكاتب والفقراء.
وعلى كل حال فلا بد من الصرف إلى ثلاثة من الفقراء مراعاة لصيغة الجمع.
(2) جمع الكثرة وجمع القلة.
(3) من أربعة أو خمسة وهكذا.
(4) أي يتعين الزائد عن الثلاثة.
ص: 74
يجوز إلى ما زاد ، أو يتعين حيث يوجد في البلد ومقتضى التشريك أن يكون كواحد منهم. وهو أمتن من السابق ، وإن كان الأصح الأول
(ولو جمع بين) عطية(منجزة) في المرض (1) كهبة ، ووقف ، وإبراء ، (ومؤخرة) (2) إلى بعد الموت(قدمت المنجزة) (3) من الثلث وإن تأخرت في اللفظ ، فإن بقي من الثلث شي ء بدء بالأول فالأول من المؤخرة كما مرّ ، ولا فرق في المؤخرة (4) بين أن يكون فيها واجب (5) يخرج من الثلث ، وغيره (6). نعم لو كان مما يخرج من الأصل (7) قدم مطلقا (8).
واعلم أن المنجزة تشارك الوصية في الخروج من الثلث في أجود القولين (9) ،
______________________________________________________
(1) أي مرض الموت.
(2) وهي الوصية.
(3) قد تقدم الكلام فيها عند البحث فيما لو أوصى بأمور متعددة.
(4) من حيث تقديم المنجزة عليها.
(5) وهو الواجب البدني.
(6) وهو ما ليس فيه واجب بدني.
(7) كالواجب المالي كالحج.
(8) سواء تأخر في الذكر أم تقدم.
(9) ذهب الأكثر على أن تصرفات المريض المنجزة المتبرع بها في مرض الموت من الثلث للأخبار.
منها : صحيح علي بن يقطين (سألت أبا الحسن عليه السلام : ما للرجل من ماله عند موته ، قال : الثلث والثلث كثير) (1) ، وصحيح يعقوب بن شعيب عن أبي عبد الله عليه السلام (عن الرجل يموت ماله من ماله ، فقال : ثلث ماله) (2) وخبر علي بن عقبة عنه عليه السلام (في رجل حضره الموت فأعتق مملوكا ليس له غيره فأبى الورثة أن يجيزوا ذلك ، كيف القضاء فيه ، قال عليه السلام : ما يعتق منه إلا ثلثه ، وساير ذلك الورثة أحق بذلك ، ولهم ما بقي) (3) ، وما روته العامة (أن رجلا من الأنصار أعتق ستة أعبد له في مرضه ، لا مال له غيرهم ، فاستدعاهم رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم وجزأهم ثلاثة أجزاء ، وأقرع بينهم ، فأعتق اثنين -
ص: 75
وأن خروجها من الثلث يعتبر حال الموت (1) ، وأنه يقدم الأسبق (2) منها فالأسبق لو قصر الثلث عنها (3) ، وتفارقها (4) في تقديمها عليها (5) ، ولزومها (6) من قبل المعطي ، وقبولها (7) كغيرها من العقود (8) ، وشروطها شروطه (9) ، وأنه لو برئ من مرضه
______________________________________________________
- وأرق أربعة) (1) وخبر أبي ولّاد عن أبي عبد الله عليه السلام (عن الرجل يكون لامرأته عليه دين فتبرؤه منه في مرضها ، قال : بل تهبه له فتجوز هبتها له ويحسب ذلك من ثلثها إن كانت تركته شيئا) (2) ، وعن المفيد والشيخ في النهاية وابن البراج وابن إدريس أنها تخرج من الأصل لعموم النبوي (الناس مسلطون على أموالهم) (3) ، وخبر عمار عن أبي عبد الله عليه السلام (الرجل أحق بماله ما دام فيه الروح ، وإن أوصى به كله فهو جائز) (4) ، ومثله غيره والترجيح للأول لأنه أكثر عددا وأصح سندا.
(1) أي يعتبر ثلث التركة في زمن الوفاة ولا يعتبر الثلث حين صدور المنجز كما هو ظاهر النصوص المتقدمة.
(2) لما تقدم من تقديم الأسبق في الوصايا بحيث لو استوعب الأسبق الثلث ، لكان المريض فيما بعد قد تصرف في مال قد تعلق به حق الغير فيبطل إلا مع إجازة الوارث.
(3) عن المنجزة.
(4) أي تفارق المنجزة الوصية.
(5) وقد تقدم.
(6) أي لزوم المنجزة كلزومها لو صدرت من الصحيح ، وهذا بخلاف الوصية فإنه يجوز للموصي العدول عنها كما سيأتي.
(7) أي قبول المنجزة.
(8) بل هي كل فعل تبرعي كالهبة والوقف والإبراء فيجري في المنجزة ما يجري في هذه المذكورات.
(9) أي وشروط المنجزة شروط العقد ، وقد علّق الشارح كما في الطبعة الحجرية بقوله : (المنجزة شروطها الشروط المعتبرة فيها - أي العقود - كما لو صدرت حال الصحة مع العلم بالعوض في المحاباة ، والتنجيز في البيع وغيره من العقود ، بخلاف الوصية ، فإنها متعلقة بالموت ، وعدم الضرر ليست شرطا في ضمنها).
ص: 76
لزمت (1) من الأصل ، بخلاف الوصية (2).
(ويصح) للموصي(الرجوع في الوصية) (3) ما دام حيّا(قولا ، مثل رجعت ، أو نقضت ، أو أبطلت) ، أو فسخت ، أو هذا لوارثي أو ميراثي ، أو حرام على الموصى له ، (أو لا تفعلوا كذا) ، ونحو ذلك من الألفاظ الدالة عليه ، (أو فعلا ، مثل بيع العين الموصى بها) وإن لم يقبضها ، (أو رهنها) مع الاقباض قطعا ، وبدونه على الأقوى (4).
______________________________________________________
(1) ولا تتوقف على إذن الورثة وإن زادت على الثلث ، بل وإن مات بعد ذلك بمرض آخر أو بغير مرض بلا خلاف فيه لعموم قاعدة تسلط الناس على أموالهم ولم يخرج عنه إلا بمقدار دلالة الدليل ، وهو فيما لو تبرع بشي ء وقد مات في نفس المرض.
(2) فإنها من الثلث مطلقا.
(3) يجوز رجوع الموصي في الوصية متى شاء في صحة أو مرض بلا خلاف فيه للأخبار.
منها : موثق بريد العجلي عن أبي عبد الله عليه السلام (لصاحب الوصية أن يرجع فيها ويحدث في وصيته ما دام حيا) (1) ، وصحيح ابن مسكان عنه عليه السلام (قضى أمير المؤمنين عليه السلام أن المدبّر من الثلث ، وأن للرجل أن ينقض وصيته فيزيد فيها وينقص منها ما لم يمت) (2) وصحيح محمد بن مسلم عنه عليه السلام (للرجل أن يرجع في ثلثه إن كان أوصى في صحة أو مرض) (3).
هذا ويتحقق الرجوع من الموصي بالتصريح به لفظا بلا خلاف فيه نحو : رجعت أو نقضت أو فسخت أو لا تعطوه ما أوصيت به له ، وكذا مما يدل على الرجوع ظاهرا كأن يقول : هذا - ويشير إلى الموصى به - لوارثي ، أو هذا حرام على الموصى له.
ويتحقق الرجوع بفعل ينافي الوصية ، كما لو باع ما أوصى به أو أعتقه أو أوصى ببيعه أو هبته أو رهنه ، وهذا الفعل ينافي الوصية لإيجابه انتفاء محلها ، وترتفع الوصية عند فوات موضوعها.
(4) لما دل على أن الرهن يقتضي تسليط المرتهن على بيع الرهن عند تعذر استيفاء الدين وهو مناف لتمليك الرهن بالوصية لغير المرتهن ، وعمم حكم الرهن مع القبض وبدونه في قبال من جعل الرهن لازما على الراهن عند الإقباض فقط ، والأصح كما حرر في محله لزوم عقد الرهن على الراهن ولو مع عدم الإقباض.
ص: 77
ومثله (1) ما لو وهبها (2) ، أو أوصى بها لغير من أوصى بها له أولا (3) ،
والأقوى أن مجرد العرض (4) على البيع والتوكيل فيه (5) وإيجابه وإيجاب العقود الجائزة المذكورة (6) كاف في الفسخ ، لدلالته عليه (7) ، لا تزويج العبد والأمة ، وإجارتهما ، وختانهما ، وتعليمهما ، ووطء الأمة بدون الإحبال (8) ، (أو) فعل (9) ما يبطل الاسم ويدل على الرجوع مثل(طحن الطعام ، أو عجن الدقيق) أو غزل القطن أو نسج مغزوله(أو خلطه بالأجود) (10) بحيث لا يتميز ، وإنما قيد
______________________________________________________
(1) أي مثل الرهن.
(2) لأن الهبة دالة على تمليك العين لغير الموصى له وهذا إبطال للوصية ، وإن قلنا إن لزوم عقد الرهن على الراهن ولو مع عدم الإقباض.
(3) كانت الوصية الثانية ناسخة ورجوعا عن الأولى كما تقدم.
(4) قال الشارح في المسالك عن الفعل الدال على الرجوع عن الوصية : (وهو فعل ما يدل على إرادة الرجوع وإن لم يكن صريحا ، ويتحقق بفعل مقدمات الأمور التي لو تحققت لناقضت الوصية كالعرض على البيع مريدا له ، فإنه قرينة دالة على إرادة الرجوع عن الوصية ، ومثله العرض على الهبة فضلا عن الشروع فيها قبل إكمال ما يوجب لزومها ، وفي معناه العرض على العقد الموجب لنقل الملك ، أو المنع من التصرف كالقرض والصلح والرهن ، ولو دلت القرينة في هذه المواضع على عدم إرادة الرجوع بذلك بل كان الفرص أمرا آخر عوّل عليها) انتهى.
(5) في البيع.
(6) من الهبة والوصية.
(7) أي لدلالة الإيجاب على الفسخ.
(8) فهذه المذكورات لا تدل على الرجوع عن الوصية ، نعم مع الإحبال الموجب لصدق أم الولد بحيث لا يجوز بيعها ولا نقلها عن ملكه لتشبثها بالحرية من نصيب ولدها ، فيكون دالا على الرجوع وإن لم ينو الرجوع بالإحبال.
(9) أي ويتحقق الرجوع بالتصرف المبطل للاسم وهو التصرف في الموصى به على نحو أخرجه عن مسماه كما لو أوصى بحنطة فطحنها ، أو دقيق معجنه وخبره أو بدار فهدمها وهكذا ، فعن غير واحد أنه يتحقق الرجوع نظرا إلى أن الموصى به هو المسمى باسم خاص ، ومع التغيير ينعدم موضوع الوصية فلا بد أن ترتفع.
(10) قد تقدم أن التصرف الموجب لبطلان الاسم رجوع عن الوصية ، ولكن هل الخلط كخلط الزيت بمثله موجب لهذا التصرف المبطل أو لا ، قال الشارح في المسالك : (ولو خلط -
ص: 78
بالأجود لإفادته الزيادة في الموصى به ، بخلاف المساوي والأردى ء ، وفي الدروس لم يفرق بين خلطه بالأجود وغيره في كونه رجوعا ، وفي التحرير لم يفرق كذلك في عدمه (1). والأنسب عدم الفرق (2) ، وتوقف كونه رجوعا على القرائن الخارجة فإن لم يحكم بكونه رجوعا يكون (3) مع خلطه بالأجود شريكا بنسبة القيمتين (4).
(الفصل الرابع في الوصاية) (5)
بكسر الواو وفتحها وهي استنابة الموصي غيره بعد موته في التصرف فيما
______________________________________________________
- الزيت بمماثله جنسا فإن كان الغير أجود فظاهرهم القطع بكونه رجوعا لاشتمال حصته على زيادة ولم يحصل منه الرضا ببذلها مع عدم إمكان فصلها ، وإن خلطه بمساو أو أردإ فمفهوم كلام المصنف - أي المحقق في الشرائع - أنه لا يكون رجوعا لبقاء المال وعدم اشتماله على وصف مانع ، وهو ظاهر مع المساواة ، ومع الأردى ء يكون القدر الناقص من الوصف بمنزلة إتلاف الموصى له فيبقى الباقي على الأصل ، وأطلق جماعة كون الخلط موجبا للرجوع وهو حسن مع انضمام قرينة تدل عليه) انتهى.
(1) أي عدم كونه رجوعا.
(2) أي في الجميع فالخلط إما رجوع وإما عدمه في الجميع.
(3) أي الموصي.
(4) فقيمة الموصى به قبل الخلط أقل من قيمته بعد الخلط ، فله من الموصى به النسبة بين القيمتين.
(5) بكسر الواو وفتحها وهي الولاية على طفل أو مجنون أو قضاء الديون واستيفائها ورد الودائع واسترجاعها وتفريق الحقوق الواجبة عليه والمتبرع بها ، والولاية على الطفل والمجنون هو ولاية على أموالهم للنظر فيها والتصرف فيها بما فيه مصلحتهم.
ولا فرق بين الوصية والوصاية إلا أن الوصية مما يعتبر فيها القبول وأما الوصاية فلا يعتبر فيها القبول بل يبطلها الرد على وجه يبلغ الموصي كما سيأتي التعرض له ، وعليه فالوصاية ليست من العقود ، ومنه تعرف ضعف ما عن العلامة في القواعد وثاني المحققين والشهيدين أنها من العقود ، بل في الحدائق الظاهر اتفاقهم عليه ، ووجه الضعف أن العقد متقوم بالإيجاب والقبول مع أن المشهور قد ذهب إلى أن المعتبر في لزوم الوصاية عدم الرد الذي يبلغ الموصي ، وهو أعم من القبول ، بل يتحقق بالرد مع عدم القبول وهو مناف لدعوى كونها عقدا. -
ص: 79
كان له التصرف فيه ، من إخراج حق ، أو استيفائه ، أو ولاية على طفل ، أو مجنون يملك (1) الولاية عليه بالأصالة (2) ، أو بالعرض (3) (وإنما تصح الوصية على الأطفال بالولاية من الأب والجد له) وإن علا(أو الوصي) لأحدهما(المأذون له (4) من أحدهما) في الإيصاء لغيره ، فلو نهاه عنه (5) لم تصح إجماعا ، ولو أطلق (6)
______________________________________________________
- ثم إنه لا تصح الوصية بالولاية على الأطفال إلا من الأب أو الجد للأب خاصة أو من الوصي الذي قد نص في وصايته على جواز الوصية لغيره المعنى أو المطلق ، وأما الحاكم فلا تصح الوصاية منه على الأطفال بعد موته ، لأن له الولاية على الأطفال والمجانين بما هو حاكم وقاض ، وهذا يقتضي ولاية نفسه حال الحياة ، ولا دليل على أن له الولاية بعد الوفاة عليهم حتى تجوز وصايته ، ولذا قال الشارح في المسالك : (لما كانت الولاية على الغير من الأحكام المخالفة للأصل ، إذ الأصل عدم جواز تصرف الإنسان في مال غيره بغير إذنه أو ما في معناه ، وجب الاقتصار في نصب الولي على الأطفال على محل النص أو الوفاق ، وهو نصب الأب والجد له ، فلا يجوز للحاكم وإن كان وليا عليهم أن ينصّب بعده عليهم وليا ، لأن ولايته مقصورة عليه حيا وإذا مات ارتفع حكمه ، وإن جاز أن يوكل حيّا عليهم لأن له الولاية حينئذ) انتهى.
ولا ولاية للأم عليهم فلا تصح وصايتها عليهم لشخص بلا خلاف فيه إلا من الإسكافي. ودليل المشهور الأصل الذي ذكره الشارح بعد عدم الدليل ، وقد صرح أكثر من واحد بعدم العثور على ما يصلح دليلا لابن الجنيد.
(1) أي يملك الموصي.
(2) كالأب والجد.
(3) وهو الموصي الذي أذن له بالوصاية.
(4) أي للأب.
(5) أي فلو نهى أحدهما الوصي عن الإيصاء بعد موته.
(6) إذا أذن الموصي للموصي أن يوصي على ما أوصاه به من أطفال أو حقوق جاز بلا خلاف فيه لوجود الاذن ، ولا خلاف في عدم الجواز مع النهي ، وإنما الخلاف فيما إذا أطلق ولم يأذن له ولكن لم يمنعه ، فعن الأكثر المنع للأصل ، ولأن المتبادر من استنابة الوصي هو التصرف مباشرة بنفسه ، وأما تفويض التصرف إلى غيره بعد الموت فلا دليل عليه.
وعن الشيخ وابن الجنيد وابن البراج جواز الإيصاء له ، لمكاتبة الصّفار في الصحيح إلى أبي محمد الحسن بن علي عليه السلام (رجل كان وصيّ رجل فمات وأوصى إلى رجل ، هل يلزم الوصي وصية الرجل الذي كان هذا وصيّه ، فكتب : يلزمه بحقه إن كان له قبله -
ص: 80
قيل : جاز لظاهر مكاتبة الصفار ، ولأن الموصي أقامه مقام نفسه فيثبت له من الولاية ما ثبت له ، ولأن الاستنابة من جملة التصرفات المملوكة له بالنص.
وفيه منع دلالة الرواية ، وإقامته مقام نفسه ، في فعله مباشرة كما هو الظاهر ، ونمنع كون الاستنابة من جملة التصرفات ، فإن رضاه بنظره مباشرة لا يقتضي رضاه بفعل غيره ، لاختلاف الأنظار والأغراض في ذلك ، والأقوى المنع.
(ويعتبر في الوصي الكمال) بالبلوغ (1) ، والعقل (2) ، فلا يصح إلى الصبي بحيث يتصرف حال صباه مطلقا (3) ، ولا إلى مجنون كذلك (4) (والإسلام) (5) فلا
______________________________________________________
- حق إن شاء الله) (1) ، ولأن الموصي أقام الوصي مقام نفسه ، فيثبت للوصي من الولاية ما يثبت للموصي ، والموصي له حق الوصاية فكذا الوصي ، ولأن الوصاية من جملة التصرفات التي يملكها الوصي حال حياته ، لأن له الولاية عليهم.
وفيه : أما المكاتبة فمحمولة على كون ذلك بالاذن الصادر من الموصي ، وإقامة الموصي للوصي مقام نفسه ليباشر الأمر بنفسه ونظره فهو لا يدل على إقامته ليوصي أيضا فإنه عين المتنازع ، ونمنع كون الوصاية من جملة التصرفات التي يملكها الوصي وهل هذا إلا عين المتنازع فيه.
(1) فلا تصح الوصية إلى الصبي منفردا بلا خلاف فيه لسلب عبارته وأفعاله فيكون ممنوعا من الولاية على الآخرين ، وأما الوصاية إليه منضما إلى البالغ فسيأتي الكلام فيها.
(2) فلا تصح الوصية إلى المجنون سواء كان أدواريّا أو مطبقا بلا خلاف فيه لعدم صلاحيته للولاية بعد سلب عبارته وأفعاله بالجنون بل لو طرأ الجنون بطلت وصايته لخبر الدعائم عن علي عليه السلام (لا يزيل الوصي إلا ذهاب عقل أو ارتداد أو تبذير أو خيانة أو ترك سنة ، والسلطان وصي من لا وصي له ، والناظر لمن لا ناظر له) (2).
(3) ولو قلنا بجواز الوصاية إليه منضما إلى البالغ ولكن لا يجوز له التصرف حينئذ.
(4) أي مطلقا ولو قلنا بجواز الوصاية إليه منضما إلى العاقل.
(5) لا خلاف في اشتراط الإسلام في الوصي إذا كان الموصي مسلما ، فلا تصح وصاية المسلم إلى الكافر ولو كان رحما ، لقوله تعالى : ( وَلَنْ يَجْعَلَ اللّٰهُ لِلْكٰافِرِينَ عَلَى الْمُؤْمِنِينَ -
ص: 81
تصح الوصية إلى كافر وإن كان رحما ، لأنه ليس من أهل الولاية على المسلمين ، ولا من أهل الأمانة ، وللنهي عن الركون إليه (1) ، (إلا أن يوصي الكافر إلى مثله) إن لم نشترط العدالة في الوصي لعدم المانع حينئذ ، ولو اشترطناها فهل تكفي عدالته في دينه (2) ، أم تبطل مطلقا (3) وجهان : من أن (4) الكفر أعظم من فسق المسلم ، ومن أن الغرض (5) صيانة مال الطفل وأداء الأمانة ، وهو يحصل بالعدل منهم.
والأقوى المنع بالنظر إلى مذهبنا (6). ولو أريد صحتها (7) عندهم وعدمه (8) فلا غرض لنا في ذلك ، ولو ترافعوا إلينا فإن رددناهم إلى مذهبهم وإلا فاللازم الحكم ببطلانها (9) بناء على اشتراط العدالة ، إذ لا وثوق بعدالته في دينه ، ولا ركون إلى أفعاله ، لمخالفتها لكثير من أحكام الإسلام.
______________________________________________________
سَبِيلاً ) (1) ، وقوله تعالى : ( لٰا يَتَّخِذِ الْمُؤْمِنُونَ الْكٰافِرِينَ أَوْلِيٰاءَ مِنْ دُونِ الْمُؤْمِنِينَ وَمَنْ يَفْعَلْ ذٰلِكَ فَلَيْسَ مِنَ اللّٰهِ فِي شَيْ ءٍ ) (2).
وأما وصاية الكافر لمثله فلا إشكال في جوازها إن لم نعتبر العدالة في الوصي.
(1) إلى الكافر لقوله تعالى : ( وَلٰا تَرْكَنُوا إِلَى الَّذِينَ ظَلَمُوا فَتَمَسَّكُمُ النّٰارُ ) (3).
(2) كما مال إليه في الجواهر لأن الغرض صيانة مال الطفل وأداء الأمانة ، وإذا كان الكافر في دينه مجانبا للمحرمات قائما بالأمانات حصل الغرض المطلوب منه بخلاف فاسق المسلمين.
(3) وإن كان عدلا في دينه.
(4) دليل لبطلان الوصاية.
(5) دليل الصحة.
(6) لأنه يشترط العدالة في الوصي بحسب ما لها من معنى في ديننا.
(7) أي صحة الوصاية.
(8) أي وعدم ما ذكرناه من الصحة.
(9) أي بطلان الوصاية المذكورة.
ص: 82
(والعدالة في قول قوي) (1) ، لأن الوصية استئمان ، والفاسق ليس أهلا له ، لوجوب التثبت عند خبره ، ولتضمنها (2) الركون إليه ، والفاسق ظالم منهي عن الركون إليه ، ولأنها (3) استنابة إلى الغير فيشترط في النائب العدالة كوكيل الوكيل ، بل أولى ، لأن تقصير وكيل الوكيل مجبور بنظر الوكيل والموكل وتفحصهما على مصلحتهما ، بخلاف نائب الميت (4) ، ورضاه به (5) غير عدل لا يقدح في ذلك (6) ،
______________________________________________________
(1) ذهب المشهور إلى اشتراط العدالة في الوصي لأدلة.
الأول : لأن الوصية استئمان على مال الأطفال والفاسق لا أمانة له لوجوب التثبت عند خبره لقوله تعالى : ( إِنْ جٰاءَكُمْ فٰاسِقٌ بِنَبَإٍ فَتَبَيَّنُوا ) (1).
(2) الدليل الثاني وحاصله أن الوصية تتضمن الركون باعتبار فعل ما أوصي إليه به من تفرقة المال وإنفاقه وصرفه على الأطفال ، والفاسق ظالم لا يجوز الركون إليه لقوله تعالى : ( وَلٰا تَرْكَنُوا إِلَى الَّذِينَ ظَلَمُوا فَتَمَسَّكُمُ النّٰارُ ) (2) ، وفيه : إن الوصاية ليست ركونا ، ولو سلم فالممنوع الركون إلى خصوص الظالم من الفاسق ، لا مطلق الفاسق وإن كان ظالما في نفسه ، لأن الظاهر من الآية هو الظالم لغيره لا لنفسه.
(3) الدليل الثالث وحاصله أن الوصية استنابة على مال الغير الذي هو الطفل وليس على مال الموصي ، لانتقاله عنه بموته ، فيشترط في النائب العدالة كوكيل الوكيل ، بل العدالة هنا أولى ، لأن تقصير وكيل الوكيل مجبور بنظر الوكيل والموكل بخلاف الوصي فإنه لا يشاركه فيها أحد ولا يتبع أفعاله.
(4) الذي هو الوصي.
(5) أي ورضا الموصي بالوصي جواب عن سؤال مقدر ، أما السؤال : كيف لا تصح الوصاية عند قول الموصي : هذا وصيي ولو كان فاسقا ، فقد رضي به وإن كان غير عادل ، ومع الرضا فلا بد من الحكم بالصحة.
وأما الجواب : فالرضا بكونه فاسقا لا يقدح في اشتراط العدالة في الوصي ، لأن مقتضى الوصاية إثبات الولاية بعد الموت ، وحينئذ لا أهلية للميت حتى يأذن ويرضى بولاية شخص على الغير ، بخلاف الوكالة في مال الحياة فرضاه بفسق الوكيل مؤثر في الصحة لأهليته للاذن حينئذ.
(6) في اشتراط العدالة في الوصي.
ص: 83
لأن مقتضاها (1) إثبات الولاية بعد الموت (2) وحينئذ (3) فترتفع أهليته (4) عن الإذن والولاية ، ويصير التصرف متعلقا بحق غير المستنيب (5) من طفل ، ومجنون ، وفقير ، وغيرهم فيكون أولى باعتبار العدالة من وكيل الوكيل (6) ، ووكيل الحاكم ، على مثل هذه المصالح. وبذلك (7) يظهر ضعف ما احتج به نافي اشتراطها (8) من أنها (9) في معنى الوكالة ، ووكالة الفاسق جائزة اجماعا وكذا استيداعه ، لما عرفت (10) من الفرق بينها (11) ، وبين الوكالة ، والاستيداع ، فإنهما متعلقان بحق الموكل والمودع ، وهو مسلّط على إتلاف ماله فضلا عن تسليط غير العدل عليه ، والموصي إنما سلطه على حق الغير ، لخروجه (12) عن ملكه بالموت مطلقا (13) ، مع أنا نمنع أن مطلق الوكيل والمستودع لا يشترط فيهما العدالة (14).
______________________________________________________
(1) أي مقتضى الوصاية.
(2) أي موت الموصي.
(3) أي وحين موت الموصي.
(4) أي أهلية الموصي.
(5) وهو نفس الموصي.
(6) لأن الوكالة متقومة بإذنه حال الحياة ، وهو في هذه الحال أهل للاذن.
(7) أي بما ذكر من الوجوه.
(8) ذهب ابن إدريس والمحقق في النافع والعلامة في بعض كتبه إلى عدم اعتبار العدالة ، للأصل وإطلاق أدلة الوصاية ، وإلى أنها تابعة لاختيار الموصي كالوكالة ، مع أنه يجوز توكيل الفاسق فكذا يجوز توكيل الوصي وفيه : إن الأصل منقطع بما تقدم من الوجوه ، وبها يقيّد إطلاق الأدلة ، وللفرق بين الوصاية والوكالة بأن الوكالة تسليط على ماله بخلاف الوصاية فإنها تسليط على مال الغير ، وبأن الوكالة أذن بالتصرف في حال حياته وهو تحت نظره يراعيه في تتبع المصلحة ، بخلاف الوصاية فهي إذن بالتصرف بعد مماته وهو غير أهل للأذن وليس هناك أحد يراعيه ويتتبع أفعاله.
(9) أي الوصاية.
(10) تعليل لبيان ضعف القول بعدم الاشتراط.
(11) أي بين الوصاية.
(12) وهو حق الغير من مال الأطفال.
(13) حتى الثلث.
(14) لأن إيداع مال الطفل ونحوه والوكالة فيه مما يشترط فيها عدالة الوكيل والمستودع ، فالتشبيه بمطلق الوكيل والمستودع غير تام.
ص: 84
وأعلم أن هذا الشرط (1) إنما اعتبر ليحصل الوثوق بفعل الوصي ، ويقبل خبره به (2) ، كما يستفاد ذلك من دليله (3) ، لا في صحة الفعل في نفسه ، فلو أوصى لمن ظاهره العدالة وهو فاسق في نفسه ففعل مقتضى الوصية فالظاهر نفوذ فعله (4) ، وخروجه عن العهدة.
ويمكن كون ظاهر الفسق كذلك (5) لو أوصى إليه فيما بينه ، وبينه (6) وفعل مقتضاه (7) ، بل لو فعله (8) ظاهرا كذلك (9) لم يبعد الصحة ، وإن حكم ظاهرا بعدم وقوعه (10) ، وضمانه (11) ما ادعى فعله.
وتظهر الفائدة (12) لو فعل مقتضى الوصية باطلاع عدلين (13) ، أو باطلاع الحاكم (14) ، إلا أن ظاهر اشتراط العدالة ينافي ذلك كله. ومثله (15) يأتي في نيابة
______________________________________________________
(1) وهو اشتراط عدالة الوصي.
(2) أي بما فعل الوصي.
(3) أي من دليل الشرط المذكور.
(4) للقطع بموافقة فعله لمقتضى الوصية.
(5) أي فعله صحيح ونافذ لو وافق مقتضى الوصية.
(6) أي بين الموصي وبين ظاهر الفسق ولم يطلع أحد.
(7) أي مقتضى ما أوصى به.
(8) أي فعل الموصي الإيصاء ظاهرا بحيث كان بينه وبين الوصي غيرهما.
(9) أي وفعل الوصي بمقتضى الوصاية.
(10) أي بعدم وقوع ما فعله الوصي الذي هو ظاهر الفسق.
(11) أي وحكم ظاهرا بضمان الوصي ، هذا وما قاله الشارح هنا فقد تابع به العلامة في التذكرة والمحقق الثاني في جامعه ، وتبعهم سيد الرياض ، وفيه : إنه رفع لليد عن اشتراط العدالة في الوصي.
(12) في الضمان وعدمه.
(13) فلا ضمان لحجية البينة التي شهدت بكون فعله على مقتضى الوصية.
(14) فلا ضمان لحجية العلم الذاتية ، والحاكم هو الذي سيحكم بالضمان وهو عالم بكون فعله على مقتضى الوصية ، وهذا كله بخلاف ما لو فعل مقتضى الوصية واقعا ولا دليل على الإثبات ظاهرا فإنه يحكم بالضمان عليه.
(15) أي ومثل ما تقدم في الوصي المشترط فيه العدالة وقد أوصى إلى من ظاهره العدالة وهو فاسق في نفسه إلى آخر ما تقدم.
ص: 85
الفاسق عن غيره في الحج ونحوه (1).
وقد ذكر المصنف وغيره أن عدالة النائب شرط في صحة الاستنابة (2) لا في صحة النيابة (3).
(وكذا) يشترط في الوصي(الحرية) (4) فلا تصح وصاية المملوك لاستلزامها التصرف في مال الغير بغير إذنه (5) ، كما لا تصح وكالته(إلا أن يأذن المولى) فتصح لزوال المانع ، وحينئذ فليس للمولى الرجوع في الإذن بعد موت الموصي ، ويصح قبله ، كما إذا قبل الحر.
______________________________________________________
(1) كالصلاة والصيام ، فتشترط العدالة في النائب لا لصحة الفعل بل للوثوق في تحقق الفعل ، فلو استناب ظاهر العدالة وكان فاسقا في نفسه وقد عمل بمقتضى النيابة فلا بد من الحكم بصحة الفعل ، وكذا مع اشتراط العدالة وقد استناب ظاهر الفسق بينه وبينه وقد عمل بمقتضى النيابة ، وكذا مع اشتراط العدالة وقد استناب ظاهر الفسق وكانت النيابة أمام الغير وقد عمل بمقتضى النيابة بشهادة عدلين أو بعلم الحاكم.
أما لو استناب ظاهر الفسق أمام الغير وقد عمل بمقتضى النيابة واقعا ولكن لا دليل على الإثبات ظاهرا فلا بد من الحكم بعدم صحة الفعل وبعدم خروجه عن العهدة.
(2) أي جعل الغير نائبا.
(3) أي قيام الغير بالفعل عنه ، وما ذلك إلا لكون العدالة في النائب حينئذ لا لصحة الفعل في نفسه بل ليحصل الوثوق بإخباره.
(4) فلا تصح الوصاية إلى المملوك بلا خلاف فيه ، لأن منافعه مملوكة لمولاه والوصاية إليه تستدعي صرف شي ء من منافعه في السعي على تنفيذها وهو مستلزم للتصرف في ملك الغير بغير إذن مولاه فلا يجوز.
نعم لو أذن المولى جاز ، لأن المنع لحقه ، خلافا لبعض العامة حيث منع من الوصاية إليه مطلقا وهو ضعيف.
ثم إذا تقرر ذلك فلو أذن المولى له في الوصاية لم يكن له الرجوع في الاذن حيث يلزم الوصي بالمضي فيها أن مات الموصي ، نعم قبل موت الموصي لا يلزم الوصي بالمضي لجواز الرد الذي يبلغ الموصي فيجوز حينئذ للمولى الرجوع لكن بشرط إعلام الموصي كالحر ، وبالجملة فيقوم المولى مقام الوصي وإن كان فعل متعلق الوصاية منوطا بالمملوك.
(5) أي إذن المولى المستفاد من السياق.
ص: 86
(وتصح الوصية إلى الصبي منضما إلى كامل) (1) لكن لا يتصرف الصبي حتى يكمل ، فينفرد الكامل قبله ثم يشتركان فيها مجتمعين. نعم لو شرط عدم تصرف الكامل إلى أن يبلغ الصبي اتبع شرطه ، وحيث يجوز تصرف الكامل قبل بلوغه لا يختص بالضروري ، بل له كمال التصرف ، وإنما يقع الاشتراك في المتخلف (2) ، ولا اعتراض للصبي بعد بلوغه في نقض ما وقع من فعل الكامل موافقا للمشروع (3) (وإلى المرأة (4) والخنثى (5)) عندنا مع اجتماع الشرائط (6) ، لانتفاء
______________________________________________________
(1) قد تقدم عدم جواز الوصاية إلى الصبي منفردا لسلب عبارته وأفعاله شرعا ، ولكن تصح الوصاية إليه منضما إلى البالغ الكامل ولكن لا يتصرف الصبي إلا بعد بلوغه ، وفائدة نصبه جواز تصرفه بعد البلوغ على وجه يكون شريكا للبالغ الكامل ، بلا خلاف فيه لخبر علي بن يقطين (سألت أبا الحسن عليه السلام عن رجل أوصى إلى امرأة وشرّك في الوصية معها صبيا ، فقال عليه السلام : يجوز ذلك وتمضي المرأة الوصية ولا تنتظر بلوغ الصبي ، فإذا بلغ الصبي فليس له أن لا يرضى إلا ما كان من تبديل أو تغيير ، فإن له أن يرده إلى ما أوصى به الميت) (1) ، وصحيح الصفّار قال : (كتبت إلى أبي محمد عليه السلام : رجل أوصى إلى ولده وفيهم كبار قد أدركوا وفيهم صغار ، أيجوز للكبار أن ينفذوا وصيته ويقضوا دينه لمن صح على الميت بشهود عدول قبل أن يدرك الأوصياء الصغار؟ فوقّع عليه السلام : نعم على الأكابر من الولد أن يقضوا دين أبيهم ولا يحبسوه بذلك) (2).
(2) إلى ما بعد البلوغ.
(3) من الوصية ، وإلا فله الاعتراض كما دل عليه ذيل خبر ابن يقطين المتقدم.
(4) تجوز الوصية إلى المرأة عندنا بلا خلاف لإطلاق أدلة الوصاية ، ولخصوص خبر علي بن يقطين المتقدم حيث صرح بكون الوصاية إلى المرأة والطفل ، وكذا تجوز الوصاية للأعمى لإطلاق الأدلة أيضا ، فما عن بعض العامة من منع الوصاية إليها ضعيف لعدم الدليل عليه سوى قياس الوصاية على القضاء ، والقياس باطل نعم روى السكوني في المرسل عن جعفر بن محمد عن أبيه عن آبائه عن أمير المؤمنين عليه السلام (المرأة لا يوصى إليها ، لأن الله تعالى يقول : ( وَلٰا تُؤْتُوا السُّفَهٰاءَ أَمْوٰالَكُمُ ) ) (3) ، وهو محمول على التقية لموافقته للعامة.
(5) لعدم خروجه عن الذكر أو الأنثى مع صحة الوصاية إليهما.
(6) من البلوغ والعقل والإسلام والعدالة والحرية.
ص: 87
المانع ، وقياس الوصية على القضاء واضح الفساد.
(ويصح تعدد الوصي (1) فيجتمعان) لو كانا اثنين في التصرف ، بمعنى (2) صدوره عن رأيهما ونظرهما وإن باشره أحدهما(إلا أن يشترط (3) لهما الانفراد) فيجوز حينئذ لكل واحد منهما التصرف بمقتضى نظره ، (فإن تعاسرا (4)) فأراد
______________________________________________________
(1) لو أوصى إلى اثنين فصاعدا جاز بلا خلاف فيه للأخبار الآتية ، وعليه فإما أن يشترط اجتماعهما - وإما أن يشترط انفرادهما وإما أن يطلق ، فإن شرط اجتماعهما والمراد بالاجتماع صدور الفعل عن رأيهما ونظرهما وإن باشره أحدهما لم يجز لأحدهما أن ينفرد عن صاحبه بشي ء من التصرف اتباعا لشرط الموصي.
وكذا لو شرط عليهما الانفراد فلا يجوز لهما الاجتماع أيضا ، ولو أطلق فهل يجب الاجتماع أو يجوز الانفراد ، فالمشهور على الأول لأن ثبوت الولاية لهما على نحو الاجتماع معلوم وثبوتها لكل واحد منفردا مشكوك والأصل يقتضي العدم ، ولصحيح الصفّار (كتبت إلى أبي محمد عليه السلام : رجل كان أوصى إلى رجلين أيجوز لأحدهما أن ينفرد بنصف التركة والآخر بالنصف؟ فوقّع عليه السلام : لا ينبغي لهما أن يخالفا الميت وأن يعملا على حسب ما أمرهما إن شاء الله تعالى) (1) ،
وعن الشيخ في أحد قوليه والقاضي ابن البراج جواز الانفراد عند الإطلاق لموثق بريد بن معاوية (إن رجلا مات وأوصى إليّ وإلى آخر أو إلى رجلين ، فقال أحدهما : خذ نصف ما ترك وأعطني النصف مما ترك ، فأبى عليه الآخر ، فسألوا أبا عبد الله عليه السلام عن ذلك فقال : ذلك إليه) (2) ، بناء على أن ذلك إليه ظاهرة في كون القسمة للطالب وهي من حقه ، مع أنه يحتمل أن يكون المراد أن إباء القسمة حق للآخر وهو الأقرب لكونه الأخير ، والضمير يرجع إلى الأخير عند تعدد مرجعه المحتمل ، ومع الاحتمال يبطل الاستدلال ، على أنه لا يصلح لمعارضة صحيح الصفّار المتقدم ، لكونه صحيحا وقد عمل به المشهور.
(2) تفسير للاجتماع المشروط.
(3) بمعنى يجوز ويرخّص.
(4) بناء على اشتراط الاجتماع أو في صورة الإطلاق على مبنى المشهور ، والتعاسر هو التشاح ، بحيث أبى كل منهما على صاحبه أن يوافقه على وجه لا ينافي عدالتهما لتخيل كل منهما الصلاح في ضدّ ما يقوله الآخر ، فما ينفرد به كل واحد منهما عن صاحبه لا -
ص: 88
أحدهما نوعا من التصرف ومنعه الآخر(صح) تصرفهما(فيما لا بدّ منه كمئونه اليتيم) ، والدابة ، واصلاح العقار ، ووقف غيره (1) على اتفاقهما ، (وللحاكم) الشرعي(إجبارهما على الاجتماع) (2) من غير أن يستبدل بهما مع الإمكان ، إذ لا ولاية له فيما فيه وصي ، (فإن تعذر) عليه جمعهما(استبدل بهما) (3) تنزيلا لهما بالتعذر منزلة المعدوم ، لاشتراكهما (4) في الغاية (5). كذا أطلق الأصحاب ، وهو يتم مع عدم اشتراط عدالة الوصي ، أما معه فلا ، لأنهما بتعاسرهما يفسقان ، لوجوب المبادرة إلى إخراج الوصية مع الإمكان فيخرجان بالفسق عن الوصاية ، ويستبدل بهما الحاكم فلا يتصور إجبارهما على هذا التقدير (6) ، وكذا لو لم نشترطها (7) وكانا عدلين ، لبطلانها (8) بالفسق (9) حينئذ على المشهور (10).
______________________________________________________
- ينفذ لأن الموصي لم يرض برأيه منفردا فتصرفه كذلك ، نعم ما لا بدّ منه ككسوة اليتيم ومأكوله ونفقة الرقيق والدواب وكفن الميت وزاد بعضهم قضاء ديونه وإنفاذ وصيته المعينة وقبول الهبة عن الصغير مع خوف فوات النفع والخصومة عن الميت ورد الوديعة والعين المغصوبة فلو تصرف أحدهما حينئذ ينفذ للضرورة.
(1) أي غير الذي لا بدّ منه.
(2) للحاكم الشرعي إجبارهما على الاجتماع مع الإمكان من غير استبدال لهما لعدم ولاية له فيما فيه للميت وصيّ ، وعن الحلبي أنه يردهما الحاكم إلى أعلمهما وأقواهما ويجعل الثاني تبعا له ، وفيه : إنه ترجيح لأحدهما وقد منعه الموصي عند ما شرط اجتماعهما.
(3) فإن تعذر على الحاكم جمعهما جاز له الاستبدال بهما حذرا من الترجيح بلا مرجح ، وصونا لوصايا الميت من التعطيل ، وحفظا للمال عن التلف.
(4) أي التعذر والعدم.
(5) من تعطيل وصايا الميت وتلف المال.
(6) أي على تقدير اشتراط عدالة الوصي ، وفيه : إن عدم متابعة كل منهما للآخر إذا كان عن التشهي والعناد فنعم ، وإذا كان عن مصلحة بحيث يرى كل واحد منهما المصلحة في ضد ما يقوله الآخر فالتشاح لا يوجب الفسق ، بل الإجابة لطلب الآخر هي الموجبة للفسق حينئذ.
(7) أي العدالة.
(8) أي الوصاية.
(9) المسبب عن التشاح ، وقد عرفت ما فيه.
(10) لو أوصى إلى عدل ففسق بعد موت الموصي تبطل الوصية على المشهور وإن لم تشترط -
ص: 89
نعم لو لم نشترطها (1) ولا كانا عدلين أمكن إجبارهما مع التشاحّ ، (وليس لهما قسمة المال) (2) ، لأنه خلاف مقتضى الوصية من الاجتماع في التصرف.
(ولو شرط لهما الانفراد (3) ففي جواز الاجتماع نظر) ، من أنه خلاف الشرط فلا يصح ، ومن أن الاتفاق على الاجتماع يقتضي صدوره عن رأي كل واحد منهما (4) ، وشرط الانفراد اقتضى الرضا برأي كل واحد ، وهو (5) حاصل إن لم يكن هنا آكد.
والظاهر أن شرط الانفراد رخصة لهما ، لا تضييق. نعم لو حصل لهما في حال الاجتماع نظر مخالف له (6) حال الانفراد توجه المنع ، لجواز كون المصيب هو
______________________________________________________
- عدالة الموصي ، وعن الحلي الجزم بعدم البطلان ، وعن المحقق في الشرائع التردد في الإبطال ، ومستند المشهور أن الوصاية إليه من حيث هو عادل ولا ريب في انتفاء الموضوع عند انتفاء وضعه ، نعم لو أوصى إلى العدل لا من حيث عدالته بل من حيث ذاته ففسق فلا بد من الحكم ببقاء الوصاية بناء على صحة الوصاية للفاسق كما هو المفروض.
(1) أي العدالة في الموصي.
(2) لو أرادا قسمة المال بينهما بحيث يكون لكل منهما تصرف في مجال وقد وجب عليهما الاجتماع كما هو الفرض لم تجز بلا خلاف فيه ولا إشكال ، لأنه على خلاف مقتضى الوصاية من الاجتماع.
(3) لو شرط لهما الانفراد ففي جواز الاجتماع نظر ، من أنه على خلاف الشرط فلا يصح ، ومن اقتضاء الاتفاق على الاجتماع صدور الفعل عن رأي كل واحد منهما مع أن شرط الانفراد اقتضاء الرضا برأي كل واحد ، وهو حاصل عند الاجتماع إن لم يكن آكد فيكون شرط الانفراد رخصة لا تضييق.
والإنصاف القول أنه إذا فهم من شرط الانفراد بواسطة القرائن الرخصة فلا إشكال في جواز الاجتماع ، وإن فهم التضييق فلا إشكال في عدم الجواز ، وإن لم يظهر شي ء فالظاهر عدم الجواز لأن ثبوت الولاية لهما منفردين معلوم وثبوتها لهما مجتمعين مشكوك ، والأصل العدم.
(4) أي صدور الفعل برأي كل واحد حاصل عند الاجتماع.
(5) لضم رأي الغير إلى رأيه فيكون أقرب إلى الواقع.
(6) للنظر.
ص: 90
حالة الانفراد ولم يرض الموصي إلا به (1) ، (ولو نهاهما عن الاجتماع (2) اتبع) قطعا عملا بمقتضى الشرط الدال صريحا على النهي عن الاجتماع فيتبع.
(ولو جوّز لهما الأمرين) (3) الاجتماع والانفراد(أمضي) ما جوّزه وتصرف كل منهما كيف شاء من الاجتماع ، والانفراد(فلو اقتسما المال) في هذه الحالة(جاز) بالتنصيف ، والتفاوت حيث لا يحصل بالقسمة ضرر ، لأن مرجع القسمة حينئذ (4) إلى تصرف كل منهما في البعض (5) وهو (6) جائز بدونها ، ثم بعد القسمة لكل منهما التصرف في قسمة الآخر وإن كانت في يد صاحبه ، لأنه وصي في المجموع فلا تزيل القسمة ولايته فيه (7) (ولو ظهر من الوصي) المتحد ، أو المتعدد على وجه يفيد الاجتماع (8) (عجز (9) ضم الحاكم إليه معينا) ، لأنه بعجزه خرج
______________________________________________________
(1) أي إلا بالانفراد لكونه هو القدر المتيقن عند شرط الانفراد.
(2) أي شرط الانفراد ونهاهما عن الاجتماع اتبع شرطه عملا بالنهي عن تبديل الوصية قال تعالى: ( فَمَنْ بَدَّلَهُ بَعْدَ مٰا سَمِعَهُ فَإِنَّمٰا إِثْمُهُ عَلَى الَّذِينَ يُبَدِّلُونَهُ ) (1) ، ولعموم الوفاء بالشرط.
(3) فلو جوّز لهما الاجتماع والانفراد بمعنى أنه قد أذن لكل وصي في كل من الاجتماع والانفراد كان تصرف كل واحد منهما ماضيا ولو انفرد ، ويجوز أن يقتسما المال ويتصرف كل واحد منهما فيما يصيبه وفيما في يد صاحبه كما يجوز الانفراد قبل القسمة ، بلا خلاف ولا إشكال لكون الفرض شمول الاذن لكل ذلك.
ولا فرق في جواز القسمة بين جعلها متساوية ومتفاوتة حيث لا يحصل بها ضرر على الورثة.
(4) حين الجواز.
(5) وهو البعض الحاصل لكل منهما بالقسمة.
(6) أي والتصرف جائز لكل منهما في هذا البعض بدون القسمة.
(7) أي في القسم الآخر الذي تحت يد صاحبه.
(8) بحيث شرط عليهما الاجتماع أو أطلق وقلنا إن الإطلاق محمول على الاجتماع كما هو مبنى المشهور وقد تقدم.
(9) فلو عجز أحدهما عن القيام بتمام ما يجب عليه من العمل بالوصية لمرض ونحوه ضم إليه -
ص: 91
عن الاستقلال المانع (1) من ولاية الحاكم ، وبقدرته على المباشرة في الجملة لم يخرج عن الوصاية بحيث يستقل الحاكم فيجمع بينهما (2) بالضم.
ومثله (3) ما لو مات (4) أحد الوصيين على الاجتماع (5) ، أما المأذون لهما في الانفراد فليس للحاكم الضم إلى أحدهما بعجز الآخر ، لبقاء وصي كامل (6).
وبقي قسم آخر (7) وهو ما لو شرط لأحدهما الاجتماع وسوّغ للآخر
______________________________________________________
- الحاكم من يعينه ، فيكون التصرف لثلاثة وإن كان الرأي لاثنين ، بلا خلاف فيه إلا من الشهيد في الدروس فإنه ذهب إلى أن الحاكم يضم إلى الآخر لا إلى العاجز فيكون التصرف كالنظر إلى اثنين.
وفيه : إن مرضه وعجزه لا يخرجه عن الوصاية لجواز الوصاية إلى المريض والعاجز ابتداء فكذا استدامة ، وكذا لو كان الوصي منفردا فعجز أو مرض على نحو منعه ذلك عن القيام بتمام ما عليه من الوصاية ضمّ إليه الحاكم من يعينه ولا ترتفع وصايته بالكلية.
نعم لو عجز أحدهما عن القيام بالوصاية أصلا لموت أو جنون أو فسق أو غيبة بعيدة فعن الأكثر أنه يستقل الآخر بالتصرف من غير أن يضم إليه الحاكم بدلا ، وعن المحقق في النافع والعلامة في جملة من كتبه والفخر والشهيدين وجماعة أنه يضم إلى الآخر أمين من قبله.
ووجه الأول أنه لا ولاية للحاكم مع وجود الوصي ، وهو موجود هنا ، لأن نصب الآخر الذي بطلت وصايته لم يخرج الأول عن كونه وصيا ولهذا يقال : نصب وصيين.
ووجه الثاني أن الموصي لم يرض برأي أحدهما منفردا فتصرفه لوحده مناف لمقصود الموصي ، وهو الأقوى.
(1) صفة للاستقلال.
(2) بين خروجه عن الاستقلال وعدم خروجه بالكلية.
(3) أي ومثل العجز في الجملة.
(4) وكذا لو جن أو فسق بناء على اشتراط العدالة في الوصي والضابط هو : عجزه عن القيام بأصل الوصاية.
(5) بحيث شرط اجتماعهما ، وقد عرفت أن الأكثر على عدم الضم بل يستقل الآخر بالتصرف.
(6) ولا ولاية للحاكم مع وجود وصي كامل للميت كما هو موجود هنا.
(7) هذا القسم وما بعده راجعان إلى أصل المسألة وهي ما لو أوصى إلى متعدد ، فتارة يطلق -
ص: 92
الانفراد فيجب اتّباع شرطه فيتصرف المستقل بالاستقلال (1) ، والآخر مع الاجتماع خاصة.
وقريب منه ما لو شرط لهما الاجتماع موجودين ، وانفراد الباقي بعد موت الآخر ، أو عجزه فيتبع شرطه ، وكذا يصح شرط مشرف (2) على أحدهما بحيث لا يكون للمشرف شي ء من التصرفات وإنما تصدر عن رأيه (3) فليس للوصي التصرف بدون إذنه (4) مع الإمكان ، فإن تعذر ولو بامتناعه ضم الحاكم إلى الوصي معينا (5) كالمشروط له (6) الاجتماع على الأقوى (7) ، لأنه في معناه (8) حيث لم يرض برأيه منفردا ، وكذا يجوز اشتراط تصرف أحدهما في نوع خاص ، والآخر في الجميع منفردين ، ومجتمعين على ما اشتركا فيه.
(ولو خان) (9) ....
______________________________________________________
- وأخرى بشرط الاجتماع وثالثة بشرط الانفراد ، ورابعة بتسويغ الأمرين وهذا ما تقدم ، وخامسة يشترط على أحدهما الاجتماع ويسوّغ للآخر الانفراد فيجب اتباع الشرط فيستقل المنفرد ولا يتصرف الآخر إلا مع الاجتماع كما هو واضح ، وسادسة اشتراط الاجتماع حال حياتهما أو حال قدرتهما على القيام بأصل الوصاية بحيث لو مات أحدهما أو عجز انفرد الباقي فكذلك يجب اتباع شرطه ، ويمكن فرض صور أخرى.
(1) وأيضا مع الاجتماع.
(2) أي اشتراط ناظر على أحدهما أو كليهما.
(3) رأي المشرف.
(4) إذن المشرف.
(5) يكون بديلا عن المشرف وله نفس أفعاله.
(6) أي تعيين الحاكم بديلا عن المشرف كتعيين الحاكم بديلا عن أحد الوصيين إذا شرط اجتماعهما وقد عجز أحدهما عن القيام بأصل الوصاية.
(7) لم أعثر على مخالف في هذا الفرع.
(8) أي لأن المشرف في معنى الوصي الآخر حيث لم يرض الموصى برأي الوصي منفردا.
(9) إن ظهر من الوصي خيانة عزله الحاكم وأقام أمينا غيره بلا خلاف فيه ، لأن الحاكم له حق العزل مراعاة لحق الأطفال وأموال الصدقات ونحوها.
وعن المسالك أنه متوقف على عزل الحاكم إن لم نشترط العدالة في الوصي ، وإلا فلو اشترطناها فالأجود انعزاله بنفس الفسق ولو لم يعزله الحاكم لفقدان الشرط المعتبر في -
ص: 93
الوصي المتحد ، أو أحد المجتمعين (1) ، أو فسق بغير الخيانة (2) (عزله الحاكم) ، بل الأجود انعزاله بذلك من غير توقف على عزل الحاكم ، لخروجه عن شرط الوصاية(وأقام) الحاكم(مكانه) وصيا مستقلا إن كان المعزول واحدا ، أو منضما إلى الباقي إن كان أكثر (3) (ويجوز للوصي استيفاء دينه مما في يده) (4) من غير توقف على
______________________________________________________
- الوصي ويشهد له خبر الدعائم عن أمير المؤمنين عليه السلام (لا يزيل الوصي إلا ذهاب عقل أو ارتداد أو تبذير أو خيانة أو ترك سنة) (1).
(1) أي خان أحد الوصيين اللذين شرط عليهما الاجتماع ، وهو احتراز ما لو فسق أحد المنفردين وذلك عند الوصاية لاثنين وجوّز أو شرط عليهما الانفراد ، والوصي الآخر يغني عن إقامة بديل للخائن.
(2) بناء على اشتراط العدالة في الوصي.
(3) وقد شرط الاجتماع ، ثم ما تقدم مبني على كون الخائن أحدهما أما لو كانت الخيانة منهما فينعزلان ويقيم الحاكم مكانهما وهكذا.
(4) لو كان للوصي دين على الميت جاز أن يستوفي دينه مما في يده من غير إذن الحاكم إذا لم يكن له بنيّة على إثبات حقه كما عن الشيخ في النهاية ، لأنه مقاصّه ولا يجوز التقاص مع وجود البينة ، ولموثق بريد بن معاوية عن أبي عبد الله عليه السلام (قلت له : إن رجلا أوصى إليّ فسألته أن يشرك معي ذا قرابة له ففعل ، وذكر الذي أوصى إليّ أن له قبل الذي أشركه في الوصية خمسين ومائة درهم عنده ، ورهن بها جاما من فضة ، فلما هلك الرجل أنشأ الوصي يدّعى أن له قبله أكرار حنطة ، قال عليه السلام : إن أقام البينة وإلا فلا شي ء له ، قلت له : أيحلّ له أن يأخذ مما في يديه شيئا؟ قال عليه السلام لا يحل له ، قلت : أرأيت لو أن رجلا عدا عليه فأخذ ماله فقدر على أن يأخذ من ماله ما أخذ ، أكان ذلك له؟ قال عليه السلام : إن هذا ليس مثل هذا) (2) وعن ابن إدريس والشهيدين وجماعة أنه يجوز له الاستيفاء سواء كان له حجة أو لا ، لأن الفرض كونه وصيا في إثبات الديون ووفائها فيجوز له إيفاء الديون التي على الميت سواء كانت له أو لغيره ، ولأنه بقضاء دين الميت محسن له وقال تعالى : ( مٰا عَلَى الْمُحْسِنِينَ مِنْ سَبِيلٍ ) (3).
ولا يلتفت هنا إلى البينة وعدمها لأن الغرض منها هو الإثبات عند الحاكم لجواز كذب المدعي ، وعلمه بدينه أقوى في الإثبات من البينة التي يجوز عليها الخطأ ، وأما الرواية فهي -
ص: 94
حكم الحاكم بثبوته (1) ، ولا على حلفه على بقائه (2) ، لأن ذلك (3) للاستظهار ببقائه ، لجواز إبراء صاحب الدين ، أو استيفائه ، والمعلوم هنا خلافه (4) ، والمكلف بالاستظهار هو الوصي (5) ، (و) كذا يجوز له(قضاء ديون الميت التي يعلم بقاءها) إلى حين القضاء (6) ، ويتحقق العلم بسماعه إقرار الموصي بها قبل الموت بزمان لا يمكنه بعده القضاء ، ويكون المستحق ممن لا يمكن في حقه الإسقاط كالطفل والمجنون. وأما ما (7) كان أربابها مكلفين يمكنهم اسقاطها فلا بد من إحلافهم على بقائها وإن علم بها سابقا (8) ، ولا يكفي إحلافه إياهم إلا إذا كان مستجمعا لشرائط الحكم (9) ، وليس للحاكم أن يأذن له (10) في التحليف استنادا إلى علمه (11) بالدين ، بل لا بدّ من ثبوته عنده (12) ، لأنه (13) تحكيم لا يجوز لغير أهله.
______________________________________________________
- محمولة على استيفاء أحد الوصيين دينه مع أنه قد شرط عليهما الاجتماع ولم يثبت الدين عند الآخر وهو أجنبي عن مقامنا ، لأن الكلام فيه في صورة ثبوت الدين عند الوصي.
(1) أي بثبوت الدين.
(2) أي ولا على حلف الوصي على بقاء الدين.
(3) أي الحلف.
(4) حيث إن المفروض هو بقاء دين الوصي على الميت بعد الموت.
(5) لو أدعي على الميت بدين من أجنبي فالوصي هو الذي يطلب الحلف للاستظهار على بقاء الدين إلى ما بعد الموت ، وهنا كيف يطلب الحلف من نفسه وهو قاطع بالبقاء.
(6) أما قضاء ديون الميت فواضح لأنه من جملة أعمال الوصي ، وأما إلى حين القضاء لأنه لو لم يعلم بثبوتها إلى ذلك الوقت فلا يجوز قضائها لاحتمال براءة ذمة الميت منها بالوفاء أو الإبراء من الدائن ونحو ذلك.
(7) أي من الديون.
(8) لاحتمال إسقاطها من قبل أربابها.
(9) بحيث ادعى رب الدين بقائه إلى ما بعد الموت وله بينة على إثبات أصل الدين فحينئذ يحلفه الوصي على البقاء ، وقد تقدمت المسألة في باب القضاء.
(10) للوصي.
(11) أي عمّ الوصي.
(12) أي لا بد من ثبوت الدين عند الحاكم.
(13) أي ثبوت الدين.
ص: 95
نعم (1) له بعد ثبوته عنده بالبينة توكيله في الإحلاف ، وله (2) ردّ ما يعلم كونه وديعة ، أو عارية ، أو غصبا ، أو نحو ذلك من الأعيان التي لا يحتمل انتقالها عن ملك مالكها إلى الموصي ، أو وارثه في ذلك الوقت.
(ولا يوصي) الوصي إلى غيره عمن أوصى إليه ، (إلا بإذن منه) له (3) في الإيصاء على أصح القولين وقد تقدم (4) ، وإنما أعادها لفائدة التعميم ، إذ السابقة مختصة بالوصي على الطفل ومن بحكمه (5) من أبيه (6) وجده وهنا شاملة لسائر الأوصياء (7) ، وحيث يأذن له فيه (8) يقتصر على مدلول الإذن فإن خصه بشخص ، أو وصف اختص (9) ، وإن عمم أوصى إلى مستجمع الشرائط (10) ، ويتعدى الحكم (11) إلى وصي الوصي أبدا مع الإذن فيه (12) ، لا بدونه.
(و) حيث لا يصرح له بالإذن في الإيصاء (13) (يكون النظر بعده) (14) في وصية الأول (15) (إلى الحاكم) (16) ، لأنه وصي من لا وصي له ، (وكذا) حكم كل
______________________________________________________
(1) أي للحاكم.
(2) أي للوصي.
(3) أي إلا بإذن من الموصي للوصي في الإيصاء إلى الغير.
(4) في أوائل بحث الوصاية.
(5) كالمجنون.
(6) واحدهما هو الموصي.
(7) حال كون الوصي وصيا على الطفل وعلى رد الودائع ووفاء الدين واستيفائه ونحو ذلك.
(8) في الإيصاء.
(9) للنهي عن تبديل الوصية ، وقد تقدم مرارا.
(10) من كونه مسلما بالغا عاقلا حرا عادلا بناء على اشتراط الأخير.
(11) وهو الإيصاء للغير.
(12) في الإيصاء.
(13) سواء نهى عنه أو لم يأذن ولم يمنع.
(14) بعد الوصي.
(15) أي الموصي.
(16) وهو الفقيه الجامع لشرائط الفتوى بلا خلاف فيه ، لأن ذلك من شئون القضاة وقد -
ص: 96
(من مات ولا وصي له ، ومع تعذر الحاكم) لفقده ، أو بعده بحيث يشق الوصول إليه عادة(يتولى) انفاذ الوصية(بعض عدول المؤمنين) (1) من باب الحسبة (2) ، والمعاونة على البر والتقوى المأمور بها (3).
واشتراط العدالة يدفع محذور إتلاف مال الطفل وشبهه ، والتصرف فيه (4)
______________________________________________________
- جعله الشارع قاضيا وحاكما كما في مقبولة ابن حنظلة (1) ومرفوعة أبي خديجة (2).
(1) هل يجوز النظر في تركة الميت وأطفاله وديونه والحقوق التي له وعليه لعدول المؤمنين ممن يوثق بهم عند فقد الجميع أو لا ، ذهب ابن إدريس إلى العدم لأن ذلك أمر موقوف على الاذن الشرعي وهو منتف.
وعن الأكثر الجواز لما فيه من المعاونة على البر والتقوى المأمور بها بقوله تعالى : ( وَتَعٰاوَنُوا عَلَى الْبِرِّ وَالتَّقْوىٰ ) (3) ، ولقوله تعالى : ( الْمُؤْمِنُونَ وَالْمُؤْمِنٰاتُ بَعْضُهُمْ أَوْلِيٰاءُ بَعْضٍ ) (4) وقد خرج منه ما أجمع على عدم ولايتهم فيه فيبقى الباقي على عمومه ، ولأن ذلك من المعروف والمصالح الحسبية التي يستفاد الاذن فيها من عموم أدلة الأمر بالمعروف ، ومثل هذا كاف في الاذن الشرعي ، ولخصوص خبر محمد بن إسماعيل (مات رجل من أصحابنا ولم يوص فرفع أمره إلى قاضي الكوفة فصيّر عبد الحميد القيّم بماله ، وكان الرجل خلّف ورثة صغارا ومتاعا وجواري ، فباع عبد الحميد المتاع ، فلما أراد بيع الجواري ضعف قلبه عن بيعهنّ إذا لم يكن الميت صيّر إليه وصيته ، وكان قيامه فيها بأمر القاضي لأنهن فروج ، قال : فذكرت ذلك لأبي جعفر عليه السلام وقلت له : يموت الرجل من أصحابنا ولا يوصي إلى أحد ويخلّف جواري فيقيم القاضي رجلا منا فيبيعهنّ ، أو قال : يقوم بذلك رجل فيضعف قلبه لأنهن فروج ، فما ترى في ذلك؟ فقال : إذا كان القيّم به مثلك أو مثل عبد الحميد فلا بأس) (5).
(2) أي إن القيام به من باب احتساب أجره عند الله تعالى.
(3) بالمعاونة.
(4) فيه : أي ويدفع محذور التصرف في مال الطفل بدون إذن شرعي.
ص: 97
بدون إذن شرعي ، فإن ما ذكرناه هو الإذن ، وينبغي الاقتصار على القدر الضروري الذي يضطر إلى تقديمه قبل مراجعة الحاكم ، وتأخير غيره (1) إلى حين التمكن من إذنه (2) ، ولو لم يمكن لفقده لم يختص (3) ، وحيث يجوز ذلك (4) يجب (5) ، لأنه من فروض الكفاية.
وربما منع ذلك كله بعض الأصحاب ، لعدم النص. وما ذكر من العمومات كاف في ذلك. وفي بعض الأخبار ما يرشد إليه.
(والصفات المعتبرة في الوصي) من البلوغ والعقل والإسلام على وجه (6) والحرية ، والعدالة(يشترط حصولها حال الإيصاء) (7) ، لأنه وقت إنشاء العقد ،
______________________________________________________
(1) غير المضطر.
(2) إذن الحاكم.
(3) أي لم يختص التصرف بالضروري.
(4) أي تولي عدول المؤمنين.
(5) قال الشارح في المسالك : (ويستثنى من موضع الخلاف ما يضطر إليه الأطفال والدواب من المئونة وصائنة المال المشرف على التلف ، فإن ذلك ونحوه واجب على الكفاية على جميع المسلمين فضلا عن العدول منهم ، حتى لو فرض عدم ترك مورّثهم مالا فمئونة الأطفال ونحوهم من العاجزين عن التكسب واجب على المسلمين من أموالهم كفاية ، كإعانة كل محتاج وإطعام كل جائع يضطر إليه ، فمن مال المحتاج أولى ، وحيث يجوز لأحد فعل ذلك فالمراد به - أي الجواز - معناه الأعم ، والمراد منه الوجوب لما ذكرناه من أنه من فروض الكفايات) انتهى.
(6) إذا كان الموصي مسلما.
(7) اختلف الأصحاب في وقت اعتبار هذه الشروط هل هو عند الوصية أو عند الموت ، أو من حين الوصية إلى أن يموت الموصي ، أو من حينها إلى وقت التنفيذ بعد الموت أقوال أربعة.
الأول للأكثر ، قضاء لحق الشرط ، فالمشروط عدم عند عدم شرطه ، فلا تصح الوصية إلى شخص إلا إذا كان مستجمعا للشرائط المذكورة وهذا ما يستدعي تحققها حال الوصية ، ولأن الموصي في وقت الوصية منهي عن التفويض إلى من ليس بالصفات المذكورة ، والنهي في المعاملات إذا توجه إلى ركنها أوجب الفساد كما في المسالك وغيره.
والثاني بحيث لو أوصى إلى صبي مثلا فبلغ ثم مات الموصي صحت الوصية وكذا الكلام -
ص: 98
فإذا لم تكن مجتمعة لم يقع صحيحا (1) كغيره من العقود ، ولأنه (2) وقت الوصية ممنوع من التفويض إلى من ليس بالصفات (3).
وقيل : يكفي حصولها(حال الوفاة) حتى لو أوصى إلى من ليس بأهل فاتفق حصول صفات الأهلية له قبل الموت صح ، لأن المقصود بالتصرف هو ما بعد الموت وهو محل الولاية ولا حاجة إليها قبله.
ويضعف بما مر (4) (وقيل :) يعتبر(من حين الإيصاء إلى حين الوفاة) جمعا بين الدليلين.
والأقوى اعتبارها من حين الايصاء واستمراره (5) ما دام وصيا (6).
(وللوصي أجرة المثل عن نظره في مال الموصى عليهم مع الحاجة) (7) وهي
______________________________________________________
- في الحرية والعقل وباقي الشرائط ، لأن المقصود من الوصية التصرف بعد الموت فيعتبر اجتماع الشرائط حينئذ ، ولأن حين الموت هو محل ولاية الوصي فلا حاجة إلى وجود الشرائط المذكورة قبل ذلك لانتفاء الفائدة ، وفيه : أن الوصاية ثابتة من حين الوصية وإنما المتأخر هو التصرف ، فلا بدّ من ثبوت الشروط من حين تحقق الوصية.
والثالث هو مختار الشهيد في الدروس ، أما ثبوت الشروط من حين الوصية فلما مرّ في توجيه القول الأول ، وأما استمرارها إلى حين الوفاة لأن الوصاية من العقود الجائزة فمتى عرض اختلال أحد الشرائط بطلت كنظائرها.
والرابع لأن المعتبر من الشرط هو تحققه في زمن المشروط ، والمشروط هو الوصاية من حين إنشائها إلى حين التنفيذ ، وهذا ما قواه الشارح في المسالك والروضة هنا.
(1) لفوات الشرط الموجب لفوات المشروط.
(2) أي الموصي.
(3) أي بالشروط المعتبرة ، والنهي في المعاملات موجب للفساد إن تعلق بركنها.
(4) من كون الإيصاء وقت إنشاء العقد فلو لم تكن مجتمعة لبطل العقد بسبب فوات الشرط.
(5) أي استمرار الاعتبار.
(6) إلى حين التنفيذ.
(7) للوصي أخذ الأجرة مع الحاجة بلا خلاف فيه سواء كان الوصي وصيّا على الأيتام أو وصيا على صرف مال الوصية في مواضعها المقررة ، ولكن اختلفوا في مقدار ما يؤخذ.
فعن الشيخ في أحد أقواله والإسكافي والعلامة والمحقق أنه يأخذ أجره المثل ، وعن الشيخ -
ص: 99
الفقر ، كما نبه عليه تعالى بقوله : ( وَمَنْ كٰانَ فَقِيراً فَلْيَأْكُلْ بِالْمَعْرُوفِ ) (1) ولا يجوز
______________________________________________________
- في النهاية وابن إدريس يأخذ قدر الحاجة ، وعن الشيخ في خلافه وتبيانه يأخذ أقل الأمرين ، فإن كانت كفايته أقل من أجرة المثل فله قدر الكفاية وإلا فلو كان العكس فله أجرة المثل.
والأقوى الأول ، لأن أجرة المثل عوض عمله ، وعمله محترم ما دام غير متبرّع به ، فلا يضيّع عليه.
واستدل للثاني بقوله تعالى : ( وَمَنْ كٰانَ فَقِيراً فَلْيَأْكُلْ بِالْمَعْرُوفِ ) (1) ، والمعروف هو ما لا إسراف فيه ولا تقتير ، وفيه : إن أخذ أجرة المثل من غير زيادة معروف ، نعم الزيادة على ذلك غير معروف.
واستدل للثالث بأنه إذا كانت كفايته أقل من الأجرة فمع حصولها يكون غنيا ، والغني يجب عليه الاستعفاف لقوله تعالى : ( وَمَنْ كٰانَ غَنِيًّا فَلْيَسْتَعْفِفْ ) (2) ، فيجب عليه الاستعفاف عن الباقي ، وإذا كانت أجرة المثل أقل من كفايته فهو يستحق عوض عمله ولا يحلّ له أخذ الزائد ، ويردّه إطلاق صحيح هشام بن الحكم عن أبي عبد الله عليه السلام (سألته عمن تولى مال اليتم ، ماله أن يأكل منه؟ فقال لله عليه السلام : ينظر إلى ما كان غيره يقوم به من الأجر لهم فليأكل بقدر ذلك) (3) وهو شامل للأجر المساوي لكفايته والمغاير لها زيادة ونقصانا.
ثم إن الحلي والشارح في المسالك وسيد الرياض وجماعة اشترطوا الحاجة في الأخذ لظاهر قوله تعالى : ( وَمَنْ كٰانَ غَنِيًّا فَلْيَسْتَعْفِفْ ) (4) والأمر ظاهر في الوجوب ، وموثق سماعة عن أبي عبد الله عليه السلام (من كان يلي شيئا لليتامى وهو يحتاج ليس له ما يقيمه فهو يتقاضى أموالهم ويقوم في ضيعتهم ، فليأكل بقدر ولا يسرف ، وإن كان ضيعتهم لا تشغله عما يعالج نفسه فلا يرزأنّ من أموالهم شيئا) (5).
وعن الشيخ والإسكافي والعلامة في بعض كتبه جواز الأخذ للغني على كراهة وهو ضعيف لظهور الأمر في الآية بالوجوب.
(1) النساء آية : 6.
ص: 100
مع الغنى لقوله تعالى : ( وَمَنْ كٰانَ غَنِيًّا فَلْيَسْتَعْفِفْ ) (1).
وقيل : يجوز أخذ الأجرة مطلقا (2) ، لأنها عوض عمل محترم.
وقيل : يأخذ قدر الكفاية لظاهر قوله تعالى : ( فَلْيَأْكُلْ بِالْمَعْرُوفِ ) فإن المعروف ما لا إسراف فيه ، ولا تقتير من القوت.
وقيل : أقل الأمرين ، لأن الأقل إن كان أجرة المثل فلا عوض لعمله شرعا سواها ، وإن كان الأقل الكفاية فلأنها هي القدر المأذون فيه بظاهر الآية.
والأقوى جواز أخذ أقلهما مع فقره خاصة ، لما ذكر ، ولأن حصول قدر الكفاية يوجب الغنى فيجب الاستعفاف عن الزائد وإن كان (3) من جملة أجرة المثل.
(ويصح) للوصي(الرد) للوصية(ما دام) الموصي(حيا) مع بلوغه الرد (4) (فلو رد ولمّا يبلغ) الموصي(الردّ بطل الرد ، ولو لم يعلم بالوصية إلا بعد وفاة)
______________________________________________________
(1) النساء آية : 6.
(2) بقدر الكفاية أو أزيد ، وغنيا كان أو فقيرا.
(3) أي الزائد.
(4) الوصية من العقود الجائزة في حياة الموصي ، فيجوز للموصي الرجوع في وصيته كما يجوز للموصى له والوصي الرجوع وإن كان بعد القبول ، ولكن يختص حكم الوصاية بكون بطلانها مشروطا ببلوغ الموصي الرد ، فلو لم يبلغه لزمت كما لو رد بعد الوفاة ، وقد تقدم أن الرد بعد القبول والوفاة لا أثر له.
وظاهرهم الاتفاق عليه ، وفي الأخبار إيماء إليه ففي خبر منصور بن حازم عن أبي عبد الله عليه السلام (إذا أوصى الرجل إلى أخيه وهو غائب فليس له أن يرد عليه وصيته ، لأنه لو كان شاهدا فأبى أن يقبلها طلب غيره) (1) ومثله غيره.
أما لو رد في حياته وبلغه الرد فالوصاية باطلة اقتصارا على القدر المتيقن فيما خالف الأصل ، إذ الأصل عدم ثبوت حق على الموصى له والوصي بوجه قهري ، وخرجنا عنه فيما لو ردّ ولم يبلغه الرد للنصوص فيبقى الباقي.
ص: 101
(الموصي لزمه القيام بها) وإن لم يكن قد سبق قبول (1) (إلا مع العجز) عن القيام بها فيسقط وجوب القيام عن المعجوز عنه قطعا ، للحرج.
وظاهر العبارة أنه يسقط غيره (2) أيضا ، وليس بجيد. بل يجب القيام بما أمكن منها (3) ، لعموم الأدلة (4) ، ومستند هذا الحكم (5) المخالف للأصل من
______________________________________________________
(1) الحكم السابق من عدم أثر الرد لو لم يبلغ الموصي ، ومن أثره عند البلوغ مبني على كون الرد بعد القبول ، وأما لو لم يقبل الوصي لعدم علمه بالوصية إلا بعد الوفاة فالمشهور بين الأصحاب أن الحكم كذلك بأن الرد يقع باطلا للأخبار.
منها : صحيح محمد بن مسلم عن أبي عبد الله عليه السلام (قال : إن أوصى رجل إلى رجل وهو غائب فليس له أن يرد وصيته ، وإن أوصى إليه وهو بالبلد فهو بالخيار إن شاء قبل وإن شاء لم يقبل) (1) ، وصحيح الفضيل عن أبي عبد الله عليه السلام (في رجل يوصى إليه قال عليه السلام : إذا بعث بها إليه من بلد فليس له ردها ، وإن كان في مصر يوجد فيه غيره فذاك إليه) (2).
وعن العلامة في التحرير جواز الرد والرجوع ما لم يقبل عملا بالأصل المتقدم وهو عدم إثبات حق على الوصي بوجه قهري إلا برضاه ، ولدفع الضرر المنفي بقوله تعالى : ( مٰا جَعَلَ عَلَيْكُمْ فِي الدِّينِ مِنْ حَرَجٍ ) (3) ولقوله صلى الله عليه وآله وسلم : (لا ضرر ولا ضرار في الإسلام) (4) ، مع حمل الأخبار المتقدمة على حصول القبول ، مع أن الأخبار غير صريحة في مدعى المشهور لتضمنها أن الحاضر لا يلزمه القبول مطلقا والغائب يلزمه مطلقا وهو غير محل النزاع.
فإثبات الحكم مشكل بناء على ما عليه المشهور بهذه الأخبار غير الصريحة في مدعاهم ، والحكم مخالف للأصل ، ومتضمن لتسلط الموصى على إثبات وصيته على من شاء بحيث يوصي ويطلب من الشهود كتمان الوصية إلى حين موته وهو حرج وضرر على الوصي ، ثم على مبنى المشهور لو حصل للوصي ضرر دنيوي أو ديني أو مشقة لا يتحمل مثلها عادة ، أو لزم من تحملها ما لا يليق بحاله جاز الرجوع عن الوصية حينئذ.
(2) أي غير المعجوز عنه ، بحيث لو عجز عن البعض سقط وجوب القيام عن الكل.
(3) من الوصاية.
(4) أي عموم أدلة القيام بالوصية.
(5) من لزوم القيام بالوصية لو لم يعلم بها إلا بعد الوفاة.
ص: 102
إثبات (1) حق على الموصى إليه على وجه قهري ، وتسليط الموصي على إثبات وصيته على من شاء : أخبار كثيرة تدل بظاهرها عليه (2).
وذهب جماعة منهم العلامة في المختلف والتحرير إلى أنه له الرد ما لم يقبل ، لما ذكر (3) ، ولاستلزامه الحرج العظيم ، والضرر في أكثر مواردها ، وهما منفيان بالآية والخبر (4) ، والأخبار ليست صريحة الدلالة على المطلوب ، ويمكن حملها على شدة الاستحباب ، وأما حملها على سبق قبول الوصية فهو مناف لظاهرها (5).
والمشهور بين الأصحاب هو الوجوب مطلقا (6).
وينبغي أن يستثنى من ذلك (7) ما يستلزم الضرر والحرج ، دون غيره ، وأما استثناء المعجوز عنه فواضح.
______________________________________________________
(1) بيان للأصل.
(2) وفيه : إنه مناف لما قاله في المسالك من أنها لا تدل على محل النزاع إلا إيماء وفي بعضها فقط ، وسيأتي التصريح منه بذلك.
(3) من الأصل.
(4) وهو عموم النبوي المتقدم (لا ضرر ولا ضرار).
(5) لأن ظاهرها دال على أن الحاضر تلزمه الوصية مطلقا والغائب لا تلزمه مطلقا.
(6) سواء سبق من الوصي قبول أم لا.
(7) من حكم المشهور.
ص: 103
ص: 104
كتاب النكاح
ص: 105
ص: 106
كتاب النكاح (1)
(وفيه فصول - الفصل الأول)
(في المقدمات : النكاح مستحب (2) مؤكد) لمن يمكنه فعله ، ولا يخاف بتركه
______________________________________________________
(1) النكاح في اللغة هو الوطي كما عليه المشهور بين أهل اللغة ، وقد يستعمل في العقد ، قال الجوهري : (النكاح الوطي وقد يقال للعقد).
وفي الشرع بالعكس فهو بمعنى العقد ، بل قيل لم يرد في القرآن بمعنى الوطي إلا في قوله تعالى : ( حَتّٰى تَنْكِحَ زَوْجاً غَيْرَهُ ) (1) ، لاشتراط الوطي في المحلل ، وقيل : إنه بمعنى العقد أيضا هنا ، وقد استفيد الوطي من السنة.
وعن الزجاج من أهل اللغة أنه حقيقة فيهما نظرا إلى استعماله فيهما والأصل في الاستعمال الحقيقة ، وهو الظاهر من غيره أيضا كما في الرياض ، وعن المصباح المنير أنه مجاز فيهما لأن أصله هو الضم أو الغلبة قال : (إنه مأخوذ من نكحه الدواء إذا خامره وغلبه ، أو من تناكحت الأشجار إذا انضم بعضها إلى بعض ، أو من نكح المطر الأرض إذا اختلط بثراها) انتهى.
هذا والإنصاف أن النكاح اليوم يطلق على الوطي بحسب العرف ، ويطلق على العقد في لسان الفقهاء فيقال كتاب النكاح وكتاب البيع وهكذا.
(2) النكاح في حد نفسه مع قطع النظر عن الطوارئ مستحب بالكتاب والسنة ، قال الله تعالى : ( وَأَنْكِحُوا الْأَيٰامىٰ مِنْكُمْ وَالصّٰالِحِينَ مِنْ عِبٰادِكُمْ وَإِمٰائِكُمْ إِنْ يَكُونُوا فُقَرٰاءَ يُغْنِهِمُ اللّٰهُ مِنْ فَضْلِهِ وَاللّٰهُ وٰاسِعٌ عَلِيمٌ ) (2) ، والأيامي جمع أيم ، والأيّم هو من لا زوج له ذكرا -
ص: 107
.................................................................................................
______________________________________________________
- كان أو أنثى ، ووجه الاستدلال بها أنّ الآية أمرت الأولياء وغيرهم بإنكاح العزّاب من الأحرار سواء كان ذكورا أو أناثا وأمرت بإنكاح الصالحين من العبيد والإماء ، ومن المعلوم أن الترغيب فيه ليس إلا لفضيلة النكاح ورجحانه في نفسه ، وكون الإنكاح سببا لوجوده ومؤديا إلى حصوله.
والأخبار كثيرة جدا.
منها : النبوي (النكاح سنتي فمن رغب عن سنتي فليس مني) (1) ، وخبر مسمع عن أبي عبدالله عليه السلام (قال رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم : من أحب أن يكون على فطرتي فليستنّ بسنتي وإن من سنتي النكاح) (2) ، وخبر ابن القداح عن أبي عبد الله عليه السلام في حديث عن رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم (فمن أحب فطرتي فليستنّ بسنتي ومن سنتي النكاح) (3) ، والنبوي (من سنتي التزويج ، فمن رغب عن سنتي فليس مني) (4) ، وخبر محمد بن مسلم عن أبي عبد الله عليه السلام (قال أمير المؤمنين عليه السلام : تزوجوا فإن رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم قال : من أحب أن يتبع سنتي فإن من سنتي التزويج) (5) ، وعن أمير المؤمنين عليه السلام في حديث الأربعمائة (تزوجوا فإن التزويج سنة رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم) (6) ونحوها غيرها ، وسنة النبي صلى الله عليه وآله وسلم إما واجبة أو مندوبة ، ولا تطلق على المباح والمكروه ، على أن (من رغب عن سنتي فليس مني) زجر عن الرغبة عن النكاح ، وحث على الرغبة فيه وليس إلا لرجحانه وفضله.
ونكتفي بهذا المقدار من الأخبار هنا لإيراد الشارح لجملة منها في متن الروضة ، وهذه الأخبار تفيد استحباب النكاح لمن تاقت نفسه إليه ولغيره كما عليه المشهور ، وعن الشيخ في المبسوط وجماعة أن الاستحباب لمن تاقت نفسه إليه فقط ، بل حكم الشيخ باستحباب تركه لمن لم تتق نفسه ، لأن الله وصف يحيى بقوله : ( وَسَيِّداً وَحَصُوراً ) (7) ، والوصف من قبل الله به يفيد رجحانه ، فيحمل على ما إذا لم تتق نفسه النكاح ، بل قوله تعالى : ( زُيِّنَ لِلنّٰاسِ حُبُّ الشَّهَوٰاتِ مِنَ النِّسٰاءِ وَالْبَنِينَ وَالْقَنٰاطِيرِ الْمُقَنْطَرَةِ مِنَ الذَّهَبِ وَالْفِضَّةِ وَالْخَيْلِ الْمُسَوَّمَةِ وَالْأَنْعٰامِ وَالْحَرْثِ ، ذٰلِكَ مَتٰاعُ الْحَيٰاةِ الدُّنْيٰا ، وَاللّٰهُ عِنْدَهُ حُسْنُ الْمَآبِ ) (8) ، -
ص: 108
.................................................................................................
______________________________________________________
- وهو وارد مورد الذم خرج منه ما أجمع على رجحانه فيبقى غيره تحت العموم ، ولأن في النكاح تعريضا لتحمل حقوق الزوجة والاشتغال عن كثير من المقاصد الدينية فالأولى تركه إلا مع خشية العنت فيستحب لمكان الحاجة.
وفيه : بأن المدح ليحيى مختص بشرعه فلا يلزمنا مثله ، وهو ضعيف لأن المدح في كتابنا وهو مشعر برجحانه ولم يثبت نسخه ، لأن شريعتنا ناسخة للشرائع السابقة من حيث المجموع لا من حيث الجميع للقطع ببقاء الكثير من الأحكام كأكل الطيبات ونكاح الحلال وغيرها ، فوروده في شرعنا وكتابنا من دون الإشارة إلى نسخه دليل على بقائه فيه وإلا لم يحسن مدحه عندنا.
وأجيب أيضا بأنه كان مكلفا بإرشاد أهل زمانه في بلادهم المقتضي للسياحة ومفارقة الزوجة المنافي لرجحان التزويج ، فلذلك مدحه على تركه ، لا لأن ترك التزويج من حيث هو كذلك مطلوب حتى يدل على مرجوحيته.
وأجيب بأن المحصور كما عن الكثير من المفسرين أنه المبالغ في حبس النفس عن الشهوات والملاهي ، وهو من الحصر بمعنى الحبس ، فمدحه باعتبار تنكبه عن الشهوات وإعراضه عن الملاهي والملذات كما هو المعهود من حاله ، ففي الخبر عن الإمام العسكري عليه السلام (ما من عبد لله إلا وقد أخطأ أو همّ بخطيئة ما خلا يحيى بن ذكريا عليه السلام فلم يذنب ولم يهمّ بذنب) (1) وهو عكس المعهود من غيره من غير المعصومين الذين زيّن لهم حب الشهوات كما هو مقتضى الآية المتقدمة.
والأولى في الجواب هو أن مدحه عليه السلام ليس على ترك التزويج حتى يدل على مرجوحيته ، بل على انكسار الشهوة الطبيعية في النفس لغلبة الخوف واستيلاء الخشية عليه ، ولا ريب في حسن ذلك ومدحه وإن أدى إلى ترك التزويج المطلوب ، وتأدية الشي ء إلى ترك أمر مطلوب لا ينافي حسنه ، لتمانع أكثر الطاعات مع اتصاف جميعها بالحسن.
وأما آية زين للناس حب الشهوات فهي تفيد الذم لمن اتبع ما تهواه نفسه من حب الشهوات المذكورة ، وليست الآية شاملة لمن تزوج على الوجه الشرعي لإرادة النسل والذرية ورفع الوحشة من الوحدة والإعانة على كثير من الطاعات والعبادات ، والجواب على دليلهم الثالث أن تحمل الحقوق الحاصلة بالتزويج يزيد في الأجر المترتب عليه أو في -
ص: 109
.................................................................................................
______________________________________________________
- مطلق الأجر ، فضلا عن كون تحمل الحقوق المذكورة من الأمور الدينية ففي الخبر (الكادّ على عياله كالمجاهد في سبيل الله) (1).
ومما تقدم يظهر ضعف ما عن ابن حمزة أن استحباب النكاح لمن تاقت نفسه ذلك وكان قادرا عليه ، ومن لم تتق نفسه ولم يكن قادرا عليه يكره له ذلك ، ومن كان قادرا ولم تتق نفسه ، أو كان تائقا ولم يقدر لم يكره له النكاح ولم يستحب بل كان النكاح مباحا مستدلا بأن مدح يحيى بأنه حصور وبأن قوله تعالى : ( وَلْيَسْتَعْفِفِ الَّذِينَ لٰا يَجِدُونَ نِكٰاحاً ) (2) يقتضي أن استحباب النكاح مشروط بتوق نفسه وبالقدرة ، ولازمه أن فاقد الوصفين يكون النكاح له مكروها ، وأن الواجد لأحدهما دون الآخر يكون قد جمع بين جهة حسن النكاح وجهة حسن تركه فيتعارضان ويثبت له حكم الأصل السالم عن المعارض أعني الإباحة.
وفيه : ما قد سمعت من إطلاق الآية والأخبار على حسن النكاح مطلقا. ثم هل النكاح أفضل أم التخلي للعبادة قولان ، أقواهما الأول لما في ترك النكاح والاشتغال بالعبادة من الرهبانية ، وهي منفية في هذه الشريعة ، ففي خبر عبد الله بن ميمون القداح عن أبي عبد الله عليه السلام (جاءت امرأة عثمان بن مظعون إلى النبي صلى الله عليه وآله وسلم ، فقالت : يا رسول الله إن عثمان يصوم النهار ويقوم الليل ، فخرج رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم مغضبا يحمل نعليه حتى جاء إلى عثمان ، فوجده يصلي ، فانصرف عثمان حينما رأى رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم ، فقال رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم : يا عثمان لم يرسلني الله بالرهبانية ، ولكن بعثني بالحنيفية السهلة السمحاء ، أصوم وأصلي وأمسّ أهلي ، فمن أحب فطرتي فليستن بسنتين ، ومن سنتي النكاح) (3) ، ولخبر عبد الله بن الحكم عن أبي جعفر عليه السلام (قال رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم : ما بني بناء في الإسلام أحبّ إلى الله عزوجل من التزويج) (4) ، وخبر صفوان بن مهران عن أبي عبد الله عليه السلام في حديث عن رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم (وما من شي ء أحبّ إلى الله عزوجل من بيت يعمر في الإسلام بالنكاح) (5) ، وعموم خبر القداح عن أبي عبد الله عليه السلام عن آبائه عليهم السلام (قال النبي صلى الله عليه وآله وسلم : ما استفاد امرئ مسلم فائدة بعد الإسلام أفضل من زوجة -
ص: 110
.................................................................................................
______________________________________________________
- مسلمة تسرّه إذا نظر إليها وتطيعه إذا أمرها ، وتحفظه إذا غاب عنها في نفسها وماله) (1).
وخبر ابن القداح الآخر عن أبي عبد الله عليه السلام (جاء رجل إلى أبي عليه السلام : فقال له : هل لك من زوجة؟ قال : لا ، قال أبي : ما أحب أن لي الدنيا وما فيها وأنى بتّ ليلة وليست لي زوجة ، ثم قال : الركعتان يصليهما رجل متزوج أفضل من رجل أعزب يقوم ليله ويصوم نهاره) (2) ، وخبر ابن القداح الثالث عن أبي عبد الله عليه السلام (ركعتان يصليهما المتزوج أفضل من سبعين ركعة يصليها أعزب) (3) ، وعموم النبوي (أرذال موتاكم العزاب) (4) ، وفي آخر (رذّال موتاكم العزاب) (5) ، وفي ثالث (شرار أمتي عزابها) (6) ، وفي رابع (تزوج وإلّا فأنت من رهبان النصارى) (7) ، وفي خامس (تزوج وإلا فأنت من المذنبين) (8) ، وفي سادس (تزوج وإلا فأنت من إخوان الشياطين) (9) ، وفي سابع (لو خرج العزّاب من موتاكم إلى الدنيا لتزوجوا) (10) ، وفي ثامن (خيار أمتي المتأهلون وشرار أمتي العزّاب) (11) ، واحتج من ذهب إلى أفضلية التخلي للعبادة بأن التزويج من القواطع والشواغل ومتضمن لتحمل الحقوق ، وفيه : أنه قد عرفت أنه ذلك يوجب زيادة الأجر فلا يقدح في أفضليته.
ثم اعلم أن النكاح مستحب بنفسه مع قطع النظر عن العوارض اللاحقة له وإلا فهو بواسطتها منقسم إلى الأحكام الخمسة ، فيجب عند خوف الوقوع في الزنا ، ويحرم إذا أفضى إلى الإخلال بواجب كالحج ، وعند الزيادة على الأربع ، ويكره عند عدم التوقان والطول على قول قد تقدم ، وعلى الزيادة عن الواحدة كما عن الشيخ ، وقد يكره بالنظر إلى بعض الزوجات كنكاح القابلة المربية ، ومن ولد من الزنا ، غير أن هذا الحكم من جهة المنكوحة لا من جهة النكاح ، ويتّصف بالإباحة فيما إذا تضمن ترك النكاح مصلحة تساوي مصلحة الفعل كما إذا خاف من تلف مال معتدّ به بواسطة التزويج ، أو تضييع عيال له في محل آخر ، ومع خلوه عن العوارض فهو مستحب.
ثم ينقسم إلى الأحكام الخمسة باعتبار المنكوحة فالواجب التزويج بمن يترتب على ترك -
ص: 111
الوقوع في المحرم ، وإلا وجب. قال الله تعالى : ( فَانْكِحُوا مٰا طٰابَ لَكُمْ مِنَ النِّسٰاءِ ) (1). ( وَأَنْكِحُوا الْأَيٰامىٰ مِنْكُمْ وَالصّٰالِحِينَ مِنْ عِبٰادِكُمْ وَإِمٰائِكُمْ إِنْ يَكُونُوا فُقَرٰاءَ
______________________________________________________
- تزويجه ضرر كما لو علم وقوع الزنا من أجنبية وعلم أنه لو تزوجها منعها من الضرر فيجب كفاية ، ويتعين عند عدم قيام غيره به ، والمحرم نكاح المحرمات عينا وجمعا ، والمستحب نكاح المستجمعة للصفات المحمودة في النساء ، والمكروه نكاح المستجمعة للأوصاف المذمومة في النساء ونكاح القابلة المربية والمتولدة من الزنا ، والمباح ما عدا ذلك.
ثم إن التزويج مستحب للفقير والغني ، بل يكره تركه مخافة العيلة لقوله تعالى : ( وَأَنْكِحُوا الْأَيٰامىٰ مِنْكُمْ وَالصّٰالِحِينَ مِنْ عِبٰادِكُمْ وَإِمٰائِكُمْ إِنْ يَكُونُوا فُقَرٰاءَ يُغْنِهِمُ اللّٰهُ مِنْ فَضْلِهِ وَاللّٰهُ وٰاسِعٌ عَلِيمٌ ) (1) ، وفي خبر هشام بن سالم عن أبي عبد الله عليه السلام (جاء رجل إلى النبي صلى الله عليه وآله وسلم فشكا إليه الحاجة فقال له : تزوج فتزوج فوسّع عليه) (2) ، وفي خبر معاوية بن وهب عن أبي عبد الله عليه السلام (في قول الله عزوجل : ( وَلْيَسْتَعْفِفِ الَّذِينَ لٰا يَجِدُونَ نِكٰاحاً حَتّٰى يُغْنِيَهُمُ اللّٰهُ مِنْ فَضْلِهِ ) ، قال عليه السلام : يتزوجوا ( حَتّٰى يُغْنِيَهُمُ اللّٰهُ مِنْ فَضْلِهِ ) ) (3) ، وخبر إسحاق بن عمار (قلت لأبي عبد الله عليه السلام : الحديث الذي يروونه الناس حق ، أن رجلا أتى النبي صلى الله عليه وآله وسلم فشكى إليه الحاجة فأمره بالتزويج ففعل ، ثم أتاه فشكى إليه الحاجة فأمره بالتزويج حتى أمره ثلاث مرات ، فقال أبو عبد الله عليه السلام : هو حق ، ثم قال : الرزق مع النساء والعيال) (4) ، ومثلها غيرها.
ثم إن الزيادة على الواحدة مستحب مع الحاجة ، بل وبدونها للتأسي ، وإطلاق النصوص الدالة على الترغيب في الزواج ، ولما في الزيادة من تكثير النسل ، ولخصوص قوله تعالى : ( فَانْكِحُوا مٰا طٰابَ لَكُمْ مِنَ النِّسٰاءِ ) (5) وأقل مراتب الأمر الاستحباب ، وفي الخبر عن أبي عبد الله عليه السلام (في كل شي ء إسراف إلا النساء ، قال تعالى : ( فَانْكِحُوا مٰا طٰابَ لَكُمْ مِنَ النِّسٰاءِ ) ) (6) إلى آخره.
فما عن الشيخ من كراهة الزيادة على الواحدة واضح الضعف.
(1) سورة النساء آية : 3.
ص: 112
يُغْنِهِمُ اللّٰهُ مِنْ فَضْلِهِ وَاللّٰهُ وٰاسِعٌ عَلِيمٌ ) (1). وأقل مراتب الأمر الاستحباب ، وقال صلى الله عليه وآله وسلم : «من رغب عن سنتي فليس مني ، وإن من سنتي النكاح» (2).
(وفضله مشهور) بين المسلمين(محقق) في شرعهم(حتى أن المتزوج يحرز نصف دينه) رواه في الكافي بإسناده إلى النبي صلى الله عليه وآله وسلم قال : «من تزوج أحرز نصف دينه ، فليتق الله في النصف الآخر» ، أو «الباقي» (3) ، (وروي (4) ثلثا دينه ، وهو من أعظم الفوائد بعد الإسلام) فقد روي عن النبي صلى الله عليه وآله وسلم بطريق أهل البيت عليه السلام أنه قال : «ما استفاد امرئ مسلم فائدة بعد الإسلام أفضل من زوجة مسلمة تسره إذا نظر إليها ، وتطيعه إذا أمرها ، وتحفظه إذا غاب عنها في نفسها وماله» (5) ، وقال صلى الله عليه وآله وسلم : «قال الله عزوجل : إذا أردت أن أجمع للمسلم خير الدنيا ، وخير الآخرة جعلت له قلبا خاشعا ، ولسانا ذاكرا ، وجسدا على البلاء صابرا ، وزوجة مؤمنة تسره إذا نظر إليها ، وتحفظه إذا غاب عنها في نفسها وماله» (6).
(وليتخير البكر) (7) قال النبي صلى الله عليه وآله وسلم : تزوجوا الأبكار فإنهن أطيب شي ء
______________________________________________________
(1) سورة النور آية : 32.
(2) المغني لابن قدامة ج 6 ص 480.
(3) الوسائل الباب - 1 - من أبواب مقدمات النكاح حديث 11 - 12.
(4) مستدرك الوسائل باب - 1 - من أبواب مقدمات النكاح حديث 2. وهو ما من «شاب تزوج في حداثة سنه إلّا عج (1) شيطانه يا ويله عصم مني ثلثي دينه ، فليتق الله العبد في الثلث الباقي».
(5) الوسائل الباب - 9 - من أبواب مقدمات النكاح حديث 10.
(6) الوسائل الباب - 9 - من أبواب مقدمات النكاح حديث 8.
(7) يستحب لمن أراد العقد أمور كثيرة ويكره له أمور ، ولكن الشائع هو الاقتصار على سبع مستحبات وعلى مكروه واحد.
فيستحب أن يتخير من النساء من تجمع صفات أربعا : كرم الأصل وكونها بكرا ولودا عفيفة.
والمراد بكرم الأصل أن لا تكون من زنا أو حيض أو شبهة ، ولا في أوليائها وأمهاتها من هو كذلك ، وقيل المراد بكرم الأصل من لم يكن مسّ آبائها رق ، وقيل : بأن يكون أبواها صالحين.
ويدل على كرم الأصل أخبار. -
ص: 113
.................................................................................................
______________________________________________________
- منها : خبر السكوني عن أبي عبد الله عليه السلام (قال النبي صلى الله عليه وآله وسلم : أنكحوا الأكفاء ، وأنكحوا فيهم واختاروا لنطفكم) (1) ، وبنفس الإسناد السابق (قام النبي صلى الله عليه وآله وسلم خطيبا فقال : أيها الناس إياكم وخضراء الدمن ، قيل : يا رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم وما خضراء الدمن؟ قال : المرأة الحسناء في منبت السوء) ((2).
وكونها بكرا لكونها أحرى بالموافقة والائتلاف ، وللأخبار :
منها : خبر عبد الأعلى بن أعين مولى آل سام عن أبي عبد الله عليه السلام (قال رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم : تزوجوا الأبكار فانهن أطيب شي ء أفواها ، وقال : وفي حديث آخر : وانشفه أرحاما وأدرّ شي ء أخلافا - أحلاما - وأفتح شي ء أرحاما) (3) ، وما روته العامة عن النبي صلى الله عليه وآله وسلم (أنه قال لجابر وقد تزوج ثيبا : هلّا تزوّجت بكرا تلاعبها وتلاعبك) (4).
وأما كونها ولودا ففي الخبر (أما علمتم أنى أباهي بكم الأمم يوم القيامة حتى بالسقط يظل محبنطئا على باب الجنة فيقول الله عزوجل : ادخل فيقول : لا أدخل حتى يدخل أبواي قبلي ، فيقول الله تبارك وتعالى لملك من الملائكة : آتني بابويه فيأمر بهما إلى الجنة فيقول : هذا بفضل رحمتي لك) (5) ، وخبر خالد بن نجيع عن أبي عبد الله عليه السلام قال : (تذاكروا الشؤم عند أبي عليه السلام فقال : الشوم في ثلاث ، في المرأة والدابة والدار ، فأما شؤم المرأة فكثرة مهرها وعقم رحمها) (6) الحديث ، ومرسل الصدوق عنه عليه السلام (اعلموا أن السوداء إذا كانت ولودا أحبّ إليّ من الحسناء العاقر) (7) ، وخبر عبد الله بن سنان عن أبي عبد الله عليه السلام (جاء رجل إلى رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم فقال : يا نبي الله إن لي ابنة عمّ لي قد رضيت جمالها وحسنها ودينها ولكنها عاقر ، فقال : لا تزوجها إن يوسف بن يعقوب لقي أخاه فقال : يا أخي كيف استطعت أن تزوج النساء بعدي؟ فقال : إن أبي أمرني ، فقال : إن استطعت أن تكون لك ذرية تثقل الأرض بالتسبيح فافعل قال : وجاء رجل من الغد إلى النبي صلى الله عليه وآله وسلم فقال له مثل ذلك فقال له : تزوج سوداء ولودا ، فإني مكاثر بكم الأمم يوم القيامة ، فقلت لأبي عبد الله عليه السلام : ما السوداء؟ قال : القبيحة) (8) ، وفي العوالي عن -
ص: 114
.................................................................................................
______________________________________________________
- النبي صلى الله عليه وآله وسلم (حصير ملفوف في زاوية البيت خير من امرأة عقيم) (1) ، وفي آخر (والحصير في ناحية البيت خير من امرأة لا تلد) (2) ومعرفة كون البكر ولودا بالرجوع إلى نسائها من الأخوات والعمات ، هذا والجمع بين صفة البكارة والولود بأن لا تكون صغيرة ولا يائسة ولا في مزاجها ما يدل عادة على عقمها كانتفاء الحيض.
وأما كونها عفيفة فللأخبار :
منها : خبر جابر بن عبد الله (كنا عند النبي صلى الله عليه وآله وسلم فقال : إن خير نسائكم الولود الودود العفيفة العزيزة في أهلها ، الذليلة مع بعلها ، المتبرجة مع زوجها الحصان على غيره ، التي تسمع قوله وتطيع أمره ، وإذا خلا بها بذلت له ما يريد منها ، ولم تبذل كتبذل الرجل ، ثم قال ألا أخبركم بشرار نسائكم الذليلة في أهلها العزيزة مع بعلها ، العقيم الحقود التي لا تورع عن قبيح ، المتبرجة إذا غاب عنها بعلها ، الحصان معه إذا حضر ، لا تسمع قوله ولا تطيع أمره ، وإذا خلا بها بعلها تمنعت منه كما تتمتع الصعبة عن ركوبها ، لا تقبل منه عذرا ولا تغفر له ذنبا) (3).
هذا وهناك صفات أخرى ككونها سمراء عيناء عجزاء مربوعة طيبة اللت درمة الكعب ، عظيمة الكعثب ، جميلة فالمرأة الجميلة تقطع البلغم ، ذات شعر فالشعر أحد الجمالين ، صالحة تعين زوجها على الدنيا والآخرة ، تحفظه في نفسها وماله إذا غاب عنها ، قرشية فإن نساء قريش ألطفهن بأزواجهن وأرحمهن بأولادهن.
ففي الخبر عن أبي عبد الله عليه السلام (قال أمير المؤمنين عليه السلام : تزوجوا سمراء عيناء عجزاء مربوعة ، فإن كرهتها فعليّ مهرها) (4) ، وخبر عبد الله بن المغيرة عن أبي الحسن عليه السلام (عليكم بذوات الأوراك فإنهن أنجب) (5) ، ومرسل أحمد بن أبي عبد الله (كان النبي صلى الله عليه وآله وسلم إذا أراد تزويج امرأة بعث إليها من ينظر إليها وقال للمبعوثة : شمّي ليتها ، فإن طاب ليتها طاب عرفها ، وانظري إلى كعبها فإن درم كعبها عظم كعثبها) (6) ، والليت العنق ، والعرف الريح الطيبة ، ودرم كعبها أي كثر لحم كعبها ، والكعثب الفرج -
ص: 115
أفواها ، وأنشفه أرحاما ، وأدر شي ء أخلافا ، وأفتح شي ء أرحاما(العفيفة) عن الزنا(الولود) أي ما من شأنها ذلك ، بأن لا تكون يائسة ، ولا صغيرة ، ولا عقيما ، قال صلى الله عليه وآله وسلم : «تزوجوا بكرا ولودا ، ولا تزوجوا حسناء جميلة عاقرا ، فإني أباهي بكم الأمم يوم القيامة حتى بالسقط» ، يظل محبنطئا على باب الجنة فيقول الله عزوجل : ادخل الجنة. فيقول : لا حتى يدخل أبواي قبلي : فيقول الله تبارك وتعالى لملك من الملائكة : ائتني بأبويه فيأمر بهما إلى الجنة. فيقول هذا بفضل رحمتي لك(الكريمة الأصل) بأن يكون أبواها صالحين مؤمنين. قال صلى الله عليه وآله وسلم : انكحوا الأكفاء وانكحوا فيهم واختاروا لنطفكم.
(ولا يقتصر على الجمال ، والثروة) (1) من دون مراعاة الأصل ، والعفة. قال صلى الله عليه وآله وسلم : «إياكم وخضراء الدمن» قيل : يا رسول الله : وما خضراء الدمن؟ قال : «المرأة الحسناء في منبت السوء» وعن أبي عبد الله عليه السلام : «إذا تزوج الرجل المرأة
______________________________________________________
- وفي الخبر (المرأة الجميلة تقطع البلغم ، والمرأة السوداء تهيج المرة السوداء) (1) ، وفي آخر (إذا أراد أحدكم أن يتزوج فليسأل عن شعرها كما يسأل عن وجهها ، فإن الشعر أحد الجمالين) (2) ، وفي خبر حماد بن عثمان عن أبي عبد الله عليه السلام (قال رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم : خير نساء ركبن الرجال نساء قريش ، أحنا هن على ولد وخيرهنّ لزوج) (3) وفي آخر (ما ركب الابل مثل نساء قريش ، أحنى على ولد ولا أرعى على زوج في ذات يديه) (4) وفي ثالث (خير نسائكم نساء قريش ، ألطفهن بأزواجهن وأرحمهن بأولادهن ، المجون لزوجها الحصان على غيره ، قلت : وما المجون؟ قال : التي لا تمنع) (5).
(1) فلا يقتصر في اختيار المرأة على الجمال ولا على الثروة وإنما عليه بذات الدين ففي خبر هشام بن الحكم عن أبي عبد الله عليه السلام (إذا تزوج الرجل المرأة لجمالها أو لمالها وكّل إلى ذلك ، وإذا تزوجها لدينها رزقه الله المال والجمال) (6) ، وفي خبر بريد عن أبي جعفر عليه السلام (حدثني جابر بن عبد الله أن النبي صلى الله عليه وآله وسلم قال : من تزوج امرأة لمالها وكلّه الله إليه ، ومن تزوجها لجمالها رأى فيها ما يكره ، ومن تزوجها لدينها جمع الله له ذلك) (7) ومثلها غيرها.
ص: 116
لجمالها ، أو لمالها وكل إلى ذلك ، وإذا تزوجها لدينها رزقه الله المال والجمال».
(ويستحب) لمن أراد التزويج قبل تعيين المرأة(صلاة - ركعتين (1) والاستخارة) وهو أن يطلب من الله تعالى الخيرة له في ذلك ، (والدعاء بعدهما بالخيرة) بقوله : «اللهم إنّي أريد أن أتزوّج فقدّر لي من النّساء أعفّهنّ فرجا ، وأحفظهنّ لي في نفسها ومالي ، وأوسعهنّ رزقا ، وأعظمهنّ بركة ، وقدّر لي ولدا طيّبا تجعله خلفا صالحا في حياتي ، وبعد موتي» ، أو غيره من الدعاء (2) ، (وركعتي الحاجة) لأنه (3) من مهام الحوائج ، (والدعاء) بعدهما بالمأثور ، أو بما سنح ، (والإشهاد) على العقد (4) ،
______________________________________________________
(1) لخبر أبي بصير قال أبو عبد الله عليه السلام : (إذا تزوج أحدكم كيف يصنع قلت له : ما أدري جعلت فداك ، قال : إذا همّ بذلك فليصل ركعتين ويحمد الله ويقول : اللهم إني أريد أن أتزوج ، فقدّر لي من النساء أعفّهنّ فرجا وأحفظهن لي في نفسها وفي مالي ، وأوسعهن رزقا وأعظمهن بركة ، وقدّر لي منها ولدا طيّبا تجعله خلفا صالحا في حياتي وبعد موتي) (1).
(2) ولكن الأولى المحافظة على خصوص ما ورد عنهم عليهم السلام.
(3) أي التزويج.
(4) المشهور بين الأصحاب هو استحباب الإشهاد في النكاح الدائم ، ولكنه ليس بشرط في صحة العقد ، وهو مذهب لجماعة من العامة أيضا كما في المسالك ، لأصالة عدم الاشتراط وعدم الوجوب وللأخبار.
منها : صحيح زرارة بن أعين (سئل أبو عبد الله عليه السلام عن الرجل يتزوج المرأة بغير شهود ، فقال : لا بأس بتزويج البتة فيما بينه وبين الله ، إنما جعل الشهود في تزويج البتة من أجل الولد ، لو لا ذلك لم يكن به بأس) (2) ، وصحيح حفص البختري عن أبي عبد الله عليه السلام (في الرجل يتزوج بغير بينة ، قال : لا بأس) (3) ، وخبر محمد بن الفضيل قال أبو الحسن موسى عليه السلام لأبي يوسف القاضي : (إن الله أمر في كتابه بالطلاق وأكّد فيه بشاهدين ولم يرض بهما إلا عدلين ، وأمر في كتابه بالتزويج فأهمله بلا شهود ، فأثبتم شاهدين فيما أهمل ، وأبطلتم الشاهدين فيما أكّد) (4). -
ص: 117
(والإعلان) (1) إذا كان دائما ، (والخطبة) بضم الخاء(أمام العقد) (2) للتأسي ، وأقلها
______________________________________________________
- وعن ابن أبي عقيل منا وجماعة من العامة وجوب الإشهاد وأنه شرط في صحته للأخبار.
منها : مكاتبة المهلب الدلال لأبي الحسن عليه السلام - إلى أن قال عليه السلام - : (التزويج الدائم لا يكون إلا بولي وشاهدين) (1) ، وهو محمول على الاستحباب جمعا بين الأخبار.
(1) وهو أبلغ من الإشهاد للأمر به في النبوي (أعلنوا هذا النكاح) (2) ، ولما روته العامة عن النبي صلى الله عليه وآله وسلم (كان يكره نكاح السّر حتى يضرب بدف ويقال :
أتيناكم أعناكم
فحيّونا نحييكم) (3)
وفي النبوي (لا نكاح في السّر حتى يرى وخان أو يسمع حسن دفّ) (4).
(2) والخطبة هي حمد الله تعالى ، وأكملها - كما في المسالك - إضافة الشهادتين والصلاة على النبي وآله صلى الله عليه وآله وسلم ، والوصية بتقوى الله ، والدعاء للزوجين ، وإنما استحبت كذلك للتأسي بالنبي صلى الله عليه وآله وسلم والأئمة عليهم السلام ، وخطبهم في ذلك منقولة ومشهورة ، ففي خبر عبد الله بن ميمون القداح عن أبي عبد الله عليه السلام (أن علي بن الحسين كان يتزوج وهو يتعرق عرقا (5) يأكل ، فما يزيد على أن يقول : الحمد لله وصلى الله على محمد وآله ونستغفر الله ، وقد زوّجناك على شرط الله ، ثم قال علي بن الحسين عليه السلام إذا حمد الله فقد خطب) (6) وفي خبر علي بن رئاب عن أبي عبد الله عليه السلام في حديث (أن جماعة قالوا لأمير المؤمنين عليه السلام : إنا نريد أن نزوّج فلانا فلانة ونحن نريد أن نخطب فقال : وذكر خطبة تشتمل على حمد الله والثناء عليه والوصية بتقوى الله ، وقال في آخرها : ثم إن فلان بن فلان ذكر فلانة بنت فلان وهو في الحسب من قد عرفتموه ، وفي النسب من لا تجهلونه ، وقد بذل لها من الصداق ما قد عرفتموه فردّوا خيرا تحمدوا عليه وتنسبوا إليه وصلى الله على محمد وآله وسلّم) (7) ، وفي خبر الدعائم عن رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم (كل نكاح لا خطبة فيه فهو كاليد الجذماء) (8) وعلى كل فالخطبة مستحبة وليست بواجبة بلا خلاف منا -
ص: 118
الحمد لله ، (وإيقاعه ليلا) (1) قال الرضا عليه السلام : «من السنة التزويج بالليل ، لأن الله جعل الليل سكنا ، والنساء إنما هنّ سكن».
(وليجتنب إيقاعه والقمر في) برج(العقرب (2)) لقول الصادق عليه السلام : «من
______________________________________________________
- إلا من داود الظاهري من العامة ، ويرده خبر عبيد بن زرارة (سألت أبا عبد الله عليه السلام عن التزويج بغير خطبة فقال : أوليس عامّة ما تتزوج فتياتنا ونحن نتصدق إليه الطعام على الخوان نقول : يا فلان زوّج فلانا فلانة فيقول : قد فعلت) (1).
بل في المسالك أنه يستحب لولي المرأة الخطبة بكسر الخاء قبل الخطبة بالضم الصادر ، من الزوج ثم خطبة الزوج ثم الجواب ، وقال عنه في الجواهر : (ولا بأس به) ، ويدل عليه خبر جابر (2) الوارد في تزويج علي عليه السلام : بالزهراء عليها أفضل صلوات ربي فقد خطب النبي صلى الله عليه وآله وسلم أولا ثم أمر عليا بأن يخطب.
(1) أي إيقاع العقد ، لأنه أقرب إلى المقصود وأقل للانتظار حيث يكون الدخول ليلا ، ولخبر الوشاء عن أبي الحسن الرضا عليه السلام (سمعته يقول في التزويج : من السنة التزويج بالليل ، لأن الله جعل الليل سكنا والنساء إنما هن سكن) (3) ، فيناسب عقدهن بالليل كزفافهن.
(2) للأخبار :
منها : خبر ابن حمران عن أبي عبد الله عليه السلام (من تزوج امرأة والقمر في العقرب لم ير الحسنى) (4) ، وخبر عبد العظيم الحسني عن علي بن محمد العسكري عن آبائه عليهم السلام (من تزوج والقمر في العقرب لم ير الحسنى) 5 والبروج اثنا عشر فتسير الشمس في كل برج شهرا ، ويسير القمر بالشهر في جميع البروج ، فيكون في كل برج يومين وثلث كما في مجمع البحرين ، والبروج هي : الحمل والثور والجوزاء وهي بروج تسير الشمس فيها في الربيع ، والسرطان والأسد والسنبلة ويسمى بالعذراء وهي التي تسير الشمس فيها في الصيف ، والميزان والعقرب والقوس وهي التي تسير الشمس فيها في الخريف ، والجدي والدلو والحوت وهو المسمى بالسمكة هي البروج التي تسير فيها الشمس في الشتاء. -
ص: 119
تزوج والقمر في العقرب لم ير الحسنى» ، والتزويج حقيقة في العقد ، (فإذا أراد الدخول) (1) بالزوجة(صلّى ركعتين) قبله (2) (ودعا) بعدهما بعد أن يمجد الله سبحانه ، ويصلي على النبي صلى الله عليه وآله وسلم بقوله : «اللهمّ ارزقني إلفها وودّها ورضاها ، وأرضني بها ، واجمع بيننا بأحسن اجتماع ، وأنس وائتلاف ، فإنّك تحب الحلال ،
______________________________________________________
- وإذا أردت معرفة أن القمر في أي برج من الأبراج الاثني عشر فانظركم مضى من شهرك من يومك الذي أنت فيه ، ثم ضمّ إليه مثله وخمسة ، ثم أسقط لكل من تلك الأبراج خمسة من هذا العدد بادئا بالبرج الذي حلت الشمس فيه ، فأي موضع ينتهي إليه الإسقاط فالقمر فيه ، فلو وقعت الخمسة الأخيرة على العقرب مثلا فالقمر في أول درجاته ، وإذا كسرت فالقمر في موضع ذلك الكسر كما في مجمع البحرين في كتاب اللام عند تفسير نزل ، هذا ويكره إيقاع العقد في محاق الشهر ، وهو الليلتان أو الثلاث من آخر الشهر لمرسل الصدوق (وروي أنه يكره التزويج في محاق الشهر) (1) ولخبر عبد العظيم الحسني عن علي بن محمد العسكري عليه السلام عن آبائه عليهم السلام (من تزوج في محاق الشهر فليسلم لسقط الولد) (2) ، ويكره إيقاع العقد في ساعة حارة لخبر ضريس بن عبد الملك (بلغ أبا جعفر عليه السلام أن رجلا تزوج في ساعة حارة عند نصف النهار ، فقال عليه السلام : ما أراهما يتفقان فافترقا) (3).
(1) شروع في مستحبات الخلوة بالمرأة.
(2) قبل الدخول لخبر أبي بصير (سمعت رجلا وهو يقول لأبي جعفر عليه السلام : إني رجل قد أسننت وقد تزوجت امرأة بكرا صغيرة ولم أدخل بها ، وأنا أخاف إن دخلت عليّ فرأتني أن تكرهني لخضابي وكبري ، فقال عليه السلام : إذا دخلت فمرهم قبل أن تصل إليك أن تكون متوضئة ، ثم أنت لا تصل إليها حتى توضأ وصلى ركعتين ، ثم مجّد الله وصل على محمد وآل محمد ، ثم ادع الله ومر من معها أن يؤمّنوا على دعائك وقل : اللهم ارزقني إلفها وودها ورضاها ، وارضني بها وأجمع بيننا بأحسن اجتماع وأنس وائتلاف ، فإنك تحب الحلال وتكره الحرام) (4) والخبر دال على استحباب الوضوء للزوجين قبل الدخول أيضا ، ولكن الخبر ليس فيه دلالة على صلاة المرأة ركعتين ، ولا على الدعاء لها ، وإنما تضمن الخبر الأمر بالتأمين لمن معها.
ص: 120
وتكره الحرام» ، أو غيره من الدعاء(وتفعل المرأة كذلك) فتصلي ركعتين بعد الطهارة وتدعو الله تعالى بمعنى ما دعا.
(وليكن) الدخول(ليلا) (1) كالعقد ، قال الصادق عليه السلام : زفّوا نساءكم ليلا ، وأطعموا ضحى(ويضع يده على ناصيتها) (2) وهي ما بين نزعتيها من مقدّم رأسها عند دخولها عليه ، وليقل : «اللهمّ على كتابك تزوّجتها ، وفي أمانتك أخذتها ، وبكلماتك استحللت فرجها ، فإن قضيت في رحمها شيئا فأجعله مسلما سوّيا ، ولا تجعله شرك شيطان» (ويسمي) الله تعالى(عند الجماع (3) دائما (4) عند
______________________________________________________
(1) لخبر السكوني عن أبي عبد الله عليه السلام (زفّوا عرائسكم ليلا وأطعموا ضحى) (1) ، ولأنه أوفق بالستر والحياء ، بل قيل : إنه يستحب إضافة الستر المكاني.
(2) عند دخولها عليه لخبر أبي بصير عن أبي عبد الله عليه السلام في حديث (فإذا دخلت عليه فليضع يده على ناصيتها ويقول : اللهم على كتابك تزوجتها ، وفي أمانتك أخذتها ، وبكلماتك استحللت فرجها ، فإن قضيت في رحمها شيئا فاجعله مسلما سويا ، ولا تجعله شرك شيطان ، قلت : وكيف يكون شرك شيطان؟ فقال : إن الرجل إذا دنا من المرأة وجلس مجلسه حضره الشيطان ، فإن هو ذكر اسم الله تنحّى الشيطان عنه ، وإن فعل ولم يسمّ أدخل الشيطان) (2) ذكره ، فكان العمل منهما جميعا والنطقة واحدة ، قلت : فبأي شي ء يعرف هذا جعلت فداك؟ قال : بحبنا وبغضنا) (3).
(3) لخبر أبي بصير المتقدم.
(4) ففي مرسل الصدوق عن الصادق عليه السلام (إذا أتى أحدكم أهله فلم يذكر الله عند الجماع وكان منه ولد كان شرك الشيطان ، ويعرف ذلك بحبنا وبغضنا) (4) ، وخبر الحلبي عن أبي عبد الله عليه السلام (في الرجل إذا أتى أهله وخشي أن يشاركه الشيطان يقول : بسم الله ويتعوذ بالله من الشيطان) (4) وخبر ابن القداح عن أبي عبد الله عليه السلام (قال أمير المؤمنين عليه السلام : إذا جامع أحدكم فليقل : بسم الله وبالله ، اللهم جنّبني الشيطان وجنّب الشيطان ما رزقتني قال : فإن قضى الله بينهما ولدا لا يضره الشيطان بشي ء أبدا) (5).
ص: 121
الدخول بها ، وبعده ، ليتباعد عنه الشيطان ويسلم من شركه.
(ويسأل الله الولد الذكر السّوي الصالح) قال عبد الرحمن بن كثير : «كنت عند أبي عبد الله عليه السلام فذكر شرك الشيطان فعظّمه حتى أفزعني ، فقلت جعلت فداك فما المخرج من ذلك؟ فقال : إذا أردت الجماع فقل : بسم الله الرّحمن الرّحيم الّذي لا إله إلّا هو بديع السّماوات والأرض ، اللهم إن قضيت منّي في هذه اللّيلة خليفة فلا تجعل للشّيطان فيه شركا ولا نصيبا ولا حظّا ، واجعله مؤمنا مخلصا صفيّا من الشيطان ورجزه جلّ ثناؤك» (1) (وليولم) (2) عند الزفاف(يوما ، أو)
______________________________________________________
(1) الوسائل الباب - 68 - من أبواب مقدمات النكاح حديث 4.
(2) يستحب الوليمة عند الزفاف للأخبار.
منها : خبر هشام عن أبي عبد الله عليه السلام (إن رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم حين تزوج ميمونة بنت الحارث أو لم عليها ، وأطعم الناس الحيس) (1) والحيس بفتح الحاء تمر ينزع نواه ويدقّ مع أقط ويعجنان بالسمن ثم يدلك باليد حتى يبقى كالثريد ، وربما جعل معه سويق كما في مجمع البحرين ، وخبر الوشاء عن أبي الحسن الرضا عليه السلام (إن النجاشي لما خطب لرسول الله صلى الله عليه وآله وسلم آمنة بنت أبي سفيان فزوجه دعا بطعام وقال : إن من سنن المرسلين الإطعام عند التزويج) (2) ، وفي الخبر عن رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم (لا وليمة إلا في خمس : في عرس أو ضرس ، أو عذار أو وكار أو ركاز) (3) وهي التزويج والنفاس بالولد والختان وشراء الدار والقدوم من مكة.
وعن الشافعي القول بوجوبها لما روته العامة عن النبي صلى الله عليه وآله وسلم أنه قال لعبد الرحمن بن عوف (أولم ولو بشاة) (4) ، وهو محمول على الاستحباب بقرينة تركه صلى الله عليه وآله وسلم ذلك في جملة من أزواجه ، هذا والظاهر أن المدار في الوليمة على مسماها كما وكيفا فقد تقدم في الخبر أن رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم أطعم الناس الحيس ، وقد روت العامة أنه صلى الله عليه وآله وسلم (أو لم على صفية بسويق وتمر) (5) ، وقد روت العامة عن أنس (أنه ما أو لم رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم على امرأة من نسائه ما أولم على زينب ، جعل يبعثني فأدعو الناس ، فأطعمهم خبزا ولحما حتى شبعوا) (6) ، وأما وقتها ففي المسالك والروضة عند الزفاف ، وفي جامع المقاصد أنه هل هو بعد الدخول -
ص: 122
(يومين) (1) تأسيا بالنبي صلى الله عليه وآله وسلم فقد أولم على جملة من نسائه ، وقال صلى الله عليه وآله وسلم : «إن من سنن المرسلين الإطعام عند التزويج» وقال صلى الله عليه وآله وسلم : «الوليمة أول يوم حق ، والثاني معروف ، وما زاد رياء وسمعة».
(ويدعو المؤمنين) إليها (2) ، وأفضلهم الفقراء (3) ، ويكره أن يكونوا كلهم أغنياء ولا بأس بالشركة ، (ويستحب) لهم(الإجابة) استحبابا مؤكدا (4) ، ومن كان صائما ندبا فالأفضل له الإفطار (5) ، خصوصا إذا شق بصاحب الدعوة
______________________________________________________
- أو قبله ، لم أجد به تصريحا ، مع أن خبر السكوني عن أبي عبد الله عليه السلام (زفوا عرائسكم ليلا وأطعموا ضحى) (1) ظاهر في كون الوليمة بعد الدخول ، كما أن خبر الوشاء المتقدم ظاهر في أن الوليمة بعد العقد ، ولعل الجمع بين الأخبار يقتضي تجويز كلا الأمرين من كون الوليمة قبل الدخول وبعده بشرط أن تكون بعد العقد.
(1) للنبوي (الوليمة في أول يوم حق ، والثاني معروف ، والثالث رياء وسمعة) (2) ، وفي الخبر عن أبي جعفر عليه السلام (الوليمة يوم ، ويومان مكرمة ، وثلاثة أيام رياء وسمعة) (3).
(2) لأن المؤمنين أفضل من غيرهم ، وأولى بالمودة وأقرب إلى إجابة الدعوة كما في الجواهر ، نعم لو لم يمكن تخصيصهم فليجمعهم مع غيرهم ، ولا يشترط فيهم عدد مخصوص.
(3) للنبوي (شر الولائم ما يدعى لها الأغنياء ويترك الفقراء) (4).
(4) للنبوي (من دعي إلى وليمة ولم يجب فقد عصى الله ورسوله) (5) ، وفي نبوي آخر (من دعى إلى وليمة فليأتها) 6 ، ولكن لعدم شرائط حجيتها وجب حملها على الندب بل على تأكده ، فما عن بعض العامة من أنه تجب الاستجابة لهذه الأخبار ضعيف.
نعم يكره الترك إذا كان الداعي مؤمنا ففي الخبر (ومن حقه على أخيه إجابة دعوته) (6).
(5) لخبر الرقي عن أبي عبد الله عليه السلام (لإفطارك في منزل أخيك من صيامك سبعين ضعفا) (7) وصحيح جميل عن أبي عبد الله عليه السلام (من دخل على أخيه فأفطر عنده ولم -
ص: 123
صيامه (1).
(ويجوز أكل نثار العرس وأخذه بشاهد الحال) (2) أي مع شهادة الحال بالأذن في أخذه ، لأن الحال يشهد بأخذه دائما.
وعلى تقدير أخذه به (3) فهل يملك بالأخذ (4) ، أو هو مجرد إباحة ، قولان أجودهما الثاني.
وتظهر الفائدة في جواز الرجوع (5) فيه ما دامت عينه باقية.
(ويكره الجماع) (6) مطلقا(عند الزوال) إلا يوم الخميس ، فقد روي أن
______________________________________________________
- يعلمه بصومه فيمنّ عليه كتب الله له صوم سنة) (1).
(1) لما روته العامة (أن النبي صلى الله عليه وآله وسلم حضر دار بعضهم فلما تقدم الطعام أمسك بعض القوم ، وقال : إني صائم ، فقال النبي صلى الله عليه وآله وسلم : يتكلف لك أخوك المسلم وتقول : إني صائم ، أفطر ثم اقض يوما مكانه) (2).
(2) لا خلاف في جواز نثر المال في الأعراس مأكولا كان أو غيره وليس من السفه والسرف لكونه من متممات السرور المطلوب في هذه المواضع ، نعم لم يثبت استحبابه لعدم الدليل عليه.
وعلى كل فيجوز أكل ما ينثر في الأعراس بلا خلاف ولا إشكال عملا بشاهد الحال الذي عليه السيرة ، وكذا يجوز أخذه لشاهد الحال ، أما لو وضع على الخوان فقط فشاهد الحال أنه إذن بأكله دون نقله.
(3) بالنثار.
(4) كما عن المبسوط والمهذب والإرشاد والتذكرة للسيرة القطعية على معاملته معاملة المملوك بالبيع ونحوه ، بل السيرة قائمة على ذلك في كل مال أعرض عنه صاحبه ، وهنا قد أعرض عنه بنثاره.
وعن الشارح في المسالك أنه ما زال باقيا على ملك مالكه للأصل حتى يحصل مسبب يقتضي النقل ، وما وقع لا يفيد أكثر من الإباحة.
(5) على القول بالإباحة دون القول بالتملك.
(6) من آداب الخلوة كراهة الجماع في ثمانية أوقات : الأول عند الزوال حذرا من الحول ففي الخبر (إن قضى بينكما ولد في ذلك الوقت يكون أحول ، والشيطان يفرح بالحول في -
ص: 124
الشيطان لا يقرب الولد الذي يتولد حينئذ حتى يشيب(وبعد الغروب (1) حتى يذهب الشفق) الأحمر ومثله ما بين طلوع الفجر إلى طلوع الشمس ، لوروده معه في الخبر ، (وعاريا) (2) للنهي عنه ، رواه الصدوق عن أبي عبد الله عليه السلام ، (وعقيب الاحتلام قبل الغسل (3) ، أو الوضوء) (4) قال صلى الله عليه وآله وسلم : «يكره أن يغشي
______________________________________________________
- الإنسان) (1) إلا زوال يوم الخميس فيستحب كما في الخبر المتقدم (لأن الشيطان لا يقرب من يقضي بينهما حتى يشيب ويكون فهما ويرزق السلامة في الدين والدنيا) (2).
(1) لصحيح سالم عن أبي جعفر عليه السلام (قلت : هل يكره الجماع في وقت من الأوقات وإن كان حلالا؟ قال : نعم ما بين طلوع الفجر إلى طلوع الشمس ، ومن مغيب الشمس إلى مغيب الشفق ، وفي اليوم الذي تنكسف فيه الشمس ، وفي الليلة التي ينكسف فيها القمر ، وفي الليلة واليوم الذين يكون فيهما الريح السوداء والريح الحمراء والريح الصفراء ، واليوم والليلة الذين يكون فيهما الزلزلة ، وقد بات رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم عند بعض أزواجه في ليلة انكسف فيها القمر فلم يكن منه في تلك الليلة ما كان يكون منه في غيرها حتى أصبح ، فقالت : يا رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم ألبغض كان هذا منك في هذه الليلة؟ قال : لا ، ولكن هذه الآية ظهرت في هذه الليلة فكرهت أن أتلذذ وألهو فيها ، وقد عيّر الله أقواما فقال جل وعزّ في كتابه : وإن يروا كسفا من السماء ساقطا يقولوا سحاب مركوم فذرهم حتى يلاقوا يومهم الذي فيه يصعقون ، ثم قال أبو جعفر عليه السلام : وأيم الله لا يجامع أحد في هذه الأوقات التي نهى رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم عنها ، وقد انتهى إليه الخبر فيرزق ولدا فيرى في ولده ذلك ما يحب) (3).
(2) ففي خبر محمد بن العيص عن أبي عبد الله عليه السلام (أجامع وأنا عريان ، فقال عليه السلام : لا ، ولا تستقبل القبلة ولا تستدبرها) (4) ، وقد ورد (5) أنه من فعل الحمار وأن الملائكة تخرج من بينهما.
(3) للنبوي (يكره أن يغشى الرجل امرأته وقد احتلم ، حتى يغتسل من احتلامه الذي رأى ، فإن فعل فخرج الولد مجنونا فلا يلومنّ إلّا نفسه) (6).
(4) كما في النهاية والمهذب والوسيلة والقواعد وغيرها ، وقال في الجواهر (ولم نعرف له -
ص: 125
الرجل المرأة وقد احتلم حتى يغتسل من احتلامه الذي رأى ، فإن فعل ذلك وخرج الولد مجنونا فلا يلومنّ إلا نفسه» ، ولا تكره معاودة الجماع بغير غسل للأصل (1).
(والجماع عند ناظر إليه) (2) بحيث لا يرى العورة ، قال النبي صلى الله عليه وآله وسلم : «والذي نفسي بيده لو أنّ رجلا غشى امرأته وفي البيت مستيقظ يراهما ويسمع كلامهما ونفسهما ما أفلح أبدا ، إن كان غلاما كان زانيا ، وإن كانت جارية كانت زانية» ، وعن الصادق عليه السلام قال : «لا يجامع الرجل امرأته ، ولا جاريته وفي البيت
______________________________________________________
- سندا كما اعترف به في كشف اللثام) نعم أورد بعضهم أنه يحتمل أن يكون المستند بعد التعدي من الاحتلام إلى الجماع مرسل عثمان بن عيسى عن أبي عبد الله عليه السلام (إذا أتى الرجل جاريته ثم أراد أن يأتي الأخرى توضأ) (1).
(1) أصالة عدم استحباب الوضوء أو الغسل عند المعاودة ، ويرده إطلاق ما عن الرسالة الذهبية المنسوبة إلى الإمام الرضا عليه السلام (الجماع بعد الجماع من غير فصل بينهما بغسل يورث الولد الجنون) (2) ، وهو مطلق يشمل ما لو عاود الجماع على نفس المرأة أو على امرأة أخرى.
(2) يكره أن يجامع وعنده من ينظر إليه من ذوي التمييز على وجه يراهما ويسمع نفسهما ففي خبر زيد عن أبي عبد الله عليه السلام (قال رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم : والذي نفسي بيده لو أن رجلا يغشى امرأته وفي البيت صبي مستيقظ يراهما ويسمع كلامهما ونفسهما ما أفلح أبدا ، إن كان غلاما كان زانيا أو جارية كانت زانية ، وكان علي بن الحسين عليهما السلام إذا أراد أن يغشى أهله أغلق الباب وأرخى الستور وأخرج الخدم) (3) وخبر راشد عن أبي عبد الله عليه السلام (لا يجامع الرجل امرأته ولا جاريته وفي البيت صبي ، فإن ذلك مما يورّث الزنا) (4) ، وخبر جابر عن أبي جعفر عليه السلام (إياك والجماع حيث يراك صبي يحسن أن يصف حالك ، قلت : يا ابن رسول الله كراهة الشنعة؟ قال : لا ، فإنك إن رزقت ولدا كان شهرة علما في الفسق والفجور) (5) ، ثم صرح غير واحد بعدم الفرق بين المميّز وغيره كما هو إطلاق خبر راشد ، ولكن حمله على المميز بقرينة باقي الأخبار أولى.
ص: 126
صبي ، فإن ذلك مما يورث الزنا».
وهل يعتبر كونه مميزا وجه ، يشعر به الخبر الأول ، وأما الثاني فمطلق.
(والنظر إلى الفرج حال الجماع) (1) وغيره ، وحال الجماع أشد كراهة ، وإلى باطن الفرج أقوى شدة ، وحرمه بعض الأصحاب ، وقد روي أنه يورث العمى في الولد.
(والجماع مستقبل القبلة ومستدبرها) (2) للنهي عنه(والكلام) من كل منهما(عند التقاء الختانين إلا بذكر الله تعالى) قال الصادق عليه السلام (3) : «اتقوا الكلام عند ملتقى الختانين فإنه يورث الخرس» ومن الرجل آكد «ففي وصية النبي صلى الله عليه وآله وسلم يا علي لا تتكلم عند الجماع كثيرا ، فإنه إن قضي بينكما ولد لا يؤمن أن يكون أخرس» (4) (وليلة الخسوف ، ويوم الكسوف ، وعند هبوب الريح الصفراء ، أو)
______________________________________________________
(1) للأخبار :
منها : موثق سماعة (سألته عن الرجل ينظر في فرج المرأة وهو يجامعها ، قال : لا بأس به إلا أنه يورّث العمى) (1) ، وفي آخر (لا ينظر الرجل إلى فرج امرأته ، وليغض بصره عند الجماع ، فإن النظر إلى الفرج يورّث العمى في الولد) (2).
وعن ابن حمزة الحرمة وهو ضعيف لما سمعته من موثق سماعة ، ولخبر أبي حمزة عن أبي عبد الله عليه السلام (أينظر الرجل إلى فرج امرأته وهو يجامعها؟ فقال : لا بأس) (3) ، نعم المستفاد كراهة النظر إلى الفرج مطلقا للنبوي (وكره النظر إلى فروج النساء ، وقال : إنه يورّث العمى) (4).
(2) لخبر محمد بن العيص المتقدم عن أبي عبد الله عليه السلام (أجامع وأنا عريان ، قال عليه السلام : لا ، ولا تستقبل القبلة ولا تستدبرها) (5) ومثله غيره.
(3) كما في خبر عبد الله بن سنان (6) ، وأما استثناء ذكر الله تعالى لأنه حسن على كل حال بل وما دل على استحباب البسملة وقد تقدم بالإضافة إلى انصراف الكلام المنهي عنه إلى كلام الآدميين.
(4) الوسائل الباب - 6 - من أبواب مقدمات النكاح حديث 3.
ص: 127
(السوداء ، أو الزلزلة) (1) فعن الباقر عليه السلام أنه قال : «والذي بعث محمدا صلى الله عليه وآله وسلم بالنبوة ، واختصه بالرسالة ، واصطفاه بالكرامة ، لا يجامع أحد منكم في وقت من هذه الأوقات فيرزق ذرية فيرى فيها قرة عين» (2) (وأول ليلة من كل شهر (3) إلا شهر رمضان ، ونصفه) عطف على أول (4) ، لا على المستثنى ، ففي الوصية «يا علي لا تجامع امرأتك في أول الشهر ، ووسطه ، وآخره ، فإن الجنون والجذام والخبل يسرع إليها ، وإلى ولدها». وعن الصادق عليه السلام : «يكره للرجل أن يجامع في أول ليلة من الشهر وفي وسطه وفي آخره (5) ، فإنه من فعل ذلك خرج الولد مجنونا ، ألا ترى أن المجنون أكثر ما يصرع في أول الشهر ، ووسطه ، وآخره ، وروى الصدوق عن علي عليه السلام أنه قال : يستحب للرجل أن يأتي أهله أول ليلة من شهر رمضان لقوله عزوجل : ( أُحِلَّ لَكُمْ لَيْلَةَ الصِّيٰامِ الرَّفَثُ إِلىٰ نِسٰائِكُمْ ) (6).
(وفي السفر مع عدم الماء) للنهي (7) عنه عن الكاظم عليه السلام مستثنيا منه خوفه على نفسه.
______________________________________________________
(1) كل ذلك لصحيح سالم عن أبي جعفر عليه السلام (1) وقد تقدم.
(2) مستدرك الوسائل الباب - 46 - من أبواب مقدمات النكاح حديث 2.
(3) كما في وصية النبي صلى الله عليه وآله وسلم لعلي عليه السلام (لا تجامع امرأتك في أول الشهر ووسطه وآخره ، وفيها أيضا : يا علي لا تجامع أهلك في أول ليلة من الهلال ولا في ليلة النصف ، ولا في آخر ليلة) (2) ومثلها غيرها.
(4) أي فيكون النصف كالأول مكروها.
(5) الوسائل الباب - 64 - من أبواب مقدمات النكاح حديث 3.
(6) الوسائل الباب - 64 - من أبواب مقدمات النكاح حديث 4.
(7) الوسائل الباب - 50 - من أبواب مقدمات النكاح حديث 1 ، والخبر هو خبر إسحاق بن عمار عن أبي إبراهيم عليه السلام (عن الرجل يكون معه أهله في سفر لا يجد الماء يأتي أهله؟ قال : ما أحب أن يفعل إلا أن يخاف على نفسه ، قلت : فيطلب بذلك اللذة أو يكون شبقا إلى النساء؟ فقال : إن الشبق يخاف على نفسه).
ص: 128
(ويجوز النظر إلى وجه امرأة يريد نكاحها) (1)
______________________________________________________
(1) يجوز النظر إلى من يريد التزويج بها بلا خلاف فيه ، ولكن اختلفوا في مقدار ما ينظر إليه من جسدها فعن المشهور أنه مختص بالوجه والكفين لصحيح الفضلاء هشام بن سالم وحماد بن عثمان وحفص بن البختري عن أبي عبد الله عليه السلام (لا بأس بأن ينظر إلى وجهها ومعاصمها إذا أراد أن يتزوجها) (1) ، والمعاصم جمع معصم وهو موضع السوار من الساعد ، والمراد منها الكفان ، وصحيح الحسن بن السري (قلت لأبي عبد الله عليه السلام (الرجل يريد أن يتزوج المرأة يتأملها وينظر إلى خلفها وإلى وجهها ، قال عليه السلام : نعم لا بأس بأن ينظر الرجل إلى المرأة إذا أراد أن يتزوجها ، ينظر إلى خلفها وإلى وجهها) (2) مثلها غيرها ، وعن المشايخ الثلاثة وجماعة من الأصحاب إضافة الشعر لصحيح عبد الله بن سنان (قلت لأبي عبد الله عليه السلام : الرجل يريد أن يتزوج المرأة أينظر إلى شعرها؟ فقال عليه السلام : نعم إنما يريد أن يشتريها بأغلى الثمن) (3)، ومرسل عبد الله بن الفضل عن أبي عبد الله عليه السلام (قلت : أينظر الرجل إلى المرأة يريد تزويجها فينظر إلى شعرها ومحاسنها؟ قال عليه السلام : لا بأس بذلك إذا لم يكن متلذذا) (4).
وقد قيل إن هذين الخبرين معارضان لما سبق باعتبار أن ما سبق وارد في مقام بيان التحديد لموضوع النظر وقد خصّه بالوجه والكفين فقط فلا محالة يكون معارضا لما دل على جواز النظر إلى غيرهما من الشعر ، والترجيح للطائفة الأولى ، وهو مردود لأن صحيح السري المتقدم اقتصر على الوجه دون الكفين فكيف يقال إنه وارد في مقام بيان تحديد الموضوع.
والحاصل أنه لا مانع من العمل بالجميع فيجوز النظر إلى الوجه والكفين والشعر خصوصا مع كون الدال على الشعر هو صحيح ابن سنان المتقدم ، نعم مال البعض ومنهم صاحب الجواهر إلى جواز النظر إلى جميع بدنها ما عدا العورة لإطلاق صحيح محمد بن مسلم عن أبي جعفر عليه السلام (عن الرجل يريد أن يتزوج المرأة أينظر إليها؟ قال عليه السلام : نعم إنما يشتريها بأغلى الثمن) (5) وموثق يونس (قلت لأبي عبد الله عليه السلام : الرجل يريد أن يزوج المرأة يجوز له أن ينظر إليها؟ قال عليه السلام : نعم وترقق له الثياب ، لأنه يريد أن يشتريها بأغلى الثمن) (6)بناء على أن ترقيق الثياب من أجل النظر إلى ما تحتها من سائر البدن.
وفيه : أما الأول فلا إطلاق فيه لأن السؤال عن أصل جواز النظر والجواب تجويز ذلك وهو ليس بصدد بيان ما ينظر إليه حتى يتمسك بإطلاقه ، بالإضافة إلى أنه محمول على -
ص: 129
وإن لم يستأذنها (1) ، بل يستحب له النظر ليرتفع عنه الغرر ، فإنه مستام (2) يأخذ بأغلى ثمن كما ورد في الخبر (3) ، (ويختص الجواز بالوجه والكفين) : ظاهرهما وباطنهما إلى الزندين ، (وينظرها قائمة وماشية) ، وكذا يجوز للمرأة نظره كذلك (4)
______________________________________________________
- المعهود من كون غير الوجه واليدين مستورا بالثياب فلا ينعقد له ظهور في الإطلاق.
وأما الثاني فغير معروف أن الترقيق لكشف ما تحته من البدن ، بل الترقيق لكشف حجم المفاتن من الثديين والوركين ونحوهما.
واعلم أنه سيأتي جواز النظر إلى وجه المرأة الأجنبية وكفيها في الجملة ، وإذا وجب الاقتصار هنا على هذا المقدار فينشأ سؤال ما هو الفرق بين من يريد تزويجها وبين الأجنبية ، والجواب أنه من وجوه.
الأول : الجواز هنا موضع وفاق وهناك محل اختلاف.
الثاني : في الأجنبية مشروط بعدم خوف الفتنة وهنا غير مشروط بذلك.
الثالث : في الأجنبية مقصور على أول نظرة فلا يجوز التكرار وهنا يجوز.
الرابع : النظر في الأجنبية مكروه وهنا لا كراهية إن لم يكن مستحبا.
(1) بلا خلاف فيه منا لإطلاق النصوص المتقدمة ، ومنه تعرف ضعف ما عن مالك من العامة من أن جواز النظر متوقف على إذنها.
(2) أي مشتري ، ففي خبر الباهلي عن أبي عبد الله عليه السلام (لا بأس بأن ينظر الرجل إلى محاسن المرأة قبل أن يتزوجها فإنما هو مستام ، فإن يقضي أمر يكن) (1) وخبر غياث بن إبراهيم عن جعفر عن أبيه عن علي عليهم السلام (عن رجل ينظر إلى محاسن امرأة يريد أن يتزوجها ، قال : لا بأس إنما هو مستام فإن يقضي أمر يكون) (2).
(3) كما في صحيح محمد بن مسلم وصحيح ابن سنان المتقدمين.
(4) أي إلى الوجه والكفين منه وإلى كونه قائما وماشيا كما عن القواعد وغيره ، للتعليل في النصوص السابقة لأنه إذا جاز للرجل النظر لئلا يضيع ماله فجوازه للمرأة لئلا يضيع بضعها أولى ، ولما ورد في المرسل عن المجازات النبوية (أنه صلى الله عليه وآله وسلم قال لرجل من أصحابه وقد خطب امرأة : لو نظرت إليها فإنه أحرى أن يؤدم بينكما) (3) ومقتضى عموم العلة جواز نظرها إليه ، والخبر ضعيف السند ، ولذا ذهب صاحب الجواهر إلى المنع وجماعة منهم الفاضل الهندي في كشف اللثام.
ص: 130
(وروى) عبد الله بن الفضل مرسلا عن الصادق عليه السلام : (جواز النظر إلى شعرها ، ومحاسنها) وهي مواضع الزينة إذا لم يكن متلذذا ، وهي مردودة بالارسال ، وغيره (1).
ويشترط العلم بصلاحيتها للتزويج بخلوها من البعل ، والعدة ، والتحريم (2) وتجويز اجابتها ، ومباشرة المريد بنفسه (3) فلا يجوز الاستنابة فيه (4) وإن كان (5) أعمى ، وأن لا يكون (6) بريبة ، ولا تلذذ (7) ، وشرط بعضهم أن يستفيد بالنظر فائدة (8) ، فلو كان عالما بحالها قبله لم يصح. وهو حسن ، لكن النص مطلق ، وأن يكون الباعث على النظر إرادة التزويج (9) ، دون العكس (10). وليس بجيد ، لأن المعتبر قصد التزويج (11) قبل النظر كيف كان الباعث.
______________________________________________________
(1) وهو معارضتها للنصوص الدالة على حصر مواضع النظر على الوجه والكفين والترجيح للطائفة الثانية لا لها ، وقد عرفت أن صحيح ابن سنان دال على جواز النظر إلى الشعر ، وعرفت عدم التعارض بين الطائفتين.
(2) لأن الظاهر من النصوص المتقدمة جواز النظر إلى من يجوز له نكاحها حال النظر ، وكذا الظاهر منها جواز النظر إلى من كانت إجابتها ممكنة عادة لا المعلوم عدم إجابتها ، فالنصوص منصرفة عن الأخير.
(3) كما هو ظاهر النصوص السابقة.
(4) في النظر.
(5) أي المريد.
(6) أي النظر.
(7) كما صرح به غير واحد لاختصاص النصوص المتقدمة بالنظر للاطلاع ، فيرجع في غيره إلى عموم المنع ، بل وقد تقدم ما في مرسل عبد الله بن الفضل (لا بأس بذلك إذا لم يكن متلذذا) (1).
(8) بحيث لا يكون مسبوقا بحالها فيكون النظر مفيدا له ، لانصراف النصوص إلى النظر للاطلاع ، فيرجع في غيره إلى عموم المنع.
(9) كما هو صريح الأخبار المتقدمة ، والمراد منه إرادة التزويج منها بالخصوص.
(10) أي كون النظر باعثا إلى التزويج منها.
(11) أي قصد مطلق التزويج وكان تعيين الزوجة مترتبا على النظر.
ص: 131
(ويجوز النظر إلى وجه الأمة) (1) أي أمة الغير ، (ويديها) ، وكذا(الذمية) (2) ،
______________________________________________________
(1) يجوز النظر إلى وجه أمة الغير إذا أراد شراءها ، وكذا النظر إلى كفيها ومحاسنها وشعرها بلا خلاف فيه كما في المسالك وإن لم يكن بإذن المولى ، لأن عرضها للبيع قرينة الاذن في ذلك ، ولخبر أبي بصير عن أبي عبد الله عليه السلام (عن الرجل يعترض الأمة ليشتريها ، قال عليه السلام : لا بأس أن ينظر إلى محاسنها ، ويمسّها ما لم ينظر إلى ما لا ينبغي النظر إليه) (1) ، وخبر حبيب بن المعلّى الخثعمي عن أبي عبد الله عليه السلام (إني اعترضت جواري المدينة فأفديت ، فقال عليه السلام : أمّا لمن يريد الشراء فليس به بأس ، وأما من لا يريد أن يشتري فإني أكرهه) (2) ومثلها غيرها.
وهل يجوز الزيادة على ذلك من باقي جسدها ما عدا العورة ، فعن التذكرة الجواز لدعاء الحاجة للتطلع إليها لئلا يكون بها عيب ، وقيده في الدروس بتحليل المولى ، ومعه يجوز النظر إلى العورة أيضا ، وعن السرائر وغيره الحرمة.
ثم هل يجوز المسّ مع النظر أو لا ، صريح خبر أبي بصير الجواز ، وفي المسالك استحسانه مع توقف الغرض عليه وإلا فتركه أحسن إلا مع التحليل ، ثم الجواز مقيد بعدم التلذذ والريبة لأنه القدر المتيقن من النصوص ، فيبقى غيره تحت عموم حرمة النظر واللمس.
(2) المشهور على جواز النظر إلى شعور نساء أهل الذمة وأيديهن لخبر السكوني عن أبي عبد الله عليه السلام (قال رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم : لا حرمة لنساء أهل الذمة أن ينظر إلى شعورهن وأيديهن) (3) وخبر أبي البختري عن جعفر عن أبيه عن علي بن أبي طالب عليهم السلام (لا بأس بالنظر إلى رءوس النساء من أهل الذمة) (4) ، واستدل للحكم المذكور بأن نساء أهل الذمة بمنزلة الإماء للمسلمين لأن الكفار في ء للمسلمين وإنما يحرّمهم الذمة فتكون نساء أهل الذمة بمنزلة الأمة المزوجة بالعبد ، وفيه : إن الملك إنما يكون بالاسترقاق.
واستدل للحكم بأنهن ملك الإمام عليه السلام كما في صحيح أبي بصير عن أبي جعفر عليه السلام (إن أهل الكتاب مماليك الإمام) (3) ، وخبر زرارة عنه عليه السلام (إن أهل الكتاب مماليك للإمام ، ألا ترى أنهم يؤدون الجزية كما يؤدي العبيد الضريبة إلى مواليهم) (4) ، وصحيح أبي ولّاد عن أبي عبد الله عليه السلام (وهم مماليك للإمام فمن أسلم -
ص: 132
وغيرها من الكفار بطريق أولى ، (لا لشهوة) (1) قيد فيهما (2) (و) يجوز(أن ينظر الرجل إلى مثله) ما عدا العورتين (3) (وإن كان) المنظور(شابا حسن الصورة ، لا لريبة) وهو خوف الفتنة ، (ولا تلذذ).
______________________________________________________
- منهم فهو حر) (1) ، وإذا ثبت أنهن مماليك للإمام فيجوز النظر إلى أمة الغير ، وفيه : إن جواز النظر إلى أمة الغير مختص بالمشتري وليس مطلقا كما هو المدعى هنا.
فالعمدة على الحكم ما ذكرناه ، نعم عن ابن إدريس المنع من النظر إليهن عملا بعموم الآية المحرّمة للنظر حيث قال تعالى : ( قُلْ لِلْمُؤْمِنِينَ يَغُضُّوا مِنْ أَبْصٰارِهِمْ وَيَحْفَظُوا فُرُوجَهُمْ ، ذٰلِكَ أَزْكىٰ لَهُمْ إِنَّ اللّٰهَ خَبِيرٌ بِمٰا يَصْنَعُونَ ) (2) ، وتبعه على ذلك العلامة في المختلف ، والفاضل الهندي في كشف اللثام ، وفيه : إن خبر السكوني الدال على الجواز منجبر بعمل الأصحاب ، ومعه يجوز تخصيص الآية بخبر الواحد ، والمنع من العمل بالخبر الواحد ليس في محله كما حرر في علم الأصول.
وإذا جاز النظر إلى نساء أهل الذمة فيجوز إلى غيرهن من مطلق الكفار بطريق أولى.
(1) جواز النظر إلى نساء أهل الذمة مقيّد بعدم التلذذ وبعدم الريبة لأن النصوص المجوّزة ظاهرة في ذلك ، فيرجع في غيره إلى عموم حرمة النظر ، والمراد بالتلذذ هو التلذذ بالنظر ، والمراد بالريبة هو خوف الوقوع في الحرام ، وهو المعبر عنه بخوف الفتنة.
(2) في الأمة والذمية. هذا ويجوز النظر أيضا إلى نساء أهل البوادي والقرى من الأعراب بما جرت عادتهن على كشفه لخبر عباد بن صهيب عن أبي عبد الله عليه السلام (لا بأس بالنظر إلى رءوس نساء أهل تهامة والإعراب وأهل السواد والعلوج ، لأنهم إذا نهوا لا ينتهون) (3) كما في رواية الكافي ، وفي رواية الصدوق (لا بأس بالنظر إلى شعور أهل تهامة والأعراب وأهل البوادي من أهل الذمة والعلوج لأنهن إذا نهين لا ينتهين) (4) ، ولكن الجواز مقيد بعدم التلذذ والريبة لأنه القدر المتيقن من الخبر.
(3) يجوز لكل من الرجل والمرأة النظر إلى مماثله ما عدا العورتين بلا خلاف فيه ، ويشهد له النصوص الواردة في الحمام (5) ، والواردة في تغسيل الأموات المتضمنة للأمر بأن يلقي على عورته خرقة(6). -
ص: 133
وكذا تنظر المرأة إلى مثلها كذلك (1) ، (والنظر إلى جسد الزوجة باطنا وظاهرا) (2) ، وكذا أمته غير المزوجة والمعتدة (3) ، وبالعكس (4) ، ويكره إلى العورة
______________________________________________________
- بلا فرق بين حسن الصورة وقبيحها ، ولا بين الأمرد وغيره ما لم يكن بريبة أو تلذذ ، نعم يكره في الغلام حسن الوجه لما روته العامة (من أن وفدا قدموا على رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم وفيهم غلام حسن الوجه فأجلسه من ورائه ، وكان ذلك بمرأى من الحاضرين) (1) وإجلاسه ورائه تنزها منه صلى الله عليه وآله وسلم وتعففا وتعليما للناس.
ونعم يكره كشف المسلمة بين يدي اليهودية والنصرانية لما في صحيح حفص بن البختري عن أبي عبد الله عليه السلام (لا ينبغي للمرأة أن تنكشف بين يدي اليهودية والنصرانية ، فإنهن يصفن ذلك لأزواجهن) ((2) ، وهو ظاهر في الكراهة فما عن جماعة من المنع ليس في محله ، ثم مقتضى التعليل التعدي إلى غير اليهودية والنصرانية إذا كانت تصف لزوجها ما تراه من النساء المسلمات.
(1) بلا ريبة ولا تلذذ وإلى ما عدا العورتين.
(2) يجوز لكل من الزوج والزوجة النظر إلى جسد الآخر ، أما الظاهر منه فهو الوجه والكفان ، وأما الباطن فهو باقي الجسد حتى العورة ، نعم بالنسبة للعورة فالنظر مكروه لأنه يورث العمى ، وقد تقدم النهي عنه ، وقد تقدم عن ابن حمزة حرمة النظر إلى فرج المرأة حال الجماع ، وتقدم ما فيه.
(3) الأمة المملوكة كالزوجة بالنسبة إلى السيد بلا خلاف فيه ، نعم إذا حرم عليه نكاحها ذاتا لأنها متزوجة بغيره فلا يجوز النظر إليها بخلاف ما إذا حرم نكاحها عرضا كالحيض ونحوه فلا يحرم النظر إليها ، ويدل على أصل الحكم صحيح عبد الرحمن بن الحجاج (سألت أبا عبد الله عليه السلام عن الرجل يزوج مملوكته عبده ، أتقوم عليه كما كانت تقوم فتراه منكشفا أو يراها على تلك الحال؟ فكره ذلك وقال : قد منعني أن أزوج بعض خدمي غلامي لذلك) (3) ومثله غيره.
إذا تقرر ذلك فلا يجوز النظر إلى جسد الأمة إذا كانت مزوجة أو معتدة لأن المعتدة بحكم الزوجة أو مشتركة أو وثنية أو مرتدة لحرمة نكاحها ذاتا حينئذ.
(4) أي والأمة غير المتزوجة وغير المعتدة يجوز لها النظر إلى جسد مولاها ظاهرا وباطنا حتى العورة ، وكذا الزوجة يجوز لها النظر إلى جسد زوجها ظاهرا وباطنا حتى العورة.
ص: 134
فيهما (1) ، (وإلى المحارم) (2) وهو من يحرم نكاحهن مؤبدا بنسب ، أو رضاع ، أو مصاهرة(خلا العورة) وهي هنا القبل والدبر.
وقيل : تختص الإباحة بالمحاسن (3) جمعا بين قوله تعالى : ( قُلْ لِلْمُؤْمِنِينَ يَغُضُّوا مِنْ أَبْصٰارِهِمْ ) (4) ، وقوله تعالى : ( وَلٰا يُبْدِينَ زِينَتَهُنَّ إِلّٰا لِبُعُولَتِهِنَّ ) (5) إلى آخره.
(ولا ينظر الرجل إلى) المرأة(الأجنبية) وهي غير محرم ، والزوجة ، والأمة(إلا مرة) واحدة(من غير معاودة) في الوقت الواحد عرفا (6) ،
______________________________________________________
(1) أي في الزوج والزوجة وفي المولى وأمته من كلا الطرفين.
(2) يجوز النظر إلى المحارم بلا خلاف فيه في الجملة ، وعلى المشهور جواز النظر إلى الجسد ما عدا العورة ويشهد له ما ورد من تغسيل المحارم مجردات ويلقي على عورتهن خرقة (1) ، والحكم مقيد بعدم التلذذ والريبة ، لأنه هو الظاهر من النصوص ، ومنه يعرف حكم نظرهن إليه للمساواة بين الرجل والمرأة ، وعن القواعد في آخر باب حد المحارب : ليس للمحرم التطلع على العورة والجسد عاريا ، وعن التنقيح ليس له النظر إلى الثدي حال الرضاع واستدل له بخبر أبي الجارود والمروي في تفسير علي بن إبراهيم عن أبي جعفر عليه السلام (في قوله تعالى : ( وَلٰا يُبْدِينَ زِينَتَهُنَّ إِلّٰا مٰا ظَهَرَ مِنْهٰا ) ، فقال عليه السلام : فهي الثياب والكحل والخاتم وخضاب الكف والسوار ، والزينة ثلاثة : زينة للناس وزينة للمحرم وزينة للزوج ، فأما زينة الناس فقد ذكرنا ، وأما زينة المحرم فموضع القلادة فما فوقها والدملج فما دونه ، والخلخال وما سفل منه ، وأما زينة الزوج فالجسد كله) (2) ، وهو ضعيف السند لم يعمل به الأصحاب فلا جابر له.
ثم إن المراد بالمحارم ما يحرم عليه نكاحهن نسبا أو رضاعا أو مصاهرة.
(3) على ما في خبر أبي الجارود المتقدم.
(4) النور آية : 30.
(5) النور آية : 31.
(6) يحرم نظر الرجل إلى الأجنبية فيما عدا الوجه والكفين بالاتفاق ، بلا فرق بين التلذذ وعدمه ولا بين خوف الفتنة وعدمه. -
ص: 135
.................................................................................................
______________________________________________________
- وأما في الوجه والكفين فاختلفوا على أقوال : الأول الجواز وهو عن الشيخ وجماعة واختاره في الحدائق والمستند وشيخنا الأعظم في رسالة النكاح لصحيح الفضيل (سألت أبا عبد الله عليه السلام عن الذراعين من المرأة ، هما من الزينة التي قال الله تعالى : ( وَلٰا يُبْدِينَ زِينَتَهُنَّ إِلّٰا لِبُعُولَتِهِنَّ ) ؟ قال عليه السلام : نعم ، وما دون الخمار من الزينة ، وما دون السوارين) (1) ، وظاهره أن الخمار يستر الشعر والرقبة وأما الوجه فهو خارج عنه ، وأن الكف فوق السوار لا دونه ، فيكونان خارجين من الزينة ، ولموثق زرارة عن أبي عبد الله عليه السلام (في قول الله عزوجل : ( إِلّٰا مٰا ظَهَرَ مِنْهٰا ) ، قال عليه السلام : الزينة الظاهرة الكحل والخاتم) (2) ، وهو ظاهر في كون الوجه والكفين من الزينة الظاهرة المستثناة ، وخبر أبي بصير عن أبي عبد الله عليه السلام (سألته عن قول الله عزوجل : ( وَلٰا يُبْدِينَ زِينَتَهُنَّ إِلّٰا مٰا ظَهَرَ مِنْهٰا ) ، قال عليه السلام : الخاتم والمسكة وهي القلب) (3) والقلب بالضم هو السوار ، وخبر مسعدة بن صدقة (سمعت جعفرا عليه السلام وسئل عما تظهر المرأة من زينتها ، قال : الوجه والكفين) (4) ، وقد تقدم خبر أبي الجارود (5) الدال على كون زينة الناس هي الكحل والخاتم وخضاب الكف والسوار ، وهو ظاهر في جواز النظر إلى الوجه والكفين.
بالإضافة إلى قوله تعالى : ( وَلٰا يُبْدِينَ زِينَتَهُنَّ إِلّٰا مٰا ظَهَرَ مِنْهٰا ) (6) فهو ظاهر على أن من الزينة ما هو ظاهر بنفسه ، ولا يكون إلا بظهور موضعها فيدل على أن بعض جسد المرأة مما يجوز إظهاره ولا يحرم كشفه ، وإذا جاز كشفه جاز النظر إليه.
ونوقش بأن الأخبار ضعيفة السند ، وأنها ظاهرة في جواز الكشف لا في جواز النظر وفيه : إنها منجبرة بعضها ببعض على أنها مؤيدة بظاهر القرآن ، والملازمة بين الكشف والنظر قائمة للسيرة ، ولأن قوله تعالى : ( قُلْ لِلْمُؤْمِنِينَ يَغُضُّوا مِنْ أَبْصٰارِهِمْ ) (7)غير دال على حرمة النظر بل دال على عموم الغض ، والغض هو غير ترك البصر.
القول الثاني : عدم الجواز كما عن العلامة في التذكرة والإرشاد وكاشف اللثام وصاحب الجواهر لعموم ما دل على وجوب غض البصر كقوله تعالى : ( قُلْ لِلْمُؤْمِنِينَ يَغُضُّوا مِنْ أَبْصٰارِهِمْ ) (8) وفيه : يظهر ضعفه مما تقدم ، ولقوله تعالى : ( وَلٰا يُبْدِينَ زِينَتَهُنَّ ) (9) وفيه : -
ص: 136
.................................................................................................
______________________________________________________
- إنه مقيد بما دل على جواز إبداء ما ظهر منها المفسّر بالوجه والكفين ، ولما في كنز العرفان من إطباق الفقهاء على أن بدن المرأة عورة إلا على الزوج والمحارم ، وفيه : مع هذا الخلاف القائم كيف يعتمد على هذا الإجماع ، واستدل بالسيرة بين المتدينين على الستر ، وفيه : إنه أعم من الوجوب ، واستدل بالنصوص المتضمنة للذم على النظر ومن أنها سهم من سهام إبليس (1) ، وأن زنا العين النظر (2)، وفيه : إنه مختص بما يترتب على النظر من حرام فيختص بالنظر بشهوة.
واستدل بمكاتبة الصفّار إلى أبي محمد عليه السلام (في رجل أراد أن يشهد على امرأة ليس لها بمحرم ، هل يجوز له أن يشهد عليها وهي من وراء الستر ، يسمع كلامها إذا شهد رجلان عدلان أنها فلانة بنت فلان التي تشهدك ، وهذا كلامها ، أو لا يجوز له الشهادة حتى تبرز ويثبتها بعينها؟ فوقّع عليه السلام : تتنقب وتظهر للشهود) (3) ، وفيه : إن الأمر بالتنقب محمول على الاستحباب بقرينة ما تقدم من الأخبار بجواز كشف الوجه والكفين ، مع أن المكاتبة دالة على كشف بعض الوجه وجواز النظر إلى هذا البعض.
واستدل بما ورد (من أن المرأة الخثعمية أتت رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم بمنى في حجة الوداع تستفتيه ، وكان الفضل بن العباس رديف رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم ، فأخذ ينظر إليها وتنظر إليه ، فصرف رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم وجه الفضل عنها ، وقال : رجل شاب وامرأة شابة ، أخاف أن يدخل الشيطان بينهما) (4) ، نعم في الفقه الرضوي قد نقل الخبر فقال : (فاستقبل رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم أعرابي وعنده أخت له أجمل ما يكون من النساء فجعل الأعرابي يسأل النبي صلى الله عليه وآله وسلم وجعل الفضل ينظر إلى أخت الأعرابي ، وجعل رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم يده على وجه الفضل يستره من النظر ، فإذا هو ستره من الجانب نظر من الجانب الآخر ، حتى إذا فرغ رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم من حاجة الأعرابي التفت إليه وأخذ بمنكبه ثم قال : أما علمت أنها الأيّام المعدودات والمعلومات لا يكف رجل فيهن بصره ولا يكف لسانه ويده ، إلا كتب الله له مثل حج قابل) (5).
وفيه : إن الخبر دال على جواز الكشف وإلا لنهي المرأة عن الكشف ، والنهي محمول على النظر بشهوة كما يشهد به ذيل الخبر بطريقيه.
ص: 137
(إلا لضرورة (1) كالمعاملة ،)
______________________________________________________
- القول الثالث : جواز النظر إلى الوجه والكفين مرة ولا يجوز تكرار النظر كما عن جماعة منهم المحقق في الشرائع والعلامة في القواعد ، ووجه تحريم الزائد من المرة هو أن المعاودة ودوام النظر مظنة الفتنة وللخبر (أول نظرة لك والثانية عليك ولا لك ، والثالثة فيها الهلاك) (1) ، وفي آخر (النظرة بعد النظرة تزرع في القلب الشهوة وكفى بها لصاحبها فتنة) (2)والنبوي (لا تتبع النظرة النظرة ، فليس لك يا علي إلا أول نظرة) (3)ومثلها غيرها ، وهي محمولة على كون النظرة الثانية بشهوة وريبة كما هو الغالب ثم هذا كله إذا كان النظر لا بتلذذ وريبة ، وإلا فلا إشكال في الحرمة لحمل بعض النصوص المتقدمة على ذلك وظهور البعض الآخر.
(1) يستثنى من عدم جواز النظر إلى الأجنبية مواضع.
الأول : النظر إلى من يريد تزويجها وقد تقدم.
الثاني : مقام المعاملة إذا احتاج إلى النظر إليها لنفي الحرج.
الثالث : مقام الشهادة عليها تحملا وأداء إذا كان مضطرا إلى ذلك.
الرابع : المعالجة وما يتوقف عليها من معرفة النبض والكسر والجرح والفصد والحجامة لصحيح أبي حمزة الثمالي عن أبي جعفر عليه السلام (سألته عن المرأة المسلمة يصيبها البلاء في جسدها ، إما كسر وإما جرح في مكان لا يصلح النظر إليه ، يكون الرجل أرفق بعلاجه من النساء ، أيصلح له النظر إليها؟ قال عليه السلام : إذا اضطرت فليعالجها إن شاءت) (4) ، ومن الجواب تعرف أنه مع وجود المماثل المعالج فلا ضرورة ، وأنه إذا توقفت المعالجة على اللمس جاز للضرورة أيضا.
الخامس : مقام الضرورة كما إذا توقف الاستنقاذ من الغرق أو الحرق أو نحوهما على النظر بل وعلى المس واللمس فيجوز لقاعدة نفي الضرر.
السادس : القواعد من النساء ومن اللواتي لا يرجون نكاحا فقد قعدن عن المحيض والولد ولا يطمعن في النكاح من جواز النظر إلى بعض الشعر والذراع ونحو ذلك مما يعتاد عدم ستره بالنسبة إليهن ، لا مثل الثدي والبطن مما يعتاد ستره لهن ، ويدل على أصل الحكم قوله تعالى : ( وَالْقَوٰاعِدُ مِنَ النِّسٰاءِ اللّٰاتِي لٰا يَرْجُونَ نِكٰاحاً فَلَيْسَ عَلَيْهِنَّ جُنٰاحٌ أَنْ يَضَعْنَ ثِيٰابَهُنَّ غَيْرَ مُتَبَرِّجٰاتٍ بِزِينَةٍ ) (5) ، وقد فسرت الثياب بالثياب الظاهرة كما -
ص: 138
(والشهادة) عليها إذا دعي إليها (1) أو لتحقيق الوطء في الزنا وإن لم يدع (2) ، (والعلاج) من الطبيب ، وشبهه (3) ، (وكذا يحرم على المرأة أن تنظر إلى الأجنبي (4) ،)
______________________________________________________
- في صحيح محمد بن مسلم عن أبي عبد الله عليه السلام (ما الذي يصلح لهن أن يضعن من ثيابهن؟ قال : الجلباب) (1) ، وصحيح الحلبي عنه عليه السلام (أنه قرأ أن يضعن ثيابهن ، قال عليه السلام : الخمار والجلباب ، قلت : بين يدي من كان؟ فقال : بين يدي من كان غير متبرجة بزينة) (2) ومثلها غيرها.
وهذه النصوص ظاهرة في جواز كشف ما يستره الجلباب والخمار ، ومنه يستفاد جواز النظر إلى هذه المواضع وهي الشعر والرقبة وبعض الذراع ، ومما يدل عليه صحيح البزنطي عن مولانا الرضا عليه السلام (عن الرجل يحلّ له أن ينظر إلى شعر أخت امرأته ، فقال عليه السلام : لا ، إلا أن تكون من القواعد ، قلت له : أخت امرأته والغريبة سواء؟ قال عليه السلام : نعم ، قلت : فمالي من النظر إليه منها؟ فقال عليه السلام : شعرها وذراعها) (3).
(1) لوجوب الأداء حينئذ لقوله تعالى : ( وَلٰا يَأْبَ الشُّهَدٰاءُ إِذٰا مٰا دُعُوا ) (4).
(2) ذكر ذلك العلامة في القواعد ، وعلّله في المسالك بأنه وسيلة إلى إقامة حدود الله تعالى ، ولما في المنع من عموم الفساد واجتراء النفوس على هذا المحرم وانسداد باب ركن من أركان الشرع.
(3) كالحجام.
(4) لقوله تعالى : ( وَقُلْ لِلْمُؤْمِنٰاتِ يَغْضُضْنَ مِنْ أَبْصٰارِهِنَّ ) (5) ، ويستثنى الوجه والكفان للسيرة القطعية ولما دل على الاستثناء في نظر الرجل للمرأة ، بل لو قيل بجواز النظر إلى الرجال بما تعارف كشفه منهم للسيرة القطعية لما كان بعيدا وظاهر الشهيدين هنا كما عليه جماعة عدم جواز النظر مطلقا إلا النظرة الأولى لإطلاق نصوص النظرة المتقدمة ، وقد عرفت ما فيها ثم من قال بعدم جواز نظر الرجل إلى الأجنبية مطلقا قال بمثله في نظر المرأة للرجل لعين ما تقدم ، وقد عرفت ما فيه ، ثم إن الأعمى كالبصير في حرمة نظر النساء إليه بالخلاف المتقدم ، ففي مرفوع أحمد بن أبي عبد الله (استأذن ابن أم مكتوم -
ص: 139
(أو تسمع صوته (1) إلا لضرورة) كالمعاملة ، والطب(وإن كان) الرجل(أعمى) ، لتناول النهي له (2) ، ولقول النبي صلى الله عليه وآله وسلم لأم سلمة وميمونة لما أمرهما بالاحتجاب من ابن أم مكتوم ، وقولهما إنه أعمى : «أعمياوان أنتما ألستما تبصرانه».
(وفي جواز نظر المرأة إلى الخصي المملوك لها ، أو بالعكس (3) خلاف) (4)
______________________________________________________
- على النبي صلى الله عليه وآله وسلم وعنده عائشة وحفصة فقال لهما : قوما فادخلا البيت ، فقالتا : إنه أعمى ، فقال صلى الله عليه وآله وسلم : إن لم يركما فإنكما تريانه) (1) ، والمرسل عن أم سلمة قالت (كنت عند رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم وعنده ميمونة فأقبل ابن أم مكتوم وذلك بعد أن أمر بالحجاب فقال : احتجبا ، فقلنا : يا رسول الله ، أليس أعمى لا يبصرنا؟ قال : أفعمياوان أنتما ألستما تبصرانه) (2).
(1) أما سماع المرأة صوت الأجنبي فلم يعرف في جوازه كلام أو إشكال ، ولذا قال في المستند : (ومن الغريب فتوى اللمعة بحرمته مع أنها تقرب مما يخالف الضرورة ، فإن تكلم النبي صلى الله عليه وآله وسلم والأئمة وأصحابهم مع النساء مما يبلغ حدا لا يكاد يشك فيه) انتهى.
وأما سماع الرجل صوت الأجنبية فقد ذهب المشهور إلى الحرمة ولو كان بغير تلذذ ولا ريبة لما ورد من أن صوتها عورة ، ولموثق مسعدة بن صدقة عن أبي عبد الله عليه السلام (قال أمير المؤمنين عليه السلام : لا تبدءوا النساء بالسلام ولا تدعوهن إلى الطعام ، فإن النبي صلى الله عليه وآله وسلم قال : النساء عيّ وعورة ، فاستروا عيّهن بالسكوت واستروا عورتهن بالبيوت) (3) ، وخبر غياث بن إبراهيم عن أبي عبد الله عليه السلام (لا تسلم على المرأة) (2).
والأول غير ثابت ولذا قال في كشف اللثام (لا يحضرني الخبر بكون صوتها عورة مسندا ، وإنما رواه المصنف في المدنيات مرسلا ، ونفقات المبسوط تعطي العدم). والآخران قاصرا الدلالة بالإضافة إلى السيرة القطعية من كلام النساء في محضر المعصوم عليه السلام ، ولذا ذهب إلى الجواز العلامة في التذكرة والكركي وجماعة.
(2) للأعمى في قوله تعالى : ( وَقُلْ لِلْمُؤْمِنٰاتِ يَغْضُضْنَ مِنْ أَبْصٰارِهِنَّ ) (3).
(3) أي نظر الخصي المملوك إلى مالكته.
(4) ذهب المشهور إلى العدم ، وذهب العلامة في المختلف إلى الجواز لقوله تعالى : ( أَوْ مٰا -
ص: 140
.................................................................................................
______________________________________________________
- مَلَكَتْ أَيْمٰانُهُنَّ ) (1) الشامل بعمومه للمملوك الفحل والخصي ، ومع فرض خروج الفحل لشبهة دعوى الإجماع فيبقى الخصي تحته والعام حجة في الباقي ، ولقوله تعالى : ( أَوِ التّٰابِعِينَ غَيْرِ أُولِي الْإِرْبَةِ مِنَ الرِّجٰالِ ) (2) ، والخصي إذا كان ممسوح الذكر مع الاثنين لا يبقى له أربة في النساء ، لأن الإربة هي الحاجة.
وفيه : أما الآية الأولى فقد ورد (3) أن المراد بقوله تعالى. ( أَوْ مٰا مَلَكَتْ أَيْمٰانُهُنَّ ) هو الإماء دون العبيد الذكران ، وأما الآية الثانية فقد ورد في صحيح زرارة (سألت أبا جعفر عليه السلام عن قول الله عزوجل : أو التابعين غير أولى الإربة من النساء ، قال عليه السلام : الأحمق الذي لا يأتي النساء) (4) ، ونحوه غيره ، والأحمق لا ينطبق على الخصي فلا يصح الاستدلال بها ، بل لا يصح الأخذ بالآية في غير ما فسرت به في النصوص التي تقدم بعضها ، نعم عن الشافعي تفسير أولي الإربة بالخصي والمجبوب ، ولم يعرف ذلك لغيره ، وكأنه حمل للآية على معنى من لم يكن له في النساء حاجة ، وعلى هذا لا يختص بما ذكر بل يشمل العنين والعاجز المسنّ وغيرهما ، وهو كما ترى ، ومع عدم الدليل على استثناء الخصي المملوك فيرجع فيه إلى عمومات المنع من النظر ، ومنه تعرف ضعف القول بجواز النظر مطلقا ولو إلى غير مملوكته سواء كان الخصي مملوكا أم حرا كما عن ابن الجنيد وجماعة من المتأخرين مع أنه قد ورد المنع في بعض الأخبار من نظره إلى غير مملوكته ، ففي خبر عبد الملك بن عتبة النخعي عن أبي عبد الله عليه السلام (عن أم الولد ، هل يصلح أن ينظر إليها خصي مولاها وهي تغتسل؟ قال عليه السلام : لا يحلّ ذلك) (5) ، وخبر محمد بن إسحاق عن أبي الحسن عليه السلام (قلت : يكون للرجل خصي يدخل على نسائه فيناولهن الوضوء فيرى شعورهن ، قال عليه السلام : لا) (6).
هذا كله في الخصي ، وأما المملوك غير الخصي فالمشهور على عدم الجواز أيضا مع أنه تردد فيه الشيخ في المبسوط ومال الشارح في المسالك إلى الجواز.
ص: 141
منشأه ظاهر قوله تعالى : ( أَوْ مٰا مَلَكَتْ أَيْمٰانُهُنَّ ) المتناول بعمومه لموضع النزاع (1).
وما قيل (2) من اختصاصه (3) بالإماء جمعا بينه (4) ، وبين الأمر (5) بغض
______________________________________________________
- وقد استدل للجواز بقوله تعالى : ( أَوْ مٰا مَلَكَتْ أَيْمٰانُهُنَّ ) (1) وللأخبار.
منها : صحيح معاوية بن عمار (قلت لأبي عبد الله عليه السلام : المملوك يرى شعر مولاته وساقها ، قال عليه السلام : لا بأس) (2) ، والصحيح عن يونس بن عمار ويونس بن يعقوب عن أبي عبد الله عليه السلام (لا يحلّ للمرأة أن ينظر عبدها إلى شي ء من جسدها إلا إلى شعرها غير متعمد لذلك) (3) ، وقال في الكافي (وفي رواية أخرى : لا بأس بأن ينظر إلى شعرها إذا كان مأمونا) (4) ، وخبر إسحاق بن عمار (قلت لأبي عبد الله عليه السلام : أينظر المملوك إلى شعر مولاته؟ قال عليه السلام : نعم وإلى ساقها) (5) ، وخبر القاسم الصيقل (كتبت إليه أم علي تسأل عن كشف الرأس بين يدي الخادم ، وقالت له : إن شيعتك اختلفوا عليّ فقال بعضهم : لا بأس ، وقال بعضهم : لا يحلّ ، فكتب عليه السلام : سألت عن كشف الرأس بين يدي الخادم ، لا تكشفي رأسك بين يديه ، فإن ذلك مكروه) (6).
ومقتضى العمل بها هو القول بالجوز إلا أن المشهور قد أعرضوا عنها فلا بد من حملها على التقية أو الضرورة ، وأما الآية فقد تقدم ما في مرسلة الشيخ في الخلاف (روى أصحابنا في قوله تعالى : أو ما ملكت أيمانهن ، أن المراد به الإماء دون العبيد الذكران) (7).
(1) وهو الخصي المملوك لها ، وإذا جاز نظرها إليه ، فيجوز العكس للتلازم.
(2) دليل عدم الجواز.
(3) أي اختصاص قوله تعالى : ( أَوْ مٰا مَلَكَتْ أَيْمٰانُهُنَّ ) (8).
(4) بين قوله تعالى المتقدم.
(5) في قوله تعالى : ( وَقُلْ لِلْمُؤْمِنٰاتِ يَغْضُضْنَ مِنْ أَبْصٰارِهِنَّ وَيَحْفَظْنَ فُرُوجَهُنَّ ) (9).
ص: 142
البصر (1) ، وحفظ الفرج مطلقا (2) ، ولا يرد دخولهن في نسائهن (3) ، لاختصاصهن بالمسلمات ، وعموم (4) ملك اليمين للكافرات.
ولا يخفى أن هذا (5) كله خلاف ظاهر الآية (6) من غير وجه للتخصيص ظاهرا،
(ويجوز استمتاع الزوج بما شاء من الزوجة (7) ، إلا القبل في الحيض ، والنفاس) (8) وهو موضع وفاق إلا من شاذّ من الأصحاب حيث حرّم النظر إلى الفرج (9) والأخبار (10) ناطقة بالجواز (11) ، وكذا القول في الأمة.
(والوطء في دبرها مكروه كراهة مغلظة) من غير تحريم على أشهر القولين (12) والروايتين ، وظاهر آية الحرث(وفي رواية) سدير عن الصادق عليه السلام
______________________________________________________
(1) عن الرجال.
(2) عن الرجال والنساء ، لكن لا يتم الاستدلال به إلا مع ضميمة ما ورد في مرسلة الشيخ المتقدمة أن المراد بملك اليمين خصوص الإماء دون العبيد الذكران.
(3) وهم وحاصله : إن الإماء داخلات في نسائهن الواردة في نفس الآية فلا داعي لإعادة ذكرهن ، وليس حكم الإماء من الأمور المهمة في هذا الباب حتى يعاد ذكرهن للتأكيد بل أمرهن أضعف من ذلك ، وهذا ما أورده الشارح في المسالك على من استدل بكون ملك اليمين مختصا بالإماء ، ولكنه هنا في الروضة أجاب عنه بأن لفظ النساء الوارد في الآية مختص بالمسلمات مع أن ملك اليمين يشمل الكافرات فلذا جازت الإعادة لوجود الفائدة.
(4) الواو حالية أي والحال أن ملك اليمين عام يشمل الكافرات.
(5) أي المذكور من الدليل على عدم الجواز.
(6) لكونها عامة تشمل الذكور والإماء.
(7) وهو من القطعيات.
(8) على ما تقدم بيانه في محرمات الحائض والنفساء.
(9) كما عن ابن حمزة وقد تقدم.
(10) وقد تقدمت.
(11) بجواز النظر إلى الفرج.
(12) ويشهد له جملة من النصوص.
منها : صحيح صفوان (قلت للرضا عليه السلام : إن رجلا من مواليك أمرني أن أسألك عن مسألة فهابك ، واستحي منك أن يسألك عنها ، قال : ما هي؟ قلت : الرجل يأتي امرأته -
ص: 143
.................................................................................................
______________________________________________________
- في دبرها؟ قال عليه السلام : نعم ذلك له ، قلت : وأنت تفعل؟ قال عليه السلام : إنا لا نفعل ذلك) (1) ، وموثق ابن أبي يعفور عن أبي عبد الله عليه السلام (عن الرجل يأتي المرأة في دبرها ، قال عليه السلام : لا بأس) (2) ، وصحيح ابن أبي يعفور عن أبي عبد الله عليه السلام (عن الرجل يأتي المرأة في دبرها ، قال عليه السلام : لا بأس إذا رضيت ، قلت : فأين قول الله عزوجل : فأتوهنّ من حيث أمركم الله ، قال : هذا في طلب الولد ، فاطلبوا الولد من حيث أمركم الله ، إن الله عزوجل يقول : ( نِسٰاؤُكُمْ حَرْثٌ لَكُمْ فَأْتُوا حَرْثَكُمْ أَنّٰى شِئْتُمْ ) ) ((3)، والأخير قيّد الجواز برضاها ، وهو صالح للتقييد بعد صحة سنده وإطلاق سائر النصوص المجوّزة بالإضافة إلى كونه موافق للاعتبار نظرا إلى عموم كونه من حقوق الزوجية فيتوقف جوازه على رضاها.
وعن القميين وابن حمزة وأبي الفتوح الرازي والراوندي في اللباب والسيد أبي المكارم صاحب بلابل القلاقل الحرمة للأخبار.
منها : صحيح معمر بن خلاد (قال لي أبو الحسن عليه السلام : أي شي ء يقولون في إتيان النساء في أعجازهن؟ قلت : إنه بلغني أن أهل المدينة لا يرون به بأسا ، فقال عليه السلام : إن اليهود كانت تقول إذا أتى الرجل المرأة من خلفها خرج ولده أحول ، فأنزل الله عزوجل : ( نِسٰاؤُكُمْ حَرْثٌ لَكُمْ فَأْتُوا حَرْثَكُمْ أَنّٰى شِئْتُمْ ) ، من خلف أو قدّام ، خلافا لقول اليهود ، ولم يعن في أدبارهن) (4) وخبر سدير عن أبي جعفر عليه السلام (قال رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم : محاش النساء على أمتي حرام) (5) ومرسل الصدوق في الفقيه (قال رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم : محاش نساء أمتي على رجال أمتي حرام) (6)ومثلها غيرها ، والجميع قاصر السند أو الدلالة ، بل الجمع العرفي يقتضي الحمل على الكراهة الشديدة. هذا كله في الأخبار وأما الآيات فقد استدل المجوّز بقوله تعالى : ( فَأْتُوا حَرْثَكُمْ أَنّٰى شِئْتُمْ ) (7) بتقريب أن لفظ (أنّى) إما لخصوص المكان كما عن أئمة اللغة أو للأعم منه ومن الكيف وعلى التقديرين يثبت المطلوب ، وكونها حرثا لا يستلزم تقييد الإتيان بموضع الحرث ، بل المرأة نفسها شبّهت بالحرث ورخّص في إتيانها ، ولذا جاز التفخيذ ونحوه ، واستدل المانع بقوله -
ص: 144
(يحرم) ، لأنه روي عن النبي صلى الله عليه وآله وسلم أنه قال : «محاش النساء على أمتي حرام» وهو مع سلامة سنده محمول على شدة الكراهة ، جمعا بينه ، وبين صحيحة ابن أبي يعفور الدالة على الجواز صريحا.
والمحاش جمع محشة وهو الدبر ويقال أيضا بالسين المهملة كنّي بالمحاش عن الأدبار ، كما كنّي بالحشوش عن مواضع الغائط ، فإن أصلها الحش بفتح الحاء المهملة وهو الكنيف ، وأصله البستان ، لأنهم كانوا كثيرا ما يتغوطون في البساتين ، كذا في نهاية ابن الأثير.
(ولا يجوز العزل عن الحرة (1) بغير شرط) ذلك حال العقد ، لمنافاته لحكمة
______________________________________________________
- تعالى : ( فَإِذٰا تَطَهَّرْنَ فَأْتُوهُنَّ مِنْ حَيْثُ أَمَرَكُمُ اللّٰهُ ) (1) ، وفيه : إن المراد أمر الله لنا هو الجهة التي أباحها الله ، وهي القبل والدبر.
ثم على القول بجواز الوطي دبرا فلا فرق في ذلك بين حال الحيض وغيره ، لما تقدم في كتاب الحيض من أن النصوص واردة في تحليل ما عدا القبل أو موضع الدم أو ذلك الموضع ، وهي ظاهرة في تحليل الوطي في الدبر حال الحيض ، ولذا خص الماتن هنا حرمة الوطي في حال الحيض والنفاس بالقبل فقط.
(1) العزل هو إخراج الآلة عند الإنزال وإفراغ المني خارج الفرج ، فالمشهور على الجواز للأخبار.
منها : صحيح محمد بن مسلم (سألت أبا عبد الله عليه السلام عن العزل ، فقال : ذاك إلى الرجل يصرفه حيث شاء) (2) وموثق عبد الرحمن بن أبي عبد الله (سألت أبا عبد الله عليه السلام عن العزل ، فقال : ذاك إلى الرجل) (3)، والصحيح عن عبد الرحمن الحذاء عن أبي عبد الله عليه السلام (كان علي بن الحسين عليهما السلام لا يرى بالعزل بأسا ، يقرأ هذه الآية : ( وَإِذْ أَخَذَ رَبُّكَ مِنْ بَنِي آدَمَ مِنْ ظُهُورِهِمْ ذُرِّيَّتَهُمْ ) ، فكل شي ء أخذ الله منه الميثاق فهو خارج ، وإن كان على صخرة صماء) (4)، وموثق محمد بن مسلم عن أبي جعفر عليه السلام (لا بأس بالعزل عن المرأة الحرة إن أحب صاحبها وإن كرهت ، وليس لها من الأمر شي ء) (5) ، ومثلها غيرها.
وعن المفيد والشيخ في المبسوط والخلاف الحرمة ، للأخبار.
منها : صحيح محمد بن مسلم عن أحدهما عليهما السلام (أنه سئل عن العزل فقال : أما الأمة
ص: 145
النكاح وهي الاستيلاد فيكون منافيا لغرض الشارع.
والأشهر الكراهة ، لصحيحة محمد بن مسلم عن أحدهما عليه السلام أنه سأله عن العزل فقال : «أما الأمة فلا بأس ، وأما الحرة فإني أكره ذلك ، إلا أن يشترط عليها حين يتزوجها». والكراهة ظاهرة في المرجوح الذي لا يمنع من النقيض ، بل حقيقة فيه (1) ، فلا تصلح (2) حجة للمنع من حيث اطلاقها (3) على التحريم في
______________________________________________________
فلا بأس ، فأما الحرة فإني أكره ذلك ، إلا أن يشترط عليها حين يتزوجها) (1) ، وصحيحه الآخر عن أبي جعفر عليه السلام مثل ذلك وقال في حديثه (إلا أن ترضى أو يشترط ذلك عليها حين يتزوجها) (2) ، ولما روي (أن النبي صلى الله عليه وآله وسلم نهى أن يعزل عن الحرة إلا بإذنها) (3) ، ولما روي عنه صلى الله عليه وآله وسلم أنه قال (أنه الوأد الخفي) (4) ، وخبر الدعائم عن جعفر بن محمد عليهما السلام (الوأد الخفي أن يجامع الرجل المرأة ، فإذا أحسّ الماء نزعه منها فأنزله فيما سواها ، فلا تفعلوا ذلك ، فقد نهى رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم أن يعزل من الحرة إلا بإذنها) (5) ، بالإضافة إلى أن فيه تفويتا للغرض من النكاح وهو الاستيلاد ، وأنه مناف لحق الزوجة بل ربما كان فيه إيذاء لها ، وإلى أنه يجب فيه الدية ، وثبوتها يقتضي الدية.
وفيه : أما الصحيحان فهما متضمنان للفظ (فإني أكره) وهو ظاهر في الكراهة مع أن نصوص الجواز صريحة في الجواز فيحمل الصحيحان على الكراهة حينئذ ، وأما النبويان فهما عاميّان ويحملان على الكراهة جمعا بين الأخبار ، وكذا خبر الدعائم ، وأما تفويت الغرض فهو ليس بواجب التحصيل ، وأما منافاته لحق الزوجة فلا دليل على أنه من حقها ، وأما ثبوت الدية فهو أعم من الحرمة ، مع أنه ستعرف عدم ثبوتها. هذا وقد وقع الاتفاق على أنه لو كان العزل برضاها أو إذا اشترط ذلك عليها في العقد فجائز كما هو مقتضى بعض النصوص المتقدمة ، وكذلك لو كان العزل في الأمة فلا إشكال لصحيحي محمد بن مسلم المتقدمين ، بل لو كان العزل في المتمتع بها فلا إشكال للإجماع المدعى من جامع المقاصد وغيره وإلا فالنصوص لم تتعرض لها بالخصوص.
(1) في المرجوح.
(2) أي الكراهة.
(3) إطلاق الكراهة.
ص: 146
بعض مواردها (1) ، فإن ذلك (2) على وجه المجاز ، وعلى تقدير الحقيقة فاشتراكها (3) يمنع من دلالة التحريم فيرجع إلى أصل الإباحة.
وحيث يحكم بالتحريم(فيجب دية النطفة لها) أي للمرأة خاصة(عشرة دنانير) (4) ، ولو كرهناه فهي (5) على الاستحباب (6) ، واحترز بالحرة عن الأمة فلا يحرم العزل عنها اجماعا وإن كانت زوجة.
ويشترط في الحرة الدوام فلا تحريم في المتعة ، وعدم الإذن (7) فلو أذنت
______________________________________________________
(1) كما وقع في غير مورد هذه الصحيحة.
(2) أي إطلاق الكراهة على الحرمة.
(3) أي اشتراك الكراهة حقيقة بين الحرمة والكراهة.
(4) ذهب جماعة منهم الشيخ والقاضي وأبي الصلاح وابني حمزة وزهرة والكيدري والعلامة في القواعد والإرشاد ، وكاشف اللثام إلى ثبوت دية النطقة عليه ، وهي عشرة دنانير يدفعها للزوجة للصحيح عن يونس عن أبي الحسن عليه السلام (أن عليا عليه السلام قضى في الرجل يفزع عن عرسه فيعزل عنها الماء ولم يرد ذلك : نصف خمس المائة ، عشرة دنانير) (1) ورواه الكافي عن كتاب طريف عن أمير المؤمنين عليه السلام قال: (وأفتى عليه السلام في منيّ رجل يفزع عن عرسه فيعزل عنها الماء ولم يرد ذلك : نصف خمس المائة ، عشرة دنانير) (2) بدعوى ظهور كون نصف خمس المائة هي دية النطفة مهما كان السبب ، وعن المعظم خلافه لأن نصوص جواز العزل ظاهرة في عدم الدية ، ومصرّحة بأن المني ماؤه يضعه حيث شاء ، والصحيح المتقدم ناظر إلى الأجنبي الذي أوجب الإفراغ خارج الفرج بسبب الإنزاع وقياس الوالد عليه قياس مع الفارق لا نقول به.
وعن القواعد والشرائع ثبوت الدية حتى على القول بالجواز ، وهو ضعيف ، إذ الدية لو قلنا بثبوتها فلا تثبت إلا على القول بحرمة العزل لأنه أنسب كما في المسالك.
(5) أي الدية.
(6) وقد عرفت أن الدية منحصرة ، على القول بالحرمة فقط.
(7) أي ويشترط في الحرمة عدم الاذن.
ص: 147
انتفى أيضا ، وكذا يكره لها العزل بدون أذنه (1) ، وهل يحرم (2) لو قلنا به فيه (3) مقتضى الدليل الأول (4) ذلك (5) ، والأخبار خالية عنه (6).
ومثله (7) القول في دية النطفة له (8).
(ولا يجوز ترك وطء الزوجة أكثر من أربعة أشهر) (9) ، والمعتبر في الوجوب
______________________________________________________
(1) معنى عزل المرأة هو : منعها من الإنزال في فرجها ، وقد استظهر صاحب الجواهر وجماعة حرمته لأنه مناف للتمكين الواجب عليها.
(2) أي يحرم عزل المرأة بدون إذنه.
(3) أي لو قلنا بحرمة العزل في الرجل.
(4) وهو منافاة العزل لحكمة النكاح ، وهي الاستيلاد.
(5) أي حرمة العزل.
(6) عن عزل المرأة بغير إذنه ، وقد عرفت حرمته حتى على القول بجواز عزل الرجل ، لأنه مناف للتمكين الواجب عليها.
(7) أي ومثل عزل المرأة بغير إذنه.
(8) للرجل ، واستظهر في الجواهر وجوب الدية عليها ضرورة كونها حينئذ كالمفزع أو أعظم في التفويت إذا كانت قد نحّت نفسها عنه عند إنزاله ، وفيه : إن الجناية في خبر الدية المتقدم من الأجنبي وحمل الأم عليه قياس لا نقول به.
(9) بلا خلاف فيه لخبر صفوان بن يحيى عن أبي الحسن الرضا عليه السلام (سأله عن الرجل تكون عنده المرأة الشابة فيمسك عنها الأشهر والسنة لا يقربها ، ليس يريد الإضرار بها ، يكون لهم مصيبة ، يكون في ذلك آثما؟ قال عليه السلام : إذا تركها أربعة أشهر كان آثما بعد ذلك) (1) ، وقد رده الشيخ بطريق آخر وفيه (إلا أن يكون باذنها) (2).
واختصاص السؤال في الخبر بالشابة لا ينافي تعميم الحكم الثابت لأنه قد ثبت بما هي زوجة ، فيشمل الحكم لكل زوجة حينئذ ، ولا فرق بين الدائم والمتمتّع بها لإطلاق النص كما عليه جماعة ، وكذا لا فرق بين الحرة والأمة للإطلاق ، كما أن مقتضى الإطلاق عدم الفرق بين كون الزوج حاضرا أو مسافرا في غير سفر الواجب ، وقد استشكل في هذا التعميم جماعة منهم كشف اللثام فخصه بالزوج الحاضر المتملك من الوطي كما هو صريح الخبر من أن عنده المرأة الشابة. هذا والمعتبر من الواطئ حينئذ مسماه وهو ما أوجب الغسل ولا يشترط الإنزال ، ولا يكفي الدخول في الدبر لانصراف الخبر المتقدم إلى خصوص المعهود من الوطء وهو الوطء في الفرج.
ص: 148
مسماه ، وهو الموجب للغسل ، ولا يشترط الإنزال ، ولا يكفي الدبر ، (و) كذا(لا يجوز) الدخول(قبل) إكمالها(تسع) سنين (1).
______________________________________________________
(1) يحرم الدخول بالمرأة قبل بلوغها تسع سنين للأخبار.
منها : صحيح الحلبي عن أبي عبد الله عليه السلام (إذا تزوج الرجل الجارية وهي صغيرة فلا يدخل بها حتى يأتي لها تسع سنين) (1) ، وخبر زرارة عن أبي جعفر عليه السلام (لا يدخل بالجارية حتى يأتي لها تسع سنين أو عشر سنين) (2) ونحوه خبر أبي بصير عن أبي جعفر عليه السلام (3) ، والتخيير فيهما يوجب حمل الأكثر على الاستحباب ومقتضى إطلاق النصوص عدم الفرق بين الدائم والمتمتع بها ، ثم إن صريح الأخبار حرمة الوطي بمعنى الدخول في الفرج ، وأما غير ذلك من باقي الاستمتاعات من النظر واللمس والضم والتفخيذ فجائز للأصل السالم عن المعارض ، ومنه تعرف ما ذهب إليه الشارح هنا في الروضة من استجواد تحريم الاستمتاع بغير الوطي ليس في محله ، نعم الظاهر أن الدخول في الدبر كالدخول في القبل محرم لإطلاق النصوص المتقدمة.
ثم إذا تزوج بالصغيرة المذكورة ودخل بها فهو آثم بلا إشكال ، ولكن هل تحرم عليه حينئذ كما عن الشيخين في المقنعة والنهاية وابن إدريس لمرسل يعقوب بن يزيد عن أبي عبد الله عليه السلام (إذا خطب الرجل المرأة فدخل بها قبل أن تبلغ تسع سنين فرّق بينهما ولم تحلّ له أبدا) (1).
وعلى المشهور أنها لا تحرم إلا مع الإفضاء لصحيح حمران عن أبي عبد الله عليه السلام (سئل عن رجل تزوج جارية بكرا لم تدرك فلما دخل بها اقتضها فأفضاها ، فقال عليه السلام : إن كان دخل بها حين دخل بها ولها تسع سنين فلا شي ء عليه ، وإن كانت لم تبلغ تسع سنين أو كان لها أقل من ذلك بقليل حين اقتضها ، فإنه قد أفسدها وعطلها على الأزواج ، فعلى الإمام أن يغرمه ديتها ، وإن أمسكها ولم يطلقها حتى تموت فلا شي ء عليه) (2) ، وخبر بريد بن معاوية عن أبي جعفر عليه السلام (في رجل اقتضّ جارية - يعني امرأته - فأفضاها ، قال : عليه الدية إن كان دخل بها قبل أن تبلغ تسع سنين ، قال : وإن أمسكها ولم يطلقها فلا شي ء عليه ، إن شاء أمسك وإن شاء طلّق) (1).
ومقتضى الجمع بين الأخبار أن الدخول قبل التسع مع الإفضاء يوجب التحريم ، فما عن -
ص: 149
هلالية (1) (فتحرم عليه مؤبدا لو أفضاها) بالوطء بأن صيّر مسلك البول والحيض واحدا ، أو مسلك الحيض والغائط. وهل تخرج بذلك من حبالته (2)؟ قولان أظهرهما العدم. وعلى القولين يجب الإنفاق عليها حتى يموت أحدهما (3) ، وعلى ما
______________________________________________________
- كشف اللثام من عدم الظفر بخبر يدل على التحريم بالإفضاء ليس في محله.
ثم المراد من الإفضاء هو صيرورة مسلك البول والحيض واحدا كما عليه المشهور ، أو صيرورة مسلك الحيض والغائط واحدا كما عن ابن سعيد وهو المشهور بين العامة ، وعن العلامة في جملة من كتبه على ما يستظهر منها أنه أعم من كليهما ، وفيه : إن المعنى الثاني للإفضاء بعيد لأن ما بينهما حاجز عريض قوي ، بالإضافة إلى تفريع الفقهاء على الإفضاء بأن البول تارة مستمسك وأخرى غير مستمسك وهو دال على كون الإفضاء صيرورة مسلك البول والحيض واحدا.
هذا وعن مجمع البحرين وكشف الرموز أن الإفضاء هو جعل مسلك البول والغائط واحدا وهو قول ثالث وليس عليه دليل من لغة أو عرف أو شرع.
(1) لانصراف النصوص.
(2) إذا حرمت عليه مؤبدا بالإفضاء فهل تخرج من حبالته بفسخ عقد النكاح كما قيل ، لأن التحريم المؤبد ينافي مقتضى النكاح ، إذ ثمرته جل الاستمتاع ، ولما تقدم في مرسل يعقوب بن يزيد من قوله عليه السلام : (فرّق بينهما ولم تحل له أبدا) (1) ، وعن المشهور أنّها لا تخرج عن حبالته إلا بالطلاق لصحيح حمران وخبر بريد المتقدمين حيث صرّحا بذلك ، ففي الأول (وإن أمسكها ولم يطلقها حتى تموت فلا شي ء عليه) وفي الثاني (وإن أمسكها ولم يطلّقها فلا شي ء عليه ، إن شاء أمسك وإن شاء طلق) ، وهو الأقوى ، بعد ضعف المرسل المتقدم فلا يصلح لمعارضة هذين الخبرين ، ولا غرابة في حرمتها عليه مع بقائها في حبالته.
(3) لصحيح الحلبي عن أبي عبد الله عليه السلام (سألته عن رجل تزوج جارية فوقع عليها فأفضاها ، قال عليه السلام : عليه الإجراء عليها ما دامت حية) (2) ، ومقتضى الإطلاق عدم الفرق بين ما لو طلقها وتزوجت غيره وعدمه ، وعن الإسكافي في سقوط النفقة بالطلاق ، ووجهه غير ظاهر في مقابل الإطلاق ، ويستفاد من الخير المتقدم أن علة النفقة هي الإفضاء لا الزوجية فلذا حكم جماعة ببقاء النفقة ولو تزوجت بعد طلاقها منه لوجود علة النفقة وهي الإفضاء.
ص: 150
اخترناه (1) يحرم عليه أختها (2) والخامسة (3) ، وهل يحرم عليه وطؤها (4) في الدبر والاستمتاع بغير الوطء وجهان أجودهما ذلك (5) ، ويجوز له طلاقها (6) ، ولا تسقط به (7) النفقة (8) وإن كان (9) بائنا. ولو تزوجت بغيره ففي سقوطها (10) وجهان ، فإن طلقها الثاني بائنا عادت (11) ، وكذا لو تعذر انفاقه (12) عليها لغيبة ، أو فقر مع احتمال وجوبها على المفضي مطلقا (13) لإطلاق النص ، ولا فرق في الحكم بين الدائم والمتمتع بها (14).
وهل يثبت الحكم في الأجنبية قولان أقربهما ذلك (15) في التحريم المؤبد ،
______________________________________________________
(1) من عدم خروج المرأة عن حبالته وإن حرمت عليه.
(2) مع عدم الطلاق.
(3) أي المرأة الخامسة.
(4) أي وطء التي أفضاها.
(5) أي الحرمة ، وقد تقدم ما فيه بالنسبة للاستمتاع بغير الوطء في الدبر.
(6) كما هو صريح خبر بريد المتقدم.
(7) أي بالطلاق.
(8) وقد تقدم الكلام فيه.
(9) أي الطلاق.
(10) أي سقوط النفقة ، وقد تقدم أنها لا تسقط لوجود علة الإنفاق وهي الإفضاء ، ووجه السقوط أن الإنفاق ما لو لم تتزوج هو الفرد المتيقن من الحكم فيقتصر عليه فيما خالف الأصل.
(11) أي عادت النفقة بناء على سقوطها بالتزويج من غيره.
(12) أي إنفاق الزوج الثاني.
(13) سواء تزوجت بغير الزوج الأول أم لا ، وسواء تعذر إنفاق الزوج الثاني أم لا.
(14) وقد تقدم الكلام فيه.
(15) أي الثبوت ذهب العلامة وولده إلى تحريم الأجنبية لو أفضاها بالزنا أو بشبهة ، وذهب غيرهما إلى تحريم الأجنبية والأمة ، وعن جماعة منهم صاحب الجواهر اختصاص الحرمة بالزوجة الصغيرة المفضاة كما هو مورد النصوص فيتعين الرجوع في غيرها إلى القواعد المقتضية للعدم.
ومن ذهب إلى تعميم الحكم للأجنبية اعتمد على الأولوية فيها لوجود الاثم ، ومن ذهب إلى تعميم الحكم للأجنبية والأمة اعتمد على أن مناط الحرمة في الأخبار المتقدمة هو -
ص: 151
دون النفقة (1).
وفي الأمة الوجهان (2) ، وأولى (3) بالتحريم. ويقوى الإشكال في الإنفاق لو أعتقها (4).
ولو أفضى الزوجة بعد التسع ففي تحريمها وجهان أجودهما العدم (5) ، وأولى بالعدم إفضاء الأجنبي كذلك (6).
وفي تعدي الحكم إلى الإفضاء بغير الوطء (7) وجهان أجودهما العدم (8) وقوفا فيما خالف الأصل على مورد النص ، وإن وجبت الدية في الجميع (9).
______________________________________________________
الصغر والإفضاء وهذا موجود في الأجنبية والأمة ، وفي كليهما ضعف ، لأن الحكم بالتحريم على خلاف الأصل فيقتصر فيه على القدر المتيقن من النصوص وهو الزوجة.
(1) وفيه : إن دليل وجوب النفقة على المفضاة هو صحيح الحلبي المتقدم (1) وهو صريح في اختصاص الحكم بالزوجة فقط فيقتصر عليها ، وفي غيرها يرجع إلى القواعد المقتضية للعدم.
(2) من الثبوت وعدمه الواردان في الزوجة ، وقد عرفت أن الأقوى عدم الثبوت.
(3) أي والأمة أولى بالتحريم من الأجنبية ، لكونها أقرب إلى الزوجة.
(4) فعتقها بحكم طلاق الحرة ، وينبغي ثبوت النفقة عليه حينئذ ، ولكن قد عرفت عدم شمول الحكم للأمة.
(5) لاختصاص صحيح حمران وخبر يزيد المتقدمين بالزوجة الصغيرة.
(6) أي بعد التسع ، ووجه الأولوية أن الحكم في النصوص السابقة مختص بالزوج فيما لو أفضى الزوجة الصغيرة ، فلا يشمل الأجنبي فيما لو أفضى الصغيرة ، ومن باب أولى لا يشمل الأجنبي فيما لو أفضى الكبيرة.
(7) كالأصبع.
(8) لخروجه عن مورد النص.
(9) أي في الزوجة المفضاة سواء كانت صغيرة أو كبيرة ، وفي الأجنبية كذلك وفي الأمة كذلك ، وسواء كان الإفضاء بالمعهود أو بالإصبع لصحيح سليمان بن خالد (سألت أبا عبد الله عليه السلام عن رجل كسر بعصوصه فلم يملك استه ، ما فيه من الدية؟ -
ص: 152
(ويكره للمسافر أن يطرق أهله) أي يدخل إليهم من سفره(ليلا) (1) وقيده بعضهم بعدم إعلامهم بالحال ، وإلا لم يكره ، والنص مطلق : روى عبد الله بن سنان عن الصادق عليه السلام أنه قال : «يكره للرجل إذا قدم من سفره أن يطرق أهله ليلا حتى يصبح».
وفي تعلق الحكم بمجموع الليل ، أو اختصاصه بما بعد المبيت وغلق
______________________________________________________
- قال عليه السلام : دية كاملة ، وسألته عن رجل وقع بجارية فأفضاها وكانت إذا نزلت بتلك المنزلة لم تلد ، فقال عليه السلام : الدية كاملة) (1) ولما رواه في الفقيه بإسناده إلى قضايا أمير المؤمنين عليه السلام (أنه عليه السلام قضى في امرأة أفضيت بالدية) (2) ، ولكن ذهب جماعة إلى عدم ثبوت الدية في الزوجة الكبيرة لصحيح حمران المتقدم حيث قال عليه السلام (إن كان دخل بها حين دخل بها ولها تسع سنين فلا شي ء عليه ، وإن كانت لم تبلغ تسع سنين أو كان لها أقل من ذلك بقليل حين افتضها ، فإنه قد أفسدها وعطلها على الأزواج فعلى الإمام أن يغرمه ديتها) (3) ، وبناء عليه يجب أن لا تثبت الدية في الكبيرة سواء كانت زوجة أم أجنبية أم أمة.
(1) لخبر عبد الله بن سنان عن أبي عبد الله عليه السلام (يكره للرجل إذا قدم من سفره أن يطرق أهله ليلا حتى يصبح) (4) ، وهو ظاهر في كراهة الدخول إليهم لا في الجماع ، وعليه فينبغي النوم خارج الدار ثم يدخل نهارا.
هذا ولا فرق في الكراهة بين أن يعلمهم بذلك قبل الليل وعدمه للعموم كما في المسالك ، وعن غيره أن مناسبة الحكم والموضوع تقتضي كون الكراهة في حال عدم الاعلام المستلزم لعدم الاستعداد.
ثم لا فرق في الأهل الموجودين في الدار بين الزوجة وغيرها للإطلاق كما في المسالك ، وعن غيره أن النساق هو إرادة الزوجة من الأهل ، وهو المناسب لذكره في النكاح ، نعم إطلاق الخبر يشمل جميع الليل ، ومع ذلك احتمل اختصاص الكراهة بما بعد المبيت ، لأن لفظ (يطرق) هو الدق ، والآتي لا يحتاج إلى دق الباب إلا بعد إغلاقه ، وهذا لا يكون إلا بعد المبيت.
ص: 153
الأبواب نظر ، منشأه ، دلالة كلام أهل اللغة على الأمرين. ففي «الصحاح» : أتانا فلان طروقا إذا جاء بليل. وهو شامل لجميعه. وفي نهاية ابن الأثير «قيل : أصل الطروق من الطرق وهو الدق وسمّي الآتي بالليل طارقا لاحتياجه إلى دق الباب» وهو مشعر بالثاني ولعله أجود.
والظاهر عدم الفرق بين كون الأهل زوجة ، وغيرها عملا بإطلاق اللفظ ، وإن كان الحكم فيها آكد ، وهو بباب النكاح أنسب (1).
______________________________________________________
(1) جرت عادة الفقهاء على ذكر خصائص النبي صلى الله عليه وآله وسلم في كتاب النكاح ، لأن خصائصه في النكاح أكثر وأشهر ، وذكر الباقي للمناسبة ، وأشهر خصائصه صلى الله عليه وآله وسلم الأول الزيادة على أربع نسوة بالعقد الدائم ، وقال في المسالك : (أنه صلى الله عليه وآله وسلم مات عن تسعة نسوة : عائشة وحفصة وأم سلمة المخزومية ، وأم حبيب بنت أبي سفيان ، وميمونة بنت الحارث الهلالية ، وجويرية بنت الحارث الخزاعية ، وسودة بنت زمعة ، وصفية بنت حيّ بن أخطب الخيبرية ، وزينب بنت جحش ، وجميع من تزوج بهن خمس عشرة ، وجمع بين إحدى عشرة ودخل بثلاث عشرة ، وفارق امرأتين في حياته : إحداهما الكلبية التي رأى بكشحها بياضا فقال : الحقي بأهلك ، والأخرى التي تعوذت منه بخديعة الأوليين حسدا لها.
الثاني : العقد بلفظ الهبة لقوله تعالى : ( وَامْرَأَةً مُؤْمِنَةً إِنْ وَهَبَتْ نَفْسَهٰا لِلنَّبِيِّ إِنْ أَرٰادَ النَّبِيُّ أَنْ يَسْتَنْكِحَهٰا خٰالِصَةً لَكَ مِنْ دُونِ الْمُؤْمِنِينَ ) (1) ، ولا يلزمه بها مهر ابتداء ولا انتهاء كما هو قضية الهبة ، ويجوز إيقاع العقد بلفظ الهبة.
الثالث : تحريم زوجاته على غيره بعد موته صلى الله عليه وآله وسلم لقوله تعالى : ( وَلٰا أَنْ تَنْكِحُوا أَزْوٰاجَهُ مِنْ بَعْدِهِ أَبَداً ) (2).
الرابع والخامس والسادس : وجوب السواك والوتر والأضحية للنبوي (ثلاث كتبت عليّ ولم تكتب عليكم : السواك والوتر والأضحية) (3) وفي آخر (كتب عليّ الوتر ولم يكتب عليكم ، وكتب عليّ السواك ولم يكتب عليكم ، وكتب عليّ الأضحية ولم يكتب عليكم) (4).
السابع : قيام الليل والتهجد به لقوله تعالى : ( وَمِنَ اللَّيْلِ فَتَهَجَّدْ بِهِ نٰافِلَةً لَكَ ) (3) ، وقوله تعالى : -
ص: 154
(الفصل الثاني في العقد)
ويعتبر اشتماله على الإيجاب والقبول اللفظيين كغيره من العقود اللازمة (1)
______________________________________________________
- ( يٰا أَيُّهَا الْمُزَّمِّلُ قُمِ اللَّيْلَ إِلّٰا قَلِيلاً نِصْفَهُ أَوِ انْقُصْ مِنْهُ قَلِيلاً أَوْ زِدْ عَلَيْهِ وَرَتِّلِ الْقُرْآنَ تَرْتِيلاً ) (1).
الثامن : تحريم الصدقة الواجبة أعني الزكاة للنبوي (إنا أهل بيت لا تحلّ لنا الصدقة) (2) ، وفي تحريم المندوبة خلاف.
التاسع : تحريم خائنة الأعين ، وهي الغمز بها ، بمعنى الإيماء بها إلى مباح على خلاف ما يظهر ويشعر به الحال للنبوي (ما كان لنبي أن تكون له خائنة الأعين) (3) ، وعلل بأنها تشبه الخيانة من حيث الإخفاء.
العاشر : أبيح له الوصال في الصوم ، والوصال إما الجمع بين الليل والنهار بالإمساك ، وإما تأخير عشائه إلى وقت سحوره.
الحادي عشر : أنه ينام قلبه ولا تنام عينه ، وأنه يبصر ورائه كما يبصر أمامه ، وقد ذكر من خصائصه غير ذلك حتى أن العلامة في التذكرة قد ذكر ما يزيد على السبعين فراجع.
(1) يشترط في النكاح الإيجاب والقبول اللفظيين بلا خلاف فيه بل عليه إجماع علماء المسلمين ، قال في الحدائق : (أجمع العلماء من الخاصة والعامة على توقف النكاح على الإيجاب والقبول اللفظيين) ، وإلى ما في النكاح من شوب العبادة التي لا تتلقى إلا من الشارع كما في الجواهر وكشف اللثام والمسالك وغيرها المقتضي لحصر النكاح باللفظ الوارد من الشارع ، وإلى جملة من النصوص الدالة على انحصار العقد باللفظ.
منها : صحيح بريد العجلي (سألت أبا جعفر عليه السلام عن قول الله عزوجل : وأخذن منكم ميثاقا غليظا ، فقال : الميثاق هو الكلمة التي عقد بها النكاح ، وأما قوله : غليظا ، فهو ماء الرجل يفضيه إليها) (4) ، وهو ظاهر في انحصار العقد باللفظ ، وخبر هشام بن سالم (قلت كيف يتزوج المتعة؟ قال : يقول أتزوجك كذا وكذا يوما بكذا أو كذا درهما) (5) ومثلها غيرها من النصوص الواردة في اعتبار اللفظ في المتعة. -
ص: 155
(فالإيجاب زوجتك وأنكحتك ومتعتك لا غير) أما الأولان فموضع وفاق ، وقد ورد بهما القرآن في قوله تعالى : ( زَوَّجْنٰاكَهٰا ) (1). ( وَلٰا تَنْكِحُوا مٰا نَكَحَ آبٰاؤُكُمْ مِنَ النِّسٰاءِ ) (2).
وأما الأخير فاكتفى به المصنف وجماعة لأنه من ألفاظ النكاح ، لكونه حقيقة في المنقطع وإن توقف معه (3) على الأجل ، كما لو عبّر بأحدهما فيه (4) وميزه به ،
______________________________________________________
- ولعدم تعقل المعاطاة في النكاح ، لأن المعاطاة فعل ، وفعل الوطء المحقق للعقد بحاجة إلى سبب محلّل وإلا لكان سفاحا ، ولعدم كفاية الرضا الباطني وإلا لما بقي فرق بين النكاح والسفاح ، لذلك كله اشترط اللفظ في عقد النكاح هذا من جهة ومن جهة أخرى وقع الاتفاق على وقوع الإيجاب بلفظ النكاح أو التزويج فتقول الزوجة : زوّجتك أو أنكحتك نفسي ، لكونهما مشتقين من الألفاظ الصريحة الدالة على النكاح وقد ورد القرآن بهما ، قال الله تعالى : ( فَلَمّٰا قَضىٰ زَيْدٌ مِنْهٰا وَطَراً زَوَّجْنٰاكَهٰا ) (1) ، وقال تعالى : ( وَلٰا تَنْكِحُوا مٰا نَكَحَ آبٰاؤُكُمْ مِنَ النِّسٰاءِ ) (2).
وقد وقع الخلاف في إيقاع الإيجاب بلفظ (متّعتك نفسي) ، فعن الأكثر العدم لأصالة عدم ترتب الأثر عليه عند الشك في جوازه ، والشك ناشئ من كونه حقيقة في المنقطع مجاز في الدائم ، والعقود اللازمة لا تقع بالمجاز.
وعن المحقق في الشرائع والنافع والعلامة في جملة من كتبه الجواز لعموم ( أَوْفُوا بِالْعُقُودِ ) (3) بعد منع المجازية لأنه هو للقدر المشترك كلفظ (زوجتك) ، ولما ورد من انقلاب المنقطع دائما عند عدم ذكر الأجل نسيانا وهو ظاهر في صحة إنشاء العقد الدائم بلفظ المتعة ففي خبر عبد الله بن بكير عن أبي عبد الله عليه السلام (إن سمّى الأجل فهو متعة ، وإن لم يسمّ الأجل فهو نكاح بات) (4).
(1) الأحزاب آية 37.
(2) النساء آية 22.
(3) أي مع لفظ المتعة.
(4) أي عبر عن المنقطع بأحد لفظي (زوجتك أو أنكحتك) ، وميّزه عن الدائم بالأجل.
ص: 156
فأصل اللفظ (1) صالح للنوعين (2) ، فيكون حقيقة في القدر المشترك بينهما (3) ، ويتميزان بذكر الأجل ، وعدمه (4) ، ولحكم الأصحاب تبعا للرواية بأنه لو تزوج متعة ونسي ذكر الأجل انقلب دائما ، وذلك (5) فرع صلاحية الصيغة له (6) ، وذهب الأكثر إلى المنع منه (7) ، لأنه حقيقة في المنقطع شرعا فيكون مجازا في الدائم ، حذرا من الاشتراك (8) ، ولا يكفي ما يدل بالمجاز حذرا من عدم الانحصار (9) ، والقول المحكي ممنوع ، والرواية مردودة بما سيأتي وهذا (10) أولى.
(والقبول (11). قبلت التزويج والنكاح ، أو تزوجت ، أو قبلت ، مقتصرا)
______________________________________________________
(1) أعني المتعة.
(2) الدائم والمنقطع.
(3) على نحو الاشتراك المعنوي.
(4) فيتميز المنقطع بذكر الأجل ، والدائم بعدمه.
(5) أي حكم الأصحاب المذكور.
(6) أي صيغة المتعة للدائم.
(7) من لفظ المتعة في الدائم.
(8) أي أن لفظ المتعة قد استعمل في الدائم والمتعة بناء على ما تقدم ، ويدور أمره بين كونه مشتركا بينهما ، وبين كونه حقيقة في أحدهما ومجازا في الآخر ، ويرجّح الثاني لأنه مستلزم لوحدة الوضع دون الأول لاستلزامه تعدّد الوضع كما حرر ذلك في محله.
(9) أي لو اكتفى في الصيغة بالألفاظ المجازية لزم عدم انحصار الصيغة في ألفاظ مخصوصة محصورة ، مع أنه قد وقع اتفاقهم على أن صيغة النكاح محصورة ، لأنه مبني على الاحتياط وفيه شوب من العبادات المتلقاة من الشارع ، ولأصالة تحريم الفرج إلى أن يثبت سبب الحل شرعا.
(10) أي المنع.
(11) المعتبر من لفظ القبول ما دل صريحا على الرضا بالإيجاب سواء وافقه في لفظه أم خالفه مع اتفاق المعنى ، فلا خلاف ولا إشكال في صحة (قبلت التزويج) عقيب قولها (زوجتك) ، وكذا في صحة (قبلت النكاح) عقيب قولها (أنكحتك) ، وكذا قوله (قبلت النكاح) عقيب قولها (زوجتك) ، وكذا العكس مع التخالف في الإيجاب ضرورة قيام الألفاظ المترادفة بعضها مقام بعض ، كما أنه لا إشكال عندنا في جواز الاقتصار على (قبلت) كغيره من العقود خلافا لبعض الشافعية من المنع لأنه كناية لا تصريح فيه لاحتمال إرادة غير التزويج المطلوب ، وردّ بمنع عدم صراحته إذ هو صريح في الدلالة -
ص: 157
(عليه) من غير أن يذكر المفعول(كلاهما) أي الإيجاب والقبول(بلفظ المضيّ) (1) فلا
______________________________________________________
- على كون القبول المجرد قبولا لذلك الإيجاب المتقدم ، وكذا لا إشكال في صحة (رضيت) ونحوه مما هو صريح في القبول ، كما أنه يصح القبول بكل لفظ صريح في قبول النكاح والتزويج كقوله (تزوجت) ونحوه.
(1) أي بلفظ الماضي ، على ما هو المشهور بين علمائنا خصوص المتأخرين منهم ، لأن الماضي صريح في الإنشاء بخلاف المضارع والأمر ، فالأول أشبه بالوعد والثاني استدعاء لا إيجاب ، واقتصارا على المتيقن في الخروج عن أصالة عدم ترتب الأثر ، خصوصا في الفروج المطلوب فيها شدة الاحتياط ، ولأن تجويز غير الماضي يؤدي إلى انتشار الصيغة وعدم وقوفها
على قاعدة فيصير النكاح مشبها للإباحة مع أن عقد النكاح فيه شوب العبادة الموجب للاقتصار على ما هو متلقى من الشارع أو ما هو متيقن من دون خلاف.
وعن جماعة الجواز في المستقبل كما هو المنسوب إلى ابن أبي عقيل والمحقق وجماعة من المعاصرين ، وما استدل به على الانحصار موهون ، أما الأول فلأن الماضي تارة يكون خبرا وأخرى إنشاء كالمضارع ، فلا فرق بين الفعلين إلا في الحكاية عن زمان التلبس واحتمال الوعد في المضارع كاحتمال الإخبار في الماضي لا أثر له مع وجود القرينة على الإنشاء ، وأما الثاني فالاقتصار على المتيقن غير لازم مع وجود الدليل في المشكوك وكفى بإطلاق قوله ( أَوْفُوا بِالْعُقُودِ ) (1) دليلا ، وأما الثالث من منع الانتشار فلا ضير فيه فيما هو صريح في الإنشاء دون غيره ، وكفى به قاعدة تمنع من إيصال النكاح إلى حد الإباحة ، مضافا إلى ورود النصوص في عقد المتعة المتضمنة لجواز إنشائه بالمضارع.
منها : خبر هشام بن سالم (قلت : كيف يتزوج المتعة؟ قال : يقول أتزوجك كذا وكذا يوما بكذا وكذا درهما) (2) ومثله غيره ، وإن كان في الأخير كلام حيث ذهب ابنا حمزة وسعيد بأنه لا بد بعد ذلك من تلفظه بالقبول للاستصحاب وللاقتصار على المتقين ، ولأن صدور الايجاب من الزوج على خلاف القواعد إذ الايجاب هنا من الزوجة ، فلو اكتفى بما صدر من الزوج وكان جواب الزوجة بلفظ (نعم) وحكمنا بصحة العقد للزم القول بصحته بدون إيجاب لأن لفظ (نعم) لا يكون ايجابا ، إلا أن هذه المناقشة غير مسموعة أما الأول من لابديّة التلفظ بالقبول فيما بعد فهو منفي لخبر أبان بن تغلب (قلت لأبي عبد الله عليه السلام : كيف أقول لها إذا خلوت بها؟ قال : تقول أتزوجك متعة على كتاب -
ص: 158
يكفي قوله : أتزوجك بلفظ المستقبل منشأ (1) على الأقوى ، وقوفا على موضع اليقين. وما روي من جواز مثله (2) في المتعة ليس صريحا فيه (3) ، مع مخالفته (4) للقواعد.
______________________________________________________
- الله وسنة نبيّه لا وارثة ولا موروثة كذا وكذا يوما ، وإن شئت كذا وكذا سنة ، بكذا وكذا درهما ، وتسمّى من الأجر ما تراضيتما عليه قليلا كان أو كثيرا ، فإذا قالت : نعم فقد رضيت ، وهي امرأتك وأنت أولى الناس بها) (1).
وأما الثاني فلعل النكاح كالصلح يصح وقوع إيجابه من كل من الطرفين ، ويكون لفظ (نعم) الصادر من الزوجة قائم مقام القبول ، وهذا هو صريح خبر أبان بن تغلب المتقدم.
(1) أي بداعي الإنشاء لا الإخبار.
(2) مثل لفظ المستقبل.
(3) في جواز كفاية الايجاب بلفظ المستقبل ، لاحتمال لابديّة التلفظ بالقبول بعد ايجابها النكاح كما عن ابني حمزة وسعيد.
(4) أي مخالفة ما روي ، وقد تقدم عرضه وتقدم ما فيه ، هذا وعن الشيخ وابني حمزة وزهرة واستحسنه المحقق في الشرائع جواز الاكتفاء بالأمر من قبل الزوج بأن يقول : زوجيني نفسك ، فتقول الزوجة : زوجتك ، لخبر سهل الساعدي (أن امرأة أتت رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم فقالت : يا رسول الله وهبت نفسي لك ، وقامت قياما طويلا ، فقام رجل وقال : يا رسول الله ، زوجنيها إن لم يكن لك فيها حاجة ، فقال رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم : هل عندك من شي ء تصدقها إياه؟ فقال : ما عندي إلا إزاري هذا ، فقال رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم : إن أعطيتها إزارك جلست لا إزار لك ، اجلس التمس ولو خاتما من حديد فلم يجد شيئا ، فقال رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم : هل معك من القرآن شي ء؟ قال : نعم ، سورة كذا وسورة كذا ، السور سمّاها ، فقال رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم : زوجتك بما معك من القرآن) (2) بناء على أن الزوج لم يأت بالقبول ، وقد وصف الخبر في المسالك بأنه المشهور بين العامة والخاصة ، مع أنه لم يرو هذه الرواية من أصحابنا إلا ابن أبي جمهور الأحسائي في غوالي اللئالي ، نعم في صحيح محمد بن مسلم عن أبي جعفر عليه السلام (جاءت امرأة إلى النبي صلى الله عليه وآله وسلم فقالت : زوجني ، فقال رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم : من لهذه؟ فقام رجل فقال : أنا يا رسول الله ، زوجنيها ، -
ص: 159
(ولا يشترط تقديم الإيجاب) على القبول (1) ، لأن العقد هو الإيجاب
______________________________________________________
- فقال : ما تعطيها؟ فقال : ما لي شي ء؟ قال صلى الله عليه وآله وسلم : لا ، فأعادت ، فأعاد رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم الكلام ، فلم يقم أحد غير الرجل ، ثم أعادت فقال رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم في المرة الثالثة : أتحسن من القرآن شيئا؟ قال : نعم ، قال : قد زوجتكها على ما تحسن من القرآن ، فعلّمها إياه) (1) وكذلك لا يوجد في الخبر أن الرجل أعاد القبول فيكون أمره قبولا مقدما على الايجاب حينئذ ، وعن الشهيد في شرح الإرشاد تنزيل الرواية على أن الواقع من النبي صلى الله عليه وآله وسلم قام مقام الايجاب والقبول ، لثبوت ولايته على كل مؤمن ، ويكون هذا من خواصه ، وفيه : إن المعتبر من الولي عن الطرفين وقوع الايجاب والقبول منه بلفظين لا بلفظ واحد ، مع عدم ذكر هذا من خصائص النبي صلى الله عليه وآله وسلم ، هذا مع عدم خلو دلالة الخبر من إشكال لعدم إنشاء القبول من الأمر بالتزويج ، بالإضافة إلى تخلل الكلام الكثير بين الايجاب والقبول ، وهو كلام ليس من متعلقات الايجاب ، ولذا ذهب جماعة منهم ابن إدريس والعلامة إلى عدم الاجتزاء ، وللبحث تتمة ستأتي.
(1) نسب إلى الأكثر عدم اشتراط التقديم فيما لو كان القبول بلفظ : تزوجت ، فقالت الزوجة أو وليها : زوجتك ، لما هو الظاهر من خبر الساعدي وصحيح محمد بن مسلم المتقدمين ، مؤيدا بمراعاة الشارع للحياء في البكر ولذا اكتفى في رضاها بالسكوت كما في الخبر (في المرأة البكر إذنها صماتها ، والثيب أمرها إليها) (2) وفي آخر (في رجل يريد أن يزوّج أخته قال : يؤامرها فإن سكتت فهو إقرارها وإن أبت لم يزوجها) (3) ، ولا ريب في المشقة عليها من جهة ابتدائها بالايجاب بخلاف ما لو ابتدأ الزوج فيهون عليها حينئذ قول : زوجتك ، بل إن القبول الذي هو بمعنى الايجاب هو ايجاب في الواقع ، وتسميته قبولا اصطلاح فيكون الصادر هو الايجاب من الزوج والقبول من الزوجة ولازمه صحة القبول منها بلفظ (نعم) كما هو الظاهر من النصوص الواردة في المتعة وقد تقدم بعض منها كخبر أبان بن تغلب (4).
ومنه تعرف أن النكاح كالصلح يصح ايجابه من كل من المتعاقدين ، نعم لو كان القبول من الزوج بلفظ (قبلت) فيتعين تأخره ، لأنه حينئذ رضا بالايجاب ومتى لم يوجد ايجاب بحسب الفرض لم يكن هذا قبولا ، لأنه حينئذ كالانفعال الذي يحصل تبعا لحصول الفعل شبيه الانكسار بعد الكسر ، فيستحيل تقدمه عليه.
ص: 160
والقبول. والترتيب (1) كيف اتفق غير مخلّ بالمقصود (2).
ويزيد النكاح على غيره من العقود. أن الإيجاب من المرأة وهي تستحي غالبا من الابتداء به (3) فاغتفر (4) هنا ، وإن خولف في غيره (5) ، ومن ثمّ ادعى بعضهم الإجماع على جواز تقديم القبول هنا ، مع احتمال عدم الصحة كغيره (6) ، لأن القبول إنما يكون للإيجاب فمتى وجد قبله (7) لم يكن قبولا (8). وحيث يتقدّم يعتبر كونه بغير لفظ قبلت ، كتزوجت ونكحت وهو حينئذ في معنى الإيجاب.
(و) كذا(لا) يشترط(القبول بلفظه) أي بلفظ الإيجاب (9) ، بأن يقول : زوجتك. فيقول : قبلت التزويج ، أو أنكحتك. فيقول : قبلت النكاح ، (فلو قال : زوجتك فقال : قبلت النكاح صح) ، لصراحة اللفظ ، واشتراك الجميع في الدلالة على المعنى.
(ولا يجوز) العقد إيجابا وقبولا(بغير العربية (10) مع القدرة) عليها ، لأن
______________________________________________________
(1) بين الايجاب والقبول.
(2) إن كان القبول المتقدم بمعنى الايجاب.
(3) بالايجاب.
(4) أي اغتفر ابتداء المرأة بالايجاب في النكاح لمقام حيائها.
(5) أي في غير النكاح ، بل لا بد من الابتداء بالايجاب ولو كان من المرأة ، إلا الصلح على ما تقدم بيانه.
(6) أي كغيره من العقود.
(7) قبل الايجاب.
(8) وفيه : إنه مما تقدم تعرف أنه ليس قبولا بل هو من باب صدور الايجاب ممن وظيفته القبول ، وليس من باب تقديم القبول على الايجاب.
(9) لأنه لا يشترط في لفظ القبول مطابقته لعبارة الايجاب ، بل يصح الايجاب بلفظ والقبول بلفظ آخر ، فلو قال الولي : زوجتك ، فقال الزوج : قبلت النكاح أو نكحت ، أو قال الولي : أنكحتك ، فقال الزوج : قبلت التزويج أو تزوجت ، صح بلا خلاف ولا إشكال لإطلاق الأدلة ، وقد تقدم بحثه.
(10) بل تعتبر العربية في عقد النكاح على المشهور للاجماع المدعى عن المبسوط والتذكرة ، وللتأسي بالمعصوم عليه السلام حيث تزوج بالعربية ، ولأصالة الفساد في العقود عند الشك -
ص: 161
ذلك (1) هو المعهود (2) من صاحب الشرع كغيره من العقود اللازمة ، بل أولى (3).
وقيل : إن ذلك مستحب لا واجب ، لأن غير العربية من اللغات من قبيل المترادف يصح أن يقوم مقامه ، ولأن الغرض ايصال المعاني المقصودة إلى فهم المتعاقدين فيتأدى بأي لفظ اتفق ، وهما (4) ممنوعان (5).
واعتبر ثالث كونه بالعربية الصحيحة فلا ينعقد بالملحون ، والمحرّف (6) مع
______________________________________________________
- في اعتبار شي ء وهو المسمى بأصالة عدم ترتب الأثر وقد خرج عن ذلك العقد بالعربية فغيره باق لعدم الدليل على الخروج ، ولأصالة الاحتياط في الفروج ، ولعدم صدق العقد على غير العربي ، ولأن اعتبار الماضوية في العقد مستلزم لاعتبار العربية من باب أولى.
وفيه : أما الاجماع فلم يثبت كونه تعبّديّا ، وأما التأسي فغير لازم في كل ما كانوا عليه ، فقد كانوا في الحجاز أو كانوا يتكلمون العربية في محاوراتهم العرفية ولا يتوهم أحد محبوبية ذلك ، وأصالة الفساد مع أصالة الاحتياط لا مجال لهما مع إطلاق العقد عرفا على ما لو تم بغير العربية فيندرج تحت قوله ( أَوْفُوا بِالْعُقُودِ ) (1) ، ومنه تعرف ضعف عدم صدق العقد على غير العربي ، وأما اعتبار الماضوية فهي غير معتبرة كما تقدم ، ولو سلم فهي ليست من خصوصيات اللغة العربية حتى يقال بأن اعتبارها مستلزم لاعتبار العربية ، ولذا ذهب ابن حمزة وجماعة من المتأخرين إلى جوازه بغير العربية ، وجعل ابن حمزة كونه بالعربية مستحبا ولعله للتأسي وقد عرفت ما فيه.
(1) أي العربية.
(2) دليل التأسي.
(3) أي بل النكاح أولى بالعربية من بقية العقود اللازمة التي صدرت من الشارع ، للاحتياط في مسألة الفروج.
(4) أي الدليلان المذكوران سابقا.
(5) لأن في النكاح شوبا من العبادة ، المقتضي للتوقيفية ، وفيه ما قد عرفت من أنه لا مجال له بعد إطلاق أدلة ( أَوْفُوا بِالْعُقُودِ ) (2).
(6) اللحن هو الغلط في الاعراب ، والتحريف هو الغلط في الحروف أو في مخارجها ، قال في المسالك : (وبالجملة فمن جوّز التعبير بغير العربية جوّز اللحن في اللفظ العربي إذا لم -
ص: 162
القدرة على الصحيح ، نظرا إلى الواقع من صاحب الشرع (1) ولا ريب أنه أولى ، ويسقط مع العجز عنه (2).
والمراد به (3) ما يشمل المشقة الكثيرة في التعلم ، أو فوات (4) بعض الأغراض المقصودة ، ولو عجز أحدهما (5) اختصّ بالرخصة ، ونطق القادر بالعربية بشرط أن يفهم كل منهما كلام الآخر ولو بمترجمين عدلين (6).
وفي الاكتفاء بالواحد (7) وجه (8) ، ولا يجب على العاجز التوكيل وإن قدر عليه (9) ، للأصل (10).
(والأخرس) يعقد ايجابا وقبولا(بالإشارة) المفهمة للمراد (11) ، (ويعتبر في)
______________________________________________________
يغيّر المعنى ، ومن شرط العربي ظاهره عدم اشتراط الإعراب أيضا ، لأن تركه لا يخلّ بأصل اللفظ العربي ، واشترط بعضهم الاعراب مع القدرة لما مرّ في اشتراط أصل العربي هذا كله مع القدرة) انتهى ، والأولى أن اللحن والغلط إن كان مغيّرا للمعنى فلا يجزي ، لعدم تحقق إنشاء الإيجاب والقبول به ، وإن لم يكن مغيّرا فلا بأس به.
(1) حيث لم يصدر منه غلط لا باللحن ولا بالتحريف.
(2) عن الصحيح ، هذا والعجز عنه لا يصحح كون غير الصحيح عقدا إن كان النكاح توقيفيا ، ومنه تعرف عدم توقيفية النكاح إلا في اشتراط الايجاب والقبول اللفظيين ، وفي انحصار الايجاب بلفظي (زوجتك وأنكحتك).
(3) أي العجز.
(4) أي والتعلم موجب لفوات.
(5) أحد الزوجين.
(6) لأنهما بينة.
(7) أي المترجم الواحد.
(8) قد قواه سيد الرياض لكفاية قول الثقة إذا لم يفد القطع وإلا فلا ريب في كفايته.
(9) على التوكيل.
(10) وهو أصالة عدم وجوب التوكيل عليه ، ويظهر من التذكرة على ما قيل اتفاقهم على جواز النطق بغير العربية عند العجز عن تعلمها ولا يجب عليه التوكيل. لفحوى اجتزاء الأخرس بالإشارة في الطلاق على ما ورد في الخبر.
(11) سواء كان خرسه أصليا أو طارئا بلا خلاف فيه ، ولفحوى ما ورد من أن طلاق الأخرس الإشارة على ما سيأتي بيانه في باب الطلاق.
ص: 163
(العاقد الكمال (1) ، فالسكران باطل عقده ولو أجاز بعده) (2) واختصه بالذكر تنبيها
______________________________________________________
(1) الكمال يتحقق بالبلوغ والعقل ، فلا عبرة بعبارة الصبي إيجابا وقبولا ، لنفسه ولغيره سواء كان مميزا أم لا ، وكذا المجنون حال جنونه سواء كان إطباقيا أم أدواريا ، لحديث رفع القلم (1) ، وبالجملة فالمعتبر هو قصد المكلف إلى العقد ، وقصد غيره منزل منزلة العدم ولذا قيل إن الشارع قد جعل الصبي والمجنون مسلوبي العبارة.
(2) أي لو أجاز العقد بعد السكر ، هذا وقد عرفت أن شرط صحة العقد القصد إليه ، والسكران الذي بلغ به السكر حدا أزال عقله وارتفع قصده فنكاحه باطل كغيره من عقوده ، سواء في ذلك الذكر والأنثى ، على ما تقتضيه القواعد المتقدمة ، ومتى كان عقده باطلا لعدم القصد من رأس فلا تنفعه الإجازة بعد الإقامة ، لأن الإجازة لا تصحح ما وقع باطلا من أصله ، نعم لو وقع العقد صحيحا غير أنه غير مستجمع لتمام شرائط الصحة كعقد الفضولي كانت الإجازة نافعة ومحققة للشرط المتخلف ، ومع تحققه يؤثر العقد أثره حينئذ.
إذا تقرر ذلك فاعلم أنه قد ورد في صحيح إسماعيل بن بزيع (سألت أبا الحسن عليه السلام عن امرأة ابتليت بشرب النبيذ ، فسكرت فزوجت نفسها رجلا في سكرها ، ثم أفاقت فأنكرت ذلك ، ثم ظنت أنه يلزمها ففزعت منه ، فأقامت مع الرجل على ذلك التزويج ، أحلال هو لها أم التزويج فاسد لمكان السكر ، ولا سبيل للزوج عليها؟ فقال عليه السلام : إذا أقامت بعد ما أفاقت فهو رضا منها ، قلت : ويجوز ذلك التزويج عليها؟ فقال عليه السلام : نعم) ((2) ، وظاهره صحة عقد السكران إن تعقبته الإجازة حال الإفاقة ، وقد عمل بها الشيخ في النهاية وتبعه ابن البراج ، وحكي عن الصدوق في الفقيه والمقنع ، هذا والمشهور أعرضوا عنه لمخالفته لما تقدم من القواعد ، وقد حملها العلامة في المختلف على السكر الذي لم يبلغ حد إزالة القصد ، وأورد عليه في المسالك بأنه حينئذ يكون العقد صحيحا بلا حاجة إلى تقريرها ورضاها فيما بعد ، وحملها الفاضل الهندي في كشف اللثام على ما لو كان الزوج جاهلا بسكرها فلا يسمع في حقه قول المرأة وتجري عليهما أحكام الزوجية ظاهرا وهو حمل بعيد لا شاهد له من الخبر ، وحملها صاحب الجواهر على توكيلها في التزويج حال السكر فيكون العقد فضوليا تنفعه الإجازة بعد الإفاقة ، وفي الأخير ضعف ظاهر حيث ورد في الخبر (فزوجت نفسها) وهو ظاهر في المباشرة لا التوكيل.
ص: 164
على ردّ ما روي من «أن السّكرى لو زوجت نفسها ثم أفاقت فرضيت ، أو دخل بها فأفاقت وأقرته كان ماضيا» (1) والرواية صحيحة ، إلا أنها مخالفة للأصول الشرعية فأطرحها الأصحاب ، إلا الشيخ في النهاية(ويجوز تولي المرأة العقد عنها ، وعن غيرها إيجابا وقبولا) (2) بغير خلاف عندنا ، وإنما نبّه على خلاف بعض العامة المانع منه (3).
(ولا يشترط الشاهدان) في النكاح الدائم مطلقا (4) (ولا الولي (5) في نكاح)
______________________________________________________
(1) قد نقل الشارح الرواية بالمعنى.
(2) لأن عبارة المرأة معتبرة في العقد ، بمعنى غير مسلوبة العبارة ، إذا كانت بليغة رشيدة سواء قلنا بثبوت ولاية الأب عليها أم لا ، فيجوز لها حينئذ إجراء عقد النكاح إيجابا وقبولا عن نفسها وعن الغير ، لإطلاق الأدلة من غير مقيد.
وعن الشافعي سلب عبارتها مطلقا في النكاح فليس لها أن تتولاه لنفسها ولا لغيرها وإن أذن لها الولي أو وكّلت فيه وهو معلوم البطلان ، لأن ولاية الأب عليها لا يسلبها عبارتها ويجعلها كالصبي.
(3) من تولي العقد.
(4) سواء كانت المرأة رشيدة أم لا ، بل ولا تشترط الشهادة في المنقطع والتحليل لأصالة عدم الاشتراط بعد عدم الدليل عليه إلا ما ورد في خبر المهلب الدلال (أنه كتب إلى أبي الحسن عليه السلام أن امرأة كانت معي في الدار ، ثم إنها زوجتني نفسها ، وأشهدت الله وملائكته على ذلك ، ثم إن أباها زوّجها من رجل آخر فما تقول؟ فكتب عليه السلام : التزويج الدائم لا يكون إلا بولي وشاهدين ، ولا يكون تزويج متعة ببكر ، استر على نفسك واكتم رحمك الله) (1).
وهو ضعيف السند وموافق للعامة وقد أعرض الأصحاب عنه ، إلا ابن أبي عقيل حيث اعتمد عليه وحكم باشتراط الشهادة في الدائم وهو ضعيف لما سمعت.
(5) سيأتي تحقيقه مفصلا إن شاء الله ، وإنما ذكره المصنف هنا إجمالا باعتبار أن المخالف للمشهور والذي ذهب إلى اشتراط الشاهدين والولي قد اعتمد على الخبر المتقدم ، فأراد أن ينبّه على عدم اشتراط الشهادة لضعف الخبر وذكر حكم الولي معه إجمالا مع إحالة التفصيل على ما يأتي.
ص: 165
(الرشيدة وإن كانا (1) أفضل) على الأشهر ، خلافا لابن أبي عقيل حيث اشترطهما (2) فيه (3) استنادا إلى رواية ضعيفة تصلح سندا للاستحباب ، لا للشرطية.
(ويشترط تعيين الزوجة والزوج) (4) بالإشارة ، أو بالاسم ، أو الوصف
______________________________________________________
(1) أي الشاهدان والولي.
(2) أي الشاهدين والولي.
(3) في النكاح الدائم.
(4) يشترط في النكاح بأقسامه تعيين الزوجة عن غيرها من النساء ، كما أنّه يشترط تعيين الزوج عن غيره من الرجال بلا خلاف فيه ، لأن الاستمتاع يستدعي فاعلا ومنفعلا معينين ، والتعيين يحصل بأمور ثلاثة : الإشارة كما لو كانت الزوجة حاضرة فقال الولي : زوجتك هذه أو هذه المرأة ، والتسمية سواء كانت الزوجة حاضرة أو غائبة بأن يقول الولي : زوجتك فاطمة ، والصفة الخاصة بأن يقول : زوجتك ابنتي الكبيرة أو الصغيرة أو الوسطى أو البيضاء أو السمراء ، نعم لو اختلف الاسم والوصف ، أو أحدهما مع الإشارة أخذ بما هو المقصود وألغي ما وقع غلطا ، فمثلا لو قال : زوجتك الكبرى من بناتي فاطمة ، وتبين أن اسمها خديجة ، صح العقد على خديجة التي هي الكبرى ، ولو قال : زوجتك فاطمة وهي الكبرى ، فتبين أنها الصغرى صح العقد على فاطمة لأنها المقصود ، ويكون توصيفها بالكبرى لغوا ، وكذا لو قال : زوجتك هذه وهي فاطمة أو وهي الكبرى فتبين أن اسمها خديجة أو أنها الصغرى فيصح العقد على المشار إليها وتسميتها بفاطمة أو توصيفها بالكبرى يقع لاغيا لأنه وقع غلطا.
إذا تقرر ذلك فلو زوجه إحدى بناته وكان عنده أكثر من واحدة ولم يسمّها واقعا بحيث لم يقصد واحدة بعينها بطل العقد لعدم تحقق التعيين ، وهو شرط كما تقدم ، ولو قصد واحدة معينة واتفق القصد عليها من الولي والزوج صح العقد لتحقق شرط التعيين وإن لم تسمى في العقد ، وعليه فلو اختلفا في المعقود عليها بعد ذلك فالقول قول الأب مع يمينه في التعيين مع رؤية الزوج للجميع ، وإلا كان العقد باطلا كما عليه الأكثر لصحيح أبي عبيدة (سألت أبا جعفر عليه السلام عن رجل كنّ له ثلاث بنات أبكار فزوّج إحداهنّ رجلا ولم يسمّ التي زوّج للزوج ولا للشهود ، وقد كان الزوج قد فرض لها صداقها ، فلما بلغ إدخالها على الزوج بلغ الزوج أنها الكبرى من الثلاثة فقال الزوج لأبيها : إنما تزوجت منك الصغيرة من بناتك ، فقال أبو جعفر عليه السلام : إن كان الزوج رآهنّ كلهنّ ولم يسمّ له واحدة منهن ، فالقول في ذلك قول الأب ، وعلى الأب فيما بينه وبين الله أن يدفع إلى الزوج الجارية التي نوى أن يزوّجها إياه عند عقدة النكاح ، وإن كان الزوج لم
ص: 166
الرافعين للاشتراك ، (فلو كان له بنات وزوّجه واحدة ولم يسمّها فإن أبهم ولم يعين (1) شيئا في نفسه بطل) العقد ، لامتناع استحقاق الاستمتاع بغير معين ، (وإن عين) في نفسه من غير أن يسميها لفظا(فاختلفا (2) في المعقود عليها حلف الأب إذا كان الزوج رآهن ، وإلا بطل العقد) ومستند الحكم رواية أبي عبيدة الحذاء عن الباقر عليه السلام ، وفيها (3) على تقدير قبول قول الأب أن عليه فيما بينه وبين الله تعالى أن يدفع إلى الزوج الجارية التي نوى أن يزوجها إياه عند عقد النكاح.
ويشكل بأنه إذا لم يسمّ للزوج واحدة منهن فالعقد باطل (4) سواء رآهن أم
______________________________________________________
- يرهنّ كلهنّ ولم يسمّ له واحدة منهن عند عقدة النكاح فالنكاح باطل) (1).
والرواية منافية لما تقرر من القاعدة المتقدمة التي اشترطت التعيين حال العقد حيث دلت الرواية على صحة العقد عند رؤية الجميع وإن اختلف القصد ، وإلى بطلان العقد عند عدم الرؤية ، مع أنه مع اختلاف القصد يجب الحكم بالبطلان لما تقدم ، ومن الواضح أن الرؤية لا مدخلية لها في الصحة ولا عدمها له مدخلية في البطلان لأن المعتبر هو التعيين فقط.
وقد ردها ابن إدريس واستجوده الشارح في المسالك لأن العقد لم يقع على معيّنة مخصوصة والتعيين شرط الصحة ، وقد نزّلها الفاضلان المحقق والعلامة في الشرائع والمختلف على أنه عند رؤية الزوج للجميع فيكون قد أوكل التعيين للأب بحسب الظاهر وعليه أن يسلّم الزوج من نواها ولذا يقدم قول الأب مع يمينه لأن الاختلاف حينئذ في فعله وتعيينه فيرجع إليه فيه لأنه أعلم به ، ومع عدم الرؤية فلا توكيل بحسب الظاهر ولا قصد مشترك منهما إلى معيّن فيبطل العقد ، وفيه : إن رؤية الجميع لا تدل على التوكيل ولا عن الرضا بما عيّنه الأب لأن الرؤية أعم فلا يمكن حمل الرواية على ذلك فاللازم إما العمل بمدلول الرواية كما فعل الشيخ وأتباعه وإما ردها كما فعل ابن إدريس.
(1) أي الولي.
(2) بعد قصد الزوج وتعيينه أيضا.
(3) أي كما أن الحكم السابق مذكور فيها ، فقد ذكر فيها أيضا.
(4) لعدم تعينها عند الزوج.
ص: 167
لا ، لما تقدم (1) ، وأن رؤية (2) الزوجة غير شرط في صحة النكاح ، فلا مدخل لها (3) في الصحة والبطلان. ونزّلها الفاضلان على أن الزوج إذا كان قد رآهن فقد رضي بما يعقد عليه الأب منهنّ ، ووكل الأمر إليه (4) فكان كوكيله وقد نوى الأب واحدة معينة فصرف العقد إليها ، وإن لم يكن رآهن بطل ، لعدم رضاء الزوج بما يسميه الأب.
ويشكل بأن رؤيته لهن أعمّ من تفويض التعيين إلى الأب ، وعدمها (5) أعم من عدمه (6) ، والرواية مطلقة ، والرؤية غير شرط في الصحة (7) فتخصيصها (8) بما ذكر (9) والحكم به (10) لا دليل عليه (11) ، فالعمل بإطلاق الرواية (12) كما صنع جماعة ، أو ردها مطلقا (13) ، نظرا إلى مخالفتها لأصول المذهب كما صنع ابن إدريس وهو الأولى ، أولى.
ولو فرض تفويضه إليه (14) التعيين ينبغي الحكم بالصحة ، وقبول قول الأب مطلقا (15) ، نظرا إلى أن الاختلاف في فعله(16) ، وأن نظر الزوجة ليس بشرط في
______________________________________________________
(1) من اشتراط تعيين الزوجة.
(2) إشكال ثان.
(3) أي لرؤية الزوجة.
(4) في تعيين ما شاء منهنّ.
(5) أي عدم الرؤية.
(6) عد التفويض المذكور.
(7) إذ شرط الصحة هو التعيين.
(8) أي الرواية.
(9) من صورة التفويض.
(10) أي بما ذكر من التفويض فيصح العقد ، ومع عدمه فيبطل العقد.
(11) من الرواية.
(12) تبعا للرؤية لا للتفويض.
(13) سواء رآهن أم لا كما فعل ابن إدريس لعدم التعيين.
(14) أي تفويض الزوج للأب.
(15) مع الرؤية وعدمها.
(16) أي في فعل الأب الوكيل.
ص: 168
صحة النكاح ، وإن لم يفوض إليه التعيين بطل مطلقا (1).
(ولا ولاية في النكاح لغير الأب (2) والجد له) وإن علا ، (والمولى والحاكم)
______________________________________________________
(1) مع الرؤية وعدمها.
(2) الولاية منحصرة بالأب والجد والوصي والحاكم والمولى ، ولا ولاية لغير هؤلاء على المشهور ، وذهب ابن أبي عقيل إلى ولاية الأم وتنزيلها وآبائها منزلة الأب وآبائه لما ورد عند العامة عن رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم (أنه أمر نعيم بن النخاع أن يستأمر أم ابنته في أمرها ، وقال : وأتمروهن في بناتهن) (1) وهو ضعيف ، هذا ومما يدل على ولاية الأب بالجملة أخبار كثيرة.
منها : صحيح ابن بزيع عن أبي الحسن عليه السلام (عن الصبية يزوجها أبوها يموت وهي صغيرة ، فتكبر قبل أن يدخل بها زوجها ، يجوز عليها التزويج أو الأمر إليها؟ قال عليه السلام : يجوز عليها تزويج أبيها) ((2) ، وصحيح عبد الله بن الصلت عن أبي عبد الله عليه السلام (عن الجارية الصغيرة يزوجها أبوها ، لها أمر إذا بلغت؟ قال عليه السلام : لا ، ليس لها مع أبيها أمر) (3) وصحيح الفضل بن عبد الملك (سألت أبا عبد الله عليه السلام عن الرجل يزوج ابنه وهو صغير ، قال عليه السلام : لا بأس ، قلت : يجوز طلاق الأب؟ قال عليه السلام : لا) (4).
ومما يدل على ولاية الجد أخبار.
منها : صحيح محمد بن مسلم عن أحدهما عليه السلام (إذا زوج الرجل ابنة ابنه فهو جائز على ابنه) (5) وصحيح هشام بن سالم ومحمد بن حكيم عن أبي عبد الله عليه السلام (إذا زوج الأب والجد كان التزويج للأول ، فإن كانا جميعا في حال واحدة فالجد أولى) (6) ، ومنه يظهر ضعف ابن أبي عقيل من نفي ولاية الجد ، وهذه النصوص الأخيرة ظاهرة في كون الجد هو أب الأب ، فلا يشمل أب الأم هذا من جهة ومن جهة أخرى فالمشهور على أن ولاية الجد غير مشروطة بحياة الأب ، لأن ولاية الجد ثابتة حال حياة الأب فتستصحب عند موته ، ولأن ولايته أقوى فلا يؤثر فيها موت الأب ، ووجه الأقوائية أنه لو صدر زواجها من الجد والأب معا فتزويج الجد هو المقدم كما في صحيح هشام بن سالم ومحمد -
ص: 169
(والوصي) لأحد الأولين (1) (فولاية القرابة) للأولين ثابتة(على الصغيرة ، والمجنونة ، والبالغة السفيهة ، وكذا الذكر) المتصف بأحد الأوصاف الثلاثة (2) (لا على) البكر البالغة(الرشيدة في الأصح) (3).
______________________________________________________
- بن حكيم المتقدم ، ولموثق زرارة عن أبي عبد الله عليه السلام (عن الجارية يريد أبوها أن يزوجها من رجل ، ويريد جدها أن يزوجها من رجل آخر ، فقال عليه السلام : (الجد أولى بذلك ما لم يكن مضارا إن لم يكن الأب زوّجها قبله ، ويجوز عليها تزويج الأب والجد) (1) ، وعن الشيخ والصدوق وبني الجنيد وزهرة والبراج ، وأبي الصلاح وسلار أنه يشترط حياة الأب لخبر الفضل بن عبد الملك عن أبي عبد الله عليه السلام (إن الجد إذا زوّج ابنة ابنه وكان أبوها حيا ، وكان الجد مرضيا جاز) (2) ، وفيه مع ضعف السند منع الدلالة فإنها بالمفهوم الوصفي - على ما في المسالك - وهو غير معتبر عند المحققين ، ولعل ذكر حياة الأب من باب الرد على العامة القائلين باشتراط ولاية الجد عند موت الأب ، ومن جهة ثالثة فولاية الأب والجد ثابتة على الصغيرين من ذكر أو أنثى لما تقدم من الأخبار ، وولايتهما ثابتة على المجنونين من ذكر أو أنثى إذا كان الجنون متصلا بالبلوغ بلا خلاف فيه ويقتضيه الاستصحاب ، وأما لو كان الجنون منفصلا ففيه خلاف وعن التحرير والتذكرة أنها تعود واستقربه الفاضل الهندي في كشف اللثام لأن ولايتهما ذاتية منوطة بإشفاقهما وتضررهما بما يتضرر به الولد) وفيه : إنه استحسان لا يصلح لإثبات الحكم الشرعي ، وربما قيل بولاية الحاكم حينئذ لأنه ولي من لا ولي له ، ومن جهة رابعة فالبالغ السفيه وكذا البالغة كذلك يحتاج إلى إذن الولي في النكاح كما يحتاج إلى إذنه في الماليات ، فلهما الولاية على السفيه لإطلاق خبر عبد الله بن سنان عن أبي عبد الله عليه السلام (إذا بلغ ونبت عليه الشعر جاز أمره إلا أن يكون سفيها أو ضعيفا) ((3).
(1) من الأب أو الجد.
(2) من الصغر والجنون والسفه.
(3) قد تقدم أن الأنثى إذا كانت صغيرة أو مجنونة أو سفيهة فلا إشكال في ثبوت الولاية عليها ، وأعلم أنه لا خلاف أيضا في سقوط الولاية عن الثيب الرشيدة بلا خلاف فيه إلا من ابن أبي عقيل من بقاء الولاية عليها وهو قول شاذ للأخبار الكثيرة. -
ص: 170
.................................................................................................
______________________________________________________
- منها : صحيح الحلبي عن أبي عبد الله عليه السلام (في المرأة الثيب تخطب إلى نفسها ، قال عليه السلام : هي أملك بنفسها تولي أمرها من شاءت إذا كان كفؤا بعد أن كانت قد نكحت رجلا قبله) (1) ، ومثله خبر عبد الخالق (2) وصحيح عبد الرحمن بن أبي عبد الله (3) ، ومثلها غيرها من النصوص ، وكذا لا خلاف في عدم الولاية على البالغ البكر الرشيد لخبر ابن أبي يعفور عن أبي عبد الله عليه السلام (قلت له : إني أريد أن أتزوج امرأة وإن أبواي أرادا أن يزوجاني غيرها ، فقال عليه السلام : تزوج التي هويت ودع التي يهوي أبواك) (4) ، وخبر أبان عن أبي عبد الله عليه السلام (إذا زوّج الرجل ابنه كان ذلك إلى ابنه ، وإذا زوّج ابنته جاز ذلك) (5) وأما ثبوت الولاية على البكر البالغة الرشيدة ففيه خلاف على أقوال :
الأول : ثبوت ولايتهما عليها على نحو الاستقلال ، وهو المنسوب إلى الشيخ في أكثر كتبه والصدوق والعماني وكاشف اللثام وصاحب الحدائق ، بل هو المنسوب إلى مشهور القدامى واستدل له بجملة من النصوص.
منها : صحيح الحلبي عن أبي عبد الله عليه السلام (سألته عن البكر إذا بلغت مبلغ النساء ألها مع أبيها أمر؟ فقال عليه السلام : ليس لها مع أبيها أمر ما لم تثيب) (6) ، وصحيح محمد بن مسلم عن أحدهما عليهما السلام (لا تستأمر الجارية إذا كانت بين أبويها ، وليس لها مع الأب أمر ، وقال عليه السلام : يستأمرها كل أحد ما عدا الأب) (7) ، وخبر علي بن جعفر (سألته عن الرجل هل يصلح له أن يزوج ابنته بغير إذنها ، قال عليه السلام : نعم ، ليس للولد مع الوالد أمر ، إلا أن تكون امرأة قد دخل بها قبل ذلك ، فتلك لا يجوز نكاحها إلا أن تستأمر) (8) ومثلها غيرها ، وقد استقصى شيخنا الأعظم هذه الأخبار في رسالته وقال (فهذه ثلاث وعشرون رواية تدل على استمرار ولاية الأب على البالغة الباكرة) انتهى.
الثاني : عدم الولاية عليها مطلقا بل لها تمام الاستقلال وهو المنسوب إلى المشهور بين -
ص: 171
.................................................................................................
______________________________________________________
- القدماء والمتأخرين للإجماع على زوال الولاية في المال فكذا في النكاح ، وللأخبار :
منها : صحيح الفضلاء - الفضيل بن يسار ومحمد بن مسلم وزرارة وبريد بن معاوية كلهم - عن أبي جعفر عليه السلام (المرأة التي قد ملكت نفسها غير السفيهة ولا المولىّ عليها تزويجها بغير ولي جائز) (1) ، وصحيح منصور بن حازم عن أبي عبد الله عليه السلام (تستأمر البكر وغيرها ، ولا تنكح إلا بأمرها) (2) ، وخبر سعدان بن مسلم عن أبي عبد الله عليه السلام (لا بأس بتزويج البكر إذا رضيت بغير إذن وليها) (3) ، ولما روته العامة عن ابن عباس (أن جارية بكرا جاءت إلى النبي صلى الله عليه وآله وسلم فقالت : إن أبي زوّجني من ابن أخ له ليرفع خسيسته وأنا له كارهة ، فقال صلى الله عليه وآله وسلم : أجيزي ما صنع أبوك ، فقالت : لا رغبة لي فيما صنع أبي ، قال : فاذهبي فانكحي من شئت ، فقالت : لا رغبة لي عن ما صنع أبي ، ولكن أردت أن أعلم النساء أن ليس للآباء في أمور بناتهم شي ء) (4) ، وخبره الآخر عنه صلى الله عليه وآله وسلم (الأيّم أحق بنفسها من وليّها ، والبكر تستأذن في نفسها ، وإذنها صماتها) (5) بالإضافة إلى الأصل من عدم اشتراط ولاية الولي ولا إذنه في صحة العقد بعد انتفاء ولايته عنها في غير النكاح.
الثالث : التفصيل بين الدوام والانقطاع ، باستقلالها في الأول دون الثاني ، وقد حكاه في الشرائع والتذكرة قولا ، ولم يعرف قائله ، لصحيح البزنطي عن الرضا عليه السلام (البكر لا تتزوج متعة إلا بإذن أبيها) (6) وصحيح أبي مريم عن أبي عبد الله عليه السلام (العذراء التي لها أب لا تتزوج متعة إلا بإذن أبيها) (7) ، وبه يجمع بين الطائفتين الأولى والثانية.
وتخصيص المنقطع بالولاية لأن استقلالها بالمتعة إضرار بالأولياء لما يشتمل المنقطع على الغضاضة والعار بسبب الإباء الطبيعي.
الرابع : عكس الثالث باستقلالها في المنقطع دون الدائم كما عن الشيخ في كتابي الأخبار للجمع بين الأخبار ، ولخبر أبي سعيد (سئل أبو عبد الله عليه السلام عن التمتع من الإبكار اللواتي بين الأبوين ، فقال : لا بأس ، ولا أقول كما يقول هؤلاء الأقشاب) (8) ، وخبر -
ص: 172
.................................................................................................
______________________________________________________
- الحلبي (سألته عن التمتع من البكر إذا كانت بين أبويها بلا إذن أبويها قال : لا بأس ما لم يفتض ما هناك) (1). وتخصيص الدائم بالولاية لكثرة أحكام الدائم وكثرة حقوق الزوج فيه مع أن المرأة قاصرة النظر في تحصيل المناسب فوكل أمرها إلى الولي في الدائم لتعذر استدراك فائته بخلاف المنقطع.
وفي القولين ضعف ظاهر ، لأن الجمع بين أخبار الطائفتين الأولى والثانية بما تقدم جمع تبرعي لا شاهد عليه من نفسها أو من غيرها ، وأخبار تمتع البكر بدون إذن وليها معارضة بأخبار لابديّة إذن وليها على ما تقدم عرض بعضها.
الخامس : التشريك بمعنى اعتبار إذنهما معا كما عن المفيد والحلبيين وظاهر الوسائل للأخبار :
منها : صحيح العلاء بن رزين عن أبي عبد الله عليه السلام (لا تتزوج ذوات الآباء من الأبكار إلا بإذن آبائهن) (2) ، وخبر أبي مريم عن أبي عبد الله عليه السلام (الجارية البكر التي لها أب لا تتزوج إلا بإذن أبيها) (3) ، وصحيح زرارة عن أبي جعفر عليه السلام (لا ينقض النكاح إلا الأب) (4) ، وموثق صفوان (استشار عبد الرحمن موسى بن جعفر عليه السلام في تزويج ابنته لابن أخيه ، فقال عليه السلام : افعل ويكون ذلك برضاها ، فإن لها في نفسها نصيبا ، قال : واستشار خالد بن داود موسى بن جعفر عليه السلام في تزويج ابنته علي بن جعفر ، فقال عليه السلام : افعل ويكون ذلك برضاها ، فإن لها في نفسها حظا) (5) ومثلها غيرها من الأخبار ، وبه يتم الجمع بين الأخبار المتقدمة الواردة في استقلال الولي واستقلالها ، نعم عن المفيد اختصاص التشريك بين المرأة وأبيها دون غيره من الأولياء لظاهر هذه الأخبار ، وقد حملت على الغالب من كون الولي هو الأب ، وإلا فقد تقدم أن ما يثبت للأب يثبت للجد ثم على القول بثبوت الولاية على البكر فلو ذهبت بكارتها بغير الوطء من وثبة ونحوها فقد صرح جماعة منهم الشارح وصاحب الجواهر ببقاء الولاية للاستصحاب ، وبصدق الباكرة عليها لأنها لم تمس ، وبعدم صدق الثيب عليها ، لأن الثيب من تزوجت ، ولخبر علي بن جعفر المتقدم حيث قال عليه السلام (نعم ليس للولد مع الوالد أمر ، إلا أن تكون امرأة قد دخل بها قبل ذلك فتلك لا يجوز نكاحها إلا أن -
ص: 173
الآية (1) والأخبار والأصل.
وما ورد من الأخبار الدالة على أنها لا تتزوج إلا بإذن الولي محمولة على كراهة الاستبداد جمعا ، إذ لو عمل بها (2) لزم اطراح ما دلّ على انتفاء الولاية (3) ، ومنهم من جمع بينهما بالتشريك بينهما في الولاية ، ومنهم من جمع بحمل إحداهما (4) على المتعة ، والأخرى على الدوام ، وهو تحكم.
(ولو عضلها) الولي ، وهو أن لا يزوجها بالكفو مع وجوده ورغبتها(فلا)
______________________________________________________
- تستأمر) (1) ، وهو صريح في كون الثيب مختصة بمن نكحت رجلا ، والباقي ومنه موردنا يبقى تحت أدلة عموم الولاية للولي.
وأما لو ذهبت بكارتها بالزنا والشبهة ففيه خلاف ، ففي المستند إلحاقها بالبكر ، وفي الجواهر إلحاقها بالثيب لأن الثيوبة هي زوال البكارة بالوطء وهو متحقق في المقام ، وفيه : إن نصوص الثيب مقيدة بمن تزوجت وقد ذهبت بكارتها بذلك فيبقى مقامنا تحت أدلة عموم الولاية للولي ، فهي في هذا المورد ملحقة بالبكر ، ومنه تعرف ما لو تزوجت ومات عنها زوجها أو طلقها قبل أن يدخل بها فهي باكرة لعدم تحقق زوال البكارة فيها.
(1) بل استدل في المسالك بالآيات الدالة على إضافة النكاح إلى النساء من غير تفصيل كقوله تعالى : ( حَتّٰى تَنْكِحَ زَوْجاً غَيْرَهُ ) (2) ، وقوله تعالى : ( وَإِذٰا طَلَّقْتُمُ النِّسٰاءَ فَبَلَغْنَ أَجَلَهُنَّ فَلٰا تَعْضُلُوهُنَّ أَنْ يَنْكِحْنَ أَزْوٰاجَهُنَّ إِذٰا تَرٰاضَوْا بَيْنَهُمْ بِالْمَعْرُوفِ ) (3) ، وفيه أما الأخيرة فهي واردة في المعتدة عدة الوفاة ، وهي غالبا ما تكون ثيبا ، وأما السابقتان فهما واردتان في المطلقة وهي غالبا ما تكون ثيبا ومعه لا يمكن الاستدلال بها على البكر لخروجها تخصصا.
(2) بما دل على أنها لا تتزوج إلا بإذن الولي.
(3) وكذا لو عمل بما دل على انتفاء الولاية للزم اطراح ما دل على أنها لا تتزوج إلا بإذن الولي ، فالإشكال مشترك الورود.
(4) إحدى الطائفتين كما هو مقتضى القولين الثالث والرابع المتقدمين.
====
4. سورة البقرة ، الآية : 234.
ص: 174
(بحث في سقوط ولايته) ، وجواز استقلالها به (1) ، ولا فرق حينئذ (2) بين كون النكاح بمهر المثل ، وغيره ، ولو منع من غير الكفو لم يكن عضلا ، (وللمولى تزويج رقيقه (3) ذكرا) كان أم(أنثى) رشيدا كان أم غير رشيد ، ولا خيار له
______________________________________________________
(1) بالنكاح ، اعلم أن العضل هو المنع من التزويج بكفئها إذا طلبت ذلك أو مع ميلها لذلك ، ومع العضل يسقط اعتبار إذن الولي بلا خلاف فيه لقوله تعالى : ( فَلٰا تَعْضُلُوهُنَّ أَنْ يَنْكِحْنَ أَزْوٰاجَهُنَّ إِذٰا تَرٰاضَوْا بَيْنَهُمْ بِالْمَعْرُوفِ ) (1) ، ولعموم أدلة نفي الحرج والضرر.
وإذا سقط اعتبار إذنه فتستقل هي بنفسها ، وعن بعض العامة أنه حينئذ يزوجها الحاكم ولا تستقل هي لكونها مسلوبة العبارة وهو ضعيف ثم إذا استقلت بالنكاح فلا فرق بين نكاحها نفسها للكف ء بمهر المثل وبدونه ، لأن المهر حقها فلا اعتراض عليها فيه ولذا لو أسقطته بعد وجوبه فلها الحق فكذا لو أسقطت بعضه حال العقد بأن قبلت بمهر دون مهر المثل.
ثم لو منعها من التزويج بغير الكفؤ فلا يكون عضلا ، وغير الكفؤ من ورد في حقه النهي عن التزويج بهم كشارب الخمر وتارك الصلاة والمتجاهر بالفسق سيّئ الخلق ، وليس المراد به من يفقد الكفاءة المعتبرة شرعا في صحة النكاح كالإسلام إذا كانت المرأة مسلمة ، إذ لا بدّ من هذه الكفاءة في صحة العقد ، وبدونها يحكم بالبطلان.
وفي حكم العضل الغيبة المنقطعة التي يحصل معها المشقة الشديدة من اعتبار استئذان الولي.
(2) أي حين استقلالها بالنكاح.
(3) يجوز للمولى تزويج أمته بلا خلاف فيه ، لأن بضعها من جملة ماله فله نقله إلى من شاء لقاعدة السلطنة ولعموم قوله تعالى : ( وَمَنْ لَمْ يَسْتَطِعْ مِنْكُمْ طَوْلاً أَنْ يَنْكِحَ الْمُحْصَنٰاتِ الْمُؤْمِنٰاتِ فَمِنْ مٰا مَلَكَتْ أَيْمٰانُكُمْ مِنْ فَتَيٰاتِكُمُ الْمُؤْمِنٰاتِ ، وَاللّٰهُ أَعْلَمُ بِإِيمٰانِكُمْ بَعْضُكُمْ مِنْ بَعْضٍ ، فَانْكِحُوهُنَّ بِإِذْنِ أَهْلِهِنَّ ) (2) ، وكذا الكلام في عبده الصغير والكبير لصحيح زرارة عن أبي جعفر عليه السلام (سألته عن مملوك تزوج بغير إذن سيده فقال : ذاك إلى سيده إن شاء أجازه وإن شاء وفرّق بينهما) (3) ومثله غيره ، بل مما تقدم تعرف أن المولى له إجبار رقيقه على الزواج ولو كان كبيرا ، ومنه تعرف ضعف ما عن بعض العامة من أن -
ص: 175
معه (1) ، وله اجباره عليه (2) مطلقا (3) ، ولو تحرر بعضه لم يملك إجباره حينئذ (4) ، كما لا يصح نكاحه إلا بإذنه.
(والحاكم (5) والوصي (6) يزوجان من بلغ فاسد العقل) ، أو سفيها(مع كون)
______________________________________________________
- المولى ليس له إجبار المملوك الكبير على الزواج بدعوى أنه مالك للطلاق وفيه : إن كونه مالكا للطلاق لا ينافي جواز إجباره على النكاح.
(1) أي لا خيار للرقيق مع مولاه.
(2) أي للمولى إجبار رقيقه على التزويج.
(3) ذكرا كان أو أنثى ، صغيرا كان أو كبيرا.
(4) من تحرر بعضه صار شريكا للمولى في الحق المتعلق برقبته ، فليس لأحد منهما التصرف إلا بإذن الآخر ، ومنه النكاح ،
وليس للمولى إجباره عليه مراعاة لجانب الحرية لأن الحر لا يجبر عليه والنكاح لا يختص ببعضه ، كما أنه لا يجوز للعبد الاستقلال بالنكاح مراعاة لجانب الرقية ، بل يعتبر صدوره عن رأيهما.
(5) للحاكم الشرعي له ولاية على من ولي له في النكاح والمال للنبوي (السلطان ولي من لا ولي له) (1) ، ولكونه قد جعل قاضيا وحاكما كما في الخبر (2) ، وتزويج من لا ولي له مع حاجته من مناصب القضاة ووظائفهم ، ومن لا ولي له هو من كان فاقدا للأب والجد ، ولا وصيّ عليه من قبلهما ، هذا مع أن المشهور على أنه ليس للحاكم ولاية النكاح على الصبي وعلّل بأنه لا حاجة له في النكاح والأصل عدم ثبوت ولايته فيه ، وفيه : أما الأول فهو ممنوع بنحو الكلية فقد تكون الحاجة إليه لأن الحاجة لا تختص بالوطء ، وأما الثاني فالأصل غير مسموع بعد عموم أدلة ولاية الحاكم.
نعم له الولاية على من بلغ غير رشيد بجنون أو سفه ولم يكن له وليّ من حيث القرابة ، وكذا له الولاية على من تجدد فساد عقله إذا كان النكاح صلاحا له بلا خلاف فيه ، لعموم أنه ولي من لا ولي له.
(6) فالوصي له الولاية على من بلغ غير رشيد بجنون بلا خلاف فيه للضرورة وعجز المحتاج عن المباشرة ، وأشكل عليه بأنه لو ثبت ولاية الوصي على المجنون البالغ لثبتت ولايته على الصغير مع أن فيها الخلاف الآتي ، والاستدلال عليها بالضرورة وعجز المحتاج يقتضي إما ثبوت الولاية للحاكم وإما أن يعلم جميع المكلفين على نحو الوجوب الكفائي ولا يختص بالوصي. -
ص: 176
(النكاح صلاحا له ، وخلوّه من الأب والجد له) ، ولا ولاية لهما على الصغير (1) مطلقا (2) في المشهور ، ولا على من بلغ رشيدا ، ويزيد الحاكم الولاية على من بلغ ورشد ثم تجدد له الجنون.
وفي ثبوت ولاية الوصي على الصغيرين مع المصلحة مطلقا (3) ، أو مع
______________________________________________________
- نعم لو قلنا بولاية الوصي على الصغير أمكن استصحاب الولاية إلى ما بعد البلوغ إذا بلغ فاسد العقل ، ومثله ما لو بلغ سفيها.
وأما ولاية الوصي على غير البالغ ففيه أقوال : نفي الولاية مطلقا كما عليه المشهور لأصالة عدمها ولصحيح محمد بن مسلم عن أبي جعفر عليه السلام (في الصبي يتزوج الصبية يتوارثان؟ فقال عليه السلام : إذا كان أبواهما اللذان زوجاهما فنعم) (1) ومفهوم نفي التوارث إذا كان المتولي للتزويج غير الأب وإن كان هو الوصي.
الثاني : ثبوتها مطلقا وهو اختيار الشيخ في المبسوط والعلامة في المختلف والشهيد في شرح الإرشاد والشارح هنا في الروضة لصحيح أبي بصير ومحمد بن مسلم عن أبي جعفر عليه السلام (سألته عن الذي بيده عقدة النكاح ، قال : هو الأب والأخ والرجل يوصى إليه) (2) ومثله غيره ، واشتمال الخبر على الأخ الذي لا ولاية له قطعا لا يسقط النص عن الحجية كما ذكر صاحب الجواهر وغيره.
الثالث : ثبوت الولاية للوصي إذا نص الموصي على النكاح ، وعدمه عند عدم التنصيص كما عن الشيخ في الخلاف وابن سعيد في جامعه والمحقق الثاني وجماعة ، أما عدم الولاية عند عدم التنصيص فلما تقدم في القول الأول ، وأما ثبوتها مع التنصيص فلقوله تعالى ( فَمَنْ بَدَّلَهُ بَعْدَ مٰا سَمِعَهُ فَإِنَّمٰا إِثْمُهُ عَلَى الَّذِينَ يُبَدِّلُونَهُ ) (3) وحرمة تبديل الوصية تقتضي ثبوت ولاية الوصي بتولية الموصي ، ولقوله تعالى : ( وَيَسْئَلُونَكَ عَنِ الْيَتٰامىٰ قُلْ إِصْلٰاحٌ لَهُمْ خَيْرٌ ) (4) ، والتزويج مع المصلحة إصلاح فيجوز للوصي حينئذ ، وفيه : إنه غير مختص بالوصي بل هو شامل لجميع المكلفين.
(1) ذكرا كان أو أنثى.
(2) مع المصلحة وعدمها ، وسواء صرح الموصي أم لا.
(3) سواء صرح الموصي أم لا كما هو مقتضى القول الثاني.
ص: 177
تصريحه له في الوصية بالنكاح أقوال (1) ، اختار المصنف هنا انتفاءها مطلقا (2) ، وفي شرح الإرشاد اختار الجواز مع التنصيص (3) ، أو مطلقا (4) ، وقبله العلامة في المختلف (5) وهو حسن ، لأن تصرفات الوصي منوطة بالغبطة وقد تتحقق في نكاح الصغير (6) ، ولعموم فمن بدّ له (7) ولرواية أبي بصير عن الصادق عليه السلام قال : «الذي بيده عقدة النكاح هو الأب ، والأخ ، والرجل يوصى إليه» وذكر الأخ غير مناف ، لإمكان حمله على كونه وصيا أيضا (8) ، ولأن الحاجة قد تدعو إلى ذلك (9) ، لتعذر تحصيل الكفو حيث يراد (10) ، خصوصا مع التصريح بالولاية فيه (11).
(وهنا مسائل)
(الأولى : يصح اشتراط الخيار في الصداق) (12) ،.
______________________________________________________
(1) بعد ضم قول المشهور المتقدم من نفي الولاية مطلقا.
(2) مع المصلحة وعدمها ، ومع تصريح الموصي أم لا كما هو مقتضى القول الأول.
(3) كما هو مقتضى القول الثالث.
(4) كما هو مقتضى القول الثاني.
(5) اختيار الجواز مع التنصيص أو مطلقا.
(6) فتندرج تحت قوله تعالى : ( يَسْئَلُونَكَ عَنِ الْيَتٰامىٰ قُلْ إِصْلٰاحٌ لَهُمْ خَيْرٌ ) (1).
(7) وهو قوله تعالى : ( فَمَنْ بَدَّلَهُ بَعْدَ مٰا سَمِعَهُ فَإِنَّمٰا إِثْمُهُ عَلَى الَّذِينَ يُبَدِّلُونَهُ ) (2).
(8) فيكون من باب عطف العام على الخاص.
(9) أي إلى إنكاح الوصي.
(10) قال في المسالك : (وقد تتحقق الغبطة في نكاح الصغير من ذكر أو أنثى بوجود كفؤ لا يتفق في كل وقت ويخاف بتأخيره فوته) انتهى.
(11) أي في الإنكاح ، والتصريح بالولاية من الموصي.
(12) لا يجوز اشتراط الخيار في عقد النكاح بلا خلاف فيه ، لأن النكاح ليس معاوضة محضة -
ص: 178
لأن ذكره (1) في العقد غير شرط في صحته ، فيجوز إخلاؤه عنه (2) ، واشتراط عدمه (3) ، فاشتراط الخيار فيه (4) غير مناف لمقتضى العقد ، فيندرج في عموم «المؤمنون عند شروطهم» ، فإن فسخه ذو الخيار ثبت مهر المثل مع الدخول ، ولو اتفقا على غيره (5) قبله (6) صح ، (ولا يجوز) اشتراطه(في العقد) لأنه (7) ملحق
______________________________________________________
- بل فيه شائبة العبادة والعبادات لا يدخلها الخيار ، ولأن اشتراط الخيار يفضي إلى فسخ العقد بعد ابتذال المرأة وهو ضرر عليها ، ولهذا وجب بالطلاق قبل الدخول نصف المهر جبرا لها ، ولأن شرط الخيار مناف للدوام المعتبر في النكاح فهو شرط مخالف لمقتضى العقد ، فلو شرط الخيار فالشرط باطل قطعا ، وفي بطلان العقد به قولان ، فالمشهور على البطلان ، لأن التراضي بالعقد لم يقع إلا على هذا الوجه ، وبدونه فلا تراضي ولا عقد ، وعن ابن إدريس صحة العقد وإن بطل الشرط ، لأن العقد مشتمل على أمرين أحدهما صحيح والآخر فاسد ، ولا ربط لأحدهما بالآخر ، ومما تقدم تعرف ضعفه.
ثم إنه لا خلاف بينهم في جواز اشتراط الخيار في المهر بحيث يوقع العقد على مهر بقدر ، وثبوت الخيار له فيه إلى مدة معينة ، بحيث لو فسخ قبل انقضاء المدة يكون العقد بلا ذكر المهر فيرجع فيه إلى مهر المثل ، بلا فرق بين كونه للزوج أو الزوجة ، لأن ذكر المهر غير شرط في صحة العقد فلذا جاز اشتراط الخيار فيه مدة مضبوطة ، لأن غايته فسخه وإبقاء العقد بغير مهر وهو جائز ، وإذا كان الشرط في المهر غير مناف لمقتضى العقد فيندرج تحت العموم (المؤمنون عند شروطهم) (1).
(1) أي ذكر المهر.
(2) أي خلو عقد النكاح عن المهر.
(3) أي اشتراط عدم المهر في عقد النكاح ، ولكن اشتراط العدم في الحال أما لو شرط عدم المهر في الحال وفي المآل بحيث يشمل بعد الدخول فسد العقد ، لأن اشتراط العدم حينئذ مناف لما دل على ثبوت مهر المثل لها.
(4) أي الخيار في الصداق.
(5) على غير مهر المثل ، وكان الاتفاق المذكور بعد الفسخ.
(6) أي قبل الدخول.
(7) أي النكاح.
ص: 179
بضروب العبادات ، لا المعاوضات(فيبطل) العقد باشتراط الخيار فيه ، لأن التراضي إنما وقع بالشرط الفاسد ولم يحصل.
وقيل : يبطل الشرط خاصة ، لأن الواقع شيئان فإذا بطل أحدهما بقي الآخر.
ويضعف بأن الواقع شي ء واحد وهو العقد على وجه الاشتراط فلا يتبعض.
ويمكن إرادة القول الثاني (1) من العبارة (2).
(ويصح توكيل كل من الزوجين في النكاح) (3) ، لأنه مما يقبل النيابة ولا يختص غرض الشارع بإيقاعه من مباشر معين(فليقل الولي) وليّ (4) المرأة لوكيل الزوج : (زوّجت من موكلك فلان (5) ، ولا يقل : منك) (6) بخلاف البيع (7) ونحوه من العقود.
والفرق (8) أن الزوجين (9) في النكاح ركنان بمثابة الثمن والمثمن في البيع ولا بدّ من تسميتهما (10) في البيع ، فكذا الزوجان في النكاح (11) ، ولأن البيع (12)
______________________________________________________
(1) أي بطلان الشرط خاصة.
(2) أي عبارة المصنف حيث قال (ولا يجوز في العقد فيبطل) بإرجاع ضمير الفاعل في (فيبطل) إلى الشرط فقط.
(3) أي في عقد النكاح بلا خلاف فيه ، لما تقدم في باب الوكالة من أن الوكالة تصح في كل فعل لم يتعلق غرض الشارع بصدوره من مباشر معيّن.
(4) وهو المباشر للعمل أي الوكيل أو الولي كأبيها وجدها.
(5) أو بدون لفظ (من).
(6) لأن التزويج ليس للوكيل بل لموكله.
(7) فيصح مخاطبة الوكيل بقوله : بعتك كذا بكذا ، ويكون البيع للموكل.
(8) أي الفرق بين التوكيل في النكاح والتوكيل في البيع بما ذكر من الخصوصيات ، والفرق من وجوه أربعة قد ذكرها الشارح هنا تبعا للمحقق الثاني في جامع المقاصد.
(9) الفارق الأول.
(10) أي تسمية الثمن والمثمن.
(11) وفيه : إنه قياس مع كون المتعاقدين في النكاح كالمتعاقدين في البيع ، والذي يقابل الثمن والمثمن هو البضع والمهر.
(12) الفارق الثاني.
ص: 180
يرد على المال وهو يقبل النقل من شخص إلى آخر فلا يمتنع أن يخاطب به الوكيل وإن لم يذكر الموكل ، والنكاح يرد على البضع وهو لا يقبل النقل أصلا (1) ، فلا يخاطب به الوكيل ، إلا مع ذكر المنقول إليه (2) ابتداء ، ومن ثمّ لو قبل النكاح وكالة عن غيره فأنكر الموكل الوكالة بطل (3) ولم يقع للوكيل (4) بخلاف البيع فإنه يقع مع الانكار (5) للوكيل (6) ، ولأن الغرض (7) في الأموال (8) متعلق بحصول الأعواض المالية ولا نظر غالبا إلى خصوص الأشخاص ، بخلاف النكاح فإنه متعلق بالأشخاص فيعتبر التصريح بالزوج ، ولأن البيع (9) يتعلق بالمخاطب ، دون من له العقد ، والنكاح بالعكس (10) ، ومن ثمّ لو قال : زوجتها من زيد فقبل له وكيله صح ، ولو حلف أن لا ينكح (11) فقبل له وكيله حنث ، ولو حلف أن لا يشتري فاشترى له وكيله لم يحنث ، وفي بعض (12) هذه الوجوه نظر.
(وليقل) الوكيل : (قبلت لفلان) كما ذكر في الإيجاب ، ولو اقتصر على «قبلت» ناويا موكله فالأقوى الصحة ، لأن القبول عبارة عن الرضا بالإيجاب السابق فإذا وقع بعد إيجاب النكاح للموكل صريحا كان القبول الواقع بعده رضى به (13) ، فيكون للموكل.
______________________________________________________
(1) وفيه : إن البضع قابل للنقل في الجملة ، ولو بمعنى تسلط الزوج على منفعته ، ولذا وجب عليها تمكينه عند إرادته في كل أحوالها.
(2) وهو الموكل.
(3) أي بطل النكاح ، لأنه نكاح للموكل وقد أنكر التوكيل فيبطل.
(4) لأنه لم يخاطب به.
(5) أي إنكار التوكيل.
(6) أي يقع البيع للوكيل وفيه : إن العقود تابعة للقصود ، فالوكيل قد قصد الموكل فلو وقع عن الوكيل لما كان مقصودا فكيف يصح؟
(7) الفارق الثالث.
(8) عند نقلها بالبيع.
(9) الفارق الرابع.
(10) بحيث يتعلق بمن له العقد فلا بد من ذكره ، وفيه أنه أول الكلام.
(11) أي أن لا يعقد.
(12) أي ما عدا الثالث.
(13) أي بإيجاب النكاح للموكل.
ص: 181
ووجه عدم الاكتفاء به أن النكاح نسبة (1) فلا يتحقق إلا بتخصيصه بمعين (2) كالإيجاب (3).
وضعفه يعلم مما سبق فإنه لما كان رضا بالإيجاب السابق اقتضى التخصيص بمن وقع له ، (ولا يزوجها الوكيل من نفسه (4) إلا إذا أذنت فيه (5) عموما) كزوجني ممن شئت ، أو ولو من نفسك ، (أو خصوصا) فيصح حينئذ (6) على الأقوى.
______________________________________________________
(1) أي أمر غير مستقل فلا يتقوم إلا بشي ء آخر.
(2) فلا بد من التصريح به.
(3) الذي اشترطنا فيه تخصيصه بمعيّن فكذلك القبول.
(4) إذا وكّلت المرأة المالكة لأمرها أحدا في تزويجها ، فلا يجوز للوكيل أن يزوجها من نفسه ، لأن إطلاق الاذن في التزويج منصرف إلى غيره باعتبار أن الوكيل غير الزوجين فلا يشمله الاذن هذا كله في صورة إطلاق الاذن.
أما لو عممت الاذن فقالت : زوجني بمن شئت ، فهل يكون التعميم كالإطلاق لأن المغايرة بين الوكيل والزوج تقتضي إخراجه عن عموم الاذن ، أو أن التعميم أقوى دلالة على جزئياته من الإطلاق فيشمل الاذن نفس الوكيل قولان ، ويظهر أن القول الثاني إجماعي كما في المسالك.
وأما لو نصّت على نفس الوكيل فقالت : زوجني من نفسك فقد ذهب المشهور إلى الجواز للتصريح ، وقيل بالمنع لئلا يكون موجبا قابلا ، ولخبر عمار الساباطي (سألت أبا الحسن عليه السلام عن امرأة تكون في أهل بيت فتكره أن يعلم بها أهل بيتها ، أيحلّ لها أن توكل رجلا يريد أن يتزوجها ، تقول له : قد وكلتك فاشهد على تزويجي ، قال عليه السلام : لا ، قلت : جعلت فداك ، وإن كانت أيّما؟ قال عليه السلام : وإن كانت أيّما ، قلت : فإن وكلت غيره بتزويجها منه؟ قال عليه السلام : نعم) (1).
وقد طعن في سندها فضلا عن قصور دلالتها لجواز كون المنفي من الإمام عليه السلام هو قولها : وكلتك فاشهد ، فإن مجرد الإشهاد غير كاف في تحقق الزواج.
وأما كونه قابلا موجبا فغير ضائر ، لأن تولي الواحد لطرفي العقد أصالة ووكالة غير قادح للأصل ، مع كون المغايرة الاعتبارية كافية.
(5) في التزويج.
(6) أي حين التخصيص أو التعميم.
ص: 182
أما الأول (1) فلأن المفهوم من اطلاق الإذن تزويجها من غيره ، لأن المتبادر أن الوكيل غير الزوجين.
وأما الثاني (2) فلأن العام ناصّ على جزئياته ، بخلاف المطلق.
وفيه نظر (3).
وأما الثالث (4) فلانتفاء المانع مع النص (5). ومنع بعض الأصحاب استنادا إلى رواية عمار الدالة على المنع ، وأنه يصير موجبا قابلا مردود بضعف الرواية ، وجواز تولي الطرفين اكتفاء بالمغايرة الاعتبارية ، وله تزويجها مع الاطلاق من والده وولده وإن كان مولّى عليه (6).
(الثانية : لو ادّعى زوجيّة امرأة فصدقته حكم بالعقد ظاهرا) (7) لانحصار
______________________________________________________
(1) وهو الإطلاق.
(2) أي العموم.
(3) لأن المغايرة بين الوكيل والزوج قرينة على عدم إرادته من العموم.
(4) أي التخصيص.
(5) أي التنصيص عليه.
(6) أي وإن كان وليا عليه.
(7) إذا ادعى رجل زوجية امرأة فصدقته أو ادعت المرأة زوجية الرجل فصدقها ، حكم لهما بذلك في ظاهر الشرع ، ويترتب جميع آثار الزوجية بينهما بلا خلاف فيه لأن الحق لا يعدوهما وقد أقرا به فيدخلان في عموم (إقرار العقلاء على أنفسهم جائز) (1) ، بلا فرق بين كونهما بلديين معروفين أو غريبين خلافا لبعض العامة حيث منع من قبول الإقرار في البلديين بناء على اعتبار الإشهاد في النكاح وسهولة إقامة البينة في البلديين ، وضعف المبنى والبناء ظاهر ، ضرورة عدم اعتبار الإشهاد عندنا ، ولو سلم فهو في مقام الثبوت لا الإثبات ، ولو سلم فلا فرق بين البلديين والغريبين ، لإمكان إشهاد البلديين غريبين فيصعب الإشهاد ، وكذا العكس فيسهل الإشهاد ، مضافا إلى أن قبول الإقرار لا يختص بالبلد.
ص: 183
الحق فيهما ، وعموم اقرار العقلاء على أنفسهم جائز(وتوارثا) بالزوجية ، لأن ذلك من لوازم ثبوتها ، ولا فرق بين كونهما غريبين ، أو بلديين ، (ولو اعترف أحدهما) خاصة(قضي عليه به (1) دون صاحبه) سواء حلف المنكر أم لا ، فيمنع من التزويج إن كان امرأة ومن أختها وأمها وبنت أخويها بدون إذنها ، ويثبت عليه ما أقرّ به من المهر ، وليس لها مطالبته به (2) ، ويجب عليه التوصل إلى تخليص ذمته إن كان صادقا ، ولا نفقة عليه ، لعدم التمكين ، ولو أقام المدعي بينة ، أو حلف اليمين المردودة مع نكول الآخر تثبت الزوجية ظاهرا وعليهما فيما بينهما وبين الله تعالى العمل بمقتضى الواقع ، ولو انتفت البينة ثبت على المنكر اليمين.
وهل له (3) التزويج الممتنع (4) على تقدير (5) الاعتراف قبل الحلف (6) نظر :
______________________________________________________
(1) بالاعتراف ، أي يؤخذ بإقراره فإن كان هو الرجل حرم عليه تزويج الخامسة وأم التي ادعى زوجيتها ، وبنتها مع الدخول بها ، وبنت أختها وأخيها إلا برضاها ، ويجب عليه إيصال المهر ، نعم لا يجب عليه نفقتها لنشوزها بالإنكار ، وإن كان المقر هو المرأة فلا يجوز لها التزويج بغيره إلا إذا طلقها ، ولا يجوز لها السفر من دون إذنه ، هذا بالنسبة للمقر وهو المدعى ، وأما أصل الدعوى فإن كان للمدعي بينة فهو وإلا فيحلف المنكر ولا زوجية بينهما ظاهرا أو يرد اليمين فيحلف المدعي ويحكم له بالزوجية ، هذا كله بحسب الظاهر ولكن يجب على كل منهما العمل على الواقع فيما بينه وبين الله جل وعلا لأن الحكم بعد إجراء موازين القضاء لا يبدّل الواقع ، ففي صحيح هشام بن الحكم عن أبي عبد الله عليه السلام (قال رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم : إنما أقضي بينكم بالبينات والأيمان ، وبعضكم الحن بحجته من بعض ، فأيما رجل قطعت له من مال أخيه شيئا فإنما قطعت له قطعة من النار) (1).
(2) بالمهر لأنها منكرة.
(3) أي للمنكر.
(4) التزويج الممتنع على تقدير الاعتراف بالنسبة للزوجة هو التزوج بغير الزوج ، والتزويج الممتنع بالنسبة للزوج هو التزوج بأمها وأختها وابنتها.
(5) جار ومجرور متعلق بقوله (التزويج الممتنع).
(6) متعلق بقوله (التزويج) ، والحاصل فهل للمنكر قبل الحلف أن يتزوج بمن يحرم عليه -
ص: 184
من تعلق (1) حق الزوجية في الجملة (2). وكون تزويجها (3) يمنع من نفوذ اقرارها به (4) على تقدير رجوعها (5) ، لأنه (6) اقرار في حق الزوج الثاني. ومن عدم (7) ثبوته (8) ،
وهو الأقوى ، فيتوجه اليمين (9) متى طلبه المدعي ، كما يصح (10) تصرف المنكر في كل ما يدعيه عليه غيره قبل ثبوته (11) ، استصحابا للحكم السابق المحكوم به ظاهرا ، ولاستلزام المنع منه (12) الحرج في بعض الموارد كما إذا غاب المدعي ، أو أخر الإحلاف.
______________________________________________________
- نكاحه على فرض اعترافه وجهان : من تعلق حق الزوجية في الجملة بالدعوى وتوجه اليمين ، وأيضا فإن تزويجها يمنع من نفوذ إقرارها بذلك ، لأن إقرارها حينئذ يصير إقرارا في حق الزوج الثاني فلا تتزوج قبل الحلف.
ومن عدم ثبوت ذلك فلها التزويج استصحابا للحكم الثابت في حق المنكر قبل الدعوى ويؤيده صحة تصرف المنكر في كل ما يدعيه عليه غيره إلى أن يثبت الحكم عليه أوله.
(1) دليل عدم الجواز.
(2) ولو بالادعاء من حيثية توجه اليمين عليه.
(3) وهذا يتم على تقدير كون المنكر هو المرأة ، وحاصله أنه لو جاز لها التزويج بالثاني ثم أرادت أن ترجع عن إنكارها وتعترف بالزوجية للأول ، فهذا الاعتراف ضرر على الزوج الثاني فلا يسمع ، ولذا تمنع من التزويج الثاني حتى لا يكون مانعا عن إقرارها بالزواج الأول.
(4) بما أنكرته أولا من الزوجية للأول.
(5) أي تقدير رجوعها من إنكارها.
(6) أي إقرارها بالزوجية للأول بعد التزويج من الثاني.
(7) دليل الجواز وقد تقدم شرحه.
(8) أي ثبوت حق الزوجية بالادعاء ومن حيثية اليمين استصحابا للحكم الثابت قبل الدعوى.
(9) أي يتوجه اليمين على المنكر ولو تزوج التزويج الممتنع عليه على تقدير الاعتراف.
(10) تعليل لأقوائية الثاني.
(11) أي قبل ثبوت ما يدعيه المدعي.
(12) أي منع المنكر من التصرف فيما يدعيه المدعي ، وهو مستلزم للحرج.
ص: 185
ثم إن استمرت الزوجة (1) على الإنكار فواضح ، وإن رجعت إلى الاعتراف بعد تزويجها بغيره (2) لم يسمع (3) بالنسبة إلى حقوق الزوجية الثابتة عليها (4) ، وفي سماعه بالنسبة إلى حقوقها (5) قوة إذ لا مانع منه ، فيدخل في عموم جواز اقرار العقلاء على أنفسهم ، وعلى هذا (6) فإن ادعت أنها كانت عالمة بالعقد (7) حال دخول الثاني بها فلا مهر لها عليه (8) ظاهرا ، لأنها بزعمها بغي (9) ، وإن ادعت الذكر (10) بعده (11) فلها مهر المثل (12) للشبهة ، ويرثها الزوج (13) ، ولا ترثه هي (14).
وفي إرث الأول (15) مما يبقى من تركنها بعد نصيب الثاني نظر : من
______________________________________________________
(1) بعد التزويج الثاني.
(2) بغير الزوج الأول الذي اعترفت الآن بزواجها منه.
(3) أي لم يسمع هذا الاعتراف ، لأنه بالنسبة إليها إقرار في حق الزوج الثاني ، وهو إقرار في حق الغير ، فلا يسمع ، لأن المسموع هو الإقرار في حق نفسه.
(4) بالنسبة للزوج الثاني من الوطء وغيره كإرثه منها بعد وفاتها.
(5) كالنفقة على الثاني والكسوة والميراث منه بعد الوفاة فهي منفية عن الزوج الثاني بعد ما اعترفت بالزوجية للأول ، فيسمع منها الإقرار ، لأنه إقرار في حقها.
(6) من سماع إقرارها في حقها لا في حق غيرها.
(7) أي بعقد الأول عليها.
(8) على الثاني.
(9) ولا مهر لبغي.
(10) ذكرها للعقد الأول.
(11) بعد خول الثاني.
(12) على الثاني.
(13) أي الزوج الثاني لعدم سماع إقرارها في حقه.
(14) لسماع إقرارها في نفسها.
(15) أي لو ماتت هذه الزوجة فالثاني يرثها وقد تقدم ، وهل يرث الأول نصيب الزوجية مما يبقى من التركة وجهان ، من نفوذ إقرارها بالزوجية للأول في حق نفسها ، وإرث الأول لا ينافي إرث الثاني ، ومن عدم ثبوت الزوجية للأول ظاهرا لأنها زوجة للثاني بحسب الفرض ، ومن كون هذا الإقرار الموجب لتوريث الزوج الأول موجبا للضرر على بقية الورثة من حيثية نقصان نصيبهم فلا يسمع لأنه إقرار في حق الغير.
ص: 186
نفوذ (1) الاقرار على نفسها وهو (2) غير مناف. ومن عدم (3) ثبوتها (4) ظاهرا ، مع أنه (5) إقرار في حق الوارث (6).
(الثالثة : لو ادّعى زوجية امرأة وادّعت أختها عليه الزوجية حلف) (7) على نفي زوجية المدعية ، لأنه منكر ، ودعواه زوجية الأخت (8) متعلق بها (9) وهو أمر آخر.
ويشكل تقديم قوله (10) مع دخوله بالمدعية (11) للنص (12) ، على أن الدخول
______________________________________________________
(1) دليل الجواز.
(2) أي إرث الأول غير مناف لإرث الثاني.
(3) دليل عدم الجواز.
(4) أي الزوجية.
(5) أي مع الاعتراف بالزوجية للأول وهو دليل ثان على عدم الجواز.
(6) فلا يسمع.
(7) لو ادعى الرجل زوجية امرأة فأنكرت ، وادعت أختها عليه الزوجية فأنكر ، فهنا دعويان ، إحداهما من الرجل على المرأة ، والثانية من أختها على ذلك الرجل ، وحينئذ إما أن لا يكون هناك بينة لواحد من المدعيين ، أو يكون لأحدهما دون الآخر ، أو يكون لكليهما فالصور ثلاث ، وعلى الأول يتوجه اليمين على المنكر في كلتا الدعويين ، فتحلف المرأة على نفي دعواه ويحلف هو على نفي دعوى أختها ، هذا إذا لم يكن قد دخل بالمدعية.
أما لو دخل بها ففي الاكتفاء بيمينه نظرا إلى أنه منكر بحسب الأصل ، إذ الأصل عدم الزوجية بين المدعية وبينه ، أو يرجع إلى يمينها لموافقة قولها الظاهر ، لأن الظاهر هو الزوجية عند الدخول بحسب الفرض بعد حمل الفعل بالدخول على كونه عن عقد صيانة لفعل المسلم عن الفساد ، مع الالتفات إلى أن فعله بالدخول مكذب لنفيه الزوجية ، وجهان يرجعان إلى تعارض الأصل الظاهر ، والأول أقوى لترجيح الأصل بعد كون الدخول أعم من الزوجية وأصالة الصحة لا تشخص وجه الفعل بل تلزم بعدم تحميل آثار الزنا عليه لاحتمال أن يكون الدخول عن شبهة ، وأما بقية الصور فسيأتي الكلام فيها.
(8) أي أخت المدعية.
(9) أي بالأخت ، فيرجع فيها إلى القواعد المقررة في القضاء.
(10) من باب أنه منكر.
(11) لأنه مع الدخول يكون فعله مكذبا لقوله ظاهرا.
(12) الآتي عند وجود البيّنتين.
ص: 187
بها مرجّح لها فيما سيأتي (1).
ويمكن أن يقال هنا : تعارض الأصل والظاهر (2) فيرجح الأصل (3) ، وخلافه (4) خرج بالنص.
وهو (5) منفي هنا. هذا إذا لم تقم بينة(فإن أقامت بينة (6) فالعقد لها ، وإن أقام بينة) ولم تقم هي(فالعقد) على الأخت(له).
ويشكل أيضا (7) مع معارضة دخوله بالمدعية لما سيأتي من أنه (8) مرجّح على البينة (9) ، ومع ذلك فهو مكذب بفعله (10) لبينته ، إلا أن يقال كما سبق : إن ذلك (11) على خلاف الأصل (12) ، ويمنع كونه (13) تكذيبا بل هو (14) أعم
______________________________________________________
(1) عند تعارض البيّنتين.
(2) فالأصل مع الرجل من أنه منكر ، والظاهر مع المدعية من أنها منكرة.
(3) كما هو القاعدة في ذلك.
(4) أي خلاف تقديم الأصل على الظاهر لا يكون إلا بالنص ، والنص قد ورد عند وجود البيّنتين ، ففي مقامنا هو فقدان البينة من كلا الطرفين فلا نص.
(5) أي النص.
(6) الصورة الثانية ، وهي ما لو أقام أحدهما بينة ، فيقضى له بها ، سواء كان ذلك من الرجل على دعواه زوجيته من المرأة ، أو كان ذلك من أختها المدعية على الرجل الزوجية ، وهذا هو مقتضى تقديم قول المدعي مع بينته إلا إذا كانت البينة من الرجل وقد دخل بالمدعية فالوجهان السابقان ، لكون فعله بالدخول مكذبا لبينته.
ولكن يمكن دفعه بأعمية الدخول ، وأصالة الصحة لا تشخص وجهه بل تلزم بعدم تحميل آثار الزنا عليه إذ يحتمل أن يكون الدخول للشبهة.
(7) أي الحكم بكون العقد له على أخت المدعية عند إقامته البينة على ذلك وقد دخل بالمدعية.
(8) أي الدخول.
(9) كما يستفاد من الخبر الآتي عند وجود البينتين.
(10) من الدخول بالمدعية.
(11) أي الترجيح بالدخول.
(12) والأصل مقدم.
(13) أي كون الدخول.
(14) أي الدخول.
ص: 188
منه (1) فيقتصر في ترجيح الظاهر على الأصل على مورد النص (2) ، (فالأقرب توجه اليمين (3) على الآخر (4)) وهو ذو البينة(في الموضعين) وهما : إقامته البينة فيحلف معها (5). وإقامتها (6) فتحلف معها (7).
ولا يخفى منافرة لفظ الآخر لذلك (8).
وفي بعض النسخ «الآخذ» بالذال المعجمة. والمراد به آخذ الحق المدعى به وهو من حكم له ببينته ، وهو قريب من الآخر في الغرابة (9).
______________________________________________________
(1) أي أعم من التكذيب للبينة ، لجواز كون الدخول للشبهة.
(2) وهو وجود البينتين.
(3) بعد ما ثبت مدعى من له البينة فهل تسقط دعوى الآخر ، كما ذهب إليه البعض ويستدل له من أن البينة حجة شرعية بمعنى أنها كافية في إثبات مداليلها المطابقية والالتزامية ، وعليه فإذا ثبت بها زوجية إحدى المرأتين فلا بدّ من الحكم بعدم زوجية الأخرى لعدم إمكان الجمع بين المرأتين لأنهما أختان وفيه : إن البينة قد تشهد على وقوع العقد وهذا لا ينفي سبق عقده على أخت المدعية إذا كانت البينة من المدعية ، ولا ينفي سبق عقده على المدعية إذا كانت البينة منه ولذا لا بد مع البينة من اليمين من صاحبها على نفي السبق المذكور ، فلو كانت البينة من الرجل على عقده على أخت المدعية فلا بد من حلفه بنفي سبق عقده على المدعية.
ولو كانت البينة من المدعية فلا بد من حلفها بنفي علمها بسبق عقده على أختها ، واكتفينا بالحلف على نفي العلم في الأخير ولم نشترط الحلف على عدم السبق واقعا ، لأنه حلف على نفي فعل الغير ، وفي مثله لا يمكن القطع به فيكتفي بنفي العلم بوقوعه.
(4) ظاهره أن اليمين على الذي أقيمت عليه البينة ، وهذا مناف لما تقدم من أن اليمين من صاحب البينة ومقيمها ، فلذا فسّر الشارح لفظ الآخر بصاحب البينة.
ويمكن أن يكون المراد من لفظ الآخر هو العقد الآخر ويكون الجار والمجرور أعني (على الآخر) متعلقان باليمين ليدلا على مورده ، وليسا متعلقين بالتوجه ، بل فاعل اليمين يكون محذوفا من الجملة حينئذ وعليه فلا إشكال.
(5) أي مع البينة ، فالبينة لإثبات دعواه ، والحلف لنفي سبق عقده على المدعية.
(6) أي إقامة المرأة للبينة.
(7) فالبينة منها لإثبات دعواها ، والحلف لنفي سبق عقده على أختها.
(8) أي لتوجه اليمين على صاحب البينة.
(9) لا غرابة حينئذ بحسب الظاهر.
ص: 189
وإنما حكم باليمين مع البينة ، (لجواز صدق البينة) الشاهدة لها بالعقد(مع تقدم عقده على من ادعاها) والبينة لم تطلع عليه (1) فلا بد من تحليفها لينتفي الاحتمال ، وليس حلفها على اثبات عقدها تأكيدا للبينة (2) ، لأن ذلك (3) لا يدفع الاحتمال ، وإنما حلفها على نفي (4) عقد أختها. وهل تحلف على البت (5) ، أو على نفي العلم به؟ مقتضى التعليل (6) الأول ، لأنه بدونه (7) لا يزول الاحتمال.
ويشكل (8) بجواز وقوعه (9) مع عدم اطلاعها فلا يمكنها القطع بعدمه ، وبأن اليمين هنا ترجع إلى نفي فعل الغير فيكفي (10) فيه حلفها على نفي علمها بوقوع عقد أختها سابقا على عقدها ، عملا بالقاعدة (11).
(و) وجه حلفه مع بينته على نفي عقده على المدعية : (جواز صدق بينته) بالعقد على الأخت(مع تقدم عقده على من ادعته) والبينة لا تعلم بالحال فيحلف على نفيه لرفع الاحتمال.
والحلف هنا على القطع ، لأنه حلف على نفي فعله ، واليمين في هذين الموضعين لم ينبه عليها أحد من الأصحاب ، والنص (12) خال عنها ، فيحتمل عدم
______________________________________________________
(1) على تقدم عقده على من ادعاها.
(2) لأن المدعي لا يطالب بأكثر من البينة.
(3) أي لأن الحلف على إثبات عقدها ليس بأكثر من البينة دلالة فلا يدفع الاحتمال السابق من جواز تقدم عقده على من ادعاها.
(4) أي على نفي سبق عقد أختها.
(5) بمعنى القطع.
(6) الوارد في كلام الماتن.
(7) أي بدون القطع.
(8) أي يشكل الحكم عليها بالحلف على القطع بنفي سبق عقد أختها.
(9) أي وقوع عقد أختها قبل عقدها مع عدم اطلاعها.
(10) في نفي فعل الغير.
(11) في نفي فعل الغير.
(12) وهو الآتي في مورد البينتين.
ص: 190
ثبوتها (1) لذلك (2) ، ولئلا (3) يلزم تأخير البيان عن وقت الخطاب ، أو الحاجة.
(ولو أقاما بينة) (4) فإما أن تكونا مطلقتين ، أو مؤرختين أو إحداهما مطلقة ،
______________________________________________________
(1) أي عدم ثبوت اليمين.
(2) أي لعدم تعرض الأصحاب له.
(3) أي ومع عدم تعرض النص مع أنه في مقام البيان ، فلو كانت اليمين لازمة وقد سكت النص عن البيان فيلزم تأخره عن وقت الخطاب أو الحاجة وهو قبيح على الحكيم كما قرر في محله.
(4) فتارة تكون البينتان مطلقتين ، وأخرى مؤرختين ، وثالثة تكون إحداهما مطلقة والأخرى مؤرخة ، والمؤرختان تارة يتفق تاريخهما وأخرى يختلف ، ومع الاختلاف فتارة يتقدم تاريخ بينته وأخرى يتقدم تاريخ بينتها ، فالصور ست ، لأن المؤرختين ثلاث صور ، الاتفاق أو تقديم تاريخ بينة الرجل ، أو تقديم تاريخ بينة المرأة ، والمطلقتين صورة واحدة فالمجموع أربع صور ، ثم لو كانت إحداهما مطلقة والأخرى مؤرخة فهي صورتان لأن المؤرخة تارة تكون بينة الرجل وأخرى بينة المرأة ، فالمجموع ست صور.
وعلى الجميع فتارة يكون مع الدخول بالمدعية وأخرى مع عدمه فالمجموع اثنتا عشرة صورة ، والبحث فيها تارة بحسب القواعد وأخرى بحسب النص الخاص ، ولكن المشهور قد عمل به فيقتصر عليه.
والنص هو خبر الزهري عن علي بن الحسين عليه السلام (في رجل ادّعى على امرأة أنه تزوجها بولي وشهود وأنكرت المرأة ذلك ، فأقامت أخت هذه المرأة على هذا الرجل البينة أنه تزوجها بوليّ وشهود ، ولم يوقتا وقتا ، فكتب عليه السلام : إن البينة بينة الرجل ولا تقبل بينة المرأة ، لأن الزوج قد استحق بضع هذه المرأة ، وتريد أختها فساد النكاح فلا تصدق ولا تقبل بينتها إلا بوقت قبل وقتها أو بدخول بها) (1).
والخبر صريح في تقديم بينة المرأة في سبعة موارد ، ستة وهي جميع الصور المدخول بها ، والسابع عند عدم الدخول ما لو تقدم تاريخ بينتها على تاريخ بينته.
وهو صريح في تقديم بينة الرجل في خمسة موارد ، وهي جميع موارد عدم الدخول ما عدا تقدم تاريخ بينتها ، وقد عمل به الأصحاب ، وعن جامع المقاصد : كأن هذا الحكم مجمع عليه بين الأصحاب ، وعن المسالك : لا يظهر فيه خلاف بينهم ، ومعه لا داعي للمناقشة في سنده وإن كان ضعيفا.
ص: 191
والأخرى مؤرخة ، وعلى تقدير كونهما مؤرختين إما أن يتفق التاريخان ، أو يتقدم تاريخ بينته ، أو تاريخ بينتهما ، وعلى التقادير الستة إما أن يكون قد دخل بالمدعية ، أو لا ، فالصور اثنتا عشرة مضافة إلى ستة سابقة (1) ، وفي جميع هذه الصور الاثنتي عشرة(فالحكم لبينته ، إلا أن يكون معها) أي مع الأخت المدعية(مرجح) لبينتها(من دخول) بها ، (أو تقدم تاريخ بينتها على تاريخ بينته) حيث تكونان مؤرختين فيقدم قولها في سبع صور من الاثنتي عشرة ، وهي الستة المجامعة للدخول ، مطلقا (2) ، وواحدة من الستة الخالية عنه (3) ، وهي ما لو تقدم تاريخها ، وقوله (4) في الخمسة الباقية.
وهل يفتقر (5) من قدمت بينته بغير سبق التاريخ إلى اليمين وجهان : منشأهما
______________________________________________________
- هذا من جهة ومن جهة أخرى أورد عليه بأنه مخالف للقواعد من جهتين : الأولى : أن الرجل منكر بالنسبة لدعوى المدعية فكيف تقدم بينته عند تساوي البينتين تاريخا أو إطلاقهما ، والمنكر يقبل قوله مع عدم البينة من المدعي لا مع وجودها ، وفيه : إن الرجل وإن كان منكرا بالنسبة لدعوى المدعية إلا أنه مدع بالنسبة لدعواه على أختها فيصح منه البينة ، ومع قيامها فترجح على بينة المدعية لعدم إمكان الجمع بين البينتين لأنه لا يمكن الجمع بين المرأتين.
الجهة الثانية : أن تقديم إحدى البينتين على الأخرى بلا مرجح ، وفيه : إن تقديم بينتها إما للدخول وإما لسبق التاريخ ، ومع الدخول فتسقط بينته عن الاعتبار لتكذيبه إياها بفعله ، ولو بحسب الظاهر بعد حمل الفعل على أنه دخول عن عقد صيانة له عن الفساد ، ومع الأسبقية فقد ثبت سبق نكاحها في وقت لا تعارضها الأخرى فيه ، وأمّا تقديم بينته فقد ذكر الترجيح في الخبر.
(1) وهي عدم البينة من الرجل والمرأة مع الدخول وعدمه ، وقيام البينة من الرجل فقط مع الدخول وعدمه ، وقيام البينة من المرأة فقط مع الدخول وعدمه.
(2) سواء كانت بينة المرأة مؤرخة أم لا ، وسواء كانت متقدمة تاريخا أم لا.
(3) عن الدخول.
(4) أي ويقدّم قول الرجل بحسب بينته.
(5) ظاهر النص المتقدم عدم الاحتياج إلى اليمين لمن قدمت بينته ، وعن القواعد وجامع المقاصد والمسالك وغيرها أن الأقرب الافتقار إلى اليمين ممن قبلت بينته ، أما الرجل فلأن بينته إنما هي لإثبات ما ادعاه على المرأة الأولى ، وبينه وبين أختها دعوى أخرى هو فيها -
ص: 192
الحكم (1) بتساقط البينتين حيث تكونان متفقتين (2) فيحتاج من قدّم قوله إلى اليمين خصوصا المرأة ، لأنها مدعية محضة (3) ، وخصوصا إذا كان المرجح لها الدخول ، فإنه بمجرده (4) لا يدل على الزوجية ، بل الاحتمال (5) باق معه ، ومن اطلاق (6) النص بتقديم بينته مع عدم الأمرين (7) ، فلو توقف (8) على اليمين لزم تأخير البيان عن وقت الحاجة.
والأقوى الأول ، وإطلاق النص غير مناف ، لثبوت اليمين بدليل آخر (9) خصوصا مع جريان الحكم على خلاف الأصل في موضعين. أحدهما تقديم بينته (10) مع أنه مدع (11) ، والثاني ترجيحها (12) بالدخول وهو غير مرجح (13) ،
______________________________________________________
- منكر فلا بد من اليمين لقطع دعواها ، وأما المرأة المدعية التي قبلت بينتها فيمينها على نفي العلم لاحتمال علمها بسبق العقد على أختها.
نعم لا يمين مع سبق تاريخ إحدى البينتين ، لأن السابقة تكون مثبتة للنكاح في وقت لا يعارضها فيه أحد فيتعين الحكم بها من دون حاجة إلى ضم اليمين.
وفيه : إنه لا وجه لليمين بعد خلوّ النص عنها وإلا لو كانت اليمين لازمة للزم تأخير البيان عن وقت الحاجة وهو قبيح على الحكيم.
(1) دليل الافتقار إلى اليمين.
(2) إما بتساوي تاريخهما وإما بإطلاقهما.
(3) وفيه : إن المدعي لا يطالب بأكثر من البينة فلا داعي لليمين.
(4) أي بمجرد الدخول.
(5) أي احتمال عدم الزوجية باق مع الدخول.
(6) دليل عدم الاحتياج إلى اليمين.
(7) من الدخول وتقدم تاريخ بينتها.
(8) أي توقف تقديم بينته.
(9) وهو ترجيح إحدى البينات على الأخرى وهذا لا يتم إلا باليمين.
(10) عند عدم الدخول أو عدم سبق تاريخ بينتها على ما تقدم.
(11) وهذا لا إشكال فيه ، لأن الأخذ ببينة المدعي على الأصل ، فلو قال (مع أنه منكر) لكان الحكم على خلاف الأصل لأن المنكر لا تسمع بينته.
(12) أي ترجيح البينة ، وهي بينة المرأة.
(13) لأن الدخول أعم من الزوجية.
ص: 193
ومورد النص الأختان كما ذكر ،
وفي تعديه (1) إلى مثل الأم والبنت وجهان : من عدم (2) النص وكونه (3) خلاف الأصل فيقتصر فيه (4) على مورده. ومن اشتراك (5) المقتضي.
والأول (6) أقوى ، فتقدم بينتها مع انفرادها ، أو اطلاقهما ، أو سبق تأريخها ، ومع عدمها يحلف هو ، لأنه منكر.
(الرابعة : لو اشترى العبد زوجته لسيده فالنكاح باق) (7) فإن شراءها لسيده
______________________________________________________
(1) أي تعدي الحكم كما عن صاحب الجواهر ضرورة عدم مدخلية الأخوة في الحكم وإنما المناط هو عدم جواز الجمع بين المرأة التي ادعى زوجيتها وبين المرأة التي تدعى زوجيته ، وهذا شامل للأم والبنت.
وعن المحقق الثاني الجزم بالعدم لأن الحكم المذكور في النص على خلاف القواعد فيقتصر فيه على مورده.
(2) الدليل على عدم التعدي.
(3) أي كون الحكم المذكور في الأختين.
(4) أي في الحكم المنصوص على الأختين.
(5) دليل التعدي ، وهو أن المناط في الأختين حرمة الجمع وهو موجود في الأم والبنت.
(6) وهو عدم التعدي أقوى وعليه لا بدّ من إجراء القواعد في هذه المسألة ، فلو ادعت الأم عليه الزوجية فأنكر ، وادعى الزوجية على البنت ، فلو انفردت الأم بالبينة فتقدم بينتها لأنها مدعية ، ولو قدّم كل واحد منهما بينة فتقدم بينتها عند إطلاقهما لأنها مدعية ، والبينة على المدعي ، وكذا تقدم بينتها عند سبق تاريخها لبطلان البينة المقابلة حينئذ.
ومع عدم البينة من جانب الأم فالرجل منكر ومطالب باليمين فإن حلف سقطت دعوى الأم وتبقى دعوى الرجل على البنت فإن قدم بينة فهو وإلا فتحلف البنت وتسقط دعواه.
(7) إذا تزوج العبد بمملوكة لغير سيده ، ثم اشتراها العبد بإذن مولاه ، فإن اشتراها للمولى فالعقد باق على حاله ، بلا خلاف فيه ولا إشكال ، ويظهر منهم أنه من المسلمات ، إذ ليس ما يحتمل لإبطال العقد إلا الانتقال من مالك إلى آخر ، وهو ليس بمبطل بالاتفاق.
وإن اشتراها العبد لنفسه أو ملّكه إياها مولاه بعد ابتياعها ، فإن قلنا إن العبد لا يملك فالعقد باق على حاله لعدم حصول ما يقتضي رفعه ، بعد عدم تحقق ملكيته لزوجته المملوكة ، وإن قلنا إن العبد يملك مطلقا أو في نحو هذا الفرض بطل العقد وحلّت له بالملك ، بلا خلاف ظاهر ، وعليه الإجماع كما في الجواهر في مبحث بيع الحيوان من بطلان النكاح إذا اشترى أحد الزوجين صاحبه ، ويؤيده النصوص الدالة على بطلان نكاح الأمة -
ص: 194
ليس مانعا منه(وإن اشتراها) العبد(لنفسه بإذنه ، أو ملّكه إياها) بعد شرائها له(فإن قلنا بعدم ملكه فكالأول) ، لبطلان الشراء والتمليك ، فبقيت كما كانت أولا على ملك البائع ، أو السيد(وإن حكمنا بملكه بطل العقد) كما لو اشترى الحر زوجته الأمة واستباح بضعها بالملك.
(أما المبعّض (1) فإنه) بشرائه لنفسه ، أو بتملكه (2) (يبطل العقد قطعا) (3) لأنه بجزئه الحر قابل للتملك ومتى ملك ولو بعضها (4) بطل العقد.
(الخامسة : لا يزوج الولي (5) ،.)
______________________________________________________
من العبد إذا ملكت زوجها كخبر سعيد بن يسار (سألت أبا عبد الله عليه السلام عن امرأة حرة تكون تحت المملوك فتشتريه هل يبطل نكاحه؟ قال : نعم لأنه عبد مملوك لا يقدر على شي ء) (1) مع ضميمة عدم القول بالعضل ، ويستدل للحكم هنا بقوله تعالى : ( إِلّٰا عَلىٰ أَزْوٰاجِهِمْ أَوْ مٰا مَلَكَتْ أَيْمٰانُهُمْ ) (2) بناء على ظهوره في منع الجمع بينهما لأن التفصيل قاطع للشركة ، فالحلية إما بالعقد وإما بالملك ، وكل واحد منهما سبب تام في الإباحة ، وفي حال الاجتماع إما أن يرتفع تأثيرهما وهو معلوم الفساد وإما أن يجتمعا في التأثير وهو على خلاف ظاهر الآية فيتعين أن يكون المؤثر واحدا وما هو إلا الطارئ لأنه إذا ثبت الثاني لا بدّ أن يرتفع الأول لاستحالة الجمع بينهما ، وبه ثبت بطلان العقد وأن التحليل بالملك.
(1) وهو من تحرر بعضه فلو اشترى زوجته الأمة من سيدها بطل النكاح بينهما سواء اشتراها بمال منفرد به ، أو مشتركا بينه وبين مولاه ، لأنه صار مالكا لها - على تقدير كون المال له - أو مالكا لبعضها - على تقدير كون المال مشتركا - وعلى كل فيبطل عقد النكاح وتحل له بالملك.
(2) من المولى.
(3) سواء قلنا بجواز تملكه أم لا.
(4) فيما لو اشتراها بمال مشترك بينه وبين غيره.
(5) إذا زوج الولي الصغيرة لمصلحة بمهر المثل فأزيد من الكفو الحر السالم من العيب لم يكن لها اعتراض بعد الكمال في العقد ، ولا في المهر بلا خلاف فيه ولا إشكال ، للأخبار.
منها : خبر عبد الله بن الصلت (سألت أبا عبد الله عليه السلام عن الجارية الصغيرة يزوجها -
ص: 195
.................................................................................................
______________________________________________________
- أبوها ، ألها أمر إذا بلغت؟ قال عليه السلام : لا) (1) ، وخبر ابن بزيع (سألت أبا الحسن عليه السلام عن الصبية يزوجها أبوها ثم يموت ثم تكبر قبل أن يدخل بها زوجها ، أيجوز عليها التزويج أم الأمر إليها؟ قال عليه السلام : يجوز عليها تزويج أبيها) (2).
ولو زوجها الولي بغير مهر المثل للمصلحة ، فليس لها أمر بعد البلوغ لعموم دليل الولاية وإطلاق النصوص المتقدمة ، وفي جامع المقاصد أنه المعتمد في الفتوى ، ولو زوجها الولي بأدون من مهر المثل لا للمصلحة ولم تكن هناك مفسدة فقد وقع بينهم الخلاف في ذلك على أقوال :
الأول : بطلان العقد ، لأنه قد جرى على خلاف المصلحة فيبطل للزوم رعايتها ، وفيه : إنه لا يجب مراعاة المصلحة في عقد الأب والجد ، وإنما يكفي عدم المفسدة ، نعم تجب مراعاة المصلحة في عقد غيرهما من الأولياء.
الثاني : صحة العقد مع ثبوت خيار الفسخ لها بعد الكمال ، لأن المهر الذي جرى عليه العقد فاسد ، لعدم رضاها به فلها فسخ العقد ، وفيه : إن فساد المهر لا يوجب فسخ العقد بل يوجب الانتقال إلى مهر المثل ، على أن إطلاق النصوص المتقدمة يقتضي نفوذ العقد عليها وإن كان المهر دون المثل.
الثالث : صحة العقد وبطلان المهر ، وقد نقله في المبسوط قولا ، ويعرف وجهه مما تقدم في القول الثاني ، ويعرف ضعفه أيضا.
الرابع : صحة العقد والمهر ، مع ثبوت الخيار لها بعد الكمال في المهر لا في العقد ، وهو المنسوب إلى المحقق في الشرائع والعلامة في القواعد ، لأن المهر عوض لها عن بضعها ، فالنقص فيه ضرر منفي في الشرع ، فيجب جبره بثبوت الخيار لها بحيث لا تفسخ المسمى وترجع إلى مهر المثل ، وفيه : إن الأب والجد لهما حق العفو عن المهر لقوله تعالى : ( أَوْ يَعْفُوَا الَّذِي بِيَدِهِ عُقْدَةُ النِّكٰاحِ ) (3) ، وإذا ساغ لهما العفو فالنقصان ابتداء أولى.
الخامس : صحة العقد والمهر ولزومها ، لإطلاق دليل الولاية وإطلاق النصوص المتقدمة وقد نقل عن الشيخ وهو الأقوى ، ومثل هذا النزاع يجري فيما لو زوج الولي الصغير بأزيد من مهر المثل وعلى كل فقد أطنب في هذه المسألة خصوصا الشارح في المسالك ، وقال في الجواهر : (بل يظهر لك ما في جامع المقاصد والمسالك وغيرهما من التشويش -
ص: 196
(ولا الوكيل (1) بدون مهر المثل ، ولا بالمجنون (2) ، ولا بالخصي) ، ولا بغيره ممن به أحد العيوب المجوزة للفسخ ، (و) كذا(لا يزوج الولي الطفل (3) بذات العيب فيتخير) كل منهما (4) ، (بعد الكمال) لو زوج بمن لا يقتضيه الإذن الشرعي ، لكن في الأول (5) إن وقع العقد بدون مهر المثل على خلاف المصلحة (6) تخيّرت في المهر على أصح القولين (7) ، وفي تخيرها في أصل العقد قولان : أحدهما التخيير (8) ، لأن العقد الذي جرى عليه التراضي هو المشتمل على المسمى (9) ، فمتى لم يكن ماضيا (10) كان لها فسخه (11) من أصله.
______________________________________________________
- للمسألة ، خصوصا الثاني ، فإنه مع إطنابه في المسألة لم يأت بشي ء محرّر فيها ، لا في الموضوع ولا في الحكم) انتهى.
(1) كل ما جرى في الولي يجري في الوكيل الذي وكلته البالغة الرشيدة المالكة أمرها.
(2) إذا زوجها الولي بالمجنون أو الخصي أو غيرهما ممن فيه أحد العيوب الموجبة للفسخ ، صح العقد للأصل وقيام الولي مقام المولّى عليه الذي يجوز له فعل ذلك لو كان كاملا ، إذ العيوب المذكورة لا تنافي الكفاءة ، نعم لو كان غير كفؤ فلا يجوز للولي تزويجها ولو وقع لكان لها الخيار دفعا للضرر وعلى كل فإذا صح العقد ممن فيه أحد العيوب الموجبة للفسخ كان لها الخيار بعد كمالها للضرر في الإلزام ، وهو منفي ، ولإطلاق ما دل على الفسخ بأحد العيوب الشامل لما نحن فيه بعد أن كان الصغر في المولى عليه بمنزلة الجهل لو كان مباشرا فيتخير حينئذ ، وعن الشيخ في الخلاف القول بصحة العقد من دون خيار ، وعن الشافعية قول بعدم صحة العقد وكذا الكلام لو زوج الولي الصغير بمن بها أحد العيوب الموجبة للفسخ.
(3) وكذا الوكيل بالنسبة إلى الكبير البالغ الكامل.
(4) أي كل من الزوج والزوجة.
(5) وهو تزويج الولي الصبية بأدون من مهر المثل.
(6) أي بدون مصلحة في ذلك ، وليس المراد منه وجود مفسدة وإلّا لبطل العقد.
(7) والقول الآخر أنها لا تتخير في المهر وأنه صحيح ولازم كما هو مقتضى القول الخامس ، وأما القول الأول فهو القول الرابع المتقدم.
(8) كما هو مقتضى القول الثاني المتقدم.
(9) وهو دون مهر المثل.
(10) أي فاسدا بمعنى لا تلزم بالقبول به للضرر عليها.
(11) أي فسخ العقد من أهله ، ولا يقتصر على فسخ المهر.
ص: 197
والثاني عدمه (1) ، لعدم مدخلية المهر في صحة العقد وفساده.
وقيل : ليس لها الخيار مطلقا (2) ، لأن ما دون مهر المثل أولى من العفو (3) ، وهو (4) جائز للذي بيده عقدة النكاح. وإذا لم يكن لها خيار في المهر ففي العقد أولى.
وعلى القول بتخيرها في المهر يثبت لها مهر المثل (5) ، وفي توقف ثبوته (6) على الدخول ، أم يثبت بمجرد العقد قولان (7).
وفي تخير الزوج لو فسخت المسمى وجهان : من التزامه (8) بحكم العقد وهذا (9) من جملة أحكامه. ومن دخوله (10) على المهر القليل فلا يلزم منه الرضا بالزائد جبرا.
ولو كان العقد عليها بدون مهر المثل على وجه المصلحة بأن كان هذا الزوج بهذا القدر أصلح وأكمل من غيره بأضعافه (11) ، أو لاضطرارها إلى الزوج ولم يوجد إلا هذا بهذا القدر ، أو غير ذلك (12) ففي تخيرها قولان (13) ، والمتجه
______________________________________________________
(1) عدم التخيير في العقد كما هو مقتضى القول الرابع والخامس.
(2) لا في العقد ولا في المهر ، وهو القول الخامس بتمامه.
(3) أي العفو على المهر.
(4) أي العفو.
(5) إن فسخت في المهر المسمى.
(6) أي ثبوت مهر المثل.
(7) لم أعثر على هذا الخلاف في كتب القوم.
(8) دليل عدم جواز الخيار للزوج لو فسخت المسمى ، وحاصل المعنى أنه قد التزم الزوج بهذا العقد الواقع على دون مهر المثل ، ولا بد أن يلتزم بآثاره ومن جملة آثاره الخيار لها في المسمى.
(9) أي فسخها للمسمى.
(10) دليل جواز الخيار.
(11) أي أضعاف مهر المثل.
(12) من المصالح لدفع الضرر أو جلب النفع.
(13) وقد عرفت أن عدم الخيار هو المعتمد في الفتوى كما عن جامع المقاصد ، وقد تقدم نقله.
ص: 198
هنا (1) عدم الخيار ، كما أن المتجه هناك (2) ثبوته (3).
وأما تزويجها بغير الكفو ، أو المعيب فلا شبهة في ثبوت خيارها في أصل العقد (4) ، وكذا القول (5) في جانب الطفل (6) ، ولو اشتمل على الأمرين (7) ثبت التخيير فيهما (8). وعبارة الكتاب في اثبات أصل التخيير فيهما (9) مجملة تجري على جميع الأقوال (10).
(السادسة : عقد النكاح لو وقع فضولا) من أحد الجانبين ، أو منهما(يقف على الإجازة من المعقود عليه) إن كان كاملا ، (أو وليه) الذي له مباشرة العقد إن لم يكن (11) ، (ولا يبطل) من أصله(على الأقرب) (12).
______________________________________________________
(1) فيما لو زوجها بدون مهر المثل على وجه المصلحة.
(2) فيما لو زوجها بدون مهر المثل من غير مصلحة في ذلك.
(3) أي ثبوت الخيار.
(4) قد تقدم الكلام فيه.
(5) في جميع التفاصيل المتقدمة.
(6) فيما لو زوجه بأزيد من مهر المثل أو بالمعيبة أو بغير الكفؤ له.
(7) من عدم الكفاءة ووجود العيب.
(8) أي له خياران حينئذ من جهتين ، وفائدته أنه لو أسقط أحدهما فيبقى الآخر حينئذ.
(9) في المهر والعقد.
(10) لأن قول الماتن (فيتخير بعد الكمال) مجمل ، وكل الأقوال المتقدمة قد ثبت فيها التخيير إلا القول المنسوب للشيخ بلزوم العقد والمهر ، وعليه فيمكن حمل كلام الماتن على هذه الأقوال كلها.
(11) أي المعقود عليه كاملا.
(12) اختلف الأصحاب في عقد النكاح إذا وقع فضولا هل يكون صحيحا ، بمعنى وقوفه على الإجازة أم باطلا من أصله فلا تصححه الإجازة ، ذهب الأكثر ومنهم الشيخ في أحد قوليه وهو قوله في النهاية والتهذيب والاستبصار إلى الأول ، وذهب الشيخ في الخلاف والمبسوط ووافقه فخر المحققين إلى الثاني.
هذا واستدل للأول بأنه عقد صدر من أهله فوقع في محله فلا بدّ أن يكون صحيحا ، ونعني بأهله الكامل ، وبمحلّه العين القابلة للعقد ، ولا مانع من نفوذه إلا تعلقه بحق -
ص: 199
.................................................................................................
______________________________________________________
- الغير فإذا أجازه تمّ ودخل في عموم قوله تعالى : ( أَوْفُوا بِالْعُقُودِ ) (1) ، وللأخبار فمنها ما قد ورد في الحر كصحيح محمد بن مسلم عن أبي جعفر عليه السلام (عن رجل زوجته أمه وهو غائب ، قال : النكاح جائز ، إن شاء المتزوج قبل وإن شاء ترك) (2) وصحيح الحذاء عن أبي جعفر عليه السلام (سأله عن غلام وجارية زوّجهما وليّان لهما وهما غير مدركين ، فقال : النكاح جائز ، وأيهما أدرك كان له الخيار) (3) بناء على إرادة الولي العرفي كالحاكم والوصي والأخ والعم من الولي الوارد في الخبر ، لا الشرعي كالأب والجد وإلا لم يكن لهما الخيار لعموم أدلة ولاية الشرعي ، ولإطلاق النصوص (4) التي تقدم بعضها من أن الصبية إذا زوجها أبوها ليس لها معه أمر بعد البلوغ ، ومنها ما قد ورد في العبد كصحيح زرارة عن أبي جعفر عليه السلام (سألته عن مملوك تزوج بغير إذن سيده ، فقال : ذاك إلى سيده ، إن شاء أجازه وإن شاء فرّق بينهما ، قلت : أصلحك الله أن الحكم بن عيينة وإبراهيم النخعي وأصحابهما يقولون : إن أصل النكاح فاسد ولا تحلّ إجازة السيد له ، فقال أبو جعفر عليه السلام : إنه لم يعص الله ، وإنما عصى سيده ، فإذا أجازه فهو له جائز) (5).
واستدل للثاني بجملة من النصوص المتضمنة لفساد النكاح بغير إذن الولي أو المولى كخبر أبي العباس البقباق (قلت لأبي عبد الله عليه السلام : يتزوج الرجل بالأمة بغير علم أهلها ، قال : هو زنا ، إن الله تعالى يقول : ( فَانْكِحُوهُنَّ بِإِذْنِ أَهْلِهِنَّ ) ) (6) ومثله غيره.
ولكن هي ظاهرة في السؤال عن صحة العقد بدون الاذن ولا الإجازة فلا تشمل مقامنا ، وهو وقوع الإجازة ، ولو سلم عمومها فيتعين حملها على ذلك جمعا بين الأخبار.
واستدل الشيخ على البطلان أيضا بأن العقود الشرعية تحتاج إلى أدلة وهي منتفية في محل النزاع ، وفيه : إنه مصادرة بعد ما عرفت صحة العقد الفضولي مع الإجازة من الأخبار المتقدمة.
واستدل فخر المحققين بأن العقد سبب للإباحة فلا يصح صدوره من غير معقود عليه أو -
ص: 200
لما روي (1) من أن جارية بكرا أتت النبي صلى الله عليه وآله وسلم فذكرت أن أباها زوجها وهي كارهة فخيرها النبي صلى الله عليه وآله وسلم ، وروى محمد بن مسلم أنه سأل الباقر عليه السلام عن رجل زوّجته أمه وهو غائب قال : «النكاح جائز ، إن شاء الزوج قبل ، وإن شاء ترك». وحمل القبول على تجديد العقد خلاف الظاهر : وروى أبو عبيدة الحذاء في الصحيح أنه سأل الباقر عليه السلام عن غلام وجارية زوّجهما وليان لهما وهما غير مدركين. فقال : «النكاح جائز ، وأيهما أدرك كان له الخيار» وحمل الولي هنا على غير الأب والجد بقرينة التخيير (2) ، وغيرها (3) من الأخبار ، وهي دالة على صحة النكاح موقوفا (4) ، وإن لم نقل به (5) في غيره من العقود (6) ، ويدل على جواز البيع أيضا حديث عروة البارقي في شراء الشاة ، ولا قائل باختصاص الحكم بهما (7) ،
______________________________________________________
- وليه ، واستدلّ بأن رضا المعقود عليه أو وليه شرط ، والشرط متقدم ، مع أن الرضا في الفضولي متأخر لأنه إجازة لا اذن ، وفيه : أما الأول فمصادرة بعد ما عرفت من النصوص الدالة على جواز عقد الفضولي المتعقب بالإجازة وأنه سبب للإباحة ، وأما الثاني فالرضا من المعقود عليه شرط للزوم ، واللزوم متأخر عن الرضا فهو شرط متقدم ، وليس الرضا شرطا للعقد كما توهم.
(1) وهو من مرويات العامة راجع نيل الأوطار ج 6 ص 130 حديث : 8.
(2) لأن الأب والجد لو زوجا الصغير أو الصغيرة فالزواج لازم عليهما بعد الكمال.
(3) عطف على ما تقدم من الأخبار الدالة على صحة عقد الفضولي ، ومن الممكن أن يكون عطفا على قرينة التخيير ، وهي النصوص الدالة على أنه ليس مع الأب أمر لو زوج الصغيرة وقد تقدم ذكرها.
(4) أي موقوفا على الإجازة.
(5) أي بصحة عقد الفضولي.
(6) وقد تقدم في كتاب البيع قوة جريان العقد الفضولي في جميع العقود ، ومما يدل على جريانه في البيع خبر عروة البارقي المذكور في الروضة هنا وهو عن النبي صلى الله عليه وآله وسلم (أنه أمر عروة البارقي بشراء شاة بدينار ، فاشترى به شاتين ثم باع أحدهما بدينار فأتى به وبالشاة ، فقال له النبي صلى الله عليه وآله وسلم : بارك الله لك في صفقة يمينك) (1).
(7) بالزواج والبيع.
ص: 201
فإذا ثبت فيهما ثبت في سائر العقود.
نعم قيل : باختصاصه (1) بالنكاح (2). وله وجه لو نوقش في حديث عروة.
وقيل : ببطلان عقد الفضولي مطلقا (3) استنادا إلى أن العقد سبب للإباحة فلا يصح صدوره من غير معقود عنه ، أو وليه ، لئلا يلزم في صحته (4) عدم سببيته بنفسه ، وأن رضا المعقود عنه ، أو وليه شرط. والشرط متقدم ، وما روي من بطلان النكاح بدون أذن الولي (5) ، وأن ، العقود الشرعية تحتاج إلى الأدلة ، وهي منفية ، والأول (6) عين المتنازع فيه. والثاني (7) ممنوع (8). والرواية عامية (9). والدليل موجود (10).
(السابعة : لا يجوز نكاح الأمة إلا بإذن مالكها (11) وإن كان) المالك(امرأة)
______________________________________________________
(1) أي اختصاص العقد الفضولي.
(2) وقد تقدم في البيع فراجع.
(3) في النكاح وغيره سواء أجاز المالك أو المعقود عليه أم لا.
(4) أي صحة العقد الفضولي ، لأنه على تقدير الصحة فهو محتاج إلى الإجازة كما مرّ ، وعليه فلا يكون العقد بنفسه سببا مستقلا.
(5) قال الشارح في المسالك : (واحتج الشيخ على البطلان بما روي عن عائشة أن النبي صلى الله عليه وآله وسلم قال : أيّما امرأة نكحت نفسها بغير إذن وليها فنكاحها باطل ، وبرواية أبي موسى الأشعري أن النبي صلى الله عليه وآله وسلم قال : لا نكاح إلا بولي ، ورواية ابن عمران أن النبي صلى الله عليه وآله وسلم قال : أيّما عبد نكح بغير إذن مواليه فنكاحه باطل ، ثم ذكر الشارح أيضا رواية الفضل البقباق المتقدمة إلى أن قال - والجواب عن حجة الشيخ أن رواياته كلها عامية وقد أتينا بخير منها ومثلها فتكون رواياتنا أرجح) انتهى.
(6) أن العقد سبب الإباحة.
(7) أن رضا المعقود عنه.
(8) لأن الرضا شرط للزوم لا للعقد ، وهو شرط متقدم.
(9) رد على الثالث.
(10) وهو الأخبار التي تقدم بعضها ، وهذا رد على دليلهم الرابع.
(11) لا يجوز نكاح الأمة إلا بإذن مالكها الذكر بلا خلاف فيه ، وكذا لو كان المالك أنثى ، بلا فرق في المرأة المالكة بين كونها مولّى عليها بالنسبة للنكاح كالبكر البالغ وعدمه ، إذ لا تلازم بين الأمرين ، بل إذنها في نكاح أمتها من التصرف المالي وهو غير ممنوعة منه ، -
ص: 202
(في الدائم والمتعة) ، لقبح التصرف في مال الغير بغير إذنه ، ولقوله تعالى : ( فَانْكِحُوهُنَّ بِإِذْنِ أَهْلِهِنَّ ) (1) (ورواية سيف) بن عميرة عن علي بن المغيرة قال : سألت أبا عبد الله عليه السلام عن الرجل يتمتع بأمة المرأة من غير إذنها فقال : لا بأس(منافية للأصل) وهو (2) تحريم التصرف في مال الغير بغير إذنه عقلا وشرعا ، فلا يعمل بها وإن كانت صحيحة ، فلذلك أطرحها الأصحاب غير الشيخ في النهاية جريا على قاعدته (3) ، وإذا أذن المولى لعبده في التزويج (4) فإن عين له مهرا تعين
______________________________________________________
- بخلاف تزويجها نفسها فقد ثبت إذن أوليائها.
وأكثر العامة على إلغاء عبارة المرأة في النكاح مطلقا حتى في نكاح أمتها فيتولى نكاح الأمة أولياء المرأة على قول أو الحاكم على قول آخر لهم.
ثم على القول باشتراط إذن المالك. في نكاح الأمة ، ولو كان المالك أنثى ، فلا فرق بين الدائم والمنقطع ، وعن الشيخ في النهاية والتهذيب أنه يجوز للأمة أن تتزوج متعة إذا كان مالكها امرأة بغير إذنها ، لخبر سيف بن عميرة عن أبي عبد الله عليه السلام (لا بأس بأن يتمتع بأمة المرأة بغير إذنها ، فأما أمة الرجل فلا يتمتع بها إلا بأمره) (1) ، وهذا الخبر قد روي عن الصادق عليه السلام بلا واسطة كما سمعت ، وأخرى قد روي عن سيف بن عميرة عن علي بن المغيرة عن الصادق عليه السلام (2)وثالثة عن سيف عن داود بن فرقد عن الصادق عليه السلام (3) ، وهو اضطراب في السند على ما في المسالك بالإضافة إلى مخالفته لأصول المذهب وقواعده ، لأنه مخالف لقاعدة قبح التصرف في مال الغير بغير إذنه ، ومخالف لقوله تعالى : ( فَانْكِحُوهُنَّ بِإِذْنِ أَهْلِهِنَّ ) (4) ، ومخالف للنصوص.
منها : صحيح البزنطي عن أبي الحسن الرضا عليه السلام (سألته يتمتع بالأمة بإذن أهلها؟ قال : نعم إن الله عزوجل يقول : ( فَانْكِحُوهُنَّ بِإِذْنِ أَهْلِهِنَّ ) ) (5) ، ولذا لا بد من طرحه والأعراض عنه وهذا ما عليه المشهور.
(1) النساء آية : 25.
(2) أي الأصل.
(3) وهي العمل بالخبر الصحيح وإن لم يعمل به الأصحاب وكان مخالفا للأصول.
(4) إذا أذن المولى لعبده في التزويج فإما أن يعين المهر أم لا ، وعلى التقديرين فإما أن يعين -
ص: 203
وليس له تخطيه ، وإن أطلق انصرف إلى مهر المثل.
(ولو زاد العبد المأذون) في المعين في الأول (1) ، (وعلى مهر المثل) في
______________________________________________________
- الزوجة أم لا ، فالأقسام أربعة.
الأول : أن يعيّن المرأة والمهر فيتعينان ، ولا يجوز التخطي إلى امرأة أخرى ، فإن تخطي العبد كان العقد موقوفا على إجازة المولى بناء على صحة عقد الفضولي ، وعلى الآخر يبطل ، ولا فرق بين التجاوز إلى أشرف منها وأخسّ ومساو.
الثاني : أن يطلق له في المرأة والمهر ، فللعبد أن يتزوج بمن شاء بمهر المثل أو دونه ، من حرة أو أمة ، ومن بلده وخارجه ، وسواء كان المتزوج بها شريفة أو وضيعة ، كل ذلك تمسكا بالإطلاق ، هذا وقد حمل الإطلاق في المهر على مهر المثل كما حمل الإطلاق في البيع والشراء على ثمن المثل.
الثالث : أن يعيّن المرأة ويطلق المهر ، فلا يجوز للعبد التخطي إلى غير المعيّن من المرأة وإلا كان العقد فضوليا ، والإطلاق في المهر منصرف إلى مهر المثل أو الأقل دون الزائد.
الرابع : إن يعيّن المهر ويطلق في المرأة ، فيتخير العبد في تزويج من شاء من النساء بالمهر المعين ، وإن تخطاه إلى الزائد صح العقد ولا يكون فضوليا ، بخلاف الاذن بالبيع بثمن معين فلو تخطاه كان البيع فضوليا ، والفرق أن النكاح لا يتوقف على المهر ولا تلازم بينهما فالاذن في النكاح متحقق على كل حال فلا وجه لإبطاله بخلاف البيع فإن الثمن شرط في صحته.
إذا تقرر ذلك ، فلو زاد العبد في المهر المعيّن أو في مهر المثل عند الإطلاق كان الزائد في ذمته يتبع به بعد عتقه ، كما هو مقتضى القواعد لعدم إذن من المولى في الزائد حتى يرجع فيه إلى نفس المولى ، وأما نفس المهر المعين أو مهر المثل عند الإطلاق فهل هو في ذمة المولى كما عليه المشهور لأن الاذن في النكاح مستلزم للاذن في لوازمه وتوابعه ، أو أنه في كسب العبد كما عن الشيخ وابني سعيد والبراج ، لأن المهر في قبال عوض ، والمستوفي له العبد وليس المولى ، والأظهر الأول لعدم ذمة للعبد صالحة للاشتغال ، مع ضميمة أن الكسب من جملة أموال المولى فإذنه في النكاح الموجب لالتزامه بالمهر لا يقتضي أن يتقيد المهر بنوع خاص من ماله كما لو أذن المولى للعبد في الاستدانة ، فالدين يكون في ذمة المولى وليس في خصوص نوع من أمواله وهو كسب العبد ، وكذا وقع نفس النزاع في نفقة الزوجة التي أذن المولى لعبده في التزويج منها.
(1) عند تعيين المولى للمهر.
ص: 204
الثاني (1) (صح) (2) ، للإذن في أصل النكاح ، وهو (3) يقتضي مهر المثل على المولى ، أو ما عينه(وكان الزائد في ذمته يتبع به بعد عتقه ، ومهر المثل) ، أو المعين(على المولى) ، وكذا النفقة ، وقبل : يجب ذلك (4) في كسبه.
والأقوى الأول ، لأن الإذن في النكاح يقتضي الإذن في توابعه ، والمهر والنفقة من جملتها ، والعبد لا يملك شيئا فلا يجب عليه شي ء ، لامتناع التكليف بما لا يطاق فيكون على المولى كسائر ديونه (5).
وأما الزوجة فإن أطلقها تخير (6) ما يليق به ، وإن عين تعينت ، فلو تخطاها كان فضوليا يقف على إجازة المولى ، (ومن تحرر بعضه (7) ليس للمولى إجباره على النكاح) مراعاة لجانب الحرية ، (ولا للمبعض الاستقلال) مراعاة لجانب الرقية ، بل يتوقف نكاحه على رضاه ، وإذن المولى جمعا بين الحقين.
(الثامنة : لو زوّج الفضولي الصغيرين (8) فبلغ أحدهما وأجاز العقد لزم) من
______________________________________________________
(1) عند إطلاق المولى للمهر.
(2) أي صح عقد النكاح ، ولا يكون فضوليا وإن تخطى العبد في المهر المأذون فيه ، لأن النكاح لا يتوقف على المهر ، فالاذن في النكاح متحقق على كل حال.
(3) أي الاذن في النكاح من المولى.
(4) من مهر المثل أو المعين وكذا النفقة.
(5) التي استدانها ولو بواسطة العبد ولا تتقيد بنوع خاص من أمواله.
(6) أي العبد.
(7) من تحرر بعضه فليس للمولى إجباره على النكاح ، لأنه صار شريكا للمولى في الحق المتعلق برقبته ، فليس لأحدهما التصرف إلا بإذن الآخر ، ومن جملة التصرفات النكاح ، فليس للمولى إجباره عليه مراعاة لجانب الحرية ، لأن الحر لا يجبر على النكاح ، وليس للعبد الاستقلال بالنكاح مراعاة لجانب الرقية ، بل يعتبر في النكاح حينئذ صدوره عن إذنهما معا ، ويكون المهر والنفقة حينئذ بالنسبة ، وأما الزيادة هنا عن المهر المعين أو مهر المثل فتتعلق بجزئه الحر.
(8) قد تقدم لو زوج الأبوان الصغيرين ، فالزواج لازم عليهما بعد البلوغ والرشد ، بلا خلاف في الصبية وعلى المشهور في الصبي ، وعن الشيخ وبني البراج وحمزة وادريس أن للصبي خيار الفسخ والإمضاء بعد البلوغ لخبر يزيد الكناسي عن أبي جعفر عليه السلام (إن -
ص: 205
.................................................................................................
______________________________________________________
- الغلام إذا زوجه أبوه ولم يدرك كان بالخيار إذا أدرك) (1).
وهو مخالف للنصوص الكثيرة المتضمنة على عدم الخيار كصحيح الحلبي (قلت لأبي عبد الله عليه السلام : الغلام له عشر سنين فيزوجه أبوه في صغره أيجوز طلاقه وهو ابن عشر سنين؟ فقال عليه السلام : أما التزويج فصحيح ، وأما طلاقه فينبغي أن تحبس عليه امرأته حتى يدرك) (2).
وإذا كان العقد لازما عليهما فلا يجوز لهما بعد البلوغ رده أو فسخه ، وعلى هذا فإذا مات أحدهما قبل البلوغ أو بعده ورثه الآخر.
وأما لو زوجهما الفضوليان ، فإن قلنا بأن العقد الفضولي باطل فلا كلام ، وعلى القول الآخر فصحيح إلا أنه موقوف على الإجازة ، فلو أجازاه بعد البلوغ ثم مات أحدهما ثبت التوارث بينهما ، وكذا لو أجاز العقد وليّهما قبل البلوغ فتثبت الزوجية بينهما فلو مات أحدهما قبل البلوغ فيثبت التوارث بينهما ، وكذا لو ماتا أو أحدهما بالنسبة للصغيرين قبل البلوغ مع عدم وجود وليّهما فيبطل العقد لتعذر الإجازة ولا ميراث.
وأما لو بلغ أحدهما مع كون الآخر حيا ، فأجاز البالغ العقد لزم العقد من جهته ، والمراد باللزوم عدم جواز فسخه له ، ويبقى العقد من جهة الآخر موقوفا على إجازته فإن بلغ وأجاز لزم العقد من كلا الطرفين فلو مات أحدهما حينئذ فيثبت التوارث بينهما.
أما لو بلغ أحد الطرفين وأجاز العقد ، ثم فرض موت المجيز قبل أن يبلغ الآخر أو بعد بلوغه وقبل إجازته ، ثم أجاز بعد موت الطرف الأول أحلف أنه لم يجز طمعا في الميراث ، بل لو كان الآخر حيا لرضي بتزويجه ، وحينئذ يرث حصته منه ، وأكثر هذه الأحكام - على ما في المسالك - موافقة للأصول الشرعية ، ولا تتوقف على نص خاص ، وإنما يقع الالتباس في إرث المجيز الثاني مع يمينه مع ظهور التهمة في الإجازة ، إلا أنه لا مخالف في هذه الأحكام لصحيح أبي عبيدة الحذاء (سألت أبا جعفر عليه السلام عن غلام وجارية زوّجهما وليان لهما وهما غير مدركين ، فقال عليه السلام : النكاح جائز ، أيهما أدرك كان له الخيار ، فإن ماتا قبل أن يدركا فلا ميراث بينهما ولا مهر ، إلا أن يكونا قد أدركا ورضيا.
قلت : فإن أدرك أحدهما قبل الآخر؟ قال عليه السلام : يجوز ذلك عليه إن هو رضي ، قلت : -
ص: 206
جهته ، وبقي لزومه من جهة الآخر موقوفا على بلوغه واجازته(فلو أجاز) الأول(ثم مات) قبل بلوغ الآخر(عزل للصغير قسطه من ميراثه) على تقدير إجازته ، (وإذا بلغ الآخر) بعد ذلك وفسخ فلا مهر ولا ميراث ، لبطلان العقد بالرد ، (و) إن(أجاز حلف على عدم سببية الإرث في الإجازة) بمعنى أن الباعث على الإجازة ليس هو الإرث ، بل لو كان حيا لرضي بتزويجه ، (وورث) حين يحلف كذلك.
ومستند هذا التفصيل صحيحة أبي عبيدة الحذاء عن الباقر عليه السلام وموردها الصغيران كما ذكر (1).
ولو زوج أحد الصغيرين الوليّ ، أو كان أحدهما (2) بالغا رشيدا وزوج الآخر الفضوليّ فمات الأول (3) عزل للثاني نصيبه (4) ،.
______________________________________________________
- فإن كان الرجل الذي أدرك قبل الجارية ورضي النكاح ، ثم مات قبل أن تدرك الجارية ، أترثه؟ قال عليه السلام : يعزل ميراثها منه حتى تدرك وتحلف بالله ما دعاها إلى أخذ الميراث إلا رضاها بالتزويج ثم يدفع إليها الميراث ونصف المهر) (1) ، وقد تقدم أن المراد من الولي هنا هو غير الأب والجد بقرينة التخيير.
(1) بأن زوجهما الفضولي.
(2) أي أحد المتعاقدين.
(3) وهو من لزم العقد من جانبه.
(4) وقد وقع الخلاف بينهم في أن الحكم المتقدم بمورد النص وهو تزويج الصغيرين هل يختص به أم يتعدّى به إلى غيره ، فالمشهور على عدم التعدي ، وعن جماعة منهم النراقي وسيد العروة إلى التعدي في جميع الصور ، وعن العلامة في القواعد والشارح هنا وفي المسالك إلى التعدي في خصوص صورة واحدة ، وهي ما لو كان أحد الطرفين صغيرا وقد عقد له وليه ، أو كان بالغا رشيدا وكان العقد عن الثاني فضوليا.
وجه عدم التعدي أن الحكم من إثبات الارث بالإجازة مع اليمين على خلاف القواعد ، لأن مقتضى القواعد كفاية الإجازة الموجبة لتأثير العقد الفضولي ، ومع تحقق التأثير يحكم بالزوجية ، ولازمها التوارث عند الموت مع عدم الحلف ، فإثبات اليمين مع الإجازة ، على خلاف الأصل فيقتصر فيه على مورده المنصوص هذا إن لم نشترط بقاء المتعاقدين على -
ص: 207
وأحلف بعد بلوغه كذلك (1) ، وإن مات (2) قبل ذلك بطل العقد. وهذا الحكم (3) وإن لم يكن مورد النص ، ألا أنه (4) ثابت فيه (5) بطريق أولى ، للزوم العقد هنا من الطرف الآخر ، فهو أقرب إلى الثبوت مما هو جائز من الطرفين.
نعم لو كانا كبيرين وزوجهما الفضولي ففي تعدي الحكم إليهما (6) نظر : من مساواته (7) للمنصوص في كونه فضوليا من الجانبين ، ولا مدخل للصغر والكبر في ذلك (8) ، ومن ثبوت الحكم (9) في الصغيرين على خلاف الأصل (10) من حيث توقف
______________________________________________________
- صفة القابلية إلى حين صدور الإجازة من كلا الطرفين ، وأما إذا اشترطنا ذلك فالأصل يكون قاضيا بالبطلان لموت أحد المتعاقدين بعد إجازته وقبل إجازة الآخر ، ووجه التعدي أن اليمين لرفع التهمة في كون الارث هو السبب في الإجازة وليس الرضا بالتزويج ، والتهمة موجودة في جميع الصور.
ووجه التعدي إلى صورة واحدة كما هو مقتضى القول الثالث ، أن اليمين قد ثبتت في مورد النص ، وهو ما لو كان العقد جائزا من الطرفين ، فلو كان العقد جائزا من أحد الطرفين كما في هذه الصورة فاليمين أولى ، لأن الحكم باليمين قد ثبت في الأضعف وهو الجائز من الطرفين فثبوته في الأقوى وهو الجائز من طرف واحد بطريق أولى كما استدل في المسالك والروضة هنا.
وفيه : إن الحكم باليمين في مورد النص لم يكن من جهة كون العقد جائزا من الطرفين ، بل من جهة دفع احتمال التهمة ، والاحتمال جار سواء كان العقد جائزا من الطرفين أو من طرف واحد.
(1) أي على عدم سببية الارث في الإجازة.
(2) أي الثاني بعد موت الأول وقبل إجازة الثاني.
(3) من عزل نصيب الثاني بعد موت الأول الذي كان العقد لازما من جانبه ، ويعزل النصيب حتى يبلغ الثاني ويجيز ويحلف.
(4) أي إن هذا الحكم من العزل والحلف.
(5) في هذا المورد الذي كان العقد لازما من أحد الجانبين.
(6) إلى الكبيرين.
(7) دليل التعدي.
(8) في الحكم بالحلف ، لأن الحلف لنفي احتمال التهمة ، وهي موجودة في الموردين.
(9) دليل عدم التعدي.
(10) إذا الأصل يقتضي البطلان عند اشتراط بقاء المتعاقدين على صفة القابلية إلى حين صدور -
ص: 208
الإرث على اليمين ، وظهور التهمة في الإجازة فيحكم فيما خرج عن المنصوص ببطلان العقد (1) متى مات أحد المعقود عليهما بعد إجازته ، وقبل إجازة الآخر.
ويمكن إثبات الأولوية في البالغين بوجه آخر وهو أن عقد الفضولي متى كان له مجيز (2) في الحال (3) فلا إشكال عند القائل بصحته في صحته (4) ، بخلاف ما إذا لم يكن له مجيز كذلك (5) فإن فيه (6) خلافا عند من يجوّز عقد الفضولي فإذا ثبت الحكم في العقد الضعيف (7) الذي لا مجيز له في الحال وهو عقد الصغيرين فتعديه إلى الأقوى (8) أولى.
ولو عرض للمجيز الثاني مانع عن اليمين كالجنون ، والسفر الضروري عزل نصيبه إلى أن يحلف (9) ، ولو نكل عن اليمين فالأقوى أنه لا يرث ، لأن ثبوته (10) بالنص والفتوى موقوف على الإجازة واليمين معا ، فينتفي بدون أحدهما.
______________________________________________________
- الإجازة من كليهما وهذا هو الظاهر من كلام الشارح هنا ، وعند عدم الاشتراط فالأصل يقتضي صحة الزوجية وتحقق الارث عند موت أحد الزوجين بمجرد صدور الإجازة من دون حاجة إلى اليمين.
(1) المبني على اشتراط بقاء المتعاقدين على صفة القابلية إلى حين صدور الإجازة من كليهما.
(2) جامع لشرائط الإجازة.
(3) حال وقوع العقد.
(4) أي صحة العقد الفضولي إذا أجيز حالا.
(5) أي في حال وقوع العقد ، ومقامنا من الثاني.
(6) في الثاني.
(7) وهو الثاني الذي لا مجيز له في الحال ، وضعفه لوقوع الخلاف في صحته عند القائل بصحة العقد الفضولي.
(8) وهو الأول الذي له مجيز في الحال ، وهو أقوى لعدم وقوع الخلاف في صحته عند القائل بصحة العقد الفضولي وفيه : أولا قد يكون العقد على الصغيرين من العقد القوي الذي له مجيز في الحال ، وذلك فيما لو وقع العقد الفضولي عليها وكان وليّهما حاضرا.
وثانيا : أن الحكم باليمين مع الإجازة لم يكن من جهة كون العقد الفضولي قد وقع فيه الخلاف حتى نعدّي الحكم بالأولوية إلى العقد الفضولي السالم عن الخلاف كما فعل الشارح.
(9) فيعزل نصيبه بشرط كون العذر مما يترقب زواله ، وإلا لو كان عكس ذلك فالأمر بالعزل حينئذ موجب للضرر على الوارث.
(10) وهو ثبوت الارث.
ص: 209
وهل يثبت عليه المهر (1) لو كان (2) هو الزوج بمجرد الإجازة من دون اليمين وجهان : من أنه (3) مترتب على ثبوت النكاح ولم يثبت بدونهما ، ومن أن (4) اجازته كالإقرار في حق نفسه بالنسبة إلى ما يتعلق به كالمهر ، وإنما يتوقف الإرث (5) على اليمين ، لقيام التهمة ، وعود النفع إليه محضا فيثبت (6) ما يعود عليه (7) ، دون ماله (8) ، ولا بعد في تبعض الحكم وإن تنافى الأصلان (9).
وله (10) نظائر كثيرة. وقد تقدم مثله ما لو اختلفا في حصول النكاح فإن مدعيه يحكم عليه بلوازم الزوجية (11) دون المنكر (12) ولا يثبت النكاح ظاهرا.
______________________________________________________
(1) مهر المسمى في العقد.
(2) أي المجيز الثاني.
(3) دليل عدم ثبوت المهر ، والمعنى أن المهر مترتب على النكاح ، والنكاح متوقف على الإجازة واليمين معا ، والمفروض عدم تحقق اليمين وهو موجب لعدم النكاح ، الموجب لعدم المهر.
(4) دليل الثبوت ، والمعنى أنه بإجازته معترف بثبوت المهر في ذمته ، وإقرار العقلاء على أنفسهم جائز.
(5) دفع دخل ، أما الدخل : فلو كان المهر ثابتا لثبت النكاح ، ولو ثبت النكاح لثبت ميراث الزوج من الزوجة المتوفاة حينئذ ، وأما الدفع فإن ثبوت المهر وإن أوجب ثبوت النكاح ، إلا أنه ثابت بحسب إقراره ، وإقراره نافذ عليه بما هو في حقه لا بما هو في حق غيره ، فلذا أخذنا بإقراره من ناحية المهر لأنه إقرار بما هو في حقه ، ولم نأخذ بإقراره من ناحية الميراث لأنه إقرار بما هو في حق الغير ، مع قيام التهمة في كون الإجازة مسبّبة عن الطمع في الميراث لا عن الرضا بالتزويج.
(6) أي يثبت بإقراره.
(7) وهو المهر في المقام.
(8) وهو الارث في المقام.
(9) الموجبان لهذين الحكمين ، لأن الذي أوجب المهر هو الزوجية ، والذي أوجب عدم الارث هو عدم الزوجية.
(10) أي التبعض في الحكم الظاهري.
(11) من حرمة الخامسة وحرمة أم الزوجة وبنتها ، مع المهر إذا كان المدعي هو الرجل ، ولو كان امرأة فيحرم عليها التزويج بغيره.
(12) وهنا وقع التبعض في الحكم الظاهري ، لأن الزوجية إن ثبتت حكم على المدعي والمنكر -
ص: 210
واطلاق النص بتوقف الإرث على حلفه لا ينافي ثبوت المهر عليه بدليل آخر (1) وهذا متجه.
واعلم أن التهمة بطمعه في الميراث لا تأتي في جميع الموارد ، إذ لو كان المتأخر هو الزوج والمهر بقدر الميراث أو أزيد (2) انتفت التهمة ، وينبغي هنا (3) عدم اليمين (4) إن لم يتعلق غرض بإثبات أعيان التركة (5) بحيث يترجح (6) على ما يثبت عليه من الدين (7) ، أو يخاف (8) امتناعه من أدائه ، أو هربه ، ونحو ذلك مما يوجب التهمة (9) ، ومع ذلك فالموجود في الرواية موت الزوج وإجازة الزوجة وأنها تحلف بالله : ما دعاها إلى أخذ الميراث إلا الرضا بالتزويج ، فهي غير منافية لما ذكرناه (10) ، ولكن فتوى الأصحاب مطلقة (11) في إثبات اليمين.
(التاسعة : لو زوجها الأبوان) الأب والجد(برجلين (12) واقترنا) في العقد
______________________________________________________
- معا بلوازم الزوجية ، وإن لم تثبت لا يحكم باللوازم على المدعي والمنكر معا ، فالحكم على أحدهما دون الآخر تبعض في الحكم ، مع أننا حكمنا بعدم ثبوت النكاح ظاهرا فكيف حكم بلوازم الزوجية على المدعي.
(1) وهو الإقرار النافذ عليه.
(2) أي كان المهر أزيد من الميراث.
(3) عند انتفاء التهمة في الميراث.
(4) لانتفاء التهمة ، ويحتمل اليمين لإطلاق النص مع عدم لزوم كون التهمة علة تامة في اعتبار اليمين ، بل من الممكن أن تكون التهمة حكمة باعثة على الحكم ولا يلزم اطرادها في جميع موارد إطلاق النص.
(5) أي تركة الزوجة.
(6) أي يزيد ماله من أعيان التركة على ما يثبت عليه من المهر.
(7) الذي هو المهر.
(8) أو بمعنى (إلا) ، والفعل منصوب بأن المقدرة ، والمعنى ينبغي عدم اليمين إلا أن يخاف امتناع الزوج من أداء المهر الذي هو أقل من الميراث.
(9) فلا بد من اليمين حينئذ.
(10) من عدم اليمين للزوج في الصورة السابقة عند انتفاء التهمة.
(11) غير مقيدة بوجود التهمة.
(12) لو زوجها الأب من شخص ، والجد من آخر فمن سبق عقده صح وبطل المتأخر ، لاستقلال كل منهما بالولاية ، ومع سبق أحدهما لم يبق محل للآخر ، وللنصوص. -
ص: 211
بأن اتحد زمان القبول(قدّم عقد الجد). لا نعلم فيه خلافا ، وتدل عليه من الأخبار رواية عبيد بن زرارة قال : قلت لأبي عبد الله عليه السلام : الجارية يريد أبوها أن يزوجها من رجل ، ويريد جدها أن يزوجها من رجل. فقال : «الجد أولى بذلك ما لم يكن مضارا إن لم يكن الأب زوجها قبله» ، وعلل مع ذلك (1) بأن ولاية الجد أقوى ، لثبوت ولايته على الأب على تقدير نقصه بجنون ونحوه ، بخلاف العكس.
وهذه العلة لو تمّت لزم تعدي الحكم إلى غير النكاح (2) ، ولا يقولون به (3) ، والأجود قصره (4) على محل الوفاق (5) ، لأنه (6) على خلاف الأصل حيث أنهما مشتركان في الولاية (7). ومثل هذه القوة (8) لا تصلح مرجحا (9).
______________________________________________________
- منها : صحيح هشام بن سالم ومحمد بن حكيم عن أبي عبد الله عليه السلام (إذا زوج الأب والجد كان التزويج للأول ، فإن كانا جميعا في حال واحدة فالجد أولى) (1) ، وموثق عبيد بن زرارة (قلت لأبي عبد الله عليه السلام : الجارية يريد أبوها أن يزوجها من رجل ، ويريد جدها أن يزوجها من رجل آخر ، فقال عليه السلام : الجد أولى بذلك ما لم يكن مضارا ، إن لم يكن الأب زوّجها قبله ، ويجوز عليها تزويج الأب والجد) (2).
ومن هذه النصوص تعرف أنه لو وقع عقدهما في زمن واحد قدم عقد الجد بلا خلاف في ذلك بيننا ، وخالفت العامة في ذلك فجعلوا الأب أولى من الجد ، لأن الجد عندهم لا ولاية له مع وجود الأب ، وهو مردود بما سمعت من الأخبار.
(1) مع النصوص.
(2) من البيع والشراء ونحوهما.
(3) بالتعدي.
(4) قصر الحكم بتقديم عقد الجد عند التقارن.
(5) وهو النكاح.
(6) أي تقديم عقد الجد عند التقارن.
(7) فتقديم عقد الجد حينئذ ترجيح بلا مرجح.
(8) أي القوة لولاية الجد ، لأن الجد له ولاية على الأب.
(9) لو لا النص المتقدم.
ص: 212
وفي تعدي الحكم (1) إلى الجد (2) مع جد الأب (3) ، وهكذا صاعدا وجه ، نظرا إلى العلة (4). والأقوى العدم ، لخروجه (5) عن موضع النص (6) ، واستوائهما (7) في اطلاق الجد حقيقة (8) ، والأب (9) كذلك (10) أو مجازا ، (وإن سبق عقد أحدهما صح عقده) (11) لما ذكر من الخبر وغيره ، ولأنهما مشتركان في
______________________________________________________
(1) من تقديم عقد الجد على عقد الأب عند التقارن ، هذا وقال في المسالك : (فهل يتعدى هذا الحكم إلى أب الجد وجد الجد وإن علا مع الأب ، أو مع من هو أدنى منه ، حتى يكون أبو الجد أولى من الجد ، وجد الجد أولى من أب الجد ، وجهان من زيادة البعد ووجود العلة.
ويقوى تقديم الجد وإن علا على الأب ، فيقدم عقده عليه مع الاقتران لشمول النص له ، فإن الجد وإن علا يشمله اسم الجد ، لأنه مقول على الأدنى والأعلى بالتواطؤ ، وأما إقامة الجد مع أبيه مقام الأب مع الجد فعدمه أقوى لفقد النص الموجب له مع اشتراكهما في الولاية ، فإن الجد لا يصدق عليه اسم الأب إلا مجازا كما أسلفناه ، فلا يتناوله النص ، ومن جعله أبا حقيقة كما ذهب إليه جمع من الأصحاب يلزمه تعدي الحكم إليه ، فعلى الأول يبطل العقد لاستحالة الترجيح بغير مرجح ، أو اجتماع الضدين كما لو زوجها الوكيلان ، وعلى الثاني يقدّم عقد الأعلى) انتهى.
(2) أي جد الزوجة.
(3) من دون التعرض فيما لو اجتمع أب الزوجة مع أب الجد الذي هو جد الأب ، أو مع جد الجد وهكذا ، وقد استقرب الشارح تعدية الحكم ، لصدق اسم الجد حقيقة على أحد الطرفين مع صدق لفظ الأب على الآخر ، وهو مورد النص حينئذ.
(4) وهي اقوائية ولاية الجد على ولاية الأب ، فكذا ولاية الأعلى أقوى من ولاية الأدنى ، لثبوت ولاية الأعلى على الأدنى.
(5) وهو جد الأب مع جد الزوجة فصاعدا.
(6) إذ النص قد ورد في أب الزوجة وجدها.
(7) أي استواء جدّ الزوجة وجد الأب ، وهو عطف على قوله (لخروجه) وهو دليل ثان على العدم.
(8) فلا ترجيح لأحدهما على الآخر إلا بالعلة المتقدمة وقد عرفت أنها غير صالحة للترجيح.
(9) أي وإطلاق لفظ الأب عليهما.
(10) أي حقيقة.
(11) أي عقد السابق ، وقد تقدم الكلام فيه.
ص: 213
الولاية فإذا سبق أحدهما وقع صحيحا فامتنع الآخر (1).
(ولو زوجها الأخوان برجلين فالعقد للسابق) (2) منهما(إن كانا) أي الأخوان(وكيلين) لما ذكر في عقد الأبوين (3) (وإلا) يكونا وكيلين(فلتتخير) المرأة
______________________________________________________
(1) لفوات محله.
(2) بعد حصر الولي بالأب والجد والمولى والحاكم والوصي فيكون الأخ كالأجنبي بالنظر إلى تزويج الأخت ، ولكن يستحب للمرأة أن توكل أخاها كما في الشرائع والقواعد وغيرها لخبر أبي بصير عن أبي عبد الله عليه السلام (سألته عن الذي بيده عقدة النكاح ، قال : هو الأب والأخ والرجل يوصى إليه) (1) وهو محمول على التوكيل بالنسبة للأخ جمعا بينه وبين ما تقدم من حصر الولي بما سمعت ، ولمرسل الحسن بن علي عن الرضا عليه السلام (الأخ الأكبر بمنزلة الأب) (2) وهو محمول على التوكيل جمعا.
إذا تقرر ذلك فلو زوجها الأخوان ، فإن لم تكن وكّلتهما فهما فضوليان فتتخير في إجازة عقد من شاءت منهما ، وإن استحب لها ترجيح عقد الأكبر لما سمعته من النصوص ، وإن كانت قد وكّلت أحدهما خاصة صح عقده وبطل عقد الآخر ، وإن وكلتهما معا صح عقد السابق وبطل اللاحق لفوات محله ، وإن اقترنا دفعة واحدة بطلا لاستحالة الترجيح بلا مرجح كما هو المشهور ، وعن الشيخ في كتابي الأخبار والنهاية والقاضي والعلامة في المختلف وابني سعيد وحمزة تقديم عقد الأكبر إلا مع دخول الآخر الذي زوّجه الأخ الآخر فيقدم الثاني حينئذ ، لخبر وليد بيّاع الاسفاط (سئل أبو عبد الله عليه السلام وأنا عنده عن جارية كان لها أخوان ، زوّجها الأكبر بالكوفة وزوّجها الأصغر بأرض أخرى ، قال عليه السلام : الأوّل بها أولى إلا أن يكون الآخر قد دخل بها فهي امرأته ونكاحه جائز) (3).
وفيه : إن تقديم عقد الأكبر عند التقارن تحكم لعدم المرجح ، والخبر غير صالح لذلك لعدم حجية سنده مع عدم الجابر له ، على أنه من المحتمل أن يكون مورد الخبر هو كون العقد منهما فضوليا ، بل هو الظاهر لخلوه من أمارات التوكيل ، وعليه فيكون الخبر على مقتضى القواعد لاستحباب تقديم عقد الأخ الأكبر لأنه بمنزلة الأب إلا أن يكون الزوج الآخر قد دخل بها ، ومع الدخول قد أجازت العقد الآخر ، ومع إجازتها الفعلية للثاني يبطل عقد الأول.
(3) من وقوع السابق صحيحا فيمتنع الآخر لفوات محله.
ص: 214
(ما شاءت) منهما (1) ، كما لو عقد غيرهما فضولا.
(ويستحب) لها(إجازة عقد) الأخ(الأكبر) مع تساوي مختارهما في الكمال ، أو رجحان مختار الأكبر. ولو انعكس (2) فالأولى ترجيح الأكمل(فإن اقترنا) في العقد قبولا(بطلا) ، لاستحالة الترجيح والجمع (3) (إن كان كل منهما وكيلا).
والقول بتقديم عقد الأكبر (4) هنا (5) ضعيف ، لضعف مستنده(وإلا) يكونا وكيلين(صح عقد الوكيل منهما) ، لبطلان عقد الفضولي بمعارضة العقد الصحيح ، (ولو كانا فضوليين و) الحال أن عقديهما(اقترنا تخيرت) في إجازة ما شاءت منهما ، وإبطال الآخر ، أو ابطالهما.
(العاشرة : لا ولاية للأم) على الولد مطلقا (6) (فلو زوّجته ، أو زوّجتها اعتبر)
______________________________________________________
(1) أو الفسخ والرد عليهما.
(2) بحيث كان مختار الأصغر أرجح.
(3) أي الجمع بين الزوجين.
(4) عند عدم دخول من عقد له الأصغر.
(5) عند التوكيل لهما.
(6) صغيرا كان أو كبيرا ، ذكرا كان أو أنثى ، هذا وبعد حصر الولي في الأب والجد والوصي والحاكم والمولى فتكون الأم كالأجنبي في تزويج الولد بلا خلاف فيه إلا من ابن أبي عقيل حيث ذهب إلى ولاية الأم وتنزيلها وآبائها منزلة الأب وآبائه لما ورد عند العامة عن رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم (أنه أمر نعيم بن النخاع أن يستأمر أم ابنته في أمرها ، وقال : وأتمروهن في بناتهن) (1) وهو ضعيف السند ولا جابر له عند الأصحاب.
وعلى المشهور فلو زوجته بغير إذنه توقف العقد على إجازته سواء كان قبل البلوغ أم بعده ، فإن أجاز لزمه العقد والمهر ، وإن ردّ بطل العقد وتبعه المهر كغيره من عقود الفضولي.
وذهب الشيخ في النهاية وأتباعه إلى أنه إذا ردّ الولد لزمها المهر بتمامه للمعقود عليها لخبر محمد بن مسلم عن أبي جعفر عليه السلام (سأله عن رجل زوّجته أمه وهو غائب ، قال : النكاح جائز ، إن شاء المتزوج قبل ، وإن شاء ترك ، فإن ترك المتزوج تزويجه فالمهر لازم لأمه) (2) ، والخبر ضعيف بإسماعيل بن سهل وقد أعرض عنه الأصحاب بعد -
ص: 215
(رضاهما) بعد الكمال كالفضولي(فلو ادعت الوكالة عن الابن) الكامل(وأنكر)
______________________________________________________
- مخالفته للقواعد القاضية بعدم لزوم المهر على الأم كمثل كل فضولي ولا على الولد عند الرد ، وحملها المحقق والعلامة على ما لو ادعت الوكالة عن ابنها ولم تثبت الوكالة ، فإنها تضمن المهر ، لأنها قد فوّتت البضع على الزوجة ، وغرّتها بدعوى الوكالة فتضمن عوضه وهو المهر.
وفيه : كما عن المحقق الثاني في جامعه وتابعه الشارح هنا وفي المسالك أن ضمان البضع بالتفويت مطلقا ممنوع ، وإنما المعلوم ضمانه بالاستيفاء ، والاستيفاء يتم بصورة العقد أو بصورة وطء الشهبة وكلاهما منفيان هنا ، أما الثاني فواضح إذا لا وطء بحسب الفرض ، وأما الأول فالعقد منفي بالرد من الود. هذا فضلا عن أن الحمل المزبور مناف لما ورد من أن مدعي الوكالة يثبت في ذمته نصف المهر للزوجة إن لم تثبت الوكالة عن الزوج كما هو المشهور لصحيح أبي عبيدة عن أبي عبد الله عليه السلام (في رجل أمر رجلا أن يزوجه امرأة من أهل البصرة من بني تميم ، فزوّجه امرأة من أهل الكوفة من بني تميم ، قال عليه السلام : خالف أمره ، وعلى المأمور نصف الصداق لأهل المرأة ولا عدة عليها ولا ميراث بينهما ، فقال بعض من حضر : فإن أمره أن يزوجه امرأة لم يسمّ أرضا ولا قبيلة ثم جحد الآمر أن يكون أمره بذلك بعد ما زوّجه ، فقال عليه السلام : إن كان للمأمور بينة أنه كان أمره أن يزوجه كان الصداق على الآمر ، وإن لم يكن له بينة كان الصداق على المأمور لأهل المرأة ولا ميراث بينهما ولا عدة عليها ولها نصف الصداق إن كان فرض لها صداقا) (1) فالصحيح نص في تحميل الوكيل نصف المهر فكيف يمكن حمل خبر محمد بن مسلم الدال على تضمين الوكيل تمام المهر عليه.
نعم يمكن حمل خبر محمد بن مسلم الدال على تضمين تمام المهر على الوكيل على قول الشيخ في النهاية والقاضي وابن إدريس من أن مدعى الوكالة عند عدم ثبوتها يضمن تمام المهر ، لأن المهر بتمامه يجب بالعقد ولا ينتصف إلا بالطلاق وهو مفقود في المقام.
وفيه : إن المهر بتمامه يجب بالعقد على الزوج لا على الوكيل ، بالإضافة إلى أن الخبر الصحيح دال على التنصيف فكيف جاز ترك الحمل به؟ وعن جماعة منهم الشارح عدم ثبوت المهر لا كملا ولا نصفا على مدعى الوكالة إذا لم تثبت الوكالة ، لأن المهر من لوازم العقد وهو غير ثابت ، ولم يتحقق استيفاء للبضع حتى يضمن الوكيل ، وفيه : إنه وإن كان هو مقتضى القاعدة في المقام لكن لا يصار إليه مع النص الصحيح المحمول به.
ص: 216
(بطل) العقد(وغرمت) للزوجة(نصف المهر) (1) لتفويتها عليها (2) البضع ، وغرورها (3) بدعوى الوكالة ، مع أن الفرقة قبل الدخول.
وقيل (4) : يلزمها جميع المهر لما ذكر (5) ، وإنما ينتصف (6) بالطلاق ولم يقع ، ولرواية (7) محمد بن مسلم عن الباقر عليه السلام.
ويشكل بأن البضع إنما يضمن بالاستيفاء على بعض الوجوه (8) ، لا مطلقا (9) ، والعقد لم يثبت فلم يثبت موجبه (10) والأقوى (11) أنه لا شي ء على الوكيل مطلقا (12) ، إلا مع الضمان (13) فيلزمه ما ضمن. ويمكن حمل الرواية (14) - لو سلم سندها - عليه (15). وعلى هذا(16) يتعدى الحكم إلى غير الأم ، وبالغ
______________________________________________________
(1) لصحيح أبي عبيدة المتقدم وهو قول المشهور.
(2) أي لتفويت الأم على الزوجة البضع.
(3) أي لغرور الزوجة بسبب دعوى الوكالة من الأم.
(4) وهو قول الشيخ والقاضي وابن إدريس المتقدم في مدعي الوكالة.
(5) من التفويت والتغرير ، بعد كون تمام المهر ثابتا بالعقد.
(6) أي الطلاق.
(7) بحسب حمل المحقق والعلامة لها.
(8) وهو العقد عليها أو وطء الشبهة.
(9) في جميع صور التفويت.
(10) أي ما يسببه العقد ، وهو المهر.
(11) وهو القول الثالث في مدعي الوكالة.
(12) سواء كان الشي ء المنفي نصف المهر أو تمامه ، وسواء كان الوكيل أما أم لا.
(13) إذا تحقق استيفاء البضع بالوطء أو بالعقد.
(14) أي رواية محمد بن مسلم المتقدمة.
(15) أي على ضمان الوكيل إذا تحقق استيفاء البضع ، وفيه : إن صحيح أبي عبيدة قد ضمّن مدعي الوكيل نصف المهر وإن لم يتحقق استيفاء البضع ، والعمل عليه متعين فلا بد من طرح خبر محمد بن مسلم بعد عدم إمكان حمله على الوكالة للتنافي بينه وبين صحيح أبي عبيدة.
(16) من عدم ثبوت شي ء على الوكيل إلا مع الضمان عند استيفاء البضع.
ص: 217
القائل (1) بلزوم المهر فحكم به (2) على الأم وإن لم تدّع الوكالة استنادا إلى ظاهر الرواية (3) وهو بعيد ، وقريب منه (4) حملها (5) على دعواها الوكالة ، فإن مجرد ذلك (6) لا يصلح لثبوت المهر في ذمة الوكيل (7).
(الفصل الثالث - في المحرمات)
بالنسب والرضاع وغيرهما من الأسباب (8) (وتوابعها. يحرم) على الذكر(بالنسب) تسعة أصناف من الإناث (9): (الأم وإن علت) وهي كل امرأة ولدته ،
______________________________________________________
(1) وهو قول الشيخ في مسألة ما لو زوجت الأم ابنها فضولا وقد رد الولد العقد.
(2) بتمام المهر.
(3) أي رواية ابن مسلم المتقدمة.
(4) أي من هذا القول ، وهو قريب منه في البعد.
(5) أي حمل الرواية على دعوى الأم الوكالة كما عن المحقق والعلامة.
(6) أي دعوى الوكالة.
(7) كما هو مقتضى القاعدة ، ولكن عرفت ورود الخبر الصحيح في تنصيف المهر عليه.
(8) كالمصاهرة والزنا بذات البعل أو في العدة الرجعية ، والمعقود عليها كذلك مع العلم أو الدخول.
(9) الغالب في التعبير عما يحرم من النسب هو أن المحرم من النسب سبعة أصناف من النساء ، وهي المذكورة في قوله تعالى : ( حُرِّمَتْ عَلَيْكُمْ أُمَّهٰاتُكُمْ وَبَنٰاتُكُمْ وَأَخَوٰاتُكُمْ وَعَمّٰاتُكُمْ وَخٰالٰاتُكُمْ وَبَنٰاتُ الْأَخِ وَبَنٰاتُ الْأُخْتِ ) (1) ، والآية كافية في مقام بيان التحريم ، والماتن قد جعل البنت ثلاثة أقسام ، البنت وبنت البنت وبنت الابن ، فلذا كانت الأقسام تسعة ، وهو ليس في محله لصدق البنت على الجميع هذا والمراد من الأم هي الأم وإن علت لأب كانت أو لأم ، وهي كل امرأة ولدتك أو انتهى نسبك إليها من العلو بالولادة لأب كانت أو لأم. والمراد من البنت هي البنت وإن سفلت ، وهي كل أنثى ينتهي نسبها إليك بالتولد بواسطة أو غيرها.
والمراد بالأخت هي الأنثى التي ولدك وإياها شخص واحد من غير واسطة ، ولا يدخل في اسمها غيرها ، ولذا لم يكن فيها علو ولا سفل. -
ص: 218
أو انتهى نسبه إليها من العلو بالولادة لأب كانت ، أم لأم ، (والبنت وبنتها) وإن نزلت(وبنت الابن فنازلا).
______________________________________________________
- والمراد بالعمة هي العمة وإن ارتفعت ، وهي كل أنثى هي أخت ذكر ولدت له بواسطة أو لا ، من جهة الأب أو الأم ، أو فقل هي كل أنثى ولدها وأحد آبائك شخص من غير واسطة ، والمراد بالمرتفع هي عمة الأب وعمة الأم وعمة الجد وعمة الجدة وهكذا ، لا عمة العمة فإنها قد لا تكون محرمة.
والمراد بالخالة وإن علت هي كل أنثى هي أخت أنثى ولدتك بواسطة أولا ، أو فقل هي كل أنثى ولدها وإحدى أمهاتك شخص من غير واسطة ، والمراد بالمرتفع هي أخت الجدة وإن علت لا خالة الخالة فإنها قد لا تحرم والمراد ببنات الأخ بناته وإن نزلن ، سواء كان الأخ لأب أو لأم أولهما ، وسواء كانت بنته لصلبه أو بنت بنته أو بنت ابنه وبناتهن وإن سفلن ، وضابطها كل امرأة ولدها الأخ بواسطة أو لا.
والمراد ببنات الأخت بناتها وإن نزلن ، والضابط كل امرأة ولدتها الأخت بواسطة أو لا.
هذا وكما يحرم على الذكر هذه الأصناف السبعة من النساء فيحرم على الأنثى مثلهن من الرجال ، فيحرم الأب وإن علا على البنت والولد وإن سفل على الأم ، والأخ وابنه وابن الأخت على الأخت والعمة والخالة ، ويحرم العم وإن علا وكذلك الخال على بنت الأخ وبنت الأخت ، وهذا مستفاد من الآية المتقدمة لأن التحريم من أحد الطرفين هنا مستلزم للتحريم من الطرف الآخر ، ولهذه النكتة أقتصر في الآية على المحرمات على الرجال ولم يذكر العكس.
هذا وقد ذكر العلامة ضابطة تحصر جميع المحرمات من النسب وهي : أنه يحرم على الإنسان أصوله وفصوله ، وفصول أول أصوله ، وأول فصل من كل أصل بعد أول الأصول.
فالأصول الآباء والأمهات ، والفصول البنات والبنون ، وفصول أول الأصول هم الأخوات بالنسبة للرجل والأخوة بالنسبة للأنثى ، وأولاد الأخ وأولاد الأخت وإن نزلوا.
وأول فصل من كل أصل بعد أول الأصول هو الأعمام والعمات والأخوال والخالات هذا وأخصر من عبارة العلامة قولهم أنه يحرم على الإنسان كل قريب له ما عدا أولاد العمومة والخؤولة ، فيحرم على الرجل نساء القرابة مطلقا إلا من دخل في اسم ولد العم أو ولد الخال ، ويحرم على الأنثى ذكور القرابة مطلقا إلا من دخل في اسم ولد العمومة أو الخؤولة.
ص: 219
وضابطها (1) : من ينتهي إليه نسبه (2) بالتولد ولو بوسائط ، (والأخت وبنتها فنازلا) وهي كل (3) امرأة ولّدها أبواه ، أو أحدهما (4) ، أو انتهى (5) نسبها إليهما ، أو إلى أحدهما بالتولد ، (وبنت الأخ) وإن نزلت(كذلك) لأب كان (6) ، أم لأم ، أم لهما ، (والعمة) وهي كل أنثى هي أخت ذكر ولّده (7) بواسطة ، أو غيرها من جهة الأب ، أو الأم ، أو منهما ، (والخالة فصاعدا) فيهما (8) ، وهي كل أنثى هي أخت أنثى ولّدته (9) بواسطة ، أو بغير واسطة. وقد تكون (10) من جهة الأب كأخت أم الأب.
والمراد بالصاعد فيهما (11) : عمة الأب ، والأم (12) ، وخالتهما (13) ، وعمة الجد والجدة ، وخالتهما ، وهكذا ، لا عمة العمة ، وخالة الخالة فإنهما قد لا تكونان محرمتين (14) ويحرم على المرأة ما يحرم على الرجل بالقياس.
وضابط المحرمات الجامع لها (15) أنه يحرم على الإنسان كل قريب عدا أولاد
______________________________________________________
(1) أي ضابط بنت الابن.
(2) أي نسب الابن.
(3) تفسير للأخت.
(4) أي أحد الأبوين.
(5) تفسير لبنت الأخت.
(6) أي الأخ.
(7) أي ولد هذا الرجل الذي نحصي محارمه.
(8) في العمة والخالة.
(9) أي ولدت هذا الرجل الذي نحصي محارمه.
(10) أي الخالة.
(11) في العمة والخالة.
(12) أي وعمة الأم.
(13) أي خالة الأب وخالة الأم.
(14) كما إذا كان لزيد عمة هي أخت أبيه من أمه ، ولها عمة هي أخت أبيها ، فالأخيرة لا تحرم على زيد وإن كانت عمة لعمته ، وكذا لو كانت خالة هي أخت أمه لأبيها ، ولها خالة وهي أخت أمها ، فالأخيرة أيضا لا تحرم على زيد وإن كانت خالة لخالته ، لأنه لا نسب لها معه.
(15) للمحرمات.
ص: 220
العمومة ، والخئولة.
(ويحرم بالرضاع ما يحرم بالنسب) (1) فأمك من الرضاعة هي كل امرأة أرضعتك ، أو رجع نسب من أرضعتك أو صاحب اللبن إليها ، أو أرضعت من يرجع نسبك إليه من ذكر أو أنثى وإن علا كمرضعة أحد أبويك ، أو أجدادك ، أو جداتك ، وأختها خالتك من الرضاعة ، وأخوها خالك ، وأبوها جدك ، كما أن ابن مرضعتك أخ ، وبنتها أخت إلى آخر أحكام النسب.
والبنت (2) من الرضاع : كل أنثى رضعت من لبنك ، أو لبن من ولدته أو
______________________________________________________
(1) الرضاع سبب في التحريم بلا خلاف فيه لقوله تعالى : ( وَأُمَّهٰاتُكُمُ اللّٰاتِي أَرْضَعْنَكُمْ وَأَخَوٰاتُكُمْ مِنَ الرَّضٰاعَةِ ) (1) ، وللأخبار.
منها : صحيح العجلي عن أبي جعفر عليه السلام (أن رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم قال : يحرم من الرضاع ما يحرم من النسب) (2) ، وصحيح ابن سنان عن أبي عبد الله عليه السلام (يحرم من الرضاع ما يحرم من القرابة) (3).
ويستفاد من هذه النصوص أن ما يحرم من النسب وهو القرابات السبع الإناثية فهي محرمة بسبب الرضاع ، والقرابات السبع هي : الأمهات والبنات والأخوات وبنات الأخ وبنات الأخت والعمات والخالات ، وعليه فإذا تحقق الرضاع المحرّم فتصير المرضعة أما وصاحب اللبن أبا ، وآباؤهما أجدادا وجداتا ، وأولاد المرضعة إخوة وأخوات ، وأولاد الأجداد أخوالا وأعماما. وإذا تقرر ذلك فالأم المحرمة بالرضاع وإن علت فهي كل أم ولدت مرضعتك ، أو ولدت من ولدها أو أرضعتها ، أو أرضعت من ولدها بواسطة أو بوسائط فهي بمنزلة أمك بالإضافة إلى التي أرضعتك ، وكذا كل امرأة ولدت أباك من الرضاعة أو أرضعت من ولده ولو بواسطة أو بوسائط فهي بمنزلة أمك ، وأما بقية القرابات السبع فسيأتي بحثها عند تعرض الشارح لها.
(2) البنت وإن سفلت وهي من الرضاعة كل بنت ارتضعت بلبنك باعتبار أن الزوج هو صاحب لبن الزوجة أو بلبن من ولدته ، أو أرضعتها امرأة ولدتها ، وكذلك بناتها من النسب والرضاع فكلهن بمنزلة البنت.
ص: 221
أرضعتها امرأة ولدتها ، وكذا بناتها من النسب والرضاع ، والعمات (1) ، والخالات (2) أخوات الفحل ، والمرضعة ، وأخوات من ولدهما من النسب والرضاع ، وكذا كل امرأة أرضعتها واحدة من جداتك ، أو رضعت بلبن واحد من أجدادك من النسب والرضاع ، وبنات الأخ ، وبنات الأخت (3) بنات أولاد المرضعة ، والفحل من الرضاع والنسب ، وكذا كل أنثى أرضعتها أختك ، وبنت أختك ، وبنات كل ذكر أرضعته أمك أو ارتضع بلبن أبيك.
وإنما يحرّم الرضاع(بشرط كونه عن نكاح) (4) دواما ومتعة وملك يمين
______________________________________________________
(1) العمة من الرضاعة هي أخت صاحب اللبن ، وأخت أبيه أو جده وإن علا سواء كان أبوه أو جده من النسب أو الرضاع ، وكذا العمة ينطبق على كل امرأة أرضعتها واحدة من جداتك ، أو أرضعت بلبن واحد من أجدادك من النسب والرضاع.
(2) والخالة من الرضاعة هي أخت المرضعة وأخت أمها أو جدتها إلى آخر ما قلناه في العمة.
(3) وبنات الأخ وبنات الأخت وهن من الرضاعة بنات أولاد المرضعة والفحل من الرضاع والنسب ، وكذا كل أنثى أرضعتها أختك أو بناتها أو بنات أولادها من الرضاع أو النسب فهي بنت الأخت ، وكذا كل ذكر أرضعته أمك أو أرضع بلبن أخيك فبناته وبنات أولاده من الرضاع والنسب هن بنات الأخ.
(4) والمراد بالنكاح هنا هو الوطء بعقد صحيح أو ملك يمين ، فلو درّ اللبن من المرأة من دون نكاح فضلا عما لو در من الذكر أو البهيمة فلا ينشر الحرمة بلا خلاف فيه لموثق يونس بن يعقوب عن أبي عبد الله عليه السلام (سألته عن امرأة درّ لبنها من غير ولادة ، فأرضعت جارية وغلاما من ذلك اللبن ، هل يحرم بذلك اللبن ما يحرم من الرضاع؟ قال عليه السلام : لا) (1) ، وخبر يعقوب بن شعيب (قلت لأبي عبد الله عليه السلام : امرأة درّ لبنها من غير ولادة فأرضعت ذكرانا وإناثا ، أيحرم من ذلك ما يحرم من الرضاع؟ فقال لي : لا) (2) ، وهذه الأخبار مطلقة تشمل ما لو كان درّ اللبن غير المحرم من صغيرة أو كبيرة ، ومن بكر أو ثيّب ، ومن الخلية أو ذات بعل ولو كان اللبن عن وطء محرم وهو الزنا فلا ينشر الحرمة بلا خلاف فيه للأخبار.
منها : خبر الدعائم عن جعفر بن محمد عليه السلام (لبن الحرام لا يحرم الحلال ، ومثل ذلك امرأة أرضعت بلبن زوجها ثم أرضعت بلبن فجور ، قال : ومن أرضع من فجور بلبن -
ص: 222
وشبهة على أصح القولين (1) مع ثبوتها (2) من الطرفين ، وإلا ثبت الحكم (3) في حق من ثبت له النسب (4) ، ولا فرق في اللبن الخالي عن النكاح بين كونه من صغيرة ، وكبيرة ، بكر وثيب ، ذات بعل وخلية.
ويعتبر مع صحة النكاح صدور اللبن عن ذات حمل أو ولد (5) ، بالنكاح
______________________________________________________
- صبية لم يحرم من نكاحها ، لأن اللبن الحرام لا يحرّم الحلال) (1).
ومن هذه النصوص تعرف اشتراط كون اللبن عن وطء شرعي إما بالعقد وإما بملك اليمين ، ولكن لو كان اللبن عن وطء الشبهة فالمشهور على أنه كاللبن عن وطء شرعي ، لأنه كالصحيح في النسب واللبن تابع له ، ولعموم قوله تعالى : ( وَأُمَّهٰاتُكُمُ اللّٰاتِي أَرْضَعْنَكُمْ ) (2) خرج منه الزنا وما درته من دون وطء فيبقى الباقي ، وعن ابن إدريس التردد.
(1) في الشبهة فقط.
(2) أي ثبوت الشبهة.
(3) من نشر الحرمة.
(4) لأن الرضاع متوقف على النسب ، ولا يثبت الحكم في حق الطرف الآخر لأنه زان حينئذ.
(5) اعلم أنه لا بد من كون اللبن الصادر عن النكاح بمعنى الوطء الشرعي أن يحصل من النكاح ولد ، فلا يكفي مجرد الوطء الصحيح في اعتبار اللبن فلو فرض درور اللبن من غير ولد فلا ينشر الحرمة وقد تقدم الكلام فيه ، وظاهر موثق يونس وخبر يعقوب المتقدمين اعتبار الولادة ، وكذا صحيح ابن سنان عن أبي عبد الله عليه السلام (عن لبن الفحل ، قال : هو ما أرضعت امرأتك من لبنك ولبن ولدك ولد امرأة أخرى فهو حرام) (3) ولا يطلق اسم الولد إلا مع الوضع.
وعليه فلو درت اللبن عن حمل قبل الوضع فقد اختلف كلام العلامة في ذلك ففي القواعد اكتفى بالحمل وقطع بعدم اشتراط الولادة ، وفي التحرير اعتبر الولادة - كما هو المشهور - نظرا لصحيح ابن سنان وما تقدم من الأخبار ، ومنها تعرف ضعف الاكتفاء بالحمل وإن استجوده الشارح في المسالك وجزم به في الروضة هنا وهو المنسوب للمحقق وللشيخ في موضع من المبسوط.
ص: 223
المذكور (1) فلا عبرة بلبن الخالية منهما (2) وإن كانت منكوحة نكاحا صحيحا حتى لو طلق الزوج (3) وهي حامل منه أو مرضع (4) ، فأرضعت ولدا نشر (5) الحرمة كما لو كانت في حباله وإن تزوجت بغيره.
والأقوى اعتبار حياة المرضعة فلو ماتت في أثناء الرضاع فأكمل النصاب ميتة لم ينشر (6) وإن تناوله اطلاق العبارة (7) ، وصدق عليه اسم الرضاع حملا (8) على المعهود المتعارف وهو رضاع الحية ، ودلالة الأدلة اللفظية على الإرضاع
______________________________________________________
(1) من كون الوطء عن عقد أو ملك.
(2) من الحمل أو الولد.
(3) أو مات عنها.
(4) أي كانت مرضعا عند طلاقها أو موت زوجها ، فلا يعتبر بقاء المرأة على حبالة صاحب اللبن فلو طلقها أو مات عنها وهي حامل منه أو مرضع فأرضعت من لبنه ولدا فهو مما ينشر الحرمة ، سواء كان الرضاع في العدة أم بعدها ، طال الزمان أم قصر ، تزوجت بغيره أو لا ، كل ذلك لإطلاق النصوص.
بل حتى لو تزوجت ودخل بها الثاني وحملت منه مع كون اللبن بحاله لم ينقطع ولم يحدث فيه زيادة فهو للأول مما ينشر الحرمة بلا خلاف فيه ، فلو وضعت الحمل من الثاني كان ما قبل الوضع من لبن للأول ، وما بعد الوضع للثاني ، وأما لو حملت من الثاني فانقطع اللبن من الأول ثم عاد في وقت يمكن أن يكون من الثاني ، وربما حدّد بمضي أربعين يوما من انقطاعه إلى عوده كان اللبن من الثاني دون الأول بلا خلاف في ذلك كله.
(5) أي الرضاع.
(6) على المشهور بل عن الشيخ الأعظم في رسالته الرضاعية أنه لم أعثر على حكاية خلاف صريح ، لانصراف أدلة تحريم الرضاع إلى الأفراد المعهودة المتعارفة ، وهي إرضاع الحية دون الميتة ، ولأن موضع الحكم في الأخبار هو الإرضاع ، كما هو في القرآن قال تعالى : ( وَأُمَّهٰاتُكُمُ اللّٰاتِي أَرْضَعْنَكُمْ ) (1) ، والإرضاع ظاهر في القصد والاختيار المتوقفين على الحياة ، ولاستصحاب بقاء الحل.
(7) أي عبارة الماتن (بشرط كونه عن نكاح).
(8) تعليل لاقوائية عدم نشره.
ص: 224
بالاختيار كقوله تعالى : ( وَأُمَّهٰاتُكُمُ اللّٰاتِي أَرْضَعْنَكُمْ ) واستصحابا لبقاء الحل(وأن ينبت اللحم ، أو يشتد العظم) (1) والمرجع فيهما إلى قول أهل الخبرة.
ويشترط (2) العدد والعدالة ليثبت به حكم التحريم ، بخلاف خبرهم في مثل
______________________________________________________
(1) الشرط الثاني في الرضاع المحرم بلوغ الرضاع حدا خاصا ، فعلى المشهور بيننا أنه لا يكفي مسمى الرضاع في نشر الحرمة للأخبار الكثيرة الواردة في مقام التحديد وسيأتي ذكر بعضها.
وعن بعض العامة الاكتفاء بالمسمى ووافقه من أصحابنا ابن الجنيد ، مع ورود بعض الأخبار بذلك كصحيح علي بن مهزيار عن أبي الحسن عليه السلام (أنه كتب إليه يسأله : عما يحرم من الرضاع؟ فكتب عليه السلام : قليله وكثيره حرام) (1) ، وهو محمول على التقية فضلا عن عدم صلاحه لمعارضة الأخبار الكثيرة الواردة في مقام التحديد.
ثم إن أصحابنا اعتبروا في تحديد الرضاع ثلاثة أشياء : الأثر والعدد والزمان ، والأثر هو ما أنبت اللحم وشدّ العظم وهو مما لا خلاف فيه وعليه الأخبار الكثيرة.
منها : صحيح عبد الله بن سنان عن أبي عبد الله عليه السلام (لا يحرم من الرضاع إلا ما أنبت اللحم وشدّ العظم) (2) ، ومثله صحيح حماد بن عثمان (3) ، وصحيح ابن سنان الآخر عن أبي الحسن عليه السلام (قلت له : يحرم من الرضاع الرضعة والرضعتان والثلاثة؟ قال : لا إلا ما اشتدّ عليه العظم ونبت اللحم) (4) ، وصحيح ابن رئاب عن أبي عبد الله عليه السلام (قلت له : ما يحرم من الرضاع؟ قال : ما أنبت اللحم وشدّ العظم ، قلت : فيحرم عشر رضعات؟ قال عليه السلام : لا ، لأنه لا تنبت اللحم ولا تشدّ العظم عشر رضعات) (5) ومثلها غيرها.
ومقتضى الأخبار اعتبار الأمرين معا كما عن الأكثر ، فلا يكفي أحدهما ، فما عن الماتن هنا في اللمعة من كفاية أحدهما وهو المحكي عن جماعة بدعوى أنهما متلازمان ليس في محله ، ثم لو ظهر أثرهما بيّنا فهو وإلا فالمرجع في الحصول حينئذ هو قول أهل الخبرة كما نص عليه جماعة ، وفي الجواهر وغيره اشترط شروط الشهادة من الإيمان والعدالة والعدد ، فلا حكم للواحد ، باعتبار عدم حجية غير البينة في الموضوعات.
(2) في أهل الخبرة.
ص: 225
المرض المبيع للفطر ، والتيمم ، فإن المرجع في ذلك إلى الظن وهو (1) يحصل بالواحد (2). والموجود في النصوص والفتاوى اعتبار الوصفين معا ، وهنا اكتفى بأحدهما ، ولعله للتلازم عادة. والأقوى اعتبار تحققهما معا.
(أو يتم يوما وليلة) (3).
______________________________________________________
(1) أي الظن.
(2) أي بالخبر الواحد.
(3) هذا هو التقدير الثاني وهو التقدير الزماني ، وعن جماعة أنه لا خلاف فيه ويدل عليه موثق زياد بن سوقة (قلت لأبي جعفر عليه السلام : هل للرضاع حد يؤخذ به؟ فقال عليه السلام : لا يحرّم الرضاع أقل من يوم وليلة أو خمس عشرة رضعة متواليات من امرأة واحدة من لبن فحل واحد لم يفصل بينهما رضعة امرأة غيرها) (1) الحديث.
نعم ورد ما يعارضه كالفقه الرضوي (والحد الذي يحرّم به الرضاع مما عليه عمل العصابة دون كلّ ما روي ، فإنه مختلف ما أنبت اللحم وقوي العظم ، وهو رضاع ثلاثة أيام متواليات) (2) وفيه : أنه لم يعرف ولا حكي عن أحد من عصابة الحق العمل بذلك ولا توجد به رواية ولو شاذة توافقه مع كثرة أخبار الباب ، وهذا المورد يشهد بأن الفقه الرضوي ليس صادرا من المعصوم كما توهم.
وورد مرسل الصدوق في الهداية : (قال النبي صلى الله عليه وآله وسلم : يحرم من الرضاع ما يحرم من النسب ، ولا يحرّم من الرضاع إلا رضاع خمسة عشر يوما ولياليهن ، وليس بينهن رضاع) (3) ، ومرسل الصدوق في المقنع (وروي لا يحرم من الرضاع إلّا رضاع خمسة عشر يوما ولياليهن ، ليس بينهن رضاع ، وبه كان يفتي شيخنا محمد بن الحسن) (4) وورد صحيح العلاء بن رزين عن أبي عبد الله عليه السلام (سألته عن الرضاع ، فقال عليه السلام : لا يحرم من الرضاع إلا ما ارتضع من ثدي واحد سنة) (3) ومرسل المقنع (وروي لا يحرم من الرضاع إلا ما ارتضع من ثدي واحد سنة) (4).
وورد ما دل على اعتبار الحولين كخبر الحلبي عن أبي عبد الله عليه السلام (لا يحرم من -
ص: 226
بحيث ترضع كلما تقاضاه ، أو احتاج (1) إليه عادة وإن لم يتم العدد (2) ولم يحصل الوصف السابق (3) ، ولا فرق بين اليوم الطويل وغيره ، لانجباره بالليلة أبدا.
وهل يكفي الملفق منهما لو ابتدأ في أثناء أحدهما نظر ، من الشك (4) في صدق الشرط (5) ، وتحقق (6) المعنى (7).
______________________________________________________
- الرضاع إلا ما كان حولين كاملين) (1) ، ومثله خبر زرارة (2).
وهذه الأخبار لا تصلح لمعارضة الموثق لعدم العمل بها ، فهي ساقطة عن الحجية بالإعراض ، هذا والمشهور على أن التقدير الزماني بنشر الحرمة مطلقا وإن لم يصل إلى العدد المعتبر من عشر رضعات أو خمس عشرة رضعة على الخلاف الآتي ، لإطلاق الموثق المتقدم ، وهل يعتبر ابتداء الرضاع في ابتداء اليوم وانتهائه في آخر الليلة أو العكس ، أم يكفي الملفق لو ابتدأ في أثناء أحدهما قولان ، فالشارح في الروضة تنظر في اعتبار وقوع أول الرضاع في أول اليوم ، واستظهره سيد الرياض حيث ذهب إلى عدم الاكتفاء بالملفّق وقواه في المستند واحتمله في الجواهر ، والثاني أقوى لأن الظاهر من التحديد باليوم والليلة إرادة مقدارهما ، ألا ترى من سار مقدار اليوم والليلة بحسب الزمان أنه يقال في حقه : سار يوما وليلة ، وإرادة المقدار من اليوم والليلة هنا كإرادة المقدار من الأزمنة المأخوذة موضوعا للحكم الشرعي كإقامة عشرة أيام وأكثر أيام الحيض وأقلها وما شاكل ، ولذا ذهب الشيخ الأعظم في رسالته الرضاعية إلى ذلك لصدق رضاع يوم وليلة عرفا على رضاع الملفّق.
(1) وإن لم يتقاضاه ، لأن المعتبر في اليوم والليلة أن يكون غذاء الولد هو هذا اللبن في تمام الوقت المذكور.
(2) أي العدد الآتي.
(3) من اشتداد العظم وإنبات اللحم.
(4) دليل عدم كفاية الملفق.
(5) لأن المتيقن في صدقه أن يبتدأ الرضاع في أول اليوم لا في أثنائه.
(6) دليل كفاية الملفّق.
(7) فيكفي الرضاع أربع وعشرين ساعة ولو كان مقدارا لليوم والليلة ، للصدق العرفي.
ص: 227
(أو خمس عشرة رضعة) (1).
______________________________________________________
(1) هذا هو التقدير الثالث وهو التقدير العددي ، وقد اختلفوا في عدد الرضعات ، والاختلاف بينهم بسبب اختلاف الروايات ، فذهب ابن الجنيد إلى الاكتفاء برضعة واحدة تملأ جوف الولد ، إما بالمص وإما بالوجور ، لقوله تعالى : ( وَأُمَّهٰاتُكُمُ اللّٰاتِي أَرْضَعْنَكُمْ ) (1) وهو يصدق على الرضعة الواحدة ، ولصحيح علي بن مهزيار عن أبي الحسن عليه السلام (أنه كتب إليه يسأله عما يحرم من الرضاع ، فكتب عليه السلام : قليله وكثيره حرام) (2) ، وهي رواية شاذة قد استفاضت النصوص بخلافها فلا بدّ من طرحها ، وأما الآية فهي مخصّصة بالعدد الآتي.
وعن الشيخ في النهاية والمبسوط وكتابي الأخبار والحلي والمحقق والعلامة في غير المختلف والمحقق الثاني والشارح ، ولعله المشهور بين المتأخرين اعتبار خمس عشرة رضعة لموثق زياد بن سوقة (قلت لأبي جعفر عليه السلام : هل للرضاع حد يؤخذ به؟ فقال عليه السلام : لا يحرّم الرضاع أقل من يوم وليلة أو خمس عشرة رضعة متواليات من امرأة واحدة من لبن فحل واحد ، لم يفصل بينها برضعة امرأة غيرها ، فلو أن امرأة أرضعت غلاما أو جارية عشر رضعات من لبن فحل واحد ، وأرضعتهما امرأة أخرى من فحل آخر عشر رضعات لم يحرم نكاحهما) (3) ، وهي نص على المطلوب ونافية للقول الآخر من كفاية عشر رضعات ، ويشارك في النفي المذكور صحيح علي بن رئاب عن أبي عبد الله عليه السلام (قلت : ما يحرم من الرضاع؟ قال عليه السلام : ما أنبت اللحم وشدّ العظم ، قلت : فيحرم عشر رضعات؟ قال : لا ، لأنه لا تنبت اللحم ولا تشدّ العظم عشر رضعات) (4) ، وموثق عبيد بن زرارة عن أبي عبد الله عليه السلام (سمعته يقول : عشر رضعات لا يحرمنّ شيئا) (5) ، وخبر ابن بكير عن أبي عبد الله عليه السلام (سمعته يقول : عشر رضعات لا تحرّم) (6).
وعن العماني والمفيد والسيد والحلبي والقاضي والديلمي وابني حمزة وزهرة والعلامة في المختلف وولده في الإيضاح وابن فهد والماتن في اللمعة بل هو الأشهر كما صرح به الشارح هنا كفاية عشر رضعات في التحريم لعموم قوله تعالى : ( وَأُمَّهٰاتُكُمُ اللّٰاتِي أَرْضَعْنَكُمْ ) (7) وعموم صحيح العجلي عن أبي جعفر عليه السلام في حديث (أن رسول -
ص: 228
.................................................................................................
______________________________________________________
- الله صلى الله عليه وآله وسلم قال : يحرم من الرضاع ما يحرم من النسب) (1) ، ووجه الاستدلال أنه خرج من تحت العموم ما دون العشر بالإجماع نظرا إلى عدم الاعتداد بمخالفة ابن الجنيد حيث ذهب إلى كفاية الرضعة الواحدة ، وعدم الاعتداد به في الإجماع لمعلومية نسبه فيبقى الباقي وفيه : إن العموم وإن خصص بما دون العشر ولكن لا يعني أنه غير مخصص بالعشر أيضا ، فضلا عن عدم حجية الإجماع مع ورود الأخبار الكثيرة في هذه المسألة فلا معنى لهذا الإجماع ، واستدل لهذا القول بالأخبار.
منها : خبر الفضيل بن يسار عن أبي جعفر عليه السلام (لا يحرم من الرضاع إلا المخبورة أو خادم أو ظئر ثم يرضع عشر رضعات يروى الصبي وينام) (2) ، وفيه : إن سنده مشتمل على محمد بن سنان ، وقد ضعّفه الشيخ والنجاشي وأورد فيه الكشي قدحا عظيما وعن الفضل بن شاذان (أنه من الكذابين المشهورين) ، فمدح العلامة والمفيد له لا يفيد مع قدح هؤلاء الأكابر بالإضافة إلى أن الخبر المتقدم قد رواه الشيخ في التهذيب ، مع أن الصدوق قد رواه مع حذف (ثم ترضع عشر رضعات) والصدوق أسبق من الشيخ زمنا وأضبط منه خبرا من حيثية الكتابة ، ورواية الصدوق هي (لا يحرم من الرضاع إلا ما كان مخبورا ، قلت : وما المخبور؟ قال : أم مربية أو أم تربي أو ظئر تستأجر ، أو خادم تشترى ، أو ما كان مثل ذلك موقوفا عليه) (3).
واستدل لهذا القول بصحيح عبيد بن زرارة عن أبي عبد الله عليه السلام (سألته عن الرضاع ما أدنى ما يحرم منه؟ قال : ما ينبت اللحم والدم ، ثم قال : أترى واحدة تنبته؟ فقلت : اثنتان أصلحك الله؟ فقال عليه السلام : لا ، فلم أزل أعدّ عليه حتى بلغت عشر رضعات) (3) ، وموثق عمر بن يزيد عن أبي عبد الله عليه السلام (عن الغلام يرضع الرضعة والثنتين ، فقال : لا يحرم ، فعددت عليه حتى أكملت عشر رضعات ، فقال : إذا كانت متفرقة فلا) (4) ، وهو يدل بالمفهوم على التحريم عند عدم التفريق ، ومثله خبر مسعدة عن أبي عبد الله عليه السلام (لا يحرم من الرضاع إلا ما شدّ العظم وأنبت اللحم ، فأما الرضعة والرضعتان والثلاث حتى بلغ عشرا إذا كنّ متفرقات فلا بأس) (1) وهذه الأخبار الثلاثة الدالة على كفاية العشر رضعات مع ضعف سند بعضها ، وكون دلالة بعضها على -
ص: 229
تامة (1) متوالية (2) ، لرواية زياد بن سوقة قال : قلت لأبي جعفر عليه السلام هل للرضاع حد يؤخذ به؟ فقال : «لا يحرّم الرضاع أقل من يوم وليلة ، أو خمس عشرة متواليات من امرأة واحدة من لبن فحل واحد لم يفصل بينها برضعة امرأة غيرها» ، وفي معناها (3) أخبار أخر (4).
______________________________________________________
- المطلوب بالمفهوم وهو محل خلاف معارضة بما تقدم من صحيح علي بن رئاب وموثق عبيد بن زرارة وخبر ابن بكير وموثق زياد بن سوقة الدالة على عدم نشر الحرمة بعشر رضعات ، بالإضافة إلى كون أخبار العشرة محمولة على التقية بشهادة صحيح عبيد بن زرارة (قلت لأبي عبد الله عليه السلام : إنا أهل بيت كبير ، فربما كان الفرح والحزن الذي يجتمع فيه الرجال والنساء ، فربما استخفت المرأة أن تكشف رأسها عند الرجل الذي بينها وبينه رضاع ، وربما استخف الرجل أن ينظر إلى ذلك ، فما الذي يحرم من الرضاع؟ فقال عليه السلام : ما أنبت اللحم والدم ، فقلت : وما الذي ينبت اللحم والدم؟ فقال : كان يقال عشر رضعات ، فقلت : فهل تحرّم عشر رضعات؟ فقال عليه السلام : دع ذا وقال : ما يحرم من النسب فهو يحرم من الرضاع) (1) ، فنسبة العشرة إلى القيل مع الأمر من المعصوم بتركه دليل على أن صدوره إنما هو للتقية فالأظهر العمل بالقول الأول من اعتبار خمس عشرة رضعة كما دلت عليه رواية زياد بن سوقة ولا يعارضها إلا خبر عمر بن يزيد (سمعت أبا عبد الله عليه السلام يقول : خمس عشر رضعة لا تحرّم) (2) ، وهو محمول على التفريق وعدم التوالي بين الرضعات.
(1) لا خلاف أن المعتبر في الرضعة أن تكون كاملة ، لما تقدم في خبر الفضيل (3) (يروى الصبي وينام) والغالب أن الكاملة هي التي تروي الصبي وتنومه ، ولخبر ابن أبي يعفور (سألته عما يحرم من الرضاع قال : إذا رضع حتى يمتلي بطنه) (4) ، ومرسل ابن أبي عمير عن أبي عبد الله عليه السلام (الرضاع الذي ينبت اللحم والدم هو الذي يرضع حتى يتضلع ويتملى وينتهي نفسه) (5)، وهما ظاهران في الرضعة الكاملة التامة ، فلا عبرة بالناقصة.
(2) بحيث لا يفصل بينها رضاع امرأة أخرى وسيأتي الكلام فيه.
(3) وفي معناها من حيثية نفيها لكفاية العشر رضعات.
(4) قد تقدم ذكرها.
ص: 230
(والأقرب النشر بالعشر) وعليه المعظم ، لعموم قوله تعالى : ( وَأُمَّهٰاتُكُمُ اللّٰاتِي أَرْضَعْنَكُمْ ) (1) ، ونظائره (2) من العمومات المخصّصة بما دون العشر قطعا (3) فيبقى الباقي ، ولصحيحة الفضيل بن يسار عن الباقر عليه السلام قال : «لا يحرم من الرضاع إلا المجبور (4) ، قال : وقلت وما المجبور ، قال : أم تربّي ، أو ظئر تستأجر ، أو أمة تشترى (5) ثم ترضع (6) عشر رضعات يروى الصبي وينام» ولأن العشر تنبت اللحم لصحيحة عبيد بن زرارة عن الصادق عليه السلام إلى أن قال : «قلت وما الذي ينبت اللحم والدم؟ فقال : كان يقال (7) : عشر رضعات» ، والأخبار المصرحة بالخمس عشرة (8) ضعيفة السند (9) ، أو قريبة منه (10).
______________________________________________________
(1) النساء آية : 23.
(2) كالنبوي المتقدم (يحرم من الرضاع ما يحرم من النسب).
(3) أي بخروج ما دون العشر ، ولم يلتفت إلى مخالفة ابن الجنيد لمعلومية نسبه.
(4) قال في مجمع البحرين : (قد اضطربت النسخ في ذلك ففي بعضها بالحاء المهملة ، وفي بعضها بالجيم ، وفي بعضها بالخاء المعجمة ، ولعله الصواب ، ويكون المخبور بمعنى المعلوم) انتهى ، وقال الشارح في المسالك : (وجدتها مضبوطة بخط الصدوق بالجيم والباء في كتابه المقنع ، فإنه عندي بخطه) انتهى.
(5) وفي الوسائل نقلا عن الفقيه (أو خادم تشترى).
(6) اعلم أن هذه الفقرة ليست في خبر الفضيل برواية الصدوق التي هي صحيحة السند ، بل هي في خبر الفضيل برواية الشيخ في التهذيب ، وخبر الفضيل في التهذيب ليس صحيح السند لاشتماله على محمد بن سنان وليس هكذا متنه بل متنه على ما تقدم : (لا يحرم من الرضاع إلا المخبورة أو خادم أو ظئر ثم يرضع عشر رضعات يروى الصبي وينام).
(7) وهو ظاهر في كون العشر رضعات حكما ظاهريا قد صدر من باب التقية ، لأن المعصوم لا ينسب الحكم إلى غيره إلا إذا كان من باب التقية ، فالاستدلال به ليس في محله.
(8) لا يوجد إلا خبر زياد بن سوقة ولذا قال الشارح في المسالك : وأما حجة القول الآخر ففيها ضعف رواية زياد بن سوقة التي ليس في الباب غيرها دالا على اعتبار الخمس عشرة ، لأن في طريقها عمار بن موسى وحاله في الفطحية معلوم) انتهى ، نعم هي أخبار وليس خبرا من ناحية عدم اعتبار العشر رضعات وقد تقدم الكلام فيها.
(9) بالنسبة لخبر زياد بن سوقة.
(10) أي قريبة من الضعف ، وهذا بالنسبة للأخبار التي توافق خبر ابن سوقة في نفي العشر رضعات ، وهي قريبة من الضعف لأن فيها الموثق.
ص: 231
وفيه نظر (1) ، لمنع صحة الخبر (2) الدال على العشرة فإنّ في طريقه محمد بن سنان (3) وهو ضعيف على أصح القولين وأشهرهما ، وأما صحيحة عبيد فنسب (4) العشر إلى غيره (5) مشعرا بعدم اختياره ، وفي آخره ما يدل على ذلك ، فإنّ السائل لما فهم منه عدم ارادته قال له : فهل تحرّم عشر رضعات : فقال : «دع ذا ، وقال : ما يحرم من النسب فهو يحرم من الرضاع». فلو كان حكم العشر حقا لما نسبه عليه السلام إلى غيره ، بل كان يحكم به من غير نسبة ، وإعراضه عليه السلام ثانيا عن الجواب إلى غيره (6) مشعر بالتقية ، وعدم التحريم بالعشر فسقط الاحتجاج من الجانبين (7) ، وبقي صحيحة عبد الله (8) بن رئاب عن الصادق عليه السلام قال : قلت له ما يحرم من الرضاع؟ قال : «ما أنبت اللحم ، وشد العظم» قلت : فتحرّم عشر رضعات؟ قال : «لا ، لأنها لا تنبت اللحم ، ولا تشد العظم عشر رضعات» فانتفت العشر بهذا الخبر فلم يبق إلا القول بالخمس عشرة رضعة وإن لم يذكر (9) ،
______________________________________________________
(1) أي في الاستدلال على العشر.
(2) أي صحيح الفضيل.
(3) قد عرفت ما دل على العشر هو خبر الفضيل برواية الشيخ وهو الذي في سنده ابن سنان المذكور ، وأما خبر الفضيل برواية الصدوق فهو صحيح السند وليس مشتملا على الفقرة الدالة على إرضاع عشر رضعات ، ومنه تعرف أن الشارح سابقا قد خلط بين الخبرين متنا.
(4) أي الإمام عليه السلام.
(5) أي غير الإمام عليه السلام.
(6) أي غير الجواب حيث تكلم عما يحرم بالرضاع من الإناث على الرجال ، ومن الرجال على الإناث وأنه تابع للنسب في ذلك مع أن المطلوب بيان العدد الناشر للحرمة في الرضاع.
(7) أما من جانب العشر فلما تقدم من الشارح ، وأما من جانب الخمس عشرة رضعة فلضعف السند ، وفيه : إنه مجبور بغيره مما دل على عدم اعتبار العشر ، وهو صحيح السند.
(8) ولعله من سهو القلم إذ هو علي بن رئاب ولذا قال في المسالك : (ويشاركها في نفيه - أي لرواية زياد بن سوقة في نفي القول بالعشر - أيضا صحيحة علي بن رئاب عن الصادق عليه السلام) إلى آخر كلامه فراجع.
(9) أي القول بالخمس عشرة لم يذكر في صحيح علي بن رئاب.
ص: 232
إذ لا واسطة بينهما (1) وبهذا (2) يخص عموم الأدلة أيضا.
ويضعّف قول ابن الجنيد بالاكتفاء بما وقع عليه اسم الرضعة ، نظرا (3) إلى العموم حيث (4) أطرح الأخبار من الجانبين.
وما أوردناه من الخبر الصحيح حجة عليه ، وتبقى الأخبار المثبتة للخمس عشرة ، والنافية للعشر من غيره (5) شاهدة وعاضدة له (6) وهي كثيرة.
(وأن يكون المرتضع في الحولين) (7) فلا عبرة برضاعه بعد هما وإن كان جائزا
______________________________________________________
(1) بين القول بالعشر وبين القول بالخمس عشرة.
(2) أي بصحيح علي بن رئاب الدال على الخمس عشرة بما تقدم تخصص عموم الأدلة الدالة على حرمة الرضاع مطلقا كقوله تعالى : ( وَأُمَّهٰاتُكُمُ اللّٰاتِي أَرْضَعْنَكُمْ ) (1) ، وفي هذا رد على ابن الجنيد حيث تمسك بالعموم واكتفى بالرضعة الواحدة.
(3) تعليل للاكتفاء بالرضعة.
(4) تعليل لضعف قول ابن الجنيد.
(5) أي من غير هذا الصحيح.
(6) أي للصحيح الدال على الخمس عشرة بما تقدم.
(7) أي قبل استكمالهما فلا عبرة برضاعه بعدهما لصحيح منصور بن حازم عن أبي عبد الله عليه السلام (قال رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم : لا رضاع بعد فطام) (2) ومثله غيره والمراد به أنه لو شرب الولد بعد استحقاقه الفطام وهذا لا يكون إلا بعد الحولين فلو شرب من لبن امرأة فلا يحرّم هذا الرضاع ، ويؤيد هذا التفسير خبر حماد بن عثمان (سمعت أبا عبد الله عليه السلام يقول : لا رضاع بعد فطام ، قلت : وما فطام؟ قال : الحولين الذين قال الله عزوجل) (3) ، وكلامه الأخير إشارة إلى قوله تعالى : ( وَالْوٰالِدٰاتُ يُرْضِعْنَ أَوْلٰادَهُنَّ حَوْلَيْنِ كٰامِلَيْنِ لِمَنْ أَرٰادَ أَنْ يُتِمَّ الرَّضٰاعَةَ ) (4) والآية ظاهرة في كون الحولين وقت رضاعة وأن ما بعدهما وقت استحقاقه الفطام.
وعن ابن الجنيد أنه لو رضع بعد الحولين قبل أن يفطم فعلا لثبت التحريم ، ويشهد له -
ص: 233
كالشهر والشهرين معهما والحولان معتبران في المرتضع ، دون ولد المرضعة (1) ، فلو كمل حولا (2) ولدها ، ثم أرضعت بلبنه غيره نشر في أصح القولين.
______________________________________________________
- خبر داود بن الحصين عن أبي عبد الله عليه السلام (الرضاع بعد الحولين قبل أن يفطم محرّم - يحرّم -) (1) ، وقد رماه الشيخ بالشذوذ ، وحمله في الاستبصار على التقية وعن ابن أبي عقيل البناء على عدم التحريم إذا ارتضع قبل الحولين بعد الفطام الفعلي ، وفي صحة النسبة تأمل ، إذ لم يفت إلا بمضمون النبوي حيث قال : الرضاع الذي يحرّم قبل الفطام ، هذا واستدل له العلامة في المختلف بصحيح البقباق عن أبي عبد الله عليه السلام (الرضاع قبل الحولين قبل أن يفطم) (2) وأجيب أنه قبل أن يستحق الفطم واستحسنه الشيخ الأعظم في رسالته.
(1) هل يراعى الحولان في ولد المرضعة أيضا ، وهو الذي حصل اللبن من ولادته ، بحيث يشترط كونه أيضا في الحولين حين ارتضاع الولد الآخر ، ذهب جماعة إلى الاشتراط ، منهم الحلبي وابنا زهرة وحمزة لإطلاق (لا رضاع بعد فطام) المتقدم ، وهو نكرة في سياق النفي فيشمل ولد المرضعة ، ولخصوص خبر علي بن أسباط (سأل ابن فضال ابن بكير في المسجد فقال : ما تقولون في امرأة أرضعت فلانا سنتين ثم أرضعت صبية لها أقل من سنتين حتى تمت السنتان ، أيفسد ذلك بينهما؟ قال : لا يفسد ذلك بينهما لأنه رضاع بعد فطام ، وإنما قال رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم : لا رضاع بعد فطام ، أي أنه إذا تم للغلام سنتان أو الجارية فقد خرج عن حدّ اللبن ، ولا يفسد بينه وبين من شرب لبنه ، قال : وأصحابنا يقولون إنه لا يفسد إلا أن يكون الصبي والصبية يشربان شربة شربة) (3).
هذا وعن الأكثر عدم اعتبار الحولين في ولد المرضعة لعموم أدلة تحريم الرضاع ، بعد حمل إطلاق (لا رضاع بعد فطام) على خصوص المرتضع لا على الأعم منه ومن ولد المرضعة ، ولأصالة عدم الاشتراط عند وقوع الشك في اعتبار الحولين في ولد المرضعة ، ولأن خبر علي بن أسباط متضمن لقول ابن بكير فقط وهو ليس بحجة علينا.
وعلى الثاني فلو مضى لولد المرضعة أكثر من حولين ثم أرضعت غيره فينشر الحرمة ، ولو رضع المرتضع العدد إلا رضعة فتم الحولان للمرتضع فأكمل المرتضع رضعته بعد حوليه فلا حرمة لتحقق الفطام فيه حينئذ.
(2) بالتثنية.
ص: 234
ولا فرق بين أن يفطم (1) المرتضع قبل الرضاع في الحولين ، وعدمه (2) ، والمعتبر في الحولين الهلالية ، فلو انكسر الشهر الأول أكمل (3) بعد الأخير (4) ثلاثين ، كغيره (5) من الآجال.
(وأن لا يفصل بين) الرضعات في الأحوال الثلاثة(برضاع أخرى) (6) وإن
______________________________________________________
(1) الفطام هنا بالمعنى اللغوي.
(2) وفي هذا رد على ابن أبي عقيل.
(3) أي أكمل الشهر الأول المنكسر.
(4) والأخير هو الشهر الرابع والعشرون.
(5) أي كغير الرضاع من الآجال التي تعدّ بالأشهر الهلالية.
(6) من شروط الرضاع المحرّم عدم الفصل بين رضعاته برضاع من امرأة أخرى ، بلا خلاف فيه في التقدير العددي لموثق زياد بن سوقة المتقدم (قلت لأبي جعفر عليه السلام : هل للرضاع حد يؤخذ به؟ فقال عليه السلام : لا يحرّم الرضاع أقل من يوم وليلة أو خمس عشرة رضعة متواليات ، من امرأة واحدة من فحل واحد لم يفصل بينها رضعة امرأة غيرها ، فلو أن امرأة أرضعت غلاما أو جارية عشر رضعات من لبن فحل واحد وأرضعتهما امرأة أخرى من فحل آخر عشر رضعات لم يحرم نكاحهما) (1) ، ويؤيده ما دلّ على عدم النشر في عشر رضعات إذا كن متفرقات كخبر مسعدة عن أبي عبد الله عليه السلام (لا يحرّم من الرضاع إلا ما شدّ العظم وأنبت اللحم ، فأما الرضعة والثنتان والثلاث حتى بلغ العشر إذا كن متفرقات فلا بأس) (2) ومثله غيره ، وعليه فلو رضع من واحدة بعض العدد ثم رضع من أخرى بطل حكم الأولى وإن أكملته بعد ذلك ، وكذا لو تناوب عليه عدة نساء لم ينشر الحرمة وإن كنّ لرجل واحد ما لم يكمل من واحدة خمس عشرة رضعة ولاء.
ثم هل القادح في التوالي هو مسمى رضاع امرأة أخرى كما هو صريح العلامة في القواعد وهو الظاهر من المحقق في الشرائع بل عن كشف اللثام نسبته إلى إطلاق الأصحاب ، وعن المسالك أنه ينبغي أن يكون العمل عليه ، أو لا بد من الرضعة الكاملة فلا يقدح في الفصل كون الرضعة ناقصة كما هو صريح التذكرة والجواهر والرياض ، وقوّاه الشيخ الأعظم قولان ، فيدل على الثاني ظهور لفظ (الرضعة) الوارد في خبر زياد المتقدم ، فالخبر هو الأصل في هذا الحكم ، ولفظ الرضعة فيه ظاهر في الكاملة منها ، -
ص: 235
لم يكن رضعة كاملة.
______________________________________________________
- لإرادة الكاملة من الخمس عشرة رضعة المتوالية بعد اتحاد المراد منها في الموردين.
ويستدل للأول بعدم صدق التوالي بين الرضعات المقيّدة به عند تحقق الناقصة ، حيث قال عليه السلام (أو خمس عشرة رضعة متواليات) ، ومن الواضح عدم صدق التوالي لو تخللت الناقصة بينها ، وكذا يصدق التفرق عند تحقق الناقصة ، والتفرق مانع وقادح في خبر مسعدة المتقدم وغيره. ثم إن تخلل غير الرضاع من مأكول ومشروب هل هو قادح أو لا ، فعن السرائر والحدائق دعوى الإجماع على عدم مانعيته ، وعن الشيخ الأعظم ينبغي القطع بعدم قطع تخلل غير الرضاع في التوالي ، لأن التوالي المعتبر قد فسّر في موثق زياد المتقدم بعدم الفصل بين الرضعات برضاع امرأة أخرى فقط ، فلا دليل حينئذ على مانعية غيره.
وأما التقدير الزماني فهل يشترط عدم الفصل بين رضعاته أو لا ، وكذا التقدير الأثري ، قال الشارح في المسالك : (وكما يقدح هذا - أي الإرضاع من امرأة أخرى - في توالي العدد المعتبر فكذا يقدح فيما يعتبر من الرضاع في اليوم والليلة ، بل يقدح هنا تناول المأكول أيضا بخلاف العدد ، وأما التقدير بإنباته اللحم وشدّ العظم فالمعتبر استنادهما إلى الرضاع وإن تخلله غيره إذا لم يحكم أهل الخبرة بانتسابهما إليه) انتهى ، وقال في الجواهر : (وأما التقديران الآخران فليس في النصوص اعتبار التوالي بهذا المعنى فيهما ، فينبغي المدار على حصول مسماهما وعدمه ، من غير فرق بين الفصل بالأكل ونحوه) انتهى.
وملاحظة الفتاوى تعطي عدم الاتفاق في اعتبار التوالي أو عدمه في التقدير الزماني فمن اعتبر التواني وعدم الفصل ولو بالأكل في التقدير الزماني فقد اعتبره بناء على اشتراط كون غذاء الطفل في اليوم والليلة منحصرا بلبن المرضعة ، وهذا يضره مطلق التناول سواء كان بإرضاع امرأة أخرى أم كان تناولا لمأكول أو مشروب ، ومن لم يعتبر التوالي في التقدير الزماني فهو ناظر إلى أن النصوص الدالة على التقدير الزماني خالية عن اعتبار قيد التوالي.
وأما اعتبار التوالي في التقدير الأثري فكأنه متفق على عدمه بعد كون إسناد الإنبات والاشتداد إلى الإرضاع ، وهذا لا يضره التخلل بغيره من إرضاع امرأة أخرى أو تناول طعام أو شراب ، مع خلو النصوص الدالة على التقدير الأثري عن اعتبار قيد التوالي ، نعم إذا حكم أهل الخبرة بإسناد الإنبات والاشتداد إلى مجموع ما تناوله المرتضع لم تكن الرضعات الحاصلة من امرأة واحدة بلبن فحل واحد محرّمة حينئذ لعدم تحقق الإسناد المذكور إلى هذا الإرضاع ، ومنه تعرف ضعف ما ذهب إليه الشارح هنا حيث اشترط التوالي وعدم الفصل بين الرضعات في الأحوال الثلاثة بحيث كانت الرضعات في يوم وليلة أو كانت بالعدد المعتبر ، أو كانت على نحو أوجبت إنبات اللحم واشتداد العظم.
ص: 236
ولا عبرة بتخلل غير الرضاع (1) من المأكول ، والمشروب ، وشرب اللبن من غير الثدي ، ونحوه (2) ، وإنما يقطع اتصال الرضعات ارضاع غيرها من الثدي ، وصرح العلامة في القواعد بالاكتفاء في الفصل بأقل من رضعة كاملة من غير تردد ، وفي التذكرة بأن الفصل لا يتحقق إلا برضعة كاملة وأن الناقصة بحكم المأكول ، وغيره ، والرواية (3) مطلقة (4) في اعتبار كونها (5) من امرأة واحدة ، قال الباقر عليه السلام : «لا يحرم الرضاع أقل من يوم وليلة ، أو خمس عشرة رضعة متوالية من امرأة واحدة من لبن فحل واحد». ولعل دلالتها على الاكتفاء بفصل مسمى الرضاع أكثر (6).
(وأن يكون اللبن لفحل واحد (7) فلو أرضعت المرأة جماعة) ذكورا وأناثا
______________________________________________________
(1) بالنسبة للتقدير العددي والتقدير الأثري ، وأما التقدير الزماني فيضره حتى الأكل والشرب كما هو مبنى الشارح في المسالك.
(2) كإدخال اللبن من أنفه.
(3) وهي موثق زياد بن سوقة المتقدم.
(4) غير مقيدة بكون الناقصة غير منافية.
(5) أي كون الرضعات.
(6) لأن الرواية دالة على اعتبار كون الرضعات من امرأة واحدة وكونها متوالية ، فإذا حصل مسمى الرضاع من غيرها فلا تكن هذه الرضعات متوالية من امرأة واحدة.
(7) ومن شروط الرضاع المحرّم أن يكون اللبن لفحل واحد ، فلو أرضعت امرأة صبيين أو بنتين أو صبيا وبنتا بلبن فحل واحد ، لنشر هذا الإرضاع الحرمة بينهما ، ولو أرضعتهما بلبن فحلين فلا حرمة ، فالعبرة بالأخوة الرضاعية من جهة الأب وهو الفحل ، ولا تكفي الأخوة من الأم خاصة على ما هو المشهور لموثق الساباطي (سألت أبا عبد الله عليه السلام عن غلام رضع من امرأة أيحلّ له أن يتزوج أختها لأبيها من الرضاع؟ فقال عليه السلام : لا فقد رضعا جميعا من لبن فحل واحد من امرأة واحدة ، قال عمار : فيتزوج أختها لأمها من الرضاعة فقال عليه السلام : لا بأس بذلك ، إن أختها التي لم ترضعه كان فحلها غير فحل التي أرضعت الغلام ، فاختلف الفحلان فلا بأس) (1). وصحيح الحلبي عن أبي عبد الله عليه السلام (عن الرجل يرضع من امرأة وهو غلام أيحلّ له أن يتزوج أختها لأمها من الرضاعة؟ فقال : إن كانت المرأتان رضعتا من امرأة واحدة من لبن فحل واحد فلا يحلّ ، -
ص: 237
(بلبن فحلين) فصاعدا بحيث لم يجتمع ذكر وأنثى منهم على رضاع لبن فحل واحد
______________________________________________________
- وإن كانت المرأتان رضعتا من امرأة واحدة من لبن فحلين فلا بأس بذلك) (1).
وعن أبي علي الطبرسي صاحب التفسير في تفسيره المعلوم عدم اشتراط الفحل ، بل يكفي اتحاد المرضعة ، لأنه يكون بينهم إخوة الأم وإن تعدد الفحل فيدخل في عموم قوله تعالى : ( وَأَخَوٰاتُكُمْ مِنَ الرَّضٰاعَةِ ) (2) ، ولأن الأخوة من الأم يحرّم التناكح بينهم بالنسب ، فمن الرضاع كذلك ، ويشهد له خبر محمد بن عبيدة الهمداني (قال الرضا عليه السلام : ما يقول أصحابك في الرضاع؟ قلت : كانوا يقولون : اللبن للفحل حتى جاءتهم الرواية عنك أنك تحرّم من الرضاع ما يحرم من النسب فرجعوا إلى قولك ، فقال عليه السلام : وذلك أن أمير المؤمنين سألني عنها البارحة ، فقال لي : اشرح لي اللبن للفحل ، وأنا أكره الكلام ، فقال لي : كما أنت حتى أسألك ، ما قلت في رجل كانت له أمهات أولاد شتى فأرضعت واحدة منهن بلبنها غلاما غريبا ، أليس كل شي ء من ولد ذلك الرجل من أمهات الأولاد الشتى محرما على ذلك الغلام؟ قلت : بلى.
فقال : فقال لي أبو الحسن عليه السلام : فما بال الرضاع يحرّم من قبل الفحل ولا يحرّم من قبل الأمهات ، وإنما الرضاع من قبل الأمهات وإن كان لبن الفحل يحرّم) (3) وهذه الرواية مهجورة عند الأصحاب بشهادة غير واحد ، فقول الطبرسي متين لو لا دلالة النصوص على اعتبار وحدة الفحل.
ومما يتفرع على اتحاد الفحل أن المرأة لو أرضعت الصبي بعض الرضعات بلبن فحل ثم فارقها زوجها فتزوجت بغيره وأكملت العدد بلبن الثاني لم ينشر هذا الإرضاع الحرمة لا بين المرضعة والولد ، ولا بين الولد وبين صاحبي اللبن ، ويعقل تصور هذا الفرض بكون الولد قد اعتاض في المدة المتخللة بين الرضاعين بالمأكول ، ولم يفصل بين الرضاعين رضاع أجنبية ، فعدد الرّضاعات مكتمل وإن طال الزمن بينها مع تحقق التوالي المعتبر وهو مما لا خلاف فيه بيننا ، والمخالف هو جمهور المخالف ويرده أخبارنا.
منها : موثق زياد بن سوقة المتقدم عن أبي جعفر عليه السلام (لا يحرّم الرضاع أقل من يوم وليلة أو خمس عشرة رضعة متوالية من امرأة واحدة من لبن فحل واحد) (4).
وهذا التفريع الثاني لم يذكره الشهيدان هنا.
ص: 238
بأن أرضعت جماعة ذكورا بلبن واحد (1) ، ثم جماعة أناثا بلبن فحل آخر ، أو أرضعت صبيا بلبن فحل ، ثم أنثى بلبن فحل آخر ، ثم ذكرا بلبن ثالث ، ثم أنثى بلبن رابع وهكذا(لم يحرم بعضهم على بعض) ولو اتحد فحل اثنين منهم تحقق التحريم فيهما ، دون الباقين كما لو أرضعت ذكرا وأنثى بلبن فحل ، ثم ذكرا آخر وأنثى بلبن فحل آخر ، وهكذا فإنه يحرم كل أنثى رضعت مع ذكرها من لبن فحل واحد عليه (2) ، ولا يحرم على الذكر الآخر ، والعبارة (3) لا تفي بذلك (4) ، ولكن المراد منها حاصل (5).
ولا فرق مع اتحاد الفحل بين أن تتحد المرضعة كما ذكر ، أو تتعدد بحيث يرتضع أحدهما من إحداهما كمال النصاب ، والآخر من الأخرى كذلك (6) ، وإن تعددن فبلغن مائة كالمنكوحات بالمتعة ، أو بملك اليمين (7).
وعلى اعتبار اتحاد الفحل معظم الأصحاب وجملة من الأخبار. وقد تقدم بعضها (8).
(وقال) أبو علي(الطبرسي صاحب التفسير رحمه الله) فيه (9): (لا يشترط اتحاد الفحل) ، بل يكفي اتحاد المرضعة ، (لأنه يكون بينهم) مع اتحادها (10) (إخوة)
______________________________________________________
(1) أي فحل واحد.
(2) على ذكرها التي رضع معها من لبن فحل واحد ، وعليه متعلق بقوله (فإنه يحرم).
(3) أي عبارة الماتن.
(4) لأن عبارة الماتن صادقة على المثال الأخير بحيث أرضعت أنثى وذكر بلبن فحل وأنثى وذكر بلبن فحل آخر ، ولازمه عدم حرمة بعضهم على بعض ، مع أن أنثى الأول محرمة على ذكرها ، وكذا أنثى الثاني.
(5) ولو بقرينة الخارج.
(6) أي كمال النصاب ، فهما إخوة من جهة الأبوة فيحرم كل على الآخر ، وعليه فلا يشترط الأخوة من جهة الأمومة.
(7) وكل منكوحة قد أرضعت ولدا ، فالجميع إخوة من جهة الأبوة.
(8) وهو موثق زياد بن سوقة.
(9) في التفسير.
(10) أي اتحاد المرضعة.
ص: 239
(الأم) وإن تعدد الفحل(وهي (1) تحرّم التناكح) بالنسب ، والرضاع يحرم منه ما يحرم بالنسب. وهو (2) متجه لو لا ورود النصوص عن أهل البيت عليه السلام بخلافه ، وهي (3) مخصصة لما دلّ بعمومه على اتحاد الرضاع والنسب في حكم التحريم.
(ويستحب) في الاسترضاع(اختيار) المرضعة(العاقلة (4) المسلمة العفيفة الوضيئة) (5) الحسنة(للرضاع) ، لأن الرضاع مؤثر (6) في الطباع ، والأخلاق ،
______________________________________________________
(1) أي إخوة الأم.
(2) أي قول الطبرسي.
(3) أي هذه النصوص.
(4) للأخبار.
منها : خبر محمد بن قيس عن أبي جعفر عليه السلام (لا تسترضعوا الحمقاء ، فإن اللبن يعدي ، وأن الغلام ينزع إلى اللبن ، يعني إلى الضئر في الرعونة والحمق) (1) ، وخبر مسعدة بن صدقة عن أبي عبد الله عليه السلام (قال أمير المؤمنين عليه السلام : لا تسترضعوا الحمقاء فإن اللبن يغلب الطباع ، قال : قال رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم : لا تسترضعوا الحمقاء فإن اللبن يشبّ عليه) (2) ، وخبر الصدوق في عيون الأخبار عن الرضا عن آبائه عليهم السلام (قال رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم : لا تسترضعوا الحمقاء ولا العمشاء ، فإن اللبن يعدي) (3) ، وخبر الحسين بن علوان عن جعفر عن أبيه عليه السلام (أن عليا كان يقول : تخيروا للرضاع كما تخيّرون للنكاح ، فإن الرضاع يغيّر الطباع) (4) ، وخبر غياث بن إبراهيم عن أبي عبد الله عليه السلام (قال أمير المؤمنين عليه السلام : انظروا من يرضع أولادكم فإن الولد يشبّ عليه) (5)، وهذه الأخبار دالة على استحباب كون المرضعة مسلمة وعفيفة.
(5) أي حسنة الصورة ففي خبر زرارة عن أبي جعفر عليه السلام (عليكم بالوضّاء من الظؤرة فإن اللبن يعدي) (6) ، وفي خبر محمد بن مروان (قال لي أبو جعفر عليه السلام : استرضع لولدك بلبن الحسان ، وإياك والقباح فإن اللبن يعدي) (7).
(6) كما هو الظاهر من الأخبار المتقدمة ، والتجربة شاهدة على ذلك.
ص: 240
والصورة ، قال النبي صلى الله عليه وآله وسلم : «أنا أفصح العرب بيد (1) أني من قريش ، ونشأت في بني سعد وارتضعت من بني زهرة» (2) وكانت هذه القبائل أفصح العرب ، فافتخر صلى الله عليه وآله وسلم بالرضاع كما افتخر بالنسب ، وقال أمير المؤمنين عليه السلام : «انظروا من يرضع أولادكم فإن الولد يشبّ (3) عليه» ، وقال الباقر عليه السلام : «عليكم بالوضاء (4) من الظؤرة (5) فإن اللبن يعدي» ، وقال عليه السلام لمحمد بن مروان : «استرضع لولدك بلبن الحسان ، وإياك والقباح فإن اللبن قد يعدي».
(ويجوز استرضاع الذمية عند الضرورة) (6) من غير كراهة ، ويكره بدونها (7) ، ويظهر من العبارة كعبارة كثير التحريم من دونها (8) ، والأخبار دالة على الأول.
______________________________________________________
(1) بفتح الدال ، وهو بمعنى غير فيقال : هو كثير المال بيد أنه بخيل ، ولا يجي ء إلا في المنقطع خاصة مضافا إلى أن وصلتها.
(2) قد أورد بعضه في مجمع البحرين في كتاب الدال ، باب ما أوله الباء.
(3) من الشباب أي يقوى عليه ، وهو مبني للمجهول ، والمعنى أنه ينشأ ويكبر الولد عليه بحيث ينشأ على ما عليه صاحبة اللبن من الصفات الخلقية والخلقية.
(4) بالضم والمد.
(5) جمع ظئر ، كصهر وصهورة ، والظئر هو المرضعة ، والأصل في الظئر العطف ، فيقال ناقة مظئورة إذا عطفت على ولدها ، وسميت المرضعة ظئرا لأنها تعطف على الرضيع.
(6) يكره استرضاع الكافرة لما سمعت من الأخبار ، ولصحيح محمد بن مسلم عن أبي جعفر عليه السلام (لبن اليهودية والنصرانية والمجوسية أحبّ إليّ من ولد الزنا) (1) ، وهو دال على مرجوحية اختيار اليهودية وأختيها.
نعم لو اضطرّ إلى غير المسلمة استرضعت الذمية وانتفت حينئذ الكراهة للضرورة ، ويشهد له خبر عبد الله بن هلال عن أبي عبد الله عليه السلام (سألته عن مظائرة ، المجوسي ، قال : لا ولكن أهل الكتاب) (2) ، ونحوه غيره.
(7) أي بدون الضرورة.
(8) أي من دون الضرورة ، ووجهه أن مفهوم عبارة الماتن عدم جواز استرضاع الذمية عند عدم الضرورة ، وهو ظاهر في التحريم ، مع أن الأخبار دالة على الكراهة عند عدم الضرورة.
ص: 241
(ويمنعها) (1) زمن الرضاعة(من أكل الخنزير ، وشرب الخمر) (2) على وجه الاستحقاق إن كانت أمته ، أو مستأجرته وشرط عليها ذلك ، وإلا توصل إليه بالرفق ، (ويكره تسليم الولد إليها لتحمله إلى منزلها) ، لأنها ليست مأمونة عليه(والمجوسية أشد كراهة) أن تسترضع ، للنهي عنها في بعض الأخبار (3) المحمول
______________________________________________________
(1) أي الذمية.
(2) لو استرضع الذمية فيمنعها من شرب الخمر وأكل لحم الخنزير للأخبار.
منها : خبر سعيد بن يسار عن أبي عبد الله عليه السلام (لا تسترضع الصبي المجوسية ، وتسترضع اليهودية والنصرانية ، ولا يشربن الخمر يمنعن من ذلك) (1) ، وخبر عبد الرحمن بن أبي عبد الله (سألت أبا عبد الله عليه السلام : هل يصلح للرجل أن ترضع له اليهودية والنصرانية والمشركة؟ قال : لا بأس ، وقال : امنعوهم شرب الخمر) (2) ، وخبر علي بن جعفر عن أخيه موسى بن جعفر عليه السلام (سألته عن الرجل المسلم هل يصلح له أن يسترضع اليهودية والنصرانية وهنّ يشربن الخمر؟ قال : امنعوهنّ من شرب الخمر ما أرضعن لكم) (3) ، وصحيح الحلبي قال (سألته عن رجل دفع ولده إلى ظئر يهودية أو نصرانية أو مجوسية ترضعه في بيتها أو ترضعه في بيته؟ قال : ترضعه لك اليهودية والنصرانية في بيتك ، وتمنعها من شرب الخمر وما لا يحلّ ، مثل لحم الخنزير ، ولا يذهبن بولدك إلى بيوتهن ، والزانية لا ترضع ولدك فإنه لا يحلّ لك ، والمجوسية لا ترضع لك ولدك إلا أن تضطر إليها) (4).
والأخير ظاهر في اشتداد كراهة استرضاع المجوسية والزانية أكثر من كراهة استرضاع مطلق الذمية ، وهو ظاهر في كراهة تمكين المرضعة الذمية من حمل الولد إلى منزلها.
وأما بالنسبة للمنع عن شرب الخمر وتناول ما لا يحلّ زمن الرضاعة فقد قال الشارح في المسالك : (وهذا المنع على وجه الاستحقاق إن كانت المرضعة أمة ، أو مستأجرة شرط عليها ذلك في العقد ، وإلا توصل إليه بالرفق استحبابا ، لأنه يؤثر في الطباع تأثيرا خبيثا فيتعدّى إلى اللبن ، ويمكن أن يكون وجه كراهة تسليمه إليها لتحمله إلى منزلها حذرا من أن تسقيه شيئا من ذلك ، مضافا إلى النهي عن الركون إلى الذين ظلموا ، وهي منهم وأنها ليست مأمونة عليه) انتهى.
(3) وهو خبر سعيد بن يسار وخبر عبد الله بن هلال المتقدمين.
ص: 242
على الكراهة جمعا (1) ، قال عبد الله بن هلال : سألت أبا عبد الله عليه السلام عن مظائرة المجوس فقال : «لا ، ولكن أهل الكتاب».
(ويكره أن تسترضع من ولادتها) التي يصدر عنها (2) اللبن(عن زنا) (3) قال الباقر عليه السلام (4) : «لبن اليهودية والنصرانية [والمجوسية] أحبّ إليّ من ولد الزنا». والمراد به (5) ما ذكرناه (6) ، لأنه قال (7) بعد ذلك : «وكان لا يرى بأسا بولد الزنا إذا جعل مولى الجارية الذي (8) فجر بالمرأة (9) في حلّ» (10) ، وكذا يكره استرضاع
______________________________________________________
(1) أي جمعا بين ما تقدم وبين خبر عبد الرحمن بن أبي عبد الله المتقدم عن أبي عبد الله عليه السلام (سأله هل يصلح للرجل أن ترضع له اليهودية والنصرانية والمشركة ، قال عليه السلام : لا بأس ، وقال : امنعوهم شرب الخمر) (1) ، وهو شامل لجميع أصناف الكفار.
هذا ويكره استرضاع الناصبية ففي خبر الفضيل بن يسار (قال لي جعفر بن محمد عليهما السلام: رضاع اليهودية والنصرانية خير من رضاع الناصبية) (2).
(2) أي عن الولادة ، وعليه فالمراد من الموصولة (من ولادتها) هي الزانية.
(3) أي يكره استرضاع الزانية باللبن الحاصل من ولادتها لولدها التي زنت به.
(4) في صحيح مسلم وقد تقدم.
(5) أي بولد الزنا الوارد في الخبر.
(6) أي المرضعة التي أولدت ابنها من الزنا فيكره استرضاعها من هذا اللبن الموجود عندها ، وليس المراد أن المرضعة هي ولد الزنا ، وإن كان حكمها كذلك لخبر علي بن جعفر عن أخيه أبي الحسن عليه السلام (سألته عن امرأة ولدت من الزنا ، هل يصلح أن يسترضع بلبنها؟ قال عليه السلام : لا يصلح ولا لبن ابنتها التي ولدت من الزنا) (3) ، وخبر الحلبي (قلت لأبي عبد الله عليه السلام : امرأة ولدت من الزنا أتخذها ظئرا؟ قال : لا تسترضعها ولا ابنتها) (4).
(7) أي الباقر عليه السلام.
(8) مفعول به لقوله (جعل) والفاعل هو مولى الجارية.
(9) أي بالجارية.
(10) الوسائل الباب - 75 - من أبواب أحكام الأولاد حديث 2 ، هذا الذيل ظاهر في كون -
ص: 243
ذات البدعة في دينها (1) والتشويه في خلقها (2) والحمقاء. قال النبي صلى الله عليه وآله وسلم : «لا تسترضعوا الحمقاء فإن اللبن يشبّ عليه» (3) ، وقال أمير المؤمنين عليه الصلاة والسلام : «لا تسترضعوا الحمقاء فإن اللبن يغلب الطباع» (4).
______________________________________________________
- المنهي عن اتخاذها ظئرا هي نفس الزانية لا ابنتها المولودة من الزنا ، وهذا الذيل ظاهر في أن الزانية أمة فلو أحلّ مولاها فرجها للذي زنا بها لارتفع الزنا ، وهو مناف للقواعد لأن إحلال ما مضى من الزنا لا يرفع إثمه ولا يدفع حكمه فكيف يطيب لبنها ، ولذا نسبها المحقق في الشرائع إلى الشذوذ من حيث أعراض الأصحاب عن العمل بمضمونها.
هذا وهو في الحقيقة استبعاد محض مع ورود النصوص الكثيرة بذلك لا خصوص هذا الصحيح المتقدم.
منها : صحيح هشام بن سالم وجميل بن دراج وسعد بن أبي خلف جميعا عن أبي عبد الله عليه السلام (في المرأة يكون لها الخادم قد فجرت ، يحتاج إلى لبنها؟ قال عليه السلام : فمرها فلتحللها يطيب اللبن) (1) ، وخبر إسحاق بن عمار عن أبي الحسن عليه السلام (عن غلام لي وثب على جارية لي فأحبلها فولدت فاحتجنا إلى لبنها ، فإن أحللت لهما ما صنعا أيطيب لبنها؟ قال : نعم) (2) ، ومرسل جميل عن أبي عبد الله عليه السلام (في رجل كانت له مملوكة فولدت من فجور ، فكره مولاها أن ترضع له مخافة أن لا يكون ذلك جائزا له ، فقال أبو عبد الله عليه السلام : فحلّل خادمك من ذلك حتى يطيب اللبن) (3).
ولا معارض لها فلا بد من العمل بها أو حملها على ما لو تزوجت الأمة بدون إذن مولاها وبعد الولادة أجاز عقدها فيطيب اللبن ويرتفع حكم الزنا ، وهو حمل بعيد فالأول أولى.
(1) لا نص عليه بالخصوص إلا أن الرضاع مؤثر في الطباع والأخلاق ، لأنه يعدي ، والأمر بالتخير للرضاع كما يتخير للنكاح.
(2) قد عرفت استحباب كون المرضعة وضيئة.
(3) كما في خبر مسعدة بن صدقة (4) ، وقد تقدم.
(4) كما في نفس خبر مسعدة بن صدقة المتقدم.
ص: 244
(وإذا كملت الشرائط) المعتبرة في التحريم (1) (صارت المرضعة أما) للرضيع
______________________________________________________
(1) فالرضاع المحرّم له أربعة شروط بأن يكون اللبن عن نكاح ومن فحل واحد ، وأن يكون في حولي المرتضع وأن يكون بقدر خاص ، إما زمنا وإما أثرا وإما عددا ، وقد تقدم الكلام في جميع هذه الشروط ، وتقدم الكلام أنه إذا تم الرضاع المحرّم فتصير المرضعة أما للمرتضع وصاحب اللبن أبا ، وآباؤهما من الذكور والإناث أجدادا وجدات ، وأولاد كل من المرضعة والفحل إخوة وأخوات ، وإخوة وأخوات المرضعة والفحل أخوالا وأعماما وعمات وخالات ، بلا خلاف في ذلك كله ، ولم يخالف إلا بعض العامة حيث قصر الحرمة على الأمهات والأخوات خاصة جمودا على ما في الآية من قوله تعالى : ( وَأُمَّهٰاتُكُمُ اللّٰاتِي أَرْضَعْنَكُمْ وَأَخَوٰاتُكُمْ مِنَ الرَّضٰاعَةِ ) (1) ، وهو معلوم البطلان خصوصا بعد تواتر قوله صلى الله عليه وآله وسلم : (يحرم من الرضاع ما يحرم من النسب) (2) ، وهو ظاهر في كون كل ما يحرم من النسب يحرم نظيره من الرضاع ، وقد عرفت أن العناوين النسبية سبعة وهي : الأمهات والبنات والأخوات وبنات الأخ وبنات الأخت والعمات والخالات ، وعليه فالتحريم في الرضاع منحصر بين المرتضع والمرضعة والفحل ، فيحرم على المرتضع المرضعة التي هي أمه ومن تعلق بها من العناوين السبعة ، ويحرم على المرتضع الفحل إذا كان المرتضع أنثى لأنها بنته بالرضاعة ، ويحرم على المرتضع من انتسب إلى الفحل من العناوين السبعة أيضا.
ويحرم على الفحل والمرضعة المرتضع والمرتضعة وأولادهما ، وهذه هي الضابطة الكلية في الرضاع المحرم لا يستثنى منها شي ء إلا مسألة واحدة وهي أن أبا المرتضع لا ينكح في أولاد صاحب اللبن ولادة لأنهم صاروا بمنزلة ولده ، على المشهور مع أن أولاد الفحل لم يزيدوا على أن صاروا إخوة لولد أبي المرتضع ، ومن المعلوم أن إخوة الولد ليست من العناوين المحرمة في النسب على نحو الاستقلال ، ولذا حكي عن الشيخ في المبسوط والقاضي وابن فهد البناء على الحل وعدم الحرمة ، والمشهور هو المنصور لصحيح علي بن مهزيار (سأل عيسى بن جعفر بن عيسى أبا جعفر الثاني عليه السلام : أن امرأة أرضعت لي صبيا ، فهل يحلّ لي أن أتزوج ابنة زوجها؟ فقال عليه السلام لي : ما أجود ما سألت ، من هاهنا يؤتى أن يقول الناس حرمت عليه امرأته (3) من قبل لبن الفحل ، هذا هو لبن -
ص: 245
.................................................................................................
______________________________________________________
- الفحل لا غيره ، فقلت له : الجارية (1) ليست ابنة المرأة التي أرضعت لي ، هي ابنة غيرها ، فقال : لو كنّ عشرا متفرقات ما حلّ لك شي ء منهن ، وكن في موضع بناتك) (2) ، وصحيح الحميري إلى أبي محمد العسكري عليه السلام (امرأة أرضعت ولد الرجل ، هل يحلّ لذلك الرجل أن يتزوج ابنة هذه المرضعة أم لا؟ فوقّع عليه السلام : لا تحلّ له) (3) ، وصحيح أيوب بن نوح (كتب علي بن شعيب إلى أبي الحسن عليه السلام : امرأة أرضعت بعض ولدي ، هل يجوز لي أن أتزوج بعض ولدها؟ فكتب عليه السلام : لا يجوز ذلك لك ، لأن ولدها صارت بمنزلة ولدك) (4).
وهذه الروايات الصحيحة هي المخرجة للمسألة عن القاعدة الكلية المتقدمة ، وقد عبرنا بأن أولاد صاحب اللبن هم بمنزلة ولد أبي المرتضع تبعا للرواية ، هذا وقد وقع الخلاف بينهم في أن أولاد الفحل المحرّمين على أبي المرتضع هل هم أولاده بالولادة فقط ، أم يعمّ أولاده بالرضاعة ، فالمشهور التعميم وعن التذكرة الإجماع عليه ، وعن الكفاية نوع تردد وكذا عن ظاهر المستند ، ووجه التردد عدم صدق الولد حقيقة إلّا على الولد النسبي لا الرضاعي ، ولذا قال الشيخ الأعظم في رسالته الرضاعية (وظاهر الرواية كما ترى مختص بفروع الفحل نسبا) ، وفيه : إنه على خلاف الظاهر ومما يتفرع على هذا الخلاف
هو جواز نكاح أبي المرتضع في أولاد المرضعة ، فالمشهور على عدم الجواز ، لأن أولاد المرضعة بمنزلة ولد أبي المرتضع كما في صحيح أيوب ، وصحيح الحميري المتقدمين ، وعن الشيخ في المبسوط والقاضي وابن فهد البناء على عدم التحريم ، لأن أولاد المرضعة هم إخوة المرتضع ، منهم إخوة ولد أبي المرتضع ، وإخوة الولد ليست من العناوين المحرّمة في النسب على نحو الاستقلال ، بل إخوة الولد لأمه تحرم على الأب إما لكونها أولادا له أو لكونها ربائب قد دخل بأمهن وكلاهما منتف في المقام ، ويرده صراحة النصوص المتقدمة على التحريم ، ولا اجتهاد في قبال النص وإن كان على خلاف القاعدة هذا والمشهور أن هذا الحكم من حرمة أولاد المرضعة على أبي المرتضع مختص بأولادها بالولادة فلا يحرم أولادها بالرضاعة عليه ، لأن أولاد المرضعة مع تعدد الفحل لا يحرم بعضهم على بعض فلا يحرم هؤلاء الأولاد على أب المرتضع لأنهم ليسوا بأخوة المرتضع بالرضاعة ، وإلا لو كانوا أخوته لكانوا أخوته لأبيه أيضا بالرضاعة وقد تقدم أن أخوته -
ص: 246
(والفحل) صاحب اللبن(أبا وإخوتهما أعماما وأخوالا ، وأولادهما إخوة ، وآباؤهما أجدادا ، فلا ينكح أبو المرتضع في أولاد صاحب اللبن ولادة ورضاعا) ، لأنهم صاروا إخوة ولده ، وإخوة الولد محرمون على الأب ، ولذلك عطف المصنف التحريم بالفاء ليكون تفريعا على ما ذكره (1).
والأخبار الصحيحة مصرحة بالتحريم هنا ، وأنهم بمنزلة ولده.
وقيل : لا يحرمن عليه مطلقا (2) ، لأن أخت (3) الابن من النسب إذا لم تكن بنتا إنما حرمت لأنها بنت الزوجة المدخول بها فتحريمها بسبب الدخول بأمها. وهو (4) منتف هنا (5) ، ولأن النص إنما ورد بأنه يحرم من الرضاع ما يحرم من النسب ، لا ما يحرم من المصاهرة (6) ، وأخت الولد إذا لم تكن ولدا إنما تحرم
______________________________________________________
- بالرضاعة من ناحية الفحل محرمون على أب المرتضع.
نعم على قول الطبرسي من أن أولاد المرضعة بالرضاعة محرمون على المرتضع وإن تعدد الفحل ، فهم أخوته فيحرمون على أبيه حينئذ ، ثم إن هذا الحكم مختص بأولاد الفحل فلا يتعدى إلى أم الفحل ولا إلى أخواته فلا تحرم واحدة منهن على أبي المرتضع ، ولا يتعدى إلى أم المرتضع بحيث تحرم على أولاد صاحب اللبن ، كل ذلك اقتصارا على مورد النص المخالف للقاعدة الكلية.
هذا وقال الشارح في المسالك : (واعلم أنه مما يتفرع على الخلاف في المسألة ما لو أرضعت جدة ولد الإنسان ، أو إحدى نساء جده الرضاع المعتبر ، فإن أم الرضيع تحرم على زوجها أب المرتضع ، لأنها من جملة أولاد صاحب اللبن ، إن قلنا إن أب المرتضع لا يجوز له أن ينكح في أولاد صاحب اللبن ، وسيأتي أن الرضاع كما يحرّم سابقا يحرّم لاحقا ، ويوجب انفساخ عقد من يحكم بتحريمها ، فينبغي التفطن لهذا ، فإنه مما يغفل عنه) انتهى.
(1) أما لو أتى بالواو لكانت المسألة مستقلة برأسها.
(2) أي لا نسبا ولا رضاعا.
(3) تعليل لعدم التحريم.
(4) أي الدخول.
(5) أي في أولاد صاحب اللبن ، لأن أب المرتضع لم يدخل في زوجة صاحب اللبن.
(6) وهو بمعنى النكاح ، ولذا قال في الجواهر : (وقد عرفت أن الرضاع إنما يحرّم ما يحرّم بالنسب خاصة ، لا الأعم منه ومن المصاهرة المتوقف تحريمها في النسب على سبب آخر وهو النكاح) انتهى.
ص: 247
بالمصاهرة (1). وهو حسن لو لا معارضة النصوص الصحيحة ، فالقول بالتحريم أحسن (2).
(وكذا لا ينكح) أبو المرتضع(في أولاد المرضعة ولادة) لصحيحة عبد الله بن جعفر ، قال : كتبت إلى أبي محمد عليه السلام أن امرأة أرضعت ولدا لرجل هل يحل لذلك الرجل أن يتزوج ابنة هذه المرضعة أم لا؟ فوقّع : «لا تحل له». ومثلها صحيحة أيوب بن نوح ، وفيها «لأن ولدها صارت بمنزلة ولدك» ، ويترتب على ذلك (3) تحريم زوجة أبي المرتضع عليه (4) لو أرضعته جدته لأمه ، سواء كان (5) بلبن جده أم غيره ، لأن الزوجة حينئذ (6) من جملة أولاد صاحب اللبن (7) إن كان (8) جدا ، ومن جملة (9) أولاد المرضعة نسبا إن لم يكن (10) ، فلا يجوز لأبي المرتضع نكاحها لاحقا كما لا يجوز سابقا بمعنى أنه يمنعه سابقا ويبطله لاحقا (11).
______________________________________________________
(1) أي بنكاح أمها.
(2) لأن الاجتهاد في مقابل النصوص مردود.
(3) أي على المسألتين من عدم نكاح أبي المرتضع في أولاد صاحب اللبن ولادة ورضاعا ، وعدم نكاح أبي المرتضع في أولاد المرضعة ولادة ، فما يترتب على هاتين المسألتين ما لو أرضعت جدته أم أمه الرضاع المعتبر ، فتحرم أم المرتضع على زوجها الذي هو أبو المرتضع ، لأن صاحب اللبن إن كان هو جده لأمه فأم المرتضع من جملة أولاد صاحب اللبن ولادة ويحرم على أبي المرتضع أن ينكح في أولاد صاحب اللبن ولادة ، وإن كان صاحب اللبن غير جد المرتضع فأم المرتضع بنت المرضعة نسبا ويحرم على أبي المرتضع أن ينكح في أولاد المرضعة ولادة.
(4) أي على أب المرتضع.
(5) أي كان الرضاع.
(6) أي حين إرضاع جدة المرتضع له.
(7) ولادة.
(8) أي صاحب اللبن بحيث كان جدا للمرتضع.
(9) أي والزوجة.
(10) أي لم يكن صاحب اللبن جدا.
(11) وسيأتي الكلام فيه مفصلا.
ص: 248
وكذا (1) لو أرضعت الولد بعض نساء (2) جده لأمه بلبنه (3) ، وإن لم تكن (4) جدة للرضيع ، لأن زوجة أب الرضيع حينئذ (5) من جملة أولاد صاحب اللبن (6) ، (و) كذا(لا يجوز له (7)) نكاح أولادها (8) (رضاعا على قول الطبرسي) ، لأنهم بمنزلة إخوة أولاده (9) من الأم ، وقد تقدم ضعفه (10) ، لما عرفت من أن التحريم مشروط باتحاد الفحل. وهو (11) منفي هنا (12).
(وينكح إخوة المرتضع نسبا في إخوته رضاعا) (13) إذ لا أخوّة بينهم ، وإنما
______________________________________________________
(1) أي يحرم على أب المرتضع.
(2) وهي ليست بجدة للمرتضع.
(3) أي بلبن الجد للأم.
(4) أي هذا البعض من النساء وهي المرضعة.
(5) أي حين أرضعت الولد بعض نساء جده.
(6) بالولادة.
(7) أي لأب المرتضع.
(8) أي أولاد المرضعة.
(9) لأنهم إخوة ابنه المرتضع.
(10) أي ضعف قول الطبرسي.
(11) أي اتحاد الفحل.
(12) لأن صاحب اللبن لو كان جدا للمرتضع لكان أولاد المرضعة حينئذ إخوة للمرتضع من أبيه أيضا والمفروض عدمه.
(13) على الأكثر فأخوة المرتضع بالرضاع بالنسبة لأخوته بالنسب هم إخوة أخيهم ، وإخوة الأخ ليست من العناوين الموجبة للتحريم إذ قد يتزوج أخو الرجل لأبيه أخته لأمه ، ويشهد له موثق إسحاق بن عمار عن أبي عبد الله عليه السلام (في رجل تزوج أخت أخيه من الرضاعة ، فقال : ما أحبّ أن أتزوج أخت أخي من الرضاعة) وهو ظاهر في الحلية على كراهة في البين ، والمراد من الأخت هي الأخت الرضاعية لأخيه النسبي ، وهو محل النزاع هنا ، وعن الشيخ في الخلاف والمبسوط والنهاية وابن حمزة وقواه في الكفاية التحريم ، لأن النصوص المتقدمة في نكاح أب المرتضع في أولاد صاحب اللبن قد جعلت أولاد صاحب اللبن بمنزلة ولد أب المرتضع ، وأولاد صاحب اللبن هو إخوة المرتضع بالرضاع فإذا كانوا بمنزلة ولد أب المرتضع فقد حرموا على أولاده النسبيين ، واستدلوا بأن أخت الأخ من النسب محرمة فكذا من الرضاع لأن ما يحرم من النسب يحرم من الرضاع.
وفيه : أما الثاني فأخت الأخ من النسب محرمة إذا كانت أختا للثالث وإلا فقد عرفت -
ص: 249
هم إخوة أخيهم ، وإخوة الأخ إذا لم يكونوا إخوة (1) لا يحرمون على إخوته ، كالأخ من الأب إذا كان له أخت من الأم فإنها لا تحرم على أخيه (2) ، لانتفاء القرابة بينهما.
(وقيل) والقائل الشيخ(بالمنع) ، لدلالة تعليل التحريم (3) على أب المرتضع في المسألة السابقة بأنهن (4) بمنزلة ولده عليه (5) ، ولأن أخت الأخ من النسب محرّمة فكذا من الرضاع.
ويضعّف بمنع وجود العلة هنا (6) ، لأن كونهن (7) بمنزلة أولاد أب المرتضع غير موجود هنا (8) وإن وجد ما يجري مجراها (9) ، وقد عرفت فساد الأخير (10).
______________________________________________________
- جواز تزويج أخته لأمه من أخيه لأبيه ، وأما الأول فقد عرفت أنّ النصوص السابقة منحصرة في حرمة أولاد صاحب اللبن اللذين هم إخوة المرتضع بالرضاع على أبيه فقط ، لكون الحكم على خلاف القواعد فيقتصر على مورده ، ولا يتعدى إلى المقام وهو حرمتهم أيضا على أولاد أب المرتضع اللذين هم إخوة المرتضع بالنسب.
(1) أي لم يكونوا أخوه لأولئك الذين هم إخوة المرتضع بالولادة.
(2) أي على أخيه من الأب.
(3) والتعليل وارد في صحيح أيوب بن نوح حيث قال عليه السلام (لأن ولدها صارت بمنزلة ولدك) ((1).
(4) أي بنات صاحب اللبن اللواتي هن إخوة المرتضع بالرضاعة.
(5) أي على أب المرتضع ، وإذا كن كذلك فقد حرمن على أولاده حينئذ.
(6) وهو أبو المرتضع حتى يحرم عليه أولاد صاحب اللبن الذين هم إخوة المرتضع بالرضاعة ، بل الموجود أولاد أب المرتضع ، ولا يتعدى بالحكم لأنه على خلاف القواعد فيقتصر فيه على مورده.
(7) أي كون بنات أصحاب اللبن.
(8) بل الموجود : هن أخوات بالرضاعة لأخيهم النسبي.
(9) أي مجرى العلة ، ومقامنا يجري مجرى مورد العلة ، لأن ابن أب المرتضع يحرم عليه ما حرم على أبيه بحسب النسب ، ولكن في موردنا فقد عرفت عدم التعدية لأن الحكم على خلاف القواعد فيقتصر فيه على مورده المنصوص.
(10) الأخير هو كون أخت الأخ من النسب محرمة فكذا من الرضاع ، وعرفت فساده عند قوله -
ص: 250
(ولو لحق الرضاع العقد حرّم كالسابق) (1) فلو أرضعت أمّه (2) ، أو من يحرم النكاح بإرضاعه (3) كأخته (4) ، وزوجة أبيه (5) ، وابنه (6) ، وأخيه (7) بلبنهم زوجته فسد النكاح (8) ، ولو أرضعت كبيرة الزوجتين صغيرتهما (9) حرّمتا أبدا مع
______________________________________________________
- إن إخوة الأخ إذا لم يكونوا إخوة لا يحرمون على أخوته ، وهنا كذلك فأخوة المرتضع بالرضاعة ليسوا بأخوة لأخوته بالولادة فلا يحرمون عليهم.
(1) لا إشكال ولا خلاف في أن الرضاع يحرّم النكاح على تقدير سبقه عليه كما لو أرضعت أمه بنتا فتصير أخته من الرضاعة فيحرم عليه نكاحها ابتداء ، وكذلك فالرضاع يبطل النكاح على تقدير تأخره عنه ، كما لو تزوج صغيرة فأرضعتها أمه فتصير أخته من الرضاعة فيبطل عقد النكاح ، بلا خلاف فيه أيضا للقطع بعدم الفرق بين الابتداء والاستدامة في تحريم الرضاع للنكاح كما في الجواهر ، ويشهد له النصوص الكثيرة الواردة في تحريم الزوجتين بحيث ارتضعت إحداهما من الأخرى بلبنه ، فإحداهما بنته من الرضاعة والأخرى أم زوجته كصحيح محمد بن مسلم عن أبي جعفر عليه السلام (لو أن رجلا تزوج جارية رضيعة فأرضعتها امرأته فسد النكاح) (1) ومثله غيره ، وسيأتي الكلام مفصلا في هذه المسألة.
(2) أي أرضعت أمه زوجته الصغيرة لحرمت عليه زوجته ، لأنها بالرضاع المذكور تصير أخته من الرضاعة.
(3) الضمير عائد إلى الموصول (من يحرم) ، والمعنى من يحرم النكاح بسبب إرضاعه.
(4) أي أرضعت أخته زوجته الصغيرة لحرمت عليه زوجته ، لأنها بالرضاع تصير بنت أخته من الرضاعة.
(5) فلو أرضعت زوجة أبيه زوجته الصغيرة لبطل النكاح ، لأن زوجته تصير أخته بالرضاع.
(6) أي أرضعت زوجة ابنه زوجته الصغيرة فيبطل النكاح ، لأن زوجته تصير بنت ابنه بالرضاع.
(7) أي أرضعت زوجة أخيه زوجته الصغيرة فيبطل النكاح ، لأن زوجته تصير بنت أخيه بالرضاع.
(8) وكلها أمثلة للرضاع اللاحق للعقد ، وهو مبطل له.
(9) لو كان لشخص زوجتان كبيرة وصغيرة ، والصغيرة في الحولين ، فأرضعت الكبيرة الصغيرة الرضاع المحرم انفسخ نكاحهما ، لامتناع الجمع في النكاح بين الأم والبنت ، -
ص: 251
الدخول بالكبيرة (1) ، وإلا (2) الكبيرة (3). وينفسخ نكاح الجميع مطلقا (4).
(ولا تقبل الشهادة به (5) إلا مفصلة) (6) فلا تكفي الشهادة بحصول الرضاع المحرّم مطلقا (7) للاختلاف في شرائطه كيفية وكمية ، فجاز أن يكون مذهب الشاهد مخالفا لمذهب الحاكم فيشهد بتحريم ما لا يحرّمه. ولو علم موافقة رأي الشاهد لرأي الحاكم في جميع الشرائط فالمتجه الاكتفاء بالإطلاق (8) ، إلا أنّ
______________________________________________________
- وقد صارت الصغيرة بنتا والكبيرة أما دفعة واحدة فانفسخ نكاحهما ، ثم إن كان الرضاع بلبن الزوج حرمتا مؤبدا سواء دخل بالكبيرة أم لا ، لصيرورة الصغيرة بنتا له والكبيرة أما لزوجته ، وكلاهما من العناوين المحرمة بالنسب ، وإن كان اللبن لغيره فإن كان دخل بالكبيرة حرمتا أيضا أبدا ، لأن الكبيرة تصير أم الزوجة بالرضاع فتحرم ، والصغيرة بنت المدخول بها فتحرم ، وإن لم يكن دخل بالكبيرة فتحرم الكبيرة لأنها بالرضاع تصير أما للزوجة فتحرم ، وأما الصغيرة فلا تحرم مؤبدا لأنها ربيبة لم يدخل بأمها ومع فسخ نكاحها على ما تقدم فيجوز له تجدده فيما بعد إن شاء.
(1) إذا لم يكن الرضاع بلبنه ، وإلا فلو كان الرضاع بلبنه فتحرم كل منهما مؤبدا وإن لم يدخل بالكبيرة.
(2) أي وإن لم يدخل بالكبيرة.
(3) أي فتحرم الكبيرة مؤبدا ، والصغيرة يبطل نكاحها ولأنها ربيبة غير المدخول بها ، ويجوز له العقد فيما بعد.
(4) سواء دخل بالكبيرة أم لا ، وسواء كان الرضاع بلبنه أم لا.
(5) بالرضاع.
(6) قد عرفت أن الخلاف واقع في القدر المعتبر من الرضاع في التحريم كمية ، وكيفية ، فمنهم من يجعله محرّما قليلا كان أو كثيرا ، ومنهم من يعتبر منه عشر رضعات ، ومنهم خمس عشرة رضعة ، ومنهم من يعتبره عن ولادة ومنهم من يكتفي بكونه عن حمل.
وإذا كان كذلك لم تكف شهادة الشاهدين أن بين فلان وفلانة رضاعا محرّما ، أو أن فلانا قد رضع من فلانة رضاعا محرّما ، لجواز أن يستند الشاهد منهما إلى ما يعتقد أنه محرم وهو عند الحاكم غير محرم ، فلا بد من التفصيل بكل ماله الدخل من شرائط الرضاع المحرم المعتبرة عند الحاكم.
(7) أي بلا تفصيل.
(8) من دون تفصيل ، إلا أن التفصيل أحوط خروجا من خلاف الأصحاب حيث أطلقوا -
ص: 252
الأصحاب أطلقوا القول بعدم صحتها إلا مفصّلة فيشهد الشاهدان بأن فلانا ارتضع من فلانة من الثدي من لبن الولادة خمس عشرة رضعة تامات في الحولين من غير أن يفصل بينها برضاع امرأة أخرى.
وبالجملة فلا بد من التعرض لجميع الشرائط ، ولا يشترط التعرض لوصول اللبن إلى الجوف على الأقوى (1).
ويشترط في صحة شهادته به (2) أن يعرف المرأة في تلك الحال ذات لبن ، وأن يشاهد الولد قد التقم الثدي ، وأن يكون (3) مكشوفا لئلا يلتقم غير الحلمة ، وأن يشاهد امتصاصه له ، وتحريك شفتيه ، والتجرّع ، وحركة الحلق على وجه يحصل له القطع به (4) ، ولا يكفي حكاية القرائن (5) وإن كانت هي السبب في علمه (6) ، كأن يقول : رأيته قد التقم الثدي وحلقه يتحرك إلى آخره ، لأن حكاية ذلك لا تعدّ شهادة (7) وإن كان علمه مترتبا عليها (8) ، بل لا بدّ من التلفظ بما
______________________________________________________
- الحكم بعدم صحتها إلا مع التفصيل كما في المسالك ، إلا أنه في الجواهر قال (ولعل إطلاق الأصحاب منزّل على غير هذه الصورة خصوصا بعد ملاحظة التعليل) انتهى.
(1) قال في المسالك : (وهل يشترط أن يضيف إلى ما ذكر وصول اللبن إلى جوفه قولان ، أجودهما العدم ، لأن الشهادة بالرضاع تقتضي ذلك ، ولا خلاف بين العلماء في كيفية الوصول إلى الجوف بعد أن يكون الرضاع من الثدي فيكفي فيه إطلاق الشهادة ، نعم لا يكفي حكاية القرائن بأن يقول : رأيته قد التقم الثدي وحلقه يتحرك ، لأن حكاية ذلك لا تعدّ شهادة ، بل إذا علم الشاهد العلم العادي بوصول اللبن إلى جوفه بالقرائن المفيدة له ، يشهد بحصوله على الوجه المفصّل) انتهى.
وعليه فالقرائن المفيدة للعلم بالرضاع الموجب لوصول اللبن إلى الجوف بأن يشهد مشاهدة الصبي ملتقما حلمة ثدي المرأة ذات اللبن ماصّا له على العادة حتى يصدر.
(2) بالرضاع ، تعرض للقرائن التي ذكرت سابقا ضع فتحتين على سابقا.
(3) أي الثدي.
(4) بالرضاع الموجب لوصول اللبن إلى الجوف.
(5) وهي القرائن المفيدة للرضاع الموجب لوصول اللبن إلى الجوف وقد تقدم ذكرها.
(6) أي علمه بالرضاع الموجب لوصول اللبن إلى الجوف.
(7) أي شهادة بالرضاع.
(8) أي وإن كان علمه بالرضاع المذكور مترتبا على القرائن.
ص: 253
يقتضيه (1) عند الحاكم ، ولو كانت الشهادة على الإقرار به (2) قبلت مطلقة (3) ، لعموم إقرار العقلاء على أنفسهم جائز ، وإن أمكن استناد المقر إلى ما لا يحصل به التحريم عند الحاكم (4) ، بخلاف الشهادة على عينه (5).
(وتحرم بالمصاهرة) (6) وهي علاقة تحدث بين الزوجين ، وأقرباء كل منهما بسب النكاح (7) توجب الحرمة (8) ، ويلحق (9) بالنكاح (10) الوطء (11) ، والنظر
______________________________________________________
(1) أي يقتضي الرضاع بالصراحة على نحو المطابقة.
(2) أي بالرضاع بأن يشهد بأن فلانة قد أقرت بأنها أرضعت فلانا رضاعا محرّما.
(3) من دون اشتراط التفصيل في الشهادة ، حينئذ ، لأنها شهادة على الإقرار وليست شهادة على الرضاع.
(4) بحيث كان المقرّ يرى كفاية عشر رضعات ، والحاكم لا يرى إلا خمس عشرة رضعة.
(5) أي عين الرضاع بالشرائط المذكورة.
(6) وهي علاقة قرابة تحدث بالزواج ، وقد جعلها الله تعالى كما جعل النسب قال تعالى : ( هُوَ الَّذِي خَلَقَ مِنَ الْمٰاءِ بَشَراً فَجَعَلَهُ نَسَباً وَصِهْراً ) (1) ، وعن الأكثر تعريفها بأنها علاقة تحدث بين كل من الزوجين وأقرباء الآخر بسبب نكاح الزوجين ، وتوجب حرمة النكاح ، وهو المعروف من معناها لغة وعرفا.
وبعضهم الحق بهذه العلاقة الناشئة من النكاح الوطء والنظر واللمس على وجه مخصوص ، واستشكل المحقق في الشرائع حدوثها بالزنا ووطء الشبهة والنظر واللمس المخصوصين.
والأمر سهل لعدم كون عنوان المصاهرة بنفسه موضوعا للحكم فلا داعي لإطالة الكلام في بيان مفهومه ، وإنما البحث في الموارد التي دلت الأدلة من الكتاب والسنة على ثبوت الحرمة فيها.
(7) أي نكاح الزوجين.
(8) أي الحرمة بين أحد الزوجين وأقرباء الآخر.
(9) أي في الحرمة.
(10) أي النكاح الموجب للمصاهرة.
(11) أي الأعم من وطء الشبهة والزنا ووطء الأمة لغير المالك.
ص: 254
واللمس على وجه مخصوص (1).
وهذا هو المعروف من معناها (2) لغة وعرفا ، فلا يحتاج إلى اضافة وطء الأمة ، والشبهة ، والزنا ، ونحوه (3) إليها (4) وإن أوجب (5) حرمة على بعض الوجوه (6) ، إذ ذاك (7) ليس من حيث المصاهرة ، بل من جهة ذلك الوطء ، وإن جرت العادة بإلحاقه (8) (9) بها في بابها(زوجة كل من الأب فصاعدا) كالجد وإن علا من الطرفين ، (والابن فنازلا) وإن كان (10) للبنت وأطلق عليه (11) الابن مجازا(على الآخر) (12) وإن لم يدخل بها الزوج ، لعموم ( وَلٰا تَنْكِحُوا مٰا نَكَحَ
______________________________________________________
(1) قيد للثلاثة ، فهو قيد للوطء بحيث يكون الوطء سابقا على العقد حتى يوجب الحرمة ، وهو قيد للنظر واللمس بحيث يكون النظر واللمس لغير المالك فإنه يوجب الحرمة بين الفاعل والأمة.
(2) أي معنى المصاهرة.
(3) من النظر واللمس المخصوصين.
(4) إلى المصاهرة.
(5) أي كل واحد من هذه المذكورات.
(6) كالوطء السابق على العقد فإنه يوجب التحريم.
(7) أي حرمة الوطء على بعض الوجوه.
(8) أي إلحاق الوطء وكذا بقية المذكورات.
(9) أي بالمصاهرة.
(10) أي الابن.
(11) أي على ابن البنت.
(12) تحرم المعقود عليها على أب العاقد وإن علا ، وأولاده وإن نزلوا ، بلا خلاف فيه لقوله تعالى : ( وَلٰا تَنْكِحُوا مٰا نَكَحَ آبٰاؤُكُمْ مِنَ النِّسٰاءِ ) (1) ، والنكاح حقيقة في العقد ، فتشمل الآية المدخول بها وغيرها ، وهذه الآية دالة على حرمة معقودة الأب على الابن.
ولقوله تعالى : ( حُرِّمَتْ عَلَيْكُمْ أُمَّهٰاتُكُمْ وَبَنٰاتُكُمْ - إلى قوله تعالى - وَحَلٰائِلُ أَبْنٰائِكُمُ الَّذِينَ مِنْ أَصْلٰابِكُمْ ) (2) ، وهي شاملة للمدخول بها ولغيرها فتدل على حرمة معقودة الابن على الأب.
ص: 255
آبٰاؤُكُمْ ) (1) وقوله تعالى : ( وَحَلٰائِلُ أَبْنٰائِكُمُ ) (2) ، والنكاح حقيقة في العقد على الأقوى ، والحليلة حقيقة في المعقود عليها للابن قطعا ، (وأم الموطوءة) (3) حلالا ، أو حراما (4) ، (وأم المعقود عليها) (5) وإن لم يدخل بها(فصاعدا) وهي جدتها من الطرفين وإن علت.
______________________________________________________
(1) النساء آية : 22.
(2) النساء آية : 23.
(3) من وطأ امرأة بالعقد أو بالملك حرمت عليه أمها وإن علت لأب أم لأم ، بلا خلاف فيه لقوله تعالى : ( حُرِّمَتْ عَلَيْكُمْ أُمَّهٰاتُكُمْ - إلى قوله - وَأُمَّهٰاتُ نِسٰائِكُمْ ) (1).
(4) أي من زنا بامرأة حرم عليه أمها وإن علت ، وسيأتي بحثه إن شاء الله تعالى.
(5) ذهب الأكثر إلى أن أم الزوجة وإن علت تحرم على الزوج بمجرد العقد وإن لم يتحقق الدخول ، لأن تحريم أمهات النساء غير مشروط بالدخول بالنساء لقوله تعالى : ( وَأُمَّهٰاتُ نِسٰائِكُمْ ) (2) ، وهو شامل للمدخول بهن وغيره ، ولمرسل العياشي عن أبي حمزة (سألت أبا جعفر عليه السلام عن رجل تزوج امرأة وطلقها قبل أن يدخل بها ، أتحلّ له ابنتها؟ فقال : قد قضى في هذا أمير المؤمنين عليه السلام لا بأس به ، إن الله يقول : ( وَرَبٰائِبُكُمُ اللّٰاتِي فِي حُجُورِكُمْ مِنْ نِسٰائِكُمُ اللّٰاتِي دَخَلْتُمْ بِهِنَّ ، فَإِنْ لَمْ تَكُونُوا دَخَلْتُمْ بِهِنَّ فَلٰا جُنٰاحَ عَلَيْكُمْ ) ، ولو تزوج الابنة ثم طلقها قبل أن يدخل بها لم تحلّ له أمها ، قلت له : أليس هما سواء؟ فقال : لا ، ليس هذه مثل هذه ، إن الله يقول : وأمهات نسائكم ، لم يستثن في هذه كما اشترط في تلك ، هذه هاهنا مبهمة ليس فيها شرط ، وتلك فيها شرط) (3) ، وخبر إسحاق بن عمار عن جعفر عن أبيه عن علي عليهم السلام (والأمهات مبهمات دخل بالبنات أو لم يدخل بهن ، فحرّموا وأبهموا ما أبهم الله) (4) ، والمعنى والأمهات في الآية مطلقات غير مقيدات ، فأطلقوا ما أطلق الله جل وعلا.
وخالف ابن أبي عقيل منا وبعض العامة وأنه لا تحرم الأمهات إلا بعد الدخول ببناتهن كالبنات حيث لا تحرم بنت الزوجة إلا بشرط الدخول بأمها ، لقوله تعالى : ( حُرِّمَتْ عَلَيْكُمْ أُمَّهٰاتُكُمْ - إلى قوله - وَأُمَّهٰاتُ نِسٰائِكُمْ وَرَبٰائِبُكُمُ اللّٰاتِي فِي حُجُورِكُمْ مِنْ نِسٰائِكُمُ -
ص: 256
.................................................................................................
______________________________________________________
- اللّٰاتِي دَخَلْتُمْ بِهِنَّ ، فَإِنْ لَمْ تَكُونُوا دَخَلْتُمْ بِهِنَّ فَلٰا جُنٰاحَ عَلَيْكُمْ ) (1) حيث اعتبروا أن الدخول المقيد في الآية متعلق بالربائب وأمهات النساء ، ولصحيح جميل بن دراج وحماد بن عثمان عن أبي عبد الله عليه السلام (الأم والبنت سواء ، إذا لم يدخل بها ، يعني : إذا تزوج المرأة ثم طلقها قبل أن يدخل بها فإنه إن شاء تزوج بأمها وإن شاء ابنتها) (2) ، ومضمرة محمد بن إسحاق بن عمار (قلت له : فرجل تزوج امرأة فهلكت قبل أن يدخل بها ، تحلّ له أمّها؟ قال : وما الذي يحرم عليه منها ولم يدخل بها) (3).
وفيه : أما الآية فلا تدل على مطلوبهم إما من جهة أن القيد من وصف أو استثناء أو شرط إذا تعقب جملا فإنه يعود إلى الأخيرة كما حقق في الأصول إلا مع القرينة الدالة على رجوعه إلى الجميع ، وهي هنا منتفية وإما من جهة أن القيد وهو (من نسائكم اللاتي دخلتم بهن) لا يمكن إرجاعه إلى المعطوف والمعطوف عليه ، لأن (من نسائكم) إذا كانت راجعة إلى قوله (وأمهات نسائكم) لكانت لبيان الجنس وتمييز المدخول بهن من غير المدخول بهن ، والتقدير (وأمهات نسائكم وهن نساؤكم اللاتي دخلتم بهن) فتكون من حينئذ بيانية.
وإذا كان (من نسائكم) راجعة إلى قوله (وربائبكم اللاتي في حجوركم) كانت من لابتداء الغاية كما تقول : بنات رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم من خديجة كذا وكذا ، وهي المسماة بالنشوية والابتدائية.
ولو كانت (من نسائكم) راجعة إليهما لكانت بيانية ونشوية ، وهذا ما يلزم استعمال اللفظ في أكثر من معنى وهو محال.
وأما الأخبار فهي محمولة على التقية لمعارضتها ظاهر القرآن والأخبار الأخرى ، على أن خبر جميل بن دراج وحماد بن عثمان مضطرب الإسناد - كما في المسالك - لأنهما تارة يرويانه عن الصادق عليه السلام بلا واسطة وأخرى يرويانه عن الحلبي عنه عليه السلام ، وثالثة يرويه جميل مرسلا عن بعض أصحابه عن أحدهما عليهما السلام ، واضطراب السند يلحق الحديث الصحيح بالضعيف ، هذا فضلا عن احتمال أن يكون التفسير المشتمل عليه - وهو قوله (يعني : إذا تزوج المرأة ثم طلقها قبل أن يدخل بها ، فإنه إن شاء تزوج أمها وإن شاء ابنتها) - من غير المعصوم عليه السلام بل للراوي ، ولذا قال الحر العاملي في وسائله -
ص: 257
(وابنة الموطوءة (1) مطلقا (2) فنازلا) أي ابنة ابنها (3) ، وابنتها وإن لم يطلق
______________________________________________________
- عند إيراد هذا الإشكال (ويفهم هذا من نوادر أحمد بن محمد بن عيسى حيث أورد الحديث بين أحاديث هذه المسألة وترك تفسيره).
(1) من وطأ امرأة بالعقد حرمت عليه ابنتها وإن نزلت تحريما مؤبدا سواء تقدمت ولادتهن أو تأخرت ، وسواء كنّ في حجره أم لا ، وسواء كانت البنت صلبية أم لا ، وسواء كانت بنت ابن أم بنت بنت بلا خلاف في ذلك كله لقوله تعالى : ( وَرَبٰائِبُكُمُ اللّٰاتِي فِي حُجُورِكُمْ مِنْ نِسٰائِكُمُ اللّٰاتِي دَخَلْتُمْ بِهِنَّ فَإِنْ لَمْ تَكُونُوا دَخَلْتُمْ بِهِنَّ فَلٰا جُنٰاحَ عَلَيْكُمْ ) (1) ، وتقييد الربائب بالحجور غير معتبر ، لأنه جار مجرى الغالب من كون بنات الزوجة في حجر الزوج ، بالإضافة إلى أن مفهوم الوصف ضعيف كما حرر في الأصول ، وللأخبار الكثيرة.
منها : خبر غياث بن كلاب عن إسحاق بن عمار عن جعفر عن أبيه عليهما السلام (أن عليا عليه السلام يقول : الربائب عليكم حرام من الأمهات اللاتي قد دخل بهن ، هنّ في الحجور وغير الحجور سواء والأمهات مبهمات) (2) ، وخبر غياث بن إبراهيم عن جعفر عن أبيه عليهما السلام (أن عليا عليه السلام قال : إذا تزوج الرجل المرأة حرمت عليه ابنتها إذا دخل بالأم ، فإذا لم يدخل بالأم فلا بأس أن يتزوج بالابنة ، وإذا تزوج بالابنة فدخل بها أو لم يدخل فقد حرمت عليه الأم ، وقال : الربائب عليكم حرام كنّ في الحجر أو لم يكن) (3) ، وخبر أبي بصير (سألته عن رجل تزوج امرأة ثم طلقها قبل أن يدخل بها ، فقال : تحل له ابنتها ولا تحلّ له أمها) (4).
نعم ورد في مكاتبة الحميري لصاحب الزمان عليه السلام (أنه كتب إليه : هل يجوز للرجل أن يتزوج بنت امرأته؟ فأجاب عليه السلام : إن كانت ربيت في حجره فلا يجوز ، وإن لم تكن ربيت في حجره وكانت أمها في غير حباله فقد روي أنه جائز) (5) ، إلا أنه لضعف سنده ومعارضته لما تقدم مع إعراض الأصحاب عنه لا بد من رده إلى أهله.
ثم ومما تقدم تعرف أن من عقد عليها ولم يدخل بها ثم طلقها يجوز له أن يتزوج ابنتها بلا خلاف في ذلك.
(2) تقدمت ولادتها على الوطء أو لا ، وكانت في حجره أولا.
(3) أي وأبنة بنت الموطوءة.
ص: 258
عليها (1) ابنة حقيقة (2) ، (لا ابنة المعقود عليها) من غير دخول ، فلو فارقها (3) قبل الدخول حلّ له تزويج ابنتها ، وهو موضع وفاق ، والآية الكريمة صريحة في اشتراط الدخول في التحريم (4) ، وأما تحريم الأم وإن لم يدخل بالبنت فعليه المعظم ، بل كاد يكون اجماعا. واطلاق قوله تعالى : ( وَأُمَّهٰاتُ نِسٰائِكُمْ ) (5) يدل عليه (6) ، والوصف بعده بقوله تعالى : ( مِنْ نِسٰائِكُمُ اللّٰاتِي دَخَلْتُمْ بِهِنَّ ) (7) لا حجة فيه (8) ، إما لوجوب عوده (9) إلى الجملة الأخيرة (10) كالاستثناء (11) ، أو لتعذر حمله (12) عليهما (13) من جهة أن «من» (14) تكون مع الأولى (15) بيانية ، ومع الثانية(16) ابتدائية ، والمشترك لا يستعمل في معنييه معا. وبه(17) - مع ذلك -
______________________________________________________
(1) أي على بنت الابن وبنت البنت.
(2) صرح النراقي في المستند بأن حكم بنت البنت وبنت الابن فنازلا حكم البنت بالإجماع وإن لم يستنبط من الأخبار.
(3) أي فارق المعقود عليها.
(4) أي تحريم البنت لو تزوج الأم.
(5) النساء آية : 23.
(6) على عدم اشتراط الدخول في البنت في تحريم الأم.
(7) النساء آية : 23.
(8) وعدم الحجية لأحد أمرين قد تقدما في الشرح وسيذكرهما الشارح هنا.
(9) أي عود الوصف.
(10) وهي الربائب.
(11) أي كما أن الاستثناء المتعقب للجمل المتعددة بعود إلى الأخيرة فكذا الوصف والشرط وكل قيد.
(12) أي حمل الوصف المذكور.
(13) على أمهات النساء وعلى الربائب.
(14) الموجودة في الوصف (من نسائكم اللاتي دخلتم بهن) (1).
(15) أي الجملة الأولى الدالة على أمهات نسائكم.
(16) أي الجملة الثانية الدالة على الربائب.
(17) أي بالتحريم مطلقا في أم الزوجة وإن لم يدخل في البنت.
ص: 259
نصوص ، إلا أنها معارضة بمثلها ، ومن ثمّ ذهب ابن أبي عقيل إلى اشتراط الدخول بالبنت في تحريمها (1) كالعكس (2). والمذهب هو الأول (3).
(أما الأخت) للزوجة(فتحرم جمعا) بينها وبينها (4) ، فمتى فارق الأولى (5)
______________________________________________________
(1) أي تحريم الأم.
(2) وهو تحريم البنت إذا دخل بالأم.
(3) وهو عدم اشتراط الدخول بالبنت في تحريم الأم.
(4) أي بين الزوجة وأختها ، بلا خلاف فيه لقوله تعالى : ( حُرِّمَتْ عَلَيْكُمْ أُمَّهٰاتُكُمْ - إلى قوله وَأَنْ تَجْمَعُوا بَيْنَ الْأُخْتَيْنِ إِلّٰا مٰا قَدْ سَلَفَ ) (1) ، وللأخبار الكثيرة.
منها : خبر مروان بن دينار (قلت لأبي إبراهيم عليه السلام لأي علة لا يجوز للرجل أن يجمع بين الأختين؟ قال عليه السلام : لتحصين الإسلام ، وفي سائر الأديان يرى ذلك) (2) ولا فرق بين كون الجمع بنكاح دائم أو منقطع ، ويشهد له صحيح البزنطي عن الرضا عليه السلام (سألته عن رجل تكون عنده امرأة ، يحلّ أن يتزوج أختها متعة؟ قال عليه السلام : لا) (3).
ولا فرق بين كونه قد دخل بالأولى أو لا ، للإطلاق ، ولا بين كون الأخت أختا للزوجة من أبويها أو من أحدهما ، وكذا لا فرق بين كونها أختا لها من النسب أو من الرضاع ، ويشهد له صحيح الحذاء عن أبي عبد الله عليه السلام (لا تنكح المرأة على عمتها ولا خالتها ، ولا على أختها من الرضاعة) (4).
(5) إذا تزوج بإحدى الأختين ثم طلقها ، فإن كان الطلاق رجعيا فلا يجوز له نكاح أختها حتى تخرج عن العدة ، وإن كان الطلاق بائنا فيجوز له التزويج بمجرد الطلاق ، بلا خلاف في ذلك لصحيح الحلبي عن أبي عبد الله عليه السلام (في رجل طلق امرأة أو اختلعت أو بانت ، أله أن يتزوج بأختها ، قال عليه السلام : إذا برأت عصمتها ولم يكن له عليها رجعة فله أن يخطب أختها) (5) ، وصحيح أبي بصير عن أبي عبد الله عليه السلام (سألته عن رجل اختلعت منه امرأته ، أيحل له أن يخطب أختها من قبل أن تنقضي عدة المختلعة؟ قال : نعم قد برئت عصمتها منه وليس له عليها رجعة) (6) ومثلها غيرها ، ومفهومها أنه لا يجوز له الزواج بأختها إن كان له عليها رجعة.
ويلحق بالطلاق البائن موت الزوجة فلو ماتت فيجوز له التزويج بأختها من حين الموت -
ص: 260
بموت ، أو فسخ ، أو طلاق بائن ، أو انقضت عدتها (1) حلت الأخرى ، (لا عينا (2) ، والعمة والخالة) وإن علتا(يجمع بينها ، وبين ابنة أخيها ، أو أختها) وإن نزلتا (3) (برضاء العمة والخالة ، لا بدونه) (4) بإجماع أصحابنا ، وأخبارنا متظافرة به (5).
______________________________________________________
- ويشهد له خبر علي بن أبي حمزة عن أبي إبراهيم عليه السلام (وسألته عن رجل كانت له امرأة فهلكت ، أيتزوج أختها؟ قال عليه السلام : من ساعته إن أحبّ) (1).
ويلحق بالموت ما إذا فسخ نكاح الأخت لعيب يوجبه أو ظهر فساد نكاحها ، لعدم صدق الجمع حينئذ.
(1) في الرجعية.
(2) كعمة أم الزوجة وخالتها وكذا عمة أب الزوجة وخالته.
(3) أي ابنة الأخت وابنة الأخ.
(4) أي بدون الرضا فلا يجوز الجمع بين الزوجة وبين بنت أخيها أو بنت أختها إلا برضاها ، على المشهور في ذلك شهرة عظيمة ، وعن القديمين العماني والإسكافي الجواز مطلقا مع الاذن وعدمه ، وعن الصدوق المنع مطلقا ، هذا والنصوص الواردة في المقام على طوائف : الطائفة الأولى : ما دل على المنع مطلقا ، كصحيح الحذاء (سمعت أبا عبد الله عليه السلام يقول : لا تنكح المرأة على عمتها ولا على خالتها ولا على أختها من الرضاعة) (2) ، وخبر مالك بن عطية عن أبي عبد الله عليه السلام (لا تتزوج المرأة على خالتها ، وتزوج الخالة على ابنة أختها) (3) ، وصحيح الكناني عن أبي عبد الله عليه السلام (لا يحلّ للرجل أن يجمع بين المرأة وعمتها ، ولا بين المرأة وخالتها) (4) ومثلها غيرها ، وهذه هي مستند قول الصدوق.
الطائفة الثانية : ما دل على الجواز مطلقا كخبر علي بن جعفر عن أخيه عليه السلام (سألته عن امرأة تزوج على عمتها وخالتها ، قال : لا بأس) (5) ، وهي مستند قول القديمين.
الطائفة الثالثة : ما دل على المنع بدون الاذن وعلى الجواز معه ، كموثق محمد بن مسلم عن أبي جعفر عليه السلام (لا تزوج ابنة الأخ ولا ابنة الأخت على العمة ولا على الخالة إلا بإذنهما ، وتزوج العمة والخالة على ابنة الأخ وابنة الأخت بغير إذنهما) (6) ، وخبر الحذاء (سمعت أبا جعفر عليه السلام يقول : لا تنكح المرأة على عمتها ولا على خالتها إلا بإذن العمة والخالة) (7) ومثلها غيرها ، وهذه الطائفة تقتضي الجمع بين الأولتين بالاذن وعدمه ، وهي مستند قول المشهور.
(5) أي بالجواز مع الرضا ، وعدم الجواز عند عدمه.
ص: 261
ثم إن تقدم عقد العمة والخالة توقف العقد الثاني (1) على إذنهما (2) ، فإن بادر (3) بدونه (4).
______________________________________________________
(1) أي العقد على ابنة أخت الزوجة أو بنت أخيها.
(2) أي اذن العمة أو الخالة.
(3) أي الزوج إلى العقد الثاني المذكور.
(4) أي بدون إذنهما ففيه أقوال :
الأول : بطلان العقد الثاني من غير أن يتأثر عقد الأولى ، وهو مذهب المحقق في الشرائع والنافع ، أما بقاء عقد الأولى فهو على حاله في اللزوم لانعقاده فيستصحب إذ لم يقع بعده ما يوجب تأثره وإنما المنهي عنه هو الثاني فيكون البحث عنه ، وأما بطلان عقد الثانية للنهي عنه في الأخبار السابقة ، والنهي يقتضي الفساد ، وللتصريح ببطلانه في خبر علي بن جعفر عن أخيه موسى عليه السلام (ولا تزوج بنت الأخ والأخت على العمة والخالة إلا برضاء منهما ، فمن فعل ذلك فنكاحه باطل) (1).
وفيه : ضعف سند الخبر مع كون النهي في المعاملات لا يقتضي الفساد.
القول الثاني : تزلزل العقد الثاني خاصة بحيث يقع موقوفا على رضا العمة أو الخالة مع كون عقدهما الأول لازما ، واختاره العلامة في جملة من كتبه وكثير من المتأخرين وهو الذي قوّاه الشارح هنا وفي المسالك ، أما لزوم العقد الأول فقد تقدم دليله ، وأما تزلزل العقد الثاني من غير أن يكون باطلا ، لعموم ( أَوْفُوا بِالْعُقُودِ ) ، لأن المتنازع فيه إذا تعقبه رضا من يعتبر رضاه اندرج في هذا العموم ، ووجب الحكم بصحته ، فقبل الرضا لا يكون فاسدا وإلا لم ينقلب صحيحا ، ولا نعني بالموقوف إلا ذلك ، ولأنه عقد صدر من أهله بدون رضا من يعتبر رضاه فكان كالفضولي ، والفضولي لا يقع فاسدا بل موقوفا.
القول الثالث : تزلزل العقدين السابق والطارئ ، وهو مذهب المفيد والشيخ وأتباعهما ، لوقوع العقدين صحيحين ، أما الأول فظاهر ، وأما الثاني فلأنه صدر من أهله ووقع في محله جامعا لشرائطه ، ولا يؤثر تجدد البطلان بفسخ العمة أو الخالة في صحة الأهليّة ، كغيره من العقود الموقوفة على رضا الغير.
ثم إذا وقع العقدان صحيحين ، ونسبتهما إلى العمة أو الخالة على السواء ، ولما كان الجمع بين العقدين موقوفا على رضاهما تخيرا في رفع الجمع من فسخ عقدهما أو فسخ عقد الداخلة. -
ص: 262
ففي بطلانه (1) ، أو وقوفه (2) على رضاهما فإن فسختاه بطل ، أو تخييرهما (3) فيه (4) وفي عقدهما (5) أوجه (6) ، أوسطها (7) الأوسط ، وإن تقدم عقد (8) بنت الأخ
______________________________________________________
- وفيه : إن فسخ العقد السابق بعد لزومه قد منع منه مانع شرعي وهو اللزوم فينحصر رفع الجمع بفسخ الثاني أو إمضائه.
القول الرابع : بطلان العقد الثاني من رأس ، وتزلزل العقد الأول ، وللعمة أو الخالة أن تفسخ عقد نفسها ، وهو اختيار ابن إدريس ، واحتج على بطلان العقد الثاني بالنهي الدال على الفساد ، وأما تزلزل العقد الأول فلم يتعرض لدليله كما في المسالك ، وفيه إن النهي في المعاملات غير دال على الفساد.
(1) أي بطلان العقد الثاني كما هو مقتضى القول الأول المتقدم.
(2) أي وقوف العقد الثاني على رضا العمة أو الخالة مع لزوم العقد الأول كما هو مقتضى القول الثاني المتقدم.
(3) أي تخيير العمة أو الخالة بالفسخ.
(4) في العقد الثاني.
(5) وهو العقد الأول كما هو مقتضى القول الثالث.
(6) بل أقوال وقد ترك التعرض للقول الرابع.
(7) أي الأعدل.
(8) المشهور أنه يجوز العقد على عمة الزوجة وخالتها ولو كرهت الزوجة ، للأخبار التي تقدم بعضها.
منها : صحيح محمد بن مسلم عن أبي جعفر عليه السلام (لا تنكح ابنة الأخت على خالتها ، وتنكح الخالة على ابنة أختها ، ولا تنكح ابنة الأخ على عمتها وتنكح العمة على ابنة أخيها) (1) ، وعن الصدوق المنع مع الرضا وعدمه كالعكس فيما لو تزوج بنت الأخ أو الأخت بعد زواج العمة أو الخالة حيث ذهب إلى المنع مطلقا أيضا ، ويستدل له بخبر أبي الصباح الكناني عن أبي عبد الله عليه السلام (لا يحلّ للرجل أن يجمع بين المرأة وعمتها ولا بين المرأة وخالتها) (2) ، وفيه : إنه مطلّق يقيّد إطلاقه بالنصوص المتقدمة.
هذا والمشهور بين الأصحاب عدم الفرق بين علم العمة والخالة بالحال أو جهلهما به ، وعن الشارح هنا وفي المسالك اشتراط علم الداخلة - وهي العمة والخالة هنا - بكون -
ص: 263
والأخت وعلمت العمة والخالة بالحال فرضاهما بعقدهما رضا بالجمع ، وإلا (1) ففي تخييرهما (2) في فسخ عقد أنفسهما ، أو فيه (3) وفي عقد السابقة ، أو بطلان عقدهما أوجه ، أوجهها الأول.
وهل يلحق الجمع بينهما (4).
______________________________________________________
- المدخول عليها - وهي بنت الأخ أو بنت الأخت - بكونها زوجة له وإلا لم يصح ، وعن القواعد الأقرب أن للعمة والخالة فسخ عقدهما لو جهلتا ، ونسبه في المستند إلى المشهور ، واستدل لاشتراط العلم بخبر ابن مسلم عن أبي جعفر عليه السلام (لا تزوج الخالة والعمة على ابنة الأخ وابنة الأخت بغير إذنهما) (1) ، وفيه : إن الخبر مروي في الوسائل بدون النهي هكذا : (تزوج الخالة والعمة على بنت الأخ وابنة الأخت بغير إذنهما) ، ولذا قال في الجواهر : (وفيه إن الذي عثرنا عليه في الأصول من خبر ابن مسلم : تتزوج الخالة إلى آخره من دون نهي ، نعم رواه في المسالك كذلك ، والظاهر أنه وهم منه) انتهى ، وعلى تقدير النهي فالخبر يدل على اشتراط إذن بنت الأخت وبنت الأخ في زواج العمة أو الخالة وأين هذا من المدعى من اشتراط علم العمة أو الخالة بكون المدخول بها زوجة.
(1) أي وإن لم تعلم العمة أو الخالة بالحال ، قال في المسالك : (ثم على تقدير جهلها بالحال هل يقع العقد باطلا أم يتوقف عقد الداخلة على رضاها ، أم عقدها وعقد المدخول عليها أوجه ، أوجهها الوسط ، لأن جواز عقد الداخلة مشروط برضاها ، فلا وجه لإبطاله بدونه ، وعقد السابقة قد حكم بصحته ولزومه قبل العقد الثاني فيستصحب) انتهى.
وهذه الاحتمالات مبنية على اشتراط علم العمة أو الخالة بكون المدخول بها زوجة ، وقد عرفت ضعف المبنى فلا داعي للتكلم في هذا البناء بعد دلالة الأخبار على صحة العقدين ولزومهما وإن كرهت الزوجة.
(2) أي العمة أو الخالة.
(3) أي في عقد أنفسهما.
(4) أي بين الزوجة وبنت أخيها أو أختها ، بحيث يدخل الثانية على الأولى ، فلو وطأ الأمة بملك اليمين فهل يجوز له أن يطأ ابنة أخيها بملك اليمين أم يتوقف على رضا العمة أو الخالة إلحاقا لملك اليمين بالعقد ، فظاهر النصوص والفتاوى - كما في الجواهر - أن الحكم بعدم الجمع إلا مع رضا العمة أو الخالة مختص بالعقد فلا يحرم الجمع بينهما -
ص: 264
بالوطء في ملك اليمين بذلك (1) وجهان. وكذا لو ملك إحداهما وعقد على الأخرى ، ويمكن شمول العبارة (2) لاتحاد الحكم في الجميع (3).
(وحكم) وطء(الشبهة ، والزنا (4) السابق على العقد حكم الصحيح في)
______________________________________________________
- بالوطء بالملك للتعبير بالتزويج والنكاح في أكثر النصوص وقد تقدم بعضها ، وهو حقيقة في العقد ، ولأن المملوكة ليست أهلا للإذن ، ولا للسلطنة على النكاح.
ومنه تعرف ما لو كانت العمة والخالة أمتين وأدخل عليهما بنت الأخ أو الأخت حرتين ، بل هنا أولى بالجواز ، وكذا لو انعكس الفرض.
(1) أي بالعقد.
(2) أي عبارة المصنف حيث لم يخصها بالتزويج والنكاح الظاهرين في العقد ، فتكون العبارة شاملة للجميع ، ولكن قد عرفت أن اختصاص الحكم بالعقد مما لا خلاف فيه كما يظهر من الجواهر وغيره.
(3) لأن عدم دخول بنت الأخ والأخت على العمة والخالة من باب التعظيم كما في خبر محمد بن مسلم عن أبي جعفر عليه السلام (إنما نهى رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم عن تزويج المرأة على عمتها وخالتها إجلالا للعمة والخالة ، فإذا أذنت في ذلك فلا بأس) (1) ، والتعظيم موجود سواء كان الوطء بالعقد أم بملك اليمين ، وفيه : إن نفس الخبر مشتمل على التزويج وهو ظاهر في العقد فيقتصر عليه.
(4) أما الزنا فإن كان طارئا على الوطء الصحيح بعقد أو ملك لم ينشر الحرمة سواء في ذلك الزنا بالعمة أو الخالة أو غيرهما للأخبار.
منها : صحيح زرارة عن أبي جعفر عليه السلام (في رجل زنا بأم امرأته أو بنتها أو بأختها ، فقال عليه السلام : لا يحرّم ذلك عليه امرأته ، ثم قال : ما حرّم حرام حلالا قط) (2) ، وصحيح الحلبي عن أبي عبد الله عليه السلام (في رجل تزوج جارية فدخل بها ثم ابتلي بها ففجر بأمها ، أتحرم عليه امرأته ، فقال : لا إنه لا يحرّم الحلال الحرام) (3) ، وصحيح محمد بن مسلم عن أحدهما عليهما السلام (عن الرجل يفجر بامرأة أيتزوج بابنتها؟ قال : لا ، ولكن إن كانت عنده امرأة ثم فجر بأمها أو أختها لم تحرم عليه امرأته ، إن الحرام لا يفسد الحلال) (4) ، وعن الإسكافي إذا كان الزنا بعد العقد وقبل الدخول فينشر الحرمة ، ونسب ذلك إلى ظاهر الاستبصار ومال إليه صاحب الحدائق لخبر أبي الصباح الكناني عن أبي عبد -
ص: 265
.................................................................................................
______________________________________________________
- الله عليه السلام (إذا فجر الرجل بالمرأة لم تحل له ابنتها أبدا ، وإن كان قد تزوج ابنتها قبل ذلك ولم يدخل بها فقد بطل تزويجه ، وإن هو تزوج ابنتها ودخل بها ثم فجر بأمها بعد ما دخل بابنتها فليس يفسد فجوره بأمها نكاح ابنتها إذا هو دخل بها ، وهو قوله : لا يفسد الحرام الحلال ، إذا كان هكذا) (1) ، وموثق عمار عن أبي عبد الله عليه السلام (في الرجل تكون عنده الجارية فيقع عليها ابن ابنه قبل أن يطأها الجد ، أو الرجل يزني بالمرأة هل يجوز لأبيه أن يتزوجها؟ قال : لا إنما ذلك إذا تزوجها فوطأها ثم زنا بها ابنه لم يضرّه ، لأن الحرام لا يفسد الحلال ، وكذلك الجارية) (2) وقد أعرض الأصحاب عنهما فلا مجال للعمل بهما وإن كانا من الموثق.
هذا وقد اختلفوا في ما إذا تقدم الزنا على العقد فهل ينشر الحرمة كما هو المحكي عن الشيخ في النهاية والخلاف والقاضي وبني البراج وحمزة وزهرة وسعيد والعلامة في التذكرة والمختلف وولده في الإيضاح والشهيد هنا في اللمعة والشارح هنا وفي المسالك وغيرهم ، بل نسب إلى الأكثر للأخبار.
منها : صحيح محمد بن مسلم المتقدم عن أحدهما عليهما السلام (سئل عن الرجل يفجر بامرأة أيتزوج ابنتها؟ قال : لا) (3) وصحيحه الآخر عن أحدهما عليه السلام (عن الرجل يفجر بالمرأة أيتزوج ابنتها؟ قال : لا ، ولكن إن كان عنده امرأة ثم فجر بابنتها أو أختها لم تحرم عليه التي عنده) (4) وصحيح العيص بن القاسم عن أبي عبد الله عليه السلام (عن رجل باشر امرأة ، وقبّل غير أنه لم يفض إليها ثم تزوج ابنتها ، فقال : إن لم يكن أفضى إلى الأم فلا بأس ، وإن كان أفضى فلا يتزوج ابنتها) (5) ، وصحيح منصور بن حازم عن أبي عبد الله عليه السلام (في رجل كان بينه وبين امرأة فجور هل يتزوج ابنتها؟ فقال عليه السلام : إن كان من قبلة أو شبهها فليتزوج ابنتها وليتزوجها هي إن شاء) (6) وفي خبره الآخر مثله إلا أنه قال (فليتزوج ابنتها إن شاء ، وإن كان جماعا فلا يتزوج ابنتها وليتزوجها) (7).
أولا ينشر كما عن المفيد والمرتضى والعلامة في الإرشاد وابن إدريس والآبي في كشفه ، وفي الرياض : ظاهر التذكرة كون القول به مشهورا بين الأصحاب ، للأخبار. -
ص: 266
.................................................................................................
______________________________________________________
- منها : صحيح سعيد بن يسار (سألت أبا عبد الله عليه السلام عن رجل فجر بامرأة ، يتزوج ابنتها؟ قال عليه السلام : نعم - يا سعيد - إن الحرام لا يفسد الحلال) (1) ، وصحيح هشام بن المثنى عن أبي عبد الله عليه السلام (عن الرجل يأتي المرأة حراما أيتزوجها؟ قال : نعم وأمها وبنتها) (2) ، وموثق حنان بن سدير (كنت عند أبي عبد الله عليه السلام إذ سأله سعيد عن رجل تزوج امرأة سفاحا ، هل تحل له ابنتها؟ قال : نعم إن الحرام لا يحرّم الحلال) (3) ومثلها غيرها من النصوص ، ولكن أخبار التحريم أوضح وأصرح فلا بدّ من تقييد أخبار الجواز بما إذا فجر بها بما دون الزنا.
ثم من حكم بعدم التحريم بالزنا المتقدم على العقد استثنى من الزنا بالعمة والخالة فإنه تحرم ابنتهما على تقدير سبق الزنا على العقد لصحيح محمد بن مسلم (سأل رجل أبا عبد الله عليه السلام - وأنا جالس - عن رجل نال من خالته في شبابه ثم ارتدع يتزوج ابنتها؟ قال : لا ، قلت : إنه لم يكن أفضى إليها ، إنما كان شي ء دون شي ء ، فقال عليه السلام : لا يصدّق ولا كرامة) (4) ، ولموثق أبي أيوب عن أبي عبد الله عليه السلام (سأله محمد بن مسلم - وأنا جالس - عن رجل نال من خالته وهو شاب ثم ارتدع أيتزوج ابنتها؟ قال : لا ، قال : إنه لم يكن أفضى إليها إنما كان شي ء دون ذلك ، قال : كذب) (5).
وهاتان الروايتان واردتان في الخالة ولكنهم ألحقوا العمة بها ، وقال في المسالك : (وما وقفت على وجهه) ، ثم إن الظاهر أن الخبرين حاكيين عن واقعة واحدة غير أنّ السائل لم يصرح بوقوع الوطء أولا ثم صرح بعدمه ثانيا وقد كذّبه الإمام عليه السلام في ذلك ، وهذا غير لائق بمقامه وهو قرينة الفساد ، فلذا توقف الحلي والعلامة في المختلف في الحكم ، وفيه : إنه يمكن أن يكون التكذيب الصادر من المعصوم عليه عليه السلام عن علم منه بالواقع ولا زالوا يخبرون بمثل ذلك ، وأما إلحاق العمة بالخالة فقد قال في الجواهر : (لعدم القول بالفصل ، بل عن السرائر روي أن من فجر بعمته أو خالته لم يحلّ ابنتاهما أبدا ، فيمكن أن يكون رواية لم تصل إلينا) انتهى.
ثم على القول بالتحريم فتحرم أم الموطوءة بالزنا عليه وكذا ابنتها كما يحرم عليه ذلك فيما لو وطأ بالعقد الصحيح ، وهذا دال على أن الزنا السابق على العقد ملحق بالمصاهرة من -
ص: 267
(المصاهرة) فتحرم الموطوءة بهما على أبيه وابنه ، وعليه أمها وبنتها إلى غير ذلك من أحكام المصاهرة ، ولو تأخر الوطء فيهما عن العقد ، أو الملك لم تحرم المعقود عليها ، أو المملوكة. هذا هو الأصح فيهما (1) ، وبه (2) يجمع بين الأخبار الدالة على المنع مطلقا (3) وعلى عدمه (4) كذلك (5).
(وتكره ملموسة (6).
______________________________________________________
- ناحية نشر الحرمة وعليه فتحرم الموطوءة بالزنا على أبيه وابنه وهكذا.
بقي الكلام في وطء الشبهة ، فهل هو ملحق بالنكاح والمصاهرة فينشر الحرمة مطلقا كما اختاره جماعة على ما في القواعد ، أو أنه ملحق بالزنا على تقدير سبقه على العقد مع القول بعدم نشره الحرمة كما هو أحد القولين في المسألة فلا ينشر الحرمة مطلقا ولو كان سابقا على العقد كما ذهب إليه الحلي والمحقق في الشرائع والنافع والعلامة في الإرشاد والشيخ الأعظم ، أو أنه ينشر الحرمة إن كان سابقا على التزويج وإن كان طارئا فلا كما نسب إلى الأكثر.
وقد استدل للنشر مطلقا أو في صورة السبق بكونه أولى من الزنا المحرّم ، لأنه وطء محترم شرعا فيكون إلحاقه بالوطء الصحيح في ثبوت الحرمة أولى من الزنا ، ولأن معظم أحكام الوطء الصحيح لاحقة بوطء الشبهة كالنسب والمهر وما شاكل ، وفي الثاني ضعف لأنه استقراء مبني على الظن وهو غير حجة فلم يبق إلا الأول وهو لا يدل على أكثر من التفصيل الذي هو القول الثالث.
(1) في صورة تقدم الزنا والشبهة على العقد وتأخرهما.
(2) وبهذا التفصيل بين السابق على العقد والطارئ.
(3) سواء تقدم الزنا على العقد أم تأخر.
(4) أي عدم المنع.
(5) أي مطلقا.
(6) إذا ملك الرجل أمة ولمسها أو نظر منها إلى ما يحرم على غيره النظر إليه كالنظر إلى غير الوجه والكفين ، فهل تحرم بذلك على أبيه وابنه فيه خلاف على أقوال :
القول الأول : عدم التحريم مطلقا لكنه يكره ، وهو اختيار المحقق في الشرائع وتلميذه العلامة في غير المختلف وابن إدريس ، لأصالة الحل المستفادة من قوله تعالى : ( وَأُحِلَّ لَكُمْ مٰا وَرٰاءَ ذٰلِكُمْ ) (1) ، ولموثق علي بن يقطين عن العبد الصالح عليه السلام (عن الرجل -
ص: 268
(الابن ومنظورته) على وجه (1) لا تحلّ (2) لغير مالك الوطء بعقد ، أو ملك (3) (على)
______________________________________________________
- يقبّل الجارية ، يباشرها من غير جماع داخل أو خارج ، أتحل لابنه أو لأبيه؟ قال عليه السلام : لا بأس) ((1).
القول الثاني : التحريم مطلقا ، وهو المشهور بين الأصحاب للأخبار.
منها : صحيح محمد بن إسماعيل بن بزيع عن أبي الحسن الرضا عليه السلام (عن الرجل تكون له الجارية فيقبّلها هل تحلّ لولده؟ فقال : بشهوة؟ قلت : نعم ، قال : ما ترك شيئا إذا قبّلها بشهوة ، ثم قال ابتداء منه : إن جردها ونظر إليها بشهوة حرمت على أبيه وابنه) (2) ، وصحيح ابن سنان عن أبي عبد الله عليه السلام (في الرجل تكون عند الجارية يجرّدها وينظر إلى جسدها نظر شهوة هل تحلّ لأبيه؟ وإن فعل أبوه هل تحلّ لابنه؟قال عليه السلام : إذا نظر إليها بشهوة ونظر منها إلى ما يحرم على غيره لم تحلّ لابنه ، وإن فعل ذلك الابن لم تحلّ للأب) (3) ومثلها غيرها.
القول الثالث : إن النظر واللمس يحرّمان منظورة الأب وملموسته على ابنه ، دون العكس ، وهو قول المفيد وتبعه الشهيد هنا في اللمعة لصحيح محمد بن مسلم عن أبي عبد الله عليه السلام (إذا جرّد الرجل الجارية ودفع يده عليها فلا تحلّ لابنه) (2)، والمشهور هو المنصور لكون أخبار التحريم أكثر عددا وأصح مسندا ، على أن صحيح محمد بن مسلم الذي هو مستند القول الثالث لا يدل على اختصاص التحريم بالابن بالنسبة لملموسة أبيه ومنظورته ، فهو دال على هذا التحريم من دون حصر ، وهذا لا ينافي استفادة التحريم للأب من أخبار أخرى وعليه فيسقط القول الثالث ، وأخبار الحل لا تقاوم أخبار التحريم ، لأن الثانية أكثر وأصح سندا ، هذا وقال في المسالك : (ومما يؤيد تحريمها عليهما بفعل ذلك بشهوة أن القصد المجرد يحرّم الزوجة على الأب والابن ، حيث كان المقصود الأغلب من التزويج إرادة الوطء ، ولما كان شراء الأمة أعم من قصد الوطء والخدمة ، لم تحرم بمجرد الشراء ، فإذا فعل معها مقدمات الجماع كان ذلك أقوى في تحريمها عليهما من العقد المجرد) ، انتهى.
(1) قيد للمس والنظر.
(2) أي الأمة.
(3) قد عرفت أن النزاع في مالك الرقبة ، لا في مالك البضع ، لأن الروايات المتقدمة قد -
ص: 269
(الأب ، وبالعكس) وهو منظورة الأب وملموسته(تحرم) على ابنه. أما الأول فلأن فيه جمعا بين الأخبار التي دل بعضها على التحريم ، كصحيحة محمد بن بزيع وغيرها ، وبعضها على الإباحة كموثقة علي بن يقطين عن الكاظم عليه السلام بنفي البأس عن ذلك ، بحمل النهي على الكراهة.
وأما الثاني وهو تحريم منظورة الأب وملموسته على الابن فلصحيحة محمد بن مسلم عن الصادق عليه السلام قال : «إذا جرّد الرجل الجارية ووضع يده عليها فلا تحل لابنه» ، ومفهومها (1) الحل لأبيه ، فإن عمل بالمفهوم ، وإلا (2) فبدلالة الأصل (3) ، ولما سبق (4).
وفيه (5) نظر ، لأن صحيحة ابن بزيع دلت على التحريم فيهما (6) ، ورواية على بن يقطين دلت على نفيه (7) فيهما (8) ، فإن وجب الجمع بينهما بالكراهة فالحكم في صحيحة (9) محمد بن مسلم كذلك (10). وهذا (11) هو الذي اختاره المصنف في
______________________________________________________
- وردت في الأمة إذا حصل لها ذلك من مالكها ، غايته أنه ينظر إليها أو يلمسها على نحو لا يجوز إلا لمالك بضعها.
هذا والبحث في اللمس مطلقا والنظر بشهوة لغير الوجه والكفين ، أما النظر للوجه والكفين بغير شهوة فلا إشكال ولا خلاف في عدم نشر الحرمة به ، بل قد يقال - كما في الجواهر - بعدم النشر بالنظر إليهما بشهوة لظهور النصوص فيما لا يشمله كما اعترف به في المسالك ، بل ولا يشمل النظر إلى ما يبدو عادة من الجارية وإن تلذذ بذلك.
(1) وهو مفهوم اللقب.
(2) أي وإن لم يعمل بالمفهوم لضعفه ، وعلى فرض ثبوته فهو غير صالح لمعارضة أخبار التحريم.
(3) أي أصالة الحل لقوله تعالى : ( وَأُحِلَّ لَكُمْ مٰا وَرٰاءَ ذٰلِكُمْ ) .
(4) من موثق علي بن يقطين الدال على الإباحة.
(5) أي في هذا التفصيل من الماتن.
(6) في ملموسة الأب وملموسة الابن.
(7) أي نفي التحريم.
(8) في ملموسة الأب وملموسة الابن.
(9) الدالة على تحريم ملموسة الأب فقط.
(10) أي تحمل على الكراهة جمعا بينها وبين موثق علي بن يقطين.
(11) أي القول بعدم التحريم في الملموستين ، وإن كان على كراهة.
ص: 270
شرح الارشاد وجماعة ، أو يعمل بالأولى (1) ترجيحا للصحيح على الموثق حيث يتعارضان (2) ، أو مطلقا (3) وتكون صحيحة محمد بن مسلم مؤيدة (4) لأحد الطرفين (5). وهو الأظهر ، فتحرم فيهما (6) ، فالتفصيل غير متوجه.
وقيدنا النظر واللمس بكونهما لا يحلان لغيره ، للاحتراز عن نظر مثل الوجه والكفين بغير شهوة (7) فإنه لا يحرّم اتفاقا ، وأما اللمس فظاهر الأصحاب وصرح به جماعة منهم تحريمه فيهما (8) مطلقا فيتعلق به (9) الحكم (10) مطلقا (11).
نعم يشترط كونهما (12) بشهوة كما ورد في الأخبار (13) وصرح به
______________________________________________________
(1) وهي صحيحة محمد بن بزيع الدالة على التحريم فيهما.
(2) كما في المقام حيث الصحيح دال على التحريم والموثق على الإباحة.
(3) أي وإن لم يتعارضا ولكن كان موضوع أحدهما خاصا ، كما في المقام بالنسبة لصحيح محمد بن بزيع الدال على التحريم فيهما ولصحيح محمد بن مسلم الدال على التحريم في ملموسة الأب ومنظورته.
(4) أي مؤيدة لصحيح محمد بن بزيع الدال على التحريم فيهما ، غايته أنها مؤيدة لأحد طرفي الحكم وهو حرمة ملموسة الأب على ابنه.
(5) من الحكم.
(6) في ملموسة الأب وملموسة الابن.
(7) بل قد عرفت أنه لا تحريم مع الشهوة أيضا.
(8) في الملموستين.
(9) أي باللمس.
(10) من التحريم.
(11) أي في الوجه والكفين أو غيرهما ، لأن اللمس محرم على غير المالك مطلقا بخلاف النظر إلى الوجه والكفين ، فإنه محرم على غير المالك إذا كان بشهوة.
(12) أي النظر واللمس الموجبين للحرمة.
(13) الأخبار قيدت النظر بالشهوة ، وأما تقييد اللمس بالشهوة ففيه إن صحيح محمد بن مسلم المتقدم مطلق حيث قال (إذا جرد الرجل الجارية ووضع يده عليها فلا تحلّ لابنه) (1).
ص: 271
الأصحاب (1) ، فلا عبرة بالنظر المتفق ، ولمس الطبيب ، ونحوهما وإن كانت العبارة (2) مطلقة (3). هذا حكم المنظورة والملموسة بالنسبة إليهما.
وهل يتعدى التحريم إلى أمهما وابنتهما في حق الفاعل قولان (4) : مأخذهما أصالة الحل (5) ، واشتراط (6) تحريم البنت بالدخول بالأم في الآية (7) ، ولا قائل
______________________________________________________
(1) قال في الجواهر : (نعم لا يبعد القول بالنشر - أي نشر الحرمة - بالتجريد واللمس لباطن الجسد ، ووضع البطن على البطن وإن لم يكن ذلك عن شهوة وتلذذ) انتهى.
(2) أي عبارة المصنف.
(3) حيث لم يقيد اللمس والنظر بالشهوة.
(4) فعلى تقدير القول بتحريم الملموستين على الأب والابن بما ذكر فهل تحرم أم الملموسة وإن علت وبناتها وإن نزلن على المولى قولان ، أحدهما التحريم ، وإليه ذهب ابن الجنيد والشيخ في الخلاف ، للنبوي (من كشف قناع امرأة حرم عليه أمها وابنتها) (1) والنبوي الآخر (لا ينظر الله تعالى إلى رجل نظر إلى فرج امرأة وابنتها) (2) ، وصحيح محمد بن مسلم عن أحدهما عليهما السلام (عن رجل تزوج بامرأة فنظر إلى رأسها أو إلى بعض جسدها ، أيتزوج ابنتها؟ قال عليه السلام : لا ، إذا رأى منها ما يحرم على غيره فليس له أن يتزوج ابنتها) (3).
القول الثاني : الجواز على كراهة ما لم يطأ البنت ، فإن وطء البنت فتحرم أمها وبنتها ولو لم تكن أمة ، لصحيح العيص بن القاسم عن أبي عبد الله عليه السلام (عن رجل باشر امرأة وقبّل غير أنه لم يفض إليها ، ثم تزوج ابنتها ، قال عليه السلام : إن لم يكن أفضى إليها فلا بأس ، وإن كان أفضى فلا يتزوج ابنتها) (4) ، وهو أولى بعد حمل الأخبار السابقة على الكراهة.
(5) المستفادة من قوله تعالى : ( وَأُحِلَّ لَكُمْ مٰا وَرٰاءَ ذٰلِكُمْ ) (5).
(6) دليل ثان لعدم التحريم.
(7) وهي قوله تعالى : ( وَرَبٰائِبُكُمُ اللّٰاتِي فِي حُجُورِكُمْ مِنْ نِسٰائِكُمُ اللّٰاتِي دَخَلْتُمْ بِهِنَّ ) (6).
ص: 272
بالفرق (1) وصحيحة (2) محمد بن مسلم عن أحدهما عليه السلام الدالة على التحريم.
ويمكن الجمع بحمل النهي على الكراهة. وهو أولى.
واعلم أن الحكم مختص بنظر المملوكة على ذلك الوجه (3). وما ذكرناه من الروايات دال عليها (4).
وأما الحرة فإن كانت زوجة حرمت على الأب والابن بمجرد العقد (5) ، وإن كانت أجنبية ففي تحريمها قولان (6) ، ويظهر من العبارة الجزم به (7) ، لأنه (8) فرضها (9) مطلقة (10) ، والأدلة لا تساعد عليه (11).
(مسائل عشرون)
(الأولى : لو تزوج الأم وابنتها في عقد واحد بطلا) (12) للنهي عن العقد
______________________________________________________
(1) أي بين الزوجة الحرة والأمة حتى يقال إن الدخول شرط لتحريم بنت الزوجة دون بنت الأمة ، بل الدخول شرط لتحريم بنتهما ، ومع عدم الدخول لا تحرم البنت وإن لامس أو نظر إلى الأم ، وإذا ثبت عدم حرمة بنت الملموسة فكذا أمها لعدم القول بالفصل ، هذا وكان الأولى له الاستدلال بصحيح العيص ويستغني عن هذين الدليلين.
(2) دليل التحريم.
(3) من كونه لا يحل لغير المالك.
(4) على المملوكة.
(5) كما تقدم ، ولا حاجة إلى النظر واللمس.
(6) قال في المسالك : (من أن النظر المحرم إلى الأجنبية واللمس به هل ينشر الحرمة فتحرم به الأم وإن علت والبنت وإن نزلت أم لا ، هكذا نقله فخر الدين في شرحه ، ولم نقف على القائل بالتحريم ، وعلى القول به لا تحرم المنظورة والملموسة على الفاعل ، وإنما نقل الخلاف في أمها وبنتها ، وكيف كان فهو قول ضعيف جدا لا دليل عليه) انتهى.
(7) أي بالتحريم.
(8) أي المصنف.
(9) أي جعلها ، وضمير المفعول راجع للعبارة.
(10) حيث لم يخصها بالأمة.
(11) على التحريم.
(12) بلا خلاف فيه ففي خبر مسعدة بن زياد عن أبي عبد الله عليه السلام (لا تجمع بين الأم -
ص: 273
الجامع بينهما (1) ، واستحالة الترجيح ، لاتحاد نسبته إليهما ، (ولو جمع بين الأختين فكذلك) (2) ، لاشتراكهما في ذلك (3).
(وقيل) والقائل الشيخ وجماعة منهم العلامة في المختلف : (يتخير) واحدة منهما ، لمرسلة جميل بن دراج عن أحدهما عليه السلام في رجل تزوج أختين في عقد واحد ، قال : «هو بالخيار أن يمسك أيتهما شاء ، ويخلي سبيل الأخرى». وهي مع ارسالها غير صريحة في ذلك (4) ، لإمكان إمساك إحداهما بعقد جديد.
ومثله (5) ما لو جمع بين خمس في عقد (6) ، أو بين اثنتين وعنده ثلاث (7) ، أو بالعكس (8) ، ونحوه (9) ،
______________________________________________________
- والابنة ، ولا بين الأختين) (1).
(1) بين الأم وابنتها ، بل العقد على كل واحدة منهما محرّم للعقد على الأخرى ، ونسبة العقد إلى كل منهما بالسوية ولا يمكن الحكم بصحة فيهما لمحذور الجمع ، ولا في احداهما المعينة لأنه ترجيح بلا مرجح فيلزم الحكم بالبطلان فيهما.
(2) أي البطلان لما تقدم من الدليل ، ومع ذلك فقد روي أنه يتخير في أيهما شاء ، ففي مرسلة جميل بن دراج عن بعض أصحابه عن أحدهما عليهما السلام (أنه قال في رجل تزوج أختين في عقدة واحدة ، قال : هو بالخيار يمسك أيتهما شاء ويخلّى سبيل الأخرى) (2).
وقد عمل بها الشيخ وأتباعه ، وقد رواها في الكافي والتهذيب بسند مشتمل على علي بن السندي وهو مجهول مع كونها مرسلة ، وإن أوردها الصدوق في الفقيه بسند صحيح إلا أن دلالتها على المدعى غير ظاهرة لإمكان حملها على إمساك أيتهما شاء بعقد جديد ويخلّي الأخرى للبطلان.
(3) وهو ما تقدم من الدليل عند جمع الأم وبنتها في عقد واحد.
(4) أي التخيير المعتمد على العقد الواقع عليهما.
(5) أي مثل الجمع بين الأختين بعقد واحد.
(6) فمقتضى الدليل هو الحكم ببطلان العقد في الخمس ، وكذا ما بعده
(7) ومقتضى الدليل هو بطلان العقد في الاثنتين.
(8) بأن كان عنده اثنتان وجمع بين ثلاث في عقد واحد.
(9) كما لو جمع بين أربع وعنده واحدة.
ص: 274
ويجوز الجمع بين الأختين في الملك (1) ، وكذا بين الأم وابنتها فيه (2). وإنما يحرم الجمع بينهما في النكاح وتوابعه (3) من الاستمتاع.
(ولو وطء إحدى الأختين المملوكتين حرمت الأخرى حتى تخرج الأولى عن ملكه) (4) ببيع ، أو هبة ، أو غيرهما (5).
وهل يكفي (6) مطلق العقد الناقل للملك أم يشترط لزومه فلا يكفي البيع بخيار ، والهبة التي يجوز الرجوع فيها وجهان : من اطلاق (7) النص اشتراط خروج الأولى عن ملكه ، وهو (8) حاصل بمطلقه (9) ، ومن أنها (10) مع تسلطه (11) على
______________________________________________________
(1) المجرد عن الوطء لإطلاق قوله تعالى : ( وَأُحِلَّ لَكُمْ مٰا وَرٰاءَ ذٰلِكُمْ ) (1) بعد كون النهي عن الجمع بين الأختين في قوله تعالى : ( وَأَنْ تَجْمَعُوا بَيْنَ الْأُخْتَيْنِ ) (2) مختصا بالعقد لسياق الآية.
(2) في الملك.
(3) من النظر واللمس المحرّمين للأمة على المولى ، والمحرّمين لأمها وبنتها عليه أيضا.
(4) إذا ملك أختين دفعة أو على التعاقب صح التملك بلا خلاف فيه ، وله نكاح أيتهما شاء ، فإذا وطئ إحداهما حرم عليه وطئ الأخرى حتى تخرج الأولى عن ملكه بلا خلاف فيه للأخبار.
منها : خبر عبد الله بن سنان (سمعت أبا عبد الله عليه السلام يقول : إذا كانت عنده الرجل الأختان المملوكتان فنكح إحداهما ، ثم بدا له في الثانية فنكحها فليس ينبغي له أن ينكح الأخرى حتى تخرج الأولى عن ملكه ، يهبها أو يبيعها ، فإن وهبها لولده يجزيه) (3).
(5) من نواقل الملك.
(6) في نقل الأولى عن ملكه حتى تحل له الثانية.
(7) دليل لكفاية مطلق العقد الناقل ، حيث ورد في الخبر المتقدم (فليس ينبغي له أن ينكح الأخرى حتى تخرج الأولى عن ملكه) وهو ظاهر في اشتراط مطلق الخروج وهو متحقق بمطلق الناقل.
(8) أي الخروج.
(9) أي بمطلق الناقل.
(10) دليل لاشتراط اللزوم في العقد الناقل ، والضمير في (أنها) راجع إلى الأولى.
(11) أي تسلط المولى الواطئ.
ص: 275
فسخه (1) بحكم المملوكة.
ويضعّف (2) بأن غاية التحريم (3) إذا علقت على مطلق الخروج لم يشترط معها (4) أمر آخر ، لئلا يلزم جعل ما جعله الشارع غاية ليس بغاية (5) ، وقدرته (6) على ردها (7) إلى ملكه لا تصلح للمنع (8) ، لأنه (9) بعد الإخراج اللازم متمكن منه (10) دائما على بعض الوجوه بالشراء ، والاتهاب ، وغيرهما من العقود ، فالاكتفاء بمطلق الناقل (11) أجود.
وفي الاكتفاء بفعل ما يقتضي تحريمها عليه (12) كالتزويج (13) والرهن والكتابة وجهان : منشؤهما حصول الغرض (14) وهو (15) تحريم الوطء. وانتفاء
______________________________________________________
(1) أي فسخ الناقل.
(2) أي الوجه الثاني ، وضعفه أنه معارض بإطلاق النص.
(3) أي غاية تحريم الثانية كما ورد في الخبر هي خروج الأولى الموطوءة.
(4) مع هذه الغاية.
(5) ولو عبّر بأنه معارض بإطلاق النص لكان أخصر وأوضح.
(6) أي قدرة المولى الواطئ.
(7) أي رد الأولى بعد إخراجها.
(8) لأنه مع اللزوم في الناقل هو قادر على التمكن من ردها إلى ملكه ولو بالشراء ونحوه ، فاشتراط اللزوم في الناقل لا يحقق عدم التمكن من ردها ، فالاكتفاء بمطلق الناقل تبعا لإطلاق الخبر هو الأولى.
(9) أي المولى الواطئ.
(10) أي من ردها إلى ملكه.
(11) وإن لم يكن لازما.
(12) أي تحريم الأولى على الفاعل الواطئ وإن لم تخرج عن ملكه.
(13) أي تزويجها من الغير بعقد.
(14) دليل الاكتفاء.
(15) أي الغرض من إخراج الأولى حتى تحل الثانية هو تحريم وطء الأولى عليه ، وهذا التحريم كما يتحقق بالإخراج عن الملك على ما في الخبر يتحقق في هذه الأمور ، وفيه : إنه استحسان محض بعد كون النص قد ورد بالإخراج.
ص: 276
النقل (1) الذي هو مورد النص ، وهو (2) الأقوى.
ولا فرق في تحريم الثانية بين وطي الأولى في القبل والدبر (3) ،.
وفي مقدماته (4) من اللمس والقبلة والنظر بشهوة نظر (5) من قيامها مقام الوطء (6) كما سلف ، وعدم صدق الوطء بها (7) (فلو وطء الثانية (8) فعل حراما) مع علمه بالتحريم ، (ولم تحرم الأولى) ، لأن الحرام لا يحرّم الحلال ، والتحريم إنما تعلق بوطء الثانية فيستصحب (9) ، ولأصالة الإباحة (10).
وعلى هذا فمتى أخرج إحداهما عن ملكه حلت الأخرى ، سواء أخرجها للعود إليها أم لا ، وإن لم يخرج إحداهما فالثانية محرمة دون الأولى.
وقيل (11):
______________________________________________________
(1) دليل عدم الاكتفاء.
(2) أي الثاني.
(3) لإطلاق لفظ نكاح الأولى الوارد في الأخبار المتقدمة.
(4) أي مقدمات الوطء ، وهو خبر مقدم.
(5) مبتدأ مؤخر.
(6) في التحريم فتلحق به.
(7) أي بالمقدمات فلا تلحق بالوطء بعد كون النص قد حرّم الثانية إذا وطئ الأولى.
(8) أي لو وطأ إحداهما حرمت عليه الأخرى ، ولا تحل له الثانية حتى يخرج الأولى عن ملكه ، فلو وطء الثانية قبل إخراج الأولى فقد فعل حراما ، ولكن إذا وطأ الثانية والحال هذه والحال هذه ففي تحريم الأولى أو الثانية أو تحريمها معا أقوال :
الأول : للشيخ في المبسوط والمحقق وابن إدريس وأكثر المتأخرين ، أن الأولى تبقى على الحل لأصالة بقاء الحل فيها ولأن الحرام لا يفسد الحلال ، والثانية تبقى على الحرمة لأصالة بقاء الحرمة فيها ، نعم متى ما أخرج الأولى عن ملكه حلّت له الثانية حينئذ لانتفاء المانع من الجمع بين الأختين.
وبقية الأقوال سيأتي التعرض لها عند تعرض الشارح.
(9) أي التحريم في الثانية.
(10) في الأولى.
(11) وهو الشيخ في النهاية وابنا البراج وسعيد والعلامة في المختلف وولده والشهيد في شرح -
ص: 277
متى وطء الثانية عالما بالتحريم حرمت عليه الأولى أيضا (1) إلى أن تموت الثانية ، أو يخرجها عن ملكه ، لا لغرض العود إلى الأولى فإن اتفق إخراجها لا لذلك (2) حلت له الأولى ، وإن أخرجها ليرجع إلى الأولى فالتحريم باق ، وإن وطء الثانية جاهلا بالتحريم لم تحرم عليه الأولى.
ومستند هذا التفصيل روايات بعضها صريح فيه (3) وخالية عن المعارض ، فالقول به متعين ، وبه (4) ينتفي ما عللوه في الأول (5).
______________________________________________________
- الإرشاد والمحقق الثاني في جامعه ، وتفصيله : إن كان وطء الثانية للجهالة بالموضوع أو الحكم لم تحرم الأولى عليه ، وإن كان الوطء المذكور مع العلم حرمت الأولى حتى تخرج الثانية عن ملكه ، لا للعود إلى الأولى ، بل لو أخرج الثانية للعود إلى الأولى فلا تحل الأول حينئذ ، ومستند هذا التفصيل أخبار ففي صحيح أبي الصباح الكناني عن أبي عبد الله عليه السلام (سئل عن رجل عنده اختان مملوكتان فوطئ إحداهما ثم وطئ الأخرى فقال : إذا وطئ الأخرى فقد حرمت عليه الأولى حتى تموت الأخرى ، قلت : أرأيت إن باعها؟ فقال : إن كان إنما يبيعها لحاجة ولا يخطر على باله من الأخرى شي ء فلا أرى بذلك بأسا ، وإن كان إنما يبيعها ليرجع إلى الأولى فلا) (1) ، وخبر علي بن أبي حمزة عن أبي إبراهيم عليه السلام (سألته عن رجل ملك أختين أيطؤهما جميعا؟ فقال : يطأ إحداهما فإذا وطء الثانية حرمت عليه الأولى التي وطأ حتى تموت الثانية أو يفارقها ، وليس له أن يبيع الثانية من أجل الأولى ليرجع إليها ، إلا أن يبيع لحاجة أو يتصدق بها أو تموت) (2) ومثلها غيرها.
وهذه الأخبار محمولة على صورة العلم جمعا بينها وبين خبر الحلبي عن أبي عبد الله عليه السلام (قلت له : الرجل يشتري الأختين فيطأ إحداهما ثم يطأ الأخرى بجهالة قال : إذا وطأ الأخيرة بجهالة لم تحرم عليه الأولى ، وإن وطأ الأخيرة وهو يعلم أنهما عليه حرام حرمتا عليه جميعا) (3). ولكن مع الأعراض عن ذيلها لمعارضته لما تقدم.
(1) كما حرمت الثانية بسبب وطء الأولى.
(2) أي لا للعود.
(3) في التفصيل.
(4) أي بالتفصيل.
(5) أي القول الأول من أن الحرام لا يحرم الحلال ولأصالة الإباحة ، لأنه مع وجود الروايات -
ص: 278
ولو ملك أما وبنتها ووطء إحداهما حرمت الأخرى مؤبدا (1) ، فإن وطء المحرّمة عالما حدّ (2) ، ولم تحرم الأولى (3) وإن كان جاهلا ، قيل (4) : حرمت الأولى أيضا مؤبدا.
ويشكل (5) بأنه (6) حينئذ لا يخرج عن وطء الشبهة ، أو الزنا وكلاهما لا يحرم لاحقا كما مرّ (7) ، وخروج الأخت عن الحكم (8) للنص ، وإلا كان اللازم
______________________________________________________
- لا يتم التعليل المذكور ولا يجري الاستصحاب ، هذا وهناك قول ثالث وهو أن الدخول بالثانية يحرّم الأولى مطلقا سواء كان عالما أم جاهلا حتى تخرج الثانية عن ملكه بخلاف الثانية فإنها غير محرمة عليه وهذا القول عكس القول الأول ، وقد اعترف الشارح في المسالك بعدم معرفة قائله ويحتج له بخبر معاوية بن عمار (سألت أبا عبد الله عليه السلام عن رجل كانت عنده جاريتان أختان فوطأ إحداهما ثم بدا له في الأخرى ، قال عليه السلام : يعتزل هذه ويطأ الأخرى ، قلت : فإنه تنبعث نفسه للأولى ، قال : لا يقربها حتى تخرج تلك عن ملكه) (1) ، وفيه : إنه معارض بما سمعت ، هذا وقال في المسالك ولقد أجاد : (واعلم أن هذه الأخبار على كثرتها قد اشتركت في الحكم بتحريم الأولى مع علم الواطئ بالتحريم فالقول ببقائها على الحل - كما هو مقتضى القول الأول - واطّراح جملة هذه الأخبار وإن ضعف طريقها مشكل ، واشتركت أيضا في أن إخراج الثانية لا بنية العود إلى الأولى يحلّها وهذا أيضا لا شبهة فيه ، وبقي ما لو أخرج الأول عن ملكه مطلقا فإنه يحلّل الثانية قطعا لزوال المقتضي للتحريم وهو الجمع ، وبقي الإشكال في حل أيتهما كان مع بقائهما على ملكه وينبغي التوقف فيه إلى أن يظهر المرجح وطريق الاحتياط لا يخفى) انتهى.
(1) لما تقدم من حرمة أم الموطوءة وبنتها سواء كان الوطء بعقد أم ملك.
(2) لأنه زان.
(3) لأن الحرام لا يحرّم الحلال.
(4) لم أعثر على قائله.
(5) أي القول الثاني من تحريم الأولى.
(6) أي وطء الثانية
(7) من أن الحرام لا يفسد الحلال.
(8) وأن وطء الثانية عالما يحرّم الأولى كما يحرم الثانية على ما هو مقتضى القول الثاني المتقدم -
ص: 279
منه (1) عدم تحريم الأولى مطلقا (2) كما اختاره هنا.
(الثانية : لا يجوز أن يتزوج أمة على حرة إلا بإذنها) (3) وهو موضع وفاق ، (فلو فعل) بدون إذنها (4).
______________________________________________________
- في الفرع السابق.
(1) أي من وطء الثانية.
(2) سواء كان عالما أم جاهلا.
(3) كما هو المعروف بين الأصحاب ، نعم عن الشيخ أنه حكي عن قوم من أصحابنا عدم الجواز وإن أذنت ، وهو غير معروف القائل ، وواضح الضعف لصحيح محمد بن إسماعيل بن بزيع (سألت أبا الحسن عليه السلام : هل للرجل أن يتمتع من المملوكة بإذن أهلها وله امرأة حرة؟ قال عليه السلام : نعم إذا رضيت الحرة ، قلت : فإن أذنت الحرة يتمتع منها؟ قال عليه السلام : نعم) (1) ، ومورد المتعة إلا أنه لا قائل بالفرق بينها وبين الدوام كما في الرياض.
(4) أي إذن الحرة ، ففي بطلان العقد على الأمة أو وقوعه موقوفا على رضا الحرة كعقد الفضولي ، أو تخيير الحرة في فسخ عقدها أيضا أقوال :
الأول : البطلان وهو اختيار المحقق وابن إدريس وهو ظاهر المبسوط والتبيان للشيخ للأخبار الناهية عن ذلك.
منها : صحيح الحلبي عن أبي عبد الله عليه السلام (تزوج الحرة على الأمة ولا تزوج الأمة على الحرة ، ومن تزوج أمة على حرة فنكاحه باطل) (2) ، وخبر أبي بصير (سألت أبا عبد الله عليه السلام عن نكاح الأمة ، فقال : تتزوج الحرة على الأمة ، ولا تتزوج الأمة على الحرة ، ونكاح الأمة على الحرة باطل) (3)، وخبر حذيفة بن منصور (سألت أبا عبد الله عليه السلام عن رجل تزوج أمة على حرة لم يستأذنها؟ قال : يفرّق بينهما ، قلت : عليه أدب؟ قال : نعم اثنا عشر سوطا ونصف ، ثمن حد الزاني ، وهو صاغر) (4) ، وهذه الأخبار شاملة لرضا الحرة بعد العقد وعدمه.
القول الثاني : وقوعه موقوفا على رضا الحرة كالعقد الفضولي ، فلو أجازت بعد العقد صح ، من غير أن يقع باطلا من رأس ، وهو اختيار الماتن وجماعة لإطلاق صحيح ابن بزيع المتقدم ، -
ص: 280
(وقف العقد على اجازتها) (1) ولا يقع باطلا (2) ، لعموم الأمر بالوفاء بالعقد (3) ، وليس المانع هنا إلا عدم رضاها. وهو (4) مجبور بإيقافه على اجازتها ، كعقد الفضولي ، ولرواية سماعة (5) عن الصادق عليه السلام.
وقيل (6) : يبطل (7) ، لحسنة (8) الحلبي : من تزوج أمة على حرة فنكاحه
______________________________________________________
- فالجمع بينه وبين أخبار البطلان المتقدمة يقتضي البطلان ما لم تأذن سابقا ولا لاحقا.
القول الثالث : تخيير الحرة بين فسخ عقد الأمة وإمضائه وبين فسخ عقد نفسها وإمضائه وقد حكاه في المسالك عن جماعة ، وهو المحكي عن الشيخين وابن البراج وسلّار وابن حمزة ، لموثق سماعة عن أبي عبد الله عليه السلام (عن رجل تزوج أمة على ضرة ، فقال : إن شاءت الحرة أن تقيم مع الأمة أقامت ، وإن شاءت ذهبت إلى أهلها ، قلت : فإن لم ترض بذلك وذهبت إلى أهلها أله عليها سبيل إذا لم ترض بالمقام؟ قال : لا سبيل عليها إذا لم ترض حين تعلم ، قلت : فذهابها إلى أهلها طلاقها؟ قال : نعم إذا خرجت من منزله اعتدت ثلاثة أشهر أو ثلاثة قروء ثم تتزوج إن شاءت) (1).
وقد طعن الشارح في المسالك كذا المحقق في النافع في سند خبر سماعة ، وهو ليس في محله ، لأنه موثق وقد ثبت حجيته في محله.
هذا من جهة ومن جهة أخرى فالجمع بين النصوص يقتضي القول الثالث فيثبت بطلان عقد الأمة مع عدم إذن الحرة بمفهوم الصحيح وبمنطوق نصوص البطلان ، ويثبت صحته مع إذن الحرة بمنطوق الصحيح لإطلاقه ، ويثبت الخيار للحرة في عقد نفسها بمنطوق موثق سماعة.
(1) أي إجازة الحرة.
(2) وهو القول الثاني المتقدم.
(3) كما في قوله تعالى : ( أَوْفُوا بِالْعُقُودِ ) (2).
(4) أي عدم رضا الحرة.
(5) وقد تقدمت ، وهي وإن دلت على تخيير الحرة في عقد نفسها لكنها أقرت بعدم وقوع عقد الأمة باطلا من رأس.
(6) وهو القول الأول المتقدم.
(7) وإن أذنت الحرة بعد ذلك.
(8) ليس في السند من يتوقف فيه إلا إبراهيم بن هاشم ، وهو لم يمدح ولم يذم فلذا جعلها -
ص: 281
باطل ، ونحوه روى حذيفة بن منصور عنه عليه السلام وزاد فيها (1) «أنه يعزّر (2) اثني عشر سوطا ونصفا ، ثمن حد الزاني ، وهو صاغر» ، وتأويل البطلان (3) بأنه (4) آئل إليه (5) على تقدير اعتراض الحرة خلاف ظاهره (6) ، ورواية سماعة (7) قاصرة عن معارضته (8). وعلى البطلان (9) ينزّل عقد الأمة منزلة المعدوم.
وعلى ايقافه (10) قيل (11) : للحرة فسخ عقدها (12) أيضا (13) كالعمة والخالة (14) ، وهو (15) ضعف في ضعف(16). وجواز تزويج الأمة بإذن الحرة
______________________________________________________
- حسنة ، وقد وصفناها بالصحيحة لأنه من شيوخ الإجازة ، وهذا ما يغني عن التوثيق.
(1) في رواية حذيفة.
(2) والتعزير - كما في المسالك - مشروط هنا بالدخول وعلمه بالتحريم.
(3) أي وحمل البطلان الوارد في صحيح الحلبي على ما لو لم تأذن فيما بعد.
(4) أي عقد الأمة.
(5) إلى البطلان.
(6) لأن البطلان ظاهر في الفعلي ، ولكن لا بد منه - كما عرفت - جمعا بينه وبين صحيح ابن بزيع.
(7) الدالة على عدم بطلانه فعلا بالالتزام.
(8) أي معارضة خبر الحلبي ، وفيه مع إمكان الجمع على ما تقدم فهو أولى من الطرح.
(9) أي على القول ببطلان عقد الأمة لو وقع بغير إذن الحرة.
(10) أي على وقوع عقد الأمة موقوفا على رضا الحرة.
(11) وهو القول الثالث المتقدم.
(12) أي عقد الحرة.
(13) كما يجوز لها فسخ عقد الأمة.
(14) قد تقدم أن للعمة والخالة فسخ عقدها وعقد بنت أخيها أو أختها عند تقدم عقد العمة والخالة ، وهو قول في المسألة فراجع.
(15) أي القول الثالث في مقامنا.
(16) لأنه مبني على القول بكون عقد الأمة موقوفا على رضا الحرة وهو ضعيف ، ما بني عليه من القول من جواز فسخ الحرة عقد نفسها يكون ضعفا في ضعف. هذا وأما لو انعكس الفرض بأن تزوج الحرة على الأمة فهو جائز ولازم إذا كانت الحرة عالمة بالحال بلا -
ص: 282
المستفاد من الاستثناء (1) مختص بالعبد (2) ، أو بمن يعجز (3) عن وطء الحرة دون الأمة ويخشى العنت (4) ، أو مبني على القول بجواز تزويج الأمة بدون الشرطين (5) وإن كان الأقوى خلافه (6) كما نبه عليه بقوله :
(و) كذا(لا يجوز للحر أن يتزوج الأمة مع قدرته على تزويج الحرة) (7) بأن
______________________________________________________
- خلاف فيه ولا إشكال ، ولما تقدم من الأخبار كصحيح الحلبي عنى أبي عبد الله عليه السلام (تزوج الحرة على الأمة ولا تزوج الأمة على الحرة) (1) ، وخبر أبي بصير عن أبي عبد الله عليه السلام (عن نكاح الأمة فقال : تتزوج الحرة على الأمة ، ولا تتزوج الأمة على الحرة) (2)وخبره الآخر عن أبي عبد الله عليه السلام (لا ينبغي للمسلم أن يتزوج الأمة على الحرة ، ولا بأس أن يتزوج الحرة على الأمة) (3)ومثلها غيرها. ولو كانت الحرة جاهلة فلها الخيار في بقائها مع الأمة وفسخ عقدها ورجوعها إلى أهلها كما هو المعروف بين الأصحاب لصحيح يحيى الأزرق (سألت أبا عبد الله عليه السلام (عن رجل كانت له امرأة وليدة فتزوج حرة ولم يعلمها بأن له امرأة وليدة ، فقال عليه السلام : إن شاءت الحرة أقامت ، وإن شاءت لم تقم ، قلت : قد أخذت المهر فتذهب به؟ قال عليه السلام : نعم بما استحل من فرجها) (4).
وظاهر هم أنه ليس لها فسخ عقد الأمة لسبق لزومه ولا سبيل لها على إبطاله ، نعم عن الشيخ في التبيان التخيير بين فسخ عقد نفسها وفسخ عقد الأمة ، ودليله غير ظاهر في مقابل عمومات اللزوم ، نعم عن المبسوط : أنه رواية ، ولكنها لم تثبت.
(1) في عبارة الماتن حيث قال (لا يجوز أن يتزوج أمة على حرة إلا بإذنها).
(2) لأنه لا يجوز تزويج الحر بالأمة في الجملة على ما سيأتي.
(3) من الأحرار.
(4) لأنه سيأتي عدم جواز تزويج الحر بالأمة إلا بشرطين : عدم الطول وخوف العنت ، وعليه فمع تحقق الشرطين فيجوز نكاح الحر بالأمة ، ويتحقق موضوع مسألتنا من نكاح الأمة على الحرة وكذا العكس.
(5) وهما عدم الطول وخوف العنت ، وهو الأشهر ، وعليه يتحقق موضوع مسألتنا من نكاح الأمة على الحرة وكذا العكس.
(6) أي خلاف القول الأشهر.
(7) المنسوب إلى أكثر المتقدمين منهم الشيخ في المبسوط والخلاف والمفيد وابن البراج وابن -
ص: 283
.................................................................................................
______________________________________________________
- الجنيد وابن أبي عقيل عدم جواز تزويج الحر للأمة مع إلا بشرطين وهما عدم الطول وخوف العنت لقوله تعالى : ( وَمَنْ لَمْ يَسْتَطِعْ مِنْكُمْ طَوْلاً أَنْ يَنْكِحَ الْمُحْصَنٰاتِ الْمُؤْمِنٰاتِ فَمِنْ مٰا مَلَكَتْ أَيْمٰانُكُمْ مِنْ فَتَيٰاتِكُمُ الْمُؤْمِنٰاتِ ، وَاللّٰهُ أَعْلَمُ بِإِيمٰانِكُمْ بَعْضُكُمْ مِنْ بَعْضٍ ، فَانْكِحُوهُنَّ بِإِذْنِ أَهْلِهِنَّ وَآتُوهُنَّ أُجُورَهُنَّ بِالْمَعْرُوفِ مُحْصَنٰاتٍ غَيْرَ مُسٰافِحٰاتٍ وَلٰا مُتَّخِذٰاتِ أَخْدٰانٍ ، فَإِذٰا أُحْصِنَّ فَإِنْ أَتَيْنَ بِفٰاحِشَةٍ فَعَلَيْهِنَّ نِصْفُ مٰا عَلَى الْمُحْصَنٰاتِ مِنَ الْعَذٰابِ ، ذٰلِكَ لِمَنْ خَشِيَ الْعَنَتَ مِنْكُمْ ، وَأَنْ تَصْبِرُوا خَيْرٌ لَكُمْ وَاللّٰهُ غَفُورٌ رَحِيمٌ ) (1).
وصدر الآية ظاهر في اشتراط جواز نكاح الأمة بأن لا يستطيع طولا ، وذيلها ظاهر في اشتراطه بخوف العنت ، فلا يجوز إلا مع وجود الشرطين ، ويدل عليه صحيح زرارة بن أعين عن أبي جعفر عليه السلام (سألته عن الرجل يتزوج الأمة ، قال عليه السلام : لا إلا أن يضطر إلى ذلك) (2) ، وموثق محمد بن مسلم عن أبي جعفر عليه السلام : (عن الرجل يتزوج المملوكة ، قال عليه السلام : إذا اضطر إليها فلا بأس) (3)، وموثق أبي بصير عن أبي عبد الله عليه السلام (وفي الحر يتزوج الأمة ، قال عليه السلام : لا بأس إذا اضطر إليها) (4)، ومفهوم هذه الأخبار عدم جواز نكاح الأمة عند عدم الاضطرار ، وحملت الضرورة على الشرطين للآية المتقدمة.
وقيل بالجواز ولو مع عدم الشرطين ، وعن الشرائع أنه الأشهر لعمومات الحل كقوله تعالى : ( وَأَنْكِحُوا الْأَيٰامىٰ مِنْكُمْ وَالصّٰالِحِينَ مِنْ عِبٰادِكُمْ وَإِمٰائِكُمْ ) (5)، وقوله تعالى : ( وَلَأَمَةٌ مُؤْمِنَةٌ خَيْرٌ مِنْ مُشْرِكَةٍ ) (6)وقوله تعالى : ( وَأُحِلَّ لَكُمْ مٰا وَرٰاءَ ذٰلِكُمْ ) (7)، وقوله تعالى : ( إِلّٰا عَلىٰ أَزْوٰاجِهِمْ أَوْ مٰا مَلَكَتْ أَيْمٰانُهُمْ ) (8)، وهي ظاهرة في عدم الاشتراط ، ولخبر يونس عنهم عليهم السلام (لا ينبغي للمسلم الموسر أن يتزوج الأمة إلا أن لا يجد حرة) (6)، وخبر أبي بصير عن أبي عبد الله عليه السلام (لا ينبغي للحر أن يتزوج الأمة وهو -
ص: 284
يجد (1) الحرة ويقدر على مهرها ، ونفقتها ويمكنه وطؤها ، وهو المعبر عنه بالطول ،
______________________________________________________
- يقدر على الحرة) (1) ومرسل ابن بكير عن بعض أصحابنا عن أبي عبد الله عليه السلام (لا ينبغي أن يتزوج الرجل الحر المملوكة اليوم ، إنما كان ذلك حيث قال عزوجل : ( وَمَنْ لَمْ يَسْتَطِعْ مِنْكُمْ طَوْلاً ) ، والطول المهر ، ومهر الحرة اليوم مثل مهر الأمة أو أقل) (2)، وهي ظاهرة في الكراهة بقرينة (لا ينبغي) مع ضميمة أن العمدة في الدليل هو الآية ، وهي دالة على الاشتراط من ناحية مفهوم صدرها ، وهو مفهوم الشرط ، ونوقش بأنه تارة ليس بحجة وأخرى بأنه وارد مورد الإرشاد لما فيه مصلحة المكلف وثالثة بأنه لم يثبت أن كلمة (من) الواردة في صدر الآية منزلة منزلة (إن) في إفادة المفهوم ، ورابعة أن الآية لو كان لها مفهوم لعمّ العبد مع أنه على خلاف الإجماع من جواز النكاح له للامة بدون هذين الشرطين.
وفيه : إن ظهور (لا ينبغي) في الجواز ممنوع ، ولو سلم فلا يقوى على صرف الظواهر المتقدمة في الكتاب والسنة على المنع ، وهذه الظواهر المانعة هي المقيّدة لعمومات الحل وأما المناقشة لمفهوم الآية ، فمفهوم الشرط وإن لم يكن حجة كما حرر في الأصول ، إلا أنه حجة هنا لوجود القرائن وهي الأخبار ، ودعوى أنه للإرشاد مدفوعة لسياق الآية في كونها واردة مورد التحليل والتحريم وهذا ما يقتضي أنها للتعليق المقيد للعموم.
ودعوى أن (من) ليس كلفظ (إن) في الشرطية فمدفوعة أن كليهما تفيدان التعليق والمدار في الشرط عليه.
وأما عموم المفهوم للعبد فلا يضر لأنه لا مانع من تخصيص المفهوم بغير العبد لقيام الدليل الخارجي عليه.
ثم مع تحقق الشرطين فلا إشكال في الجواز وإن كان الصبر أفضل لقوله تعالى : ( وَأَنْ تَصْبِرُوا خَيْرٌ لَكُمْ ) (3) ، كما لا إشكال في جواز وطء الأمة بالملك ولو مع عدم الشرطين باتفاق المسلمين ، وفي الجواهر أنه لا ريب فيه ، وعلى القول بالمنع فلا فرق بين الدائم والمنقطع لشمول لفظ النكاح المشروط بهما ، والوارد في الآية والأخبار لهذين القسمين ، وأما التحليل فإن جعلناه عقدا امتنع أيضا ، وإن جعلناه إباحة فلا كما لا يمنع وطؤها بملك اليمين كما في المسالك.
(1) تفسير لقدرته على تزويج الحرة ، وهو تفسير للطول الوارد في الآية ، والطول لغة الزيادة -
ص: 285
(أو مع عجزه (1) إذا لم يخش العنت) (2) وهو (3) لغة : المشقة الشديدة ، وشرعا (4): الضرر الشديد بتركه (5) بحيث يخاف الوقوع في الزنا ، لغلبة الشهوة ، وضعف التقوى.
وينبغي أن يكون الضرر الشديد وحده كافيا (6) وإن قويت التقوى ، للحرج ، أو الضرر المنفيين ، وأصالة عدم النقل (7).
وعلى اعتبار الشرطين (8) ظاهر الآية (9) ، وبمعناها رواية محمد بن مسلم عن الباقر عليه السلام. ودلالتهما (10) بمفهوم الشرط. وهو (11) حجة عند المحققين.
______________________________________________________
- والفضل ، والمراد به هنا الزيادة في المال وسعته بحيث يتمكن من نكاح الحرة بأن يقوم بما يتوقف عليه من مهرها ونفقتها ، ثم لا يكفي وجود المال مع عدم وجود الحرة أو عدم إمكان وطيها قبلا لصغر وغيره من مرض لصدق عدم الطول على نكاح الحرة ، وظاهرهم الاتفاق عليه.
(1) أي بحجزه عن تزويج الحرة.
(2) لأنه مع الخشية بمعنى الخوف لا يتحقق الشرط الثاني ، وهو خوف العنت ، والعنت لغة المشقة الشديدة ، وأصله انكسار العظم بعد جبره ثم استعير لكل مشقة وضرر ، والمراد به الوقوع في الزنا الذي تؤدي إليه غلبة الشهوة ، ولا ضرر أعظم من مواقعة ما يؤدي إلى غضب الله في الدنيا واستحقاق العذاب في الآخرة ، وهذا ما نسب إلى أكثر المفسرين ، ولكن الذي يقتضيه العمل بالظاهر حمل العنت على المشقة الشديدة كما هو المعنى اللغوي والعرفي ، ودعوى نقل العنت شرعا إلى خصوص الزنا مما لا دليل عليها ، فاللازم هو القول بأن خوف الوقوع في المشقة الشديدة سواء كان كالزنا أم لا هو المراد من خشية العنت.
(3) أي العنت.
(4) قد عرفت عدم الدليل على هذا النقل.
(5) بترك زواج الأمة.
(6) في زواج الأمة.
(7) أي نقل لفظ العنت من معناه اللغوي إلى المعنى الشرعي.
(8) من عدم الطول وخوف العنت.
(9) سورة النساء آية : 25.
(10) أي الآية والرواية.
(11) أي مفهوم الشرط.
ص: 286
(وقيل يجوز) العقد على الأمة مع القدرة على الحرة(على كراهة) للأصل (1) ، وعمومات الكتاب مثل ( إِلّٰا عَلىٰ أَزْوٰاجِهِمْ أَوْ مٰا مَلَكَتْ أَيْمٰانُهُمْ (2). وَلَأَمَةٌ مُؤْمِنَةٌ خَيْرٌ مِنْ مُشْرِكَةٍ (3). وَأُحِلَّ لَكُمْ مٰا وَرٰاءَ ذٰلِكُمْ (4) ، وَأَنْكِحُوا الْأَيٰامىٰ مِنْكُمْ وَالصّٰالِحِينَ مِنْ عِبٰادِكُمْ وَإِمٰائِكُمْ ) (5) ولرواية ابن بكير المرسلة عن الصادق عليه السلام «لا ينبغي» وهو (6) ظاهر في الكراهة.
ويضعّف بأن الاشتراط المذكور (7) مخصّص لما ذكر من العمومات ، والرواية مع ارسالها ضعيفة (8) ، وضعف مطلق (9) المفهوم ممنوع (10). وتنزيل (11) الشرط على الأغلب (12) خلاف الظاهر.
(وهو) أي القول بالجواز(مشهور) بين الأصحاب ، إلا أن دليله غير ناهض عليه فلذا نسبه إلى الشهرة(فعلى) القول(الأول (13) لا يباح) نكاح الأمة(إلا بعدم الطول) ، وهو (14) لغة الزيادة والفضل. والمراد به هنا الزيادة في المال وسعته بحيث يتمكن معها من نكاح الحرة فيقوم بما لا بدّ منه من مهرها ، ونفقتها.
______________________________________________________
(1) أي أصل الجواز المستفاد من أدلة البراءة.
(2) سورة المؤمنون آية : 6.
(3) سورة البقرة آية : 221.
(4) سورة النساء آية : 25.
(5) سورة النور آية : 32.
(6) أي لفظ (لا ينبغي).
(7) أي اشتراط نكاح الأمة بالشرطين السابقين.
(8) لأن سندها مشتمل على ابن فضال وهو واقفي.
(9) حتى مفهوم الشرط.
(10) ولو سلم بضعف مفهوم الشرط ، لكن هو حجة مع القرينة ، وهي موجودة هنا وهي الأخبار المتقدمة.
(11) في الآية.
(12) وهو أن غير المستطيع يتزوج الأمة إذا خشي العنت.
(13) من عدم جواز نكاح الأمة إلا بالشرطين.
(14) أي الطول.
ص: 287
ويكفي للنفقة وجوده (1) بالقوة كغلّة الملك ، وكسب ذي الحرفة(وخوف العنت) بالفتح. وأصله انكسار العظم بعد الجبر ، فاستعير لكل مشقة وضرر ، ولا ضرر أعظم من مواقعة المأثم (2). والصبر عنها (3) مع الشرطين أفضل ، لقوله تعالى : ( وَأَنْ تَصْبِرُوا خَيْرٌ لَكُمْ ) (4) (وتكفي الأمة الواحدة) لاندفاع العنت بها ، وهو (5) أحد الشرطين في الجواز.
(وعلى الثاني) وهو الجواز مطلقا (6) (يباح اثنتان) لا أزيد كما سيأتي.
(الثالثة : من تزوج (7) امرأة في عدتها بائنة كانت ، أو رجعية) ، أو عدة وفاة ، أو عدة شبهة ، ولعله غلب عليهما (8) اسم البائنة (9) (عالما بالعدة والتحريم بطل العقد وحرمت) عليه(أبدا) (10) ، ولا فرق بين العقد الدائم والمنقطع
______________________________________________________
(1) أي وجود المال.
(2) وهو الزنا.
(3) عن الأمة.
(4) سورة النساء آية : 25.
(5) أي اندفاع العنت.
(6) مع الشرطين وعدمهما ، والمعنى مع الطول وعدمه ومع خوف العنت وعدمه.
(7) بالعقد الدائم أو المنقطع.
(8) على عدة الوفاة وعدة الشبهة.
(9) لعدم الرجوع فيهما.
(10) التفصيل بين العلم والجهل وبين الدخول وعدمه في تزويج ذات العدة مستند إلى أخبار.
منها : خبر محمد بن مسلم (سألت أبا عبد الله عليه السلام عن الرجل يتزوج المرأة في عدتها ، قال عليه السلام : يفرّق بينهما ولا تحلّ له أبدا) (1) ، وصحيح إسحاق بن عمار (قلت لأبي إبراهيم عليه السلام : بلغنا عن أبيك أن الرجل إذا تزوج المرأة في عدتها لم تحلّ له أبدا ، فقال : هذا إذا كان عالما ، فإذا كان جاهلا فارقها وتعتد منه ثم يتزوجها نكاحا جديدا) (2)، وصحيح الحلبي عن أبي عبد الله عليه السلام (إذا تزوج الرجل المرأة في عدتها ودخل بها لم تحلّ له أبدا عالما كان أو جاهلا ، وإن لم يدخل حلّت للجاهل ولم تحلّ للآخر) (3) ، ومثلها غيرها من الأخبار ، وعليه فإما أن يكونا عالمين أو جاهلين أو تكون -
ص: 288
.................................................................................................
______________________________________________________
المرأة عالمة والرجل جاهلا ، أو بالعكس فالصور أربعة ، وعلى تقدير الجهل فإما أن يكون الجهل بالتحريم أو بالعدة أو بهما فصور الجهل ثلاثة مضروبة بهذه التقادير فالحاصل تسعة ، وهي مضافة إلى صورة العلم فالمجموع عشرة ، وعلى التقادير العشرة إما أن يكون قد دخل أو لا فهذه عشرون ، وجملة أحكامها أنه إذا دخل بها في العدة حرمت مطلقا ، وإن لم يدخل بها فإن كانا عالمين حرمت كذلك ، وإن كانا جاهلين بالعدة أو التحريم أو بهما معا لم تحرم ، وإن جهل أحدهما وعلم الآخر اختص كل واحد بحكمه ، وهذا التفصيل مستفاد من الأخبار وقد تقدم بعضها.
ثم لا فرق في العدة بين الرجعية والبائنة وعدة الوفاة وعدة الشبهة لإطلاق الأخبار ، ويؤيده صحيح محمد بن مسلم عن أبي جعفر عليه السلام الوارد في عدة المتوفى عنها زوجها قال (المرأة الحبلى يتوفى عنها زوجها فتضع وتزوّج قبل أن تعتدّ أربعة أشهر وعشرا ، فقال عليه السلام : إن كان الذي تزوجها دخل بها فرّق بينهما ولم تحلّ له أبدا واعتدّت بما بقي عليها من عدة الأول ، واستقبلت عدة أخرى من الآخر ثلاثة قروء ، وإن لم يكن دخل بها فرّق بينهما وأتمت ما بقي من عدتها ، وهو خاطب من الخطّاب) (1).
ثم لا فرق في المعتدة بين الحرة والأمة لإطلاق الأخبار المتقدمة ويؤيده صحيح إسحاق بن عمار (سألت أبا إبراهيم عليه السلام عن الأمة يموت سيدها قال : تعتد عدة المتوفى عنها زوجها ، قلت : فإن رجلا تزوجها قبل أن تنقضي عدتها ، قال : يفارقها ثم يتزوجها نكاحا جديدا بعد انقضاء عدتها ، قلت : فأين ما بلغنا عن أبيك في الرجل إذا تزوج المرأة في عدتها لم تحل له أبدا؟ قال : هذا جاهل) (2).
ثم لا فرق في الزواج بين كونه بالعقد الدائم أو المنقطع لإطلاق الأخبار ، وثم لا فرق في الدخول بين القبل والدبر للإطلاق ، ولا فرق في الجهل بين كونه جاهلا بالتحريم أو بالعدة أو بهما ويؤيده صحيح عبد الرحمن بن الحجاج عن أبي إبراهيم عليه السلام (سألته عن الرجل يتزوج المرأة في عدتها بجهالة ، أهي ممن لا تحلّ له أبدا؟ فقال عليه السلام : لا أمّا إذا كان بجهالة فليتزوجها بعد ما تنقضي عدتها ، وقد يعذر الناس في الجهالة بما هو أعظم من ذلك ، قلت : بأي الجهالتين يعذر ، بجهالته إن لم يعلم أن ذلك محرّم عليه أم بجهالته أنها في عدة؟ فقال عليه السلام : إحدى الجهالتين أهون من الأخرى ، الجهالة بأن الله حرّم -
ص: 289
فيهما (1) لإطلاق النصوص الشامل لجميع ما ذكر (2) (وإن جهل أحدهما) : العدة ، أو التحريم(أو جهلهما حرمت (3) إن دخل) بها قبلا ، أو دبرا ، (وإلا فلا) (4) ، ولو اختص العلم بأحدهما ، دون الآخر اختص به (5) حكمه (6) ، وإن حرم على الآخر التزويج (7) به من حيث المساعدة على الإثم ، والعدوان (8).
ويمكن سلامته (9) من ذلك (10) بجهله التحريم (11) ، أو بأن يخفى عليه عين الشخص المحرم مع علم الآخر ، ونحو ذلك (12).
______________________________________________________
- ذلك عليه ، وذلك بأنه لا يقدر على الاحتياط معها ، فقلت : فهو في الأخرى معذور؟ قال عليه السلام : نعم إذا انقضت عدتها فهو معذور في أن يتزوجها ، فقلت : فإن كان أحدهما متعمدا والآخر يجهل؟ فقال عليه السلام : الذي تعمد لا يحلّ له أن يرجع إلى صاحبه أبدا) (1).
(1) أي في البطلان والتحريم مؤبدا.
(2) من كونها ذات عدة رجعية أو بائنة أو عدة وفاة أو عدة شبهة ، وكون العقد دائما أو متعة.
(3) مؤبدا.
(4) أي فلا تحرم ولكن يبطل العقد وعليه تجديده بعد انقضاء عدتها.
(5) أي بالعالم.
(6) وهو التحريم المؤبد مع بطلان العقد.
(7) ولكن بعد العدة.
(8) وقد قال تعالى : ( وَلٰا تَعٰاوَنُوا عَلَى الْإِثْمِ وَالْعُدْوٰانِ ) (2).
(9) أي سلامة الجاهل.
(10) أي من تحريم التزويج بالآخر من حيث المساعدة على الاثم.
(11) أي التحريم المؤبد بالنسبة إلى العالم ، والمعنى أن الجاهل لا يحرم عليه الآخر ، ولكن يحرم عليه التزويج به بعد العدة من حيث المساعدة على الاثم ، إلا أن يكون الجاهل جاهلا بكون التحريم المؤبد ثابتا في حق العالم أو جاهلا بشخص هذا العالم فيجوز له التزويج به بعد العدة.
(12) كجهله بأن الطرف الآخر عالم في حال العقد.
ص: 290
وفي الحكم بصحة العقد على هذا التقدير (1) نظر ، ويتعدى التحريم على تقدير الدخول إلى أبيه وابنه (2) كالموطوءة بشبهة مع الجهل والمزني بها مع العلم.
وفي إلحاق مدة الاستبراء بالعدة فتحرم بوطئها فيها (3) وجهان ، أجودهما العدم ، للأصل (4) ، وكذا الوجهان (5) في العقد عليها (6) مع الوفاة (7) المجهولة ظاهرا (8) قبل العدة (9) مع وقوعه (10) بعد الوفاة (11) في نفس الأمر (12) ، أو
______________________________________________________
(1) وهو صورة ما لو علم أحدهما وجهل الآخر مع حرمة التزويج على الجاهل بعد العدة من باب المساعدة على الاثم ، فالتزويج وإن كان حراما ولكن في صحته إشكال ، وجه الصحة أن التحريم من حيث المساعدة على الاثم لا تقتضي الفساد ، ووجه البطلان أن الحكم بصحة العقد من طرف الجاهل لا يناسب الحكم بفساده من طرف العالم ، ولا يمكن الحكم بصحة العقد من جهة دون أخرى بحسب نفس الأمر والحكم هنا بهذا اللحاظ ، وإن أمكن في ظاهر الحال كالمختلفين في صحته وفساده.
(2) فمع الدخول تحرم على أبيه وابنه لأنه زان أو واطئ بشبهة ، وكلاهما ينشران التحريم على أصح القولين كما تقدم ، إذا كانا أسبق من العقد ، ثم إن هذا الدخول إن كان مع العلم بأنها في عدة الغير وأنه لا يجوز له العقد عليها فالدخول زنا وإلا فالدخول شبهة.
(3) أي فتحرم الأمة بوطئها في مدة الاستبراء.
(4) وهو استصحاب الحل ، ففي القواعد : (هل وطء الأمة في الاستبراء كالوطء في العدة إشكال) ، وفي المسالك : (وفي إلحاق مدة الاستبراء بالعدة وجهان ، وعدمها أقوى وقوفا على موضع النص واستصحابا للحل في غيره) وجزم بالعدم في الجواهر للاستصحاب ، وقواه في كشف اللثام لأن المتبادر من العدة في الأخبار لا يشمل مدة الاستبراء ، لانصرافه إلى غيرها.
(5) من الإلحاق وعدمه.
(6) على المرأة ولكن بدون دخول.
(7) أي وفاة زوجها.
(8) بالنسبة للمرأة.
(9) متعلق بقوله (في العقد عليها) ، أي وكان العقد قبل العدة لأن عدة المتوفى عنها زوجها تبدأ من حين علمها بالوفاة.
(10) أي وقوع العقد.
(11) بعد وفاة الزوج.
(12) وبشرط علم العاقد إذ مع جهله بالحال ومع عدم الدخول لا وجه للتحريم ، وصورة الدخول ستذكر فيما بعد ، وعلم الزوجة هنا غير متصور وإلا تصير معتدة.
ص: 291
الدخول مع الجهل (1).
والأقوى عدم التحريم ، لانتفاء المقتضي له (2) ، وهو كونها معتدة ، أو مزوجة سواء كانت المدة (3) المتخللة بين الوفاة والعدة بقدرها (4) ، أم أزيد أم أنقص ، وسواء (5) وقع العقد أو الدخول في المدة الزائدة عنها (6) أم لا ، لأن العدة إنما تكون بعد العلم (7) بالوفاة ، أو ما في معناه (8) وإن طال الزمان.
وفي إلحاق ذات البعل بالمعتدة وجهان : من أن (9) علاقة الزوجية فيها (10) أقوى (11) ، وانتفاء (12) النص.
______________________________________________________
(1) أي جهل العاقد.
(2) للتحريم ، والمقتضي للتحريم هو كون الزوجة معتدة أو مزوجة ، وهذا المقتضي منتف لأن المرأة في هذه الصورة ليست معتدة لأنها غير عالمة بالوفاة ، ولا مزوجة لفوات زوجها بالموت واقعا.
(3) التي وقع فيها العقد أو الدخول.
(4) أي بقدر العدة.
(5) وهذا مبني على كون المدة المتخللة أزيد من العدة.
(6) عن العدة.
(7) أي علم المرأة.
(8) كشهادة العدلين وحكم الحاكم بها بعد الفحص في أربع سنين.
(9) دليل لإلحاق ذات البعل بالمعتدة.
(10) في ذات البعل.
(11) وفيه : إن التحريم الأبدي لعله حكم تعبدي من آثار العدة فقط ولا ربط للزوجية فيه.
(12) دليل لعدم الإلحاق ، أي وانتفاء النص في ذات البعل ، لأن النص مختص بذات العدة.
هذا والشارح اتبع العلامة في تحرير هذه المسألة حيث قال العلامة في القواعد : (لو تزوج بذات البعل ففي إلحاقه بالمعتدة إشكال ، ينشأ من عدم التنصيص ، ومن أولوية التحريم) انتهى ، وقد عرفت الإشكال في أولوية التحريم إذ يحتمل أن يكون التحريم من مختصات العدة فلا يشمل ذات البعل ، وأما عدم التنصيص فهو عجيب من العلامة وقد تابعه على نفي النص كل من ولده في الإيضاح والشارح كما سمعت.
مع أن النصوص واردة في العقد على ذات البعل وهي على طوائف
فمنها : ما يدل على الحرمة مطلقا كموثق أديم بن الحر عن أبي عبد الله عليه السلام (التي -
ص: 292
والأقوى أنه مع الجهل ، وعدم الدخول لا تحرم (1) ، كما أنه لو دخل بها عالما حرمت ، لأنه زان بذات البعل ، والإشكال فيهما (2) واه ، وإنما يقع الاشتباه
______________________________________________________
- تتزوج ولها زوج يفرّق بينهما ثم لا يتعاودان أبدا) (1).
ومنها : ما يدل على الحرمة مع الدخول كموثق زرارة عن أبي جعفر عليه السلام (إذا نعي الرجل إلى أهله أو أخبروها أنه قد طلقها فاعتدّت ثم تزوجت ، فجاء زوجها الأول ، فإن الأول أحق بها من هذا الأخير ، دخل بها الأول أم لم يدخل بها ، وليس للآخر أن يتزوجها أبدا ، ولها المهر بما استحل من فرجها) (2)، وموثقه الآخر عنه عليه السلام (في امرأة فقد زوجها أو نعي إليها فتزوجت ثم قدم زوجها بعد ذلك فطلقها ، قال عليه السلام : تعتدّ منهما جميعا ثلاثة أشهر عدة واحدة ، وليس للآخر أن يتزوجها أبدا) (3) ، وهما ظاهران في صورة الدخول بقرينة استحقاق المهر في الأول وبقرينة الاعتداد في الثاني ، نعم الثاني ظاهر في الاكتفاء بعدة واحدة وهم لا يقولون بذلك فلذا أعرضوا عن ذيله.
ومنها : ما يدل على الحرمة في صورة العلم دون الجهل كمرفوع أحمد بن محمد (أن الرجل إذا تزوج امرأة وعلم أن لها زوجها فرّق بينهما ولم تحلّ له أبدا) (4).
ومنها : ما يدل على عدم الحرمة في صورة الجهل وإن دخل كصحيح عبد الرحمن بن الحجاج عن أبي عبد الله عليه السلام (عن رجل تزوج امرأة ثم استبان له بعد ما دخل بها أن لها زوجا غائبا فتركها ، ثم إن الزوج قدم فطلقها أو مات عنها ، أيتزوجها بعد هذا الذي كان تزوجها ولم يعلم أن لها زوجا؟ قال عليه السلام : ما أحبّ له أن يتزوجها حتى تنكح زوجا غيره) (5).
ومقتضى الجمع بين الأخبار هو عدم الحرمة في صورة الجهل مع عدم الدخول ، والحرمة فيما عداها ، ولا يعارض هذا الجمع إلا صحيح عبد الرحمن المتقدم فإنه دال على عدم الحرمة مع الدخول ولعل المراد بالدخول فيه هو الخلوة بها كما في الوسائل ولم يستبعده جماعة جمعا بين النصوص وعليه فلا إشكال ، ويكون التفصيل الوارد في المعتدة جاريا في ذات البعل.
(1) ولكن لا إشكال في بطلان العقد.
(2) في عدم الحرمة في الصورة الأولى وفي الحرمة في الصورة الثانية ، هذا وفي المسالك أنه لا إشكال في هاتين الصورتين حيث قال : (ولا إشكال مع العلم بالتحريم لاقتضاء الزنا -
ص: 293
مع الجهل والدخول (1) ، أو العلم مع عدمه (2) ووجه الإشكال من عدم (3) النص عليه (4) بخصوصه ، وكون (5) الحكم بالتحريم هنا (6) أولى للعلاقة (7). ولعله أقوى.
وحيث لا يحكم بالتحريم (8) يجدد العقد بعد العدة إن شاء ، ويلحق الولد مع الدخول والجهل بالجاهل منهما (9) إن ولد في وقت امكانه منه (10) ، ولها مهر
______________________________________________________
التحريم ، ولا في عدمه مع الجهل وعدم الدخول) وفي الرياض دعوى الإجماع على الصورة الأولى ودعوى عدم الخلاف في الصورة الثانية ، ومثله غيره ، وعليه فلا معنى لقول الشارح من أن الإشكال فيهما واه ، لعدم وجوده بعد عدم المخالف.
(1) وفيه : إن موثقي زرارة المتقدمين قد دلا على التحريم في هذه الصورة فراجع.
(2) أي عدم الدخول ، وفيه : إن مرفوع أحمد بن محمد بإطلاقه قد دل على التحريم في هذه الصورة فراجع.
(3) وجه عدم الإسحاق بالمعتدة فلا تحريم.
(4) أي على الحكم في هاتين الصورتين ، وقد عرفت وجود النص.
(5) وجه الإلحاق بالمعتدة فالتحريم المؤبد ثابت.
(6) في الصورتين الأخيرتين.
(7) أي علاقة الزوجية.
(8) أي التحريم المؤبد كما في صورة الجهل مع عدم الدخول.
(9) لكون الوطء حينئذ وطأ بشبهة.
(10) أي من الجاهل فإن جاء الولد بعد مضي وطء الثاني ستة أشهر أو أزيد ، وكان قد مضى من وطء الأولى أقصى مدة الحمل وهي عشرة أشهر فالولد للثاني بلا إشكال فيه كما في الرياض وقطعا كما في الجواهر ، ويشهد له مرسل جميل عن بعض أصحابه عن أحدهما عليهما السلام (في المرأة تزوج في عدتها ، قال عليه السلام : يفرّق بينهما وتعتدّ عدة واحدة منهما جميعا ، وإذا جاءت لستة أشهر أو أكثر فهو للأخير ، وإن جاءت بولد لأقل من ستة أشهر فهو للأول) (1) ، ومنه تعرف ما لو جاء الولد لأقل من ستة أشهر من وطء الثاني ولم يمض على وطء الأول أقصى مدة الحمل فالولد للأول ، وأما لو جاء الولد بعد مضي أقصى المدة من وطء الأول ، وقبل ستة أشهر من وطء الثاني فلا يلحق بواحد منهما للعلم بانتفائه عنهما.
ص: 294
المثل مع جهلها بالتحريم (1) ، وتعتد منه (2) بعد اكمال الأولى (3).
(الرابعة : لا تحرم المزني بها على الزاني (4).)
______________________________________________________
(1) كما في موثق زرارة المتقدم حيث قال عليه السلام (ولها المهر بما استحلّ من فرجها) (1) والمراد من المهر هو مهر المسمى كما عن الشيخ في المبسوط والعلامة لظاهر الخبر المتقدم ، ولغيره من الأخبار المصرحة بلفظ المهر كموثق سليمان بن خالد (سألته عن رجل تزوج امرأة في عدتها فقال عليه السلام : يفرّق بينهما وإن كان دخل بها فلها المهر بما استحل من فرجها ويفرّق بينهما فلا تحلّ له أبدا ، وإن لم يكن دخل بها فلا شي ء لها من مهرها) (2) وعن بعضهم منهم الشارح هنا أنه مهر المثل لفساد المسمى بفساد العقد فينتقل إلى المثل ، وفيه إنه على خلاف ظاهر الأخبار المتقدمة ، هذا واعلم أنه مع عدم الدخول لا شي ء لها لفساد العقد ولم يستحل شيئا من فرجها ، لأن الغرض عدم الدخول ويدل عليه ذيل الموثق المتقدم ، نعم لو وطء شبهة فلها مهر المثل لأنه العوض عن استباحة البضع.
(2) من الثاني ولو كان عالما بشرط أن تكون جاهلة ، وإلا فمع علمها أيضا فيكون زنا ، ولا عدة للزاني.
(3) أي العدة الأولى من الأول ، كما دلت عليه الأخبار الواردة في ذات العدة كخبر محمد بن مسلم المتقدم ، وسيأتي بحثه مفصلا في كتاب الطلاق ، وما ورد من أنها تعتد عدة واحدة لكليهما كما تقدم في بعض الأخبار غير مأخوذ به لمعارضته بما هو أقوى.
(4) كما هو المشهور ، لعموم (الحرام لا يحرّم الحلال) (3) ، كما ورد في الأخبار ، وقد تقدم بعضها في بحث الزنا المتأخر عن العقد ، ولخصوص أخبار :
منها : صحيح عبيد الله بن علي الحلبي عن أبي عبد الله عليه السلام (أيّما رجل فجر بامرأة ثم بدا له أن يتزوجها حلالا ، قال عليه السلام : أوله سفاح وآخره نكاح ، ومثله مثل النخلة أصاب الرجل من ثمرها حراما ثم اشتراها بعد فكانت له حلالا) (4) ، وصحيح أبي بصير عن أبي عبد الله عليه السلام (سألته عن رجل فجر بامرأة ثم بدا له أن يتزوجها ، فقال عليه السلام : حلال ، أوله سفاح وآخره نكاح ، أوله حرام وآخره حلال) (5)ومثلها غيرها. -
ص: 295
(إلّا أن تكون (1).
______________________________________________________
- وعن الشيخين وجماعة المنع إلا مع التوبة للأخبار :
منها : موثق عمار بن موسى عن أبي عبد الله عليه السلام (سألته عن الرجل يحلّ له أن يتزوج امرأة كان يفجر بها؟ قال عليه السلام : إن آنس منها رشدا فنعم ، وإلا فليراودها على الحرام فإن تابعته فهي عليه حرام ، وإن أبت فليتزوجها) (1) ، وخبر إسحاق بن حريز عن أبي عبد الله عليه السلام (قلت له : الرجل يفجر بالمرأة ثم يبدو له في تزويجها هل يحلّ له ذلك؟ قال عليه السلام : نعم إذا هو اجتنبها حتى تنقضي عدتها باستبراء رحمها من ماء الفجور فله أن يتزوجها ، وإنما يجوز له أن يتزوجها بعد أن يقف على توبتها) (2) ، وخبر أبي المغراء عن أبي بصير (سألته عن رجل فجر بامرأة ثم أراد أن يتزوجها ، فقال : إذا تابت حلّ له نكاحها ، قلت : كيف يعرف توبتها؟ قال : يدعوها إلى ما كانا عليه من الحرام ، فإن امتنعت فاستغفرت ربها عرف توبتها) (3).
وهي مع ضعف سند بعضها ، وكون الشهرة على خلافها ، ولتضمنها إلى الدعاء إلى الحرام وهو إغراء بالقبيح وهو غير مناسب من المعصوم عليه السلام ، محمولة على التقية لموافقتها لبعض العامة كأحمد بن حنبل وقتادة.
(1) أي الزانية ، فالزنا بذات البعل موجب للتحريم المؤبد ، وفي كشف اللثام قطع به الأصحاب إلا المحقق في الشرائع ، ففي الشرائع نسبته إلى المشهور وظاهره التوقف فيه.
واستدل للمشهور بالإجماع كما عن جماعة منهم السيد وابن زهرة والحلي والفخر ، وبالرضوي (ومن زنا بذات بعل محضا كان أو غير محض ، ثم طلقها زوجها أو مات عنها وأراد الذي زنا بها أن يتزوج بها لم تحلّ له أبدا) (4).
والفرق بين مقامنا وبين ما تقدم من العقد على ذات البعل ، أن المقام هنا مجرد عن العقد بخلافه هناك ، ثم لا فرق في مقامنا على المشهور بين علم الزاني بكونها ذات بعل وعدمه ولا بين دخول البعل بها وعدمه ، ولا بين المتمتع بها والدائم عملا بالعموم الوارد هنا (ومن زنا بذات بعل).
وتلحق المعتدة بذات البعل ، لأنها بحكم الزوجة ، ولا يلحق بزنا ذات البعل الزنا بذات العدة البائنة وعدة الوفاة ، ولا الزنا بالأمة الموطوءة بالملك عملا بأصالة عدم التحريم المؤبد ، بعد حمل الإجماع والنص المتقدم على مورد الوفاق وهو الزنا بذات البعل فقط.
ص: 296
(ذات بعل) دواما (1) ومتعة ، والمعتدة رجعية بحكمها (2) ، دون البائن (3) ، والحكم فيه (4) موضع وفاق.
وفي إلحاق الموطوءة بالملك بذات البعل وجهان مأخذهما : مساواتها (5) لها في كثير من الأحكام خصوصا المصاهرة (6). واشتراكهما (7) في المعنى المقتضي للتحريم ، وهو (8) صيانة الأنساب عن الاختلاط (9) ، وأن ذلك (10) كله (11) لا يوجب اللحاق (12) مطلقا (13) ، وهو الأقوى.
(ولا تحرم الزانية) على الزاني ، ولا على غيره (14) ،
______________________________________________________
(1) الدوام والمتعة قيد لذات البعل.
(2) أي بحكم ذات البعل من ناحية أنها بحكم الزوجة.
(3) وكذا المتوفى عنها زوجها.
(4) في تحريم ذات البعل على الزاني مؤبدا.
(5) دليل الإلحاق ، والمراد منه مساواة الأمة للزوجة.
(6) حيث تحرم أمها وبنتها على المالك الواطئ وتحرم الموطوءة على أب الواطئ وابنه وهكذا.
(7) دليل ثان للإلحاق ، والمعنى اشتراك الأمة والزوجة.
(8) وهو مقتضى التحريم.
(9) وهو استحسان محض.
(10) دليل لعدم الإلحاق.
(11) من الوجهين السابقين.
(12) أي لحاق الأمة بالزوجة.
(13) في جميع الموارد والأحكام.
(14) أي غير الزاني ، على المشهور للأخبار الكثيرة
منها : صحيح علي بن رئاب المروي في قرب الإسناد (سألت أبا عبد الله عليه السلام عن المرأة الفاجرة يتزوجها الرجل المسلم؟ قال عليه السلام : نعم وما يمنعه ، ولكن إذا فعل فليحصن بابه مخافة الولد) (1) ، وخبر زرارة عن أبي جعفر عليه السلام : (سئل عن رجل أعجبته امرأة فسأل عنها فإذا الثناء عليها في شي ء من الفجور ، فقال عليه السلام : لا بأس بأن يتزوجها ويحضها) (2). -
ص: 297
(ولكن يكره تزويجها) (1) مطلقا (2) (على الأصح) خلافا لجماعة حيث حرّموه (3) على الزاني ما لم تظهر منها التوبة.
ووجه الجواز الأصل (4) ، وصحيحة الحلبي عن أبي عبد الله عليه السلام قال : «أيما رجل فجر بامرأة ثم بدا له أن يتزوجها حلالا قال : أوله سفاح ، وآخره
______________________________________________________
- وعن الحلبي والصدوق في ظاهر المقنع الحرمة لقوله تعالى : ( الزّٰانِي لٰا يَنْكِحُ إِلّٰا زٰانِيَةً أَوْ مُشْرِكَةً ، وَالزّٰانِيَةُ لٰا يَنْكِحُهٰا إِلّٰا زٰانٍ أَوْ مُشْرِكٌ وَحُرِّمَ ذٰلِكَ عَلَى الْمُؤْمِنِينَ ) (1) ، بدعوى ظهورها في حرمة تزويج الزانية لغير الزاني والمشرك ، وفيه : عدم ظهورها في مقام التشريع بل من الجائز أنها في مقام الإخبار ، ويكون المراد من النكاح هو الوطء ، إذ لو حملت الآية على التشريع لجاز تزويج المسلمة الزانية من المشرك ولم يقل به أحد فلا بدّ من حملها على الإخبار دون التشريع.
(1) أي تزويج الزانية.
(2) للزاني وغيره ، والكراهة ناشئة من الجمع بين أخبار الجواز وأخبار النهي إلا مع التوبة ، وقد تقدم أن أخبار النهي محمولة على التقية نعم ورد النهي عن تزويج الزانية المشهورة بالزنا ، وهذا النهي قد ورد في جملة من الأخبار المفسرة للآية الشريفة المتقدمة ، ففي صحيح زرارة (سألت أبا عبد الله عليه السلام عن قول الله عزوجل : ( الزّٰانِي لٰا يَنْكِحُ إِلّٰا زٰانِيَةً أَوْ مُشْرِكَةً ، وَالزّٰانِيَةُ لٰا يَنْكِحُهٰا إِلّٰا زٰانٍ أَوْ مُشْرِكٌ ) ، قال عليه السلام : هنّ نساء مشهورات بالزنا ، ورجال مشهورون بالزنا ، قد شهروا بالزنا وعرفوا به ، والناس اليوم بذلك المنزل ، فمن أقيم عليه حد الزنا أو شهر منهم الزنا لم ينبغ لأحد أن يناكحه حتى يعرف منه توبته) (2) ، وفي خبر حكم بن حكيم عن أبي عبد الله عليه السلام (في قوله الله عزوجل : ( وَالزّٰانِيَةُ لٰا يَنْكِحُهٰا إِلّٰا زٰانٍ أَوْ مُشْرِكٌ ) ، قال عليه السلام : إنما ذلك في الجهر ، ثم قال : لو إن إنسانا زنا ثم تاب تزوج حيث شاء) (3)ومثلها غيرها.
وعن المفيد وسلّار الحرمة لما ذكر ، ولكن قد عرفت أن الآية لا يراد منها التشريع ، والأخبار محمولة على التبكيت والذم لنساء ورجال مشهورين بالزنا مواظبين عليه ، فهي لا تفيد أكثر من الكراهة.
(3) أي حرّموا تزويج الزانية.
(4) أي أصالة عدم التحريم المؤبد.
ص: 298
نكاح ، فمثله كمثل النخلة أصاب الرجل من ثمرها حراما ثم اشتراها فكانت له حلالا» ولكن تكره للنهي (1) عن تزويجها مطلقا (2) في عدّة أخبار المحمول (3) على الكراهة جمعا.
واحتج المانع (4) برواية أبي بصير قال سألته عن رجل فجر بامرأة ثم أراد بعد أن يتزوجها : فقال : «إذا تابت حل له نكاحها» قلت : كيف يعرف توبتها. قال : «يدعوها إلى ما كانت عليه من الحرام فإن امتنعت واستغفرت ربّها عرف توبتها». وقريب منه ما روى عمار عن الصادق عليه السلام : والسند فيهما ضعيف (5). وفي الأولى (6) قطع (7). ولو صحتا لوجب حملهما على الكراهة جمعا.
(ولو زنت امرأته لم تحرم عليه (8) على الأصح ، وإن أصرّت) على الزنا ،
______________________________________________________
(1) وهي أخبار النهي المقيّدة بالتوبة وقد تقدمت.
(2) للزاني وغيره.
(3) صفة للنهي.
(4) وهو من حرم التزويج بالزانية إلا إذا عرف منها التوبة.
(5) فالأول مشتمل على أبي بصير وهو مشترك بين الثقة وغيره ، والثاني مشتمل على عمار بن موسى وهو واقفي.
(6) أي رواية أبي بصير.
(7) لأنها مضمرة فلم يعرف المسئول.
(8) أي على بعلها ، فلا تحرم الزوجة على زوجها بزناها وإن كانت مصرة على ذلك ، على المشهور ، للأصل ، ولما ورد (أن الحرام لا يحرّم الحلال) (1) ، ولخبر عباد بن صهيب عن جعفر بن محمد عليهما السلام (لا بأس أن يمسك الرجل امرأته إن رآها تزني ، وإن لم يقم عليها الحد ، فليس عليه من اثمها شي ء) (2).
وعن المفيد وسلار الحرمة مع الإصرار لفوات أعظم الفوائد المطلوبة من النكاح وهو التناسل ، لاختلاط النسب ، مع كون الفرض من شرعية الحدود للزنا حفظ الأنساب من الاختلاط ، والاختلاط قائم مع الإصرار وأجيب بأن النسب لاحق للفراش والزاني لا نسب له ولا حرمة لمائه ، واستدل لهما بجملة من النصوص : -
ص: 299
للأصل (1) والنص ، خلافا للمفيد ، وسلّار حيث ذهبا إلى تحريمها مع الاصرار ، استنادا إلى فوات أعظم فوائد النكاح ، وهو (2) التناسل معه (3) ، لاختلاط النسب حينئذ ، والغرض من شرعية الحدّ والرجم للزاني حفظه (4) عن ذلك.
ويضعّف بأن الزاني لا نسب له ، ولا حرمة (5).
(الخامسة : من أوقب غلاما (6) ، أو رجلا) بأن أدخل به بعض الحشفة وإن لم
______________________________________________________
- منها : خبر الفضل بن يونس (سألت أبا الحسن موسى عليه السلام : عن رجل تزوج امرأة فلم يدخل بها فزنت ، قال عليه السلام : يفرّق بينهما وتحدّ الحد ولا صداق لها) (1).
وهي أخص من المدعى إذ المدعى هو الحرمة مع الإصرار وهي دالة على الحرمة بمطلق الزنا ، وقد أعرض عنها الأصحاب فلا مجال للعمل بها.
(1) أي أصالة عدم التحريم المؤبد.
(2) أي أعظم الفوائد.
(3) مع الإصرار.
(4) أي حفظ النسب عن الاختلاط.
(5) أي لا حرمة لمائه مع كون النسب للفراش.
(6) من لاط بغلام فأوقب حرمت على الفاعل أم المفعول أبدا وإن علت بلا خلاف فيه لموثق إبراهيم بن عمر عن أبي عبد الله عليه السلام (في رجل لعب بغلام هل تحل له أمه؟ قال عليه السلام : إن كان ثقب فلا) (2) ، وتحرم عليه أخت المفعول أيضا وبنته بلا خلاف فيه لمرسل بن أبي عمير عن أبي عبد الله عليه السلام (في رجل يعبث بالغلام ، قال عليه السلام : إذا أوقب حرمت عليه بنته وأخته) (3) ، وخبر حماد بن عثمان (قلت لأبي عبد الله عليه السلام : رجل أتى غلاما أتحل له أخته ، فقال عليه السلام : إن كان ثقب فلا) (4) هذا ويتحقق الإيقاب بدخول بعض الحشفة وإن لم يوجب الغسل لصدق الثقب عليه ، ويتعدى في الحكم من الأم إلى الجدة لصدق الأم حقيقة عليها ، ويتعدى من البنت إلى بنتها لصدق البنت حقيقة عليها أيضا ، ولا يتعدى من الأخت إلى بنتها لعدم صدق الأخت على بنتها ، ثم لا فرق في الفاعل والمفعول بين الصغير والكبير وإن كان المذكور في النصوص هو الرجل والغلام مع كون الأول فاعلا والثاني مفعولا به ، لأن المذكور لا خصوصية فيه ، وإنما -
ص: 300
يجب الغسل(حرمت على الموقب أم الموطوء) وإن علت(وأخته) ، دون بناتها (1) ، (وبنته) وإن نزلت من ذكر وأنثى من النسب اتفاقا ، ومن الرضاع على الأقوى (2).
ولا فرق في المفعول بين الحي والميت على الأقوى ، عملا بالإطلاق (3).
وإنما تحرم المذكورات (4) مع سبقه (5) على العقد عليهن (6) ، (ولو سبق العقد) على الفعل(لم يحرم) (7) للأصل (8) ، ولقولهم عليه السلام : لا يحرّم الحرام الحلال.
والظاهر عدم الفرق (9) بين مفارقة من سبق عقدها بعد الفعل (10) ،
______________________________________________________
- الذي له الخصوصية في الحكم هو الثقب وعن العلامة في القواعد الاستشكال في التحريم إذا كان الفاعل صغيرا لاختصاص النصوص بالرجل فلا تشمل الصغير ، وقد عرفت ما فيه.
(1) أي بنات الأخت.
(2) كما عن التحرير وقواه الشارح هنا وسيد الرياض ، واستقربه كاشف اللثام واستظهره في الجواهر لعموم ما يحرم من الرضاع يحرم من النسب وعن العلامة في القواعد الإشكال في الرضاع ، لأن الظاهر من نصوص الباب الاختصاص بالنسب فقط فيرجع في غيره إلى الأصل الموجب لعدم الحرمة الأبدية.
(3) أي إطلاق الأخبار المتقدمة ، نعم عن سيد الرياض وجماعة اختصاص الحكم المذكور بحياة المفعول لأنه هو المتبادر من النصوص ، فالميت الموطوء مندرج تحت الأصل القاضي بعدم التحريم المؤبد.
(4) من الأم والأخت والبنت.
(5) أي سبق الإيقاب.
(6) أي على هذه المذكورات.
(7) أي لم يحرم شي ء من هذه المذكورات لاستصحاب الحل ، ولما ورد (من أن الحرام لا يحرم الحلال ولا يفسده) (1).
(8) وهو استصحاب الحل.
(9) أي عدم الفرق في عدم التحريم.
(10) متعلق بقوله (بين مفارقة).
ص: 301
وعدمه (1) ، فيجوز له تجديد نكاحها بعده (2) مع احتمال عدمه (3) ، لصدق سبق الفعل بالنسبة إلى العقد الجديد.
ولا فرق فيهما (4) بين الصغير والكبير على الأقوى (5) ، للعموم. فيتعلق التحريم قبل البلوغ بالولي (6) ، وبعده (7) به (8) ، ولا يحرم على المفعول بسببه (9) شي ء عندنا للأصل (10).
وربما نقل عن بعض الأصحاب تعلق التحريم به (11) كالفاعل ، وفي كثير من الأخبار اطلاق التحريم بحيث يمكن تعلقه (12) بكل منهما (13) ، ولكن المذهب الأول.
(السادسة : لو عقد المحرم) (14).
______________________________________________________
(1) أي عدم المفارقة ، والمعنى أن أم الموطوء وأخته وابنته لو عقد عليها الواطئ قبل الإيقاب لم تحرم سواء طلقها بعد الإيقاب أم لم يطلق.
(2) بعد الفعل من الإيقاب.
(3) أي عدم جواز تجديد العقد.
(4) في الفاعل والمفعول.
(5) في قبال استشكال العلامة في الصغير الفاعل وقد تقدم.
(6) أي فيحرم على الولي أن يزوج أم الموطوء وأخته وابنته من الواطئ الصغير.
(7) أي بعد البلوغ.
(8) أي بالواطئ البالغ.
(9) أي بسبب الإيقاب.
(10) وهو أصالة عدم التحريم المؤبد أو استصحاب الحل ، هذا وقد نقل عن الشيخ أنه حكى عن بعض الأصحاب التحريم على الموطوء أيضا ، ومأخذه غير ظاهر إلا احتمال رجوع الضمير في الأخبار لكل من الفاعل والمفعول ، وفيه : أن المسئول عن حكمه في الأخبار هو الواطئ فالحكم بالتحريم يكون راجعا عليه ، والضمير إليه ، نعم نبّه الشارح بقوله (عندنا) على خلاف أحمد حيث حرم على الموطوء أم الفاعل وبنته.
(11) بالمفعول.
(12) تعلق التحريم.
(13) من الفاعل والمفعول.
(14) لو عقد المحرم لنفسه على امرأة عالما بالتحريم حرمت عليه أبدا ، ولو كان جاهلا لم تحرم -
ص: 302
بفرض ، أو نفل (1) ، بحج ، أو عمرة بعد إفساده (2) وقبله (3) على أنثى (4) (عالما بالتحريم حرمت أبدا بالعقد) وإن لم يدخل(وإن جهل) التحريم(لم تحرم وإن دخل بها) ، لكن يقع عقده فاسدا (5) ، فله العود إليه (6) بعد الاحلال.
هذا هو المشهور ، ومستنده رواية زرارة عن أبي عبد الله عليه السلام الدالة بمنطوقها على حكم العلم ، وبمفهومها على غيره (7) ، وهو (8) معتضد
______________________________________________________
- عليه وإن دخل ولكن يفسد عقده للإحرام على المشهور ، ومستنده ما رواه زرارة بن أعين وداود بن سرحان عن أبي عبد الله عليه السلام في حديث قال : (والمحرم إذا تزوج وهو يعلم أنه حرام عليه لم تحلّ له أبدا) ((1).
فمنطوقها دال على التحريم في صورة العلم وإن لم يدخل ، ومفهومها دال على عدم التحريم في صورة الجهل وإن دخل.
هذا وقال الشارح في المسالك : (ومنهم من اقتصر على صورة العلم كالمفيد وقوفا مع الرواية ، ومنهم من أطلق التحريم من غير فرق بين العالم وغيره كسلّار والصدوق ، وجماعة أطلقوا التحريم مع العلم ومع الدخول في حالة الجهل منهم ابن إدريس ، وقوّاه فخر الدين في شرحه إلى غير ذلك من الاختلافات ، وليس في الباب من النصوص سوى ما ذكرناه) انتهى ، وما ذكره هو خبر زرارة وداود المتقدم.
(1) قال الشارح في المسالك : (واعلم أنه لا فرق بين إحرام الحج والعمرة في ذلك ، ولا بين الفرض والنفل ، ولا بين كونه عن نفسه وغيره ، ولا بين كون المعقود عليه محرما وعدمه ، ولو انعكس الفرض بأن كانت الزوجة محرمة والزوج محلا فالأصل يقتضي عدم التحريم ، إذ لا نص هنا ، وفي بعض عبارات الأصحاب ما يدل على التسوية بين الأمرين ، وعلى كل تقدير يقع العقد فاسدا) انتهى.
(2) أي إفساد العمل.
(3) أي قبل الإفساد.
(4) متعلق بقوله (لو عقد المحرم).
(5) بسبب إحرامه.
(6) إلى العقد.
(7) أي غير العلم.
(8) أي المفهوم الدال على عدم التحريم في صورة الجهل.
ص: 303
بالأصل (1) فلا يضر ضعف دلالته (2). ولا تحرم الزوجة (3) بوطئها (4) في الإحرام مطلقا (5).
(السابعة : لا يجوز للحر أن يجمع زيادة على أربع حرائر (6) ، أو حرتين وأمتين (7)،)
______________________________________________________
(1) إذ الأصل عدم التحريم المؤبد واستصحاب الحل.
(2) أي دلالة المفهوم ، وهو مفهوم اللقب ، وحاول بعضهم إثبات أنه مفهوم الشرط وهو ضعيف إذ الشرط داخل على التزوّج وليس على العلم.
(3) أي زوجة المحرم.
(4) كفعل.
(5) سواء كان الإحرام لفرض أم نفل ، بحج أو عمرة ، عالما كان أو جاهلا ، للأصل بعد كون النص الوارد في التحريم المؤبد ظاهرا في العقد.
(6) بلا خلاف فيه بين علماء الإسلام ، وفي الجواهر دعوى الضرورة من الدين عليه ، وما عن طائفة من الزيدية من جواز نكاح تسع لم يثبت ، بل المحكي عن مشايخهم البراءة من ذلك ، ويدل عليه قوله تعالى : ( وَإِنْ خِفْتُمْ أَلّٰا تُقْسِطُوا فِي الْيَتٰامىٰ فَانْكِحُوا مٰا طٰابَ لَكُمْ مِنَ النِّسٰاءِ مَثْنىٰ وَثُلٰاثَ وَرُبٰاعَ ) (1) بدعوى أن الأمر فيه للإباحة ، ومقتضى إباحة الأعداد المخصوصة تحريم ما زاد عليها ، إذ لو كان مباحا لما خصّ الجواز بها لمنافاته للامتنان ، ولجملة من الأخبار
منها : صحيح زرارة بن أعين ومحمد بن مسلم عن أبي عبد الله عليه السلام (إذا جمع الرجل أربعا وطلّق إحداهنّ فلا يتزوج الخامسة حتى تنقضي عدة المرأة التي طلّق ، وقال : لا يجمع ماءه في خمس) (2) ولما روته العامة عن رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم أنه قال لفيلان بن سلمة لما أسلم وتحته عشر نسوة : (أمسك أربعا وفارق سائرهن) (3).
(7) لا يجوز للحر أن يجمع بين أزيد من أمتين من النسوة الأربع بلا خلاف فيه لصحيح أبي بصير عن أبي جعفر عليه السلام (سألته عن رجل له امرأة نصرانية ، له أن يتزوج عليها يهودية؟ فقال : إن أهل الكتاب مماليك للإمام ، وذلك موسّع منّا عليكم خاصة ، فلا بأس أن يتزوج ، قلت : فإنه يتزوج عليهما أمة ، قال عليه السلام : لا يصلح له أن يتزوج ثلاث إماء) (4). -
ص: 304
(أو ثلاث حرائر وأمة) (1) بناء على جواز نكاح الأمة بالعقد بدون الشرطين (2) ، وإلا لم تجز الزيادة على الواحدة (3) ، لانتفاء العنت معها ، وقد تقدم من المصنف اختيار المنع. ويبعد فرض بقاء الحاجة إلى الزائد على الواحدة.
ولا فرق في الأمة بين القنة ، والمدبرة ، والمكاتبة (4) بقسميها (5) ، حيث لم تؤد شيئا (6) ، وأم الولد ، (ولا للعبد أن يجمع أكثر من أربع إماء أو حرتين (7) ، أو حرة وأمتين ، ولا يباح له ثلاث إماء وحرة).
والحكم في الجميع اجماعي ، والمعتق بعضه كالحر (8) في حق الإماء وكالعبد
______________________________________________________
- ثم إن هذا مبني على جواز نكاح الأمة اختيارا من دون الشرطين ، وإلا عند من يعتبرهما فلا يجوز نكاح الثانية لانتفاء خوف العنت بزواج الأولى ، بل لا يجوز نكاح مطلق الأمة عند زواجه من الحرة لانتفاء خوف العنت.
(1) بلا خلاف فيه ويعرف وجهه مما قد تقدم.
(2) من عدم الطول وخوف العنت.
(3) أي الواحدة من الإماء.
(4) كل ذلك لإطلاق الأدلة المتقدمة.
(5) المشروطة والمطلقة.
(6) فالمطلقة إذا أدت شيئا فهي مبعّضة ، وسيأتي حكم المبعض.
(7) بلا خلاف فيه للأخبار
منها : صحيح محمد بن مسلم عن أحدهما عليهما السلام (عن العبد يتزوج أربع حرائر؟ قال عليه السلام : لا ، ولكن يتزوج حرتين وإن شاء أربع إماء) (1) ، وخبر الحسن بن زياد عن أبي عبد الله عليه السلام (سألت عن المملوك ما يحلّ له من النساء؟ فقال : حرتان أو أربع إماء) (2) ، ومنه تعرف جواز الجمع بين حرة وأمتين ، لأن الحرة بمنزلة الأمتين بالنسبة للعبد كما يفهم من هذه النصوص ، ويؤيده مرسل الفقيه (يتزوج العبد حرتين أو أربع إماء أو أمتين وحرة) (3).
ومما تقدم تعرف عدم جواز الجمع بين ثلاث إماء وحرة ، لأن الحرة بمنزلة الأمتين له ، ولا يجوز له نكاح خمس إماء.
(8) فهو كالحر في حق الإماء فلا يجوز له أزيد من أمتين ، وهو كالعبد في حق الحرائر فلا -
ص: 305
في حق الحرائر ، والمعتق بعضها كالحرة في حق العبد ، وكالأمة في حق الحر(كل ذلك بالدوام ، أما المتعة فلا حصر له على الأصح) (1).
______________________________________________________
- يجوز له أزيد من حرتين ، للاحتياط ، وكذا الأمة المبعّضة فهي كالحرة في حق العبد ، وهي كالأمة في حق الحر ، هذا هو مقتضى الاحتياط وقد يقال كما في العروة بأن المرجع الاستصحاب ومقتضاه أجراء حكم العبد والأمة عليهما ، فالحر له أن يتزوج اثنين من المبعضات ، وللعبد أن يتزوج أربعا منهن.
(1) فتجوز المتعة ولو على ألف على المشهور للأخبار
منها : موثق زرارة عن أبي عبد الله عليه السلام (ذكرت له المتعة أهي من الأربع؟ فقال عليه السلام : تزوج منهن ألفا فإنهن مستأجرات) (1) ، وصحيحه الآخر (قلت : ما يحلّ من المتعة؟ قال : كم شئت) (2) ، وخبر أبي بصير (سئل أبو عبد الله عليه السلام : عن المتعة أهي من الأربع؟ قال : لا ولا من السبعين) (3) ، وخبر إسماعيل ابن الفضل الهاشمي (سألت أبا عبد الله عليه السلام عن المتعة ، فقال : الق عبد الملك بن جريح فسله عنها ، فإن عنده منها علما ، فلقيته فأملى عليّ شيئا كثيرا في استحلالها ، وكان فيما روى لي فيها ابن جريح أنه ليس فيها وقت ولا عدد ، إنما هي بمنزلة الإماء يتزوج منهن كم شاء ، وصاحب الأربع نسوة يتزوج منهن ما شاء بغير وليّ ولا شهود) (4) ، وصحيح ابن أذينة عن أبي عبد الله عليه السلام (قلت له : كم يحلّ من المتعة؟ فقال : هن بمنزلة الإماء) (5).
وصريح الأخيرين عدم العدد في ملك اليمين ، وهو موضع وفاق بين المسلمين.
نعم في موثق عمار الساباطي عن أبي عبد الله عليه السلام (عن المتعة ، فقال : هي أحد الأربع) (6) ، وفي صحيح أحمد بن محمد بن أبي نصر عن أبي الحسن عليه السلام (سألته عن الرجل تكون له المرأة هل يتزوج بأختها متعة؟ قال : لا ، قلت : حكى زرارة عن أبي جعفر عليه السلام : إنما هي مثل الإماء يتزوج ما شاء ، قال : لا هي من الأربع) (7).
وعن ابن البراج العمل بها مؤيدا بعموم الآية ( فَانْكِحُوا مٰا طٰابَ لَكُمْ مِنَ النِّسٰاءِ مَثْنىٰ وَثُلٰاثَ وَرُبٰاعَ ) (8) وهو شامل للمنقطع ،
وفيه : أما الآية فظاهرة في نكاح الدوام ، ولا أقل من حملها على ذلك للأخبار المتقدمة التي لم تحصر المتعة بعدد ، وأما الخبران فهما محمولان على الاستحباب أو التقية كما يظهر من -
ص: 306
للأصل (1) ، وصحيحة زرارة قال : قلت : ما يحل من المتعة. قال : «كم شئت» ، وعن أبي بصير قال سئل أبو عبد الله عليه السلام عن المتعة أهي من الأربع فقال : «لا ولا من السبعين» ، وعن زرارة عن الصادق عليه السلام قال : ذكرت المتعة أهي من الأربع قال : «تزوج منهن ألفا فإنهن مستأجرات».
وفيه نظر : لأن الأصل قد عدل عنه بالدليل الآتي ، والأخبار المذكورة ، وغيرها في هذا الباب ضعيفة ، أو مجهولة السند أو مقطوعة (2) ، فإثبات مثل هذا الحكم المخالف للآية الشريفة (3) ، وإجماع باقي (4) علماء الإسلام مشكل. لكنه (5)
______________________________________________________
- صحيح البزنطي عن أبي الحسن الرضا عليه السلام (قال أبو جعفر عليه السلام : اجعلوها من الأربع ، فقال له صفوان بن يحيى : على الاحتياط ، فقال عليه السلام : نعم) (1) ، وصحيحه الآخر المروي في قرب الإسناد عن الرضا عليه السلام (سألته عن المتعة - إلى أن قال - وسألته من الأربع هي؟ فقال : اجعلوها من الأربع على الاحتياط ، قال : وقلت له : إن زرارة حكى عن أبي جعفر عليه السلام : إنما هي مثل الإماء يتزوج منهنّ ما شاء ، فقال : هي من الأربع) (2).
ومن المعلوم جعلها من الأربع احتياطا من باب الحذر من اطّلاع المخالفين ، وإلا لا يتصور الأمر بالاحتياط من المعصوم عليه السلام إذا كان احتياطا في الحكم.
هذا والشارح هنا وفي المسالك قد ناقش في أسانيد أخبار الجواز ، وحكى عن المختلف أنه اقتصر في الحكم على مجرد الشهرة ولم يصرح بمختاره ، وفيه : أما النصوص الدالة على الجواز فهي مستفيضة ويعتضد بعضها ببعض فلا بأس بالعمل بها للوثوق بصدور بعضها على أن بعضها صحيح السند كصحيح زرارة وموثقه المتقدمين ، وقد عمل بها المشهور وهذا جابر لوهنها.
(1) الأصل عدم الحصر في عدد معين.
(2) وقطعها لا يضر لأن زرارة لا يضمر عن غير المعصوم عليه السلام ، وهي موصوفة بالصحة بالنظر إلى باقي السند مع عدا القطع.
(3) حيث قد دلت الآية بعمومها على حصر النكاح الشامل للمتعة بعدد معين.
(4) من الشيعة والعامة على أنه لا يجوز للرجل أن يجمع بالنكاح زيادة على أربع نسوة في الجملة ، وإن لم تقل العامة بأصل جواز المتعة.
(5) أي الحكم بعدم حصر المتعة.
ص: 307
مشهور ، حتى أنّ كثيرا من الأصحاب لم ينقل فيه خلافا ، فإن ثبت الإجماع كما ادعاه ابن إدريس ، وإلا فالأمر كما ترى.
ونبه بالأصح على خلاف ابن البراج حيث منع في كتابيه من الزيادة فيها (1) على الأربع ، محتجا بعموم الآية ، وبصحيحة أحمد بن أبي نصر عن أبي الحسن الرضا عليه السلام قال : سألته عن الرجل تكون عنده المرأة أيحل له أن يتزوج بأختها متعة قال : «لا» قلت : حكى زرارة عن أبي جعفر عليه السلام إنما هي مثل الإماء يتزوج ما شاء قال : «لا ، هن من الأربع» وقد روى عمار عن أبي عبد الله عليه السلام في المتعة قال : «هي إحدى الأربع».
وأجيب (2) بأنه محمول على الأفضل والأحوط (3) جمعا بينهما وبين ما سبق ، ولصحيحة أحمد بن أبي نصر عن الرضا عليه السلام قال : قال أبو جعفر عليه السلام : «اجعلوهن من الأربع» فقال له صفوان بن يحيى : على الاحتياط قال : «نعم».
واعلم أن هذا الحمل يحسن لو صح شي ء من أخبار الجواز لا مع عدمه (4) ، والخبر الأخير (5) ليس بصريح في جواز مخالفة الاحتياط (6).
وفي المختلف اقتصر من نقل الحكم على مجرد الشهرة ولم يصرح بالفتوى.
ولعله لما ذكرناه (7) ، (وكذا) لا حصر للعدد(بملك اليمين إجماعا) (8) والأصل فيه قوله تعالى : ( إِلّٰا عَلىٰ أَزْوٰاجِهِمْ أَوْ مٰا مَلَكَتْ أَيْمٰانُهُمْ ) (9).
______________________________________________________
(1) في المتعة.
(2) أي ابن البراج.
(3) قد عرفت أنه محمول على التقية من باب الاحتياط حذرا من اطلاع المخالفين.
(4) أي مع عدم صحة شي ء من أخبار الجواز.
(5) وهو صحيح أحمد بن أبي نصر الدال على جعل المتعة من الأربع احتياطا.
(6) وقد عرفت أنه لا يعقل صدور الاحتياط من المعصوم عليه السلام بالنسبة إلى الحكم.
(7) من عدم صحة شي ء من أخبار الجواز فلذا توقف.
(8) قد تقدم البحث فيه في ضمن بحث عدم حصر المتعة السابق.
(9) المؤمنون الآية : 6 ، والآية عامة تشمل كل عدد.
ص: 308
هذا في ملك العين ، أما ملك المنفعة كالتحليل (1) ففي الحاقة (2) به (3) نظر.
______________________________________________________
(1) يجوز للمولى تحليل أمته لغيره للأخبار
منها : خبر الفضيل بن يسار (قلت لأبي عبد الله عليه السلام : إن بعض أصحابنا قد روى عنك أنك قلت : إذا أحلّ الرجل لأخيه جاريته فهي له حلال ، فقال : نعم) (1) ، وخبر حريز عن أبي عبد الله عليه السلام (في الرجل يحلّ فرج جاريته لأخيه فقال : لا بأس بذلك) (2) ومثلها غيرها.
نعم في الخلاف والسرائر إرسال القول عن بعض أصحابنا بالمنع منه ، بل في كشف اللثام أنه معطى كلام الانتصار ويؤيده مضمر علي بن يقطين (سألته عن الرجل يحلّ فرج جاريته ، قال : لا أحب ذلك) (3)ومثله غيره ، وهو غير صالح لمعارضته ما تقدم فضلا عن عدم ظهوره في المنع.
وقد وقع بينهم الخلاف من أن التحليل المذكور هل هو عقد نكاح كما عن المرتضى أو تمليك منفعة كما عن المشهور أو تمليك انتفاع كما يظهر من جامع المقاصد ، أو أنه إباحة وإذن في الانتفاع كما هو رأي بعض المتأخرين وهو الذي يستفاد من النصوص المتقدمة. وقد توهم أن عصمة الفرج عن الاستمتاع لكل أحد ثابتة ، ولا يجوز الاستمتاع به إلا بالعقد أو الملك لقوله تعالى : ( وَالَّذِينَ هُمْ لِفُرُوجِهِمْ حٰافِظُونَ إِلّٰا عَلىٰ أَزْوٰاجِهِمْ أَوْ مٰا مَلَكَتْ أَيْمٰانُهُمْ فَإِنَّهُمْ غَيْرُ مَلُومِينَ ، فَمَنِ ابْتَغىٰ وَرٰاءَ ذٰلِكَ فَأُولٰئِكَ هُمُ العٰادُونَ ) (4) ، ومن المعلوم انتفاء الطلاق والمهر والمدة وغير ذلك من لوازم عقد النكاح عن هذا التحليل فيتعين أنه تمليك منفعة وهو مستند الشهور.
وقد يتوهم أنه لا ملكية للرقبة في هذا التحليل ولا ملكية للمنفعة أيضا فينتفي ملك اليمين فيتعين أنه عقد نكاح ولعل هذا هو دليل المرتضى وقد عرفت أن الدليل قد دلّ على أن التحليل هو إذن وإباحة في الانتفاع ، ويكون هو المخصص للآية الدالة على جواز الاستمتاع بالفرج بالعقد أو الملك ، إلا أن يكون المراد من ملك اليمين في الآية ما يشمل التحليل المذكور ثم لا خلاف في عدم الحصر في التحليل فيجوز ولو إلى ألف سواء قلت بأن التحليل تمليك أم عقد أم إباحة وإذن لأن ما دل على النهي عن الزيادة على الأربع ظاهر في النكاح الدائم فقط.
(2) أي إلحاق ملك المنفعة.
(3) بملك العين.
ص: 309
من الشك (1) في اطلاق اسم ملك اليمين عليه (2). والشك (3) في كونه عقدا (4) أو إباحة (5).
والأقوى إلحاقه به (6) ، وبه (7) جزم في التحرير.
(الثامنة : إذا طلق ذو النصاب) الذي لا يجوز تجاوزه ، واحدة (8) ، أو أكثر طلاقا(رجعيا لم يجز له التزويج دائما (9) حتى تخرج) المطلقة(من العدة) (10) ، لأن
______________________________________________________
(1) دليل عدم الإلحاق.
(2) على ملك المنفعة.
(3) دليل ثان لعدم الإلحاق.
(4) فلا تجوز الزيادة فيه لعموم الآية بناء على مختار الشارح.
(5) فتجوز الزيادة ، لأن حرمة الزيادة مختصة بالعقد.
(6) أي إلحاق ملك المنفعة بملك العين.
(7) أي بالإلحاق.
(8) من نسائه.
(9) لأنه لا حصر في المتعة.
(10) إذا كان عنده أربع فطلّق واحدة منهن وأراد نكاح الخامسة فإن كان الطلاق رجعيا لا يجوز له ذلك إلا بعد خروج المطلقة من العدة ، بلا خلاف فيه ، لأن الرجعية بحكم الزوجة ومن ثمّ لزمت نفقتها وجازت رجعتها بمجرد الفعل كالاستمتاع ، وقد استفاضت النصوص بأنها بحكم الزوجة كخبر محمد بن مسلم (سئل أبو جعفر عليه السلام عن رجل طلق امرأته واحدة ثم راجعها قبل أن تنقضي عدتها ولم يشهد على رجعتها ، قال : هي امرأته ما لم تنقض العدة) (1) ، وللأخبار الخاصة
منها : موثق علي بن أبي حمزة (سألت أبا إبراهيم عليه السلام عن الرجل يكون له أربع نسوة فيطلق إحداهن أيتزوج مكانها أخرى؟ قال : لا حتى تنقضي عدتها) (2) ، وقد حملت على الرجعية جمعا بينها وبين ما سيأتي.
وإن كان الطلاق بائنا فيجوز له ذلك بمجرد الطلاق وقبل الخروج عن العدة لانقطاع العصمة بينهما ويشهد لذلك ما ورد من أخبار في زواج الأخت بعد تطليق أختها. -
ص: 310
المطلقة رجعيا بمنزلة الزوجة ، فالنكاح الدائم زمن العدة بمنزلة الجمع زائدا على النصاب ، (وكذا) لا يجوز له تزويج(الأخت) أي أخت المطلقة رجعيا(دائما ومتعة) وإن كانت المطلقة واحدة (1) ، لأنه يكون جامعا بين الأختين (2).
(ولو كان) الطلاق(بائنا جاز) تزويج الزائدة (3) على النصاب والأخت ، لانقطاع العصمة (4) بالبائن ، وصيرورتها (5) كالأجنبية ، لكن على(كراهية شديدة) ، لتحرمها بحرمة الزوجية ، وللنهي عن تزويجها مطلقا (6) في صحيحة زرارة عن الصادق عليه السلام قال : إذا جمع الرجل أربعا فطلق إحداهن فلا يتزوج الخامسة حتى تنقضي عدة المرأة التي طلّقت ، وقال : لا يجمع ماءه في خمس (7). وحمل النهي على الكراهة جمعا (8).
______________________________________________________
- منها : صحيح أبي بصير عن أبي عبد الله عليه السلام (سألته عن رجل اختلعت منه امرأته أيحلّ له أن يخطب أختها من قبل أن تنقضي عدة المختلعة؟ قال : نعم قد برئت عصمتها منه ، وليس له عليها رجعة) (1) ، وصحيح الحلبي عن أبي عبد الله عليه السلام (في رجل طلق امرأة أو اختلعت أو بانت أله أن يتزوج بأختها؟ فقال عليه السلام : إذا برئت عصمتها ولم يكن له عليها رجعة فله أن يخطب أختها) (2) ، وموردها الجمع بين الأختين ولكن يتعدى منه إلى مقامنا لعدم الخصوصية بعد حرمة زواج الخامسة كما تحرم زواج أخت الزوجة.
(1) بحيث لا تكون له زوجة إلا واحدة.
(2) قد تقدم البحث فيه سابقا.
(3) قبل خروج المطلقة عن عدتها.
(4) أي عصمة الزوجية ، وانقطاعها بالطلاق.
(5) أي المطلقة البائنة.
(6) سواء كان الطلاق رجعيا أم بائنا ، والضمير في (تزويجها) راجع إلى الزائدة عن النصاب.
(7) الوسائل الباب - 2 - من أبواب ما يحرم باستيفاء العدد حديث 1 ، ومثله غيره من الأخبار كموثق علي بن أبي حمزة المتقدم.
(8) وقد عرفت أنه محمول على العدة الرجعية جمعا ولا داعي للكراهة أبدا خصوصا مع التصريح بكون النهي للرجعية في أخبار زواج أخت الزوجة المتقدمة.
ص: 311
(التاسعة : لا تحل الحرة على المطلق ثلاثا) (1).
______________________________________________________
(1) لو طلقت الحرة ثلاثا لم ينكحها بينهما زوج آخر حرمت على المطلق حتى تنكح دواما زوجا غيره بلا خلاف في ذلك لقوله تعالى : ( الطَّلٰاقُ مَرَّتٰانِ فَإِمْسٰاكٌ بِمَعْرُوفٍ أَوْ تَسْرِيحٌ بِإِحْسٰانٍ - إلى قوله تعالى - فَإِنْ طَلَّقَهٰا فَلٰا تَحِلُّ لَهُ مِنْ بَعْدُ حَتّٰى تَنْكِحَ زَوْجاً غَيْرَهُ ، فَإِنْ طَلَّقَهٰا فَلٰا جُنٰاحَ عَلَيْهِمٰا أَنْ يَتَرٰاجَعٰا إِنْ ظَنّٰا أَنْ يُقِيمٰا حُدُودَ اللّٰهِ ) (1) ، وللأخبار :
منها : صحيح أبي بصير (قلت لأبي عبد الله عليه السلام : المرأة التي لا تحلّ لزوجها حتى تنكح زوجا غيره ، قال : هي التي تطلّق ثم تراجع ثم تطلق ثم تراجع ثم تطلق الثالثة ، فهي التي لا تحلّ له حتى تنكح زوجا غيره ويذوق عسيلتها) (2) ، وصحيح ابن بزيع عن الرضا عليه السلام (البكر إذا طلّقت ثلاث مرات وتزوجت من غير نكاح فقد بانت منه ولا تحلّ لزوجها حتى تنكح زوجا غيره) (3) ، وصحيح ابن سنان عن أبي عبد الله عليه السلام (في امرأة طلقها زوجها ثلاثا قبل أن يدخل بها ، قال : لا تحلّ له حتى تنكح زوجا غيره) (4) ، وموثق إسحاق بن عمار (قلت لأبي إبراهيم عليه السلام : الحامل يطلقها زوجا ثم يراجعها ثم يطلقها ثم يراجعها ثم يطلقها الثالثة ، قال عليه السلام : تبين منه ولا تحلّ له حتى تنكح زوجا غيره) (5) ، ومقتضى هذه الأدلة حرمة المطلقة ثلاثا على المطلق دواما ومتعة ، ومقتضاها عدم الفرق بين كون الطلاق طلاقا عديا أو سنيا ، خلافا لابن بكير حيث خصّها بكون الطلاق عديا وإلا حلت لزوجها من دون محلل ولو ألف مرة وسيأتي تفصيله في كتاب الطلاق ثم لا تحل له حتى ينكحها زوج آخر بالدوام ولا تكفي المتعة في الحلية بلا خلاف فيه للأخبار
منها : خبر الصيقل عن أبي عبد الله عليه السلام (قلت : رجل طلق امرأته طلاقا لا تحل له حتى تنكح زوجا غيره ، فتزوجها رجل متعة أتحلّ للأول؟ قال عليه السلام : لا ، لأن الله تعالى يقول : فإن طلقها ( فَلٰا تَحِلُّ لَهُ مِنْ بَعْدُ حَتّٰى تَنْكِحَ زَوْجاً غَيْرَهُ ) فإن طلقها ، والمتعة ليس فيها طلاق) (6).
وسيأتي التعرض لهذه الأحكام ولغيرها من أحكام هذه المسألة في كتاب الطلاق ، ثم إن الحكم المذكور بتحريم المطلقة ثلاثا ثابت للحرة سواء كانت تحت حر أم عبد ، بلا خلاف -
ص: 312
يتخللها رجعتان (1) ، أيّ أنواع الطلاق كان (2) (إلا بالمحلل (3) ، وإن (4) كان المطلق عبدا) ، لأن الاعتبار في عدد الطلقات (5) عندنا بالزوجة (6) (ولا تحل الأمة المطلقة اثنتين) كذلك (7) (إلا بالمحلل ، ولو (8) كان المطلق حرا) للآية (9).
______________________________________________________
- فيه بيننا ، لأن الأخبار المتقدمة قد جعلت العبرة بعدد الطلقات للنساء لا للرجل ، وحينئذ فإذا استكملت الأمة طلقتين لم يتخلل بينهما نكاح رجل آخر حرمت على المطلّق حتى تنكح زوجا غيره ولو كانت تحت حر بلا خلاف فيه أيضا وللأخبار
منها : صحيح العيص قال : (إن ابن شبرمة قال : الطلاق للرجل ، فقال أبو عبد الله عليه السلام : الطلاق للنساء ، وتبيان ذلك أن العبد يكون تحته الحرة فيكون تطليقها ثلاثا ، ويكون الحر تحته الأمة فيكون طلاقها تطليقتين) (1) ، وصحيح زرارة عن أبي جعفر عليه السلام (سألته عن حر تحته أمة ، أو عبد تحته حرة ، كم طلاقها وكم عدتها؟ فقال : السنة في النساء في الطلاق ، فإن كانت حرة فطلاقها ثلاثا وعدتها ثلاثة أقراء ، وإن كان حر تحته أمة فطلاقها تطليقتان وعدتها قرءان) (2) ، وخبر أبي بصير عن أبي عبد الله عليه السلام (سألته عن طلاق الأمة ، قال : تطليقتان) (3) ومثلها غيرها.
كل ذلك خلافا للعامة حيث جعلوا الاعتبار بالزوج فإن كان حرا أعتبر الطلاق ثلاثا وإن كانت تحته أمة ، وإن كان عبدا اعتبر الطلاق مرتين وإن كانت حر تحته حرة.
(1) ولو كانت الرجعة بعقد جديد أو في أثناء العدة.
(2) عديا أو سنيا.
(3) أي زوج آخر بعقد دائم مع ذوق عسيلتها إلى آخر الشرائط المذكورة في باب الطلاق.
(4) وصلية.
(5) أي عدد الطلقات المحرّمة.
(6) لا بالزوج كما عند العامة.
(7) أي يتخللها رجعة ولو كانت الرجعة بعقد جديد ، ومهما كان نوع الطلاق عديا أو سنيا ، خلافا لابن بكير فاعتبر كون الطلاق عديا وإلا حلّت لزوجها من دون محلّل ولو ألف مرة ، وسيأتي تفصيله في كتاب الطلاق.
(8) وصلية.
(9) وهي قوله تعالى : ( الطَّلٰاقُ مَرَّتٰانِ - إلى قوله تعالى - فَإِنْ طَلَّقَهٰا فَلٰا تَحِلُّ لَهُ مِنْ بَعْدُ حَتّٰى -
ص: 313
والرواية (1) (إما المطلقة تسعا للعدة) (2).
______________________________________________________
- تَنْكِحَ زَوْجاً غَيْرَهُ ) (1).
(1) قد تقدم بعضها
ومنها : أيضا : صحيح الحلبي عن أبي عبد الله عليه السلام (طلاق الحرة إذا كانت تحت العبد ثلاث تطليقات ، وطلاق الأمة إذا كانت تحت الحر تطليقتان) (2) ، وصحيح محمد بن مسلم عن أبي جعفر عليه السلام (طلاق المرأة إذا كانت عند مملوك ثلاث تطليقات ، وإذا كانت مملوكة تحت حر فتطليقان) (3) ، وصحيح أبي بصير عن أبي عبد الله عليه السلام (طلاق الحرة إذا كانت تحت العبد ثلاث تطليقات ، وطلاق الأمة إذا كانت تحت الحر تطليقان) (4).
هذا وقد علّق الشارح هنا بقوله : (فيه لف ونشر مرتب ، أي دليل اعتبار الثلاث في الحرة إطلاق الآية المتناول للزوج الحر والعبد ، ولكن طلاق المطلقة مقيّد بالحرة لرواية أبي بصير عن الصادق عليه السلام ، ودليل اعتبار الطلقتين في الأمة مع مطلق الزوج روايتا محمد بن مسلم والحلبي عن الباقر والصادق عليهما السلام ، قال : طلاق الحرة إذا كانت تحت العبد ثلاث تطليقات ، وطلاق الأمة إذا كانت تحت الحر تطليقتان.
والعامة جعلوا الاعتبار بالزوج فإن كان حرا اعتبر الطلاق ثلاثا وإن كانت الزوجة أمة ، وإن كان عبدا ثبت التحريم بعد طلقتين وإن كانت الزوجة حرة) انتهى كلامه.
هذا وقد تقدم عرض روايات محمد بن مسلم والحلبي وأبي بصير ، ومن جهة أخرى ما أورده في هذه الحاشية هو متن خبر الحلبي المتقدم.
(2) المطلقة تسعا للعدة ، بعد أن ينكحها رجلان ، واحد بعد الثالثة وآخر بعد السادسة فإنها تحرم على المطلّق أبدا بلا خلاف فيه للأخبار
منها : خبر زرارة وداود بن سرحان عن أبي عبد الله عليه السلام (الملاعنة إذا لاعنها زوجها لم تحلّ له أبدا ، والذي يتزوج المرأة في عدتها وهو يعلم لا تحلّ له أبدا ، والذي يطلق الطلاق الذي لا تحلّ له حتى تنكح زوجا غيره ثلاث مرات لا تحلّ له أبدا ، والمحرم إذا تزوج وهو يعلم أنه حرام عليه لا تحل له أبدا) (5) ، وخبر إبراهيم بن عبد الرحمن عن موسى بن جعفر عن أبيه جعفر بن محمد عليهم السلام (سئل أبي عليه السلام عما حرّم الله عزوجل من الفروج في القرآن ، وعما حرّم رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم في سنته ، قال : - إلى أن قال -
ص: 314
والمراد به (1) أن يطلقها على الشرائط (2) ثم يراجع في العدة ويطأ ، ثم يطلق في طهر آخر ، ثم يراجع في العدة ويطأ ، ثم يطلق الثالثة فينكحها بعد عدتها زوج آخر ، ثم يفارقها (3) بعد أن يطأها فيتزوجها الأول (4) بعد العدة ويفعل كما فعل
______________________________________________________
- وتزويج الرجل امرأة قد طلقها للعدة تسع تطليقات) (1) ، وخبر المعلّى بن خنيس عن أبي عبد الله عليه السلام (في رجل طلّق امرأته ثم لم يراجعها حتى حاضت ثلاث حيض ، ثم تزوجها ثم طلّقها فتركها حتى حاضت ثلاث حيض ، ثم تزوجها ثم طلقها من غير أن يراجع ، ثم تركها حتى حاضت ثلاث حيض ، قال عليه السلام : له أن يتزوجها أبدا ما لم يراجع ويمس) (2) ، والأخير صريح في عدم الحرمة الأبدية إذا كان الطلاق بغير طلاق العدة ولو تجاوز التسع.
هذا والمراد من طلاق العدة أن يطلقها بالشرائط ثم يراجع في العدة فيطأ ، ثم يطلق في طهر آخر ، ثم يراجع في العدة فيطأ ، ثم يطلق الثالثة فينكحها بعد عدتها زوج آخر ، ثم يفارقها بعد أن يطأها ، فيتزوجها الأول بعد العدة من الثاني ، ويفعل كما فعل أولا ، إلى أن يكمل لها تسعا كذلك يتخلل بينها نكاح رجلين فتحرم في التاسعة مؤبدا ، وهي المسماة بالمطلقة تسعا بالطلاق العدي ، وفي قباله الطلاق السني ، وهو أن يطلقها بعد وطئها فيتركها حتى تخرج من العدة ثم يعقد عليها ويطأ ، ثم يطلقها فتخرج من العدة ، ثم يعقد عليها فيطأ ، ثم يطلقها ثالثة فتحرم عليه حتى تنكح زوجا غيره ، فإن نكحت فتحلّ للأول ، ولا تحرم عليه مؤبدا في التاسع لما تقدم من خبر المعلى.
ومن هنا تعرف أن العدي والسني هما من أقسام الطلاق وكلاهما سنّي بالمعنى الأعم ، والسني في قبال العدي هو بالمعنى الأخص ، وتعرف أن العدي لا بد فيه من كون الطلاق رجعيا ويرجع في العدة ويواقع ، والسنّي أن يطلق ويترك حتى تخرج من العدة سواء كان الطلاق بائنا أم رجعيا ثم يرجع بعقد جديد.
(1) بالطلاق العدي.
(2) أي شرائط الطلاق.
(3) أي الزوج الآخر.
(4) أي الزوج الأول.
ص: 315
أولا (1) إلى أن يكمل لها تسعا كذلك (2) ، (ينكحها رجلان) بعد الثالثة والسادسة(فإنّها تحرم أبدا) (3) ، واطلاق التسع للعدة مجاز (4) ، لأن الثالثة من كل ثلاث ليست للعدة (5) ، فإطلاقه عليها (6) إما إطلاق لاسم الأكثر على الأقل (7) أو باعتبار المجاورة.
وحيث كانت النصوص والفتاوى مطلقة (8) في اعتبار التسع للعدة في
______________________________________________________
(1) بأن يطلقها ثلاثا بالطلاق العدي.
(2) أي بالطلاق العدي.
(3) وغيرها لا تحرم مؤبدا ، بل تحرم في الثالثة حتى ينكحها زوج غيره.
(4) لأن الطلاق الثالث من كل ثلاثة ليس للعدة بل للسنة ، فإطلاق العدي على التسع مجاز ، إما من باب تسمية الكل باسم الجزء الغالب ، لأن الطلاق العدي منها ستة ، وإما من باب المجاورة لأن الثالث وهو طلاق سنيّ مجاور لطلاقين عديين وهما الأول والثاني ، وكذا السادس بالنسبة للرابع والخامس ، والتاسع بالنسبة للسابع والثامن.
(5) بل يقع بائنا لا يجوز فيه الرجوع حتى تنكح زوجا غيره ، مع أنه يشترط في الطلاق العدي أن يكون رجعيا.
(6) أي إطلاق العدي على التسع.
(7) من باب تسمية الكل باسم الجزء الغالب.
(8) طرح الشارح هنا وفي المسالك فرعا بناء على الحرمة الأبدية للمطلقة تسعا بالطلاق العدي ، وتحريره هل يشترط التوالي في التسع للعدة في التحريم المؤبد مع اغتفار الثالثة التي قد عرفت أنها طلاق بائن ، أو لا يشترط التوالي فلو طلق الأولى للعدة والثانية للسنة ثم وقع الطلاق الثالث المحرم ، فنكحت زوجا غيره وهكذا فلا تكتمل التسع للعدة إلا في الطلاق الخامس والعشرين ، بناء على كون التحريم المؤبد بتسع تطليقات للعدة ، وأما بناء على كفاية الست تطليقات للعدة كما في صورة التوالي ، فيكفي في صورة التفرق الطلاق السادس عشر ، إذا كان الأول عديا والثاني سنيا من كل دور.
وقد ذهب الشارح إلى اختصاص الحرمة الأبدية فيما لو وقع في كل دور اثنان للعدة مع اغتفار الثالث من باب الاقتصار على ما خالف الأصل على مورد اليقين ، إذا الأصل عدم الحرمة الأبدية ، والنصوص الواردة في الحرمة الأبدية محمولة على القدر المتيقن وقد عرفت أنه ما تقدم من صورة التوالي.
وأما صورة التفرق سواء قلنا بلا بدية إكمال التسع للعدة أم بكفاية الست للعدة فتبقى على الأصل من عدم الحرمة الأبدية ، نعم يوجب الحرمة المرفوعة بالمحلل في كل ثلاث. -
ص: 316
التحريم المؤبد كان (1) أعمّ من كونها (2) متوالية (3) ومتفرقة (4) ، فلو اتفق (5) في كل ثلاث (6) واحدة للعدة اعتبر فيه (7) اكمال التسع كذلك (8).
لكن هل يغتفر منها الثالثة مع كل ثلاث (9) ، لاغتفارها (10) لو جامعت (11) الاثنتين (12) للعدة فيكفي وقوع الست للعدة ، أو يعتبر اكمال التسع للعدة حقيقة (13) ، يحتمل الأول (14) ، لأنه (15) المعتبر عند التوالي(16) ، ولأن الثالثة لم
______________________________________________________
- هذا ويمكن دعوى أن النصوص ظاهرة في اعتبار التوالي المذكور ، لا أنها محمولة على ذلك من باب القدر المتيقن فيما خالف الأصل.
(1) أي الإطلاق.
(2) أي كون التسع.
(3) بأن يقع اثنان للعدة والثالث بائن ولا بد من محلّل وهكذا إلى التاسع ، وإطلاق العدي على الجميع مجاز ، ولذا صح اعتبار التوالي في هذه الصورة.
(4) فيما لو وقع العدي في أول كل دور من الثلاثة.
(5) بيان لصورة التفرق.
(6) من التطليقات.
(7) أي اعتبر في التحريم.
(8) أي بالشرائط المذكورة في الطلاق العدي.
(9) فيكفي ست تطليقات للعدة ولو تفرقت ، وعليه فيكفي الطلاق السادس عشر فيما لو كان العدي هو أول الثلاث من كل دور ، ويكفي السابع عشر فيما لو كان العدي هو ثاني الثلاث من كل دور.
(10) أي اغتفار الثالثة.
(11) ضمير الفاعل فيها راجع إلى الثالثة.
(12) أي التطليقتان للعدة وهما الأولى والثانية من كل دور.
(13) في صورة التفرق ولا تتم التسع للعدة في هذه الصورة إلا بالطلاق الخامس والعشرين ، إذا كان العدي أول الدور من كل ثلاث ، أو السادس والعشرين إذا كان العدي ثاني الدور من كل ثلاث.
(14) وهو اغتفار الثالثة من كل دور فيكفي وقوع الست للعدة في صورة التفرق.
(15) أي وقوع الست.
(16) ففي صورة التفرق أولى.
ص: 317
يتحقق اعتبار كونها للعدة (1) وإنما استفيد من النص (2) التحريم بالست الواقعة لها (3) ، فيستصحب الحكم (4) مع عدم التوالي.
والثاني (5) ، لأن اغتفار الثالثة ثبت مع التوالي على خلاف الأصل (6) ، فإذا لم يحصل (7) اعتبرت الحقيقة (8) ، خصوصا مع كون طلقة العدة هي الأولى خاصة (9) ، فإن علاقتي (10) المجاز منتفيتان عن الثالثة (11) ، إذ لا مجاورة لها (12) للعدية ، ولا أكثرية لها (13).
بخلاف ما لو كانت العدية هي الثانية فإنّ علاقة المجاورة موجودة (14).
والثاني (15) أقوى ، فإن كانت العدية هي الأولى(16) تعلق التحريم بالخامسة
______________________________________________________
(1) في صورة التوالي.
(2) وهي الأخبار المتقدمة.
(3) أي للعدة.
(4) من الحرمة الأبدية.
(5) أي ويحتمل الثاني وهو عدم اغتفار الثالثة من كل دور في صورة التفرق فلا بدّ من إكمال التسع حقيقة.
(6) إذ الأصل عدم الاغتفار ،.
(7) أي التوالي.
(8) أي من دون اغتفار من باب الاقتصار فيما خالف الأصل الدال على عدم التحريم المؤبد على مورد اليقين ، ومورده هو التوالي ، ففي غيره لا اغتفار.
(9) دون الثانية من كل دور.
(10) وهما الأكثرية والمجاورة ، وهذا تعليل لعدم اغتفار الثالثة في صورة التفرق إذا كان العدي أول الدور من كل ثلاث.
(11) أما الأكثرية فواضح ، وأما المجاورة فالثالثة لا تجاور الأولى بل تجاور الثانية.
(12) للثالثة.
(13) للعدية.
(14) دون علاقة الأكثرية.
(15) وهو إكمال التسع للعدة حقيقة من دون اغتفار للثالثة.
(16) من كل دور.
ص: 318
والعشرين (1) ، وإن كانت (2) الثانية فبالسادسة والعشرين. ويبقى فيه (3) إشكال آخر ، وهو أن طلاق العدة حينئذ (4) لا يتحقق إلا بالرجعة بعده والوطء (5) ، فإذا توقف التحريم (6) على تحقق التسع كذلك (7) لزم تحريمها (8) بعد الدخول (9) في الأخيرة (10) بغير طلاق. وهو بعيد. ولو توقف (11) على طلاق آخر بعده (12) ولم يكن (13) ثالثا لزم جعل ما ليس بمحرّم محرّما (14). والحكم (15) بالتحريم بدون
______________________________________________________
(1) بناء على إكمال التسع للعدة حقيقة.
(2) أي العدية.
(3) أي في التحريم المؤبد بالخامسة والعشرين.
(4) أي حين كونها التاسع وهو المتحقق في الخامس والعشرين.
(5) أي الوطي بعد الرجوع ليكون طلاقا عديا ، إذ قد عرفت سابقا انحصار العدي في الطلاق الرجعي ، مع أن هذا الخامس والعشرين يوجب الحرمة المؤبدة القاضية بعدم جواز رجوعه إليها وعدم جواز وطئها ، وهذا خلف ، لأن المفروض أن الخامس والعشرين هو طلاق عديّ يجوز له الرجوع بل لا بد من الرجوع فيه والوطي ، ولو رجع ووطئ ليحقق كون الخامس والعشرين عديا لما كان هذا موجبا للتحريم المؤبد ولاستلزم التحريم حينئذ طلاقا آخر وهو على خلاف كون الخامس والعشرين الذي هو التاسع العدي هو الموجب للتحريم.
(6) أي التحريم المؤبد.
(7) أي للعدة بكونها يرجع ثم يطأ.
(8) أي تحريم المطلقة.
(9) أي بعد الوطي وبعد الرجوع.
(10) أي في الخامسة والعشرين أو السادسة والعشرين.
(11) أي التحريم المؤبد.
(12) أي بعد الدخول وبعد الرجوع.
(13) أي ولم يكن الطلاق الآخر ثالثا من الدور الأخير ، لأن الثالث هو ما قبله.
(14) لأن هذا الطلاق الأخير هو أول في دوره ، وليس ثالثا في الدور السابق فلا يوجب التحريم المؤبد ولا التحريم حتى تنكح زوجا غيره.
(15) أي ولزم الحكم بالتحريم المؤبد.
ص: 319
طلاق موقوف على التحليل (1) ، وكلاهما (2) بعيد. وليس في المسألة شي ء يعتمد عليه ، فللتوقف فيما خالف (3) النص مجال (4).
هذا كله حكم الحرة ، أما الأمة (5).
______________________________________________________
(1) أي التحليل من نكاحها لزوج آخر ، والمعنى للزم كون الطلاق الأخير وهو الأول في دوره موجبا للتحريم المؤبد مع أنه لا يوجب التحريم الذي لا بد معه أن تنكح زوجا غيره ، مع أن الموجب للتحريم المؤبد لا بد أن يكون ثالثا في دوره وهو الذي يوجب التحليل بزوج آخر.
(2) من جعل ما ليس بمحرّم محرما ومن الحكم بالتحريم بدون طلاق موقوف على التحليل.
(3) والمخالف هو صورة التفرق.
(4) ويرجع فيه إلى أصالة عدم الحرمة الأبدية نعم في كل ثالث لا بد من محلّل.
(5) يستفاد من النصوص المتقدمة في الحرة أنها تحرم مؤبدا بشرطين : الأول : وقوع تسع للعدة ، الثاني : نكاح رجلين بينهما ، ويستفاد من نصوص أخرى وقد تقدمت أن الأمة تحرم على المطلق حتى تنكح زوجا غيره بطلقتين ، وعليه فهل التحريم المؤبد بتسع مختص بالحرة فيتمسك في الأمة بأصالة عدم التحريم المؤيد ، بالإضافة إلى أن شرط التحريم المؤبد وقوع تسع للعدة ينكحها بينها رجلان ، وهو منتف في الأمة ، وهذا ما ذهب إليه صاحب الجواهر وجماعة أو أن التحريم المؤبد يشمل الأمة لعدم خصوصية الحرة في الحكم ، بل الحكم يدور مدار وقوع ثلاث تطليقات محرّمة حتى تنكح زوجا غيره ، وعليه فهل يشترط وقوع تسع للعدة حقيقة في الأمة حتى تحرم مؤبدا ، وهذا لا يتم إلا في الطلاق الثامن عشر ، لأن الأول للعدة والثاني بائن للسنة ، لأن الأمة بالثاني تحرم على المطلق حتى تنكح زوجا غيره ، وهكذا فلا يتم التاسع للعدة إلا في الثامن عشر ، ودليل اشتراط التسع للعدة هو الاستصحاب للحل وعدم التحريم المؤبد.
إن قلت : إنه يشترط في التحريم المؤيد أيضا نكاح رجلين ، وهنا يتحقق نكاح أكثر من رجلين ، بل الواقع نكاح ثمانية رجال.
قلت : نكاح الزائد لا يضر بعد صدق نكاح الرجلين الذي هو الشرط الثاني ثم هل يشترط وقوع تسع للعدة في الأمة أو يكفي ست للعدة ، لأن الست للعدة في الأمة بمنزلة التسع للعدة في الحرة ، بدليل أن كل طلقتين في الأمة توجب التحريم الموجب للتحليل في قبال ثلاث تطليقات في الحرة ويكون السادس للعدة هو الحادي عشر ولا يقع التحريم المؤبد إلا في الثاني عشر ، أو أنه يكفي ست تطليقات في الأمة مع كون الأولى من كل دور عدية والثانية سنية ، فتغتفر الثانية والرابعة والسادسة في الأمة كما اغتفرت الثالثة والسادسة والتاسعة في الحرة. -
ص: 320
فقد عرفت أنها تحرم (1) بعد كل طلقتين فلا يجتمع لها طلاق تسع للعدة مع نكاح رجلين (2). وهما (3) معتبران في التحريم (4) نصا وفتوى ، فيحتمل تحريمها (5) بست (6) ، لأنها قائمة مقام التسع للحرة (7) وينكحها بينها (8) رجلان.
ويحتمل اعتبار التسع (9) كالحرة استصحابا للحل إلى أن يثبت المحرّم ، ولا يقدح نكاح أزيد من رجلين ، لصدقهما (10) مع الزائد. وعلى التقديرين (11) فيحتمل اعتبار العدد كله للعدة (12) اقتصارا في المجاز (13) على المتحقق (14) ، والاكتفاء (15) في كل اثنتين بواحدة للعدة(16) ، وهي(17) الأولى(18) لقيامها مقام
______________________________________________________
- احتمالات ثلاث لا يساعد النص على واحد منها ، ومقتضى القواعد بعد عدم شمول النص للأمة عدم التحريم المؤبد.
(1) تحريما يوجب التحليل.
(2) بل التسع للعدة لا تتم إلا في سبعة عشر طلاق ، وهذا يستدعي نكاح ثمانية رجال لها.
(3) أي التسع للعدة مع نكاح رجلين.
(4) أي التحريم المؤبد في الحرة.
(5) أي تحريم الأمة تحريما مؤبدا.
(6) أعم من كون جميعها للعدة أو لا.
(7) لأن الست للأمة مشتملة على ثلاث تطليقات موجبة للتحريم الموجب للتحليل ، كالتسع في الحرة.
(8) بين الست.
(9) أي التسع للعدة.
(10) أي الرجلين.
(11) من الست والتسع.
(12) أي يحتمل اعتبار كون العدد من الست والتسع للعدة في صورة التفرق.
(13) أي في الجائز المغتفر.
(14) وهو توالي طلاقين عديين في الحرة مع اغتفار الثالث.
(15) أي ويحتمل الاكتفاء.
(16) على أن تكون الثانية للسنة وهي التي توجب التحريم الموجب للتحليل فتغتفر الثانية والرابعة والسادسة في الأمة ، كما اغتفرت الثالثة والسادسة والتاسعة في الحرة.
(17) أي الواحدة للعدة.
(18) لأن الثانية سنية موجبة للتحريم الموجب للتحليل.
ص: 321
الاثنتين (1) ، ولصدق المجاز (2) في اطلاق العدية على الجميع (3) بعلاقة المجاورة. فعلى الأول (4) يعتبر اثنتا عشرة تطليقة إذا وقعت الأولى من كل اثنتين للعدة (5) ، وعلى التسع ثماني عشرة (6).
ويبقى الكلام في الثانية عشرة والثامنة عشرة كما مر (7).
وعلى الثاني (8) يكتفى بالست (9) ، أو التسع (10).
ويحتمل في الأمة عدم تحريمها مؤبدا مطلقا (11) ، لأن ظاهر النص أن مورده (12) الحرة بقرينة نكاح الرجلين مع التسع ، فيتمسك في الأمة بأصالة بقاء الحلّ ، ولعدم اجتماع الشرطين فيها (13) ، وللتوقف مجال.
______________________________________________________
(1) أي مقام تطليقتين للعدة في الحرة.
(2) عطف على قوله (لقيامها) ، والمراد بالمجاز هنا في قبال الحقيقة.
(3) أي جميع العدد.
(4) من اعتبار العدد حقيقة.
(5) بناء على كفاية الست ، وتكون الأولى عدية والثانية سنية ، هذا بل يجب كفاية الحادية عشرة ، لأن الحادية عشرة هي السادسة للعدة من دون لزوم طلاق سني بعده حتى يوجب التحريم المؤبد.
(6) بل على كفاية التسع فيتحقق في السابعة عشر لا في الثامنة عشر.
(7) من أنهما لا يكونان للعدة إلا إذا رجع ووطأ ، ومع الرجوع والوطي فكيف يقع التحريم المؤبد من دون طلاق ، ولو احتيج إلى طلاق بعده للزم جعل ما ليس بمحرّم محرّما ، هذا وأما المحذور الآخر من الحكم بالتحريم المؤبد على الطلاق الآخر وهو لا يوجب التحريم الموجب للتحليل ، فمنفي لأن الطلاق الآخر هنا وهو الثاني عشر والثامن عشر يوجب التحريم الموجب للتحليل.
(8) من الاكتفاء في كل طلقتين بواحدة عدية.
(9) مع اغتفار الثانية والرابعة والسادسة.
(10) هذا لا معنى له ، بل احتمال التسع مبني على كونه للعدة في الجميع.
(11) لا بالتسع ولا بالست في صورة التفرق واعتبار العدد حقيقة أو لا.
(12) مورد التحريم المؤبد.
(13) في الأمة لأن اعتبار التسع مناف لكفاية نكاح الرجلين ، لأن اعتبار التسع متوقف على نكاح أربعة رجال.
ص: 322
(العاشرة : تحرم الملاعنة أبدا) وسيأتي الكلام (1) في تحقيق حكمها وشرائطها ، (وكذا تحرم (2) الصمّاء والخرساء إذا قذفها زوجها بما يوجب اللعان) لو لا الآفة (3). بأن يرميها بالزنا مع دعوى المشاهدة ، وعدم البينة ، فلو لم يدّع
______________________________________________________
(1) في كتاب الطلاق.
(2) بلا لعان.
(3) أي لو لا الصمم أو الخرس لكان القذف يوجب اللعان ، هذا ولو قذف الزوج زوجته الصماء أو الخرساء بأن يرميها بالزنا فيثبت التحريم المؤبد بلا خلاف فيه للأخبار
منها : صحيح أبي بصير (سئل أبو عبد الله عليه السلام عن رجل قذف امرأته بالزنا وهي خرساء صماء لا تسمع ما قال ، قال عليه السلام : إن كان لها بينة فشهدت عند الإمام جلد الحد وفرّق بينها وبينه ثم لا تحلّ له أبدا ، وإن لم يكن لها بنية فهي حرام عليه ما أقام معها ولا إثم عليها منه) (1) ، وصحيح الحلبي ومحمد بن مسلم عن أبي عبد الله عليه السلام (في رجل قذف امرأته وهي خرساء ، قال : يفرّق بينهما) (2) ، وخبر محمد بن مروان عن أبي عبد الله عليه السلام (في المرأة الخرساء كيف يلاعنها زوجها ، قال : يفرّق بينهما ولا تحلّ له أبدا) (3) ، وقد رواه الشيخ (في المرأة الخرساء يقذفها زوجها) (4) الخ ... فالقذف هو رميها بالزنا مع دعوى المشاهدة وعدم البينة ، فلو رماها بالزنا مع دعوى المشاهدة ووجود البينة لا تحرم حينئذ بل تحدّ للبينة ، وكذا لو رماها بالزنا من دون دعوى المشاهدة مع وجود البينة.
وأما لو رماها بالزنا مع عدم المشاهدة وعدم البينة فلا حرمة ، لأن المستفاد من أن المراد من القذف هو القذف الذي يوجب اللعان لو لا الآفة ، والذي يوجب اللعان هو القذف مع دعوى المشاهدة لا بدونها قال تعالى : ( وَالَّذِينَ يَرْمُونَ أَزْوٰاجَهُمْ وَلَمْ يَكُنْ لَهُمْ شُهَدٰاءُ إِلّٰا أَنْفُسُهُمْ فَشَهٰادَةُ أَحَدِهِمْ أَرْبَعُ شَهٰادٰاتٍ ) (5) ، وعليه فمع عدم المشاهدة يرجع إلى أصالة عدم التحريم المؤبد وإلى استصحاب الحلّ ، نعم مع عدم المشاهدة فالقذف موجب للحد عليه لقوله تعالى : ( وَالَّذِينَ يَرْمُونَ الْمُحْصَنٰاتِ ثُمَّ لَمْ يَأْتُوا بِأَرْبَعَةِ شُهَدٰاءَ فَاجْلِدُوهُمْ ثَمٰانِينَ جَلْدَةً وَلٰا تَقْبَلُوا لَهُمْ شَهٰادَةً أَبَداً وَأُولٰئِكَ هُمُ الْفٰاسِقُونَ ) (6) ، ومنه تعرف ما لو قذفها بما يوجب اللعان لو لا الآفة وكانت خرساء أو صماء فيثبت الحد عليه مع الحكم بتحريمها عليه ، أما الحد فلإطلاق الآية المتقدمة ، وأما تحريمها عليه فللنصوص المتقدمة ، وقد دلّ على الحد والتحريم صحيح أبي بصير المتقدم.
ص: 323
حدّ (1) ولم تحرم ، ولو أقام بينة بما قذفها به سقط الحدّ عنه والتحريم (2) كما يسقط اللعان (3) ، لأن ذلك (4) هو مقتضى حكم القذف في ايجاب اللعان ، وعدمه (5) ، ولا يسقط الحدّ (6) بتحريمها عليه ، بل يجمع بينهما (7) إن ثبت القذف عند الحاكم ، وإلّا (8) حرمت فيما بينه وبين الله تعالى وبقي الحدّ في ذمته على ما دلت عليه رواية (9) أبي بصير التي هي الأصل (10) في الحكم ، وإن كان المستند الآن الإجماع عليه (11) كما ادعاه الشيخ (12) رحمه الله ، ودلت الرواية أيضا على اعتبار الصمم والخرس معا (13).
______________________________________________________
(1) أي فلو رماها بالقذف ولم يدع المشاهدة حدّ حد القذف ثمانين جلدة للآية المتقدمة ولم تحرم عليه لعدم تحقق القذف الموجب للعان.
(2) ويثبت عليها حد الزنا.
(3) أي كما يسقط اللعان في غير الخرساء والصماء.
(4) أي سقوط الحد والتحريم واللعان مع البينة هو مقتضى حكم القذف في غير الصماء والخرساء ، وفي الصماء والخرساء لا لعان فمقتضى حكم القذف هو الحد والتحريم ويسقطان مع البينة.
(5) أي عدم إيجاب اللعان.
(6) أي حد القذف عن الزوج إذا قذف زوجته الخرساء والصماء.
(7) بين حد القذف عليه وبين تحريمها.
(8) وإن لم يثبت القذف عند الحاكم.
(9) وقد تقدمت.
(10) لأنها أكثر تفصيلا من صحيح الحلبي ومحمد بن مسلم.
(11) على التحريم في الصماء والخرساء لو قذفها زوجها.
(12) وادعاه غيره أيضا ، وفيه : إنه إجماع مدركي لا يلتفت إليه فالعمدة على الأخبار.
(13) رواية أبي بصير المتقدمة قد تضمنت (وهي خرساء صماء) ، وهي دالة على اعتبار الأمرين معا لعدم العطف فيها وبهذا عبّر جماعة ، إلا أن هذا تبعا للكافي ، وفي التهذيب على ما قاله الشارح في المسالك : (وهي خرساء أو صماء) وهي دالة على اعتبار أحد الأمرين ، وهو مذهب الأكثر ، بل أدعي الإجماع في الغنية والسرائر على الاكتفاء بأحدهما ، ويؤيد الاكتفاء بأحدهما تعلق الحكم بالخرساء فقط في صحيح الحلبي ومحمد بن مسلم وخبر محمد بن مروان المتقدمين.
ص: 324
فلو اتصفت (1) بأحدهما خاصة فمقتضى الرواية ، ودليل الأصل (2) عدم التحريم. ولكنّ أكثر الأصحاب عطفوا أحد الوصفين على الآخر بأو (3) المقتضي للاكتفاء بأحدهما ، والمصنف عطف بالواو ، وهو (4) يدل عليه (5) أيضا ، ولكن ورد الخرس وحده في روايتين فالاكتفاء به وحده حسن. أما الصمم وحده فلا نصّ عليه بخصوصه يعتدّ به.
وفي التحرير استشكل حكم الصماء خاصة (6) بعد أن استقرب التحريم ، ولو نفى ولدها (7) على وجه (8) يثبت اللعان به (9) لو كانت غير مئوفة ، ففي ثبوت اللعان (10) ، أو تحريمها به (11) كالقذف وجهان : من مساواته (12) للقذف في التحريم المؤبد (13) باللعان (14) فيساويه (15) بالمعلول الآخر(16).
______________________________________________________
(1) أي الزوجة المقذوفة.
(2) وهو استصحاب الحل ، أو أصالة عدم التحريم المؤبد.
(3) كما هو مقتضى الرواية في التهذيب.
(4) أي العطف بالواو.
(5) أي على الاكتفاء بأحدهما ، لأن ظاهر العطف دال على المغايرة.
(6) وهو مبني على اعتبار الأمرين.
(7) أي ولد الخرساء أو الصماء.
(8) وذلك بادعاء كونه من الزنا.
(9) بالنفي.
(10) ويكون نفي الولد في الصماء والخرساء كنفيه في غيرهما موجبا للعان ، غايته اللعان في الصماء يكون بالإشارة.
(11) أي تحريم الصماء بنفي الولد من دون إيجاب للعان كالقذف.
(12) دليل لعدم اللعان مع ثبوت التحريم المؤبد ، والمعنى من مساواة نفي الولد للقذف في غير الصماء والخرساء ، في كونه موجبا للتحريم المؤبد ، بسبب اللعان ، فيساويه في المعلول الآخر أي كونه غير موجب للعان في الصماء والخرساء فكما أن القذف في الصماء والخرساء لا يوجب اللعان فكذا نفي الولد.
(13) في غير الصماء والخرساء.
(14) أي بسبب اللعان.
(15) ضمير الفاعل لنفي الولد ، وضمير المفعول للقذف.
(16) وهو كونه محرما بدون اللعان في غير الصماء والخرساء.
ص: 325
ودعوى (1) الشيخ في الخلاف الاجماع على أنه لا لعان للصماء والخرساء (2). ومن عموم (3) الآية المتناول لكل زوجة ، خرج منه (4) قذفهما (5) بالنص ، أو الاجماع (6) فيبقى الباقي (7) داخلا في عموم الحكم باللعان ، وتوقف (8) التحريم عليه.
ولا يلزم من مساواة النفي القذف في حكم (9) مساواته (10) في غيره (11) ، لأنّ الأسباب متوقفة على النصّ (12) ، والإجماع (13) إنما نقل على عدم لعانهما مع القذف (14)
______________________________________________________
(1) دليل ثان لعدم اللعان مع ثبوت التحريم المؤبد.
(2) وهو عام يشمل ما لو نفى ولدها.
(3) دليل لثبوت اللعان ، والآية هي قوله تعالى : ( وَالَّذِينَ يَرْمُونَ أَزْوٰاجَهُمْ وَلَمْ يَكُنْ لَهُمْ شُهَدٰاءُ إِلّٰا أَنْفُسُهُمْ فَشَهٰادَةُ أَحَدِهِمْ أَرْبَعُ شَهٰادٰاتٍ بِاللّٰهِ إِنَّهُ لَمِنَ الصّٰادِقِينَ ) (1) ، وهي عامة تشمل كل زوجة قد رميت بالزنا قذفا أو بنفي ولدها ، وخرج من العموم ما لو قذف الصماء والخرساء فلا لعان فيبقى ما لو نفى عنها ولدها تحت هذا العموم الموجب للعان مع التحريم الثابت على اللعان.
(4) من عموم الآية بالحكم باللعان.
(5) أي قذف الصماء والخرساء.
(6) لأن المستند على خروج المقذوفة من الصماء والخرساء هو الإجماع عند الشارح على ما تقدم بيانه.
(7) ومنه ما لو نفى ولد الصماء أو الخرساء.
(8) دليل ثان لثبوت اللعان ، والمعنى أن التحريم المؤبد متوقف على اللعان ، فلا بد منه حتى يثبت التحريم.
(9) وهو التحريم المؤبد بسبب اللعان في غير الصماء والخرساء.
(10) أي مساواة النفي للقذف.
(11) أي في حكم آخر وهو التحريم المؤبد بغير لعان ، بحيث كان قذف الصماء والخرساء موجبا لذلك ، فلا يكون النفي يوجب ذلك إلا بالنص وهو منتف.
(12) وهو منتف.
(13) المدعى من الشيخ في الخلاف بعدم لعان الصماء والخرساء.
(14) لا مطلقا حتى يشمل صورة نفي الولد.
ص: 326
كما صرّح به (1) الشيخ فلا يلحق به (2) غيره (3).
والظاهر أنه لا فرق هنا (4) مع القذف بين دخوله بهما (5) ، وعدمه (6) عملا بالإطلاق (7). أما نفي الولد فاشتراطه (8) حسن ، ومتى حرمت قبل الدخول (9) فالأجود ثبوت جميع المهر لثبوته (10) بالعقد فيستصحب ، وتنصيفه (11) في بعض الموارد لا يوجب التعدي (12) ، وألحق الصدوق في الفقيه بذلك (13) قذف المرأة زوجها الأصم (14) فحكم بتحريمها عليه مؤبدا ، حملا (15) على قذفه لها ، وهو مع غرابته(16) قياس لا نقول به(17).
______________________________________________________
(1) بالاختصاص بالقذف.
(2) بالقذف.
(3) من نفي الولد.
(4) في المسألة من التحريم المؤبد بدون لعان.
(5) بالصماء والخرساء.
(6) أي عدم الدخول.
(7) أي إطلاق النصوص المتقدمة.
(8) أي اشتراط الدخول.
(9) عند القذف.
(10) أي ثبوت جميع المهر.
(11) أي تنصيف المهر في الطلاق قبل الدخول.
(12) لأن تنصيفه على خلاف الأصل فيقتصر فيه على مورده.
(13) أي بقذف الزوج زوجته الخرساء أو الصماء.
(14) أو الأخرس كما في الجواهر.
(15) أي حملا لقذفها له على قذفه لها.
(16) أي مع ندرة القائل به.
(17) هذا مع أن دليل الصدوق ليس القياس بل رواية مرسلة وهذا ما صرح به الشارح في المسالك ، وهي مرسلة الحسن بن محبوب عن بعض أصحابه عن أبي عبد الله عليه السلام (في امرأة قذفت زوجها وهو أصم ، قال : يفرّق بينها وبينه ، ولا تحلّ له أبدا) (1) غير أنها ضعيفة السند ولا جابر لها.
ص: 327
(الحادية عشر : تحرم الكافرة غير الكتابية) (1) وهي (2) اليهودية ، والنصرانية ، والمجوسية (3) (على المسلم إجماعا ، وتحرم الكتابية عليه (4) دواما لا متعة وملك يمين) على أشهر الأقوال (5) ، والقول الآخر الجواز مطلقا (6). والثالث المنع مطلقا (7). وإنما
______________________________________________________
(1) لا يجوز للمسلم نكاح غير الكتابية بلا خلاف فيه لقوله تعالى : ( وَلٰا تُمْسِكُوا بِعِصَمِ الْكَوٰافِرِ ) (1) ، ولقوله تعالى : ( وَلٰا تَنْكِحُوا الْمُشْرِكٰاتِ حَتّٰى يُؤْمِنَّ ) (2) ، وللأخبار
منها : خبر أبي الجارود عن أبي جعفر عليه السلام (في قوله تعالى : ( وَلٰا تُمْسِكُوا بِعِصَمِ الْكَوٰافِر ) ، قال عليه السلام : من كانت عنده امرأة كافرة ، يعين على غير ملة الإسلام وهو على ملة الإسلام فليعرض عليها الإسلام فإن قبلت فهي امرأته ، وإلا فهي برية منه ، فنهى الله أن يستمسك بعصمتها) (3) ومقتضى الأدلة عدم جواز نكاحها دواما ومتعة وابتداء واستدامة.
(2) أي الكتابية.
(3) وفيها بحث سيأتي.
(4) على المسلم.
(5) وهو المشهور بين المتأخرين واختاره أبو الصلاح وهو ظاهر الشيخ في المبسوط.
(6) في الدوام والمتعة والملك وهو المنسوب إلى الصدوقين وابن أبي عقيل ، وقواه صاحب الجواهر.
(7) في الدوام والمتعة والملك وهو مذهب المرتضى ، والشيخ في أحد قوليه والمفيد كذلك ، والحلي ، وهناك أقوال أخرى منها : جواز نكاحها متعة اختيارا ، ودائما اضطرارا ، وهو للشيخ في النهاية وابن حمزة وابن البراج.
ومنها : عدم جواز العقد متعة ودواما ، وجواز ملك اليمين وهو للشيخ في أحد قوليه ، ونسب إلى المفيد. ومنشأ الاختلاف ظاهر الآيات والروايات.
فأدلة المنع قوله تعالى : ( وَلٰا تَنْكِحُوا الْمُشْرِكٰاتِ حَتّٰى يُؤْمِنَّ ) (4) ، والكتابية مشركة بدليل قوله تعالى : ( وَقٰالَتِ الْيَهُودُ عُزَيْرٌ ابْنُ اللّٰهِ ، وَقٰالَتِ النَّصٰارىٰ الْمَسِيحُ ابْنُ اللّٰهِ ، ذٰلِكَ قَوْلُهُمْ بِأَفْوٰاهِهِمْ يُضٰاهِؤُنَ قَوْلَ الَّذِينَ كَفَرُوا مِنْ قَبْلُ ، قٰاتَلَهُمُ اللّٰهُ أَنّٰى يُؤْفَكُونَ ، اتَّخَذُوا أَحْبٰارَهُمْ -
ص: 328
.................................................................................................
______________________________________________________
- وَرُهْبٰانَهُمْ أَرْبٰاباً مِنْ دُونِ اللّٰهِ وَالْمَسِيحَ ابْنَ مَرْيَمَ ، وَمٰا أُمِرُوا إِلّٰا لِيَعْبُدُوا إِلٰهاً وٰاحِداً ، لٰا إِلٰهَ إِلّٰا هُوَ سُبْحٰانَهُ عَمّٰا يُشْرِكُونَ ) (1).
واستدل بقوله تعالى : ( وَلٰا تُمْسِكُوا بِعِصَمِ الْكَوٰافِرِ ) (2) ، وهي شاملة للكتابية. ويعارضهما قوله تعالى : ( الْيَوْمَ أُحِلَّ لَكُمُ - إلى قوله تعالى - وَالْمُحْصَنٰاتُ مِنَ الَّذِينَ أُوتُوا الْكِتٰابَ مِنْ قَبْلِكُمْ إِذٰا آتَيْتُمُوهُنَّ أُجُورَهُنَّ مُحْصِنِينَ غَيْرَ مُسٰافِحِينَ ) (3) ، وهي نص في جواز نكاح الكتابية.
وقد قيل : إن لفظ الأجر ظاهر في العوض للمؤجل ، لأن العوض في الدائم يسمى صداقا ونحلة وفرضا فتختص الآية بجواز نكاح الكتابية بالمنقطع ، ولكنه قول ضعيف إذا أطلق الأجر على العوض في مطلق النكاح في قوله تعالى : ( لٰا جُنٰاحَ عَلَيْكُمْ أَنْ تَنْكِحُوهُنَّ إِذٰا آتَيْتُمُوهُنَّ أُجُورَهُنَّ ) (4) ، وفي قوله تعالى : ( فَانْكِحُوهُنَّ بِإِذْنِ أَهْلِهِنَّ وَآتُوهُنَّ أُجُورَهُنَّ ) (5).
هذا وهناك جملة من الأخبار قد دلت على أن آية المائدة الدالة على جواز نكاح الكتابية منسوخة بإحدى آيتي النهي المتقدمتين :
منها : موثق علي بن الجهم (قال لي أبو الحسن الرضا عليه السلام : يا أبا محمد : ما تقول في رجل تزوج نصرانية على مسلمة؟ قلت : جعلت فداك وما قولي بين يديك؟ قال : لتقولن فإن ذلك يعلم به قولي ، قلت : لا يجوز تزويج النصرانية على مسلمة ولا غير مسلمة ، قال عليه السلام : ولم؟ قلت : لقوله الله عزوجل : ولا تنكحوا المشركات حتى يؤمن ،
قال عليه السلام : فما تقول في هذه الآية : والمحصنات من الذين أوتوا الكتاب من قبلكم؟ قلت : فقوله : ولا تنكحوا المشركات نسخت هذه الآية ، فتبسم ثم سكت) (6) ، وصحيح زرارة (سألت أبا جعفر عليه السلام عن قول الله عزوجل : والمحصنات من الذين أوتوا الكتاب من قبلكم ، فقال عليه السلام : هي منسوخة بقوله : ( وَلٰا تُمْسِكُوا بِعِصَمِ الْكَوٰافِرِ ) ) (7). -
ص: 329
.................................................................................................
______________________________________________________
- ومنها : مرسل الطبرسي في مجمع البيان عن أبي الجارود عن أبي جعفر عليه السلام في قوله تعالى : ( وَالْمُحْصَنٰاتُ مِنَ الَّذِينَ أُوتُوا الْكِتٰابَ ) (1) قال عليه السلام : إنه منسوخ بقوله تعالى : ( وَلٰا تَنْكِحُوا الْمُشْرِكٰاتِ حَتّٰى يُؤْمِنَّ ) ، وبقوله : ( وَلٰا تُمْسِكُوا بِعِصَمِ الْكَوٰافِرِ ) (2).
ومنها : خبر أبي بصير عن أبي عبد الله عليه السلام (في قوله تعالى ( وَالْمُحْصَنٰاتُ ... )
قال عليه السلام هي منسوخة نسختها قوله تعالى : ( وَلٰا تُمْسِكُوا بِعِصَمِ الْكَوٰافِرِ ) .
ومنها : خبر الدعائم عن علي عليه السلام (إنما أحلّ الله نساء أهل الكتاب للمسلمين إذا كان في نساء المسلمين قلة ، فلما كثرت المسلمات قال الله عزوجل : ولا تنكحوا المشركات حتى يؤمن ، وقال : ( وَلٰا تُمْسِكُوا بِعِصَمِ الْكَوٰافِرِ ) ) (3) وهذه الأخبار وإن كان أكثرها ضعيف السند إلا أن بعضها صحيح كصحيح زرارة المتقدم ، نعم يعارضها ما دل على أن سورة المائدة محكمة لم ينسخ شي ء منها ، كصحيح زرارة عن أبي جعفر عليه السلام (سمعته يقول : جمع عمر بن الخطاب أصحاب رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم وفيهم علي عليه السلام فقال : ما تقولون في المسح على الخفين ، فقام المغيرة بن شعبة فقال : رأيت رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم يمسح على الخفين ، فقال علي عليه السلام : قبل المائدة أو بعدها ، فقال : لا أدري ، فقال علي عليه السلام : سبق الكتاب الخفين ، إنما نزلت المائدة قبل أن يقبض بشهرين أو ثلاثة) (4) ، والنبوي (إن سورة المائدة : آخر القرآن نزولا ، فأحلوا حلالها وحرّموا حرامها) (5)، والمروي عن الطبرسي عن العياشي بإسناده وعيسى بن عبد الله عن أبيه عن جده عن أمير المؤمنين عليه السلام (كان القرآن ينسخ بعضه بعضا ، وإنما يؤخذ من رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم بآخره ، وكان من آخر ما نزل عليه سورة المائدة ، نسخت ما قبلها ولم ينسخها شي ء ، لقد نزلت عليه وهو على بغلة شهباء) (6).
وآية حل المحصنات من المائدة فلا بدّ من العمل بالطائفة الأخيرة وأن سورة المائدة ناسخة لا منسوخة هذا من جهة ومن جهة أخرى فعند الشك في نسخها أو منسوخيتها فالنسبة -
ص: 330
.................................................................................................
______________________________________________________
- بين آيتي النهي عن نكاح المشركات وبين آية حل المحصنات من أهل الكتاب نسبة العموم والخصوص ، وإذا دار الأمر بين النسخ والتخصيص فالثاني مقدم ، وهو يقتضي جواز نكاح الكتابية مطلقا ، هذا كله نظرا إلى الكتاب.
وأما الأخبار فقد استدل المانع مطلقا بأخبار.
منها : موثق علي بن الجهم المتقدم وفيه قول ابن الجهم (لا يجوز تزويج النصرانية على مسلمة وعلى غير مسلمة) (1) وكان بحضور المعصوم وقد سكت ، وصحيح ابن سنان عن أبي عبد الله عليه السلام (وما أحب للرجل المسلم أن يتزوج اليهودية ولا النصرانية مخافة أن يتهوّد ولده أو يتنصر) (2) ، وخبر زرارة عن أبي جعفر عليه السلام (لا ينبغي نكاح أهل الكتاب ، قلت : جعلت فداك وأين تحريمه؟ قال : قوله : ( وَلٰا تُمْسِكُوا بِعِصَمِ الْكَوٰافِرِ ) ) (3) ، وخبر محمد بن مسلم عن أبي جعفر عليه السلام (سألته عن نصارى العرب أتؤكل ذبايحهم؟ فقال : كان علي عليه السلام ينهي عن ذبايحهم وعن صيدهم وعن مناكحتهم) (4) ، وخبر أبي بصير (سألت أبا عبد الله عليه السلام عن تزويج اليهودية والنصرانية ، قال : لا) (5).
ويعارضها أخبار قد دلت على الجواز مطلقا.
منها : صحيح محمد بن مسلم عن أبي جعفر عليه السلام (سألته عن نكاح اليهودية والنصرانية ، فقال : لا بأس به ، أما علمت أنه كان تحت طلحة بن عبيد الله يهودية على عهد النبي صلى الله عليه وآله وسلم) (6) ، وصحيح أبي بصير عن أبي جعفر عليه السلام (سألته عن رجل له امرأة نصرانية له أن يتزوج عليها يهودية ، فقال : إن أهل الكتاب مماليك للإمام ، وذلك موسع منا عليكم خاصة فلا بأس أن يتزوج) (7) ، وصحيح معاوية بن وهب وغيره جميعا عن أبي عبد الله عليه السلام (في الرجل المؤمن يتزوج اليهودية والنصرانية ، فقال : إذا أصاب المسلمة فما يصنع باليهودية والنصرانية؟ قلت له : يكون له فيها الهوى ، قال عليه السلام : إن فعل فليمنعها من شرب الخمر وأكل لحم الخنزير ، وأعلم أنه عليه في دينه غضاضة) (8) ، وخبر الحلبي -
ص: 331
.................................................................................................
______________________________________________________
- عن أبي عبد الله عليه السلام (عن ذبيحة أهل الكتاب ونسائهم ، فقال : لا بأس به) (1).
وقد ورد جواز نكاح الكتابية متعة
منها : موثق الأشعري (سألته عن الرجل يتمتع من اليهودية والنصرانية ، قال : لا أرى بذلك بأسا ، قلت : فالمجوسية؟ قال : أما المجوسية فلا) (2) ، ومرسل ابن فضال عن أبي عبد الله عليه السلام (لا بأس أن يتمتع الرجل باليهودية والنصرانية وعنده حرة) (3) ، وخبر زرارة (سمعته يقول : لا بأس أن يتزوج اليهودية والنصرانية متعة وعنده امرأة) (4) ومثلها غيرها وقد ورد جواز نكاح الكتابية في حال الضرورة
منها : صحيح محمد بن مسلم عن أبي جعفر عليه السلام (لا ينبغي للمسلم أن يتزوج يهودية ولا نصرانية وهو يجد مسلمة حرة أو أمة) (5) ، وخبر يونس عنهم عليهم السلام (لا ينبغي للمسلم الموسر أن يتزوج الأمة إلا أن لا يجد حرة ، وكذلك لا ينبغي له أن يتزوج امرأة من أهل الكتاب إلا في حال ضرورة حيث لا يجد مسلمة حرة ولا أمة) (6) ، وخبر حفص بن غياث (كتب بعض إخواني أن أسأل أبا عبد الله عليه السلام عن مسائل ، فسألته عن الأسير هل يتزوج في دار الحرب؟ فقال : أكره ذلك ، فإن فعل في بلاد الروم فليس هو بحرام هو نكاح ، وأما في الترك والديلم والخزر فلا يحلّ له ذلك) (7).
وقد ورد ما يدل على جواز نكاح الكتابية إذا كانت من البله كصحيح زرارة (سألت أبا جعفر عليه السلام عن نكاح اليهودية والنصرانية ، فقال : لا يصلح للمسلم أن ينكح يهودية ولا نصرانية ، وإنما يحلّ منهن نكاح البله) (8) ، وصحيحه الآخر (قلت لأبي جعفر عليه السلام : إني أخشى أن لا يحل لي أن أتزوج ممن لم يكن على أمري ، فقال : وما يمنعك من البله؟ قلت : وما البله؟ قال : هنّ المستضعفات من اللاتي لا ينصبن ولا يعرفن ما أنتم عليه) (9) ، وخبر حمران بن أعين قال : (كان بعض أهله يريد التزويج فلم يجد امرأة مسلمة موافقة فذكرت ذلك لأبي عبد الله عليه السلام فقال : أين أنت من البله الذين لا يعرفون شيئا) (10). -
ص: 332
.................................................................................................
______________________________________________________
- فمن ذهب للمنع تمسك بآيتي النهي عن الإمساك والإنكاح حتى يؤمن مع كون آية المائدة منسوخة وتمسك بأخبار النهي المطلقة ، ومن ذهب للجواز مطلقا تمسك بكون آية المائدة ناسخة لا منسوخة مع التمسك بأخبار الجواز المطلقة نعم وقد حمل آيتي النهي في الأخبار على الكراهة مخافة أن يتنصر الولد أو يتهود ، ومن ذهب للتفصيل فقد حمل آيتي النهي وأخبار النهي على الدوام ، وحمل آية المائدة مع أخبار الجواز على المتعة وملك اليمين ويؤيده ورود الأخبار الدالة على جواز التمتع بالكتابية فضلا عن اشتمال آية المائدة على الأجر ، وهو تعبير عن الصداق في المتعة.
وبعضهم فصّل في الدائم بالمنع في حال الاختيار والجواز عند الاضطرار لما تقدم من أخبار الجواز في حال الضرورة ، وهذه وجوه الجمع عند القوم ، والأقوى الجواز مطلقا بعد حمل النهي على الكراهة لآية المائدة التي لا يعقل منسوخيتها ، وهي عامة تشمل الدائم والمنقطع مع أن أخبار النهي غير صريحة في التحريم بل بعضها ظاهر في الكراهة فراجع ، ولذا قال صاحب الجواهر بعد اختيار الجواز مطلقا : (فلم يبق بحمد الله سبحانه في المسألة بعد اليوم من إشكال والحمد لله المتعال ، والله هو العالم بحقيقة الحال) انتهى.
ثم على فرض المنع فأدلة المنع من الكتاب والسنة مختصة بالعقد فلا تشمل ملك اليمين ، وعلى فرض الشمول فتخصص بقوله تعالى : ( إِلّٰا مٰا مَلَكَتْ أَيْمٰانُكُمْ ) (1) ، وللأخبار الكثيرة الدالة على جواز وطئ الكتابية بملك اليمين
منها : خبر الدينوري (قلت لأبي الحسن عليه السلام : جعلت فداك ما تقول في النصرانية اشتريها وأبيعها من النصارى ، فقال : اشتر وبع ، قلت : فانكح؟ قال : فسكت عن ذلك قليلا ثم نظر إليّ وقال شبه الإخفاء : هي لك حلال) (2).
ثم لا فرق في الكتابية بين الذمية وهي القائمة بشرائط الذمة وبين الحربية لعموم الأدلة المتقدمة أو إطلاقها ، وعن الشيخ الأعظم تخصيص ذلك بالذمية فقط لأن الموضوع في الروايات هو النصرانية واليهودية ، وهما منصرفتان إلى الذمية باعتبار الغلبة وقت صدور النص.
وفيه : إن الانصراف الناشئ من الغلبة ليس بحجة ، وقد استدل للشيخ على التخصيص بخبر أبي البختري عن جعفر عن أبيه عليهما السلام (أنه كره مناكحة أهل الحرب) (3) ، وفيه : -
ص: 333
جعلنا المجوسية من أقسام الكتابية مع أنها (1) مغايرة لها (2) وإن ألحقت بها في الحكم (3) لدعواه (4) الاجماع على تحريم نكاح من عداها (5) ، مع وقوع الخلاف في المجوسية ، فلو لا تغليبه (6) الاسم (7) عليها لدخلت في المجمع على تحريمه (8).
______________________________________________________
- إنه أدلّ على الجواز من دلالته على الحرمة كما لا يخفى.
ولكن تتأكد الكراهة في الحربية لما قاله الشارح في المسالك حذرا من أن تسترق وهي حامل منه مع عدم قبول قولها في أن حملها من مسلم.
(1) أي المجوسية.
(2) للكتابية.
(3) من حرمة نكاحها دواما والجواز متعة وملك يمين.
(4) أي دعوى المصنف.
(5) أي عدا الكتابية.
(6) أي تغليب المصنف.
(7) أي اسم الكتابية على المجوسية.
(8) وهو تحريم غير الكتابية ، وفيه : إن المصنف لم يصرح بكون المجوسية كتابية ، وإنما ادعى الإجماع على تحريم غير الكتابية فلو كانت المجوسية منهم لوقع الإجماع عليها ، ولو كانت من غيرهم للحقها حكم الغير من الجواز متعة لا دواما كما هو مبنى الماتن.
وعلى كل قد وقع الخلاف في المجوسية من أن حكمها حكم الكتابية أو لا ، فعن الشيخ في النهاية والمحقق في الشرائع من ذلك لمرسل الواسطي عن أبي عبد الله عليه السلام (سئل عن المجوس أكان لهم نبي؟ فقال : نعم ، أما بلغك كتاب رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم إلى أهل مكة أن أسلموا وإلا فأذنوا بحرب ، فكتبوا إلى النبي صلى الله عليه وآله وسلم : خذ منا الجزية ودعنا على عبادة الأوثان ، فكتب إليهم النبي صلى الله عليه وآله وسلم : إني لست آخذ الجزية إلا من أهل الكتاب ، فكتبوا إليه يريدون تكذيبه : زعمت أنك لا تأخذ الجزية إلا من أهل الكتاب ، ثم أخذت الجزية من مجوس هجر؟ فكتب إليهم النبي صلى الله عليه وآله وسلم : إن المجوس كان لهم نبيّ فقتلوه وكتاب أحرقوه ، أتاهم نبيّهم بكتابهم في اثني عشر ألف جلد ثور) (1) ، ونحوه خبر الأصبغ بن نباتة (2) عن أمير المؤمنين عليه السلام ، والنبوي (سنّوا بهم سنة أهل الكتاب) (3).
ويؤيده ما دل على جواز التمتع بهن ووطئهن بملك اليمين كخبر محمد بن سنان عن -
ص: 334
ووجه اطلاقه عليها (1) أن لها شبهة كتاب صح بسببه التجوز ، والمشهور بين المتأخرين أن حكمها (2) حكمها فناسب الإطلاق. وإنما يمنع من نكاح الكتابية ابتداء ، لا استدامة لما سيأتي من أنه لو أسلم زوج الكتابية فالنكاح بحاله (3).
(ولو ارتد أحد الزوجين) عن الإسلام(قبل الدخول بطل النكاح) (4) سواء
______________________________________________________
- الرضا عليه السلام (سألته عن نكاح اليهودية والنصرانية ، فقال : لا بأس ، فقلت : فمجوسية؟ قال : لا بأس به ، يعني متعة) (1) ، وخبر منصور الصيقل عن أبي عبد الله عليه السلام (لا بأس بالرجل أن يتمتع بالمجوسية) (2) ، وصحيح محمد بن مسلم عن أبي جعفر عليه السلام (سألته عن الرجل المسلم يتزوج المجوسية؟ فقال : لا ، ولكن إذا كانت له أمة مجوسية فلا بأس أن يطأها ويعزل عنها ولا يطلب ولدها) (3) ، فلو لم تكن المجوسية كتابية لما جاز وطؤها متعة.
وعن المشهور العدم لأن خبر الواسطي ضعيف السند للإرسال نعم قد ورد أن المجوس بحكم أهل الكتاب في الدية والجزية فقط ففي مرسل المقنعة للمفيد عن أمير المؤمنين عليه السلام أنه قال : (المجوس إنما ألحقوا باليهود والنصارى في الجزية والديات ، لأنه قد كان لهم فيما مضى كتاب) (4).
وما ورد من جواز التمتع بهن فضعيف السند على أنه معارض بنفس صحيح محمد بن مسلم المتقدم الدال على منع التزوج بهن ، وبموثق الأشعري (سألته عن الرجل يتمتع من اليهودية والنصرانية ، قال عليه السلام : لا أرى بذلك بأسا ، قلت : فالمجوسية؟ قال عليه السلام : أما المجوسية فلا) (5).
وأما ما دل على جواز وطئهن بملك اليمين فلا يدل على أنها كتابية كما هو واضح.
(1) أي وجه إطلاق اسم الكتابية على المجوسية.
(2) أي حكم المجوسية ، هذا وفي الجواهر وغيره أن المشهور على العكس فراجع.
(3) وهذا من جملة أدلة جواز نكاح الكتابية مطلقا فلا تغفل.
(4) إذا ارتد أحد الزوجين عن الإسلام قبل الدخول انفسخ العقد في الحال ، سواء كان الارتداد عن فطرة أم ملة ، بلا خلاف فيه ، لأن الارتداد من ضروب الكفر الذي لا يباح -
ص: 335
كان الارتداد فطريا أم مليا ، (ويجب) على الزوج(نصف المهر إن كان الارتداد من الزوج) (1) ، لأن الفسخ جاء من جهته فأشبه الطلاق ثم إن كانت التسمية صحيحة (2) فنصف المسمى ، وإلّا فنصف مهر المثل.
وقيل : يجب جميع المهر لوجوبه (3) بالعقد ولم يثبت تشطيره (4) إلا بالطلاق ، وهو أقوى ، (ولو كان) الارتداد(منها فلا مهر) لها (5) ، لأنّ الفسخ جاء من قبلها
______________________________________________________
- التناكح معه ، ولخبر مسمع بن عبد الملك عن أبي عبد الله عليه السلام (قال أمير المؤمنين عليه السلام : المرتد عن الإسلام تعزل عنه امرأته ولا تؤكل ذبيحته ويستتاب ثلاثة أيام ، فإن تاب وإلا قتل يوم الرابع) (1) ، وهو مختص بارتداد الرجل ولكن ارتداد المرأة ملحق به لعدم القول بالفصل كما عن سيد الرياض ، وهو مختص بالارتداد الملي لكنه يشمل الارتداد الفطري بطريق أولى.
(1) كما عن الشرائع وغيره بل نسب إلى المشهور ، تنزيلا للفسخ بارتداده منزلة طلاقه قبل الدخول الموجب لتنصيف المهر ، وفيه : إن الأصل ثبوت جميع المهر بالعقد ، وتنصيف المهر بالطلاق قبل الدخول لدليل خاص لا يقتضي التعدي إلا على نحو القياس المحرّم عندنا ، ولذا ذهب أكثر من واحد لثبوت جميع المهر عليه ، خصوصا في المرتد الفطري المنزّل للمرتد منزلة الميت مع أن بالموت قبل الدخول يثبت جميع المهر.
(2) بأن لا يكون المهر من الخمر والخنزير وما لا يصح تملكه للمسلم.
(3) أي وجوب جميع المهر.
(4) أي تنصيفه.
(5) فيسقط مهرها بلا خلاف فيه كما في الجواهر ، لأن الفسخ جاء من قبلها ، وفيه : إن الفسخ من حين الحدث فهو انفساخ وليس من حين صدور العقد ، وعليه فالعقد قبل الفسخ أوجب المهر ولا دليل على سقوطه بعد الفسخ فاللازم القول بثبوت المهر.
ولعل الأصحاب اعتمدوا في مقام الحكم بسقوط المهر لارتدادها بخبر إسماعيل بن زياد عن جعفر بن محمد عن أبيه عن علي عليهم السلام (في المرأة إذا زنت قبل أن يدخل بها زوجها ، قال عليه السلام : يفرّق بينهما ولا صداق لها ، لأن الحدث كان من قبلها) (2).
وهو غير معمول به في مورده إلا أن ذيله مشتمل على التعليل ، والعلة عامة.
ص: 336
قبل الدخول ، (ولو كان) الارتداد(بعده) أي بعد الدخول (1) (وقف) انفساخ النكاح(على انقضاء العدة) (2) إن كان الارتداد من الزوجة مطلقا (3) ، أو من الزوج عن غير فطرة ، فإن رجع المرتد قبل انقضائها (4) ثبت النكاح ، وإلا انفسخ.
(ولا يسقط شي ء من المهر) لاستقراره بالدخول ، (ولو كان) ارتداده (5) (عن فطرة بانت) الزوجة(في الحال) إذ لا تقبل توبته (6) ، بل يقتل ، وتخرج عنه أمواله بنفس الارتداد وتبين منه زوجته وتعتدّ عدة الوفاة.
(ولو أسلم زوج الكتابية) دونها(فالنكاح بحاله) (7) قبل الدخول وبعده ،
______________________________________________________
(1) فيتوقف الفسخ على انقضاء العدة ، من غير فرق بين ارتداد الزوج أو الزوجة ، فإن رجع المرتد - زوجة كان أو زوجا - قبل انقضاء العدة فهي زوجته وإلا انكشف أنها بانت منه من أول الارتداد ، بلا خلاف فيه.
إلا إذا كان المرتد هو الزوج وكان ارتداده عن فطرة فينفسخ النكاح في الحال بلا خلاف فيه لموثق عمار الساباطي (سمعت أبا عبد الله عليه السلام يقول : كل مسلم بين مسلمين ارتد عن الإسلام وجحد محمدا نبوته وكذبه ، فإن دمه مباح لمن سمع ذلك منه ، وامرأته بائنة منه يوم ارتد ، ويقسّم ماله على ورثته ، وتعتد امرأته عدة المتوفى عنها زوجها ، وعلى الإمام أن يقتله ولا يستتيبه) (1) ، والسبب في كون عدتها عدة وفاة أن المرتد الفطري بحكم الميت لوجوب قتله على كل حال ، ومنه تعرف أن العدة في المرتد الملي أو إذا كان الارتداد من الزوجة عدة طلاق لعدم وجوب قتل الملي عند ارتداده ، ولعدم وجوب قتل المرتدة سواء كانت ملية أم فطرية.
وعلى كل فإذا توقف الفسخ على انقضاء العدة فليس له التزويج بأختها ولا بالخامسة في زمن العدة لأنها كالرجعية حيث يرجى عودها في كل وقت ، وعلى كل أيضا لا يسقط شي ء من المهر في كل الصور المتقدمة لاستقراره بالدخول.
(2) وهي عدة طلاق.
(3) عن فطرة أو ملة.
(4) أي العدة.
(5) أي الزوج.
(6) ظاهرا لأنه يجب قتله على كل حال ، وإن قبلت واقعا.
(7) ما تقدم كان في الكفر بعد الإسلام ، وهنا في الإسلام بعد الكفر ، وعلى كل فلو أسلم -
ص: 337
دائما ومنقطعا ، كتابيا كان الزوج أم وثنيا ، جوّزنا نكاحها للمسلم ابتداء أم لا ، (ولو أسلمت دونه) (1) بعد الدخول(وقف) الفسخ(على) انقضاء(العدة) وهي
______________________________________________________
- زوج الكتابية ثبت عقده سواء كان قبل الدخول أم بعده ، وسواء كان التزويج دائما أم منقطعا ، وسواء كان الزوج كتابيا أم وثنيا بلا خلاف فيه ، وهو واضح بناء على المختار من جواز نكاح المسلم للكتابية مطلقا وابتداء واستدامة ، وأما على القول الآخر من المنع فلإطلاق صحيح عبد الله بن سنان عن أبي عبد الله عليه السلام (سألته عن رجل هاجر وترك امرأته مع المشركين ثم لحقت به بعد ذلك ، أيمسكها بالنكاح الأول أو تنقطع عصمتها؟ قال عليه السلام : بل يمسكها وهي امرأته) (1) ، وخبر محمد بن مسلم عن أبي جعفر عليه السلام (إن أهل الكتاب وجميع من له ذمة إذا أسلم أحد الزوجين منهما على نكاحهما) (2).
(1) لو أسلمت زوجة الكتابي دونه قبل الدخول انفسخ العقد في الحال بلا خلاف فيه لعدم جواز نكاح الكافر للمسلمة للأخبار
منها : صحيح عبد الله بن سنان عن أبي عبد الله عليه السلام (إذا أسلمت امرأة وزوجها على غير الإسلام فرّق بينهما) (3) ، نعم لا مهر لها لأن الفسخ جاء من قبلها ، ولا عدة لها لأنه قبل الدخول ، ويدل على ذلك كله صحيح عبد الرحمن عن أبي الحسن عليه السلام (في نصراني تزوج نصرانية فأسلمت قبل أن يدخل بها ، قال : قد انقطعت عصمتها منه ، ولا مهر لها ولا عدة عليها منه) (4).
ولو أسلمت دونه بعد الدخول فيقف الفسخ على انقضاء العدة ، فإن أسلم فيها كان أملك بها وهي امرأته ، وإلا بانت منه بإسلامها كما عليه المشهور لصحيح البزنطي (سألت الرضا عليه السلام عن الرجل تكون له الزوجة النصرانية فتسلم هل يحلّ أن تقيم معه؟ قال عليه السلام : إذا أسلمت لم تحل له ، قلت : فإن الزوج أسلم بعد ذلك ، أيكونان على النكاح؟ قال عليه السلام : لا ، يتزوج بتزويج جديد) (5) ، وهو مقيّد بانقضاء العدة لخبر السكوني عن جعفر عن أبيه عن علي عليهم السلام (أن امرأة مجوسية أسلمت قبل زوجها ، فقال علي عليه السلام : لا يفرّق بينهما ، ثم قال : إن أسلمت قبل انقضاء عدتها فهي امرأتك ، وإن انقضت عدتها قبل أن تسلم ثم أسلمت فأنت خاطب من الخطاب) (6) ، -
ص: 338
عدة الطلاق من حين إسلامها ، فإن انقضت (1) ولم يسلم تبيّن أنها بانت منه حين اسلامها ، وإن أسلم قبل انقضائها تبيّن بقاء النكاح.
هذا هو المشهور بين الأصحاب وعليه الفتوى.
وللشيخ رحمه الله قول بأن النكاح لا ينفسخ بانقضاء العدة إذا كان الزوج ذميا (2) ، لكن لا يمكّن من الدخول عليها ليلا ، ولا من الخلوة بها (3) ، ولا من إخراجها إلى دار الحرب ما دام قائما بشرائط الذمة ، استنادا إلى رواية ضعيفة مرسلة ، أو معارضة بما هو أقوى منها.
(وإن كان) الإسلام(قبل الدخول وأسلمت الزوجة بطل) العقد ، ولا مهر
______________________________________________________
- وعن الشيخ في النهاية والتهذيب والاستبصار عدم انفساخ النكاح بانقضاء العدة إن كان الزوج قائما بشرائط الذمة ، بل نكاحه باق غير أنه لا يمكّن من الدخول عليها ليلا ، ولا من الخلوة بها نهارا ، ولا من إخراجها إلى دار الحرب لمرسل جميل عن بعض أصحابه عن أحدهما عليهما السلام (أنه قال في اليهودي والنصراني والمجوسي إذا أسلمت امرأته ولم يسلم قال : هما على نكاحهما ولا يفرّق بينهما ولا يترك أن يخرج بها من دار الإسلام إلى الهجرة) (1) ، ومرسل إبراهيم بن هاشم عن بعض أصحابه عن محمد بن مسلم عن أبي جعفر عليه السلام (إن أهل الكتاب وجميع من له ذمة إذا أسلم أحد الزوجين فهما على نكاحهما ، وليس له أن يخرجها من دار الإسلام إلى غيرها ، ولا يبيت معها ولكنه يأتيها بالنهار) (2) ، وخبر يونس (الذي تكون عنده المرأة الذمية فتسلم امرأته قال : هي امرأته يكون عندها بالنهار ولا يكون عندها بالليل) (3) ، ولكن هذه الأخبار ضعيفة السند لا تصلح لمقاومة ما تقدم ، هذا وقال الشارح في المسالك : (واعلم أنه على قول الشيخ بعدم بطلان النكاح في الذمي لا فرق بين كون إسلامها قبل الدخول وبعده لتناول الأدلة للحالتين ، وربما فهم من عبارة بعض الأصحاب اختصاص الخلاف بما لو كان الإسلام بعد الدخول وليس كذلك) انتهى.
(1) أي العدة.
(2) قائما بشرائط الذمة.
(3) نهارا.
ص: 339
لها ، لأنّ الفرقة جاءت من قبلها ، وإن أسلم الزوج (1) بقي النكاح كما مرّ ، ولو أسلما معا ثبت النكاح ، لانتفاء المقتضي (2) للفسخ.
(الثانية عشر : لو أسلم أحد الزوجين الوثنيين) (3) المنسوبين إلى عبادة الوثن ، وهو (4) الصنم ، وكذا من بحكمهما من الكفار غير الفرق الثلاثة (5) ، وكان الإسلام(قبل الدخول بطل) النكاح مطلقا (6) ، لأنّ المسلم إن كان هو الزوج استحال بقاؤه على نكاح الكافرة غير الكتابية ، لتحريمه (7) ابتداء واستدامة ، وإن كان (8) هي الزوجة فأظهر (9) ، (ويجب النصف) أي نصف المهر(بإسلام)
______________________________________________________
(1) دونها.
(2) وهو كون أحد الزوجين ذميا.
(3) لو كان الزوجان وثنيين أي عابدي وثن ، وهو الصنم ، أو كان بحكمها من الكفار غير الكتابيين ، فاسلم أحدهما قبل الدخول انفسخ النكاح في الحال ، لأن المسلم لو كان هو الزوج فلا يجوز نكاح الكافرة غير الكتابية للمسلم إجماعا وقد تقدم وعليه تمام المهر لثبوته بالعقد ، وقياس إسلامه على طلاقه فيجب النصف باطل ، لأنه قياس محرم ، ولو كان المسلم هو الزوجة فلا يجوز نكاح الكافر للمسلمة ولو كان كتابيا وقد تقدم ، ويسقط المهر ، لأن الحدث جاء من قبلها.
ولو أسلم أحدهما بعد الدخول وقف انفساح العقد على انقضاء العدة ، فإن انقضت ولم يسلم الآخر تبين انفساخه من حين الإسلام ، وإن أسلم فيها استمر النكاح ، بلا خلاف فيه لخبر منصور بن حازم (سألت أبا عبد الله عليه السلام عن رجل مجوسي أو مشرك من غير أهل الكتاب كانت تحته امرأة فأسلم أو أسلمت ، قال : ينتظر بذلك انقضاء عدتها ، فإن هو أسلم أو أسلمت قبل أن تنقضي عدتها فهما على نكاحهما الأول ، وإن هي لم تسلم حتى تنقضي العدة فقد بانت منه) (1).
(4) أي الوثن.
(5) وهم اليهود والنصارى والمجوس.
(6) سواء كان المسلم زوجا أم زوجة.
(7) أي النكاح.
(8) أي المسلم.
(9) لأن تحريم نكاح المسلمة على الكافر بلا استثناء بخلاف نكاح المسلم للكافر ، فيستثنى منه نكاح الكتابية.
ص: 340
(الزوج) (1) ، وعلى ما تقدم (2) فالجميع (3) ، ويسقط (4) بإسلامها لما ذكر (5) ، (وبعده) أي بعد الدخول(يقف) الفسخ(على) انقضاء(العدة) فإن انقضت ولم يسلم الآخر تبين انفساخه من حين الإسلام ، وإن أسلم (6) فيها (7) استمر النكاح ، وعلى الزوج نفقة العدة مع الدخول (8) إن كانت هي المسلمة ، وكذا في السابق (9) ، ولو كان المسلم هو فلا نفقة لها عن زمن الكفر مطلقا (10) ، لأنّ المانع منها (11) مع قدرتها على زواله (12).
(ولو أسلما معا فالنكاح بحاله) ، لعدم المقتضي للفسخ (13). والمعتبر في ترتب (14) الإسلام ومعيته (15) بآخر(16) كلمة الإسلام(17) ، لا بأولها ، ولو كانا صغيرين قد أنكحهما الولي فالمعتبر إسلام أحد الأبوين في إسلام ولده(18) ، ولا
______________________________________________________
(1) قياس لإسلامه قبل الدخول على طلاقه.
(2) من تخصيص تنصيف المهر بالطلاق فقط.
(3) أي جميع المهر.
(4) أي تمام المهر.
(5) لأن الحدث جاء من قبلها.
(6) أي الآخر.
(7) في العدة.
(8) لأنها بحكم الرجعية.
(9) وهو إسلام الكتابية.
(10) سواء أسلمت في العدة أم لا.
(11) من الزوجة.
(12) أي مع قدرة الزوجة على إزالة المانع الذي هو الكفر بإسلامها.
(13) والمقتضى هو كفر أحد الزوجين بلا خلاف فيه.
(14) أي سبق إسلام أحدهما.
(15) أي اتحاد إسلام الزوجين.
(16) فإذا حصل الآخر منهما معا حصلت المعية وإلا فلا.
(17) وهي التشهدان ، لله بالألوهية وللنبي صلى الله عليه وآله وسلم بالرسالة.
(18) بالتبعية.
ص: 341
اعتبار بمجلس الإسلام (1) عندنا ، (ولو أسلم الوثني) ومن في حكمه (2) (أو الكتابي على أكثر من أربع) نسوة بالعقد الدائم(فأسلمن (3) ، أو كن كتابيات) وإن لم يسلمن(تخير أربعا) منهن وفارق سائرهن (4) ، إن كان حرا وهن حرائر ، وإلّا (5) اختار ما عين له سابقا من حرتين وأمتين ، أو ثلاث حرائر وأمة ، والعبد يختار حرتين ، أو أربع إماء ، أو حرة وأمتين ، ثم تتخير الحرة في فسخ عقد الأمة وإجازته كما مر (6).
ولو شرطنا في نكاح الأمة الشرطين (7) توجه انفساخ نكاحها (8) هنا إذا جامعت (9) حرة (10) ، لقدرته عليها (11) المنافية لنكاح الأمة ، ولو تعددت الحرائر اعتبر رضاهن جمع (12) ، ما لم يزدن على أربع (13) فيعتبر رضاء من يختارهن من النصاب.
______________________________________________________
(1) فلا عبرة في اتحاد المجلس لتحقيق المعية بل العبرة على اللفظ.
(2) وهو الكافر غير الكتابي.
(3) أي الجميع ، وإلا لو لم يسلمن معه ولا في العدة انفسخ نكاح الجميع لعدم جواز نكاح الكافرة غير الكتابية ، وكذا لو أسلم أربعا منهن فقط فعقدهن ثابت وينفسخ عقد الباقي.
(4) بلا خلاف فيه لما روته العامة (أن غيلان بن سلمة الثقفي أسلم وله عشرة نسوة في الجاهلية فأسلمن معه ، فقال له النبي صلى الله عليه وآله وسلم : اختر أربعا وفارق سائرهن) (1) وفي رواية (أمسك أربعا).
(5) أي لم تكن النسوة كلهن حرائر.
(6) كما تقدم في المسألة الثانية ، لأنه لا يجوز نكاح الأمة إلا بإذن زوجته الحرة.
(7) من عدم الطول وخوف العنت.
(8) أي الأمة.
(9) أي الأمة.
(10) لتحقق الطول الذي هو نكاح الحرة فيرتفع الشرط الأول لجواز نكاح الأمة.
(11) أي لقدرة الزوج على الحرة.
(12) إذا كانت الأمة من جملة الأربع اللواتي اختارهن.
(13) بل على ثلاث ، لأن الحر لا يجوز له أزيد من ثلاث حرائر وأمة.
ص: 342
ولا فرق في التخيير بين من ترتب عقدهن (1) واقترن (2) ، ولا بين اختيار الأوائل والأواخر (3) ، ولا بين من دخل بهن وغيرهن (4). ولو أسلم معه أربع وبقي أربع كتابيات فالأقوى بقاء التخيير (5).
(الثالثة عشر : لا يحكم بفسخ نكاح العبد بإباقه وإن لم يعد في العدة على الأقوى) (6) ، لأصالة بقاء الزوجية ، (ورواية عمار) الساباطي عن الصادق عليه السلام
______________________________________________________
(1) بحيث كان عقد الواحدة منهن أسبق من عقد الثانية وهكذا.
(2) بحيث كان عقد الواحدة منهن مقترنا مع عقد الثانية وهكذا.
(3) في الإسلام ، بحيث أسلمت الواحدة منهن قبل الأخرى ، وتحقق إسلام الجميع قبل انقضاء عدتهن.
(4) كل ذلك لإطلاق قوله صلى الله عليه وآله وسلم المتقدم (اختر أربعا وفارق سائرهن).
(5) بين المسلمات والكتابيات ، لجواز نكاح الكتابية استدامة بلا خلاف فيه ، قال في المسالك:(ولا فرق على تقدير كونهن كتابيات بين إسلام بعضهن معه وعدمه ، حتى لو أسلم معه أربع جاز له اختيار الكتابيات ، لأن الإسلام لا يمنع استمرار نكاح الكتابيات ولا يوجب نكاح المسلمة ، وإن كان الأفضل له اختيار المسلمات لشرفهن على الكافرات) انتهى.
(6) ورد في موثق عمار الساباطي (سألت أبا عبد الله عليه السلام عن رجل أذن لعبده في تزويج امرأة فتزوجها ، ثم إن العبد أبق من مواليه فجاءت امرأة العبد تطلب نفقتها من موالي العبد ، فقال عليه السلام : ليس لها على مولاه نفقة وقد بانت عصمتها منه ، فإن إباق العبد طلاق امرأته ، هو بمنزلة المرتد عن الإسلام.
قلت : فإن رجع إلى مواليه ترجع إليه امرأته؟ قال عليه السلام : إن كان قد انقضت عدتها منه ثم تزوجت غيره فلا سبيل له عليها ، وإن لم تتزوج ولم تنقض العدة فهي امرأته على النكاح الأول) (1).
وقد أفتى بمضمونها الشيخ في النهاية وابن حمزة في الوسيلة ، وعلّل الحكم في الرواية بأن الارتداد خروج العبد عن طاعة السيد ، وهذا المعنى حاصل في الإباق.
ولم يعمل بها المشهور لا لضعف السند وإن ادعاه البعض ، لأن الساباطي ثقة وإن كان واقفيا فالخبر من الموثق الذي تناله أدلة اعتبار الخبر ، ولكن عدم العمل به لمعارضته لأصالة بقاء الزوجية مع أن الإباق ليس كالارتداد وإلا فيجب قتل الآبق كما يجب قتل المرتد ولم يلتزم به أحد.
ص: 343
قال : سألته عن رجل أذن لعبده في تزويج امرأة فتزوجها ، ثم إن العبد أبق (1) فقال : «ليس لها على مولاه نفقة ، وقد بانت عصمتها منه ، فإن إباق العبد طلاق امرأته ، وهو (2) بمنزلة المرتد عن الإسلام» قلت : فإن رجع إلى مولاه (3) ترجع امرأته إليه؟ قال : «إن كانت قد انقضت عدتها (4) ثم تزوجت غيره فلا سبيل له عليها ، وإن لم تتزوج ولم تنقض العدة فهي امرأته على النكاح الأول» (ضعيفة) السند فإن عمارا وإن كان ثقة إلا أنه فطحي لا يعتمد على ما ينفرد به ، ونبّه بالأقوى على خلاف الشيخ في النهاية حيث عمل بمضمونها وتبعه ابن حمزة ، إلا أنه (5) خص الحكم بكون العبد زوجا لأمة غير سيده (6) ، وقد تزوجها بإذن السيدين (7).
والحق المنع (8) مطلقا (9) ، ووجوب (10) النفقة على السيد ، ولا تبين المرأة إلا بالطلاق (11).
(الرابعة عشر : الكفاءة) (12) بالفتح والمد ، وهي تساوي الزوجين في الإسلام
______________________________________________________
(1) وفي الخبر (أبق من مواليه).
(2) وفي الخبر على ما في الوسائل والجواهر (هو).
(3) وفي الخبر (مواليه ترجع إليه امرأته).
(4) وفي الخبر (عدتها منه).
(5) أي ابن حمزة.
(6) وهو ظاهر الخبر حيث ورد فيه (فجاءت امرأة العبد تطلب نفقتها من موالي العبد) ، فلو كانت أمة لسيد العبد لجاءت تطلب النفقة من سيدها.
(7) سيد العبد وسيد الأمة.
(8) أي المنع من الفسخ.
(9) سواء كان العبد زوجا لأمة سيده أم لغيره.
(10) عطف على (المنع مطلقا).
(11) بعد كون الإباق ليس طلاقا وليس ارتدادا.
(12) الكفاءة بالمد والفتح مصدر بمعنى المماثلة ، ولا خلاف في اشتراطها في النكاح بين الزوجين ، ولكن اختلفوا في تفسيرها فعن المفيد وابن سعيد والمحقق أن الكفاءة هو الاكتفاء بالإسلام ، للإجماع على اعتباره ولذا لا يجوز للمسلمة نكاح غير المسلم ، ولا للمسلم نكاح غير المسلمة إلا الكتابية لقيام الدليل الخاص. -
ص: 344
______________________________________________________
- وذهب المشهور إلى اعتبار الإيمان الخاص مع الإسلام ، والمراد بالإيمان الخاص هو الاعتقاد بإمامة الأئمة الاثني عشر عليهم أفضل الصلوات وأزكى التحيات ، إلا أن اعتبار الإيمان الخاص في جانب الزوج ، وأما في جانب الزوجة فيكفي الإسلام نعم حكي عن سلار عدم الاكتفاء بإسلام الزوجة فقط بل لا بد من الإيمان الخاص أيضا ، وعلى كل ، استدلوا بالأخبار.
منها : ما رواه الكليني (أن النبي صلى الله عليه وآله وسلم صعد المنبر ذات يوم فحمد الله وأثنى عليه ثم قال : أيها الناس إن جبرئيل أتاني عن اللطيف الخبير فقال : إن الأبكار بمنزلة الثمر على الشجر ، إذا أدرك ثمارها فلم تجتن أفسدته الشمس ونثرته الرياح ، وكذلك الأبكار إذا أدركن ما يدرك النساء فليس لهن دواء إلا البعولة ، وإلا لم يؤمن عليهن الفساد لأنهن بشر ، فقام إليه رجل فقال : يا رسول لله فمن نزوج؟ فقال : الأكفاء ، فقال : ومن الأكفاء؟ فقال : المؤمنون بعضهم أكفاء بعض ، المؤمنون بعضهم أكفاء بعض) (1) ، وقد دل الخبر على أن غير المؤمن ليس كفؤا للمؤمنة ، وفيه : فمن حيث السند فمرسل لأن الخبر قد رواه الكليني ، وقال : سقط عني إسناده ، وأما من ناحية المتن فالمؤمن في زمن الرسول صلى الله عليه وآله وسلم كان مرادفا للفظ المسلم ، والإيمان بالمعنى الخاص اصطلاح حدث بعد عصره.
واستدلوا بخبر الواسطي (كتبت إلى أبي جعفر عليه السلام أسأله عن النكاح ، فكتب إليّ : من خطب إليكم فرضيتم دينه وأمانته فزوجوه ، ( إِلّٰا تَفْعَلُوهُ تَكُنْ فِتْنَةٌ فِي الْأَرْضِ وَفَسٰادٌ كَبِيرٌ ) ) (2) ، بدعوى أن غير المؤمن لا يرضى دينه ، وفيه مع ضعف سنده أنه لا يدل على اعتبار الإيمان بالمعنى الخاص بل يدل على اعتبار دينه والدين هو الإسلام قال تعالى : ( إِنَّ الدِّينَ عِنْدَ اللّٰهِ الْإِسْلٰامُ ) (3) ، ولو سلم أن الدين بمعنى الإيمان الخاص فالخبر دال على تزويج المؤمن وهو لا يدل على عدم تزويج غيره.
واستدلوا بصحيح زرارة عن أبي عبد الله عليه السلام (تزوجوا في الشكّاك ولا تزوجوهم ، فإن المرأة تأخذ من أدب زوجها ويقهرها على دينه) (4) ، ومقتضى عموم التعليل عدم -
ص: 345
والإيمان ، إلا أن يكون المؤمن هو الزوج ، والزوجة مسلمة من غير الفرق
______________________________________________________
- جواز تزويج المؤمنة للمخالف وإن جاز العكس ، فضلا عن أن حرمة تزويج الشكاك مستلزم لحرمة تزويج غيرهم من المعتقدين للخلاف بطريق أولى ، وفيه : إن ما في الخبر من التعليل قرينة على عدم كون النهي مولويا ، بل هو إرشاد لأمر خارج عن عنوان التزويج ، وهو لا يدل على ألف وفضلا عن الحرمة.
واستدلوا بخبر الفضيل بن يسار (قلت لأبي عبد الله عليه السلام : إن لامرأتي أختا عارفة على رأينا وليس على رأينا بالبصرة إلا قليل ، فأزوجها ممن لا يرى رأيها؟ قال : لا ولا نعمة ، إن الله عزوجل يقول : فلا ترجعوهن إلى الكفار لا هنّ حل لهم ولا هم يحلون لهن) (1) ، وخبره الآخر عنه عليه السلام (إن العارفة لا توضع إلا عند عارف) (2) ، وخبر عبد الله بن سنان عن أبي عبد الله عليه السلام (ولا يتزوج المستضعف مؤمنة) (3).
وفيه : لا بد من حمل غير العارف على الناصبي حيث لا يجوز نكاح الناصب ولا الناصبية كما سيأتي إنشاء الله ، وإن أبيت عن هذا الحمل فيحمل النهي على الكراهة جمعا بينها وبين أخبار تدل على كفاية الإسلام في جانب الزوج
منها : خبر الفضيل بن يسار عن أبي عبد الله عليه السلام (الإيمان يشارك الإسلام ولا يشاركه الإسلام ، إن الإيمان ما وقّر في القلوب والإسلام ما عليه المناكح والمواريث وحقن الدماء ، والإيمان يشارك الإسلام والإسلام لا يشارك الإيمان) (4) ، وصحيح عبد الله بن سنان (سألت أبا عبد الله عليه السلام : بم يكون الرجل مسلما تحل مناكحته وموارثته وبم يحرم دمه؟ قال عليه السلام : يحرم دمه بالإسلام إذا ظهر وتحلّ مناكحته وموارثته) (5) ، وخبر سماعة (قلت لأبي عبد الله عليه السلام : أخبرني عن الإسلام والإيمان أهما مختلفان؟ فقال عليه السلام : إن الإيمان يشارك الإسلام ، والإسلام لا يشارك الإيمان ، فقلت : تصفهما لي؟ فقال عليه السلام : الإسلام شهادة أن لا إله إلا الله والتصديق برسول الله صلى الله عليه وآله وسلم ، وبه حقنت الدماء وعليه جرت المناكح وعلى ظاهره جماعة الناس ، والإيمان الهدى وما يثبت في القلوب معه صفة الإسلام وما ظهر من العمل به ، والإيمان أرفع من الإسلام بدرجة) (6).
ص: 346
المحكوم بكفرها (1) مطلقا (2) ، أو كتابية في غير الدائم (3).
وقيل : يعتبر مع ذلك (4) يسار الزوج بالنفقة (5) قوة ، أو فعلا.
______________________________________________________
(1) كالنواصب والخوارج ، أما النواصب فلا يجوز نكاح الناصب ولا الناصبية بلا خلاف فيه للأخبار الكثيرة
منها : صحيح الفضيل بن يسار عن أبي عبد الله عليه السلام (لا يتزوج المؤمن الناصبة المعروفة بذلك) ((1) ، وصحيحه الآخر عن أبي عبد الله عليه السلام (أزوج الناصب؟ قال : لا ولا كرامة) (2) ، وصحيح عبد الله بن سنان عن أبي عبد الله عليه السلام (لا يتزوج المؤمن الناصبة ولا يتزوج الناصب المؤمنة) (3) ومثلها غيرها.
ومناط الحكم هو كفر الناصبي ومنه تعرف عدم جواز نكاح المخالف الذي حكم بكفره كالخارجي والمجسّم وكذا المغالي ومن خرج عن الإسلام بقول أو بفعل وإن أطلق عليه لفظ المسلم عرفا.
وأما تحقيق معنى النصب فقد تقدم في كتاب الطهارة فراجع.
(2) دواما ومتعة.
(3) لأنه في الدائم لا يجوز على مبنى الماتن وكذا الشارح.
(4) مع الإيمان والإسلام.
(5) ذهب الشيخان في المقنعة والمبسوط والخلاف وابن زهرة والعلامة في التذكرة إلى ذلك لقوله تعالى : ( وَمَنْ لَمْ يَسْتَطِعْ مِنْكُمْ طَوْلاً أَنْ يَنْكِحَ الْمُحْصَنٰاتِ الْمُؤْمِنٰاتِ فَمِنْ مٰا مَلَكَتْ أَيْمٰانُكُمْ ) (4) ، وفيه : عدم دلالة الآية على كون اليسار في النفقة شرطا في الكفاءة ، بل الآية دالة على أن عدم اليسار في المهر شرط في نكاح الأمة.
واستدل بقول النبي صلى الله عليه وآله وسلم (لفاطمة بنت قيس حين أخبرته أن معاوية قد طلبها : أما معاوية صعلوك لا مال له) (5) ، وفيه : إنه ظاهر في الإرشاد والنصيحة ولا يدل على عدم التزويج.
واستدل بالأخبار الدالة على أن الكفو من كان عفيفا وعنده يسار كخبر محمد بن الفضيل عن أبي عبد الله عليه السلام (الكفؤ أن يكون عفيفا وعنده يساره) (6) ، ومثله غيره ، وفيه : أن -
ص: 347
.................................................................................................
______________________________________________________
- المراد من الكفؤ منه هو العرفي لا الشرعي بقرينة ذكر العفة ، مع أنه لم يدل دليل على اعتبار العفة في صحة النكاح ولذا ذهب الأكثر إلى عدم اعتبار يسار النفقة في الكفاءة لعدم الدليل فضلا عن قوله تعالى : ( إِنْ يَكُونُوا فُقَرٰاءَ يُغْنِهِمُ اللّٰهُ مِنْ فَضْلِهِ ) (1) ، وللأخبار الآمرة لذوي الحاجة بالمناكحة كصحيح هشام بن سالم عن أبي عبد الله عليه السلام (جاء رجل إلى النبي صلى الله عليه وآله وسلم فشكا إليه الحاجة ، فقال له : تزوج ، فتزوج ووسع عليه) (2) ، وخبر الثمالي (كنت عند أبي جعفر عليه السلام : فقال له رجل : إني خطبت إلى مولاك فلان بن أبي رافع ابنته فلانة فردني ورغب عني وازدراني لدمامتي وحاجتي وغربتي ، فقال أبو جعفر عليه السلام : اذهب فأنت رسولي إليه ، فقل له : يقول لك محمد بن علي بن الحسين بن علي بن أبي طالب : زوّج منجح مولاي بنتك فلانة ولا ترده - إلى أن قال - قال أبو جعفر عليه السلام : إن رجلا كان من أهل اليمامة يقال له : جويبر أتى رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم منتجعا للإسلام فأسلم وحسن إسلامه وكان رجلا قصيرا دميما محتاجا عاريا وكان من قباح السودان - إلى أن قال - وإن رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم نظر إلى جويبر ذات يوم برحمة له ورقة عليه ، فقال له : يا جويبر لو تزوجت امرأة فعففت بها فرجك وأعانتك على دنياك وآخرتك ، فقال له جويبر : يا رسول الله بأبي أنت وأمي ، من يرغب فيّ ، فو الله ما من حسب ولا نسب ولا مال ولا جمال ، فأية امرأة ترغب فيّ ، فقال له رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم : يا جويبر إن الله قد وضع بالإسلام من كان في الجاهلية شريفا ، وشرّف بالإسلام من كان في الجاهلية وضيعا ، وأعزّ بالإسلام من كان في الجاهلية ذليلا ، وأذهب بالإسلام ما كان من نخوة الجاهلية وتفاخرها بعشائرها وباسق أنسابها ، فالناس اليوم كلهم أبيضهم وأسودهم وقرشيهم وعربيهم وعجميهم من آدم ، وإن آدم خلقه الله من طين ، وإن أحب الناس إلى الله أطوعهم له وأتقاهم ، وما أعلم يا جويبر لأحد من المسلمين عليك اليوم فضلا ، إلا لمن كان أتقى لله منك وأطوع.
ثم قال له : انطلق يا جويبر إلى زياد بن لبيد فإنه من أشرف بني بياضة حسبا فيهم : فقل له : إني رسول رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم إليك ، وهو يقول لك زوّج جويبرا بنتك الذلفاء ، وفي الخبر أن رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم زيادا راجع النبي صلى الله عليه وآله وسلم فقال له : يا زياد ، جويبر مؤمن والمؤمن كفو المؤمنة ، والمسلم كفو المسلمة ، فزوّجه يا زياد ولا ترغب عنه) (3).
ص: 348
وقيل : يكتفى بالإسلام. والأشهر الأول (1) ، وكيف فسرت فهي (2) (معتبرة في النكاح ، فلا يجوز للمسلمة) مطلقا (3) (التزويج بالكافر) وهو موضع وفاق.
(ولا يجوز للناصب التزويج بالمؤمنة) ، لأن الناصبي أشر من اليهودي والنصراني على ما روي في أخبار (4) أهل البيت عليه السلام ، وكذا العكس (5) سواء الدائم ، أو المتعة ، (ويجوز للمسلم التزويج متعة واستدامة) للنكاح على تقدير إسلامه (6) (كما مر بالكافرة) الكتابية ومنها المجوسية ، وكان عليه (7) أن يقيدها ، ولعله اكتفى بالتشبيه بما مرّ.
(وهل يجوز للمؤمنة التزويج بالمخالف) (8) من أي فرق الإسلام كان ، ولو
______________________________________________________
- هذا وقال الشارح في المسالك : (واعلم أن هذا الشرط على تقدير اعتباره ليس على نهج ما قبله لجواز تزويج الفقير المؤمن اتفاقا ، وإنما تظهر فائدة اشتراطه في الوكيل المطلق وفي الولي ، فإنه ليس لهما أن يزوجاها إلا من كفو ، فإن اعتبرنا اليسار لم يصح تزويج الفقير لها ، ولو زوجاها به فلها الفسخ كما تفسخ لو زوجاها بذي العيوب - إلى أن قال - والمعتبر من التمكن من النفقة كونه مالكا لها بالفعل أو بالقوة القريبة منه ، بأن يكون قادرا على تحصيلها تجارة أو حرفة ونحوهما ، ولا يشترط اليسار بالمهر عندنا ، وإنما الخلاف في النفقة خاصة) انتهى.
(1) أي اعتبار الإيمان الخاص.
(2) الكفاءة.
(3) بالدوام أو المنقطع ، مؤمنة كانت أو غيرها.
(4) كخبر عبد الله بن أبي يعفور عن أبي عبد الله عليه السلام (إياك أن تغتسل من غسالة الحمام ، وفيها تجتمع غسالة اليهودي والنصراني والمجوسي والناصب لنا أهل البيت فهو شرهم ، فإن الله تعالى لم يخلق خلقا أنجس من الكلب ، وأن الناصب لنا أهل البيت لأنجس منه) (1).
(5) وهو تزويج المؤمن بالناصبية.
(6) أي إذا كان كافرا ثم أسلم ، وقد تقدم جواز نكاح الكتابية ابتداء فضلا عن الاستدامة.
(7) أي على المصنف تقييد الكفارة بالكتابية.
(8) أما تزويج المؤمن بالمخالفة فلا إشكال ولم يخالف إلا سلار وقد تقدم البحث فراجع.
ص: 349
من الشيعة غير الإمامية(قولان) :
أحدهما - وعليه المعظم - المنع ، لقول النبي صلى الله عليه وآله وسلم : «المؤمنون بعضهم أكفاء بعض» دلّ بمفهومه على أن غير المؤمن لا يكون كفوا للمؤمنة ، وقوله صلى الله عليه وآله وسلم : «إذا جاءكم من ترضون خلقه ودينه فزوجوه ( إِلّٰا تَفْعَلُوهُ تَكُنْ فِتْنَةٌ فِي الْأَرْضِ وَفَسٰادٌ كَبِيرٌ ) » والمؤمن لا يرض دين غيره ، وقول الصادق عليه الصلاة والسلام : «إن العارفة لا توضع إلا عند عارف» ، وفي معناها أخبار كثيرة واضحة الدلالة على المنع لو صح سندها ، وفي بعضها تعليل ذلك (1) بأن المرأة تأخذ من أدب زوجها ويقهرها على دينه (2).
والثاني الجواز على كراهيّة ، اختاره المفيد والمحقق ابن سعيد ، إما لأن الإيمان (3) هو الإسلام ، أو لضعف الدليل الدال على اشتراط الإيمان ، فإن الأخبار بين مرسل ، وضعيف ، ومجهول. ولا شك أن الاحتياط المطلوب في النكاح - المترتب عليه مهام الدين (4) مع تظافر الأخبار بالنهي وذهاب المعظم إليه حتى ادعى بعضهم الاجماع عليه - يرجح القول الأول. واقتصار المصنف على حكاية القولين ، مشعر بما نبهنا عليه (5).
(أما العكس (6) فجائز) قطعا ، (لأن المرأة تأخذ من دين بعلها) فيقودها إلى الإيمان ، والإذن فيه من الأخبار كثير (7).
______________________________________________________
(1) أي تعليل منع تزويج المؤمنة بالمخالف.
(2) كما في صحيح زرارة المتقدم.
(3) في الخبر المتقدم (المؤمنون بعضهم أكفاء بعض).
(4) أي من الأحكام الدينية من حل الوطي ولحوق النسب والإرث وسقوط الحد.
(5) من الاحتياط في النكاح المرجح للقول الأول.
(6) وهو تزويج المؤمن بالمخالفة.
(7) كصحيح زرارة عن أبي عبد الله عليه السلام (تزوجوا في الشكاك ولا تزوجوهم ، فإن المرأة تأخذ من أدب زوجها ويقهرها على دينه) (1) ، وصحيحه الآخر عن أبي جعفر عليه السلام -
ص: 350
(الخامسة عشر : ليس التمكن من النفقة) قوة ، أو فعلا(شرطا في صحة العقد) (1) لقوله تعالى : ( وَأَنْكِحُوا الْأَيٰامىٰ مِنْكُمْ وَالصّٰالِحِينَ مِنْ عِبٰادِكُمْ وَإِمٰائِكُمْ إِنْ يَكُونُوا فُقَرٰاءَ يُغْنِهِمُ اللّٰهُ مِنْ فَضْلِهِ وَاللّٰهُ وٰاسِعٌ عَلِيمٌ ) (2) ، والخبرين السابقين (3).
ثم إن كانت عالمة بفقره (4) لزم العقد (5) ، وإلا (6) ففي تسلطها على الفسخ إذا علمت (7) قولان مأخذهما : لزوم التضرر (8) ببقائها معه (9) ، كذلك (10) المنفي
______________________________________________________
- (عليك بالبله من النساء اللاتي لا تنصب والمستضعفات) (1).
(1) ابتداء على الأكثر في قبال الشيخ في المبسوط والمفيد في المقنعة وابن زهرة والعلامة في التذكرة وقد تقدم البحث فراجع.
(2) النور آية : 33.
(3) وهما خبر الكليني عن النبي صلى الله عليه وآله وسلم (المؤمنون بعضهم أكفاء بعض) (2) ، وخبر الفضيل بن يسار عن أبي عبد الله عليه السلام (إن العارفة لا توضع إلا عند عارف) (3).
(4) حالة العقد.
(5) لأن شرط التمكن من النفقة ليس كشرط إسلام الزوج وإيمانه ، لجواز تزويج الفقير المؤمن بلا خلاف فيه وإنما تظهر فائدة الاشتراط المذكور في الوكيل والولي ، وقد تقدم الكلام فيه.
(6) أي إن لم تكن عالمة بفقره حالة العقد.
(7) مبني على عدم اشتراط اليسار في الكفاءة ، قال الشارح في المسالك : (وفي المختلف لم يعتبر اليسار واكتفى بالإيمان ومع ذلك حكم بأنها لو تزوجت بالفقير جاهلة بحاله كان لها الخيار إذا علمت ، وفي القواعد لم يجعله شرطا ولا أثبت لها الخيار) انتهى.
(8) دليل التسلط على الفسخ كما هو قول العلامة في المختلف.
(9) مع الزوج والفقير.
(10) أي ويلزم من بقائها معه الحرج المنفي بقوله تعالى : ( وَمٰا جَعَلَ عَلَيْكُمْ فِي الدِّينِ مِنْ حَرَجٍ ) (4).
ص: 351
بالآية والرواية (1). وأن النكاح (2) عقد لازم والأصل (3) البقاء ، ولقوله تعالى : ( وَإِنْ كٰانَ ذُو عُسْرَةٍ فَنَظِرَةٌ إِلىٰ مَيْسَرَةٍ ) (4) وهو عام. وهو (5) الأجود. والوجهان (6) آتيان فيما إذا تجدد عجزه (7).
______________________________________________________
(1) وهي النبوي (لا ضرر ولا ضرار في الإسلام) (1).
(2) دليل عدم التسلط كما هو قول العلامة في القواعد.
(3) وهو الاستصحاب.
(4) البقرة آية : 280.
(5) أي قوله تعالى يشمل كل ذي عسر.
(6) من تسلطها على الفسخ وعدمه.
(7) إذا تجدد وعجز الزوج عن النفقة فقد ذهب ابن الجنيد إلى أن لها خيار الفسخ لقوله تعالى : ( فَإِمْسٰاكٌ بِمَعْرُوفٍ أَوْ تَسْرِيحٌ بِإِحْسٰانٍ ) (2) والإمساك بدون النفقة خلاف المعروف فيتعين الآخر الذي هو التسريح ، وإذا تعذر صدوره من الزوج فسخ الحاكم لأنه ولي الممتنع.
ولصحيح أبي بصير عن أبي عبد الله عليه السلام (من كانت عنده امرأة فلم يكسها ما يواري عورتها ويطعمها ما يقيم صلبها كان حقا على الإمام أن يفرّق بينهما) (3) ، وصحيح ربعي والفضيل بن يسار عنه عليه السلام (إن أنفق عليها ما يقيم صلبها مع كسوة وإلا فرّق بينهما) (4) ومثلها غيرها.
وذهب المشهور إلى عدم تسلطها على الفسخ لأن النكاح عقد لازم فيستصحب ، ولظاهر قوله تعالى : ( وَإِنْ كٰانَ ذُو عُسْرَةٍ فَنَظِرَةٌ إِلىٰ مَيْسَرَةٍ ) (5) ، وبالخبر المروي في الجعفريات عن أمير المؤمنين عليه السلام (أن امرأة استعدت على زوجها أنه لا ينفق عليها وكان زوجها معسرا فأبى أمير المؤمنين عليه السلام أن يحسبه وقال : إن مع العسر يسرا) (6) ولو كان لها الفسخ لعرّفها به ليدفع عنها الضرر الذي استعدت لأجله ، وأما ما تقدم من أدلة على الجواز فهي تدل على جواز الفسخ للحاكم وليس للزوجة.
ص: 352
وقيل : هو (1) شرط في صحة النكاح (2) كالإسلام ، وأن الكفاءة مركبة منهما (3) ، أو منهما (4) ومن الإيمان.
والأقوى عدم شرطيته (5) مطلقا (6).
(نعم هو (7) شرط في وجوب الإجابة) منها ، أو من وليها (8) ، لأن الصبر
______________________________________________________
(1) أي اليسار.
(2) أي شرط ابتداء واستدامة وهو قول الشيخين وابن زهرة والعلامة في التذكرة وقد تقدم.
(3) من الإسلام واليسار.
(4) من الإسلام واليسار.
(5) أي عدم شرطية اليسار.
(6) لا ابتداء ولا استدامة.
(7) أي اليسار.
(8) بمعنى تجب الإجابة لو خطب المؤمن القادر على النفقة وإن كان أخفض نسبا للأمر في تزويج من ترضون خلقه ودينه ، كخبر الهمداني (كتبت إلى أبي جعفر عليه السلام في التزويج فأتاني كتابه بخطه ، قال رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم : إذا جاءكم من ترضون خلقه ودينه فزوجوه ( إِلّٰا تَفْعَلُوهُ تَكُنْ فِتْنَةٌ فِي الْأَرْضِ وَفَسٰادٌ كَبِيرٌ ) (1) ، وخبر علي بن مهزيار (كتب علي بن أسباط إلى أبي جعفر عليه السلام في أمر بناته وأنه لا يجد أحدا مثله ، فكتب إليه أبو جعفر عليه السلام : فهمت ما ذكرت من أمر بناتك وأنك لا تجد أحدا مثلك ، فلا تنظر في ذلك - رحمك الله - فإن رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم قال : إذا جاءكم من ترضون خلقه ودينه فزوّجوه ( إِلّٰا تَفْعَلُوهُ تَكُنْ فِتْنَةٌ فِي الْأَرْضِ وَفَسٰادٌ كَبِيرٌ ) (2) ، وقيّد الشارح في المسالك أصل الحكم بقوله : (إنما تجب الإجابة مع عدم قصد العدول إلى الأعلى مع وجوده بالفعل أو القوة ، وإنما يكون عاصيا مع الامتناع إذا لم يكن هناك طالب آخر مكافئ وإن كان أدون منه ، وإلا جاز العدول إليه ، وكان وجوب الإجابة تخييريا ، فلا يكون الولي عاصيا بذلك ، وإنما تعلق الحكم بالولي على القول بأن له الولاية على البكر البالغ ، وإلا فالتكليف تعلق بها لأب لولي) انتهى.
وقيّد بعضهم أصل الحكم بكونه ممن لم تكره مناكحته كشارب الخمر والفاسق ، وعلى كل فاليسار شرط في وجوب الإجابة عليها أو على الولي ، لأن الصبر على الفقر ضرر يدفع الوجوب.
ص: 353
على الفقر ضرر عظيم في الجملة فينبغي جبره (1) بعدم وجوب اجابته (2) وإن جازت (3) أو رجحت (4) مع تمام خلقه ، وكمال دينه كما أمر به النبي صلى الله عليه وآله وسلم في إنكاح جويبر (5) ، وغيره.
وملاحظة المال مع تمام الدين (6) ليس محطّ نظر ذوي الهمم العوالي.
(السادسة عشر : يكره تزويج الفاسق (7) خصوصا شارب الخمر) قال
______________________________________________________
(1) أي جبر الضرر.
(2) أي إجابة المؤمن الفقير لو خطبها.
(3) أي الإجابة.
(4) بل وجبت.
(5) وقد تقدم الخبر الدال عليه.
(6) أي دين الزوج.
(7) يكره تزويج الفاسق كما في الشرائع والنافع والرياض وغيرها ، وفي المسالك : لا شبهة في كراهة تزويجه ، لقوله تعالى : ( أَفَمَنْ كٰانَ مُؤْمِناً كَمَنْ كٰانَ فٰاسِقاً لٰا يَسْتَوُونَ ) (1) ، ولمفهوم قوله عليه السلام : (إذا جاءكم من ترضون خلقه ودينه فزوجوه) (2) وهو دال على أن من لا يرضى دينه لا يزوج ، والفاسق كذلك ، وفي كشف اللثام تعليله بأن الفاسق حريّ بالأعراض والإهانة والتزويج إكرام ومودة ، ولأنه لا يؤمن من الإضرار بها وقهرها على الفسق والمرأة على دين زوجها تأخذه منه ويقهرها عليه ، ويدل على الحكم ما ورد من النهي عن تزويج سيئ الخلق كما في خبر الحسين بن بشار الواسطي (كتبت إلى أبي الحسن الرضا عليه السلام : أن لي قرابة قد خطب إليّ ، وفي خلقه سوء ، قال : لا تزوّجه إن كان سيئ الخلق) (3) ، وعن الشافعي من العامة المنع من تزويج الفاسق ، وما تقدم لا يصلح دليلا للحرمة لعدم اشتراط العدالة في الكفاءة فتحمل الأدلة المتقدمة على الكراهة.
وتتأكد الكراهة في شارب الخمر لصحيح ابن أبي عمير عن بعض أصحابه عن أبي عبد الله عليه السلام (قال رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم : شارب الخمر لا يزوّج إذا خطب) (4) ، ومرفوع أحمد بن -
ص: 354
الصادق عليه السلام : «من زوج كريمته من شارب الخمر فقد قطع رحمها». وذهب بعض العامة إلى عدم جواز تزويج الفاسق مطلقا (1) إلا لمثله (2) ، لقوله تعالى : ( أَفَمَنْ كٰانَ مُؤْمِناً كَمَنْ كٰانَ فٰاسِقاً لٰا يَسْتَوُونَ ) (3).
(السابعة عشر : لا يجوز التعريض بالعقد لذات البعل اتفاقا) (4) ، ولما فيه من الفساد ، (ولا للمعتدة رجعية) لأنها في حكم المزوجة.
والمراد بالتعريض الإتيان بلفظ يحتمل الرغبة في النكاح وغيرها (5) مع ظهور
______________________________________________________
- محمد عن أبي عبد الله عليه السلام (من زوّج كريمته من شارب خمر فقد قطع رحمها) (1) ، وخبر حماد بن بشير عن أبي عبد الله عليه السلام (قال رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم : من شرب الخمر بعد ما حرّمها الله على لساني فليس بأهل أن يزوج إذا خطب) (2) ، ويتعدى الحكم من شرب الخمر إلى الزنا وغيرهما من أنواع الفسق التي فيها من الغضاضة وعدم الائتمان ما لا يخفى خصوصا إلى بعض النساء.
(1) سواء كان شاربا للخمر أم لا.
(2) وهي الفاسقة.
(3) السجدة آية : 18.
(4) لا يجوز التعريض فضلا عن التصريح بالعقد لذات البعل للإجماع المدعى من غير واحد إن لم يكن محصلا وهو الحجة - كما في الجواهر فضلا عن منافاته لاحترام العرض المحترم كالمال والدم ، ولما فيه من إفساد المرأة على زوجها الذي ربما أدى إلى سعيها بالتخلص منه ولو بقتله بالسم ونحوه ، كما وقع لجعدة بنت الأشعث زوجة الإمام الحسن سيد شباب أهل الجنة عليه السلام لما واعدها معاوية عليه اللعنة بأن يزوجها من جروه يزيد عليه لعائن الله (3) ، هذا والتصريح مأخوذ من الصراحة وهو الخلوص ، ومنه الصريح وهو اللبن الخالص ، والمراد منه هنا الخطاب بما لا يحتمل إلا النكاح مثل : أريد أن أتزوجك بعد العدة ، وأما التعريض فهو الإشارة بلفظ يحتمل الرغبة في النكاح وغيرها ، وإن كان في النكاح أغلب مثل : رب راغب فيك أو حريص عليك.
(5) أي ويحتمل الرغبة في غير النكاح.
ص: 355
إرادتها (1). مثل ربّ راغب فيك ، وحريص عليك ، أو إني راغب فيك ، أو أنت عليّ كريمة ، أو عزيزة ، أو إن الله لسائق إليك خيرا ورزقا ونحو ذلك. وإذا حرم التعريض لهما (2) فالتصريح أولى.
(ويجوز في المعتدة بائنا) كالمختلعة(التعريض من الزوج) وإن لم تحل له في الحال (3) ، (وغيره (4) ، والتصريح منه) (5) وهو (6) الإتيان بلفظ (7) لا يحتمل غير
______________________________________________________
(1) أي إرادة الرغبة في النكاح.
(2) لذات البعل والمعتدة رجعية.
(3) حال العدة لتوقفها على المحلل.
(4) أي غير الزوج ، المعتدة البائنة سواء كانت عن خلع أم فسخ يجوز التعريض بالعقد لها من الزوج وغيره ، ويجوز التصريح من الزوج في العدة دون غيره للإجماع كما حكاه في الجواهر ، وتردد الشيخ في جواز التعريض لها من غير الزوج في العدة ، واستدل للحكم بقوله تعالى : ( وَلٰا جُنٰاحَ عَلَيْكُمْ فِيمٰا عَرَّضْتُمْ بِهِ مِنْ خِطْبَةِ النِّسٰاءِ أَوْ أَكْنَنْتُمْ فِي أَنْفُسِكُمْ ، عَلِمَ اللّٰهُ أَنَّكُمْ سَتَذْكُرُونَهُنَّ ، وَلٰكِنْ لٰا تُوٰاعِدُوهُنَّ سِرًّا ، إِلّٰا أَنْ تَقُولُوا قَوْلاً مَعْرُوفاً ، وَلٰا تَعْزِمُوا عُقْدَةَ النِّكٰاحِ حَتّٰى يَبْلُغَ الْكِتٰابُ أَجَلَهُ ) (1).
والآية وإن كانت في عدة الوفاة إلا أنها لا تختص بها فهي تدل على عدم جواز التصريح بالعقد ، لأنها قد جوّزت التعريض فقط ، وفيه : إنه استدلال بمفهوم الوصف وهو ضعيف.
ثم على تقدير الدلالة فهي دالة على جواز التعريض ممن يجوز له التزويج بعد العدة ، ولا فرق بين الزوج وغيره في كونه ممن يجوز له التزويج بعد العدة البائنة ، وأما جواز التصريح من الزوج في العدة دون غيره ، لأن العدة مضروبة من قبيل الاحترام له ، وإذا جاز نكاحها فيها إذا كانت العدة رجعية فيجوز له حينئذ التصريح فيها دون غيره الذي لا يجوز له التصريح فضلا عن النكاح ، نعم إذا كانت مطلقة ثلاثا وقد توقف تحليلها على المحلّل فلا يجوز للزوج التصريح في العدة كما لا يجوز لغيره بدعوى دلالة الآية على ذلك وهو كما ترى.
(5) من الزوج.
(6) أي التصريح.
(7) كأن يقول : أريد أن أتزوجك بعد العدة.
ص: 356
إرادة النكاح(إن حلت له في الحال) بأن تكون على طلقة ، أو طلقتين وإن توقف الحلّ على رجوعها في البذل ، (ويحرم) التصريح منه (1) (إن توقف) حلّها له(على المحلل ، وكذا يحرم التصريح في العدة من غيره (2) مطلقا) ، سواء توقف حلها للزوج على محلل أم لا ، وكذا منه (3) بعد العدة.
(ويحرم التعريض للمطلقة تسعا للعدة (4) من الزوج) ، لامتناع نكاحه لها ، ومثله (5) الملاعنة ونحوها من المحرمات على التأبيد ، (ويجوز) التعريض (6) لها(من غيره) كغيرها من المطلقات بائنا.
واعلم أن الإجابة تابعة للخطبة (7) في الجواز والتحريم. ولو فعل الممنوع تصريحا ، أو تعريضا لم تحرم بذلك (8) فيجوز له بعد انقضاء العدة تزويجها ، كما لو نظر إليها في وقت تحريمه (9) ثم أراد نكاحها.
(الثامنة عشر : تحرم الخطبة بعد إجابة الغير) (10) منها ، أو من وكيلها أو
______________________________________________________
(1) من الزوج.
(2) أي غير الزوج.
(3) من الزوج ، أي يحرم التصريح من الزوج بعد العدة في الطلقة الثالثة ، كما يحرم منه التصريح في عدة الطلاق الثالث.
(4) المطلقة تسعا للعدة تحرم على زوجها المطلق أبدا ، ولذا يحرم عليه التصريح فضلا عن التعريض بالعقد في العدة وبعدها ، وأما في العدة فلا يجوز للغير التصريح نعم يجوز له التعريض بلا خلاف فيه للآية المتقدمة التي دلت على جواز التعريض دون التصريح للغير في عدة الوفاة.
(5) أي ومثل الطلاق تسعا للعدة.
(6) دون التصريح.
(7) الخطبة بالكسر وهي طلب الزوجة من نفسها أو وليها ، هذا وفي كل مورد جاز للرجل التعريض فيجوز لها الإجابة ، ومتى حرم منه حرم منها.
(8) أي بالتصريح أو التعريض الممنوعين بحيث لو صرّح أو عرّض في موضع المنع ثم انقضت العدة فلا تحرم عليه ، ويجوز له نكاحها بلا خلاف فيه ، للأصل ، ولأن عصيان ذلك لا يوجب حرمة النكاح كما لا يخفى.
(9) أي تحريم النظر ، وقد قيل : إن هذا ليس قياسا بل هو تشبيه بما هو أظهر.
(10) إذا خطب فأجابت ولو بالسكوت الدال على ذلك ، أو كانت الإجابة من وليها فيحرم -
ص: 357
وليها لقوله صلى الله عليه وآله وسلم : «لا يخطب أحدكم على خطبة أخيه» فإنّ النهي ظاهر في التحريم ، ولما فيه من إيذاء المؤمن ، وإثارة الشحناء المحرم فيحرم ما كان وسيلة إليه (1) ، ولو ردّ لم تحرم (2) إجماعا. ولو انتفى الأمران (3) فظاهر الحديث التحريم أيضا ، لكن لم نقف على قائل به ، (ولو خالف) (4) وخطب (5) ، (وعقد صح) (6) وإن فعل محرما (7) ، إذ لا منافاة بين تحريم الخطبة ، وصحة العقد.
(وقيل : تكره الخطبة) بعد اجابة الغير من غير تحريم ، لأصالة الإباحة ،
______________________________________________________
- على غيره خطبتها كما عن الشيخ في بعض كتبه ، للنبوي (لا يخطب أحدكم على خطبة أخيه) (1) ، والنهي ظاهر في التحريم ، ولما فيه من إيذاء المؤمن وإثارة الشحناء والبغضاء بينهما. والحديث ضعيف السند لأنه عالي ، وأصالة الجواز جارية فلذا ذهب أكثر من واحد إلى الكراهة.
هذا والحكم مختص بخطبة المسلم كما يدل عليه الخبر المتقدم (على خطبة أخيه) ، فلو كان الخاطب ذميا لذمية لم يمنع من خطبة المسلم لها للأصل ، وعلى تقدير الحرمة فلو أقدم الغير على الخطبة في موضع النهي وعقد صح النكاح ، إذ لا منافاة بين تحريم الخطبة وصحة العقد فالنهي قد تعلق بأمر خارج عن حقيقة العقد ، كما لو عقد في وقت تضيق فيه الصلاة خلافا لبعض العامة حيث ذهب إلى فساد العقد تمسكا بالنهي الدال على الفساد ، وهو ممنوع إذا النهي لم يتعلق بالعقد وإنما بالخطبة.
(1) من الايذاء والإثارة.
(2) أي لو ردّ الأول لم تحرم خطبة الثاني ولا تكره بلا خلاف فيه ، لعدم صدق دخول خطبته على خطبة أخيه حينئذ.
(3) من الرد والاجابة بحيث لم ترد ولم تجب وسكتت ، ولم يكن سكوتها دالا على الرضا في القبول فظاهر قوله صلى الله عليه وآله وسلم في الخبر المتقدم (لا يخطب) شامل له ، فيتعلق النهي بالخطبة بعد الخطبة.
(4) أي الثاني.
(5) بعد خطبة أخيه.
(6) أي العقد.
(7) في الخطبة.
ص: 358
وعدم صيرورتها بالإجابة زوجة ، ولعدم ثبوت الحديث كحديث النهي عن الدخول في سومه (1) ، وهذا (2) أقوى وإن كان الاجتناب طريق الاحتياط.
هذا كله في الخاطب المسلم ، أما الذمي إذا خطب الذمية لم تحرم خطبة المسلم لها قطعا ، للأصل ، وعدم دخوله في النهي ، لقوله صلى الله عليه وآله وسلم : «على خطبة أخيه».
(التاسعة عشر : يكره العقد على القابلة المربية) (3) للنهي عنه في عدة أخبار المحمولة على الكراهة جمعا بينها ، وبين ما دل صريحا على الحلّ.
وقيل : تحرم عملا بظاهر النهي ، ولو قبلت ولم تربّ ، أو بالعكس (4) لم تحرم قطعا.
______________________________________________________
(1) أي سوم أخيه ،
(2) أي القول بالكراهة.
(3) للنهي عنه في عدة أخبار.
منها : خبر إبراهيم بن عبد الحميد عن أبي الحسن عليه السلام (عن القابلة تقبّل الرجل أله أن تزوجها؟ فقال : إذا كانت قبّلته المرة والمرتين والثلاثة فلا بأس ، وإن كانت قبّلته وربته وكفلته ، فإني أنهى نفسي عنها وولدي) (1) وفي خبر آخر (وصديقي) (2) ، ولهذا الخبر يحمل على القابلة المربية خبر جابر بن يزيد عن أبي جعفر عليه السلام (عن القابلة أيحلّ للمولود أن ينكحها؟ فقال : لا ولا ابنتها وهي بعض أمهاته) (3) ، وخبر أبي بصير عن أبي عبد الله عليه السلام (لا يتزوج المرأة التي قبلته ولا ابنتها) (4) ومثلها غيرها.
وظاهر النهي التحريم ، إلا أنه محمول على الكراهة جمعا بينها وبين صحيح البزنطي عن الرضا عليه السلام (يتزوج الرجل المرأة التي قبلته؟ فقال عليه السلام : سبحان الله ما حرّم الله عليه من ذلك) (5).
نعم المحكي عن الصدوق في المقنع التعبير بعدم الحلية ، وهو ضعيف أو يراد منه الكراهة.
(4) ربت ولم تكن قابلة.
ص: 359
والمعتبر في التربية مسماها (1) عملا بالإطلاق.
وكذا يكره العقد على بنتها (2) ، لأنها بمنزلة أخته ، كما أن القابلة بمنزلة أمه (3) لورودها معها (4) في بعض الأخبار. وكان عليه أن يذكرها ، إلا أنه لا قائل هنا بالمنع ، (و) كذا يكره(أن يزوج ابنه بنت زوجته المولودة بعد مفارقته) لأمها (5) ، وكذا ابنة أمته كذلك (6) ، للنهي عنه عن الباقر عليه السلام معللا بأن أباه (7)
______________________________________________________
(1) عرفا.
(2) بنت القابلة.
(3) كما في خبر جابر بن يزيد المتقدم.
(4) أي لورود البنت مع أمها القابلة ، ولكن لا قائل بالتحريم في البنت بخلاف الأم ، فيكون وجه ذكر المصنف للأم فقط لأجل الخلاف فيها دون البنت.
(5) لخبر إسماعيل بن همام عن أبي الحسن عليه السلام (قال : قال محمد بن علي عليه السلام : في الرجل يتزوج المرأة ويزوّج ابنتها ابنه ، فيفارقها ويتزوجها آخر بعد ما تلد منه بنتا فكره أن يتزوجها أحد من ولده ، لأنها كانت امرأته فطلّقها فصار بمنزلة الأب وكان قبل ذلك أبا لها) (1) ، ومفهوم خبر زيد بن الجهم الهلالي (سألت أبا عبد الله عليه السلام عن الرجل يتزوج المرأة ويزوج ابنه ابنتها فقال عليه السلام : إن كانت الابنة لها قبل أن يتزوج بها فلا بأس) (2) ، ورواه الصدوق بإسناده عن صفوان بن يحيى وزاد (وإن كانت من زوج بعد ما تزوج فلا) (3).
والنهي محمول على الكراهة لصحيح العيص بن القاسم عن أبي عبد الله عليه السلام (سألته عن الرجل يطلق امرأته ثم خلف عليها رجل بعد فولدت للآخر ، هل يحلّ ولدها من الآخر لولد الأول من غيرها؟ قال : نعم ، قال : وسألته عن رجل أعتق سرية له ثم خلف عليها رجل بعده ثم ولدت للآخر ، هل يحلّ ولدها لولد الذي أعتقها؟ قال : نعم) (4).
ومقتضى الأخبار عدم الفرق بين الموطوءة بالعقد أو الملك ، وعدم الفرق بين ولدها الذكر والأنثى وكذا عدم الفرق في ولد الزوج بين الذكر والأنثى ، فتخصيص الكلام في الزوجة المشعر بخروج الموطوءة بالملك ، وتخصيصه بولد الزوج وبنت زوجته السابقة ليس في محله إلا أن يكون من باب التمثيل.
(6) أي المولودة بعد مفارقة المولى لها.
(7) أي أب الولد الذي هو الزوج.
ص: 360
لها (1) بمنزلة الأب.
وكذا يكره تزويج ابنته لابنها كذلك (2) ، والرواية شاملة لهما (3) لأنه فرضها (4) في تزويج ولده لولدها ، فلو فرضها المصنف كذلك (5) كان أشمل ، (أما) لو ولدتها(قبل تزويجه فلا كراهة) ، لعدم النهي ، وانتفاء العلة (6) (وأن يتزوج بضرة الأم مع غير الأب لو فارقها الزوج) (7) ، لرواية زرارة عن الباقر عليه السلام قال : «ما أحب للرجل المسلم أن يتزوج ضرة كانت لأمه مع غير أبيه» وهو شامل لما إذا كان تزوج ذلك الغير (8) قبل أبيه وبعده.
(العشرون : نكاح الشغار) (9) بالكسر. وقيل : بالفتح أيضا ، (باطل) إجماعا
______________________________________________________
(1) لبنت الزوجة المولودة بعد المفارقة.
(2) أي المولود بعد مفارقته لأمه.
(3) لابن وبنت الزوجة.
(4) أي لأن الخبر فرض المسألة.
(5) أي في تزويج ولده من ولدها.
(6) من كونه بمنزلة الأب ، ولنفي البأس عنه كما في بعض الأخبار المتقدمة.
(7) لخبر زرارة (سمعت أبا جعفر عليه السلام يقول : ما أحب للرجل المسلم أن يتزوج ضرة كانت لأمه مع غير أبيه) (1).
(8) تزوج أمه وضرتها قبل أبيه أو بعده ، وخصّ المحقق الحكم بما إذا كانت ضرة لأمه قبل أبيه ، والخبر مطلق.
(9) بكسر الشين وفتحها فهو باطل عندنا ، وعن أبي حنيفة وجماعة من العامة الصحة ، وهو مردود للأخبار :
منها : خبر غياث بن إبراهيم عن أبي عبد الله عليه السلام (قال رسول الله صلى الله عليه وسلم : لا جلب ولا جنب ولا شغار في الإسلام ، والشغار أن يزوج الرجل الرجل ابنته أو أخته ويتزوج هو ابنة المتزوج أو أخته ، ولا يكون بينهما مهر غير تزويج هذا هذا ، وهذا هذا) (2) ، ومرسل ابن بكير عن أبي عبد الله وعن أبي جعفر عليهما السلام (نهى عن نكاح المرأتين ليس لواحد منهما صداق إلا بضع صاحبتها ، قال : ولا يحلّ أن تنكح واحدة منهما إلا بصداق أو -
ص: 361
(وهو أن يزوج كل من الوليين الآخر على أن يكون بضع كل واحدة مهرا للأخرى) وهو نكاح كان في الجاهلية. مأخوذ من الشغر وهو رفع إحدى الرجلين ، إما لأن النكاح يفضي إلى ذلك. ومنه قولهم : «أشغرا وفخرا» (1) ، أو لأنه (2) يتضمن رفع المهر ، أو من قبيل شغر البلد : إذا خلا من القاضي والسلطان ، لخلوه (3) من المهر. والأصل في تحريمه ما روي من النهي عنه عن النبي صلى الله عليه وآله وسلم.
ولو خلا المهر من أحد الجانبين بطل خاصة (4) ، ولو شرط كل منهما تزويج الأخرى بمهر معلوم (5)
______________________________________________________
- نكاح المسلمين) (1) ، وذيله ظاهر في كون الشغار من أنكحة الجاهلية ، ومرفوع ابن أبي جمهور عن أبي عبد الله عليه السلام (نهى رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم عن نكاح الشغار ، وهي الممانحة ، وهو أن يقول الرجل للرجل : زوّجني ابنتك حتى أزوّجك ابنتي على أن لا مهر بينهما) (2).
وظاهر الأخبار أن الشغار هو جعل نكاح امرأة مهرا لنكاح الأخرى وكذا العكس ، ثم لا يختص الحكم بالبنت والأخت بل لكل من له الولاية عليه ولو عرفا ، وما في النصوص من قبيل التمثيل ليس إلا.
(1) وهو مثل يضرب لمن أتى بالفعل المستهجن ومع ذلك يفتخر.
(2) أي نكاح الشغار.
(3) أي نكاح الشغار.
(4) بحيث خلا أحدهما عن المهر وكان بضع الأخرى هو المهر كما لو قال أحدهما : زوجتك ابنتي على أن تزوجني ابنتك ، فقال الثاني : زوجتك ابنتي بمهر كذا ، صح الثاني لعدم الشغار فيه ، وبطل الأول لعدم تحقق المهر بعد تحقق الشغار.
(5) لو زوج كل منهما الآخر وشرط أن يزوجه الأخرى بمهر معلوم بحيث قال : زوجتك ابنتي بمهر وبشرط أن تزوجني ابنتك ، فيصح العقدان للعمومات ، ويبطل المهر المسمى ، لأنه شرط مع المهر تزويجا ، وهذا التزويج غير لازم خصوصا لأنه شرط على غير الزوجة ، وعدم لزومه يوجب عدم لزوم المشروط مع أن النكاح لا يدخله الخيار فلا يجوز أن يجعل شرطا له وإلا لزم الخيار فيه عند عدم تحقق الشرط فلا بدّ أن يكون شرطا -
ص: 362
صح العقدان وبطل المسمى ، لأنه (1) شرط معه تزويج وهو (2) غير لازم (3) ، والنكاح لا يقبل الخيار (4) فيثبت مهر المثل ، وكذا لو زوّجه بمهر وشرط أن يزوجه ولم يذكر مهرا (5).
(الفصل الرابع - في نكاح المتعة)
هو النكاح المنقطع (6) ، (ولا خلاف) بين الإمامية(في شرعيته) مستمرا إلى
______________________________________________________
- للمهر المسمى ، وبما أن الشرط من جملة العوض وهو مجهول أضيف إلى معلوم فيصير الجميع مجهولا فيبطل المهر المسمى للجهالة ، ويجب مهر المثل كما هو الضابط في كل مهر فاسد ، وهو قول الشيخ في المبسوط بل نسب إلى المشهور كما في المسالك وتردد فيه المحقق في الشرائع ، لأنه شرط فاسد قد اشتمل عليه العقد فيجب أن يفسد ولا يجدي الضم إلى المهر فإنه لا يخرجه عن الاشتراط في العقد ، أو يمنع من صحة العقد في كل من الطرفين لتحقق الشغارية فيه باشتراط التزويج الذي هو جزء من المهر.
(1) أي لأن المسمى.
(2) أي التزويج.
(3) غير لازم على الزوجة.
(4) بحيث لو كان شرطا للعقد فلا يصح لأن النكاح لا يقبل الخيار فيتعين أنه شرط للمهر وهو مجهول يقتضي تجهيل المهر فيبطل المسمى ويثبت المثل.
(5) بخلاف السابق فقد اشترط أن يزوجه بمهر معلوم.
(6) لا خلاف بين المسلمين في شرعية المتعة في صدر الإسلام ، وقد فعلها جماعة من الصحابة في زمن النبي صلى الله عليه وآله وسلم وزمن الأول وبرهة من زمن الثاني ، ثم نهى عنها الثاني بعد ما اعترف بشرعيتها ، وقد روى الفريقان عنه أنه صعد المنبر وقال : (أيها الناس متعتان كانتا على عهد رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم وأنا أنهي عنهما واحرّمهن وأعاقب عليهن ، متعة الحج ومتعة النساء) (1).
ومما يدل على مشروعيتها قوله تعالى : ( فَمَا اسْتَمْتَعْتُمْ بِهِ مِنْهُنَّ فَآتُوهُنَّ أُجُورَهُنَّ فَرِيضَةً ) (2) ، وفي صحيح عبد الرحمن (سمعت أبا حنيفة يسأل أبا عبد الله عليه السلام عن المتعة ، فقال : أي المتعتين تسأل؟ قال : سألتك عن متعة الحج فأنبئني عن متعة النساء -
ص: 363
.................................................................................................
______________________________________________________
- أحق هي؟ قال : سبحان الله أما تقرأ كتاب الله : ( فَمَا اسْتَمْتَعْتُمْ بِهِ مِنْهُنَّ فَآتُوهُنَّ أُجُورَهُنَّ فَرِيضَةً ) ، فقال أبو حنيفة : والله لكأنها آية لم أقرأها قط) (1) ، وفي خبر أبي مريم عن أبي عبد الله عليه السلام (المتعة نزل بها القرآن وجرت بها السنة من رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم) (2) ، وفي صحيح زرارة (جاء عبد الله بن عمر الليثي إلى أبي جعفر عليه السلام فقال : ما تقول في متعة النساء؟ فقال : أحلّها الله في كتابه وعلى سنة نبيه ، فهي حلال إلى يوم القيامة ، فقال : يا أبا جعفر مثلك يقول هذا وقد حرّمها عمر ونهى عنها ، فقال : وإن كان فعل ، فقال الليثي : فإني أعيذك بالله من ذلك أن تحلّ شيئا حرّمه عمر ، فقال له : فأنت على قول صاحبك وأنا على قول رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم فهلم ألاعنك أن الحق ما قال رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم ، وأنّ الباطل ما قال صاحبك) (3).
وقد اختلفت العامة في الجواب عنه فمنهم من ادعى أنه مجتهد ويجوز له مخالفة النبي صلى الله عليه وآله وسلم لأنه مجتهد ، وهو من السخافة بمكان لأن النبي صلى الله عليه وآله وسلم لا يتكلم عن رأيه بل كما قال تعالى : ( وَمٰا يَنْطِقُ عَنِ الْهَوىٰ إِنْ هُوَ إِلّٰا وَحْيٌ يُوحىٰ ) (4) ، فلا يجوز لأحد مخالفته ولا اجتهاد في قبال قوله صلى الله عليه وآله وسلم.
وأكثرهم قد ادعى أن مشروعية المتعة منسوخة فنهي عمر لم يكن من قبل نفسه ، واختلفوا في الناسخ فبعضهم قال : إنه قوله تعالى : ( وَالَّذِينَ هُمْ لِفُرُوجِهِمْ حٰافِظُونَ إِلّٰا عَلىٰ أَزْوٰاجِهِمْ أَوْ مٰا مَلَكَتْ أَيْمٰانُهُمْ ) (5) ، وبعضهم ادعى أنه قوله تعالى : ( وَلَكُمْ نِصْفُ مٰا تَرَكَ أَزْوٰاجُكُمْ ) (6) باعتبار أن المتمتع بها لا ترث ولا تورث ، وثالث ذهب إلى أنه الأخبار ، فقد رووا أنها أبيحت عام الفتح وأن النبي صلى الله عليه وآله وسلم لم يخرج من مكة حتى حرّمها (7) ، ورووا أنها أبيحت عام أوطاس ثلاثة أيام (8)، ورووا أنها أبيحت في حجة الوداع ثم نهى النبي صلى الله عليه وآله وسلم (9) ، ورووا أنها أبيحت في أول الإسلام وأنها نسخت يوم خيبر أو يوم تبوك (10). -
ص: 364
الآن ، أو لا خلاف بين المسلمين قاطبة في أصل شرعيته ، وإن اختلفوا بعد ذلك (1) في نسخه.
(والقرآن) الكريم(مصرّح به) في قوله تعالى : ( فَمَا اسْتَمْتَعْتُمْ بِهِ مِنْهُنَّ فَآتُوهُنَّ أُجُورَهُنَّ ) (2) اتفق جمهور المفسرين على أن المراد به نكاح المتعة ، وأجمع أهل البيت عليه السلام على ذلك ، وروي عن جماعة من الصحابة منهم أبي بن كعب ، وابن عباس ، وابن مسعود أنهم قرءوا ( «فَمَا اسْتَمْتَعْتُمْ بِهِ مِنْهُنَّ ) إلى أجل مسمّى (3).
(ودعوى نسخه) أي نسخ جوازه من الجمهور(لم تثبت) ، لتناقض رواياتهم
______________________________________________________
- فلو أبيحت في أول الإسلام ثم نسخت في خيبر ، ثم أذن فيها في عام أوطاس ثم أبيحت في عام الوداع ثم نهى النبي صلى الله عليه وآله وسلم عنها للزم تشريعها مرارا ونسخها كذلك ، وهذا غير معهود في الشريعة على أنها لو كانت منسوخة لما خفي ذلك على الصحابة في زمن خلافة الأول وبرهة من خلافة الثاني.
بل نفس قول عمر (متعتان كانت على عهد رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم أنا أحرمهما وأعاقب عليهما) (1) يدل على عدم نسخها ، فنسب النهي إلى نفسه لا إلى الله ولا إلى رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم بعد اعترافه بأنها كانت على زمن رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم ، وقد حكى الراغب في محاضراته (أن يحيى بن أكثم قال لشيخ بالبصرة كان يتمتع : عمن أخذت المتعة؟ فقال : عن عمر ، فقال له : كيف وهو أشدّ الناس نهيا عنها؟ فقال : إن الخبر الصحيح جاء عنه أنه صعد المنبر وقال : إن الله ورسوله أحلّ لكم متعتين وأنا أحرّمهما وأعاقب عليهما ، فقبلنا شهادته ولم نقبل تحريمه) (2) ، وروى مسلم في صحيحه عن أبي نضرة (كنت عند جابر بن عبد الله فأتاه آت فقال : ابن عباس وابن الزبير اختلفا في المتعتين ، فقال جابر : فعلناهما مع رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم ثم نهانا عنهما عمر فلم نعد لهما) (3) وفي هذه كفاية للمعتبر.
(1) أي بعد شرعيته.
(2) النساء آية : 23.
(3) راجع النووي بشرح مسلم ج 9 ص 179.
ص: 365
بنسخه ، فإنهم رووا عن علي عليه السلام أن رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم نهى عن متعة النساء يوم خيبر (1) ، ورووا عن ربيع بن سبرة عن أبيه أنه قال : شكونا العزبة في حجة الوداع فقال : «استمتعوا من هذه النساء» فتزوجت امرأة ثم غدوت على رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم وهو قائم بين الركن والباب وهو يقول : «إني كنت قد أذنت لكم في الاستمتاع ألا وإنّ الله قد حرمها إلى يوم القيامة» (2).
ومن المعلوم ضرورة من مذهب علي وأولاده عليهم الصلاة والسلام حلها وانكار تحريمها بالغاية (3) ، فالرواية عن علي عليه السلام بخلافه (4) باطلة. ثم اللازم من الروايتين (5) أن تكون قد نسخت مرتين ، لأن إباحتها في حجة الوداع أولا ناسخة لتحريمها يوم خيبر ولا قائل به (6) ، ومع ذلك يتوجه إلى خبر سبرة الطعن في سنده (7) ، واختلاف ألفاظه (8) ومعارضته لغيره (9). ورووا عن جماعة من الصحابة منهم جابر بن عبد الله وعبد الله بن عباس وابن مسعود وسلمة بن الأكوع وعمران بن حصين وأنس بن مالك أنها لم تنسخ. وفي صحيح مسلم بإسناده إلى عطاء قال : «قدم جابر بن عبد الله معتمرا فجئناه في منزله فسأله القوم عن أشياء ثم ذكروا المتعة فقال : نعم استمتعنا على عهد رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم وأبي بكر وعمر» (10) وهو صريح في بقاء شرعيتها بعد موت النبي صلى الله عليه وآله وسلم من غير نسخ.
(وتحريم بعض الصحابة) وهو عمر(إياه (11) تشريع) من عنده(مردود)
______________________________________________________
(1) صحيح مسلم ج 4 ص 134 - 135.
(2) صحيح مسلم ج 4 ص 132 - 133.
(3) أي في غاية الشدة من الإنكار.
(4) أي بخلاف الحل ، وهي من مفتريات العامة.
(5) أنها منعت يوم خيبر ، وأن النبي صلى الله عليه وآله وسلم أمر بها في حجة الوداع ثم حرّمها.
(6) بالنسخ مرتين.
(7) فالخبر مروي عن الربيع بن سبرة ، وهو مجهول.
(8) راجع صحيح مسلم ج 4 ص 132 - 134.
(9) من الأخبار الدالة على حلية المتعة في صحيح مسلم وغيره من كتب العامة.
(10) صحيح مسلم ج 4 ص 134.
(11) للنكاح المنقطع.
ص: 366
(عليه) ، لأنه إن كان بطريق الاجتهاد فهو باطل في مقابلة النص إجماعا ، وإن كان بطريق الرواية فكيف خفي ذلك على الصحابة أجمع في بقية زمن النبي وجميع خلافة أبي بكر وبعض خلافة المحرّم ، ثم يدلّ على أن تحريمه (1) من عنده لا بطريق الرواية ، قوله في الرواية المشهورة عنه بين الفريقين : «متعتان كانتا في عهد رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم حلالا أنا أنهى عنهما وأعاقب عليهما» ولو كان النبي صلى الله عليه وآله وسلم قد نهى عنهما في وقت من الأوقات لكان إسناده (2) إليه صلى الله عليه وآله وسلم أولى وأدخل في الزجر ، وروى شعبة عن الحكم بن عتيبة - وهو من أكابرهم - قال : سألته عن هذه الآية : ( فَمَا اسْتَمْتَعْتُمْ بِهِ مِنْهُنَّ ) أمنسوخة هي؟ قال : «لا» ثم قال الحكم : قال علي بن أبي طالب عليه السلام : «لو لا أن عمر نهى عن المتعة ما زنى إلا شقي» (3) ، وفي صحيح الترمذي أن رجلا من أهل الشام سأل ابن عمر عن متعة النساء فقال : هي حلال فقال : إن أباك قد نهى عنها ، فقال ابن عمر : أرأيت إن كان أبي قد نهى عنها وقد سنّها [صنعها] رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم أتترك السنة وتتبع قول أبي (4).
وأما الأخبار بشرعيتها من طريق أهل البيت عليه السلام فبالغة ، أو كادت أن تبلغ حدّ التواتر لكثرتها ، حتى أنه مع كثرة اختلاف أخبارنا الذي أكثره بسبب التقية ، وكثرة مخالفينا فيه (5) لم يوجد خبر واحد منها (6) يدل على منعه (7) وذلك عجيب.
(وإيجابه كالدائم) بأحد الألفاظ الثلاثة (8). ولا إشكال هنا في متّعتك ،
______________________________________________________
(1) تحريم النكاح المنقطع.
(2) إسناد النهي
(3) التفسير الكبير للطبري ج 5 ص 13.
(4) راجع الغدير للأميني ج 6 ص 201 و 202.
(5) في النكاح المنقطع.
(6) من أخبارنا.
(7) منع نكاح المتعة.
(8) وهي : أنكحت وزوجت ومتعت بلا خلاف فيه في المنقطع ، وإن اختلفوا في بعضها في الدائم ، والاكتفاء بالثلاثة محل اتفاق ، ولا يجوز التعدي إلى غيرها على المشهور وقوفا فيما خالف الأصل على المتيقن خصوصا أن النكاح فيه شائبة العبادة على ما تقدم ، ومنه تعرف -
ص: 367
(وقبوله كذلك (1) ويزيد) هنا(ذكر الأجل) (2) المضبوط المحروس عن الزيادة والنقصان ، (وذكر المهر) (3).
______________________________________________________
- ضعف ما عن المرتضى أن التمتع في الأمة ينعقد بلفظ الإباحة ، وعنه أيضا أن التمتع مطلقا ينعقد بلفظ الإجارة.
(1) أي كالدائم.
(2) بلا خلاف فيه للأخبار.
منها : صحيح زرارة عن أبي عبد الله عليه السلام (لا تكون متعة إلا بأمرين : أجل مسمى وأجر مسمى) (1) ، وصحيح الهاشمي عنه عليه السلام (عن المتعة فقال عليه السلام : مهر معلوم إلى أجل معلوم) (2).
ويعتبر في الأجل التعيين وأن يكون محروسا من الزيادة والنقصان ، فلا يجوز أن يكون كليا كشهر من الشهور أو أن يكون قابلا للزيادة والنقصان كقدوم الحج بلا خلاف فيه ، ويشهد له ما تقدم من توصيف الأجل بالمسمى والمعلوم ، ثم لا تقدير في الأجل من جانب القلة أو الكثرة على المشهور ، بل في المسالك جواز تقدير الأجل في الكثرة بوقت طويل يعلم بعدم بقائهما إليه لإطلاق الأدلة ، وجواز تقدير الأجل في القلة باللحظة التي لا يمكن فيها الجماع ، لأن الجماع غير معتبر في صحة العقد مع ما يترتب على العقد من إباحة النظر وتحريم المصاهرة ونحو ذلك من الأحكام ، ومنه يعلم جواز عقد المتعة على الصغيرة التي لا يجوز وطؤها ، وللصغير الذي لا قابلية له للوطء وعن ابن حمزة في الوسيلة تقدير الأقل بما بين طلوع الشمس إلى الزوال ، ولا دليل له كما اعترف غير واحد إلا أن يحمل كلامه على المثال فلا خلاف حينئذ.
(3) بلا خلاف فيه للأخبار التي تقدم بعضها ، وقال الشارح في المسالك : (الأصل في اشتراط المهر في عقد المتعة دون الدائم مع النصوص الدالة عليه أن الغرض الأصلي منه الاستمتاع وإعفاف النفس فاشتدّ شبهه بعقود المعاوضات التي يشترط فيها ذكر العوض من الجانبين بخلاف الدائم ، فإن الغرض الأصلي منه بقاء النسل وغيره من الأغراض المترتبة عليه التي لا يقصد من المتعة ، فلذا لم يشترط فيه ذكر المهر ، وقد نبّه عليه الباقر عليه السلام في خبر محمد بن مسلم : إنما هي مستأجرة ، وقول الصادق عليه السلام : فإنهن مستأجرات ، وروى زرارة في الصحيح عن أبي عبد الله عليه السلام قال : لا تكون متعة إلا بأمرين بأجل مسمى وأجر مسمى) انتهى. هذا ولا بدّ أن يكون المهر معلوما لما -
ص: 368
المضبوط كذلك (1) بالكيل ، أو الوزن أو العدد مع المشاهدة ، أو الوصف الرافع للجهالة (2) ولو أخل به (3) بطل العقد ، بخلاف الدائم (4).
(وحكمه كالدائم في جميع ما سلف) من الأحكام (5) شرطا وولاية ، وتحريما بنوعيه (6) (إلا ما استثني) من أن المتعة لا تنحصر(في عدد (7) ونصاب) ، ومن أنها
______________________________________________________
- تقدم في صحيح الهاشمي (مهر معلوم إلى أجل معلوم) ومعلوميته تتم بالكيل إذا كان مكيلا ، وبالوزن إذا كان موزونا ، وبالعدّ إذا كان معدودا ، بل ذهبوا إلى كفاية المشاهدة وإن كان واحدا من هذه الأمور الثلاثة ، ويشهد له خبر أبي بصير عن أبي عبد الله عليه السلام (عن أدنى مهر المتعة ما هو؟ قال : كف من طعام دقيق ، أو سويق ، أو تمر) (1) ، ومرسل يونس عن أبي عبد الله عليه السلام (أدنى ما تحل به المتعة كف طعام) (2) ومثلها غيرها ، ومنها يعلم عدم اعتبار المعلومية بالدقة كما اعتبرت في البيع.
ثم لا تقدير للمهر في جانب الكثرة ولا القلة للأخبار المتقدمة ولخصوص خبر محمد بن مسلم عن أبي عبد الله عليه السلام : كم المهر يعني في المتعة؟ قال : ما تراضيتما عليه إلى ما شاءا من الأجل) (3).
وعن الصدوق تحديد القلة بدرهم لخبر أبي بصير (سألت أبا جعفر عليه السلام عن متعة النساء؟ فقال : حلال وأنه يجزي فيه الدرهم فما فوقه) (4) ، وخبر علي بن رئاب عن أبي عبد الله عليه السلام (عن المتعة فأخبرني أنها حلال ، وأنه يجزي فيها الدرهم فما فوقه) (5) ، وفيه : عدم دلالتهما على عدم إجزاء ما دون الدرهم إلا بالمفهوم اللقبي وهو ضعيف جدا.
(1) أي المحروس من الزيادة والنقصان.
(2) إذا كان المهر غائبا.
(3) بالمهر بطل العقد بلا خلاف فيه ، لأن ذكره شرط في صحة عقد المتعة للأخبار المتقدمة.
(4) ولكن يثبت المثل.
(5) لإطلاق أدلتها مع عدم استثناء المتعة منها.
(6) أي التحريم العيني والتحريم الجمعي ، فالأول كنكاح الأم والثاني كنكاح الأختين.
(7) وقد تقدم الكلام فيه.
ص: 369
تصح بالكتابية ابتداء (1).
(ولا تقدير في المهر قلة وكثرة) ، بل ما تراضيا عليه مما يتموّل ، ولو بكفّ من برّ ، وقدّره الصدوق بدرهم ، (وكذا) لا تقدير(في الأجل) قلة وكثرة ، وشذّ قول بعض الأصحاب بتقديره (2) قلة بما بين طلوع الشمس والزوال ، (ولو وهبها (3) المدة قبل الدخول فعليه نصف المسمى) (4) كما لو طلّق في الدوام
______________________________________________________
(1) وقد تقدم الكلام فيه.
(2) أي الأجل.
(3) المراد من الهبة هنا الابراء لأنه إسقاط ما يستحقه عليها ، فهو إسقاط لما في الذمة فلا يحتاج إلى القبول كالهبة ، وعلى كل فلو وهبها المدة فتارة يكون قبل الدخول وأخرى بعده ، وعلى كل منهما فتارة يكون الموهوب تمام المدة الباقية وأخرى بعضها.
فلو وهبها تمام المدة قبل الدخول ثبت نصف المسمى لها كما هو المشهور ، وفي كشف اللثام أنه مقطوع به في كلام الأصحاب ويشهد له مقطوعة زرعة عن سماعة (سألته عن رجل تزوج جارية أو تمتع بها ثم جعلته في حل من صداقها يجوز أن يدخل بها قبل أن يعطيها شيئا؟ قال : نعم إذا جعلته في حل فقد قبضته منه ، فإن خلاها قبل أن يدخل بها ردّت المرأة على الرجل نصف الصداق) (1).
وشكك البعض في الحكم باعتبار ضعف الخبر لأنه مقطوع ، وهو ضعيف لأن مثل سماعة لا يروي إلا عن المعصوم.
ولو وهبها بعض المدة الباقية قبل الدخول كما لو بقي من مدتها شهران فوهبها شهرا منهما ولم يدخل بها إلى حين حصول الفرقة فهل يثبت نصف المهر كما هو إطلاق الخبر المتقدم الدال على أن هبة المدة قبل الدخول موجبة لتنصيف المهر ، وهذا ما صرح به غير واحد ، أو يثبت تمام المهر كما استوجهه كاشف اللثام لخروجه عن النص بعد حمله على هبة تمام المدة.
ولو وهبها المدة أو بعضها بعد الدخول استقر المهر بتمامه بشرط تمكينها من نفسها في المدة غير الموهوبة ، لأن المهر يثبت بالعقد كالدائم.
(4) فتأخذ الزوجة منه النصف عند عدم أداء المهر من رأس ، وعليها أن ترجع نصفه لو دفع الزوج إليها المهر من حين العقد.
ص: 370
قبله (1) ، وفي إلحاق هبة بعض المدة (2) قبله (3) بالجميع نظر ، والأصل (4) يقتضي عدم السقوط ، ولو كانت الهبة بعد الدخول للجميع (5) ، أو البعض لم يسقط منه (6) شي ء قطعا ، لاستقراره بالدخول.
والظاهر أن هذه الهبة إسقاط (7) ، بمنزلة الإبراء فلا يفتقر إلى القبول.
(ولو أخلت بشي ء من المدة) اختيارا قبل الدخول ، أو بعده(قاصّها) (8) من
______________________________________________________
(1) قبل الدخول ، وهو ليس قياسا بل تنظير وتشبيه وإلا فقد عرفت أن العمدة على خبر سماعة المتقدم.
(2) وقد انقضى بعضها من دون دخول.
(3) قبل الدخول.
(4) وهو ثبوت المهر بمجرد العقد.
(5) أي جميع المدة.
(6) من المسمى.
(7) إسقاط من الزوج لما له عليها في الذمة من التمكين والاستمتاع.
(8) فلو أخلّت ببعض المدة سقط من المهر بنسبة إخلالها ، إن نصفا فنصف وإن ثلثا فثلث وهكذا ، بلا خلاف فيه للأخبار :
منها : خبر عمر بن حنظلة (قلت لأبي عبد الله عليه السلام : أتزوج المرأة شهرا فتريد منّي المهر كملا ، وأتخوف أن تخلفني ، قال : يجوز أن تحبس ما قدرت عليه فإن هي أخلفتك فخذ منها بقدر ما تخلفك) (1) ، وموثق إسحاق بن عمار (قلت لأبي الحسن عليه السلام : الرجل يتزوج المرأة متعة بشرط أن تأتيه كل يوم حتى توفيه شرطه ، أو يشترط أياما معلومة تأتيه ، فتغدر به فلا تأتيه على ما شرطه عليها ، فهل يصلح له أن يحاسبها على ما لم تأته من الأيام فيحبس عنها بحساب ذلك؟ قال : نعم ينظر إلى ما قطعت من الشرط فيحبس عنها من مهرها مقدار ما لم تلف له ما خلا أيام الطمث ، فإنها لها ، ولا يكون عليها إلا ما أحلّ له فرجها) (2).
وظاهر الأخير استثناء الحيض ، وهل يلحق به غيره كالمرض والحبس وجهان : من المشاركة في المعنى ، ومن كون ذلك على خلاف الأصل فيقتصر فيه على مورده.
ص: 371
المهر بنسبة ما أخلت به من المدة ، بأن يبسط المهر على جميع المدة ويسقط منه بحسابه (1) حتى لو أخلت بها (2) أجمع سقط عنه المهر.
ولو كان المنع لعذر كالحيض ، والمرض ، والخوف من ظالم لم يسقط (3) باعتباره شي ء (4).
ويحتمل ضعيفا السقوط بالنسبة (5) كالاختياري (6) ، نظرا إلى أنه (7) في مقابلة الاستمتاع بقرينة المنع (8) الاختياري. وهو (9) مشترك بين الاختياري والاضطراري(10).
وضعفه ظاهر (11) ، وفي رواية عمر بن حنظلة عن الصادق عليه السلام ما يدل على الحكمين (12) وإطلاق المقاصة على ذلك الوجه (13) مجاز ، لأنّ مجرد اخلالها بالمدة يوجب سقوط مقابلها (14) من العوض الآخر (15). ومثل هذا لا يعد
______________________________________________________
(1) بحساب الإخلال.
(2) بالمدة.
(3) من المهر.
(4) في الحيض قطعا وفي غيره على وجه.
(5) أي السقوط من المهر بسبب الإخلال بالاستمتاع ، والإخلال ناشئ من عذر اضراري غير الحيض.
(6) كالإخلال لا لعذر.
(7) أي إلى أن المهر.
(8) أي بقرينة سقوط شي ء من المهر بالنسبة عند الإخلال لا لعذر.
(9) أي كون المهر في قبال الاستمتاع.
(10) ولكن عدم السقوط للمنع بسبب الحيض منصوص.
(11) باعتبار عدم القطع به ، ولا بد من استثناء الحيض من الاضطراري.
(12) من السقوط في المنع الاختياري ، ومن عدم السقوط في الاضطراري.
(13) من سقوط شي ء من المهر بمقدار إخلالها.
(14) أي مقابل المدة.
(15) وهو المهر.
ص: 372
مقاصّه (1). ولو ماتت في أثناء المدة ، أو قبل (2) الدخول فأولى (3) بعدم سقوط شي ء كالدائم (4).
(ولو أخلّ بالأجل) في متن العقد (5).
______________________________________________________
(1) المقاصة بالمعنى الاصطلاحي لا تتحقق هنا إلا إذا أخذت المرأة حقها من المهر قبل الدخول ثم أخلّت بالمدة وقد تلف المهر ولم يتمكن الرجل من أخذه حينئذ جاز له مقاصتها من مال لها عنده غير المهر.
(2) أي ماتت قبل الدخول.
(3) أي فالموت أولى من العذر الشرعي كالحيض في عدم سقوط شي ء من المهر ، ووجه الأولوية أن الاضطرار في الموت أشد من الاضطرار في الحيض ، إذ في الحيض يمكن لها تمكينه من الاستمتاع بغير الفرج ولو استدل بأن الأصل هو ثبوت المهر بمجرد العقد خرج منه الإخلال لا لعذر لأنه منصوص فيبقى الباقي تحت الأصل ، ولذا لا يسقط بالموت شي ء من المهر لكان أحسن وأقوى.
(4) أي عدم سقوط شي ء من المهر بسبب الموت في المنقطع كعدم السقوط من المهر لسبب الموت في الدائم.
(5) لو لم يذكر الأجل في متن العقد فقد وقع فيه الخلاف فالمشهور على أنه ينقلب إلى الدائم لأن لفظ الايجاب الواقع في العقد صالح لكل منهما وإنما يتمحض للمتعة بذكر الأجل وللدوام بعدمه ، فإذا انتفى الأول ثبت الثاني ، ولأن الأصل في العقود الصحة والفساد على خلاف الأصل فالحكم بالدوام أولى من الحكم بالبطلان ، ولموثق ابن بكير عن أبي عبد الله عليه السلام (إن سمّى الأجل فهو متعة ، وإن لم يسمّ الأجل فهو نكاح بات) (1) ، كما في الوسائل ، وفي الجواهر (فهو نكاح ثابت) (2) ، وكذا في المسالك (3) ، وقد أورده في الروضة هنا (فهو نكاح باق) ، ولخبر أبان بن تغلب (قلت لأبي عبد الله عليه السلام : كيف أقول لها إذا خلوت بها؟ قال : تقول أتزوجك متعة - إلى أن قال - قلت : فإني استحي أن أذكر شرط الأيام ، قال : هو أخّر عليك ، قلت : وكيف؟ قال : لأنك إن لم تشترط كان تزويج مقام ، ولزمتك النفقة في العدة وكانت وارثا ، ولم تقدر على أن تطلقها إلا طلاق -
ص: 373
(انقلب دائما (1) ، أو بطل (2) على خلاف) في ذلك منشؤه (3) : من صلاحية (4)
______________________________________________________
- السنة) (1). وعن جماعة البطلان ، منهم العلامة وولده والشارح وسيد الرياض لأن المتعة شرطها الأجل وفوات الشرط مستلزم لفوات المشروط ، وصلاحية الايجاب لهما غير كافية في حمله على الدوام ، لأنه غير مقصود من اللفظ ، والمعتبر في الصحة اتفاق اللفظ والقصد على معنى واحد وهو غير حاصل هنا ، لأن المقصود هو المتعة والمطابق للفظ هو الدائم وهذا يقتضي البطلان وبه يرفع اليد عن أصالة الصحة في العقود.
ولأن خبر ابن بكير ليس بصريح في مدعى المشهور لأنه دال على أن الدائم لا يذكر فيه الأجل وهو كذلك ولم يدل على أن من قصد المتعة ولم يذكر الأجل يكون دائما ، وخبر أبان ضعيف السند بإبراهيم بن المفضّل.
وذهب ابن إدريس إلى أن الايجاب إن كان بلفظ التزويج أو النكاح انقلب دائما ، وإن كان بلفظ التمتع بطل العقد ، لأن اللفظين الأولين صالحان للدوام بخلاف الثالث فإنه يختص بالمتعة ، وإذا فات شرطها بطلت ، وفيه : إن بطلان عقد المتعة كما حصل لفوات شرطه من ذكر الأجل فكذلك الدوام بطل لفوات شرطه وهو القصد إليه فإنه الركن الأعظم في صحة العقود كما في المسالك وفصّل رابع ولم يعرف بأن الإخلال بالأجل إن كان جهلا أو نسيانا فيبطل العقد ، وإن وقع الإخلال عمدا انقلب العقد دائما ، لأن تعمد الترك للأجل ظاهر في إرادة الدوام بخلاف ترك الأجل نسيانا أو جهلا فلم يرد الدوام ولم يتحقق شرط المتعة من ذكر الأجل فلا بد من الحكم بالبطلان ، وفيه : إن النزاع في قصد المتعة وعدم ذكر الأجل ، وليس النزاع في إرادة الدوام مع عدم ذكر الأجل ، فلو قصد المتعة ولم يذكر الأجل لا ينعقد دائما ، لأن العقود تابعة للقصود ، والدوام غير مقصود فكيف ينعقد؟
والانصاف يقتضي عدم انقلابه إلى الدوام لتبعية العقود للقصود ، ويقتضي بطلان العقد عند عدم ذكر الأجل ، لأن الأجل في صحة المنقطع لو لا خبر أبان الصريح في الانقلاب ، ولا يضره ضعف السند بعد عمل المشهور به.
(1) على المشهور المنصور.
(2) كما هو قول جماعة منهم الشارح.
(3) أي الخلاف.
(4) دليل الانقلاب.
ص: 374
أصل العقد (1) لكل منهما (2) ، وإنما يتمحض للمتعة بذكر الأجل ، وللدوام بعدمه فإذا انتفى الأول (3) ثبت الثاني (4) ، لأن الأصل (5) في العقد الصحة ، وموثقة (6) ابن بكير عن الصادق عليه السلام قال : «إن سمّي الأجل فهو (7) متعة ، وإن لم يسمّ الأجل فهو نكاح باق» وعلى هذا عمل الشيخ والأكثر ومنهم المصنف في شرح الارشاد ، ومن أن (8) المتعة شرطها الأجل اجماعا والمشروط عدم عند عدم شرطه ، ولصحيحة زرارة عنه عليه السلام : «لا تكون متعة إلا بأمرين : بأجل مسمّى ، وأجر مسمّى» (9) ، وأن الدوام (10) لم يقصد ، والعقود تابعة للقصود (11) ، وصلاحية (12) الايجاب لهما لا يوجب حمل المشترك على أحد معنييه (13) مع إرادة المعنى الآخر (14) المباين له.
وهذا هو (15) الأقوى ، والرواية ليس فيها تصريح بأنهما أرادا المتعة وأخلا
______________________________________________________
(1) أي الايجاب.
(2) للدوام والمنقطع.
(3) وهو المنقطع لانتفاء شرطه.
(4) أي الدائم.
(5) تعليل لثبوت الثاني عند انتفاء الأول ، لأن الأصل الصحة فلا يذهب إلى الفساد والبطلان مهما أمكن.
(6) دليل ثان للانقلاب.
(6) دليل ثان للانقلاب.
(7) أي العقد.
(8) دليل البطلان.
(9) قد تقدمت ، ولا داعي لها ، إذ تدل على شرطية الأجل في صحة العقد ولازمه انتفاء المشروط عند انتفاء شرطه وهو راجع إلى الأول.
(10) دليل ثالث للبطلان.
(11) وهنا ما قصد من المتعة لم يقع لعدم شرطه ، وما حكم به المشهور من الوقوع وهو الدوام لم يقصد فلا بدّ من الحكم بالبطلان.
(12) تتمة الدليل الثالث.
(13) وهو الدوام.
(14) وهو المنقطع.
(15) أي البطلان.
ص: 375
بالأجل ، بل مضمونها أن النكاح مع الأجل متعة ، وبدونه دائم ولا نزاع فيه.
وأما القول (1) بأن العقد إن وقع بلفظ التزويج والنكاح انقلب دائما ، أو بلفظ التمتع بطل ، أو بأن (2) ترك الأجل إن كان جهلا منهما (3) ، أو من أحدهما ، أو نسيانا كذلك (4) بطل ، وإن كان عمدا انقلب دائما فقد ظهر ضعفه مما ذكرناه (5) فالقول بالبطلان مطلقا (6) مع قصد التمتع الذي هو موضع النزاع أوجه.
(ولو تبين فساد العقد) (7) إما بظهور زوج ، أو عدة ، أو كونها محرمة عليه
______________________________________________________
(1) وهو قول ابن إدريس.
(2) عرض للقول الرابع.
(3) من المتعاقدين.
(4) منهما أو من أحدهما.
(5) لأن العقود تابعة للقصود فالدوام غير مقصود فكيف يقع وإن كان إيجابه بلفظ التزويج أو النكاح هذا بالنسبة لضعف قول ابن إدريس ، والدوام إذا قصد عند تعمد ترك الأجل فيقع دائما إلا أنه خروج عن محل النزاع إذ النزاع في قصد التمتع مع عدم ذكر الأجل وبهذا يظهر ضعف القول الرابع.
(6) سواء كان بلفظ التزويج أو النكاح أو التمتع ، وسواء كان عدم ذكر الأجل نسيانا أو جهلا أو عمدا.
(7) يفسد العقد إذا ظهر لها زوج أو كانت ذات عدة أو كانت محرّمة عليه عينا كأخته أو جمعا كأخت الزوجة ، ونحو ذلك من موجبات فساد العقد ، فإن كان قبل الدخول فلا مهر لها بالاتفاق وإن استمتع بها بغير الفرج كالتقبيل ونحوه ، فلا مسمى لبطلان العقد ولا مثل لعدم تحقق الدخول كما هو المفروض.
ولو تبين الفساد بعد الدخول فعلى أقوال ، فعن المفيد في المقنعة والشيخ في النهاية والتهذيب وابن البراج في المهذب أن لها ما أخذت ولا يلزمه تسليم ما بقي من غير فرق بين العالمة والجاهلة لحسنة حفص عن أبي عبد الله عليه السلام (إذا بقي عليه شي ء من المهر وعلم أن لها زوجا فما أخذته فلها بما استحلّ من فرجها ، ويحبس عليها ما بقي عنده) (1) وهي ظاهرة في كون الزوجة عالمة إذ من البعيد جهلها بعدم زوج لها ، وإثبات -
ص: 376
جمعا ، أو عينا ، أو غير ذلك من المفسدات(فمهر المثل مع الدخول) وجهلها حالة الوطء ، لأنه وطء محترم ، فلا بدّ له (1) من عوض وقد بطل (2) المسمّى ، فيثبت مهر مثلها في المتعة (3) المخصوصة.
وقيل : تأخذ ما قبضته ولا يسلّم الباقي استنادا إلى رواية ، حملها على كون
______________________________________________________
- المهر لها بمقدار ما استمتع مناف لما ورد أنه (لا مهر لبغي) (1).
ولذا ذهب المحقق في الشرائع وجماعة إلى أنه لا مهر لها إذا كانت عالمة بالفساد ، لأنه لا مهر لبغي ويشهد له خصوص مكاتبة ابن الريان إلى أبي الحسن عليه السلام (الرجل يتزوج المرأة متعة بمهر إلى أجل معلوم ، وأعطاها بعض مهرها وأخّرته بالباقي ، ثم دخل بها وعلم بعد دخوله بها قبل أن يوفّيها باقي مهرها أنها زوّجته نفسها ، ولها زوج مقيم معها ، أيجوز له حبس باقي مهرها أم لا يجوز؟ فكتب عليه السلام : لا يعطيها شيئا لأنها عصت الله عزوجل) (2) ، فالسؤال وإن كان عن دفع الباقي إلا أن الجواب ظاهر في عدم استحقاقها شيئا من المهر لمقتضى التعليل بعصيانها لله جلّ وعلا ، وإذا كانت جاهلة فلها المسمى بعد حمل الرواية على ذلك ، وأنه يحبس عنها ما بقي على تقدير أن الباقي من المهر بقدر الباقي من الأيام وقد عرفت أن المهر في المنقطع موزّع على قدر المدة ، وفيه : إن العقد في نفس الأمر فاسد فكيف يترتب عليه حكم الصحيح من ثبوت المسمى لها.
ولذا ذهب المحقق في النافع والشارح في الروضة هنا والمسالك وصاحب الجواهر وغيرهم أن لا شي ء لها مع العلم لأنها بغي ، ولها مهر المثل مع الجهل لأنه وطء شبهة وبالدخول يثبت مهر المثل لأنه عوض البضع عند فساد المسمى.
هذا وقال الشارح في المسالك : (وربما قيل بأن الواجب هنا أقل الأمرين من المسمى ومهر المثل ، لأن مهر المثل إن كان أقل فهو عوض البضع حيث تبين بطلان العقد ، وإن كان المسمى هو الأقل فقد قدمت على أن لا تستحق غيره) انتهى ، وفيه : لا داعي للمسمى بعد بطلان العقد فلو أقدمت على المسمى فهي راضية به لزعم الصحة وقد بان عدمها ، وإن كانت عالمة بالبطلان فلا شي ء لها لأنها بغي.
(1) للوطي المحترم.
(2) لفساد العقد.
(3) لا مهر مثلها في العقد الدائم.
ص: 377
المقبوض بقدر مهر المثل (1) أولى من اطلاقها (2) المخالف للأصل ، وقبل الدخول لا شي ء لها ، لبطلان العقد المقتضي لبطلان المسمى (3) ، فإن كانت قد قبضته (4) استعاده ، وإن تلف في يدها ضمنته مطلقا (5) ، وكذا (6) لو دخل وهي عالمة بالفساد (7) ، لأنها بغيّ ، ولا مهر لبغي.
(ويجوز العزل عنها (8)
______________________________________________________
(1) وأن الزوجة جاهلة بالفساد ، وإن كان حملا بعيدا ، لأنه من البعيد جهل الزوجة بعدم وجود زوج لها.
(2) أي إطلاق الرواية الشامل للعالمة ، والأصل يقتضي في العالمة عدم المهر لأنها بغي.
(3) ولا مثل لعدم الدخول.
(4) كلا أو بعضا.
(5) بالتفريط وبدونه ، لأنها غير مأذونة.
(6) أي لا مهر لها ولا قبضته تضمن.
(7) ولكن بشرط عدم كون الرجل عالما ، وإلا لو كان عالما بفساد العقد وقد سلّطها على المهر المدفوع وتلف فلا ضمان عليها لإقدامه بعلمه.
(8) بلا خلاف فيه لخبر محمد بن مسلم (سألت أبا عبد الله عليه السلام عن العزل ، فقال : ذاك إلى الرجل يصرفه حيث شاء) (1) ، وخبر ابن أبي عمير وغيره قال (الماء ماء الرجل يضعه حيث شاء ، إلا أنه إذا جاء ولد لم ينكره ، وشدّد في إنكار الولد) (2).
ويستحب اشتراط ذلك عليها لخبر الأحول (سألت أبا عبد الله عليه السلام قلت : ما أدنى ما يتزوج الرجل به متعة؟ قال : كف من برّ يقول لها : زوّجيني نفسك متعة على كتاب الله وسنة نبيه نكاحا غير سفاح ، على أن لا أرثك ولا ترثيني ، ولا أطلب ولدك إلى أجل مسمى ، فإن بدا لي زدتك وزدتني) (3) ، ومثله غيره.
ولكن يلحق به الولد لو حملت ولو عزل بلا خلاف فيه ، وهذا الحكم لا يختص بالمتعة ، بل بكل وطء صحيح ، لاحتمال سبق المني من غير تنبه ، والولد يلحق بالفراش للنبوي (الولد للفراش وللعاهر الحجر) : (4) ، ولإطلاق صحيح محمد بن مسلم عن أبي عبد -
ص: 378
(وإن لم يشترط ذلك) (1) في متن العقد ، وهو (2) هنا (3) موضع وفاق ، وهو منصوص بخصوصه ، ولأن الغرض الأصلي منه الاستمتاع دون النسل ، بخلاف الدوام(و) لكن(يلحق به الولد) على تقدير ولادتها بعد وطئه بحيث يمكن كونه منه(وإن عزل) ، لأنها فراش ، والولد للفراش ، وهو مروي أيضا ، لكن لو نفاه انتفى ظاهرا بغير لعان ، بخلاف ولد الدوام.
(ويجوز اشتراط السائغ (4) في العقد كاشتراط الإتيان ليلا ، أو نهارا) (5) لأنه
______________________________________________________
- الله عليه السلام في حديث في المتعة (قلت : أرأيت إن حبلت؟ فقال : هو ولده) (1).
ولكن لو نفى الولد عن نفسه وإن لم يعزل فضلا عما إذا عزل انتفى عنه الولد ظاهرا بلا لعان ، بلا خلاف فيه للأخبار :
منها : صحيح ابن أبي يعفور عن أبي عبد الله عليه السلام (يلاعن الرجل المرأة التي يتمتع بها) (2) ، وصحيح ابن سنان عنه عليه السلام (لا يلاعن الحر الأمة ولا الذمية ولا التي يتمتع بها) (3).
وهذا الحكم مبني على الظاهر وإلا فيما بينه وبين الله تعالى لا يجوز له نفيه بمجرد العزل أو التهمة ، بل مع العلم بانتفائه عنه وحينئذ فيجب النفي عليه فيما بينه وبين الله تعالى كما هو واضح.
(1) أي العزل.
(2) أي جواز العزل.
(3) في المتعة.
(4) وهو غير المنافي للكتاب والسنة.
(5) سواء كان الشرط عليه أو عليها ، أو أن يشترط المرة والمرات في الزمن المعين فيصح ويجب الوفاء به لعموم (المؤمنون عند شروطهم) (4) ، وتقييد الاستمتاع بوقت دون وقت لا ينافي مقتضى العقد ، نعم هو مناف لمقتضى إطلاقه كما في كل شرط سائغ وهو لا يضرّ ، ففي خبر محمد ابن مروان عن أبي عبد الله عليه السلام (قلت : رجل جاء إلى امرأة فسألها أن تزوجه نفسها ، فقال : أزوّجك نفسي على أن تلتمس منّي ما شئت من نظر -
ص: 379
شرط لا ينافي مقتضى العقد ، لجواز تعلق الغرض بالاستمتاع في وقت دون آخر ، إما طلبا للاستبداد (1) ، أو توفيرا لما سواه (2) على غيره (3) من المطالب ، (أو شرط إتيانها مرة ، أو مرارا) مضبوطة(في الزمان المعين) لما ذكر (4). ولو لم يعين الوقت (5) بل أطلق المرة والمرات بطل (6) ، للجهالة.
______________________________________________________
- والتماس ، وتنال مني ما ينال الرجل من أهله إلا أن لا تدخل فرجك في فرجي ، وتتلذذ بما شئت فإني أخاف الفضيحة ، قال عليه السلام : ليس له إلا ما اشترط) (1) ، وفي خبر إسحاق بن عمار عن أبي عبد الله عليه السلام (قلت له : رجل تزوج بجارية عاتق على أن لا يفتضّها ، ثم أذنت له بعد ذلك ، قال : إذا أذنت له فلا بأس) (2).
(1) استبدّ برأيه : انفرد.
(2) أي لما سوى الوقت المعين.
(3) أي غير الاستمتاع ، والمعنى أنه لو شرط الجماع في وقت معين ليتوسع في غير الوقت المعين لمطالبه الأخرى غير الاستمتاع.
(4) من أنه شرط سائغ غير مناف لمقتضى العقد فيلزم ، والعقد قد ذكر فيه الأجل وهو شرط صحته ، وقد اشترط فيه المرة والمرات في داخل الأجل وهو لا يضر في ذكر الأجل.
(5) على تقدير اشتراط المرة والمرات.
(6) كما عن الأكثر لعدم ذكر الأجل الذي هو شرط في صحة التمتع ، والمرة والمرات كما تقع في الزمن القصير تقع في الزمن الطويل ، وعن الشيخ في النهاية والتهذيب والمحقق في الشرائع الحكم بالصحة وانقلابه إلى الدائم لخبر هشام بن سالم (قلت لأبي عبد الله عليه السلام : أتزوج المرأة متعة مرة مبهمة ، فقال عليه السلام : ذاك أشدّ عليك ترثها وترثك ، ولا يجوز لك أن تطلقها إلا على طهر وشاهدين) (3).
وفي طريقه موسى بن سعدان وعبد الله بن القاسم وهما ضعيفان ، وهو معارض لما دل على أن الأجل شرط في صحة التمتع مع كون المرة لا تقتضي وقتا معينا بل وقتا مجهولا فلا بدّ من ردّه ، نعم هو معارض بما دل على الصحة ووقوعه متعة وهو خبر زرارة (قلت له : هل يجوز له أن يتمتع الرجل من المرأة ساعة أو ساعتين؟ فقال : الساعة والساعتان لا يوقف على حدهما ، ولكن العرد والعردين ، واليوم واليومين والليلة وأشباه -
ص: 380
(ولا يقع بها (1) طلاق (2)) ، بل تبين بانقضاء المدة ، أو بهبته إياها. وفي رواية محمد بن إسماعيل عن الرضا عليه السلام قلت : وتبين بغير طلاق قال : «نعم» ، (ولا إيلاء) (3) على أصح القولين لقوله تعالى في قصة الإيلاء : ( وَإِنْ عَزَمُوا
______________________________________________________
- ذلك) (1) ، وخبر القاسم بن محمد عن رجل سمّاه قال (سألت أبا عبد الله عليه السلام عن الرجل يتزوج المرأة على عرد واحد ، فقال : لا بأس ، ولكن إذا فرغ فليحوّل وجهه ولا ينظر) (2) ، وخبر خلف بن حماد (أرسلت إلى أبي الحسن عليه السلام كم أدنى أجل المتعة؟ هل يجوز أن يتمتع الرجل بشرط مرة واحدة؟ فقال : نعم) (3).
والعرد كما عن القاموس الصلب الشديد المنتصب ، والذكر المنتشر المنتصب ، وهو كناية عن المرة ، وهذه الأخبار أيضا مع ضعف سندها لم يعمل بها أحد إلا الشيخ في التهذيبين وقد جعل الأحوط الأولى إضافة المرة إلى أجل معيّن ، فلا بدّ من ردها والعمدة على ما دل على كون الأجل شرطا في صحة العقد المنقطع.
(1) بالمتعة.
(2) بلا خلاف فيه ، بل تبين المتمتع بها بانقضاء المدة للأخبار :
منها : خبر زرارة (عدة المتعة خمسة وأربعون يوما كأني انظر إلى أبي جعفر عليه السلام يعقد بيده خمسة وأربعين ، فإذا جاز الأجل كانت فرقة بغير طلاق) (4) ، وخبره الآخر عن أبي جعفر عليه السلام في حديث (فإذا جاء الأجل يعني في المتعة كانت فرقة بغير طلاق) (5) ، وصحيح محمد بن إسماعيل بن بزيع عن أبي الحسن الرضا عليه السلام (قلت له : الرجل يتزوج المرأة متعة سنة أو أقل أو أكثر ، قال : إذا كان شيئا معلوما إلى أجل معلوم ، قلت : وتبين بغير طلاق؟ قال : نعم) (6) ، هذا وفي حكم انقضاء المدة هبته إياها ، فيقوم ذلك مقام الطلاق إذا أراد تعجيل البينونة.
(3) الايلاء لغة الحلف وشرعا هو الحلف على ترك الوطء للزوجة أكثر من أربعة أشهر ، لا يقع بها ايلاء على المشهور ، لقوله تعالى : ( لِلَّذِينَ يُؤْلُونَ مِنْ نِسٰائِهِمْ تَرَبُّصُ أَرْبَعَةِ أَشْهُرٍ ، فَإِنْ فٰاؤُ فَإِنَّ اللّٰهَ غَفُورٌ رَحِيمٌ ، وَإِنْ عَزَمُوا الطَّلٰاقَ فَإِنَّ اللّٰهَ سَمِيعٌ عَلِيمٌ ) (7) ، والعزم على -
ص: 381
الطَّلٰاقَ ) (1) وليس في المتعة طلاق ، ولأن من لوازم الإيلاء المطالبة بالوطء وهو منتف في المتعة ، وبانتفاء اللازم ينتفي الملزوم ، وللمرتضى رحمه الله ، قول بوقوعه بها (2) ، لعموم لفظ النساء (3) ، ودفع بقوله تعالى : ( وَإِنْ عَزَمُوا الطَّلٰاقَ ) (4) فإن عود الضمير إلى بعض العام يخصصه.
(ولا لعان (5) إلا في القذف بالزنا) على قول المرتضى والمفيد استنادا إلى أنها
______________________________________________________
- الطلاق دليل على أن المولى منها قابلة للطلاق ، وهذا مختص بالدائمة ، والمتمتع بها ليست كذلك ، ولأن من لوازم الإيلاء المطالبة بالوطء وهو منتف في المتعة ، وانتفاء اللازم يدل على انتفاء الملزوم.
وعن المرتضى وقوع الإيلاء بها لعموم قوله تعالى : ( لِلَّذِينَ يُؤْلُونَ مِنْ نِسٰائِهِمْ ) (1) وهو جمع مضاف فهو من صيغ العموم ، وفيه : إنه مخصوص بقوله تعالى : ( وَإِنْ عَزَمُوا الطَّلٰاقَ ) (2) ، لأن عود الضمير إلى بعض أفراد العام يخصصه.
(1) البقرة آية : 227.
(2) أي بوقوع الايلاء بالمتعة.
(3) في قوله تعالى : ( لِلَّذِينَ يُؤْلُونَ مِنْ نِسٰائِهِمْ ) (3).
(4) البقرة آية : 227.
(5) لا لعان في المتعة لنفي الولد على المشهور ، وعن الجامع لابن سعيد وقوعه بها ، وهو ضعيف لصحيح ابن أبي يعفور عن أبي عبد الله عليه السلام (لا يلاعن الرجل المرأة التي يتمتع بها) (4) ، وصحيح ابن سنان عنه عليه السلام (لا يلاعن الحر الأمة ولا الذمية ولا التي يتمتع بها) (5) ، ومثلها غيرها ، وكذا لا لعان مع القذف لنفس الأخبار المتقدمة ، وعن الشيخ والسيد وقوعه بها مع القذف لعموم الآية وهي قوله تعالى : ( وَالَّذِينَ يَرْمُونَ أَزْوٰاجَهُمْ وَلَمْ يَكُنْ لَهُمْ شُهَدٰاءُ إِلّٰا أَنْفُسُهُمْ فَشَهٰادَةُ أَحَدِهِمْ أَرْبَعُ شَهٰادٰاتٍ بِاللّٰهِ إِنَّهُ لَمِنَ الصّٰادِقِينَ ) (6) وفيه : قد ثبت في محله جواز تخصيص الكتاب بالخبر الواحد ، وما تقدم من الأخبار يصلح لتخصيص عموم الآية.
ص: 382
زوجة فيقع بها اللعان ، لعموم قوله تعالى : ( وَالَّذِينَ يَرْمُونَ أَزْوٰاجَهُمْ ) فإن الجمع المضاف يعمّ ، وأجيب بأنه مخصوص بالسنة ، لصحيحة ابن سنان عن الصادق عليه السلام «لا يلاعن الحر الأمة ، ولا الذمية ، ولا التي يتمتع بها». ومثله رواية (1) علي بن جعفر عليه السلام عن أخيه موسى عليه السلام. ولا قائل بالفرق بين الحر والعبد ، فالقول بعدم وقوعه مطلقا (2) قوي.
وأما لعانها لنفي الولد فمنفي إجماعا ، ولانتفائه (3) بدونه.
(ولا توارث) بينهما(إلا مع شرطه) (4).
______________________________________________________
(1) الوسائل الباب - 5 - من كتاب اللعان حديث 11.
(2) سواء كان الزوج حرا أم عبدا.
(3) أي انتفاء الولد بمجرد النفي في المتعة بدون لعان وقد تقدم بحثه.
(4) اختلف الأصحاب في ثبوت التوارث في المتعة على أقوال :
الأول : ثبوت التوارث في المنقطع كالدائم ، بل ولو شرط سقوطه بطل الشرط كما لو شرط عدمه في الدائم لعموم قوله تعالى : ( وَلَكُمْ نِصْفُ مٰا تَرَكَ أَزْوٰاجُكُمْ - إلى قوله تعالى - وَلَهُنَّ الرُّبُعُ مِمّٰا تَرَكْتُمْ ) (1).
الثاني : عكسه وهو عدم التوارث في المنقطع حتى لو شرط ، وهو مختار الحلي وأبي الصلاح والعلامة في أحد قوليه وفخر المحققين والمحقق الثاني ، وفي الحدائق إنه مذهب أكثر المتأخرين ، لصحيح سعيد بن يسار عن أبي عبد الله عليه السلام (سألته عن الرجل يتزوج المرأة متعة ولم يشترط الميراث ، قال : ليس بينهما ميراث ، اشترط أو لم يشترط) (2) ، ومرسل الكليني (وروي أنه ليس بينهما ميراث اشترط أو لم يشترط) (3).
الثالث : إن أصل العقد لا يقتضي التوارث ، ولكن باشتراطه يثبت ، ذهب إليه الشيخ وأتباعه إلا القاضي أبو الصلاح ، وبه قطع المحقق والشارح ، بل كاد أن يكون مشهورا لصحيح محمد بن مسلم (سألت أبا عبد الله عليه السلام : كم المهر؟ يعني في المتعة ، فقال : ما تراضيتما عليه - إلى أن قال - وإن اشترط الميراث فهما على شرطهما) (4) ، وصحيح البزنطي عن الرضا عليه السلام (تزويج المتعة نكاح بميراث ، ونكاح بغير ميراث ، إن اشترطت كان وإن لم تشترط لم يكن) (5). -
ص: 383
في العقد (1) ، فيثبت (2) على حسب ما يشترطانه (3) ، أما انتفاؤه (4) بدون الشرط فللأصل (5) ، ولأن الإرث حكم شرعي فيتوقف ثبوته على توظيف الشارع ولم يثبت هنا ، بل الثابت خلافه كقول الصادق عليه السلام في صحيحة (6) محمد بن مسلم : «من حدودها - يعني المتعة - : أن لا ترثك ، ولا ترثها» ، وأما ثبوته معه (7) فلعموم «المؤمنون عند شروطهم» (8) وقول الصادق عليه السلام في صحيحة محمد بن مسلم «إن اشترطا الميراث فهما على شرطهما» ، وقول الرضا عليه الصلاة والسلام في حسنة (9) البزنطي «إن اشترط الميراث كان ، وإن لم يشترط لم يكن».
______________________________________________________
- الرابع : عكسه وهو أن أصل العقد في المنقطع يقتضي التوارث ما لم يشترطا سقوطه وإليه ذهب المرتضى وابن أبي عقيل لموثق محمد بن مسلم عن أبي جعفر عليه السلام (في الرجل يتزوج المرأة متعة قال : إنهما يتوارثان إذا لم يشترطا ، وإنما الشرط بعد النكاح) (1).
والأظهر هو الثالث بعد اعراض المشهور عن أخبار بقية الأقوال.
(1) أي عقد المتعة.
(2) أي الإرث.
(3) من الطرفين أو من طرف واحد.
(4) أي الارث.
(5) وهو أن مطلق الزوجية لا يقتضي استحقاق الإرث ، فإن من الزوجات من ترث ، ومنهن من لا ترث كالذمية.
(6) لم أعثر على هذه الرواية ، بل الموجود في الوسائل خبر عبد الله بن عمرو (سألت أبا عبد الله عليه السلام عن المتعة فقال : حلال لك من الله ورسوله ، قلت : فما حدّها؟ قال : من حدودها أن لا ترثها ولا ترثك) (2).
(7) أي ثبوت التوارث مع الشرط.
(8) الوسائل الباب - 20 - من أبواب المهور حديث - 4 -.
(9) وصفها بالحسنة لاشتمال السند على إبراهيم بن هاشم ، وقال الشارح في المسالك عن الخبر (من أجود طرق الحسن ، لأن فيه من غير الثقات إبراهيم بن هاشم القمي ، وهو جليل القدر كثير العلم والرواية ، ولكن لم ينصوا على توثيقه مع المدح الحسن فيه) انتهى ، وقد عرفت أنه من شيوخ الإجازة وهذا ما يغني عن الوثاقة ، فلذا وصفنا الخبر بالصحيح.
ص: 384
وفي المسألة أقوال أخر مأخذها أخبار (1) ، أو اطلاقات (2) لا تقاوم هذه (3).
أحدها : التوارث مطلقا (4).
وثانيها : عدمه مطلقا (5).
وثالثها : ثبوته (6) مع عدم شرط عدمه (7).
والأظهر مختار المصنف (8). ثم إن شرطاه لهما فعلى ما شرطاه (9) ، أو لأحدهما خاصة احتمل كونه كذلك (10) عملا بالشرط ، وبطلانه (11) لمخالفته مقتضاه (12) ، لأنّ الزوجية إن اقتضت الإرث وانتفت موانعه ثبت من الجانبين ، وإلّا انتفى منهما.
(ويقع بها الظهار) على أصح القولين (13) ، لعموم الآية فإنّ المستمتع بها
______________________________________________________
(1) كالأخبار التي هي مستند القول الثاني والرابع.
(2) كإطلاق الآية الذي هو مستند القول الأول.
(3) أي هذه الصحيحة التي هي مستند القول الثالث.
(4) اشترط الثبوت أو العدم أو لا كما هو القول الأول المتقدم في شرحنا.
(5) اشترط الإرث أو عدمه أو لا ، كما هو القول الثاني المتقدم.
(6) أي ثبوت الارث.
(7) كما هو القول الرابع المتقدم.
(8) كما هو القول الثالث المتقدم في شرحنا.
(9) من ثبوت الارث على حسب قاعدة الشرع للجانبين.
(10) أي على ما شرط لأحدهما.
(11) أي ويحتمل بطلانه.
(12) أي لمخالفة الشرط لمقتضى العقد المشروط.
(13) بل على المشهور لإطلاق قوله تعالى : ( وَالَّذِينَ يُظٰاهِرُونَ مِنْ نِسٰائِهِمْ ثُمَّ يَعُودُونَ لِمٰا قٰالُوا فَتَحْرِيرُ رَقَبَةٍ مِنْ قَبْلِ أَنْ يَتَمَاسّٰا ) (1) ، ولا ريب في شمول النساء للمتمتع بها مع عدم المخصص ، وعن الصدوق والحلي والعلامة عدم الوقوع لأصالة بقاء الحلية والاباحة ، ولأن الظهار على خلاف الأصل فيقتصر فيه على موضع اليقين وهو الدائم ، ولأن الظهار
ص: 385
زوجة ولم تخص ، بخلاف ما سبق (1) ، وذهب جماعة إلى عدم وقوعه بها (2) ، لقول الصادق عليه الصلاة والسلام : «الظهار مثل الطلاق» ، والمتبادر من المماثلة أن يكون في جميع (3) الأحكام ، ولأنّ المظاهر يلزم بالفئة (4) ، أو الطلاق. وهو (5) هنا متعذر ، والإلزام بالفئة وحدها بعيد (6) ، وبهبة المدة بدل الطلاق أبعد (7).
ويضعّف بضعف الرواية وإرسالها ، والمماثلة لا تقتضي العموم (8) والإلزام بأحد الأمرين (9) جاز (10) أن يختص بالدائم ويكون أثر الظهار هنا (11) وجوب اعتزالها كالمملوكة.
______________________________________________________
- مختص بالدائم لأن من أحكامه إلزام المظاهر بالرجوع إما بالوطء أو الطلاق ، وليس للمتمتع بها حق في الوطء ولا يقع بها طلاق ، ولمرسل ابن فضال عمن أخبره عن أبي عبد الله عليه السلام (لا يكون الظهار إلا على مثل موضع الطلاق) (1).
ونوقش الثاني بأنه لا معنى لأصالة البقاء ولا للاقتصار على المتيقن مع إطلاق الآية المتقدمة ، والخبر مرسل وابن فضال فطحي واقفي ، على أنه يمكن حمله من اعتبار وقوع الظهار على طهر بغير جماع بشهادة شاهدين كمثل الطلاق ، وهذا أجنبي عن محل النزاع.
وأما دعوى كون الظهار مختصا بالدائم فمردودة لأن أدلة تشريعه مطلقة وإن كانت أحكامه بالرجوع من طلاق أو وطء مختصة بالدائم ، ويبقى أثر الظهار في المتمتع بها باقيا كوجوب اعتزال الأمة.
(1) من اللعان والايلاء والارث ، فأدلتها مخصصة لوجود الأخبار المنتفية في المقام.
(2) أي إلى عدم وقوع الظهار بالمتعة.
(3) وكما لا يقع الطلاق في المنقطع فكذا الظهار.
(4) أي بالرجوع والجماع بعد الكفارة.
(5) أي الطلاق.
(6) على أن الوطء هنا غير واجب.
(7) لأن إقامة هبة المدة في المنقطع مقام الطلاق قياس لا نقول به.
(8) إذ يمكن أن يكون الظهار كالطلاق في الشرائط.
(9) من الفئة أو الطلاق.
(10) في محل رفع خبر لمبتدإ وهو (الإلزام).
(11) في المتعة.
ص: 386
(وعدتها) مع الدخول إذا انقضت مدتها ، أو وهبها(حيضتان) (1) إن كانت
______________________________________________________
(1) إذا دخل الزوج بالمتمتع بها ثم انقضت مدتها أو وهبها إياها ، وكانت غير يائسة وهي ممن يحيض فيجب عليها الاعتداد ، وقد اختلف في تقديرها بسبب اختلاف الروايات على أقوال :
الأول : إن عدتها حيضتان وإليه ذهب الشيخ في الهداية وابن البراج وسلّار ، والمحقق في الشرائع وجماعة لصحيح إسماعيل بن الفضل عن أبي عبد الله عليه السلام (قال : سألت أبا عبد الله عليه السلام عن المتعة فقال : الق عبد الملك بن جريح فسله عنها ، فإن عنده منها علما ، فلقيته فأملى عليّ شيئا كثيرا في استحلالها ، وكان فيما روى لي فيها - إلى أن قال - وعدتها حيضتان ، وإن كانت لا تحيض فخمسة وأربعون يوما ، قال : فأتيت بالكتاب أبا عبد الله عليه السلام فقال : صدق وأقرّ به) (1) ، وخبر أبي بصير - المروي في تفسير العياشي عن أبي جعفر عليه السلام (نزلت هذه الآية : ( فَمَا اسْتَمْتَعْتُمْ بِهِ مِنْهُنَّ فَآتُوهُنَّ أُجُورَهُنَّ فَرِيضَةً ) - إلى أن قال - وعدتها حيضتان) (2). وقد استدل الشارح على هذا القول على ما في المسالك والروضة بخبر محمد بن الفضيل عن أبي الحسن عليه السلام (طلاق الأمة تطليقتان وعدتها حيضتان) (3) ، مع ضميمة صحيح زرارة عن أبي جعفر عليه السلام (وكذلك المتعة عليها مثل ما على الأمة) (4) لما في الوسائل ، وفي المسالك (إن على المتعة ما على الأمة) ، وفي الجواهر وغيرها (إن على المتمتعة ما على الأمة) ، وعلى كل فالجمع بين الروايتين يفيد أن عدة المتعة حيضتان كعدة الأمة.
الثاني : إن عدتها طهران وإليه ذهب المفيد وابن إدريس والعلامة في المختلف وغيرهم ، لصحيح زرارة عن أبي جعفر عليه السلام في حديث (وإن كان حر تحته أمة فطلاقه تطليقتان وعدّتها قرءان) (5) ، مع ضميمة ما تقدم من أن عدة المتمتع بها هي عدة الأمة ، فضلا عن كون المراد بالقرء في العدد هو الطهر كما سيجي ء بيانه في كتابه الطلاق.
الثالث : إنها حيضة وإليه ذهب ابن أبي عقيل لصحيح زرارة عن أبي عبد الله عليه السلام (عدة المتمتعة إن كانت تحيض فحيضة ، وإن كانت لا تحيض فشهر ونصف) (6) ، وخبر -
ص: 387
ممن تحيض ، لرواية محمد بن الفضيل عن أبي الحسن الماضي (1) عليه السلام قال : «طلاق الأمة تطليقتان وعدتها حيضتان» وروى زرارة في الصحيح عن الباقر عليه السلام : «أن على المتمتعة ما على الأمة» (2).
وقيل : عدتها قرءان ، وهما (3) طهران ، لحسنة زرارة (4) عن الباقر عليه السلام : «وإن كان حرّ تحته أمة فطلاقها تطليقتان وعدتها قرءان» مضافة إلى صحيحة زرارة (5).
والأول أحوط (6). وعليه (7) لو انقضت أيامها ، أو وهبها في أثناء الحيض لم يحسب ما بقي منه (8) لأنّ الحيضة لا تصدق على بعضها ، وإن احتسب ما بقي من
______________________________________________________
- البزنطي عن الرضا عليه السلام (قال أبو جعفر عليه السلام : عدة المتعة حيضة) (1).
الرابع : إنها حيضة ونصف وإليه ذهب الصدوق في المقنع لصحيح عبد الرحمن بن الحجاج (سألت أبا عبد الله عليه السلام عن المرأة يتزوجها الرجل متعة ثم يتوفى عنها هل عليها العدة؟ فقال عليه السلام : تعتدّ أربعة أشهر وعشرا ، وإذا انقضت أيامها وهو حيّ فحيضة ونصف مثل ما يجب على الأمة) (2).
والأشهر هو الأول مؤيدا بما دل على أن المتمتع بها كالأمة كصحيح عبد الرحمن المتقدم وغيره.
(1) وهو الإمام موسى الكاظم عليه السلام.
(2) فخبر ابن الفضيل كالصغرى ، وهذا الخبر كالكبرى.
(3) احتراز عن كون القرء بمعنى الحيض.
(4) وصفها بالحسنة لاشتمال سندها على إبراهيم بن هاشم الذي لم يمدح ولم يذم ، وقد عرفت أكثر من مرة أنه من شيوخ الاجازة وهذا ما يغني عن التوثيق.
(5) المتقدمة وهي (أن على المتمتعة ما على الأمة) ، فتكون هذه كالكبرى وما قبلها كالصغرى.
(6) أي القول بكون العدة حيضتين ، وذلك لأن العدة بالحيضتين أطول من العدة بالطهرين ، فعلى الأول لا بد من حيضتين بعد انقضاء الأجل وهذا يستدعي حيضتين بينهما طهر غير الطهر الذي وقع فيه انقضاء الأجل ، بخلاف الثاني فيكفي الطهر الذي انقضى فيه الأجل وهذا يستدعي طهران بينهما صيغة وأحد الطهرين هو الذي انقضى فيه الأجل.
(7) أي على القول الأول.
(8) من الحيض ، فلا يحسب حيضة ، لتبادر الجميع منها.
ص: 388
الطهر طهرا (1).
(ولو استرابت) بأن لم تحض وهي في سن من تحيض(فخمسة وأربعون يوما) وهو موضع وفاق (2). ولا فرق فيهما (3) بين الحرة والأمة(وتعتد (4) من الوفاة بشهرين وخمسة أيام إن كانت أمة (5) ،)
______________________________________________________
(1) إذا انقضت أيامها أو وهبها إياها في أثناء الطهر ، وهذا على القول الثاني.
(2) بلا خلاف فيه للأخبار :
منها : خبر البزنطي عن الرضا عليه السلام (قال أبو جعفر عليه السلام : عدة المتعة خمسة وأربعون يوما ، والاحتياط خمسة وأربعون ليلة) (1) والمعنى أن عدتها خمسة وأربعون يوما بلياليها ، وخبره الآخر المروي في قرب الاسناد عن الرضا عليه السلام (قال أبو جعفر عليه السلام : عدة المتعة حيضة ، وقال : خمسة وأربعون يوما لبعض أصحابه) (2) ، وخبر عبد الله بن عمرو عن أبي عبد الله عليه السلام في حديث في المتعة (قلت : فكم عدتها؟ فقال : خمسة وأربعون يوما أو حيضة مستقيمة) (3) ، هذا ولا فرق بين الحرة والأمة في هذه العدة للإطلاق ، بعد كون عدة المتمتع بها هي عدة الأمة.
(3) في عدة من تحيض وعدة المسترابة.
(4) أي المتمتع بها.
(5) إذا مات زوج المتمتع بها ، وكانت أمة وكانت حائلا فعدتها شهران وخمسة أيام على المشهور للأخبار.
منها : خبر أبي بصير عن أبي عبد الله عليه السلام (عدة الأمة التي يتوفى عنها زوجها شهران وخمسة أيام) (4) ، وصحيح محمد بن مسلم وجميل بن دراج عن أبي عبد الله عليه السلام (الأمة إذا توفى عنها زوجها فعدتها شهران وخمسة أيام) (5) ، وصحيح محمد بن قيس عن أبي جعفر عليه السلام (سمعته يقول : طلاق العبد للأمة تطليقتان ، وأجلها حيضتان إن كانت تحيض ، وإن كانت لا تحيض فأجلها شهر ونصف ، وإن مات عنها زوجها فأجلها نصف أجل الحرة شهران وخمسة أيام) (6) ومثلها غيرها وهي تشمل الدائم والمتمتع بها.
وعن ابن إدريس والعلامة في المختلف وجماعة أنها كالحرة لصحيح زرارة (سألت أبا -
ص: 389
(وبضعفها (1) إن كانت حرة).
ومستند ذلك (2) الأخبار الكثيرة الدالة على أن عدة الأمة من وفاة زوجها شهران وخمسة أيام والحرة ضعفها من غير فرق بين الدوام والمتعة ، وتزيد (3) الأمة هنا (4) بخصوصها مرسلة علي بن أبي شعبة الحلبي عن أبي عبد الله عليه السلام في
______________________________________________________
- جعفر عليه السلام : ما عدة المتعة إذا مات عنها الذي تمتع بها؟ قال : أربعة أشهر وعشرا ، ثم قال : يا زرارة كل النكاح إذا مات الزوج فعلى المرأة حرة كانت أو أمة ، وعلى أي وجه كان النكاح منه متعة أو تزويجا أو ملك يمين فالعدة أربعة أشهر وعشرا) (1) ، ويؤيده صحيح زرارة عن أبي جعفر عليه السلام (إن الأمة والحرة كليتهما إذا مات عنها زوجها سواء في العدة ، إلا أن الحرة تحدّ والأمة لا تحدّ) (2) ، وخبر سليمان بن خالد عن أبي عبد الله عليه السلام (عدة المملوكة المتوفى عنها زوجها أربعة أشهر وعشرا) (3) ، وحملها الشيخ على كون الأمة ذات ولد فتعتد عدة الحرة ، وفيه : إن الأخبار غير ظاهرة في هذا الحمل ، والعمدة فيها على صحيح زرارة ولكنه لا يصلح لمعارضة ما تقدم لكثرته.
(1) وهو أربعة أشهر وعشرة أيام ، وهي عدة الحائل الحرة المتمتع بها إذا مات عنها زوجها على المشهور لصحيح ابن الحجاج (سألت أبا عبد الله عليه السلام عن المرأة يتزوجها الرجل متعة ثم يتوفى عنها زوجها ، هل عليها العدة؟ فقال : تعتدّ أربعة أشهر وعشرا) (4) ، ولصحيح زرارة المتقدم.
وعن العماني والمفيد والمرتضى وسلّار أن عدتها شهران وخمسة أيام لخبر ابن أبي شعبة الحلبي عن أبيه عن رجل عن أبي عبد الله عليه السلام (سألته عن رجل تزوج امرأة متعة ثم مات عنها ما عدتها؟ قال : خمسة وستون يوما) (5).
وهو مرسل وفي طريقه علي بن الحسين الطاطري وهو ضعيف واقفي شديد التعصب على من خالفه من الإمامية ومعارض بما تقدم من الصحيح فيتعين طرحه ، وإلا فيحمل على الأمة على قاعدة الجمع مهما أمكن أولى من الطرح وإن لم يكن ظاهرا في ذلك.
(2) أي الحكم المذكور من عدة الوفاة في الأمة والحرة.
(3) أي تزيد في مقام الاستدلال على الدليل السابق.
(4) أي في حكم المتعة في عدة الوفاة.
ص: 390
رجل تزوج امرأة متعة ثم مات عنها ما عدتها؟ قال : «خمسة وستون يوما» بحملها على الأمة جمعا.
وقيل : إن عدتها أربعة أشهر وعشرا مطلقا (1) ، لصحيحة زرارة عن الباقر عليه الصلاة والسلام قال : سألته ما عدة المتمتعة إذا مات عنها الذي تمتع بها قال : «أربعة أشهر وعشرا» ، ثم قال : يا زرارة كل النكاح إذا مات الزوج فعلى المرأة حرة كانت ، أو أمة وعلى أي وجه كان النكاح منه متعة ، أو تزويجا ، أو ملك يمين فالعدة أربعة أشهر وعشرا» ، وصحيحة عبد الرحمن بن الحجاج عن الصادق عليه السلام قال : سألته عن المرأة يتزوجها الرجل متعة ثم يتوفى عنها زوجها هل عليها العدة فقال : «تعتد أربعة أشهر وعشرا».
ويشكل بأن هذه (2) مطلقة فيمكن حملها على الحرة جمعا (3) ، وصحيحة زرارة تضمنت أن عدة الأمة (4) في الدوام كالحرة ولا قائل به (5) ، ومع ذلك (6) معارضة بمطلق الأخبار الكثيرة الدالة على أنّ عدة الأمة في الوفاة على نصف الحرة (7) ، وبأن كونها (8) على النصف (9) في الدوام (10) يقتضي أولويته (11) في المتعة ، لأن عدتها (12)
______________________________________________________
(1) سواء كانت حرة أم أمة ، ففي الحرة هو المشهور ، وفي الأمة هو قول غير المشهور.
(2) وهي صحيحة عبد الرحمن.
(3) بينها وبين ما دل على أن عدة الأمة المتوفى عنها زوجها شهران وخمسة أيام وهو قول المشهور.
(4) أي عدة الوفاة للأمة وكان العقد دائما كعدة الحرة في الدوام وأنها أربعة أشهر وعشرا.
(5) وفيه : إن القائل به الصدوق وابن إدريس على ما صرح به الشارح في المسالك في بحث العدد فراجع.
(6) أي مع عدم القائل بهذا القول الذي تدل عليه صحيح زرارة.
(7) كصحيح محمد بن قيس وصحيح محمد بن مسلم وجميل وخبر أبي بصير المتقدمة.
(8) أي كون الأمة.
(9) أي نصف الحرة.
(10) كما سيأتي في بحث العدد.
(11) أولوية التنصيف.
(12) أي عدة المتعة.
ص: 391
أضعف في كثير من أفرادها (1) ونكاحها (2) أضعف (3) فلا يناسبها (4) أن تكون أقوى (5). وهذه (6) مخالفة أخرى في صحيحة زرارة للأصول (7) ، وإن كان العمل بها (8) أحوط (9).
(ولو كانت (10) حاملا فبأبعد الأجلين) من أربعة أشهر وعشرة (11) أو شهرين وخمسة (12) ، ومن وضع الحمل (13) (فيهما) أي في الحرة والأمة. أما إذا
______________________________________________________
(1) أي من أفراد العدة.
(2) أي نكاح المتعة.
(3) أي أضعف من الدائم ولذا لا تجب النفقة ولا القسمة وينتفى ولدها بغير لعان ، ولا حصر لها في عدد وهكذا.
(4) أي المتعة.
(5) بحيث تكون عدتها كعدة الدوام في الوفاة.
(6) أي اقوائية المتعة بحيث تساوي عدتها عدة الدوام في الوفاة.
(7) فهي تخالف الاقوائية وأولوية التنصيف.
(8) بصحيحة زرارة.
(9) لأن المشهور على كون عدة الأمة في المتعة شهران وخمسة أيام ، وهي تدل على أن عدتها ضعف ذلك.
(10) أي المتمتع بها والبحث في عدة وفاة زوجها.
(11) إذا كانت حرة.
(12) إذا كانت أمة ، وهذا هو الأجل الأول.
(13) وهذا هو الأجل الثاني ، بلا خلاف في ذلك كله لإطلاق الأخبار.
منها : صحيح الحلبي عن أبي عبد الله عليه السلام (أنه قال في الحامل المتوفى عنها زوجها : تنقضي عدتها آخر الأجلين) (1) ، وموثق سماعة (المتوفى عنها زوجها الحامل أجلها آخر الأجلين ، إن كانت حبلى فتمت لها أربعة أشهر وعشرا ولم تضع فإن عدتها إلى أن تضع ، وإن كانت تضع حملها قبل أن يتم لها أربعة أشهر وعشرا تعتدّ بعد ما تضع تمام أربعة أشهر وعشر ، وذلك أبعد الأجلين) (2) ومثلها غيرها. وهي مطلقة تشمل المتوفى عنها زوجها وهي حامل سواء كان عقدها متعة أو دائما.
ص: 392
كانت الأشهر أبعد فظاهر (1) ، للتحديد بها (2) في الآية (3) ، والرواية (4). وأما إذا كان الوضع أبعد فلامتناع الخروج من العدة مع بقاء الحمل (5).
(الفصل الخامس - في نكاح الإماء) (6)
بكسر الهمزة مع المدّ ، جمع أمة بفتحها(لا يجوز للعبد ، ولا للأمة أن يعقدا لأنفسهما نكاحا إلا بإذن المولى (7).)
______________________________________________________
(1) في أن العدة لا تنقضي إلا بمضي الأشهر.
(2) أي لتحديد عدة الوفاة بالأشهر.
(3) وهي قوله تعالى : ( وَالَّذِينَ يُتَوَفَّوْنَ مِنْكُمْ وَيَذَرُونَ أَزْوٰاجاً يَتَرَبَّصْنَ بِأَنْفُسِهِنَّ أَرْبَعَةَ أَشْهُرٍ وَعَشْراً ) (1).
(4) وهي صحيح عبد الرحمن بن الحجاج المتقدم ، وكذا صحيح زرارة.
(5) لأن الحمل أثر ماء الميت ، ولا يقصد بالعدة إلا مراعاته فلا تنقضي مع وجوده ، ولقوله تعالى : ( وَأُولٰاتُ الْأَحْمٰالِ أَجَلُهُنَّ أَنْ يَضَعْنَ حَمْلَهُنَّ ) (2).
(6) وكذا العبيد.
(7) قد تقدم عند الكلام في صيغة النكاح الخلاف في أن عقد النكاح إذا وقع فضولا هل يقع باطلا أو موقوفا على الاجازة ، ومن قال ببطلانه ثمة قال ببطلانه هنا ، ومن قال بوقوعه موقوفا اختلف فيه هنا.
فالأكثر على أن عقد نكاح العبد أو الأمة يقع موقوفا على إجازة السيد ، فإن أجاز «صح وإلا بطل ويدل عليه صحيح زرارة عن أبي جعفر عليه السلام (سألته عن مملوك تزوج بغير إذن سيده ، فقال : ذاك إلى سيده إن شاء أجازه ، وإن شاء فرّق بينهما ، قلت : أصلحك الله أن الحكم بن عيينة وإبراهيم النخعي وأصحابهما يقولون : إن أصل النكاح فاسد ، ولا تحلّ إجازة السيد له ، فقال أبو جعفر عليه السلام : إنه لم يعص الله ، وإنما عصى سيده ، فإذا أجازه فهو له جائز) (3) ، وخبره الآخر عن أبي جعفر عليه السلام (سألته عن رجل تزوج عبده امرأة بغير إذنه فدخل بها ثم اطّلع على ذلك مولاه ، قال : ذاك لمولاه إن شاء فرّق -
ص: 393
.................................................................................................
______________________________________________________
- بينهما ، وإن شاء أجاز نكاحهما ، فإن فرّق بينهما فللمرأة ما أصدقها ، إلا أن يكون قد اعتدى فأصدقها صداقا كثيرا ، وإن أجاز نكاحه فهما على النكاح الأول ، فقلت لأبي جعفر عليه السلام : فإن أصل النكاح كان عاصيا ، فقال أبو جعفر عليه السلام : إنما أتى شيئا حلالا وليس بعاص لله ، إنما عصى سيده ولم يعص الله ، إن ذلك ليس كإتيان ما حرّم الله عليه من نكاح في عدّة وأشباهه) (1).
هذا ولو أجاز السيد انكشف صحة العقد من حين وقوعه ، وإلا انكشف بطلانه. وعن الشيخ في النهاية وتبعه ابن البراج في المهذب أن إجازة المالك كالعقد المستأنف حيث قال الشيخ في النهاية على ما حكي عنه (إن من عقد على أمة الغير بغير إذنه فنكاحه باطل ، فإن رضي المولى كان رضاه كالعقد المستأنف) ولو أريد من البطلان التزلزل كما عن النكت للمحقق والمختلف للعلامة أو أريد من البطلان بطلانه عند عدم رضا المولى لكان موافقا للمشهور وإلا كان واضح الفساد بعد عدم بطلان عقد الفضولي من رأس ، هذا من جهة ومن جهة ثانية جعل الرضا كالعقد المستأنف ظاهر في كون الاجازة ناقلة لا كاشفة ، وقد تقدم البحث في البيع أنها كاشفة.
وعن ابن إدريس القول ببطلان الفضولي هنا في العبد والأمة لو وقع بغير إذن السيد إما لبطلان عقد الفضولي في النكاح وغيره ، وإما لبطلان عقد الفضولي في النكاح فقط ، وإما لبطلان عقد الفضولي في نكاح العبد والأمة فقط وإن جوزنا العقد الفضولي في غيرهما ، وقد تقدم دليله في المسألة السادسة من مسائل كتاب النكاح.
وعن ابن حمزة الفرق بين نكاح العبد والأمة بغير إذن المولى ، فيقف الأول على الإذن دون الثاني فإنه باطل ولو أذن المولى ، أما دليله على الصحة في عقد العبد فلصحيح زرارة المتقدم الدال على توقف تزويج المملوك على إجازة سيده ، وهو ظاهر في الذكر ، وأما دليله على البطلان في عقد الأمة للنهي عن ذلك في الأخبار.
منها : خبر أبي العباس البقباق (قلت لأبي عبد الله عليه السلام : يتزوج الرجل بالأمة بغير علم أهلها؟ قال : هو زنا ، إن الله يقول : ( فَانْكِحُوهُنَّ بِإِذْنِ أَهْلِهِنَّ ) ) (2) ، وخبر الفضل بن عبد الملك (سألت أبا عبد الله عليه السلام عن الأمة تزوّج بغير إذن مواليها ، فقال : يحرم ذلك عليها وهو زنا) (2) ، وخبر أبي بصير عن أبي عبد الله عليه السلام (سأله عن نكاح الأمة فقال عليه السلام : لا يصلح نكاح الأمة إلا بإذن مولاها) (4) فالتنصيص على أنه زنا مع النهي -
ص: 394
(لأنهما ملك له) فلا يتصرفان (1) في ملكه بغير إذنه لقبحه (2) ، (أو اجازته) (3) لعقدهما لو وقع بغير إذنه على أشهر القولين ، لحسنة (4) زرارة عن الباقر عليه السلام قال : سألته عن مملوك تزوج بغير إذن سيده قال : «ذاك إلى السيد إن شاء أجاز ، وإن شاء فرّق بينهما».
وعلى هذا (5) فتكون الإجازة كاشفة عن صحته (6) من حين ايقاعه ، كغيره من العقود الفضولية.
وقيل : بل يكون العقد كالمستأنف.
وقيل يقع باطلا. إما بناء على بطلان العقد الفضولي مطلقا (7) ، أو بطلان نكاح الفضولي مطلقا (8) ، أو بطلان هذا (9) بخصوصه ، نظرا (10) إلى أنه منهي عنه ، لقبح التصرف في ملك الغير فيكون فاسدا ، ولما روي (11) عن النبي صلى الله عليه وآله وسلم : «أيما مملوك تزوج بغير إذن مولاه فنكاحه باطل». وكلية الكبرى (12) والسند ممنوعان (13).
______________________________________________________
- عنه الدال على الفساد مما يفيد بطلان العقد من رأس ولا تنفعه الإجازة فيما بعد.
وفيه : إن لفظ المملوك شامل للذكر والأنثى فصحيح زرارة الدال على صحة العقد الموقوف على الاجازة دال على الحكمين ، وأما هذه الأخبار الواردة في الأمة فهي ظاهرة أو محمولة جمعا على ما لو صدر العقد ولم يتعقبه الإذن.
(1) أي العبد والأمة.
(2) أي لقبح التصرف في مال الغير بغير إذنه.
(3) الإذن هو الإجازة السابقة على العقد ، والاجازة هي الإذن اللاحق وعليه فلا يقع العقد باطلا إلا إذا نهى أو ردّ.
(4) بل هي صحيحة لاشتمال سندها على إبراهيم بن هاشم الذي عرفت حاله.
(5) من وقوع العقد الفضولي من العبد والأمة موقوفا على الاجازة.
(6) أي صحة العقد من حين وقوعه.
(7) في البيع والنكاح وغيرهما.
(8) في العبد والحر.
(9) أي في العبد فقط.
(10) تعليل لبطلان خصوص العقد الفضولي في العبد.
(11) وهو من مرويات العامة ، وسنده مجهول على ما قيل.
(12) وهي أن كل نهي يقتضي الفساد.
(13) أما السند فقد عرفت ما فيه ، وأما الكبرى كل نهي يقتضي الفساد إلا في العبادات.
ص: 395
وقيل : تختص الإجازة بعقد العبد ، دون الأمة عملا بظاهر النص السابق (1) ، ورجوعا في غيره (2) إلى النهي المفيد للبطلان ، وكلاهما ممنوعان ، فإنّ المملوك يصلح لهما (3) ، والنهي لا يقتضيه (4) هنا.
وحيث يأذن المولى ، أو يجيز عقد العبد فالمهر ونفقة الزوجة عليه (5) ، سواء في ذلك كسب العبد ، وغيره (6) من سائر أمواله (7) ، على أصح القولين ، وله مهر أمته (8).
(وإذا كانا) أي الأبوان(رقّا فالولد رق) (9) ،
______________________________________________________
(1) وهو صحيح زرارة المتقدم الظاهر في العبد ، لأن المتبادر من المملوك ذلك.
(2) أي غير العبد.
(3) للعبد والأمة.
(4) أي لا يقتضي الفساد في المعاملات.
(5) على المولى ، وقد تقدم البحث في ذلك مفصلا في المسألة السابعة من مسائل النكاح.
(6) غير كسب العبد.
(7) أي أموال المولى.
(8) إذا أذن أو أجاز ، لأن الأمة ومنافعها له.
(9) إذا كان الأبوان رقا كان الولد كذلك ، بلا خلاف فيه ولا إشكال ، إذ لا وجه لحريته ، وإنما هو تابع لهما ، وعليه فإن كان الأبوان لمالك واحد فولدهما له ، لأنه نماء المال ، وهو تابع لأصله في الملكية ، وإن كان كل واحد من الأبوين لمالك فالولد بينهما نصفان ، لأنه نماء ملكهما ، ولا مزية لأحدهما على الآخر ، بخلاف باقي الحيوانات فالولد لمالك الأم ، والفرق بينهما أن النسب مقصود في الآدميين ، والولد تابع لأبويه في النسب بخلاف باقي الحيوانات فالنسب غير معتبر ، والنمو والتبعية لاحقان بالأم خاصة.
ومما يدل على كون الولد في مقامنا للمالكين أن العقد يقتضي إلحاق الأولاد بأبويهما المملوكين لاثنين ويشهد له نصوص تزويج العبد بالحرة وبالعكس ،
ومنها : خبر جميل بن دراج (سألت أبا عبد الله عليه السلام عن رجل تزوج بأمة فجاءت بولد ، قال عليه السلام : يلحق الولد بأبيه ، قلت : فعبد تزوج حرة ، قال عليه السلام : يلحق الولد بأمه) (1) ، وصحيح ابن سنان عن أبي عبد الله عليه السلام (في العبد يكون تحته الحرة ، قال عليه السلام : ولده أحرار ، فإن أعتق المملوك لحق بأبيه) (2) ومثلها غيرها. -
ص: 396
لأنه (1) فرعهما (2) وتابع لهما ويملكه المولى إن اتحد (3) ، وإن كان كل منهما (4) لمالك(يملكه الموليان (5) إن أذنا لهما) (6) في النكاح(أو لم يأذن أحدهما) أي كل (7) واحد منهما ، لأنه (8) نماء ملكهما فلا مزية لأحدهما على الآخر ، والنسب لاحق بهما (9) ، بخلاف باقي الحيوانات فإنّ النسب غير معتبر ، والنمو والتبعية فيه (10) لاحق بالأم خاصة (11) ، والنصّ (12) دال عليه (13) أيضا (14) ، والفرق به (15) أوضح(16).
______________________________________________________
- ووجه الاستدلال بها أنها ظاهرة في لحوق الولد بالحر من الأبوين باعتبار أشرفيته ، ومنها يعلم لحوق الولد بالأبوين عند عدم المزية ، إذا لم يكن أحدهما حرا.
هذا كله على المشهور وذهب أبو الصلاح أن الولد لمولى الأمة كغيره من الحيوانات ، ومما تقدم تعرف ضعفه.
ثم هذا كله إذا أذن كل من الموليين بالعقد ، أو لم يأذن كل منهما بالعقد ، وأما لو أذن أحدهما خاصة فسيأتي البحث فيه.
(1) أي الولد.
(2) أي فرع أبويه.
(3) أي المولى المالك لكل من الابوين.
(4) من الأبوين.
(5) مولى العبد الذي هو الزوج ومولى الأمة التي هي الزوجة.
(6) للأبوين.
(7) تفسير على خلاف ظاهر عبارة الماتن المتقدمة ، ولكن لا بدّ منه لأنه سيتكلم الماتن على إذن أحدهما خاصة دون الآخر.
(8) أي الولد.
(9) بالأبوين المملوكين.
(10) في باقي الحيوانات.
(11) فولد الحيوان يملكه مالك الأم.
(12) وقد عرفت أنه الأخبار الدالة على لحوق الولد بأشرف أبويه لأنه حر.
(13) على الفرق المتقدم.
(14) كما دل الاعتبار المتقدم على الفرق المذكور.
(15) بالنص.
(16) أي أوضح مما ذكر من أن النسب غير معتبر في الحيوانات بخلاف المملوك من الإنسان فإنه معتبر فيه.
ص: 397
(ولو أذن أحدهما) خاصة(فالولد لمن لم يأذن) (1) ، سواء كان (2) مولى الأب أم مولى الأم ، وعلّل (3) مع النص (4) بأن الآذن قد أقدم على فوات الولد منه ، فإنه (5) قد يتزوج بمن ليس برقّ فينعقد الولد حرا ، بخلاف من لم يأذن فيكون الولد له خاصة.
ويشكل الفرق (6) فيما لو انحصر إذن الآذن في وطء المملوكة (7) ، فإنه لم يضيع الولد حينئذ.
ويشكل الحكم (8) فيما لو اشترك أحدهما (9) بين اثنين (10) فأذن مولى
______________________________________________________
(1) قال سيد الرياض : (ولو أذن أحدهما كان للآخر الذي لم يأذن في ظاهر الأصحاب ، بل في المسالك ظاهرهم الاتفاق عليه وهو الحجة فيه لو تم ، دون النص المدّعى لعدم الوقوف عليه) انتهى ، وقال الشارح في المسالك : (وظاهرهم الاتفاق عليه ويظهر من بعضهم أنه منصوص ولم نقف عليه - إلى أن قال - فقد علّلوه بأن الإذن لمملوكه في التزويج مطلقا مقدم على فوات الولد منه ، لأنه قد يتزوج من ليس برق فينعقد الولد حرا ، بخلاف من لم يأذن فيكون الولد له خاصة) انتهى.
وفيه : أما دعوى ظهور الوفاق من الشارح غير مسلمة لعدم تعرض الجميع لهذا الفرع ، بل هو عدم ظهور الخلاف ، ومنه تعرف ضعف كون الوفاق هنا إجماعا ، وأما الإذن وأنه قد أسقط حقه في الولد بسببه لاحتمال تزوج المأذون حرا ففيه أنه يمكن فرض تزوج المأذون بالمملوكة فقط ، وأنه لو تزوج المأذونان فلازم ما تقدم أن لا يكون الولد لهما مع أنه لهما بالاتفاق.
(2) أي غير الآذن.
(3) أي علّل الحكم بكون الولد لغير الآذن خاصة.
(4) قد عرفت عدم وجوده بشهادة الشارح في المسالك.
(5) أي العبد المأذون.
(6) بين الآذن وغيره.
(7) لا في مطلق النكاح.
(8) بكون الولد لغير الآذن.
(9) أي أحد المملوكين من الزوجين ، وكان الآخر لمالك واحد.
(10) بين مالكين.
ص: 398
المختص (1) ، وأحد المشتركين ، دون الآخر (2) ، أو تعدد مولى كل منهما (3) فإنه (4) خارج عن موضع النص (5) والفتوى فيحتمل كونه (6) كذلك (7) فيختص الولد بمن لم يأذن اتحد أم تعدد ، واشتراكه (8) بين الجميع على الأصل (9) حيث لا نصّ.
(ولو شرط أحد الموليين انفراده بالولد ، أو بأكثره (10) صح) الشرط (11) ، لعموم «المؤمنون عند شروطهم» ، ولأنه شرط لا ينافي النكاح ، (ولو كان أحد الزوجين حرّا فالولد حرّ) (12).
______________________________________________________
(1) وهو مالك العبد غير المشترك.
(2) دون الشريك الآخر ، وعلى مقتضى تعليلهم يجب كون الولد للشريك الآخر غير الآذن ، مع أنه في القواعد استشكل فيه لخروجه عن مورد الفتوى فيرجع إلى الأصل القاضي بكون الجميع مشتركا فيه ، لأنه نماء ملكهم.
(3) أي من المملوكين ، وأذن من اشترك في ملكية أحد الزوجين دون من اشترك في ملكية الآخر ، وعلى مقتضى تعليلهم يجب كون الولد لمن لم يأذن وهو المتعدد في ملكية الآخر ، مع أنه يصح الإشكال فيه لكونه خارجا عن مورد الفتوى الذي ادعى الاتفاق عليه ، فلا بدّ من الرجوع إلى الأصل القاضي بكون الولد للجميع ، لأنه نماء ملكهم.
(4) أي الولد في هاتين الصورتين الأخيرتين.
(5) وهو النص المدعى الذي اعترف الشارح بعدم الوقوف عليه.
(6) أي الولد في هاتين الصورتين.
(7) أي بكونه لمن لم يأذن.
(8) أي ويحتمل اشتراكه.
(9) والأصل هو كون الولد نماء لملكهم فيكون لهم بتمامهم.
(10) أي بأكثر الولد بحيث اشترط زيادة عن نصيبه.
(11) بلا خلاف فيه لعموم (المؤمنون عند شروطهم) (1).
(12) لو كان أحد الزوجين حرا لحق الولد به سواء كان الحر هو الأب أم الأم ، على المشهور ، لأصالة الحرية وغلبتها عند اجتماعهما مع الرقية ، وللأخبار.
منها : صحيح ابن سنان عن أبي عبد الله عليه السلام (في العبد يكون تحته الحرة ، -
ص: 399
للأخبار الكثيرة الدالة عليه ، سواء في ذلك (1) الأب والأم ، ولأنه (2) نماء الحرّ في الجملة وحق الحرية مقدّم ، لأنها أقوى ، ولهذا بني العتق على التغليب والسراية (3).
وقول ابن الجنيد : بأنه لسيد المملوك منهما (4) إلا مع اشتراط حريته تغليبا
______________________________________________________
- قال عليه السلام : ولده أحرار فإن أعتق المملوك لحق بأبيه) (1) ، وصحيح جميل بن دراج (سألت أبا عبد الله عليه السلام عن رجل تزوج بأمة فجاءت بولد ، قال : يلحق الولد بأبيه ، قلت : فعبد تزوج حرة ، قال : يلحق الولد بأمه) (2) وصحيح ابن أبي عمير عن بعض أصحابنا عن أبي عبد الله عليه السلام (سألته عن الرجل الحر يتزوج بأمة قوم ، الولد مماليك أو أحرار؟ قال عليه السلام : إذا كان أحد أبويه حرا فالولد ، أحرار) (3) ومثلها غيرها.
وخالف ابن الجنيد فجعل الولد رقا تبعا للمملوك من أبويه إلا مع اشتراط حريته ، لأنه نماء مملوكه فيتبعه في الملكية ، ولأن حق الآدمي يغلب إذا اجتمع مع حق الله تعالى ، وللأخبار.
منها : خبر أبي بصير عن أبي عبد الله عليه السلام (لو أن رجلا دبّر جارية ثم زوجها من رجل فوطأها كانت جاريته وولدها مدبرين ، كما لو أن رجلا أتى قوما فتزوج إليهم مملوكتهم كان ما ولد لهم مماليك) (4) وخبر الحسن بن زياد (قلت له : أمة كان مولاها يقع عليها ثم بدا له فزوجها ، ما منزلة ولدها؟ قال : بمنزلتها إلا أن يشترط زوجها) (5) ، وردّ بضعف الخبرين مع قطع الثاني منهما ومع ذلك لا يصلحان لمعارضة ما تقدم لكثرته ، وهما محمولان على التقية كما عن بعضهم على ما في الجواهر ، لأنهما موافقان لما عليه العامة الذين أمرنا بمخالفتهم فقد جعل الله الرشد في خلافهم.
وأما تغليب حق الآدمي ففيه المنع هنا لأن جانب الحرية أقوى ، ومن ثمّ غلّب جانب الحرية ويسرى العتق في الكثير من موارد اجتماعهما ، ولأن الأصل في الإنسان الحرية خرج منه ما أخرجه الدليل فيبقى الباقي وهذا منه ، ومنه تعرف ضعف دليله الأول.
(1) في حرية أحد الزوجين.
(2) أي الولد.
(3) وذلك عند عتق بعض العبد فيسري العتق إلى الجميع وينعتق قهرا.
(4) من الزوجين.
ص: 400
لحق الآدمي على حق الله تعالى ضعيف (1).
(ولو شرط (2) مولى الرقّ) منهما (3) (رقيته جاز) وصار رقّا(على قول مشهور) بين الأصحاب(ضعيف المأخذ) ، لأنه (4) رواية مقطوعة دلت على أن ولد الحرّ من مملوكة مملوك ، وحملوها (5) على ما إذا شرط المولى الرقية ، ومثل هذه الرواية لا تصلح مؤسسة لهذا الحكم (6) المخالف للأصل (7) ، فإنّ الولد (8) إذا كان
______________________________________________________
(1) خبر لقوله : (وقول ابن الجنيد).
(2) لو اشترطت الحرية من الحر من الزوجين فلا إشكال في تحققها ، لعموم (المؤمنون عند شروطهم) (1) ، ولو اشترطت الرقية من مولى الرق من الزوجين فالمشهور بين الأصحاب صحة الشرط لعموم (المؤمنون عند شروطهم) (2) ، ولخبر أبي بصير المتقدم ، وهو غير ظاهر في ذلك ، إلا أن الشيخ قد حمله على ما لو اشترطت الرقية ، وهو مندرج تحت قاعدة الجمع مهما أمكن أولى من الطرح ، والخبر وإن كان مخصوصا بالأمة إلا أنه لا قائل بالفرق.
وأشكل الشارح وجماعة بأن خبر أبي بصير قد رواه الشيخ في الاستبصار عن أبي عبد الله عليه السلام ، وفي التهذيب قد جعله مقطوعا ، وسنده مشتمل على أبي سعيد المكاري وهو مجهول ، فضلا عن كون أبي بصير مشتركا بين الثقة والضعيف ، وحمل الشيخ لها على هذا الشرط على خلاف ظاهرها حمل تبرعي لا شاهد له ، وكان السبب من الشيخ في الحمل عدم تنافيها للأخبار المتقدمة الدالة على كون الولد تابعا للحر من أبويه ، وهذه الأخبار عامة أو مطلقة تشمل محل النزاع فلا بد من الحكم بكون الولد حرا لهذه الأخبار وهو الأصل ، بعد عدم صلاحية خبر أبي بصير لتأسيس حكم مخالف لهذا الأصل.
ودعوى الشرط مردودة لأن الشرط يصح ويلزم العمل به إذا كان مشروعا ، ولذا لا يصح اشتراط رقية الولد من الحرّين ، ومنه يتبين أن الولد ليس ملكا للحر من أبويه حتى يصلح اشتراط رقيته ، وإنما الحق فيه لله تعالى.
(3) من الزوجين.
(4) أي المأخذ.
(5) والحامل لها هو الشيخ.
(6) من رقية الولد بعد كون أحد أبويه حرا.
(7) وهو أن الولد يتبع أشرف أبويه في الحرية والإسلام ، أو أن الأصل في الإنسان الحرية خرج منه ما خرج بالدليل فيبقى الباقي وهذا منه.
(8) إذا كان أحد أبويه حرا كما هو مفروض المسألة.
ص: 401
مع الإطلاق (1) ينعقد حرّا فلا تأثير في رقيته للشرط (2) ، لأنه (3) ليس ملكا لأبيه (4) حتى يؤثر (5) شرطه ، كما لا يصح اشتراط رقية من ولد حرّا (6) ، سيما مع ورود الأخبار الكثيرة (7) بحرية من أحد أبويه حرّ ، وفي بعضها لا يملك ولد حر (8).
ثم على تقدير اشتراط رقيته في العقد ، أو التحليل (9) وقلنا بعدم صحة الشرط ، هل يحكم بفساد العقد ، لعدم وقوع التراضي (10) بدون الشرط الفاسد كما في غيره (11) من العقود المشتملة على شرط فاسد (12) أم يصح (13) ويبطل الشرط خاصة.
يحتمل الأول (14) ، لأنّ العقد يتبع القصد ولم يحصل (15) إلا بالشرط والشرط لم يحصل.
______________________________________________________
(1) أي بدون الشرط في متن العقد.
(2) فإنه غير مشروع حينئذ.
(3) أي الولد.
(4) الحر.
(5) أي حتى يؤثر في الولد شرط أبيه.
(6) وهو من كان من أبوين حرين.
(7) وقد تقدم بعضها.
(8) وهو خبر جميل بن دراج (سألت أبا عبد الله عليه السلام عن الحر يتزوج بالأمة ، أو عبد يتزوج حرة ، فقال لي : ليس يسترق الولد إذا كان أحد أبويه حرا ، إنه يلحق بالحر منهما ، أيهما كان أبا كان أو أما) (1) من دون استفصال عن وقوع اشتراط الرقية مع ورودها في مقام الجواب ، وترك الاستفصال في مقام الجواب عن السؤال ينزّل منزلة العموم في المقال.
(9) أي على تقدير اشتراط رقيته في التحليل.
(10) أي التراضي في العقد.
(11) أي غير هذا العقد.
(12) فيكون الشرط فاسدا مفسدا.
(13) أي العقد.
(14) وهو إفساد العقد بسبب فساد الشرط.
(15) أي القصد.
ص: 402
والثاني (1) لأنّ عقد النكاح كثيرا ما يصح بدون الشرط الفاسد (2) وإن لم يصح غيره من العقود (3) ، وفي الأول قوة (4) ، وصحته (5) في بعض الموارد لدليل خارج (6) لا يقتضي عمومه (7) في جميع موارده ، وأولى بعدم الصحة لو كان (8) تحليلا ، لأنّه (9) متردد بين العقد والإذن كما سيأتي (10). ولا يلزم من ثبوت الحكم (11) في العقد ثبوته (12) في الإذن المجرد (13) ، بل يبقى (14) على الأصل (15).
______________________________________________________
(1) أي ويحتمل الثاني وهو صحة العقد دون الشرط.
(2) خصوصا إذا اشترط في المهر ما يفسده كمجهوليته أو جعله ما لا يملكه المسلم كالخمر والخنزير.
(3) ولذا كان المشهور على أن الشرط الفاسد مفسد.
(4) ناشئة من كونه على مقتضى الأصل الدال على إفساد العقد عند فساد شرطه ، لعدم القصد حينئذ.
(5) أي صحة عقد النكاح.
(6) كما دل الدليل على أن المهر ليس من أركان العقد الدائم ، ففساد الشرط فيه لا يدل على إفساد العقد.
(7) أي عموم تصحيح عقد النكاح وإن فسد الشرط ، وفي نسخة - كما في الحجرية - (لا يقتضي عمومها) والمعنى عموم الصحة في عقد النكاح وهو أولى.
(8) أي مورد الشرط وهو المشروط.
(9) أي التحليل.
(10) فلو كان إذنا فيضره فساد الشرط قطعا ، لأنه إذن متوقف على هذا الشرط بزعم صحته ، وإذا انتفى الشرط ينتفي المشروط.
هذا ولو كان عقدا فقد عرفت تقوية عدم الصحة ومن هنا كان عدم الصحة في التحليل أولى من عدمها في العقد.
(11) وهو صحة عقد النكاح مع فساد الشرط كما في الموارد الكثيرة.
(12) أي الحكم من صحة التحليل مع فساد الشرط.
(13) وهو التحليل ، وسمي مجردا لأنه خال عن القبول.
(14) أي الإذن.
(15) من فساد المشروط عند فساد شرطه.
ص: 403
وعلى هذا (1) لو دخل مع فساد الشرط وحكمنا بفساد العقد كان زانيا (2) مع علمه بالفساد وانعقد الولد رقّا (3) كنظائره (4).
نعم لو جهل الفساد كان حرّا (5) ، للشبهة ، وإن قلنا بصحته (6) لزم بالشرط (7) ولم يسقط (8) بالإسقاط (9) بعد العقد ، لأنّ ذلك (10) مقتضى الوفاء به (11) ، مع احتماله (12) ، تغليبا للحرية (13) ، كما (14) لو أسقط حق التحجير ، ونحوه (15).
______________________________________________________
(1) من الحكم بفساد العقد عند فساد الشرط.
(2) لعدم صحة ما يوجب تحليل الوطي ،
(3) لأنه تابع لأمه المملوكة ، بعد كون الشارح قد فرض الحرية في جانب الأب على ما تقدم فراجع.
(4) كما لو زنى بأمة الغير.
(5) أي الولد ، وهو تابع لأبيه بعد كون الشبهة كالعقد الصحيح في إلحاق النسب وإسقاط الحد وثبوت المهر ولو أجرة المثل.
(6) أي بصحة اشتراط الرقية فيلزم الشرط ، لعموم (المؤمنون عند شروطهم) (1) ، وبما أنه شرط في عقد لازم فلا يصح إسقاطه فيما بعد لوجوب الوفاء بالعقد القاضي بالالتزام بالشرط مطلقا.
(7) أي لزم العقد بالشرط ، والأصح القول لزم الشرط بالعقد فلا يصح إسقاطه.
(8) أي الشرط.
(9) من قبل المشروط له وهو مولى الرق من الزوجين.
(10) أي عدم سقوط الشرط بالإسقاط.
(11) بالعقد.
(12) أي احتمال السقوط بالاسقاط.
(13) وفيه : لا يصح تغليب الحرية هنا بعد وجود العموم اللفظي الدال على وجوب الوفاء بالعقد ، والقاضي بلزوم الشرط ، نعم غلبت الحرية في مواردها إذا تشبث الرق بها ، وهنا لم يتشبث حيث ولد رقا بناء على صحة الشرط.
(14) تشبيه لأصل الاسقاط ، وليس تنظيرا لعموم العلة.
(15) كحق الأولوية في المسجد.
ص: 404
(ويستحب إذا زوج عبده من أمته أن يعطيها شيئا من ماله) (1) ليكون بصورة المهر جبرا لقلبها ، ورفعا لمنزلة العبد عندها ، ولصحيحة محمد بن مسلم عن الباقر عليه السلام قال : سألته عن الرجل كيف ينكح عبده أمته قال : «يجزيه أن يقول : قد أنكحتك فلانة ويعطيها (2) شيئا من قبله ، أو من قبل مولاه ولو بمدّ من طعام ، أو درهم أو نحو ذلك».
وقيل : بوجوب الاعطاء عملا بظاهر الأمر ، ولئلا يلزم خلو النكاح عن المهر في العقد والدخول (3) معا.
ويضعّف بأنّ المهر يستحقه المولى إذ هو عوض البضع المملوك له ، ولا يعقل استحقاقه شيئا على نفسه ، وإن كان الدفع من العبد كما تضمنته الرواية ، لأن ما
______________________________________________________
(1) أي مال المولى ، وعن الشيخين وبني حمزة والبراج وأبي الصلاح أنه يجب لصحيح محمد بن مسلم عن أبي جعفر عليه السلام (سألته عن الرجل كيف ينكح عبده أمته؟ قال : يجزيه أن يقول : قد أنكحتك فلانة ، ويعطيها ما شاء من قبله ، أو من مولاه ، ولا بدّ من طعام أو درهم أو نحو ذلك) (1) ، وصحيح الحلبي (قلت لأبي عبد الله عليه السلام : الرجل كيف ينكح عبده أمته؟ قال عليه السلام يقول : قد أنكحتك فلانة ويعطيها ما شاء من قبله ، أو من قبل مولاه ، ولو مدّ من طعام أو درهما أو نحو ذلك) (2).
والأمر ظاهر في الوجوب ، ولئلا يلزم خلو النكاح عن المهر في العقد والدخول معا ، والمشهور على الاستحباب ضرورة كون مهر المملوكة لمولاها ولا يعقل وجوب صرف شي ء من ملكه إلى وجه آخر من ملكه ، وهذا معنى عدم استحقاقه شيئا على نفسه ، ولو كان المدفوع من مال العبد على ما تضمنته الرواية ، لأن ما بيد العبد هو ملك لسيده أيضا ، فضلا عن كون الخبرين لم يحددا مقدار المدفوع ، وهذا شاهد على عدم كون المدفوع مهرا لأنه يشترط تحديده ، ولهذا كله حمل الخبران على الاستحباب ، ويكون المدفوع بصورة المهر ولما فيه من جبر لقلبها.
(2) أي العبد.
(3) بخلاف خلو العقد عن الدخول فإنه جائز ، كما إذا عقد على امرأة من دون مهر ثم فارقها قبل الدخول فلا شي ء لها.
ص: 405
بيده ملك للمولى ، أما الاستحباب فلا حرج فيه ، لما ذكر (1) وإن لم يخرج (2) عن ملكه.
ويكفي فيه (3) كونه (4) إباحة بعض ماله للأمة تنتفع به بإذنه (5).
والفرق بين النفقة اللازمة للمولى ، والمهر (6) : أنّه (7) في مقابلة شي ء (8) هو ملك المولى ، بخلافها (9) فإنّها مجرد نفع ، ودفع ضرر ، لا معاوضة.
واعلم أنه يكفي في إنكاح عبده لأمته مجرد اللفظ (10) الدال على الإذن
______________________________________________________
(1) من كونه بصورة المهر وجبرا لقلبها ورفعا لمنزلة العبد عندها.
(2) أي المهر لم يخرج عن ملك المولى.
(3) أي في الاستحباب.
(4) أي كون المدفوع للأمة من مال المولى.
(5) بخلاف القول بالوجوب فقد قيل إنه مهر كما عن النهاية وغيرها ، وقد عرفت ضعف الوجوب ، ولزوم التحديد لو كان مهرا.
(6) قد عرفت عدم ثبوت المهر على المولى لو زوج عبده لأمته بخلاف نفقة العبد لو تزوج أمته فإنها لازمة على المولى والفرق بينهما أن المهر في قبال عوض البضع ، والبضع ملك للمولى فلا معنى لاستحقاق المولى على نفسه شيئا في مقابلة ملك آخر له بخلاف النفقة فلم تجب في مقابلة شي ء وإنما هي من توابع زواج العبد ، والعبد مال للمولى لا يتم بقاؤه إلا بزواجه فلذا تجب عليه النفقة دون المهر.
(7) أي المهر.
(8) وهو بضع الأمة.
(9) خلاف المنفعة.
(10) هل إنكاح المولى عبده لأمته عقد أو إباحة ، الظاهر من الأصحاب كما في الجواهر أنه عقد محتاج إلى القبول ، لأن الأصل عدم تحليل الفرج إلا بالعقد ، أو ملك اليمين ، والثاني منتف فيتعين الأول ، ولتسمية هذا نكاحا في الخبرين المتقدمين ، والنكاح هو العقد المتوقف على القبول ، وللأمر باعطاء شي ء في الخبرين أيضا هو ينافي الاباحة ، ويوافق كونه عقدا له مهر ولو صوري ، وإذا احتاج إلى القبول فالقبول من العبد لأنه الزوج كما عن بعض ، أو من المولى لأن العبد لا يملك حق القبول إذا زوجه مولاه ، لأنه ملك له كما عن بعض آخر ، أو منهما بحيث إن وقع من أحدهما يكفي كما في الجواهر.
وعن ابن إدريس والعلامة في المختلف أنه إباحة ليس بحاجة إلى القبول كما هو المستفاد من صحيح محمد بن مسلم المتقدم حيث قال عليه السلام : (يجزيه أن يقول قد أنكحتك فلانة -
ص: 406
فيه (1) كما يظهر من الرواية (2) ، ولا يشترط قبول العبد ، ولا المولى لفظا ، ولا يقدح تسميته (3) فيها (4) نكاحا - وهو (5) متوقف على العقد - وإيجابه (6) إعطاء شي ء
______________________________________________________
- ويعطيها ما شاء) (1) وهو ظاهر في الاكتفاء بالايجاب ، وأصرح منه موثق محمد بن مسلم عن أبي جعفر عليه السلام (في المملوك يكون لمولاه أو مولاته أمة ، فيريد أن يجمع بينهما أينكحه نكاحا أو يجزيه أن يقول : قد أنكحتك فلانة ويعطي من قبله شيئا أو من قبل العبد؟ قال : نعم ولو مدا ، وقد رأيته يعطي الدراهم) (2) ، وهو صريح في كون الانكاح إباحة وليس عقدا.
وتسميته نكاحا في الأخبار المتقدمة من باب المجاز ، لأن النكاح الحقيقي المتوقف على العقد المشتمل على القبول يقتضي الطلاق ممن أخذ بالساق ، والنكاح هنا ليس كذلك بل يكفي في رفعه أمر المولى بذلك.
ودعوى كون الأمر بالاعطاء منافيا للإباحة مردودة لأن الاعطاء محمول على الاستحباب وهذا لا ينافي الاباحة.
بل لو احتيج الانكاح إلى القبول هنا لكونه عقدا لكان القبول من العبد أو المولى ، ولو كان من الأول ففيه أن العبد ليس له أهلية الملك للبضع ولا يملك حق القبول إذا زوجه مولاه لأنه ملك له يتصرف فيه كيف شاء.
ولو كان القبول من المولى ففيه أنه لا داعي له لتسلط المولى على ملكه الشامل للعبد والأمة فيجوز له أن ينكح أمته من عبده من دون قبول منه بعد صدور الايجاب والاباحة.
ثم على الثاني من كون الانكاح المذكور إباحة فهل يشترط الاقتصار على لفظ (أنكحتك) كما هو ظاهر الأخبار المتقدمة وإليه ذهب العلامة في المختلف ، أو يكفي كل ما يدل على الاباحة بعد عدم كونه عقدا حتى يشترط فيه اللفظ الصريح المعهود من قبل الشارع كما عن ابن إدريس وتبعه الشارح عليه هنا.
(1) في الانكاح ، وهو مبني على كونه إباحة.
(2) لعدم ذكر القبول فيها.
(3) تسمية الانكاح.
(4) في الرواية.
(5) أي النكاح.
(6) عطف على (تسميته) والمعنى لا يقدح ايجاب الانكاح لإعطاء شي ء كما في الرواية.
ص: 407
- وهو (1) ينافي الإباحة - لأنّ قوله عليه السلام (2) : «يجزيه» ظاهر في الاكتفاء بالإيجاب (3). والإعطاء (4) على وجه الاستحباب ولأنّ رفعه (5) بيد المولى (6) والنكاح الحقيقي ليس كذلك (7) ، ولأنّ العبد ليس له أهلية الملك (8) فلا وجه لقبوله ، والمولى بيده الإيجاب والجهتان (9) ملكه.
فلا ثمرة لتعليقه ملكا بملك (10) ، نعم يعتبر رضاه (11) بالفعل (12) وهو (13) يحصل بالإباحة الحاصلة بالإيجاب المدلول عليه بالرواية (14).
وقيل : يعتبر القبول من العبد إما لأنه (15) عقد ، أو لأن الإباحة(16) منحصرة في العقد ، أو التمليك. وكلاهما يتوقف على القبول.
وربما قيل : يعتبر قبول المولى ، لأنه الولي كما يعتبر منه الإيجاب.
(ويجوز تزويج الأمة بين الشريكين لأجنبي باتفاقهما (17) ، لانحصار
______________________________________________________
(1) أي الاعطاء مناف للاباحة إذ لا مهر فيها ، وإنما المهر في العقد فقط.
(2) رد على كونه عقدا.
(3) ولو كان عقدا لما صح الاكتفاء به ، بل لا بد من القبول أيضا.
(4) رد على كون الاعطاء منافيا للاباحة.
(5) رفع النكاح ، وهذا رد ثان على كونه نكاحا.
(6) كما سيأتي بيانه.
(7) بل لا بدّ من الطلاق ممن أخذ بالساق فيكون النكاح مجازيا.
(8) وكذا ليس له حق القبول في قبال تزويجه من قبل مولاه.
(9) أي البضع والمهر من حيث الايجاب والقبول.
(10) لأنه له حق التسلط على ماله يتصرف فيه كيفما شاء.
(11) رضا المولى.
(12) من نكاح العبد للأمة.
(13) أي الرضا.
(14) حيث اقتصرت على الايجاب فقط.
(15) أي الانكاح المذكور.
(16) إباحة البضع.
(17) أي باتفاق الشريكين كما يجوز للمولى المختص تزويج أمته للأجنبي بلا خلاف فيه.
ص: 408
الحق (1) فيهما (2) ، واتحاد سبب الحلّ (3) ولو عقد أحدهما (4) وحللها الآخر لم يصح ، لتبعض البضع (5) مع احتمال الجواز لو جعلنا التحليل عقدا (6).
ثم إن اتحد العقد منهما (7) فلا إشكال في الصحة (8) ، وإن أوقع كل منهما عقدا على المجموع صح أيضا (9) ، وإن أوقعه (10) على ملكه لم يصح (11) ، (ولا يجوز تزويجها لأحدهما (12)) ، لاستلزامه (13) تبعض البضع من حيث استباحته (14)
______________________________________________________
(1) الحق في الأمة.
(2) في الشريكين.
(3) أي حل الأمة للأجنبي وهو العقد هنا ، وهذا احتراز عما لو كان الحل من أحدهما بالعقد ومن الآخر بالتحليل فإنه لا يصح لاستلزامه تبعيض سبب إباحة البضع ، بمعنى حصوله بأمرين ، مع أن الله تعالى قد حصر سبب الاباحة في أحد أمرين : العقد أو الملك في قوله تعالى : ( إِلّٰا عَلىٰ أَزْوٰاجِهِمْ أَوْ مٰا مَلَكَتْ أَيْمٰانُهُمْ ) (1) ، والتفصيل قاطع للشركة فلا يكون الملفّق منهما سببا.
(4) أحد الشريكين وقد عقد للأجنبي.
(5) أي تبعض سبب إباحة البضع ، حيث كان بعضه بالعقد والبعض الآخر بالتحليل.
(6) فيتحد سبب إباحة البضع.
(7) من الشريكين بحيث صدر عقد واحد منهما فيما لو وكّلا ثالثا لعقد زواج أمتهما على الأجنبي.
(8) كما لو وقع عقد زواج الأمة على الأجنبي من مولاها المختص.
(9) لعموم أو إطلاق الأدلة الدالة على جواز تزويج المولى لأمته من الأجنبي.
(10) كل منهما.
(11) لأن العقد لا يفيد إباحة بعض البضع ، بل يفيد إباحة الجميع.
(12) لأحد الشريكين لعدم التبعيض في سبب إباحة البضع ، والزوج هنا قد استباح بعض البضع بالملك والبعض الآخر بالملك ، وهذا مناف لحصر الاباحة في أحد الأمرين كما في الآية على ما تقدم بيانه.
(13) أي استلزام تزويج الشريك.
(14) أي استباحة البضع من قبل الشريك الزوج.
ص: 409
بالملك والعقد ، والبضع لا يتبعض (1) ، ولأن الحلّ (2) منحصر في الأزواج وملك الأيمان (3) ، والمستباح (4) بهما (5) خارج عن القسمة ، لأنّ التفصيل (6) يقطع الاشتراك(7).
ودوران الحكم (8) بين منع الخلو ، ومنع الجمع يوجب الشك في الإباحة (9) فيرجع إلى أصل المنع (10).
(ولو حلّل أحدهما (11) لصاحبه) حصته(فالوجه الجواز) (12) لأنّ
______________________________________________________
(1) بل يستباح إما بالعقد وإما بالملك ، فلا يستباح بهما معا.
(2) أي إباحة البضع.
(3) كما في قوله تعالى : ( وَالَّذِينَ هُمْ لِفُرُوجِهِمْ حٰافِظُونَ إِلّٰا عَلىٰ أَزْوٰاجِهِمْ أَوْ مٰا مَلَكَتْ أَيْمٰانُهُمْ ) (1).
(4) وهو البضع.
(5) بالسببين معا.
(6) في الآية.
(7) فلا يصح الملفّق منهما.
(8) أي الحكم في الآية حيث كما يحتمل أن تكون لمنع الخلو بحيث لا تخلو الحلية من أحد السببين ، يحتمل أن تكون لمنع الجمع بحيث تنحصر الحلية بأحد السببين ولا يصح الملفّق منهما ، والاستدلال من الشارح سابقا مبني على منع الجمع ، مع أنه يحتمل منع الخلو ومعه لا يمتنع الجمع بين السببين.
(9) أي إباحة البضع بالسبب الملفّق.
(10) وهو تحريم الفروج بغير سبب محلّل قال في المسالك : (والمعلوم من الآية منع الخلو والجمع معا ، لأن المنفصلة وإن احتملت الأمرين إلا أن هذا المعنى - أي منع الجمع - متيقن ، ومنع الخلو خاصة غير متيقن ، والأصل تحريم الفروج بغير سبب محلّل ، وإذا احتمل الأمران وجب الاقتصار على المتحقق منهما) انتهى.
(11) أحد الشريكين.
(12) كما عن ابن إدريس وجماعة منهم سيد الرياض وكاشف اللثام والشهيد الماتن هنا في اللمعة لصحيح محمد بن قيس عن أبي جعفر عليه السلام كما في الكافي والتهذيب ، وقد رواه في الفقيه عن محمد بن مسلم عن أبي جعفر عليه السلام (في جارية بين رجلين دبّراها -
ص: 410
الإباحة (1) بمنزلة الملك ، لأنها (2) تمليك المنفعة فيكون حل جميعها (3) بالملك ، ولرواية محمد بن مسلم عن الباقر عليه السلام في جارية بين رجلين دبّراها جميعا ثم أحلّ أحدهما فرجها لصاحبه. قال : «هي له حلال».
وقيل (4) : بالمنع أيضا بناء على تبعض السبب ، حيث إنّ بعضها (5) مستباح
______________________________________________________
- جميعا ثم أحلّ إحداهما فرجها لشريكه ، قال عليه السلام : هو له حلال) (1) وعن المشهور أنه لا يجوز لتبعض سبب إباحة البضع وقد عرفت امتناعه.
هذا وقد رميت الرواية بالضعف كما في النافع والمسالك وغيرهما ، وقال في الجواهر : (ولعلهم لحظوا رواية الشيخ له في أول كتاب النكاح عن محمد بن مسلم بطريق فيه علي بن الحسن بن الفضال ، وهو - مع أنه ليس ضعيفا لكونه من الموثق الذي قد ثبتت حجيته في الأصول - قد عرفت روايته صحيحا) انتهى.
هذا من جهة ومن جهة أخرى قد استدل ابن إدريس على الجواز بأن التحليل شعبة من الملك ، لأنه تمليك منفعة ، فقد ملك الشريك في مفروض المسألة بعض البضع بملك العين بالنسبة لحصته ، والبعض الآخر بملك المنفعة بسبب التحليل بالنسبة لحصة شريكه ، فيكون حل الجميع بالملك وليس بالسبب الملفّق حتى يكون منهيا.
وقد ردّ ببقاء التبعيض لأن ملك الرقبة مغاير لملك المنفعة ، لأن التحليل إما إباحة أو عقد وكلاهما مغاير لملك الرقبة.
وضعّف الرد بأن التبعيض الممنوع هو الملفق من القسمين المذكورين في الآية من العقد والملك ، وليس مطلق التبعيض ممنوعا ، فالغرض رجوع سبب الحل إلى ما ذكر في الآية من القسمين ، على أن يكون كل واحد منهما سببا تاما ، ولما جعل التحليل راجعا إلى ملك اليمين فلم يخرج سبب الحل هنا عن أحد القسمين المذكورين في الآية.
ومن هنا تعرف اقوائية الجواز ، ولا بدية العمل بالخبر ، وإعراض المشهور عنه لا يضرّ ، لأن اعراضهم لتوهم اشتماله على تبعض سبب إباحة البضع وقد عرفت عدمه.
(1) وهي التحليل المفروض في المسألة.
(2) أي الاباحة.
(3) أي جميع منفعة البضع.
(4) وهو المشهور.
(5) بعض منفعة البضع.
ص: 411
بالملك ، والبعض بالتحليل ، وهو (1) مغاير لملك الرقبة في الجملة (2) ، أو لأنّه (3) عقد ، أو إباحة. والكل (4) مغاير لملكه (5) ، كمغايرة الإباحة بالعقد لها (6) بالملك ، مع اشتراكهما (7) في أصل الإباحة ، والرواية ضعيفة السند (8).
وأما تعليل الجواز (9) بأنها (10) قبل التحليل محرمة (11) ، وإنما حلّت به (12) ، فالسبب واحد ففيه أنّه (13) ، حينئذ (14) يكون تمام السبب ، لا السبب التام في الإباحة ، ضرورة أن التحليل مختص بحصة الشريك ، لا بالجميع ، وتحقق
______________________________________________________
(1) أي التحليل.
(2) فملك الرقبة ملك لها ولمنافعها الشاملة للبضع وغيره بخلاف ملك منفعة البضع فقط.
(3) أي التحليل.
(4) من العقد أو الاباحة.
(5) أي ملك الشريك للرقبة.
(6) للاباحة بالملك فاستباحة الفرج بالعقد مغايرة لاستباحة الفرج بالملك مع أنهما مشتركان في أصل الاباحة.
(7) أي العقد والملك.
(8) وفيه ما تقدم عن صاحب الجواهر.
(9) قال الشارح في المسالك : (وأما ما قيل في وجه الاباحة بذلك ، والخروج عن التبعيض من أن الأمة قبل التحليل من الشريك محرمة بأجمعها ، وبالتحليل حلّت ، فليس السبب المحلّل إلا التحليل ، وهو واحد.
ففيه أن تحريمها قبل التحليل إنما كان لعدم تمام السبب ، حيث إن بعضها مملوك له وبعضها لغيره ، وتحليل الشريك أوجب تمام السبب ، لا أنه سبب تام في الحل ، فإن الشريك لم يحلّل إلا نصيبه ، ولهذا لو كانت لشريكين فأحلها أحدهما - بمعنى أحلها للأجنبي - لم تحلّ ، فظهر أن حلها حيث كان من أحد الشريكين لصاحبه ، إنما هو لتمام السبب به ، لا لأنه سبب تام ، وفرق بين الأمرين والمدعى لا يتم إلا بالأمر الثاني دون الأول) انتهى.
(10) أي الجارية.
(11) على كل من الشريكين.
(12) بالتحليل.
(13) أن التحليل.
(14) أي حين كونه من أحد الشريكين لصاحبه.
ص: 412
المسبب (1) عند تمام السبب لا يوجب كون الجزء الأخير (2) منه (3) سببا تاما.
(ولو أعتقت المملوكة) التي قد زوجها مولاها قبل العتق(فلها الفسخ) (4) ، لخبر بريرة وغيره ، ولما فيه (5) من حدوث الكمال وزوال الإجبار.
______________________________________________________
(1) وهو الاباحة.
(2) وهو التحليل.
(3) من السبب.
(4) إذا تجدد عتق الأمة بعد تزويجها بعبد كان لها الخيار بلا خلاف فيه للأخبار.
منها : صحيح الحلبي (سألت أبا عبد الله عليه السلام عن أمة كانت تحت عبد فاعتقت الأمة ، قال عليه السلام : أمرها بيدها إن شاءت تركت نفسها مع زوجها ، وإن شاءت نزعت نفسها منه) (1) ، وصحيح ابن سنان عن أبي عبد الله عليه السلام (سألته عن الرجل ينكح عبده أمته ثم يعتقها ، تخيّر فيه أم لا؟ قال : نعم تخيّر فيه إذا اعتقت) (2) ، وخبر سماعة (قال : ذكر أن بريرة مولاة عائشة كان لها زوج عبد فلما اعتقت قال لها رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم : اختاري إن شئت أقمت مع زوجك وإن شئت لا) (3) ، ومرسل الكافي والتهذيب (أن بريرة كانت عند زوج لها وهي مملوكة فاشترتها عائشة وأعتقتها ، فخيّرها رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم وقال : إن شاءت أن تقرّ عند زوجها ، وإن شاءت فارقته ، وكان مواليها الذين باعوها اشترطوا على عائشة أن لهم ولائها فقال رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم : الولاء لمن أعتق ، وتصدّق على بريرة بلحم فأهدته إلى رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم فعلّقته عائشة وقالت : إن رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم لا يأكل لحم الصدقة ، فجاء رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم واللحم معلّق ، فقال : ما شأن هذا اللحم لم يطبخ؟ فقالت : يا رسول الله ، صدّق على بريرة وأنت لا تأكل الصدقة ، فقال : هو لها صدقة ولنا هدية ، ثم أمر بطبخه فجاء فيها ثلاث من السنن) (4) ، ومرسل أبان عن أبي عبد الله عليه السلام (قال أمير المؤمنين عليه السلام : في بريرة ثلاث من السنن : في التخيير وفي الصدقة وفي الولاء) (5).
وهذا الحكم من التخيير لها بالفسخ عند حريتها موافق للحكمة لحدوث الكمال لها وبقاء نقص زوجها بالعبودية المقتضي لتضررها من حيث إن سيده يمنعه عنها بحقوقه ولا ترث منه إلى غير ذلك من موجبات الضرر.
(5) في عتقها.
ص: 413
ولا فرق بين حدوث العتق قبل الدخول وبعده (1).
والفسخ(على الفور) (2) اقتصارا في فسخ العقد اللازم على موضع اليقين ، والضرورة تندفع به (3) ، وتعذر مع جهلها بالعتق (4) ، وفورية الخيار ،
______________________________________________________
(1) لإطلاق الأخبار المتقدمة ، ثم إن كان ثبوت الخيار لها بعد العتق وقبل الدخول سقط المهر إذ الفسخ جاء من قبلها ، وإن كان ثبوت الخيار بعد العتق وبعد الدخول فالمهر بحاله لاستقراره بالدخول.
(2) بلا خلاف فيه من باب الاقتصار في فسخ العقد اللازم على موضع اليقين والضرورة ، ولظاهر النبوي لبريرة (ملكت بضعك فاختاري) (1) ، والفاء للتعقيب من غير مهلة ، مع احتمال كون الخيار للتراخي لثبوت الخيار في الجملة ويستصحب إلى أن يثبت المزيل ، والفاء تقتضي ثبوت الخيار من حين العتق بلا فصل ونحن نقول به ، ولكن لا ينافي في امتداده ، ويؤيده ما روي (من دوران معتب خلف بريرة في سكك المدينة باكيا يترضاها لتختاره حتى جعل رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم شفيعا في ذلك ، فقال لها رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم في ذلك وقالت : يا رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم : أتأمرني؟ فقال لها : لا بل إنما أنا شافع ، فقالت : لا حاجة لي فيه) (2) ، ولو كان الخيار لها على الفور لبطل بالتأخير واستغنى معتب عن الشفاعة.
وفي الأخير نظر لأن الحديث ظاهر في كون الشفاعة إنما هي بعد الفسخ ولذا في خبر آخر لم يأمرها بترك الفسخ بل أمرها بالرجوع ففي غوالي اللئالي (روى ابن عباس أن زوج بريرة كان عبدا أسود يقال له : مغيث ، كأني انظر إليه يطوف خلفها يبكي ودموعه تجري على لحيته ، فقال النبي صلى الله عليه وآله وسلم للعباس : يا عباس ألا تعجب من حب مغيث بريرة ، ومن بغض بريرة مغيثا ، فقال لها النبي صلى الله عليه وآله وسلم : لو راجعته ، فإنه أبو ولدك ، فقالت : يا رسول الله : أتأمرني؟ قال : لا إنما أنا شفيع ، فقالت : لا حاجة لي فيه) (3).
(3) بالفور.
(4) لو أخّرت الفسخ جهلا بالعتق أو جهلا بثبوت الخيار لها ، أو جهلا بفورية الخيار الثابت لها فلا يسقط الخيار ، لأن الجهل عذر شرعي ، وللاستصحاب وقد نسب الحكم في ذلك إلى الأصحاب.
نعم لو جهلت فورية الخيار فقد ناقش البعض كما في الجواهر ، وقال الشارح في -
ص: 414
وأصله (1) على الأقوى ، (وإن كانت) الأمة(تحت حرّ) (2) ، لعموم صحيحة الكناني عن الصادق عليه السلام : «أيّما امرأة أعتقت فأمرها بيدها إن شاءت أقامت وإن شاءت فارقته» وغيرها.
وقيل : يختصص الخيار بزوجة العبد ، لما روي من أن بريرة كانت تحت عبد وهو مغيث ، ولا دلالة فيه (3) على التخصيص (4) لو تمّ (5) (بخلاف العبد (6) فإنّه لا)
______________________________________________________
- المسالك : (وربما فرّق بين الجهل بأصل الخيار والجهل بفوريته وحكم بعذرها في الأول دون الثاني ، من حيث اندفاع الضرر مع العلم بالخيار ، ولا شعاره بالرضا حيث أخّرت حينئذ ، وجوابه أن التأخير جاز أن يكون لفائدة التروي ونحوه ، فحيث لا تعلم باشتراط الفورية لم يكن التأخير دليلا على الرضا ، وغايته كونه أعم فلا يدل على الخاص) انتهى.
(1) أي أصل الخيار.
(2) ذهب الأكثر إلى أن لها الخيار أيضا لو أعتقت لإطلاق صحيح أبي الصباح الكناني عن أبي عبد الله عليه السلام (أيّما امرأة أعتقت فأمرها بيدها ، إن شاءت أقامت معه ، وإن شاءت فارقته) (1) ، وتنصيص خبر زيد الشحام عن أبي عبد الله عليه السلام (إذا اعتقت الأمة ولها زوج خيّرت ، إن كانت تحت عبد أو حر) (2) ، ومثلها خبر محمد بن آدم عن الرضا عليه السلام (إذا اعتقت الأمة ولها زوج خيّرت إن كانت تحت عبد أو حر) (3).
وعن الشيخ في المبسوط والخلاف والمحقق في الشرائع عدم الخيار ، لأصالة لزوم العقد فحدوث الخيار بحاجة إلى دليل ، ولأن الأصل في الحكم بريرة عتيقة عائشة وقد كان زوجها عبدا ، وفيه : إن الأخبار المتقدمة مطلقة أو صريحة في ثبوت الخيار لها ولو كانت تحت حر ، وضعف سندها منجبر بعمل الأصحاب.
(3) في هذا المروي أن بريرة كانت تحت عبد.
(4) لأن إثبات حكم في مورد لا يعني نفيه عما عداه.
(5) لو تم أن الخبر صحيح ، لأنه من مرويات العامة ، أو لو تم أن زوجها عبد إذ قد ورد في مرويات العامة أنه حر فيسقط الاستدلال حينئذ ، ولذا قال في المسالك : (وأما زوج بريرة فقد اختلفت الروايات فيه ، ففي بعضها أنه كان عبدا ، وفي آخر أنه كان حرا) انتهى.
(6) بحيث لو اعتق العبد بعد زواجه لم يكن له خيار ، وإن كان قد زوّجه مولاه كرها ، سواء كان تحته أمة أم حرة ، لأصالة اللزوم في العقد بعد كون الدليل الدال على ثبوت الخيار -
ص: 415
(خيار له بالعتق) ، للأصل (1) ، ولانجبار كماله (2) بكون الطلاق بيده ، وكذا لا خيار لسيده (3) ، ولا لزوجته حرة كانت أم أمة للأصل (4).
(ويجوز جعل عتق أمته صداقها) (5) فيقول : تزوجتك وأعتقتك (6) وجعلت
______________________________________________________
- مختصا بالأمة ، وعن الاسكافي ثبوت الخيار له مطلقا قياسا على الأمة وهو ضعيف لحرمة القياس ، وعن ابن حمزة ثبوت الخيار له إذا كان مولاه قد زوّجه كرها ، وهو خيرة العلامة في المختلف ، وهو ضعيف أيضا لعدم الدليل عليه.
(1) وهو اصالة اللزوم في العقود.
(2) كمال العبد وذلك بحريته.
(3) أي كما لا خيار له فلا خيار لسيده لانتفاء المقتضي في حقه بعد خروج العبد عن ملكه وقد أصبح حرا.
(4) وهي أصالة اللزوم ، ولأن زوجته قد رضيت به عبدا فأحق وأولى أن ترضى به حرا كما في خبر علي بن حنظلة عن أبي عبد الله عليه السلام (في رجل زوّج أم ولد له من عبد فاعتق العبد بعد ما دخل بها ، هل يكون لها الخيار؟ قال : لا قد تزوجته عبدا ورضيت به فهو حين صار حرا أحق أن ترضى به) ((1).
(5) من الأصول المسلمة والقواعد المعلومة المقررة عدم تزويج الإنسان بأمته بمهر مطلقا ، لأن بضعها ملك له فكيف يدفع في قباله مهرا ، وقد استثني منه صورة واحدة وهي : أن يجعل مهرها عتقها بلا خلاف فيه ، والأصل فيه ما روي (أن النبي صلى الله عليه وآله وسلم اصطفى صفية بنت حيّ بن أخطب من ولد هارون عليه السلام في فتح خيبر ، ثم أعتقها وتزوجها ، وجعل عتقها مهرها بعد أن حاضت حيضة) (2).
وزعم مخالفونا أن ذلك من خواصه صلى الله عليه وآله وسلم ، ويردهم أخبارنا الكثيرة الدالة على تعدي الجواز إلى غيره.
منها : صحيح الحلبي عن أبي عبد الله عليه السلام (سئل عن الرجل يعتق الأمة ويقول : مهرك عتقك ، فقال : حسن) (3) ، وصحيح محمد بن مسلم عن أبي جعفر عليه السلام (أيّما رجل شاء أن يعتق جارية ويتزوجها ويجعل عتقها صداقها فعل) (4).
(6) اختلف الأصحاب في اشتراط تقديم التزويج على العتق أو العكس ، أو جواز كل منهما -
ص: 416
مهرك عتقك ، (ويقدّم) في اللفظ(ما شاء من العتق والتزويج) لأنّ الصيغة أجمع
______________________________________________________
- على أقوال : وذهب المشهور إلى تقديم لفظ التزويج على العتق ، لأنه لو سبق العتق لكان لها الخيار في القبول والامتناع كما في خبر علي بن جعفر عن أخيه موسى عليه السلام (سألته عن رجل قال لأمته : أعتقك وجعلت عتقك مهرك ، فقال عليه السلام : عتقت وهي بالخيار إن شاءت تزوجته وإن شاءت فلا ، فإن تزوجته فليعطها شيئا ، وإن قال : قد تزوجتك وجعلت مهرك عتقك فإن النكاح واقع ولا يعطيها شيئا) (1) ، وخبر محمد بن آدم عن الرضا عليه السلام (في الرجل يقول لجاريته : قد أعتقتك وجعلت صداقك عتقك ، قال : جاز العتق ، والأمر إليها إن شاءت زوّجته نفسها ، وإن شاءت لم تفعل ، فإن زوّجته نفسها فأحبّ أن يعطيها شيئا) (2).
وأشكل بأن الخبرين ضعيفا السند ، ولم يذكر فيهما سوى العتق والمهر مع عدم التصريح بالتزويج ، مع أن النزاع في ذكر العتق والزواج معا وإن قدّم الأول مضافا إلى مخالفتهما لإطلاق صحيح الحلبي عن أبي عبد الله عليه السلام (سئل عن الرجل يعتق الأمة ويقول : مهرك عتقك ، فقال : حسن) (3) ، وصحيح ابن مسلم عن أبي جعفر عليه السلام (أيّما رجل شاء أن يعتق جاريته ويجعل صداقها عتقها فعل) (4) ، ولخصوص خبر عبيد بن زرارة عن أبي عبد الله عليه السلام (قلت له : رجل قال لجاريته : أعتقتك وجعلت عتقك مهرك ، فقال : جائز) (5).
هذا فضلا عن أن تقديم العتق لفظا على الزواج لا يقتضي ترتب أثره كي يلزم من تقدمه على الزواج ثبوت الخيار لها لأن العتق هو جزء من جملة واحدة ، ولا يترتب أثر هذا الجزء ما لم تتم الجملة كما هو المقرّر المتبادر من المحاورات ، ولذا ذهب الشهيدان وجماعة ، بل قيل : هو المشهور بين من تأخر عنهما أنه لا يشترط في الصحة تقديم صيغة العتق ، ولا تقديم صيغة الزواج بل يجوز كلّ منهما ، لأن الكلام المتصل كالجملة الواحدة.
ومنه تعرف ضعف ما عن الشيخين وابن أبي الصلاح واختاره العلامة في المختلف والارشاد وولده من اشتراط تقديم العتق ، لأن بضع الأمة مباح لمالكها فلا يستباح بالعقد مع تحقق الملك ، فلا بد من العتق أولا حتى يصح الزواج ثانيا ، ولخبر عبيد بن زرارة المتقدم المتضمن لتقديم العتق.
ص: 417
جملة واحدة لا يتمّ إلا بآخرها ، ولا فرق بين المتقدم منها والمتأخر.
وقيل : يتعين تقديم العتق ، لأنّ تزويج المولى أمته باطل.
ويضعف بما مرّ (1) ، وبأنّه (2) يستلزم عدم جواز جعل العتق مهرا (3) ، لأنّه (4) لو حكم بوقوعه (5) بأول الصيغة امتنع اعتباره (6) في التزويج المتعقب (7).
وقيل (8) : بل يقدّم التزويج لئلا تعتق فلا تصلح (9) لجعل عتقها مهرا ، ولأنها (10) تملك أمرها (11) فلا يصح تزويجها بدون رضاها ، ولرواية علي بن جعفر عليه السلام عن أخيه موسى عليه السلام قال : سألته عن رجل قال لأمته : أعتقتك وجعلت مهرك عتقك. فقال : «عتقت وهي بالخيار إن شاءت تزوجته ، وإن شاءت فلا ، فإن تزوجته فليعطها شيئا». ونحوه روي عن الرضا عليه السلام.
وفيه (12) نظر ، لما ذكر (13) ، ولأنّ المانع في الخبر (14) عدم التصريح بلفظ التزويج ، لا تقديم العتق ، وهو غير المتنازع.
______________________________________________________
(1) من كون الصيغة أجمع جملة واحدة لا يتم أثر أجزائها إلا بآخرها.
(2) أي بأن تقديم العتق.
(3) في النكاح المتأخر.
(4) أي الشأن والواقع.
(5) بوقوع العتق.
(6) اعتبار العتق.
(7) أي المتأخر.
(8) وهو المشهور.
(9) أي الأمة بعد عتقها.
(10) أي الأمة بعد عتقها.
(11) لو قدم العتق على التزويج.
(12) أي في تقديم التزويج على العتق.
(13) من كون الصيغة بأجمعها جملة واحدة لا تتم إلا بآخرها.
(14) أي المانع عن صحة التزويج إنما هو عدم التصريح بلفظ التزويج وليس المانع هو تقديم العتق.
ص: 418
والحقّ أنهما (1) صيغة واحدة لا يترتب شي ء من مقتضاها (2) إلا بتمامها فيقع مدلولها (3) وهو (4) العتق وكونه (5) مهرا وكونها زوجة.
(ويجب قبولها على قول) (6) ، لاشتمال الصيغة على عقد النكاح وهو مركب شرعا على الإيجاب والقبول ، ولا يمنع منه (7) كونها حال الصيغة رقيقة (8) ، لأنّها بمنزلة الحرة حيث تصير حرة بتمامه (9) ، فرقيّتها غير مستقرة ، ولو لا ذلك (10) امتنع تزويجها.(11)
______________________________________________________
(1) أي العتق والتزويج.
(2) أي مقتضى الصيغة الواحدة.
(3) على تقدير تمامها سواء قدم العتق أو التزويج.
(4) أي المدلول.
(5) أي كون العتق ،
(6) فلو صدرت الصيغة المشتملة على التزويج والعتق من المولى فهل يجب على الأمة القبول أو لا ، الظاهر من النصوص المتقدمة وفتاوى الأصحاب العدم ، والأخبار مع كثرتها لم تصرح بالقبول فلو كان معتبرا لوقع ، ولو وقع لنقل إلينا لأنه مما يعمّ به البلوى ، ولأن القبول إنما يعتبر من الزوج لا من المرأة ، وإنما وظيفتها الايجاب ولم يقع منها ، ولأن الأمة حال الصيغة لا عبرة برضاها لأنها رق ، فلو اعتبر لزم بطلان ما وقع من المولى ، لأن الذي وقع منه ايجاب وهو من شأن المرأة لا الرجل.
وقيل : يشترط قبولها بعد تمام الصيغة الصادرة من المولى ، لأن الصيغة مشتملة على النكاح وهو عقد مركب من ايجاب وقبول ، ولا يمنع قبولها كونها لا يعتبر رضاها ، لأنها بمنزلة الحرة حيث تصير حرة بتمام قبولها ، فرقّيتها غير مستقرة ، ولو لا ذلك لامتنع تزويجها ، والواقع منها بمنزلة الايجاب وإن كان بلفظ القبول ، وجاز التبدل لأن المعتبر هو الرضا بالزواج وقد تحقق منها سواء سميناه قبولا أو ايجابا.
(7) من قبولها.
(8) أي رق.
(9) أي بتمام القبول.
(10) أي إمكان القبول منها.
(11) وانحصر وطئها بالملك مع أنه على خلاف المتفق عليه من صحة تزويجها لمولاها وجعل عتقها مهرها.
ص: 419
ووجه عدم الوجوب (1) أنّ مستند شرعية هذه الصيغة (2) هو النقل المستفيض عن النبي صلى الله عليه وآله وسلم والأئمة عليهم صلوات الله ، وليس في شي ء منه (3) ما يدلّ على اعتبار القبول ، ولو وقع لنقل ، لأنه مما تعمّ به البلوى ، وأنّ حلّ (4) الوطء (5) مملوك له فهو (6) بمنزلة التزويج (7) ، فإذا أعتقها على هذا الوجه (8) كان (9) في معنى استثناء بقاء الحلّ من مقتضيات (10) العتق ، ولأنّ القبول إنما يعتبر من الزوج ، لا من المرأة وإنما وظيفتها الإيجاب ولم يقع منها ، وبذلك (11) يظهر أنّ عدم اعتبار قبولها أقوى ، وإن كان القول به (12) أحوط (13).
ويظهر أيضا جواب ما قيل (14):
______________________________________________________
(1) عدم وجوب القبول.
(2) وهي صيغة زواج المولى من أمته وجعل العتق مهرا.
(3) من هذا النقل.
(4) دليل ثان لعدم وجوب القبول.
(5) وطئ السيد لأمته.
(6) أي حل الوطي بالملك.
(7) من ناحية حل الوطي.
(8) وهو الزواج منها وجعل عتقها مهرها ، كان الزواج منها مفيدا لحل الوطي ، وقد كان حل الوطي قبل العتق ثابتا ، فالعتق الحادث المقرون مع الزواج لا يفيد نفس لوازم العتق من حرمة وطئها ونحو ذلك ، بل يكون هذا العتق المقرون مستثنى من لوازم مطلق العتق.
(9) أي العتق المقرون بالزواج.
(10) ومقتضياته هو حرمة الوطء.
(11) من عدم ذكر القبول في الأخبار وعدم كون القبول منها بل من الزوج.
(12) بالقبول.
(13) مراعاة لما يقتضيه العقد ، ولأصالة عدم ترتب أحكام الزوجية على هذه الصيغة عند الاكتفاء بها من دون قبول.
(14) اعلم أن تزويج المولى أمته مع جعل عتقها مهرها مخالف للقواعد من جهات :
الأولى : كيف جاز للمولى التزويج وهو مالك للبضع بالملك.
الثانية : كيف جاز القبول منها وهي مملوكة له ، فيجوز له إنكاحها وإن لم تقبل لأن الناس مسلطون على أموالهم.
ص: 420
إنه كيف يتزوج جاريته (1) ، وكيف يتحقق الإيجاب والقبول (2) وهي مملوكة.
______________________________________________________
- الثالثة : المهر يجب أن يكون متحققا قبل العقد ومع تقدم التزويج على العتق كما عليه المشهور لا يكون متحققا فكيف يقع العقد؟
الرابعة : لزوم الدور ، لأن العقد لا يتحقق إلا بالمهر الذي هو العتق ، والعتق لا يتحقق إلا بعد العقد.
وأجيب عن الأول بمنع وقوع العقد على مملوكته مع بقاء الرقية ، لأن العتق والعقد متقارنان فلم يقع العقد على المملوكة والرقية فيها مستقرة ، لأنه كما جاز أن يعقد لغيره عليها لعدم تملك ذلك الغير جاز أن يعقد عليها لنفسه لعدم استقرار ملكه لأنها تصير حرة بذلك العقد.
وإذا جاز وقوع العقد منه عليها جاز صدور القبول منها وبه يجاب عن الثاني.
وأجيب عن الثالث بمنع وجوب تحقق المهر قبل العقد ، ولم لا يجوز أن يكتفى بمقارنته للعقد وهو هنا كذلك ، فإن المهر هو العتق ، وهو يقارن العقد سواء تقدم التزويج أم تأخر.
وأجيب عن الرابع بمنع الدور ، لأننا نمنع توقف العقد على المهر ، نعم العقد مستلزم للمهر في صورة التسمية أو الدخول فقط ، وهو ليس من شرائط صحة العقد ، لأن العقد صحيح في نفسه وإن تجرد عن المهر ، ولو سلمنا بتوقف العقد على المهر فهي صالحة لأن تكون مهرا لغيرها فلم لا يجوز جعلها أو جعل فكها مهرا لها.
ثم لو سلمنا منافاة المسألة للقواعد من هذه الجهات فقد ورد النقل المستفيض عن أهل البيت عليهم السلام - وقد تقدم بعضه - على وجه لا يمكن رده فوجب المصير إليها وتصير المسألة أصلا بنفسها كما صار ضرب الدية على العاقلة أصلا بنفسه.
هذا والشارح هنا أجاب عن الثالث والرابع بما تقدم ، وأجاب عن الأول والثاني بأن التزويج هنا غير محتاج إلى القبول ، فهذا التزويج ليس عقدا في الواقع بل هو إبقاء حلية الوطي السابق من الملك إلى ما بعد العتق ، فلا ينافي هذا التزويج ملك البضع بل هو استمرار له فلا يأتي الاشكال الأول ، ولسنا بحاجة إلى قبول فيه حتى يأتي الاشكال الثاني.
ولو سلم أنه عقد ومحتاج إلى القبول فالنقل المستفيض قد دل على صحته ، وهذا ما يجعله أصلا برأسه فلا يصح ملاحظته مع بقية الأصول والقواعد المقررة.
(1) وهي ملك يمينه ، وهذا هو الاشكال الأول.
(2) أي القبول منها وهذا هو الاشكال الثاني.
ص: 421
وما قيل (1) : من أنّ المهر يجب أن يكون متحققا قبل العقد ، ومع تقديم التزويج (2) لا يكون متحققا ، وأنه يلوح منه (3) الدور (4) ، فإنّ العقد لا يتحقق إلا بالمهر الذي هو العتق ، والعتق لا يتحقق إلا بعد العقد - مندفع (5) بمنع اعتبار تقدمه (6) ، بل يكفي مقارنته للعقد وهو (7) هنا كذلك (8) ، وبمنع (9) توقف العقد على المهر وإن استلزمه (10) ، وإذا جاز (11) العقد على الأمة - وهي صالحة لأن تكون مهرا لغيرها - جاز جعلها (12) ، أو جعل فكّ ملكها مهرا لنفسها ، مع أنّ ذلك كلّه (13) في مقابلة النصّ الصحيح المستفيض فلا يسمع (14).
(ولو بيع أحد الزوجين (15).
______________________________________________________
(1) ذكر الشارح في المسالك والمحقق الثاني في جامعه أن هذه الاشكالات للمحقق في نكت النهاية ، وأجوبتها له أيضا.
(2) على العتق في الصيغة كما عليه المشهور ، وهذا هو الإشكال الثالث.
(3) من تقديم التزويج.
(4) وهذا هو الاشكال الرابع.
(5) خبر لقوله (وما قيل).
(6) أي تقدم المهر على العقد ، وهذا جواب عن الثالث.
(7) أي المهر.
(8) أي مقارن للعقد.
(9) جواب الدور الذي هو الاشكال الرابع.
(10) أي وإن استلزم العقد المهر ، وذلك في صورة التسمية أو الدخول.
(11) جواب ثان عن الدور ، مبني على التسليم بكون العقد متوقفا على المهر.
(12) أي جعل الأمة.
(13) أي الاشكالات المتقدمة.
(14) لأن هذه المسألة أصل برأسه في قبال بقية الأصول والقواعد المقررة.
(15) إذا باع المالك أمته المزوجة من عبد مملوك للبائع أو لغيره ، أو كانت مزوجة بحر كان المشتري بالخيار بين إمضاء العقد وفسخه ، سواء كان المشتري واحدا أم متعددا ، بلا خلاف فيه للأخبار.
منها : صحيح محمد بن مسلم عن أحدهما عليهما السلام (طلاق الأمة بيعها أو بيع زوجها ، وقال في الرجل يزوّج أمته رجلا حرا ثم يبيعها : هو فراق ما بينهما إلا أن يشاء المشتري -
ص: 422
.................................................................................................
______________________________________________________
- أن يدعهما) (1) ، وصحيح بريد بن معاوية وبكير بن أعين عن أبي جعفر وأبي عبد الله عليهما السلام (من اشترى مملوكة لها زوج فإن بيعها طلاقها ، فإن شاء المشتري فرّق بينهما ، وإن شاء تركهما على نكاحهما) (2) ومثلهما غيرهما ، ومن ملاحظة ذيل الأخبار تعرف أن المراد من طلاقها ببيعها هو تخيير المشتري بين الفسخ والامضاء.
ومقتضى إطلاق الأخبار عدم الفرق بين الدخول وعدمه ، وعدم الفرق بين كون الزوج حرا أو عبدا ، وعدم الفرق بين كون المالك واحدا أو متعددا ، وكذا عدم الفرق في المشتري بين كونه واحدا أو أكثر.
ثم إن هذا الخيار للمشتري على الفور بلا خلاف فيه كما في الرياض اقتصارا في الحكم المخالف للأصل على القدر المتيقن ، إلا أن يكون جاهلا بالخيار فله ذلك بعد العلم على الفور بلا خلاف ، لمعذوريته ، وفي إلحاق الجهل بالفورية بالجهل بأصل الخيار وجهان بل قولان كما في الرياض ، ومقتضى معذورية الجهل الأول ، ولزوم الاقتصار على المتيقن فيما خالف الأصل هو الثاني.
هذا كله في الأمة المزوجة لو بيعت ، وأما العبد المزوج لو بيع وكان تحته أمة فكذلك من ثبوت الخيار بين الفسخ والامضاء للمشتري بلا خلاف فيه ، لصحيح محمد بن مسلم المتقدم (طلاق الأمة بيعها أو بيع زوجها) (3) ، ولصحيح أبي الصباح الكناني عن أبي عبد الله عليه السلام (إذا بيعت الأمة ولها زوج فالذي اشتراها بالخيار إن شاء فرّق بينهما ، وإن شاء تركها معه ، فإن تركها معه فليس له أن يفرّق بينهما بعد التراضي ، قال : وإن بيع العبد فإن شاء مولاه الذي اشتراه أن يصنع مثل الذي صنع صاحب الجارية فذلك له ، وإن هو سلّم فليس له أن يفرّق بينهما بعد ما سلّم) (4).
وأما لو كانت تحته حرة فالمشهور أن المشتري أيضا بالخيار لإطلاق الخبرين المتقدمين ، وعن ابن إدريس وجماعة العدم ، للأصل بعد اختصاص الأخبار المتقدمة بما إذا كانت تحته أمة ، وهو ضعيف.
ثم إن الحكم بالخيار للمشتري في العبد والأمة يقتضي حصره فيه لأنه حكم قد ثبت على خلاف الأصل فيقتصر على القدر المتيقن لأن الأخبار قد دلت على ثبوت الخيار لمن انتقل -
ص: 423
(فللمشتري (1) والبائع (2) الخيار) في فسخ النّكاح (3) وإمضائه ، سواء دخل أم لا ، وسواء كان الآخر حرّا (4) أم لا ، وسواء كانا لمالك أم كل واحد لمالك.
وهذا الخيار على الفور كخيار العتق (5) ، ويعذر جاهله (6) ، وجاهل الفورية
______________________________________________________
- إليه الملك فيبقى غيره على أصل اللزوم ، ولو كان الطرف الآخر من الزوجين رقا ، وهو أشهر القولين ، وعن الشيخ في النهاية والقاضي ابن البراج في المهذب والعلامة في المختلف أن للمولى الآخر الاعتراض مع إجازة المشتري ، لأن الذي لم يبع قد رضي بالعقد مع المالك الأول والأغراض تختلف باختلاف المالك ، ولأن البائع قد أوجد سبب الفسخ للمشتري ، وهو مالك والآخر مالك مثله ، وفيه : إنه قياس لا نقول به والأول استحسان محض بعد اقتصار الفسخ في الأخبار على المشتري فقط.
(1) في كل الصور.
(2) في صورة واحدة وهي ما لو كان الزوجان رقين ، وكانا لمالك واحد ثم باع أحدهما خاصة ، فالخيار للمشتري كما سلف ، وأما الخيار للبائع فقد ذهب إليه المحقق في الشرائع والنافع وجماعة منهم الشهيدان ، لإطلاق ما دل على أن البيع طلاق كصحيح محمد بن مسلم عن أحدهما عليهما السلام (طلاق الأمة بيعها أو بيع زوجها) (1) ، ومقتضاه ثبوت التسلط على العقد بالفسخ أو الامضاء لكل من المشتري والبائع ، ولا تشاركهما في مقتضى الفسخ الثابت للمشتري ، فالمشتري قد يتضرر بتزويج مملوكته بغير مملوكه فلذا ثبت له الخيار وكذلك البائع ، وللاستصحاب ، لأن المالك قبل البيع كان له فسخ عقدهما فكذلك له الفسخ بعد بيع أحدهما للاستصحاب. وفيه : أما النص فهو محمول على ثبوت الخيار للمشتري بقرينة ذيله وبقرينة باقي الأخبار ، وأما اشتراكهما في مقتضى الفسخ فهو قياس لا نقول به ، على أن الجزم بكون مقتضى الفسخ للمشتري هو تضرره بتزويج مملوكته بغير مملوكه ليس في محله لأنه غير منصوص فهو استحسان محض ، على أنه لا يجري إلا في الزوجين المملوكين مع أن المشتري له حق الخيار وإن كان الطرف الآخر من الزوجين حرا. وأما الاستصحاب فممنوع بعد تبدل الموضوع ، إذ ما قبل البيع كانا ملكا له فله فسخ نكاحهما ، وأما بعد بيع أحدهما فهما ليسا ملكا له.
(3) السابق على البيع.
(4) وفي هذه الصورة لا خيار للبائع ، ومنه تعرف ضعف التعميم في كلام الشهيدين.
(5) كما لو زوج أمته ثم اعتقها فلها الخيار على الفور وقد تقدم.
(6) جاهل الخيار.
ص: 424
على الظاهر (1) ، (وكذا يتخيّر كلّ من انتقل إليه الملك بأي سبب كان) (2) من هبة ، أو صلح ، أو صداق وغيره (3) ، ولو اختلف الموليان (4) في الفسخ والالتزام قدّم الفاسخ كغيره (5) من الخيار المشترك(ولو بيع الزوجان معا على واحد تخيّر) لقيام المقتضي (6) ، (ولو بيع كلّ منهما على واحد تخيّرا) لما ذكر (7) ، وكذا لو باعهما المالك من اثنين على جهة الاشتراك (8).
(وليس للعبد طلاق أمة سيده) (9).
______________________________________________________
(1) إشارة إلى ما قيل من عدم معذورية جاهل الفورية.
(2) الحكم المتقدم من الخيار لا فرق فيه بين البيع وغيره من الناقل الاختياري ، بل والقهري كالإرث ضرورة كون الحكم منوطا بتجدد الملك ، وللتعليل في خبر الحسن بن زياد (سألت أبا عبد الله عليه السلام عن رجل اشترى جارية يطأها فبلغه أن لها زوجا ، قال : يطأها فإن بيعها طلاقها ، وذلك أنهما لا يقدران على شي ء من أمرهما إذا بيعا) (1).
(3) كالإرث.
(4) لو كان العبد والأمة المزوجين لمالك واحد ، وباعهما لاثنين ، سواء باع أحدهما لواحد والآخر لآخر ، أم باعهما معا لاثنين على نحو الاشتراك ، كان الخيار في فسخ عقدهما وامضائه للمشتري المتعدد كما ثبت للواحد ، لوجود المقتضي في الجميع بعد إطلاق النصوص ، ولا أثر في ذلك لتعدد المشتري واتحاده ، وكذا لو كان العبد والأمة المزوجين لمالك ، وقد باع أحدهما وقلنا بثبوت الخيار للبائع ، وعليه فإن اتفق الموليان على ابقاء العقد لزم ، وإن اتفقا على فسخه أو طلب أحدهما فسخه انفسخ العقد وإن طلب الآخر امضائه ، لأن رضا أحدهما يوجب تقرير العقد من جانبه فقط ويبقى العقد من الجانب الآخر متزلزلا ، فإذا فسخه انفسخ.
(5) أي كغير هذا الخيار.
(6) وهو الانتقال إلى ملكه.
(7) من قيام المقتضى ، وهو الانتقال إلى ملكه.
(8) بحيث يكون العبد والأمة المزوجين ملكا للمشتريين على نحو الاشتراك بينهما.
(9) إذا تزوج العبد بإذن سيده فلا يخلو إما أن تكون الزوجة أمة لسيده أو لا ، وعلى الثاني فإما أن تكون أمة لغيره أو حرة فالأقسام ثلاثة ، وفي القسم الأول ما لو تزوج أمة سيده -
ص: 425
لو كان متزوجا بها بعقد يلزمه (1) جواز الطلاق(إلا برضاه) (2) كما أنّ تزويجه بيده (3). وهو موضع نصّ وإجماع.
(ويجوز) للعبد(طلاق غيرها) أي غير أمة سيده وإن كان قد زوجه بها مولاه(أمة كانت) الزوجة ، (أو حرة (4) ، أذن المولى) في طلاقها(أو لا على)
______________________________________________________
- بإذنه فأمر الطلاق بيد المولى ، فله أن يطلق بلا خلاف فيه للأخبار.
منها : صحيح محمد بن مسلم (سألت أبا جعفر عليه السلام عن قول الله عزوجل : والمحصنات من النساء إلا ما ملكت أيمانكم ، قال : هو أن يأمر الرجل عبده وتحته أمته ، فيقول له : اعتزل امرأتك ولا تقربها ، ثم يحبسها عنه حتى تحيض ثم يمسّها ، فإذا حاضت بعد مسّه إياها ردّها عليه بغير نكاح) (1) ، وصحيح ابن سنان عن أبي عبد الله عليه السلام (سمعته يقول : إذا زوّج الرجل عبده أمته ثم اشتهاها قال له : اعتزلها فإذا طمثت وطأها ، ثم يردها عليه إن شاء) (2) ، وصحيح الحلبي عن أبي عبد الله عليه السلام (إذا أنكح الرجل عبده أمته فرّق بينهما إذا شاء) (3).
وصريح هذه الأخبار عدم اشتراط لفظ الطلاق في إحداث الفراق بين العبد وزوجته ، بل يكفي كل ما دل عليه من الأمر بالاعتزال والافتراق ، ولا خلاف فيه والقسمان الآخران سيأتي البحث فيهما.
(1) أي يلزم العقد جواز الطلاق ، وهو منحصر بالعقد الدائم ، إذ المتعة لا يلزمها طلاق.
(2) أي رضا المولى.
(3) أي كما أن تزويج العبد بيد سيده.
(4) لو كانت زوجة العبد حرة أو أمة لغير سيده فالطلاق بيد العبد على المشهور ، وليس للسيد إجباره عليه ولا نهيه عنه للنبوي (الطلاق بيد من أخذ بالساق) (4) ، وللأخبار الخاصة.
منها : خبر أبي بصير (سألت أبا عبد الله عليه السلام عن الرجل بإذن لعبده أن يتزوج الحرة أو أمة قوم ، الطلاق إلى السيد أو إلى العبد ، فقال : الطلاق إلى العبد) (5) ، وخبر ليث المرادي (سألت أبا عبد الله عليه السلام عن العبد هل يجوز طلاقه؟ فقال : إن كانت أمتك فلا ، إن الله عزوجل يقول : ( عَبْداً مَمْلُوكاً لٰا يَقْدِرُ عَلىٰ شَيْ ءٍ ) ، وإن كانت أمة قوم آخرين -
ص: 426
.................................................................................................
______________________________________________________
- أو حرة جاز طلاقه) (1) ، وخبر عبد الله بن سنان عن أبي عبد الله عليه السلام (سألته عن رجل يزوّج غلامه جارية حرة ، فقال : الطلاق بيد الغلام) (2) ، وخبر محمد بن الفضيل عن أبي الحسن الكاظم عليه السلام (طلاق العبد إذا تزوج امرأة حرة أو تزوج وليدة قوم آخرين إلى العبد ، وإن تزوج وليدة مولاه كان هو الذي يفرّق بينهما إن شاء ، وإن شاء ، وإن شاء انتزعها منه بغير طلاق) (3).
وعن جماعة منهم القديمان العماني وابن أبي الجنيد أن الطلاق مطلقا إلى السيد لصحيح بريد بن معاوية وبكير بن أعين عن أبي جعفر وأبي عبد الله عليهما السلام (أنهما قالا في العبد المملوك : ليس له طلاق إلا بإذن مولاه) (4) ، وصحيح زرارة عن أبي جعفر وأبي عبد الله عليهما السلام (المملوك لا يجوز طلاقه ولا نكاحه إلا بإذن سيده ، قلت : فإن السيد كان زوّجه بيد من الطلاق؟ قال : بيد السيد ، ضرب الله مثلا عبدا مملوكا لا يقدر على شي ء ، الشي ء الطلاق) (5) ، وصحيح شعيب بن يعقوب العقرقوفي عن أبي عبد الله عليه السلام (سئل وأنا عنده أسمع عن طلاق العبد ، قال : ليس له طلاق ولا نكاح ، أما تسمع الله تعالى يقول : عبدا مملوكا لا يقدر على شي ء ، قال : لا يقدر على طلاق ولا نكاح إلا بإذن مولاه) (6).
وأجيب بحملها على ما لو تزوج أمة سيده جمعا بينها وبين ما تقدم ، فهذه عامة وتلك خاصة ولا بد من حمل العام على الخاص.
ومنه تعرف ما عن الحلبي من موافقة المشهور إلا أن للسيد إجباره على الطلاق محتجا بما دل على وجوب طاعة العبد لأوامر سيده ، ولخصوص خبر علي بن جعفر عن أخيه موسى عليه السلام عن أبيه عن آبائه عن علي عليهم السلام (أنه أتاه بعبده فقال : إن عبدي تزوج بغير إذني فقال علي عليه السلام لسيده : فرّق بينهما ، فقال السيد لعبده : يا عدو الله طلّق ، فقال له علي عليه السلام : كيف قلت له؟ قال : قلت له : طلّق ، فقال علي عليه السلام للعبد : أما الآن فإن شئت فطلّق وإن شئت فأمسك ، فقال السيد : يا أمير المؤمنين ، أمر كان -
ص: 427
(المشهور) ، لعموم قوله عليه السلام : «الطلاق بيد من أخذ بالساق» ، وروى ليث المرادي عن الصادق عليه السلام وقد سأله عن جواز طلاق العبد فقال : «إن كانت أمتك فلا ، إن الله تعالى يقول : ( عَبْداً مَمْلُوكاً لٰا يَقْدِرُ عَلىٰ شَيْ ءٍ ) وإن كانت أمة قوم آخرين جاز طلاقه».
وقيل : ليس له (1) الاستبداد به كالأول (2) ، استنادا إلى أخبار مطلقة حملها على كون الزوجة أمة المولى طريق الجمع.
وفي ثالث (3) يجوز للسيد إجباره على الطلاق كما له اجباره على النكاح والرواية مطلقة يتعين حملها على أمته كما مرّ.
(وللسيد أن يفرّق بين رقيقيه متى شاء بلفظ الطلاق ، وبغيره) (4) من الفسخ والأمر بالاعتزال ، ونحوهما.
هذا إذا زوجهما بعقد النّكاح ، أما إذا جعله (5) إباحة فلا طلاق ، إلا أن يجعل (6) دالا على التفريق من غير أن يلحقه أحكامه (7) ، ولو أوقع لفظ الطلاق مع كون السابق عقدا فظاهر الأصحاب لحوق أحكامه (8) ، واشتراطه
______________________________________________________
- بيدي فجعلته بيد غيري ، قال : ذلك لأنك حين قلت له : طلّق اقررت له بالنكاح (1) ، وفيه : إنه من أدلة عدم لزوم الطلاق على العبد ولو أمره به السيد ، ألا ترى قول الأمير عليه السلام للعبد : (أما الآن فإن شئت فطلق وإن شئت فأمسك) ، ولو سلم دلالته على ايجاب الطلاق فهو محمول على أمة السيد لا مطلقا.
(1) أي ليس للعبد الاستبداد بالطلاق ، بل الطلاق للمولى.
(2) كما لو تزوج أمة سيده.
(3) وهو قول الحلبي.
(4) غير لفظ الطلاق وقد تقدم بحثه.
(5) أي جعل التزويج بحيث اطلق التزويج وأراد الاباحة والتحليل.
(6) أي الطلاق الواقع عقيب الاباحة.
(7) أي أحكام الطلاق من كونه محرّما في الثالث حتى تنكح زوجا غيره.
(8) أي أحكام الطلاق من كونه محرما في الثالثة.
ص: 428
بشرائطه (1) ، عملا بالعموم (2) ، مع احتمال العدم (3) بناء على أنّه (4) إباحة (5) وإن وقع بعقد.
(وتباح الأمة) لغير مالكها(بالتحليل) (6) من المالك لمن يجوز له التزويج بها (7) وقد تقدمت شرائطه التي من جملتها كونه مؤمنا في المؤمنة ، ومسلما في المسلمة ، وكونها كتابية لو كانت كافرة ، وغير ذلك من أحكام النّسب والمصاهرة ، وغيرها ، وحلّ الأمة بذلك (8) هو المشهور بين الأصحاب ، بل كاد يكون اجماعا ،
______________________________________________________
(1) بحيث يسمعه شاهدان وأن تكون في طهر لم تواقع فيه ونحو ذلك.
(2) أي عموم أدلة الطلاق.
(3) أي عدم لحوق أحكام الطلاق وشرائطه لطلاق المولى أمته من عبده.
(4) أي أن زواج العبد من أمة سيده.
(5) كما عن سيد الرياض وجماعة ، وهو ضعيف لمخالفته ظاهر النصوص المتقدمة الظاهرة في كون التزويج المذكور عقدا يلحقه الطلاق وغيره من الأحكام.
(6) وهو أن يحلل المالك أمته وطئا أو تقبيلا أو لمسا لغيره من غير عقد ، وهو ملك منفعة ، وهو أحد نوعي الملك لأن الثاني هو ملك الرقبة كما أن العقد نوعان دائم ومتعة ، وهو جائز بالاتفاق إلا ما يحكى عن البعض من المنع كما في محكي الخلاف والسرائر ، وفي كشف اللثام أنه معطى كلام الانتصار ، وهو مردود للأخبار الكثيرة على جوازه.
منها : خبر الفضيل بن يسار (قلت لأبي عبد الله عليه السلام : إن بعض أصحابنا قد روى عنك أنك قلت : إذا أحلّ الرجل لأخيه جاريته فهي له حلال ، فقال : نعم) (1) ، وخبر حريز عن أبي عبد الله عليه السلام (في الرجل يحلّ فرج جاريته لأخيه فقال : لا بأس بذلك) (2) ، وخبر محمد بن مضارب (قال لي أبو عبد الله عليه السلام : يا محمد خذ هذه الجارية تخدمك وتصيب منها ، فإذا خرجت فارددها إلينا) (3) ، وصحيح ابن بزيع (سألت أبا الحسن عليه السلام عن امرأة أحلّت لي جاريتها ، فقال : ذلك لك ، قلت : فإن كانت تمزح؟ فقال : وكيف لك بما في قلبها ، فإن علمت أنها تمزح فلا) (4) ومثلها غيرها.
(7) لا للمحارم كابن الأمة وأخيها وأبيها وهكذا.
(8) أي بالتحليل.
ص: 429
وأخبارهم الصحيحة به مستفيضة.
ولا بدّ له (1) من صيغة دالة عليه(مثل أحللت لك وطأها ، أو جعلتك في)
______________________________________________________
(1) أي للتحليل ، اعلم أنه لا إشكال في اعتبار صيغة خاصة لهذا النوع من النكاح كما تعتبر في غيره ، لأن مجرد التراضي لا يكفي في حل الفروج ، ولا أي لفظ اتفق ، وقد اتفقوا على الاجتزاء بلفظ التحليل ، وهو الوارد في الأخبار التي تقدم بعضها ، مع اختلافهم في اعتبار الماضوية فقط ، لأن عقد النكاح يكتفى فيه باللفظ الماضي الصريح الدال على الانشاء كما عليه مشهور القدماء فيقتصر في التحليل على قوله : أحللت لك وطئها أو جعلتك في حل من وطئها ، ولا يكفي المضارع كقوله : أحلل لك وطئها ولا الجملة الاسمية كقوله : أنت في حل من وطئها.
وعن صاحب الجواهر وغيره عدم اعتبار الماضوية بل يكفي ما يدل على إنشاء التحليل على حسب القانون العربي من غير فرق بين المجاز وغيره ، بل لعل المقام أوسع من ذلك باعتبار كون التحليل من الاباحات ومن العقود الجائزة ، ويؤيده ما في خبر إبراهيم بن عبد الحميد عن أبي الحسن عليه السلام (عن امرأة قالت لرجل : فرج جاريتي لك حلال ، فوطأها فولدت ولدا ، قال : يقوّم الولد عليه بقيمته) (1) ومثلها غيرها ، وقد صرحت بجواز التحليل بالجملة الاسمية التي هي غير الماضوية. نعم اختلفوا في الاستباحة بلفظ الاباحة ، فالأكثر ومنهم الشيخ في النهاية والمرتضى والعلامة في أحد قوليه على العدم وقوفا مع ظاهر النصوص التي صرحت بالتحليل فقط فيخصص بها الأصول ، ولا مخصص لها فيما عداه مضافا إلى خبر أبي العباس البقباق (سأل رجل أبا عبد الله عليه السلام ونحن عنده عن عارية الفرج قال : حرام ، ثم مكث قليلا ثم قال : لكن لا بأس بأن يحلّ الرجل الجارية لأخيه) (2).
وعن الشيخ في المبسوط وابن إدريس والمحقق والعلامة في القول الآخر الاكتفاء بلفظ الاباحة ، لمشاركة لفظ الاباحة للتحليل في المعنى ، فهما مترادفان ، ويصح إقامة كل من المترادفين مقام الآخر ، وردّ بمنع الاكتفاء بالمترادف في إنشاء العقود ، خصوصا في النكاح الذي فيه شائبة العبادة ، وكثير من أحكامه توقيفية ، والاحتياط فيه مهم لأن الفروج مبنية عليه.
نعم على القول بجواز التحليل بلفظ الاباحة فيكتفى بما لو قال : وهبتك وطأها أو -
ص: 430
(حلّ من وطئها). وهاتان الصيغتان كافيتان فيه (1) اتفاقا (2).
(وفي صحته (3) بلفظ الإباحة قولان) : أحدهما إلحاقها به (4) ، لمشاركتها له في المعنى فيكون كالمرادف الذي يجوز اقامته مقام رديفه. والأكثر على منعه (5) وقوفا فيما خالف الأصل (6) على موضع اليقين ، وتمسكا بالأصل (7) ، ومراعاة للاحتياط في الفروج المبنية عليه (8). وهو الأقوى ، ونمنع المرادفة (9) أولا ، ثم الاكتفاء (10) بالمرادف مطلقا (11) فإنّ كثيرا من أحكام النكاح توقيفية ، وفيه شائبة العبادة ، والاحتياط فيه مهمّ فإن جوزناه بلفظ الإباحة كفى أذنت وسوّغت وملكت ووهبت ونحوه.
(والأشبه أنّه ملك يمين لا عقد نكاح) (12) ، لانحصار العقد في الدائم
______________________________________________________
- سوّغت لك ذلك ، أو ملّكتك وطئها وهكذا. ثم المشهور على منع التحليل بلفظ العارية لخبر البقباق المتقدم ، وعن ابن إدريس الجواز لخبر العطار (سألت أبا عبد الله عليه السلام عن عارية الفرج ، قال : لا بأس به) (1) ، واعتضاد الأول بالأصل مع موافقة المشهور وعمله به يوجبان طرح الثاني.
(1) في التحليل.
(2) وكلتاهما بالماضي.
(3) صحة التحليل.
(4) أي إلحاق الاباحة بالتحليل.
(5) منع الالحاق.
(6) عدم حلية الفرج إلا بالعقد أو الملك.
(7) وهو حرمة الفرج إلا ما دل عليه الدليل.
(8) على الاحتياط.
(9) أي الترادف بين التحليل والاباحة.
(10) أي نمنع الاكتفاء.
(11) أي حتى في النكاح.
(12) وقع الخلاف في أن التحليل المذكور هل هو إباحة محضة وتمليك منفعة كما عليه المشهور ، وعن السيد المرتضى أنه عقد ، لأن حل الفروج منحصر في العقد أو الملك
ص: 431
والمتعة ، وكلاهما منتفيان عنه ، لتوقف رفع الأول (1) على الطلاق في غير الفسخ بأمور (2) محصورة ليس هذا منها ، ولزوم المهر فيه (3) بالدخول ، وغير ذلك من لوازمه (4) ، وانتفاء اللازم يدل على انتفاء الملزوم ، ولتوقف الثاني (5) على المهر والأجل ، وهما منتفيان هنا (6) أيضا (7) فينتفي (8) ، ولأنّ عقد النكاح لازم ، ولا شي ء من التحليل بلازم (9) ، وإذا انتفى كونه (10) عقدا ثبت الملك ، لانحصار حلّ
______________________________________________________
- لقوله تعالى : ( إِلّٰا عَلىٰ أَزْوٰاجِهِمْ أَوْ مٰا مَلَكَتْ أَيْمٰانُهُمْ ) (1) ، وبما أن التحليل ليس ملك يمين فيتعين أنه عقد ، وردّ بأن العقد منقسم إلى الدائم والمنقطع ، وكلاهما منفي عن التحليل ، لأن الدائم مما يتوقف رفعه على الطلاق في غير الفسخ ، ولزومه للمهر بالدخول ونحو ذلك من خواصه وهي منفية هنا وانتفاء اللازم يدل على انتفاء الملزوم ، ولأن المتعة متوقفة على ذكر الأجل والمهر ، ولا مهر في التحليل ، ثم إن عقد النكاح لازم ولا شي ء من التحليل كذلك ، وإذا انتفى كون التحليل عقدا ثبت الملك لانحصار حل النكاح فيهما ، ومنه يتبين أن قوله تعالى : ( أَوْ مٰا مَلَكَتْ أَيْمٰانُهُمْ ) (2) يشمل ملك المنفعة وإن كان الظاهر منها هو خصوص ملك الرقبة.
ثم على القولين من كون التحليل عقدا أو إباحة فلا بدّ من القبول ، أما على العقد فظاهر لأنه مشتمل على ايجاب وقبول ، وأما على الاباحة فلأنها في معنى الهبة - أعني هبة المنفعة - فيكون من قبيل العقود المحتاجة إلى القبول.
(1) أي الدائم.
(2) متعلق بالفسخ.
(3) في الدائم.
(4) أي لوازم الدائم.
(5) أي المتعة.
(6) في التحليل.
(7) كانتفاء لوازم الدائم.
(8) أي الثاني الذي هو المتعة.
(9) لجواز الفسخ من المالك متى شاء
(10) كون التحليل.
ص: 432
النكاح فيهما (1) بمقتضى الآية.
وعلى القولين (2) لا بدّ من القبول ، لتوقف (3) الملك عليه (4) أيضا (5).
وقيل : إنّ الفائدة (6) تظهر فيما لو أباح أمته لعبده فإن قلنا : أنّه (7) عقد ، أو تمليك وأن العبد يملك حلّت ، وإلا (8) فلا.
وفيه نظر ، لأنّ الملك فيه (9) ليس على حدّ الملك المحض بحيث لا يكون العبد أهلا له (10) ، بل المراد به (11) الاستحقاق كما يقال : يملك زيد احضار مجلس الحكم ، ونحوه ، ومثل هذا (12) يستوي فيه الحرّ والعبد ، فصحة التحليل في حقّه (13) على القول بعدم الملك (14) متجهة (15).
(ويجب الاقتصار على ما تناوله اللفظ (16) وما يشهد الحال بدخوله)
______________________________________________________
(1) في العقد والملك.
(2) من كون التحليل عقدا أو إباحة.
(3) تعليل لاحتياج الاباحة إلى القبول.
(4) على القبول.
(5) كاحتياج التحليل إلى القبول لو كان عقدا.
(6) بين القولين في كون التحليل عقدا أو إباحة ، وهذه الفائدة محكية عن ابن إدريس.
(7) أي التحليل.
(8) أي وإن لم نقل بملكية العبد وقلنا بكون التحليل إباحة وتمليك منفعة فلا تحلّ.
(9) في التحليل.
(10) للملك المحض.
(11) بالملك الموجود في التحليل.
(12) أي الاستحقاق.
(13) أي حق العبد.
(14) أي القول بعدم ملك العبد.
(15) وإن قلنا بكون التحليل إباحة وتمليك منفعة.
(16) أي تناوله بإحدى الدلالات الثلاث ، اعلم أنه لما كان هذا النوع من الاستمتاع تابعا للفظ الدال عليه وجب مراعاة اللفظ ، أو فقل لما كان الانتفاع بأمة الغير بدون إذنه محرّما قطعا وجب الاقتصار فيه على ما تناوله اللفظ فلا يستبيح ما لم يتناوله اللفظ أو لم تشهد قرينة
ص: 433
(فيه) (1) فإن أحلّه بعض مقدمات الوطء كالتقبيل والنظر لم يحل له الآخر ولا الوطء ، وكذا لو أحلّه بعضها في عضو مخصوص اختص به (2) ، (وإن أحلّه الوطء حلّت المقدمات) بشهادة الحال ، ولأنّه (3) لا ينفكّ عنها (4) غالبا ، ولا موقع له بدونها (5) ، ولأنّ تحليل الأقوى يدلّ على الأضعف بطريق أولى ، بخلاف المساوي ، والعكس (6).
وهل يدخل اللمس بشهوة في تحليل القبلة نظر ، من الاستلزام (7) المذكور (8)
______________________________________________________
- الحال بدخوله فلو أحلّ له بعض مقدمات الوطي لم يحلّ له الوطي ولا بقية المقدمات ، فلو أحلّ له النظر لم يتناول غيره من ضروب الاستمتاع لعدم دلالة النظر على غيره من المقدمات لأنه أضعفها ، ولكن لو أحلّ له الوطي حل له ما دونه من المقدمات لشهادة الحال ، ولعدم انفكاك الوطي من بقية مقدماته ، ولأن الوطي يدل على اللمس بالتضمن وعلى باقي المقدمات من القبلة والنظر بالالتزام بالإضافة إلى الأخبار.
منها : خبر الحسن بن عطية عن أبي عبد الله عليه السلام (إذا احلّ الرجل للرجل من جاريته قبلة لم يحلّ له غيرها ، وإن أحلّ له دون الفرج لم يحلّ له غيره ، وإن أحلّ له الفرج حلّ له جميعها) (1).
والضابط أنه لو أحل له بعض المقدمات دخل فيه ما يستلزمه دون غيره ، فإذا أحلّ الوطي دخل الجميع ، ولو أحلّ التقبيل دخل اللمس ، ولو أحل النظر لم يدخل غيره لأنه أضعف ضروب الاستمتاع وهكذا.
(1) في اللفظ أو الإذن.
(2) أي اختص التحليل بالعضو المخصوص.
(3) أي الوطي.
(4) أي عن مقدمات الوطي.
(5) أي لا وقع ولا كمال للوطي بدون مقدماته حتى كأنه ليس وطئا ، مع أن الوطي المأذون فيه منصرف عرفا إلى ما هو الوطي عندهم ، وهو الوطي مع مقدماته.
(6) وهو تحليل الأضعف لا يدل على الأقوى.
(7) دليل الدخول ، والمراد أن هناك تلازما غالبا بين التقبيل واللمس بشهوة.
(8) قد ذكر التلازم الغالبي بين الوطي ومقدماته.
ص: 434
في الجملة فيدخل (1) ، ومن أن (2) اللازم دخول لمس ما استلزمته القبلة ، لا مطلقا فلا يدخل (3) إلا ما توقفت عليه (4) خاصة. وهو الأقوى.
(والولد) الحاصل من الأمة المحللة(حرّ) (5) مع اشتراط حريته ، أو الاطلاق ، ولو شرط رقيته ففيه ما مرّ ، ويظهر من العبارة (6) عدم صحة الشرط (7) ، حيث أطلق الحرية وهو الوجه (8) ، ولا يخفى أنّ ذلك (9) مبني على
______________________________________________________
(1) أي يدخل اللمس بشهوة في تحليل القبلة.
(2) دليل عدم الدخول.
(3) أي لا يدخل اللمس بشهوة.
(4) أي إلا ما توقفت القبلة عليه من اللمس.
(5) ولد المحلّلة للحر حر سواء اشترط حريته أو أطلق لتبعية الولد لأشرف الأبوين ، ولخصوص صحيح زرارة عن أبي جعفر عليه السلام (الرجل يحلّ لأخيه جاريته قال : لا بأس به ، قلت : فإنها جاءت بولد ، قال عليه السلام : يضمّ إليه ولده ويردّ الجارية إلى صاحبها) (1) ، ومثله صحيح حريز (2) ، وخبر إسحاق بن عمار (قلت لأبي عبد الله عليه السلام : الرجل يحلّ جاريته لأخيه ، أو حرة حلّلت جاريتها لأخيها ، قال : يحلّ له من ذلك ما أحلّ له ، قلت : فجاءت بولد ، قال : يلحق بالحر من أبويه) (3) ، وخبر عبد الله بن محمد عن أبي عبد الله عليه السلام (عن الرجل يقول لأخيه : جاريتي لك حلال ، قال : قد حلّت له ، قلت : فإنها ولدت ، قال : الولد له والأم للمولى ، وإني لأحبّ الرجل إذا فعل هذا بأخيه أن يمنّ عليه فيهبها له) (4).
وأما لو شرط رقيته فإن قلنا بصحته فهو وإلا فيكون كالاطلاق ، وقد تقدم صحة اشتراط الرقية فيما لو زوجت من حر على المشهور ، فراجع ص 234 عند قول الماتن (ولو شرط مولى الرق رقيته جاز على قول مشهور ضعيف المأخذ) ثم إن ولد المحلّلة للرّق رق بالاتفاق إن جوزنا التحليل للعبد.
(6) أي عبارة الماتن.
(7) أي اشتراط الرقية حيث حكم بحرية ولد المحلّلة من دون تقييد.
(8) لما تقدم بطلان من الشرط لو اشترطت الرقية وقد زوجت من حر.
(9) أي إطلاق حرية ولد المحلّلة.
ص: 435
الغالب من حريّة الأب ، أو على القول باختصاصه (1) بالحر (2) ، فلو كان (3) مملوكا وسوغناه (4) كما سلف فهو (5) رقّ ، (و) حيث يحكم بحريته (6) (لا قيمة على الأب) مع اشتراط حريته اجماعا ، ومع الإطلاق على أصح القولين (7) ، وبه أخبار كثيرة ، ولأنّ الحرية مبنية على التغليب ولهذا يسري العتق بأقل جزء يتصور ، ولا شبهة في كون الولد متكوّنا من نطفة الرجل والمرأة فيغلب جانب الحرية ، والحر لا قيمة له.
وفي قول آخر إنّه يكون رقّا لمولى الجارية ويفكه أبوه إن كان له مال ، وإلا
______________________________________________________
(1) أي اختصاص التحليل.
(2) بناء على أن التحليل تمليك وأن العبد لا يملك.
(3) أي الأب.
(4) أي التحليل للرق.
(5) أي ولد المحلّلة.
(6) أي بحرية الولد.
(7) لو أطلق التحليل ولم يشترط حرية الولد ولا رقيته وكان الأب حرا فللأصحاب قولان ، أحدهما أن الولد حر ولا قيمة على أبيه وهو مذهب الشيخ في الخلاف والمتأخرين ، لبناء الحرية على التغليب والسراية ، والولد متكون من النطقتين فيغلب جانب الحرية ، ولعموم الأخبار الدالة على أن ولد الحر حر كخبر إسحاق بن عمار المتقدم ، ولخصوص صحيح زرارة وحريز المتقدمين.
وعن الشيخ في غير الخلاف ونسب إلى الصدوق أنه يجب على أبيه فكه بالقيمة لصحيح ضريس بن عبد الملك عن أبي عبد الله عليه السلام الوارد في التحليل (قلت : أرأيت إن جاءت بولد ما يصنع به؟ قال : هو لمولى الجارية إلا أن يكون قد اشترط عليه حين أحلّها له أنها إن جاءت بولد فهو حر ، فإن كان فعل فهو حر ، قلت : فيملك ولده؟ قال : إن كان له مال اشتراه بالقيمة) (1) ، وصحيح العطار عن أبي عبد الله عليه السلام (قلت : فإن كان منه ولد ، فقال : لصاحب الجارية إلا أن يشترط عليه) (2) ، وخبر إبراهيم بن عبد الحميد عن أبي الحسن عليه السلام (في امرأة قالت لرجل : فرج جاريتي لك حلال فوطأها فولدت ولدا ، قال : يقوّم الولد عليه بقيمته) (3) ، والمشهور هو الأول.
ص: 436
استسعى في ثمنه ، والأول أشهر ، (ولا بأس بوطء الأمة وفي البيت آخر مميز (1)) أما غيره (2) فلا يكره مطلقا (3) (وأن ينام بين أمتين (4) ويكره ذلك (5)) المذكور في الموضعين(في الحرة ، وكذا يكره وطء الأمة الفاجرة (6) كالحرة الفاجرة) ، لما فيه من العار ، وخوف اختلاط الماءين ، (ووطء من ولدت من الزنا (7) بالعقد) ، ولا بأس به بالملك ، ولكن لا يتخذها أمّ ولد ، بل يعزل عنها حذرا من الحمل روى ذلك محمد بن مسلم عن أحدهماعليه السلام.
______________________________________________________
(1) لصحيح ابن أبي يعفور عن أبي عبد الله عليه السلام (في الرجل ينكح الجارية من جواريه ومعه في البيت من يرى ذلك ويسمعه ، قال : لا بأس) (1) ، وعن كشف اللثام أنه لا يبعد القول بالكراهة لعموم النهي عن الوطي وفي البيت صبيّ يراهما ويسمع نفسيهما ، ففي خبر ابن راشد عن أبيه (سمعت أبا عبد الله عليه السلام يقول : لا يجامع الرجل امرأته ولا جاريته وفي البيت صبي ، فإن ذلك مما يورث الزنا) (2) ، وخبر أبي بصير عن أبي عبد الله عليه السلام (إياك أن تجامع أهلك وصبي ينظر إليك ، فإن رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم كان يكره ذلك أشد كراهية) (3).
(2) غير المميّز.
(3) سواء كانت الزوجة حرة أو أمة.
(4) فلا كراهة لمرسل ابن أبي نجران عن أبي الحسن عليه السلام (أنه كان ينام بين جاريتين) (4) ، نعم يكره ذلك بين الحرتين احتراما لهنّ بالتجنب عن ايذائهن ولكن في الخبر عن غياث بن إبراهيم عن أبي عبد الله عليه السلام (لا بأس أن ينام الرجل بين أمتين والحرتين ، إنما نساؤكم بمنزلة اللّعب) (5) ، وعن البعض أنه لا كراهة في الحرتين أيضا لهذا الخبر.
(5) من الوطي وفي البيت آخر مميز ، ومن النوم بين أمتين.
(6) أي الزانية كما يكره وطئ الحرة الفاجرة ، لما فيه من العار وخوف اختلاط الماءين ، ولخبر محمد بن مسلم (سألت أبا جعفر عليه السلام عن الخبيثة يتزوجها الرجل ، قال : لا وإن كان له أمة وطئها ولا يتخذها أم ولده) (6) ، كناية عن العزل حذرا من الحمل.
(7) وإن كانت هي عفيفة للعيب ، لصحيح الحلبي عن أبي عبد الله عليه السلام (عن الرجل تكون -
ص: 437
((الفصل السادس - في المهر) (1)
(المهر كل ما يصلح أن يملك) (2) وإن قلّ بعد أن يكون متموّلا (3) (عينا كان ، أو منفعة) وإن كانت منفعة حرّ ، ولو أنّه (4) الزوج ، كتعليم صنعة ، أو سورة (5) ، أو
______________________________________________________
- له الخادم ولد زنا ، هل عليه جناح أن يطأها؟ قال : لا وإن تنزه عن ذلك فهو أحبّ إليّ) (1) ، وصحيح محمد بن مسلم عن أحدهما عليهما السلام (في الرجل يشتري الجارية أو يتزوجها لغير رشدة ، ويتخذها لنفسه ، قال : إن لم يخف العيب على ولده - نفسه خ ل - فلا بأس) (2) ، والثاني وإن خصّ الحكم بالتزويج إلا أن الأول ظاهر في ملك اليمين ، فتخصيص الكراهة كما عن الشهيدين بالوطء عقدا ليس في محله.
(1) ويسمى بالصداق بفتح الصاد وكسرها ، وبالنحلة والأجر والفريضة ، والعقر بالضم ، والصدقة بفتح الصاد مع ضم الدال ، والحباء والعليقة والطول.
(2) احتراز عما لا يقبل الملك كالخنزير ، ثم كل ما يصح تملكه للمسلم عينا كان أو منفعة ، وسواء كانت المنفعة منفعة عقار أو حيوان أو إنسان عبدا كان أو حرا ولو الزوج نفسه فيصح جعله مهرا ففي صحيح الكناني عن أبي عبد الله عليه السلام (سألته عن المهر ما هو؟ قال : ما تراضى عليه الناس) (3) ، وصحيح الفضيل بن يسار عن أبي جعفر عليه السلام (الصداق ما تراضيا عليه من قليل أو كثير) (4) ومثلها غيرها.
(3) أي بأن يكون مالا.
(4) أي الحر.
(5) غير واجبة لأن الواجب مما لا يجوز جعله عوضا ، لعدم جواز أخذ الأجر ، عن الواجبات خصوصا العبادية ، ومما يشهد على جواز تعليم السورة مهرا بالإضافة إلى عموم الأخبار المتقدمة خصوص صحيح محمد بن مسلم عن أبي جعفر عليه السلام (جاءت امرأة إلى النبي صلى الله عليه وآله وسلم فقالت : زوّجني ، فقال رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم : من لهذه؟ فقام رجل فقال : أنا يا رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم زوّجنيها ، فقال : ما تعطيها؟ فقال : ما لي شي ء ، قال النبي صلى الله عليه وآله وسلم : لا ، فأعادت فأعاد رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم الكلام فلم يقم أحد غير الرجل ، ثم أعادت فقال رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم في المرة الثالثة : أتحسن من القرآن شيئا؟ قال : نعم ، قال : قد زوجتكها على ما تحسن من القرآن فعلّمها إياه) (5).
ص: 438
علم غير واجب ، أو شي ء من الحكم والآداب ، أو شعر ، أو غيرها من الأعمال المحلّلة المقصودة(يصح امهاره) ، ولا خلاف في ذلك كله سوى العقد على منفعة الزوج (1) فقد منع منه الشيخ في أحد قوليه استنادا إلى رواية لا تنهض دليلا متنا وسندا.
(ولو عقد الذميان على ما لا يملك في شرعنا) كالخمر والخنزير(صحّ) (2)
______________________________________________________
(1) أي على منفعته مدة معيّنة ، وعلى المشهور الجواز لعموم الأخبار المتقدمة ، وعن الشيخ في النهاية وجماعة المنع استنادا إلى رواية البزنطي عن الرضا عليه السلام في حديث (قلت : فالرجل يتزوج المرأة ويشترط لأبيها إجازة شهرين ونحو ذلك؟ فقال : إن موسى عليه السلام قد علم أنه سيتم له شرطه ، فكيف لهذا بأن يعلم أن سيبقى حتى يفي ، وقد كان الرجل على عهد رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم يتزوج المرأة على السورة من القرآن وعلى الدرهم وعلى القبضة من الحنطة) (1) ، وفيه : إن الخبر قد روي بسندين ، والأول مشتمل على سهل بن زياد وهو ضعيف ، والآخر مشتمل على إبراهيم بن هاشم ولم يوثق كما اشكله في المسالك ، وإن كان قد عرفت أكثر من مرة وثاقة إبراهيم بن هاشم من ناحية شيخوخته للإجازة ، وأن الخبر قاصر في الدلالة عن إفادة المنع إذ يحتمل الكراهة ، ويحتمل أن يكون المانع هو عدم علمه بالبقاء إلى أن يفي بحيث لو فرض علمه بذلك صح فضلا عن معارضته الأخبار المتقدمة ، وهو لا يصلح لمعارضتها.
(2) صح العقد وصح المهر ، لأنه في دينهما مما يصح تملكه لهما ، وحينئذ فلو أسلما أو أسلم أحدهما بعد القبض فلا إشكال لأن الزوج قد برئ بما دفعه قبل الإسلام بحسب ما عندهما من الحكم خلافا لبعض العامة حيث ذهب إلى أن لها مهر المثل لفساد ذلك القبض ، وإن كان ذلك قبل القبض دفع الزوج القيمة عند مستحليه ، لأنها أقرب شي ء إليه ، لأن المعيّن يراد منه تشخصه وماليته ، وإذا تعذر أحدهما يصار إلى الآخر ، ويشهد له خبر عبيد بن زرارة (قلت لأبي عبد الله عليه السلام : النصراني يتزوج النصرانية على ثلاثين دنا خمرا ، وثلاثين خنزيرا ثم أسلما بعد ذلك ولم يكن دخل بها ، قال : ينظر كم قيمة الخنازير وكم قيمة الخمر ويرسل به إليها ، ثم يدخل عليها وهما على نكاحهما الأول) (2).
وقيل : تثبت أجرة المثل ، لأنها لم ترض إلا بالمهر والفرض امتناعه عليه بعد الإسلام فيرجع إلى مهر المثل ، ويشهد له خبر طلحة بن زيد عن أبي عبد الله عليه السلام (سألته عن -
ص: 439
لأنهما يملكانه(فإن أسلما) ، أو أسلم أحدهما قبل التقابض(انتقل إلى القيمة) عند مستحليه ، لخروجه (1) عن ملك المسلم ، سواء كان عينا ، أو مضمونا (2) لأنّ (3) المسمى لم يفسد ، ولهذا لو كان قد أقبضها إياه قبل الإسلام برأ ، وإنما تعذر الحكم (4) به (5) فوجب المصير إلى قيمته ، لأنها أقرب شي ء إليه ، كما لو جرى العقد على عين وتعذر تسليمها.
ومثله (6) ما لو جعلاه (7) ثمنا لمبيع ، أو عوضا لصلح ، أو غيرهما (8).
وقيل : يجب مهر المثل (9) ، تنزيلا لتعذر تسليم العين منزلة الفساد (10) ، ولأنّ وجوب القيمة فرع وجوب دفع العين مع الإمكان ، وهو (11) هنا ممكن (12) وإنما عرض عدم صلاحيته (13) للتملك لهما.
______________________________________________________
- رجلين من أهل الذمة أو من أهل الحرب تزوج كل واحد منهما امرأة وأمهرها خمرا وخنازير ، ثم أسلما قال : ذلك النكاح جائز حلال لا يحرم من قبل الخمر والخنازير ، وقال : إذا أسلما حرم عليهما أن يدفعا إليهما شيئا من ذلك ، يعطياهما صداقهما) (1).
(1) أي خروج ما لا يملك في شرعنا.
(2) أي كليا في الذمة وفي هذا إشارة إلى خلاف بعض العامة حيث فرّق بينهما وحكم في المعيّن أنها لا تستحق غيره.
(3) تعليل للانتقال إلى القيمة.
(4) بقبض ما لا يملكه المسلم بعد إسلامهما.
(5) بالإسلام.
(6) أي ومثل المهر في الانتقال إلى القيمة بعد الإسلام.
(7) أي جعلا ما لا يصح تملكه للمسلم كالخمر والخنزير.
(8) غير البيع والصلح.
(9) إذا أسلما أو أسلم أحدهما.
(10) أي فساد العين وتلفها.
(11) أي دفع العين.
(12) ومع ذلك لا يجب دفعها.
(13) أي صلاحية مسمى العقد الواقع بينهما.
ص: 440
ويضعّف بمنع الفساد كما تقدم (1) ، والتعذر الشرعي (2) منزّل منزلة الحسّي (3) ، أو أقوى ، ومهر المثل قد يكون أزيد من المسمّى ، فهي (4) تعترف بعدم استحقاق الزائد (5) ، أو أنقص (6) فيعترف هو باستحقاق الزائد (7) حيث لم يقع المسمى فاسدا فكيف يرجع إلى غيره (8) بعد استقراره (9) ، ولو كان الإسلام (10) بعد قبض بعضه سقط (11) بقدر المقبوض ووجب قيمة الباقي ، وعلى الآخر (12) يجب بنسبته (13) من مهر المثل.
(ولا تقدير في المهر قلة) (14) ما لم يقصر عن التقويم كحبة حنطة ، (ولا كثرة)
______________________________________________________
(1) حيث قال الشارح : (لأن المسمى لم يفسد).
(2) وهو عدم تملك الخمر والخنزير ، وهو تعذر لدفع العين الواقعة مهرا.
(3) وعليه فإذا تعذر دفع العين فينتقل إلى وجوب القيمة كما اعترف بذلك الخصم وبه يتم المدعى.
(4) أي الزوجة.
(5) فكيف يجب دفعه.
(6) أي بكون مهر المثل أنقص من المسمى.
(7) أي باستحقاق الزائد من المسمى على مهر المثل ، وأنه للزوجة ، ومع اعترافه كيف لا يجب عليه دفعه؟
(8) أي غير المسمى.
(9) بعد استقراره : أي المسمى وقد استقر بالدخول قبل الإسلام.
(10) أي إسلام الزوجين أو أحدهما.
(11) من المهر.
(12) أي القول الآخر.
(13) أي بنسبة الباقي.
(14) لا تقدير في المهر من جانب القلة ، بل ما تراضى عليه الزوجان وإن قلّ ما لم يقصر عن التقويم كحبة من حنطة بلا خلاف في ذلك كله ، وكذلك لا حد له في جانب الكثرة على المشهور لقوله تعالى : ( وَآتَيْتُمْ إِحْدٰاهُنَّ قِنْطٰاراً ) (1) ، وفسر بالمال العظيم كما في مجمع البيان ، وبأنه وزن أربعين أوقية من ذهب أو فضة أو ألف ومائتا أوقية أو سبعون ألف
ص: 441
على المشهور لقوله تعالى : ( وَآتَيْتُمْ إِحْدٰاهُنَّ قِنْطٰاراً ) (1) وهو المال العظيم ، وفي القاموس : القنطار بالكسر وزن أربعين أوقية من ذهب ، أو فضة ، أو ألف دينار ، أو ألف ومائتا أوقية من ذهب ، أو فضة ، أو سبعون ألف دينار ، أو ثمانون ألف درهم ، أو مائة رطل من ذهب ، أو فضة ، أو مل ء مسك (2) ثور ذهبا ، أو فضة ، وفي صحيحة الوشاء عن الرضا عليه السلام : لو أنّ رجلا تزوج امرأة وجعل مهرها عشرين ألفا ، ولأبيها عشرة آلاف كان المهر جائزا ، والذي جعله لأبيها فاسدا.
______________________________________________________
- دينار ، أو ثمانون ألف دينار ، أو مائة رطل من ذهب أو فضة ، أو مل ء مسك ثور ذهبا أو فضة كما في أخبار العامة (1) ، وللأخبار الكثيرة عندنا.
منها : صحيح الوشاء عن الرضا عليه السلام (لو أن رجلا تزوج امرأة وجعل مهرها عشرين ألفا وجعل لأبيها عشرة آلاف كان المهر جائزا ، والذي سمّاه لأبيها فاسدا) (2) ، وصحيح الفضيل عن أبي عبد الله عليه السلام (عن رجل تزوج امرأة بألف درهم فأعطاها عبدا له آبقا وبردا حبرة بألف درهم التي أصدقها ، قال : إذا رضيت بالعبد وكانت قد عرفته فلا بأس ، إذا هي قبضت الثوب ورضيت بالعبد) (3) ، ومرسل الشيخ في المبسوط (تزوج الحسن عليه السلام امرأة فأصدقها مائة جارية مع كل جارية ألف درهم) (4) فضلا عن الأخبار المتقدمة بأن المهر ما تراضى عليه الزوجان قلّ أو كثر وعن المرتضى ونسب إلى الاسكافي والصدوق المنع من الزيادة عن مهر السنة الذي هو خمسمائة درهم ، بحيث لو زاد المهر لردّ إليها ، لخبر المفضل بن عمر (دخلت على أبي عبد الله عليه السلام فقلت له : أخبرني عن مهر المرأة الذي لا يجوز للمؤمنين أن يجوزوه ، فقال : السنة المحمدية خمسمائة درهم ، فمن زاد على ذلك ردّ إلى السنة ، ولا شي ء عليه أكثر من الخمسمائة درهم ، فإن أعطاها من الخمسمائة درهم درهما أو أكثر من ذلك ثم دخل بها فلا شي ء عليه) (5) ، وهو مع ضعف سنده لا يصلح لمعارضة ما تقدم الذي فيه صحيح السند.
(1) النساء آية : 20.
(2) بالفتح وهو الجلد.
ص: 442
(ويكره أن يتجاوز مهر السنة) (1) وهو ما أصدقه النبي صلى الله عليه وآله وسلم لأزواجه جمع(وهو خمسمائة درهم) قيمتها خمسون دينارا ، ومنع المرتضى من الزيادة عليها (2) ، وحكم بردّ من زاد عنها إليها ، محتجا بالإجماع (3) ، وبه خبر ضعيف لا يصلح حجة ، والإجماع ممنوع ، وجميع التفسيرات السابقة للقنطار ترد عليه ، والخبر الصحيح حجة بينة ، نعم يستحب الاقتصار عليه (4) لذلك (5).
(ويكفي فيه (6) المشاهدة (7) عن اعتباره) بالكيل ، أو الوزن ، أو العدد كقطعة
______________________________________________________
(1) يستحب أن يكون المهر مهر السنة وهو خمسمائة درهم بلا خلاف فيه للأخبار الكثيرة.
منها : صحيح حماد بن عيسى عن أبي عبد الله عليه السلام (سمعته يقول : قال أبي : ما زوّج رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم شيئا من بناته ، ولا تزوج شيئا من نسائه على أكثر من اثنتي عشرة أوقية ونش ، والأوقية أربعون والنش عشرون درهما) (1) ، وخبر عبيد بن زرارة عن أبي عبد الله عليه السلام (مهر رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم نساءه اثنتي عشرة أوقية ونشا ، والأوقية أربعون درهما والنش نصف الأوقية وهو عشرون درهما) (2) ، ولخبر الحسين بن خالد (سألت أبا الحسن عليه السلام عن مهر السنة كيف صار خمسمائة؟ فقال : إن الله تبارك وتعالى أوجب على نفسه أن لا يكبره مؤمن مائة تكبيرة ويسبّحه مائة تسبيحة ويحمده مائة تحميدة ويهلّله مائة تهليلة ، ويصلّي على محمد وآله مائة مرة ثم يقول : اللهم زوّجني من الحور العين ، إلا زوّجه الله حوراء عيناء وجعل ذلك مهرها ، ثم أوحى الله إلى نبيه صلى الله عليه وآله وسلم أن سنّ مهور المؤمنات خمسمائة درهم ، ففعل ذلك رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم ، وأيّما مؤمن خطب إلى أخيه حرمته فبذل له خمسمائة درهم فلم يزوّجه فقد عقّه واستحق من الله عزوجل أن لا يزوجه حوراء) (3).
(2) على الخمسمائة درهم.
(3) وهو عجيب مع ذهاب الأكثر إلى خلافه.
(4) على مهر السنة.
(5) للخبر الذي استدل به المرتضى ، وكذا لغيره ، ولأن النبي صلى الله عليه وآله وسلم أمهر نساءه أجمع به.
(6) في المهر.
(7) لما كان النكاح ليس على حد المعاوضات الحقيقية ، لأن الركن الأعظم فيه الزوجان فيكون المهر دخيلا فيه ، ولذا لم يعتبر في العلم به ما يعتبر في غيره من أعواض العقود كالبيع ، -
ص: 443
من ذهب مشاهدة لا يعلم وزنها ، وقبة من طعام لا يعلم كيلها ، لارتفاع معظم الغرر بالمشاهدة ، واغتفار الباقي (1) في النكاح ، لأنّه (2) ليس معاوضة محضة بحيث ينافيه ما زاد منه (3).
ويشكل الحال لو تلف (4) قبل التسليم ، أو بعده وقد طلّقها قبل الدخول (5). ولو لم يشاهد (6) اعتبر التعيين قدرا (7) ، ووصفا إن كان مما يعتبر به (8) ، أو وصفا خاصة (9) إن اكتفي به (10) كالعبد(ولو تزوجها على كتاب الله وسنة نبيه صلى الله عليه وآله وسلم فهو خمسمائة درهم) (11) ، للنص ، والإجماع ، وبهما يندفع الإشكال
______________________________________________________
- وتكفي المشاهدة عن اعتباره بالكيل أو الوزن أو العد ولو كان واحدا منها بلا خلاف فيه لخبر البزنطي عن الرضا عليه السلام في حديث (وقد كان الرجل على عهد رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم يتزوج المرأة على السورة من القرآن وعلى الدرهم وعلى القبضة من الحنطة) (1) ، ومثلها غيرها.
(1) أي الباقي من الغرر.
(2) أي النكاح.
(3) من المهر المشاهد.
(4) أي المهر.
(5) فيجب عليها ردّ النصف لو كان الطلاق بعد التسليم ، ويجب عليه دفع النصف لو كان الطلاق قبل التسليم ، والاشكال مدفوع بأن الوجه هو الرجوع إلى الصلح إذ لا طريق غيره.
(6) أي المهر فيجب التعيين فيه لعدم تحقق المشاهدة الكافية في رفع الغرر.
(7) أي لا بد من تقديره بالكيل أو الوزن أو العد إذا كان واحدا منها.
(8) أي إن كان المهر مما يعتبر تعيينه بالقدر.
(9) إذا كان القدر غير معتبر في التعيين كما لو كان المهر عينا خارجية غائبة فيكفي وصفها.
(10) بالوصف.
(11) لو تزوجها على كتاب الله وسنة نبيه صلى الله عليه وآله وسلم ولم يسمّ مهرا ، كان مهرها خمسمائة درهم بلا خلاف فيه لخبر أسامة بن حفص وكان قيّما لأبي الحسن موسى عليه السلام (قلت له : رجل -
ص: 444
مع جهل الزوجين ، أو أحدهما بما جرت به السنة منه (1) ، وبقبوله (2) الغرر كما تقرر.
(ويجوز جعل تعليم القرآن مهرا) (3) ، لرواية سهل الساعدي المشهورة فيعتبر
______________________________________________________
- يتزوج امرأة ولم يسمّ لها مهرا وكان في الكلام ، أتزوّجك على كتاب الله وسنة نبيه ، فمات عنها أو أراد أن يدخل بها فما لها من المهر؟ قال : مهر السنة ، قلت : يقولون : مهر نسائها ، فقال : مهر السنة ، وكلما قلت له شيئا قال : مهر السنة) (1) وكون المهر على كتاب الله مع أنه لم يدل عليه بخصوصه وإنما من ناحية قوله تعالى : ( وَمٰا آتٰاكُمُ الرَّسُولُ فَخُذُوهُ ) ، وقد تقدم في الأخبار أن رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم أمهر نساءه وبناته ذلك.
ثم لو علم كلّ من الزوجين مقدار مهر السنة وقد قصداه في متن العقد فهو ، وأما مع جهلهما أو علمهما به مع عدم القصد فيشكل تحديد المهر بالخمسمائة مع عدم قصدهما لو لا إطلاق النص المتقدم.
(1) من المهر.
(2) أي قبول النكاح.
(3) قد عرفت اعتبار العلم بالمهر ولو كان بالمشاهدة ، وعليه فلو أصدقها تعليم سورة وجب تعيينها لرفع الجهالة الموجبة لرفع الغرر ، والسور تختلف أفرادها اختلافا شديدا ، وعليه فلو أبهم فسد المهر وكان لها مع الدخول مهر المثل ، ويظهر من سيد الرياض أن جهالة السورة مغتفرة هنا ، لخبر محمد بن مسلم عن أبي جعفر عليه السلام (جاءت امرأة إلى النبي صلى الله عليه وآله وسلم فقالت : زوّجني فقال رسول الله : من لهذه؟ فقام رجل ، فقال : أنا يا رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم زوجنيها ، فقال : ما تعطيها ، فقال : ما لي شي ء ، قال : لا.
فأعادت فأعاد رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم الكلام فلم يقم أحد غير الرجل ، ثم أعادت فقال رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم في المرة الثالثة : أتحسن من القرآن شيئا؟ قال : نعم ، قال : قد زوّجتكها على ما تحسن من القرآن فعلّمها إياه) (2) ، وفي غوالي اللئالي (روى سهل الساعدي أن النبي صلى الله عليه وآله وسلم جاءت إليه امرأة فقالت : يا رسول الله إني قد وهبت نفسي لك ، فقال صلى الله عليه وآله وسلم : لا إربة لي في النساء ، فقالت : زوّجني بمن شئت من أصحابك ، فقام رجل فقال : يا رسول الله زوجنيها ، فقال : هل معك شي ء تصدقها؟ فقال : والله ما معي إلا ردائي هذا ، فقال : -
ص: 445
تقديره (1) بسورة معينة ، أو آيات خاصة ، ويجب حينئذ (2) أن يعلّمها القراءة الجائزة شرعا ، ولا يجب تعيين قراءة شخص بعينه (3) وإن تفاوتت في السهولة والصعوبة ، ولو تشاحّا في التعيين قدّم مختاره ، لأنّ الواجب في ذمته منها (4) أمر كلي فتعيينه إليه (5) كالدين (6).
وحدّ التعليم أن تستقل بالتلاوة (7) ، ولا يكفي تتبعها نطقه ، والمرجع في قدر المستقلّ به (8) إلى العرف فلا يكفي الاستقلال بنحو الكلمة والكلمتين ، ومتى
______________________________________________________
- إن أعطيتها إياه تبقى ولا رداء لك ، هل معك شي ء من القرآن؟ فقال : نعم سورة كذا وكذا ، فقال صلى الله عليه وآله وسلم : زوجتكها على ما معك من القرآن) (1).
والثاني ظاهر في تعيين السور التي وقعت مهرا ، وتعيينه هو الموافق للقواعد فلا بد من المصير إليه ، وعلى كل فعن الأكثر لا يجب تعيين قراءة من القراءات السبع ، لعدم تعيينها من قبل النبي صلى الله عليه وآله وسلم على الرجل في رواية سهل الساعدي وغيره ، وعن البعض أنه يجب التعيين لاختلاف القراءات اختلافا شديدا ، وفيه : إن القراءات السبع غير متواترة عن النبي صلى الله عليه وآله وسلم كما حرر في محله وذكرنا شيئا منه في بحث القراءة من كتاب الصلاة ، على أن القراءات غير منحصرة في السبع ، فضلا عن تواتر نصوصنا (2) بأن القرآن واحد قد نزل من عند الواحد وإن أمرنا بقراءة القرآن كما يقرؤه الناس إلى حين ظهور الحجة عليه السلام وعجل الله تعالى فرجه.
(1) أي تقدير المهر.
(2) أي حين كون تعليم القرآن مهرا.
(3) من القراءات السبع أو العشرة أو غيرهم.
(4) من القراءة.
(5) أي فتعيين الأمر الكلّي إلى الزوج.
(6) أي كما أن الدين أمر كلي يقدم مختاره عند التشاح كذلك هنا.
(7) حد التعليم أن تستقل بالتلاوة ، لأنه المفهوم عرفا ، ولا يكفي تتبع نطقه ، ولو استقلت بالتلاوة ثم نسيت الآية الأولى بعد تلقين الثانية لم يجب إعادة التعليم ، لأن تعليم السورة لا يمكن إلا بتعليم آية آية والمفروض استقلالها بتلاوة الآية الأولى وقد تم قبل النسيان.
(8) بحيث تستقل بتلاوة قدر من السورة يصدق عرفا أنها قد تعلمت ولا يكفي استقلالها -
ص: 446
صدق التعليم عرفا لا يقدح فيه (1) نسيانها ما علمته وإن لم تكن قد أكملت جميع ما شرط ، لتحقق البراءة (2) ، ولو تعذّر تعلمها لبلادتها ، أو موتها ، أو موت الزوج حيث يشترط التعليم منه ، أو تعلمت من غيره فعليه أجرة المثل (3) ، لأنها عوضه (4) حيث يتعذر ، ولو افتقرت (5) إلى مشقة عظيمة (6) زائدة على عادة أمثالها لم يبعد الحاقة (7) بالتعذر ، وكذا القول في تعليم الصنعة (8).
(ويصح العقد الدائم من غير ذكر المهر) (9).
______________________________________________________
- الكلمة والكلمتين ، وعن بعض العامة كفاية تلاوة ثلاث آيات ، لأنها مقدار أقصر سورة وهي سورة الكوثر ، وفي الجميع نظر لأن المطلوب تعليم السورة ، وتعليمها متوقف على استقلالها بتلاوتها بتمامها فلا معنى حينئذ للقدر العرفي أو غيره.
(1) في التعليم.
(2) أي براءة ذمة الزوج لصدق التعليم قبل النسيان.
(3) أي على الزوج أجرة مثل هذا التعليم ، لأن أجرة المثل هي قيمة المهر المتعذر ، ولأنه يجب على الزوج ايصاله إلى الزوجة وإذا تعذر عينه ثبتت قيمته.
(4) أي لأن أجرة المثل عوض التعليم.
(5) أي الزوجة.
(6) في التعلم.
(7) أي إلحاق تعليمها ، لأنه حرج وهو منفي.
(8) بأن أمهرها تعليم صناعة الحياكة ، وقد تعلمتها من غيره فعليه أجرة المثل ، ولو احتاجت إلى شقة زائدة في تعلمها ألحقت بالتعذر.
(9) لا خلاف في صحة العقد عند عدم ذكر المهر ، لأن المهر ليس شرطا في صحته ويشهد له قوله تعالى : ( لٰا جُنٰاحَ عَلَيْكُمْ إِنْ طَلَّقْتُمُ النِّسٰاءَ مٰا لَمْ تَمَسُّوهُنَّ أَوْ تَفْرِضُوا لَهُنَّ فَرِيضَةً ، وَمَتِّعُوهُنَّ عَلَى الْمُوسِعِ قَدَرُهُ وَعَلَى الْمُقْتِرِ قَدَرُهُ مَتٰاعاً بِالْمَعْرُوفِ حَقًّا عَلَى الْمُحْسِنِينَ ) (1) ، وللأخبار.
منها : صحيح الحلبي (سألته عن الرجل تزوج امرأة فدخل بها ولم يفرض لها مهرا ثم طلقها فقال عليه السلام : لها مهر مثل مهور نسائها ويمتعها) (2) ، وموثق منصور بن حازم (قلت لأبي عبد الله عليه السلام : في رجل تزوج امرأة ولم يفرض لها صداقا ، قال عليه السلام : -
ص: 447
وهو (1) المعبّر عنه بتفويض البضع ، بأن تقول : زوجتك نفسي فيقول : قبلت ، سواء أهملا ذكره أم نفياه صريحا (2) ، وحينئذ (3) فلا يجب المهر بمجرد العقد ، (فإن دخل بها فمهر المثل) (4). والمراد به (5) ما يرغب به في مثلها نسبا ، وسنا ، وعقلا ويسارا ، وبكارة ، وأضدادها ، وغيرها (6) مما تختلف به الأغراض ، (وإن طلّق قبل)
______________________________________________________
- لا شي ء لها من الصداق ، فإن كان دخل بها فلها مهر نسائها) (1) ، وخبر عبد الرحمن عن أبي عبد الله عليه السلام (في رجل تزوج امرأة ولم يفرض لها صداقها ثم دخل بها قال عليه السلام : لها صداق نسائها) (2) ، ثم لا خلاف ولا إشكال في صحة العقد لو أهمل ذكر المهر ، أو شرط عدم المسمى في العقد ، وإنما الكلام فيما لو شرط عدم المهر مطلقا ولو بعد الدخول فالمعروف بينهم بطلان العقد ، لأن الشرط فاسد لأنه غير مشروع ، إذ قد دلت النصوص المتقدمة على ثبوت مهر المثل عند عدم المهر لو دخل ، ودلت النصوص على أن لها المتعة لو طلقها قبل الدخول وسيأتي التعرض له ، ودلت النصوص على أنه لو تراضيا بعد العقد على مهر للزم ، فاشتراط عدم المهر ولو بعد الدخول وعند الطلاق قبله وعند التراضي يكون على خلاف هذه النصوص فلا يكون مشروعا ، فيفسد الشرط وبه يفسد العقد هذا واعلم أن عدم ذكر المهر بالمرة في العقد يسمى بتفويض البضع ، والتفويض على قسمين تفويض البضع وقد عرفت معناه ، وتفويض المهر ، وهو تفويض تقدير المهر إلى أحد الزوجين أو ثالث.
(1) أي عدم ذكر المهر في العقد الدائم.
(2) وكان النفي للمسمى فقط ، لا له ولما يثبت بعده ولو بعد الدخول.
(3) أي حين عدم ذكر المهر.
(4) لا خلاف في أنه يجب مهر المثل لو دخل لما تقدم من الأخبار كصحيح الحلبي وموثق منصور بن حازم وغيرهما.
والأخبار مشتملة على (مهور نسائها ومهر نسائها وصداق نسائها) وهي ظاهرة في مهر المثل ، والمراد من المثل حال المرأة في الشرف والجمال والعقل والأدب والبكارة وصراحة النسب وحسن التدبير والمعاشرة وما شاكل من الأمور التي تختلف فيها الرغبة اختلافا بيّنا.
(5) بالمثل.
(6) من الشرف والكمال والجمال وحسن التدبير والمعاشرة.
ص: 448
(الدخول) (1) وقبل اتفاقهما على فرض مهر (2) (فلها المتعة) المدلول عليها بقوله
______________________________________________________
(1) فلو طلق قبل الدخول مع عدم ذكر المهر في العقد فلها المتعة والا مهر لها بلا خلاف فيه ويشهد به قوله تعالى : ( لٰا جُنٰاحَ عَلَيْكُمْ إِنْ طَلَّقْتُمُ النِّسٰاءَ مٰا لَمْ تَمَسُّوهُنَّ أَوْ تَفْرِضُوا لَهُنَّ فَرِيضَةً ، وَمَتِّعُوهُنَّ عَلَى الْمُوسِعِ قَدَرُهُ وَعَلَى الْمُقْتِرِ قَدَرُهُ مَتٰاعاً بِالْمَعْرُوفِ حَقًّا عَلَى الْمُحْسِنِينَ ) (1) والأخبار.
منها : صحيح محمد بن مسلم عن أبي جعفر عليه السلام (سألته عن الرجل يطلق امرأته ، قال : يمتعها قبل أن يطلق ، قال الله تعالى : ( وَمَتِّعُوهُنَّ عَلَى الْمُوسِعِ قَدَرُهُ وَعَلَى الْمُقْتِرِ قَدَرُهُ ) (2) ، وصحيح الحلبي عن أبي عبد الله عليه السلام (في الرجل يطلق امرأته قبل أن يدخل بها قال : عليه نصف المهر إن كان فرض لها شيئا ، وإن لم يكن فرض لها شيئا فليمتعها على نحو ما يمتّع به مثلها من النساء) (3) ، وصحيح الكناني عن أبي عبد الله عليه السلام (إذا طلّق الرجل امرأته قبل أن يدخل بها فلها نصف مهرها ، وإن لم يكن سمّى لها مهرا فمتاع بالمعروف على الموسع قدره وعلى المقتر قدره ، وليس لها عدة ، تزوج إن شاءت من ساعتها) (4) ، ومرسل البزنطي عن أبي عبد الله عليه السلام (إن متعة المطلقة فريضة) (5).
والأخير وظاهر الأمر في غيره دال على وجوب المتعة للمطلقة قبل الدخول عند عدم ذكر المهر بلا خلاف فيه منا ، وعن مالك وجماعة من العامة استحباب المتعة نظرا إلى قوله تعالى في آخر آية المتعة ( حَقًّا عَلَى الْمُحْسِنِينَ ) (6) ، والاحسان ظاهر في عدم وجوب المتعة عليه ، وفيه : إنه على خلاف ظاهر الأمر بالمتعة ، والأمر دال على الوجوب ، وعلى خلاف ظاهر قوله في نفس الآية (حقا) ، ومن هنا قيل : إن المراد بالمحسنين هم من يحسنون فعل الطاعة واجتناب المعصية ، وخصّهم بالحكم تشريفا لهم ، أو أن المراد من أراد أن يحسن فهذا طريقه وهذا حقه بأن يعطى المطلقات قبل الدخول عند عدم ذكر المهر ما فرض الله لهن من المتعة.
(2) لو كان العقد خاليا من المهر جاز للزوجين أن يتراضيا بعد العقد على فرض مهر سواء كان بقدر مهر المثل أو أقل أو أكثر ، لأن فرض المهر إليهما ابتداء فجاز انتهاء ، والأصل -
ص: 449
تعالى : ( لٰا جُنٰاحَ عَلَيْكُمْ إِنْ طَلَّقْتُمُ النِّسٰاءَ ) (1) (حرة كانت) الزوجة المفوضة(أم أمة).
والمعتبر في المتعة (2) بحال الزوج في السعة والاقتار(فالغني) (3) يمتّع
______________________________________________________
فيه قوله تعالى : ( أَوْ تَفْرِضُوا لَهُنَّ فَرِيضَةً ) (1) ، ومع فرض المهر فلا متعة لها لو طلقها قبل الدخول لتحقق المهر بعد كون المتعة للمطلقة قبل الدخول ولا مهر لها.
(1) البقرة آية : 236.
(2) لا إشكال ولا خلاف في أن المعتبر في المتعة حال الزوج بالنسبة إلى السعة والاقتار ويشهد له قوله تعالى : ( عَلَى الْمُوسِعِ قَدَرُهُ وَعَلَى الْمُقْتِرِ قَدَرُهُ ) (2) هذا على المشهور ، وعن الشيخ في المبسوط وجماعة اعتبار حالها أيضا للأخبار.
منها : صحيح الحلبي عن أبي عبد الله عليه السلام (في رجل طلق امرأته قبل أن يدخل بها عليه نصف المهر إن كان فرض لها شيئا ، وإن لم يكن فرض لها شيئا فليمتعها على نحو ما يمتع به مثلها من النساء) ((3) ومثلها غيرها هذا والمفهوم من الآية الكريمة وجملة من النصوص انقسام الزوج بحسب حاله إلى قسمين : الموسر والمعسر ، مع أن المشهور قد قسموه إلى ثلاثة أقسام بإضافة المتوسط إليهما ، ويشهد للمشهور ما في الفقه الرضوي (وإن لم يكن سمّى لها صداقا ، يمتعها بشي ء قلّ أو كثر على قدر يساره ، فالموسع يمتع بخادم أو دابة ، والوسط بثوب ، والفقير بدرهم أو خاتم كما قال الله تعالى : ( وَمَتِّعُوهُنَّ عَلَى الْمُوسِعِ قَدَرُهُ وَعَلَى الْمُقْتِرِ قَدَرُهُ مَتٰاعاً بِالْمَعْرُوفِ ) (4) ، ومرسل الصدوق في الفقيه (روي أن الغني يمتّع بدار وخادم ، والوسط يمتّع بثوب ، والفقير بدرهم وخاتم) (5).
هذا وأرجع الشارح في المسالك تقسيم المشهور الثلاثي إلى القسمين المذكورين ، لأن التقسيم الثلاثي وإن كان هو المطابق لما عليه العرف إلا أن الوسط ملحق بأخويه ، فبعض أفراده ملحق بالأعلى والبعض الآخر ملحق بالأسفل ، فهو لا يخرج عنهما ، ولذا في الفقه الرضوي بعد ذكر الأقسام الثلاثة استدل عليه بالآية التي ظاهرها أن التقسيم ثنائي ، وهذا كاشف عن رجوع الثلاثي في التقسيم إلى الثنائي منه.
(3) فالغني يمتع بالدابة كما في الفقه الرضوي (فإن لم يكن سمّى لها صداقا يمتعها بشي ء
ص: 450
(بالدابة) وهي الفرس ، لأنّه الشائع في معناها عرفا.
والمعتبر منها (1) ما يقع عليها اسمها صغيرة كانت أم كبيرة ، برذونا كانت أو عتيقا(2) ،
______________________________________________________
- قل أو كثر على قدر يساره ، فالموسع يمتّع بخادم أو دابة ، والوسط بثوب ، والفقير بدرهم أو خاتم كما قال الله تبارك وتعالى : ( وَمَتِّعُوهُنَّ عَلَى الْمُوسِعِ قَدَرُهُ وَعَلَى الْمُقْتِرِ قَدَرُهُ مَتٰاعاً بِالْمَعْرُوفِ ) (1) ، والدابة هي الفرس والمعتبر منها ما يقع اسمها صغيرة أو كبيرة ، برذونا أو عتيقا ، قاربت قيمة الثوب المرتفع والعشرة دنانير أو لا.
ويمتّع الغني بالثوب المرتفع عادة ناسبت قيمته قسيميه أو لا ، ويمتّع بعشرة دنانير فأزيد ، والدينار هو المثقال الشرعي ، وليس على هذين مستند كما اعترف بذلك غير واحد.
نعم ورد في الأخبار أنه يمتّع بالعبد والأمة ففي صحيح الحلبي عن أبي عبد الله عليه السلام (إذا كان الرجل موسعا عليه متّع امرأته بالعبد والأمة ، والمقتر يمتّع بالحنطة والزبيب والثوب والدراهم ، وأن الحسن بن علي عليهما السلام متّع امرأة له بأمة ، ولم يطلق امرأة إلا متعها) (2) ، وورد أنه يمتّع بالدار والخادم كما في مرسل الفقيه (روي أن الغني يمتّع بدار أو خادم ، والوسط يمتع بثوب ، والفقير بدرهم وخاتم) (3).
وأما الفقير فيمتّع بالدرهم والخاتم كما في مرسل الصدوق والفقه الرضوي المتقدمين ، ويمتّع بالحنطة والزبيب والثوب والدراهم كما في صحيح الحلبي المتقدم ، وأيضا ورد الخمار وشبهة في خبر أبي بصير عن أبي جعفر عليه السلام في حديث : (ما أدنى ذلك المتاع إذا كان معسرا؟ قال عليه السلام : خمار أو شبهه) (4) وأما الوسط فيمتع ما بينهما كخمسة دنانير والثوب المتوسط وما أشبه ، وقد ورد في مرسل الصدوق المتقدم أنه يمتّع بالثوب ، وحيث إن من المعلوم أن ذلك من باب المثال بعد ما في النصوص من الاختلاف وليس ذلك من باب الحصر ، فكل ما ذكره الأصحاب مع ما لم يذكروه حسن ، لأن المرجع في الأحوال الثلاثة إلى العرف بحسب زمان الزوج ومكانه وشأنه.
(1) من الفرس.
(2) البرذون ما كان أبواه غير عربيين ، والهجين ما كانت أمه غير عربية ، والعتيق ما كان أبواه عربيين أو أمه وحدها عربية.
ص: 451
قاربت قيمته (1) الثوب والعشرة الدنانير (2) أم لا ، (أو الثوب المرتفع) قيمته عادة ، ناسبت قيمته قسيميه (3) أم لا ، (أو عشرة دنانير) وهي المثاقيل الشرعية.
(والمتوسط) في الفقر والغناء يمتّع(بخمسة دنانير ، والفقير بدينار أو خاتم) ذهب ، أو فضة (4) معتدّ به عادة(وشبهه) من الأموال المناسبة لما ذكر (5) في كل مرتبة ، والمرجع في الأحوال الثلاثة إلى العرف بحسب زمانه (6) ومكانه وشأنه.
(ولا متعة لغير هذه) (7) الزوجة : وهي المفوّضة لبضعها (8) المطلّقة قبل
______________________________________________________
(1) أي ما وقع عليه اسم الفرس والدابة.
(2) وهما قسيما الدابة.
(3) وهما الدابة والعشرة دنانير.
(4) لإطلاق اسم الخاتم الوارد في الأخبار.
(5) من الدابة والثوب والعشرة للغني ، وكذا لغيره.
(6) أي زمان الزوج.
(7) لا تستحق المتعة إلا المطلقة التي لم يفرض لها مهر ولم يدخل بها كما عليه المعظم لقوله تعالى : ( لٰا جُنٰاحَ عَلَيْكُمْ إِنْ طَلَّقْتُمُ النِّسٰاءَ مٰا لَمْ تَمَسُّوهُنَّ أَوْ تَفْرِضُوا لَهُنَّ فَرِيضَةً وَمَتِّعُوهُنَّ ) (1) ، وهي ظاهرة في كون المتعة للمطلقة قبل الدخول مع عدم فرض مهر لها ، وهو المستفاد من الأخبار ففي صحيح الحلبي عن أبي عبد الله عليه السلام (في الرجل يطلق امرأته قبل أن يدخل بها ، قال : عليه نصف المهر إن كان فرض لها شيئا ، وإن لم يكن فرض لها شيئا فليمتعها على نحو ما يمتّع به مثلها من النساء) (2).
ولا تجب المتعة لغير المذكورة فلو حصلت البينونة بين الزوجين بفسخ أو موت أو لعان أو غير ذلك ، من قبله أو قبلها فلا مهر ولا متعة للأصل بعد كون الأدلة ظاهرة في المطلقة ، وهو المشهور وعن العلامة في المختلف أن المتعة تجب في الجميع ، وعن الشيخ في المبسوط أنها تجب فيما إذا كانت البينونة من قبله دون ما لو كان من قبلها خاصة ، ولا دليل لهما إلا المشابهة وهي قياس لا نقول به.
نعم يستحب المتعة لكل مطلقة وإن لم تكن مفوّضة كما عن بعضهم للتسامح في أدلة السنن.
(8) وقد عرفت أن تفويض البضع هو عدم ذكر المهر في العقد.
ص: 452
الدخول والفرض (1) ، لكن يستحب لو فارقها بغير الطلاق من لعان وفسخ ، بل قيل بوجوبه حينئذ (2) ، لأنّه في معنى الطلاق.
والأول أقوى ، لأنّه (3) مدلول الآية ، وأصالة البراءة في غيره (4) تقتضي العدم. وألحق بهذه (5) من فرض لها مهر فاسد (6) ، فإنّه (7) في قوة التفويض ، ومن فسخت في المهر قبل الدخول بوجه مجوز (8).
(ولو تراضيا بعد العقد بفرض المهر جاز وصار لازما) (9) ، لأنّ الحق فيه
______________________________________________________
(1) أي وقبل فرض المهر.
(2) لو فارقها بغير طلاق.
(3) أي الطلاق.
(4) أي غير الطلاق.
(5) أي المفوّضة.
(6) أي فرض لها مهر بعد تفويض البضع ، وقد تبين فساد المهر كما لو فرض لها مهر لا يملكه المسلم ، وأشكل عليه في الجواهر بأنها داخلة في المفوضة موضوعا بعد فساد فرض المهر ولا داعي لإثبات حكمها لها.
(7) أي فساد المهر المفروض.
(8) الوجه المجوز للفسخ هو الخيار ، فلو كان لها خيار في المهر ففسخت به قبل الدخول فهي في قوة المفوضة فيلحقها حكمها.
(9) قد ذكر غير واحد أن المفوّضة لها المطالبة بفرض المهر بعد خلو العقد عن المهر وهو الظاهر من قوله تعالى : ( أَوْ تَفْرِضُوا لَهُنَّ فَرِيضَةً ) (1) ، ولأن فرض المهر إليهما ابتداء فجاز انتهاء ، سواء كان المهر المفروض بقدر مهر المثل أو أقل أو أزيد ، وسواء كانا عالمين أو جاهلين أو كان أحدهما عالما والآخر جاهلا ، ثم إن اتفقت هي والزوج على قدر معين صح ولم يكن لها غيره ، كما لو عيناه في العقد مع أنه ليس لأحدهما بعد التعيين الرجوع فكذلك هنا بعد الاتفاق.
وإن اختلفا بأن فرض لها الزوج أقل من مهر المثل ولم ترض به ، فإن كان مفروضه بقدر مهر السنة فصاعدا ففي لزومه من طرفها وجهان كما في المسالك من أنه لو فوّض إليها التقدير لما كان لها الزيادة عليه ، ومن أن البضع يقتضي مهر المثل. -
ص: 453
لهما ، زاد عن مهر المثل أم ساواه أم قصر. فإن اختلفا (1) قيل : للحاكم فرضه بمهر المثل ، كما أن له تعيين النفقة للزوجة على الغائب ، ومن جرى مجراه (2).
ويحتمل ابقاء الحال (3) إلى أن يحصل أحد الأمور الموجبة للقدر (4) ، أو المسقطة للحق ، لأنّ ذلك لازم التفويض الذي قد قدما عليه.
(ولو فوضا) في العقد(تقدير المهر إلى أحدهما صح) (5) وهو المعبّر عنه
______________________________________________________
- وإن فرض بها الزوج أقل من مهر السنة لم يقع بغير رضاها اتفاقا وحينئذ إن ترافعا للحاكم فرّض لها مهر المثل من غير زيادة ولا نقصان ، وقيل : لا يصح فرض الحاكم لها لأن الفرض منه إثبات المهر في ذمة الزوج ، وذلك منوط بتراضي الزوجين ولا مدخل لغيرهما فيه ، ويضعّف بأن سبب المهر حاصل من العقد ، والعقد صادر برضا الزوجين وإنما الحاكم يقطع الخصومة بتقديره ويرفع المنازعة كما يقدّر النفقة الواجبة للزوجة على الغائب.
(1) وكان مفروضه أقل من مهر السنة.
(2) كالمجنون.
(3) من المنازعة بين الزوجين وهو مبني على أن الحاكم ليس له فرض المهر.
(4) أي لقدر المهر كالدخول الموجب لمهر المثل أو الطلاق الموجب للمتعة ، أو الموت المقتضى لسقوط الحق ونحوه من الفسخ واللعان.
(5) قد عرفت أن التفويض على قسمين :
الأول : تفويض البضع وهو عدم ذكر المهر في العقد.
والثاني : تفويض المهر وهو أن يذكر المهر في العقد اجمالا ويفوّض تقديره إلى أحد الزوجين بعينه كما اقتصر عليه المحقق في الشرائع والعلامة في التحرير ، أو يفوض التقدير إليهما كما يظهر من الخلاف والمبسوط والسرائر والمسالك ، وقال الشارح في الأخير : (ولا إشكال في جوازه أيضا) ، لعموم (المؤمنون عند شروطهم) (1).
أو يكون التقدير للأجنبي كما في القواعد على إشكال ، ووجه الاشكال أن المهر حق متعلق بالزوجين فلا يتعدى إلى غيرهما بغير إذن شرعي ، والمنصوص هو أحد الزوجين ففي خبر زرارة (سألت أبا جعفر عليه السلام عن رجل تزوج امرأة على حكمها ، قال : لا يجاوز حكمها مهور آل محمد اثنتي عشرة أوقية ونشأ ، وهو وزن خمس مائة درهم من -
ص: 454
بتفويض المهر ، بأن تقول : زوجتك نفسي على أن تفرض من المهر ما شئت أو ما شئت.
وفي جواز تفويضه (1) إلى غيرهما (2) ، أو إليهما معا وجهان : من عدم (3) النص ، ومن أنّه (4) كالنائب عنهما والوقوف مع النص (5) طريق اليقين(ولزم ما حكم به الزوج مما يتمول) (6) وإن قلّ(وما حكمت به الزوجة إذا لم يتجاوز مهر)
______________________________________________________
- الفضة) (1) وفي صحيح محمد بن مسلم عن أبي جعفر عليه السلام (في رجل تزوج امرأة على حكمها أو على حكمه فمات أو ماتت) (2) وفي صحيح الأحول (قلت لأبي عبد الله عليه السلام : رجل تزوج امرأة بحكمها ثم مات قبل أن تحكم ...) (3) وفي خبر أبي بصير عن أبي عبد الله عليه السلام (عن الرجل يفوّض إليه صداق امرأته) (4)وهذه النصوص صريحة في كون التفويض إلى أحدهما ، ولم تصرح بكون التفويض إليهما ، فلو كان التفويض للأجنبي ممنوعا لأنه غير منصوص لوجب منع التفويض إليها أيضا لأنه غير منصوص ، مع أنه مظنة النزاع والاختلاف أيضا.
(1) أي المهر.
(2) أي غير الزوجين وهو الأجنبي.
(3) دليل عدم التفويض.
(4) أي ومن أن غيرهما ، وهو دليل التفويض.
(5) ترجيح للأول ، هذا ولم يذكر الوجهين الواردين في التفويض إليهما ، نعم عدم النص يجري في التفويض إليهما كدكيل لعدم الجواز ، وقد حكم بالوقوف مع النص القاضي بعدم التفويض إليهما مع أنه في المسالك قد حكم بالتفويض إليهما وأنه لا إشكال في جوازه.
(6) إذا فرض تقدير المهر إلى الزوج كان له الحكم بما شاء من قليل أو كثير ، بحيث لا تقدير له في طرف القلة ولا الكثرة ، وإذا فرض التقدير لها لم يتقدر من طرف القلة ويتقدر في طرف الكثرة بمهر السنة للأخبار.
منها : خبر زرارة (سألت أبا جعفر عليه السلام عن رجل تزوج امرأة على حكمها ، قال : لا يجوز حكمها مهور آل محمد اثنتي عشرة أوقية ونشا ، وهو وزن خمس مائة درهم من الفضة. -
ص: 455
(السنة) وهو خمسمائة درهم ، وكذا الأجنبي لو قيل به (1) ، لرواية زرارة عن الباقر عليه السلام ، وعلّله (2) بأنه «إذا حكّمها لم يكن لها أن تتجاوز ما سنّ رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم وتزوج عليه نساءه ، وإذا حكّمته فعليها أن تقبل حكمه قليلا كان ، أو كثيرا».
______________________________________________________
- قلت : أرأيت إن تزوجها على حكمه ورضيت بذلك فقال : ما حكم من شي ء فهو جائز عليها قليلا كان أو كثيرا ، فقلت له : فكيف لم تجز حكمها عليه وأجزت حكمه عليها؟ فقال : لأنه حكّمها فلم يكن لها أن تجوز ما سنّ رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم وتزوّج عليه نساءه فرددتها إلى السنة ، لأنها هي حكّمته وجعلت الأمر إليه في المهر ورضيت بحكمه في ذلك ، فعليها أن تقبل حكمه قليلا أو كثيرا) (1) ، وصحيح محمد بن مسلم عن أبي جعفر عليه السلام (في رجل تزوج امرأة على حكمها أو على حكمه فمات أو ماتت قبل أن يدخل بها ، قال : لها المتعة والميراث ولا مهر لها ، قلت : فإن طلّقها وقد تزوجها على حكمها ، قال : إذا طلّقها وقد تزوجها على حكمها لم تجاوز حكمها عليه أكثر من وزن خمسمائة درهم فضة ، مهور نساء رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم) (2).
وهذا الحكم متفق عليه ويؤيده أنه على تقدير كون الحكم إليه فلا تحديد في الكثرة لأن حكمه بها على نفسه وهو جائز ، ولا تحديد في القلة بعد رضاها به بشرط كونه مما يتمول ، وأما على تقدير كون الحكم إليها فلا تحديد في القلة لأنه حقها وقد حكمت به على نفسها وهو جائز ، وأن الكثرة لا تجاوز مهر السنة لأنها لما كانت هي الحاكمة فلو لم يقدّر لها حد فربما حكمت بما فيه إجحاف عليه ولما كان خير الحدود ما حدّه رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم جعل ذلك حدا ، نعم لا يعارض ذلك إلا خبر أبي بصير (سألت أبا عبد الله عليه السلام عن الرجل يفوّض إليه صداق امرأته فنقص عن صداق نسائها ، قال : تلحق بمهر نسائها) (3) ، وهو مخالف لما تقدم من أنه لا تحديد في جانب القلة لو كان هو الحاكم ، ولكنه محمول على الاستحباب كما عن المحدث الكاشاني ، أو على كون الزوج قد فوّض إليه بأن يجعل المهر مهرا للمثل وقد أخطأ في تقديره ، والثاني بعيد.
(1) لو قيل بتحكيمه ، وظاهره أنه لا يجاوز حكمه مهر السنة ، لأن الحاكم لما كان غير الزوج أشبه المرأة فناسب أن لا يزيد على مهر السنة كحكمها.
(2) أي الإمام المعصوم عليه السلام.
ص: 456
(ولو طلق قبل الدخول (1) فنصف ما يحكم به الحاكم) (2) ، لأنّ ذلك هو الفرض الذي ينتصف بالطلاق ، سواء وقع الحكم قبل الطلاق أم بعده ، وكذا لو طلقها بعد الدخول لزم الحاكم الفرض (3) واستقر (4) في ذمة الزوج.
(ولو مات الحاكم قبل الدخول ، والحكم (5) فالمروي) في صحيحة محمد بن
______________________________________________________
(1) لو طلقها قبل الدخول وقبل الحكم ألزم من إليه الحكم أن يحكم مقدمة لإيصال الحق إلى أهله ، ولو طلقها قبل الدخول وبعد الحكم لم يكن الطلاق مسقطا للحكم للأصل ولعموم (المؤمنون عند شروطهم) (1).
وعلى كل كان لها النصف من ذلك ، لأن المهر ينصف بالطلاق قبل الدخول.
(2) وهو من إليه الحكم من الزوجين أو الأجنبي.
(3) أي فرض المهر.
(4) أي الفرض بتمامه من دون تنصيف لاستقراره بالدخول.
(5) لو مات الحاكم قبل الحكم وبعد الدخول فلا خلاف بينهم في أن لها مهر المثل ، وكذا لا خلاف في أنه لو مات بعد الحكم وبعد الدخول فلها ما حكم به ، أما لو مات قبل الدخول ، وكان موته قبل حكمه فعن الشيخ في النهاية والقاضي وابن حمزة والصدوق في المقنع والعلامة في المختلف وولده في الشرح والشهيد في شرح الارشاد بل عن الأكثر كما في المسالك أن لها المتعة لصحيح محمد بن مسلم عن أبي جعفر عليه السلام (في رجل تزوج على حكمها أو على حكمه فمات أو ماتت قبل أن يدخل بها ، قال : لها المتعة والميراث ولا مهر لها) (2).
وعن العلامة في القواعد أن لها مهر المثل ، لأن المذكور في العقد أصل المهر ولم يتعين ، وإذا تعذر تعيينه بموت الحاكم وجب الرجوع إلى مهر المثل ، لأنه عوض البضع ، وفيه : إن مهر المثل إنما يكون عوضا للبضع مع الدخول ، أما بدونه فلا ، ومجرد العقد لا يقتضي مهر المثل بالإضافة إلى أنه اجتهاد في قبال النص الصحيح السابق فلا يسمع.
وذهب ابن إدريس إلى عدم ثبوت شي ء لا متعة ولا غيرها ، وهو المنسوب للشيخ في الخلاف وابن الجنيد بدعوى أن مهر المثل لا يجب إلا بالدخول وهو منتف هنا ، والمتعة لا تجب إلا بالطلاق وهو منتف أيضا ، والأصل براءة الذمة من شي ء آخر ، وإلحاق موت الحاكم بالطلاق قياس لا نقول به ، وجوابه أنه اجتهاد في قبال النص الصحيح المتقدم فهو غير مسموع.
ص: 457
مسلم عن الباقر عليه السلام في رجل تزوج امرأة على حكمها ، أو حكمه فمات ، أو ماتت قبل الدخول : (أنّ لها المتعة) ، والميراث ، ولا مهر لها ، ويؤيده أنّ مهر المثل لا يجب إلا مع الدخول ولم يحصل (1) ، ولا مسمّى (2) ولا يجوز اخلاء النكاح عن مهر فتجب المتعة ، إذ لا رابع.
وقيل : يثبت لها مهر المثل ، لأنّه (3) قيمة المعوّض (4) حيث لم يتعين غيره ، ولأنّ المهر مذكور (5) غايته أنّه مجهول ، فإذا تعذرت معرفته وجب الرجوع إلى مهر المثل.
وهو غير مسموع في مقابل النص الصحيح.
ولا فرق مع موت الحاكم بين موت المحكوم عليه معه (6) ، وعدمه (7) عملا بإطلاق النص (8).
(ولو مات المحكوم عليه) وحده(فللحاكم الحكم) (9) ، إذ لا يشترط حضور المحكوم عليه عنده ، والتفويض إليه قد لزم بالعقد فلا يبطل بموت المحكوم عليه ،
______________________________________________________
(1) أي الدخول.
(2) أي ولا مسمى في متن العقد حتى يلتزم به.
(3) أي مهر المثل.
(4) أي البضع.
(5) بمعنى أن أصل المهر مذكور في متن العقد.
(6) مع موت الحاكم.
(7) أي وعدم موت المحكوم عليه.
(8) وقال سيد الرياض : (مع عدم القائل بالفرق).
(9) بلا خلاف فيه كما في الرياض لإطلاق الأدلة ، ولأن التفويض إلى الحاكم قد ألزم بالعقد فلا يبطل بموت المحكوم عليه البتة ، ولأصالة بقاءه ، وصحيح محمد بن مسلم المتقدم لا يعارضه لأنه ظاهر في موت الحاكم ، لا في موت المحكوم ، نعم في صحيح الأحول (قلت لأبي عبد الله عليه السلام : رجل تزوج امرأة بحكمها ثم مات قبل أن تحكم ، قال : ليس لها صداق وهي ترث) (1) ، وهو شاذ لا يمكن التعويل عليه بعد الاعراض عنه.
ص: 458
ولأصالة بقائه ، والنص لا يعارضه.
وربما قيل بأنه مع موت الحاكم لا شي ء (1).
وهو ضعيف(ولو مات أحد الزوجين مع تفويض البضع (2) قبل الدخول فلا شي ء) لرضاهما بغير مهر ، ولصحيحة الحلبي عن الصادق عليه السلام في المتوفى عنها زوجها قبل الدخول : «إن كان فرض لها مهرا فلها ، وإن لم يكن فرض مهرا لها فلا مهر لها». وهذا مما لا خلاف فيه ظاهرا.
وهنا(مسائل عشر)
(الأولى - الصداق يملك بأجمعه) للزوجة(بالعقد) (3) ملكا متزلزلا ، ويستقر
______________________________________________________
(1) أي لا شي ء للمحكوم لو مات وقد مات معه الحاكم ، وهذا لا يتم إلا على مبنى ابن إدريس من أنه لو مات الحاكم فلا متعة ولا مهر سواء مات معه المحكوم أو لا ، وقد عرفت ضعفه.
(2) أي مع عدم ذكر المهر أصلا في العقد ، وأيضا مع عدم فرض المهر فلا شي ء لها ، لأن المهر ثابت عند الفرض أو الدخول وكلاهما منتفيان بحسب الفرض ، ولا متعة لها لأنها مختصة بالطلاق ، ويشهد للحكم صحيح الحلبي عن أبي عبد الله عليه السلام (في المتوفى عنها زوجها إذا لم يدخل بها : إن كان فرض لها مهرا فلها مهرها الذي فرض لها ولها الميراث وعدتها أربعة أشهر وعشرا كعدة التي دخل بها ، وإن لم يكن فرض لها مهرا فلا مهر لها وعليها العدة ولها الميراث) (1).
(3) تملك المرأة بالعقد جميع المهر وإن لم يستقر الملك إلا بعد الدخول على المشهور لإطلاق قوله تعالى : ( وَآتُوا النِّسٰاءَ صَدُقٰاتِهِنَّ ) (2) الشامل لما قبل الدخول وبعده ، وللأخبار الكثيرة.
منها : موثق عبيد بن زرارة (قلت لأبي عبد الله عليه السلام : رجل تزوج امرأة على مائة شاة ثم ساق إليها الغنم ثم طلقها قبل أن يدخل بها وقد ولدت الغنم ، قال عليه السلام : إن كان الغنم حملت عنده رجع بنصفها ونصف أولادها ، وإن لم يكن الحمل عنده رجع بنصفها -
ص: 459
بأحد أمور أربعة : الدخول إجماعا (1) ، وردة الزوج عن فطرة (2) ، وموته وموتها في الأشهر (3) ،
______________________________________________________
- ولم يرجع من الأولاد بشي ء) (1) وفي رواية أخرى (ساق إليها غنما ورقيقا فولدت الغنم والرقيق) فلو لم يكن المهر بتمامه لها لما كان النماء بتمامه لها ، ولأن الصداق عوض البضع فإن ملك الزوج البضع بالعقد وجب أن تملك المرأة عوضه - وهو المهر - به ، لأن ذلك مقتضى المعاوضة.
وعن ابن الجنيد أنها تملك نصف المهر بالعقد والنصف الآخر بالدخول لخبر يونس بن يعقوب عن أبي عبد الله عليه السلام (لا يوجب المهر إلا الوقاع في الفرج) (2) ، وخبر محمد بن مسلم (سألت أبا جعفر عليه السلام متى يجب المهر؟ قال : إذا دخل بها) (3).
والترجيح للطائفة الأولى لموافقتها الآية ، ولإمكان الجمع بين الأخبار بحمل الوجوب في الروايتين على الوجوب المستقر الثابت غير المتزلزل.
(1) لا خلاف ولا إشكال في أنه لو دخل بها استقر المهر للأخبار.
منها : صحيح عبد الله بن سنان عن أبي عبد الله عليه السلام (إذا أدخله وجب الغسل والمهر والعدة) (4) ، وصحيح الحلبي عنه عليه السلام (إذا التقى الختانان وجب المهر والعدة والغسل) (5) ومثلها غيرها ، والدخول هو الوطء قبلا أو دبرا.
(2) قد تقدم في المسألة الحادية عشرة من محرمات النكاح ما لو ارتدت الزوجة قبل الدخول فلا شي ء لها لأن الفسخ جاء من قبلها ، ولو ارتد الزوج فلها نصف المهر قياسا لارتداده على طلاقه وأن الأقوى هو ثبوت المهر بتمامه ، ولو كان الارتداد بعد الدخول فلا يسقط شي ء من المهر لاستقراره بالدخول.
(3) فالأشهر أنه يثبت المهر بتمامه بموت أحد الزوجين لخبر منصور بن حازم (قلت لأبي عبد الله عليه السلام : رجل تزوج امرأة وسمّى لها صداقا ثم مات عنها ولم يدخل بها؟ قال عليه السلام : لها المهر كاملا ولها الميراث ، قلت : إنهم رووا عنك أن لها نصف المهر ، قال عليه السلام : لا يحفظون عنّي إنما ذلك للمطلقة) (6) ولصحيح الحلبي عن أبي عبد الله عليه السلام في المتوفى عنها زوجها : (إذا لم يدخل بها إن كان فرض لها مهرا فلها مهرها الذي فرض لها ولها الميراث) (7) ، وخبر سليمان بن خالد (سألته عن المتوفى عنها زوجها -
ص: 460
(ولها التصرف فيه قبل القبض) (1) إذ لا مدخلية للقبض هنا في الملك ، سواء طلقها قبل الدخول (2) أم لا وإن رجع إليه نصفه بالطلاق (3) (فلو نما) بعد العقد
______________________________________________________
- ولم يدخل بها؟ قال : إن كان فرض لها مهرا فلها مهرها وعليها العدة ولها الميراث) (1) ومثلها غيرها.
والمشهور بين قدماء الطائفة وجماعة من المتأخرين أنه لا يستقر بموت أحدهما ، بل حكم موت أحدهما حكم الطلاق من تنصيف المهر للأخبار.
منها : موثق عبيد بن زرارة (سألت أبا عبد الله عليه السلام عن رجل تزوج امرأة ولم يدخل بها؟ قال عليه السلام : إن هلكت أو هلك أو طلقها ولم يدخل بها فلها النصف وعليها العدة كملا ولها الميراث) (2) ، وصحيح زرارة (سألته عن امرأة تموت قبل أن يدخل بها أو يموت الزوج قبل أن يدخل بها؟ قال : أيهما مات فللمرأة نصف ما فرض لها ، وإن لم يكن فرض لها فلا مهر لها) (3) والترجيح للطائفة الثانية ، لأن الأولى محمولة على التقية كما قيل ، بل لا يوجد من صرح بكون المهر لها عند موت أحد الزوجين إلا خبر منصور بن حازم المتقدم ، وأما البقية فهي مخصوصة بما إذا مات الزوج فقط ، ويبقى حكم ما لو ماتت الزوجة فلأوليائها نصف المهر جمعا بين الأخبار ، وهذا ما ذهب إليه الشيخ وجماعة من المتأخرين.
(1) وهذا مبني على كون المرأة تملك تمام المهر بالعقد ، وعليه فيجوز لها التصرف في المهر قبل القبض وبعده على المشهور لعموم (الناس مسلطون على أموالهم) (4).
وعن الشيخ في الخلاف المنع من التصرف قبل القبض للنهي عن بيع ما لم يقبض (5) ، وفيه : إن النهي عن البيع قبل القبض لا يدل على منع مطلق التصرف الذي ادعاه ، على أن النهي مختص بالبيع بعد الشراء وهو خارج محل النزاع هنا ، فضلا عن كون النهي محمولا على الكراهة كما قد تقدم في كتاب البيع.
(2) رد على الاسكافي حيث ذهب إلى أنها تملك النصف بالعقد والنصف الآخر بالدخول وقد تقدم.
(3) أي الطلاق قبل الدخول كما سيأتي.
ص: 461
(كان) النماء(لها) خاصة ، لرواية عبيدة بن زرارة عن الصادق عليه السلام في زوج [رجل] ساق إلى زوجته غنما ورقيقا فولدت له عندها وطلقها قبل أن يدخل فقال : «إن كنّ حملن عنده فله نصفها ونصف ولدها ، وإن كنّ حملن عندها فلا شي ء له من الأولاد» (فإن تعقبه طلاق قبل الدخول ملك الزوج النصف حينئذ) (1) ولا شي ء له في النماء (2) ، ثم إن وجده باقيا على ملكها أجمع أخذ نصفه (3) ، وإن
______________________________________________________
(1) لا خلاف ولا إشكال في أنه يسقط نصف المهر بالطلاق قبل الدخول ، فإن كان قد دفع لها المهر استعاد نصفه وإلا أعطاها النصف خاصة لقوله تعالى : ( وَإِنْ طَلَّقْتُمُوهُنَّ مِنْ قَبْلِ أَنْ تَمَسُّوهُنَّ وَقَدْ فَرَضْتُمْ لَهُنَّ فَرِيضَةً فَنِصْفُ مٰا فَرَضْتُمْ ) (1) ، وللأخبار.
منها : صحيح الحلبي عن أبي عبد الله عليه السلام (في رجل طلّق امرأته قبل أن يدخل بها؟ قال عليه السلام : عليه نصف المهر إن كان فرض لها شيئا) (2) ، وصحيح الكناني عن أبي عبد الله عليه السلام (إذا طلق الرجل امرأته قبل أن يدخل بها فلها نصف مهرها) (3) ومثلها غيرها.
(2) أي نماء المهر الحاصل قبل الطلاق بناء على أنه لها بتمامه بالعقد.
(3) اعلم أن المهر إما أن يكون دينا أو عينا ، وعلى الأول فإذا طلقها قبل الدخول برئ من نصفه ووجب عليه دفع النصف وهو واضح.
وعلى الثاني فلو كان عينا فلا يخلو إما أن يكون قد سلمها إياه أو لا ، فمع عدم التسليم إلى الزوجة فإن كانت عين المهر باقية إلى الطلاق من غير زيادة ولا نقصان استحق نصف العين بالطلاق ، وصار كل من المطلق والمطلقة شريكين فيها.
ولو كانت عين المهر وقد زادت وكانت الزيادة من الله تعالى فهي للزوجة لما عرفت من أنها تملك المهر بتمامه بالعقد ، وإن كانت الزيادة بفعله فإن أذنت له بالتصرف كانت الزيادة لها وعليها أجرة مثل عمله ، وإن لم تأذن أو أذنت مجانا فالزيادة لها ولا شي ء عليها.
ولو كانت عين المهر قد نقصت كان الزوج ضامنا ، فعليه ضمان النقص ، ولو تلفت رجعت عليه بقيمة النصف إن كان المهر قيميا ، أو بنصف المثل إن كان المهر مثليا.
وعلى الأول - أعني تسليم المهر إلى الزوجة - فلو طلقها قبل الدخول يرجع عليه النصف فإن وجده تالفا رجع بنصف مثله إن كان مثليا وبنصف قيمته إن كان قيميا. -
ص: 462
وجده تالفا ، أو متنقلا عن ملكها فنصف مثله ، أو قيمته (1).
ثم إن اتفقت القيمة (2) ، وإلا (3) فله الأقل من حين العقد إلى حين التسليم ، لأنّ الزيادة حدثت في ملكها (4) ، وإن وجده معيبا (5) رجع في نصف العين مع
______________________________________________________
- ثم على فرض التلف وكان المهر قيميا وقد اختلفت قيمته من حين العقد إلى حين القبض فهل يرجع بأقل القيم ، لأن قيمته يوم العقد إن كانت هي الأكثر منها حين القبض فما نقص قبل القبض كان مضمونا عليه فلا يضمنها ما هو في ضمانه ، وإن كانت قيمته يوم القبض أكثر فما زاد بعد العقد فهو للزوجة فلا يضمّنها ما هو ملكها.
وفيه : إن القيمة السوقية غير مضمونة عليها لأن الضمان تابع لقيمة يوم التلف فقط ، لأنه اليوم الذي يؤمر بضمان القيمة ، وما قبل التلف فالضمان متعلق بالعين.
هذا وفي حكم التلف ما لو انتقل المهر عن ملكها انتقالا لازما كالعتق والبيع والهبة اللازمة.
(1) فنصف مثله إن كان مثليا ونصف قيمته إن كان قيميّا.
(2) فلا كلام.
(3) وإن لم تتفق القيمة بل اختلفت من حين العقد إلى حين القبض والتسليم.
(4) فلا يضمنها ما هو في ملكها بناء على أن قيمته يوم القبض أكثر من قيمته يوم العقد ، ولم يذكر ما لو كانت القيمة يوم العقد أكثر فلا تضمن ، لأن ما نقص ما قبل القبض كان مضمونا عليه فلا يضمّنها ما هو في ضمانه.
(5) أي وجد الزوج المهر معيبا عند الزوجة مثل عور الدابة أو نسيان الصنعة في العبد والأمة إذا كان أحدهما مهرا وفيه أقوال : فعن الشيخ في المبسوط أن الزوج مخيّر بين الرجوع بنصف القيمة سليما ، وبين أخذ نصف العين من غير أرش ، أما أخذ نصف العين لقوله تعالى : ( فَنِصْفُ مٰا فَرَضْتُمْ ) (1) وأما عدم الأرش فلحدوث النقص في يدها والعين ملكها فلا تكون مضمونة عليها بخلاف ما لو تعيبت العين في يده ، فهي مضمونة عليه لأنها ملك للزوجة فلها أن ترجع عليه بالأرش.
وأما الرجوع بالقيمة للعين السليمة ، لتنزيل العين بالتغير منزلة التالفة ، لأن العين على هذه الحالة من العيب غير ما فرض في متن العقد فلا تشملها الآية المتقدمة ( فَنِصْفُ مٰا فَرَضْتُمْ ) (2).
ص: 463
الأرش (1) ، ولو نقصت القيمة للسوق (2) فله نصف العين خاصة ، وكذا لو زادت (3) وهي (4) باقية ، ولو زاد زيادة متصلة (5) كالسّمن تخيرت بين دفع نصف
______________________________________________________
- وفيه : إن العين قائمة فاللازم أخذها من غير انتقال إلى القيمة ، ولو كان تغيرها موجبا لعدم صدق ما فرض في متن العقد فلا وجه للرجوع على العين حينئذ.
هذا وعن العلامة في القواعد والشارح في المسالك أن العين مضمونة على الزوجة على تقدير تلفها فتكون أجزاؤها وصفاتها كذلك ، وبما أن ضمان العين على تقدير التلف إنما يكون بالقيمة فضمان الأجزاء والصفات على تقدير تلفها إنما يكون بالأرش ، والحق أن العين لا تخرج عن حقيقتها بالعيب فيرجع بنصفها وبنصف الأرش وثالث الأقوال لابن البراج من أن النقص إن كان من فعلها أو بفعل الله سبحانه وتعالى تخير الزوج بين أخذ نصف المهر ناقصا من غير أرش وبين نصف قيمة مثل المهر السليم كما ذهب إليه الشيخ ، ولو كان النقص من قبل أجنبي ولم يكن للأجنبي سبيل على المهر فيرجع الزوج بنصف القيمة يوم القبض ، وشقه الأول يظهر ضعفه مما تقدم ، ويظهر ضعف الشق الثاني أن الضمان ليوم التلف لا ليوم القبض كما سمعت. وقد تردد المحقق في الشرائع في هذه المسألة وهذا هو القول الرابع.
(1) أي أرش النصف ، وهو القول الثاني المتقدم.
(2) قال في المسالك : (وإن وجده ناقصا نقصان قيمة مع بقاء العين على حالها رجع بنصف العين من غير شي ء آخر قطعا لأنها عين ما فرض بغير إشكال) انتهى ، هذا والفرق بينه وبين ما تقدم من اختلاف القيمة هو أن اختلاف القيمة هنا مع بقاء العين وهناك كان الاختلاف مع تلف العين أو انتقالها عن ملكها انتقالا لازما فلا تغفل.
(3) أي زادت عين المهر بناء على تسليمه المهر للزوجة فإن كانت الزيادة لمجرد قيمة السوق أخذ نصف العين كما لو نقصت كذلك ، لأنه مع بقاء العين على حالها يتحقق نصف ما فرضتم ، وإن كانت الزيادة منفصلة كالولد والعين وثمر الشجر ، فهذه الزيادة للمرأة لما تقدم من ملكها للمهر بتمامه بالعقد وهذه الزيادة نماء ملكها ، ويختص الرجوع للزوج بنصف الأصل وإن كانت الزيادة متصلة فسيأتي بحثه ، ومن هنا تعرف أن مراده من الزيادة الأعم من السوقية والمنفصلة.
(4) أي عين المهر باقية فله نصف العين خاصة.
(5) سواء كانت الزيادة عينا كالسمن أو صنعة كتعليم الصنعة والسورة أم عينا من وجه وصنعة من آخر كصبغ الثوب لم يستقل الزوج بالرجوع إلى نصف عين الصداق الموجود ، لأن الزيادة ملكها ولا يمكن فصلها ولا تجبر على بذلها مجانا ولا بالعوض ، لكنها تتخير بين دفع نصف العين المشتملة على الزيادة وبين بذل نصف القيمة مجردة عنها ، فإن -
ص: 464
العين الزائدة ، ونصف القيمة من دونها (1) ، وكذا لو تغيرت (2) في يدها بما أوجب زيادة القيمة كصياغة الفضة وخياطة الثوب.
ويجبر على العين لو بذلتها في الأول (3) ، دون الثاني (4) ، لقبول الفضة لما يريده منها (5) ، دون الثوب ، إلا أن يكون (6) مفصلا على ذلك الوجه (7) قبل دفعه إليها.
(ويستحب لها العفو عن الجميع) (8) لقوله تعالى : ( وَأَنْ تَعْفُوا أَقْرَبُ
______________________________________________________
- سمحت ببذل العين أجبر على القبول لأن النفع عائد إليه وأصل حقه في العين ، ويحتمل عدم وجوب قبوله العين لما فيه من المنّة لها عليه في إعطائها نصف الزيادة التي هي لها ، وعلى كل فالحكم في أصل المسألة أن له نصف قيمة العين من دون الزيادة ولا تجبر المرأة على دفع العين مجانا ولا بعوض على المشهور ، وخالف الشيخ في المبسوط أن له الرجوع بنصف العين مع الزيادة لقوله تعالى : ( فَنِصْفُ مٰا فَرَضْتُمْ ) (1) ، وفيه : إن الزيادة ليست مما فرض في متن العقد فلا تدخل في مدلول الآية فكيف يرجع على نصفها.
(1) أي دون الزيادة.
(2) أي عين المهر ، فالمرأة مخيرة بين دفع نصف العين الزائدة وبين نصف القيمة من دون الزيادة.
(3) وهو صياغة الفضة ، لقبول الفضة لما يريده الزوج من التصرف بالفضة بما شاء.
(4) أي خياطة الثوب ، لأن خياطته قد تنافي مقصود الزوج فلا يجبر على القبول.
(5) أي لما يريده الزوج من الفضة.
(6) أي الثوب.
(7) أي الوجه الذي فصّله الزوج قبل دفع الثوب إليها ، فهو تغيّر في الثوب يوافق مقصوده فيجبر على القبول.
(8) قد عرفت أن الزوج يملك نصف المهر لو طلقها قبل الدخول ، وهذا يتم إذا لم تعف الزوجة عن النصف الباقي لها ، وإلا فلو عفت كان جميع المهر للزوج ، بلا خلاف فيه لقوله تعالى : ( وَإِنْ طَلَّقْتُمُوهُنَّ مِنْ قَبْلِ أَنْ تَمَسُّوهُنَّ وَقَدْ فَرَضْتُمْ لَهُنَّ فَرِيضَةً فَنِصْفُ مٰا فَرَضْتُمْ إِلّٰا أَنْ يَعْفُونَ أَوْ يَعْفُوَا الَّذِي بِيَدِهِ عُقْدَةُ النِّكٰاحِ ، وَأَنْ تَعْفُوا أَقْرَبُ لِلتَّقْوىٰ ) (2) ، وللأخبار. -
ص: 465
لِلتَّقْوىٰ ) (1).
والمراد بالعفو اسقاط المهر بالهبة إن كان (2) عينا ، والإبراء (3) وما في معناه (4) من العفو والإسقاط إن كان دينا.
وربما قيل بصحته (5) بلفظ العفو مطلقا (6) عملا بظاهر الآية.
______________________________________________________
- منها : خبر إسحاق بن عمار قال : (سألت جعفر بن محمد عليه السلام عن قول الله : إلا أن يعفون ، قال عليه السلام : المرأة تعفو عن نصف الصداق) (1).
هذا فإذا كان الصداق دينا أو عينا وقد تلفت في يد الزوج فيصح عفوها بلفظ العفو والاسقاط والابراء ، لأن الابراء إسقاط ما في الذمم ، والمهر بعد تلفه هو ثابت في ذمة الزوج.
وهل يصح العفو عنه بلفظ الهبة كما عن القواعد وكشف اللثام وبلفظ التمليك كما عن المسالك فيه إشكال ناشئ من أن الهبة مشروطة بالقبض ولا يمكن للزوج قبض المهر بعد ثبوته دينا في ذمته ، ومن أن التمليك مخصوص بالموجود ، والدين الثابت في الذمة أمر معدوم غير قابل للتمليك خصوصا على نفس المديون ، لأن الإنسان لا يملك ما في ذمة نفسه نعم لو كان الصداق عينا صح تنازل الزوجة عن نصفها بلفظ الهبة والتمليك ، وهل يصح بلفظ العفو كما عن المبسوط والتحرير لإطلاق الآية المتقدمة ( إِلّٰا أَنْ يَعْفُونَ ) (2) نظرا إلى أن العفو يجي ء بمعنى العطاء فيتناول الأعيان ، وقيل إن المراد بالعفو هو الابراء وهذا لا مجال فيه للأعيان بل هو مختص بالدين ، وأجابوا عن الآية بأن المراد من العفو معناه لا لفظه ، بمعنى إرادة حصول الملك للمعفو عنه بعبارة تفيده ، وقد سمي نقل الملك بالعفو تنبيها على حصول فضيلة العفو والمدح وإن توقف النقل على صيغة شرعية.
(1) البقرة آية : 237.
(2) أي المهر.
(3) عطف على قوله (بالهبة) والمعنى المراد بالعفو إسقاط المهر بالابراء وما في معناه من العفو والاسقاط إذا كان المهر دينا.
(4) أي في معنى الابراء.
(5) أي بصحة إسقاط المهر.
(6) سواء كان المهر عينا أم دينا.
ص: 466
وردّه (1) إلى القوانين الشرعية أولى ، والآية لا تدل على أزيد منه.
(ولوليها الإجباري) (2) الذي بيده عقدة النكاح أصالة ، وهو الأب والجد
______________________________________________________
(1) أي ردّ العفو الوارد في الآية إلى القوانين الشرعية من كفاية لفظ العفو إذا كان الصداق دينا ، ولا بد من لفظ الهبة والتمليك إذا كان الصداق عينا أولى ، والعفو في الآية حينئذ يدل على حصول نقل الملك بعبارة تفيده ، فالآية لا تدل على أزيد من العفو بعد رده إلى القوانين الشرعية.
(2) لا خلاف أن من بيده عقدة النكاح يجوز له العفو عن النصف الباقي فيصير تمام المهر للزوج لو طلق قبل الدخول ، لقوله تعالى : ( إِلّٰا أَنْ يَعْفُونَ أَوْ يَعْفُوَا الَّذِي بِيَدِهِ عُقْدَةُ النِّكٰاحِ ) (1).
هذا وقد اختلف في تعيين من بيده عقدة النكاح ، فالمشهور بين الأصحاب هو الأب والجد للأخبار.
منها : صحيح عبد الله بن سنان عن أبي عبد الله عليه السلام (الذي بيده عقدة النكاح هو ولي أمرها) (2) ، وصحيح رفاعة عنه عليه السلام (عن الذي بيده عقدة النكاح قال عليه السلام : الولي الذي يأخذ بعضا ويترك بعضا وليس له أن يدع كله) (3) ، والمراد بالولي هو الولي الاجباري للمرأة وهو الأب والجد على ما تقدم بيانه سابقا في بحث أولياء الزوجة.
وعن النهاية زيادة الأخ للأخبار.
منها : خبر سماعة عن أبي عبد الله عليه السلام (في قول الله عزوجل : ( وَإِنْ طَلَّقْتُمُوهُنَّ مِنْ قَبْلِ أَنْ تَمَسُّوهُنَّ وَقَدْ فَرَضْتُمْ لَهُنَّ فَرِيضَةً فَنِصْفُ مٰا فَرَضْتُمْ إِلّٰا أَنْ يَعْفُونَ أَوْ يَعْفُوَا الَّذِي بِيَدِهِ عُقْدَةُ النِّكٰاحِ ) ، قال عليه السلام : هو الأب أو الأخ أو الرجل يوصى إليه ، والذي يجوز أمره في مال المرأة فيبتاع لها فتجيز - ويتجر - فإذا عفا فقد جاز) (4).
وقد حمل الأخ على ما لو كان وصيا أو وكيلا لمرسل ابن أبي عمير عن أبي عبد الله عليه السلام في حديث (في قوله تعالى : إلا أن يعفون أو يعفوا الذي بيده عقدة النكاح ، قال عليه السلام : يعني الأب والذي توكله المرأة وتوليه أمرها من أخ أو قرابة أو غيرها) (5) ، وخبر إسحاق بن عمار (سألت جعفر بن محمد عليهما السلام عن قول الله : إلا أن يعفون ، -
ص: 467
له (1) بالنسبة إلى الصغيرة(العفو عن البعض) أي بعض النصف (2) الذي تستحقه
______________________________________________________
- قال : المرأة تعفو عن نصف الصداق ، قلت : أو يعفوا الذي بيده عقدة النكاح ، قال : أبوها إذا عفا جاز له ، وأخوها إذا كان يقيم بها ، وهو القائم عليها ، فهو بمنزلة الأب يجوز له ، وإذا كان الأخ لا يهتمّ بها ولا يقوم عليها لم يجز عليها أمره) (1) فالأول ظاهر في توكيله والثاني في وصايته عليها وعن ابن البراج في المهذب تبعا للشيخ في المبسوط بزيادة من تولّيه المرأة عقدها لمرسل ابن أبي عمير المتقدم (والذي توكله المرأة وتوليه أمرها من أخ أو قرابة أو غيرها) ، وفيه : إن تولية أمرها بالعقد لا يدل على جواز العفو عنها ، نعم لو وكلته في العفو جاز قطعا.
(1) للأب.
(2) فعلى المشهور أنه لا يجوز له العفو عن تمام النصف وإن كانت الآية وهي (أو يعفو الذي بيده عقدة النكاح) (2) مطلقة ، وذلك للأخبار.
منها : صحيح رفاعة عن أبي عبد الله عليه السلام (عن الذي بيده عقدة النكاح فقال عليه السلام : الولي الذي يأخذ بعضا ويترك بعضا وليس له أن يدع كله) (3) ، ومرسل ابن أبي عمير عن أبي عبد الله عليه السلام (ومتى طلقها قبل الدخول كان لأبيها أن يعفو عن بعض الصداق ويأخذ بعضا وليس له أن يدع كله) (4) ، ومرسل الصدوق في الفقيه (وفي خبر آخر يأخذ بعضا ويدع بعضا وليس له أن يدع كله) ((5).
فهذه الأخبار هي المقيدة لما أطلق في الآية ، ولا يعارضها إلا خبر محمد بن مسلم عن أبي جعفر عليه السلام (في قوله : إلا أن يعفون أو يعفو الذي بيده عقدة النكاح ، قال : الذي يعفو عن الصداق أو يحطّ بعضه أو كله) (6) ، وهو ضعيف لإعراض المشهور عنه ، ومنه تعرف ضعف ما عن العلامة في المختلف وابن سعيد في الجامع أن المصلحة إذا اقتضت العفو عن الكل جاز ، وفي كشف اللثام هو الموافق للأصول.
هذا ومقتضى الأدلة المتقدمة جواز العفو مع وجود مصلحة للزوجة أو لا ، ومنه تعرف -
ص: 468
بالطلاق قبل الدخول ، لأن عفو الولي مشروط بكون الطلاق قبل الدخول ، (لا الجميع) ، واحترز بالإجباري عن وكيل الرشيدة فليس له العفو مع الاطلاق (1) ، في أصح القولين.
نعم لو وكلته في العفو جاز قطعا ، وكذا وكيل الزوج (2) في النصف الذي يستحقه بالطلاق.
(الثانية - لو دخل قبل دفع المهر كان دينا عليه وإن طالت المدة) (3)
______________________________________________________
- ضعف ما عن الحلي والعلامة في المختلف والمحقق من اشتراط المصلحة لعدم الدليل عليه ، ثم يشترط في العفو كونه بعد الطلاق الواقع قبل الدخول وقوفا فيما خالف الأصل على موضع الدلالة فقط.
(1) أي إطلاق الوكالة ، وهذا رد على ابن البراج والشيخ.
(2) فلو كان وكيلا عن الزوج في العقد لما جاز العفو ، وإن كان وكيلا عنه في العفو لجاز قطعا.
(3) إذا دخل الزوج قبل تسليم المهر كان دينا عليه ولم يسقط بالدخول طالت المدة أو قصرت ، طالبت به أو لم تطالب على المشهور للأخبار.
منها : صحيح البزنطي (قلت لأبي الحسن عليه السلام : الرجل يتزوج المرأة على الصداق المعلوم فيدخل بها قبل أن يعطيها؟ فقال عليه السلام : يقدم إليها ما قلّ أو كثر ، إلا أن يكون له وفاء من عرض إن حدث به حدث ادّى عنه فلا بأس) (1) ، وموثق عبد الحميد بن عوّاض عن أبي عبد الله عليه السلام (عن الرجل يتزوج المرأة فلا يكون عنده ما يعطيها فيدخل بها ، قال عليه السلام : لا بأس إنما هو دين لها عليه) (2) ، وخبر عبد الحميد الطائي (قلت لأبي عبد الله عليه السلام : أتزوج المرأة وأدخل بها ولا أعطيها شيئا ، قال : نعم يكون دينا عليك) (3).
هذا وعن الشيخ في التهذيبين حكاية القول بالسقوط بالدخول عن بعض الأصحاب ، وعن الصدوق والحلبي أنه إذا أخذت الزوجة من المهر شيئا قبل الدخول سقط الباقي من المهر لو دخل الزوج ، وقد وردت أخبار تدل على ذلك وهي على طوائف ، فمنها ما يدل على سقوط المهر بالدخول مطلقا كصحيح عبد الرحمن بن الحجاج عن أبي عبد الله عليه السلام (عن الرجل والمرأة يهلكان جميعا فيأتي ورثة المرأة فيدّعون على ورثة الرجل -
ص: 469
للأصل (1) ، والأخبار ، وما روي من أنّ الدخول يهدم العاجل ، أو أن طول المدة
______________________________________________________
- الصداق ، فقال عليه السلام : وقد هلك وقسّم الميراث؟ فقلت : نعم ، فقال : ليس لهم شي ء.
قلت : فإن كان المرأة حيّة فجاءت بعد موت زوجها تدّعى صداقها ، فقال عليه السلام : لا شي ء لها وقد أقامت معه مقرّة حتى هلك زوجها ، فقلت : فإن ماتت وهو حيّ فجاء ورثتها يطالبونه بصداقها ، قال عليه السلام : وقد أقامت حتى ماتت لا تطلبه؟ فقلت : نعم ، قال عليه السلام : لا شي ء لهم.
قلت : فإن طلقها فجاءت تطلب صداقها ، قال عليه السلام : وقد أقامت لا تطلبه حتى طلقها لا شي ء لها ، قلت : فمتى حدّ ذلك الذي إذا طلبته لم يكن لها؟ قال عليه السلام : إذا أهديت إليه ودخلت بيته وطلبت بعد ذلك فلا شي ء لها) (1).
ومنها : ما يدل على سقوط العاجل كموثق عبيد بن زرارة عن أبي عبد الله عليه السلام (دخول الرجل على المرأة يهدم العاجل) (2) ، وخبر محمد بن مسلم عن أبي جعفر عليه السلام (في الرجل يتزوج المرأة ويدخل بها ثم تدعي عليه مهرها؟ قال عليه السلام : إذا دخل عليها فقد هدم العاجل) (2) ومثلها غيرها.
ومنها : ما يدل على سقوط المهر إذا أخذت منه شيئا قبل الدخول كصحيح الفضيل عن أبي جعفر عليه السلام (في رجل تزوج امرأة فدخل بها ثم أولدها ثم مات عنها فادعت شيئا من صداقها - إلى أن قال - وأما الصداق فإن الذي أخذت من الزوج قبل أن يدخل عليها فهو الذي حلّ للزوج به فرجها ، قليلا كان أو كثيرا ، إذا قبضته منه وقبلته ، ودخلت عليه فلا شي ء لها بعد ذلك) (3) ، وخبر المفضل بن عمرو عن أبي عبد الله عليه السلام في حديث (فلما إن دخل بها قبل أن تستوفي صداقها هدم الصداق فلا شي ء لها ، إنما لها ما أخذت من قبل أن يدخل بها ، فإذا طلبت بعد ذلك في حياة منه أو بعد موته فلا شي ء لها) (4).
وهذه الطوائف لما كانت معارضة لما تقدم من ثبوت المهر في ذمة الزوج وأنه لا يسقط بالدخول ، وقد أعرض عنها المشهور ، وهي مخالفة لقواعد المذهب فلا بدّ من ردها إلى أهلها.
(1) أصالة عدم السقوط.
ص: 470
يسقطه (1) شاذ لا يلتفت إليه ، أو مأوّل (2) بقبول قول الزوج في براءته من المهر لو تنازعا (3).
(والدخول) الموجب للمهر تاما(هو الوطء) (4) المتحقق بغيبوبة الحشفة ، أو قدرها من مقطوعها.
______________________________________________________
(1) أي يسقط المهر ، ولم اعثر على خبر بهذا المضمون.
(2) عطف على (شاذ).
(3) بحيث تنازع كل من الزوج والزوجة في المهر بعد الدخول ، فهي ادعت المهر بغير بينة وهو ادعى البراءة منه ، فالقول قوله لأن المعهود في ذلك الزمان دفع المهر قبل الدخول ، فيكون قوله موافقا لهذا الظاهر ، ولكن لا بد من ضم اليمين إلى قبول قوله ، ويؤيد هذا الحمل خبر الحسن بن زياد عن أبي عبد الله عليه السلام (إذا دخل الرجل بامرأته ثم ادعت المهر وقال : قد اعطيتك ، فعليها البينة وعليه اليمين) (1) ، وهذا الحمل للشيخ.
(4) اتفق الأصحاب على أن الوطء الموجب للغسل هو الذي يوجب استقرار جميع المهر للمرأة ، لما تقدم من النصوص من كون الدخول موجبا للمهر والغسل ففي صحيح عبد الله بن سنان عن أبي عبد الله عليه السلام (إذا أدخله وجب الغسل والمهر والعدة) (2) وفي صحيح الحلبي عنه عليه السلام (إذا التقى الختانان وجب المهر والعدة) (3) ، وهذا دال على أن الدخول الموجب للمهر هو الذي يوجب الغسل ، والذي يوجب الغسل هو الوطء قبلا أو دبرا المتحقق بغيبوبة الحشفة أو بغيبوبة قدرها من مقطوعها كما تقدم في كتاب الغسل ، واختلفوا في أنه هل يقوم غير الوطء من مقدماته كالخلوة مقام الوطء في ذلك ، فالمشهور على العدم وعلى أن الخلوة وباقي المقدمات لا تكفي في ايجاب المهر للأخبار.
منها : موثق يونس بن يعقوب عن أبي عبد الله عليه السلام (في رجل تزوج امرأة فأغلق بابا وأرخى سترا ولمس وقبّل ثم طلقها ، أيوجب ذلك الصداق؟ قال : لا يوجب الصداق إلا الوقاع) (4) ، وصحيح زرارة عن أبي جعفر عليه السلام (عن رجل تزوج جارية لم تدرك لا يجامع مثلها ، أو تزوج رتقاء فأدخلت عليه فطلقها ساعة أدخلت عليه ، قال عليه السلام : -
ص: 471
وضابطه ما أوجب الغسل(قبلا أو دبرا ، لا مجرّد الخلوة) بالمرأة وارخاء الستر على وجه ينتفي معه (1) المانع من الوطء على أصح القولين ، والأخبار في ذلك مختلفة ، ففي بعضها أنّ وجوبه (2) أجمع متوقف على الدخول ، وفي أخرى (3) بالخلوة ، والآية (4) ظاهرة في الأول ، ومعه (5) مع ذلك (6) الشهرة بين الأصحاب ، وكثرة الأخبار.
______________________________________________________
- هاتان ينظر إليهن من يوثق به من النساء ، فإن كنّ كما دخلن عليه فإن لها نصف الصداق الذي فرض لها ولا عدة عليهن) (1).
وعن خلاف الشيخ حكاية عن بعض المتقدمين وقد نسب إلى الصدوق أن الخلوة توجب المهر للأخبار.
منها : خبر زرارة عن أبي جعفر عليه السلام (إذا تزوج الرجل ثم خلا بها فأغلق عليها بابا أو أرخى سترا ثم طلقها فقد وجب الصداق ، وخلاؤه بها دخول) (2) ، وخبر إسحاق بن عمار عن جعفر عن أبيه عن علي عليهم السلام أنه كان يقول (من أجاف من الرجال على أهله بابا أو أرخى سترا فقد وجب عليه الصداق) (3) ومثلها غيرها.
وهذه الطائفة محمولة على كون المراد بالخلوة هو الدخول من باب الكناية ، أو تحمل على أن الحاكم إنما يحكم بالظاهر فإذا أغلق الباب وأرخي الستر وجب المهر لو ادعت المرأة الدخول وأنكره الزوج ، وإن كان المرأة لا يحلّ لها فيما بينها وبين الله أن تأخذ إلا نصف المهر ، وهذا الجمع منسوب إلى ابن أبي عمير ، أو تحمل على التقية لموافقتها لأبي حنيفة وكثير من العامة كما في الجواهر.
(1) مع إرخاء الستر.
(2) أي وجوب المهر.
(3) أي نصوص أخرى.
(4) وهي قوله تعالى : ( وَإِنْ طَلَّقْتُمُوهُنَّ مِنْ قَبْلِ أَنْ تَمَسُّوهُنَّ ) (4) ، والمراد بالمسّ هو الدخول بعد عدم إرادة مطلق المس بالاتفاق.
(5) أي مع القول الأول المدلول عليه بطائفة من الأخبار.
(6) أي مع ظهور الآية فيه.
ص: 472
(الثالثة - لو أبرأته من الصداق ثم طلقها قبل الدخول رجع) عليها(بنصفه (1)) ،
______________________________________________________
(1) لو أبرأته من الصداق المسمى لها بتمامه ثم طلقها قبل الدخول رجع بنصفه عليها ، على المشهور لمضمر سماعة (سألته عن رجل تزوج جارية أو تمتّع بها ثم جعلته من صداقها في حلّ ، أيجوز أن يدخل بها قبل أن يعطيها شيئا؟ قال : نعم إذا جعلته في حلّ فقد قبضته منه ، وإن خلّاها قبل أن يدخل بها ردت المرأة على الزوج نصف الصداق) (1) ، وهو الموافق للقواعد لأن إبرائها تصرف منها في الصداق تصرفا ناقلا له عن ملكها بوجه لازم ، فيلزمها عوض النصف لو طلق قبل الدخول ، كما يلزمها عوض النصف لو نقلته إلى ملك غير الزوج أو أتلفته أو وهبته صداقها كما في صحيح شهاب بن عبد ربه (سألت أبا عبد الله عليه السلام عن رجل تزوج امرأة على ألف درهم فبعث بها إليها فردّتها عليه ووهبتها له ، وقالت : أنا فيك أرغب منّي في هذه الألف ، هي لك ، فتقبّلها منها ، ثم طلقها قبل أن يدخل بها ، قال عليه السلام : لا شي ء لها ، وتردّ عليه خمسمائة درهم) (2) وعن الشيخ في المبسوط والعلامة في القواعد عدم رجوعه عليها بشي ء ، وهو قول لبعض العامة بدعوى أنها لم تأخذ منه مالا ، ولا نقلت إليه الصداق ، ولا أتلفته عليه فلا تضمن.
أما الأول فواضح ، وأما الثاني فلاستحالة أن يستحق الإنسان شيئا في ذمة نفسه فلا يتحقق نقله إليه ، وأما الثالث فلأنه لم يصدر منها إلا إزالة استحقاقها في ذمته ، وهو ليس بإتلاف عليه ، ومن هنا لو رجع الشاهدان بدين في ذمة زيد لعمرو بعد حكم الحاكم عليه ، وقبل الاستيفاء ، وكان قد أبرأ المحكوم له بالدين ذمة المحكوم عليه ، لم يرجع المحكوم عليه على الشاهدين ، لعدم تغريمهما له بشي ء ، مع أنه لو كان الابراء إتلافا على من في ذمته لغرّما له. وفيه : إنه اجتهاد في قبال النص فلا يسمع ، وأنه على خلاف القواعد لأن إبرائها تصرف في الصداق تصرفا موجبا لتلف العين ، فله عوض النصف لو طلق قبل الدخول ، فضلا عن أننا نلتزم بالشق الثاني من دليل الخصم وأن إبرائها له من الصداق هو نقل للصداق عن ملكها إليه ، لكن لما كان متعلق الصداق هو ذمة الزوج وليس فردا خاصا من المال ، لم يتحقق استحقاق الزوج لشي ء في ذمته ، بل يكون الابراء اسقاطا لما للزوجة في ذمة الزوج والفرق بين مسألتنا ومسألة الشاهدين واضح ، لأن المهر هنا حال الابراء ثابت في ذمة الزوج ظاهرا وباطنا ، فإسقاط الحق بعد ثبوته متحقق ، والزوج له النصف إذا طلق قبل الدخول فيرجع عليها بعوض النصف ، -
ص: 473
لأنها حين الإبراء كانت مالكة لجميع المهر ملكا تاما ، وما يرجع (1) إليه بالطلاق ملك جديد ، ولهذا كان نماؤه لها (2) ، فإذا طلقها (3) رجع عليها بنصفه (4) ، كما لو صادفها (5) قد أتلفته ، فإنّ تصرفها فيه (6) بالإبراء بمنزلة الإتلاف فيرجع بنصفه ، وكذا لو كان (7) عينا ووهبته إياها (8) ، ثم طلقها فإنه يرجع عليها بنصف القيمة (9).
ويحتمل ضعيفا عدم الرجوع في صورة الإبراء ، لأنّها لم تأخذ منه مالا ، ولا نقلت إليه الصداق لأنّ الإبراء (10) اسقاط ، لا تمليك ، ولا أتلفته عليه (11) كما لو رجع الشاهدان (12) بدين في ذمة زيد لعمرو بعد حكم الحاكم عليه ، وقبل الاستيفاء وكان قد أبرأ (13) المشهود عليه ، فإنه (14) لا يرجع على الشاهدين بشي ء ،
______________________________________________________
بخلاف مسألة الشاهدين فحق المحكوم له غير ثابت في ذمة المحكوم عليه إلا ظاهرا ولما تراجع الشاهدان عن الشهادة لم يكن هذا الحق ثابتا لا واقعا ولا ظاهرا ، ومع عدم ثبوته فالابراء منه غير متحقق لانتفاء موضوع الحق الثابت في الذمة.
(1) أي وما يرجع إلى الزوج بالطلاق قبل الدخول ملك جديد.
(2) أي ولهذا من كونها مالكة لجميع المهر قبل الطلاق المذكور كان نماء المهر للمرأة.
(3) أي طلقها قبل الدخول.
(4) أي رجع الزوج على الزوجة بنصف المهر.
(5) أي وجد الزوج زوجته قد اتلفت المهر.
(6) أي فإن تصرف الزوجة في المهر بالابراء بمنزلة اتلافه فيرجع الزوج عليها بنصف المهر.
(7) أي المهر.
(8) أي وهبت الزوجة زوجها عين المهر.
(9) أي بنصف قيمة عين المهر.
(10) تعليل لعدم النقل حيث إن الابراء إسقاط ما في الذمم ، ولا يتعلق بالأعيان ليكون تمليكا لها.
(11) فعدم الأخذ وعدم النقل وعدم الاتلاف هي العناوين الثلاثة الواردة في دليل الخصم على ما تقدم ، ومع ضميمة أن إبرائها إزالة استحقاقها في ذمته وهو ليس باتلاف عليه فكيف يرجع عليها بنصف الصداق وبهذا يتم دليل الخصم.
(12) رجعا عن شهادتهما بعد حكم الحاكم وقبل الاستيفاء.
(13) ضمير الفاعل راجع للمحكوم له.
(14) أي المشهود عليه.
ص: 474
ولو كان (1) الإبراء اتلافا على من (2) في ذمته لغرّما له (3).
والفرق واضح فإنّ حق المهر ثابت حال الإبراء في ذمة الزوج ظاهرا وباطنا فإسقاط الحق (4) بعد ثبوته متحقق ، بخلاف مسألة الشاهد فإنّ الحق لم يكن ثابتا كذلك (5) فلم تصادف البراءة حقا يسقط بالإبراء.
(وكذا) يرجع عليها بنصفه (6) (لو خلعها به (7) أجمع قبل الدخول) (8) ، لاستحقاقه له (9) ببذلها عوضا مع الطلاق ، فكان انتقاله عنها سابقا (10) على
______________________________________________________
(1) تعليل لعدم الرجوع.
(2) وهو المشهود عليه.
(3) لأنه قد ثبت في ذمته الدين ويجب عليه دفعه وفي هذا تغريم له ، وإن كان قد أبرئ منه فيما بعد.
(4) بابرائها له من المهر.
(5) أي ظاهرا وباطنا ، بل كان ثابتا ظاهرا فقط لشهادة الشاهدين ، ومع رجوع الشاهدين عن الشهادة فلم يثبت ظاهرا ، ومع انتفاء الحق من ذمة المحكوم عليه فلم يصادف الابراء حقا حتى يسقطه.
(6) أي وكذا يرجع الزوج على الزوجة بنصف المهر.
(7) بالمهر.
(8) لو خلعها بمجموع المهر قبل الدخول سواء كان المهر عينا أم دينا ، فهل يرجع عليها بنصفه كما في الشرائع والقواعد وغيرهما نظرا إلى أن الخلع كالابراء والهبة ، لأن الزوج بالخلع قد ملك المهر بتمامه وعند ما طلق فيما بعد يستحق نصف المهر مثلا أو قيمة ، لخروج المهر عن ملكها بالخلع.
وفيه إشكال واضح : إذ المهر لم ينتقل إلى الزوج بمجرد البذل من المرأة بل به وبالخلع من الزوج ، لأنها قد جعلت المهر عوضا عن البينونة ، فلا يملك الزوج المهر حينئذ إلا بتمام سبب الخلع ، وهذا لا يتم إلا بالطلاق ، والطلاق قبل الدخول يوجب نصف المهر له ، فيتحد سببان على تمليكه المهر في حالة واحدة ، غايته الخلع سبب لتمليكه تمام المهر ، والطلاق سبب لتمليك نصفه.
(9) أي استحقاق الزوج للمهر بسبب بذلها عوضا عن الطلاق ، وقد عرفت وجه الإشكال فيه وأن الاستحقاق هو بذلها عوضا عن البينونة المتحققة بإطلاق.
(10) أي فكان انتقال المهر أجمع عن الزوجة سابقا على طلاق الزوج الموجب لاستحقاقه النصف.
ص: 475
استحقاقه (1) النصف بالطلاق فينزّل (2) منزلة المنتقل عنها حين استحقاقه النصف (3) ، فيرجع عليها بنصفه دينا ، أو عينا.
(الرابعة - يجوز اشتراط ما يوافق به الشرع في عقد النكاح) (4) ، سواء كان
______________________________________________________
(1) أي استحقاق الزوج نصف المهر بسبب الطلاق.
(2) أي المهر المنتقل عنها عند البذل ، بل لا داعي للتنزيل بناء على أن الانتقال بسبب البذل.
(3) أي حين استحقاق الزوج للنصف وذلك بطلاقه.
(4) لو شرط في العقد ما يخالف المشروع مثل اشتراط أن لا يتزوج عليها أو لا يتسرى أو لا يقسّم لضرتها أو لا يمنعها من الخروج من المنزل متى شاءت بطل الشرط بالاتفاق للأخبار.
منها : صحيح ابن سنان عن أبي عبد الله عليه السلام (من اشترط شرطا مخالفا لكتاب الله فلا يجوز له ، ولا يجوز على الذي اشترط عليه ، والمسلمون عند شروطهم بما وافق كتاب الله عزوجل) (1) ، وخبره الآخر عنه عليه السلام (المسلمون عند شروطهم إلا كل شرط خالف كتاب الله عزوجل فلا يجوز) (2) ، وصحيح الحلبي عن أبي عبد الله عليه السلام (وإن كان شرطا يخالف كتاب الله عزوجل فهو ردّ إلى كتاب الله عزوجل) (3) ، ولخصوص خبر محمد بن قيس عن أبي جعفر عليه السلام (في رجل تزوج امرأة وشرط لها إن هو تزوج عليها امرأة أو هجرها أو اتخذ عليها سرية فهي طالق ، فقضى في ذلك أن شرط الله قبل شرطكم ، فإن شاء وفىّ لها بما اشترط ، وإن شاء أمسكها واتخذ عليها ونكح عليها) (4) ، وخبر عبد الله بن سنان عن أبي عبد الله عليه السلام (في رجل قال لامرأته : إن نكحت عليك أو تسريت فهي طالق ، قال : ليس ذلك بشي ء ، إن رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم قال : من اشترط شرطا سوى كتاب الله فلا يجوز له ولا عليه) (5) ، وصحيح محمد بن قيس عن أبي جعفر عليه السلام (قضى في رجل تزوج امرأة وأصدقته هي ، واشترطت عليه أن بيدها الجماع والطلاق ، قال : خالفت السنة وولّيت حقا ليست بأهله ، فقضى أن عليه الصداق وبيده الجماع والطلاق ، وذلك السنة) (6). هذا وقد تقدم أن المشهور على أن الشرط الفاسد مفسد للعقد المشروط ، لأن الطرفين لم يقصدا العقد إلا مقيدا بالشرط المذكور ، -
ص: 476
من مقتضى عقد النكاح كأن تشترط عليه العدل في القسم والنفقة ، أو يشترط عليها أن يتزوج عليها متى شاء ، أو يتسرى ، أو خارجا عنه (1) كشرط تأجيل المهر ، أو بعضه إلى أجل معين(فلو شرط ما يخالفه (2) لغى الشرط وصح) العقد والمهر (3) (كاشتراط أن لا يتزوج عليها ، وأن لا يتسرى) ، أو لا يطأ ، أو يطلق (4) كما في نكاح المحلل.
أما فساد الشرط حينئذ (5) فواضح ، لمخالفته المشروع ، وأما صحة العقد فالظاهر اطباق الأصحاب عليه ، وإلا كان للنظر فيه مجال (6) كما علم من غيره من العقود المشتملة على الشرط الفاسد.
______________________________________________________
- ولم يسلم الشرط فلا يسلم القصد وبه يبطل العقد ، إلا أنهم حكموا في النكاح بصحة العقد وإن فسد الشرط ، لعدم كون النكاح معاوضة بحتة ولذا لا يبطل ببطلان المهر أو فساده فضلا عن فساد الشرط المذكور فيه ، بالإضافة إلى صحيح محمد بن قيس المتقدم وعيره الدال على صحة العقد وإن فسد الشرط.
(1) أي كان الشرط خارجا عن مقتضى عقد النكاح ، هذا والتقسيم ناشئ من كون أحكام النكاح في الكتاب والسنة القسمة والنفقة وأن يتزوج على الواحدة أو يتسرى فلهذا كانت هذه الأمور من مقتضيات عقد النكاح شرعا بخلاف تأجيل المهر ونحوه ، فهو ليس من أحكام النكاح اللازمة لكل عقد لذلك كان خارجا عن مقتضيات عقد النكاح.
(2) أي ما يخالف الشرع.
(3) قد تقدم أن فساد الشرط لا يوجب فساد العقد في النكاح ، وكذا فساده لا يوجب فساد المهر لعدم التلازم بينهما ففساد أحدهما لا يعني فساد الآخر وقال في المسالك : (وفي المسألة وجه أو قول بصحة العقد دون المهر ، لأن الشرط كالعوض المضاف إلى الصداق حيث يكون من المرأة ، أو كجزء من العوض والصداق مبذول في مقابلة الجميع ، وبفساد الشرط يفوت بعض العوض ، والمعوض وقيمته مجهولة ، فلا يعلم قدر الصداق في الأول - إذا كان الشرط كالعوض المضاف إلى الصداق - ولا نصيب الباقي في الثاني - إذا كان الشرط جزءا من الصداق - فيثبت مهر المثل وهو متجه) انتهى كلامه ، وقد نسبه في الجواهر إلى قواعد العلامة أيضا ، وفيه : إنه يتم في الشروط المتمولة وأما غيرها فلا.
(4) بأن يشترط الطلاق بعد تحقق الوطء كما في نكاح المحلل ، فاشتراط الطلاق عليه مخالف للمشروع حيث إنه بيد الزوج فيكون الشرط باطلا.
(5) أي حين مخالفته للشرع.
(6) لأن القصد إلى العقد المقيد بالشرط ، ولم يسلم الشرط فلم يتحقق القصد ، فينتفي العقد حينئذ.
ص: 477
وربما قيل : بفساد المهر خاصة (1) ، لأنّ الشرط كالعوض المضاف إلى الصداق فهو (2) في حكم المال ، والرجوع إلى قيمته (3) متعذر ، للجهالة فيجهل الصداق فيرجع إلى مهر المثل.
(ولو شرط إبقاءها في بلدها لزم) (4) ، لأنه شرط لا يخالف المشروع ، فإنّ خصوصيات الوطن أمر مطلوب للعقلاء بواسطة النشوء والأهل ، والإنس ، وغيرها فجاز شرطه (5) توصلا إلى الغرض المباح ، ولصحيحة أبي العباس عن الصادق عليه السلام في الرجل يتزوج امرأة ويشترط لها أن لا يخرجها من بلدها. قال عليه السلام : «يفي لها بذلك أو قال : يلزمه ذلك» ، ولعموم «المؤمنون عند شروطهم».
______________________________________________________
(1) دون العقد.
(2) أي الشرط.
(3) أي قيمة الشرط عند فساده.
(4) لو اشترط أن لا يخرجها من بلدها للزم الشرط ، لكونه غير مخالف للشرع فيندرج تحت (المؤمنون عند شروطهم) (1) ، ولخصوص صحيح أبي العباس البقباق عن أبي عبد الله عليه السلام (في الرجل يتزوج المرأة ويشترط أن لا يخرجها من بلدها ، قال عليه السلام : يفي لها بذلك ، أو قال : يلزمه ذلك) (2) ، ومرسل ابن أبي عمير (قلت لجميل بن دراج : رجل تزوج امرأة وشرط لها المقام في بلدها أو بلد معلوم ، قال : قد روى أصحابنا عنهم عليهم السلام أن ذلك لها وأنه لا يخرجها إذا شرط لها) (2).
وعن ابن إدريس وجماعة بطلان الشرط من حيث كونه مخالفا للشرع لوجوب إطاعة الزوج وكون مسكنه مسكنها ولأن الاستمتاع بالزوجة في جميع الأزمنة والأمكنة حق للزوج بأصل الشرع فإذا شرط ما يخالفه وجب أن يكون باطلا ، وحملت الرواية عندهم على الاستحباب ، وفيه : إن المشروط ليس هو عدم إطاعة الزوج ليكون غير مشروع ، بل المشروط هو عدم خروج الزوج بها من بلدها وهو فعل الزوج وهو مباح ، وكون الاستمتاع حق للزوج في جميع الأمكنة هو عين المتنازع فيه ، ولأنه آت في كل شرط فإنه يمنع مباح الأصل ، ومع هذا وذاك فهو اجتهاد في قبال النص فلا يسمع. وقد توقف كل من المحقق في الشرائع والعلامة في القواعد في أصل الحكم.
(5) أي شرط الوطن.
ص: 478
(وكذا) لو شرط ابقاءها(في منزلها) (1) وإن لم يكن منصوصا لاتحاد الطريق (2).
وقيل : يبطل الشرط فيهما (3) ، لأن الاستمتاع بالزوجة في الأزمنة والأمكنة حق الزوج بأصل الشرع ، وكذا السلطنة عليها ، فإذا شرط ما يخالفه كان باطلا ، وحملوا الرواية على الاستحباب.
ويشكل بأن ذلك وارد في سائر الشروط السائغة التي ليست بمقتضى العقد كتأجيل المهر ، فإنّ استحقاقها المطالبة به في كل زمان ومكان ثابت بأصل الشرع أيضا ، فالتزام عدم ذلك (4) في مدة الأجل يكون مخالفا ، وكذا القول في كل تأجيل ، ونحوه من الشروط السائغة.
والحق أن مثل ذلك (5) لا يمنع ، خصوصا مع ورود النص الصحيح بجوازه (6). وأما حمل الأمر المستفاد (7) من الخبر الذي بمعناه (8) على الاستحباب
______________________________________________________
(1) فعلى صحة الشرط المتقدم من عدم إخراجها من بلدها فهل يتعدى إلى شرطها أن لا يخرجها من منزلها أو محلتها أو لا ، ذهب البعض إلى عدم التعدي ، لأن المسألة السابقة مخالفة للقواعد فيقتصر في النص فيها على مورده ، وذهب الشهيد وغيره إلى التعدي إلى كون المسألة السابقة على مقتضى القواعد فلا فرق في لزوم الشرط بين عدم إخراجها من بلدها أو منزلها أو محلتها.
(2) أي طريق المسألتين بعد كون الشرط فيهما غير مخالف للمشروع.
(3) في عدم إخراجها من بلدها ، وعدم إخراجها من منزلها.
(4) أي عدم استحقاقها للمطالبة بالمهر في كل زمان ومكان.
(5) مما ذكر في بطلان الشرط.
(6) أي جواز اشتراط عدم إخراجها من بلدها.
(7) فالخبر هو قوله عليه السلام في صحيح أبي العباس المتقدم : (يفي لها بذلك ، أو قال : يلزمه ذلك) (1) ، فالأول (يفي) اخبار يراد به الأمر ، وهو دال على الوجوب ، بل هو أشد في الوجوب من الأمر ، ولأنه اخبار يراد منه الأمر قال الشارح أن الأمر قد استفيد من الخبر.
(8) أي بمعنى الأمر ، لأن الخبر مشتمل على الإخبار.
ص: 479
فلا ريب على أنه (1) خلاف الحقيقة ، فلا يصار إليه (2) مع إمكان الحمل عليها (3) ، وهو (4) ممكن ، فالقول بالجواز أوجه في مسألة النص.
وأما المنزل فيمكن القول بالمنع (5) فيه ، وقوفا فيما خالف الأصل (6) على موضع النص (7).
وفي التعدي إليه (8) قوة ، لعموم الأدلة (9) ، واتحاد طريق المسألتين (10).
وحكم المحلة والموضع المخصوص حكم المنزل.
ومتى حكمنا بصحته (11) لم يصح اسقاطه (12) بوجه (13) ، لأنه (14) حق
______________________________________________________
(1) أي أن حمل الأمر على الاستحباب.
(2) إلى خلاف الحقيقة.
(3) على الحقيقة.
(4) أي الحمل على الحقيقة.
(5) أي بمنع اشتراط عدم إخراجها من المنزل.
(6) إذ الأصل هو جواز الاستمتاع بالزوجة في كل زمان ومكان.
(7) ومورده البلد.
(8) إلى المنزل.
(9) أي عموم أدلة نفوذ الشرط ، كالمؤمنون عند شروطهم.
(10) من البلد والمنزل بعد إسقاط خصوصية البلد في مورد النص للقطع بعدم مدخليتها في الحكم حتى يقتصر عليها ، فيتعدى منها إلى غيرها ، وهذا مبني على كون مسألة الاشتراط في البلد على خلاف القواعد وقد عرفت العدم.
(11) أي بصحة اشتراط عدم إخراجها من بلدها أو منزلها.
(12) قال سيد الرياض : (ومتى حكمنا بصحته صحّ إسقاطه إجماعا ، حكاه فخر المحققين ، وقيل : بالمنع ، لأنه حق يتجدد في كل آن ، فلا يعقل إسقاط ما لم يوجد حكمه وإن وجد سببه ، وهو مع أنه استبعاد محض ، ومنقوض بوجود النظير كهبة المدة المتمتع بها ، غير مسموع في مقابلة الاجماع المحكي) انتهى.
(13) لا تبرعا ولا بالعوض.
(14) أي الشرط المذكور.
ص: 480
يتجدد في كل آن (1) فلا يعقل اسقاط ما لم يوجد حكمه (2) ، وإن وجد سببه (3).
(الخامسة - لو أصدقها تعليم صناعة ثم طلقها قبل الدخول كان لها نصف أجرة التعليم) (4) ، لعدم إمكان تعليمها نصف الصنعة ، وهو (5) الواجب لها بالطلاق خاصة ، (ولو كان قد علّمها) الصنعة(رجع بنصف الأجرة) (6) ، لعدم إمكان ارتجاع نفس الواجب (7) فيرجع إلى عوضه(ولو كان) الصداق(تعليم سورة) (8) ونحوها(فكذلك) ، لأنه وإن أمكن تعليم نصفها عقلا إلا أنه ممتنع شرعا ، لأنها صارت أجنبية.
______________________________________________________
(1) من الآنات الآتية.
(2) لعدم وجود آن الاستحقاق الآتي.
(3) وهو اشتراطه في متن العقد.
(4) لتعذر المهر حينئذ في يده إذ ليس للصنعة نصف لعدم وقوفه على حد فتكون كالتالف في يده ، يرجع فيه إلى القيمة التي هي هنا الأجرة ، وبما أنه قد طلقها قبل الدخول فلها النصف.
(5) أي النصف.
(6) لتعذر رجوعه بعين ما فرض ، إذ لا يمكن تخليص نصف الصنعة منها ، فيكون المهر بمنزلة التالف في يدها ، فيرجع بنصف الأجرة ، والحكم في الموضعين بلا إشكال.
(7) أي الذي يجب ارتجاعه وهو النصف.
(8) إذا كان الصداق تعليم سورة وطلقها قبل الدخول ، فإن كان قد علّمها رجع عليها بنصف الأجرة كالصنعة ، وإن لم يكن علّمها فليس الحكم في السورة كالصنعة ، لأن تعليم نصف السورة أمر ممكن في نفسه ، لإمكان معرفة النصف عند تقسيم السورة بالحروف لا بالآيات ، ولكن الزوج صار أجنبيا منها ، فإن حرّمنا على الأجنبي سماع صوت المرأة أو جوزناه ولكن خيف الفتنة أو لم يمكن ذلك إلا بالخلوة المحرّمة رجعت عليه بنصف الأجرة كالصنعة لتعذر الرجوع إلى نصف المفروض ، والتعذر هنا بمانع شرعي وهو كالمانع العقلي.
وعن الشيخ في خلافه ومبسوطه أنه يعلّمها نصف السورة ، لكون معرفة النصف أمرا ممكنا ، ولكن لما صار الزوج أجنبيا فيعلمها من وراء حجاب ، إما لأن مطلق سماع صوتها ليس بمحرم ، أو لأنه تعليم واجب ، أو لأنه موضع ضرورة كمعاملة الأجنبية مع أن حرمة سماع صوتها مشروطة بحالة الاختيار لا الاضطرار.
ص: 481
(وقيل : يعلّمها النصف من وراء حجاب) كما يعلّمها الواجب.(وهو قريب) لأنّ تحريم سماع صوتها مشروط بحالة الاختيار ، والسماع هنا من باب الضرورة.
(السادسة - لو اعتاضت (1) عن المهر بدونه ، أو أزيد منه) أو بمغايره جنسا ، أو وصفا (2) (ثم طلقها رجع بنصف المسمى) لأنه (3) الواجب بالطلاق ، (لا) بنصف(العوض) ، لأنه (4) معاوضة جديدة لا تعلق له بها (5).
(السابعة - لو وهبته نصف مهرها مشاعا قبل الدخول فله الباقي) (6) ،
______________________________________________________
(1) أي استبدلت مهرها المسمى بعوض ، والمسألة لو أعطاها بدل المهر المسمى عوضا ، سواء كان العوض أزيد من المسمى أو أنقص أو مساويا ورضيت بالبدلية ثم طلقها قبل الدخول ، كان له نصف المسمى لا العوض ، بلا خلاف ولا إشكال ، أما أنه له نصف المسمى ، لأن العائد بالطلاق إليه نصف ما جعله مهرا لقوله تعالى : ( فَنِصْفُ مٰا فَرَضْتُمْ ) (1) ، ولا يرجع بنصف العوض ، لأنه معاوضة جديدة لا ربط للمهر بها.
ثم المراد برجوع الزوج بنصف المسمى هو رجوعه بنصف مثله أو قيمته ، لأن المهر بالمعاوضة قد خرج عن ملكها إلى ملكه خروجا لازما كما لو خرج إلى غيره فيرجع إلى نصف المثل أو القيمة حينئذ ، ويشهد لذلك كله خبر الفضيل بن يسار (سألت أبا عبد الله عليه السلام عن رجل تزوج امرأة بألف درهم فأعطاها عبدا له آبقا وبردا حبرة بألف درهم التي أصدقها ، قال عليه السلام : إذا رضيت بالعبد وكانت قد عرفته فلا بأس إذا هي قبضت الثوب ورضيت بالعبد ، قلت : فإن طلّقها قبل أن يدخل بها؟ قال عليه السلام : لا مهر لها وتردّ عليه خمسمائة درهم ويكون العبد لها) (2).
(2) لا فرق في الحكم بين كون العوض أنقص من المسمى أو أزيد ، ولا بين أنواع الأعواض لاشتراك الجميع في المقتضي.
(3) أي نصف المسمى.
(4) أي العوض.
(5) أي لا تعلق للمهر بهذه المعاوضة.
(6) اعلم أن المهر إما دينا في ذمة الزوج وإما عينا خارجية ، وعلى الأول فلو وهبته نصف -
ص: 482
.................................................................................................
______________________________________________________
- المهر إذا جوزنا وقوع الابراء بلفظ الهبة أو أبرأته من نصفه ثم طلق قبل الدخول فقد برئ من تمام المهر حينئذ ، لأنه يملك نصف المهر بالطلاق والنصف الآخر بالابراء فلا شي ء عليه بلا إشكال ولا خلاف بينهم.
وعلى الثاني بأن كان المهر عينا خارجية وقد وهبته نصفها المعيّن كما لو كان المهر عبدين وقد وهبته أحدهما المعين ، فلو طلقها قبل الدخول رجع عليها بنصف الباقي من المهر وبنصف قيمة الموهوب ، لأن حقه بالطلاق نصف ما فرض من المهر ، فما وجده من المهر باقيا فله نصفه ، وما ذهب من المهر بالانتقال عن ملكها ولو إليه ينتقل إلى بدله من المثل أو القيمة وله نصفه أيضا. بلا إشكال ولا خلاف منا ولو كان المهر عينا خارجية وقد وهبته نصفها المشاع فالمشهور على أن له تمام الباقي ولا يرجع عليها بشي ء لو طلقها قبل الدخول ، ووجه استحقاق الباقي أنه استحق نصف المهر المسمى بالطلاق وقد وجده فيأخذه ، وتنحصر هبتها في نصيبها ، وبعبارة أخرى فالزوج له النصف المشاع من المهر بالطلاق مع أن النصف المشاع من المهر بحاله لم يخرج عن ملكها فيرجع عليها به ، ويتبين أن ما وهبته له من المهر إنما هو من نصيبها الذي هو النصف الباقي.
وعن القواعد والمسالك احتمال الرجوع بنصف الباقي بعينه ، وبقيمه النصف من الموهوب ، ونصف الموهوب ربع لأن الموهوب نصف المهر ، ونصف الباقي ربع أيضا ، لأن الباقي نصف المهر فيرجع الزوج بربع المهر وبقيمة الربع منه. لأن الهبة قد وردت على مطلق نصف المهر فتشيع في تمام المهر ، وينزّل هذا النصف منزلة التالف ، لانتقاله عنها بالنقل اللازم ، فلم يبق من المهر المسمى إلا نصفه ، فيأخذ نصف الباقي كما هو مقتضى الشركة بين الزوجين فيه ، ويرجع عليها بقيمة نصف الفائت كما لو فات الجميع أو تلف أو انتقل عن ملكها.
وأشكل عليه كما في المسالك بأن الانتقال إلى البدل مشروط بتعذر العين ، وهو منتف إذ التعذر لبعضها وليس لتمامها مع أن تبعيض حقه ضرر عليه فيجبر بتخييره بين هذا القول الثاني وبين الرجوع إلى النصف من الباقي فقط ووجهه أن القول الثاني موافق للقواعد ولذا يرجع عليها بنصف الباقي وبنصف قيمة الموهوب لو كانت الهبة معينة لا مشاعة بلا خلاف على ما تقدم ، ولكن الالتزام بهذا القول موجب لتبعض حقه فيجبر بالخيار المذكور.
وعن الشيخ في المبسوط احتمال الرجوع إلى النصف من الباقي فقط ، لأن الهبة لما تعلقت بالنصف المشاع فقد تعلقت بنصفي نصيب الزوجين ، فقد ملك الزوج من نصيبها النصف - وهو الربع - بالهبة واستعجل نصف نصيب نفسه بالهبة وقد بقي له من نصيبه النصف الآخر وهو الربع ، والربع نصف الباقي ، فلذا كان له نصف الباقي فقط. -
ص: 483
لأنه (1) بقدر حقه (2) ، فينحصر فيه (3) ، ولأنه (4) لا ينتقل مستحق العين إلى بدلها إلا بالتراضي ، أو تعذر الرجوع لمانع (5) ، أو تلف ، والكل منتف (6).
ويحتمل الرجوع (7) إلى نصف النصف الموجود (8) ، وبدل نصف الموهوب ، لأنّ الهبة وردت على مطلق النصف (9) فيشيع (10) ، فيكون حقه (11) في الباقي والتالف (12) ، فيرجع بنصفه (13) وببدل (14) الذاهب ، ويكون هذا (15) هو المانع(16) ، وهو أحد الثلاثة(17) المسوغة للانتقال إلى البدل.
______________________________________________________
- والقول الأخير ضعيف جدا ، لأنه لم يستعجل ملك نصف نصيبه بالهبة ، إذ نصيبه إنما يكون بعد الطلاق لا قبله ، ومن ضعف الأخير تعرف ضعف التخيير ، وأما ضعف ما عن القواعد والمسالك فواضح إذ الهبة ليست لجزء معين من المهر حتى يرجع عليها بنصف الباقي وبنصف قيمة الموهوب فيتعين القول الأول المشهور.
(1) أي الباقي.
(2) أي حق الزوج إذ له النصف لأن الطلاق قبل الدخول.
(3) أي فينحصر حق الزوج في الباقي.
(4) أي الشأن والواقع وهو دليل ثان على القول المشهور.
(5) كالانتقال.
(6) لأن الهبة وإن كانت انتقالا للموهوب ، إلا أن الموهوب نصف المهر ، والباقي بقدر حق الزوج فينحصر فيه.
(7) كما عن القواعد والمسالك.
(8) الموجود صفة لقوله (النصف) ، والمراد من (النصف) هو نصف المهر أي الباقي فللزوج نصف الباقي.
(9) أي نصف العين مشاعا.
(10) أي الوارد.
(11) أي حق الزوج.
(12) على النصف فيهما.
(13) أي بنصف الباقي.
(14) أي وبنصف بدل الذاهب.
(15) أي التالف.
(16) الذي يمنع من الرجوع على العين.
(17) وهي التلف أو الانتقال أو التراضي.
ص: 484
وردّ بأنه يؤدي إلى الضرر بتبعيض حقه فيلزم ثبوت احتمال آخر وهو تخييره (1) بين أخذ النصف الموجود (2) وبين التشطير المذكور (3) (ولو كان) الموهوب(معينا فله نصف الباقي ونصف ما وهبته مثلا ، أو قيمة) ، لأنّ حقه مشاع في جميع العين وقد ذهب نصفها (4) معينا فيرجع إلى بدله (5) ، بخلاف الموهوب على الإشاعة (6). ونبه بقوله : «وهبته» على أنّ المهر عين (7) ، فلو كان دينا وأبرأته من نصفه برئ من الكل (8) وجها واحدا ، (وكذا لو تزوجها بعبدين (9) فمات أحدهما ، أو باعته (10) فللزوج نصف الباقي ونصف قيمة التالف) ، لأنه (11) تلف على ملكها ، واستحقاقه (12) لنصفه (13) تجدد بالطلاق من غير اعتبار الموجود وغيره.
والتقريب ما تقدم (14).
______________________________________________________
(1) أي تخيير الزوج.
(2) أي أخذ نصف الباقي فقط ، وهذا ما احتمله الشيخ في قول.
(3) من الرجوع بنصف الباقي ونصف قيمة الموهوب.
(4) نصف العين.
(5) أي بدل الذاهب ، فله نصف قيمة الذاهب ونصف الباقي.
(6) فما ذهب من العين يكون من نصيبها ، وما كان من نصيبه ينحصر في الباقي.
(7) لأن الهبة تنحصر في الأعيان ، فلو كان المهر دينا فلا يصح إلا الابراء.
(8) أي من تمام المهر وقد تقدم.
(9) أي كان مهرها عبدين فمات أحدهما وقد طلقها قبل الدخول رجع عليها بنصف الموجود ونصف قيمة الميت ، لأن الانتقال عن ملكها أو التلف حكمهما واحد ، ولما كان حقه بالطلاق نصف المسمى ، فما وجده من عين المهر باقيا فله نصفه ، وما ذهب ينتقل إلى بدله وله النصف من قيمته حينئذ.
(10) أي باعت أحدهما المعين.
(11) أي لأن أحد العبدين الذي مات أو وقع عليه البيع.
(12) أي استحقاق الزوج.
(13) أي لنصف المهر.
(14) من كون حق الزوج مشاعا في جميع المهر ، ولما طلّق فله نصف الباقي ونصف قيمة التالف.
ص: 485
(الثامنة - للزوجة الامتناع قبل الدخول حتى تقبض مهرها إن كان المهر حالا) موسرا (1) كان الزوج أم معسرا عينا كان المهر أم منفعة ، متعينا كان أم في الذمة ، لأن النكاح في معنى المعاوضة وإن لم تكن محضة (2). ومن حكمها (3) أن
______________________________________________________
(1) اعلم أن الزوجين إما أن يكونا صغيرين لم يبلغا حد الاستمتاع أو كبيرين ، أو بالتفريق بأن تكون الزوجة خاصة صغيرة والزوج كبيرا أو بالعكس ، وعلى التقادير الأربعة ، إما أن يكون الزوج معسرا بالمهر أو موسرا وعلى التقادير الثمانية إما أن يكون قد دخل بها أو لا ، وعلى التقادير الستة عشر إما أن يكون المهر حالا أو مؤجلا أو بعضه حالا وبعضه مؤجلا ، وعلى تقدير تأجيله أو بعضه إما أن يحلّ قبل الدخول أو بعده ، فصور المسألة حينئذ ثمانون صورة ، وخلاصتها في مسائل :
الأولى : أن يكون الزوج موسرا والمهر حالا والزوجة غير مدخول بها فيجوز لها الامتناع من تسليم نفسها حتى تقبض المهر ، لأن النكاح معاوضة أو شبيه بها فلكل واحد من المتعاقدين الامتناع من التسليم حتى يقبض العوض ، ولخبر زرعة عن سماعة (سألته عن رجل تزوج جارية أو تمتع بها ثم جعلته من صداقها في حل ، أيجوز أن يدخل بها قبل أن يعطيها شيئا؟ قال : نعم إذا جعلته في حل فقد قبضته منه) (1) ، ومفهومه عدم جواز الدخول قبل العطاء وهو دال على جواز امتناعها قبل القبض.
وعلى ما تقرر من جواز امتناع كل من المتعاقدين من التسليم حتى يقبض العوض فلو امتنع كل منهما من التسليم حتى يقبض ، ففي المسالك والروضة هنا وكشف اللثام أنه يؤمر الزوج بإيداع الصداق عند من يوثق به وتؤمر الزوجة بالتمكين لأنه طريق الجمع بين الحقين ، ويحتمل إجبار الزوج على التسليم ، فإذا سلّم سلّمت نفسها ، والفرق بينهما أن فائت المال يستدرك وفائت البضع لا يستدرك ، ويحتمل عدم جبر واحد منهما ، ولكن إذا بادر أحدهما إلى التسليم أجبر الآخر على التسليم حينئذ.
وضعف الأخير ظاهر إذ قد يؤدي إلى بقاء النزاع بعدم البدء من أحدهما ولا بد من نصب طريق شرعي يحسم مادة النزاع ، ومع إمكان طريق الجمع بين الحقين لا دليل على إجبار الزوج بالتسليم أولا.
ثم لا فرق في الحكم بين كون المهر عينا أو منفعة أو في الذمة كما هو واضح.
(2) لأن فيها شائبة العبادة.
(3) أي حكم المعاوضة.
ص: 486
لكل من المتعاوضين الامتناع من التسليم إلى أن يسلم إليه الآخر فيجبرهما الحاكم على التقابض معا ، لعدم الأولوية ، بوضع (1) الصداق عند عدل إن لم يدفعه إليها (2) ، ويأمرها بالتمكين.
وهذا الحكم لا يختلف على تلك التقديرات (3).
وربما قيل : إنه إذا كان معسرا ليس لها الامتناع ، لمنع مطالبته.
ويضعّف بأنّ منع المطالبة لا يقتضي وجوب التسليم (4) قبل قبض العوض (5) ، واحترز بالحالّ (6) عما لو كان (7) مؤجلا فإن تمكينها لا يتوقف على
______________________________________________________
(1) تفسير للتقابض.
(2) أي إن لم يدفع الزوج المهر إلى الزوجة.
(3) موسرا كان الزوج أو معسرا ، أما مع يساره فقد تقدم الكلام فيه ، وأما مع إعساره وهي المسألة الثانية فالمشهور على أن للزوجة حق الامتناع حتى تقبض لعين ما تقدم ، ولأن عجز أحد المتعاوضين لا يسقط حق الآخر مما يثبت له ، غايته الفرق بين المسألتين في الإثم وعدمه ، إذ مع اليسار ومطالبتها المهر يجب عليه التسليم لو مكنته من نفسها ، فلو امتنع أثم ، بخلاف ما لو كان معسرا فلا يجب لعدم القدرة ولا اثم عليه عند التأخير.
وعن ابن إدريس أنه ليس لها الامتناع مع الاعسار لمنع مطالبته ، وهو ضعيف ، لأن منع المطالبة لا تقتضي وجوب التسليم عليها قبل قبض العوض.
(4) عليها وهو تمكينها لنفسها.
(5) وهو المهر.
(6) أي احترز المصنف بكون المهر حالا.
(7) أي المهر ، فلو كان المهر بتمامه مؤجلا وهذه هي المسألة الثالثة. فلا خلاف ولا إشكال أنه ليس لها الامتناع من تسليم نفسها سواء كان الزوج موسرا أو معسرا ، إذ لا يجب لها شي ء الآن فيبقى وجوب حقه عليها بلا معارض ، فضلا عن كون العقد قد وقع على عدم إيقاف تسليم نفسها على تسليم المهر إذ رضيت بتأخير المهر فيجب عليها التمكين عند طلبه حينئذ.
نعم وقع الخلاف بينهم في أنها لو عصت ولم تمكنه من نفسها حتى صار المهر حالا ، أو أنه مضت المدة ولم يدخل بها لمانع من جهته أو جهتها فهل يجوز لها الامتناع من تسليم نفسها حتى تقبض المهر كما عن الشيخ في النهاية ، أم أنه لا يجوز لها الامتناع كما عن
ص: 487
قبضه ، إذ لا يجب لها حينئذ (1) شي ء فيبقى وجوب حقه (2) عليها بغير معارض ، ولو أقدمت على فعل المحرّم (3) وامتنعت (4) إلى أن حلّ الأجل ففي جواز امتناعها حينئذ (5) إلى أن تقبضه تنزيلا له (6) منزلة الحالّ ابتداء ، وعدمه (7) بناء على وجوب تمكينها قبل حلوله فيستصحب (8) ، ولأنها لمّا رضيت بالتأجيل بنت أمرها (9) على أن لا حق لها في الامتناع فلا يثبت بعد ذلك (10) ، لانتفاء المقتضي (11) وجهان أجودهما الثاني (12). ولو كان بعضه (13) حالّا وبعضه مؤجلا كان لكل منهما حكم مماثله (14).
______________________________________________________
- الشيخ أيضا في المبسوط وتبعه الأكثر ، واستدل للأول بأن النكاح كان على سقوط حق امتناعها إلى الأجل لا مطلقا ، فإذا حلّ الأجل أثّر المقتضي - وهو المعاوضة - أثره من جواز الامتناع من التسليم قبل تسلم العوض.
وفيه : عدم جواز الامتناع قبل حلول الأجل ليس لوجود المانع من الأجل حتى يؤثر المقتضي أثره بعد عدمه ، بل لعدم المقتضي ، إذ العقد قد وقع على إسقاط حق المرأة من الامتناع قبل تسلمها المهر فلا يكون العقد مقتضيا لجواز الامتناع بعد حلول الأجل فضلا عن استصحاب عدم جواز الامتناع الثابت قبل الحلول إلى ما بعده.
(1) أي حين كون المهر مؤجلا.
(2) أي حق الزوج عليها من التمكين.
(3) بأن عصت ولم تمكّنه من نفسها.
(4) بل حتى مع العذر الشرعي كالمرض والحيض ، أو كان المانع من الوطء من جهته.
(5) أي حين حلول الأجل.
(6) للمهر المؤجل بعد حلول الأجل.
(7) أي وعدم جواز امتناعها.
(8) أي يستصحب وجوب التمكين ولازمه عدم جواز الامتناع.
(9) بحيث كان بناء العقد على ذلك.
(10) بعد بناء أمرها عند حلول الأجل.
(11) الموجب لجواز الامتناع قبل تسلم المهر.
(12) وهو عدم جواز الامتناع بعد حلول الأجل.
(13) أي بعض المهر.
(14) فلها أن تمتنع حتى تقبض الحالّ دون المؤجل فليس لها حق الامتناع بالنسبة إليه وإن حلّ كما تقرر سابقا ، وهذه هي المسألة الرابعة.
ص: 488
وإنما يجب تسليمه (1) إذا كانت مهيأة للاستمتاع ، فلو كانت ممنوعة بعذر (2) وإن كان شرعيا كالإحرام لم يلزم (3) ، لأنّ الواجب التسليم من الجانبين فإذا تعذر من أحدهما لم يجب من الآخر.
نعم لو كانت صغيرة يحرم وطؤها فالأقوى (4) وجوب تسليم مهرها إذا طلبه الولي ، لأنه (5) حقّ ثابت حالّ ، طلبه من له (6) حق الطلب ، فيجب دفعه كغيره من الحقوق ، وعدم قبض العوض الآخر (7) جاء من قبل الزوج حيث عقد عليها كذلك (8) موجبا على نفسه عوضا حالا (9) ، ورضي بتأخير قبض المعوض (10) إلى محله (11).
______________________________________________________
(1) أي تسليم المهر.
(2) من مرض أو حبس فلا يجب على الزوج تسليم المهر ، لأن تسليم المهر واجب عليه عند التقابض من الطرفين ، وإذا تعذر التقابض من أحدهما فلا يجب على الآخر ، وهذه هي المسألة الخامسة.
(3) أي لم يلزم على الزوج تسليم المهر.
(4) فلو كانت صغيرة لا تصلح للجماع وطلب الولي المهر فهل يجب على الزوج التسليم قبل إكمالها البلوع ، قولان ، فعن الشيخ في المبسوط أنه لا يجب لتعذر التقابض من الجانبين لعدم إمكان الاستمتاع بها فكيف يحصل التمكين؟
وعن الشارح في المسالك وهنا تبعا للعلامة في القواعد أنه يجب على الزوج التسليم إذا طلبه الولي ، لأن الصداق حق ثابت وقد طلبه المستحق فوجب دفعه إليه ، وعدم قبض مقابله من العوض لا يضر ، لأن الزوج قد أقدم على العقد وهي صغيرة ، فقد أوجب على نفسه المهر وإن لم يستمتع بها ، كما أوجبت الزوجة على نفسها التمكين وإن لم تقبض المهر إذا كان مؤجلا ، وهذه هي المسألة السادسة.
(5) أي المهر.
(6) وهو الولي.
(7) وهو التمكين.
(8) أي صغيرة يحرم وطؤها.
(9) وهو المهر.
(10) وهو التمكين من نفسها.
(11) ومحله عند كمالها بالبلوغ.
ص: 489
وهذا (1) بخلاف النفقة ، لأنّ سبب وجوبها (2) التمكين التام (3) ، دون العقد ، ووجه عدم الوجوب (4) قد علم مما سلف (5) مع جوابه (6).
(وليس لها بعد الدخول الامتناع في أصح القولين) (7) ، لاستقرار المهر بالوطء (8) وقد حصل تسليمها نفسها برضاها فانحصر حقها في المطالبة ، دون الامتناع ، ولأنّ النكاح معاوضة ومتى سلّم أحد المتعاوضين العوض الذي من قبله باختياره لم يكن له بعد ذلك (9) حبسه ليتسلم العوض الآخر ، ولأنّ منعها قبل
______________________________________________________
(1) أي المهر.
(2) أي النفقة.
(3) من الوطء وسائر مقدماته.
(4) أي عدم وجوب تسليم المهر على الزوج وهو قول الشيخ في المبسوط.
(5) لأن الواجب التسليم من الجانبين ، فإذا تعذر من أحدهما لم يجب من الآخر.
(6) من أن تسليم المعوض وهو التمكين ليس بواجب على الصغيرة ، فالمعوض من جانبها كالمهر المؤجل لا يمنع من وجوب تسليم العوض من الجانب الآخر ، لأن الزوج قد أقدم على العقد عليها وهو عالم بأنها صغيرة ، فقد بني العقد على كون المهر حالا ومقابله مؤجلا إلى حين البلوغ.
(7) بحيث كان المهر حالا ولكن الزوجة قد مكّنت من الدخول بها قبل أن تقبض المهر فدخل بها ، فهل لها الامتناع بعد ذلك ما لم تقبض المهر ، فالمشهور على العدم ، وقد صرح به جماعة من القدماء ، لأن المهر قد استقر بالوطء ، وقد حصل تسليمها نفسها برضاها ، ومتى سلّم أحد المتعاوضين العوض من جانبه باختياره لم يكن له بعد ذلك حبسه.
وعن الشيخ في النهاية والمبسوط والمفيد والقاضي أنه يجوز لها الامتناع ، لعدم التقابض ، لأن منفعة البضع تتجدد فالواقع في مقابلة المهر ليس هو الوطء مرة واحدة بل مجموع حق البضع ، وبالوطء مرة لم يحصل الإقباض لتمام منفعة البضع فجاز الامتناع.
وفرّق ابن حمزة بين تسليمها نفسها اختيارا أو إكراها ، فحكم بسقوط حقها من الامتناع في الأول كما عليه المشهور ، دون الثاني ، وهذه هي المسألة السابعة من مسائل الامتناع قبل الدخول أو بعده قبل قبض المهر.
(8) أي وطء الأول.
(9) أي لم يكن لأحد المتعاوضين بعد التسليم.
ص: 490
الدخول ثابت بالإجماع ولا دليل عليه (1) بعده (2) فينتفي (3) بالأصل (4) ، فإنّ التسليم (5) حقّ عليها ، والمهر حقّ عليه والأصل عدم تعلق أحدهما بالآخر فيتمسك به (6) إلى أن يثبت الناقل (7).
وقيل : لها الامتناع كقبل الدخول ، لأن المقصود بعقد النكاح منافع البضع (8) فيكون المهر في مقابلها ، ويكون تعلق الوطء الأول به (9) كتعلق غيره (10).
والأقوى الأول. هذا كلّه إذا سلمت نفسها اختيارا ، فلو دخل بها كرها فحق الامتناع بحاله (11) ، لأنه (12) قبض فاسد فلا يترتب عليه أثر الصحيح (13) ، ولأصالة البقاء (14) إلى أن يثبت المزيل. مع احتمال عدمه (15) لصدق القبض(16).
______________________________________________________
(1) على منعها.
(2) بعد الدخول.
(3) أي المنع.
(4) وهو أصالة عدم المنع ، ويمكن منعه بأن استصحاب المنع الثابت قبل الدخول وارد عليه.
(5) أي تمكين نفسها.
(6) أي بأصل عدم تعلق أحدهما بالآخر.
(7) الموجب للتعلق ، وفيه إن النكاح معاوضة تقتضي تعلّق أحدهما بالآخر فلا معنى للتمسك بأصالة عدم تعلق أحدهما بالآخر.
(8) بتمامها وليس الوطء الأول.
(9) بالمهر.
(10) أي غير الوطء الأول من الوطء الثاني والثالث وهكذا ، مع ضميمة أن الذي تم هو الوطء الأول فلم يتحقق إقباض لتمام منافع البضع حتى يكون أحد المتعاوضين قد سلّم العوض بتمامه من جانبه ويمنع من حبسه بعد ذلك ، بل قد سلم بعضه ومعه فيجوز له الامتناع كما لو لم يسلّم شيئا.
(11) كما ذهب إليه ابن حمزة.
(12) أي الدخول كرها.
(13) فالقبض الصحيح لمنافع البضع هو الدخول باختيار الزوجة ، وهو الذي يمنع من حبس نفسها فيما بعد ، وهذا القبض الصحيح غير متحقق هنا ، لأنه قد تم الدخول كرها.
(14) أي بقاء حق الامتناع لها إذا دخل بها كرها.
(15) أي عدم حق الامتناع لو دخل كرها.
(16) قال في المسالك : (هل يشترط في القبض وقوعه طوعا ، أم يكتفى به مطلقا وجهان ، من -
ص: 491
(التاسعة - إذا زوج الأب ولده الصغير) (1) الذي لم يبلغ ويرشد (2) (وللولد مال يفي) بالمهر(ففي ماله المهر ، وإلا) يكن له مال أصلا(ففي مال الأب) ، ولو ملك (3) مقدار بعضه فهو (4) في ماله ، والباقي على الأب ، هذا هو المشهور بين الأصحاب ، ونسبه في التذكرة إلى علمائنا وهو يشعر بالاتفاق عليه ، ثم اختار (5) أنّ ذلك (6) مع عدم شرطه (7) كونه (8) على الولد مطلقا (9) ، أو
______________________________________________________
- حصول الغرض وانتفاء الضمان به كيف اتفق ، ومن تحريم القبض بدون الإذن فلا يترتب عليه أثر الصحيح) انتهى.
(1) إذا زوج الأب ولده الصغير فإن كان له مال فالمهر على الولد ، وإن كان فقيرا بحيث لا مال عنده فالمهر على الوالد بلا خلاف فيه للأخبار.
منها : صحيح الفضل بن عبد الملك (سألت أبا عبد الله عليه السلام عن الرجل يزوج ابنه وهو صغير ، قال عليه السلام : لا بأس ، قلت : يجوز طلاق الأب؟ قال عليه السلام : لا ، قلت : على من الصداق؟ قال عليه السلام : على الأب إن كان ضمنه لهم ، وإن لم يكن ضمنه فهو على الغلام ، إلا أن لا يكون للغلام مال فهو ضامن له وإن لم يكن ضمن) (1) ، وموثق عبيد بن زرارة (سألت أبا عبد الله عليه السلام عن الرجل يزوّج ابنه وهو صغير ، قال عليه السلام : إن كان لابنه مال فعليه المهر ، وإن لم يكن للابن مال فالأب ضامن المهر ، ضمن أو لم يضمن) (2) ومثلها غيرها.
(2) أي ولم يرشد.
(3) أي ملك الابن بعض المهر ، فيلزمه بنسبة ما يملك ويلزم الأب الباقي على المشهور ، وفي الجواهر أن تمام المهر على الولد اقتصارا فيما خالف الأصل على المتيقن ، فالأصل كون المهر على الزوج ، والمخالف له هو كون المهر على الأب إذا كان الولد لا مال عنده ، وأما لو كان عنده البعض فيرجع إلى الأصل وهو جيد. بل قيل : إنه لا مدرك لقول المشهور.
(4) أي بعض المهر في مال الولد.
(5) أي العلامة في التذكرة.
(6) أي من كون المهر على الوالد إذا لم يكن للولد مال.
(7) أي عدم شرط الأب.
(8) أي كون المهر.
(9) سواء كان له مال أم لا ، والمعنى أن المهر على الوالد إذا لم يكن للولد مال ما لم يصرح الأب بنفي ضمان المهر عنه ، ومع التصريح بالنفي فالمهر على الولد سواء كان له مال أم لا.
ص: 492
كونه (1) عليه (2) مطلقا (3) ، وإلا (4) كان (5) على الولد في الأول (6) ، وعليه (7) في الثاني (8) مطلقا (9).
(ولو بلغ) الصبي(فطلق قبل الدخول كان النصف المستعاد للولد) لا للأب (10) ، لأنّ دفع الأب له (11) كالهبة للابن ، وملك الابن له (12) بالطلاق ملك جديد ، لا إبطال لملك المرأة السابق ليرجع إلى مالكه (13) ، وكذا (14) لو طلق قبل أن يدفع الأب عنه (15) ، لأنّ المرأة ملكته(16) بالعقد وإن لم تقبضه ، وقطع في
______________________________________________________
(1) أي كون المهر ، والمعنى أن المهر على الوالد إذا لم يكن للولد مال ما لم يشترط الأب بأن المهر عليه نفسه سواء كان للولد مال أم لا.
(2) على الأب.
(3) سواء كان للولد مال أم لا.
(4) أي وإن كان قد شرط.
(5) أي المهر.
(6) إذا شرط الأب بنفي المهر عنه وبكونه على الولد.
(7) أي على الأب.
(8) أي فيما لو شرط الأب بكون المهر عليه.
(9) أي سواء كان للولد مال أم لا ، وهو قيد لكلا الشرطين.
(10) أي لو دفع الأب المهر الذي في ذمته بسبب إعسار الصبي ثم بلغ الصبي وطلق قبل الدخول ، استعاد الولد النصف من المهر دون الوالد ، لأن الزوجة قد ملكت المهر بتمامه وإن كان الدافع هو الأب ، والطلاق قبل الدخول سبب لتمليك الزوج النصف منه ، وليس الطلاق مبطلا لملكها السابق حتى يقال إنه يعود إلى مالكه السابق وهو الأب ، وقد تردد المحقق في الشرائع في هذا الحكم ، وتردده بلا وجه.
(11) للمهر.
(12) لنصف المهر.
(13) أي مالكه السابق وهو الأب.
(14) من كون نصف المهر للولد لا للأب.
(15) عن الولد ، ويطالب الولد أباه بنصف المهر كما تطالب الزوجة بالنصف الآخر بعد الطلاق ، والولد يطالب أباه بنصف المهر ، لأن المهر ليس هبة من الوالد لابنه حتى يحتاج إلى القبض ، بل هو ثابت في ذمة الأب بحكم الشارع.
(16) أي تمام المهر.
ص: 493
القواعد هنا (1) بسقوط النصف عن الأب (2) ، وأن الابن لا يستحق مطالبته (3) بشي ء.
والفرق (4) غير واضح (5).
ولو دفع الأب عن الولد الكبير المهر تبرعا ، أو عن أجنبي ثم طلق (6) قبل الدخول ففي عود النصف إلى الدافع ، أو الزوج قولان (7) من ملك (8) المرأة له (9) كالأول (10) فيرجع (11) إلى الزوج ، ومن أنّ (12) الكبير لا يملك بغير اختياره (13) ، وإنما سقط عنه (14) الحقّ فإذا سقط نصفه (15) رجع النصف إلى الدافع ، واختلف
______________________________________________________
(1) فيما لو طلق الولد قبل أن يدفع الأب تمام المهر للزوجة.
(2) تنزيلا للمهر هنا بمنزلة هبة الوالد إلى الولد ، غايته يدفعها إلى الزوجة ، ومع عدم القبض لم تتحقق الهبة للزوجة حتى يرجع الولد عليها بالنصف عند الطلاق.
(3) أي مطالبة الوالد.
(4) بين كون الوالد قد دفع المهر وبين كونه لم يدفع.
(5) بعد كون المهر على الأب بحكم الشارع ، وليس من باب الهبة منه لولده.
(6) أي الولد الكبير أو الأجنبي.
(7) أنه يرجع إلى الدافع كما في التحرير وقبله الشيخ في المبسوط ، لأن دفع الوالد إنما هو للوفاء عما في ذمة الزوج سواء كان ولدا كبيرا أم أجنبيا ، ومع الطلاق الذي هو فسخ عقد النكاح يعود النصف إلى من دفعه وفاء ، نحو الفسخ بالعيب في البيع الذي دفع فيه الثمن عن ذمة المشتري تبرعا ، فيرجع الثمن إلى الدافع. وعن غيرهم أنه يعود إلى الزوج ، لأن الزوجة قد ملكت المهر بالعقد ودفع المهر من قبل الأب تبرعا كالهبة للزوج غايته قد دفعت للزوجة ، ومع الطلاق يرجع النصف إلى الزوج ، لأن الطلاق سبب مملك للنصف وليس فاسخا للملك حتى يرجع المهر إلى مالكه الأول.
(8) دليل رجوع النصف إلى الزوج.
(9) للمهر.
(10) كما لو دفع الأب عن الولد الصغير.
(11) أي النصف.
(12) دليل رجوع النصف إلى الدافع.
(13) بخلاف الصغير فاختيار الأب اختياره.
(14) عن الزوج الحق من المهر.
(15) أي نصف المهر ، ويسقط النصف من الحق عنه لأنه طلقها قبل الدخول.
ص: 494
كلام العلامة هنا (1) ففي التذكرة قطع برجوعه (2) إلى الزوج (3) كالصغير ، وفي التحرير قوى عدمه (4) ، واستشكل في القواعد بعد حكمه بإلحاقه (5) بالصغير.
والأقوى الأول (6).
(العاشرة - لو اختلفا في التسمية) (7) فادعاها أحدهما وادعى الآخر التفويض (8) (حلف المنكر لها) (9) لأصالة عدمها ، فيثبت مقتضى عدمها (10) من المتعة (11) ، أو مهر المثل (12) ، أو غيرهما (13) (ولو اختلفا في القدر قدّم قول الزوج) (14) ، لأصالة البراءة من الزائد على ما يعترف به.
______________________________________________________
(1) فيما لو تبرع الوالد عن الولد الكبير أو الأجنبي.
(2) أي رجوع نصف المهر.
(3) وهو الولد الكبير أو الأجنبي كما يرجع النصف فيما لو كان الزوج صغيرا.
(4) عدم رجوع النصف إلى الزوج ، بل يرجع إلى الدافع.
(5) بإلحاق الولد الكبير أو الأجنبي.
(6) وهو رجوع النصف إلى الزوج سواء كان الولد الكبير أم الأجنبي ، كما يرجع النصف إلى الصغير.
(7) لو اختلف الزوجان في أصل المهر ، بأن ادعته المرأة وأنكره الزوج فالقول قول الزوج مع يمينه بلا خلاف ولا إشكال ، لأنه منكر لما تدعيه ، ولأصالة عدم التسمية والعقد بمجرده لا يقتضي اشتغال ذمة الزوج بالمهر ، لاحتمال تجرد العقد عن ذكر المهر.
هذا كله إذا كان الاختلاف قبل الدخول وعليه فلو طلقها حينئذ فعليه المتعة بحسب حاله ، وأما إذا كان الاختلاف بعد الدخول فالمشهور على أن القول قوله مع يمينه ، لأنه منكر لما تدعيه ، ولأصالة عدم التسمية ، لكن يثبت للمرأة مهر المثل بسبب الدخول وليس لها الزيادة على مهر المثل.
(8) أي تفويض البضع ليكون منكرا للتسمية من رأس.
(9) للتسمية.
(10) عدم التسمية.
(11) إذا كان الطلاق قبل الدخول فيجب عليه المتعة بحسب حاله.
(12) إذا كان الاختلاف بعد الدخول.
(13) وهو أنه لا شي ء لها وذلك فيما إذا فارقها بفسخ أو لعان ، أو بموت.
(14) لو اختلفا فادعت أنها تستحق من المهر مائة دينار ، فقال الزوج : بل خمسين ، قدم قول -
ص: 495
واحتمل العلامة في القواعد تقديم قول من يدعي مهر المثل عملا بالظاهر من عدم العقد على ما دونه (1) ، وأنه (2) الأصل في عوض الوطء المجرد عنه (3) كالشبهة.
______________________________________________________
- الزوج مع يمينه ، لأنه منكر لما تدعيه من الزيادة ، ولصحيح أبي عبيدة عن أبي جعفر عليه السلام (في رجل تزوج امرأة فلم يدخل بها فادعت أن صداقها مائة دينار ، وذكر الزوج أن صداقها خمسون دينارا ، وليس لها بيّنة على ذلك ، قال عليه السلام : القول قول الزوج مع يمينه) (1) بلا فرق بين الدخول وعدمه ، ولا بين كون ما تدعيه الزوجة أنه المهر أو أنها تستحق ذلك في ذمته من باب أنه مهر المثل عند الدخول ، على المشهور في ذلك كله.
وعن العلامة في القواعد أنه ليس من البعيد تقديم قول من يدعي مهر المثل عملا بالأصل من عدم التسمية وثبوت مهر المثل بسبب الدخول ، وعملا بالظاهر من عدم العقد على ما دون مهر المثل أو ما فوقه وحتى يتضح الحق فنقول : تارة يختلفان في قدر المهر بعد الاتفاق على التسمية في العقد ، وأخرى يختلفان في قدر المهر بعد الاتفاق على عدم التسمية في العقد ، وثالثة يختلفان في قدر المهر لاختلافهما في التسمية وعدمها.
فإن اتفقا على التسمية واختلفا في القدر فالقول قول منكر الزيادة ، وهو الزوج ، وعليه تحمل الرواية وهو مما لا إشكال فيه.
وإن اتفقا على عدم التسمية واختلفا في القدر ، فإن كان بعد الدخول فالواجب مهر المثل فإن ادعت ما يوافقه وأنكره الزوج فالقول قولها مع اليمين ، لموافقة قولها هذا الظاهر ، ولو كان قبل الدخول فالقول قوله في إنكار الزيادة لو اختلفا في فرض المهر وإن اختلفا في القدر لاختلافهما في التسمية وعدمها ، فهي تدعي المائة وأنها مهر المثل وهو يدعي الخمسين وأنها المسمى ، فالقول قولها مع اليمين لأصالة عدم التسمية.
ومما تقدم تعرف ضعف إطلاق كلام الأصحاب حيث إنه متين في الاختلاف في القدر بعد الاتفاق على التسمية ، وغير متين في غيره ، وتعرف ضعف إطلاق كلام العلامة حيث إنه متين في الاختلاف في القدر بعد الاتفاق على عدم التسمية وبعد الدخول ، وغير متين في غيره.
(1) أي دون مهر المثل ، وكذا عدم العقد على ما فوقه.
(2) أي مهر المثل.
(3) عن العقد كوطء الشبهة ووطء الزوج لزوجته مع تفويض بضعها.
ص: 496
وفيه (1) : أنّ الأصل (2) مقدم على الظاهر عند التعارض (3) إلا فيما ندر ، وإنما يكون (4) عوضا عن وطء مجرد عن العقد ، أو في مواضع خاصة (5) ، ولو كان النزاع قبل الدخول فلا اشتباه في تقديم قوله (6).
ولو قيل بقبول قولها في مهر المثل فما دون مع الدخول (7) ، لتطابق الأصل (8) والظاهر (9) عليه (10) ، إذ الأصل عدم التسمية ، وهو (11) موجب له (12) حينئذ (13) ، والظاهر تسميته (14) ، وعدم (15) قبوله قبله(16) لأصالة البراءة(17) ،
______________________________________________________
(1) في احتمال العلامة.
(2) وهو براءة ذمة الزوج من الزائد على ما يعترف به.
(3) فكيف قدّم العلامة الظاهر على الأصل.
(4) أي مهر المثل.
(5) كما في تفويض البضع ، وليس مهر المثل هو الأصل حتى مع التسمية كما هو الظاهر من كلام العلامة.
(6) أي قول الزوج ، فلا دخول يوجب مهر المثل ، والأصل معه من براءة ذمته مما تدعيه من الزيادة ، فلا يثبت في ذمته إلا ما يعترف به.
(7) عند اختلافهما في التسمية وعدمها. وعند اختلافهما في القدر بعد اتفاقهما على عدم التسمية.
(8) وهو عدم التسمية فيما لو اختلفا في التسمية وعدمها.
(9) لأن الظاهر هو عدم العقد على ما دونه وعلى ما فوقه فيما لو اتفقا على عدم التسمية واختلفا في القدر.
(10) على مهر المثل.
(11) أي عدم التسمية.
(12) لمهر المثل.
(13) أي حين الدخول.
(14) أي تسمية مهر المثل ، وذلك فيما لو اختلفا في القدر بعد الاتفاق على عدم التسمية.
(15) عطف على قوله السابق (بقبول قولها) ، والمعنى ولو قيل : بعدم قبول قولها.
(16) قبل الدخول ، بل يقبل قول الزوج فيه في ما يدعيه من المهر وأنه أقل من مهر المثل.
(17) أي براءة ذمة الزوج مما تدعيه من الزائد ، وذلك فيما لو اتفقا على عدم التسمية واختلفا في القدر.
ص: 497
وعدم (1) التسمية كان حسنا.
نعم لو كان اختلافهما في القدر بعد اتفاقهما على التسمية ، قدّم قول الزوج مطلقا (2).
ومثله (3) ما لو اختلفا في أصل المهر (4) ، أو ادعت الزوجة مهرا ولم يمكن الجواب من قبل الزوج (5) ، أو وارثه ، لصغر (6) ، أو غيبة ، ونحوهما (7).
(وكذا) لو اختلفا(في الصفة) (8) كالجيد ، والردي ء ، والصحيح ، والمكسّر
______________________________________________________
(1) أي ولأصالة عدم التسمية فيما لو اختلفا في التسمية وعدمها.
(2) قبل الدخول أو بعده.
(3) أي ومثل اختلافهما في القدر بعد اتفاقهما على التسمية.
(4) بأن ادعت الزوجة أصل المهر ، فقال الزوج : لا مهر لك عندي من غير تعرض إلى القدر أو التسمية ، فعن جماعة من الأصحاب تقديم قول الزوج قبل الدخول أو بعده ، أما قبل الدخول فواضح لاحتمال التفويض ، وأما بعد الدخول فتقديم قوله مشكل ، لأن الدخول سبب لمهر المثل ، إلا أن يوجّه كلامهم بأن العقد والدخول لا يوجب ثبوت المهر في ذمة الزوج لاحتمال كونه صغيرا معسرا فالمهر في ذمة الأب ، أو لاحتمال كونه عبدا فالمهر في ذمة المولى ، ومع هذا الاحتمال يقدم قوله مع اليمين لموافقة قوله براءة ذمته من أصل المهر ، إلا أن لا يكون الزوج محتملا للأمرين المذكورين فالإشكال باق بحاله.
(5) فلا تسمع دعواها ، وهو في معنى تقديم قول الزوج.
(6) في الزوج أو وارثه وكذا السبب الثاني من الغيبة.
(7) كالموت.
(8) لو اختلف في صفة المهر كالصحيح والمكسر ، والجيد والردي ء فالقول قول الزوج مع يمينه ، سواء ما يدعيه بقدر مهر المثل أم أقل ، وسواء كان مع الدخول أو قبله ، لأصالة براءة ذمته مما تدعيه المرأة من الوصف الزائد.
هذا وقال في المسالك : (ولو قيل بالتحالف على تقدير الاختلاف في الصفة ، لأن كلا منهما ينكر ما يدعيه الآخر ، خصوصا مع تصريح كل منهما بكون ما يدعيه هو الذي وقع عليه العقد كان وجها ، فيثبت مهر المثل إلا أن يزيد عما تدعيه المرأة ، أو ينقص عما يدعيه الزوج) انتهى.
وفيه : أنهما متفقان على ما يعترف به الزوج ، ومختلفان على الصفة الزائدة فتجري قاعدة اليمين على من أنكر.
ص: 498
فإنّ القول قول الزوج مع اليمين ، سواء كان النزاع قبل الدخول أم بعده ، وسواء وافق أحدهما مهر المثل أملا ، لأنّه (1) الغارم فيقبل قوله فيه (2) كما يقبل في القدر
(وفي التسليم (3) يقدم قولها) لأصالة عدمه (4) ، واستصحاب اشتغال ذمته هذا هو المشهور. وفي قول الشيخ أنّه بعد تسليم نفسها يقدم قوله استنادا إلى رواية ، وهو (5) شاذ.
(وفي المواقعة لو أنكرها) (6) ليندفع عنه نصف المهر بالطلاق(يقدم قوله) ،
______________________________________________________
(1) اي الزوج.
(2) في الاختلاف في الصفة.
(3) لو اعترف الزوج بالمهر ثم ادعى تسليمه وأنكرت الزوجة ، ولا بينة للزوج فالقول قول الزوجة مع يمينها ، لأصالة عدم التسليم ، على المشهور.
وعن الشيخ في نفقات الخلاف ، وهو المنسوب إلى ابن الجنيد تقديم قولها قبل الدخول لأصالة عدم التسليم ، وأما بعد الدخول فالقول قوله مع يمينه لخبر الحسن بن زياد عن أبي عبد الله عليه السلام (إذا دخل الرجل بامرأته ثم ادعت المهر وقال : قد أعطيتك ، فعليها البينة وعليه اليمين) (1) ، وهي مردودة أو محمولة على ما لو كانت العادة بتقديم المهر قبل الدخول ، بحيث يكون الظاهر حينئذ أقوى من الأصل ، فقوله بالتسليم موافق للظاهر المقدم على الأصل الموافق لقولها ، وهذا خروج من محل النزاع ، إذ النزاع في التسليم وعدمه مع عدم وجود هذا الظاهر.
(4) عدم التسليم.
(5) أي قول الشيخ.
(6) أي الزوج ، لو خلا الزوج بزوجته خلوة خالية عن موانع الوقاع فادعت المواقعة والدخول ، وأنكر الزوج ذلك ليندفع عنه نصف المهر لو طلق ، فعلى المشهور أن القول قوله مع يمينه لأصالة عدم المواقعة ، وعن الشيخ في النهاية والتهذيبين القول قول المرأة مع يمينها عملا بشاهد الحال من الخلوة بها فيكون قولها موافقا للظاهر.
والأقوى تقديم الأصل على الظاهر ، لأن وجود القدرة عند الزوجين على الدخول مع توفر الداعي عندهما ، وانتفاء الصارف والمانع لا يجعل الدخول معلوما بل هو مظنون والأصل عدمه.
ص: 499
لأصالة عدمها (1).
(وقيل : قولها مع الخلوة التامة) التي لا مانع معها (2) عن الوطء شرعا ، ولا عقلا ، ولا عرفا.(وهو قريب) عملا بالظاهر من حال الصحيح (3) إذا خلا بالحليلة ، وللأخبار (4) الدالة على وجوب المهر بالخلوة التامة بحملها على كونه دخل بشهادة الظاهر (5).
والأشهر الأول ترجيحا للأصل.
وحكم اختلاف ورثتيهما ، أو أحدهما (6) مع الآخر (7) حكمه (8).
(الفصل السابع - في العيوب
والتدليس (9) وهي) أي العيوب المجوزة لفسخ النكاح على الوجه الذي يأتي(في الرجل) ، بل الزوج مطلقا (10) (خمسة : الجنون (11) ......
______________________________________________________
(1) عدم المواقعة.
(2) مع الخلوة التامة.
(3) أي الزوج الصحيح القادر.
(4) وقد تقدمت في بحث استقرار المهر بالدخول لا بالخلوة (1).
(5) وهي محمولة على التقية لموافقتها قول أبي حنيفة وكثير من العامة كما في الجواهر.
(6) أي ورثة أحدهما.
(7) مع الطرف الآخر من الزوجين.
(8) أي حكم اختلاف نفس الزوجين.
(9) التدليس تفعيل من الدلس ، وهو الظلمة ، وأصله من المخادعة ، كأن المدلس لما أتى بالمعيب أو الناقص إلى المخدوع وقد كتم عليه عيبه أتاه في الظلمة وخدعه.
والفرق بينه وبين العيب أن التدليس إظهار ما يوجب الكمال أو إخفاء ما يوجب النقص ، وأما العيب فهو نقصان صفة في العين.
(10) وإن كان صغيرا.
(11) بلا خلاف فيه للأخبار. -
ص: 500
(والخصاء) (1) بكسر الخاء مع المدّ ، وهو سلّ الانثيين وإن أمكن الوطء(والجب) (2)
______________________________________________________
- منها : خبر علي بن أبي حمزة (سئل أبو إبراهيم عليه السلام عن امرأة يكون لها زوج قد أصيب في عقله بعد ما تزوجها أو عرض له جنون ، قال : لها أن تنزع نفسها منه إن شاءت) (1) ، وصحيح الحلبي عن أبي عبد الله عليه السلام (إنما يردّ النكاح من البرص والجذام والجنون والعفل) (2).
(1) بالكسر والمد وهو سل الأنثيين أي إخراجهما فالمشهور على أنه عيب تتسلط به المرأة على فسخ العقد للأخبار.
منها : صحيح ابن مسكان (بعثت بمسألة مع ابن أعين قلت : سله عن خصي دلّس نفسه لامرأة فدخل بها فوجدته خصيا؟ قال : يفرق بينهما ويوجع ظهره ، ويكون لها المهر لدخوله عليها) (3) ، وموثق ابن بكير عن أحدهما عليهما السلام (في خصي دلّس نفسه لامرأة مسلمة فتزوجها ، فقال : يفرّق بينهما إن شاءت المرأة ، ويوجع رأسه وإن رضيت به وأقامت معه لم يكن لها بعد رضاها به أن تأباه) (4) ومثلها غيرها وعن الشيخ في الخلاف والمبسوط عدم كون الخصاء عيبا ، لأن الخصي يولج بل ربما كان أبلغ من الفحل لعدم فتوره ، إلا أنه لا ينزل وهو ليس بعيب ، بعد حمل الأخبار المتقدمة على تدليس الرجل بأنه فحل مع أنه خصي.
(2) المشهور على أن الجب من العيوب الموجبة للفسخ ، وقد تردد المحقق في الشرائع ، ومنشأ تردده عدم ورود النص الخاص فيه ومقتضى القاعدة لزوم العقد ، ومع ذلك فيستدل للمشهور بإطلاق صحيح الكناني عن أبي عبد الله عليه السلام (عن امرأة أبتلي زوجها فلا يقدر على الجماع أبدا أتفارقه؟ قال عليه السلام : نعم إن شاءت) (5) ، وصحيح أبي بصير عن أبي عبد الله عليه السلام (عن امرأة ابتلي زوجها فلا يقدر على جماع أتفارقه؟ قال عليه السلام : نعم إن شاءت) (6) فهما شاملان للمجبوب كما يشملان العنين لعدم القدرة على الجماع فيهما ، أو فقل أن عدم القدرة على الجماع قد يكون لعدم انتشار العضو كما في العنين كذلك قد يكون لانتفاء العضو كما في المجبوب.
هذا ويشترط في المجبوب أن لا يبقى له ما يمكن من الوطء ولو مقدار الحشفة ، لأن -
ص: 501
وهو قطع مجموع الذكر ، أو ما لا يبقى معه قدر الحشفة ، (والعنن) (1) وهو مرض يعجز معه عن الايلاج ، لضعف الذكر عن الانتشار ، (والجذام) (2) بضم الجيم ،
______________________________________________________
- الوطء يحصل بمقدار ذلك فلا يكون غير قادر على الجماع فيخرج عن الأخبار المتقدمة ، ومن ثمّ ترتب عليه أحكامه من وجوب الغسل والمهر والحد وغير ذلك من الأحكام.
(1) بالفتح وهو الضعف المخصوص بالعضو ، بمعنى عدم انتشار العضو ، والاسم العنة بالضم ، ويقال للرجل إذا كان كذلك عنّين كسكين ، وهو من جملة العيوب التي تتسلط المرأة به على فسخ العقد بلا خلاف فيه للأخبار.
منها : صحيح أبي بصير عن أبي عبد الله عليه السلام (عن امرأة أبتلي زوجها فلا يقدر على جماع أتفارقه؟ قال عليه السلام : نعم إن شاءت) (1) وصحيح الكناني عن أبي عبد الله عليه السلام (عن امرأة أبتلي زوجها فلا يقدر على الجماع أبدا أتفارقه؟ قال عليه السلام : نعم إن شاءت) (2) ومثلها غيرها.
(2) المشهور أنه لا يردّ الرجل بغير الأربعة المتقدمة من الجنون والخصاء والجب والعنن ، وعن ابن الجنيد والقاضي والعلامة في المختلف والشارح وجماعة من المتأخرين أنه يردّ بالجذام والبرص ، لصحيح الحلبي عن أبي عبد الله عليه السلام (يردّ النكاح من البرص والجذام والجنون والعفل) (3) وهو متناول بإطلاقه الرجل والمرأة ، ولأن ثبوتهما عيب في المرأة بالاتفاق ففي الرجل بطريق أولى ، لأن للرجل وسيلة للتخلص منهما بالطلاق فلو ثبتا في الرجل لما كان لها طريق للتخلص إلا الخيار ، ولحصول الضرر منهما بالعدوى باتفاق الأطباء وأهل المعرفة ولذا ورد في الجذام (فرّ من المجذوم فرارك من الأسد) (4) والمشهور على العدم لأصالة لزوم العقد فلا يثبت الخيار إلا بدليل يقتضيه ، ولا دليل في غير الأربعة المتقدمة ، ولخبر غياث الضبي عن أبي عبد الله عليه السلام (في العنين إذا علم أنه عنين لا يأتي النساء فرّق بينهما ، وإذا وقع عليها وقعة واحدة لم يفرق بينهما ، والرجل لا يردّ من عيب) (5) ، وذيله العام حجة لا يرفع اليد عنه إلا بمقدار ما دل الدليل على فسخ المرأة لعيوب الرجل ، ولم يدل الدليل إلا على الأربعة المتقدمة.
وفيه : إن التمسك بلزوم العقد مدفوع بعموم صحيح الحلبي ، وأما خبر غياث فقد قال -
ص: 502
وهو مرض يظهر معه يبس الأعضاء وتناثر اللحم(على قول) القاضي وابن الجنيد ، واستحسنه في المختلف وقواه المحقق الشيخ علي ، لعموم قول الصادق عليه السلام في صحيحة الحلبي : «إنما يردّ النكاح من البرص ، والجذام ، والجنون والعفل» فإنّه عام في الرجل والمرأة ، إلا ما أخرجه الدليل ، ولأدائه (1) إلى الضرر المنفي فإنّه من الأمراض المعدية باتفاق الأطباء وقد روي أنه صلى الله عليه وآله وسلم قال :
«فرّ من المجذوم فرارك من الأسد» فلا بد من طريق إلى التخلص ولا طريق للمرأة إلا الخيار ، والنص والفتوى الدالان على كونه (2) عيبا في المرأة - مع وجود وسيلة الرجل إلى الفرقة بالطلاق - قد يقتضيه (3) في الرجل بطريق أولى.
وذهب الأكثر إلى عدم ثبوت الخيار لها به (4) تمسكا بالأصل (5) ، ولرواية غياث الضبّي عن أبي عبد الله عليه السلام «الرجل لا يردّ من عيب» فإنّه يتناول محل النزاع.
ولا يخفى قوة القول الأول (6) ، ورجحان روايته (7) ، لصحتها ، وشهرتها مع ما ضم إليها (8) وهي (9) ناقلة عن حكم الأصل.
______________________________________________________
- الشارح في المسالك : (وأما الاستناد إلى خبر غياث الضبي في مثل هذه المطالب كما اتفق لجماعة من المحققين فمن أعجب العجائب ، لقصوره في المتن والسند ، أما السند فلأن غياثا هذا لا يعرف في كتب الرجال بحال ، فكيف يجعل حديثه ممسكا في هذه الأحكام ، بل معارضا بغيره من الأخبار خصوصا الصحيح منها ، وأما المتن فلاقتضائه نفي رد الرجل من عيب أصلا وهو خلاف إجماع المسلمين) انتهى.
(1) أي الجذام.
(2) أي كون الجذام.
(3) أي يقتضي كون الجذام عيبا.
(4) أي عدم ثبوت الخيار للزوجة بجذام الرجل.
(5) وهو أصالة اللزوم في العقود.
(6) وهو أن الجذام عيب.
(7) أي رواية القول الأول وهي صحيح الحلبي المتقدم.
(8) وهو نفي الضرر بعد كون الجذام في الرجل ضررا عليها لسريانه.
(9) أي رواية القول الأول ، وهي صحيح الحلبي.
ص: 503
واعلم أن القائل بكونه (1) عيبا في الرجل الحق به البرص ، لوجوده معه (2) في النص الصحيح (3) ، ومشاركته له (4) في الضرر والإضرار والعدوى فكان ينبغي ذكره معه (5).
______________________________________________________
(1) بكون الجذام.
(2) أي لوجود البرص مع الجذام.
(3) وهو صحيح الحلبي المتقدم.
(4) أي ومشاركة البرص للجذام.
(5) أي فكان ينبغي على المصنف ذكر البرص مع الجذام ، هذا وأعلم أن البرص مرض معروف ، وبسببه يحدث في البدن تغير لونه إلى السواد أو البياض ، لأن سببه قد يكون غلبة السوداء فيحدث الأسود ، وقد يكون غلبة البلغم فيحدث الأبيض ، والمعتبر منه ما يتحقق به اسمه كالجذام ، ثم قد يشتبه البرص بالبهق ، لأنه يشبهه في القسمين والسببين ، والفرق بينهما أن البرص يكون غائصا الجلد واللحم ، والبهق يكون في سطح الجلد خاصة ليس له غور ، وقيل بأنه إذا غرز فيه الإبرة فإن خرج منه دم فهو بهق ، وإن خرجت منه رطوبة بيضاء فهو برص ، ومع الاشتباه لا بد من الرجوع إلى الأطباء وأهل المعرفة في ذلك.
هذا من جهة ومن جهة أخرى فالمنسوب إلى القاضي والاسكافي أن العمى في الرجل من العيوب الموجبة لتسلط المرأة على الفسخ ، لأن العمى من العيوب في المرأة الموجبة لتسلط الفسخ للرجل ففي الرجل أولى ، لأن للرجل التخلص بالطلاق ، وفيه : أنه محض أولوية عقلية مندرجة في القياس المحرّم.
ومن جهة ثالثة فالمنسوب إلى الاسكافي إضافة العرج والزنا على عيوب الرجل ، أما العرج في الرجل فلأن العرج في المرأة من العيوب ، ويرده أنه قياس محض ، وأما الزنا فلخبر علي بن جعفر عن أخيه عليه السلام (عن رجل تزوج بامرأة فلم يدخل بها فزنا ، ما عليه؟ قال عليه السلام : يجلد الحد ويحلق رأسه ، ويفرق بينه وبين أهله وينفى سنة) (1) ، وخبر طلحة بن زيد عن جعفر بن محمد عن أبيه عليهما السلام (قرأت في كتاب علي عليه السلام أن الرجل إذا تزوج المرأة فزنا قبل أن يدخل بها لم تحل له ، لأنه زان ويفرّق بينهما ويعطيها نصف المهر) (2).
ويرده أنها معارضة بأخبار أخرى. -
ص: 504
(ولا فرق بين الجنون المطبق) (1) المستوعب لجميع أوقاته (2) ، (وغيره) وهو الذي ينوب (3) أدوارا (4) ، (ولا بين) الحاصل(قبل العقد وبعده) (5) سواء(وطء أو)
______________________________________________________
- منها : صحيح رفاعة (سألت أبا عبد الله عليه السلام عن الرجل يزني قبل أن يدخل بأهله أيرجم؟ قال : لا ، قلت : أيفرق بينهما إذا زنا قبل أن يدخل بها؟ قال : لا) (1).
(1) من أطبق الجنون إذا دام.
(2) أي أوقات المجنون.
(3) أي يأتي.
(4) قد تقدم الدليل على كون الجنون عيبا في الرجل ، وهو مطلق يشمل الأدواري والاطباقي ، لصدق الجنون عليهما ولا فرق في الأدواري بين كونه قد يعقل أوقات الصلاة أو لا ، هذا واعلم أن الجنون مرض في العقل يقتضي فساده وتعطيله عن أفعاله وأحكامه ولو في بعض الأوقات ، من الجنان أو الجن بالكسر أو الجن بالفتح ، فالمجنون من أصيب جنانه أي قلبه ، أو أصابته الجن ، أو حيل بينه وبين عقله فستر عقله ، ولا عبرة بالسهو الكثير السريع الزوال ، ولا الاغماء لعدم صدق الجنون عرفا عليهما.
(5) قد تقدم الدليل على كون الجنون عيبا في الرجل ، واعلم أنه لا خلاف في كونه عيبا وإن كان ادوارا سواء كان سابقا على العقد أو تجدد بعده ، قبل الوطء أو بعده إذا كان لا يعقل أوقات الصلاة ، وأما إذا كان يعقل فإن كان قبل العقد أو مقارنا له فالمعروف ما عدا ابن حمزة الفسخ أيضا ، وإن تجدد بعد العقد فعن أكثر المتقدمين عدم الفسخ ، لمرسل الفقيه (وروي أنه إن بلغ به الجنون مبلغا لا يعرف أوقات الصلاة فرّق بينهما فإن عرف أوقات الصلاة فلتصبر المرأة معه فقد بليت) (2) ، والفقه الرضوي (إذا تزوج الرجل فأصابه بعد ذلك جنون ، فبلغ به مبلغا حتى لا يعرف أوقات الصلاة فرّق بينهما ، وإن عرف أوقات الصلاة فلتصبر المرأة معه فقد ابتليت) (3) ، وهما ظاهران في أن الجنون المتجدد لا يوجب الفسخ إلا مع عدم معرفة أوقات الصلاة.
وعن أكثر المتأخرين أن المتجدد يوجب الفسخ وإن عرف معه أوقات الصلاة لإطلاق صحيح الحلبي عن أبي عبد الله عليه السلام (إنما يرد النكاح من البرص والجذام والجنون والعفل) (4) ومثله غيره ، بعد عدم حجية الرضوي وضعف مرسل الفقيه.
ص: 505
(لا) (1) ، لإطلاق النص (2) بكونه عيبا الصادق لجميع ما ذكر ، لأنّ الجنون فنون ، والجامع لها (3) فساد العقل على أي وجه كان.
وفي بعض الأخبار تصريح بجواز فسخها (4) بالحادث منه (5) بعد العقد (6).
وقيل : يشترط فيه (7) كونه بحيث لا يعقل أوقات الصلاة.
وليس عليه دليل واضح (8).
(وفي معنى الخصاء الوجاء) بكسر أوله والمدّ ، وهو رضّ الخصيتين بحيث تبطل قوتهما (9) ، بل قيل (10) : إنّه من أفراد الخصاء فيتناوله نصه (11) ، أو يشاركه (12) في العلة (13) المقتضية للحكم ، (وشرط الجب أن لا يبقى قدر)
______________________________________________________
(1) لإطلاق أدلة كون الجنون عيبا في الرجل.
(2) وهو صحيح الحلبي المتقدم.
(3) لفنون الجنون.
(4) فسخ المرأة.
(5) من الجنون.
(6) وهو خبر علي بن أبي حمزة المتقدم (سئل أبو إبراهيم عليه السلام عن امرأة يكون لها زوج وقد أصيب في عقله بعد ما تزوجها أو عرض له جنون؟ قال عليه السلام : لها أن تنزع نفسها منه إن شاءت) (1) ، والتصريح بكون الجنون بعد العقد قد ورد في كلام السائل لا في كلام المعصوم ، فلا يعارض ما دل على أن الجنون مطلقا عيب.
(7) في الجنون المتجدد بعد العقد كما عليه أكثر المتقدمين ، أو في مطلق الجنون المتجدد بعد العقد والسابق كما عليه ابن حمزة.
(8) بل عليه دليل إلا أنه ضعيف السند لا يصلح لمعارضة غيره.
(9) فهما في منزلة العدم ، فلذا كان الوجاء في معنى الخصاء.
(10) وحكاه سيد الرياض عن بعض أهل اللغة.
(11) أي يتناول الوجاء نص الخصاء بناء على أنه من أفراده.
(12) أي يشارك الوجاء الخصاء بناء على أنه في معناه.
(13) وهي عدم قوة الخصيتين.
ص: 506
(الحشفة) (1) فلو بقي قدرها فلا خيار ، لإمكان الوطء حينئذ (2).
(وشرط العنّة) بالضم(أن يعجز عن الوطء في القبل والدبر منها (3) ومن)
______________________________________________________
(1) قد تقدم الكلام فيه.
(2) حين بقاء قدر الحشفة ، ويترتب على الوطء حينئذ أحكامه.
(3) من الزوجة ، قد تقدم الدليل على كون العنن من عيوب الرجل ، ويثبت الفسخ به مع تقدمه على العقد بالاتفاق ، وكذا لو تجدد قبل الوطء على المشهور لتناول النص له كصحيح محمد بن مسلم عن أبي جعفر عليه السلام (العنّين يتربص به سنة ، ثم إن شاءت امرأته تزوجت وإن شاءت أقامت) (1).
وعن المحقق الثاني أنه يلوح من عبارة المبسوط عدم ثبوت الخيار به ، وهو ضعيف لعدم الدليل عليه.
ثم لو تجدد بعد الوطء فلا فسخ ، للأصل من لزوم العقد ، ولخبر غياث الضبي عن أبي عبد الله عليه السلام (في العنّين إذا علم أنه عنين لا يأتي النساء فرّق بينهما وإذا وقع عليها دفعة واحدة لم يفرّق بينهما) (2) ، وخبر السكوني عن أبي عبد الله عليه السلام (قال أمير المؤمنين عليه السلام : من أتى امرأة - امرأته - مرة واحدة ثم أخذ عنها فلا خيار لها) (3) ، هذا على الأكثر ، وعن المفيد وجماعة أن لها الفسخ ، للاشتراك في الضرر الحاصل باليأس عن الوطء.
والعنين هو من يعجز عن الوطء مطلقا بلا فرق بين زوجته وغيرها ، فلو كان قادرا على وطء غير الزوجة دونها فليس بعنين على المشهور ، لخبر غياث المتقدم (إذا علم أنه عنين لا يأتي النساء فرّق بينهما) (4) وموثق عمار عن أبي عبد الله عليه السلام (عن رجل أخذ عن امرأته فلا يقدر على إتيانها ، فقال عليه السلام : إذا كان لا يقدر على إتيان غيرها من النساء فلا يمسكها إلا برضاها بذلك ، وإن كان يقدر على غيرها فلا بأس بإمساكها) (5).
وعن ابن زهرة وهو الظاهر من المفيد على ما قيل ، المعتبر في صدق العنين عدم إتيانه زوجته ولا عبرة بغيرها لصحيح علي بن رئاب عن أبي حمزة عن أبي جعفر عليه السلام في حديث : (فإذا ذكرت أنها عذراء فعلى الإمام أن يؤجله سنة ، فإن وصل إليها وإلا فرّق بينهما) (6) حيث جعل المدار على الوصول إلى زوجته ، وفيه : أنه وارد في مقام ادعاء -
ص: 507
(غيرها) فلو وطأها في ذلك النكاح ولو مرة ، أو وطء غيرها فليس بعنين.
وكذا لو عجز عن الوطء قبلا وقدر عليه دبرا عند من يجوّزه (1) لتحقق القدرة المنافية للعنّة ، ومع تحقق العجز عن ذلك أجمع فإنما تفسخ(بعد رفع أمرها إلى الحاكم وأنظاره سنة) (2) من حين المرافعة ، فإذا مضت أجمع ، وهو عاجز عن الوطء في الفصول الأربعة جاز لها الفسخ حينئذ (3) ، ولو لم ترفع أمرها إليه (4) وإن كان (5) حياء فلا خيار لها.
______________________________________________________
- الزوجة أنه لم يقربها مع إنكار الزوج ذلك ، وهو لا يدل على صدق العنن بعدم مقاربتها وإن أمكن له إتيان غيرها من النساء.
ثم لما كانت العنة هي المرض المقتضي للعجز عن الايلاج فلو عجز عن وطئها قبلا فقط حيث يجوز غيره فلا عجز ولا عنة وإن حصل الضعف في الجملة.
(1) أي الوطء في الدبر.
(2) إذا ثبت خيار الفسخ للزوجة بسبب عنن زوجها ، فإن صبرت فلا كلام ، بلا خلاف فيه ، لأنه حق قابل للإسقاط ، ولمرسل الفقيه (متى أقامت المرأة مع زوجها بعد ما علمت أنه عنين ورضيت به لم يكن لها خيار بعد الرضا) (1).
وإن رفعت أمرها إلى الحاكم أجّله سنة من حين المرافعة بلا خلاف فيه لصحيح محمد بن مسلم عن أبي جعفر عليه السلام (العنّين يتربص به سنة ، ثم إن شاءت امرأته تزوجت وإن شاءت أقامت) (2) ، وخبر أبي البختري عن جعفر عن أبيه عليهما السلام (أن عليا عليه السلام كان يقول : يؤخر العنين سنة من يوم ترافعه امرأته ، فإن خلص إليها وإلا فرّق بينهما ، فإن رضيت أن تقيم معه ثم طلبت الخيار بعد ذلك فقد سقط الخيار ، ولا خيار لها) (3) ، وخبر الحسين بن علوان عن جعفر عن أبيه عن علي عليهم السلام (كان يقضي في العنّين أنه يؤجل سنة من يوم ترافعه المرأة) (4).
وعلّل أيضا بأن تعذر الجماع قد يكون لعارض حرارة فيزول في الشتاء ، أو برودة فيزول في الصيف ، أو يبوسة فيزول في الربيع ، أو رطوبة فيزول في الخريف.
(3) حين مضي السنة مع عجزه عن الوطء.
(4) أي إلى الحاكم.
(5) أي عدم رفع أمرها إلى الحاكم.
ص: 508
وإنّما احتيج إلى مضي السنة هنا (1) ، دون غيره من العيوب ، لجواز كون تعذّر الجماع لعارض حرارة فيزول في الشتاء ، أو برودة فيزول في الصيف ، أو رطوبة فيزول في الخريف ، أو يبوسة فيزول في الربيع.
(وشرط الجذام تحققه) (2) بظهوره على البدن ، أو بشهادة عدلين ، أو تصادقهما (3) عليه ، لا مجرد ظهور أماراته من تعجر (4) الوجه ، واحمراره ، أو اسوداده ، واستدارة العين ، وكمودتها (5) إلى حمرة ، وضيق النفس ، وبحة (6) الصوت ، ونتن العرق ، وتساقط الشعر فإنّ ذلك قد يعرض من غيره.
نعم مجموع هذه العلامات قد يفيد أهل الخبرة به حصوله والعمدة على تحققه كيف كان.
(ولو تجددت) هذه العيوب (7) غير الجنون (8) (بعد العقد (9) فلا فسخ) تمسكا
______________________________________________________
(1) في العنن.
(2) الجذام مرض يخفى أمره قبل استحكامه ، ولما كان الخيار فيه على خلاف أصالة اللزوم في العقود فيشترط في ثبوت الخيار صدق اسم الجذام حينئذ ، فإذا تحقق وجود هذا المرض بتناثر اللحم وسقوط بعض الأطراف كالأنف فلا إشكال فيه ، وإلا فمجرد ظهور علاماته من ضيق النفس وبحة الصوت وكمودة العينين إلى حمرة ونحو ذلك مما يرجع فيه إلى الأطباء وأهل الخبرة ، ويشترط فيهم العدالة والذكورة والتعدد كغيرها من الشهادات ، أو حصول الشياع المفيد للعلم أو الاطمئنان إن لم يكن المخبر بذلك الوصف.
(3) أي الزوجان.
(4) التعجر الغلظة والسمنة والضخامة.
(5) الكمودة التغير.
(6) وهي غلظة في الصوت.
(7) أي عيوب الرجل.
(8) تقدم البحث في الجنون المتجدد بعد العقد ، وأنه لا يوجب الفسخ عند أكثر المتقدمين ، وأنه يوجب الفسخ عند أكثر المتأخرين ، هذا إذا كان يعقل أوقات الصلاة ، وأما إذا لم يعقل أوقات الصلاة فالمعروف هو الفسخ به إلا عن ابن حمزة.
(9) أما في العنة فلو تجددت بعد العقد والوطء فلا فسخ كما عليه الأكثر ، لخبر السكوني عن أبي عبد الله عليه السلام (قال أمير المؤمنين عليه السلام : من أتى امرأة - امرأته - مرة واحدة ، ثم -
ص: 509
.................................................................................................
______________________________________________________
- أخذ عنها فلا خيار لها) (1) ومثله غيره ، وخالف المفيد وجماعة بأن لها الفسخ للاشتراك في الضرر الحاصل باليأس عن الوطء ، وقد تقدم بحثه وتقدم أن العنن الحادث بعد العقد قبل الوطء كالسابق على العقد في عيب يوجب الفسخ على المشهور لتناول صحيح محمد بن مسلم عن أبي جعفر عليه السلام (العنّين يتربص به سنة ، ثم إن شاءت امرأته تزوجت ، وإن شاءت أقامت) (2) ، وعن المحقق الثاني أنه يلوح من عبارة المبسوط عدم ثبوت الخيار به ، وهو ضعيف لعدم الدليل عليه.
وأما الجذام فالخلاف مبنائي ، فمن قال بأنه عيب فقد جعله عيبا سواء كان سابقا على العقد أو متجددا بعده ، قبل الدخول أو بعده لعموم صحيح الحلبي (إنما يرد النكاح من البرص والجذام والجنون والعفل) (3) ومع هذا العموم لا يصح التمسك بأصالة لزوم العقد والاستصحاب. ومن قال بأنه ليس بعيب فهو لا يوجب الفسخ سواء سبق على العقد أو تجدد بعده ، بلا فرق في المتجدد ما لو كان قبل الدخول أو بعده.
ولا يبقى إلا الخصاء والجب ، أما الخصاء فظاهر الأخبار المتقدمة كونه عيبا إذا كان موجودا قبل العقد ، لاشتمالها على أن الرجل قد دلس نفسه فتبين أنه خصي ، وأما المتجدد بعد العقد فإن كان بعد الدخول فلا يثبت به فسخ استصحابا للزوم العقد وعدم تناول النصوص له ، وكذا لو كان قبل الدخول ، وقال سيد الرياض (ويقتصر فيه بمورده ، وهو سبق العيب العقد لظاهر لفظ التدليس فيه ، وهو أصح الأقوال ، وربما قيل بإطلاق ثبوت الخيار ولو تجدد بعد الدخول ، وربما فصّل فأثبت في المتجدد قبله ونفي في المتجدد بعده ، ولا يساعدهما النصوص مع معارضتهما بالأصل السالم - أي أصالة لزوم العقود - عن المعارض) انتهى.
وأما الجب فقد عرفت عدم النص فيه بخصوصه إلا التمسك بعموم الأخبار الواردة في العنين حيث أثبتت الفسخ لعدم قدرته على الجماع ، وهذا ما يشمل المجبوب ، وعلى القول بكونه عيبا فالقدر المتيقن منه ما لو كان سابقا على العقد ، ولو حدث الجب بعد العقد قبل الوطء أو بعده فلا فسخ كما عن جماعة منهم ابن إدريس والفاضل في الارشاد وموضع من التحرير والشيخ في الخلاف وموضع من المبسوط ، لأصالة اللزوم. -
ص: 510
بأصالة لزوم العقد ، واستصحابا لحكمه (1) مع عدم دليل صالح على ثبوت الفسخ.
وقيل : يفسخ بها مطلقا (2) ، نظرا إلى إطلاق الأخبار (3) بكونها عيوبا الشامل لموضع النزاع.
وما ورد منها (4) مما يدل على عدم الفسخ بعد العقد غير مقاوم لها (5) سندا ، ودلالة (6) ، ولمشاركة (7) ما بعد العقد لما قبله في الضرر المنفي.
وفصّل آخرون فحكموا بالفسخ قبل الدخول ، لا بعده استنادا إلى خبرين (8) لا ينهضان حجة ، وتوقف في المختلف. وله وجه.
(وقيل) والقائل الشيخ : (لو بان) الزوج(خنثى فلها (9) الفسخ) ، وكذا
______________________________________________________
- وعن القاضي والفاضل في التلخيص وموضع من التحرير أنه عيب يوجب الفسخ لو حدث بعد الوطء كما لو حدث قبله ، بل عن المبسوط نفي الخلاف فيه بيننا وبين غيرنا ، لقاعدة الضرر وشمول صحيحي أبي بصير والكناني المتقدمين لما بعد العقد ، ففي صحيح أبي بصير عن أبي عبد الله عليه السلام (عن امرأة ابتلي زوجها فلا يقدر على جماع أتفارقه؟ قال عليه السلام : نعم إن شاءت) (1) ومثله الصحيح الآخر (2) ، وأشكل عليه بأن الجب متحد مع العنن دليلا ، مع أن العنن لا يوجب الفسخ بعد الوطء ، ولذا ذهب بعضهم إلى أن الجب عيب بعد العقد وقبل الدخول ، وإلا فلا.
(1) من اللزوم.
(2) سواء تقدم العيب على العقد أو لا ، وسواء كان قبل الوطء أم بعده ، على البيان المتقدم في الخصاء والجب وأما البقية فلم ترد فيها هذه التفصيلات التي أوردها الشارح هنا.
(3) وهي الأخبار التي استدل بها على كون الجب عيبا.
(4) من الأخبار ، وهي الأخبار الواردة في العنن حيث رفعت الفسخ بعد الوطء.
(5) للأخبار الدالة على الفسخ بإطلاقها.
(6) لأن اتحاد الجب مع العنن دليلا ، لا يلزم منه المشاركة حكما.
(7) دليل ثان على مطلق الفسخ بهذه العيوب.
(8) لم أعثر عليهما ، بل البحث كما تقدم أن الخلاف فيه وارد في كل عيب على حدة ، وليس البحث والخلاف واردا في الجميع على نسق واحد كما فعله الشارح هنا.
(9) للزوجة.
ص: 511
العكس (1).
(ويضعّف بأنّه إن كان مشكلا فالنكاح باطل) لا يحتاج رفعه إلى الفسخ ، (وإن كان محكوما (2) بذكوريته) بإحدى العلامات الموجبة لها (3) (فلا وجه للفسخ ، لأنّه (4) كزيادة عضو (5) في الرجل) ، وكذا لو كان (6) هو الزوجة وحكم بأنوثيتها (7) ، لأنّه (8) حينئذ كالزيادة في المرأة ، وهي (9) غير مجوزة للفسخ على التقديرين (10).
وربما قيل (11) : إن موضع الخلاف ما لو كان محكوما عليه بأحد القسمين(12).
______________________________________________________
(1) بأن بانت الزوجة خنثى فللزوج الفسخ ، فعن أكثر من واحد أنه لا عيب وليس للطرف الآخر الفسخ لأصالة اللزوم في العقود بعد حصر عيوب الرجل فيما تقدم ، ويكون الزائد في الرجل الخنثى كالثقبة الزائدة ، والزائد في المرأة الخنثى كالإصبع الزائدة.
وعن الشيخ في موضع من المبسوط أنه عيب يوجب التسلط على الفسخ للنفرة ، وهو تحكم واضح مع عدم الدليل عليه وإمكان الوطء الذي هو المقصود من النكاح ، ولذا صرّح الشيخ في موضع آخر من المبسوط بعدم كونه عيبا.
وموضع الخلاف ما إذا كان محكوما له بالذكورية والأنوثية وقد صرح الشيخ في المبسوط كما في المسالك بكون الخلاف في الخنثى الواضح ، أما لو كان مشكلا فالنكاح باطل من أصله لعدم العلم بحصول شرطه من تحقق الرجولية أو الأنوثية في طرف الخنثى المشكل ، فالأصل بقاء البضع بحاله من الحرمة على ما كان عليه قبل العقد.
(2) أي الزوج.
(3) للذكورية.
(4) أي الزائد في الرجل الخنثى.
(5) وهو زيادة ثقبه ، فهي كزيادة إصبع مثلا.
(6) أي الخنثى.
(7) بإحدى العلامات الموجبة لها.
(8) أي الزائد فيها.
(9) أي الزيادة في الرجل والمرأة.
(10) أي في الرجل والمرأة.
(11) والقائل هو نفس الشيخ في المبسوط على ما في المسالك كما تقدم.
(12) من الذكورية أو الأنوثية ، أو فقل : إن موضع الخلاف في الخنثى الواضح.
ص: 512
ووجه الخيار (1) حينئذ (2) أنّ العلامة الدالة عليه (3) ظنية لا تدفع النفرة والعار عن الآخر. وهما ضرران منفيان ، وفيه : أنّ مجرد ذلك غير كاف في رفع ما حكم بصحته (4) واستصحابه (5) من غير (6) نص.
وربما منع من الأمرين (7) معا ، لأن الزائد هنا بمنزلة السلعة (8) والثقبة (9) وهما لا يوجبان الخيار.
والظاهر أنّ الشيخ فرضه (10) على تقدير الاشتباه (11) ، لا الوضوح ، لأنه (12) حكم في الميراث بأنّ الخنثى المشكل لو كان زوجا ، أو زوجة أعطي نصف النصيبين (13) ، لكنه (14) ضعيف جدا فالمبنيّ عليه (15) أولى بالضعف.
______________________________________________________
(1) الذي ذهب إليه الشيخ.
(2) حين كون الخنثى واضحا في أي القسمين.
(3) على الخنثى الواضح.
(4) من العقد.
(5) أي استصحاب العقد الصحيح.
(6) متعلق بقوله : (أن مجرد ذلك).
(7) وهما النفرة والعار.
(8) بالكسر ، زيادة في البدن كالغدة ، وهذا الزائد في المرأة الخنثى.
(9) وهذا زائد في الرجل الخنثى.
(10) أي فرض الحكم بالخيار.
(11) أي في الخنثى المشكل لا في الخنثى الواضح ، وهذا على خلاف تصريحه في المسالك حيث قال : (والشيخ صرح في المبسوط بكون الخلاف في الخنثى الواضح ، لأنه قال في الموضعين : لو بان الخنثى وحكم بأنه ذكر فهل لها الخيار أم لا ، لكنه ذكر في ميراث الخنثى أنه لو كان زوجا أو زوجة أعطي نصف النصيبين ، فبنى بعضهم حكمه هنا عليه ، إلا أنه ضعيف جدا فالمبنيّ عليه كذلك ، وفرضه في الواضح أوضح) انتهى.
(12) أي الشيخ.
(13) وهذا كاشف عن صحة الزوجية ، وفي هذا يمكن البحث عن ثبوت الخيار وعدمه.
(14) الحكم بصحة الزوجية ضعيف جدا ، لما تقدم من بطلان النكاح من رأس.
(15) من الحكم بأخذ نصف النصيبين ، أو الحكم بالخيار هنا ، وهو أولى بالضعف ، لأنه مبني على الضعيف.
ص: 513
عيوب المرأة
(وعيوب المرأة تسعة (1) : الجنون (2) ، والجذام ، والبرص (3) ، والعمى (4) ، والاقعاد (5) ،
______________________________________________________
(1) على خلاف في بعضها كما سيأتي.
(2) بلا خلاف فيه للأخبار.
منها : صحيح الحلبي عن أبي عبد الله عليه السلام (إنما يردّ النكاح من البرص والجذام والجنون والعفل) (1) ، وخبر رفاعة عن أبي عبد الله عليه السلام (ترد المرأة من العفل والبرص والجذام والجنون ، وأما ما سوى ذلك فلا) (2) ، وصحيح عبد الرحمن عن أبي عبد الله عليه السلام (المرأة تردّ من أربعة أشياء : من البرص والجذام والجنون والقرن ، وهو العفل ما لم يقع عليها ، فإذا وقع عليها فلا) (3) ومثلها غيرها ، وقد تقدم معنى الجنون.
(3) بلا خلاف فيهما في المرأة لما تقدم من الأخبار الواردة في عيب جنون المرأة.
(4) على المشهور لصحيح داود بن سرحان عن أبي عبد الله عليه السلام (في الرجل يتزوج المرأة فيؤتى بها عمياء أو برصاء أو عرجاء ، قال عليه السلام : تردّ على وليها) (4) ، وموثق ابن مسلم عن أبي جعفر عليه السلام (تردّ البرصاء والعمياء والعرجاء) (5) ، وعن الشيخ في المبسوط عدم كونه عيبا ، وهو ضعيف.
(5) لم يختلف في الاقعاد وإنما اختلف في العرج الموجب له ، هذا واعلم أنه قد وقع الخلاف بينهم في العرج على أقوال :
الأول : ذهب الأكثر إلى أن مطلق العرج عيب لصحيح داود بن سرحان عن أبي عبد الله عليه السلام (في الرجل يتزوج المرأة فيؤتى. بها عمياء أو برصاء أو عرجاء ، قال : تردّ على وليها) (6) ، وموثق ابن مسلم عن أبي جعفر عليه السلام (تردّ البرصاء والعمياء والعرجاء) (7).
الثاني : أنه عيب بشرط كونه بيّنا كما عن ابن إدريس والعلامة في المختلف والتحرير ، لأن العرج اليسير لا يعدّ عيبا عادة ، وإطلاق الخبرين المتقدمين يدفعه.
الثالث : أنه عيب بشرط بلوغه حد الاقعاد ، كما عن المحقق والعلامة في القواعد ، ومعناه أنه يبلغ حدا يعجز معه عن المشي ، والحامل لهم على هذا التقييد أمران :
أحدهما : استبعاد كون مطلق العرج عيبا موجب للخيار. -
ص: 514
(والقرن) (1).
______________________________________________________
- الثاني : ورود كون الزمانة عيبا كما في صحيحة داود بن سرحان المتقدمة عن أبي عبد الله عليه السلام (وإن كان بها زمانة لا يراها الرجال أجيزت شهادة النساء عليها) (1) وظاهرها أن الرد منوط بالزمانة ، وكذا صحيح أبي عبيدة عن أبي جعفر عليه السلام (في رجل تزوج امرأة من وليها فوجد بها عيبا بعد ما دخل بها؟ فقال عليه السلام : إذا دلست العفلاء والبرصاء والمجنونة والمفضاة ، ومن كان بها زمانة ظاهرة فإنها ترد على أهلها بغير طلاق) (2).
وفيه : أن مفهوم الزمانة مغاير لمفهوم العرج ، ومقتضى النصوص كون كل واحد منهما عيبا برأسه ، بل الظاهر أن الزمانة أمر خفي لا يطلع عليه الرجال والعرج ليس كذلك ، ولذا جعل الصدوق كلا منهما عيبا وإن أثبت الخيار بالزمانة دون العرج.
في أصل المسألة : عدم كون العرج عيبا كما عن الشيخ في الخلاف والمبسوط والقاضي في المهذب والصدوق في المقنع للحصر المستفاد من صحيح الحلبي عن أبي عبد الله عليه السلام (إنما يردّ النكاح من البرص والجذام والجنون والعفل) (3) ، وصحيح عبد الرحمن البصري (وترد المرأة من العفل والبرص والجذام والجنون ، فأما ما سوى ذلك فلا) (4) ، وخبر رفاعة عن أبي عبد الله عليه السلام (ترد المرأة من العفل والبرص والجذام والجنون ، فأما ما سوى ذلك فلا) (5).
وفيه : أن الحصر إضافي للجمع بين الأخبار.
(1) بلا خلاف فيه للأخبار.
منها : صحيح عبد الرحمن عن أبي عبد الله عليه السلام (إنما ترد المرأة من أربعة أشياء : من البرص والجذام والجنون والقرن ، وهو العفل ما لم يقع عليها ، فإذا وقع عليها فلا) (6) ، وخبر الحسن بن صالح عن أبي عبد الله عليه السلام (عن رجل تزوج امرأة فوجد بها قرنا ، قال عليه السلام : لا تحبل وينقبض زوجها عن مجامعتها ترد على أهلها) (7) ، وصحيح عبد الرحمن البصري (في الرجل إذا تزوج المرأة فوجد بها قرنا وهو العفل ، أو بياضا أو جذاما أنه يردها ما لم يدخل بها) (8) ومثلها غيرها من الأخبار. -
ص: 515
بسكون الراء وفتحها(عظما) كما هو أحد تفسيريه (1) كالسن يكون في الفرج يمنع الوطء ، فلو كان لحما فهو العفل.
وقد يطلق عليه (2) القرن أيضا ، وسيأتي حكمه (3) ، (والإفضاء) (4) وقد تقدم تفسيره ، (والعفل) بالتحريك وهو شي ء يخرج من قبل النساء شبيه الأدرة (5) للرجل ، (والرتق) (6) بالتحريك وهو أن يكون الفرج ملتحما ليس فيه مدخل
______________________________________________________
- وقد اختلف في معنى القرن ، فهو لحم ينبت في فم الرحم يمنع من الوطء وهو المسمى بالعفل ، بل في كشف اللثام هو المعروف عند أهل اللغة ، وفي محكي المبسوط أن أهل الخبرة قالوا : العظم لا يكون في الفرج ، لكن يلحقها عند الولادة حال ينبت اللحم في فرجها وهو الذي يسمى العفل.
وعن النهاية والصحاح والجمهرة أنه عظم كالسن ينبت في الرحم يمنع من الوطء ، أما اتحاد القرن والعفل فهو المستفاد من الأخبار ومن تصريح بعض أهل اللغة ، ومن الممكن كون القرن هو العظم كالسن ينبت في الرحم والعفل أعم منه حيث يطلق على العظم أو اللحم النابت في الفرج الذي يمنع من الوطء ، وعلى كل فالخلاف في معناهما قليل الجدوى بعد تصريح الأخبار بكون القرن عيبا كالعفل ، فالحكم ثابت على تقديري الاتحاد والتعدد ، نعم على التعدد تكون العيوب قد زادت واحدا ، وهذا ليس بثمرة معتد بها.
(1) أي تفسير القرن ، والآخر أنه لحم ينبت في الفرج.
(2) على اللحم النابت في الفرج ، أو يطلق على العفل.
(3) حكم العفل.
(4) بلا خلاف فيه لصحيح أبي عبيدة عن أبي جعفر عليه السلام (في رجل تزوج امرأة من وليها فوجد بها عيبا بعد ما دخل بها ، فقال : إذا دلست العفلاء والبرصاء والمجنونة والمفضاة ومن كان بها زمانة ظاهرة ، فإنها ترد على أهلها من غير طلاق) (1).
وقد تقدم معنى الافضاء من اتحاد مسلكي الغائط والحيض ، أو الحيض والبول في أواخر الفصل الأول من كتاب النكاح.
(5) أي الفتق.
(6) على المشهور وتردد فيه المحقق لعدم النص فيه بالخصوص ، نعم إن منع الوطء أمكن القول بالخيار فيه ، وهو التحام الفرج على وجه ليس فيه مدخل للذكر ، ويخرج البول معه -
ص: 516
للذكر(على خلاف فيهما) أي في العفل والرتق.
ومنشأ الخلاف من عدم (1) النص ، ومساواتهما للقرن المنصوص في المعنى المقتضي لثبوت الخيار وهو المنع من الوطء.
وفيه قوة ،
وفي بعض كلام أهل اللغة أنّ العفل هو القرن فيكون منصوصا ، وفي كلام آخرين أنّ الألفاظ الثلاثة (2) مترادفة في كونها لحما ينبت في الفرج يمنع الوطء.
(ولا خيار) للزوج(لو تجددت) هذه العيوب (3) (بعد العقد) وإن كان قبل
______________________________________________________
- من ثقبة ضيقة سواء كان بالخلقة أو بالخياطة ، هذا وذكر بعضهم كما في المسالك : أن الرتق مرادف للقرن والعفل وأن الثلاثة بمعنى واحد ، هذا والمشهور على المرأة أن لا ترد بغير السبعة من الجنون والبرص والجذام والعمى والعرج على تفصيل فيه والقرن الشامل للعفل والرتق ، وعن الصدوق زيادة الزمانة لورودها في بعض الأخبار المتقدمة ، وعن أكثر القدماء زيادة الحد بالزنا ، لأنه أقوى من العمر والعرج ولزوم الضرر والحرج عليه ، ويردهما الأخبار الحاصرة لعيوب المرأة وقد تقدم بعضها ، وليس هذان منها ، ولخصوص خبر رفاعة عن أبي عبد الله عليه السلام (عن المحدود والمحدودة هل ترد من النكاح؟ قال عليه السلام : لا) (1).
(1) وهو عجيب منه في العفل ، بل قد ذكر سابقا صحيح الحلبي وهو متضمن للعفل.
(2) من العفل والقرن والرتق.
(3) أي عيوب المرأة ، فلو كانت قبل العقد فهي موجبة لخيار الفسخ بالاتفاق لدلالة النصوص السابقة عليه ، ولو تجددت بعد العقد وبعد الوطء فلا خيار على المشهور لجريان الدخول مجرى التصرف المانع من الرد بالعيب ، ولسبق لزوم العقد فيستصحب ، ولصحيح عبد الرحمن بن أبي عبد الله عن أبي عبد الله عليه السلام (المرأة تردّ من أربعة أشياء : من البرص والجذام والجنون والقرن ، وهو العفل ، ما لم يقع عليها ، فإذا وقع عليها فلا) (2) ، ولا يضرها قصرها على الأربعة لعدم القائل بالفرق.
وعن الشيخ في المبسوط التصريح بكونه موجبا لثبوت الفسخ ، وهو ضعيف لعدم الدليل -
ص: 517
الوطء في المشهور تمسكا بأصالة اللزوم ، واستصحابا لحكم العقد ، واستضعافا لدليل الخيار.
وقيل : يفسخ بالمتجدد مطلقا (1) عملا بإطلاق بعض النصوص ، وقيد ثالث (2) بكونه (3) قبل الدخول.
والأشهر الأول (4) ، (أو كان يمكن وطء الرتقاء أو القرناء) (5) ، أو العفلاء ،
______________________________________________________
- عليه. وعن ابن الجنيد ثبوت الخيار بالجنون ولو كان بعد الوطء لعموم ما دل على الفسخ في جنون الرجل ولو تجددت بعد العقد وقبل الدخول ففيه قولان ، أن له الفسخ كما عن الشيخ في الخلاف والمبسوط وقواه الشارح في المسالك لعموم أخبار عيوب المرأة ، وليس له الفسخ كما عليه المشهور لاختصاص أكثر أخبار عيوب المرأة فيما لو كان العيب سابقا على العقد ففي خبر الحذاء المتقدم (تزوج امرأة من وليها فوجد بها عيبا) (1) ، وفي خبري الكناني والحسن (تزوج امرأة فوجد بها قرنا) (2) (3) ، وهكذا غيرها من الأخبار.
(1) قبل الدخول أو بعده كما عن الشيخ في المبسوط.
(2) وهو الشيخ في المبسوط والخلاف.
(3) أي المتجدد.
(4) وهو عدم الخيار مطلقا في المتجدد.
(5) قد تقدم أن القرن عيب يفسخ به الزوج ، هذا إذا كان يمنع من الوطء بالاتفاق ، وأما إذا لم يمنع الوطء بحيث يمكن حصوله بعسر فهل يبيح الفسخ قولان ، العدم ، كما عن الأكثر لعدم المقتضي له ، فالخيار قد ثبت من حيث المنع من الوطء الذي هو أهم مطالب النكاح ، والثاني ثبوت الفسخ به وقد مال إليه المحقق وجماعة تمسكا بظاهر النقل حيث علّق الخيار على وجود اسم القرن ، وهذا شامل لما يمكن معه الوطء وعدمه ، وفي صحيح أبي عبيدة عن أبي جعفر عليه السلام (في رجل تزوج امرأة من وليها فوجد فيها عيبا بعد ما دخل بها ، فقال : إذا دلست العفلاء نفسها والبرصاء والمجنونة والمفضاة وما كان بها من زمانة ظاهرة فإنها ترد على أهلها من غير طلاق) (4) ، وصحيح أبي الصباح عن أبي -
ص: 518
لانتفاء الضرر مع إمكانه (1) ، (أو) كان الوطء غير ممكن ، لكن كان يمكن(علاجه) بفتق الموضع ، أو قطع المانع ، (إلا أن تمتنع المرأة) من علاجه ، ولا يجب عليها الإجابة (2) ، لما فيها (3) من تحمل الضرر والمشقة ، كما أنها لو أرادته (4) لم يكن له (5) المنع ، لأنه (6) تداو ولا تعلق له (7) به.
(وخيار العيب على الفور) (8) عندنا اقتصارا فيما خالف الأصل على موضع
______________________________________________________
- عبد الله عليه السلام (عن رجل تزوج امرأة فوجد بها قرنا - إلى أن قال - قلت : فإن كان دخل بها ، فقال : إن كان علم بذلك قبل أن ينكحها - يعني المجامعة - ثم جامعها فقد رضي بها ، وإن لم يعلم إلا بعد ما جامعها ، فإن شاء بعد أمسك ، وإن شاء طلق) (1).
وهما ظاهران في كون القرن عيبا وأن أمكن معه الوطء ، وما يجري في القرن يجري في العفل لاتحادهما معنى كما هو الظاهر من الأخبار المتقدمة ، وأما الرتق فإن قلنا بأنه بمعنى القرن كما عن بعضهم فيجري فيه ما يجري في القرن ، وإن قلنا إنه التحام الفرج فقد عرفت عدم الدليل على ثبوت الفسخ به ، وعرفت أنه مع منعه للوطء يمكن إثبات الخيار به.
هذا ويثبت الخيار إذا لم يمكن إزالة المانع من القرن والعفل أو لم يمكن فتق الموضع في الرتق ، ولو أمكن وامتنعت منه فكذلك لعدم تحقق الوطء ولصدق اسم العيب الموجب للخيار.
ثم ليس للزوج إجبارها على فتق الموضع أو إزالة المانع ، لأن ذلك ليس حقا له ، وضرره مجبور بخيار الفسخ له ، ولما في الاقدام على الجراحة من تحمل الضرر والمشقة ، كما أنها لو أرادت ذلك لم يكن للزوج منعها ، لأنه تداو ولا تعلق للزوج به.
(1) أي إمكان الوطء ، وفيه أنه لا يجري في القرن والعفل ، لثبوت الخيار عند صدق الاسم وإن أمكن الوطي ، نعم كلامه يجري في الرتق.
(2) لو طلب الزوج العلاج.
(3) في الاجابة.
(4) أي أرادت العلاج.
(5) للزوج.
(6) أي العلاج.
(7) للزوج.
(8) بلا خلاف فيه ، لأن الغرض من الخيار دفع الضرر بالتسلط على الفسخ ، والتسلط يحصل -
ص: 519
الضرورة ، فلو أخر من إليه الفسخ مختارا مع علمه بها (1) بطل خياره ، سواء الرجل والمرأة ، ولو جهل الخيار ، أو الفورية فالأقوى أنه (2) عذر ، فيختار بعد العلم على الفور ، وكذا لو نسيهما (3) ، ولو منع منه (4) بالقبض على فيه (5) أو التهديد على وجه يعدّ إكراها فالخيار بحاله إلى أن يزول المانع (6) ، ثم تعتبر الفورية حينئذ (7).
(ولا يشترط فيه (8) الحاكم) ، لأنه حق ثبت فلا يتوقف عليه (9) كسائر الحقوق ، خلافا لابن الجنيد رحمه الله.
(وليس) الفسخ(بطلاق) (10) فلا يعتبر فيه ما يعتبر في الطلاق ولا يعدّ في
______________________________________________________
- بالفورية فيقتصر عليها لأن الأصل في العقود اللزوم ، وليس على الفورية نص بخصوصه.
ثم إن كان العيب ظاهرا لا نزاع فيه بينهما فالفورية معتبرة في الفسخ ، وإن توقف ثبوت العيب على المرافعة إلى الحاكم ، فالفورية في المرافعة إلى الحاكم وإذا ثبت صار الفسخ فوريا.
(1) بالعيوب.
(2) أي الجهل عذر وقد تقدم نظيره سابقا.
(3) أي نسي الخيار أو الفورية ، لأن النسيان عذر أيضا.
(4) أي من الفسخ.
(5) أي على فمه فهو مكره.
(6) لأن الاكراه عذر أيضا.
(7) أي حين زوال المانع.
(8) في الفسخ.
(9) على الحاكم ، لأن النصوص ظاهرة في كون الفسخ حقا ثابتا لكل واحد من الزوجين ، من غير توقف على حضور الحاكم أو إذنه ، كغيره من الحقوق ، هذا على المشهور ، وعن ابن الجنيد أن المرأة إذا أرادت الفرقة - لم يكن إلا عند من يجوز حكمه من والي المسلمين أو خليفته أو بمحضر من المسلمين إن كانا في بلاد هدنة أو سلطان متغلب ، وقال عنه في الجواهر : (وكأنه مذاق العامة كما حكاه في جامع المقاصد عن بعض العامة وابن الجنيد منا).
(10) الفسخ بالعيب ليس بطلاق قطعا ، لعدم اعتبار لفظ الطلاق فيه ، وعليه فلا يطرّد معه -
ص: 520
الثلاث ، ولا يطرد معه تنصيف المهر ، وإن ثبت (1) في بعض موارده (2) (ويشترط الحاكم في ضرب أجل العنة) (3) لا في فسخها بعده (4) ، بل تستقل به (5) حينئذ (6) (ويقدم قول منكر العيب مع عدم البينة) (7) ، لأصالة عدمه (8) فيكون مدعيه هو المدعي فعليه البينة وعلى منكره اليمين ، ولا يخفى أن ذلك (9) فيما لا يمكن الوقوف عليه (10) كالجب والخصاء ، وإلا (11) توصل الحاكم إلى معرفته (12) ، ومع
______________________________________________________
- تنصيف المهر ولا يعدّ في الثلاث ، ولا غير ذلك من أحكام الطلاق ، كما لا يشترط فيه شرائط الطلاق بلا خلاف ولا إشكال ، ففي صحيح الحذاء عن أبي جعفر عليه السلام التصريح حيث قال عليه السلام : (إذا دلست العفلاء والبرصاء والمجنونة والمفضاة ومن كان بها زمانة ظاهرة فإنها تردّ على أهلها بغير طلاق) ((1).
(1) أي نصف المهر.
(2) وهو الفسخ للعنن ، وثبوت نصف المهر لدليل خاص كما سيأتي.
(3) كما تقدم ، والأجل هو سنة.
(4) أي في فسخ الزوجة بعد الأجل.
(5) بالفسخ من دون مراجعة الحاكم لخبر محمد بن مسلم عن أبي جعفر عليه السلام (العنين يتربص به سنة ، ثم إن شاءت امرأته تزوجت وإن شاءت أقامت) (2).
(6) حين انتهاء الأجل.
(7) إذا اختلفا في العيب ، فإن كان العيب جليا كالعمى والعرج والجنون المطبق فلا يفتقر إلى البينة ولا إلى اليمين ، بل ينظر الحاكم فيه ، ويعمل بمقتضى ما يظهر له ، وإن كان العيب خفيا كالعنة والقرن والجنون الادواري والجذام والبرص الخفيين ، فإذا ادعاه أحدهما على الآخر ، وأنكر الثاني ، فالقاعدة قاضية بتقديم قول المنكر مع يمينه ، لأنه منكر بحسب ظاهر قوله ، ولأصالة عدم العيب وهي المعبر عنها بأصالة الصحة.
(8) عدم العيب.
(9) من تقديم قول المنكر مع عدم البينة للمدعي.
(10) على العيب ، لأنه خفي.
(11) فلو أمكن الوقوف عليه كالعيب الجلي.
(12) بنفسه.
ص: 521
قيام البينة به (1) إن كان ظاهرا (2) كالعيبين (3) المذكورين كفى في الشاهدين العدالة ، وإن كان خفيا يتوقف العلم به على الخبرة كالجذام والبرص اشترط فيهما (4) مع ذلك (5) الخبرة بحيث يقطعان بوجوده ، وإن كان (6) لا يعلمه غالبا غير صاحبه ، ولا يطّلع عليه إلا من قبله كالعنّة (7) فطريق ثبوته (8) اقراره (9) ، أو البينة على اقراره ، أو اليمين المردودة من المنكر (10) ، أو من الحاكم (11) مع نكول المنكر عن اليمين ، بناء على عدم القضاء بمجرده (12).
وأما اختبارها (13) بجلوسه في الماء البارد ، فإن استرخى ذكره فهو عنين ، وإن تشنج (14) فليس به كما ذهب إليه بعض (15) ، فليس بمعتبر في الأصح.
______________________________________________________
(1) بالعيب.
(2) أي من عيوب ظاهر البدن.
(3) وهما الجب والخصاء.
(4) في الشاهدين.
(5) مع العدالة.
(6) أي العيب.
(7) فالعنة - لما ذكر من عدم العلم بها إلا صاحبها - لا تثبت إلا بإقرار الزوج أو البينة بإقراره أو اليمين المردودة على الزوجة أو نكوله عن اليمين ، وأشكل الشارح في المسالك على يمين المدعي المردودة من أنها كالبينة والمفروض عدم سماع البينة منها لعدم إمكان الاطلاع على العيب إلا من قبل الزوج فكيف تسمع ما يقوم مقامها.
وفيه : إن اليمين المردودة بحكم البينة المسموعة في إثبات الحق ، لا أنها بحكمها في السماع وعدمه.
(8) أي العيب.
(9) أي اقرار الزوج.
(10) أي منكر العنة وهو الزوج ، واليمين المردودة يحلفها المدعي الذي هو الزوجة.
(11) أي هي مردودة من الحاكم.
(12) بمجرد نكول المنكر عن اليمين كما تقدم بيانه في باب القضاء.
(13) أي اختيار العنة.
(14) التشنج تقبض الجلد.
(15) وهو المنسوب إلى الصدوقين وابن حمزة ، ويشهد له مرسل الصدوق عن أبي عبد الله عليه السلام -
ص: 522
وفي العيوب الباطنة للنساء باقرارها (1) ، وشهادة أربع منهن (2) ، فلا تسمع في عيوب الرجال (3) ، وإن (4) أمكن اطلاعهن كأربع زوجات طلقهن بعنّتة.
(وحيث يثبت) العيب ويحصل الفسخ (5) (لا مهر) للزوجة(إن كان)
______________________________________________________
- (إذا ادعت المرأة على زوجها أنه عنّين وأنكر الرجل أن يكون ذلك فالحكم فيه أن يقعد الرجل في ماء بارد ، فإن استرخى ذكره فهو عنين ، وإن تشنج فليس بعنين) (1).
وفيه : إنه مرسل غير منجبر لمخالفة الأكثر له ، مع عدم انضباطه ، نعم هو قول الأطباء كما في المسالك والجواهر ، وأيضا قد روى الصدوق (وفي خبر آخر أنه يطعم السمك الطري ثلاثة أيام ثم يقال له : بل على الرماد ، فإن ثقب بوله الرماد فليس بعنين ، وإن لم يثقب بوله الرماد فهو عنين) (2) ، وهو أيضا مرسل لا يمكن العمل به.
(1) أي اقرار النساء.
(2) لقبول شهادتهن فيما لا يمكن للرجال النظر إليه كما تقدم في كتاب القضاء.
(3) لأن قبول شهادة النساء منفردات منحصر في ما لا يمكن للرجال الاطلاع عليه ، وهذا ليس منه.
(4) وصلية.
(5) إذا فسخ أحد الزوجين بالعيب فلا يخلو إما أن يكون قبل الدخول أو بعده حيث يجوز للجهل بالحال ، وعلى التقديرين إما أن يكون الفاسخ هو الزوج أو الزوجة ، وعلى التقادير الأربعة إما أن يكون هناك مدلس أو لا فالصور ثمان ، فلو فسخ الزوج قبل الدخول فلا مهر لها بلا خلاف فيه ولا إشكال للأخبار.
منها : صحيح الحذاء عن أبي جعفر عليه السلام (في رجل تزوج امرأة من وليّها فوجد بها عيبا بعد ما دخل بها ، فقال عليه السلام : إذا دلست العفلاء والبرصاء والمجنونة والمفضاة ومن كان بها زمانة ظاهرة فإنها ترد على أهلها بغير طلاق - إلى أن قال - وتعتد منه عدة المطلقة إن كان دخل بها ، وإن لم يكن دخل بها فلا عدة عليها ولا مهر لها) (3) ، ومثلها غيرها ولو فسخ الزوج بعد الدخول ، فلها المسمى بما استحل من فرجها بلا خلاف ولا إشكال اما وجوب المهر فللدخول الموجب له ، وإما كونه المسمى فلأن النكاح صحيح وإن فسخ بالخيار ، لأن ثبوت الخيار فرع على صحة العقد في نفسه وللأخبار :
منها : صحيح الحلبي عن أبي عبد الله عليه السلام (إنما يردّ النكاح من البرص والجذام -
ص: 523
(الفسخ (1) قبل الدخول) في جميع العيوب ، (إلا في العنّة فنصفه) (2) على أصح
______________________________________________________
- والجنون والعفل ، قلت : أرأيت إن كان قد دخل بها كيف يصنع بمهرها؟ قال عليه السلام : المهر لها بما استحل من فرجها ، ويغرّم وليّها الذي أنكحها مثل ما ساق إليها) (1).
ثم إن كان هناك مدلّس بأن زوّجه إياها ولم يبين عيبها مع علم المدلس بالعيب رجع الزوج بالمهر على المدلس متحدا كان أو متعددا ، وليا شرعيا أو غيره للأخبار.
منها : صحيح محمد بن مسلم عن أبي جعفر عليه السلام (في كتاب علي عليه السلام من زوّج امرأة فيها عيب دلّسه ولم يبين ذلك لزوجها ، فإنه يكون لها الصداق بما استحل من فرجها ، ويكون الذي ساق الرجل إليها على الذي زوّجها ولم يبين) (2) ، وصحيح الحذاء المتقدم (إذا دلست العفلاء والرصاء والمجنونة والمفضاة ومن كان بها زمانة ظاهرة فإنها تردّ على أهلها بغير طلاق ، ويأخذ الزوج المهر من وليّها الذي كان قد دلسها ، فإن لم يكن وليّها علم بشي ء من ذلك فلا شي ء عليه وترد إلى أهلها) (3).
هذا كله إذا كان الفاسخ هو الزوج ، ولو كانت الزوجة فإن كان قبل الدخول فلا شي ء لها ، لأن الفسخ جاء من قبلها ولم يتحقق الدخول وقد تقدم أكثر من مرة أن الفسخ من قبلها قبل الدخول يوجب سقوط المهر لعموم العلة في خبر السكوني عن جعفر عن أبيه عليهما السلام (قال عليه السلام : المرأة إذا زنت قبل أن يدخل بها زوجها ، قال : يفرّق بينهما ولا صداق لها ، لأن الحدث كان من قبلها) (4) ، إلا في العنة فيثبت نصف المهر بلا خلاف معتد فيه ، لصحيح أبي حمزة عن أبي جعفر عليه السلام (إذا تزوج الرجل المرأة الثيب التي تزوجت زوجا غيره فزعمت أنه لم يقربها منذ دخل بها - إلى أن قال - فإن ذكرت أنها عذراء فعلى الإمام أن يؤجله سنة ، فإن وصل إليها وإلا فرّق بينهما وأعطيت نصف الصداق ولا عدة عليها) (5).
وخالف ابن الجنيد فأوجب المهر كملا لتمكينها إياه من نفسها ، وقد جعله في المختلف أن حكمه مبني على أصله من أن المهر يجب كملا بالخلوة كما يجب الدخول ولو كان الفسخ من الزوجة بعد الدخول فلها المسمى لاستقراره بالدخول على ما تقدم في فسخ الزوج.
(1) من الزوج أو الزوجة.
(2) نصف المهر.
ص: 524
القولين ، وإنما خرجت العنّة بالنص ، الموافق للحكمة من إشرافه عليها ، وعلى محارمها ، فناسب أن لا يخلو من عوض ، ولم يجب الجميع (1) لانتفاء الدخول.
وقيل (2) : يجب جميع المهر وإن لم يولج.
(وإن كان) الفسخ (3) (بعد الدخول فالمسمّى) ، لاستقراره به (4) ، (ويرجع) الزوج به (5) (على المدلس) إن كان ، وإلا فلا رجوع ، ولو كانت هي المدلّسة رجع عليها (6) إلا بأقل ما يمكن أن يكون مهرا ، وهو (7) أقل متمول على المشهور.
وفي الفرق بين تدليسها ، وتدليس غيرها في ذلك (8) نظر.
______________________________________________________
(1) جميع المهر.
(2) والقائل ابن الجنيد.
(3) من الزوج أو الزوجة.
(4) لاستقرار المسمى بالدخول.
(5) بالمسمى.
(6) على الزوجة لصحيح الحلبي عن أبي عبد الله عليه السلام (في رجل دلّته امرأة أمرها أو ذات قرابة أو جار لها لا يعلم دخيلة أمرها ، فوجدها قد دلست عيبا هو بها ، قال عليه السلام : يؤخذ المهر منها ولا يكون على الذي زوجها شي ء) (1) ، وخبر رفاعة عن أبي عبد الله عليه السلام (قضى أمير المؤمنين عليه السلام - إلى أن قال - ولو أن رجلا تزوج امرأة وزوّجه إياها رجلا لا يعرف دخيلة أمرها لم يكن عليه شي ء ، وكان المهر يأخذه منها) (2) ، ثم على المشهور بين الأصحاب أنه لو كان الرجوع على غير الزوجة فلا ريب أنه يرجع بجميع ما غرّم ، وإن كان الرجوع عليها فلا يرجع بالجميع ، بل يجب أن يستثنى منه أقل ما يكون مهرا ، واستدلوا بأن الوطء المحترم لا يخلو من مهر ، وفيه : إنه اجتهاد في قبال النصوص المصرحة بالرجوع عليها بتمام المسمى ، وهو اجتهاد غير صحيح إذ الظاهر أن الرجوع عليها بالمهر عقوبة لتدليسها كما في الرجوع على غيرها.
(7) أي أقل المهر.
(8) فلو كان المدلس غير الزوجة فيرجع الزوج بتمام المهر ، ولو كان المدلس هو الزوجة فيرجع بما عدا أقل المهر.
ص: 525
ولو تولى ذلك (1) جماعة وزّع عليهم بالسوية ذكورا كانوا أم إناثا ، أم بالتفريق(2).
والمراد بالتدليس السكوت عن العيب (3) الخارج عن الخلقة مع العلم به أو دعوى صفة كمال مع عدمها.
(ولو تزوج امرأة على أنها حرة) (4) أي شرط ذلك في متن العقد(فظهرت أمة) ، أو مبعضة(فله الفسخ) وإن دخل ، لأن ذلك (5) فائدة الشرط. هذا كله إذا كان الزوج ممن يجوز له نكاح الأمة (6) ووقع (7) بإذن مولاها ، أو مباشرته (8) ، وإلا (9) بطل في الأول (10) ، ووقع موقوفا على اجازته (11) في الثاني (12) على
______________________________________________________
(1) التدليس.
(2) بين الذكورية والأنوثية.
(3) وكذا نفي العيب.
(4) بعد ما تقدم معنى التدليس فلو تزوج امرأة على أنها حرة وشرط ذلك في متن العقد فبانت كلا أو بعضا أمة صح العقد على المشهور ، وعن الشيخ في المبسوط والخلاف بطلان العقد لبطلان نكاح الأمة بغير إذن المولى ، وهو يقتضي حصر النزاع بصورة عدم إذن المولى ، مع أن مفروض المسألة أعم منه ، ومع ذلك فالبطلان ليس باعتبار التدليس بل باعتبار عدم إذن المولى وليس هو محل النزاع هنا.
نعم على الأول من صحة العقد فللزوج الفسخ وإن دخل بها عملا بمقتضى الشرط والتصرف بالدخول لا يسقط الخيار ، وله الامضاء بناء على صحة العقد ، لكن لو أمضى فلا إشكال في الصحة لو كان الزوج ممن يجوز له نكاح الأمة وقد وقع بإذن مولاها ، وإلا فلو كان الزوج ممن لا يجوز له نكاح الأمة فيبطل النكاح ، ولو كان النكاح المذكور من دون إذن المولى وقع موقوفا على إذنه كما هو واضح.
(5) أي جواز الفسخ.
(6) بأن لا يكون ممن تزوج الأمة ولم تأذن زوجته الحرة ، ولا يكون ممن له قدرة على تزويج الحرة كما تقدم.
(7) أي نكاح الأمة.
(8) بأن عقد نفس المولى عقدها عليه.
(9) أي لم يكن الزوج ممن يجوز له نكاح الأمة ، أو كان النكاح بغير إذن المولى.
(10) إذا لم يكن الزوج ممن يجوز له نكاح الأمة.
(11) أي إجازة المولى.
(12) وهو ما لو كان النكاح بغير إذن المولى.
ص: 526
أصح (1) القولين.
ولو لم يشترط الحرية في نفس العقد بل تزوجها على أنها حرة ، أو أخبرته بها (2) قبله (3) ، أو أخبره مخبر (4) ففي إلحاقه (5) بما لو شرط نظر من ظهور (6) التدليس ، وعدم الاعتبار (7) بما تقدم من الشروط (8) على العقد.
وعبارة المصنف والأكثر محتملة للأمرين (9).
(وكذا) تفسخ(هي لو تزوجته على أنه حرّ فظهر عبدا) بتقريب ما سبق (10) (ولا مهر) في الصورتين (11) (بالفسخ قبل الدخول) (12) ، لأنّ الفاسخ إن كان هي (13) فقد جاء من قبلها. وهو (14) ضابط عدم وجوبه (15) لها قبل الدخول ،
______________________________________________________
(1) من جواز نكاح الفضولي موقوفا.
(2) بالحرية.
(3) قبل العقد.
(4) كوليها أو وكيلها.
(5) أي إلحاق ما فرض من الصور الثلاث.
(6) دليل الإلحاق ، والتدليس موجب للخيار.
(7) دليل عدم الإلحاق.
(8) مع أنه ليس بشرط ، فضلا عن أصالة اللزوم في العقود ، وعدم الإلحاق هو قول الشيخ في المبسوط والشارح في المسالك وقواه سيد الرياض ، والإلحاق هو قول الأكثر كما في الرياض.
(9) من الإلحاق وعدمه.
(10) من أن للزوجة الفسخ وإن دخل بها عملا بمقتضى الشرط ، هذا كله إذا ذكر الشرط في متن العقد ، وبدون ذكره في متن العقد فالوجهان السابقان.
(11) صورة تزوج الرجل المرأة على أنها حرة فبانت أمة وعكسها.
(12) فلو فسخ قبل الدخول فلا مهر لها لما تقدم من عدم استقرار المهر إلا بالدخول ، وهو منتف هنا بحسب الفرض ، ولو فسخت هي قبل الدخول فلا مهر لها ، لأن الفسخ قد أتى من قبلها ، بلا خلاف في ذلك كله ولا إشكال.
(13) كما في المسألة الثانية.
(14) كونه من قبلها.
(15) أي وجوب المهر.
ص: 527
وإن كان (1) هو فبسببها (2) ، (ويجب) جميع المهر(بعده) (3) ، لاستقراره به (4).
(ولو شرط كونها بنت مهيرة) (5) بفتح الميم وكسرها فعيلة بمعنى مفعولة.
أي بنت حرة تنكح (6) بمهر وإن كانت (7) معتقة في أظهر الوجهين (8) ، خلاف (9) الأمة فإنها قد توطأ بالملك(فظهرت بنت أمة فله الفسخ) قضية للشرط ، (فإن كان (10) قبل الدخول فلا مهر) لما تقدم (11) ، (وإن كان بعده (12) وجب المهر ،)
______________________________________________________
(1) أي كان الفاسخ هو كما في المسألة الأولى.
(2) حيث دلست نفسها عليه أو دلس وليها أو وكيلها.
(3) بعد الدخول.
(4) أي لاستقرار المهر المسمى بالدخول ، سواء جاء الفسخ من قبلها أو قبله ، ويرجع الزوج لو فسخ بالمهر على المدلّس بلا خلاف فيه ، أبا كان أو غيره ، بل يرجع على الزوجة لو كانت هي المدلسة ، غايته يرجع عليها بعد عتقها ويسارها لأنها أمة كما هو الواضح.
(5) المراد بالمهيرة الحرة ، سميت بذلك لأنها لا تنكح إلا بمهر بخلاف الأمة فإنها تنكح بالملك ، وعليه فإذا تزوج الرجل امرأة على أنها بنت مهيرة فظهرت بنت أمة ، فعن أكثر المتقدمين أن له الفسخ للتدليس الموجب للخيار ، وعن المحقق والمتأخرين ثبوت الخيار مع اشتراط أنها بنت مهيرة في متن العقد لا مع إطلاق العقد وإن أخبرته بأنها بنت مهيرة قبل العقد أو أخبره مخبر ، لأصالة اللزوم بخلاف ما لو ذكر الشرط في متن العقد فله الخيار عملا بالشرط.
(6) وصف للحرة.
(7) أي الحرة.
(8) لأن المعتقة ينحصر وطؤها بالمهر فهي من مصاديق الحرة ، هذا وقال الشارح في المسالك : (واعلم أنه لا فرق في بنت المهيرة بين كون أمها حرة في الأصل أو معتقة لما عرفت من أن المراد منها لغة الحرة ، وهي شاملة لهما ، ويحتمل ضعيفا الفرق بناء على أن المعتقة يصدق عليها أنها كانت أمة ، إذ لا يشترط في صدق المشتق بقاء المعنى المشتق منه ، ولا يخفى ضعفه ، إذ لا اشتقاق هنا ، بل الاسم للرقيقة وهو منتف بعد العتق ، وتعريف أهل اللغة ينافيه) انتهى.
(9) أي الحرة التي تسمى مهيرة.
(10) أي الفسخ.
(11) لعدم استقرار المهر بالدخول ، على المشهور ، وعن الشيخ في النهاية إثبات المهر عليه وعلّله غير واحد بالرواية ، وقد صرح أكثر من واحد بعدم العثور عليها.
(12) أي وإن كان الفسخ بعد الدخول فلها المهر المسمى لاستقراره بالدخول ، لكن يرجع -
ص: 528
(ويرجع به (1) على المدلّس) ، لغروره (2) ، ولو لم يشترط ذلك (3) بل ذكره قبل العقد فلا حكم له (4) ، مع احتماله (5) كما سلف (6) (فإن كانت هي) المدلّسة(رجع عليها) (7) بالمسمّى(إلا بأقل مهر) وهو (8) ما يتمول ، لأنّ (9) الوطء المحترم لا يخلو عن مهر ، وحيث ورد النصّ (10) برجوعه (11) على المدلس فيقتصر فيما خالف الأصل (12) على موضع اليقين ، وهو (13) ما ذكر (14) وفي المسألة وجهان آخران ، أو قولان :
أحدهما : أنّ المستثنى (15) أقل مهر أمثالها ، لأنّه(16) قد استوفى منفعة البضع فوجب عوض مثله.
______________________________________________________
- الزوج به على المدلّس لقاعدة المغرور يرجع على من غره ، أبا كان المدلس وغيره ، بل حتى لو كان المدلس هو نفس الزوجة فيرجع عليها بما دفعه من المهر ، ويترك لها أقل المهر مما يتمول على المشهور لأنه عوض الوطء المحترم ، وعن ابن الجنيد يترك لها مهر المثل لأنه عوض البضع ، وقد عرفت أن النصوص المتقدمة في نظائر هذه المسألة ظاهرة في الرجوع عليها بتمام ما دفعه الزوج من دون استثناء وهو الأقوى.
(1) ويرجع الزوج بالمهر.
(2) أي غرور المدلس.
(3) أي لو لم يشترط الزوج في متن العقد أنها بنت مهيرة.
(4) أي للزوج والمعنى لا خيار له.
(5) أي احتمال الخيار.
(6) في مسألة ما لو تزوجها على أنها حرة فبانت أمة ، ووجه الخيار ظهور التدليس الموجب للخيار.
(7) على تقدير دفع المهر.
(8) أي أقل المهر.
(9) تعليل لاستثناء أقل المهر لها ، لأنه لو رجع عليها من غير استثناء لخلا البضع عن العوض.
(10) وقد تقدم في نظائر هذه المسألة سابقا.
(11) أي رجوع الزوج.
(12) إذ الأصل أن المهر على الزوج في قبال عوض البضع.
(13) أي موضع اليقين.
(14) من الرجوع على الزوج بالمسمى إلا بأقل المهر.
(15) أي المستثنى للزوجة في قبال الوطء ، وهو قول ابن الجنيد.
(16) أي الزوج.
ص: 529
الثاني : عدم استثناء شي ء عملا بظاهر النصوص.
والمشهور الأول.
وكذا يرجع بالمهر على المدلّس لو ظهرت أمة (1).
ويمكن شمول هذه العبارة (2) له (3) بتكلف. وتختص الأمة (4) بأنها لو كانت هي المدلّسة فإنما يرجع عليها على تقدير عتقها (5). ولو كان المدلّس مولاها (6) اعتبر عدم تلفظه (7) بما يقتضي العتق ، وإلا (8) حكم بحريتها ظاهرا وصح العقد (9).
(ولو شرطها بكرا فظهرت ثيبا فله الفسخ) (10) بمقتضى الشرط(إذا ثبت)
______________________________________________________
(1) في المسألة السابقة حيث تزوجها على أنها حرة فبانت أمة ، ولم يذكر الماتن حكم رجوع الزوج على المدلس ، مع أنه قد ذكر الحكم في هذه المسألة.
(2) وهي عبارة المصنف برجوع الزوج على المدلس في مسألة بنت المهيرة.
(3) لرجوع الزوج على المدلس في مسألة الحرة وقد بانت أمة.
(4) أي المسألة السابقة فيما لو تزوجها على أنها حرة فبانت أمة ، فيرجع الزوج على الأمة إذا كانت قد دلست بعد عتقها ويسارها ، بخلاف الرجوع في مسألتنا فإنه يرجع عليها حين الفسخ لأنها حرة.
(5) ويسارها أيضا.
(6) في مسألة ما لو تزوجها على أنها حرة فبانت أمة.
(7) أي تلفظ المولى.
(8) أي وإن تلفظ بما يقتضي عتقها.
(9) أي من دون خيار للزوج حينئذ.
(10) إذا تزوج امرأة على أنها بكرا فخرجت ثيبا ، فلا يخلو إما أن يكون قد شرط ذلك في العقد أو لا ، وعلى تقدير عدم شرطه إما أن يكون قد أخبر بكونها بكرا فدلست عليه أو أقدم على البكارة كما هو الغالب ، وعلى التقادير الثلاثة إما أن يظهر كونها ثيبا قبل العقد أو بعده أو يشتبه الحال فالصور تسع.
فلو بانت ثيبا من دون شرط في متن العقد ولا تدليس من قبلها وإنما أقدم على أنها بكر كما هو الغالب فلا خيار له ، ولا يرجع بشي ء مطلقا من المهر ، لأن الثيبوبة في نفسها ليست عيبا ، وقد أقدم على احتمال الأمرين بالمهر المعيّن فيلزمه ذلك ، وإن كان قد شرطها بكرا أو أخبرته بذلك فإن تجددت الثيبوبة بعد العقد فلا خيار له ولا رجوع لعدم -
ص: 530
(سبقه) أي سبق الثيوبة(على العقد) ، وإلا (1) فقد يمكن تجدده (2) بين العقد والدخول بنحو الخطوة. والحرقوص (3).
ثم إنّ فسخ (4) قبل الدخول فلا مهر ، وبعده (5) فيجب لها المسمى ، ويرجع به على المدلّس ، وهو (6) العاقد كذلك (7) العالم بحالها ، وإلا (8) فعليها (9) مع
______________________________________________________
- المقتضي ، وما تجدد قد حصل بعد العقد ، نعم لو شرطها بكرا في متن العقد فوجدها ثيبا قبل العقد ، وثبت ذلك باقرارها أو بالبينة على اقرارها أو بالقرائن المفيدة للعلم بذلك فعن أكثر المتأخرين أن له الفسخ عملا بالشرط ، والمحكي عن الأكثر عدم الفسخ للأصل ، ولصحيح محمد بن القاسم بن الفضيل عن أبي الحسن عليه السلام (عن الرجل يتزوج المرأة على أنها بكر فيجدها ثيبا ، أيجوز له أن يقيم عليها؟ قال عليه السلام : قد تفتق البكر من المركب ومن النزوة) (1) ، وهو غير ظاهر في عدم الفسخ ما لو شرط البكارة في متن العقد كما هو مفروض المسألة ، فيحمل على ما لو تزوجها على أنها بكر بزعمه كما هو الغالب ، أو على أنها بكر بإخبارها ، أو على ما لو شرط أنها بكر في متن العقد وقد حدثت الثيبوبة بعد العقد ، أو على ما لو اشتبه الحال ولم تعلم الثيبوبة أنها متقدمة على العقد أو متأخرة سواء اشترط البكارة ، أو أخبرته بها أو أقدم على ذلك بحسب زعمه ومما تقدم تعرف حكم بقية الصور.
(1) أي وإن لم يثبت سبق الثيبوبة على العقد فلا فسخ لأنه يمكن تجدده إلى آخر ما ذكره الشارح.
(2) أي تجدد الثيب.
(3) بضم الحاء دويبة كالبرغوث ، صحّتها كحمة الزنبور أو القراد يدخل في خروج الجواري.
(4) حيث يجوز له الفسخ فإن كان قبل الدخول فلا مهر لعدم استقراره ، وإن كان بعد الدخول فلها المهر لاستقراره بالدخول ، ويرجع به على المدلس وإن كان المدلس هي من دون استثناء أقل المهر لها أو مهر المثل لها إذا رجع عليها كما تقدم في المسائل السابقة.
(5) بعد الدخول.
(6) أي المدلس.
(7) أي بشرط البكارة.
(8) أي وإن لم يكن العاقد عالما بحالها.
(9) أي يرجع الزوج على الزوجة بشرط أن تكون قد دلست.
ص: 531
استثناء أقل ما يكون مهرا كما سبق.
(وقيل) والقائل ابن إدريس (1) : لا فسخ ، ولكن (2) (ينقص من مهرها بنسبة ما بين مهر البكر والثيّب) فإذا كان المهر المسمى مائة ، ومهر مثلها بكرا مائة ، وثيّبا خمسون نقص منه (3) النصف ، ولو كان مهرها بكرا مأتين ، وثيّبا مائة نقص من
______________________________________________________
(1) بل هو عن الأكثر كما في الرياض لا فسخ عند اشتراط البكارة في متن العقد.
(2) أي إذا اختار البقاء على تقدير ثبوت الفسخ له ، أو لم يكن له الفسخ فهل ينقص من مهرها شي ء قولان :
الأول : العدم وهو قول أبي الصلاح وابن البراج لوجوب جميع المهر بالعقد والأصل بقاؤه ،
والثاني : أنه ينقص وهو المشهور لصحيح محمد بن جزك (كتبت إلى أبي الحسن عليه السلام : سألته عن رجل تزوج جارية بكرا فوجدها ثيبا ، هل يجب لها الصداق وافيا أو ينتقص؟ قال عليه السلام : ينتقص) (1) ، ولكن اختلفوا في قدر النقصان على أقوال :
الأول : أنه ينقص منه مقدار ما بين مهر البكر والثيب عادة ، بحيث تؤخذ النسبة بين المهرين المذكورين وينقص من المسمى بمقدار هذه النسبة ، فلو فرض مهر المثل للبكر عادة مائة ، وللثيب خمسين ، نقص من المسمى نصفه ، وهو قول ابن إدريس ورجحه المحقق والعلامة في التحرير ، ووجهه أن الرضا بالمهر المعين إنما حصل على تقدير اتصافها بالبكارة ولم تحصل ، فيلزم التفاوت كأرش ما بين كون المبيع صحيحا ومعيبا.
أنه ينقص شي ء في الجملة ، إذ لم يرد من الشارع تقدير له ، وهو اختيار الشيخ في النهاية.
الثالث : أنه ينقص السدس من المسمى ، وهو للقطب الراوندي في شرح النهاية ، لأن الشي ء في عرف الشارع سدس ، كما ورد في الوصية ، وفيه : أن الشي ء لم يذكر في الرواية وإنما المذكور فيها نقصان المسمى فقط ، فضلا عن كون الشي ء لو كان سدسا في الوصية فلا يقتضي كونه كذلك في غيرها لانتفاء الدليل عليه ، عل أن الشي ء لم يحمل على السدس في الوصية وإن ورد به النص فراجع.
الرابع : إحالة تقدير النقصان إلى الحاكم ، لانتفاء تقدير النقص شرعا ، مع الحكم بأصله في الصحيح المتقدم فيرجع فيه إلى رأي الحاكم كما هو الشأن في كل ما لا تقدير له شرعا وهو للمحقق في النكت ، وهو المنسوب إلى جماعة من المتأخرين.
(3) من مهرها المسمى.
ص: 532
المسمّى خمسون (1) ، لأنها (2) نسبة ما بينهما ، لا مجموع تفاوت ما بينهما (3) ، لئلا يسقط جميع المسمى كما قرر في الأرش (4).
ووجه هذا القول (5) أنّ الرضا بالمهر المعين إنما حصل على تقدير اتصافها بالبكارة ، ولم تحصل إلا خالية عن الوصف ، فيلزم التفاوت ، كأرش ما بين كون المبيع صحيحا ومعيبا.
واعلم أن الموجود في الرواية أنّ صداقها ينقص ، فحكم الشيخ بنقص شي ء (6) من غير تعيين لإطلاق الرواية ، فأغرب (7) القطب الراوندي في أن الناقص هو السدس ، بناء على أنّ الشي ء سدس ، كما ورد في الوصية به (8) ، وهو قياس (9) على ما لا يطرد (10) ، مع أنّ الشي ء (11) من كلام (12) الشيخ قصدا للإبهام تبعا للرواية المتضمنة للنقص مطلقا (13).
وربما قيل (14) : يرجع إلى نظر الحاكم ، لعدم تفسيره (15) لغة ، ولا شرعا ، ولا عرفا.
______________________________________________________
(1) وهي نصف المسمى.
(2) أي الخمسين.
(3) ما بين مهر مثلها بكرا ومهر مثلها ثيبا ، لأن مجموع التفاوت على الصورة الثانية مائة ، فلو نقص من المسمى هذا المجموع لما كان لها مسمى حينئذ.
(4) من الرجوع بنسبة التفاوت بين الصحيح والمعيب ، وليس الرجوع لمجموع التفاوت.
(5) أن الرجوع بنسبة التفاوت.
(6) وهو القول الثاني.
(7) أي أتى بالشي ء الغريب ، وهو القول الثالث.
(8) بالشي ء ، وقد تقدم النص في بابه.
(9) لأن إلحاق النكاح بالوصية قياس.
(10) إذ لا اطراد لهذا التفسير في غير الوصية.
(11) إشكال ثان على الراوندي.
(12) خبر لقوله (مع أن الشي ء) ، وعليه فلفظ الشي ء لم يرد في الرواية حتى يفسر بالسدس بل قد ورد في كلام الشيخ.
(13) من غير تعيين.
(14) وهو القول الرابع.
(15) أي تفسير النقصان.
ص: 533
(الفصل الثامن - في القسم) (1)
وهو بفتح القاف مصدر قسمت الشي ء ، أما بالكسر فهو الحظ والنصيب ، (والنشوز) وهو ارتفاع أحد الزوجين عن طاعة الآخر ، (والشقاق) وهو خروج كل منهما عن طاعته (2). أما القسم فهو حقّ لكلّ منهما (3) ، لاشتراك
______________________________________________________
(1) بفتح القاف وسكون السين مصدر قسمت الشي ء أقسمه ، وبالكسر الخط والنصيب ، وعرفا هو قسمة الليالي بين الزوجات ، ويمكن اعتباره من كل منهما.
(2) أي طاعة الآخر.
(3) لا إشكال في أن كل واحد من الزوجين له حق على الآخر ، يجب على صاحبه القيام به ، وإن كان حق الزوج على الزوجة أعظم ، بل لا حق عليها مثل ما لزوجها عليها من حق ، ففي خبر محمد بن مسلم عن أبي جعفر عليه السلام (جاءت امرأة إلى النبي صلى الله عليه وآله وسلم فقالت : يا رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم ، ما حق الزوج على المرأة؟ فقال : لها أن تطيعه ولا تعصيه ولا تصدق من بيته إلا بإذنه ، ولا تصوم تطوعا إلا بإذنه ، ولا تمنعه نفسها وإن كانت على ظهر قتب ، ولا تخرج من بيتها إلا بإذنه ، وإن خرجت بغير إذنه لعنتها ملائكة السماء وملائكة الأرض وملائكة الغضب وملائكة الرحمة حتى ترجع إلى بيتها.
قالت : يا رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم ، من أعظم الناس حقا على الرجل؟ قال : والده ، قالت : فمن أعظم الناس حقا على المرأة؟ قال : زوجها ، قالت : فما لي عليه من الحق مثل ما له علي؟ قال : لا ولا من كل مائة واحدة) (1) ، وقال رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم (لا يصلح لبشر أن يسجد لبشر ، ولو صلح لأمرت المرأة أن تسجد لزوجها من عظم حقه عليها ، والذي نفسي بيده لو كان من مفرق رأسه إلى قدمه قرحة ترشح بالقيح والصديد ثم استقبلته تلمسه ما أدت حقه) (2).
ومن حقه عليها أن تطيعه ولا تعصيه ولا تتصدق من بيته إلا بإذنه ولا تصوم تطوعا إلا بإذنه ولا تمنعه نفسها في أي حال ولا تخرج من بيتها إلا بإذنه كما تقدم في الخبر ولو إلى أهلها لعيادة مريضهم وحضور ميتهم ففي خبر عبد الله بن سنان عن أبي عبد الله عليه السلام (أن رجلا من الانصار على عهد رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم خرج في بعض حوائجه فعهد إلى امرأته عهدا أن لا تخرج من بيتها حتى يقدم ، قال : وإن أباها قد مرض فبعثت -
ص: 534
.................................................................................................
______________________________________________________
- المرأة إلى رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم تستأذنه أن تعوده ، فقال : لا ، اجلسي في بيتك واطيعي زوجك ، قال : فثقل فأرسلت إليه ثانيا بذلك ، فقال : اجلسي في بيتك واطيعي زوجك ، قال : فمات أبوها فبعثت إليه أن أبي قد مات فتأمرني أن أصلي عليه ، فقال : لا ، اجلسي في بيتك واطيعي زوجك ، قال : فدفن الرجل فبعث إليها رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم أن الله قد غفر لك ولأبيك بطاعتك لزوجك) (1).
ومن حقه عليها على ما في خبر العزرمي عن أبي عبد الله عليه السلام (جاءت امرأة إلى رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم فقالت : يا رسول الله ، ما حق الزوج على المرأة؟ فقال : أكثر من ذلك ، قالت : فخبّرني عن شي ء منه ، قال : ليس لها أن تصوم إلا بإذنه يعني تطوعا ، ولا تخرج من بيتها بغير إذنه ، وعليها أن تتطيب بأطيب طيبها وتلبس أحسن ثيابها ، وتزين بأحسن زينتها ، وتعرض نفسها عليه غدوة وعشية ، وأكثر من ذلك حقوقه عليها) (2) ، وفي خبر جميل بن دراج عن أبي عبد الله عليه السلام (أيّما امرأة قالت لزوجها : ما رأيت قط من وجهك خيرا فقط حبط عملها) (3) ، وفي خبر الجلاب عن أبي عبد الله عليه السلام (أيّما امرأة باتت وزوجها عليها ساخط في حق لم يتقبل منها صلاة حتى يرض منها) (4).
هذا ومن حقها عليه ما في خبر إسحاق بن عمار (قلت لأبي عبد الله عليه السلام : ما حق المرأة على زوجها الذي إذا فعله كان محسنا؟ قال : يشبعها ويكسوها وإن جهلت غفر لها) (5) ، وفي خبر محمد بن مسلم عن أبي عبد الله عليه السلام (قال رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم : أوصاني جبرئيل بالمرأة حتى ظننت أنه لا ينبغي طلاقها إلا من فاحشة مبيّنة) (6) ، وفي الخبر عن الصادق عليه السلام (رحم الله عبدا أحسن فيما بينه وبين زوجته ، فإن الله عزوجل قد ملّكه ناصيته وجعله القيّم عليها) (7) ، ومرسله الآخر عن رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم (خيركم خيركم لنسائه ، وأنا خيركم لنسائي) (8) ومرسل الفقيه عنه صلى الله عليه وآله وسلم (ألا خيركم خيركم لأهله ، وأنا خيركم لأهلي) (9) ، إلى غير ذلك من الحقوق والآداب الداخلة تحت قوله تعالى : ( وَعٰاشِرُوهُنَّ بِالْمَعْرُوفِ ) (10) ، وعظم حق الزوج على الزوجة لا ينافيه قوله تعالى : -
ص: 535
ثمرته (1) ، وهو (2) العشرة بالمعروف المأمور بها (3).
(ويجب للزوجة الواحدة ليلة من أربع) (4) وله ثلاث ليال يبيتها حيث شاء ،
______________________________________________________
- وَلَهُنَّ مِثْلُ الَّذِي عَلَيْهِنَّ ) (1) ، لأن المراد التشبيه بأصل الحقوق لا في كيفيتها ، لاختلافها كما هو الواضح.
إذا تقرر ذلك فالواجب على الزوج النفقة من الكسوة والمأكل والمشرب والإسكان كما سيأتي ، ويجب على الزوجة التمكين من الاستمتاع وأن تتجنب عما ينفر الزوج من الاستمتاع ، لأن ذلك من مقدمات الواجب ، فيجب عليها إزالة الأوساخ والقاذورات عن بدنها وثيابها وكل ما له الدخل في نفرة الزوج ، بل على كل واحد منهما القيام بالحقوق المترتبة عليه من غير أن يحوج صاحبه إلى طلبها ، ولا يظهر الكراهة في تأديتها ، وأن يكف عما يكرهه صاحبه من قول أو فعل بغير حق.
هذا والقسمة واجبة على الزوج وله ، أما أنها واجبة عليه فللأخبار الآتية ، وهي واجبة له لأن حق الاستمتاع على الزوجة توجب القسمة بين الزوجات أيضا.
(1) أي اشتراك ثمرة القسم بينهما.
(2) اشتراك الثمرة.
(3) في قوله تعالى : ( وَعٰاشِرُوهُنَّ بِالْمَعْرُوفِ ) (2).
(4) لا خلاف في وجوب القسمة بين الزوجات في الجملة ، وإنما الخلاف في أنها هل تجب على الزوج ابتداء بمجرد العقد والتمكين كالنفقة كما هو المشهور ، أو لا تجب عليه حتى يبتدئ بها كما عن الشيخ في المبسوط والعلامة في بعض كتبه والمحقق في الشرائع والمحقق الثاني والشارح وجماعة.
فعلى الأول للزوجة الواحدة دائما ليلة من أربع ليال يبيت عندها ، والباقي يضعها حيث يشاء ، وللزوجتين ليلتان من أربع والباقي يضعها حيث يشاء ، وللثلاث ثلاث منها ، ولو كن أربع نساء فلكل واحدة ليلة ولا يبقى له شي ء من كل أربع ، وكلما فرغ الدور استأنفه على الترتيب المذكور.
وعلى القول الثاني فلو كانت له زوجة واحدة لا يجب عليه القسمة مطلقا ولو مع المبيت عندها ليلة لعدم موضوع القسمة ، إذ موضوعها مع التعدد ، ولو كان له زوجات متعددات لا تجب القسمة عليه إلا إذا بات عند إحداهن ليلة فتجب القسمة حينئذ حتى يتم الدور ، -
ص: 536
.................................................................................................
______________________________________________________
- ثم لا يجب عليه شي ء حتى يبيت عند بعضهن وهكذا ، ومما يتفرع على القولين أنه لو كان عنده منكوحات لا قسم لهن كالإماء فعلى الأول ليس له أن يبيت عندهن إلا في الفاضل له من دور القسمة ، فلو كان عنده أربع منكوحات بالعقد الدائم لم يكن له أن يبيت ابتداء عند الأمة مطلقا إلا بإذن صاحبة الليلة ، وعلى القول الآخر يجوز له أن يبيت ابتداء عند من لا تجب لها القسمة ويستمر على ذلك مع واحدة منهن أو أزيد إلى أن يبيت عند مستحقة القسمة ليلة فيجب المبيت حينئذ عند الباقيات من ذوات القسمة.
ويستدل للقول الأول بقوله تعالى : ( وَعٰاشِرُوهُنَّ بِالْمَعْرُوفِ ) (1) ، وبقوله تعالى : ( وَاللّٰاتِي تَخٰافُونَ نُشُوزَهُنَّ فَعِظُوهُنَّ وَاهْجُرُوهُنَّ فِي الْمَضٰاجِعِ ) (2) ، بدعوى دلالة الآية على جواز الهجرة في المضاجع عند النشوز فتدل بالمفهوم على المضاجعة عند خوف النشوز ، والمضاجعة هو المبيت عندها ليلة ، وهو معنى القسمة بين الزوجات ، وللأخبار.
منها : موثق محمد بن قيس عن أبي جعفر عليه السلام (وإذا كانت الأمة عنده قبل نكاح الحرة على الأمة ، قسّم للحرة الثلثين من ماله ونفسه يعني نفقته ، والأمة الثلث من ماله ونفسه) (3) حيث دل على وجوب القسمة ابتداء ، لا إذا بات عند إحداهنّ ، ومثله موثق عبد الرحمن عن أبي عبد الله عليه السلام (لا يتزوج الأمة على الحرة ، ويتزوج الحرة على الأمة ، وللحرة ليلتان وللأمة ليلة) (4) ، وخبر زرارة (سئل أبو جعفر عليه السلام عن النهارية - المهارية خ ل - يشترط عليها عند عقدة النكاح أن يأتيها متى شاء كل شهر وكل جمعة يوما ، ومن النفقة كذا وكذا ، قال : ليس ذلك الشرط بشي ء ، ومن تزوج امرأة فلها ما للمرأة من النفقة والقسمة) (5) ، وهو ظاهر في كون القسمة واجبة عليه ابتداء لإطلاق الخبر الشامل لتعدد زوجاته واتحادهن ، وخبر الدعائم عن جعفر بن محمد عن آبائه عليهم السلام (أن عليا صلوات الله عليه قال : للرجل أن يتزوج أربعا ، فإن لم يتزوج غير واحدة فعليه أن يبيت عندها ليلة من أربع ليال ، وله أن يفعل في الثلاث ما أحب مما أحله الله تعالى) (6).
واستدل للثاني بأصالة عدم وجوب القسمة ابتداء ، نعم إذا بات عند واحدة فيجب القسمة -
ص: 537
وللزوجتين ليلتان من الأربع ، وله ليلتان.(وعلى هذا فإذا تمت الأربع (1) فلا فاضل له) ، لاستغراقهن النصاب ، ومقتضى العبارة أن القسمة تجب ابتداء وإن لم يبتدأ بها ، وهو أشهر القولين ، لورود الأمر بها (2) مطلقا (3) ، وللشيخ قول أنّها (4) لا تجب إلا إذا ابتدأ بها ، واختاره المحقق في الشرائع ، والعلامة في التحرير. وهو متجه ، والأوامر المدعاة لا تنافيه(5).
ثمّ إن كانت واحدة فلا قسمة (6) ، وكذا لو كنّ أكثر وأعرض عنهن ، وإن بات عند واحدة منهن ليلة لزمه للباقيات مثلها.
وعلى المشهور يجب مطلقا (7) ، وحينئذ (8) فإن تعددن (9) ابتدأ بالقرعة ، ثم إن
______________________________________________________
- لوجوب العدل عليه بين زوجاته ، ولما دل من الأخبار على حصر حقها الواجب في كسوتها وإطعامها وغفران ذنبها ، وقد تقدم بعضها ، وفيه : إن الأصل يخرج عنه بما تقدم من الأخبار ، وأما أخبار الكسوة فهي مقيدة بما دل على وجوب القسمة من الأخبار المتقدمة.
(1) من الزوجات.
(2) بالقسمة.
(3) سواء ابتدأ بالمبيت عند إحداهن أم لا ، وسواء كانت الزوجة واحدة أم متعددة.
(4) أي القسمة.
(5) أي لا تنافي الوجوب بعد الابتداء.
(6) على قول غير المشهور ، وهو القول الذي قواه الشارح هنا وفي المسالك.
(7) وإن لم يبت عند واحدة منهن.
(8) أي حين وجوب القسمة ابتداء.
(9) فعلى المشهور أنه يبدأ بمن شاء منهن حتى يأتي عليهن ثم يجب اجراء الدور الثاني كالدور الأول وهكذا ، وقيل : يجب الرجوع إلى القرعة في البدء بالقسمة ، لأنه لو اختار واحدة منهن وبات عندها فيلزم منه الترجيح بلا مرجح ، وهذا ما يقتضي الميل إليها فيدخل في الوعيد الوارد في النبوي (من كانت له امرأتان فلم يعدل بينهما في القسم من نفسه وماله جاء يوم القيامة مغلولا مائلا شقه حتى يدخل النار) (1).
وعليه فإن كانتا اثنتين اكتفى بالقرعة مرة واحدة ، لأن الثانية تعينت ثانيا ، وإن كن ثلاثا -
ص: 538
كانتا اثنتين ، وإلا افتقر إلى قرعة أخرى للثانية وهكذا لئلا يرجح بغير مرجح.
وقيل : يتخير. وعلى قول (1) الشيخ يتخير (2) من غير قرعة ، ولا تجوز الزيادة في القسمة على ليلة بدون رضاهن (3) ، وهو أحد القولين ، لأنه
______________________________________________________
- أقرع بين الباقيتين في الليلة الثانية ، وإن كن أربعا أقرع بين الثلاث ثانيا ثم بين الاثنتين ثالثا تحرزا عن التفضيل والترجيح ، لأن تقديم إحدى الباقيات ترجيح أيضا ، فالتقديم بالقرعة في كل مراحل الدور الواحد عدل.
(1) من عدم وجوب القسمة ابتداء إلا إذا بات عند إحداهن
(2) أي يتخير ابتداء من غير قرعة ، وأما الباقيات فيجب القسم بينهن ومع تعددهن لا بد من القرعة لئلا يلزم الترجيح والتفضيل المنهي عنهما.
(3) لا خلاف في عدم جواز جعل القسمة - سواء قلنا بوجوبها ابتداء أو لا - انقص من ليلة ، لأنّه على خلاف ما دل على استحقاقها ليلة عند القسمة ففي خبر إبراهيم الكرخي (سألت أبا عبد الله عليه السلام عن رجل له أربع نسوة فهو يبيت عند ثلاث منهن في لياليهن فيمسّهن ، فإذا بات عند الرابعة في ليلتها لم يمسّها ، فهل عليه في هذا إثم؟ قال : إنما عليه أن يبيت عندها في ليلتها ويظلّ عندها في صبيحتها ، وليس عليه أن يجامعها إذا لم يرد ذلك) (1) ، وهو ظاهر في استحقاقها ليلة عند القسمة ، ومثلها غيرها من الأخبار.
كما لا خلاف في جواز القسمة بين الزوجات ليلة ليلة ، ويدل عليه الخبر المتقدم وغيره ، ولكن هل يجوز أن يجعل القسمة أزيد من ليلة لكل واحدة ، فعن الشيخ في المبسوط وجماعة نعم ، للأصل وإطلاق الأمر بالقسمة مع عدم العول والجور فيها ، بل ربما كان ذلك أصلح لهنّ وأتم لمطلوبهن ، بل وللزوج خصوصا مع تباعد أمكنتهن على وجه يشق عليه أن يدور على زوجاته ليلة ليلة. وعن المحقق في الشرائع وجماعة لا تجوز الزيادة على ليلة تأسيا بالنبي صلى الله عليه وآله وسلم حتى (أنه كان يطاف به في مرضه محمولا فيبيت عند كل امرأة ليلة حتى حللنه أن يبيت عند عائشة ، وكان يقول : اللهم هذا قسمي فيما أملك وأنت اعلم بما لا أملك) (2) يعني من جهة الميل القلبي.
ولخبر سماعة بن مهران (سألته عن رجل كانت له امرأة فتزوج عليها ، هل يحلّ له أن يفضّل واحدة على الأخرى ، فقال : يفضّل المحدثة حدثان عرسها ثلاثة أيام إن كانت بكرا ، ثم يسوّى بينهما بطيبة نفس إحداهما للأخرى) (3) بدعوى أنه لو جعل لكل واحدة -
ص: 539
الأصل (1) ، وللتأسي بالنبي صلى الله عليه وآله وسلم فقد كان يقسم كذلك (2) ، ولئلا يلحق بعضهن ضرر مع الزيادة بعروض ما يقطعه (3) عن القسم للمتأخرة ، والآخر (4) جوازها (5) مطلقا (6) ، للأصل (7).
ولو قيل بتقييده (8) بالضرر كما لو كنّ في أماكن متباعدة يشقّ عليه الكون كل ليلة مع واحدة كان حسنا ، وحينئذ (9) فيتقيد بما يندفع به الضرر ، ويتوقف (10) ما زاد (11) على رضاهن ، وكذا لا يجوز أقل من ليلة ، للضرر (12).
(ولا فرق) في وجوب القسم(بين الحرّ ، والعبد (13) ، والخصي ، والعنين ،)
______________________________________________________
- ثلاث ليال أو أزيد ولم تطب نفس إحداهما إلا بليلة ليلة فلا يجوز ، وهذا دال على عدم جواز الزيادة على الليلة إلا برضا البقية. ثم على القول بجواز الزيادة من دون رضاهن فهل يتقدر بقدر ، وعن الشيخ في المبسوط وجماعة أن حدّه ثلاث ليال واعتبر في الزائد رضاهن ، وعن الإسكافي جواز جعلها سبعا ، وفي القواعد أطلق عدم التقدير ، وفي الأخير ضعف ظاهر إذ المدة الطويلة كالسنة عند إحداهن أولا يوجب الضرر بالباقيات وعلى خلاف المعاشرة بالمعروف المأمور بها وهكذا ، مع عدم ورود نص خاص في هذا التفريع ، نعم استدل للأول بأن الثلاث أقصى المأثور إذا كانت شيبا في التي تزوجها جديدا ، واستدل للثاني بأن الزائد على السبع يعدّ هجرا وعشرة بغير المعروف.
(1) أي لأن عدم الزيادة على الليلة في القسمة هو الأصل المحقق من النصوص.
(2) ليلة ليلة.
(3) أي يقطع الزوج عن المبيت عند البقية من نسوته من مرض أو سفر.
(4) أي القول الآخر.
(5) أي جواز الزيادة في القسمة على ليلة.
(6) مع رضاهن أو لا.
(7) أي أصالة الجواز.
(8) أي بتقييد جواز الزيادة من دون رضاهن.
(9) أي حين تقييد الجواز بالضرر فيتقيد الجواز بما يدفع الضرر عن الزوج.
(10) أي جواز الزيادة من غير رضاهن.
(11) وهو ما لا ضرر فيه.
(12) أي للضرر على الزوجة ، لأنه ينغّص العيش ويبطل الاستئناس ، وقد عرفت أن الأخبار دالة على عدم جواز القسمة بما ينقص عن الليلة.
(13) بعد ما ثبت وجوب القسمة بين الزوجات بالأدلة المتقدمة ، فلا فرق بين كون الزوج حرا -
ص: 540
(وغيرهم) لإطلاق الأمر ، وكون الغرض منه (1) الإيناس بالمضاجعة لا المواقعة.
(وتسقط القسمة بالنشوز) (2) إلى أن ترجع إلى الطاعة ، (والسفر) (3) أي سفره مطلقا (4) مع استصحابه لإحداهن (5) ، أو على القول بوجوبه (6) مطلقا (7) ، فإنّه لا
______________________________________________________
- أو عبدا ، عنينا أو خصيا ، لإطلاق الأدلة ، ولأن الغرض من القسمة الإيناس والعدل بين الزوجات والتحرز عن الإيذاء ، والتحرز عن الإيحاش بترجيح بعضهن على بعض ، وليس الواجب في القسمة الوقاع حتى يقال بأنه غير ممكن من العنّين ونحوه.
(1) من القسم.
(2) تسقط القسمة بالنشوز بلا خلاف فيه ، لأن القسمة من جملة حقوق الزوجة كالنفقة ، وكما تسقط الثانية عن الصغيرة والناشزة والمجنونة جنونا مطبقا والمسافرة بغير إذنه كذلك تسقط القسمة.
(3) أي سفر الزوج ، بمعنى أن له السفر وحده من دون استصحاب إحداهن ، وليس عليه قضاء ما فاتهن في السفر بلا خلاف فيه ، لأصالة عدم وجوبه مع عدم نقل القضاء عن المعصومين عليهم السلام على كثرة سفرهم.
نعم لو أحبّ استصحاب بعض أزواجه دون بعض جاز ، فقد كان النبي صلى الله عليه وآله وسلم يفعل ذلك ، فإذا صحب بعضهن فلا قضاء للمتخلفات ، لأن النبي صلى الله عليه وآله وسلم لم ينقل أنه كان يقضي للمتخلفات ، هذا وقال الشارح في المسالك : (ويؤيده أن المسافرة وإن حظت بصحبة الزوج فقد تعبت بالسفر ومشاقه ولم يحصل لها دعة الحضر ، فلو قضى لهن كان حقهن أوفر ، وهو خلاف العدل والميل كل الميل ، وشرط بعضهم في عدم القضاء أن يصحب الخارجة بالقرعة ، فلو أخرجها بمجرد التخيير والميل قضى ، لأن النبي صلى الله عليه وآله وسلم ما كان يخرج معه واحدة إلا بالقرعة ، ومن ثمّ لم يقضي بخلاف ما لو أخرجها بالتشهي ، لأنه ميل وظلم بالتفضيل) انتهى.
هذا وإذا كان للرجل نساء وأراد أن يصحب بعضهن في السفر فيستحب له أن يقرع بينهن فأيتهن خرج اسمها خرج بها ، للتأسي بالنبي صلى الله عليه وآله وسلم (1) ، ولأنه أطيب لقلوبهن وأقرب إلى العدل ، ولا تجب القرعة للأصل.
(4) سواء قلنا بوجوب القسمة ابتداء كما عليه المشهور أم قلنا بوجوب القسمة إذا ابتدأ بإحداهن.
(5) فمع أخذه لإحداهن تجب القسمة على القولين لو لا السفر.
(6) أي بوجوب القسم.
(7) وإن لم يبتدأ ، فتجب القسمة ولو لم يستصحب إحداهن لو لا السفر.
ص: 541
يقضي للمتخلفات وإن لم يقرع للخارجة (1).
وقيل (2) مع القرعة (3) ، وإلا (4) قضي ، أما سفرها (5) فإن كان لواجب (6) أو جائز بإذنه (7) وجب القضاء ، ولو كان لغرضها (8) ففي القضاء قولان للعلامة في القواعد والتحرير. والمتجه وجوبه (9) ، وإن كان في غير واجب بغير إذنه ولا ضرورة إليه فهي ناشزة.
(ويختص الوجوب بالليل ، وأما النهار فلمعاشه) (10) إن كان له معاش ، (إلا)
______________________________________________________
(1) معه في السفر.
(2) ولم يعرف القائل.
(3) أي لا يقضي للمتخلفات إذا كان خروج إحداهن معه بالقرعة.
(4) فلو كانت الخارجة من باب الميل والتفضيل.
(5) قد تقدم أن سفرها بغير إذنه يسقط القسم لأنها ناشزة ، ولكن لا بد من التفصيل من أن سفرها بغير إذنه إن كان في واجب مضيق أو بإذنه في غرضه لم يسقط حقها ووجب القضاء لها بعد الرجوع ، وظاهر البعض عدم الخلاف فيه كما في الجواهر ، وإن كان بإذنه في غرضها ففيه قولان ، من الإذن في تفويت حقه فيبقى حقها ، ولازمه وجوب القضاء كما هو خيرة العلامة في التحرير ، ومن فوات التمكن والاستمتاع المستحق عليها ولازمه عدم وجوب القضاء لها كما هو خيرة العلامة في القواعد.
(6) أي واجب مضيق ، وأما لو كان موسعا فيأتي فيه الخلاف المتقدم في سفرها بإذنه لغرضها.
(7) وكان لغرضه.
(8) مع إذنه.
(9) وجوب القضاء.
(10) الواجب في القسمة المضاجعة لا المواقعة ، والمراد بالمضاجعة هو المبيت عندها بمعنى أن ينام معها على الفراش قريبا منها عادة ، معطيا لها وجهه دائميا أو أكثريا بحيث لا يعدّ هاجرا ، وإن لم يتلاصق الجسمان وقال في الجواهر وقد أجاد : (وأما المضاجعة على الوجه المزبور فإنها وإن لم نجد بها نصا بخصوصها كما اعترف به في كشف اللثام ، بل قال : المروي الكون عندها ، لكن قد يدعى أنها المتعارفة من المبيت عندها ، بل هو وشبهه السبب في تعيين ليلة لها وإضافتها إليها ، بل هي المراد من المعاشرة بالمعروف ، بل يمكن استفادتها من آية : واهجروهن في المضاجع ، إلى آخرها الظاهرة في اشتراط ذلك -
ص: 542
.................................................................................................
______________________________________________________
- بالنشوز ، وأنه مع الطاعة ليس للزوج عليها هذا السبيل ، بل ربما كان في قوله : أيضرب أحدكم المرأة ثم يظل معانقها) انتهى كلامه ولا تجب المواقعة إلا في كل أربعة أشهر مرة ، وهي ليست مقدورة في كل وقت ويدل عليه أخبار.
منها : خبر إبراهيم الكرخي (سألت أبا عبد الله عليه السلام عن رجل له أربع نسوة فهو يبيت عند ثلاث منهن في لياليهن فيمسهنّ ، فإذا بات عند الرابعة في ليلتها لم يمسّها فهل عليه في هذا إثم؟ قال عليه السلام : إنما عليه أن يبيت عندها في ليلتها ، ويظل عندها في صبيحتها ، وليس عليه أين يجامعها إذا لم يرد ذلك) (1).
هذا وعماد القسمة الليل الذي خلقه الله سكنا من حركات التعب ونهضات النصب ، وجعله سكنا ليلبسوا من راحته ومنامه فيكون لهن جماحا وقوة ، ولينالوا به لذة وشهوة في المضاجعة والمواقعة ، دون النهار الذي خلقه الله لهم مبصرا ليبتغوا من فضله وليتسببوا إلى رزقه ويسرحوا في أرضه طلبا لما فيه نيل العاجل من ديناهم ودرك الأجل من آخرهم على المشهور للأصل والسيرة.
وعن ابن الجنيد أنه يجب أن يظل عندها صبيحة تلك الليلة لخبر إبراهيم الكرخي المتقدم ، والصبيحة تطلق لغة على أول النهار ، وقد حمل عند المشهور على الاستحباب لمجهولية حال الكرخي فلا تصلح الرواية لإثبات الوجوب ، والحكم في الاستحباب سهل. وعن الشيخ في المبسوط وجوب الكون معها نهارا ووافقه عليه العلامة في التحرير لما ورد من النصوص أنه للحرة يومان وللأمة يوم (2) ، وللنصوص الدالة على تخصيص البكر والثيب بالأيام (3) ، بناء على أن المراد باليوم اسما لمجموع الليل والنهار. ثم هذا كله فيمن كان كسبه نهارا ، فلو انعكس وكان كسبه ليلا كالوقّاد والآتوني والحارس فعماد قسمته النهار خاصة بلا خلاف فيه جمعا بين الحقين ودفعا للضرر ، والتفاتا إلى قوله تعالى : ( جَعَلَ اللَّيْلَ وَالنَّهٰارَ خِلْفَةً ) (4) ، ويكون حكم الليل عندهم كنهار غيرهم ، ولو اختلف عمله فكان يعمل بالليل تارة ويستريح بالنهار ، ويعمل أخرى بالنهار ويستريح بالليل وجب مراعاة التسوية بين زوجاته بحسب الإمكان كما في المسالك ، فإن شق ذلك عليه لزم -
ص: 543
(في نحو الحارس) ومن لا يتم عمله إلا بالليل(فتنعكس) قسمته فتجب نهارا دون الليل.
وقيل : تجب الإقامة صبيحة كل ليلة مع صاحبتها ، لرواية إبراهيم الكرخي عن الصادق عليه السلام وهي محمولة مع تسليم سندها على الاستحباب.
والظاهر أنّ المراد بالصبيحة أول النهار بحيث يسمّى صبيحة عرفا ، لا مجموع اليوم.
هذا كله في المقيم ، وأما المسافر الذي معه زوجاته فعماد القسمة في حقه وقت النزول ليلا كان أم نهارا ، كثيرا كان أم قليلا.
(وللأمة) المعقود عليها دواما حيث يسوغ (1) (نصف القسم) (2) لصحيحة محمد بن مسلم عن أحدهما عليه السلام قال : «إذا كان تحته أمة مملوكة فتزوج عليها
______________________________________________________
- لكل واحدة ما يتفق في نوبتها من ليل أو نهار.
ثم لو كان مسافرا ومعه جميع زوجاته فعماد قسمته في حقه وقت النزول ، قليلا كان أو كثيرا ، ليلا أو نهارا ، هذا وقال في الجواهر : (قلت : قد ذكر هذا الحكم بعض العامة والخاصة ، وهو إن تم اجماعا كان هو الحجة ، وإلا أمكنت المناقشة باحتمال سقوط القسم في حقه باعتبار تعذر محله) انتهى.
(1) أي حيث يسوغ نكاح الأمة بأن كان غير قادر على نكاح الحرة وقد خاف العنت ، أو تزوج الأمة بإذن الحرة.
(2) فإذا كانت الأمة وحيدة فلا إشكال في أن لها ليلة من ثمان ليال ، ولو كانت مع حرة أو حرائر فللحرة ليلتان وللأمة ليلة بلا خلاف إلا من المفيد حيث ذهب إلى أن الأمة لا قسمة لها مطلقا والأصح المشهور للأخبار.
منها : صحيح محمد بن مسلم عن أحدهما عليهما السلام (سألت عن الرجل يتزوج المملوكة على الحرة ، قال عليه السلام : لا ، فإذا كانت تحته امرأة مملوكة فتزوج عليها حرة قسّم للحرة مثلي ما يقسم للمملوكة) (1).
ولما لم يجز جعل القسمة أقل من ليلة فالمتجه كون الدور حينئذ من ثمان ليال جمعا بين حقهما وحق الزوج ، فيكون له منها خمس ليال ولهما ثلاث ، ليلتان للحرة وليلة للأمة.
ص: 544
حرة قسم للحرة مثلي ما يقسم للمملوكة» ، وحيث لا تكون القسمة في أقل من ليلة فللأمة ليلة من ثمان ، وللحرة ليلتان ، وله خمس.
ويجب تفريق ليلتي الحرة لتقع من كل أربع (1) واحدة إن لم ترض بغيره (2) ، وإنما تستحق الأمة القسمة إذا استحقت النفقة بأن كانت مسلّمة للزوج ليلا ونهارا (3) كالحرة.(وكذا الكتابية الحرة) (4) حيث يجوز نكاحها دواما على المشهور ،
______________________________________________________
(1) أي من كل أربع ليال ليلة واحدة.
(2) أي بغير التفريق وفيه : أن إطلاق النص قاض بجواز الجميع بين ليلتي الحرة والتفريق ، وهذا ما ذهب إليه في المسالك حيث قال : (فالليلتان للحرة منها بمنزلة الليلة من الأربع فيتخير الزوج بين إيفائها إياهما مجتمعين ومتفرقين ، ويحتمل وجوب جعلهما في كل أربع ليلة كما كان لها ذلك قبل دخول الأمة إلا مع رضاهما بالجمع) انتهى.
وظاهره أن وجوب التفريق للاستصحاب الثابت قبل دخول الأمة وهو لا ينفع مع إطلاق النص بجواز الجمع والتفريق.
(3) بلا إشكال ولا خلاف كما في الجواهر لاشتراط التمكين التام من قبل الزوجة حتى تستحق النفقة والقسمة ، والتمكين التام من الأمة يتحقق إذا مكّنه السيد منها ليلا ونهارا ، فلو مكّنه منها ليلا فقط فليس بالتمكين التام ، وكذا لو مكنته من نفسها من دون إذن مولاها فليس بتمكين لاشتراط إذن المولى لأنها ومنافعها ملك للمولى فلا عبرة إلا بتمكين المولى.
(4) فالكتابية الحرة كالأمة لها نصف القسم بحيث لو اجتمعت مع حرة ، كان للحرة ليلتان وللكتابية ليلة ، ويكون الدور من ثمان ليال ، بلا خلاف فيه ويدل عليه خبر عبد الرحمن بن أبي عبد الله (سألت أبا عبد الله عليه السلام هل للرجل أن يتزوج النصرانية على المسلمة ، والأمة على الحرة؟ فقال عليه السلام : لا تزوج واحدة منهما على المسلمة ، وتزوج المسلمة على الأمة والنصرانية ، وللمسلمة الثلثان والأمة والنصرانية الثلث) (1) ومنه تعرف ضعف ما عن المسالك حيث قال (مساواة الحرة الكتابية للأمة في القسمة لا نص عليه ، لكنه مشهور بين الأصحاب ، وذكر ابن إدريس أنه مروي ، وربما استدل له باقتضاء الإسلام أن يعلو على غيره ولا يعلى عليه ، فلو ساوت المسلمة لزم عدم العلو ، وفيه نظر ، لأن مثل ذلك لا يقاوم الأدلة العامة المتناولة لها ، وعلو الإسلام يتحقق في غير أداء الحقوق الشرعية ، فإن المسلم والكافر فيه سواء) انتهى وضعفه ظاهر مع وجود الخبر المتقدم -
ص: 545
وعلّل بنقصها بسبب الكفر فلا تساوي المسلمة الحرة ، (وللكتابية الأمة ربع القسم) لئلا تساوي الأمة المسلمة(فتصير القسمة من ست عشرة ليلة) للأمة الكتابية منها ليلة ، وللحرة المسلمة أربع كما سلف (1) ، وللأمة المسلمة ليلتان لو اتفقت (2) وكذا الكتابية (3).
ومن هنا (4) يتفرع باقي صور اجتماع الزوجات المتفرقات (5) في القسمة وهي أربعون صورة (6).
______________________________________________________
- الصريح بقول المشهور ومما تقدم يظهر أنه لو كان عنده أمة مسلمة وحرة كتابية كانتا سواء في القسمة ، ولهما ليلتان من ثمان ، ولو كان عنده أمة كتابية كان لها ربع القسمة فتستحق ليلة من ست عشرة ليلة ، لأن الكتابية لو كانت حرة لكان لها نصف القسمة فلو كانت أمة لكان لها نصف المذكور الذي هو الربع.
(1) من أنها تستحق ليلة من كل أربع.
(2) بأن اتفق له أمة مسلمة بالعقد الدائم حيث يسوغ.
(3) أي الكتابية الحرة فلها ليلتان.
(4) أي مما تقدم من كون الحرة المسلمة لها ليلة من أربع ، والأمة المسلمة لها ليلة من ثمان ، والكتابية الحرة كذلك ، والأمة الكتابية لها ليلة من ست عشرة ليلة.
(5) أي المتفرقات في حكم القسمة كاجتماع حرة مسلمة مع أمة مسلمة أو حرة مسلمة مع كتابية حرة ، أو حرة مسلمة مع أمة كافرة.
(6) ست منها ثنائية ، وأربع عشر ثلاثية ، وعشرون رباعية ، أما الثنائية فهي : 1 - حرة مسلمة مع أمة مسلمة ، 2 - حرة مسلمة وحرة كتابية ، 3 - حرة مسلمة وأمة كتابية ، 4 - أمة مسلمة وأمة كتابية ، 5 - حرة كتابية وأمة مسلمة ، 6 - حرة كتابية وأمة كتابية.
وأما الثلاثية فهي : 1 - حرة مسلمة وأمة مسلمة وحرة كتابية ، 4 - حرة مسلمة وأمة مسلمة وأمة كتابية ، 3 - حرة مسلمة وحرة كتابية وأمة كتابية ، 4 - حرة مسلمة وأمتان مسلمتان ، 5 - حرة مسلمة وكتابيتان حرتان ، 6 - حرة مسلمة وأمتان كتابيتان ، 7 - حرتان مسلمتان وأمة مسلمة ، 8 - حرتان مسلمتان وحرة كتابية ، 9 - حرتان مسلمتان وأمة كتابية ، 10 - حرتان كتابيتان وأمة مسلمة ، 11 - حرتان كتابيتان وأمة كتابية ، 12 - حرة كتابية وأمة مسلمة وأمة كتابية ، 13 - حرة كتابية وأمتان مسلمتان ، 14 - حرة كتابية وأمتان كتابيتان.
وأما الرباعية فهي : 1 - حرتان مسلمتان وأمتان مسلمتان ، 2 - حرتان مسلمتان وحرّتان كتابيتان ، 3 - حرتان مسلمتان وأمتان كتابيتان ، 4 - حرتان مسلمتان وأمة مسلمة وحرة كتابيه ، 5 - حرتان مسلمتان وأمة مسلمة وأمة كتابية ، 6 - حرتان مسلمتان وحرة كتابية -
ص: 546
تبلغ مع الصور المتفقة (1) اثنتين وخمسين تعرف (2) مع أحكامها بالتأمل.
وتستحقّ القسم مريضة ، ورتقاء ، وقرناء ، وحائض ، ونفساء (3) ، لأنّ المقصود منه (4) الأنس ، لا الوطء.
(ولا قسمة للصغيرة) (5) التي لم تبلغ التسع ، (ولا للمجنونة المطبقة إذا خاف)
______________________________________________________
- وأمة كتابية ، 7 - أمتان مسلمتان وحرّتان كتابيتان ، 8 - حرتان كتابيتان وأمتان كذلك ، 9 - حرتان كتابيتان وأمة مسلمة وأمة كتابية ، 10 - حرة مسلمة وحرة كتابية وأمتان مسلمتان ، 11 - حرة مسلمة وحرتان كتابيتان وأمة مسلمة ، 12 - حرة مسلمة وثلاث حرائر كتابيات ، 13 - حرة مسلمة وحرتان كتابيتان وأمة كتابية ، 14 - أمة مسلمة وثلاث حرائر كتابيات ، 15 - أمة كتابية وثلاث حرائر كتابيات ، 16 - ثلاث حرائر وأمة مسلمات ، 17 - ثلاث حرائر مسلمات وحرة كتابية ، 18 - ثلاث حرائر مسلمات وأمة كتابية ، 19 - حرة مسلمة وحرة كتابية وأمة مسلمة وأمة كتابية ، 20 - حرة مسلمة وحرة كتابية وأمتان كتابيتان ، هذا واعلم أن هذه الفروض مبنية على كون الزوج حرا وعلى جواز التزويج بأمتين على الحرتين ، أما لو كان الزوج عبدا أو لم نقل بنكاح الأمتين مع الحرتين فتختلف الكثير من هذه الفروض.
(1) أي المتفقة في حكم القسمة سواء كانت الزوجات متعددة أم لا وهي اثنتا عشرة صورة وهي : من واحدة إلى أربع حرائر مسلمات ، ومن واحدة إلى أربع كتابيات حرائر ، ومن واحدة أو اثنتين من الاماء المسلمات ومثلها من الاماء الكتابيات فالمجموع ما ذكر أو نقل بعبارة أخرى إن الصور هي : 1 - حرة مسلمة ، 2 - حرتان مسلمتان ، 3 - ثلاث حرائر مسلمات ، 4 - أربع حرائر مسلمات ، 5 - حرة كتابية ، 6 - حرتان كتابيتان ، 7 - ثلاث حرائر كتابيات ، 8 - أربع حرائر كتابيات ، 9 - أمة مسلمة ، 10 - أمتان مسلمتان ، 11 - أمة كتابية ، 12 - أمتان كتابيتان.
(2) أي هذه الصور المتقدمة.
(3) بلا إشكال ولا خلاف لعموم أدلة القسمة.
(4) من القسم.
(5) لا خلاف فيه كما في الجواهر ، لأن القسمة بمنزلة النفقة فكما تسقط الثانية تسقط الأولى ، نعم قال في الجواهر : (وأما الصغيرة القابلة للاستمتاع الملتذة به فلا دليل عليه ، لاندراجها في اسم الزوجة التي قد سمعت ما يدل على استحقاقها الليلة من الأربع ، وسقوط النفقة المشروطة بالدخول لو قلنا به لا يقتضي سقوط حقها من القسم ، اللهم إلا أن يشك في شمول أدلته لمثلها والأصل البراءة ولعله كذلك) انتهى.
ص: 547
(أذاها) (1) مع مضاجعتها ، لأنّ القسمة مشروطة بالتمكين. وهو (2) منتف فيهما (3) ، ولو لم يخف من المجنونة وجب ، وكذا غير المطبقة.
(ويقسم الولي بالمجنون) (4) بأن يطوف به على أزواجه بالعدل ، أو يستدعيهن إليه ، أو بالتفريق (5) ، ولو خصّ (6) به (7) بعضهن فقد جار ، وعليه (8) القضاء ، فإن
______________________________________________________
(1) فإذا كان جنونها مطبقا فلا قسمة لها وإن استحقت النفقة ، إذ لا عقل لها يدعوها إلى الانس بالزوج والتمتع به ، وقال الشارح في المسالك : (والأولى تقييد المطبقة بما إذا خاف أذاها أو لم يكن لها شعور بالانس به وإلا لم يسقط حقها منها) انتهى.
وتقييد الجنون بالاطباق لإخراج الجنون الادواري فهي كالعاقلة في وجوب القسمة كما أطلقه جماعة منهم المحقق ، نعم هي كذلك حال إفاقتها ، وأما في حال ادوار جنونها فالفرق بينها وبين المطبقة مشكل.
(2) أي التمكين.
(3) في الصغيرة والمطبقة.
(4) يجب على الزوج القسم بين زوجاته لإطلاق أدلته ولو كان الزوج مجنونا ، ويتصور هذا فيمن بلغ رشيدا فتزوج أكثر من واحدة ثم عرض له الجنون ، أو زوّجه وليه وهو صغير أكثر من واحدة ثم بلغ مجنونا ، ولا يجوز في غير ذلك كما في المسالك ، لأن المجنون البالغ لا يجوز لوليّه أن يزوجه أكثر من واحدة ، لانتفاء الحاجة بها.
ثم لا يخلو إما أن يكون جنونه مطبقا أو ادوارا ، والثاني في وقت إفاقته كغيره من المكلفين ، وفي غير ذلك كالمطبق.
والمطبق إن لم يؤمن منه فلا قسم في حقه ، وإن أمن منه فإن كان قد قسّم لبعض نسائه ثم جنّ فعلى الوالي أن يطوف به على الباقيات قضاء لحقوقهن كما يقضي ما عليه من الدين.
وكذلك إذا طلبن القسمة أو رؤي منه الميل إلى النساء أو قال أهل الخبرة إن غشيان النساء ينفعه ، وليس منحصرا الواجب بأن يطوف به الولي ، فيجوز للولي أن يطوف به عليهن أو يدعوهن إلى منزله أو يطوف على بعضهن ويدعو بعضهن ، ولكن لا يجوز تفضيل بعضهن بأن يبيت عندها أكثر من الأخرى فلو فعل الولي بالمجنون ذلك ثم أفاق المجنون فالمشهور أن عليه القضاء لمن نقص من حقها ، وقال في المسالك : (ولو قيل بعدم وجوب القضاء على المجنون وبقاء الحق في ذمة الولي كان وجها ، لأن المجنون غير مكلف ، والقضاء تابع للتكليف بالفعل ، أو ثابت بأمر جديد ، وهو منتف هنا) انتهى.
(5) بأن يطوف به على بعضهن ويدعو البعض الآخر.
(6) أي الولي.
(7) بالمجنون.
(8) أي على الولي.
ص: 548
أفاق المجنون قضى ما جار فيه الولي ، وفي وجوبه عليه (1) نظر ، لعدم جوره.
(وتختصّ البكر عند الدخول بسبع) (2).
______________________________________________________
(1) على المجنون بعد الإفاقة.
(2) من أسباب تفضيل بعض الزوجات على بعض تجدد النكاح ، فإنه يقتضي تخصيص الجديدة بزيادة مبيت عند الزفاف ، وهي سبع ليال إن كانت بكرا وثلاث إن كانت ثيبا ، والمقصود منه أن ترفع الحشمة وتحصل الألفة والأنس ، وخصت البكر بزيادة لأن حيائها أكثر ، على المشهور في ذلك كله للنبوي (للبكر سبع وللثيب ثلاث) (1) ، وخبر محمد بن مسلم (قلت له : الرجل تكون عنده المرأة يتزوج أخرى ، أله أن يفضّلها؟ قال : نعم إن كانت بكرا فسبعة أيام ، وإن كانت ثيبا فثلاثة أيام) (2) ، وخبره الآخر (قلت لأبي جعفر عليه السلام : رجل تزوج امرأة وعنده امرأة ، فقال عليه السلام : إن كانت بكرا فليبت عندها سبعا ، وإن كانت ثيبا فثلاثا) (3) ، وصحيح هشام بن سالم عن أبي عبد الله عليه السلام (في الرجل يتزوج البكر ، قال عليه السلام : يقيم عندها سبعة أيام) (4) ، وعليه ينزل خبر البصري عن أبي عبد الله عليه السلام (في الرجل يكون عنده المرأة فيتزوج أخرى ، كم يجعل للتي دخل بها؟ قال عليه السلام : ثلاثة أيام ثم يقسّم) (5) بعد حملها على الثيب.
وعن الشيخ في النهاية وكتابي الحديث إلى أن اختصاص البكر بالسبع على وجه الاستحباب ، وأما الواجب لها فثلاث كالثيب ، جمعا بين ما تقدم وصحيح الحلبي عن أبي عبد الله عليه السلام (إذا تزوج الرجل بكرا وعنده ثيب فله أن يفضّل البكر بثلاثة أيام) (6) ، وخبر الحسن بن زياد عن أبي عبد الله عليه السلام (قلت له : الرجل تكون عنده المرأة فيتزوج جارية بكرا ، قال : فليفضّلها حين يدخل بها ثلاث ليال) (7) ، ومثلها مقطوعة سماعة (8).
إذا تقرر ذلك فيجب التوالي في الثلاث والسبع كما هو الظاهر من النصوص المتقدمة بل خبر البصري المتقدم (ثلاثة أيام ثم يقسّم) صريح في التوالي ، ولأن الغرض هو الإيناس ورفع الوحشة ولا يتم ذلك إلا بالتوالي.
ولا فرق في الزوجة الجديدة هنا بين الحرة والأمة والمسلمة والكتابية لإطلاق الأخبار المتقدمة ، ولأن المقصود من ذلك أمر يتعلق بالبضع وهو لا يختلف بالرقية والحرية ولا بالإسلام والكفر ، كما يشترك الجميع في مدة العنّة والإيلاء ، وعن بعضهم أنه يتشطر -
ص: 549
ليال ولاء (1) ، ولو فرقه (2) لم يحتسب ، واستأنف ، وقضى المفرّق (3) للأخريات (4).
ويحتمل الاحتساب (5) مع الإثم ، (والثيّب بثلاث) ولاء.
والظاهر أنّ ذلك (6) على وجه الوجوب (7).
ولا فرق بين كون الزوجة حرة وأمة مسلمة وكتابية إن جوّزنا تزويجها (8) دواما عملا (9) بالإطلاق ، واستقرب في التحرير تخصيص الأمة بنصف ما تختص به (10) لو كانت حرة ، وفي القواعد المساواة (11) ، وعلى التنصيف (12) يجب
______________________________________________________
- للأمة على حسب القسم فلها نصف ما للحرة ، وقرّبه في التحرير وإنما الكلام في كيفية التشطير على وجهين :
الأول : أنه يجب تكميل المنكسر فيثبت للبكر الأمة أربع ليال وللثيب الأمة ليلتان.
الثاني : أن للبكر ثلاث ليال ونصفا ، وللثيب ليلة ونصفا ، لأن المدة قابلة للتنصيف ويخرج عند انتصاف الليل إلى بيت منفرد أو مسجد ، كما عن المسالك والحدائق ، والأظهر الأول لأن الاختصاص المذكور من جملة القسم الذي لا يجوز فيه التشقيص فلا بد من تكميل المكسر حينئذ.
(1) من غير تفريق.
(2) أي فرق الزوج زمن الاختصاص المذكور.
(3) أي مقدار المفرق.
(4) لعدم كون المفرق من جملة ما تختص به الجديدة.
(5) أي احتساب المفرق وأنه من جملة ما تختص به الجديدة وإن عصى الزوج بعدم التوالي ، قال في المسالك : (ولو فرّق الليالي رأسا ففي الاحتساب به وجهان ، من امتثال الأمر بالعدد فكان ذلك بمنزلة القضاء ، ومن اشتمال التوالي على غاية لا تحصل بدونه كالانس وارتفاع الحشم والحياء) انتهى.
(6) أي اختصاص البكر بسبع والثيب بثلاث.
(7) إشارة إلى خلاف الشيخ حيث جعل الثلاث للبكر والثيب ، وأن ما زاد إلى السبع للبكر مستحب.
(8) أي الكتابية.
(9) تعليل لعدم الفرق ، والمعنى تمسكا بإطلاق النصوص المتقدمة.
(10) من بكر أو ثيب.
(11) بين الأمة والحرة في الاختصاص المذكور.
(12) من أن للأمة نصف ما للحرة من الاختصاص.
ص: 550
عليه (1) الخروج من عندها بعد انتصاف الليل (2) إلى مكان خارج عن الأزواج (3) ، كما يجب ذلك (4) لو بات عند واحدة نصف ليلة ثم منع من الإكمال ، فإنّه يبيت عند الباقيات مثلها (5) ، مع المساواة (6) ، أو بحسابه (7).
(وليس للزوجة أن تهب ليلتها للضرة إلا برضاء الزوج) (8) ، لأنّ القسم حقّ
______________________________________________________
(1) على الزوج.
(2) في الليلة الرابعة إن كانت بكرا ، لأن حقها ثلاث ليال ونصف ، وفي الليلة الثانية إن كانت ثيبا ، لأن حقها ليلة ونصف ، وهذا كله مبني على تشطير الاختصاص من دون تكميل المنكسر كما تقدم.
(3) إما إلى بيت منفرد له أو إلى مسجد ونحو ذلك.
(4) أي المبيت في مكان خارج عن الأزواج.
(5) أي مثل الليلة التي منع من إكمالها.
(6) أي المساواة بين الزوجات في الإسلام والحرية.
(7) وهو مع عدم المساواة ، فلو كان عنده أمة وحرة وقد منع من نصف ليلة الأمة فيسقط ليلة من ليلتي الحرة ، ولو منع من نصف ليلة من ليلتي الحرة فيسقط ربع ليلة من ليلة الأمة وهكذا.
هذا مع أنه في المسالك قد حكم بأن يقضي لها في الليلة التالية بقدر ما فات من ليلتها ويخرج باقي الليل إلى مكان خارج عن الأزواج ، ثم يعود إلى باقي النساء بقسمهن ، وأما ما ذكره هنا فمشكل لأنه لا يفي بحق الزوجة التي منع من الإكمال عندها مع أن حقها الليلة الكاملة ولذا لا يجوز جعل القسمة أقلّ من ليلة كما تقدم.
(8) إذا سامحت واحدة من زوجاته بحقها في القسمة لم يجب على الزوج القبول ، لأن القسم حق مشترك بين الزوجين فالاستمتاع بها حق للزوج فله أن يبيت عندها في نوبتها.
ولو وهبت إحدى نسائه ليلتها للضرة توقف ذلك عن رضا الزوج ، لأن القسم حق مشترك بين الزوجين فيعتبر رضا الزوج في ذلك كما يعتبر رضاها ، ولو رضي بات عند الموهوبة ليلتين ، ليلة لها وليلة الواهبة ، والأصل فيه المرسل عن النبي صلى الله عليه وآله وسلم (أن سودة بنت زمعة لمّا كبرت وهبت نوبتها لعائشة فكان النبي صلى الله عليه وآله وسلم يقسّم لها يوم سودة ويومها) (1).
ثم إن كانت ليلة الواهبة متصلة بليلة الموهوبة بات عند الموهوبة ليلتين على الولاء ، وإن كانت منفصلة عنها فيجب مراعاة النوبة فيهما ، لأن ما بين الليلتين حقّ سابق لإحدى -
ص: 551
مشترك بينهما (1) ، أو مختص به (2) على القول بعدم وجوبه (3) ابتداء ، فإن رضي بالهبة ووهبت (4) لمعينة منهن بات عندها (5) ليلتهما (6) ، كل ليلة في وقتها متصلتين كانتا أم منفصلتين.
وقيل (7) : يجوز وصلهما (8) ، تسهيلا عليه (9) ، والمقدار لا يختلف (10).
ويضعّف بأنّ فيه تأخير حق من بين ليلتين ، وبأنّ الواهبة قد ترجع بينهما ، والموالاة قد تفوّت حق الرجوع ، وإن وهبتها لهن سوّى (11) بينهن فيجعل الواهبة كالمعدومة ، ولو وهبتها له فله تخصيص نوبتها بمن شاء ، ويأتي في الاتصال والانفصال ما سبق.
(ولها الرجوع قبل تمام المبيت) (12) ، لأنّ ذلك بمنزلة البذل ، لا هبة حقيقة ،
______________________________________________________
- زوجاته الباقية فيجب مراعاته.
وهذا كله إذا وهبت ليلتها لضرة معينة أما لو وهبتها لبقية نسائه أو أسقطت حقها من القسمة وجب القسمة بين الباقيات ، لأن الموهوب حق للباقي من نسائه ، ولو وهبتها للزوج فله وضعها حيث شاء.
(1) بين الزوجين.
(2) بالزوج.
(3) أي بعدم وجوب القسم ، وهو مختص به قبل الابتداء ، أما لو ابتدأ فمن الواضح أن القسم حينئذ حق مشترك بين الزوجين.
(4) أي الزوجة.
(5) عند المعينة الموهوبة.
(6) ليلة الواهبة وليلة الموهوبة.
(7) لم يعرف القائل.
(8) في صورة الانفصال.
(9) على الزوج.
(10) أي مقدار المبيت المقرر لا يختلف سواء كان منفصلا أم متصلا.
(11) أي الزوج ، والتسوية إما بمعنى المبيت عند كل واحدة منهن بعض الليلة أو على معنى المبيت عند واحدة منهن في كل دور ليلة الواهبة.
(12) إذا وهبت ورضي الزوج لأن حق الاستمتاع مشترك بينهما ، فلها الرجوع ، لعدم كونها هبة حقيقة ولذا لم يشترط رضا الموهوبة فالهبة هنا بمعنى البذل ، فلذا لا يصح لها -
ص: 552
ومن ثمّ لا يشترط رضا الموهوبة(لا بعده (1)) لذهاب حقها من الليلة فلا يمكن الرجوع فيها ، ولا يجب قضاؤها لها ، (ولو رجعت في أثناء الليلة تحوّل إليها) ، لبطلان الهبة لما بقي من الزمان ، (ولو رجعت ولمّا يعلم فلا شي ء عليه) ، لاستحالة تكليف الغافل ، ولها أن ترجع في المستقبل ، دون الماضي ، ويثبت حقها من حين علمه به (2) ولو في بعض الليل.
(ولا يصح الاعتياض عن القسم بشي ء) من المال (3) ، لأنّ المعوض كون الرجل عندها ، وهو (4) لا يقابل بالعوض ، لأنّه ليس بعين ، ولا منفعة ، كذا ذكره الشيخ وتبعه عليه الجماعة ، وفي التحرير نسب القول إليه (5) ساكتا عليه مشعرا
______________________________________________________
- الرجوع فيما مضى بمعنى لا يقضى لكونه بمنزلة التلف المانع عن الرجوع به ، ويصح فيما يستقبل ، فلها الرجوع فيه بحيث لو رجعت في اثنا الليل وعلم الزوج بذلك خرج من عند الموهوبة وتحول إليها ، ولو رجعت ولم يعلم أثناء الزوج لم يقض ما مضى قبل علمه للأصل بعد عدم التقصير منه.
(1) أي بعد تمام المبيت.
(2) بالرجوع.
(3) لو التمست عوضا عن ليلتها فبذله الزوج هل يلزم ، قيل : لا يلزم كما عن الشيخ في المبسوط وتبعه عليه جماعة ، لأن العوض في مقابلة عين أو منفعة ، وهذا الحق من القسم ليس بعين ولا منفعة ، وإنما هو مأوى ومسكنا فلا تصح المعاوضة عليه بالمال.
وغيرهم على جواز المعاوضة عليه لمنع انحصار المعاوضة على العين والمنفعة إذ تجوز المعاوضة على الحقوق من باب الصلح ، كما تجوز على حق الشفعة والتحجير وغيرهما من الحقوق مضافا إلى خبر علي بن جعفر عن أخيه موسى عليه السلام (سألته عن رجل له امرأتان ، قالت إحداهما : ليلتي ويومي لك يوما أو شهرا أو ما كان ، أيجوز ذلك؟ قال عليه السلام : إذا طابت نفسها واشترى ذلك منها فلا بأس) (1).
وإطلاق الشراء على مثل هذه المعاوضة القائمة بالصلح مجاز ، لأن متعلق الشراء الأعيان المالية لا غيرها ، وصح الإطلاق لأنه كناية عن المعاوضة على الحق في الجملة.
(4) أي كون الرجل عندها.
(5) إلى الشيخ.
ص: 553
بتوقفه فيه ، أو تمريضه.
وله (1) وجه ، لأنّ المعاوضة غير منحصرة فيما ذكر (2) ، ولقد كان ينبغي جواز الصلح عليه (3) كما يجوز الصلح على حق الشفعة ، والتحجير ونحوهما من الحقوق.
وحيث لا تجوز المعاوضة(فيجب عليها ردّ العوض) إن كانت قبضته ، ويجب عليه القضاء لها إن كانت ليلتها قد فاتت ، لأنه (4) لم يسلم لها العوض.
هذا مع جهلهما بالفساد ، أو علمهما ، وبقاء العين ، وإلا (5) أشكل الرجوع (6) ، لتسليطه (7) على اتلافه (8) بغير عوض ، حيث يعلم (9) أنه (10) لا يسلم له.
وقد تقدم البحث فيه (11) في البيع الفاسد ، وأنّ المصنف مال إلى الرجوع مطلقا (12) كما هنا ، خلافا للأكثر(ولا يزور الزوج الضرة في ليلة ضرّتها) (13) ، لما
______________________________________________________
(1) للتمريض.
(2) من العين والمنفعة.
(3) على كون الرجل عندها ، فإنه من جملة حقوقها.
(4) أي لأن الشأن والواقع ، وهو تعليل لوجوب القضاء لها.
(5) أي ومع علمهما بالفساد وقد تلفت عين العوض.
(6) أي رجوع الزوج بالعوض ورجوع الزوجة بالليلة.
(7) أي تسليط كل واحد من المتعاقدين الآخر.
(8) أي إتلاف ما سلط عليه.
(9) تعليل لكون الاتلاف بغير عوض ، وضمير الفاعل راجع إلى كل واحد من المتعاقدين.
(10) أن العوض.
(11) في المعاوضة الفاسدة مع علم المتعاقدين.
(12) سواء تلف العوض أم لا.
(13) لما كان زمن القسمة هو الليل فلا يجوز صرف شي ء منه إلى غير صاحبة الليلة إلا بما جرت العادة به أو دلت قرائن الأحوال على إذنها فيه ، كالدخول على بعض أصدقائه من غير إطالة ، ولم تقم العادة ولم تشهد قرينة الحال بالدخول على الضرة في ليلة صاحبتها فلا يجوز ذلك إلا بإذن صاحبة الليلة ، لما في ذلك من منافاة العدل والايذاء غالبا ، -
ص: 554
فيه من تفويت حقها زمن الزيارة ، وكذا لا يدخل إليها فيها (1) لغير الزيارة ، إلا لضرورة ، فإن مكث عندها وجب قضاء زمانه (2) ما لم يقصر جدا ، بحيث لا يعدّ إقامة عرفا فيأثم خاصة (3).
وقيل : لا يجب القضاء إلا مع استيعاب الليلة ، والقولان للفاضل في القواعد والتحرير (4).
(ويجوز عيادتها في مرضها ، لكن يقضي لو استوعب الليلة عند المزورة) ، لعدم ايصالها حقها.
وقيل : لا كما لو زار أجنبيا.
وهل تحسب الليلة على المزورة؟ الظاهر لا ، لأنّها ليست حقها ، ولو لم يستوعب الليلة فلا قضاء هنا (5).
______________________________________________________
- ولأنها مستحقة لجميع أجزاء الليلة فلا يجوز صرف شي ء منها إلى غيرها.
نعم لو كانت الضرة مريضة جاز له عيادتها ، لقضاء العادة بذلك كما تجوز عيادة الأجنبي ، ولعدم التهمة في زيارتها لمكان المرض ، وقيّده في المبسوط بكون المرض ثقيلا وإلا لم يصح.
ثم لو خرج من عندها في الحال لم يجب قضاؤه لكونه قدرا يسيرا لا يقدح في المقصود ولو فرض أنه عاص بالدخول.
ولو استوعب الليلة عندها أو طال مكثه لغير العيادة فلا شبهة في القضاء وإن اختلفت كلمات العلامة في كتبه بالقضاء وعدمه ، ولو كان للعيادة وقد اقتضى المرض ذلك على نحو استيعاب الليلة فهل يقضيها لعدم وصول حق صاحبة الليلة إليها كما في المسالك ، أو لا يقضي كما لو زار أجنبيا فاستوعب الليلة عنده أو طال مكثه كما اختاره المحقق ثم على القولين من القضاء لصاحبة الليلة وعدمه فلا يحتسب على المزورة المريضة تلك الليلة ، لأنها ليست حقها.
(1) أي لا يدخل الزوج إلى الضرة في ليلة ضرتها.
(2) أي زمان المكث.
(3) إذا كان الدخول للزيارة من غير ضرورة.
(4) على نحو اللف والنشر المرتبين.
(5) بخلاف غير العيادة كما مرّ.
ص: 555
(والواجب) في المبيت(المضاجعة) وهي (1) أن ينام معها قريبا منها عادة ، معطيا لها وجهه دائما ، أو أكثريا بحيث لا يعدّ هاجرا وإن لم يتلاصق الجسمان ، (لا المواقعة) فإنها لا تجب ، إلا في كل أربعة أشهر مرة كما سلف ،
(ولو جار في القسمة قضى) (2) واجبا لمن أخلّ بليلتها ، فلو قسم (3) لكل واحدة من الأربع (4) عشرا (5) فوفّى من الزوجات ثلاثا ، ثم عاد عليهن (6) ، دون الرابعة ، بعشر (7) قضى لها (8) ثلاث عشرة ليلة وثلثا ، ولو باتها (9) منفردا قضى لها (10) عشرا خاصة.
ولو طلقها (11) قبل القضاء ، أو بعد حضور ليلتها قبل إيفائها بقي حقها في ذمته ، فإن تزوجها (12) ، أو راجعها (13) وجب عليه التخلص منها (14)
______________________________________________________
(1) قد تقدم معناها مع الدليل عليه فراجع.
(2) لا خلاف في وجوب القضاء لمن جار عليها في القسمة فأخلّ بليلتها ، ولكن القضاء مشروط ببقاء المظلومة في حباله ، وبأن يفضل له من الدور فضل يقضي به ، فلو كان عنده أربع فظلم إحداهن في ليلتها ، فإن كان ظلمها بترك المبيت عندها وقد قضى هذه الليلة عند غير البقية من زوجاته فلا يمكنه القضاء حينئذ إلى أن يطلق واحدة من البواقي أو تنشز أو تموت ليرجع إليه من الزمان ما يمكنه فيه القضاء.
ولو قضى هذه الليلة عند واحدة من البواقي فيقضيها من دورها كما في المسالك وغيره.
(3) هذا التفريع مبني على ما لو أسقط المظلومة من رأس ، وقد ساوى بين البقية من زوجاته فيقضي لها من الزمان ما فاتها ، وفي المسالك أنه يقضيه متواليا إلى أن يتم لها حقها ثم يرجع إلى العدل بين الجميع.
(4) من النسوة الأربع.
(5) أي عشر ليال برضاهن.
(6) على الثلاث من نسوته بعشر ليال ، بحيث بات عند كل واحدة في الدور الثاني ثلاث ليالي وثلثا.
(7) متعلق بقوله (ثم عاد عليهن).
(8) للرابعة وهي المظلومة التي أسقط حقها من رأس.
(9) أي العشر بحيث باتها منفردا عن أزواجه.
(10) للمظلومة.
(11) أي المظلومة.
(12) بعقد ثان.
(13) بالعقد الأول.
(14) من المظلومة بحيث يتخلص من حقها.
ص: 556
وإلا (1) استقرت المظلمة في ذمته (2).
وكذا لو فارق المظلوم بها وجدد غيرها (3) ، لأنّ قضاء الظلم يستلزم الظلم للجديدة ، ولو كان الظلم بعض ليلة (4) وجب عليه ايفاؤها قدر حقها واكمال باقي الليلة خارجا عن الزوجات ، ولو شك في القدر بنى على المتيقن (5).
(والنشوز) (6) واصله الارتفاع(وهو) هنا(الخروج عن الطاعة) : أي خروج
______________________________________________________
(1) أي وإن لم يتزوجها ولم يراجعها.
(2) ويتعين عليه التخلص من حقها بالصلح لجواز الصلح على مثل هذا الحق.
(3) والمعنى لو ظلم إحدى زوجاته بأن بات ليلتها عند ضرتها ، وقد عرفت أنه يقضي حقها من ليلة الأخرى ، هذا كله على تقدير كون نسائه أربعا ، فلو طلّق المظلوم بها وهي التي قضى عندها ليلة ضرتها ، وتزوج غيرها ، فالجديدة لها حق الاختصاص فلو أراد القضاء للمظلومة بدل ليلتها لظلم الجديدة بحق اختصاصها فيتعذر عليه التخلص من قضاء المظلومة ويتعين عليه الصلح كما تقدم في نظائر هذه المسألة.
(4) بحيث خرج من عند صاحبة الليلة ، إما إلى إحدى نسائه أو إلى مكان منفرد فعليه القضاء للمظلومة بمقدار ما فات من حقها في تلك الليلة ، فيجب القضاء من ليلة أخرى فإذا وفّاها حقها خرج من عندها إلى مكان منفرد عن الأزواج تحقيقا للعدل بين نسائه.
(5) لاصالة عدم الزائد.
(6) هو خروج أحد الزوجين عن الطاعة الواجبة على كل واحد منهما للآخر ، وأصله لغة الارتفاع ، يقال : نشز الرجل ينشز ، إذا كان قاعدا فنهض قائما ، ومنه قوله تعالى : ( وَإِذٰا قِيلَ انْشُزُوا فَانْشُزُوا ) (1) أي انهضوا إلى أمر من أمور الله تعالى ، وقد سمّي خروج أحدهما عن طاعة صاحبه نشوزا ، لأنه بمعصيته قد ارتفع عما أوجب الله تعالى عليه من الطاعة للآخر ، ولذلك خصّ النشوز بما إذا كان الخروج من أحدهما ، لأن الخارج ارتفع على الآخر فلم يقم بحقه ، ولو كان الخروج منهما معا خص باسم الشقاق كما سيأتي ، لاستوائهما معا في الارتفاع ، فلم يتحقق ارتفاع أحدهما عن الآخر.
وعلى كل فالنشوز قد يتحقق من الزوجة وإليه أشار قوله تعالى : ( وَاللّٰاتِي تَخٰافُونَ نُشُوزَهُنَّ فَعِظُوهُنَّ وَاهْجُرُوهُنَّ فِي الْمَضٰاجِعِ وَاضْرِبُوهُنَّ ، فَإِنْ أَطَعْنَكُمْ فَلٰا تَبْغُوا عَلَيْهِنَّ سَبِيلاً ) (2) ، -
ص: 557
أحد الزوجين عما يجب عليه من حق الآخر وطاعته ، لأنه بالخروج يتعالى عما أوجب الله تعالى عليه من الطاعة(فإذا ظهرت أمارته للزوج (1) بتقطيبها (2) في وجهه ، والتبرم) : أي الضجر والسأم(بحوائجه) التي يجب عليها فعلها من مقدمات الاستمتاع بأن تمتنع ، أو تتثاقل إذا دعاها إليه ، لا مطلق حوائجه ، إذ لا يجب عليها قضاء حاجته التي لا تتعلق بالاستمتاع ، (أو تغير عادتها في أدبها معه قولا) كأن تجيبه بكلام خشن بعد أن كان بلين ، أو غير مقبلة بوجهها بعد أن كانت تقبل ، (أو فعلا) كأن يجد إعراضا ، وعبوسا بعد لطف وطلاقة ، ونحو ذلك(وعظها (3)) أولا
______________________________________________________
- وقد يتحقق من الزوج وإليه أشار قوله تعالى : ( وَإِنِ امْرَأَةٌ خٰافَتْ مِنْ بَعْلِهٰا نُشُوزاً أَوْ إِعْرٰاضاً فَلٰا جُنٰاحَ عَلَيْهِمٰا أَنْ يُصْلِحٰا بَيْنَهُمٰا صُلْحاً ) (1).
وعليه فما عن الشيخ في النهاية من تخصيص النشوز بخروج الزوج عن الحق فليس بجيد.
(1) أي أمارة النشوز ، وهذا بالنسبة لنشوز الزوجة ، وأعلم أنه يجب على الزوجة التمكين من الاستمتاع فلو بذلت نفسها في زمن دون آخر ، ومكان دون آخر لم يحصل التمكين ، ويجب عليها مقدمات الاستمتاع كالتنظيف المعتاد لبدنها وإزالة المنفّر ، فلو امتنعت عن التمكين فهو النشوز ولو تبرمت بقضاء حوائجه من التمكين أو تبرمت من فعل مقدمات الاستمتاع فهو أمارات النشوز ، وكذا من أمارات النشوز تغيّر عادتها معه في القول والفعل بأن تجيبه بكلام خشن بعد أن كان بلين ، أو هي غير مقبلة بوجهها بعد أن كانت تقبل ، أو تظهر عبوسا وإعراضا وتثاقلا ودمدمة بعد أن كانت تتلطف له وتبادر وتقبل عليه ونحو ذلك من تغير العادة في الآداب ، وعليه فأمارة النشوز التبرم بقضاء حوائج الاستمتاع ومقدماته وتغيير عادتها معه في الآداب قولا أو فعلا.
(2) التقطيب هو العبوس ، وهو جمع الجلدة ما بين العينين.
(3) لا إشكال ولا خلاف في جواز ضرب الناشزة بعد وعظها وهجرها ، ولكن الخلاف في موردين :
الأول : هل هذه الأمور الثلاثة على التخيير أو الجمع أو الترتيب بالتدرج من الأخف إلى الأثقل كمراتب النهي عن المنكر.
المورد الثاني : على التقادير الثلاثة فهل هذه الأمور عند تحقق النشوز أو عند ظهور أمارته قبل وقوعه ، أو معهما بمعنى أن الوعظ والهجر عند ظهور الأمارة ، والضرب عند تحقق النشوز. -
ص: 558
بلا هجر ، ولا ضرب (1) فلعلها تبدي عذرا وتتوب عما جرى منها من غير عذر.
والوعظ (2) كأن يقول : اتقي الله في الحق الواجب لي عليك ، واحذري العقوبة ، ويبين لها ما يترتب على ذلك (3) من عذاب الله تعالى في الآخرة ،
______________________________________________________
- ومنشأ الخلاف في الموردين هو دلالة ظاهر الآية عند ذكر الثلاثة حيث قال تعالى ( وَاللّٰاتِي تَخٰافُونَ نُشُوزَهُنَّ فَعِظُوهُنَّ وَاهْجُرُوهُنَّ فِي الْمَضٰاجِعِ وَاضْرِبُوهُنَّ فَإِنْ أَطَعْنَكُمْ فَلٰا تَبْغُوا عَلَيْهِنَّ سَبِيلاً ) (1).
فالآية مشتملة على ذكر الأمور الثلاثة مع العطف بالواو المفيد للتخيير أو الجمع ، مع أن الآية قد علقت الأمور الثلاثة على خوف النشوز ولم تعلقها على نفس النشوز ، فالمحقق في النافع جعل الأمور الثلاثة عند ظهور أمارة النشوز إجراء للخوف على ظاهره الذي لا يتحقق إلا بتحقق أمارة النشوز ، وجعل الثلاثة على الترتيب فتقدم الموعظة فإن لم تنجع فالهجر ، فإن لم يفد فالضرب ، ولم يذكر حكم النشوز بالفعل ، وابن الجنيد جعل الأمور الثلاثة مترتبة على النشوز بالفعل ولم يذكر الحكم عند ظهور أماراته ، وجوّز الجمع بين الثلاثة ابتداء من غير تفصيل ، وجعل الخوف بمعنى العلم كقوله تعالى : ( فَمَنْ خٰافَ مِنْ مُوصٍ جَنَفاً ) (2) ، والمحقق في الشرائع والشيخ في المبسوط والعلامة في القواعد جعلوا الوعظ والهجر معلقين على ظهور أمارات النشوز ، والضرب مشروطا بحصول النشوز بالفعل ، مع أن ظاهر الآية جواز الضرب مع الخوف ، إلا أن الضرب عقوبة وتعزير والأصل فيها أن تكون منوطة بالحاكم ، والمحرّم على الزوجة هو النشوز وظهور أماراته لا يفيد اليقين به فلا ينبغي العقوبة على الذنب قبل وقوعه فلا بد من تحقق النشوز حتى يجوز الضرب ، فمرجع هذا القول إلى الأخذ بظاهر الآية مع مراعاة الاحتياط ، وعن العلامة في التحرير أن الوعظ مع ظهور أمارات النشوز ، ومع تحقق النشوز فالهجر ، فإذا أصرت عليه فالضرب ، ويكون المعنى في الآية واللاتي تخافون نشوزهن فعظوهن ، فإن نشزن فاهجروهن في المضاجع ، فإن أصررن فاضربوهن ، وهذا ما مال إليه الشارح هنا.
(1) ظاهره الترتيب بين الأمور الثلاثة ، لا التخيير ولا الجمع وهو الأوفق لمراتب النهي عن المنكر.
(2) فالمراد به تخويفها بالله سبحانه وتعالى وذكر ما ورد من حق الزوج على الزوجة مع بيان أن النشوز يسقط النفقة وحق القسم ، وقد تتأدب في ذلك.
(3) أي على النشوز.
ص: 559
وسقوط النفقة ، والقسم (1) في الدنيا.
(ثم حوّل ظهره إليها في المضجع (2)) بكسر الجيم إن لم ينجع الوعظ ، (ثم اعتزلها) (3) ناحية في غير فراشها ، (ولا يجوز ضربها) إن رجا رجوعها بدونه (4) (فإذا امتنعت من طاعته فيما يجب له) ولم ينجع ذلك كله(ضربها (5) مقتصرا على)
______________________________________________________
(1) أي قسمة الليالي بين زوجاته.
(2) وهو الهجر ، هذا وقد اختلفت فيه كلماتهم فعن علي بن إبراهيم أنه السبّ ولا دليل عليه كما في الرياض ، وعن بعض أنه كناية عن ترك الجماع ، وعن الصدوقين وابن البراج والمحقق في الشرائع أن يجعل إليها ظهره ، وعن الشيخ في المبسوط والحلي أن يترك فراشها ، وعن المفيد وجماعة التخيير بين اعتزال فراشها أو تحويل ظهره إليها في المضجع ، هذا والأقوى في تفسير الهجر أن يعطيها ظهره لما نسبه في المبسوط إلى رواية أصحابنا (1) ، ونسبه الطبرسي في مجمع البيان إلى الإمام الباقر عليه السلام (2) ، وصرّح به في الفقه الرضوي (والهجران هو أن يحوّل إليها ظهره في المضجع) (3).
(3) ظاهره أن الهجر له قسمان :
الأول : تحويل الظهر إليها في الفراش.
الثاني : اعتزالها في غير فراشها ، وأن الأول أول الهجر والثاني أخره ، وهذا قول في قبال قول المفيد وجماعة بالتخيير على ما تقدم نقله.
(4) بدون الضرب.
(5) وقد اختلف فيه ، فقد نقل الشيخ في المبسوط عن قوم أن يكون الضرب بمنديل ملفوف أو درة ولا يكون بسياط أو خشب ، وعن بعض أن يكون الضرب بالسواك ، وقد رواه في مجمع البيان عن الإمام الباقر عليه السلام (4) ، وبه صرح في الفقه الرضوي حيث قال (والضرب بالسواك ونحوه ضربا رقيقا) (5) ، وعن المشهور كما في الرياض أنه يقتصر بالضرب على ما يؤمل معه رجوعها ما لم يكن داميا للحم ولا مهشما للعظم وهو المفسر -
ص: 560
(ما يؤمّل به رجوعها) فلا تجوز الزيادة عليه مع حصول الغرض به ، وإلا تدرّج إلى الأقوى فالأقوى(ما لم يكن مدميا ، ولا مبرّحا) أي شديدا كثيرا (1) قال الله تعالى : ( وَاللّٰاتِي تَخٰافُونَ نُشُوزَهُنَّ فَعِظُوهُنَّ وَاهْجُرُوهُنَّ فِي الْمَضٰاجِعِ وَاضْرِبُوهُنَّ ) (2).
والمراد فعظوهن إذا وجدتم أمارات النشوز ، واهجروهن إن نشزن ، واضربوهن إن أصررن عليه (3). وأفهم قوله تعالى : في المضاجع ، أنه لا يهجرها في الكلام (4) ، وهذا (5) فيما زاد عن ثلاثة أيام لقوله صلى الله عليه وآله وسلم : «لا يحلّ لمسلم أن يهجر أخاه في الكلام فوق ثلاث» (6) ، ويجوز (7) في الثلاثة إن رجا به رجوعها (8) ، ولو حصل بالضرب تلف ، أو ادماء ضمن.
(ولو نشز) الزوج (9) (بمنع حقوقها) الواجبة لها عليه من قسم ، ونفقة(فلها)
______________________________________________________
- بما لا يكون مدميا ولا برحا ، ويشهد له النبوي المروي في تحف العقول (وتهجروهن في المضاجع وتضربوهن ضربا غير مبرح) (1).
(1) فالشديد من ناحية الكيف والكثير من ناحية الكم هذا واعلم أنه يجب في الضرب اتقاء المواضع المخوفة كالوجه والخاصرة ومراق البطن ونحو ذلك ، وأن لا يوالي الضرب على موضع واحد ، بل يفرقه على المواضع الصلبة مراعيا فيه الاصلاح ، لا التشفي والانتقام ، مع تحريم الضرب بقصد التشفي والانتقام مطلقا ، ومن هنا تعرف موارد جواز ضرب الولي للصبي تأديبا وإصلاحا لا تشفيا وانتقاما ، ثم لو حصل بالضرب تلف أو ادماء ضمن لاطلاق أدلته من جهة ومن جهة أخرى أنه مع التلف والادماء لا يكون ضربا مأذونا فيه حتى يقال إنه مع الرخصة بالضرب كيف يضمن.
(2) النساء آية : 34.
(3) على النشوز ، وهو قول العلامة في التحرير وقد تقدم.
(4) لتخصيص الهجر في المضاجع بمقتضى الآية.
(5) أي الهجر في الكلام.
(6) مستدرك الوسائل الباب - 124 - من أبواب أحكام العشرة من كتاب الحج حديث 1.
(7) أي الهجر في الكلام.
(8) ويكون الهجر في الكلام حينئذ من باب النهي عن المنكر ولذا يكون جائزا في الثلاثة.
(9) هذا هو القسم الثاني من النشوز ، وهو أن يتعدى الزوج ويمنعها بعض حقوقها الواجبة من -
ص: 561
(المطالبة) بها (1) ، (وللحاكم إلزامه بها) (2) ، فإن أساء خلقه وأذاها بضرب وغيره بلا سبب صحيح نهاه (3) عن ذلك (4) ، فإن عاد إليه (5) عزّره (6) بما يراه (7) ، وإن قال
______________________________________________________
- نفقة أو قسمة أو يسي ء خلقه معها ويؤذيها ويضربها بغير سبب مبيح له ذلك ، فإن نجع فيه وعظها فهو ويكون من باب النهي عن المنكر ، وإلا رفعت أمرها إلى الحاكم وكان للحاكم إلزامه بالطاعة ، وليس لها أن تهجره ولا أن تضربه وإن رجت عوده إلى الحق بهما ، بلا خلاف في ذلك ، لأن الهجران في المضجع والضرب متوقف على الأذن الشرعي وهو منتف هنا ، بل في الآية المتقدمة التنبيه على تفويض الهجر والضرب إليه لا إليها ، ثم لو كان الزوج لم يمنعها شيئا من حقوقها ولا يؤذيها بضرب أو سبّ ولكن يكره مصاحبتها لمرض أو كبر فلا يدعوها إلى فراشه ، أو يهمّ بطلاقها فلا شي ء عليه ، نعم يحسن أن تسترضيه بترك بعض حقها من القسم والنفقة ، ويحل له قبوله بلا خلاف فيه للأخبار.
منها : صحيح الحلبي عن أبي عبد الله عليه السلام (سألته عن قول الله عزوجل : ( وَإِنِ امْرَأَةٌ خٰافَتْ مِنْ بَعْلِهٰا نُشُوزاً أَوْ إِعْرٰاضاً ) ، فقال عليه السلام : هي المرأة تكون عند الرجل فيكرهها فيقول لها : إني أريد أن أطلقّك ، فتقول له : لا تفعل ، إني أكره أن تشمت بي ، ولكن انظر في ليلتي فاصنع بها ما شئت ، وما كان سوى ذلك من شي ء فهو لك ، ودعني على حالتي ، فهو قوله تعالى : ( فَلٰا جُنٰاحَ عَلَيْهِمٰا أَنْ يُصْلِحٰا بَيْنَهُمٰا صُلْحاً ) ، وهذا هو الصلح) (1) ومثله غيره.
وظاهره جواز قبول ما تبذله المرأة في قبال ما يريد فعله من الطلاق ، والطلاق ليس بمحرم عليه ، نعم لو أراد النشوز المحرّم عليه فبذلت له في قبال ذلك حلّ له وإن كان آثما لنشوزه ، ما لم يكن النشوز سببا مكرها لها على البذل فيحرم القبول حينئذ لعدم اختيارها في البذل ، مع أنه لا يحل القبول إلا برضاها.
(1) بحقوقها التي تركها الزوج.
(2) بحقوقها التي تركها الزوج.
(3) أي نهى الحاكم الزوج.
(4) عن إساءة الخلق والأذية بالضرب وغيره.
(5) إلى ما ذكره من الإساءة والأذية.
(6) أي الحاكم ، والتعزير جائز على كل معصية.
(7) أي بما يراه الحاكم.
ص: 562
كل منهما : إن صاحبه متعدّ (1) تعرّف الحاكم الحال بثقة في جوارهما يختبرهما ومنع الظالم منهما.
(ولو تركت) الزوجة(بعض حقوقها) الواجبة لها عليه من قسمة ونفقة(استمالة له حلّ) له(قبوله) ، وليس له منع بعض حقوقها لتبذل له مالا ليخلعها ، فإن فعل فبذلت إثم وصح قبوله ولم يكن (2) إكراها.
نعم لو قهرها عليه (3) بخصوصه لم يحلّ.
(والشقاق (4) - هو أن يكون النشوز منهما) كأن كان كل واحد منهما قد صار في شق غير الآخر (5) (وتخشى الفرقة) (6) ، أو الاستمرار على ذلك (7) (فيبعث الحاكم (8).)
______________________________________________________
(1) وهنا يشتبه الناشز منهما ، فالحاكم إن عرف الحال باطلاع أو اقرار من أحد الزوجين ، أو بشهود مطلعين على حالهما فهو ، وإلا نصب عليها ثقة في جوارهما يختبرهما ، ويحكم بما يتبين له ، فإن ثبت تعدي الزوج نهاه عن فعل ما يحرم وأمره بفعل ما يجب ، فإن عاد عزّره بما يراه ، ولو امتنع من الانفاق مع قدرته جاز للحاكم أن ينفق عليها من مال الزوج ولو ببيع شي ء من عقاره إذ توقف الانفاق على ذلك.
(2) أي البذل.
(3) على البذل.
(4) لما كان ارتفاع أحدهما على الآخر دون صاحبه مختصا باسم النشوز ، ناسب أن يخصّ التعدي من كل منهما على الآخر باسم الشقاق ، لأنهما تشاركا في التعدي والتباعد ، فكأن كلا منهما صار في شق - وهو الجانب - غير شق الآخر.
والشقاق مصدر على وزن فعال من الشق بالكسر أي الناحية ، فلذا كان كل منهما في ناحية غير ناحية الآخر ، باعتبار حصول الكراهة والاختلاف في الرأي ونحو ذلك.
(5) أي غير شق الآخر.
(6) وهي الطلاق بسبب الشقاق.
(7) أي على الشقاق ، والاستمرار معطوف على الفرقة.
(8) إذا حصل الشقاق بين الزوجين فحكمه أن يبعث حكمان على تفصيل سيأتي ، والأصل فيه قوله تعالى : ( وَإِنْ خِفْتُمْ شِقٰاقَ بَيْنِهِمٰا فَابْعَثُوا حَكَماً مِنْ أَهْلِهِ وَحَكَماً مِنْ أَهْلِهٰا ، إِنْ يُرِيدٰا إِصْلٰاحاً يُوَفِّقِ اللّٰهُ بَيْنَهُمٰا ، إِنَّ اللّٰهَ كٰانَ عَلِيماً خَبِيراً ) (1). -
ص: 563
(الحكمين من أهل الزوجين) (1) : أي أحدهما من أهله ، والآخر من أهلها كما تضمنت الآية الشريفة لينظرا في أمرهما (2) بعد اختلاء (3) حكمه به (4) ، وحكمها بها ، ومعرفة ما عندهما في ذلك.
______________________________________________________
- وقد اختلفت كلمات القوم في أن الباعث للحكمين هل هو الحاكم كما عليه الأكثر ، لأن ظاهر الآية كون المخاطب ببعث الحكمين هو غير الزوجين ، فضمير الزوجين في الآية قد وقع للمثنى الغائب ، والمأمور بالبعث في الآية هو الخائف من شقاقهما ، فلو كان الباعث للحكمين هو الزوجان لتساوت الضمائر من حيث الحضور والغيبة ومن حيث التثنية والجمع.
وعن الصدوقين أن الباعث هو الزوجان ، وعن المحقق في النافع أن الباعث هو أهل الزوجين ، وعن ابن الجنيد أن الحاكم بأمر الزوجين أن يبعثا حكمين ، وليس على هذه الأقوال دليل بعد عدم مساعدة الآية عليها.
(1) هل يشترط كون الحكمين من أهل الزوجين ، بمعنى كون المبعوث من قبلها من أهلها ، والمبعوث من قبله من أهله كما عن العلامة في المختلف وابن إدريس ، وعليه ظاهر الآية المتقدمة ويؤيده أن الأهل اعرف بالمصلحة من الأجانب.
أو يجوز أن يكون الحكمان أجنبيين كما عن المحقق في الشرائع والنافع والشيخ في المبسوط وابن حمزة في الوسيلة والعلامة في بعض كتبه بل عليه الأكثر كما في المسالك لعدم اعتبار القرابة في الحكم ولا في التوكيل ، والغرض يحصل بالأجنبي كما يحصل بالقريب ، والآية مسوقة للارشاد إلى ما هو الأصلح فلا يدل الأمر فيها على الوجوب ، نعم لو تعذر الأهل فلا كلام في جواز الأجنبي.
(2) أمر الزوجين.
(3) أي بعد انفراد.
(4) أي بعد انفراد حكم الزوج بالزوج ، وحكم الزوجة بالزوجة ، هذا وينبغي أن يخلو حكم الرجل بالرجل وحكم المرأة بالمرأة خلوة غير محرمة ليتعرف ما عند الزوجين وما فيه رغبتهما ليتمكن الحكمان من الرأي الصواب ، وينبغي للحكمين إخلاص النية في السعي وقصد الاصلاح فمن حسنت نيته فيما تحراه أصلح الله مسعاه ، وكان ذلك سببا لحصول مبتغاه ، كما نبّه عليه قوله تعالى في الآية المتقدمة ( إِنْ يُرِيدٰا إِصْلٰاحاً يُوَفِّقِ اللّٰهُ بَيْنَهُمٰا ) (1) ، ومفهوم الشرط أن عدم التوفيق بين الزوجين يدل على فساد قصد الحكمين أو أحدهما.
ص: 564
وهل بعثهما واجب ، أو مستحب وجهان (1) : أوجههما الوجوب عملا بظاهر الأمر من الآية(أو من غيرهما (2)) لحصول الغرض (3) به (4) ، ولأنّ القرابة غير معتبرة في الحكم ، ولا في التوكيل ، وكونهما (5) من الأهل في الآية للإرشاد إلى ما هو الأصلح.
وقيل : يتعين كونهما من أهلهما عملا بظاهر الآية ، ولأنّ الأهل أعرف بالمصلحة من الأجانب ، ولو تعذر الأهل فلا كلام في جواز الأجانب.
وبعثهما يكون(تحكيما) (6) ، لا توكيلا ، لأنّ الله خاطب بالبعث الحكام ،
______________________________________________________
(1) هل بعث الحكمين واجب أو مندوب ، قولان ، ذهب جماعة إلى الأول ، لدلالة ظاهر الأمر بالبعث في الآية على الوجوب ، ولكون الظاهر من حال الشقاق وقوع الزوجين أو أحدهما في المحرّم فيجب تخليصهما منه من باب الحسبة.
وعن العلامة في التحرير الاستحباب للأصل وظهور الأمر بالبعث في الآية في الارشاد فلا يدل على الوجوب ، ولإمكان الاصلاح بدون البعث فلا يكون واجبا وإن كان راجحا نظرا إلى ظاهر الأمر في الآية.
(2) أي من غير أهل الزوجين.
(3) من التحكيم.
(4) أي بالأجنبي.
(5) أي الحكمين.
(6) المشهور على أن بعث الحكمين إنما هو على سبيل التحكيم بحيث إذا رأى الحكمان الاصلاح فعلاه من غير استئذان الزوجين ، وما اتفقا عليه فهو لازم على الزوجين ، ويدل عليه ظاهر الكتاب حيث سماهما الله في الآية المتقدمة بالحكمين ، وقد خاطب ببعثهما الحكام ، مع أن الوكيل مأذون ليس بحكم ، ولأنه لو كان توكيلا لخاطب بالبعث الزوجين.
وعن القاضي ابن البراج أنه توكيل ، لأن البضع حق للزوج والمال حق للزوجة وهما رشيدان بالغان فلا يكون لأحد ولاية عليهما ، فلا يكون الحكمان إلا وكيلين ، ولأنه يعتبر في الحكمين الاجتهاد فلو كانا غير وكيلين وعلى سبيل التحكيم كان اللازم اعتبار الاجتهاد في الحكمين مع أنه غير معتبر بالاتفاق ، ويردّ الأول أنه لا مانع من الحكم على البالغ الرشيد إذا امتنع عن الحق ، ويرد الثاني أن الباعث للحكمين هو الحاكم الشرعي والاجتهاد معتبر فيه ، نعم الحكمان وكيلان عن الحاكم الشرعي.
ص: 565
وجعلهما (1) حكمين ، ولو كان (2) توكيلا لخاطب به الزوجين ، ولأنهما (3) إن رأيا الاصلاح فعلاه من غير استئذان (4) ، وإن رأيا التفريق (5) توقف على الإذن (6) ، ولو كان (7) توكيلا لكان تابعا لما دلّ عليه لفظهما (8).
وبذلك يضعّف قول القاضي بكونه (9) توكيلا ، استنادا إلى أن البضع حقّ للزوج ، والمال (10) حقّ للمرأة ، وليس لأحد التصرف فيهما إلا بإذنهما (11) ، لعدم الحجر عليهما (12) ، لأنّ (13) إذن الشارع قد يجري على غير المحجور كالمماطل (14).
وحيث كان (15) تحكيما(فإن اتفقا (16) على الاصلاح) بينهما(17) (فعلاه) من غير مراجعة(18) ، (وإن اتفقا على التفريق لم يصح إلا بإذن الزوج في الطلاق ،)
______________________________________________________
(1) أي سماهما الله في الآية المتقدمة بالحكمين.
(2) أي البعث.
(3) أي الحكمين.
(4) من قبل الزوجين.
(5) أي الطلاق.
(6) من قبل الزوج كما سيأتي بيانه ، وفي هذا دلالة على أن البعث تحكيم لا توكيل لما ذكره الشارح.
(7) أي البعث.
(8) أي لفظ الزوجين في الاصلاح والطلاق.
(9) أي بكون البعث.
(10) عند بذل المرأة له ليخلعها الزوج.
(11) أي بإذن الزوجين.
(12) على الزوجين ، لأنهما بالغان رشيدان.
(13) جواب من الشارح عن دليل القاضي.
(14) وهو الممتنع عن الحق.
(15) أي البعث.
(16) أي الحكمان.
(17) بين الزوجين.
(18) أي من غير مراجعة الزوجين ، هذا واعلم أن الحكمين يتبع نظرهما في الصلح من دون مراجعة الزوجين ، لأنه مقتضى تحكيمهما بلا خلاف فيه ، ولو رأيا الفرقة بطلاق أو خلع فالمشهور على مراجعة الزوجين ، فيراجع الزوج في الطلاق والمرأة في البذل ، أما مراجعة -
ص: 566
(وإذن الزوجة في البذل) إن كان خلعا ، لأنّ ذلك (1) هو مقتضى التحكيم.
(وكلما شرطاه) أي الحكمان على الزوجين(يلزم إذا كان (2) سائغا) شرعا وإن لم يرض به الزوجان ، ولو لم يكن سائغا كاشتراط ترك بعض النفقة ، أو القسمة ، أو أن لا يسافر بها لم يلزم الوفاء به.
ويشترط في الحكمين : البلوغ ، والعقل (3) ، والحرية ، والعدالة (4) ، والاهتداء
______________________________________________________
- الزوج للنبوي (الطلاق بيد من أخذ بالساق) (1) ، وأما مراجعة المرأة ، فلأن المال مالها والناس مسلّطون على أموالهم ، ويشهد له صحيح محمد بن مسلم عن أحدهما عليهما السلام (سألته عن قول الله عزوجل : فابعثوا حكما من أهله وحكما من أهلها ، قال عليه السلام : ليس للحكمين أن يفرّقا حتى يستأمرا) (2).
وعن ابن الجنيد جواز طلاق الحكمين من دون إذن الزوج على تشكيك في النسبة ، واستدل له بخبر ابن سيرين عن عبيدة المروي في تفسير العياشي (أتى عليّ بن أبي طالب رجل وامرأة ، مع كل واحد منهما فئام من الناس ، فقال علي عليه السلام : ابعثوا حكما من أهله وحكما من أهلها ، ثم قال للحكمين : هل تدريان ما عليكما ، إن رأيتما أن تجمعا جمعتما ، وإن شئتما أن تفرقا فرّقتما ، فقالت المرأة : رضيت بكتاب الله عليّ ولي ، فقال الرجل : أما في الفرقة فلا ، فقال علي عليه السلام : لا تبرح حتى تقرّ بما أقرت به) (3) ، وعلى كلّ فلو اختلف الحكمان لم يمض على الزوجين حكم لهما ، بلا إشكال ، للأصل ، واختصاص الأدلة باتفاقهما ، مع استحالة الترجيح من غير مرجح.
(1) من عدم الوقوف على إذن الزوجين في الحكم الأول.
(2) أي الشرط ، هذا واعلم أنه إذا اشترط الحكمان عليهما شرطا أو على أحدهما فيجب الوفاء به لعموم (المؤمنون عند شروطهم) (4) ، بعد جعل الحكم إلى الحكمين لا إلى الزوجين ، نعم لو كان الشرط غير مشروع وهو غير السائغ فلا يجب الوفاء به ، لعدم شمول العموم المتقدم له.
(3) أما البلوغ والعقل فلسلب عبارة الصبي والمجنون شرعا.
(4) قال في المسالك : (وأما العدالة والحرية فإن جعلناهما حكمين اعتبرا قطعا ، وإن جعلناهما -
ص: 567
إلى ما هو المقصود من بعثهما (1) ، دون الاجتهاد (2).
(ويلحق الولد بالزوج الدائم) (4) نكاحه(بالدخول) بالزوجة ، (ومضي ستة أشهر) هلالية(من حين)
______________________________________________________
- وكيلين ففي اعتبارهما وجهان ، أجودهما العدم ، لأنهما ليسا شرطا في التوكيل) انتهى كلامه.
(1) وإلا فالعاجز عن الاهتداء لا معنى لبعثه حكما.
(2) لإطلاق الآية ، نعم الاجتهاد معتبر في الحاكم الشرعي الذي يبعثهما وهذا أمر آخر.
(3) أولاد الزوجات دواما وانقطاعا ، وأولاد الموطوءة بالشبهة.
(4) أما أولاد الزوجة الموطوءة بالعقد الدائم فهم يلحقون بالزوج بشروط ثلاثة : الأول : الدخول ، بلا خلاف فيه والأخبار الآتية شاهدة به ، وإنما الكلام في موردين :
الأول : إذا دخل بها قبلا ولم ينزل ، أو دخل بها دبرا وانزل ، والمشهور على إلحاق الولد بالزوج ، وعن الحلي في السرائر والعلامة في التحرير وسيد الرياض وجماعة عدم الالحاق ، لأنه مع عدم المني في فرجها أو مع كون المني في دبرها وقد علم عدم وصول المني إلى فرجها فلا يكون الولد منه فكيف يلحق به ، ومما يشهد له خبر أبي البختري عن جعفر بن محمد عن أبيه عن علي عليهم السلام (جاء رجل إلى رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم فقال : كنت أعزل عن جارية لي فجاءت بولد ، فقال صلى الله عليه وآله وسلم : (الوكاء قد ينفلت فألحق به الولد) (1) ، ولو كان مجرد الدخول كافيا للإلحاق لما حسن التعليل بانفلات الوكاء.
واستدل للمشهور بخبر أبي مريم الأنصاري عن أبي جعفر عليه السلام (إذا أتاها فقد طلب ولدها) (2) ، وهو مطلق يشمل محل النزاع ، والإتيان يشمل مطلق الدخول قبلا ودبرا ، أنزل أو لا ، وسواء تحقق الدخول بتمام العضو أو بغيبوبة الحشفة ، لأن المدار على الدخول الموجب للغسل والعدة.
المورد الثاني : ما لو أنزل على الفرج ولم يدخل فالمعروف إلحاق الولد به لخبر أبي البختري عن جعفر بن محمد عن أبيه عليهما السلام (أن رجلا أتى عليّ بن أبي طالب عليه السلام فقال : إن امرأتي هذه حامل وهي جارية حدثة وهي عذراء ، وهي حامل في تسعة أشهر ، ولا أعلم إلا خيرا وأنا شيخ كبير ما افترعتها وإنها لعلى حالها ، فقال له علي عليه السلام : نشدتك الله هل كنت تهريق على فرجها ، قال : نعم - إلى أن قال - قال علي عليه السلام : -
ص: 568
(الوطء) (1). والمراد به (2) - على ما يظهر من اطلاقهم ، وصرح به المصنف في قواعده - غيبوبة الحشفة قبلا ، أو دبرا وإن لم ينزل ولا يخلو ذلك (3) من إشكال إن لم يكن مجمعا عليه ، للقطع بانتفاء التولد عنه (4) عادة في كثير من موارده (5) ، ولم أقف على شي ء ينافي ما نقلناه (6) يعتمد عليه.
(وعدم تجاوز (7) أقصى الحمل) وقد اختلف الأصحاب في تحديده فقيل :
______________________________________________________
- ألحقت بك ولدها) (1).
وعليه فالمدار على إمكان نشوء الولد من منيه فيلحق به.
(1) هذا هو الشرط الثاني للإلحاق ، ولا عبرة بالأقل في الولد الكامل ، وستة أشهر هي أقل الحمل بلا خلاف فيه لقوله تعالى : ( وَحَمْلُهُ وَفِصٰالُهُ ثَلٰاثُونَ شَهْراً ) (2) مع قوله تعالى : ( وَفِصٰالُهُ فِي عٰامَيْنِ ) (3) فيتعين أن يكون أقل الحمل ستة أشهر ، وللأخبار الآتية.
نعم في غير الكامل مما تسقطه المرأة فإن علم عادة أو احتمل أنه منه لحق بالزوج وترتب عليه أحكام التكفين ومئونة التجهيز ونحو ذلك من الأحكام ، وإن علم انتفاؤه عنه لغيبة عن أم الولد مدة تزيد عن تخلقه انتفى عنه قطعا.
ثم المراد بالأشهر الأعم من الهلالية أو العددية ، والثاني عند التلفيق.
(2) بالوطء.
(3) أي إطلاق الوطي على جميع ما ذكر.
(4) عن الزوج.
(5) أي موارد هذا الاطلاق ، وذلك فيما لو دخل فرجا ولم ينزل ، أو دخل دبرا وانزل وعلم بعدم سبق المني إلى الفرج.
(6) من إطلاق الوطي على الجميع.
(7) هذا هو الشرط الثالث للإلحاق ، بلا خلاف ، وإنما الخلاف في تحديده بعد إطباقهم على أنه لا يزيد أقصى الحمل عن سنة ، والمشهور بينهم أنه تسعة أشهر للأخبار.
منها : خبر وهب عن أبي عبد الله عليه السلام (قال أمير المؤمنين عليه السلام : يعيش الولد لستة أشهر ولسبعة أشهر ولتسعة أشهر ، ولا يعيش لثمانية أشهر) (4) ، ومرسل عبد الرحمن بن -
ص: 569
تسعة أشهر. وقيل : عشرة ، (وغاية ما قيل فيه عندنا سنة). ومستند الكل مفهوم الروايات (1) ، وعدل المصنف عن ترجيح قول ، لعدم دليل قوي على الترجيح.
______________________________________________________
- سيّابة عن أبي جعفر عليه السلام (سألته عن غاية الحمل بالولد في بطن أمه كم هو؟ فإن الناس يقولون : ربما بقي في بطنها سنتين - سنين خ - فقال عليه السلام : كذبوا ، أقصى مدة الحمل تسعة أشهر ، ولا يزيد لحظة ، ولو زاد لحظة لقتل أمه قبل أن يخرج) (1) ، وخبر محمد بن حكيم عن أبي الحسن عليه السلام في حديث (قلت : فإنها ادعت الحمل بعد تسعة أشهر ، قال عليه السلام : إنما الحمل تسعة أشهر) (2) ، وخبر أبان عن أبي عبد الله عليه السلام قال : (إن مريم حملت بعيسى تسع ساعات ، كل ساعة شهرا) (3) ، وهذه الطائفة ضعيفة السند إلا أنها منجبرة بعمل الأصحاب بها. وعن الشيخ في المبسوط والمحقق في الشرائع والعلامة في أكثر كتبه أن أقصى الحمل عشرة أشهر ، وقد اعترف سيد الرياض وصاحب الجواهر وغيرهم بعدم النص عليه فقال في الجواهر : (إلا أنا لم نقف على ما يدل عليه بالخصوص فيما وصل إلينا من النصوص ، وإن حكي عن جماعة أن به رواية) انتهى.
وعن جماعة منهم السيد في الانتصار والعلامة في المختلف وأبو الصلاح الحلبي والشارح في المسالك أن أقصى الحمل هو سنة للأخبار.
منها : صحيح عبد الرحمن بن الحجاج (سمعت أبا إبراهيم عليه السلام يقول : إذا طلق الرجل امرأته فادّعت حبلا انتظر بها تسعة أشهر فإن ولدت ، وإلا اعتدت بثلاثة أشهر ثم قد بانت منه) (4) ، وخبر أبان عن أبي حكيم عن أبي إبراهيم عليه السلام في حديث (يطلقها زوجها فتقول أنا حبلى فتمكث سنة ، فقال : إن جاءت به لأكثر من سنة لم تصدّق ولو ساعة واحدة في دعواها) (5) ومثلها غيرها ، هذا وقد أجاد الشارح في المسالك حيث قال : (وهذا القول أقرب إلى الصواب وإن وصفه المصنف بالترك ، إذ لم يرد دليل معتبر على كون أقصاه أقل من السنة ، فاستصحاب حكمه وحكم القرائن أنسب ، وإن كان خلاف الغالب ، وقد وقع في زماننا ما يدل عليه ، مع أنه يمكن تنزيل تلك الأخبار على الغالب ، كما يشعر به قوله عليه السلام : إنما الحمل تسعة أشهر ، ثم أمر بالاحتياط ثلاثة ، نظرا إلى النادر ، ولكن مراعاة النادر. أولى من الحكم بنفي النسب من أهله ، بل يترتب ما هو أعظم من ذلك على المرأة مع قيام الاحتمال) انتهى.
(1) قد عرفت عدم الدليل على العشرة وهذا مناف لظاهر كلام الشارح هنا ، بل كلامه هنا -
ص: 570
ويمكن حمل الروايات على اختلاف عادات النساء فإنّ بعضهن تلد لتسعة ، وبعضهن لعشرة ، وقد يتفق نادرا بلوغ سنة ، واتفق الأصحاب على أنّه لا يزيد عن السنة مع أنهم رووا أنّ النبي صلى الله عليه وآله وسلم حملت به أمه أيام التشريق (1) ، واتفقوا على أنّه ولد في شهر ربيع الأول (2) ، فأقل ما يكون لبثه في بطن أمه سنة وثلاثة أشهر (3) ،
______________________________________________________
- مناف أيضا لكلامه في المسالك حيث قال : (والقول بأن أقصاه عشرة للشيخ في موضع من المبسوط واستحسنه المصنف هنا ، والعلامة في أكثر كتبه ، وذكر جماعة أن به رواية ، ولكن لم أقف عليها ، وكيف كان فهو أقرب من القول بالتسعة). انتهى.
(1) من ذي الحجة ، وهي ثلاثة أيام بعد الأضحى.
(2) إما في ثاني عشر أو في سابع عشر منه ، والأول للعامة والكليني منا ، والثاني للمشهور عند الخاصة.
(3) لأنه لو أريد من شهر ربيع الأول هو رابع شهر بعد ذي الحجة من نفس السنة للزم كون الحمل ثلاثة أشهر ، ولو أريد منه شهر ربيع من السنة التي بعدها فيلزم كون الحمل سنة وثلاثة أشهر ، وكل منهما مشكل لأن أقل الحمل ستة أشهر وهذا ما ينفي الأول ، وأقصاه سنة وهذا ما ينفي الثاني ، مع ضميمة أنه لم ينقل عن أحد من العلماء أن ذلك من خصائصه صلى الله عليه وآله وسلم ،
هذا هو الاشكال المشهور الذي أورده الشارح وجماعة ، وقد قيل في حله أقوال :
منها : أن ولادته ليوم الاثنين لاثنتي عشرة مضت من شهر رمضان ، وحمله في أيام التشريق ، فيكون مدة الحمل تسعة أشهر على العادة الغالبة ، وهذا قول الزبير بن بكار.
ومنها : أن الحمل ليلة الجمعة لاثنتي عشرة ليلة ذهبت من جمادي الآخرة كما ذكره الشيخ محمد بن بابويه في الجزء الرابع من كتاب النبوة (1) وولادته في ربيع الأول فيكون مدة الحمل تسعة أشهر أيضا على العادة الغالبة.
ومنها : وهو الجواب المشهور ، أن تحديد الحمل بأيام التشريق مبنيّ على النس ء الذي كانوا يفعلونه في الجاهلية ، وقد نهى الله تعالى عنه بقوله تعالى : ( إِنَّمَا النَّسِي ءُ زِيٰادَةٌ فِي الْكُفْرِ يُضَلُّ بِهِ الَّذِينَ كَفَرُوا يُحِلُّونَهُ عٰاماً وَيُحَرِّمُونَهُ عٰاماً ) (2).
والمراد بالنس ء إما الحج في كل شهر عامين ، ثم الحج عامين في الشهر الذي بعده -
ص: 571
وما (1) نقل أحد من العلماء أنّ ذلك من خصائصه صلى الله عليه وآله وسلم.
(هذا في) الولد التام(الذي ولجته الروح ، وفي غيره) (2) مما تسقطه المرأة(يرجع) في إلحاقه بالزوج حيث يحتاج إلى الإلحاق ليجب عليه (3) تكفينه ومئونة تجهيزه ، ونحو ذلك من الأحكام التي لا تترتب على حياته(إلى المعتاد) (4) لمثله(من الأيام والأشهر ، وإن نقصت (5) عن الستة الأشهر) فإن أمكن عادة كونه منه (6) لحقه الحكم ، وإن علم عادة انتفاؤه عنه لغيبته عنها (7) مدة تزيد عن تخلقه عادة منه انتفى عنه.
______________________________________________________
- وهكذا وهذا هو المنقول عن مجاهد ، وإما تأخير حرمة شهر إلى شهر كتأخير حرمة المحرم إلى صفر لوجود داع عندهم إلى القتال في المحرم فيحرمون بدله صفر ويستحلون القتال فيه ، ثم في العام القابل يحرّمون محرما إذا لم يطرأ عليهم داع للتغيير ، وهذا هو المشهور من معنى النس ء وإليه تشير الآية المتقدمة ، وحمله صلى الله عليه وآله وسلم في أيام التشريق قد وقع بهذا الاصطلاح ، فلا إشكال.
ومنها : أنهم كانوا يحجون في كل عام مرتين ، مرة في ذي الحجة ومرة في رجب ، وحمله في أيام التشريق واقع في رجب ، على ما ذهب إليه البعض ، وهو مع فقدانه لدليل على تكرار الحج عند العرب فحمله يكون ثمانية أشهر ، وقد تقدم في الخبر أن ابن الثمانية أشهر لا يعيش.
ومنها : ما نقله الطريحي في مجمع البحرين في مادة شرق أن حمله سنة وثلاثة أشهر ونلتزم بمضمون الاشكال ، لأن ذلك من خصائصه صلى الله عليه وآله وسلم ، ولم يعرف القائل ولم يرد بهذا أثر حتى يكون من الخصائص.
(1) نافية لا موصولة.
(2) من ناقص الخلقة أو غير الحي.
(3) على الزوج.
(4) متعلق بقول الماتن (يرجع).
(5) أي الأشهر ، هذا وقد تقدم أنه إذا علم أو احتمل أنه منه ألحق بالزوج وترتب عليه أحكام الإلحاق ، وإن علم انتفاؤه عنه لغيبة الزوج عن أم الولد مدة تزيد عن تخلقه انتفى عنه قطعا ، ولا يجوز للزوج إلحاقه به ، لأنه ادخال في النسب من ليس منه وهو محرم.
(6) أي كون السقط من الزوج.
(7) أي لغيبة الزوج عن أم الولد.
ص: 572
(ولو فجر بها) أي بالزوجة الدائمة فاجر(فالولد للزوج) (1) ، وللعاهر الحجر ، (ولا يجوز له (2) نفيه لذلك (3)) للحكم بلحوقه (4) بالفراش شرعا وإن أشبه الزاني خلقة(ولو نفاه لم ينتف عنه (5) إلا باللعان) لأمه (6) ، فإن لم يلاعن حدّ به (7).
(ولو اختلفا في الدخول) (8) فادعته وأنكره هو ، (أو في ولادته) (9) بأن أنكر كونها ولدته(حلف الزوج) ، لأصالة عدمهما (10) ، ولأنّ النزاع في الأول (11) في فعله ، ويمكنها إقامة البينة على الولادة في الثاني فلا يقبل قولها فيها (12) بغير بينة.
______________________________________________________
(1) بالاتفاق للنبوي (الولد للفراش وللعاهر الحجر) (1) ، والعاهر هو الزاني ، وله الحجر كناية عن عدم حقه في النسب ، كقولهم : له التراب ، أي لا شي ء له ، وبعضهم حمله على ظاهره وهو الرجم بالحجارة ، والولد للفراش أنه لصاحب الفراش مع وطئه لها على وجه يمكن إلحاق الولد به ، ولا فرق في الحكم بين كون الولد شبيها للزاني في الخلق والخلق وعدمه عملا بإطلاق النبوي.
(2) للزوج.
(3) لفجور أم الولد.
(4) بلحوق الولد.
(5) عن الزوج للحكم شرعا بإلحاق الولد به.
(6) على ما سيأتي بيانه في كتاب اللعان إن شاء الله.
(7) أي حدّ الزوج بسبب نفي الولد عنه ، لأنه مستلزم لقذف أم الولد بالزنا.
(8) فادعته المرأة ليلحق به الولد ، وأنكره الزوج لينتفى عنه الولد ، فالقول قول الزوج مع يمينه ، لاصالة عدم الدخول.
(9) بأن اتفقا على الدخول وادعت ولادتها للولد ، وأنكر الزوج الولادة وادعى أنها أتت به من خارج ، فالقول قوله مع يمينه لأصالة عدم ولادتها للولد ، ولأن المرأة يمكن لها إقامة البينة على ولادتها فلا يقبل قولها بغير بينة.
(10) عدم الدخول وعدم الولادة.
(11) في الدخول.
(12) في الولادة ، واعلم أن النزاع في الولادة نزاع في فعلها عكس النزاع في الدخول الذي هو -
ص: 573
(ولو) اتفقا عليهما (1) (واختلفا في المدة) فادعى ولادته لدون ستة أشهر ، أو لأزيد من أقصى الحمل (2) (حلفت) هي تغليبا للفراش ، ولأصالة عدم زيادة المدة في الثاني (3). أما الأول (4) فالأصل معه فيحتمل قبول قوله فيه (5) عملا بالأصل (6) ، ولأن مآله (7) إلى النزاع في الدخول ، فإنه إذا قال : لم تنقض ستة أشهر من حين الوطء. فمعناه أنه لم يطأ منذ مدة ستة أشهر ، وإنما وقع الوطء فيما دونها (8).
وربما فسّر بعضهم النزاع في المدة (9) بالمعنى الثاني خاصة (10) ،
______________________________________________________
- فعله ، وقد قبل قول الزوج في الدخول لتعسر إقامة البينة على ذلك ، لعسر اطلاع الغير عليه ، بخلاف الولادة فإنه يمكن لها إقامة البينة على هذا الفعل لاطلاع الغير عليه غالبا.
(1) على الدخول والولادة.
(2) فلو ادعى ولادته لأزيد من أقصى الحمل ، وأنكرت المرأة مضي هذه المدة ، فالقول قولها مع يمينها ، لأصالة عدم زيادة المدة ، ولقاعدة الولد للفراش ، وحكي عن بعضهم كما في الرياض عدم الحلف ، لأن تقديم قولها ليس من باب الإنكار حتى يتوجه عليها اليمين ، بل لقاعدة الولد للفراش وهي خالية عن اليمين. ولو ادعى ولادته لأقل من ستة أشهر من حين الوطي ، وادعت الزوجة مضي أقل المدة فمقتضى أصالة عدم انقضاء أقل الحمل هو تقديم قول الزوج ، ومآل هذه الدعوى من الزوج إلى دعوى الدخول ، لأنه إذا قال : لم تمض ستة أشهر من حين الوطي فمعناه أنه لم يطأ قبل هذه المدة وهي تدعي أنه وطئ قبل هذه المدة ، ولو اختلفا في الدخول فالقول قول الزوج مع يمينه ، ولذا استشكل الشارح وجماعة في تقديم قولها مع اليمين كما هو ظاهر إطلاق كلام الأصحاب ، وقدّم قولها عندهم لقاعدة الفراش.
(3) فيما لو ادعى أنه لأزيد من أقصى الحمل ، وأنكرت المرأة الزيادة.
(4) أي ما لو ادعى أنه لأقل من ستة أشهر ، وادعت هي أنه لستة أشهر وزيادة.
(5) في الأول.
(6) من أصالة عدم مضي أقل الحمل.
(7) أي مآل النزاع في الأول.
(8) وهي تدعي أنه وطئ منذ ستة أشهر وهو منكر فالقول قوله مع يمينه لأصالة عدم الدخول.
(9) أي في المدة المتنازع فيها بين الزوجين.
(10) بحيث ادعى الزوج أنه أكثر من أقصى الحمل ، وهي أنكرت ذلك ، فالقول قولها مع اليمين بلا خلاف في ذلك.
ص: 574
ليوافق (1) الأصل.
وليس ببعيد إن تحقق في ذلك (2) خلاف ، إلا أن كلام الأصحاب مطلق (3).
(وولد المملوكة إذا حصلت الشروط الثلاثة) وهي الدخول وولادته لستة أشهر فصاعدا ولم يتجاوز الأقصى(يلحق به (4) ، وكذلك ولد المتعة) ولا يجوز له نفيه (5) لمكان الشبهة فيهما (6) (لكن لو نفاه انتفى) ظاهرا(بغير لعان فيهما (7) وإن فعل حراما) حيث نفى ما حكم الشارع ظاهرا بلحوقه به ، أما ولد الأمة فموضع
______________________________________________________
(1) أي يوافق تقديم قولها للأصل من عدم مضي الزيادة عن أقصى الحمل.
(2) أي في النزاع في الأول بحيث ادعى أنه أقل من ستة أشهر وأنكرت ذلك.
(3) في تقديم قولها في المسألتين ، وبهذا الاطلاق يضعّف التخصيص السابق للنزاع ، وإن كان التخصيص أوفق بالأصل ، ولذا أشكل عليهم الشارح وجماعة كما عرفت.
(4) أي بالواطئ ، لإطلاق أدلة الشروط الثلاثة بلا فرق بين الدائمة والمتمتع بها والمملوكة.
(5) أي لا يجوز للواطى ء نفي الولد ، لا لقاعدة الفراش ، لأن الأمة ليست فراشا لسيدها بل لورود النص بوجوب إلحاقه به حيث يمكن تولده منه ، ولا يجوز له نفيه إلا مع العلم بانتفائه عنه ففي خبر سعيد بن يسار عن أبي عبد الله عليه السلام (عن رجل وقع على جارية له تذهب وتجي ء وقد عزل عنها ، ولم يكن منها إليها ، ما تقول في الولد؟ قال عليه السلام : أرى أن لا يباع هذا يا سعيد ، قال : وسألت أبا الحسن عليه السلام فقال : أيتهمها؟ فقلت : أما تهمة ظاهرة فلا ، قال : فيتهمها أهلك؟ فقلت : أما شي ء ظاهر فلا ، فقال : فكيف تستطيع أن لا يلزمك الولد) (1) ، وفي صحيحه الآخر عن أبي الحسن عليه السلام (عن الجارية تكون للرجل يطيف بها وهي تخرج فتعلق ، قال : أيتهمها الرجل أو يتهمها أهله ، قلت : أما ظاهرة فلا ، قال : إذا لزمه الولد) (2).
(6) في ولد المملوكة وولد المتعة.
(7) ففي ولد الأمة بلا خلاف فيه لاختصاص اللعان بالزوجة ، لقوله تعالى : ( وَالَّذِينَ يَرْمُونَ أَزْوٰاجَهُمْ وَلَمْ يَكُنْ لَهُمْ شُهَدٰاءُ إِلّٰا أَنْفُسُهُمْ فَشَهٰادَةُ أَحَدِهِمْ أَرْبَعُ شَهٰادٰاتٍ بِاللّٰهِ إِنَّهُ لَمِنَ الصّٰادِقِينَ ) (3). -
ص: 575
وفاق ، ولتعليق اللعان على رمي الزوجة في الآية (1) ، وأما ولد المتعة فانتفاؤه بذلك (2) هو المشهور ، ومستنده (3) غلبة إطلاق الزوجة على الدائمة ، ومن ثمّ حملت عليها (4) في آية الإرث (5) ، وغيره (6).
وذهب المرتضى وجماعة إلى إلحاقها بالدائمة هنا (7) ، لأنها زوجة حقيقة ، وإلا
______________________________________________________
- وفي ولد المتعة على المشهور ، ولم يخالف إلا السيد المرتضى والمفيد بدعوى أن المتمتع بها زوجة حقيقة وإلا لو تكن زوجة لحرمت بقوله تعالى : ( فَمَنِ ابْتَغىٰ وَرٰاءَ ذٰلِكَ فَأُولٰئِكَ هُمُ العٰادُونَ ) (1) بعد جواز الوطي بالعقد أو بالملك في قوله تعالى : ( إِلّٰا عَلىٰ أَزْوٰاجِهِمْ أَوْ مٰا مَلَكَتْ أَيْمٰانُهُمْ ) (2) ، وردّ بتخصيص الآية بالأخبار منها صحيح عبد الله بن سنان عن أبي عن أبي عبد الله عليه السلام (لا يلاعن الرجل الأمة ولا الذمية ولا التي يتمتع بها) (3) ، وصحيح ابن أبي يعفور عنه عليه السلام (لا يلاعن الرجل المرأة التي يتمتع بها) (4).
(1) والأمة ليست بزوجة.
(2) أي بنفي الزوج من دون لعان.
(3) ومستند المشهور.
(4) أي حملت الزوجة على الدائمة.
(5) وهي قوله تعالى : ( وَلَكُمْ نِصْفُ مٰا تَرَكَ أَزْوٰاجُكُمْ إِنْ لَمْ يَكُنْ لَهُنَّ وَلَدٌ ، فَإِنْ كٰانَ لَهُنَّ وَلَدٌ فَلَكُمُ الرُّبُعُ ) (5).
(6) أي غير الإرث ، ولكن لا توجد آية في الكتاب غير آية الإرث مشتملة على الزوجة وقد حملت على الدائمة فقط ، بل في القرآن آية العدة وهي عامة تشمل المتمتع بها كشمولها للدائمة ، قال تعالى : ( وَالَّذِينَ يُتَوَفَّوْنَ مِنْكُمْ وَيَذَرُونَ أَزْوٰاجاً يَتَرَبَّصْنَ بِأَنْفُسِهِنَّ أَرْبَعَةَ أَشْهُرٍ وَعَشْراً ) (6) ، نعم في آية اللعان لفظ الزوجة مختص بالدائمة ولكنه محل النزاع.
(7) في اللعان.
ص: 576
لحرمت بقوله تعالى : ( فَمَنِ ابْتَغىٰ وَرٰاءَ ذٰلِكَ فَأُولٰئِكَ هُمُ العٰادُونَ ) (1) (فلو عاد واعترف به صح (2) ولحق به) بخلاف ما لو اعترف به أولا ثم نفاه فإنه لا ينتفي عنه وألحق به(3).
(ولا يجوز نفي الولد) مطلقا (4) (لمكان العزل) عن أمّه (5) ، لإطلاق النص والفتوى (6) بلحوق الولد لفراش الواطئ (7) ، وهو (8) صادق مع العزل ، ويمكن سبق الماء قبله (9).
______________________________________________________
(1) المعارج آية : 31.
(2) أي صح اعترافه ، ويندرج تحت (اقرار العقلاء على أنفسهم جائز) (1).
(3) لصحيح الحلبي عن أبي عبد الله عليه السلام (أيّما رجل أقرّ بولد ثم انتفى منه فليس له ذلك ، ولا كرامة ، يلحق به ولده إذا كان من امرأته أو وليدته) (2) ، وصحيحه الآخر عنه عليه السلام (إذا اقرّ الرجل بولده ثم نفاه لزمه) (3) ، وخبر السكوني عن جعفر عن أبيه عن علي عليهم السلام (إذا أقرّ الرجل بالولد ساعة لم ينف عنه أبدا) (4).
(4) في الدائمة وغيرها ، باللعان وغيره.
(5) بلا خلاف فيه في الجملة للأخبار.
منها : خبر أبي البختري عن جعفر عن أبيه عن علي عليهم السلام (جاء رجل إلى رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم فقال : كنت أعزل عن جارية لي فجاءت بولد ، فقال عليه السلام : إن الوكاء قد ينفلت فألحق به الولد) (5) ومثله غيره ، وقد تقدم هذا الفرع في شرحنا فراجع.
وخالف بعض العامة كما في المسالك فاشترط في لحوق الولد نزول الماء في الفرج ، وهو محجوج بالأخبار.
(6) أي وإطلاق فتوى الأصحاب.
(7) والمراد بالنص هو (الولد للفراش وللعاهر الحجر) (6).
(8) أي فراش الواطئ.
(9) قبل العزل ، ويمكن جذب الفرج لشي ء من الماء لو أفرغ الماء على بابه.
ص: 577
وعلى ما ذكرناه سابقا (1) لا اعتبار بالإنزال في الحاق الولد مطلقا (2) ، فمع العزل بالماء أولى (3).
وقيّد العلامة هنا (4) الوطء مع العزل بكونه قبلا ، والمصنف صرح في القواعد باستواء القبل والدبر في ذلك (5) ، وفي باب العدد صرحوا بعدم الفرق بينهما (6) في اعتبار العدة.
(وولد الشبهة يلحق بالواطئ بالشروط) الثلاثة (7) ، (وعدم الزوج الحاضر) الداخل بها (8) بحيث يمكن الحاقة به (9) ، والمولى في ذلك (10) بحكم الزوج ، لكن لو انتفى (11) عن المولى ولحق بالواطئ أغرم (12) قيمة الولد يوم سقط حيا لمولاها (13).
______________________________________________________
(1) من تعريف الوطي بأنه غيبوبة الحشفة قبلا أو دبرا ولو لم ينزل.
(2) سواء كان الوطي في القبل أو الدبر.
(3) لأنه مع عدم الانزال يلحق به الولد ، فلو أنزل خارج الفرج واحتمل جذب الفرج لبعض الماء فالإلحاق أولى.
(4) في مسألة العزل.
(5) في العزل ، وهو الأظهر ، لأن إمكان جذب الفرج لشي ء من الماء فيكون الولد منه ، لا فرق فيه بين كون العزل على باب الفرج أو باب الدبر.
(6) بين القبل والدبر.
(7) من الدخول والإتيان به لأكثر من ستة أشهر ، وعدم تجاوز أقصى الحمل.
(8) بالموطوءة شبهة.
(9) أي إلحاق الولد بالزوج الواطئ ، فيلحق به وإن وطئت زوجته شبهة لعموم (الولد للفراش) ((1).
(10) في ولد الشبهة لو وطئت أمته.
(11) ولد الشبهة.
(12) أي الواطئ.
(13) أي مولى الموطوءة شبهة ، لما تقدم أكثر من مرة أن ولد الحر لا يكون رقا ، ومع إلحاق الولد بالواطئ فيفوت على المولى نماء مملوكته ، وللجمع بين الحقين يؤمر الواطئ بإعطاء -
ص: 578
(ويجب) كفاية (1) (استبداد النساء) أي (2) انفرادهن(بالمرأة عند الولادة ، أو الزوج (3) ، فإن تعذر (4) فالرجال) المحارم ، فإن تعذروا فغيرهم ، وقدّم في القواعد الرجال الأقارب غير المحارم على الأجانب ، وهنا أطلق الرجال (5).
هذا جملة ما ذكروه فيه (6) ، ولا يخلو عن نظر ، بل ذلك (7) مقيّد بما يستلزم (8) اطّلاعه (9) على العورة ، أما ما لا يستلزمه من مساعدتها (10) فتحريمه على الرجال (11) غير واضح ، وينبغي فيما يستلزم الاطلاع على العورة تقديم الزوج
______________________________________________________
- المولى قيمة الولد يوم ولد ، وينعقد الولد حرا تبعا لأبيه ، ولا ينافيه لزوم قيمته ، لأن ذلك تقويم منفعة الأمة التي فاتت المولى بسبب تصرف الغير فيها ، وقد تقدم البحث فيه في فصل المحرمات بالسبب والمصاهرة.
(1) شروع في أحكام الولادة ، فالواجب منها استبداد النساء بالمرأة عند الولادة دون الرجال ، فيجب على النساء كفائيا الحضور عند الولادة لحفظ النفس المحترمة عند تحقق ما يخشى منه تلفها مع عدم الحضور ، ويختص هذا الوجوب بالنساء دون الرجال ، لأن الحضور عند ولادتها موجب لسماع صوتها غالبا والاطلاع على ما يحرم عليهم من النظر إليه كالنظر إلى العورة نعم مع عدم النساء يجوز للرجال المحارم ، ومع فقدهم فيجوز للأجانب ، لأن الضرورة تبيح من نظر المرأة وسماع صوتها مثل ذلك كنظر الطبيب ولمسه في وقت الحاجة ولو إلى العورة.
وأما الزوج فيجوز له الحضور عند وجود النساء ، ويتعين حضوره لو فقدن وتتحقق المساعدة بحضوره وإلا تعيّن الرجال المحارم ، فإن تعذروا فغيرهم.
وعن الماتن في القواعد تقديم الرجال الأقارب غير المحارم على الأجانب ومستنده غير واضح.
(2) تفسير للاستبداد ، والانفراد بها لإعانتها عند المخاض.
(3) سواء وجدت النساء أم لا.
(4) وجود النساء أو الزوج.
(5) من دون تقديم المحارم على غيرهم.
(6) في الاستبداد بالمرأة عند ولادتها.
(7) أي الاستبداد على الترتيب المذكور.
(8) أي يستلزم الاستبداد.
(9) أي اطلاع المستبدّ بالمرأة.
(10) أي مساعدة المرأة عند مخاضها من دون اطلاع على العورة.
(11) المحارم وغيرهم.
ص: 579
مع امكانه ، ومع عدمه يجوز غيره (1) للضرورة كنظر الطبيب ، وأما الفرق بين أقارب الرجال من غير المحارم ، والأجانب فلا أصل له في قواعد الشرع.
(ويستحب غسل المولود) حين يولد (2) ، (والأذان في أذنه اليمنى ، والإقامة في اليسرى) (3) ، وليكن ذلك قبل قطع سرته (4) ، فلا يصيبه لمم ولا تابعة ، ولا
______________________________________________________
(1) بلا فرق بين المحارم وغيرهم ، لحرمة اطلاع جميعهم على العورة ، فلا داعي لتقديم المحارم حينئذ.
(2) شروع في الأحكام المستحبة للولادة ، فيستحب غسل المولود لخبر أبي بصير عن أبي عبد الله عليه السلام عن آبائه عن علي عليهم السلام (اغسلوا صبيانكم من الغمر ، فإن الشيطان يشمّ الغمر فيفزع الصبي في رقاده ويتأذى به الكاتبان) (1) ، وخبر سماعة (سألت أبا عبد الله عليه السلام عن غسل الجمعة - إلى أن قال - وغسل المولود واجب) (2) ، وإطلاق الأخير كإطلاق الفتوى أنه غسل متوقف على النية والترتيب وغيرهما من أحكام الغسل ، ويحتمل أنه بالفتح فيكون تنظيفا محضا عن النجاسات العارضة له ، وإطلاق النص والفتوى أن وقته عند الولادة ، وعلى المشهور أنه مستحب وقيل بالوجوب تمسكا بظاهر خبر سماعة المتقدم.
(3) لخبر السكوني عن أبي عبد الله عليه السلام (قال رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم : من ولد له مولود فليؤذن في أذنه اليمنى بأذان الصلاة ، وليقم في أذنه اليسرى ، فإنها عصمة من الشيطان الرجيم) (3) ، وخبر أبي يحيى الرازي عن أبي عبد الله عليه السلام (قال : إذا ولد لكم المولود أيّ شي ء تصنعون به؟ قلت : لا أدري ما يصنع به ، قال : خذ عدسة جاوشير فديفه بماء ، ثم قطّر في أنفه بالمنخر الأيمن قطرتين ، وفي الأيسر قطرة ، وأذّن في أذنه اليمنى وأقم في اليسرى ، يفعل ذلك به قبل أن تقطع سرّته ، فإنه لا يفزع أبدا ولا تصيبه أم الصبيان) (4) ، وصحيح حفص الكناسيّ عن أبي عبد الله عليه السلام (مروا القابلة أو بعض من يليه أن يقيم الصلاة في أذنه اليمنى فلا يصيبه لمم ولا تابعة أبدا) (5) ، واللمم بفتحتين جنون خفيف ، والتابعة والتابع الجنية والجنيّ يتبعان الإنسان حيث ذهب كما في القاموس.
(4) كما في خبر الرازي المتقدم ، ولذا خصّ بعضهم الاستحباب قبل قطع السرة ، ولكنه -
ص: 580
يفزع ، ولا تصيبه أم الصبيان (1) روي ذلك (2) عن أبي عبد الله عليه السلام عن النبي صلى الله عليه وآله وسلم «من ولد له مولود فليؤذن في أذنه اليمنى بأذان الصلاة ، وليقم في إذنه اليسرى فإنها عصمة من الشيطان الرجيم» ، (وتحنيكه بتربة الحسين عليه الصلاة والسلام وماء الفرات) (3) وهو النهر المعروف ، (أو ماء فرات) أي عذب(ولو بخلطه بالتمر ، أو بالعسل) ليعذب إن لم يكن عذبا.
______________________________________________________
- مناف لإطلاق الفتوى وبقية الأخبار ، بل في بعضها أنه بعد قطع السرة ففي خبر علي بن ميثم عن أبيه قال (سمعت أمي تقول : سمعت نجمة أم الرضا عليه السلام تقول في حديث : لما وضعت ابني عليا دخل إليّ أبوه موسى بن جعفر عليهم السلام فناولته إياه في خرقة بيضاء فأذّن في أذنه اليمنى وأقام في اليسرى ، ودعا بماء الفرات فحنّكه به ثم ردّه إليّ وقال : خذيه فإنه بقية الله في أرضه) (1) ، وفي خبر علي بن علي أخي دعبل عن الرضا عن آبائه عليهم السلام عن أسماء بنت عميس (لما ولدت فاطمة الحسن جاء النبي صلى الله عليه وآله وسلم فقال : يا أسماء هاتي ابني ، فدفعته إليه في خرقة صفراء فرمى بها وقال : ألم أعهد إليكم أن لا تلفّوا المولود في خرقة صفراء ، ودعا بخرقة بيضاء فلفّه فيها ، ثم اذّن في أذنه اليمنى وأقام في اليسرى ، ثم ذكرت في الحسين مثل ذلك) (2) الخبر ، ومثلها غيرها ، وهي ظاهرة في كون ذلك بعد قطع السرة.
ولعل الأمر بالأذان والإقامة قبل قطع السرة لأجل عدم الفزع أبدا وعدم إصابته بأم الصبيان كما في خبر الرازي المتقدم ، وهذا لا ينافي في استحباب الأذان والإقامة بعد القطع لبقية الأخبار.
(1) ريح تعرض للأطفال.
(2) كما في خبر السكوني المتقدم.
(3) ففي مرسل يونس عن أبي جعفر عليه السلام (يحنك المولود بماء الفرات ويقام في أذنه) (3) ، وقال الكليني في رواية أخرى (حنّكوا أولادكم بماء الفرات وبتربة قبر الحسين عليه السلام ، فإن لم يكن فبماء السماء) (4) ومثلها غيرها ، والخبر الثاني صريح في كون المراد من الفرات هو النهر المعروف بدليل عطف ماء السماء عليه.
ثم مع فقد ماء الفرات فيحنك بماء السماء للخبر ، وما ذكروه من التحنيك بمطلق الماء -
ص: 581
وظاهر العبارة التخيير بين الثلاثة (1) ، والأجود الترتيب بينها فيقدم ماء الفرات مع إمكانه ، ثم الماء الفرات بالأصالة ، ثم بإصلاح مالحه بالحلو.
وفي بعض الأخبار : حنّكوا أولادكم بماء الفرات ، وتربة الحسين عليه السلام فإن لم يكن فبماء السماء ، والمراد بالتحنيك إدخال ذلك إلى حنكه وهو أعلى داخل الفم.
وكذا يستحب تحنيكه بالتمر (2) ، بأن يمضغ التمرة ويجعلها في فيه (3) ويوصلها إلى حنكه بسبابته حتى يتحلل (4) في حلقه ، قال أمير المؤمنين عليه السلام : «حنكوا أولادكم بالتمر فكذا فعل رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم بالحسن والحسين عليه السلام» قال الهروي يقال : حنكه وحنّكه بتخفيف النون وتشديدها.
(وتسميته محمدا) إن كان ذكرا(إلى اليوم السابع (5) ، فإن غيّر) بعد ذلك
______________________________________________________
- الفرات أي العذاب بعد تعذر ماء الفرات ليس له نص خاص كما في الرياض والجواهر ، نعم لا بأس بمتابعتهم للتسامح في أدلة السنن. ومع فقد ماء الفرات أي العذب فيحنك بماء مالح قد خلط بالعسل أو التمر لورود الأخبار بالتحنيك بكل منهما ، ففي خبر أبي بصير عن أبي عبد الله عليه السلام (قال أمير المؤمنين عليه السلام : حنّكوا أولادكم بالتمر ، فكذا فعل رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم بالحسن والحسين عليهما السلام) (1).
وفي الفقه الرضوي (وحنكه بماء الفرات إن قدرت عليه ، أو بالعسل ساعة يولد) (2).
ثم المراد بالتحنيك إدخال ذلك إلى حنكه ، وهو أعلى داخل الفم ، وقيل : يكفي الدلك بكل من الحنكين الأعلى والأسفل ، وإن كان المتبادر دلك الأعلى بالخصوص ، ولذا اقتصر عليه جماعة من العامة والخاصة.
(1) أي الماء الفرات أو ماء فرات أو تخليطه بعسل أو تمر.
(2) لخبر أبي بصير المتقدم.
(3) أي في فم المولود.
(4) أي الممضوغ.
(5) ففي المرسل عن أبي عبد الله عليه السلام (لا يولد لنا ولد إلا سميناه محمدا ، فإذا مضى سبعة -
ص: 582
(جاز) قال الصادق عليه السلام : «لا يولد لنا ولد إلا سميناه محمدا فإذا مضى سبعة أيام فإن شئنا غيّرنا ، وإلا تركنا».
(وأصدق الأسماء ما عبّد لله) (1) أي اشتمل على عبوديته تعالى كعبد الله ،
______________________________________________________
- أيام فإن شئنا غيّرنا وإلا تركنا) (1).
(1) يستحب تسمية الولد باسم حسن وأنه من جملة حقوقه على والده ففي الخبر عن موسى بن بكر عن أبي الحسن عليه السلام (أول ما يبرّ الرجل ولده أن يسمّيه باسم حسن ، فليحسن أحدكم اسم ولده) (2) ، وفي مرسل آخر (قال رجل : يا رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم ، ما حق ابنيّ هذا؟ قال : تحسن اسمه وأدبه وتضعه موضعا حسنا) (3) ، وفي خبر الحسين بن علوان عن جعفر عن آبائه عليهم السلام (أن رسول الله عليه السلام كان يغيّر الأسماء القبيحة في الرجال والبلدان) (4).
وأصدق الأسماء ما يتضمن العبودية لله سبحانه وتعالى كعبد الله وعبد الرحمن ، وأفضلها أسماء الأنبياء كما في خبر أبي إسحاق ثعلبة عن رجل سمّاه عن أبي جعفر عليه السلام (أصدق الأسماء ما سمّي بالعبودية ، وأفضلها أسماء الأنبياء) (5) ، وفي خبر سليمان الجعفري (سمعت أبا الحسن عليه السلام يقول : لا يدخل الفقر بيتا فيه اسم محمد أو أحمد أو علي أو الحسن أو الحسين أو جعفر أو طالب أو عبد الله أو فاطمة من النساء) (6).
فأفضلية أسماء الأنبياء للتبرك ولخبر ثعلبة المتقدم ولخبر الأصبغ عن علي عليه السلام (أن رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم قال : ما من أهل بيت فيهم اسم نبيّ إلا بعث الله عزوجل إليهم ملكا يقدّسهم بالغداة والعشي) (7) ، وأسماء الأئمة عليهم السلام أيضا لخبر الجعفري ، وأفضل أسماء الأنبياء اسم النبي الأعظم صلى الله عليه وآله وسلم للأخبار.
منها : خبر عاصم الكوزي عن أبي عبد الله عليه السلام (أن النبي صلى الله عليه وآله وسلم قال : من ولد له أربعة أولاد لم يسمّ أحدهم باسمي فقد جفاني) (8) ومرسل ابن فهد (قال الرضا عليه السلام : البيت -
ص: 583
وعبد الرحمن ، والرحيم ، وغيره من أسمائه تعالى ، (وأفضلها) أي الأسماء مطلقا (1)
______________________________________________________
- الذي فيه محمد يصبح أهله بخير ويمسون بخير) (1) ، ومرسل الطبرسي عن الرضا عن آبائه عليهم السلام عن النبي صلى الله عليه وآله وسلم (إذا سميتم الولد محمدا فأكرموه ، وأوسعوا له في المجلس ، ولا تقبّحوا له وجها) (2) ، وفي خبر آخر عن النبي صلى الله عليه وآله وسلم (ما من قوم كانت لهم مشورة فحضر من اسمه محمد أو أحمد فأدخلوه في مشورتهم إلا كان خيرا لهم) (3) ، وفي خبر آخر أيضا عن النبي صلى الله عليه وآله وسلم (ما من مائدة وضعت فقعد عليها من اسمه محمد أو أحمد إلا قدّس ذلك المنزل في كل يوم مرتين) (4) ، وفي خبر العطافي عن جعفر بن محمد عن آبائه عليهم السلام عن ابن عباس قال : (إذا كان يوم القيامة نادى مناد : ألا ليقم كل من اسمه محمد فليدخل الجنة بكرامة سميّه محمد صلى الله عليه وآله وسلم) (5) ، وفي خبر أبي هارون مولى آل جعدة (كنت جليسا لأبي عبد الله عليه السلام بالمدينة ففقدني أياما ، ثم إني جئت إليه فقال : لم أرك منذ أيام يا أبا هارون ، فقلت : ولد لي غلام ، فقال : بارك الله لك ، فما سمّيته؟ قلت : سمّيته محمدا ، فأقبل بخدّه نحو الأرض وهو يقول : محمد محمد محمد ، حتى كاد يلصق خدّه بالأرض ، ثم قال : بنفسي وبولدي وبأهلي وبأبويّ وبأهل الأرض كلهم جميعا الفداء لرسول الله صلى الله عليه وآله وسلم ، لا تسبّه ولا تضربه ولا تسي ء إليه ، واعلم أنه ليس في الأرض دار فيها اسم محمد إلا وهي تقدّس كل يوم) (6).
وأفضلها بعد اسم النبي صلى الله عليه وآله وسلم اسم علي عليه السلام ففي خبر جابر عن أبي جعفر عليه السلام في حديث أنه قال لابن صغير : (ما اسمك؟ قال : محمد ، قال : بم تكنّى؟ قال : بعليّ ، فقال أبو جعفر عليه السلام : لقد احتظرت من الشيطان احتظارا شديدا ، إن الشيطان إذا سمع مناديا ينادي يا محمد أو يا علي ذاب كما يذوب الرصاص ، حتى إذا سمع مناديا ينادي باسم عدوّ من أعدائنا اهتزّ واختال) (7) ، وخبر العرزمي قال (استعمل معاوية مروان بن الحكم على المدينة وأمره أن يفرض لشباب قريش ، ففرض لهم ، فقال علي بن الحسين عليهما السلام : فأتيته ، فقال : ما اسمك؟ فقلت : علي بن الحسين ، فقال : ما اسم أخيك؟ فقلت : عليّ ، فقال : علي وعلي ، ما يريد أبوك أن يدع أحدا من ولده إلا سمّاه عليا ، ثم فرض لي ، فرجعت إلى أبي فأخبرته ، فقال : ويلي على ابن الزرقاء ، دبّاغة الادم ، لو ولد لي مائة لأحببت أن لا اسمّي أحدا منهم إلا عليا) (8).
(1) تضمن العبودية أو لا.
ص: 584
(اسم محمد وعلي ، وأسماء الأنبياء ، والأئمة عليه السلام) قال الباقر عليه السلام : «أصدق الأسماء ما سمّى بالعبودية وأفضلها أسماء الأنبياء» وعن الصادق عليه السلام أنّ النبي صلى الله عليه وآله وسلم قال : «من ولد له أربعة أولاد ولم يسمّ أحدهم باسمي فقد جفاني» ، وعنه عليه السلام : «ليس في الأرض دار فيها اسم محمد إلا وهي تقدس كل يوم» وعن الحسين عليه الصلاة والسلام في حديث طويل : «لو ولد لي مائة ولد لأحببت أن لا أسمّيّ أحدا منهم إلا عليا» وقال الرضا عليه السلام : «لا يدخل الفقر بيتا فيه اسم محمد ، أو أحمد ، أو علي ، أو الحسن ، أو الحسين ، أو جعفر ، أو طالب ، أو عبد الله ، أو فاطمة من النساء» (وتكنيته (1)) بأبي فلان إن كان ذكرا أو أم فلان إن كان أنثى. قال الباقر عليه السلام : «إنّا لنكنّى أولادنا في صغرهم مخافة النبز أن يلحق بهم».
(ويجوز اللقب) وهو ما أشعر من الأعلام بمدح ، أو ذم والمراد هنا الأول (2) خاصة ، (ويكره الجمع بين كنيته) بضم الكاف(بأبي القاسم وتسميته محمدا) (3) قال الصادق عليه السلام : «أنّ النبي صلى الله عليه وآله وسلم نهى عن أربع كنى. عن أبي عيسى ، وعن أبي الحكم ، وعن أبي مالك ، وعن أبي القاسم إذا كان الاسم محمدا» (وأن يسمّي حكما ، أو حكيما ، أو خالدا ، أو حارثا ، أو ضرارا ، أو مالكا) (4) قال
______________________________________________________
(1) والمراد بالكنية ما صدّر باب أو أم ، وتستحب مخافة النبز ففي خبر ابن خيثم عن أبي جعفر عليه السلام (إنا نكني أولادنا في صغرهم مخافة النبز أن يلحق بهم) (1).
والنبز ما يكره من اللقب كما في المسالك.
(2) أي المدح.
(3) ففي خبر النوفلي عن السكوني عن أبي عبد الله عليه السلام (أن النبي صلى الله عليه وآله وسلم نهى عن أربع كنى : عن أبي عيسى ، وعن أبي الحكم ، وعن أبي مالك ، وعن أبي القاسم إذا كان الاسم محمدا) (2).
(4) ففي خبر محمد بن مسلم عن أبي جعفر عليه السلام (أن أبغض الأسماء إلى الله حارث ومالك وخالد) (3) ، وفي خبر حماد بن عثمان وهو صحيح السند عن أبي عبد الله عليه السلام -
ص: 585
الباقر عليه السلام : «أبغض الأسماء إلى الله تعالى حارث ، ومالك وخالد» ، وعن الصادق عليه السلام : «أنّ رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم دعى بصحيفة حين حضره الموت يريد أن ينهى عن أسماء يتسمى بها فقبض ولم يسمّها. منها الحكم ، وحكيم ، وخالد ، ومالك. وذكر أنها ستة ، أو سبعة مما لا يجوز أن يتسمى بها».
(وأحكام الأولاد أمور) (1)
(منها العقيقة ، والحلق ، والختان ، وثقب الأذن اليمنى) (2) في شحمتها ،
______________________________________________________
- قال : (إن رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم دعا بصحيفة حين حضره الموت يريد أن ينهى عن أسماء يتسمّى بها فقبض ولم يسمّها ، منها الحكم وحكيم وخالد ومالك ، وذكر أنها ستة أو سبعة مما لا يجوز أن يتسمّى بها) (1) ، هذا وقال الشارح في المسالك : (وليس في الأخبار تصريح بالنهي عن ضرار بخصوصه ، لكنه من الأسماء المنكرة ، وقيل : إنها من أسماء إبليس) انتهى.
(1) شروع في سنن يوم السابع من ولادة المولود ، وسنن هذا اليوم أربع مضافا إلى التسمية التي تقدم الكلام فيها ، وهي : الحلق والختان وثقب الأذن والعقيقة للأخبار.
منها : خبر أبي بصير عن أبي عبد الله عليه السلام في المولود قال : (يسمّى في اليوم السابع ويعقّ عنه ، ويحلق رأسه ، ويتصدق بوزن شعره فضة ، ويبعث إلى القابلة بالرّجل مع الورك ، ويطعم منه ويتصدق) (2) وخبر أبي الصباح الكناني عن أبي عبد الله عليه السلام (عن الصبي المولود متى يذبح عنه ويحلق رأسه ويتصدق بوزن شعره ويسمّى؟ فقال : كل ذلك في اليوم السابع) (3) ومثلها غيرها من الأخبار.
(2) لا خلاف في استحباب ثقب الأذن للأخبار.
منها : خبر مسعدة بن صدقة عن أبي عبد الله عليه السلام (إن ثقب أذن الغلام من السنة ، وختانه لسبعة أيام من السنة) (4) ، وخبر عبد الله بن سنان عن أبي عبد الله عليه السلام (ثقب أذن الغلام من السنة ، وختان الغلام من السنة) (5) ، وظاهر الخبرين الاكتفاء بثقب أذن واحدة ، ولكن في خبر السكوني (قال النبي صلى الله عليه وآله وسلم : يا فاطمة اثقبي أذني الحسن -
ص: 586
واليسرى في أعلاها كل ذلك(في اليوم السابع) (1) من يوم ولد ، ولو في آخر (2) جزء من النهار. قال الصادق عليه السلام (3) : «العقيقة واجبة وكل مولود مرتهن بعقيقته» ، وعنه عليه السلام (4) : «عقّ عنه ، واحلق رأسه يوم السابع» وعنه عليه السلام (5) : «اختنوا أولادكم لسبعة أيام فإنّه أطهر وأسرع لنبات اللحم ، وأنّ الأرض لتكره بول الأغلف» ، وعنه عليه السلام (6) : «إنّ ثقب أذن الغلام من السنة ، وختانه لسبعة أيام من السنة» وفي خبر آخر عن النبي صلى الله عليه وآله وسلم (7) : «تتنجس الأرض
______________________________________________________
- والحسين عليهما السلام خلافا لليهود) (1) ، وخبر الحسين بن خالد (سألت أبا الحسن الرضا عليه السلام عن التهنئة بالولد متى هي؟ قال : إنه لما ولد الحسن بن علي عليهما السلام هبط جبرئيل على رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم بالتهنئة في اليوم السابع ، وأمره أن يسمّيه ويكنّيه ويحلق رأسه ويعقّ عنه ويثقب أذنه ، وكذلك حين ولد الحسين عليه السلام أتاه في اليوم السابع فأمره بمثل ذلك ، وكان لهما ذؤابتان في القرن الأيسر ، وكان الثقب في الأذن اليمنى في شحمة الأذن ، وفي اليسرى في أعلى الأذن ، فالقرط في اليمنى والشنف في اليسرى) (2).
فما عن بعض العامة من تحريم الثقب باعتبار الإيلام والايذاء اجتهاد في قبال هذه النصوص فلا يسمع ، على أن الألم هنا يسير مغتفر لما يترتب عليه من زينة الصبي ونفعه.
(1) كما صرحت بذلك الأخبار ، وتقدم بعضها.
(2) لإطلاق النص.
(3) ففي خبر علي بن رئاب عن أبي عبد الله عليه السلام (العقيقة واجبة) (3) ، وفي خبر عمار عن أبي عبد الله عليه السلام (كل مولود مرتهن بعقيقته) (4).
(4) كما في خبر عبد الله بن سنان (5).
(5) كما في خبر مسعدة بن صدقة (6).
(6) كما في خبر مسعدة بن صدقة (7) ، وقد تقدم في شرحنا.
(7) كما في خبر السكوني عن أبي عبد الله عليه السلام (8).
ص: 587
من بول الأغلف أربعين صباحا» ، وفي آخر (1) : «إنّ الأرض تضج إلى الله تعالى من بول الأغلف».
(وليكن الحلق) لرأسه(قبل) ذبح (2) (العقيقة ، ويتصدق بوزن شعره ذهبا ، أو فضة) (3) قال إسحاق بن عمار للصادق عليه السلام : بأيّ ذلك نبدأ فقال عليه السلام :
______________________________________________________
(1) كما في مكاتبة عبد الله بن جعفر إلى أبي محمد عليه السلام (1).
(2) أما الحلق فقد تقدم ما يدل على استحبابه ، وأنه مستحب في اليوم السابع فلو مضى السابع فلا حلق كما في صحيح علي بن جعفر عن أخيه أبي الحسن عليه السلام (سألته عن مولود يحلق رأسه يوم السابع ، فقال : إذا مضى سبعة أيام فليس عليه حلق) (2) ، نعم قد يقال باستحبابه بعد السابع لعموم العلة كما في مرسل صفوان بن يحيى عمن حدثه عن أبي عبد الله عليه السلام (سئل ما العلة في حلق شعر رأس المولود؟ قال : تطهيره من شعر الرحم) (3) وينبغي تقديم الحلق على العقيقة لصحيح جميل بن دراج (سألت أبا عبد الله عليه السلام عن العقيقة والحلق والتسمية بأيهما يبدأ؟ قال : يضع ذلك كله في ساعة واحدة ، يحلق ويذبح ويسمّي) (4) ، وخبر إسحاق بن عمار عن أبي عبد الله عليه السلام (قلت : بأي ذلك نبدأ؟ فقال : يحلق رأسه ويعقّ عنه ويتصدق بوزن شعره فضة ، يكون ذلك في مكان واحد) (5).
(3) أما التصدق بوزن شعره ذهبا أو فضة كما في خبر أبي بصير عن أبي عبد الله عليه السلام (إذا ولد لك غلام أو جارية فعقّ عنه يوم السابع شاة أو جزورا ، وكل منهما وأطعم ، وسمّه واحلق رأسه يوم السابع ، وتصدق بوزن شعره ذهبا أو فضة) (6) ، وخبره الآخر عنه عليه السلام (سألت عن العقيقة واجبة هي؟ قال : نعم يعقّ عنه ويحلق رأسه وهو ابن سبعة ، ويوزن شعره فضة أو ذهب يتصدق به ، ويطعم قابله ربع الشاة ، والعقيقة شاة أو بدنة) (7) ومثلها غيرها.
لكن قد يحتمل رجحان الفضة للاقتصار عليها في جملة من النصوص.
منها : خبر أبي بصير عن أبي عبد الله عليه السلام في حديث (ويتصدق بوزن شعره فضة) (8) ، وصحيح جميل عن أبي عبد الله عليه السلام في حديث (ثم قال : يوزن الشعر -
ص: 588
«يحلق رأسه ، ويعقّ عنه ، ويتصدّق بوزن شعره فضة يكون ذلك في مكان واحد» ، وفي خبر آخر ، أو ذهبا.
(ويكره القنازع (1)) وهو أن يحلق من الرأس موضعا ، ويترك موضعا في أي جانب كان. روي ذلك عن أمير المؤمنين عليه السلام ، وفي خبر آخر عن الصادق عليه السلام أنّه كره القنزع في رءوس الصبيان ، وذكر أنّ القنزع أن يحلق الرأس إلا قليلا وسط الرأس تسمى القنزعة ، وعنه عليه السلام قال : أتي النبي صلى الله عليه وآله وسلم بصبي يدعو له وله قنازع فأبى أن يدعو له ، وأمر أن يحلق رأسه.
(ويجب على الصبي الختان عند البلوغ) (2) أي بعده بلا فصل لو ترك وليه ختانه.
______________________________________________________
- ويتصدق بوزن فضة) (1) ، وخبر عبد الله بن سنان عن أبي عبد الله عليه السلام (وتصدق بوزن شعره فضة) ((2) ، وخبر إسحاق بن عمار عن أبي عبد الله عليه السلام (ويتصدق بوزن شعره فضة) (3).
(1) للأخبار منها : خبر السكوني عن أبي عبد الله عليه السلام (قال أمير المؤمنين عليه السلام : لا تحلقوا للصبيان القزع ، والقزع أن يحلق موضعا ويترك موضعا) (4) ، وخبره الآخر عنه عليه السلام (أتي النبي صلى الله عليه وآله وسلم بصبي يدعو له ، وله تنازع فأبى أن يدعو له ، وأمر أن يحلق رأسه) (5) ، وخبر ابن القداح عن أبي عبد الله عليه السلام (أنه كره القزع في رءوس الصبيان ، وذكر أن القزع أن يحلق الرأس إلا قليلا ، ويترك وسط الرأس ، تسمّى القزعة) (6).
هذا والخبر الأول صريح في كون القزع حلق موضع من الرأس مع ترك آخر سواء كان في وسطه أو في غيره ، وسواء تعدد أم اتحد وهو الموافق للمعنى اللغوي ، ففي نهاية ابن الأثير (في الحديث : نهى عن القنازع ، وهو أن يأخذ بعض الشعر ويترك منه مواضع متفرقة كالقزع) ونحوه عن القاموس ، ولكن خبر ابن القداح المتقدم صريح في كون القزع هو ترك الوسط فقط.
(2) قد تقدم ما يدل على استحباب الختان يوم السابع كما في خبر السكوني عن أبي عبد الله عليه السلام (قال رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم : طهروا أولادكم يوم السابع ، فإنه أطيب وأطهر وأسرع -
ص: 589
وهل يجب على الولي ذلك قبله (1) وجهان : من عدم (2) التكليف حينئذ (3) ، واستلزام (4) تأخيره (5) إلى البلوغ تأخير (6) الواجب المضيّق (7) عن أول
______________________________________________________
- لنبات اللحم ، وأن الأرض تنجس من بول الأغلف أربعين صباحا) (1) ، وخبر مسعدة بن صدقة عن أبي عبد الله عليه السلام (اختنوا أولادكم لسبعة أيام) (2).
وإن أخّر جاز بلا خلاف لصحيح علي بن يقطين (سألت أبا الحسن عليه السلام عن ختان الصبي لسبعة أيام من السنة هو ، أو يؤخر فأيهما أفضل. قال : لسبعة أيام من السنة ، وإن أخّر فلا بأس) ((3).
ولو بلغ ولم يختن وجب أن يختن نفسه بلا خلاف فيه ، لأن الختان واجب في نفسه للأخبار.
منها : خبر السكوني عن أمير المؤمنين عليه السلام (إذا أسلم الرجل اختتن ولو بلغ ثمانين سنة) (4) ، وخبر الفضل بن شاذان عن الرضا عليه السلام أنه كتب إلى المأمون (والختان سنة واجبة على الرجال ومكرمة للنساء) (5) ، ثم هل يجب على الولي ختانه قبل بلوغ الصبي بحيث يكون ختانه في اليوم السابع إلى حين البلوغ من الواجب الموسع ، وأفضل أفراد الواجب الختان يوم السابع كما عن العلامة في التحرير ، ولا دليل عليه ، أم لا يجب على الولي وإنما هو مستحب نعم يجب على الصبي بعد البلوغ بلا فصل كما عليه المشهور ، وللجمع بين الأخبار الدالة على استحباب الختان يوم السابع وأنه من السنة مع أن التكليف هنا موجّه إلى الولي وبين الأخبار الدالة على وجوبه مع أن التكليف هنا موجّه إلى نفس البالغ.
(1) أي هل يجب على الولي ختانه قبل البلوغ.
(2) دليل عدم وجوب الختان قبل البلوغ.
(3) حين عدم البلوغ.
(4) دليل وجوب الختان.
(5) تأخير الختان.
(6) مفعول به لقوله (واستلزام تأخيره).
(7) وهو الختان عند البلوغ.
ص: 590
وقته (1) ، وفي التحرير لا يجوز تأخيره إلى البلوغ وهو دالّ على الثاني (2). ودليله غير واضح.
(ويستحب خفض النساء وإن بلغن) (3) قال الصادق عليه السلام : «خفض النساء مكرمة وأي شي ء أفضل من المكرمة».
______________________________________________________
(1) وأول وقته وقت البلوغ ، فلو لم يختنه الولي للزم تأخير الختان عن البلوغ وهو تأخير للواجب المضيّق عن وقته واللازم باطل فالملزوم مثله في البطلان ، وفي هذا دلالة على تعلق الختان بالولي قبل البلوغ.
(2) أي الثاني بحسب الأدلة ، وهو وجوب الختان على الولي قبل البلوغ.
(3) يعبّر عن الختان في الإناث بخفض الجواري ، وهو مستحب بلا خلاف فيه للأخبار.
منها : خبر الفضل بن شاذان عن الرضا عليه السلام أنه كتب إلى المأمون (والختان سنة واجبة للرجال ومكرمة للنساء) (1) ، وخبر مسعدة بن صدقة عن أبي عبد الله عليه السلام (خفض النساء مكرمة ، وليس من السنة ولا شيئا واجبا ، وأي شي ء أفضل من المكرمة) (2) ، وخبر عبد الله بن سنان عن أبي عبد الله عليه السلام (الختان سنة في الرجال ومكرمة في النساء) (3).
ومن هذه النصوص يستفاد عدم الوجوب قبل البلوغ أو بعده ، نعم وقته فيهن لسبع سنين لخبر وهب عن جعفر عن أبيه عن علي عليهم السلام (لا تخفض الجارية حتى تبلغ سبع سنين) (4).
وينبغي عدم الاستئصال فيه لصحيح محمد بن مسلم عن أبي عبد الله عليه السلام (لما هاجرت النساء إلى رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم هاجرت فيهن امرأة يقال لها أم حبيب ، وكانت خافضة تخفض الجواري ، فلما رآها رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم قال لها : يا أم حبيب ، العمل الذي كان في يدك هو في يدك اليوم؟ قالت : نعم يا رسول الله ، إلا أن يكون حراما تنهاني عنه ، فقال : لا بل حلال ، فادني حتى أعلّمك ، قال : فدنت منه فقال : يا أم حبيب إذا أنت فعلت فلا تنهكي ، أي لا تستأصلي ، وأشمي فإنه أشرق للوجه وأحظى للزوج) (5).
ص: 591
(والعقيقة شاة) (1) ،
______________________________________________________
(1) والعقيقة هي الذبيحة التي تبذح للمولود ، وقد تقدم في الأخبار ما يدل عليها في اليوم السابع ، ويستحب أن يعقّ عن الذكر ذكرا وعن الأنثى أنثى بلا خلاف فيه لخبر محمد بن مارد عن أبي عبد الله عليه السلام (سألته عن العقيقة ، فقال : شاة أو بقرة أو بدنة ، ثم يسمّ ويحلق رأس المولود في يوم السابع ، ويتصدق بوزن شعره ذهبا أو فضة ، فإن كان ذكرا عقّ عنه ذكرا ، وعن الأنثى أنثى) (1) مرسل يونس عن أبي جعفر عليه السلام (إذا كان يوم السابع وقد ولد لأحدكم غلام أو جارية فليعقّ عنه كبشا عن الذكر ذكرا ، وعن الأنثى مثل ذلك) (2).
وفي الكثير من النصوص التسوية كصحيح منصور بن حازم عن أبي عبد الله عليه السلام (العقيقة في الغلام والجارية سواء) (3) ، وخبر أبي بصير عن أبي عبد الله عليه السلام (عقيقة الغلام والجارية كبش) ((4) ومثلها غيرها ، وهي محمولة على الأجزاء.
وذهب ابن الجنيد والمرتضى إلى وجوب العقيقة للأمر بها في جملة من النصوص وقد تقدم بها ، بل في خبر علي بن رئاب عن أبي عبد الله عليه السلام (العقيقة واجبة) (5) ، وخبر أبي بصير عن أبي عبد الله عليه السلام (سألته عن العقيقة أواجبة هي؟ قال : نعم واجبة) (7) ، وخبر علي بن أبي حمزة عن العبد الصالح عليه السلام (العقيقة واجبة إذا ولد للرجل ولد ، فإن أحب أن يسمّيه من يومه فعل) (8) مضافا إلى ما ورد لأن كل مولود مرتهن بالعقيقة) (9) كما في خبر أبي خديجة عن أبي عبد الله عليه السلام أو (بعقيقته) (10) كما في خبر عمار عن أبي عبد الله عليه السلام.
والمشهور على الاستحباب بعد حمل هذه الأخبار على تأكده كما يومئ إليه صحيح عمر بن يزيد عن أبي عبد الله عليه السلام (كل امرئ مرتهن يوم القيامة بعقيقته ، والعقيقة أوجب من الأضحية) (11).
ويستحب أن تجتمع فيها شروط الأضحية من كونها سليمة من العيوب لموثق عمار عن أبي عبد الله عليه السلام في حديث (ويذبح عنه كبش وإن لم يوجد كبش أجزأ عنه ما يجزي في الأضحية ، وإلا فحمل أعظم ما يكون من حملان السنة ، ويعطى القابلة ربعها) (12) ، -
ص: 592
أو جزور (1) (تجتمع فيها شرائط الأضحية) وهي السلامة من العيوب ، والسمن ، والسن (2) على الأفضل ، ويجزي فيها مطلق الشاة. قال الصادق عليه السلام : «إنما هي شاة لحم ليست بمنزلة الأضحية يجزي منها كل شي ء وخيرها أسمنها».
(ويستحب مساواتها للولد في الذكورة والأنوثة) ، ولو خالفته (3) أجزأت.
(والدعاء عند ذبحها بالمأثور) وهو (4) «بسم الله وبالله اللهمّ هذه عقيقة عن فلان لحمها بلحمه ، ودمها بدمه ، وعظمها بعظمه ، اللهمّ اجعله وقاء لآل محمّد صلى الله عليه وآله وسلم» ، رواه الكرخي (5) عن أبي عبد الله عليه السلام ، وعن الباقر عليه السلام (6) قال : «إذا ذبحت فقل : بسم الله وبالله والحمد لله والله أكبر إيمانا بالله ، وثناء على رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم والعظمة لأمره ، والشّكر لرزقه ، والمعرفة بفضله علينا أهل البيت فإن كان ذكرا فقل : اللهمّ إنّك وهبت لنا ذكرا وأنت أعلم بما وهبت ، ومنك ما أعطيت ، وكلّ ما صنعنا فتقبّله منّا على سنّتك وسنّة نبيّك صلى الله عليه وآله وسلم وأخسأ عنّا الشيطان الرّجيم اللهمّ لك سفكت الدّماء لا شريك لك والحمد لله ربّ العالمين» ، وعن الصادق عليه السلام مثله (7) وزاد فيه : «اللهمّ لحمها بلحمه ، ودمها
______________________________________________________
- ومع فقد صفات الأضحية يجزي الفاقد لخبر منهال القمّاط عن أبي عبد الله عليه السلام (إنما هي شاة لحم ليست بمنزلة الأضحية يجزي منها كل شي ء) (1) ، وخبر مرازم عن أبي عبد الله عليه السلام (العقيقة ليست بمنزلة الهدي ، خيرها اسمنها) (2) ، ولهذه النصوص وغيرها فيجزي الشاة أو البقرة أو البدنة كيفما اتفقت.
(1) من الإبل يقع على الذكر والأنثى.
(2) على تفصيل تقدم في الحج من كونه في السنة السادسة من الإبل ، وفي السنة الثانية من البقر ، وفي الشهر الثامن من الغنم.
(3) أي خالفت العقيقة الولد في الذكورة والأنوثة.
(4) أي المأثور من الدعاء.
(5) الوسائل الباب - 46 - من أبواب أحكام الأولاد حديث 1.
(6) كما في مرسل يونس عن بعض أصحابه (3).
(7) كما في مرسل سهل بن زياد عن بعض أصحابه (4).
ص: 593
بدمه ، وعظمها بعظمه ، وشعرها بشعره ، وجلدها بجلده ، اللهمّ اجعلها وقاء لفلان بن فلان» وعنه عليه السلام (1) إذا أردت أن تذبح العقيقة قلت : « ( يٰا قَوْمِ إِنِّي بَرِي ءٌ مِمّٰا تُشْرِكُونَ ، إِنِّي وَجَّهْتُ وَجْهِيَ لِلَّذِي فَطَرَ السَّمٰاوٰاتِ وَالْأَرْضَ حَنِيفاً ) مسلما ( وَمٰا أَنَا مِنَ الْمُشْرِكِينَ. إِنَّ صَلٰاتِي وَنُسُكِي وَمَحْيٰايَ وَمَمٰاتِي لِلّٰهِ رَبِّ الْعٰالَمِينَ لٰا شَرِيكَ لَهُ وَبِذٰلِكَ أُمِرْتُ وَأَنَا أَوَّلُ الْمُسْلِمِينَ ) اللهمّ منك ولك بسم الله والله أكبر (2) ، وتسمي المولود باسمه ثم تذبح» ، وعنه عليه السلام (3) يقال عند العقيقة : «اللهمّ منك ولك ما وهبت وأنت أعطيت اللهمّ فتقبّله منّا على سنّة نبيّك صلى الله عليه وآله وسلم ونستعيذ بالله من الشيطان الرّجيم ، وتسمّي وتذبح وتقول : لك سفكت الدّماء لا شريك لك والحمد لله ربّ العالمين اللهمّ أخسأ عنّا الشيطان الرّجيم» فهذه جملة ما وقفت عليه من الدعاء المأثور.
(وسؤال الله تعالى أن يجعلها (4) فدية (5) ، لحما بلحم ، وعظما بعظم ، وجلدا بجلد) هذا داخل في المأثور فكان يستغنى عن تخصيصه. ولعله لمزيد الاهتمام به ، أو التنبيه عليه حيث لا يتفق الدعاء بالمأثور ، (ولا تكفي الصدقة بثمنها (6)) وإن
______________________________________________________
(1) كما في خبر عمار عن أبي عبد الله عليه السلام (1).
(2) وتتمة الخبر (اللهم صلي على محمد وآل محمد وتقبّل من فلان بن فلان ، وتسمّى المولود باسمه ثم تذبح).
(3) كما في خبر محمد بن مارد عن أبي عبد الله عليه السلام (2).
(4) أي العقيقة.
(5) أي فدية عن المولود.
(6) بلا خلاف فيه لخبر محمد بن مسلم قال : (ولد لأبي جعفر عليه السلام غلامان جميعا ، فأمر زيد بن علي أن يشتري له جزورين للعقيقة ، وكان زمن غلاء فاشترى له واحدة وعسرت عليه الأخرى ، فقال لأبي جعفر عليه السلام : قد عسرت عليّ الأخرى ، فأتصدق بثمنها؟ قال : لا ، اطلبها ، فإن الله عزوجل يجب إهراق الدماء وإطعام الطعام) (3) ، وخبر عبد الله بن بكير (كنت عند أبي عبد الله عليه السلام فجاءه رسول عمّه عبد الله بن علي فقال له : -
ص: 594
تعذرت ، بل ينتظر الوجدان بخلاف الأضحيّة.
قيل للصادق عليه السلام : إنا طلبنا العقيقة فلم نجدها فما ترى نتصدق بثمنها فقال عليه السلام : «لا ، إنّ الله تعالى يجب إطعام الطعام ، وإراقة الدماء(ولتخصّ القابلة بالرجل والورك (1)) ، وفي بعض الأخبار أنّ لها ربع العقيقة (2) ، وفي بعضها ثلثها (3) ، (ولو لم تكن قابلة تصدقت به الأم) (4) بمعنى أنّ حصة القابلة تكون لها ، وإن كان الذابح (5) الأب ، ثم هي تتصدق بها (6) ، لأنه يكره لها (7)
______________________________________________________
- يقول لك عمك : إنا طلبنا العقيقة فلم نجدها ، فما ترى نتصدق بثمنها؟ قال : لا ، إن الله يجب إطعام الطعام وإراقة الدماء) (1).
وحينئذ فلو عجز عنها أخّرها حتى يتمكن منها.
(1) لخبر أبي بصير عن أبي عبد الله عليه السلام (ويبعث إلى القابلة الرجل مع الورك ويطعم منه ويتصدق) (2) ، وخبر الكاهلي عن أبي عبد الله عليه السلام (العقيقة يوم السابع ، وتعطى القابلة الرّجل مع الورك ، ولا يكسر العظم) (3) ومثله خبر سماعة (4).
(2) كما في خبر عمار عن أبي عبد الله عليه السلام (وتعطى القابلة ربعها) (5) ، وخبر أبي بصير عن أبي عبد الله عليه السلام (ويطعم قابله ربع الشاة) (6) ، وخبر عمار الساباطي عن أبي عبد الله عليه السلام (أنه يعطى القابلة ربعها) (7).
(3) لخبر أبي خديجة عن أبي عبد الله عليه السلام قال : (لا يأكل هو ولا أحد من عياله من العقيقة ، وقال : وللقابلة ثلث العقيقة) (8).
(4) لخبر عمار عن أبي عبد الله عليه السلام (ويعطى القابلة ربعها ، وإن لم تكن قابلة فلأمّه تعطيها من شاءت) (9) ولو إلى الغني للعموم.
(5) أي الذي عقّ عن الولد.
(6) بحصة القابلة.
(7) للام.
ص: 595
الأكل كما سيأتي. ولا تختص الصدقة بالفقراء ، بل تعطي من شاءت كما ورد في الخبر.
(ولو بلغ الولد ولمّا يعقّ عنه أستحب له العقيقة عن نفسه (1) ، وإن شك) الولد هل عق عنه أم لا(فليعق) هو (إذ الأصل عدم عقيقة أبيه) ، ولرواية عبد الله بن سنان عن عمر بن يزيد قال : قلت لأبي عبد الله عليه السلام إني والله ما أدري كان أبي عقّ عني أم لا؟ قال : فأمرني أبو عبد الله عليه السلام فعققت عن نفسي وأنا شيخ كبير» وقال عمر (2) : سمعت أبا عبد الله يقول : «كلّ امرئ مرتهن بعقيقته ، والعقيقة أوجب من الأضحيّة».
(ولو مات الصبي يوم السابع بعد الزوال لم يسقط ، وقبله يسقط) (3) روى ذلك إدريس بن عبد الله عن أبي عبد الله عليه السلام.
(ويكره للوالدين أن يأكلا منها شيئا ، وكذا من في عيالهما) وإن كانت القابلة منهم (4) ، لقول الصادق عليه السلام : «لا يأكل هو ولا أحد من عياله من
______________________________________________________
(1) لخبر عمر بن يزيد (قلت لأبي عبد الله عليه السلام : إني والله ما أدري كان أبي عقّ عنّي أم لا ، قال : فأمرني أبو عبد الله عليه السلام فعققت عن نفسي وأنا شيخ كبير) (1).
(2) في خبر آخر (2).
(3) أي الاستحباب ، لخبر إدريس بن عبد الله (سألت أبا عبد الله عليه السلام عن مولود يولد فيموت يوم السابع هل يعقّ عنه؟ فقال : إن كان مات قبل الظهر لم يعقّ عنه ، وإن مات بعد الظهر عقّ عنه) (3).
(4) لخبر أبي خديجة عن أبي عبد الله عليه السلام (لا يأكل هو ولا أحد من عياله من العقيقة ، وقال : وللقابلة ثلث العقيقة ، وإن كانت القابلة أمّ الرجل أو في عياله فليس لها منها شي ء ، وتجعل أعضاء ثم يطبخها ويقسّمها ولا يعطيها إلا أهل الولاية ، وقال : يأكل من العقيقة كل أحد إلا الأم) (4).
ص: 596
العقيقة ، وقال : للقابلة ثلث العقيقة. فإن كانت القابلة أمّ الرجل أو في عياله فليس لها منها شي ء» ، وتتأكد الكراهة في الأم ، لقوله عليه السلام في هذا الحديث : «يأكل العقيقة كل أحد إلا الأم» (وأن تكسر عظامها (1) ، بل تفصّل أعضاء) لقوله عليه السلام في هذا الخبر : «ويجعل أعضاء ثم يطبخها».
(ويستحب أن يدعى لها المؤمنون (2) ، وأقلهم عشرة) قال الصادق عليه السلام (3) : «يطعم منه عشرة من المسلمين ، فإن زاد فهو أفضل» وفي الخبر السابق (4) «لا يعطيها إلا لأهل الولاية» (وأن يطبخ طبخا) دون أن تفرّق لحما ، أو تشوى على النار ، لما تقدّم من الأمر بطبخها (5).
والمعتبر مسماه (6) ، وأقله أن يطبخ(بالماء والملح) ولو أضيف إليهما غيرهما فلا بأس ، لإطلاق الأمر (7) الصادق به (8) ، بل ربما كان (9) أكمل ، وما ذكره المصنف للتنبيه على أقلّ ما يتأدى به الطبخ ، لا الحصر إذا لم يرد نصّ بكون الطبخ
______________________________________________________
(1) ففي خبر أبي خديجة (1) المتقدم قال عليه السلام (وتجعل أعضاء ثم يطبخها) ، وخبر عبد الله بن سنان عن أبي عبد الله عليه السلام (وأقطع العقيقة جذاوي واطبخها وادع عليها رهطا من المسلمين) (2) ، ومنهما استفاد الأصحاب كراهة كسر عظامها بل تفصل أعضاء ، بالإضافة إلى خبر الكاهلي المتقدم عن أبي عبد الله عليه السلام (وتعطى القابلة الرجل مع الورك ولا يكسر العظم) (3).
(2) كما في خبر أبي خديجة المتقدم (ولا يعطيها إلا أهل الولاية) (4).
(3) كما في خبر عمار (5).
(4) أي خبر أبي خديجة وقد تقدم.
(5) كما في خبر أبي خديجة المتقدم (وتجعل أعضاء ثم يطبخها).
(6) أي مسمى الطبخ.
(7) أي الأمر بالطبخ.
(8) أي بالطبخ بالماء والملح مع إضافة غيرهما.
(9) أي إضافة غير الماء والملح إليهما.
ص: 597
بالماء والملح خاصة ، بل به (1) مطلقا (2).
(ومنها (3) : الرضاع (4)
فيجب على الأمّ ارضاع اللّباء (5)) بكسر اللام ، وهو أول اللبن في النتاج ،
______________________________________________________
(1) بالطبخ.
(2) من غير تقييد بالماء والملح.
(3) من أحكام الأولاد.
(4) بكسر الراء وفتحها ، مصدر رضع كسمع وضرب ، وهو كالرضاعة بالكسر والفتح ، وهو امتصاص الثدي.
(5) وهو أول ما يحلب مطلقا أو إلى ثلاثة أيام ، هذا واعلم أنه لا يجب على الأم إرضاع ولدها بلا خلاف فيه كما في الجواهر ، للأصل ، ولظاهر قوله تعالى : ( فَإِنْ أَرْضَعْنَ لَكُمْ فَآتُوهُنَّ أُجُورَهُنَّ ) (1) ، واختصاصه بالمطلق لا يضرّ بما هو مورد الاستدلال ، وبقوله تعالى : ( وَإِنْ تَعٰاسَرْتُمْ فَسَتُرْضِعُ لَهُ أُخْرىٰ ) (2) ، ولجملة من الأخبار.
منها : خبر سليمان بن داود (سئل أبو عبد الله عليه السلام عن الرضاع ، فقال : لا تجبر الحرة على إرضاع الولد وتجبر أم الولد) (3) ، وصحيح ابن سنان عن أبي عبد الله عليه السلام (في رجل مات وترك امرأة ومعها منه ولد ، فألقته على خادم لها فأرضعته ، ثم جاءت تطلب رضاع الغلام من الوصي ، فقال : لها أجر مثلها ، وليس للوصي أن يخرجه من حجرها حتى يدرك ويدفع إليه ماله) (4) ومثلها غيرها.
نعم يستثنى من الحكم بعدم وجوب إرضاع ولدها ما إذا لم يكن للولد مرضعة أخرى سواها فيجب عليها الارضاع ، لتعينها بلا خلاف فيه ، ويستثنى ما إذا وجدت مرضعة أخرى ولكن كان الأب معسرا ولا مال للولد يمكن به إرضاعه من غيرها فيجب على الأم إرضاعه بلا خلاف فيه ، لوجوب نفقته عليها في هذه الصورة كما لو فقد الأب أو كان معسرا ولا مال للولد فكما يجب عليها نفقته فيجب عليها إرضاعه. -
ص: 598
قاله الجوهري ، وفي نهاية ابن الأثير : هو أول ما يحلب عند الولادة ، ولم أقف على تحديد مقدار ما يجب منه (1) ، وربما قيده بعض بثلاثة أيام ، وظاهر ما نقلناه عن أهل اللغة أنه (2) حلبة واحدة.
وإنما وجب عليها ذلك (3) ، لأنّ الولد لا يعيش بدونه ، ومع ذلك (4) لا يجب عليها التبرع به ، بل(بأجرة على الأب (5) إن لم يكن للولد مال) ، وإلا ففي
______________________________________________________
- نعم وقد استثنى جماعة منهم العلامة في القواعد والماتن هنا ارضاعها اللباء ، فيجب عليها ارضاعه ذلك ، لأن الولد لا يعيش بدونه.
وعن الأكثر عدم الاستثناء ، لعدم الدليل على الاستثناء بل ظاهر الأدلة المتقدمة الدالة على عدم وجوب ارضاعه يشمل اللباء ، ودعوى توقف الحياة عليه يكذبها الوجدان ، ولعلهم أرادوا الغالب وأنه لا يقوى الصبي ولا تشتدّ بنيّته إلا به ، ولكنه لا يصلح دليلا للوجوب حتى يستثنى اللباء.
(1) من اللباء.
(2) أن اللباء.
(3) إرضاع اللباء.
(4) أي مع وجوب ارضاع اللباء على الأم.
(5) قد عرفت أن أصل الحكم عدم وجوب الرضاع على الأم ، وقد استثنى منه موردان أو ثلاثة ، وعلى تقدير وجوب الإرضاع على الأم فهل تستحق أجرة عليه ، قيل : لا ، كما عن الفاضل المقداد في التنقيح ، لأنه فعل واجب ولا يجوز أخذ الأجرة على الواجب.
وعن الأكثر الجواز لظاهر قوله تعالى : ( فَإِنْ أَرْضَعْنَ لَكُمْ فَآتُوهُنَّ أُجُورَهُنَّ ) (1) ، بعد منع كلية عدم جواز أخذ الأجرة على الواجبات كما حرر في محله ، على أنه لو سلم العموم فالواجب عليها الارضاع والأجرة على اللبن المبذول ولا تعارض بينهما كمن كان عنده طعام وقد اضطر إليه ذو نفس محترمة ، فيجب البذل للمضطر ولكن بالعوض ، لأن العوض في قبال الطعام لا في قبال البذل الواجب.
وإذا استحقت الأم الأجرة ، فهي على الأب ، لأن الرضاع من جملة النفقة الواجبة للولد على الأب ولظاهر قوله تعالى : ( وَعَلَى الْمَوْلُودِ لَهُ رِزْقُهُنَّ ) (2) ، وهو كناية عن أجرة -
ص: 599
ماله (1) ، جمعا (2) بين الحقين (3) ، ولا منافاة بين وجوب الفعل ، واستحقاق عوضه كبذل المال في المخمصة (4) للمحتاج. وبذلك (5) يظهر ضعف ما قيل (6) بعدم استحقاقها الأجرة عليه (7) ، لوجوبه عليها ، لما (8) علم من عدم جواز أخذ الأجرة على العمل الواجب.
والفرق (9) أن الممنوع من أخذ أجرته هو نفس العمل (10) ، لا عين المال الذي يجب بذله ، واللّباء من قبيل الثاني ، لا الأول. نعم يجي ء على هذا (11) : أنها لا تستحق أجرة على ايصاله (12) إلى فمه ، لأنه (13) عمل واجب.
وربما منع (14) من كونه (15) لا يعيش بدونه(16). فينقدح حينئذ(17) عدم
______________________________________________________
- الرضاع ، وأطلق على الأب المولود له للتنبيه على أن الولد حقيقة للأب ، ولهذا انتسب إليه دون أمه ، ووجب عليه نفقته ابتداء.
نعم لو كان للولد مال لم يجب على الأب بذل الأجرة ، لأن الولد غني فلا يجب الانفاق على والده.
(1) أي مال الولد.
(2) تعليل لوجوب ارضاع اللباء بالأجرة لا تبرعا.
(3) حق الأم بالأجرة وحق الولد على الأم في صورة إرضاع اللباء.
(4) أي المجاعة ، فيجب بذل الطعام للمحتاج مع العوض.
(5) من عدم منافاة وجوب الفعل واستحقاق عوضه.
(6) كما عن المقداد في التنقيح.
(7) على إرضاع اللباء.
(8) تعليل لعدم استحقاقها الأجرة على إرضاع اللباء.
(9) رد من الشارح على دليل المقداد.
(10) أي العمل الواجب.
(11) أي على حرمة أخذ الأجرة على الواجبات.
(12) أي ايصال اللباء.
(13) لأن الايصال وهو الارضاع.
(14) شروع في مناقشة الماتن بوجوب إرضاع اللباء.
(15) كون الولد.
(16) بدون اللباء ، لأنه مخالف للوجدان.
(17) حين إمكان العيش بدون اللباء.
ص: 600
الوجوب (1) والعلامة قطع في القواعد بكونه لا يعيش بدونه ، وقيّده بعضهم بالغالب وهو أولى (2).
(ويستحب للأمّ أن ترضعه (3) طول المدة المعتبرة في الرضاع) وهي (4):
______________________________________________________
(1) عدم وجوب إرضاع اللباء.
(2) لموافقته الوجدان ، وعليه فلا يجب إرضاع اللباء إلا مع ثبوت الضرر على الولد بعدمه ، فيتقدر بقدره.
(3) بمعنى أن الأم أفضل المراضع بالنسبة إليه لخبر طلحة بن زيد عن أبي عبد الله عليه السلام (قال أمير المؤمنين عليه السلام : ما من لبن يرضع به الصبي أعظم عليه بركة من لبن أمه) (1).
(4) أي المدة المعتبرة حولان ، وهي حد الرضاع لقوله تعالى : ( وَالْوٰالِدٰاتُ يُرْضِعْنَ أَوْلٰادَهُنَّ حَوْلَيْنِ كٰامِلَيْنِ لِمَنْ أَرٰادَ أَنْ يُتِمَّ الرَّضٰاعَةَ ) (2).
وظاهر الآية كون تمام الرضاع حولين ، وهو لا ينافي جواز النقص منهما ، وقد جوّز الأصحاب الاقتصار على أحد وعشرين شهرا لظاهر قوله تعالى : ( وَحَمْلُهُ وَفِصٰالُهُ ثَلٰاثُونَ شَهْراً ) (3) فإذا حملت به أمه تسعة أشهر كما هو الغالب بقي فصاله وهو مدة رضاعه أحد وعشرين شهرا لموثق سماعة عن أبي عبد الله عليه السلام (الرضاع واحد وعشرون شهرا ، فما نقص فهو جور على الصبي) (4) ، ومثله غيره.
وأما الزيادة على الحولين فمقتضى الآية أنه ليس من الرّضاعة لتمامها بالحولين ، ولكن ليس في الآية دلالة على المنع ، وفي صحيح سعد بن سعد الأشعري عن الرضا عليه السلام (سألته عن الصبي هل يرضع أكثر من سنتين؟ فقال عليه السلام : عامين ، قلت : فإن زاد على سنتين هل على أبويه من ذلك شي ء؟ قال عليه السلام : لا) (5) ، وعن جماعة منهم المحقق قيدوا الزيادة بشهر وشهرين وذكروا أنه مروي كما في المسالك.
وعلى المشهور عدم الزيادة لصحيح الحلبي عن أبي عبد الله عليه السلام (ليس للمرأة أن تأخذ في رضاع ولدها أكثر من حولين كاملين) (6) ومثله خبر أبي بصير عنه عليه السلام (7) وعلى -
ص: 601
«حولان كاملان لمن أراد أن يتمّ الرضاعة (1) فإن أراد (2) الاقتصار على أقل المجزي فأحد وعشرون شهرا ، ولا يجوز نقصانه عنها (3) ، ويجوز الزيادة على الحولين شهرا وشهرين خاصة (4) ، لكن لا تستحق المرضعة على الزائد أجرة.
وإنما كان إرضاع الأمّ مستحبا ، لأنّ لبنها أوفق بمزاجه ، لتغذيه به في الرحم دما(5).
(والأجرة كما قلناه) من كونها في مال الولد إن كان له مال ، وإلا (6) فعلى الأب وإن علا كما سيأتي مع يساره ، وإلا فلا أجرة لها ، بل يجب عليها كما يجب عليها الانفاق عليه لو كان الأب معسرا.
(ولها ارضاعه) حيث يستأجرها الأب(بنفسها وبغيرها) (7) إذا لم يشترط
______________________________________________________
- كل فمع الزيادة لا تستحق الأم على أبيه أجرة الزائد ، لعدم ضرورة الولد للزائد بعد كون نهاية الرضاع حولين.
(1) وهذا اقتباس من الآية الشريفة المتقدمة.
(2) تذكير الضمير باعتبار لفظ (من أراد) الوارد في الآية.
(3) أي نقصان الرضاع عن أحد وعشرين شهرا ، لأنه جور على الصبي كما في الخبر المتقدم.
(4) كما عليه جماعة وأنه مروي على ما تقدم.
(5) بل هو في الأصل دم اكتسى صورة اللبن بعد الولادة كما في المسالك.
(6) فمع عدم يسار الأب وفقدان المال عند الولد فيجب على الأم النفقة حينئذ ، ومن جملتها الرضاع ، فترضعه بدون أجرة حينئذ.
(7) إذا استأجر الأب الأم للرضاع ، فإن كانت مطلقة بائنا فلا إشكال ولا خلاف ، ولو كانت زوجة فالمشهور الجواز ، وعن الشيخ في المبسوط المنع من استئجارها للارضاع لعدم القدرة على التسليم باعتبار ملك الزوج للاستمتاع بها ، وضعفه ظاهر ، لأن استئجار الزوج لزوجته اسقاط لحقه من الاستمتاع في وقت إرضاعها.
وإذا جازت الإجارة فإن صرّح باشتراط إرضاعه بنفسها تعين ، لعموم (المؤمنون عند شروطهم) (1) ، ولا يجوز لها إرضاعه بغيرها ، وإن فعلت فلا أجرة لها.
وإن صرح بالعموم بين إرضاعه بنفسها أو بغيرها ، فلا شبهة في جواز الأمرين ، -
ص: 602
عليها ارضاعه بنفسها ، كما في كل أجير مطلق(وهي أولى) بارضاعه ولو بالأجرة(إذا قنعت بما يقنع به الغير) (1) أو أنقص ، أو تبرعت بطريق أولى فيهما(ولو)
______________________________________________________
- وتستحق الزوجة الأجرة المسماة على كل حال.
وإن أطلق بأن استأجرها لإرضاعه فالمشهور جواز إرضاعها له بنفسها وبغيرها ، لأنها حينئذ أجير مطلق ، ومن شأنه جواز تحصيل المنفعة بنفسه وغيره.
وقيل : لا يجوز ، لاختلاف المراضع في الحكم والخواص ، بعد دلالة العرف على مباشرتها ، حتى قيل : إنه يجب تعيين المرضعة في العقد لذلك ، والأصح الرجوع إلى العرف فإن كان فهو ، وإلا فيجوز لها أن ترضعه بنفسها أو بغيرها تمسكا بالإطلاق ولها الأجرة المسماة حينئذ.
(1) الأم أحق بإرضاع ولدها إذا رضيت بما يطلبه غيرها من أجرة أو تبرع بلا خلاف فيه للأخبار.
منها : صحيح الحلبي عن أبي عبد الله عليه السلام (الحبلى المطلقة ينفق عليها حتى تضع حملها ، وهي أحق بولدها حتى ترضعه بما تقبله امرأة أخرى ، إن الله يقول : لا تضارّ والدة بولدها ، ولا مولود له بولده) (1) ، وخبر أبي الصباح الكناني عن أبي عبد الله عليه السلام (إذا طلق الرجل المرأة وهي حبلى أنفق عليها حتى تضع حملها ، وإذا وضعته أعطاها أجرها ولا يضارها ، إلا أن يجد من هو أرخص أجرا منها ، فإن هي رضيت بذلك الأجر فهي أحق بابنها حتى تفطمه) (2) ، وخبر فضل أبي العباس عن أبي عبد الله عليه السلام في حديث : (فإن قالت المرأة لزوجها الذي طلقها : أنا أرضع ابني بمثل ما تجد من يرضعه فهي أحق به) (3) ، وهذه الأخبار صرحت بأنها الأولى لو أخذت بما تأخذه الغير ، ومن باب أولى فهي الأولى لو أخذت الأنقص أو تبرعت ، ولازم هذا الحكم أنه لو تبرعت الغير وطلبت الأم الأجرة فلا أولوية وكذا لو طلبت الغير أجرة وطلبت الأم الزيادة ، فللأب انتزاعه من الأم وتسليمه إلى الغير لخبر داود بن الحصين عن أبي عبد الله عليه السلام في حديث : (وإن وجد الأب من يرضعه بأربعة دراهم ، وقالت الأم : لا أرضعه إلا بخمسة دراهم ، فإن له أن ينزعه منها ، إلا أن ذلك خير له وأرفق به أن يترك مع أمه) (4) ونقل الشيخ في الخلاف عن بعضهم أن الأم أحق بالولد متى طلبت أجرة المثل ، وإن وجد الأب من يأخذ أقل أو يتبرع ، لعموم قوله تعالى : ( فَإِنْ -
ص: 603
(طلبت زيادة) عن غيرها(جاز للأب انتزاعه منها وتسليمه إلى الغير) الذي يأخذ أنقص ، أو يتبرع. ويفهم من قوله : انتزاعه وتسليمه : سقوط حضانتها (1) أيضا ، وهو أحد القولين. ووجهه (2) لزوم الحرج بالجمع بين كونه في يدها (3) ، وتولي غيرها ارضاعه ، ولظاهر رواية داود بن الحصين عن الصادق عليه السلام : «إن وجد الأب من يرضعه بأربعة دراهم وقالت الأم : لا أرضعه إلا بخمسة دراهم فإنّ له أن ينزعه منها».
والأقوى بقاء الحضانة لها (4) ، لعدم تلازمهما (5) ، وحينئذ (6) فتأتي المرضعة وترضعه عندها مع الإمكان ، فإن تعذّر (7) حمل الصبي إلى المرضعة وقت الإرضاع
______________________________________________________
- أَرْضَعْنَ لَكُمْ فَآتُوهُنَّ أُجُورَهُنَّ ) (1) ، وقواه ابن إدريس ، وهو المنقول عن بعض العامة ، وهو محجوج بالأخبار المتقدمة.
(1) إذا طلبت الأم للرضاعة أجرة زائدة عن غيرها ، فللزوج نزع الولد منها وتسليمه إلى الأجنبية كما في خبر داود بن الحصين المتقدم ، ولكن هل تسقط حضانة الأم حينئذ ، تردد المحقق في الشرائع ، وجه السقوط لظاهر الخبر ، وللزوم الحرج بتردد المرضعة إليها في كل وقت يحتاج الولد إلى الارضاع.
ووجه عدم السقوط أن الخبر ظاهر في نزعه من جهة الرضاع لا مطلقا ، وعليه فتأتي المرضعة إليه إن أمكن وإلا حمل إليها وقت الحاجة ، نعم إن تعذر ذلك سقط حقها من الحضانة حينئذ إلا إذا تبرعت بالارضاع فهي الأولى ، والثاني لم يخالف فيه أحد وإن تردد المحقق في الشرائع.
(2) وجه سقوط حضانتها.
(3) يد الأم.
(4) للام وإن أرضعته غيرها.
(5) أي الحضانة والارضاع ، بحيث إذا انتفى أحدهما ينتفى الآخر ، بل يمكن التفكيك بينهما.
(6) وحين التفكيك بين الحضانة والارضاع.
(7) أي الإتيان.
ص: 604
خاصة ، فإن تعذّر جميع ذلك (1) اتجه سقوط حقّها من الحضانة ، للحرج (2) ، والضرر.
(وللمولى إجبار أمته على الارضاع لولدها وغيره (3)) لأنّ منافعها مملوكة له فله التصرف فيها كيف شاء ، بخلاف الزوجة حرّة كانت أم مملوكة لغيره ، معتادة لإرضاع أولادها أم غير معتادة ، لأنه لا يستحق بالزوجية منافعها وإنما استحق الاستمتاع.
(ومنها (4) الحضانة) (5)
بالفتح وهي : ولاية على الطفل والمجنون لفائدة تربيته وما يتعلق بها (6) من مصلحته من حفظه ، وجعله في سريره ، ورفعه ، وكحله ، ودهنه ، وتنظيفه ، وغسل خرقه ، وثيابه ، ونحوه ، وهي بالأنثى أليق منها بالرجل (7) (فالأم أحق بالولد مدة الرضاع (8).)
______________________________________________________
(1) من الإتيان والحمل.
(2) إما على الطفل أو من يحمله إليها أو على الأب.
(3) غير الولد ، للمولى اجبار أمته على الرضاع لولده منها ، أو من غيرها ، أو لغير ولده ، بلا خلاف ولا إشكال ، لأن جميع منافعها مملوكة له ، سواء في ذلك منافع الاستمتاع وغيرها.
بخلاف الزوجة سواء كانت حرة أو مملوكة لغيره ، فلا يستحق بالزوجية إلا حق الاستمتاع منها ، وأما الرضاع فلا ولذا لا يجب عليها ارضاع ولدها منه إلا ما استثنى على ما تقدم بيانه.
(4) أي ومن أحكام الأولاد.
(5) بالفتح والكسر ، وهي ولاية وسلطنة على تربية الطفل وما يتعلق بها من مصلحة حفظه وجعله في سريره وكحله وتنظيفه وغسل خرقه وثيابه ، ونحو ذلك.
(6) بالتربية.
(7) لمزيد شفقتها في حفظ الولد ، ومناسبة هذه الأمور لطبع النساء دون الرجال.
(8) الأم أحق بالولد ذكرا كان أو أنثى مدة الرضاع ، وهي حولان كاملان ، إذا أرضعته بلا خلاف فيه ، أو أرضعته غيرها بلا خلاف معتد به وقد تقدم تردد المحقق في الشرائع ، -
ص: 605
(وإن كان) الولد(ذكرا إذا كانت) الأم(حرة (1) مسلمة (2)) عاقلة (3) (أو كانا) أي
______________________________________________________
- وإنما الخلاف فيما بعد الحولين فالمشهور على أن الأم لها حضانة الذكر مدة الرضاع ، ولها حضانة الأنثى إلى سبع سنين جمعا بين خبر أبي الصباح الكناني عن أبي عبد الله عليه السلام (إذا طلّق الرجل المرأة وهي حبلى أنفق عليها حتى تضع حملها ، وإذا وضعته أعطاها أجرها ولا يضارّها إلا أن يجد من هو أرخص أجرا منها ، فإن هي رضيت بذلك الأجر فهي أحق بابنها حتى تفطمه) (1) وبين صحيح أيوب بن نوح قال : (كتب إليه بعض أصحابه كانت لي امرأة ولي منها ولد وخليت سبيلها فكتب عليه السلام : المرأة أحق بالولد إلى أن يبلغ سبع سنين إلا أن تشاء المرأة) (2) ، وصحيحه الآخر (كتبت إليه مع بشر بن بشار : جعلت فداك رجل تزوج امرأة فولدت له ثم فارقها متى يجب له أن يأخذ ولده؟ فكتب عليه السلام : إذا صار له سبع سنين فإن أخذه فله وإن تركه فله) (3) بحمل الأول على الذكر والأخيرين على الأنثى المؤيد بالاعتبار إذ الولد أنسب بتربية الذكر وتأديبه كما أن الوالدة أنسب بتربية الأنثى وتأديبها.
وعن الصدوق أن لها حضانة الولد ما لم تتزوج لمرسل المنقري عن أبي عبد الله عليه السلام (عن الرجل يطلق امرأته وبينهما ولد ، أيهما أحق بالولد؟ قال عليه السلام : المرأة أحق بالولد ما لم تتزوج) (4).
وعن الشيخ في الخلاف وابن الجنيد أن لها حضانة الأنثى ما لم تتزوج ، ولها حضانة الذكر إلى سبع سنين جمعا بين الأخبار المتقدمة ، وعن المفيد وسلّار أن لها حضانة الأنثى إلى تسع سنين ، وقال عنه في الجواهر : (إلا أنا لم نقف على مستنده اللهم إلا أن يقال : إنها لما كانت مستورة ولا بدّ للأب من التبرج كثيرا لم يكن بدّ من وليّ يربيها إلى البلوغ وحده تسع سنين) انتهى.
(1) فلا حضانة للأمة ، لأن منفعتها للسيد ، وهي مشغولة به غير متفرغة للحضانة بلا خلاف فيه.
(2) فلا حضانة للكافرة إذا كان الولد مسلما بسبب إسلام أبيه ، بلا خلاف فيه لقوله تعالى : ( وَلَنْ يَجْعَلَ اللّٰهُ لِلْكٰافِرِينَ عَلَى الْمُؤْمِنِينَ سَبِيلاً ) (5).
(3) فلا حضانة للمجنونة بلا خلاف فيه ، لأن المجنون لا يتأتى منه الحفظ والتعهد ، بل هو في نفسه محتاج إلى من يحضنه.
ص: 606
الأبوان معا(رقيقين أو كافرين) فإنه يسقط اعتبار الحرية في الأول (1) والإسلام في الثاني (2) لعدم الترجيح (3) ، ولو كانت الأم خاصة حرة مسلمة فهي أحق بالولد مطلقا (4) من الأب الرقّ أو الكافر (5) إلى أن يبلغ وإن تزوجت (6).
(فإن فصل) عن الرضاع(فالأم أحق بالأنثى إلى سبع سنين) (7). وقيل : إلى تسع (8). وقيل : ما لم تتزوج الأم (9). وقيل إلى سبع فيهما (10) ، والأول مع شهرته جامع بين الأخبار المطلقة (11) (والأب أحق بالذكر) بعد فصاله(إلى البلوغ (12) و) أحقّ(بالأنثى بعد السبع) والأقوى أنّ الخنثى المشكل هنا (13) كالأنثى استصحابا لولاية الأم الثابتة عليه (14) ابتداء إلى أن يثبت المزيل ، ولا ثبوت له (15) قبل السبع لعدم العلم بالذكورية التي هي مناط زوال ولايتها عنه(16) بعد الحولين. وأصالة
______________________________________________________
(1) فيما لو كان الأبوان رقيقين.
(2) فيما لو كان الأبوان كافرين.
(3) أي عدم ترجيح أحد الأبوين على الآخر فيرجع إلى الحكم الثابت بحضانة الأم مدة الرضاع.
(4) ذكرا كان أو أنثى.
(5) أما الرقية فهي مانع من حضانة الأب ، لأن منفعته للسيد ، وهو مشغول به غير متفرغ للحضانة ، وأما الكفر فهو مانع من حضانة الأب أيضا ، لأن الحضانة ولاية ولا ولاية للكافر على المسلم.
(6) أي الأم.
(7) كما عليه المشهور.
(8) كما عن المفيد وسلّار.
(9) كما عن الصدوق.
(10) في الذكر والأنثى كما عن الشيخ في الخلاف وابن الجنيد بشرط عدم تزويجها.
(11) في إثبات السبع أو مطلق الحضانة ما لم تتزوج أو إثبات مدة الرضاع.
(12) تتمة كلام المشهور.
(13) في الحضانة.
(14) على الخنثى.
(15) للمزيل.
(16) عن الذكر.
ص: 607
عدم استحقاقه (1) الولاية قبلها (2). هذا كله إذا كان الأبوان موجودين فإن مات أحدهما كان الآخر أحق بالولد مطلقا (3) من جميع الأقارب إلى أن يبلغ (4) (و) كذلك(الأم أحق من الوصي) أي وصي الأب(بالابن) (5) وكذا بالبنت بعد السبع كما هي (6) أحق من الأقارب (7) وإن تزوجت.
(فإن فقد الأبوان (8).
______________________________________________________
(1) أي عدم استحقاق الأب.
(2) قبل السبع.
(3) من ذكر أو أنثى.
(4) أي الولد ، بلا خلاف فيه ، فلو مات الأب فالأم أحق بالحضانة من الوصي وباقي الأقارب لصحيح ابن سنان عن أبي عبد الله عليه السلام (وليس للوصي أن يخرجه من حجرها حتى يدرك ، ويدفع إليه ماله) (1) ، وخبر داود بن الحصين عن أبي عبد الله عليه السلام (فإذا مات الأب فالأم أحق به من العصبة) (2) ، بلا فرق بين ما لو تزوجت أو لا ، لإطلاق النصوص ومنه يعرف الحكم لو ماتت هي في زمن حضانتها فالأب أحق بالولد من وصيها ومن باقي أقاربها.
(5) بعد الحولين.
(6) أي الأم.
(7) أي أقارب الأب حتى أبيه وأمه.
(8) اعلم أنه لا نص في مستحق الحضانة بعد الأبوين ، ولذا اختلف الأصحاب اختلافا كثيرا.
فعن الأكثر أن الحكم إلى باقي الأقارب والأرحام على ترتيب الارث لعموم قوله تعالى : ( وَأُولُوا الْأَرْحٰامِ بَعْضُهُمْ أَوْلىٰ بِبَعْضٍ فِي كِتٰابِ اللّٰهِ ) ، والأولوية تشمل الإرث والحضانة وغيرهما ، وعليه فينظر إلى الموجود من الأقارب ويقدّر فلو كان وارثا فيحكم له بحق الحضانة ، ثم إن كان واحدا اختص ، وإن تعدّد اقرع بينهم لما في اشتراكهم في الحضانة من الإضرار بالولد.
وعن الشيخ في موضع من المبسوط والعلامة في القواعد وقبله المحقق في الشرائع وابن -
ص: 608
(فالحضانة لأب الأب) لأنه (1) أب في الجملة ، فيكون أولى من غيره من الأقارب ، ولأنه أولى بالمال فيكون أولى بالحضانة ، وبهذا (2) جزم في القواعد ، فقدّم الجد للأب على غيره من الأقارب ، ويشكل بأن ذلك (3) لو كان موجبا لتقديمه لاقتضى تقديم أم الأم عليه (4) ، لأنها (5) بمنزلة الأم ، وهي (6) مقدمة على الأب على ما فصّل (7) ، وولاية المال لا مدخل لها في الحضانة ، وإلا (8) لكان الأب أولى من الأم ، وكذا الجد له (9) وليس كذلك إجماعا ، والنصوص خالية من غير الأبوين من الأقارب ، وإنما أستفيد حكمهم (10) من آية أولى الأرحام ، وهي لا تدل على تقديمه (11) على غيره من درجته ، وبهذا (12) جزم في المختلف وهو أجود.
______________________________________________________
- إدريس وكذا عن جماعة أن الحضانة مع فقد الأبوين لأب الأب مقدما على غيره من الأخوة والأجداد والجدات وإن شاركوه في الإرث ، لأن الجد للأب أب في الجملة فيكون أولى من غيره من الأقارب ، ولأنه أولى بالمال فيكون أولى بالحضانة.
وفيه أن ذلك لو كان موجبا لتقديمه لاقتضى تقديم أم الأم عليه ، فإنها بمنزلة الأم ، وهي مقدمة على الأب على ما فصل في مدة الرضاع ، وأما ولاية المال فلا مدخل لها في الحضانة ، وإلا لكان الأب أولى من الأم ، وكذا الأب للأب فهو أولى من الأم ، هذا بالإضافة إلى أن النصوص خالية من غير الأبوين كما عرفت وقد استفيد حكم الأقارب في الحضانة من آية أولي الأرحام ، وهي لا تدل على تقديم أب الأب على غيره ممن شاركه في درجته.
وأما بقية الأقوال فسيأتي التعرض لها فيما بعد.
(1) أي أب الأب.
(2) من ثبوت الحضانة لأب الأب عند فقد الأبوين.
(3) من كونه أبا في الجملة.
(4) على أب الأب.
(5) أي أم الأم.
(6) أي الأم.
(7) في الذكر إلى الحولين ، وفي الانثى إلى سبع.
(8) بأن كان لولاية المال مدخل في الحضانة.
(9) للأب.
(10) حكم الأقارب.
(11) أي تقديم أب الأب.
(12) من عدم تقديم أب الأب على غيره في درجته.
ص: 609
(فإن فقد أبو الأب) (1) أو لم نرجحه (2) (فللأقارب : الأقرب (3) منهم) إلى الولد(فالأقرب) على المشهور لآية أولى الأرحام ، فالجدة لأم كانت أم لأب ، وإن علت أولى (4) من العمة والخالة ، كما أنهما (5) أولى من بنات العمومة والخؤولة (6) وكذا الجدة الدنيا والعمة (7) والخالة أولى من العليا منهن ، وكذا ذكور كل مرتبه (8) ، ثم إن اتحد الأقرب فالحضانة مختصة به (9) ، وإن تعدد أقرع بينهم لما في اشتراكها (10) من الإضرار بالولد.
ولو اجتمع ذكر وأنثى (11) ففي تقديم الأنثى قول (12) ، مأخذه : تقديم الأم (13) على الأب ، وكون الأنثى (14) أوفق لتربية الولد ، وأقوم بمصالحه لا سيما الصغير والأنثى ، واطلاق الدليل (15) المستفاد من الآية يقتضي التسوية بينهما(16) ،
______________________________________________________
(1) بناء على القول المتقدم.
(2) كما عليه الأكثر على ما عرفت.
(3) على حسب مراتب الإرث.
(4) لأنها من الطبقة الثانية فهي أولى من العمة والخالة اللتين في الطبقة الثالثة.
(5) أي العمة والخالة.
(6) فالعمة أقرب من بنات العم والعمة ، والخالة أقرب من بنات الخال والخالة ، وإن كان الجميع من طبقة واحدة.
(7) أي الدنيا وكذا الخالة الدنيا.
(8) فالأدنى منهم أولى من الأعلى وإن اتحدت مرتبتهم.
(9) بالمتحد لتعينه.
(10) أي اشتراك الحضانة.
(11) من نفس الدرجة على القول بتقديم الأقرب فالأقرب على حسب مراتب الإرث.
(12) هو للعلامة في التحرير وقد اعترف بعدم النص فيه ، ولكن التقديم للاعتبار ، وقد ذكره الشارح.
(13) الدليل الأول ، وهو تقديم الأم على الأب مع اتفاقهما في الطبقة ، فيجري الحكم في بقية الطبقات. وهو قياس محض.
(14) دليل ثان ، وهو استحسان بحت.
(15) رد على هذا القول.
(16) بين الذكر والأنثى عند اجتماعهما فيما لو كانا من طبقة واحدة.
ص: 610
كما يقتضي (1) التسوية بين كثير النصيب وقليله (2) ، ومن يمت (3) بالأبوين وبالأم خاصة ، لاشتراك الجميع في الإرث (4).
وقيل (5) : إن الأخت من الأبوين أولى (6) من الأخت من الأم ، وكذا أم الأب أولى (7) من أم الأم ، والجدة أولى (8) من الأخوات ، والعمة أولى من الخالة (9) نظرا إلى زيادة القرب ، أو كثرة النصيب.
وفيه (10) نظر بيّن ، لأنّ المستند - وهو الآية - مشترك (11) ، ومجرد ما ذكر (12) لا يصلح دليلا.
______________________________________________________
(1) أي الدليل المستفاد من الآية.
(2) فيما لو اجتمعت أخت لأبوين مع أخت لأم ، فالثانية لها السدس والباقي للأولى ، ولكن الدليل يقتضي التسوية ، وعن الشيخ في الخلاف والمبسوط تقديم الأخت من الأبوين لكثرة نصيبها ، وهذه الكثرة دالة على زيادة القرب ، وكذا تقديم أم الأب على أم الأم ، لأن الثانية لها الثلث والباقي للأولى.
وفيه : أن الدليل المستفاد من آية أولي الأرحام هو التسوية بينهما لاشتراكهما في أصل استحقاق الإرث.
(3) أي ينتسب إلى الوليد بأبويه فهو ليس بأولى ممن يمتّ إلى الوليد بأمه فقط ، لاشتراكهما في أصل استحقاق الإرث بعد اتحاد طبقتهما.
(4) أي أصل الإرث.
(5) هو للشيخ كما نسبه إليه العلامة في التحرير وقد اختاره في القواعد.
(6) من ناحية زيادة القرب ومن ناحية كثرة النصيب.
(7) من ناحية كثرة النصيب فقط.
(8) هو قول للشيخ في الخلاف محتجا بأنها أم فيشملها نصوص الأم المتقدمة بخلاف الأخت ، وفيه : أنه يصح سلب الأم عنها حقيقة بل يقال : هي أم الأم ، ولذا ذهب في المبسوط إلى تساوي الجدة مع الأخت ، وعلى كل فقوله في الخلاف مبني على زيادة القرب.
(9) لأن للخالة الثلث وللعمة الثلثان ، وهو ترجيح على كثرة النصيب ، وهو قول للشيخ ، ولكنه ضعيف لما تقدم.
(10) في القول المتقدم عن الشيخ والذي وافقه عليه العلامة في القواعد.
(11) أي مشترك بين الجميع إذا كانوا من طبقة واحدة.
(12) من زيادة القرب أو كثرة النصيب.
ص: 611
وقيل (1) : لا حضانة لغير الأبوين اقتصارا على موضع النص.
وعموم الآية يدفعه.
(ولو تزوجت الأم) بغير الأب مع وجوده (2) كاملا (3) (سقطت حضانتها) (4)
______________________________________________________
(1) شروع في عرض بقية الأقوال التي قيلت في الحضانة عند فقد الأبوين ،
ومنها : ما عن العلامة في القواعد أنه مع فقد الأبوين فالحضانة إلى الأجداد ، وهم مقدمون على الأخوة ، ومع فقد الأجداد فينتقل إلى بقية مراتب الإرث ،
ومنها : أنه لا حضانة لغير الأبوين لعدم النص ، وذهب إليه ابن إدريس ومال إليه المحقق في الشرائع ، وهناك أقوال أخر أيضا.
(2) أي وجود الأب وإلا فلو تزوجت مع موته فقد عرفت أن لها الحضانة إلى أن يبلغ الولد ، لأنها أولى من العصبة حينئذ.
(3) حال من الضمير في قوله (مع وجوده) أي كان الأب موجودا كاملا من حيث الإسلام والحرية والعقل ، وإلا فلو كان غير كامل فالحضانة لها لما تقدم ولو تزوجت.
(4) لو تزوجت الأم بعد ما طلقها الأب كان الأب أحق بالولد منها ، بلا خلاف فيه لمرسل المنقري (سئل أبو عبد الله عليه السلام عن الرجل يطلق امرأته ، وبينهما ولد ، أيهما أحق بالولد؟ قال : المرأة أحق بالولد ما لم تتزوج) (1) ، وخبر داود الرقي قال (سألت أبا عبد الله عليه السلام عن امرأة حرة نكحت عبدا فأولدها أولادا ، ثم إنه طلّقها فلم تقم مع ولدها وتزوجت ، فلما بلغ العبد أنها تزوجت أراد أن يأخذ ولده منها وقال : أنا أحق بهم منك إن تزوجت ، فقال عليه السلام : ليس للعبد أن يأخذ منها ولدها وإن تزوجت حتى يعتق ، هي أحق بولدها منه ما دام مملوكا ، فإذا أعتق فهو أحق بهم منها) (2) وللنبوي العامي (الأم أحق بحضانة ابنها ما لم تتزوج) (3) والنبوي الآخر (أن امرأة قالت : يا رسول الله ، إن ابني هذا كان بطني له وعاء ، وثديي له سقاء ، وحجري له حواء ، وإن أباه طلّقني وأراد أن ينتزعه مني ، فقال لها النبي صلى الله عليه وآله وسلم : أنت أحق به ما لم تنكحي) (4) ، مؤيدا بالاعتبار من أنها بالتزويج تشتغل بحقوق الزوج عن الحضانة. -
ص: 612
للنص والإجماع(فإن طلقت (1) عادت) الحضانة على المشهور لزوال المانع منها (2) ، وهو تزويجها واشتغالها بحقوق الزوج التي هي (3) أقوى من حق الحضانة.
وقيل : لا تعود لخروجها (4) عن الاستحقاق (5) بالنكاح فيستصحب (6) ، ويحتاج عوده (7) إليها إلى دليل آخر. وهو (8) مفقود ، وله (9) وجه وجيه لكن الأشهر الأول ، وإنما تعود (10) بمجرد الطلاق إذا كان بائنا ، وإلا (11) فبعد العدة إن بقي لها شي ء من المدة (12) ، ولو لم يكن الأب موجودا (13) لم تسقط حضانتها بالتزويج مطلقا (14) ، كما مر.)
(وإذا بلغ الولد رشيدا سقطت الحضانة عنه) (15) ، لأنها ولاية ، والبالغ
______________________________________________________
- وظاهر الأخبار المتقدمة سقوط حق حضانتها بمجرد عقد النكاح وإن لم يحصل دخول يقتضي التشاغل في حق الزوج.
(1) أي طلقت من الزوج الثاني ، فإن كان الطلاق رجعيا فالحكم بالسقوط باق ، لأنها بحكم الزوجة ، وإن كان بائنا فالأكثر على أن الحضانة ترجع على الأكثر ، لوجود المقتضي وفرض ارتفاع المانع ، إذ المانع زوجيتها المشغلة لها عن الحضانة ، وقد ارتفع بالطلاق.
وعن ابن إدريس عدم الرجوع لاستصحاب السقوط بعد عدم الدليل على العود.
(2) من الأم.
(3) أي حقوق الزوج.
(4) أي الأم.
(5) أي استحقاق الحضانة.
(6) أي عدم استحقاقها.
(7) أي عود الاستحقاق إلى الأم.
(8) أي الدليل الآخر.
(9) لهذا القول.
(10) أي الحضانة على المشهور.
(11) بأن كان رجعيا.
(12) أي مدة الحضانة.
(13) وكذا لو كان موجودا وكان كافرا أو رقا أو غير عاقل.
(14) دواما ومتعة ، وسواء كان الولد ذكرا أم أنثى ، وسواء طلقت أم لا ، وسواء في مدة الحضانة أم لا حتى يبلغ الولد.
(15) إذا بلغ الولد رشيدا سقطت ولاية الأبوين عنه ، بلا خلاف فيه ، بلا فرق بين الذكر -
ص: 613
الرشيد لا ولاية عليه لأحد ، سواء في ذلك الذكر والأنثى ، البكر والثيّب لكن يستحب له (1) أن لا يفارق أمه خصوصا الأنثى (2) إلى أن تتزوج.
واعلم أنه لا شبهة في كون الحضانة حقا لمن ذكر (3) ، ولكن هل تجب عليه (4) مع ذلك (5) أم له اسقاط حقه منها؟ الأصل (6) يقتضي ذلك (7) ، وهو الذي صرح به المصنف في قواعده فقال : لو امتنعت الأم من الحضانة صار الأب أولى به ، قال : ولو امتنعا معا فالظاهر إجبار الأب ، ونقل عن بعض الأصحاب وجوبها وهو حسن ، حيث يستلزم تركها تضييع الولد إلا أنّ حضانته حينئذ (8) تجب كفاية (9) كغيره (10) من المضطرين ، وفي اختصاص الوجوب (11) بذي الحق نظر. وليس في الأخبار ما يدل على غير ثبوت أصل الاستحقاق (12).
______________________________________________________
- والأنثى ، وكان الخيار إليه في الانضمام إلى من شاء ، نعم كرهوا للبنت مفارقة أمها إلى أن تتزوج.
وعن بعض العامة جعل الخيار في الانضمام بعد التمييز من الولد لا بعد البلوغ والرشد ، وبعضهم خص الخيار بالذكر ، وبعضهم منع من التخيير كأبي حنيفة ومالك.
(1) للولد.
(2) ظاهرها بل صريحها أن الحكم الاستحبابي شامل للذكر كشموله للأنثى ، مع أنه في المسالك خصه بالأنثى فقط.
(3) من الأم والأب ، وسائر الأقارب عند فقدهما.
(4) أي هل تجب الحضانة على من ذكر.
(5) أي مع كونها حقا له فهي واجبة عليه ولا يجوز له إسقاط حقه منها.
(6) أصالة البراءة عن الوجوب.
(7) أي جواز إسقاط حقه منها.
(8) حين استلزام الترك تضييع الولد.
(9) بين جميع الناس من غير اختصاص بذي الحق ، فلا يكون الاستلزام المذكور للترك باعثا للوجوب العيني على ذي الحق.
(10) أي غير الولد.
(11) العيني بحيث لا يجوز له إسقاط حقه منها.
(12) وهو لا يستلزم الوجوب فيجوز الإسقاط ، ويؤيده بل يدل عليه تعليق الحضانة للأم على مشيئتها كما في صحيح أيوب بن نوح (كتب إليه بعض أصحابه : كانت لي امرأة ولي -
ص: 614
(النظر الثاني في النفقات)
(وأسبابها ثلاثة (1) : الزوجية. والقرابة) البعضية (2) (والملك).
(فالأول (3) : تجب نفقة الزوجة بالعقد الدائم) (4) دون المنقطع سواء في
______________________________________________________
- منها ولد وخليت سبيلها ، فكتب عليه السلام : المرأة أحق بالولد إلى أن يبلغ سبع سنين إلا أن تشاء المرأة) (1) ، والتعبير بحضانتها بأنها أحق به كما في خبر الكناني عن أبي عبد الله عليه السلام (فإن هي رضيت بذلك الأجر فهي أحق بابنها حتى تفطمه) (2) ومثله غيره ، وهذان التعبيران ظاهران في أن الحضانة حق للأم ، ومقتضى الحق جواز إسقاطه ، وهو دليل على عدم وجوب الحضانة على ذي الحق.
(1) لا تجب النفقة من حيث هي نفقة إلا بأحد أسباب ثلاثة : الزوجية والقرابة والملك بالاتفاق.
(2) بأن يكون القريب بعضا أي جزءا من قريبه كما بين الآباء والأولاد ، فالولد بعض الأب.
(3) أي السبب الأول الذي هو الزوجية.
(4) تجب النفقة للزوجة بالاتفاق ويدل عليه قوله تعالى : ( الرِّجٰالُ قَوّٰامُونَ عَلَى النِّسٰاءِ بِمٰا فَضَّلَ اللّٰهُ بَعْضَهُمْ عَلىٰ بَعْضٍ ، وَبِمٰا أَنْفَقُوا مِنْ أَمْوٰالِهِمْ ) (3) ، وقوله تعالى : ( وَعَلَى الْمَوْلُودِ لَهُ رِزْقُهُنَّ وَكِسْوَتُهُنَّ بِالْمَعْرُوفِ ) (4) ، والأخبار.
منها : صحيح الفضيل وربعي عن أبي عبد الله عليه السلام (في قوله تعالى : ومن قدر عليه رزقه فلينفق مما أتاه الله ، قال عليه السلام : إن أنفق عليها ما يقيم ظهرها مع كسوة وإلا فرّق بينهما) (5) ، وموثق إسحاق بن عمار عن أبي عبد الله عليه السلام (عن حق المرأة على زوجها ، قال عليه السلام : يشبع بطنها ويكسو جثتها وإن جهلت غفر لها) (6)، وخبر العرزمي عن أبي عبد الله عليه السلام (جاءت امرأة إلى النبي صلى الله عليه وآله وسلم فسألته عن حق الزوج على المرأة فخبّرها ، ثم قالت : فما حقها عليه؟ قال : يكسوها من العري ويطعمها من الجوع ، -
ص: 615
ذلك (1) الحرّة والأمة المسلمة والكافرة(بشرط التمكين الكامل) وهو أن تخلي بينه وبين نفسها قولا وفعلا(في كل زمان ومكان يسوغ فيه الاستمتاع) فلو بذلت في زمان دون زمان ، أو مكان كذلك (2) يصلحان (3) للاستمتاع ، فلا نفقة لها ، وحيث كان (4) مشروطا بالتمكين.(فلا نفقة للصغيرة) (5) التي لم تبلغ سنا يجوز الاستمتاع
______________________________________________________
- وإذا أذنبت غفر لها ، قالت : ليس لها عليه شي ء غير هذا ، قال : لا) (1) ومثلها غيرها ، وهذه النفقة مشروطة بشرطين ، العقد الدائم والتمكين التام ، أما العقد الدائم فلا نفقة لذات العقد المنقطع بلا خلاف فيه للأخبار.
منها : خبر هشام عن أبي عبد الله عليه السلام في حديث المتعة (ولا نفقة ولا عدة عليك) (2) ، وأما التمكين التام فقد تقدم تفسيره في مبحث النشوز وأنه التخلية بينه وبين نفسها في كل زمان ومكان مما يسوغ فيه الاستمتاع ، وعلى كل فاعتباره متفق عليه ، ويدل عليه خبر تحف العقول عن النبي صلى الله عليه وآله وسلم في خطبة الوداع (إن لنسائكم عليكم حقا ولكن عليهن حقا ، حقكم عليهن أن لا يوطين فراشكم ولا يدخلن بيوتكم أحدا تكرهونه إلا بإذنكم ، وأن لا يأتين بفاحشة ، فإن فعلن فإن الله قد أذن لكم أن تعضلوهنّ وتهجروهن في المضاجع وتضربوهنّ ضربا غير مبرح ، فإذا انتهين وأطعنكم فعليكم رزقهن وكسوتهن بالمعروف) (3) ، وخبر السكوني عن أبي عبد الله عليه السلام (قال رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم : أيّما امرأة خرجت من بيتها بغير إذن زوجها فلا نفقة لها حتى ترجع) (4).
(1) من وجوب النفقة للزوجة بالعقد الدائم.
(2) أي دون مكان.
(3) أي الزمان والمكان اللذان لم يبذل فيهما الاستمتاع.
(4) أي وجوب النفقة.
(5) اعلم أن النفقة ثابتة بعد العقد والتمكين وتسقط بالنشوز وعليه فقد وقع البحث بينهم هل النفقة واجبة بالعقد بشرط التمكين التام ، أم تجب بالعقد ويسقطها النشوز ، والمشهور هو الأول بل في الرياض : (كاد أن يكون إجماعا مع أنا لم نقف على مخالف فيه صريح) -
ص: 616
.................................................................................................
______________________________________________________
- واستدل له بالسيرة بين المتشرعة على عدم النفقة قبل الزفاف الكاشفة عن كون التمكين شرطا ، وبما ورد أن النبي صلى الله عليه وآله وسلم تزوج ودخل بعد سنين ، ولم ينفق إلا بعد دخوله) (1) ، وللنبوي (اتقوا الله في النساء فإنهن عواري عندكم ، اتخذتموهن بأمانة الله ، واستحللتم فروجهن بكلمة الله ، ولهن عليكم رزقهن وكسوتهن بالمعروف) (2) ، فإنه صلى الله عليه وآله وسلم أوجب لهن من الرزق والكسوة إذا كنّ عندهم ، بالإضافة إلى أن العقد يوجب المهر عوضا فلا يوجب عوضا آخر ، وأيضا النفقة مجهولة والعقد لا يوجب مالا مجهولا ، وأيضا أن الأصل براءة الذمة من وجوب النفقة خرج منه حالة التمكين ، فيبقى الباقي على الأصل من عدم وجوب النفقة ، ومنه ما قبل التمكين ، وبهذا كله يظهر أن الموجب للنفقة هو التمكين ، ولذا جعل شرطا في النفقة ، وقد نوقشت هذه الأدلة أو بعضها بأن الأدلة الدالة على وجوب الانفاق على الزوجة غير مقيّدة بالتمكين التام ، ولا ضير في كون العقد يوجب شيئين مختلفين كما في شراء الدابة والمملوك فالعقد يوجب الثمن ويوجب الانفاق ، ومع كل هذا فقد سمعت عدم وجود المخالف.
ثم على القول بكون التمكين شرطا فهل المعتبر إظهاره باللفظ بأي لفظ كان ، كأن تقول : سلمت نفسي إليك كما عن المشهور ، أو المعتبر إظهاره التمكين بالأعم من القول والفعل ، فإما أن تقول : سلمت نفسي أو أن تعرض نفسها عليه كما هو مذهب جماعة على ما قيل ، نعم هو مذهب كاشف اللثام.
او المعتبر التخلية بينه وبين نفسها من دون ممانعة منها وهذا ما اختاره الشارح هنا ، والظاهر الأخير لصدق أنها ممكنة له ، بعد عدم تعرض النصوص لمعنى التمكين ، فلا بد من حمله على المعنى العرفي ثم إن الأصحاب فرّعوا على النزاع في شرطية التمكين ومانعية النشوز أمورا.
منها : ما لو تنازع الزوجان في التمكين والنشوز ، بأن ادعى الزوج النشوز والزوجة التمكين ، فعلى القول بشرطية التمكين فقول الزوج مقدم ، إذ الأصل عدم التمكين ، وعلى القول بمانعية النشوز فقول الزوجة مقدم ، لأصالة عدم تحقق النشوز الموجبة لسقوط النفقة الواجبة بالعقد ،
ومنها : ما لو كانت الزوجة صغيرة فعلى القول بشرطية التمكين لا نفقة لها لعدم تحقق التمكين من جانبها ، ولو مكّنت منه لعدم صلاحيتها لذلك ، لأن التمكين التام في الشرع -
ص: 617
بها بالجماع - على أشهر القولين - لفقد الشرط وهو التمكين من الاستمتاع. وقال ابن إدريس : تجب النفقة على الصغيرة لعموم وجوبها على الزوجة ، فتخصيصه (1) بالكبيرة الممكنة يحتاج إلى دليل ، وسيأتي الكلام على هذا الشرط (2) ولو انعكس (3) بأن كانت كبيرة ممكّنة والزوج صغيرا وجبت النفقة (4) لوجود المقتضي (5) وانتفاء المانع (6) ، لأنّ الصغر (7) لا يصلح للمنع ، كما في نفقة الأقارب فإنها تجب على الصغير والكبير ، خلافا للشيخ محتجا بأصالة البراءة ، وهي (8) مندفعة بما دل على وجوب نفقة الزوجة الممكّنة أو مطلقا (9) ، ولو قيل (10) إنّ الوجوب من باب خطاب الشرع (11) المختص بالمكلفين أمكن جوابه (12) بكون التكليف (13) هنا
______________________________________________________
- هو التمكين بعد البلوغ ، وقالوا إنها على القول بمانعية النشوز لها النفقة لعدم نشوزها وإن لم يتحقق التمكين.
وعن ابن إدريس وجوب النفقة للصغيرة حتى على القول باشتراط التمكين ، لأن التمكين شرط في وجوب النفقة على فرض إمكان حصوله ، وليست الصورة المفروضة هنا مما يمكن فيها حصول التمكين شرعا.
(1) أي تخصيص وجوب النفقة.
(2) من كون التمكين شرطا في النفقة.
(3) أي الفرض.
(4) على المشهور لتحقق التمكين من قبلها الذي هو شرط أو عدم النشوز ، وعن الشيخ في الخلاف والمبسوط وابن البراج في مهذبه عدم النفقة ، لأنه بعدم أصليته للتمتع فلا أثر للتمكين في حقه ، لأن التمكين شرط التمكن ، والتمكن منتف فكذا التمكين.
(5) للنفقة وهو الزوجية.
(6) إذ لا يتصور مانع إلا صغر الزوج ، وهو ليس بمانع بعد تحقق التمكين من قبلها ، فعدم التمكين غير مستند إلى الزوجة بل إلى الزوج.
(7) أي صغر الزوج.
(8) أي أصالة البراءة.
(9) أي وإن لم تمكنه بناء على أن النشوز مانع.
(10) من جانب الشيخ.
(11) وخطابه مختص بالمكلفين ، فلذا لا نفقة على الزوج الصغير.
(12) أي وجوب القيل.
(13) بوجوب الانفاق.
ص: 618
متعلقا بالولي : أن يؤدي من مال الطفل ، كما يكلّف (1) بأداء أعواض متلفاته التي لا خلاف في ضمانه (2) ، أو قضاء ديونه وغراماته.
(ولا للناشزة) (3) الخارجة عن طاعة الزوج ولو بالخروج من بيته بلا أذن (4) ، ومنع (5) لمس بلا عذر.
(ولا للساكتة بعد العقد ما) أي مدة(لم تعرض التمكين عليه) بأن تقول (6):
سلمت نفسي إليك في أي مكان شئت ، ونحوه وتعمل بمقتضى قولها حيث يطلب ، ومقتضى ذلك (7) أن التمكين الفعلي خاصة (8) غير كاف (9) ، وأنّه (10) لا فرق في ذلك (11) بين الجاهلة بالحال والعالمة ، ولا بين من طلب منها التمكين وطالبته بالتسليم (12) وغيره.
وهذا (13) هو المشهور بين الأصحاب ، واستدلوا عليه بأنّ الأصل براءة الذمة
______________________________________________________
(1) أي الولي.
(2) أي ضمان الصغير.
(3) بلا خلاف فيه إما لعدم تحقق شرط النفقة وهو التمكين ، وإما لكون النشوز مانعا من النفقة.
(4) كما في خبر السكوني عن أبي عبد الله عليه السلام (قال رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم : أيّما امرأة خرجت من بيتها بغير إذن زوجها فلا نفقة لها حتى ترجع) (1).
(5) عطف على الخروج أي ولو كان النشوز بمنع لمس بلا عذر.
(6) بناء على اشتراط إظهار التمكين بالقول ، وإلا فهي غير ممكّنة وقد تقدم ضعفه وأنه يكفي التخلية بينه وبين نفسها.
(7) من حصر التمكين بالإظهار القولي.
(8) دون القولي.
(9) في وجوب النفقة ، لحصر التمكين بالقولي.
(10) أي الشأن والواقع ، والمعنى أن مقتضى حصر التمكين بالقولي.
(11) في عدم النفقة حال السكوت.
(12) أي تسليم النفقة.
(13) من أن النفقة مشروطة بالتمكين وليس النشوز مانعا وقد وجبت بالعقد على ما تقدم بيانه.
ص: 619
من وجوب النفقة خرج منه (1) حال التمكين بالإجماع فيبقى الباقي على الأصل.
وفيه نظر ، لأن النصوص (2) عامة أو مطلقة فهي قاطعة للأصل (3) إلى أن يوجد المخصّص والمقيّد (4) ، إلا أنّ الخلاف (5) غير متحقق ، فالقول بما عليه الأصحاب متعين.
وتظهر الفائدة (6) فيما ذكر (7) وفيما إذا اختلفا في التمكين (8) ، وفي وجوب قضاء النفقة الماضية (9) ، فعلى المشهور (10) القول قوله في عدمهما (11) عملا بالأصل فيهما (12).
وعلى الاحتمال (13) قولها (14) لأنّ الأصل بقاء ما وجب (15) ، كما يقدم
______________________________________________________
(1) من الأصل.
(2) هذا هو الكلام الذي وعد به الشارح سابقا عند قوله : (وسيأتي الكلام على هذا الشرط).
(3) التي أوجبت نفقة الزوجة على الزوج.
(4) من براءة ذمة الزوج من النفقة إلا عند التمكين.
(5) في شرطية التمكن للنفقة.
(6) بين كون التمكين شرطا في النفقة وبين كون النشوز مانعا عنها بعد ثبوتها بالعقد.
(7) من عدم النفقة للصغيرة ، ومن عدم النفقة للساكتة بعد العقد ما لم تعرض التمكين القولي ، أما الفائدة في الصغيرة فقد تقدمت ، وأما في الساكتة فعلى القول باشتراط التمكين وأنه لا يتحقق إلا بالقول فمع عدم تلفظها لا نفقة لها لعدم الشرط ، وأما على القول بكون النشوز مانعا فالنفقة ثابتة لها لعدم تحقق النشوز منها وإن لم يتحقق التمكين.
(8) بحيث ادعى الزوج النشوز وادعت التمكين وقد تقدم شرحه.
(9) بحيث يدعي الزوج عدم وجوب النفقة الماضية لأنها ناشزة ، وتدعي هي وجوب النفقة الماضية لأنها ممكّنة ، فعلى القول باشتراط التمكين فالقول قوله مع يمينه لأصالة عدم التمكين ، وعلى القول بكون النشوز مانعا فالقول قولها مع يمينها لأصالة عدم تحقق النشوز.
(10) من اشتراط النفقة بالتمكين.
(11) أي عدم التمكين وعدم وجوب قضاء النفقة الماضية.
(12) أي في الصورتين.
(13) من كون النشوز مانعا.
(14) أي فالقول قول الزوجة ، لأن النفقة ثابتة بالعقد ، والأصل استمرار ما وجب بالعقد ، وهو يدعى السقوط لدعواه النشوز فعليه بينة النشوز المسقط للنفقة.
(15) من النفقة بسبب العقد.
ص: 620
قولها لو اختلفا في دفعها مع اتفاقهما على الوجوب (1).
______________________________________________________
(1) أي وجوب النفقة فلو ادعى الزوج دفع النفقة وأنكرت الزوجة فالقول قولها مع يمينها لأصالة عدم الدفع.
ثم إن هناك فروعا مهمة قد تركها الشهيدان هنا ،
ومنها : أن النفقة تثبت للزوجة الدائمة الممكّنة وإن كانت ذمية أو أمة ، بلا خلاف فيه لإطلاق الأدلة.
ومنها : أن النفقة ثابتة للمطلقة الرجعية بلا خلاف فيه للأخبار.
منها : صحيح سعد بن أبي خلف (سألت أبا الحسن موسى عليه السلام عن شي ء من الطلاق ، فقال عليه السلام : إذا طلق الرجل امرأته طلاقا لا يملك فيه الرجعة فقد بانت منه ساعة طلقها ، وملكت نفسها ولا سبيل له عليها وتعتدّ حيث شاءت ولا نفقة لها.
قلت : أليس الله يقول : لا تخرجوهن من بيوتهن ولا يخرجن ، قال : إنما عنى بذلك التي تطلق تطليقة بعد تطليقة ، فتلك التي لا تخرج ولا تخرج حتى تطلق الثالثة ، فإذا طلقت الثالثة فقد بانت منه ولا نفقة لها ، والمرأة التي يطلقها الرجل تطليقة ثم يدعها حتى يخلو أجلها فهذه أيضا تقعد في منزل زوجها ولها النفقة والسكنى حتى تنقضي عدتها) (1) ، وخبر زرارة عن أبي جعفر عليه السلام (المطلقة ثلاثا ليس لها نفقة على زوجها ، إنما ذلك للتي لزوجها عليها رجعة) (2) ومثلها غيرها.
ومنها تعرف عدم النفقة للمطلقة بائنا إذا كانت غير حامل ، بلا خلاف فيه ، وأما لو كانت حاملا فتجب النفقة حتى تضع لقوله تعالى : ( وَإِنْ كُنَّ أُولٰاتِ حَمْلٍ فَأَنْفِقُوا عَلَيْهِنَّ حَتّٰى يَضَعْنَ حَمْلَهُنَّ ) (3) ، وللأخبار.
منها : صحيح ابن سنان عن أبي عبد الله عليه السلام (في الرجل يطلق امرأته وهي حبلى قال : أجلها أن تضع حملها وعليه نفقتها حتى تضع حملها) (4) ، وصحيح محمد بن قيس عن أبي جعفر عليه السلام (الحامل أجلها أن تضع حملها وعليه نفقتها بالمعروف حتى تضع حملها) (5) ، وصحيح الحلبي عن أبي عبد الله عليه السلام (الحبلى المطلقة ينفق عليها حتى تضع حملها) (6). -
ص: 621
(والواجب) على الزوج (1) (القيام بما تحتاج إليه المرأة) التي تجب
______________________________________________________
- واختلفوا في أن النفقة هل هي للحمل كما عليه الأكثر ، أو هي للأم كما عليه ابن حمزة ، وتوقف جماعة منهم الشهيد الثاني.
واستدل للأول بأن النفقة هنا تدور مدار الحمل لأنها لو كانت حائلا فلا نفقة لها ، فلما وجبت النفقة بوجود الحمل وسقطت بعدمه دل على أن النفقة له.
واستدل للثاني بأن النفقة لو كانت للحمل لوجبت نفقته دون نفقتها مع أن الأخبار قد صرحت بنفقتها ، ولو كانت النفقة للحمل لكانت نفقة للأقارب وهي غير مقدرة بحال الزوج بخلاف نفقة الزوجة ، ولو كانت النفقة للحمل لوجبت على الجد كما لو كان الحمل منفصلا ، ولسقطت إذا كان الحمل موسرا بإرث أو وصية قد قبلها وليّه.
ومن جملة الفروع التي تركها الشهيدان هنا المتوفى عنها زوجها إذا لم تكن حاملا فلا نفقة لها بلا خلاف فيه للأخبار.
منها : خبر زرارة عن أبي عبد الله عليه السلام (في المرأة المتوفى عنها زوجها هل لها نفقة؟ فقال عليه السلام : لا) (1) ، ولا يعارضها إلا صحيح محمد بن مسلم عن أحدهما عليهما السلام (المتوفى عنها زوجها ينفق عليها من ماله) (2) ، وهو مطروح أو مؤول على ما سيأتي.
وأما إذا كانت حاملا فعلى أقوال ، فعن ابن أبي عقيل والمفيد والمحقق وابن إدريس والعلامة وسائر المتأخرين أنه لا نفقة لها لإطلاق خبر زرارة المتقدم ، ولصحيح الحلبي عن أبي عبد الله عليه السلام (في الحلبى المتوفى عنها زوجها أنه لا نفقة لها) (3) ، ولخبر الكناني عن أبي عبد الله عليه السلام (في المرأة الحامل المتوفى عنها زوجها هل لها نفقة؟ قال : لا) (4) ومثلها غيرها وعن مشهور المتقدمين وجوب الانفاق عليها من مال الحمل لصحيح أبي الصباح الكناني عن أبي عبد الله عليه السلام (المرأة الحبلى المتوفى عنها زوجها ينفق عليها من مال ولدها الذي في بطنها) (5).
وفيه أنه لا ينافي عدم النفقة على المتوفى ، فالطائفة الأولى تصرح بعدم النفقة لها من مال الميت وإن كان لها النفقة من مال ولدها كما صرح به صحيح الكناني وعليه فلا تعارض ، وبهذا جمع الشيخ.
(1) شروع في بيان قدر النفقة ، هذا واعلم أن الوارد من النفقة ثلاثة أمور ، وهي الإطعام -
ص: 622
نفقتها (1) (من طعام وإدام (2) وكسوة وإسكان وإخدام وآلة الدهن والتنظيف) (3) من المشط والدهن والصابون ، دون الكحل (4) والطيب والحمام إلا مع الحاجة إليه (5) لبرد (6) ونحوه(تبعا لعادة أمثالها من بلدها) المقيمة بها (7) ، لأنّ الله (8) تعالى قال : ( عٰاشِرُوهُنَّ بِالْمَعْرُوفِ ) (9) ومن العشرة به (10) : الإنفاق عليها بما يليق بها عادة
______________________________________________________
- والكسوة والسكن ، قال تعالى : ( وَعَلَى الْمَوْلُودِ لَهُ رِزْقُهُنَّ وَكِسْوَتُهُنَّ بِالْمَعْرُوفِ ) (1) ، وفي خبر العرزمي عن أبي عبد الله عليه السلام (جاءت امرأة إلى النبي صلى الله عليه وآله وسلم فسألته عن حق الزوج على المرأة فخبّرها ، ثم قالت : فما حقها عليه؟ قال : يكسوها من العري ويطعمها من الجوع ، وإذا أذنبت غفر لها ، قالت : ليس لها عليه شي ء غير هذا؟ قال : لا) (2) ، وفي صحيح سعد بن أبي خلف عن أبي الحسن موسى عليه السلام في المطلقة الرجعية (ولها النفقة والسكنى حتى تنقضي عدتها) (3).
ومع ذلك لم يقتصر الأصحاب في النفقة على هذه الأمور الثلاثة ، لعدم كون النصوص السابقة في مقام الحصر ، ولذا اقتصر في خبر العرزمي على الاطعام والكسوة ، وفي صحيح سعد على النفقة والسكن ، بل المدار في النفقة عندهم على كل ما تحتاجه المرأة من طعام وكسوة وإسكان وإخدام وآلات التنظيف والتجمل والدواء والفراش وآلات الطبخ والشرب كما هو المتعارف ، لأن العرف هو المحكّم في ذلك بعد عدم تحديد من قبل الشارع.
(1) وهي الدائمة الممكّنة.
(2) ما يجعل مع الخبز من مرق ونحوه.
(3) أي وآلة التنظيف.
(4) هذا الاستثناء من النفقة الواجبة ليس في محله ، بعد تحكيم العرف الذي يرى أن آلات التجمل من جملة النفقة التي تحتاجها المرأة.
(5) إلى الحمام.
(6) بحيث يتعذر عليها تنظيف جسدها في البيت.
(7) أي بلد المرأة التي تجب نفقتها ، وهي مقيمة في هذه البلد.
(8) تعليل لكون النفقة الواجبة هي كل ما تحتاجه المرأة عرفا.
(9) النساء آية : 18.
(10) بالمعروف.
ص: 623
(و) لا يتقدر الإطعام بمد ولا بمدين ولا غيرهما (1) ، بل(المرجع في الإطعام إلى سدّ الخلّة) بفتح الخاء وهي الحاجة.
______________________________________________________
(1) قد وقع الخلاف بينهم في تقدير الإطعام ، فعن الشيخ في الخلاف تقديره بمدّ للرفيعة والوضيعة من الموسر والمعسر ، وعن جماعة منهم الشيخ في المبسوط أنه مدّ من المعسر ، ومدان من الموسر ، ومدّ ونصف من المتوسط ، وإليه ذهب الشافعي ، ولا دليل لهذين القولين كما في الجواهر نعم ورد تحديد القوت بالمدّ كما في خبر شهاب الآتي ، ولكنه محمول على الفضل أو العرف في زمن صدوره ، فلذا ذهب المشهور إلى اعتبار سدّ الخلة لإطلاق الأدلة ، وأما جنس الطعام فقد قيل : إن المعتبر فيه غالب قوت البلد ، كالبرّ في العراق وخراسان والأرز في طبرستان ، والتمر في الحجاز والذرة في اليمن ، لأن شأن كل مطلق حمله على المعتاد ، ولأنه من المعاشرة بالمعروف ، وإن اختلف الغالب باختلاف الناس فالمعتبر حالها حينئذ ، وفي المسالك أن المعتبر هو عادة أمثالها من أهل البلد ، والثاني أوفق بحمل إطلاق النفقة.
وأما الإدام فالبحث فيه جنسا وقدرا كالإطعام لاتحاد المدرك في الجميع ، لكن عن المبسوط أن عليه في الأسبوع اللحم مرة ، لأنه هو العرف ، ويكون يوم الجمعة لأنه عرف عام ، وعن ابن الجنيد أن على المتوسط أن يطعمها اللحم في كل ثلاثة أيام مرة لما في خبر شهاب بن عبد ربه عن أبي عبد الله عليه السلام (ما حق المرأة على زوجها؟ قال : يسدّ جوعتها ويستر عورتها ولا يقبّح لها وجها فإذا فعل ذلك فقد والله أدى إليها حقها ، قلت : فالدهن ، قال : غبّا يوم ويوم لا ، قلت : فاللحم ، قال : في كل ثلاثة ، فيكون في الشهر عشرة مرات ، لا أكثر من ذلك والصبغ في كل ستة أشهر ، ويكسوها في كل سنة أربعة أثواب ، ثوبين للشتاء وثوبين للصيف ، ولا ينبغي أن يفقر بيته من ثلاثة أشياء : دهن الرأس والخلّ والزيت ، ويقوتهنّ بالمدّ ، فإني أقوت به نفسي وليقدر كل إنسان منهم قوته ، فإن شاء أكله وإن شاء وهبه ، وإن شاء تصدق به ، ولا تكون فاكهة عامة إلا أطعم عياله منها) (1).
ولكنه محمول على الفضل أو أنه العادة في زمن صدور الخبر ، فلذا المرجع إلى العرف المختلف زمانا ومكانا.
ومنه تعرف تحديد قدر اللحم وأنه تبعا للعرف وإن حكي عن بعضهم أنه مقدّر بالرطل وعن آخر الزيادة عليه بيسير ، وإذا كان المدار على عرف أمثالها فلو كانت عادة أمثالها دوام اللحم لوجب ، لأنه هو المعاشرة بالمعروف في رزقهن.
ص: 624
(ويجب الخادم (1) إذا كانت من أهله (2)) في بيت أبيها ، دون أن ترتفع بالانتقال إلى بيت زوجها(أو كانت مريضة) أو زمنة (3) تحتاج إلى الخادم ، ويتخير (4) بين إخدامها بحرّة أو أمة ولو بأجرة ، ولو كان معها (5) خادم تخير بين إبقائها (6) وينفق عليها ، وبين إبدالها ، وإن كانت مألوفة لها (7) ، لأنّ حق التعيين له (8) لا لها ، حتى لو أراد أن يخدمها بنفسه أجزأ ، ولو خدمت نفسها لم يكن لها المطالبة بنفقة الخادم (9).
(وجنس المأدوم (10)
______________________________________________________
(1) يجب الخادم للمرأة إذا كانت عادة أمثالها ذلك ، لأنه من المعاشرة بالمعروف المأمور بها ، بلا فرق بين كون الزوج موسرا أو معسرا ، والاعتبار بحال المرأة في بيت أبيها دون أن ترتفع بسبب الانتقال إلى بيت زوجها.
وحكموا بكفاية الخادم الواحد لحصول الكفاية به ، مع أن المدار على تحكيم العرف تبعا لعادة أمثالها في بيت آبائهن ، فقد يجب الأكثر من الواحد ، نعم لا يجب تمليكها الخادم ، بل الواجب إخدامها بحرة أو أمة مستأجرة أو بنصب مملوكة للزوج تخدمها ، أو بالانفاق على من معها ممن تقوم بخدمتها ، ثم إذا كانت المرأة ليست من أهل الخدمة بحسب شرفها ، ولكن قد تجب خدمتها بحسب حالها كالمريضة المحتاجة إلى ذلك فيجب الخادم لها حينئذ ، ولا ينحصر بالواحد بل بحسب الحاجة ، بلا فرق في المرأة المخدومة بين الحرة والأمة ، إذا كانت الأمة ذات جمال تخدم بحسب العادة. ثم المدار على خدمتها بحسب حالها أو شرفها وعليه فلو أخدمها الزوج فلا يجب عليه إقامة خادم لها ، لأن الخدمة عليه فله أن يوفيها حقها من الخدمة بنفسه أو بغيره.
(2) أي أهل الخدم ، هذا بحسب شرفها.
(3) هذا بحسب حالها.
(4) أي الزوج.
(5) مع الزوجة التي تجب نفقتها.
(6) أي إبقاء الخادم ، والتأنيث باعتبار أن خادم المرأة لا يكون إلا امرأة.
(7) أي وإن كانت الخادم مألوفة للزوجة.
(8) للزوج ، لأن الخدمة واجبة عليه.
(9) لأن الواجب عليه إخدامها ، وقد تحققت الخدمة ولو من نفسها فلا يجب عليه العوض حينئذ.
(10) قد عرفت معنى المأدوم وعرفت إيجاب اللحم مرة في الأسبوع عن الشيخ ، وثلاث مرات -
ص: 625
(والملبوس (1) والمسكن (2) يتبع عادة أمثالها) في بلد السكنى لا في بيت أهلها ، ولو تعدد القوت في البلد اعتبر الغالب (3) ، فإن اختلف الغالب فيها (4) أو قوتها من غير غالب وجب اللائق به (5).
(ولها المنع من مشاركة غير الزوج) في المسكن بأن تنفرد ببيت صالح لها
______________________________________________________
- عن ابن الجنيد ، مع أن المأدوم مختلف باختلاف الفصول وقد تغلب الفواكه في أوقاتها فتجب ، والمدار في جنسه وقدره على المتعارف لأمثالها ، ومنه يظهر وجوب الشاي والتنباك والقهوة إذا كانت عادة أمثالها على ذلك ، وأيضا وجوب أكل الشي ء العزيز كالحلويات والمربيات ونحوها.
(1) المرجع في الملبوس جنسا وقدرا إلى عادة أمثالها ، ولكن عن بعضهم أنه يجب من الملبوس أربع قطع : قميص وسروال ومقنعة ونعل أو شمشك ، ويزيد في الشتاء جبة ، وزاد بعضهم أنه لا بدّ من زيادة في الكسوة شتاء للتدثر كالمحشوة بالقطن لليقظة واللحاف للنوم ، ولقد أجاد الشارح في المسالك حيث قال : (لما كان المرجع في الكسوة إلى المتعارف وما يليق بحالها ، اختلف ذلك باختلاف البلاد في الحر والبرد ، وباختلاف الفصل ، فيعتبر في الشتاء زيادة المحشو والفرو إن اعتيد لمثلها ، ونحو ذلك ، ويرجع في جنسه من القطن والحرير والكتان وغيرها إلى عادة أمثالها ، وكذا يجب للصيف الثياب اللائقة بحالها من الكتان والحرير ونحوه مما يعتاد ، وكذا يعتبر مع ذلك ثياب التجمل زيادة على ثياب البذلة ، وهي التي تلبس في أكثر الأوقات ، إذا كانت من أهل التجمل ، ولو لم تستغن بالثياب في البلاد الباردة عن الوقود وجب من الحطب والفحم بقدر الحاجة ، ويجب أيضا مراعاة ما يفرش على الأرض من الحصر والبساط والملحفة والنطع واللّبد والمخدة واللحاف بما يليق بحالها عادة بحسب الفصول ، وقد عدّد الفقهاء في هذا الباب أشياء كثيرة بحسب ما اتفق اعتياده عندهم ، ولما كان المعتبر منه المعتاد لأمثالها في بلدها في كل وقت يعتبر فيه استغني عن تعداد ما يجب لدخوله فيما ذكر من الضابط) انتهى ، وأجود منه ما في الجواهر : (ولعل عدم التعرض لضبط ذلك أولى ، ضرورة شدة الاختلاف في الكم والكيف والجنس بالنسبة إلى ذلك ، وخصوصا في البلدان) انتهى.
(2) عليه أن يسكنها دارا يليق بها ، واللائق بها أيضا أن لا يسكن معها غيرها إلا برضاها ، ولا يشترط أن يكون المسكن ملكا له ، بل يجوز إسكانها في المستعار والمستأجر.
(3) من الأقوات.
(4) في البلد.
(5) وبحال الزوج ، وقد عرفت أن المدار على العرف فلا داعي لهذا التحديد.
ص: 626
ولو (1) في دار ، لا بدار (2) لما في (3) مشاركة غيره (4) من الضرر (5).
(ويزيد كسوتها في الشتاء المحشوّة) بالقطن(لليقظة ، واللحاف للنوم) إن اعتيد ذلك في البلد(ولو كان في بلد يعتاد فيه الفرو للنساء وجب) على الزوج بذله(ويرجع في جنسه) (6) من حرير أو كتان أو قطن أو في جنس الفرو من غنم وسنجاب وغيرهما(إلى عادة أمثالها) في البلد ، ويعتبر في مراتب الجنس المعتاد حاله (7) في يساره (8) وغيره ، وقيل لا تجب الزيادة على القطن لأنّ غيره رعونة (9) ، وهو ضعيف لاقتضاء المعاشرة بالمعروف ذلك (10) (وكذا لو احتيج إلى تعدد اللحاف) لشدة البرد أو لاختلاف الفصول فيه (11) ، ولكن هنا (12) لا يجب إبقاء المستغنى عنه في الوقت الآخر (13) عندها (14) (وتزاد المتجملة ثياب التجمل بحسب العادة) لأمثالها في تلك البلدة.
(ولو دخل بها ، واستمرت تأكل معه على العادة ، فليس لها مطالبته (15) بمدة)
______________________________________________________
(1) أي ولو كان البيت في دار ، بشرط أن تكون مرافق البيت متميزة.
(2) أي وليس لها الانفراد بدار فيه عدة بيوت ، ولكل بيت مرافقة.
(3) تعليل لانفرادها بالبيت.
(4) أي غير الزوج.
(5) والمشقة على الزوجة.
(6) أي جنس المكسو.
(7) أي حال الجنس.
(8) أي يسار الزوج ، لا يسار المرأة وحالها.
(9) الرعونة هي الحمق.
(10) من غير القطن إذا اعتيد لأمثالها.
(11) في البعد.
(12) أي فيما احتيج إليه في وقت دون آخر.
(13) وهو وقت الاستغناء عنه.
(14) عند الزوجة.
(15) أي مطالبة الزوج بالنفقة مدة مؤاكلته ، لصدق الإنفاق عليها ، ولحصول المقصود من الانفاق إذا السيرة قائمة بين الناس في سائر الأعصار على مؤاكلة الزوجة مع زوجها بحيث لو طلبت النفقة للزمان الماضي والحال هذه لاستنكر ، وللشافعية وجه بعدم سقوط نفقتها بذلك ، لأنه لم يؤد الواجب الموظف عليه شرعا وقد تطوع بما ليس بواجب.
ص: 627
(مؤاكلته) لحصول الغرض (1) واطباق الناس عليه (2) في سائر الأعصار ، ويحتمل جواز مطالبتها بالنفقة ، لأنه لم يؤد عين الواجب ، وتطوع بغيره.
واعلم أن المعتبر من المسكن الإمتاع (3) اتفاقا ، ومن المئونة التمليك في صبيحة كل يوم (4) ، لا أزيد (5) ، بشرط بقائها ممكّنة إلى آخره ، فلو نشزت في
______________________________________________________
(1) من النفقة.
(2) أي على الانفاق كذلك على نحو المؤاكلة.
(3) وهو الانتفاع لا التمليك ، هذا واعلم أن الواجب من النفقة ما تحتاجه المرأة من الإطعام والكسوة والمسكن والتوابع ، وهي على أقسام :
الأول : الإطعام ، وتملكه المرأة بلا خلاف فيه ، لأن الانتفاع به متوقف على إتلافه ويشهد له خبر شهاب بن عبد ربه عن أبي عبد الله عليه السلام (وليقدّر كل إنسان منهم قوته ، فإن شاء أكله وإن شاء وهبه وإن شاء تصدق به) (1).
الثاني : المسكن والخادم ، ولا تملكه المرأة بلا خلاف فيه ، لأن الانتفاع به لا يتوقف على إتلافه فتستحقه المرأة على جهة الانتفاع والإمتاع.
الثالث : الكسوة وما يلحق بها من فراش النوم واليقظة وظروف الطعام والشراب وآلة التنظيف ، فقد وقع الخلاف فيه أنه على جهة التمليك كما عليه الشيخ في المبسوط والمحقق والعلامة في القواعد لقوله تعالى : ( وَعَلَى الْمَوْلُودِ لَهُ رِزْقُهُنَّ وَكِسْوَتُهُنَّ بِالْمَعْرُوفِ ) (2) ، والحكم في الرزق هو التمليك فوجب أن يكون مثله في الكسوة لاقتضاء العطف التسوية في الحكم ، ومثله النبوي (فعليكم رزقهن وكسوتهن بالمعروف (3).
وفيه نظر لمنع اقتضاء العطف التسوية في الحكم من جميع الوجوه ، بل يكفي الاشتراك في أصل الحكم من كون الرزق والكسوة واجبا عليه ، وأما كيفية الاستحقاق فأمر خارج عن أصل الحكم ، ولذا ذهب العلامة في الارشاد وكاشف اللثام وجماعة أنه على نحو الإمتاع.
(4) بلا خلاف ولا إشكال في أن المدار على نفقة اليوم في المئونة ، وأن الزوجة تملكها في صبيحة اليوم إذا كانت ممكّنة لخبر شهاب المتقدم (ويقوتهن بالمدّ فإني أقوت به نفسي ، وليقدّر كل إنسان منهم قوته ، فإن شاء أكله وإن شاء وهبه ، وإن شاء تصدق به) (4).
(5) أي لا أزيد من اليوم الحاضر.
ص: 628
أثنائه (1) استحقت بالنسبة (2) ، وفي الكسوة قولان ، أجودهما أنها إمتاع فليس لها بيعها ولا التصرف فيها بغير اللبس من أنواع التصرفات ، ولا لبسها زيادة على المعتاد كيفية وكمية ، فإن فعلت (3) فأبلتها (4) قبل المدة التي تبلى فيها عادة لم يجب عليه إبدالها ، وكذا (5) لو أبقتها زيادة عن المدة ، وله إبدالها بغيرها (6) مطلقا (7) وتحصيلها (8) بالإعارة والاستئجار وغيرهما ، ولو طلقها أو ماتت أو مات أو نشزت استحق (9) ما يجده منها (10) مطلقا (11) وما تحتاج إليه من الفرش والآلات في حكم الكسوة.
(الثاني - القرابة) البعضية دون مطلق النسبة (12) (وتجب النفقة على الأبوين (13) فصاعدا) وهم : آباء الأب وأمهاته وإن علوا ، وآباء الأم وأمهاتها وإن
______________________________________________________
(1) أي أثناء اليوم.
(2) أي بنسبة تمكينها.
(3) أي فعلت الزيادة على المعتاد.
(4) أي أخلقت الكسوة.
(5) أي لا يجب إبدالها.
(6) أي وللزوج إبدال الكسوة بغيرها.
(7) سواء كانت الكسوة مستعملة أم لا ، ومبلاة أم لا.
(8) أي تحصيل الكسوة والمعنى أن للزوج تحصيل الكسوة لزوجته.
(9) هو أو وارثه.
(10) من الكسوة.
(11) سواء كانت مستعملة أم لا ، وسواء كانت مبلاة أم لا ، وسواء كانت ملكا أم إعارة أم استئجارا.
(12) أي دون مطلق القريب.
(13) تجب النفقة على الأبوين والأولاد ، بحيث تجب نفقة كل واحد منهما على الآخر بلا خلاف فيه للأخبار.
منها : صحيح الحلبي عن أبي عبد الله عليه السلام (قلت : من الذي أجبر في نفقته؟ قال عليه السلام : الوالدان والولد والزوجة والوارث الصغير) (1) ، وصحيح جميل بن دراج -
ص: 629
.................................................................................................
______________________________________________________
- قال : (لا يجبر الرجل إلا على نفقة الأبوين والولد ، قال ابن أبي عمير : قلت لجميل : المرأة ، قال : روى عنبسة عن أبي عبد الله عليه السلام قال : إذا كساها ما يواري عورتها ويطعمها ما يقيم صلبها أقامت معه وإلا طلّقها ، قلت : فهل يجبر على نفقة الأخت؟ فقال : لو أجبر على نفقة الأخت كان ذلك خلاف الرواية) (1) ، وصحيح حريز عن أبي عبد الله عليه السلام (قلت له : من الذي أجبر على نفقته وتلزمني نفقته؟ قال : الوالدان والولد والزوجة) (2) ، وخبر محمد بن مسلم عن أبي عبد الله عليه السلام (قلت له : من يلزم الرجل من قرابته ممن ينفق عليه؟ قال عليه السلام : الوالدان والولد والزوجة) (3).
وإنما الكلام في وجوب الانفاق على آباء الأبوين وأمهاتهم ، وعلى من نزل من الأولاد ، والمشهور ذلك لصدق الوالدين على من علا ، وصدق الولد على من نزل ويشهد له الخبر في الزكاة (يعطى منها الأخ والأخت والعم والعمة والخال والخالة ، ولا يعطى الجد والجدة) (4) ، مع ضميمة ما ورد في الصحيح (خمسة لا يعطون من الزكاة شيئا : الأب والأم والولد والمملوك والزوجة ، وذلك أنهم عياله لازمون له) (5) ، وبالجمع بين الخبرين يستفاد أن الجد والجدة لا يعطون من الزكاة إلا لأنهم عياله ولازمون له ، لصدق اسم الأب والأم عليهما.
وقد تردد المحقق في الشرائع والنافع في آباء الأب وأمهاتهم ، وهو في غير محله بعد ورود النصوص المتقدمة.
ثم إن مقتضى النصوص المتقدمة حصر النفقة الواجبة بالعمودين فلا تجب نفقة عدا من ذكرنا من الأقارب كالأخوة والأعمام والأخوال وممن كان على حاشية النسب على المشهور.
وعن العلامة في القواعد قول بوجوب النفقة على الوارث ، وأسنده ولده في الايضاح إلى الشيخ لصحيح الحلبي المتقدم (قلت : من الذي أجبر في نفقته؟ قال عليه السلام : الوالدان والولد والزوجة والوارث الصغير) (6) ، ولخبر غياث بن إبراهيم عن أبي عبد الله عليه السلام (أتي أمير المؤمنين عليه السلام بيتيم ، فقال : خذوا بنفقته أقرب الناس منه من العشيرة كما -
ص: 630
علوا(والأولاد فنازلا) ذكورا كانوا أم إناثا لابن المنفق أم لبنته(ويستحب) النفقة(على باقي الأقارب) من الإخوة والأخوات وأولادهم والأعمام والأخوال ذكورا وإناثا وأولادهم(ويتأكد) الاستحباب(في الوارث منهم) في أصح القولين.
وقيل : تجب النفقة على الوارث لقوله تعالى : ( وَعَلَى الْوٰارِثِ مِثْلُ ذٰلِكَ ) بعد قوله تعالى : ( وَعَلَى الْمَوْلُودِ لَهُ رِزْقُهُنَّ وَكِسْوَتُهُنَّ بِالْمَعْرُوفِ ) وإذا وجب (1) على الوارث - والعلة هي الإرث - ثبت من الطرفين (2) لتساويهما فيه (3) ، ولا فرق في المنفق (4) بين الذكر والأنثى ولا بين الصغير والكبير عملا بالعموم.
(وإنما يجب الإنفاق على الفقير (5) العاجز عن التكسب) فلو كان مالكا مئونة
______________________________________________________
- يأكل ميراثه) (1) وقد حملت على الاستحباب.
نعم القول بوجوب النفقة للوارث هو لابن أبي ليلى من العامة وقد استدل له بعموم قوله تعالى : ( وَعَلَى الْوٰارِثِ مِثْلُ ذٰلِكَ ) (2) بعد قوله تعالى : ( وَعَلَى الْمَوْلُودِ لَهُ رِزْقُهُنَّ وَكِسْوَتُهُنَّ بِالْمَعْرُوفِ ) (3) ، وإذا وجبت النفقة على الوارث مع أن العلة في النفقة هي الإرث لثبتت النفقة على الطرفين من الوارث والمورث لتساويهما في هذه العلة.
وهو أيضا مردود للنبوي (لا صدقة وذو رحم محتاج) (4) ، بالإضافة إلى حصر النفقة بالعمودين كما في الأخبار المتقدمة فلا بد من حمل الآية على الاستحباب.
(1) أي الانفاق.
(2) الوارث والمورث.
(3) في الإرث.
(4) أي الذي وجبت النفقة عليه سواء كانت نفقة العمودين ، أو نفقة الوارث.
(5) أي على الفقير النسبي ، ولا يشترط الفقر في الزوجة ، وعلى كل فيشترط في وجوب النفقة للقريب الفقر في المنفق عليه ، بلا خلاف فيه ، والمراد به هو عدم وجدانه تمام ما يقوته ، ولكن هل يشترط مع ذلك العجز عن الاكتساب ، فالمشهور بل لا خلاف فيه كما في الجواهر على ذلك ، لأن النفقة معونة على سدّ الخلة ، والمكتسب قادر على سد الخلة فهو كالغني ، ولذا منع من الزكاة والكفارة المشروطة بالفقر ، وبهذا يخص إطلاق الأخبار -
ص: 631
سنة أو قادرا على تحصيلها بالكسب تدريجا لم يجب الإنفاق عليه ، ولا يشترط عدالته (1) ولا إسلامه بل يجب (2) (وإن كان فاسقا أو كافرا) للعموم ويجب تقييد الكافر بكونه محقون الدم ، فلو كان حربيا لم يجب (3) لجواز اتلافه ، فترك الانفاق لا يزيد عنه (4) ، أما الحرية (5) فهي شرط لأن المملوك نفقته على مولاه ، نعم لو امتنع
______________________________________________________
- المتقدمة في وجوب نفقة القريب ، نعم يعتبر في الكسب كونه لائقا بحاله عادة ، فلا يكلف الرفيع والعالم بالكنس والدباغة ونحوهما.
ثم إذا تحقق العجز عن الكسب والفقر فتجب نفقة القريب وإن كان كاملا في نفسه تام الخلقة ، وعن الشيخ في المبسوط اشتراط اجتماع الوصفين من الإعسار ونقصان الخلقة كالفقير الأعمى ، أو اشتراط ناقص الحكم كالصبي والمجنون ، أو اشتراط ناقص الحكم والخلقة كالمجنون الأعمى ، وقد تبع بذلك بعض العامة ، وهو مما لا دليل عليه ، بل إطلاق الأخبار المتقدمة يدفعه.
(1) أي عدالة المنفق عليه ، فيجب الإنفاق على القريب وإن كان فاسقا أو كافرا ، على المشهور ، لإطلاق الأخبار المتقدمة ، بل قد أمرنا بمصاحبة الوالدين الكافرين بالمعروف بقوله تعالى : ( وَصٰاحِبْهُمٰا فِي الدُّنْيٰا مَعْرُوفاً ) (1) ، ومن المعروف الإنفاق عليهما مع حاجتهما وأولى منه لو كانا فاسقين.
وعن فخر المحققين أن الكفر مانع من وجوب الانفاق كما كان مانعا من الإرث ، ونقل عنه أن ذلك اجماعي ، وفيه أن الأصحاب قد صرحوا بخلافه على أنه قياس لا نقول به.
هذا وقال في المسالك : (وقيّد بعضهم الكافر بكونه معصوم الدم ، فلو كان حربيا لم يجب الإنفاق عليه لجواز إتلافه ، فترك الانفاق عليه لا يزيد عنه ولا بأس به ، وإن كان للعموم ، - أي عموم وجوب النفقة ولو كان كافرا -. أيضا وجه ، لما فيه من المصاحبة بالمعروف المأمور بها للأبوين على العموم ، إلا أن يفرّق بينهما وبين الأولاد) انتهى.
(2) أي الإنفاق على القريب.
(3) أي الإنفاق.
(4) عن الإتلاف.
(5) أي الحرية في المنفق عليه فهي شرط في وجوب الإنفاق عليه ، لأنه لو كان مملوكا فيجب الإنفاق على مولاه ، بلا خلاف فيه.
ص: 632
منها (1) أو كان معسرا أمكن وجوبه على القريب عملا بالعموم (2). وقيل : لا يجب مطلقا (3) بل يلزم ببيعه ، أو الإنفاق (4) عليه كما سيأتي (5) وهو حسن.
(ويشترط في المنفق أن يفضل ماله عن قوته وقوت زوجته) (6) ليومه الحاضر وليلته ليصرف إلى من ذكر (7) ، فإن لم يفضل شي ء فلا شي ء عليه (8) ، لأنها (9) مواساة وهو (10) ليس من أهلها (11) (والواجب) منها (12) (قدر الكفاية) للمنفق عليه(من الإطعام والكسوة والمسكن) بحسب زمانه (13) ومكانه.
______________________________________________________
(1) أي لو امتنع المولى من النفقة.
(2) أي عموم أدلة وجوب نفقة القريب.
(3) أي لا يجب الإنفاق على المولى سواء كان موسرا أم معسرا ، وسواء كان ممتنعا أم لا.
(4) على نحو التخيير.
(5) في نفقة المملوك.
(6) لا خلاف ولا إشكال في اشتراط وجوب نفقة الأقارب بقدرة المنفق ، بحيث يبقى من ماله فضل بعد نفقته ونفقة زوجته ، فإن بقي فضل فللأبوين والأولاد.
(7) من الأقارب وهم الأبوان والأولاد.
(8) على المنفق العاجز.
(9) أي نفقة الأقارب.
(10) أي القريب.
(11) أي أهل المواساة حينئذ ، لأنه مع عجز المنفق لا شي ء عنده حتى يواسي به ، هذا واعلم أنه إذا اجتمع على الشخص الواحد محتاجون يلزمه الإنفاق عليهم ، فإن وفّى ماله وكسبه بنفقتهم فعليه نفقة الجميع وإلا فيقدّم نفقة نفسه لأهمية النفس عند الشارع ، ثم نفقة الزوجة ثم الأقارب ، لأن نفقة الزوجة ثبتت على وجه المعاوضة على الاستمتاع بخلاف نفقة القريب فإنها نفقة مواساة ، والعوض أولى بالرعاية من المواساة ، ولهذا تقضى نفقة الزوجة بخلاف نفقة القريب.
(12) من نفقة القريب ، هذا ولا إشكال ولا خلاف في أنه لا تقدير في نفقة القريب ، لأن المعتبر منها المواساة له ودفع حاجته فلا تتقدر بقدر ، بل يعتبر فيها الكناية بحسب حال المنفق عليه ، كما سمعته في نفقة الزوجة ، وإن فرّق بينهما أن القريب لو استغنى عن النفقة بضيافة ونحوها لم تجب بخلاف نفقة الزوجة ، وأن النفقة هنا إمتاع بلا خلاف فيه بخلاف نفقة الزوجة التي قد عرفت أنها على أقسام.
(13) أي زمان المنفق عليه.
ص: 633
(ولا يجب إعفاف واجب النفقة) (1) أي تزويجه ليصير ذا عفة وإن كان (2) أبا (3) ، ولا النفقة على زوجته للأصل. نعم يستحب تزويج الأب. وعليه (4) يحمل ما ورد من الأمر به (5) ، وكذا لا يجب إخدامه (6) ، ولا النفقة على خادمه إلا مع الزمانة (7) المحوجة إليه (8).
(وتقضى نفقة الزوجة (9)) لأنها حقّ مالي وجب في مقابلة الاستمتاع فكانت
______________________________________________________
(1) المراد بالإعفاف أن يصيّره ذا عفة ، بأن يهيئ له من يطأها زوجة أو أمة أو يعطيه مهرا يتزوج به أو يعطيه ثمن جارية والمشهور على أنه لا يجب إعفاف واجب النفقة ، للأصل ، وقد قال بعض الأصحاب - كما في المسالك - بوجوب إعفاف الأب وإن علا ، لأن ذلك من أهم المصاحبة بالمعروف المأمور بها ، ولأنه من وجوه حاجاته المهمة ، فيجب على الابن القيام به كالنفقة والكسوة والانصاف يقتضي القول إن الأب لو كان محتاجا للزواج بحيث يشق الصبر عليه فإعفافه داخل في إعاشته ومن أهم مصاحبته بالمعروف المأمور بها ، وإن لم يكن محتاجا إلى النكاح بالنحو المذكور فلا يجب إعفافه حينئذ ، وعلى كل ، فنفقة الزوجة حينئذ تابعة للإعفاف كما في المسالك ، فإن وجب وجبت وإلا استحبت ، وكذا القول في نفقة زوجة الأب التي تزوجها بغير واسطة الابن ، وعن الشيخ في المبسوط وجوب نفقة زوجة الأب وإن لم يجب إعفافه ، لأنها من جملة مئونته وضرورته كنفقة خادمه حيث يحتاج إليه ، وعن العلامة في المختلف عدم وجوب نفقة الزوجة وإن وجب إعفافه ضرورة اختصاص الأدلة في وجوب نفقة القريب لا أداء ما عليه من كفارة أو قضاء دين أو أرش جناية أو حق زوجة ونحوه.
(2) أي واجب النفقة.
(3) إشارة إلى خلاف البعض حيث ذهب إلى وجوب إعفافه.
(4) على الاستحباب.
(5) بتزويج الأب.
(6) أي اتخاذ خادم له إلا عند الحاجة إليه ، فيجب إخدامه وتكون نفقة الخادم على المنفق ، لأن ذلك من جملة مئونة المنفق عليه وضروراته.
(7) أي زمانة واجب النفقة.
(8) إلى الخادم.
(9) تقضى نفقة الزوجة بلا خلاف فيه لأنها نفقة قد وجبت عوض الاستمتاع ، فكانت كالمعاوضة المالية ، فإذا لم يؤدها استقرت في ذمته ويجب عليه قضاؤها ، بخلاف نفقة القريب فهي من باب المواساة وسدّ الخلة فوجوبها لدفع الحاجة لا لعوض ، فإذا أخلّ بها -
ص: 634
كالعوض اللازم في المعاوضة(لا نفقة الأقارب) لأنها وجبت على طريق المواساة وسدّ الخلة لا التمليك ، فلا تستقر في الذمة ، وإنما يأثم بتركها(ولو (1) قدّرها الحاكم) لأنّ التقدير لا يفيد الاستقرار (2) (نعم لو أذن) الحاكم للقريب(في الاستدانة) لغيبته (3) ، أو مدافعته بها (4) (أو أمره (5) الحاكم) بالإنفاق (6) (قضي) لأنها تصير دينا في الذمة بذلك(7).
(والأب مقدم) (8) على الأم وغيرها(في الإنفاق) على الولد مع
______________________________________________________
- أثم ولم تستقر في الذمة فلا يجب قضاؤها ، كما لو أخلّ بقضاء حاجة المحتاج الذي يجب عليه إعانته ، بلا فرق في عدم القضاء بين تقدير الحاكم لها وعدمه ، لأن تقديره لها لا يخرجها عن حالها الأصلي من كونها مواساة ودفع ضرورة ، خلافا لبعض الشافعية حيث ذهب إلى أنها مع فرض الحاكم لها تصير دينا في الذمة ويجب قضاؤها.
نعم لو أمر الحاكم المنفق عليه بالاستدانة على المنفق لغيبته أو لممانعته ونحو ذلك ، فاستدان المنفق عليه فيجب القضاء على المنفق ، تنزيلا لأمر الحاكم منزلة أمر المنفق ، لأن الحاكم ولي الغائب والممتنع.
(1) وصلية.
(2) أي استقرارها في ذمة المنفق.
(3) أي غيبة المنفق.
(4) أي موافقة المنفق بالنفقة على وجه المماطلة.
(5) أي أمر المنفق عليه ، هذا وكتب الشارح في تعليقة له هنا كما في الطبعة الحجرية (مسألة أمر الحاكم لم يذكرها الأصحاب وإنما اقتصروا على أمره بالاستدانة).
(6) بأن قال الحاكم للمنفق عليه لما راجعه : انفق على نفسك ، ولم يأمره بالاستدانة ، مع أن الأمر بالانفاق هنا متوقف على الإذن بالاستدانة كما هو واضح.
(7) أي بالاستدانة.
(8) شروع في ترتيب المنفقين ، فلو وجد للمحتاج قريبان من أصوله بحيث لو انفرد أحدهما لوجبت النفقة عليه فينظر فإن اجتمع أبوه وأمه فالنفقة على الأب دونها لقوله تعالى : ( فَإِنْ أَرْضَعْنَ لَكُمْ فَآتُوهُنَّ أُجُورَهُنَّ ) (1) حيث أوجب أجرة الرضاع على الأب فكذا غيرها من النفقات. وإن فقد الأب أو كان معسرا فأب الأب مقدّم على الأم لمشاركته له -
ص: 635
وجوده (1) ويساره(ومع عدمه أو فقره فعلى أب الأب فصاعدا) يقدم الأقرب منهم فالأقرب(وإن عدمت الآباء) أو كانوا معسرين(فعلى الأم) (2) مع وجودها ويسارها(ثمّ على أبويها بالسوية) (3) لا على جهة الإرث (4) ، وأم الأب (5) بحكم أم الأم وأبيها (6) ، وكذا أم الجد للأب مع أبوي الجد والجدة للأم. وهكذا.
(والأقرب) إلى المنفق عليه(في كل مرتبة) من المراتب(مقدّم (7) على الأبعد) وإنما ينتقل إلى الأبعد مع عدمه (8) أو فقره ، فالولد مقدم في الإنفاق على أبيه (9) وأمه وإن علوا على ابنه (10) وهكذا ، ومتى تعدد من يجب عليه الإنفاق تساووا
______________________________________________________
- في المعنى وصدق اسم الأب عليه ، وكذا الحكم فيه وإن علا خلافا لبعض العامة فعلى الأم الثلث وعلى الجد الثلثان وإن فقد الجميع من الأب وآبائه فالنفقة على الأم الموسرة ، فإن فقدت أو كانت معسرة فعلى أبيها وأمها بالسوية وإن علوا الأقرب فالأقرب ، وأما آباء وأمهات أم أب المحتاج فحكمهم حكم آباء الأم من الطرفين فيشاركونهم مع التساوي في الدرجة بالسوية ، ويختص الأقرب من الجانبين إلى المحتاج بوجوب الإنفاق ، وكذا حكم أمهات أب المحتاج.
(1) أي وجود الأب.
(2) أي أم المحتاج.
(3) لمقتضى العدل.
(4) ولذا لا تجب النفقة على الأخوة مع أنهم مشاركون للأجداد في المرتبة هذا من جهة ومن جهة أخرى وإن كان التساوي بين أبوي الأم بالسوية في الإرث أيضا إلا أنه لنص خاص لا لقاعدة العدل القاضية للتسوية كما هنا.
(5) وهي جدة المحتاج لأبيه.
(6) أي أب أم الأم.
(7) لقوله تعالى : ( وَأُولُوا الْأَرْحٰامِ بَعْضُهُمْ أَوْلىٰ بِبَعْضٍ فِي كِتٰابِ اللّٰهِ ) (1) ، وهو مطلق يشمل الإرث والإنفاق وغيرهما.
(8) أي في الإنفاق الواجب على أبيه وأمه.
(9) متعلق بقوله (فالولد مقدم) ، والضمير فيه راجع إلى الولد ، والمعنى الولد مقدم على ابنه في الإنفاق الواجب على أبيه وأمه.
(10) في الإنفاق لقاعدة العدل القاضية بالتسوية ، ويحتمل الوجوب كفاية ، أو كون التخيير بيد -
ص: 636
فيه (1) وإن اختلفوا في الذكورية والأنوثية وكذا يتساوى الغني فعلا وقوة على الأقوى فيهما(2).
(وأما ترتيب المنفق عليهم (3) : فالأبوان والأولاد سواء) لأنّ نسبتهم إلى المنفق واحدة بحسب الدرجة ، وإنما اختلفت (4) بكونها في أحدهما عليا (5) وفي الآخر
______________________________________________________
- المنفق عليه أو الرجوع إلى القرعة ، ولكنها احتمالات لا دليل عليها ، نعم عن بعض العامة اختصاص وجوب الإنفاق بالذكر لأن الخطاب في الأمر بالنفقة بصيغة المذكر قال تعالى : ( لِيُنْفِقْ ذُو سَعَةٍ مِنْ سَعَتِهِ ، وَمَنْ قُدِرَ عَلَيْهِ رِزْقُهُ فَلْيُنْفِقْ مِمّٰا آتٰاهُ اللّٰهُ ) (1) ، وذو للمذكر فقط. وعن بعضهم أيضا أن الإنفاق على حسب الميراث وهما ضعيفان.
(1) فلو كان له ابن موسر وآخر مكتسب فهما سواء بالنفقة للإطلاق ، وعن القواعد على إشكال ، وهو في غير محله مع فرض كون الكسب كاليسار فعلا.
(2) في الموردين من الذكورة والأنوثة والمخالف فيه بعض العامة ، ومن الغني فعلا وقوة المستشكل فيه العلامة في القواعد.
(3) شروع في ترتيب المنفق عليهم ، هذا وقد تقدم أن نفقة النفس مقدمة ثم نفقة الزوجة ، فإن بقي من ماله شي ء فنفقة الأقارب ، فإن كفت الجميع فهو بحيث لو وجد آباء وأجداد وأولاد وقد وسع ماله أو كسبه لنفقة الجميع فهو ، وإلا اقتصر على الأقرب فالأقرب ، فالأب أولى من الجد ، فإن فضل عنه فضل صرف إلى الجد ، والجد القريب أولى من البعيد وهكذا ، والأولاد في منزلة الأبوين ، وأولاد الأولاد في منزلة الأجداد ، ولا فرق في كل مرتبة بين الذكر والأنثى ولا بين المتقرب بالأب من الأب والأم ، وبين المتقرب بالأم كذلك ، ولا فرق بين ابن البنت وبنت الابن وهكذا.
ثم هذا كله مع اشتراك المتعددين في المرتبة الواحدة مع كفاية سهم كل واحد لصاحبه أو إفادته نفعا معتدّا به ، فلو لم ينتفع به أحدهم لقلة السهم وكثرة المنفق عليهم غير المنتفع بسهمه فيتعين الرجوع إلى القرعة ، لأنه إذا لم تنسدّ خلة الجميع لزمه الإنفاق على من تنسد خلته واحدا كان أو أكثر ، ولا يمكن الترجيح فالمتعين هو القرعة ، لأنها المرجع عند تزاحم الحقوق ، وهي لكل أمر مشكل ، وعن الشيخ في المبسوط والحلي في سرائره احتمال القسمة ، وإن قلّ السهم ، للاشتراك في الاستحقاق.
(4) أي الدرجة.
(5) وهم الأبوان.
ص: 637
دنيا (1) ، فلو كان له أب وابن. أو أبوان وأولاد معهما (2) ، أو مع أحدهما (3) ، وجب قسمة الميسور (4) على الجميع بالسوية (5) ذكورا كانوا أم إناثا أم ذكورا وإناثا. ثم إن كفاهم أو نفع كل واحد نصيبه نفعا معتدا به اقتسموه ، وإن لم ينتفع به أحدهم لقلته (6) وكثرتهم (7) ، فالأجود القرعة ، لاستحالة الترجيح بغير مرجّح ، والتشريك ينافي الغرض (8) ولو كان نصيب بعضهم يكفيه لصغره ونحوه (9) ونصيب الباقين لا ينفعهم منقسما ، اعتبرت القرعة في من عدا المنتفع.
(وهم) يعني الآباء والأولاد(أولى من آبائهم (10) وأولادهم) (11) لزيادة القرب(و) هكذا(كل طبقة أولى من التي بعدها) ويتساوى الأعلى والأدنى مع تساوي الدرجة كالأجداد وأولاد الأولاد وهكذا ، كل ذلك(مع القصور (12)) أما مع سعة ماله للإنفاق على الجميع فيجب التعميم(ولو كان للعاجز أب وابن قادران فعليهما) نفقته(بالسويّة) (13) لتساويهما في المرتبة بالنسبة إليه (14) ، والبنت كالابن (15) ، أمّا الأم(16) ففي مساواتها للأب في مشاركة الولد ، أو تقديمه
______________________________________________________
(1) وهم الأولاد.
(2) مع الأبوين.
(3) أحد الأبوين.
(4) أي ما فضل من مال المنفق بعد نفقة نفسه ونفقة زوجته.
(5) قضاء لحق العدل.
(6) أي لقلة النصيب.
(7) أي كثرة المنفق عليهم غير المنتفع بسهمه ، وإلا فلو لم ينتفع بنصيبه مع أنه الوحيد من الأقارب ، فلا شي ء على المنفق ، لأنه هو الميسور من ماله بعد نفقته ونفقة زوجته.
(8) من المعاونة وسدّ الخلة.
(9) كمرض كما في المسالك.
(10) أي آباء الآباء.
(11) أي أولاد الأولاد.
(12) أي قصور مال المنفق للنفقة على الجميع.
(13) قد تقدم الكلام فيه.
(14) إلى العاجز.
(15) فيما لو اجتمعت بنت العاجز مع أبيه.
(16) فيما لو اجتمع أم العاجز مع ولده.
ص: 638
عليها (1) وجهان ، مأخذهما : اتحاد الرتبة (2) وكون الولد (3) مقدّما على الجدّ المقدّم (4) عليها ، فيكون (5) أولى بالتقديم.
فإن اجتمعوا (6) فعلى الأب والولدين خاصة (7) بالسوية ، لما تقدم من أن الأب مقدّم على الأم وأما الأولاد فعلى أصل الوجوب من غير ترجيح (8) ، مع احتمال تقديم الذكور نظرا إلى الخطاب في الأمر بها (9) بصيغة المذكر (10).
(ويجبر الحاكم الممتنع عن الانفاق) (11) مع وجوبه عليه (12) (وإن كان له)
______________________________________________________
(1) أو تقديم الولد على الأم ، فعلى الأول فالأم كالأب تشارك الولد لاتحاد رتبة الأم والأب فتشاركه وبه قطع العلامة في التحرير ، وتردد به في القواعد ، وعلى الثاني من كون ولد العاجز مقدما على الجد ، والجد مقدم على الأم فيكون الولد أولى بالتقديم لأن المقدم على المقدم مقدم ، فلا تشاركه الأم في تحمل النفقة.
(2) دليل مشاركة الأم للولد.
(3) دليل عدم مشاركة الأم للولد ، بل يقدم الولد عليها.
(4) أي الجد.
(5) أي الولد.
(6) أي أبو العاجز ، وأولاده من ذكر وبنت.
(7) دون الأم.
(8) أي ترجيح الذكر على الأنثى.
(9) بالنفقة.
(10) وهو لبعض العامة ، وقد تقدم.
(11) من ماطل بالنفقة الواجبة بلا فرق بين نفقة القريب ونفقة الزوجة بعد اشتراكهما في أصل الوجوب أجبره الحاكم على دفع الواجب من باب الحسبة فإن لم يكن فعدول المؤمنين وإلا ففساقهم ، فإن امتنع من الدفع مع أمر الحاكم ، تخير الحاكم بين حبسه وتأديبه لينفق بنفسه وبين أن يدفع الحاكم من ماله مقدار النفقة إن كان له مال ظاهر ، ولو توقف الدفع المذكور على بيع شي ء من ماله جاز ، لأن حق النفقة واجب فكانت في ذلك كالدين.
ولو كان المنفق غائبا تولى الحاكم الإنفاق من ماله الحاضر ولو توقف على البيع المذكور ، لأن الحاكم ولي الغائب كما أنه ولي الممتنع.
ويجوز للحاكم في الصورتين أن يأذن للمنفق عليه في الاستدانة والانفاق ثم يرجع على الممتنع أو الغائب.
(12) أي مع وجوب الإنفاق على الممتنع.
ص: 639
(مال) يجب صرفه في الدين (1) (باعه الحاكم) إن شاء (2) (وأنفق منه) (3). وفي كيفية بيعه وجهان : أحدهما أن يبيع كل يوم جزء بقدر الحاجة. والثاني : أن لا يفعل ذلك (4) ، لأنه يشقّ ، ولكن يقترض عليه (5) إلى أن يجتمع ما يسهل بيع العقار له (6) والأقوى : جواز الأمرين. ولو تعذرا (7) فلم يوجد راغب في شراء الجزء اليسير ولا مقرض ولا بيت مال يقترض منه جاز بيع أقل ما يمكن بيعه (8) ، وإن زاد عن قدر نفقة اليوم ، لتوقف الواجب عليه (9).
(الثالث الملك : وتجب النفقة (10) على الرقيق) ذكرا وأنثى وإن كان أعمى وزمنا
______________________________________________________
(1) بحيث لا يكون من المستثنيات المشهورة في وجوب قضاء الدين كالثياب والخادم.
(2) وإن شاء حبسه لينفق بنفسه من ماله.
(3) من ثمن المبيع.
(4) من البيع كل يوم بقدر الحاجة.
(5) أي يقترض المنفق عليه على المنفق.
(6) للمنفق.
(7) من بيع الجزء اليسير ومن الإقراض.
(8) بتمامه.
(9) على بيع تمام الأقل.
(10) لا خلاف في أنه تجب النفقة على ما يملكه الإنسان من رقيق وبهيمة ، وإن كان لكل منهما أحكام تخصه ، أما العبد والأمة فنفقتهما على مولاهما بالاتفاق ، للأخبار.
منها : صحيح ابن الحجاج عن أبي عبد الله عليه السلام (خمسة لا يعطون من الزكاة شيئا : الأب والأم والولد والمرأة والمملوك ، ذلك لأنهم عياله لازمون له) (1) ، وخبر أبي الصلت عنه عليه السلام (خمسة لا يعطون من الزكاة : الولد والوالدان والمرأة والمملوك ، لأنه يجبر على النفقة عليهم) (2) والنبوي (للملوك طعامه وكسوته بالمعروف) (3) ومقتضى إطلاق هذه الأخبار عدم الفرق في المملوك بين الصغير والكبير والصحيح والأعمى ، والقن والمدبر وأم الولد والمكاتب ، والمنتفع به وغيره ، والمرهون والمستأجر والكسوب وغيرهم ، نعم في الكسوب مولاه بالخيار في الإنفاق عليه من خاصة ماله أو من كسب نفس المملوك الذي هو أحد أموال المولى ، نعم لو قصر كسب العبد وجب التمام على السيد ، ولو زاد أخذه -
ص: 640
(والبهيمة) بالعلف والسقي ، حيث تفتقر (1) إليهما ، والمكان من مراح (2) واصطبل (3) يليق بحالها (4) ، وإن كانت (5) غير منتفع بها أو مشرفة على التلف ، ومنها (6) دود القز ، فيأثم بالتقصير في إيصاله (7) قدر كفايته ، ووضعه (8) في مكان يقصر عن
______________________________________________________
- المولى له ، ومقتضى هذه الأدلة عدم التقدير لنفقة المملوك في الشرع ، بل الواجب قدر كفايته وسدّ خلته من أطعم وأدم وكسوة. وأما البهيمة فنفقتها على مالكها ففي خبر السكوني عن أبي عبد الله عليه السلام (للدابة على صاحبها ستة حقوق ، لا يحملها فوق طاقتها ، ولا يتخذ ظهرها مجلسا يتحدث عليها ، ويبدأ بعلفها إذا نزل ، ولا يشتمها ولا يضربها في وجهها فإنها تسبّح ، ويعرض عليها الماء إذا مرّ به) (1) ، وخبره الآخر بإسناده عن رسول الله عليه السلام (للدابة على صاحبها خصال ، يبدأ بعلفها إذا نزل ، ويعرض عليها الماء إذا مرّ به ، ولا يضرب في وجهها ، فإنها تسبّح بحمد ربها ، ولا يقف على ظهرها إلا في سبيل الله ، ولا يحمّلها فوق طاقتها ، ولا يكلّفها من الشي ء إلا ما تطيق) (2) ، والنبوي (اطلعت ليلة أسري بي على النار فرأيت امرأة تعذّب فسألت عنها فقيل : إنها ربطت هرة ولم تطعمها ولم تسقها ولم تدعها تأكل من حشاش الأرض حتى ماتت فعذبها بذلك) (3) والنبوي الآخر (وأطلعت على الجنة فرأيت امرأة مومسة - يعني زانية - فسألت عنها فقيل : إنها مرّت بكلب يلهث من العطش فأرسلت إزارها في بئر فعصرته في حلقه حتى روى فغفر الله لها) (4).
ومقتضى هذه الأخبار عدم التقدير للنفقة ، بل الواجب القيام بكل ما تحتاجه الدابة من أكل وسقي ومكان وجلّ ونحو ذلك مما يختلف باختلاف المكان والزمان ، نعم يكفي في إطعامها تخليتها ترعى من خصب الأرض فإن اجتزأت بالرعي وإلا علفها.
(1) أي البهيمة.
(2) بالضم المأوى الذي يبيت فيه الإبل والغنم والبقر.
(3) مأوى الدابة من الفرس والبغال والحمير.
(4) بحال البهيمة.
(5) أي البهيمة.
(6) من البهيمة - التي يجب الإنفاق عليها.
(7) أي الايصال إلى دود القز ، فهو من باب إضافة المصدر إلى مفعوله.
(8) أي ويأثم بوضعه.
ص: 641
صلاحيته له بحسب الزمان ، ومثله (1) ما تحتاج إليه البهيمة مطلقا (2) من الآلات حيث يستعملها (3) ، أو الجل لدفع البرد وغيره حيث يحتاج إليه (4).
(ولو كان للرقيق كسب جاز للمولى أن يكله إليه (5) ، فإن كفاه) الكسب بجميع ما يحتاج إليه من النفقة(اقتصر عليه ، وإلا يكفه أتمّ له) (6) قدر كفايته وجوبا(ويرجع في جنس ذلك (7) إلى عادة مماليك أمثال السيد من أهل بلده) بحسب شرفه وضعته ، واعتباره ، ويساره (8) ، ولا يكفي ساتر العورة في اللباس ببلادنا وإن اكتفي به (9) في بلاد الرقيق ، ولا فرق (10) بين كون نفقة السيد على نفسه دون (11) الغالب في نفقة (12) الرقيق عادة تقتيرا (13) أو بخلا أو رياضة ، وفوقه (14) ، فليس له (15) الاقتصار به(16) على نفسه في الأول(17) ، ولا عبرة في
______________________________________________________
(1) أي ومثل العلف والسقي والمكان.
(2) من أي حيوان كان.
(3) أي يستعمل للبهيمة ، فلو كان استعمالها متوقفا على آلة ، وقد استعملها بدون هذه الآلة بحيث أوجب الاضرار بالبهيمة فيحرم.
(4) إلى الجلّ.
(5) أي أن يكل الرقيق إلى كسبه.
(6) أي أتم المولى للعبد نفقته.
(7) أي في جنس كفاية العبد.
(8) لما هو المعروف من كفاية العبد بحسب حال مولاه.
(9) بساتر العورة.
(10) أي إذا كان السيد يأكل ويلبس دون المعتاد بخلا أو رياضة لزمه رعاية الغالب للرقيق ، فليس له الاقتصار على ما اقتصر هو عليه.
(11) أي كان نفقة السيد دون الغالب.
(12) جار ومجرور متعلقان بقوله (ولا فرق).
(13) متعلق بكون نفقة السيد دون الغالب.
(14) أي فوق الغالب.
(15) للسيد.
(16) بالعبد.
(17) أي فيما لو كانت نفقة السيد على نفسه دون الغالب ، وكذلك لا يجب الانفاق على العبد بالمقدار الذي ينفقه على نفسه ، بل المدار في نفقة العبد على الغالب لامثاله.
ص: 642
الكمية بالغالب بل تجب الكفاية لو كان الغالب أقلّ منها (1) ، كما لا يجب الزائد لو كان فوقها (2) وإنما تعتبر فيه (3) الكيفية.
(ويجبر السيد على الإنفاق أو البيع) مع إمكانهما (4) ، وإلا أجبر على الممكن منهما خاصة ، وفي حكم البيع : الإجارة (5) مع شرط النفقة على المستأجر.
والعتق (6) ، فإن لم يفعل (7) باعه الحاكم أو آجره ، وهل يبيعه شيئا فشيئا أو يستدين عليه (8) إلى أن يجتمع شي ء فيبيع ما يفي به؟ الوجهان (9).
______________________________________________________
(1) من الكفاية.
(2) أي لو كان الغالب فوق الكفاية.
(3) في الغالب ، هذا ويستحب أن يطعمه مما يأكل ويلبسه مما يلبس للنبوي (اخوانكم حولكم جعلهم الله تحت أيديكم ، فمن كان أخوه تحت يده فليطعمه مما يأكل ويلبسه مما يلبس) (1) والنبوي الآخر (إذا جاء أحدكم خادمه بطعامه وقد كفاه حرّه وعمله فليقعده فليأكل معه ، وإلا فليناوله أكلة من طعام) (2) ، والنبوي الثالث (إذا كفى أحدكم خادمه طعامه حرّه ودخانه فليدعه فليجلسه معه ، فإن أبى فليروغ له اللقمة واللقمتين) (3).
(4) أي إمكان الانفاق والبيع ، هذا واعلم أنه إذا امتنع المولى من الانفاق على المملوك مع قدرته عليه ولو بالكسب أجبره الحاكم على الانفاق أو البيع ، ومع تعذر أحدهما يتعين الثاني كما هو الشأن في كل واجب مخيّر ، بلا فرق في ذلك بين القن والمدبر لاشتراك الجميع في المملوكية ، نعم أم الولد يجبر على الانفاق عليها خاصة ومع تعذره لفقره وتعذر الانفاق عليها من بيت المال ونحوه لم يجب تعجيل عتقها كما لا يجب عتق غيرها من الرقيق ، ولكن هل يجوز بيعها أو لا ، وجهان فلا يجوز لعموم النهي عن بيع أم الولد ، ويجوز لأن عدم بيعها موجب لهلاك نفسها.
والمكاتب نفقته تسقط عن مولاه وتثبت في كسبه ، بلا فرق بين المطلق والمشروط.
(5) أن يؤجر العبد.
(6) أي وفي حكم البيع العتق.
(7) أي المولى شيئا من الانفاق ولا البيع ولا الإجارة ولا العتق.
(8) على العبد.
(9) أي الوجهان السابقان في نفقة الأقارب.
ص: 643
(ولا فرق) (1) في الرقيق(بين القنّ) ، وأصله الذي ملك هو وأبواه ، والمراد هنا : المملوك الخالص غير المتشبث بالحرية بتدبير ، ولا كتابة ، ولا استيلاد(والمدبّر ، وأمّ الولد) لاشتراك الجميع في المملوكية وإن تشبث الأخيران بالحرية ، وأما المكاتب فنفقته في كسبه وإن كان مشروطا أولم يؤدّ شيئا.
(وكذا يجبر على الإنفاق على البهيمة المملوكة إلا أن تجتزي بالرعي) (2) وترد الماء بنفسها فيجتزى به (3) فيسقطان عنه (4) ما دام ذلك (5) ممكنا(فإن امتنع (6) أجبر على الإنفاق) عليها(أو البيع أو الذبح إن كانت) البهيمة(مقصودة بالذبح) وإلا (7) أجبر على البيع أو الإنفاق صونا لها عن التلف ، فإن لم يفعل ناب الحاكم عنه في ذلك (8) على ما يراه وتقتضيه الحال ، وإنما يتخير (9) مع إمكان الأفراد (10) وإلا تعين الممكن منها(وإن كان لها ولد (11) وفّر عليه من لبنها ما يكفيه) وجوبا وحلب ما يفضل منه خاصة(إلا أن يقوم بكفايته) من غير اللبن حيث يكتفي به (12).
______________________________________________________
(1) أي ولا فرق في الحكم المذكور من إجبار السيد على الانفاق أو البيع.
(2) قد تقدم.
(3) بالرعي.
(4) أي فيسقط العلف والسقي عن المالك.
(5) أي الرعي والورود.
(6) أي امتنع المالك من الانفاق على البهيمة ولو بالتخلية للرعي الكافي لها أجبره الحاكم على البيع أو الذبح ، إن كان مذكاة بحيث يقصد بالذبح لحمها أو جلدها ، وإن لم تكن كذلك أجبره الحاكم على الانفاق عليها أو البيع حفظا للنفس من الهلاك.
(7) وإن لم تكن البهيمة مقصودة بالذبح.
(8) من البيع أو الذبح أو الانفاق ، لأنه ولي الممتنع.
(9) المالك أو الحاكم.
(10) المذكورة من الانفاق والبيع والذبح.
(11) لو كان للبهيمة ولد وفّر عليه من لبنها قدر كفايته ، لكون نفقته عليه ، وله الفاضل بعد ذلك ، إلا أن يجتزئ الولد بغير ذلك من الرعي أو العلف كلا أو بعضا فيجوز حينئذ أخذ اللبن كلا أو بعضا.
(12) بغير اللبن.
ص: 644
وبقي من المملوك : ما لا روح فيه كالزرع والشجر مما يتلف بترك العمل (1) ، وقد اختلف في وجوب عمله. ففي التحرير : قرّب الوجوب من حيث إنه تضييع للمال فلا يقرّ عليه (2). وفي القواعد : قطع بعدمه (3) لأنه (4) تنمية للمال فلا تجب (5) كما لا يجب تملكه (6) ، ويشكل بأنّ ترك التملك لا يقتضي الإضاعة بخلاف التنمية التي يوجب تركها فواته (7) رأسا ، أما عمارة العقار فلا تجب (8) ، لكن يكره تركه إذا ادّى إلى الخراب.
______________________________________________________
(1) كترك السقي.
(2) على ترك العمل من السقي ، بل يجبر عليه صونا للمال من الضياع.
(3) بعدم وجوب العمل.
(4) أي العمل من السقي ونحوه.
(5) أي التنمية.
(6) تملك الزرع والشجر.
(7) فوات المال ، هذا والأشهر كما في المسالك عدم وجوب العمل ، للأصل والسيرة مع عموم (تسلط الناس على أموالهم) (1) ، ولكن بشرط أن لا يدخل بذلك في السفهاء فيجب.
(8) أي لا تجب عمارتها بلا خلاف فيه ، وعمارتها بزرع أو غرس ونحوهما ، نعم في القواعد : لو ملك أرضا لم يكره له ترك زراعتها ، وفي المسالك والروضة : الجزم بالكراهة إذا ادّى إلى الخراب ، وفيه : منع كراهة هذا التضييع.
ص: 645
ص: 646
الفهرس
کتاب الوصاا
کتاب الوصاا................................................................ 3
الفصل الأول : الوصية......................................................... 5
شروط الموصي............................................................... 21
الفصل الثاني : متعلق الوصية.................................................. 36
الفصل الثالث : في الأحكام.................................................. 61
الفصل الرابع : في الوصايا..................................................... 79
شروط الوصي............................................................... 81
(كتاب النكاح)
كتاب النكاح.............................................................. 105
الفصل الأول : في المقدمات................................................. 107
استحباب النكاح........................................................... 107
مستحبات النكاح ومكروهاته................................................ 117
النظر إلى من يريد التزوج منها................................................ 129
النظر إلى الأجنبية.......................................................... 135
النظر إلى الأجنبي.......................................................... 139
من أحكام النكاح.......................................................... 143
الفصل الثاني : في العقد..................................................... 155
ص: 647
شروط العقد............................................................... 163
مسائل في النكاح........................................................... 178
الفصل الثالث : في المحرمات................................................. 218
مسائل في المحرمات......................................................... 273
الفصل الرابع : في نكاح المتعة................................................ 363
الفصل الخامس : في نكاح الإماء............................................. 393
الفصل السادس : في المهر................................................... 438
مسائل في المهر............................................................. 459
عيوب المرأة................................................................ 514
الفصل الثامن : في القسم................................................... 534
النشوز.................................................................... 557
الشقاق................................................................... 563
شرائط الحكمين............................................................ 573
مستحبات الولادة.......................................................... 580
أحكام الأولاد............................................................. 586
الرضاع.................................................................... 598
الحضانة................................................................... 605
النفقات................................................................... 615
ص: 648