الزبدة الفقهيّة في شرح الروضة البهیة المجلد 5

هوية الکتاب

بطاقة تعريف:ترحيني العاملي، السيّد محمّد حسن

الروضة البهیة في شرح اللمعة الدمشقیة .شرح

عنوان واسم المؤلف:الزبدة الفقهيّة في شرح الروضة البهیة المجلد 5/تالیف السيّد محمّد حسن ترحيني العاملي.

تفاصيل المنشور: قم: دارالفقه للطباعه والنشر، 1427ق.= 1385.

مواصفات المظهر:9 ج.

ISBN:دوره 964-8220-31-X : ؛ 300000 ریال: ج.1، الطبعة الثالثة 964-8220-32-8 : ؛ ج.2 964-8220-33-6 : ؛ ج.3 964-8220-34-4 : ؛ 300000 ریال (ج. 2، الطبعة الثالثة) ؛ 300000 ریال (ج.3، الطبعة الثالثة) ؛ ج.4 964-8220-35-2 : ؛ 300000 ریال (ج.4، الطبعة الثالثة) ؛ ج.5 964-8220-36-0 : ؛ 300000 ریال (ج.5، الطبعة الثالثة) ؛ 30000 ریال (ج.6، الطبعة الثالثة) ؛ 35000 ریال : ج.6، طبعة رابعة 964-8220-37-9 : ؛ 300000 ریال : ج.7، الطبعة الثالثة 964-8220-38-7 : ؛ 35000 ریال (ج.7، طبعة رابعة) ؛ ج. 8، الطبعة الثالثة 964-8220-39-5 : ؛ 350000 ریال ( ج.8 ، طبعة رابعة ) ؛ 300000 ریال (ج. 9، الطبعة الثالثة) ؛ 35000 ریال: ج.9، طبعة رابعة 964-8220-40-9 :

حالة الاستماع:برون سپاری(ج.6، الطبعة الثالثة)

لسان:العربية.

ملحوظة:چاپ قبلی: مهدیس، 1383.

ملحوظة:ج. 1، 6(چاپ سوم: 1426ق.=1384).

ملحوظة:ج.6، 7 و 9 (چاپ چهارم 1427ق. = 1385) .

ملحوظة:ج.2 - 9 (چاپ سوم: 1426ق. = 1384).

ملحوظة:چ.8 ( چاپ چهارم : 1427ق. = 1385 )

ملحوظة:الكتاب الحالي شرح لكتاب "روضة الباهية" للشهيد الثاني ، وهو في حد ذاته تعليق على "اللمعان الدمشقية" للشهيد الأول.

ملحوظة:فهرس.

مشكلة:الشهيد ثاني، زين الدين بن علي، 911-966ق . الروضة البهیة في شرح اللمعة الدمشقیة-- نقد و تفسیر

مشكلة:شهید اول، محمد بن مکی، 734-786ق . اللمعة الدمشقیة-- نقد و تفسیر

مشكلة:فقه جعفری -- قرن 8ق.

المعرف المضاف:الشهيد الاول، محمد بن مكي، 734-786ق . اللمعة الدمشقیة. شرح

المعرف المضاف:الشهيد ثاني، زين الدين بن علي، 911-966ق . الروضة البهیة في شرح اللمعة الدمشقیة.شرح

ترتيب الكونجرس:BP182/3/ش9ل80212 1385

تصنيف ديوي:297/342

رقم الببليوغرافيا الوطنية:1033560

ص: 1

اشارة

ص: 2

ص: 3

ص: 4

کتاب الدّین

اشارة

ص: 5

ص: 6

القسم الأول القرض

اشارة

فی ثواب القرض

كتاب الدّين

(وهو قسمان) (1) :

(الأول - القرض (2) بفتح القاف وكسرها ، وفضله عظيم (3) (والدرهم منه)

______________________________________________________

(1) دين الحر ودين العبد.

(2) قال في مصباح المنير : (القرض - بفتح القاف - ما تعطيه غيرك من المال لتقضاه ، والجمع قروض مثل فلس وفلوس ، وهو اسم من أقرضته المال إقراضا) ، وفي الجواهر وغيره أنه بالكسر أيضا.

(3) قد تظافرت النصوص عليه ، بل في الجواهر : (بل تواترت بتأكيده في المؤمن) منها : خبر جابر عن أبي عبد الله عليه السلام (قال رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم : من أقرض مؤمنا قرضا ينظر به ميسوره كان ماله في زكاة ، وكان هو في صلاة من الملائكة حتى يؤديه) (1) ، وخبر الفضيل عن أبي عبد الله عليه السلام (ما من مسلم أقرض مسلما قرضا حسنا يريد به وجه الله إلا حسب له أجرها كحساب الصدقة حتّى يرجع إليه) (2) ، وخبر القماط عن شيخ كان عندنا (سمعت أبا عبد الله عليه السلام يقول : لأن أقرض قرضا أحب إليّ من أنّ أتصدق بمثله ، وكان يقول : من أقرض قرضا وضرب له أجلا فلم يؤت به عند ذلك الأجل كان له من الثواب في كل يوم يتأخر من ذلك الأجل بمثل صدقة دينار واحد في كل يوم) (3) ، وخبر هيثم الصيرفي عن أبي عبد الله عليه السلام (القرض الواحد بثمانية عشر ، وإن مات حسبتها من الزكاة) (4) ، وخبر أبي الفتوح في تفسيره عن رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم أنه قال : (رأيت مكتوبا على باب الجنة : الصدقة بعشرة والقرض بثمانية عشر ، فقلت : يا

ص: 7


1- (1 و 2 و 3) الوسائل الباب -1. من أبواب الدين والقرض حديث 3 و 2 و 1.
2- 2. الوسائل الباب - 6 - من أبواب الدين حديث 4.

(بثمانية عشر درهما مع أن درهم الصدقة بعشرة) قيل والسر فيه : أن الصدقة تقع في يد المحتاج وغيره ، والقرض لا يقع إلا في يد المحتاج غالبا (1) ، وأن درهم القرض يعود فيقرض ثانيا (2) ، ودرهم الصدقة لا يعود.

واعلم أن القرض لا يتوقف على قصد القربة (3) ، ومطلق الثواب يتوقف عليها (4) ، فليس كل قرض يترتب عليه الثواب ، بخلاف الصدقة (5) فإن القربة معتبرة فيها ، فإطلاق كون درهم القرض بثمانية عشر إما مشروط بقصد القربة ، أو تفضل من الله تعالى من غير اعتبار الثواب بواسطة الوجهين (6) ، وقد يقع

______________________________________________________

جبرئيل ولم ذلك؟ والذي يتصدق لا يريد الرجوع ، والذي يقرض يعطي لأن يرجعه؟ فقال : نعم ، هو كذلك ، ولكن ما كل من يأخذ الصدقة له بها حاجة ، والذي يستقرض لا يكون إلا عن حاجة ، والصدقة قد تصل إلى غير المستحق ، والقرض لا يصل إلا إلى المستحق ، ولذا صار القرض أفضل من الصدقة) (1) ، وخبر ابن سنان عن أبي عبد الله عليه السلام (قال النبي صلى الله عليه وسلم : ألف درهم أقرضها مرتين أحبّ إليّ من أن أتصدق بها مرة) (2) ،

(1) كما في خبر أبي الفتوح المتقدم.

(2) كما يؤمي إليه خبر ابن سنان.

(3) بحسب ماهيته.

(4) على القربة ، قال في المسالك : (واعلم أن تحقق أصل الثواب في القرض فضلا عن أفضليته بوجه إنما يكون مع قصد المقرض بفعله وجه الله تعالى ، كما في نظائره من الطاعات التي يترتب عليها الثواب ، فلو لم يتفق هذا القصد - سواء قصد غيره من الأغراض الدنيوية والريائية أم لم يقصد - لم يستحق عليه ثوابا كما لا يخفى) انتهى.

(5) للأخبار.

منها : خبر الفضلاء - ابن بكير وابن أذينة وحماد - عن أبي عبد الله عليه السلام (لا صدقة ولا عتق إلا ما أريد به وجه الله عزوجل) (3) ، وصحيح حماد بن عثمان عن أبي عبد الله عليه السلام (لا صدقة ولا عتق إلا ما أريد به وجه الله عزوجل) (4).

(6) فالثواب لا يعطى إلا استحقاقا وجزاء ، ولا يعطى تفضلا ، فيكون المعنى : من غير اعتبار

ص: 8


1- 1. مستدرك الوسائل الباب - 6 - من أبواب الدين حديث 3.
2- 2. الوسائل الباب - 8 - من أبواب الدين حديث 5.
3- (3 و 4) الوسائل الباب -3. من أبواب أحكام الوقوف والصدقات حديث 3 و 2.

فی صیغة القرض

التفضل على كثير من فاعلي البر من غير اعتبار القربة كالكرم. ويفتقر القرض إلى إيجاب وقبول (1).

(والصيغة (2) أقرضتك ، أو انتفع به ، أو تصرّف فيه) ، أو ملّكتك أو أسلفتك ، أو خذ هذا ، أو اصرفه (وعليك عوضه) ، وما أدى هذا المعنى ، لأنه من العقود الجائزة ، وهي (3) لا تنحصر في لفظ ، بل تتأدى بما أفاد معناها (4) ، وإنما يحتاج (5) إلى ضميمة «وعليك عوضه» ما عدا الصيغة الأولى فإنها صريحة في معناه لا تفتقر إلى انضمام أمر آخر (فيقول المقترض : قبلت وشبهه (6) مما دل على الرضا بالإيجاب ، واستقرب في الدروس الاكتفاء بالقبض (7) ، لأن

______________________________________________________

استحقاق الثواب وإنما هو تفضل إما لكون القرض في يد المحتاج غالبا ، وإما لكون درهم القرض يعود فيقرض ثانيا فيكشف به كربة المؤمن ثانيا بعد كشف كربة المؤمن أولا.

(1) القرض عقد بلا خلاف فيه - كما في الجواهر - ، وهو متحقق بالإيجاب والقبول بلا شبهة كما في المسالك.

هذا وقد تقدم في كتاب البيع كفاية دلالة اللفظ على المعنى ولو بالقرينة في إنشاء الإيجاب والقبول ، سواء كان العقد لازما أم جائزا ، فما عن المشهور من اشتراط اللفظ الصريح في العقود اللازمة دون الجائزة ليس في محله ، لعدم الدليل عليه.

ولذا يكفي في إيجاب القرض وقبوله كل لفظ يدل على معناه ولو بالقرينة.

(2) بالنسبة للإيجاب ، وهو متحقق بلفظ أقرضتك أو ما يؤدي معناه وضعا أو استعمالا ، كمثل : تصرف فيه أو انتفع به وعليك ردّ عوضه ، وكذا خذ هذا أو اصرفه أو تملكه أو ملكتك أو أسلفتك وعليك ردّ عوضه.

والحاصل أن إيجاب القرض لا ينحصر في لفظ مخصوص بل كل لفظ يدل عليه فهو ، غير أن لفظ أقرضتك صريح في معناه فلا يحتاج إلى ضميمة (وعليك ردّ عوضه) ، وغيره يحتاج إليها لعدم صراحته.

(3) أي العقود الجائزة.

(4) أي معنى العقود الجائزة ، ولو كانت الإفادة بالقرينة.

(5) أي يحتاج القرض في إيجابه.

(6) بل كل لفظ يدل على القبول والرضا بالإيجاب لما تقدم.

(7) بل يصح الاكتفاء بالإقباض والقبض إذا كانا بداعي الإيجاب والقبول ، لجريان المعاطاة في البيع فهنا أولى.

ص: 9

فی شروط القرض

مرجعه (1) إلى الإذن في التصرف. وهو حسن من حيث إباحة التصرف.

أما إفادته للملك المترتب على صحة القرض فلا دليل عليه (2) ، وما استدلّ به (3) لا يؤدي إليه.

(ولا يجوز اشتراط النفع (4) ، للنهي عن قرض يجر نفعا (فلا يفيد الملك) لو

______________________________________________________

(1) أي مرجع القبض إلى الاذن في التصرف ، حيث إن القبض لا يتم إلا بعد الإقباض ، والإقباض من المالك هو إذن بالتصرف في ماله.

(2) بل الدليل هو العرف الحاكم ، وقد تقدم بيان ذلك في كتاب البيع فراجع.

(3) أي ما استدل به المصنف في الدروس من الاذن في التصرف لا يؤدي إلى التمليك ، لأن الاذن أعم من التمليك وغيره ، وفيه : إنه إذن بالتصرف على نحو المعاطاة المفيدة للملك على ما تقدم بيانه في كتاب البيع.

(4) فلو اشترط النفع في القرض حرم الشرط ، بلا خلاف فيه ، للأخبار.

منها : خبر الدعائم فعن أبي جعفر عليه السلام (كل قرض جرّ منفعة فهو ربا) (1) ، وخبر علي بن جعفر عن أخيه موسى عليه السلام (سألته عن رجل أعطى رجلا مائة درهم على أن يعطيه خمسة دراهم أو أقل أو أكثر ، قال عليه السلام : هذا الربا المحض) (2) ، وخبر خالد بن الحجاج (سألته عن رجل كان لي عليه مائة درهم عددا قضانيها مائة درهم وزنا ، قال : لا بأس به ما لم يشترط ، وقال : جاء الرباء من قبل الشرط وإنما تفسده الشروط) (3) ، وصحيح الحلبي عن أبي عبد الله عليه السلام (إذا أقرضت الدراهم ثم جاءك بخير منها فلا بأس ، إذا لم يكن بينكما شرط) (4) وصحيح محمد بن قيس عن أبي جعفر عليه السلام (من أقرض رجلا ورقا فلا يشترط إلا مثلها ، فإن جوزي أجود منها فليقبل ، ولا يأخذ أحد منكم

ركوب دابة أو عارية متاع يشترط من أجل قرض ورقه) (5).

ومما تقدم تعرف جواز قبول الزيادة من غير شرط ، وهو صريح خبر ابن غياث عن أبي عبد الله عليه السلام (قال : الربا رباءان ، أحدهما ربا حلال ، والآخر حرام ، فأما الحلال فهو أن يقرض الرجل قرضا طمعا أن يزيده ويعوضه بأكثر مما أخذه بلا شرط بينهما ، فإن

ص: 10


1- 1. مستدرك الوسائل الباب - 19 - من أبواب الدين حديث 2.
2- 2. الوسائل الباب - 19 - من أبواب الدين حيث 18.
3- 3. الوسائل الباب - 12 - من أبواب الصرف حديث 1.
4- 4. الوسائل الباب - 20 - من أبواب الدين حديث 1.
5- 5. الوسائل الباب - 19 - من أبواب الدين حديث 11.

شرطه (1) ، سواء في ذلك الربوي ، وغيره ، وزيادة العين ، والمنفعة (حتى لو شرط الصحاح عوض المكسرة (2) ، خلافا لأبي الصلاح) الحلبي رحمه الله وجماعة حيث

______________________________________________________

أعطاه أكثر مما أخذه بلا شرط بينهما فهو مباح له ، وليس له عند الله ثواب فيما أقرضه ، وهو قول الله عزوجل : فلا يربو عند الله ، وأما الربا الحرام فهو الرجل يقرض قرضا ويشترط أن يردّ أكثر مما أخذه فهذا هو الحرام) (1).

وإذا حرمت الزيادة بالشرط فلا فرق فيها بين كونها عينا أو منفعة ، ولا بين الربوي وغيره لإطلاق النصوص المتقدمة.

والمراد بالربوي ما لو كان المال المقترض من المكيل والموزون ، والمراد بغيره كما لو كان معدودا كالجوز والبيض.

(1) أي شرط النفع ، والمعنى : يحرم على المستقرض قبض الدين والتصرف فيه ، لأن الشرط فاسد مفسد ، أما أنه فاسد فواضح للنصوص المتقدمة ، وأما أنه مفسد لأن القرض لم يقع إلا على هذا الوجه الفاسد فلا يرضى صاحب المال أن يتصرف المستقرض إلا بشرطه ، ولم يسلم لهما ، فتصرفه بغير الشرط غير مأذون فيه فيكون العقد فاسدا ، ومع فساد العقد يكون المال تحت يد المستقرض مضمونا عليه لقاعدة (ما يضمن بصحيحه يضمن بفاسده) ، ومنه تعرف ضعف قول ابن حمزة : إن المال أمانة عند فساد العقد.

(2) قيل يصح ، والقائل الشيخ وأبو الصلاح وابنا البراج وحمزة لصحيح يعقوب بن شعيب عن أبي عبد الله عليه السلام (عن الرجل يقرض الرجل الدراهم الغلة ، ويأخذ منه الدراهم الطازجية طيّبة بها نفسه.

قال عليه السلام : لا بأس ، وذكر ذلك عن علي عليه السلام) (2) ، والطازج هو الخالص ، والغلة غيره.

ولا يخفى بعده عن الدلالة على المدعى ، إذ ليس فيه أنه شرط ذلك فيحمل على ما لو لم يشترط ، بل لا بد من هذا الحمل جمعا بينه وبين ما تقدم من جواز النفع بغير شرط ، ولخصوص صحيح عبد الرحمن بن الحجاج (سألت أبا عبد الله عليه السلام عن الرجل يستقرض من الرجل الدراهم فيرد عليه المثقال ، أو يستقرض المثقال فيردّ عليه الدراهم فقال : إذا لم يكن شرط فلا بأس ، وذلك هو الفضل ، كان أبي عليه السلام يستقرض الدراهم المغسولة فيدخل عليه الدراهم الجلال فيقول : يا بني ردّها على الذي استقرضتها ، فأقول : إن دراهمه كانت مغسولة وهذه خير منها ، فيقول : يا بني هذا هو الفضل فأعطه

ص: 11


1- 1. الوسائل الباب - 18 - من أبواب الربا حديث 1.
2- 2. الوسائل الباب - 12 - من أبواب الصرف حديث 5.

جوزوا هذا الفرد من النفع ، استنادا إلى رواية لا تدل على مطلوبهم. وظاهرها إعطاء الزائد الصحيح بدون الشرط ، ولا خلاف فيه (1) بل لا يكره ، وقد روي أن النبي صلى الله عليه وسلم اقترض بكرا فردّ بازلا رباعيا ، وقال : إن خير الناس أحسنهم قضاء ، (وإنما يصح إقراض الكامل (2) على وجه يرتفع عنه الحجر في المال ، وأراد كمال المتعاقدين معا (3) بإضافة المصدر إلى الفاعل والقابل.

______________________________________________________

إياها) (1) ، وأراد عليه السلام بالفضل الإشارة إلى قوله تعالى : ( وَلٰا تَنْسَوُا الْفَضْلَ بَيْنَكُمْ ) (2) ، هذا من جهة ومن جهة أخرى فالمغسولة هي الرديئة ، ومن جهة ثالثة على ما لو لم يشترط يحمل مرسل بشر بن مسلمة عن أبي جعفر عليه السلام (خير القرض ما جرّ منفعة) (3) وخبر محمد بن مسلم عن أبي عبد الله عليه السلام (أو ليس خير القرض ما جرّ منفعة) (4) ، وعليه يحمل فعل النبي صلى الله عليه وسلم - كما في سنن البيهقي (لما اقترض بكرا فردّ بازلا رباعيا وقال : إن خير الناس أحسنهم قضاء) (5).

والبكر - كما في مصباح المنير - بالفتح هو الفتى من الإبل ، والبازل - كما في مصباح المنير أيضا - ما فطر نابه بدخوله في السنة التاسعة ، وأما الرباعي فهو ما دخل في التاسعة وألقى رباعيته فيكون القيد تفسيريا.

(1) أي في إعطاء الزائد بلا شرط ، بل لا يكره قبول الزيادة للأصل وإطلاق النصوص المتقدمة.

(2) بما أن القرض من المقرض تصرف في ماله ، ومن المستقرض تصرف في المال فيشترط في كليهما عدم الحجر حتى يجوز لهما التصرف ، وهذا هو معنى الكامل.

بل باعتبار أن القرض من العقود فيشترط في المقرض والمقترض ما يعتبر في المتعاقدين في سائر العقود من البلوغ والعقل والقصد والاختيار ، وهذا ما تقدم الدليل عليه في باب البيع.

(3) لأنه أضاف المصدر - وهو الإقراض - إلى الفاعل وهو المقرض ، وإلى القابل وهو المستقرض ، وهذا لا يكون إلا بإرادة الجنس من الكامل ، وإذا أريد الجنس فينطبق على الفرد وعلى الفردين.

ص: 12


1- 1. الوسائل الباب - 12 - من أبواب الصرف حديث 7.
2- 2. سورة البقرة ، الآية : 237.
3- (3 و 4) الوسائل الباب -3. من أبواب الدين حديث 6 و 4.
4- 4. سنن البيهقي ج 5 ص 351.

(وكل ما تتساوى أجزاؤه (1) في القيمة ، والمنفعة ، وتتقارب صفاته كالحبوب والأدهان (يثبت في الذمة مثله ، وما لا يتساوى) أجزاؤه كالحيوان (تثبت قيمته يوم القبض) ، لأنه وقت الملك ، (وبه) أي بالقبض (يملك) المقترض القرض على المشهور (2) ، لا بالتصرف ، قيل : لأنه (3) فرع الملك فيمتنع كونه (4) شرطا فيه (5) وإلا دار ، وفيه (6) منع تبعيته (7) للملك مطلقا (8) ، إذ يكفي فيه (9) إذن المالك

______________________________________________________

(1) شروع فيما يصح إقراضه ، وضابطه أن كل ما يضبط وصفه وقدره الموجبين لاختلاف قيمته فيصح إقراضه ، بلا خلاف فيه - كما في الجواهر - لإطلاق النصوص المتقدمة.

غايته ما تتساوى أجزاؤه كالحنطة والشعير والذهب يثبت في الذمة مثله لأنه مثلي ، وما ليس كذلك يثبت في الذمة قيمته لأنه قيمي ، والمعتبر قيمته وقت التسليم إلى المقترض الذي هو أول أوقات ملك المقترض على الأقوى كما سيأتي ، لأن المقترض لا يملك بالعقد بل بالقبض.

وقيل : وقت القرض كما عن الفاضل في القواعد ، وفيه : أنه لا ملك قبل القبض كما سيأتي.

(2) للإجماع المدعى عن البعض كما في الجواهر ولو لا الإجماع لقيل بتحقق الملك بمجرد العقد على حسب غيره من العقود.

وقيل : لا يملك إلا بالتصرف ، ونسبه الشهيد في حواشيه إلى الشيخ كما في المسالك ، وردّ مضافا إلى الإجماع المتقدم بأن التصرف لو كان شرطا للملك كما هو المدعى للزم الدور لأن الملك هو الشرط في التصرف كما هو الواضح.

وأشكل عليهم الشارح هنا وفي المسالك : بمنع تبعية التصرف للملك ومنع توقفه عليه ، بل يكفي في جواز التصرف إذن المالك فيه كما في غيره من المأذونات ، ولا شك بأن الإذن للمقترض حاصل من المالك بالإيجاب.

(3) أي التصرف.

(4) كون التصرف.

(5) في الملك.

(6) أي في الدور.

(7) أي منع تبعية التصرف للملك.

(8) سواء كان الملك تاما وهو العاري عن الخيار ، أو متزلزلا وهو المقرون بالخيار.

(9) أي في التصرف.

ص: 13

وهو (1) هنا حاصل بالعقد (2) ، بل بالإيجاب (3) ، وحيث قلنا بملكه (4) ، بالقبض (5) (فله رد مثله) مع وجود عينه (وإن كره المقرض) ، لأن العين حينئذ تصير كغيرها من أمواله ، والحق يتعلق بذمته فيتخير في جهة القضاء ، ولو قلنا بتوقف الملك على التصرف وجب دفع العين مع طلب مالكها (6) ، ويمكن القول بذلك (7) وإن ملّكناه (8) ، بالقبض (9) ، بناء على كون القرض عقدا جائزا ومن شأنه رجوع كل عوض إلى مالكه إذا فسخ كالهبة والبيع بخيار.

______________________________________________________

(1) أي الاذن.

(2) أي المؤلف من الإيجاب والقبول.

(3) أي بالإيجاب فقط ، لأن الإيجاب المنفرد مشتمل على الاذن بالتصرف.

(4) بملك المقترض.

(5) فهل للمقرض ارتجاع العين ، فعن الشيخ نعم أنه يجوز له ذلك ولو كره المقترض ، فإذا طلبها يجب على المقترض إرجاع العين لا مثلها ، واستدل بالإجماع على كون القرض من العقود الجائزة ، التي من المعلوم كون المراد بجوازها فسخها ورجوع كل عوض إلى مالكه ، والمثل والقيمة إنما وجبا بدلا عن العين لغلبة خروجها عن يد المقترض ، ولأنه إذا استحق المطالبة بالمثل أو القيمة فبالعين بطريق أولى.

وعن المشهور العدم بحيث لو طلبها المقرض فلا يجب على المقترض إرجاع العين بل يجوز له رد مثلها ، لأن فائدة الملك التسلط على المملوك والأصل فيه عدم خروجه عنه إلا برضاه ، مع أن الحق قد ثبت في الذمة وهو مخيّر في جهة القضاء.

ولأن القرض من العقود اللازمة بالنسبة لعدم جواز الرجوع إلى العين نعم هو من العقود الجائزة بالنسبة إلى أن للمقرض عدم الإنظار ومطالبة المقترض بالأداء ، ولو قبل قضاء وطره ، أو قبل مضي زمان يمكن فيه ذلك.

(6) لعدم حصول الملك إلى الآن ، لأن المفروض عدم التصرف والملك متوقف على التصرف ، هذا من جهة ومن جهة أخرى المراد من التصرف هو التصرف المتلف للعين أو الناقل للملك على ما يظهر من المسالك ، وعليه فما دامت العين عند المقترض لم يحصل التصرف الموجب للملك فيجوز للمقرض الرجوع.

(7) أي يوجب دفع العين مع طلب مالكها.

(8) أي ملكنا المقترض.

(9) وهو قول الشيخ وقد تقدم.

ص: 14

(ولا يلزم اشتراط الأجل فيه (1) لماله (2) ، ولا لغيره (3) ، لأنه عقد جائز فلا يلزم ما يشترط فيه ، إلحاقا لشرطه بجزئه ، نعم لو شرط أجل القرض في عقد لازم لزم على ما سبق (4).

(ويجب) على المديون (نية القضاء) (5) سواء قدر على أدائه أم لا (6) بمعنى

______________________________________________________

(1) لو شرط التأجيل في القرض لم يلزم على المشهور ، لأن عقد القرض جائز فمن باب أولى شرطه ، وعن الكاشاني وجماعة من المتأخرين أنه يلزم لوجوب الوفاء بالشرط ، ولأن القرض عقد لازم بالنسبة للمقرض بدليل عدم جواز رجوعه على العين ، ولازمه أن يكون كل شرط على المقرض لازما.

(2) أي لمال القرض.

(3) أي لغير مال القرض.

(4) من لزوم الشرط إذا كان في عقد لازم.

(5) الوجوب هنا ليس مختصا بقضاء دين الناس وردّ حقوقهم ، بل يجب نية القضاء على كل من عليه حق سواء كان الحق آدميا أو لا ، وسواء كان الآدمي حاضرا أو غائبا ، لأن مقتضى الإيمان أن لا يكون متهاونا في قضاء ما عليه نعم خصّ الفقهاء وجوب نية القضاء بمن كان عليه دين ، وقد غاب صاحبه غيبة منقطعة تبعا لاقتصار النصوص على هذه الصورة.

منها : صحيح زرارة (سألت أبا جعفر عليه السلام عن الرجل يكون عليه الدين لا يقدر على صاحبه ولا على ولي له ، ولا يدري بأي أرض هو ، قال : لا جناح عليه بعد أن يعلم الله منه أن نيته الأداء) (1) ، ومثله غيره.

ومما يدل على وجوب نية القضاء مطلقا سواء كان صاحبه غائبا أو حاضرا مرسل ابن فضال عن أبي عبد الله عليه السلام (من استدان دينا فلم ينو قضاءه كان بمنزلة السارق) (2) وخبر أبي خديجة عن أبي عبد الله عليه السلام (أيّما رجل أتى رجلا فاستقرض منه مالا ، وفي نيته أن لا يؤديه فذلك اللص العادي) (3) وخبر ابن رباط عن أبي عبد الله عليه السلام (من كان عليه دين ينوي قضاءه كان معه من الله حافظان يعينانه على الأداء عن أمانته ، فإن قصرت نيته عن الأداء قصر عنه المعونة بقدر ما قصر من نيته) (4).

(6) لإطلاق الأخبار المتقدمة.

ص: 15


1- 1. الوسائل الباب - 22 - من أبواب الدين حديث 1.
2- (2 و 3 و 4) الوسائل الباب -2. من أبواب الدين حديث 2 و 5 و 3.

العزم - وإن عجز - على الأداء إذ (1) قدر ، وسواء كان صاحب الدين حاضرا أم غائبا ، لأن ذلك من مقتضى الإيمان ، كما يجب العزم على أداء كل واجب ، وترك كل محرم. وقد روي : أن كل من عزم على قضاء دينه أعين عليه : وأنه ينقص من مئونته بقدر قصور نيته.

(وعزله عند وفاته (2) ، والإيصاء به لو كان صاحبه غائبا) ليتميز الحق ، ويسلم من تصرف الوارث فيه ، ويجب كون الوصاية إلى ثقة ، لأنه تسليط على مال الغير وإن قلنا بجواز الوصاية إلى غيره في الجملة ، (ولو جهله (3) ويئس منه تصدق به عنه) في المشهور. وقيل : يتعين دفعه إلى الحاكم ، لأن الصدقة تصرف في مال الغير بغير إذنه ، ويضعف بأنه إحسان محض إليه ، لأنه إن ظهر ولم يرض بها ضمن له عوضها وإلا فهي أنفع من بقاء العين المعزولة المعرضة لتلفها بغير تفريط المسقط لحقه. والأقوى التخيير بين الصدقة ، والدفع إلى الحاكم ، وابقائه في يده.

______________________________________________________

(1) ظرف متعلق ب «الأداء».

(2) يجب على المقترض عزل الدين عند وفاته إن كان صاحبه غائبا غيبة منقطعة الأثر ، بلا خلاف فيه كما عن المختلف ، لأنه أبعد عن تصرف الورثة فيه ، ويشعر به خبر هشام بن سالم (سأل خطاب الأعور أبا إبراهيم عليه السلام وأنا جالس فقال : إنه كان عند أبي أجير يعمل عنده بالأجر ففقدناه وبقي له من أجره شي ء ولا نعرف له وارثا ، قال : فاطلبه ، قال : قد طلبناه ولم نجده ، فقال : مساكين وحرّك يديه.

قال : فأعاد عليه ، قال : اطلب وأجهد فإن قدرت عليه وإلا فكسبيل مالك حتى يجي ء له طالب ، فإن حدث بك حدث فأوصي به إن جاء له طالب أن يدفع إليه) (1).

ومنه تعرف حكم الإيصاء به والمراد من الوصية هنا هو بجعل المال تحت يد الوصي حتى يوصله إلى رب المال أو ورثته ، وفي النهاية : أنه يوصي به إلى من يثق به ، لأن الوصية تسليط على مال الغير فيجب أن يكون الوصي ثقة لئلا يتصرف فيه تصرفا غير مأذون فيه ، وإن قلنا بجواز كون الوصي غير ثقة في غير هذا المورد عند ما يوصي الإنسان بماله.

(3) أي جهل المستقرض المقرض ، بحيث اجتهد في طلبه بعد غيابه ولم يعثر عليه ، قال

ص: 16


1- 1. الوسائل الباب - 6 - من أبواب ميراث الخنثى حديث 1.

فی قسمة الدین

(ولا تصح قسمة الدين (1) المشترك بين شريكين فصاعدا على المشهور ، (بل الحاصل منه (2) لهما ، والتّأوي (3) بالمثناة وهو الهالك (منهما) ، وقد يحتال (4)

______________________________________________________

الشيخ بالتصدق به عنه وتبعه عليه جماعة من الأصحاب ، وتوقف المحقق والعلامة في الكثير من كتبه لعدم النص على الصدقة ، ومن ثمّ ذهب ابن إدريس إلى عدم جواز الصدقة ، لأنها تصرف في مال الغير وهو غير مأذون فيه شرعا فيتعين عليه التسليم إلى الحاكم.

هذا واستدل للتصدق به عنه بأن الصدقة إحسان محض بالنسبة إلى المالك ، لأنه إن ظهر ضمن له عوضها على تقدير عدم الرضا بالصدقة ، وإلا فالصدقة أنفع له من بقاء العين وهي في معرض التلف ، وهو تلف بغير تفريط وهو مؤدي إلى سقوط حقه ، ولذا قال الشارح في المسالك : (فالعمل بهذا القول - أي التصدق - أجود خصوصا مع تعذر قبض الحاكم لها ، أما معه فهو أحوط ، وحيث يمكن مراجعته فهو أولى من الصدقة بغير إذنه وإن كان جائزا ، لأنه أبصر بمواقعها ، ومصرفها مصرف الصدقة المندوبة ، وإن وجبت على المديون أو وارثه بالعارض) انتهى.

(1) بأن كان لاثنين مال في ذمم الناس ، ثم تقاسما مالهما بأن يتراضيا على أنّ ما في ذمة زيد لأحدهما وما في ذمة عمرو للآخر ، فهذه القسمة غير صحيحة عند المشهور ، وحينئذ ما يحصل من أحد المديونين فهو لهما وما يذهب فهو عليهما للأخبار.

منها : صحيح سليمان بن خالد عن أبي عبد الله عليه السلام (عن رجلين كان لهما مال بأيديهما ومنه متفرقا عنهما فاقتسما بالسوية ما كان بأيديهما وما كان غائبا عنهما ، فهلك نصيب أحدهما مما كان غائبا واستوفى الآخر ، عليه أن يردّ على صاحبه؟ قال : نعم ما يذهب بماله) (1) ، وموثق ابن سنان عن أبي عبد الله عليه السلام (سألته عن رجلين بينهما مال منه دين ومنه عين ، فاقتسما العين والدين ، فتوى الذي كان لأحدهما من الدين أو بعضه ، وخرج الذي للآخر أيردّ على صاحبه؟ قال : نعم ما يذهب بماله) (2).

وخالف ابن إدريس بأن القسمة صحيحة والأخبار تدفعه.

(2) من الدين.

(3) يقال : توي المال بكسر الواو يتوى إذا هلك.

(4) قد ذكر غير واحد للاحتيال في قسمة الدين الحوالة ، بأن يحيل كل منهما صاحبه بنصيبه

ص: 17


1- 1. الوسائل الباب - 29 - من أبواب الدين حديث 1.
2- 2. الوسائل الباب - 6 - من أبواب الشركة حديث 2.

فی بیع الدین

للقسمة بأن يحيل كل منهما صاحبه بحصته التي يريد إعطاءها صاحبه ويقبل الآخر ، بناء على صحة الحوالة من البري ء ، وكذا لو اصطلحا على ما في الذمم بعضا ببعض (1) وفاقا للمصنف في الدروس.

(ويصح بيعه بحال (2)

______________________________________________________

الذي في ذمة أحد المديونين ، وذلك بأن يحيل أحد الدائنين صاحبه بما له في ذمة زيد ، والدائن الآخر يحيل صاحبه بماله في ذمة عمرو ، فالمال المشترك لهما قد تميز حينئذ ، ويكون ما في ذمة زيد للدائن الثاني ، وما في ذمة عمرو للدائن الأول.

ولكن هذه الحوالة من بري ء وهو الذي ليس في ذمته دين ، فكل من الدائنين غير مشغول الذمة لصاحبه الذي أحاله ، ولذا لا بد من القول بصحة الحوالة من البري ء أو كون أحد الدائنين مشغول الذمة لصاحبه الذي أحاله ، والثاني لا إشكال في صحته ، والأول قال عنه في الجواهر (لم أجد فيه خلافا سوى ما حكاه الشهيد في الحواشي المنسوبة إليه من توقف الفاضل في التذكرة في ذلك ، ولا ريب في ضعفه).

(1) بأن يجعل أحدهما نصيبه في ذمة أحد المديونين في قبال نصيب شريكه في ذمة الآخر صلحا ، وقد احتمله في جامع المقاصد ، واستقرب صحته في الدروس ، واستحسنه الشارح في المسالك بناء على كون الصلح أصلا برأسه ، والنصوص المانعة المتقدمة لا تشمل الصلح ولا الحوالة لأنها مقيدة بالقسمة فيقتصر فيها على موردها.

(2) يجوز بيع الدين بعد حلوله على الذي هو عليه بحالّ بلا خلاف فيه بيننا ولا إشكال لعموم أدلة البيع ، وعلى غير الغريم على المشهور شهرة عظيمة ، ولم يخالف إلا ابن إدريس حيث منع ذلك ، وهو ضعيف لعدم المانع بعد وجود المقتضي من عموم أدلة البيع.

بل مقتضى هذا العموم جواز بيع الدين قبل حلوله كما هو صريح العلامة في التذكرة وظاهر المختلف وصريح الروضة وظاهر اللمعة ، وأشكل عليه بأن الدين قبل الحلول غير مستحق للدائن في ذمة المديون ، وفيه : إنه حق مالي إلى آخر ما يعتبر في المبيع ، فيصح بيعه على حالته التي هو عليها ، وإن لم تجز المطالبة به قبل الأجل.

وأشكل عليه أيضا بعدم إمكان قبضه الذي هو شرط في صحة البيع ، وفيه : منع اشتراط إمكان القبض حين العقد بل الشرط إمكانه مطلقا ، مع أنه يمكن القبض بعد الحلول ، وهو كما لو باعه عينا غائبة منقولة لا يمكن قبضها حال العقد ويمكن قبضها بعد مضي زمان يمكن وصولها فيه.

نعم قد تقدم في باب السلف عدم عدم جواز بيعه قبل قبضه ولكنه مختص ببابه فجرّ حكمه إلى غيره قياس.

ص: 18

وإن لم يقبض (1) من المديون (2) وغيره (3) ، حالا كان الدين ، أم مؤجلا ، ولا يمنع تعذر قبضه حال البيع من صحته (4) لأن الشرط إمكانه (5) في الجملة لا حالة البيع ، ولا فرق في بيعه بالحال بين كونه مشخصا ، ومضمونا على الأقوى (6) ، للأصل (7) ، وعدم صدق اسم الدين عليه (8) ، (لا بمؤجل) (9) لأنه بيع دين بدين.

______________________________________________________

وعلى كل فإذا جاز بيع الدين فإن باعه بالحال الحاضر من الأعيان المتشخصة فيصح بلا خلاف ولا إشكال ، وإذا باعه بالحال المضمون الذي هو عين موصوفة بكذا ، فهو أمر كلي ثابت في الذمة وصادق على أفراد متعددة ، فإذا خرج المدفوع فردا له فهو وإلا بقي الثمن مضمونا في الذمة ، فيصح هذا البيع لعدم صدق بيع الدين بالدين المنهي عنه ضرورة عدم إرادة التأخير من المضمون.

(1) أي الحالّ.

(2) أي يصح بيع الدين من المديون والمعنى صحة بيع الدين على الغريم.

(3) أي غير المديون.

(4) أي صحة البيع.

(5) أي إمكان القبض مطلقا لا حال العقد.

(6) قال في الجواهر : (كما هو ظاهر الروضة حيث جعل الجواز أقوى ، وهو مشعر بل ظاهر في وقوع الخلاف ، ووجهه قوة احتمال صدق الدين عليه بناء على تضمنه الأجل ولو في الزمان السابق على العقد فيلزم حينئذ بيع الدين بالدين) انتهى.

وفيه : إن البحث في المضمون الكلي غير المؤجل فلا داعي لهذا الاحتمال أبدا.

(7) أي أصالة الصحة في العقود.

(8) على المضمون الحالّ.

(9) لا يصح بيع الدين بالمضمون المؤجل الذي شرط تأجيله في متن العقد كأن يقول : بعتك هذا الدين الذي لي في ذمة عمرو بمائة درهم بشرط أن تدفعها بعد شهر ، على المشهور لأنه بيع دين بدين فيشمله النهي وهو خبر طلحة بن زيد عن أبي عبد الله عليه السلام (قال رسول الله صلى الله عليه وسلم : لا يباع الدين بالدين) (1).

وقيل : يكره كما عن المحقق وجماعة لعمومات أدلة البيع التي يجب الاقتصار في الخروج عنها على المتيقن ، والمتيقن من بيع الدين بالدين المنهي عنه هو ما كان دينا قبل العقد وقبل أن تتعلق به باء العوض ، والمضمون عند العقد ليس بدين وإنما يصير دينا بعده

ص: 19


1- 1. الوسائل الباب - 15 - من أبواب الدين حديث 1.

وفيه نظر ، لأن الدين الممنوع منه : ما كان عوضا حال كونه دينا بمقتضى تعلق الباء (1) به ، والمضمون عند العقد ليس بدين وإنما يصير دينا بعده فلم يتحقق بيع الدين به (3) ، ولأنه يلزم مثله في بيعه بحالّ (3) والفرق غير واضح ، ودعوى إطلاق اسم الدين عليه إن أرادوا به قبل العقد فممنوع (4) ، أو بعده فمشترك (5) ، وإطلاقهم له عليه (6) عرفا إذا بيع به فيقولون : باع فلان ماله بالدين مجاز بقصد أن الثمن بقي في ذمته دينا بعد البيع ، ولو اعتبر هذا الاطلاق جاء مثله في الحالّ إذا لم يقبضه ، خصوصا إذا أمهله به من غير تأجيل (7).

(وبزيادة) عن قدره ، (ونقيصة (8) ، إلا أن يكون ربويا) فتعتبر المساواة ، (ولا يلزم المديون أن يدفع إلى المشتري إلا ما دفع المشتري) إلى البائع (على رواية (9)

______________________________________________________

فلم يتحقق بيع الدين بالدين ، وقد حكم بالكراهة خروجا من خلاف من منع منه.

(1) أي باء العوض.

(2) أي بالدين.

(3) أي إن كان ثبوت العوض في الذمة بسبب العقد يجعله دينا مانعا من صحة بيع الدين به فيلزم مثله في بيع الدين بالحالّ والفرق تحكم ، وفيه : لا كلام في ثبوت المؤجل والحال في الذمة ، وإنما التأجيل شرط في المؤجل دون الحال ، ولهذا الفرق يظهر الحال في صدق الدين على الأول دون الثاني.

(4) كما هو واضح لعدم ثبوته في الذمة إلى حين العقد.

(5) أي وإطلاق اسم الدين على المضمون المؤجل بعد العقد فهو مشترك بين المؤجل والحال لكونهما معا يثبتان في الذمة بمجرد العقد.

(6) أي وإطلاق اسم الدين على المضمون المؤجل عرفا إذا بيع الدين به.

(7) ومن هنا تعرف أنه مع عدم شرطية التأجيل لا يصدق اسم الدين على الحالّ بخلاف المضمون المؤجل الذي شرط تأجيله.

(8) لعموم أدلة البيع ، وقد تقدم جواز بيع الدين على غير المديون كما عرفت من دون خلاف إلا من ابن إدريس.

(9) وهي رواية محمد بن الفضيل (قلت للرضا عليه السلام : رجل اشترى دينا على رجل ثم ذهب إلى صاحب الدين ، فقال له : ادفع إليّ ما لفلان عليك فقد اشتريته منه ، فقال : يدفع إليه قيمة ما دفع إلى صاحب الدين ، وبرئ الذي عليه المال من جميع ما بقي

ص: 20

(محمد بن الفضل عن أبي الحسن الرضا عليه السلام) وقريب منها رواية أبي حمزة عن الباقر عليه السلام ، وإنما اقتصر على الأولى ، لأنها أصرح (1) ، وعمل بمضمونها الشيخ وجماعة. ويظهر من المصنف (2) الميل إليه ، وفي الدروس لا معارض لها ، لكن المستند ضعيف ، وعموم الأدلة تدفعه ، وحمل (3) على الضمان مجازا ، لشبهه بالبيع

______________________________________________________

عليه) (1) ، وقريب منه خبر محمد بن الفضيل عن أبي حمزة (سألت أبا جعفر عليه السلام عن رجل كان له على رجل دين فجاءه رجل فاشترى منه بعرض ، ثم انطلق إلى الذي عليه الدين فقال : أعطني ما لفلان عليك فإني قد اشتريته منه ، كيف يكون القضاء في ذلك؟ فقال أبو جعفر عليه السلام : يردّ الرجل الذي عليه الدين ماله الذي اشترى به من الرجل الذي له الدين) (2).

وعمل بهما الشيخ وتبعه ابن البراج والشهيد في ظاهر الدروس ، والخبران ضعيفان بمحمد بن الفضيل فإنه يرمى بالغلو كما في الخلاصة ، وفي الفهرست أنه ضعيف ، بالإضافة إلى مخالفتهما لقواعد المذهب وأصوله لأن عقد القرض الذي يجب الوفاء به قد وقع على الجميع فلا وجه للاقتصار على البعض.

(1) لأنها صرحت ببراءة المديون مما بقي عليه ، ولصراحتها ينسب الحكم إليها دون الثانية.

(2) في اللمعة.

(3) بمعنى أن الشراء في الرواية محمول على الضمان بمعنى أن المطالب ضمن عن المديون ما عليه ، ودفع عرضا قيمته أقل من الدين ، وليس للضامن أن يأخذ من المضمون عنه زيادة عما دفع ، فيكون له حينئذ قيمة ما دفع وبرئ المديون من جميع ما عليه ، وهذا الحمل للعلامة في المختلف حيث قال : (لا بد من محمل للروايتين وليس بعيدا من الصواب أن يحملا على أمرين : الأول الضمان ، ويكون إطلاق البيع والشراء مجازا عليه بنوع من المجاز ، إذ الضامن إذا أدى عن المضمون عنه بإذنه عوضا عن الدين كان له المطالبة بالقيمة ، وهو نوع من المعاوضة تشبه البيع ، بل هو في الحقيقة ، وإنما يفصل عنه بمجرد اللفظ لا غير.

والمحمل الثاني أن يكون البيع قد وقع فاسدا ، فإنه يجب على المديون دفع ما يساوي مال المشتري إليه بالاذن الصادر من صاحب الدين ، ويبرأ من جميع ما بقي عليه من المشتري ، لا من البائع ، ويجب عليه دفع الباقي إلى البائع لبراءته من المشتري ، وهذان الحملان قريبان من صرف الروايتين إليهما) انتهى.

ص: 21


1- (1 و 2) الوسائل الباب -1. من أبواب الدين حديث 3 و 2.

في المعاوضة ، أو على فساد البيع (1) ، للربا (2) وغيره فيكون الدفع (3) مأذونا فيه من البائع في مقابلة ما دفع ، ويبقى الباقي لمالكه (4). والأقوى مع صحة البيع لزوم دفع الجميع ، ويجب مراعاة شروط الربا والصرف (5) ولو وقع صلحا اغتفر الثاني (6)! خاصة (7).

(ومنع ابن إدريس من بيع الدين على غير المديون) استنادا إلى دليل قاصر (8) ، وتقسيم غير حاصر (9) ، ...

______________________________________________________

وكلا الحملين ضعيفان حيث صرحت الرواية الأولى ببراءة ذمة المديون ولا يجب عليه دفع الباقي وبه يبطل الحمل الثاني ، وصرحت الرواية أيضا بالشراء والأصل حمله على المعنى الحقيقي له وبه يبطل الحمل الأول.

(1) وهو الحمل الثاني وقد تقدم.

(2) تعليل لفساد البيع.

(3) أي دفع المديون إلى المشتري.

(4) أي ما دفعه المشتري إلى الدائن.

(5) أي للبائع في ذمة المديون ، هذا ويكون المراد ببراءة المديون في الرواية الأولى البراءة من حق المشتري لا مطلقا كما في الرياض ، وقد عرفت ضعف هذا الحمل.

(6) فتجب مراعاة شروط الربا إذا كانا من جنس الربوي ، وهو مما يكال أو يوزن ، وتجب مراعاة شروط الصرف إذا كانا من الذهب والفضة.

(7) أي شروط الصرف دون الربا لجريان الربا في كل معاوضة صلحا أو بيعا أو غيرهما عملا بإطلاق أدلته ، قال في المسالك : (ولا بدّ من رعاية السلامة من الربا ورعاية شروط الصرف لو كان أثمانا ، ولو وقع ذلك بصيغة الصلح صح أيضا وسلم من اعتبار الصرف لا من الربا على الأقوى فيهما ، لدخول الربا في كل معاوضة عملا بإطلاق الآية - أي وحرّم الربا - ، واختصاص الصرف بالبيع) انتهى.

(8) وهو الإجماع وقد خطّأه صاحب الجواهر كيف والمشهور قد ذهب إلى الصحة.

(9) التقسيم هو : إن المبيع إما عين معينة أو في الذمة ، والأول إما بيع عين مرئية مشاهدة فلا تحتاج إلى وصف وإما عين غير مشاهدة فتحتاج إلى وصف وذكر الجنس وهو بيع خيار الرؤية.

والثاني وهو بيع ما في الذمة فهو السلف المفتقر إلى الأجل المعين والوصف الخاص ، فهذه ثلاثة أقسام للمبيع ، والدين ليس واحدا منها ، لأنه ليس عينا مشاهدة ولا معينة موصوفة إذ للمديون التخيير في جهات القضاء من ردّ نفس العين أو مثلها ، وليس الدين

ص: 22

فی ما لو باع الذمی ما لا یملکه المسلم ثم قضی منه دین المسلم

(والمشهور الصحة) مطلقا (1) ، لعموم الأدلة (ولو باع الذمي ما لا يملكه المسلم) كالخمر والخنزير (ثم قضى منه دين المسلم (2) صح قبضه ولو شاهده) المسلم ،

______________________________________________________

بسلف إجماعا ، ولا قسم رابع في البين فيتعين القول ببطلان بيعه.

وردّ بأن الدين عين موصوفة ، والتخيير للمديون لا يخرج الدين عن كونه كذلك فيصح بيعه لعموم أدلة البيع هذا وقد علق الشارح في الروضة هنا كما في الطبعة الحجرية بقوله (حاصل ...) يرجع إلى حصر حاصل استدلال ابن إدريس على المنع من بيعه على غير المديون يرجع إلى حصر ادعى صحته وهو : أن المبيع إما عين معينة أو في الذمة ، والأول إما بيع عين مرئية مشاهدة فلا يحتاج إلى وصف ، وإما بيع عين غير مشاهدة فيحتاج إلى وصفها وذكر جنسها وهو بيع خيار الرؤية وأما الذي في الذمة فهو السلف المفتقر إلى الأجل المعين والوصف الخاص ، قال : والدين ليس عينا مشاهدة ولا معينة موصوفة إذ للمديون التخيير في جهات القضاء ، وليس بسلم إجماعا ولا قسم رابع هنا لنا.

ثم اعترض على نفسه بأنه خلاف الإجماع لانعقاده على صحة بيع الدين ، ثم أجاب بأن العمومات قد تخصّ ، والأدلة هنا عامة تخصّها ببيعه على غير من هو عليه ، ثم عقّب ذلك بأنه تحقيق لا يبلغه إلا محقق أصول الفقه وضابط فروع المذهب ، عالم بأحكامه محكّم لمداره وتقريراته وتقسيماته ، ثم استدل أيضا بالإجماع على عدم صحة جعل الدين مضاربة إلا بعد قبضه ، ثم أطنب في ذلك بما لا محصّل له.

وأنت خبير بأن التقسيم الذي ادعى فيه الحصر لا دليل عليه ، وأما ما ادعاه من الإجماع وارد عليه ، وما أعتذر عنه من التخصيص متوقف على قيام المخصص وهو مفقود ، والمنع من المضاربة على الدين لا مدخل له في المنع من بيعه أصلا ، وإلا لمنع من بيعه على من هو عليه كما يمنع من مضاربته.

وإنما المانع عندهم من المضاربة أمر آخر أشرنا إليه في بابه ، ولا فرق بين البيع للدين والسلم فيه إلا بالأجل ، وهو لا يصيّر المجهول معلوما.

(1) سواء كان البيع على المديون أم على غيره.

(2) لو باع الذمي لمثله ما لا يحله المسلم كالخمر والخنزير ثم قضى منه دين المسلم جاز للمسلم أخذه عوضا عن الحق الذي له في ذمة الذمي بلا خلاف فيه ، مع مراعاة شرائط الذمة كالتستر ونحوه لإقرار شريعتنا على ما عنده للأخبار.

منها : صحيح زرارة عن أبي عبد الله عليه السلام (في الرجل يكون لي عليه الدراهم فيبيع بها خمرا أو خنزيرا ثم يقضيني منها ، قال : لا بأس ، أو قال : خذها) (1) ، ومن المعلوم إرادة

ص: 23


1- 1. الوسائل الباب - 60 - من أبواب ما يكتسب به حديث 3.

فی تحلّل الدین و عدمه

لإقرار الشارع له على ذلك ، لكن بشرط استتاره به كما هو مقتضى الشرع ، فلو تظاهر به (1) لم يجز ومن ثم يقيد بالذمي ، لأن الحربي لا يقرّ على شي ء من ذلك فلا يجوز تناوله منه.

(ولا تحلّ الديون المؤجلة بحجر المفلس (2) ، عملا بالأصل ، (خلافا لابن الجنيد رحمه الله) حيث زعم أنها تحل ، قياسا على الميت ، وهو باطل ، مع وجود الفارق بتضرر الورثة إن منعوا من التصرف إلى أن يحل (3) ، وصاحب الدين (4) إن لم يمنعوا ، بخلاف المفلس لبقاء ذمته.

(وتحل) الديون المؤجلة (إذا مات المديون) (5) ، سواء في ذلك مال السلم ،

______________________________________________________

الذمي من الخبر لإقرار شريعتنا له خاصة على ما عنده ، ولمعلومية البطلان بالنسبة إلى غيره ، وللتصريح به في خبر منصور بن حازم (قلت لأبي عبد الله عليه السلام : لي على رجل ذمي دراهم فيبيع الخمر والخنزير وأنا حاضر فيحلّ لي أخذها؟ فقال : إنما لك عليه دراهم فقضاك دراهمك) (1).

(1) فمع التظاهر يكون قد أخلّ بشرائط الذمة ويكون بحكم الحربي عند الأصحاب.

(2) على المشهور لأصالة إبقاء ما كان كما كان ، وخالف ابن الجنيد عملا بالقياس على الميت ، وهو قياس باطل مع وجود الفارق بتحقق الضرر على الورثة إن منعوا من التصرف إلى حلول الدين ، وبتضرر صاحب الدين إن لم يمنعوا ، كل ذلك لعدم الذمة للميت بخلاف المفلس فإن له ذمة.

(3) أي يحلّ الدين.

(4) أي وبتضرر صاحب الدين.

(5) بلا خلاف فيه للأخبار.

منها : خبر أبي بصير عن أبي عبد الله عليه السلام (إذا مات الرجل حلّ ماله وما عليه من الدين) (2) ، وخبر السكوني عن جعفر عن أبيه عليه السلام (إذا كان على الرجل دين إلى أجل ومات الرجل حلّ الدين) (3).

وظاهر الخبرين عدم الفرق بين مال السلم وغيره ، ومنه تعرف ضعف ما عن الفخر في إيضاحه والشهيد في حواشيه من عدم حلول السلم بالموت ، لأن الأجل يقتضي قسطا من الثمن.

ص: 24


1- 1. الوسائل الباب - 55 - من أبواب ما يكتسب به حديث 6.
2- (2 و 3) الوسائل الباب -2. من أبواب الدين حديث 1 و 3.

والجناية المؤجلة ، وغيرهما ، للعموم ، وكون ، أجل السلم يقتضي قسطا من الثمن ، وأجل الجناية بتعيين الشارع وليتحقق الفرق بين الجنايات (1) لا يدفع عموم النص (ولا تحل بموت المالك (2) ، دون المديون للأصل ، خرج منه موت المديون فيبقى الباقي.

وقيل : تحل ، استنادا إلى رواية مرسلة ، وبالقياس على موت المديون. وهو باطل.

(وللمالك انتزاع السلعة) التي نقلها إلى المفلس قبل الحجر ولم يستوف عوضها مع وجودها مقدّما فيها على سائر الديّان (3) (في الفلس إذا لم تزد زيادة)

______________________________________________________

ولا فرق أيضا بين الجناية المؤجلة كدية الخطأ وغيره ، وقيل : بأن مال الجناية لا يحلّ ، لأن التأجيل شرعي بلا مدخلية لرضا الميت فيه وبدون الأجل لا تكون الدية شرعية ، وعموم النص المتقدم يدفعه.

(1) فدية القتل عمدا في سنة ، وشبه العمد في سنتين ، ودية الخطأ في ثلاث سنين ، فلو كانت الجناية خطأ ثم مات بعد سنة ، وحلت الدية بتمامها بعد الموت لما بقي فرق بين دية الخطأ ودية العمد.

(2) أي الدائن على المشهور لأصالة إبقاء ما كان كما كان ، وإنما خرج المديون بالنص.

وعن الشيخ في النهاية وأبي الصلاح والقاضي والطبرسي إلى أنها تحلّ لخبر أبي بصير المتقدم (إذا مات الرجل حلّ ماله) ، وهي مهجورة عند الأصحاب بشهادة صاحب الجواهر بالنسبة لصدرها ، بالإضافة إلى إرسالها حيث رواها الكليني عن أبي علي الأشعري عن محمد بن عبد الجبار عن بعض أصحابه عن خلف بن حماد عن إسماعيل بن أبي قرة عن أبي بصير.

(3) المشهور على أنه من وجد عين ماله فله أخذه ، ولو لم يكن سواه لخبر الدعائم عن أمير المؤمنين عليه السلام (إذا أفلس الرجل وعنده متاع رجل بعينه فهو أحق به) (1) ، وصحيح عمر بن يزيد عن أبي الحسن عليه السلام (سألته عن الرجل يركبه الدين فيوجد متاع رجل عنده بعينه ، قال : لا يحاصّه الغرماء) (2).

والشيخ في التهذيب والاستبصار والنهاية والمبسوط أن الغريم له أخذ عين ماله إذا كان

ص: 25


1- 1. مستدرك الوسائل الباب - 4 - من أبواب الحجر حديث 1.
2- 2. الوسائل الباب - 5 - من أبواب أحكام الحجر حديث 2.

متصلة (1) كالسمن ، والطول ، فإن زادت كذلك لم يكن له أخذها ، لحصولها على ملك المفلس فيمتنع أخذ العين بدونها (2) ومعها (3).(وقيل : يجوز) انتزاعها (وإن زادت) لأن هذه الزيادة صفة محضة وليست من فعل المفلس فلا تعدّ مالا له ،

______________________________________________________

في البقية وفاء للديون الثابتة على المفلس لصحيح أبي ولّاد (سألت أبا عبد الله عليه السلام عن رجل باع من رجل متاعا إلى سنة فمات المشتري قبل أن يحل ماله ، وأصاب البائع متاعه بعينه ، له أن يأخذه إذا حقق له ، فقال عليه السلام : (إذا كان عليه دين وترك نحوا مما عليه فليأخذه إن حقق له ، فإن ذلك حلال له ، ولو لم يترك نحوا من دينه فإن صاحب المتاع كواحد ممن له عليه شي ء ، يأخذ بحصته ولا سبيل له على المتاع) ((1).

وفيه : إن الخبر صريح في غريم الميت ، لا في غريم المفلّس كما هو مفروض المسألة ، هذا من جهة ومن جهة أخرى يبقى السؤال كيف يمكن لمال المحجور عليه أن يفي بالديون مع أنه يجب أن يكون ماله أقل حتى يحجر عليه ، والجواب بأنه قد يكون ماله قاصرا في ابتداء الحجر ولكنه تجدد الوفاء فيما بعد بإرث أو اكتساب أو ارتفاع قيمة أمواله أو نمائها.

(1) أما مع عدم الزيادة فهو مورد النص المتقدم ، وأما مع الزيادة المتصلة كالسمن والطول فتزيد لذلك قيمة العين ، فعن الشيخ وجماعة منهم العلامة في القواعد أنه يرجع الغريم على العين وله أخذها ، لأن هذا النماء يتبع الأصل ، لأنه صفة محضة ، وليس من فعل المفلّس فلا يعدّ مالا له ، ولأنه يصدق على الغريم أنه وجد عين ماله فيرجع به.

وتردد المحقق في الشرائع ، لأن النماء المتصل قد وقع في ملك المفلّس وإن لم يكن بفعله فهو له لأنه نماء ملكه ، ولأن الرجوع على العين على خلاف الأصل فيقتصر فيه على ما لا يستلزم فوات شي ء على المفلّس.

ولذا ذهب العلامة في المختلف وابن الجنيد والمحقق الثاني إلى أن الزيادة للمفلّس لكنها لا تمنع من رجوع الغريم لعدم سلبها صدق اسم وجدان العين ، فإذا رجع كان المفلّس شريكا معه بالنسبة.

وعن العلامة في التذكرة المنع من الرجوع لعدم صدق وجدان العين ، لأنها زادت ، بل الرجوع على خلاف الأصل فيقتصر فيه على القدر المتيقن وهو ما لم تزد العين.

(2) أي بدون الزيادة المتصلة لاستحالة التفكيك.

(3) لأنها مال المفلّس.

ص: 26


1- 1. الوسائل الباب - 5 - من أبواب أحكام الحجر حديث 3.

فی قصور الترکة عن الغرماء

ولعموم من وجد عين ماله فهو أحق بها ، وفي قول ثالث : يجوز أخذها ، لكن يكون المفلس شريكا بمقدار الزيادة ، (ولو كانت الزيادة منفصلة) كالولد وإن لم ينفصل ، والثمرة وإن لم تقطف (لم يمنع) من الانتزاع (1) وكانت الزيادة للمفلس ، ولو كانت بفعله (2) كما لو غرس (3) ، أو صبغ الثوب (4) ، أو خاطه ، أو طحن (5) الحنطة كان شريكا بنسبة الزيادة.

(وغرماء الميت سواء في تركته مع القصور (6) فيقسّم على نسبة الديون ،

______________________________________________________

(1) بلا خلاف لصدق وجدان العين من دون زيادة فيها ، نعم النماء المنفصل للمفلّس لأنه انفصل في ملكه وهو نماء ملكه ، بلا فرق في الولد بين الحمل والمنفصل ، ولا في اللبن بين المحلوب وغيره لكون الجميع نماء ملك المشتري.

(2) أي بفعل المفلّس.

(3) قال في المسالك : (اعلم أن الزيادة اللاحقة للمبيع لا تخلو إما أن تكون من نفسه - أي نفس المبيع - أو من خارج ، والأول إما متصلة محضا كالسمن ، أو منفصلة محضا كالولد ، أو منفصلة من وجه دون آخر كالحمل ، وقد تقدم حكم الثلاثة.

والزيادة الخارجية إما أن تكون عينا محضا كالغرس - غرس بذر أو نبت - ، أو صفة محضة كنسج الغزل وقصر الثوب ، أو صفة من وجه وعينا من آخر كصبغ الثوب) انتهى.

فللغريم الرجوع على العين لأنها قائمة وهي متميزة عن بقية مال المفلّس ، وللمفلس الزيادة الخارجية لأنها بفعله ، وهو فعل محترم غير متبرع به ، وكلما كان كذلك فيجب أن لا يضيع على فاعله.

(4) مثال للزيادة الخارجية وكانت صفة من وجه وعينا من وجه آخر.

(5) الخياطة والطحن مثال للزيادة الخارجية إذا كانت صفة محضة ، والفرس المتقدم مثال للزيادة الخارجية إذا كانت عينا محضا.

(6) أي مع قصور تركته لما عليه من الدين ، فلا يجوز للمالك الرجوع على عين ماله لو باعه لإنسان ثم مات هذا الإنسان المشتري ، بل يكون المالك مع بقية غرماء الميت سواء في التركة ، إذا لم يترك نحوا مما عليه ، وأما إذا ترك نحوا مما عليه فيجوز حينئذ لصاحب العين أخذها ، على المشهور ومستندهم صحيح أبي ولّاد المتقدم (سألت أبا عبد الله عليه السلام عن رجل باع من رجل متاعا إلى سنة فمات المشتري قبل أن يحلّ ماله ، وأصاب البائع متاعه بعينه ، له أن يأخذه إذا حقق له ، فقال عليه السلام : إذا كان عليه دين وترك نحوا مما عليه فليأخذه إن حقق له ، فإن ذلك حلال له ، ولو لم يترك نحوا من دينه فإن صاحب المتاع كواحد ممن له عليه شي ء ، يأخذ بحصته ولا سبيل له على

ص: 27

سواء في ذلك صاحب العين ، وغيره ، (ومع الوفاء لصاحب العين أخذها في المشهور) ، سواء كانت التركة بقدر الدين أم أزيد وسواء مات محجورا عليه أم لا (1) ، ومستند المشهور صحيحة أبي ولاد عن (الصادق) عليه السلام.

(وقال ابن الجنيد : يختص بها وإن لم يكن وفاء) كالمفلس ، قياسا ، واستنادا إلى رواية مطلقة (2) في جواز الاختصاص ، والأول (3) باطل والثاني يجب تقييده بالوفاء جمعا. وربما قيل : باختصاص الحكم (4) بمن مات محجورا عليه ، وإلا فلا اختصاص مطلقا (5) ، وصحيح النص يدفعه (ولو وجدت العين ناقصة بفعل)

______________________________________________________

المتاع) (1).

وخالف الإسكافي ابن الجنيد فقال : بجواز الرجوع إلى العين وإن لم تف التركة بما على الميت قياسا على المفلّس ، ولمرسل جميل عن أبي عبد الله عليه السلام (في رجل باع متاعا من رجل فقبض المشتري المتاع ولم يقبض الثمن ، ثم مات المشتري والمتاع قائم بعينه ، فقال : إذا كان المتاع قائما بعينه ردّ إلى صاحب المتاع ، وقال : ليس للغرماء أن يحاصّوه) (2) ، وقال الشارح في المسالك عنه (وهو ضعيف) ، وقال صاحب الجواهر : (كأنه اجتهاد في مقابلة النص) ، لأن دليله الأول قياس وهو باطل ، ومرسل جميل مقيّد بما إذا كانت التركة وافية بالدين جمعا بينه وبين صحيح أبي ولّاد المتقدم.

ثم على مبنى المشهور لا فرق في الميت بين أن يموت وهو محجور أو لا ، لأن غرماءه غرماء الميت لا غرماء المفلّس ، وخالف المحقق الثاني في جامع المقاصد فذهب إلى أن للغريم الرجوع على العين إذا كانت قائمة وكان الميت محجورا عليه ، وأما إذا لم يكن محجورا عليه فلا اختصاص لصاحب العين سواء وفت التركة أم لا ، وصحيح أبي ولّاد المتقدم يدفعه.

(1) في قبال المحقق الثاني.

(2) وهي مرسل جميل المتقدم.

(3) أي القياس.

(4) وهو اختصاص الغريم بعين ماله إذا وجدها مع كون التركة وافية بالدين.

(5) سواء كانت التركة وافية بالدين أم لا.

ص: 28


1- 1. الوسائل الباب - 5 - من أبواب أحكام الحجر حديث 3.
2- 2. الوسائل الباب - 5 - من أبواب أحكام الحجر حديث 1.

المفلّس (1) أخذها إن شاء (وضرب بالنقص (2) مع الغرماء مع نسبته) أي نسبة النقص (إلى الثمن) بأن تنسب (3) قيمة الناقص إلى الصحيحة ويضرب من الثمن الذي باعه به بتلك النسبة كما هو مقتضى قاعدة الأرش ، ولئلا يجمع بين العوض والمعوض في بعض الفروض (4) ،

______________________________________________________

(1) النقصان في العين إما مما يتقسط عليه الثمن لجواز إفراده بالبيع كعبد من عبدين ، ونحوه كنصف الثوب ، أو لا يكون كذلك كيد العبد ورجله ، وعلى التقديرين فالتالف إما أن يكون تلفه من قبل الله تعالى ، أو بجنابة الأجنبي ، أو من المشتري ، أو من البائع ، فالصور ثمان.

فإن كان التلف مما له قسط من الثمن وكان التلف من فعل المشتري كان البائع مخيّرا بين أن يضرب بالثمن مع الغرماء ولا يرجع على العين الناقصة ، أو أن يرجع على الباقي من العين ويضرب مع الغرماء بحصته التالف ، وهذا مما لا خلاف فيه كما في المسالك لصدق عين المال على الموجود فللغريم أخذه ، وإنما خالف بعض العامة وزعم أنه ليس له الرجوع بالباقي لأنه لم يجد المبيع بعينه وهو ضعيف ولو كان التلف مما لا قسط له من الثمن وكان التلف من فعل المشتري فليس للبائع إلا الرضا به على تلك الحال أو الضرب بالثمن ، لأن البائع هنا لا حق له بالعين إلا بالفسخ المتجدد بعد العيب ، وحقه قبل الفسخ في الثمن ، وهذا يعني أن العين غير مضمونة على المشتري قبل الفسخ ، ولازمه أن البائع لو فسخ فله نفس العين على ما هي عليه وقت الفسخ ، وما مضى من النقصان لم يتعلق حقه به ، وذهب ابن الجنيد وقواه العلامة في المختلف والمحقق الثاني إلى أن البائع لو فسخ يستحق أرش النقصان ، لأن فسخ المعاوضة يوجب رجوع كل مال لصاحبه ، فإن كان باقيا رجع به ، وإن كان تالفا ، رجع ببدله كائنا ما كان بلا فرق بين تلف الجميع أو البعض ، وكون العين في يد المشتري غير مضمونة للبائع معارض بماله قسط من الثمن.

وأما بقية الصور فسيأتي الكلام فيها.

(2) ظاهره سواء كان النقص مما له قسط من الثمن أم لا.

(3) كما لو كان قيمة العبد مائتين وقد اشتراه بمائة فجنى عليه المشتري بأن قطع يده ، وأرش الجناية هنا مائة لقطع اليد التي فيها نصف القيمة ، فلا يرجع البائع بالمائة لئلا يجمع بين العبد وبينها عند الفسخ ، بل الأرش هنا الذي يرجع به هو جزء من الثمن نسبته إليه كنسبة نقصان القيمة إليها ، فيرجع بخمسين مع العبد الذي اشتراه بمائة ، وهذه هي قاعدة الأرش المقررة عندهم.

(4) كمثال العبد المتقدم.

ص: 29

وفي استفادة ذلك (1) من نسبة (1) النقص إلى الثمن خفاء ، ولو كان النقص بفعل غيره (3) فإن وجب أرشه ضرب به قطعا ، ولو كان من قبل الله تعالى فالأقوى أنه كذلك ، سواء كان الفائت مما يتقسط عليه الثمن بالنسبة كعبد من عبدين أم لا كيد العبد ، لأن مقتضى عقد المعاوضة عند فسخه رجوع كل عوض إلى صاحبه ، أو بدله.

وعلم أن تخصيص النقص بفعل المفلس (4) لا يظهر له نكتة (5) ، لأنه إما مساو لما يحدث من الله تعالى ، أو الأجنبي على تقدير الفرق (6) ، أو حكم الجميع

______________________________________________________

(1) أي نسبة النقص إلى القيمة الواقعية والرجوع من الثمن بمقدار تلك النسبة.

(2) الذي هو مفاد كلام الماتن.

(3) فإن كان التلف من قبل الله تعالى سواء كان النقص مما له قسط من الثمن أو لا فيجري فيه نفس الكلام الوارد في النقص الصادر من المشتري وكان مما لا قسط له ، من ذهاب المشهور إلى أن البائع ليس له إلا الرضا بالعين على حالتها حين الفسخ أو الضرب بالثمن ، لأن البائع ليس له حق بالعين إلا بعد الفسخ ، وأما قبله فحقه في الثمن ، ومن الواضح أن العين قبل الفسخ غير مضمونة على المشتري فما ورد من نقص عليها قبل الفسخ ليس على المشتري ولم يتعلق حق البائع به.

وقد ذهب غير المشهور إلى استحقاق أرش النقصان لو فسخ البائع ، لأن فسخ المعاوضة يوجب رجوع كل مال إلى صاحبه فإن كان باقيا رجع به ، وإن كان تالفا رجع ببدله كائنا ما كان بلا فرق بين تلف الجميع والبعض ، مع كون العين في يد المشتري غير مضمونة للبائع قبل الفسخ معارضا بما له قسط من الثمن وكان التلف من المشتري.

وإن كان التلف من الأجنبي سواء كان التالف مما له قسط من الثمن أم لا تخير البائع بين أخذ العين والضرب بجزء من الثمن على نسبة نقصان القيمة وبين الضرب بجميع الثمن وذلك لأن الأجنبي لما ثبت عليه أرش الجناية والأرش جزء من المبيع وقد أخذه المشتري فلا يضيّع على البائع ، وهذا بخلاف التعيب بالآفة السماوية على مبنى المشهور حيث لم يكن لها عوض ، وإلا فعلى مبنى غير المشهور في الآفة السماوية فالحكم متحد ، وإن كان التلف من البائع فهو كالأجنبي ، لأنه جنى على ما ليس بمملوك له ولا في ضمانه.

(4) بلا فرق بين كون البدل بدلا عن الجميع التالف أو البعض التالف.

(5) في عبارة الماتن.

(6) لأن النقص الحاصل عن المفلّس إذا كان حكمه حكم ما يحدث من قبل الله تعالى بعدم الأرش فلم خصّ المصنف النقص بالمفلس.

ص: 30

سواء على القول القوي.

(ولا يقبل إقراره في حال التفليس بعين (1) ، لتعلق حق الغرماء بأعيان ماله قبله) فيكون إقراره بها في قوة الإقرار بمال الغير ، وللحجر عن التصرف المالي المانع من نفوذ الإقرار ، (ويصح) إقراره (بدين) (2) لأنه عاقل مختار فيدخل في

______________________________________________________

وإذا كان حكمه حكم ما يحدث من الأجنبي بالأرش فلم خص المصنف النقص بالمفلّس ، هذا كله على تقدير الفرق بين النقص من قبل الله وبين النقص من قبل الأجنبي كما هو مبنى المشهور في الآفة السماوية ، فعلى هذا التقدير لا بد من ذكر أحدهما مع المفلّس فالتخصيص غير حسن.

وإن لم يكن مذهب المصنف التفريق بين الأجنبي وفعل الله كما هو مبنى غير المشهور في الآفة السماوية وكما هو مختار الشارح في المسالك والروضة هنا فوجه عدم حسن التخصيص بالمفلّس أظهر.

(1) فلا يقبل ، لتعلق حق الغرماء بأعيان ماله ، فيكون الإقرار بها إقرارا منافيا لحق الغير.

وعن المبسوط للشيخ والتحرير للعلامة قبول إقراره لعموم النبوي (إقرار العقلاء على أنفسهم جائز) (1) ، وهو ضعيف لتعلق حق الغير بالعين فلا يقبل إقراره بها ، لأنه إقرار بمال الغير.

(2) لو أقرّ المفلس بدين سابق على الحجر فيصح بلا خلاف فيه كما في الجواهر وقد قال : (نعم عن شرح الإرشاد أنه حكى عن بعض الأصحاب عدم صحة إقراره مطلقا ، ولم نعرفه مع وضوح فساده ، لمنافاته لما دلّ على جواز إقرار العقلاء على أنفسهم) انتهى ، واستدل أيضا بأن الحجر الموجود على المفلّس ليس بمانع من صحة إقراره المذكور ، لأن الحجر مانع في خصوص إنشاء التصرفات بالأعيان ، لأن فيه أحداث تمليك جديد ، والإقرار هنا إخبار بالدين فهو ليس إحداثا لتمليك بل هو إخبار عن تمليك.

ثم هل المقرّ له يشارك الغرماء أو لا؟ ذهب الشيخ في المبسوط والخلاف والمحقق في الشرائع والعلامة في التذكرة والتحرير أنه يشارك لعموم (إقرار العقلاء) المتقدم فينفذ تصرفه ، والمقرّ له أحد الغرماء فلا بدّ من تقسيم مال المفلّس بين غرمائه بما فيهم المقرّ له لعموم خبر غياث بن إبراهيم عن جعفر عن أبيه عليهم السلام (أن عليا عليه السلام كان يفلّس الرجل إذا التوى على غرمائه ، ثم يأمر به فيقسّم ماله بينهم بالحصص ، فإن أبى باعه

ص: 31


1- 1. الوسائل الباب - 3 - من أبواب كتاب الإقرار حديث 2.

عموم : إقرار العقلاء على أنفسهم جائز ، والمانع في العين منتف هنا ، لأنه في العين مناف لحق الديان المتعلق بها (و) هنا (يتعلق بذمته ، فلا يشارك الغرماء المقرّ له) جمعا بين الحقين.(وقوى الشيخ رحمه الله) وتبعه العلامة في بعض كتبه (المشاركة) للخبر (1) ، ولعموم الإذن (2) في قسمة ماله بين غرمائه ، وللفرق بين الإقرار ، والإنشاء فإن الإقرار إخبار عن حق سابق ، والحجر إنما يبطل إحداث الملك ، ولأنه (3) كالبينة ، ومع قيامها لا إشكال في المشاركة.

ويشكل بأن ردّ إقراره ليس لنفسه ، بل لحق غيره فلا ينافيه الخبر (4) ، ونحن

______________________________________________________

فقسّم بينهم ، يعني ماله) (1).

ولأن الإقرار كالبينة ، ومع قيام البينة فلا إشكال في المشاركة فكذا في مساويها ، ولانتفاء التهمة على الغرماء لأن ضرر الإقرار في حقه أكثر منه في حق الغرماء ، ولأن الظاهر من حال الإنسان أنه لا يقرّ بدين عليه مع عدمه.

وفي الجميع نظر ، أما عموم الإقرار فنقول به ولكن لا يشارك الغرماء لتعلق حقهم بأعيان مال المفلّس فلا بدّ من إلزام المفلّس بالمال بعد زوال الحجر ، وإلا لو قبل إقراره في الأعيان التي تعلق بها حق الغير لكان إقرارا في حق غيره لا على نفسه.

وأما خبر غياث فإنما هو في الغرماء حين الحكم بالحجر لا فيما يستجدّ ، ونمنع مساواة الإقرار للبينة في جميع الأحكام ، ويظهر أثره فيمن لا يقبل إقراره إذا أقيم عليه البينة ، وإذا لم تكن القاعدة كلية فلا تصلح كبرى للشكل ولا تنتج المطلوب.

مع أن التهمة موجودة في حق الغرماء لأنه يريد إسقاط حقهم بإقراره ، وتحقق الضرر عليه لا يمنع من إيجابه الضرر عليهم ، ولإمكان المواطاة بينه وبين المقرّ له في ذلك فلا يتحقق الضرر إلا عليهم ، والأخير استحسان محض فلذا ذهب العلامة في بعض كتبه إلى عدم المشاركة وتبعه الشهيدان والكركي وغيرهم ، بل يثبت بذمته ويلزم بالمال بعد زوال الحجر.

(1) أي عموم النبوي المتقدم.

(2) المستفاد من خبر غياث المتقدم.

(3) أي الإقرار.

(4) وهو النبوي المتقدم.

ص: 32


1- 1. الوسائل الباب - 6 - من أبواب أحكام الحجر حديث 1.

فی منع المفلّس من التصرف

قد قبلناه ، على نفسه بإلزامه بالمال بعد الحجر ، ومشاركة المقرّ له للغرماء هو المانع من النفوذ الموجب لمساواة الإقرار للإنشاء (1) في المعنى ، وكونه كالبينة مطلقا ممنوع ، فما اختاره المصنف أقوى. وموضع الخلاف ما لو أسنده إلى ما قبل الحجر ، أما بعده (2) فإنه لا ينفذ معجلا قطعا ، نعم لو أسنده إلى ما يلزم ذمته كإتلاف مال أو جناية ، شارك (3) لوقوع السبب (4) بغير اختيار المستحق (5) فلا تقصير ، بخلاف المعامل (6).

(ويمنع المفلّس من التصرف) المبتدا (في أعيان أمواله) (7) المنافي لحق

______________________________________________________

(1) أي إنشاء الملك بالهبة أو غيرها.

(2) أي بعد الحجر بحيث أقرّ بالدين الناتج عن معاملة ، وقد وقعت بعد الحجر برضا الطرفين من المفلّس والذي عامله ، فلا يشارك الدائن هنا الغرماء ، لأن الإقرار لم يتعلق بأعيان ماله التي تعلق بها حق الغرماء ، فيكون الإقرار مؤجلا إلى ما بعد الحجر نعم لو أقرّ بدين بعد الحجر وأسنده إلى ما يلزم ذمته كإتلاف مال أو جناية فيجري فيه الوجهان السابقان ، لاتحاد المدرك كما في الجواهر والمسالك وغيرهما ، نعم قوّى الشارح المشاركة هنا بقوله في المسالك (والفرق أن الجناية والإتلاف وقعا بغير اختيار المالك والمجني عليه فلا يستند إلى تقصيره بخلاف المعاملة لصدورها عن الرضا والاختيار من الطرفين) انتهى.

(3) أي شارك المقرّ له للغرماء.

(4) وهو سبب الشراكة عن الإتلاف والجناية.

(5) أي مستحق الشركة وهو المقرّ له.

(6) وهو الذي أوجد المعاملة مع المفلّس من قرض أو بيع أو نحوهما.

(7) لا خلاف في منع المفلّس بعد الحجر من التصرف في أعيان أمواله الموجودة حال الحجر احتياطا لحفظ المال للغرماء.

وهذا في خصوص التصرف الابتدائي ، لا في مطلق التصرف فلا يمنع من الفسخ بالخيار ، كما لو اشترى بخيار ثم فلّس فالخيار باق بلا خلاف فيه ، لأنه أثر أمر ثابت قبل الحجر فلا يمنع منه للاستصحاب ، ولكن هل يلاحظ في الفسخ الغبطة أو لا ، ذهب جماعة منهم الشيخ في المبسوط والمحقق والعلامة والكركي إلى أن له الفسخ من غير اعتبار الغبطة ، بل وإن كان فيه مفسدة على الغرماء وللأصل بعد عدم ما يدل على منع الحجر إياه.

خلافا للفاضل في التذكرة فاعتبر الغبطة في خيار العيب دون غيره ، وعلّله بأن العقد في

ص: 33

الغرماء ، لا من مطلق التصرف ، واحترزنا بالمبتدإ عن التصرف في ماله بمثل الفسخ بخيار ، لأنه ليس بابتداء تصرف ، بل هو أثر أمر سابق على الحجر ، وكذا لو ظهر له عيب فيما اشتراه سابقا فله الفسخ به. وهل يعتبر في جواز الفسخ الغبطة ، أم يجوز اقتراحا؟ الأقوى الثاني ، نظرا إلى أصل الحكم ، وإن تخلفت الحكمة (1). وقيل : تعتبر الغبطة في الثاني دون الأول.

وفرق المصنف رحمه الله بينهما بأن الخيار ثابت بأصل العقد لا على طريق المصلحة ، فلا يتقيد بها ، بخلاف العيب ، وفيه نظر بيّن ، لأن كلّا منهما ثابت بأصل العقد على غير جهة المصلحة ، وإن كانت الحكمة المسوغة له هي المصلحة ، والإجماع على جواز الفسخ بالعيب وإن زاد القيمة (2) ، فضلا عن الغبطة فيه (3).

وشمل التصرف (4) في أعيان الأموال ما كان بعوض (5) ، أو غيره ، وما تعلّق بنقل العين ، والمنفعة ، وخرج به (6) التصرف في غيره (7) ، كالنكاح ،

______________________________________________________

زمن الخيار متزلزل لا ثبات له فلا يتعلق حق الغرماء بالمال دون العيب ، فإن العقد غير متزلزل فيتعلق حق الغرماء بالمعيب ، وعليه لا بد من مراعاة المصلحة في العيب دون غيره ، ويضعّف بأن التزلزل بينهما مشترك والفرق تحكم.

ووجّهه الشهيد بأن الخيار في غير العيب ثابت بأصل العقد لا على طريق المصلحة فلا يتقيد بها خلاف العيب فإنه ثابت على طريق المصلحة فيتقيد بها ، والتزم الشهيد بذلك.

وفيه : إن كلا الخيارين ثابت بأصل العقد ، وإنما افترقا بأن أحدهما قد ثبت بالاشتراط ، والآخر بمقتضى العقد ، ولم يقل أحد بتقيد فسخ العيب في غير المفلّس بالمصلحة فاعتبار الغبطة فيه هنا مع كونه ليس من التصرفات المبتدئة ليس بجيد.

(1) وهي الغبطة.

(2) فيكون في الفسخ ضرر.

(3) أي في الفسخ ، والمعنى إذا قام الإجماع على جواز الفسخ مع الضرر في غير المفلّس فيجوز في المفلّس لعدم الدليل على التفريق.

(4) أي التصرف الممنوع منه.

(5) سواء كان بعوض أو غيره ، بل ولو محاباة ، وسواء كان التصرف بنقل العين أو المنفعة ، كل ذلك احتياطا لحق الغرماء.

(6) أي بلفظ (في أعيان أمواله).

(7) أي التصرف في غير عين ماله كالنكاح والطلاق والقصاص والعفو عنه والإقرار بالنسب

ص: 34

والطلاق ، واستيفاء القصاص ، والعفو عنه وما يفيد تحصيله (1) كالاحتطاب ، والاتّهاب ، وقبول الوصية وإن منع منه (2) ، بعده (3) وبالمنافي (4) عن وصيته وتدبيره فإنهما يخرجان من الثلث بعد وفاء الدين فتصرفه في ذلك ونحوه جائز ، إذ لا ضرر على الغرماء فيه.

(وتباع) (5) أعيان أمواله القابلة للبيع ، ولو لم تقبل كالمنفعة أو جرت ، أو

______________________________________________________

ونحو ذلك ، مما لا يصدق عليه أنه تصرف في المال ، وإن استلزم بعضها ذلك ، كالمئونة في الإقرار بالنسب.

كما لا يمنع من التصرف المحصّل للمال كالاحتطاب والاصطياد ، وأولى منهما قبول الوصية التمليكية والاتهاب والشراء بثمن في الذمة والقرض ونحوها ، مما هو مصلحة للغرماء بناء على دخول الجميع في الحجر فيتعلق فيه حق الغرماء ، كما صرح به الفاضل والكركي وثاني الشهيدين ، واستشكل العلامة في الإرشاد بتعلق الحجر في الأموال المستجدة بعد الحجر ، بل عن فخر المحققين أن عدم التعلق أولى.

هذا وصرح الفاضل والكركي بعدم المنع أيضا عن الوصية والتدبير ، لأنه لا ضرر فيها على الغرماء ، لكونهما بعد الموت الموجب لسبق استيفاء الدين أولا.

(1) أي وخرج التصرف المالي الممنوع منه ما يفيد تحصيل المال.

(2) من المال الذي حصّله.

(3) بعد التحصيل.

(4) أي وخرج بالمنافي لحق الغرماء فتخرج وصيته وتدبيره على شرح قد تقدم.

(5) شروع في قسمة أمواله بين غرمائه بعد بيعه ، وظاهر القواعد وغيره أنه ينبغي للحاكم المبادرة إلى بيعه لئلا تطول مدة الحجر ، وهو ظاهر في الاستحباب ، هذا ولكن الحجر على خلاف الأصل فيجب الاقتصار فيه على قدر الحاجة فتجب المبادرة حينئذ خصوصا بعد مطالبة الديّان ، ولذا ذهب العلامة في ظاهر التحرير إلى الوجوب ، بل في جامع المقاصد : (أن الوجوب أظهر) ، هذا من جهة ومن جهة أخرى فبما أن حق الغرماء قد تعلق في أعيان أمواله فالوصول إلى حقهم منحصر ببيع هذه الأعيان إن أمكن ، وإلا صولح عليها ، وما لا يملك بيعه يؤجر ويضاف الجميع إلى المال الذي عنده.

وعليه فإن وفى بالدين فهو وإلا يقسم على نسبة أموالهم قضاء لحق العدل بينهم ، فلو كان لغريم مائة وللآخر مائتان ، وبيعت أمواله بمائة فلا بد من تقسيم هذه المائة أثلاثا وهكذا.

ويشهد له خبر أبي بصير عن أبي عبد الله عليه السلام (سئل عن رجل كانت عنده مضاربة

ص: 35

فی حبس من ادعی الاعسار

صولح عليها وأضيف العوض إلى أثمان ما يباع (وتقسم على الغرماء) إن وفى ، وإلا فعلى نسبة أموالهم ، (ولا يدّخر للمؤجلة (1) التي لم تحل حالة القسمة شي ء) ولو حل بعد قسمة البعض شارك في الباقي ، وضرب بجميع المال ، وضرب باقي الغرماء ببقية ديونهم (ويحضر كل متاع في سوقه (2) وجوبا مع رجاء زيادة القيمة وإلا استحبابا ، لأن بيعه فيه أكثر لطلابه ، وأضبط لقيمته.

(ويحبس لو ادعى الاعسار حتى يثبته (3) باعتراف الغريم ، أو بالبينة المطّلعة

______________________________________________________

ووديعة وأموال أيتام وبضائع وعليه سلف لقوم ، فهلك وترك ألف درهم أو أكثر من ذلك ، والذي عليه للناس أكثر مما ترك ، فقال : يقسّم لهؤلاء الذين ذكرت كلهم على قدر حصصهم أموالهم) (1) ، وخبر عبد الله بن الحكم (سألت أبا عبد الله عليه السلام عن رجل أفلس وعليه دين لقوم ، وعند بعضهم رهون وليس عند بعضهم ، فمات ولا يحيط ماله بما عليه من الدين ، قال : يقسّم ما خلّف من الرهون وغيرها على أرباب الدين بالحصص) (2).

(1) تقسّم أمواله على ديونه الحالّة دون المؤجلة بلا خلاف فيه ولا إشكال ، لعدم استحقاق المؤجلة قبل الأجل ، نعم لو حلت قبل قسمة الكل ففي التذكرة والمسالك أن هذا الدين الجديد يشارك ، وكذا لو حلّ بعد قسمة البعض شارك في الباقي وضرب بجميع المال وضرب بقية الغرماء ببقية أموالهم ، لأن تعلق حقوقهم بالمال لا يمنع من تعلق حق غيرهم بعد وجود مقتضى التعلق فيه.

(2) ففي الشرائع والقواعد والتحرير والإرشاد ومحكي المبسوط أنه يستحب إحضار كل متاع إلى سوقه لتتوفر الرغبة ، ومقتضاه جواز بيعه في غير سوقه ولو رجى الزيادة فيه.

وفي جامع المقاصد إنه لا يبعد الوجوب إلا أن يقطع بانتفاء الزيادة في سوقه ، وفي المسالك : (فالأولى الوجوب لأن بيعه فيه أكثر لطلابه وأضبط لقيمته).

(3) لو ادعى الإعسار فإن وافقه الغريم فيثبت إعساره ، لاعتراف من له الحق عليه ، وكذا لو قامت البينة على إعساره على تفصيل سيأتي ، ومع ثبوت إعساره لا يجوز حبسه سواء كان المعسر مفلّسا وقد منعه الحاكم من التصرف في أمواله أم كان غير مفلّس ، بلا خلاف فيه بيننا ولا إشكال للإنظار المأمور به في الكتاب بقوله تعالى ( وَإِنْ كٰانَ ذُو عُسْرَةٍ فَنَظِرَةٌ إِلىٰ

ص: 36


1- 1. الوسائل الباب - 5 - من أبواب أحكام الحجر حديث 4.
2- 2. الوسائل الباب - 19 - من أبواب أحكام الرهن حديث 1.

.................................................................................................

______________________________________________________

مَيْسَرَةٍ ) (1) ولخبر السكوني عن جعفر عن أبيه عن علي عليه السلام (إن امرأة استعدت على زوجها أنه لا ينفق عليها وكان زوجها معسرا فأبى أن يحبسه وقال : إن مع العسر يسرا) (2) ، وخالف بعض العامة حيث جعل قيام البينة على إعساره غير مانع من حبسه مدة يغلب على ظن الحاكم أنه لو كان له مال لظهر وهو ضعيف.

ثم لو ادعى الإعسار فإنه يحبس حتى يثبت إعساره ، لأصالة بقاء المال عنده فلا يؤخذ بدعواه ، والإنظار المأمور به في الآية المتقدمة مشروط بثبوت الإعسار ولم يثبت هنا ، ولفعل أمير المؤمنين عليه السلام أنه كان يحبس بمجرد الالتواء كما في خبر غياث بن إبراهيم عن أبي عبد الله عليه السلام (أن عليا كان يحبس في الدين فإذا تبين له حاجة وإفلاس خلّى سبيله حتى يستفيد مالا) (3). ثم لو تناكر المديون وغريمه في الإعسار وعدمه ، فإن كان للمديون مال ظاهر من غير المستثنى له كالدار والجارية والثياب أمره الحاكم بالوفاء ، فإن امتنع تخيّر الحاكم بين حبسه حتى يوفّى بنفسه لوجوبه عليه ، وبين بيع أمواله وقسمتها بين غرمائه لأنه ولي الممتنع.

وإن لم يكن للمديون مال ظاهر وقد ادعى الإعسار ولم يوافقه الغريم فإن وجد المديون البينة على شرط سيأتي بيانه قضى الحاكم بها ، وإن عدمت البينة فإن كان للمديون أصل مال معهود وقد ادعى تلفه أو كانت أصل الدعوى مالا كالقرض ونحوه وقد أثبتها الغريم حبس المديون حتى يثبت إعساره ، لأصالة بقاء المال ، وفي التذكرة أنه لو لم تكن له بينة بذلك يحلف الغرماء على عدم التلف فإذا حلفوا حبس.

وعلى كل فلو قامت البينة لإثبات إعساره كما في بعض الفروض المتقدمة فلا يخلو الأمر إما أن يكون مستند الشهادة علم البينة بتلف أمواله ، أو باطلاعها على حاله ، فإن كان الأول بأن شهد الشاهدان على تلف أمواله قبلت وإن لم تكن مطلعة على باطن أمره ، لأن الشهادة بذلك بينة إثبات فيشملها جميع ما دلّ على قبول البينة ، وبثبوت تلف ماله يحصل الفرض من فقره.

وإن كان الثاني بأن شهدت بإعساره مطلقا من غير تعرض لتلف أمواله فلا بدّ في ذلك من كون الشاهدين لهما صحبة مؤكدة مع المشهود له ومعاشرة كثيرة بحيث يطّلعان بها

ص: 37


1- 1. سورة البقرة ، الآية : 280.
2- 2. الوسائل الباب - 7 - من أبواب أحكام الحجر حديث 2.
3- 3. الوسائل الباب - 7 - من أبواب أحكام الحجر حديث 1.

على باطن أمره إن شهدت بالإعسار مطلقا (1) ، أو بتلف المال حيث لا يكون منحصرا في أعيان مخصوصة ، وإلا (2) كفى اطلاعها على تلفها ، ويعتبر في الأولى (3) مع الاطلاع على باطن أمره بكثرة مخالطته ، وصبره على ما لا يصبر عليه ذوو اليسار عادة ، أن تشهد بإثبات يتضمن النفي ، لا بالنفي الصرف ، بأن يقول : إنه معسر لا يملك إلا قوت يومه ، وثياب بدنه ، ونحو ذلك. وهل يتوقف ثبوته (4) مع البينة مطلقا (5) على اليمين قولان (6)؟.

______________________________________________________

على باطن أمره غالبا ، فإن الأموال قد تخفى ولا يعرف تفصيلها إلا بأمثال ذلك.

وإنما اعتبرنا البينة مع شرط الصحبة في القسم الثاني لأنها بينة نفي ، لأن معنى إعساره أنه لا مال له ، ومن حق الشهادة على النفي أنها لا تقبل ، وإنما قبلت عندنا وعند أكثر العامة لأن الشرط المذكور يلحقها بالإثبات ، لأن البينة على الإعسار مع الصحبة المؤكدة هي بينة على أنه لا يملك إلا ما يستثنى له من مال كقوت يومه وثيابه وداره وخادمه ، فهي بينة إثبات تشتمل على النفي ، وليست هي بينة نفي صرف حتى لا تقبل.

(1) أي من دون بيان السبب.

(2) فلو كان التلف منحصرا في أعيان مخصوصة.

(3) أي في البينة التي شهدت بإعساره مطلقا.

(4) أي ثبوت الإعسار.

(5) سواء كان بينة إثبات بأن شهدت على تلف أمواله ، أو بينة تتضمن النفي بأن شهدت على إعساره مع صحبتها المؤكّدة.

(6) ذهب المحقق وتبعه العلامة في جملة من كتبه بل نسب إلى الأكثر إلى أن بينة الإثبات التي تشهد على تلف أمواله لا تحتاج إلى يمين ، وإلى أن بينة الإعسار التي تتضمن النفي وهي التي تشهد بإعساره مطلقا مع صحبتها المؤكدة تحتاج إلى يمين الاستظهار ، لاحتمال أن يكون مستند الشهادة بالإعسار هو ظاهر حاله ، فلا صراحة فيها بتلف الأموال فتجبر باليمين.

وعن العلامة في التذكرة عكس الحكم وأثبت عليه اليمين في بينة الإثبات التي هي بينة التلف دون بينة الإعسار بدعوى أن البينة إذا شهدت بالتلف كان كمن له أصل مال واعترف الغريم بتلفه وادعى مالا غيره فإنه يلزمه اليمين.

وقال العلامة في موضع آخر من التذكرة على ما هو المحكي منها : إنه لا يمين في الموضعين ، لأن فيه تكذيبا للمشهور ، ولأن عموم أن البينة على المدعي واليمين على من أنكر تفصيل ، والتفصيل قاطع للشركة.

ص: 38

وإنما يحبس مع دعوى الإعسار قبل إثباته (1) لو كان أصل الدين مالا كالقرض ، أو عوضا عن مال كثمن المبيع ، فلو انتفى الأمران كالجناية والإتلاف قبل قوله في الاعسار بيمينه ، لأصالة عدم المال وإنما أطلقه (2) المصنف اتكالا على مقام الدين في الكتاب (3) ، (فإذا ثبت) إعساره (خلّي سبيله) ، ولا يجب عليه التكسب (4) لقوله تعالى : ( وَإِنْ كٰانَ ذُو عُسْرَةٍ فَنَظِرَةٌ إِلىٰ مَيْسَرَةٍ ) .

(وعن علي عليه الصلاة والسلام) بطريق السكوني أنه كان يحبس في الدين ثم ينظر فإن كان له مال أعطى الغرماء ، وإن لم يكن له مال دفعه إلى الغرماء فيقول : اصنعوا به ما شئتم (إن شئتم فآجروه ، وإن شئتم استعملوه ، وهو يدل)

______________________________________________________

(1) أي قبل إثبات الإعسار وقد تقدم شرحه.

(2) أي الحبس.

(3) إذ الكتاب كتاب الدين والجنابة والإتلاف لا تسمى دينا.

(4) إذا ثبت إعساره فلا بدّ أن ينظر إلى ميسرة لقوله تعالى : ( وَإِنْ كٰانَ ذُو عُسْرَةٍ فَنَظِرَةٌ إِلىٰ مَيْسَرَةٍ ) (1) ، ولخبر غياث عن جعفر عن أبيه عليه السلام (أن عليا عليه السلام كان يحبس في الدين فإذا تبين له حاجة وإفلاس خلّى سبيله حتى يستفيد مالا) (2) ، وخبر السكوني عن جعفر عن أبيه عن علي عليهم السلام (أن امرأة استعدت على زوجها أنه لا ينفق عليها وكان زوجها معسرا ، فأبى أن يحبسه وقال : إن مع العسر يسرا) (3). وقد أطلق جماعة من الأصحاب منهم الشيخ وابن إدريس أنه لا يجب عليه التكسب أيضا ولا قبول الهبة ولا الصدقة ونحوهما.

وعن أبي حمزة والشهيدين والمحقق الكركي أنه يجب التكسب واستجوده العلامة في المختلف ، ولكن التكسب الواجب هو ما يليق بحاله ، ولو بمؤاجرة نفسه ، لأن وجوب قضاء الدين على القادر مع المطالبة ثابت والمكتسب قادر ولذا تحرم عليه الزكاة ، ويشهد له خبر السكوني عن جعفر عن أبيه عليه السلام (أن عليا عليه السلام كان يحبس في الدين ثم ينظر فإن كان له مال أعطى الغرماء ، وإن لم يكن له مال دفعه إلى الغرماء فيقول لهم : اصنعوا به ما شئتم ، إن شئتم واجروه ، وإن شئتم استعملوه) (4).

ص: 39


1- 1. سورة البقرة ، الآية : 280.
2- (2 و 3) الوسائل الباب -2. من أبواب أحكام الحجر حديث 1 و 2.
3- 3. الوسائل الباب - 7 - من أبواب أحكام الحجر حديث 3.

(على وجوب التكسب) في وفاء الدين ، (واختاره ابن حمزة والعلامة) في المختلف ، (ومنعه الشيخ وابن إدريس) للآية ، وأصالة البراءة.

(والأول أقرب) لوجوب قضاء الدين على القادر مع المطالبة والمتكسب قادر ، ولهذا تحرم عليه الزكاة ، وحينئذ فهو خارج من الآية ، وإنما يجب عليه التكسب فيما يليق بحاله عادة ولو بمؤاجرة نفسه ، وعليه (1) تحمل الرواية.

(وإنما يحجر على المديون (2) إذا قصرت أمواله عن ديونه) فلو ساوته أو زادت لم يحجر عليه إجماعا ، وإن ظهرت عليه أمارات الفلس ، لكن لو طولب بالدين فامتنع تخير الحاكم بين حبسه إلى أن يقضي بنفسه ، وبين أن يقضى عنه من ماله ، ولو ببيع ما خالف الحق (3) ، (وطلب الغرماء الحجر (4) ، لأن الحق لهم فلا

______________________________________________________

(1) على التكسب اللائق بحاله تحمل رواية السكوني التي أوردها الماتن.

(2) شروع في شروط الحجر ، وهي أربعة :

الأول : أن تكون الديون ثابتة عند الحاكم ضرورة أصالة بقاء سلطنته مع عدم الثبوت كما في الجواهر.

الثاني : أن تكون أمواله من عروض ومنافع وديون وأموال منقولة وغير منقولة غير المستثنيات قاصرة عن ديونه ، وإلا فلو ساوت أمواله ديونه أو زادت لم يحجر عليه بلا خلاف فيه ، بل إذا طالبه أرباب الدين فإن قضى فهو وإلا رفعوا أمرهم إلى الحاكم فيحبسه إلى أن يقضي ويدل عليه النبوي المشهور (لي الواجد تحل عقوبته وعرضه) (1).

وعقوبته بالحبس ، أو يبيع عليه ويقضي عنه لأن الحاكم ولي الممتنع ومما يدل على الحكم بكلا فرعيه خبر الأصبغ بن نباتة عن أمير المؤمنين عليه السلام (إلى أن قال - وقضى عليه السلام في الرجل يلتوي على غرمائه أنه يحبس ثم يأمر به فيقسم ماله بين غرمائه بالحصص ، فإن أبى باعه فيقسم بينهم) (2) ولا يمنع في هذا الحال عن التصرف في أمواله.

ولو تصرف بها بحيث أخرجها عن ملكه قبل بيعها عليه وتسديد الديون منها نفذ تصرفه وانتقل حكمه إلى ما لو كانت أمواله قاصرة عن ديونه.

(3) أي حق الغرماء ، بحيث لو كانت ديونه من جنس أمواله فلا داعي للبيع ، ومع التغاير فإن رضي الغريم بها فهو وإلا باع الحاكم أمواله وسدّد بها ديونه.

(4) هذا هو الشرط الثالث للحجر ، فلا بد من التماس الغرماء الحجر عليه ، لأن الحق لهم

ص: 40


1- 1. الوسائل الباب - 8 - من أبواب أحكام الحجر حديث 4.
2- 2. الوسائل الباب - 6 - من أبواب أحكام الحجر حديث 1.

فی مستثنیات الدین

يتبرع الحاكم به عليهم. نعم لو كانت الديون لمن له (1) عليه ولاية كان له الحجر ، أو بعضها (2) مع التماس الباقين ، ولو كانت (3) لغائب لم يكن للحاكم ولايته (4) لأنه لا يستوفي له ، بل يحفظ أعيان أمواله ، ولو التمس بعض الغرماء فإن كان دينهم يفي بماله ويزيد جاز الحجر وعمّ (5) وإلا (6) فلا على الأقوى.

(بشرط حلول الدين (7) فلو كان كله ، أو بعضه مؤجلا لم يحجر ، لعدم استحقاق المطالبة حينئذ ، نعم لو كان بعضها حالا جاز مع قصور المال عنه (8) والتماس أربابه.

(ولا تباع داره (9) ،

______________________________________________________

فلا يحجر عليه تبرعا مع عدم التماسهم للأصل ، نعم لو التمس بعضهم فقط فيعتبر في التحجير عليه أن يكون دينه على نحو أكثر من مال الغريم وإن عمّ الحجر حينئذ له ولغيره ، واستقرب العلامة في التذكرة جواز الحجر بالتماس بعضهم وإن لم يكن دين الملتمس زائدا عن ماله ، وهو ضعيف ، هذا من جهة ومن جهة أخرى لو كانت الديون لمن للحاكم عليه ولاية كالطفل واليتيم والمجنون والسفيه كان للحاكم الحجر باعتبار ولايته على الغرماء.

(1) أي لمن للحاكم.

(2) أي لو كان بعض ديون الغرماء لمن للحاكم عليه ولاية ، وقد التمس بقية الغرماء الحجر كان للحاكم الحجر عليه.

(3) أي الديون.

(4) أي ليس للحاكم ولاية على الغائب حتى يستوفي ماله في ذمم الآخرين.

(5) أي وعمّ الحجر بالنسبة لغير الملتمس.

(6) وإن لم يف دين الملتمس بمال المديون فلا حجر ، وقد خالف العلامة في التذكرة على ما تقدم.

(7) هذا هو الشرط الرابع ، فلو كانت ديونه مؤجلة لم يحجر عليه وإن لم يف ماله بها ، إذ ليس لهم المطالبة في الحال وربما يجد الوفاء عند توجه المطالبة بعد حلول الأجل.

(8) عن البعض الحالّ.

(9) لا يجبّر المفلّس على بيع داره التي يسكنها لصحيح الحلبي عن عبد الله عليه السلام (لا تباع الدار ولا الجارية في الدين ، ذلك أنه لا بدّ للرجل من ظلّ يسكنه وخادم يخدمه) (1) ،

ص: 41


1- 1. الوسائل الباب - 11 - من أبواب الدين حديث 1.

ولا خادمه (1) ، ولا ثياب تجمله (2). ويعتبر في الأول والأخير ما يليق بحاله كما وكيفا (3) ، وفي الوسط ذلك (4) ، لشرف ، أو عجز ، وكذا دابة ركوبه (5) ، ولو احتاج إلى المتعدد استثنى كالمتحد ولو زادت (6) عن ذلك في أحد الوصفين وجب الاستبدال ، والاقتصار على ما يليق بحاله ، (وظاهر ابن الجنيد بيعها) في الدين

______________________________________________________

وخبر ابن زياد (قلت لأبي عبد الله عليه السلام : إن لي على رجل دينا وقد أراد أن يبيع داره فيقضيني ، فقال عليه السلام : أعندك بالله أن تخرجه من ظل رأسه) (1) ، ومثلها غيرها.

ومن التعليل في صحيح الحلبي يعرف أن الدار التي لا تباع في الدين هي الدار التي يحتاجها لسكناه ، فلو كانت عنده دار زائدة بيعت حينئذ بلا خلاف فيه كما في الجواهر.

بل لو كانت عنده دار واسعة بحيث كان بعضها كامنا لسكناه فيجب بيع الباقي حينئذ ، قال الصدوق في الفقيه (وكان شيخنا محمد بن الحسن يروي أنها إن كانت الدار واسعة يكتفي صاحبها ببعضها فعليه أن يسكن منها ما يحتاج ، ويقضي ببقيتها دينه ، وكذلك إن كفته دار بدون ثمنها باعها واشترى بثمنها دارا ليسكنها ويقضي بالثمن دينه) (2).

وعن التذكرة المنع من بيع الدار وشراء الأدون للنهي عن بيع الدار كما في صحيح الحلبي ، وفيه : إن النهي في صحيح الحلبي وغيره محمول على الدار التي تكون بقدر كفايته ، ولذا اعتبر في الدار المستثناة كونها لائقة بحاله كما وكيفا ، والمشهور على استثناء الدار والخادم ، واستثناء الخادم لنفس صحيح الحلبي المتقدم ، وعن ابن الجنيد الإلزام ببيع الدار والخادم في الدين ، وإن كان الأولى تركه للغريم ، وفيه : إنه اجتهاد في قبال النص.

(1) المحتاج إلى خدمته كما يدل عليه صحيح الحلبي المتقدم.

(2) لاحتياجه إليها كاحتياجه إلى الدار والخادم المنصوص عليهما ، بلا خلاف فيه ، ولأن في بيع ثياب التجمل حرجا وعسرا ، وهما منفيان بالشريعة.

(3) من غير اشتراط الشرف والعجز بخلاف الوسط الذي هو الخادم ، لأنهما من ضروريات المعاش.

(4) أي ما لا يليق بحاله كما وكيفا لشرف أو عجز.

(5) كالوسط باشتراط الشرف أو العجز.

(6) أي لو زادت الأشياء الثلاثة عما يليق بحاله في أحد الوصفين من الكم أو الكيف وجب الاستبدال.

ص: 42


1- (1 و 2) الوسائل الباب -1. من أبواب الدين حديث 3 و 6.

القسم الثانی - دین العبد

اشارة

فی تصرف العبد

(واستحب للغريم تركه ، والروايات متضافرة بالأول (1) وعليه العمل ، وكذا تجرى عليه نفقته يوم القسمة (2) ، ونفقة واجبي النفقة ، ولو مات قبلها (3) قدم كفنه ، ويقتصر منه على الواجب وسطا مما يليق به عادة ، ومئونة تجهيزة (4).

وهذه الأحكام استطردها في كتاب الدين لمناسبته وإن جرت العادة باختصاص الفلس بباب ، ورعاية (5) لإدراج الأحكام بسبيل الاختصار.

(القسم الثاني - دين العبد)

خصه (6) بناء على الغالب من توليه (7) ذلك ، دون الأمة. ولو أبدله بالمملوك كما عبر غيره عمّ ، (ولا يجوز له التصرف فيه) أي في الدين بأن يستدين (8) ، لا

______________________________________________________

(1) أي الاستثناء.

(2) لا خلاف في أنه ينفق عليه نفقته وكسوته ونفقة وكسوة من تجب عليه نفقته إلى يوم قسمة ماله ، ويعطي هو وعياله نفقة ذلك اليوم ، لنفي الحرج والعسر.

(3) قبل القسمة فيقدم كفنه على حقوق الغرماء بلا خلاف فيه لخبر زرارة (سألت أبا عبد الله عليه السلام عن رجل مات وعليه دين بقدر كفنه ، قال : يكفّن بما ترك ، إلا أن يتجر إنسان فيكفنه ويقضي بما ترك دينه) (1) ، وخبر إسماعيل بن أبي زياد عن جعفر عن أبيه عليه السلام (قال رسول الله صلى الله عليه وسلم : إن أول ما يبدأ به من المال الكفن ثم الدين ثم الوصية ثم الميراث) (2) ، والقدر المتيقن من الكفن هو الواجب منه وهو ثلاثة أثواب ، ويعتبر فيها الوسط مما يليق بحاله عادة ، ولا يجب الاقتصار على الأدون - كما في المسالك - مع احتمال الاقتصار على الأدون وبه قطع الشهيد في البيان.

(4) من السدر والكافور وماء الغسل ونحو ذلك.

(5) علة ثانية لذكر هذه الأمور في باب الدين.

(6) أي خصّ الدين بالعبد.

(7) أي تولي العبد الدين.

(8) لا يجوز للملوك أن يتصرف في نفسه بإجارة ولا استدانة ، ولا غير ذلك من العقود ، ولا بما في يده ببيع ولا هبة إلا بإذن سيده ، وعليه فلو أذن المولى للعبد في الاستدانة للمولى كان الدين لازما على المولى بلا خلاف فيه ضرورة كون العبد كالوكيل حينئذ.

ص: 43


1- (1 و 2) الوسائل الباب -1. من أبواب الدين حديث 1 و 2.

فی الإذن علی التجارة

فيما استدانه وإن كان حكمه كذلك ، لدخوله في قوله : (ولا فيما بيده) من الأموال (إلا بإذن السيد) سواء قلنا بملكه أم أحلناه ، (فلو استدان بإذنه) ، أو إجازته (1) (فعلى المولى وإن أعتقه) ، وقيل : يتبع به مع العتق ، استنادا إلى رواية لا تنهض حجة فيما خالف القواعد الشرعية ، فإن العبد بمنزلة الوكيل وانفاقه على نفسه وتجارته بإذن المولى انفاق لمال المولى فيلزمه كما لو لم يعتق ، ولو كانت الاستدانة للمولى فهو عليه قولا واحدا.

(ويقتصر) المملوك (في التجارة على محل الإذن (2) فإن عين له نوعا ، أو

______________________________________________________

ولو أذن المولى للعبد في الاستدانة لنفس العبد ، فعلى المولى كما هو المشهور لصحيح أبي بصير عن أبي جعفر عليه السلام (قلت له : الرجل يأذن لمملوكه في التجارة فيصير عليه دين ، قال : إن كان أذن له أن يستدين فالدين على مولاه ، وإن لم يكن أذن له أن يستدين فلا شي ء على المولى ويستسعي العبد في الدين) (1) ، وعن الشيخ في النهاية والقاضي والعلامة في المختلف وجماعة أنه على المولى ما دام العبد غير معتق ، وكذا لو باعه ، ولكن لو أعتقه فهو على العبد بعد العتق لخبر طريق بيّاع الأكفان (سألت أبا عبد الله عليه السلام عن غلام لي كنت أذنت له في الشراء والبيع فوقع عليه مال الناس ، وقد أعطيت به مالا كثيرا ، فقال : إن بعته لزمك ما عليه ، وإن أعتقته فالمال على الغلام) (2) ، وخبره الآخر قال : (كان أذن لغلام له في البيع والشراء فأفلس ولزمه دين ، فأخذ بذلك الدين الذي عليه ، وليس يساوي ثمنه ما عليه من الدين ، فسأل أبا عبد الله عليه السلام فقال : إن بعته لزمك الدين ، وإن أعتقت لم يلزمك الدين ، فأعتقه ولم يلزمه شي ء) (1) ومثلها غيرها.

وهذه الطائفة ضعيفة السند ومخالفة للقواعد الشرعية لأن المشغول مع الاذن هو المولى لا العبد ، ولو أنفقه على نفسه لأنه إنفاق لمال المولى على مال المولى.

(1) وذلك فيما لو استدان أولا ثم أذن له فيما بعد ، بخلاف الاذن فإنه قبل الاستدانة.

(2) قال في الجواهر : (وإذا أذن له في التجارة اقتصر على موضع الاذن ، فلو أذن له بقدر معين أو زمان أو مكان أو جنس كذلك لم يزدد عليه كما في كل محجور عليه ، وفي التذكرة نسبته إلى علمائنا) انتهى.

ص: 44


1- (1 و 2) الوسائل الباب -1. من أبواب الدين حديث 1 و 2.
2- 2. الوسائل الباب - 31 - من أبواب الدين حديث 3.

مكانا ، أو زمانا تعين وإن أطلق تخير ، (وليس له الاستدانة بالإذن في التجارة (1) لعدم دلالتها عليها (2) إلا أن تكون لضرورتها (3) كنقل المتاع وحفظه مع الاحتياج إليه (4) (فتلزم ذمته (5) لو تعدى المأذون نطقا (6) ، أو شرعا (7) (لو تلف يتبع به بعد عتقه) ويساره (على الأقوى) ، وإلا (8) ضاع ، ولو كانت عينه باقية رجع إلى مالكه ، لفساد العقد (9) ، (وقيل : يسعى فيه) العبد معجلا ، استنادا إلى إطلاق رواية أبي بصير ، وحملت على الاستدانة للتجارة (10) لأن الكسب للمولى فإذا لم يلزمه فعله لا

______________________________________________________

(1) الاذن في التجارة ليس إذنا في الاستدانة للتغاير بينهما ، فلو استدان حينئذ وتلف المال في يد العبد كان الدين لازما لذمة العبد يتبع به بعد العتق على المشهور لوجود سبب الضمان بالنسبة إليه دون سيده ، وعن الشيخ في النهاية أنه يستسعي به معجلا لإطلاق صحيح أبي بصير المتقدم حيث قال : (وإن لم يكن أذن له أن يستدين فلا شي ء على المولى وليستسعي العبد في الدين) (1) ، وحملت الرواية على ما لو استدان لضرورة التجارة. ولم يأذن المولى في التجارة ، فلا إذن في الاستدانة حينئذ كما سيأتي.

(2) أي لعدم دلالة التجارة على الاستدانة.

(3) أي إلا أن تكون الاستدانة لضرورة التجارة فتجوز لأن الاذن في التجارة يدل على الاذن في الاستدانة لضرورة التجارة بالدلالة الالتزامية عرفا.

(4) أي إلى النقل أو الحفظ.

(5) أي ذمة العبد ويتبع به بعد العتق على المشهور كما تقدم.

(6) كما لو أذن له في التجارة في بلد معين ، فخالف وتاجر في بلد آخر.

(7) كما لو حصلت الضرورة المذكورة فاستدان أكثر من اللازم.

(8) أي وإن لم يعتق يضع المال على الدائن.

(9) وهو القرض ، فالتصرف من العبد غير مأذون فيه كما هو المفروض فالقبول الواقع منه كالعدم ، وبه يبطل العقد ويبقى المال على ملكية الدائن ، فيرجع الدائن على عين ماله عند بقاءه.

(10) في الأمور الضرورية لها غير أن المولى لم يأذن بأصل التجارة فلا إذن بالاستدانة حينئذ ، غايته أن كسب العبد في هذه التجارة لمولاه فلا بدّ أن يكون ما يقتضيه الكسب من الدين متعينا من مال المولى ، ولكنه لا نلزم المولى بدفعه بل نلزم العبد بالسعي فيه معجلا للرواية ، وسعي العبد المعجل مال للمولى.

ص: 45


1- 1. الوسائل الباب - 31 - من أبواب الدين حديث 1.

فی ما لو أخذ المولی ما اقترضه المملوک

يدفع من ماله (1).

والأقوى أن استدانته لضرورة التجارة إنما يلزم مما في يده (2) ، فإن قصر استسعى في الباقي ، ولا يلزم المولى من غير ما في يده ، وعليه (3) تحمل الرواية.

(ولو أخذ المولى ما اقترضه المملوك (4) بغير إذنه أو ما في حكمه (5) (تخير المقرض بين رجوعه على المولى) ، لترتب يده على ماله مع فساد القرض ، (وبين اتباع العبد) بعد العتق واليسار ، لأنه كالغاصب أيضا ، ثم إن رجع على المولى قبل أن يعتق المملوك لم يرجع المولى عليه لأنه لا يثبت له في ذمة عبده مال ، وإن كان (6) بعده وكان (7) عند أخذه للمال عالما بأنه قرض فلا رجوع له على المملوك

______________________________________________________

(1) ولكنه يلزمه فعل العبد لأن الكسب له فيكون الوفاء عن ماله على بيان قد تقدم.

(2) أي يد العبد.

(3) أي على ما لو قصّر ما في يد العبد عن وفاء الدين تحمل الرواية باستسعاء العبد ، وإنما هو استسعاء في الباقي ، وفيه : ما دام الدين لازما للمولى لأن كسب التجارة التي استدان لضرورتها إنما هو للمولى فلا بدّ من إلزام المولى من غير ما في يد العبد ، وقد يجاب بأن هذا مبنى على وجود الرواية والعمل بها وحملها على هذا الوجه أقرب من غيره من الوجوه التي ذهب إليها المشهور أو الشيخ في النهاية.

(4) لو اقترض المملوك بغير إذن سيده فأخذه المولى وقد تلف في يده كان المقرض بالخيار بين مطالبة المولى وبين إتباع المملوك إذا أعتق وأيسر ، لثبوت يد كل منهما على مال بغير حق ، فإن رجع على المولى قبل أن يعتق العبد لم يرجع المولى على العبد بشي ء لعدم تعلق ضمان العبد لمولاه ، ولعدم ثبوت المال للمولى على ماله ، ولا دليل على تجدده بعد العتق.

وإن رجع على العبد فهو رجوع على المولى لأن العبد وما يملك لمولاه ، هذا كله إذا كان الرجوع قبل عتق العبد ، ولو كان الرجوع بعده فإن رجع على العبد فله الرجوع على المولى لاستقرار التلف في يده إذا لم يكن العبد قد غرّ مولاه.

وإن رجع على المولى فإن كان مغرورا بحيث لم يعلم أن المال الذي في يد العبد هو دين للغير ، بل ادعى العبد أن المال المذكور إنما هو من كسبه ، يرجع المولى على العبد لمكان الغرور.

وإن لم يكن مغرورا ، بل كان عالما بأنه دين للغير فلا يرجع المولى على العبد لتفريطه.

(5) أي حكم الإذن ، وهو الاستدانة لضرورة التجارة المأذون بها.

(6) أي كان الرجوع على المولى بعد العتق.

(7) أي المولى.

ص: 46

أيضا لتفريطه ، وإن كان قد غره بأن المال له اتجه رجوعه عليه لمكان الغرور ، وإن رجع المقرض على العبد بعد عتقه ويساره فله الرجوع على المولى لاستقرار التلف في يده ، إلا أن يكون قد غر المولى فلا رجوع له عليه.

ص: 47

ص: 48

کتاب الرهن

اشارة

كتاب الرهن

ص: 49

ص: 50

فی تعریفه

كتاب الرهن (1)

[في تعريفه]

(وهو وثيقة للدين) والوثيقة فعيلة بمعنى المفعول أي موثوق به لأجل الدين ، والتاء فيها (2) لنقل اللفظ من الوصفية إلى الاسمية كتاء الحقيقة لا للتأنيث ،

______________________________________________________

(1) الرهن لغة هو الثبات والدوام ، فيقال : رهن الشي ء إذا ثبت ودام ، ومنه نعمة راهنة ، ويطلق على الحبس بأي سبب كان ، قال تعالى : ( كُلُّ نَفْسٍ بِمٰا كَسَبَتْ رَهِينَةٌ ) (1) أي محبوسة.

وطفحت عباراتهم بأنه شرعا هو : وثيقة لدين المرتهن ، وهو مأخوذ من الحبس.

والوثيقة فعلية قد يكون بمعنى الفاعل والمفعول ، والأنسب هنا الثاني ، لأن الرهن موثوق به ، ثم إن اللام في (لدين المرتهن) تعليلية ، أي لأجله ، ويمكن كونها للتعدية.

(2) أشكل على تعريف الرهن المتقدم بأمور :

الأول : إن الوثيقة قد وقعت في التعريف خبرا ، والمبتدأ هو الضمير المنفصل ، وهذا يقتضي عدم المطابقة بين المبتدأ والخبر في التذكير والتأنيث ، وهو خلل لفظي ، ويمكن دفعه بأن لفظ الوثيقة مما يستوي فيه التذكير والتأنيث في الاستعمال - كما صرح به في الجواهر عن بعضهم - ، فخرجت التاء عن التأنيث.

بل قيل : إن التاء فيها للنقل من الوصفية إلى الاسمية لا للتأنيث كما في تاء الحقيقة والأكيلة والنطيحة ، وعلى كل فتحصل المطابقة ..

الأمر الثاني : إن إدخال المرتهن في التعريف يفضي إلى الدور ، لأن المرتهن قابل الرهن ،

ص: 51


1- 1. سورة المدثر ، الآية : 38.

فلا يرد عدم المطابقة بين المبتدأ والخبر في التذكير والتأنيث ، وأتى بالدين معرفا من غير نسبة له إلى المرتهن حذرا من الدور باعتبار أخذه (1) فى التعريف ، وفي بعض النسخ لدين المرتهن.

ويمكن تخلّصه منه (2) بكشفه (3) بصاحب الدين ، أو من له الوثيقة من غير أن يؤخذ الرهن في تعريفه. والتخصيص (4) بالدين إما مبني على عدم جواز الرهن على غيره وإن كان مضمونا كالغصب ، لكن فيه أن المصنف قائل بجواز الرهن عليه (5) ، وعلى ما يمكن تطرق ضمانه كالمبيع (6) وثمنه ، لاحتمال فساد البيع باستحقاقهما ، ونقصان قدرهما ، أو (7) على أن الرهن عليهما (8) إنما هو لاستيفاء الدين على تقدير ظهور الخلل بالاستحقاق (9) ، أو تعذر العين (10).

______________________________________________________

أو من له الرهن ، فيتوقف تعريف كل منهما على الآخر ، ويدفع بإمكان كشف المرتهن بوجه لا يدخل الرهن في مفهومه بأن يقال : هو صاحب الدين ، ولذا عرّف الشهيد الرهن في الدروس بأنه وثيقة للمدين يستوفى منه المال ، وعرّفه هنا بأنه وثيقة للدين ، فسلم من هذا الإشكال.

(1) أي باعتبار أخذ الرهن في تعريف المرتهن فلو دخل المرتهن في تعريف الرهن للزم الدور.

(2) أي ويمكن تخلص المصنف من الدور عند ما عرّف الرهن بأنه وثيقة لدين المرتهن على ما في بعض النّسخ.

(3) أي بتفسير المرتهن.

(4) الأمر الثالث الذي أورد على تعريف الرهن هو : أن تخصيص الرهن بالوثيقة للدين ليس في محله ، إذ قد يكون الرهن على الأعيان المضمونة كالمغصوب والمستعار مع الضمان مع أنها ليست دينا.

وفيه : إن الرهن على المذكورات مما فيه خلاف بخلاف الرهن على الدين ، وعلى تقدير الجواز فالرهن عليها إنما هو لاستيفاء الدين على تقدير تعذر العين.

(5) أي على غير الدين فيما لو كان مضمونا.

(6) كأن يأخذ المشتري من البائع وثيقة يستوفي منها المبيع إذا تبين أن المبيع مستحق للغير.

(7) تعليل ثان لتخصيص الرهن بأنه وثيقة للدين.

(8) على المبيع وثمنه.

(9) أي استحقاق المبيع أو ثمنه لغير البائع والمشتري.

(10) في المغصوب.

ص: 52

وفيه تكلف (1) ، مع أنه (2) قد يبقى بحاله فلا يكون دينا ، وفيه (3) على تقدير عدم الإضافة إلى المرتهن إمكان الوثيقة بدون الرهن ، بل بالوديعة والعارية ومطلق وضع اليد فيؤخذ مقاصة عند جحود المديون الدين ، وهو توثيق في الجملة ، ويفتقر الرهن (4) إلى إيجاب وقبول كغيره من العقود.

______________________________________________________

(1) أي في التعليل الثاني تكلف ناشئ من عدم تسمية تعذر العين أو ظهور الاستحقاق دينا.

(2) أي مع أن المبيع أو ثمنه قد يبقيان على حالهما عند ظهور استحقاقهما للغير فلا ينطبق اسم الدين إذا كان البيع قد تعلق بالعين الشخصية لبطلان البيع ، نعم لو تعلق بأمر كلي ثم ظهر أن ما قدمه كان مستحقا للغير فتكون ذمته مشغولة بالمبيع الكلي فيصدق حينئذ اسم الدين.

(3) أي وفي تعريف المصنف للرهن هنا من دون إضافة الدين للمرتهن إشكال بأنه غير مانع للأغيار ، وذلك فيما لو كان عند الدائن وديعة للمديون ، فالوديعة وثيقة لدينه مع أنها غير رهن ، فلا بدّ من إضافة الدين حينئذ للمرتهن لتخرج الوديعة والعارية والمال المغصوب من المديون لو كان تحت يد الدائن فيكون التعريف مانعا حينئذ لهذه الأغيار وإن أفضى إلى الدور.

(4) الرهن جائز غير محرم بلا خلاف فيه ، ففي الخبر عن محمد بن مسلم عن أحدهما عليه السلام (سألته عن الرهن والكفيل في بيع النسيئة ، فقال : لا بأس به) (1) ، ومثله غيره ، نعم يكره أخذه من المؤمن لمرسل مروك بن عبيد عن أبي عبد الله عليه السلام (من كان الرهن عنده أوثق من أخيه المسلم فالله منه بري ء) (2) ، ولكنه مخصوص في زمن القائم عليه السلام وعجل الله تعالى فرجه على ما في خبر علي بن سالم عن أبيه (سألت أبا عبد الله عليه السلام عن الخبر الذي روي أن من كان الرهن أوثق منه بأخيه المؤمن فأنا منه بري ء ، قال : ذلك إذا ظهر الحق وقام قائمنا أهل البيت) (3).

والرهن عقد بالاتفاق لاحتياجه إلى طرفين ، وعقده مفتقر إلى إيجاب وقبول ، وقد تقدم في البيع صحة الإنشاء بالمعاطاة ، وقد تقدم كفاية دلالة اللفظ على المعنى ولو بالقرينة ، سواء كان العقد لازما أم جائزا - فما عن المشهور من اشتراط اللفظ الصريح في العقود اللازمة دون الجائزة ليس في محله لعدم الدليل عليه.

ص: 53


1- 1. الوسائل الباب - 1 - من كتاب الرهن حديث 2.
2- (2 و 3) الوسائل الباب -2. من كتاب الرهن حديث 1 و 2.

فی صیغته

(والإيجاب رهّنتك ، أو وثقتك) بالتضعيف ، أو أرهنتك (1) بالهمزة (أو هذا رهن عندك ، أو على مالك) ، أو وثيقة عندك ، أو خذه على مالك ، أو بمالك ، أو أمسكه حتى أعطيك مالك بقصد الرهن (2) ، (وشبهه) مما أدى هذا المعنى ، وإنما لم ينحصر هذا العقد في لفظ كالعقود اللازمة (3) ، ولا في الماضي (4) ، لأنه ، جائز من طرف المرتهن الذي هو المقصود الذاتي منه (5) ، فغلّب فيه جانب الجائز (6) مطلقا (7) ، وجوزه المصنف في الدروس بغير العربية (8) ، وفاقا للتذكرة.

(وتكفي الإشارة (9) في الأخرس (10) وإن كان (11) عارضا ، (أو الكتابة)

______________________________________________________

وعليه فكل لفظ يدل على الارتهان كقوله : رهّنتك أو هذه وثيقة عندك ، وما أدى هذا المعنى كوثّقتك وهذا رهن عندك فهو كاف.

(1) فهو بمعنى رهّنتك على لغة كما في المسالك والتنقيح ، بل هي أوضح دلالة من كثير مما عدوه ، بل عن الصحاح والمصباح والقاموس (رهن وأرهن بمعنى) ، فما عن المهذب البارع من أنه لا يقال : أرهن مردود بما سمعت.

(2) قال الشارح في المسالك : (ولو قال أمسكه حتى أعطيك مالك وأراد الرهن جاز ، ولو أراد الوديعة أو اشتبه فليس برهن) انتهى.

(3) بل قد عرفت عدم الاشتراط حتى في العقود اللازمة.

(4) تخصيص بعد التعميم ، ومثال غير الماضي كقوله : خذ هذا وثيقة على مالك.

(5) من الرهن.

(6) وهو ترجيح بلا مرجح كما في الجواهر.

(7) في عدم الانحصار في لفظ مخصوص ولا في الماضي.

(8) قال في الجواهر : (إلا أن الظاهر اعتبار العربية فيه على القولين - الجائز واللازم - لانصراف الإطلاق إليه - أي انصراف العقد إلى العربي فقط - ، بل في جامع المقاصد نمنع صدق العقد على ما كان باللفظ العجمي مع القدرة على العربي) انتهى ، وهو كما ترى لما تقدم في كتاب البيع من صحة كل ما يكون عقدا بنظر العرف ، والمنعقد بغير العربي عقد بنظر أهله.

(9) أي الإشارة المفهمة للمقصود.

(10) في الجواهر (بلا خلاف فيه لقيامها حينئذ مقام اللفظ كما يفهم ذلك مما ورد في تلبية الأخرس وتشهده).

(11) أي الخرس.

ص: 54

فی شرط الدوام

(معها) أي مع الإشارة بما يدل على قصده ، لا بمجرد الكتابة (1) ، لإمكان العبث ، أو إرادة أمر آخر (2) (فيقول المرتهن : قبلت وشبهه) من الألفاظ الدالة على الرضا بالإيجاب ، وفي اعتبار المضي (3) والمطابقة (4) بين الإيجاب والقبول وجهان.

وأولى (5) بالجواز هنا لوقوعه ممن هو ليس بلازم من طرفه

(ويشترط دوام الرهن (6) بمعنى عدم توقيته بمدة ، ويجوز تعليق الإذن في التصرف (7) على انقضاء أجل وإطلاقه (8) ، فيتسلط عليه (9) من حين القبول والقبض إن اعتبرناه (فإن ذكر أجلا) للتصرف (اشترط ضبطه) (10) بما لا يحتمل الزيادة والنقصان ، أما لو شرطه للرهن (11) بطل العقد.

______________________________________________________

(1) وفيه : كفاية الكتابة لصدق العقد عليها عرفا ، وإمكان العبث فيها كإمكان الهزل وعدم الجد في اللفظ ، ونفي احتمال غير الجدّ في اللفظ بالأصل العقلائي يجري بعينه في احتمال العبث في الكتابة.

(2) غير العبث.

(3) أي اعتبار الماضوية في القبول.

(4) أي عدم الفصل بين الإيجاب والقبول بما يعتدّ به ، وقال في المسالك عن الماضوية والمطابقة : (إذ يمكن القول باعتبارهما نظرا إلى اللزوم بوجه ، وعدمه التفاتا إلى الجواز من قبل القابل) انتهى.

(5) أي والعدم أولى بالجواز هنا في طرف القبول ، ووجه الأولوية أنه إذا جاز عدم الماضوية من طرف الراهن مع أن العقد لازم من جهته فالعدم من طرف المرتهن مع أن العقد جائز من جهته يكون أولى.

(6) لأن اشتراط التوقيت مناف لمعنى الرهن الذي هو الحبس ، ومناف لفائدة الرهن التي هي الاستيثاق ، إذ قد لا يتيسر الوفاء في الأمد المضروب فينتهي الرهن ويبقى الدين من غير وثيقة ، وهو على خلاف القصد من الرهن ، فيتعين بقاء الرهن إلى أداء الدين ، وهذا ما يوجب دوامه بلا خلاف في ذلك كله.

(7) لو علّق تصرف المرتهن في الرهن على أجل جاز لعدم المانع بعد عدم منافاته لمعنى الرهن.

(8) أي ويجوز إطلاق الاذن في التصرف.

(9) تفريع على الإطلاق ، والمعنى أن المرتهن يتسلط على الرهن.

(10) فلا بدّ من معرفة زمان جواز التصرف للمرتهن حتى لا يقع التنازع.

(11) أي لو شرط الأجل للرهن وإن كان مضبوطا بطل العقد كما تقدم.

ص: 55

(ويجوز اشتراط الوكالة) في حفظ الرهن (1) ، وبيعه ، وصرفه في الدين (للمرتهن ، وغيره ، والوصية له ، ولوارثه) على تقدير موت الراهن قبله ، (وإنما يتم) الرهن (بالقبض على الأقوى (2) للآية والرواية. ومعنى عدم تماميته

______________________________________________________

(1) يجوز للمرتهن اشتراط الوكالة في الرهن بأن يحفظ العين المرهونة وبأن يبيعها ويصرفها في الدين عند عدم الوفاء ، ويجوز للمرتهن اشتراط الوكالة بما ذكر لغيره سواء كان الغير وارثا أم لا ، بلا خلاف فيه كون الشرط سائغا ، غير معارض للكتاب والسنة ، فيندرج في عموم (المؤمنون عند شروطهم) (1).

وكذا يجوز للمرتهن اشتراط الوصية على الراهن بأن يوصي لو مات الراهن قبله بأن يحفظ المرتهن المتاع أو يبيحه أو يكون ذلك لوارث المرتهن ، لأنه من الشروط السائغة.

(2) ذهب جماعة منهم الشيخ وبنو حمزة والجنيد والبراج والطبرسي إلى أن القبض من المرتهن شرط في لزوم الرهن لقوله تعالى : ( فَرِهٰانٌ مَقْبُوضَةٌ ) (2) ، وحيث أمر بالرهن المقبوض فلا يتحقق المطلوب شرعا بدونه ، ولخبر محمد بن قيس عن أبي جعفر الباقر عليه السلام أو أبي عبد الله عليه السلام على اختلاف الكتب (لا رهن إلا مقبوضا) (3).

وفيه : إن الآية دالة على اشتراط القبض من ناحية المفهوم الوصفي ، وهو ضعيف كما قرّر في محله ، ولو قلنا بحجية المفهوم الوصفي فالوصف هنا غالبي ولا مفهوم له ، لأنه مع السفر وعدم الكاتب فالغالب في الرهن أن يكون مقبوضا حتى يستوثق على دينه ، قال تعالى : ( وَإِنْ كُنْتُمْ عَلىٰ سَفَرٍ وَلَمْ تَجِدُوا كٰاتِباً فَرِهٰانٌ مَقْبُوضَةٌ ) (4) ، فالآية حينئذ للإرشاد إلى ذلك.

ويؤيد هذا الحمل عدم الخلاف بين الفقهاء في أن استدامة القبض ليست بشرط كما سيأتي ، وكذا لو وكّل المرتهن الراهن بالقبض لكفى به وهذا كاشف عن أن قبض المرتهن ليس بشرط.

وأما الخبر فهو غير حجة لكون محمد بن قيس مشتركا بين الثقة وغيره ، ولذا ذهب الشيخ في أحد قوليه وابن إدريس والفاضل وولده والمحقق الثاني وغيرهم بل نسب إلى الأكثر إلى عدم الاشتراط.

والإنصاف يقتضي القول بأن محمد بن قيس هو البجلي الثقة لا الأسدي الضعيف بقرينة

ص: 56


1- 1. الوسائل الباب - 20 - من أبواب المهور حديث 4.
2- 2. سورة البقرة ، الآية : 283.
3- 3. الوسائل الباب - 3 - من أبواب الرهن حديث 1.
4- 4. سورة البقرة ، الآية : 283.

بدونه (1) كونه جزء السبب للزومه من قبل الراهن (2) كالقبض في الهبة بالنسبة إلى المتهب (3). وقيل : يتم بدونه للأصل (4) ، وضعف سند الحديث ، ومفهوم الوصف في الآية. واشتراطه (5) بالسفر فيها وعدم الكاتب يرشد إلى كونه للإرشاد ، ويؤيده كون استدامته ليست بشرط ، بل قبض المرتهن (6) ، لجواز توكيله الراهن فيه (7). وهذا أقوى ، وعلى اشتراطه (فلو جنّ) الراهن ، (أو مات ، أو أغمي عليه ، أو رجع فيه قبل اقباضه بطل (8) الرهن كما هو شأن العقود الجائزة عند عروض هذه الأشياء. وقيل : لا يبطل ، للزومه من قبل الراهن فكان كاللازم مطلقا (9) ، فيقوم وليه (10) مقامه ، لكن يراعي ولي المجنون

______________________________________________________

رواية عاصم عنه ، نعم يحتمل أن يكون المراد منه نفي الطمأنينة من دون القبض بعد إرادة العين المرهونة من المنفي ، ومع الاحتمال ينتفي الاستدلال به على المدعى.

(1) أي عدم تمامية الرهن بدون القبض.

(2) أي القبض شرط في لزوم الرهن بالنسبة إلى الراهن.

(3) أي أن القبض شرط في لزوم الرهن بالنسبة للراهن كالقبض شرط في ملك المتهب.

(4) أي أصالة عدم اشتراط القبض.

(5) أي واشتراط القبض بالسفر في الآية.

(6) أي أن قبض المرتهن ليس بشرط.

(7) وفيه : إن قبض الوكيل قبض الموكل فلو شرطنا القبض فلا إشكال مع التوكيل.

(8) أي لو نطق الراهن بالإيجاب وقبل المرتهن ثم جنّ الراهن أو أغمي عليه أو مات أو رجع فيه قبل القبض يبطل الرهن لعدم تحقق القبض الذي هو شرط فيه كما هو المفروض ، قال الشارح في المسالك : (ولا شبهة في كون عروض هذه الأشياء للراهن لا يقتضي انعقاد الرهن بناء على اشتراط القبض فيه ، إنما الكلام في أنه هل يبطل بذلك بناء على أنه قبل القبض عقد جائز ، ومن شأن الجائز بطلانه بعروض هذه الأشياء كالهبة قبل القبض ، وبه قطع في القواعد والدروس ، أو لا يبطل بذلك لأنه ليس على حد العقود الجائزة مطلقا بل هو آئل إلى اللزوم كبيع الخيار ، فإنه لا يبطل بموت البائع زمنه ، وبه قطع في التذكرة.

وعلى الثاني يقوم الولي مقام الراهن في استحقاق الإقباض ، لكن ولي المجنون يراعي مصلحته فإن كان الحظ في الإقباض بأن يكون شرطا في بيع يتضرر بفسخه أو غير ذلك من المصالح أقبضه ، وإن كان الحظ في تركه لم يجز له إقباضه) انتهى.

(9) من الطرفين.

(10) ولي الراهن في استحقاق الإقباض.

ص: 57

مصلحته (1) ، فإن كان الحظ في الزامه بأن يكون شرطا في بيع يتضرر بفسخه أقبضه وإلا أبطله.

ويضعف (2) بأن لزومه على القول به مشروط بالقبض ، فقبله جائز مطلقا ، فيبطل كالهبة قبله ، ولو عرض ذلك للمرتهن (3) فأولى بعدم البطلان لو قيل به ثمّ (4) ، ولو قيل به في طرف الراهن فالأقوى عدمه هنا (5). والفرق تعلق حق الورثة والغرماء بعد موت الراهن بماله ، بخلاف موت المرتهن فإن الدين يبقى فتبقى وثيقته لعدم المنافي (6) ، وعلى هذا (7) لا يجبر الراهن على الاقباض لعدم

______________________________________________________

(1) مصلحة الراهن.

(2) بأن هذه الفروع مبنية على كون القبض شرطا في لزوم العقد ، فقبل القبض هو جائز مطلقا بالنسبة للطرفين كالهبة قبل القبض ، ولذا إذا انتفى القبض بطل العقد ، ولكن قد عرفت عدم كون القبض شرطا في لزوم العقد.

(3) أي لو عرض الإغماء أو الجنون أو الموت أو الرجوع من المرتهن قبل تحقق القبض من طرفه وإن تحقق الإقباض من طرف الراهن ، فلا يتحقق القبض حينئذ الذي هو شرط في لزوم العقد ، وهل يبطل العقد بذلك أو لا ، فإن قلنا بعدم البطلان سابقا كما في التذكرة فنقول بعدمه هنا لنفس الدليل السابق ، لأنه عقد آئل إلى اللزوم كبيع الخيار فلا يبطله موت المشتري زمن الخيار ، بل هنا أولى ، لعدم المنافي كما سيأتي بيانه.

وإن قلنا بالبطلان سابقا كما عن القواعد والدروس فإنه لا يبطل هنا ، قال الشارح في المسالك : (والفرق تعلق حق الورثة - والديّان بعد موت الراهن به - أي بالرهن فلا يستأثر به أحد ، بخلاف موت المرتهن فإن الدين باق فتبقى وثيقته) انتهى.

(4) أي لو قيل بالبطلان في موت الراهن.

(5) أي لو قيل بالبطلان في موت الراهن فالأقوى عدم البطلان في موت المرتهن.

(6) المنافي هو تعلق حق الغرماء والورثة في الرهن ، وهو معدوم أن صاحبه وهو الراهن لم يمت بحسب الفرض لأن الموت للمرتهن.

(7) أي على اشتراط القبض في اللزوم كما فسره سلطان العلماء ، وفسره بعض بأنه على تقدير عدم البطلان في موت المرتهن ، وهو الأولى لسياق الكلام هنا وكلام الشارح في المسالك حيث قال : (وعلى تقدير بقاء الصحة لا يجبر الراهن على الإقباض - بعد موت المرتهن - لأنه لم يلزم بعد ، إلا أن يكون - أي الإقباض - مشروطا في عقد لازم ، فالأقوى وجوبه وإلزامه به خلافا للشهيد والفاضل) انتهى.

ص: 58

لزومه بعد إلا أن يكون مشروطا في عقد لازم فيبني على القولين (1).

(ولا يشترط دوام القبض (2) ، للأصل بعد تحقق الامتثال به (فلو أعاده إلى الراهن فلا بأس) وهو موضع وفاق ، (ويقبل إقرار الراهن بالإقباض (3) ، لعموم إقرار العقلاء (إلا أن يعلم كذبه) كما لو قال : رهنته اليوم داري التي بالحجاز وهما بالشام وأقبضته إياها فلا يقبل ، لأنه محال عادة ، بناء على اعتبار وصول القابض ، أو من يقوم مقامه إلى الرهن في تحققه (4) ، (فلو ادعى) بعد الإقرار بالقبض (المواطأة) (5)

______________________________________________________

(1) القولان هما : إن الرهن المشروط في عقد لازم هل يوجب استحقاق المرتهن القبض من الراهن أو لا ، قال بالأول الشارح تمسكا بالشرط في العقد اللازم ، وقال بالثاني الشهيد الأول والفاضل بعدم جبر الراهن على الدفع غايته يثبت للمرتهن حق فسخ العقد اللازم الذي وقع فيه الاشتراط ليس إلا لعدم تحقق شرط.

(2) استدامة القبض ليست شرطا بلا خلاف فيه ، قال في الجواهر : (بل الإجماع بقسميه عليه ، بل لعل المحكي منهما مستفيض أو متواتر ، وهو الحجة) ، وقال في المسالك : (هذا عندنا موضع وفاق نقل الإجماع عليه في التذكرة ، نعم خالف جماعة من العامة - أبو حنيفة وأحمد ومالك - نظرا إلى الوصف المتقدم في الآية ، وعدم دلالتها على الاستمرار واضح). انتهى.

(3) لو رهن ما هو غائب عن مجلس العقد فلا يتحقق القبض بمجرد ، انتهاء العقد ، لأن التخلية وإن كانت كافية في صدق القبض في غير المنقول ، إلا أنه هنا لا بدّ من مضي زمان حتى يحضر المرتهن أو القائم مقامه عند الرهن ويقبضه بما يصدق معه التخلية بلا خلاف فيه.

ولذا لو أقر الراهن بالإقباض قضي عليه لعموم (إقرار العقلاء على أنفسهم جائز) (1) ، إلا أن يعلم كذبه فلا عبرة به ، كأن يقول : رهنت اليوم داري التي بالحجاز وهما بالشام ، وأقبضته إياها ، فلا يلتفت إليه ، للمحال العادي بناء على اعتبار وصول المرتهن أو من يقوم مقامه عند الرهن مع قبضه.

(4) أي تحقق الإقباض.

(5) بأن تواطأ الراهن والمرتهن بأن يقولا بحصول القبض مع أن القبض غير حاصل ، وهذه

ص: 59


1- 1. الوسائل الباب - 3 - من كتاب الإقرار حديث 2.

على الإقرار والإشهاد عليه (1) إقامة لرسم الوثيقة حذرا من تعذر ذلك إذا تأخر إلى أن يتحقق القبض سمعت دعواه لجريان العادة بذلك (فله إحلاف المرتهن) على عدمها (2) وأنه (3) وقع موقعه.

هذا إذا شهد الشاهدان على إقراره ، أما لو شهدا على نفس الإقباض لم تسمع دعواه (4) ولم يتوجه اليمين ، وكذا لو شهدا على إقراره به (5) فأنكر الإقرار لأنه تكذيب للشهود ، ولو ادعى الغلط في إقراره وأظهر تأويلا ممكنا (6) فله إحلاف المرتهن أيضا ، وإلا فلا على الأقوى (7).

______________________________________________________

المواطاة من أجل كتابة القبض في وثيقة أمام شاهدين حذرا من تعذر إقامة الوثيقة إذا تأخر ذلك إلى أن يتحقق القبض الفعلي.

فأقر الراهن بالقبض للمواطاة ، وبعد الإقرار ادّعى المواطاة فإن وافقه المرتهن فهو ، وإلا فقول الراهن يوافقه الظاهر لأن المواطاة مما تجري العادة فيها لوقوع ذلك كثيرا ، وقول المرتهن يوافقه الأصل ، لأن الأصل عدم وقوع المواطاة ، والأصل هنا مقدم على الظاهر ، فالمرتهن هو المنكر لموافقة قوله الأصل ، فيقدم قوله مع يمينه ويكون للراهن إحلافه.

(1) على الإقرار.

(2) عدم المواطاة.

(3) أي الإقرار المذكور.

(4) أي لم تسمع دعوى الراهن بالمواطاة ، لأن سماعها تكذيب للشهود ، ومع سقوط دعوى المواطاة يؤخذ بإقراره بالقبض ، ولا يمين على منكر المواطاة الذي هو المرتهن.

(5) أي إقراره بالقبض.

(6) أي ما لو أقر بالقبض وشهد شاهدان بذلك ثم ادعى الغلط في الإقرار وأظهر تأويلا ممكنا قال الشارح في المسالك : (نعم لو ادعى الغلط في إقراره وأظهر تأويلا ممكنا ، بأن قال : إني أقبضته بالقول وظننت الاكتفاء به ، حيث يمكن في حقه توهم ذلك ، أو قال : استندت فيه إلى كتاب كتبه إليّ وكيلي فظهر مزوّرا ، ونحو ذلك ، سمعت دعواه ، بمعنى توجه اليمين على المرتهن بأن القبض حقيقي ، أو على نفي ما يدعيه الراهن ، لأن الأصل صحة الإقرار ومطابقته للواقع.

واستقرب في التذكرة توجه اليمين على المرتهن وإن لم يظهر تأويلا محتجا بأن الغالب في الوثائق وقوع الشهادة قبل تحقيق ما فيها فلا حاجة إلى تلفظه بها). انتهى.

(7) أي وإن لم يظهر تأويلا ممكنا فلا يمين على المرتهن ، وإنما يؤخذ الراهن بإقراره ولا تسمع دعواه بالغلط في قبال العلامة في التذكرة بتوجه اليمين على المرتهن في هذه الصورة.

ص: 60

(ولو كان) الرهن (بيد المرتهن فهو قبض (1) لصدق كونه رهنا مقبوضا ، ولا دليل على اعتباره مبتدأ بعد العقد ، وإطلاق العبارة يقتضي عدم الفرق بين المقبوض بإذن وغيره (2) كالمغصوب. وبه (3) صرح في الدروس ، والوجه واحد (4) ، وإن كان منهيا عن القبض هنا (5) لأنه (6) في غير العبادة غير مفسد. وقيل : لا يكفي ذلك ، لأنه (7) على تقدير اعتباره في اللزوم (8) ركن فلا يعتد

______________________________________________________

(1) هذه الفروع مبنية على اشتراط القبض في لزوم العقد ، وعليه فإذا كانت العين المرهونة في يد المرتهن قبل الرهن وكانت يده يد أمانة ، ومأذون في ذلك شرعا كالعارية والوديعة والإجارة ، فاستدامة القبض على العين التي أصبحت مرهونة كافية في تحقق القبض المشترط في الرهن ، والأدلة التي توجب القبض في الرهن لا تعينه بكونه قبضا مبتدأ بعد الرهانة ، فاشتراط القبض الابتدائي حينئذ لا دليل عليه بل الأصل عدمه ، وما دل عليه الدليل هو مطلق القبض ، وهو متحقق هنا باستمرار القبض لو كان مقبوضا سابقا بغير الرهانة.

(2) أي لو كان قبض المرتهن للعين قبل الرهن غير مأذون فيه شرعا كالغصب فهل يكون استمراره قبضا للرهن أو لا؟ ذهب الأكثر إلى أن استمراره قبض كذلك ، لصدق القبض عليه ، ودعوى أنه منهي عنه شرعا فلا يكفي في تحقق الشرط لأن النهي يقتضي الفساد مردودة بأن النهي يقتضي الفساد في العبادات لا المعاملات ، فالقبض وإن وقع منهيا عنه إلا أنه غير فاسد فيكتفى به.

وذهب يحيى بن سعيد وقد نسب إلى العلامة في القواعد إلى عدم الاكتفاء بهذا القبض ، لأن القبض على تقدير اشتراطه في الرهن هو ركن من أركان العقد من الجهة التي يعتبر لأجلها ، وهو اللزوم ، وإذا كان ركن فلا يقيّد به شرعا لو وقع منهيا عنه ، والنهي لا يقتضي الفساد في المعاملات حيث تتم جميع أركان العقد.

ويؤيده أنه لو قبضه بغير إذن الراهن لم يصح بلا خلاف فيه لكونه قبضا غير مأذون فيه شرعا ، والقبض في مسألتنا مثله ، وما ذلك في المقامين إلا لكون القبض ركنا فالنهي عنه موجب لفساده.

(3) أي وبعدم الفرق.

(4) والوجه هو صدق القبض واحد في المقامين.

(5) في المغصوب.

(6) لأن النهي.

(7) لأن القبض.

(8) في لزوم الرهن.

ص: 61

بالمنهي عنه منه (1) ، وإنما لا يقتضي (2) الفساد حيث تكمل الأركان ، ولهذا لا يعتد به (3) لو ابتدأه بغير إذن الراهن ، (و) على الاكتفاء به (4) (لا يفتقر إلى إذن) جديد (في القبض ، ولا إلى مضي زمان) يمكن فيه تجديده (5) لتحقق القبض قبله (6) ، فاعتبار أمر آخر (7) تحصيل للحاصل ، وللأصل.

وقيل : يشترطان في مطلق القبض السابق (8) ، وقيل : في غير الصحيح (9) ، لأن ، المعتبر منه (10)

______________________________________________________

(1) من الركن.

(2) أي النهي.

(3) بالقبض.

(4) أي بالقبض السابق ، فقد ذهب العلامة في التذكرة إلى اشتراط الاذن ومضي زمان يمكن تجدد القبض فيه لو كان القبض السابق غير مأذون فيه ، ونقل الشهيد في الدروس عن الشيخ اشتراط الاذن ومضي الزمان المذكور في القبض السابق سواء كان مأذونا فيه أم لا.

وذهب الأكثر على أنه لا يشترط الاذن ولا مضي زمان يمكن تجدد القبض ، ما دام مقبوضا سابقا ، سواء كان القبض مأذونا فيه أم لا ، لأصالة البراءة من الاشتراط ، ولأن اشتراط الاذن في القبض مع مضي زمان يمكن تجدد القبض فيه وقد تحقق القبض السابق طلب للحاصل وهو محال.

(5) أي يمكن في هذا الزمان تجديد القبض.

(6) أي قبل كل واحد من الاذن الجديد ومضي زمان.

(7) بعد القبض السابق.

(8) مأذونا فيه أو غير مأذون كما نسب إلى الشيخ.

(9) كما نسب إلى العلامة في التذكرة.

(10) أي من القبض ، وحاصل الدليل على اشتراطهما في مطلق القبض السابق أن القبض المعتبر في الرهن هو القبض الحاصل بعد الرهن وهذا لا يتم إلا بإذن الراهن ، ومن ضروريات تحصيله مضي زمان يمكن أن يحصل فيه ، فالاذن في القبض دال على القبض بالمطابقة وعلى مضي الزمان بالالتزام ، ولكن الالتزام بالقبض الفعلي بعد الرهن تحصيل للحاصل لأنه مقبوض سابقا ، أو يلزم اجتماع المثلين وهو محال ، فلا بد من حمل الاذن في القبض على المعنى الالتزامي فقط لتعذر المطابقي ، فيحمل الاذن بالقبض على مضي الزمان فقط ، وباعتبار أن الاذن في القبض شرط لأن الاذن من مستلزمات القبض الذي

ص: 62

ما وقع بعد الرهن وهو (1) لا يتم إلا بإذن كالمبتدإ ، والإذن فيه (2) يستدعي تحصيله ، ومن ضروراته (3) مضي زمان ، فهو (4) دال عليه (5) بالمطابقة ، وعلى الزمان بالالتزام ، لكن مدلوله (6) المطابقي منتف ، لإفضائه إلى تحصيل الحاصل واجتماع الأمثال ، فيبقى الالتزامي. ويضعّف بمنع اعتبار المقيد بالبعدية (7) ، بل الأعم وهو (8) حاصل ، والزمان (9) المدلول عليه التزاما (10) من توابعه (11) ومقدماته (12)

______________________________________________________

هو شرط في الرهن فلا بد من الاذن ومن مضي زمان يمكن تجديد القبض فيه.

ويضعّف.

أولا : بأن القبض المشروط في الرهن لا يجب أن يكون قبضا بعد الرهن إذ لا دليل عليه ، بل غاية الأدلة تفيد مطلق القبض سواء قارن العقد أم سبقه أو لحقه.

وثانيا : لو سلم أن الأدلة تفيد اشتراط القبض المقيّد ببعدية الرهن ، فهو بحاجة إلى اذن في القبض لو لم يكن مقبوضا ، ومع تحقق القبض سابقا فلا يحتاج إلى الاذن.

وثالثا : لو سلم أن الأدلة تفيد اشتراط القبض المقيّد ببعدية الرهن وأن القبض بحاجة إلى إذن ، فالإذن يدل على الزمان من باب الالتزام إذا لم يكن القبض متحققا ، لأن الزمان من مقدمات القبض ، فمضي الزمان واجب من باب المقدمة لتحصيل ذيها وهو القبض ، فإذا كان القبض حاصلا وهو ذو المقدمة فلا معنى لوجوب المقدمة حينئذ ، لأن وجوبها مشروط لتحصيل ذي المقدمة ، ومع تحصيل ذيها يرتفع وجوبها.

(1) أي القبض بعد الرهن.

(2) في القبض بعد الرهن.

(3) أي ضرورات التحصيل.

(4) أي الاذن في القبض بعد الرهن.

(5) على القبض.

(6) وهو القبض.

(7) إشارة إلى الإشكال الأول المتقدم ، والمعنى منع اعتبار القبض المقيد ببعدية الرهن ، بل الدليل قد دل على مطلق القبض سواء قارن العقد أو سبقه أو لحقه.

(8) أي الأعم.

(9) إشارة إلى الإشكال الثالث المتقدم.

(10) من الاذن.

(11) أي توابع الاذن من حيث الاستدلال.

(12) أي مقدمات القبض من حيث الواقع.

ص: 63

فی ما لو کان الرهن مشاعا

فيلزم من عدم اعتباره انتفاؤه (1) نعم لو كان قبضه (2) بغير إذن توجه اعتبارهما (3) لما تقدم ، وعلى تقديره (4) فالضمان باق إلى أن يتحقق ما يزيله من قبل المالك على الأقوى (5).

(ولو كان) الرهن (مشاعا فلا بد من إذن الشريك في القبض (6) ، أو رضاه)

______________________________________________________

(1) أي يلزم من عدم اعتبار القبض الذي هو ذو المقدمة انتفاء الزمان الذي هو المقدمة ، لأن وجوب المقدمة لتحصيل ذيها ، فإذا حصل ذوها انتفى وجوبها.

(2) أي لو كان القبض السابق بغير إذن ، وهو قول العلامة في التذكرة.

(3) من الاذن الجديد ومضي زمان يمكن تجدد القبض فيه ، قال في الجواهر : (فصّل في المسالك والروضة بين المغصوب وغيره فاعتبر الاذن ومضي الزمان في الأول دون الثاني ولا ريب في ضعفه) انتهى.

(4) أي تقدير اعتبارهما.

(5) لا شك أن المقبوض السابق بغير إذن المالك كالمغصوب مضمون على القابض لعموم (على اليد ما أخذت حتى تؤدي) (1) ، فلو وقع الرهن على المغصوب وقد أذن له المالك في القبض مع مضي زمان يمكن تجد والقبض فيه فهل يرتفع الضمان عن المرتهن الذي كان غاصبا أو لا؟.

ذهب البعض إلى ارتفاع الضمان لارتفاع سببه وهو الغصبية ولأن إذن المالك له بالقبض بمنزلة قبض المالك إياه ثم دفعه إلى المرتهن ، فلو قبضه المالك يرتفع الضمان قطعا فكذا ما هو بمنزلته ، وذهب بعض إلى أن الاذن بالقبض بعد الرهن إنما يرفع الاثم ولا يرفع الضمان ، لأن الضمان ثابت سابقا وعند الشك بارتفاعه بسبب الاذن يستصحب ، بل لو صرح المالك بإسقاط الضمان المسبّب عن الغصبية لم يسقط كما في القواعد وجامع المقاصد وغاية المرام ، لأن الإسقاط يجدي فيما هو حقّ ثابت في الذمة وليس المقام منه قطعا ، إذ لا شي ء في الذمة حينئذ لكون المراد من الضمان في الغصب أنه لو تلفت العين يضمن مثلها ، ولا معنى لإسقاطه قبل حصوله.

(6) لا بد من إذن الشريك في القبض سواء كان المرهون من المنقول وغيره كما عليه المحقق والفاضل في التحرير والقواعد والشهيد في الدروس واللمعة هنا ، لاستلزام القبض تصرفا في مال الغير بغير إذنه ، وهو ممنوع شرعا.

ص: 64


1- 1. سنن البيهقي ج 6 ص 90 ، كنز العمال ج 5 ص 257 حديث 5197.

الکلام فی الشروط

اشارة

فی کونه عینا

بعده (1) ، سواء كان مما ينقل أم لا ، لاستلزامه التصرف في مال الشريك ، وهو منهي عنه بدون إذنه ، فلا يعتد به شرعا.

ويشكل فيما يكفى فيه مجرد التخلية ، فإنها لا تستدعي تصرفا ، بل رفع يد الراهن عنه (2) وتمكينه (3) منه (4) ، وعلى تقدير اعتباره (5) فلو قبضه بدون إذن الشريك وفعل محرما فهل يتم القبض قولان ، منشؤهما النهي المانع كما لو وقع بدون إذن الراهن ، وهو اختيار المصنف ، وأن النهي إنما هو لحقّ الشريك فقط ، للإذن من قبل الراهن الذي هو المعتبر شرعا ، وهو أجود ، ولو اتفقا على قبض الشريك جاز (6) فيعتبر سماعه (7) الإذن فيه.

(والكلام : إما في الشروط ، أو اللواحق)

(الأول : شرط الرهن أن يكون عينا (8)

______________________________________________________

وعن الشيخ في المبسوط إلى أن القبض إذا كان يكفي فيه التخلية كقبض غير المنقول فليس القبض بحاجة إلى إذن الشريك ، لأن القبض هنا رفع يد لا تصرف في مال الغير حتى يستلزم إذنه.

(1) بعد القبض.

(2) عن الذي يكفي فيه مجرد التخلية وهو غير المنقول.

(3) أي وتمكين المرتهن من قبل الراهن.

(4) من الرهن.

(5) أي اعتبار إذن الشريك في المنقول وغيره ، فلو تم القبض بغير إذن الشريك فهل يعتبر هذا قبض أو لا ، ذهب الشهيد إلى أنه ليس قبضا لوجود النهي فيقع فاسدا كما لو وقع القبض بغير إذن الراهن.

وذهب العلامة وولده والمحقق الثاني وغيرهم إلى وقوعه قبضا ، وإن تعلق فيه النهي ، لأن النهي إنما هو لحق الشريك فقط ، فالنهي لشي ء خارج عن ذاته فلا يفيد الفساد ، وما هو معتبر فيه هو إذن الراهن وهو متحقق.

(6) لو وكّل المرتهن شريك الراهن في القبض ، وقد أذن الراهن في القبض جاز بمعنى صح للشريك القبض بلا خلاف كما في الجواهر ، وإن كان الراهن غير راض على جعل شريكه وكيلا عن المرتهن ، بل وإن لم يجز الراهن للمرتهن بأن يجعل الشريك وكيلا.

(7) أي يعتبر سماع الشريك إذن الراهن في قبضه للرهن.

(8) يجب أن يكون الرهن عينا على المشهور فلا يصح رهن الدين ولا رهن المنفعة ، وذهب

ص: 65

مملوكة (1) يمكن قبضها (2) ويصح بيعها (3) هذه الشرائط منها ما هو شرط الصحة وهو الأكثر ، ومنها ما هو شرط في اللزوم كالمملوكية ، باعتبار رهن ملك الغير ولا يضر ذلك (4) ، لأنها شروط في الجملة ، ولأن المملوكية تشتمل على شرط الصحة في بعض محترزاتها (5) (فلا يصح رهن المنفعة (6) كسكنى الدار وخدمة العبد ، لعدم إمكان قبضها ، إذ لا يمكن إلا بإتلافها ، ولتعذر تحصيل المطلوب في الرهن منها (7) وهو (8) استيفاء الدين منه (9) ، وهي إنما تستوفى شيئا فشيئا ، وكلما

______________________________________________________

البعض إلى جواز رهن الدين وسيأتي بحثه.

(1) فلا يصح رهن ما لا يملكه الراهن ولو كان لغيره فهو متوقف على إذن ذلك الغير ، وكذا لا يصح رهن ما لا يملك كالخمر والحشرات.

(2) فلا يصح رهن ما لا يمكن قبضه كالطير في الهواء غير المعتاد للعود ، والسمك في الماء غير المحصور بحيث يتعذر قبضه.

(3) لأن ما لا يصح بيعه لا يمكن استيفاء الدين منه فلا يصح رهن الوقف.

ثم هذه الأربعة شروط غير أن بعضها وهو المملوكية شرط لزوم فلو رهن مال غيره لتوقف اللزوم على إجازة المالك والباقي شرط صحة.

(4) أي إطلاق لفظ الشروط على الجميع والمتبادر منها شروط الصحة مع أن البعض شرط لزوم لا يضر ، لأنها شروط في الجملة.

(5) فشرط اللزوم الوحيد هو المملوكية ، وهو شرط صحة في بعض موارده كرهن ما لا يملك كالحر والحشرات أو رهن ما لا يملكه المسلم كالخمر والخنزير ، فالرهن على هذه الأعيان فاسد ، وعلى كل فإذا كان شرط اللزوم شرط صحة في بعض موارده جاز إطلاق شرط الصحة عليه.

(6) كسكنى الدار وخدمة العبد بلا خلاف فيه ، لأن المطلوب بالرهن هو التوثق على الدين ، وهذا لا يحصل بها ، لأنها تستوفى شيئا فشيئا ، وكل ما حصل منها شي ء عدم ما قبله ، مع أن المطلوب من الرهن أنه متى تعذر استيفاء الدين استوفي من الرهن ، وهذا غير متحقق في المنفعة لعدم بقائها حال تعذر استيفاء الدين.

ولأن المنفعة لا يصح إقباضها إلا بإتلافها.

(7) من المنفعة.

(8) أي المطلوب في الرهن.

(9) من الرهن.

ص: 66

حصل منها شي ء عدم ما قبله. كذا قيل. وفيه نظر (1) ، (ولا الدّين) (2) بناء على ما اختاره من اشتراط القبض لأن الدين أمر كلي لا وجود له في الخارج يمكن قبضه ، وما يقبض بعد ذلك ليس نفسه (3) ، وإن وجد في ضمنه (4). ويحتمل جوازه (5) على هذا القول ، ويكتفى بقبض ما يعيّنه المديون ، لصدق قبض الدين عليه عرفا كهبة ما في الذمة (6).

______________________________________________________

(1) قال الشارح في حاشية له كما في الطبعة الحجرية : (وجه النظر أن استيفاء الدين من عين الرهن ليس بشرط ، بل منه أو من عوضه ولو ببيعه قبل الاستيفاء ، كما لو رهن ما يتسارع عليه الفساد قبله ، والمنفعة يمكن فيها ذلك بأن يؤجر العين ويجعل الأجرة رهنا ، وقريب منه القول في القبض - أي لا يصح قبض المنفعة لأن إقباضها إتلافها - لإمكانه بتسليم العين ليستوفي منها المنفعة ، ويكون عوضها رهنا ، إلا أن يقال إن ذلك خروج عن المتنازع ، لأن رهن الأجرة جائز ، وإنما الكلام في المنفعة نفسها ، والفرق بينها وبين ما يتسارع إليه الفساد إمكان رهنه ، والمانع عارض بخلاف المنفعة) انتهى فالمقتضى للرهن غير موجود وإن عدم المانع.

(2) على المشهور ، لأن القبض معتبر في الرهن ، والدين لا يمكن قبضه لأنه أمر كلي لا وجود له في الخارج حتى يقبضه ، وما يدفعه المديون ليس عين الدين بل هو أحد أفراده.

وذهب جماعة منهم الشارح وصاحب الجواهر إلى صحة رهن الدين لوجود مقتضي الرهن من أنه مال مملوك إلى آخر ثبت اعتباره ، وعدم المانع ، إذ المانع المتوهم هو تعذر قبضه وهو لا يضر لعدم اشتراط القبض في الرهن ، غايته إن الدين لا يمكن قبضه حال الرهن ، وإنما يمكن قبضه بعد دفع المديون بتقديم أحد أفراده ، وقد بان أن النزاع هنا مبني على النزاع في اشتراط القبض في الرهن.

(3) بل هو فرد من أفراده.

(4) أي وإن وجد الكلي في ضمن الفرد والمدفوع.

(5) جواز رهن الدين على القول باشتراط القبض في الرهن.

(6) بأن وهب الدائن ماله في ذمة المديون لنفس المديون ، والهبة مشروطة بالقبض بالاتفاق ، فهو كالمقبوض عرفا ، وعليه فكما جاء الاكتفاء بصدق القبض العرفي في الهبة فيكتفي بصدق القبض العرفي على ما عينه المديون.

هذا من جهة ومن جهة أخرى هبة ما في الذمم منصرفة إلى الإبراء بالاتفاق باعتبار اشتراط القبض في الهبة والقبض متعذر لما في الذمة ، وعليه فلا يصح التشبيه بها من الشارح هنا.

ص: 67

فی رهن المدبّر

وعلى القول بعدم اشتراط القبض لا مانع من صحة رهنه (1) ، وقد صرح العلامة في التذكرة ببناء الحكم على القول باشتراط القبض وعدمه فقال : لا يصح رهن الدين إن شرطنا في الرهن القبض ، لأنه لا يمكن قبضه ، لكنه في القواعد جمع بين الحكم بعدم اشتراط القبض ، وعدم جواز رهن الدين ، فتعجب منه المصنف في الدروس. وتعجبه في موضعه ، والاعتذار له (2) عن ذلك بعدم المنافاة بين عدم اشتراطه (3) ، واعتبار كونه (4) مما يقبض مثله مع تصريحه (5) بالبناء المذكور (غير مسموع.

(ورهن المدبّر إبطال لتدبيره على الأقوى (6) ،

______________________________________________________

(1) أي رهن الدين.

(2) قال الشارح في المسالك : (واعتذر له المحقق الشيخ علي - أي المحقق الثاني - بأن عدم اشتراط القبض لا ينافي اشتراط كون الرهن مما يقبض مثله ، نظرا إلى أن مقصوده لا يحصل إلا بكونه مما يقبض ، كما أرشدت إليه الآية الكريمة ، فأحدهما غير الآخر.

وفيه : مع ما أشرنا إليه من تصريح العلامة ببناء الحكم على القبض ، منه اعتبار كون الرهن مما يقبض مثله معجلا إذ لا دليل عليه ، والآية قد تقدم عدم دلالتها على اعتبار القبض ، بل الإرشاد إليه ، والمعتذر - ره - قد بالغ في تحقيق دلالتها على ذلك ، ومنع دلالتها على اعتبار القبض في محل البحث عنه ، ولو سلم اعتبار صلاحية الرهن للقبض فالدين صالح لذلك بتعين المديون له في فرد من أفراد ماله ، فالمنع من رهنه على القول بعدم اشتراط القبض غير متوجه ، ولو فرض كونه محتملا لما ذكر لا يدفع التعجب عند ضعف المأخذ) انتهى.

(3) أي اشتراط القبض.

(4) كون الرهن.

(5) تصريح العلامة ببناء الحكم على القول باشتراط القبض وعدمه.

(6) ذهب الأكثر إلى أن رهن العبد المدبّر إبطال لتدبيره ، لأن التدبير من العقود الجائزة كالوصية ، وقصد شي ء ينافي التدبير عقيب التدبير مبطل له ، فلو رهنه أو باعه أو وهبه ونحو ذلك من العقود التي يكون الفرض منها ملك من انتقل العبد إليه أو استيفاء الدين من قيمته فوقوع شي ء من هذه العقود عقيب التدبير مناف للتدبير ومبطل له.

وذهب الشيخ إلى صحة الرهن مع صحة التدبير ، لأن الرهن لا يستلزم نقل العبد عن ملك الراهن ، ويجوز فكه بعد الرهن فلا تنافي بين الرهن والتدبير بمجرد الرهن ، نعم

ص: 68

فی رهن الخمر و الخنزیر و الحرّ

لأنه (1) من الصيغ الجائزة فإذا تعقبه ما ينافيه أبطله ، لكونه رجوعا (2) إذ لا يتم المقصود من عقد الرهن إلا بالرجوع. وقيل : لا يبطل به ، لأن الرهن لا يقتضي نقله عن ملك الراهن ، ويجوز فكه فلا يتحقق التنافي بمجرده ، بل بالتصرف. وحينئذ فيكون التدبير مراعى بفكه فيستقر ، أو يأخذه في الدين فيبطل ، واستحسنه في الدروس.

(ولا رهن الخمر والخنزير إذا كان الراهن مسلما (3) ، أو المرتهن (4) وإن وضعهما على يد ذمي ، لأن يد الودعي كيد المستودع ، خلافا للشيخ حيث أجازه كذلك (5) ، محتجا بأن حق الوفاء إلى الذمي فيصح ، كما لو باعهما وأوفاه ثمنهما. والفرق واضح (6) ، (ولا رهن الحر مطلقا (7) من مسلم وكافر ، عند مسلم وكافر ،

______________________________________________________

يكون التدبير مراعي بفكه ، فإن فكه استقر التدبير ، وإلا فإذا أخذه المرتهن في الدين بطل الرهن.

(1) أي التدبير.

(2) أي كون الرهن رجوعا عن التدبير.

(3) لو رهن المسلم الخمر أو الخنزير أو نحوهما مما لا يملكه المسلم لا يصح ، بلا خلاف فيه ، ولو كان المرتهن ذميا ، لعدم ملكية الراهن لها ، وعدم سلطنته على بيعها ووفاء دينه منها كما هو واضح.

(4) لو رهنها الذمي عند مسلم فلا يصح الرهن ، وإن وضعها على يد ذمي على المشهور شهرة عظيمة ، ولم يخالف إلا الشيخ في المبسوط والخلاف بدعوى أن الذمي يصح له رهن ما لا يملكه المسلم كما يصح له بيع ما لا يملكه المسلم ، فكما يجوز للذمي بيعه وإعطاء ثمنه للمسلم في وفاء الدين ، فكذلك يجوز له رهنه.

نعم بما أن المرتهن سيضع يده على الرهن والمرتهن هنا مسلم ولا يجوز له وضع يده على هذه الأعيان فيوضع الرهن عند ذمي حينئذ.

وهذه الدعوى مردودة لأن يد الذمي الودعي كيد المسلم المستودع ، وله تسلط على الرهن بالبيع والاستيفاء على وجه وهو هنا ممتنع.

(5) بوضع الرهن على يد ذمي ، وكان الراهن ذميا.

(6) ففي الرهن تسليط للمسلم على بيع الخمر أو الخنزير ونفس التسليط غير جائز ، ووضعهما عند ذمي لا يجدي لأن يد الودعي كيد المستودع ، بخلاف ما لو باع الذمي الخمر أو الخنزير وسلّط المسلم على ثمنهما إيفاء لدينه فهو تسليط المسلم على مال وهو جائز ، وبهذا بان الفرق.

(7) مسلما كان أو كافرا من مسلم أو كافر عند مرتهن مسلم أو كافر ، لأن الحر لا يمكن

ص: 69

فی ما لو استعار للرهن

إذ لا شبهة في عدم ملكه ، (ولو رهن ما لا يملك) الراهن وهو مملوك لغيره (1) (وقف على الإجازة) من مالكه (2) فإن أجازه صح على أشهر الأقوال من كون عقد الفضولي موقوفا مطلقا (3) وإن رده بطل.

(ولو استعار للرهن صح (4) ثم إن سوغ له المالك الرهن (5) كيف شاء جاز مطلقا (6) ، وإن أطلق ففي جوازه فيتخير كما لو عمم أو المنع للغرر قولان ، اختار أولهما في الدروس ، وعلى الثاني فلا بد من ذكر قدر الدين (7) ، وجنسه ، ووصفه ، وحلوله أو تأجيله ، وقدر الأجل ، فإن تخطى حينئذ كان فضوليا ، إلا أن يرهن على الأقل فيجوز بطريق أولى ، ويجوز الرجوع في العارية ما لم ترهن عملا بالأصل (8).

______________________________________________________

تملكه ولا شبهة في عدم تملكه بلا خلاف في ذلك.

(1) قيد احترازي عما لا يقبل الملك أبدا كالحر.

(2) رهن ما لا يملكه الراهن بدون إذن مالكه متوقف على إجازة المالك على أشهر الأقوال ، لأن عقد الفضولي يجري في جميع العقود ومنها الرهن ، وقيل : إن العقد الفضولي يجري في النكاح فقط وفي غيره باطل ، وقيل : إن العقد الفضولي مطلقا باطل سواء كان في النكاح أو البيع أم غيرهما.

(3) أي في جميع العقود الفضولية.

(4) قال في المسالك : (اجمع العلماء على جواز رهن مال الغير بإذنه على دينه في الجملة ، وسمّوه استعارة للرهن) انتهى ، وفي الجواهر : (صح بلا خلاف فيه بيننا ، بل الإجماع بقسميه عليه عندنا ، بل وغيرنا عدا ما حكي عن ابن شريح من القول على تقدير كونه عارية لا يصح رهنه ، لأنها غير لازمة) انتهى.

(5) قال الشارح في المسالك : (ثم إن سوّغ المالك للراهن الرهن كيف شاء ، جاز رهنه ممن شاء على أي مقدار شاء ، بأي أجل شاء ، وإن قيد له بعضها تقيّد ، وإن أطلقا لاذن ففي جوازه قولان : أحدهما الجواز ويتخير كما لو عمّم عملا بالإطلاق ، وبه قطع في الدروس ، والثاني المنع ، لما فيه من الضرر ، والضرر بكثرة تفاوت الدين والمرتهن والأجل ، وهو أولى ، فيذكر قدر الدين وجنسه ووصفه وحلوله أو تأجيله ، وقدر الأجل ، فإن تخطى حينئذ كان فضوليا ، إلا أن يرهن على الأقل فإنه يدخل بطريق أولى) انتهى

(6) بأي نحو كان من المبلغ والمدة ومن المرتهن.

(7) لا بدّ من ذكر ذلك بين الراهن والمعير ليعلم المعير ما سيطرأ على ماله ، ومع العلم لا غرر ولا ضرر.

(8) أي الاستصحاب.

ص: 70

فی ما تلف الرهن

فی رهن الأرض الخراجیة

(وتلزم بعقد الرهن (1) فليس للمعير الرجوع فيها بحيث يفسخ الرهن وإن جاز له مطالبة الراهن بالفك عند الحلول. ثم إن فكه ورده تاما برئ ،

(ويضمن الراهن لو تلف) وإن كان بغير تفريط (2) ، (أو بيع) (3) بمثله إن كان مثليا ، وقيمته يوم التلف إن كان قيميا.

هذا إذا كان التلف بعد الرهن ، أما قبله فالأقوى أنه كغيره من الأعيان المعارة (4) ، وعلى تقدير بيعه (5) فاللازم لمالكه ثمنه إن بيع بثمن المثل ، ولو بيع بأزيد فله المطالبة بما بيع به.

(يصح رهن الأرض الخراجية (6) كالمفتوحة عنوة ، والتي صالح الإمام عليه

______________________________________________________

(1) بلا خلاف فيه ، لأن الرهن لازم من قبل الراهن فلا بد أن يطرأ اللزوم على المال المعار الذي هو العين المرهونة ، ولازمه عدم جواز مطالبة المعير بماله ، وهذا لا يعني خروجه عن ملكه ، لأنه يجوز له المطالبة بفك العين المرهونة عند حلول الأجل ، بل معنى عدم جواز مطالبة المعير بماله أن المعير ليس له فسخ الرهن بل يطالب الراهن بالفك بعد حلول الأجل حينئذ.

(2) لأن قبضه لإتلافه في دينه فهو قبض ضمان ، بخلاف قبض العارية فهو قد قبضها ليردها إلى مالكها فهو قبض غير مأمون لأن يده يد أمانة.

(3) أي الرهن ، ثم لما كانت العين مضمونة على الراهن كما سمعت فإن بيعت ليستوفي المرتهن دينه منها ضمن الراهن مثلها إن كانت مثلية ، وقيمتها إن كانت قيميّة ، والمعتبر في القيمة قيمتها يوم التلف ، لأنه يوم انتقال الضمان من العين إلى الذمة.

(4) أي غير مضمون واستشكل العلامة فيه على ما نقل ، ولعله باعتبار أن القبض قبض ضمان لأنه قبضه بداعي إتلافه في الدين ثم أجاز المالك بالرهن.

(5) إذا أراد المرتهن استيفاء دينه من الرهن المستعار فحكمه حكم غيره من جواز بيعه إن كان وكيلا ، وإلا استأذن المالك وإلا الحاكم ، فإن باعه المرتهن حيث يجوز ذلك له ، فلا يخلو إما أن يبيعه بثمن مثله أو أزيد ولا يجوز الأقل لئلا يلزم ضرر على الراهن ، فلو باعه بثمن مثله رجع المالك على المستعير الراهن بنفس القيمة ، لأن العين مضمونة عليه كما تقدم ، ولو باعه بالأزيد ، كان للمالك المطالبة بما بيع به لأن الثمن ملكه.

(6) أرض الخراج هي المفتوحة عنوة وكانت عامرة حال الفتح ، وكذلك التي صالح الإمام أهلها على أن تكون ملكا للمسلمين وضرب عليهم الخراج ، وعلى كل فأرض الخراج هي ملك للمسلمين ولما لم تتعين لواحد منهم فلا يصح رهنها منفردة ، لأن الرهن مشروط بصحة بيعه وبكونه ملكا للراهن.

نعم يصح رهن ما بها من أبنية وأشجار وآلات ، لأنها مملوكة لصاحبها المسلم الذي

ص: 71

فی ما لا یصح رهنه

الصلاة والسلام أهلها على أن تكون ملكا للمسلمين ، وضرب عليهم (1) الخراج كما يصح بيعها (تبعا للأبنية والشجر) ، لا منفردة.

(ولا رهن الطير في الهواء (2) لعدم إمكان قبضه ، ولو لم يشترطه (3) أمكن الجواز ، لإمكان الاستيفاء منه ولو بالصلح عليه ، (وإلا إذا اعتيد) عوده ، كالحمام الأهلي فيصح لإمكان قبضه عادة ، (ولا السمك في الماء إلا إذا كان محصورا مشاهدا) بحيث لا يتعذر قبضه عادة ، ويمكن العلم به ، (ولا رهن المصحف عند الكافر (4) ، أو العبد المسلم) لاقتضائه الاستيلاء عليهما ، والسبيل على بعض الوجوه ببيع ونحوه ، (إلا أن يوضعا على يد مسلم) ، لانتفاء السبيل بذلك ، وإن لم

______________________________________________________

وضعها في الأرض ، هذا كله ما عليه المحقق وجماعة.

وعن الشهيد بكون أرض الخراج مملوكة تبعا لملكية الآثار التي بها ، وعليه فيصح بيعها ورهنها مع الآثار ، وعن العلامة وجماعة جواز بيعها تبعا للآثار مع منع رهنها كذلك ، وهو ضعيف لأن كل ما جاز بيعه جاز رهنه حينئذ.

(1) على أهلها الكفار.

(2) لا يصح رهن الطير في الهواء ولا السمك في الماء لتعذر تسليمه ، إلا إذا اعتيد عود الطير كالحمام الأهلي ، أو أمكن تسليم السمك كالسمك المشاهد والمحصور في ماء معين.

وهذا يتم على القول باشتراط القبض في الرهن كما هو واضح ، ويتم على القول بعدم الاشتراط ، لأنه على الثاني فعدم إمكان التسليم مناف لمقتضى العقد ، إذ مقتضاه هو الاستيثاق من الدين ومع تعذر إمكان التسليم لا استيثاق ، وذهب الشارح في المسالك والروضة هنا إلى إمكان القول بالصحة عند تعذر إمكان التسليم على القول بعدم اشتراط القبض بإمكان الصلح عليه ، ومعه لا يتعذر استيفاء الدين منه وإن كان غير مقبوض ،.

(3) أي لو لم يشترط القبض.

(4) لا يصح رهن المصحف عند الكافر ، ولا رهن العبد المسلم عنده أيضا كما عن جماعة لنفي السبيل له عليهما لقوله تعالى ( وَلَنْ يَجْعَلَ اللّٰهُ لِلْكٰافِرِينَ عَلَى الْمُؤْمِنِينَ سَبِيلاً ) (1) ، وعن الشيخ والمحقق والفاضل والشهيدين جواز الرهن مع وضعهما على يد مسلم ، ومعه لا يتحقق بذلك سبيل للكافر عليهما ، لأنهما إذا لم يكونا تحت يد الكافر لم يستحق الاستيفاء من القيمة إلا بالبيع ، والبيع حاصل من المالك أو من يأمره الحاكم مع امتناع المالك ، ومثل هذا لا يعدّ سبيلا ، كيف ويمكن للمسلم أن يبيع عبده ويوفّى الكافر دينه من الثمن فكذلك المقام.

ص: 72


1- 1. سورة النساء : الآية : 141.

يشترط بيعه للمسلم (1) ، لأنه حينئذ لا يستحق الاستيفاء من قيمته إلا ببيع المالك ، أو من يأمره أو الحاكم مع تعذره ، ومثله لا يعد سبيلا لتحققه وإن لم يكن هناك رهن.

(ولا رهن الوقف) (2) لتعذر استيفاء الحق منه بالبيع ، وعلى تقدير جواز بيعه بوجه يجب أن يشترى بثمنه ملكا يكون وقفا فلا يتجه الاستيفاء منه مطلقا (3).

نعم لو قيل بعدم وجوب إقامة بدله أمكن رهنه حيث يجوز بيعه ، (ويصح الرهن في زمن الخيار (4) لثبوت الثمن في الذمة وإن لم يكن (5) مستقرا (وإن كان) الخيار (للبائع ، لانتقال المبيع) إلى ملك المشتري (بالعقد على الأقوى) ، لأن صحة البيع تقتضي ترتب أثره ، ولأن سبب الملك هو العقد فلا يتخلف عنه المسبب ، وعلى قول الشيخ بعدم انتقاله إلى ملك المشتري إذا كان الخيار للبائع ، أولهما (6) لا يصح الرهن على الثمن قبل انقضائه (7).

(ويصح رهن العبد المرتد ولو عن فطرة (8) ،

______________________________________________________

(1) الذي وضع المصحف والعبد تحت يده.

(2) لا يصح بيع الوقف كما قرر في محله فلا بد أن لا يجوز رهنه ، لأنه لا يمكن استيفاء الدين منه لعدم جواز بيعه ، وعلى تقدير جواز بيع الوقف في بعض الوجوه فيجب أن يشتري بثمنه ملكا يكون وقفا ومعه لا يمكن الاستيفاء من الوقف ولو جاز بيعه ، نعم لو قيل بعدم وجوب إقامة بدله بثمنه أمكن رهن الوقف حيث يجوز بيعه.

(3) جاز بيعه أو لا.

(4) يجوز للمشتري رهن المبيع في زمن ثبوت الخيار للبائع ، لأن المشتري مالك للمبيع من حين العقد وإن تزلزل ملكه بالخيار ، والمالك يجوز له التصرف في ملكه بأي تصرف كان على نحو النقل وغيره ومعه لا بد أن يجوز له الرهن ، وكذلك يجوز رهن الثمن للبائع في زمن خيار المشتري وعن الشيخ عدم جواز الرهن لأن المبيع لا ينتقل إلى ملك المشتري إلا بعد انقضاء زمان الخيار ، وهو مبنى ضعيف.

(5) أي الملك.

(6) أي للمشتري والبائع.

(7) أي قبل انقضاء الخيار إذا كان الخيار للمشتري.

(8) المرتد تارة عن ملة وأخرى عن فطرة ، وعليه فالمرتد الملّي يصح رهنه لأنه تقبل توبته ولا يجب قتله فماليته باقية وكذلك المرتدة سواء كانت عن فطرة أم ملة.

ص: 73

لأنه لم يخرج بها (1) عن الملك ، وإن وجب قتله ، لأنه حينئذ كرهن المريض الميئوس من برئه ولو كان امرأة ، أو ملّيا فالأمر أوضح ، لعدم قتلها مطلقا (2) ، وقبول توبته (3) ، (والجاني (4) مطلقا) عمدا وخطأ ، لبقاء المالية وإن استحق العامد القتل ، ولجواز العفو. ثم إن قتل بطل الرهن. وإن فداه مولاه أو عفى الولي بقي رهنا ، ولو استرق بعضه بطل الرهن فيه خاصة ، وفي كون رهن المولى له في الخطأ التزاما بالفداء وجهان كالبيع (5) (فإن عجز المولى عن فكه قدمت الجناية) لسبقها ،

______________________________________________________

وأما المرتد الفطري فاعتبار وجوب قتله على كل حال سواء تاب أو لا يشكل صحة الرهن عليه ، قال الشارح في المسالك : (لأنه لا تقبل توبته فيجب إتلافه شرعا فتنتفي علة الرهن وهي التوثق ، ووجه الجواز جواز بيعه وبقاء ماليته حالة الرهن ، وتعرضه للإتلاف لا يصلح للمنع كرهن المريض الموثق وهو أجود) انتهى هذا وقد مال العلامة إلى المنع.

(1) بالردة.

(2) سواء كانت ملية أم فطرية ، وهذا لقليل لجواز الرهن على المرتدة.

(3) تعليل لجواز الرهن على المرتد الملي.

(4) إذا كان الجاني عبدا ، فالجاني تارة عمدا ، وأخرى خطأ ، وعلى الأول فوجهان بل قولان ، وجه عدم جواز الرهن لأنه بحكم الثالث لاستحقاقه القتل فهو كالمرتد الفطري ، ووجه الجواز بقاء المالية حالة الرهن مع جواز العفو عنه فلا ذهاب لماليته.

وعلى الثاني فالمشهور على جواز رهنه ، لوجود مقتضى الرهن من كونه مالا يصح قبضه مع صحة بيعه وهو مملوك للراهن ولا مانع يمنع من رهنه إلا تعلق حق الجناية عليه ، وهو ليس بمانع لأنه لا يقتل بجنايته قطعا فهو باق على ماليته.

نعم يجوز لولي الدم استرقاق العبد الجاني أو بقدر الجناية لو لم يفكه المولى ويدفع القصاص من مال آخر ، وهذا لا يكون مانعا للرهن لجواز العفو ، ولذا قال في الجواهر : (واحتمال القصاص والاسترقاق للكل أو البعض غير قادح ، كما إذا جنى وهو رهن ، إذ لا يعتبر في الاستيثاق نفي سائر الاحتمالات) ، وذهب الشيخ في المبسوط إلى عدم جواز الرهن لأنه بحكم التالف لجواز استرقاقه ، ثم على تقدير جواز رهن العبد الجاني فيتعلق فيه حق الجناية وحق الرهن ، إلا أن حق الجناية مقدم بلا خلاف ولا إشكال كما في الجواهر ، لسبق حق الجناية ، ولأن حق الجناية متعلق بالرقبة بخلاف حق الدين ، ولذا لو مات العبد فيفوت حق الجناية بخلاف الدين فإنه ثابت في ذمة الراهن.

(5) أي كما لو باعه المولى ، ووجه الالتزام أن الرهن تفويت على ولي الدم ، ووجه عدم الالتزام أن الرهن ليس تفويتا لاحتمال فكه من مال آخر.

ص: 74

ولتعلق حق المجني عليه بالرقبة ، ومن ثمّ لو مات الجاني لم يلزم السيد بخلاف المرتهن فإن حقه لا ينحصر فيها (1) ، بل تشتركها ذمة الراهن ، (ولو رهن ما يتسارع إليه الفساد (2) قبل الأجل) بحيث لا يمكن إصلاحه كتجفيف العنب (3) ، والرطب (فليشترط بيعه ، ورهن ثمنه) فيبيعه الراهن ويجعل ثمنه رهنا ، فإن امتنع منه رفع المرتهن أمره إلى الحاكم ليبيعه ، أو يأمر به (4) ، فإن تعذر جاز له (5) البيع ، دفعا للضرر ، والحرج.

(ولو أطلق) الرهن ولم يشترط بيعه ، ولا عدمه (حمل عليه) (6) جمعا بين الحقين ، مع كونه حالة الرهن صالحا له. وقيل : يبطل ، لعدم اقتضاء الإطلاق

______________________________________________________

(1) في الرقبة.

(2) لو رهن شيئا يسرع إليه الفساد قبل حلول آجل الدين بحيث يكون تالفا وقت الاستيفاء ، ولكن يمكن إصلاحه بتجفيف ونحوه كالعنب والرطب صح رهنه بلا خلاف ولا إشكال ، ضرورة وجود المقتضي للرهن مع عدم المانع ، ويجب على الراهن إصلاحه وتجفيفه عند رهنه.

وأما لو كان مما يتسارع إليه الفساد قبل أجل الدين ولا يمكن إصلاحه فلو شرط بيعه مع جعل ثمنه رهنا صح بلا خلاف أيضا ولا إشكال ، وبعد الرهن إن باعه الراهن ودفع ثمنه رهنا فهو وإلا أجبره الحاكم لأنه ولي الممتنع ، وإن تعذر الحاكم باعه المرتهن وجعل ثمنه رهنا جمعا بين حقي الراهن والمرتهن أما لو كان مما يتسارع إليه الفساد قبل الأجل ولا يمكن إصلاحه ولم يشترط بيعه صح الرهن كما عن الفاضل والشهيدين والمحقق الثاني ، غايته عند خوف الفساد يبيعه المالك ويجعل ثمنه رهنا ، ومع الامتناع عن البيع يجبره الحاكم جمعا بين الحقين كمثل ما لو شرط بيعه.

وعن الشيخ البطلان ، لأن الإطلاق في عقد الرهن لا يقتضي البيع ، نعم لو شرط فالالتزام بالشرط ، أما مع الإطلاق فحمله على الشرط بحاجة إلى دليل ، ولأن نفس العين المرهونة يشترط فيها الدوام إلى ما بعد الأجل ليحصل الاستيثاق منها ، وما يسرع إليه الفساد قبل الأجل في قوة الهالك فلا يتحقق الاستيثاق منه.

(3) مثال للمنفي لا للنفي.

(4) أي يأمر الحاكم بالبيع ولو كان الأمر للمرتهن.

(5) للمرتهن.

(6) على بيعه وجعل الثمن رهنا.

ص: 75

البيع ، وعدم صلاحيته (1) ، لكونه (2) رهنا على الدوام ، فهو في قوة الهالك وهو (3) ضعيف ، لكونه (4) عند العقد مالا تاما ، وحكم الشارع ببيعه على تقدير امتناعه منه (5) صيانة للمال جائز (6) ، لفساده (7) ، واحترز بقوله : قبل الأجل ، عما لو كان لا يفسد إلا بعد حلوله (8) بحيث يمكن بيعه قبله (9) فإنه لا يمنع (10) ، وكذا لو كان الدين حالا (11) ، لإمكان حصول المقصود منه ، ويجب على المرتهن السعي على بيعه بأحد الوجوه (12) ، فإن ترك مع إمكانه (13) ضمن (14) ، إلا أن ينهاه المالك فينتفي الضمان ، ولو أمكن إصلاحه (15) بدون البيع لم يجز بيعه بدون إذنه ، ومئونة إصلاحه (16) على الراهن كنفقة الحيوان.

______________________________________________________

(1) أي عدم صلاحية ما يسرع إليه الفساد.

(2) أي ما يكون رهنا فهو رهن على الدوام وما يسرع إليه الفساد فهو في قوة الهالك.

(3) أي القول بالبطلان.

(4) أي كون ما يسرع إليه الفساد.

(5) أي امتناع الراهن من البيع.

(6) خبر لقوله : وحكم الشارع.

(7) تعليل لحكم الشارع ببيعه.

(8) حلول الدين.

(9) قبل الفساد ولكن بعد الحلول أيضا.

(10) لوجود المقتضي للرهن مع عدم المانع.

(11) وقد رهن ما يسرع إليه الفساد قبل الأجل لو كان الدين مؤجلا ، لكن هنا يجوز الرهن لبقائه على ماليته.

(12) من مراجعة المالك أو الحاكم حيث يمكن.

(13) أي ترك السعي مع إمكان البيع بنفسه.

(14) قال في المسالك : (ولو ترك المرتهن السعي في بيع ما يفسد حيث صح رهنه بمراجعة المالك أو الحاكم حيث يمكن ضمن ، ولو تعذر الحاكم فإن نهاه المالك من البيع لم يضمن ، وإلا احتمل الضمان لجواز بيعه بنفسه حينئذ) انتهى.

(15) بتجفيف كالعنب والرطب فيصح رهنه ولا يجوز للمرتهن بيعه إلا بإذن الراهن كبقية العيون المرهونة ، بخلاف ما يتسارع إليه الفساد ، لأنه مع خوف الفساد وامتناع المالك عن البيع وتعذر الحاكم فيجوز للمرتهن البيع على تفصيل قد تقدم.

(16) أي مئونة إصلاح ما يسرع إليه الفساد وذلك بالتجفيف ونحوه إنما تكون على الراهن ،

ص: 76

فی شروط المتعاقدین فی الرهن

(وأما المتعاقدان : فيشترط فيهما الكمال)

بالبلوغ ، والعقل (1) ، والرشد (2) ، والاختيار (3) ، (وجواز التصرف) (4) برفع الحجر عنهما في التصرف المالي ، (ويصح رهن مال الطفل للمصلحة (5) كما إذا افتقر إلى الاستدانة لنفقته ، وإصلاح عقاره ، ولم يكن بيع شي ء من ماله أعود ، أو

______________________________________________________

قال الشارح في المسالك : (وجب على الراهن تجفيفه وإصلاحه لأن ذلك من مئونة حفظه كنفقة الحيوان المرهون) انتهى.

(1) يشترط البلوغ والعقل في عقد الرهن كباقي العقود ، لسلب عبارة الصبي والمجنون كحديث رفع القلم (1).

(2) أما في الراهن فواضح ، لأن الرشيد في مقابل السفيه ، والسفيه محجور عليه وهو ممنوع من التصرف في ماله ، والرهن تصرف في ماله ، وأما في المرتهن فلأن الرهن مستلزم للاستيلاء عليه ببيع ونحوه وهو محجور عليه ما دام سفيها ، نعم استثنى صاحب الجواهر ما لو كان الرهن على دين قد وقع قبل الحجر فلا دليل على اشتراط رشد المرتهن ، لأن الرهن مصلحة لماله.

(3) المقابل للإكراه ، فمع إكراههما أو أحدهما لا ينعقد عقد الرهن ، نعم لو تعقبه الرضا فيما بعد صح ، وهذا كاشف عن كون الإكراه غير مخرج لقصد المعنى ، نعم لو كان مخرجا عن القصد المذكور فتعقب الرضا لا يفيد بعد عدم قصد المعنى من رأس.

(4) فلو كان أحدهما محجورا عليه فهو ممنوع من التصرف كالمملوك والسفيه.

(5) وذلك فيما لو اضطر الولي للاستدانة من أجل الإنفاق على مصلحة الطفل ، كأن ينهدم دار الطفل والإعمار بحاجة إلى الدين ، أو يكون للطفل أموال فيحتاج الولي إلى الدين للإنفاق عليها لحفظها من التلف أو النقص.

وعلى كل إذا كان الدين أولى بالمصلحة ، وكان الدين متوقفا على رهن بعض أموال الطفل فعل الولي ذلك ، وهذا فيما لو كان استبقاء مال الطفل أعود عليه ، أما لو كانت المصلحة ببيع الدار الذي تهدم فلا يجوز للولي الاستدانة ولا الرهن عليه ، بل يجب بيعه لقوله تعالى : ( وَلٰا تَقْرَبُوا مٰالَ الْيَتِيمِ إِلّٰا بِالَّتِي هِيَ أَحْسَنُ ) (2) ، بلا خلاف في ذلك كله كما في الجواهر ، وعن بعض الشافعية المنع من رهن مال الطفل مطلقا ولا ريب في ضعفه.

ص: 77


1- 1. الوسائل الباب - 4 - من أبواب مقدمة العبادات حديث 11.
2- 2. سورة الأنعام ، الآية : 152.

لم يمكن (1) وتوقفت (2) على الرهن ، ويجب كونه (3) على يد ثقة يجوز إيداعه منه ، (و) كذا يصح (أخذ الرهن له (4) ، كما إذا أسلف ماله (5) مع ظهور الغبطة ، أو خيف على ماله من غرق ، أو نهب (6). والمراد بالصحة هنا (7) الجواز بالمعنى

______________________________________________________

(1) أي كان البيع أعود ولكنه غير ممكن.

(2) أي الاستدانة.

(3) أي رهن مال الطفل ، فيجب أن يوضع على يد ثقة ، فإن كان المرتهن ثقة فهو ، وإلا يجب وضع الرهن عند ثقة غير المرتهن للاستيثاق في المحافظة على مال الطفل.

(4) فيجوز لولي اليتيم أن يقرض مال الطفل ويأخذ الرهن له ، أما جواز الإقراض فهو مقيد بالمصلحة للطفل ، كأن يخاف الولي على مال الطفل من التلف أو النهب أو السرقة فيقرضه من الغني الثقة مع الرهن ، واشتراط الثقة في المستقرض ليؤمن جحوده ، واشتراط اليسر مع الرهن من أجل استيفاء حق الطفل ، وهذا ما عليه جماعة.

واستشكل في إيجاب الغنى مع الرهن ، لأنه مع وجود الرهن يمكن استيفاء دين الطفل من العين المرهونة ولو كان المستقرض فقيرا.

هذا إذا كان الإقراض لغير الولي ، وأما له فعن ابن إدريس عدم الجواز حيث قال في السرائر : (لا يجوز له بحال لأنه أمين ، والأمين لا يجوز له أن يتصرف في أمانته) انتهى ، ورد بأنه على خلاف إطلاق الآية المتقدمة ، إذ قد يكون الإقراض لنفس الولي أنفع للطفل ، وللأخبار.

منها : صحيح أبي الربيع عن أبي عبد الله عليه السلام عن رجل ولي يتيم فاستقرض منه فقال عليه السلام : إن علي بن الحسين عليه السلام قد كان يستقرض من مال أيتام كانوا في حجره ، فلا بأس بذلك) (1) ، وهذا الخبر كمثله مطلق ولكن لا بدّ من تقييده بالمصلحة للآية المتقدمة.

(5) أي كما إذا دفع الولي مال الطفل سلما ، فالثمن حال والمثمن مؤجل.

(6) فبقرضه.

(7) عند قول الماتن : (ويصح رهن مال الطفل للمصلحة وأخذ الرهن له) أي ويصح أخذ الرهن له ، وغيره عبّر (يجوز لولي اليتيم بأخذ الرهن له) ، وقال الشارح في المسالك : (يمكن أن يراد بالجواز معناه الخاص فلا يجب لأصالة العدم ، خصوصا إذا كان الدين في ذمة ملّي أو ثقة ، - إلى أن قال - والأولى أن يراد به معناه الأعم فيشمل الوجوب ، وهو المراد هنا وبه قطع في التذكرة) انتهى.

ص: 78


1- 1. الوسائل الباب - 76 - من أبواب ما يكتسب به ، ذيل حديث 1.

الأعم. والمقصود منه الوجوب ، ويعتبر كون الرهن مساويا للحق ، أو زائدا عليه (1) ليمكن استيفاؤه منه ، وكونه بيد الولي ، أو يد عدل (2) ليتم التوثق ، والإشهاد (3) على الحق لمن يثبت به عند الحاجة إليه عادة. فلو أخل (4) ببعض هذه ضمن مع الإمكان.

(ولو تعذر الرهن هنا) (5) وهو في موضع الخوف على ماله (أقرض من ثقة عدل غالبا) هكذا اتفقت النسخ ، والجمع بين العدل والثقة تأكيد ، أو حاول تفسير الثقة بالعدل لوروده كثيرا في الأخبار (6) وكلام الأصحاب محتملا (7) لما هو أعم منه.

______________________________________________________

وإيجاب الرهن للتوثق من استيفاء دين الطفل ، لأن المديون وإن كان ثقة لكن يجوز أن يكون ذا نظرة لأنه لا مال عنده ، فيلزم ضياع مال الطفل.

(1) ليتمكن الولي من استيفاء الدين من العين المرهونة ، ويؤيده الأخبار.

منها : خبر إسباط بن سالم (قلت لأبي عبد الله عليه السلام : كان لي أخ هلك ، فوصّى إلى أخ أكبر مني وأدخلني معه في الوصية وترك ابنا صغيرا وله مال ، أفيضرب به أخي فما كان من فضل سلّمه لليتيم وضمن له ماله ، فقال عليه السلام : إن كان لأخيك مال يحيط بمال اليتيم إن تلف فلا بأس به ، وإن لم يكن له مال فلا يعرض لمال اليتيم) (1).

(2) أي يجب كون الرهن لمال اليتيم بيد الولي أو بيد عدل ليتم التوثق من استيفاء دين اليتيم إن لم يف به المديون.

(3) أي يجب على الولي إشهاد شاهدين على المديون أنه قد استدان من مال الطفل بالإضافة إلى وثاقه المديون ويسره والرهن ، للاحتياط إذ قد يخون الثقة وقد يذهب ماله وتتلف العين المرهونة فلا يملك إثبات الدين إلا بالشهادة.

(4) لو أخلّ الولي ببعض هذه الشروط ضمن مال اليتيم لو لم يعد المال ، لتقصيره بالتصرف في مال الطفل.

(5) أي إذا جاز إقراض مال اليتيم للمصلحة وقد تعذر الرهن فيجب أن يكون الدين للثقة غالبا للتوثق في مال اليتيم.

(6) الوسائل الباب - 11 - من كتاب القضاء حديث 4 و 5.

(7) أي محاولة المصنف لتفسير الثقة بالعدل لاحتمال أن يراد بالثقة ما هو أعم من العدل ففسرها بالعدل فقط دفعا للاحتمال.

ص: 79


1- 1. الوسائل الباب - 75 - من أبواب ما يكتسب به حديث 1.

فی رهن الحق

ووصف الغلبة (1) للتنبيه على أن العدالة لا تعتبر في نفس الأمر (2) ، ولا في الدوام (3) ، لأن عروض الذنب ليس بقادح على بعض الوجوه كما عرفته في باب الشهادات ، والمعتبر وجودها غالبا.

(وأما الحق (4) فيشترط ثبوته في الذمة) (5)

أي استحقاقه فيها وإن لم يكن مستقرا (كالقرض (6) وثمن المبيع (7) ولو في زمن الخيار ، (والدية بعد استقرار الجناية (8) وهو انتهاؤها إلى الحد الذي لا يتغير موجبها لا قبله ، لأن ما حصل بها (9) في معرض الزوال بالانتقال إلى غيره. ثم

______________________________________________________

(1) قال الشارح في المسالك : (الثقة في ظاهر الحال بمعنى الاكتفاء بظاهر أمره ، ولا يشترط العلم بذلك لتعذره فعبّر عن الظاهر بالغالب نظرا إلى أن الظاهر يتحقق بكون الغالب على حالة كونه ثقة ، لا أن المراد كونه في أغلب أحواله ثقة دون القليل من أحواله ، فإن ذلك غير كاف) انتهى.

(2) بل تعتبر في ظاهر الحال.

(3) هذا ما نفاه في المسالك كما تقدم وقد أخذ به هنا ، والمراد لو كان في غالب أحواله عادلا مع صدور الصغيرة منه في القليل من أحواله فلا يضر ، لأن الذي يضر بالعدالة هو الإصرار على الصغيرة لا اللمم.

(4) هو الحق الذي يجوز أخذ الرهن عليه ، وهو كل دين ثابت في الذمة مستحق فيها ، ويحترز بالدين عن العين فلا يصح أخذ الرهن عليها سواء كانت العين أمانة في يده كالوديعة والعارية أم كانت غير مضمونة كالمغصوبة والمقبوضة بالسوم والمستعارة مع الضمان ، وعدم صحة الرهن على العين لامتناع استيفاء العين الموجودة من شي ء آخر.

(5) في ذمة الراهن ، فلا يصح الرهن على ما لم يحصل سبب ثبوته في الذمة ، كالرهن على ما يستدين أو على ثمن ما يشتريه ، بلا خلاف فيه ، لأن الرهن وثيقة من الراهن على مال المرتهن ، ولا يتصور الاستيثاق قبل حصول مال له عنده.

(6) مثال لما ثبت في الذمة وهو مستقر.

(7) مثال لما ثبت في الذمة وهو غير مستقر.

(8) فقبل استقرار الجناية لا يعلم بحصول سبب الدية ، كما لو جني عليه ولم تأت الجناية على نفسه ، فلا تثبت الدية حتى يستوثق منها بالرهن.

(9) بالجناية.

ص: 80

إن كانت حالّة (1) ، أو لازمة للجاني كشبيه العمد جاز الرهن عليها مطلقا ، (وفي الخطأ) المحض (2) لا يجوز الرهن عليها قبل الحلول ، لأن المستحق عليه غير معلوم ، إذ المعتبر من وجد منهم عند حلولها مستجمعا للشرائط بخلاف الدين المؤجل ، لاستقرار الحق والمستحق عليه.

ويجوز الرهن (عند الحلول على قسطه) وهو الثلث بعد حلول كل حول من الثلاثة.

(ومال الكتابة (3) وإن كانت مشروطة على الأقرب) لأنها لازمة للمكاتب مطلقا (4) على الأصح. والقول الآخر أن المشروطة جائزة من قبل المكاتب فيجوز له تعجيز نفسه ، فلا يصح الرهن على مالها ، لانتفاء فائدته إذ له (5) إسقاطه (6) متى شاء.

وهو على تقدير تسليمه (7) غير مانع منه كالرهن على الثمن في مدة الخيار.

______________________________________________________

(1) أي بعد أن تستقر الدية فإن كانت حالة أو لازمة للجاني كشبيه العمد فهي وإن كانت مؤجلة إلى سنتين لكنها كأجل الدين فيصح الرهن عليها سواء كان قبل السنتين أم بعدها.

(2) فالدية على العاقلة وهي مقسطة على ثلاث سنين ، ولكن لا يجوز الرهن على قسط كل حول إلا بعد حلوله ، لعدم تعين المستحق عليه من العاقلة قبل الحلول ، لأن الجامع لشرائط العقل عند تمام الحول هو الذي يعقل وإن كان فاقدا لها قبله.

(3) يجوز الرهن على مال الكناية المطلقة بلا خلاف فيه كما في المسالك ، لأن الكناية المطلقة لازمة من الطرفين ، ومع لزومها يستقر الحق ويتعين المستحق عليه.

وأما الكتابة المشروطة فعلى المشهور أنه يصح الرهن لأنها لازمة من الطرفين ، وذهب الشيخ والقاضي والحلي إلى عدم جواز الرهن ، لأنها غير لازمة من قبل العبد فيجوز له تعجيز نفسه ، ومع جواز تعجيز نفسه وأن يرجع إلى الرق متى شاء تنتفي مالية الكتابة فالاستيثاق بالرهن لا فائدة فيه حينئذ ، وردّ بأن تعجيز العبد نفسه وإبطال مال الكناية لا يضر بالرهن كما لا يضر الرهن على الثمن في زمن الخيار.

(4) سواء كانت الكتابة مطلقة أم مشروطة.

(5) للمكاتب.

(6) أي إسقاط مال الكتابة.

(7) بكون المشروطة جائزة من قبل العبد.

ص: 81

وفي قول ثالث : أن المشروطة جائزة من الطرفين ، والمطلقة لازمة من طرف السيد (1) خاصة ، ويتوجه عدم صحة الرهن أيضا كالسابق.

(ومال الجعالة بعد الرد (2) ، لثبوته في الذمة حينئذ(لا قبله) (3) وإن شرع فيه (4) لأنه لا يستحق شيئا منه (5) إلا بتمامه (6) وقيل : يجوز بعد الشروع ، لأنه يؤول إلى اللزوم كالثمن في مدة الخيار ، وهو ضعيف. والفرق واضح ، لأن البيع يكفي في لزومه إبقاؤه على حاله فتنقضي المدة ، والأصل عدم الفسخ عكس الجعالة.

(ولا بد من إمكان استيفاء الحق من الرهن (7) لتحصل الفائدة المطلوبة من

______________________________________________________

(1) وهذا على خلاف ما قاله في المسالك من أن المطلقة لازمة من الطرفين ، إلا أن يكون القول المذكور لبعض العامة ولم أجد من نقله عن واحد من الأصحاب.

(2) لو كان المالك قد جعل جعالة لمن ردّ ماله المفقود ، وقام البعض برده فيستحق الأجرة ، وهي دين ثابت في الذمة فيصح الرهن عليه.

أما قبل رد المفقود فهل يصح للمجعول له الرهن أولا ، هذا إذا كان قد شرع في العمل ، وأما قبل الشروع في العمل فلا يصح له أخذ الرهن لعدم استحقاق المجعول قبل العمل بلا خلاف فيه كما في الجواهر.

وأما إذا كان بعد الشروع فلا يصح الرهن لأنه لم يستحق الأجرة إلا بالرد ، والرد لم يتحقق وإن شرع في العمل كما عليه الأكثر ، وعن العلامة في التذكرة جواز الرهن لا لانتهاء الشروع في العمل إلى اللزوم بتحقق الرد ، ومعه يثبت الحق في ذمة الجاعل كالثمن في مدة الخيار.

وردّ بأن الشروع ما لم يتحقق الرد لا يوجب اشتغال ذمة الجاعل فعلى أي شي ء يقع الرهن ، وهذا بخلاف الرهن على الثمن في مدة الخيار ، فإنه ثابت من حين العقد وإن لم يكن مستقرا ، وقد أتى الشارح في المسالك بفارق آخر حيث قال : (والفرق بينها وبين البيع في زمن الخيار واضح ، لأن البيع متى أبقي على حاله انقضت مدة الخيار وثبت له اللزوم والأصل فيه عدم الفسخ ، عكس الجعالة فإن العمل فيها لو ترك على حاله لم يستحق بسببه شي ء والأصل عدم الإكمال) انتهى.

(3) أي قبل الرد.

(4) في العمل.

(5) من مال الجعالة.

(6) بتمام العمل.

(7) فالحق الذي أخذ الرهن لأجله لا بدّ فيه من إمكان استيفائه من الرهن ، لأن فائدة الرهن

ص: 82

الکلام فی اللواحق یقع فی مسائل

اشارة

الأولی إذا شرط الوکالة فی الرهن

التوثق به (فلا يصح الرهن على منفعة المؤجر عينه مدة معينة) ، لأن تلك المنفعة الخاصة لا يمكن استيفائها إلا من العين المخصوصة حتى لو تعذر الاستيفاء منها بموت ونحوه بطلت الإجازة ، (فلو آجره في الذمة جاز) كما لو استأجره على تحصيل خياطة ثوب بنفسه أو بغيره (1) ، لإمكان استيفاؤها حينئذ من الرهن ، فإن الواجب تحصيل المنفعة على أي وجه اتفق ، (وتصح زيادة الدين على الرهن (2) فإذا استوفى الرهن بقي الباقي منه متعلقا بذمته ، (وزيادة الرهن على الدين (3) وفائدته سعة الوثيقة ، ومنع الراهن من التصرف في المجموع فيكون باعثا على الوفاء ، ولإمكان تلف بعضه فيبقى الباقي حافظا للدين.

(وأما اللواحق فمسائل) :

الأولى - (إذا شرط الوكالة في الرهن (4)

______________________________________________________

التوثق على دينه وحقه بحيث مع تعذر الوفاء يستوفي الحق من العين المرهونة.

وعليه فلو كان الحق الذي له لا يمكن استيفاؤه من الرهن فلا يصح هذا الرهن كما لو آجره نفسه شهرا معينا أو داره كذلك ، أو دابته المعينة لحمل معين ، ونحو ذلك ، فالمنفعة التي وقعت في عقد الإجارة أصبحت ملكا للذي استأجرها ولا يمكن طلب الرهن عليها لأنه لا يجوز استيفاء هذه المنفعة إلا من هذه العين المخصوصة بحيث لو تعذر الاستيفاء لموت أو نحوه بطلت الإجارة ولا يمكن الاستيفاء من عين أخرى فلذا يبطل الرهن عليها.

(1) أي غير نفسه بحيث كان الواجب هو تحصيل المنفعة على أي وجه اتفق ، ومن أي عين كانت ، فيصح الرهن عليها لإمكان استيفائها من الرهن ، ولو ببيعه واستئجار الغير بالثمن على تحصيل الفعل المستأجر عليه.

(2) بحيث كان الرهن أقل من الدين ، لإطلاق قوله تعالى : ( أَوْفُوا بِالْعُقُودِ ) (1) ، فيشمل عقد هذا الرهن.

(3) بلا خلاف فيه كما في الجواهر لإطلاق قوله تعالى : ( أَوْفُوا بِالْعُقُودِ ) (2).

(4) قد تقدم أن الرهن بحسب أصله لا يقتضي كون المرتهن وكيلا عن الراهن في البيع ، لأن العين المرهونة تبقى على ملك الراهن ، نعم مع الرهن يحق للمرتهن مطالبة الراهن ببيعها ، فإن أبى طلب من الحاكم بيعها ، فإن تعذر باعها المرتهن واستوفى دينه.

وقد تقدم أنه يجوز للمرتهن اشتراط الوكالة في البيع بأن يكون وكيلا عن الراهن في بيع

ص: 83


1- (1 و 2) سورة المائدة ، الآية : 1.

لم يملك عزله (1) على ما ذكره جماعة (2) منهم العلامة ، لأن الرهن لازم من جهة

______________________________________________________

العين المرهونة ، ويجوز اشتراط الوكالة في البيع لوارث المرتهن أو لغيره بلا خلاف فيه لعموم (المؤمنون عند شروطهم) (1).

ولكن مع اشتراط الوكالة المذكورة في البيع للمرتهن ، هل يجوز للراهن فسخها بعد الرهن قولان ، فعلى المشهور لزوم الشرط الواقع في العقد اللازم فلا يملك الراهن فسخ الوكالة ، بل في الجواهر : (نسبة الخلاف فيه إلى أهل الخلاف ، فإني لم أجده إلا من الشهيد في اللمعة ، نعم عن المبسوط أنه حكي الخلاف في ذلك بلفظ القيل ، ويمكن أن يريد الشافعي) انتهى.

ودليل جواز الفسخ إما لأن الوكالة من العقود الجائزة ، ومن شأنها تسلط كل واحد منهما على الفسخ ، وإما لأن الشروط لا يجب الوفاء بها وإن كانت في عقد لازم بل غايته تسلط المشروط له على فسخ العقد المشروط فيه ، ويضعّف الأول بأن جواز الوكالة بحسب أصلها لا ينافي لزومها بسبب عارض كشرطها في عقد لازم ، وهو هنا كذلك ، ويضعّف الثاني بمنع عدم وجوب الوفاء بالشرط في العقد اللازم ، لأن عموم (المؤمنون عند شروطهم (2) دال على لزوم الشروط ، بل قوله تعالى : ( أَوْفُوا بِالْعُقُودِ ) (3) يوجب الوفاء بالعقد المشروط ، ولازمه الوفاء بالشرط.

هذا كله إذا شرط الوكالة في عقد لازم ، وأما لو شرط الوكالة في نفس عقد الرهن ، فقولان ، فعلى المشهور وجوب الوفاء بالشرط فلا يجوز للراهن فسخ الوكالة ، وقد ذهب الشهيد هنا إلى الجواز ، لعدم لزوم الشرط في العقد اللازم ففي الشرط الوارد في العقد الجائز من باب أولى ، ولو سلّم لزوم الشرط في العقد اللازم فالرهن ليس لازما.

وفيه : أما الأول لما عرفت من لزوم الشرط في العقد اللازم ، وأما الثاني فلأن الرهن لازم من طرف الراهن ، فما يلتزمه الراهن يكون لازما من قبله ، نعم لمّا كان عقد الرهن جائز (من طرف المرتهن كان ما يلزمه جائزا فيجوز له فسخ الوكالة كما هو واضح لأنها حقه ويجوز له ترك هذا الحق.

(1) أي لم يملك الراهن عزل المرتهن.

(2) قد عرفت أنه المشهور ولم يخالف إلا الشهيد في اللمعة وبعض أهل العامة.

ص: 84


1- 1. الوسائل الباب - 20 - من أبواب المهور حديث 4.
2- 2. الوسائل الباب - 20 - من أبواب المهور حديث 4.
3- 3. سورة المائدة ، الآية : 1.

الراهن وهو الذي شرطها على نفسه (1) فيلزم من جهته.

(ويضعّف (2) بأن المشروط في اللازم (3) يؤثر جواز الفسخ لو أخل بالشرط ، لا وجوب الشرط) كما تقدم من أن المشروط في العقد اللازم يقلبه جائزا عند المصنف وجماعة ، فحينئذ (4) إنما يفيد إخلال الراهن بالوكالة تسلط المرتهن على فسخ العقد (5) ، وذلك (6) لا يتم في عقد الرهن (7) ، لأنه دفع ضرر (8) بضرر أقوى (9) ، وإنما تظهر الفائدة فيما لو كان الراهن قد شرطها (10) في العقد اللازم كبيع (فحينئذ لو فسخ) الراهن (الوكالة فسخ المرتهن البيع المشروط بالرهن) ، والوكالة (إن كان) هناك بيع مشروط فيه ذلك (11) ، وإلا (12) فات الشرط على المرتهن بغير فائدة.

ويشكل (13) بما تقدم من وجوب الوفاء بالشرط ، عملا بمقتضى

______________________________________________________

(1) والمعنى أن الراهن هو الذي شرط الوكالة على نفسه ، وكذا فيما لو كان الشرط من طرف المرتهن وقبل الراهن.

(2) هذا هو الدليل الثاني من أدلة الجواز الواردة فيما لو شرط الوكالة في عقد لازم.

(3) أي العقد اللازم كالبيع.

(4) أي حين انقلابه إلى الجائز.

(5) الذي شرط فيه الوكالة ، كما لو شرطت في البيع.

(6) أي تسلط المرتهن على فسخ العقد المشروط.

(7) بحيث لو شرطت الوكالة في نفس عقد الرهن وقد أخلّ الراهن بالشرط فتسلط المرتهن على فسخ عقد الرهن غير متوجه عند العقلاء لأنه يزيده ضررا ، لأن الرهن من أجله ليتوثق على دينه فكيف يفسخه؟

(8) وهو ضرر الإخلال بالشرط.

(9) وهو ضرر فسخ عقد الرهن.

(10) أي شرط الوكالة.

(11) وهو الرهن والوكالة.

(12) أي وإن لم يكن هناك بيع مشروط فيه الرهن والوكالة ، بل كان هناك رهن قد شرط فيه الوكالة ولم يعمل الراهن بالشرط ، فهو وإن أوجب للمرتهن التسلط على الفسخ لكنه لا يقدم عليه لأن دفع الفاسد بالأفسد فيكون قد فات الشرط على المرتهن وبقي الرهن فقط.

(13) أي قول الماتن من كون الشرط لا يجب الوفاء به ، غايته يوجب التسلط على الفسخ

ص: 85

الأمر (1) ، خصوصا في ما يكون العقد المشروط (2) فيه كافيا في تحققه (3) كالوكالة على ما حققه ، المصنف من أنه يصير كجزء من الإيجاب والقبول يلزم حيث يلزمان.

ولما كان الرهن لازما من جهة الراهن فالشرط من قبله كذلك (4) خصوصا هنا (5) ، فإن فسخ (6) المشروط فيه وهو الرهن إذا لم يكن في بيع لا

______________________________________________________

مشكل بما تقدم في كتاب البيع عند خيار الاشتراط من وجوب الوفاء بالشرط لعموم (المؤمنون عند شروطهم) (1) ولقوله تعالى : ( أَوْفُوا بِالْعُقُودِ ) (2) على ما تقدم بيانه هنا أيضا.

(1) في قوله تعالى : ( أَوْفُوا بِالْعُقُودِ ) (3).

(2) قد تقدم في كتاب البيع أن الشرط على قسمين : شرط فعل وشرط نتيجة ، فالأول كأن يقول : بعتك الكتاب بشرط أن توكلني بكذا ، ولازمه أن مجرد البيع لا يجعل البائع وكيلا وإنما على المشتري أن يجري الوكالة فيما بعد حتى يصير وكيلا ، والثاني كأن يقول : بعتك الكتاب بشرط وكالتي عنك بكذا ، ولازمه أن مجرد عقد البيع يوجب الوكالة من دون إجراء التوكيل.

وقد تقدم أن المصنف قد فصل بين شرط الفعل وشرط النتيجة ، نفي شرط الفعل لا يجب العمل على طبقه غايته عند الإخلال يلزم تسلط المشروط له على الفسخ ، وفي شرط النتيجة يجب العمل على طبقه لأنه يصير جزءا من الإيجاب والقبول.

وعلى كل فالشرط هنا بالوكالة في بيع الرهن عن الراهن لو كان شرط نتيجة فيجب أن يلتزم الراهن به ولا يجوز له الفسخ بناء على قول المصنف المتقدم ، مع أن المصنف هنا لم يفصل في عدم وجوب الوفاء بالشرط هنا في الرهن بين شرط الفعل وشرط النتيجة.

(3) أي تحقق الشرط وهو شرط النتيجة.

(4) أي لازم.

(5) أي في شرط النتيجة.

(6) والمعنى أنه لو شرط الوكالة في الرهن على نحو شرط النتيجة ، فلا يعقل أن يقدم المرتهن على فسخ عقد الرهن ، وهو العقد المشروط فيه الوكالة على نحو شرط النتيجة لأنه يزيد ضررا ، وكذا الراهن لا يؤثّر فسخه للوكالة لأنها وإن كانت جائزة بحسب أصلها إلا أنها

ص: 86


1- 1. الوسائل الباب - 20 - من أبواب المهور حديث 4.
2- (2 و 3) سورة المائدة ، الآية : 1.

الثانیة - یجوز للمرتهن ابتیاعه من نفسه

يتوجه (1) ، لأنه يزيد ضررا فلا يؤثّر فسخه (2) لها (3) وإن كانت جائزة بحسب أصلها ، لأنها قد صارت لازمة بشرطها (4) في اللازم (5) على ذلك الوجه (6).

(الثانية (7) - يجوز للمرتهن ابتياعه (8) من نفسه إذا كان وكيلا في البيع ، ويتولى طرفي العقد ، لأن الغرض بيعه بثمن المثل وهو (6) حاصل ، وخصوصية المشتري ملغاة حيث لم يتعرض لها. وربما قيل بالمنع ، لأن ظاهر الوكالة لا يتناوله ، وكذا يجوز بيعه على ولده بطريق أولى (10). وقيل : لا (وهو (11) مقدم به

______________________________________________________

قد صارت لازمة عليه ، لأن الوكالة قد شرطت على نحو شرط النتيجة في عقد لازم بالنسبة إليه ، لأن الرهن لازم بالنسبة للراهن.

(1) أي لا يتوجه الفسخ بمعنى لا يقدم عليه هذا إذا كان الفسخ من المرتهن.

(2) من باب التفعيل والفسخ هنا من الراهن.

(3) للوكالة.

(4) وهو شرط النتيجة.

(5) وهو عقد الرهن بالنسبة للراهن.

(6) أي شرط النتيجة.

(7) لو كان المرتهن وكيلا عن الراهن ببيع العين المرهونة ، وقد باعها على الغير فالبيع صحيح ، لوجود المقتضي لأنه وكيل في البيع ، مع عدم المانع بلا خلاف فيه. ولكن هل يصح للمرتهن بيع العين المرهونة على نفسه ، ويتولى طرفي العقد ، فعلى المشهور الجواز ، لأن الوكالة مطلقة ولم يخصها الراهن بأنه وكيل عنه في البيع لغير نفسه ، وعن المحقق الثاني العدم ، لأن الوكالة المذكورة ظاهرة في بيع الرهن على غيره من غير تعرض له ، فلا يجوز البيع على نفسه إلا بالاذن أو وجود قرينة تدل عليه ، وردّ بأن هذا لا شاهد له ، لأن الوكالة مطلقة.

(8) أي ابتياع الرهن.

(9) أي البيع بثمن المثل.

(10) كان النزاع في المسألة السابقة من حيثية أن الوكالة هل تشمل البيع لنفسه أو لا ، والنزاع هنا أنه مع غض البصر عن الوكالة فهل يجوز للمرتهن أن يبيع الرهن على نفسه أو ولده من حيثية بيع مال الغير ليستوفي دينه من الثمن ، ذهب ابن الجنيد إلى المنع لتطرق التهمة إلى البائع الوكيل ، بأنه قد يتساهل في حق الراهن إذا كان البيع للمرتهن أو ولده.

والمشهور على الجواز لإطلاق أدلة الوكالة ، واحتمال التهمة يوجب الكراهة في الحكم لا المنع.

(11) أي المرتهن أحق بالرهن من سائر غرماء الراهن ، سواء كان الراهن حيا وقد حجّر عليه

ص: 87

الثالثة - لا یجوز لأحدهما التصرف فیه بانتفاع

على الغرماء) حيا كان الراهن أم ميتا ، مفلّسا كان أم لا ، لسبق تعلق حقه ، (ولو أعوز) الرهن ولم يف بالدين (ضرب بالباقي (1) مع الغرماء على نسبته.

(الثالثة - لا يجوز لأحدهما التصرف فيه (2) بانتفاع ، ولا نقل ملك ، ولا

______________________________________________________

للتفليس ، أم كان ميتا وقد حلت عليه ديونه وكانت تركته أقصر من دينه ، بلا خلاف في الأول ، وفي الثاني كذلك إلا من الصدوق ، ودليل المشهور هو سبق تعلق حق المرتهن بالعين ، ولأن معنى الرهن هو ما تقدم ، ودليل الصدوق خبران ، الأول : خبر عبد الله بن الحكم عن أبي عبد الله عليه السلام (عن رجل أفلس وعليه الدين لقوم ، وعند بعضهم رهون ، وليس عند بعضهم ، فمات ولا يحيط ماله بما عليه من الدين ، فقال عليه السلام : يقسّم جميع ما خلّف من الرهون وغيرها على أرباب الدين بالحصص) (1) ، والثاني : مكاتبة سليمان بن حفص إلى أبي الحسن عليه السلام (في رجل مات وعليه الدين ولم يخلّف شيئا إلا رهنا في يد بعضهم ، فلا يبلغ ثمنه أكثر من مال المرتهن ، أيأخذه بماله أو هو وسائر الديان فيه شركاء ، فكتب : جميع الديان في ذلك سواء ، يتوزعونه بينهم بالحصص) (2) ، والأول ضعيف بعبد الله بن الحكم ، والثاني مشتمل على سليمان بن حفص وهو لم يمدح ولم يذم ، وهما مهجوران عند الأصحاب لمخالفتهما للقواعد على ما تقدم.

(1) لأن الباقي دين وليس له رهن ، فهو كبقية الغرماء والدّيان بالنسبة إليه.

(2) أي في الرهن ، أما بالنسبة إلى الراهن ، فلا يجوز له التصرف بالرهن ببيع أو وقف أو نحوهما مما يوجب زوال الملك ، ولا بإجارة ولا سكنى ولا غيرها مما يوجب نقصه ، لفوات الرهن في الأول ودخول النقص في الثاني ، بلا خلاف في ذلك كله.

وأما التصرف من الراهن بالعين بما لا يوجب زواله الملك ولا دخول النقص فممنوع على الأشهر لإطلاق النبوي المشهور (الراهن والمرتهن ممنوعان من التصرف) (3) ، وعن العلامة في التذكرة احتمال وتبعه بعض المتأخرين جواز التصرف للأصل ، وعموم قاعدة التسلط لأرباب الأموال على أموالهم المستفادة من النبوي (الناس مسلطون على أموالهم) (4) ، ولصحيح الحلبي عن أبي عبد الله عليه السلام (عن رجل رهن جارية عند قوم ، يحلّ له أن يطأها ، قال عليه السلام : إن الذين ارتهنوها يحيلون بينه وبينها ، قلت : أرأيت إن

ص: 88


1- (1 و 2) الوسائل الباب -1. من أبواب الرهن حديث 1 و 2.
2- 2. مستدرك الوسائل الباب - 17 - من أبواب الرهن حديث 6.
3- 3. البحار ج 2 ص 272.

غيرهما إذا لم يكن المرتهن وكيلا ، وإلا جاز له التصرف بالبيع والاستيفاء خاصة كما مر ، (ولو كان له نفع (1) كالدابة ، والدار (أوجر) (2) باتفاقهما ، وإلا آجره الحاكم.

وفي كون الأجرة رهنا كالأصل قولان كما في النماء المتجدد مطلقا (3).

(ولو احتاج إلى مئونة (4) كما إذا كان حيوانا (فعلى الراهن) مئونته لأنه المالك ،

______________________________________________________

قدر عليها خاليا ، قال عليه السلام : نعم لا أرى هذا عليه حراما) (1) ومثله صحيح محمد بن مسلم (2).

إلا أن المشهور قد أعرض عنهما وهما موافقان للعامة فيحملان على التقية.

وأما بالنسبة للمرتهن فلا يجوز له التصرف مطلقا لحرمة التصرف في مال الغير.

(1) كل ما يحصل من الرهن من فوائد متصلة أو منفصلة فهي للراهن بلا خلاف ولا إشكال ، لأن النماء يتبع الأصل.

ولكن هل هذه النماءات تتبع العين في الرهن أو لا ، فإن كانت متصلة لا تقبل الانفصال بأي وجه كالسمن والطول دخلت إجماعا كما في المسالك والجواهر ، وإن كانت منفصلة كالثمرة والولد أو يقبل الانفصال كالشعر والثمرة ففي دخولها قولان ، فعن المشهور أنه رهن وعليه الإجماع كما عن الغنية وهو الحجة بعد التبعية من كون الفرع تابعا للأصل ، وعن الشيخ والمحقق والعلامة في جملة من كتبه العدم ، إذ التبعية في الملكية غير مستلزمة للتبعية في الرهينة كما لا يخفى ، والإجماع موهون لمصير هؤلاء إلى الخلاف.

(2) لئلا يذهب نفعه هباء.

(3) سواء كان منفصلا أم قابلا للانفصال ، ولا يريد بالإطلاق شموله للمتصل على درجة لا يمكن فصله لأنه داخل في الرهينة بلا خلاف.

(4) لو احتاج الرهن إلى مئونة كالحيوان والعبد المرهونين فنفقته على الراهن ، لأنه ماله وله نماؤه فعليه نفقته ، ولذا لو تصرف المرتهن بالعين كالانتفاع بالركوب واللبن فتلزمه الأجرة فيما له أجرة المثل كالركوب ، أو القيمة إن كان يضمن بقيمته كاللبن.

فلو ثبت على المرتهن ما انتفع به وقد انفق على الرهن والنفقة على الراهن يتقاصا مع اجتماع الشرائط من التساوي في النوع والصفة بحيث يكون ما أنفقه المرتهن على العين في قبال ما استفاده وانتفع به منها ، على المشهور كما في المسالك.

وعن الشيخ في النهاية والحلبي وابني حمزة وسعيد أن النفقة على الراهن ولكن لو أنفق

ص: 89


1- (1 و 2) الوسائل الباب -1. من أبواب كتاب الرهن حديث 2 و 1.

فإن كان في يد المرتهن وبذلها الراهن أو أمره بها ، أنفق ورجع بما غرم ، وإلا استأذنه ، فإن امتنع (1) ، أو تعذر استئذانه لغيبة أو نحوها ، رفع أمره إلى الحاكم ، فإن تعذر أنفق (2) هو بنية الرجوع ، وأشهد عليه ليثبت استحقاقه بغير يمين ورجع (3) ، فإن لم يشهد فالأقوى قبول قوله في قدر المعروف منه (4) بيمينه ، ورجوعه به.

______________________________________________________

عليها المرتهن فيجوز له ركوبها أو الانتفاع بلبنها استنادا إلى صحيح أبي ولّاد عن أبي عبد الله عليه السلام (عن الرجل يأخذ الدابة أو البعير رهنا بما له ، أله أن يركبه ، فقال عليه السلام : إن كان يعلفه فله أن يركبه وإن كان الذي رهنه عنده يعلفه فليس له أن يركبه) (1) ، وخبر السكوني عن جعفر عن أبيه عن آبائه عليهم السلام عن علي عليه السلام (قال رسول الله صلى الله عليه وسلم : الظهر يركب إذا كان مرهونا ، وعلى الذي يركب نفقته ، والدرّ يشرب إذا كان مرهونا وعلى الذي يشرب نفقته) (2).

والمشهور قد حملوا الروايتين على جواز الانتفاع في قبال النفقة على ما لو كان ذلك بإذن الراهن ، ومع عدم الاذن فقد عرفت أن القاعدة تقتضي كون النماء للراهن وعليه النفقة ، لأن الرهن ملكه ، فإذا اتفق عليه فهو ، وإلا فإذا أمر الراهن المرتهن بالإنفاق يرجع المرتهن بما أنفق على الراهن ، وإلا استأذن المرتهن الراهن بالإنفاق ثم يرجع عليه ، لأن الإنفاق لم يكن تبرعا ، وإذا امتنع الراهن عن الإنفاق أو الأمر به أو الاذن به أو كان غائبا ، استأذن المرتهن الحاكم لأنه ولي الممتنع والغائب في نحو ذلك ، فإن تعذر الحاكم فقد ذهب بعضهم إلى وجوب الإشهاد من قبل المرتهن على ما أنفق ليثبت له بالشهادة استحقاقه للذي أنفقه ، وبعضهم ذهب إلى عدم وجوب الإشهاد لأن المرتهن أمين ، وهو مصدق بما يقول وغير متهم ، فما يقوله في النفقة فهو صادق ، إلا أن يكون متهما فعليه اليمين فقط لأنه منكر لموافقة قوله ظاهر الشريعة من حيث كونه أمينا.

هذا كله إذا أنفق بنية الرجوع ، وأما لو أنفق تبرعا فلا رجوع له كما هو واضح ، واستحسن الشهيد في الدروس قولا ثالثا بجواز الانتفاع بما يخاف فوته على المالك عند تعذر استنابته أو استئذان الحاكم.

(1) أي الراهن.

(2) لأنه يجب عليه الإنفاق من باب وجوب حفظ العين عليه.

(3) أي رجع المرتهن بما أنفقه على الراهن بالشهادة.

(4) من الإنفاق.

ص: 90


1- (1 و 2) الوسائل الباب -1. من أبواب الرهن حديث 1 و 2.

الرابعة - یجوز للمرتهن الاستقلال بالاستیفاء

(ولو انتفع المرتهن به (1) بإذنه (2) على وجه العوض ، أو بدونه (3) مع الإثم (لزمه الأجرة) ، أو عوض المأخوذ كاللبن ، (وتقاصّا) ورجع ذو الفضل بفضله. وقيل : تكون النفقة في مقابلة الركوب واللبن مطلقا (4) ، استنادا إلى رواية حملت على الإذن في التصرف والإنفاق مع تساوي الحقين ، ورجّح في الدروس جواز الانتفاع بما يخاف فوته على المالك عند تعذر استئذانه ، واستئذان الحاكم. وهو حسن.

(الرابعة - يجوز للمرتهن الاستقلال بالاستيفاء (5) إذا لم يكن وكيلا (لو خاف جحود الوارث) ، ولا بينة له على الحق (إذ القول قول الوارث مع يمينه في عدم الدين ، وعدم الرهن) لو ادعى المرتهن الدين والرهن. والمرجع في الخوف (6) إلى

______________________________________________________

(1) بالرهن.

(2) بإذن الراهن.

(3) بدون الاثم.

(4) سواء ساوت النفقة الانتفاع المذكور أم لا.

(5) قد تقدم أن الرهن لا يقتضي الوكالة للمرتهن في البيع ، وأما إذا كان وكيلا فيجوز له البيع بحسب وكالته وهذا واضح ، أما لو كان المرتهن غير وكيل في البيع إما لعدم وكالته ابتداء وإما لبطلانها بموت الراهن الموكل فيجوز للمرتهن أن يستوفي دينه مما في يده إن علم أو ظن أو خاف جحود الوارث للدين أو الرهن ، ولم تكن عند المرتهن بيّنة مقبولة على إثبات الدين أو الرهن بلا خلاف فيه بينهم كما في الجواهر والرياض لأدلة نفي الحرج والضرر ، ومكاتبة المروزي لأبي الحسن عليه السلام (في رجل مات وله ورثة ، فجاء رجل فادعى عليه مالا وأن عنده رهنا ، فكتب عليه السلام : إن كان له على الميت مالا ولا بيّنة له فليأخذ ماله مما في يده ، ويردّ الباقي على ورثته ، ومتى أقرّ بما عنده أخذ به - أي الإقرار - وطولب بالبينة على دعواه وأوفي حقه بعد اليمين ، ومتى لم يقم البينة والورثة ينكرون فله عليهم يمين علم يحلفون بالله ما يعلمون أن له على ميتهم حقا) (1).

(6) قال الشارح في المسالك : (والمراد الخوف المستند إلى القرائن المثمرة للظن الغالب) انتهى ، وفي القواعد اشترط العلم بالجحود ، ويردّ بإطلاق المكاتبة المتقدمة.

ص: 91


1- 1. الوسائل الباب - 20 - من أبواب أحكام الرهن حديث 1.

الخامسة - لو باع أحدهما بدون الإذن

القرائن الموجبة للظن الغالب بجحوده ، وكذا يجوز له ذلك (1) لو خاف جحود الراهن ولم يكن وكيلا ، ولو كان له بينة مقبولة عند الحاكم لم يجز له (2) الاستقلال (3) بدون إذنه ، ولا يلحق بخوف الجحود احتياجه إلى اليمين لو اعترف (4) ، لعدم التضرر باليمين الصادق وإن كان تركه تعظيما لله أولى.

(الخامسة - لو باع أحدهما) بدون الإذن (توقف على إجازة الآخر (5) ، فإن كان البائع الراهن بإذن المرتهن ، أو إجازته بطل الرهن من العين والثمن (6) ، إلا

______________________________________________________

(1) أي يجوز للمرتهن استيفاء دينه في يده إن خاف جحود الراهن ولم يكن وكيلا بالبيع ، لأنه مع وكالته يصح بدون مانع ، ومع عدم الوكالة يصح لإسقاط خصوصية جحود الوارث ، لأن الحكم في المكاتبة امتناع الاستيفاء بسبب الجحود.

(2) أي للمرتهن.

(3) لا يجوز للمرتهن الاستيفاء مستقلا لحرمة التصرف في مال الغير ، بل عليه إعلامهم بالدين والرهن ، فإن أنكروا أثبت حقه بالبينة ، ويستأذن الحاكم حينئذ بالبيع إن امتنع الراهن أو ورثته ، والمكاتبة صريحة في كون الاستيفاء مستقلا عند عدم وجود البينة ، فمع وجودها فلا يجوز.

(4) لو اعترف المرتهن بالرهن بعد اعتراف الراهن أو وارثه بالدين ، ولكن اختلفا في كونه رهنا أو وديعة فثبوت الرهن حينئذ متوقف على يمين المرتهن ، وعليه فلو توقف إثبات الرهن على يمين المرتهن هل يجوز له الاستبداد بالبيع دفعا لليمين ، وهذا احتمال لم ينسب إلى أحد ، بل هو مدفوع للأصل بعدم جواز التصرف في مال الغير إلا بإذنه ، وخرجنا عنه سابقا بمقدار دلالة المكاتبة ، وهو جحود الوارث مع عدم البينة ، ولذا يجب عليه اليمين لإثبات الرهن هنا ولا يجوز له الاستبداد لعدم الضرر عليه باليمين.

(5) قد تقدم أنه لو باع الراهن فلا يجوز له ذلك ، لأنه ممنوع من التصرف بالعين المرهونة بما فيه زوال العين عن ملكه ، لأنه إبطال للرهن ، نعم لو أجاز له المرتهن بالبيع صح لوجود المقتضي لأنه ملكه ، مع عدم المانع ، لارتفاع حق الرهانة من العين بإذن المرتهن.

وأما المرتهن فلا يجوز له التصرف في مال الغير ، نعم مع إذن الغير فلو باع المرتهن صح البيع حينئذ.

(6) إذا باع الراهن العين مع إذن المرتهن قبل حلول الأجل أو بعده بطل الرهن بلا خلاف ولا إشكال ، ولا يجب جعل الثمن رهنا إذا لم يشترطه كذلك بلا خلاف فيه إلا من الشيخ.

أما بطلان الرهن بالعين فلأن حق المرتهن كان متعلقا بها فلما أذن بالبيع بطل حقه

ص: 92

أن يشترط كون الثمن رهنا ، سواء كان الدين حالا أم مؤجلا فيلزم الشرط ، وإن كان البائع المرتهن كذلك (1) بقي الثمن رهنا وليس له التصرف فيه إذا كان حقه مؤجلا إلى أن يحل.

ثم إن وافقه جنسا ووصفا صح ، وإلا كان كالرهن.

(وكذا عتق الراهن) (2) يتوقف على إجازة المرتهن فيبطل بردّه (3) ويلزم

______________________________________________________

بالرهن ، وثبوت الرهن في عوضه بحاجة إلى دليل وهو مفقود ، نعم مع الشرط يجب الوفاء به.

وخالف الشيخ وذهب إلى أن الاذن إن كان بعد حلول الأجل يكون الثمن رهنا ، لأن عقد الرهن يقتضي البيع عند حلول الأجل وصرف الثمن في الدين ، فلو أذن بالبيع بعد الحلول فينصرف إلى ما يقتضيه العقد المذكور وهذا يقتضي كون الثمن رهنا.

(1) أي مع إذن الراهن أو إجازته ، فإن باع المرتهن قبل حلول الأجل فيكون الثمن رهنا بلا خلاف فيه على ما قيل ، والفرق بينه وبين سابقه من جهة ظهور إذن المرتهن في الصورة السابقة في إسقاط حقه بخلافه هنا ، فغاية ما قد صدر من المرتهن البيع ، وهو لا يدل على إسقاط حقه من الرهن.

وإذا تقرر أن الثمن رهن لم يجز للمرتهن التصرف فيه إلا بعد حلول الأجل لعدم استحقاق المرتهن للرهن إلا بعد الأجل وإن كان قد صدر من الراهن الاذن بالبيع ، لأن الاذن بالبيع لا يقتضي الاذن في تعجيل الاستيفاء.

أما لو باع المرتهن بعد حلول الأجل ، فالثمن لا يكون رهنا ، ولكن المرتهن يجوز له التصرف بالثمن في قضاء دينه ، وهذا ما أطلقه جماعة ، ولكن الشارح قيّده في المسالك بقوله : (وهو مبني على كون الحق - أي الدين - موافقا للثمن جنسا ووصفا فلو تخالفا لم يجز التصرف فيه إلا بإذن الراهن ، كما لا يجوز له التصرف في نفس الرهن لافتقاره إلى معاوضة أخرى) انتهى ، والمراد بالمعاوضة الأخرى هي جعل ما في يد المرتهن في قبال ماله من الدين بالصلح أو البيع أو نحو ذلك.

(2) فعتق الراهن للرهن لو كان عبدا صحيح مع إجازة المرتهن ، لعموم أدلة العتق السليمة عن المعارض ، والمانع هنا حق المرتهن وقد زال بإجازته.

وعن الشيخ في المبسوط ابن حمزة في الوسيلة وابن زهرة في الغنية والشهيد في الدروس عدم الجواز إذا أعتق ثم أجاز ، لأن العتق من الإيقاعات فلا يكون موقوفا على شي ء متأخر حتى أجازه المرتهن ، لاعتبار التنجيز في الإيقاعات.

(3) بناء على صحة العتق مع تعقب إجازة المرتهن ، فإن لم يجز بطل العتق لوجود المانع وهو تعلق حق المرتهن بالعين.

ص: 93

بإجازته (1) ، أو سكوته (2) إلى أن فك الرهن بأحد أسبابه. وقيل : يقع العتق باطلا بدون الإذن السابق ، نظرا إلى كونه (3) لا يقع موقوفا ، (لا) إذا اعتق (المرتهن) (4) فإن العتق يقع باطلا قطعا متى لم يسبق الإذن ، إذ لا عتق إلا في ملك ، ولو سبق (5) وكان العتق عن الراهن (6) ، أو مطلقا (7) صح ، ولو كان عن المرتهن (8) صح أيضا ، وينتقل ملكه إلى المعتق قبل إيقاع الصيغة المقترنة بالإذن كغيره من المأذونين فيه.

(ولو وطأها الراهن) (9) بإذن المرتهن ، أو بدونه وإن فعل محرما (صارت مستولدة مع الإحبال) ، لأنها لم تخرج عن ملكه بالرهن وإن منع من التصرف فيها (وقد سبق) في شرائط المبيع (جواز بيعها حينئذ (10) ، لسبق حق المرتهن على

______________________________________________________

(1) قد تقدم الكلام فيه.

(2) فيما لو سكت إلى أن يفك الرهن بإعطاء الدين فيكشف عن عدم تعلق حق المرتهن بالعين واقعا فلا مانع حينئذ من العتق.

(3) أي العتق.

(4) فإذا لم يأذن الراهن قبل العتق ، فالعتق باطل ، لأنه لا عتق إلا في ملك ، ومع عدم الاذن يقع العتق من المرتهن كالعتق من الفضولي لا تصححه الإجازة فيما بعد.

(5) أي سبق الاذن العتق فيصح العتق لزوال المانع من كونه غير مالك.

(6) فلا إشكال لأن المرتهن وكيل في إجراء الصيغة.

(7) بحيث كان العتق قربه لله من دون أن يعينه عن شخص فلا إشكال ، لأن المرتهن وكيل أيضا في إجراء الصيغة.

(8) فيأتي إشكال وهو : أن المرتهن غير مالك وأذن الراهن له لا يصيّره مالكا مع أنه لا عتق إلا في ملك فلا بدّ من الحكم بعدم صحة العتق لو كان من المرتهن ولو أذن الراهن.

والجواب بأن المأذون والمأمور بعتق عبده عن غيره يصح عتقه وينتقل إلى ملك الآمر قبل إيقاع الصيغة انا ما كما سيأتي تفصيله في باب العتق إن شاء الله تعالى.

(9) لو وطئها بإذن المرتهن أو بدونه فأحبلها صارت أم ولده شرعا ، بلا خلاف فيه ، بل في التذكرة نسبه إلى مذهبنا ، وكذا لا خلاف في أنه لا يبطل الرهن بالإحبال للاستصحاب ، لاحتمال موت الولد فيجوز بيعها حينئذ في وفاء الدين.

(10) أي حين وطئها من قبل الراهن مع عدم إذن المرتهن ، هذا والأقوال في المسألة أربعة :

الأول : جواز بيعها وإن كان الولد حيا ، في استيفاء الدين لإطلاق الأوامر ببيع الرهن في الدين ، مع سبق حق المرتهن على الاستيلاد وكما عن الشيخ والحلي والفاضل والمحقق الثاني وجماعة.

ص: 94

الاستيلاد المانع منه.

وقيل : يمنع مطلقا (1) ، للنهي عن بيع أمهات الأولاد المتناول بإطلاقه هذا الفرد ، وفصّل ثالث بإعسار الراهن فتباع ، ويساره فتلزمه القيمة تكون رهنا ، جمعا بين الحقين. وللمصنف في بعض تحقيقاته تفصيل رابع وهو بيعها مع وطئه بغير إذن المرتهن ، ومنعه مع وقوعه بإذنه (2).

وكيف كان (3) فلا تخرج عن الرهن بالوطء ، ولا بالحبل ، بل يمتنع البيع ما دام الولد حيا ، لأنه مانع طارئ ، فإن مات بيعت للرهن لزوال المانع ، (ولو وطأها المرتهن فهو زان) ، لأنه وطأ أمة الغير بغير إذنه.

(فإن أكرهها (4) فعليه العشر إن كانت بكرا ، وإلا) تكن بكرا (فنصفه) ،

______________________________________________________

الثاني : المنع من بيعها ، للنهي على بيع أم الولد ، وتشبثها بالحرية مع بناء العتق على التغليب كما عن الفاضل في التذكرة ، وحكى الشهيد حكايته عن الشيخ.

الثالث : التفصيل بإعسار الراهن فتباع ، ويساره فيلزمه القيمة من غيرها وتدفع القيمة رهنا جمعا بين حق أم الولد في الحرية وبين حق المرتهن ، كما عن الشيخ في الخلاف وابن زهرة والفاضل في التذكرة.

رابعها : ما عن الشهيد في بعض حواشيه من جواز بيعها إن وطئها الراهن من دون إذن المرتهن ، ولا يجوز البيع مع الوطي بالاذن.

(1) سواء كان الوطي بإذن المرتهن أم لا ، مع الإعسار واليسار.

(2) أي ومنع البيع مع وقوع الوطي بإذن المرتهن.

(3) أي كيف كان القول من هذه الأقوال الأربعة فهي تبقى رهنا كما تقدم.

(4) قد تقدم في باب بيع الحيوان أنه لو ظهرت الأمة مستحقة أغرم المشتري الواطئ العشر إن كانت بكرا ، ونصفه إن كانت ثيبا ، وقد تقدم أنه هو المشهور لصحيح الوليد بن صبيح عن أبي عبد الله عليه السلام (في رجل تزوج امرأة فوجدها أمة قد دلست نفسها ، فقال : إن كان الذي زوّجه إياها من غير مواليها فالنكاح فاسد ، قلت : فكيف يصنع بالمهر الذي أخذت منه ، فقال عليه السلام : إن وجد مما أعطاها شيئا فليأخذه ، وإن لم يجد شيئا فلا شي ء له عليها ، وإن كان الذي زوّجه إياها ولي لها ارتجع على وليها بما أخذت منه ، ولمواليها عليه عشر قيمتها إن كانت بكرا ، وإن كانت غير بكر فنصف عشر قيمتها بما استحل من فرجها ، وتعتدّ منه عدة الأمة) ، ومثله غيره.

ص: 95

للرواية ، والشهرة.(وقيل : مهر المثل) ، لأنه عوض الوطء شرعا. وللمصنف في بعض حواشيه قول بتخير المالك بين الأمرين (1) ، ويجب مع ذلك (2) أرش البكارة (3) ، ولا يدخل (4) في المهر (5) ، ولا العشر ، لأنه حق جناية ، وعوض جزء فائت ، والمهر على التقديرين (6) عوض الوطء.

ولا يشكل بأن البكارة إذا أخذ أرشها صارت ثيبا فينبغي أن يجب مهر الثيب ، لأنه قد صدق وطؤها بكرا وفوّت منها جزء فيجب عوض كل منهما (7) ، لأن أحدهما عوض جزء ، والآخر ، عوض منفعة.

(وإن طاوعته فلا شي ء (8) ، لأنها بغي ولا مهر لبغي.

______________________________________________________

وذهب الشيخ في المبسوط وابن إدريس أنه يجب عليه مهر أمثالها ، لأنه القاعدة الكلية في عوض البضع ، مثل قيمة المثل في غيره.

هذا في وطئ المشتري للأمة ثم بانت أنها مستحقة للغير ، ومسألتنا هنا في وطئ المرتهن من مصاديق المسألة المتقدمة ، إذ لا خصوصية للمرتهن ، بل المرتهن قد وطئ أمة الغير وظاهر الصحيح المتقدم أن العشر ونصف العشر لكل من وطئ أمة الغير.

(1) أي بين العشر ونصفه وبين مهر المثل.

(2) أي مع العشر ونصفه ، أو مهر المثل.

(3) قد تقدم في كتاب البيع في مسألة وطئ المشتري للأمة المستحقة هذا النزاع ، وأنه على قولين ، أحدهما التداخل بمعنى لا يجب أرش البكارة ، لأن الظاهر مما تقدم من الخبر أن العشر هو تمام ما يلزم الوطي للجارية البكر ، والثاني عدم التداخل ، بمعنى يجب أرش البكارة مع مهر المثل أو العشر ، لأن العشر أو مهر المثل عوض الوطي ، وأرش البكارة عوض جناية ، لأنه قد فوّت جزءا من الأمة.

ولكن الثاني ضعيف ، لأن نصف العشر هو عوض الوطي كما هو الظاهر من الخبر ، وما زاد عن النصف إلى تمام العشر هو بإزاء البكارة فيكون تمام العشر هو ما يلزم على الواطئ للجارية البكر.

(4) أي أرش البكارة.

(5) أي مهر المثل على القول الثاني ولا في العشر على القول الأول.

(6) أي البكارة والثيبوبة.

(7) من الوطي ومن الجزء الفائت.

(8) على المشهور أن الواطئ عليه العشر أو نصفه سواء طاوعته أم لا ، وعن الشهيد في

ص: 96

السادسة - الرهن لازم من جهة الراهن

وفيه أن الأمة لا تستحق المهر ، ولا تملكه فلا ينافي (1) ثبوته لسيدها مع كون التصرف في ملكه بغير إذنه ( وَلٰا تَزِرُ وٰازِرَةٌ وِزْرَ أُخْرىٰ* ) . والقول بثبوته عليه (2) مطلقا (3) أقوى ، مضافا إلى أرش البكارة كما مر (4) ، وقد تقدم مثله (5).

(السادسة - الرهن لازم من جهة الراهن (6) حتى يخرج عن الحق) بأدائه ولو

______________________________________________________

الدروس وجماعة أنها مع المطاوعة لا شي ء على الواطئ ، لأنها مع المطاوعة بغي ولا مهر لبغي ، وردّ بأن المهر لسيدها وهو حق له ، وتصرفها وإن كان فيه اثم لكن لا يمنع من حق سيدها لقوله تعالى : ( وَلٰا تَزِرُ وٰازِرَةٌ وِزْرَ أُخْرىٰ ) (1).

وأما المهر المنفي في (لا مهر لبغي) هو مخصوص في مهر الحرة ، لأن المهر يطلق شرعا على عوض بضع الحرة حتى سميت بسببه مهيرة ، ولأن اللام في قوله (البغي) ظاهر في الاستحقاق ، والأمة لا تستحق مهرا بل هو لسيدها.

(1) أي ما ورد من (لا مهر لبغي) لا ينافي ثبوت المهر لسيدها.

(2) على المرتهن الواطئ.

(3) مع المطاوعة وعدمها.

(4) هنا.

(5) في كتاب البيع في باب بيع الحيوان.

(6) قد تقدم لزوم الرهن من جهة الراهن وجوازه من جهة المرتهن وأنه لا خلاف في ذلك ، وعليه فللزومه من جهة الراهن فليس له انتزاعه إلا بأداء الحق ، وأداء الحق هو إقباض الدين سواء كان من الراهن أم من متبرع غيره ، وفي حكمه لو ضمن الغير الدين عن الراهن وقبل المرتهن ، وكذا الحوالة فيما لو أحال الراهن المرتهن على غيره بالدين مع قبول المرتهن ، وفي الجميع يسقط حق المرتهن في العين لانتفاء الدين له على الراهن ، بلا خلاف في شي ء من ذلك ولا إشكال.

وليس للراهن انتزاع الرهن أيضا إلا بإبراء المرتهن الراهن من الدين أو إسقاط حقه من الرهانة ، والإبراء المذكور موجب براءة ذمة الراهن من الدين فلا موضوع للرهن حينئذ ، وأما الإسقاط المذكور فهو بمعنى فسخه لعقد الرهن وهو جائز لأن الرهن جائز من قبل المرتهن.

ص: 97


1- 1. سورة الأنعام ، الآية : 164.

من متبرع غيره. وفي حكمه (1) ضمان الغير له (2) مع قبول المرتهن (3) ، والحوالة (4) به (5) ، وإبراء المرتهن (6) له منه (7). وفي حكمه (8) الإقالة (9) المسقطة للثمن المرهون به ، أو للمثمن (10) المسلم فيه المرهون به.

والضابط براءة ذمة الراهن من جميع الدين ، ولو خرج من بعضه (11) ففي

______________________________________________________

(1) أي حكم الأداء.

(2) للدين عن الراهن.

(3) لاشتراط رضا المضمون له.

(4) عطف على الضمان ، والمعنى أن كلا من الضمان والحوالة في حكم الخروج عن الحق وفي حكم الأداء.

(5) بالدين.

(6) عطف على الأداء.

(7) أي للراهن من الدين.

(8) أي حكم الإبراء.

(9) فالإقالة هنا هي فسخ البيع فلا يثبت للبائع ثمن في ذمة المشتري حتى يأخذ عليه رهنا ، فالإقالة تسقط الثمن المرهون به الرهن.

(10) فالإقالة هنا فسخ البيع فلا يثبت للمشتري مثمن مسلم فيه وهو الذي دفع ثمنه حالا ، فالإقالة تسقط المثمن الذي رهن به الرهن.

(11) أي خرج الراهن من بعض الدين قال في المسالك : (وبقي في المسألة أمر آخر ، وهو ما لو أقبضه البعض ، أو أبرأه هو منه ، فهل يكون حكمه حكم ما لو أقبض الجميع أو أبرأ منه ، يحتمل ذلك لأن الرهن إنما وقع في مقابلة مجموع الدين من حيث هو مجموع ، وقد ارتفع بعضه فيرتفع المجموع ضرورة ارتفاعه بارتفاع بعض أجزاءه ، فعلى هذا يبطل الرهن لسقوط جزء ما من الدين وإن قلّ.

ويحتمل بقاؤه أجمع ما بقي من الدين جزء ، نظرا إلى أن الغالب من تعلق الأغراض باستيفاء الدين عن آخره من الرهن ، وهذا هو الذي قوّاه في الدروس ، وادعى في المبسوط أنه إجماع ، والأول مختار القواعد ، نعم لو شرط كونه رهنا على المجموع على كل جزء منه فلا إشكال في الأول ، كما أنه لو شرط كونه رهنا على كل جزء منه فلا إشكال في بقاءه ما بقي جزء - إلى أن قال - وبقي في المسألة عند الإطلاق احتمال ثالث ، وهو مقابلة أجزاء الرهن بأجزاء الدين وتقسيطه عليها كما هو مقتضى كل معاوضة ، فإذا برئ من بعض الدين ينفك من الرهن بحسابه ، فمن النصف النصف ومن الثلث الثلث

ص: 98

خروج الرهن أجمع ، أو بقائه كذلك ، أو بالنسبة أوجه.

ويظهر من العبارة بقاؤه أجمع ، وبه صرح في الدروس ، ولو شرط كونه رهنا على المجموع خاصة تعين الأول ، كما أنه لو جعله رهنا على كل جزء منه فالثاني. وحيث يحكم بخروجه عن الرهانة (1) (فيبقى أمانة في يد المرتهن) مالكية لا يجب تسليمه إلا مع المطالبة ، لأنه مقبوض بإذنه (2) وقد كان وثيقة وأمانة ، فإذا انتفى الأول (3) بقي الثاني (4) ، ولو كان الخروج من الحق (5) بإبراء المرتهن (6)

______________________________________________________

وهكذا ، وهذا الاحتمال متوجه ، لأن إطلاق المقابلة بين الأمرين في المعاملة يقتضي ذلك) انتهى.

(1) أي إذا فك الرهن على العين بشي ء مما تقدم تبقى العين تحت يد المرتهن أمانة مالكية لا شرعية ومن لوازمها عدم وجوب التسليم إلى المالك إلا مع المطالبة بخلاف لوازم الأمانة الشرعية فيجب التسليم إلى المالك مطلقا ، والفرق بين الأمانتين هو أن العين تارة تكون تحت يد الغير بإذن المالك فهي المالكية وأخرى تحت يد الغير بإذن الشارع فهي الشرعية كما لو أطار الريح ثوبا إلى دار الغير ، فالثوب تحت يد مالك الدار بإذن الشارع ويجب الرد إلى مالكه مطلقا حيث إن المالك لم يرض بكونه في يده وإنما لعارض قد وقع في يده ، بخلاف المالكية كالوديعة فهي تحت يد الغير بإذن المالك ولا يجب التسليم إلا مع المطالبة لاستصحاب عدم الوجوب.

(2) تعليل لكونه أمانة مالكية فالمالك أقبض العين للمرتهن فكانت وثيقة من حيث الرهن وأمانة مالكية من حيث الاذن ، وإذا انتفت الوثيقة من حيث الرهن تبقى الأمانة من حيث الاذن.

(3) الوثيقة.

(4) الأمانة.

(5) أي من الدين.

(6) قد تقدم أنه بعد فكّ الرهن بأحد أسبابه يبقى الرهن أمانة تحت يد المرتهن ، وخالف بعض العامة فقال الشارح في المسالك : (حيث ذهب إلى أنه إذا أقضاه يكون مضمونا ، وإذا أبرأه ثم تلف الرهن في يده لا يضمنه استحسانا ، وهو تحكم ، بل ينبغي العكس ، فإنه مع القضاء يكون المالك عالما بانفكاك ماله ، فإذا لم يطالب به فقد رضي ببقائه أمانة ، وأما الإبراء فقد لا يعلم به الراهن فلا يكون تاركا لماله باختياره) انتهى ، والأخير هو ما مال إليه العلامة في التذكرة ، وهو ما أورده الشارح هنا.

ص: 99

من غير علم الراهن وجب عليه إعلامه به (1) ، أو رد الرهن ، بخلاف ما إذا علم (2).

(ولو شرط كونه مبيعا عند الأجل بطلا (3) الرهن والبيع ، لأن الرهن لا يؤقت ، والبيع لا يعلّق ، (و) لو قبضه كذلك (4) (ضمنه بعد الأجل) ، لأنه حينئذ بيع فاسد ، وصحيحه مضمون ، ففاسده كذلك ، (لا قبله) ، لأنه حينئذ رهن فاسد ، وصحيحه غير مضمون ففاسده كذلك ، قاعدة مطردة. ولا فرق في ذلك (5) بين علمهما (6) بالفساد ، وجهلهما ، والتفريق.

______________________________________________________

(1) أي وجب على المرتهن أعلام الراهن بالإبراء أو رد الرهن.

(2) أي علم الراهن بفك الرهن فلا يجب على المرتهن والرهن حينئذ.

(3) أي لو شرط المرتهن في عقد الرهن على الراهن أنه إذا لم يؤد الحق عند حلول الأجل فيكون الرهن مبيعا للمرتهن على نحو شرط النتيجة بطل الرهن والبيع.

أما الرهن فلأنه لا يوقّت مع أن جعله مبيعا عند حلول الأجل توقيت له وتعليق ، ولأن الرهن مشروط بالبيع والشرط فاسد ، وكل شرط فاسد يكون مفسدا للمشروط وأما البيع فللتعليق ، لأن البيع قد جعل معلّق على عدم تأدية الحق ، ومع التعليق لا يقصد فيه النقل والانتقال جزما ، ومع عدم القصد لا يقع صحيحا ، أو لأن البيع بحاجة إلى سبب من صيغة ونحوها والشرط هنا أوجب وقوع البيع من دون سببه وهو على خلاف المشروع في العقود فلا يكون الشرط سائغا.

(4) أي بعد بطلان الرهن والبيع ، فلو قبض المرتهن العين على هذا الوجه يضمنها بعد الأجل لا قبل حلوله ، لأنه قبل الحلول هو رهن فاسد وما لا يضمن بصحيحه لا يضمن بفاسده ، والعين في الرهن الصحيح غير مضمونة فكذا في الرهن الفاسد.

نعم بعد الأجل قد قبضها بعنوان أنها بيع وهو بيع فاسد ، وهي مضمونة حينئذ ، لأن ما يضمن بصحيحه يضمن بفاسده والعين في البيع الصحيح مضمونة فكذا في البيع الفاسد.

(5) أي في ضمان العين بعد الأجل لا قبله.

(6) أي علم الراهن والمرتهن ، فلا فرق بين كونهما عالمين بفساد الرهن والبيع أو جاهلين أو مختلفين ، وقال في المسالك : (إن الأصحاب وغيرهم اطلقوا القول في هذه القاعدة لم يخالف فيها أحد) انتهى.

ص: 100

السابعة - یدخل النماء المتجدد فی الرهن

الثامنة - ینتقل حق الرهانة إلی الوارث

(السابعة - يدخل النماء المتجدد) المنفصل كالولد والثمرة (في الرهن على الأقرب (1) ، بل قيل : إنه إجماع ، ولأن من شأن النماء تبعية الأصل ، (إلا مع شرط عدم الدخول) فلا إشكال حينئذ (2) في عدم دخوله ، عملا بالشرط ، كما أنه لو شرط دخلوه ارتفع الإشكال. وقيل : لا يدخل بدونه (2) للأصل ، ومنع الإجماع. والتبعية في الملك (4) ، لا في مطلق الحكم. وهو أظهر ، ولو كان متصلا كالطول والسمن دخل إجماعا.

(الثامنة - ينتقل حق الرهانة إلى الوارث بالموت (5) ، لأنه مقتضى لزوم العقد من طرف الراهن ، ولأنه وثيقة على الدين فيبقى ما بقي ما لم يسقطه المرتهن ، (لا الوكالة ، والوصية (6) لأنهما إذن في التصرف يقتصر بهما على من أذن له ، فإذا مات (7) بطل (8) كنظائره من الأعمال المشروطة بمباشر معين ، (إلا

______________________________________________________

والإطلاق مشكل فيما لو كان الدافع جاهلا بالفساد والقابض عالما ، فالقابض أخذ الحق بغير إذن والدافع قد توهم لزوم العقد وعليه وصحته وإلا لما رضي بدفع ماله فينبغي أن يكون مضمونا على القابض وإن كان صحيحه لا يضمن لعموم على اليد ما أخذت حتى تؤدي إلا أن يدعي الإجماع على الإطلاق السابق فلا إشكال حينئذ.

(1) قد تقدم الكلام في هذه المسألة وأن النماء المتصل يدخل في الرهن بلا خلاف ، وأن النماء المنفصل أو ما يقبل الانفصال يدخل في الرهن على المشهور للإجماع كما في الغنية ، ولتبعية النماء للأصل ، وخالف الشيخ والمحقق والعلامة في جملة من كتبه إلى عدم الدخول في الرهن لأن التبعية في الملكية لا تستلزم التبعية في الرهنية والإجماع موهون لمصير هؤلاء إلى خلافه.

(2) أي مع شرط عدم الدخول.

(3) أي بدون الشرط.

(4) فهذه التبعية في الملك لا تستلزم التبعية في الرهينة.

(5) الرهن لا يبطل بموت أحدهما ، لأنه ليس من العقود الجائزة بل هو لازم من جهة الراهن ، ولأنه وثيقة على حق المرتهن فيبقى ما بقي الدين بلا خلاف في ذلك.

(6) إذا كان المرتهن وكيلا عن الراهن في بيع الرهن عند تعذر استيفاء الدين أو كان وصيا ، فلا تنتقل الوكالة والوصية إلى وارث المرتهن ، لأنهما إذن في التصرف مقتصر على خصوص المرتهن فلا يشمل وارثه.

(7) أي المأذون وهو المرتهن.

(8) أي بطل الاذن الصادر من الموكل والموصي وهو الراهن هنا.

ص: 101

التاسعة - لا یضمن المرتهن الرهن إذا تلف

مع الشرط) (1) بأن يكون للوارث بعده ، أو لغيره فيلزم عملا بالشرط.

(وللراهن الامتناع من استئمان الوارث (2) وإن شرط له وكالة البيع والاستيفاء ، لأن الرضا بتسليم المورث لا يقتضيه (3) ، ولاختلاف الأشخاص فيه (4) (وبالعكس) للوارث الامتناع من استئمان الراهن عليه (5) (فليتفقا على أمين) يضعانه تحت يده وإن لم يكن عدلا ، لأن الحق لا يعدوهما فيتقيد برضاهما ، (وإلا) يتفقا (فالحاكم) يعين له عدلا يقبضه لهما ، وكذا لو مات الراهن (6) فلورثته الامتناع من إبقائه في يد المرتهن ، لأنه في القبض بمنزلة الوكيل تبطل بموت الموكل وإن كانت مشروطة في عقد لازم ، إلا أن يشترط استمرار الوضع بعد موته فيكون بمنزلة الوصي في الحفظ.

(التاسعة - لا يضمن المرتهن) الرهن إذا تلف في يده (7) ، (إلا بتعدّ أو)

______________________________________________________

(1) فيلزم العمل بالشرط ويكون الوارث وكيلا أو وصيا عن الراهن لعموم (المؤمنون عند شروطهم) (1).

(2) قال الشارح في المسالك : (فإذا كان - أي الرهن - في يد المرتهن بالاشتراط أو بالاتفاق فمات لم يجب على الراهن إبقاؤه في يد وارثه ، فإنه قد يستأمن من المورّث ولا يستأمن من الوارث ، وكذا للوارث الامتناع من تسليم الرهن له ، وحينئذ فإن اتفقا على أحد ممن يجوز توكيله وإن لم يكن عدلا جاز ، وإلا تسلمه الحاكم وسلّمه إلى عدل ليقبضه لهما) انتهى.

(3) أي لا يقتضي استئمان الوارث.

(4) في الاستئمان.

(5) على الرهن.

(6) لو مات الراهن وكان الرهن تحت يد المرتهن فلورثة الراهن الامتناع من إبقاءه تحت يد المرتهن ، لأن المرتهن بالنسبة للقبض كالوكيل من الراهن ، وتبطل الوكالة بموت الموكل فكذا قبضه ، إلا أن يأذن ورثة الراهن ، وإلا أن يكون المرتهن قد شرط بقاء العين في يده بعد موت الراهن فيلزم الشرط.

(7) لأن الرهن أمانة في يد المرتهن فلا يضمنه إذا كان التلف بغير تفريط منه ، بلا خلاف فيه ، وللأخبار.

ص: 102


1- 1. الوسائل الباب - 20 - من أبواب المهور حديث 4.

تفريط (1) ولا يسقط بتلفه شي ء من حق المرتهن (2) ، فإن تعدى فيه ، أو فرّط ضمنه (فتلزم قيمته يوم تلفه) إن كان قيميا (على الأصح) (3) ، لأنه وقت الانتقال إلى القيمة ،

______________________________________________________

منها : صحيح جميل عن أبي عبد الله عليه السلام (عن رجل رهن عند رجل رهنا فضاع الرهن قال عليه السلام : فهو من مال الراهن ويرتجع المرتهن عليه بماله) (1) ، وصحيح إسحاق بن عمار الصيرفي قلت لأبي إبراهيم عليه السلام (الرجل يرتهن العبد فيصيبه عور أو ينقص من جسده شي ء ، على من يكون نقصان ذلك؟ قال عليه السلام : على مولاه ، قلت : إن الناس يقولون : إن رهنت العبد فمرض أو انفقأت عينه فأصابه نقصان من جسده ينقص عن مال الرجل بقدر ما ينقص من العبد ، قال عليه السلام : أرأيت لو أن العبد قتل قتيلا على من تكون جنايته؟ قال : جنايته في عنقه) (2).

نعم وردت طائفة من الأخبار تدل على الضمان وهي محمولة على صورة التفريط كخبر محمد بن قيس عن أبي جعفر عليه السلام (قضى أمير المؤمنين عليه السلام في الرهن إذا كان أكثر من مال المرتهن فهلك أن يؤدي الفضل إلى صاحب الرهن ، وإن كان الرهن أقل من ماله فهلك الرهن أدى إلى صاحبه فضل ماله ، وإن كان الرهن يسوي ما رهنه فليس عليه شي ء) (3).

(1) والفرق بين التعدي والتفريط على ما في المسالك في كتاب الوديعة حيث قال : (والفرق بينهما أن التفريط أمر عدمي وهو ترك ما يجب فعله من الحفظ ونحوه ، والتعدي أمر وجودي وهو فعل ما لا يجوز فعله كلبس الثوب ونحوه) انتهى.

ومع التعدي أو التفريط يضمن بلا خلاف فيه ، لما تقدم من حمل الطائفة الثانية عليه ولأخبار خاصة.

منها : خبر إسحاق بن عمار (سألت أبا إبراهيم عليه السلام عن الرجل يرهن الرهن بمائة درهم وهو يساوي ثلاثمائة درهم فهلك ، أعلى الرجل أن يردّ على صاحبه مائتي درهم؟ قال : نعم ، لأنه أخذ رهنا فيه فضل وضيّعه ، قلت : فهلك نصف الرهن؟ فقال : على حساب ذلك ، قلت : فيترادان الفضل؟ قال : نعم) (4).

(2) عند عدم التعدي وعدم التفريط.

(3) ذهب الأكثر إلى أنه يضمنه بقيمة يوم التلف ، لأنه وقت الحكم بضمان القيمة ، لأن الحق

ص: 103


1- (1 و 2) الوسائل الباب -1. من أبواب كتاب الرهن حديث 1 و 4.
2- 2. الوسائل الباب - 7 - من أبواب كتاب الرهن حديث 4.
3- 3. الوسائل الباب - 7 - من أبواب أحكام الرهن حديث 2.

والحق قبله كان منحصرا في العين وإن كانت مضمونة.

ومقابل الأصح اعتبار قيمته يوم القبض ، أو أعلى القيم من يوم القبض إلى يوم التلف ، أو من حين التلف إلى حين الحكم عليه بالقيمة كالغاصب (1).

ويضعّف (2) بأنه قبل التفريط غير مضمون (3) فكيف تعتبر قيمته فيه (4) وبأن المطالبة (5) لا دخل لها في ضمان القيمي (فالأقوى الأول مطلقا (6).

هذا إذا كان الاختلاف بسبب السوق (7) ، أو نقص في العين غير مضمون ، أما لو نقصت العين بعد التفريط بهزال ونحوه (8) ، ثم تلف اعتبر أعلى القيم

______________________________________________________

قبله كان منحصرا في العين ، وذهب المحقق في الشرائع إلى أنه يضمنه بقيمة يوم القبض ، وقال عنه في الجواهر : (ولم نعرفه لغيره - إلى أن قال - كما أنه لم نعرف له وجها يعتدّ به ، ضرورة عدم كون العين مضمونة قبل التفريط) ، وقيل : إنه يضمن أعلى القيم من يوم القبض إلى يوم التلف ، وقد نسبه في المسالك إلى الشيخ في المبسوط ، وعن المهذب أنه مجهول القائل ، وعن الصيمري أنه قول مشهور ، ونقله فخر المحققين واختاره ، وعن الرياض أنه مشهور في المصنفات وهو الأحوط ، لكونه كالغاصب فيؤخذ بأشق الأحوال ، ولاقتضاء الشغل اليقيني للبراءة اليقينية ، ولا تحصل البراءة إلا بذلك.

وقيل : إنه يضمن أعلى القيم من حين التلف إلى حين الحكم كما عن ابن الجنيد ، وضعف الأخير واضح لأن المطالبة وحكم الحاكم لا دخل لهما في ضمان القيمة.

(1) أي المرتهن كالغاصب فكما يؤخذ الثاني باشف الأحوال فكذلك الأول.

(2) مقابل الأصح.

(3) لأن الحق منحصر في العين الموجودة وهي غير مضمونة على المرتهن ، لأنها أمانة عنده.

(4) أي ما قبل التفريط وهذا رد على الضمان من يوم القبض ، ورد على الضمان بأعلى القيم من يوم القبض إلى يوم التلف.

(5) رد على القول الأخير لأن المطالبة وحكم الحاكم لا دخل لهما في ضمان القيمي.

(6) سواء زادت القيمة من حين القبض إلى يوم التلف أم لا.

(7) أي كان اختلاف قيمة العين يوم التلف عن قيمتها يوم القبض بسبب السوق ، أو بسبب نقص في العين لم يكن هذا النقص مضمونا عليه.

(8) بحيث فرّط أولا ثم نقصت العين بهزال ونحوه ثم هلكت ، اعتبر أعلى القيم من حين التفريط إلى حين التلف ، لأن ذمته قد شغلت بضمان قيمة العين من حين التفريط فلو هزلت العين ونقصت قيمتها السوقية فلا يوجب نقصان الضمان لأن الذمة مشغولة بقيمة

ص: 104

العاشرة - لو اختلفا فی قدر الحق المرهون به

المنسوبة إلى العين من حين التفريط إلى التلف ، ولو كان مثليا ضمنه بمثله إن وجد ، وإلا فقيمة المثل عند الأداء على الأقوى ، لأن الواجب عنده إنما كان المثل وإن كان متعذرا ، وانتقاله إلى القيمة بالمطالبة ، بخلاف القيمي لاستقرارها في الذمة من حين التلف مطلقا (1)

(ولو اختلفا في القيمة حلف المرتهن (2) ، لأنه المنكر ، والأصل براءته من الزائد. وقيل : الراهن ، نظرا إلى كون المرتهن صار خائنا بتفريطه فلا يقبل قوله.

ويضعّف بأن قبول قوله من جهة إنكاره ، لا من حيث كونه أمينا ، أو خائنا.

(العاشرة - لو اختلفا في) قدر (الحق المرهون به (3) ، حلف الراهن على)

______________________________________________________

العين حين التفريط.

بخلاف المثلي فإنه يضمن مثله عند التلف ، وإذا تعذر المثلي عند الأداء فينتقل إلى قيمة المثلي ، لأنه وقت الأمر بضمان القيمة ، بخلاف القيمي فالأمر بالضمان متوجه من حين التلف سواء طالبه أم لا.

(1) مع المطالبة وعدمها.

(2) إذا اختلف الراهن والمرتهن في القيمة ، فقال الراهن : قيمته مائة وقال المرتهن : بل خمسون ، يقدم قول الراهن كما عن الأكثر على ما في الدروس لأن المرتهن خائن بتفريطه فلا يقبل قوله.

وعن الحلي والفاضل والكثير من المتأخرين يقدم قول المرتهن ، لأنه منكر للزيادة ، فيقدم قوله مع يمينه ، وحينئذ فتقديم قوله لإنكاره الزيادة ، وليس من حيث أمانته التي ارتفعت بخيانته عند ما فرّط.

(3) بحيث كان الدين عشرة آلاف مع أن المديون قد قدّم رهنا واختلفا فقال المرتهن إنه رهن على تمام الدين ، وقال الراهن : إنه رهن على ألف منه فقط بحيث يكون الباقي دينا بلا رهن.

فقيل : يقدم قول الراهن على المشهور ، لأنه منكر للزيادة بعد اتفاقهما على أنه رهن على الألف فالمرتهن يدعى كونه رهنا على الزيادة أيضا والراهن منكر ، بل قول الراهن موافق لأصل آخر وهو براءة ذمة الراهن من كونها مشغولة برهن على الزائد ، ولأخبار منها.

منها : صحيح محمد بن مسلم عن أبي جعفر عليه السلام (في رجل رهن عند صاحبه رهنا ، لا بينة بينها فيه ، فادعى الذي عنده الرهن بألف ، فقال صاحب الرهن : إنه بمائة ،

ص: 105

(الأقرب) لأصالة عدم الزيادة ، وبراءة ذمته منها ، ولأنه منكر ، وللرواية. وقيل : قول المرتهن استنادا إلى رواية ضعيفة ، (ولو اختلفا في الرهن والوديعة (1) بأن قال

______________________________________________________

قال عليه السلام : البينة على الذي عنده الرهن أنه بألف ، وإن لم يكن عنده البينة فعلى الراهن اليمين) (1) ، وموثق ابن أبي يعفور عن أبي عبد الله عليه السلام (إذا اختلفا في الرهن ، فقال أحدهما : رهنه بألف ، وقال الآخر : بمائة درهم ، فقال عليه السلام : يسأل صاحب الألف البينة ، فإن لم يكن بينة حلف صاحب المائة) (2) ، ومثله موثق عبيد بن زرارة عنه عليه السلام (3).

وقيل : يقدم قول المرتهن كما عن ابن الجنيد لخبر السكوني عن جعفر عن أبيه عن علي عليهم السلام (في رهن اختلف فيه الراهن والمرتهن ، فقال الراهن : هو بكذا وكذا ، وقال المرتهن : هو بأكثر ، قال أمير المؤمنين عليه السلام : يصدّق المرتهن حتى يحيط بالثمن لأنه أمينه) (4) والخبر ضعيف السند بالسكوني وموافق للعامة فلا يصلح لمعارضة ما تقدم.

(1) بحيث قال الممسك : هو رهن ، وقال المالك : هو وديعة ، فالمشهور تقديم قول المالك ، لأنه منكر باعتبار موافقة قوله لأصالة عدم ارتهان العين ، ولصحيح محمد بن مسلم عن أبي جعفر عليه السلام (في رجل رهن عند صاحبه رهنا ، فقال الذي عنده الرهن : أرهنته عندي بكذا وكذا ، وقال الآخر : إنما هو عندك وديعة ، فقال عليه السلام : البينة على الذي عنده الرهن أنه بكذا وكذا ، فإن لم يكن له بينة فعلى الذي له الرهن اليمين) (5).

وعن الصدوق والشيخ تقديم قول الممسك لخبر عبّاد بن صهيب (سألت أبا عبد الله عليه السلام عن متاع في يد رجلين في أحدهما يقول : استودعتكه ، والآخر يقول : رهن ، فقال عليه السلام : القول قول الذي يقول إنه رهن عندي ، إلا أن يأتي الذي ادعى أنه أودعه بشهود) (6) ، وموثق ابن أبي يعفور عن أبي عبد الله عليه السلام في حديث (فقال أحدهما : هو رهن ، وقال الآخر : هو وديعة ، قال عليه السلام : على صاحب الوديعة البينة فإن لم يكن بينة حلف صاحب الرهن) (7) ، وصاحب الرهن هو الذي يدعى كونه رهنا وهو الممسك.

ص: 106


1- (1 و 2 و 3) الوسائل الباب -1. من أبواب أحكام الرهن حديث 1 و 2 و 3.
2- 2. الوسائل الباب - 17 - من أبواب أحكام الرهن حديث 4.
3- 3. الوسائل الباب - 16 - من أبواب أحكام الرهن حديث 1.
4- 4. الوسائل الباب - 16 - من أبواب أحكام الرهن حديث 3.
5- 5. الوسائل الباب - 16 - من أبواب أحكام الرهن حديث 2.

المالك : هو وديعة ، وقال الممسك : هو رهن (حلف المالك) لأصالة عدم الرهن ، ولأنه منكر ، وللرواية الصحيحة.

وقيل : يحلف الممسك استنادا إلى رواية ضعيفة. وقيل : الممسك إن اعترف له المالك بالدين ، والمالك إن أنكره جمعا بين الأخبار ، وللقرينة. وضعف المقابل (1) يمنع من تخصيص الآخر (ولو اختلفا في عين الرهن (2) فقال : رهنتك العبد فقال : بل الجارية (حلف الراهن) خاصة (وبطلا) ، لانتفاء ما يدعيه الراهن بإنكار المرتهن ، لأنه جائز من قبله فيبطل بإنكاره ، لو كان حقا ، وانتفاء ما يدعيه المرتهن بحلف الراهن.

(ولو كان) الرهن (مشروطا في عقد لازم تحالفا (3) ، لأن إنكار المرتهن

______________________________________________________

وفصلّ ابن حمزة بتقديم قول المرتهن إن اعترف الراهن له بالدين ، وبتقديم قول الراهن مع إنكار الراهن للدين جمعا بين الأخبار ، ولأنه مع اعتراف الراهن بالدين فهو قرينة على كون العين رهنا في يد الممسك لأنه هو ظاهر الحال.

ومستند المشهور صحيح ابن مسلم ومستند مخالفه خبر عبّاد بن صهيب وموثق ابن أبي يعفور ، ولا يصلحان لمعارضة دليل المشهور هذا من جهة ، ومن جهة أخرى يبطل قول ابن حمزة لأن التفصيل مبني على الجمع بين الأخبار ، والجمع فرع الحجية ، ومع كون أحد الطائفتين وهي التي اعتمد عليها غير المشهور غير حجة فلا معنى للجمع حينئذ.

(1) أي وضعف الدليل المقابل للمشهور يمنع من تخصيص دليل المشهور.

(2) بأن قال المرتهن : رهنت الجارية ، فقال الراهن : بل العبد ، وليس هناك بينة ، بطلت رهانة ما ينكره المرتهن لكون الرهن جائزا من طرفه ، هذا بالنسبة لما يدعيه الراهن.

وأما بالنسبة لما يدعيه المرتهن ، فالمرتهن مدعي والراهن منكر فيحلف الراهن ، ويخرج العبد والجارية عن الرهن.

(3) لو باع الدائن متاعا للمديون وشرط عليه رهنا على الدين السابق ، فقال المشتري وهو الراهن : رهنت العبد ، فقال البائع وهو المرتهن : بل الجارية.

فعن العلامة في القواعد أنه يحلف الراهن ويبطل الرهن في العبد والجارية ، كما لو اختلفا في عين الرهن ولم يكن الرهن شرطا في عقد لازم ، لنفس الدليل السابق ، فما يدعيه الراهن باطل لإنكار المرتهن ، وإنكاره فسخ للعقد لو كان هو الواقع ، وما يدعيه المرتهن باطل بحلف الراهن.

وعن جماعة منهم الشهيدان والمحقق الثاني أنهما يتحالفان ، وضابط التحالف فيما لو كان

ص: 107

الحادیة عشر - لو أدی دینا و عیّن به رهنا

هنا (1) يتعلق بحق الراهن حيث إنه (2) يدعي عدم الوفاء بالشرط الذي هو ركن من أركان ذلك العقد اللازم (3) فيرجع الاختلاف إلى تعيين الثمن لأن شرط الرهن من مكملاته (4) ، فكل يدعي ثمنا غير ما يدعيه الآخر فإذا تحالفا بطل الرهن ، وفسخ المرتهن العقد المشروط فيه إن شاء ، ولم يمكن استدراكه (5) كما لو مضى الوقت المحدود له. وقيل : يقدم قول الراهن كالأول.

(الحادية عشر - لو أدى دينا وعيّن به رهنا (6) بأن كان عليه ديون وعلى كل

______________________________________________________

كل منهما مدعيا ومنكرا معا ولاحد بينهما متفق عليه وهنا كذلك ، لأن الرهن هنا قد وقع شرطا في عقد لازم ، فيكون جزءا من ثمن المبيع ، والاختلاف فيه موجب للاختلاف في تعيين الثمن ، فالراهن يدعي أن هذا المال المعيّن مع شرطية العبد رهنا هو الثمن ، والمرتهن يدعي أن هذا المال المعيّن مع شرطية الجارية رهنا هو الثمن ، وكلّ منهما ينكر ما يدعيه الآخر وإذا تحقق ضابط التحالف يتحالفان ويبطل الرهن ، وإذا بطل يفسخ المرتهن البيع الذي شرط فيه الرهن إن شاء.

(1) فيما لو كان الرهن مشروطا في عقد لازم.

(2) أي حيث إن المرتهن.

(3) وهو البيع ، فالرهن بدعوى الراهن هو العبد فإذا أنكر المرتهن رهنه كان المرتهن مدعيا على الراهن عدم الوفاء بشرط البيع ، مع أن الشرط من أركان العقد المشروط.

(4) أي مكملات الثمن.

(5) أي ولم يمكن استدراك الرهن كما لو شرط الرهن في يوم معين وقد مضى.

(6) لو كان على شخص عدة ديون لشخص آخر ، وكان على كل دين رهن ، ثم دفع الراهن الذي هو المديون دينا ليفكّ رهنا مخصوصا فيتعين كون المدفوع وفاء لخصوص الدين الذي قصد فك رهنه ، وهذا مما لا إشكال فيه إذا عرفنا قصده إما لقيام البينة بأنها قد سمعته يسمي دينا خاصا ، وإما لإقرار المرتهن الدائن بكونه قد سمّى دينا خاصا.

وأما إذا لم يسمّ ولكن قصد واحدا من الديون ثم قال الراهن : دفعته لأفك به الرهن الأول ، فقال المرتهن : بل دفعته لتفك الرهن الثاني ، قدّم قول الدافع وهو الراهن بلا خلاف ولا إشكال ، لأنه أبصر بنيته التي لا تعلم إلا من قبله ، ولأن دعوى غريمه غير مقبولة إذ لا اطلاع له على نفس الدافع ليعرف أنه نوى غير ما يقوله ، وعليه فيقدم قول الدافع بغير يمين ، لأن دعوى خصمه غير مسموعة ، وقيل يقدم قوله مع يمينه ، واليمين لاحتمال إمكان اطلاع المرتهن على نيته بإقرار الراهن أو بقرائن خارجية ، فتكون الدعوى مسموعة فلا تسقط إلا بيمين المنكر.

ص: 108

الثانیة عشر - لو اختلفا فیما یباع به الرهن

واحد رهن خاص فقصد بالمؤدى أحد الديون بخصوصه ليفك رهنا (فذاك) هو المتعين ، لأن مرجع التعيين إلى قصد المؤدي ، (وإن أطلق) ولم يسمّ أحدها لفظا لكن قصده (فتخالفا في القصد) فادعى كل منهما قصد الدافع دينا غير الآخر (حلف الدافع) على ما ادعى قصده ، لأن الاعتبار بقصده وهو أعلم به.

وإنما احتيج إلى اليمين مع أن مرجع النزاع إلى قصد الدافع ، ودعوى الغريم العلم به غير معقول ، لإمكان اطلاعه عليه بإقرار القاصد ، ولو تخالفا فيما تلفظ بإرادته (1) فكذلك. ويمكن رده (2) إلى ما ذكره (3) من التخالف في القصد (4) ، إذ العبرة به (5) ، واللفظ كاشف عنه.

(وكذا لو كان عليه دين خال) عن الرهن ، وآخر به رهن (فادعى الدفع عن المرهون به) ليفك الرهن ، وادعى الغريم الدفع عن الخالي ليبقى الرهن (6) فالقول قول الدافع مع يمينه ، لأن الاختلاف يرجع إلى قصده الذي لا يعلم إلا من قبله كالأول.

(الثانية عشر - لو اختلفا فيما يباع به الرهن (7) فأراد المرتهن بيعه بنقد ،

______________________________________________________

(1) بأن قال الراهن : تلفظت عند الدفع بكون المدفوع للرهن الأول ، فقال المرتهن : بل للرهن الثاني ، فيقدم قول الدافع بلا خلاف ، ومع يمينه لأن دعوى خصمه مسموعة فلا تسقط إلا بيمينه.

(2) أي التخالف فيما تلفظ بإرادته.

(3) أي المصنّف.

(4) وفيه : إن دعوى خصمه في التخالف في القصد غير مسموعة ، بخلاف دعوى خصمه في التخالف فيما تلفظ بإرادته فإنها مسموعة ، ومعه كيف يمكن رد الثاني إلى الأول.

(5) بالقصد.

(6) لا فرق بين هذا الفرع وبين الفرع المتقدم ، لأن عدم الرهن عن الدين الثاني لا يوجب تغييرا في موازين الدعوى الموجبة لتقديم قول الدافع ، باعتبار أنه أبصر بنيته.

(7) لو اختلفا فيما يباع به الرهن ، فأراد أحدهما بيعه بالنقد الغالب ، والآخر بغيره ، بيع بالنقد الغالب في البلد بإذن الحاكم من غير فرق في طالب الغالب بين كونه الراهن أو المرتهن ، لتعلق حق كل منهما في العين ، فإذا طلب الآخر بيعه بغير الغالب ففيه تضييع لحق الأول ، ولأن إطلاق الرهن منصرف إلى الغالب.

ص: 109

والراهن بغيره (1) (بيع بالنقد الغالب) ، سواء وافق مراد أحدهما أم خالفهما ، والبائع المرتهن إن كان وكيلا ، والغالب موافق لمراده (2) ، أو رجع إلى الحق (3) ، وإلا فالحاكم ، (فإن غلب نقدان بيع بمشابه الحق (4) منهما إن اتفق ، (فإن باينهما عين الحاكم) إن امتنعا من التعيين.

وإطلاق الحكم بالرجوع إلى تعيين الحاكم يشمل ما لو كان أحدهما أقرب إلى الصرف إلى الحق ، وعدمه ، وفي الدروس : لو كان أحدهما - وعنى به المتباينين -

______________________________________________________

ويؤخذ إذن الحاكم ليجبر الممتنع عن بيعه بالنقد الغالب ، أو يأذن بالبيع عن الممتنع ، نعم لو كان المرتهن وكيلا لازما عن الراهن ، وأراد المرتهن بيعه بالغالب لم يتوقف هنا على إذن الحاكم عن الراهن ، ولا يلتفت إلى معارضة الراهن المخالفة للشرع لانصراف إطلاق الوكالة في البيع إلى البيع بالغالب عرفا ، ولأن أذنه متحقق بوكالته للمرتهن ، أما لو طلب كل منهما نقدا غير الغالب وتعاسرا ردهما الحاكم إلى الغالب ، لأن الغالب هو الذي يقتضيه إطلاق عقد الرهن ، بلا خلاف في ذلك كما في الجواهر.

(1) مما تقدم تعرف أن الاختلاف على ثلاث صور : ما لو كان مراد المرتهن بالغالب ، وما لو كان مراد الراهن بالغالب ، وما لو كان الغالب غير مراد لهما ، وقد أشار الشارح إلى الصورتين الأولتين بقوله : (سواء وافق مراد أحدهما) ، وأشار إلى الثالثة بقوله (أم خالفهما).

(2) فالبيع بالغالب غير متوقف على إذن الحاكم بخلاف بقية الصور التي يباع الرهن فيها بالغالب.

(3) بأن كان المرتهن مخالفا للغالب فيرجع إلى الغالب ، والمعنى يحكم ببيع الرهن بالغالب وعلى المرتهن أن يقرّ به ويلتزم بالشرع سواء كان وكيلا في البيع أم لا ، وإن أبى فالحاكم هو الذي يبيع العين بالنقد الغالب.

(4) لو كان للبلد نقدان غالبان متساويان في التعامل ، إذ لو كانا متفاوتين بيع بالأغلب ، ومع التساوي في الغلبة بيع الرهن بأشبههما بالحق ، والمراد به ما ناسب الحق المرهون به ، بأن يكون من جنسه إذا كان موافقا لأحدهما.

ولو كان الحق والدين مباينا لكلا النقدين الغالبين عيّن الحاكم أحدهما إن امتنعا عن الاتفاق والتعيين ، وتعيين الحاكم لأنه ولي الممتنع وكلاهما ممتنع ، وعن الشهيد في الدروس أنه مع المباينة للحق يقدم الأسهل صرفا إلى الحق ترجيحا لجانب المرتهن ، وعن التحرير أنه بيع الرهن بأوفرهما حظا وانتفاعا ترجيحا لجانب المالك لأن عين الرهن ملكه.

ص: 110

أسهل صرفا إلى الحق تعيّن ، وهو حسن. وفي التحرير : لو بايناه بيع بأوفرهما حظا. وهو أحسن ، فإنه ربما كان عسر الصرف أصلح للمالك وحيث يباع بغير مراده ينبغي مراعاة الحظ له كغيره ممن يلي عليه الحاكم.

ص: 111

ص: 112

کتاب الحجر

اشارة

كتاب الحجر

ص: 113

ص: 114

فی أسبابه

كتاب الحجر (1)

(وأسبابه ستة) (2) بحسب ما جرت العادة بذكره في هذا الباب ، وإلا فهي أزيد من ذلك مفرقة في تضاعيف الكتاب ، كالحجر على الراهن في المرهون ، وعلى المشتري فيما اشتراه قبل دفع الثمن ، وعلى البائع في الثمن المعين قبل تسليم

______________________________________________________

(1) قال في مصباح المنير : (حجر عليه حجرا من باب قتل - إلى أن قال - وتثليث الحاء لغة) ، ومعناه المنع ، وسمي العقل حجرا لأنه يمنع صاحبه عن ارتكاب القبيح وما تضر عاقبته ، قال الله تعالى : ( هَلْ فِي ذٰلِكَ قَسَمٌ لِذِي حِجْرٍ ) (1) ، وشرعا هو المنع من التصرف في المال.

(2) أي موجبات الحجر ستة ، وحصر أسبابه في الستة المذكورة جعلي لا استقرائي ولا ما سواه ، وقد جرت عادة الفقهاء بالبحث عن هذه الستة وعقدوا هذا الباب لها ، ومرجع الصور الست إلى قسمين : من يحجر عليه لحق نفسه ومن يحجر عليه لحق غيره ، فالأول الصبي والمجنون والسفيه ، والثاني المفلس والمريض مرضا متصلا بالموت والعبد ، ثم الحجر تارة في جميع ماله وأخرى في البعض ، والثاني هو المريض ، والأول هو الباقي ، ثم الحجر إما عام في سائل التصرفات أو خاص ببعضها ، والأول إما أن يكون ذا غاية يزول سببه فيها أو لا ، والأول الصغر والثاني الجنون ، والخاص إما أن يكون الحجر فيه مقصورا على مصلحة المحجور أو لا ، والأول السفيه ، والثاني إما أن يكون موقوفا على حكم الحاكم أو لا ، والأول المفلس والثاني المرض.

ص: 115


1- 1. سورة الفجر الآية : 5.

فی حجر الصغیر

المبيع ، وعلى المكاتب في كسبه لغير الأداء والنفقة ، وعلى المرتد الذي يمكن عوده إلى الإسلام. والستة المذكورة هنا هي : (الصغر. والجنون. والرق. والفلس. والسفه. والمرض) المتصل بالموت.

(ويمتد حجر الصغير (1) حتى يبلغ) بأحد الأمور المذكورة في كتاب الصوم ، (ويرشد ، بأن يصلح ماله (2) بحيث يكون له ملكة نفسانية تقتضي إصلاحه ،

______________________________________________________

(1) الصغير محجور عليه ما لم يحصل له البلوغ والرشد ، بلا خلاف فيه ، لقوله تعالى : ( وَابْتَلُوا الْيَتٰامىٰ حَتّٰى إِذٰا بَلَغُوا النِّكٰاحَ فَإِنْ آنَسْتُمْ مِنْهُمْ رُشْداً فَادْفَعُوا إِلَيْهِمْ أَمْوٰالَهُمْ ) (1) ، وللأخبار : منها : خبر منصور عن هشام عن أبي عبد الله عليه السلام (انقطاع يتم اليتيم بالاحتلام وهو أشده ، وإن احتلم ولم يؤنس منه رشده وكان سفيها أو ضعيفا فليمسك عنه وليه ماله) (2).

هذا ويعلم البلوغ على ما تقدم في كتاب الصوم بإنبات الشعر الخشن على العانة سواء كان مسلما أو مشركا ، أو بخروج المني من الموضع المعتاد ، وهاتان العلامتان للذكور والإناث ، ويعلم البلوغ الذكر خمس عشرة سنة والأنثى تسع سنين.

(2) فالرشد في المال مما يتوقف عليه رفع الحجر كما تقدم ، وإنما الكلام في معنى الرشد ، قال الشارح في المسالك : (ليس مطلق الإصلاح موجبا للرشد ، بل الحق أن الرشد ملكة نفسانية تقتضي إصلاح المال وتمنع من إفساده ، وصرفه في غير الوجوه اللائقة بأفعال العقلاء.

واحترزنا بالملكة عن مطلق الكيفية فإنها ليست كافية ، بل لا بد منها من أن تصير ملكه يعسر زوالها ، وباقتضائها إصلاح المال - أي احترزنا به - عما لو كان غير مفسد له لكن لا رغبة له في إصلاحه على الوجه المعتبر عند العقلاء) ، ولقد أجاد صاحب الجواهر حيث قال : (والمرجع فيه - أي الرشد - العرف كما في غيره من الألفاظ التي لا حقيقة شرعية لها ولا لغوية مخالفة للعرف - إلى أن قال - وعلى كل حال فهو أن يكون مصلحا لماله ، فقد قيل إنه طفحت به عباراتهم ، بل عن التنقيح أنه لا شك فيه عند العرف ، ومجمع البرهان هو الظاهر المتبادر منه عرفا وأنه هو الذي ذكره الأصحاب - إلى أن قال -

ص: 116


1- 1. سورة النساء ، الآية : 6.
2- 2. الوسائل الباب - 1 - من كتاب الحجر حديث 1.

وتمنع إفساده وصرفه في غير الوجوه اللائقة بأفعال العقلاء ، لا مطلق الإصلاح ، فإذا تحققت الملكة المذكورة مع البلوغ ارتفع عنه الحجر (وإن كان فاسقا) (1) على المشهور ، لإطلاق الأمر بدفع أموال اليتامى إليهم بإيناس الرشد من غير اعتبار أمر آخر معه. والمفهوم من الرشد عرفا هو إصلاح المال على الوجه المذكور وإن كان فاسقا.

وقيل : يعتبر مع ذلك العدالة فلو كان مصلحا لماله غير عدل في دينه لم يرتفع عنه الحجر ، للنهي عن إيتاء السفهاء المال ، وما روي أن شارب الخمر

______________________________________________________

وفي القواعد وعن غيرها أنه كيفية نفسانية تمنع من إفساد المال وصرفه في غير الوجوه اللائقة بأفعال العقلاء ، وكثير منهم ممن فسره بالإصلاح قد أخذ الملكة فيه في مقام آخر ، وجميع ذلك عند التأمل فضول لوفاء العرف في مصداقه فليس من وظائف الفقيه البحث فيه فضلا عن الإطناب). انتهى.

(1) هل يشترط في الرشد العدالة أو لا ، فعن الشيخ والراوندي وأبي. المكارم وفخر الإسلام الاشتراط ، لقوله تعالى : ( وَلٰا تُؤْتُوا السُّفَهٰاءَ أَمْوٰالَكُمُ ) (1) ، مع ضميمة ما ورد (أن شارب الخمر سفيه) وهو ما رواه العياشي في تفسيره عن إبراهيم بن عبد الحميد قال (سألت أبا جعفر عليه السلام عن هذه الآية قال : كل من شرب الخمر فهو سفيه) (2) ، فيثبت في غير شارب الخمر ممن يرتكب المعصية أنه سفيه إذ لا قائل بالفصل ، ولما روي عن ابن عباس في قوله تعالى : ( فَإِنْ آنَسْتُمْ مِنْهُمْ رُشْداً ) (3) قال : (هو أن يبلغ ذا وقار وحلم وعقل) (4).

والمشهور على عدم اعتبار العدالة ، لأن مفهوم الرشد عرفي ، وهو خال عن اشتراط العدالة ، ولأن الكافر لا يحجر عليه بكفره فالفاسق أولى ، ولأن الأمر بإيتاء المال عند إيناس الرشد في الآية المتقدمة (5) غير مقيد بالعدالة فهو مطلق ، ورواية العياشي مرسلة ، وما روي عن ابن أبي عباس غير ثابت ، وعلى تقديره فهي مقطوعة غير صالحة للحجية.

ص: 117


1- 1. سورة النساء ، الآية : 5.
2- 2. الوسائل - 53 من كتاب الوصايا حديث 2.
3- 3. سورة النساء ، الآية : 6.
4- 4. الدر المنثور ج 2 ص 121.
5- 5. سورة النساء ، الآية : 6.

سفيه ، ولا قائل بالفرق ، وعن ابن عباس أن الرشد هو الوقار ، والحلم ، والعقل. وإنما يعتبر على القول بها في الابتداء (1) ، لا في الاستدامة ، فلو عرض الفسق بعد العدالة قال الشيخ : الأحوط أن يحجر عليه. مع أنه شرطها ابتداء ، ويتوجه على ذلك أنها لو كانت شرطا في الابتداء لاعتبرت بعده (2) لوجود المقتضي.

(ويختبر) من يراد معرفة رشده (بما يلائمه) (3) من التصرفات والأعمال ،

______________________________________________________

(1) فقد نقل عن الشيخ أنه (لو عرض الفسق بعد العدالة فالأحوط أن يحجر عليه) ، وهو ظاهر في أن العدالة ليست بشرط استدامة كما يفهم من قوله الأحوط.

(2) بعد الابتداء ، باعتبار أن البالغ لو صرف ماله على نحو السفاهة لحجر عليه لأنه غير رشيد ، فالرشد شرط في ارتفاع الحجر عن الصغير ، وشرط في عدم ثبوت الحجر على البالغ.

(3) قال الشيخ في المبسوط : (الأيتام على قسمين ذكور وإناث ، فالذكور على ضربين : ضرب يبذلون في الأسواق ويخالطون الناس بالبيع والشراء ، وضرب يصانون عن الأسواق ، فالذين يخالطون الناس فإنه يعرف اختبارهم بأن يأمره الولي أن يذهب إلى السوق ويساوم في السلع ويقاول فيها ، ولا يعقد العقد فإن رآه يحسن ذلك ولا يغبن فيه علم أنه رشيد وإلا لم يفكّ عنه الحجر ، وإن كان اليتيم ممن يصان عن الأسواق مثل أولاد الرؤساء ، فإن اختبارهم أصعب فيدفع الولي إليهم نفقة شهر فيختبرهم ، فينظر فإن وضعوا إلى أكرتهم وغلمانهم وعمالهم ومعامليهم حقوقهم من غير تبذير ، وأقسطوا في النفقة على أنفسهم في مطاعمهم ومكاسبهم سلّم إليهم المال. وأما الإناث فإنه يصعب اختبارهن فيدفع إليهن شيئا من المال ويجعل عليهن نساء ثقات يشرفن عليهن ، فإن عزلن واستغزلن ونسجن واستنسجن ، ولم يبذرنّ سلّم المال إليهن ، فإن كنّ بخلاف ذلك لم يسلم إليهنّ ذلك) انتهى ، وزاد بعضهم أنه لا بد من تكرار ذلك مرارا يحصل به غلبة الظن ليحصل الاتصاف بالملكة.

هذا وفي الجواهر : وأما ما يعلم به رشده فهو أيضا بطرق لا تنحصر عرفا ، ومنها معرفته باختباره بما يلائمه من التصرفات ليعلم قوته على المكايسة - في المبايعات وتحفظه من الانخداع ، وكذا تختبر الصبية ، وحينئذ فيعرف رشدها بأن تحفظ من التبذير ، وأن تعتني بالاستغزال مثلا وبالاستنتاج إن كانت من أهل ذلك ، أو بما يضاهيه من الحركات المناسبة لها).

وقال في موضع آخر تعليقا على من حصر الاختبار بما سمعت كما عن الشيخ في المبسوط (إذ من المعلوم عدم إرادة الخصوصية ، بل لعل غير الفقيه أعرف منه في طرق

ص: 118

ليظهر اتصافه بالملكة ، وعدمه ، فمن كان من أولاد التجار فوّض إليه البيع والشراء بمعنى مماكسته فيهما على وجههما ، ويراعى إلى أن يتم مساومته ثم يتولاه الولي إن شاء ، فإذا تكرر منه ذلك (1) ، وسلم من الغبن والتضييع في غير وجهه فهو رشيد.

وإن كان من أولاد من يصان عن ذلك أختبر بما يناسب حال أهله ، إما بأن يسلّم إليه نفقة مدة لينفقها في مصالحه ، أو مواضعها التي عينت له ، أو بأن يستوفي الحساب على معامليهم ، أو نحو ذلك ، فإن وفى بالأفعال الملائمة فهو رشيد ، ومن تضييعه : إنفاقه في المحرمات ، والأطعمة النفيسة التي لا تليق بحاله بحسب وقته ، وبلده ، وشرفه ، وضعته. والأمتعة واللباس كذلك.

وأما صرفه في وجوه الخير (2) من الصدقات ، وبناء المساجد ، وإقراء الضيف فالأقوى أنه غير قادح مطلقا (3) ، إذ لا سرف في الخير ، كما لا خير في السرف (4) ، وإن كان أنثى اختبرت بما يناسبها من الأعمال كالغزل ، والخياطة ، وشراء آلاتهما المعتادة لأمثالهما بغير غبن ، وحفظ ما يحصل في يدها من ذلك ،

______________________________________________________

الاختبار المفيد ذلك ، ومن هنا لا ينبغي مناقشة في ذلك ولا في ذكر الغزل والاستغزال للإناث ، مع أن ذلك غير واجب في الرشد ، وبنات الرؤساء ليس ذلك طريق اختبارهن ، وبالجملة البحث في ذلك ليس من وظيفة الفقيه ، ولذا خلت عنه النصوص ، وبعض الأصحاب إنما ذكره على طريق التنبيه كما هو واضح) انتهى.

(1) ليعلم حصول الملكة.

(2) اعلم أن صرف المال في وجوه الخير ليس تبذيرا كما عليه المشهور ، وعن التذكرة أن ما زاد من هذا الصرف على ما يليق بحاله فهو تبذير ، لأنه إتلاف في المال لقوله تعالى : ( وَلٰا تَجْعَلْ يَدَكَ مَغْلُولَةً إِلىٰ عُنُقِكَ وَلٰا تَبْسُطْهٰا كُلَّ الْبَسْطِ ) (1).

وفيه : إن الحكم بكونه تبذيرا مناف لما استفاض من خروج بعض الأئمة عليهم السلام من أموالهم في الخير كالإمام الحسن عليه السلام إلا أن يقال : إن هذا الفعل من الإمام لائق بحاله والكلام فيما هو غير لائق بحاله.

(3) سواء كان لائقا بحاله أم لا.

(4) نص غير واحد أنه لم يثبت كونه خبرا.

ص: 119


1- 1. سورة الإسراء ، الآية : 29.

والمحافظة على أجرة مثلها إن عملت للغير ، وحفظ ما تليه من أسباب البيت ، ووضعه على وجهه ، وصون أطعمته التي تحت يدها عن مثل الهرة والفار ونحو ذلك ، فإذا تكرر ذلك على وجه الملكة ثبت الرشد ، وإلا فلا. ولا يقدح فيها وقوع ما ينافيها نادرا من الغلط والانخداع في بعض الأحيان ، لوقوعه كثيرا من الكاملين ، ووقت الاختبار قبل البلوغ (1) ، عملا بظاهر الآية.

(ويثبت الرشد) لمن لم يختبر (بشهادة النساء في النساء (2) لا غير (3) لسهولة اطلاعهن عليهن غالبا ، عكس الرجال (4) ، (وبشهادة الرجال مطلقا) ذكرا كان المشهود عليه ، أم أنثى ، لأن شهادة الرجال غير مقيدة (5). والمعتبر في شهادة الرجال اثنان ، وفي النساء أربع ، ويثبت رشد الأنثى بشهادة رجل وامرأتين أيضا ، وبشهادة أربع خناثى (6).

______________________________________________________

(1) بلا خلاف فيه لقوله تعالى : ( وَابْتَلُوا الْيَتٰامىٰ حَتّٰى إِذٰا بَلَغُوا النِّكٰاحَ فَإِنْ آنَسْتُمْ مِنْهُمْ رُشْداً فَادْفَعُوا إِلَيْهِمْ أَمْوٰالَهُمْ ) (1).

ووجه الدلالة من جهتين ، من جهة جعل متعلق الابتلاء هو اليتامى ، مع أن المراد باليتيم لغة وشرعا هو من لا أب له وهو دون البلوغ ، البالغ ليس بيتيم بطريق الحقيقة ، وإطلاق اللفظ محمول عليها ، ومن جهة جعل غاية اختبارهم البلوغ فقد دل على أن الاختبار قبله.

نعم خالف بعض العامة فجعل وقت الاختبار بعد البلوغ ، وهو ضعيف بما سمعت.

(2) يثبت الرشد في الرجال بشهادة الرجال إذا كانوا اثنين لإطلاق أدلة اعتبار البينة.

ويثبت الرشد في النساء بشهادة الرجال كذلك وبشهادة النساء إن كن أربعا ، وبشهادة رجل وامرأتين لإطلاق أدلة اعتبار البينة بجميع أقسامها.

ولم يذكر ثبوت الرشد في الرجال بشهادة النساء لعسر اطلاعهن على ذلك في الرجال.

(3) والمعنى لا يثبت الرشد بشهادة النساء في الرجال لتعسر اطلاعهن على رشدهم.

(4) فإنه يعسر على النساء الاطلاع على رشدهم.

(5) وكذا شهادة النساء لو لا تعذر اطلاعهن.

(6) لأن الخنثى كالأنثى لاحتمال عدم كونه ذكرا ، فتعامل معاملة الأنثى من باب القدر المتيقن.

ص: 120


1- 1. سورة النساء ، الآية : 6.

فی حجر السفیه

(ولا يصح اقرار السفيه بمال (1) ويصح بغيره (2) كالنسب (3) وإن أوجب النفقة ، وفي الانفاق عليه من ماله أو بيت المال قولان ، أجودهما الثاني ، وكالإقرار بالجناية الموجبة للقصاص وإن كان نفسا (4) ، (ولا تصرّفه في المال (5) وإن ناسب

______________________________________________________

(1) شروع في حجر السفيه بعد الانتهاء من حجر الصغير ، والسفيه مقابل الرشيد ، ولم يتعرض لمعنى السفيه لما تقدم من بيان معنى الرشيد الذي هو مقابله ، والحجر ثابت على السفيه لقوله تعالى : ( وَلٰا تُؤْتُوا السُّفَهٰاءَ أَمْوٰالَكُمُ الَّتِي جَعَلَ اللّٰهُ لَكُمْ قِيٰاماً وَارْزُقُوهُمْ فِيهٰا وَاكْسُوهُمْ وَقُولُوا لَهُمْ قَوْلاً مَعْرُوفاً ) (1).

والحجر عليه هو المنع من التصرفات المالية فقط لا في مطلق التصرفات لظاهر الآية حيث اقتصرت على المنع من التصرف المالي ، وإذا منع من التصرف المالي فلا يصح إقراره لأن الإقرار منه تصرف في ماله لحق الغير.

(2) أي بالنسب.

(3) الإقرار بالنسب إن لم يوجب النفقة فقبوله واضح بلا إشكال ، لأنه ليس تصرفا ماليا ولا يستلزم التصرف المذكور.

وإن أوجبها فقبوله مشكل لأنه مستلزم للتصرف المالي ، وفصّل الشارح في المسالك وجماعة بين قبول الإقرار بالنسب وهو ليس بمال وبين الإنفاق عليه فلا يثبت لأنه تصرف مالي وينفق على من استلحقه من بيت مال المسلمين لأنه معدّ لمصالح المسلمين.

وللشهيد قول بأنه كما يمنع من الإضرار بماله يمنع من الإضرار من بيت مال المسلمين ، بل ينفق عليه من ماله لأن المال من توابع النسب.

وفيه : إن بيت المال معدّ لمصالح المسلمين ، ونفقة من استلحق من المصالح فكيف يقال إن ذلك يضرّ بهم.

(4) الإقرار بما يوجب القصاص مقبول إذا لم يستلزم القصاص فوات النفس ، لأنه ليس تصرفا ماليا ، وكذا إذا استلزم نفسا وقد طلب المقرّ له القصاص ، وأما لو طلب المال ففي إجابته نظر من وجوب حفظ النفس التي هي أولى من حفظ المال ، ومن أنه مفوت للغرض من الحجر لإمكان أن يتواطأ مع المقر له على ذلك ليفوّت المال ، وعلى كل فإقراره مقبول على كل حال وإن لم نوجب إجابة الطلب المالي للمقرّ له.

(5) لما تقدم من أن السفيه محجور عليه في كل التصرفات المالية ، وإن كان في بعضها قد ناسب أفعال العقلاء.

ص: 121


1- 1. سورة النساء ، الآية : 5.

أفعال العقلاء ، ويصح تصرفه فيما لا يتضمن إخراج المال كالطلاق (1) ، والظهار ، والخلع (2).

(ولا يسلّم عوض الخلع إليه) لأنه تصرف مالي ممنوع منه.

(ويجوز أن يتوكل لغيره في سائر العقود) أي في جميعها (3). وإن كان قد ضعّف إطلاقه عليه (4) بعض أهل العربية ، حتى عده في «درة الغواص» من أوهام الخواص ، وجعله مختصا بالباقي أخذا له من السؤر وهو البقية ، وعليه جاء قول النبي صلى الله عليه وسلم لابن غيلان لما أسلم على عشر نسوة : أمسك عليك أربعا ، وفارق سائرهن (5) ، لكن قد أجازه بعضهم. وإنما جاز توكيل غيره له ، لأن عبارته ليست مسلوبة مطلقا (6) ، بل مما يقتضي التصرف في ماله (7) (ويمتد حجر المجنون) (8) في التصرفات المالية وغيرها (حتى يفيق) ويكمل عقله (والولاية في

______________________________________________________

(1) لأن العادة في العصور المتقدمة على كون المهر بتمامه معجلا عند إجراء عقد النكاح ، ولذا قال الشارح في المسالك عن الطلاق والظهار : (إذ ليس فيهما إلا فوات الاستمتاع) وهو ليس تصرفا ماليا.

(2) ففيه كسب للمال فهو أولى بعدم المنع.

(3) فسّر الشارح السائر بالجميع تبعا لبعض أهل اللغة ، مع أن السائر هو البقية كما في مصباح المنير بل هو المشهور بينهم ، قال في المصباح : (وسئر الشي ء سؤرا بالهمزة من باب شرب ، بقي فهو سائر قاله الأزهري ، واتفق أهل اللغة أن سائر الشي ء باقيه قليلا كان أو كثيرا ، قال الصنعاني : سائر الناس باقيهم ، وليس معناه جميعهم كما زعم من قصر في اللغة باعه ، وجعله بمعنى الجميع من لحن العوام) انتهى.

هذا ولو وكل الأجنبي السفيه في بيع أو هبة مثلا جاز ، لأن السفه لم يسلبه حكم عبارته ولا أهلية مطلق التصرف ، بل في ماله خاصة ، فيبقى غيره مندرجا فيما دل على الصحة كما هو واضح خلافا لبعض العامة كما في الجواهر.

(4) أي إطلاق السائر على الجميع.

(5) المغني لابن قدامة ج 7 ص 5.

(6) في ماله أو مال غيره.

(7) أما كسب المال لنفسه فلا حجر عليه.

(8) شروع في السبب الثالث للحجر وهو الجنون ، وهو سبب في الحجر للأخبار.

منها : خبر منصور بن هشام عن أبي عبد الله عليه السلام (انقطاع يتم اليتيم بالاحتلام وهو

ص: 122

مالهما) أي الصغير والمجنون (للأب والجد (1) له وإن علا (فيشتركان في الولاية (2) لو اجتمعا ، فإن اتفقا (3) على أمر نفذ ، وإن تعارضا قدم عقد السابق فإن اتفقا ففي بطلانه ، أو ترجيح الأب ، أو الجد أوجه ، (ثم الوصي) (4) لأحدهما

______________________________________________________

أشده ، وإن احتلم ولم يؤنس منه رشده ، وكان سفيها أو ضعيفا فليمسك عنه وليّه ماله) (1) والمراد بالضعيف هو الضعيف في عقله ، والجنون فنون ولا حصر لمظاهره ، وخبر الحلبي عن أبي عبد الله عليه السلام (سألته عن المرأة المعتوهة الذاهبة العقل ، أيجوز بيعها وصدقتها؟ قال عليه السلام : لا) (2) ، فضلا عن حديث القلم (أما علمت أن القلم يرفع عن ثلاثة : عن الصبي حتى يحتلم ، وعن المجنون حتى يفيق ، وعن النائم حتى يستيقظ) (3).

(1) لا خلاف في كون الولاية عليهما للأب والجد له وإن علا للأخبار الواردة في النكاح (4) وسيمر عليك بعضها في بابه.

وإنما الكلام فيمن تجدد جنونه بعد بلوغه ورشده وهو مندرج تحت ولاية الحاكم الذي هو نائب المعصوم عليه السلام ، وقال في المسالك لأنه لا خلاف فيه) ، وعلّل بانقطاع ولاية الأب والجد عنه بالبلوغ والرشد.

(2) بمعنى ثبوت ولاية الجد حين ثبوت ولاية الأب ، وينفذ تصرف السابق على كل حال لأنه مقتضى ثبوت الولاية لكل منهما ، وكذا لو اتفقا على أمر نفذ لثبوت ولايتهما عليه ولم يختلفا في التصرف بلا خلاف في ذلك كله.

(3) بحيث تصرف كل واحد منهما تصرفا مغايرا للآخر ومعارضا له وكان تصرفهما في زمن واحد ، فقيل : بترجيح الجد لثبوت ولايته على الأب في بعض الأحوال فيثبت ، في المقام بالأولوية.

وقيل : بتقديم ولاية الأب لشدة اتصاله ، وقيل : إن هذه استحسانات لا تصلح لإثبات الحكم الشرعي فالمقتضى التوقف وبطلان التصرف.

(4) بحيث لو لم يوجد الأب ولا الجد فالوصي ، لما سيأتي في باب الوصية من أن الوصي ولي عنهما بالوصاية ، وإن عدم فالحاكم بلا خلاف ولا إشكال ، وقال الشارح في المسالك : (والمراد بالحاكم حيث يطلق في أبواب الفقه الفقيه الجامع لشرائط الفتوى إجماعا) انتهى.

ص: 123


1- (1 و 2) الوسائل الباب -1. من كتاب الحجر حديث 1 و 2.
2- 2. الوسائل الباب - 4 - من أبواب مقدمة العبادات حديث 11.
3- 3. الوسائل الباب - 6 - من أبواب أولياء العقد.

مع فقدهما ، (ثم الحاكم) مع فقد الوصي.

(والولاية في مال السفيه (1) الذي لم يسبق رشده كذلك) للأب والجد إلى آخر ما ذكر عملا بالاستصحاب (فإن سبق) رشده وارتفع الحجر عنه بالبلوغ معه ثم لحقه السفه (فللحاكم) الولاية دونهم لارتفاع الولاية عنه بالرشد فلا تعود إليهم إلا بدليل ، وهو منتف ، والحاكم ولي عام لا يحتاج إلى دليل وإن تخلف في بعض الموارد. وقيل : الولاية في ماله للحاكم مطلقا (2) ، لظهور توقف الحجر عليه (3) ، ورفعه (4) على حكمه (5) في كون النظر إليه ، (والعبد ممنوع) من التصرف (6) (مطلقا)

______________________________________________________

(1) تارة يتجدد سفهه بعد البلوغ ، وأخرى يتصل السفه بالبلوغ بحيث يبلغ سفيها.

وفي الأول ولايته للحاكم بلا خلاف لانقطاع ولاية الأب والجد بالبلوغ والرشد السابقين ، وعند تجدد السفه يشك بعود ولايتهما فيستصحب العدم ، وتثبت ولاية الحاكم لأنه ولي من لا ولي له.

وفي الثاني فعن جماعة منهم المحقق أن الولاية للحاكم أيضا ، بل قيل : هو أشهر القولين ، لأن ولاية الحاكم عامة ليست بحاجة إلى دليل ، لأنه ولي من لا ولي له ، ولأن ثبوت الحجر ورفعه بيد الحاكم في السفيه فيكون الأمر إليه في التصرف في مال السفيه ، وقيل : إن بلغ سفيها فالولاية للأب أو الجد ثم الوصي ثم الحاكم كالصبي استصحابا لحكم ولايتهما الثابتة حال الصغر ، وعليه خبر منصور بن هشام عن أبي عبد الله عليه السلام (وإن احتلم ولم يؤنس منه رشده وكان سفيها أو ضعيفا فليمسك عنه وليّه ماله) (1) ، ولا ريب في ظهور كون الولي هو الولي قبل البلوغ.

(2) وإن لم يسبق رشده.

(3) على السفيه.

(4) رفع الحجر.

(5) أي حكم الحاكم.

(6) ومنعه من التصرف لكونه محجورا عليه بلا خلاف فيه ، لقوله تعالى : ( ضَرَبَ اللّٰهُ مَثَلاً عَبْداً مَمْلُوكاً لٰا يَقْدِرُ عَلىٰ شَيْ ءٍ ) (2) ، وظاهره سلب أهليته في التصرف مطلقا في المال وغيره ، وللأخبار ، وسيأتي التعرض لبعضها في كتاب العتق.

ص: 124


1- 1. الوسائل الباب - 1 - من أبواب كتاب الحجر حديث 1.
2- 2. سورة النحل الآية : 75.

فی حجر المریض

في المال وغيره ، سواء أحلنا ملكه أم قلنا به ، عدا الطلاق (1) فإن له إيقاعه وإن كره المولى، (والمريض ممنوع مما زاد عن الثلث (2) إذا تبرع به ، أما لو عاوض عليه

______________________________________________________

(1) على الأشهر للأخبار.

منها : خبر محمد بن الفضيل عن الإمام الكاظم عليه السلام (طلاق العبد إذا تزوج امرأة حرة أو تزوج وليدة قوم آخرين إلى العبد ، وإن تزوج وليدة مولاه كان هو - أي المولى - الذي يفرق بينهما إن شاء ، وإن شاء نزعها منه بغير طلاق) (1) ، ولعموم النبوي (الطلاق بيد من أخذ بالساق) (2) ، وعن جماعة منهم ابن الجنيد وابن أبي عقيل عدم ملكية العبد الطلاق للأخبار أيضا.

منها : صحيح يعقوب بن شعيب عن أبي عبد الله عليه السلام (سئل وأنا عنده اسمع عن طلاق العبد قال عليه السلام : ليس له طلاق ولا نكاح وقرأ الآية : ( ضَرَبَ اللّٰهُ مَثَلاً عَبْداً مَمْلُوكاً لٰا يَقْدِرُ عَلىٰ شَيْ ءٍ ) ، ثم قال : لا يقدر على طلاق ولا نكاح إلا بإذن مواه) (3) وللبحث تتمة في كتاب الطلاق.

(2) أما بالنسبة للوصية فممنوع منها بما زاد عن الثلث ، بمعنى أنها لا تقع على وجه النفوذ بدون إجازة الورثة ، لا أنها تقع باطلة في نفسها ، والحاصل أن الوصية بما زاد على الثلث موقوفة على إجازة الوارث ، للأخبار :

منها : صحيح يعقوب بن شعيب عن أبي عبد الله عليه السلام (عن الرجل يموت ما له من ماله ، فقال : ثلث ماله) (4) ، وصحيح علي بن يقطين (سألت أبا الحسن عليه السلام : ما للرجل من مال عند موته ، قال : الثلث والثلث كثير) (5) ، وصحيح أحمد بن محمد (كتب أحمد بن إسحاق إلى أبي الحسن عليه السلام : إن درة بنت مقاتل توفيت وتركت ضيعة أشقاصا في مواضع ، وأوصت لسيدنا في أشقاصها بما يبلغ أكثر من الثلث ، ونحن أوصياؤها وأجبنا إنهاء ذلك إلى سيدنا ، فإن أمرنا بإمضاء الوصية على وجهها أمضيناها ، وإن أمرنا بغير ذلك انتهينا إلى أمره في جميع ما يأمر به إن شاء الله.

فكتب عليه السلام بخطه : ليس يجب لها في تركتها إلا الثلث ، وإن تفضلتم وكنتم الورثة كان جائزا لكم إن شاء الله) (6).

ص: 125


1- (1)
2- (2)
3- (3)
4- (4 و 5) الوسائل الباب -4. من أبواب كتاب الوصايا حديث 8 و 3.
5- 5. الوسائل الباب - 11 - من أبواب كتاب الوصايا حديث 1.

بثمن مثله نفذ ، (وإن نجز) ما تبرع به في مرضه بأن وهبه ، أو وقفه ، أو تصدق به ، أو حابى به في بيع ، أو إجارة (على الأقوى) للأخبار الكثيرة الدالة عليه منطوقا ومفهوما ، وقيل : يمضي من الأصل للأصل ، وعليه شواهد من الأخبار (ويثبت الحجر على السفيه بظهور سفهه ، وإن لم يحكم الحاكم به (1) لأن المقتضي

______________________________________________________

وعن الصدوق إجازة الوصية بجميع ماله استنادا إلى خبر عمار عن أبي عبد الله عليه السلام (الرجل أحق بماله ما دام فيه الروح ، وإن أوصى به كله فهو جائز) (1) ، وهو ضعيف السند فلا يصلح لمعارضة ما تقدم.

وأما في غير الوصية فما يصدر منه حال المرض المتصل بالموت لا يخلو إما معاوضات كالبيع وإما تبرعات ، فالمعاوضات صحيحة إذا وقعت بثمن المثل وليس فيها تبرع ، ولو اشتملت على محاباة فهي من جملة التبرعات كالهبة والعتق وتزويج المرأة نفسها دون مهر المثل والإبراء ، وهذه التبرعات هل تخرج من أصل المال بحيث لا يكون المريض ممنوعا من التصرف فيها ، أو تخرج من الثلث بحيث لو زادت على الثلث لتوقفت على إجازة ، ذهب الأكثر إلى الثاني للأخبار :

منها : خبر علي بن عقبة عن أبي عبد الله عليه السلام (في رجل حضره الموت فأعتق مملوكا ليس له غيره فأبى الورثة أن يجيزوا ذلك ، كيف القضاء فيه ، قال عليه السلام : ما يعتق منه إلا ثلثه ، وساير ذلك الورثة أحق بذلك ولهم ما بقي) (2) ، وخبر أبي ولّاد عن أبي عبد الله عليه السلام (عن الرجل يكون لامرأته عليه دين فتبرأه منه في مرضها ، قال عليه السلام : بل تهبه له فتجوز هبتها له ويحسب ذلك من ثلثها إن كانت تركت شيئا) (3).

وعن المفيد والشيخ في النهاية وابن إدريس وابن البراج أنها من الأصل فلا يمنع بما زاد عن الثلث ولا يتوقف على إجازة الوارث ، للأخبار :

منها : خبر عمار عن أبي عبد الله عليه السلام (الإنسان أحق بماله ما دامت الروح في بدنه ، فإذا قال بعدي فليس له إلا الثلث) (4) ، وهي لا تصلح لمعارضة ما تقدم.

(1) بالحجر ، ثم هل يتوقف الحجر على السفيه على حكم الحاكم أو يكتفي بظهور سفهه قولان ، وكذا اختلف في ارتفاع الحجر بزوال السفه أو توقفه على حكم الحاكم.

وجه توقف الحجر على حكم الحاكم أن الحجر حكم شرعي لا يثبت إلا بدليل شرعي

ص: 126


1- 1. الوسائل الباب - 17 - من أبواب كتاب الوصايا حديث 5.
2- (2 و 3) الوسائل الباب -2. من أبواب أحكام الوصايا حديث 4 و 11.
3- 3. الوسائل الباب - 17 - من أبواب كتاب الوصايا حديث 8.

له (1) هو السفه ، فيجب تحققه بتحققه (2) ، ولظاهر قوله تعالى : ( فَإِنْ كٰانَ الَّذِي عَلَيْهِ الْحَقُّ سَفِيهاً (3) ) حيث أثبت عليه الولاية بمجرده (4).

(ولا يزول) الحجر عنه (إلا بحكمه) لأن زوال السفه يفتقر إلى الاجتهاد ، وقيام الأمارات ، لأنه أمر خفي فيناط بنظر الحاكم. وقيل : يتوقفان (5) على حكمه لذلك (6). وقيل : لا فيهما ، وهو الأقوى ، لأن المقتضي للحجر هو السفه فيجب

______________________________________________________

والسفه أمر خفي والأنظار فيه مختلفة فيناسب كونه منوطا بنظر الحاكم.

ووجه عدم التوقف أن الحجر سببه السفه فقط لقوله تعالى : ( فَإِنْ كٰانَ الَّذِي عَلَيْهِ الْحَقُّ سَفِيهاً أَوْ ضَعِيفاً أَوْ لٰا يَسْتَطِيعُ أَنْ يُمِلَّ هُوَ فَلْيُمْلِلْ وَلِيُّهُ بِالْعَدْلِ ) (1) ، حيث أثبت الحجر عليه بمجرد السفه.

وأما بالنسبة لرفع الحجر فوجه توقف الرفع على حكم الحاكم هو أن السفه لما كان أمرا خفيا والأنظار تختلف فيه فلا يعرف رفعه فناسب أن يكون منوطا بنظر الحاكم.

ووجه عدم توقف الرفع على حكم الحاكم قوله تعالى : ( فَإِنْ آنَسْتُمْ مِنْهُمْ رُشْداً فَادْفَعُوا إِلَيْهِمْ أَمْوٰالَهُمْ ) (2) ، حيث علق الأمر بالدفع على إيناس الرشد ، فلو توقف معه على أمر آخر لبيّنه.

هذا والأقوال أربعة ، فعن المشهور الاحتياج إلى حكم الحاكم رفعا وثبوتا ، وعن ثاني المحققين والشهيدين عدم الاحتياج إلى حكم الحاكم رفعا وثبوتا ، والشهيد هنا في اللمعة ذهب إلى الاحتياج إلى حكم الحاكم في رفع الحجر دون ثبوته ، وعن بعض عكسه وقال في المسالك : (وقيل : إن به قائلا ولا نعلمه بالحجر ، نعم في التحرير جزم بتوقف الثبوت على حكمه وتوقف في الزوال) انتهى.

(1) للحجر.

(2) أي يجب تحقق الحجر بتحقق السفه.

(3) سورة البقرة ، الآية : 282.

(4) بمجرد السفه.

(5) ثبوت الحجر ورفعه.

(6) للتعليل المذكور.

ص: 127


1- 1. سورة البقرة ، الآية : 282.
2- 2. سورة النساء ، الآية : 6.

أن يثبت بثبوته ، ويزول بزواله ، ولظاهر قوله تعالى : ( فَإِنْ آنَسْتُمْ مِنْهُمْ رُشْداً فَادْفَعُوا إِلَيْهِمْ أَمْوٰالَهُمْ (1) ) حيث علق الأمر بالدفع على إيناس الرشد ، فلا يتوقف على أمر آخر.

(ولو عامله العالم بحاله (2) استعاد ماله) مع وجوده ، لبطلان المعاملة (فإن تلف فلا ضمان) لأن المعامل قد ضيّع ماله بيده ، حيث سلمه إلى من نهى الله تعالى عن إيتائه ، ولو كان جاهلا بحاله (3) فله الرجوع مطلقا (4) ، لعدم تقصيره.

وقيل : لا ضمان مع التلف مطلقا (5) ، لتقصير من عامله قبل اختباره. وفصّل ثالث (6) : فحكم بذلك (7) مع قبض السفيه المال بإذن مالكه ، ولو كان بغير إذنه

______________________________________________________

(1) سورة النساء آية : 6.

(2) بطلت المعاملة لكونها صادرة من السفيه ، وهو ممنوع من ذلك شرعا بلا خلاف فيه ، ومع بطلان المعاملة يرجع الطرف الآخر بعين ماله إن وجده ، لأنه لم يتم سبب النقل والانتقال فهو باق على ملكه.

وإن كان ماله تالفا تحت يد السفيه فلا ضمان على السفيه لأن المعامل بعلمه أنه سفيه قد سلطه على إتلافه ، ووجود السفه مانع من إثبات العوض عليه حال الإتلاف وإن ارتفع الحجر فيما بعد.

(3) فلا ضمان على السفيه لأن المعامل مقصر ، لأنه لم يختبره قبل المعاملة ، والمقصر كالعامد ، وهذا عن المبسوط والشرائع والقواعد والتحرير والتذكرة وجامع المقاصد ، وقيل كما عن التذكرة في موضع آخر أن العين مضمونة على السفيه بعد ارتفاع الحجر لعموم (على اليد ما أخذت حتى تؤدي).

(4) سواء وجدت العين أم لا ، ومع التلف يكون الضمان على السفيه بعد الحجر كما عن التذكرة في موضع آخر.

(5) في صورة العلم والجهل ، أما العلم فواضح وقد تقدم ، وأما الجهل فلا ضمان على السفيه لأن المعامل مقصر وهو القول الأول المتقدم.

(6) وقد نسبه في المسالك إلى التذكرة.

(7) أي بعدم الضمان على السفيه سواء كان المعامل عالما أم لا ، ولا ضمان لإذن المعامل للسفيه بالقبض ، وإذنه تسليط فلا يكون مشمولا لقاعدة الضمان (على اليد ما أخذت حتى تؤدي).

ص: 128

ضمنه مطلقا (1) ، لأن المعاملة الفاسدة لا يترتب عليها حكم فيكون قابضا للمال بغير إذن ، فيضمنه ، كما لو أتلف مالا ، أو غصبه بغير إذن مالكه. وهو حسن.

(وفي إيداعه (2) ، أو إعارته ، أو إجارته فيتلف العين نظر) من تفريطه بتسليمه وقد نهى الله تعالى عنه بقوله : ( وَلٰا تُؤْتُوا السُّفَهٰاءَ أَمْوٰالَكُمُ (3) ) ، فيكون بمنزلة من ألقى ماله في البحر ، ومن عدم تسليطه على الإتلاف ، لأن المال في هذه المواضع أمانة يجب حفظه ، والإتلاف حصل من السفيه بغير إذن فيضمنه كالغصب ، والحال أنه بالغ عاقل ، وهذا هو الأقوى.

(ولا يرتفع الحجر عنه ببلوغه خمسا وعشرين سنة (4) إجماعا منا لوجود المقتضى للحجر ، وعدم صلاحية هذا السن لرفعه. ونبه بذلك ، على خلاف بعض العامة ، حيث زعم أنه متى بلغ خمسا وعشرين سنة يفك حجره به وإن كان سفيها ، (ولا يمنع من الحج الواجب (5) مطلقا) ، سواء زادت نفقته عن نفقة الحضر

______________________________________________________

(1) أي ضمن السفيه التلف سواء كان المعامل عالما أم لا.

(2) لو أودع رجل وديعة عند السفيه مع علمه بالحجر فأتلفها فهل يضمن السفيه أو لا.

فعن الإرشاد للفاضل عدم الضمان لأصل البراءة ، ولتفريط المعامل بالإيداع بعد نهي الله تعالى عن إيتاء السفيه المال.

وعن التذكرة للعلامة والمحقق الثاني الضمان ، لأن أصل البراءة مقطوع بأدلة الضمان ومنها عموم (على اليد ما أخذت حتى تؤدي) ، والإيداع ليس فيه إذن بالإتلاف ليكون منافيا لأدلّة الضمان ، فيكون الإتلاف هنا كالغصب لأنه بغير إذن المالك.

وفي حكم الوديعة العارية والإجارة من ناحية الضمان وعدمه عند التلف.

(3) سورة النساء ، آية : 4.

(4) لا يرتفع الحجر عن السفيه ببلوغه هذا العمر المذكور بلا خلاف فيه بيننا لإطلاق الأدلة.

وعن أبي حنيفة الحكم برفع الحجر عن السفيه إذا بلغ العمر المذكور وإن كان سفيها ، وهو ضعيف لعدم الدليل عليه.

(5) حكم السفيه في العبادات الواجبة المالية والبدنية حكم الرشيد ، لإطلاق أدلة الواجبات فتشمله ، بلا خلاف فيه ولا إشكال.

ثم مع وجوب الحج عليه فلا اعتراض للولي عليه سواء زادت نفقته سفرا عن نفقته حضرا أم لا ، ولكن يتولى الولي النفقة إن حج معه ، أو يوكل من يسافر معه من الرفقة

ص: 129

أم لا ، وسواء وجب بالأصل أم بالعارض كالمنذور قبل السفه ، لتعينه عليه ، ولكن لا يسلّم النفقة ، بل يتولاها الولي ، أو وكيله ، (ولا) من الحج (المندوب (1) إذا استوت نفقته) حضرا وسفرا ، وفي حكم استواء النفقة ما لو تمكن في السفر من كسب يجبر الزائد بحيث لا يمكن فعله في الحضر.

(وتنعقد يمينه) لو حلف (2) ، (ويكفّر بالصوم) لو حنث ، لمنعه من التصرف المالي ، ومثله العهد والنذر ، وإنما ينعقد ذلك (3) حيث لا يكون متعلقه المال ليمكن الحكم بالصحة ، فلو حلف أو نذر أن يتصدق بمال لم ينعقد نذره ، لأنه تصرف مالي.

هذا مع تعينه (4) ، أما لو كان مطلقا لم يبعد أن يراعى في إنفاذه الرشد (وله)

______________________________________________________

ويمنع السفيه من التصرف في ماله لعموم قوله تعالى : ( وَلٰا تُؤْتُوا السُّفَهٰاءَ أَمْوٰالَكُمُ ) (1).

ثم لا فرق في الحج الواجب بين كونه وجوبه بالأصل أو بالعارض كما لو وجب بالنذر قبل الحجر.

(1) فإن استوت نفقته سفرا وحضرا لم يمنع بلا خلاف فيه كما في الجواهر لعدم الضرر بذلك ، وعدم التصرف الزائد حتى يمنع منه.

ومع التفاوت بالنفقة ، بأن زادت سفرا فيمنع للضرر بماله ، بلا خلاف فيه إلا من الأردبيلي فلم يمنعه وإن زادت النفقة ، وردّ كما في الجواهر بأنه مناف لحكمة الحجر.

أما لو تفاوتت النفقة وأمكنه تكسب ما يحتاج إليه في السفر لم يمنع لعدم الضرر بماله أبدا ، وأشكل عليه أنه باكتسابه قد حصّل مالا جديدا وهو من جملة ماله ، فيجب الحجر عليه فيه كالمال السابق عنده ، وردّ أن هذا الاكتساب لا يحصل بالحضر بل في السفر فكانت مئونة سفره في قبال غنمه.

(2) بلا خلاف فيه لأنه بالغ عاقل مكلف فلو حلف لانعقدت يمينه ، وإنما هو ممنوع من خصوص التصرف المالي ، وهو غير مانع من انعقاد اليمين. نعم لو حنث فعن الفاضل والشيخ يكفّر بالصوم ويمنع أن يكفر بالإطعام أو العتق ، لأنهما تصرف مالي ، وعن المحقق الاستشكال فيه ، لأن الكفارة بعد الحنث واجبة ، والفرض أنه مالك فتخرج الكفارة من حاله كبقية الواجبات المالية كالحج ونحوه.

(3) من اليمين والعهد والنذر.

(4) أي تعين المال حيث قال الشارح في المسالك : (أما لو كان متعلق النذر نفس المال ، بأن

ص: 130


1- 1. سورة النساء ، الآية : 4.

العفو عن القصاص) (1) ، لأنه ليس بمالي ، (لا الدية) (2) ، لأنه تصرف مالي ، وله الصلح عن القصاص على مال ، لكن لا يسلّم إليه.

______________________________________________________

نذر أن يتصدق بمال مثلا فإن معينا بطل النذر ، وإن كان في الذمة صح وروعي في إنفاذه الرشد) انتهى.

وصح النذر إذا كان المال في الذمة لوجود المقتضي لعدم سلب أهلية التصرف عنه ، وعدم المانع إذ المانع هو التصرف في المال الذي تحت يده وأما في غيره فلا مانع.

(1) لا خلاف ولا إشكال أنه لو وجب له القصاص جاز له العفو على غير مال فضلا عنه.

بناء على أن الواجب في العمد هو القصاص خاصة لقوله تعالى : ( فَمَنِ اعْتَدىٰ عَلَيْكُمْ فَاعْتَدُوا عَلَيْهِ ) (1) ، وهو ليس بمال ، وإنما يثبت المال بالصلح والتراضي.

هذا وعن بعض العامة أن الثابت في العمد أحد أمرين من القصاص والمال فلا يصح عفوه ، وهو ضعيف لما تقدم.

(2) لو وجبت له دية أو أرش لم يجز العفو له ، بلا خلاف ولا إشكال لأنه من التصرف الممنوع منه شرعا.

ص: 131


1- 1. سورة البقرة الآية : 195.

ص: 132

کتاب الضمان

اشارة

كتاب الضمان

ص: 133

ص: 134

فی تعریفه

(كتاب الضمان (1)

والمراد به الضمان بالمعنى الأخص قسيم الحوالة والكفالة ، لا الأعم الشامل لهما (وهو التعهد بالمال) أي الالتزام به (من البري ء) (2) من مال مماثل لما ضمنه

______________________________________________________

(1) الضمان مشتق من الضمن ، لأنه ينقل ما كان في ذمة المضمون عنه من مال إلى ذمة الضامن ، فتكون ذمة الضامن متضمنة أو تتضمن الحق ، فالنون فيه أصلية ، وهذا متفق عليه عندنا.

وعن أكثر العامة أن الضمان غير ناقل ، وإنما يفيد اشتراك الذمتين ، ذمة المضمون عنه وذمة الضامن ، لأن الضمان مشتق من الضم فالنون فيه زائدة ، ويتخير المضمون له في المطالبة.

ويرده تصريح أهل اللغة بكون النون أصلية ، قال في مصباح المنير : (ضمنت المال وبه ضمانا فأنا ضامن وضمين ، التزمته ، ويتعدى بالتضعيف ، فيقال : ضمّنته المال ، ألزمته إياه ، قال بعض الفقهاء : الضمان مأخوذ من الضم ، وهو غلط من جهة الاشتقاق ، لأن نون الضمان أصلية ، والضم ليس فيه نون ، فهما مادتان مختلفتان) انتهى.

والضمان تعهّد بمال أو نفس ، والثاني الكفالة ، والأول إما أن يتعهد بمال وهو ليس عليه مال فهو الضمان المصطلح ، وإما أن يتعهد بمال وهو عليه مال فهو الحوالة.

فالضمان بالمعنى الأعم أعني مطلق التعهد منقسم إلى الكفالة والضمان والحوالة ، والضمان بالمعنى الأخص هو قسيم الحوالة والكفالة.

(2) عرّف الضمان بالمعنى الأخص بأنه تعهد للمال ممن ليس عليه مال للمضمون عنه ، والتعهد هو الالتزام كما في المصباح ، وبقيد المال خرجت الكفالة لأنها تعهد بنفس ، وممن ليس عليه مال للمضمون عنه أي أنه بري ء للمضمون عنه ، وهو قيد لإخراج الحوالة ، لأن المحال عليه مديون للمحيل فلا يكون بريئا.

ص: 135

فی شرط الضامن

للمضمون عنه. وبقيد المال خرجت الكفالة فإنها تعهّد بالنفس ، وبالبري ء الحوالة بناء على اشتراطها بشغل ذمة المحال عليه للمحيل بما أحال به.

(ويشترط كماله (1) أي كمال الضامن المدلول عليه بالمصدر (2) ، أو اسم الفاعل (3) ، أو المقام (4) ، (وحرّيته) (5) فلا يصح ضمان العبد في المشهور ، لأنه لا

______________________________________________________

(1) أي كمال الضامن بأن يكون بالغا تحاملا ، لما تقدم سابقا من أن الصبي والمجنون مسلوبا العبارة شرعا.

(2) وهو الضمان.

(3) وهو البري ء.

(4) لأن الكلام في الضمان.

(5) والبحث فيه من جهتين : الجهة الأولى : هل يصح ضمان العبد بغير إذن سيده؟ قولان أحدهما عدم الصحة ، لأن العبد لا يقدر على شي ء ، قال تعالى : ( عَبْداً مَمْلُوكاً لٰا يَقْدِرُ عَلىٰ شَيْ ءٍ ) (1) ، وذمته مملوكة للمولى فلا يملك إثبات شي ء فيها إلا بإذنه ، وهو المنقول من جماعة منهم الشيخ ، ثانيهما الصحة ، لعمومات ( أَوْفُوا بِالْعُقُودِ ) (2) السالمة عن المعارض ، إذ لا يتصور مانع إلا حق المولى ، وهو غير مانع هنا ، لأنه على تقدير الصحة يتبع به بعد العتق ، وهو غير مناف لشي ء من حقوق المولى ، وهو المنقول عن العلامة في التذكرة.

الجهة الثانية من البحث أنه لو وقع ضمان العبد بإذن سيده فهل يتعلق بذمته أو بكسبه ، فعلى الأول الضمان على العبد ، وعلى الثاني الضمان من مال المولى ، لأن كسب العبد مال للمولى.

ذهب جماعة منهم المحقق إلى أنه يتعلق بذمة العبد ويتبع به بعد العتق ، لأن إطلاق الضمان المأذون أعم من كل منهما ، أعني من كون الضمان في ذمته أو كسبه ، والعام لا يدل على الخاص ليتعين كون الضمان من الكسب ، ولم يقع من المولى ما يدل على التزامه في ملكه الذي هو كسب العبد هنا.

وعن جماعة منهم المحقق الثاني أنه في كسب العبد فيكون الضمان من مال المولى ، لأن إطلاق الضمان محمول على المعهود ، والمعهود هو الضمان الذي يستعقب الأداء ، والذي

ص: 136


1- 1. سورة النحل ، الآية : 75.
2- 2. سورة المائدة ، الآية : 1.

يقدر على شي ء. وقيل : يصح ويتبع به بعد العتق (إلا أن يأذن المولى فيثبت) المال (في ذمة العبد) ، لا في مال المولى لأن إطلاق الضمان أعم من كل منهما فلا يدل على الخاص ، وقيل : يتعلق بكسبه حملا على المعهود من الضمان الذي يستعقب الأداء وربما قيل بتعلقه بمال المولى مطلقا (1) ، كما لو أمره بالاستدانة ، وهو متجه ، (إلا أن يشترط كونه من مال المولى (2) فيلزم بحسب ما شرط ويكون حينئذ كالوكيل ، ولو شرطه من كسبه فهو كما لو شرطه من مال المولى ، لأنه (3) من جملته (4) ، ثم إن وفّى الكسب بالحق المضمون (5) وإلا ضاع ما قصر ، ولو أعتق

______________________________________________________

يتعقبه الأداء هو كونه من مال المولى ، لأن الأداء من غير مال السيد ممتنع ، ومن العبد لا يكون عقيب الضمان بل عقيب العتق.

إن قلت : لو كان الضمان من مال المولى فلم خص الضمان بكسب العبد دون بقية الأموال.

قلت : لو كان الضمان في جميع أموال المولى لكان المولى هو الضامن وهو الذي صدرت الصيغة وهو على خلاف الفرض فيلزم أن يكون في خصوص كسب العبد ، وقال الشارح في المسالك : (والبحث في ذلك - أي في كون الضمان من كسب العبد - قريب مما لو أذن له في الاستدانة ، فينبغي ترتب قول ثالث ، وهو أن الضمان يتعلق بمال المولى ولا يختص بكسب العبد ولعله أقوى) انتهى.

(1) سواء كان من كسب العبد أم لا.

(2) فيكون الضمان على المولى للزوم الوفاء بالشرط ، ويكون العبد كالوكيل في إجراء الصيغة كما هو واضح.

(3) أي لأن كسب العبد.

(4) أي جملة مال المولى ، لكن الضمان بفرد معيّن منه.

(5) قال الشارح في المسالك : (فإن وفّى كسبه بمال الضمان فقد تم للمضمون له حقه ، وإلا ضاع عليه ما قصر ، فلو أعتق العبد قبل إمكان تجدد شي ء من الكسب فهل يبقى التعلق به أم يبطل الضمان لفوات المحل المعيّن لأداء المال ، لانصراف الإطلاق إلى الكسب الذي هو ملك المولى وقد فات ، الظاهر من كلامهم الأول ، فإن ذلك هو معنى الكسب ، فإذا أعتق صار كسبه وما في يده سواء ، ومع ذلك لا يسمى في اصطلاح الشرع كسبا وإن أطلق عليه لغة) انتهى. وحاصل كلامه أن الضمان يبطل لفوات المحل كما هو الوجه الثاني ، وأن متعلق الضمان الكسب وهو لغة يطلق على كسب العبد بعد العتق وإن لم يطلق عليه شرعا كما هو الوجه الأول.

ص: 137

العبد قبل إمكان تجدد شي ء من الكسب ففي بطلان الضمان ، أو بقاء التعلق به وجهان.

(ولا يشترط علمه بالمستحق (1) للمال المضمون ، وهو المضمون ، له بنسبه

______________________________________________________

(1) على صيغة الفاعل ، والمعنى لا يشترط علم الضامن باسم المضمون له ونسبه ، ولا المضمون عنه كذلك كما عليه الأكثر ، لأن الضمان وفاء دين ، وهو جائز عن كل مديون فلا يشترط العلم بالمضمون عنه ، وأما المضمون له فإن اعتبرنا قبوله لفظا كما هو مقتضى العقد اللازم عند المشهور اقتضى ذلك تميزه ، ولا يعتبر الأزيد من ذلك ، وإن لم نشترط قبوله اللفظي لم يعتبر العلم به بوجه ، لعمومات ( أَوْفُوا بِالْعُقُودِ ) (1) السالمة عن المعارض ، ولأخبار.

منها : خبر الفضيل عن أبي عبد الله عليه السلام (لما حضر محمد بن أسامة الموت دخل عليه بنو هاشم ، فقال لهم : قد عرفتم قرابتي ومنزلتي منكم وعليّ دين ، فأحب أن تقضوه عني ، فقال علي بن الحسين عليه السلام : ثلث دينك عليّ ، ثم سكت وسكتوا ، فقال علي بن الحسين عليه السلام : عليّ دينك كله ، ثم قال عليه السلام : أما إنه لم يمنعني أن أضمنه أولا إلا كراهة أن يقولوا سبقنا) (2) وهو ظاهر في عدم معرفة المضمون له.

وما رواه الشيخ في الخلاف عن أبي سعيد الخدري (قال : كنا مع رسول الله صلى الله عليه وسلم في جنازة فلما وضعت ، قال : هل على صاحبكم دين؟ قالوا : نعم درهمان ، فقال : صلّوا على صاحبكم ، فقال علي عليه السلام : هما عليّ يا رسول الله ، وأنا لهما ضامن ، فقام رسول الله صلى الله عليه وسلم فصلى عليه ، ثم أقبل على عليّ فقال : جزاك الله عن الإسلام خيرا وفك رهانك كما فككت رهان أخيك) (3) ، وخبر جابر بن عبد الله (أن النبي صلى الله عليه وسلم كان لا يصلي على رجل عليه دين ، فأتي بجنازة فقال : هل على صاحبكم دين ، فقالوا : نعم ديناران ، فقال : صلّوا على صاحبكم ، فقال أبو قتادة : هما عليّ يا رسول الله ، قال : فصلّى عليه فلما فتح الله على رسوله قال : أنا أولى بالمؤمنين من أنفسهم ، فمن ترك مالا فلورثته ، ومن ترك دينا فعليّ) (4) ، وهما ظاهران في عدم اشتراط العلم بالمضمون له.

وعن الشيخ في المبسوط والمقداد في التنقيح اشتراط العلم بالمضمون له والمضمون عنه ، أما اشتراط العلم بالأول ليعرف هل هو سهل المعاملة أو لا ، واشتراط العلم بالثاني لينظر هل يستحق بذلك عليه أو لا.

ص: 138


1- 1. سورة المائدة ، الآية : 1.
2- 2. الوسائل الباب - 3 - من أبواب الضمان حديث 1.
3- (3 و 4) الوسائل الباب -3. من أبواب الضمان حديث 2 و 3.

أو وصفه ، لأن الغرض إيفاؤه الدين ، وهو (1) لا يتوقف على ذلك (2) ، وكذا لا يشترط معرفة قدر الحق (3) المضمون ، ولم يذكره المصنف ، ويمكن إرادته من العبارة بجعل المستحق مبنيا للمجهول ، فلو ضمن ما في ذمته صح على أصح القولين ، للأصل (4) ، وإطلاق النص (5) ولأن الضمان لا ينافيه الغرر ، لأنه ليس معاوضة ، لجوازه من المتبرع. هذا إذا أمكن العلم به بعد ذلك (6) كالمثال (7) ، فلو

______________________________________________________

وعن العلامة في المختلف اعتبار العلم بالمضمون عنه دون المضمون له ، أما اشتراط العلم بالأول لأنه لا بد من تميّزه عند الضامن ليقع الضمان عنه ، وعدم اشتراط العلم بالثاني للخبرين السابقين.

(1) أي إيفاء الدين.

(2) على العلم بالمضمون له.

(3) ذهب المشهور إلى عدم اشتراط العلم بالحق المضمون لخبر الفضيل المتقدم (1) ، الظاهر في أن الدين كان مجهولا ، ولخبر عطا عن أبي جعفر عليه السلام (قلت له : جعلت فداك : إن عليّ دينا ، إذا ذكرته فسد عليّ ما أنا فيه ، فقال عليه السلام : سبحان الله ، أو ما بلغك أن رسول الله صلى الله عليه وسلم كان يقول في خطبته : من ترك ضياعا (2) فعليّ ضياعه ، ومن ترك دينا فعليّ دينه ، ومن ترك مالا فهو لوارثه ، وكفالة رسول الله صلى الله عليه وسلم ميتا ككفالته حيا ، وكفالته حيا ككفالته ميتا ، فقال الرجل : نفّست عني ، جعلني الله فداك) (3) ، وعموم النبوي (الزعيم غارم) (4).

وعن الشيخ في المبسوط والخلاف والقاضي في المهذب وابن إدريس في السرائر عدم الجواز ، وهو ضعيف بما سمعت.

(4) أي أصالة الصحة أو أصالة عدم اشتراط التعيين ، أو أصالة عدم منع الجهالة وعدم منع الغرر.

(5) وهو النبوي المتقدم.

(6) بعد الضمان.

(7) وهو ما لو ضمن ما في ذمته.

ص: 139


1- 1. الوسائل الباب - 3 - من أبواب الضمان حديث 1.
2- 2. الضياع هو العيال.
3- 3. الوسائل الباب - 9 - من أبواب الدين حديث 5.
4- 4. مستدرك الوسائل الباب - 1 - من أبواب الضمان حديث 2.

لم يمكن كضمنت لك شيئا مما في ذمته لم يصح قطعا (1) ، وعلى تقدير الصحة (2) يلزمه ما تقوم به البينة أنه كان لازما للمضمون عنه وقت الضمان ، لا ما يتجدد ، أو يوجد في دفتر ، أو يقر به المضمون عنه ، أو يحلف عليه المضمون له برد اليمين من المضمون عنه ، لعدم دخول الأول (3) في الضمان ، وعدم ثبوت الثاني (4) ، وعدم نفوذ الإقرار في الثالث (5) على الغير ، وكون الخصومة حينئذ (6) مع الضامن والمضمون عنه (7) فلا يلزمه (8) ما يثبت بمنازعة غيره (9) ، كما لا يثبت ما يقرّ

______________________________________________________

(1) قال الشارح في المسالك : (وموضع الخلاف في صورة يمكن العلم فيها بعد ذلك ، كما لو ضمن الدين الذي عليه ، أو ثمن ما باع من فلان ، أما لو لم يمكن الاستعلام لم يصح الضمان قولا واحدا ، كما لو قال : ضمنت شيئا مما لك على فلان ، لصدق الشي ء على القليل والكثير) انتهى ، وعدم جواز الضمان للزوم الإبهام والجهالة في الواقع.

(2) أي على تقدير عدم العلم بالحق المضمون وقت الضمان يلزم الضامن ما ثبت بالبينة أنه كان لازما للمضمون منه وقت الضمان ، لا ما يتجدد لأنه لم يتعلق به الضمان ، ولا ما يوجد في كتاب أو دفتر ، لأنه ليس طريقا مثبتا لما في الذمة ، ولا ما يقرّ به المضمون عنه لأن إقراره إنما ينفذ على نفسه لا على غيره ولا على ما يحلف عليه المضمون له عنده واليمين عليه من قبل المضمون عنه ، وذلك عند اختلاف المديون الذي هو المضمون عنه مع الدائن الذي هو المضمون له في مقدار الدين ، فيقول الدائن : مائة ، ويقول المديون : خمسون فالمديون هو المنكر فيقدم قوله مع يمينه ، فلو لم يحلف وردّ اليمين على المدعي وحلف يثبت أن الدين مائة ، ولكن لا يثبت أن الحق المضمون هو المائة ، لأن حلف المدعي اليمين المردودة يثبت الحق للمضمون له الحالف في قبال تنازعه مع المضمون عنه ، فلا يلزم الضامن بما ثبت بمنازعة المضمون له عنه وبالجملة فكما لا يثبت على الضامن ما أقره المضمون عنه فكذلك لا يثبت على الضامن ما يوجبه اليمين المردود من المضمون عليه.

(3) وهو المتجدد بعد وقت الضمان.

(4) وهو الموجود في دفتر ، لأنه ليس من وسائل الإثبات في الذمة والضمان إنما هو للثابت في الذمة.

(5) وهو إقرار المضمون عنه ، فإنه نافذ في حقه لا في حق غيره.

(6) أي حين كونها بين المضمون له وبين المضمون عنه.

(7) فهي بين المضمون له وبين المضمون عنه والضامن.

(8) للضامن.

(9) أي بمنازعة غير الضامن الذي هو المضمون عنه مع المضمون له.

ص: 140

به (1) ، في الرابع.

نعم لو كان الحلف (2) برد الضامن ثبت ما حلف (3) ، عليه (4).

(و) كذا (لا) يشترط علمه (5) (بالغريم) وهو المضمون عنه (6) ، لأنه وفاء دين عنه وهو جائز عن كل مديون.

ويمكن أن يريد به الأعم (7) منه ، ومن المضمون له ، ويريد بالعلم به (8): الإحاطة بمعرفة حاله من نسب أو وصف ، لسهولة (9) الاقتضاء ، وما شاكله ، لأن الغرض (10) إيفاؤه الدين ، وذلك (11) لا يتوقف على معرفته كذلك (12) ، (بل تميزهما) (13) أي المستحق والغريم ليمكن توجه القصد إليهما ، أما الحق فليمكن

______________________________________________________

(1) أي ما يقر المضمون عنه به.

(2) أي لو كانت الدعوى بين المضمون له وبين الضامن بحيث كان المضمون عنه ميتا أو غائبا أو لم تجر المنازعة وهو طرف فيها ، فالمضمون له يدعي المائة والضامن خمسون ، فيقوم قول الضامن مع عيينة لأنه منكر ، فإن لم يحلف ورد اليمين على المدعي هنا وهو المضمون له ، وقد حلف اليمين المردودة ، فيلزم الضامن حينئذ بدفع المائة كما هو واضح لأن الدعوى عليه.

(3) أي ما حلف به المضمون له.

(4) على الضامن.

(5) أي علم الضامن.

(6) وقد تقدم الكلام فيه سابقا.

(7) أي ويمكن أن يريد بالغريم الأعم من المضمون له والمضمون عنه بناء على كون المستحق مبنيا للمجهول.

(8) عند قول الماتن (ولا يشترط علمه بالمستحق ولا بالغريم بل تميزها) بحيث يكون العلم المنفي هو العلم بمعرفة حاله من نسب أو اسم ووصف كما تقدم.

(9) علة للمنفي ، أي العلم المذكور لسهولة الاقتضاء.

(10) علة للنفي ، وهو عدم اشتراط العلم المذكور.

(11) أي إيفاء الدين.

(12) أي على معرفة حاله من نسب أو اسم أو وصف.

(13) أي تميز المستحق والغريم ، وعلى التفسير الأول للمستحق بكونه مبنيا للمعلوم على وزن اسم الفاعل وهو المضمون له ، فيشترط تميز المضمون له والمضمون عنه ، وعلى التفسير الثاني للمستحق بكونه منهيا للمجهول على وزن اسم المفعول وهو الحق المضمون ،

ص: 141

فی الإیجاب و القبول

أداؤه ، وأما المضمون له فليمكن إيفاؤه ، وأما المضمون عنه فليمكن القصد إليه.

ويشكل بأن المعتبر القصد إلى الضمان وهو التزام المال الذي يذكره المضمون له ، وذلك غير متوقف على معرفة من عليه الدين. فلو قال شخص : إني استحق في ذمة آخر مائة درهم مثلا فقال آخر : ضمنتها لك كان قاصدا إلى عقد الضمان عمن كان عليه الدين مطلقا (1) ، ولا دليل على اعتبار العلم بخصوصه.

(ولا بد له من إيجاب وقبول مخصوصين (2) ، لأنه من العقود اللازمة الناقلة للمال من ذمة المضمون عنه إلى ذمة الضامن ، (والإيجاب ضمنت ، وشبهه) ،

______________________________________________________

فيشترط تميز الحق والمضمون عنه والمضمون له ، لأن الغريم أعم منهما كما تقدم ، واعتبار تميز الحق والمضمون عنه والمضمون له ناشئ من أن الضمان عقد فلا بدّ من القصد فيه ، والقصد المذكور متوقف على قصد الحق لأنه لا بد من قصد أدائه ، ومتوقف على قصد المضمون له لأنه لا بد أن يقصد إيفائه ، ومتوقف على قصد المضمون عنه ليتمكن من قصد عمن عليه الدين عند الإيفاء.

وفيه كما في المسالك : إن المعتبر هو القصد إلى الضمان ، والقصد هو الالتزام بالمال الذي يذكره المضمون له مثلا في الذمة ، وذلك غير متوقف على معرفة من عليه الدين الذي هو المضمون عنه فلو قال شخص : إني استحق في ذمة شخص مائة درهم فقال له الآخر : ضمنتها لك ، كان قاصدا إلى الضمان مع عدم معرفة المضمون عنه.

(1) وإن لم يعرفه ولو إجمالا.

(2) وقع الخلاف بينهم في اشتراط رضا المضمون له في الضمان ، والمشهور على الاشتراط ، لأن حقه سيتحول من ذمة غريمه إلى ذمة الضامن ، والناس تختلف في حسن المعاملة وسهولة الاقتضاء ، فربما كان المضمون له لا يرضى بإبدال غريمه بالضامن ، فلو لم يعتبر رضاه للزم الضرر عليه ، ولصحيح عبد الله بن سنان عن أبي عبد الله عليه السلام (في الرجل يموت وعليه دين ، فيضمنه الضامن للغرماء ، فقال عليه السلام : إذا رضي به الغرماء فقد برئت ذمة الميت) (1).

وللشيخ قول بعدم الاشتراط لأن أمير المؤمنين عليه السلام وأبا قتادة قد ضمنا الدين ولم يسأل النبي صلى الله عليه وسلم عن رضا المضمون له كما في خبري أبي سعيد الخدري وجابر بن عبد الله المتقدمين (2).

ص: 142


1- 1. الوسائل الباب - 2 - من أبواب الضمان حديث 1.
2- 2. الوسائل الباب - 3 - من أبواب الضمان حديث 2 و 3.

ويتميز عن مطلق الكفالة بجعل متعلقها المال (1) (وتقبلت وشبهة) من الألفاظ الدالة عليه (2) صريحا ، (ولو قال ما لك عندي ، أو علي (3) ، أو ما عليه علي فليس بصريح) ، لجواز إرادته (4) أن للغريم (5) تحت يده مالا (6) ، وأنه قادر على تخليصه ،

______________________________________________________

وأجيب بأنهما قضية في واقعة لا عموم فيهما ، أو أن غرماء الميت كانوا حاضرين وقد حصل منهم الرضا كما عن سيد الرياض.

ثم على القول باشتراط الرضا فهل المعتبر مجرد رضاه كيف اتفق ولو مع التراضي أو لا بدّ من القبول اللفظي قولان ، ذهب إلى الأول فخر المحققين في الإيضاح والأردبيلى للخبرين المتقدمين المتضمنين لضمان أمير المؤمنين عليه السلام وأبي قتادة ، باعتبار اكتفاء النبي صلى الله عليه وسلم بضمانهما من دون قبول لفظي من غرماء الميت ، ولأصالة عدم الاشتراط ، ولمخالفة الضمان لغيره من العقود المملّكة ، لأن الضمان لا يثبت ملكا جديدا ، وإنما يتوثق به الدين الذي كان مملوكا للمضمون له.

وذهبت جماعة إلى القبول اللفظي لأن الضمان بعد اشتراط الرضا هو معاملة بين شخصين فهو عقد ، فلا بدّ فيه من القبول اللفظي لأنه من العقود اللازمة ، ولأصالة عدم انتقال حق المضمون له إلا أن يتحقق المزيل وهو القبول.

بل إذا كان الضمان من العقود اللازمة فيشترط فيه جميع ما اشترط في العقد اللازم من كون بلفظ الماضي واللفظ العربي وعدم الفصل بين الإيجاب والقبول.

وفيه : لو قلنا بكونه من العقود اللازمة فقد تقدم أنه يكفي في إيجابه وقبوله كل ما يدل على إنشائهما سواء كان اللفظ صريحا أم لا ، وسواء كان بالعربي وبالماضي أم لا ، بل يصح إنشاؤه بالفعل والكتابة كما عليه العرف لصدق العقد على كل ذلك ، هذا مع أن اشتراط رضا المضمون له كما هو الظاهر لا يستلزم كون الضمان عقدا ، لأن الضمان تعهد بإيفاء الدين وغاية ما يستلزم الرضا وليس القبول.

(1) فقيد المال مخرج للكفالة ، لأنها ضمان نفس ، وضمير في (متعلقها) راجع إلى الألفاظ التي ذكرها الماتن.

(2) على الإيجاب.

(3) أي ما لك عليّ.

(4) أي لجواز إرادة الضامن الذي صدرت منه الألفاظ السابقة.

(5) وهو المضمون عنه.

(6) لقوله الأول : لو قال : ما لك عندي ، فيحتمل أن يكون الضامن أراد إخبار المضمون له بأنه للغريم مال تحت يده فلا يكون منشئا للضمان بالجملة المتقدمة.

ص: 143

أو أن عليه السعي ، أو المساعدة ، ونحوه.

وقيل إن «عليّ» (1) ضمان ، لاقتضاء عليّ الالتزام ، ومثله في ذمتي (2) وهو متجه ، أما ضمانه عليّ (3) فكاف ، لانتفاء الاحتمال ، مع تصريحه بالمال (4) (فيقبل المستحق) (5) وهو المضمون له.

(وقيل : يكفي رضاه (6) بالضمان وإن لم يصرح بالقبول ، لأن حقه يتحول من ذمة إلى أخرى ، والناس يختلفون في حسن المعاملة ، وسهولة القضاء ، فلا بد من رضاه به (7) ولكن لا يعتبر القبول ، للأصل ، لأنه وفاء دين (8).

والأقوى الأول (9) ، لأنه عقد لازم فلا بد له من إيجاب وقبول لفظين صريحين متطابقين عربيين ، فعلى ما اختاره من اشتراطه يعتبر فيه ما يعتبر في العقود اللازمة.

وعلى القول الآخر (10) (فلا يشترط فورية القبول) ، للأصل ، وحصول الغرض. وقيل : لا يشترط رضاه مطلقا (11) ، لما روي من ضمان علي عليه الصلاة

______________________________________________________

أو أراد إخباره بأنه قادر على تخصيص ماله عند قوله : ما لك عليّ ، أو أراد إخباره بأنه عليه السعي في تحصيل ماله عند قوله : ما عليه عليّ.

(1) فيما لو قال : ما لك عليّ أو ما عليه عليّ ، فهو ضمان لكون ظاهره الالتزام لا الإخبار ، ولم أجد من قال به.

(2) أي لو قال : مالك في ذمتي ، أو ما عليه في ذمتي فهو ظاهر في التزام الضمان أيضا لا الإخبار.

(3) أي لو قال : ضمانه عليّ ، فهو نص في الضمان من دون احتمال الإخبار ، بخلاف ما سبق فهو ظاهر في الالتزام.

(4) أي لو قال : ضمان مالك عليّ فهو مخرج للكفالة ونص في الضمان المصطلح.

(5) كما هو القول الثاني المتقدم.

(6) كما هو القول الأول المتقدم.

(7) أي رضا المضمون له بالضمان ، وهو دليل اشتراط الرضا كما عليه المشهور ، وقد تقدم.

(8) كما استظهرناه.

(9) أي اشتراط القبول.

(10) من كفاية الرضا.

(11) كما هو قول الشيخ وقد تقدم ، والإطلاق للفظ والقلب.

ص: 144

فی أنه لا عبرة بالغریم

والسلام دين الميت الذي امتنع النبي (ص) من الصلاة عليه ، لمكان دينه.

(ولا عبرة بالغريم) (1) وهو المضمون عنه ، لما ذكرناه من أنه وفاء عنه ، وهو غير متوقف على إذنه.(نعم لا يرجع عليه مع عدم إذنه (2) في الضمان وإن أذن في الأداء ، لأنه متبرع ، والضمان هو الناقل للمال من الذمة ، (ولو أذن) له في الضمان (رجع) عليه (بأقل الأمرين مما أداه ، ومن الحق (3) فإن أدى أزيد منه كان متبرعا بالزائد ، وأن أدى أقل لم يرجع بغيره ، سواء أسقط الزائد عنه بصلح أم إبراء ، ولو وهبه بعد ما أدى الجميع البعض ، أو الجميع (4) جاز رجوعه به ، ولو

______________________________________________________

(1) لا عبرة برضا المديون الذي هو المضمون عنه في صحة الضمان بلا خلاف فيه ، لأن الضمان كالقضاء فكما يجوز أداء الدين بغير إذنه فكذا الالتزام بأداء الدين بالضمان ، ولصحة الضمان عن الميت في الخبرين (1) اللذين تضمنا ضمان أمير المؤمنين عليه السلام وأبي قتادة.

(2) يرجع الضامن على المضمون منه بما أداه إن كان الضمان بإذنه ، بلا خلاف فيه ، لأن الضامن هنا غير متبرع فماله محترم فيجوز له الرجوع لمكان الاذن ، ولو كان الضمان بغير إذن المضمون عنه لا يرجع وإن كان الأداء بإذنه بلا خلاف فيه لأنه متبرع بالضمان لا يجوز له الرجوع ، والاذن بالأداء ليس إذنا بأصل الضمان.

(3) أما لو كان الحق المضمون أقل من الذي دفعه ، بحيث دفع الضامن اكثر منه وقت الأداء فلا يستحق الزائد على المضمون عنه لأنه متبرع ، ولم يقع إذن من المضمون عنه بالزائد ، وإنما الاذن في أصل الضمان بمقدار الحق.

وأما لو كان الذي دفعه أقل من الحق المضمون عنه بحيث وقع الضامن أقل منه ، فلا يرجع إلا بما دفع للأخبار :

منها : خبر عمرو بن يزيد عن أبي عبد الله عليه السلام (عن رجل ضمن عن رجل ضمانا ثم صالح عليه ، قال عليه السلام : ليس له إلا الذي صالح عليه) (2) ، وقال الشارح في المسالك : (ولا فرق عندنا في رجوعه - أي الضامن - بالبعض الذي أداه بين كون الزائد سقط عنه بإبراء المضمون له وغيره ، خلافا لبعض العامة حيث جوّز له الرجوع بالجميع لو أبرئ منه أو من بعضه ، لأنه هبة ومسامحة من رب الدين للضامن خاصة) انتهى.

(4) لو أدى الضامن جميع ما عليه ثم وهبه المضمون له جميع ما قدمه أو بعضه جاز للضامن

ص: 145


1- 1. الوسائل الباب - 3 - من أبواب الضمان حديث 2 و 3.
2- 2. الوسائل الباب - 6 - من كتاب الضمان حديث 1.

أدى عرضا (1) رجع بأقل الأمرين من قيمته ومن الحق ، سواء رضي المضمون له به عن الحق من غير عقد ، أو بصلح.

(ويشترط فيه) أي في الضامن (الملاءة) (2) بأن يكون مالكا لما يوفي به الحق المضمون ، فاضلا عن المستثنيات في وفاء الدين ، (أو علم المستحق بإعساره) حين الضمان ، فلو لم يعلم به حتى ضمن تخير المضمون له في الفسخ. وإنما تعتبر الملاءة في الابتداء ، لا الاستدامة ، فلو تجدد إعساره بعد الضمان لم يكن له

______________________________________________________

أن يرجع بجميع ما دفع لصدق الأداء ، والهبة فيما بعد لا مدخلية لها في صدق الأوامر وعدمه.

(1) لو أدى الضامن عرضا من متاع وغيره في مقام الأداء أيضا يرجع بأقل الأمرين من قيمة العرض ومن الدين ، بلا فرق بين أن يكون قد رضي المضمون له بالعرض عن دينه بغير عقد ، وبين أن يصالحه الضامن بالعرض عن دينه ، فلو كان الثوب يساوي مائة ، وقد صالحه به على الدين المساوي لمائتين لم يرجع إلا بقيمة الثوب.

(2) يشترط في الضامن الملاءة وهو شرط في لزوم الضمان ، لأن الضمان عقد لازم بين المضمون له والضامن ، أما الضامن فلا يجوز له الفسخ لعموم الوفاء بالعقود ، ولأن فيه تضييع حق المضمون له ، لأنه إذا فسخ لا يمكن للمضمون له الرجوع عليه للفسخ ولا على المضمون عنه لانتقال الحق من ذمته بالضمان إلى ذمة الضامن.

وأما المضمون له فلا يجوز له الفسخ كذلك لعموم الوفاء بالعقود ، ولأن الحق قد انتقل من ذمة المضمون منه إلى ذمة الضامن فكيف يجوز للمضمون له الفسخ والرجوع على المضمون عنه وقد برئت ذمته من الحق.

إذا تقرر ذلك فإن كان الضامن مليّا وقت الضمان أو علم المضمون له بإعساره ورضي به لزم الضمان على المضمون له بلا خلاف فيه لما تقدم من الأدلة على اللزوم ، وأما لو كان الضامن معسرا وقت الضمان ولم يعلم بذلك المضمون له كان للمضمون له فسخ الضمان والعود على المضمون عنه لأن الضمان عقد مبني على تسهيل الأمر والقصد منه استيفاء الدين من الضامن ، وإنما يكون الاستيفاء إذا كان الضامن موسرا ، ولما كانت طبيعة الضمان ما ذكرناه وأقدم المضمون له على الرضا به بما له من المعنى المذكور فيكون إيسار الضامن شرطا ضمنيا في العقد ، وعليه فإذا تبين فيما بعد أن الشرط المذكور لم يكن متحققا ثبت له خيار الفسخ.

هذا واشتراط اليسار ابتدائي وليس استدامة ، لأن الشرط الضمني معتبر وقت الضمان فقط وقد تحقق بحسب الفرض.

ص: 146

فی أنه یجوز الضمان حالا، و مؤجلا

الفسخ ، لتحقق الشرط حالته (1) ، وكما لا يقدح تجدد إعساره فكذا تعذر الاستيفاء منه بوجه آخر (2).

(ويجوز الضمان (3) حالا ، ومؤجلا ، عن حال ومؤجل) ، سواء تساوي المؤجلان في الأجل أم تفاوتا ، للأصل.

ثم إن كان الدين حالا (4) رجع مع الأداء مطلقا (5) ، وإن كان مؤجلا (6) فلا

______________________________________________________

(1) أي حالة الضمان.

(2) أي وكذلك لو تعذر الاستيفاء من الضامن لوجه غير وجه الإعسار ، وهو ما لو مات أو فرّ أو استعان بظالم ، فعقد الضمان لازم لتحقق شرطه وقت الضمان فلا يجوز للمضمون له الفسخ حينئذ.

(3) الضامن تارة يضمن دينا مؤجلا وأخرى دينا حالا ، وعلى التقديرين إما أن يكون ضمانه حالا بأن يدفع الآن وإما أن يكون مؤجلا بأن يؤدي بعد مدة فالصور أربعة ، أن يكون الدين حالا والضمان حال ، وأن يكون الدين حالا والضمان مؤجل ، وأن يكون الدين مؤجلا والضمان حال ، وأن يكون الدين مؤجلا والضمان مؤجل.

والصورة الرابعة إما أن يكون الأجل في الضمان مساويا للأجل في الدين أو أزيد أو أنقص فالصور ستة ، وعلى التقادير الستة إما أن يكون الضمان تبرعا أو بسؤال المضمون عنه.

والصورة الرابعة بشقوقها الثلاثة جائزة بالاتفاق للعمومات السالمة عن المعارض ، والصور الثلاثة الأول أيضا جائزة لنفس هذه العمومات ، نعم نسب الخلاف إلى المقنعة والنهاية بأن الضمان يشترط بأجل وأوّلت عبارتهما بما لا يخالف ، ولذا قال في المسالك : (وكلها - أي الصور - جائزة على الأقوى إلا أن موضع الخلاف فيها غير محرّر) انتهى.

(4) إن كان الدين حالا فالضامن لا يرجع على المضمون عنه إلا بعد الأداء سواء كان الأداء حالا لأن الضمان حال ، أو كان مؤجلا لأن الضمان مؤجل ، بلا خلاف فيه ولا إشكال ، لأن رجوع الضامن على المضمون عنه لا يكون إلا بعد اشتغال ذمة المضمون عنه للضامن بالمال ، ولا تشتغل إلا بأداء الضامن للدين.

(5) سواء كان الضمان حالا أم مؤجلا.

(6) أي وإن كان الدين مؤجلا فلا رجوع للضامن حينئذ إلا إذا حل الأجل وقد أدى الدين ، والوجه أنه إذا كان الدين مؤجلا وضمن مؤجلا فواضح ، فلا تشتغل ذمة المضمون عنه إلا بعد الأداء ، والأداء بحسب الفرض إنما يكون بعد أحل الضمان.

وإذا كان الدين مؤجلا والضمان حال فذمة المضمون عنه لا تشتغل بمجرد الأداء ، لأن

ص: 147

رجوع عليه (1) إلا بعد حلوله (2) وأدائه مطلقا (3) (والمال المضمون : ما جاز أخذ الرهن عليه (4) وهو المال الثابت في الذمة وإن كان متزلزلا ، (ولو ضمن للمشتري عهدة الثمن (5) أي دركه على تقدير الاحتياج إلى رده (6) (لزمه) ضمانه

______________________________________________________

دينه مؤجل ، والحلول بالنسبة إلى الضامن إنما هو تبرع له من قبل المضمون له فلا يسري إلى المضمون عنه.

(1) أي فلا رجوع للضامن على المضمون عنه.

(2) أي حلول الدين.

(3) سواء كان الضمان حالا أم مؤجلا.

(4) عرّف المال المضمون عند الفقهاء بأنه كل مال ثابت في الذمة ، وهذا التعريف متضمن للمالية وللثبوت في الذمة ، أما الأول فلا إشكال فيه ولا خلاف ، وأما الثاني فيشمل ما لو كان ثبوته في الذمة ثبوتا مستقرا أو غير مستقر كالثمن في مدة الخيار والمهر قبل الدخول ، وهما ثابتان في ذمة المشتري والزوج ثبوتا فتزلزلا ، وهذا الشرط الثاني في القدر المتيقن من أدلة الضمان ، ولأن انتقال الدين من ذمة المضمون عنه إلى ذمة الضامن بالضمان فرع ثبوته في ذمة المضمون عنه ، وإلا فلو لم يكن ثابتا فكيف ينتقل.

والشهيد هنا في اللمعة عرّفه بأنه ما جاز أخذ الرهن عليه ، ولا تنافي بين التعريفين لأن ما يجوز أخذ الرهن عليه هو المال الثابت في الذمة كما تقدم في كتاب الرهن وعلى كل فلو ضمن ما لم يجب في الذمة كأن يقول : مهما أعطيت فلانا فهو عليّ ، لم يصح لأنه ضمان لمال غير ثابت في الذمة.

(5) وهو المعبّر عنه بضمان العهدة وضمان الدرك والدرك التبعة كما في الصحاح ، وقيل : سمي ضمان الدرك لالتزامه الغرامة عنه إدراك المستحق عين ماله ، وفي التذكرة : (سمي ضمان العهدة لالتزام الضامن ما في عهدة البائع رده) ، وذلك فيما لو وقع البيع على عين مخصوصة وقد دفع المشتري الثمن ، فلو تبين أن المبيع مستحق للغير ولم يجز المالك العقد الفضولي فيبطل البيع من رأس ويردّ المبيع إلى مالكه ، ويطالب المشتري البائع بالثمن المدفوع فيصح ضمان الثمن للمشتري من حين البيع حينئذ ، لأنه مال للمشتري ثبت له في ذمة البائع من حين العقد ، وكذا يجري الكلام فيما لو وقع البيع على الثمن المخصوص فيصح الضمان للبائع عن عهدة المثمن.

(6) إلى رد الثمن إلى المشتري بعد قبض البائع له فيما لو كان البيع على عين شخصية وقد ظهرت مستحقة للغير ولم يجز المالك العقد الفضولي.

ص: 148

(في كل موضع يبطل فيه البيع من رأس كالاستحقاق) للمبيع المعين ولم يجز المالك البيع ، أو أجازه ولم يجز قبض البائع الثمن (1) ، ومثله تبيّن خلل في البيع (2) اقتضى فساده من رأس ، كتخلف شرط ، أو اقتران شرط فاسد ، لا ما تجدد فيه البطلان كالفسخ بالتقايل والمجلس ، والحيوان ، والشرط وتلف المبيع قبل القبض ، لعدم اشتغال ذمة (3) المضمون عنه حين الضمان على تقدير طروء الانفساخ بخلاف الباطل من أصله ولو في نفس الأمر (4).

(ولو ضمن له) (5) أي للمشتري ضامن عن البائع (درك ما يحدثه) المشتري

______________________________________________________

(1) بحيث أجاز المالك العقد الفضولي الواقع على ماله المعيّن ولم يجز ما وقع من قبض البائع للثمن بل يريد قبضه بيده فكذلك هو لم يجز البيع الواقع بل المعيّن لأن قبض البائع للثمن من مستلزمات البيع المذكور فلو لم يجز لازمه فهو عدم إجازة للبيع بجميع لوازمه ، فيبطل من رأس.

(2) بحيث أوجب فسخ العقد من رأس ، كتخلف بعض شرائط العوضين كتخلف وصف المعلومية أو اقترن البيع بشرط فاسد ، والشرط الفاسد مفسد للبيع من أصله.

(3) فلو كان الفسخ موجبا لفسخ العقد من حينه فلم يكن البيع حال الضمان فاسدا مع العلم أن الضمان قد وقع عند البيع ، ومع عدم فساده عند الضمان فضمانه ضمان لما لم يجب فلا يصح.

(4) ولكن لم يكن معلوم البطلان.

(5) لو اشتري المشتري أرضا وأراد أن يضع فيها غرسا أو يبني بناء فلو ظهرت الأرض مستحقة للغير فهل يجوز أن يضمن ضامن حال عقد البيع للمشتري على تقدير ظهور كونها مستحقة وأن المالك الأصلي أراد قلع ما غرسه المشتري أو بناه ، فليضمن له التفاوت الحاصل في البناء والغرس بين قيمته ثابتا وبين قيمته مقلوعا.

قيل : لا يصح الضمان كما عن جماعة منهم المحقق بل ظاهرهم أنه المشهور ، لأنه ضمان ما لم يجب ، لأن المشتري لم يجب له الأرش حال الضمان ضرورة عدم استحقاق المشتري ذلك على البائع قبل البناء والغرس ولا بعد البناء والغرس ، وإنما يستحقه على البائع بعد القلع ، فلو كان الضمان من حين البيع فهو ضمان ما لم يجب ، وذهب بعض العامة - كما في المسالك - والشهيد في اللمعة إلى أن الضمان يصح ، لأن سبب ضمان الأرش هو استحقاق الأرض لغير البائع وهو موجود حال البيع ، والضمان مصاحب له زمنا.

فالأقوى عدم الصحة كما عليه المشهور ، غايته أن غالبهم صرحوا بعدم الصحة سواء كان الضمان - من أجنبي أم من نفس البائع لوجود العلة من أنه ضمان ما لم يجب ، وخالفهم

ص: 149

في الأرض (من بناء ، أو غرس) على تقدير ظهورها (1) مستحقة لغير البائع ، وقلعه (2) لها (3) ، أو أخذه أجرة الأرض (فالأقوى جوازه) لوجود سبب الضمان حالة العقد ، وهو كون الأرض مستحقة للغير.

وقيل : لا يصح الضمان هنا ، لأنه ضمان ما لم يجب ، لعدم استحقاق المشتري الأرش على البائع حينئذ (4) ، وإنما استحقه بعد القلع.

وقيل : إنما يصح هذا الضمان من البائع ، لأنه ثابت عليه بنفس العقد (5) وإن لم يضمن ، فيكون ضمانه تأكيدا.

وهو ضعيف (6) ، لأنه (7) لا يلزم من ضمانه (8) لكونه بائعا مسلّطا على الانتفاع مجانا ، ضمانه (9) بعقده (10) مع عدم اجتماع شرائطه التي من جملتها كونه ثابتا حال الضمان.

______________________________________________________

المحقق في أن عدم صحة الضمان فيما لو كان من أجنبي ، وأما لو كان من نفس البائع فيصح الضمان ، لأن الأرش الذي يستحقه المشتري على البائع إنما يستحقه بنفس عقد البيع فالضمان منه يكون تأكيدا لما هو ثابت عليه.

(1) ظهور الأرض.

(2) أي وقلع غير البائع الذي هو المالك الأصلي.

(3) للمذكورات مما يحدثه المشتري.

(4) أي حين البيع قبل البناء والغرس.

(5) أي عقد البيع.

(6) وحاصله أن البائع ضامن للأرش بعقد البيع لأنه قد سلّطه على المبيع للانتفاع به مجانا بعد دفع الثمن ، فلو كان الانتفاع في المبيع موجبا لنقصان ماله أو بذل أجرة فيضمن البائع.

ولكن ضمانه بسبب البيع لا يستلزم ضمانه بعقد الضمان مع عدم اجتماع شرائط عقد الضمان ، لأن من جملتها كونه ثابتا حال الضمان والمفروض أن الأرش غير ثابت للمشتري على البائع من حين البيع وإنما يثبت بعد القلع فالأقوى عدم صحة الضمان.

(7) أي البائع.

(8) أي ضمان الأرش.

(9) ضمان الأرش.

(10) بعقد الضمان.

ص: 150

فی ما لو أنکر المستحق القبض

وتظهر الفائدة (1) فيما لو أسقط المشتري عنه حق الرجوع بسبب البيع ، فيبقى له الرجوع بسبب الضمان لو قلنا بصحته ، كما لو كان له خياران فأسقط أحدهما ، ونظير ضمان غير البائع درك الغرس ضمانه (2) عهدة المبيع لو ظهر معيبا فيطالب المشتري بالأرش ، لأنه جزء من الثمن ثابت وقت الضمان ، ووجه العدم هنا أن الاستحقاق له (3) إنما حصل بعد العلم بالعيب ، واختيار أخذ الأرش. والموجود من العيب حالة العقد ما كان يلزمه (4) تعين الأرش (5) ، بل التخيير بينه وبين الرد فلم يتعين الأرش إلا بعد الضمان.

والحق أنه (6) أحد الفردين الثابتين تخييرا حالة البيع ، فيوصف بالثبوت قبل اختياره كأفراد الواجب المخير.

(ولو أنكر المستحق القبض) من الضامن (7) (فشهد عليه الغريم) وهو

______________________________________________________

(1) أي الفائدة بين الضمانين ، وهي ما لو أسقط المشتري عن البائع الأرش الناشئ بسبب البيع فيبقى له الرجوع بالأرش بسبب الضمان لو قلنا بصحته.

(2) أي ضمان غير البائع ، فكما وقع الخلاف في الضمان للمشتري لدرك الغرس كذلك وقع الخلاف في ضمان عهدة المبيع ، وذلك لو اشترى إنسان عينا ثم ظهر أنها معيوبة بعيب فيثبت للمشتري خيار العيب فلو لم يفسخ فله حق أرش العيب فهل يجوز ضمانه للمشتري أو لا ، فعن العلامة في القواعد أنه يصح الضمان ، لأن الأرش جزء من الثمن وهو ثابت من حين عقد البيع فيكون ضمانه ضمانا لما ثبت ، وعنه في التحرير وعن جماعة العدم ، لأن استحقاقه للأرش إنما حصل بعد العلم بالعيب ، والعلم بالعيب قد حصل بعد عقد البيع ، ولأن الأرش لم يكن ثابتا حال العقد لأن الثابت حالته هو العيب ، والعيب يوجب التخيير بين الأرش والرد ، فلا يتعين الأرش إلا بالاختيار ، وهو لا يكون إلا بعد العقد فضمانه حال البيع ضمان لما لم يجب.

(3) للأرش.

(4) أي لم يكن يلزمه.

(5) لأن الثابت هو العيب ، وهو موجب للتخيير بين الأرش والرد.

(6) أي إلى الأرش.

(7) لو أنكر المضمون له القبض وقد ادعاه الضامن ، فالقول قول المضمون له مع يمينه ، لأنه

ص: 151

المضمون عنه (قبل) ، لأنه إن كان آمرا بالضمان ، فشهادته عليه شهادة على نفسه باستحقاق الرجوع عليه ، وشهادة لغيره فتسمع ، وإن كان الضامن متبرعا عنه فهو أجنبي فلا مانع من قبولها لبراءته من الدين أدّى أم لم يؤد.

لكن إنما تقبل (مع عدم التهمة) (1) بأن تفيده (2) الشهادة فائدة زائدة على ما يغرمه (3) لو لم يثبت الأداء فتردّ.

______________________________________________________

منكر لموافقة قوله لأصالة عدم القبض ، هذا إذا لم يأت الضامن المدعي للقبض بالبينة.

ولو أتى بالبينة وكان أحد الشاهدين نفس المضمون عنه تقبل ، سواء كان الضمان بإذن المضمون عنه أم عدمه ، أما مع عدم إذنه بالضمان فواضح ، لأن المضمون عنه قد برئت ذمته من الدين وشهادته للضامن بالدفع ليس فيها نفع له ، لأن الضامن سواء كان دافعا أم سيدفع فيما بعد لا يرجع على المضمون عنه لعدم الاذن بالضمان ، وأما مع إذنه بالضمان فشهادته على أن الضامن قد وقع هي شهادة على نفسه باستحقاق الضامن للرجوع عليه ، وهي شهادة على غيره بأنه قد أوصل الحق إلى المضمون له ، وهي في كلا شقيها لا نفع له فيها فتقبل.

(1) عدم التهمة شرط في كل شهادة حتى تقبل ، ولكن الكلام في المواطن التي يتهم فيها المضمون عنه لو شهد ، وقد فرضوا التهمة في صور.

منها : أن يكون الضامن قد صالح على أقل من الحق فيكون رجوع الضامن بما صالح وهو أقل من الحق ، وعليه الشهادة المضمون عنه للضامن حينئذ تجر نفعا لنفسه ، لأن الصلح لو لم يثبت لبقي مجموع الدين في ذمة الضامن ، وفيه : إنه يكفي في سقوط الزائد عن المضمون عنه اعتراف الضامن بذلك ، ولا حاجة إلى الثبوت بالبينة ، والحاصل إن اعتراف الضامن بأنه أدى أقل من الحق إقرار منه على نفسه فلا يرجع على المضمون عنه إلا بما اعترف به حينئذ ، ويسقط الزائد عن المضمون عنه من دون حاجة إلى البينة فتندفع التهمة ولا بدّ من قبول الشهادة حينئذ.

ومنها : أن يكون الضامن معسرا ولم يعلم المضمون له بإعساره ، فإن له الفسخ حيث لا يثبت الأداء ويرجع على المضمون عنه ، فيدفع المضمون عنه بشهادته عود الحق إلى ذمته.

ومنها : أن يكون الضامن قد تجدد عليه الحجر للفلس ، وللمضمون عنه عليه دين ، فإنه يوفّر بشهادته مال الضامن فيزداد ما يضرب به.

(2) بيان للشهادة التي فيها التهمة ، والضمير في (تفيده) راجع إلى المضمون عنه.

(3) أي ما يغرمه الضامن لو لم يثبت الأداء.

ص: 152

وللتهمة صور : منها أن يكون الضامن معسرا ولم يعلم المضمون له بإعساره ، فإنّ له الفسخ حيث لا يثبت الأداء ، ويرجع على المضمون عنه فيدفع بشهادته عود الحق إلى ذمته.

ومنها أن يكون الضامن قد تجدد عليه الحجر للفلس ، وللمضمون عنه عليه دين فإنه يوفّر بشهادته مال المفلس فيزداد ما يضرب به.

ولا فرق في هاتين (1) بين كون الضامن متبرعا ، وبسؤال ، لأن فسخ الضمان (2) يوجب العود على المديون على التقديرين (3) ، ومع الإفلاس (4) ظاهر (5)

وجعل بعضهم من صور التهمة : أن يكون الضامن قد صالح على أقل من الحق فيكون رجوعه (6) على تقدير كونه بسؤال إنما هو بالمدفوع (7) ، فتجر شهادة المضمون عنه تهمة بتخفيف الدين عنه (8).

وفيه نظر ، لأنه يكفي في سقوط الزائد عن المضمون عنه اعتراف الضامن بذلك (9) ، فلا يرجع به (10) وإن لم يثبته (11) فتندفع التهمة وتقبل الشهادة كما نبه

______________________________________________________

(1) أي هاتين الصورتين.

(2) في الصورة الأولى ، ويجوز له الفسخ لعدم العلم بإعساره.

(3) وهما الضمان بسؤال أو بتبرع ، ومع العود على التقديرين تكون شهادة المضمون عنه للضامن بالأداء دفع لعود الدين عليه فتثبت التهمة.

(4) في الصورة الثانية.

(5) لأن المضمون له سيضرب مع الغرماء على تقدير عدم الأداء ، وبشهادة المضمون عنه للضامن بالأداء فلا يجوز للمضمون له أن يضرب مع الغرماء ويزداد ما يضرب به المضمون عنه لأنه دائن بحسب الفرض فتثبت التهمة.

(6) أي رجوع الضامن.

(7) وهو مقدار ما صالح عليه.

(8) لسقوط الزائد عنه حينئذ.

(9) بالصلح على أقل من قدر الحق.

(10) أي فلا يرجع الضامن بالزائد.

(11) أي وإن لم يثبت المضمون عنه أن الضامن قد دفع ما صولح عليه.

ص: 153

عليه المصنف بقوله : (ومع عدم قبول قوله (1) للتهمة ، أو لعدم العدالة (لو غرم الضامن رجع) على المضمون عنه (في موضع الرجوع) وهو (2) ما لو كان ضامنا بإذنه (بما أداه (3) أولا (4) لتصادقهما (5) على كونه (6) هو المستحق في ذمة المضمون عنه ، واعترافه (7) بأن المضمون له ظالم بالأخذ ثانيا ، هذا (8) مع مساواة الأول (9) للحق ، أو قصوره ، وإلا (10) رجع عليه بأقل الأمرين منه (11) ومن الحق (12) ، لأنه لا يستحق الرجوع بالزائد عليه (13)

______________________________________________________

(1) قول المضمون عنه.

(2) أي موضع الرجوع.

(3) أي بما دفعه الضامن من قدر الصلح.

(4) توصيفه بالأول ، لأنه لو لم يستطع الضامن إثبات دعواه بالدفع وإن كان الدفع واقعا فسيدفع ثانيا لو حلف المضمون له على نفي مدعاه.

والحكم للمضمون له بناء على رد الشهادة إما للتهمة في المضمون عنه وإما لعدم العدالة ، ومع الحكم للمضمون له فعلى الضامن أن يدفع ثانية ، والأولى قد دفعها بحسب دعواه ، وحينئذ فلو أراد أن يرجع على المضمون عنه حيث يجوز له الرجوع فيرجع بما دفعه أولا ، لا بما دفعه ثانيا ، لأن ما دفعه ثانيا - باعتراف الضامن والمضمون عنه - ظلم.

(5) أي تصادق الضامن والمضمون عنه على كون ما أداه أولا هو أداء الدين ، فهو الثابت في الذمة.

(6) أي كون ما دفعه أولا.

(7) أي اعتراف الضامن بأن ما أخذه المضمون له ثانيا ظلم فكيف يرجع به على المضمون عنه.

(8) أي بالرجوع بما أداه.

(9) أي ما أداه أولا ، فمع المساواة فيرجع بما أدى ، وأما مع القصور فيكون قد دفع أقل من الحق فلا يرجع إلا بالأقل كما تقدم بيانه سابقا.

(10) أي وإن لم يكن مساويا أو أقل ، بل كان ما أداه أولا أكثر من الحق فلا يرجع إلا بالحق لأن الزائد متبرع بدفعه فلا يرجع به كما تقدم أيضا.

(11) مما أداه أولا.

(12) فيكون الرجوع بالحق حينئذ ، ولو قال الشارح (وإلا رجع عليه بالحق) لكان أولى وأخصر.

(13) أي بالزائد على الحق.

ص: 154

ومثله ما لو صدّقه (1) على الدفع وإن لم يشهد ، ويمكن دخوله (2) في عدم قبول قوله (3).

(ولو لم يصدقه (4) على الدفع) الذي ادعاه (رجع) عليه (بالأقل) مما ادعى أداءه أولا واداءه أخيرا ، لأن الأقل إن كان هو الأول فهو يعترف بأنه لا يستحق سواه ، وأن المضمون له ظلمه في الثاني وإن كان الثاني فلم يثبت ظاهرا سواه.

وعلى ما بيناه (5) يرجع بالأقل منهما (6) ، ومن الحق.

______________________________________________________

(1) أي الأحكام السابقة المقررة في شهادة المضمون عنه هي عينها في ما لو صدّق المضمون عنه الضامن بالدفع وإن لم يشهد.

(2) أي دخول التصديق.

(3) لأن عدم قبول قوله سالبة ، والسالبة صادقة حتى مع انتفاء موضوعها ، لأنه لو لم يشهد يصدق أنه لم يقبل قوله.

(4) أي لو لم يصدق المضمون عنه الضامن على الدفع الذي ادعاه الضامن ، فعن المحقق أن الضامن يرجع بما أداه أخيرا لكونه لم يثبت سواه بظاهر الشرع ، وعن غيره أن الضامن يرجع بأقل الأمرين مما أداه أولا ومما أداه ثانيا كما علّله الشارح هنا.

(5) أي على ما بينه سابقا من أنه يرجع بأقل الأمرين من المدفوع ومن الحق.

(6) مما دفعه أولا ومما دفعه ثانيا.

ص: 155

ص: 156

کتاب الحوالة

اشارة

كتاب الحوالة

ص: 157

ص: 158

فی تعریف الحوالة

(كتاب الحوالة (1)

(الحوالة وهي التعهد بالمال من المشغول بمثله (2) للمحيل (3). هذا هو القدر

______________________________________________________

(1) قال في المصباح (وحوّلت الرداء نقلت كل طرف إلى موضع الآخر ، والحوالة بالفتح مأخوذة من هذا ، فأحلته بدينه نقلته إلى ذمة غير ذمتك) ، والنصوص الآتية الدالة على أحكامها تدل على مشروعيتها بالالتزام.

(2) عرّفت كما في الشرائع بأنها (عقد شرّع لتحويل المال من ذمة إلى ذمة مشغولة بمثله) وتحويل المال يفيد أنها ناقلة للمال من ذمة المحيل إلى ذمة المحال عليه ، ومنه سميت حوالة ، وقيد (مشغولة بمثله) صفة للذمة المتحول إليها المال ، وهي ذمة المحال عليه ، وعليه فيشترط في الحوالة أن يكون المحال عليه مديونا للمحيل بمثل ما أحال ، وعليه فتخرج الحوالة على البري ء. هذا مع أن الحوالة على البري ء عند البعض حوالة بل هو المشهور كما ستسمع ومع ذلك عرّفها بما سمعت فحاول دفع الإشكال بأحد طريقين:

الأول بأننا نعرّف الحوالة المتفق عليها لا المختلف فيها ، الثاني أن الحوالة على البري ء أشبه بالضمان ، فهذا المصداق كأنه من غير مصاديق الحوالة ، فلا يأتي الإشكال بأن التعريف غير جامع ، وردّه في المسالك : (ولا ينفعه حكمه بكونها بالضمان أشبه ، فإن رجحان الشبه لا يخرجها عن كونها حوالة في الجملة).

هذا والماتن هنا عرّفها بما سمعت والمعنى أنها تعهد بمال من المحال عليه الذي ذمته مشغولة بمثل ما تعهد ، وذمته مشغولة للمحيل ، وتخرج الحوالة على البري ء أيضا من هذا التعريف ، ويأتي أحد الطريقين لإدخالها.

(3) أي المديون الذي له في ذمة المحال عليه دين.

ص: 159

فی اشتراط رضی الثلاثة

المتفق عليه من الحوالة (1) ، وإلا فالأقوى جوازها على البري ء (2) ، للأصل ، لكنه (3) يكون أشبه بالضمان ، لاقتضائه (4) نقل المال من ذمة مشغولة إلى ذمة بريئة ، فكأن المحال عليه بقبوله لها (5) ضامن لدين المحتال (6) على المحيل (7) ، ولكنها (8) لا تخرج بهذا الشبه عن أصل الحوالة (9) فتلحقها أحكامها.

(ويشترط فيها رضى الثلاثة (10)

______________________________________________________

(1) هذا الطريق الأول لحل إشكال خروج الحوالة على البري ء من التعريف.

(2) على المشهور ، لعموم ( أَوْفُوا بِالْعُقُودِ ) (1) ، ولأصالة عدم اشتراط كونه مديونا للمحيل ، وللشيخ قول بالبطلان وتبعه القاضي وابن حمزة لأصالة عدم ترتب الأثر على الحوالة على البري ء ، وعن جامع المقاصد والشهيدين أن الخلاف هنا مبني على الخلاف في أن الحوالة هل هي استيفاء أو استيعاض ، فعلى الأول تجوز ، كما جاز الضمان من البري ء لأنه وفاء دين ، وعلى الثاني لا تجوز ، لأن العوض متوقف على كون المحال عليه مشغول الذمة للمحيل حتى يجوز للمحال الذي هو الدائن أن يأخذ عوض دينه من المحال عليه.

وعن الفاضل الجواد في مفتاح الكرامة أن هذا من تخريجات الشافعية ، وإنما هي أصل برأسه وعقد منفرد كما صرح بذلك جماعة.

(3) أي المذكور من الحوالة على البري ء ، وهذا هو الطريق الثاني لحل الإشكال السابق.

(4) أي الضمان.

(5) للحوالة.

(6) أي المحال الذي هو الدائن.

(7) متعلق بالدين.

(8) أي الحوالة على البري ء.

(9) رد للطريق الثاني.

(10) وهم المحيل وهو المديون ، والمحال وهو الدائن ، والمحال عليه وهو الذي اشتغلت ذمته للمديون بمثل ما أحال عليه.

واعتبار رضا المحيل والمحال موضع وفاق ، لأن المحيل قبل الإحالة مديون وهو مخيّر في جهات القضاء فلا يتعين عليه بعض الجهات قهرا فيتعين رضاه ، ولأن المحال قبل الإحالة دائن ، وحقه ثابت في ذمة المحيل فلا يلزم بالنقل إلى ذمة أخرى إلا برضاه.

ص: 160


1- 1. سورة المائدة ، الآية : 1.

أما رضى المحيل والمحتال (1) فموضع وفاق ، ولأن من عليه الحق (2) مخير في جهات القضاء من ماله ، ودينه المحال به من جملتها (3) ، والمحتال حقه ثابت في ذمة المحيل فلا يلزمه نقله إلى ذمة أخرى بغير رضاه ، وأما المحال عليه فاشتراط رضاه هو المشهور ، ولأنه (4) أحد أركان الحوالة ، ولاختلاف الناس في الاقتضاء سهولة ، وصعوبة.

وفيه نظر. لأن المحيل (5) قد أقام المحتال مقام نفسه في القبض بالحوالة فلا وجه للافتقار إلى رضى من عليه الحق (6) ، كما لو وكله في القبض منه. واختلاف (7) الناس في الاقتضاء لا يمنع من مطالبة المستحق (8) ، ومن نصبه (9)

______________________________________________________

وأما المحال عليه الذي اشتغلت ذمته للمديون فاشتراط رضاه هو المشهور للإجماع ، ولأنه أحد أركان الحوالة فكان كأخويه في الرضا ، ولاختلاف الناس في استيفاء ديونهم سهولة وصعوبة ، وقد كان استيفاء دينه على يد المحيل فنقله على يد المحال متوقف حينئذ على رضاه ، وفيه : أما الإجماع فموهون فقد خالف المفيد في المقنعة والشيخ في النهاية ومال إليه العلامة في المختلف وهو خيرة جماعة آخرين ومع مخالفتهم كيف يتحقق الإجماع نعم هو مشهور ، والمشهور الفتوائي لا حجة فيه.

وعن الثاني أن المحيل قد أقام المحال مقام نفسه في القبض بالحوالة فلا وجه للافتقار إلى رضا من عليه الحق وهو المحال عليه.

وعن الثالث فاختلاف الناس في الاستيفاء لا يمنع من مطالبة المستحق للدين وهو المحيل بدينه ولو من خلال من ينصبه وهو المحال.

(1) وهو المحال.

(2) وهو المحيل فهو المديون.

(3) أي جملة جهات القضاء.

(4) الإتيان بالواو يفيد أن ما قبله دليل مستقل ، والتعبير عنه بالمشهور مع أن دليلهم الأول الإجماع من باب التنبيه على أن الإجماع المدعى هو من قبيل المشهور ليس إلا.

(5) رد للدليل الثاني من أنه أحد أركان الحوالة.

(6) وهو المحال عليه.

(7) رد للدليل الثالث.

(8) وهو المحيل.

(9) وهو المحال.

ص: 161

خصوصا مع اتفاق الحقين جنسا ، ووصفا ، فعدم اعتباره (1) أقوى.

نعم لو كانا مختلفين ، وكان الغرض استيفاء مثل حق المحتال توجه اعتبار رضى المحال عليه ، لأن ذلك (2) بمنزلة المعاوضة الجديدة فلا بد من رضى المتعاوضين (3) ، ولو رضي المحتال بأخذ جنس ما على المحال عليه زال المحذور (4) أيضا ، وعلى تقدير اعتبار رضاه ليس هو على حد رضاهما (5) ، لأن الحوالة عقد لازم لا يتم إلا بإيجاب وقبول ، فالايجاب من المحيل ، والقبول من المحتال.

ويعتبر فيهما (6) ما يعتبر في غيرهما (7) من اللفظ العربي ، والمطابقة ،

______________________________________________________

(1) أي عدم اعتبار رضا المحال عليه.

(2) وهو استيفاء مثل حق المحال.

(3) وهما المحال والمحال عليه.

(4) والمحذور هو اعتبار رضا المتعاوضين في المعاملة الجديدة الشامل لرضا المحال عليه ، وزواله لأن المحال قد رضي بأخذ ما على المحال عليه عوضا عن دينه ، فلا بد من الدفع إليه من قبل المحال عليه ، لأن المحال عليه مديون للمحيل ويجب عليه الدفع لو طالبه صاحب الدين أو من نصبه ، والحاصل أنه لا يشترط رضا المحال عليه.

(5) لا يشترط في رضا المحال عليه أن يقع عند عقد الحوالة كما يشترط في رضا المحيل والمحال ، لأن الحوالة عقد لا بدّ فيها من إيجاب وقبول ، والإيجاب من المحيل والقبول من المحال ، فرضاهما مشروط بكونه عند العقد ، بخلاف رضا المحال عليه على تقدير اعتباره ، فلا دليل على كون رضاه معتبرا عند العقد بل يكفي مطلق الرضا سواء تقدم على العقد أم تأخر فضلا عن المقارنة ، هذا ويأتي إشكال على ما قرره الشارح من أن الحوالة لو كانت قائمة بين المحيل والمحال فقط فلا معنى لتعريفها بأنها تعهد بالمال ، لأن التعهد عمل من المحال عليه ، وقد ثبت بناء على ما تقدم أن الحوالة معاملة بين شخصين لم يكن هو أحدهما.

(6) في إيجاب الحوالة وقبولها ، هذا والحوالة معاملة بين المحيل والمحال ، لأن المحيل ينقل دين الثاني من ذمة إلى ذمة ولذا اعتبرنا رضاهما سابقا وإذا كانت معاملة فهي عقد ، والعقد مؤلف من الإيجاب والقبول.

(7) من إيجاب وقبول العقود اللازمة ، وقد تقدم أن المشهور اشترط في العقد اللازم أن يكون باللفظ الصريح العربي وبالماضي مع عدم الفصل بين الإيجاب والقبول ، وقد تقدم أكثر من مرة أنه لا دليل عليه ، وأنه يكفي صدق العقد على ذلك عرفا وعليه فيصح الإنشاء

ص: 162

وغيرهما ، وأما رضى المحال عليه فيكفي كيف اتفق متقدما ، ومتأخرا ، ومقارنا ، ولو جوّزنا الحوالة على البري ء اعتبر رضاه (1) قطعا ، ويستثنى من اعتبار رضى المحيل ما لو تبرع المحال عليه بالوفاء (2) فلا يعتبر رضى المحيل قطعا ، لأنه وفاء دينه بغير إذنه.

والعبارة عنه (3) حينئذ (4) أن يقول المحال عليه للمحتال : أحلتك بالدين الذي لك على فلان على نفسي فيقبل (5) ، فيقومان (6) بركن العقد. وحيث تتم الحوالة تلزم (7) ، (فيتحول فيها المال) من ذمة المحيل إلى ذمة المحال عليه (كالضمان) عندنا ، ويبرأ المحيل من حق المحال بمجردها (8) وإن لم يبرئه المحتال ،

______________________________________________________

والقبول بكل ما يدل عليه من لفظ صريح أو مع قرينة ، أو فعل أو كتابة ، بالعربي وغيره.

(1) أي رضا المحال عليه ، لأن إلزامه بدفع مال غير مطالب به متوقف على رضاه كما هو واضح.

(2) فلو تبرع المحال عليه بالوفاء فلا يعتبر رضا المحيل ، لأن المحال عليه بتبرعه يوفّى دين المحيل ، ويجوز وفاء دين الآخرين بغير إذنهم ، وعليه فتكون الحوالة هنا قائمة بين المحال والمحال عليه كما ذهب إليه العلامة في القواعد والشارح.

وفيه : إن ما فرض ليس حوالة ، بل هو ضمان وقد تقدم عدم اعتبار رضا المضمون عنه.

(3) عن عقد الحوالة.

(4) حين تبرع المحال عليه.

(5) أي يقبل المحال.

(6) أي يقوم كل واحد منهما.

(7) الحوالة عقد لازم لعموم قوله تعالى : ( أَوْفُوا بِالْعُقُودِ ) (1) هذا من جهة ومن جهة ثانية فالحوالة تفيد نقل المال وتحويله من ذمة المحيل إلى ذمة المحال عليه ، وهو موضع وفاق بيننا ، وخالف زفر من العامة فجعلها بمعنى الضم كالضمان عندهم ، وفيه : إن الحوالة مشتقة من التحول بخلاف الضمان فقد يشتق من الضم وإن كان الأصح أنه مشتق من الضمن كما تقدم.

(8) أي بمجرد الحوالة سواء أبرأه المحال أم لا على المشهور للأخبار :

ص: 163


1- 1. سورة المائدة ، الآية : 1.

لدلالة التحول عليه (1) في المشهور.

(ولا يجب) على المحتال (قبولها على الملي ء (2) ، لأن الواجب أداء الدين ، والحوالة ليست أداء وإنما هي نقل له من ذمة إلى أخرى فلا يجب قبولها عندنا ، وما ورد من الأمر بقبولها على الملي ء على تقدير صحته محمول على الاستحباب ، (ولو ظهر إعساره) حال الحوالة (3) بعدها (4) (فسخ المحتال) إن شاء ، سواء شرط

______________________________________________________

منها : خبر منصور بن حازم عن أبي عبد الله عليه السلام (عن الرجل يحيل على الرجل الدراهم ، أيرجع عليه؟ قال : لا يرجع عليه أبدا ، إلا أن يكون قد أفلس قبل ذلك) (1) ، وإذا كان الخبر دالا على براءة ذمة المحيل فلا يجوز للمحال أن يطالبه سواء أبرأه أم لا ، وخبر عقبة عن أبي الحسن عليه السلام (سألته عن الرجل يحيل الرجل بالمال على الصيرفي ، ثم يتغير حال الصيرفي ، أيرجع على صاحبه إذا احتال ورضي؟ - أي يرجع المحتال - ، قال عليه السلام : لا) (2) ومثلها غيرها.

وعن الشيخ وأبي الصلاح والقاضي وابن الجنيد اعتبار براءة المحال وإلا لا تبرأ ذمة المحيل لصحيح زرارة عن أحدهما عليه السلام (في الرجل يحيل الرجل بمال كان له على رجل آخر ، فيقول الذي احتال : برئت من مالي عليك ، فقال عليه السلام : إذا أبرأه فليس له أن يرجع عليه ، وإن لم يبرأه فله أن يرجع على الذي أحاله) (3) ، والخبر لا يصلح لمعارضة ما تقدم على أنه يمكن حمله على نحو يقتضي الجمع بين الأخبار.

(1) على الإبراء.

(2) إذا أحال المحيل دائنه على الغني الموسر فلا يجب على المحال قبول الحوالة ، بلا خلاف فيه ، لأن الواجب أداء الدين والحوالة ليست أداء ، بل هي نقل الدين من ذمة إلى أخرى ، ولا يجب القبول على الدائن ، وخالف داود الظاهري فقال بالوجوب للنبوي (إذا أحيل أحدكم على الملي فليحتل) (4) وهو غير وارد من طرقنا ، ولا جابر له ، وعلى تقدير صحته فهو محمول على الاستحباب أو الإرشاد.

(3) متعلق بالإعسار.

(4) متعلق بقوله (ظهر) ، هذا ولو رضي المحال بالحوالة وكان المحال عليه فقيرا مع علم المحال بذلك لزمت الحوالة ، وكذا إذا كان موسرا ثم تجدد فقره بعد الحوالة ، بلا خلاف ولا إشكال ، لأن الحوالة من العقود اللازمة ، ومع رضا المحال وبقية الشرائط تنعقد

ص: 164


1- (1 و 2 و 3) الوسائل الباب -1. من أبواب الضمان حديث 3 و 4 و 2.
2- 2. جواهر الكلام ج 26 ص 166.

فی ترامی الحوالة

يساره أم لا ، وسواء تجدد له اليسار قبل الفسخ أم لا وإن زال الضرر عملا بالاستصحاب (1).

ولو انعكس بأن كان موسرا حالتها فتجدد إعساره فلا خيار ، لوجود الشرط.

(ويصح ترامي (2) الحوالة) بأن يحيل المحال عليه المحتال ، على آخر ثم يحيل الآخر محتاله على ثالث ، وهكذا ويبرأ المحال عليه في كل مرتبة (3) كالأول (4) ، (ودورها) (5) بأن يحيل المحال عليه في بعض المراتب على المحيل الأول ، وفي

______________________________________________________

وتلزم ، فلا يجوز فسخها فيما بعد ، ولدلالة الأخبار على ذلك كخبر منصور بن حازم وخبر عقبة المتقدمين.

وأما لو كان المحال عليه معسرا حال الحوالة ولم يطلع المحال على ذلك ثم علم بعد ذلك كان له الفسخ والعود على المحيل بلا خلاف فيه لقاعدة الضرر ولخبر منصور المتقدم بحسب ذيله.

ثم إذا ثبت الخيار وتجدد اليسار للمحال عليه فهل يرتفع خياره وجهان : من زوال الضرر فيجب أن يزول الخيار ، ومن أن الخيار قد ثبت فيستصحب عند الشك بارتفاعه.

(1) استصحاب الخيار الثابت.

(2) إذا أحال المديون دائنه على مديونه فهذه هي الحوالة الأولى ، فيصح للمحال عليه أن يحيل المحال على رابع مشغول الذمة أو بريئها على الخلاف المتقدم ، ويصح للرابع المحال عليه أن يحيله على خامس وهكذا وهو المراد بترامي الحوالة.

والترامي لا خلاف فيه ولا إشكال ، لأن الحوالة الأولى صحيحة فالثانية وما بعدها يجب القول بصحتها لاجتماع شرائط الصحة مع عدم المانع ولعموم ( أَوْفُوا بِالْعُقُودِ ) (1) وفي الترامي يتعدد المحال عليه ، مع أن المحال واحد في الجميع ، وفي الجميع أيضا تبرئ ذمة المحيل وتشتغل ذمة المحال عليه ، فإذا صار المحال عليه محيلا فتبرأ ذمته وتشتغل ذمة غيره الذي أحال عليه الدين وهكذا.

(3) لأنه محيل.

(4) أي كالمحيل الأول.

(5) كما يصح الترامي يصح دورها ، والدور أن يرجع المحيل الأول أو المحيل الثاني في الرتبة

ص: 165


1- 1. سورة المائدة ، الآية : 1.

الصورتين (1) المحتال متحد ، وإنما تعدد المحال عليه.

(وكذا الضمان) (2) يصح تراميه بأن يضمن الضامن آخر ، ثم يضمن الآخر ثالث ، وهكذا.

ودوره بأن يضمن المضمون عنه الضامن في بعض المراتب ، ومنعه ، (3) الشيخ

______________________________________________________

الثانية أن يرجع محالا عليه ، فلو أحال المديون زيدا الدائن على عمرو ، ثم أحال عمرو زيدا على بكر ، ثم أحال بكر زيدا على خالد ثم أحال خالد زيدا على المديون الأول ، أو على عمرو الذي هو المحيل في الرتبة الثانية لدارت الحوالة.

والدور جائز بلا خلاف فيه بعد اجتماع شرائط الصحة مع عدم المانع فيندرج تحت عموم قوله : ( أَوْفُوا بِالْعُقُودِ ) (1).

(1) صورة ترامي الحوالة وصورة دورها.

(2) لا خلاف ولا إشكال في ترامي الضمان بحيث لو ضمن المال ضامن ، فيصح أن يضمنه عنه آخر ، وهكذا إلى عدة ضمناء ، لتحقق شرط الضمان وهو ثبوت المال في ذمة المضمون عنه ، ويرجع كل واحد من الضمناء على المضمون عنه إذا كان الضمان بإذنه.

وكما يصح الترامي يصح دور الضمان ، بأن يضمن الأصيل وهو المضمون عنه ضامنه ، أو ضامن ضامنه وإن تعدد ، لعدم المانع ، ويسقط بذلك الضمان ويرجع الحق كما كان.

وعن الشيخ في المبسوط المنع من دور الضمان ، لصيرورة الفرع فيه أصلا والأصل فيه فرعا ، فالفرع هو الضامن والأصل هو المضمون عنه ، فلو صح الدور كان الضامن مضمونا عنه ، مع أن الضامن فرع فكيف يكون أصلا ، ولعدم الفائدة في الدور إذ يرجع الحق على ما كان.

وردّ بأن جعل الفرع أصلا والأصل فرعا ليس بمانع ، فالضامن فرع في ضمان وهو أصل في ضمان آخر ولا إشكال فيه فالاختلاف في الأصلية والفرعية لا يصلح للمانعية ، وأما الفائدة فإنه لو وجد المضمون له الأصيل الذي صار ضامنا وجده معسرا ونحو ذلك فإن له الفسخ والرجوع على الضامن السابق ، وبأن يضمن المضمون عنه الدين الثابت في ذمة الضامن بحيث يكون الضمان حالا والدين مؤجلا أو بالعكس وهذه فائدة ثانية.

(3) أي منع الدور.

ص: 166


1- 1. سورة المائدة ، الآية : 1.

رحمه الله لاستلزامه جعل الفرع أصلا ، ولعدم الفائدة ، ويضعّف بأن الاختلاف فيهما (1) غير مانع ، وقد تظهر الفائدة (2) في ضمان الحال مؤجلا (3) ، وبالعكس (4) ، وفي الضمان بإذن (5) وعدمه (6). فكل ضامن يرجع مع الإذن على مضمونه. لا على الأصيل ، وإنما يرجع عليه (7) الضامن الأول إن ضمن بإذنه.

وأما الكفالة فيصح تراميها (8) ، دون دورها (9) لأن حضور المكفول الأول يبطل ما تأخر منها.

______________________________________________________

(1) في الأصلية والفرعية.

(2) فائدة الدور.

(3) بحيث كانت ذمة المضمون عنه مشغولة بدين حال فضمنه الضامن بضمان حال ، ثم قام المضمون عنه وضمنه بضمان مؤجل ، فهو غير مطالب بالدفع إلا بعد الأجل ، مع أن الدين قبل الضمان كان حالا.

(4) بحيث كانت ذمة المضمون عنه مشغولة بدين مؤجل فضمنه ضامن بضمان مؤجل ، ثم قام المضمون عنه وضمنه بضمان حال ، فهو مطالب بالدفع الآن ، مع أن الدين قبل الضمان كان مؤجلا.

(5) يجوز للضامن أن يرجع على المضمون عنه إن وقع الضمان بإذنه على ما تقدم ، وعليه فلو ترامى الضمان ، فالضامن الأول يرجع على المضمون عنه ، والضامن الثاني يرجع على الأول وهكذا ، فلو كان الضامن الثالث هو نفس المضمون عنه الأصيل فيجوز له أن يرجع على الضامن الثاني بما دفع ، مع أنه لو قلنا باستحالة الدور فسيرجع عليه الضامن الأول ويغرّم من دون أن يرجع على أحد وهذه فائدة الدور مع الاذن.

(6) قد تقدم عدم جواز رجوع الضامن على المضمون عنه إن كان الضمان بغير إذن ، لأنه متبرع ، وعليه فالضامن الأول لا يرجع على المضمون عنه ، ولا الثاني على الأول ، ولا الثالث على الثاني ، فلو كان الضامن الثالث هو نفس المضمون عنه الأصيل فلا يجوز له أن يرجع على الضامن الثاني على الضامن الثاني ، مع أنه قبل الدور لن يغرّم المضمون عنه بشي ء لأن الضامن الأول لا يجوز له الرجوع.

(7) أي على الأصيل.

(8) بلا خلاف ولا إشكال لوجود المقتضى مع عدم المانع ، أما المقتضي فهو التعهد بإحضار نفس ويصح أن يتعهد الثاني عن الأول بإحضار الغريم كما صح للأول التعهد بإحضاره وهكذا ، ولا يتصور هنا مانع.

(9) الدور أن يتكفل المكفول الأول الكفيل الأخير ، والمعنى أن يتعهد الأول بإحضار زيد ، ثم

ص: 167

فی أنه تصح الحوالة بغیر جنس الحق

(و) كذا تصح (الحوالة بغير جنس الحق (1) الذي للمحتال على المحيل بأن يكون له عليه (2) دراهم فيحيله على آخر بدنانير (3) ، سواء جعلنا الحوالة استيفاء أم اعتياضا ، لأن إيفاء الدين بغير جنسه جائز مع التراضي (4). وكذا المعاوضة على الدراهم بالدنانير.

ولو انعكس (5)

______________________________________________________

تكفل الثاني عن الأول بإحضار زيد ، ثم الثالث عن الثاني وهكذا ، وهذا هو الترامي ، فلو أتى نفس زيد المكفول إلى المكفول له وتعهد بإحضار نفسه عن الكفيل الأخير بطلت الكفالات السابقة ، لأن نفس حضوره يوجب براءة من تكفل بإحضاره سابقا.

(1) بحيث يكون على المحيل مائة درهم ، وله عشرة دنانير على المحال عليه فلو أحال المحال بالدنانير التي له في ذمة

المحال عليه فلا إشكال من ناحية المحال عليه ، لأنه يجب عليه دفع الدنانير العشرة ، فدفعها إلى المحال جائز لأنه دفع إلى وكيل الدائن كما هو واضح.

وإنما الكلام في أن المحال له في ذمة المحيل مائة درهم فكيف أحاله بعشرة دنانير مع أن الحوالة قائمة على الإحالة بنفس الدين الثابت في ذمة المحيل ، وهو مندفع لأن الحوالة إما استيفاء وإما اعتياض ، وعلى الأول فيجوز للمحيل أن يفي دينه بغير جنسه مع التراضي مع المحال الدائن ، وعلى الثاني فيجوز المعاوضة على الدين الذي هو دراهم بالدنانير.

(2) أي للمحال على المحيل مائة درهم.

(3) متعلق بقوله (فيحيله).

(4) بين المحيل والمحال على ما تقدم بيانه.

(5) بأن أحال المحال بالدراهم التي له على المحال عليه الذي اشتغلت ذمته بالدنانير ، فهي إحالة الدراهم على الدنانير ، فقد ذهب الشيخ في أول باب الحوالة من مبسوطه وابنا زهرة وحمزة والقاضي إلى أنه يشترط تساوي المالين في صحة الحوالة ، والتساوي هو وحدة الجنس والنوع والصفة ، بل عن التذكرة أنه من مشاهير الفقهاء وجوب التساوي بين الدينين ، ودليلهم التفصي من التسلط على المحال عليه بما لم تشتغل ذمته به ، إذ لا يجب عليه أن يدفع إلا ما عليه ، وجواز دفع شي ء من جنس غير جنس الدين الثابت عليه معاوضة مستقلة لا تقتضيها نفس الحوالة.

وعن الشيخ في موضع آخر من باب الحوالة في المبسوط والعلامة في التذكرة والتحرير والفاضل المقداد في التنقيح وثاني المحققين والشهيدين الجواز ، لأن الحوالة إما أن يشترط فيها رضا المحال عليه أو لا ، وعلى الأول فالمحال عليه قد رضي بدفع مثل ما عليه وإن لم يكن من جنس ما عليه فيتعين الجواز سواء قلنا بأن الحوالة استيفاء أم اعتياض.

ص: 168

فأحاله (1) بحقه (2) على من عليه مخالف (3) صح أيضا بناء على اشتراط رضى المحال عليه ، سواء جعلناها استيفاء أم اعتياضا بتقريب التقرير (4) ، ولا يعتبر التقابض في المجلس حيث تكون (5) صرفا ، لأن المعاوضة على هذا الوجه (6) ليست بيعا ، ولو لم يعتبر رضى المحال عليه صح الأول (7) ، دون الثاني (8) ، إذ لا يجب على المديون الأداء من غير جنس ما عليه ، وخالف الشيخ رحمه الله وجماعة فيهما (9) فاشترطوا تساوي المحال به وعليه (10) جنسا ووصفا ، استنادا إلى أن الحوالة تحويل ما في ذمة المحيل إلى ذمة المحال عليه ، فإذا كان على المحيل دراهم مثلا وله على المحال دنانير كيف يصير حق المحتال على المحال عليه دراهم (11) ولم يقع عقد يوجب ذلك ،

______________________________________________________

وعلى الثاني فمع عدم رضا المحال عليه فهو متوقف على صحة الحوالة على البري ء ، فإن قلنا بالجواز هناك نقول به هنا وإلا فلا إذ لا يجب على المحال عليه إلا دفع الدنانير فكيف يجب عليه دفع الدراهم.

(1) أي أحال المحيل المحال.

(2) أي بالدراهم.

(3) وهو الدنانير.

(4) أي التقرير الوارد في الصورة السابقة بحيث لو كانت الحوالة استيفاء فوفاء الدين من غير الجنس مع التراضي جائز ، إلا أن التراضي هنا بين المحال والمحال عليه ، ولو كانت اعتياضا فالمعاوضة على الدنانير الثابتة في ذمة المحال عليه بدفع دراهم بدلا عنها جائز أيضا مع التراضي بين المحال والمحال عليه.

(5) الحوالة بناء على أنها معاوضة.

(6) وهو الحوالة.

(7) أي الصورة السابقة ، لأن المحال عليه سيدفع الدنانير الذي في ذمته على كل حال ، فدفعها إلى المحال من دون رضاه جائز ، لأن المحال بمنزلة وكيل الدائن في القبض.

(8) أي العكس ، لأن المحال عليه لا يجب عليه دفع إلا ما اشتغلت به ذمته ، وهو مطالب هنا بدفع الدراهم وذمته مشغولة بالدنانير ، فلا يجب دفع الدراهم مع عدم رضاه.

(9) أي في الصورة السابقة وعكسها ، وقد عرفت أن النزاع مع الشيخ وجماعة في خصوص العكس ، ويشهد له نفس أدلته التي أوردها الشارح هنا.

(10) أي والمحال عليه من المال.

(11) وهذا لا يتم إلا إذا كانت الحوالة بالدراهم على الدنانير وهي عين العكس المتقدم.

ص: 169

فی أنه تصح الحوالة بدین

لأنا (1) إن جعلناها استيفاء كان المحتال بمنزلة من استوفى دينه وأقرضه المحال عليه وحقه (2) الدراهم ، لا الدنانير (3) ، وإن كانت معاوضة فليست (4) على حقيقة المعاوضات التي يقصد بها تحصيل ما ليس بحاصل (5) من جنس مال ، أو زيادة قدر ، أو صفة ، وإنما هي معاوضة ارفاق ، ومسامحة للحاجة ، فاعتبر فيها (6) التجانس والتساوي (7) ، وجوابه يظهر مما ذكرناه (8).

(وكذا) تصح (الحوالة (9)

______________________________________________________

(1) من تتمة استدلال الشيخ ، وحاصله أن الحوالة لا تخلو من أحد الأمرين وكلاهما باطل.

(2) أي حق المحال.

(3) فكيف تتحول دراهم المحال إلى الدنانير ، مع أن الثابت في ذمة المحال عليه دنانير فقط.

(4) أي الحوالة.

(5) المعاوضة بين جنسين مبنية على أن كل طرف يريد تحصيل ما ليس بحاصل عنده ، ولذا يبدّل ما عنده بما عند الآخر ، وتحصيل ما ليس عنده إنما يكون لتحصيل جنس المال أو زيادة قدره أو صفة غير موجودة في ماله.

(6) في الحوالة.

(7) في القدر والصفة.

(8) بناء على اشتراط رضا المحال ، فمع رضاه يجوز دفع مثل ما عليه ، ومع عدم الرضا تصح بناء على صحة الحوالة على البري ء.

(9) تحرير المسألة متوقف على مقدمة ، وهي أن الضمان عندنا ناقل للمحال من ذمة المضمون عنه إلى ذمة الضامن كما تقدم ، وليس الضمان ضاما ذمة الضامن إلى ذمة المضمون عنه كما عليه مخالفونا هذا من جهة ومن جهة أخرى لو كان لشخص على اثنين دين بمقدار ألف درهم مثلا ، فعلى كل واحد خمسمائة ، فإذا ضمن كل واحد منهما صاحبه فإما أن يقترنا وإما أن يتلاحقا ، وعلى الأول ينتقل ما في ذمة كل واحد منها إلى الآخر ويبقى الأمر على ما هو عليه من ثبوت خمسمائة في ذمة كل واحد منهما ، وعلى الثاني يجتمع الدين بتمامه في ذمة الأخير ، لأن نصفه ثابت في ذمة الآخر بالدين والنصف الآخر قد ثبت بالضمان ، وبعد ثبوت الجميع في ذمة الآخر ينتقل الجميع إلى ذمة الضامن الثاني لتأخر ضمانه إذا تقرر ذلك فلو أحال صاحب الألف ثالثا عليهما بالألف في صورة ضمانهما مقترنين ، فالمحال يأخذ من كل واحد منهما خمسمائة لعدم تأثير الضمان من هذه الحيثية كما تقدم.

ومنع الشيخ في المبسوط هذه الحوالة ، لأن فيها زيادة ارتفاق ، حيث إن المحال مخيّر

ص: 170

بدين عليه لواحد (1) على دين (2) للمحيل على اثنين (3) (متكافلين) أي (4) قد ضمن كل منهما ما في ذمة صاحبه دفعة واحدة ، أو متلاحقين مع إرادة الثاني ضمان ما في ذمة الأول في الأصل (5) ، لا مطلقا (6) ، لئلا يصير المالان في ذمة الثاني (7) ، ووجه جواز الحوالة عليهما ظاهر ، لوجود المقتضي (8) للصحة ، وانتفاء المانع ، إذ ليس (9) إلا كونهما متكافلين ، وذلك (10) لا يصلح مانعا (11) ، ونبّه بذلك على

______________________________________________________

بالرجوع بالألف على كل واحد منهما ، بعد ثبوت الألف في ذمة كل واحد منهما ، نصفه بالدين ونصفه بالضمان ، وهذا التخيير في الرجوع ارتفاق لم يكن من قبل الحوالة ، فلا تصح لأنه يشترط في الحوالة مساواة الدينين قدرا وجنسا ووصفا فمن ناحية الوصف فالمحال كان دينه على واحد وقد أصبح دينه على اثنين مخيرا بينهما ، وهذا زيادة في الصفة.

وفيه : إن الرجوع بالألف على كل واحد من الضامنين مبني على كون الضمان بمعنى الضم ، وهو مذهب مخالفينا ، وأما على كون الضمان ناقلا للمال من ذمة المضمون عنه إلى ذمة الضامن فلم يثبت في ذمة كل واحد من الضامنين إلا الخمسمائة كما لو كان الأمر قبل الضمان ، فلا ارتفاق.

ولو سلم ذلك فليس مطلق الارتفاق مانعا من الحوالة وإلا لما جازت الحوالة على من هو أملى منه وأحسن وفاء.

(1) متعلق بقوله (بدين عليه) وهذا الواحد هو المحال.

(2) متعلق بقوله (تصح الحوالة).

(3) متعلق بقوله (على دين).

(4) تفسير للتكافل.

(5) دون ما تحول إليه بسبب الضمان.

(6) أي الأعم من الأصل وما بالضمان.

(7) ويصير المالان في ذمة الثاني إذا ضمن ما في الأصل وما بالضمان ، وكان ضمانه متأخرا عن ضمان الأول.

(8) من ثبوت المال المحال به في ذمة المحال عليه.

(9) أي إذ ليس المانع.

(10) أي وكونهما متكافلين.

(11) لأن التكافل مقترنين يبقي الأمر على ما هو عليه من ثبوت خمسمائة في ذمة كل واحد منهما.

ص: 171

فی أنه لو أدی المحال علیه فطلب الرجوع

خلاف الشيخ رحمه الله حيث منع منه (1) ، محتجا باستلزامها (2) زيادة الارتفاق ، وهو (3) ممتنع في الحوالة ، لوجوب موافقة الحق المحال به للمحال عليه من غير زيادة ولا نقصان قدرا ووصفا (4).

وهذا التعليل إنما يتوجه على مذهب من يجعل الضمان ضم ذمة إلى ذمة ، فيتخير حينئذ (5) في مطالبة كل منهما بمجموع الحق ، أما على مذهب أصحابنا من أنه ناقل للمال من ذمة المحيل إلى ذمة المحال عليه فلا ارتفاق ، بل غايته انتقال ما على كل منهما إلى ذمة صاحبه فيبقى الأمر كما كان ، ومع تسليمه (6) لا يصلح للمانعية ، لأن مطلق الارتفاق بها (7) غير مانع إجماعا ، كما لو أحاله على أملى منه وأحسن وفاء.

(ولو أدى المحال عليه (8) فطلب الرجوع) بما أداه على المحيل

______________________________________________________

(1) من جواز الحوالة على المتكافلين.

(2) أي باستلزام الحوالة على المتكافلين.

(3) أي زيادة الارتفاق.

(4) ففي الحوالة عند الشيخ يكون المحال مخيرا بالرجوع بالألف على كل واحد من المتكافلين مع أنه قبل الحوالة كان له الرجوع على واحد وهو المحيل صاحب الألف فاختلفت الصفة بين المالين.

(5) أي حين القول يكون الضمان ضاما.

(6) أي تسليم كون الحوالة مستلزمة لزيادة الارتفاق بناء على أن الضمان بمعنى الضم كما عليه مخالفونا.

(7) أي بالحوالة.

(8) قد تقدم صحة الحوالة على البري ء كما هو المشهور ، وعليه فالحوالة لا تدل على ثبوت دين للمحيل على المحال عليه ، لأن الأعم لا يدل على الأخص ، وعليه أيضا لو صدرت الحوالة على زيد ، فقام المحال عليه وأدى ما حوّل عليه ثم طالب المحيل بما دفع منكرا لثبوت دين للمحيل عليه ، فأنكر المحيل ذلك وقال : إنما حوّلته عليك لثبوت دين لي عليك حينئذ.

فالقول قول المحال عليه مع يمينه ، لأن المحيل يدعي الدين على المحال عليه ، والمحال عليه ينكره ، والأصل براءة ذمة المحال عليه من دين المحيل.

وأما لو قلنا بانحصار الحوالة على مشغول الذمة ثم اختلف المحال عليه والمحيل بما

ص: 172

(لإنكاره (1) الدين) وزعمه أن الحوالة على البري ء بناء على جواز الحوالة عليه (2) (وادعاه (3) المحيل ، تعارض الأصل (4) وهو براءة ذمة المحال عليه من دين المحيل (والظاهر) (5) وهو كونه (6) مشغول الذمة ، إذ الظاهر أنه لو لا اشتغال ذمته لما أحيل عليه (7) (والأول) وهو الأصل (أرجح) (8) من الثاني حيث يتعارضان غالبا ، وإنما يتخلف في مواضع نادرة (9) (فيحلف) المحال عليه على أنه بري ء من دين المحيل ، (ويرجع) عليه (10) بما غرم ، (سواء كان) العقد الواقع بينهما (بلفظ الحوالة ، أو الضمان (11) لأن الحوالة على البري ء أشبه بالضمان فتصح بلفظه.

______________________________________________________

سمعت ، لم يقبل قول المحال عليه في نفي الدين لاقتضاء الحوالة هنا ثبوته ، فالمحال عليه ينكر الدين ويوافقه الأصل من براءة ذمته من دين المحيل إلا أنه يدعي فساد الحوالة التي صدرت ، حيث يدعي أنها حوالة على البري ء ، وهي باطلة لاشتراط الحوالة على مشغول الذمة كما هو الفرض ، والمحيل يدعي الدين ويوافقه الظاهر من صحة الحوالة حيث يدعي أنها حوالة على مشغول الذمة ، ومدعي الصحة مقدم.

(1) أي إنكار المحال عليه.

(2) أي على البري ء ، وهذا هو الشق الأول المتقدم.

(3) أي ادعى الدين.

(4) الموافق لقول المحال عليه.

(5) الموافق لقول المحيل.

(6) أي كون المحال عليه.

(7) وفيه : إنه لا ظاهر هنا لأن الكلام مبني على جواز الحوالة على البري ء ، فالحوالة غير ظاهرة في كون المحال عليه مشغول الذمة ، فيجب تقديم الأصل من دون معارضة الظاهر له على ما تقدم شرحه.

(8) بل هو متعين هنا لعدم وجود الظاهر كما عرفت.

(9) بسبب الدليل الخاص.

(10) أي ويرجع المحال عليه على المحيل.

(11) فلو كان العقد بلفظ الحوالة فواضح ، لأن العقد عقد لها ، ولو كان بلفظ الضمان فيصح إرادة الحوالة على البري ء من لفظ الضمان ، لأنها أشبه بالضمان على ما تقدم ، بل غير المشهور قد جعلها من مصاريف الضمان.

ص: 173

وأيضا فهو (1) يطلق على ما يشملهما (2) بالمعنى الأعم (3) فيصح التعبير به عنها (4).

ويحتمل الفرق (5) بين الصيغتين فيقبل مع التعبير بالضمان ، دون الحوالة عملا بالظاهر ، ولو اشترطنا في الحوالة اشتغال ذمة المحال عليه بمثل الحق (6) تعارض أصل الصحة (7) والبراءة (8) فيتساقطان ، ويبقى مع المحال عليه أداء دين المحيل بإذنه (9) فيرجع عليه (10) ، ولا يمنع وقوع الإذن في ضمن الحوالة الباطلة

______________________________________________________

(1) أي الضمان.

(2) أي يشمل الحوالة والضمان.

(3) وهو إرادة مطلق التعهد لمطلق المال.

(4) أي فيصح التعبير بالضمان عن الحوالة على البري ء.

(5) بحيث يقبل قول المحال عليه لو كان العقد بلفظ الضمان ، لحمل الضمان على المعهود منه ، لأن المحال عليه حينئذ ضامن والضامن أعم من مشغول الذمة وبريئها.

بخلاف ما لو كان العقد بلفظ الحوالة بعد حمل الحوالة على المعهود منها ، وظاهرها حينئذ أنها على مشغول الذمة فلا يقبل قول المحال عليه ، بل يقدم قول المحيل مع يمينه لموافقته لهذا الظاهر.

وفيه : إن الحوالة بناء على ما هو المفروض من صحتها على البري ء لا تدل بظاهرها على أنها محل مشغول الذمة.

(6) وهذا هو الشق الثاني من المسألة.

(7) الموافق لقول المحيل.

(8) الموافق لقول المحال عليه ، وقد عرفت أنه يقدم الظاهر حينئذ لتقديم مدعي الصحة ، وهذا ما صرح به في المسالك ، نعم قال عقيب ذلك (ويمكن على هذا أن يقال تساقط الأصلان ، وبقي مع المحال عليه أنه أدى دين المحيل بإذنه ، فيرجع عليه على التقديرين ، وهو حسن ، فإن قيل : الاذن في الأداء إنما وقع في ضمن الحوالة فإذا لم يحكم بصحتها لا يبقى الاذن مجردا ، لأنه تابع فيستحيل بقاؤه بدون متبوعه ، قلنا : الاذن وإن كان في ضمن الحوالة إلا أنه أمر يتفقان على وقوعه ، وإنما يختلفان في أمر آخر ، فإذا لم يثبت لا ينتفي ما قد وقع الاتفاق منهما عليه) انتهى.

(9) أي بإذن المحيل.

(10) أي فيرجع المحال عليه على المحيل.

ص: 174

المقتضي بطلانها لبطلان تابعها (1) ، لاتفاقهما على الإذن ، وإنما اختلفا في أمر آخر (2) ، فإذا لم يثبت (3) يبقى ما اتفقا عليه من الإذن في الوفاء (4) المقتضي للرجوع ، ويحتمل عدم الرجوع (5) ترجيحا للصحة المستلزمة لشغل الذمة.

______________________________________________________

(1) وهو الاذن.

(2) وهو اشتغال ذمة المحال عليه بدين للمحيل.

(3) أي لم يثبت ما اختلفا فيه.

(4) أي وفاء المحال عليه لدين المحيل.

(5) أي عدم رجوع المحال عليه على المحيل ، وعدم رجوعه لعدم سماع قوله ترجيحا لمدعى الصحة وهو قول المحيل ، وهو الذي جزم به في المسالك ، وجعل الأول احتمالا.

ص: 175

ص: 176

کتاب الکفالة

اشارة

كتاب الكفالة

ص: 177

ص: 178

فی تعریفها

(كتاب الكفالة (1)

(وهي التعهد بالنفس (2) أي التزام احضار المكفول متى طلبه المكفول له ، وشرطها رضى الكفيل والمكفول له ، دون المكفول (3) ، لوجوب الحضور

______________________________________________________

(1) كفلت كفلا والاسم الكفالة بالفتح ، وهي بحسب اللغة أعم من التعهد بالمال أو النفس ، والمعروف في تعريفها شرعا أنها عقد شرّع للتعهد بالنفس ، وقد ادعى في التذكرة أنها مشروعة عند عامة أهل العلم ، لكنها مكروهة ، لمرسل الصدوق عن أبي عبد الله عليه السلام (الكفالة خسارة غرامة ندامة) (1) ، ولخبر الرقي عنه عليه السلام (مكتوب في التوراة : كفالة ندامة غرامة) (2) ، ولخبر أبي العباس عن أبي عبد الله عليه السلام (قال عليه السلام له : ما منعك من الحج ، قال : كفالة تكفلت بها ، قال عليه السلام : وما لك وللكفالات ، أما علمت أن الكفالة هي التي أهلكت القرون الأولى) (3).

ثم إن الكفالة معاملة بين الكفيل والمكفول له فهي عقد مؤلف من إيجاب وقبول ، فيصح إنشاؤهما بكل ما يدل عليهما ولو بالفعل أو الكتابة ، وعن المشهور اشتراط اللفظ الصريح وبالماضي مع عدم الفصل لأنه عقد لازم ، وقد عرفت أنه لا دليل عليه.

(2) التي يستحق عليها الحضور في مجلس الحكم ولو من أجل دعوى المكفول له ، نعم لا تصح الكفالة في حد للنبوي (لا كفالة في حد) (4).

(3) قوام الكفالة على ثلاثة : الكفيل وهو هنا بمعنى الفاعل ، والمكفول له وهو صاحب الحق

ص: 179


1- (1 و 2 و 3) الوسائل الباب -1. من أبواب الضمان حديث 2 و 5 و 4.
2- 2. الوسائل الباب - 16 - من أبواب أحكام الضمان حديث 1 و 2.

فی أنه تصح الکفالة حالّة و مؤجلة

عليه (1) متى طلبه صاحب الحق ولو بالدعوى (2) ، بنفسه أو وكيله ، والكفيل بمنزلة الوكيل حيث يأمره به (3) ، ويفتقر إلى إيجاب وقبول بين الأولين (4) صادرين على الوجه المعتبر في العقد اللازم.

(وتصح حالّة ومؤجلة (5) أما الثاني فموضع وفاق ، وأما الأول فأصح

______________________________________________________

أو الدعوى ، والمكفول وهو من عليه الحق أو الدعوى ، ولا بد من رضا الكفيل لأن الحق لا يلزمه إلا برضاه ، وكذا رضا المكفول له ، لأنه صاحب الحق فلا يجوز إلزامه بشي ء بغير رضاه ، وبهما يتم عقد الكفالة.

وأما المكفول فعلى المشهور لا يعتبر رضاه لوجوب الحضور عليه متى طلبه صاحب الحق بنفسه أو وكيله ، والكفيل هنا بمنزلة الوكيل حيث يطلب المكفول له إحضاره ، وعن الشيخ والقاضي والحلي اعتبار رضاه ، وقواه العلامة في التحرير وصاحب الجواهر لأنه إذا لم يرض المكفول بالكفالة لا يلزمه الحضور مع الكفيل ، وعليه فلا يتمكن الكفيل من إحضاره ، فلا تصح كفالته لأنها بغير المقدور ، ولا تقاس بالضمان لإمكان وفاء دينه من مال غيره بغير إذنه ، ولا يمكن أن ينوب الكفيل هنا عنه في الحضور.

وفيه : منع عدم وجوب الحضور مع الكفيل بدون رضاه ، لأن صاحب الحق متى طلبه وجب عليه الحضور ولو لم يكن مكفولا ، فمع الكفالة فيجب الحضور لأنه طلبه بواسطة وكيله ، ثم لو قيل باعتبار رضاه ، فهو ليس على حد رضا الكفيل والمكفول له ، لأنه لا بد من اقتران رضاهما للعقد ، بخلاف رضاه فيصح كيفما وقع ، كرضا المحال عليه ورضا المضمون عنه.

(1) على المكفول.

(2) أي ولو كان الحق هو الدعوى.

(3) أي حيث يأمر المكفول له الكفيل بإحضاره.

(4) أي بين الكفيل والمكفول له ، والإيجاب من الأول والقبول من الثاني.

(5) أما المؤجلة فلا خلاف فيها ، وأما الحالة فعلى المشهور لأصالة عدم اشتراط التأجيل فيها ، ولأن الحضور حق شرعي فلا يمنعه الحلول ، وعن جماعة منهم الشيخ والمفيد وسلّار وابن حمزة عدم جواز الحالة فيشترط في الكفالة الأجل ، وليس لهم دليل سوى الاقتصار على القدر المتيقن من صحة الحوالة المؤجلة ، ولعدم الفائدة في الحالة ، وردّ بأن لها دليل الأصل فلا داعي للاقتصار على المتيقن ، ولأن فائدتها مطالبة الكفيل بالإحضار وقت الفراغ من صيغة الكفالة إذ لم يكن المكفول حاضرا.

ص: 180

فی أنه یبرأ الکفیل بالتسلیم

القولين ، لأن الحضور حق شرعي لا ينافيه الحلول. وقيل : لا تصح إلا مؤجلة (إلى أجل معلوم) (1) لا يحتمل الزيادة والنقصان كغيره من الآجال المشترطة ، (ويبرأ الكفيل بتسليمه) تسليما (تاما) (2) بأن لا يكون هناك مانع من تسلّمه كمتغلب ، أو حبس ظالم ، وكونه في مكان لا يتمكن من وضع يده عليه ، لقوة المكفول ، وضعف المكفول له ، وفي المكان المعين إن بيّناه في العقد ، وبلد العقد مع الاطلاق ، (وعند الأجل) (3) أي بعده إن كانت مؤجلة ، (أو في الحلول) متى شاء إن كانت حالة ، ونحو ذلك ، فإذا سلّمه كذلك (4) برئ ، فإن امتنع (5) سلّمه إلى الحاكم (6) وبرئ أيضا ، فإن لم يمكن (7) أشهد عدلين (8) بإحضاره إلى المكفول له ، وامتناعه من قبضه ، وكذا يبرأ بتسليم المكفول نفسه تاما (9) ، وإن لم يكن من

______________________________________________________

(1) لا بد أن يكون الأجل في المؤجلة معلوما ، وهو موضع رفاق بيننا ، لأن الأجل المجهول يوجب الغرر ، إذ ليس له وقت يستحق المطالبة فيه كغيره من الآجال المشترطة ، وخالف بعض العامة فاكتفى بالأجل المجهول قياسا على العارية للجامع بينهما وهو التبرع في كل منهما وهو فاسد.

(2) المراد بالتسليم التام أن يكون في الوقت والمكان المعينين في العقد ، أو في بلد العقد عند الإطلاق ، وأن لا يكون للمكفول له مانع من تسلمه ، وإذا سلمه الكفيل كذلك فقد برئ من عهدة حضوره.

(3) أي إذا كانت الكفالة مؤجلة وقد حلّ الأجل أو كانت الكفالة حالة وطلب المكفول له إحضاره ، فأحضره وسلّمه تسليما تاما فقد برئ بلا خلاف فيه ولا إشكال ، لأن غرض الكفالة حضور الغريم وقد أحضر.

(4) أي تاما.

(5) أي المكفول له عن التسلم.

(6) لأنه ولي الممتنع ، وعن بعض أنه لا يشترط تسليمه إلى الحاكم ، لأن غاية ما يجب على الكفيل إحضار الغريم إلى المكفول له وقد تمّ ، ولا يجب عليه التسليم بل التسلم وهو الأقوى.

(7) أي لم يمكن التسليم إلى الحاكم.

(8) الشهادة لأجل إثبات التسليم لو أنكر المكفول له ، وإلا فلا يجب عليه الإشهاد كحكم مستقل.

(9) بلا إشكال ، لأن غرض الكفالة حضور الغريم ، وقد حضر فيبرأ الكفيل ، وخالف العلامة في التذكرة بأنه يبرأ لو سلم الغريم نفسه من جهة الكفيل وإلا فلا ، وفيه : إنه

ص: 181

الكفيل على الأقوى ، وبتسليم غيره له كذلك.

(ولو امتنع) الكفيل من تسليمه (1) ألزمه الحاكم به فإن أبى (فللمستحق)

______________________________________________________

مع حصول الغرض لا بدّ من الحكم ببراءة الكفيل والخروج عن عهدة الحضور لحصول الفرض ، وكذا يبرأ لو أحضره غير الكفيل لحصول غرض الكفالة أيضا.

(1) ما تقدم إنما كان عند امتناع المكفول له من التسلم مع بذل الكفيل ، أما لو امتنع الكفيل من الإحضار عند طلب المكفول له الإحضار كان للحاكم إجباره وإن امتنع حبسه حتى يحضره أو يؤدي الكفيل ما على المكفول للمكفول له.

أما إجبار الحاكم بالإحضار ، فلأن الإحضار حق للمكفول له ، وهو حق ثابت على الكفيل ، فللحاكم إجباره على إيصال الحق إلى صاحبه من باب تحقيق الحق وإقامة العدل والأمر بالمعروف باليد.

وأما أن للحاكم حبسه فللأخبار ، منها : خبر الأصبغ بن نباتة (قضى أمير المؤمنين عليه السلام في رجل تكفل بنفس رجل أن يحبس ، وقال له : اطلب صاحبك) (1) ، وخبر عامر بن مروان عن أبي عبد الله عليه السلام عن أمير المؤمنين عليه السلام (أنه أتي برجل قد كفل بنفس رجل فحبسه وقال : اطلب صاحبك) ((2).

وأما التخيير بين الحبس وبين أن يؤدي الكفيل فهو الذي ذهب إليه الشيخ في النهاية وابن إدريس في السرائر والعلامة في التحرير والإرشاد لما ورد في مرسلة الصدوق المتقدمة (الكفالة خسارة غرامة ندامة) (3) ، ولما في خبر الرقي المتقدم (مكتوب في التوراة كفالة ندامة غرامة) (4) ، وهي مشعرة بإلزام الكفيل بدفع ما على الغريم ولذا عبّر عنها بالخسارة وعن العلامة في التذكرة وغيره بأن نصوص الحبس دالة على عدم إلزام الكفيل بالدفع ، بل قد يكون غرض المكفول لا يتعلق بالأداء ، أو كان متعلقا بالأداء من الغريم فقط ، ولذا لا يجب على المكفول القبول لو دفع الحق الكفيل.

ثم على تقدير تمامية القول بوجوب الدفع على الكفيل تخييرا فهو واجب فيمن يمكن أخذه من الكفيل كالمال ، ولو لم يمكن كالقصاص وزوجية المرأة والدعوى بعقوبة توجب حدا أو تعزيرا فلا بد من إلزامه بالإحضار مع الإمكان ، ثم لو كان الحق مما له بدل ما لي كالدية في القتل العمدي ومهر مثل الزوجة فيجب عليه البدل بناء على هذا التقدير.

ص: 182


1- (1 و 2) الوسائل الباب -1. من أبواب الضمان حديث 2 و 4.
2- (3 و 4) الوسائل الباب -2. من أبواب الضمان حديث 2 و 5.

طلب (حبسه) من الحاكم (حتى يحضره ، أو يؤدي ما عليه) إن أمكن أداؤه عنه كالدين ، فلو لم يمكن كالقصاص ، والزوجية ، والدعوى بعقوبة توجب حدا أو تعزيرا ، ألزم باحضاره حتما مع الإمكان ، وله عقوبته عليه (1) كما في كل ممتنع من أداء الحق مع قدرته عليه ، فإن لم يمكنه الاحضار وكان له بدل كالدية في القتل وإن كان عمدا ، ومهر مثل الزوجة وجب عليه البدل.

وقيل : يتعين الزامه باحضاره (2) إذا طلبه المستحق مطلقا (3) ، لعدم انحصار الأغراض في أداء الحق. وهو قوي.

ثم على تقدير كون الحق مالا وأدّاه الكفيل فإن كان قد أدى بإذنه رجع عليه (4) ، وكذا إن أدى بغير إذنه مع كفالته بإذنه ، وتعذّر احضاره (5) ، وإلا فلا رجوع (6).

والفرق بين الكفالة والضمان في رجوع من أدى بالإذن هنا وإن كفل بغير الإذن ، بخلاف الضمان (7) : أن الكفالة لم تتعلق بالمال بالذات ، وحكم الكفيل

______________________________________________________

(1) أي إذا ألزم بالإحضار حتما لعدم إمكان أخذ الحق من الكفيل ، وقد امتنع الكفيل من الإحضار فللمكفول له حق العقوبة عليه بالحبس كما في كل ممتنع عن أداء الحق مع قدرته عليه.

(2) كما هو مقتضى القول الثاني المتقدم.

(3) سواء كان الحق مما يمكن أن يؤديه الكفيل أم لا.

(4) الرجوع عليه لوجود الاذن في الأداء.

(5) لما تعذر عليه الإحضار وألزم بالمال فيكون التغريم مسببا عن إذن الغريم بالكفالة ، لأن الاذن في الشي ء إذن في لوازمه فيرجع عليه لوجود الاذن.

(6) لأن الكفيل متبرع بكفالته وأدائه لعدم الاذن فلا يرجع لتبرعه.

(7) قد تقدم في باب الضمان أن الضامن لا يرجع على المضمون عنه لو أدى بإذنه إذا كان الضمان بغير إذنه ، مع أنه قد حكم هنا برجوع الكفيل على الغريم لو أدى بإذنه وإن كانت الكفالة بغير إذنه ، وعليه فما هو الفرق بينهما.

والفرق هو أن الكفالة لم تتعلق بالمال بالذات وإنما تعلقت بإحضار النفس فيكون الكفيل بالنسبة للمال أجنبيا ، فإن أداه بإذن الغريم فله حق الرجوع وإن كانت الكفالة بغير إذنه ، بخلاف الضمان فإنه قد تعلق بالمال ابتداء ولذا كان الضمان ناقلا للمال من ذمة المضمون

ص: 183

فی ما لو علق الکفالة بشرط

بالنسبة إليه (1) حكم الأجنبي فإذا أداه بإذن المديون فله الرجوع ، بخلاف الضامن ، لانتقال المال إلى ذمته بالضمان ، فلا ينفعه بعده (2) الإذن في الأداء ، لأنه كإذن البري ء للمديون فى أداء دينه.

وأما إذنه في الكفالة إذا تعذر احضاره ، واستئذانه (3) في الأداء فذلك من لوازم الكفالة ، والإذن فيها إذن في لوازمها.

(ولو علق الكفالة) (4) بشرط متوقع ، أو صفة مترقبة (بطلت) الكفالة ، (وكذا الضمان والحوالة) كغيرها من العقود اللازمة (نعم لو قال : إن لم أحضره (5)

______________________________________________________

عنه إلى ذمة الضامن فلو كان الضمان بغير إذنه لكان الضامن متبرعا ، وحال تبرعه قد انتقل المال إلى ذمته فلا يجوز له الرجوع لعدم الاذن في الضمان ، ولا ينفعه بعد ذلك الاذن في الأداء لأنه كإذن الأجنبي للمديون في أداء دينه من نفس مال المديون ، وهذا لا يجعله غير متبرعا ، والمضمون عنه بعد الضمان أجنبي عن المال المضمون.

(1) أي إلى المال.

(2) بعد الضمان.

(3) أي وتعذر استئذان الغريم.

(4) علّقها على شرط متوقع أو صفة كذلك بطلت ، لأن كل عقد لازم إذا علق على شرط غير معلوم التحقق يبطل ، لاشتراط القصد في العقد ، ومع التعليق المذكور لا يتم القصد ، وبدونه يبطل العقد بلا خلاف في ذلك.

(5) إن ذكر الجزاء أولا لزمه المال الذي شرطه على نفسه عند عدم الإحضار ، وإن ذكره أخيرا صحت الحوالة وألزم بالإحضار فقط دون المال ، والحكم فيها على المشهور لخبرين الأول خبر أبان بن عثمان عن أبي العباس البقباق (قلت لأبي عبد الله عليه السلام : رجل كفل لرجل بنفس رجل وقال : إن جئت به وإلا فعليّ خمسمائة درهم - كما في التهذيب وفي الكافي : إن جئت به وإلا فعليك خمسمائة درهم - ، قال عليه السلام : عليه نفسه ولا شي ء عليه من الدراهم ، فإن قال عليّ خمسمائة درهم إن لم أدفعه إليه ، قال عليه السلام : تلزمه الدراهم إن لم يدفعه إليه) (1) ، وخبر داود بن الحصين عن أبي العباس البقباق عن أبي عبد الله عليه السلام : (سألته عن رجل تكفل بنفس الرجل إلى أجل فإن لم يأت به فعليه كذا وكذا درهما ، قال عليه السلام : إن جاء به إلى الأجل فليس عليه مال ، وهو كفيل بنفسه أبدا

ص: 184


1- 1. الوسائل الباب - 10 - من أبواب الضمان حديث 1.

فی أنه تحصل الکفالة بإطلاق الغریم

إلى كذا كان عليّ كذا صحت الكفالة أبدا ولا يلزمه المال المشروط ، ولو قال : عليّ كذا إن لم أحضره لزمه ما شرطه من المال إن لم يحضره) على المشهور.

ومستند الحكمين رواية داود بن الحصين عن أبي العباس عن الصادق عليه السلام.

وفي الفرق بين الصيغتين من حيث التركيب العربي نظر ، ولكن المصنف والجماعة عملوا بمضمون الرواية جامدين على النص مع ضعف سنده.

وربما تكلف متكلف للفرق بما لا يسمن ولا يغني من جوع ، وإن أردت الوقوف على تحقيق الحال فراجع ما حررناه في ذلك بشرح الشرائع وغيره.

(وتحصل الكفالة) أي حكم الكفالة (بإطلاق الغريم (1) من المستحق قهرا)

______________________________________________________

إلا أن يبدأ بالدراهم ، فإن بدأ بالدراهم فهو لها ضامن من أنه إن لم يأت به إلى الأجل الذي أجّله) (1) ، وأشكل على الحكم بأنه أي فرق بين الشقين حتى يختلف الحكم ، لأن مجرد تقديم الجزاء أو تأخيره لا مدخل له في اختلاف الحكم ، لأن الشرط وإن تأخر فهو في حكم المتقدم مع أن سند الروايتين غير سليم ففي الأولى أحمد بن الحسن الميثمي وهو واقفي لم يوثق ، وفي الثانية داود بن الحصين وهو واقفي غير أنه ثقة كما عن النجاشي ، والإنصاف إن الإشكال في السند في غير محله لأن الثانية إما صحيحة وإما موثقة كما اعترف بذلك في الجواهر ، وإنما الاستناد إلى هاتين الروايتين في الحكم المذكور المخالف للقواعد العربية المقررة في غاية الإشكال ، ولذا ذكروا وجوها خمسة لرفع الإشكال يطول نقلها فراجعها في المسالك والجواهر.

(1) من أطلق غريما من يد صاحبه أو من يد وكيله قهرا ضمن إحضاره ، أو أداء ما عليه بلا خلاف فيه ، أما ضمان إحضاره فلقاعدة نفي الضرر والضرار (2) ، ولأنه غاصب بإطلاق الغريم قهرا والغاصب يضمن ما غصبه ، وفي الثاني ضعف لعدم صدق الغاصب عليه عرفا وهو غير داخل تحت استيلائه.

وأما أداء الحق فلأنه بالإطلاق قد فوّت مال الغير عليه فيضمن ، ويدل على الحكم بكلا شقيه ما ورد في تفويت القاتل وسيأتي.

ثم قال في الجواهر : (ثم لا يخفى عليك أن الحكم المزبور لما كان ذلك لازم الكفالة ،

ص: 185


1- 1. الوسائل الباب - 10 - من أبواب الضمان حديث 2.
2- 2. الوسائل الباب - 17 - من أبواب الخيار.

فيلزمه إحضاره ، أو أداء ما عليه إن أمكن (1) وعلى ما اخترناه (2) مع تعذر احضاره (3) لكن هنا حيث يؤخذ منه المال لا رجوع له (4) على الغريم إذا لم يأمره (5) بدفعه ، إذ لم يحصل من الإطلاق (6) ما يقتضي الرجوع ، (فلو كان) الغريم (قاتلا) (7) عمدا كان أم شبهه (8) (لزمه احضاره ، أو الدية (9) ، ولا يقتص منه (10) في العمد لأنه لا يجب على غير المباشر.

______________________________________________________

أطلق عليه اسمها ، وإلا فهو ليس من الكفالة المصطلحة قطعا ضرورة عدم العقد فيه) انتهى.

(1) أي أمكن الأداء فيما لو كان الحق قابلا لصدوره من المطلق.

(2) أي ما اختاره في الكفالة سابقا من كون الكفيل مخيرا بين إحضار الغريم وبين أداء ما عليه في قبال قول من ألزمه بالإحضار فقط.

(3) أي وهنا في الإطلاق إذا تعذر الإحضار فعليه أدى ما عليه حتما.

(4) أي لا رجوع للمخلّص إذا أدى ما على الغريم لعدم صدور الأذن من الغريم ، إذ غاية ما وقع هو التخليص وهو لا إذن فيه من الغريم بالرجوع بخلاف الكفالة المصطلحة فمع إذن الغريم يرجع الكفيل عليه عند الأداء.

(5) أي لم يأمر الغريم المخلّص.

(6) أي التخليص.

(7) لو كان المخلّص قاتلا عمدا لزم المخلص إحضاره أو رفع الدية عند تعذر إحضاره ، بلا خلاف فيه لصحيح حريز عن أبي عبد الله عليه السلام (عن رجل قتل رجلا عمدا فرفع إلى الوالي ، فدفعه الوالي إلى أولياء المقتول ليقتلوه ، فوثب عليهم قوم فخلّصوا القاتل من أيدي الأولياء ، فقال عليه السلام : أرى أن يحبس الذين خلّصوا القاتل من أيدي الأولياء حتى يأتوا بالقاتل ، قيل : فإن مات القاتل وهم في السجن ، قال عليه السلام : فإن مات فعليهم الدية يؤدونها جميعا إلى أولياء المقتول) (1).

(8) قال في المسالك : (لا فرق في ذلك بين كون القتل عمدا أو غيره إذ القصاص لا يجب إلا على المباشر فإذا تعذر استيفاؤه وجبت الدية) انتهى.

(9) ظاهره التخيير مع أن الخبر صريح بالإحضار أولا ، ومع التعذر فالدية ولعله يريد الشارح الترتيب لا التخيير.

(10) من المخلّص.

ص: 186


1- 1. الوسائل الباب - 15 - من أبواب الضمان حديث 1.

فی ما لو غاب المکفول

ثم إن استمر القاتل هاربا (1) ذهب المال على المخلّص وإن تمكن الولي منه (2) في العمد وجب عليه رد الدية إلى الغارم ، وإن لم يقتص من القاتل ، لأنها (3) وجبت لمكان الحيلولة وقد زالت (4) ، وعدم القتل الآن (5) مستند إلى اختيار المستحق (6) ، ولو كان تخليص الغريم من يد كفيله (7) وتعذر استيفاء الحق من قصاص ، أو مال ، وأخذ الحق من الكفيل كان له الرجوع على الذي خلّصه ، كتخليصه من يد المستحق.

(ولو غاب المكفول) غيبة يعرف موضعه (انظر) الكفيل (8) بعد مطالبة

______________________________________________________

(1) قد تقدم أنه يجب على المخلّص الإحضار ، ومع التعذر فالدية ، والتعذر يتم فيما لو مات القاتل كما هو صريح الخبر المتقدم أو ما لو استمر هربه ، ثم لو تمكن الولي من القاتل بعد دفع المخلّص للدية وجب على الولي ، رد الدية على الغارم وإن لم يقتص الولي من القاتل بل لو عفا ، لأن الدية قد وجبت لمكان الحيلولة باعتبار أن المخلّص قد حال بين الولي وغريمه ، وإذا زالت الحيلولة فلا شي ء على المخلّص ، وبالجملة فعدم القتل بعد تمكن الولي منه مستند إلى اختيار الولي لا إلى تقصير المخلّص ، بخلاف وقت الهروب فعدم القتل مستند إلى تخليص المخلّص فلذا ألزم بالدية.

(2) من الغريم.

(3) أي الدية.

(4) أي الحيلولة.

(5) حين تمكن الولي من الغريم.

(6) وهو الولي.

(7) وقد رجع على الكفيل بأخذ الحق فيجوز للكفيل أن يرجع على المخلّص لأنه سبب تغريم الكفيل.

(8) لو غاب الغريم غيبة وعلم مكانه ولم ينقطع خبره وكانت الكفالة حالة وقد طلب المكفول له إحضاره ، أنظر الكفيل بمقدار ما يمكنه الذهاب إليه والعود به ، وكذا لو كانت الكفالة مؤجلة وطلبه منه بعد حلولها بلا خلاف في شي ء من ذلك ، لأن إحضاره متوقف على إمهاله مدة الذهاب والعود ، وإذا وجب الإحضار وهو ذو المقدمة فيجب إمهاله مدة الذهاب والعود وهو المقدمة.

ثم لا فرق في وجوب الإمهال بين أن تكون محلة الغريم تتجاوز مسافة التقصير أو لا ، خلافا لبعض العامة فلم يوجب الإمهال إذا كانت المحلة أقل من مسافة القصر وهو ضعيف لما سمعت.

ص: 187

فی موضع التسلیم

المكفول له باحضاره ، (وبعد الحلول) إن كانت مؤجلة (بمقدار الذهاب) إليه (والإياب) فإن مضت ولم يحضره حبس وألزم ما تقدم ، ولو لم يعرف موضعه (1) لم يكلّف إحضاره ، لعدم إمكانه ولا شي ء عليه ، لأنه لم يكفل المال ، ولم يقصر في الاحضار.

(وينصرف الاطلاق إلى التسليم في موضع العقد (2) ، لأنه المفهوم عند الاطلاق.

ويشكل لو كانا في برّية ، أو بلد غربة قصدهما مفارقته سريعا لكنهم لم يذكروا هنا خلافا كالسلم (3) ، والإشكال يندفع بالتعيين ، (ولو عين غيره) أي غير موضع العقد (لزم) ما شرط (4) ، وحيث يعين (5) ، أو يطلق ويحضره في غير ما عين شرعا لا يجب تسلمه وإن انتفى الضرر ، ولو قال الكفيل : لا حق لك على المكفول حالة الكفالة (6) فلا يلزمني إحضاره فالقول قول المكفول له ، لرجوع

______________________________________________________

(1) فإذا لم يعرف موضع الغريم وقد انقطع خبره فعن المسالك والتذكرة ومجمع البرهان أن لا يكلّف بالإحضار لعدم إمكانه ، ولا شي ء عليه لأنه لم يكفل المال ، وهو على إطلاقه مشكل إذ لا بد من تقييده فيما لا يمكن أداؤه ولا بدل له كحق البضع وحقوق التعزير ، أما فيما يمكن أداؤه أوله البدل فلا محالة يكون الكفيل مكلفا بالأداء ، لأنه من مقتضى لوازم الكفالة على ما تقدم.

(2) أطلق المحقق وجماعة انصراف إطلاق الكفالة إلى بلد العقد ، لأنه المفهوم عند الإطلاق ، وهو يتم لو كان محل العقد هو بلد المكفول له ، أو بلد قد استوطنه كل من المكفول له والكفيل ، أما لو كان محل العقد هو البرية أو بلد غربة بالنسبة إليهما بحيث هما قاصدان ، لمفارقته سريعا ، فالقرائن الحالية تدل على عدم إرادته من العقد.

(3) فقد ذكروا فيه خلافا.

(4) للزوم الوفاء بالشرط.

(5) أي إذا عيّن موطن التسليم بالتعيين ، أو أطلق موضع التسليم وبالانصراف تعيّن بلد العقد ، فلو سلّم الكفيل الغريم في غير الموطن الذي وجب شرعا تسليمه فيه فلا يجب على المكفول له تسلمه وإن انتفى الضرر ، لأنه ليس تسليما تاما ، وخالف الشيخ فحكم بوجوب التسلم عليه لو انتفى الضرر عليه.

(6) بعد اتفاق الكفيل والمكفول له على وقوع الكفالة قال الكفيل : لا حق لك على المكفول حالة الكفالة ، وقال المكفول له : لي حق عليه حين الكفالة ، قدّم قول المكفول له بلا خلاف فيه ، لأن اعتراف الكفيل بوقوع الكفالة يستدعي ثبوت حق للمكفول له على

ص: 188

الدعوى إلى صحة الكفالة ، وفسادها فيقدم قول مدعي الصحة ، (وحلف المستحق) وهو المكفول له ولزمه إحضاره ، فإن تعذر لم يثبت الحق بحلفه السابق ، لأنه (1) لإثبات حق يصحح الكفالة ، ويكفي فيه (2) توجه الدعوى ، نعم لو أقام بينة بالحق وأثبته (3) عند الحاكم الزمه به (4) كما مر (5) ، ولا يرجع به (6) على المكفول ، لاعترافه (7) ببراءة ذمته ، وزعمه بأنه مظلوم.

(وكذا لو قال) الكفيل للمكفول له : (أبرأته) (8) من الحق ، أو أوفاكه ، لأصالة بقائه (9).

______________________________________________________

المكفول ، ولأن دعواه فيما بعد بأنه لا حق له مستلزم لفساد الحوالة إذ لا معنى لكفالة الغريم وهو بري ء بالنسبة للمكفول له بخلاف دعوى المكفول له فإنها دعوى بصحة الحوالة ، ولا ريب أن القول قول مدعي الصحة ، ويقدم قول مع يمينه لأنه منكر.

وعليه فإذا حلف المكفول له وقد تعذر على الكفيل إحضار الغريم فهل يجب عليه أداء المال من غير بينة ، قاله في التذكرة والمسالك احتمالا ، والأقرب عدم الوجوب لأن الكفالة تستدعي إحضار الغريم للمكفول له ، وهو أعم من ثبوت المال على الغريم.

نعم لو أقام المكفول له البينة على ثبوت المال ، وأغرم الكفيل لم يرجع على الغريم ، لاعتراف الكفيل ببراءته عند دعواه السابقة بأن المكفول له لا حق له على المكفول حالة الكفالة ، وأن الكفيل مظلوم بالدفع.

(1) أي الحلف السابق.

(2) أي في الحق الذي ثبت بالحلف السابق ، وقد يكون الحق هو توجه الدعوى وهذا كاف في صحة الحوالة ولكنه لا يثبت المال.

(3) أي أثبت الحق.

(4) أي ألزم المكفول له الكفيل بالحق.

(5) في كتاب القضاء.

(6) أي لا يرجع الكفيل بالحق.

(7) أي اعتراف الكفيل.

(8) أي بعد اتفاق الكفيل والمكفول له قال الكفيل : أبرأت المكفول ، أو دفع الحق إليك ، ولازمه عدم إحضار المكفول ، فأنكر المكفول له الإبراء أو الدفع ، كان القول قول المكفول له مع يمينه ، لأنه منكر لموافقة قوله لأصالة بقاء اشتغال ذمة المكفول ، وهذا عند عدم البينة للكفيل على الإبراء أو الدفع.

(9) أي بقاء الحق في ذمة المكفول.

ص: 189

ثم إن حلف المكفول له على بقاء الحق بري ء (1) من دعوى الكفيل ، ولزمه (2) إحضاره (3) ، فإن جاء بالمكفول فادعى البراءة (4) أيضا لم يكتف باليمين التي حلفها للكفيل ، لأنها كانت لإثبات الكفالة ، وهذه دعوى أخرى وإن لزمت (5) تلك بالعرض ، (فلو لم يحلف (6) ورد اليمين عليه) أي على الكفيل فحلف (برئ من الكفالة والمال بحاله) لا يبرأ المكفول منه ، لاختلاف الدعويين كما مر ، ولأنه لا يبرأ بيمين غيره.

نعم لو حلف المكفول اليمين المردودة على البراءة (7) برئا معا (8) ، لسقوط

______________________________________________________

(1) أي المكفول له.

(2) أي لزم الكفيل.

(3) أي إحضار الغريم.

(4) أي بعد دعوى الكفيل الإبراء وبعد تقديم قول المكفول له مع يمينه ، وبعد حلف المكفول له فقام الكفيل وأحضر الغريم ثم ادعى براءة ذمة المكفول لأنه قد دفع أو أبرأه المكفول له فأنكر المكفول له ذلك ، كان القول قول المكفول له مع يمينه لأنه منكر أيضا ، ولا يكتفى باليمين السابقة ، بل على المكفول له يمين أخرى لأن هذه الدعوى مستقلة ومغايرة للدعوى السابقة ، لأن السابقة إنما كانت من الكفيل لبراءة نفسه من وجوب إحضار الغريم ولازمها دعوى براءة ذمة المكفول ، وهذه دعوى لبراءة ذمة الغريم من دون التلازم المذكور.

(5) أي لزمت الدعوى الثانية للأولى.

(6) أي لم يحلف المكفول له في الدعوى الأولى وردّ اليمين على الكفيل ، وقد حلف الكفيل اليمين المردودة برئ من الكفالة ومن وجوب الإحضار ، ولا يبرأ المكفول من المال ، لما ذكرنا من أن براءته من المال مغاير لدعوى الأولى من إبراء الكفيل من وجوب إحضار الغريم ، ولأن الإنسان لا يبرأ من الحق بيمين غيره.

(7) فيما لو كانت الدعوى بين المكفول والمكفول له ، بحيث ادعى المكفول الإبراء وأنكره المكفول له ، كان القول قول المكفول له مع يمينه ، فلو نكل عن اليمين ، وقام المكفول وحلف اليمين المردودة عليه برئ المكفول من الحق ، ومع حصول الإبراء تسقط الكفالة ويبرأ الكفيل ، وكذا لو حلف المكفول في هذه المسألة يمين النكول لا يمين الرد فكذلك نفس الحكم المتقدم.

(8) أي الكفيل والمكفول.

ص: 190

فی ما لو تکفل اثنان بواحد و بالعکس

الكفالة بسقوط الحق ، كما لو أداه ، وكذا لو نكل المكفول له عن يمين المكفول فحلف برئا معا.

(ولو تكفل اثنان بواحد كفى تسليم أحدهما (1) إياه تاما ، لحصول الغرض ، كما لو سلم نفسه ، أو سلّمه أجنبي.

وهل يشترط تسليمه عنه وعن شريكه ، أم يكفي الإطلاق؟ قولان (2) أجودهما الثاني ، وهو الذي يقتضيه إطلاق العبارة. وكذا القول في تسليم نفسه ، وتسليم الأجنبي له (3).

وقيل : لا يبرأ (4) مطلقا (5) ، لتغاير الحقين (6). وضعفه ظاهر.

______________________________________________________

(1) إذا تكفل رجلان - دفعة أو مرتبا - برجل فسلّمه أحدهما لم يبرأ الآخر كما عن الشيخ وابن حمزة والقاضي للأصل وهو عدم براءة ذمة الثاني بعد الشغل ، ولكون الكفيلين كالرهنين اللذين إذا فكّ أحدهما لم يفك الآخر ، وعليه فلو هرب الغريم بعد تسليم أحدهما جاز للمكفول له الرجوع على الثاني.

وعن غيرهم أنه لو سلمه أحدهما يبرأ الآخر ، لأن المقصود من الكفالة تسلمه وقد حصل ، بل لو سلّم نفسه أو سلّمه الأجنبي يبرأ الكفيل فلو سلّمه الكفيل فيبرأ شريكه بالكفالة من باب أولى ، ومعه لا يبقى مجال للأصل للقطع ببراءة ذمة الآخر ، وكونهما كالرهنين قياس مع الفارق ، وعلى القول الثاني فلو هرب الغريم بعد تسليم الكفيل الأول لا يجوز للمكفول له الرجوع على الكفيل الثاني لأنه بري ء.

ثم على القول الثاني فهل يشترط في الكفيل المسلّم أن ينوي بالتسليم تسليمه عنه وعن شريكه أم يكفي الإطلاق في التسليم ، قال في المسالك : (وجهان) ، وجه الاشتراط أن المكفول له لا يجب عليه قبول الحق ممن ليس عليه بذله إلا إذا نوى بالتسليم عنه وعن شريكه فيكون التسليم من جهتهما فيجب القبول ، ووجه الإطلاق حصول الغرض وهو التسليم ولا يشترط أن يكون من جهة الكفيل الثاني.

(2) وقد سمعت أنهما وجهان.

(3) فيجري فيهما الوجهان السابقان بحيث لو سلّم المكفول نفسه فهل يجب عليه أن ينوي أنه عن الكفيل أو يكفي الإطلاق وكذا لو سلّمه الأجنبي للمكفول له.

(4) أي لا يبرأ الكفيل الآخر كما هو مقتضى القول الأول في أصل المسألة.

(5) سواء كان المسلّم قد نوى التسليم عنه وعن شريكه أم أطلق.

(6) لأن ما على الكفيل الثاني مغاير لما على الكفيل الأول كالرهنين ، وضعفه ظاهر إذ هو قياس مع الفارق لما تقدم من جواز تسليم الأجنبي فتسليم الشريك أولى.

ص: 191

فی التعبیر بالبدن و الرأس و الوجه

وتظهر الفائدة (1) لو هرب بعد تسليم الأول (2).

(ولو تكفل بواحد لاثنين فلا بد من تسليمه إليهما (3) معا ، لأن العقد الواحد هنا بمنزلة عقدين ، كما لو تكفل لكل واحد على انفراده ، أو ضمن دينين لشخصين فأدى دين أحدهما فإنه لا يبرأ من دين الآخر ، بخلاف السابق ، فإن الغرض من كفالتهما للواحد إحضاره وقد حصل.

(ويصح التعبير) في عقد الكفالة (بالبدن (4) ، والرأس ، والوجه (5) فيقول : كفلت لك بدن فلان ، أو رأسه ، أو وجهه ، لأنه يعبر بذلك عن الجملة (6) ، بل

______________________________________________________

(1) بين القولين السابقين.

(2) فعلى القول الأول المتقدم في المتن لا يرجع المكفول له على الثاني ، وعلى القول الثاني يرجع.

(3) بأن قال شخص لرجلين : أتكفل بإحضار الغريم إليكما ، ولم يعقد مع كل شخص كفالة مستقلة ، وهنا لا بد من التسليم إليهما معا ، لأن العقد مع الاثنين بمنزلة عقدين ، فهو كما لو تكفل لكل واحد منهما على انفراده ، وكما لو ضمن دينين لشخصين ، وقد أدى دين أحدهما فإنه لا يبرأ من دين الآخر ، وهذا هو الفارق بين هذه المسألة وبين ما تقدم ، حيث كان الفرض في السابق هو كفالتهما له بإحضاره وقد حصل من أحدهما فيبرأ الآخر ، وهنا كانت الكفالة منه لشخصين فلا بد من إحضاره لهما معا.

(4) الأصل في الكفالة أن تتعلق بذات الغريم بأن يقول : كفلت لك فلانا ، وأنا كفيل به أو بإحضاره ، وفي حكم ذاته نفسه وبدنه ، لأنهما بمعنى واحد في العرف العام.

(5) المراد منهما بحسب الوضع هو الجزء المخصوص من البدن ، إلا أنهما قد يطلقان عرفا على جملة البدن فيقال يبقى رأسه ووجهه ، ويراد به ذاته وجملة بدنه ، ولهذا الإطلاق العرفي صحح المشهور الكفالة لو تعلقت بالرأس أو الوجه ، واستشكل ثاني المحققين والشهيدين بأن الرأس والوجه وإن أطلقا على الجملة عرفا إلا أن إطلاقهما على أنفسهما خاصة شائع متعارف إن لم يكن أشهر ، وحمل اللفظ المحتمل لمعنيين على الوجه المصحح للكفالة وهو الذات أو جملة البدن في غير محله ، نعم لو صرح بإرادة جملة البدن من لفظي الرأس والوجه اتجهت الصحة.

وفيه : إن الأصحاب قد ذكروا الرأس والوجه باعتبار قابلية اللفظ للدلالة على جملة البدن ، فلذا حكموا بصحة الكفالة لو تعلقت بهما ، مع التسليم بأن حملهما على جملة البدن بحاجة إلى قرينة ولو حالية.

(6) أي جملة البدن.

ص: 192

عن الذات (1) عرفا ، وألحق به (2) الكبد ، والقلب ، وغيرهما من الأجزاء التي لا تبقى الحياة بدونها ، والجزء الشائع فيه (3) كثلثه ، وربعه ، استنادا إلى أنه لا يمكن إحضار المكفول إلا بإحضاره أجمع.

وفي غير البدن نظر. أما الوجه والرأس فإنهما وإن أطلقا على الجملة لكن يطلقان على أنفسهما إطلاقا شائعا متعارفا ، إن لم يكن أشهر (4) من إطلاقهما على الجملة. وحمل اللفظ المحتمل للمعنيين (5) على الوجه المصحح (6) مع الشك في حصوله (7) ، وأصالة البراءة (8) من مقتضى العقد غير جيد.

______________________________________________________

(1) أي ذات الإنسان وهي النفس.

(2) أي بالبدن ، ألحق الفاضل في التذكرة والتحرير القلب والكبد ونحوهما من الأعضاء التي لا يمكن الحياة بدونها ، والجزء المشاع كالثلث والربع وغيرهما ، لأنه لا يمكن إحضار هذه الأجزاء إلا بإحضار المكفول كله.

وفيه : إن إحضار الجزء الذي لا يعيش بدونه وما في حكمه وإن كان غير ممكن إلا بإحضار الذات إلا أن ذلك لا يقتضي صحة العقد ، لأن الإحضار فرع الكفالة ، والكفالة الصحيحة فيما لو تعلقت بالمجموع أو ما يطلق عليه ، وأما إذا تعلقت ببعضه فلا دليل على صحته ، وقال في المسالك : (ولو جاز إطلاق هذه الأجزاء على الجملة مجازا لم يكن ذلك كافيا لكونه غير متعارف ، مع أنه في المتعارف - أي الرأس والوجه - ما قد سمعت وحينئذ فالقول بعدم الصحة أوضح) انتهى.

وفيه : إنه إذا كان الإطلاق على الجملة مجازا مع وجود قرينة فتصح الكفالة حينئذ وإن كان غير متعارف ، لأن الإطلاق المتعارف قد يغني عن القرينة إن كان مشهورا ، ومع فرض وجود القرينة لا داعي لتقييد الإطلاق بالمتعارف.

(3) في البدن.

(4) ففي الأشهر زيادة شهرة على المشهور ، وهذه الزيادة هي القرينة على إرادة المعنى الأشهر وهو نفس العضو ، ومعه كيف نحمل اللفظ على جملة البدن الذي هو مشهور فقط ، وفيه : ما تقدم أن النزاع في قابلية إرادة الجملة من لفظ العضو ، وليس النزاع في محل لفظ العضو على الجملة من دون قرينة.

(5) من نفس العضو ومن جملة البدن.

(6) أي وحمل لفظ الرأس أو الوجه على جملة البدن الذي تصح الكفالة فيه حينئذ مع أنه محتمل لإرادة نفس العضو من دون قرينة غير جيد.

(7) أي مع الشك في قصد المعنى المصحح للكفالة ، والأصل عدم قصده.

(8) أي ومع الشك في قصد المتكلم للمعنى المصحح للكفالة وهو جملة البدن فنشك في

ص: 193

نعم لو صرح بإرادة الجملة من الجزءين اتجهت الصحة كإرادة أحد معنيي المشترك ، كما أنه لو قصد الجزء بعينه (1) فكقصد الجزء الذي لا يمكن الحياة بدونه ، وأما ما لا (2) تبقى الحياة بدونه مع عدم إطلاق اسم الجملة عليه (3) حقيقة فغايته أن إطلاقه عليها مجاز ، وهو (4) ، غير كاف في إثبات الأحكام الشرعية (5) ، ويلزم مثله (6) في كل جزء من البدن (7) ، والمنع في الجميع أوجه (8) ، أو إلحاق الرأس والوجه (9) مع قصد الجملة بهما.

(دون اليد والرجل (10)

______________________________________________________

حصول الكفالة ، ومع الشك في حصولها نشك في وجوب الإحضار ، ومع الشك في الوجوب تجري أصالة البراءة ، وعليه فحاصل المعنى : أن حمل اللفظ على أحد معنييه بدون قرينة غير جيد مع الشك في قصد المتكلم له والأصل عدم قصده ، ومع كون هذا المعنى مستلزما لوجوب الإحضار ، وأصالة البراءة تنفيه.

(1) أي قصد نفس العضو عند إطلاق لفظ الرأس أو الوجه فيأتي فيه الكلام المتقدم من ذكر الأجزاء التي لا يعيش الإنسان بدونها كالقلب والكبد ، فعن المشهور عدم الصحة وعن العلامة الصحة.

(2) شروع في مناقشة قول العلامة وقد تقدمت منا في الشرح.

(3) ظاهره أن الكل لا يطلق على الجزء ، وهذا ما لا ربط له في المقام ، إذ ما له الربط هو عدم إطلاق الجزء على الكل ولذا نقل عن الشيخ حسن ولد الشارح أنه علّق على نسخة الأصل بقوله : (كان الظاهر أن يقال : إنه مع عدم إطلاق اسمه على الجملة) انتهى.

(4) أي الإطلاق المجازي.

(5) وفيه : إنه كاف مع وجود القرينة للقطع بإرادة الجملة حينئذ ، ومع إرادة الجملة تصح الكفالة سواء عبّر عنها بلفظها أم بلفظ آخر.

(6) مثل الإطلاق المجازي.

(7) وإن كان الجزء مما يمكن الحياة بدونه ، وفيه : إنه لا خير فيه مع صحة المجاز المحتف بالقرينة الدالة على إرادة جملة البدن.

(8) أي في جميع ما ذكر إلا البدن ، وهو قول للشارح تبعا للمحقق الثاني.

(9) إلحاقهما بالبدن كما عليه المشهور ، والمنع في بقية الأجزاء.

(10) من الأجزاء التي تبقى الحياة بدونها ، ولا يطلق على الجملة ، وعليه فإذا قلنا بعدم صحة الكفالة في الأجزاء التي لا تبقى الحياة بدونها كما عليه المشهور فالقول بعدم الصحة هنا أولى.

ص: 194

فی ما لو مات المکفول

وإن قصدها (1) بهما (2) مجازا ، لأن المطلوب شرعا كفالة المجموع باللفظ الصريح الصحيح كغيره من العقود اللازمة (3) ، والتعليل بعدم إمكان إحضار الجزء المكفول (4) بدون الجملة فكان في قوة كفالة الجملة ضعيف ، لأن المطلوب لما كان كفالة المجموع لم يكن البعض (5) كافيا في صحته (6) وإن توقف إحضاره عليه (7) ، لأن الكلام ليس في مجرد الإحضار ، بل على وجه الكفالة الصحيحة ، وهو منتف.

(ولو مات المكفول) قبل إحضاره (بطلت) (8) ، (لفوات متعلقها) وهو

______________________________________________________

وعلى مبنى العلامة قد يقال بالصحة هنا أيضا ، لأن إحضار الجزء المكفول هنا يستدعي إحضار الذات أيضا ، ولذا قال في المسالك : (ولا يبعد القول بالصحة فيه - أي في الجزء الذي يمكن الحياة بدونه - لمن يقول بها فيما سبق) انتهى ، هذا وقد عرفت أنه مع إرادة الجملة تصح الكفالة سواء عبّر بلفظها أم بلفظ آخر ، فالمدار على صحة المجاز لو أطلق لفظ العضو وأريد به جملة الذات ، وليس المدار على إرادة الجملة من لفظ العضو بلا قرينة كما يفهم من بعض عبارات الشارح ، وليس المدار أيضا على كون الجزء مما يتوقف إحضاره على إحضار الجملة أو لا كما يفهم من تعليل العلامة عند إلحاق القلب والكبد بالبدن.

(1) أي جملة البدن.

(2) باليد والرجل.

(3) كما هو مبنى المشهور وقد عرفت أكثر من مرة أنه لا دليل عليه ، ولو سلم فاشتراط اللفظ الصريح في العقد اللازم إنما هو في الألفاظ التي يتم بها إنشاء الإيجاب والقبول فقط ، دون الألفاظ التي تدل على متعلقات العقد ومتمماته.

(4) وإن كانت الحياة تبقى بدونه.

(5) أي ذكر لفظ البعض وإرادة نفس عضوه.

(6) أي صحة المجموع.

(7) أي وإن توقف إحضار البعض على المجموع.

(8) أي الكفالة بلا خلاف فيه ، لأن متعلق الكفالة الكفالة إحضار النفس وقد فاتت بالموت ، ولأن المنصرف من الكفالة إنما هو الإحضار في حال حياة الغريم ، ولأن المكفول له لو أراد من المكفول حقوقا بدنية كحق البضع والتقاص فقد فات الغرض بالموت ، لأن هذه الحقوق لا يمكن إجراؤها على بدن الميت.

ص: 195

النفس ، وفوات الغرض لو أريد البدن.

ويمكن الفرق بين التعبير بكفلت فلانا ، وكفلت بدنه (1) ، فيجيب إحضاره مع طلبه في الثاني ، دون الأول ، بناء على ما اختاره المحققون من أن الإنسان ليس هو الهيكل المحسوس (2).

ويضعف (3) بأن مثل ذلك منزل على المتعارف ، لا على المحقق عند الأقل فلا يجب على التقديرين (4) ، (إلا في الشهادة على عينه (5) ليحكم عليه (بإتلافه ، أو المعاملة) له (6) إذا كان قد شهد عليه من لا يعرف نسبه ، بل شهد على صورته فيجب إحضاره ميتا حيث يمكن الشهادة عليه بأن لا يكون قد تغير بحيث لا يعرف (7). ولا فرق حينئذ (8) بين كونه قد دفن وعدمه ، لأن ذلك (9) مستثنى من تحريم نبشه.

______________________________________________________

(1) وقال الشارح في المسالك : (ويمكن الفرق بين أن يكون قد قال في عقد الكفالة : كفلت لك حضور بدنه أو حضور نفسه ، فيجب على الأول إحضاره ميتا إن طلبه منه ، وإلا فلا ، ويبين الثاني على أن الإنسان ما هو؟ ، فإن كان الهيكل المحسوس فكذلك - أي يجب إحضاره - ، وإلا فلا ، إلا أن هذا يضعّف بانتفاء الفائدة في إحضار الميت) انتهى.

(2) بل نفس الإنسان ، هذا والهيكل اسم أعجمي بمعنى الصورة.

(3) أي التفريق باعتبار أنه لو قال كفلت بدنه فيحمل على ما هو المتعارف من الكفالة بإحضاره حيا وعليه فلا فرق بين التعبيرين في عدم وجوب الإحضار بعد الموت.

(4) سواء قال : كفلت نفسه أم كفلت بدنه.

(5) أي على شخصه ، بحيث لو ادعى عليه المكفول له بأنه قد أتلف له شيئا أو عامله بمعاملة ، وأراد إثبات الدعوى عليه بالبينة ، والبينة لا تعرف المكفول بنسبه بل بصورته ، فلا بد من إحضاره لتقع الشهادة على شخصه.

(6) للمكفول له.

(7) ومع عدم المعرفة المسبّبة عن تغيره لا تنفع الشهادة على شخصه فلا معنى لإحضاره حينئذ.

(8) أي حين وجوب إحضاره.

(9) أي إحضاره بعد الدفن.

ص: 196

کتاب الصلح

اشارة

كتاب الصلح

ص: 197

ص: 198

فی جواز الصلح و لزومه

(كتاب الصلح (1)

(وهو جائز مع الإقرار (2) والإنكار (3)

______________________________________________________

(1) وهو مشروع بالاتفاق لقوله تعالى : ( وَالصُّلْحُ خَيْرٌ ) (1) ، وللأخبار ، منها : خبر حفص عن أبي عبد الله عليه السلام (الصلح جائز بين المسلمين) (2) ، ومرسل الصدوق (الصلح جائز بين المسلمين إلا صلحا أحلّ حراما أو حرّم حلالا) (3).

هذا والصلح عقد لقطع المنازعة السابقة أو المتوقعة لإطلاق الأخبار المتقدمة ، وعن بعض العامة تخصيصه بقطع المنازعة السابقة فقط وهو ضعيف.

(2) بحيث أقر شخص بمال عليه لآخر ثم يصالحه عليه بمال آخر أو ببعض المدعى به أو بغير ذلك من منفعة ونحوها ، وهو جائز لعموم الأخبار المتقدمة.

(3) بحيث ادعى شخص على غيره دينا أو مالا فأنكر المدعى عليه فتقع المصالحة بينهما إما بمال آخر أو ببعض المدعى أو بمنفعة ونحوها ، وهو صحيح عندنا أيضا لعموم الأخبار المتقدمة ، وخالف في ذلك الشافعي حيث منعه مع الإنكار نظرا إلى أن المدعى قد عاوض على ما لم يثبت له فلا تصح المعاوضة كما لو باع مال غيره.

هذا ومراد الأصحاب من الصحة هنا هي الصحة الظاهرية ، وأما بحسب الأمر فلا يستبيح كل منهما ما وصل إليه بالصلح إذا كان غير محق واقعا ، فإذا أنكر المدعى عليه المدعى به ظاهرا وهو يعلم أنه غير محق واقعا وصولح على بعض ما عليه في الواقع أو بمال آخر فلا يجوز للمنكر أن يستبيح ما بقي من مال المدعى عينا أو دينا ، فلو صالح

ص: 199


1- 1. سورة النساء ، الآية : 128.
2- (2 و 3) الوسائل الباب -2. من أبواب أحكام الصلح حديث 1 و 2.

عندنا مع سبق نزاع ولا معه (1) ثم إن كان المدعي محقا استباح ما دفع إليه المنكر صلحا (2) وإلا (3) فهو حرام باطنا (4) ، عينا كان (5) أم دينا ، حتى لو صالح عن العين بمال فهي بأجمعها حرام ، ولا يستثنى له (6) منها (7) مقدار ما دفع من العوض ، لفساد المعاوضة في نفس الأمر. نعم لو استندت الدعوى إلى قرينة كما لو وجد بخط مورّثه أن له حقا على أحد فأنكر ، وصالحه (8) على إسقاطها بمال فالمتجه صحة الصلح.

ومثله ما لو توجهت الدعوى بالتهمة ، لأن اليمين حق يصح الصلح على إسقاطها.

(إلا ما أحلّ حراما ، أو حرّم حلالا (9) كذا ورد في الحديث النبويصلى الله عليه وسلم

______________________________________________________

على العين بمال آخر فهي بأجمعها في يده مغصوبة ولا يستثنى له منها مقدار ما دفع لعدم صحة المعاوضة في نفس الأمر.

(1) أي ولا مع سبق نزاع ، بل لدفع نزاع متوقع.

(2) لا إشكال في صحة الصلح في صورة علم المصالح بأنه محق ، فالمال له فكل ما وصل إليه من المنكر منه فهو حقه فيجوز حينئذ الصلح.

(3) أي وإن لم يكن المدعي محقا بل كان يعلم بعدم أحقيته حرم عليه ما يأخذه من المنكر صلحا ، وكذا العكس لو كان المنكر غير محق في إنكاره حرم عليه ما يأخذه من المدعي.

(4) لا ظاهرا ، ولذا قلنا سابقا بكون المراد من الصحة هو الصحة الظاهرية ، وقد صح الصلح ظاهرا لاشتباه المحق من المبطل.

(5) أي المدعى به.

(6) أي للمدعي غير المحق.

(7) من العين.

(8) أي صالح المنكر المدعي على إسقاط الدعوى ، والمصالحة على إسقاط الدعوى مصالحة على إسقاط المدعي لليمين ، لأن اليمين حق للمدعي على المنكر بعد فتح الدعوى عند الحاكم ، وكذا ما لو توجهت الدعوى بالتهمة فيتوجه على المنكر اليمين ، ولا يمكن رده فيمكن هنا للمنكر المصالحة على إسقاط اليمين المتوجه إليه.

(9) بلا خلاف فيه في صورتي الاستثناء للأخبار ، منها : مرسل الصدوق عن رسول الله صلى الله عليه وسلم (الصلح جائز بين المسلمين إلا صلحا أحلّ

ص: 200

وفسر تحليل الحرام بالصلح على استرقاق حر ، أو استباحة بضع لا سبب لاستباحته غيره ، أو ليشرب الخمر ونحوه (1).

وتحريم الحلال بأن لا يطأ أحدهما حليلته ، أو لا ينتفع بماله ونحوه (2) ، والصلح على مثل هذه باطل ظاهرا وباطنا.

وفسر (3) بصلح المنكر على بعض المدعي ، أو منفعته (4) ، أو بدله مع كون أحدهما عالما ببطلان الدعوى ، لكنه هنا (4) صحيح ظاهرا (6) وإن فسد باطنا ، وهو (7) صالح للأمرين معا (8) ، لأنه (9) محلل للحرام بالنسبة إلى الكاذب (10) ، ومحرّم للحلال بالنسبة إلى المحق (11).

وحيث كان عقدا جائزا (12) في الجملة (13) (فيلزم (14) بالإيجاب والقبول

______________________________________________________

حراما أو حرّم حلالا) (1).

(1) فيكون الصلح قد أحلّ هذه المحرمات.

(2) فيكون الصلح قد حرّم هذه المحلّلات.

(3) أي تحريم الحلال.

(4) أي منفعة المدعى به.

(5) في التفسير الثاني لتحريم الحلال.

(6) لاشتباه المحق من الباطل.

(7) أي الصلح على التفسير الثاني لتحريم الحلال.

(8) من تحليل الحرام وتحريم الحلال.

(9) أي الصلح.

(10) لأن مال الغير المعلوم كذلك محرم عليه ، وبالصلح يحلّ له ظاهرا.

(11) لأن متعلق الصلح مال للمحق وهو حلال له ، وبالصلح يحرم عليه ظاهرا.

(12) أي مشروعا.

(13) أي لا في جميع الموارد ، فهو غير جائز عند تحليل الحرام وتحريم الحلال.

(14) لعموم الأمر بالوفاء بالعقود ، هذا واعلم أنه عقد مستقل وأدعي عليه الإجماع كما عن التذكرة والسرائر ، وعن الشيخ في المبسوط أنه فرع على عقود خمسة ، وهو مذهب

ص: 201


1- 1. الوسائل الباب - 3 - من أبواب أحكام الصلح حديث 2.

الصادرين من الكامل) بالبلوغ والرشد (1) (الجائز التصرف) برفع الحجر (2) ، وتصح وظيفة كل من الإيجاب والقبول من كل منهما (3) بلفظ صالحت وقبلت (4) ، وتفريع اللزوم على ما تقدم غير حسن (5) ، لأنه (6) أعم منه (7) ولو عطفه (8) بالواو كان أوضح ، ويمكن التفاته إلى أنه عقد (9) والأصل في العقود اللزوم ، إلا ما أخرجه

______________________________________________________

الشافعي ، فجعله فرع البيع إذا أفاد نقل الملك بعوض معلوم ، وفرع الإجارة إذا وقع على منفعة بعوض معلوم ، وفرع الهبة إذا تضمن ملك العين بغير عوض ، وفرع العارية إذا تضمن إباحة منفعة بغير عوض ، وفرع الإبراء إذا تضمن إسقاط دين أو بعضه ، وقال عنه في الجواهر : (لا وجه له ضرورة فرض عدم القصد به - أي بالصلح - شيئا منها - أي من الأمور الخمسة - ، وإلا كان باطلا لعدم وقوع البيع والهبة مثلا بلفظ الصلح) انتهى ، ويردّ أيضا بأن إفادة عقد فائدة عقد آخر لا يقتضي كونه من أفراده ، ومن هذا البيان تعرف أنه لو قلنا بكونه عقدا مستقلا فهو عقد لازم لما تقدم من لزوم الوفاء بالعقود ، وعلى قول الشيخ يكون جائزا في بعض الموارد كما إذا كان فرع العارية أو الهبة على بعض الوجوه.

(1) كان عليه أن يقول : بالبلوغ والعقل والرشد ، وقد تقدم أن الصبي والمجنون مسلوبا العبارة ، والسفيه محجور عليه.

(2) إذا كان حجره للتفليس.

(3) لعدم الدليل على تقييد الإيجاب من أحدهما.

(4) فالإيجاب بلفظ (صالحت) ، والقبول بلفظ (قبلت).

(5) قد قال الماتن في متنه (كتاب الصلح وهو جائز مع الإقرار والإنكار ، إلا ما أحلّ حراما أو حرّم حلالا فيلزم بالإيجاب والقبول) فقد تكلم عن مشروعية الصلح أولا ثم رتب عليها اللزوم ، وتفريع اللزوم على المشروعية غير حسن ، لأن المشروعية أعم من اللزوم ، إذ قد يكون مشروعا وجائزا ، وعليه فلو عطف اللزوم بالواو الاستئنافية لكان أحسن ، لأنه يشعر بصدد بيان حكم جديد.

(6) أي ما تقدم من المشروعية.

(7) أي أعم من اللزوم.

(8) أي عطف اللزوم.

(9) توجيه لصحة الترتب ، وحاصله أنه إذا ثبت أن الصلح مشروع وجائز فلا بد أن يكون لازما ، لأن الصلح عقد ، وكل عقد لازم للأمر بالوفاء بالعقود إلا ما قام الدليل على تخصيصه.

ص: 202

فی أنه لا یکون طلبه إقرارا

الدليل ، للأمر بالوفاء بها (1) في الآية (2) المقتضي (3) له (4).

(وهو أصل في نفسه (5) على أصح القولين وأشهرهما ، لأصالة عدم الفرعية ، لا فرع البيع ، والهبة ، والإجارة ، والعارية ، والإبراء كما ذهب إليه الشيخ فجعله فرع البيع إذا أفاد نقل العين بعوض معلوم ، وفرع الإجارة إذا وقع على منفعة معلومة بعوض معلوم ، وفرع العارية إذا تضمن إباحة منفعة بغير عوض ، وفرع الهبة إذا تضمن ملك العين بغير عوض ، وفرع الإبراء إذا تضمن إسقاط دين استنادا (6) إلى إفادته (7) فائدتها (8) حيث يقع على ذلك الوجه فيلحقه حكم ما ألحق به.

وفيه إن إفادة عقد فائدة آخر لا تقتضي الاتحاد ، كما لا تقتضي الهبة بعوض معين فائدة البيع.

(ولا يكون طلبه إقرارا (9) لصحته مع الإقرار والإنكار ، ونبّه به على خلاف بعض العامة الذاهب إلى عدم صحته مع الإنكار حيث فرّع عليه (10) أن طلبه إقرار ،

______________________________________________________

(1) بالعقود.

(2) وهي قوله تعالى : ( أَوْفُوا بِالْعُقُودِ ) (1).

(3) أي والأمر بالوفاء.

(4) للزوم.

(5) قد تقدم الكلام فيه ، والمخالف هو الشيخ في المبسوط.

(6) تعليل لكون الصلح فرعا للأمور الخمسة.

(7) أي إفادة الصلح.

(8) أي فائدة الأمور الخمسة.

(9) أي لا يكون طلب الصلح إقرارا ، لأن الصلح على ما تقدم يصح مع الإقرار والإنكار ، فهو أعم من الإقرار ، وطلب الأعم لا يعني الإقرار بالأخص ، نعم على مذهب الشافعي خص الصلح بالإقرار فقط ، فطلب الصلح حينئذ إقرار ، لأن الإقرار هو مصداقه الوحيد.

(10) على عدم صحة الصلح مع الإنكار.

ص: 203


1- 1. سورة المائدة ، الآية : 1.

فی ما لو اصطلح الشریکان علی أخذ أحدهما رأس المال و الباقی للآخر

لأن إطلاقه ينصرف إلى الصحيح وإنما يصح مع الإقرار فيكون مستلزما له.

(ولو اصطلح الشريكان على أخذ أحدهما رأس المال والباقي للآخر (1) ربح ، أو خسر صح عند انقضاء الشركة) وإرادة فسخها لتكون الزيادة مع من هي معه بمنزلة الهبة ، والخسران على من هو عليه بمنزلة الإبراء.

(ولو شرطا (2) بقائهما على ذلك (3) بحيث ما يتجدد من الربح والخسران لأحدهما ، دون الآخر (ففيه نظر) من مخالفته (4) لوضع الشركة حيث إنها تقتضي

______________________________________________________

(1) وكان الصلح عند انتهاء الشركة ، بحيث اصطلحا على أن يكون لأحدهما رأس ماله وللآخر الربح والخسران صح الصلح بلا خلاف فيه ، لصحيح الحلبي عن أبي عبد الله عليه السلام (في رجلين اشتركا في مال فربحا فيه ، وكان من المال دين وعليهما دين ، فقال أحدهما لصاحبه : أعطني رأس المال ولك الربح وعليك التوى ، فقال عليه السلام : لا بأس إذا اشترطاه فإذا كان شرط يخالف كتاب الله عزوجل فهو رد على كتاب الله عزوجل) (1).

ولكن بما أن وضع الشركة شرعا يقتضي أن يكون الربح لهما والخسارة عليهما ، فهذا الصلح يكون مخالفا لمقتضى الشركة ولذا حمل على أن الربح والزيادة مع من هي معه بمنزلة الهبة من الآخر له ، والخسران على من هو عليه بمنزلة الإبراء منه للآخر.

(2) أي الشريكان.

(3) أي على إبقاء رأس المال لأحدهما والخسران والربح للآخر ، وكان الصلح في أثناء الشركة أو في ابتدائها ، فقد ذهب الماتن في الدروس إلى المنع ، لعدم تسميته صلحا بل هو شرط وهو شرط على خلاف مقتضى عقد الشركة والصحيح المتقدم ظاهر في انتهاء الشركة فلا يشمل المقام حيث ورد في الخبر (فربحا فيه) وهو ظاهر في الانتهاء ، فلو كان صلحا وهو في الابتداء أو الأثناء فلا يكون مشمولا للخبر ، وتبعه عليه المحقق الثاني والشارح في المسالك ، وعن غيره الصحة تمسكا بإطلاق الخبر لعدم اختصاصه بصورة انتهاء الشركة ، هذا إذا كان صلحا ، ولو كان شرطا فهو نافذ لعموم (المؤمنون عند شروطهم) (2).

(4) أي مخالفة الشرط ، وهو دليل منع هذا الشرط.

ص: 204


1- 1. الوسائل الباب - 4 - من أبواب كتاب الصلح حديث 1.
2- 2. الوسائل الباب - 20 - من أبواب المهر حديث 4.

فی أنه یصح الصلح علی کل من العین و المنفعة

كونهما (1) على حسب رأس المال ، ومن إطلاق الرواية (2) بجوازه (3) بعد ظهور الربح من غير تقييد بإرادة القسمة صريحا فيجوز (4) مع ظهوره (5) ، أو ظهور الخسارة مطلقا (6).

ويمكن أن يكون نظره (7) في جواز الشرط مطلقا وإن كان في ابتداء الشركة ، كما ذهب إليه الشيخ وجماعة زاعمين أن إطلاق الرواية يدل عليه (8) ، ولعموم «المسلمون عند شروطهم». والأقوى المنع. وهو مختاره في الدروس.

(ويصح الصلح على كل من العين ، والمنفعة بمثله (9) ، وجنسه (10) ومخالفه (11) لأنه بإفادته (12) فائدة البيع صح على العين (13) ، وبإفادته فائدة الإجارة صح على المنفعة ، والحكم في المماثل ، والمجانس ، والمخالف فرع ذلك (14) ، والأصل (15)

______________________________________________________

(1) أي كون الربح والخسران.

(2) دليل صحة الشرط.

(3) بجواز الشرط.

(4) أي الشرط.

(5) أي مع ظهور الربح.

(6) سواء أراد الفسخ أم لا.

(7) أي تنظر المصنف فيكون شاملا لجواز الشرط في الابتداء والأثناء ، وهذا معنى الإطلاق.

(8) أي على جواز الشرط.

(9) أي بفرد من صنفه.

(10) أي بفرد من جنسه.

(11) كما لو صالح على عين بالمنفعة أو بالعكس ، وجواز الصلح في هذه الصور لعموم مشروعية الصلح ، بل لا يختص جوازه بما ذكر فلو صالح على مثل إسقاط خيار أو إسقاط حق الشفعة أو إسقاط أولوية في تحجير أو سوق أو مسجد صح أيضا للعموم.

(12) أي لأن الشأن بإفادة الصلح.

(13) أي لكون الصلح يفيد فائدة البيع صح تعلقه بالعين ، ولأنه يفيد فائدة الإجازة صح تعلقه بالمنفعة.

(14) أي فرع تعلقه بالعين أو المنفعة.

(15) وهو أصالة الصحة في العقود.

ص: 205

فی ما لو ظهر استحقاق العوض المعین

والعموم (1) يقتضيان صحة الجميع ، بل ما هو أعم منها (2) كالصلح على حق الشفعة (3) والخيار وأولوية التحجير ، والسوق ، والمسجد بعين ومنفعة وحق آخر ، للعموم (4).

(ولو ظهر استحقاق العوض المعين) من أحد الجانبين (بطل الصلح) (5) كالبيع ، ولو كان مطلقا (6) رجع ببدله ، ولو ظهر في المعين عيب فله الفسخ (7).

وفي تخييره بينه (8) وبين الأرش وجه قوي ، ولو ظهر غبن لا يتسامح بمثله (9) ففي ثبوت الخيار كالبيع وجه قوي ، دفعا للضرر المنفي الذي يثبت بمثله الخيار في البيع.

______________________________________________________

(1) أي عموم مشروعية الصلح.

(2) من العين والمنفعة.

(3) حيث إن حق الشفعة وما يتلوها ليس عينا ولا منفعة.

(4) عموم مشروعية الصلح.

(5) لو ظهر أن أحد العوضين المعينين في عقد الصلح مستحق للغير أو أنه لا يصح تملكه كالخمر والخنزير بطل الصلح بلا خلاف فيه ضرورة أن العوضين في الصلح هما من أركانه ، وإذا انتفى أحد الركنين بطل الصلح حينئذ ، ولا يقاس ما هنا على المهر في النكاح الذي لا يوجب فساد العوض فسادا في عقد النكاح ، بل يرجع إلى مهر المثل ، لحرمة القياس ، ولعدم العوض المقرر شرعا هنا في الصلح لو بطل العوض المعيّن بخلاف المهر فلو بطل لثبت مهر المثل.

ثم هذا كله إذا كان العوض معيّنا ، ولو كان العوض كليا بالذمة وكان ما دفعه خارجا مستحقا للغير رجع ببدله ولا فساد في العقد.

(6) أي غير معيّن وهذا لا يكون إلا في الذمة.

(7) لو ظهر العيب في المعيّن لا يبطل العقد لوجود العوض ولو بالجملة ، هذا ووجود العيب في العوض موجب لثبوت الخيار لقاعدة نفي الضرر ، ولكن هل يثبت له الأرش أيضا قياسا على ظهور العيب في أحد العوضين في البيع حيث يثبت له التخيير بين الفسخ والأرش ، أو لا يثبت له الأرش ، لأن إثبات الفسخ له دافع للضرر المترتب عليه لو ألزم بقبول العوض المعيب ، فإثبات الأرش بعد دفع الضرر بحاجة إلى دليل وهو منتف ، مع أن الأصل عدم ثبوت الأرش.

(8) أي بين الفسخ.

(9) مع جهالة المغبون ، ويثبت له الخيار كما يثبت الخيار في البيع للغبن ، لقاعدة نفي الضرر ، وهي التي أثبتت الخيار في البيع عند ظهور الغبن فيه.

ص: 206

فی أنه لا یعتبر فی الصلح علی النقدین القبض فی المجلس

فی ما لو أتلف علیه ثوبا یساوی درهمین فصالح علی أکثر

(ولا يعتبر في الصلح على النقدين القبض في المجلس (1) ، لاختصاص الصرف بالبيع ، وأصالة الصلح (2) ، ويجي ء على قول الشيخ اعتباره (3).

وأما من حيث الربا كما لو كانا من جنس واحد فإن الأقوى ثبوته فيه (4) ، بل في كل معاوضة ، لإطلاق التحريم في الآية (5) ، والخبر (6).

(ولو أتلف عليه ثوبا يساوي درهمين فصالح على أكثر ، أو أقل فالمشهور الصحة (7) ، لأن مورد الصلح الثوب ، لا الدرهمان.

______________________________________________________

(1) لما ثبت أن الصلح ليس فرعا للبيع ، وإنما هو عقد مستقل ، فلا يعتبر فيه ما اعتبر في بيع الصرف من التقابض في المجلس ، لأن أدلة التقابض مختصة بالبيع والصلح غير البيع ، نعم على مذهب للشيخ حيث جعله فرعا للبيع فيلحقه حكمه.

(2) أي كون الصلح أصلا برأسه.

(3) أي اعتبار القبض في المجلس.

(4) أي ثبوت الربا في الصلح وإن جعل عقدا مستقلا ، لإطلاق تحريم أدلة الربا ، وقد تقدم بحثه في كتاب البيع.

(5) وهي قوله تعالى : ( وَحَرَّمَ الرِّبٰا ) (1).

(6)

(7) الثوب من القيمي ، وعليه فإذا أتلف قيميّا فهل يثبت في ذمته مثله أو قيمته ، فإن قلنا بالأول فالثابت ثوب مماثل له ، وهذا الثوب وإن كان يساوي درهمين ولكن لو صالحه على الثوب بدرهمين أو أكثر أو أقل فالصلح جائز ، ولا ربا فيه لتغاير جنس العوضين مع عدم كون الثوب مما يكال أو يوزن ، وهذا ما ذهب إليه المشهور ، ويدل عليه عموم النبوي (على اليد ما أخذت حتى تؤدي) (2) ، لأنه ظاهر في ثبوت نفس الثوب عليه ، والانتقال إلى قيمته لعدم إمكان أداء نفسه لأنه تالف ، ولعدم إمكان مثله لعدم معرفة مثل له.

وعلى الثاني فيثبت في ذمة التالف قيمته وهو درهمان ، فلو صالحه على الأقل أو الأكثر فالصلح باطل لأنه ربا ، وهذا ما ذهب إليه الشهيدان في الدروس والمسالك والمحقق

ص: 207


1- 1. سورة البقرة ، الآية : 275.
2- 2. سنن البيهقي ج 6 ص 90.

وهذا إنما يتم على القول بضمان القيمي بمثله ، ليكون الثابت في الذمة ثوبا فيكون هو متعلق الصلح ، أما على القول الأصح من ضمانه بقيمته فاللازم لذمته إنما هو الدرهمان فلا يصح الصلح عليهما بزيادة عنهما ولا نقصان مع اتفاق الجنس ، ولو قلنا باختصاص الربا بالبيع (1) توجه الجواز أيضا ، لكن المجوّز لا يقول به (2).

(ولو صالح منكر الدار على سكنى المدعي (3) سنة فيها صح) للأصل (4) ، ويكون هنا مفيدا فائدة العارية ، (ولو أقرّ بها ثم صالحه على سكنى المقر صح (5)

______________________________________________________

الثاني في جامع المقاصد ، بل ونسب الحكم إلى الشيخ في الخلاف والمبسوط ، لأن الخبر المتقدم ظاهر في ردّ ما أخذ هذا إن وجد ، وإن تلف فعليه ردّ قيمته.

(1) كما هو مذهب غير المشهور ، والمتجه هنا الصحة حينئذ لأن الصلح هنا على الدرهمين بأقل منها أو أزيد ليس من الربا بعد اختصاصه بالبيع ، إلا أنه مبنى ضعيف كما تقدم في كتاب البيع هذا من جهة ، ومن جهة أخرى لو سلم أن قيمة الثوب هي الثابتة في الذمة ولكن لا تختص القيمة بالدراهم أو الدنانير ، بل يجوز أن يكون ما في الذمة أمرا كليا ، بمعنى أنه يلزمه ضمان ما يساوي الدرهمين ، سواء كان من جنس الدراهم أم الدنانير أم غيرهما ، لا خصوص الدرهمين ، وعليه فلو وقع صلحا في قبالهما أقل من الدرهمين فلا يلزم الربا لعدم اتحاد جنس العوضين.

(2) بالمبنى من اختصاص الربا بالبيع.

(3) لو ادعى زيد دارا فأنكر من هي في يده ، ثم صالحه المنكر على إسقاط دعواه في قبال سكنى الدار سنة مثلا ، صح الصلح بلا خلاف ولا إشكال ، لعموم جواز ومشروعية الصلح ، ويكون هذا الصلح مفيدا فائدة العارية ، لأنه انتفاع بالمنفعة لمدة معلومة بغير عوض.

(4) أما أصالة الصحة في العقود ، وإما لوجود مقتضى الصحة هنا لمشروعية الصلح بعد عدم المانع.

(5) لو ادعى زيد الدار فأقر من هي في يده ، ثم قام المدعي وهو المقر له وصالح المقرّ على أن يسكن المقر الدار سنة صح الصلح لعموم جواز الصلح ، ولأن الصلح مع الإقرار جائز على ما تقدم ، وفي كلتا الصورتين يكون الصلح لازما لعموم ( أَوْفُوا بِالْعُقُودِ ) (1) بعد كون الصلح عقدا مستقلا وليس فرعا على غيره.

ص: 208


1- 1. سورة المائدة ، الآية : 1.

مسائل

اشارة

أيضا ، (ولا رجوع) في الصورتين لما تقدم من أنه عقد لازم ، وليس فرعا على غيره.

(وعلى القول بفرعية العارية ، له الرجوع (1) في الصورتين لأن متعلقه (2) المنفعة بغير عوض فيهما (3). والعين الخارجة من يد المقر ليست عوضا عن المنفعة الراجعة إليه ، لثبوتها للمقر له بالإقرار قبل أن يقع الصلح ، فلا يكون (4) في مقابلة المنفعة عوض فيكون (5) عارية يلزمه حكمها من جواز الرجوع فيه (6) عند القائل بها (7).

(ولما كان الصلح مشروعا لقطع التجاذب والتنازع) بين المتخاصمين بحسب أصله ، وإن صار بعد ذلك أصلا مستقلا بنفسه لا يتوقف على سبق خصومة (ذكر فيه أحكام من التنازع) بحسب ما اعتاده المصنفون ، (ولنشر) في هذا المختصر (إلى بعضها في مسائل) :

______________________________________________________

(1) على القول بفرعية الصلح وليس عقدا مستقلا ، ففي صورة الإنكار فيكون المنكر قد صالح المدعى على سكنى الدار سنة بغير عوض ، لأن الصلح قد وقع على سكنى الدار في قبال إسقاط الدعوى ، وإسقاطها ليس عوضا يتملكه المنكر ، والعارية بغير عوض مما يجوز للمعير فسخها فالصلح الذي يفيد ذلك مما يجوز للمنكر هنا فسخه حينئذ. وفي صورة الإقرار والصلح هنا من الذي قد أعترف له وهو المدعى على سكنى المقر الدار سنة ، فالصلح على منفعة بغير عوض وهو فرع العارية ، والعارية من دون عوض مما يجوز للمعير فسخها فيجوز للمدعى هنا فسخ الصلح كذلك.

هذا والشارح في المسالك جعل الصلح في صورة الإقرار مما يفيد المنفعة بعوض ، لأنه قد وقع على سكنى الدار في قبال خروج العين عن يد المقر ، وعليه فالعارية بعوض لازمة فلا يجوز فسخ الصلح في صورة الإقرار.

(2) أي متعلق الصلح.

(3) في الصورتين.

(4) واسمه متأخر.

(5) أي الصلح.

(6) في الصلح.

(7) بالعارية.

ص: 209

الأولی - لو کان بیدهما درهمان فادعاهما أحدهما

(الأولى - لو كان بيدهما درهمان (1) فادعاهما أحدهما ، وادعى الآخر أحدهما) خاصة (فللثاني نصف درهم) لاعترافه باختصاص غريمه بأحدهما ، ووقوع النزاع في الآخر مع تساويهما فيه يدا ، فيقسّم بينهما بعد حلف كل منهما لصاحبه على استحقاق النصف ، ومن نكل منهما قضي به للآخر ، ولو نكلا معا ، أو حلفا (2)

______________________________________________________

(1) وادعاهما أحدهما ، وقد ادعى الآخر أحد الدرهمين ، كان لمدعيهما درهم ونصف ، وللآخر نصف درهم ، لأن مدعي أحد الدرهمين لا يدعي الدرهم الآخر ، وهذا الدرهم الآخر يكون للآخر بلا منازع ، لأنه تحت يده ويدعيه بدون معارض.

وأما الدرهم الأول فمدعي الدرهمين يدعيه ، وكذا مدعي الدرهم ، والدرهم تحت أيديهما ، فكل منهما مدع ومنكر فيتحالفان ، ويعطى كل واحد منهما نصف درهم ، فيكون لمدعي الدرهمين درهم ونصف ، ولمدعي الدرهم نصف درهم ، ويدل عليه فضلا عن مقتضى قاعدة التحالف المتقدمة أخبار ، منها : صحيح عبد الله بن المغيرة عن غير واحد من أصحابنا عن أبي عبد الله عليه السلام (في رجلين كان معهما درهمان فقال أحدهما : الدرهمان لي ، وقال الآخر : هما بيني وبينك ، فقال أبو عبد الله عليه السلام : أما الذي قال هما بيني وبينك فقد أقرّ بأن أحد الدرهمين ليس له وأنه لصاحبه ، ويقسّم الدرهم الثاني بينهما نصفين) (1) ، ومثله مرسل محمد بن أبي حمزة (2).

هذا وقاعدة التحالف تقتضي الحلف مع أن النصوص خالية عنه ، وقد ذكر العلامة في التذكرة لزوم الحلف جمعا بين النصوص والقاعدة وعليه فإن حلفا قسّم الدرهم بينهما ، ومن نكل منهما قضي به للآخر ، ولو نكلا معا أو حلفا اليمين المردودة فيقسم بينهما أيضا ، واستحسنه في المسالك سواء كان مدعي الدرهم يدعي درهما معينا أم مشاعا ، وأما الشهيد في الدروس فقد ذهب إلى إذا مدعي الدرهم إذا ادعى الدرهم المشاع فالدرهمان بينهما مناصفة بعد حلف مدعي الدرهم للآخر على نفي دعواه عن الجميع ، لأن النصف من الدرهمين بيد مدعي الدرهمين ، وكذا النصف الآخر بيد مدعي الدرهم ، فمدعي التمام خارج بالنسبة إلى النصف الذي تحت يد مدعي الدرهم ، فيكون مدعي التمام مدعيا ومدعي الدرهم منكرا بالنسبة لما تحت يده فيحلف المنكر ويأخذ ما في يده من النصف ، وأما النصف الآخر فهو تحت يد مدعي التمام بدون معارضة فهو له ، وعليه فلا يجري التحالف.

(2) وكان الحلف لليمين المردودة.

ص: 210


1- (1 و 2) الوسائل الباب -1. من أبواب الصلح 1 وملحقه.

قسّم بينهما نصفين ، (وللأول الباقي) قال المصنف في الدروس : ويشكل إذا ادعى الثاني النصف مشاعا فإنه تقوى القسمة (1) نصفين ، ويحلف الثاني للأول ، وكذا في كل مشاع ، وذكر فيها (2) أن الأصحاب لم يذكروا هنا يمينا ، وذكروا المسألة في باب الصلح فجاز (3) أن يكون الصلح قهريا ، وجاز أن يكون اختياريا ، فإن امتنعا (4) فاليمين. وما حكيناه نحن من اليمين ذكره العلامة في التذكرة أيضا فلعل المصنف يريد أن الكثير لم يذكره.

(وكذا لو أودعه رجل درهمين ، وآخر درهما (5) وامتزجا (6) لا بتفريط (7) ،

______________________________________________________

(1) أي قسمة الدرهمين.

(2) في الدروس.

(3) أي أن الأصحاب قد ذكروا المسألة في باب الصلح مع أن المسألة ليست من هذا الباب فيجوز أن يكون ذكرهم للمسألة في باب الصلح أن الصلح فيها قهري أو اختياري.

(4) بناء على كون الصلح اختياريا وقد امتنعا فلا بد من يمين الثاني للأول بناء على مبنى الشهيد في الدروس ، لأن هذا الكلام من تتمة كلامه هناك.

(5) لو وضع زيد درهمين عند ودعي ، ووضع عمرو درهما عند نفس الودعي ، وامتزجا لا بتفريط منه ، ثم تلف أحد الدراهم كذلك ، أي لا بتفريط من الودعي ، فالمشهور بين الأصحاب أن لصاحب الدرهمين درهما ونصفا ، ولصاحب الدرهم نصف درهم ، وذلك لأن أحد الدرهمين الباقيين هو لصاحب الدرهمين بلا إشكال فيه ، والدرهم الآخر كما يحتمل أن يكون لصاحب الدرهمين فيحتمل أن يكون لصاحب الدرهم ، ولا مرجح لأحدهما على الآخر ، فمقتضى العدل تنصيفه نصفين بينهما ، ويدل عليه خبر السكوني عن الصادق عن أبيه عليه السلام (في رجل استودع رجلا دينارين فاستودعه آخر دينارا فضاع دينار منها ، قال : يعطى صاحب الدينارين دينارا ، ويقسّم الآخر بينهما نصفين) (1).

وهذا الخبر مطابق لمقتضى قاعدة العدل المتقدمة ، وكل من الخبر والقاعدة لا يقتضي الحلف ، نعم الشهيد في الدروس استشكل في ذلك ومال إلى القرعة ، لأنها لكل أمر مشكل ، وهنا تعيين مالك الدرهم الثاني الباقي مشكل فمجراه القرعة.

(6) يراد بالامتزاج هو الاشتباه لا عدم التمييز بين المالين.

(7) من الودعي ، وإلا لو كان بتفريط منه فيضمن درهما مكان التالف ، ويكون لصاحب الدرهمين درهمان ، ولصاحب الدرهم درهم.

ص: 211


1- 1. الوسائل الباب - 12 - من أبواب الصلح حديث 1.

(وتلف أحدهما (1) فإنه يختص ذو الدرهمين بواحد ، ويقسم الآخر بينهما.

هذا هو المشهور بين الأصحاب ، ورواه السكوني عن الصادق عليه السلام.

ويشكل هنا مع ضعف المستند (2) بأن التالف لا يحتمل كونه لهما (3) ، بل من أحدهما خاصة ، لامتناع الإشاعة هنا فكيف يقسم الدرهم بينهما ، مع أنه مختص بأحدهما قطعا.

والذي يقتضيه النظر ، وتشهد له الأصول الشرعية : القول بالقرعة في أحد الدرهمين ، ومال إليه المصنف في الدروس ، لكنه لم يجسر على مخالفة الأصحاب ، والقول في اليمين كما مر (4) من عدم تعرض الأصحاب له.

وربما امتنع (5) هنا إذا لم يعلم الحالف عين حقه.

واحترز بالتلف لا عن تفريط عما لو كان بتفريط فإن الودعي يضمن التالف فيضم إليهما ويقتسمانها من غير كسر ، وقد يقع مع ذلك (6) التعاسر (7) على العين

______________________________________________________

(1) لا بتفريط من الودعي أيضا ، وإلا يجري فيه الحكم السابق ، وكان الأحسن تأخير قيد (لا بتفريط) لما بعد التلف.

(2) لأن السكوني عامي ، وفيه : إنه ثقة ومنجبر بعمل الأصحاب ، وموافق لقاعدة العدل والإنصاف.

(3) لأن الدرهم التالف من أحدهما قطعا ، وليس من كليهما ، فالتالف إما درهم من درهمي زيد وإما درهم عمرو ، فكيف جعل المشهور التلف عليهما معا مع أنه مختص بأحدهما.

(4) فالأصحاب في المسألة السابقة لم يحكموا باليمين تمسكا بالنصوص وإن كانت القاعدة تفرض الحلف ، فهنا لم يذكروا اليمين مع إطلاق النص وقاعدة العدل والإنصاف لا تقتضيه.

(5) أي الحلف ، لأن كلا منهما لا يعلم أن الدرهم الباقي هو عين ماله ، ومعه لا جزم فكيف يحلف على أنه له.

(6) أي مع ضم الودعي درهما ثالثا.

(7) إذ قد يدعي أحدهما أن ماله في الدرهمين الباقيين ، أو يدعي كل منهما أن ماله في هذين الدرهمين فيبقى التعاسر على حاله وإن ضم الودعي درهما ثالث ، فالمتجه القرعة حينئذ ، لأنها لكل أمر مشكل ، وتعيين مال كل منهما مشكل فالمرجع القرعة.

ص: 212

الثانیة - یجوز جعل السقی بالماء عوضا للصلح

فيتجه القرعة ، ولو كان بدل الدراهم مالا يمتزج أجزاؤه بحيث لا يتميز (1) وهو متساويها كالحنطة والشعير وكان لأحدهما قفيزان مثلا ، وللآخر قفيز ، وتلف قفيز بعد امتزاجهما بغير تفريط فالتالف على نسبة المالين ، وكذا الباقي فيكون لصاحب القفيزين قفيز وثلث ، وللآخر ثلثا قفيز. والفرق أن الذاهب هنا عليهما معا ، بخلاف الدراهم ، لأنه مختص بأحدهما قطعا.

(الثانية - يجوز جعل السقي بالماء عوضا للصلح (2) بأن يكون مورده (3) أمرا آخر من عين ، أو منقعة ، (و) كذا يجوز كونه (4) (موردا له) (5) ، وعوضه أمرا آخر

______________________________________________________

(1) كما لو أودع زيد عند رجل قفيزين من حنطة وأودع عمرو قفيزا عنده ، فامتزجا واختلطا ولم تتميز الأجزاء ، ثم تلف قفيز بغير تفريط من الودعي ، فالباقي وهو القفيزان مما تحصل فيه الشركة قهريا ، لأنه بعد الامتزاج أصبحت الأقفزة الثلاثة مالا مشتركا للاثنين ، فإذا تلف قفيز فالتلف عليهما بنسبة المالين ، فعلى صاحب القفيزين تلف ثلثي قفيز ، وعلى صاحب القفيز تلف ثلث قفيز.

والفرق بين هذا الفرع وبين سابقه هو أن المال هنا كان شراكة بعد المزج فالتلف عليهما ، والمال هناك لم يقع موردا للشركة فالتلف من أحدهما خاصة.

(2) أصل المسألة فيما لو ادعى شخص على آخر بشي ء ، فأنكر المدعى عليه أو أقر ولكنه صالح المدعي على أن يستقي شجر المدعي بماء المدعى عليه في قبال ما ادعي به ، فقال الشيخ : لا يصح هذا الصلح ، لأن العوض وهو الماء مجهول ، بناء على كون هذا الصلح فرعا للبيع ، وكما لا يصح البيع بعوض مجهول فكذا الصلح المتفرع عليه.

وغيره قائل بالصحة إما لأن الصلح ليس فرعا للبيع فالشرط في البيع من معلومية العوض لا يجري في الصلح إلا بدليل ، وهو منتف ، وإما لو سلمنا كما هو الحق من لا بدية العلم بالعوض سواء قلنا بفرعية الصلح أم كونه عقدا مستقلا ، فمجهولية الماء هنا لا تضر بصحة المعاملة ، لأنه يصح بيع ماء الشرب الموجود في العين أو النهر فيما لو قدّر بمدة معينة مع المشاهدة ، وإذا جاز ذلك في البيع فيجوز في الصلح ، والمشاهدة مع العلم بالمدة تغني عن العلم بالمقدار فلا جهالة حينئذ.

(3) أي مورد الصلح بحيث يصالحه على العين التي ادعاها في قبال ماء السقي ، ويكون ماء السقي عوضا عن مورد الصلح من العين أو المنفعة.

(4) أي ماء السقي.

(5) أي للصلح بحيث يقع الصلح على ماء السقي في قبال عين أو منفعة ، فتكون العين أو المنفعة عوضا عن مورد الصلح.

ص: 213

كذلك (1) ، وكذا لو كان أحدهما (2) عوضا ، والآخر موردا (3) كل ذلك مع ضبطه (4) بمدة معلومة ، ولو تعلق بسقي شي ء مضبوط (5) دائما (6) ، أو بالسقي بالماء أجمع (7) دائما (8) وإن جهل المسقى لم يبعد الصحة (9) ، وخالف الشيخ رحمه الله في الجميع محتجا بجهالة الماء ، مع أنه جوز بيع ماء العين والبئر (10) ، وبيع جزء مشاع منه (11) ، وجعله عوضا للصلح (12) ، ويمكن تخصيصه (13) المنع هنا بغير المضبوط كما اتفق مطلقا في عبارة كثير.

(وكذا) يصح الصلح (على إجراء الماء على سطحه (14) ، أو ساحته) جاعلا

______________________________________________________

(1) من عين أو منفعة.

(2) أي أحد السقيين.

(3) بحيث يصالحه على سقي زرع في قبال سقي زرع له.

(4) أي ضبط السقي.

(5) بحيث تعلق الصلح بسقي هذا البستان ، وهو شي ء مضبوط لا ينقص ولا يزيد.

(6) أي وكون السقي في كل أسبوع مرة مثلا.

(7) بحيث تعلق الصلح بسقي هذا الماء المعلوم بالمشاهدة ، وإن جهل المسقى وهو البستان.

(8) أي في كل أسبوع مرة مثلا.

(9) ففي الصورة الثانية المشاهدة قد وقعت على مجموع الماء وهي تغني عن العلم بمقداره ، وفي الصورة الأولى ما دام قد عرف المسقى فيعرف ما يحتاجه من ماء وهو يغني عن العلم بمقداره ، وجهالة المقدار وعدم العلم به في كل الصور مغتفرة لأن المشاهدة تغني عن العلم كما هو واضح.

(10) للشرب مع عدم معرفة كميّة الماء مع حصول المشاهدة.

(11) من ماء العين والبئر.

(12) أي جعل الشيخ الماء المشاهد للشرب عوضا للصلح ، فعليه أن يقول بجواز جعل الماء المشاهد للسقي عوضا للصلح ، لأن الفرق بينهما غير فارق ما دامت المشاهدة في كليهما تغني عن العلم بالمقدار.

(13) أي تخصيص الشيخ للمنع هنا في عوض الصلح على ماء السقي من ناحية أن السقي غير معين بمدة مضبوطة كما اتفق عدم الضبط في عبارات الكثير من الفقهاء.

وفيه : إن عبارات الكثير من الفقهاء وإن كانت مطلقة من ناحية الضبط إلا أن مرادهم منها المقيّد بمدة معلومة حتى ترتفع الجهالة وتكون المشاهدة مغنية عن العلم بالمقدار.

(14) بحيث صالح المدعي المدعى عليه في قبال المدعى به على أن يجري المدعى عليه ماء

ص: 214

له (1) عوضا وموردا (بعد العلم بالموضع الذي يجري منه الماء) بأن يقدّر مجراه طولا وعرضا ، لترتفع الجهالة على المحل المصالح عليه ، ولا يعتبر تعيين العمق ، لأن من ملك شيئا ملك قراره مطلقا (2) ، لكن ينبغي مشاهدة الماء (3) ، أو وصفه (4) ، لاختلاف الحال (5) بقلّته ، وكثرته ، ولو كان ماء مطر (6) اختلف أيضا بكبر ما يقع عليه وصغره فمعرفته تحصل بمعرفته محله ، ولو سقط (7) السطح بعد الصلح أو احتاجت الساقية (8) إلى إصلاح فعلى مالكهما (9) ،

______________________________________________________

المدعي على سطح أرض المدعى عليه أو ساحته ليصل الماء إلى أرض المدعي ، فيكون جريان الماء على السطح أو الساحة عوضا عن العين ، والصلح فيه جائز بلا خلاف ولا إشكال لعموم أدلة مشروعية الصلح ، نعم لا بد أن يعلم موضع الجريان من أرض المدعى عليه ، بحيث يعلم طوله وعرضه لترتفع الجهالة ، لأن جريان الماء بعرض متر هو أقل من جريانه بعرض مترين ، وجريانه بطول عشرة أمتار في أرض المدعى عليه هو أقل من جريانه بطوله عشرين ، وهكذا ، لا يعتبر تعيين العمق كما عليه الشهيدان ، لأن المدعي هنا قد ملك المجرى بالمصالحة ، ومن ملك شيئا ملك قراره إلى تخوم الأرض ، واستشكل عليهما في الجواهر بأنه ملك استحقاق إجراء الماء لا أنه ملك المجرى وعليه لا بد من تعيين العمق.

(1) للجريان.

(2) قليلا كان أو كثيرا.

(3) بالنسبة للمدعى عليه لأن الماء سيجري في أرضه ، فلا بد من رؤيته ورؤية جريانه لترتفع الجهالة ، لأن الماء الكثير قويا في جريانه بخلاف الماء القليل ، والقوي موجب للضرر في حال المجرى فتشترط رؤيته ، ولذا قال في المسالك : (وقد أطلق المصنف وغيره حكم الماء من غير أن يشترطوا مشاهدته لرفع الغرر ، ولا بأس باعتباره - أي اعتبار المشاهدة - لاختلاف الأغراض بقلته وكثرته) انتهى.

(4) كقوته.

(5) أي حال المجرى في التضرر بكثرة الرطوبة وكثرة الدفع.

(6) بحيث وقع الصلح على جريان ماء المطر في أرض المدعى عليه ، فيشترط علم المدعى عليه بكميّة ماء المطر ، وتعرف الكمية بمعرفة الموطن الذي يسقط فيه.

(7) سقوطا مانعا من جريان الماء عليه.

(8) أي مجرى الماء.

(9) على نحو الوجوب ، لأن جريان الماء متوقف على الإصلاح ، فيجب الإصلاح حينئذ من

ص: 215

الثالثة - لو تنازع صاحب السفل و العلو فی جدار البیت

لتوقف الحق (1) عليه ، وليس على المصالح مساعدته.

(الثالثة - ولو تنازع صاحب السفل (2) والعلو في جدار البيت (3) حلف صاحب السفل) ، لأن جدران البيت كالجزء منه (4) فيحكم بها لصاحب الجملة وقيل : تكون بينهما ، لأن حاجتهما إليه واحدة (5) والأشهر الأول ، (و) لو تنازعا (في جدران الغرفة يحلف صاحبها (6) لما ذكرناه من الجزئية ، ولا إشكال هنا ، لأن صاحب البيت لا تعلق له به (7) إلا كونه موضوعا على ملكه ، وذلك لا يقتضي الملكية ، مع معارضة اليد ، (وكذا) يقدم قول صاحب الغرفة لو تنازعا (في سقفها) (8) الذي هو فوقها ،

______________________________________________________

باب وجوب المقدمة ، والإصلاح على المالك لأنهما ملكه فالغرم عليه كما كان الغنم له.

(1) أي حق المصالح من جريان الماء فهو متوقف على الإصلاح.

(2) قال في المصباح : (والسفل خلاف العلو ، بالضم ، والكسر لغة ، وابن قتيبة يمنع الضم) انتهى.

(3) لو تنازع صاحب الأسفل مع صاحب الأعلى في جدران البيت الحاملة للأعلى ، فالمشهور أن القول قول صاحب الأسفل مع يمينه ، لأن جدران البيت المتنازع في ملكيتها جزء من البيت الأسفل ، وهو تحت يد صاحب الأسفل ، فالأعلى مدع والأسفل منكر ، فيقدم قول الأسفل مع يمينه.

وقال ابن الجنيد : إن جدران البيت بينهما ، لأن حاجتهما إليها واحدة ، فكل منهما مدع ومنكر فيحلفان وتكون الجدران لهما ، وكذا لو نكلا ، وأما لو حلف أحدهما ونكل الآخر فالجدران للحالف.

(4) أي من البيت الأسفل ، هذا وقد جعل الشارح الجدران كالجزء ، مع أنه في المسالك قد صرح بأنها جزء حيث قال : (هذا هو المشهور ويعضده أن جدران البيت جزؤه) انتهى.

(5) فصاحب العلو محتاج إلى الجدار لأن بناءه عليه ، وصاحب الأسفل محتاج إليه لأن سقفه عليه ، ولأنه يستره عن عيون الناس.

(6) فلو كان هناك بيت هو ملك لإنسان ، وفوق البيت غرفة ويسكن الغرفة شخص آخر وهو مالك لها ، فتنازع صاحب الأسفل مع ساكن الغرفة في جدران الغرفة الفوقية فيقدم قول مالك الغرفة ، لأن الجدران جزء منها ، ويقدم قوله مع يمينه لأنه منكر ، لأن خصمه لا يد له على الغرفة فهو مدع ، بلا خلاف في ذلك حتى من ابن الجنيد.

(7) أي بجدار الغرفة.

(8) أي سقف الغرفة ، ولذا وصفه الشارح بأنه هو الذي فوق الغرفة ، احترازا عن أرض الغرفة الذي هو جزء من سطح البيت الأسفل ، والسقف جزء من الغرفة وساكنها يده عليها فهو المنكر فيقدم قوله مع يمينه.

ص: 216

لاختصاص صاحبها بالانتفاع به كالجدار وأولى (1).

(ولو تنازعا في سقف البيت (2) المتوسط بينهما الحامل للغرفة (أقرع بينهما) (3) ، لاستوائهما في الحاجة إليه (4) ، والانتفاع به ، والقرعة لكل أمر مشتبه.

ويشكل (5) بأن مورد القرعة المحل الذي لا يحتمل اشتراكه بين المتنازعين بل

______________________________________________________

(1) أي تقديم قول ساكن الغرفة في السقف أولى من تقديم قوله في الجدار ، ووجه الأولوية أن الجدار أعني جدار الغرفة قد يأتي فيه احتمال أن يكون صاحب الأسفل قد بنى جدارا على سطحه ، أما في سقف الغرفة فلا يأتي هذا الاحتمال لاستحالة أن يكون قد بنى سقفا فوق سقفه بدون جدار ، ولو كان مع الجدار فلا معنى لحصر النزاع في السقف مع التسليم بكون الجدار لصاحب الغرفة.

(2) لو تنازع صاحب الأسفل وصاحب الغرفة العليا في سقف البيت ، الذي هو سقف للأسفل وأرض للغرفة ، وهو التوسط بين البيت والغرفة بحيث يكون سقفا للأسفل وحاملا للغرفة ، فقد وقع الخلاف على أقوال :

الأول : أنهما يستويان فيه ، لأنه سقف للأسفل وأرض للغرفة فهو جزء في كل منهما ، فإذا ادعاه كل منهما ، فكل واحد منهما مدع ومنكر فيتحالفان وهو لهما ، وكذا لو نكلا ، وأما لو نكل أحدهما وحلف الآخر فهو للحالف ، وهو قول الشيخ في المبسوط وقواه في الدروس.

الثاني : إن السقف المذكور لصاحب الغرفة ، لأن الغرفة العليا متقومة بأرضها الحاملة لها ، والبيت قد يكون بغير سقف ، ولكنه لا يكون بغير أرض ، وعليه فبما أنهما متفقان على أنه توجد غرفة عليا وساكنها يده عليها ، فهما متفقان على أن يد ساكن الغرفة على أرضها الحاملة لها ، فيكون صاحب الغرفة يده على السقف الحامل دون صاحب البيت الأسفل ، فالأول منكر والثاني مدع فيقدم قول صاحب الغرفة مع يمينه ، وهو قول ابن الجنيد وابن إدريس واختاره المحقق الثاني في جامع المقاصد ، ورجحه الفاضل في الكثير من كتبه ، ومال إليه الشارح هنا وفي المسالك.

الثالث : أنه يقرع بينهما ، لأنها لكل أمر مشكل ، وتعيين السقف المذكور مشكل فمجراه القرعة ، وهو قول منسوب إلى الشيخ ، واستحسنه المحقق في الشرائع وهو قول الماتن هنا.

(3) كما هو القول الثالث.

(4) فلا مزية لأحدهما على الآخر ليكون أحدهما صاحب يد على السقف.

(5) وجه الإشكال أن مورد القرعة عند ما يكون المال لأحدهما خاصة ، ولكنه غير مميّز بأنه

ص: 217

هو حق لأحدهما مشتبه ، وهنا ليس كذلك ، لأنه كما يجوز كونه لأحدهما يجوز كونه لهما معا ، لاستوائهما فيه ، لأنه سقف لصاحب البيت ، وأرض لصاحب الغرفة فكان كالجزء من كل منهما. وفي الدروس قوّى اشتراكهما فيه مع حلفهما ، أو نكولهما ، وإلا اختص بالحالف لما ذكر من الوجه (1).

وقيل : يقضى به لصاحب الغرفة (2) ، لأنها لا تتحقق بدونه ، لكونه أرضها ، والبيت يتحقق بدون السقف وهما متصادقان على أن هنا غرفة فلا بد من تحققها ، ولأن تصرفه فيه (3) أغلب من تصرف الآخر وليس ببعيد.

وموضع الخلاف في السقف الذي يمكن إحداثه بعد بناء البيت أما ما لا يمكن كالأزج (4) الذي لا يعقل إحداثه بعد بناء الجدار الأسفل ، لاحتياجه (5) إلى

______________________________________________________

الأول أو الثاني ، فيعين بالقرعة ، مع أن السقف هنا قد يكون مشتركا بينهما كما هو القول الأول ، فتعيين المالك بالقرعة على هذا الاحتمال ليس في محله.

ثم العجب من المصنف حيث ذهب في الدروس إلى اشتراك السقف بينها كما هو القول الأول ، مع أنه هنا في اللمعة قد ذهب إلى القرعة.

(1) وهو احتياجهما إليه فأيديهما عليه ، وعليه فوجه دليل الاشتراك هو بعينه وجه دليل القرعة.

(2) كما هو القول الثاني المتقدم.

(3) أي تصرف صاحب الغرفة في هذا السقف المذكور ، لأنه أرض غرفته هو أكثر من تصرف صاحب الأسفل فيه ، لأن الإنسان يتصرف بأرض بيته أكثر من تصرفه بسقفه.

(4) أي ما لا يمكن إحداثه بعد بناء البيت الأسفل ، بل يبنى مع بناء البيت الأسفل ، كالأزج ، وهو على ما في المصباح (يبنى طولا ، ويقال : الأزج السقف ، والجمع آزاج مثل سبب وأسباب) ، وبناء الأزج كما في جامع المقاصد (هو بناء معروف بعقد فوق الجدران بالجص والآجر غالبا ، ولا ريب أن هذا النوع من البناء إنما يفعل قبل امتداد الجدار في العلو ، لأنه لا بدّ من إخراج بعض الأجزاء ونحوه عن سمت وجه الجدار عند قرب محل العقد ، ليكون حاملا للعقد ، فيحصل الترصيف بين السقف والجدران ، وهو دخول آلات البناء من كل منهما في الآخر ، وذلك دليل على أنه لصاحب الأسفل ، فإنه باتصاله ببنائه اقتضى كون اليد له) انتهى. هذا وإذا عرفت بناء الأزج فصاحب الأسفل يده عليه فيكون صاحب الغرفة خارجا ، فالثاني مدع والأول منكر لموافقة قوله الظاهر فيقدم قوله مع يمينه.

(5) أي احتياج الأزج وهو العقد.

ص: 218

الرابعة - إذا تنازع صاحب غرف الخان و صاحب بیوته فی المسلک

إخراج بعض الأجزاء (1) عن سمت وجه الجدار قبل انتهائه ليكون حاملا للعقد (2) فيحصل به (3) الترصيف (4) بين السقف والجدران فهو لصاحب السفل بيمينه ، لدلالة ذلك على جزئيته منه.

(الرابعة - إذا تنازع صاحب غرف الخان ، وصاحب بيوته في المسلك (5). والمراد به هنا مجموع الصحن بدليل قوله : (حلف صاحب الغرف في قدر ما يسلكه ،

______________________________________________________

(1) أي أجزاء الجدار.

(2) أي هذا الجزء الخارج عن سمت الجدار هو الحامل للعقد.

(3) أي بالجزء الخارج.

(4) وهو دخول آلات البناء في كل منهما في الآخر.

(5) صاحب بيوت الخان أي صاحب بيوت الخان السفلي ، وصاحب الغرف هو صاحب بيوت الخان العليا ، فلو تداعيا الصحن ، وهو الذي وضعت المرقاة في صدره ، والصدر هو نهايته في السعة ، وهو آخر خطته في الجهة المقابلة للباب ، فكل منهما يقول : إن الصحن له فيقضي من الصحن لصاحب الأعلى بما يسلك فيه إلى العلو ، أو فقل يقضي من الصحن بممر له ، ولكن هذا الممر في الصحن يشاركه صاحب الأسفل فيه أيضا ، والزائد عن الممر يكون لصاحب الأسفل فقط ، هذا على المشهور ، وذلك لأن يد صاحب الأسفل على نفس الممر لافتقاره إلى السلوك في الصحن إلى بيوته السفلى ، ويد صاحب العلو على الممر أيضا لسلوكه إلى غرفة العليا ، ومع ثبوت أيديهما معا عليه فلو ادعاه كل واحد منهما فكل منهما مدع ومنكر فيتحالفان وهو لهما.

وأما الزائد عن الممر فلا يد لصاحب العلو عليه ، لأنه لا يفتقر في السلوك إلى الزائد ، مع أن يد صاحب السفلى عليه بحسب الظاهر ، فالثاني منكر والأول مدع ، فيقدم قول صاحب السفلى مع يمينه.

هذا وقد احتمل الشهيد في الدروس الاشتراك بينهما في تمام الصحن ، الممر والزائد عليه ، لأن صاحب الأعلى لا يكلف بالمرور على خط مستو ، ولا يمنع من وضع شي ء في الصحن ولا من الجلوس قليلا ، وهذا أمارة على أنه ذو يد على تمام الصحن كما أن صاحب الأسفل كذلك ، فكل منهما مدع ومنكر فيتحالفان ويكون الصحن لهما.

وقد حكم الماتن في اللمعة هنا بكون الممر للأعلى فقط والباقي من الصحن للأسفل فقط ، لأن يد الأعلى على الممر كما هو واضح لأنه مسلكه إلى الأعلى فصاحب الأسفل يكون مدعيا فيقدم قول صاحب الأعلى في الممر مع يمينه ، وأما الزائد من الصحن فيد صاحب الأسفل عليه فهو المنكر فيقدم قوله مع يمينه ، وسيأتي بيان ضعفه.

ص: 219

وحلف الآخر على الزائد) ، لأن النزاع لو وقع على مسلك في الجملة (1) ، أو معين لا يزيد عن القدر (2) لم يكن على الآخر (3) حلف ، لعدم منازعته له (4) في الزائد.

ووجه الحكم للأعلى بقدر المسلك (5) كونه من ضرورة الانتفاع بالغرف وله عليه يد في جملة الصحن. وأما الزائد عنه فاختصاص صاحب البيوت به أقوى ، لأنه دار لبيوته فيقدم قول كل منهما فيما يظهر اختصاصه به.

وفي الدروس رجح كون المسلك بينهما ، واختصاص الأسفل بالباقي (6).

وعليه جماعة ، لأن صاحب السفل يشاركه في التصرف فيه (7) ، وينفرد (8) بالباقي ، فيكون قدر المسلك بينهما واحتمل (9) الاشتراك في العرصة أجمع ، لأن صاحب الأعلى لا يكلف المرور على خط مستو ، ولا يمنع من وضع شي ء فيها ، ولا من الجلوس قليلا فله يد على الجميع في الجملة كالأسفل.

ثم إن كان المرقى في صدر الصحن (10) تشاركا في الممر إليه (11) ، أو

______________________________________________________

(1) جملة تعليلية لكون المراد من المسلك في كلام الماتن هو تمام الصحن ، لأنه لو كان النزاع بينهما على خصوص المسلك لا على تمام الصحن ، فالمسلك المتنازع عليه إما معيّن لا يزيد عن قدر المسلك ، وإما مسلك في الجملة ، وعلى كل منهما هو المسلك الوحيد للأعلى فيقدم قول الأعلى مع يمينه ، ولا يجوز من الأعلى أن يطالب الأسفل باليمين على الزائد لعدم التنازع فيه ، مع أن الماتن قد حكم بكون اليمين على الأسفل في الزائد وهذا كاشف عن أن النزاع في تمام الصحن ، ولذا حملنا لفظ المسلك على التمام.

(2) عن قدر سلوكه.

(3) وهو الأسفل بالنسبة للزائد.

(4) أي لعدم منازعة الأعلى للأسفل.

(5) وهو قول المصنف وقد تقدم ، وفيه : إن يد الأعلى على الممر وهو غير مشكوك فيه ، ولكن هذا لا ينفي وجود يد صاحب الأسفل عليه كما عليه المشهور.

(6) وهو قول المشهور.

(7) في المسلك.

(8) أي ينفرد الأسفل بالباقي من الصحن.

(9) أي الشهيد في الدروس.

(10) كما هو الغالب ، وقد بني النزاع السابق على ذلك.

(11) أي إلى المرقى ، والمشاركة هو قول المشهور المتقدم ، وأيضا يتشاركان في الممر على احتمال

ص: 220

اختص به الأعلى (1) ، وإن كان المرقى في دهليزه (2) خارجا (3) ، لم يشارك الأسفل في شي ء من الصحن ، إذ لا يد له على شي ء منها (4) ، ولو كان المرقى في ظهره (5) اختص صاحب السفل بالصحن والدهليز أجمع.

(و) لو تنازعا (في الدرجة (6) يحلف العلوي) ، لاختصاصه بالتصرف فيها بالسلوك وإن كانت موضوعة في أرض صاحب السفل وكما يحكم بها للأعلى يحكم بمحلها (7) ، (وفي الخزانة تحتها (8) يقرع) بينهما (9) ، لاستوائهما فيها بكونها

______________________________________________________

المصنف في الدروس ، لأن اشتراكهما في تمام الصحن مستلزم لاشتراكهما في الممر.

(1) على قول المصنف في اللمعة هنا.

(2) قال في المسالك : (والدهليز بكسر الدال ما بين الباب والدار ، وهو فارسي معرب).

(3) أي كان المرقى إلى الأعلى في دهليز الخان عند باب الخان ، لم يشارك الأعلى الأسفل في صحن الخان ، بل يكون تمام الصحن للأسفل لوجود يده عليه ، مع عدم وجود يد للأعلى عليه كما هو واضح.

(4) من عرصة الصحن.

(5) أي ظهر الخان ، فيختص صاحب الأسفل بالصحن بتمامه وبالدهليز أجمع ، لأن يده عليهما بخلاف الأعلى فلا يد له عليهما.

(6) فيقضى بها لصاحب الأعلى مع يمينه ، لاختصاصه بالتصرف بها بالسلوك ، فهو صاحب اليد عليها ، وهي وإن كانت موضوعة في أرض الصحن التي هي للأسفل ، إلا أن مجرد الوضع لا يوجب كون الأسفل صاحب يد عليها.

(7) للأعلى عند التنازع في محل الدرجة ، أما مع عدم المنازعة فيحكم لمن يدعيها.

إن قلت : إن الدرجة في أرض الأسفل ، لأنها في الزائد عن الممر ، والزائد للأسفل.

قلت : ما قبل وضع الدرجة كان محلها للأسفل فيده عليها فيقدم قوله مع يمينه عند التنازع ، وأما بعد البناء فبحسب الظاهر أن الأعلى هو صاحب اليد على المحل ، إذ لعله قد اشترى المحل المذكور من الأسفل.

(8) تحت الدرجة.

(9) لأن لكل واحد منهما شاهدا على أنه صاحب يد عليها ، فباعتبار أن الدرجة لصاحب العلو ، وإذا ملك شيئا ملك قراره إلى تخوم الأرض كما يملك عنانه إلى السماء فيكون الأعلى صاحب يد عليها ، وباعتبار أن الخزانة متصلة بملك الأسفل فهو صاحب يد كذلك ، ومع التنازع فكل منهما مدع ومنكر فيتحالفان كما عليه المحقق والفاضل والشهيد في الدروس.

ص: 221

متصلة بملك الأسفل ، بل من جملة بيوته ، وكونها هواء لملك الأعلى وهو كالقرار فيقرع.

ويشكل بما مرّ في السقف (1) ، ويقوى استواؤهما فيها مع حلف كل لصاحبه ، وهو اختياره في الدروس ، ولا عبرة بوضع الأسفل آلاته تحتها (2).

ويشكل أيضا الحكم في الدرجة (3) مع اختلافهما في الخزانة ، لأنه إذا قضي بالخزانة لهما (4) ، أو حكم بها للأسفل بوجه (5) تكون الدرجة كالسقف المتوسط بين الأعلى والأسفل ، لعين ما ذكر (6) ، خصوصا مع الحكم بها (7) للأسفل وحده (8) فينبغي حينئذ (9)

______________________________________________________

وذهب الماتن هنا إلى القرعة ، لأن تعيين الخزانة مشكل وهو مجرى القرعة ، وفيه : إن القرعة تجري إذا علمنا على نحو القطع أن الخزانة لأحدهما فقط لأن موردها فيما لو كان المتنازع لأحدهما واقعا إلا أنه مشتبه ظاهرا ، أما مع احتمال الاشتراك فلا تأتي القرعة.

(1) أي في سقف البيت في المسألة الثالثة المتقدمة ، وقد تقدم الإشكال أيضا منا هنا ، وتبين وجهه.

(2) تحت الخزانة ، فوضع الآلات من ليزان ونحوها لا تجعل صاحب الأسفل صاحب يد على نحو الانحصار.

(3) والحكم فيها للأعلى مع اختلافهما بالخزانة التي تحت الدرجة ، فلو حكمنا بكون الخزانة لهما كما هو مذهب جماعة ، أو بكون الخزانة للأسفل بحسب القرعة كما هو قول الماتن هنا مع أن البناء الذي هو فوق الدرجة للأعلى فتكون الدرجة كالسقف المتوسط بين البيت السفلي والغرفة الفوقية ، وعليه فكما جرى النزاع في السقف على أقوال يجب أن يجري عني النزاع في الدرجة ، مع أن الحكم في الدرجة وأنهما للأعلى بغير خلاف.

وفيه : إن قياس الدرجة على السقف غير صحيح ، لأن الدرجة مما يحتاج إليها العلوي فقط بخلاف السقف المذكور فإنهما بحاجة إليه معا.

(4) كما هو مذهب جماعة.

(5) وهو القرعة على مبنى الماتن هنا.

(6) أي الخلاف في السقف يجري في الدرجة لأنهما من مورد واحد.

(7) أي بالخزانة.

(8) لو خرجت القرعة باسمه وهو مبنى الماتن هنا.

(9) أي حين الحكم بكون الخزانة للأسفل وحده.

ص: 222

الخامسة - لو تنازع راکب الدابة، و قابض لجامها

أن يجري فيها (1) الخلاف السابق (2) ومرجّحه (3) ، ولو قضينا بالسقف للأعلى (4) زال الإشكال هنا (5) ، وإنما يأتي (6) على مذهب المصنف هنا (7) ، وفي الدروس (8) ، فإنه (9) لا يجامع اختصاص العلوي بها (10) مطلقا (11).

(الخامسة - لو تنازع راكب الدابة ، وقابض لجامها) فيها (12) (حلف الراكب) (13) لقوة يده ، وشدة تصرفه بالنسبة إلى القابض.

وقيل : يستويان في الدعوى ، لاشتراكهما في اليد ، وقوتها لا مدخل له في الترجيح ، ولهذا لم تؤثر في ثوب بيد أحدهما أكثره كما سيأتي ، وما مع الراكب

______________________________________________________

(1) في الدرجة.

(2) المتقدم في السقف.

(3) والشارح قد رجح الاشتراك فيه مع التحالف فراجع.

(4) كما هو القول الثاني المتقدم في شرحنا في المسألة الثالثة.

(5) حيث تكون الدرجة هنا للعلوي ، وهذا ما حكم به الجميع هنا من دون مخالف.

(6) أي يأتي الإشكال.

(7) أي في اللمعة حيث حكم في السقف بالقرعة بينهما ، فلو خرجت باسم الأسفل لكان مناقضا للحكم بكون الدرجة للعلوي ، لأن الدرجة والسقف متحدان الحكم.

(8) أي يأتي الإشكال حيث جعل السقف مشتركا فلا يكون العلوي مختصا به فكيف كان العلوي مختصا بالدرجة ، مع أن حكمها حكم السقف.

(9) أي حكم المصنف في السقف في اللمعة والدروس.

(10) بالدرجة.

(11) في كل الأحوال.

(12) في الدابة.

(13) ذهب الشيخ في المبسوط إلى أنه يقدم قول الراكب مع يمينه ، لأن يد كل منهما على الدابة ، إلا أن يد الراكب على الدابة أقوى من يد قابض اللجام ، وتصرف الراكب أشدّ من تصرف الآخر ، وزيادة اليد وشدة التصرف تجعل الراكب هو صاحب اليد دون قابض اللجام.

وذهب الشيخ في الخلاف وابن إدريس في السرائر وغيرهما إلى أنهما سواء في الدعوى ، لثبوت يد كل منهما عليها ، وزيادة التصرف للراكب لم تثبت أنها مرجح ، كما أن قوة يد الراكب لا مدخل لها في الترجيح بعد ثبوت يد الآخر ، فيتحالفان ، وهي لهما.

ص: 223

من زيادة نوع التصرف لم يثبت شرعا كونه مرجحا ، وتعريف المدعي والمنكر منطبق عليهما (1) ، وهو قوي فيحلف كل منهما لصاحبه إن لم يكن بينة ، وأما اللجام فيقضي به لمن هو في يده (2) ، والسرج لراكبه (3).

(ولو تنازعا ثوبا في يد أحدهما أكثره فهما سواء (4) ، لاشتراكهما) في اليد ولا ترجيح لقوتها ، والتصرف هنا وإن اختلف كثرة وقلة لكنه من واد واحد (5) ، بخلاف الركوب وقبض اللجام. نعم لو كان أحدهما ممسكا له ، والآخر لابسا (6) فكمسألة الراكب والقابض ، لزيادة تصرف اللابس على اليد المشتركة.

(وكذا) لو تنازعا (في العبد وعليه ثياب لأحدهما (7) ويدهما (عليه) فلا

______________________________________________________

(1) فقد عرف المدعى بأنه إذا ترك ترك ، وعرف بأن قوله مخالف للأصل ، وعرّف بأن قوله مخالف للظاهر ، وعرّف المنكر بأنه إذا ترك ترك ، وبأن قوله موافق للأصل ، وبأن قوله موافق للظاهر.

فالراكب لو ترك الدابة لتركه قابض اللجام وكذا العكس ، والراكب لو تركه قابض اللجام على الدابة لانتفت الدعوى ، وكذا العكس.

والراكب قوله مخالف للأصل ، إذ الأصل عدم كون الدابة له ، وكذا يجري في قابض اللجام ، والراكب قوله مخالف للظاهر ، لأن الظاهر وهو العرف يرى أن الدابة لقابض لجامها عند انفراده ، وكذا العكس لأن العرف يرى أن الدابة لراكبها عند انفراده.

(2) لأن يد القابض عليه دون الراكب ، فالأول منكر فيقدم قوله مع يمينه.

(3) لثبوت يده عليه دون قابض اللجام.

(4) لاشتراكهما في مسمى اليد ، ولا ترجيح لزيادة اليد ، إذ لم يثبت أنها دليل شرعي ، وعليه فكل منهما مدع ومنكر فيتحالفان.

(5) لأن العرف يرى أن كلا منهما متصرف بالثوب بدون الترجيح بقلته أو كثرته ، بخلاف مسألة الراكب وقابض اللجام حيث يرى العرف أن الراكب متصرف بالدابة أكثر من تصرف الآخر.

(6) فيد كل منهما على الثوب ، إلا أن اللابس يده أقوى وتصرفه أشد وأكثر فيجزي هنا ما يجري في مسألة الراكب والقابض في الدابة ، إلا أن يقال كما في المسالك : (وربما قيل هنا بتقديم اللابس ، لأن الظاهر أنه لم يتمكن من لبسه إلا وهو غالب على الثوب مستقل اليد) انتهى.

(7) مع فرض ثبوت أيديهما عليه ، فهما فيه سواء ، وثياب أحدهما لا مدخلية لهما لزيادة الملك ، إذ قد يلبسها بغير إذن مالكها أو بالعارية ، فهي ليست يدا عرفا.

ص: 224

يرجح صاحب الثياب كما يرجح الراكب بزيادة ذلك على يده (1) إذ لا دخل للبس في الملك ، بخلاف الركوب ، فإنه قد يلبسها بغير إذن مالكها ، أو بقوله ، أو بالعارية ، ولا يرد مثله في الركوب ، لأن الراكب ذو يد (2) بخلاف العبد فإن اليد للمدعي ، لا له (3). ويتفرع عليه (4) ما لو كان لأحدهما عليه (5) ، يد وللآخر ثياب خاصة فالعبرة بصاحب اليد.

(ويرجح صاحب الحمل في دعوى البهيمة الحاملة (6) وإن كان للآخر عليها يد أيضا بقبض زمام ، ونحوه ، لدلالة الحمل على كمال استيلاء مالكه عليها فيرجح. وفي الدروس سوى بين الراكب ، ولابس الثوب ، وذي الحمل في لحكم. وهو حسن ، (و) كذا يرجح (صاحب البيت في) دعوى (الغرفة) الكائنة (عليه وإن كان بابها مفتوحا) إلى المدعي الآخر (7) ، لأنها موضوعة في ملكه وهو

______________________________________________________

(1) أي كما يرجح الراكب بزيادة وصف الركوب على يده المشتركة مع يد الآخر ، ومن هنا وقع الترجيح بالركوب دون الترجيح باللبس.

(2) أي أن الراكب له يد على الدابة ، وقد تقوّت بالركوب ، وهنا صاحب الثياب وإن كان له يد على العبد لكن لم تتقو باللبس ، لأن الثياب وإن كانت تحت يد العبد ، إلا أن العبد لا يد له فالثياب ليست تحت يد العبد ، بل تحت يد المدعي من رأس ، فلم يسلم للمدعي إلا يده على العبد دون اللبس.

(3) أي لا للعبد.

(4) أي على كون اللبس ليس يدا.

(5) على العبد.

(6) لو اختلف اثنان في ملكية البهيمة الحاملة. فهنا فرعان :

الأول : أن لا يكون لأحدهما يد على البهيمة إلا حمل أحدهما عليها فيقدم قوله مع يمينه ، لأنه يستفاد من وجود الحمل عليها كونه مستقلا بها وصاحب يد عليها.

الفرع الثاني : أن يكون لأحدهما حمل عليها وللثاني يد ككونه ممسكا بزمامها ، فهي كمسألة الراكب وقابض اللجام ، إلا أن هناك قد وقع الخلاف بخلاف هنا حيث لا خلاف في تقديم صاحب الحمل لكونه أشدّ تصرفا وأشدّ يدا ، قال الشارح في المسالك : (إلا أن مسألة الحمل أقوى ، ولهذا لم يذكر فيها خلافا ، ووجهه أن الحمل أقوى دليلا على كمال الاستيلاء ، فإن الركوب أسهل تعلقا من الحمل ، وفي الدروس جعل الراكب ولابس الثوب وذا الحمل سواء في الحكم ، وهو كذلك) انتهى.

(7) لو تداعيا غرفة على بيت أحدهما غير أن بابها إلى غرفة الآخر ، كان الرجحان لدعوى

ص: 225

السادسة - لو تداعیا جدارا غیر متصل ببناء أحدهما

هواء بيته ، ومجرد فتح الباب إلى الغير لا يفيد اليد.

هذا إذا لم يكن من إليه الباب متصرفا فيها بسكنى وغيرها ، وإلا قدم ، لأن يده عليها بالذات ، لاقتضاء التصرف له ، ويد مالك الهواء بالتبعية ، والذاتية أقوى ، مع احتمال التساوي ، لثبوت اليد من الجانبين في الجملة ، وعدم تأثير قوة اليد (1).

(السادسة - لو تداعيا جدارا غير متصل ببناء أحدهما (2) ، أو متصلا ببنائهما) معا (3) اتصال ترصيف ، وهو تداخل الأحجار ونحوها على وجه يبعد كونه محدثا بعد وضع الحائط المتصل به (فإن حلفا ، أو نكلا فهو لهما ، وإلا) فإن حلف أحدهما ، ونكل الآخر (فهو للحالف ، ولو اتصل بأحدهما) خاصة (4) (حلف) وقضي له به.

ومثله ما لو كان لأحدهما عليه قبة (5) ، أو غرفة ، أو سترة لصيرورته بجميع ذلك ذا يد فعليه اليمين مع فقد البينة.

______________________________________________________

صاحب البيت قطعا ، لكونها في ملكه الذي هو عنان بيته ، وهذا العنان تابع للقرار ، ومجرد فتح الباب إلى الغير لا يفيد يدا عرفا.

نعم لو فرض كون الآخر - مع كون باب الغرفة مفتوحا إلى غرفته - متصرفا فيها بسكنى وغيره ، فيقدم قول الساكن مع يمينه ، لأنه صاحب يد بالتصرف ، والآخر وإن كان صاحب يد أيضا إلا أن الساكن يده أصلية فعلية لأنه متصرف بالغرفة ، والثاني يده تبعية لأنه مالك للقرار فيكون مالكا لمحل الغرفة لأنه عنان لذلك القرار ، واليد الفعلية أولى وأقوى من التبعية.

(1) لأنه لم تثبت كونها مرجحة لليد.

(2) لكنه كان بين أرضيهما ، فأيديهما عليه فيتحالفان ويكون الجدار بينهما على التنصيف.

(3) اتصال ترصيف وهو تداخل الأحجار واللبن على وجه يبعد كونه محدثا بعد البناء ، وهذا الاتصال المذكور دال على أيديهما معا على الجدار ، فيحلفان ويكون لهما بالتنصيف.

(4) بحيث اتصل الجدار ببناء أحدهما اتصال ترصيف ، فالاتصال المذكور يقتضي كون صاحب البناء المتصل ذا يد على الجدار فيقدم قوله مع يمينه لأنه منكر.

(5) أي ومثل الترصيف الكاشف عن اليد ما لو كان لأحدهما قبّة أو غرفة أو سترة - بالضم كل ما يستر الشي ء - فصاحبها هو ذو يد على الجدار فيقدم قوله مع يمينه ، لأنه منكر.

ص: 226

(وكذا لو كان) لأحدهما خاصة (عليه جذع) (1) فإنه يقضى له به بيمينه (2) ، أولهما فلهما ، ولو اتصل بأحدهما وكان للآخر عليه جذع تساويا على الأقوى (3) ، وكذا لو كان لأحدهما واحدة من المرجحات ، ومع الآخر الباقية (4) ، إذ لا أثر لزيادة اليد كما سلف (أما الخوارج) (5) من أحد الجانبين أو منهما من نقش ، أو وتد ، أو رف ونحوهما (والروازن) كالطاقات (فلا ترجيح بها) ، لإمكان إحداثها من جهة واضعها من غير شعور الآخر (إلا معاقد القمط) (6) بالكسر وهو الحبل

______________________________________________________

(1) ذهب الشيخ إلى أنه لا يقضى لصاحب الجذع بأنه ذو يد ، لجريان العادة بالتسامح للجار في ذلك ، ولدلالة كون الجدار بين ملكيهما على ثبوت اليد لهما ، فوضع الجذع من أحدهما مزيد انتفاع فقط ، وزيادة التصرف لا تقتضي الترجيح لإحدى اليدين على الأخرى.

وفيه منع ظاهر ، لأن وضعه بين الملكين دال على ثبوت اليدين لو كان مجردا ، وأما مع وضع الجذع لأحدهما فيكون صاحب اليد هو الواضع دون الآخر ، فيقدم قول صاحب الجذع مع يمينه لأنه منكر ، وهذا ما عليه المشهور.

(2) على القول المشهور ، وكذا ما بعده.

(3) فالاتصال الترصيفي يعطي أنه أحدهما صاحب يد ، ووضع الجذع يفيد أن الآخر صاحب يد ، وعليه فهو لهما مع التحالف خلافا للشيخ حيث حكم بكون وضع الجذع لا يفيد اليد للتسامح به في العادة.

(4) بحيث كان لأحدهما الاتصال وللآخر غرفة أو قبة أو سترة فيتساويان ، إذ لا أثر لزيادة اليد كما سلف.

(5) قال في المسالك : (المراد بالخوارج كلما خرج عن وجه الحائط من نقش أو وتد ورف ونحو ذلك ، فإنه لا يفيد الترجيح لمالكه ، لإمكان إحداثه له من جهته من غير شعور صاحب الجدار ، ومثله الدواخل فيه ، كالطاقات غير النافذة والرزان النافذة) انتهى.

(6) أصل المسألة أنه لو اختلفا في خصّ ، قضي لمن إليه معاقد القمط ، والخصّ على ما في المسالك : (الخصّ بالضم البيت ، يعمل من القصب) ، ويؤيده ما في المصباح المنير حيث قال : (الخص البيت من القصب) ، ويؤيده ما في المصباح المنير حيث القصب شبه الجدار حاجزا بين الملكين) انتهى.

وأما القمط ، فإن كانت بالضم فهي جمع قماط ، وهي شداد الخصّ من ليف أو خوص أو نحوهما ، وإن كانت بالكسر فهي حبل يشدّ به الخصّ ، وعليه فلو تنازعا في شبه الجدار المبني من القصب بين الملكين ، أو في البيت المبني من القصب وهو بين الملكين ،

ص: 227

الذي يشد به الخص وبالضم جمع قماط وهي شداد الخص من ليف وخوص وغيرها فإنه يقضى بها فيرجح من إليه معاقد القمط لو تنازعا (في الخص) بالضم وهو البيت الذي يعمل من القصب ، ونحوه على المشهور بين الأصحاب ، ومنهم من جعل حكم الخص كالجدار بين الملكين ، وهو الموافق للأصل (1).

______________________________________________________

قضي لمن إليه الحبل الذي يشدّ به الخصّ ، على المشهور لصحيح منصور بن حازم عن أبي عبد الله عليه السلام (سألته عن خصّ بين دارين ، فذكر أن عليا عليه السلام قضى به لصاحب الدار الذي من قبله القمط) (1) ، ولخبر عمر بن شمر عن جابر عن أبي جعفر عن أبيه عن علي عليهم السلام (أنه قضى في رجلين اختصما إليه في خصّ فقال : إن الخصّ للذي إليه القماط) (2) ، وعن أبي حنيفة عدم الترجيح بمعاقد القمط ، وكذا عن المحقق في النافع ، مع همل الخبرين المتقدمين على أنهما قضية في واقعة فلا يتعدى الحكم فيها ، ويكون حكم الخصّ حكم الجدار بين الملكين.

(1) لأن الخصّ كالجدار.

ص: 228


1- (1 و 2) الوسائل الباب -1. من كتاب الصلح حديث 1 و 2.

کتاب الشرکة

اشارة

كتاب الشركة

ص: 229

ص: 230

فی معناها و سببها

كتاب الشركة)

الشركة بفتح الشين فكسر الراء (1) ، وحكي فيها كسر الشين فسكون الراء (وسببها (2) قد يكون إرثا) لعين ، أو منفعة ، أو حق بأن يرثا مالا أو منفعة دار

______________________________________________________

(1) قال في المصباح المنير : (وشركة وزان كلم وكلمة ، بفتح الأول وكسر الثاني - إلى أن قال - ثم خفّف المصدر بكسر الأول وسكون الثاني ، واستعمال المخفّف أغلب فيقال : شرك وشركة ، كما يقال : كلم وكلمة على التخفيف ، نقله الحجة في التفسير وإسماعيل بن هبة الله الموصلي على ألفاظ المهذب ، ونصّ عليه صاحب المحكم وابن القطاع) انتهى.

(2) اعلم أن الشركة تطلق على معنيين :

الأول : هو اجتماع حق مالكين فصاعدا في الشي ء الواحد على سبيل الشياع ، وهذا المعنى هو المتبادر من معنى الشركة لغة وعرفا ، قال في المسالك : (إلا أنه لا مدخل له في الحكم الشرعي - من الصحة والبطلان - المترتب على الشركة من كونها من جملة العقود المفتقرة إلى الإيجاب والقبول ، والحكم عليها بالصحة والبطلان ، فإن هذا الاجتماع يحصل بعقد وغيره ، بل بغيره أكثر ، حتى لو تعدى أحدهما ومزج ماله بمال الآخر قهرا ، بحيث لا يتميزان تحققت الشركة بهذا المعنى) انتهى.

المعنى الثاني : عقد ثمرته جواز تصرف الملّاك بالشي ء الواحد على سبيل الشياع فيه ، وهذا المعنى للشركة هو الذي أوجب إدراجها في جملة العقود ، وبهذا المعنى يلحقها حكم الصحة والبطلان.

والشركة بالمعنى الأول قد تكون بسبب إرث وقد تكون بسبب عقد وقد تكون بسبب حيازة وقد تكون بسبب المزج وعلى كل التقادير فالمشترك قد يكون عينا وقد يكون منفعة وقد يكون حقا ، ومثال ما لو كان سبب الشركة إرثا هو : كأن يرث ثلاثة من الأخوة دارا لمورثهم أو يرثون منفعة دار قد استأجرها مورثهم أو يرثون حق الخيار الثابت

ص: 231

استأجرها مورثهم ، أو حق شفعة ، وخيار ، (وعقدا) (1) بأن يشتريا دارا بعقد واحد ، أو يشتري كل واحد منهما جزء مشاعا منها ولو على التعاقب ، أو يستأجراها (2) ، أو يشتريا بخيار لهما (3) ، (وحيازة) (4) لبعض المباحات (دفعة) بأن يشتركا في نصب حبالة ، ورمي سهم مثبت فيشتركا في ملك الصيد ، ولو حاز كل واحد شيئا من المباح منفردا عن صاحبه اختص كل بما حازه (5) إن لم يكن عمل كل واحد بنية الوكالة عن صاحبه (6) في تملك نصف ما يحوزه ، وإلا اشتركا أيضا على الأقوى ، فالحيازة قد توجب الاشتراك مع التعاقب (7) وقد لا توجبه في الدفعة (8) ، (ومزجا) (9) لأحد ماليهما بالآخر بحيث (لا يتميز) كل منهما عن

______________________________________________________

لمورثهم ، وعلى مثل هذا فقس بقية الأمثلة ، وسيذكر الشارح البقية الواقعة ، وإلا فبعض الصور المتقدمة لا صغرى لها كما سيأتي التنبيه عليها.

(1) كأن يشتري ثلاثة من الملاك دارا ، أو يستأجرون منفعة دار ، أو يصالحون على حق تحجير ، فيكون الحق لهم ، فالعقد الموجب للشركة قد يوجبها في عين أو منفعة أو حق.

(2) مثال للمنفعة.

(3) فيكون حق الخيار لهما.

(4) عطف على العقد والارث ، وهو في مقام بيان الباب الشركة ، والحيازة تتحقق فيما لو اشتركا في نصب حبالة الصيد المشتركة بينهما ، أو يشتركان في رمي السهم المشترك لهما ، فيحوزان بالنصب أو الرمي طيرا فهو لهما شراكة ، وقد تتحقق فيما لو اقتلعا شجرة أو اغترفا ماء ، ولصدور العمل منهما فتكون الشجرة أو الماء شراكة ، هذا والحيازة تكون سببا في الشراكة في الأعيان فقط كما هو واضح.

(5) لما سيأتي من أن الحيازة سبب للملك ، فإذا حاز أحدهما شجرة فتكون ملكا له ، ولا تكون موردا للشركة إلا إذا جوّزنا شركة الأبدان على ما سيأتي من أنهما يشتركان بعقد على أن يكون عمل أحدهما ملكا لهما ، وسيأتي أنها باطلة إلا من الإسكافي.

(6) سيأتي أنه هل تتحقق الوكالة في الحيازة أو لا ، فعلى القول بالجواز لو نوى بالحيازة عنه وعن موكله فيكون كل منهما قد جاز النصف فهي لهما ، وعلى القول بالعدم فالوكالة لا تقع ونيته لا معنى لها ، فالحيازة للأول والملك له فقط بدون اشتراك.

(7) كما لو نوى كل منهما عن الآخر حال كون نية أحدهما متقدمة.

(8) كما لو حاز كل منهما عن نفسه لا عن وكيله.

(9) عطف على الحيازة والعقد والارث ، وهو السبب الرابع للشركة ، كأن يمتزج مال أحدهما

ص: 232

فی کون الشرکة فی عین أو منفعة

فی أنّ المعتبر شرکة العنان لا الأعمال و لا المفاوضة و لا الوجوه

الآخر بأن يكونا متفقين جنسا ووصفا ، فلو امتزجا بحيث يمكن التمييز وإن عسر كالحنطة بالشعير ، أو الحمراء من الحنطة بغيرها ، أو الكبيرة الحب بالصغيرة ، ونحو ذلك فلا اشتراك. ولا فرق هنا بين وقوعه اختيارا ، أو اتفاقا.

(والشركة قد تكون عينا) أي في عين كما لو اتفق الاشتراك بأحد الوجوه السابقة (1) في شي ء من أعيان الأموال ، (ومنفعة) كالاشتراك في منفعة دار استأجراها ، أو عبد ، أوصي لهما بخدمته ، (وحقا) كشفعة ، وخيار ، ورهن ، وهذه الثلاثة (2) تجري في الأولين (3) وأما الأخيران (4) فلا يتحققان إلا في العين ، ويمكن فرض الامتزاج في المنفعة بأن يستأجر كل منهما دراهم للتزين بها ، حيث نجوزه (5) متميزة (6) ثم امتزجت بحيث لا تتميز.

(والمعتبر) من الشركة شرعا عندنا (شركة العنان) (7) بكسر العين وهي شركة

______________________________________________________

بمال الآخر بحيث لا يتميزان ، سواء كان المزج بسبب فعل أحدهما أو بفعلهما أو بسبب ثالث ، والمزج قد يتحقق في العين لمزج الزيت بالزيت ، إلا أنه لا يجري في المنفعة ، نعم بعضهم فرض مثالا للمزج بالمنفعة كما لو استأجر شخص دراهم للتزين بها بناء على جواز ذلك ثم مزجت الدراهم بغيرها حيث كان لكل درهم خصوصية فيتحقق المزج بمنافع الدراهم المستأجرة.

(1) من الارث والعقد والحيازة والمزج.

(2) من كون المشترك عينا أو منفعة أو حقا.

(3) أي في الأولين من أسباب الشركة ، وهما الارث والعقد.

(4) وهما الحيازة والمزج.

(5) لأنه يشكل على صحة استئجار الدراهم لمنفعة التزين مع أن الأصل عدمها.

(6) صفة للدراهم.

(7) وهي شركة الأموال ، بمعنى أن يكون لكل منهما مال ، فيمزج كل مع الآخر ، ويشترطان العمل به بأبدانهما ، ويتساوبان في الربح والخسران مع تساوي المالين ، ولا يجوز لأحد الشريكين التصرف في المال المشترك إلا بإذن شريكه.

وهذه الشركة لا بد فيها مع اشتراك المالين من صيغة عقدية من إيجاب وقبول على أن يعملا بالمال المشترك ليكون الربح لهما والخسارة عليهما ، وهذا هو المعنى الثاني للشركة ، وبهذا المعنى صح إدراجها في باب مستقل من أبواب الفقه ، وهي بهذا المعنى يلحقها الحكم الشرعي من الصحة والبطلان ، فإذن الشركة عقد على التكسب بالمال المشترك ، فإن

ص: 233

الأموال ، نسبت إلى العنان وهو سير (1) اللجام الذي يمسك به الدابة ، لاستواء الشريكين (2) في ولاية الفسخ ، والتصرف ، واستحقاق الربح على قدر رأس المال

______________________________________________________

كان المال مشتركا قبل المعاملة فهو وإلا لا بد من مزجه ليصير مشتركا ، وهذه الشركة تصح عندنا بلا خلاف فيه ، بل عليه الإجماع بقسميه كما في الجواهر. وهذه الشركة تسمى بشركة العنان ، والعنان بالكسر هو سير اللجام الذي يمسك به الدابة ، والسير هو ما يقدّ من الجلد بل هو (قدّة من الجلد مستطيلة) ، وإذا تقرر ذلك فقد اختلفوا فيما أخذت منه كلمة شركة العنان.

فقيل من عنان الدابة ، ولذا قال في المصباح المنير : (وقال بعضهم : مأخوذة من عنان الفرس ، لأنه يملك بها - أي بشركة العنان - التصرف في مال الغير كما يملك التصرف في الفرس بعنانه) انتهى.

أو يقال : إنها مأخوذة من عنان الدابة لاستواء الشريكين في ولاية الفسخ والتصرف واستحقاق الربح على قدر رأس المال كاستواء طرفي العنان.

أو إنها مأخوذة من عنان الدابة لتساوي الفارسين إذا استويا على فرسيهما وتساويا في السير ، فيكونان سواء ، لكون كل منهما قابضا على دابته بالعنان يسيرها كيف شاء ، فكذلك الشريكان يستويان في التصرف في المال المشترك.

أو إنها مأخوذة من عنان الدابة ، لأن كل واحد منهما يمنع الآخر من التصرف كما يشتهي ويريد كما يمنع العنان الدابة.

أو إنها مأخوذة من عنان الدابة ، لأن الأخذ بعنان الدابة حبس لإحدى يديه على العنان مع أن يده الأخرى مطلقة يستعملها كيف شاء ، وكذلك الشريك يمنع بالشركة نفسه عن التصرف في المال المشترك كما يشتهي ، وهو مطلق التصرف في سائر أمواله.

أو إنها مأخوذة من (عنّ) إذا ظهر ، إما لأنه ظهر لكل منهما مال لصحابه ، وإما لأنها أظهر أنواع الشركة ولذلك أجمع على صحتها.

أو أنها مأخوذة من (المعانّة) وهي المعارضة ، فكل واحد منهما عارض بما أخرجه ما أخرجه الآخر ، وهذا ما قاله الزمخشري ، وقد جعله مرددا بين هذا المعنى وبين معنى ثان ، وهو أن العنان مؤلف من طاقين مستويين ، وبشركة الأموال يكون الشريكان مستويين في التصرف.

(1) بفتح الأول وسكون الثاني.

(2) أي إذا كانت شركة العنان مأخوذة من عنان الدابة ، فالأخذ إما لاستواء الشريكين وإما لتساوي الفارسين ، وإما لكون كل منهما يمنع الآخر كما يمنع العنان الدابة ، وإما لأن الأخذ بالعنان حبس لإحدى يديه مع إطلاق الأخرى فالجهات أربعة.

ص: 234

كاستواء طرفي العنان ، أو تساوي الفارسين فيه إذا تساويا في السير ، أو لأن كل واحد منهما يمنع الآخر من التصرف حيث يشاء كما يمنع العنان الدابة ، أو لأن الأخذ بعنانها يحبس إحدى يديه عليه ويطلق الأخرى كالشريك يحبس يده عن التصرف في المشترك مع انطلاق يده في سائر ماله.

وقيل : من عنّ إذا ظهر ، لظهور مال كل من الشريكين لصاحبه أو لأنها أظهر أنواع الشركة. وقيل : من المعانّة وهي المعارضة ، لمعارضة كل منهما بما أخرجه الآخر.

(لا شركة الأعمال) (1) بان يتعاقدا على أن يعمل كل منهما بنفسه ، ويشتركا في الحاصل ، سواء اتفق عملهما قدرا ونوعا (2) أم اختلف فيهما (3) أم في أحدهما ، وسواء عملا في مال مملوك (4) أم في تحصيل مباح (5) ، لأن كل واحد

______________________________________________________

(1) وهي المسماة بشركة الأبدان ، بأن يقع العقد بين اثنين على أن يكون أجرة عمل كل منهما مشتركا بينهما ، سواء اتفقا في العمل كخياطين ، أم اختلفا كالخياط مع النّساج ، وكذلك تحصل الشركة المذكورة فيما لو وقع العقد بينهما على أن ما يحصله أحدهما كالحيازة فهو لهما على نحو الاشتراك.

فهذه الشركة باطلة ويختص كل منهما بأجرته وبما حازه ، بلا خلاف في ذلك إلا من ابن الجنيد ، ودليلهم الإجماع بعد عدم الدليل الخاص على الجواز من الكتاب والسنة ، هذا فضلا عن عدم تحقق موضوع الشركة هنا ، إذ موضوعها المال المشترك وفي هذه الشركة لم يتحقق مزج ماليهما بل كل ما يحصله أحدهما متميزا عما يحصله الآخر فيكون لصاحبه ، لا له ولشريكه.

نعم ما أورده العلامة في التذكرة (من شركة سعد بن أبي وقاص وعبد الله بن مسعود وعمار بن ياسر فيما يغنمونه ، فأتى سعد بأسيرين ولم يأتيا بشي ء ، فأقرهم النبي صلى الله عليه وسلم وشركهم جميعا) غير ثابت من طرقنا ولا يوجد له جابر.

(2) كأن يكون أجرة كل منهما بقدر أجرة الآخر مع كونهما خياطين

(3) كأن يكون أحدهما خياطا والآخر نساجا ، وكان أجرة أحدهما أكثر من الآخر ، وهذا كله إشارة إلى خلاف بعض العامة ، فمنهم من منع من صحتها مطلقا موافقا للإمامية ، ومنهم من أجازها مطلقا مع اتفاق الصيغتين لا مع اختلافها ، ومنهم من أجازها في غير اكتساب المباح.

(4) وكان مملوكا للغير كالخياط والنساج.

(5) كالحيازة.

ص: 235

منهما متميز ببدنه وعمله فيختص بفوائده ، كما لو اشتركا في مالين وهما (1) متميزان.

(ولا) شركة (المفاوضة) (2) وهي أن يشترك شخصان فصاعدا بعقد لفظي على أن يكون بينهما ما يكتسبان ، ويربحان ، ويلتزمان من غرم ويحصل لهما من غنم ، فيلتزم كل منهما للآخر مثل ما يلتزمه (3) من أرش جناية ، وضمان غصب ، وقيمة متلف ، وغرامة ضمان وكفالة ، ويقاسمه فيما يحصل له من ميراث ، أو يجده من ركاز (4) ، ولقطة ، ويكتسبه في تجارة ، ونحو ذلك.

ولا يستثنيان من ذلك إلا قوت اليوم ، وثياب البدن ، وجارية يتسرى بها ، فإن الآخر لا يشارك فيها. وكذا يستثنى في هذه الشركة من الغرم : الجناية على الحر ، وبذل الخلع (5) ، والصداق إذا لزم أحدهما (6).

______________________________________________________

(1) أي المالان.

(2) قال الشارح في المسالك : (وهي أن يشترك شخصان فصاعدا على أن يكون بينهما ما يكتسبان ويربحان ، ويلتزمان من غرم ويحصل لهما من غنم ، فيلزم كل واحد منهما ما يلزم الآخر من أرش جناية وضمان غصب وقيمة متلف وغرامة الضمان والكفالة ، ومقاسمة ما يحصل له من الميراث ويجده من ركاز ولقطة ويكتسبه في تجارته بماله المختص به ، ولا يستثنى من ذلك إلا قوت يومه وثياب بدنه وجارية يتسراها ، فإنه لا يشاركه ، وكذا يستثنى من الغرم الجناية على الحر وبذل الخلع والصداق إذا ألزم أحدهما.

وقال صاحب إصلاح المنطق : شركة المفاوضة أن تكون مالهما من كل شي ء يملكانه بينهما ، وهو مخصوص بما ذكرناه ، لاستثناء القائل بها بذلك ، وهي باطلة إلا عند أبي حنيفة ومن شذّ) انتهى.

وعلى كل فهي باطلة بلا خلاف فيه بيننا لعدم الدليل على جوازها من كتاب أو سنة ، ولأن هذه الشركة لا توجب المزج بين المالين ، بل يكون كل مال متميزا عن الآخر ، فكما أن الغنم له فالغرم عليه ، ولا دليل على أن الغرم أو بعضه على الآخر.

(3) أي ما يلتزمه الآخر.

(4) قال في المصباح المنير إنه (المال المدفون في الجاهلية ، وهو قول أهل الحجاز ، ويقال هو : المعدن) انتهى.

(5) بالنسبة للمرأة إذا كانت أحد الشريكين.

(6) أي أحد الشريكين.

ص: 236

فی أنّ المشترکین یتساویان فی الربح و الخسران

(و) لا شركة (الوجوه) (1) وهي أن يشترك اثنان وجيهان (2) لا مال لهما بعقد لفظي ليبتاعا في الذمة على أن ما يبتاعه كل منهما يكون بينهما فيبيعان ويؤديان الأثمان ، وما فضل فهو بينهما ، أو أن يبتاع وجيه في الذمة ويفوض بيعه إلى خامل على أن يكون الربح بينهما ، أو أن يشترك وجيه لا مال له ، وخامل ذو مال ليكون العمل من الوجيه والمال من الخامل ، ويكون المال في يده لا يسلّمه إلى الوجيه ، والربح بينهما ، أو أن يبيع الوجيه مال الخامل بزيادة ربح ليكون بعضه (3) له ، وهذه الثلاثة (4) بمعانيها (5) عندنا باطلة.

(و) المشتركان شركة العنان (يتساويان في الربح والخسران مع تساوي المالين ، ولو اختلفا) في مقدار المال (اختلف الربح) بحسبه (6).

______________________________________________________

(1) قال الشارح في المسالك : (لشركة الوجوه تفسيرات ، أشهرها أن يشترك اثنان وجيهان عند الناس لا مال لهما بعقد لفظي ليبتاعا في الذمة إلى أجل على أن ما يبتاعه كل واحد منهما يكون بينهما ، فيبيعان ويؤديان الأثمان ، وما فضل بينهما.

وقيل : أن يبتاع وجيه في الذمة ويفوّض بيعه إلى خامل ، ويشترط أن يكون الربح بينهما.

وقيل : أن يشترك وجيه لا مال له وخامل ذو مال ، ويكون العمل من الوجيه والمال من الخامل ، ويكون المال في يده لا يسلّمه إلى الوجيه والربح بينهما.

وقيل : أن يبيع الوجيه مال الخامل بزيادة ربح ليكون بعض الربح له ، والكل عندنا باطل خلافا لابن الجنيد ، فإنه جوّزها بالمعنى الأول ، ولأبي حنيفة مطلقا) انتهى.

وبطلانها للإجماع المدعى ولأنه لا دليل على جوازها ، ولأنه لم يتحقق المزج بين المالين فلا يتحقق موضوع الشركة.

(2) أي معتبران عند الناس.

(3) أي بعض الربح.

(4) من شركة الأعمال وشركة المفاوضة وشركة الوجوه.

(5) أي بالتفسيرات كلها الواردة في شرح الثلاثة.

(6) أي بحسب مقدار المال ، وكذا عليه من الخسارة بحسب ماله ولم يذكر الماتن الخسارة واقتصر على الربح ، لتقدم الربح على الخسارة مع أنه إذا ذكر الربح فيكون حكم الخسارة معروفا حينئذ ، بلا خلاف في ذلك ، لأن الربح تابع للمال لأنه نماؤه ، فإذا كان مال أحدهما مساويا لمال الآخر كان الربح بينهما بالتنصيف ، والخسارة على المال لأن من له

ص: 237

والضابط أن الربح بينهما على نسبة المال متساويا ومتفاوتا ، فلو عبر به (1) لكان أخصر وأدل على المقصود ، إذ لا يلزم من اختلاف الربح مع اختلاف المالين كونه على النسبة ، (ولو شرطا غيرهما) (2) أي غير التساوي في الربح على تقدير

______________________________________________________

الغنم فعليه الغرم ، فلو كان أحد المالين كالآخر كان الغرم عليهما بالتنصيف ، ومنه يعرف حكم الربح والخسارة ، عند اختلاف مقدار المالين.

(1) أي بكون الربح على نسبة المال ، لكان أخصر من عبارة المصنف ، لأن المصنف قد ذكر نسبة الربح عند التساوي ونسبته عند اختلاف المالين ، ولكان أول لأن عبارة الشارح تفيد أن الاختلاف في الربح مسبب عن اختلاف المالين ، أما عبارة المصنف فلا تدل على أن سبب الاختلاف في الربح هو الاختلاف في المالين ، وذلك لو كان لأحدهما ثلثا المال وللآخر الثلث الباقي فيجب أن يكون الربح على مقدار نسبة المالين ، ولكن لو شرط بجعل الربح بينهما على أن يكون لصاحب الثلثين ثلاثة أرباع الربح ولصاحب الثلث ربع لصدق اختلاف الربح عند اختلاف المالين كما هو مقتضى عبارة الماتن ، مع أن المصنف لا يريد هذه الصورة من عبارته السابقة.

(2) أي شرطا زيادة الربح مع تساوي المالين ، أو شرطا تساوي الربح والخسران مع تفاوت المالين ، وقد وقع الخلاف فيه على أقوال :

الأول : الصحة وإليه ذهب المرتضى مدعيا عليه الإجماع وتبعه عليه جماعة منهم العلامة وولده لعموم ( أَوْفُوا بِالْعُقُودِ ) (1) ، ولعموم (المؤمنون عند شروطهم) (2) ، ولأصالة الصحة في العقود ، وبناء الشركة على الإرفاق لكل منهما ، ومن جملته موضع النزاع.

الثاني : البطلان للشرط مع بطلان عقد الشركة ، وذهب إليه الشيخ وابن إدريس والمحقق والقاضي بل نسب إلى الأكثر ، لانتفاء دليل الصحة ، ولأنه أكل للمال بالباطل لأن الزيادة ليس في مقابلها عوض لأن الفرض أنه ليس في قبال الزيادة عمل ، ولم يقع اشتراط الزيادة في عقد معاوضة كالنبيع ليضم شرط زيادتها إلى أحد العوضين ، ولا اقتضى تملكها عقد هبة ، مع أن الأسباب المثمرة للملك معدودة وليس هذا واحدا منها ، فيكون اشتراط الزيادة اشتراطا لتملك شخص مال غيره بغير سبب ناقل للملك ، وإذا بطل الشرط بطل العقد المشروط ، إذ لم يقع التراضي بالشركة ولا الاذن في التصرف إلا على ذلك التقدير ، وقد تبيّن فساده فلا يندرج تحت عموم ( أَوْفُوا بِالْعُقُودِ ) (3) ولا تحت

ص: 238


1- 1. سورة المائدة ، الآية : 1.
2- 2. الوسائل الباب - 20 - من أبواب المهور حديث 4.
3- 3. سورة المائدة ، الآية : 1.

تساوي المالين بأن شرطا فيه (1) تفاوتا حينئذ (2) ، أو غير اختلاف استحقاقهما في الربح مع اختلاف المالين كمية (فالأظهر البطلان) أي بطلان الشرط ، ويتبعه بطلان الشركة (3) بمعنى الإذن في التصرف ، فإن عملا كذلك (4) فالربح تابع للمال وإن خالف الشرط ، ويكون لكل منهما أجرة عمله بعد وضع ما قابل عمله في ماله (5).

ووجه البطلان بهذا الشرط أن الزيادة الحاصلة في الربح لأحدهما ليس في مقابلها عوض ، ولا وقع اشتراطها في عقد معاوضة لتضم إلى أحد العوضين ، ولا اقتضى تملكها عقد هبة ، والأسباب المثمرة للملك معدودة ، وليس هذا أحدها فيبطل الشرط ويتبعه العقد المتضمن للإذن في التصرف ، لعدم تراضيهما إلا على ذلك التقدير ولم يحصل. وينبغي تقييده (6) بعدم زيادة عمل ممن شرطت له الزيادة ، وإلا (7) اتجه الجواز.

وقيل (8) : يجوز مطلقا (9) لعموم الأمر بالوفاء بالعقود ، والمؤمنون عند

______________________________________________________

بقية العمومات الواردة في دليل القول الأول ، والإجماع المدعى من قبل السيد المرتضى على القول الأول معارض بالإجماع المدعى على القول الثاني من ابن إدريس ، ومع الغض عن المعارضة فإجماع السيد موهون لذهاب الأكثر إلى خلافه.

الثالث : صحة عقد الشركة دون الشرط ، وهو قول أبي الصلاح الحلبي ، وهو مبني على أن الشرط الفاسد غير مفسد.

(1) في الربح.

(2) أي حين تساوي المالين.

(3) وهو القول الثاني المتقدم ، هذا والمراد من بطلان الشركة بطلان عقدها ، أما نفس الشركة من مزج المالين فلا يملك بطلانها لتحقق المزج في الخارج ، ولما كان المراد من الشركة هو عقدها لذا قال الشارح عقيب ذلك : (بمعنى الاذن في التصرف).

(4) أي مع بطلان الشركة والشرط.

(5) أي ما قابل عمله واستلزم من إنفاق يجعل في ماله وله أجرة عمله.

(6) أي تقييد البطلان.

(7) أي وإن شرطت الزيادة في الربح لمن له زيادة عمل فهو جائز بلا خلاف فيه ولا إشكال ، بل ظاهر التذكرة الإجماع عليه.

(8) وهو القول الأول المتقدم.

(9) من عقد وشرط.

ص: 239

فی أنه لیس لأحد الشرکاء التصرف إلا بإذن الجمیع

شروطهم ، وأصالة الإباحة ، وبناء الشركة على الإرفاق ، ومنه موضع النزاع.

(وليس لأحد الشركاء التصرف) في المال المشترك (إلا بإذن الجميع) (1) لقبح التصرف في مال الغير بغير إذنه عقلا وشرعا ، (ويقتصر من التصرف على المأذون) (2) على تقدير حصول الإذن (فإن تعدى) المأذون (ضمن) (3).

واعلم أن الشركة كما تطلق على اجتماع حقوق الملّاك في المال الواحد على أحد الوجوه السابقة (4) ، كذلك تطلق على العقد المثمر جواز تصرف الملّاك في المال المشترك ، وبهذا المعنى (5) اندرجت الشركة في قسم العقود ، وقبلت الحكم بالصحة والفساد ، لا بالمعنى الأول. والمصنف رحمه الله أشار إلى المعنى الأول بما افتتح به من الأقسام ، وإلى الثاني بالإذن المبحوث عنه هنا (6) ، (ولكل) من الشركاء

______________________________________________________

(1) بما أن الشركة على معنيين ، فالأول هو اجتماع حق الملّاك في الواحد على سبيل الشياع بسبب الارث أو العقد أو الحيازة أو المزج ، وهذه الشركة لو تمت فلا يجوز لأحد الشريكين التصرف في المال المشترك إلا مع إذن بقية الشركاء ، لحرمة التصرف في مال الغير بغير إذنه ، ومجرد اشتراك المال لا يدل على الاذن ، سواء كان الاشتراك باختيار الشركاء أم لا ، لأن الاذن بالتصرف أمر زائد على مفهوم الشركة بهذا المعنى.

والمعنى الثاني للشركة هو عقد ثمرته جواز التصرف في المال المشترك لتحصيل الربح على أن يكون الربح لهما والخسران عليهما بنسبة المال ، والشركة بهذا المعنى تدل على الاذن بالفحوى ، لأن العقد هنا لا بد أن يدل على عملهما بالمال المشترك ، ودلالته على العمل دلالة على إذن كل منهما بالتصرف للآخر.

(2) فإن أطلق الاذن تصرف كيف شاء من وجوه التجارة والاسترباح ، مرابحة ومساومة وتولية ، وإن قيّد الاذن تصرف على مقدار خصوص الاذن كما هو واضح.

(3) لقاعدة اليد (على اليد ما أخذت حتى تؤدي) ، لأنه متصرف في مال الغير بغير إذنه ، وهو مما لا إشكال فيه.

(4) من المزج والحيازة والعقد والارث.

(5) أي الثاني.

(6) وفيه : إن المصنف قد أشار إلى القسم الثاني عند تعرضه لشركة العنان ، بل هو بيان لتمام القسم الثاني من الشركة حينئذ ، وأما الاذن المبحوث عنه هنا فهو إشارة إلى المعنى الأول ، لأن المعنى الثاني مما يجوز للشريك التصرف في المشترك لتحقق الاذن ، فنفي التصرف للشريك إلا بعد إحراز الاذن كما هو عبارة الماتن هنا إنما يجري في المعنى الأول كما هو واضح.

ص: 240

(المطالبة بالقسمة (1) عرضا (2) بالسكون وهو ما عدا النقدين (كان المال ، أو نقدا. والشريك أمين) (3) على ما تحت يده من المال المشترك المأذون له في وضع يده عليه (لا يضمن إلا بتعد) (4) وهو فعل ما لا يجوز فعله في المال ، (أو تفريط) (5) وهو التقصير في حفظه ، وما يتم به صلاحه (ويقبل يمينه في التلف) (6) لو

______________________________________________________

(1) الشركة بمعنييها غير لازمة ، وعليه فيجوز لكل شريك أن يطالب بالقسمة ، أما الشركة بالمعنى الأول فواضح إذ لا يجب على الإنسان مخالطة غيره في ماله ، مع أن الأصل أن يتصرف كل منهما في ماله كيف شاء ، ومن جملة التصرف إفرازه وقسمته عن غيره.

وأما الشركة بالمعنى الثاني فهي عقد ، ومرجعه إلى الاذن للغير في التصرف مع مزج المالين ، والاذن في معنى الوكالة ، فيجوز له أن يرجع في الاذن كما يرجع في وكالته.

(2) قال في المصباح (العرض بفتحين متاع الدنيا ، والعرض بالسكون المتاع ، قالوا : والدراهم والدنانير عين وما سواهما عرض ، والجمع عروض مثل فلس وفلوس ، وقال أبو عبيد : العروض الأمتعة التي لا يدخلها كيل ولا وزن ولا تكون حيوانا ولا عقارا) انتهى ، وفي مجمع البحرين : (العرض بفتح العين جمعه عروض كفلس وفلوس ، وكل شي ء عرض سوى الدراهم والدنانير) وعليه فإذا كان العرض هو كل متاع سوى النقدين فالمعنى أن أحد الشريكين لو طالب بالقسمة فله المطالبة بالعين الموجودة المشتركة بينهما ، لأن حقه منحصر فيها سواء كانت العين نقدا أم عرضا ، وليس له المطالبة بأن يدفع الشريك قيمة ما للشريك الآخر من دراهم ودنانير لو كان المال المشترك عرضا ، نعم له المطالبة بالنقد إذا كان المال المشترك نقدا.

(3) لأنه مع الاذن - كما عرفت - يكون وكيلا ، والوكيل أمين من قبل المالك ، ولا يضمن الأمين لو تلف المتاع تحت يده بغير تفريط بلا خلاف ولا إشكال ، وستمرّ عليك النصوص الكثيرة في الوديعة (1) والعارية (2) والإجازة (3) على أن الأمين لا يضمن.

(4) والتعدي فعل وجودي بأن يفعل في المال ما لا يجوز فعله.

(5) والتفريط أمر عدمي ، بأن يترك فعلا يجب فعله لحفظ المتاع ، وعلى كل فمع التعدي والتفريط يكون خائنا بسبب فعله فيضمن لعموم (على اليد ما أخذت حتى تؤدي).

(6) لو ادعى الشريك تلف المال المشترك ، سواء ادعى التلف لسبب ظاهر كالفرق أو الحرق ،

ص: 241


1- 1. الوسائل الباب - 4 - من أبواب الوديعة.
2- 2. الوسائل الباب - 1 - من أبواب العارية.
3- 3. الوسائل الباب - 28 و 29 و 30 - من أبواب الإجارة.

فی أنه یکره مشارکة الذمی

ادعاه (1) بتفريط وغيره (2) (وإن كان (3) السبب ظاهرا) كالحرق ، والغرق. وإنما خصّه (4) لإمكان إقامة البينة عليه ، فربما احتمل عدم قبول قوله فيه كما ذهب إليه بعض العامة ، أما دعوى تلفه بأمر خفي كالسرق فمقبول إجماعا.

(ويكره مشاركة الذمي وإبضاعه) (5) ، وهو أن يدفع إليه مالا يتجر فيه والربح لصاحب المال خاصة (6) ، (وإيداعه) لقول الصادق (ع) : «لا ينبغي للرجل المسلم أن يشارك الذمي ، ولا يبضعه بضاعة ، ولا يودعه وديعة ، ولا يصافيه المودة».

______________________________________________________

أو ادعاه لسبب خفي كالسرقة ، يقبل قوله مع يمينه في دعوى التلف لأنه أمين ، والأمين مصدّق ، وخالف بعض العامة وهو الشافعي فأوجب عليه البينة في الأول وهو ضعيف.

والشريك المدعي قد جعلناه منكرا لأن شريكه لمّا لم يصدقه في دعواه فكأنه ادعى عليه الخيانة بالتفريط أو التعدي وهو ينكر فلذا قدّم قوله مع يمينه.

(1) أي ادعى التلف شريكه الآخر ، بحيث أن الآخر قد ادعى عليه التلف بتفريط ، والأول يدعي التلف لسبب ظاهر أو خفي من دون تفريط فيقدم قول الأول مع يمينه لأن الشريك أمين ، وهذا ما قد تقدم.

(2) أي غير التفريط وهو التعدي.

(3) لما عطف المصنف كلامه هنا ، فهو ظاهر أنه يقدم قول الأمين مع يمينه ، سواء كان السبب غير ظاهر أو ظاهرا.

(4) أي السبب الظاهر ، فهو قد خصّه لينبه على خلاف بعض العامة ، وقد تقدم.

(5) للأخبار.

منها : خبر ابن رئاب عن أبي عبد الله عليه السلام (لا ينبغي للرجل المسلم أن يشارك الذمي ولا يبضعه بضاعة ، ولا يودعه وديعة ، ولا يصافيه المودة) (1) ، وخبر السكوني عن أبي عبد الله عليه السلام (أن أمير المؤمنين عليه السلام كره مشاركة اليهودي والنصراني والمجوسي ، إلا أن تكون تجارة حاضرة لا يغيب عنها المسلم) (2).

والثاني مطلق يشمل الذمي والحربي ، والأول مقيّد بالذمي ، غير أن ضالة الإطلاق والتقييد لا تجري في غير الأحكام الإلزامية ، فإطلاق الخبر الثاني غير مقيد وهو دال على مطلق الكافر ، وهذا ما عليه فتوى القوم ، وقد نفى عنه الخلاف في الغنية.

(6) على أن يكون للعامل أجرة عمله والربح والخسارة لصاحب رأس المال.

ص: 242


1- (1 و 2) الوسائل الباب -1. من أبواب كتاب الشركة حديث 1 و 2.

فی أنه لو باع الشریکان سلعة شارکه الآخر

(ولو باع الشريكان سلعة صفقة (1) ، وقبض أحدهما من ثمنها شيئا شاركه الآخر) فيه (2) على المشهور ، وبه (3) أخبار كثيرة ، ولأن كل جزء من الثمن مشترك بينهما ، فكل ما حصل منه (4) بينهما كذلك (5).

______________________________________________________

(1) إذا باع الشريكان سلعة بينهما صفقة ، ثم استوفى أحدهما من المشتري شيئا من الثمن بنيّة أنه له ، شاركه الآخر فيه ، على المشهور ، لأن كل جزء من الثمن مشترك بينهما ، فما يحصل من الثمن فهو لهما ، وللأخبار.

منها : المرسل عن أبي حمزة (سئل أبو جعفر عليه السلام عن رجلين بينهما مال ، منه بأيديهما ومنه غائب عنهما ، فاقتسما الذي بأيديهما ، وأحال كل واحد منهما من نصيبه الغائب ، فاقتضى أحدهما ولم يقتض الآخر ، قال عليه السلام : ما اقتضى أحدهما فهو بينهما ، ما يذهب بماله) (1).

ووجه الاستدلال أن المال الغائب لما كان مالا مشتركا فما يحصل لأحدهما فهو بينهما ، فكذلك الثمن فهو مال مشترك لهما فما يحصل لأحدهما فهو لكليهما وخالف ابن إدريس إلى أن لكل منهما ما يقبضه ولا يشاركه الآخر فيه بدليلين :

الأول : أن لكل واحد من الشريكين أن يبرئ الغريم - وهو المشتري - من حقه ، ويهبه ويصالح على شي ء منه دون الآخر ، ومتى أبرأه برئ الغريم من حق الشريك المبرئ وإن بقي حق الشريك الآخر ، وكذا إذا صالح ، وعليه فكما لا يشارك الآخر الشريك المصالح والبري ء فكذا لا يشاركه لو استوفى.

الدليل الثاني : أن متعلق الشركة بينهما هو العين ، وقد ذهبت ولم يبق منها إلا عوضها ، وهو دين في ذمة المشتري ، فإذا أخذ أحدهما نصيبه لم يكن قد أخذ عينا من أعيان الشركة فلا يشاركه الآخر فيما أخذ ، لأن ما في الذمة لا يتعين إلا بقبض المالك أو وكيله ، والمفروض هنا أن الشريك القابض لم يقبض إلا لنفسه فكيف نحكم بكون الآخر له شي ء في المقبوض.

(2) في المقبوض.

(3) أي وبالحكم بالمشاركة.

(4) من الثمن.

(5) أي مشترك بينهما.

ص: 243


1- 1. الوسائل الباب - 6 - من أبواب كتاب الشركة حديث 1.

وقيل : لا يشارك (1) ، لجواز أن يبرئ (2) الغريم من حقه ، ويصالحه عليه من غير أن يسري إلى الآخر ، فكذا الاستيفاء ولأن متعلق الشركة هو العين وقد ذهبت ، والعوض أمر كلي لا يتعين إلا بقبض المالك ، أو وكيله ، ولم يتحقق (3) هنا بالنسبة إلى الآخر ، لأنه إنما قبضه لنفسه (4).

وعلى المشهور لا يتعين على الشريك غير القابض مشاركته (5) ، بل يتخير (6) بينها (7) ، وبين مطالبة الغريم بحقه (8) ، ويكون قدر حصة الشريك في يد القابض كقبض الفضولي ، إن أجازه (9) ملكه (10) ويتبعه النماء ، وإن رده ملكه القابض ، ويكون (11) مضمونا عليه (12)

______________________________________________________

(1) أي لا يشارك الآخر.

(2) أي لجواز أن يبرئ الشريك الغريم من حقه.

(3) أي القبض.

(4) كما هو المفروض.

(5) أي مشاركة الشريك القابض.

(6) أي الشريك غير القابض.

(7) بين المشاركة.

(8) وسبب التخيير أن المال الكلي في الذمة وهو عوض العين قد طلب الشريك الأول منه شيئا فإذا قبضه تعيّن أن يكون له ، لما مرّ من أنه يتعين بالقبض ، وعليه فإذا أجاز الشريك الثاني هذا القبض فيكون القبض عنهما وهو لهما ، وإن لم يجز فيبقى حقه في ذمة الغريم يطالبه.

وفيه : إن هذا مخالف لما تقدم أن كل جزء من الثمن مشترك ولذا كان ما قبضه أحدهما فهو لهما معا.

وعلى كل فعلى التخيير فتكون حصة الشريك غير القابض عند الشريك القابض كالمتاع تحت يد الفضولي ، فإن أجاز الشريك غير القابض هذا القبض فالمقبوض لهما ، والنماء تابع للأصل فيكون النماء لهما أيضا.

(9) أي أجاز الشريك غير القابض قبض الشريك الآخر.

(10) أي ملك المجيز قدر حصته الموجود تحت يد القابض.

(11) أي المقبوض.

(12) على القابض.

ص: 244

على التقديرين (1) ، ولو أراد (2) الاختصاص بالمقبوض بغير إشكال (3) فليبع حقه للمديون (4) على وجه يسلم من الربا بثمن معين فيختص به ، وأولى منه (5) الصلح عليه ، أو يبرئه من حقه ويستوهب عوضه (6) ، أو يحيل به على المديون (7) ، أو يضمنه له ضامن (8).

وموضع الخلاف (9) مع حلول الحقين فلو كان أحدهما مؤجلا لم يشارك فيما قبضه الآخر قبل حلول الأجل ، واحترز ببيعهما صفقة (10) عما لو باع كل واحد

______________________________________________________

(1) أي تقدير الإجازة وتقدير الرد ، هذا والمراد أن الضمان على القابض فيما قبضه قبل اختيار الشريك ، سواء اختار فيما بعد الإجازة أو الرد ، وليس المراد الضمان بعد الإجازة أو الرد ، لأنه مع الإجازة فلا ضمان لأنه أمين ، ومع الرد فلا ضمان لاختصاص المال بالقابض.

(2) أي القابض.

(3) أي من دون أن يكون للشريك الآخر حق المشاركة.

(4) بحيث يبيع الشريك حقه من الثمن للمشتري المديون بثمن معين على وجه يسلم من الربا ، فيختص الشريك حينئذ بالثمن المعين المقبوض ، وكذا لو صالح عن حقه بثمن معين على وجه يسلم من الربا.

(5) وجه الأولوية أن الربا يجري في البيع بالاتفاق بخلاف الصلح فإن فيه خلافا.

(6) كأن يقول الشريك للمشتري : أبرأتك من حقي من ثمن المتاع بشرط أن تهبني عوضا معينا.

(7) أي أن يحيل الشريك بالحق الذي له ثالثا على المشتري المديون ، وتكون الإحالة كالقبض.

(8) أي يضمن للشريك حقه ضامن عن المشتري ، وبالضمان ينتقل حق الشريك إلى ذمة الضامن.

(9) أي الخلاف في أصل المسألة فيما لو باع الشريكان سلعة وكان حقهما معا حالا ، أما لو كان أحدهما قد باع حصته من السلعة حالا ، والآخر مؤجلا ، أو كان كل منهما قد باع بمؤجل إلا أن أجل أحدهما أقل من أجل الآخر ، وعند حلول الأجل القليل أو في الحال مع كون الآخر مؤجلا قبض الشريك حصته فتتعين له ، لأن حصة الآخر مؤجلة بحسب القرض ولم يستحق شيئا حين قبض الأول.

(10) وهي العقد الواحد وهو احتراز عما لو باع كل واحد نصيبه بعقد ، وإن كان العقدان لواحد ، أي كان المشتري منهما واحدا ، فإنهما لا يشتركان فيما يقبضه أحدهما ، بلا خلاف فيه ، لأن الثمن المعين المقبوض لأحدهما قد تعين بالعقد الصادر من القابض فلا حصة للآخر فيه.

ص: 245

فی أنه لو ادعی المشتری من المشترکین شراء شیء لنفسه

نصيبه بعقد وإن كان (1) لواحد ، كما لا فرق في الصفقة (2) بين كون المشتري واحدا ، ومتعددا ، لأن الموجب للشركة هو العقد الواحد على المال المشترك ، وفي حكم الصفقة ما اتحد سبب شركته كالميراث (3) ، والإتلاف (4) ، والاقتراض (5) من المشترك.

(ولو ادعى المشتري من المشتركين) (6) المأذونين (شراء شي ء لنفسه ، أولهما

______________________________________________________

(1) أي البيع.

(2) لا فرق بين أن يبيع الشريكان السلعة صفقة لمشتر واحد أو مشتريين ، لأن الموجب للشركة هو العقد الواحد على المال المشترك ، فيكون الثمن من الاثنين مالا مشتركا ، ويجري فيه النزاع السابق عند قبض أحدهما بعضه.

(3) وذلك فيما لو ورثا مالا واحدا من مورثهم ، فهم شركاء قبل القسمة فلو قبض أحدهما بعضه فهما شريكان فيه على المشهور.

(4) كما لو أتلف ثالث مال الشريكين ، فقيمة المتلف مال مشترك ، فلو قبض أحدهما بعضها فيجري فيه النزاع المتقدم.

(5) كأن يقترض ثالث مال الشريكين ، فما يدفعه أداء فهو شركة فلو قبض أحدهما بعضه فيجري فيه النزاع المتقدم.

(6) فهنا فرعان :

الأول : ما لو اشترى أحد الشريكين شيئا فادعى الآخر أنه اشتراه لهما وأنكر المشترك المشتري وقال : إني اشتريته لنفسي ، فالقول قول المشتري مع يمينه ، لأن المشتري وإن كان شريكا وهو وكيل عن شريكه إلا أنه لا يتعين عليه العمل بمقتضى الوكالة ، لأنها ليست لازمة ، فإذا نوى الشراء لنفسه صح ووقع له ، غير أن الآخر يدعي أنه وقع الشراء لهما والمشتري ينكر ذلك فالمشتري منكر فلذا قدم قوله مع يمينه. يبقى أن المدعي يدعي على الآخر شيئا لا يملك له أن يطلع عليه ، لأنه يدعي على الآخر أنه نوى عنهما ، والنية من الأمور الباطنية لا يمكن أن يطلع عليها إلا صاحبها ، ولازمه أن لا تكون الدعوى مسموعة فيقدم قول المشتري بغير يمين ، إلا أن المدعي وإن لم يمكن الاطلاع له عليها بنفسه إلا أنه يحتمل أن يطلع علتهما لو أقر الآخر بها ، فلذا على المدعي إذا أراد أن تكون دعواه مسموعة فعليه أن يجعلها دعوى بالإقرار بحيث يدعى أن الآخر أقرّ بالشراء لهما ، ولذا قال الشارح في المسالك : (وإنما يتوجه دعوى الشريك عليه إذا جعلها على وجه مسموع ، بأن يدعي إقراره بذلك ونحوه ، أما لو ادعى الاطلاع على نية ذلك لم يكن مسموعا ، لأنه محال ، فلا يمكن معرفته إلا من قبله) انتهى.

ص: 246

حلف) وقبل بيمينه ، لأن مرجع ذلك (1) إلى قصده وهو أعلم به. والاشتراك لا يعين التصرف بدون القصد ، وإنما لزمه الحلف مع أن القصد من الأمور الباطنة التي لا تعلم إلا من قبله لإمكان الاطلاع عليه بإقراره.

______________________________________________________

الفرع الثاني : أن يشتري أحد الشريكين شيئا فيدعي المشتري أنه اشتراه لهما وينكر الآخر ، فيقدم قول المشتري مع يمينه بلا خلاف أيضا ، لأن المشتري وكيل أمين ، فقوله مقبول في الفعل الموكل فيه فدعواه مسموعة من غير بينة ، إلا أن الآخر بإنكاره يدعي عدم وقوع الشراء لهما والأول ينكر ذلك بدعواه المتقدمة ، فيقدم قول المنكر مع يمينه.

وأيضا على الشريك الآخر هنا أن يجعل الدعوى اللازمة لإنكاره مسموعة ، بأن تكون الدعوى على الإقرار بالشراء لهما ، لا

على الاطلاع على نيته ، لأنه محال.

(1) من كون الشراء لهما أو لنفسه.

ص: 247

ص: 248

کتاب المضاربة

اشارة

كتاب المضاربة

ص: 249

ص: 250

فی معنی المضاربة

(كتاب المضاربة (1)

(وهي أن يدفع مالا إلى غيره ليعمل فيه بحصة معينة من ربحه) مأخوذة من الضرب (2) في الأرض ، لأن العامل يضرب فيها (3) للسعي على التجارة وابتغاء

______________________________________________________

(1) المضاربة معاملة بين شخصين على أن يدفع أحدهما مالا للآخر ليعمل به ، على أن يكون للعامل حصة معينة من الربح كالنصف أو الثلث أو الربع ، ويدل على مشروعيتها النصوص الكثيرة.

منها : خبر الحلبي عن أبي عبد الله عليه السلام (المال الذي يعمل به مضاربة ، له من الربح وليس عليه من الوضيعة شي ء ، إلا أن يخالف أمر صاحب المال) (1).

(2) فهي مأخوذة من الضرب ، والضرب إما الضرب في الأرض ، لأن العامل يضرب فيها للسعي في التجارة ولابتغاء الربح بطلب صاحب المال ، فكان الضرب مسبّبا عنهما ، وإما الضرب في الربح لكل منهما بسهم ، أو للضرب في المال لما في المضاربة من ضرب المال وتقليبه ، هذا ويقال للعامل مضارب بكسر الراء ، لأنه الذي يضرب في الأرض وهو الذي يقلّب المال ، ولم يشتق أهل اللغة لرب المال اسما من المضاربة ، وأهل الحجاز يسمونها قراضا ، إما من القرض وهو القطع ، ومنه المقراض لأنه يقرض به ، فكأن صاحب المال اقتطع من ماله قطعة وسلّمها للعامل أو اقتطع له قطعة من الربح ، وإما أن يكون القراض من المقارضة وهي المساواة والموازنة يقال : تقارض الشاعران إذا وازن كل منهما الآخر بشعره ، ووجهه أن المال هنا من المالك والعمل من العامل فقد تساويا في قوام العقد ، لتساويهما في أصل استحقاق الربح وإن اختلفا في كميته ، ويقال هنا للمالك معارض بالكسر ، وللعامل معارض بالفتح.

(3) في الارض.

ص: 251


1- 1. الوسائل الباب - 1 - من كتاب المضاربة حديث 4.

فی أنّ المضاربة جائزة من الطرفین

الربح بطلب صاحب المال ، فكأن الضرب مسبب عنهما ، فتحققت المفاعلة لذلك ، أو من ضرب كل منهما في الربح بسهم ، أو لما فيه من الضرب بالمال وتقليبه.

وأهل الحجاز يسمونها قراضا من القرض وهو القطع ، كأن صاحب المال اقتطع منه قطعة وسلمها إلى العامل ، أو اقتطع له قطعة من الربح في مقابلة عمله ، أو من المقارضة وهي المساواة ، ومنه : «قارض الناس ما قارضوك فإن تركتهم لم يتركوك» (1).

ووجه التساوي هنا (2) أن المال من جهة ، والعمل من أخرى ، والربح في مقابلهما فقد تساويا في قوام العقد ، أو أصل استحقاق الربح وإن اختلفا في كميته (3).

(وهي جائزة من الطرفين) (4) سواء نض المال (5) أم كان به عروض ، يجوز

______________________________________________________

(1) قاله أبو الدرداء من أصحاب النبي صلى الله عليه وسلم على ما قيل ، ومعناه ساواهم ما داموا مساوين لك ، فإن تركت مساواتهم لم يتركوا مساواتك ، أو عارض الناس بالسوء ما داموا متعرضين لك بالسوء ولو كان معارضتك لهم من باب دفع سوئهم عن نفسك ، فإن تركتهم ولم تقابلهم بالسوء لم يتركوك ، والثاني أولى.

(2) في المضاربة.

(3) قال الشارح في المسالك تبعا للتذكرة : (واعلم أن من دفع إلى غيره مالا ليتجر به فلا يخلو إما أن يشترطا كون الربح بينهما أو لأحدهما أولا يشترطا شيئا ، فإن شرطا بينهما فهو قراض - مضاربة - وإن شرطاه للعامل فهو قرض ، وإن شرطاه للمالك فهو بضاعة ، وإن لم يشترطا شيئا فكذلك - أي بضاعة - ويكون الربح للمالك تبعا للمال إلا أن للعامل أجرة المثل) انتهى. وله فائدة أخرى وهي : أن عقد المضاربة يقتضي أن يكون العامل ودعيا أمينا مع صحة العقد وعدم ظهور الربح ، وهو شريك مع ظهور الربح ، ومع التعدي غاصب ، وفي تصرفه وكيل ، ومع فساد العقد أجير له أجرة المثل ، ومن الواضح أن ليس المراد إنشاء هذه العقود بإنشاء عقد المضاربة ، بل المراد أنه يتبعها أحكام هذه العقود حينئذ.

(4) بلا خلاف فيه بل ادعى عليه الإجماع كما عن جماعة ، وهو الحجة للخروج عن قاعدة اللزوم في العقود ، ولأن المضاربة وكالة في الابتداء ثم قد تصير شركة عند ظهور الربح ، والوكالة والشركة جائزان فلا محالة تكون المضاربة جائزة.

(5) قال الفيومي في مصباح المنير : (وأهل الحجاز يسمون الدراهم والدنانير نضّا وناضّا ، قال

ص: 252

فی أنه لا یصح اشتراط اللزوم، أو الأجل فی المضاربة

لكل منهما فسخها ، ومن لوازم جوازها منهما وقوع العقد بكل لفظ يدل عليه (1).

وفي اشتراط وقوع قبوله لفظيا ، أو جوازه (2) بالفعل أيضا (3) قولان (4) ، لا يخلو ثانيهما من قوة.

(ولا يصح اشتراط اللزوم ، أو الأجل فيها) (5) بمعنى أنه لا يجب الوفاء

______________________________________________________

أبو عبيد : إنما يسمونه ناضا إذا تحول عينا بعد أن كان متاعا) انتهى ، ولذا قال الشارح في المسالك : (والمراد بانضاض المال صيرورته دراهم أو دنانير كما كان).

والمعنى أن المضاربة يجوز فسخها سواء كان المال الذي دفعه صاحبه إلى العامل عروضا - أي متاعا - أو ناضا ، والمراد بالعروض هو المتاع وذلك عند ما يشتري العامل المتاع بالمال المدفوع من صاحبه ، والمراء بالنض رجوع الدراهم والدنانير كما كانت بحيث قد دفع رب المال الدراهم أو الدنانير وقد اشترى بها العامل أمتعة ثم باعها فيقال حينئذ نضّ المال.

هذا وسكت عن صورة وهي : ما لو كان العامل لم يشتر شيئا بالمال المدفوع إليه ، وعلى جميع الصور فيجوز فسخ المضاربة من الطرفين لما تقدم من الأدلة.

(1) أي بدل على العقد ، وصحة إنشاء العقد الجائز بكل لفظ دال عليه مبني على مشهور القدماء حيث التزموا بذلك في قبال العقد اللازم فاشترطوا في إنشائه خصوص اللفظ الصريح ، وقد عرفت في كتاب البيع كفاية الإنشاء بكل لفظ سواء كان العقد جائز أم لازما ، بل جواز الإنشاء بالفعل الدال عليه كالكتابة والمعاطاة.

(2) أي جواز وقوع القبول.

(3) كجواز وقوعه باللفظ.

(4) فعن العلّامة في التذكرة والمحقق الثاني في جامع المقاصد الاكتفاء بالفعل ، بل في الرياض نسبته إلى عدم الخلاف ، وظاهر الشارح هنا التفريق بين القبول والإيجاب ، بحيث يصح وقوع القبول باللفظ والفعل بخلاف الإيجاب فينحصر وقوعه باللفظ دون الفعل ، وهذا ما ذهب إليه العلامة في جملة من كتبه ، وأشكل صاحب الجواهر بأن التفرقة بين الإيجاب والقبول مع عدم الدليل عليها مشكل.

(5) ليس ذكر الأجل في المضاربة مفسدا لها ، بل لو ذكر الأجل في عقد المضاربة لا يصير العقد لازما ، بل يجوز فسخها قبله ولا يجب الوفاء بهذا الشرط بلا خلاف فيه ، للأصل ، لأن أصل المضاربة جائزة فلا يكون الشرط المثبت فيها على خلاف أصلها ، ولذا قال سيد

ص: 253

بالشرط (1) ، ولا تصير لازمة بذلك ، ولا في الأجل بل يجوز فسخها فيه (1) عملابالأصل (3) ، (ولكن) اشتراط الأجل (يثمر المنع من التصرف بعد الأجل إلا بإذن جديد) ، لأن التصرف تابع للإذن ولا إذن بعده (4) ، وكذا لو أجل بعض التصرفات كالبيع ، أو الشراء خاصة ، أو نوعا خاصا (5).

ويفهم من تشريكه (6) بين اشتراط اللزوم والأجل ، تساويهما في الصحة ، وعدم لزوم الشرط.

والمشهور أن اشتراط اللزوم مبطل (7) ، لأنه مناف لمقتضى العقد فإذا فسد الشرط تبعه العقد ، بخلاف شرط الأجل ، فإن مرجعه إلى تقييد التصرف بوقت خاص وهو غير مناف ، ويمكن أن يريد المصنف ذلك (8) وإنما شرّك بينهما في

______________________________________________________

الرياض : (لجواز أصله بلا خلاف كما مضى ، فلأن يكون الشرط المثبت فيه جائزا بطريق أولى) انتهى.

وإذا تقرر عدم وجوب الوفاء بشرط الأجل لو ذكر الأجل ، فذكر الأجل في متن العقد يفيد أن الاذن بالتصرف من رب المال للعامل مقيّد بمدة الأجل ، فيمنع العامل من التصرف بعد هذه المدة ، لأن التصرف من العامل تابع للاذن ولا إذن بعد الأجل.

وأما اشتراط اللزوم في عقد المضاربة فهو شرط باطل ، لأنه شرط على خلاف مقتضى العقد ، وعلى المشهور أن الشرط الفاسد مفسد فيبطل عقد المضاربة حينئذ ، وعليه فتكون عبارة الماتن في عدم صحة اشتراط اللزوم على ظاهرها.

(1) أي شرط اللزوم ، وهو ظاهر في صحة العقد وإن بطل الشرط ، وهو مبني على أن الشرط الفاسد غير مفسد.

(2) في الأجل.

(3) أي بالأصل المتحقق في المضاربة وهو الجواز.

(4) بعد الأجل.

(5) كالبيع بخيار ، قال الشارح في المسالك : (لا خلاف عندنا في جواز هذه الشروط ولزومها ، وإن ضاقت لسبب هذه - أي الشروط - التجارة) انتهى ، لأن التصرف من العامل تابع للاذن ، والاذن مقيّد.

(6) أي تشريك المصنف.

(7) أما إنه باطل فهو لا خلاف فيه.

(8) أي البطلان في شرط اللزوم وعدم وجوب الوفاء في شرط الأجل.

ص: 254

فی أنه للعامل التصرف علی ما أذن المالک له

عدم صحة (1) الشرط مطلقا (2) وإن افترقا في أمر آخر (3).

(ويقتصر العامل من التصرف على ما أذن المالك له) من نوع (4) التجارة ، ومكانها ، وزمانها ، ومن يشتري منه ، ويبيع عليه ، وغير ذلك (5) فإن خالف ما عين له ضمن المال (6) ، لكن لو ربح كان بينهما بمقتضى الشرط للأخبار الصحيحة ، ولولاها (7) لكان التصرف باطلا ، أو موقوفا على الإجازة.

(ولو أطلق) له الإذن (8) (تصرف بالاسترباح) في كل ما يظن فيه حصول

______________________________________________________

(1) أي لا يجب الوفاء بهما.

(2) سواء كان الشرط للزوم أو للأجل.

(3) وهو البطلان وعدمه.

(4) كتجارة الخشب أو الثوب ، ويمكن أن يريد به من مرابحة ومساومة ونحو ذلك.

(5) بلا خلاف فيه ، لأن التصرف من العامل تبعا لاذن المالك ، والاذن مقيّد فالتصرف لا محالة يكون مقيّدا.

(6) للأخبار :

منها : صحيح محمد بن مسلم عن أحدهما عليه السلام (عن الرجل يعطي المال ، وينهى أن يخرج به فخرج ، قال عليه السلام : يضمن المال ، والربح بينهما) (1) ، وصحيح الحلبي عن أبي عبد الله عليه السلام (في الرجل يعطي الرجل المال فيقول له : ائت أرض كذا وكذا ولا تجاوزها واشتر منها ، قال عليه السلام : فإن جاوزها وهلك المال فهو ضامن ، وإن اشترى متاعا فوضع فيه فهو عليه ، وإن ربح فهو بينهما) (2) ومثلها غيرها.

(7) أي ولو لا الأخبار لكان التصرف بمقتضى القواعد باطلا ، بمعنى أن الربح بتمامه لصاحب المال ، والعامل لا أجرة له ولا ربح ، أما عدم الربح فلأنه ليس بمضاربة لعدم الاذن ، وأما عدم الأجرة فلأنه عمل تبرعي أو موقوفا على الإجازة.

(8) قال المحقق في الشرائع : (وإذا أذن له في التصرف تولى بإطلاق الاذن ما يتولاه المالك) ، وقال الشارح في المسالك عقيب ذلك : (المراد بالاذن في التصرف هنا إطلاق عقد المضاربة ، إذ لا يفتقر العامل معها - أي مع المضاربة - في جواز التصرف إلى إذن آخر ، وكان حقه أن يقول : ولو أطلق العقد تولى العامل بالإطلاق ما ذكر ، وحاصل ذلك أن المضاربة لما كانت معاملة على المال للاسترباح ، كان إطلاق العقد مقتضيا لفعل ما يتولاه

ص: 255


1- (1 و 2) الوسائل الباب -1. من أبواب كتاب المضاربة حديث 1 و 2.

الربح من غير أن يتقيد بنوع ، أو زمان ، أو مكان ، ويتولى أيضا بالإطلاق ما يتولاه المالك في التجارة بنفسه من عرض القماش على المشتري ، ونشره ، وطيّه ، وإحرازه ، وبيعه ، وقبض ثمنه ، ولا أجرة (1) له على مثل ذلك ، حملا للإطلاق على المتعارف ، وله الاستئجار على ما جرت العادة به (2) كالدلالة ، ووزن الأمتعة الثقيلة التي لم تجر عادته بمباشرة مثلها.

(وينفق في السفر كمال نفقته من أصل المال) (3) والمراد بالنفقة ما يحتاج

______________________________________________________

المالك في التجارة بنفسه من عرض القماش ونشره وطيّه وإحرازه وبيعه وقبض ثمنه وإيداعه الصندوق ونحو ذلك.

وهذا النوع لو استأجر عليه فالأجرة عليه - أي على العامل - خاصة حملا للإطلاق على المعتاد - أي أن المعتاد أن هذا من عمل التاجر فكذلك يكون من عمل المأذون العامل - أما ما جرت العادة بالاستئجار عليه كالدلالة والحمل ووزن الأمتعة الثقيلة التي لم تجر عادة التاجر بمباشرتها بحسب حال تلك التجارة من مثل ذلك التاجر فله - أي العامل - الاستئجار عليه حملا على المعتاد أيضا ، ولو عمل هذا النوع بنفسه - أي العامل - لم يستحق أجرة لأنه متبرع في ذلك) انتهى. وكلامه متين وبه يتم شرح عبارة الشهيدين هنا ، نعم إطلاق العقد في المضاربة يحمل على كل تصرف بالمال من أجل ما يظن فيه الربح من غير أن يتقيد التصرف بمكان أو زمان أو تجارة ، بل يحمل الإطلاق على كل تصرف يتولاه المالك فيجوز للمأذون العامل أن يفعله عملا بالعرف الذي هو الضابط في ذلك.

(1) أي للعامل.

(2) بالاستئجار وكان من العادة عدم مباشرة التاجر له بنفسه.

(3) اختلف فيه على ثلاثة أقوال.

القول الأول : وهو المشهور أن جميع ما ينفقه العامل في السفر من مأكل ومشرب وملبس ومسكن ونحو ذلك مما هو داخل في نفقته حال السفر فيكون من أصل المال ، للأخبار :

منها : صحيح علي بن جعفر عن أخيه أبي الحسن عليه السلام (في المضارب ما أنفق في سفره فهو من جميع المال ، فإذا قدم بلده فما أنفق فمن نصيبه) (1) وما موصولة عامة تشمل كل نفقة في حال السفر.

القول الثاني : أن القدر الزائد عن نفقة الحضر من أصل المال ، بدليل أن نفقة الحضر على

ص: 256


1- 1. لوسائل الباب - 6 - من أبواب كتاب المضاربة حديث 1.

فيه (1) إليه من مأكول ، وملبوس ، ومشروب ، ومركوب ، وآلات ذلك ، وأجرة المسكن ، ونحوها ، ويراعي فيها ما يليق به عادة مقتصدا ، فإن أسرف حسب عليه ، وإن قتر لم يحسب له. وإذا عاد من السفر فما بقي من أعيانها ولو من الزاد

______________________________________________________

العامل بالاتفاق ، فما ساواه في السفر يحتسب عليه أيضا ، والزائد يكون من مال المضاربة فيكون ما يحصل بسبب السفر هو الزيادة ليس إلا ، وأما غيرها فسواء كان مسافرا أم حاضرا فلا بد منه فلا يكون السفر علة فيه.

القول الثالث : أن جميع نفقة السفر على العامل كنفقة الحضر ، لأن المبيع مال المالك ، والأصل أن لا يتصرف العامل فيه إلا بما دلّ عليه الاذن ، ولم يدل الاذن إلا على حصة من الربح فلا يستحق العامل سواها وتكون النفقة عليه حضرا أو سفرا ، وكلا القولين غير معروفي القائل ، مع أن القول الثالث هو الموافق للقواعد ، ولكن النصوص دالة على الأول وهو المتّبع ، هذا ولا بدّ من التنبيه على أمور :

التنبيه الأول : المراد بالنفقة كل ما يحتاج إليه العامل في السفر بما هو مضارب من مأكول وملبوس ومركوب ونحو ذلك ، ويراعى فيها ما يليق بحاله عادة على وجه الاقتصاد ، فلو أسرف حسب عليه لعدم إذن الشارع بالإسراف ، وعليه فما فيه إسراف فهو على العامل ، ولو قتّر على نفسه لم يحسب له ، لعدم النفقة الفعلية مع أن المستثنى في الخبر النفقة الفعلية لحمل كل لفظ على الفعلية لا على القوة والشأنية والتقدير كما هو الأصل في ذلك عرفا.

ثم إذا عاد من السفر فما بقي من أعيان النفقة ولو من المأكول يجب رده إلى مال المضاربة ، لأنه مع البقاء المذكور قد تبين عدم وقوع الباقي نفقة للعامل حال سفره ، أو يتركه وديعة أن يسافر إذا كان العامل ممن يتكرر سفره لنفس ذلك المال.

التنبيه الثاني : المراد من السفر هو السفر العرفي لا الشرعي ، والمراد بالثاني ما يجب فيه التقصير ، ويحمل على العرفي حملا للفظ السفر الوارد في صحيح علي بن جعفر وغيره على المعنى العرفي ، للقطع بعدم إرادة الشرعي هنا للانصراف ، وعليه فلو كان السفر قصيرا دون المسافة أو كان طويلا وأتم الصلاة فيه للإقامة فنفقة العامل تلك المدة على أصل مال المضاربة.

التنبيه الثالث : إن نفقة العامل في السفر من مال المضاربة وإن لم يظهر ربح بعد للإطلاق في الخبر المتقدم ، ولذا عبّر الفقهاء بكون النفقة من أصل المال للإشعار بذلك.

(1) أي في السفر.

ص: 257

يجب رده إلى التجارة ، أو تركه (1) إلى أن يسافر إن كان (2) ممن يعود إليه قبل فساده (3).

ولو شرط عدمها (4) لزم ، ولو أذن له بعده فهو تبرع محض (5) ، ولو شرطها فهو تأكيد (6). ويشترط حينئذ (7) تعيينها (8) لئلا يتجهل الشرط ، بخلاف ما ثبت بأصل الشرع ، ولا يعتبر في ثبوتها حصول ربح ، بل ينفق ولو من الأصل إن لم يربح ، وإلا كانت منه (9).

______________________________________________________

(1) أي ترك ما بقي من الأعيان بطريق الوديعة.

(2) أي كان العامل ممن يعود إلى السفر.

(3) أي فساد ما بقي من أعيان النفقة.

(4) أي لو شرط المالك عدم النفقة بمعنى أن لا تكون من أصل مال المضاربة للزم الشرط ، لأن الشرط جائز لأنه غير مناف لمقتضى عقد المضاربة ، فيلزم لعموم (المؤمنون عند شروطهم).

(5) أي لو أذن المالك للعامل بعد شرط العدم السابق بأن تكون النفقة من أصل المال ، فهو تبرع من المالك ، لأنه غير لازم عليه لا بمقتضى النص للخروج عنه بالشرط ، ولا بالشرط لأن الشرط يقتضي العدم ، وعليه فإذا كان تبرعا فيجوز للمالك الرجوع فيه متى شاء.

(6) أي لو شرط المالك أن تكون النفقة من مال المضاربة ، فهو تأكيد ، لأن عقد المضاربة تقتضي ذلك للنص المتقدم ، فشرطه تأكيد لمقتضى العقد ، نعم هو شرط لازم لا تأكيدي على القولين الآخرين.

(7) أي حال كون الشرط تأكيديا.

(8) أي تعيين النفقة ، قال في المسالك : (وهل يشترط تعيينها حينئذ وجه قوي حذرا من الجهالة في الشرط ، الذي هو جزء العقد ، بخلاف ما تناوله إطلاق العقد بإذن الشارع) ، وقال في الجواهر : (بل ربما قيل بعدم وجوب ضبطها حتى على الأول - أي على القول الأول بكون شرطها تأكيديا - لكونها ثابتة بأصل الشرع فلا يزيد الاشتراط على الثابت بالأصل) انتهى.

(9) أي ولو كان ربح لكانت النفقة من الربح ، هذا وفي التذكرة والمسالك أنها من الربح مقدمة على حق العامل ضرورة كون ذلك كالخسارة اللاحقة للمال التي يجب جبرها بما يتجدد من الربح ، وفي الرياض إن إطلاق النص والفتوى يقتضي كون النفقة من أصل المال حتى مع وجود الربح.

ص: 258

فی أنّ العامل یشتری نقدا بثمن المثل فما دون و بیع کذلک فما فوق

ومئونة المرض في السفر على العامل (1) ، وكذا سفر لم يؤذن فيه (2) وإن استحق الحصة ، والمراد بالسفر : العرفي ، لا الشرعي وهو (3) ما اشتمل على المسافة فينفق (4) وإن كان قصيرا أو أتم الصلاة (5) إلا أن يخرج عن اسم المسافر (6) ، أو يزيد (7) عما تحتاج التجارة إليه فينفق من ماله إلى أن يصدق الوصف.

واحترز بكمال النفقة عن القدر الزائد عن نفقة الحضر ، فقد قيل (8) : إنه لا ينفق فيه سواه (9) ، ونبه بأصل المال على أنه لا يشترط حصول ربح (10) كما مر (11).

(وليشتر نقدا بنقد البلد (12) ، بثمن المثل فما دون) فلو اشترى نسيئة أو بغير

______________________________________________________

(1) وكذا مئونة الموت على العامل خاصة ، لأن مئونة المرض والموت لم تتعلق بالتجارة.

(2) أي لم يؤذن العامل في هذا السفر فنفقته عليه حينئذ ، لأن إطلاق النفقة في الصحيح المتقدم منصرف إلى السفر المأذون من قبل المالك ، وغير المأذون إما بتجاوز المأذون أو بالتوجه إلى غير جهة المأذون ، فلا تكون النفقة حينئذ من مال المضاربة ، نعم لو حصل الربح فله حصة منه للشرط في ذلك.

(3) أي الشرعي.

(4) من مال المضاربة.

(5) إما بالإقامة وإما لكونه كثير السفر ففي الموردين تكون النفقة من مال المضاربة مع صدق السفر العرفي.

(6) كأن تكون المسافة قصيرة جدا بحيث قصيرة جدا بحيث لا يصدق معها أنه مسافر ، فنفقته كونه حاضرا على نفسه.

(7) أي يزيد بسفره عما تحتاج إليه التجارة ، فالنفقة من مال العامل حتى يصدق عليه الوصف بأنه مسافر في التجارة.

(8) وهو القول الثاني.

(9) أي لا ينفق في السفر سوى الزائد ، فيكون الزائد من مال المضاربة ، وأما الباقي فعلى العامل.

(10) وذلك كون الأصل معتبرا في الإنفاق سواء ظهر الربح أم لا.

(11) عند قول الشارح (بل ينفق ولو من الأصل إن لم يربح).

(12) عامل المضاربة إما أن يشتري بمال المضاربة متاعا وإما أن يبيع هذا المتاع ، وهنا تعرض للأول ، فإذا أراد شراء متاع بمال المضاربة فعليه أن يشتريه حالا لا نسيئة ، بمعنى أن لا

ص: 259

نقد البلد ، أو بأزيد من ثمن المثل كان فضوليا ، فإن أجازه المالك صح ، وإلا بطل ، لما في النسيئة من احتمال الضرر بتلف رأس المال فيبقى عهدة الثمن متعلقة بالمالك (1) ، وقد لا يقدر عليه (2) ، أو لا يكون له غرض في غير ما دفع (3) ، وحملا في الأخيرين (4) على المتعارف. وما فيه الغبطة (5) كالوكيل.

(وليبع كذلك) (6) بنقد البلد نقدا (7) (بثمن المثل فما فوقه) لما في النسيئة من

______________________________________________________

يدفع العامل من مال المالك فيما بعد ، فالنسيئة غير جائزة ، لأن إطلاق عقد المضاربة يقتضي أن يشتري العامل بعين المال لأنه المتيقن من المضاربة ، ولأن قد يتلف هذا المال تحت يد العامل فعلى المالك أن يدفع ثمن المتاع من غير مال المضاربة ، والتصرف في غير مال المضاربة غير مأذون فيه العامل.

ثم على العامل أن يشتري المتاع بنقد البلد ، لأن إطلاق العقد يقتضيه ، فلا يجوز له الشراء بنقد غير البلد ، كالإطلاق في الوكالة.

وعلى العامل أن يشتري المتاع بثمن المثل فما دون ، ولا يجوز شراء المتاع بالأزيد عن ثمن المثل ، للتضييع مع القدرة على المحافظة على مال المالك ، كالوكيل أيضا ، وعليه فيشترط في تصرفات العامل في مال المالك الغبطة أي ما فيه المصلحة فلو خالف لكان شراؤه فضوليا ، لأنه غير مأذون فيه.

(1) وعليه فربح هذا المتاع الذي تعلق ثمنه في الذمة لا يسمى ربح مضاربة ، لأن المضاربة عرفا تنصرف إلى المال الذي تحت يد العامل ، لا ما في ذمة المالك.

(2) أي لا يقدر المالك على أداء ما في ذمته ، فلا يكون مأذونا فيه ، لأن المالك لم يأذن إلا فيما هو القادر عليه.

(3) أي نستكشف عدم الاذن من عدم الغرض ، إذ قد يتعلق غرضه فيما دفعه فقط.

(4) في نقد البلد وثمن المثل.

(5) لأن المقصود من العقد الاسترباح.

(6) أي ليبع بغير نسيئة وليبع بنقد البلد ، وليبع بثمن المثل فما فوقه ، وهنا تعرض للمورد الثاني وهو بيعه للمتاع الذي اشتراه بمال المضاربة ، ثم كون البيع بغير نسيئة لما في بيع النسيئة من التغرير بمال المالك ، وكون البيع بنقد البلد لإطلاق عقد المضاربة كالإطلاق في الوكالة ، وكون البيع بثمن المثل فما فوق للتضييع لو باعه بأدون من ثمن المثل مع القدرة على تحصيل الزائد.

(7) أي ليس نسيئة.

ص: 260

التغرير بمال المالك ، وحملا للإطلاق (1) على المتعارف وهو نقد البلد كالوكالة (2).

وقيل : يجوز بغيره (3) ، وبالعرض مع كونه مظنة للربح ، لأن الغرض الأقصى منها ذلك (4) ، بخلاف الوكالة. وفيه قوة.

ولو أذن المالك في شي ء من ذلك خصوصا ، أو عموما كتصرف برأيك ، أو كيف شئت جاز بالعرض قطعا ، أما النقد (5) وثمن المثل فلا يخالفهما إلا مع التصريح (6). نعم يستثنى من ثمن المثل نقصان يتسامح به عادة.

(وليشتر بعين المال) ، لا بالذمة (7) (إلا مع الإذن في الذمة) ولو بالإجازة ، فإن اشترى فيها بدونه (8) ولم يذكر المالك لفظا ولا نية وقع له ، ولو ذكره لفظا

______________________________________________________

(1) دليل نقد البلد.

(2) ولم يذكر الثالث لتقدم دليله في الشراء.

(3) أي بغير نقد البلد - أي بلد البيع ، وكذا يجوز بيعه بالعرض ، قال في المسالك : (لأن الغرض الأقصى منها - أي المضاربة - تحصيل الربح ، وهو قد يكون بغير نقد البلد كالعروض ، والأقوى جوازه بها مع الغبطة) انتهى.

(4) أي الربح.

(5) في قبال النسيئة.

(6) بحيث لا يدل الاذن العام على هذا التصرف ، لأن الاذن العامل يحمل على المتعارف ، والمتعارف هو التصرف المفيد لتحصيل الربح مع أن البيع نسيئة وبدون المثل مخالف لتحصيل الربح ، بخلاف العرض فإن التصرف فيه مع الغبطة مشمول للاذن العام ، لأن ليس فيه نقصان ربح.

(7) أي لا يشتري العامل المتاع نسيئة ، وهذا قد تقدم ، وإنما أعاده تمهيدا لما بعده.

(8) أي اشترى في الذمة بدون الاذن ولو الاذن اللاحق فتارة يذكر العامل المالك في متن العقد ، بمعنى أن الثمن في ذمة المالك ولم يجز المالك فيقع العقد باطلا لبطلان عقد الفضولي مع عدم إجازة المالك ، وأخرى يذكر المالك نية ولم يذكره في لفظ العقد ولم يجز المالك ، فالعقد لا يكون عقدا عن المالك لعدم إجازته ، ويحكم بالعقد على العامل بمعنى عليه أن يتخلص بنفسه من البائع وهو حكم بكون العقد ظاهرا عن العامل ، وإن كان واقعا باطلا لكونه عن المالك ولم يجز المالك ، ولو لم يذكر المالك لا لفظا ولا نية فالعقد واقع عن العامل واقعا وظاهرا وعليه دفع الثمن إلى البائع.

ص: 261

فی ما لو تجاوز ما حدّ له المالک

فی ما تجوز المضاربة به

فهو فضولي ، ونية خاصة فهو للعامل ظاهرا ، وموقوفا باطنا ، فيجب التخلص من حق البائع.

(ولو تجاوز (1) ما حدّ له المالك) من الزمان والمكان والصنف (ضمن (2) ، والربح على الشرط) كما مر ، أما لو تجاوز بالعين (3) ، والمثل (4) والنقد (5) وقف على الإجازة فإن لم يجز بطل.

(وإنما تجوز) المضاربة (بالدراهم والدنانير) (6) إجماعا ، وليس ثمة علة مقنعة غيره فلا تصح بالعروض (7) ولا الفلوس (8) ولا الدين ، وغيرها (9) ، ولا فرق بين المعين والمشاع (10).

______________________________________________________

(1) أي العامل.

(2) أي ضمن مال المضاربة ويكون الربح بينهما على ما شرط في العقد ، وقد تقدم الكلام فيه.

(3) أي عين المال بحيث اشترى أو باع بغير نقد البلد.

(4) بحيث اشترى المتاع بأكثر من ثمن مثله ، أو باعه بالأدون.

(5) بحيث باعه نسيئة ، فيقف البيع في الجميع على الإجازة وإلا بطل ، لأن البيع في الثلاثة الأخيرة فضولي ، والفرق بينها وبين ما لو تجاوز ما حدّ له المالك ، أن مخالفة ما صرح به المالك قد ورد فيه النصوص بكون البيع صحيحا والربح على ما شرط مع كون الضمان على العامل وقد تقدمت ، بخلاف ما هنا فلا بد من إعمال القواعد ، وهي قاضية بما سمعت من كون البيع فضوليا لعدم الاذن فيه.

(6) قال في المسالك : (واشتراط ذلك في المال موضع وفاق ، ونقله في التذكرة ، وهو العمدة) ، وقال في الجواهر : (بلا خلاف أجده فيه ، بل الإجماع بقسميه عليه) ، وعلّل أيضا بأن المضاربة معاملة تشتمل على غرر ، إذ العمل مجهول والربح غير متيقن الحصول ، وإنما سوغت هذه المعاملة مع ذلك للحاجة فتختص بما تسهل التجارة به وتروج في كل حال ، وهو النقدان فقط دون غيره.

(7) جمع عرض ، وهو المتاع وكل شي ء ما عدا النقدين على ما تقدم بيانه ، والدليل عليه قيام الإجماع على غيره ، وكذا بالنسبة لما بعده

(8) جمع فلس ، وهو المسكوك من النحاس لا من الذهب ولا من الفضة.

(9) كالذهب والفضة غير المسكوكين.

(10) أي لا فرق في الدراهم والدنانير التي يجوز فيها المضاربة بين المعيّنة أو المشاعة ، مثل قوله : ضارب بحصتي في هذا المال المشترك.

ص: 262

فی أنّ العامل أمین

(وتلزم الحصة (1) بالشرط) (2) ، دون الأجرة ، لأنها معاملة صحيحة فيلزم مقتضاها ، وهو ما شرط للعامل من الحصة. وفي قول نادر أن اللازم أجرة المثل ، وأن المعاملة فاسدة ، لجهالة العوض ، والنصوص الصحيحة على صحتها ، بل إجماع المسلمين يدفعه.

(والعامل أمين (3) لا يضمن إلا بتعد ، أو تفريط) (4) ومعهما (5) يبقى العقد ،

______________________________________________________

(1) أي الحصة من الربح للعامل.

(2) أي الشرط المذكور في متن عقد المضاربة ، هذا ومحل النزاع أن المضاربة هل هي معاملة صحيحة أو لا ، فعلى الأول يجب الالتزام بالشرط الوارد في عقدها ، والصادر من رب المال والعامل على الربح بالنصف أو الثلث ونحوهما وعليه قول جميع العلماء على اختلاف مذاهبهم إلا قليلا من أصحابنا كما في المسالك ، وقال في الجواهر : (الموافق لما هو المشهور ، بل المجمع عليه من مشروعيتها) ، بالإضافة إلى النصوص وقد تقدم بعضها.

وعن المفيد والشيخ في النهاية أن الربح كله للمالك ، وللعامل أجرة المثل ، لأن المعاملة باطلة لجهالة العوض ، وردّ بمخالفته للنصوص الكثيرة مع أن الجهالة بالعوض لا تضرّ في الكثير من العقود كالمزارعة والمساقاة.

(3) بالاتفاق وعليه الأخبار :

منها : صحيح الحلبي المتقدم عن أبي عبد الله عليه السلام (المال الذي يعمل به مضاربة له من الربح وليس عليه من الوضيعة شي ء إلا أن يخالف أمر صاحب المال) (1).

(4) بالاتفاق للأخبار :

منها : خبر الحلبي المتقدم ، وصحيحه الآخر عن أبي عبد الله عليه السلام (في الرجل يعطي المال فيقول له : ائت أرض كذا وكذا ، ولا تجاوزها واشتر منها ، قال عليه السلام : فإن جاوزها وهلك المال فهو ضامن ، وإن اشترى متاعا فوضع فيه فهو عليه ، وإن ربح فهو بينهما) (2) ، وهذا الخبر دال أيضا على أنه بالتجاوز لا ينفسخ العقد ولذا كان الربح بينهما ، بالإضافة إلى أن التعدي والتفريط ليسا من موجبات الفسخ.

(5) أي مع التعدي أو التفريط.

ص: 263


1- 1. الوسائل الباب - 1 - من أبواب أحكام المضاربة حديث 6.
2- 2. الوسائل الباب - 1 - من أبواب أحكام المضاربة حديث 2.

فی ما لو فسخ المالک

ويستحق (1) ما شرط له وإن ضمن المال.

(ولو فسخ المالك فللعامل أجرة مثله إلى ذلك الوقت) الذي فسخ فيه (إن لم يكن) ظهر (ربح) (2) ، وإلا فله حصته من الربح.

وربما أشكل الحكم بالأجرة (3) على تقدير عدم الربح بأن مقتضى العقد استحقاق الحصة إن حصلت لا غيرها ، وتسلط المالك على الفسخ من مقتضياتها (4) فالعامل قادم على ذلك (5) ، فلا شي ء له سوى ما عيّن.

ولو كان المال عروضا (6) عند الفسخ فإن كان به ربح فللعامل بيعه إن لم

______________________________________________________

(1) أي العامل.

(2) اعلم أن عقد المضاربة من العقود الجائزة فيصح فسخه من المالك أو العامل ، وقد ينفسخ بطرو ما يقتضي الانفساخ من موت أحد الطرفين أو جنونه ، وعلى التقادير الثلاثة فإمّا أن يكون المال كله ناضا أو يكون النضّ لقدر رأس المال دون الربح إذ الربح عروض ، أو يكون المال بجميعه عروضا أو ببعضه.

وعلى التقادير الاثني عشر إما أن يكون قد ظهر ربح أو لا ، فالصور أربع وعشرون صورة ، وقد تعرض الشهيدان لبعضها ، وعليه.

فلو فسخ المالك مع ظهور الربح فللعامل حصته من الربح على الشرط المذكور في العقد بلا خلاف ، ولو فسخ المالك مع عدم ظهور الربح ، فعن المحقق وجماعة أن للعامل أجرة المثل إلى وقت الفسخ ، لأن عمله محترم وقد صدر منه بإذن المالك ، ولم يصدر منه على وجه التبرع فله أجرته.

وعن غيرهم أنه لا شي ء للعامل ، لأنه أقدم على الحصة من الربح على تقدير وجودها ، ولم توجد ولا شي ء له غيرها مع كون المالك مسلّطا على الفسخ متى شاء.

(3) أي أجرة المثل.

(4) أي المضاربة.

(5) أي على أنه مستحق للحصة من الربح على تقدير وجودها ، وأنه لا شي ء له غير ذلك مع علمه بتسلط المالك على الفسخ متى شاء.

(6) أي كان مال المضاربة متاعا بالشراء ، فهو تارة قد ظهر الربح وأخرى لا ، ومع ظهور الربح في المتاع بأن زادت قيمته السوقية بعد الشراء فللعامل حصته في هذه الزيادة ، وعليه فإن رضي المالك ببيع المتاع على أن يأخذ العامل حصته من الربح فهو ، وإن لم يرض المالك بالبيع فللعامل أن يبيعه لو أراد من دون رضا المالك مع طلب من الحاكم

ص: 264

يدفع المالك إليه حقه منه (1) ، وإلا (2) لم يجز (3) إلا بإذن المالك ، وإن رجى (4) الربح حيث لا يكون بالفعل (5).

ولو طلب المالك انضاضه (6) ففي إجبار العامل عليه قولان أجودهما العدم.

ولو انفسخ العقد من غير المالك إما بعارض (7) يفسد العقد الجائز أو من

______________________________________________________

ليجبره على البيع.

ومع عدم ظهور الربح في المتاع فهو للمالك ، ولكن هل للعامل أن يبيعه من دون رضا المالك باحتمال أنه يربح فيه فيكون له حصة من الربح قولان :

القول الأول : عدم الجواز لكون المتاع ملكا للمالك فلا يجوز للعامل أن يتصرف فيه من دون رضا صاحبه.

القول الثاني : الجواز لتعلق حق العامل به حيث يحتمل وجود راغب في المتاع يزيد في الثمن فيحصل الربح ، وردّ بعدم تحقق الربح عند احتمال وجود الراغب في الشراء ، إلا أن يكون الراغب موجودا بالفعل ويريد الشراء بأزيد من قيمته فهو في قوة ظهور الربح ، وردّ الاستثناء أيضا بعدم صدق الربح عرفا عليه ، وبأنه لو سلم فيصير العامل شريكا ، ومع ذلك لا يسقط إذن المالك إلا عند الامتناع.

(1) من الربح ، وعند امتناع المالك عن بيعه.

(2) أي وإن لم يكن به ربح.

(3) أي لم يجز البيع من قبل العامل.

(4) بحيث يحتمل العامل وجود راغب يزيد في الثمن.

(5) وظاهره أنه لو كان الربح فعليا فيجوز البيع ، ويكون الربح فعليا عند وجود الراغب فعلا ، وقد عرفت ما فيه.

(6) لو كان مال المضاربة عروضا وقد فسخ عقد المضاربة ، فهل للمالك إلزام العامل ببيع المتاع - وهذا هو معنى الانضاض - أولا.

فقد قيل بأنه يجب على العامل أن ينضّ المال فيجوز للمالك إلزامه بذلك ، لأن العامل قد أخذ المال نقدا فيجب عليه أن يرده كذلك لإطلاق (على اليد ما أخذت حتى تؤدي) (1).

وردّ بأن دليل الضمان لا يشمل المقام ، لأن العامل هنا مأذون فلا يضمن ، مع أن وجوب النضّ مما لا دليل عليه فمجراه البراءة عند الشك فيه.

(7) كعروض ما يقتضي انفساخ العقد كموت أحدهما أو جنونه ، وعليه فإن لم يظهر الربح

ص: 265


1- 1. سنن البيهقي ج 6 ص 90 ، كنز العمال ج 5 ص 257 ، حديث رقم : 5197.

فی ما یکون القول قول العامل

فی معلومیة رأس المال عند العقد

قبل العامل فلا أجرة له ، بل الحصة إن ظهر ربح (1). وقيل : له الأجرة أيضا (2)

(والقول قول العامل في قدر رأس المال) (3) ، لأنه منكر للزائد والأصل (4) معه.

(و) في (قدر الربح) (5) لأنه أمين فيقبل قوله فيه.

(وينبغي أن يكون رأس المال معلوما عند العقد) (6) لترتفع الجهالة عنه ، ولا يكتفى بمشاهدته. وقيل : تكفي المشاهدة (7). وهو ظاهر اختياره هنا (8) ، وهو

______________________________________________________

فلا شي ء للعامل من الربح لعدمه ولا من الأجرة بالاتفاق لإقدامه على أن يكون له حصته من الربح ولم تظهر ، وكذا لو فسخ العامل عند عدم ظهور الربح.

(1) فلو انفسخ العقد أو فسخه العامل فله حصته من الربح على تقدير ظهوره ، وعن العلّامة في التذكرة أن له أجرة المثل ، وهو ضعيف.

(2) كما له أجرة عند فسخ المالك على قول المحقق وجماعة ، وهو مختار الماتن هنا ، وهذه هي الصور التي تعرض لها الشهيدان من أربع وعشرين صورة ، ومنها يعرف حكم البقية.

(3) لو قال رب المال : أن مال المضاربة مائة ، فقال العامل : هو خمسون ، فيكون العامل منكرا للزيادة فيقدم قوله مع يمينه ، لكونه منكرا للزيادة ولموافقة قوله ظاهر الشرع لكونه أمينا شرعا فيقبل قوله.

(4) وهو ظاهر الشرع بكونه أمينا ، أو براءة ذمة العامل من الزيادة.

(5) فلو اختلفا في قدر الربح فقال المالك : ربحت مائة ، فقال العامل : بل ربحت خمسين ، فالعامل منكر لموافقة قوله لظاهر الشرع حيث حكم الشارع بكونه أمينا ، فيقدم قوله مع يمينه.

(6) فيكون رأس المال معلوما بالقدر والوصف للنهي عن الغرر ، وعن الشيخ في المبسوط والعلامة في المختلف أنه تكفي المشاهدة لزوال معظم الغرر بالمشاهدة ، وردّ ببقاء الجهالة ولا ترتفع إلا مع العلم بالقدر والوصف ، وقال الشارح في المسالك : (وحكى في المختلف عن الشيخ القول بجواز المضاربة من غير تقييد بالمشاهدة ، وقواه في المختلف محتجّا بالأصل ، وقوله صلى الله عليه وسلم (1) : المؤمنون عند شروطهم) انتهى.

(7) القول الأول للشيخ والعلامة.

(8) أي اختيار الماتن في اللمعة ، لأنه مع تعيين قدر المال لا يقع التنازع ، وعليه فلا يقع إلا

ص: 266


1- 1. الوسائل الباب - 20 - من أبواب المهور حديث 2.

فی أنه لیس للعامل أن یشتری ما فیه ضرر علی المالک

مذهب الشيخ والعلامة في المختلف (1) ، لزوال معظم الغرر بالمشاهدة ، وللأصل (2) ، ولقوله (ص) : «المؤمنون عند شروطهم» ، فإن قلنا به (3) واختلفا في قدره (4) فالقول قول العامل كما تقدم ، للأصل (5) والأقوى المنع (6).

(وليس للعامل أن يشتري ما فيه ضرر على المالك (7) ، كمن ينعتق عليه) أي على المالك ، لأنه تخسير محض ، والغرض من هذه المعاملة الاسترباح فإن اشتراه بدون إذنه (8)

______________________________________________________

مع المشاهدة ، والماتن قد فرض التنازع في قدر المال فيكون من القائلين بكفاية المشاهدة ، وفيه : إن جميع الفقهاء المشترطين للتعيين قد فرضوا التنازع فراجع كتبهم.

(1) ولهما قول آخر وهو المجازفة من غير تعيين ولا مشاهدة.

(2) أي أصالة عدم التعيين.

(3) بالاكتفاء بالمشاهدة.

(4) قدر المال.

(5) أي أصالة عدم الزيادة فيكون العامل منكرا.

(6) أي المنع من الاكتفاء بالمشاهدة.

(7) قال في المسالك : (لما كان مبنى عقد القراض على طلب الربح فكل تصرف ينافيه يكون باطلا ، ومن جملته شراء من ينعتق على المالك ، لأنه تخسير محض ، فضلا عن عدم اشتماله على الغرض المقصود من العقد) انتهى ، والغرض المقصود من العقد هو الربح.

(8) شراء من ينعتق على المالك تارة بغير إذن المالك وأخرى بإذنه ، وعلى الأول فتارة يكون العامل عالما بنسب من يشتريه وعالما بكونه ينعتق على المالك وأخرى يكون جاهلا بهما وثالثة بأحدهما.

فلو اشتراه بغير الاذن مع العلم بالنسب والانعتاق فيكون الشراء عن المالك شراء فضوليا ، ويتوقف على إجازة المالك ككل عقد فضولي ، فإن أجاز فيكون كمثل ما لو اشتراه بإذن المالك وسيأتي الكلام فيه عند التعرض للشق الثاني ، وإن لم يجز بطل الشراء وكأنه لم يقع.

ولو اشتراه بغير الاذن مع جهله بهما أو بأحدهما فنظر ، وقال الشارح في المسالك : (فيحتمل كونه كذلك - أي فضوليا - لأن الاذن في هذا الباب إنما ينصرف إلى ما يمكن بيعه وتقليبه في التجارة للاسترباح ولا يتناول غير ذلك ، فلا يكون ما سواه مأذونا فيه ، والتباس الأمر ظاهرا - على العامل - لا يقتضي الاذن ، غايته أنه غير آثم لجهله.

ص: 267

كان فضوليا مع علمه بالنسب (1) والحكم (2) أما مع جهله بهما ، أو بأحدهما ففي صحته وعتقه عن المالك ، أو إلحاقه بالعالم وجهان ، مأخذهما : انصراف (3) الإذن إلى ما يمكن بيعه والاسترباح به فلا يدخل هذا (4) فيه (5) مطلقا (6) ، ومن كون (7) الشرط (8) بحسب الظاهر (9) ، لاستحالة توجه الخطاب إلى الغافل كما لو اشترى معيبا لا يعلم بعيبه فتلف به (10) ، (و) كذا (لا يشتري من رب المال شيئا) (11) ، لأن المال له ، ولا يشتري مال الإنسان بماله.

(ولو أذن في شراء أبيه) (12) وغيره ممن ينعتق عليه (صح وانعتق) كما لو

______________________________________________________

ويحتمل صحة البيع ويحكم بعتقه على المالك قهرا ولا ضمان على العامل ، لأن العقد المذكور إنما يقتضي شراء ما ذكر بحسب الظاهر ، لا في نفس الأمر ، لاستحالة توجه الخطاب إلى الغافل ، لاستلزامه تكليف ما لا يطاق ، وكما لو اشترى معيبا لم يعلم بعيبه فتلف بذلك العيب) انتهى.

(1) بنسب من يشتريه وأنه أب المالك.

(2) وهو الانعتاق.

(3) دليل إلحاقه بالعالم وأن العقد فضولي.

(4) أي شراء من ينعتق على المالك مع جهل العامل بنسبه أو بالانعتاق.

(5) أي في الاذن المنصرف إلى ما يمكن بيعه والاسترباح به.

(6) سواء كان جاهلا بهما أو بأحدهما.

(7) دليل صحة الشراء وصحة العتق عن المالك ولو قهرا.

(8) أي الاذن المنصرف ، وهو شرط ضمني في العقد.

(9) شرط بحسب ظاهر العامل فلا يشمل الغافل.

(10) أي فتلف بالعيب.

(11) لأن البيع فيه نقل وانتقال ، وهو غير متحقق عند الشراء من رب المال ، لأن مال المضاربة ماله ولا يشترى مال الإنسان

بماله ، ولأن الاذن في المضاربة للاسترباح ، وهو محمول عرفا على الاسترباح من غير المالك فلا يكون العامل مأذونا بالاسترباح من نفس المالك.

(12) هذا هو الشق الثاني من المسألة السابقة ، وعليه فإذا أذن المالك بشراء أبيه من مال المضاربة صح الشراء بلا إشكال ، كما لو اشترى نفس المالك أباه ، أو اشتراه وكيله ؛ وينعتق على المالك لما سيأتي في باب العتق من عدم تملك الإنسان أحد أبويه.

ومع الانعتاق فإن كان ثمنه تمام مال المضاربة بطلت المضاربة ، لأن الاذن من المالك بالشراء المذكور يكون فسخا لها ، وإن كان الثمن بعضا من مال المضاربة فتبطل المضاربة

ص: 268

اشتراه بنفسه أو وكيله ، وبطلت المضاربة في ثمنه ، لأنه بمنزلة التالف ، وصار الباقي رأس المال إن كان (وللعامل الأجرة) (1) سواء ظهر فيه ربح أم لا ، أما مع عدمه فظاهر إلا على الاحتمال (2) السابق فيما لو فسخ المالك بنفسه ، وأما مع ظهوره (3) فلبطلان المضاربة بهذا الشراء (4) ، لعدم كونه (5) من متعلق الإذن (6) ، لأن

______________________________________________________

في البعض لأنه فسخ كما تقدم ، وتبقى صحيحة في الباقي لوجود الاذن مع عدم صدور فسخ بالنسبة للباقي.

(1) العامل إذا اشترى من ينعتق على المالك فتارة يبحث في صحة الشراء والانعتاق مع إذن المالك بالشراء وعدمه ، وهذا ما قد تقدم ، وأخرى يبحث عما للعامل في المبيع على تقدير إذن المالك بالشراء ، لأنه مع عدم الاذن فيكون عمله تبرعيا فلا أجرة له ، ولا شي ء غيرها.

وعليه فلو أذن المالك للعامل بشراء من ينعتق على المالك فتارة يظهر ربح حين الشراء بأن زادت قيمته السوقية وأخرى لا يظهر فيه ربح وعلى الأول فالمحكي عن بعض أن رب المال يضمن للعامل حصته من الربح ، لتحقق ملك العامل عند ظهور الربح ولا يقدح العتق القهري بإذن المالك ، الذي مرجعه استرداد طائفة من ماله بعد ظهور الربح وإتلافها ، وكما يضمن في الأخير يضمن في المقام.

وفيه : أن العامل يملك حصته من الربح عند الظهور إن لم يكن عقد المضاربة قد بطل بهذا الشراء ، مع أن عقد المضاربة قد بطل فلا حصة للعامل من الربح ، لأن الاذن في المضاربة هو إذن لما اقتضى التقلب والاسترباح ، ومع الاذن بشراء من ينعتق على المالك كما هو المفروض فلا يكون إذنا بالمضاربة ، بل يكون فسخا لها ورجوعا عنها ، نعم وإن لم يثبت له شي ء من الربح إلا أن له أجرة المثل لأن عمله محترم غير متبرع به.

وعلى الثاني عند عدم ظهور الربح فلا شي ء للعامل من الربح لعدم ظهوره ، ولكن له أجرة المثل لأنه غير متبرع به.

(2) والاحتمال السابق هو كون العامل عالما بتسلط المالك على الفسخ متى شاء ، وقد أقدم على العمل بأن له حصة من الربح على تقدير ظهوره فليس له إلا هذه الحصة إذا ظهر الربح ، والمفروض عدم الظهور فلا شي ء له من الربح ولا من أجرة المثل.

(3) أي ظهور الربح.

(4) أي بسبب هذا.

(5) أي لعدم كون هذا الشراء.

(6) أي إذن المضاربة.

ص: 269

متعلقه (1) ما فيه ربح ولو بالمظنة (2) ، وهو (3) منفي هنا (4) ، لكونه (5) مستعقبا للعتق فإذا صرف الثمن فيه (6) بطلت (7).

ويحتمل ثبوت الحصة إن قلنا بملكها بالظهور (8) لتحققه (9) ولا يقدح عتقه (10) القهري ، لصدوره (11) بإذن المالك ، كما لو استرد طائفة من المال بعد ظهوره (12) وحينئذ (13) فيسري (14) على العامل مع يسار المالك إن قلنا بالسراية في العتق القهري ، أو مع اختيار الشريك السبب.

(ولو اشترى) العامل (أبا نفسه) ، وغيره ممن ينعتق عليه (صح) (15) إذ لا ضرر على المالك (فإن ظهر فيه ربح) حال الشراء ، أو بعده (انعتق نصيبه) أي

______________________________________________________

(1) أي متعلق إذن المضاربة.

(2) لأنه إذن يقتضي التقلب.

(3) أي الاذن الذي يقتضي التقلب.

(4) في شراء من ينعتق على المالك.

(5) أي كون الشراء.

(6) في شراء من ينعتق على المالك.

(7) أي المضاربة.

(8) أي عند ظهور الربح.

(9) أي تحقق ظهور الربح ، لأنه مفروض هذا الفرع.

(10) أي عتق من تحقق فيه ظهور الربح.

(11) أي صدور الشراء.

(12) أي بعد ظهور الربح.

(13) أي وحين ظهور الربح.

(14) أي يسري العتق القهري إلى حصة العامل ، والسريان إما ليسار المالك وإما لأن المالك الذي هو شريك العامل قد اختار السبب وهو الشراء ، واختيار السبب اختيار للمسبب الذي هو العتق هنا.

(15) أي صح الشراء وكان من مال المضاربة ، ولا يخلو إما أن يكون فيه ربح حين الشراء أو لا.

وعلى الأول مع كون العامل يملك حصته عند ظهور الربح فينعتق نصيبه من الربح ، ويسري العتق في الباقي ، ولكن ليس على العامل بل يسعى المعتق في باقي قيمته ، سواء

ص: 270

نصيب العامل ، لاختياره السبب المفضي إليه (1) كما لو اشتراه بماله ، (ويسعى المعتق) وهو الأب (في الباقي) وإن كان الولد موسرا ، لصحيحة محمد بن أبي عمير عن الصادق (ع) الحاكمة باستسعائه (2) عن غير استفصال.

وقيل : يسري على العامل مع يساره ، لاختياره السبب (3) وهو موجب لها (4) كما سيأتي إن شاء الله تعالى ، وحملت الرواية على إعساره جمعا بين الأدلة.

وربما فرق بين ظهور الربح حالة الشراء ، وتجدده (5) ، فيسري في الأول (6) دون الثاني (7) ويمكن حمل الرواية عليه (8) أيضا.

______________________________________________________

كان العامل موسرا أم معسرا ، بلا خلاف فيه كما في الجواهر لصحيح ابن أبي عمير عن محمد بن قيس عن أبي عبد الله عليه السلام (في رجل دفع إلى رجل ألف درهم مضاربة ، فاشترى أباه وهو لا يعلم ، قال عليه السلام : يقوم فإن زاد درهما واحدا أعتق واستسعى في مال الرجل) (1) ، وترك الاستفصال في جواب السؤال ينزل منزلة العموم في المقال ، وعليه سواء كان العامل موسرا أم معسرا فيسعى المعتق في الباقي.

وقيل - وكما في الجواهر أنه احتمل - إنه مع سريان العتق فالباقي على العامل إذا كان موسرا مع حمل الرواية على ما لو كان معسرا جمعا بين الرواية وبين ما سيأتي في باب العتق أن الذي يختار السبب يلزم بالمسبّب ، والعامل قد اختار سبب العتق وهو الشراء فالانعتاق بتمامه عليه.

(1) أي إلى العتق.

(2) أي باستسعاء المعتق.

(3) وهو الشراء.

(4) أي للسراية فيلزم العامل بتمامها.

(5) أي تجدد الربح بعد الشراء.

(6) وهو ظهور الربح حالة الشراء.

(7) أي التجدد ، بناء على أن الربح إذا تجدد بعد الشراء لا يكون الشراء مجموع السبب حتى يقال : إنه اختار السبب الموجب للسراية ، بل السبب هو الشراء مع ارتفاع قيمة السوق الذي لا اختيار للعامل فيه ، بل ارتفاع القيمة هو السبب القريب فلا يلزم العامل بالقيمة لعدم اختياره.

(8) على الثاني.

ص: 271


1- 1. الوسائل الباب - 8 - من أبواب أحكام المضاربة حديث 1.

وفي وجه ثالث بطلان (1) البيع ، لأنه (2) مناف لمقصود القراض ، إذ الغرض (3) هو السعي للتجارة التي تقبل التقليب للاسترباح ، والشراء المتعقب للعتق ينافيه (4) ، والوسط (5) قوي لو لا معارضة إطلاق النص الصحيح.

______________________________________________________

(1) وهو احتمال ومفاده أن الشراء المذكور مناف لمقصود القراض ، إذ الغرض منه هو السعي للتجارة التي تقتضي التقلب والاسترباح ، وهذا الشراء المتعقب بالعتق مناف لذلك فلا يكون مأذونا فيه ، فيكون موقوف على الإجازة.

وهذا احتمال احتمله المحقق والشهيد الثانيين كما في الجواهر وأنه اجتهاد في مقابل النص الذي هو صحيح ابن أبي عمير المتقدم.

(2) أي شراء من ينعتق على العامل.

(3) من القراض.

(4) أي ينافي غرض القراض.

(5) وهو القول الثاني من أن العتق يسري ويكون على العامل الموسر ، وأنه على المعتق إذا كان العامل معسرا.

ص: 272

کتاب الودیعة

اشارة

كتاب الوديعة

ص: 273

ص: 274

فی تعریف الودیعة

(كتاب الوديعة (1)

(وهي استنابة في الحفظ) أي استنابة فيه (2)

______________________________________________________

(1) لا خلاف في مشروعيتها ، قال تعالى : ( إِنَّ اللّٰهَ يَأْمُرُكُمْ أَنْ تُؤَدُّوا الْأَمٰانٰاتِ إِلىٰ أَهْلِهٰا ) (1) وقوله تعالى : ( فَلْيُؤَدِّ الَّذِي اؤْتُمِنَ أَمٰانَتَهُ وَلْيَتَّقِ اللّٰهَ رَبَّهُ ) (2) ، والنبوي (ردّ الأمانة إلى من ائتمنك ولا تخن من خانك) (3) ومثله غيره.

ثم إن الوديعة تطلق على دفع المال للغير قال في المصباح : (وأودعت زيدا مالا دفعته إليه ليكون عنده وديعة ، جمعها ودائع).

ولكن قد وقع النزاع بين الفقهاء أن ألفاظ العقود كالبيع والإجارة والوديعة والصلح هل هي أسماء للعقود أو لما يترتب عليها ، وعليه فمن عرّف الوديعة بأنها الاستنابة في الحفظ فيكون قد ذهب إلى أن اسم الوديعة يطلق على نفس عقدها.

هذا وأشكل على هذا التعريف بإشكالات.

منها : أن العقد مفتقر إلى إيجاب وقبول ، والتعريف المتقدم من الاستنابة متضمن لمعنى الإيجاب فقط ، فلا بد من ضميمة القبول إليه فيقال : الوديعة هي الاستنابة وقبولها.

منها : أن التعريف شامل للوكالة فلا يكون مانعا للأغيار ، لأن الوكالة تقتضي الاستنابة في حفظ ما وكّل في بيعه وغيره ، وردّ بأن حقيقة الوكالة ليست هي الاستنابة في الحفظ ، بل حقيقتها الاذن فيما وكّل فيه ، والحفظ تابع من توابع هذا الاذن ، بخلاف الوديعة فحقيقتها الاستنابة ، والتعريف إنما يكون لذات الشي ء لا للوازمه وتوابعه.

(2) في الحفظ.

ص: 275


1- 1. سورة النساء ، الآية : 58.
2- 2. سورة البقرة ، الآية : 283.
3- 3. مستدرك الوسائل الباب - 1 - من أبواب كتاب الوديعة حديث 12.

فی الإیجاب و القبول

بالذات ، فلا يرد (1) مثل الوكالة في بيع شي ء ، أو شرائه مع إثبات اليد عليه ، فإنها (2) تستلزم الاستنابة فيه (3) إلا أنها بالعرض ، والقصد بالذات (4) الإذن فيما وكل فيه.

ثم الاستنابة (5) إنما تكون من المودع (6) ، والوديعة لا تتم إلا بالمتعاقدين فلا تكون الوديعة هي الاستنابة ، بل هي وقبولها ، وإن اكتفينا بالقبول الفعلي.

وكأنّ التعريف ، لما كان لعقدها كما علم من مذهب المصنف (7) وكان المعتبر منه (8) الإيجاب تسامح في إطلاقها عليه (9) ، أو لأن الاستنابة تستلزم قبولها فإنها لو تجردت عنه (10) لم تؤثر (11).

(وتفتقر إلى إيجاب وقبول (12) كغيرها من العقود ، (ولا حصر في الألفاظ)

______________________________________________________

(1) تعرض للإشكال الثاني.

(2) أي الوكالة.

(3) في الحفظ.

(4) أي والقصد الذاتي من الوكالة.

(5) تعرض للإشكال الأول.

(6) وعليه فالاستنابة هي معنى الإيجاب فأين القبول؟

(7) حيث ذهب إلى أن أسماء المعاملات هي أسماء للعقود لا لما يترتب عليها.

(8) أي من العقد.

(9) أي تسامح في إطلاق الوديعة كعقد على خصوص الإيجاب ، قال الشارح في المسالك : (إن القبول هنا بالقول ليس بشرط ، بل يقوم الفعل مقامه ، فكأن التوقف عليه العقد هو الإيجاب خاصة ، وإن كانت الوديعة لا تتم إلا بهما) انتهى.

(10) عن القبول.

(11) فلذا اقتصر في تعريف الوديعة على الاستنابة ، غايته يكون المراد منها هو الاستنابة التامة المستلزمة للقبول.

(12) لأن الوديعة معاملة بين شخصين فلا بد من الإيجاب والقبول فيها ، ويدل عليه خبر مروان بن عمار عن أبي عبد الله عليه السلام (اعلم أن ضارب علي عليه السلام بالسيف وقاتله لو ائتمنني على سيف أو استنصحني واستشارني ، ثم قبلت ذلك منه لأديت إليه الأمانة) (1).

ص: 276


1- 1. الوسائل الباب - 2 - من أبواب الوديعة حديث 8.

(الدالة عليها) كما هو شأن العقود الجائزة من الطرفين ، فيكفي كل لفظ دل عليها ، بل التلويح والإشارة المفهمة لمعناها (1) اختيارا.

(ويكفي في القبول الفعل (2) ، لأن الغرض منه (3) الرضا بها (4) ، وربما كان الفعل وهو قبضها أقوى من القول ، باعتبار دخولها (5) في ضمانه ، والتزامه بحفظها بواسطة القبض وإن لم يحصل الإيجاب فيه (6) أولى (7) ، إلا أن

______________________________________________________

وهي من العقود الجائزة بالاتفاق ، لأن الاستنابة في الحفظ توكيل فيه ، والوكالة جائزة ، ومقتضى جواز عقدها من الطرفين عدم انحصار ألفاظ إيجابها وقبولها بلفظ خاص صريح ، بل يصح إنشاؤهما بكل لفظ دال على ذلك كما هو المشهور على ما تقدم ، وقد عرفت جواز ذلك في العقود اللازمة ، بل وكفاية الكتابة والفعل الدالين على الإنشاء.

(1) أي لمعنى الوديعة ، وذلك للتوسع في العقد الجائز دون اللازم.

(2) قال الشارح في المسالك : (أطلق المصنف وجماعة هنا أنه يكفي القبول بالفعل ، مع اعترافهم بكونها عقدا ، نظرا إلى أن الغاية منها إنما هو الرضا بالاستنابة ، وربما كان الفعل أقوى فيه - أي في الرضا بالاستنابة - عن القول باعتبار التزامه به ودخوله في ضمانه حينئذ لو قصّر بخلاف القبول الفعلي ، فإنه وإن لزمه ذلك شرعا إلا أنه ليس صريحا في الالتزام من حيث إنه عقد جائز ، فإذا فسخه ولم يكن قبضه لم يظهر أثره ، واليد توجب الحفظ إلى أن ترده إلى مالكه لعموم على اليد ما أخذت حتى تؤدي ، وهذا أحسن إلا أن فيه بعض الخروج عن حقيقة العقد.

ومن ثمّ ذهب بعض العلماء إلى أنها إذن - أي الوديعة - لا عقد ، وفرّع عليه عدم اعتبار القبول القولي ، وآخرون إلى أن الإيجاب إن كان بلفظ أودعتك وشبهه مما هو على صيغ العقود وجب القبول لفظا ، وإن قال : احفظه ونحوه - مما هو على غير صيغ العقود - لم يفتقر إلى القبول اللفظي كالوكالة وهو كلام موجه) انتهى.

وفي الرياض عن الأخير (ووجهه غير واضح).

(3) أي من القبول.

(4) بالاستنابة.

(5) أي دخول الوديعة في ضمانه عند وضع اليد عليها المحقق للقبول الفعلي.

(6) في هذا القبض.

(7) أي هو ملتزم بحفظها عند قبضها وإن لم يحصل الإيجاب ، فمع حصول الإيجاب أولى أو أن القبول الفعلي أولى من القبول اللفظي ، لأن في الفعلي تدخل الوديعة في ضمانه ويجب عليه أن يلتزم بحفظها لعموم (على اليد) بخلاف القبول القولي عند عدم القبض ، فلو

ص: 277

فيه (1) خروجا عن باب العقود التي لا تتم بصيغة (2) من الطرفين. ومن ثمّ قيل : إنها (3) إذن مجرد ، لا عقد ، وكيف كان لا تجب مقارنة القبول للإيجاب (4) قوليا كان (5) ، أم فعليا.

(ولو طرحها عنده (6)

______________________________________________________

فسخ قبل تحقق القبض فلا يظهر أثر لهذا القبول ، وهذا ما صرّح به الشارح في المسالك ، فيكون المعنى الثاني أولى.

(1) أي في الاكتفاء بالقبول الفعلي.

(2) أي صيغة واحدة ، بل لا بد من صيغتين.

(3) أي الوديعة.

(4) قال في الرياض : (بلا خلاف يظهر ، وبه صرّح في المفاتيح ، وأنه لا ريب فيه ولا شبهة ، حيث يكون القبول فعليا ، ولو كان قوليا ففيه نوع مناقشة لو لا حكاية عدم الخلاف التي هي حجة عامة) انتهى.

(5) أي القبول.

(6) الإيجاب منحصر باللفظ أو بالإشارة والتلويح عند الشارح ، والقبول قد يتحقق بالقول وقد يتحقق بالفعل وعليه فهنا صور :

الأولى : أن يضع المال عنده ولم يحصل من صاحب المال ما يدل على الاستنابة في الحفظ من قول أو إشارة أو تلويح ، فقبله قولا ، فالودعي لا يجب عليه الحفظ ولا ضمان عليه ، أما أنه لا يجب عليه الحفظ لعدم تحقق عقد الوديعة لاشتراط القول أو الإشارة في الإيجاب ولم يحصل كل منهما ، ومع عدم الإيجاب فلا عقد ، وأما أنه لا يجب عليه الضمان ، لأن المال لم يدخل تحت يده ، لأنه لم يقبض يحسب الفرض وإن قبل قولا.

الثانية : أن يضع المال عنده من غير إيجاب فقبله فعلا ، فلا يتحقق عقد الوديعة لعدم الإيجاب ، إلا أن الودعي يضمن ، لأن المال داخل تحت يده فيندرج تحت عموم (على اليد ما أخذت حتى تؤدي) ((1).

الثالثة : أن يتلفظ المالك بالإيجاب مع الطرح فيقبل الآخر قبولا قوليا ، وبه يتم عقد الوديعة ، فيجب عليه الحفظ ولا يضمن إلا مع التقصير.

الرابعة : نفس الصورة الثالثة إلا أنه يقبل قبولا فعليا ، فيتم عقد الوديعة إلى آخر ما ذكر في الثالثة.

ص: 278


1- 1. سنن البيهقي ج 6 ص 90 ، كنز العمال ج 5 ص 257 حديث رقم : 5917.

ولم يحصل منه (1) ما يدل على الرضا ، ولا قبضها (2) ، (أو أكرهه على قبضها (3) لم تصر وديعة) ، لانتفاء القبول الشرعي فيهما (4).

وأما الإيجاب فقد يحصل بالطرح بأن يضم إليه قولا ، أو ما في حكمه (5) يفيده (6) ، وقد لا يحصل بأن يقتصر على مجرد الطرح ، وفي الثاني (7) لا تصير وديعة وإن قبل قولا أو فعلا لكن في الثاني (8) يجب عليه الحفظ لليد ، لا للوديعة ، وفي الأول (9) تتم بالقبول بهما (10) فيجب عليه الحفظ.

______________________________________________________

الخامسة : أن يصدر الطرح من المالك سواء تقارن الطرح مع الإيجاب من قول أو إشارة أم لا ، والودعي لم يقبلها قولا ولا فعلا ، فلم يتم عقد الوديعة فلا يجب عليه حفظها من باب الوديعة ، ولا ضمان عليه لعدم تحقق القبض.

وفي المسالك أنه يأثم إذا تلفت بعد غياب المالك ، لأنه يجب عليه الحفظ من باب المعاونة على البر وإعانة المحتاج ، فلو تلفت فلا يضمن وإنما يأثم ، وردّ بأن المعاونة مستحبة وليست بواجبة.

السادسة : ما لو أكره على قبض الوديعة فلا وديعة لعموم رفع (ما استكرهوا عليه) (1) ، فلا قبول شرعا وليست يده بيد حينئذ ، فلا يجب الحفظ ولا يضمن عند التلف.

(1) من الودعي.

(2) فلم يصدر منه قبول ، لا بالقول ولا بالفعل ، وهذه هي الصورة الخامسة.

(3) هذه هي الصورة السادسة.

(4) في هاتين الصورتين ، غايته ففي السادسة قد صدر القبول إلا أنه ليس بشرعي للإكراه.

(5) كالإشارة.

(6) أي يفيد معنى الإيجاب.

(7) أي في الطرح المجرد فلا وديعة لعدم الإيجاب وإن قبل الودعي قولا أو فعلا وهذه هي الصورة الأولى والثانية.

(8) أي ما لو قبل الودعي فعلا وهي الصورة الثانية فيضمن لعموم على اليد.

(9) أي الطرح الذي انضم إليه القول أو الإشارة المفهمة لمعنى الإيجاب وعليه فسواء قبل الودعي قولا أو فعلا فيتم عقد الوديعة ، وهذه هي الصورة الثالثة والرابعة.

(10) أي بالقول أو بالفعل.

ص: 279


1- 1. الوسائل الباب - 56 - من أبواب جهاد النفس حديث 1.

فی وجوب الحفظ بعد القبول

وحيث لا يجب (1) لعدم القبول (2) قد يجب لأمر آخر كما لو غاب المالك وتركها وخيف عليها الذهاب (3) فيجب من باب المعاونة على البر كفاية لكن لا ضمان بتركه (4).

وأما مع الإكراه (فلا يجب حفظها مطلقا (5) ، بل يجوز تركها وإن قبضها به (6) في حضور المالك وغيبته ، إلا أن يكون المكره ، مضطرا إلى الإيداع فيجب إعانته عليه كالسابق.

فقوله : «فلا يجب حفظها» مطلق في الثاني (7) من حيث الوديعة ، ومع عدم القبول ، أو القبض (8) في الأول (9) على ما فصل.

(ولو قبل) الوديعة قولا ، أو فعلا (وجب) عليه (الحفظ) (10) ما دام

______________________________________________________

(1) أي لا يجب الحفظ.

(2) أي عدم القبول من الودعي فلا عقد للوديعة ولكن يجب عليه الحفظ من باب المعاونة كما في الصورة الخامسة.

(3) أي التلف.

(4) أي بترك الحفظ ، فلا ضمان لعدم اليد ولكنه آثم لمخالفته الواجب وقد عرفت عدم الوجوب.

(5) سواء قبض أم لا.

(6) بالإكراه ، فلا يجب الحفظ لعدم تحقق القبول الشرعي.

(7) أي في الإكراه.

(8) أي عدم القبض.

(9) أي في الطرح.

(10) فيجب على الودعي بلا خلاف فيه ، لأن الحفظ من مقتضيات الوديعة فلو لم يجب حفظها لم يجب أداؤها ، مع أن الودعي مما يجب عليه رد الوديعة للأخبار :

منها : النبوي (ردّ الودعية إلى من ائتمنك ولا تخن من خانك) (1) ، لو جاز له إهمالها وعدم حفظها فكيف يترتب عليه وجوب الأداء ، وللأخبار الآتية والدالة على الضمان عند عدم الحفظ ، فلو لم يكن الحفظ واجبا لم يكن وجه للضمان عند تركه.

ص: 280


1- 1. مستدرك الوسائل الباب - 1 - من أبواب كتاب الوديعة حديث 12.

مستودعا ، وكذا بعده (1) إلى أن يؤدي إلى المالك ، أو من في حكمه (2) ، وبذلك (3) يظهر عدم المنافاة بين وجوب الحفظ ، وعدم وجوب البقاء على الوديعة من حيث إنها عقد جائز (4).

(ولا ضمان عليه (5) لو تلفت ، أو عابت (إلا بالتعدي فيها (6) بأن ركب الدابة (7) ، أو لبس الثوب ، أو فتح الكيس المختوم ، أو المشدود (أو التفريط) بأن

______________________________________________________

(1) بأن يفسخ عقدها ، فيجب عليه الحفظ بعد الفسخ لاستلزام تركه إضاعة المال المنهي عنه في الشريعة ، مع استلزام تركه للضرر على المالك ، بالإضافة إلى إطلاق أدلة رد الوديعة المتقدمة الشامل لمفروض مسألتنا ، ولا يتم الرد إلا بالحفظ.

(2) أي حكم المالك وهو الوكيل.

(3) أي بكون الوديعة يجب حفظها ولو بعد الفسخ.

(4) فلا يأتي الإشكال بأن الوديعة عقد جائز ويجوز للودعي الفسخ متى شاء فكيف يجب عليه الحفظ مطلقا ، ورده بأنه يجب عليه الحفظ مطلقا ولو بعد الفسخ إلى أن يردها إلى المالك لما تقدم من الأدلة وهذا لا ينافي جواز فسخها متى شاء الودعي.

(5) بلا خلاف فيه للأخبار.

منها : صحيح الحلبي عن أبي عبد الله عليه السلام (صاحب الوديعة والبضاعة مؤتمنان) (1) ، وخبر أبان عن أبي جعفر عليه السلام (- إلى أن قال - : ليس عليه غرم بعد أن يكون الرجل أمينا) (2).

(6) مع التعدي أو التفريط يضمن بلا خلاف للأخبار.

منها : مكاتبة محمد بن الحسن إلى أبي محمد عليه السلام (في رجل دفع إلى رجل وديعة ، وأمره أن يضعها في منزله أو لم يأمره ، فوضعها في منزل جاره فضاعت ، هل يجب عليه إذا خالف أمره وأخرجها عن ملكه ، فوقّع عليه السلام : هو ضامن لها إن شاء الله) (3).

(7) اعلم أن حفظ الوديعة إنما يكون بحسب العادة ، فالثوب يحفظ في الصندوق والشاة في المراح والدابة في الاصطبل ، وكل شي ء في حرزه بحسب عادة العرف ، ولذا قال الشارح في المسالك : (لما لم يكن لحفظ الوديعة كيفية مخصوصة من قبل الشارع ، كان المرجع فيه إلى العرف مما عدّ منه حفظا لمثل تلك الوديعة ، وكان هو الواجب ولم يتعقبه ضمان لو فرض تلفها معه) انتهى.

ص: 281


1- (1 و 2) الوسائل الباب -1. من أحكام الوديعة حديث 1 و 5.
2- 2. الوسائل الباب - 5 - من أحكام الوديعة حديث 1.

قصّر في الحفظ عادة (فلو أخذت منه قهرا فلا ضمان (1) إن لم يكن سببا في الأخذ القهري بأن سعى بها إلى الظالم ، أو أظهرها فوصل إليه خبرها (2) مع مظنته (3) ، ومثله ما لو أخبر بها اللصّ فسرقها.

ولا فرق بين أخذ القاهر لها بيده ، وأمره له (4) بدفعها إليه كرها ، لانتفاء التفريط فيهما فينحصر الرجوع على الظالم فيهما على الأقوى.

وقيل : يجوز له الرجوع على المستودع في الثاني ، وإن استقر الضمان على الظالم (5).

______________________________________________________

وعلى هذا فالضابط في ترك الحفظ بالتعدي أو التفريط يرجع فيه إلى العرف ، وإن حصر التقصير بعضهم في ستة وهي : الانتفاع بها والإيداع والتقصير في دفع المهلكات ، والمخالفة في كيفية الحفظ ، والتضييع بأن يلقيها في مضيعة ، والجحود.

(1) فلا ضمان على الودعي لعدم صدق التقصير عند الأخذ القهري ، نعم هذا مشروط بعدم كون الودعي سببا في الأخذ القهري ، كما لو كان هو الساعي بها إلى الظالم ولم يقدر بعد ذلك على دفعه ، فإنه يضمن لأنه فرّط في الحفظ ، ومثله ما لو أخبر اللص فسرقها.

(2) أي وصل إلى الظالم خبر الوديعة.

(3) أي مظنّة وصول الخبر وأخذ الظالم لها ، فلو ظن الودعي ذلك وأظهرها فإنه ضامن لأنه فرّط في الحفظ.

(4) أي وأمر الظالم للودعي بدفع الوديعة إليه كرها ، فلا فرق بين الصورتين في عدم ضمان الودعي لأنه غير مقصّر ، على المشهور بين الأصحاب ، وعن أبي الصلاح وأبي المكارم والعلّامة في التذكرة جواز رجوع المالك مخيّرا على الظالم والودعي إذا سلم الودعي الوديعة للظالم قهرا دون ما لو أخذها الظالم فالمالك يرجع عليه خاصة.

ووجه التخيير أن المالك مما يجوز له الرجوع على الظالم لعموم (على اليد) ، ولهذا العموم يجوز له الرجوع على الودعي لأنه باشر التسليم فكانت الوديعة تحت يده ، وفيه : إنه لا سبيل على المحسن لقوله تعالى : ( مٰا عَلَى الْمُحْسِنِينَ مِنْ سَبِيلٍ ) (1) ، والودعي محسن ولم يفرط في الحفظ بحسب الفرض.

(5) بمعنى لو رجع المالك على الودعي لجاز للودعي أن يرجع على الظالم ، بخلاف ما لو رجع على الظالم فلا يجوز له أن يرجع على الودعي ، فالضمان بالأخير على الظالم.

ص: 282


1- 1. سورة التوبة ، الآية : 92.

(ولو تمكن) المستودع (من الدفع) عنها (1) بالوسائل الموجبة لسلامتها (وجب ما لم يؤدّ إلى تحمل الضرر الكثير (2) ، كالجرح ، وأخذ المال (3) فيجوز تسليمها حينئذ وإن قدر على تحمله (4). والمرجع في الكثرة (5) والقلة إلى حال المكره ، فقد تعدّ الكلمة اليسيرة من الأذى كثيرا في حقه ، لكونه جليلا لا يليق بحاله ذلك. ومنهم من لا يعتد بمثله ، وأما أخذ المال فإن كان مال المستودع (6) لم يجب بذله مطلقا (7) ، وإن كان من الوديعة فإن لم يستوعبها وجب الدفع عنها ببعضها (8) ما أمكن ، فلو ترك مع القدرة على سلامة البعض فأخذ (9) الجميع ضمن (10) ما يمكن

______________________________________________________

(1) عن الوديعة عند أخذ الظالم لها ، وكان الدفع لائقا به وجب عليه ، بلا خلاف فيه ، لأنه مقدمة للحفظ المأمور به على نحو الإطلاق ، فلو لم يفعل مع قدرته على الدفع حتى أخذها الظالم كان الودعي مقصرا فيضمن.

(2) على الودعي.

(3) أي مال الودعي فلا يجب عليه الدفع حينئذ ، لأن تحمل الضرر ودفع المال ضرر ، وهو منفي في الشريعة.

(4) أي تحمل الضرر أو دفع المال ، فلا يجب للإطلاق في أدلة نفي الضرر.

(5) أي كثرة الضرر وقلته ، قال في المسالك : (المرجع في كثرة الضرر وقلته إلى حال المكره - أي الودعي - فمنهم من يعدّ الكلمة اليسيرة من الأذى الكثير في حقه لكون شريفا لا يليق بحاله ذلك ، ومنهم من لا يعتدّ بأمثال ذلك ، وهكذا القول في الضرب وأخذ المال) انتهى.

(6) أي الودعي فلا يجب بذله ، لأنه ضرر عليه وهو منفي وإن كان قادرا على تحمله ، وقال سيد الرياض : (وفيه نظر لوجوب الحفظ ولا يتم إلا به ، فيجب ، والضرر يندفع بالرجوع إلى المالك بعد نيته) انتهى ، أي بعد نية الرجوع حتى لا يكون متبرعا.

(7) سواء استوعب المال المدفوع الوديعة أم لا.

(8) من باب وجوب حفظ الباقي ، لأن هذا الباقي مما يجب حفظه سواء بقي المدفوع تحت يد الودعي أم دفعه إلى الظالم ، وبما أن وجوب حفظ الباقي متوقف على بذل المدفوع فيجب بذله حينئذ.

(9) أي الظالم قد أخذ جميع الوديعة.

(10) أي ضمن الودعي ما يمكن سلامته ، لأنه مع عدم الدفع المذكور وقد أثبتنا وجوبه فهو مقصّر فيضمن.

ص: 283

سلامته ، وإن لم يمكن إلا بأخذها (1) أجمع فلا تقصير ، ولو أمكن الدفع عنها بشي ء من ماله (2) لا يستوعب قيمتها (3) جاز ، ورجع مع نيته (4)

[وفي وجوبه نظر] ، ولو أمكن حفظها عنه بالاستتار منه وجب (5) فيضمن بتركه (نعم يجب عليه اليمين لو قنع بها (6) الظالم فيورّي) بما يخرجه عن الكذب بأن يحلف أنه ما استودع من فلان ، ويخصه (7) بوقت أو جنس ، أو مكان ، أو نحوها ،

______________________________________________________

(1) أي لا يمكن دفع الظالم إلا بدفعها أجمع فلا تقصير على الودعي ولا ضمان.

(2) أي مال الودعي.

(3) أي قيمة الوديعة.

(4) أي ورجع على المالك مع نية الرجوع ، وبدونها يكون الدفع تبرعيا.

(5) أي وجب الاستتار ، ووجوبه من باب المقدمة للحفظ الواجب.

(6) أي باليمين ، هذا وقد عرفت وجوب الحفظ على الودعي ، فإذا أراد الظالم أخذها فإن تمكن من الدفع من دون ضرر يجب ، لأنه مقدمة للحفظ الواجب ، ولو توقف على بذل المال ففيه التفصيل المتقدم ، ولو توقف الدفع على الكذب لجاز ، بل وجب ، ولو توقف الدفع على اليمين فتجب من باب وجوب المقدمة للحفظ الواجب بلا خلاف في ذلك ولا إشكال ، وللأخبار.

منها : خبر إسماعيل بن سعد الأشعري عن أبي الحسن الرضا عليه السلام (سألته عن رجل أحلفه السلطان بالطلاق أو غير ذلك فحلف ، قال عليه السلام : لا جناح عليه ، وعن رجل يخاف على ماله من السلطان فيحلفه لينجو به منه ، قال عليه السلام : لا جناح عليه ، وسألته هل يحلف الرجل على مال أخيه كما يحلف على ماله ، قال عليه السلام : نعم) (1) ، ومرسل الصدوق عن الصادق عليه السلام (اليمين على وجهين - إلى أن قال - فأما الذي يؤجر عليها الرجل إذا حلف كاذبا ، ولم تلزمه الكفارة فهو أن يحلف الرجل في خلاص امرئ مسلم أو خلاص ماله من متعد يتعدى عليه من لص أو غيره) (2) ومقتضى ذه الأخبار جواز الحلف مطلقا إلا أن الفقهاء قيدوها بما إذا لم يقدر على التورية ، وإلا فيجب عليه الحلف مورّيا بما يخرج عن الكذب ، لأن الضرورة تقدّر بقدرها ، وعليه فإن أمكن الحلف بدون كذب وهذا لا يكون إلا مع التورية فيجب ، وإلا فيجوز الحلف كاذبا.

(7) أي عدم الاستيداع المحلوف عليه.

ص: 284


1- 1. الوسائل الباب - 12 - من كتاب الأيمان حديث 1.
2- 2. الوسائل الباب - 12 - من كتاب الأيمان حديث 9.

فی أنه تبطل الودیعة بموت کل منهما

مغاير لما استودع ، وإنما تجب التورية عليه مع علمه بها (1) ، وإلا سقطت ، لأنه (2) كذب مستثنى للضرورة (3) ترجيحا (4) لأخف القبيحين (5) حيث تعارضا.

(وتبطل) الوديعة (بموت كل منهما (6) : المودع والمستودع ، كغيرها من العقود الجائزة ، (وجنونه وإغمائه) وإن قصر وقتهما (7) (فتبقى) في يد المستودع على تقدير عروض ذلك للمودع ، أو يد وارثه (8) أو وليه أو يده (9) بعد صحته (10)

______________________________________________________

(1) أي مع علم الودعي بالتورية.

(2) أي الحلف.

(3) وهي حفظ مال المسلم.

(4) تعليل للاستثناء.

(5) والقبيحان هما قبح الكذب وقبح إذهاب حق الآدمي ، فيقدم حق الآدمي ويجوز الكذب حينئذ.

(6) قد تقدم أن الوديعة عقد جائز من الطرفين ، وإذا كانت كذلك فتبطل بموت كل واحد منهما أو جنونه ، للإجماع على بطلان العقود الجائزة بذلك.

فلو عرضت هذه الأمور للمالك فتبقى الوديعة في الودعي أمانة شرعية لا مالكية ، والفرق بينهما أن المالكية ما كانت بإذن المالك ، والشرعية ما كانت بإذن الشارع دون المالك ، وهنا لا إذن للمالك بعد جنونه أو إغمائه أو موته فتكون شرعية.

هذا من جهة ومن جهة أخرى فالأمانة الشرعية غير مضمونة لإذن الشارع له في وضع يده عليها إلى أن يردها ، ومن جهة ثالثة فمن حكم الأمانة الشرعية وجوب المبادرة إلى ردها على الفور إلى مالكها أو من يقوم مقامه ، فإن أخّر عن ذلك مع قدرته يضمن ، ولو تعذر الوصول إلى المالك أو من يقوم مقامه سلّمها إلى الحاكم لأنه ولي الغائب ، ووجوب ردها فورا لعدم إذن المالك ، وما إذن الشارع بوضع اليد عليها إلا لحفظها وإيصالها إلى مالكها وهذا ما يقتضي الوجوب الفوري للرد ، بخلاف الأمانة المالكية فلا يجب ردها إلا مع طلب مالكها ، لأن وضع الودعي يده عليها إنما كان بإذن من المالك ، ومن جهة رابعة فلو عرضت هذه الأمور للودعي فتبقى الأمانة تحت يد وارثه أو وليه إلى آخر ما ذكر من أحكام الأمانة الشرعية.

(7) أي وقت الجنون والإغماء.

(8) أي وارث الودعي.

(9) أي يد الودعي.

(10) أي بعد صحة الودعي من الجنون أو الإغماء.

ص: 285

فی أنه لا یقبل قول الودعی فی ردها

على تقدير عروضه (1) له (2) (أمانة شرعية) أي مأذونا في حفظها من قبل الشارع ، لا المالك ، لبطلان إذنه (3) بذلك (4). ومن حكم الأمانة الشرعية وجوب المبادرة (5) إلى ردها وإن لم يطلبها المالك.

(ولا يقبل قول الودعي) وغيره ممن هي في يده (في ردها إلا ببينة (6) ، بخلاف الأمانة (7) المستندة إلى المالك فإنه لا يجب ردها بدون الطلب (8) ، أو ما في حكمه (9) كانقضاء المدة المأذون فيها ، وقد يقبل قوله (10) في ردها (11) كالوديعة ، وقد لا يقبل كما إذا قبضها لمصلحته كالعارية (12) ، والمضاربة.

ومن الأمانة الشرعية (13) ما بطل من الأمانة المالكية كالشركة ، والمضاربة

______________________________________________________

(1) أي عروض السبب الموجب لإبطال الوديعة.

(2) للودعي.

(3) أي إذن المالك.

(4) أي بعروض هذه الأمور من الجنون أو الإغماء.

(5) على نحو الفور.

(6) لأنه مدع وأصالة عدم الرد على عكس قوله ، بخلاف الأمانة المالكية فإنه منكر لو ادعي الردّ ولم يصدقه المالك ، لأنه أمين فيقبل قوله فيه مع اليمين.

(7) سواء كان وديعة أو عارية أو غيرهما ، وقد عرفت أن الودعي منكر لو ادعى الرد ولم يصدقه المالك.

(8) أي الطلب من المالك.

(9) أي حكم الطلب.

(10) أي قول المؤتمن.

(11) أي رد الأمانة المستندة إلى إذن المالك.

(12) فلو ادعى المستعير رد العارية لا يقبل قوله مع اليمين لأنه مدع ، بل يطالب بالبينة وسيأتي بحثه في بابها.

(13) قال الشارح في المسالك : (ولها - أي للأمانة الشرعية - صور كثيرة :

أحدها : ما ذكر من الوديعة التي يعرض لها البطلان ، وكذا غيرها من الأمانات كالمضاربة والشركة والعارية.

ومنها : ما لو أطارت الريح ثوبا ونحوه إلى داره.

ومنها : ما لو انتزع المغصوب من الغاصب بطريق الحسبة.

ص: 286

فی ما لو عیّن موضعا للحفظ

بموت ، ونحوه ، وما تطيره الريح إلى دار الغير من الأمتعة ، وما ينزع من الغاصب بطريق الحسبة ، وما يؤخذ من الصبي والمجنون من مال الغير وإن كان كسبا من قمار كالجواز والبيض ، وما يؤخذ من مالهما وديعة عند خوف تلفه (1) بأيديهما ، وما يتسلمه منهما نسيانا ، وما يوجد فيما يشتري من الأمتعة كالصندوق من مال لا يدخل في المبيع واللقطة في يد الملتقط مع ظهور المالك. وضابطه : ما أذن في الاستيلاء عليه شرعا ولم يأذن فيه المالك.

(ولو عيّن) المودع (موضعا للحفظ اقتصر) المستودع (عليه) (2) فلا يجوز نقلها

______________________________________________________

ومنها : ما لو أخذ الوديعة من صبي أو مجنون عند خوف تلفها.

ومنها : ما يصير بأيدي الصبيان من الأموال التي يكتسبونها بالقمار كالجوز والبيض ، وعلم به المولى فإنه يجب عليه رده إلى مالكه أو وليّه.

ومنها : ما لو استعار صندوقا ونحوه ، أو اشتراه ، أو غيره من الأمتعة فوجد فيه شيئا به ، فيكون أمانة شرعية وإن كان المستعار مضمونا.

ومنها : اللقطة في يد الملتقط مع ظهور المالك ، وضابطه : ما كان وضع اليد عليها بغير إذن المالك مع الاذن فيه شرعا) انتهى.

(1) لأنه مع عدم الخوف بالتلف ، فإنه ليست بوديعة كما سيأتي بحثه.

(2) اقتصر الودعي عليه وجوبا ، بلا خلاف فيه ، لأصالة حرمة التصرف في مال الغير بغير إذنه ، وعليه فلو نقلها عن الموضع المعيّن إلى ما هو أدون حرزا يضمن للتعدي ، وإنما الخلاف في صورتين :

الأولى : ما لو نقلها إلى الأحرز ، فقد ذهب جماعة إلى جواز نقلها حينئذ محتجين بالإجماع وبدلالة مفهوم الموافقة عليه ، وذهب الكثير منهم إلى عدم جواز النقل المذكور ، ومع مخالفة هذا الكثير منهم الشيخ في النهاية وابن زهرة والعلامة والحلي فكيف ينعقد الإجماع ، وأما مفهوم الموافقة فلا يجري لاختلاف الأغراض في مواضع الحفظ اختلافا كثيرا.

نعم إن فهم من تعيين الموضع أنه من باب المثال لمكان الحرز جاز النقل إلى الأحرز ، لعدم خصوصية المكان المعيّن حينئذ.

الصورة الثانية : ما لو نقلها إلى المساوي ، فقد نقل المحقق قولا عن بعض بالجواز ، لتوافق المتساويين في الضرر والنفع ، وردّ بأن إلحاق مساويه به قياس محض وهو باطل ، نعم على ما تقدم إن كان ذكر المكان من باب المثال فيجوز التعدي عنه إلى مساويه لعدم خصوصية المكان المعيّن.

ص: 287

إلى غيره وإن كان أحفظ عملا بمقتضى التعيين ، ولاختلاف الأغراض في ذلك.

وقيل : يجوز إلى الأحفظ لدلالته عليه (1) بطريق أولى. وهو ممنوع (2) ، وجوّز آخرون التخطي إلى المساوي ، وهو قياس باطل. وحينئذ (3) فيضمن بنقلها عن المعين مطلقا (4) (إلا أن يخاف تلفها فيه (5) فينقلها عنه (6) إلى الأحفظ ، أو المساوي مع الإمكان ، فإن تعذر فالأدون ، (ولا ضمان) حينئذ (7) للإذن فيه شرعا ، وإنما جاز المساوي هنا (8) لسقوط حكم المعين بتعذره (9) فينتقل إلى ما في حكمه وهو (10) المساوي ، أو ما فوقه ، ويمكن شمول كلامه (11) للأدون عند الخوف وإن وجد المساوي ، كما يشمل المنع (12)

______________________________________________________

(1) أي لدلالة المعيّن على الأحفظ.

(2) لما تقدم من اختلاف الأغراض.

(3) أي وحين عدم جواز النقل حتى إلى الأحرز.

(4) سواء نقلها إلى الأحفظ أو المساوي أو الأدون.

(5) في المعيّن.

(6) عن المعيّن ، لسقوط وجوب الحفظ في المكان المعين ، لأن بقائها في المعين الموجب لتلفها مناف لوجوب حفظ الوديعة ، وعليه فينقلها إلى الأحرز أو المساوي مع الإمكان ، وعند التعذر فينقلها إلى الأدون لعدم قدرته على الحفظ إلا بذلك فيتعين ، ثم على تقدير جواز النقل لخوف التلف فلو نقلها عن المكان المعيّن فتلفت فلا ضمان عليه بلا خلاف فيه لعدم تقصيره ، ولأنه محسن.

(7) حين النقل عن المكان المعيّن ، أو حين وضعها في غير المعيّن عند خوف تلفها في المعيّن.

(8) عند خوف التلف.

(9) أي بسبب تعذر المعيّن.

(10) أي ما في حكم المعيّن.

(11) أي كلام الماتن حيث قال (إلا أن يخاف تلفها فيه فينقلها عنه) ، وهو شامل للنقل إلى الأدون ، حتى مع القدرة على المساوي ، مع أنه مع قدرته على المساوي لا يجوز النقل إلى الأدون لأنه يعدّ الودعي حينئذ مقصرا فلو تلف يضمن.

(12) المراد بالمنع هو منع نقلها عن المعين ، وهو مستفاد من كلامه (ولو عيّن المودع موضعا للحفظ اقتصر المستودع عليه) ، والحاصل أنه لا يجوز نقلها من المكان المعين إلى الأعلى عند عدم خوف التلف وإن ذهب البعض إلى الجواز.

ص: 288

فی أنه یحفظ الودیعة بما جرت العادة به

من الأعلى (1) عند عدمه (2) ، ويشمل (3) أيضا فيهما (4) ما لو نهاه عن غير المعين وعدمه (5) ، وهو كذلك (6).

(ويحفظ) (7) الوديعة (بما جرت العادة به (8) في مكان الوديعة وزمانها ، لأن الشارع لم يحدّ لها حدا ، فيرجع إلى العادة (كالثوب ، والنقد في الصندوق) المقفل ، أو الموضوع (9) في بيت محرز عن الغير (10) ، (والدابة في الاصطبل) المضبوط بالغلق ، (والشاة في المراح) كذلك (11) ، أو المحفوظ بنظر المستودع.

وهذه الثلاثة (12) مما جرت العادة بكونها حرزا لما ذكر ، وقد يفتقر إلى أمر

______________________________________________________

(1) والمعنى إلى الأعلى ، وإلا فلو أريد النقل من الأعلى إلى غيره لكان نقلا إلى الأدون وهو غير جائز بالاتفاق ولا معنى لإبرازه من كلام الماتن ، بخلاف النقل إلى الأعلى فيحسن إبرازه من كلام الماتن لوجود الخلاف فيه.

(2) أي عدم الخوف.

(3) أي كلام المصنف.

(4) أي في الصورتين السابقتين.

(5) أي وعدم النهي ، أما مع عدم النهي فهو مورد الصورتين السابقتين على ما تقدم بيانهما ، وأما مع النهي فلو عيّن موضعا ونهاه عن النقل حتى إلى الأعلى ولا خوف على الوديعة من التلف فلا يجوز نقلها ، لأنه لا يجوز مع عدم النهي فمع النهي أولى.

وكذا لو عيّن له موضعا وقد خاف عليها من التلف فلا بد من نقلها حتى إلى الأدون عند فقد المساوي والأحرز حتى مع النهي ، لأن بدون النقل المذكور يكون مقصرا ويضمن.

(6) أي والشمول المذكور في محله ، وفيه : إنه في محله عند خوف التلف فيجوز نقلها إلى الأدون سواء نهاه عنه أم لا بشرط تعذر المساوي ، لا مع وجدان المساوي وإلا لكان مقصّرا.

(7) أي الودعي.

(8) بالحفظ ، قد تقدم أن الحفظ واجب وليس له كيفية مخصوصة من قبل الشارع ، فالمرجع فيه إلى العرف على وجه لا يعدّ الودعي مضيّعا ومفرّطا وخائنا ومهملا ومتعديا.

(9) صفة للصندوق.

(10) هذه أمثلة عرفية لحفظ الثوب والنقد ، ويمكن حفظهما في غير الصندوق.

(11) أي المضبوط بالفلق.

(12) من الصندوق والاصطبل والمراح.

ص: 289

فی ما لو استودع من طفل، أو مجنون

آخر (1) ، أو يقوم غيرها مقامها عادة (2).

ولا فرق في وجوب الحرز على المستودع (3) بين من يملكه ، وغيره ، ولا بين من يعلم أنه لا حرز له وغيره (4) (ولو استودع من طفل ، أو مجنون ضمن (5) ، لأنهما ليسا أهلا للإذن فيكون وضع يده على مالهما بغير إذن شرعي

______________________________________________________

(1) أي حرز هذه الأمور الثلاثة قد يفتقر إلى أمر آخر ، كما لو كان الصندوق المقفل أو الموضوع في بيت محرز عن الغير مما يخاف عليه من السرقة ، فهو بحاجة حينئذ إلى حارس أو نقله إلى مكان أمين لا يخاف عليه عادة من السرقة.

(2) أو يقوم غير هذه الإحراز الثلاثة المذكورة مقامها ، كوضع النقد في محفظة يضع فيها نقوده ، مما يعدّ حرزا عرفا وهكذا.

(3) أي يجب على الودعي حفظ الوديعة في حرزها سواء كان مالكا للحرز أم لا ، ولا يقال إنه مع عدم تملكه للحرز فلا يجب ، لأنه يقال : إن الحفظ الواجب متوقف على إيجاد الحرز وعلى وضع الوديعة فيه ، فيجب عليه إيجاد الحرز عند عدم تملكه مع وضع الوديعة فيه حينئذ.

(4) أي يجب على الودعي حفظ الوديعة في حرزها سواء علم المودع أن عنده حرزا أم لا ، ولا يقال : إنه مع علم المودع أنه لا حرز عنده وقد قدم إليه الوديعة فيكون إذنا في عدم حفظها في حرزها ، لأنه يقال : الحفظ واجب على الودعي وهو متوقف على إيجاد الحرز ووضعها فيه ، وعلم المودع بعدم وجود الحرز لا يقتضي الاذن للودعي بوضعها في غير حرزها كما هو واضح.

(5) فلو كان المودع طفلا أو مجنونا فلا تصح الوديعة ، لاعتبار الكمال في طرفي عقدها ، كغيرها من العقود ، بلا خلاف ولا إشكال كما في الجواهر ، وعليه فلو صدر من أحدهما الإيجاب فهو كالعدم ، وكذا الاذن في القبض لكونهما مسلوبي العبارة شرعا ، فلو وضع الودعي يده على الوديعة والحال هذه فيكون وضعا بغير حق لعدم الاذن بحسب الفرض ، فيضمن لعموم (على اليد ما أخذت حتى تؤدي) ((1).

ثم بعد الوضع المذكور يجب على الودعي رد المال إلى وليّهما ، ولا يجوز رده إليهما للحجر عليهما ، فلا يبرأ الودعي إلا برد المال إلى وليهما الخاص أو العام عند تعذر الخاص.

ص: 290


1- 1. سنن البيهقي ج 6 ص 90.

فيضمن ، إلا أن يخاف تلفها في أيديهما فيقبضها بنية الحسبة (1) ، فالأقوى عدم الضمان ، لكن يجب مراجعة الولي ما أمكن (2). ولا فرق بين كون المال لهما ، أو لغيرهما (3) ، وإن ادعيا إذنه (4) لهما في الإيداع.

(و) حيث يقبض الوديعة منهما مع جوازه (5) أولا معه (6) (يبرأ بالرد إلى وليهما) الخاص ، أو العام مع تعذره (7) ، لا إليهما (8) (ويجب إعادة الوديعة على المودع) مع المطالبة (9)

______________________________________________________

(1) أي بنية التقرب لله سبحانه وتعالى ، من أجل حفظ أموالهما فيكون محسنا فلا يضمن لقوله تعالى : ( مٰا عَلَى الْمُحْسِنِينَ مِنْ سَبِيلٍ ) (1) ، إلا أن بعضهم كالمحقق حكموا بالضمان عليه وأن الإحسان إنما يرفع حرمة التصرف في مال الغير ليس إلا ، وأما الضمان فباق لعموم (على اليد ما أخذت حتى تؤدى) (2) ، وهو كما ترى.

(2) عند خوف التلف ، لحرمة التصرف في مال المولى عليه إلا مع الضرورة ، ومع إمكان أخذ الاذن لا ضرورة في البين.

(3) أي غير الطفل والمجنون ، فلو أنشئا الإيجاب لإيداع مالهما أو مال غيرهما فهو كالعدم لأنهما مسلوبا العبارة ، وكذا إذنهما في القبض ، وكذا لو ادعيا إذن المالك لهما في توكيلهما عنه في الإيداع ، كل ذلك لسلب عبارتهما شرعا.

(4) أي إذن الغير.

(5) أي جواز القبض ، وهو في صورة خوف التلف.

(6) أي ومع عدم جواز القبض عند عدم خوف التلف.

(7) أي تعذر الخاص ، وقد تقدم الكلام فيه.

(8) للحجر عليهما.

(9) يجب رد الوديعة لو طلبها المودع ، بلا خلاف فيه ولا إشكال ، لقوله تعالى : ( إِنَّ اللّٰهَ يَأْمُرُكُمْ أَنْ تُؤَدُّوا الْأَمٰانٰاتِ إِلىٰ أَهْلِهٰا ) (3) ، وللأخبار :

منها : النبوي (ردّ الأمانة إلى من ائتمنك ولا تخن من خانك) (4).

ص: 291


1- 1. سورة التوبة ، الآية : 92.
2- 2. سنن البيهقي ج 6 ص 90.
3- 3. سورة النساء ، الآية : 58.
4- 4. مستدرك الوسائل الباب - 1 - من أبواب الوديعة حديث 12.

في أول وقت الإمكان (1) بمعنى (2) رفع يده عنها ، والتخلية (3) بين المالك وبينها ، فلو كانت في صندوق مقفّل ففتحه عليه ، أو بيت محرز فكذلك ، لا نقلها إلى المالك زيادة على ذلك (4).

والعذر الشرعي (5) كإكمال الصلاة (6) وإن كانت نفلا على الأقوى ما لم

______________________________________________________

ثم إن هذا الوجوب عند المطالبة ، لأنه مع عدمها لا يجب الرد بل يجوز لأن الوديعة عقد جائز من الطرفين.

(1) قال في الرياض : (ولعل الوجه فيه مع عدم اقتضاء الأمر الفورية هو وجوب الاقتصار في وضع اليد على مال الغير على القدر المتحقق معه إذنه ، ومطالبة الرد تقتضي انقطاعه فلا يجوز له التصرف زيادة على ما يتحقق به الرد) انتهى.

(2) تفسير للرد ، فليس المراد منه مباشرته للرد وتحمل مئونة هذا الرد ، بل المراد منه رفع يده عنها والتخلية بين المالك وبينها ، فلو كانت موضوعة في صندوق لكفى أن يفتحه له ، وإن كانت في بيت محرز فكذلك ، وهكذا ، والدليل عليه أن الودعي نائب في الحفظ فقط فلا يجب عليه تحمل مئونة الرد ولا مباشرته.

(3) عطف تفسيري لرفع اليد.

(4) أي على رفع اليد والتخلية

(5) قد عرفت أنه يجب على الودعي رد الوديعة عند المطالبة في أول أوقات الإمكان ، ووجوب الرد هذا مشروط بالإمكان العقلي كسائر الأحكام التكليفية لقبح تكليف العاجز ، فلو طالبه المودع وكان في حاجة ضرورية له فلا يجب عليه الرد إلا بعد انقضاء الحاجة وهذا موضع وفاق بينهم.

ولكن هل وجوب الرد مشروط بالإمكان الشرعي بحيث لو كان في صلاة واجبة أو نافلة فلا يجب الرد حتى تنقضي الصلاة ، ذهب جماعة منهم الشارح هنا وفي المسالك إلى ذلك ، لأن المانع الشرعي كالمانع العقلي ، وخالف العلامة في التذكرة إلى عدم كون النافلة عذرا شرعيا لجواز قطعها ، مع أنه في باب الوكالة من كتابه المذكور ذهب إلى كونها عذرا.

ثم هل المانع العادي كالمانع العقلي بحيث لو طلبها المودع وكان بين الودعي وبينها حائل من مطر ونحوه فيؤخر الرد إلى حين انقضائه ، وهو كذلك لأن تحمل المانع العادي حرج وعسر وهما منفيان في الشريعة.

(6) فإن كانت واجبة فهي موضع وفاق ، وإن كانت نفلا فالمخالف هو العلامة في التذكرة.

ص: 292

يتضرر المالك بالتأخير (1) ، والعادي كانتظار انقطاع المطر ، ونحوه كالعقلي ، وفي إكمال الطعام والحمام وجهان (2). والمعتبر في السعي القصد (3) وإن قدر على الزيادة. والحكم (4) ثابت كذلك (5) (وإن (6) كان) المودع (كافرا) مباح المال كالحربي ، للأمر بأداء الأمانة إلى أهلها (7) من غير قيد. وروى الفضيل عن

______________________________________________________

(1) فلو تضرر وكان تضرره أرجح من مخالفة المانع الشرعي ، فيقدم حق المالك في الرد ولا يكون الشرعي مانعا حينئذ.

(2) منشؤهما اختلاف تشخيص الحرج والمشقة بتركهما.

(3) المعتبر في مشي الإنسان شرعا وعرفا هو القصد في مشيه ، لا العدو ولا الهرولة ، قال الله تعالى : ( وَاقْصِدْ فِي مَشْيِكَ ) (1) ، هذا بالنسبة لمطلق المشي ، وأما لو كان رد الوديعة بالمعنى المتقدم من التخلية متوقفا على المشي ، فلا يجب على الودعي إلا القصد فيه.

(4) من القصد في المشي.

(5) أي في ردّ الوديعة.

(6) وصلية ، وهو متعلق بوجوب رد الوديعة على المودع عند المطالبة ، وعليه فيجب رد الوديعة ولو كان المودع كافرا ، حربيا كان أو غيره ، فلا خلاف فيه لإطلاق قوله تعالى : ( إِنَّ اللّٰهَ يَأْمُرُكُمْ أَنْ تُؤَدُّوا الْأَمٰانٰاتِ إِلىٰ أَهْلِهٰا ) (2) ، وللأخبار الكثيرة.

منها : خبر عنبسة بن مصعب عن أبي عبد الله عليه السلام (ثلاثة لم يجعل الله لأحد من الناس فيهن رخصة : أداء الأمانة إلى البر والفاجر ، والوفاء بالعهد للبر والفاجر ، وبر الوالدين برين كانا أو فاجرين) (3) ، وفي ثان (لا عذر لأحد فيها) (4) إلى آخره ، وفي ثالث (فاتقوا الله وأدوا الأمانة إلى الأسود والأبيض وإن كان حروريا ، وإن كان شاميا) (5) ، وفي رابع (اد الأمانة إلى من ائتمنك وأراد منك النصيحة ولو إلى قاتل الحسين عليه السلام) (6) ، وفي خامس (ادوا الأمانة ولو إلى قاتل ولد الأنبياء) (7).

وعن أبي الصلاح أوجب رد الوديعة إن كانت للكافر ، وكانت وديعة إلى سلطان الإسلام وكانت الوديعة في غيبة الإمام عليه السلام ، وفي الرياض أنه شاذ ، ودليله بأنه في ء للمسلمين.

(7) في قوله تعالى : ( إِنَّ اللّٰهَ يَأْمُرُكُمْ أَنْ تُؤَدُّوا الْأَمٰانٰاتِ إِلىٰ أَهْلِهٰا ) (8).

ص: 293


1- 1. سورة لقمان ، الآية : 19.
2- 2. سورة النساء ، الآية : 58.
3- (3 و 4 و 5 و 6 و 7) الوسائل الباب -3. من أبواب الوديعة حديث 1 وملحقه و 3 و 4 و 6.
4- 4. سورة النساء ، الآية : 58.

فی أنه یضمن لو أهمل الرد بعد المطالبة

الرضا عليه السلام قال : «سألته عن رجل استودع رجلا من مواليك مالا ، له قيمة ، والرجل الذي عليه المال (1) رجل من العرب يقدر أن لا يعطيه شيئا ، والمودع رجل خارجي شيطان ، فلم أدع شيئا (2) فقال عليه السلام : قل له : يردّ عليه فإنه ائتمنه عليه بأمانة الله (3)» ، وعن الصادق عليه السلام «أدوا الأمانات إلى أهلها وإن كانوا مجوسا (4)» :

(ويضمن لو أهمل) الرد (بعد المطالبة) (5) ، وإمكان الرد على الوجه السابق (6) ، لأنه (7) من أسباب التقصير ، ولو كان التأخير لعذر وجب في أول أوقات إمكانه (8) ، (أو أودعها لغيره (9) ، ولو لزوجته ، أو ثقة (من غير ضرورة)

______________________________________________________

(1) أي الودعي.

(2) أي لم أترك شيئا في حق الرجل إلا ذكرته مما يدل على أنه شيطان خارجي.

(3) الوسائل الباب - 2 - من أحكام الوديعة حديث 9.

(4) الوسائل الباب - 2 - من أحكام الوديعة حديث 5.

(5) لو أهمل الرد في أول أوقات إمكان الرد ضمن بلا إشكال ولا خلاف ، لانقطاع الاذن بالاستنابة في الحفظ بسبب المطالبة ، فتنقلب يده من يد مؤتمن إلى يد متعد فيندرج تحت عموم (على اليد) (1).

(6) أي أهمل الرد بعد المطالبة في أول أوقات الرد عقلا وشرعا وعرفا.

(7) أي الإهمال المذكور.

(8) أي إمكان الرد.

(9) أي إذا أودعها الودعي غيره من غير ضرورة ولا إذن من المالك يضمن ، وهو موضع وفاق بينهم ، لأنه تصرف في مال الغير بغير إذنه ، ولمكاتبة محمد بن الحسن إلى أبي محمد عليه السلام (رجل دفع إلى رجل وديعة فوضعها في منزل جاره فضاعت ، فهل يجب عليه إذا خالف أمره وأخرجها عن ملكه؟ فوقّع عليه السلام : هو ضامن لها إن شاء الله) (2).

ولا فرق في هذا الغير بين زوجته وولده وعبده وغيرهم ، ولا بين الثقة وغيره ، ولا بين أن يجعل ذلك الغير مستقلا بها أو شريكا في الحفظ بحيث يغيب عن نظره ، كل ذلك لإطلاق الوكيل.

ص: 294


1- 1. سنن البيهقي ج 6 ص 90.
2- 2. الوسائل الباب - 5 - من أبواب أحكام الوديعة حديث 1.

إلى الإيداع ، فلو اضطر إليه (1) بأن خاف عليها من حرق ، أو سرق ، أو نهب لو بقيت في يده وتعذر ردها إلى المالك ، والحاكم أودعها العدل. وفي حكم إيداعها اختيارا (2) إشراك الغير في اليد ولو زوجة وولدا ، ووضعها في محل مشترك في التصرف بحيث لا يلاحظها في سائر الأوقات ، (أو سافر (3) بها كذلك) أي من غير ضرورة إلى استصحابها في السفر بأن أمكنه عند إرادة السفر إيصالها إلى المالك ، أو وكيله عاما ، أو خاصا (4) ، أو إيداعها العدل فترك وأخذها معه فيضمن.

أما مع الضرورة بأن تعذر جميع ما تقدم ، وخاف عليها في البلد (5) ، أو اضطر (6) إلى السفر فلا ضمان ، بل قد يجب ، لأنه من ضروب الحفظ.

______________________________________________________

(1) أي إلى الإيداع ، فلو حصل ضرورة الإيداع بأن خاف عليها من حرق أو سرقة أو نهب أو أراد سفرا وتعذر ردها إلى المالك أو وكيله دفعها إلى الحاكم ، وإن تعذر ذلك أودعها العدل حينئذ ، ولا تسمى وديعة حينئذ عند الحاكم أو العدل لما قاله في الجواهر بما ملخصه : أن الودعي عليه أن يحافظ على شيئين : عليه المحافظة عليها من حيث إنها وديعة ، وعليه الحفاظ عليها من حيث كونها مالا محترما ، ومع الضرورة يرتفع حفظ وجوب الوديعة ويبقى عليه المحافظة من حيثية كونها مالا محترما ، فيضعها عند الحاكم ليحفظها لأنها مال محترم ومع تعذره فعند العدل ، ولا تسمى وديعة ، إذ الوديعة هي الاستنابة في الحفظ والمالك لم يأذن للودعي في استنابة الحاكم أو العدل.

(2) أي إيداعها للغير اختيارا وأنه يضمن ما لو أشرك الغير في حفظها ، وكذلك لو وضعها في محل مشترك في التصرف فيكون مفرّطا في الجميع فيضمن.

(3) عطف على (لو أهمل أو أودعها عند الغير) ، فإنه يضمن لو سافر بها من غير ضرورة ومع عدم إذن المالك بذلك ، بلا خلاف فيه ، لأن إذن المالك مع الإطلاق يتناول الحفظ في الحضر فقط عملا بالعادة ، ولأن السفر لا يخلو من خطر في الجملة ، فالسفر بها تغرير بمال المالك وتعريض له للتلف ، فيعدّ الودعي معه مفرّطا في حفظها.

نعم لو ألجأته الضرورة للسفر بها كما لو اضطر إلى السفر وخاف عليها من السرقة ولم يمكن له ردها إلى المالك أو وكيله أو الحاكم أو العدل فلا ضمان عليه لأنه محسن ، وكذا لو أذن المالك له بالسفر بها فلا ضمان ، لعدم التعدي من الودعي حينئذ.

(4) بأن كان وكيله في حفظ ودائعه.

(5) بأن خاف عليها السرقة مثلا.

(6) بحيث لا وقت عنده لردها لأنه خائف عليها في البلد فيسقط وجوب الرد.

ص: 295

والمعتبر في تعذر التوصل إلى المالك ومن بحكمه المشقة الكثيرة عرفا (1) ، وفي السفر (2) العرفي أيضا ، فما قصر عنه (3) كالتردد إلى حدود البلد وقرى لا يطلق على الذهاب إليها السفر يجوز فيه (4) مصاحبتها مع أمن الطريق (5) ، ولا يجوز إيداعها في مثله (6) مع إمكان استصحابها ، واستثني منه (7) ما لو أودعه مسافرا ، أو كان المستودع منتجعا (8) ، فإنه يسافر بها من غير ضمان ، لقدوم المالك عليه (9).

(أو طرحها (10) في موضع تتعفن فيه) وإن كان حرزا لمثلها ، لما عرفت من

______________________________________________________

(1) قال الشارح في المسالك : (المعتبر في تعذر الوصول إلى المالك أو وكيله والحاكم المشقة الكثيرة ، وهو المعبر عنه بالتعذر عرفا لا لغة ، لما في إلزامه بتحمل ما يزيد على ذلك من الحرج والضرر المنفيين) انتهى.

(2) وأما السفر المبحوث عنه في المقام هو العرفي لا الشرعي ، لأن إذن المالك له بالحفظ مقتصرا على حال الحضر في قبال السفر العرفي ، لا في قبال السفر الشرعي ، وعليه فيجوز له استصحابها في حدود البلد بحيث لا يصدق عليه أنه مسافر عرفا مع صدق أنه ما زال في الحضر.

(3) عن السفر العرفي.

(4) في هذا التردد.

(5) لأنه مع الخوف فهو مفرّط في الحفظ لو استصحبها معه.

(6) أي في مثل هذا الخروج الذي لا يسمى سفرا عرفيا ، وعليه فلا يجوز له إيداعها عند الحاكم أو العدل ، لأنه ليس مضطرا لرفع يده عن الوديعة.

(7) أي واستثنى من السفر الموجب للضمان ما لو أودع المالك وديعته للودعي حال كون الودعي مسافرا ، ومع علم المالك بحاله فهو إذن منه إليه باستصحابها في هذا السفر.

(8) قال في مصباح المنير : (انتجع القوم إذا ذهبوا لطلب الكلاء في مواضعه) ، فلو أودعها المالك من هو منتجع فيجوز للودعي السفر بها حينئذ من غير ضمان لقدوم المالك على ذلك حيث أودعه المال وهو على تلك الحال ، وليس على الودعي حينئذ ترك السفر لأجلها ، لوجود الاذن في السفر بها بدلالة القرينة الحالية.

(9) أي على الإيداع حال سفر الودعي ، فهو إذن له بالسفر بها.

(10) عطف على (ما لو أهمل) فيضمن للتفريط ، والحاصل أنه لو طرحها في موضع عفن مدة بحيث تتعفن في هذه المدة كالأقمشة ، أو وضعها في مكان ندي مدة بحيث تفسد فيها كالكتب ، فيضمن في الصورتين للتفريط ، وقال في المسالك : والمرجع في ذلك كله إلى كون مثل ذلك المكان لا يصلح للوديعة عرفا بحسب المدة التي يضعها فيها) انتهى.

ص: 296

أن الحرز مشروط بأمور أخر (1) ، هذا منها. وفي حكم العفن الموضع المفسد كالنّدي للكتب.

وضابطه ما لا يصلح لتلك الوديعة عرفا بحسب مدة إقامتها فيه ، (أو ترك سقي الدابة ، أو علفها (2) ما لا تصبر عليه عادة) ، ومثلها المملوك.

والمعتبر السقي والعلف بحسب المعتاد لأمثالها ، فالنقصان عنه تفريط ، وهو المعبر عنه بعدم صبرها عليه ، فيضمنها حينئذ (3) ، وإن ماتت بغيره (4).

ولا فرق في ذلك (5) بين أن يأمره (6) بهما (7) ، ويطلق ، وينهاه (8) ،

______________________________________________________

(1) كما تقدم أن الصندوق المقفل حرز للنقد ولكن مع خوف السرقة فيحتاج مع إقفاله إلى حراسته أو نقله ، وكذلك هنا فالموضع المعين حرز للأقمشة أو الكتب إلا أن عفونته أو رطوبته تمنع من وضع الوديعة فيه مدة بحيث يؤثر العفن أو الرطوبة.

(2) عطف على ما (لو أهمل) فيضمن ، هذا واعلم أنه يجب على الودعي سقي الدابة وعلفها بما يحفظ نفسها ، بلا خلاف فيه ، لأن علفها وسقيها من مقدمات حفظها الواجب عليه ، واعلم أن المراد بالدابة هنا مطلق الحيوان المحترم ، وأولى منه ما لو كانت الوديعة آدميا كالعبد ، وعليه فإذا وجب على الودعي العلف والسقي وأهمل ، فإما أن تموت الدابة وإما أن تهزل فتنقص قيمتها ، وعلى الأول فيضمن قيمتها لتحقق التفريط ، وكذا على الثاني فيضمن نقصانها ، بل لو ترك العلف أو السقي فماتت بغير ذلك فهو ضامن أيضا ، لأنه بالترك المذكور يصير ضامنا لأن يده حينئذ يد عدوان فتندرج تحت عموم (على اليد) (1) وإن ماتت بغير هذا ، وقال في المسالك : (هذا هو الذي تقتضيه قواعد الوديعة) انتهى.

(3) أي حين التقصير المذكور.

(4) أي بغير النقصان المذكور.

(5) أي في الضمان.

(6) أي يأمر المالك الودعي.

(7) بالعلف والسقي.

(8) اعلم أن وجوب السقي والعلف ثابت على الودعي لأنهما من مقدمات الحفظ ، غايته لو أنفق الودعي رجع على المالك بما غرّم ، والرجوع عليه عند وجود أمره واضح ، ثم مع النهي يبقى وجوب العلف والسقي ثابتا على الودعي ، لكون الوديعة ذا كبد حراء ولكونها

ص: 297


1- (1) سنن البيهقي ج 6 ص 90

لوجوب (1) حفظ المال عن التلف ، هذا هو الذي يقتضيه إطلاق العبارة (2) وهو أحد القولين في المسألة.

والأقوى أنه مع النهي لا يضمن بالترك ، لأن حفظ المال إنما يجب على مالكه (3)

______________________________________________________

نفسا محترمة فيكون حفظها حقا لله وإن أسقط المالك حقه منها بالنهي ، بالإضافة إلى أن إتلاف المال منهي عنه فنهيه كالعدم ولذا قال في المسالك : (ولا إشكال في وجوبهما مع النهي) انتهى ، وإنما الكلام في شيئين :

الأول : فلو أنفق الودعي مع النهي هل يرجع على المالك أو لا ، ومقتضى القواعد جواز الرجوع لأن الودعي محسن ولا سبيل على المحسنين فلا يلزم بكون النفقة عليه ، ولكن بما أن المالك له حق التصرف في بقية ماله فلا سبيل للودعي على ماله حتى يرجع عليه بغير إذنه فلذا إذا استطاع الودعي التوصل إلى إذن المالك بالنفقة أو إذن وكيله فهو ، وإلا رفع أمره إلى الحاكم ، فإن تعذر أنفق هو وأشهد عليه ويرجع مع نية الرجوع ، ولو تعذر الإشهاد اقتصر على نية الرجوع ، فاشتراط إذن المالك أو وكيله لعدم تسلط الودعي على بقية مال المالك ، واشتراط إذن الحاكم لأنه ولي الممتنع ، واشتراط الإشهاد من باب الإرشاد بمعنى لو ادعى الودعي النفقة وأنكر المالك لأمكن للودعي إثبات حقه بالبينة ، واشتراط نية الرجوع لئلا يكون عمله تبرعا ، ولا رجوع مع التبرع.

الأمر الثاني : لو ترك الودعي العلف والسقي مع النهي فهل يضمن أو لا ، ذهب المحقق وجماعة إلى عدم الضمان لأن الدابة للمالك ومع النهي المذكور فيكون المالك قد أسقط الضمان عنه كما لو أمره بإلقاء ماله فى البحر ، غايته أن الودعي مأثوم لتركه حق الله تعالى.

وقيل : يضمن ، وفيه ما قاله في الجواهر : (خلافا لبعض فأجرى حكم الوديعة مع النهي إلا أنه كما ترى ، للأصل - أي البراءة من الضمان - بعد انصراف دليل الضمان إلى غيره) انتهى.

وأما لو أطلق المالك بحيث لم يأمر بالعلف والسقي ولم ينهى ، فوجوب السقي والعلف ثابت على الودعي لأنهما من مقدمات الحفظ الواجب ، وعليه فلو أنفق وأراد الرجوع فله ذلك كما فصّل سابقا عند نهي المالك.

(1) تعليل للضمان في الصور الثلاثة.

(2) أي عبارة المصنف.

(3) بالذات ، وما وجوب الحفظ على الودعي إلا بالعرض ، فيثبت عند عدم النهي ويسقط مع النهي.

ص: 298

لا على غيره ، نعم يجب (1) في الحيوان مطلقا (2) لأنه ذو روح لكن لا يضمن بتركه كغيره (3).

واعلم أن مستودع الحيوان إن أمره المالك (4) بالإنفاق أنفق ورجع عليه بما غرم ، وإن أطلق (5) توصل إلى استئذانه ، فإن تعذر رفع أمره إلى الحاكم فإن تعذر أنفق هو وأشهد عليه ورجع به ، ولو تعذر الإشهاد اقتصر على نية الرجوع إن أراده (6) ، وقبل قوله (7) فيها (8) ، وفي القدر بالمعروف (9) ، وكذا القول مع نهي المالك له عنه (10). وفي حكم النفقة ما تفتقر إليه من الدواء وغيره (11) ، وفي حكم الحيوان الشجر المفتقر إلى الحرث والسقي وغيرهما.

(أو ترك نشر الثوب (12) الذي يفسده طول مكثه كالصوف ، والإبريسم (للريح) حتى لو لم يندفع بنشره وجب لبسه بمقدار ما يندفع الضرر عنه ، وكذا عرضه على البرد.

______________________________________________________

(1) أي الحفظ.

(2) سواء نهاه أم لا.

(3) أي لغير الحيوان مثل الشجرة فترك سقيها مع النهي لا يوجب الضمان.

(4) هذا هو القسم الأول.

(5) هذا هو القسم الثالث.

(6) أي أراد الودعي الرجوع.

(7) قول الودعي.

(8) أي في النفقة فلو ادعى الودعي النفقة وأنكر المالك فيقبل قول الودعي مع يمينه لأنه مؤتمن فهو المنكر ، وكذا يقبل قوله في قدر النفقة.

(9) أي المتعارف ، بحيث ادعى الإنفاق المتعارف عند الناس.

(10) أي عن الإنفاق ، وهذا هو القسم الثاني ، بحيث لو أراد الرجوع فعليه أن يستأذن إلى آخر ما ذكر.

(11) لأنه من مقدمات الحفظ وكذا ما بعده.

(12) عطف على (ما لو أهمل) ، قال في المسالك : (يجب في كل وديعة ما يقتضي بقائها ، ودفع ما يوجب فسادها كنشر الثوب وطيّه وتعريضه للهواء في كل وقت يفتقر إليه بحسب جنسه عادة ، حتى لبسه لو لم يندفع ضرره ، فلو أخلّ بذلك ضمن سواء أذن المالك فيه أم سكت ، لأن الحفظ واجب عليه مطلقا فيجب كل ما يتوقف عليه إذا كان مقدورا) انتهى.

ص: 299

فی ردّ الودیعة

ومثله توقف نقل الدابة (1) إلى الحرز ، أو العلف ، أو السقي على الركوب ، والكتاب على تقليبه ، والنظر فيه فيجب ذلك كله ، ويحرم بدونه (2) ، (أو انتفع بها) (3) لا لذلك (4) ، (أو مزجها) (5) بماله. أو بمال غيره بحيث لا يتميز ، سواء مزجها بأجود أم بأدون ، بل لو مزج إحدى الوديعتين بالأخرى ضمنهما معا وإن كانا لواحد ، ومثله لو خلطها بمال لمالكها غير مودع عنده ، للتعدي في الجميع.

(وليرد) الوديعة حيث يؤمر به (6) ، أو يريده هو (7) (إلى المالك (8) أو وكيله)

______________________________________________________

(1) أي كما يجب نشر الثوب لحفظه فكذلك يجب ركوب الدابة لو توقف نقلها إلى الحرز أو نقلها إلى السقي والعلف على الركوب ، وكذلك لو توقف حفظ الكتاب على تقليبه وغير ذلك ، كل ذلك من باب وجوب مقدمة الواجب.

(2) أي كما تجب هذه التصرفات من باب المقدمية فكذلك تحرم هذه التصرفات لو لم يتوقف الحفظ عليها وعليه فيأثم ويضمن.

(3) عطف على (ما لو أهمل) ، فلو انتفع بالوديعة فيضمن لأنه متعد.

(4) أي ولم يكن الانتفاع من باب مقدمة الحفظ.

(5) فإنه يضمن للتعدي ، والأمثلة واضحة.

(6) أي بالرد ، وإيجاب رد الوديعة على الودعي عند مطالبة المالك مما قد تقدم.

(7) أي يريد الودعي الرد بدون أمر من المالك ، لأن الوديعة عقد جائز فيجوز للودعي الرد والفسخ.

(8) لما كانت الوديعة من العقود الجائزة فيجوز لكل من الطرفين الفسخ ، وعليه فيجب على الودعي ردها إلى المالك ولا يبرأ بردها حينئذ إلى الحاكم ، لأنه لا ولاية له على الحاضر الرشيد ، نعم يجوز ردها إلى وكيل المالك سواء كان وكيلا عاما أم لخصوص قبض ودائعه ، لأن يد الوكيل يد الموكل.

ولو عجز عن ردها إلى المالك أو وكيله وكان مضطرا إلى ردها ولا يمكن حفظها عنده إما للعجز عن الحفظ وإما لعروض خوف يفتقر معه إلى التستر ، حال كون هذا التستر منافيا لرعايتها ، وإما للخوف عليها من السرقة أو الحرق أو النهب أو نحو ذلك من الضرورات فيجوز حينئذ دفعها إلى الحاكم لأنه ولي على الغائب في حفظ أمواله.

وإن تعذر إيصالها إلى الحاكم أودعها الثقة ولا ضمان عليه في الموردين الأخيرين لمكان الضرورة ، نعم إن لم يكن له عذر لم يجز دفعها إلى الحاكم أو الثقة ، وإن كان له فسخ الوديعة ، لأنه قد التزم الحفظ فلا يبرأ إلا بدفعها إلى المالك أو وكيله ، لأن المالك لم

ص: 300

فی ما لو أنکر الودیعة

المتناول وكالته مثل ذلك (1) ، مخيرا (2) فيهما (3) ، (فإن تعذر) المالك ، أو وكيله (فالحاكم) الشرعي (عند الضرورة إلى ردها) ، لا بدونه (4) ، لأن الحاكم لا ولاية له على من له وكيل ، والودعي بمنزلته (5).

وإنما جاز الدفع إليه (6) عند الضرورة دفعا للحرج والإضرار ، وتنزيلا له (7) حينئذ منزلة من لا وكيل له ، وتتحقق الضرورة بالعجز عن الحفظ ، وعروض خوف يفتقر معه إلى التستر المنافي لرعايتها ، أو الخوف على أخذ المتغلب لها تبعا لماله ، أو استقلالا ، أو الخوف عليها من السرق ، أو الحرق ، أو النهب ، ونحو ذلك. فإن تعذر الحاكم حينئذ أودعها الثقة. ولو دفعها إلى الحاكم مع القدرة على المالك ضمن (8) كما يضمن لو دفعها إلى الثقة مع القدرة على الحاكم ، أو المالك.

(ولو أنكر الوديعة حلف (9) لأصالة البراءة ، (ولو أقام) المالك (بها بينة قبل حلفه ضمن (10) ، لأنه متعد بجحوده لها (إلا أن يكون جوابه : لا تستحق عندي)

______________________________________________________

يرض بغير يد الودعي ، ولا ضرورة إلى إخراجها من يده فليحفظها إلى أن يجد المالك أو يتجدد له عذر ، بلا خلاف في ذلك كله كما في المسالك.

(1) أي قبض الوديعة.

(2) أي الودعي في مقام الرد.

(3) في المالك ووكيله.

(4) أي لا بدون الاضطرار.

(5) أي بمنزلة الوكيل في الحفظ ، بل هو وكيل في الحفظ حقيقة.

(6) إلى الحاكم.

(7) للمالك حين تعذر حفظها عند الودعي.

(8) لأنه متعد ، حيث تصرف من غير إذن المالك ولا ضرورة تلجئه إلى ذلك ، وكذا ما بعده.

(9) لو ادعى رجل وديعة على آخر فأنكر الثاني فيقدم قول الثاني مع يمينه بلا خلاف فيه ولا إشكال ، لأنه منكر حيث لو ترك ترك ، ولأصالة عدم اشتغال ذمته بالرد.

(10) فلو ادعى رجل وديعة على آخر فأنكر الثاني ، وأقام الأول الذي هو المدعي البينة على ذلك ، قدّم الأول مع بينة ، لأن تقديم قول المنكر عند فقدان الأول للبينة ، وعليه فيلزم الثاني بالوديعة وعليه ردها ، وبعد إثبات الوديعة تحت يده ظاهرا بحسب البينة فهو ليس

ص: 301

شيئا (1) وشبهه) كقوله : ليس لك عندي وديعة يلزمني ردها ولا عوضها ، فلا يضمن بالإنكار ، بل يكون كمدعي التلف يقبل قوله بيمينه أيضا ، لإمكان تلفها بغير تفريط فلا تكون مستحقة عنده ، ولا يناقض قوله البينة ، ولو أظهر لإنكاره الأول تأويلا (2) كقوله : ليس لك عندي وديعة يلزمني ردها ، أو ضمانها ، ونحو

______________________________________________________

بمؤتمن ، لارتفاع أمانته بالجحود ، بل هو خائن ، فيده على العين يد غير مؤتمنة فتندرج تحت عموم (على اليد) ، فلو تلفت قبل الرد يضمن.

(1) لو ادعى عليه الوديعة فقال : لا تستحق عندي وديعة ، فلم ينكر الإيداع بل أنكر وجود وديعة مستحقة عنده ، فهو منكر يقدم قوله مع يمينه عند فقد المدعي البينة.

وأما لو أتى المدعى بالبينة فيثبت على المنكر أنه ودعي وأن عنده وديعة ، ويلزم بالرد ، فلو ادعى التلف حينئذ أو الرد سمعت دعواه هذه ، ولم يقع تناقض بين هذه الدعوى وبين إنكاره السابق ، لأنه مع تلفها اللاحق أو الرد لا تكون عنده وديعة مستحقة ، وتكون هذه الدعوى بالتلف أو الرد تفسيرا وتأويلا لإنكاره السابق.

ومما تقدم تعرف أنه لو ادعى التلف بعد إنكاره السابق أو ادعاه ابتداء من غير سبق الإنكار المذكور فلا يكون جاحدا للأمانة وليس عليه ضمان لأنه أمين ، فإن صدقه المالك بدعواه التلف فهو وإلا كان القول قول الودعي في التلف مع يمينه ، ويشهد له مرسل الصدوق عن الصادق عليه السلام (عن المودع إذا كان غير ثقة هل يقبل قوله؟ قال عليه السلام : نعم ولا يمين عليه) (1).

ولم يخالف إلا الشيخ في المبسوط فلم يقبل قول الودعي في التلف إلا بالبينة ، لأنه مدع ، فيندرج تحت عموم (البينة على من ادعى واليمين على من أنكر) ، وفي الجواهر قال عنه : (رماه بعضهم بالشذوذ).

ثم على القول بتقديم قول الودعي في التلف فهل يقدم قوله مع يمينه كما هو مقتضى القواعد ، أو أنه لا يمين عليه مطلقا تمسكا بظاهر الخبر المتقدم كما عن الصدوق والشيخ في النهاية وابن حمزة ، أو أنه لا يمين عليه إلا مع التهمة كما عن ابن الجنيد وأبي الصلاح جمعا بين الخبر والقواعد ، والأقوى الأول وهو المنسوب للأكثر إعمالا لقواعد القضاء بعد كون الخبر مرسلا.

(2) في المسألة السابقة لم ينكر الإيداع بل أنكر الوديعة المستحقة وقد عرفت ما فيها ، وفي المسألة الأسبق قد أنكر الإيداع ومطلق الوديعة وعليه فلو أتى المدعي للوديعة بالبينة وأتى

ص: 302


1- 1. الوسائل الباب - 4 - من أبواب الوديعة حديث 7.

فی أن القول قول الودعی فی القیمة

فی ما إذا مات المودع

ذلك فالأقوى القبول أيضا ، واختاره المصنف رحمه الله في بعض تحقيقاته.

(والقول قول الودعي في القيمة لو فرّط (1) لأصالة عدم الزيادة عما يعترف به.

وقيل : قول المالك ، لخروجه (2) بالتفريط عن الأمانة.

ويضعّف بأنه (3) ليس مأخذ القبول.

(وإذا مات المودع سلمها) المستودع (إلى وارثه) (4) إن اتحد ، (أو إلى من يقوم)

______________________________________________________

المنكر بتأويل بأن ادعى التلف أو الرد حينئذ ، وجعل أن قصده من إنكار الإيداع والوديعة ادعاء التلف أو الرد ، فهل تسمع دعواه الجديدة بالتلف أو الرد أو لا.

قيل : لا تسمع دعواه ولا تقبل بينته لو أتت بينة وشهدت له بالتلف ، لأنه بإنكاره السابق مكذب لدعواه اللاحقة ، فلا تسمع لتناقض كلاميه ، ومع عدم سماع دعواه الجديدة لا تقبل البينة عليها.

وقيل : تسمع دعواه وتقبل بينته لعموم (البينة على من ادعى) ، وهو مدع بالتلف هنا ، والتناقض الحاصل بين كلاميه مدفوع لجواز صدور الجحود الأول عن نسيان فيعذر ، وهو اختيار المحقق في الشرائع والعلامة في التذكرة.

وقيل : بالتفصيل من أنه إذا أظهر لإنكاره السابق تأويلا كقوله : ليس لك عندي وديعة يلزمني ردها أو ضمانها فتقبل بينته بعد سماع دعواه ، وإذا لم يظهر لإنكاره السابق تأويلا فلا تقبل البينة ولا تسمع الدعوى وقد اختاره الشهيد واستحسنه الشارح في المسالك ، وفيه : إنه خروج عن مفروض المسألة - كما في الجواهر - لأن التأويل المذكور لا يصلح تفسيرا لإنكار الإيداع فلا يسمع منه هذا التأويل تمسكا بظاهر كلامه.

(1) لو فرّط الودعي أو تعدي فتلف المال ، واختلف في القيمة ، فقال المالك : قيمتها مائة ، فقال الودعي : خمسون ، فقيل : بتقديم قول المالك مع يمينه ، وهو للشيخ محتجا بأن الودعي بالتفريط أصبح خائنا فلا يكون قوله مسموعا.

وعن الأكثر تقديم قول الودعي مع يمينه ، لأنه منكر للزيادة ، وتقديم قوله من ناحية إنكاره هذه الزيادة لا من ناحية كونه أمينا.

(2) أي لخروج الودعي.

(3) أي بائتمان الودعي.

(4) موت المودع فسخ لعقد الوديعة ، لأنها من العقود الجائزة التي تبطل بموت أحد طرفيها ، وتكون الوديعة حينئذ عند الودعي أمانة شرعية ، يجب ردها فورا إلى ورثته ، لأنهم هم المالكون لماله بعد موته شرعا ، وعليه فإن كان لكل الورثة وكيل أو ولي سلّمها إليه ، لأن

ص: 303

فی ما لو تعدی المستودع

مقامه) من وكيل ، وولي ، فإن تعدد سلمها إلى الجميع إن اتفقوا في الأهلية ، وإلا (1) فإلى الأهل (2) ، وولي الناقص ، (ولو سلمها إلى البعض) من دون إذن الباقين (ضمن للباقي) بنسبة حصتهم ، لتعديه فيها بتسليمها إلى غير المالك ، وتجب المبادرة إلى ردها إليهم حينئذ (3) كما سلف (4) ، سواء علم الوارث بها أم لا (5).

(ولا يبرأ) (6) المستودع (بإعادتها إلى الحرز لو تعدى) فأخرجها منه ، (أو فرّط) (7) بتركه غير مقفل ، ثم قفله ، ونحوه ، لأنه صار بمنزلة الغاصب

______________________________________________________

يد الوكيل أو الولي يد الموكل والمولى عليه ، ومع تسليم الوديعة إلى بعض الورثة دون البعض من غير إذن البقية فإنه يوجب ضمان حصص الباقين من الوديعة ، بلا خلاف في ذلك كله ولا إشكال ، وضمانه في الأخير لأنه متعد حيث تصرف فيها بغير إذن ملّاكها.

(1) أي وإن لم يتفقوا في الأهلية.

(2) أي كان أهلا للتسليم وهو الكامل الجامع لشرائط البلوغ والعقل وعدم الحجر.

(3) أي حين موت المودع.

(4) في الأمانة الشرعية ، وهي هنا كذلك.

(5) قال الشارح في المسالك : (وتجب المبادرة إلى التسليم المذكور ، لأنها بموت المودع صارت أمانة شرعية ، ولا فرق في وجوب المبادرة بين علم الورثة بالوديعة وعدمه عندنا ، وقال بعض الشافعية : إنه مع علمهم لا يجب الدفع إلا بعد الطلب ، ونفى عنه في التذكرة البأس) انتهى.

(6) أي لا يبرأ من الضمان.

(7) لو تعدى الودعي أو فرط ، فإنه يضمن على تقدير التلف أو النقصان كما تقدم ، فلو أعاد الثوب إلى الحرز بعد لبسه فهل يبرأ من الضمان السابق أو لا ، مقتضى القواعد عدم الإبراء لثبوت الضمان عند التعدي واستصحابه عند انتهاء التعدي ، وظاهرهم الاتفاق عليه ، ولا يسقط الضمان عنه إلا أن يحصل من المالك ما يقتضي زواله ، وهذا متحقق بأمور :

الأول : أن يرد الودعي الوديعة بعد التفريط ثم يجدد المالك لنفس الودعي عقدها من جديد ، وفي هذا لا إشكال في سقوط الضمان ، لأنه وديعة مستأنفة لا تفريط فيها فيترتب عليها حكمها من كون الودعي أمينا.

الثاني : لو قال المالك بعد التفريط : أذنت لك في حفظها ، أو استأمنتك عليها مع عدم

ص: 304

فيستصحب حكم الضمان إلى أن يحصل من المالك ما يقتضي زواله (1) برده عليه (2) ، ثم يجدد له الوديعة ، أو يجدد (3) له الاستئمان بغير رد (4) كأن يقول له : أودعتكما ، أو استأمنتك عليها ، ونحوه (5) على الأقوى.

وقيل : لا يعود بذلك (6) ، كما لا يزول الضمان عن الغاصب بإيداعه (7) ، أو يبرئه (8) من الضمان على قول قوي.

(ويقبل قوله بيمينه في الرد (9)

______________________________________________________

فسخ العقد الأول ، فعن جماعة منهم المحقق والشارح أنه يرتفع الضمان ، لأن الضمان لحق المالك وقد رضي بسقوطه بإحداثه ما يقتضي الأمانة ، وعن جماعة عدم ارتفاع الضمان بما ورد من المالك ، لاستصحاب الضمان بعد كون ما صدر من المالك ليس عقدا جديدا للوديعة قطعا لعدم فسخ العقد السابق.

الثالث : ما لو أبرأ المالك الودعي من الضمان ، وعن جماعة أن الضمان يسقط بالإبراء ، لأن الضمان لحق المالك وقد رضي بسقوطه بالإبراء ، وقيل : إن الإبراء لا موضوع له هنا ، لأن مورده هو المال الثابت في الذمة فيصح حينئذ إبراء الغريم منه ، وأما مقامنا فلا مال ثابت للمالك في ذمة الودعي ، غايته أن عليه الضمان بمعنى لو تلفت العين وجب عليه بدلها أو قيمتها ، والحال أنها لم تتلف إلى الآن ، فالإبراء المبحوث عنه هنا هو إسقاط لما سيثبت من المال وقد عرفت أن مورده هو المال الثابت.

(1) زوال الضمان.

(2) هذا هو الأمر الأول ، ومعناه : برد المضمون على المالك ثم يجدد المالك للودعي عقد الوديعة من جديد.

(3) الأمر الثاني المتقدم.

(4) أي بغير فسخ للعقد.

(5) كأن يقول : احفظها عندك.

(6) أي لا يعود حكم الأمانة بالاستئمان ويبقى حكم الضمان.

(7) أي بإيداع المغصوب عنده.

(8) معطوف على قوله (أو يجدد له) ، وهو الأمر الثالث المتقدم.

(9) لو ادعى الودعي الرد فأنكر المالك ، قدم قول الودعي مع يمينه لموافقة قوله لظاهر الشرع ، لأنه أمين ومحسن ، ولأنه قابض لمصلحة المالك ، ولأن الأصل براءة ذمته ، هذا على المشهور ، وعن العلامة في القواعد وغيره التنظر فيه ، لكونه مدعيا بحسب ظاهر

ص: 305

وإن كان مدعيا بكل وجه (1) على المشهور ، لأنه محسن وقابض لمحض مصلحة المالك والأصل براءة ذمته.

هذا إذا ادعى ردها على من ائتمنه (2) ، أما لو ادعاه على غيره (3) كوارثه (4) ، فكغيره من الأمناء ، لأصالة عدمه (5) ، وهو (6) لم يأتمنه فلا يكلف تصديقه (7).

ودعوى ردها على الوكيل كدعواه على الموكل ، لأن يده كيده.

______________________________________________________

كلامه لأنه يدعي الرد فيقدم قول المالك حينئذ لأنه منكر والأصل عدم الرد.

ثم على القول بتقديم قول الودعي ، فهل يقدّم قوله مع اليمين أو بدونها ، فيه نفس الخلاف المتقدم في دعواه التلف وقد تقدم.

(1) أي وإن كان الودعي مدعيا بحسب كل تعاريف المدعي ، غير أن إطلاقه ليس في محله ، لأن من جملة التعاريف أن المدعى من ترك ترك ، وهو غير منطبق على الودعي عند دعوى الرد ، لأنه لو ترك لم يتركه المودع من طلب الوديعة ، نعم هو مدع لأن قوله على خلاف الأصل ، إذ الأصل عدم الرد.

(2) أي المالك.

(3) أي لو ادعى الرد على غير المالك ، وأنكر المالك الرد إلى غيره ، فعلى الودعي البينة ، لأن الودعي برده إلى غير المالك يكون مفرّطا ومعه لا أمانة له ، فلا يقدم قوله لظاهر الشرع بل يكون قوله على خلاف الأصل إذ الأصل عدم الرد فهو فدع ، وهو مما لا خلاف فيه.

(4) تمثيل للغير ، والمعنى ولو كان ذلك الغير وارث المالك ، وهذا الوارث كغيره من الأمناء ، وعليه فلو ادعى ردها إلى واحد من الأمناء فيكون قد ردها إلى غير المالك ويأتي فيه الكلام المتقدم.

(5) أي عدم الرد.

(6) الواو حالية والضمير راجع إلى المالك ، والمعنى أن المالك لم يأتمن هذا الغير.

(7) أي فلا يكلف المالك بتصديق الودعي لو ادعى الرد إلى الغير.

ص: 306

کتاب العاریة

اشارة

كتاب العارية

ص: 307

ص: 308

فی معنی العاریة و ألفاظها

(كتاب العارية (1)

بتشديد الياء ، وتخفف (2) ، نسبة إلى العار (3) ، لأن طلبها عار ، أو إلى العارة (4) مصدر ثان لأعرته إعارة ، كالجابة للإجابة ، أو من عار (5) إذا جاء وذهب

______________________________________________________

(1) قال في مصباح المنير : (وتعاوروا الشي ء واعتوروه تداولوه ، والعاريّة من ذلك ، والأصل فعليّة بفتح العين ، قال الأزهري : نسبة إلى العارة ، وهي اسم من الإعارة ، يقال : أعرته الشي ء إعارة وعارة مثل أطعته إطاعة وطاعة ، وأجبته إجابة وجابة.

وقال الليث : سميت عارية لأنها عار على طالبها ، وقال الجوهري مثله. وبعضهم يقول : مأخوذة من عار الفرس إذا ذهب من صاحبه لخروجها من يد صاحبها ، وهما غلط ، لأن العارية من الواو ، لأن العرب تقول : هم يتعاورون العواري ويتعورونها ، بالواو ، إذا أعار بعضهم بعضا والله أعلم ، والعار وعار الفرس من الياء ، فالصحيح ما قاله الأزهري ، وقد تخفف العاريّة في الشعر ، والجمع العواري) انتهى.

(2) قد سمعت أن تخفيفها ضرورة في الشعر فقط كما في المصباح ، وقال الشارح في المسالك : (وقال الخطائي : إن اللغة الغالبة العاريّة وقد تخفف) انتهى وظاهره أنها تخفف في غير الشعر أيضا.

(3) كما عن الليث والجوهري على ما في المصباح ، وهو المنقول عن النهاية الأثيرية وتقدم تغليط المصباح لهذا القول.

(4) اسم مصدر للإعارة ، وهو المقصود من قوله : (مصدر ثان لأعرته إعارة) ، وهذا القول كما عن الأزهري ، وهو الذي صححه المصباح.

(5) أي من عار الفرس إذا خرج من يد صاحبه ، ومن هذا الفعل قيل للبطّال عيّار ، لتردده في بطالته.

ص: 309

لتحولها من يد إلى أخرى ، أو من التعاور (1) وهو التداول. وهي من العقود الجائزة (2) تثمر جواز التصرف في العين بالانتفاع مع بقاء الأصل (3) غالبا (4) ، (ولا حصر أيضا (5) أي عودا إلى ما ذكر في الوديعة (في ألفاظها) إيجابا وقبولا ، بل كل ما دل (6) على الإذن من طرف المعير فهو إيجاب.

______________________________________________________

(1) كما يظهر من المصباح ، ولكن ظاهره أيضا أنه راجع إلى الإعارة.

(2) العارية عقد شرّع لإباحة الانتفاع بعين من الأعيان على وجه التبرع ، ولا خلاف ولا إشكال في مشروعيتها لبناء العقلاء عليها مع عدم نهي الشارع عنها ، ولقاعدة السلطنة المستفادة من النبوي (الناس مسلطون على أموالهم) (1) ، ولقوله تعالى : ( وَيَمْنَعُونَ الْمٰاعُونَ ) (2) ، ، وفي مجمع البحرين (الماعون اسم جامع لمنافع البيت كالقدر والدلو والملح والماء والسراج والخمرة ونحو ذلك مما جرت العادة بعاريته) ، ولحديث المناهي (نهى النبي صلى الله عليه وسلم أن يمنع أحد الماعون جاره ، وقال : من منع الماعون جاره منعه الله خيره يوم القيامة ، ووكّله إلى نفسه ، ومن وكّله إلى نفسه فما أسوأ حاله) (3) ، وخبر أبي بصير عن أبي عبد الله عليه السلام في الآية الشريفة المتقدمة : (هو القرض يقرضه والمعروف يصنعه ومتاع البيع يعيره) (4) ونحوه خبر سماعة (5). ومقتضى هذه الأخبار وجوب العارية عليه عند الطلب ولكنها محمولة على الاستحباب المؤكد للإجماع المدعى كما عن جماعة.

(3) أي العين.

(4) احترازا من المنحة كما سيأتي.

(5) أي كما كان كل لفظ كافيا في إنشاء الإيجاب والقبول في الوديعة ، فكذلك يكفي كل لفظ في إيجاب وقبول العارية ، لأنها من العقود الجائزة ، وهذا مبنيّ على ما تقدم من التوسع في العقود الجائزة دون اللازمة ، إذ يشترط في الثانية صراحة ألفاظ إيجابها وقبولها ، وقد عرفت عدم الدليل عليه مع كفاية كل لفظ دال على إنشاء الإيجاب والقبول سواء كان ذلك في العقود اللازمة أم الجائزة.

(6) من الألفاظ.

ص: 310


1- 1. البحار ج 2 ص 272.
2- 2. سورة الماعون ، الآية : 8.
3- 3. الوسائل الباب - 7 - من أبواب ما تجب فيه الزكاة حديث 13.
4- (4 و 5) الوسائل الباب -4. من أبواب ما تجب فيه الزكاة حديث 3 و 2.

ويكفي الفعل في القبول (1) ، بل لو استفيد رضاه من غير (2) الألفاظ كالكتابة (3) ، والإشارة ولو مع القدرة على النطق (4) كفى.

ومثله (5) ما لو دفع إليه ثوبا حيث وجده عاريا (6) ، أو محتاجا إلى

______________________________________________________

(1) كما عن الكثير من الأصحاب - كما في المسالك - لما ذكروه في الوديعة والوكالة ونحوهما من أن المقصود من القبول هو الرضا ، وقد يتحقق الرضا بنفس الفعل ، لجريان العادة بمثله ، وعن بعضهم اشتراط اللفظ في القبول كاشتراطه في الإيجاب ، وعلّل كما في الرياض بأنه هو الموافق للأصل ، إذ الأصل هو اللفظ في العقود ، وفيه : قد عرفت في كتاب البيع أن المدار على صدق العقد عرفا ، ومن الواضح صدقه على كل ما يدل على إنشاء الإيجاب والقبول سواء كان باللفظ أو بالفعل أو بالكتابة ، ولذا جوّزنا المعاطاة في البيع وفي بقية العقود اللازمة إلا ما خرج بالدليل كالزواج والطلاق.

(2) فإذا كان الفعل كافيا في القبول لكشفه عن الرضا ، فكل ما دل على الرضا من غير الألفاظ كالكتابة والإشارة يكون كافيا أيضا ، هذا بالنسبة لشرح عبارة الشارح ، وإلا فقد عرفت أن المدار على صدق العقد ، وهو صادق في الفعل وغيره مما يدل على إنشاء الإيجاب والقبول.

(3) أما على المبنى المتقدم من عدم حصر الإنشاء باللفظ فواضح ، وأما على مبنى الشارح من الاقتصار في العقود اللازمة والجائزة على الألفاظ فهو مشكل ، لأن صدق العقد على غير اللفظ في مقامنا موجب لصحة العقد وصدقه بغير الألفاظ في بقية العقود ، وعلى تقدير المنع في البقية فيجب الالتزام بالمنع هنا فلا تغفل.

(4) لأن الفعل كاف في الرضا مع القدرة على النطق فكذلك الكتابة والإشارة.

(5) أي ومثل الفعل في القبول الفعل في الإيجاب ، بحيث يكون كافيا في الإنشاء.

(6) قال العلامة في التذكرة : (لا تفتقر العارية إلى لفظ ، بل يكفي قرينة الاذن بالانتفاع من غبر لفظ دال على الإعارة أو الاستعارة ، لا من طرف المعير ولا من طرف المستعير ، كما لو رآه عاريا فدفع إليه قميصا فلبسه تمت العارية ، وكذا لو فرش لضيفه فراشا أو بساطا أو مصلى أو حصيرا ، أو ألقى إليه وسادة فجلس عليها ، أو مخدة فاتكأ عليها ، كان ذلك إعارة) انتهى. وظاهره أن الإيجاب والقبول لا يحتاجان إلى اللفظ بل يتحققان بالفعل ، وهذا ما أرسله الشارح هنا ، إلا أن الشارح اكتفى بالفعل في إنشاء الإيجاب ولم يتكلم عن قبوله وأنه باللفظ أو بالفعل ، وإن كان السياق يقتضي أن يكون القبول بالفعل ، والشارح جعل هذا المورد مساويا لما سبق ، مع أن السابق هو الاكتفاء بالفعل في القبول وما عطف عليه هنا هو الاكتفاء بالفعل في الإيجاب والقبول ، وإن كان مثله من ناحية كفاية الفعل.

ص: 311

لبسه (1) ، أو فرش لضيفه فراشا (2) ، أو ألقى إليه وسادة ، أو مخدّة (3). واكتفى في التذكرة بحسن الظن بالصديق في جواز الانتفاع بمتاعه (4)

______________________________________________________

ثم إن هذا لا يتم إلا إذا قلنا بجريان المعاطاة في العقود ، وهذا مما لم يلتزم به القدماء فضلا عن العلامة والشارح.

ثم إن هذا ليس من العارية في شي ء بل هو من جواز الانتفاع بالاذن ، وهو أعم من العارية التي هي من العقود بالاتفاق ، نعم لو قصد بدفع الثوب ونحوه ضيفا مخصوصا وأراد بالدفع إنشاء الإيجاب فأخذه الآخر وقد قصد بالأخذ إنشاء القبول لكان من العارية ، ولكن المتعارف ليس كذلك ، بل المتعارف هو الاذن بالانتفاع ليس إلا.

(1) مع ضميمة لبس الآخر له.

(2) فجلس عليه.

(3) فاتكأ عليها.

(4) قال في التذكرة : (أنه لا يشترط فيها - أي لا يشترط اللفظ في العارية - ، ولا في الإيجاب ولا في القبول ، بل يكفي ما يقوم مقامه من الأمور الدالة على الظن بالرضا ، لأنه عقد ضعيف ، لأنه يثمر إباحة الانتفاع ، وهي - أي إباحة الانتفاع - قد تحصل بغير عقد ، كما لو حسن ظنه في صديقه كفى في الانتفاع) انتهى.

وظاهره أن إباحة الانتفاع لا العارية مما يكفي فيها حسن الظن بالصديق لآية الاذن وهي قوله تعالى : ( لَيْسَ عَلَى الْأَعْمىٰ حَرَجٌ وَلٰا عَلَى الْأَعْرَجِ حَرَجٌ وَلٰا عَلَى الْمَرِيضِ حَرَجٌ وَلٰا عَلىٰ أَنْفُسِكُمْ أَنْ تَأْكُلُوا مِنْ بُيُوتِكُمْ أَوْ بُيُوتِ آبٰائِكُمْ أَوْ بُيُوتِ أُمَّهٰاتِكُمْ ، أَوْ بُيُوتِ إِخْوٰانِكُمْ ، أَوْ بُيُوتِ أَخَوٰاتِكُمْ ، أَوْ بُيُوتِ أَعْمٰامِكُمْ ، أَوْ بُيُوتِ عَمّٰاتِكُمْ ، أَوْ بُيُوتِ أَخْوٰالِكُمْ ، أَوْ بُيُوتِ خٰالٰاتِكُمْ ، أَوْ مٰا مَلَكْتُمْ مَفٰاتِحَهُ ، أَوْ صَدِيقِكُمْ ، لَيْسَ عَلَيْكُمْ جُنٰاحٌ أَنْ تَأْكُلُوا جَمِيعاً أَوْ أَشْتٰاتاً ) (1) حيث إن ظاهر الآية دال على كفاية حسن الظن بالصديق في إباحة الانتفاع بكل ما يملكه الصديق ، وفيه : إن الآية مقتصرة على تناول الأكل وليس على مطلق الانتفاع بكل ما يملك ، نعم الاذن بتناول الأكل يدل على تناول الأضعف بمفهوم الموافقة ، والتعدي إلى الأضعف متوقف على ملاحظة خصوصيتين في المأذون فيه هنا ، وهما : كون الأكل المأذون فيه محدودا بمدة يسيرة عرفا ، وكون الأكل المأذون فيه مما يقتضي إتلاف عين مخصوصة وهي الطعام ، وما خرج عن ذلك يدخل في عموم النهي عن تناول مال الغير.

ص: 312


1- 1. سورة النور ، الآية : 61.

فی شرائط المعیر و العین

وينبغي تقييده (1) بكون منفعته مما يتناوله الإذن الوارد في الآية ، بجواز الأكل (2) من بيته (3) بمفهوم الموافقة (4) ، وتعديه (5) إلى من تناولته (6) من الأرحام ، لا مطلق حسن (7) الظن ، لعدم الدليل ، إذ المساوي قياس ، والأضعف ممتنع بطريق أولى (8).

(ويشترط كون المعير كاملا (9) جائز التصرف (10) ، ويجوز إعارة الصبي بإذن الولي (11) لمال نفسه ، ووليه (12) ،

______________________________________________________

ثم إن المرجع في الصديق إلى العرف ، ولا بدّ مع حسن الظن في الصديق - كما في المسالك - من عدم الكراهة منه ، وإلا فقد تتفق الكراهة في الكثير مما يملكه مع تحقق الصداقة.

(1) أي تقييد جواز الانتفاع بمتاعه بكون منفعته أقل ضررا من المأذون من الأكل حتى تدل عليه الآية بالأولوية.

(2) متعلق بالاذن الوارد في الآية.

(3) أي بيت الصديق ، والجار والمجرور متعلقان بالأكل.

(4) متعلق لتناول الاذن لما كانت منفعته أقل ضررا.

(5) أي تعدي الحكم بجواز الانتفاع ، والمعنى أن الاذن بالأكل للصديق كما يدل بالفحوى على الاذن بالأقل ضررا فكذلك الاذن للأرحام بالأكل يدل على الأقل بالفحوى أيضا.

(6) أي الآية.

(7) ولو إلى مساوي المأذون أو الأشد منه.

(8) أي لأن المساوي ممتنع لأنه قياس فالأشدّ ممتنع بطريق أولى ، وسماه بالأضعف لضعفه بالنسبة إلى تناول الآية له.

(9) أي بالغا عاقلا ، لأن المجنون والصبي مسلوبا العبارة شرعا.

(10) فلا تصح العارية من السفيه والمحجور عليه ، لأن الإعارة تصرف منه في ماله والمفروض أنه ممنوع من التصرف بالحجر.

(11) يجوز للصبي أن يعير ماله بإذن الولي ، مع أنه قد تقدم في كتاب البيع أنه لا يجوز للصبي أن يبيع ماله وإن أذن الولي ، والفرق بينهما هو ما قاله في المسالك وغيره أن العارية لما كانت عقدا جائزا فيكتفى فيها بكل ما دل على رضا المعير وإن لم يكن لفظا ، فصدور الاذن من الولي كان بمنزلة الإيجاب ، والاذن حاصل منه للصبي فلذا صح هنا ، بخلاف العقود اللازمة كالبيع فيشترط في إيجابها اللفظ ، وإذن الولي ليس لفظا فلا ينعقد إيجاب حينئذ.

(12) يصح إعارة الصبي من مال وليه بإذن الأخير ، لأن المعير حقيقة هو الولي وأذنه إيجاب كما تقدم.

ص: 313

لأن المعتبر إذن الولي ، وهو كاف (1) في تحقق هذا العقد.

هذا إذا علم المستعير بإذن الولي ، وإلا (2) لم يقبل قول الصبي في حقه ، إلا أن تنضم إليه (3) قرائن تفيد الظن المتاخم للعلم (4) به (5) ، كما إذا طلبها (6) من الولي فجاء بها الصبي وأخبر أنه أرسله بها ، ونحو ذلك ، كما يقبل قوله (7) في الهدية (8) ، والإذن (9) في دخول الدار بالقرائن ، ولا بد مع إذن الولي له (10) في إعارة ماله من وجود المصلحة بها (11) بأن تكون يد المستعير أحفظ من يد الولي في ذلك الوقت (12) ، أو لانتفاع الصبي بالمستعير بما يزيد عن منفعة ماله (13) ، أو تكون العين ينفعها الاستعمال ويضرها الإهمال ، ونحو ذلك.

(وكون العين مما يصح الانتفاع بها مع بقائها (14) فلا يصح إعارة ما لا يتم

______________________________________________________

(1) أي إذن الولي.

(2) أي وإن لم يعلم المستعير بإذن الولي فلا يقبل قول الصبي في حق الولي بأنه قد أذن ، لسلب عبارته شرعا.

(3) إلى أخبار الصبي.

(4) وهو المسمى بالاطمئنان.

(5) بإذن الولي.

(6) أي طلب المستعير العارية.

(7) أي قول الصبي.

(8) لأنه محتف بقرائن تفيد الاطمئنان بصدقه ، والقرائن هي إرسال الهدية معه.

(9) أي وكما يقبل قول الصبي في إذن الولي في الهدية عند إرسالها معه ، فكذلك يقبل قوله في إذن الولي في دخول الدار للقرائن المحتفة به.

(10) للصبي.

(11) بالعارية لأن تصرفات الولي منوطة بالغبطة كما تقدم في كتاب الحجر.

(12) أي وقت العارية.

(13) أي مال الصبي ، بحيث توقف انتفاع الصبي بالمستعير على كون مال الصبي عارية عند المستعير ، وكانت منفعة الصبي أقوى حتى تكون العارية من ماله لمصلحته.

(14) شرط للعين المستعارة ، وهو أن كل ما يصح الانتفاع به شرعا مع بقاء عينه فهو مما تصح عاريته ، وهو من مقتضيات معنى العارية عرفا ، ولأن الاذن إذن بالانتفاع فقط فلا بد من بقاء العين ، فتصح العارية في مثل الثوب والدابة ، ولا تصح عارية الأطعمة والأشربة التي تذهب عينها بالانتفاع بها.

ص: 314

فی الرجوع فی العاریة

الانتفاع به إلا بذهاب عينه كالأطعمة. ويستثنى من ذلك المنحة (1) وهي الشاة المستعارة للحلب ، للنص.

وفي تعديه إلى غيرها من الحيوان المتخذ للحلب وجهان (2) ، والاقتصار فيما خالف الأصل على موضع اليقين أجود.

(وللمالك الرجوع فيها متى شاء (3) ،

______________________________________________________

(1) المنحة بالكسر ، وهي العطية قال في مصباح المنير : (المنحة - بالكسر - في الأصل الشاة أو الناقة يعطيها صاحبها رجلا يشرب لبنها ثم يردها إذا انقطع اللبن ، ثم كثر استعماله حين أطلق على كل عطاء) انتهى.

والمنحة بالمعنى المتقدم على ما في المصباح مما تجوز إعارتها بلا خلاف فيه ، بل عليه الإجماع كما عن جماعة وإن كانت على خلاف الأصل ، لأن اللبن المقصود من الإعارة هو عين لا منفعة فهو يستعير الشاة ليستفيد من عين بها ، فلذا كانت على خلاف الأصل ، والدليل هو الإجماع إلا أن في التذكرة استدل على جوازها بالنبوي المروي عن العامة (العارية مؤداة ، والمنحة مردودة ، والدين يقضى ، والغريم غارم) (1) والنبوي الدال على ردها دال على مشروعيتها.

(2) وظاهرهم التعدية إلى غير الشاة من البقر والماعز والناقة ولذا قال في المسالك : (وعدوا الحكم إلى غير الشاة مما يتخذ للحلب من الأنعام وغيرها) انتهى ، وعدّى العلامة في التذكرة إلى جواز إعارة الغنم للانتفاع بصوفها ونحو ذلك ، وتنظر الشارح في المسالك بالتعدية ، لأن الحكم في المنحة على خلاف الأصل فيقتصر فيه على مورد الوفاق واليقين وهو إعارة الشاة للبنها فقط. هذا وقد قيل إن المنفعة أمر عرفي وقد تعد بعض الأعيان منفعة وإن كانت هي عين ، كاللبن في الشاة فإنه بنظر العرف منفعة وليس عينا ، وعليه فالمنحة عارية لا تحتاج إلى دليل سوى دليل مشروعية مطلق العارية ، لأن العين المستعارة هي الشاة وهي لا تتلف ، وما يتلف هو من قبيل المنفعة وليس هو مورد العارية ، وعليه فيجوز التعدي إلى غير الشاة ويجوز التعدي إلى غير اللبن ، لكون غير اللبن من الصوف والوبر والشعر من قبيل المنافع لا الأعيان.

(3) عقد العارية جائز من الطرفين بلا خلاف فيه ، لأن قوامه الاذن بالإباحة ومن الواضح جواز الرجوع بالاذن ويلزمه جواز الرجوع عن الرضا به الذي هو قوام القبول ، وعليه فيجوز لكل من المتعاقدين فسخ العارية متى شاء ، ويستثنى من ذلك موارد.

ص: 315


1- 1. المغني لابن قدامة ج 5 ص 183.

لاقتضاء جواز العقد ذلك (1) ، (إلا في الإعارة للدفن) أي دفن الميت المسلم ومن بحكمه (2) فلا يجوز الرجوع فيه (3) (بعد الطمّ) ، لتحريم نبشه ، وهتك حرمته ، إلى أن تندرس عظامه.

ولو رجع قبله (4) جاز وإن كان الميت قد وضع على الأقوى ، للأصل (5) ، فمئونة الحفر لازمة لولي الميت (6) ، لقدومه (7) على ذلك ، إلا أن يتعذر عليه غيره (8) ،

______________________________________________________

منها : إعارة الأرض لدفن ميت مسلم ، فلا يصح الرجوع بعد الدفن لتحريم نبشه وهتك حرمته إلى أن تندرس عظامه ، وهو موضع وفاق كما في المسالك ، وبلا خلاف فيه كما في الرياض وغيره.

(1) أي جواز رجوع المالك عند مشيئته.

(2) كالطفل والمجنون ولقيط دار الإسلام.

(3) في إعارة الأرض للدفن.

(4) أي قبل الطم ، والرجوع قبل الطم إما بعد الحفر وقبل وضع الميت في لحده وإما بعد الحفر وبعد الوضع ، ففي الصورة الأولى يجوز له الرجوع لعدم محذور الهتك والنبش لعدم تحقق الوضع كما يجوز له الرجوع قبل الحفر ، ولو رجع المالك حرم الدفن ، لكونه تصرفا في مال الغير بغير إذنه وهو محرم ، وهذا مما لا إشكال فيه ولا خلاف.

وفي الصورة الثانية فقد صرح أكثر من واحد من الأصحاب بجواز رجوع المالك قبل المواراة لعدم صدق النبش حينئذ ، وقيل : بعدم الجواز لما في إخراج الميت من لحده قبل الطم من هتك لحرمته ، ولذا أفتى الفقهاء في باب التكفين بقرض نجاسة كفن الميت إذا تعذر التغسيل في القبر ، وما ذلك إلا لكون الإخراج بعد الوضع وقبل الطم مستلزما للهتك.

(5) إما استصحاب الجواز وإما أصالة البراءة.

(6) قال الشارح في المسالك : (قال في التذكرة : ومئونة الحفر إذا رجع بعد الحفر وقبل الدفن لازمة لولي الميت ، ويشكل فيما لو لم يمكنه الدفن إلا كذلك - بحيث وصّى الميت بالدفن في الأرض العارية - ، إذ لا تقصير فيه فينبغي كونه من مال الميت) انتهى.

(7) أي قدوم ولي الميت على الحفر في الأرض العارية للدفن مع علمه بأنه يجوز للمالك الفسخ متى شاء ، فإذا رجع المالك وهو عالم بجواز ذلك له فيكون الولي قد قصّر ، فالمئونة عليه للتقصير.

(8) غير المكان المستعار ، ومع التعذر فالإقدام على الحفر في المستعار لا تقصير فيه وإن علم بجواز فسخ المالك ، لكن هذا مشروط بكون مئونة الحفر في المستعار أقل أو مساوية لمئونة

ص: 316

مما لا يزيد عوضه عنه (1) فيقوى كونه (2) من مال الميت ، لعدم التقصير ، ولا يلزم وليّه طمه ، للإذن فيه (3).

ويستثنى آخران أيضا : أحدهما إذا حصل بالرجوع ضرر على المستعير لا يستدرك كما لو أعاره لوحا رقّع به سفينته ولجج (4) في البحر فلا رجوع للمعير (5) إلى أن يمكنه الخروج إلى الشاطئ ، أو إصلاحها (6) مع نزعه من غير ضرر ، ولو رجع قبل دخول السفينة (7) ، أو بعد خروجها فلا إشكال في الجواز (8) ، مع احتمال الجواز مطلقا (9) وإن وجب الصبر بقبضه إلى أن يزول الضرر ، والثاني الاستعارة للرهن بعد وقوعه (10) وقد تقدم.

______________________________________________________

الحفر في المكان المتعذر ، أما لو كانت مئونة الحفر أزيد فهو مقصّر بالزائد ، وعلى كل فمع عدم التقصير تكون مئونة الحفر من مال الميت خلافا للتذكرة حيث جعلها من مال الولي مطلقا.

(1) أي مما لا يزيد عوض المستعار عن عوض غيره المتعذر.

(2) أي كون عوض المستعار.

(3) أي في الحفر ، والاذن حاصل من المالك للولي قبل الرجوع.

(4) أي دخل في اللجة.

(5) لا رجوع له ما دامت السفينة في البحر لما فيه من الضرر بالغرق الموجب لذهاب مال أو تلف نفس.

(6) أي أمكن إصلاح السفينة في داخل البحر مع نزع المعار من غير ضرر.

(7) قبل دخولها في البحر.

(8) أي جواز رجوع المالك إذ لا ضرر على المستعير حينئذ.

(9) ولو كانت في البحر إلا أنه لا يجب التسليم إليه ، أما جواز الرجوع للمالك لأنه الأصل في العارية ، وأما عدم وجوب تعجيل التسليم لما فيه من الضرر على المستعير في التسليم الفوري.

وفائدة هذا الاحتمال أنه يجب على المستعير ردها فورا بعد زوال الضرر ، لأنه بعد فسخ المالك تكون العارية أمانة شرعية لا مالكية ، والأمانة الشرعية يجب ردها فورا في أول أوقات الرد ، ويجب الرد بعد زوال الضرر مباشرة من غير مطالبة من المالك.

(10) أي بعد وقوع الرهن فلا يجوز للمالك الرجوع في العارية بعد رهنها وقد تقدم بحثه في كتاب الرهن.

ص: 317

فی کون العین أمانة

(وهي أمانة) في يد المستعير (لا يضمن (1) إلا بالتعدي ، أو التفريط) إلا ما استثني (2) (وإذا استعار أرضا (3) صالحة للزرع ، والغرس ، والبناء عادة (غرس ،)

______________________________________________________

(1) لا خلاف ولا إشكال في كون العارية أمانة عند المستعير فلا يضمن للأخبار :

منها : صحيح الحلبي عن أبي عبد الله عليه السلام (إذا هلكت العارية عند المستعير لم يضمنها إلا أن يكون قد اشترط عليه) (1) ، وصحيحه الآخر عنه عليه السلام (صاحب الوديعة والبضاعة مؤتمنان ، وليس على المستعير عارية ضمان) (2).

واستثنى منه مواضع.

منها : ما لو تعدى أو فرّط فلا خلاف في ضمانه إذ النصوص قد حكمت بأمانته ومع التعدي أو التفريط لا أمانة فتنقلب يده من يد ائتمان إلى يد عدوان فيضمن ، هذا فضلا عن أن المالك لم يأذن له بالتعدي أو التفريط يضمن.

ومنها : ما لو اشترط ضمانها عليه فيضمن لو تلفت بلا خلاف فيه ويدل عليه صحيح الحلبي الأول المتقدم ، ومثله غيره.

ومنها : عارية الذهب والفضة وإن لم يشترط ضمانها وسيأتي الكلام فيها مفصلا عند تعرض الماتن لها.

(2) من اشتراط ضمانها وعارية الذهب والفضة.

(3) أطلق الأصحاب جواز الانتفاع بالعارية للمستعير ، والمرجع في تقدير نوع الانتفاع منها وصفته وقدره إلى العرف بحسب العادة السارية فيه ، فلو اعاره بساطا اقتضت العادة بالانتفاع به بالفرش ونحوه من الوجوه المتعارفة ، ولو أعاره لحافا اقتضت العادة بالانتفاع به غطاء ولا يجوز افتراشه لعدم جريان العادة بذلك ، ولو أعاره حيوانا للحمل اقتضت العادة بتحميله قدرا معينا فلا تجوز الزيادة وهكذا.

ثم لو تعددت منافع العين المعارة ، فإن عيّن المعير نوعا منها تعين لدوران جواز الانتفاع مدار الاذن ، والاذن مقيّد بحسب الفرض ، وإن عمّم جاز الانتفاع بجميع وجوه منافع العين كأن يعيره الأرض وهي صالحة للغرس والزرع والبناء ، والتعميم هو التنصيص على جواز الانتفاع بجميع المنافع فيجوز للمستعير - والحال هذه - عموم الانتفاع لعموم الاذن.

وإن أطلق المعير إذنه فلم يقيده بنوع ولم ينص على التعميم فيجوز مطلق الانتفاع تمسكا بإطلاق الاذن ، وهو بمنزلة التعميم.

ص: 318


1- (1 و 2) الوسائل الباب -1. من كتاب العارية حديث 1 و 6.

(أو زرع ، أو بنى) مخيّرا (1) فيها مع الإطلاق ، أو التصريح بالتعميم ، وله الجمع بينها (2) بحسب الإمكان ، لأن ذلك كله انتفاع بتلك العين يدخل (3) في الإطلاق ، أو التعميم ، ومثله (4) ما لو استعار دابة صالحة للركوب والحمل.

(ولو عين له جهة لم يتجاوزها (5) ولو إلى المساوي والأدون عملا بمقتضى التعيين ، واقتصارا على المأذون.

وقيل : يجوز التخطي إلى المساوي والأقل ضررا وهو ضعيف. ودخول الأدون بطريق أولى ممنوع ، لاختلاف الغرض في ذلك (6) ، نعم لو علم انتفاء الغرض بالمعين اتجه جواز التخطي إلى الأقل ، أما المساوي فلا (7) مطلقا (8) ، كما

______________________________________________________

(1) أي المستعير.

(2) بين هذه المنافع.

(3) أي هذا الانتفاع.

(4) أي مثل إعارة الأرض.

(5) كان الكلام في المتقدم من ناحية لزوم العمل بإذن المعير ، وكلامنا هنا في أنه لو أذن المعير للمستعير في الانتفاع من جهة من جهات منافع العين ، فهل يجوز للمستعير أن يتعدى إلى الأضعف بالأولوية أو لا؟ كمن أعاره أرضا للغرس فهل يجوز أن يزرع ، والزرع أقل ضررا من غرس الأشجار ، ذهب جماعة منهم الشهيدان والمحقق والعلامة في التبصرة إلى عدم التعدي إلى المساوي فضلا عن الأضعف اقتصارا على القدر المأذون ، لأصالة حرمة التصرف في مال الغير بغير إذنه ، ولم يصدر من المعير إذن بالمساوي ولا بالأضعف.

وذهب بعضهم كالشيخ في المبسوط والحلي في السرائر وابن زهرة في الغنية إلى جواز التعدي إلى الأضعف للأولوية ، وفيه : إنه من الجائز تعلق غرض المالك بالنوع الخاص من التصرف ومع هذا التعلق لا يتعدى في الاذن لعدم ملاحظة غير المأذون من قبل المالك.

وعن العلامة في التحرير والتذكرة جواز التخطي إلى المساوي أيضا ، وفيه : إنه قياس باطل إلا إذا علم أن التخصيص في الاذن من باب المثال ، وبه يخرج عن موضع النزاع ، إذ النزاع في التخصيص لا في التمثيل.

(6) أي في الاذن بالانتفاع.

(7) أي فلا يجوز.

(8) سواء علم بانتفاء غرض المعير بالمعنى أم لا ، وفيه : أنه مع العلم بانتفاء الغرض فيكون ذكر المعين من باب المثال ، والتمثيل لا يصلح لتقييد الاذن بخلاف التخصيص.

ص: 319

أنه مع النهي عن التخطي يحرم مطلقا (1).

وحيث يتعين المعين فتعدى إلى غيره (2) ضمن الأرض (3) ولزمه الأجرة لمجموع ما فعل من غير أن يسقط منها (4) ما قابل المأذون على الأقوى (5) ، لكونه تصرفا بغير إذن المالك فيوجب الأجرة ، والقدر المأذون فيه لم يفعله فلا معنى لإسقاط قدره.

نعم لو كان المأذون فيه داخلا في ضمن المنهي عنه ، كما لو أذن له في تحميل الدابة قدرا معينا فتجاوزه ، أو في ركوبها بنفسه فأردف غيره تعين إسقاط قدر المأذون ، لأنه (6) بعض ما استوفى من المنفعة وإن ضمن الدابة أجمع (7).

______________________________________________________

(1) أي يحرم التعدي إلى الأدون والمساوي وهو معنى الإطلاق ، ودليله أنه مع النهي فالتصريح بعدم التعدي وأن الاذن مقتصر على المعين ثابت.

(2) أي تعدى المستعير إلى غير المعيّن.

(3) كما لو أعاره الأرض للغرس فزرع أو بنى ، والأول تعديه إلى الأدون ، والثاني تعديه إلى الأشد ، أو أعاره الأرض لغرس معين من الشجر فزرع صنفا آخر مماثل له وهو تعدية إلى المساوي.

وعلى كل فمع التعدي هل يلزم المستعير الأجرة لمجموع ما فعل ، أو يسقط منها مقدار أجرة المأذون فيه ويثبت الزائد خاصة ، وقد يستدل للأول بأنه تصرف في ملك الغير بغير إذنه وهو مستلزم لثبوت الأجرة كملا ، ويستدل للثاني من أن المعير قد أباحه المنفعة المخصوصة فلا يجب لها عوض ، نعم مع تخطيه إلى غيرها كان مقدار منفعة المأذون مباحا له فيضمن الزائد ليس إلا ، وقد قوّى الشارح الأول في الروضة هنا وفي المسالك.

وفصّل العلامة بين النهي عن التخطي وبين الإطلاق ، فأوجب الأجرة كملا مع النهي ، وأسقط التفاوت مع الإطلاق ، وأشكل عليه بعدم وضوح الفرق بينهما ، لأن التخطي في الحالين غير مأذون فيه ، غايته أن في النهي قد نص على المنع ، وفي الإطلاق جاء المنع من إطلاق عدم الاذن ، وهذا لا يوجب اختلافا في الحكم المذكور ، هذا كله مع كون العين المعارة تحت يده مضمونة بحيث لو تلفت فيطالب ببدلها أو قيمتها ، لأن يده يد عدوان حينئذ.

(4) من أجرة المجموع.

(5) في قبال تفصيل العلامة وقد تقدم.

(6) أي المأذون فهو بعض المنفعة التي استوفاها فلا أجرة له بخلاف النوع المخالف بحيث أذن في الزرع مع نهيه عن الغرس فغرس فيضمن الأجرة كملا.

(7) لأن يده يد عدوان.

ص: 320

(ويجوز له بيع غروسه ، وأبنيته ولو على غير المالك (1) على المشهور ، لأنه (2) مالك غير ممنوع من التصرف فيه (3) فيبيعه ممن يشاء.

وقيل : لا يجوز بيعه على غير المعير ، لعدم استقرار ملكه (4) برجوع المعير (5) ، وهو (6) غير مانع من البيع ، كما يباع المشرف على التلف ومستحق القتل قصاصا.

ثم إن كان المشتري جاهلا بحاله (7) فله الفسخ للعيب ، لا إن كان

______________________________________________________

(1) إذا أذن المعير للمستعير بغرس الأرض المعارة أو بالبناء فيها فغرس أو بنى فهل يجوز للمستعير أن يبيع غرسه وبناءه على غير المالك أو لا ، بعد الاتفاق من دون إشكال على جواز البيع المذكور على المالك ، لوجود المقتضي مع عدم المانع ، فالأول لأن الغرس ملك للمستعير فيجوز بيعه لعموم أدلة مشروعية البيع ، والثاني من عدم المانع من البيع لكون الغرس في أرض المشتري ، فإذا اشتراها لا يمنعه أحد من الوصول إليه مع عدم توقف الوصول على التصرف في ملك الغير.

وأما البيع على غير المالك فالمشهور على الجواز ، وعن الشيخ في المبسوط العدم ، ودليله أن الغرس في معرض القلع والبناء في معرض الهدم لأن المعير له سبيل على ملكه فمع البيع من المستعير تبطل العارية ، لأن البيع منه فسخ ، ولا يوجد إذن في بقاء الغرس أو البناء بين المالك والمشتري فيجوز للمالك حينئذ مطالبة المشتري بقلع غرسه وبنائه من أرضه ، ومع احتمال القلع فيكون الغرس أو البناء في معرض التلف لعدم ماليته.

وفيه : إن احتمال قلعه لا يخرجه عن المالية المسوّغة لبيعه ، فكما جاز بيع الحيوان المشرف على التلف والعبد المستحق للقتل من باب القصاص مع أنه في معرض التلف فكذلك مقامنا ، وإذا جاز البيع لكونه مالا فهو مملوك للمستعير والمستعير غير ممنوع من التصرف فيه فيجوز له بيعه ممن شاء وهو دليل المشهور.

(2) أي المستعير.

(3) في البناء والغرس.

(4) أي ملك المشتري.

(5) ويطالبه بالقلع.

(6) عدم استقرار ملك المشتري.

(7) أي بكون البائع مستعيرا ، فله الفسخ لأن المبيع في غير أرض البائع مع جواز قلعه وهو عيب فيه ، فله الفسخ بخيار العيب.

ص: 321

عالما (1) بل ينزل منزلة المستعير.

ولو اتفقا على بيع ملكهما معا بثمن واحد صح (2) ، ووزّع الثمن عليهما (3) ، فيقسّط على أرض مشغولة به (4) على وجه الإعارة مستحقّ القلع بالأرش (5) ، أو الإبقاء (6) بالأجرة ، أو التملك (7) بالقيمة مع التراضي وعلى ما فيها مستحق القلع

______________________________________________________

(1) فلو كان عالما بالحال فلا خيار له ، لإقدامه على ذلك ، بل ينزّل المشتري منزلة المستعير ، فكما أن المستعير عند ما زرع كان يعلم بجواز فسخ المالك للعقد مع مطالبته بالقلع ويكون الضرر على المستعير لإقدامه على ذلك ، فالمشتري مثله.

(2) لو اتفق المعير والمستعير على بيع الأرض والغرس معا بعقد واحد ، وأن يكون في قبالهما ثمن واحد ، صح البيع بلا إشكال لكون الأرض والغرس ملكا لهما ، ويجوز لهما التصرف في ملكهما ، ومن التصرف الجائز البيع.

(3) على ملكهما ، والتوزيع مبني على كون المالك هل يجوز له فسخ العارية قبل أوان حصاد الزرع أو لا ، فعلى الأول تقوّم الأرض خالية وعلى الثاني مشغولة ، ثم إن التوزيع مبني على كون المستعير هل له الحق في مطالبة المالك بالأرش على تقدير القلع أو لا ، فعلى الأول يقوّم الزرع أنه مستحق القلع الآن بالأرش للنقصان الحاصل فيه بسبب القلع ، وعلى الثاني يقوّم الزرع بأنه مستحق القلع بدون أرش وإن نقصت قيمته بسبب القلع.

ثم على القول بدفع الأرش لا يجب على المستعير قلع زرعه عند الطلب قبل دفع الأرش من المالك ، فلو لم يدفع الأرش جاز للمستعير إبقاء زرعه إلى حين الدفع ، غير أن هذا الإبقاء مشروط بكونه بأجرة جمعا بين منفعة الأرض للمالك وبين أرش المستعير ، وعليه فيقوّم الزرع بكونه مستحق القلع الآن بالأرش إلا أن عليه أجرة الأرض.

(4) أي بالزرع.

(5) وهذا مبني على جواز فسخ المالك عقد الوديعة قبل أوان الحصاد لما فيه من ضرر على المستعير ، ومبني على أن المستعير يستحق الأرش لو نقص الزرع بسبب القلع.

(6) معطوف على (بالأرش) ، والمعنى أن الثمن يقسّط على أرض مشغولة بالزرع على وجه الإعارة مع كون الزرع مستحق القلع ، باقيا بالأجرة ، وهذا القول مبني على جواز الفسخ للمالك ، وعلى أن المستعير عليه أجرة الأرض لو أبقى الزرع عند عدم دفع المالك للأرش.

(7) عطف على قوله (الإعارة) ، والمعنى أن الثمن مقسّط على أرض مشغولة بالزرع على وجه التملك بالقيمة من قبل المالك إذا رضي المستعير بذلك ، وعلى زرع مستحق القطع إما بالأرش وإما بالأجرة ، وهو مبني على جواز الفسخ من قبل المالك قبل أوان الحصاد.

ص: 322

فی ما لو نقصت العین المعارة بالاستعمال

على أحد الوجوه (1) فلكل (2) قسط ما يملكه (3).

(ولو نقصت) العين المعارة (بالاستعمال لم يضمن (4) المستعير النقص ، لاستناد التلف (5) إلى فعل مأذون فيه ولو من جهة الإطلاق (6) ، وتقييده بالنقص (7) قد يفهم أنها (8) لو تلفت به (9) ضمنها وهو أحد (10) القولين في المسألة ، لعدم تناول الإذن للاستعمال المتلف عرفا (11) وإن دخل (12) في الإطلاق ، فيضمنها آخر

______________________________________________________

(1) من الأرش أو الأرش مع الأجرة.

(2) من المعير والمستعير.

(3) فما للأرض فهو للمعير ، وما للزرع فهو للمستعير ، على أن التقويم المذكور تلحظ نسبته من الثمن فلو قوّمت الأرض بأربعين والزرع بعشرة فيقسّم الثمن أخماسا وهكذا.

(4) لو نقصت العين المعارة أو تلفت بالاستعمال من غير تعد أو تفريط فلا ضمان على المستعير ، لأنه مأذون في الاستعمال وإن ترتب عليه النقصان أو التلف ، ولصحيح ابن سنان عن أبي عبد الله عليه السلام (لا غرم على مستعير العارية إذا هلكت إذا كان مأمونا) (1) ، ومثله غيره.

وقد نقل الشارح في المسالك قولا لم يعرف قائله بضمان العين لو تلفت بالاستعمال ، لأن الظاهر عدم تناول إذن المعير لهذا الاستعمال المتعقب بالتلف ، على أن يكون ضمانها في آخر حالات وجودها.

وفيه : إنه اجتهاد في قبال النص فلا يقبل مع رد دعوى انصراف الاذن عن هذا الاستعمال بعد فرض عدم التعدي أو التفريط من المستعير.

(5) أي تلف البعض الذي هو النقصان.

(6) أي إطلاق الاذن.

(7) أي تقييد الاستعمال بالنقص.

(8) أي العين المعارة.

(9) بالاستعمال.

(10) وهو القول الثاني الذي لم يعرف قائله.

(11) للانصراف.

(12) أي الاستعمال المتلف داخل في إطلاق الاذن.

ص: 323


1- 1. الوسائل الباب - 1 - من كتاب العارية حديث 3.

فی ضمان العاریة باشتراط الضمان و بکونها ذهبا أو فضة

حالات التقويم (1). وقيل : لا يضمن أيضا كالنقص ، لما ذكر من الوجه (2) وهو الوجه.

(ويضمن العارية باشتراط الضمان (3) عملا بالشرط المأمور بالكون معه (4) ، سواء شرط ضمان العين (5) أم الأجزاء (6) أم هما (7) ، فيتبع شرطه.

(وبكونها ذهبا ، أو فضة (8) سواء كانا دنانير ودراهم أم لا على أصح

______________________________________________________

(1) أي آخر حالات وجودها وهو حين التلف.

(2) من كون فعله مأذونا فيه ولو من جهة إطلاق الاذن.

(3) وقد تقدم أنه لا خلاف فيه لصحيح الحلبي عن أبي عبد الله عليه السلام (إذا هلكت العارية عند المستعير لم يضمنها إلا أن يكون قد اشترط عليه) (1) ، ومثله غيره.

(4) أي مع الشرط في النبوي (المؤمنون عند شروطهم) (2).

(5) عند التلف.

(6) عند النقصان.

(7) أي عند التلف أو النقصان.

(8) فإنها مضمونة وإن لم يشترط ضمانها ، بلا خلاف في الدراهم والدنانير ، وإنما الخلاف في غيرهما من المصوغ وغيره ، وذهب إلى الاختصاص فخر المحققين والقطيفي وسيد الرياض وابن حمزة في الوسيلة لجملة من الأخبار الصريحة في الدرهم والدينار.

منها : صحيح ابن سنان عن أبي عبد الله عليه السلام (لا تضمن العارية إلا أن يكون قد اشترط فيها ضمان ، إلا الدنانير فإنها مضمونة وإن لم يشترط فيها ضمانا) (3) ، وخبر عبد الملك بن عمرو عن أبي عبد الله عليه السلام (ليس على صاحب العارية ضمان إلا أن يشترط صاحبها إلا الدراهم فإنها مضمونة ، اشترط صاحبها أو لم يشترط) (4).

وعن الشيخ والعلامة والشهيدين ضمان مطلق الذهب والفضة للأخبار.

منها : صحيح زرارة (قلت لأبي عبد الله عليه السلام : العارية مضمونة؟ فقال عليه السلام : جميع ما استعرت فتوى - أي هلك - فلا يلزمك تواه إلا الذهب والفضة ، فإنهما يلزمان ، إلا أن تشترط عليه أنه متى توى لم يلزمك تواه ، وكذلك جميع ما استعرت فاشترط عليك لزمك ، والذهب والفضة لازم لك وإن لم يشترط عليك) (5) ، وموثق إسحاق بن عمار

ص: 324


1- 1. الوسائل الباب - 1 - من أبواب العارية حديث 1.
2- 2. الوسائل الباب - 20 - من أبواب المهور حديث 4.
3- (3 و 4 و 5) الوسائل الباب -3. من كتاب العارية حديث 1 و 3 و 2.

القولين ، لأن فيه جمعا بين النصوص المختلفة (1).

وقيل : يختص بالنقدين استنادا إلى الجمع (2) أيضا ، وإلى الحكمة الباعثة على الحكم (3) ، وهي (4) ضعف المنفعة المطلوبة منهما (5) بدون الانفاق ، فكانت عاريتهما موجبة بالذات لما يوجب التلف فيضمنان بهما (6).

ويضعّف بأن الشرط الانتفاع بهما مع بقائهما (7) ، وضعف المنفعة حينئذ لا (7)

______________________________________________________

عن أبي عبد الله أو أبي إبراهيم عليه السلام (العارية ليس على مستعيرها ضمان ، إلا ما كان من ذهب أو فضة ، فإنهما مضمونان اشترطا أو لم يشترطا) (1).

وصناعة الإطلاق والتقييد تقتضي حمل الذهب والفضة على الدنانير والدراهم ، وأن الحكم بالضمان مختص بهما ، غير أنّه قد ثبت في محله عدم حمل المطلق على المقيد إذا كانا مثبتين ، ولذا توقف جماعة في الحكم في غير الدينار والدرهم منهم العلامة في التذكرة.

(1) بعد عدم حمل المطلق على المقيد لأنهما مثبتان.

(2) لتقييد المطلق بالمقيد.

(3) وهو حكم الضمان والحاصل أن منفعة الدينار والدرهم منحصرة بالإنفاق وإذهاب العين ، وعلى فرض وجود منفعة أخرى كالتزين مثلا فهي ضعيفة بخلاف منفعة مطلق الذهب والفضة فهي غير منحصرة بالإنفاق بل لها منافع كثيرة والتزين منها ، وعليه فلما كانت منفعة الدينار والدرهم مختصة بإتلاف العين فيناسبها الحكم بالضمان ، بخلاف منفعة الذهب والفضة فيناسبها عدم الضمان لأن منفعتهما كثيرة في غير الإنفاق ، إذ يستفيد المستعير بهما ويرجعهما إلى المالك.

ويضعّف بأن هذا لا يصلح لتأسيس الحكم الشرعي لأنه مبني على الاستحسان ، ولأن إعارة الدينار والدرهم إنما تصح على تقدير بقاء عينهما ، وبقاء العين هو شرط في صحة العارية وعليه فما فرض من التعليل بإذهاب العين بالإتلاف مناف لمعنى العارية ، ولأن ضعف المنفعة وقوتها لا مدخل له في اختلاف الحكم ، كما لا يختلف حكم استعارة البعير وقطعة من الحصير.

(4) أي الحكمة.

(5) من الدينار والدرهم.

(6) بعاريتهما.

(7) هذا هو الرد الثاني المتقدم.

ص: 325


1- 1. الوسائل الباب - 3 - من كتاب العارية حديث 4.

فی اختلاف المستعیر و المعیر

مدخل له في اختلاف الحكم (1) ، وتقدير منفعة الانفاق (2) حكم بغير الواقع (3).

(ولو ادعى) المستعير (التلف حلف (4) لأنه أمين فيقبل قوله فيه (5) كغيره (6) ، سواء ادعاه (7) بأمر ظاهر (8) أم خفي (9) ، ولإمكان صدقه (10) ، فلو لم يقبل قوله لزم تخليده الحبس.

(ولو ادعى الرد حلف المالك (11) ،

______________________________________________________

(1) وهو الرد الثالث المتقدم.

(2) في الدينار والدرهم.

(3) إذ يمكن إعارتهما مع عدم إنفاق عينهما.

(4) لأنه المنكر لموافقة قوله ظاهر الشرع من حيث كونه أمينا ، وإن كان بحسب ظاهر كلامه مدعيا لأنه يدعي التلف.

(5) في التلف.

(6) أي كغيره من الأمناء كالودعي ومن كانت يده على العين بإذن المالك.

(7) أي ادعى التلف.

(8) كالتلف المسبّب عن الحرق.

(9) كالسرق.

(10) تعليل ثان لقبول قوله ، فبالإضافة إلى أمانته يمكن أن يكون صادقا في دعوى التلف فلو لم يقبل قوله مع يمينه لكان مدعيا وكان المعير هو المنكر ، فلو قدم قول المعير مع يمينه لوجب على المستعير ردّ العارية وإذا نكل عن أداء حق الناس حبس ، وبما أن العين يتعذر عليه ردها لتلفها واقعا لأن المفروض صدقه فيقتضي ذلك تخليده في السجن.

(11) فالمالك منكر إذ الأصل عدم الرد ، وأمانة المستعير لا تقتضي تصديقه في الرد ، لأن المستعير قد قبض لمصلحة نفسه بخلاف الودعي فإنه قد قبض لمصلحة المالك فالودعي محسن ولا سبيل على المحسن فكذا قبل قول الودعي في الرد دون المستعير ، إذا المستعير حينئذ ليس محسنا.

وفيه : لو كان المناط في تقديم قول الودعي هو إحسانه لجرى في الوكيل لو ادعى الرد ، لأن الوكيل محسن حيث قبضه لمصلحة الموكل مع أنه قد وقع الاتفاق على عدم قبول قول الوكيل بالرد ، وإنما القبول لقول الموكل مع يمينه ، ومن هنا يستكشف أن الأمين مطلقا إذا ادعى الرد فهو مدع بحسب ظاهر كلامه فيقدم قول صاحبه المنكر ، وأما الودعي فقد قبل قوله في الرد للنص ، وهو مرسل الصدوق عن الصادق عليه السلام (عن المودع إذا كان

ص: 326

لأصالة عدمه (1) ، وقد قبضه (2) لمصلحة نفسه فلا يقبل قوله فيه (3) ، بخلاف الودعي.

ومعنى عدم قبول قوله فيه (4). الحكم بضمانه (5) للمثل ، أو القيمة حيث يتعذر العين ، لا الحكم بالعين مطلقا (6) ، لما تقدم في دعوى التلف (7).

(وللمستعير الاستظلال بالشجر (8) الذي غرسه في الأرض المعارة للغرس

______________________________________________________

غير ثقة هل يقبل قوله؟ قال عليه السلام : نعم ولا يمين عليه) (1)

(1) عدم الرد.

(2) أي قبض المعار.

(3) في الرد.

(4) أي ومعنى عدم قبول قول المستعير في الرد أنه يلزم بالرد لو حلف المعير ، فإن كانت العين موجودة عنده على تقدير كذب دعواه فهو ، وإن كانت العين غير موجودة عنده على تقدير صدقة فالحكم عليه بالرد هو الحكم بضمان مثلها أو قيمتها.

وبما أن واقع حاله غير معلوم لنا فيحكم عليه بدفع المثل أو القيمة من أجل عدم تخليده في الحبس ، لأنه مع الحكم عليه برد العين وكانت العين متعذرة لعدم وجودها عنده فيحبس لنكوله عن أداء حق الناس حتى يرد ، ومع تعذر الرد يخلّد.

(5) أي ضمان المستعير.

(6) سواء تعذر الرد أم لا ، ويتعذر على تقدير صدقه ، وينتفي التعذر على تقدير كذبه.

(7) وهو الدليل الثاني على قبول قول المستعير في دعوى التلف.

(8) إذا استعار أرضا للغرس فغرسها فهل يجوز للمعير دخول الأرض والاستظلال بالشجر أو لا ، لا إشكال في جواز الدخول إلى الأرض لأنها ملكه فله الدخول إليها في أي وقت شاء ، ويجوز له أن يستظل بشجرها وإن كان الشجر ملكا لغيره ، لأنه حال الاستظلال جالس في ملكه كما لو جلس في أملاكه الأخرى غير المعارة واتفق له التظليل بشجر غيره ، أو جلس في أرض مباحة واتفق له التظليل بشجر غيره. ثم هل يجوز للمستعير دخول الأرض والاستظلال أو لا ، لا إشكال في جواز دخول المستعير إلى الأرض ، لأن الشجر ملكه فله الدخول لأجل الشجر بأن يسقيه ويحرسه ويهذبه ونحو ذلك وليس له أن يدخل لغرض آخر غير ما يتعلق بمصلحة الشجر والثمر كالتفرج ، لأن الاستعارة وقعت لمنفعة معينة فلا يتعداها.

ص: 327


1- 1. الوسائل الباب - 4 - من أبواب الوديعة حديث 7.

فی أنه لا یجوز للمستعیر إعارة العین المستعارة

وإن استلزم التصرف في الأرض بغير الغرس ، لقضاء العادة به (1). كما يجوز له الدخول إليها لسقيه ، وحرثه ، وحراسته ، وغيرها ، وليس له الدخول لغير غرض يتعلق بالشجر كالتفرج ، (وكذا) يجوز (للمعير) الاستظلال بالشجر المذكور وإن كان ملكا لغيره ، لأنه جالس في ملكه كما لو جلس في غيره من أملاكه فاتفق له التظلل بشجر غيره ، أو في المباح كذلك (2) ، وكذا يجوز له الانتفاع بكل ما لا يستلزم التصرف في الشجر.

(ولا يجوز) للمستعير (إعارة العين المستعارة إلا بأذن المالك (3) ، لأن الإعارة إنما تناولت الإذن له خاصة. نعم يجوز له استيفاء المنفعة بنفسه ، ووكيله ، لكن لا يعد ذلك إعارة ، لعود المنفعة إليه ، لا إلى الوكيل.

وحيث يعير (4) يضمن العين والمنفعة (5) ، ويرجع المالك على من شاء منهما ،

______________________________________________________

وأما الاستظلال فإن جاز الدخول لمصلحة الشجر فيجوز له الاستظلال حال كون الدخول جائزا ، وإن كان الدخول ممنوعا كما لو كان للتفرج فلا يجوز له الاستظلال لأنه تصرف منهي عنه.

هذا وقال الشارح في المسالك : (تنبيه : يعلم من قولهم إن المستعير ليس له الدخول للتفرج أنه لا يجوز لأحد الدخول إلى أرض غيره للتفرج بطريق أولى إلا بإذن المالك) انتهى.

(1) بالتصرف بغير الغرس.

(2) واتفق له التظليل بشجر غيره.

(3) بلا إشكال ولا خلاف ضرورة اقتضاء عقد العارية إباحة المنافع لخصوص المستعير ، لا تمليكه إياها حتى يتملكها ثم يعيرها إلى غيره ، نعم يجوز للمستعير أن يستوفي المنفعة بنفسه أو وكيله ، ولا يعدّ ذلك إعارة الوكيل ، لأن المنفعة عائدة إلى المستعير لا إلى الوكيل.

(4) أي وحيث يعير المستعير بغير إذن المالك فقد تعدى فيضمن العين لو تلفت لعدوانه ، وكذا يضمن المستعير الثاني العين لو تلفت تحت يده لعدم الاذن له من قبل المالك.

ويرجع المالك على أيهما شاء بأجرة المثل عن مدة الإعارة الثانية ، لضمان كل منهما منافع المعين المستوفاة وغير المستوفاة ، لمالية المنفعة مطلقا وقد فوّتت على المالك فيضمنها الأول لعدوانه ، والثاني لعدم إذن المالك له.

(5) مطلقا المستوفاة منها وغيرها.

ص: 328

فإن رجع (1) على المستعير الأول لم يرجع (2) على الثاني الجاهل ، إلا أن تكون العارية مضمونة (3) فيرجع عليه (4) ببدل العين خاصة (5) ، ولو كان (6) عالما استقر الضمان عليه (7) كالغاصب (8) ، وإن رجع (9) على الثاني رجع (10) على الأول بما لا يرجع عليه به (11) لو رجع عليه (12) ،

______________________________________________________

(1) أي لو رجع المالك على المستعير الأول بأجرة المثل ويبدل العين لو تلفت فلا يرجع الأول على الثاني ، إن كان الثاني جاهلا بكونها عارية إلا إذا كانت العارية مضمونة عليه على كل حال كعارية الذهب والفضة فيرجع الأول عليه حينئذ ، لأن الثاني ضامن لها على كل حال.

وإن كان الثاني عالما بكونها عارية من غير إذن مالكها فيرجع الأول عليه ، لأن الضمان يستقر على من تلفت العين تحت يده ، والمفروض أنها تلفت تحت يد الثاني ، وتكون المسألة حينئذ كتعاقب الأيدي الغاصبة على العين مع استقرار الضمان على من تلفت العين عنده.

(2) أي المستعير الأول.

(3) كعارية الذهب والفضة.

(4) فيرجع الأول على الثاني الجاهل.

(5) ولا يرجع الأول على الثاني ببدل المنافع الذي هو أجرة المثل لتسليط الأول للثاني عليها فكيف يرجع ببدلها.

(6) أي المستعير الثاني.

(7) على الثاني لتلف العين تحت يده فيرجع الأول عليه.

(8) أي كمسألة تعاقب الأيدي الغاصبة على العين مع تلفها تحت يد أحدهم.

(9) أي ولو رجع المالك على المستعير الثاني فإن كان عالما لا يرجع على المستعير الأول لاستقرار الضمان عليه ، إذ لو رجع لكان قد أتلف العين بدون عوض ، وإن كان جاهلا رجع على الأول ، لأن الأول قد غرّه بأن العارية له ، والمغرور يرجع على من غرّه ، إلا أن تكون العارية مضمونة فلا يرجع الثاني على الأول وإن كان الثاني جاهلا لأنها مضمونة عليه على كل حال مع علمه بأنها عارية وإن جهل بأنها لغير المستعير الأول.

(10) أي الثاني.

(11) أي بما لا يرجع الأول على الثاني به.

(12) أي لو رجع المالك على الأول ، وهذا لا يكون إلا في صورة جهل الثاني حال كون العارية غير مضمونة.

ص: 329

فی ما لو شرط سقوط الضمان

لغروره (1) ، (ولو شرط سقوط الضمان في الذهب والفضة صح (2) عملا بالشرط.

(ولو شرط سقوطه (3) مع التعدي أو التفريط احتمل الجواز (4) لأنه (5) في قوة الإذن له (6) في الإتلاف فلا يستعقب الضمان (كما لو أمره بإلقاء متاعه في البحر).

ويحتمل عدم صحة الشرط ، لأنهما (7) من أسباب الضمان فلا يعقل إسقاطه (8) قبل وقوعه (9) ، لأنه (10) كالبراءة مما لم يجب ، والأول أقوى (11).

______________________________________________________

(1) تعليل لعدم رجوع الأول على الثاني.

(2) أي صح شرط الإسقاط لعموم (المؤمنون عند شروطهم) (1) ، ولخصوص صحيح زرارة (قلت لأبي عبد الله عليه السلام : العارية مضمونة؟ فقال عليه السلام : جميع ما استعرت فتوى فلا يلزمك تواه ، إلا الذهب والفضة ، فإنهما يلزمان إلا أن تشترط عليه أنه متى توى لم يلزمك تواه) (2).

(3) أي سقوط الضمان.

(4) قيل : يصح الشرط لعموم (المؤمنون عند شروطهم) (3) ، ولأن معنى شرط سقوط الضمان عند التعدي هو الاذن في إتلافه ، وإذا أذن في التلف لا يضمن التالف كما لو أمره بإلقاء ماله في البحر.

وقيل : لا يصح الشرط باعتبار إنه إسقاط للواجب قبل وجوبه ، إذ الضمان مسبّب عن التعدي أو التفريط لا قبلهما فكيف يسقط قبل حصول سببه ، فإسقاط الضمان بمعنى الإبراء ولا يصح الإبراء مما لم يجب.

(5) أي شرط سقوط الضمان.

(6) للمستعير.

(7) أي التعدي والتفريط.

(8) أي إسقاط الضمان.

(9) أي قبل وقوع سبب الضمان.

(10) أي إسقاط الضمان.

(11) لأن الشرط بمعنى الاذن أولى من كونه بمعنى الإبراء.

ص: 330


1- (1 و 2) الوسائل الباب -1. من أبواب المهور حديث 4.
2- 2. الوسائل الباب - 3 - من كتاب العارية حديث 2.

(ولو قال الراكب : أعرتنيها ، وقال المالك : آجرتكها حلف الراكب (1) ، لاتفاقهما على أن تلف المنافع وقع على ملك المستعير (2) ، وإنما يختلفان في الأجرة ، والأصل براءة ذمته منها (3).

(وقيل) : يحلف (المالك) (4) ، لأن المنافع أموال كالأعيان فهي بالأصالة لمالك العين فادعاء الراكب ملكيتها بغير عوض على خلاف الأصل ، وأصالة براءة ذمته (5) إنما تصح من خصوص ما ادعاه المالك (6) ، لا من مطلق الحق (7) بعد استيفائه منفعة ملك غيره.(وهو أقوى) ولكن لا يقبل قوله (8) فيما يدعيه من الأجرة ، لأنه فيها مدع ، كما أن الراكب بالنسبة إلى العارية مدع ، بل يحلف (9)

______________________________________________________

(1) فالقول قول الراكب مع يمينه كما عن الشيخ وابن زهرة وأول الشهيدين والأردبيلي ، لأن المالك مدع للأجرة والراكب ينكرها ، والأصل عدم اشتغال ذمة الراكب بالأجرة.

(2) فالمالك يزعم أنه ملك المنافع بالإجارة ، والمستعير يزعم أنه ملكها بالإعارة.

(3) أي والأصل براءة ذمة مدعي العارية من الأجرة.

(4) على المشهور ، لأن المنافع مال للمالك كالعين فالأصل ملكية المالك للمنافع والراكب يدعي ملكيتها بغير عوض ، وهو على خلاف الأصل المتقدم ، فهو المدعي والمالك منكر فيقدم قول المالك مع يمينه.

وقول الراكب الموافق لأصالة عدم اشتغال ذمته بالأجرة لا يجعله منكرا مطلقا ، بل يجعله منكرا بالنسبة إلى القيمة التي يدعيها المالك فقط ، ولا يجعله منكرا مطلقا لأنه معترف باستيفاء منافع الغير.

وعليه فإذا حلف المالك سقطت دعوى الراكب بالإعارة وتثبت دعوى المالك بأنها مستأجرة ، ولكن لا تثبت أجرة المسمى من قبل المالك ، لأن المالك بخصوصها مدع والراكب ينفيها بدعواه العارية ، ولا يمكن الأخذ بقول الراكب فتنتفي أجرة المسمى وتثبت أجرة المثل.

(5) أي ذمة الراكب.

(6) من أجرة المسمى.

(7) وأنه قد استوفى منافع الغير.

(8) أي قول المالك في أجرة المسمى.

(9) أي المالك ، والمعنى فيمين المالك لا تثبت إلا نفي العارية فقط ، أما مقدار الأجرة فهو شي ء آخر لا يثبت بيمينه لأنه مدع به والآخر منكر ، غير أن هذا المنكر - وهو الراكب -

ص: 331

على نفي العارية ، (ويثبت له (1) أجرة المثل) ، لثبوت أن الراكب تصرف في ملك غيره بغير تبرع منه (2) ، (إلا أن تزيد) أجرة المثل (على ما ادعاه) المالك (من المسمى) فيثبت المسمى ، لاعترافه (3) بعدم استحقاقه سواه (4).

ويشكل (5) بأن المالك يدعي الزائد من الأجرة (6) على تقدير زيادة ما يدعيه عن أجرة المثل ، والراكب ينفيه فلا بد من وجه شرعي يقتضي نفيه (7) ، وحلفه (8) على نفي الإعارة لم يدل على نفي الإجارة ، كما لم يدل على إثباتها (9) ، وإثبات أقل

______________________________________________________

لمّا لم يؤخذ بقوله في دعوى العارية لا يؤخذ بقوله بنفي مقدار الأجرة مطلقا ، فضلا عن اعترافه باستيفاء المنافع في ملك الغير فتثبت أجرة المثل دون أجرة المسمى.

(1) أي للمالك.

(2) من الغير.

(3) أي اعتراف المالك.

(4) سوى المسمى ، وهو اختيار العلامة في القواعد أيضا.

(5) أي ويشكل نفي الزائد من أجرة المسمى عن أجرة المثل ، ووجه الإشكال أن أجرة المثل ثابتة على الراكب لاعترافه باستيفاء منافع ملك الغير ، فهي ثابتة عليه سواء حلف المالك أم لا ، وأما نفي الزائد عنها من أجرة المسمى فلا دليل عليه ، لأن يمين المالك إنما هي على نفي العارية وليست على إثبات الأجرة أو نفيها ، فلا يصح نفي الزائد المذكور إلا بحلف الراكب ، لأنه المنكر للأجرة مطلقا ، مع أن المشهور لم يلزموا الراكب بيمين على نفيه كما ألزموا المالك بيمين على نفي العارية.

وبهذا يضعف قول المشهور ، وأن الأقوى أنهما يتحالفان ، لأن كلا منهما مدع ومنكر ، فالمالك مدع للإجارة ومنكر للإعارة والراكب بالعكس ، وهذا مورد التحالف ، فيحلف المالك على نفي العارية ويحلف الراكب على نفي الأجرة المدعاة من قبل المالك ، وتثبت أجرة المثل لاعتراف الراكب باستيفاء منافع ملك الغير ، إلا أن تكون أجرة المسمى أقل ، فيثبت الأقل لاعتراف المالك بعدم استحقاقه سوى المسمى ، وهذا ما عليه العلامة في المختلف والشهيد في بعض تحقيقاته وتبعهما جماعة عليه.

(6) أي أجرة المسمى.

(7) نفي الزائد.

(8) أي حلف المالك.

(9) أي إثبات الإجارة مع لوازم أجرتها المسماة.

ص: 332

الأمرين (1) باليمين (2) مسلم (3) ، لكن يبقى النزاع في الزائد (4) على تقديره لا يندفع (5) إلا بحلف الراكب على نفي الإجارة ، أو نكوله (6) فيحلف المالك عليها (7) ، ويأخذ الزيادة.

فالأقوى حينئذ أنهما يتحالفان لأن كلا منهما مدع ومدعى عليه فيحلف المالك على نفي الإعارة ، والراكب على نفي الإجارة ويثبت أقل الأمرين (8) ، لانتفاء الزائد من المسمى (9) بيمين المستعير ، والزائد عن أجرة المثل (10) باعتراف المالك (11). وهذا هو الذي اختاره المصنف في بعض تحقيقاته.

هذا إذا وقع الاختلاف بعد انقضاء مدة لها أجرة عادة ، أو ما يدعي (11)

______________________________________________________

(1) من أجرة المثل وأجرة المسمى ، على تقدير كون أجرة المثل أقل.

(2) أي باليمين من قبل المالك.

(3) وفيه : إن الأقل وهو أجرة المثل في المثال المفروض قد ثبتت لاعتراف الراكب باستيفاء منافع ملك الغير ، ولم تثبت ليمين المالك ، لأن يمينه على نفي الإعارة.

(4) وهو الزائد من أجرة المسمى عن أجرة المثل.

(5) أي لا ينتفي.

(6) أي نكول الراكب عن اليمين مع حلف المالك اليمين المردودة عليه فيثبت الزائد ، غير أنه قد ثبت بيمينين من قبل المالك ، يمين المنكر حال كونه نافيا للعارية ، ويمين المدعي المردودة ، حال كونه قد ادعى الأجرة ، هذا مع أن المشهور قد اكتفى بيمين واحدة من المالك وأنها يمين المنكر في مقام نفي الزائد ولم يتعرضوا لمقام إثباته.

(7) على الإجارة.

(8) من أجرة المثل ومن أجرة المسمى ، فلو كانت أجرة المثل هي الأقل فهي ثابتة لاعتراف الراكب بالاستيفاء كما تقدم ، ولو كانت أجرة المسمى هي الأقل فهي ثابتة لاعتراف المالك بعدم استحقاق سواها.

(9) إذا كانت أجرة المثل أقل.

(10) إذا كانت أجرة المسمى أقل.

(11) وهو اعترافه بعدم استحقاقه سوى المسمى.

(12) أي المالك ، والمعنى ما تقدم يجري فيما لو وقع الاختلاف بعد انقضاء مدة يدعي المالك كونها مدة الإجارة ، أو وقع الاختلاف بعد مضي مدة لها أجرة عادة.

ص: 333

كونها مدة الإجارة ، أما قبله (1) فالقول قول الراكب في نفي الإجارة ، وتستردّ العين (2).

______________________________________________________

(1) أي قبل الانقضاء بحيث وقع الاختلاف بعد العقد ولم يقع من الراكب استيفاء للمنافع أبدا ، فلا إشكال ولا خلاف - كما في الجواهر - في تقديم قول الراكب مع يمينه في عدم الإجارة ، لأن المالك يدعي ثبوت الأجرة عليه والأصل عدم اشتغال ذمته بالأجرة.

ولم يدع الراكب هنا استيفاء المنافع بغير عوض حتى يعارض بالأصل من أن المنافع للمالك ، لأنه لا استيفاء أبدا ، وهذا هو الفارق بين فرعنا وبين الفرع المتقدم.

(2) لأن الإجارة باطلة بيمين الراكب ، والعارية باطلة لدعوى المالك للإجارة ، لأن بدعواه المذكورة ينفي العارية ، ونفيه لها فسخ منه لها على تقدير ثبوتها واقعا لأنها من العقود الجائزة وهذا النفي كاف في فسخها ، فلا بدّ من رد العين إلى مالكها حينئذ لعدم إذن من المالك بوضعها تحت يد الراكب لا بالإجارة ولا بالعارية.

ص: 334

کتاب المزارعة

اشارة

كتاب المزارعة

ص: 335

ص: 336

فی معنی المزارعة و ألفاظها

(كتاب المزارعة (1)

(وهي) لغة مفاعلة من الزرع ، وهي تقتضي وقوعه منهما

______________________________________________________

(1) لا إشكال في مشروعيتها ، لأنها معاملة عقلائية لم يردع عنها الشارع ، ولجملة من الأخبار المتعرضة لإحكامها وسيأتي التعرض لها ، بل إنها مستحبة ففي خبر الواسطي (سألت جعفر بن محمد عليه السلام عن الفلاحين قال : هم الزارعون كنوز الله في أرضه ، وما في الأعمال شي ء أحب إلى الله من الزراعة ، وما بعث الله نبيا إلا زارعا إلا إدريس عليه السلام فإنه كان خياطا) (1) ، وفي خبر ثان (إن الله جعل أرزاق أنبيائه في الزرع والضرع كيلا يكرهوا شيئا من قطر السماء) (2) ، وفي ثالث (الكيمياء الأكبر الزراعة) (3) ، وفي رابع (الزارعون كنز الأنام يزرعون طيبا ، أخرجه الله ، وهم يوم القيامة أحسن الناس مقاما وأقربهم منزلة ، يدعون المباركين) (4) ، وفي خامس (سئل النبي صلى الله عليه وسلم أي الأعمال خير؟ قال : زرع يزرعه صاحبه وأصلحه وأدى حقه يوم حصاده ، قال : فأي الأعمال بعد الزرع؟ قال : رجل في غنم له قد تبع بها مواضع القطر ، يقيم الصلاة ويؤتى الزكاة ، قال : فأي المال بعد الغنم خير؟ قال : البقر يغدو بخير ويروح بخير ، قال : فأي المال بعد البقر خير؟ قال : الراسيات في الوحل المطعمات في المحل ، نعم المال النخل ، من باعها فإنما ثمنه بمنزلة رماد على رأس شاهق ، اشتدت به الريح في يوم عاصف إلا أن يخلف مكانها ، قيل : يا رسول الله : فأي المال بعد النخل خير فسكت ، فقام إليه رجل

ص: 337


1- 1. الوسائل الباب - 10 - من أبواب مقدمات التجارة حديث 3.
2- 2. الوسائل الباب - 3 - من كتاب المزارعة والمساقاة حديث 2.
3- 3. الكافي ج 5 ص 261.
4- 4. الوسائل الباب - 3 - من كتاب المزارعة والمساقاة حديث 7.

معا (1) ، لكنها في الشرع صارت (معاملة على الأرض بحصة من حاصلها (2) إلى أجل معلوم) ، ونسب الفعل (3) إليهما (4) بفعل (5) أحدهما مع طلب الآخر (6)

______________________________________________________

فقال له : فأين الابل؟ قال : فيها الشقاء والجفاء والعناء وبعد الدار ، تغدو مدبرة وتروح مدبرة ، لا يأتي خيرها إلا من جانبها الأشأم ، أما إنها لا تعدم الأشقياء الفجرة) (1) ، وتسمى بالمخابرة ولعله من الخبرة بمعنى النصيب أو من الخبارة بمعنى الأرض الرخوة.

(1) المزارعة مفاعلة من الزرع ، والمفاعلة لغة تقتضي وقوع الزرع منهما ، غير أن المزارعة في الاصطلاح بأنها معاملة على الأرض بحصة من حاصلها ، بحيث يوقع صاحب الأرض والعامل معاملة على الأرض ليزرعها العامل ويكون للمالك حصة من الزرع ، وهذا يفيد أن الزرع لم يقع إلا من العامل فقط. وقد يجاب تحقيقا للمعنى اللغوي القاضي بوقوع الزرع منهما أن صاحب الأرض بإيقاعه المعاملة مع العامل قد أمر العامل بالزرع ويطلق على الآمر بالزرع لفظ الزارع نظرا إلى سببيّة الأمر في وقوع الزرع كالمضاربة فالعامل فيها قد وقع منه الضرب إلا أن رب المال لما أمر فيقال له مضارب أيضا.

(2) عرّف الأكثر بأنها معاملة على الأرض بحصة من حاصلها ، والمعاملة جنس تشمل إجارة الأرض وبيعها والمساقاة وبقيد (على الأرض) تخرج المساقاة لأنها معاملة على الأصول القائمة لسقيها بحصة من ثمرها ، وبقيد (بحصة من حاصلها) تخرج الإجارة والبيع ، لأنهما معاملة على الأرض بعوض معيّن ، بل لو كان هذا العوض من حصة الحاصل لبطلت الإجارة والبيع ، لأن العوض المعيّن يجب أن يكون متحققا والحصة من الحاصل قد لا تتحقق عند عدم نتاج الأرض شيئا من الزرع.

هذا وزاد المصنف وجماعة على التعريف (إلى أجل معلوم) ، وهذا القيد من جملة شروط المزارعة ، فذكره في التعريف إما لبيان الواقع من أنها لا تصح إلا بهذا الشرط ، وإما لإخراج المزارعة الفاسدة لأن مجهولية الأجل توجب فساد المزارعة ، وإما للاستطراد في ذكر هذا الشرط من باب الكشف عن الماهية بذكر بعض شروطها ، وهذا الكشف استطرادي هنا ، لأن الكشف في التعريف إنما يكون في الأركان وهي الأجزاء من جنس وفصل ، ولا يتم بذكر الشروط.

(3) وهو الزرع.

(4) إلى العامل ورب الأرض.

(5) أي بسبب فعل أحدهما ، وهو زرع العامل.

(6) أي طلب الزرع من رب الأرض.

ص: 338


1- 1. الوسائل الباب - 48 - من أبواب أحكام الدواب حديث 1.

فكأنه (1) لذلك فاعل (2) كالمضاربة ، وخرج بالمعاملة على الأرض المساقاة ، فإنها (3) بالذات على الأصول (4) ، وبالحصة (5) إجارة الأرض للزراعة ، أو الأعم (6) ، إذ لا تصح (7) بحصة من الحاصل. وقيد الأجل (8) لبيان الواقع (9) ، أو تخصيص للصحيحة (10) ، أو استطراد لبعض الشرائط التي يحصل بها (11) الكشف عن الماهية (12) ، وإن لم يكن ذكرها (13) من وظائف التعريف (14).

(وعبارتها (15) : زارعتك ، أو عاملتك ، أو سلمتها إليك ، وشبهه) كقبّلتك

______________________________________________________

(1) أي فكأن رب الأرض لطلبه الزرع.

(2) أي زراع.

(3) أي المساقاة.

(4) أي الشجر القائم.

(5) أي وخرج بالحصة.

(6) أي إجارتها للأعم من الزراعة وغيرها.

(7) أي إجارة الأرض.

(8) الذي ذكره المصنف.

(9) من أنه شرط فيها.

(10) أي تخصيص للتعريف بالصحيحة مع إخراج المزارعة الفاسدة.

(11) بهذه الشرائط.

(12) أي ماهية المزارعة.

(13) أي ذكر الشرائط.

(14) إذ وظيفته الاقتصار على الأجزاء في مقام الكشف عن الماهية.

(15) المزارعة معاملة بين رب الأرض والعامل ، فهي عقد مؤلف من الإيجاب والقبول ، وهو عقد لازم بلا خلاف في ذلك ، ويقتضيه الأمر بالوفاء بالعقود إلا ما خرج بالدليل ، ولا دليل على إخراج المزارعة. وعلى مبنى مشهور القدماء لما كانت المزارعة من العقود اللازمة فيشترط في إيجابها وقبولها كل لفظ صريح ، فلا ريب في الاجتزاء حينئذ في الإيجاب بلفظ (زارعتك ، وسلّمت إليك ، وقبّلتك الأرض ، وعاملتك على الأرض بحصة من حاصلها) ، ونحوها من صيغ الماضي الدالة على الإنشاء صريحا ، وكذا القبول ، وقد اختار العلامة في القواعد الاكتفاء بالقبول الفعلي ، وقال عنه في الجواهر : (وما اختاره العلامة في القواعد في غير محله).

ص: 339

فی أحکام المزارعة

هذه الأرض ، ونحوه من صيغ الماضي الدالة على إنشاء العقد صريحا.

والمشهور جوازها بصيغة ازرع (1) هذه الأرض ، استنادا إلى رواية قاصرة الدلالة عن إخراج هذا العقد اللازم عن نظائره (2) ، فالمنع أوجه (فيقبل) الزارع (لفظا) على الأقوى (3) كغيره (4).

(وعقدها لازم (5) ، لعموم الأمر بالوفاء بالعقود (6) ، إلا ما أخرجه الدليل.

______________________________________________________

هذا وقد عرفت أنه يكفي صدق العقد ، وهو صادق عرفا على كل لفظ دال على إنشاء الإيجاب والقبول ، وإن لم يكن صريحا ، بل تكفي المعاطاة والكتابة ونحو ذلك من الدوالى العرفية على إنشاء الإيجاب والقبول.

نعم لا يصح إنشاء الإيجاب بلفظ الأمر ، لعدم تحقق الإنشاء به عرفا ، إلا أن المشهور أجازوا ذلك استنادا إلى خبر أبي الربيع الشامي عن أبي عبد الله عليه السلام (سئل عن الرجل يزرع الأرض رجل آخر ، فيشترط عليه ثلثا للبذر وثلثا للبقر ، فقال : لا ينبغي أن يسمّي بذرا ولا بقرا ، ولكن يقول لصاحب الأرض : أزرع في أرضك ولك منها كذا وكذا نصفا وثلثا وما كان من شرط ، ولا يسمّي بذرا ولا بقرا) (1) وإلى خبر النضر بن سويد عن عبد الله بن سنان (أنه قال : في الرجل يزارع فيزرع أرض غيره فيقول : ثلث للبقر وثلث للبذر وثلث للأرض ، قال : لا يسمّى شيئا من الحب والبقر ، ولكن يقول : ازرع فيها كذا وكذا ، إن شئت نصفا وإن شئت ثلثا) (2).

والوارد فيهما صيغة المضارع كما في الوسائل والجواهر وغيرهما.

وردّ المشهور بأن الرواية لا تدل على الأمر بل على المضارع ، وبأن الرواية لا تدل على وقوع الإيجاب بهذه الصيغة من المضارع وإلا لوجب ذكر القبول ، مع أنه غير مذكور ، وهذا كاشف عن أن هذا المذكور في الرواية من جملة القول الذي يكون بين المتعاقدين قبل العقد ليتقرر الأمر بينهما.

(1) كفعل أمر.

(2) لأن العقد اللازم لا يصح إنشاؤه إلا بلفظ الماضي عند المشهور.

(3) في قبال مخالفة العلامة.

(4) أي كغيره من العقود اللازمة.

(5) قد تقدم الكلام فيه.

(6) في قوله تعالى : ( أَوْفُوا بِالْعُقُودِ ) (3).

ص: 340


1- (1 و 2) الوسائل الباب -1. من كتاب المزارعة والمساقاة حديث 10 و 5.
2- 2. سورة المائدة ، الآية : 1.

وليس هذا (1) منه (2) إجماعا.

(ويصح التقايل فيه (3) ، لأنه معاوضة محضة فيقبلها (4) كالبيع ، (ولا تبطل بموت أحدهما (5) ، لأن ذلك من مقتضى اللزوم.

ثم إن كان الميت العامل (6) قام وارثه مقامه في العمل ، وإلا (7) استأجر الحاكم عليه (8) من ماله (9) ، أو على (10) ما يخرج من حصته ، وإن كان (11) المالك بقيت (12) بحالها ، وعلى العامل القيام بتمام العمل ، واستثني من الأول (13) ما لو شرط عليه (14) العمل بنفسه فمات قبله (15).

______________________________________________________

(1) أي عقد المزارعة.

(2) أي مما أخرجه الدليل.

(3) أي في عقد المزارعة ، والتقايل هو إبطال العقد المستند إلى اختيار المتعاقدين ، ويصح التقايل فيه لإطلاق أدلة الإقالة ، كما ورد في الخبر (من أقال مسلما أقال الله عثرته يوم القيامة).

(4) أي يقبل الإقالة.

(5) كغيره من العقود اللازمة ، لأن مقتضى اللزوم عدم بطلانه ، وللاستصحاب.

(6) إذا كان الميت صاحب الأرض انتقل حكم العقد إلى وارثه ، وإن كان العامل قام وارثه مقامه في العمل ، أو استأجر الحاكم من مال العامل أجيرا أو يستأجر من الحصة التي له من الحاصل ، نعم لو شرط المالك على العامل مباشرته للعمل فيبطل عقد المزارعة بموت العامل ، لعدم إمكان تحقق الشرط ، سواء كان موته قبل خروج الزرع أو بعده ، واستشكل الشارح في البطلان بعد خروج الزرع ، لأنه قد ملك الحصة وإن وجب عليه بقية العمل ، فخروج الحصة عن ملكه بعد ذلك بعيد ، وردّه في الجواهر بأن الملك وإن حصل لكنه متزلزل إلى حصول تمام العمل من نفس العامل ، والمفروض عدمه.

(7) أي وإن لم يكن للعامل وارث.

(8) أي على العمل.

(9) أي من مال العامل.

(10) أي يستأجره على ما يخرج من حصة العامل.

(11) أي الميت.

(12) أي المزارعة.

(13) فيما لو كان الميت هو العامل.

(14) أي على العامل.

(15) أي قبل إتمام العمل ليشمل ما لو باشر العمل وما لم يباشر ، والحكم ببطلان المزارعة

ص: 341

ويشكل لو مات بعده (1) خصوصا بعد ظهور الثمرة وقبل تمام العمل لأنه قد ملك الحصة.

(ولا بد من كون النماء مشاعا (2) بينهما (تساويا فيه (3) ، أو تفاضلا (4) فلو شرط لأحدهما شي ء معين (5) وإن كان البذر ، وللآخر الباقي ، أولهما بطل سواء كان الغالب أن يخرج منها (6) ما يزيد على المشروط ، وعدمه ، (ولو شرط أحدهما على الآخر شيئا يضمنه (7) مضافا إلى الحصة) من ذهب ، أو فضة ، أو غيرهما

______________________________________________________

لفوات موضوع الشرط.

(1) أي بعد الشروع في العمل.

(2) بلا خلاف فيه للأخبار.

منها : صحيح الحلبي عن أبي عبد الله عليه السلام (لا تقبل الأرض بحنطة مسماة ، ولكن بالنصف والثلث والربع والخمس لا بأس به ، وقال : لا بأس بالمزارعة بالثلث والربع والخمس) (1).

(3) في النماء كمنا صفته بينهما.

(4) لتصريح الصحيح المتقدم بالتفاضل.

(5) كأن يشترط أن يكون للعامل حصة معينة من النماء في قبال البذر على أن يكون الباقي بينهما إشاعة فلا يجوز على المشهور لعدم تحقق الإشاعة في مجموع النماء ، ولجواز أن لا تحصل هذه الحصة المعينة.

وذهب الشيخ وابن البراج وابن ادريس والعلامة في المختلف إلى جواز استثناء حصة معينة بمقدار البذر على أن يكون الباقي على نحو الإشاعة ، لأن النصوص المتقدمة ظاهرة في صحة المزارعة بالحصة المشاعة كالثلث والربع ، وهي حاصلة هنا ، وعليه فلا تكون النصوص ظاهرة في إشاعة جميع الحاصل بينهما والأقوى المنع لظهور النصوص في إشاعة جميع الحاصل ، ومنه تعرف بطلان ما لو اشترط أحدهما حصة معينة من باب الرغبة في الاختصاص وليس من باب أنها للبذر ، وتعرف بطلان ما لو شرط لأحدهما حصة معينة والباقي للآخر.

(6) من الأرض.

(7) لو شرط أحدهما على الآخر بالإضافة إلى الحصة المشاعة من الحاصل أن يدفع مائة دينار أو مائة درهم أو شيئا آخر من غير النماء صح الشرط على المشهور ، لأن شرط الإشاعة

ص: 342


1- 1. الوسائل الباب - 8 - من كتاب المزارعة والمساقاة حديث 3.

(صح) على المشهور ويكون قراره (1) مشروطا بالسلامة (2) ، كاستثناء (3) أرطال معلومة من الثمرة في البيع ، ولو تلف البعض سقط من الشرط (4) بحسابه (5) ، لأنه (6) كالشريك (7) ، وإن كانت حصته معينة ، مع احتمال أن لا يسقط شي ء

______________________________________________________

في مجموع الحاصل حاصل ، وإنما الزيادة لأحدهما في غير النماء فيندرج تحت عموم (المؤمنون عند شروطهم) (1).

وقيل : لا يصح ، وعن المسالك وغيره أنه لم يعرف القائل ، بل ولا دليله لمخالفته لعموم نفوذ الشروط من غير مخصص أو مقيّد.

وعلى المشهور فالمشروط له يملك حصة معينة من خارج النماء وحصة مشاعة من مجموع النماء ، وعليه فلو خرج النماء سليما ولم يتعرض للتلف ولا للنقصان بحسب عادته فيثبت للمشروط له ما تقدم.

ولو تلف بعض النماء أو نقص بحسب عادته فقد ذهب الشارح إلى سقوط نسبة التالف من الحصة المعينة أيضا ، فلو كانت الحصة المعينة مثلا مائة دينار ، وكان الحاصل بحسب العادة مائة من فنقص إلى الخمسين فتنقص الحصة المعينة إلى الخمسين أيضا ، لأن الشرط جعل الحصة المعينة من الخارج كالشريك معهما ، فإن دخل النقص على الشريكين فيدخل النقص على الشريك الثالث.

وفيه : إنه على خلاف عموم أدلة صحة الشرط أو إطلاقها ، فلا يسقط من الشرط شي ء ولو تلف جميع الحاصل فضلا عن تلف بعضه.

(1) أي قرار الشرط.

(2) أي سلامة جميع النماء من التلف أو النقصان.

(3) تشبيه لكون قرار الشرط مشروطا بالسلامة ، فلو باع جميع الثمرة ما عدا أرطال معلومة منها ، فالاستثناء لازم بشرط سلامة المبيع من التلف أو النقصان.

(4) المتعلق بالحصة المعينة.

(5) أي بحساب التالف ونسبته.

(6) أي الشرط بالحصة المعينة.

(7) أي كالشريك معهما فإن دخل النقص على الشريكين فيدخل على الثالث ، وإن كان الثالث حصه معينة.

ص: 343


1- 1. الوسائل الباب - 20 - من أبواب المهور حديث 4.

بذلك عملا بإطلاق الشرط.

(ولو مضت المدة والزرع باق (1) فعلى العامل الأجرة (2) لما بقي من المدة ، (وللمالك قلعه (3) إذ لا حق للزارع بعدها ، فيتخير المالك بين القلع ، والإبقاء بالأجرة إن رضي العامل بها ، وإلا (4) قلع ، ولا أجرة للمالك على ما مضى من المدة لو لم ينتفع بالمقلوع (5) ، لأن مقتضى العقد قصر الحق على الحصة ، مع احتمال (6) وجوبها على الزارع لو كان التأخير بتفريطه ، لتضييعه منفعة الأرض

______________________________________________________

(1) يشترط في عقد المزارعة تعيين المدة ، بلا خلاف فيه ، فإن شرطت مدة معينة فهو ، ولو لم تشترط المدة بل وقع عقد المزارعة على زرع الحنطة مثلا فقط فهل يصح العقد لأن للزرع أمدا بحسب العادة فيبنى العقد عليه ويكتفي بذلك عن ذكر المدة وهذا ما عليه جماعة ، أو يحكم ببطلان العقد كما عليه المشهور ، لأن أمد الزرع غير مضبوط فلا بد من التعيين دفعا للضرر.

وعلى كل فلو عينت مدة معينة وقد مضت والزرع باق فهل للمالك إزالته أو لا؟ ذهب المشهور إلى ذلك ، لأن العامل يستحق التبقية في المدة ، وبعدها يكون المالك مسلطا على ملكه كيف شاء ، ولأنه لاحق للعامل في إبقائه بعد المدة فلو أبقاه بدون رضا المالك يكون ظلما.

وعن بعضهم أنه ليس له الإزالة ، لأن الزرع قد حصل في الأرض بحق فلا يكون للمالك قلعه ، ولأن للزرع أمدا معينا غير دائم الثبات فإذا اتفق الخلل لا يسقط حق الزارع كما لو استأجر الأرض مدة معينة للزرع وانقضت قبل إدراك الزرع.

وعن العلامة في القواعد بأن للمالك القلع مع الأرش ، هذا وقال الشارح في المسالك : (نعم لو اتفقا على إبقائه بعوض أو غيره صح ، لأن الحق لا يعدوهما ، ولكن لا يجبر أحدهما عليه) انتهى.

(2) إن اتفق على إبقائه بعوض كما سيأتي.

(3) هذا هو القول الأول وهو المشهور.

(4) وإن لم يرض العامل بالأجرة قلع المالك.

(5) لأن مقتضى عقد المزارعة قصر حق المالك على الحصة إن سلمت ، وقد رضي بذلك وعليه أقدم.

(6) أي مع احتمال وجوب الأجرة على الزارع إن كان التأخير بتفريطه لا بسبب طبيعي ، ومع تفريطه يكون قد ضيّع منفعة الأرض على المالك في تلك المدة فيضمن الأجرة.

ص: 344

بتأخيره ، ولا فرق في كون المقلوع بينهما (1) بين كون البذر من مالك الأرض ، أو الزارع.

وهل يستحق المالك قلعه بالأرش ، أو مجانا قولان (2) ، وظاهر العبارة ككثير عدمه ، وعلى القول به (3) ، فطريق معرفته أن يقوّم الزرع قائما بالأجرة إلى أوان حصاده ومقلوعا.

(ولا بدّ من إمكان الانتفاع بالأرض (4) في الزراعة المقصودة منها (5) ، أو في نوع منها مع الاطلاق (6) (بأن يكون لها (7) ماء من نهر ، أو بئر ، أو مصنع (8) ، أو تسقيها الغيوث غالبا) ، أو الزيادة (9) كالنيل. والضابط إمكان الانتفاع بزرعها

______________________________________________________

(1) أي فإن جاز للمالك القلع ، فالمقلوع بينهما على ما اشترطا من الحصة سواء كان البذر من المالك أم من الزارع ، لأن تعيين الحصة قد تم بالعقد ولم يستثن البذر ، بل لو استثنى البذر من الحاصل لكان مبطلا على القول المشهور وقد تقدم.

(2) قول المشهور أن له القلع بدون الأرش ، وقول العلامة أن له القلع مع الأرش جمعا بين الحقين ، وقد تقدما.

(3) أي بالأرش فطريق معرفة الأرش أن يقوّم الزرع قائما في الأرض بالأجرة إلى أوان حصاده ، وكونه بالأجرة لأنه لا يستحق على المالك الإبقاء ، وأن يقوّم الزرع مقلوعا ، والتفاوت بينهما هو الأرش.

(4) يعتبر في عقد المزارعة أن تكون الأرض مما يمكن الانتفاع بها عادة ، بأن تكون من الأراضي الزراعية وأن يكون لها ماء ولو تقديرا ، إما من نهر أو بئر أو عين أو غير ذلك ، حتى المطر بحيث يكون هذا الماء كافيا لسقي الزرع غالبا ، بلا خلاف في ذلك ، لمنافاة عدم إمكان الانتفاع بها لمقتضى العقد ، إذ العقد ينصرف إلى ما يمكن حصول المقصود من الزراعة ، وهو لا يتحقق إلا في الأرض التي يمكن الانتفاع بها على التفصيل المتقدم.

(5) أي الزراعة المقصودة من المزارعة ، والمراد من المزارعة هو عقدها.

(6) أي مع إطلاق عقد المزارعة فيصح للعامل أن يزرع الحنطة مثلا التي هي نوع من الزراعة المقصودة ، فيجب أن تكون الأرض قابلة للانتفاع في هذه الزراعة.

(7) للأرض.

(8) قال في مصباح المنير : (والمصنع ما يصنع لجمع الماء نحو البركة والصهريج).

(9) عطف على الغيوث ، والمعنى أن تسقيها الزيادة الحاصلة من ماء نهر كالزيادة الحاصلة من نهر النيل عند فيضانه.

ص: 345

المقصود عادة ، فإن لم يمكن (1) بطلت (2) المزارعة وإن رضي العامل (3) ، (ولو انقطع) الماء (في جميع المدة (4) مع كونه معتادا لها قبل ذلك (انفسخت) المزارعة ، (وفي الأثناء (5) يتخير العامل) (6) لطرو العيب (7) ، ولا يبطل العقد (8) ، لسبق الحكم بصحته فيستصحب والضرر يندفع بالخيار ، (فإن فسخ (9) فعليه) من الأجرة (بنسبة ما سلف) من المدة ، لانتفاعه (10) بأرض الغير بعوض (11) لم يسلم له (12) ،

______________________________________________________

(1) أي الانتفاع.

(2) لعدم تحقق الشرط من الانتفاع.

(3) لأن رضاه لا يجعل الأرض قابلة للانتفاع مع أن العقد يقتضي أن تكون قابلة لذلك.

(4) ابتداء واستدامة فتنفسخ المزارعة لفوات الشرط ، وإن كان نزوله معتادا قبل ذلك.

(5) بحيث كان الماء موجودا عند العقد ثم انقطع فيما بعد ، وبانقطاعه تخرج الأرض عن القابلية ، قال الشارح في المسالك : (قد عرفت أن إمكان الزرع شرط صحة المزارعة ، فإذا وجد الشرط في الابتداء ثم تجدد انقطاع الماء فمقتضى القاعدة بطلان العقد لفوات الشرط لباقي المدة ، ولكن المصنف - أي المحقق - والعلامة أطلقا القول بعدم البطلان ، بل حكما بتسلطه - أي العامل - على الفسخ ، وكأنهما نظرا إلى صحة العقد ابتداء فيستصحب ، والضرر اللاحق للزارع بانقطاع الماء يجبر بتسليطه على الفسخ) انتهى.

(6) بين الفسخ والإمضاء.

(7) وهو خروج الأرض عن الانتفاع بسبب انقطاع الماء.

(8) كما عن المحقق والعلامة ، وإلا فمقتضى القواعد البطلان.

(9) أي العامل فعليه أجرة الأرض للمدة السابقة كما عن العلامة في الإرشاد والشهيد ، لأن العامل قد انتفع بالأرض في هذه المدة في قبال عوض للمالك على أن يكون العوض حصة من الحاصل ، ولم يسلم هذا العوض للمالك لاختيار العامل الفسخ ، فالعامل بالفسخ قد فوّت على المالك عوض الأرض المسمى فيثبت له الأجرة حينئذ.

وفيه : إن فسخ العامل من أجل عدم الانتفاع بالأرض فإلزامه بالعقد ضرر عليه ولذا جوزنا له الفسخ ، فلم يكن الفسخ لإضرار الغير بل لرفع الضرر عنه هذا من جهة ومن جهة أخرى فعمل العامل في أرض الغير في المدة مشروط بالحصة لا بالأجرة ، وإذا فاتت الحصة لا بسبب اختيار العامل فلا شي ء عليه حينئذ.

(10) أي العامل.

(11) وهو الحصة من الحاصل.

(12) أي للغير الذي هو صاحب الأرض.

ص: 346

وزواله (1) باختياره (2) الفسخ.

ويشكل بأن فسخه (3) لعدم إمكان الإكمال (4) ، وعمله الماضي مشروط بالحصة ، لا بالأجرة ، فإذا فاتت بالانقطاع ينبغي أن لا يلزمه شي ء آخر. نعم لو كان قد استأجرها للزراعة توجه ذلك (5).

(وإذا أطلق المزارعة (6) زرع) العامل (ما شاء) إن كان البذر منه كما هو الغالب ، أو بذل المالك ما شاء (7) أن شرط عليه (8) ، وإنما تخير مع الإطلاق ،

______________________________________________________

(1) أي زوال العوض.

(2) أي بسبب اختيار العامل.

(3) أي فسخ العامل.

(4) ففسخه لرفع الضرر عنه لا لإضرار الغير.

(5) لأن عقد الإجارة قد وقع على عوض معين في قبال استيفاء منافع الأرض في مدة معينة ، فلو خرجت الأرض عن الانتفاع في أثناء المدة لبطل عقد الإجارة ، ويثبت على العامل أجرة الأرض لما سلف من المدة ، لأن المالك لم يقدم على إجارتها بحصة من حاصلها ، وإنما بعوض معين لمدة معينة ، فإن لم تسلم المدة المعينة للعامل قسطت الأجرة على ما مضى وأخذ المالك النسبة.

(6) هل تعيين نوع الزرع شرط في صحة عقد المزارعة ، ذهب المشهور إلى العدم ، وذهب العلامة في التذكرة إلى وجوب التعيين لتفاوت ضرر الأرض باختلاف جنس المزروعات ، فيلزم بتركه الضرر ، وردّ بأن المالك قد دخل على أضرّ الأنواع إذا أطلق ، وبإطلاقه يصح للعامل أن يزرع أيّ نوع ولو كان أضرّها ، وعليه فالإطلاق هنا كما لو عمم المالك لأن بالتعميم دخل كل فرد من أفراد الماهية باللفظ ، والإطلاق قد دل على الماهية من حيث هي ، وكل فرد متضمن لهذه الماهية فيكون الأمر بها أمرا بكل فرد من أفرادها حينئذ.

وعن المحقق الثاني التفريق بين التعميم والإطلاق فمع التعميم يجوز زرع الفرد الأشدّ ضررا بخلاف الإطلاق فلا يجوز ، لأن الإطلاق تجويز للقدر المشترك بين الأفراد ، ولا يلزم من الرضا بالقدر المشترك الرضا بالأشد ضررا ، وضعفه ظاهر لأن المطلق دال على الماهية من حيث هي وهي محققة في كل فرد حتى الفرد الأشد ضررا منه ، أما لو كان البذر من المالك كما سيأتي في بعض الصور فالتخيير حينئذ للمالك وهذا واضح.

وعلى الإطلاق من قبل المالك يجوز للعامل أن يزرع ما شاء بشرط كون البذر.

(7) أي ما شاء المالك.

(8) أي شرط البذر على المالك.

ص: 347

فی ما لو عین شیئا من الزرع

لدلالة المطلق على الماهية من حيث هي ، وكل فرد من أفراد الزرع يصلح أن يوجد المطلق في ضمنه (1) ، وأولى منه لو عمم الإذن ، لدلالته (2) على كل فرد فرد.

وربما فرق بين الإطلاق ، والتعميم ، بناء على أن الإطلاق إنما يقتضي تجويز القدر المشترك بين الأفراد ، ولا يلزم من الرضا بالقدر المشترك الرضا بالأقوى (3) ، بخلاف التعميم. ومما ذكرناه يظهر ضعفه.

(ولو عين) شيئا من الزرع (لم يتجاوز ما عيّن له (4) ، سواء كان المعين شخصيا كهذا الحب أم صنفيا كالحنطة الفلانية (5) ، أم نوعيا (6) أم غيره (7) ، لاختلاف الأغراض باختلافه (8) فيتعين ما تعلق به ، (فلو) خالف و (زرع الأضر (9)

______________________________________________________

(1) أي ضمن كل فرد.

(2) لدلالة العموم لفظا.

(3) أي الأشد ضررا.

(4) لو عيّن المالك شيئا من الزرع لم يتجاوز العامل ما عيّن له ، بلا خلاف فيه لعموم (المؤمنون عند شروطهم) (1).

(5) كالحنطة ذات الحب الكبير مثلا.

(6) كمطلق الحنطة مثلا.

(7) كمطلق الحبوب في قبال عدم زرع غير الحبوب من الخضراوات.

(8) أي باختلاف الزرع.

(9) فلا تجوز المخالفة بلا خلاف فيه لعدم وجود مفهوم الموافقة ، ولو خالف كان المالك بالخيار إن شاء فسخ وله أجرة المثل ، وإن شاء أمضى العقد وله الحصة المسماة مع الأرش لما تضررت به الأرض من زرع الأشدّ ضررا ، كما ذهب إليه العلامة والمحقق ، أما جواز الفسخ للمالك لعدم وفاء العامل بالشرط ، وإن فسخ المالك كان المزروع بتمامه - وهو الأشد ضررا - غير مأذون فيه فيثبت على العامل أجرة المثل أعني أجرة الأرض.

وإن أمضى المالك العقد فهو إمضاء لما أذن به سابقا في المعين ، غير أن هناك ضررا زائدا على المعين غير مأذون فيه العامل فيثبت عليه الأرش لهذا الزائد فقط ، فالمالك له الحصة في قبال المأذون ، وله الأرش في قبال الزائد.

وأشكل المحقق والشهيد الثانيان وغيرهما كصاحب الرياض بأن الحصة المسماة قد وقعت

ص: 348


1- 1. الوسائل الباب - 20 - من أبواب المهور حديث 4.

(قيل : تخير المالك بين الفسخ فله أجرة المثل) عما زرعه ، (وبين الإبقاء ، فله المسمّى مع الأرش).

ووجه التخيير : أن مقدار المنفعة المعقود عليها قد استوفي بزيادة في ضمن زرع الأضر ، فيتخير بين الفسخ لذلك (1) فيأخذ الأجرة لما زرع ، لوقوعه أجمع بغير إذنه (2) ، لأنه (3) غير المعقود عليه ، وبين أخذ المسمى (4) في مقابلة مقدار المنفعة المعينة مع أخذ الأرش في مقابلة الزائد الموجب للضرر.

ويشكل (5) بأن الحصة المسماة إنما وقعت في مقابلة الزرع المعين ولم يحصل ، والذي زرع لم يتناوله العقد ، ولا الإذن ، فلا وجه لاستحقاق المالك فيه (6) الحصة ، ومن ثمّ نسبه إلى القيل تنبيها على تمريضه.

والأقوى وجوب أجرة المثل خاصة.

(ولو كان) المزروع (أقل ضررا) من المعين (جاز) (7)

______________________________________________________

في قبال المعين ولم يحصل ، والذي حصل هو زرع الأشد وهو غير مأذون فيه فلا استحقاق للمالك شيئا من الحصة فوجوب أجرة المثل للأرض في كل المدة عن الزرع الأشد هو الأقوى.

(1) أي لمخالفة المعين إلى الأشد.

(2) في صورة الفسخ.

(3) أي المزروع.

(4) في صورة الإبقاء وعدم الفسخ.

(5) الإشكال على ما لو أبقى المالك العقد.

(6) في الذي زرع.

(7) لو عين المالك نوعا من الزرع فهل يجوز للعامل الانتقال إلى الأقل ضررا ، فعن جماعة أنه يجوز التعدي لمفهوم الموافقة ، وعن المحقق والشهيد الثانيين عدم الجواز ، قال الشارح في المسالك : (وغرض مالك الأرض ليس منحصرا فيما يتعلق بمصلحة الأرض ، بل القصد الذاتي له إنما هو الانتفاع بالزرع ، ومصلحة الأرض تابعة لا مقصودة بالذات ، فلا شك أن الأغراض مختلفة في أنواع المزروع ، فربما كان غرضه في الأشد ضررا من حيث نفعه والحاجة إليه وإن حصل للأرض ضرر ، ولا يتعلق غرضه بالأخف وإن انتفعت الأرض ، ألا ترى أن الأرض لو انتفعت بترك الزرع رأسا لم يكن ذلك كافيا في جواز ترك المزارع

ص: 349

فی صور المزارعة

فيستحق (1) ما سمّاه من الحصة ، ولا أرش (2) ، ولا خيار (3) ، لعدم الضرر.

ويشكل بأنه (4) غير معقود عليه أيضا (5) فكيف يستحق فيه (6) شيئا ، مع أنه (7) نماء بذر العامل الذي لا دليل على انتقاله عن ملكه.

والأقوى ثبوت أجرة المثل أيضا كالسابق.

(ويجوز أن يكون من أحدهما الأرض حسب ، ومن الآخر البذر والعمل والعوامل (8)

______________________________________________________

العمل نظرا إلى مصلحة الأرض ، وحينئذ فالأقوى عدم التعدي لما عيّن مطلقا) انتهى.

هذا وإن جاز التعدي وقد تعدى العامل فلا يستحق المالك الفسخ لعدم تخلف الشرط ، لأن الاذن بالمعين إذن بالأقل ، ولا أرش للمالك لعدم زيادة ضرر على الأرض بحسب الغرض ، نعم يستحق المالك الحصة.

وإن لم يجز التعدي وقد تعدى العامل فقد حكم العلامة بكون المالك بالخيار بين الفسخ لتخلف الشرط وبين الإبقاء ، ومع الفسخ فله أجرة المثل عن الأرض في المدة ، ومع الإبقاء فله الحصة المسماة من دون أرش لأنه لا زيادة ضرر على المالك بحسب الفرض.

وأشكل عليه بأن المالك لو أبقى العقد فالحصة للمعيّن ولم يحصل ، وما حصل غير مأذون فيه لأنه حسب الفرض لا يجوز التعدي فالأقوى أجرة المثل.

(1) أي المالك.

(2) لعدم زيادة ضرر.

(3) لأن الاذن بالمعين أذن بالأقل بناء على جواز التعدي.

(4) أي بأن المزروع.

(5) وفيه : إن الاذن بالمعين اذن بالأقل المزروع فيشمله العقد ، نعم إشكاله جار بناء على عدم جواز التعدي مع الحكم بثبوت الحصة للمالك عند الإبقاء كما هو مختار العلامة.

(6) في المزروع.

(7) أي أن المزروع.

(8) الزرع بحاجة إلى أربعة أمور : الأرض والبذر والعمل وآلات العمل وهي العوامل ، والأصل في المزارعة أن يقدم المالك الأرض ، والعامل البقية مع الالتفات إلى أنه لا يمكن تقديم الأربعة من أحدهما والآخر لا يقدم شيئا ، لأن الثاني لا يسمى مزارعا ولا يتحقق موضوع العقد والمعاملة حينئذ ، ثم إما أن يقدم أحدهما شيئا من الأربعة والأخر

ص: 350

وهذا هو الأصل في المزارعة ، ويجوز جعل اثنين (1) من أحدهما ، والباقي من الآخر ، وكذا (2) واحد وبعض الآخر ، ويتشعب من الأركان الأربعة صور كثيرة لا حصر لها (3) بحسب شرط بعضها (4) من أحدهما ، والباقي من الآخر.

(وكل واحدة من الصور الممكنة جائزة) متى كان من أحدهما بعضها ولو جزء من الأربعة ، ومن الآخر الباقي ، مع ضبط ما على كل واحد (5) ، (ولو اختلفا في المدة حلف (6) منكر الزيادة) ، لأصالة عدمها ، فإن بقي الزرع بعد ما ثبت منها (7) فكما سبق (8) ، (و) لو اختلفا (في الحصة) حلف (صاحب البذر) (9) ، لأن النماء تابع له (10) ، فيقدم قول مالكه (11) في حصة الآخر ، لأصالة عدم خروج ما

______________________________________________________

الباقي ، وإما أن يقدم شيئين من الأربعة والباقي من الأخر ، ولا ثالث ، والصور الناتجة يمكن حصرها ، وكذا يمكن تقديم بعض الشي ء من أحد الأمور الأربعة كنصف البذر ونصف العمل ونصف آلات العمل والباقي من الأخر وعلى الثاني لا يمكن حصر الصور لعدم حصر الجزء.

وعلى كل فالصور كلها جائزة بلا خلاف فيه نظرا إلى إطلاق أخبار المزارعة أو عمومها.

(1) من الأربعة التي يحتاجها الزرع.

(2) عطف على الاثنين والمعنى يجوز جعل واحد من الأربعة وبعض الآخر من أحدهما والباقي من الأخر.

(3) إن لوحظ جزء الواحد من الأركان الأربعة.

(4) كأن يكون جزءا من الأربعة.

(5) من المتعاقدين.

(6) فالقول قول منكر الزيادة لأصالة عدمها مع يمينه سواء كان العامل أو المالك ، وإن كان الأصل أن يدعي العامل زيادة المدة والمالك ينكرها.

(7) من المدة بحسب قول المنكر.

(8) من جواز قلعه للمالك مع الأرش أو بالمجّان على الخلاف المتقدم.

(9) لما كان الحاصل تابعا للبذر لأنه نماؤه ، فإذا اختلفا في قدر الحصة فيقدم قول صاحب البذر في حصة الآخر مع يمينه ، لأصالة عدم خروجها عن ملكه ، نعم يثبت للآخر ما يعترف به صاحب البذر أنه له ، وبالاعتراف يرفع اليد عن الأصل المذكور.

(10) للبذر.

(11) مالك البذر مع يمينه.

ص: 351

فی اختلاف المالک و المزارع

زاد (1) عن ملكه ، وعدم استحقاق الآخر له (2) ، واتفاقهما (3) على عقد تضمّن حصة إنّما نقل (4) عنه (5) في أصل الحصة ، لا في الحصة المعينة فيبقى حكم إنكار الزائد بحاله لم يخرج عن الأصل.

(ولو أقاما بينة قدمت بينة الآخر (6) في المسألتين (7) ، وهو (8) العامل في الأولى (9) ، لأن مالك الأرض يدعي تقليل المدة فيكون القول قوله ، والبينة بينة

______________________________________________________

(1) والزائد هو الفارق بين قوليهما ، فلو كان البذر من العامل وادعى المالك أن حصّته النصف فادعى العامل أن حصته الربع ، كان للمالك الربع مع يمين العامل لأصالة عدم خروج الربع الثاني عن ملكه ، لأن الحاصل تابع للبذر ، وهو ملك العامل.

(2) أي للزائد.

(3) دفع توهم ، وحاصل الوهم أنهما متفقان على وقوع عقد متضمن لحصة المالك من النماء باعتبار كون البذر من العامل ، ومع هذا الاتفاق فالحصة للمالك تخرج عن ملك العامل قطعا ، ومع الخروج القطعي فلا أصل بيد العامل حتى نقدم قوله مع يمينه.

ودفعه أن ما وقع عليه الاتفاق يفيد خروج أصل الحصة للمالك عن الأصل المتقدم ، أما مقدار الحصة فلا يدل نفس العقد عليه ، فتكون الزيادة باقية تحت الأصل الدال على أن النماء تابع للبذر الذي هو ملك للعامل ، فيقدم قول العامل مع يمينه فيه.

(4) أي الاتفاق.

(5) عن الأصل.

(6) الأصل في القضاء أن البينة على المدعي واليمين على من أنكر ، وأنه لا تسمع بينة المنكر لأن وظيفته اليمين فقط ولذا لو قدّم كل منهما بينة فلا تسمع إلا بنية المدعي فقط لأنها وظيفته ، وقد تقدم تسمية المدعي بالخارج والمنكر بالداخل ، أما أن المنكر داخل لكونه صاحب يد أو صاحب أصل أو صاحب ظاهر ومنه تعرف وجه تسمية المدعى بالخارج وعليه ففي المسألتين السابقتين من النزاع في قدر المدة وقدر الحصة لو أتى المدعى بالبينة فلا تقبل يمين المنكر هذا من جهة ولا تقبل بنية المنكر أيضا لأنه داخل ، فلو أقام كل منهما بينة فتقدم بنية الخارج ، وهو العامل في الصورة الأولى لأن المنكر لزيادة المدة هو المالك على ما تقدم.

وهو من ليس له البذر في الصورة الثانية ، لأن المنكر هو صاحب البذر على ما تقدم.

(7) عند التنازع في المدة وفي الحصة.

(8) أي الآخر الذي قدمت بنيته.

(9) أي الصورة الأولى عند التنازع في قدر المدة.

ص: 352

فی أنّ للمزارع أن یزارع غیره

غريمه العامل ، ومن ليس له بذر في الثانية (1) من العامل ، ومالك الأرض ، لأنه (2) الخارج (3) بالنظر إلى الباذر حيث قدم قوله (4) مع عدم البينة.

(وقيل : يقرع) (5) ، لأنها لكل أمر مشكل.

ويشكل بأنه لا إشكال هنا فإن من كان القول قوله فالبينة بينة صاحبه فالقول بتقديم بينة المدعي فيهما (6) أقوى ،

(وللمزارع أن يزارع غيره أو يشارك غيره) (7) ،

______________________________________________________

(1) أي الصورة الثانية عند التنازع في قدر الحصة.

(2) أي من ليس له البذر.

(3) أي المدعي.

(4) قول الباذر لأنه منكر.

(5) ولم يعرف قائله ، لأن القرعة لكل أمر مشكل ، وفيه : إنه لا إشكال مع العموم الوارد في القضاء أن البينة على من ادعى واليمين على من أنكر ، والتفصيل قاطع للشركة.

(6) في المسألتين.

(7) أي يجوز للعامل أن يزارع ثالثا أو يشاركه في بعض حصته ولا يتوقف ذلك على إذن المالك بلا خلاف فيه ، لأن المزارعة من العقود اللازمة الموجبة لنقل منفعة الأرض إلى العامل في قبال حصة من الحاصل للمالك ، وإذا تملك العامل منفعة الأرض كان له نقلها إلى غيره في المزارعة ، ومشاركة غيره عليها لأن الناس مسلطون على أموالهم ، ولا يتوقف ذلك على إذن مالكها إذ لا حق له في المنفعة بحسب الفرض لخروجها عن ملكه في قبال الحصة المخصوصة ، ومما يدل على جواز المزارعة المذكورة موثق سماعة (قلت : الرجل يبذر في الأرض مائة جريب أو أقل أو أكثر طعاما أو غيره فيأتيه رجل فيقول له : مني نصف هذا البذر الذي زرعته في الأرض ونصف نفقتك عليّ وأشركني فيه ، فقال : لا بأس) (1).

ومما تقدم تعرف أن مزارعة الغير من قبل العامل أن يعقد عقد مزارعة بينه وبين ثالث غير المالك ليكون من الثالث بعض ما على العامل في قبال شي ء من حصة العامل.

وتعرف أن مشاركة الغير من قبل العامل أن يبيع العامل بعض حصته من الزرع بعوض معلوم لغير المالك.

ص: 353


1- 1. الوسائل الباب - 13 - من أبواب المزارعة حديث 1.

لأنه (1) يملك منفعة الأرض بالعقد اللازم فيجوز له نقلها (2) ، ومشاركة غيره عليها (3) ، لأن الناس مسلطون على أموالهم. نعم لا يجوز له (4) تسليم الأرض (5) إلا بإذن مالكها (6).

وربما اشترط (7) كون البذر منه (8) ليكون تمليك الحصة (9) منوطا ، به (10) وبه (11)

______________________________________________________

(1) أي المزارع.

(2) أي نقل المنفعة وظاهره جواز مزارعة العامل للغير على تمام ماله من الحصة في قبال تمام منفعة الأرض وهو أيضا جائز لما تقدم.

(3) على منفعة الأرض بأن يبيع شيئا من الحصة المشاعة بعوض معلوم غير أنه يشترط في المشاركة شرائط البيع من ظهور الزرع ونحو ذلك.

(4) للمزارع.

(5) للغير الذي زارعه أو شاركه.

(6) لأن المالك قد أذن للمزارع الأول أن يضع يده على الأرض ليستوفي منفعتها ، وإذن المالك له بالتسلم للعين لا يعني إذنا له بالتسليم للغير.

(7) أي اشترط في صحة مزارعة العامل لغيره أو مشاركته ، ولم يعرف القائل.

(8) من المزارع ، لأن البذر إذا كان من المالك فالحاصل له تبعا للبذر إلا من أذن له ، ولم يأذن إلا للعامل بتملك الحصة فلا يجوز للعامل حينئذ أن يشارك أو يزارع غيره على ملك المالك.

بخلاف ما لو كان البذر من العامل فالحاصل له تبعا للبذر ، وإذا كان الحاصل له فهو قد أذن بتملك المالك لحصة منه على أن يكون الباقي للعامل ، فيجوز له أن يشارك أو يزارع الغير حينئذ.

وردّ بأن هذا يجري في المزارعة لا المشاركة ، لأن العامل - بعد ما ظهر النماء - يتملك حصة منه إذا كان البذر من المالك ، ومع ملكه لهذه الحصة فلا مانع بأن يتسلط على بيعها أو بيع بعضها كيف شاء بخلاف ما لو لم يظهر الحاصل فهو لا يملك شيئا ، وهو مأذون بالعمل فقط فلا يجوز له أن يأذن لغيره بالعمل فلذا لا تجوز المزارعة.

(9) تمليكها من العامل للغير مزارعة أو مشاركة.

(10) أي بكون البذر منه.

(11) أي بكون البذر من العامل يفرّق بين عامل المزارعة وعامل المساقاة ، فعامل المزارعة يجوز له المزارعة أو المشاركة لأنه يملك الحاصل بتمامه لأن البذر منه ، بخلاف عامل المساقاة فلا يجوز له أن يساقي غيره لأنه لا يملك الأشجار ولا الأصول القائمة.

ص: 354

يفرق بينه وبين عامل المساقاة حيث لم يجز له أن يساقي غيره. وهو (1) يتم في مزارعة غيره ، لا في مشاركته. ويمكن الفرق بينهما (2) بأن عمل الأصول (3) في المساقاة مقصود بالذات (4) كالثمرة (5) فلا يتسلط عليه (6) من لا يسلطه المالك ، بخلاف الأرض في المزارعة ، فإن الغرض فيها (7) ليس إلا الحصة (8) فلمالكها (9) أن ينقلها (10) إلى من شاء.

(إلا أن يشترط عليه (11) المالك الزرع بنفسه) فلا يجوز له (13) ادخال غيره مطلقا (13) ، عملا بمقتضى الشرط (14).

______________________________________________________

بالإضافة إلى أن المقصود من عقد المساقاة هو سقي الشجر من نفس العامل ولذا لا يجوز له أن يساقي غيره بخلاف عقد المزارعة فالغرض منها هو تمليك حصة للمالك في قبال تمليك العامل منفعة الأرض مع تمام الحاصل إذا كان البذر منه ، وإذا تملك العامل تمام الحصة فيجوز له المشاركة ، وإذا تملك تمام منفعة الأرض فيجوز له أن يزارع غيره.

(1) أي اشتراط بعضهم لكون البذر من العامل.

(2) بين عقد المزارعة وعقد المساقاة ، حيث يجوز للعامل في الأولى مزارعة غيره أو مشاركته بخلاف ذلك في الثانية.

(3) وعمل الأصول هو السقي.

(4) أي مقصود ذاتي من العقد على أن يكون من نفس العامل.

(5) فهي مقصود ذاتي من العقد على أن تكون للعامل في قبال سقيه.

(6) على عمل الأصول.

(7) في المزارعة ، مع عدم شرط المالك على أن يكون العمل من نفس العامل.

(8) للمالك.

(9) أي مالك منافع الأرض وهو العامل.

(10) بالمزارعة أو المشاركة.

(11) على العامل.

(12) للعامل.

(13) بالمزارعة أو المشاركة.

(14) لعموم (المؤمنون عند شروطهم) (1).

ص: 355


1- 1. الوسائل الباب - 20 - من أبواب المهور حديث 4.

فی أنّ الخراج علی المالک

(والخراج على المالك) (1) ، لأنه موضوع على الأرض ابتداء ، لا على الزرع ، (إلا مع الشرط) (2) فيتّبع شرطه في جميعه (3) ، وبعضه (4) ، مع العلم بقدره ، أو شرط قدر معين منه (5) ، ولو شرط الخراج على العامل فزاد السلطان فيه زيادة فهي (6) على صاحب (7) الأرض ، لأن الشرط لم يتناولها.

(وإذا بطلت المزارعة فالحاصل لصاحب البذر وعليه (8) الأجرة) للباقي (9) ، فإن كان البذر من صاحب الأرض فعليه أجرة مثل العامل والعوامل (10) ، ولو كان (11) من الزارع فعليه (12) لصاحب الأرض أجرة مثلها ، ولما شرط عليه (13) من

______________________________________________________

(1) الخراج هو ما يأخذه السلطان عن الأراضي المفتوحة عنوة ، وهي التي تملك تبعا لتملك الآثار الموجودة فيها ، وهذا الخراج على المالك لا على العامل ، لأنه موضوع على الأرض ، ولأصالة براءة ذمة العامل منه.

(2) فيكون على العامل عملا بمقتضى الشرط.

(3) أي جميع الخراج.

(4) أي بعض الخراج مع العلم بقدره ، كأن يشترط على العامل أن يدفع مائة دينار للخراج.

(5) من الخراج ، كأن يشترط عليه دفع نصف الخراج أو ربعه مثلا ، وكان الخراج معلوما بتمامه بحسب العادة ، ومع العلم بالقدر فلا جهالة.

(6) أي الزيادة.

(7) فلو كان الخراج بحسب العادة على هذه الأرض مائة ، وقد شرط على العامل ، فزاد السلطان خمسين فوق المائة ، فالزيادة على صاحب الأرض ، لأن الشرط لم يتناول الزيادة ، وإنما تناول الخراج بحسب عادته.

(8) لأن الحاصل نماؤه ، فهو مملوك له تبعا لمملوكية البذر ، وعليه فإن كان البذر من الزارع فالحاصل له وعليه أجرة المثل عن الأرض لصاحبها ، وإن كان البذر من المالك فالحاصل له ، وعليه أجرة المثل عن العمل للعامل ، وما قدمه العامل أيضا إذا شرط عليه شي ء من بقية الأركان الأربعة.

(9) إذا كان الآخر قد قدّم الباقي من الأركان الأربعة.

(10) للعامل ، لأنه مع فرض كون صاحب الأرض قد قدّم البذر فلم يبق من الأركان الأربعة إلا العمل والعوامل من الآخر.

(11) أي البذر.

(12) أي على الزارع.

(13) على صاحب الأرض.

ص: 356

الآخرين (1) ، ولو كان البذر منهما فالحاصل بينهما (2) ، ولكل منهما على الآخر أجرة مثل ما يخصه من الأرض ، وباقي الأعمال (3).

(ويجوز لصاحب الأرض الخرص على الزارع) (4) بأن يقدّر ما يخصه من

______________________________________________________

(1) بالتثنية ، أي الآخرين من الأركان الأربعة ، إذ ربما قد شرط على المالك العوامل ، وعلى ثالث العمل.

(2) وهو واضح.

(3) فلو كان البذر مناصفة فصاحب الأرض قد زرع نصف أرضه ببذره ولا معنى لأن يدفع أجرة المثل عن هذا النصف لنفسه ولا للعامل ، لكن على العامل أن يدفع أجرة نصف الأرض ، فصاحب الأرض له على العامل أجرة الأرض التي تخصه بحسب حصة العامل وكان على الشارح أنه يأتي بالقيد الأخير وهو : (بحسب حصة الآخر).

(4) الخرص هو التخمين ، والحاصل أن المالك يجوز له أن يشتري حصة العامل بعد تخمينها في قبال حب من نفس الجنس بل ومن نفس حصة العامل ، ووقت الخرص بعد بلوغ القلة وانعقاد الحب قبل أوان الحصاد ، وهذا الشراء بحاجة إلى رضا العامل ، وهو مما لا شك فيه.

ولزوم العوض على المالك إنما يكون إذا خرج الحاصل من حصة العامل بالسلامة ، فإن تلفت أو بعضها فسيأتي حكمه ، وهذا الخرص جائز على المشهور ، وهو جائز لكل من المالك والعامل للأخبار.

منها : صحيح أبي الصباح الكناني عن أبي عبد الله عليه السلام (أن النبي صلى الله عليه وسلم لما افتتح خيبر تركها في أيديهم على النصف ، فلما أدركت الثمرة بعث عبد الله بن رواحة إليهم فخرص عليهم ، فجاءوا إلى النبي صلى الله عليه وسلم وقالوا : إنه قد زاد علينا ، فأرسل إلى عبد الله بن رواحة فقال : ما يقول هؤلاء؟ قال : خرصت عليهم بشي ء ، فإن شاءوا يأخذون بما خرصت وإن شاءوا أخذنا) (1) ، ومرسل محمد بن عيسى (قلت لأبي الحسن عليه السلام : إن لنا أكرة فنزارعهم فيجيئون فيقولون : إنا قد حرزنا هذا الزرع بكذا وكذا ، فاعطوناه ونحن نضمن لكم أن نعطيكم حصتكم على هذا الحرز ، قال : وقد بلغ؟ قلت : نعم ، قال عليه السلام : لا بأس بهذا ، قلت : إنه يجي ء بعد ذلك فيقول : إن الحرز لم يجي ء كما حرزت قد نقص ، قال عليه السلام : فإذا زاد يردّ عليكم؟ قلت : لا ، قال عليه السلام : فلكم أن تأخذوه بتمام الحرز ، كما أنه إذا زاد كان له ، كذلك إذا نقص كان عليه) (2).

ص: 357


1- 1. الوسائل الباب - 10 - من أبواب بيع الثمار حديث 3.
2- 2. الوسائل الباب - 10 - من أبواب بيع الثمار حديث 4.

الحصة تخمينا ويقبّله به (1) بحب ولو منه (2) بما خرصه به (مع الرضا) (3). وهذه معاملة خاصة مستثناة من المحاقلة (4) إن كانت بيعا ، أو صلحا (فيستقر) ما اتفقا عليه (بالسلامة (5) ، فلو تلف الزرع) أجمع من قبل الله تعالى (فلا شي ء) على الزراع ، ولو تلف البعض سقط منه بالنسبة ، ولو أتلفه متلف ضامن لم تتغير المعاملة ، وطالب المتقبل المتلف بالعوض ، ولو زاد فالزائد للمتقبل ، ولو نقص بسبب الخرص لم يسقط بسببه شي ء. هذا إذا وقعت المعاملة بالتقبيل (6) ، ولو

______________________________________________________

وأشكل عليهم ابن إدريس بأن الخرص إن كان بيعا فهو مماثلة ومزابنة ، وهي أن يشتري حمل النخل بتمر والزرع بحنطة ، وقد مضى حرمتهما في كتاب البيع ، وإن كان صلحا فهو لازم وإن لم يخرج الحاصل بالسلامة ، هذا إذا كان العوض من غير الحاصل ، ولو كان من الحاصل فهو باطل لاتحاد العوض والمعوض وردّ بأن هذا الخرص لو كان بيعا فهو مستثنى من المماثلة للأخبار المتقدمة ، ولو كان صلحا فلا يضره اتحاد العوض والمعوض مع ورود الأخبار به.

هذا مع أن هذه المعاملة هي المسماة عندهم بالقبالة ، وقد تقدم ذكر ما في كتاب البيع على أن يكون إيجابها (أتقبل حصتك بكذا وكذا) فيقبل الآخر.

(1) أي بالخرص على أن تجري صيغة القبالة من المشتري وهو المالك.

(2) أي من نفس الزرع المقدّر.

(3) من العامل.

(4) بيع الزرع يحب منه.

(5) أي بشرط سلامة الحاصل ، ولا دليل على هذا الشرط وقد تقدم الكلام فيه في مسألة القبالة في بيع الثمار ، قال في المسالك : (والمشهور أن لزوم العوض فيه مشروط بالسلامة ، فإن تلفت الغلة أجمع بآفة من قبل الله تعالى فلا شي ء على الزارع ، ولو تلف البعض سقط بالنسبة ، ولو أتلفها متلف ضامن فهي بحالها ، ويطالب المتقبل المتلف بالعوض ، والحكم بذلك هو المشهور بين الأصحاب ، ومستنده غير واضح ، وحكمه لا يخلو من إشكال إن لم يكن انعقد عليه الإجماع ، وأنّى لهم به ، وإنما هو شي ء ذكره الشيخ في بعض كتبه ، وتبعه عليه الباقون معترفين بعدم النص ظاهرا على هذه اللوازم ، ولو كان النقصان بسبب الخطأ لم يسقط من المال شي ء عملا بالأصل ، وهو مروي عن الكاظم عليه السلام مرسلا) انتهى.

(6) وتكون عقدا مستقلا في قبال البيع والصلح.

ص: 358

وقعت بلفظ البيع اشترط فيه شرائطه (1) ، مع احتمال كونه كذلك (2) ، ولو وقع بلفظ الصلح فالظاهر أنه (3) كالبيع (4) وقوفا فيما خالف الأصل على موضع اليقين ، وقد تقدم الكلام على هذه القبالة في البيع (5).

______________________________________________________

(1) من تغاير العوض والمعوض ، مع معلومية كل منهما ، وهذا يلزم منه أن يكون العوض من غير الحاصل.

(2) أي مع احتمال كون البيع كالقبالة ، فلا يشترط فيه شرائط البيع ، لإطلاق الأخبار المتقدمة.

(3) أي الصلح.

(4) فيشترط فيه شرائطه.

(5) في المسألة الثالثة من بيع الثمار ، وقد قال الشارح هناك : (والحق أن أصلها ثابت ، ولزومها مقتضى العقد ، وباقي فروعها لا دليل عليه) انتهى.

ص: 359

ص: 360

کتاب المساقاة

اشارة

كتاب المساقاة

ص: 361

ص: 362

فی معنی المساقاة

(كتاب المساقاة (1)

(وهي لغة) مفاعلة من السقي (2) ، واشتق منه (2) ، دون باقي أعمالها (4) ،

______________________________________________________

(1) لا خلاف في مشروعيتها ، لأنها معاملة عقلائية لم يردع عنها الشارع المقدس ، ولجملة من الأخبار.

منها : خبر يعقوب بن شعيب عن أبي عبد الله عليه السلام (عن رجل يعطي الرجل أرضه ، وفيها رمان أو نخل أو فاكهة ، ويقول : اسق هذا من الماء وأعمره ولك نصف ما أخرج ، قال عليه السلام : لا بأس) (1) ، ومثله غيره.

وأنكر مشروعيتها أبو حنيفة وزفر من علماء العامة للجهالة والضرر ، وهو قول ضعيف في قبال النصوص المتقدمة.

(2) والمفاعلة تقتضي وقوع السقي من العامل وصاحب الأرض ، غير أن وقوع السقي من العامل حقيقة ومن صاحب الأرض باعتبار طلبه السقي عند إيقاع المعاملة ، فلا إشكال كما في المزارعة والمضاربة.

هذا وعلى العامل السقي وتهذيب الأشجار وتلقيحها وكل ما يصلحها فتسمية كل هذه الأعمال بالمساقاة ناشئة من أن السقي أظهر هذه الأعمال وأنفعها وأكثرها مئونة وأشدها مشقة ، فلذا أخص اشتقاق المعاملة من السقي فقط دون البقية.

(3) أي واشتق اسم المساقاة من السقي.

(4) أي أعمال المساقاة.

ص: 363


1- 1. الوسائل الباب - 9 - من أبواب المزارعة والمساقاة حديث 2.

لأنه أنفعها ، وأظهرها في أصل الشرعية (1) ، وهو (2) نخل الحجاز الذي يسقى من الآبار مع كثرة مئونته.

وشرعا (3) (معاملة على الأصول بحصة من ثمرها) (4). فخرجت بالأصول المزارعة ، وبالحصة الإجارة المتعلقة بها (5) فإنها لا تقع بالحصة (6) ، والمراد بالثمرة معناها المتعارف (7) لتردده في المعاملة على ما يقصد ورقه وورده ، ولو لوحظ

______________________________________________________

(1) قال الشارح في المسالك : (المساقاة مفاعلة من السقي ، وخص الاشتقاق منه - أي السقي - دون باقي الأعمال التي تتوقف عليه المعاملة ، لأنه أظهرها وأنفعها في أصل الشرعية ، لوقوعه بالحجاز التي يسقى فيها النخل من الآبار ، ولأنه أكثر مئونة وأشد مشقة من غيره من الأعمال ، وعرفا ما ذكره المصنف) انتهى ، وما ذكره المحقق (فهي معاملة على أصول ثابتة بحصة من ثمرتها).

وعليه فالمراد بأصل الشرعية أن لفظ المساقاة قد وضع في زمن الشارع لهذا المعنى ، وهو المفاعلة من عمل العامل من سقي وتهذيب وإصلاح ومن عمل المالك لأمره بذلك ، وقد خصّ الاشتقاق من السقي لأن الوضع قد تم في الحجاز ، وأهل الحجاز أكثر حاجة إلى سقي نخلهم من الآبار دون بقية الأعمال ، وقد نقل لفظ المساقاة بحسب الحقيقة المتشرعية إلى أنها معاملة على أصول ثابتة بحصة من ثمرتها ، وهذا النقل إلى المتشرعية هو المعبّر عنه بالعرف في المسالك ، وبالشرع في الروضة هنا.

(2) أي الوضع في أصل الشرعية.

(3) أي بحسب الحقيقة المتشرعية ، وقد عبّر عنه في المسالك بالوضع العرفي.

(4) فالمعاملة جنس يتناول كل معاوضة ، وبقيد (على الأصول) تخرج المزارعة لأنها العاملة على الأرض ، وبقيد (بحصة من ثمرتها) تخرج إجارة الأرض المشجرة وإن صحت ، ولكن لا تصح بحصة من ثمرة الشجر نفسه ، بل لا بد من كون العوض معينا مضمونا في الذمة.

هذا وعرّفها الكثير (بأنها معاملة على الأصول الثابتة بحصة من ثمرها) ، وبقيد (الثابتة) تخرج الخضراوات والمغارسة ، وهي أن يقدم المالك الأرض للعامل على أن يغرسها ليكون الشجر بينهما بحسب الشرط القائم بينهما.

(5) أي بالأصول الثابتة.

(6) أي بالحصة من ثمر نفس الشجر بل بأجرة معينة معلومة مضمونة.

(7) وهو ما يؤكل ، ولا يراد بالثمرة كل نماء للشجر مقصود عند الغارس وإن لم يؤكل ، كورق الحناء الذي يقصد عند غرس شجره مع أنه غير مأكول ، فلا يراد ذلك لأن المصنف قد تردد في صحة المساقاة على ما يقصد ورقه وورده.

ص: 364

فی لزومها و ألفاظها

إدخاله (1) أريد بالثمرة نماء الشجر ، ليدخل فيه (2) الورق المقصود والورد ، ولم يقيد الأصول بكونها ثابتة كما فعل غيره لأن ذلك (3) شرط لها (4) ، وذكره (5) في التعريف غير لازم (6) ، أو معيب (7) ، ومن قيد به (8) جعله وصفا للشجر مخصصا لموضع البحث ، لا شرطا.

(وهي لازمة (9) من الطرفين) لا تنفسخ اختيارا ، إلا بالتقابل (10).

(وإيجابها (11) ساقيتك ، أو عاملتك ، أو سلمت إليك ، أو ما أشبهه) من الألفاظ الدالة على إنشاء هذا العقد صريحا ، كقبلتك عمل كذا ، أو عقدت معك عقد المساقاة ونحوه من الألفاظ الواقعة بلفظ الماضي ، وزاد في التذكرة تعهد نخلي ، أو اعمل فيه (12). وإخراج هذا العقد عن نظائره من العقود اللازمة بوقوعه

______________________________________________________

(1) أي إدخال ما يقصد ورقه وورده في المساقاة كان المراد من الثمرة كل نماء للشجر مقصود عند الغارس وإن لم يؤكل.

(2) في نماء الشجر.

(3) أي الثبات للأصول.

(4) للمساقاة ، وليس من وظيفة التعريف ذكر الشروط.

(5) أي الثبات.

(6) إن ذكر الثبات بعنوان كونه شرطا.

(7) إن ذكره بعنوان كونه جزءا.

(8) أي ومن قيّد التعريف بالثبات فلم يذكره بعنوان الجزئية ليكون معيبا ، ولا بعنوان الشرطية ليكون غير لازم ، وإنما جعله وصفا للشجر ليخصص موضع البحث في المساقاة.

(9) بلا خلاف فيه لعموم ( أَوْفُوا بِالْعُقُودِ ) (1).

(10) وهو فسخ للعقد بالتراضي ، لعموم أدلة الإقالة وقد تقدمت في آخر كتاب البيع.

(11) لما كانت المساقاة من العقود اللازمة كان لا بدّ في إيجابها وقبولها من اللفظ الماضي الصريح الدال على الإنشاء على المشهور ، وقد تقدم أنه لا دليل عليه بل يكفي كل دال يدل على الإنشاء سواء كان لفظا أو فعلا أو كتابة.

(12) وهما ليسا من صيغ الماضي ، وعلى مبناهم أنه لا يصح الإنشاء بغير الماضي.

ص: 365


1- 1. سورة المائدة الآية : 1.

فی زمانها و مدّتها

بصيغة الأمر من غير نص مخصّص مشكل.

وقد نوقش في أمر المزارعة (1) مع النص عليه (2) ، فكيف هذا (3).

(والقبول الرضا به) (4) وظاهره الاكتفاء بالقبول الفعلي ، كما مر في المزارعة إذ الرضا يحصل بدون القول.

والأجود الاقتصار على اللفظ الدال عليه (5) ، لأن الرضا أمر باطني لا يعلم إلا بالقول الكاشف عنه. وهو السر في اعتبار الألفاظ الصريحة الدالة على الرضا بالعقود ، مع أن المعتبر هو الرضا ، لكنه أمر باطني لا يعلم إلا (6) به ، ويمكن أن يريد (7) هنا ذلك (8).

(وتصح) المساقاة (إذا بقي للعامل عمل تزيد به الثمرة) (9) ، سواء (ظهرت)

______________________________________________________

(1) من جواز صحة إنشائها بلفظ الأمر.

(2) وقد تقدم ، وتقدم أن النص دال على الإنشاء بصيغة المضارع على فرض صحة السند فراجع.

(3) أي عقد المساقاة مع عدم النص فيه.

(4) أي الرضا بالإيجاب على أن يكون القبول بلفظ الماضي ، لأنه من العقود اللازمة ، وظاهر كلام المصنف الاكتفاء بمطلق الرضا به وإن لم يكن الكاشف عنه لفظا ، وهو مشكل على مبناهم لعدم الدليل على خروج عقد المساقاة عن أحكام العقود اللازمة.

(5) على الرضا.

(6) أي بالقول ، وفيه : إنه يكفي ما عليه العرف من الاكتفاء بكل دال عليه ولو كان غير لفظي.

(7) أي المصنف.

(8) أي يريد بالرضا نفس اللفظ الدال عليه.

(9) لا إشكال ولا خلاف في صحة المساقاة قبل ظهور الثمرة ، لتحقق موضوع المساقاة حيث يوجد عمل للعامل في إيجاد الثمرة.

كما أنه إذا ظهرت الثمرة واكتمل نضوجها بحيث لم تحتج إلى عمل تستزيد به كما أو كيفا فلا تصح المساقاة بلا خلاف فيه لعدم موضوع المساقاة حينئذ ، وإن احتاجت بعد نضوجها إلى عمل كالنقل والحفظ من السارق.

وقد وقع الخلاف في صحة المساقاة بعد ظهور الثمرة وقبل نضوجها بحيث يبقى للعامل

ص: 366

قبل العقد (1) (أولا) (2).

والمراد بما فيه مستزاد الثمرة نحو الحرث (3) والسقي ، ورفع أغصان الكرم على الخشب (4) ، وتأبير ثمرة النخل. واحترز به (5) عن نحو الجذاذ (6) ، والحفظ (7) ، والنقل ، وقطع الحطب (8) الذي يعمل به الدبس ، من الأعمال التي لا يستزاد بها الثمرة ، فإن المساقاة لا تصح بها (9) إجماعا (10). نعم تصح الإجارة حينئذ (11) على بقية الأعمال بجزء من الثمرة ، والجعالة ، والصلح (12) (ولا بدّ) في صحة المساقاة (من كون الشجر) الساقى عليه (نابتا) بالنون ، أو بالثاء (13) المثلثة ، ويخرج على الأول (14)

______________________________________________________

عمل تستزاد به ، كالسقي والحرث وتأبير شجر النخل ، فعلى المشهور على ما في الحدائق الصحة ، بدليلين :

الأول : أن الغرض من المساقاة تحصيل الثمرة ، وفي المقام بقاء شي ء من عمل العامل تستزاد به فتصح المساقاة تحصيلا لهذه

الفائدة.

الثاني : إن العقد هنا أبعد عن الغرر للوثوق بالثمرة فيكون العقد أولى عما لو كانت الثمرة معدومة كما في الفرض الأول.

(1) هذا هو الغرض الثالث.

(2) أي لم تظهر قبل العقد وهو الفرض الأول.

(3) تحت الشجر.

(4) عن الأرض لتكتمل الثمرة وتنضج.

(5) بمستزاد التمرة.

(6) وهو القطع.

(7) حفظها عن السارق.

(8) أي إن قطع الحطب والنقل اللذان هما مقدمة لعمل دبس العنب والخرنوب لا تستزاد به الثمرة.

(9) بهذه الأعمال التي لا تستزاد بها الثمرة.

(10) وهذا هو الفرض الثاني.

(11) أي حين كون الأعمال مما لا تزيد الثمرة ، وتصح الإجارة لأن العوض هنا معلوم ، وهو جزء معلوم من الثمرة الحاصلة.

(12) لعموم أدلتهما.

(13) أي ثابتا.

(14) وهو النابت.

ص: 367

المساقاة على الودي (1) غير المغروس ، أو المغروس الذي لم يعلق بالأرض (2) ، والمغارسة (3) ، وبالثاني (4) ذلك (5) ، وما لا يبقى غالبا (6) كالخضراوات. ويمكن خروجها (7) بالشجر فيتحد المعنيان (8) ، (ينتفع بثمرته مع بقاء عينه) (9) بقاء يزيد عن سنة غالبا. واحترز به (10) عن نحو البطيخ (11) والباذنجان والقطن (12) وقصب السكر (13) ، فإنها ليست كذلك ، وإن (14) تعددت اللقطات مع بقاء عينه ذلك الوقت (15) ، وبقي القطن أزيد من سنة ، لأنه خلاف الغالب.

______________________________________________________

(1) الودي بكسر الدال المهملة بعد الواو المفتوحة والياء المشددة أخيرا ، بوزن الفني ، وهو فسيل النخل قبل أن يغرس ، فهو ليس بنابت.

(2) أي لم يستقل بعد بحيث لم تمض مدة معتدة على زرعه حتى تثبت أصوله وجذوره فلا يسمى نابتا.

(3) وهي أن يدفع أحدهما أرضا للآخر ليغرسها الثاني على أن يكون الغرس بينهما ، فالمغارسة خارجة لأنها معاملة لإنبات الأصول وليست معاملة على الأصول النابتة.

(4) أي بقيد الثابت.

(5) من الودي والمغروس غير المستقل والمغارسة.

(6) لأنه لا ساق له كالبطيخ والباذنجان أوله ساق ولا يبقى غالبا كقصب السكر.

(7) أي خروج الخضراوات التي لا ساق لها ، وكذا ما لا ثبات لساقها ، فهي خارجة بالشجر بلا فرق بين وصف الشجر بالنابت أو الثابت ، هذا والقدر المتيقن من نصوص المساقاة هو المساقاة على الأشجار النابتة أو الثابتة ، وفي غيره لا دليل فيقتصر على القدر المتيقن لأن المساقاة على خلاف الأصل للجهالة والغرر.

(8) أي أصله وساقه ، وهذا لازم الشرط المتقدم.

(9) لأن السنة هي المقدار الغالب لنضوج الثمرة.

(10) أي بالشرط الثاني.

(11) وهو مما لا ساق له أيضا وكذا الباذنجان.

(12) فيخرج لاضمحلال أصله بحسب العادة.

(13) لأن الانتفاع بأصله ولا ثمرة له بغير الأصل.

(14) وصلية.

(15) فلو قطف البطيخ والباذنجان على دفعات ففي الدفعة الأولى وإن بقيت عينه ذلك الوقت ، إلا أنه لا يبقى أكثر من سنة مع أنه لا ساق له.

ص: 368

(وفيما له ورق) لا يقصد من عمله بالذات إلا ورقه (كالحناء (1) نظر) من أنه (2) في معنى الثمرة فيكون مقصود المساقاة حاصلا به ، ومن أن (3) هذه المعاملة على خلاف الأصل ، لاشتمالها على جهالة العوض فيقتصر بها على موضع الوفاق ، ومثله ما يقصد ورده ، وأما التوت فمنه ما يقصد ورقه (4) وحكمه كالحناء ، ومنه ما يقصد ثمره (5) ، ولا شبهة في إلحاقه بغيره من شجر الثمر ، والقول بالجواز في الجميع (6) متجه.

(ويشترط تعيين المدة) (7) بما لا يحتمل الزيادة والنقصان ، ولا حد لها في

______________________________________________________

(1) وكذا ما يقصد زهره من غرسه كالورد.

(2) دليل لصحة المساقاة عليه ، ذهب العلامة وتبعه الشارح إلى الجواز ، لأن الورق المقصود كالثمرة من الشجرة بحسب المعنى ، فيكون مقصود المساقاة حاصلا به ، وعلى المشهور المنع لأن المساقاة على خلاف الأصل للجهالة والغرر فيقتصر فيها على محل الوفاق ، وهو ثمر الشجر ليس إلا.

(3) دليل لعدم الصحة.

(4) وهو شجر التوت الذكر.

(5) وهو شجر التوت الأنثى ، وهو ملحق ببقية الأشجار التي تقصد ثمرتها ، بل هو منها.

(6) ما قصد ورقه وما قصد ورده وشجر التوت بقسميه.

(7) اشتراط المدة في المساقاة بلا خلاف فيه ، فلو ترك ذكر المدة لبطل العقد ، ويشترط في المدة شرطان.

الأول : تعيين المدة بما لا تحتمل الزيادة ولا النقصان ، وما يحتمل الزيادة والنقصان كقدوم الحاج وإدراك الغلة وإن كانت الغلة هي المعامل عليها ، هذا على المشهور وقوفا فيما خالف الأصل على موضع اليقين ، وذهب ابن الجنيد إلى جواز تقدير المدة بإدراك الغلة المساقى عليها نظرا إلى ثبوت الإدراك عادة ، فهو كالمعلوم فيجوز بناء العقد عليه ، وقال عنه في المسالك (والأجود الأول وإن كان كلامه لا يخلو من وجه).

الثاني : أن تكون المدة مما تحصل فيها الثمرة غالبا ، وإن قلت هذه المدة ، إذا ساقاه في آخر العمل بحيث يبقى منه وقت يسير ، فيه مستزاد للثمرة كالشهر ، وهذا الشرط الثاني واضح إذ لو شرطت مدة لا تحصل فيها الثمرة غالبا لانتفى موضوع المساقاة ولما حصلت للعامل حصته من الثمرة لعدم وجود ثمرة في البين. ومما تقدم تعرف لأبدية ضبط المدة من دون حد لها من جانب الزيادة كما لا حد لها من جانب القلة ، نعم هي مشروطة

ص: 369

جانب الزيادة ، وفي جانب النقصان أن يغلب فيها حصول الثمرة ، (ويلزم العامل مع الإطلاق) أي إطلاق المساقاة بأن قال : ساقيتك على البستان الفلاني سنة بنصف حاصله فقبل (كل عمل (1) يتكرر كل سنة) مما فيه صلاح الثمرة ، أو زيادتها كالحرث (2) ، والحفر حيث يحتاج إليه ، وما يتوقف عليه (3) من الآلات ، والعوامل ، وتهذيب الجريد (4) بقطع ما يحتاج إلى قطعه منه ، ومثله أغصان الشجر المضر بقاؤها

______________________________________________________

بكون الثمرة تحصل فيها غالبا ، وخالف الشافعي من العامة وشرط في جانب الزيادة أن لا تزيد عن الثلاثين سنة ، وهو تحكم - كما في المسالك - إذ لا دليل عليه.

(1) بما أن الأعمال التي تحتاجها الأرض كثيرة وبعضها على المالك ، وبعضها على العامل حاول الفقهاء تحديد ما على كل منهما ، فكل عمل له الدخل في إيجاد الثمرة وفعليتها وجودتها فهو على العامل ، وكل عمل لا تستزاد به الثمرة فهو على المالك ، وعبّر عن الأول بالعمل المتكرر كل سنة لأن الأعمال التي فيها صلاح الثمرة متكررة كل سنة لتكرر الثمرة.

وعليه فالمتكرر كل سنة هو السقي وحرث الأرض وحفرها المحتاج إليه السقي ، وما يتوقف عليه السقي من الآلات والعوامل ، من البقر وخشبة الحرث والسكة ، وما يتوقف عليه السقي من الحفر وإصلاح الحفر التي يقف فيها الماء عند وصوله إلى أصول الشجر ، وإزالة الحشيش المضرّ بالأصول من ناحية بقاء الثمرة ونموها ، وإزالة الجريد وهو قطع الجزء اليابس من الشجر الذي يضر بقاؤه بالثمرة ، ومقدمات السقي كالدلو والرش وإصلاح طريق الماء وفتح رأس الساقية وسدها عند عند الفراغ على ما تقتضيه الحاجة ، ووضع الحشيش ونحوه فوق العناقيد صونا لها من الشمس المضرة بها ، ورفعها عن الأرض حيث يضرّ بها ذلك ، واللقاط وهو التقاط التمرة بحسب نوعها ووقتها ، فما يؤخذ للزبيب يجب قطعه عند حلاوته في الوقت الصالح له ، وما يعمل دبسا فكذلك ، وما يؤخذ للأكل فعند انتهاء نضوجه وهكذا ، وإصلاح موضع التشميس إذا افتقرت الثمرة إلى تشميسها على الأرض فيجب إصلاح موضع تشميسها ونقلها إليه وتقليبها فيه ، وهكذا من بقية الأعمال إلى حين القسمة.

وأما ما على المالك فهو العمل الذي لا يتكرر كل سنة في الأرض كإصلاح الجدار وبنائه ووضع الشوك في حدود الأرض وهكذا.

(2) الحرث وإن كان فيه إصلاح للأرض إلا أن فيه إصلاحا للثمرة.

(3) أي كل من الحرث والحفر.

(4) والتهذيب هو قطع ما يحتاج إلى قطعه من الجريد ، وهي أغصان النخل ، كالجزء اليابس.

ص: 370

فی ما لو شرط بعض العمل علی المالک

بالثمرة ، أو الأصل (1) ، (ومنه زيادة الكرم) (2) ، والسقي ، ومقدماته (3) المتكررة كالدلو ، والرشا (4) وإصلاح طريق الماء ، واستقائه (5) ، وإدارة الدولاب ، وفتح رأس الساقية ، وسدها عند الفراغ ، وتعديل الثمرة بإزالة ما يضرها من الأغصان (6) والورق ليصل إليها الهواء ، وما يحتاج إليه من الشمس ، وليتيسر قطعها عند الإدراك ، ووضع الحشيش ونحوه فوق العناقيد صونا لها عن الشمس المضرة بها ، ورفعها عن الأرض حيث تضرها ، ولقاطها بمجرى العادة بحسب نوعها ، فما يؤخذ للزبيب يقطع في الوقت الصالح له وما يعمل دبسا فكذلك ، وهكذا ، وإصلاح موضع التشميس ، ونقل الثمرة إليه ، وتقليبها ، ووضعها على الوجه المعتبر ، وغير ذلك من الأعمال (7).

(ولو شرط بعضه (8) على المالك صح) بعد أن يكون مضبوطا (لا جميعه) ، لأن الحصة لا يستحقها العامل إلا بالعمل فلا بد أن يبقى عليه منه شي ء فيه

______________________________________________________

(1) لأنه إذا أضرّ بالأصل فيضر بالثمرة أيضا.

(2) أي ومن العمل الذي يتكرر كل سنة زيادة الكرم ، وهو المسمى بتعريش الكرم ، وهو قطع أغصانه المضرة بالثمرة.

(3) أي مقدمات السقي.

(4) وهو الحبل.

(5) أي استقاء الماء ، وفي أكثر النسخ (الاستنقاء) وهو تنقية الماء من الحمأة ونحوها ، والحمأة هي الطين كما في المصباح.

(6) إزالة الأغصان هنا بعد ظهور الثمرة ، وما تقدم من تهذيب الجريد وقطع أغصان الأشجار إنما هو قبل الظهور فلا تكرار في العبارة فافهم.

(7) قال في الجواهر : (وأما ما ذكروه من الضابطين فلا أثر له في شي ء من الأدلة ، فالمتجه حينئذ الرجوع في مثل ذلك إلى المتعارف في إطلاق عقد المساقاة مما يجب على العامل والمالك) انتهى.

(8) أي بعض العمل الذي يتكرر كل سنة ، فلو شرط على المالك صح الشرط ، إن بقي للعامل شي ء من العمل مما له زيادة في نمو الثمرة وكمالها ، وإلا فلو كان الباقي المترتب على العامل لا دخل له في نمو الثمرة أو شرط جميع العمل على المالك لبطلت المساقاة ، لأن العامل لا يستحق شيئا من الحصة إلا بالعمل فيها فإذا رفعه عن نفسه بالشرط فلا شي ء له حينئذ.

ص: 371

مستزاد الثمرة وإن قل ، (وتعيين الحصة بالجزء المشاع) (1) كالنصف ، والثلث ، (لا المعين) (2) كمائة رطل ، والباقي للآخر ، أو بينهما (3).

(ويجوز اختلاف الحصة في الأنواع) (4) كالنصف من العنب ، والثلث من الرطب ، أو النوع الفلاني (إذا علماها) (5) أي الأنواع ، حذرا من وقوع أقل الجزءين لأكثر الجنسين مع الجهل بهما فيحصل الغرر.

(ويكره أن يشترط رب المال على العامل) مع الحصة (ذهبا ، أو فضة (6) ،

______________________________________________________

(1) لا خلاف أنه لا بدّ من كون حصة العامل مشاعة ، سواء تساوت الحصتان أم لا ، لأن المساقاة على خلاف الأصل فيقتصر فيها على مورد اليقين ، وهو الحصة الشاعة كالمزارعة.

(2) كمائة رطل لأحدهما والباقي من الحاصل للآخر ، لعدم تحقق الإشاعة في مجموع النماء.

(3) أي كون الباقي بينهما ، وكذلك تبطل لعدم تتحقق الإشاعة في مجموع النماء أيضا.

(4) بحيث كان البستان مزروعا بالنخل والعنب ، ووقع العقد على نصف الحاصل من النخل وربع الحاصل من العنب ، فيصح بلا خلاف فيه ، لتحقق الإشاعة في مجموع النماء.

ولكن بشرط أن يعلم كل من المالك والعامل بمقدار كل نوع ، كأن يعلم مقدار موضع النخل كعشرين ذراعا مثلا ، ومقدار موضع العنب كثلاثين ذراعا ، وهذا الاشتراط حتى لا يكون أقل الجزءين - وهو الربع بالنسبة إلى النصف - قد وقع لأكثر الجنسين من النخل والعنب مع جهل العامل ، فإنه إذا كان جاهلا لزم الغرر ، ولو كان عالما فيصح مع علمه لإقدامه على ما هو المعلوم لديه.

(5) أي على مواطن ومحالّ الجنسين كأن يعلم موطن النخل ومقدار الأرض المزروعة فيه ، وكذا العنب.

(6) صح الشرط بلا خلاف ولا إشكال ، لعدم منافاة الشرط لمقتضى العقد وبعد تحقق الإشاعة في مجموع النماء ، ومضى مثله في المزارعة ، فيلزم الوفاء به لعموم (المؤمنون عند شروطهم) (1) ، وخالف فيه بعض العامة فمنع من الشرط وأبطل العقد ، هذا وإنما الكلام في موردين :

الأول : هذا الشرط وإن كان صحيحا إلا أنه مكروه للمالك بلا خلاف فيه ، ولا دليل على الكراهة كما اعترف بذلك غير واحد ، ولعل مثل عدم الخلاف فيه كاف في ثبوت

ص: 372


1- 1. الوسائل الباب - 20 - من أبواب المهور حديث 4.

فی ما لو فسد العقد

ولا يكره غيرهما ، للأصل.(فلو شرط) أحدهما (1) (وجب) ما شرطه (بشرط سلامة الثمرة) فلو تلفت أجمع ، أو لم تخرج لم يلزم (2) ، لأنه (3) حينئذ (4) أكل مال بالباطل ، فإن العامل لم يحصل له عوض ما عمل ، فكيف يخسر مع عمله الفائت شيئا آخر ، ولو تلف البعض فالأقوى عدم سقوط شي ء عملا بالشرط (5) ، كما لا يسقط من العمل شي ء بتلف بعض الثمرة (6).

(وكلما فسد العقد فالثمرة للمالك) ، لأنها تابعة لأصلها (7) ، (وعليه أجرة)

______________________________________________________

الكراهة كما في الجواهر ، وفيه : إن قاعدة التسامح جارية في السنن والمستحبات لا في المكروهات.

هذا والكراهة مخصوصة بما إذا اشترط ذهبا أو فضة ، أما لو شرط غيرهما بالإضافة إلى الحصة فلا كراهة لعدم الدليل.

المورد الثاني : يجب الوفاء بالشرط على العامل بشرط سلامة الثمرة ، وقد مضى مثله في المزارعة ، على ما هو المشهور بين الأصحاب ، وعليه فإن تلفت الثمرة بآفة سماوية أو لم تخرج الثمرة فيسقط الشرط عن العامل ، لأنه لو لا السقوط لكان أكل المالك للمشروط أكلا للمال بالباطل ، لأن الشرط أصبح جزءا من العوض بحيث تكون الحصة مع الشرط للمالك في قبال حصة العامل ، ويمتنع أن يستحق أحد الشريكين عوضه أو بعضه دون أن يستحق الشريك الآخر شيئا من عوضه ، مع أن المفروض أن العامل لا شي ء له من الحصة لتلف المجموع أو عدم خروج الثمرة.

ولو تلف البعض فيحتمل أن يسقط من الشرط بنسبة التالف لأن الشرط أصبح شريكا ثالثا في البين على ما تقدم بيانه في المزارعة ، ويحتمل عدم السقوط عملا بمقتضى الشرط.

هذا واعلم أنه كما يصح الشرط من رب المال على العامل كذلك يصح العكس ، ولا كراهة في العكس لعدم الدليل عليها مع عدم دعوى الإجماع.

(1) من الذهب والفضة.

(2) أي الشرط.

(3) أي لزوم الشرط.

(4) حين تلف المجموع أو عدم الخروج.

(5) مع أنه في المزارعة قد جعل عدم السقوط احتمالا.

(6) أي كما على العامل جميع العمل ولو تلف بعض الثمرة ، فكذلك عليه جميع ما التزمه بالشرط ولو تلف بعض الثمرة.

(7) لأنها نماء الأصل فهي ملك لمالك الأصل ولم يحصل ما يوجب نقلها عنه لفساد العقد ،

ص: 373

فی ما لو شرط عقد مساقاة فی عقد مساقاة

(مثل العامل) ، لأنه لم يتبرع بعمله ، ولم يحصل له العوض المشروط فيرجع إلى الأجرة.

هذا إذا لم يكن (1) عالما بالفساد (2) ، ولم يكن الفساد بشرط عدم الحصة للعامل (3) ، وإلا فلا شي ء له ، لدخوله (4) على ذلك.

(ولو شرط عقد مساقاة في عقد مساقاة (5) فالأقرب الصحة) ، لوجود المقتضي (6) ، وانتفاء المانع ، أما الأول فهو اشتراط عقد سائغ في عقد سائغ لازم فيدخل (7) في عموم «المؤمنون عند شروطهم» وأما الثاني (8) فلأن المانع لا يتخيل

______________________________________________________

وعلى المالك أجرة المثل للعامل ، لأنه غير متبرع بعمله ولم يحصل له العوض المشروط من الحصة فيرجع إلى الأجرة بلا خلاف في ذلك.

(1) أي العامل.

(2) وإلا فلو كان عالما بالفساد وقد أقدم فهو متبرع بالعمل فلا يستحق شيئا.

(3) بحيث يقع العقد مع شرط جميع الثمرة للمالك ، ومع الشرط المذكور فيكون العامل قد أقدم على التبرع بعمله فلا شي ء له وإن كان جاهلا بفساد العقد.

(4) أي العامل ، والمعنى لإقدامه على كون الجميع للمالك فهو متبرع بالعمل.

(5) بأن قال المالك : ساقيتك على هذا البستان بكذا على أن أساقيك على البستان الآخر بكذا ، فعن الشيخ في المبسوط المنع محتجا بأنه كالبيعين في بيع وهو منهي عنه ، وبأنه لا لزوم لهذا الشرط ، والمراد بالشرط هو المساقاة الثانية ، لأنه بمنزلة الوعد ولا يجب الوفاء به.

وفيه : أن التنظير ليس في محله ، لأن المقام نظير ما لو باع شيئا بكذا بشرط أن يبيعه شيئا آخر بكذا ، وهذا ليس منهيّا عنه في البيع ، وإنما المنهي عنه في البيع هو بيع المتاع حالا بكذا ومؤجلا بكذا ، والبيع على تقدير بثمن ، وعلى تقدير آخر بثمن لا ربط له في المقام كما هو واضح ، وبأن هذا الشرط - أعني المساقاة الثانية - وإن كان وعدا إلا أنه شرط فيجب الوفاء به لعموم (المؤمنون عند شروطهم) ((1).

(6) أي المقتضي للصحة.

(7) أي اشتراط عقد سائغ.

(8) أي انتفاء المانع.

ص: 374


1- 1. الوسائل الباب - 20 - من أبواب المهور حديث 4.

إلا كونه (1) لم يرض أن يعطيه (2) من هذه الحصة (3) إلا بأن يرضى منه (4) من الآخر بالحصة الأخرى. ومثل هذا (5) لا يصلح للمنع كغيره من الشروط السائغة الواقعة في العقود ، والقول بالمنع للشيخ رحمه الله استنادا إلى وجه ضعيف ، يظهر ضعفه مما ذكر في وجه الصحة.

(ولو تنازعا في خيانة العامل حلف العامل) (6) ، لأنه أمين فيقبل قوله بيمينه في عدمها ، ولأصالة عدمها (7).

(وليس للعامل أن يساقي غيره) (8) ، لأن في المساقاة تسليطا على أصول (9) الغير وعملها (10) ، والناس يختلفون في ذلك اختلافا كثيرا ، فليس لمن رضي المالك

______________________________________________________

(1) أي كون المالك.

(2) أي يعطى المالك العامل.

(3) من البستان الأول في المساقاة الأولى.

(4) أي بأن يرضى العامل من المالك من البستان الآخر بالحصة الأخرى في المساقاة الثانية.

(5) أي المانع المتخيل.

(6) بلا خلاف فيه ولا إشكال ، لأن العامل أمين ، حيث هو نائب عن المالك في حفظ مال المالك مع كون يده على المال بإذن المالك والأمين مصدّق ، فضلا عن كون المالك يدعي الخيانة والعامل ينكرها والقول قول المنكر مع يمينه لأصالة عدم الخيانة.

(7) عدم الخيانة.

(8) على المشهور ، لأن المساقاة عقد على الأصول المملوكة للمالك ، والعامل لا يملك سوى الحصة من الثمرة بعد الظهور ، والمالك لم يأذن ولم يسلّط إلا العامل فلا يجوز للعامل أن يسلّط غيره بعقد ثان على أصول المالك حينئذ ، ولأن عقد المساقاة هو سقي الأصول ونحوه مما هو مقصود بالذات ، فلا يجوز للعامل الذي أريد مباشرته للسقي ونحوه بحسب مقتضى العقد أن يعامل غيره عليه بغير إذن المالك لاختلاف الناس في العمل وتفاوت الأغراض فيه ، فرض المالك بعمل العامل في الأصول لا يدل على رضاه بتسليط العامل غيره على الأصول.

وعن ظاهر الإسكافي احتمالا كما في الجواهر أنه يجوز ولو بدون إذن المالك كما في الإجارة والمزارعة ، وقد قوّاه بعض المتأخرين.

(9) هذا هو الدليل الأول.

(10) وهو السقي ونحوه وهو الدليل الثاني.

ص: 375

بعلمه (1) وأمانته (2) أن يولّي (3) من لم يرضه المالك له (4) ، بخلاف المزارعة (5) ، فإن عمل الأرض غير مقصود ، وحصة المالك محفوظة على التقديرين (6).

وأما الفرق (7) بأن النماء تابع للأصل وهو (8) من مالك الأصول في المساقاة ، ومن الزارع في المزارعة فلمالك الأصل (9) تسليط من شاء دون غيره (10) فإنما يتم (11) مع كون البذر من العامل. والمسألة (12) مفروضة في كلامهم أعم منه (13) ، ومع ذلك (14) فإن العقد اللازم يوجب الحصة المخصوصة لكل منهما ،

______________________________________________________

(1) وهو السقي وهو ناظر إلى الدليل الثاني.

(2) عند التسليط على الأصول وهو ناظر إلى الدليل الأول.

(3) وهو العامل.

(4) للتسليط والعمل.

(5) حيث تقدم جواز أن يزارع العامل غيره ، لأن العامل قد تملك منافع الأرض والثمرة في قبال حصة منها للمالك إذا كان البذر من العامل ، فالمقصود من المزارعة أن تكون للمالك الحصة في قبال منافع الأرض للعامل سواء عمل فيها بنفسه أم لا ، ولذا جاز له مزارعة الغير.

(6) من عمل العامل بنفسه أو لا.

(7) بين المزارعة والمساقاة.

(8) أي الأصل.

(9) في المزارعة وهو العامل.

(10) وهو العامل في المساقاة.

(11) هذا الفارق.

(12) أي مسألة جواز أن يزارع العامل غيره.

(13) من كون البذر من العامل ، ولذا قيدنا في الشرح المسألة بهذا القيد فراجع.

(14) أي ومع كون مفروض مسألة مزارعة العامل للغير أعم ، فلا بد من إيجاد فارق آخر بين المزارعة والمساقاة يجوّز للعامل أن يزارع غيره وهو : أن العامل قد تملك الحصة بالعقد ، وإذا تملكها فيجوز له أن ينقلها من شاء وإن لم يكن البذر منه ، ولا ينافيه عدم وجود الحصة وقت المزارعة الثانية فتكون باطلة ، لأن المعاملة حينئذ ليست على نفس الحصة ليعتبر وجودها ، بل على العمل والعوامل والبذر في قبال تملكه لشي ء من الحصة المترقب ظهورها ، فيجوز له أن ينقل هذا التسلط للغير في قبال العمل والعوامل والبذر من ذلك الغير.

وفيه : إن هذا جار في المساقاة أيضا فهو ليس بفارق.

ص: 376

فی الخراج و الزکاة

فله نقلها إلى من شاء ، وإن لم يكن البذر.

وكونها غير موجودة حين المزارعة الثانية غير مانع ، لأن المعاملة ليست على نفس الحصة ، بل على الأرض ، والعمل ، والعوامل ، والبذر بالحصة ، فمن استحق بالعقد اللازم شيئا تسلط على نقله مع انتفاء المانع.

(والخراج على المالك) (1) ، لأنه (2) موضوع على الأرض والشجر (3) فيكون على مالكهما ، (إلا مع الشرط) (4) بأن يكون على العامل ، أو بعضه فيصح مع ضبط المشروط (5) ، (وتملك الفائدة بظهور الثمرة) (6) عملا بالشرط ، فإن العقد اقتضى أن يكون بينهما فمتى تحققت (7) ملكت كذلك (8).

(وتجب الزكاة على من بلغ نصيبه النصاب) (9) من المالك والعامل ، لوجود

______________________________________________________

(1) الخراج ما يأخذه السلطان عن الأراضي المفتوحة عنوة ، وهي تملك تبعا لتملك الآثار فيها ، والآثار كالشجر ، فالخراج على مالك الشجر وليس على العامل ، لأنه يستحق الحصة بسبب عمله لا بسبب شجره.

(2) أي الخراج.

(3) فقد يوضع الخراج على الأرض وقد يوضع على الشجر المغروس فيها.

(4) فيصح لعموم (المؤمنون عند شروطهم) (1).

(5) فإن كان المشروط جميع الخراج فلا بد من العلم بمقداره بحسب العادة ، وإن كان بعضه فلا بد من العلم بمقدار البعض كمائة من ألف ، أو كنصف الخراج بعد العلم بمقداره عادة ، وقد مضى مثله في المزارعة.

(6) المراد بالفائدة نماء الأصول الذي هو الثمرة ، وعليه فتملك بالظهور بين العامل والمالك على النسبة المشترطة بلا خلاف فيه منا ، وخالف بعض الشافعية وقالوا : إن العامل لا يملك حصته إلا بعد القسمة ، وردّ : بأن الشرط تمليك الحصة من الثمرة ، والثمرة صادقة حين ظهورها فيجب أن يتحقق الملك حينئذ.

(7) أي الثمرة.

(8) أي بينهما.

(9) لتحقق شرط وجوب الزكاة ، فالزكاة تجب على الزرع والثمرة حين بدو صلاحهما ، وكل من المالك والعامل قد ملك الثمرة من حين صدق الاسم قبل بدو الصلاح فتجب الزكاة.

ص: 377


1- 1. الوسائل الباب - 20 - من أبواب المهور حديث 4.

شرط الوجوب وهو تعلق الوجوب بها (1) على ملكه (ولو كانت المساقاة بعد تعلق (2) الزكاة وجوزناها (3) بأن بقي من العمل ما فيه مستزاد الثمرة حيث جوزناها مع ذلك (4) (فالزكاة على المالك) ، لتعلق الوجوب بها على ملكه (5).

(وأثبت السيد) أبو المكارم حمزة (بن زهرة الزكاة على المالك في المزارعة (6) والمساقاة ، دون العامل) مطلقا (7) ، محتجا بأن حصته (8) كالأجرة. وهو ضعيف ، لأن الأجرة إذا كانت ثمرة (9) ، أو زرعا (10) قبل تعلق الوجوب (11) وجبت الزكاة

______________________________________________________

حينئذ على من بلغ نصيبه النصاب.

وخالف ابن زهرة في الغنية فأوجب الزكاة على من كان البذر منه وهو المالك هنا محتجا بأن الحصة للآخر كالأجرة ، وقال الشارح في المسالك : (وضعفه ظاهر ، لأن الحصة قد ملكت هنا بعقد المعاوضة في وقت يصلح لتعلق الزكاة بها لا بطريق الأجرة ، ثم لو سلم كونها بالأجرة فمطلق الأجرة لا يمنع من وجوب الزكاة ، بل إذا تعلق الملك بها بعد الوجوب - بحيث تعلق ملكها بالأجرة بعد بدو صلاحها - إذ لو استأجره بزرع قبل بدو صلاحها ، أو آجر المالك الزرع كذلك لوجبت الزكاة على مالك الأجرة كما لو اشترى الزرع كذلك - أي قبل بدو صلاحها - ، نعم لو كان يذهب إلى أن الحصة لا يملكها من لا بذر له بالظهور ، بل بعد بدو صلاح الثمرة ونحوه أمكن ترتب الحكم ، لكنه خلاف إجماع الأصحاب ، ومع ذلك لا يتم تعليله بالأجرة ، بل بتأخر ملكه عن الوجوب) انتهى.

(1) أي لتعلق وجوب الزكاة بالثمرة وهي على ملك مالكها فتجب عليه الزكاة.

(2) أي بعد بدو الصلاح.

(3) أي المساقاة ، لأنه يبقى للعامل عمل تستزاد به الثمرة.

(4) مع بقاء عمل للعامل يزيد في الثمرة.

(5) حين بدو صلاحها كانت الثمرة على ملك المالك.

(6) إن كان البذر من صاحب الأرض.

(7) سواء تملك العامل حصته قبل بدو الصلاح أو بعده.

(8) أي العامل.

(9) كما في المساقاة.

(10) كما في المزارعة.

(11) وهو قبل بدو الصلاح ، فتجب الزكاة على الأجير كما لو اشتراها.

ص: 378

فی أنّ المغارسة باطلة

على الأجير ، كما لو ملكها كذلك (1) بأي وجه كان ، وان أراد كالأجرة بعد ذلك (2) فليس محل النزاع ، إلا أن يذهب إلى أن الحصة لا يملكها العامل بالظهور ، بل بعد بدو الصلاح ، وتعلق (3) الزكاة لكنه (4) خلاف الإجماع ، ومعه (5) لا يتم التعليل (6) بالأجرة بل بتأخر ملكه (7) عن الوجوب (8).

(والمغارسة باطلة) (9) وهي أن يدفع أرضا إلى غيره ليغرسها على أن الغرس

______________________________________________________

(1) قبل تعلق الوجوب.

(2) أي بعد تعلق الوجوب ، فليس هو محل النزاع ، لأن محله فيما إذا تملكها حين الظهور وقبل بدو الصلاح.

(3) عطف على (بدو الصلاح).

(4) عدم تملك العامل حصته عند الظهور.

(5) أي ومع تملك العامل حصته بعد بدو الصلاح وبعد تعلق الزكاة.

(6) بنفي الزكاة عن العامل.

(7) ملك العامل للثمرة

(8) أي وجوب الزكاة.

(9) المغارسة معاملة خاصة على الأرض بأن يدفع مالكها الأرض إلى رجل ليغرسها على أن يكون الغرس بينهما ، وهي باطلة - كما في المسالك وغيره - عندنا وعند أكثر العامة ، لأن عقود المعاوضات موقوفة على إذن الشارع ، وهو منفي هنا.

وفيه : إن الشارع ممضي في المعاملات فلذا ذهب جماعة من المتأخرين إلى الصحة بعد صدق عنوان العقد عليها فتندرج تحت عموم قوله تعالى : ( أَوْفُوا بِالْعُقُودِ ) (1).

نعم على القول بالبطلان فلا فرق بين كون الغرس من المالك أو العامل أو منهما ، وعلى البطلان فالغرس لصاحبه فإن كان من صاحب الأرض ، فعليه أجرة مثل عمل العامل ، لأن العامل لم يعمل متبرعا بل بالحصة ولم تسلم له ، وإن كان الغرس من العامل فعليه أجرة مثل الأرض عن مدة شغله لها ، ولصاحب الأرض قلعه ، لأنه غير مستحق للبقاء فيها ، ولو قلعه المالك حال كون الغرس للعامل فيضمن أرشه ، لأنه غرس بإذن المالك وليس هو عرق ظالم حتى لا يكون له حق ، وقد تقدم أن الأرش هو التفاوت في القيمة بين كونه قائما ومقلوعا.

ص: 379


1- (1) سورة المائدة الآية : 1

بينهما ، (ولصاحب الأرض قلعه (1) ، وله الأجرة) عن الأرض ، (لطول بقائه) (2) فيها ، (ولو نقص (3) بالقلع ضمن (4) أرشه) وهو تفاوت ما بين قيمته مقلوعا ، وباقيا في الأرض بالأجرة ، ولو كان الغرس من مالك الأرض ، وقد شرط على العامل غرسه وعمله بالحصة فهو لمالكه (5) ، وعليه (6) أجرة الغارس ، وما عمل فيه (7) من الأعمال.

(و) على تقدير كونه من العامل (لو طلب كل منهما ما لصاحبه) فطلب الغارس الأرض بالأجرة على أن يبقى الغرس فيها ، أو أن تكون ملكه (بعوض) ، أو طلب صاحب الأرض الغرس بقيمته (لم يجب على الآخر إجابته) ، لأن كلا منهما مسلط على ماله (8).

وحيث يقلعه الغارس (9) يجب عليه طمّ الحفر ، وأرش الأرض لو نقصت به (10) ، وقلع العروق المتخلفة عن المقلوع في الأرض. ولم يفرق المصنف كالأكثر في إطلاق كلامه بين العالم بالفساد والجاهل (11) ، في استحقاق

______________________________________________________

ولو قلعه العامل حال كون الغرس له فإن أضرّ بالأرض فيجب عليه طم الحفر التي حدثت ، وأرش الأرض لو نقصت أو تعيبت بالقلع ، وقلع العروق المتبقية وهكذا.

(1) إذا كان الغرس للعامل.

(2) بقاء الغرس.

(3) أي الغرس.

(4) أي المالك.

(5) أعني صاحب الأرض.

(6) على المالك.

(7) وما عمل العامل في الغرس.

(8) فلا يجبر على بيعه ولا على نقله بلا خلاف فيه.

(9) وكان الغرس منه.

(10) بالقلع.

(11) قال في المسالك : (ولم يفرّق الأصحاب في إطلاق كلامهم بين العالم بالبطلان والجاهل ، بل تعليلهم مؤذن بالتعميم ، ولا يبعد الفرق بينهما ، وأن لا أرش لصاحب الأرض مع علمه ، ولا أرش لصاحب الغرس مع علمه ، أما الأول فللإذن في التصرف فيها بالحصة مع علمه بعدم استحقاقه ، وأما الثاني فلظلمه بالغرس مع علمه بعدم استحقاقه) انتهى.

ص: 380

فی ما لو اختلفا

الأرش (1) ، وثبوت أجرته (2) لو كان الغرس لمالك الأرض ، وليس ببعيد الفرق ، لتبرع العالم بالعمل (3) ، ووضعه الغرس بغير حق ، وبه (4) فارق (5) المستعير (6) للغرس : لأنه موضوع بحق وإذن صحيحة شرعا ، بخلاف هذا الغرس (7).

(ولو اختلفا في الحصة حلف المالك) (8) لأن النماء تابع للأصل فيرجع إلى مالكه في مقدار ما أخرجه منه عن ملكه ، مع أصالة بقاء غيره (9) وعدم (10) انتقاله ، وملك (11) الغير له (وفي المدة (12) يحلف المنكر) لأصالة عدم ما يدعيه الآخر من الزيادة.

تمّ الجزء الأول من الروضة البهية في شرح اللمعة الدمشقية ويتلوه في الجزء الثاني كتاب الإجارة عن يد مصنفها العبد الفقير إلى الله تعالى زين الدين علي بن أحمد الشامي العاملي عامله الله بلطفه ، وعفى عنه وعنهم وعن جميع المؤمنين بمنه وكرمه أنّه أكرم الأكرمين.

______________________________________________________

(1) أي استحقاق المالك أرش نقصان الأرض لو قلع العامل ، واستحقاق العامل أرش نقصان الغرس لو قلع المالك.

(2) أي ثبوت أجرة العامل لو كان الغرس من مالك الأرض.

(3) لعلمه بالبطلان ، ولا أرش لنقصان غرسه لأنه وضعه بغير حق.

(4) أي بهذا الفارق بين الجاهل والعالم ، فالثاني متبرع ولا أرش له ، بخلاف الأول فله أجرة العمل وأرش نقصان الغرس.

(5) أي فارق المغارس ، وهو العامل في عقد المغارسة.

(6) وهو مفعول به من استعار الأرض للغرس ، فلو غرسها وقلع المالك الغرس فعلى المالك الأرش لأن الغرس قد وضع بحق وبإذن من قبل المالك.

(7) وهو غرس العامل العالم ببطلان المغارسة.

(8) رجوع إلى أحكام المساقاة ، ولو اختلف المالك والعامل في مقدار الحصة ، فقال المالك : حصتك ربع فقال العامل : نصف ، فالقول قول المالك مع يمينه لأن الثمرة نماء الأصول فهي تابعة لها في الملكية أيضا فقول المالك موافق لهذا الأصل والعامل مدع للزيادة.

(9) غير ما أخرجه عن ملكه باعترافه وإقراره.

(10) أي وأصالة عدم انتقال هذا الغير.

(11) أي وأصالة عدم ملك الغير له.

(12) يقدم منكر الزيادة مع يمينه لأنه منكر بحسب ظاهر قوله.

ص: 381

واتفق الفراغ منه ظهر يوم الثلاثاء سادس شهر جمادى الأخرى سنة ست وخمسين وتسعمائة حامدا لله تعالى ، مصليا على رسوله وآله ، مسلما ، مستغفرا.

ص: 382

کتاب الاجارة

اشارة

كتاب الاجارة

ص: 383

ص: 384

فی تعریف الاجارة و ألفاظها و لزومها

(كتاب الاجارة (1)

(وهي العقد (1) على تملك المنفعة المعلومة بعوض معلوم) فالعقد بمنزلة الجنس يشمل سائر العقود ، وخرج بتعلقه بالمنفعة البيع والصلح المتعلق (3) بالأعيان ، وبالعوض (4) الوصية بالمنفعة ، وبالمعلوم (5) إصداقها (6) إذ ليس في مقابلها (7) عوض معلوم وإنما هو البضع.

______________________________________________________

(1) قال في المسالك : (وهي في اللغة اسم للأجرة ، وهي كري الأجير ، لا مصدر آجر يؤجر ، فإن مصدره الإيجار ، بخلاف باقي العقود فإنه يعبر عنه بمصدر الفعل أو باسم المصدر) ، وزاد بعضهم مع احتمال أن تكون الإجارة مصدرا سماعيا لآجر ، نحو كتب يكتب كتبا وكتابة ، وحينئذ يتحد المقام مع باقي العقود بالتعبير عنه بالمصدر.

(2) على المشهور أنها عقد على تمليك المنفعة خاصة بعوض معلوم ، والعقد اسم يشمل جميع العقود ، وقيد (تمليك منفعة) يخرج البيع لأنه عقد على تمليك عين ، وقيد (خاصة) يخرج الصلح ، لأنه عقد واقع على تمليك عين وعلى تمليك منفعة ، وقيد (بعوض) تخرج الوصية بالمنفعة ، وقيد (معلوم) يخرج الصداق إذا كان تمليك منفعة ، لأن تمليك المنفعة إذا كان مهرا لم يكن في قباله عوض معلوم ، وإنما في مقابله البضع.

(3) صفة للصلح.

(4) أي خرج بالعوض.

(5) أي وخرج بالمعلوم الذي هو صفة للعوض.

(6) أي مهر الزوجة.

(7) مقابل منفعة الصداق.

ص: 385

ولكن ينتقض في طرده (1) بالصلح على المنفعة بعوض معلوم فانه (2) ليس إجارة بناء على جعله أصلا (3).

(وايجابها آجرتك (4) ، واكريتك ، أو ملكتك (5) منفعتها سنة) قيّد التمليك بالمنفعة (6) ، ليحترز به (7) عما لو عبّر (8) بلفظ الايجار والإكراء فانه (9) لا يصح تعلقه إلا بالعين (10) فلو أوردهما على المنفعة فقال : آجرتك منفعة هذه الدار مثلا لم

______________________________________________________

(1) بكونه غير مانع.

(2) أي الصلح.

(3) كما عليه الأكثر في قبال الشيخ الذي جعله فرعا لما يفيد فائدته ، وقد تقدم البحث فيه.

(4) لما كانت الإجارة من العقود اللازمة كما سيأتي ، فيجب في إنشاء إيجابها وقبولها كل لفظ صريح ماضوي على مبنى المشهور ، وقد عرفت ما فيه ، وعلى كل فالصريح في الإيجاب : آجرتك وأكريتك ، فيقال : آجرت الدار وأكريتها أي ملّكت منفعتها للغير.

(5) التمليك يفيد نقل ما تعلق به ، فإذا ورد على الأعيان أفاد نقل ملكها فيقال : ملّكتك الدار ، إذا نقلت ملكيتها للغير ، وهذا ليس مورد الإجارة ، لأن العين تبقى على ملك المؤجر.

وعليه فيتعين إذا أردنا إنشاء لإيجاب بالتمليك في الإجارة أن نضيف التمليك إلى المنفعة ، لأن الذي يتم نقله بالعوض في مورد الإجارة هو منافع الأعيان ، وحتى يكون التمليك من الألفاظ الصريحة حينئذ فلا بد من الابتداء به فيقال : ملكتك منفعة الدار مدة كذا بكذا من العوض. هذا وفيه ما قاله البعض من أن إنشاء الإيجاب في الإجارة بلفظ التمليك مبني على صحة التجوز في صيغ العقود ، وهو ممنوع عندهم ، والعجب منهم كيف جمعوا بين مبناهم وهذا البناء.

نعم على المبنى المنصور من صحة التجوز في صيغ العقود الإنشائية كصحة التجوز في الإخبارات فيصح الإنشاء بلفظ التمليك المذكور.

(6) دون (آجرتك أو أكريتك).

(7) بالتقييد.

(8) عن الإيجاب.

(9) فإن لفظ الإيجار والإكراء.

(10) فيقال : أجرتك الدار أو أكريتها ، ويفيد عرفا ولغة تمليك منفعتها ، بحيث لو أورد اللفظ المذكور على المنفعة فقال : آجرتك منفعة هذه الدار لم يصح ، لأنه يفيد تمليك منفعة متعلقه ، ومتعلقه منفعة ، فيفيد تمليك منفعة المنفعة ، وهو باطل إذ لا منفعة للمنفعة.

ص: 386

يصح ، بخلاف التمليك ، لأنه (1) يفيد نقل ما تعلق به ، فإن ورد على الأعيان أفاد ملكها وليس ذلك (2) مورد الإجارة ، لأن العين تبقى على ملك المؤجر فيتعين فيها (3) إضافته (4) إلى المنفعة ، ليفيد نقلها (5) إلى المستأجر حيث يعبّر بالتمليك.

(ولو) عبّر بالبيع و (نوى بالبيع الإجارة (6) فإن أورده على العين) فقال : بعتك هذه الدار شهرا مثلا بكذا (بطل) (7) ، لإفادته (8) نقل العين وهو مناف للاجارة (9) (وإن قال : بعتك سكناها سنة مثلا (10) ففي الصحة وجهان) مأخذهما أن البيع (11) موضوع لنقل الأعيان ، والمنافع تابعة لها فلا يثمر (12) الملك لو تجوز به في نقل المنافع منفردة وإن نوى به (13)

______________________________________________________

(1) أي التمليك.

(2) أي ملك الأعيان.

(3) في الإجارة.

(4) أي إضافة التمليك.

(5) أي ليفيد التمليك نقل المنفعة.

(6) على نحو المجاز.

(7) نسبة في التذكرة إلى علمائنا ، لعدم صحة التجوز في صيغ العقود ، بل هو مجاز مستهجن كلفظ النكاح وإرادة البيع منه أو بالعكس.

(8) أي البيع.

(9) بحسب المعنى الحقيقي فيكون مجازا.

(10) بحيث أورد البيع على المنفعة فالمنع على المشهور ، لأنه مجاز ويشترط في العقد اللازم عدم المجاز ، وتردد المحقق في الشرائع ، وعن العلامة في التحرير احتمال الانعقاد به ، لأن البيع بحسب معناه الحقيقي مما يفيد نقل المنفعة تبعا لنقل العين ، وإذا أفاد نقل المنفعة فيصح إنشاء الإجارة به بشرط التصريح بالمنفعة ، لأنه من دون التصريح فهو لا يستعمل إلا في نقل الأعيان.

وفيه : إنه مجاز صريح بعد عدم كون البيع موضوعا لنقل المنفعة ، وعلى مبناهم لا بدّ من الحكم بالبطلان من دون تردد.

(11) دليل البطلان.

(12) أي البيع.

(13) بالبيع.

ص: 387

الإجارة ، وأنه يفيد (1) نقل المنفعة أيضا (2) في الجملة ولو بالتبع فيقوم (3) مقام الإجارة مع قصدها (4) ، والأصح المنع.

(وهي لازمة من الطرفين) (5) لا تبطل إلا بالتقايل (6) ، أو بأحد الأسباب المقتضية للفسخ وسيأتي بعضها ، (ولو تعقبها البيع لم تبطل) (7) لعدم المنافاة (8) ، فإن الإجارة تتعلق بالمنافع ، والبيع بالعين ، وان تبعتها (9) المنافع حيث يمكن (10) (سواء)

______________________________________________________

(1) أي البيع وهو دليل الصحة.

(2) كنقل المنافع بحسب الأصل.

(3) أي البيع.

(4) أي قصد الإجارة.

(5) بلا خلاف فيه ، لأنها عقد فتندرج تحت عموم قوله تعالى : ( أَوْفُوا بِالْعُقُودِ ) (1) ، ولا مخصص بالاتفاق.

(6) لعموم أدلة التقايل الشاملة لكل عقد.

(7) لا تنفسخ الإجارة ببيع العين المستأجرة قبل تمام مدة الإجارة بلا خلاف فيه لاختلاف متعلقهما ، فالإجارة قد تعلقت بالمنفعة ، والبيع قد تعلق بالعين ، نعم ليستحق المشتري العين من حين البيع مسلوبة المنفعة إلى انتهاء مدة الإجارة ، وبما أنها مسلوبة المنفعة فلو كان المشتري جاهلا بحقيقة المبيع وأنه مؤجر فيتخير بين الإمضاء الصبر إلى انتهاء المدة ، وبين الفسخ ، لأن إطلاق عقد البيع يقتضي تعجيل التسليم للانتفاع كما هو الغالب ، وهو غير متحقق هنا لكونها مسلوبة المنفعة ، بخلاف العالم فلا خيار له لإقدامه على ذلك ثم لو فسخ المستأجر عقد الإجارة بأحد أسباب الفسخ في أثناء المدة رجعت المنافع في مدة الإجارة إلى البائع وهو المؤجر ، دون المشتري ، لأن المشتري قد استحق بالعقد العين مسلوبة المنفعة إلى انتهاء المدة ، وهذه المنافع هي لغيره قطعا فإذا خرجت عن ملك المستأجر بالفسخ فيتعين أنها للبائع المؤجر.

(8) بين البيع والإجارة.

(9) أي تبعت العين المنافع.

(10) دفع وهم ، أمّا الوهم فقد تقدم أن البيع يفيد نقل المنافع بالتبع وإن أفاد نقل العين بالأصل وعليه فيتحد متعلق البيع والإجارة وإن اختلفا استقلالا وتبعا.

ص: 388


1- 1. سورة المائدة ، الآية : 1.

(كان المشتري هو المستأجر ، أو غيره) (1) فإن كان هو المستأجر لم تبطل الإجارة على الأقوى ، بل يجتمع عليه الأجرة والثمن ، وإن كان غيره (2) وهو عالم بها (3) صبر إلى انقضاء المدة ، ولم يمنع ذلك (4) من تعجيل الثمن (5) وإن كان جاهلا بها (6) تخير (7) بين فسخ البيع ، وامضائه مجانا مسلوب المنفعة إلى انقضاء المدة ، ثم لو تجدد فسخ الإجارة (8) عادت المنفعة إلى البائع ، لا إلى المشتري.

(وعذر المستأجر لا يبطلها) (9) وإن بلغ حدا يتعذر عليه الانتفاع بها (كما لو)

______________________________________________________

وأما الدفع : فالبيع يفيد نقل المنفعة بالتبع حيث يمكن ذلك ، وهو كون العين غير مسلوبة المنفعة ، أما هنا فالعين مسلوبة المنفعة والبيع لم يفد إلا نقل العين فقط ولا يفيد بالتبع نقل منافعها ، إذ لا منفعة لها مملوكة للبائع بل هي للمستأجر. فلم يتحد متعلق البيع والإجارة.

(1) ما تقدم كان في المشتري غير المستأجر ، أما لو كان المشتري نفس المستأجر ، فالمشهور على أن الإجارة لا تبطل بالبيع أيضا ، لنفس ما تقدم من الدليل ، ويجتمع على المشتري الأجرة والثمن ، أما الأجرة في قبال المنافع وأما الثمن في قبال العين التي كانت مسلوبة المنفعة.

وعن العلامة في الإرشاد ونسب إلى الشيخ فسخ الإجارة بالبيع ، لأن ملك العين يستدعي ملك المنافع ، فالمشتري يملك المنافع بتملكه للعين ، ومعه يبطل سبب تملك المنافع بالإجارة لعدم اجتماع سببين على مسبّب واحد.

وردّ بأن العين تستتبع المنافع في النقل والانتقال إذا لم يسبق تملكها بسبب آخر ، وعليه فلم يجتمع سببان على مسبّب واحد.

(2) أي وإن كان المشتري غير المستأجر.

(3) بالإجارة.

(4) من كون الدار مسلوبة المنفعة فلا يمكن للمشتري الانتفاع بالمبيع.

(5) لأن العقد يقتضي تعجيل الثمن والمثمن ، وعدم انتفاع المشتري بالعين لأنها مسلوبة المنفعة لا يمنع من تعجيل الثمن حتى ينتفع به البائع كما هو مقتضى العقد.

(6) بالإجارة.

(7) أي المشتري الجاهل.

(8) من المستأجر أو المؤجر.

(9) لو وقعت الإجارة على عين وحدث مانع للمستأجر من الانتفاع بمنافعها ، فلا تبطل الإجارة ، لأن المنفعة التي وقعت موردا للعقد ما زالت باقية ، وإنما المانع من جهته فيستصحب لزوم الإجارة بعد وقوع العقد.

ص: 389

(استأجر حانوتا فسرق متاعه) ولا يقدر على إبداله ، لأن العين (1) تامة صالحة للانتفاع بها فيستصحب اللزوم ، (واما لو عم العذر (2) كالثلج المانع من قطع الطريق) الذي استأجر الدابة لسلوكه مثلا (فالأقرب جواز الفسخ لكل منهما) (3) ، لتعذر استيفاء المنفعة المقصودة (4) حسا فلو لم يجبر بالخيار لزم الضرر المنفي ، ومثله (5) ما لو عرض مانع شرعي كخوف الطريق ، لتحريم السفر حينئذ (6) ، أو استئجار امرأة لكنس المسجد فحاضت (7) والزمان (8) معين ينقضي (9) مدة العذر ، ويحتمل (10) انفساخ العقد في ذلك كله (11) ، تنزيلا للتعذر منزلة تلف العين (12).

(ولا تبطل) الإجارة (بالموت) (13) كما يقتضيه لزوم العقد ، سواء في ذلك

______________________________________________________

(1) تعليل لعدم بطلان الإجارة.

(2) بمعنى لم يكن المانع من قبله وإنما كان بأسباب طبيعية ، فتعذر حينئذ استيفاء المنفعة المقصودة من الإجارة ، كالثلج المانع من سلوك الطريق مع أن إجارة الدابة إنما كان لسلوك هذا الطريق ، وكذا لو استأجر الدابة لسلوك طريق معيّن فعرض مانع شرعي كالخوف من سلوكه لظالم أو متعد ، وعليه فلزوم الإجارة على المستأجر ضرر وهو منفي ، ورفعه بثبوت الخيار له بين الفسخ والإمضاء.

(3) أي المؤجر والمستأجر.

(4) من عقد الإجارة وإن أمكن استيفاء غيرها من العين المؤجرة.

(5) أي مثل العذر العام.

(6) حين الخوف.

(7) فالحيض وتحريم السفر مانعان شرعيان.

(8) زمن الاستئجار.

(9) أي زمن الاستئجار ينقضي في زمن عذرها.

(10) ومن هنا قال سابقا (الأقرب).

(11) ما عدا العذر الذي يكون من قبل المستأجر.

(12) وتلف العين موجب للانفساخ كما سيأتي.

(13) اختلف فيه على أقوال ، أنها لا تبطل بالموت مطلقا سواء كان بموت المؤجر أو المستأجر كما عن المحقق والعلامة وعليه المتأخرون أجمع كما في المسالك ونسب إلى جملة من القدماء كالمرتضى والقديمين ، لأن الإجارة من العقود اللازمة ، ومن شأن اللزوم عدم البطلان بالموت لعموم الأمر بالوفاء بالعقود ، وللاستصحاب.

وقيل : إنها تبطل مطلقا وهو المحكي عن المفيد في المقنعة والشيخ في الخلاف والنهاية

ص: 390

.................................................................................................

______________________________________________________

والديلمي وبني حمزة وزهرة والبراج ، وفي الشرائع نسبته إلى المشهور ، لموثق إبراهيم بن محمد الهمداني (كتبت إلى أبي الحسن عليه السلام : وسألته عن امرأة آجرت ضيعتها عشر سنين على أن تعطي الأجرة في كل سنة عند انقضائها ، لا يقدّم لها شي ء من الأجرة ما لم يمض الوقت ، فماتت قبل ثلاث سنين أو يعدها ، هل يجب على ورثتها إنفاذ الإجارة إلى الوقت ، أم تكون الإجارة منقضية بموت المرأة؟

فكتب عليه السلام : إن كان لها وقت مسمى لم يبلغ فماتت فلورثتها تلك الإجارة ، فإن لم تبلغ ذلك الوقت وبلغت ثلثه أو نصفه أو شيئا منه فتعطى ورثتها بقدر ما بلغت من ذلك الوقت إن شاء الله تعالى) ((1).

بدعوى أن الجواب مشتمل على شرطيتين ، فالأول (إن كان لها وقت مسمى) الخ ...

وهي ظاهرة في أن المرأة إذا ماتت بعد إدراك الأنجم المضروبة لأخذ الأجرة قبل أخذ الأجرة فلورثتها تلك الأجرة ، والثانية (فإن لم تبلغ ذلك الوقت وبلغت ثلثه) الخ ..

وهي ظاهرة في أن المرأة إذا ماتت في أثناء الأجل المضروب قبل أخذ الأجرة فتستحق الورثة الأجرة عن الماضي دون المستقبل ، ولازم ذلك هو الفساد ، وأيدهم على هذا التفسير كل من المجلسي وسيد الرياض وصاحب مفتاح الكرامة والشيخ الأعظم.

وذهب الأردبيلي وبحر العلوم إلى أن الخبر من أدلة عدم بطلان الإجارة بالموت ، لأن المراد من الوقت في الجواب هو مدة الإجارة سيّما بعد ملاحظة السؤال حيث ورد فيه (هل يجب على ورثتها إنفاذ الإجارة إلى الوقت ، أم تكون الإجارة منقضية بموت المرأة) وهو ظاهر في السؤال عن بطلان الإجارة لموت المؤجر في مدة الإجارة.

وبناء عليه فالجواب ظاهر في أنها لو ماتت فلورثتها تلك الإجارة بحسب الشرطية الأولى وهذا ظاهر في عدم البطلان ، وتدفع الأجرة إلى الورثة بالنسبة إلى المنفعة الماضية بحسب الشرطية الثانية ، وهذا لا ينافي الصحة.

والحق ما قال الأردبيلي من أنها صريحة في الصحة.

هذا وعن الشيخ في المبسوط أنها تبطل بموت المستأجر دون المؤجر ، وتبعه ابن طاوس ، وعن ابن البراج نسبته إلى أكثر أصحابنا ، ومما تقدم تعرف ضعفه. ثم على القول بعدم بطلانها بالموت يستثنى منه مواضع منها : ما لو شرط على المستأجر استيفاء المنفعة بنفسه فإنها تبطل بموته عملا بالشرط.

ص: 391


1- 1. . الوسائل الباب 25 من أبواب الإجارة حديث 1.

فی ما یصح إجارته

موت المؤجر والمستأجر ، (إلا أن تكون العين موقوفة) على المؤجر وعلى من بعده من البطون فيؤجرها مدة ويتفق موته قبل انقضائها فتبطل ، لانتقال الحق إلى غيره ، وليس له التصرف فيها إلا زمن استحقاقه ولهذا لا يملك نقلها ، ولا اتلافها.

نعم لو كان ناظرا وآجرها لمصلحة البطون لم تبطل بموته (1) ، لكن الصحة حينئذ ليست من حيث أنه موقوف عليه ، بل من حيث انه ناظر ، ومثله (2) الموصى له بمنفعتها مدة حياته فيؤجرها كذلك (3) ، ولو شرط على المستأجر استيفاء المنفعة بنفسه بطلت بموته أيضا (4).

(وكلما يصح الانتفاع به مع بقاء عينه (5) تصح إعارته وإجارته) وينعكس في الإجارة كليا (6) ، دون الإعارة (7) ، لجواز إعارة المنحة ، مع أن المقصود منها

______________________________________________________

منها : أن يكون المؤجر موقوفا عليه وعلى من بعده من البطون عند موته ، ثم يموت قبل انتهاء أمد الإجارة ، فإنها تبطل بموته ، لأن الحق المؤجر قد انتقل إلى غيره بموته ، فيلزم رضا المالك الجديد.

ومنها : الموصى له بالمنفعة مدة حياته ، فلو آجرها مدة ومات في أثنائها فإنها تبطل أيضا ، لانتهاء استحقاقه ورجوع المنفعة إلى ورثة الميت كما هو واضح.

(1) بموت الناظر ، لأنه نائب منابهم جميعا ، فلو عاش مع جميع البطون أو وجد مع البطن الثاني لكان النظر إليه.

(2) أي مثل الموقوف عليه.

(3) أي يؤجرها مدة ثم يموت قبل انقضاء مدة الإجارة.

(4) عملا بالشرط.

(5) كل ما يصح الانتفاع به مع بقاء عينه هو مورد الإجارة ، بلا خلاف فيه ، لأن الإجارة ذلك لغة وعرفا ، ثم إن هذا المورد هو مورد العارية على ما تقدم في بابها وعليه فكل ما يصح الانتفاع به مع بقاء عينه تصح إجارته وعاريته ، وكل ما تصح إجارته تصح إعارته ، وكل ما تصح إعارته تصح إجارته.

(6) والعكس في الإجارة : كل ما لا يصح الانتفاع به إلا بذهاب عينه لا تصح إجارته ، وفي مثله لا مورد للإجارة.

(7) والعكس في الإعارة : كل ما لا يصح الانتفاع به إلا بذهاب عينه لا تصح إعارته ، وهو ليس بكلي لجواز إعارة المنحة ، وهي إعارة الشاة أو الناقة اللبون ، فيصح إعارتها مع أنه لا يمكن الانتفاع بها إلا بذهاب عينها الذي هو العين.

ص: 392

وهو اللبن لا تبقى عينه ، ولا تصح إجارتها (1) لذلك (2) (منفردا (3) كان) ما يؤجر ، (أو مشاعا) (4) إذ لا مانع من المشاع باعتبار عدم القسمة ، لإمكان استيفاء المنفعة (5) بموافقة الشريك ، ولا فرق بين أن يؤجره (6) من شريكه ، وغيره عندنا.

(ولا يضمن (7) المستأجر العين إلا بالتعدي) فيها ، (أو التفريط) (8) ،

______________________________________________________

(1) أي إجارة المنحة.

(2) لأن استيفاء المنفعة يتم بذهاب العين فلا مورد للإجارة.

(3) إجازة المنفرد كإجارة الدار ، بلا خلاف فيه ، لإمكان تسليمه من قبل المؤجر وإمكان استيفاء المنفعة من قبل المستأجر ، فلا بد من الصحة لوجود المقتضي بعد كونه عقدا مع عدم المانع.

(4) كإجارة الحصة المشاعة من الدار كالنصف ، ولا خلاف في صحة إجارتها عندنا لوجود المقتضي لعموم ( أَوْفُوا بِالْعُقُودِ ) (1) ، ولا مانع منه إلا عدم إمكان التسليم من قبل المؤجر وعدم إمكان الاستيفاء من قبل المستأجر ، وهو غير مانع إذ يمكن التسليم بموافقة الشريك ، ومعه يمكن للمستأجر استيفاء المنفعة ، وعليه لا بدّ من إذن الشريك في تسليم الحصة المشاعة المؤجرة ، ولو أبى رفع أمره إلى الحاكم لأنه ولي الممتنع.

ثم الإشاعة لا تنافي معلومية المتاع ، ولذا جاز وقوع البيع عليه فيصح وقوع الإجارة عليه أيضا.

وثم لا فرق في الحكم بين أن يؤجرها الشريك من شريكه أو غيره لعموم أدلة صحة الإجارة ، وعموم الأمر بالوفاء بالعقد ، وهو عندنا موضع وفاق ، وخالف بعض العامة فمنع من الإجارة لغير الشريك وهو تحكم إذ لا دليل له.

(5) من قبل المستأجر ، وإمكان التسليم من قبل المؤجر.

(6) ضمير المفعول راجع إلى المتاع.

(7) عدم ضمان المستأجر للعين المؤجرة لأنه أمين ، بعد كون وضع اليد عليها بإذن المؤجر ، والأصل في الأمين عدم الضمان إلا مع التعدي والتفريط ، فلا يشمله عموم (على اليد ما أخذت حتى تؤدي) (2) ، وللأخبار الآتية.

(8) فمع التعدي أو التفريط يضمن بلا خلاف فيه لعموم (على اليد) بعد ارتفاع أمانته ، وللأخبار.

ص: 393


1- 1. سورة المائدة ، الآية : 1.
2- 2. سنن البيهقي ج 6 ص 90 كنز العمال ج 5 ص 257 حديث 5197.

لأنها (1) مقبوضة بإذن المالك لحق القابض. ولا فرق في ذلك (2) بين مدة الإجارة (3) وبعدها (4) ، قبل طلب المالك وبعده ، إذا لم يؤخر (5) مع طلبها اختيارا ، (ولو شرط) في عقد الإجارة (ضمانها بدونهما (6) فسد العقد) ، لفساد الشرط من حيث مخالفته للمشروع ، ومقتضى الإجارة ، (ويجوز اشتراط الخيار

______________________________________________________

منها : صحيح علي بن جعفر عن أخيه عليه السلام (سألته عن رجل استأجر دابة فأعطاها غيره فنفقت ، ما عليه؟ قال عليه السلام : إن شرط أن لا يركبها غيره فهو ضامن لها ، وإن لم يسم فليس عليه شي ء) (1) ، ومثله غيره.

(1) أي العين المستأجرة ، وهذا تعليل بالأمانة لعدم الضمان عند عدم التعدي أو التفريط.

(2) في عدم الضمان.

(3) ما تقدم إنما كان بلحاظ مدة الإجارة.

(4) أي بعد مدة الإجارة ، فلو تلفت في هذه المدة لا يضمن على المشهور لبقاء الأمانة القاضية بعدم الضمان ، وعن الشيخ وابن الجنيد الحكم بالضمان لأن العين المؤجرة بعد انقضاء المدة أمانة شرعية لا مالكية ، فيجب عليه ردها ولو لم يطلب المالك ولو تلفت كان ضامنا لها ، وهذه هي أحكام الأمانة الشرعية.

والمشهور لم يوجبوا الرد عليه فورا ، بل لا يجب الرد حتى لو طلبها المالك وإنما عند الطلب يجب عليه التخلية فقط ، والسبب في ذلك لأنها مقبوضة بإذن المالك بخلاف الأمانة الشرعية فلا إذن للمالك فيها.

(5) أي لم يؤخر المستأجر بالتخلية لو طلبها المؤجر ، فلو أخّر بالتخلية بعد الطلب وتلفت كان ضامنا لأنه مفرط حينئذ.

(6) بدون التعدي أو التفريط ، فقد ذهب المشهور إلى فساد الشرط ، لمنافاته لمقتضى عقد الإجارة من عدم الضمان عند عدم التعدي أو التفريط ، ولما دل في السنة على عدم ضمان المستأجر ، وقد تقدم فلا يكون سائغا فلا يندرج تحت عموم (المؤمنون عند شروطهم) (2).

وإذا فسد الشرط فسد العقد ، لأن الشرط فاسد مفسد ، إذ لا تراضي في العقد بناء على صحة الشرط ولم يسلم ، فلا رضا حينئذ بالعقد ، ومعه يفسد. وعن جماعة منهم سيد الرياض عدم بطلان الشرط لعموم (المؤمنون عند شروطهم) (3).

ص: 394


1- 1. الوسائل الباب - 16 - من أبواب الإجارة حديث 1.
2- (2 و 3) الوسائل الباب -2. من أبواب المهور حديث 4.

لهما أو لاحدهما) (1) مدة مضبوطة ، لعموم «المؤمنون عند شروطهم» ، ولا فرق بين المعينة ، والمطلقة عندنا.

(نعم ليس للوكيل والوصي فعل ذلك) (2) وهو اشتراط الخيار للمستأجر أو للأعم (3) بحيث يفسخ (4) إذا أراد (إلا مع الإذن (5) ، أو ظهور الغبطة (6) في الفسخ فيفسخ (7) حيث يشترطها (8) لنفسه ، لا بدون الإذن في الوكيل ، ولا الغبطة في الوصي ، لعدم اقتضاء إطلاق التوكيل فيها (9) إضافة الخيار (10)

______________________________________________________

(1) بل إشكال ولا خلاف كما في الجواهر لعموم (المؤمنون عند شروطهم) (1) ، بل لا فرق بين كون الخيار لهما أو لأحدهما أو للأجنبي ، بشرط كون مدة الخيار معلومة لئلا يلزم الضرر في الشرط.

ثم لا فرق في ثبوت الخيار في الإجارة المعينة كأن يستأجر هذه العين ، وفي المطلقة كإجارة دار موصوفة ، أو كأن يستأجره لعمل مطلق غير مقيد ، كل ذلك للعموم المتقدم ، وخالف بعض العامة فجوّز خيار الشرط في المطلقة دون المعينة ، وهو تحكم إذ لا دليل له على التفريق.

(2) الوصي هو ولي الصبي فليس لهما اشتراط الفسخ للمستأجر ، أو اشتراط الفسخ للموكل أو الصبي أو لأنفسهما ، أما بالنسبة للوكيل فلأن مقتضى الوكالة إجراء عقد الإجارة اللازم ، وهذا يقتضي عدم الخيار لأحد الطرفين إلا إذا أذن الموكل فيجوز للوكيل ذلك تبعا للاذن.

وأما بالنسبة للوصي فلا يجوز له ذلك إلا مع ظهور الغبطة والمصلحة في ثبوت الخيار ، ومعها يجوز.

(3) من المستأجر والمؤجر.

(4) ضمير الفاعل راجع لمن أعطي له حق الخيار ، وهو المستأجر أو الأعم منه ومن المؤجر.

(5) بالنسبة للوكيل.

(6) بالنسبة للوصي.

(7) كل من الوكيل والوصي.

(8) أي يشترط الخيرة بمعنى الخيار.

(9) في الإجارة.

(10) أي إضافته للإجارة ، لأن الدليل في الإجارة والأصل فيها اللزوم.

ص: 395


1- (2 و 3) الوسائل الباب -1. من أبواب المهور حديث 4.

فی المتعاقدین

المقتضي (1) للتسلط على أبطالها (2) ، وكذا الوصاية (3) ، فإن فعل الوصي منوط بالمصلحة.

(ولا بدّ من كمال المتعاقدين (4) ، وجواز تصرفهما) فلا تصح إجارة الصبي وإن كان مميزا ، أو أذن له الولي (5) ، ولا المجنون مطلقا (6) ، ولا المحجور بدون إذن الولي (7) ، أو من في حكمه (8) (ومن كون المنفعة) المقصودة من العين ، (والأجرة معلومتين) (9).

______________________________________________________

(1) صفة للخيار.

(2) إبطال الإجارة.

(3) فتقتضي أن تقع الإجارة لمال الصبي لازمة على حسب أصلها إلا مع ظهور الغبطة بالنسخ.

(4) كمالهما بالبلوغ والعقل والاختيار وأن يكونا جائزي التصرف لعدم الفلس والسفه ونحوهما من أسباب الحجر ، فعقد الصبي والمجنون باطل لأنهما مسلوبا العبارة شرعا لحديث (رفع القلم عن الصبي حتى يحتلم وعن المجنون حتى يفيق) (1) ، وعقد المكره باطل لأنه مسلوب العبارة لحديث (رفع عن أمتي تسعة أشياء : - إلى أن قال - وما أكرهوا عليه وما اضطروا إليه) (2).

وعقد المحجور عليه باطل للحجر المانع عن التصرف المالي والإجارة تصرف مالي ، بلا خلاف في ذلك كله.

(5) فعبارته مسلوبة شرعا وأذن الولي وتمييزه لا تجعل العبارة ممضاة شرعا.

(6) أدواريا أو مطبقا.

(7) فالمحجور الذي له ولي هو المكلف الذي بلغ سفيها ، وولاية أبيه عليه مستمرة كما مضى في باب الحجر ، وعليه فلو أذن الولي صح ، لعدم سلب عبارته شرعا وإنما منع من التصرف لعارض وأذن الولي يرفعه.

(8) أي في حكم الولي وهو الغرماء بالنسبة للمفلس ، لأن المفلس ممنوع من التصرف المالي حفظا لحق الغرماء ، وإذا أذنوا له بالتصرف فقد سقط المانع وارتفع.

(9) أما العلم بالمنفعة التي كانت موردا للإجارة كعمل العامل إذا استؤجر ، ومنفعة الدار ، فلا

ص: 396


1- 1. الوسائل الباب - 4 - من أبواب مقدمة العبادات حديث 11.
2- 2. الوسائل الباب - 56 - من أبواب جهاد النفس حديث 1.

فی أنه لا تکفی المشاهدة فی الأجرة و أنها تملک بالعقد

ويتحقق العلم بالمنفعة بمشاهدة العين (1) المستأجرة التي هي متعلقة المنفعة أو وصفها بما يرفع الجهالة ، وتعيين المنفعة إن كانت متعددة في العين ولم يرد الجميع (2) ، وفي الأجرة (3) بكيلها ، أو وزنها ، أو عدها إن كانت (4) مما يعتبر بها (5) في البيع ، أو مشاهدتها إن لم تكن كذلك (6).

(والأقرب أنه لا تكفي المشاهدة في الأجرة عن اعتبارها) (7) بأحد الأمور الثلاثة إن كانت مما يعتبر بها ، لأن الإجارة معاوضة لازمة مبنية على المغابنة (8) فلا بد فيها من انتفاء الغرر عن العوضين ، أما لو كانت الأجرة مما يكفي في بيعها

______________________________________________________

خلاف فيه ، للغرر إذا كانت مجهولة.

والعلم بالمنفعة متحقق إما بتقدير العمل كخياطة الثوب المعلوم طوله وعرضه وغلظته ورقته في إجارة عمل العامل ، وإما بتقدير المدة كسكنى الدار مثلا سنة ، أو العمل على الدابة كذلك ، وبهذا ترتفع الجهالة عرفا التي هي المدار في تحقق الغرر ،.

ثم لا يكفي في رفع الجهالة تقدير المنفعة بالعمل أو بالزمن بل لا بدّ مع ذلك من مشاهدة نفس الدابة والدار أو وضعها ، ولا بدّ من تعيين المنفعة من العين عند عدم إرادة جميع منافعها من عقد الإجارة.

وأما العلم بالأجرة التي هي العوض فلا خلاف فيه للغرر أيضا ، والعلم بالأجرة متحقق بالوزن أو الكيل أو العدّ إذا كانت الأجرة من هذه الأمور الثلاثة ، وقيل : تكفي المشاهدة حتى في هذه الثلاثة كما عن الشيخ والمرتضى لانتفاء معظم الغرر بالمشاهدة.

وردّ بأنه قد ثبت من الشارع اعتبار الكيل والوزن والعدّ في المكيل وأخويه في البيع مع عدم كفاية المشاهدة ، وهذا كاشف عن عدم ارتفاع الغرر بالمشاهدة.

نعم ما تكفي المشاهدة فيه في البيع لرفع الغرر تكفي في الإجارة ، وهذا لا يكون إلا في غير هذه الأمور الثلاثة.

(1) أي مع العلم بتقدير العمل وتقدير المدة على ما سمعته سابقا.

(2) جميع المنافع من العين.

(3) أي يتحقق العلم بالأجرة.

(4) هذه الأمور الثلاثة.

(5) أي مما يعتبر العلم بها.

(6) من المكيل أو الموزون أو المعدود.

(7) أي اعتبار الأجرة خلافا للشيخ والسيد.

(8) بحسب واقعها.

ص: 397

المشاهدة كالعقار كفت فيها هنا (1) قطعا ، وهو (2) خارج (3) بقرينة الاعتبار (4).

(وتملك) الأجرة (بالعقد) (5) ، لاقتضاء صحة المعاوضة انتقال كل من العوضين إلى الآخر ، لكن لا يجب تسليمها قبل العمل (6) ، وإنما تظهر الفائدة في ثبوت أصل الملك (7) فيتبعها (8) النماء متصلا ومنفصلا ، (ويجب تسليمها (9) بتسليم العين) المؤجرة (وإن كانت على عمل فبعده) ، لا قبل ذلك (10) ، حتى لو كان المستأجر وصيا ، أو وكيلا لم يجز له التسليم (11) قبله (12) ، إلا مع الإذن (13)

______________________________________________________

(1) أي كفت المشاهدة في الإجارة.

(2) أي ما يكتفي بمشاهدته في الإجارة.

(3) أي خارج عن اشتراط الكيل أو الوزن أو العد في تحقق العلم بالأجرة.

(4) أي بقرينة اعتبار المشاهدة في البيع.

(5) لا خلاف في أن المعاوضة - كل معاوضة سواء كانت بيعا أو إجارة - إذا صحت اقتضت نقل الملك في كل من العوضين إلى الآخر ، لأن المعاوضة هي تبديل مال بمال ، ولازمه انتقال في العوضين بمجرد العقد.

(6) لا يجب تسليم الأجرة إلا بتسليم العين المؤجرة أو بالعمل ، إذا كانت الإجارة على عمل العامل لما تقدم في كتاب البيع من وجوب تقديم المثمن فيه ، لأن الثمن عوض عنه ، تابع له فيؤخر ، ويشهد له ما في الخبر (في الحمال والأجير لا يجفّ عرقه حتى تعطيه أجرته) (1).

(7) بحيث يملك المؤجرة الأجرة بالعقد ، فلو كانت الأجرة معينة وظهر لها نماء متصل أو منفصل فالنماء للمؤجر تبعا للأجرة وإن لم يدفعها المستأجر بعد.

(8) أي يتبع الأجرة.

(9) أي تسليم الأجرة.

(10) قد تقدم بحثه.

(11) أي تسليم الأجرة.

(12) أي قبل العمل وقبل تسلم العين المؤجرة ، لأن الوصاية والوكالة اقتضت وقوع عقد الإجارة ، ومن لوازمه دفع الأجرة بعد العمل وبعد تسلم العين المؤجرة ، وعليهما أن يلتزما بذلك ، فلو دفعا الأجرة قبل ذلك لضمنا حينئذ.

(13) أي الاذن من الموكل والموصي بدفع الأجرة قبل التسلم والعمل.

ص: 398


1- 1. الوسائل الباب - 4 - من أبواب أحكام الإجارة حديث 1.

فی ما لو ظهر فی الأجرة عیب

صريحا ، أو بشاهد الحال ، ولو فرض توقف الفعل على الأجرة كالحج وامتنع المستأجر من التسليم (1) تسلط الأجير على الفسخ (2).

(ولو ظهر فيها) أي في الأجرة (عيب (3) فللأجير (4) الفسخ ، أو الأرش مع التعيين) للأجرة في متن العقد ، لاقتضاء الإطلاق (5) السليم (6) ، وتعيينه (7) مانع من البدل كالبيع فيجبر العيب بالخيار (ومع عدمه) أي عدم التعيين (يطالب بالبدل) (8) ، لعدم تعيين المعيب أجرة فإن أجيب إليه (9) ، وإلا جاز له الفسخ (10) والرضا بالمعيب فيطالب بالأرش (11) ، لتعيين المدفوع عوضا بتعذر غيره.

______________________________________________________

(1) أي تسليم الأجرة ، وكان الأجير غير قادر على العمل إلا بقبض الأجرة كالذي آجر نفسه للحج.

(2) لأن إلزامه بالعمل ضرر وهو منفي ، وأشكل عليه في الجواهر بقوله : (ولا يخلو من إشكال بعد فرض إقدامه على الإجارة التي مقتضاها ذلك) انتهى.

(3) فإن كانت الأجرة مطلقة في الذمة بمعنى أن الإجارة قد وقعت على منفعة دار بعوض ، معلوم وصفه ولم يعينه في الخارج تخير المؤجر بين الفسخ للضرر المنفي وبين المطالبة ببدل المعيب ، وعن الشهيدين وجماعة الإشكال في الفسخ ، لأن الأجرة أمر كلي هنا ، وهو غير منحصر في المدفوع فيطالب المؤجر بالبدل ، نعم لو تعذر العوض توجه الفسخ ، وله حين تعذر العوض الرضا بالمعيب مع الأرش عن العوض الفائت في المدفوع.

وإن كانت الأجرة معينة بمعنى أن الإجارة قد وقعت على منفعة دار بهذا العوض المقدّر والمعيّن في الخارج ، فلو ظهر فيه عيب كان للمؤجر الفسخ أو الإمضاء مع الأرش بلا خلاف فيه كما في الجواهر ، لعين الدليل في المبيع المعين المعيوب ، لأن الأدلة مطلقة ، وسيذكرها الشارح في الروضة هنا.

(4) ما مثلناه إنما هو في الإجارة الواقعة على منفعة عين ، وما مثله الماتن إنما هو في الإجارة الواقعة على عمل العامل ، ولا تفاوت ، فكل ما قيل في المؤجر هناك يقال في الأجير هنا.

(5) أي إطلاق الأجرة في عقد الإجارة.

(6) أي السليم من العيب في الأجرة.

(7) أي تعيين ما ذكر من الأجرة.

(8) ببدل المدفوع المعيب.

(9) أي إلى البدل فقد وصل إليه حقه وهو المطلوب.

(10) جاز له الفسخ عند تعذر البدل ، وإلزامه بالمعيب ضرر منفي.

(11) عوضا عن الجزء الفائت في المدفوع.

ص: 399

فی ما لو جعل أجرتین علی تقدیرین

(وقيل : له الفسخ) في المطلقة مطلقا (1) (وهو قريب ان تعذر الإبدال) كما ذكرناه ، لا مع بدله ، لعدم انحصار حقه في المعيب.

(ولو جعل أجرتين على تقديرين (2) كنقل المتاع في يوم بعينه بأجرة وفي) يوم (آخر) بأجرة (أخرى ، أو) جعل أجرتين (إحداهما في الخياطة الرومية) وهي التي بدرزين ، (والأخرى على) الخياطة (الفارسية وهي التي بواحد فالأقرب)

______________________________________________________

(1) سواء تعذر البدل أم لا.

(2) بأن قال المستأجر للأجير : إن خطته على الطريقة الفلانية فلك درهم ، وإن خطته على الطريقة الأخرى فلك درهمان ، أو أن يقول : إن أتيت بهذا العمل في هذا اليوم فلك درهمان ، وإن أتيت به غدا فلك درهم.

وعن جماعة منهم الشيخ في المبسوط والعلامة في التذكرة الصحة لعموم ( أَوْفُوا بِالْعُقُودِ ) (1) ، ولإطلاق أدلة الإجارة بعد صدق المعلومية على عوض الإجارة ومنفعتها ، فإنهما على كل تقدير معلومان والواقع لا يخلو منهما ، ولقوله تعالى : ( قٰالَ إِنِّي أُرِيدُ أَنْ أُنْكِحَكَ إِحْدَى ابْنَتَيَّ هٰاتَيْنِ ، عَلىٰ أَنْ تَأْجُرَنِي ثَمٰانِيَ حِجَجٍ ، فَإِنْ أَتْمَمْتَ عَشْراً فَمِنْ عِنْدِكَ ، وَمٰا أُرِيدُ أَنْ أَشُقَّ عَلَيْكَ إلى قوله تعالى - قٰالَ ذٰلِكَ بَيْنِي وَبَيْنَكَ أَيَّمَا الْأَجَلَيْنِ قَضَيْتُ فَلٰا عُدْوٰانَ عَلَيَّ ، وَاللّٰهُ عَلىٰ مٰا نَقُولُ وَكِيلٌ ) (2) ، ولصحيح أبي حمزة عن أبي جعفر عليه السلام (سألته عن الرجل يكتري الدابة فيقول : اكتريتها منك إلى مكان كذا وكذا ، فإن جاوزته فلك كذا وكذا زيادة ، وسمّى ذلك ، قال عليه السلام : لا بأس به كله) (3) ومثله غيره.

وعن جماعة منهم ابن إدريس والعلامة في المختلف وولده فخر المحققين والمحقق الثاني البطلان ، لأن المعلومية غير صادقة على وجه يرفع الإبهام ، لأن المستأجر عليه ليس المجموع ، ولا كل واحد ، وإلا لوجبا ، فيكون واحدا غير معين ، وذلك غرر مبطل للإجارة ، كالبيع بثمنين نقدا ونسيئة ، أو إلى أجلين ، وهو في البيع لا يرفع الغرر بالاتفاق فيجب مثله في الإجارة ، ومعه يبطل التمسك بعموم الوفاء بالعقد.

وأما الآية فهي ظاهرة في كون الثاني إحسانا لا تقديرا ثانيا للإجارة ، وأما الرواية فهي محمولة على الشرط فليست الأجرة فيها على تقديرين ، بل الأجرة على تقدير والزيادة إن حصلت فلها أجرة ثانية على نحو الشرط في متن العقد.

ص: 400


1- 1. سورة المائدة ، الآية : 1.
2- 2. سورة القصص ، الآيتين : 27 و 28.
3- 3. الوسائل الباب - 8 - من أحكام الإجارة حديث 1.

الصحة) ، لأن كلا الفعلين معلوم ، وأجرته (1) معلومة والواقع لا يخلو منهما ، ولأصالة الجواز.

ويشكل بمنع معلوميته (2) إذ ليس المستأجر عليه المجموع ، ولا كل واحد وإلا لوجبا فيكون واحدا غير معين ، وذلك غرر مبطل لها (3) كالبيع بثمنين على تقديرين (4) ، ولو تحمل (5) مثل هذا الغرر لزم مثله في البيع بثمنين لاشتراكهما (6) في العقد اللازم المشتمل على المعاوضة (7).

نعم لو وقع ذلك جعالة (8) توجهت الصحة ، لاحتمالها (9) من الجهالة ما لا تحتمله الإجارة (ولو شرط عدم الأجرة على التقدير الآخر (10) ...

______________________________________________________

(1) أي أجرة كل من الفعلين.

(2) أي بمنع معلومية العمل.

(3) للإجارة.

(4) نقدا ونسيئة ، أو إلى أجلين.

(5) أي عقد الإجارة.

(6) أي البيع والإجارة.

(7) المشروط فيها عدم الغرر.

(8) بأن قال المالك : إن فعلته على كذا فلك كذا ، وإن فعلته على تقدير آخر فلك كذا جعالة ، إما أن يصرح بها أو يقول : أجعل من يفعل كذا إلى آخر ما تقدم.

وهذا صحيح عندهم لأن الجعالة تحتمل الجهالة كما سيأتي في بابها ولذا صحت الجعالة فيمن قال : من ردّ عليّ عبدي فله كذا مع أن موضع العبد غير معلوم بخلاف الإجارة.

وإطلاق أدلة الجعالة يشمل موردنا خلافا للعلامة في المختلف حيث منع من ذلك ، لأن الجعالة مفتقرة إلى تعيين الجعل وإن جهل العمل ، والجعل هنا غير معيّن.

وردّ بأن الجعالة تحتمل جهالة الجعل كما تحتمل جهالة العمل ولذا تصح فيمن قال : من ردّ عليّ عبدي فله نصفه ، مع أن قيمة الآبق غير معلومة كعدم معلومية موضعه.

(9) أي لتحمل الجعالة.

(10) بمعنى لو قال : إن نقلت المتاع اليوم فلك كذا ، وإن نقلته غدا فلا شي ء لك ، فيبطل عقد الإجارة ، وعليه فلو أتى الأجير بالعمل سواء كان على التقدير الأول أو الثاني فله أجرة المثل كما هو المشهور ، ومستندهم خبران.

الأول : صحيح ابن مسلم (سمعت أبا جعفر عليه السلام يقول : إني كنت عند قاض من

ص: 401

لم تصح (1) في مسألة النقل) في اليومين ، وتثبت أجرة المثل على المشهور.

ومستند الحكمين (2) خبران احدهما صحيح وليس بصريح في المطلوب ،

______________________________________________________

قضاة المدينة فأتاه رجلان ، فقال أحدهما : إني اكتريت هذا يوافي بحسب السوق يوم كذا وكذا ، وإنه لم يفعل ، فقال القاضي : ليس له كري ، فقال عليه السلام : فدعوته وقلت : يا عبد الله ليس لك أن تذهب بحقه ، وقلت للآخر : ليس لك أن تأخذ كل الذي عليه ، اصطلحا بينكما) (1).

وفيه : إنه أجنبي عن المدعى إذ ليس فيه اشتراط عدم الأجرة إن لم يوصله.

خبر الحلبي (كنت قاعدا عند قاض من القضاة وعنده أبو جعفر عليه السلام جالس فأتاه رجلان ، فقال أحدهما : إني تكاريت إبل هذا الرجل ليحمل لي متاعا إلى بعض المعادن ، واشترطت عليه أن يدخلني المعدن يوم كذا وكذا ، لأنها سوق أتخوف أن تفوتني ، فإن احتبست عن ذلك حططت من الكري لكل يوم احتبسته كذا وكذا ، وإنه حبسني عن ذلك الوقت كذا وكذا يوما ، فقال القاضي : هذا شرط فاسد وفّه كراه ، فلما قام الرجل أقبل عليّ أبو جعفر عليه السلام : فقال : هذا شرط جائز ما لم يحط بجميع كراه) (2).

ووجه الاستدلال أن الشرط على النقصان جائز ما لم يحط بجميع الكري ، فإن أحاط ولا شي ء للأجير فغير جائز.

غير أن سند الخبر مشتمل على منصور بن يونس وقد وثّقه النجاشي وضعّفه العلامة وغيره لكونه واقفيا ، وكان في يده أموال كثيرة فوقف على إمامة الكاظم عليه السلام ولم يعتقد بإمامة الرضا عليه السلام لأجل ذلك.

وبما أن النصوص ما هو دال غير حجة وما هو حجة غير دال إن غضضنا البصر عن عمل المشهور به فلا بدّ من الرجوع إلى الأصول والقواعد الشرعية المقررة ، وهي توجب العلم بالأجرة ، والعلم بالأجرة ، هنا غير متحقق ، لاختلاف الأجرة على التقديرين فعلى الأول له شي ء وعلى الثاني لا شي ء له فلا يدري أجرته حينئذ ، وعليه لا بدّ من الحكم بالبطلان ، ويكون للأجير أجرة المثل لقاعدة ما يضمن بصحيحه يضمن بفاسده.

(1) أي الإجارة.

(2) الأول : جعل الأجرة على التقديرين ، والثاني سقوط الأجرة على التقدير الثاني هكذا فسر ، وهو ليس في محله ، لأن الخبرين المذكورين إنما هما مستند الحكم الثاني بتقديريه ، وعليه فالأولى تفسير الحكمين بتقديري الحكم الثاني.

ص: 402


1- 1. الوسائل الباب - 13 - من أبواب أحكام الإجارة حديث 1.

والآخر ضعيف ، أو موثق (1) فالرجوع فيهما (2) إلى الأصول الشرعية أولى. وللمصنف رحمه الله في الحكم الثاني (3) بحث نبّه عليه بقوله : (وفي ذلك نظر (4) ، لأن قضية كل إجارة المنع من نقيضها) (5) فيمكن أن يجعل مورد الإجارة هنا القسم الذي فرض فيه أجرة (6) ، والتعرض للقسم الآخر الخالي عنها (7) تعرضا في العقد لحكم يقتضيه (8) ، فإن قضية الإجارة بالأجرة المخصوصة في الزمن المعين حيث يطلق عدم (9) استحقاق شي ء لو لم ينقل (10) ، أو نقل في غيره (11) (فيكون) على تقدير اشتراط عدم الأجرة لو نقله في غير المعين (قد شرط قضية العقد فلم تبطل) الإجارة (في مسألة النقل ، أو في غيرها) مما شاركها في هذا المعنى ، وهو (12) اشتراط عدم الأجرة على تقدير مخالفة مقتضى الإجارة الخاصة (غاية ما في الباب)

______________________________________________________

(1) ضعيف على رأي العلامة وموثق على رأي النجاشي.

(2) في الحكمين المذكورين.

(3) وهو شرط سقوط الأجرة على التقدير الثاني.

(4) وجهه أن الإجارة هنا لم تكن على تقديرين ، وإنما كانت على تقدير واحد ، وهو التقدير الأول من جعل العوض في قبال عمله في الزمن المعين ، ومن المعلوم أن الإجارة على المنفعة بعوض معلوم في وقت معلوم تقتضي عدم العوض لو أتى بالمنفعة في غير هذا الوقت ، كعدم العوض لو لم يأت بالمنفعة أبدا ، وهذا اللازم من مقتضيات العقد.

وإذا تقرر ذلك فالإجارة هنا لما كانت على تقدير واحد ، وكان لها هذا اللازم فقد جعل هذا اللازم شرطا في متن العقد ، وهذا لا يوجب بطلانها ، ولازمه ثبوت أجرة المسمى لو أتى الأجير بالمنفعة في الوقت المعلوم لا أجرة المثل كما ذهب إليه المشهور.

(5) ونقيضها هو عدم العوض لو لم يأت بالمنفعة في الوقت المعلوم ، كعدم العوض لو لم يأت بالمنفعة أبدا.

(6) وهو التقدير الأول.

(7) عن الأجرة.

(8) أي يقتضيه العقد الواقع في القسم الأول.

(9) خبر لقوله (فإن قضية الإجارة).

(10) أبدا.

(11) غير الوقت المعين في متن العقد.

(12) أي هذا المعنى.

ص: 403

(أنه إذا أخلّ بالمشروط) وهو (1) نقله في اليوم المعين (يكون البطلان منسوبا إلى الأجير) حيث فوت الزمان المعين ، ولم يفعل فيه (2) ما شرط عليه فلا يستحق شيئا ، لأنه لم يفعل ما استؤجر عليه.

(ولا يكون) البطلان (حاصلا من جهة العقد) فلا وجه للحكم ببطلان الإجارة على هذا التقدير (3) ، وإثبات (4) أجرة المثل ، بل اللازم عدم ثبوت شي ء وإن نقل المتاع إلى المكان المعين في غير الزمان ، لأنه فعل ما لم يؤمر به ، ولا استؤجر عليه.

وهذا النظر مما لم يتعرض له أحد من الأصحاب ، ولا ذكره المصنف في غير هذا الكتاب. وهو نظر موجه ، إلا أنه لا يتم إلا إذا فرض كون مورد الإجارة هو الفعل (5) في الزمن المعين ، وما خرج عنه (6) خارج عنها (7). وظاهر الرواية (8) ، وكلام الأصحاب أن مورد الإجارة كلا القسمين (9) ومن ثم (10) حكموا بصحتها (11) مع إثبات الأجرة على التقديرين (12) نظرا إلى حصول المقتضي ، وهو (13) الإجارة المعينة المشتملة على الأجرة المعينة (14) وإن

______________________________________________________

(1) أي المشروط.

(2) في الزمان المعين.

(3) وهو عدم الأجرة على الشق الثاني.

(4) أي ولا وجه للحكم بإثبات أجرة المثل كما عليه المشهور.

(5) وهو التقدير الأول.

(6) أي عن هذا التقدير الأول.

(7) عن الإجارة.

(8) وهي خبر الحلبي.

(9) من ثبوت الأجرة على الفعل في الزمن المعين ، وعدم الأجرة في غيره.

(10) أي من كون كلا القسمين موردا للإجارة.

(11) بصحة الإجارة.

(12) وهي المسألة الأولى ، وهي ثبوت أجرة على تقدير ونقصانها على تقدير أخر ، والحاكم بالصحة هو الشيخ في المبسوط والعلامة في التذكرة وجماعة كما تقدم.

(13) أي المقتضي ، والمراد به مقتضى الصحة.

(14) والمعنى فالمنفعة والعوض معلومان على كل من التقديرين ، ومع العلم لا بدّ من الحكم بالصحة.

ص: 404

تعددت (1) واختلفت (2) ، لانحصارها وتعينها (3) كما تقدم. وبطلانها (4) على التقدير الآخر. ولو فرض (5) كون مورد الإجارة هو القسم الأول خاصة (6) وهو (7) النقل في الزمن المعين لكان الحكم بالبطلان (8) على تقدير فرض أجرة مع نقله في غيره (9) أولى (10) ، لأنه (11) خلاف قضية الإجارة (12) وخلاف ما تعلقت به ، فكان أولى بثبوت أجرة المثل (13).

وجعل القسمين (14)

______________________________________________________

(1) أي الأجرة وكذا المنفعة.

(2) أي أجرة ، فهي على تقدير مغايرة لها على التقدير الأخر زيادة ونقصانا ، وكذا المنفعة فهي على تقدير معجلة وعلى الآخر مؤجلة.

(3) أي الأجرة وكذا المنفعة.

(4) أي الإجارة وهو عطف على قوله (ومن ثم حكموا بصحتها مع إثبات الأجرة على التقديرين) ، والمعنى قد حكموا ببطلان الإجارة المشتملة على تقدير عدم الأجرة إذا لم يأت بالمنفعة في الزمن المعين.

(5) كما هو مورد الإجارة في تنظر الماتن.

(6) وهو ثبوت الأجرة على المنفعة في الزمن المعين.

(7) أي القسم الأول.

(8) في الإجارة في المسألة الأولى المشتملة لثبوت الأجرة على التقديرين.

(9) أي غير الزمن المعين ، وهو التقدير الثاني من المسألة الأولى.

(10) وجه الأولوية أن التقدير الثاني من المسألة الثانية بناء على تعلقها بالتقدير الأول فقط ، هو من لوازم عقد الإجارة ومع ذلك حكم بالبطلان ، مع أن التقدير الثاني من المسألة الأولى بناء على تعلقها بالتقدير الأول هو مناقض لعقد الإجارة وليس من لوازمه ، إذ لازمه عدم الأجرة على خلاف التقدير الأول وليس لازمه ثبوت أجرة ولو أقل. وعليه فإذا كان اشتراط لازم العقد في المسألة الثانية مبطلا ، لكان اشتراط نقيض العقد في المسألة الأولى أولى بالبطلان.

(11) أي فرض الأجرة على خلاف التقدير الأول.

(12) أي الإجارة المتعلقة بالتقدير الأول لأن لازمه عدم الأجرة على تقدير غيره ، ففرض أجرة على هذا الغير يكون مناقضا

(13) لأنه بعد بطلان الإجارة يبطل المسمى وتثبت أجرة المثل.

(14) أي لو التزم المصنف بكون المسألة الأولى شاملة للتقديرين بخلاف المسألة الثانية فإنها

ص: 405

متعلقها (1) على تقدير ذكر الأجرة (2) ، والأول (3) خاصة (4) على تقدير عدمه (5) في الثاني (6) مع كونه (7) خلاف الظاهر (8) موجب لاختلاف الفرض بغير دليل.

ويمكن الفرق (9) بكون تعيين الأجرة على التقديرين قرينة جعلهما (10) مورد الإجارة (11) حيث أتى بلازمها (12) وهو (13) الأجرة فيهما (14) ، وإسقاطها (15) في التقدير الآخر (16) قرينة عدم جعله (17) موردا (18) من حيث نفي اللازم (19) الدال على نفي الملزوم (20) ،

______________________________________________________

مختصة بالتقدير الأول فقط فهو بالإضافة إلى أنه على خلاف ظاهر كلام الأصحاب موجب لاختلاف الفرض بين المسألتين بلا دليل.

(1) أي متعلق الإجارة.

(2) في كلا التقديرين وهي المسألة الأولى.

(3) أي القسم الأول وهو التقدير الأول الذي ذكرت الأجرة فيه.

(4) فهو مورد الإجارة فقط.

(5) أي عدم ذكر الأجرة.

(6) أي في التقدير الثاني وهو المسألة الثانية.

(7) أي هذا الفرق.

(8) أي ظاهر كلام الأصحاب.

(9) أي بين المسألتين.

(10) أي جعل التقديرين.

(11) في المسألة الأولى.

(12) أي بلازم الإجارة.

(13) أي اللازم.

(14) في التقديرين.

(15) أي إسقاط الأجرة.

(16) من المسألة الثانية.

(17) أي عدم جعل التقدير الثاني.

(18) أي موردا للإجارة في المسألة الثانية.

(19) وهو نفي الأجرة.

(20) وهو الإجارة.

ص: 406

فی أنه لا بد من کون المنفعة مملوکة فی إیجار المستأجر

وحينئذ (1) فتنزيله على شرط قضية العقد أولى من جعله (2) أجنبيا (3) مفسدا للعقد بتخلله بين الايجاب والقبول (4).

(ولا بد) في صحة الإجارة (5) على وجه اللزوم (6) (من كون المنفعة مملوكة له) أي للمؤجر ، (أو لمولاه) وهو من يدخل تحت ولايته ببنوة ، أو وصاية ، أو حكم (سواء كانت مملوكة له بالأصالة) كما لو استأجر العين فملك منفعتها بالأصالة لا بالتبعية للعين ، ثم آجرها ، أو أوصي له بها (7) ، (أو بالتبعية) لملكه للعين.

(وللمستأجر أن يؤجر) (8) العين التي استأجرها ، (إلا مع شرط) المؤجر

______________________________________________________

(1) أي حال كون التقدير الثاني من المسألة الثانية ليس موردا للإجارة فيجعل شرطا ولمقتضى الإجارة على ما مضى.

(2) أي جعل التقدير الثاني في المسألة الثانية.

(3) أي أجنبي عن الإجارة المتعلقة بالتقدير الأول.

(4) فضلا عن إفساده للعقد من جهة ثانية وهي تجهيل الأجرة وقد تقدم الكلام فيه فضلا عن الخبر.

يبقى وجه الأولوية في كلام الشارح ناشئة من كون الأصل في العقود الصحة ، فإذا حمل التقدير الثاني على كونه شرطا مع إبقاء صحة العقد فهو أولى من جعله مورد للإجارة ومبطلا لها وهو على خلاف أصالة الصحة في العقود.

(5) يشترط أن تكون المنفعة التي وقع عليها عقد الإجارة مملوكة للمؤجر ، بلا خلاف فيه ، وهذا من الواضحات ضرورة عدم تحقق المعاوضة في غير المملوك ، فلا يصح لزيد مثلا أن يعاوض عن مال غيره ، وإنما يصح أن يعاوض عن مال نفسه. وعليه فالمنفعة إما مملوكة للمؤجر كما سمعت أو مملوكة لشخص يكون المؤجر نائبا عنه بوكالة أو وصاية أو ولاية كالحاكم الشرعي ، وبالنيابة عنه يصح أن يتصرف في مال المنوب عنه.

ثم مملوكية المنفعة للمؤجر إما أن تكون تبعا لملك العين أو منفردة ، والأول كمن يملك الدار ، وهو يملك منافعها تبعا ، والثاني كمن يملك منفعتها فقط كمن أوصي إليه بمنفعة الدار أو كانت موقوفة عليه ، وعلى كل فمع الملكية فهو حر التصرف فيها وله أن يعاوض عليها كيفما شاء ، بلا خلاف في ذلك كله.

(6) احتراز عن عقد الفضولي ، فإنه صحيح لا على وجه اللزوم ، ولكنه موقوف على الإجازة.

(7) بالمنفعة.

(8) يجوز للمستأجر أن يؤجر العين التي استأجرها ، بلا خلاف فيه ، لقاعدة (الناس مسلطون على

ص: 407

الأول عليه (1) (استيفاء المنفعة بنفسه) فلا يصح له (2) حينئذ (3) أن يؤجر (4) ، إلا أن يشترط المستأجر الأول على الثاني (5) استيفاءه (6) المنفعة له بنفسه (7) فيصح أن يؤجر أيضا ، لعدم منافاتها (8) لشرط المؤجر الأول ، فان استيفاء (9) المنفعة بنفسه أعم من استيفائها لنفسه (10) ، وعلى تقدير جواز ايجاره (11) لغيره هل يتوقف تسليم العين (12) على إذن مالكها؟ قيل : نعم (13) ، إذ لا يلزم من استحقاقه

______________________________________________________

أموالهم) (1) ، فهو بعد تملكه المنفعة بعقد الإجارة مسلّط عليها كيفما شاء ، وللأخبار.

منها : صحيح الحلبي عن أبي عبد الله عليه السلام (لو أن رجلا استأجر دارا بعشرة دراهم فسكن ثلثيها وآجر ثلثها بعشرة دراهم لم يكن به بأس ، ولا يؤاجرها بأكثر مما استأجرها به إلا أن يحدث فيها شيئا) (2) ، وهي وإن كانت واردة في عدم صحة الإجارة بالأكثر إلا أنها تدل على جواز أن يؤجر المستأجر ما ملكه بعقد الإجارة.

(1) على المستأجر الأول.

(2) للمستأجر الأول.

(3) أي حين الاشتراط المذكور عليه.

(4) عملا بالشرط بلا إشكال ولا خلاف في ذلك ، لأنه بالإجارة الثانية سيستوفي المنفعة غير المستأجر الأول وهو على خلاف الشرط.

(5) على المستأجر الثاني.

(6) أي استيفاء المستأجر الأول المنفعة للمستأجر الثاني.

(7) بنفس المستأجر الأول.

(8) أي منافاة الإجارة الثانية.

(9) أي المستأجر الأول.

(10) ولغيره.

(11) أي إيجار المستأجر الأول.

(12) من المستأجر الأول للمستأجر الثاني.

(13) كما هو قول الشيخ في النهاية والحلي في السرائر والعلامة في القواعد والمحقق الثاني في جامعه ، لأن استحقاقه استيفاء المنفعة والاذن له في التسليم من قبل المالك لا يدلان على جواز تسليمها لغيره ، ولو فعل لضمن.

ص: 408


1- 1. بحار الأنوار ج 2 ص 272.
2- 2. الوسائل الباب - 22 - من أبواب الإجارة حديث 3.

استيفاء المنفعة ، والاذن له في التسليم جواز تسليمها لغيره فيضمن لو سلمها بغير إذن.

وقيل (1) : يجوز تسليمها من غير ضمان ، لأن القبض من ضرورات الإجارة للعين وقد حكم بجوازها (2) ، والإذن في الشي ء إذن في لوازمه.

وهذا هو الذي رجحه المصنف في بعض حواشيه ، وفيه قوة ويؤيده صحيحة علي بن جعفر عن أخيه عليه السلام في عدم ضمان الدابة المستأجرة بالتسليم إلى الغير ، وغيرها (3) أولى.

(ولو آجر الفضولي فالأقرب الوقوف على الإجازة) كما يقف غيرها (4) من

______________________________________________________

(1) كما عن الشهيدين وسيد الرياض وجماعة ، لأن القبض من ضروريات الإجارة فلا بد أن يأذن المالك بالقبض ، والاذن بالقبض إذن في الاستيلاء على العين لاستيفاء منافعها ، والاستيفاء أعم من كونه بنفس المستأجر الأول أو بعقد إجارة ثانية ، فالمالك قد أذن له بالقبض المستلزم للاستيفاء الأعم من كونه بنفسه أو بغيره ، والاذن بالشي ء اذن في لوازمه ، وإذا جاز للأول أن يسلم المستأجر الثاني من غير اذن المالك فهو ليس بضامن عند التلف أو النقصان ، ويشهد له صحيح علي بن جعفر عن أخيه موسى عليه السلام (سألته عن رجل استأجر دابة فأعطاها غيره فنفقت ، فما عليه؟ قال عليه السلام : إن شرط أن لا يركبها غيره فهو ضامن لها ، وإن لم يسم فليس عليه شي ء) (1).

وإذا دلت الرواية على جواز الاستيفاء من غير المستأجر الأول ، فتدل على جوازه سواء كان بعقد إجارة أو بإذن من المستأجر الأول.

هذا وجعلها مؤيدا كما في الروضة هنا ليس في محله بعد صراحتها على المطلوب ، ولذا قال في المسالك : (والأقوى عدم الضمان لصحيحة علي بن جعفر عن أخيه عليه السلام).

(2) أي جواز الإجارة الثانية ، وهي مما لا خلاف فيه ، وهي من لوازم الإجارة الأولى ، والاذن في الأولى إذن في لوازمها وهي الإجارة الثانية.

(3) أي غير الدابة التي وقعت موردا للسؤال في الرواية ، ووجه الأولوية أن الدابة بحاجة إلى عناية أكثر من الدار والثوب لو وقعت الإجارة على منفعتها أو خياطته.

(4) أي غير الإجارة.

ص: 409


1- 1. الوسائل الباب - 16 - من أبواب الإجارة حديث 1.

العقود (1) ، وخصها بالخلاف (2) ، لعدم النص فيها (3) بخصوصه ، بخلاف البيع ، فإن قصة عروة البارقي مع النبي صلى الله عليه وآله وسلم في شراء الشاة تدل على جواز بيع الفضولي وشرائه ، فقد يقال باختصاص الجواز بمورد النص (4) ، والأشهر توقفه على الإجازة مطلقا (5).

(ولا بد من كونها) أي المنفعة (معلومة (6) إما بالزمان) فيما لا يمكن ضبطه

______________________________________________________

(1) قال الشارح في المسالك : (ولو آجر غير المالك شيئا مما يصح للمالك إيجاره فضوليا - أي بدون إذن المالك - هل يقع باطلا أو يقف على الإجازة قولان ، ولا خصوصية لهما بالإجارة ، بل الخلاف وارد في جميع عقود الفضولي) انتهى ، وقد تقدم الخلاف مفصلا في كتاب البيع.

(2) أي خص الإجارة هنا بالخلاف لاحتمال أن يقال أن الدليل الدال على وقوف عقد الفضولي على الإجازة هو قضية عروة البارقي ، حيث أمره النبي صلى الله عليه وآله وسلم بشراء شاة بدينار ، فاشترى شاتين به ، ثم باع إحداهما بدينار ، وردّ الدينار مع الشاة الأخرى إلى النبي صلى الله عليه وآله وسلم فأجازه بقوله : بارك الله في صفقة يمينك (1).

وأنه مختص بالبيع دون غيره ، وفي غيره البطلان ، وفيه : لم يذهب أحد إلى أن عقد الفضولي متوقف على الإجازة في البيع ، وبالحل في الإجارة ، بل المشهور على التوقف مطلقا ، وابن إدريس والفخر على البطلان مطلقا إلا في النكاح لورود الأخبار فيه.

(3) في الإجارة.

(4) وهو البيع فقط.

(5) في البيع وغيره من بقية العقود.

(6) قد تقدم اشتراط العلم بالمنفعة والأجرة للغرر ، وتقدم أن الأجرة تعلم بالكيل أو الوزن أو العد إذا كانت من هذه الأمور الثلاثة وإلا فالمشاهدة ، وتقدم أن المنفعة تعلم بتقدير العمل أو بتقدير الزمان ، والأول كمن استأجر أجيرا على خياطة هذا الثوب ، أو استئجار الدابة لركوبها إلى الموضع المعين ، والثاني كاستئجار الأجير للخياطة شهرا أو استئجار الدابة لركوبها شهرا ، والتقدير بكل منهما موجب لرفع الجهالة عرفا التي هي المدار في رفع الغرر.

ثم إن كل منفعة تعلم بالعمل وتعلم بالزمان فيكفي تقديرها بأيهما كان ، هذا وبعض

ص: 410


1- 1. المغني لابن قدامة ج 5 ص 45.

إلا به (كالسكنى) والارضاع (وإما به (1) أو بالمسافة (2) فيما يمكن ضبطه بهما (كالركوب) فإنه يمكن ضبطه بالزمان كركوب شهر ، وبالمسافة كالركوب إلى البلد المعين ، (وإما به (3) أو بالعمل) كاستئجار الآدمي لعمل (كالخياطة) فإنه يمكن ضبطه بالزمان كخياطة شهر ، وبالعمل كخياطة هذا الثوب.

(ولو جمع بين المدة والعمل) (4) كخياطة الثوب في هذا اليوم (فالأقرب)

______________________________________________________

المنافع لا يمكن ضبطها إلا بأحدهما كالإرضاع فلا بدّ من ضبطه بالزمان كاستئجارها للإرضاع شهرا ، والفحل للضراب لا بدّ من ضبطه بالعمل كالمرة والمرتين دون الزمان وهذا واضح.

(1) بالزمان.

(2) هو تقدير بالعمل ، فجعلها قسيما للعمل ليس في محله.

(3) بالزمان.

(4) على منفعة يمكن ضبطها بأحدهما ، كخياطة هذا الثوب في هذا اليوم ، فالخياطة يمكن تقديرها بالعمل كخياطة هذا الثوب ، ويمكن تقديرها بالزمن كخياطة هذا اليوم.

ولو جمع بينهما فلا تخلو المدة إما ظرفا مطلقا وإما ظرفا للتطبيق ، وعلى الأول بحيث أريد من الظرف الإطلاق بمعنى إرادة الخياطة وأن تقع في هذا اليوم وإن بقي شي ء من اليوم بعد انتهاء العمل ، وعليه فإن علم اتساع المدة لوقوع الفعل فلا ريب في الصحة حينئذ ، وإن علم بعدم الاتساع فلا ريب في الفساد للعجز. وعلى الثاني بحيث أريد من الظرف التطبيق بمعنى إرادة الخياطة وأن يشرع الأجير فيها في ابتداء اليوم وينتهي منها بانتهاء ذلك اليوم ، وهو باطل حينئذ على المشهور ، لاستلزامه الغرر ، لإمكان انتهاء الزمن قبل انتهاء العمل وبالعكس ، وإذا انتهى الزمن قبل العمل فإما أن يؤمر بإكمال العمل وإما لا ، ولا ثالث ، وعلى الأول لزم العمل في غير المدة المشترطة ، وعلى الثاني يكون تاركا للعمل الذي وقع عليه العقد.

وأما إذا انتهى العمل قبل الزمن فإما أن يؤمر بالعمل وإما لا ، ولا ثالث ، فإن أمر بالعمل بعد تمامية عمل الثوب لزم الزيادة في العمل عما وقع عليه العقد ، وإن لم يؤمر كان تاركا للعمل في المدة المشروطة ، وجميع اللوازم الأربعة على خلاف عقد الإجارة ، وغالبا ما يتفق عدم المطابقة بين انتهاء العمل وانتهاء المدة فلا يعلم الأجير بإمكان التطابق ليسلم له العقد فيلزم الغرر ، وعند عدم التطابق لا بدّ من لازم من الأربعة المتقدمة وهو لازم على خلاف العقد ، وذهب العلامة في المختلف إلى الصحة ، وقال عنه في المسالك : (واختار في المختلف الصحة محتجا بأن الغرض إنما يتعلق في ذلك غالبا بفراغ العمل ،

ص: 411

(البطلان إن قصد التطبيق) بين العمل ، والزمان بحيث يبتدأ بابتدائه وينتهي بانتهائه ، لأن ذلك مما لا يتفق غالبا ، بل يمكن انتهاء الزمان قبل انتهاء العمل وبالعكس ، فإن أمر بالاكمال في الأول (1) لزم العمل في غير المدة المشروطة ، وإلا (2) كان تاركا للعمل الذي وقع عليه العقد ، وإن أمر في الثاني (3) بالعمل إلى أن تنتهي المدة لزم الزيادة على ما وقع عليه العقد ، وإن لم يعمل كان تاركا للعمل في المدة المشروطة.

ولو قصد مجرد وقوع الفعل (4) في ذلك الزمان صح مع إمكان وقوعه فيه ، ثم إن وقع فيه (5) ملك الأجرة ، لحصول الغرض ، وإن خرجت المدة قبله (6) ، فإن كان (7) ، قبل الشروع فيه (8) بطلت (9) ، وإن خرجت (10) في أثنائه استحق المسمى لما فعل.

وفي بطلانها (11) في الباقي (12) ، أو تخيير المستأجر بين الفسخ في الباقي ،

______________________________________________________

ولا ثمرة مهمة في تطبيقه على الزمان ، والفراغ أمر ممكن لا غرر فيه - إلى أن قال - والحق أن ما ذكره إنما يتم لو لم يقصد المطابقة ، وهو خلاف موضع النزاع) انتهى.

(1) في انتهاء الزمن قبل انتهاء العمل.

(2) أي وإن لم يؤمر بالإكمال.

(3) في انتهاء العمل قبل انتهاء الزمن.

(4) بأن كان الزمن ظرفا مطلقا ، وقد تقدم شرحه.

(5) أي وقع العمل في الزمن المعين.

(6) قبل انتهاء العمل والمدة ظرف مطلق.

(7) أي خروج الوقت.

(8) في العمل.

(9) لوقوعها على منفعة الأجير في الزمن المعين ، وقد ارتفعت أعني الإجارة بمضي الزمن فلا موضوع للإجارة حينئذ فتبطل.

(10) أي المدة بحيث خرجت في أثناء العمل فما وقع من العمل في أثناء المدة يستحق الأجير نسبته من المسمى ، بمعنى أن تقسط الأجرة على الجميع فيأخذ من الأجرة ما أنجزه ، فلو أنجز نصف العمل وكانت الأجرة مائة فيستحق خمسين وهكذا.

(11) أي الإجارة.

(12) أي بقية العمل الذي سيقع خارج الوقت فيحتمل البطلان لعدم وقوع تمام العمل في

ص: 412

فی أنه لا یعمل الأجیر لغیر المستأجر

أو الإجازة فيكمل خارجه ويستحق المسمى (1) وجهان. وقيل : يستحق مع الفسخ أجرة مثل ما عمل ، لا المسمى (2). والأوسط (3) أجود.

(ولا يعمل الأجير الخاص) (4) وهو الذي يستأجره للعمل بنفسه مدة معينة

______________________________________________________

المدة ، ويحتمل التخيير للمستأجر لا للأجير بين فسخ الإجارة والإمضاء في الإكمال ، أما الفسخ لأن إلزام الإجارة عليه خارج الوقت قد يكون على خلاف غرضه ، إذ قد يتعلق غرضه بإتمام العمل في الوقت المعين ، وأما الإمضاء فلأن عقد الإجارة قد وقع على العمل فقط والزمن ظرف وقيد فقط ، وإذا فات القيد فيبقى مورد الإجارة باقيا ، ومع بقاءه فلا موجب للحكم بالبطلان إلا إذا لم يرض المستأجر فتبطل.

(1) لأن الذي وقع في قبال العمل هو الأجرة المسماة بمقتضى العقد لا أجرة المثل.

(2) لأنه مع الفسخ يبطل عقد الإجارة ، ومع البطلان فلا مسمى في قبال مجموع العمل حتى يقسط على ما أنجزه ، فلا بد أن يكون للأجير أجرة المثل عما عمل بعد عدم كونه متبرعا ، لأنه أقدم على أن له الأجرة ولم تسلم.

(3) وهو أن للمستأجر الفسخ والإجازة ، ومع الإجازة يستحق المسمى.

(4) المراد من الأجير الخاص هو الذي آجر نفسه على وجه تكون جميع منافعه للمستأجر في مدة معينة ، ولذا عرّف بأنه الذي يستأجر للعمل بنفسه مدة معينة.

وبما أن لا خصوصية لهذا التعريف لعدم وروده في الأخبار قال بعضهم : إن الأجير الخاص كما ينطبق حقيقة على ما تقدم ينطبق على من يؤجر نفسه لعمل قد اشترط عليه في عقد الإجارة الابتداء به في يوم معين واشترط عليه عدم التواني إذا باشر فيه ، وهذه الإجارة الثانية بشرطيها تفيد أن منافع الأجير من حين الابتداء بالعمل في ذلك اليوم إلى حين الانتهاء مملوكة للمستأجر.

وإذا تقرر معنى الأجير الخاص فلا يجوز له أن يؤجر نفسه لغير المستأجر في هذه المدة ، بل لا يجوز له أن يعمل في هذه المدة لنفسه أو لغيره تبرعا ، لأن منافعه في هذه المدة ملك للمستأجر ، نعم إذا أذن المستأجر بذلك يصح للأجير حينئذ التصرف بمنافعه تبعا للأذن.

ثم هذا كله إذا كان عقد الإجارة قد نصّ على أن جميع منافع الأجير في هذه المدة موردا للإجارة ، وأما لو كان عقد الإجارة ، مطلقا كما إذا وقعت الإجارة على أن منافع الأجير في هذا الأسبوع للمستأجر فهناك انصراف إلى منافعه النهارية دون الليلية ، وعليه يصح للأجير أن يؤجر نفسه في الليل لغير المستأجر إذا لم يؤد عمله في الليل بمقتضى الإجارة الثانية إلى ضعف في العمل المستأجر عليه بحسب الإجارة الأولى ، وإن أدى إلى الضعف

ص: 413

حقيقة أو حكما كما إذا استؤجر لعمل معين ، أول زمانه (1) اليوم المعين ، بحيث لا يتوانى فيه بعده (2) (لغير المستأجر) إلا بإذنه ، لانحصار منفعته فيه (3) بالنسبة إلى الوقت الذي جرت عادته (4) بالعمل فيه كالنهار (5) ، أما غيره كالليل فيجوز العمل فيه لغيره (6) إذا لم يؤد (7) إلى ضعف في العمل المستأجر عليه (8).

وفي جواز عمله لغيره في المعين (9) عملا لا ينافي حقه (10) ، كايقاع عقد في حال اشتغاله بحقه (11) وجهان ، من التصرف (12) في حق الغير ، وشهادة (13) الحال.

______________________________________________________

فلا تصح الثانية لوجوب الوفاء بالأولى على النحو المطلوب ، والمطلوب هو العمل في النهار من دون ضعف.

(1) أي زمان العمل المعين.

(2) أي لا يتوانى في العمل بعد أول زمانه.

(3) أي لانحصار منفعة الأجير في المستأجر.

(4) أي عادة الأجير.

(5) إذا كان هناك انصراف وكان عقد الإجارة مطلقا ، وأما مع التنصيص على جميع الوقت فلا انصراف.

(6) لغير المستأجر.

(7) أي لم يؤد العمل في الليل لغير المستأجر.

(8) وهو العمل في النهار.

(9) أي هل يجوز للأجير أن يعمل لغير المستأجر في الزمن المعين عملا ولو تبرعا لا يتنافى مع عقد الإجارة كإيقاع عقد في حال اشتغاله بالخياطة المستأجر عليها ، أو إيقاع عقد حالة تردده في الطريق إلى العمل.

(10) أي حق المستأجر.

(11) أي بحق المستأجر.

(12) دليل العدم ، والحاصل أن ارتفاع العقد كما في المثال منفعة ، وقد تملكها المستأجر بعقد الإجارة فلا يجوز للأجير أن يتصرف في مال غيره بغير إذنه.

(13) دليل الجواز والحاصل أن الحال يشهد بالاذن في مثل ذلك ، لأن العمل الصادر غير مناف لحق المستأجر وهو يدل على عدم اشتراط إذن المستأجر فيه.

ص: 414

ومثله (1) عمل مملوك غيره (2) كذلك (3). وباعتبار هذا الانحصار (4) سمي (5) خاصا ، إذ لا يمكنه (6) أن يشرّك غير من استأجره في العمل في الزمان المعهود ، فإن عمل لغيره في الوقت المختص فلا يخلو إما أن يكون بعقد إجارة ، أو جعالة ، أو تبرعا ، ففي الأول (7) يتخير المستأجر بين فسخ عقد نفسه لفوات المنافع التي وقع عليها العقد ، أو بعضها ، وبين ابقائه (8) ، فإن اختار الفسخ وكان ذلك قبل أن يعمل الأجير شيئا (9) فلا شي ء عليه (10) ، وإن كان (11) بعده (12)

______________________________________________________

(1) أي مثل الفرع السابق من صدور بحمل من الأجير غير مناف لحق المستأجر.

(2) أي عمل العبد إذا كان ملكا للغير ، فاستيفاء بعض منافعه التي لا تتنافى مع حق السيد بدون إذن مولاه مما يجري فيه الخلاف المتقدم.

(3) أي لا ينافي حق المولى.

(4) أي انحصار جميع منافع الأجير في المدة المعينة للمستأجر كما تقدم.

(5) أي الأجير.

(6) أي الأجير.

(7) أن يعمل للغير بعقد إجارة ، فالإجارة الثانية فضولية ، لأن الأجير أوقعها على منافعه حال كونها مملوكة للغير ، والمستأجر الأول بالخيار بين الرضا به وبين فسخه هذا بالنسبة للعقد الثاني ، وأما العقد الأول فيجوز للمستأجر كذلك فسخه والرضا به ، لفوات بعض المنافع لغيره إذ المفروض أن الأجير قد عمل للغير.

وعلى كل فإن فسخ المستأجر عقد نفسه فإن كان الأجير لم يعمل له شيئا فلا يستحق الأجير أجرة المسمى لعدم إتيانه بالفعل ، وإن كان الأجير عمل شيئا للمستأجر ثم عمل لغيره ، فيستحق الأجير عند فسخ المستأجر مسمى ما فعل ، لأن الأجرة موزعة على جميع الحمل ، وقد أقدم الأجير على بعض العمل في قبال العوض لا تبرعا مع احتمال أن يثبت له أجرة مثل ما عمل لا أجرة مسمى ما فعل.

وأما لو أبقى المستأجر على عقد نفسه فمنافع الأجير ملك له إلا أن هناك عقدا فصوليا عليها سيأتي الكلام فيه.

(8) أي إبقاء عقد نفسه.

(9) للمستأجر.

(10) على المستأجر لعدم إتيان الأجير بأي فعل.

(11) أي الفسخ.

(12) بعد عمل الأجير.

ص: 415

تبعضت الإجارة ، ولزمه (1) من المسمى بالنسبة ، وإن بقي على الإجارة (2) تخير في فسخ العقد الطارئ ، وإجازته (3) إذ المنفعة (4) مملوكة له (4) فالعاقد (6) عليها فضولي ، فإن فسخه (7) رجع إلى أجرة المثل (8) عن المدة الفائتة ، لأنها (9) قيمة العمل المستحق له (10) بعقد الإجارة وقد اتلف (11) عليه ، ويتخير في الرجوع بها (12) على الأجير ، لأنه المباشر للاتلاف ، أو المستأجر (13) ، لأنه المستوفي ، وإن اجازه (14)

______________________________________________________

(1) أي لزم المستأجر من مسمى الأجرة بنسبة ما فعل الأجير مع احتمال ثبوت أجرة مثل ما عمل.

(2) أي بقي المستأجر على عقد نفسه.

(3) لأن العقد الطارئ عقد فضولي متوقف على رضا المستأجر ، لأنه المالك لمنافع الأجير.

(4) أي منفعة الأجير.

(5) للمستأجر.

(6) وهو الأجير.

(7) أي فسخ المستأجر العقد الفضولي فلا بدّ أن يطالب بقيمة المنافع التي بذلها الأجير للثالث ، لأن منافع الأجير هي للمستأجر وقد كانت تحت يد الأجير واستوفاها ثالث ، غير أن الأجير غير مأذون بالتصرف فيها فهو ضامن ، والثالث قد تصرف فيها حال كونها ملكا للغير فهو ضامن أيضا ، وعليه فيجوز للمستأجر الرجوع على الأجير وعلى الثالث.

(8) وهي قيمة المنافع المستوفاة من الأجير للثالث.

(9) أي أجرة المثل.

(10) للمستأجر.

(11) أي العمل.

(12) بأجرة المثل.

(13) أي المستأجر الثاني وهو الثالث.

(14) أي أجاز المستأجر العقد الفضولي فيملك حينئذ المسمى في هذا العقد ، لأنه عوض المنافع التي هي مملوكة للمستأجر المجيز ، وهنا إما أن يكون الأجير قد قبض المسمى في هذا العقد أو لا ، وعلى الثاني فالمستأجر يطالب بالمسمى نفس الثالث ولا يطالب الأجير ، لأن المالك يطالب بالعوض من انتقل إليه المعوض ، والمعوض هو عند الثالث.

وعلى الأول فالمسمى إما أن يكون معينا أو كليا في الذمة ، وعلى الأول فيطالب المستأجر بالمسمى المعيّن من هو تحت يده ، والمفروض أنه مقبوض من الأجير فيطالب الأجير به ، ولو نقله الأجير عن ملكه بعقد فيطالب المستأجر من اشتراه وهكذا على الثاني فإما أن

ص: 416

ثبت له (1) المسمى فيه (2) ، فإن كان (3) قبل قبض الأجير له (4) فالمطالب به المستأجر (5) ، لأن الأجير هنا بمنزلة فضولي باع ملك غيره فأجاز المالك ، فإن الفضولي لا يطالب بالثمن ، وإن كان (6) بعد القبض وكانت الأجرة معينة فالمطالب بها من هي في يده ، وإن كانت (7) مطلقة فإن أجاز (8) القبض أيضا (9) فالمطالب الأجير ، وإلا (10) المستأجر ، ثم المستأجر (11) يرجع على الأجير بما قبض مع جهله (12) ، أو عمله (13) ، وبقاء العين ، وإن كان عمله بجعالة (14) تخير مع عدم

______________________________________________________

يجيز المستأجر القبض أيضا كما أجاز العقد ، لأن العوض أمر كلي غير متعين في مصداق ومع إجازته للقبض فقد رضي بحقه الكلي المتعين في مصداق وعليه فيطالب المستأجر الأجير حينئذ ، لأن المقبوض تحت يد الأجير وإما أن لا يجيز القبض فيكون العوض ما زال في ذمة الثالث الذي هو المستأجر الثاني ، فيطالبه المستأجر المجيز ، نعم يرجع المستأجر الثاني على الأجير بما دفعه إليه لظهور أن المدفوع إليه لم يكن عوضا.

(1) للمستأجر.

(2) في العقد الطارئ.

(3) أي ما أجازه المستأجر.

(4) لمسمى العقد الطارئ.

(5) أي المستأجر الثاني.

(6) أي ما أجازه المستأجر.

(7) أي الأجرة المسماة في العقد الفضولي.

(8) أي المستأجر.

(9) كما أجاز العقد الطارئ.

(10) أي وإن لم يجز القبض فيطالب المستأجر الثاني.

(11) أي الثاني يرجع على الأجير بما قبضه إذا كان الثاني جاهلا بأن الأجير فضولي سواء أتلف الأجير ما قبضه أم لا ، لأنه مغرور ، والمغرور يرجع على من غرّه.

(12) مطلقا سواء أتلف الأجير ما قبضه أم لا.

(13) أي علم المستأجر الثاني بأن الأجير فضولي فيرجع عليه بما قبضه بشرط بقاء العين ، أما مع تلفها فلا رجوع ، لأن المستأجر الثاني يعلم بكون الأجير فضوليا وقد سلطه على إتلاف العوض ، نعم مع بقاء العين ولو سلّطه على الإتلاف فيجوز له الرجوع ما دام ملكه موجودا.

(14) أي لو عمل الأجير الخاص لغير المستأجر بجعالة فالمستأجر مخيّر بين فسخ عقد نفسه

ص: 417

فسخ إجارته بين إجازته (1) فيأخذ المسمى ، وعدمه (2) فيرجع بأجرة المثل ، وإن عمل تبرعا (3) وكان العمل مما له أجرة في العادة تخير مع عدم فسخ عقده بين مطالبة من شاء منهما (4) بأجرة المثل ، وإلا (5) فلا شي ء ، وفي معناه (6) عمله لنفسه (7) ، ولو حاز (8) شيئا من المباحات بنية التملك ملكه ، وكان حكم الزمان المصروف في ذلك (9) ما ذكرناه (10).

(ويجوز للمطلق) (11) وهو الذي يستأجر لعمل مجرد عن المباشرة مع تعيين

______________________________________________________

وإمضائه لعين الدليل السابق في صورة الإجارة ، وإن أمضى العقد الأول فهو مخيّر بين فسخ عقد الجعالة وإمضائه ، لعين الدليل السابق أيضا في صورة الإجارة ، وإن أمضى عقد الجعالة استحق المسمى فيه ، ولو فسخه والمفروض أن الأجير قد عمل للثالث فيستحق المستأجر أجرة المثل عن هذا العمل كما في صورة الإجارة.

(1) أي إجازة عقد الجعالة.

(2) أي عدم ما ذكر من الإجازة وهو الفسخ.

(3) أي لو عمل الأجير الخاص لغير المستأجر تبرعا ، فالمستأجر الأول مخيّر بين فسخ عقد نفسه وإمضائه ، لعين الدليل في صورة الإجارة ، ولو فسخ فيأتي الكلام المتقدم في صورة الإجارة ، وإن أمضى فيطالب هنا بأجرة المثل عما وقع من منافع الأجير لغيره إن كان لها أجرة مثل ، والمطالب هو الأجير أو الثالث وعلى أيهما رجع جاز لما قلناه سابقا في صورة الإجارة ، ولو لم تكن لهذه المنافع أجرة مثل فلا شي ء له. وكذا نفس الكلام لو عمل الأجير المختص لنفسه.

(4) من الأجير والثالث.

(5) أي وإن لم يكن للعمل أجرة في العادة.

(6) أي معنى التبرع.

(7) أي لنفس الأجير.

(8) أي حاز الأجير الخاص شيئا من المباحات حال كون جميع منافعه ملكا للمستأجر ، فلو حاز شيئا من المباحات الأصلية بنية التملك لنفس الأجير تملك الأجير ذلك ، لأن الحياز المباح مع نية التملك سبب للملك المحيز.

(9) في الحيازة.

(10) هو ثبوت أجرة المثل لإتلافه على المستأجر.

(11) المراد من الأجير المطلق هو الذي يستأجر لعمل مجرد ، إما مجرد عن المباشرة بنفسه ، وإما مجرد عن الوقت المعين وإما مجرد عنهما ، والأجير المطلق إذا كان مستأجرا ليعمل واحدا

ص: 418

المدة كتحصيل الخياطة يوما ، أو عن (1) المدة مع تعيين المباشرة كأن يخيط له ثوبا بنفسه من غير تعرض إلى وقت ، أو مجرد عنهما (2) كخياطة ثوب مجرد عن تعيين الزمان ، وسمي مطلقا (3) ، لعدم انحصار منفعته (4) في شخص معين ، فمن ثم جاز له (5) أن يعمل لنفسه وغيره. وتسميته بذلك أولى من تسميته مشتركا كما صنع غيره ، لأنه (6) في مقابلة المقيد وهو الخاص ، ويباين هذا (7) الخاص باعتباراته الثلاثة (8) إذ الأول (9) مطلق بالنسبة إلى المباشرة. والثاني (10) بالنسبة إلى المدة. والثالث (11) فيهما معا.

______________________________________________________

من الأقسام الثلاثة فيجوز له أن يعمل لغير المستأجر ولو بعقد إجارة ثان ، ولا يتخيل المانع عن صحة الإجارة الثانية إلا المنافاة بين الإجارتين ، وهي منتفية هنا ، لأن الإجارة الأولى قد تعلقت بعمل هو كالدين في الذمة ، وهذا لا ينافيه عمل آخر كالدين في الذمة إذا تعلق به إجارة ثانية.

(1) أي مجرد عن المدة.

(2) عن المدة والمباشرة.

(3) عبّر الكثير عنه بالمشترك لعدم انحصار منفعته لشخص معين ، فصدق الاشتراك عليه حقيقة من حيثية أنه يحق له أن يعمل للمستأجر الأول ويحق له أن يعمل لغيره فيجوز له أن يشرك مع المستأجر الأول غيره على عمل بشرط تغاير متعلق الإجارتين.

هذا وباعتبار أن المطلق في قبال الخاص الذي تقدم تعريفه وهو الذي كانت جميع منافعه في مدة معينة للمستأجر ، فهو مقيّد بقيدين : الزمن والمباشرة ، وبما أن الخاص هو المقيّد فيناسب لمقابله أن يكون مطلقا لا مشتركا ، ولذا كان المطلق تارة مجردا عن قيد الزمن وأخرى عن قيد المباشرة وثالثة عنهما معا.

ولهذا كله عدل الشهيد عن تعبيرهم وعبّر عنه بلفظ المطلق.

(4) أي منفعة المطلق.

(5) للمطلق.

(6) أي المطلق.

(7) أي المطلق ، وهو فاعل لقوله (يباين) ، والخاص مفعول به.

(8) من كونه مجردا عن المباشر ، ومجردا عن الزمن ومجردا عنهما.

(9) وهو المجرد عن المباشرة.

(10) وهو المجرد عن الزمن.

(11) وهو المجرد عن المباشرة والزمن.

ص: 419

وللمصنف رحمه الله قول (1) بأن الإطلاق (2) في كل الإجارات يقتضي التعجيل ، وأنه (3) يجب المبادرة إلى ذلك الفعل ، فإن كان مجردا عن المدة خاصة فبنفسه (4) ، وإلا (5) تخير بينه ، وبين غيره ، وحينئذ (6) فيقع التنافي بينه (7) ، وبين عمل آخر في صورة المباشرة (8) ، وفرّع عليه (9) عدم صحة الإجارة الثانية في صورة التجرد عن المدة مع تعيين المباشرة كما منع الأجير الخاص ، ويرشد إليه (10) ما تقدم في الحج من عدم صحة الإجارة الثانية مع اتحاد زمان الايقاع (11)

______________________________________________________

(1) في بعض تحقيقاته كما في المسالك وحاصله أن كل إجارة مطلقة من ناحية الزمن فيجب التعجيل على الأجير في الفعل ، فلو أوقع عقد الإجارة على خياطة هذا الثوب ولم يقيده بزمن خاص ، فتجب المبادرة إلى فعل المستأجر عليه فورا ، لأن الإجارة عقد وقد أمرنا بالوفاء به بقوله تعالى : ( أَوْفُوا بِالْعُقُودِ ) (1) ، والأمر يدل على الفورية.

مع وجوب المبادرة إلى فعل المستأجر عليه فإن أوقع عقد إجارة ثان قبل أن يتم العمل للمستأجر الأول فهي باطلة للتنافي بين العقدين ، كما تبطل الإجارة الثانية في الأجير الخاص. وفيه : أنه لا دليل يدل على الفورية في الأوامر.

(2) أي تجريد الإجارة عن الزمن المعين.

(3) أي الشأن والواقع.

(4) أي فهو غير مجرد عن قيد المباشرة.

(5) أي وإن كان مجردا عن المباشرة وعليه فيجوز للأجير أن يؤجر نفسه بعقد إجارة ثان لغير المستأجر الأول وإن لم يتم العمل الأول ، لأن العمل المستأجر عليه الأول لا يجب أن يباشره بنفسه فيجوز للأجير أن يستأجر عليه يؤجر نفسه لعمل ثان.

(6) أي حين تجب المبادرة على الأجير إلى العمل الأول للإطلاق في الإجارة الأولى ، وهذا لا يتم إلا إذا كان العمل مقيّدا بالمباشرة ومطلقا من ناحية الوقت.

(7) بين العمل الأول.

(8) أي في صورة اشتراط المباشرة دون المدة.

(9) أي وفرّع المصنف على وقوع التنافي.

(10) إلى عدم صحة الإجارة الثانية هنا.

(11) أي إيقاع الحج.

ص: 420


1- 1. سورة المائدة ، الآية : 1.

فی ما إذا تسلم المستأجر العین و مضت مدة

نصا (1) ، أو حكما (2) ، كما لو اطلق فيهما (3) ، أو عين في إحداهما بالسنة الأولى ، واطلق في الأخرى ، وما ذكره أحوط ، لكن لا دليل عليه إن لم نقل (باقتضاء) مطلق الأمر الفور.

(وإذا تسلم) المستأجر (العين (4) ومضت مدة يمكن فيها الانتفاع) بها (5) فيما استأجرها له (6) (استقرت الأجرة) وإن لم يستعملها ، وفي حكم التسليم ما لو بذل المؤجر العين فلم يأخذها (7)

______________________________________________________

(1) كما لو صرح بالاتحاد وذلك فيما لو استأجره على الحج عن أبيه في هذه السنة فلا يجوز له أن يؤجر نفسه عن شخص آخر في نفس هذه السنة ، ولكن الإجارتين قد نصتا على إيقاع الحج في هذه السنة ، ولا تصح الثانية للتنافي.

(2) أي كان اتحاد إيقاع الحج حكم الإجارتين ، وذلك عند الإطلاق ، والإطلاق إما أن يكون فيهما كما لو أوقع عقد الإجارة للحج عن شخص أوقع عقدا آخر للحج عن شخص آخر ، ولم يقيد أيا منهما بكونه في هذه السنة ، وهو محمول عليها للانصراف.

وإما أن يكون الإطلاق في أحد العقدين مع حمله على هذه السنة انصرافا مع التصريح بها في العقد الآخر ، وفي الجميع لا تصح الثانية للتنافي بينها وبين الأولى.

(3) في الإجارتين.

(4) استقرت الأجرة ، بلا خلاف فيه ، لأن الأجرة تثبت بالعقد ، وإن لم يجب تسليمها إلا بعد تسليم العين ، وإذا ثبتت بمجرد العقد فلا تستقر على المستأجر استقرارا ثابتا إلا بتسليمه العين ومضي مدة يمكن استيفاء المنافع منها ، وعليه فلو تسلم المستأجر العين وقد مضت المدة المذكورة فتستقر الأجرة وإن لم يستوف المنافع إذ لا تقصير من جهة المؤجر ، بل هو الذي أقدم على إضرار نفسه بتركه الانتفاع.

يبقى أن اشتراط تسليم العين هنا لأنه لا يجب دفع الأجرة إلا بعد تسليم العين ، واشتراط مضي المدة لعدم العلم بأن المنافع ستسلم له إلا إذا بقيت العين تحت يده صالحة للانتفاع مدة العقد أو مضي مدة يمكن الاستيفاء فيما لو قدّرت المنفعة بالعمل فقط.

(5) بالعين.

(6) لهذا الانتفاع.

(7) فلم يقبضها المستأجر حتى مضت مدة الانتفاع فلا تقصير من المؤجر ، بل المستأجر أقدم على إضرار نفسه بتركه القبض.

ص: 421

المستأجر حتى انقضت المدة (1) أو مضت مدة (2) يمكنه الاستيفاء فتستقر الأجرة ، (ولا بدّ من كونها) أي المنفعة (مباحة فلو استأجره لتعليم كفر ، أو غناء) ، ونحوه (3) من المعلومات الباطلة ، (أو حمل مسكر بطل) العقد ، ويستثنى من حمل المسكر الخمر بقصد الاراقة (4) أو التخليل ، فإن الإجارة لهما جائزة ، (وأن يكون (5) مقدورا على تسليمها (6)

______________________________________________________

(1) أي المدة المعينة في متن العقد.

(2) كما لو قدرت المنفعة بالعمل لا بالزمان ، كأن يستأجره على خياطة هذا الثوب ، وقد بذل الأجير نفسه مدة يمكن أن يستوفى فيها منه الخياطة المذكورة.

(3) فلو آجره مسكنا ليحرز به الخمر ، أو دكانا لبيع آلة محرمة فيه ، أو أجيرا ليحمل له مسكرا ، أو جارية للغناء ، أو كاتبا ليكتب له الكفر ، أو معلما ليعمله الكفر أو السحر لم تنعقد الإجارة ، لأنه إعانة على الاثم والعدوان ، وقال تعالى : ( وَلٰا تَعٰاوَنُوا عَلَى الْإِثْمِ وَالْعُدْوٰانِ ) (1) ، ولخبر جابر عن أبي عبد الله عليه السلام (عن الرجل يؤاجر بيته فيباع فيه الخمر ، قال عليه السلام : حرام أجره) (2) ، وخبر تحف العقول عن أبي عبد الله عليه السلام (أما وجوه الحرام من وجوه الإجارة فنظير أن يؤجر الإنسان على حمل ما يحرم عليه أكله أو شربه أو يؤاجر نفسه في صنعة ذلك الشي ء أو حفظه أو لبسه أو يؤاجر نفسه في هدم المساجد ضرارا ، وقتل النفس بغير حل أو عمل التصاوير والأصنام والمزامير والبرابط والخمر والخنزير والميتة والدم أو شي ء من وجوه الفساد الذي كان محرما عليه من غير جهة الإجارة فيه ، وكل أمر ينهى عنه في جهة من الجهات فيحرم على الإنسان إجارة نفسه فيه أوله ، أو شي ء منه أو له إلا لمنفعة من استأجرته كالذي يستأجر له الأجير يحمل له الميتة ينحّيها عن آذاه أو أذى غيره وما أشبه ذلك) (3).

(4) نحو الكفر والغناء.

(5) فإراقته واجبة فتجوز الإجارة فيه ، وتخليله جائز فتجوز الإجارة فيه أيضا.

(6) أي تسليم المنفعة بتسليم العين ، فلو لم يمكن تسليم المنافع كمن آجر عبدا آبقا بطلت الإجارة بلا خلاف فيه ، لأن بذل المال في قبال غير المقدور تسليمه سفه ، لأن غير المقدور لا مال له بنظر العقلاء ، وغرر من ناحية إمكان تسليمه وعدمه.

ص: 422


1- 1. سورة المائدة آية : 2.
2- 2. الوسائل الباب - 39 - من أبواب ما يكتسب به حديث 1.
3- 3. الوسائل الباب - 1 - من أبواب الإجارة حديث 1.

(فلا تصح إجارة الآبق) ، لاشتمالها (1) فيه (2) على الغرر (وإن ضم إليه) شيئا متمولا (3) (أمكن الجواز) ، كما يجوز في البيع ، لا بالقياس ، بل لدخولها (4) في الحكم (5) بطريق أولى (6) ، لاحتمالها (7) من الغرر ما لا يحتمله (8). وبهذا الإمكان (9) أفتى المصنف في بعض فوائده.

ووجه المنع فقد النص المجوّز هنا (10) ، فيقتصر فيه على مورده وهو البيع ، ومنع (11) الأولوية. وعلى الجواز هل يعتبر في الضميمة إمكان إفرادها (12) بالإجارة (13) ، أم بالبيع (14) ، أم يكفي كل واحد منهما (15) في كل واحد

______________________________________________________

نعم لو ضمّ إلى غير المقدور شيئا يمكن تسليمه وهو مما يعدّ عند العقلاء مالا ، لأن ما لا يمكن تسليمه ليس مالا بنظر العقلاء ففيه تردد ، فظاهر القواعد جوازه ، وتردد في التذكرة والمحقق في الشرائع ، ووجه التردد من عدم القدرة على التسليم في المنفعة فيبطل العقد ، ومن جواز بيع غير المقدور تسليمه مع الضميمة المقدور تسليمها ، وإذا جاز في البيع فيجوز في الإجارة.

(1) أي الإجارة.

(2) في غير المقدور تسليمه.

(3) أي مما له مالية بنظر العقلاء.

(4) أي الإجارة.

(5) وهو الجواز.

(6) لأنه إذا جاز في البيع الذي شرط فيه التعيين من جميع الوجوه فيجوز في الإجارة التي ليس التعيين فيها شرطا من جميع الوجوه بطريق أولى.

(7) أي الإجارة.

(8) أي البيع.

(9) أي أمكن الجواز.

(10) أي في الإجارة بخلاف البيع فقد ورد فيه النص ، ويقتصر فيه على مورده.

(11) إذ يجوز الانتفاع بالعبد الآبق في البيع كعتقه وإن كان آبقا ، بخلاف الإجارة فلا بد من التسليم حتى ينتفع به ، فالمناط في بيعه غير محرز حتى نعرف ثبوته في الإجارة.

(12) أي أفراد ضميمة الإجارة.

(13) بأن تصلح لأن تقع موردا للإجارة بنفسها.

(14) بأن تصلح ضميمة الإجارة لأن تقع موردا للبيع.

(15) أي من البيع والإجارة.

ص: 423

فی ما لو طرأ المنع

منهما (1) أوجه (2) : من حصول (3) المعنى في كل منهما ، ومن أن (4) الظاهر ضميمة كل شي ء إلى جنسه ، وقوى المصنف الثاني (5). ولو آجره (6) ممن يقدر على تحصيله (7) صح من غير ضميمة. ومثله (8) المغصوب (9) لو أجره الغاصب ، أو من يتمكن من قبضه.

(ولو طرأ المنع) (10) من الانتفاع بالعين المؤجرة فيما أوجرت له ، (فإن كان

______________________________________________________

(1) من ضميمة البيع وضميمة الإجارة فيكفي في ضميمة البيع إيجارها ، وفي ضميمة الإيجار بيعها.

(2) هما وجهان في المسالك حيث قال (وفي اعتبار إفرادها بجنس ما يضم إليه ففي البيع يفرد بالبيع ، وفي الإجارة بالإجارة ، أو يكفي كل واحد منهما في كل واحد منهما وجهان) هذا من جهة ومن جهة أخرى تظهر الثمرة في العين الموقوفة وفي مسلوبة المنفعة ، ففي الموقوفة يصح إيجارها ولا يصح بيعها ، وفي مسلوبة المنفعة يصح بيعها ولا يصح إيجارها ، وعليه فالنزاع هل يكفي في ضميمة الإجارة العين التي يمكن إيجارها أو مطلق الضميمة كمسلوبة المنفعة لأنها ضميمة في البيع ، وهل يكفي في ضميمة البيع العين التي يمكن بيعها أو مطلق الضميمة كالموقوفة لأنها ضميمة في الإجارة.

(3) دليل الوجه الثاني ، والمعنى هو تحقق إفرادها بالمعاوضة بيعا أو إجارة.

(4) دليل الوجه الأول.

(5) أي ضميمة كل شي ء إلى جنسه الذي هو دليل الوجه الأول.

(6) أي آجر غير المقدور على تسليمه.

(7) بحيث آجر العبد الآبق لشخص يمكن له أن يقبض عليه ، صح بلا إشكال لارتفاع المانع وهو الغرر من عدم التسليم لتحقق التسلم.

(8) أي ومثل غير المقدور على تسليمه.

(9) فلو آجر المالك العين المغصوبة لنفس الغاصب صح أيضا بلا إشكال لوجود المقتضي من كونه عقدا ، وعدم المانع لأن الغاصب قابض.

(10) لو طرأ المانع الذي يمنع من الاستيفاء كما لو منعه ظالم ، وكان الطروّ بعد العقد فتارة يكون قبل القبض وأخرى بعده.

وعلى الأول كان المستأجر بالخيار بين الفسخ أو الرجوع على الظالم بأجرة المثل للمنافع التي فاتته ، ووجه التخيير أن العين قبل القبض مضمونة على المؤجر فللمستأجر الفسخ عند تعذر الاستيفاء ، لأن إلزامه بالعقد مع تفويت منافع العين عليه ضرر منفي ، وإذا فسخ يطالب المؤجر بأجرة المسمى إن كان قد دفعها إليه.

ص: 424

المنع قبل القبض فله الفسخ) ، لأن العين قبل القبض مضمونة على المؤجر فللمستأجر الفسخ عند تعذرها (1) ، ومطالبة المؤجر (2) بالمسمى لفوات المنفعة ، وله الرضا بها (3) وانتظار زوال المانع ، أو مطالبة (4) المانع بأجرة المثل لو كان غاصبا ، بل يحتمل مطالبة المؤجر بها أيضا (5) ، لكون العين مضمونة عليه (6) حتى يقبض ، ولا يسقط (7) التخيير بزوال المانع في أثناء المدة ، لأصالة بقائه (8) ، (وإن كان) المنع (بعده) أي بعد القبض (9) ، (فإن كان (10) تلفا بطلت (11) الإجارة ، لتعذر تحصيل

______________________________________________________

وله الالتزام بالعقد لتمامية أركانه ومطالبة الظالم بأجرة المثل لأنه باشر الإتلاف عدوانا.

وعلى الثاني سيأتي بحثه.

(1) أي تعذر العين لطرو المانع من استيفاء المنفعة منها.

(2) أي ومطالبة المستأجر المؤجر بالمسمى.

(3) أي وللمستأجر الرضا بالعين.

(4) أي مطالبة المستأجر المانع الذي هو الظالم.

(5) أي ويحتمل مطالبة المستأجر المؤجر بأجرة المثل لو لم يفسخ كما يطالب الظالم ، لأن العين مضمونة على المؤجر حتى يتحقق القبض ، وفوات المنفعة قبل القبض مما يتحمله المؤجر ، نعم لو رجع المستأجر على المؤجر ، رجع الثاني على الظالم لأنه المباشر للإتلاف.

وفيه : إن الثابت في ذمة المؤجر هو المسمى على تقدير قبضه لو فسخ المستأجر ، لا أجرة المثل عند عدم الفسخ لأنه لم يباشر العدوان.

(6) على المؤجر.

(7) أي لا يسقط تخيير المستأجر بين الفسخ والرجوع بالمسمى وبين الالتزام بالعقد والرجوع بأجرة المثل حتى لو ارتفع المانع ، للاستصحاب ، ولفوات مجموع المنفعة بما هو مجموع.

(8) أي بقاء التخيير المذكور.

(9) لو كان المانع من الاستيفاء بعد القبض لم تبطل الإجارة قطعا ، وليس للمستأجر الفسخ لأصالة اللزوم في العقود ، ولعدم كون العين مضمونة على المؤجر لتحقق القبض ، نعم يستحق المستأجر على الظالم أجرة مثل المنفعة الفائتة ، بلا فرق في الحكم بين كون الغاصب هو المؤجر أو لا ، ولا بين كون المانع قد وقع في أول مدة الإجارة أو في أثنائها ، كل ذلك لاستصحاب اللزوم بعد استقرار العقد بالقبض.

(10) أي المنع.

(11) لو تلفت العين بطلت الإجارة لتعذر تحصيل المنفعة ، ولهذا الدليل تبطل الإجارة لو تلفت العين قبل القبض أيضا ، ولا معنى لتقييد التلف بما بعد القبض هذا من جهة ومن جهة أخرى فالتلف ليس مانعا بل معدما للعين فتسميته بالمانع ليس في محله.

ص: 425

فی ما لو ظهر فی المنفعة عیب

المنفعة المستأجر عليها ، (وإن كان غصبا لم تبطل) ، لاستقرار العقد بالقبض. وبراءة المؤجر والحال أن العين موجودة يمكن تحصيل المنفعة منها ، وإنما المانع عارض ، (ويرجع المستأجر على الغاصب) بأجرة مثل المنفعة الفائتة في يده ، ولا فرق حينئذ بين وقوع الغصب في ابتداء المدة وخلالها. والظاهر عدم الفرق بين كون الغاصب المؤجر ، وغيره.

(ولو ظهر في المنفعة عيب (1) فله الفسخ) ، لفوات بعض المالية (2) بسببه (3) فيجبر (4) بالخيار ، ولأن الصبر على العيب ضرر منفي.

(وفي الارش) لو اختار البقاء على الإجارة (نظر) من وقوع (5) العقد على هذا المجموع (6) وهو باق فاما أن يفسخ ، أو يرضى بالجميع ، ومن كون (7) الجزء الفائت ، أو الوصف (8) مقصودا للمستأجر ولم يحصل ، وهو (9) يستلزم نقص المنفعة

______________________________________________________

(1) إذا وجد المستأجر بالعين عيبا سابقا على العقد كان بالخيار بين فسخ الإجارة أو الرضا بالعين من دون أرش ، أما أن له الفسخ فلا خلاف فيه ، لأن حقه هو المنفعة وأيّ عيب في العين موجب لنقصان المنفعة ، فله الفسخ حينئذ للضرر المنفي.

وأما أن له الرضا بالعين من دون أرش فهذا ما صرح به جماعة ، لأن العقد قد وقع على مجموع المنفعة في قبال مجموع الأجرة ، فإما أن يرضى بالعقد وإما أن يفسخ ، والضر المتوجه عليه مرفوع عنه بثبوت الخيار ، وقد ثبت الأرش عند الإمضاء في البيع للنص فيقتصر عليه في مورده.

وأشكل عليهم بأن الإطلاق في عقد الإجارة لما كان منزلا على العين الصحيحة كان الجزء الفائت أو الوصف مقصودا للمستأجر ، ولم يحصل وهو ما يستلزم نقص المنفعة التي هي أحد العوضين فلا بد من الأرش تحقيقا للتقابل بين العوضين.

(2) في المنفعة.

(3) أي بسبب العيب.

(4) أي الفوات.

(5) دليل عدم ثبوت الأرش.

(6) من المنفعة.

(7) دليل ثبوت الأرش.

(8) أي الوصف الفائت ، وهما فائتان من العين المستأجرة.

(9) أي فوات الجزء أو الوصف المقصودين للمستأجر.

ص: 426

التي هي أحد العوضين فيجبر بالارش وهو حسن.

وطريقة معرفته (1) أن ينظر إلى أجرة مثل العين سليمة ، ومعيبة ويرجع من المسمى بمثل نسبة المعيبة إلى الصحيحة ، وان اختار (2) الفسخ وكان (3) قبل مضي شي ء من المدة فلا شي ء عليه (4) وإلا (5) فعليه من المسمى بنسبة ما مضى إلى المجموع.

(ولو طرأ) العيب (بعد العقد فكذلك (6) كانهدام المسكن) وإن كان بعد استيفاء شي ء من المنفعة ، ولا يمنع من ذلك كون التصرف مسقطا للخيار ، لأن المعتبر منه (7) ما وقع في العوض المعيب الذي تعلقت به المعاوضة ، وهو (8) هنا المنفعة ، وهي تتجدد شيئا فشيئا ، وما لم يستوفه منها لا يتحقق فيه التصرف ، وإنما يتخير مع انهدام المسكن (9)

______________________________________________________

(1) أي معرفة الأرش.

(2) أي المستأجر.

(3) أي الفسخ.

(4) على المستأجر لعدم استيفائه شيئا من المنفعة.

(5) أي وإن لم يكن قبل مضي شي ء من المدة ، بل قد مضى من المدة شي ء فعلى المستأجر من المسمى بمقدار ما مضى من المدة.

(6) أي للمستأجر خيار الفسخ لنقصان المنفعة ، وللزوم الضرر على المستاجر.

طرو العيب بعد القصد إنما يكون بعد تصرف المستأجر في العين ، والتصرف مسقط للخيار.

المنافع التي لم يستوفها لم يتصرف بها ، والفسخ وإنما هو بالنسبة لهذه المنافع ، لا للمنافع التي استوفاها.

(7) من التصرف المسقط للخيار.

(8) أي العوض المعيب.

(9) أي إذا كان العيب هو الانهدام فيشترط أن لا يكون الهدم لجميع الدار ، وإلا فلا يعتبر أنه عيب بل هو تلف ، وإنما يكون الهدم عيبا لو طرأ على جملة من الدار وبقيت منه جملة أخرى ، ثم يثبت للمستأجر حينئذ الفسخ ولم يبادر المؤجر لإصلاح ما انهدم ، فلو أصلحه بحيث لم يفت الانتفاع أصلا فلا خيار للمستأجر ، لعدم فوات شي ء من المنافع عليه ، وذهبت جماعة إلى بقاء الفسخ له لثبوت الخيار بالانهدام ويستصحب عند الإصلاح.

ص: 427

فی أنه یستحب أن یقاطع من یستعمله علی الأجرة

إذا أمكن الانتفاع به (1) وإن قل (2) ، أو أمكن إزالة المانع (3) ، وإلا بطلت ، ولو أعاده (4) المؤجر بسرعة بحيث لا يفوت عليه (5) شي ء معتد به (6) ففي زوال الخيار نظر ، من زوال (7) المانع ، وثبوت الخيار (8) بالانهدام فيستصحب ، وهو أقوى.

(ويستحب أن يقاطع من يستعمله على الأجرة أولا) (9) للأمر به في الأخبار.

______________________________________________________

(1) بالمسكن.

(2) أي الانتفاع.

(3) عند هدم الجميع ، وإلا فلو لم يمكن إزالة المانع مع هدم جميعه تبطل الإجارة لعدم تحقق متعلقها.

(4) أي أعاد المسكن.

(5) على المستأجر.

(6) من منافع المسكن.

(7) دليل زوال الخيار.

(8) دليل عدم الزوال.

(9) أي قبل العقد بلا خلاف فيه للأخبار.

منها : خبر مسعدة بن صدقة عن أبي عبد الله عليه السلام (من كان يؤمن بالله واليوم الآخر فلا يستعملن أجيرا حتى يعلم ما أجره ، ومن استأجر أجيرا ثم حبسه عن الجمعة يبؤ باثمه ، وإن هو لم يحبسه اشتركا في الأجر) (1) ، وخبر سليمان بن جعفر (كنت مع الرضا عليه السلام في بعض الحاجة فأردت أن أنصرف إلى منزلي فقال لي : انصرف معي فبت عندي الليلة ، فانطلقت معه فدخل إلى داره مع المغيب فنظر إلى غلمانه يعلمون في الطين أواري الدواب (2) وغير ذلك ، وإذا معهم أسود ليس منهم ، فقال عليه السلام : ما هذا الرجل معكم؟ فقالوا : يعاوننا ونعطيه شيئا ، قال : قاطعتموه على أجرته؟ قالوا : لا ، هو يرضى منا بما نعطيه ، فأقبل عليهم يضربهم بالسوط وغضب لذلك غضبا شديدا.

فقلت : جعلت فداك لم تدخل على نفسك؟ فقال : إني قد نهيتهم عن مثل هذا غير مرة أن يعمل معهم أحد حتى يقاطعوه على أجرته ، واعلم أنه ما من أحد يعمل لك شيئا بغير مقاطعة ثم زدته لذلك الشي ء ثلاثة أضعاف على أجرته إلا ظنّ أنك قد نقصته أجرته ، وإذا قاطعته ثم أعطيته أجرته حمدك على الوفاء ، فإن زدته حبّة عرف ذلك لك ،

ص: 428


1- 1. الوسائل الباب - 3 - من أبواب الإجارة حديث 2.
2- 2. الأربة : الأخية وهي عروة تربط إلى وتد مدقوق وتشد فيها الدابة ، وربما قيل للمعلف كما عن المصباح المنير.

فعن الصادق عليه السلام «من كان يؤمن بالله واليوم الآخر فلا يستعملن أجيرا حتى يعلمه ما أجره» وعن الرضا عليه السلام أنه ضرب غلمانه حيث استعملوا رجلا بغير مقاطعة وقال : إنه ما من أحد يعمل لك شيئا بغير مقاطعة ثم زدته لذلك الشي ء ثلاثة أضعاف على أجرته إلا ظن أنك قد نقصت أجرته ، وإذا قاطعته ثم أعطيته أجرته حمدك على الوفاء ، فإن زدته حبة عرف ذلك لك ، ورأى أنك قد زدته» (وأن توفيه) أجرته (عقيب فراغه) من العمل (1) قال الصادق عليه السلام في الجمّال والأجير : «لا يجف عرقه حتى تعطيه أجرته» وعن حنان بن شعيب قال : تكارينا لأبي عبد الله عليه السلام قوما يعلمون في بستان له وكان أجلهم إلى العصر فلما فرغوا قال لمعتب : اعطهم أجورهم قبل أن يجف عرقهم.

(ويكره أن يضمّن) (2) أي يغرّم عوض ما تلف بيده بناء على ضمان

______________________________________________________

ورأى أنك قد زدته) (1) ومثلها غيرها من الأخبار.

(1) لصحيح هشام بن الحكم عن أبي عبد الله عليه السلام في الجمّال والأجير قال : (لا يجفّ عرقه حتى تعطيه أجرته) (2) ، وخبر شعيب قال (تكارينا لأبي عبد الله عليه السلام قوما يعملون في بستان له وكان أجلهم إلى العصر ، فلما فرغوا قال لمعتّب : أعطهم أجورهم قبل أن يجف عرقهم) (3).

(2) إذا أفسد الأجير بفعله المتاع الذي بيده كالصانع والبيطار بحيف على الحافر والحجام يجني في حجامته والختّان يتجاوز حد الختان والقصار يخرق الثوب ، فإنه يضمن سواء كان حاذقا أم لا ، وسواء كان بحضور رب المال أم غيبته وسواء كان الأجير خاصا أم لا ، وسواء كان فعله في ملكه أم في ملك المستأجر بلا خلاف في ذلك بل وسواء كان منه بتحد أم لا كما عليه المشهور للأخبار.

منها : صحيح الحلبي عن أبي عبد الله عليه السلام (في الرجل يعطي الثوب ليصبغه فيفسده فقال : كل عامل أعطيته أجرا على أن يصلح فأفسد فهو ضامن) (4) ، وصحيحه الآخر عنه عليه السلام : (كان أمير المؤمنين عليه السلام يضمن القصّار والصائغ احتياطا للناس ، وكان أبي يتطول عليه إذا كان مأمونا) (5) ، وخبر إسماعيل عن أبي الصباح عن أبي عبد الله عليه السلام (سألته عن الثوب أدفعه إلى القصار فيخرقه؟ قال : أغرمه ، فإنك إنما دفعته

ص: 429


1- 1. الوسائل الباب - 3 - من أبواب الإجارة حديث 1.
2- (2 و 3) الوسائل الباب -2. من أبواب الإجارة حديث 1 و 2.
3- (4 و 5) الوسائل الباب -3. من أبواب الإجارة حديث 19 و 4.

الصانع (1) ما يتلف بيده (2) ، أو مع قيام البينة على تفريطه أو مع نكوله عن اليمين حيث يتوجه (3) عليه لو قضينا بالنكول (إلا مع التهمة له) بتقصيره على وجه

______________________________________________________

إليه ليصلحه ولم تدفع إليه ليفسده) (1) ، وخبر يونس (سألت الرضا عليه السلام عن القصّار والصائغ أيضمنون؟ قال : لا يصلح إلا أن يضمنوا) (2) ، وخبر السكوني عن أبي عبد الله عليه السلام (أن أمير المؤمنين عليه السلام رفع إليه رجل استأجر رجلا يصلح بابه فضرب المسمار فانصدع الباب فضمّنه أمير المؤمنين عليه السلام) (3) وعن جماعة عدم الضمان عند عدم التفريط لأصالة البراءة ، ولأن الأخبار المتقدمة الدالة على ضمانهم ناظرة إلى التفريط بقرينة قوله عليه السلام (فأفسد) ، وخبر السكوني حجة عليهم لأنه ظاهر في عدم التفريط ويؤيده ما رواه السكوني أيضا عن أبي عبد الله عليه السلام (قال أمير المؤمنين عليه السلام : من تطبب أو تبيطر فليأخذ البراءة من وليه وإلا فهو له ضامن) (4) ، وصحيح داود بن سرحان عنه عليه السلام (في رجل حمل متاعا على رأسه فأصاب إنسانا فمات وانكسر منه ، فقال عليه السلام : هو ضامن) (5).

هذا ولو تلف المتاع تحت يد الأجير من غير تفريط من الأجير وبغير فعله فلا ضمان لعدم مباشرته للإتلاف. وإذا تقرر ذلك من ضمان الأجير مطلقا إذا تلف بفعله. فقد ورد في كلمات القوم أنه يكره تضمين الأجير إلا مع التهمة ، بحيث لو كان الأجير ضامنا فيكره تضمينه إذا كان مأمونا ويشهد له أخبار.

منها : صحيح الحلبي المتقدم عن أبي عبد الله عليه السلام (كان أمير المؤمنين عليه السلام يضمن القصار والصائغ احتياطا للناس ، وكان أبي يتطول عليه إذا كان مأمونا) (6) ومرسل الفقيه عن أبي عبد الله عليه السلام (كان أبي عليه السلام يضمّن الصائغ والقصار ما أفسدا ، وكان علي بن الحسين عليه السلام يتفضل عليهم) (7) ، وظاهر التفضل والتطاول ثبوت الضمان ولكن كان بناؤه عليه السلام على عدم التضمين إذا كان مأمونا ، فلذا يكره التضمين حينئذ.

(1) وهو العامل الأجير.

(2) أي بفعله.

(3) أي اليمين.

ص: 430


1- (1 و 2 و 3) الوسائل الباب -1. من أبواب الإجارة حديث 8 و 9 و 10.
2- 2. الوسائل الباب - 24 - من أبواب الضمان من كتاب الديات حديث 1.
3- 3. الوسائل الباب - 10 - من أبواب الضمان من كتاب الديات حديث 1.
4- (6 و 7) الوسائل الباب -4. من أبواب الإجارة حديث 4 و 20.

مسائل:

اشارة

الأولی - من تقبل عملا فله تقبیله غیره

(يوجب الضمان (1).

مسائل :

(الأولى - من تقبل عملا فله تقبيله غيره بأقل) مما تقبله به (على الأقرب) (2) ، لأصالة الجواز ، وما ورد من الأخبار دالا على النهي عنه يحمل على الكراهية جمعا بينها وبين ما يدل على الجواز هذا إذا لم يشترط عليه العمل بنفسه ، وإلا فلا

______________________________________________________

(1) فلا كراهة حينئذ بعد كون كراهة التضمين إذا كان مأمونا.

(2) من تقبل عملا في ذمته من غير اشتراط المباشرة لم يجز أن يقبّله غيره بنقيصة على المشهور للأخبار.

منها : صحيح محمد بن مسلم عن أحدهما عليه السلام (سئل عن الرجل يتقبل بالعمل فلا يعمل فيه ويدفعه إلى آخر فيربح فيه ، قال عليه السلام : لا إلا أن يكون قد عمل فيه شيئا) (1) ، وصحيح أبي حمزة عن أبي جعفر عليه السلام (عن الرجل يتقبّل العمل فلا يعمل فيه ويدفعه إلى آخر فيربح فيه ، قال عليه السلام : لا) (2).

وعن العلامة والشهيدين والمحقق الثاني الكراهة لنفس صحيح أبي حمزة المتقدم بعد روايته بأنه عليه السلام قال : لا بأس ، كما في التذكرة والسرائر ، ويرده أن المروي منه في كتب الحديث هو قوله عليه السلام : لا.

نعم إذا عمل فيه عملا فيجوز تقبيله بالأقل بالاتفاق للأخبار.

منها : قوله عليه السلام في صحيح ابن مسلم المتقدم (إلا أن يكون قد عمل فيه شيئا) ، وخبر أبي محمد الخياط (قلت لأبي عبد الله عليه السلام : أتقبل الثياب وأخيطها ثم أعطيها الغلمان بالثلثين؟ قال عليه السلام : أليس تعمل فيها؟ فقلت : أقطعها وأشتري الخيوط ، قال عليه السلام : لا بأس) (3) ، وخبر محمد بن مسلم عن أحدهما عليهما السلام (عن الرجل الخيّاط يتقبل العمل فيقطعه ويعطيه من يخيطه ويستفضل ، قال عليه السلام : لا بأس قد عمل فيه) (4) ، ويكفي فيه صدق العمل والحدث ، هذا إذا لم تشترط عليه المباشرة ، وإلا فمع الاشتراط فلا يجوز للأجير أن يقبّله غيره بنقيصة أو زيادة لوجوب الوفاء بالشرط على الأجير لعموم (المؤمنون عند شروطهم) (5).

ص: 431


1- (1 و 2 و 3) الوسائل الباب -1. من أبواب الإجارة حديث 1 و 4 و 6.
2- 2. الوسائل الباب - 23 - من أبواب الإجارة حديث 5.
3- 3. الوسائل الباب - 20 - من أبواب المهور حديث 4.

إشكال في المنع ، وإذا لم يحدث فيه حدثا وإن قلّ (1) ، (ولو أحدث فيه حدثا فلا بحث) في الجواز ، للاتفاق عليه حينئذ (2). وعلى تقدير الجواز (3) فالمشهور اشتراط إذن المالك في تسليم العين للمتقبل (4) ، لأنها حال الغير فلا يصح تسليمه (5) لغيره (6) بغير إذنه ، وجواز إجارته (7)

______________________________________________________

(1) فكذلك لا إشكال في المنع في صورة المباشرة.

(2) حين الإحداث عند عدم اشتراط المباشرة.

(3) أي جواز التقبيل للغير مطلقا على غير المشهور ، وعند إحداث الحدث لو كان بنقيصة على مبنى المشهور ، ومطلقا عند عدم النقيصة.

(4) أي لا يجوز للأجير أن يدفع العين إلى المتقبل الثاني وهو الأجير الثاني بدون إذن المالك على المشهور ، لأن العين مال للغير فلا يصح تسليمه إلى غير من استأمنه المالك ، وإجارة المالك للأول لا تدل على التسليم العين من الأول للثاني وكذا إجارة الأول للثاني لا تدل على إذن المالك في التسليم وعليه فلو جاز للأول التقبيل فلا بد من استئذان المالك ، وإن امتنع رفع أمره إلى الحاكم لأنه ولي الممتنع ، ولو تعذر الحاكم أو أذنه فيحتمل جواز التسليم بدون إذن المالك لتعارض حق المعامل الثاني وحق المالك ، ويقدم العامل وفاء للعقد ، ويحتمل تسلط الأول على الفسخ ، لأن المالك مسلّط على ماله ولم يرضى بتسلم الثاني وفي هذا ضرر على الأول.

وعن العلامة في المختلف جواز التسليم إلى الثاني أذن المالك أولا ، حيث يجوز التقبيل لصحيح علي بن جعفر عن أخيه موسى عليه السلام (سألته عن رجل استأجر دابة فأعطاها غيره فنفقت ما عليه؟ قال عليه السلام : إن كان شرط أن لا يركبها غيره فهو ضامن لها ، وإن لم يسمّ فليس عليه شي ء) (1).

ووجه الاستدلال أنه إذا كان الضمان ساقطا عند تسليمها بغير إذن المالك لاستيفاء المنفعة المملوكة لغير المالك ، فالضمان ساقط سواء كان هذا الغير متقبلا ثانيا أو لا.

وعن ابن الجنيد جواز التسليم من غير ضمان إذا كان المتقبل الثاني مأمونا ، وهو الذي قواه الشارح هنا وفي المسالك.

(5) أي تسليم مال الغير.

(6) أي لغير مالكه.

(7) أي إجارة المتقبل الثاني من الأول.

ص: 432


1- 1. الوسائل الباب - 16 - من أبواب الإجارة حديث 1.

الثانیة - لو استأجر عینا فله إجارتها

لا ينافيه (1) فيستأذن المالك فيه (2) ، فإن امتنع رفع أمره إلى الحاكم ، فإن تعذر ففي جوازه (3) بغير إذنه ، أو تسلطه (4) على الفسخ وجهان ، وجواز التسليم بغير إذنه مطلقا (5) خصوصا إذا كان المتقبل ثقة قوي.

(الثانية - لو استأجر عينا فله إجارتها بأكثر مما استأجرها به) (6) ،

______________________________________________________

(1) أي لا ينافي اشتراط إذن المالك.

(2) في التسليم.

(3) أي جواز التسليم بغير إذن المالك.

(4) أي تسلط الأول.

(5) أذن المالك أو لا ، وتعذر الحاكم أو لا.

(6) الأكثر على العدم استنادا إلى أخبار.

منها : صحيح الحلبي عن أبي عبد الله عليه السلام (في الرجل يستأجر الدار ثم يؤاجرها بأكثر مما استأجرها ، قال عليه السلام : لا يصلح ذلك إلا أن يحدث فيها شيئا) (1) ومثله غيره.

وعن جماعة الكراهة لظهور قوله عليه السلام (لا يصلح ذلك) في الصحيح المتقدم في الكراهة ، وللجمع بينها وبين أخبار قد دلت على الجواز كما في المسالك ، ورده في الجواهر بقوله : (إنك قد عرفت عدم المعارض لنصوص الحرمة في المذكورات أصلا فضلا عن الصريح في الكراهة) انتهى.

وعن جماعة عدم الجواز إذا كانت العين دارا أو حانوتا أو رحى أو أجيرا ، اقتصارا على موارد النصوص ، وأما غيرها فتبقى على الأصل من الجواز ، وقد ورد في الدار صحيح الحلبي المتقدم ، وقد ورد في الحانوت والأجير خبر أبي المغراء عن أبي عبد الله عليه السلام (في الرجل يستأجر الأرض ثم يؤاجرها أكثر مما استأجرها ، فقال عليه السلام : لا بأس إن هذا ليس كالحانوت ولا الأجير ، إن فضل الأجير والحانوت حرام) (2) ومثله غيره. وقد ورد في الرحى خبر أبي بصير عن أبي عبد الله عليه السلام (إني لأكره أن أستأجر رحا وحدها ثم أؤاجرها بأكثر مما استأجرتها به ، إلا أن أحدث فيها حدثا وأغرم فيها غرامة) (3) ومثله غيره.

وكذا في السفينة فقد ورد في خبر إسحاق بن عمار عن جعفر عن أبيه عليه السلام (لا بأس

ص: 433


1- 1. الوسائل الباب - 22 - من أبواب الإجارة حديث 4.
2- 2. الوسائل الباب - 20 - من أبواب الإجارة حديث 4.
3- 3. الوسائل الباب - 22 - من أبواب الإجارة حديث 5.

للأصل (1) ، وعموم الأمر بالوفاء بالعقود.

(وقيل : بالمنع إلا أن تكون) اجارتها (بغير جنس (2) الأجرة ، أو يحدث فيها صفة كمال) استنادا إلى روايتين (3) ظاهرتين في الكراهة ، وإلى استلزامه الربا.

وهو (4) ضعيف. إذ لا معاوضة على الجنس الواحد (5).

______________________________________________________

أن يستأجر الرجل الدار أو الأرض أو السفينة ثم يؤاجرها بأكثر مما استأجرها به إذا أصلح فيها شيئا) (1) ، ومفهومه دال على ثبوت البأس في هذه الثلاثة عند عدم الحدث والإصلاح وهو ظاهر في الحرمة ، نعم ورد في الأرض أخبار تدل على الجواز.

منها : حسنة أبي الربيع الشامي عن أبي عبد الله عليه السلام (عن الرجل يتقبل الأرض من الدّهاقين ثم يؤاجرها بأكثر مما تقبلها به ، ويقوم فيها بخط السلطان ، فقال عليه السلام : لا بأس به ، إن الأرض ليست مثل الأجير ولا مثل البيت دلائل البيت ، إن فضل الأجير والبيت حرام) (2) ، ومثله خبر إبراهيم بن ميمون (3).

بعد اتفاق الجميع على أنه إذا أحدث في العين المستأجرة حدثا فيجوز له أن يؤاجرها بأكثر مما استأجرها لخبر أبي بصير وصحيح الحلبي المتقدمين.

ثم إن ابن الجنيد وتبعه عليه غيره قد استدل على عدم الجواز بأن المستأجر الأول لو استأجر العين بفضة أو ذهب ثم آجرها بالأكثر من ذهب أو فضة عند عدم حدوث حدث أو إصلاح للزم الربا في البين ، لأن الأجرة في الثاني لو كانت فضة مثلا مع كونها فضة في الأول للزم التفاضل بينهما في المعاوضة وهو عين الربا وردّ بأن الربا في العوضين إذا كانا من جنس واحد مع كونهما متعلقين لعقد واحد لا لعقدين كما في مقامنا.

(1) أصالة الحصة في العقود.

(2) كما ذهب إليه ابن الجنيد.

(3) وهما خبر أبي بصير وصحيح الحلبي ، ففي الأول (إني لأكره) ، وفي الثاني (لا يصلح) وهما ظاهران في الكراهة.

(4) أي استلزامه للربا.

(5) بل معاوضتان.

ص: 434


1- 1. الوسائل الباب - 22 - من أبواب الإجارة حديث 2.
2- (2 و 3) الوسائل الباب -2. من أبواب الإجارة حديث 3 و 5.

الثالثة - إذا فرّط فی العین

(الثالثة - إذا فرّط في العين) المستأجرة (ضمن قيمتها يوم التفريط) (1) ، لأنه يوم تعلقها بذمته كما أن الغاصب يضمن القيمة يوم الغصب. هذا قول الأكثر. (والأقرب) ضمان قيمتها (يوم التلف) لأنه يوم الانتقال إلى القيمة ، لا قبله وإن حكم بالضمان (2) ، لأن المفروض بقاء العين فلا ينتقل إلى القيمة ، وموضع الخلاف ما إذا كان الاختلاف بتفاوت القيمة (3) ، أما لو كان (4) بسبب نقص في العين فلا شبهة في ضمانه (5) ، (ولو اختلفا في القيمة (6) حلف الغارم) ، لأصالة عدم الزيادة

______________________________________________________

(1) قد تقدم أن المستأجر أمين غير ضامن عند عدم تفريطه وعدم تعدية ، وأنه يضمن مع التعدي أو التفريط بلا خلاف في ذلك كله وإنما الكلام في أنّه يضمن العين وقت التعدي أو وقت التلف أو أعلى القيم من يوم العدوان إلى يوم التلف ، ذهب الأكثر إلى أنه يضمن قيمتها يوم العدوان لذيل صحيح أبي ولّاد (سألته عن الرجل المتعدي في البغل ، قال عليه السلام : نعم قيمة البغل يوم خالفته) (1) ، ولأنه وقت التعدي قد خوطب بالضمان.

وقيل : يضمن أعلى القيم من حين العدوان إلى يوم التلف ، لأن الاشتغال اليقيني يستدعي البراءة اليقينية وهو أحوط.

وعن المسالك وجماعة أنه يضمن قيمة يوم التلف ، لأن ما قبل التلف كان ضامنا للعين ، ولا ينتقل الأمر بالضمان إلى القيمة إلا حين تلفها ، وقد تقدم ماله الدخل في كتاب البيع وسيأتي مفصلا في كتاب الغصب.

(2) إلا أنه ضمان للعين وهي موجودة فلا ينتقل إلى ضمان القيمة.

(3) أي القيمة السوقية.

(4) أي اختلاف قيمتها.

(5) أي ضمان هذا النقص بعد كون يده يد عدوان وضمان ، لأنه متعد.

(6) أي قيمة العين المستأجرة التالفة ، فقال المالك : مائة ، وقال المستأجر : خمسون ، قدم قول المستأجر الغارم لأنه منكر بحسب ظاهر كلامه ولأصالة عدم الزيادة.

وعن الشيخ أنه يقدم قول المستأجر الغارم إذا كان التالف غير دابة ، وأما لو كان دابة فالقول قول المالك وإن ادعى الزيادة لصحيح أبي ولّاد الحناط (فإن أصاب البغل كسر أو دبر أو غمز ، قال عليه السلام : عليك ما بين الصحة والعيب يوم ترده ، فقلت : من يعرف ذلك؟ قال عليه السلام : أنت وهو ، إما أن يحلف هو على القيمة فيلزمك ، فإن ردّ اليمين

ص: 435


1- 1. الوسائل الباب - 17 - من أبواب الإجارة حديث 1.

الرابعة - مئونة العبد و الدابّة علی المالک

ولانه منكر ، وقيل : القول قول المالك إن كانت دابة ، وهو ضعيف.

(الرابعة - مئونة العبد والدابّة على المالك) (1) لا المستأجر ، لأنها تابعة للملك ، وأصالة عدم وجوبها على غير المالك. وقيل : على المستأجر مطلقا (2). وهو ضعيف ، ثم إن كان المالك حاضرا عندها انفق ، وإلا استأذنه المستأجر في الانفاق ورجع عليه ، (ولو انفق عليه المستأجر بنية الرجوع) على المالك (صح مع تعذر إذن المالك ، أو الحاكم) وإن لم يشهد (3) على الانفاق على الأقوى ، ولو أهمل (4) مع

______________________________________________________

عليك فحلفت على القيمة لزمه ذلك) (1) وهو ظاهر في أن المالك يحلف ، ولا يحلف إلا المنكر.

وفيه : أنه لا مندوحة كما ذهب إليه الأصحاب من تقديم الغارم لا المالك لقوة الأصل خصوصا مع عملهم كما في الرياض فيرجح على الرواية.

(1) كما عن العلامة والمحقق والشهيد الثانيين وجماعة ، لأن المنفق عليه مال للمالك فالغرم عليه كما أن الغنم له ، ولأصالة عدم وجوبها على غيره ، إلا أن يشترط أنها على المستأجر فتلزم للشرط.

وعن جماعة منهم الشيخ وابن إدريس والمحقق والعلامة في الإرشاد أنها على المستأجر ، لأنه يجب عليه حفظ العين لكونها أمانة عنده ، ومن مقدمات حفظها النفقة عليها ، وردّ بأن حفظها على المالك لا على المستأجر ، ولو انحصر الحفظ على المستأجر لغيبة المالك فينفق ويرجع على المالك إذ لا دليل على وجوب الإنفاق من ماله ، وغاية ما يثبت عليه الحفظ أنه يحفظها بمال المالك لا بماله.

ثم على تقدير كون النفقة على المالك فيجب عليه تقديم النفقة إن كان حاضرا ، ولو كان غائبا استأذنه المستأجر بالإنفاق ورجع عليه ، وإن تعذر استأذن الحاكم ، فإن تعذر أنفق بنية العود وأشهد على الإنفاق من باب تيسر إقامة البينة له لو ادعى الإنفاق ، وإن لم يتمكن من الإشهاد انفق بنية الرجوع ورجع كمثل نفقة العين المرهونة فإنها على الراهن لا المرتهن وقد تقدم دليل هذه الأحكام هناك.

(2) سواء شرط المالك بكون النفقة على المستأجر أم لا.

(3) لأن وجوب الإشهاد إرشادي حتى يتمكن المستأجر من إثبات دعواه بالنفقة ، وهذا لا دخل له في أصل الرجوع على المالك.

(4) أي المستأجر ولم ينفق أصلا ضمن ، لأنه يجب عليه الحفظ وإن لم يكن من ماله.

ص: 436


1- 1. الوسائل الباب - 17 - من أبواب الإجارة حديث 1.

غيبة المالك ضمن لتفريطه إلا أن ينهاه المالك (1) ، (ولو استأجر أجيرا لينفذه في حوائجه فنفقته على المستأجر في المشهور) (2) استنادا إلى رواية سليمان بن سالم عن الرضا عليه السلام. ولاستحقاق منافعه المانع من ثبوت النفقة عليه.

والأقوى أنه (3) كغيره (4) لا تجب نفقته (5) إلا مع الشرط ، وتحمل الرواية مع سلامة سندها عليه (4) ، واستحقاق منافعه لا يمنع لا يمنع من وجوب النفقة في ماله الذي من جملته الأجرة. وحيث يشترط فيه (7) ، وفي غيره من الحيوان على المستأجر

______________________________________________________

(1) فمع نهي المالك لا ضمان عليه على الخلاف السابق في كتاب الرهن من جواز ترك النفقة عند النهي كما لو أمره بإلقاء ماله في البحر ، أو أنه لا يجوز له الترك حتى مع النهي تقديما لحق الله فيما لو كانت العين ذات روح كالعبد والدابة وعليه فيضمن لو ترك النفقة وأهملها.

(2) لخبر سليمان بن سالم (سألت أبا الحسن عليه السلام - إلى أن قال - وعن رجل استأجر رجلا بنفقة مسماة ولم يفسر شيئا على أن يبعثه إلى أرض أخرى ، فما كان من مئونة الأجير من غسل الثياب والحمام فعلى من؟ قال عليه السلام : على المستأجر) (1) ، ولأن غنم الأجير في هذه المدة للمستأجر فعليه الغرم وردّ بأن سليمان بن سالم لم يمدح ولم يذم فهو مجهول الحال ، ولا جابر له إذ العلّامة في التذكرة نقل عن ابن المنذر عدم الخلاف في كون النفقة على الأجير ، وعليه ابن إدريس والمحقق الثاني وجماعة ، ومع أعراض هؤلاء لا يكون الخبر مجبورا ، ومنه تعرف أن نفقة الأجير كبقية نفقات العين المستأجرة ، فكما أن نفقة العين المستأجرة على المالك فكذلك نفقة الأجير على نفسه ، إلا مع الشرط بكونها على المستأجر فتلزم للزوم العمل بالشرط.

وأما استحقاق المنافع للغير فلا يمنع من ثبوت النفقة على الأجير ، لأن منفعة للغير في قبال الأجرة فتكون النفقة عليه من الأجرة حينئذ.

(3) أي الأجير.

(4) مما يستأجر.

(5) على المستأجر.

(6) على الشرط.

(7) في هذا الأجير بأن تكون الأجرة على المستأجر.

ص: 437


1- 1. الوسائل الباب - 10 - من أبواب الإجارة حديث 1.

الخامسة - لا یجوز اسقاط المنفعة المعینة

يعتبر بيان قدرها (1) ووصفها ، بخلاف ما لو قيل بوجوبها عليه (2) ابتداء فإنه يكفي القيام بعادة أمثاله.

(الخامسة - لا يجوز اسقاط المنفعة المعينة) (3) أي الإبراء منها ، سواء كان بلفظ الاسقاط أم الابراء أم غيرهما من الألفاظ الدالة عليه (4) ، لأنه (5) عبارة عن إسقاط ما في الذمة فلا يتعلق بالأعيان ، ولا بالمنافع المتعلقة بها (6) ، (ويجوز إسقاط) المنفعة (المطلقة) (7) المتعلقة بالذمة وإن لم يستحق (8) المطالبة بها ، (وكذا الأجرة) (9) يصح إسقاطها إن تعلقت بالذمة ، لا إن كانت عينا ، (وإذا تسلم) أجيرا

______________________________________________________

(1) قدر النفقة ووضعها لئلا يلزم الغرر في الشرط.

(2) على المستأجر بحكم الشارع كما عن البعض وقد تقدم فلا يعتبر قدرها ووضعها ، بل تحال إلى العادة ، فيلزم عليه نفقة أمثال العين المستأجرة ، والغرر الموجود في المقام مغتفر لحكم الشارع بكونها على المستأجر.

(3) المنفعة التي وقع عليها عقد الإجارة تارة في ذمة الأجير وأخرى في العين الخارجية ، فالأول كمن يستأجره على عمل خياطة ثوب ما ، والثاني كمن يستأجر هذه الدار الخارجية لمدة سنة.

وبما أن الإبراء هو إسقاط ما في الذمة كما هو معناه لغة وعرفا فيجوز للمستأجر أن يبرأ الأجير من المنفعة الثابتة في ذمته ، ولا يجوز للمستأجر أن يبرأ المؤجر من المنفعة المتحققة في العين الخارجية ، لأن الإبراء لا يصح تعلقه بالأعيان ولا بمنافعها بعد اختصاصه بإسقاط ما في الذمم ، بلا فرق في الحكم المذكور بين لفظ الإبراء أو الإسقاط أو ما شاكله من الألفاظ الدالة على معنى الإبراء.

(4) على الإبراء.

(5) أي الإبراء.

(6) بالأعيان.

(7) أي غير المعينة.

(8) أي المستأجر لا يستحق مطالبة الأجير بها لعدم حلول وقتها ، إلا أنها قد استقرت في ذمة الأجير بالعقد فيصح الإبراء منها ، لأن الإبراء إسقاط ما في الذمم.

(9) أي يصح الإبراء من الأجرة المطلقة دون المعينة ، أما الأولى كمن استأجر أجيرا بمائة درهم ولم يعيّن فذمة المستأجر مشغولة بها من حين العقد فيجوز للأجير إبراؤه منها ، وأما الثانية كمن يستأجر أجيرا على هذا العوض الخارجي ولا يجوز للأجير إبراء المستأجر منها ، لعدم تعلق الإبراء بالأعيان الخارجية ولا بمنافعها ، وهذا الفرع بشقيه من إبراء الأجرة والمنفعة المطلقة دون المعينة مما لا خلاف فيه ولا إشكال كما في الجواهر.

ص: 438

السادسة - کل ما یتوقف علیه توفیة المنفعة فعلی الموجر

ليعمل له عملا (فتلف لم يضمن) (1) صغيرا كان ، أم كبيرا ، حرا كان ، أم عبدا ، لأنه قبضه (2) لاستيفاء منفعة مستحقة لا يمكن تحصيلها إلا بإثبات اليد عليه فكان أمانة في يده (3) ، ولا فرق بين تلفه مدة الإجارة وبعدها (4) ، إلا أن يحبسه (5) مع الطلب بعد انقضاء المدة فيصير بمنزلة المغصوب ، وسيأتي إن شاء الله أن الحر البالغ لا يضمن مطلقا (6). وما عليه من الثياب تابع له (7) ، ولو كان (8) صغيرا أو عبدا ضمنه.

(السادسة - كلما يتوقف عليه توفية المنفعة (9)

______________________________________________________

(1) إذا تسلم المستأجر أجيرا بعقد صحيح ليعمل له عملا أو صنعة فهلك الأجير لم يضمن المستأجر ، كان الأجير كبيرا أو صغيرا ، وحرا كان أو عبدا مع فرض عدم التفريط من المستأجر بلا خلاف ولا إشكال ، وفي المسالك أنه موضع وفاق منا ومن العامة ، لأن المستأجر لا يمكن له استيفاء المنفعة التي يستحقها من الأجير إلا بإثبات يده عليه فكانت يده يد أمانة فلا يضمن إلا مع التفريط.

(2) أي لأن المستأجر قبض الأجير.

(3) أي فكان الأجير أمانة في يد المستأجر.

(4) أي بعد مدة الإجارة ، أما تلفه في مدة الإجارة لما سمعت أن يده على الأجير يد أمانة ، وأما تلفه بعد مدة الإجارة فلأن المستأجر لا يجب عليه رد العين على مالك على تقدير كونها مملوكة ، وإنما الواجب عليه التخلية بين العين ومالكها ، وهذا كله إذا كان الأجير مملوكا ، وأما لو كان حرا فبعد انقضاء الإجارة لا يجب على المستأجر رده إلى مالكه لأنه حر فيخلّى سبيله فقط فلو تلف لا يضمن المستأجر.

نعم لو كان الأجير مملوكا وحبسه المستأجر بعد طلب المالك ولم يخل بينه وبين مالكه صار الأجير بمنزلة المغصوب فيضمن المستأجر الأجير لو تلف لعدوانه ، ولو كان الأجير حرا وقد حبسه المستأجر فلا يضمن إذا كان الحر بالغا وأما لو كان الحر صغيرا فيضمن كما سيأتي تفصيله في كتاب الغصب.

(5) إذا كان الأجير مملوكا.

(6) مغصوبا أو لا.

(7) أي وما على الحر من الثياب تابع للحر في عدم الصمان ، لأن الثياب تحت يد صاحبها الحر ، والحر لا يدخل تحت اليد.

(8) أي الأجير.

(9) أي استيفاء المنفعة.

ص: 439

فعلى المؤجر (1) كالقتب (2) والزمام (3) ، والحزام (4) ، والسرج ، والبرذعة (5) ، ورفع المحمل (6) ، والأحمال (7) ، وشدها ، وحطها ، والقائد (8) ، والسائق أن شرط مصاحبته (9) ، (والمداد في النسخ) (10) لتوقف إيفاء المنفعة الواجبة عليه (11) بالعقد اللازم ، فيجب (12) من باب المقدمة.

______________________________________________________

(1) ما يتوقف عليه الانتفاع من العين المستأجرة على أقسام ، قسم يجب على المالك بغير خلاف كعمارة الحيطان والسقوف وعمل الأبواب ومجرى الماء ، وقسم يجب على المستأجر بغير إشكال كمن يستأجر بئرا لينتفع بها بتجميع مياه الأمطار فيها والاستفادة من هذه المياه فالاستقاء والدلو والبكرة على المستأجر بغير خلاف أيضا.

وقسم ثالث قد اختلف فيه كالخيوط في الخياطة كمن يستأجر أجيرا ليخيط له هذا الثوب ، فخيطان هذه الخياطة هل هي على الأجير أو على المستأجر ، وكذا المدار للكتابة والصبغ للصباغة ونحو ذلك فعن جماعة أنها على الأجير ، لأن العمل واجب عليه فتجب عليه مقدماته ، وهذه من المقدمات إلا أن تكون هناك عادة قاضية بالوجوب على المستأجر. وعن العلامة والشارح أنه مع عدم العادة أو اضطرابها فهذه الأمور على المستأجر ، لأن المقصود من عقد الإجارة هو العمل ، وأما الأعيان المتوقف عليها العمل غير داخلة في مفهوم الإجارة حتى تجب على الأجير.

وردّ بأن وجوب هذه الأعيان على الأجير ليس من أجل دخولها في مفهوم الإجارة ، بل من باب المقدمة للفعل الواجب ، فهي واجبة على من وجب عليه الفعل وهو الأجير.

(2) مثل سبب ، ما يوضع على ظهر البعير ليصير صالحا للركوب.

(3) وهو الحبل الذي يقاد به البعير.

(4) ما يشدّ به القتب والرحل من تحت ظهر البعير لئلا ينقلب.

(5) قال في مصباح المنير : (البرذعة : حلس يجعل تحت الرحل ، بالدال والذال ، والجمع البراذع ، هذا هو الأصل ، وفي عرف زماننا هي للحمار ما يركب عليه بمنزلة السرج للفرس) انتهى.

(6) ووضعه على ظهر البعير.

(7) أي رفعها عن الأرض وجعلها على ظهر الدابة.

(8) هو الذي يأخذ بقيادها من أمام ، والسائق هو الذي يسوقها من خلف.

(9) أي إن شرط المستأجر على المؤجر مصاحبة السائق أو القائد للدابة.

(10) أي نسخ الكتب.

(11) على ما ذكر من الأمثلة.

(12) أي يجب ما يتوقف إيفاء المنفعة عليه.

ص: 440

والأقوى الرجوع فيه (1) إلى العرف ، فإن انتفى (2) أو اضطرب فعلى المستأجر لأن الواجب على المؤجر إنما هو العمل ، لأن ذلك (3) هو المقصود من إجارة العين ، أما الأعيان فلا تدخل في مفهوم الإجارة على وجه يجب اذهابها لأجلها (4) ، إلا في مواضع نادرة تثبت على خلاف الأصل كالرضاع ، والاستحمام. ومثله (5) الخيوط للخياطة (6) ، والصبغ للصباغة ، والكش (7) للتلقيح ، (وكذا يجب) على المؤجر (المفتاح في الدار) (8)،

______________________________________________________

(1) فيما يتوقف استيفاء المنفعة عليه.

(2) أي العرف ولا عادة في البين.

(3) أي العمل.

(4) أي يجب إذهاب الأعيان لأجل الإجارة ، لأنه قد قصد من عقد الإجارة خصوص العمل ، وبما أن العمل متوقف على أعيان خارجية ، فالأصل أن تكون على المستأجر إلا في مواضع فتكون على المؤجر ، وهذه المواضع هي الإرضاع والاستحمام.

أما الأول كمن يستأجر امرأة على إرضاع ولده ، فالإجارة قد وقعت على نفس العمل أعني المراضعة والإرضاع ، وهذا العمل متوقف على عين خارجية وهي اللبن ، وبما أن اللبن داخل في مفهوم الإرضاع الذي هو مورد للإجارة فيجب اللبن على الأجير لدخوله في مفهوم الإجارة دون المستأجر.

وأما الثاني كمن يوقع عقد إجارة بينه وبين صاحب الحمام لينتفع بالحمام بالاستحمام فيه ، والاستحمام متوقف على الماء ، فالماء داخل هنا في مفهوم الإجارة فيجب على صاحب الحمام المؤجر دون المستأجر.

(5) أي مثل ما ذكر من الإرضاع والاستحمام.

(6) فهي على الأجير دون المستأجر.

(7) بالضم وهو الغبار الذي يؤخذ من ذكور النخل ليوضع في إناثها ، ففي هذه الأمور الثلاثة فالخيوط والصبغ والكش على الأجير لدخولها في مفهوم الإجارة بخلاف الباقي فالأعيان المتوقف عليها العمل هي على المستأجر ، وإن كان في الثلاثة الأخيرة إشكال واضح لعدم دخول الخيوط والصبغ والكش في مفهوم الإجارة بعد كون العقد قد قصد منه العمل فقط ، والعرف غير قاض بكونها على الأجير ، ولو جعل العرف هو الحاكم لكان متينا.

(8) المراد به مفتاح الفلق ، والفلق هو القفل الثابت في الباب ، فكما يجب على المؤجر تسليم الدار ، ومن توابعها الفلق فيجب عليه تسليم الفلق ، ومن توابع الفلق مفتاحه فيجب

ص: 441

السابعة - فی اختلاف الموجر و المستأجر

لأنه (1) تابع للغلق المثبت الذي يدخل في الإجارة ، بل هو (2) كالجزء منه (3) وإن كان (4) منقولا ، ومن شأن المنقول أن لا يدخل في إجارة العقار الثابت. وأما مفتاح القفل فلا يجب تسليمه كما لا يجب تسليم القفل ، لانتفاء التبعية عرفا.

(السابعة - لو اختلفا في عقد الإجارة حلف المنكر) لها (5) ، سواء كان هو المالك أم غيره ، لأصالة عدمها.

ثم إن كان النزاع قبل استيفاء شي ء من المنافع رجع كل مال إلى صاحبه (6) ، وإن كان (7) بعد استيفاء شي ء منها (8) ، أو الجميع (9) الذي يزعم من يدعي وقوع الإجارة أنه (10) متعلق العقد وكان المنكر (11)

______________________________________________________

عليه وهذا بخلاف مفتاح القفل والقفل هو القفل المنقول دون الثابت فلا يجب تسليمه ولا تسليم مفتاحه لانتفاء التبعية بينه وبين الدار لكونه منقولا.

(1) أي المفتاح.

(2) أي المفتاح.

(3) من الفلق.

(4) أي المفتاح.

(5) للإجارة ، لو تنازعا في أصل الإجارة فالقول قول منكرها مع يمينه ، كما في كل منكر ، لأصالة عدم وقوعها ، سواء كان المنكر هو المالك أم المستأجر ، بلا خلاف ولا إشكال.

(6) بحيث كانت العين تحت يد غير مالكها ، وكان لهذا الغير مال تحت يد المالك ، فادعى المالك الإجارة وأن هذا المال عوض ، وأنكر الآخر وأن تقديم الدار كان تبرعا فترجع الدار إلى مالكها ويرجع المال إلى صاحبه.

(7) أي النزاع المذكور.

(8) من المنافع.

(9) أي جميع المنافع بحيث من يدعي الإجارة يدعيها لسنة ، والدار هي تحت يد الطرف الآخر سنة فلو ثبتت الإجارة لكان المستأجر قد استوفى جميع منافعه منها.

(10) أي الجميع الذي استوفاه غير المالك.

(11) وعلى هذا التقدير الأخير من كون النزاع بعد استيفاء المنافع أو بعضها فتارة يكون المالك مدعيا للإجارة وأخرى يكون المستأجر.

وعلى الثاني فالمالك منكر فيحلف وتنتفي الإجارة ، ثم لو أنكر المالك الاذن في التصرف في العين أيضا كما أنكر الإجارة فيحلف على عدم الاذن وله أجرة مثل المنافع المستوفاة

ص: 442

المالك ، فإن أنكر مع ذلك (1) الإذن في التصرف وحلف (2) استحق (3) أجرة المثل (4) ، وإن زادت عن المسمى بزعم الآخر (5) ، ولو كان المتصرف يزعم تعينها (6)

______________________________________________________

من العين ، وعليه فهذه الأجرة أما مساويه للمسمى في العقد الذي انتفى وإما أزيد وإما أقل.

فإن كانت مساوية فلا كلام ، فله تمام أجرة المثل ، وإن كانت أزيد فإمّا أن يكون قد قبض المسمى أو لا ، فإن قبض المسمى فله حق المطالبة بالزيادة ، وإن لم يقبض فله حق المطالبة بالمثل بما فيه الزيادة عن المسمى.

وإن كانت أجرة المثل أنقص من المسمى فتارة يكون المسمى مقبوضا وأخرى لا يكون مقبوضا ، فمع قبض المسمى يجب على المالك رد الزيادة لاعترافه بعدم استحقاقه الزائد من المسمى عن المثل ، لأنه منكر للإجارة ، وإن كان لا يجوز لخصمه طلب هذه الزيادة منه ، لأن الخصم معترف بكون المالك مستحقا لها ، لأنه معترف بالمسمى وأنه للمالك عند دعواه الإجارة.

ومع عدم قبض المسمى فليس للمالك طلب الزيادة ، لأنه غير مستحق لها ، وإن وجب على الخصم إيصالها إليه بطريق من الطرق الشرعية.

وأما على الأول من كون المالك مدعيا للإجارة وخصمه المنكر فسيأتي.

(1) مع إنكاره الإجارة.

(2) أي حلف المالك ، وظاهره أنه عليه حلف واحد ، مع أنه قد عرفت لا بدّ من حلفين ، واحد لنفي الإجارة وآخر لنفي الاذن في التصرف ، لأنه إذا انتفت الإجارة وثبت الاذن في التصرف فلا يستحق أجرة المثل ، فإثبات أجرة المثل متوقف على حلفين منه.

(3) أي المالك.

(4) وهذا في صورة مساواة المثل للمسمى.

(5) متعلق بقوله (المسمى) وهذه هي الصورة الثانية ، وكلامه يشمل الصورة الثالثة أيضا مع أنك قد عرفت أنه في الثالثة لا يستحق من أجرة المثل إلا بمقدار المسمى.

(6) أي تعين أجرة المسمى ، بحيث يدعي الإجارة ويدعي أن أجرتها معينة ، وما تقدم كان في دعواه الأجرة على نحو كلي في الذمة.

وعليه فأجرة المسمى إما أن تكون من النقد الغالب أو لا ، وعلى الأول يجب على المالك أخذ المسمى المتعين في النقد الغالب على التفصيل المتقدم ، بحيث لو ساوى المسمى أجرة المثل فهو ، وإن نقص المسمى عن المثل فيجب أخذ المسمى وعلى المتصرف الزيادة حتى يساوي المثل ، وإن زاد المسمى فيجب على المالك رد الزيادة وإن لم يجز للمتصرف طلبها هذا كله إذا كانت مقبوضة ، ومع عدم القبض لا يجوز للمالك طلب الزيادة عن المثل من

ص: 443

في مال مخصوص وكان (1) من جنس النقد الغالب لزم المالك قبضه عن أجرة المثل فإن ساواها (2) أخذه ، وإن نقص (3) وجب على المتصرف الإكمال ، وإن زاد (4) صار الباقي مجهول المالك (5) ، لزعم المتصرف استحقاق المالك وهو (6) ينكر ، وإن كان (7) مغايرا له ، ولم يرض المالك به (8) وجب عليه (9) الدفع من الغالب ، وبقي ذلك (10) بأجمعه مجهولا ، ويضمن العين (11) بانكار الإذن (12) ، ولو اعترف به (13) فلا ضمان.

وإن كان المنكر المتصرف (14)

______________________________________________________

المسمى ولا بدّ للمتصرف من إيصالها إليه بطريق من الطرق الشرعية.

وعلى الثاني سيأتي بحثه.

(1) أي المال المخصوص.

(2) أي ساوى المتعين لأجرة المثل.

(3) أي نقص المتعين عن أجرة المثل.

(4) أي زاد المتعين عن أجرة المثل.

(5) فما زاد من المتعين لا يجوز للمالك قبضه لاعترافه بعدم استحقاقه لكونه منكرا للإجارة ، ويجب على المتصرف دفعه لاعترافه بكونه للمالك لأن المتصرف يدعي الإجارة وأن المتعين أجرتها ، فمن هنا صار الزائد مجهول المالك.

(6) أي المالك ينكر استحقاقه للزائد بإنكاره لأصل الإجارة.

(7) أي كان المسمى المتعين في مال مخصوص بحسب زعم المتصرف مغايرا للنقد الغالب وهو الشق الثاني المتقدم ، فعلى المتصرف الدفع من الغالب بمقدار أجرة المثل ، ويبقى المسمى المتعين مجهولا لأن المتصرف معترف بكونه للمالك فيخرج عنه ، ولا يجوز للمالك قبضه لأنه معترف بعدم استحقاقه له.

(8) بالمعين بدلا عن أجرة المثل.

(9) أي على المتصرف أن يدفع من الغالب بمقدار أجرة المثل.

(10) أي المتعين.

(11) أي يضمن المتصرف العين لأن المالك منكر للإجارة ومنكر للاذن ، فيد المتصرف على العين يد عدوان وضمان ، نعم لو اعترف المالك بالاذن وإن أنكر الإجارة فلا ضمان.

(12) من قبل المالك.

(13) أي لو اعترف المالك بالاذن فلا ضمان على المتصرف.

(14) هذا هو الشق الأول من كون النزاع بين المالك وخصمه بعد استيفاء المنافع ، وهو ما لو

ص: 444

وحلف وجب عليه (1) أجرة المثل ، فإن كانت (2) أزيد من المسمى بزعم المالك (3) لم يكن له (4) المطالبة به إن كان دفعه ، لاعترافه باستحقاق المالك له ووجب عليه دفعه (5) إن لم يكن دفعه ، وليس للمالك قبضه (6) لاعترافه بأنه لا يستحق أزيد من المسمى ، وإن زاد المسمى عن أجرة المثل كان للمنكر المطالبة بالزائد إن كان دفعه (7) ، وسقط (8) ان لم يكن ، والعين ليست مضمونة عليه (9) هنا (10) ، لاعتراف المالك بكونها أمانة بالإجارة.

______________________________________________________

كان المالك مدعيا للإجارة والمتصرف منكرا ، فيحلف المتصرف وتنتفي الإجارة إلا أنه على المتصرف أجرة المثل عن المنافع المستوفاة من العين ، لأن المالك لم يقدمها بنية التبرع ، بل في قبال أجرة المسمى ولم تسلم له. ثم إن أجرة المثل إما أن تكون مساوية للمسمى في العقد وإما أزيد وإما أقل ، وعلى الأول لا كلام في أن تمام أجرة المثل للمالك ، وعلى الثاني بأن كانت أجرة المثل أزيد فلا يخلو الأمر إما أن يكون المسمى قد قبضه المالك أولا ، فمع قبضه يجب على المتصرف دفع الزائد من المثل عن المسمى ، لاعترافه باستحقاق المالك الأجرة المثل بالغا ما بلغت ، لأنه منكر للإجارة ، ومع عدم القبض فيجب على المتصرف دفع المثل بما فيه الزيادة عن المسمى ، لاعترافه باستحقاق المالك لتمام المثل ، إلا أن المالك لا يجوز له طلب الزيادة ، لأنه معترف بعدم استحقاقه إلا بمقدار المسمى.

وعلى الثالث بأن كانت أجرة المثل أنقص ، فإن كانت أجرة المسمى مقبوضة من المالك فيجب على المالك ، الزيادة من المسمى ، لثبوت بطلان الإجارة ظاهرا بسبب حلف المتصرف ، وإن كان المسمى غير مقبوض من المالك فلا يجب على المتصرف الدفع إلا بمقدار المثل لبطلان الإجارة ظاهرا فلا مسمى ولا يثبت على المتصرف إلا أجرة مثل المنافع المستوفاة.

(1) على المتصرف.

(2) أي أجرة المثل.

(3) متعلق بقوله (المسمى).

(4) أي المتصرف فلا يجوز له المطالبة بالزائد إن كان قد دفع الزائد.

(5) أي ووجب على المتصرف دفع الزائد إن لم يكن قد دفعه.

(6) أي قبض الزائد ، لأن المالك معترف بأنه لا يستحق أزيد من المسمى.

(7) أي على تقدير قبض المالك للمسمى.

(8) أي وسقط الزائد عن المتصرف فلا يدفع إلا بمقدار المسمى لاعتراف المالك بعدم استحقاقه للزائد عن المسمى لدعواه الإجارة.

(9) أي على المتصرف لاعتراف المالك بكون العين أمانة بالإجارة.

(10) فيما لو ادعى المالك الإجارة وقد أنكرها المتصرف.

ص: 445

(ولو اختلفا في قدر الشي ء المستأجر) (1) بفتح الجيم وهو العين المستأجرة ، بأن قال : آجرتك البيت (2) بمائة ، فقال : بل الدار أجمع بها (3) (حلف النافي) ، لأصالة عدم وقوع الإجارة على ما زاد عما اتفقا عليه. وقيل : يتحالفان وتبطل الإجارة ، لأن كلا منهما مدع ومنكر ، (وفي ردّ العين (4) حلف المالك) ، لأصالة عدمه ، والمستأجر قبض لمصلحة نفسه فلا يقبل قوله فيه (5) مع مخالفته للأصل.

(وفي هلاك (6) المتاع المستأجر عليه حلف الأجير) ، لأنه أمين ، ولإمكان

______________________________________________________

(1) فقال المستأجر : آجرتني الدار بمائة ، فقال المالك : بل آجرتك نصفه أو الجانب الفلاني منه أو الغرفة الفلانية منه بمائة ، فالقول قول منكر الزيادة ، وهو المالك غالبا ، لأصالة عدم وقوع الإجارة على ما زاد عما اتفقا عليه.

وقال الشارح في المسالك : وربما قيل بالتحالف ، وقال في الجواهر : واحتمال التحالف لأن كلا منهما مدع ومنكر ضعيف ، لأن ضابط التحالف عدم اتفاقهما على شي ء في مورد العقد ، كأن يقول المستأجر : الإجارة على البيت بمائة ، فيقول المالك : بل الإجارة على البستان بمائة ، وأما في مسألتنا فقد اتفقا على شي ء أنه مورد العقد واختلفا في الزائد فيقدم قول المنكر.

(2) البيت هو غرف الدار ، والدار هو البيت مع الساحة.

(3) بالمائة.

(4) بأن قال المستأجر : رددت العين ، فأنكر المالك ، حلف المالك لأنه منكر بحسب ظاهر قوله ، ولأصالة عدم الرد.

قد قبل قول الودعي في رد الوديعة فليقبل قول المستأجر هنا في الرد.

قبول قول الودعي هناك للنص بكونه أمينا ، ولأنه قبض لمصلحة المودع ، بخلاف المستأجر فقد قبض لمصلحة نفسه.

(5) أي لا يقبل قول المستأجر في الرد.

(6) لو ادعى الصانع هلاك المتاع عنده من غير تفريط ولا تعدي ، وأنكر المالك. فالمشهور أن الصانع يكلف بالبينة ، ومع عدمها يحلف المالك ويضمّن الصانع ، للأخبار.

منها : صحيح الحلبي عن أبي عبد الله عليه السلام (سئل عن رجل جمّال استكرى منه إبلا ، وبعث معه بزيت إلى أرض فزعم أن بعض زقاق الزيت انخرق فأهراق ما فيه؟ فقال : إن شاء أخذ الزيت - إلى أن قال - ولكن لا يصدق إلا ببينة عادلة) (1) ومثله غيره وقيل يقدم

ص: 446


1- 1. الوسائل الباب - 30 - من أبواب الإجارة حديث 1.

صدقه فيه (1) ، فلو لم يقبل قوله فيه (2) لزم تخليده في الحبس (3) ، ولا فرق بين دعواه تلفه بأمر ظاهر كالغرق ، أو خفي كالسرق (4).

(وفي كيفية الاذن) في الفعل (كالقباء ، والقميص) (5) بأن قطعه الخياط قباء فقال المالك : أمرتك بقطعه قميصا (حلف المالك) ، لأنه منكر لما يدعيه الخياط من التصرف في ماله ، والأصل عدم ما يدعيه الخياط من الاذن ، ولقبول قول المالك

______________________________________________________

قول الصانع مع يمينه كما عليه جماعة منهم الشيخ وابن إدريس والعلامة ، بل في السرائر أنه الأظهر في المذهب وعليه العمل للأخبار.

منها : صحيح معاوية بن عمار عن أبي عبد الله عليه السلام (سألته عن الصّباغ والقصار فقال : ليس يضمنان) (1) ، وخبر بكر بن حبيب (قلت لأبي عبد الله عليه السلام : أعطيت جبّة إلى القصّار فذهبت بزعمه ، فقال : إن اتهمته فاستحلفه ، وإن لم تتهمه فليس عليه شي ء) (2) ومثلها غيرها من الأخبار ، وقد ادعى الشيخ إجماع الفرقة وأخبارهم على هذا القول.

(1) في الهلاك فيصدق لأنه أمين.

(2) في الهلاك.

(3) لأنه لو لم يقبل قوله فيه ، وقبل قول خصمه للمكلّف بالرد ، ولو كان تالفا واقعا لاستحال عليه الرد ، ولو استحال لكان غير مؤد لحقوق الناس فيجب حبسه ، وبما أنه يستحيل الرد مطلقا فيلزم تخليده في السجن.

(4) خلافا للشافعي حيث فرّق بينهما ، ففي الظاهر كلّفه بالبينة ، وفي الخفي اكتفى منه باليمين.

(5) فلو قطع الخياط الثوب قباء مدعيا الاذن من المالك ، فقال المالك لم آمرك بذلك ، وإنما أمرتك بقطعه قميصا.

فقيل : القول قول المالك مع يمينه على المشهور ، لأن قول المالك مقدم في أصل الاذن عند وقوع الخلاف فكذا يقدم في صنعة الاذن عند الاختلاف ، ولأن الخياط يدعي التصرف المسقط للضمان بالاذن على الوجه القبائي ، والمالك ينكر ذلك.

وقيل : وهو للشيخ في الخلاف ووكالة المبسوط يقدم قول الخياط ، لأن المالك بدعواه يدعي على الخياط الأرش ، والخياط بنكر ، والأصل عدم الأرش.

ص: 447


1- (1 و 2) الوسائل الباب -1. من أبواب الإجارة حديث 14 و 16.

في أصل الاذن ، وكذا في صفته ، لأن مرجع هذا النزاع إلى الاذن على وجه مخصوص.

وقيل : يحلف الخياط لدعوى المالك عليه ما يوجب الارش ، والأصل عدمه (1).

وعلى المختار (2) إذا حلف المالك يثبت على الخياط ارش الثوب ما بين كونه مقطوعا قميصا وقباء ولا أجرة له على عمله ، وليس له فتقه (3) ليرفع ما أحدثه من العمل إن كانت الخيوط للمالك ، إذ لا عين له (4) ينزعها ، والعمل ليس بعين وقد صدر عدوانا ظاهرا.

ولو كانت الخيوط للخياط فالأقوى أن له نزعها كالمغصوب.

______________________________________________________

(1) عدم الأرش.

(2) من تقديم قول المالك مع يمينه ، فإذا حلف المالك فلا أجرة للخياط على عمله ، لأنه عمل من غير إذن المالك ، وعلى الخياط أرش الثوب ما بين كونه مقطوعا قميصا وبين كونه مقطوعا قباء ، لأنه مأذون بالقطع القميصيّ ، وما زاد عنه إلى القطع القبائي لا إذن فيه فيتحمل أرشه.

(3) أي وليس للأجير فتق الثوب القبائي لو أراد رفع ما أحدثه من العمل ، وهو القبائية إذا كانت الخيوط من المالك ، إذ ليس للخياط عين يمكن انتزاعها ولا يمكن انتزاع العمل لأنه ليس بعين ، فهو كما لو نقل متاع الغير من مكان إلى آخر عدوانا فليس له رده إلى محله الأول إلا بطلب من المالك.

ولو كان الخيوط من الأجير ففيه وجهان :

الأول : جواز أخذها ، لأنها عين ماله وهي باقية والناس مسلطون على أموالهم ، وعدوانه لا يسقط حرمة ماله.

الثاني : لا يجوز الأخذ ، لأن الأخذ يستلزم التصرف في مال الغير ، ولأن الخياط يدعي أن الخيوط ملك للمالك تبعا للعمل القبائي الذي يدعيه الخياط ، ويدعي أن المالك قد ظلمه بالإنكار.

وفيه : إن نزع الخيوط وإن استلزم تصرفا في مال الغير ، فإن أحدث نقصا في العين فيجبر بالأرش ، وأما دعوى الخياط أن الخيوط للمالك تبعا للعمل القبائي فهو يدعي ذلك بعقد وقد انفسخ ظاهرا بحلف المالك.

(4) للأجير.

ص: 448

ووجه المنع (1) استلزامه التصرف في مال الغير ، ولو طلب المالك أن يشد في طرف كل خيط منها (2) خيطا لتصير خيوطه (3) في موضع خيوط الخياط إذا سلها (4) لم يجب اجابته ، لأنه (5) تصرف في مال الغير يتوقف على إذنه (6) ، كما لا يجب عليه (7) القبول لو بذل له المالك قيمة الخيوط (8).

(وفي قدر الأجرة حلف المستأجر) (9) ، لأصالة عدم الزائد ، وقيل : يتحالفان كما لو اختلفا في قدر المستأجر ، لأن كلا منهما مدع ومنكر. وهو ضعيف ، لاتفاقهما على وقوع العقد ، ومقدار العين ، والمدة ، وإنما تخالفا على القدر الزائد عما يتفقان عليه فيحلف منكره.

______________________________________________________

(1) أي منع نزع الخيوط.

(2) من خيوط الخياط.

(3) أي خيوط المالك.

(4) أي سلها الخياط.

(5) أي شد خيط المالك بخيط الخياط.

(6) أي أذن الغير وهو الخياط هنا.

(7) على الخياط.

(8) لأن الناس مسلطون على أموالهم فلا يجبرون على البيع.

(9) لو قال المستأجر : الأجرة خمسون ، فقال المالك : إنها مائة ، قدم قول المستأجر مع يمينه ، لأنه منكر للزيادة بعد أصالة عدم وقوع الزيادة.

وقيل : بالتحالف ، ولم يعلم قائله ، ووجهه أن كلا منهما مدع ومنكر ، وهو ضعيف ، لأن مورد التحالف ما لو لم يتفقا على شي ء من الأجرة ، وهنا قد اتفقا على قدر معين واختلفا في الزائد فيقدم قول منكره وبه تم بحث الإجارة ، ولله الحمد أولا وآخرا.

ص: 449

ص: 450

کتاب الوکالة

اشارة

كتاب الوكالة

ص: 451

ص: 452

فی تعریف الوکالة و الفاظها

(كتاب الوكالة)

«الوكالة» (1) بفتح الواو وكسرها (وهي استنابة في التصرف) بالذات (2) ، لئلا يرد الاستنابة في نحو القراض ، والمزارعة ، والمساقاة ، وخرج بقيد الاستنابة الوصية بالتصرف ، فإنها إحداث ولاية ، لا استنابة ، وبالتصرف الوديعة ، فإنها استنابة في الحفظ خاصة ، وتفتقر إلى إيجاب وقبول (3) ، لأنها من جملة العقود وإن كانت جائزة.

______________________________________________________

(1) قال في مصباح المنير : (وكّلته توكيلا فتوكل قبل الوكالة ، وهي بفتح الواو ، والكسر لغة) انتهى ، وهي لغة التفويض ، وقد عرفت شرعا بأنها (الاستنابة في التصرف) ، فالاستنابة بمنزلة الجنس يشمل الأمانات المالكية كالوديعة والعارية والقراض ونحوها مما فيها قبض بإذن المالك. نعم بقيد (الاستنابة) تخرج الوصية ، فالوصية بالتصرف إحداث ولاية على العين لا استنابة عن المالك بالتصرف.

وبقيد (في التصرف) تخرج الوديعة ، فهي استنابة في الحفظ خاصة ، ومع هذا تبقى المزارعة والمساقاة والقراض مندرجة في التعريف ، ويمكن إخراجها بزيادة قيد (بالذات على التعريف ، لأن الاستنابة في التصرف في هذه المذكورات ضمنية ، لأن المقصود بالذات منها هو العمل زرعا أو مسقيا سقيا أو ربحا.

ويبقى إشكال وهو أن المتبادر من التعريف المتقدم خصوص الاستنابة في التصرف الفعلي دون القولي ، مع أن الوكالة تصح في الأفعال والأقوال ، ولذا ذهب بعضهم إلى تعريفها بأنها (عقد يفيد نيابة الغير في شي ء).

(2) قيد لإخراج القراض والمزارعة والمساقاة.

(3) لما كانت الوكالة معاملة بين شخصين فهي عقد مؤلف من إيجاب وقبول.

ص: 453

(وإيجابها (1) وكلتك ، أو استنبتك ،) أو ما شاكله من الألفاظ الدالة على الاستنابة في التصرف ، وإن لم تكن على نهج الألفاظ المعتبرة في العقود (2) ، (أو الاستيجاب والإيجاب (3) كقوله : وكلني في كذا ، فيقول : وكلتك ، (أو الأمر)

______________________________________________________

(1) لما كانت الوكالة من العقود الجائزة كما سيأتي فيصح إيقاع إيجابها وقبولها بكل لفظ دال عليهما ، ولا تخصيص للألفاظ الصريحة كما هو مبنى القوم في العقود الجائزة.

بل ولا تشترط الماضوية في الإيجاب لخبر عروة البارقي عند ما قال له النبي صلى الله عليه وآله وسلم (اشتر لنا شاة بدينار فذهب واشترى شاتين بدينار) (1) وهو دال على إنشاء الإيجاب بالأمر بالتصرف ، ودال على تحقق القبول بالرضا الفعلي لا القولي ، ولذا توسعوا في عقد الوكالة بالخصوص ما لم يتوسعوا في غيره من العقود الجائزة ، فذهبوا إلى أن الإيجاب يتحقق بالماضي كقوله : وكّلتك ، وبالأمر (كن وكيلي أو اشتر لي كذا وكذا) ، بل لو قال الموكل : نعم عقيب الاستفهام التقريري من الوكيل : كوكلتني في كذا فقال الموكل نعم : لكفى في الإيجاب.

وذهبوا إلى أن القبول يتحقق باللفظ الماضي (قبلت) ، وبكل لفظ يدل على الرضا بالإيجاب وإن لم يكن ماضويا ، وبالفعل الدال على الرضا بالإيجاب ، وقال العلامة في التذكرة : (والأصل في ذلك أن الذين وكّلهم النبي صلى الله عليه وآله وسلم لم ينقل عنهم سوى امتثال أمره) انتهى ، فضلا عن دلالة خبر عروة البارقي المتقدم عليه ، وهذا كله مما لا خلاف فيه كما في الرياض.

ولكن قد عرفت أكثر من مرة كفاية كل ما عليه العرف في إنشاء الإيجاب والقبول ولو كان العقد لازما ، ولذا يصح الإنشاء بالماضي وبالأمر وبالجملة الاسمية ، وبالقول المجاز وبالفعل ، ولا خصوصية للوكالة في هذا.

ثم لا إشكال ولا كلام في مشروعية الوكالة ، ولعلها من ضروريات الدين كما في الجواهر ، ويدل عليه فضلا عن النصوص الكثيرة قوله تعالى : ( فَابْعَثُوا أَحَدَكُمْ بِوَرِقِكُمْ هٰذِهِ إِلَى الْمَدِينَةِ فَلْيَنْظُرْ أَيُّهٰا أَزْكىٰ طَعٰاماً فَلْيَأْتِكُمْ بِرِزْقٍ مِنْهُ وَلْيَتَلَطَّفْ ) (2).

(2) أي وإن لم تكن بصيغ الماضي.

(3) أي يكفي الاستيجاب من الوكيل والإيجاب من الموكل ، بمعنى تأخر الإيجاب والاكتفاء عن القبول بالاستيجاب كقوله : وكّلني في كذا فقال : وكلتك.

ص: 454


1- 1. المغني لابن قدامة ج 5 ص 45.
2- 2. سورة الكهف ، الآية : 20.

فی شرط التنجیز

(بالبيع ، والشراء (1) كما دل عليه قول النبي صلى الله عليه وآله وسلم لعروة البارقي : اشتر لنا شاة.

(وقبولها قولي) كقبلت ، ورضيت ، وما أشبهه (2) ، (وفعلي) كفعله (3) ما أمره بفعله ، (ولا يشترط فيه) أي في القبول (الفورية) (4) بل يجوز تراخيه عن الإيجاب وإن طالت المدة (5) ، (فإن الغائب يوكل) والقبول (6) متأخر ، وكأن جواز توكيل الغائب موضع وفاق فلذا جعله شاهدا على الجواز ، وإلا (7) فهو فرع المدّعى.

(ويشترط فيها التنجيز (8) فلو علّقت على شرط متوقع (9) كقدوم المسافر ، أو صفة مترقبة (10) كطلوع الشمس لم يصح (11).

وفي صحة (12)

______________________________________________________

(1) أي يكفي في الإيجاب الأمر بالفعل الذي يريد أن يوكله فيه.

(2) من الألفاظ الدالة على الرضا بالإيجاب وإن لم تكن بالماضي.

(3) أي كفعل الوكيل ما أمره الموكل بفعله.

(4) فلو صدر الإيجاب من الموكل وبعد سنة قبل الوكيل صح عقد الوكالة ، وعن تذكرة العلامة أنه إجماعي ، واستدل بعضهم عليه بجواز توكيل الغائب ، ولا بدّ أن يتأخر قبوله لأنه غائب عن بلد الموكل.

وردّ بأنه مستلزم للدور ، لأن جواز توكيل الغائب فرع تراخي القبول عن الإيجاب ، فلو كان تراخي القبول متوقفا على جواز توكيل الغائب للزم الدور.

وأجيب بأننا نستدل على جواز التراخي في مطلق القبول بالإجماع ، والدليل على صحة وقوع الإجماع إجماعهم على صحة توكيل الغائب إذ لا خصوصية في قبول الغائب.

(5) إلى سنة.

(6) الواو حالية.

(7) وإن لم يجعله شاهدا بل دليلا للزم منه الدور.

(8) شرط الوكالة أن تقع منجزة بلا خلاف فيه ، فلو علّقها على شرط لبطلت ، لأن التعليق مناف للجزم في إرادة المعنى من اللفظ عند الإنشاء ، مع أنه يشترط في العقود الجزم الفعلي للمعنى حتى يتحقق الإنشاء.

(9) وهو ما يمكن وقوعه وعدمه.

(10) وهي ما كان وجودها في المستقبل محقّقا.

(11) أي التعليق فتبطل الوكالة.

(12) قد تقدم بطلان الوكالة لو علقت على شرط متوقع أو صفة مترقبة ، فإذا تصرف الوكيل

ص: 455

التصرف بعد حصول الشرط (1) ، أو الصفة (2) بالإذن الضمني قولان منشأهما : كون الفاسد (3) بمثل ذلك (4) إنما هو العقد ، أما الإذن الذي هو مجرد إباحة تصرف فلا (5) ، كما لو شرط في الوكالة عوضا مجهولا فقال : بع كذا على أن لك العشر من ثمنه فنفسد الوكالة ، دون الإذن ولأن الوكالة (6) أخص من مطلق الإذن ، وعدم الأخص (7) أعم (8) من عدم الأعم (9) ، وأن الوكالة (10) ليست أمرا

______________________________________________________

بعد فساد العقد ، فهل يصح تصرفه كما عن العلامة في التذكرة ، لأن فساد العقد لا يوجب فساد الاذن الضمني للتصرف ، إذ الاذن بالتصرف أعم من العقد ، وبطلان الخاص لا يدل على بطلان العام ، ولذا لو قال : بع كذا بعوض مجهول على أن لك العشر من ثمنه ، تبطل الوكالة ولكن إذا باع صح الشرط لوجود الاذن في البين. أو لا يصح تصرفه ، لأن الاذن وإن كان أعم من الوكالة ، إلا أن الاذن الضمني بالتصرف ليس بأعم بل هو مساو ، فانتفاء الوكالة انتفاء للاذن حينئذ.

وأما ما استدل به من التنظير ليس في محله ، لأن الجعل المشروط بأن له العشر من ثمنه ليس جزءا من الوكالة ، وإنما هو شرط زائد عليها ، لصحة الوكالة بدون هذا الشرط.

وإذا تقرر ذلك فبطلان الوكالة في العوض المجهول مستلزم لبطلان الاذن الضمني فيها ، ويبقى الجعل على حاله ومن ضمنه الاذن الحاصل فيه ، فلو باع بعد بطلان الوكالة كان له العشر من الثمن لوجود الاذن في الجعل.

(1) أي الشرط المتوقع.

(2) أي الصفة المتوقعة ومعهما تبطل الوكالة فهل يصح التصرف من الوكيل بالاذن الضمني حينئذ.

(3) دليل الصحة.

(4) أي بمثل الشرط والصفة عند ما علقت الوكالة عليهما.

(5) لكون الاذن أعم من العقد.

(6) دليل ثان للصحة إلا أنه راجع للأول فلا تغفل.

(7) تتمة للدليل الثاني ، والمراد من عدم الأخص هو عدم الوكالة وبطلانها.

(8) أي لا يلازم.

(9) أي عدم الاذن ، فلا يكون بطلان الوكالة الذي هو عدم الأخص مستلزما لعدم الاذن الذي هو عدم الأعم ، لاحتمال بطلان الوكالة مع بقاء الاذن.

(10) دليل عدم الصحة.

ص: 456

فی تعلیق التصرف

زائدا على الإذن (1) ، وما يزيد عنه (2) من مثل الجعل أمر زائد عليها (3) ، لصحتها بدونه (4) ، فلا يعقل فسادها مع صحته (5).

(ويصح تعليق التصرف (6) مع تنجيز الوكالة ، بأن يقول : وكلتك في كذا ، ولا تتصرف إلا بعد شهر. لأنه (7) بمعنى اشتراط أمر سائغ زائد على أصلها (8) الجامع (9) لشرائطها (10) التي من جملتها (11) التنجيز وإن كان (12) في معنى التعليق (13) ، لأن العقود المتلقاة من الشارع منوطة بضوابط فلا تقع بدونها (14) ، وإن أفاد فائدتها (15).

______________________________________________________

(1) أي الاذن الضمني فيها ، بل هما متساويان.

(2) أي ما يزيد عن الاذن الضمني ، وفي هذا رد على التنظير المتقدم.

(3) على الوكالة.

(4) أي لصحة الوكالة بدون الجعل ، وهذا تعليل لزيادة الجعل على الوكالة.

(5) أي لا يعقل فساد الوكالة مع صحة الاذن الضمني فيها.

(6) كأن يقول : وكلتك في كذا ، ولا تتصرف إلا بعد شهر مثلا ، فالوكالة منجزة غير معلّقة ، وإن كان التصرف فيها معلّقا ، ومع تنجز الوكالة فلا بد من صحة عقدها ، والتصرف الذي علّق هو شرط زائد على أصل الوكالة المنجزة ، وله حق الشرط حتى لو كان الشرط هو تعليق التصرف بعد صحة الوكالة ، وهذا مما لا خلاف فيه.

(7) أي تعليق التصرف.

(8) أصل الوكالة.

(9) صفة للأصل.

(10) أي شرائط الوكالة الصحيحة.

(11) أي من جملة الشرائط.

(12) أي تعليق التصرف.

(13) أي تعليق الوكالة ، والمعنى أن تنجز الوكالة وتعليق التصرف وإن كان في معنى تعليق الوكالة إلا أن العقود لما كانت متلقاة من الشارع نيطت بهذه الضوابط التي من جملتها عدم تعليق العقود ، وتبطل إذا تجردت عنها ، وإن أفاد العقد الفاقد للضوابط فائدة العقد المشتمل عليها.

(14) أي فلا تقع العقود بدون هذه الضوابط.

(15) أي وإن أفاد المجرد عن الضوابط فائدة العقود المنوطة بهذه الضوابط.

ص: 457

فی جواز الوکالة و ما یبطلها

(وهي جائزة من الطرفين (1) فلكل منهما أبطالها في حضور الآخر وغيبته. لكن (2)

______________________________________________________

(1) بلا خلاف فيه للأخبار التي سيأتي بعضها في عزل الموكل وكيله.

(2) الكلام في موردين لو عزل الموكل الوكيل فلا خلاف ولا إشكال في بطلان الوكالة إذا كان الوكيل حاضرا ، وإنما الكلام في الوكيل الغائب ، فهل يحكم ببطلان الوكالة مع علم الوكيل بالعزل خاصة فلو تصرف قبل الإعلام نفذ على الموكل كما هو المشهور ، أو يحكم بالعزل بعد إعلامه إن أمكن وإلا فمع الإشهاد كما عن الشيخ في النهاية وأبي الصلاح وابني البراج وحمزة والحلي ، أم يحكم بالعزل مطلقا أعلمه أو لا وأشهد أو لا كما عن العلّامة في القواعد ، أقوال ثلاثة.

استدل للأول بالأخبار.

منها : صحيح هشام بن سالم عن أبي عبد الله عليه السلام (في رجل وكلّ آخر على وكالة في أمر من الأمور ، وأشهد بذلك شاهدين فقام الوكيل فخرج لإمضاء الأمر ، فقال : اشهدوا إني قد عزلت فلانا عن الوكالة فقال عليه السلام : إن كان الوكيل أمضى الأمر الذي وكّل فيه قبل العزل ، فإن الأمر واقع ماض على ما أمضاه الوكيل ، كره الموكل أم رضي.

قلت : فإن الوكيل أمضى الأمر قبل أن يعلم بالعزل أو يبلغه أنه قد عزل عن الوكالة فالأمر على ما أمضاه ، قال عليه السلام : نعم.

قلت له : فإن بلغه العزل قبل أن يمضي الأمر ثم ذهب حتى أمضاه لم يكن ذلك بشي ء ، قال عليه السلام : نعم ، إن الوكيل إذا وكل ثم قام عن المجلس فأمره ماض أبدا والوكالة ثابتة حتى يبلغه العزل عن الوكالة بثقة يبلّغه ، أو يشافهه بالعزل عن الوكالة) (1).

وصحيح معاوية بن وهب عن أبي عبد الله عليه السلام (من وكّل رجلا على إمضاء أمر من الأمور فالوكالة ثابتة أبدا حتى يعلمه بالخروج كما أعلمه بالدخول منها) (2) ومثلها غيرها.

والقول الثاني قد استدل عليه ابن زهرة بالإجماع في الغنية ولا دليل سواه ، والنصوص المتقدمة حجة عليه ، وهو اجتهاد في قبال النص.

والقول الثالث كما عن العلامة في القواعد ، فقد قيل أن به رواية تدل على مدعاه ، وفيه إنه لو سلم بذلك لكانت رواية مرسلة لا تقاوم هذه النصوص المتقدمة ، واستدل له بأن الوكالة عقد جائز ومن حق الموكل أن يفسخ على جميع الأحوال ، وفيه : إنه مع النص لا

ص: 458


1- 1. الوسائل الباب - 2 - من أبواب الوكالة حديث 1.
2- 2. الوسائل الباب - 1 - من أبواب الوكالة حديث 1.

إن عزل الوكيل نفسه بطلت مطلقا (1) ، (ولو عزله) الموكل (2) (اشترط علمه) بالعزل (3) فلا ينعزل بدونه في أصح الأقوال.

والمراد بالعلم هنا بلوغه الخبر بقول من يقبل خبره ، وإن كان عدلا واحدا (4) ، لصحيحة هشام بن سالم عن الصادق عليه السلام ، ولا عبرة بخبر غيره (5) وإن تعدد ، ما لم يحصل به (6) العلم (7) ، أو الظن المتاخم له (8) ، (ولا يكفي) في انعزاله (الإشهاد) (9) من الموكل على عزله على الأقوى ، للخبر السابق ، خلافا للشيخ وجماعة.

(و) حيث كانت جائزة (تبطل بالموت (10) ، والجنون ، والإغماء (11) من كل واحد منهما ، سواء طال زمان الإغماء أم قصر ، وسواء أطبق الجنون أم كان أدوارا ، وسواء علم الموكل بعروض المبطل أم لم يعلم ، (وبالحجر على الموكل فيما)

______________________________________________________

يمكن الالتزام فيه بل لا بدّ من تقييده بمضمون الأخبار.

لو عزل الوكيل نفسه في حضور الموكل أو غيبته ينعزل وتبطل الوكالة ، لأن الوكالة لما ثبتت أنها جائزة من طرف الموكل كما هو مضمون الأخبار المتقدمة فهي جائزة من طرف الوكيل أيضا لعدم القائل بالفصل.

(1) مع حضور الموكل وغيابه.

(2) ففي حضور الوكيل تبطل بلا خلاف.

(3) على المشهور ، وهذا في غياب الوكيل.

(4) لصحيح هشام بن سالم المتقدم ، فإنه قد صرح بكونه ثقة واحدا.

(5) أي غير العدل.

(6) بخبر الغير.

(7) وحجيته ذاتية.

(8) للعلم ، وهو الاطمئنان وهو العلم العادي ، وحجيته عرفية.

(9) كما عن الشيخ وجماعة إذا لم يمكن إعلامه بالعزل.

(10) بموت كل منهما ، بلا خلاف فيه ، أما في موت الوكيل ، لأن الاذن من الموكل مختص بالوكيل فلا يعم وارثه حتى ينتقل إليه ، وأما في موت الموكل ، لأن العين الموكل بها قد انتقلت إلى الورثة ، ومعه يعتبر إذنهم لا إذن مورثهم.

(11) الجنون والإغماء أدواريا أو مطبقا في كل من الوكيل والموكل بلا خلاف فيه ، وعليه الإجماع كما عن جماعة.

ص: 459

وكّل فيه (1) بالسفه ، والفلس ، لأن منعه من مباشرة الفعل يقتضي منعه من التوكيل فيه.

وفي حكم الحجر طروّ الرق على الموكل (2) بأن كان حربيا فاسترق ، ولو كان وكيلا (3) أصبح بمنزلة توكيل عبد الغير.

(ولا تبطل بالنوم ولو تطاول (4) ، لبقاء أهليه التصرف (ما لم يؤد إلى الإغماء) فتبطل من حيث الإغماء ، لا من حيث النوم. ومثله السكر (5) ، إلا أن يشترط عدالته كوكيل الوكيل والولي (وتبطل بفعل الموكل ما تعلقت به الوكالة (6) كما لو وكله في بيع عبد ثم باعه. وفي حكمه (7) فعله ما ينافيها كعتقه.

(وإطلاق الوكالة في البيع يقتضي البيع بثمن المثل (8) ، إلا بنقصان

______________________________________________________

(1) لأنه بالحجر يمنع من التصرف ، والوكالة تصرف بالعين بالنيابة ، فكما يمنع من التصرف بالأصالة فمن باب أولى يمنع من التصرف بالاستنابة.

(2) فإنه يصير عبدا ، وكل فعل منه سواء كان بماله أو بغيره محتاج إلى اذن مولاه.

(3) بأن طرأ عليه الرق فتبطل الوكالة ، لأنه يصير عبدا للغير ، فيحتاج إلى إذن سيده.

(4) لأصالة الصحة في العقود ، ولمعلومية عدم معاملة الشارع للنوم معاملة الجنون.

(5) أي ومثل النوم السكر ، لأصالة الصحة ولعدم معاملة السكران معاملة المجنون شرعا ، إلّا إذا اقتضى السكر فسقا ، وذلك عند السكر الاختياري وقد اشترط في الوكيل العدالة كوكيل الوكيل ووكيل ولي اليتيم.

(6) كما لو وكّله في بيع عبد ثم باعه بنفسه ، أو وكله في بيع عبد ثم أعتقه فتبطل الوكالة لارتفاع موضوعها ، وكذا تبطل بتلف موضوعها كما لو وكله في بيع العبد ثم مات العبد ، أو وكله بشراء عبد بهذا الدينار فتلف الدينار.

(7) أي حكم فعل ما تعلقت به الوكالة فعل ما ينافيها.

(8) لو وكّله في بيع متاع ولم يعين ثمنا ، فيحمل الإطلاق على البيع بثمن المثل ، لأن ثمن المثل هو المتعارف ، والإطلاق محمول على المتعارف.

وقد استثنى الشارح في المسالك وهنا موضعين.

الأول : النقصان عن ثمن المثل بالشي ء اليسير الذي يتسامح الناس بمثله ولا يناقشون به كدرهم ودرهمين في الألف ، ووجهه أن هذا النقصان متعارف أيضا فيحمل الإطلاق عليه.

الثاني : حمل الإطلاق على المتعارف من ثمن المثل عند عدم وجود باذل للأزيد ، وإلا لو

ص: 460

عنه (1) يتسامح بمثله (2) عادة كدرهم في مائة ، وإلا مع وجود باذل لأزيد منه (3) ، فلا يجوز الاقتصار عليه (4) حتى لو باع بخيار لنفسه (5) فوجد في مدة الخيار باذلا للزيادة وجب عليه الفسخ إن تناولت وكالته له (6) ، إلا أن يعين له قدرا (7) فلا يجب (8) تحصيل الزائد ، وإن بذل (9) (حالا) (10) فلا يجوز بالمؤجل مطلقا (11) (بنقد البلد) (12) ، فإن اتحد (13) تعين ، وإن تعدد باع بالأغلب (14) ، فإن تساوت النقود

______________________________________________________

وجد باذل الأزيد فيجب على الوكيل أن يبيعه المتاع ، لأن البيع له حينئذ مصلحة للموكل.

(1) عن ثمن المثل.

(2) بمثل هذا النقصان.

(3) من ثمن المثل.

(4) على ثمن المثل.

(5) أي لو باع الوكيل المتاع بثمن المثل مع خيار الفسخ له لمدة معينة ثم وجد في زمن الخيار باذلا للأزيد فيجب عليه الفسخ مقدمة للبيع للباذل الواجب ، لأن فيه مصلحة للموكل.

وقد احتمله في الجواهر احتمالا ، ولعله من باب أن البيع بثمن المثل قد وقع مراعيا لما فيه مصلحة الموكل حال البيع ، ووجود الباذل بعد العقد غير موجب للفسخ لعدم التفريط من الوكيل حين صدور البيع.

(6) أي إن تناولت وكالة الوكيل لجعل الخيار لنفسه بالإضافة إلى البيع.

(7) فلو عيّن الموكل قدرا معينا من الثمن ووجد الوكيل باذلا للأزيد فلا يجب على الوكيل بيع الباذل ، والفرق بين مقامنا والسابق هو أن الموكل هنا قد حدد الثمن بخلافه هناك فلا بد من حمل الإطلاق على ما فيه مصلحة للموكل ، ومصلحته ببيع الباذل للأزيد كما هو واضح.

(8) أي على الوكيل.

(9) أي وإن بذل الزائد من قبل باذله.

(10) وأيضا إطلاق الوكالة في البيع يقتضي على الوكيل بيع المتاع بثمن حال لا نسيئة ، سواء كان المؤجل أزيد من ثمن المثل أم لا ، لوجوب حمل الإطلاق على ما فيه مصلحة المالك ، ومصلحته إنما هي في الحال دون المؤجل.

(11) سواء كان أزيد من ثمن المثل أم لا.

(12) أي وإطلاق الوكالة في البيع يقتضي على الوكيل أن يبيع المتاع بنقد البلد ، حملا للإطلاق على المتعارف.

(13) أي نقد البلد إذا اتحد تعيّن لتفرده.

(14) لأن المتعارف هو الأغلب عند التعدد ، لتعارف الأغلب أكثر من الغالب.

ص: 461

فی ما تصح الوکالة فیه و ما لا تصح

باع بالأنفع (1) للموكل ، فإن استوت نفعا تخير (2) (وكذا) التوكيل (في الشراء) (3) يقتضيه (4) بثمن المثل حالا بنقد البلد ، (ولو خالف) ما اقتضاه الإطلاق ، أو التنصيص (5) (ففضولي) (6) يتوقف بيعه وشراؤه على إجازة المالك.

(وإنما تصح الوكالة فيما لا يتعلق غرض الشارع بإيقاعه من مباشر بعينه (7) كالعتق) فإن غرضه فيه (8) فك الرقبة ، سواء أحدثه (9) المالك أم غيره ، (والطلاق)

______________________________________________________

(1) لأن الوكيل مأمور بمراعاة مصلحة الموكل.

(2) بالتخيير العقلي ، لأن المتعددين متساويان من كل جهة مقصودة بحسب الفرض.

(3) أي وإطلاق الوكالة في شراء المتاع يقتضي شراءه بثمن المثل وبكونه حالا وبنقد البلد.

(4) أي يقتضي الشراء.

(5) إذا وكله ببيع متاع وقد عيّن له الثمن.

(6) لأنه غير مأذون فيه من قبل المالك ، بعد كون الاذن على ما ذكره من التنصيص وعلى المتعارف بعد حمل الإطلاق عليه ، فغيرهما غير مأذون فيه حينئذ.

(7) يشترط في متعلق الوكالة أمران.

الأول : أن يكون ممكنا بالإمكان العقلي والشرعي ، فلا تجوز الوكالة في الأمور المستحيلة عقلا أو الممنوعة شرعا كالغصب والسرقة والقتل ، فلو غصب أو سرق أو قتل بوكالة الغير فالأعم على الفاعل وعليه الضمان دون الموكل.

الثاني : أن لا يتعلق غرض الشارع بإيقاعه مباشرة من نفس المكلف ، وإلا لو تعلق به غرض الشارع بإيقاعه من نفس المكلف فلا تصح الوكالة فيه ، إذا تقرر ذلك فتعرف أن كلما تصح فيه النيابة تصح فيه الوكالة ، وكذا العكس ضرورة أن الوكالة هي نيابة في التصرف عن الغير ، نعم يبقى الكلام في كيفية تعلق غرض الشارع بكل فعل ، فبعضها كالصلاة والصوم والحج قد تعلق غرض الشارع بإيقاعها من نفس المكلف وقد اشترط فيها المباشرة ، وبعضها كالبيع وتوابعه من قبض الثمن والمثمن والرهن والصلح والحوالة والكفالة والضمان والشركة والوكالة والعارية والإبراء والوديعة والوصية وغيرها مما لم يتعلق غرض الشارع بمباشرة المكلف لها ، فتصح النيابة فيها والوكالة.

ولا بدّ من النقل حتى نعرف تعلق غرض الشارع بمباشرة المكلف فيه وعدمه ، إذ لا ضابطة كلية جارية في المقام تفصّل في جميع الأفعال ، ومع الشك في فعل ما فالأصل هو صحة الوكالة والنيابة ، ولذا استقر بناء الفقهاء على طلب الدليل على اعتبار المباشرة ، واستدل لهم بأصالة عدم اشتراط المباشرة.

(8) أي غرض الشارع في العتق.

(9) أي أحدث الفك.

ص: 462

فإن غرضه منه رفع الزوجية كذلك (1).

ومثله النكاح (2) ، (والبيع) (3) ، وغيرهما من العقود ، والإيقاعات (لا فيما يتعلق) غرضه (4) بإيقاعه (5) من مباشر بعينه.

ومرجع معرفة غرضه في ذلك (6) وعدمه إلى النقل (7) ، ولا قاعدة له (8) لا تنخرم. فقد علم تعلق غرضه بجملة من العبادات (9) ، لأن الغرض منها (10) امتثال المكلف ما أمر به وانقياده وتذلله بفعل المأمور به ، ولا يحصل ذلك بدون المباشرة (كالطهارة) فليس له الاستنابة فيها أجمع (11) ، وإن جاز في غسل الأعضاء ومسحها حيث يعجز عن مباشرتها (12) ، مع توليه النية ومثل هذا لا يعد توكيلا حقيقيا (13) ، ومن ثمّ يقع ممن لا يجوز توكيله كالمجنون ، بل استعانة على إيصال المطهر إلى العضو كيف اتفق (14).

______________________________________________________

(1) أي رفعها من بيده الساق أو لا.

(2) لأن غرض الشارع فيه إثبات العلقة الزوجية ، سواء أحدثها الزوجان أم غيرهما.

(3) لأن غرض الشارع فيه النقل والانتقال سواء أحدثه المالك أم غيره.

(4) أي غرض الشارع.

(5) أي بإيقاع الفعل.

(6) أي في المباشرة.

(7) أي النقل الشرعي.

(8) لغرض الشارع في المباشرة وعدمها.

(9) كالصلاة والصوم والحج والوضوء والغسل والتيمم بخلاف الزكاة والخمس.

(10) من العبادات.

(11) قيد للمنفي ، فلا تجوز الاستنابة في جميع الطهارات الثلاث ، لأنه هو المتولي للنية وإن وكّل في غسل الأعضاء ومسحها.

(12) أي مباشرة الأعضاء غسلا ومسحا.

(13) لبقاء التكليف بالفعل والعمل ، ولذا هو يستعين بالغير في إيصال الماء إلى العضو ، وهذا لا يسمى توكيلا ولذا يصح الاستعانة في إيصال الماء ممن لا يصح توكيله كالمجنون والصغير.

(14) أي الإيصال المذكور.

ص: 463

فی کمال المتعاقدین

(والصلاة الواجبة في) حال (الحياة) (1) فلا يستناب فيها مطلقا (2) إلا ركعتا الطواف ، حيث يجوز استنابة الحي (3) في الحج الواجب ، أو فيهما (4) خاصة على بعض الوجوه.

واحترز بالواجبة (5) عن المندوبة ، فيصح الاستنابة فيها في الجملة (6) كصلاة الطواف المندوب ، أو في الحج المندوب (7) وإن وجب (8) ، وصلاة الزيارة (9).

وفي جواز الاستنابة في مطلق النوافل وجه (10). وبالجملة فضبط متعلق غرض الشارع في العبادات وغيرها يحتاج إلى تفصيل ، ومستند نقلي.

(ولا بدّ من كمال المتعاقدين) بالبلوغ (11) ،

______________________________________________________

(1) لأنه بعد الوفاة يصح القضاء عنه ، ولكنه ليس بعنوان الوكالة ، لأن الوكالة هي النيابة عن شخص حي.

(2) في حالتي القدرة والعجز.

(3) أي الاستنابة عن الحي ، فهي من باب إضافة المصدر إلى مفعوله ، والاستنابة في حال العجز فقط.

(4) أي في ركعتي الطواف خاصة عند النسيان ، إن امتثل الأصيل بقية أجزاء الحج الواجب خصوصا الركنية منها.

(5) أي الصلاة الواجبة.

(6) أي بعض الموارد.

(7) خاصة.

(8) أي تصح الوكالة في ركعتي الطواف المندوب عند استنابته في الحج المندوب ، وإن وجب على النائب إكماله عند الشروع فيه.

(9) أي زيارة أحد والمعصومين عليه السلام.

(10) قال في المسالك : (ففي جواز التوكيل فيه نظر ، وإطلاق جماعة من الأصحاب المنع من الاستنابة في العبادات يشملها) انتهى.

ولم يبين وجه التنظير مع أن أدلة الخطاب - وإن كان ندبا - موجهة إلى نفس المكلف مباشرة ، ومعه لا يصح التوكيل به كما جزم بذلك غيره.

(11) فيشترط البلوغ في الموكل لسلب عبارة الصبي لرفع القلم عنه ، مميزا كان أو لا ، أذن وليه أو لا.

واستثنى الشيخ وجماعة أنه إذا بلغ عشرا جاز له أن يوكل فيما له التصرف فيه كالوصية

ص: 464

والعقل (1). فلا يوكّل ، ولا يتوكل الصبي ، والمجنون مطلقا (2) (وجواز تصرف الموكل (3) فلا يوكل المحجور عليه فيما ليس له مباشرته. وخص الموكل ، لجواز كون المحجور في الجملة (4) وكيلا لغيره فيما حجر عليه فيه من التصرف كالسفيه ، والمفلس مطلقا (5) ، والعبد بإذن سيده (6).

______________________________________________________

للأرحام والصدقة والعتق والطلاق بدعوى جواز مباشرته بنفسه لها فيجوز له التوكيل فيها ، وفي الشرائع نسبته إلى الرواية ، وفي جامع المقاصد أن القول به وإن كان مشهورا إلا أن مستنده غير واضح.

واشتراط البلوغ في الوكيل مما لا خلاف فيه ولا إشكال بعد سلب عبارته شرعا.

(1) اشتراط العقل في الموكل بلا خلاف فيه ولا إشكال بعد رفع القلم عنه واضح ، بل لو عرض الجنون بعد التوكيل أبطل الوكالة ، لإبطاله الاذن ، ومع عدم الاذن لا وكالة.

واشتراط العقل في الوكيل أيضا مما لا خلاف فيه ولا إشكال لسلب عبارته شرعا ، بلا خلاف فيهما بين الجنون الدائم أو الأدواري.

(2) ظاهر القيد أنه للمجنون فيشمل الأدواري والدائم ، ولو شمل الصبي أيضا فيكون إشارة إلى أنه بلغ عشرا أو لا ، ومميزا أو لا ، إذن وليه أو لا.

(3) يشترط في الموكل جواز التصرف في الفعل الذي وكّل فيه ، بمعنى أن لا يكون محجورا عليه لسفه أو فلس ، ووجهه واضح لأنه إذا كان ممنوعا من التصرف فيه بنفسه فمن باب أولى أن يمنع من التصرف فيه بالاستنابة.

نعم لو كان محجورا وكان له حق التصرف في غير ماله الداخل في المحجور عليه كالطلاق فتصح الاستنابة عنه فيه لصحة مباشرته للفعل.

(4) في غير تصرفاته المالية إذا كان المال له والتصرف لنفسه.

(5) وإن لم يأذن الغرماء في المفلس ولا الولي في السفيه ، لأن الغرماء لهم حق في ماله لا في مال الغير ، وكذا الولي له حق الإشراف عليه في مال نفسه ، وأما مال الغير لمنفعة الغير بإذن الغير فلا حق على المحجور عليه فيصح توكيله في ذلك.

(6) فيصح أن يتوكل بإذن سيده ، ولا يصح أن يتوكل بغير إذنه لأنه تصرف في مال الغير بغير إذنه ، بلا خلاف فيه ولا إشكال.

نعم لا يصح أن يوكل إلا بإذن سيده أما على القول بعدم ملكه فواضح ، وأما على القول بملكه فلأنه محجور عليه للرق ، نعم يجوز له أن يوكل في طلاق زوجته إذا كانت حرة أو أمة لغير سيده على المشهور ، لأنه مما يصح أن يباشره بنفسه من دون إذن سيده ، وقد منع منه الجماعة واشترطوا الاذن ، لعدم جواز طلاقه إلا باذن السيد وسيأتي تحرير النزاع

ص: 465

فی أنه لا یجوز للوکیل أن یوکل إلا مع الإذن

(وتجوز الوكالة في الطلاق للحاضر (1) في مجلسه (2) (كالغائب) (3) على أصح القولين ، لأن الطلاق قابل للنيابة ، وإلا لما صح توكيل الغائب. ومنع الشيخ من توكيل الحاضر فيه (4) استنادا إلى رواية ضعيفة السند قاصرة الدلالة.

(ولا يجوز للوكيل أن يوكل (5) إلا مع الإذن صريحا) ولو بالتعميم كاصنع ما

______________________________________________________

في باب الطلاق.

(1) الغائب عن زوجته لو وكّل شخصا حاضرا في بلدها في طلاقها ، فتصح الوكالة لوجود المقتضي من كون الطلاق مما تصح النيابة فيه ، وعدم المانع إذ المانع المتخيل هو غياب الزوج ، وغيابه ليس من مفسدات الوكالة ، وإلا لما جاز توكيل الغائب في أي أمر ، مع أنه جائز بالاتفاق.

ثم لو وكل الزوج الحاضر حاضرا في طلاق زوجته فكذلك تصح الوكالة لما تقدم من المقتضي وعدم المانع ، ولعموم صحيح سعيد الأعرج عن أبي عبد الله عليه السلام (في رجل يجعل أمر امرأته إلى رجل يطلقها ، أيجوز ذلك؟ قال عليه السلام : نعم) (1) وترك الاستفصال في مقام الجواب عن السؤال ينزل منزلة العموم في المقال ، ومنع منه الشيخ والقاضي ابن البراج وجماعة للجمع بن الصحيح المتقدم وبين خبر زرارة عن أبي عبد الله عليه السلام : (لا تجوز الوكالة في الطلاق) (2) ، بحمل رواية زرارة على الحاضر ، ورواية الأعرج على الغائب.

وفيه : إن خبر زرارة مشتمل على جعفر بن سماعة وهو واقفي ، وفي السند عدة مجاهيل ، وهو معارض بالأخبار التي جوزت الوكالة وقد تقدم بعضها وهي مطلقة ، على أن حمله على خصوص الحاضر مما لا دليل عليه فالجمع تبرعي ، ولا بدّ من رده إلى أهله.

(2) أي مجلس العقد ، وإليه ذهب أبو الصلاح الحلبي في الكافي أيضا وتبعه عليه الشارح هنا وفي المسالك ، مع أن المحكي عن الشيخ في النهاية أن الاعتبار في غياب الموكل هو غيابه عن البلد ، وهو الظاهر من صحيح سعيد الأعرج.

(3) ظاهره أنه لا فرق بين حضور الوكيل وغيابه ، وهو على خلاف مفروض المسألة والظاهر من عبارات الفقهاء ، لأن مفروضها أن الوكيل حاضر على كل حال فوكالته صحيحة بلا فرق بين غياب الموكل وحضوره ، إلا أن يكون المراد من عبارة الماتن : ويجوز للحاضر كالغائب أن يوكل في الطلاق ومعه لا إشكال.

(4) في الطلاق.

(5) وقع الخلاف بينهم في أنه لو قال الموكل للوكيل : اصنع ما شئت ، فهل هو إذن في

ص: 466


1- (1 و 2) الوسائل الباب -1. من أبواب مقدمات الطلاق وشرائطه حديث 1 و 5.

فی عزل الوکیل عما وکّل فیه

شئت ، (أو فحوى ، كاتساع متعلقها (1) بحيث تدل القرائن على الإذن له فيه (2) كالزراعة في أماكن متباعدة لا تقوم (3) إلا بمساعد.

ومثله (4) عجزه عن مباشرته (5) ، وإن لم يكن متسعا مع علم الموكل به (6) (وترفّع الوكيل عما وكّل فيه عادة) فإن توكيله حينئذ (7) يدل بفحواه على الإذن له فيه (8) ، مع

______________________________________________________

التوكيل بمعنى أن يوكل الوكيل شخصا آخر في العمل الذي تعلقت به وكالة الأول ، والمشهور على أنه إذن في التوكيل ، لأن (ما) من صيغ العموم وإذا شاء الوكيل أن يوكل فقد دخل في عموم الاذن.

وعن العلامة في التذكرة المنع محتجا بأن (ما) تفيد العموم ، إلا أنه تعميم لما يفعله الوكيل بنفسه من الأفعال فلا يتناول التوكيل.

ومع عدم هذه الصيغة المتقدمة فليس للوكيل أن يوكل عن الموكل ، لأن الوكيل نائب من الموكل فيقتصر فعله على مقدار نيابته ، والتوكيل غير داخل ، وهذا مما لا خلاف فيه ولا إشكال.

نعم يجوز للوكيل التوكيل بإذن صريح من الموكل ، وكذا لو دل اللفظ على التعميم كالصيغة المتقدمة ، وكذا لو قامت القرينة الحالية على الاذن كما لو وكله فيما لا يباشره الوكيل بنفسه عادة لترفعه عنه أو عجزه عنه أو عن بعضه لاتساعه ، كالزراعة في الأماكن البعيدة التي لا يقوم الوكيل بزراعتها إلا بمساعد.

وترفعه وعجزه عن العمل قرينة على الاذن مع علم الموكل بذلك ، وإلا فلو لم يعلم لم يجز التوكيل لانتفاء القرينة من جانب الموكل فينتفي الاذن بالتوكيل ، خلافا لابن حنبل وابن أبي ليلى حيث جوّزا توكيل الوكيل للغير إذا مرض الوكيل أو غاب مع عدم وجود إذن من الموكل ، وهو ضعيف لأن الغياب والمرض ليسا بالقرينة على الاذن من الموكل.

(1) أي متعلق وكالة الوكيل.

(2) أي تدل القرائن على الاذن للوكيل في التوكيل.

(3) أي الزراعة.

(4) أي ومثل اتساع متعلقها.

(5) أي عجز الوكيل عن مباشرة الفعل الذي وكّل فيه.

(6) أي مع علم الموكل بالعجز.

(7) أي حين ترفعه عن الفعل الذي وكّل فيه.

(8) أي على الاذن للوكيل في التوكيل.

ص: 467

علم الموكل بترفعه عن مثله ، وإلا (1) لم يجز لأنه (2) مستفاد من القرائن ، ومع جهل الموكل بحاله (3) ينتفي.

وحيث أذن له في التوكيل (4) فإن صرح له (5) بكون وكيله وكيلا عنه (6) ، أو عن الموكل لزمه (7) حكم من وكله (8) فينعزل (9) في الأول (10) بانعزاله (11) ، لأنه

______________________________________________________

(1) أي وإن لم يعلم الموكل بترفعه.

(2) أي الاذن في التوكيل.

(3) بحال الوكيل من الترفع وكذا العجز فينتفي الاذن المستفاد من علم الموكل حينئذ.

(4) أي حيث أذن الموكل للوكيل في التوكيل فلا يخلو إما أن يأذن له في التوكيل عن نفسه الوكيل ، أو عن الموكل ، أو أن يطلق.

وعلى الأول فلو وكّل الوكيل شخصا عن نفسه فيكون الوكيل الثاني نائبا عن الأول ، وتبطل وكالة الثاني بعزل الأول له وبعزل الموكل له ، وتبطل أيضا بموت الثاني أو جنونه وبموت وجنون الوكيل الأول أو الموكل ، وتبطل لو عزل الموكل الأول ، لأن الثاني فرع الأول وينتفي الفرع بانتفاء الأصل ، خلافا للشافعي حيث حكم بعدم انعزال الثاني وإن عزل الأول ، لأن توكيل الثاني إنما كان بإذن الموكل فيكون الحق للموكل دون الأول ، وردّ بأن وكالة الثاني بإذن الموكل مع توكيل الأول له ، ففعل الأول ملحوظ في الاذن ، فلو أبطل الأول وكالة الثاني لانتفت وكالته.

وعلى الثاني يكون الوكيل الثاني وكيلا عن الموكل كالوكيل الأول ، ويكونان وكيلين عن الموكل في عرض واحد ، بلا إشكال ولا خلاف ، وليس لأحدهما عزل الآخر ، ولا تبطل وكالة أحدهما بموت الآخر أو جنونه أو عزله عن الوكالة لعدم الارتباط بين الوكالتين ، وإنما تبطل وكالة كل واحد منهما بعزله من قبل الموكل أو بموته أو جنونه أو بموت أو جنون نفس الموكل.

وعلى الثالث فسيأتي البحث فيه عند تعرض الشارح له.

(5) أي فإن صرح الموكل للوكيل الأول.

(6) أي بكون الثاني وكيلا عن الأول.

(7) أي لزم الثاني.

(8) من الوكيل الأول والموكل.

(9) أي الثاني.

(10) في صورة كونه وكيلا عن الأول.

(11) أي بانعزال الأول.

ص: 468

فرعه (1) ، وبعزل كل منهما (2) له (3) ، وفي الثاني (4) لا ينعزل إلا بعزل الموكل ، أو بما أبطل توكيله (5).

وإن أطلق (6) ففي كونه (7) وكيلا عنه (8) ، أو عن الموكل ، أو تخير الوكيل في توكيله عن أيهما شاء أوجه. وكذا مع استفادته (9) من الفحوى (10) ، إلا أن

______________________________________________________

(1) أي لأن الثاني فرع الأول ، وينتفي الفرع بانتفاء الأصل.

(2) من الموكل والوكيل الأول.

(3) للوكيل الثاني.

(4) أي صورة كون الثاني وكيلا عن الموكل.

(5) من جنون وموت الموكل أو جنون وموت الوكيل الثاني.

(6) أي أطلق الموكل للوكيل الأول الاذن في التوكيل ، وهذا هو الشق الثالث المتقدم فأوجه.

الوجه الأول : أن الثاني وكيل عن الأول ، لأن التوكيل المأذون فيه الأول إنما هو للتسهيل عليه ، فيكون توكيلا عنه ، وإليه ذهب غير واحد من الأصحاب.

الوجه الثاني : أن الثاني وكيل عن الموكل ، كما عليه العلامة في القواعد والتذكرة والحلي في السرائر والكركي في جامعه ، لأن توكيل الأول بالتوكيل هو تصرف بإذن الموكل ، فيقع عن الموكل لكون الاذن منه ، ولأن ذلك هو المتبادر ، ولأن الحق في التصرف إنما هو للموكل وليس للوكيل إلا النيابة ، والنيابة الثانية في التصرف تكون عن الأصيل لا عن النائب.

الوجه الثالث : أن الوكيل مخيّر بين أن يوكل عن نفسه أو عن موكله ، وهو ظاهر الشرائع للمحقق ، ووجه التخيير صلاحية الإطلاق لشموله لكلا المصداقين.

(7) أي الثاني.

(8) عن الأول.

(9) أي استفادة الاذن في التوكيل.

(10) أي من القرائن الحالية كاتساع متعلق الزراعة أو عجز الوكيل أو ترفعه عما وكّل فيه مع علم الموكل ، فالاذن المستفاد من هذه القرائن مطلق تأتي فيه الأوجه الثلاثة المتقدمة في الإطلاق اللفظي ، نعم في الاذن المستفاد من القرائن محمول على أن الثاني وكيل عن الأول لا عن الموكل باعتبار أن الاذن ناشئ من قرينة عجز الوكيل وترفعه ، فيكون الاذن في التوكيل حينئذ من أجل التسهيل على الأول ، وهذا يناسب كون الثاني وكيلا عن الأول.

وأشكل عليه بأن الاذن المستفاد من القرائن الحالية لا إطلاق فيه ، إذ الإطلاق في اللفظ

ص: 469

فی کون الوکیل تامّ البصیرة

فی التوکیل فی المنازعات

كونه (1) هنا (2) وكيلا عن الوكيل أوجه.

(ويستحب أن يكون الوكيل تام البصيرة (3) فيما وكّل فيه ليكون مليا بتحقيق مراد الموكل ، (عارفا باللغة التي يحاور بها) فيما وكّل فيه ، ليحصل الغرض من توكيله.

وقيل : إن ذلك واجب. وهو (4) مناسب لمعنى الشرط بالنسبة إلى الأخير (5) ،

(ويستحب لذوي المروءات (6) وهم أهل الشرف والرفعة ، والمروءة (التوكيل في المنازعات) ، ويكره أن يتولوها بأنفسهم لما يتضمن من الامتهان ، والوقوع فيما يكره ، روي «أن عليا عليه السلام وكّل عقيلا في خصومة ، وقال : إن للخصومة قحما ، وأن الشيطان ليحضرها ، وأني لأكره أن أحضرها» - والقحم

______________________________________________________

لا في الأحوال ، وعليه فإن أفاد الاذن الناشئ من القرينة قسما من الأقسام فهو وإلا فيكون الاذن مجملا.

(1) أي كون الثاني.

(2) في الاذن المستفاد من الفحوى.

(3) وعارفا بالغة على المشهور ، وفي النهاية للشيخ : ينبغي أن يكون الوكيل الخ ... ، وقد صرح أكثر من واحد أنه ليس المراد بالاستحباب هنا الاستحباب التكليفي ، إذ لا أمر بذلك حتى يترتب عليه الثواب فيكون تعبير الشيخ أوفق بالمقام هذا من جهة ومن جهة أخرى ذهب ابن البراج وأبو الصلاح الحلبي إلى وجوبه وهو ضعيف لعدم الأمر به ، ومن جهة ثالثة فالمراد بتام البصيرة أن يكون مليا بتحقيق مراد الموكل ، والمراد بالعارف باللغة أي عارف باللغة التي يقع فيها المحاورة في الفعل الذي وكّل به ليحصّل الغرض من توكيله.

(4) أي الوجوب.

(5) أي العارف باللغة ، والمعنى أن الوجوب هو اشتراط صحة الوكالة بكونه عارفا باللغة ليحصّل الغرض من التوكيل.

(6) وهم أهل الشرف والمناصب الجليلة الذين لا يليق بهم الامتهان فلذا يكره لهم تولي المنازعة بأنفسهم لما روي عن أمير المؤمنين عليه السلام (أنه وكّل عقيلا في خصومة وقال : إن للخصومة قحما ، وإن الشيطان ليحضرها ، وإني لأكره أن أحضرها) (1).

ص: 470


1- 1. مستدرك الوسائل الباب - 20 - من أبواب الإجارة حديث 3.

فی ارتداد الوکیل

بالضم المهلكة - والمراد هنا أنها تقحم بصاحبها إلى ما لا يريده.

(ولا تبطل الوكالة بارتداد الوكيل (1) من حيث إنه ارتداد ، وإن كانت قد تبطل من جهة أخرى في بعض الموارد ، ككونه (2) وكيلا على مسلم ، فإنه (3) في ذلك (4) بحكم الكافر ، ولا فرق بين الفطري ، وغيره وإن حكم ببطلان تصرفاته (5) لنفسه ، (ولا يتوكل المسلم للذمي على المسلم ، على قول) الشيخ (6) ،

______________________________________________________

(1) لا يشترط في الوكيل إلا البلوغ والعقل ، فيصح توكيل الفاسق والكافر ، لأن ضابط الوكالة أن يكون الفعل مما تصح فيه النيابة حتى لو كان النائب كافرا.

وإذا كان الكفر لا يمنع من صحة الوكالة ابتداء فلا يمنع من صحتها في الأثناء ، وعليه فلا تبطل وكالة المرتد سواء كان عن فطرة أو عن ملة.

وعن الفخر في شرح الإرشاد بطلان الوكالة في الفطري ، لأنه بحكم الميت حيث يجب قتله بل يجب عليه قتل نفسه ، فهو مشغول بما هو أهم من مصلحة الموكل ، ولأن الفقهاء قد حكموا ببطلان تصرفاته.

وفيه : أن المرتد ما لم يقتل أو يقتل نفسه فهو صالح للنيابة عن الغير ، وحكم الفقهاء ببطلان تصرفاته إنما هو عن نفسه لا عن الغير.

نعم قد تبطل وكالته لا من حيثية الارتداد ، بل من حيثية أخرى كما لو كان وكيلا على مسلم لداعي شئونه ، فإذا ارتد تبطل وكالته إذ لا سبيل للكافر على المسلم كما سيأتي بيانه ، وتبطل وكالة المرتد أيضا إذا اشترطنا العدالة في الوكيل كوكيل الوكيل ووكيل ولي اليتيم.

(2) أي المرتد.

(3) أي المرتد.

(4) أي في وكالته على مسلم.

(5) أي تصرفات المرتد.

(6) بما أن الوكالة عقد بين الموكل والوكيل ، وهما تارة مسلمان وأخرى كافران ، وثالثة مختلفان ، بحيث يكون الموكل مسلما والوكيل كافرا أو العكس ، فالصور أربع ، وقد تتعلق الوكالة في تحصيل حق الموكل من ثالث ، وهو تارة مسلم وأخرى كافر فالصور ثمان وهي :

1 - الموكل مسلم والوكيل مسلم على مسلم ، 2 - الموكل مسلم والوكيل مسلم على كافر ، 3 - الموكل مسلم والوكيل ذمي على مسلم ، 4 - الموكل مسلم والوكيل ذمي على ذمي.

5 - الموكل ذمي والوكيل مسلم على مسلم ، 6 - الموكل ذمي الوكيل مسلم على كافر ،

ص: 471

فی تجاوز الوکیل ما حدّ له

والأقوى الجواز على كراهية ، للأصل (1) ، (ولا الذمي على المسلم لمسلم ، ولا لذمي قطعا) فيهما (2) ، لاستلزامهما إثبات السبيل للكافر على المسلم المنفي بالآية ، (وباقي الصور جائزة وهي ثمان) بإضافة الصور الثلاث المتقدمة إلى باقيها. وتفصيلها : أن كلا من الموكل والوكيل والموكّل عليه إما مسلم ، أو كافر ، ومنه تتشعب الثمان بضرب قسمي (3) الوكيل في قسمي الموكل ، ثم المجتمع في قسمي الموكّل عليه ، ولا فرق في الكافر بين الذمي وغيره كما يقتضيه التعليل (4).

(ولا يتجاوز الوكيل ما حدّ له (5) في طرف الزيادة والنقصان (إلا أن تشهد)

______________________________________________________

7 - الموكل ذمي والوكيل ذمي على مسلم ، 8 - الموكل ذمي والوكيل ذمي على ذمي. هذا والمدار في الوكالة على الثالث ما كان فيها نوع من القهر والغلبة كاستيفاء حقوق الآدميين كحق القذف والتنازع ، والصور صحيحة ما عدا ما لو كان الموكل مسلما والوكيل ذميا على مسلم ، وكذا لو كان الموكل ذميا والوكيل ذميا على مسلم ، فلا يجوز لاستلزامه السبيل للكافر على المسلم المنفي بالآية ( ( لَنْ يَجْعَلَ اللّٰهُ لِلْكٰافِرِينَ عَلَى الْمُؤْمِنِينَ سَبِيلاً ) ) (1) وناقشهم في الجواهر بأن السبيل المنفي هو الحجة ، وصاحب الحق له حجة على خصمه سواء كان صاحب الحق مسلما أو ذميا ، وكذا يجوز لصاحب الحق أخذ حقه من خصمه بالمباشرة فيصح الأخذ بالاستنابة حينئذ ، إلا أن يكون هناك إجماع على المنع.

وأما باقي الصور فكلها صحيحة ما عدا ما لو كان الموكل ذميا والوكيل مسلما على مسلم فقد حكم المشهور بالكراهة ، وعن المحقق التردد ، وعن الشيخ في النهاية الحكم بالمنع وتبعه ابن زهرة وأبو الصلاح لأن قبول المسلم للوكالة عن الذمي على المسلم إثبات سبيل للكافر على المسلم وهو منفي ، وفيه : ما تقدم من ضعف الاستدلال بالآية.

هذا وقال الشارح في المسالك : (واعلم أن المصنف والجماعة عبّروا عن الكافر بالذمي ، ولا فرق من حيث الحكم ، بل إذا ثبت المنع في الذمي ثبت في غيره بطريق أولى) انتهى.

(1) أصالة الصحة في العقود.

(2) في الصورتين الأخيرتين.

(3) وهو إسلام الوكيل وكفره.

(4) الموجود في الآية.

(5) اقتصار الوكيل على ما أذن له فيه مما لا شبهة فيه ، لوجوب التقيد بالاذن ، من حيث

ص: 472


1- 1. سورة النساء ، الآية : 140.

فی ما تثبت به الوکالة

العادة بدخوله) - أي دخول ما تجاوز - في الإذن (كالزيادة في ثمن ما وكّل في بيعه) بثمن معين (1) ، إن لم يعلم منه (2) الغرض في التخصيص به (3) ، (والنقيصة في ثمن ما وكّل في شرائه) بثمن معين ، لشهادة الحال غالبا بالرضا بذلك (4) فيهما (5) لكن قد يتخلف بأن لا يريد الإشطاط في البيع ، أو غيره من الأغراض.

(وتثبت الوكالة بعدلين (6) كما يثبت بهما (7) غيرها (8) من الحقوق المالية ، وغيرها (9) ، (ولا تقبل فيها (10)

______________________________________________________

الجنس والنوع والشخص والوصف والقدر والعين والنقد والنسيئة ونوع المعاملة والزمان والمكان وما شاكل ذلك ، ولو خالف توقف على الإجازة من الموكل نعم قد يأذن الموكل بشي ء إلا أن العادة تشهد بجواز الزيادة والنقيصة ، فيدخل في الاذن لقرينة العادة ، كما لو أذن له بالبيع نسيئة فباعه حالا ، أو أذن له أن يبيع بثمن معين فباعه بالأزيد ، فيصح البيع لأن الاذن بالأقل نفعا للموكل أذن بالأزيد من باب أولى.

وكذا لو أذن له بالشراء حالا فاشترى نسيئة ، أو أذن له بالشراء بثمن معين فاشترى بالأقل ، نعم يتعدى إلى الأزيد والأنقص مع القرينة إلا إذا علم أن الغرض على ما عيّن الموكل فلا يجوز التعدي ، كما لو تعلق غرضه ببيع المتاع بثمن معين للإرفاق وعدم الشطط ، أو تعلق غرضه بالبيع نسيئة لتسهيل المعاملة مع المشتري ، أو تعلق غرضه بالشراء حالا للخوف على الثمن.

(1) متعلق بقوله (في بيعه).

(2) من الموكل.

(3) أي بالثمن المعين.

(4) بالتجاوز.

(5) في الزيادة والنقيصة.

(6) فلو ادعى الوكالة عن شخص لا تثبت دعواه إلا ببينة وهي الحجة الشرعية وهي وظيفة المدعي والوكيل هنا مدّع أو بتصديق الموكل ، لأن التصديق منه إقرار على نفسه ، وإقرار العقلاء على أنفسهم جائز.

(7) بالعدلين.

(8) غير الوكالة.

(9) أي غير الحقوق المالية كإثبات الوصية والنسب ورؤية الأهلة ، على ما تقدم بيانه في كتاب القضاء والشهادات.

(10) في الوكالة.

ص: 473

(شهادة النساء منفردات (1) ، لاختصاصها (2) بما يعسر اطلاع الرجال عليه ، والوصية (3) كما سلف في بابه ، (ولا منضمات) (4) إلى الرجال ، لاختصاصها (5) حينئذ (6) بالمال. وما في حكمه (7) ، والوكالة ولاية على التصرف وإن ترتب عليها (8) المال لكنه (9) غير مقصود.

(ولا تثبت بشاهد ويمين) ، لما ذكر (10) ، إلا أن يشتمل على جهتين (11) ، كما

______________________________________________________

(1) لأن شهادة النساء منفردات غير مقبولة إلا بما لا يجوز للرجال النظر إليه كالولادة واستهلال الولد حيا وعيوب النساء الباطنة ، بلا خلاف فيه للأخبار.

منها : صحيح ابن سنان عن أبي عبد الله عليه السلام (تجوز شهادة النساء وحدهن في كل ما لا يجوز للرجال النظر إليه) (1) ، وخبر داود بن سرحان عن أبي عبد الله عليه السلام (أجيز شهادة النساء في الغلام صاح أو لم يصح ، وفي كل شي ء لا ينظر إليه الرجال تجوز شهادة النساء فيه) (2).

(2) أي اختصاص شهادة النساء منفردات.

(3) أي لاختصاصها بالوصية ، بلا خلاف فيه للأخبار.

منها : خبر ربعي عن أبي عبد الله عليه السلام (في شهادة امرأة حضرت رجلا يوصي ليس معها رجل؟ قال عليه السلام : يجاز ربع ما أوصى بحسب شهادتها) (1).

(4) عطف على منفردات ، هذا وقد تقدم في كتاب القضاء اختصاص شهادة النساء منضمات إلى الرجال بالمال والدين ، وما يكون غرضه ماليا كدعوى الجناية الموجبة للدية ، فلا تقبل شهادتهن منضمات في إثبات الوكالة لأن الوكالة ولاية في التصرف ، وليس الغرض منها ماليا ، وإن ترتب عليها في بعض مواردها.

(5) أي اختصاص شهادة النساء.

(6) حين الانضمام إلى الرجال.

(7) من كون الغرض منه ماليا.

(8) على الوكالة.

(9) أي المال غير مقصود من الوكالة أصالة.

(10) من كون الشاهد مع اليمين مختصا بالمال والدين ، وما كان الغرض منه ماليا على ما تقدم بيانه في كتاب القضاء.

(11) أي إلا أن يشتمل ما ادعاه الوكيل على جهتين ، جهة الوكالة وجهة المالية ، كما لو ادعى

ص: 474

لو ادعى شخص على آخر وكالة بجعل وأقام شاهدا وامرأتين ، أو شاهدا وحلف معه (1) ، فالأقوى ثبوت المال ، لا الوكالة وإن تبعضت الشهادة (2) ، كما لو أقام ذلك (3) بالسرقة ، يثبت المال لا القطع ، نعم لو كان ذلك (4) قبل العمل لم يثبت شي ء ، (ولا بتصديق الغريم (5) لمدّعي الوكالة عليها (6) في أخذ حق منه (7) لغيره (8) ، لأنه (9) تصديق في حق غيره (10).

هذا إذا كان الحق الذي يدعي الوكالة فيه عينا (11) ، أما لو كان دينا ففي

______________________________________________________

الوكيل على الموكل جعلا على وكالة قد فعل مقتضاها ، وأقام شاهدا مع امرأتين أو شاهدا مع يمين المدعي ، فذهب جماعة إلى ثبوت المال دون الوكالة.

إن قلت : يلزم منه التبعض في قبول الشهادة من جهة المالية والرد من جهة الوكالة مع أنها شهادة واحدة.

قلت : هنا دعويان الجعل والوكالة ، وقبول الشهادة في الأولى دون الثانية يلزم منه تبعيض في الدعوى لا في الشهادة ، كما لو ادعى شخص على آخر مالا وأنه قد سرقه وشهد بذلك شاهد مع امرأتين أو مع يمين المدعي فيثبت المال دون القطع.

(1) مع الشاهد.

(2) بل التبعيض بالدعوى.

(3) من شهادة الواحد مع امرأتين ، أو مع يمين المدعي.

(4) أي إقامة الشاهد الواحد مع المرأتين أو مع يمين المدعي على ما ادعاه الوكيل من الوكالة بجعل ولم يفعل مقتضاها ، فلا يثبت للوكيل شي ء لعدم عمله ، ولبطلان الوكالة على تقدير ثبوتها بإنكار الموكل.

(5) لو ادعى على شخص الوكالة عنه في قبض دينه من غريمه ، فصدّق الغريم الوكيل في دعواه ، فلا تثبت الوكالة بموافقة الغريم ، لأن إقراره نافذ في حقه ، لا في حق الموكل خصوصا مع إنكاره.

(6) على الوكالة والمعنى أن الغريم صدّق الوكيل في دعواه الوكالة.

(7) من الغريم.

(8) أي لغير الوكيل.

(9) أي تصديق الغريم ، وهذا تعليل لعدم ثبوت الوكالة بتصديق الغريم.

(10) أي غير الغريم ، وهو الموكل.

(11) أصل المسألة ما لو ادعى الوكالة عن غائب في قبض ماله من غريمه ، فإن أقام المدعي البينة على ذلك وجب على الغريم تسليمه حق الموكل ، سواء كان الغريم مصدّقا أو

ص: 475

.................................................................................................

______________________________________________________

منكرا ، وسواء كان الحق عينا أو دينا. وإن فقد المدعي البينة فلا يخلو إما أن ينكر الغريم الدعوى وإما أن يصدّقه ، ومع الإنكار فالقول قوله بلا يمين ، لأنه ليس منكرا حقيقيا ، إذ المنكر الحقيقي هو الذي إذا أقرّ نفذ إقراره فيه ، وهنا لو أقر الغريم ينفذ إقراره في حق غيره. ومع التصديق من الغريم لمدعي الوكالة فإما أن يكون الحق الثابت عليه عينا أو دينا.

وعلى الأول لا يؤمر الغريم بالتسليم إلى المدعي ، لأن تصديق الغريم إقرار منه ، وإقراره غير نافذ في حق المالك لأنه إقرار في حق الغير ، نعم يجوز للغريم عند التصديق أن يسلمها إلى المدعي إذ ليس هناك منازع على العين غيرهما ، ويبقى المالك الغائب على حجته ، فإذا حضر وصدّق المدعي في دعواه أنه وكيل برئ الغريم من الدفع ، وإن كذّب المالك المدعي فالقول قول المالك مع يمينه ، لأنه منكر للوكالة ومدعيها مدع بحسب ظاهر قوله ولأصالة عدم الوكالة فيطالب بالبينة.

وعليه فإن حلف المالك فتبطل دعوى وكالة المدعي وإن كانت العين باقية في يد المدعي فللمالك الحق بالرجوع على أيّ شاء من مدعي الوكالة والغريم ، لتعاقب أيديهما على العين ، وكلاهما ضامنان ، أما المدعي فلأنه غاصب ، وأما الغريم فلأنه متعد.

وعليه فإن طالب المالك مدعي الوكالة بإرجاعها فليس للمدعي أن يرجع على الغريم بالإرجاع ، لأن العين تحت يد المدعي ، وإن طالب المالك الغريم بإرجاعها ، طالب الغريم المدعي بإحضارها حتى يرجعها الغريم على المالك.

وإن كانت العين تالفة تخيّر المالك بالرجوع على من شاء منهما لتعاقب أيديهما ، فإن رجع على المدعي بالمثل أو القيمة لم يرجع المدعي على الغريم ، سواء كان التلف تحت يد المدعي بتفريط أم لا ، لاعتراف المدعي بأن الغريم بري ء بدفعها إليه ، وهو مدعى للوكالة ومعترف بالقبض.

وإن رجع المالك على الغريم فإن كان التلف عند المدعي بلا تفريط ، لا يرجع الغريم على المدعي ، لأن الغريم قد صدّق المدعى على الوكالة ، والوكيل الحقيقي أمين لا يضمن لو تلفت العين عنده بلا تفريط ، وبتصديق الغريم له يكون عنده أمينا

فكيف يرجع عليه.

وإن كان التلف عند المدعي بتفريط يرجع الغريم على المدعي وإن صدقه ، لأن الوكيل ضامن عند التفريط.

هذا كله إذا كان الحق عينا ، وأما لو كان دينا فإن أنكر الغريم دعوى مدعي الوكالة فالقول قوله بلا يمين ، وإن صدقه فهل يجب على الغريم تسليم الدين للمدعي؟ ذهب ابن إدريس والمحقق الثاني وجماعة إلى الوجوب ، لأن الغريم بتصديقه قد أقرّ ،

ص: 476

وجوب دفعه (1) إليه (2) بتصديقه (3) قولان أجودهما ذلك (4) ، لأنه (5) إقرار في حق نفسه (6) خاصة ، إذ الحق لا يتعين إلا بقبض مالكه ، أو وكيله (7) ، فإذا حضر (8) وأنكر بقي دينه في ذمة الغريم فلا ضرر عليه (9) في ذلك (10) ، وإنما ألزم الغريم بالدفع (11) لاعترافه (12) بلزومه (13)

______________________________________________________

والإقرار نافذ في حق نفسه فيؤخذ بإقراره ، ويؤمر بالتسليم للمدعي ، وإذا أتى المالك فإن صدق فهو وإن أنكر فهو على حجته.

والفرق بين الدين والعين في قبول إقرار الغريم في الأول دون الثاني ، أن الدين سيدفعه الغريم من خالص ماله ، فإذا أقرّ بصحة دعوى المدعي فيؤمر بالدفع إليه من ماله ، بخلاف العين فلو أمرنا بالتسليم فسيدفع مال الغير إلى الوكيل ، فمن هنا كان إقرار الغريم في العين إقرارا في حق الغير ، وفي الدين إقرارا في مال نفسه. وذهب الشيخ ويحيى بن سعيد والعلامة وولده فخر المحققين وجماعة إلى عدم الوجوب ، لمساواة الدين للعين ، لأن تسليم الدين إنما هو للموكل ، واعتراف الغريم بكون المدعي وكيلا لا يثبت في حق الموكل.

(1) دفع الدين.

(2) إلى مدعى الوكالة.

(3) أي بتصديق الغريم.

(4) أي وجوب التسليم والدفع.

(5) أي التصديق.

(6) أي نفس الغريم ، لأنه سيدفعه من خالص ماله.

(7) ولذا أوجبنا عليه الدفع ليتحقق القبض حتى يتعين حق المالك.

(8) المالك الغائب.

(9) على المالك.

(10) في وجوب دفع الغريم للمدعي ، لأن حق المالك محفوظ في ذمة الغريم.

(11) دفع وهم ، وحاصل الوهم أنه كيف يجب على الغريم الدفع للمدعي أولا ، ثم يجب عليه الدفع للمالك ثانيا عند إنكاره ، والحق واحد.

ورده أن الدفع الأول للمدعي لاعترافه ، والدفع الثاني للمالك ، لأنه صاحب الحق ولم يصله.

(12) أي اعتراف الغريم.

(13) أي لزوم الدفع.

ص: 477

له (1) ، وبهذا (2) يظهر الفرق بينه (3) وبين العين ، لأنها (4) حق محض لغيره (5) ، وفائتها لا يستدرك (6).

نعم يجوز (7) له تسليمها إليه (8) مع تصديقه له (9) ، إذ لا منازع له (10) الآن (11) ، ويبقى المالك على حجته ، فإذا حضر وصدّق الوكيل برء الدافع ، وإن كذّبه فالقول قوله (12) مع يمينه ، فإن كانت العين موجودة أخذها ، وله (13) مطالبة من شاء منهما (14) بردّها ، لترتب أيديهما على ماله ، وللدافع مطالبة الوكيل بإحضارها (15) لو طولب به (16) ، دون العكس (17) فإن تعذر ردها ، بتلف وغيره تخيّر (18) في الرجوع على من شاء منهما (19) ، فإن رجع على الوكيل لم يرجع (20)

______________________________________________________

(1) للمدعي ، لأنه قد صدّقه.

(2) من الدفع من خالص مال الغريم.

(3) بين الدين.

(4) أي العين.

(5) لغير الغريم.

(6) إذ مع دفعها إلى المدعى لا يمكن دفعها إلى المالك.

(7) للغريم.

(8) أي تسليم العين للمدعي.

(9) أي مع تصديق الغريم للمدعي.

(10) للمدعي.

(11) حال غياب المالك.

(12) أي قول المالك مع يمينه ، لأنه منكر للوكالة.

(13) للمالك.

(14) من الغريم والمدعي.

(15) لأن العين عند المدعي ، لأنه سلّمه إياها بحسب الفرض.

(16) أي طولب الغريم بالإحضار.

(17) لأن العين تحت يد المدعي فلا معنى لإحضار الغريم لها.

(18) أي المالك.

(19) من الغريم والمدعي.

(20) أي الوكيل.

ص: 478

فی أن الوکیل أمین

على الغريم مطلقا (1) ، لاعترافه (2) ببراءته (3) بدفعها إليه (4) ، وإن رجع (5) على الغريم لم يرجع (6) على الوكيل مع تلفها في يده (7) بغير تفريط ، لأنه (8) بتصديقه له (9) أمين (10) عنده ، وإلا (11) رجع عليه.

(والوكيل أمين لا يضمن إلا بالتفريط ، أو التعدي) وهو موضع وفاق (12) (ويجب عليه (13) تسليم ما في يده إلى الموكل إذا طولب به (14) ، سواء في

______________________________________________________

(1) سواء كان التلف بتفريط من المدعي أم لا.

(2) أي اعتراف الوكيل.

(3) أي ببراءة الغريم.

(4) أي بدفع العين إلى الوكيل المدعي.

(5) أي المالك.

(6) أي الغريم.

(7) أي يد الوكيل.

(8) أي لأن الوكيل.

(9) أي بتصديق الغريم للوكيل.

(10) خبر لقوله (لأنه).

(11) أي وإن لم يكن التلف بغير تفريط ، بل كان بتفريط من المدعي رجع الغريم عليه ، لأن الوكيل ضامن عند تفريطه.

(12) بل لا خلاف فيه بين المسلمين ، وقد تقدم أكثر من مرة أن الأمين الذي وضع يده على مال غيره بإذن المالك لا يضمن ، ومنه الوكيل ، إلا بتعد أو تفريط.

(13) على الوكيل.

(14) بلا خلاف ولا إشكال ، لأنه وكيل على المال من قبل مالكه ، فإن طالبه المالك به يجب عليه تسليمه له ، نعم مع عدم المطالبة لا يجب على الوكيل التسليم ، لأنه قبضه بإذن المالك وبحسب الفرض لم يطلبه المالك.

ثم لو طالبه به وامتنع التسليم لعذر فلا يضمن بلا خلاف فيه ، لأنه معذور غير متعد ، والعذر كما نص عليه أكثر من واحد يشمل العقلي والشرعي والعرفي ، والأول ، فيما لو كان التسليم غير مقدور ، والثاني فيما لو كان مشغولا بإتمام الصلاة الواجبة أو المستحبة ، والثالث فيما لو كان مشغولا بإتمام الحمام. نعم لو طالبه به وامتنع لا لعذر فالوكيل ضامن بلا خلاف ، لأنه متعد ، وكذلك يكون متعديا لو ارتفع العذر وأخّر التسليم مع المطالبة.

ص: 479

ذلك المال الذي وكّل في بيعه وثمنه (1) ، والمبيع الذي اشتراه وثمنه قبل الشراء ، وغيرها (2). ونبة بقوله : إذا طولب على أنه لا يجب عليه (3) دفعه إليه (4) قبل طلبه (5) ، بل معه (6) ، ومع إمكان الدفع شرعا (7) وعرفا كالوديعة (8) (فلو أخّر مع الإمكان) أي إمكان الدفع شرعا بأن لا يكون في صلاة واجبة مطلقا (9) ولا مريدا لها مع تضيق وقتها ، ونحو ذلك من الواجبات المنافية ، أو عرفا بأن لا يكون على حاجة يريد قضاءها ، ولا في حمام أو أكل طعام ، ونحوها من الأعذار العرفية (ضمن ، وله أن يمتنع) من التسليم (حتى يشهد) (10) على الموكل

______________________________________________________

(1) أي بعد بيعه.

(2) غير هذه الأمور.

(3) على الوكيل.

(4) إلى الموكل.

(5) أي طلب الموكل.

(6) مع الطلب.

(7) ولم يتكلم عن الإمكان العقلي لوضوح اشتراطه.

(8) أي كما يجري جميع ذلك في الوديعة ، والعجب من العلامة في التذكرة حيث حكم برد الموكل فيه مع الإمكان العقلي والشرعي والعرفي مع جعل العذر الشرعي شاملا للصلاة الواجبة والمندوبة ، مع أنه في الوديعة خصّ العذر الشرعي بالواجب دون النفل ، مع أن الأمر في الوديعة أسهل على الودعي ، لأنها مبنية على الإحسان المحض الذي يناسبه التسهيل بخلاف الوكالة ، إذ قد يدخلها أغراض للوكيل كالجعل وغيره ، ولا أقل من المساوات.

(9) تضيق وقتها أو لا.

(10) وقع الخلاف بينهم في أن من بيده مال للغير أو في ذمته مال للغير هل يجوز له الامتناع عن التسليم إلى صاحب الحق حتى يشهد عليه بالقبض ، أو يجب التسليم وإن لم يتحقق الإشهاد.

ذهب الشيخ في المبسوط إلى أن من يقبل قوله في الرد كالودعي لا يجوز له الامتناع ، بل يجب عليه الدفع عند المطالبة وإن لم يتحقق الإشهاد ، وبين من لا يقبل قوله في الرد كالمستعير فيجوز له الامتناع عن الدفع حتى يشهد ، خوفا من جحود صاحب الحق ، فيطالب المستعير بالبينة وهي مفقودة ، فيلزم بالدفع ثانيا ، وفي هذا ضرر عليه ، بخلاف الأول فلو جحد صاحب المال القبض فالقول قول الودعي مع يمينه.

ص: 480

بقبض حقه (1) حذرا من إنكاره (2) فيضمن له ثانيا (3) ، أو يلزمه (4) اليمين.

(وكذا) حكم (5) (كل من عليه حق وإن كان (6) وديعة يقبل قوله) في ردها ، لافتقاره إلى اليمين (7) ، فله دفعها (8) بالإشهاد وإن كان صادقا.

ولا فرق في ذلك (9) بين من (10) يكون له على الحق بينة ، وغيره ، لما ذكرناه من الوجه (11) ، هذا هو أجود الأقوال في المسألة. وفرّق بعضهم (12) بين من يقبل

______________________________________________________

وذهب يحيى بن سعيد إلى أن من يقبل قوله في الرد كالودعي ، لا يجوز له الامتناع كما تقدم ، وبين من لا يقبل قوله في الرد كالمستعير فإن كان الأخذ ببينة فله الامتناع حتى يشهد وإلا فلا ، لأنه مع عدم الأخذ ببينة يمكن له إنكار أصل الحق على وجه يصدق بأن يقول : لا يستحق عندي شيئا فيقبل قوله مع يمينه ، لأنه منكر ، بخلاف ما لو ثبت الحق عنده ببينة فلا يمكنه إنكار أصل الحق بل يحتاج إلى إثبات الدفع ، وهذا لا يتحقق إلا بالإشهاد فله الامتناع عن التسليم حتى يشهد حينئذ ، وقد نسب هذا التفصيل إلى الشافعية.

وعن مشهور المتأخرين أنه يجوز لمن عنده مال للغير أو دين الامتناع من التسليم حتى يشهد سواء قبل قوله في الرد أم لا ، لأن قبول قوله في الرد محتاج إلى اليمين ، وتكلف اليمين ضرر عظيم وإن كان صادقا وقد أذن فيه الشارع ، خصوصا في بعض الناس فإن ضرر الغرامة عليهم أسهل من اليمين.

(1) أي بقبض الموكل حقه.

(2) إنكار الموكل.

(3) أي فيضمن الوكيل للموكل ثانيا.

(4) أي يلزم الوكيل اليمين ، وفيه : أنه مما لا يقبل قوله في الرد فكيف يلزم باليمين ، نعم يجري هذا في الودعي.

(5) من الامتناع حتى يشهد وهذا قول مشهور المتأخرين.

(6) أي الحق.

(7) عند قبول قوله في الرد.

(8) دفع اليمين.

(9) من أن له الامتناع حتى يشهد.

(10) أي صاحب الحق سواء كان له على الحق بينة أم لا.

(11) وهو افتقار الغريم إلى اليمين فله دفعها بالإشهاد.

(12) وهو الشيخ في المبسوط.

ص: 481

فی أنه لا یجب علیه الإشهاد

قوله في الرد (1) ، وغيره (2) ، وآخرون (3) بين من عليه بقبض الحق بينة (4) ، وغيره (5) ، ودفع ضرر اليمين يدفع ذلك كله خصوصا في بعض الناس ، فإن ضرر الغرامة عليهم أسهل من اليمين.

(والوكيل في الوديعة (6) لمال شخص عند آخر (لا يجب عليه الإشهاد) على المستودع ، (بخلاف الوكيل في قضاء الدين (7) ، وتسليم المبيع (8) فليس له ذلك (9) (حتى يشهد).

______________________________________________________

(1) فليس له الامتناع.

(2) فله الامتناع.

(3) وهو يحيى بن سعيد.

(4) فله الامتناع حتى يشهد إذا كان ممن لا يقبل قوله في الرد.

(5) ممن ليس على قبضه بنية وكان ممن لا يقبل قوله في الرد فليس له الامتناع عن الدفع.

(6) الوكيل في الإيداع - أي إيداع مال شخص عند الودعي - لا يجب عليه الإشهاد عند الدفع للودعي ، بحيث لو أنكر الودعي فيما بعد لا يضمن الوكيل بسبب عدم الإشهاد ، إذ عدم إقامة الإشهاد عند الإيداع لا يعد تفريطا منه ، بلا خلاف فيه كما في الجواهر ، لأن الإيداع مبني على الإخفاء فعدم الإشهاد عليه هو السيرة ، والوكيل لم يخالفها عند عدم إشهاده فلا يكون مفرّطا.

نعم استشكل العلامة في التذكرة في عدم وجوب الإشهاد ، ويرده ما تقدم.

ثم لو أنكر المالك على الوكيل الدفع للودعي ، فالقول قول الوكيل لأنه أمين ، فلا يجب عليه الإشهاد من هذه الحيثية حتى يدفع إنكار المالك ، إذ يمكن له دفعه باليمين.

(7) لو وكّل في قضاء دين عن المديون ، وقضى الدين ولم يشهد على الدائن بالقبض ، فأنكر الدائن الدفع إليه فيما بعد فالوكيل ضامن هنا ، لأنه مفرّط ، لأن قضاء الدين مبني على الإجهار به فيناسبه الإشهاد عليه ، ومع عدم إشهاد الوكيل يكون قد خالف السيرة في ذلك ، فهو مفرّط ضامن كما عن الشيخ والعلامة وولده والشهيدين والمحقق الثاني.

وفي الشرائع والقواعد للعلامة التردد به ، بل جزم الأردبيلي بعدم الضمان لعدم صدق التفريط عرفا ، إذ السيرة ليست قائمة على الإشهاد في قضاء الدين ، ولا أقل من الشك في ذلك والأصل عدم الضمان.

(8) ما يجري في قضاء الدين يجري في التسليم المذكور.

(9) من قضاء الدين وتسليم المبيع.

ص: 482

فی أنّ للوکیل تولی طرفی العقد

والفرق أن الوديعة مبنية على الإخفاء ، بخلاف غيرها ، ولأن الإشهاد (1) على الودعي لا يفيد ضمانه (2) لقبول قوله في الرد ، بخلاف غيره (3) (فلو لم يشهد) (4) على غير الوديعة (ضمن) ، لتفريطه ، إذا لم يكن الأداء (5) بحضرة الموكل ، وإلا (6) انتفى الضمان ، لأن التفريط حينئذ مستند إليه (7).

(ويجوز للوكيل تولي طرفي العقد (8) بإذن الموكل) ، لانتفاء المانع حينئذ (9). ومغايرة الموجب للقابل يكفي فيها الاعتبار (10). ولو أطلق له الإذن (11) ففي

______________________________________________________

(1) دليل ثان لعدم ضمان الوكيل لو لم يشهد في الإيداع وحاصله أن الإشهاد على الإيداع لا يفيد ، لأنه لو ادعى الودعي التلف فالبينة بالقبض لا توجب عليه الضمان ، لأن البينة المذكورة توجب قبض المال ، وبدعواه التلف لا يضمن ، لأنه مصدق في دعواه التلف والرد كما تقدم في بابه.

(2) ضمان الودعي.

(3) غير الودعي ، من الدائن والمشتري فالإشهاد على الدفع إليهما يخرج المديون والبائع عن عهدة الضمان لو لم يعترف الخصم بالقبض.

(4) أي الوكيل.

(5) أي الدفع.

(6) أي وإن كان الأداء بحضرة الموكل فلا يجب على الوكيل الإشهاد ، لأنه وكيل بالدفع فقط ، وعدم الإشهاد حينئذ مستند إلى الموكل لا إلى الوكيل.

(7) إلى الموكل.

(8) لو أذن الموكل لوكيله في بيع ماله من نفسه ، فيجوز للوكيل تولي طرفي الإيجاب والقبول ، فالإيجاب من حيثية الوكالة والقبول من حيثية الأصالة ، على الأكثر ، لوجود المقتضي وانتفاء المانع ، أما المقتضي لوجود إذن المالك في البيع المذكور ، وأما عدم المانع إذ ليس المانع إلا كونه وكيلا ، وهذا لا يصلح للمانعية لإطلاق أدلة البيع.

وعن الشيخ وجماعة المنع للتهمة ، وفيه منع التهمة مع وجود الاذن ومراعاة مصلحة الموكل المعتبرة في فعل كل وكيل.

(9) حين إذن الموكل.

(10) بالأصالة في القبول والوكالة في الإيجاب.

(11) لو أطلق الموكل لوكيله الاذن في بيع ماله ، فيجوز للوكيل حينئذ أن يبيع على نفسه كما عن الشيخ في النهاية والعلامة وولده والشهيد في بعض الحواشي والحلبي ، لوجود المقتضي وعدم المانع على ما تقدم.

ص: 483

توليهما (1) لنفسه قولان منشأهما : دخوله (2) في الإطلاق. ومن ظاهر (3) الروايات الدالة على المنع. وهو أولى.

واعلم أن توليه طرفي العقد أعم من كون البيع ، أو الشراء (4) لنفسه (5) وموضع الخلاف مع عدم الإذن (6) توليه لنفسه ، أما لغيره (7) بأن يكون وكيلا

______________________________________________________

وعن المشهور المنع للتهمة ، ولأن إطلاق الاذن منصرف إلى غير الوكيل ، إذ المفهوم من الاستنابة في البيع البيع على غيره ، ولخبر هشام بن الحكم عن أبي عبد الله عليه السلام (إذا قال لك الرجل اشتر لي فلا تعطه من عندك ، وإن كان الذي عندك خيرا منه) (1) ، وخبر إسحاق بن عمار عن أبي عبد الله عليه السلام (عن الرجل يبعث إلى الرجل فيقول له : ابتع لي ثوبا فيطلب له في السوق فيكون عنده مثل ما يجد له في السوق فيعطيه من عنده ، قال عليه السلام : لا تقربنّ هذا ، ولا يدنس نفسه ، إن الله عزوجل يقول : ( إِنّٰا عَرَضْنَا الْأَمٰانَةَ عَلَى السَّمٰاوٰاتِ وَالْأَرْضِ ... ) الآية ، وإن كان ما عنده خيرا مما يجد له في السوق فلا يعطيه من عنده) (2) ومثلها غيرها.

وهي محمولة على الكراهة عند أصحاب القول الأول لظهور بعضها في ذلك كقوله عليه السلام (ولا يدنس نفسه) ، وللجمع بينها وبين خبر ميسر (قلت له : يجيئني الرجل فيقول : تشتري لي ويكون ما عندي خيرا من متاع السوق ، قال : إن أمنت أن لا يتهمك فاعطه من عندك ، وإن خفت أن يتهمك فاشتر له من السوق) 3 هذا واعلم أن النزاع هنا ليس من جهة واحدة بل من حيثية الأخبار وانصراف الاذن ومن حيثية التهمة ومن أن المغايرة الاعتبارية بين الأصيل والوكيل تحقق التغاير حتى يجوز للوكيل تولي طرفي العقد.

(1) أي طرفي العقد.

(2) أي دخول الوكيل في إطلاق الاذن وهو دليل الجواز.

(3) دليل المنع.

(4) لو وكله في شراء شي ء.

(5) لنفس الوكيل.

(6) أي عدم الاذن صريحا من الموكل.

(7) أي لغير الوكيل بأن يبيع مال الموكل لشخص آخر ، أو يشتري لشخص مال الموكل ، وكان الغير موكلا له كذلك.

ص: 484


1- (1 و 2 و 3) الوسائل الباب -1. من أبواب التجارة حديث 1 و 2 و 4.

فی ما لو اختلفا

لهما (1) فلا إشكال إلا على القول بمنع كونه موجبا قابلا ، وذلك (2) لا يفرق فيه بين إذن الموكل وعدمه (ولو اختلفا في أصل الوكالة حلف المنكر (3) لأصالة عدمها ، سواء كان منكرها الموكل أم الوكيل.

وتظهر فائدة إنكار الوكيل فيما لو كانت الوكالة مشروطة في عقد لازم لأمر لا يتلافى حين النزاع (4) ، فيدّعي الموكل حصولها ليتم له العقد وينكرها الوكيل ليتزلزل ويتسلط على الفسخ.

(ولو اختلفا في الرد حلف الموكل (5) ، لأصالة عدمه ، سواء كانت الوكالة

______________________________________________________

(1) للبائع والمشتري.

(2) أي على القول بمنع تولي طرفي العقد.

(3) فالقول قول المنكر مع يمينه ، بلا خلاف ولا إشكال ، وهو منكر بحسب ظاهر كلامه ، ولأصالة عدمها ، سواء كان المنكر الموكّل أو الوكيل ، أما إنكار الوكالة من الموكل فواضح إذ هو الغالب ، وأما إنكار الوكالة من الوكيل والموكل يدعيها فيما لو وقع بينهما عقد لازم واشترط فيه إيقاع التوكيل في وقت معين.

فالموكل يدعيها ليخرج عن عهدة الشرط ويبقى العقد لازما ، والوكيل ينكرها ليثبت تخلف الشرط فيتزلزل العقد ويصير له الفسخ بخيار تخلف الشرط.

(4) أي الأمر الذي هو الشرط في العقد اللازم ، وهو الوكالة لا يتلافى حين النزاع ، لأنه مقيّد بوقت خاص ، وإلا لو شرط أصل الوكالة من دون تحديد لها بوقت خاص ، لكان الموكل حين النزاع يوكله ويحقق الشرط.

(5) بأن ادعاه الوكيل وأنكره الموكل ، فإن كانت وكالته بجعل كلّف الوكيل البينة ، لأنه مدع والموكل منكر فالقول قوله مع يمينه لأصالة عدم الرد.

وإن كانت وكالته بغير جعل فقيل يقبل قول الوكيل مع يمينه على المشهور ، لأنه محسن كالودعي ، ولأنه أمين إذ قبض المال بإذن مالكه.

وعن ابن إدريس وعليه مشهور المتأخرين أنه يقبل قول الموكل المالك مع يمينه ، لأصالة عدم الرد ، وكون الوكيل أمينا لا يستلزم القبول ، لأن الأمانة أعم من قبول قوله وعدمه في الرد ، نعم أمانته تفيده في قبول قوله في التلف كما سيأتي ، وأما الإحسان فكذلك لا ينافي عدم قبول قوله.

إن قلت : المحسن لا سبيل عليه مع أن عدم قبول قوله مستلزم لثبوت الحق عليه بيمين الخصم ، ويمين الخصم عليه سبيل.

ص: 485

بجعل أم لا (1).

(وقيل) (2) : يحلف (الوكيل ، إلا أن تكون بجعل) فالموكل. أما الأول (3) فلأنه (4) أمين ، وقد قبض المال لمصلحة المالك فكان محسنا محضا كالودعي ، وأما الثاني (5) فلما مر (6) ، ولأنه (7) قبض لمصلحة نفسه كعامل القراض ، والمستأجر (8).

ويضعّف (9) بأن الأمانة لا تستلزم القبول (10) ، كما لا يستلزمه (11) في الثاني (12) مع اشتراكها (13) في الأمانة ، وكذلك الإحسان (14) ، والسبيل المنفي (15)

______________________________________________________

قلت : نفي السبيل على المحسن عام ، وما من عام إلا وقد خصّ ، وإلا فلو يكن مخصّصا بما ذكر للزم تقديم قول الوكيل في دعوى الرد ، ولا يقبل قوله إلا مع اليمين ، مع أن إثبات اليمين عليه سبيل وهو منفي بالآية ، ولو قدم قوله بدون يمين فهو على خلاف الاتفاق.

(1) وهو قول مشهور المتأخرين.

(2) هو مشهور القدماء.

(3) حلف الوكيل إذا كانت الوكالة بغير جعل.

(4) أي الوكيل.

(5) حلف الموكل إذا كانت الوكالة بجعل.

(6) من أصالة عدم الرد الموافق لقول الموكل.

(7) أي الوكيل.

(8) ولا يقبل قولهما في الرد مع اليمين ، بل يقبل قول خصمهما مع اليمين.

(9) أي تقديم قول الوكيل في الرد فيما إذا كانت الوكالة بغير جعل.

(10) فيما لو كانت الوكالة بغير جعل.

(11) أي الأمانة لا تستلزم القبول.

(12) فيما إذا كانت الوكالة بجعل.

(13) أي اشتراك الصور ، الثانية للأولى في الأمانة ، لأن الوكيل فيهما قد قبض مال المالك بإذنه.

(14) أي أنه أعم من الصورتين ، غايته مع عدم الجعل يكون محسنا محضا.

(15) في قوله تعالى : ( مٰا عَلَى الْمُحْسِنِينَ مِنْ سَبِيلٍ ) (1).

ص: 486


1- 1. سورة النساء الآية 141.

مخصوص (1) ، فإن اليمين (2) سبيل.

(و) لو اختلفا (في التلف) (3) أي تلف المال الذي بيد الوكيل كالعين الموكّل في بيعها وشرائها (4) ، أو الثمن (5) ، أو غيره (حلف الوكيل) لأنه أمين (6) ، وقد يتعذر إقامة البينة على التلف فاقتنع بقوله ، وإن كان مخالفا للأصل ولا فرق ، بين دعواه التلف بأمر ظاهر ، وخفي (7) ، (وكذا) يحلف لو اختلفا (في التفريط) (8). والمراد به ما يشمل التعدي ، لأنه منكر ، (و) كذا يحلف لو اختلفا (في القيمة) (9) على تقدير ثبوت الضمان ، لأصالة عدم الزائد.

______________________________________________________

(1) أي له موارد معينة ، ليس هذا منها لأنه لو قدمنا قوله تمسكا بالآية لقدمناه مع اليمين ، وإثبات اليمين عليه سبيل ، وهو منفي بالآية أيضا كما أن إثبات يمين الخصم عليه سبيل منفي ، فلزم من التمسك بالآية بنفي السبيل عنه تقديم قوله بلا يمين وهو ما لا يمكن الالتزام به ، ومن هنا تعرف عدم صحة التمسك بالآية في هذا المورد.

(2) له أو عليه.

(3) يقدم قول الوكيل مع يمينه بلا خلاف ولا إشكال للإجماع المدعى كما عن المبسوط والسرائر وجامع المقاصد والمسالك.

وتقديم قوله على خلاف الأصل إذ هو مدع للتلف ، لأنه لو لم يقدم قوله لطولب بإقامة البينة ولو تعذرت أو تعسّرت لوجب عليه رد نفس العين ، ولو كان صادقا في دعواه لتعذر الرد وهذا ما يلزم منه التخليد في الحبس وهو عسر وحرج منفيان.

(4) إذا تلفت بعد الشراء.

(5) وهو ما لو تلف بعد البيع فيما لو وكل في البيع ، أو تلف قبله إذا وكّل في الشراء.

(6) لا يصح التعليل بالأمانة إذ هي أعم من قبول قوله وعدمه ، نعم الدليل الإجماع لئلا يلزم تخليده في السجن كما علمت.

(7) وعن الشافعي التفريق ففي الأول يلزم بالبينة وفي الثاني يكتفى منه باليمين.

(8) إذ يدعيه الموكل وينكره الوكيل ، فالقول قول الوكيل مع يمينه ، لأنه منكر بحسب ظاهر قوله وليس المراد من التفريط خصوص الأمر العدمي في قبال التعدي الذي هو الأمر الوجودي ، بل ما يعمهما إذ المراد منه ما هو غير مأذون فيه.

(9) لو ثبت الضمان على الوكيل عند تلف العين إما لاقراره بالتفريط ، وإما لإقامة البينة على ذلك ، فادعى الموكل أن قيمة التالف مائة ، وأنكر الوكيل وقال : خمسون ، قدم قول الوكيل مع يمينه ، لأنه منكر لأصالة عدم ثبوت الزائد في ذمته.

ص: 487

(ولو زوجه امرأة بدعوى الوكالة) منه (فأنكر الزوج) الوكالة (1)

______________________________________________________

(1) بحيث أنكر الموكل الوكالة كان القول قوله مع يمينه ويلزم الوكيل بمهر الزوجة المسمى في العقد كما عن الشيخ في النهاية وابن حمزة في الوسيلة والآبي في كشفه والعلامة في التحرير والإرشاد والقواعد وجماعة ، أما تقديم قول الموكل مع يمينه لأنه منكر لأصالة عدم وقوع الوكالة بلا خلاف في ذلك ، وأما إلزام الوكيل بتمام المهر لخبر محمد بن مسلم عن أبي جعفر عليه السلام (عن رجل زوّجته أمه وهو غائب ، قال : النكاح جائز إن شاء المتزوج قبل وإن شاء ترك ، فإن ترك المتزوج تزويجه فالمهر لازم لأمه) (1) بناء على تنزيله على دعوى الوكالة ، ولأن المهر يجب بالعقد وقد حصل فلا بد أن يثبت تمامه ، وتنصيفه بالطلاق قبل الدخول غير جار هنا إذ لا طلاق بحسب الفرض. وعن المشهور أن الوكيل يلزم بنصف المهر لخبر عمر بن حنظلة عن أبي عبد الله عليه السلام (في رجل قال لآخر : اخطب لي فلانة فما فعلت من شي ء مما قاولت من صداق أو ضمنت من شي ء أو شرطت فذلك لي رضا وهو لازم لي ، ولم يشهد على ذلك.

فذهب وخطب له وبذل عنه الصداق وغير ذلك مما طلبوه وسألوه ، فلما رجع إليه أنكر ذلك كله ، قال عليه السلام : يغرم لها نصف الصداق عنه ، وذلك أنه هو الذي ضيّع حقها ، فلما لم يشهد عليه بذلك الذي قال له حلّ لها أن تتزوج ولا يحلّ للأول فيما بينه وبين الله عزوجل إلا أن يطلقها ، لأن الله تعالى يقول : ( فَإِمْسٰاكٌ بِمَعْرُوفٍ أَوْ تَسْرِيحٌ بِإِحْسٰانٍ ) ، فإن لم يفعل فإنه مأثوم فيما بينه وبين الله عزوجل ، وكان الحكم الظاهر حكم الإسلام ، وقد أباح الله عزوجل لها أن تتزوج) (2) ، وصحيح أبي عبيدة الحذاء عن أبي عبد الله عليه السلام في حديث : (فقال بعض من حضر : فإن أمره أن يزوجه امرأة ولم يسمّ أرضا ولا قبيلة ثم جحد الآمر أن يكون أمره بذلك بعد ما زوّجه ، فقال عليه السلام : إن كان للمأمور بيّنة أنه كان أمره أن يزوّجه كان الصداق على الآمر ، وإن لم يكن له بينة كان الصداق على المأمور لأهل المرأة ، ولا ميراث بينهما ولا عدة عليها ، ولها نصف الصداق إن فرض لها صداقا ، وإن لم يكن سمّى لها فلا شي ء لها) (3) بناء على أن المراد من الصداق أولا هو نصف الصداق بدليل ما ورد فيما بعد.

وعن المحقق في الشرائع ومال إليه جماعة منهم العلامة وولده والشارح والمحقق الثاني أنه يحكم ببطلان العقد ظاهرا لعدم ثبوت الوكالة بعد حلف الموكل على عدمها ، ولا يغرم

ص: 488


1- 1. الوسائل الباب - 7 - من أبواب عقد النكاح وأولياء العقد حديث 3.
2- 2. الوسائل الباب - 4 - من أبواب الوكالة حديث 1.
3- 3. الوسائل الباب - 26 - من أبواب عقد النكاح وأولياء العقد حديث 1.

(حلف) (1) ، لأصالة عدمها (2) (وعلى الوكيل نصف المهر (3) لرواية عمر بن حنظلة عن الصادق عليه السلام ، ولأنه (4) فسخ قبل الدخول فيجب معه نصف المهر كالطلاق ، (ولها التزويج) بغيره لبطلان نكاحه بإنكاره الوكالة (ويجب على الزوج) فيما بينه ، وبين الله تعالى (الطلاق إن كان وكّل) في التزويج ، لأنها حينئذ زوجته فإنكارها (5) وتعريضها (6) للتزويج بغيره محرّم ، (ويسوق نصف المهر إلى الوكيل (7) ، للزومه له (8) بالطلاق ، وغرم الوكيل له بسببه (9).

(وقيل : يبطل) العقد (ظاهرا ، ولا غرم على الوكيل (10) ، لعدم ثبوت عقد حتى

______________________________________________________

الوكيل ولا الموكل لعدم ثبوت العقد والمهر من لوازم العقد ، نعم يجب على الموكل أن يطلقها فيما بينه وبين الله عزوجل إن كان الوكيل صادقا وهو عالم بذلك ، وأن يسوق إليها نصف المهر إن لم يكن دفعه الوكيل بحسب الواقع ، وإلا فقد عرفت أنه ظاهرا لا يثبت شي ء من المهر لا على الموكل ولا على الوكيل ، وإلا فيدفعه للوكيل لأنه غرّم بسببه.

وأما المرأة فلا إشكال ولا خلاف في أن لها التزويج وإن لم يطلق الموكل ، إذا لم تكن عالمة بالوكالة ، لأنها خلية في ظاهر الشرع كما هو صريح خبر عمر بن حنظلة ، وأما لو كانت عالمة بالوكالة فلا يجوز لها التزويج قبل حصول الطلاق ، لأنها معترفة بزوجيتها للموكل ، فإن وقع الطلاق من الموكل فهو ، وإن امتنع فهل يجبر على الطلاق دفعا للضرر أو لا يجبر لانتفاء النكاح ظاهرا.

وعلى الثاني من عدم إجباره على الطلاق فهل تتسلّط على الفسخ دفعا للضرر أو يتسلط الحاكم لأن له ولاية على الممتنع أو تبقى العلقة الوصفية حتى يطلق أو يموت أوجه ثلاثة ، ولكن مقتضى الأخبار جواز التزويج مطلقا.

(1) أي الزوج.

(2) عدم الوكالة.

(3) قول المشهور وهو القول الثاني المتقدم في الشرح.

(4) أي إنكار الزوج.

(5) أي إنكار الوكالة ، أو إنكار زوجيته منها.

(6) أي تعريض الزوجة.

(7) سرا إن أبى عن الجهار كما في الرياض.

(8) أي لزوم نصف المهر للزوج بسبب الطلاق.

(9) أي تغريم الوكيل للنصف بسبب الزوج لأنه أنكر.

(10) لا تمام المهر ولا نصفه ، وهو قول المحقق ومن تبعه ، وهو القول الثالث المتقدم في الشرح.

ص: 489

يحكم بالمهر ، أو نصفه ، ولأنه (1) على تقدير ثبوته إنما يلزم الزوج ، لأنه (2) عوض البضع. والوكيل ليس بزوج ، والحديث (3) ضعيف السند ، وإلا لما كان عنه عدول مع عمل الأكثر بمضمونه (4) ، والتعليل بالفسخ فاسد (5) فالقول الأخير (6) أقوى.

نعم لو ضمن الوكيل (7) المهر كله ، أو نصفه لزمه حسب ما ضمن ، وإنما يجوز للمرأة التزويج إذا لم تصدّق الوكيل عليها (8) ، وإلا لم يجز لها التزويج قبل الطلاق ، لأنها (9) يزعمها زوجة ، بخلاف ما إذا لم تكن عالمة بالحال ، ولو امتنع من الطلاق ، حينئذ (10) لم يجبر عليه (11) ، لانتفاء النكاح ظاهرا ، وحينئذ (12) ففي تسلطها على الفسخ دفعا للضرر ، أو تسلط الحاكم عليه (13) أو على الطلاق ، أو بقاؤها كذلك (14) حتى يطلق أو يموت (15) ، أوجه ، ولو أوقع الطلاق معلقا على

______________________________________________________

(1) أي المهر.

(2) أي المهر.

(3) أي خبر عمر بن حنظلة ، وضعفه لاشتمال سنده على داود بن الحصين وهو واقفي ، وعلى دينار بن الحكم وهو مجهول.

(4) وفيه : إن عمل الأصحاب جابر لوهن السند فلا يصح رده من حيثية ضعف سنده حينئذ ، فضلا عن وجود صحيح أبي عبيدة المتقدم.

(5) من أثبت المهر أو نصفه على الوكيل قد علّله بأن العقد قد انفسخ بحلف الزوج على نفي الوكالة ، والتعليل عليل لأن مثل هذا ليس بفسخ حقيقي وإلا لو كان كذلك لما وجب على الزوج واقعا أن يطلق على تقدير وكالته.

(6) من عدم المهر ولا نصفه لا على الوكيل ولا على الموكل كما هو قول المحقق ومن تبعه.

(7) للزوجة تمام المهر أو نصفه عن الزوج فيجب على الوكيل حينئذ للضمان لا للخبر المتقدم الذي قد عرفت ضعف سنده.

(8) على الوكالة.

(9) أي المرأة.

(10) أي حين تصديقها للوكيل بالوكالة.

(11) لم يجبر الزوج على الطلاق.

(12) أي حين عدم إجباره على الطلاق.

(13) على الفسخ.

(14) أي زوجة.

(15) وفي نسخة (أو تموت) ، وهو ليس بصحيح لأن فسخ الزوجية عنها إنما يحصل بطلاقها أو بموت زوجها ، أما مع موتها فلا معنى للحكم سواء كانت زوجة أم لا.

ص: 490

الشرط (1) كإن كانت زوجتي فهي طالق صح ، ولم يكن إقرارا ، ولا تعليقا مانعا ، لأنه (2) أمر يعلم حاله ، وكذا في نظائره كقول من يعلم أن اليوم الجمعة : إن كان اليوم الجمعة فقد بعتك كذا ، أو غير من العقود.

(ولو اختلفا في تصرف الوكيل (3) بأن قال : بعت ، أو قبضت ، أو اشتريت (حلف) الوكيل ، لأنه أمين وقادر على الإنشاء (4) ، والتصرف إليه ومرجع الاختلاف إلى فعله وهو أعلم به.

______________________________________________________

(1) أي شرط زوجيتها ، والألف واللام عهدية ، صح الطلاق ، لأن هذا ليس تعليقا على شرط متوقع أو صفة مترقبة ، وإنما الشرط دائر مدار علمه ، فإن كان قد صدر منه التوكيل فهي زوجة ويصح جعل الزوجية حينئذ شرطا ، بل هو جعل لشي ء حاصل فلا تعليق واقعا ، لأن التعليق هو جعل لشي ء سيحصل أو يتوقع حصوله.

(2) أي الشرط المذكور.

(3) بحيث ادعى الوكيل وقوع التصرف الموكّل به وأنكره الموكل ، كأن يدعي الوكيل بيع المتاع الذي وكّل ببيعه وقد تلف الثمن ، فأنكر الموكل البيع ، أو ادعى الوكيل شراء المتاع الذي وكّل بشرائه وأنه سرق فأنكر الموكل الشراء. قيل : يقدم قول الوكيل ، لأنه أمين ، ولأنه أقرّ بما له أن يفعله فيندرج تحت القاعدة (من ملك شيئا ملك الإقرار به) ، وهو مالك للتصرف فيملك الإقرار به ، ولأن الاختلاف راجع إلى فعله وهو أعلم به ، وإلى هذا القول ذهب غير واحد.

وقيل : يقدم قول الموكل ، لأصالة عدم الفعل ، وإليه ذهب المحقق الثاني ، واختلف كلام العلامة هنا ففي القواعد جزم بتقديم قول الوكيل من غير نقل خلاف ، وفي التذكرة جزم بتقديم قول الموكل إن كان النزاع بعد عزل الوكيل ، واستقرب كون الحكم كذلك قبل العزل ، وتوقف في التحرير.

هذا وقال الشارح في المسالك : (واعلم أنه لا يحتاج إلى تقييد التصرف في فرض المسألة ، بكون الثمن قد تلف في يد الوكيل ، بأن يقول : بعت وقبضت الثمن وتلف في يدي ، كما ذكره بعضهم تبعا لتقييده بذلك في التحرير ، لأن الكلام في دعوى الوكيل التلف قد ذكر سابقا مطلقا ، وهو أمر خارج عن هذه المسألة ، وإنما حاصل هذه دعوى الموكل عدم التصرف بالبيع ونحوه ليرتجع العين ، والوكيل يدعي الفعل سواء ترتب عليه مع ذلك دعوى التلف أم لا) انتهى.

(4) أي الإقرار به ، لأنه مالك للتصرف فيملك الإقرار به.

ص: 491

(وقيل) : يحلف (الموكل) ، لأصالة عدم التصرف ، وبقاء الملك على مالكه والأقوى الأول.

ولا فرق بين قوله في دعوى التصرف : بعت وقبضت الثمن وتلف في يدي ، وغيره (1) ، لاشتراك الجميع في المعنى ودعوى التلف أمر آخر ، (وكذا الخلاف لو تنازعا في قدر الثمن الذي اشتريت به السلعة) كأن قال الوكيل : اشتريته بمائة والحال أنه يساوي مائة (2) ، ليمكن صحة البيع فقال الموكل : بل بثمانين ، يقدّم قول الوكيل (3) ، لأنه أمين ، والاختلاف في فعله ودلالة الظاهر على كون الشي ء إنما يباع بقيمته وهو الأقوى.

وقيل : قول الموكل ، لأصالة براءته (4) من الزائد ، ولأن في ذلك (5) إثبات حق للبائع عليه (6) فلا يسمع.

______________________________________________________

(1) من دون دعوى التلف.

(2) كما ذكره العلامة في التحرير ، وإلا لم يكن الشراء صحيحا لما تقدم من حمل الإطلاق في الاذن على ثمن المثل ، إذا تعلق الغرض به فلا يجوز بالأدنى كما لا يجوز بالأعلى.

(3) كما عن الشيخ في المبسوط وجماعة ، لأنه أمين والفعل فعله وهو أعلم به ، ولأن الظاهر أن الشي ء يشترى بثمن مثله ، وهو يدعي ذلك فيكون قوله موافقا لهذا الظاهر.

وعن العلامة في الإرشاد وجماعة تقديم قول الموكل ، لأصالة براءة الموكل من الزائد ، لأنه غارم ، ولأن تقديم قول الوكيل تقديما لحق البائع على الموكل مع إنكاره فلا يسمع ، لأن إقرار الغير نافذ في حقه لا في حق غيره.

وردّ بأن قول الوكيل نافذ في حقه بعد ما كان أمينا ، وعليه لا معنى لجريان أصل البراءة مع أمانة الوكيل.

(4) أي براءة الموكل.

(5) أي تقديم قول الوكيل.

(6) على الموكل.

ص: 492

کتاب الشفعة

اشارة

كتاب الشفعة

ص: 493

ص: 494

فی تعریف الشفعة

(كتاب الشفعة (1)

(وهي) فعلة من قولك : شفعت كذا بكذا إذا جعلته شفعا به أي زوجا كأنّ

______________________________________________________

(1) لا خلاف ولا إشكال في مشروعيتها للأخبار الكثيرة.

منها : خبر عبد الله بن سنان عن أبي عبد الله عليه السلام (لا تكون الشفعة إلا لشريكين ما لم يتقاسما) (1)، والمرسل عن أحدهما عليه السلام (الشفعة لكل شريك لم يقاسم) (2)

وخالف جابر بن زيد والاصم فأنكرا الشفعة ، وهما محجوجان بهذه النصوص. هذا والشفعة وزان غرفة ، قال الشارح في المسالك : (مأخوذة من قولك : شفعت كذا بكذا ، إذا جعلته شفعا به ، كأن الشفيع يجعل نصيبه شفعا بنصيب صاحبه ، ويقال : أصل الكلمة التقوية والإعانة ، ومنه الشفاعة والشفيع ، لأن كل واحد من الوترين يتقوى بالآخر ، ومنه شاة شافع للتي معها ولدها لتقويها به) انتهى.

هذا واختلف في أنها مأخوذة من الشفع بمعنى الضم ، أو من الشفع بمعنى الزيادة ، أو من الشفع بمعنى التقوية ، أو من الشفاعة أقوال أربعة ، وعن أكثر من واحد من أصحابنا أنها مأخوذة من الزيادة ، لأن سهم الشريك يزيد مما يضم إليه ، ولذا قال في مجمع البحرين : (الشفعة كغرفة قد تكرر ذكرها في الحديث ، وهي في الأصل التقوية والإعانة ، وفي الشرع استحقاق الشريك الحصة المبيعة في شركة ، واشتقاقها على ما قيل من الزيادة ، لأن الشفيع يضم المبيع إلى ملكه فيشفعه به ، كأن كان واحدا وترا فصار زوجا شفعا ، والشافع : الجاعل الوتر شفعا ، ويقال : الشفعة اسم للملك المشفوع مثل اللقمة ، اسم للشي ء الملقوم ، وتستعمل بمعنى التملك لذلك الملك) انتهى.

ص: 495


1- (1 و 2) الوسائل الباب -1. من كتاب الشفعة حديث 1 و 3.

الشفيع يجعل نصيبه شفعا بنصيب شريكه ، وأصلها التقوية والإعانة ، ومنه (1) الشفاعة والشفع. وشرعا (2) (استحقاق الشريك الحصة المبيعة في شركته) ، ولا يحتاج إلى قيد الاتحاد (3) ، وغيره (4) مما يعتبر في الاستحقاق (5) ، لاستلزام الاستحقاق (6) له (7).

______________________________________________________

(1) أي ومن هذا المعنى وهو التقوية الإعانة ، حيث إن في الشفاعة تقوية وإعانة للمشفوع له على ذنبه ، ومن هذا المعنى الشفع بمعنى الزوج ، لأنه يتقوى بالآخر.

(2) فعن أبي الصلاح وابني زهرة وإدريس أنها (استحقاق الشريك المخصوص على المشتري تسليم المبيع بمثل ما بذل فيه أو قيمته) ، وعن القواعد للعلامة هي (استحقاق الشريك انتزاع حصة شريكه المنتقلة عنه بالبيع) ، وفي الشرائع (استحقاق أحد الشريكين حصة شريكه بسبب انتقالها بالبيع) ، وفي النافع (استحقاق حصة الشريك لانتقالها بالبيع) إلى غير ذلك من التعريفات التي يقصد منها التمييز في الجملة ، فلا يضرها عدم مساواتها للمعرّف ، قال في الجواهر : (ضرورة معلومية كون المراد منها التمييز في الجملة ، لترتب الأحكام عليها ، وإلا فتمامه - أي تمام المعنى - يعلم بالإحاطة التامة بالأدلة التي ستعرفها إن شاء الله ، وليس المراد منها التحديد الحقيقي) ، وقال في الرياض (والتحقيق أن هذه التعريفات اللفظية لا يقدح فيها ما يورد ، أو يرد عليها من النقض والمناقشة ، فإنما المقصود منها التمييز في الجملة) انتهى.

(3) أي لا يحتاج التعريف المذكور إلى قيد اتحاد الشريك الذي يثبت له حق الشفعة ، والمعنى أن التعريف لا يحتاج إلى تقييد الشريك بالواحد ولا يحتاج إلى تقييد استحقاق الشريك الحصة من شريكه بسبب بيعها على ثالث ، ولا يحتاج إلى تقييد الحصة المبيعة من غير المنقول ، وبكون الشركة قابلة للقسمة ، لأن هذه الأمور الأربعة تذكر في الأحكام لا في تعريف الشفعة.

(4) أي غير الاتحاد من بقية القيود.

(5) الاستحقاق جنس أو بمنزلة الجنس يدخل فيه استحقاق مال بالإرث والحيازة والأحياء وغيرها ، وحتى يتخصص الاستحقاق بالشفعة لا بدّ من القيود التي ذكرها الماتن ولا بدّ من ذكر القيود الأربعة المتقدمة ، ولكن ذكر الأمور المتقدمة لا تدخل في التعريف لأنها تذكر في الأحكام.

(6) أي الاستحقاق المذكور في التعريف.

(7) لقيد الاتحاد ولغيره من بقية القيود الأربعة.

ص: 496

وإنما يفتقر إلى ذكرها (1) في الأحكام ، ولا يرد النقض في طرده (2) بشراء (3) الشريك حصة شريكه ، فإنه (4) بعد البيع يصدق (5) استحقاق الشريك الحصة المبيعة في شركته ، إذ ليس في التعريف أنها (6) مبيعة لغيره أو له (7) ، وكما يصدق الاستحقاق بالأخذ (8) يصدق بنفس الملك.

ووجه دفعه (9) : أن الاستحقاق المذكور هنا (10) للشريك المقتضي لكونه شريكا (11) حال شركته ، والأمر في البيع ليس كذلك (12) ، لأنه حال الشركة غير مستحق (13) ، وبعد الاستحقاق (14) ليس بشريك ، إذ المراد بالشريك هنا الشريك بالفعل ، لأنه (15) المعتبر شرعا (16) ، لا ما كان فيه شريكا مع ارتفاع الشركة (17) ،

______________________________________________________

(1) أي ذكر القيود الأربعة المتقدمة.

(2) أي أنه غير مانع.

(3) وحاصل الإشكال أنه لو باع أحد الشريكين حصته للآخر فإنه يصدق عليه التعريف المذكور ، لأن المشتري قد استحق حصة شريكه الآخر بسبب انتقالها بالبيع ، فالشريك كما يستحق الحصة المبيعة لغيره ، كذلك يستحق الحصة المبيعة لنفسه مع أن الثاني ليس بشفعة وهو مما يصدق عليه التعريف ، فلا يكون مانعا للأغيار.

(4) أي الشأن والواقع.

(5) أي يصدق التعريف على ما لو اشترى الشريك حصة شريكه مع أنه ليس بشفعة واقعا.

(6) أي الحصة.

(7) أي لغير الشريك أو له.

(8) أي تعريف الشفعة بالاستحقاق كما يصدق على الأخذ بالشفعة يصدق على هذا البيع.

(9) أي دفع الإشكال أن الشريك بعد بيع الحصة ليس بشريك بسبب زوال تلبس مبدأ الاشتراك عنه بعد البيع ، فهو بعد البيع ليس بشريك ، نعم قد كان شريكا.

(10) في تعريف الشفعة.

(11) أي فعلا ولذا قال : حال شركته.

(12) ففي البيع لم يستحق الشريك حال شركته.

(13) لأنه لم يتحقق البيع

(14) وبعد البيع.

(15) أي الشريك الفعلي.

(16) ولذا يجب حمل الألفاظ الواردة في الكتاب والسنة على الفعلية.

(17) فمع الارتفاع لا يكون شريكا إلا على القول بكون المشتق موضوعا للأعم.

ص: 497

فی من تثبت له الشفعة

نظرا (1) إلى عدم اشتراط بقاء المعنى المشتق منه (2) في المشتق.

نعم يمكن ورود ذلك (3) مع تعدد الشركاء إذا اشترى أحدهم نصيب بعضهم مع بقاء الشركة في غير الحصة المبيعة ، ولو قيد (4) المبيع بكونه لغير المستحق ، أو علّق الاستحقاق بتملك الحصة فقال : استحقاق الشريك تملك الحصة المبيعة إلى آخره (5) سلم من ذلك (6) ، لأن استحقاق التملك (7) غير استحقاق الملك.

(ولا تثبت لغير) الشريك (الواحد) (8) على أشهر القولين. وصحيح الأخبار

______________________________________________________

(1) تعليل للمنفي.

(2) أي المبدأ.

(3) أي النقض على التعريف بكونه غير مانع ، وهو الإشكال الثاني وحاصله ما لو تعدد الشركاء فإذا كانوا ثلاثة وباع أحدهم أحد الشريكين الباقيين فقد انتقلت حصة أحد الشريكين للآخر بسبب البيع ، مع أن هذا البيع ليس بشفعة ، والتعريف صادق عليه فلا يكون مانعا.

(4) أي المصنف لو قال في تعريف الشفعة : استحقاق الشريك الحصة المبيعة لغيره في شركته لارتفع الإشكالان المتقدمان.

(5) أي آخر ما ذكر في التعريف.

(6) من الإشكالين السابقين.

(7) بالشفعة غير استحقاق ملك الحصة بالبيع.

(8) ذهب المشهور إلى عدم ثبوت الشفعة مع الزيادة على الشريكين ، للأخبار.

منها : صحيح ابن سنان عن أبي عبد الله عليه السلام (لا تكون الشفعة إلا لشريكين ما لم يتقاسما فإذا صاروا ثلاثة فليس لواحد منهم شفعة) (1) ومرسل يونس عن أبي عبد الله عليه السلام (إذا كان الشي ء بين شريكين لا غيرهما فباع أحدهما نصيبه ، فشريكه أحق به من غيره ، فإن زاد على اثنين فلا شفعة لأحد منهم) (2) ، وذهب ابن الجنيد إلى ثبوت الشفعة مطلقا ، وإن زاد الشركاء على اثنين ، لصحيح منصور بن حازم عن أبي عبد الله عليه السلام (في الدار بين قوم اقتسموها ، وأخذ كل واحد منها قطعة فبناها ، وتركوا بينهم ساحة ، فيها ممرهم ، فجاء رجل فاشترى نصيب بعضهم ، أله ذلك؟ قال عليه السلام : نعم ، ولكن يسدّ بابه ، ويفتح بابا إلى الطريق أو ينزل من فوق السطح ، فإن أراد

ص: 498


1- (1 و 2) الوسائل الباب -1. من كتاب الشفعة حديث 1 و 2.

فی موضوعها

يدل عليه. وذهب بعض الأصحاب (1) إلى ثبوتها مع الكثرة ، استنادا إلى روايات (2) معارضة بأقوى منها (وموضوعها) (3) وهو المال الذي تثبت فيه على تقدير بيعه :

______________________________________________________

صاحب الطريق بيعه فإنهم أحق به وإلا فهو طريقه حتى يجلس على ذلك الباب) (1) ، وحسنة منصور بن حازم (سألت أبا عبد الله عليه السلام عن دار فيها دور ، وطريقهم واحد في عرصة ، فباع بعضهم منزله من رجل ، هل لشركائه في الطريق أن يأخذوا في الشفعة؟ فقال عليه السلام : إن باع الدار وحوّل بابها إلى طريق غير ذلك فلا شفعة لهم ، وإن باع الطريق مع الدار فلهم الشفعة) (2) ، وخبر السكوني عن جعفر بن محمد عليه السلام (الشفعة على عدد الرجال) (3) وخبر طلحة بن زيد عن أبي عبد الله عليه السلام (الشفعة على الرجال) (4) وخبر عقبة بن خالد عن أبي عبد الله عليه السلام : (قضى رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم بالشفعة بين الشركاء) (5) وهو جمع وأقله ثلاثة.

وذهب الصدوق إلى أن الشفعة تثبت للكثرة في الأرض ، ولا تثبت لغير الواحد من الشركاء في الحيوان ، لخبر عبد الله بن سنان (سألته عن مملوك بين شركاء ، وأراد أحدهم بيع نصيبه؟ قال : يبيعه ، قلت : فإنهما كانا اثنين فأراد أحدهما بيع نصيبه فلما أقدم إلى البيع قال لشريكه : أعطني ، قال : أحق به ثم قال : لا شفعة في حيوان إلا أن يكون الشريك فيه واحد) (6) ، فهو مخصص بالعبد والحيوان ، وأما الأخبار المتقدمة الدالة على ثبوت الشفعة للأكثر من شريكين فهي واردة في الأراضي بعد حمل مطلقها على مقيدها.

هذا والأخبار المعارضة لقول المشهور محمولة على التقية لموافقتها العامة.

(1) وهو ابن الجنيد والصدوق ، ويكون إشارة إلى القولين الأخيرين.

(2) بعضها صحيح.

(3) أي موضوع الشفعة ، هذا واختلف الأصحاب في محل الشفعة من الأموال المنقولة بعد اتفاقهم على ثبوتها في العقار القابل للقسمة كالأرض والبساتين.

فأكثر المتقدمين وجماعة من المتأخرين على ثبوتها في كل منقول ، لمرسل يونس عن أبي عبد الله عليه السلام (عن الشفعة لمن هي؟ وفي أي شي ء هي؟ ولمن تصلح؟ وهل يكون في الحيوان شفعة؟ وكيف هي؟.

ص: 499


1- (1 و 2) الوسائل الباب -1. من كتاب الشفعة حديث 1 و 2.
2- (3 و 4) الوسائل الباب -2. من كتاب الشفعة حديث 5 وذيله.
3- 3. الوسائل الباب - 5 - من كتاب الشفعة حديث 1.
4- 4. الوسائل الباب - 7 - من كتاب الشفعة حديث 7.

(ما لا ينقل كالأرض والشجر) (1) إذا بيع منضما إلى مغرسه (2) ، لا منفردا. ومثله

______________________________________________________

فقال عليه السلام : الشفعة جائزة في كل شي ء من حيوان أو أرض أو متاع ، إذا كان الشي ء بين شريكين لا غيرهما ، فباع أحدهما نصيبه فشريكه أحق به من غيره ، وإن زاد على اثنين فلا شفعة لأحد منهم) (1) ، ويعضده ما في خبر ابن سنان المتقدم عن أبي عبد الله عليه السلام (لا شفعة في الحيوان إلا أن يكون الشريك فيه واحدا) (2) ، وحسنة الغنوي عن أبي عبد الله عليه السلام (سألته عن الشفعة في الدور أشي ء واجب للشريك؟ ويعرض على الجار وهو أحق بها من غيره؟ فقال عليه السلام : الشفعة في البيوع إذا كان شريكا فهو أحق بها من غيره بالثمن) (3) ، والأخير مطلق يشمل بيع المنقول وغيره.

وذهب مشهور المتأخرين إلى عدم ثبوت الشفعة إلا في غير المنقول مما يقبل القسمة عادة ، بل في التذكرة أنه المشهور استضعافا لمرسل يونس ، ولخبر جابر عن النبي صلى الله عليه وآله وسلم (الشفعة في كل مشترك في أرض أو ربع أو حائط لا يصلح له أن يبيع حتى يؤذن شريكه فيأخذ أو يدع) (4) ، وخبر السكوني عن أبي عبد الله عليه السلام (قال رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم : لا شفعة في سفينة ولا في نهر ولا في طريق ولا في رحى ولا في حمام) (5) ، وخبر سليمان بن خالد عن أبي عبد الله عليه السلام (ليس في الحيوان شفعة) (6) ، ومرسل الكافي (إن الشفعة لا تكون إلا في الأرضين والدور فقط) (7) ومثلها غيرها.

(1) الشجر والأبنية إن بيعت مع الأرض التي هي فيها فلا إشكال في ثبوت الشفعة فيها تبعا للأرض لدخولها في عموم النص المتقدم الوارد بثبوت الشفعة في الربع والأرض ، وإن بيعت منفردة أو منضمة إلى أرض أخرى غير ما هي فيها فيبنى ثبوت الشفعة فيها وعدمه على القولين السابقين ، فمن عمّم أثبتها فيها ، ومن خصص موردها بالعقار لم يوجبها هنا ، لأنها لا تدخل منفردة ، وضم الشجر والبناء إلى غير أرضها لا ينفع لعدم التبعية للأرض المباعة.

(2) اي الارض التي غرس فيها.

ص: 500


1- 1. الوسائل الباب - 7 - من كتاب الشفعة حديث 2.
2- 2. الوسائل الباب - 7 - من كتاب الشفعة حديث 7.
3- 3. الوسائل الباب - 2 - من كتاب الشفعة حديث 1.
4- 4. كنز العمال ج 4 ص 2 رقم الحديث 1.
5- 5. الوسائل الباب - 8 - من كتاب الشفعة حديث 1.
6- 6. الوسائل الباب - 7 - من كتاب الشفعة حديث 6.
7- 7. الوسائل الباب - 8 - من كتاب الشفعة حديث 3.

البناء (1) ، فلو اشتركت غرفة بين اثنين دون قرارها (2) فلا شفعة فيها ، وإن انضمت (3) إلى أرض غيره كالشجر إذا انضم إلى غير مغرسه.

(وفي اشتراط إمكان قسمته قولان) (4) أجودهما اشتراطه (5) ، لأصالة عدم ثبوتها (6) في محل النزاع (7) ، وعليه (8) شواهد من الأخبار ، لكن في طريقها ضعف. ومن لم يشترط نظر إلى عموم. أدلة ثبوتها ، مع ضعف المخصص ، وعلى

______________________________________________________

(1) إذا بيع منضما إلى أرضه.

(2) كالغرفة العليا بحيث يكون أرضها سقفا لغرفة أحدهما ، فيأتي فيها الخلاف المتقدم ، فمن عمّم يثبت الشفعة فيها ، ومن خصص بالعقار لم يوجبها هنا.

(3) أي الغرفة.

(4) هل يشترط في محل ثبوت القسمة إمكان قسمته أو لا؟ ذهب المشهور خصوصا بين المتأخرين إلى اشتراط كون المحل قابلا للقسمة الإجبارية ، أي التنصيف ، واحتجوا عليه برواية طلحة بن زيد عن أبي عبد الله عليه السلام (أن عليا عليه السلام قال : لا شفعة إلا لشريك غير مقاسم) (1) ، ولازمه قبول الشركة للقسمة عند إرادة الشريك ، وخبر السكوني عن أبي عبد الله عليه السلام (قال رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم : لا شفعة في سفينة ولا في نهر ولا في طريق ولا في رحى ، ولا في حمام) (2). وعدم ثبوت الشفعة لعدم إمكان قسمتها.

وذهب المفيد والمرتضى وابنا زهرة وإدريس والطبرسي وابن البراج إلى عدم اشتراط القسمة ، لعموم الأدلة الدالة على ثبوت الشفعة من غير تخصيص لاستضعاف الروايتين السابقتين ، إذ السكوني عامي ومثله طلحة بن زيد ، ولأن المقتضي لثبوت الشفعة هو إزالة الضرر عن الشريك ، وهو قائم في غير القابل للقسمة ، بل هو أقوى من القابل لها ، لأن القابل لها يمكنه التخلص من ضرر الشريك بالقسمة بخلاف غيره فيكون ثبوت الشفعة في غير القابل بطريق أولى.

(5) أي اشتراط إمكان قسمته.

(6) أي عدم ثبوت الشفعة.

(7) ومحل النزاع هنا ما لا يمكن قسمته ، فإذا شككنا في ثبوت الشفعة فيه فالأصل العدم.

(8) على الاشتراط.

ص: 501


1- 1. الوسائل الباب - 3 - من كتاب الشفعة حديث 7.
2- 2. الوسائل الباب - 8 - من كتاب الشفعة حديث 1.

الأول (1) فلا شفعة في الحمّام الصغير ، والعضائد الضيقة (2) ، والنهر ، والطريق الضيقين ، والرحى حيث لا يمكن قسمة أحجارها ، وبيتها (3).

وفي حكم الضيق قلة النصيب (4) بحيث يتضرر صاحب القليل بالقسمة (ولا تثبت) الشفعة (في المقسوم) (5) بل غير المشترك مطلقا (6) ، (إلا مع الشركة (7)

______________________________________________________

(1) من اشتراط إمكان القسمة.

(2) عضد الشي ء ما يشاد أو يبنى حوله ليشتد به ، والمراد به هنا عضائد الباب من الخشب على يمين الداخل ويساره.

(3) أي بيت الرحى.

(4) على القول باشتراط إمكان القسمة في محل ثبوت الشفعة فيشترط أن يكون المحل قابلا للقسمة بدون ضرر على الشريك ، وأما إذا استلزم الضرر فلا يكون المحل قابلا للقسمة ، والمراد بالضرر هو المبطل لمنفعة المال أصلا على تقدير القسمة ، بأن يخرج عن حد الانتفاع لضيقه أو لقلة النصيب ، أو لأن أجزاءه بعد القسمة لا ينتفع بها وإلا فلو بقي للسهم بعد القسمة نفع ما تثبت الشفعة.

وفسر الضرر بأن تنقص قيمة المقسوم نقصانا فاحشا بالقسمة عما قبلها ، وفسره ثالث أن تبطل المنفعة المقصودة قبل القسمة ، وإن بقيت فيه منافع غيرها بعد القسمة ، كالحمام والرحى فإنهما يخرجان بالقسمة عن الانتفاع بهما في الغسل والطحن ، وكلام الشارح هنا ناظر إلى الأول.

(5) ذهب الأصحاب إلا العماني ابن أبي عقيل إلى اشتراط الشفعة في الشركة بالفعل ، فلا تثبت بالجوار ولا فيما قسم ، لما تقدم من الأخبار كالمرسل عن أحدهما عليهما السلام (الشفعة لكل شريك لم يقاسم) (1) ، وخبر طلحة بن زيد عن أبي عبد الله عليه السلام (أن عليا عليه السلام قال : لا شفعة إلا لشريك غير مقاسم) (2) ، وجوّز ابن عقيل الشفعة في المقسوم ولم يذكر له دليل ، والنصوص المستفيضة المروية من طريقي الخاصة والعامة الظاهرة في غير المقسوم حجة عليه.

(6) سواء لم يشترك فيه أصلا ، أو كان وقد قسّم حيث إنه بعد القسمة هو غير مشترك.

(7) استثنى المشهور من حكمهم صورة واحدة وهي : ما إذا اشترك في الطريق أو الشرب ، وكل واحد من الشريكين له حصة من الأرض أو البستان على ذلك الطريق ، وهما غير

ص: 502


1- (1 و 2) الوسائل الباب -1. من أبواب الشفعة حديث 3 و 7.

(في المجاز) (1) وهو الطريق ، (والشرب (2) إذا ضمهما في البيع إلى المقسوم.

وهل يشترط قبولهما القسمة كالأصل (3)؟ إطلاق العبارة (4) يقتضي عدمه (5) ، وفي الدروس اشترطه (6) ، والأقوى الاكتفاء بقبول المقسوم القسمة (7) نعم لو بيعا منفردين اعتبر قبولهما كالأصل.

______________________________________________________

مشتركين في الأرض والبستان ، فلو باع أحدهما نصيبه من الأرض ونحوها مع ماله من الحصة في الطريق أو الشرب ، فالشفعة تثبت في مجموع المبيع وإن كان بعضه غير مشترك ، فلو أفرد الأرض في البيع فلا شفعة حيث لا شركة ، ولو باع حصته من الطريق أو الشرب فقط تثبت الشفعة فيه إن كان واسعا وإلا فالخلاف المتقدم من إمكان قسمته أو لا ، والذي يدل على هذا الاستثناء حسنة منصور بن حازم (سألت أبا عبد الله عليه السلام عن دار فيها دور ، وطريقهم واحد في عرصة ، فباع بعضهم منزله من رجل ، هل لشركائه في الطريق أن يأخذوا في الشفعة؟ فقال عليه السلام : إن باع الدار وحوّل بابها إلى طريق غير ذلك فلا شفعة لهم ، وإن باع الطريق مع الدار فلهم الشفعة) (1).

(1) على وزن مفعل أي مكان الاجتياز.

(2) قال في الصحاح (بالكسر هو الحظ من الماء).

(3) الأصل هنا هو الدار لأنه المبيع حقيقة ، وعليه فهل يشترط قبول الطريق والشرب للقسمة مع أن الرواية المتقدمة لم تتعرض لكون الطريق قابلا للقسمة ، ذهب المحقق إلى اشتراط كون الطريق قابلا للقسمة لو بيعت منفردة كما في كل بيع تثبت فيه الشفعة ، أما لو بيعت منضمة إلى الدار فيكفي قبول أصل الدار للقسمة ، لأن الدار هي المبيع حقيقة ، والطريق تابع لها فلا يعتبر في الطريق حينئذ القبول للقسمة.

والشهيد في الدروس اشترط كون الطريق قابلا للقسمة سواء بيع منفردا أو منضما إلى الدار ، لاشتراط ذلك في كل مشفوع.

(4) أي عبارة الماتن للمجاز والشرب.

(5) عدم اشتراط قبول القسمة.

(6) أي اشترط قبول القسمة سواء بيعا منفردين أم لا.

(7) كما هو قول المحقق.

ص: 503


1- 1. الوسائل الباب - 4 - من كتاب الشفعة حديث 1.

فی أنّه یشترط قدرة الشفیع علی الثمن

(ويشترط قدرة الشفيع على الثمن) (1) ، وبذله للمشتري (2) ، فلا شفعة للعاجز (3) ، ولا للممتنع مع قدرته (4) ، والمماطل (5) ، ويرجع في العجز إلى اعترافه (6) ، لا إلى حاله ، لإمكان استدانته ، ولا يجب على المشتري قبول الرهن ، والضامن ، والعوض (7) ، (وإسلامه (8) إذا كان المشتري مسلما) فلا شفعة لكافر

______________________________________________________

(1) لا خلاف أنه تبطل شفعة العاجز عن دفع الثمن مع عدم رضا المشتري بالصبر ، ولا يكفي الضامن ولا أن يبذل الرهن أو عوض الثمن ، ويدل عليه خبر علي بن مهزيار (سألت أبا جعفر الثاني عليه السلام عن رجل طلب شفعة أرض فذهب على أن يحضر المال فلم ينض ، فكيف يصنع صاحب الأرض إذا أراد بيعها ، أيبيعها أو ينتظر مجي ء شريكه صاحب الشفعة؟ قال عليه السلام : إن كان معه في المصر فلينتظر به إلى ثلاثة أيام ، فإن أتاه بالمال وإلا فليبع وبطلت شفعته في الأرض ، وإن طلب الأجل إلى أن يحمل المال من بلد آخر فلينتظر به مقدار ما يسافر الرجل إلى تلك البلدة وينصرف ، وزيادة ثلاثة أيام ، فإن وافاه - وفّاه نسخة أخرى - وإلا فلا شفعة له) (1).

والخبر وإن كان بصدد شريكه البائع إلا أن الأصحاب جروا الحكم إلى المشتري لعدم خصوصية فيه ، إذ خصوصية الحكم في عجز الشفيع وقدرته.

(2) أي وبذل الثمن للمشتري ، لأنه لا يكفي القدرة على الدفع مع عدم البذل ، ولخبر ابن مهزيار المتقدم حيث قال : (فإن وفّاه) ، وهو ظاهر في البذل لا في القدرة.

(3) تفريع على القدرة.

(4) تفريع على البذل.

(5) وهو الممتنع مع قدرته ، فالعطف توضيحي تفسيري.

(6) قال في المسالك : (يتحقق العجز باعترافه ، وهل يتحقق بإعساره وجهان ، أجودهما العدم لإمكان تحصيله بقرض ونحوه) انتهى.

(7) عوض الثمن.

(8) اشتراط إسلام الشفيع إذا كان المشتري مسلما ، لأن الشفيع سيأخذ المبيع من المشتري على وجه القهر عند عدم رضا الثاني ، والأخذ قهرا سبيل على المسلم فلا يثبت إلا للشريك المسلم ، ولخبر السكوني عن أبي عبد الله عليه السلام (ليس لليهودي والنصراني شفعة) (2) ، ومثله خبر طلحة بن زيد (3) ، المحمولان على ما لو كان المشتري مسلما.

ص: 504


1- 1. الوسائل الباب - 10 - من كتاب الشفعة حديث 1.
2- (2 و 3) الوسائل الباب -2. من أبواب الشفعة حديث 2 و 1.

مطلقا (1) على مسلم ، (ولو ادعى غيبة الثمن أجّل ثلاثة أيام) (2) ولو ملفقة (3) ، وفي دخول الليالي وجهان (4). نعم لو كان الأخذ عشية دخلت الليلة تبعا ، ولا إشكال في دخول الليلتين المتوسطتين كالاعتكاف ، ولو ادعى أنه (5) في بلد آخر أجّل زمانا يسع ذهابه ، وإيابه (6) ، وثلاثة (ما لم يتضرر المشتري) لبعد البلد عادة كالعراق من الشام.

وفي العبارة أن تضرر المشتري يسقط الإمهال ثلاثة مطلقا (7) والموجود في كلامه في الدروس ، وكلام غيره اعتباره (8) في البلد النائي خاصة.

______________________________________________________

ومما تقرر يظهر فيما لو كان الشفيع مسلما فله الشفعة على المشتري مسلما كان أو كافرا ، وسواء كان الشراء من مسلم أو كافر ، ولو كان الشفيع كافرا فلا شفعة له على المشتري المسلم سواء اشترى من مسلم أو كافر ، نعم لو كان الشفيع كافرا فله الشفعة على المشتري الكافر سواء اشترى من مسلم أو كافر.

(1) سواء كان ذميا أم لا لعموم الدليل النافي.

(2) لإحضاره ، بلا خلاف فيه ، لخبر علي بن مهزيار المتقدم ، هذا إذا كان الثمن في البلد ، ولو كان في غير بلد حضورهما أجل مقدار ذهابه إليه وأخذه وعوده مع ثلاثة أيام كما يقتضيه الخبر المتقدم ، وأيضا هو مما لا خلاف فيه ، نعم قيد الحكم الثاني في الغنية بما إذا لم يؤد الصبر عليه إلى ضرر ، وإلا بطلت شفعته لنفي الضرر وقد ادعى عليه ابن زهرة الإجماع.

(3) بحيث يحسب له من الرابع ما فاته من الأول.

(4) فعلى القول بأن اليوم شامل للّيل فتعتبر الليالي الثلاث وإلا فلا ، وعلى القول بالعدم فالليالي الوسطى وهي ليلة اليوم الثاني والثالث داخلة تبعا لدخول يوم الثالث في وقت الانتظار من دون أن تدخل ليلة اليوم الأول ، إلا إذا كان الأخذ فيها فتدخل حينئذ.

(5) أي الثمن.

(6) وكذلك يسع أخذ الثمن فيه.

(7) سواء كان في البلد النائي وغيره.

(8) أي اعتبار سقوط الإمهال بتضرر المشتري فيما لو كان الثمن في البلد النائي فقط ، هذا وخبر علي بن مهزيار لم ينص على سقوط الثلاثة بتضرر المشتري ، ودليل نفي الضرر مطلقا يشمل النائي وغيره فلا بد من التعميم ، إلا أن الإجماع المدّعى في الغنية مقتصر على خصوص النائي فيقتصر فيه على القدر المتيقن منه وهو النائي.

ص: 505

فی من تثبت له الشفعة

(وتثبت) الشفعة (للغائب) (1) وإن طالت غيبته (فإذا قدم) من سفره (أخذ) إن لم يتمكن من الأخذ في الغيبة بنفسه ، أو وكيله ، ولا عبرة بتمكنه من الإشهاد (2) وفي حكمه (3) المريض (4) ، والمحبوس ظلما ، أو بحق يعجز عنه (5) ، ولو قدر عليه (6) ولم يطالب بعد مضي زمان يتمكن من التخلص والمطالبة بطلت.

(و) كذا تثبت (للصبي والمجنون والسفيه (7) ، ويتولى الأخذ) لهم (الولي مع)

______________________________________________________

(1) بلا خلاف ولا إشكال ، لخبر السكوني عن أبي عبد الله عليه السلام (قال أمير المؤمنين عليه السلام : وصي اليتيم بمنزلة أبيه يأخذ له الشفعة إذا كان له رغبة ، وقال : للغائب شفعة) (1).

بلا فرق بين طول غيبته وقصرها لإطلاق الخبر ، ولو بعد السنين المتطاولة ، نعم لو تمكن الغائب من المطالبة بالشفعة بنفسه أو وكيله الحاضر فكالحاضر تبطل شفعته إن أخّر مع إمكان المطالبة ، وكذا لا تسقط شفعة الغائب لو ترك الإشهاد على المطالبة وإن تمكن من الإشهاد لإطلاق الخبر المتقدم.

(2) أي الإشهاد على المطالبة.

(3) أي حكم الغائب.

(4) الذي لا يمكنه المطالبة فهو كالغائب ، وكذا المحبوس ظلما أو بحق إذا عجز عن المطالبة ، أما لو كان المحبوس بحق لا يعجز عن أداء الحق المترتب عليه فهو كالمطلق ، لأنه قادر على الخروج من الحبس ، والأخذ بالشفعة ، فلو لم يخرج بطلت شفعته.

(5) عن الحق المترتب عليه.

(6) على الحق.

(7) وكذا المفلس بلا خلاف ولا إشكال ، لإطلاق أدلة ثبوت الشفعة ، ولخصوص خبر السكوني الوارد في الصبي وقد تقدم في شفعة الغائب ، وعليه فيجوز لولي الصبي والمجنون والسفيه أن يتولى الأخذ بالشفعة من المشتري مع الغبطة ، وقال في الجواهر : (نعم قيده المصنف - أي المحقق - ومن تأخر عنه بكون ذلك مع الغبطة ، إلا أنه لم نجده في كلام من تقدم عليه حتى معقد إجماع الخلاف وغيره ، ولعله لحظ الرغبة المراد بها المصلحة في الخبر المزبور) انتهى ، نعم عن بعضهم عدم اشتراط ظهور الغبطة بل يكفي عدم المفسدة إذا كان الولي هو الأب أو الجد ، وهو مبني على كون تصرفاتهما مشروطة بظهور المصلحة أو يكفي عدم المفسدة ، وقد تقدم بحثه أكثر من مرة.

ص: 506


1- 1. الوسائل الباب - 6 - من كتاب الشفعة حديث 2.

الغبطة) في الأخذ كسائر التصرفات ولا فرق بين كون الشريك البائع هو الولي (1) ، وغيره ، وكما يأخذ لهم (2) يأخذ منهم لو باع عنهم ما هو بشركته ، وكذا يأخذ (3) لأحد الموليين نصيب الآخر لو باعه بشركته (فإن ترك) (4) في موضع الثبوت (فلهم عند الكمال الأخذ) ، إلا إن ترك (5) لعدم المصلحة ، ولو جهل الحال ففي استحقاقهم الأخذ (6) نظرا إلى وجود السبب (7) فيستصحب ، أم لا (8) ، التفاتا

______________________________________________________

(1) بحيث يكون ولي الطفل شريكه ، فلو باع الولي عن نفسه حصته لثالث فيجوز للولي بحسب الولاية الأخذ بالشفعة للطفل الحصة المبيعة.

(2) أي وكما يأخذ الولي لهم بالشفعة فيما لو باع شريكهم عن نفسه يأخذ الولي منهم حصتهم المبيعة للغير ، فيما لو باعها وليهم لثالث ، وعليه فيجوز لوليهم إذا كان شريكا أن يأخذ منهم ما باع عنهم ما هو بشركته.

(3) أي الولي فيما لو كان وليا لطفلين شريكين في عقار ، ورأى من مصلحة أحدهما بيع حصته فلو باعها فيجوز لنفس الولي أن يأخذ بالشفعة عن المولى عليه الآخر إذا كان في الأخذ مصلحة.

(4) أي الولي بحيث لو ترك الولي المطالبة بالشفعة مع وجود المصلحة في الشفعة فيجوز للصبي بعد بلوغه وللمجنون بعد إفاقته الأخذ بالشفعة بلا خلاف فيه ولا إشكال ، لأن التأخير هنا لعذر وهو الصبا والجنون مع أن تقصير الولي لا يسقط حقهما الثابت لهما حين قصورهما ، ولا يتوهم أن الحق لهما قد تجدد بالكمال حتى نطالب بالدليل على حدوثه ، بل الحق لهما مستمر من حين البيع وإنما المتجدد أهليتهم حينئذ.

(5) أي الولي ، فلو ترك لعدم مصلحة في الأخذ فالترك مشروع ونافذ في حقهم ، ومع الترك يسقط حق المطالبة بالشفعة ، فلا يجوز لهما المطالبة بالشفعة بعد الكمال ، وهذا ما ذهب إليه العلامة والمحقق الثاني والشارح وجماعة ، حتى أن صاحب الرياض ادعى عدم الخلاف في ذلك ، وقد ذهب الشيخ في الخلاف إلى إثبات حق الشفعة لهما بعد الكمال وإن كان ترك الولي مشروعا ، لأن الشفعة حقهما وليس على إسقاطها بترك الولي دليل ، وفيه : إن فعل الولي نافذ عليهما كما هو نافذ لهما.

(6) أي حال ترك الولي للشفعة ، فلا يعلم أن تركه لعدم المصلحة في الأخذ أو لتقصير منه.

(7) أي الأخذ بالشفعة بعد كمالهم نظرا إلى ثبوت مقتضى الشفعة وهو البيع في الشركة ، ومع الشك بالسقوط عند ترك الولي فيستصحب السبب لهم بعد الكمال.

(8) فليس لهم الأخذ بالشفعة بعد كمالهم ، لأن فعل الولي مقيّد بالمصلحة ، ومع عدم العلم بكون الترك للمصلحة فقاعدة حمل فعل المسلم على الصحة تقتضي أن يكون الترك نافذا فى حقهم فتسقط الشفعة بتركه ، وليس لهم حق المطالبة بعد الكمال.

ص: 507

إلى أنه (1) مقيد بالمصلحة ولم تعلم ، وجهان أوجههما الثاني.

أما المفلس فتثبت له أيضا (2) ، لكن لا يجب على الغرماء تمكينه من الثمن ، فإن بذلوه ، أو رضي المشتري بذمته فأخذ ، تعلق بالشقص حق الغرماء ، ولا يجب عليه (3) الأخذ ولو طلبوه منه (4) مطلقا (5) (ويستحق) الأخذ بالشفعة (بنفس العقد (6) وإن كان)

______________________________________________________

(1) أي فعل الولي.

(2) أي تثبت الشفعة له كما تثبت للصبي والمجنون والسفيه المفلس وقد تقدم دليله ، ولكن بما أن الغرماء قد تعلق حقهم بماله فلا يجوز له أن يتصرف في ماله ويدفع ثمن المشفوع إلا برضا الغرماء ، أو بأن يرضى المشتري ببقاء الثمن في ذمة المفلس ، أو إبرائه ، أو بأن يدفع الغرماء المال بلا خلاف في ذلك كله ولا إشكال.

وعليه فلو أخذ بالشفعة وتملك الشقص فيتعلق به حق الغرماء ، لأنه ماله كما في كل مال متجدد له ، نعم ليس للغرماء إجباره على الأخذ بالشفعة وإن بذلوا الثمن ، ولا يجوز لهم منعه عن الأخذ بالشفعة إن كان المشتري يرضى بإبرائه أو ببقاء الثمن في الذمة ، لأنه ليس لهم حق إجباره على التكسب كما ليس لهم حق منعه من التكسب.

(3) على المفلس.

(4) أي طلب الغرماء الأخذ بالشفعة من المفلس.

(5) بذلوا الثمن أو لا ، رضي المشتري ببقاء الثمن في ذمته أو لا.

(6) إذا اشتمل بيع المشفوع على خيار ، فلا يخلو إما أن يكون الخيار للمشتري أو لا.

فلا إشكال ولا خلاف في أن الشفيع يستحق الأخذ بالشفعة بعد انقضاء الخيار سواء كان لهما أو لأحدهما أو للأجنبي ، لأن العقد بعد انقضاء الخيار لازم ، وقد استقر ملك المشتري مع أن ثبوت الشفعة متوقف على ملك المشتري للمال المشترك.

ولو كان الخيار للمشتري فللشفيع الأخذ بالشفعة بنفس العقد بلا خلاف كما في المسالك ، لتحقق انتقال الملك عن البائع ودخوله في ملك المشتري ، وثبوت الشفعة متوقف على ملك المشتري للمال المشترك.

لكن عن الشيخ في خلافه في باب الخيار أنه ينتقل عن البائع بنفس العقد ، ولا ينتقل إلى المشتري حتى ينقضي الخيار ، فإذا انقضى ملك المشتري بالعقد الأول ، ولازم كلامه عدم ثبوت الشفعة هنا لعدم انتقال الملك إلى المشتري ليؤخذ منه بالشفعة.

ولو كان الخيار للبائع أولهما أو للبائع والأجنبي فعلى المشهور حصول الشفعة بنفس العقد ، لتحقق نقل المبيع إلى المشتري بنفس العقد ، وقد عرفت أن ثبوت الشفعة متوقف على ملك المشتري للمال المشتري.

ص: 508

فيه خيار) بناء على انتقال المبيع إلى ملك المشتري به (1) ، فلو أوقفناه (2) على انقضاء الخيار كالشيخ توقف (3) على انقضائه (4).

(و) على المشهور (5) (لا يمنع) الأخذ (6) (من التخاير) (7) ، لأصالة بقاء الخيار (فإن اختار المشتري (8) ، أو البائع (9) الفسخ بطلت) الشفعة وإلا استقر الأخذ.

______________________________________________________

وعن الشيخ في الخلاف والمبسوط وابن البراج في مهذبه وابن زهرة في الغنية عدم ثبوت الشفعة بنفس العقد ، لأن الملك لم ينتقل عن البائع.

(1) بالعقد.

(2) أي أوقفنا انتقال المبيع إلى ملك المشتري.

(3) أي توقف استحقاق الأخذ بالشفعة.

(4) أي انقضاء الخيار.

(5) من نقل المبيع إلى ملك المشتري بالعقد سواء كان الخيار للمشتري أو البائع ، ولازمه ثبوت الشفعة من حين العقد.

(6) أي الأخذ بالشفعة.

(7) أي من ثبوت الخيار لأحد الطرفين.

(8) لو كان الخيار للمشتري فالأخذ من شريك البائع الذي هو الشفيع يسقطه ، لعدم الفائدة من إثبات الخيار له حينئذ ، إذ غرض المشتري من إثبات الخيار له هو رجوع الثمن عليه على تقدير الفسخ ، وهذا حاصل من الشفيع ، ولذا قال في المسالك : (فظاهرهم سقوط خياره لانتفاء الفائدة في فسخه) انتهى كلامه.

وعليه فمع سقوط خياره بأخذ الشفيع فلا يكون للمشتري الفسخ بعد الشفعة حتى يكون اختياره موجبا لبطلانها كما صرح بذلك الماتن والشارح هنا ، ولذا قال في الجواهر : (وأما خيار المشتري ففي المسالك : إن ظاهرهم سقوط خياره ، وإن كنا لم نتحققه ، بل ظاهر كلامه في الروضة خلافه) انتهى.

(9) لو كان الخيار للبائع فأخذ الشفيع المبيع بالشفعة لا يسقطه كما صرح بذلك العلامة في جملة من كتبه وفخر المحققين وثاني الشهيدين وغيرهم ، بل تكون صحة الشفعة مراعى فيها عدم الفسخ بالخيار ، وإلا لو فسخ البائع بطلت الشفعة ، قال في الجواهر : (ولعل وجه ما ذكروه من المراعاة أن الشفيع بشفعته صار بمنزلة المشتري ، ففي الحقيقة ملكه بالعقد الأول الذي فيه الخيار ، بل في بعض النصوص (1) : ليس للشفيع إلا الشراء والبيع

ص: 509


1- 1. الوسائل الباب - 9 - من كتاب الشفعة حديث 1.

وجعل بعض الأصحاب (1) الأخذ (2) بعد انقضاء الخيار (3) مع حكمه بملكه (4) بالعقد ، نظرا إلى عدم الفائدة به (5) قبله (6) إذ ليس له (7) انتزاع العين قبل مضي مدة الخيار (8) ، لعدم استقرار ملكه ، والظاهر أن ذلك (9) جائز (10) ، لا لازم ، بل يجوز قبله (11) وإن منع (12) من العين (13). والفائدة (14) تظهر في النماء (15) وغيره (16).

______________________________________________________

الأول) انتهى ، نعم في التحرير قوى العلامة سقوط خيار البائع بأخذ الشفعة ، وإن توقف فيما بعد ، وقد نسب هذا القول من سقوط الخيار لابن إدريس.

(1) وهو الشيخ في الخلاف ، وقد تقدم كلامه.

(2) أي الأخذ بالشفعة.

(3) لأن ملك المشتري لا يتحقق إلا بالانقضاء.

(4) أي بملك المشتري.

(5) أي بسبب العقد ولكن لا يتم الملك إلا بعد الانقضاء.

(6) بالأخذ بالشفعة.

(7) قبل الانقضاء لعدم انتقال المبيع إلى ملك المشتري.

(8) للشفيع.

(9) لأن الشفعة متوقفة على ملك المشتري للمال المشترك ، وملكه بعد انقضاء الخيار.

(10) من الأخذ بالشفعة وانتزاع العين بعد انقضاء الخيار.

(11) لأنه يجوز الأخذ قبل الانقضاء أيضا ، لأن ملك المشتري قد تحقق بالعقد حتى على مبنى الشيخ كما صرح بذلك في كلامه المتقدم.

(12) قبل الانقضاء.

(13) أي الشفيع لعدم استقرار ملك المشتري للمبيع حتى يؤخذ منه ، بل يجوز للمشتري حينئذ إعمال خياره ، وبه تبطل الشفعة.

(14) أي فائدة الأخذ بالشفعة في زمن الخيار ، وإن لم ينتقل المبيع إلى المشتري كما هو مبنى الشيخ في الخلاف.

(15) فلو أخذ الشفيع بالشفعة في زمن الخيار فالنماء له لخروج المبيع عن ملك البائع وعدم دخوله في ملك المشتري فيتعين أنه للشفيع ويكون النماء له ، وإن أخذ بعد زمن الخيار فالنماء للمشتري ، لأن النماء تابع لأصله في الملك ، وأصله للمشتري قبل الشفعة ، مع كون الشفعة توجب رجوع أصل المبيع دون نمائه.

(16) كتلفه ، ومئونة المبيع كمئونة الحيوان ، فإنها على الشفيع في زمن الخيار لو أخذ بالشفعة ، وعلى المشتري لو أخذ بالشفعة بعد زمن الخيار.

ص: 510

فی أنه لیس للشفیع أخذ البعض

واحتمل المصنف في الدروس بطلان خيار المشتري بالأخذ (1) ، لانتفاء فائدته (2) ، إذ الغرض (3) الثمن ، وقد حصل (4) من الشفيع ، كما لو أراد (5) الرد بالعيب فأخذ الشفيع.

ويضعف بأن الفائدة (6) ليست منحصرة في الثمن فجاز أن يريد (7) دفع الدرك عنه.

(وليس للشفيع أخذ البعض ، بل يأخذ الجميع ، أو يدع) (8) لئلا يتضرر المشتري بتبعيض الصفقة ، ولأن حقه في المجموع من حيث هو المجموع كالخيار (9) ،

______________________________________________________

(1) قد تقدم أنه قول الجميع بشهادة المالك ، فراجع.

(2) فائدة الخيار للمشتري.

(3) أي غرض المشتري من الخيار هو الثمن لو فسخ.

(4) أي الثمن.

(5) أي أراد المشتري ردّ الحصة المبيعة بالعيب فأخذ الشفيع الحصة بالشفعة ، وأخذها بالثمن الذي دفعه المشتري ، فلا يثبت حينئذ للمشتري خيار الرد لانتفاء الموضوع وهو المبيع المعيب.

(6) أي فائدة خيار المشتري.

(7) أي يريد المشتري بالخيار دفع ضمان المبيع عن نفسه ودركه لو أصيب بالتلف ، وإن كان مستحقا للغير بالشفعة.

(8) بلا خلاف فيه ، لأن حق الشفيع في مجموع المبيع كما هو الظاهر من النصوص ، ففي حسنة الغنوي المتقدمة (الشفعة في البيوع إذا كان شريكا فهو أحق بها من غيره بالثمن) (1) ، ومرسل يونس المتقدم (فباع أحدهما نصيبه فشريكه أحق به من غيره) (2) ، وباعتبار أن الشفعة على خلاف الأصل ، إذ الأصل لزوم البيع ، فيقتصر فيها على الظاهر من الأخبار ، وهو أخذ المجموع ، فلو أخذ البعض خاصة فلا يتحقق أخذ المجموع فيمنع ، ولأن في أخذ البعض تبعيض الصفقة على المشتري ، وهو ضرر عليه.

(9) فلا يجوز التبعيض بالخيار ، فإما أن يفسخ العقد وإما أن يبقيه كما هو.

ص: 511


1- 1. الوسائل الباب - 2 - من كتاب الشفعة حديث 1.
2- 2. الوسائل الباب - 7 - من كتاب الشفعة حديث 2.

فی أنه یأخذ بالثمن الذی وقع علیه العقد

حتى لو قال (1) : أخذت نصفه (2) مثلا بطلت (3) الشفعة ، لمنافاته الفورية ، حيث تعتبر (4).

(ويأخذ بالثمن الذي وقع عليه العقد) (5) أي بمثله (6) ، لعدم إمكان الأخذ بعينه (7) ، إلا أن يتملكه (8) ، وليس بلازم ، (ولا يلزمه غيره (9) من دلالة ، أو وكالة) ، أو أجرة نقد ، ووزن ، وغيرها ، لأنها ليست من الثمن وإن كانت من توابعه (10) ، (ثم إن كان) الثمن (مثليا فعليه مثله ، وإن كان قيميا فقيمته) (11).

______________________________________________________

(1) أي الشفيع.

(2) نصف المبيع.

(3) للتبعيض ولمنافاته الفورية ، إذ أخذ النصف فقط مناف لفورية أخذ المجموع بالشفعة وعن أبي يوسف تلميذ أبي حنيفة الصحة لاستلزام أخذ النصف أخذ الجميع ، لعدم صحة أخذ النصف وحده ، وهو واضح الضعف.

(4) أي الفورية وسيأتي بحثها.

(5) بلا خلاف فيه بين العامة والخاصة ، للأخبار :

منها : حسنة الغنوي المتقدمة (الشفقة في البيوع إذا كان شريكا فهو أحق بها من غيره بالثمن) ((1) ، وظاهره الثمن الذي وقع عليه العقد سواء كان مساويا لثمن المثل أم لا ، وأما ما غرمه المشتري من دلالة أو وكالة وغير ذلك من المؤن على العين ، أو على تحقق البيع فلا يلزم الشفيع بدفعها ، لعدم كونها من الثمن ، بل هي من توابع البيع.

(6) قال في الجواهر : (لا خلاف ولا إشكال في أنه يدفع الشفيع مثل الثمن إن كان مثليا كالذهب والفضة وغيرهما ، بل الإجماع بقسميه عليه ، بل المحكي منهما مستفيض أو متواتر ، مضافا إلى أن المتيقن من المروي من نصوص الطرفين من أنه يأخذ بالثمن بعد القطع بعدم إرادة نفس الثمن الذي ملكه البائع ، ولا تسلط للشفيع عليه) انتهى.

(7) أي بعين ثمن العقد ، لأنه ملك البائع إلا أن يتملكه الشفيع من البائع بوجه من وجوه النقل ، ولكن تملك الشفيع له ليس بلازم من حيثية الشفعة ، إذ يكفي مثل الثمن مقدارا.

(8) أن يتملك الشفيع الثمن الذي عند البائع.

(9) أي ولا يلزم الشفيع غير ثمن العقد.

(10) أي توابع الثمن أو البيع.

(11) كما لو كان الثمن حيوانا أو جوهرة ، فعن الشيخ في الخلاف والعلامة في المختلف ومال

ص: 512


1- 1. الوسائل الباب - 2 - من كتاب الشفعة حديث 1.

وقيل : لا شفعة هنا (1) ، لتعذر الأخذ بالثمن ، وعملا برواية لا تخلو عن ضعف ، وقصور عن الدلالة.

وعلى الأول (2) يعتبر قيمته (3) (يوم العقد) ، لأنه (4) وقت استحقاق الثمن ،

______________________________________________________

إليه في التحرير والمحقق الثاني في جامعه أنه تسقط الشفعة حينئذ ، لخبر علي بن رئاب عن أبي عبد الله عليه السلام (في رجل اشترى دارا برقيق ومتاع وبر وجوهر ، فقال عليه السلام : ليس لأحد فيها شفعة) (1) ، وقد وصفها العلامة في التحرير بالصحة ، ولأن أخبار الشفعة مثل حسنة الغنوي المتقدمة (فهو أحق بها من غيره بالثمن) (2) ، ناظرة إلى المثلي فقط ، لأن الاستعمال الحقيقي للفظ الثمن في الرواية متعذر ، فيحمل على أقرب المجازات وهو المثل.

وعن الأكثر منهم الشيخ في غير الخلاف والعلامة في غير المختلف ثبوت الشفعة في القيمي ، لعموم أدلة ثبوت الشفعة ، ولضعف خبر ابن رئاب إذ في طريقه الحسن بن سماعة وهو واقفي هذا من ناحية السند ، وأما من ناحية المتن فالمنع لم يعلم من حيثية قيميّة الثمن ، بل يحتمل المنع لكون الشركاء متعددين ونحو ذلك ، وإذا جاء الاحتمال بطل الاستدلال ، وأما تعذر الاستعمال الحقيقي في حسنة الغنوي فمتعين إلا أنه يحمل على أقرب المجازات وهو المثلي في المثلي والقيمي في غيره. ثم على القول بثبوت الشفعة في القيمي فلو أراد الشفيع أخذ البيع فهل يأخذه بقيمة وقت العقد كما عليه الأكثر ، لأنه وقت استحقاق الأخذ بالشفعة ، وعين الثمن متعذرة فينتقل إلى قيمته في ذلك الوقت.

وقيل : يأخذ الشفيع الحصة بقيمة وقت الأخذ ، لأنه وقت الدفع ، إذ مع الأخذ بالشفعة يجب على الشفيع الدفع ، وبما أن العين متعذرة فينتقل إلى القيمة ، وقال عنه في الجواهر : (لم نعرف القائل به).

وقيل : يأخذ الشفيع الحصة بأعلى القيم من وقت العقد إلى وقت الأخذ كالغاصب ، وهو المحكي عن فخر المحققين ، وهو ضعيف ، لعدم القول بالقياس ، على أنه قياس مع الفارق.

(1) إذا كان الثمن قيميا.

(2) من ثبوت الشفعة في المثلي والقيمى.

(3) قيمة الثمن.

(4) أي يوم العقد.

ص: 513


1- 1. الوسائل الباب - 11 - من كتاب الشفعة حديث 1.
2- 2. الوسائل الباب - 2 - من كتاب الشفعة حديث 1.

فی کونها علی الفور

فحيث لا يمكن الأخذ به (1) تعتبر قيمته حينئذ (2).

وقيل : أعلى القيم من حينه (3) إلى حين دفعها (4) كالغاصب. وهو ضعيف

(وهي (5) على الفور) (6) في أشهر القولين ، اقتصارا فيما خالف الأصل على محل

______________________________________________________

(1) بالثمن لكونه قيميّا.

(2) حين وقت العقد.

(3) من حين العقد.

(4) دفع قيمة الثمن.

(5) أي الشفعة.

(6) على المشهور ، بل في الجواهر أنه لا خلاف فيه بين المتأخرين ، للنبوي (الشفعة لمن واثبها) ((1) ، وهو ظاهر في الفورية وإلا فلا معنى لجعلها للواثب فقط ، والنبوي الآخر (الشفعة كحلّ العقّال) (2) ، وهو ظاهر في أنه عند حلّ العقال لا بدّ من أخذ البعير وإمساكه فكذلك الشفعة عند العلم بها لا بدّ من الأخذ بها وإلا تفوت ، ولخبر علي بن مهزيار المتقدم (إن كان معه في المصر فلينتظر به إلى ثلاثة أيام ، فإن أتاه بالمال وإلا فليبع وبطلت شفعته في الأرض) (3) ، إذ لو كانت الشفعة على نحو التراضي لم تبطل وإن تأخر عن الثلاثة.

وللخبر المتقدم (وللغائب شفعة) (4) ، الظاهر أن الغيبة عذر له في التأخير ، ولو كانت على نحو التراضي فهي ثابتة للغائب والحاضر وإن لم يأخذ بالشفعة.

ولأن التراضي مستلزم لإضرار المشتري وهو منفي ، لأن المشتري لو غرس أو بنى وجوزنا للشفيع الأخذ بالشفعة ولو في الزمان المتطاول سيتضرر المشتري برفع الغرس والبناء.

ولأن الشفعة على خلاف الأصل إذا الأصل كون البيع لازما وكون الناس مسلطين على أموالهم فالمشتري متسلط على المبيع لأنه ماله ، والشفعة تبطل اللزوم وتبطل التسلط فيقتصر فيها على مورد الوفاق ، وهو الفور.

وعن ابن الجنيد والمرتضى وأبو المكارم والحلبي وابن إدريس أن الشفعة على التراخي استضعافا للنبويين السابقين ، ولأن البيع سبب في استحقاق الشفعة والأصل ثبوت الشي ء

ص: 514


1- 1. نيل الأوطار للشوكاني ج 6 ص 87.
2- 2. سنن البيهقي ج 6 ص 108.
3- 3. الوسائل الباب - 10 - من كتاب الشفعة حديث 1.
4- 4. الوسائل الباب - 6 - من كتاب الشفعة حديث 1.

الوفاق ، ولما روي أنها كحلّ العقال ، ولأنها شرعت لدفع الضرر ، وربما جاء من التراخي على المشتري ضرر أقوى ، لأنه إن تصرف كان معرضا للنقص ، وإن أهمل انتفت فائدة الملك.

وقيل : على التراخي ، استصحابا لما ثبت ، وأصالة (1) عدم الفورية فهو مخرج عن الأصل ، والرواية عامية. نعم روى علي بن مهزيار عن الجواد عليه السلام إنظاره بالثمن ثلاثة أيام. وهو يؤذن بعدم التراخي مطلقا (2) ولا قائل بالفرق وهذا (3) حسن.

وعليه (4) (فإذا علم وأهمل) عالما مختارا (بطلت) ويعذر (5) جاهل الفورية كجاهل الشفعة وناسيهما.

______________________________________________________

استصحابا على ما كان إلى أن يثبت المزيل ، ولأصالة عدم الفورية عند الشك بتقييد حق الشفعة بها ، وأما الضرر فيزول بضمان الشفيع الأرش على تقدير القلع ، وأما كون الشفعة على خلاف الأصل فلا يضر أنها على نحو التراخي لقيام الدليل على ذلك.

هذا وباعتبار أن الشيخ قائل بالأول والسيد بالثاني ، وكّل منهما قد ادعى الإجماع على قوله ، وهما متعاصران قال الشارح في مسالكه : (ودعوى الإجماع من الجانبين تحكم ظاهر ، وهذا مما يرشد بفساد هذه الدعاوى ، وعدم الوثوق بها في مواضع الاشتباه لكثرة المجازفة الواقعة فيها) انتهى.

(1) عند الشك في قيد الفورية فأصالة العدم جارية ، وهذه الأصالة هي المخرج عن الأصل المتقدم في دليل القول الأول.

(2) بلا فرق بين حضور الثمن أو غيابه ولا قائل بالفرق بينهما.

(3) أي القول بعدم التراخي.

(4) وعلى القول بالفورية.

(5) لما ثبتت الشفعة على نحو الفورية فللشفيع المطالبة بالحال بلا خلاف ولا إشكال ، كما أنه لا خلاف ولا إشكال إذا أخّر عن المطالبة لعذر لا تبطل شفعته ويشعر بذلك نصوص الغائب ، إذ الغيبة لا تبطل الشفعة باعتبار أنها عذر ، ونصوص التأجيل لغيبة الثمن.

ويتبين أن التأخر إذا كان لغرض صحيح أو عذر معتبر لا يخلّ بالفورية ، وإنما التأخر وعدم الأخذ رغبة عنها هو الموجب لسقوط الشفعة.

وعليه فمع جهله بثبوت الشفعة له أو النسيان فهما عذر له وليس إعراضا ، فكذلك جهله بالفورية أو نسيانها عذران ، وكذا غيرهما من الأعذار فيما لو كان محبوسا بحق وهو عاجز عن أدائه وعاجز عن التوكيل.

ص: 515

وتقبل دعوى الجهل ممن يمكن في حقه عادة ، وكذا يعذر مؤخر الطلب إلى الصبح لو بلغه ليلا (1) ، وإلى الطهارة والصلاة ولو بالأذان والإقامة والسنن المعهودة ، وانتظار الجماعة لها ، والأكل ، والشرب ، والخروج من الحمام بعد قضاء وطره منه ، وتشييع المسافر ، وشهود الجنازة ، وقضاء حاجة طالبها (2) ، وعيادة المريض ، ونحو ذلك ، لشهادة العرف به (3) ، إلا أن يكون المشتري حاضرا عنده (4) بحيث لا يمنعه (5) من شغله.

ولا بدّ من ثبوت البيع عنده (6) بشهادة عدلين (7) ، أو الشياع فلا عبرة بخبر

______________________________________________________

(1) إذا وجبت المبادرة إلى المطالبة بالشفعة عند العلم بالبيع لأنها على الفور ، فتجب المبادرة على ما جرت العادة بذلك ، ولا تجب المبادرة بكل وجه ممكن عقلا فقط ، بل بكل وجه ممكن عقلا وعادة ، فلو كان ماشيا وعلم فلا تجب الهرولة والسعي الزائد عن المتعارف ، ولو علم ليلا ، تجب المبادرة بل يجوز له انتظار الصباح ، ولو علم وهو متشاغل بالصلاة واجبة أو مندوبة لا يجب عليه قطعها وجاز الصبر حتى يتمها وإن كان القطع سائغا له.

ولو دخل عليه وقت الصلاة صبر حتى يتطهر ويصلي ، ولو علم بذلك في الحمام جاز له قضاء وطره منه ، ونحو ذلك من الأعذار العرفية.

(2) أي طالب الحاجة.

(3) بمعذوريته.

(4) عند الشفيع.

(5) أي لا يمنع الأخذ بالشفعة الشفيع من شغله.

(6) عند الشفيع.

(7) لما كان ثبوت الشفعة متوقفا على بيع حصة الشريك ، فيعتبر علم الشفيع بالبيع ، لأن الشفعة ثابتة للعلم به ، لا للبيع الواقعي بدليل ثبوت الشفعة للغائب عند حضوره لا عند البيع.

ومع اعتبار علم الشفيع بالبيع فيثبت العلم بالمعاينة والمشاهدة للبيع ، وباعتراف المتبايعين أمامه ، وبإخبار عدلين لأنهما الحجة الشرعية ، وبإخبار عدد متواتر مما يمتنع تواطؤهم على الكذب ، ولو لم يطالب مع حصول العلم بالشفعة بواحد مما ذكر بطلت شفعته بناء على الفورية.

وأما لو أخبره عدد لا يبلغ حد التواتر ، ولكن مما تحصل به الاستفاضة ، ويفيد إخبارهم الظن الغالب المتاخم للعلم والمسمى بالاطمئنان ففيه خلاف منشؤه أن حق

ص: 516

فی أنه لا تسقط الشفعة بالفسخ المتعقب للبیع

الفاسق ، والمجهول ، والصبي ، والمرأة مطلقا (1) وفي شهادة العدل الواحد وجه ، واكتفى به المصنف في الدروس مع القرينة (2) ، نعم لو صدق (3) المخبر كان كثبوته (4) في حقه. وكذا لو علم صدقه (5) بأمر خارج.

(ولا تسقط الشفعة بالفسخ المتعقب للبيع بتقابل (6) ، أو فسخ بعيب) (7) أما

______________________________________________________

الشفعة يثبت بالظن الغالب أو لا ، والظاهر أن الاطمئنان حجة عرفية كحجية العلم الذاتية.

ولو كان المخبر واحدا عدلا فإن صدقه ولم يطالب بطلت شفعته ، لأنه مع التصديق يكون عالما وقد يحصل العلم بخبر الواحد إذا احتفّ بالقرائن ، وإن لم يصدقه أو سكت لا تبطل الشفعة مع عدم الأخذ لعدم ثبوت البيع بخبره ، لأنه ليس بحجة شرعا لاعتبار التعدد ، لأنه مندرج في الشهادة المشترط فيها التعدد ، وعليه فلو أخبره واحد غير عدل أو امرأة عادلة أو غير عادلة فلا يثبت علمه بالشفعة ، لأنه ليس واحد منها بحجة شرعا ، وكذا لو أخبره صبي أو صبيان.

(1) عادلة أو لا.

(2) المفيدة للعلم.

(3) أي صدق الشفيع المخبر.

(4) أي ثبوت البيع في حقه.

(5) أي علم صدق المخبر بقرائن خارجية.

(6) التقايل من الإقالة ، وقد مضى في أواخر كتاب البيع أن الإقالة فسخ للعقد وإرجاع كل عوض لمن انتقل منه ، وتقدم أن دليلها عام يشمل كل العقود ، وعليه فلو تقايل المتبايعان وهما البائع الشريك والمشتري بعد ثبوت الشفعة ، فلا يسقط حق الشفعة ، لسبق حق الشفيع على حق الإقالة ، لأن حق الشفيع يثبت بالبيع ، والإقالة تثبت برضا المتبايعين بذلك بعد البيع ، وهذا مما لا خلاف فيه.

وعليه فلو أخذ الشفيع بالشفعة بعد الإقالة ، فالأخذ يرفع الإقالة من حينه ، لأن الأخذ المذكور فسخ لها ، والفسخ موجب لرفع المفسوخ من حين الفسخ ولا يبطله من أصله كما هي قاعدة الفسوخ ، وتظهر الثمرة في أن النماء للمبيع المتخلل بين الإقالة وفسخها بالشفعة للبائع ، ونماء الثمن للمشتري.

(7) لو باع الشريك حصته من العقار بقيمي كالعبد مثلا ، وكان هناك عيب في الثمن أو المثمن فيثبت خيار العيب لأحد المتبايعين كما يثبت حق الشفعة للشفيع ، فهل يجوز لأحد المتبايعين فسخ العقد بخيار العيب وإبطال الشفعة أو لا ، فعلى المشهور تقديم حق الشفيع

ص: 517

مع التقايل فظاهر ، لأنه (1) لاحق للعقد. والشفعة تثبت به (2) فتقدم ، وأما مع العيب فلأن استحقاق الفسخ به (3) فرع دخول المعيب في ملكه (4) ، إذ لا يعقل رد ما كان ملكا للغير ، ودخوله في ملكه إنما يتحقق بوقوع العقد صحيحا ، وفي هذا الوقت (5) تثبت الشفعة فيقترنان (6) ، ويقدم حق الشفيع ، لعموم أدلة الشفعة للشريك ، واستصحاب الحال (7) ، ولأن فيه (8) جمعا بين الحقين ، لأن العيب إن كان في الثمن المعين فالبائع يرجع إلى قيمة الشقص (9) ، وإن كان في الشقص فالمشتري يطلب الثمن ، وهو (10) حاصل له (11) من الشفيع ، بخلاف ما إذا قدمنا البائع في الأول (12) فإنه (13) يقتضي سقوط حق الشفيع من الشقص عينا وقيمة ، وكذا لو قدمنا المشتري (14).

______________________________________________________

إما لأن الشفعة حق يثبت بالعقد ، وحق الفسخ يثبت عند العلم بالعيب وهو بعد العقد ، فيقدم حق الشفعة لأنه أسبق ، وإما لأن حق الفسخ وإن ثبت بالعقد كحق الشفعة وكانا مقترنين إلا أن عموم أدلة الشفعة تقدم حق الشفعة على حق الفسخ ، لأن في التقديم المذكور جمعا بين الحقين ، أما حق الشفيع فظاهر ، وأما حق صاحب الخيار فيرجع إلى القيمة بخلاف ما لو قدمنا حق صاحب الخيار فيقتضي سقوط حق الشفيع ، وبقية الأقوال سيأتي التعرض لها عند تعرض الشارح لها.

(1) أي التقايل.

(2) بالعقد.

(3) بالعيب.

(4) ملك أحد المتبايعين ، وهو صاحب خيار العيب.

(5) وقت وقوع العقد صحيحا.

(6) الشفعة والفسخ بخيار العيب.

(7) أي حال ثبوت الشفعة.

(8) في تقديم حق الشفيع.

(9) لأن الشقص في حكم التالف ، لأن الشفيع سيأخذه بحق الشفعة.

(10) أي الثمن.

(11) للمشتري.

(12) في كون الثمن معيبا فلو فسخ البائع بخيار العيب لبطل حق الشفيع في عين المبيع وقيمته.

(13) أي تقديم حق البائع.

(14) في كون المثمن معيبا ومع فسخ المشتري بخيار العيب فيبطل حق الشفيع في عين المبيع وقيمته.

ص: 518

وربما فرّق (1) بين أخذ الشفيع قبل الفسخ (2) ، وبعده ، لتساويهما (3) في الثبوت فيقدم السابق في الأخذ ، ويضعف بما ذكرناه (4).

وقيل (5) : بتقديم حق المتبايعين ، لاستناد الفسخ إلى العيب المقارن للعقد ، والشفعة تثبت بعده (6) ، فيكون العيب أسبق.

وفيه نظر ، لأن مجرد وجود العيب (7) غير كاف في السببية (8) ، بل هو مع العقد ، كما أن الشركة غير كافية في سببية الشفعة ، بل هي (9) مع العقد ، فهما (10) متساويان من هذا الوجه (11) ، وإن كان جانب العيب لا يخلو من قوة (12) إلا أنها (13) لا توجب التقديم فالعمل على ما اختاره المصنف أولى (14).

______________________________________________________

(1) لم يعرف قائله ، ولذا قال في الجواهر : (كما عساه يظهر من المسالك أنه أحد الأقوال في المسألة).

(2) فيقدم حق الشفيع قبل الفسخ دون بعده.

(3) أي تساوي حق الشفيع وحق صاحب الخيار ، لأن كلا منهما قد ثبت بالعقد فهما متساويان ثبوتا.

(4) من ترجيح وتقديم حق الشفيع.

(5) وهو للعلامة في التحرير بتقديم حق صاحب الخيار ، لأن العيب موجود حال البيع ، والشفعة تثبت بعد تمامية البيع ، فالعيب مقدم وردّ بأن نفس وجود العيب حال العقد لا يوجب الخيار ، بل العيب مع العقد الناقل للمعيب هو الموجب ، وهذا لا يتم إلا بعد تمامية البيع كالشفعة.

(6) بعد العقد.

(7) حال العقد.

(8) أي سببية الخيار ، بل العيب مع العقد هما سبب.

(9) أي الشركة.

(10) أي العيب والشفعة.

(11) أي حال العقد أو بعد تماميته.

(12) لكون العيب جزء سبب في ثبوت الخيار ، بخلاف الشركة فإنها خارجة عن العقد.

(13) أي هذه القوة ، لا توجب التقديم في قبال مرجحات الشفعة.

(14) يبقى ما الفرق بين خيار العيب وبقية الخيارات ، مع أنه قد حكم سابقا بسقوط خيار المشتري مع الشفعة ، وأن خيار البائع لا يسقط بل مع الخيار المذكور لا شفعة ، وعلّل

ص: 519

ولو اختار (1) البائع أخذ أرش الثمن المعيب من المشتري رجع المشتري به (2) على الشفيع إن كان (3) أخذ بقيمة المعيب ، أو بمعيب مثله ، وإلا فلا (4) ، ولو ترك البائع الرد والأرش (5) مع أخذ الشفيع له (6) بقيمة المعيب ، أو مثله فلا رجوع له بشي ء (7) ، لأنه (8) كإسقاط بعض الثمن

وكذا لو اختار المشتري أخذ أرش الشقص (9) قبل أخذ الشفيع أخذه (10) الشفيع بما بعد الأرش ، لأنه (11) كجزء من الثمن ، ولو أخذه (12) بعد أخذ

______________________________________________________

الفرق بأن صاحب الخيار هنا مظلوم بخلاف غيره ، والتعليل عليل لأن غير صاحب خيار العيب قد حكم بتقديم حقه على حق الشفيع فيما لو كان الخيار للبائع فالمظلوم يجب أن يقوم حقه من باب أولى

(1) بناء على تقديم حق الشفيع ، وقد اختار البائع إمضاء البيع وإن كان الثمن معيبا ، لكنه طالب بالأرش.

(2) بأرش الثمن.

(3) أي الشفيع ، لأن الشفيع قد أخذ المبيع من المشتري بقيمة الثمن المعيب ، ولما دفع المشتري الأرش تبين أن الثمن الذي وقع في العقد على المبيع هو الثمن المسمى مع الأرش لاقتضاء عقد البيع السلامة في العوضين ، فيكون وجوب الأرش من مقتضى العقد فيرجع المشتري به على الشفيع كما رجع عليه بقيمة الثمن المعيب.

(4) أي فلو أخذ الشفيع المبيع بقيمة الثمن الصحيح أو بصحيح مثل الثمن المعيب ، فما يدفعه المشتري من الأرش لا يرجع به على الشفيع.

(5) عند إمضائه البيع مع إسقاط حقه بالأرش.

(6) للمبيع من المشتري.

(7) فلا رجوع للمشتري على الشفيع بشي ء من الأرش.

(8) أي ترك البائع الأرش.

(9) إذا كان المبيع معيبا بخلاف السابق فإن العيب في الثمن ، وقد اختار المشتري هنا إمضاء البيع وإن كان المثمن معيبا لكنه طالب بالأرش.

(10) أي أخذ المبيع الشفيع بالقيمة التي دفعت من الثمن بعد إسقاط الأرش ، لأن الأرش من مقتضيات العقد ، وقد رجع المشتري على البائع بالأرش فلم يدفع من الثمن إلا ما قد دفعه سابقا بعد استثناء الأرش.

(11) أي الأرش وقد سقط بدفع البائع له للمشتري.

(12) أي أخذ المشتري أرش المبيع بعد أخذ الشفيع المبيع بالثمن المسمى الذي دفعه المشتري.

ص: 520

الشفيع رجع الشفيع به (1).

ويفهم من تقييد الفسخ بالعيب أنه لو كان (2) بغيره (3) بطلت (4) ، وقد تقدم ذلك في الفسخ بالخيار ، وبقي تجدّد الفسخ بذاته (5) كما لو تلف الثمن المعين قبل القبض ، وفي بطلانها به (6) قول ، من حيث إنه (7) يوجب بطلان العقد ، وآخر (8) بعدمه (9) ، لأن البطلان من حين التلف لا من أصله ، فلا يزيل (10) ما سبق من استحقاقها (11) ، وثالث (12) بالفرق بين أخذ الشفيع قبل التلف فتثبت ، وبعده فتبطل ، والأوسط (13) أوسط (14).

______________________________________________________

(1) بالأرش ، ويرجع على المشتري ودليله قد ظهر مما تقدم.

(2) أي الفسخ.

(3) بغير العيب.

(4) أي بطلت الشفعة على تفصيل قد تقدم.

(5) كما لو تلف الثمن المعين في العقد قبل قبضه ، فإنه يحكم ببطلان البيع وهل يتبعه بطلان الشفعة أو لا؟

فعن الشيخ والفاضل في المبسوط والتذكرة البطلان ، لأن الشفعة تثبت بالبيع ، وإذا بطل البيع تبطل الشفعة.

وعن الفاضل في المختلف وولده والماتن عدم البطلان ، لأن الشفعة تثبت بالبيع ، وإذا بطل البيع تبطل الشفعة.

وعن الفاضل في المختلف وولده والماتن عدم البطلان ، لأن البيع وإن كان باطلا لكن يحكم ببطلانه من حين حصول تلف الثمن لا من أصل العقد ، والشفعة تثبت بنفس العقد قبل الحكم بالبطلان ، فيكون حقها أسبق.

وفصّل العلامة في القواعد فيما لو كان تلف الثمن قبل أخذ الشفيع فتبطل الشفعة ، لأنه إذا بطل البيع بطلت ، وإن كان التلف بعد أخذ الشفيع لم تبطل لسبق حق الشفيع ، وتردد المحقق في الشرائع وكذا غيره.

(6) أي وفي بطلان الشفعة يتجدد الفسخ.

(7) أي تجدد الفسخ.

(8) أي وقول آخر.

(9) بعدم بطلان الشفعة.

(10) أي بطلان البيع.

(11) أي استحقاق الشفعة.

(12) أي قول ثالث.

(13) وهو القول بعدم البطلان.

(14) أي أعدل.

ص: 521

(و) كذا (لا) تسقط الشفعة (بالعقود اللاحقة) (1) للبيع (كما لو باع) المشتري الشقص (أو وهب ، أو وقف) لسبق حق الشفيع على ما تأخر من العقود ، (بل للشفيع إبطال ذلك كله) والأخذ بالبيع الأول ، (وله (2) أن يجيز) البيع (ويأخذ بالبيع الثاني) ، لأن كلا من البيعين سبب تام في ثبوت الشفعة ، والثاني (3) صحيح وإن توقف على إجازة الشفيع ، فالتعيين إلى اختياره (4).

______________________________________________________

(1) يجوز للمشتري أن يتصرف في المبيع قبل أخذ الشفيع ، لأن المبيع داخل في ملكه بالعقد والناس مسلطون على أموالهم ، وعليه فيجوز للمشتري أن يتصرف فيه بما يوجب الشفعة أيضا كالبيع ، وبما لا يوجبها كالوقف فلو وقف المشتري المبيع أو جعله مسجدا فللشفيع إزالة ذلك كله وأن يأخذ بالشفعة ، بلا خلاف فيه منا لسبق حق الشفيع ، وعن بعض العامة المنع لعدم جواز نقض الوقف وهو واضح الضعف.

ولو باع المشتري المبيع ، فالبيع الصادر من المشتري موجب للشفعة أيضا ، لأن بيع الشريك حصته موجب للشفعة وهذا بيع من الشريك الذي هو المشتري لحصته ، وللشفيع حينئذ شفعتان ، شفعة بالعقد الأول على المشتري الأول وشفعة بالعقد الثاني على المشتري الثاني ، وكما يجوز للشفيع أخذ المبيع من المشتري الأول بالثمن المسمى في العقد الأول فيجوز له الأخذ من المشتري الثاني بالثمن المسمى في العقد الثاني ، وكذا لو زادت العقود على اثنين فنفس الحكم.

ثم إن أخذ الشفيع من المشتري الأول بعد دفع ثمن العقد الأول بطل البيع المتأخر ، وإن أخذ الشفيع من المشتري الأخير بثمن عقده صح السابق ، لأن الرضا بالأخير مستلزم للرضا بما سبق ، وإن أخذ من المشتري المتوسط بثمن عقده صح ما تقدم عليه لأنه متوقف عليه وبطل ما تأخر عنه ومما تقدم يظهر أن المبيع لو اشتراه المشتري الأول بعشرة ، واشتراه الثاني بعشرين ، واشتراه الثالث بثلاثين بعقود متعاقبة ، فإن رجع الشفيع على الأول أخذ المبيع بعد دفع العشرة وبطل ما تأخر من بيوع غايته يرجع المشتري الثالث بثلاثين على الثاني ، ويرجع الثاني بعشرين على الأول ، لأن المبيع سيؤخذ من الثالث وقد انفسخ عقده كما انفسخ عقد الثاني ، وإن رجع الشفيع على الثالث الأخير أخذ البيع بعد دفع الثلاثين وصح ما تقدم من البيوع ، وإن رجع الشفيع على الثاني بعشرين صح الأول وبطل الثالث ، ويرجع الثالث على الثاني بثلاثين لأن المبيع سيؤخذ منه وقد انفسخ عقده.

(2) للشفيع.

(3) أي البيع الثاني.

(4) أي فتعيين الأخذ بالشفعة راجع إلى اختيار الشفيع.

ص: 522

وكذا لو تعددت العقود ، فإن أخذ من الأخير صحت العقود السابقة ، وإن أخذ من الأول بطلت اللاحقة ، وإن أخذ من المتوسط صح ما قبله وبطل ما بعده.

ولا فرق في بطلان الهبة لو اختاره (1) الشفيع بين اللازمة ، وغيرها ولا بين المعوض عنها ، وغيرها فيأخذ الواهب الثمن ويرجع العوض إلى باذله (والشفيع يأخذ من المشتري) (2) ، لا من البائع ، لأنه (3) المالك الآن (ودركه) أي درك الشقص لو ظهر مستحقا (4) (عليه (5) فيرجع عليه (6) بالثمن وبما اغترمه (7) لو

______________________________________________________

(1) أي اختار البطلان والمعنى أنه لا فرق بين جميع تصرفات المشتري التي للشفيع فسخها والأخذ من المشتري بثمن عقده فيتملك الشفيع المبيع حينئذ بالشفعة دون الموهوب الذي قد انفسخت هبته ، وعليه فإن كانت هبته بلا عوض فلا إشكال ولا كلام ، وإن كانت بعوض فيصير الدرك على الواهب الذي هو المشتري ، لأن الأخذ بالشفعة يفسخ كل ما يترتب على البيع ، وعليه فيأخذ المشتري الثمن من الشفيع ويدفع عوض الهبة إلى باذلها لبطلان الهبة بالشفعة ، ومما تقدم يظهر ضعف ما عن الفخر في الإيضاح من أن الثمن للموهوب له إذا كانت الهبة لازمة وهو المنقول عن الشهيد في بعض حواشيه.

(2) لا إشكال ولا خلاف في أن الشفيع يأخذ الشقص من المشتري ، لأنه المتيقن من أدلة ثبوت الشفعة ، فلو بان المبيع معيوبا بفعل المشتري كان ضمانه عليه ، ولا يأخذ الشفيع من البائع الذي كان شريكا له لفرض انقطاع سلطانه عن العين بالبيع فكيف يأخذ منه.

لكن لو طالب الشفيع بالشقص وكان الشقص في يد البائع ولم يتسلمه المشتري فلا يجب على المشتري القبض من البائع ثم دفعه إلى الشفيع حتى لو التمس الشفيع ذلك ، بل يقال للشفيع : خذه من البائع أو دعه بلا خلاف فيه كما في الجواهر ، لأن الغرض من الشفعة قبض الشفيع للشقص وهو يحصل من البائع مباشرة ، ولأن قبض الشفيع بعد المطالبة كقبض المشتري ، لانتقال الحق إلى الشفيع ، فلا وجه لتكليف المشتري بالقبض من البائع ، وعن بعض العامة وجوب القبض على المشتري ثم دفعه إلى الشفيع ، لأن الشفيع بمنزلة مشتر من المشتري ، وهو ممنوع ، لأن أخذ الشفيع أخذ قهري وإن لم يرض المشتري.

(3) أي المشتري.

(4) أي تتبين بطلان البيع لأنه مستحق لغير المشتري فضمانه عليه لأنه تحت يده.

(5) على المشتري.

(6) أي فيرجع الشفيع على المشتري بالثمن الذي دفعه.

(7) أي اغترم المشتري من الأرش الذي يأخذه مالك الثمن المعيب.

ص: 523

فی أنّ الشفعة تورث

أخذه المالك ، ولا فرق في ذلك (1) بين كونه في يد المشتري ، ويد البائع بأن لم يكن اقبضه (2) ، لكن هنا (3) لا يكلف المشتري قبضه منه (4) ، بل يكلف الشفيع الأخذ منه ، أو الترك (5) لأن الشقص هو حق الشفيع ، فحيث ما وجده أخذه ، ويكون قبضه (6) كقبض المشتري ، والدرك عليه (7) على التقديرين (8).

(والشفعة تورث) (9) عن الشفيع كما يورث الخيار ، وحد القذف ، والقصاص ، في أصح القولين ، لعموم أدلة الإرث. وقيل : لا تورث استنادا إلى رواية ضعيفة السند. وعلى المختار (10) فهي (كالمال) فتقسم (بين الورثة) على نسبة

______________________________________________________

(1) في كون أخذ الشفيع من المشتري.

(2) أي لم يكن البائع أقبض الشقص للمشتري.

(3) فيما لو كان تحت يد البائع.

(4) من البائع.

(5) أي ترك الأخذ بالشفعة.

(6) قبض الشفيع.

(7) على المشتري.

(8) تقدير كون الشقص تحت يد المشتري ، وتقدير كونه تحت يد البائع.

(9) اختلف الأصحاب في ذلك ، فعن الأكثر أنها تورّث ، للمرسل عن النبي صلى الله عليه وسلم (ما ترك الميت من حق فهو لوارثه) (1) ، وكما يندرج فيه حق الخيار وحق القذف بلا خلاف فيندرج فيه حق الشفعة.

وعن الشيخ في النهاية وابن البراج وابن حمزة في الوسيلة والطبرسي أنها لا تورّث ، ونسبه في المبسوط إلى الأكثر ، تعويلا على خبر محمد بن يحيى عن طلحة بن زيد عن جعفر عن أبيه عن علي عليهم السلام أنه قال (لا شفعة إلا لشريك غير مقاسم وقال : إن رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم قال : لا يشفع في الحدود ، وقال : لا تورث الشفعة) (2) ، ولكن في السند ضعف ، إذ طلحة بن زيد تبري ، ومحمد بن يحيى غير معروف.

(10) من توريثها فهي على حدّ ما يورّث المال ، لأنها حق مالي ، فيرث الذكر ضعف الأنثى ،

ص: 524


1- 1. الجواهر ج 37 ص 391 ، وإن علّق بأنه لا مصدر لهذا المرسل في كتب الفريقين ، وإنما هو مشتهر على ألسنة الفقهاء ، وأما الموجود في الكتب (من مات وترك مالا فلورثته) كما في الوسائل الباب - 3 - من أبواب ولاء ضمان الجريرة والإمامة حديث 4.
2- 2. الوسائل الباب - 12 - من كتاب الشفعة حديث 1.

فی أنه یجب تسلیم الثمن أوّلا

سهامهم ، لا على رءوسهم. فللزوجة مع الولد الثمن ، ولو عفى أحد الورّاث عن نصيبه لم تسقط (1) ، لأن الحق للجميع ، فلا يسقط حق واحد بترك غيره (فلو عفوا إلا واحدا أخذ الجميع ، أو ترك) حذرا من تبعض الصفقة على المشتري ، ولا يقدح هنا (2) تكثّر المستحق وإن كانوا شركاء (3) ، لأن أصل الشريك متحد ، والاعتبار بالوحدة عند البيع ، لا الأخذ.

(ويجب تسليم الثمن أوّلا (4) جبرا) لقهر المشتري (ثم الأخذ) (5) أي تسلم

______________________________________________________

بلا خلاف فيه ، وعن بعض الشافعية أنها تورث على الرءوس وعدد الورّاث لا على فروضهم ، وهو ضعيف لعدم المخصص لكيفية إرث الشفعة عن بقية الموروث ، بل الشفعة مثله.

وعلى المختار أيضا فلو عفى أحد الورّاث عن نصيبه لم تسقط الشفعة ، وإن قلنا بكونها على الفورية وقلنا بسقوطها إذا عفا المورّث ، لأن الحق لا يسقط بعفو البعض بعد كون الحق للجميع ، وعليه فمن لم يعف إما أن يأخذ الجميع أو يترك لئلا تتبعض الصفقة على المشتري.

(1) أي الشفعة.

(2) أي عند توريث الشفعة ، وهذا دفع وهم ، أما الوهم فإنه يشترط في الشفيع أن يكون واحدا فلو تعدد الشركاء فلا شفعة كما تقدم فكيف تثبت الشفعة هنا لأكثر من واحد من الورّاث.

وأما الدفع فالمعتبر هنا حال البيع لا حال الأخذ ، لأن المعتبر هو وقت ثبوت الحق وهو حال البيع ، وفي هذه الحالة كان الشريك واحدا ، لأن المورّث واحد ولذا ثبتت الشفعة ، وإن كان بعد ثبوتها قد انتقلت إلى المتعدد بالإرث.

(3) أي شركاء في حق الشفعة.

(4) أي في الشفعة ، فيجب على الشفيع أولا دفع الثمن حتى يدفع المشتري بعد ذلك في المبيع ، وقال الشارح في المسالك : (وإنما اعتبر هنا دفع الثمن أولا ، ولم يعتبر ذلك في غيره من المعاوضات كالبيع ، بل اعتبر التسليم معا ، لأن هذه معاوضة قهرية أخذ المعوض فيها بغير رضا المشتري فيجبر - أي قهره - بتسليم الثمن إليه أولا ، بخلاف البيع فإن مبناه على الاختيار ، فلم يكن أحد المتبايعين أولى بالبداءة من الآخر ، وهذه في الحقيقة علة مناسبة ، لكن لا دلالة في النصوص عليها ، وإثباتها بمجرد ذلك لا يخلو من إشكال ، نعم اعتبرها العامة في كتبهم ، وهي مناسبة على قواعدهم) انتهى ، وقواعدهم هي الاستحسان الذي هو أصل لهم وهم أصله.

(5) أي أخذ الشفيع المبيع بالشفعة.

ص: 525

المبيع ، لا الأخذ بالشفعة القولي ، فإنه (1) متقدم على تسليم الثمن مراعاة للفورية (إلا أن يرضى الشفيع بكونه) أي الثمن (في ذمته) (2) فله (3) أن يتسلم المبيع أولا ، لأن الحق في ذلك (4) للمشتري ، فإذا أسقطه برضاه بتأخير الثمن في ذمة الشفيع فله ذلك.

والمراد بالشفيع هنا المشتري لما ذكرناه (5) ، إما تجوزا لكونه سببا في إثبات الشفيع ، أو وقع سهوا.

(ولا يصح (6) الأخذ إلا بعد العلم بقدره (7) ، ...

______________________________________________________

(1) أي الأخذ بالشفعة القولي.

(2) أي ذمة الشفيع ، وحق العبارة أن تكون إلا أن يرضى المشتري بكون الثمن في ذمة الشفيع بطريق الدين ، ومن هنا فسر كلام الماتن بعدة تفسيرات :

الأول : ما عن الشارح هنا في روضته أن المراد من لفظ الشفيع هو المشتري تجوزا ، لأن المشتري سبب في إثبات الشفيع خارجا ، وقد أطلق المسبّب على السبب.

الثاني : ما عن الشارح هنا في روضته أيضا أن هذا التعبير عن المشتري بلفظ الشفيع من باب سهو القلم.

الثالث : ما عن الشارح أيضا في حاشيته على اللمعة كما في الطبعة الحجرية حيث قال : (بتقدير اللام ، أي للشفيع بكون الثمن في ذمة الشفيع بطريق الدين).

الرابع : أن يجعل لفظ الشفيع في عبارة الماتن منصوبا ، ويكون المعنى : إلا أن يرضى المشتري عن الشفيع ، وقد حذف لفظ المشتري ونصب الشفيع للدلالة على أنه في محل نصب.

الخامس : أن يجعل لفظ (يرضى) من باب الإفعال أي (يرضي) ، فيكون المعنى : إلا أن يرضي الشفيع المشتري بكون الثمن في ذمته ، أي في ذمة الشفيع.

(3) أي للشفيع حينئذ أن يتسلم المبيع أولا إن رضي المشتري بإبقاء الثمن دينا.

(4) في تسليم الثمن أولا.

(5) من أن الحق في ذلك للمشتري.

(6) للشفيع.

(7) أي بقدر الثمن وكذا الضمائر الآتية ، هذا وأعلم أنه إذا بلغ الشفيع البيع فقال : أخذت بالشفعة ، فإن كان عالما بالثمن صح الأخذ وترتب الأثر عليه ، وإن كان جاهلا لا يصح ، لأن الأخذ بالشفعة في معنى المعاوضة ، حيث يؤخذ الشقص بالثمن الذي بيع

ص: 526

فی ما لو انتقل الشقص

وجنسه) ، ووصفه ، لأنه (1) معاوضة تفتقر إلى العلم بالعوضين (فلو أخذه (2) قبله (3) لغى (4) ولو قال (5) : أخذته (6) بمهما كان) (7) ، للغرر ، ولا تبطل بذلك (8) شفعته ، ويغتفر بعد اجتماعه (9) بالمشتري السؤال (10) عن كمية الثمن والشقص بعد السلام والكلام المعتاد.

(ولو انتقل الشقص بهبة (11) ، أو صلح ، أو صداق فلا شفعة) لما تقدم في

______________________________________________________

به ، فيشترط علم الشفيع بالثمن حين الأخذ حذرا من الغرر اللازم على تقدير الجهل ، فالثمن ينقص ويزيد والأغراض تختلف فيه قلة وكثرة.

وعليه فلا يكفي الأخذ بالشفعة مع عدم العلم بالثمن جنسا أو قدرا أو وضعا ، وإن رضي بالثمن مهما كان ، لأن دخوله على تحمل الغرر لا يدفع حكمه المترتب عليه شرعا من بطلان المعاوضة مع النهي عن الغرر ، ويكون مثله مثل ما لو أقدم المشتري على الشراء بالثمن المجهول ورضي به.

هذا ومع الجهل بالثمن يبطل الأخذ خاصة دون الشفعة ، فيجدد الأخذ حين العلم بالثمن.

(1) أي الأخذ بالشفعة.

(2) أي أخذ الشفيع الشقص.

(3) قبل العلم بالثمن.

(4) أي الأخذ.

(5) أي الشفيع.

(6) أي أخذت الشقص.

(7) أي الثمن فأيضا يبطل ، وتكون (لو) وصلية.

(8) أي ببطلان الأخذ.

(9) أي اجتماع الشفيع.

(10) فالعلم بالثمن والعلم بكمية الشقص المباع مع السؤال عن صحة المشتري والسلام عليه من الأعذار الشرعية كالعلم بالثمن ، أو العرفية كالسلام.

(11) يشترط في ثبوت الشفعة للشريك انتقال حصة شريكه لثالث بالبيع ، فلو انتقلت حصة شريكه لثالث بصدقة أو هبة أو صداقا أو صلحا فلا شفعة على المشهور ، لظهور النصوص في تخصيص الشفعة بالبيوع ، ففي حسنة الغنوي عن أبي عبد الله عليه السلام (الشفعة في البيوع) (1) ، وفي مرسل يونس عن أبي عبد الله عليه السلام (إذا كان الشي ء بين

ص: 527


1- 1. الوسائل الباب - 2 - من كتاب الشفعة حديث 1.

تعريفها (1) من اختصاصها بالبيع ، وما ذكر (2) ليس بيعا حتى الصلح بناء على أصالته (3) ، (ولو اشتراه (4) بثمن كثير ثم عوّضه عنه بيسير (5) ، أو أبرأه (6) من

______________________________________________________

شريكين فباع أحدهما نصيبه فشريكه أحق به من غيره) (1) ، وهي تدل على حصرها بالبيع ، إما لمفهوم الوصف كما في الخبر الأول ، وإما لمفهوم الشرط كما في الخبر الثاني ، فقول الشارح في المسالك : (وليس عليه دليل صريح وإنما تضمنت الروايات ذكر البيع ، وهو لا ينافي ثبوتها بغيره ، ومن ثم خالف ابن الجنيد فأثبتها بمطلق النقل حتى الهبة بعوض وغيره ، لما أشرنا إليه من عدم دليل يقتضي التخصيص) انتهى كلامه ، فهذا القول ليس في محله لأن لفظ البيع لم يذكر لأنه المسئول عنه فقط ، بل علقت الشفعة عليه وصفا أو شرطا ، وهو يدل على الحصر عرفا.

هذا واعلم أنه يجوز للشريك البائع أن يحتال بإسقاط شفعة شريكه ، وذلك لو نقل حصته لثالث بغير البيع ، لأن الشفعة مختصة بالبيع كما عرفت.

(1) أي تعريف الشفعة.

(2) من الهبة والصلح والصداق.

(3) أي أنه أصل مستقل كما عليه المشهور ، وأما على قول الشيخ في المبسوط من أنه إذا أفاد فائدة البيع فهو بيع فتثبت فيه الشفعة حينئذ.

(4) أي اشترى الثالث الشقص.

(5) أي عوّض المشتري البائع عن الثمن الكثير بقدر يسير.

(6) أي أبرأ البائع المشتري من الأكثر ، أي أكثر الثمن ، هذا وأعلم أنه لو باع الشريك حصته لثالث بثمن أكثر من ثمن المثل ، وقبض من المشتري أقل من ثمن العقد وقد أبرأه ومن الباقي ، إما اتفاقا أو تواطئا على ذلك قبل البيع لأجل صرف الشفيع عن الأخذ بالشفعة ، صح ذلك ووجب على الشفيع إذا أراد الأخذ بالشفعة أن يدفع ثمن العقد ، لا الثمن الذي دفعه المشتري فعلا ، بلا خلاف في ذلك ، لظهور الأخبار من أن الشفيع عليه ثمن العقد ، ففي حسنة الغنوي المتقدمة (فهو أحق بها من غيره بالثمن) (2) ، أي ثمن العقد.

وكذا يجوز للشريك بيع حصته بثمن ثم يتواطأ مع المشتري على أن يدفع عوض الثمن شيئا يسيرا لأجل صرف الشفيع عن الأخذ بالشفعة.

ثم لو خالف البائع مقتضى المواطاة وطالب المشتري بدفع ثمن العقد فيجب على المشتري

ص: 528


1- 1. الوسائل الباب - 7 - من كتاب الشفعة حديث 2.
2- 2. الوسائل الباب - 2 - من كتاب الشفعة حديث 1.

الأكثر) ولو (1) حيلة على تركها (أخذ الشفيع بالجميع) (2) إن شاء ، لأنه (3) الثمن والباقي (4) معاوضة جديدة ، أو إسقاط (5) لما ثبت. ومقتضى ذلك (6) أن الثمن الذي وقع عليه العقد لازم للمشتري (7) ، وجائز للبائع أخذه (8) ، وإن كان بينهما (9) مواطاة على ذلك (10) ، إذ لا (11) يستحق المشتري أن يأخذ من الشفيع إلا ما ثبت في ذمته (12) ، ولا يثبت في ذمته (13) إلا ما يستحق البائع المطالبة به.

وقال في التحرير : لو خالف أحدهما ما تواطيا عليه (14) فطالب (15) صاحبه بما أظهر له (16)

______________________________________________________

دفعه لأن التواطؤ وعد من البائع ومخالفة الوعد لا تبطل العقد وإن أثم البائع بالمخالفة المذكورة إلا أن يكون التواطي شرطا في العقد فيجب الوفاء به للزوم الوفاء بالشرط ، ولم يخالف في ذلك كله إلا العلامة في التحرير وسيأتي نص كلامه في الروضة.

(1) أي ولو كان التعويض أو الإبراء حيلة منهما على ترك الشفعة من قبل الشفيع.

(2) أي جميع ثمن العقد.

(3) أي الجميع.

(4) من التعويض باليسير فهو معاوضة جديدة بين البائع والمشتري.

(5) من إبراء الأكثر فهو إسقاط من البائع لما ثبت له في ذمة المشتري.

(6) أي والمقتضي لذلك.

(7) بأن يدفعه إلى البائع.

(8) لأن الناس مسلطون على أموالهم ، فلا يلزم البائع بقبضه بل يجوز له إخراجه عن ملكه بإسقاطه بالمعاوضة عليه باليسير.

(9) بين البائع والمشتري.

(10) من التعويض أو الإبراء.

(11) تعليل لوجوب أخذ الشفيع بجميع الثمن.

(12) بسبب عقد البيع.

(13) أي ذمة المشتري.

(14) يمكن تصوير مخالفة البائع للمواطاة ، لأنه سيطالب بالأكثر لو خالف ، وأما تصوير مخالفة المشتري للمواطاة حتى يدفع الأكثر لو خالف فهو غير ممكن عقلائيا ، بحيث لا يقدم عليه العاقل الرشيد المحافظ على ماله.

(15) أي المخالف للمواطاة.

(16) المحكي عن التحرير : بما ظهر ، وهو الأوفق ، لأن المراد به هو الثمن الذي ظهر في العقد.

ص: 529

فی ما لو اختلفا

لزمه (1) في ظاهر الحكم ويحرم عليه (2) في الباطن ، لأن صاحبه (3) إنما رضي بالعقد المتواطي ، (أو ترك (4) الشفيع) الأخذ لما يلزمه من الغرم (5).

(ولو اختلف الشفيع والمشتري في) مقدار (الثمن حلف المشتري) (6) على المشهور ، لأنه (7) أعرف بالعقد ، ولأنه (8) المالك فلا يزال ملكه إلا بما يدعيه.

ويشكل بمنع كون حكم المالك كذلك (9) مطلقا (10) وقد تقدم قبول قول

______________________________________________________

(1) أي لزم المشتري دفع الثمن الذي ظهر في العقد.

(2) أي ويحرم على البائع أخذه واقعا.

(3) أي صاحب المخالف ، فلو كان المخالف هو البائع فصاحبه وهو المشتري قد رضي بالعقد الذي ذكر فيه الثمن على أساس المواطاة ، لا مطلقا ، وقد عرفت ضعفه مما تقدم فلا نعيد.

(4) عطف على قول الماتن (أخذ الشفيع بالجميع).

(5) وهو تمام الثمن في العقد.

(6) فلو اختلفا في مقدار الثمن بعد اتفاقهما على وقوع الشراء ، فقال المشتري : ألف مثلا ، فقال الشفيع : خمسمائة ، ولا بينة لأحدهما ، فالقول قول المشتري مع يمينه على المشهور ولم يخالف إلا ابن الجنيد والشارح ، وقد استدل للمشهور بأدلة :

الأول : إن المشتري هو أعرف بالعقد وما وقع عليه من الشفيع.

الثاني : إن المشتري هو المالك فلا ينتزع الشي ء من تحت يده إلا بما يدعيه.

الثالث : لأنه ذو اليد فيقدم قوله مع يمينه.

الرابع : إن المشتري منكر ، لأن المشتري لا دعوى له على الشفيع ، إذ لا يدعي شيئا في ذمته ولا تحت يده ، وإنما يدعي الشفيع استحقاق ملكه بالشفعة بالقدر الذي يعترف به الشفيع ، والمشتري ينكره ، ولا يلزم من قول المشتري : إني اشتريته بالألف ، وإن كان أكثر ، أن يكون مدعيا على الشفيع ، وإن كان مدعي الأكثر مدعيا بحسب الأصل ، إلا أن المشتري هنا ليس كذلك ، لأنه لا يدعي تغريم الشفيع بالألف لأنه لم يطلب الأخذ بالشفعة.

وقد ناقشهم الشارح في هذه ، وستأتي المناقشة.

(7) أي المشتري ، وهو الدليل الأول للمشهور.

(8) أي المشتري وهو الدليل الثاني للمشهور.

(9) أي هو المقدم مع يمينه ، لأنه منكر.

(10) أي في كل الموارد.

ص: 530

المنكر (1) في كثير (2) خصوصا مع تلف العين ، وعموم «اليمين على من أنكر» وارد هنا (3) ، ومن ثم ذهب ابن الجنيد إلى تقديم قول الشفيع ، لأنه منكر. والاعتذار للأول (4) بأن المشتري لا دعوى له على الشفيع ، إذ لا يدّعي شيئا في ذمته ، ولا تحت يده ، إنما الشفيع يدعي استحقاق ملكه (5) بالشفعة بالقدر الذي يدعيه ، والمشتري ينكره ولا يلزم من قوله (6) : اشتريته بالأكثر ، أن يكون (7) مدعيا عليه (8) وإن كان (9) خلاف الأصل (10) ، لأنه (11) لا يدّعي استحقاقه إياه (12) عليه ، ولا

______________________________________________________

(1) أي منكر الزيادة وإن لم يكن مالكا.

(2) أي كثير من الموارد ، كما لو اختلف المؤجر والمستأجر في قدر الأجرة ، فيقدم قول منكر الزيادة وإن كان مستأجرا مع أنه ليس بمالك ، وكذا لو اختلف المتبايعان في مقدار الأجل بعد الاتفاق على التأجيل ، فيقدم قول المنكر ولو كان مشتريا مع أنه ليس بمالك ، وكذا إذا اختلف المتبايعان في قدر الثمن ، فيقدم قول المشتري مع يمينه خصوصا في صورة تلف العين ، وقد وردت الرواية بذلك كما حرر ذلك في أبوابه فراجع ، وفي هذا رد على دليلهم الثاني.

(3) وهو رد لدليلهم الأول وحاصل الرد أن الشفيع لا ينازع في أصل البيع ولا في ثبوت الشفعة ، وإنما النزاع في القدر الواجب دفعه عند الأخذ بالشفعة فالمشتري يدعي الزيادة والشفيع منكر فيندرج تحت عموم (البينة على من ادعى واليمين على من أنكر) (1).

(4) وهو تقديم قول المشتري مع يمينه ، والاعتذار له بمعنى الاستدلال له ، وهذا عرض لدليلهم الرابع ، ولا نعيد.

(5) أي ملك الشقص من باب إضافة المصدر إلى المفعول.

(6) أي قول المشتري.

(7) أي المشتري.

(8) على الشفيع.

(9) أي جعل مدعي الأكثر ليس مدعيا.

(10) إذ الأصل أن مدعي الأكثر مدع.

(11) أي لأن المشتري ، وهو تعليل لعدم لزوم كون المشتري مدعيا.

(12) أي استحقاق المشتري للأكثر على الشفيع ، ولا يطلب المشتري تغريم الشفيع بالأكثر ، لأنه لا يطلب منه الأخذ بالشفعة.

ص: 531


1- 1. الوسائل الباب - 25 - من كتاب الشفعة حديث 3.

يطلب تغريمه إياه إنما يتم (1) قبل الأخذ بالشفعة ، أما بعده (2) فالمشتري يدّعي الثمن في ذمة الشفيع. ويأتي فيه (3) جميع ما سبق (4).

لا يقال : إنه لا يأخذ (5) حتى يستقر أمر الثمن ، لما تقدم من اشتراط العلم بقدره (6) ، فما داما متنازعين لا يأخذ (7) ويتجه الاعتذار (8). لأنا نقول : المعتبر في أخذه (9) علمه بالقدر بحسب ما عنده (10) ، لا على وجه يرفع الاختلاف ، فإذا زعم العلم بقدره جاز له الأخذ ووقع النزاع فيه (11) بعد تملكه للشقص ، فيكون المشتري هو المدّعي.

ويمكن أيضا (12) أن يتملك (13) الشقص برصاء المشتري قبل دفع الثمن ثم يقع التنازع بعده (14) فيصير المشتري مدعيا. وتظهر الفائدة (15) لو أقاما بينة فالحكم

______________________________________________________

(1) شروع في رد هذا الدليل الرابع ، والجملة واقعة في محل رفع خبر للاعتذار.

(2) أي بعد الأخذ بالشفعة ، فالمشتري يدعي ثبوت الأكثر في ذمة الشفيع ، والشفيع منكر فيقدم قوله مع يمينه.

(3) في كون النزاع بعد الأخذ بالشفعة.

(4) من كون الشفيع منكرا فيقدم قوله مع يمينه وإن لم يكن مالكا ، لعموم اليمين على من أنكر.

(5) أي لا يصح الأخذ من الشفيع.

(6) أي بقدر الثمن.

(7) أي لا يصح الأخذ لعدم العلم بقدر الثمن.

(8) لأن النزاع دائما يكون قبل الأخذ بالشفعة.

(9) أي أخذ الشفيع.

(10) أي ما عند الشفيع.

(11) في الثمن بعد تملك الشفيع الشقص ، فيكون منكرا كما توضح بيانه فيما سبق.

(12) جواب ثان عن الإشكال الذي أورده بلفظ : (لا يقال).

(13) أي الشفيع فيتملك الشقص برضا المشتري على أن يكون الثمن في ذمة الشفيع ، ثم بعد التملك الواقع قبل دفع الثمن قد وقع النزاع في قدره.

(14) بعد التملك.

(15) بين القولين ، فعلى المشهور فالمشتري منكر فلو قدم بيّنة مع بينة الشفيع قدمت بينة الشفيع ، لأنه مع تعارض البينات تقدم بينة المدعي ، لأنها من وظيفته ، والمنكر وظيفته

ص: 532

لبينة الشفيع على المشهور ، وبينة المشتري على الثاني.

(ولو ادعى أن شريكه اشترى بعده) (1) وأنه (2) يستحق عليه (3) الشفعة فأنكر الشريك التأخر (4) (حلف الشريك) لأنه منكر ، والأصل عدم الاستحقاق ، (ويكفيه (5) الحلف على نفي الشفعة) (6) وإن أجاب بنفي التأخر (7) لأن الغرض (8) هو الاستحقاق فيكفي اليمين لنفيه (9). وربما كان (10) صادقا في نفي

______________________________________________________

اليمين فقط ولا تسمع منه البينة والمدعي هنا الشفيع ، لذا قدمت بينته ، بخلاف قول ابن الجنيد فمع تعارض البينات منهما تقدم بينة المشتري ، لأنه المدعي حينئذ.

(1) إذا ادعى أحد الشريكين أن شريكه اشترى بعده على وجه يستحق عليه الشفعة فأنكر الآخر ، ومثاله ما لو باع شخص نصف ملكه مشاعا ، فيصير المشتري شريكا في النصف ، ثم باع المالك النصف الآخر لآخر ، فيصير المشتريان شريكين ، وقد ادعى أحدهما أن شريكه اشترى بعده ليأخذ منه النصف بالشفعة فأنكر ، ويقدم قول المنكر مع يمينه ، بلا خلاف فيه ولا إشكال كما في الجواهر ، لأصالة عدم تحقق شرط الشفعة ، وهو بيع حصة شريكه حال الشراكة.

وعليه فلو حلف المنكر أنه لا يستحق عليّ شفعة جاز ، ولا يكلف المنكر باليمين على أنه لم يشتر بعد المدعي ، وإن كان المنكر قد أجاب بذلك ، بلا خلاف فيه منا ، وعن بعض الشافعية التفصيل من أن المنكر إن أجاب بنفي الشفعة فيكفيه اليمين على نفيها ، وإن أجاب بنفي الشراء بعد شراء المدعي ، فلا يكتفى منه بالحلف على نفي الشفعة ، بل لا بدّ من الحلف على نفي الشراء.

وردّ بأن الغرض من الحلف على نفي الشفعة حاصل وإن أجاب بعدم تأخر الشراء ، لأن غاية هذا الجواب هو نفي الشفعة عنه.

(2) أي المدعي.

(3) أي على المشتري الآخر الذي اشترى بعد شراء المدعي.

(4) أي التأخر في الشراء.

(5) أي للمنكر.

(6) وهو الأخص.

(7) أي بنفي تأخر الشراء ، وهو الأعم ، ونفي التأخر أعم لأن الشراء قد يقع متأخرا وتسقط الشفعة بإحدى مسقطاتها.

(8) من إنكار تأخر الشراء.

(9) أي لنفي استحقاق الشفعة عليه.

(10) أي المنكر.

ص: 533

الاستحقاق (1) وإن كان الشراء متأخرا لسبب من الأسباب المسقطة للشفعة فلا يكلف الحلف على نفيه (2).

ويحتمل لزوم حلفه على نفي التأخّر على تقدير الجواب به (3) ، لأنه (4) ما أجاب به (5) إلا ويمكنه الحلف عليه (6) ، وقد تقدم مثله في القضاء ، (ولو تداعيا السبق (7) تحالفا) ، لأن كل واحد منهما مدّع ، ومدّعى عليه فإذا تحالفا استقر ملكهما لاندفاع دعوى كل منهما بيمين الآخر (ولا شفعة) ، لانتفاء السبق.

______________________________________________________

(1) أي في نفي استحقاق الشفعة.

(2) أي على نفي الاستحقاق.

(3) بنفي تأخر الشراء كما عن بعض الشافعية.

(4) أي الشأن والواقع.

(5) بنفي التأخر.

(6) وأيضا قد وقع منه نفي التأخر فيجب أن تكون اليمين على ما قد وقع.

(7) السبق في الشراء ، فكل منهما يدعي السبق في الشراء وينكرها الغير ، فكل منهما مدع ومنكر فيتحالفان ، ويثبت ملكهما ولا شفعة لأحدهما على الآخر.

ص: 534

کتاب السبق و الرمایة

اشارة

كتاب السبق والرماية

ص: 535

ص: 536

فی معنی السبق و الرمایة

(كتاب السبق (1) والرماية (2)

(السبق والرماية) وهو عقد شرّع لفائدة التمرن على مباشرة النضال

______________________________________________________

(1) السبق بسكون الباء مصدر (سبق) كضرب مصدر (ضرب) ، وفي الصحاح جعله مصدر (سابق) ، وكلاهما صحيح ، إلا أن الثاني أوفق ، لأن الواقع في معاملة السبق كون العمل بين اثنين فصاعدا ، فباب المفاعلة به أولى.

وأما السبق بتحريك الباء فهو العوض المبذول لمن سبق أولا ، ويقال له الخطر ، بالتحريك ، والندب بالتحريك أيضا ، ويقال له : الرهن والسبق عرفا وكذا المسابقة إجراء الخيل وما شابهها في حلبة السباق ، ليعلم الأجود منها ، والأفرس من الرجال المتسابقين.

(2) والرمي والرماية هي المناضلة بالسهام ليعلم حذق الرامي ومعرفته بمواقع الرمي.

أما مشروعيتها فمن الكتاب قوله تعالى : ( وَأَعِدُّوا لَهُمْ مَا اسْتَطَعْتُمْ مِنْ قُوَّةٍ وَمِنْ رِبٰاطِ الْخَيْلِ تُرْهِبُونَ بِهِ عَدُوَّ اللّٰهِ وَعَدُوَّكُمْ ) (1) وقال تعالى حكاية عن إخوة يوسف ( يٰا أَبٰانٰا إِنّٰا ذَهَبْنٰا نَسْتَبِقُ وَتَرَكْنٰا يُوسُفَ عِنْدَ مَتٰاعِنٰا ) (2) وهو ظاهر في مشروعية السبق في الجملة ، ومن السنة أخبار.

منها : مرفوع عبد الله بن المغيرة (قال رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم في قول الله وأعدوا : إنه الرمي) (3) وخبر أبي بصير عن أبي عبد الله عليه السلام (ليس شي ء تحضره الملائكة إلا الرهان ، وملاعبة الرجل أهله) (4) ، وخبر عبد الله بن المغيرة (قال رسول الله صلى الله عليه وسلم : كل لهو المؤمن باطل إلا

ص: 537


1- 1. سورة الأنفال ، الآية : 60.
2- 2. سورة يوسف ، الآية : 18.
3- 3. الوسائل الباب - 2 - من كتاب السبق والرماية حديث 3.
4- 4. الوسائل الباب - 1 - من كتاب السبق والرماية حديث 4.

فی من ینعقد منه السبق و الرمایة و ما ینعقد علیه

والاستعداد لممارسة القتال. والأصل فيه قوله صلى الله عليه وآله وسلم : «لا سبق إلا في نصل ، أو خف ، أو حافر (1)» وقوله صلى الله عليه وآله وسلم (2). «إن الملائكة لتنفر عند الرهان وتلعن صاحبه ما خلا الحافر ، والخف ، والريش ، والنصل».

(وإنما ينعقد السبق) (3) بسكون الباء (من الكاملين) بالبلوغ ، والعقل (4) (الخاليين من الحجر) (5) ، لأنه يقتضي تصرفا في المال (على الخيل والبغال ، والحمير) (6)

______________________________________________________

في ثلاث : في تأديبه الفرس ، ورميه عن قوسه ، وملاعبته امرأته ، فانهن حق) (1) ، وخبر حفص البختري عن أبي عبد الله عليه السلام (أنه كان يحضر الرمي والرهان) (2) ، ومثلها غيرها وفائدة السبق والرماية بعث النفس من الاستعداد للقتال ، والهداية لممارسة النضال ، وهي من أعظم الفوائد الدينية لما يحصل بها من غلبة العدو في الجهاد لأعداء الله تعالى شأنه ، الذي هو أعظم أركان الإسلام ، وبهذه الفائدة يخرج عن اللهو واللعب المنهي عن المعاملة عليهما.

(1) وهو خبر الحسين بن علوان عن أبي عبد الله عليه السلام عن أبيه عليه السلام (قال رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم : لا سبق إلا في حافر أو نصل أو خف) (3) ، أو خبر حفص عن أبي عبد الله عليه السلام (لا سبق إلا في خف أو حافر أو نصل ، يعني النضال) (4).

(2) ففي مرفوعة الصدوق قال الصادق عليه السلام (إن الملائكة لتنفر عند الرهان وتلعن صاحبه ، ما خلا الحافر والخف والريش والنصل ، وقد سابق رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم أسامة بن زيد ، وأجرى الخيل) (5).

(3) أي عقد المسابقة المتضمن للجعل والرهن.

(4) لرفع القلم عن الصبي والمجنون.

(5) فلا ينعقد سبق المحجور عليه ، للمنع من التصرف المالي ، والجعل والرهن تصرف مالي.

(6) لأنه يجوز السبق على الحافر كما تقدم في الأخبار ، والحافر للدابة كالقدم للإنسان ، وهذا يندرج تحته الخيل البغال والحمير لكونها من ذوات حافر ، بلا خلاف في ذلك عندنا كما في المسالك ، وخالف بعض العامة في جواز المسابقة على البغال والحمير ، وأنهما لا

ص: 538


1- 1. الوسائل الباب - 1 - من أبواب السبق والرماية حديث 5.
2- 2. الوسائل الباب - 2 - من أبواب السبق والرماية حديث 4.
3- (3 و 4) الوسائل الباب -3. من أبواب السبق والرماية حديث 4 و 1.
4- 4. الوسائل الباب - 1 - من أبواب السبق والرماية حديث 6.

وهي داخله في الحافر المثبت في الخبر ، (والإبل والفيلة) (1) وهما داخلان في الخف ، (وعلى السيف (2) ، والسهم ، والحراب (3) وهي داخلة في النصل ، ويدخل السهم في الريش على الرواية الثانية (4) إذا اشتمل عليه (5) ، تسمية للشي ء باسم جزئه ، وأطلق

______________________________________________________

يصلحان للكرّ والفرّ ، ولا يقاتل عليهما غالبا ، وفيه : أن كرّ كل حيوان وفرّه بحسب حاله ، وبالإضافة إلى شمول النص المتقدم لهما فقد قاتل أمير المؤمنين العدو على بغلة رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم (1).

(1) لا خلاف في جواز المسابقة على الخف لما تقدم من الأخبار ، والخف يشمل الابل والفيلة بلا خلاف فيه عندنا ، ولأن الابل تشارك الخيل في المعنى المطلوب منها حالة الحرب من الانعطاف وسرعة الإقدام ، ولذا كانت العرب تقاتل عليها ، وكذا الفيلة ولذا كانت قبائل الهند والحبشة تقاتل عليها ، ومنع بعض العامة من شمول المسابقة للفيلة ، لأنه لا يحصل بها الكر والفرّ ، وردّ بأنه اجتهاد في قبال النص بعد كون الخف شاملا لها ، مع أن فرّ وكر كل حيوان بحسبه.

(2) لا خلاف في جواز المسابقة على النصل لما تقدم من الأخبار ، ويدخل تحت النصل السهم والنشاب والحراب والسكين والسيف والرمح ، قال في الصحاح : النصل نصل السهم والسيف والسكين والرمح ، وقال في الصحاح أيضا : النشاب السهام.

ومما تقدم يظهر أن المحدّد كالدبوس ، والعصا لا يدخلان ، إلا إذا جعل في رأس العصا حديدة لتندرج تحت النصل.

(3) جمع حربة ، وهي الآلة من الحديد دون الرمح.

(4) وهي مرفوعة الصدوق ، إذ يراد من الريش السهم ذو الريش ، لا الطير ، لأنه يمنع من المسابقة في الطير كما سيأتي.

هذا وعطف النصل على السهم ذي الريش في المرفوعة من باب عطف العام على الخاص ، على أنه في خبر العلاء بن سيابة إسقاط النصل ، وإبداله بالريش ، وهذا يؤيد ما قلناه من كون المراد من الريش هو السهم الرائش ، ففي خبر العلاء بن سيابة عن أبي عبد الله عليه السلام (أن رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم قد أجرى الخيل وسابق ، وكان يقول : إن الملائكة تحضر الرهان في الخف والحافر والريش ، وما سوى ذلك فهو قمار حرام) (2).

(5) أي إذا اشتمل السهم على الريش.

ص: 539


1- 1. الجواهر ج 28 ص 219.
2- 2. الوسائل الباب - 3 - من أبواب السبق والرماية حديث 3.

السبق على ما يعم الرمي تبعا للنص (1) ، وتغليبا للاسم (2) ، (لا بالمصارعة ، والسفن ، والطيور ، والعدو) (3) ، ورفع الأحجار ، ورميها ، ونحو ذلك ، لدلالة الحديث السابق

______________________________________________________

(1) حيث ورد (لا سبق إلا في خف أو حافر أو نصل) كما في خبر حفص المتقدم (1) ، والمسابقة في الخف والحافر ، والنصل إذا أريد منه السهم فهو رمي ورماية.

(2) أي لاسم السبق على الرمي.

(3) لا تجوز المسابقة المشتملة على عوض وجعل بالطيور ، ولا بالقدم ، ولا بالسفن ولا بالمصارعة ولا بغير ذلك مما هو غير الخف والحافر والنصل ، بلا خلاف فيه ، ويدل عليه الأخبار المتقدمة الحاصرة لجواز المسابقة في الأمور الثلاثة ، والدالة على لعن الملائكة الرهان في غير الأمور الثلاثة ، وأنه قمار حرام كما في خبر العلاء بن سيابة المتقدم.

نعم عن بعض العامة جواز المسابقة بالجميع مع الرهن والعوض ، لأن الطيور مما يمكن الاحتياج إليها في الحرب بحمل الكتب واستعلام حال العدو ، وكذا المسابقة بالأقدام ، لأن الحرب على القدم متعارف كالحرب بالسفن ، فتصح المسابقة فيهما لما فيهما من الاستعداد للقتال ، وللنبوي المروي من طرق العامة (أنه صلى الله عليه وآله وسلم سابق عائشة بالقدم مرتين ، سبق في إحداهما وسبق في الآخر ، وأنه صارع ثلاث مرات ، كل مرة على شاة ، فصرع خصمه في الثلاث وأخذ منه ثلاث شياه) (2).

والخبر لم يثبت عندنا ، بل الظاهر ثبوت خلافه ، وهو الخبر المتقدم المفيد للحصر. ثم لو خلت هذه الأمور من العوض فهل يجوز السبق فيها أو لا على قولين ، فالمشهور على المنع ، لحرمة اللعب واللهو الشاملين لهذه الأمور ، وتمسكا بالأخبار السابقة الحاصرة لجواز السبق في الأمور الثلاثة ، ووجه الاستدلال بها أن لفظ السبق الوارد فيها إنما هو على قراءة السكون ، وهو نفي المسابقة ، ومع حصر المسابقة في الأمور الثلاثة فلازمه المنع من المسابقة في غيرها مع عوض أو بدونه.

وعن جماعة منهم الشارح الجواز ، لأن المشهور في قراءة السبق فتح الباء ، والسبق بفتح الباء هو بذل العوض ، فالأخبار الحاصرة في الأمور الثلاثة تنفي مشروعية بذل العوض في غير الأمور الثلاثة ، وأما المسابقة في غير الأمور الثلاثة من دون عوض على ما هي عليه من أصالة جواز عملها مضافا لما يترتب عليها من فوائد ، تفيد الاستعداد للقتال ، وبهذه الفوائد تخرج عن اللهو اللعب ، على أن مطلق اللعب واللهو ليس بحرام.

ص: 540


1- 1. الوسائل الباب - 3 - من أبواب السبق والرماية حديث 1.
2- 2. المغني لابن قدامة ج 11 ص 127 - 129.

فی الإیجاب و القبول

على نفي مشروعية ما خرج عن الثلاثة.

هذا إذا تضمن السبق بذلك (1) العوض ، أما لو تجرد عنه (2) ففي تحريمه (3) نظر ، من دلالة النص (4) على عدم مشروعيته ، إن روي السبق بسكون الباء ليفيد نفي المصدر ، وإن روي بفتحها كما قيل (5) : إنه (6) الصحيح رواية ، كان المنفي (7) مشروعية العوض عليها (8) ، فيبقى الفعل (9) على أصل الإباحة ، إذ لم يرد شرعا ما يدل على تحريم هذه الأشياء ، خصوصا مع تعلق غرض صحيح بها (10). ولو قيل بعدم ثبوت رواية الفتح فاحتمال الأمرين يسقط دلالته (11) على المنع (12).

(ولا بدّ فيها (13) من إيجاب وقبول على الأقرب) (14) ، لعموم قوله تعالى :

______________________________________________________

(1) أي بالمصارعة ونظائرها.

(2) أي تجرد السبق عن العوض.

(3) أي تحريم السبق بهذه الأمور المذكورة من المصارعة والسفن والطيور والعدو بغير عوض.

(4) شروع في دليل المنع ، والمراد بالنص هو الأخبار الحاصرة للسبق في الأمور الثلاثة ولازمه عدم مشروعية السبق في غيرها ، بناء على قراءة السبق بسكون الباء ، ليفيد أن المنفي هو مطلق المسابقة.

(5) بل هو في المسالك قال : (إن المشهور في الرواية فتح الباء).

(6) أي فتح الباء.

(7) لأن السبق بالفتح هو العوض.

(8) أي على هذه الأمور من المصارعة والسفن وكل ما عدا الثلاثة المتقدمة.

(9) أي فعل المصارعة ونظائرها بدون عوض على الإباحة.

(10) يخرجها عن اللعب واللهو.

(11) أي دلالة النص.

(12) أي منع فعل المصارعة ونظائرها بدون عوض ، لأنه إذا لم يثبت فتح الباء في الرواية فلا يثبت سكون الباء ، بل يبقى كل منهما محتمل ، ومع احتمال فتح الباء لا يصح التمسك بالخبر على المنع المتوقف على سكون الباء ، لأنه إذا جاء الاحتمال سقط الاستدلال.

(13) في المسابقة.

(14) لا بدّ في المسابقة من إيجاب وقبول ، كغيرها من العقود على المشهور ، فتكون لازمة لأصالة اللزوم في كل عقد وعن الشيخ والعلامة في المختلف إلى أنها جعالة ، فلا تفتقر إلى قبول ، ويكفي فيها البذل ، كما يكفي في الجعالة أن يقول : من ردّ عليّ عبدي فله

ص: 541

.................................................................................................

______________________________________________________

كذا ، وتكون حينئذ جائزة.

ثم إن البعض بنى الخلاف في اللزوم والجواز على أن المسابقة عقد أو إيقاع ، فعلى الأول تكون لازمة ، وعلى الثاني جائزة ، وبعضهم عكس فبنى كونهما عقدا أو إيقاعا على لزومها وجوازها بعد اتفاق الكثير منهم أنها لو كانت عقدا فهي إجارة ولو كانت إيقاعا فهي جعالة ، وذهب بعض المتأخرين إلى أنها عقد أو إيقاع مستقل.

ومنشأ الخلاف في الجميع أن المسابقة تتضمن عوضا على عمل ، وهذا معنى مشترك بين الإجارة والجعالة ، والمسابقة تشتمل على اشتراط العمل في استحقاق العوض ، وتشتمل على اشتراط كون العوض معلوما ، وهذا من خواص الإجارة.

والسابقة مما يجوز فيها إبهام العامل في السبق ، إذ يصح فيها جعل العوض لمن سبق مع عدم معرفته ، وتشتمل على جهالة ما يحصل من العامل ، إذ لا يعلم حصول السبق ، ولا يعلم إتمامه ، ويصح فيها بذل الأجنبي ، وهذه من خواص الجعالة.

ولذا وقع الخلاف في أنها إجارة فتفتقر مع الإيجاب إلى القبول ، وتكون عقدا ولازمة ، أو أنها جعالة يكفي فيها الإيجاب وتكون إيقاعا وجائزة.

ولكن فيها أحكام تختلف عن أحكام الإجارة والجعالة ، فالعوض لا يشترط اعتباره في المسابقة بخلاف الإجارة والجعالة ، والعمل راجع إلى العامل في المسابقة بخلاف الإجارة والجعالة فإنه راجع إلى الغير ، ولذا ذهب البعض إلى أن المسابقة.

عقد مستقل برأسه ، ويؤيده جعل المسابقة كتابا مستقلا في الفقه على غرار غيرها من العقود.

ثم بعد كل هذا فالظاهر أنها عقد ، إذ النزاع ليس في عقديتها وعدمه ، وإنما النزاع في لزومها وجوازها بعد المفروغية من أنها عقد ، كما يظهر من العلامة في المختلف وجماعة ، ولم يبحث في عقديتها إلا المحقق في الشرائع.

وعلى تقدير عقديتها فإن كان بعد حصول السبق فلا بد من القول بلزوم بذل العوض ، عملا بما وقع عليه العقد ، لعموم ( أَوْفُوا بِالْعُقُودِ ) (1) ، ولعموم (المؤمنون عند شروطهم) (2) ، وإن كان قبل حصول السبق ، سواء تلبس العامل والمسابق بالعمل أم لا فالأشبه الجواز ، لأنه التزام ببذل العوض عند حصول السبق ، وقبل الحصول يجوز له

ص: 542


1- 1. سورة المائدة ، الآية : 2.
2- 2. الوسائل الباب - 20 - من أبواب المهور حديث 4.

( أَوْفُوا بِالْعُقُودِ ) (1) ، والمؤمنون عند شروطهم وكل من جعله (2) لازما حكم بافتقاره إلى إيجاب وقبول (3).

وقيل : هو جعالة (4) لوجود بعض خواصها (5) فيه (6) ، وهي (7) : أن بذل العوض فيه (8) على ما لا يوثق بحصوله (9) وعدم تعيين العامل (10) ، فإن قوله : من سبق فله كذا غير متعين عند العقد ، ولأصالة عدم (11) اللزوم وعدم (12) اشتراط القبول ، والأمر بالوفاء بالعقد مشروط بتحققه (13) ، وهو (14) موضع النزاع.

سلمنا (15) لكن الوفاء به هو العمل بمقتضاه لزوما وجوازا ، وإلا لوجب الوفاء

______________________________________________________

الرجوع عن شرطه ، إذ لا دليل على وجوب الالتزام بما وعد ، بل حالها حال الجعالة حينئذ من أن لكل منهما فسخها ابتداء وفي الأثناء.

(1) المائدة ، آية : 2.

(2) جعل السبق.

(3) لأنه إجارة.

(4) فلا تحتاج إلى القبول ، بل يكفي البذل.

(5) أي خواص الجعالة.

(6) في السبق ، وهذا الدليل الأول على كونه جعالة.

(7) أي الخاصية.

(8) في السبق.

(9) وهو السبق ، إذ قد لا يحصل لتقارن المتسابقين.

(10) لأن السابق غير معلوم.

(11) أي استصحاب عدمه ، وهذا الدليل الثاني على كونه جعالة.

(12) فإذا شككنا في اشتراط القبول فالأصل عدم الاشتراط ، وهذا الدليل الثالث على كونه جعالة.

(13) أي بتحقق العقد.

(14) أي التحقق موضع النزاع ، فيكون التمسك بعموم الوفاء بالعقد تمسكا بالعام في الشبهة المصداقية ، وهو الدليل الرابع على كونه جعالة.

(15) أي سلمنا كون السبق عقدا ، ولكن عموم الوفاء بالعقد لا يدل على لزوم كل عقد ، وإنما يدل على وجوب الوفاء بالعقد كما هو طبعه ، فإن كان لازما فعلى نحو اللزوم ، وإن كان جائزا فعلى نحو الجواز ، وإلا لو كان عموم الوفاء بالعقد دالا على لزوم كل

ص: 543

فی العوض

بالعقود الجائزة ، وفيه (1) نظر ، لأن وجود (2) بعض الخواص لا يقتضي الاتحاد (3) في الحكم مطلقا (4). وأصالة عدم اللزوم (5) ارتفعت بما دل عليه ، والأصل في الوفاء (6) العمل بمقتضاه (7) دائما وخروج العقد الجائز تخصيص للعام فيبقى (8) حجة في الباقي. نعم الشك بقي في كونه (9) عقدا (10).

(وتعيين العوض) (11)

______________________________________________________

عقد لوجب أن تكون العقود الجائزة لازمة ، وهذا باطل بالاتفاق ، وهو استدلال للعلامة في المختلف ، ومحل النظر فيه النظر واضح ، لأن عموم الوفاء بالعقد دال على اللزوم في كل عقد كما هو ظاهر العموم ، والعقود الجائزة لو لا الدليل على جوازها لكانت لازمة بحسب العموم ولا ضير في ذلك.

(1) أي في القول إن السبق جعالة.

(2) رد للدليل الأول.

(3) بحيث يكون السبق متحدا مع الجعالة في الحكم مطلقا لزوما وجوازا.

(4) حتى في اللزوم والجواز.

(5) رد للدليل الثاني ، والمعنى أن أصالة العدم مرفوعة بما دل على اللزوم من الأمر بالوفاء بالعقد.

(6) رد للدليل الرابع بحسب شقه الثاني والمعنى أن الأمر بالوفاء بالعقد هو العمل بمقتضى العقد مطلقا ، وهذا هو اللزوم ، وأما العقود الجائزة فقد خرجت بالدليل إذ لولاه لقلنا بلزومها ، وخروجها عن العام لا يرفع حجية العام في الباقي.

(7) أي بمقتضى العقد.

(8) أي العام.

(9) أي كون السبق.

(10) وهذا تسليم من الشارح للشق الأول من الدليل الرابع.

(11) أي تقدير المال الذي يبذل للسابق ، فيشترط تعيينه جنسا وقدرا ، لأنه عوض عن فعل محلّل فيشترط فيه العلم ، فلو شرط مال ولم يعيّن أو تسابقا على ما سيتفقان عليه فيما بعد ، أو على ما يحكم به زيد بطل العقد للضرر ، ولافضائه إلى التنازع المخالف لحكمة الشارع.

نعم على القول بكون السبق جعالة فتجوز الجهالة في العوض على بعض الوجوه ، حيث لا يفضي إلى التنازع ، ولا يمنع من التسليم كجعل عبده الفلاني أو جزء منه.

هذا مع أن المال ليس بشرط في عقد المسابقة لخبر طلحة بن زيد (أغار المشركون على

ص: 544

وهو المال الذي يبذل للسابق منهما (1) قدرا ، وجنسا ، ووصفا.

وظاهر العبارة (2) ككثير : أنه (3) شرط في صحة العقد ، وفي التذكرة أنه ليس بشرط ، وإنما المعتبر تعيينه لو شرط. وهو حسن.

(ويجوز كونه (4)

______________________________________________________

سرح المدينة فنادى فيها مناد : يا سوء صباحاه ، فسمعها رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم ، فركب فرسه في طلب العدو ، وكان أول أصحابه ، ولحقه أبو قتادة على فرس له ، وكان تحت رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم سرج ، وفتاه من ليف ، ليس فيه أشر وبطر ، فطلب العدو فلم يلقوا أحدا ، وتتابعت الخيل ، قال أبو قتادة : يا رسول الله ، إن العدو قد انصرف ، فإن رأيت أن نستبق فقال : نعم ، فاستبقوا فخرج رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم سابقا ، ثم أقبل عليهم فقال : أنا ابن العواتك من قريش ، إنه لهو الجوار البحر) (1) ، وهو ظاهر في جواز المسابقة من دون مال ، ولكن يعتبر ضبطه على تقدير اشتراطه للضرر على ما تقدم.

(1) من المتسابقين.

(2) أي عبارة الماتن.

(3) أن المال.

(4) أي المال ، هذا واعلم أن السبق إذا تضمن مالا فإنه يصح ففي خبر غياث بن إبراهيم عن جعفر عن أبيه عن علي بن الحسين عليهم السلام (أن رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم أجرى الخيل وجعلها سبقها أواقي من فضة) (2). ومثله غيره.

وعليه فإما أن يكون المال من المتسابقين أو من أحدهما أو من ثالث ، والثالث إما الإمام أو غيره ، فالصور أربع.

أن يخرج المال الإمام ، وهو جائز باتفاق المسلمين كما في المسالك ، سواء كان من ماله أو من بيت المال ، لأن النبي صلى الله عليه وآله وسلم سابق بين الخيل وجعل بينها سبقا منه كما في خبر غياث المتقدم ، وخبر طلحة عن أبي عبد الله عليه السلام (أن رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم أجرى الخيل التي أضمرت من الحصى - الحفى خ ل - إلى مسجد بني زريق ، وجعل سبقها ثلاث نخلات ، فأعطى السابق عذقا ، أي نخلة ، وأعطى المصلّى عذقا ، وأعطى الثالث عذقا) (3) ومثلها

ص: 545


1- 1. الوسائل الباب - 1 - من أبواب السبق والرماية حديث 2.
2- 2. الوسائل الباب - 1 - من أبواب المسابقة حديث 1.
3- 3. الوسائل الباب - 4 - من أبواب المسابقة حديث 1.

منهما معا) (1) ، ومن أحدهما (2) ، وفائدته (3) حينئذ (4) أن البائع أن كان هو السابق

______________________________________________________

غيرها ، ولأن ذلك يتضمن حثا ، على تعلم الجهاد والفروسية وإعداد أسباب القتال ، وفيه مصلحة بين المسلمين وطاعة وقربة.

الثانية : أن يخرج المال غير الإمام ، ولم يكن من المتسابقين ، وهو جائز عندنا وعند أكثر العامة كما في المسالك ، لأنه بذل مال في طاعة وقربة ، بل يثاب عليه مع نية التقرب.

وعن بعض العامة أنه لا يجوز يجرح المال غير المتسابقين إلا الإمام ، لاختصاص النظر في الجهاد به ، وضعفه ظاهر ، لأن تهيئة أسباب الجهاد غير مختصة به ، بالإضافة إلى عموم الأخبار المسوّغة للسبق.

الثالثة : أن يخرج المال أحد المتسابقين بأن يقول لصاحبه : إن سبقت فلك عليّ عشرة ، وإن سبقت أنا فلا شي ء عليك ، وهو جائز عندنا للأصل ، وهو جواز المسابقة تمسكا بعموم الأخبار مع انتفاء المانع ، وعن بعض العامة لا يصح لأنه قمار ، وهو ضعيف ، لأنه اجتهاد في قبال النص.

الرابعة : أن يخرج المال كلا المتسابقين معا ، بأن يخرج كل واحد منهما عشرة دراهم مثلا ، على أن يحوز العشرين السابق منهما ، وهو جائز عندنا على المشهور تمسكا بعموم الأخبار.

وعن ابن الجنيد منا أنه لا يجوز إلا بوجود المحلّل ، وهو ثالث في السباق ، إن سبق آخذ السبقين ، وإن سبق لم يغرّم عملا برواية عامية وهي : رواية أبي هريرة عن النبي صلى الله عليه وآله وسلم (أنه قال : من أدخل فرسا بين فرسين وقد أمن أن يسبق فهو قمار ، ومن أدخل فرسا بين فرسين وهو لا يؤمن أن يسبق فليس بقمار) (1).

وفيها مع ضعف سندها عدم دلالتها ، إذ هي أجنبية عن المدعي ، حيث لا تدل على وجوب وجود المحلّل في المسابقة لو كان المال من المتسابقين ، وعن الشافعي اشتراط وجود المحلل مطلقا عند وجود المال حتى تصح المسابقة عملا بهذه الرواية ، وقد عرفت عدم دلالتها على لزوم وجوده.

وسمّى الثالث محلّلا ، لأنه على مذهب الشافعي أن عقد المسابقة حرام إلا بوجوده.

(1) هذه هي الصورة الرابعة.

(2) هذه هي الصورة الثالثة.

(3) دفع توهم ، وحاصل الوهم أنه لا فائدة في هذه الصورة ، وهي بذل المال من أحدهما بحيث إذا سبق فهو له ، ودفعه أن المال إذا سبق الباذل رجع إليه ، وإن سبق الغير ، أخذ الغير مال الباذل.

(4) حين البذل من أحدهما.

ص: 546


1- 1. الوسائل الباب - 4 - من كتاب السبق والرماية حديث 1.

فی عدم ما لا یشترط فیه و ما یشترط

أحرز ماله ، وإن كان غيره (1) أحرزه (ومن بيت المال) (2) لأنه (3) معد للمصالح وهذا منها ، لما فيه من البعث على التمرن على العمل المترتب عليه إقامة نظام الجهاد ، (ومن أجنبي) (4) سواء كان الإمام (5) أم غيره ، وعلى كل تقدير فيجوز كونه عينا (6) ، ودينا حالا ، ومؤجلا.

(ولا يشترط المحلّل) (7) وهو الذي يدخل بين المتراهنين بالشرط (8) في عقده (9) ، فيتسابق معهما من غير عوض يبذله ، ليعتبر (10) السابق منهما (11) ، ثم إن سبق (12) أخذ العوض ، وإن لم يسبق لم يغرم ، وهو بينهما كالأمين وإنما لم يشترط للأصل (13) ، وتناول ما دل على الجواز (14) للعقد الخالي منه (15) ، وعند بعض (16)

______________________________________________________

(1) أي وإن كان السابق غير الباذل أحرز مال الباذل.

(2) هذه هي الصورة الأولى.

(3) أي بيت المال.

(4) هذه هي الصورة الثانية.

(5) والبذل من ماله لا من بيت مال المسلمين.

(6) أي كون العوض ، هذا وقد عرفت أن المسابقة لا يشترط فيها ذكر العوض ، ولكن لو ذكر لكان مثله مثل بقية الأعواض الواقعة في المعاملات ، لأنه عوض عن عمل السابق ، فيصح كونه دينا وعينا ، وحالا ومؤجلا ، أو بعضه حالا والآخر مؤجلا ، كما يصح في بقية الأعواض.

(7) خلافا للشافعي في جميع صور المسابقة عند اشتمالها على المال ، وخلافا لابن الجنيد فيما لو كان المال من المتسابقين.

(8) متعلق بقوله : (يدخل).

(9) عقد السبق ، وهو متعلق بقوله (بالشرط).

(10) أي ليعلم.

(11) من المتراهنين.

(12) أي المحلّل.

(13) أصالة عدم الاشتراط.

(14) أي جواز السبق من عموم الأخبار.

(15) من المحلّل.

(16) وهو الشافعي.

ص: 547

العامة ، وبعض (1) أصحابنا هو شرط ، وبه (2) سمي محللا ، لتحريم العقد بدونه عندهم ، وحيث شرط لزم ، فيجري دابته بينهما ، أو إلى أحد الجانبين مع الإطلاق ، وإلى ما شرط مع التعيين لأنهما (3) بإخراج السبق (4) متنافران ، فيدخل بينهما ، لقطع تنافرهما.

(ويشترط في السبق تقدير المسافة) (5) التي يستبقان فيها (ابتداء ، وغاية) لئلا يؤدي إلى التنازع ، ولاختلاف الأغراض في ذلك اختلافا ظاهرا ، لأن من الخيل ما يكون سريعا في أول عدوه ، دون آخره ، فصاحبه يطلب قصر المسافة ، ومنها ما هو بالعكس ، فينعكس الحكم (وتقدير الخطر) (6) وهو العوض إن شرطاه (7) ، أو مطلقا (8).

(وتعيين ما يسابق عليه (9)

______________________________________________________

(1) ابن الجنيد.

(2) أي باشتراط المحلل في عقد السبق.

(3) أي المتراهنين.

(4) بالتحريك ، أي لمّا أخرج المتراهنان العوض فهما متنافران ، وهذا تعليل لجريان دابته بينهما ، ولذا قال الشارح (فيدخل بينهما لقطع تنافرهما).

(5) لما كان عقد المسابقة من عقود المعاوضات فلا بد من الضبط الرافع للضرر ، المحصّل للغاية المطلوبة منه ، ولا يتم ذلك إلا بأمور ، أنهاها العلامة في التذكرة إلى أثني عشر أمرا ، وقد ذكر الماتن بعضا منها :

الأول : تقدير المسافة ابتداء وانتهاء ، لأنه لو لم يكن هناك غاية معينة ، فقد يديمان السير حرصا ويتعبان وتهلك الدابة ، ولأن من الخيل ما يقوى سيره في الابتداء ثم يأخذ في الضعف ، وهو كتاف الخيل ، وصاحبه يبغي قصر المسافة ، ومنها ما يضعف في الابتداء ثم يقوى ويشتدّ في الانتهاء وهو هجانه ، وصاحبه يبغي طول المسافة ، ومع اختلاف الأغراض لا بدّ من الإعلام والتنصيص على ما يقطع النزاع.

(6) أي العوض ، وقد تقدم دليله.

(7) أي المتسابقان.

(8) بناء على القول باشتراطه في صحة أصل العقد ، ولم يعرف قائل به.

(9) ما يسابق عليه من فرس أو بعير ، فيشترط تعيينه بالمشاهدة ، لأن المقصود من المسابقة هو امتحان الفرس ، ليعرف شدة سيره ، وهذا ما يقتضي التعيين وفي الاكتفاء بالوصف

ص: 548

بالمشاهدة ولا يكفي الإطلاق (1) ، ولا التعيين بالوصف (2) ، لاختلاف الأغراض بذلك كثيرا (واحتمال (3) السبق بالمعيّنين (4) بمعنى احتمال كون كل واحد يسبق صاحبه (فلو علم قصور أحدهما (5) بطل) ، لانتفاء الفائدة حينئذ ، لأن الغرض منه (6) استعلام السابق ، ولا يقدح رجحان سبق أحدهما (7) إذا أمكن سبق الآخر ، لحصول الغرض معه (8).

(وأن يجعل السبق) بفتح الباء وهو العوض (لأحدهما) وهو السابق منهما ، لا مطلقا (9) ، (أو للمحلل (10) إن سبق ، لا لأجنبي) ، ولا للمسبوق منهما ومن المحلل ، ولا جعل القسط الأوفر للمتأخر ، أو للمصلي (11) ، والأقل (12) للسابق ،

______________________________________________________

وجه ، لكنه ضعيف لعدم إفادته الغرض ، إذ لا يتم إلا بالتشخص ، وعليه فحيث يعينّ المتسابقان الفرسين بالعقد فلا يجوز الإبدال حينئذ.

(1) بأن يطلقان المسابقة على فرس ما.

(2) كأن يعيّن الفرس صاحب السن الفلاني أو الوصف الفلاني.

(3) هذا من جملة الشروط ، ومعناه احتمال كون كل واحد من المتسابقين يسبق الآخر ، لأن الغرض من المسابقة هو استعلام السابق منهما ، والاستعلام يتحقق مع احتمال سبق كل منهما ، بحيث لو علم سبق أحدهما قطعا على الآخر لم يكن للاستعلام فائدة.

(4) من الفرسين.

(5) وأن الآخر سابق قطعا.

(6) من عقد السبق.

(7) مع إمكان سبق الآخر ، لأنه مع هذا الإمكان تبقى فائدة للاستعلام.

(8) مع إمكان سبق الآخر.

(9) فلا يجوز العوض لأحدهما ولو كان مسبوقا ، بل لأحدهما بشرط أن يكون سابقا.

(10) فجعل السبق لأحدهما أو للمحلل ، لأنه لو جعل لغيرهما لم يجز ، لأنه مفوّت للغرض من عقد المسابقة ، إذ الغرض التحريض في طلب العوض ، فلا بدّ أن يجعل للسابق منهما ومن المحلّل.

وعليه فلو جعل للمسبوق فلا يصح ، لأن كلا منهما يحرص على كونه مسبوقا لتحصيل العوض ، فيفوت العرض ، وهو الحض على ممارسة القتال والمسابقة بأفضل وجه.

وكذا لا يجوز جعل القسط الأوفر للمسبوق ، أما لو جعل الشي ء اليسير للمسبوق فيصح ، لحصول الغرض بالنسبة للباقي الكثير.

(11) وهو الذي يأتي بعد السابق ، وسيأتي بيانه إن شاء الله تعالى.

(12) من العوض.

ص: 549

لمنافاة ذلك كله للغرض الأقصى من شرعيته ، وهو الحث على السبق ، والتمرن عليه ، (ولا يشترط التساوي في الموقف (1) للأصل (2) ، وحصول الغرض مع تعيين المبدأ والغاية.

وقيل : يشترط ، لانتفاء معرفة جودة عدو الفرس ، وفروسية الفارس مع عدم التساوي ، لأن عدم السبق قد يكون مستندا إليه (3) ، فيخل بمقصوده (4) ، ومثله (5) إرسال إحدى الدابتين قبل الأخرى (6)

______________________________________________________

(1) هل يشترط التساوي في الموقف بين الفرسين ، قيل : نعم ، ولم يعرف قائله ، لانتفاء معرفة جودة الفرس والفارس مع عدم التساوي ، لأن عدم السبق قد يكون مستندا إلى التفاوت بين الموقفين ، فيخلّ بمقصود المسابقة.

والأشهر عدم الاشتراط ، لأن عقد المسابقة مبني على التراضي ، فيصح مع احتمال السبق لكل منهما ، على أنه قد يحصل الغرض من معرفة جودة الفرس والفارس إذا عيّن المبدأ والغاية لكل منهما وإن اختلف موقفهما.

(2) من أن عقد المسابقة مبني على التراضي ، والتراضي هنا حاصل فيشمله عموم الأدلة.

(3) إلى عدم التساوي.

(4) أي فيخلّ عدم التساوي بمقصود العقد.

(5) أي ومثل عدم التساوي في الموقف.

(6) يشترط إرسال الدابتين دفعة ، فلو أرسل أحدهما دابته قبل الآخر ليعلم هل يدركه الآخر أو لا؟ لم يجز ، لأنه مناف للغرض من عقد السبق ، لأن السبق ربما يكون مستندا إلى إرسال إحداهما أولا.

ولم يخالف أحد في الإرسال مع وجود الخلاف في اشتراط التساوي في الموقف ، والفرق بين المسألتين أن التفاوت بين الموقفين مضبوط فيمكن معه رفع الجهالة بالتفاوت بين الغايتين ، بخلاف إرسال إحدى الدابتين قبل الأخرى فالجهالة متحكمة مع وحدة المسافة غاية وابتداء.

نعم يمكن ضبط الغايتين بين الفرسين بحسب الزمن ، بحيث يكون السباق على من يقطع هذه المسافة بأقصر وقت ، وعليه فلا يضر إرسال أحدهما دابته قبل الآخر ، إلا أنه غير ملحوظ عند الأصحاب.

ومما تقدم يظهر أن قول الشارح (ومثله إرسال إحدى الدابتين) أي ومثل مسألة التفاوت في الموقف في الحكم بالبطلان على القول به القول بإرسال إحدى الدابتين.

ص: 550

فی السابق

(والسابق هو الذي يتقدم على الآخر بالعنق (1) ظاهره اعتبار التقدم بجميعه وقيل : يكفي بعضه (2) وهو حسن (3). ثم إن اتفقا في طول العنق ، وقصره (4) أو سبق الأقصر عنقا ببعضه (5) فواضح ، وإلا اعتبر سبق الطويل بأكثر من القدر الزائد (6) ، ولو سبق بأقل من قدر الزائد فالقصير هو السابق (7).

وفي عبارة كثير أن السبق يحصل بالعنق والكتد معا ، وهو بفتح الفوقانية أشهر من كسرها : مجمع الكتفين بين أصل العنق والظهر ، وعليه يسقط اعتبار

______________________________________________________

(1) جرت عادة الفقهاء بذكر أسماء العشرة من الخيل التي جرت في الحلبة من الأول إلى العاشر ، فالسابق هو الذي أحرز السبق ، وكان الأول ، إلا أنه وقع الخلاف بينهم في المقدار الذي يسبق به الثاني.

فالمشهور أن السابق هو المتقدم بالعنق والكتد ، أما العنق فواضح معناه ، وأما الكتد بفتح التاء وكسرها ، هو العالي بين أصل العنق والظهر ، ويعبّر عنه بالكاهل.

وعن ابن الجنيد الاكتفاء بالأذن لتحقق السبق ، لقول النبي صلى الله عليه وآله وسلم (بعثت والساعة كفرسي رهان ، كاد أحدهما أن يسبق الآخر بإذنه) (1) ، وأجيب بالحمل على المبالغة نحو قوله صلى الله عليه وآله وسلم : (من بنى مسجدا كمفحص قطاة بنى الله له بيتا في الجنة) (2) ، مع امتناع بناء مسجد كذلك ، وكذا قد يكون أحد الفرسين هو السابق فيرفع رأسه فيتقدم الآخر عليه بأذنه.

وفي كلا القولين إشكال من حيثية عدم ثبوت معنى خاص للسبق عند الشارع ، فلا يجب على الفقيه تشخيصه ، وإنما هو راجع إلى العرف أو إلى تعيين المتراهنين.

(2) أي بعض العنق ، ولم يعرف قائله.

(3) إن ساعد عليه العرف والعادة كما قيّده صاحب الرياض.

(4) وسبق أحدهما الآخر ببعض العنق فيتحقق السبق.

(5) أي سبق الأقصر ببعض عنقه فأيضا يتحقق السبق ، وأما الأطول عنقا فلا بد أن يسبق الأقصر بما يوازي التفاوت بين العنقين وزيادة ، حتى يتحقق أنه سبقه ببعض عنقه.

(6) القدر الزائد بينهما ، والأكثر هو الزيادة.

(7) أي لو سبق الطويل القصير ببعض ما يوازي التفاوت بين العنقين ، فالقصير هو السابق ، لأنه لو كانا متساويين في غاية المسافة لوجب أن يكون الطويل أسبق من القصير بما يوازي التفاوت بين العنقين ، فلو كان دون التفاوت فالقصير أسبق.

ص: 551


1- 1. الجواهر ج 28 ص 213 ، والتذكرة ج 2 ص 360.
2- 2. الوسائل الباب - 8 - من أبواب أحكام المساجد حديث 2.

بعض العنق ، وقد يتفق السبق بالكتد وحده كما لو قصر عنق السابق به (1) ، أو رفع أحد الفرسين عنقه بحيث لم يمكن اعتباره به (2) ، وبالقوائم (3) فالمتقدم بيديه عند الغاية سابق ، لأن السبق يحصل بهما (4) والجري عليهما.

والأولى حينئذ (5) تعيين السبق بأحد الأربعة (6) ومع الإطلاق (7) يتجه الاكتفاء بأحدها ، لدلالة العرف عليه ، ويطلق على السابق المجلّي (8).

(والمصلي (9) هو الذي يحاذي رأسه صلوى السابق وهما (10) : العظمان النابتان عن يمين الذنب وشماله) ، والتالي (11) هو الثالث ، والبارع (12) الرابع ، والمرتاح (13) الخامس ، والحظي (14) السادس ، والعاطف (15) السابع ، والمؤمل (16) مبنيا للفاعل

______________________________________________________

(1) بالكتد ، لضخامة الكتد ونحافة العنق مع قصره.

(2) أي لم يمكن اعتبار السبق بالعنق.

(3) المقصود منها خصوص اليدين.

(4) بيديه.

(5) أي حين القول بحصول السبق بغير العنق من الأمور الثلاثة.

(6) وهي العنق ، والكتد ، والعنق والكتد معا ، والقوائم.

(7) أي مع عدم التعيين ، وقد عرفت أن المدار على مقصود المتراهنين ، ومع عدمه فالعرف ، والعرف مختلف من زمان إلى آخر ، ومن مكان إلى آخر أيضا ، ومنه تعرف ضعف ما في كلام الشارح.

(8) قد عرفت أن دينهم على ذكر أسماء الخيل العشرة التي تأتي بحسب الترتيب ، فيطلق على الأول السابق والمجلّي.

(9) وهو اسم الثاني الذي يحاذي رأسه صلوى السابق ، والصلوى قد شرحها الشارح في روضته.

(10) أي الصلوان.

(11) لأنه تالي الثاني ، من تلي الشي ء يتلوه ، أي يأتي بعده.

(12) من برع إذا فاق أصحابه.

(13) من الارتياح والنشاط ، فكأنه نشط فلحق بالسوابق التي قبله.

(14) لأنه حظي عند صاحبه فصار ذا حظوة عنده ، لأنه لحق بالسوابق.

(15) من العطف بمعنى الميل ، أي مال إلى السوابق ، أو من العطف بمعنى الكر ، أي كرّ عليها فلحقها.

(16) لأنه يأمل اللحوق.

ص: 552

فی ما یشترط فی الرمی و ما لا یشترط

الثامن ، واللطيم (1) بفتح أوله وكسر ثانيه التاسع ، والسكّيت (2) بضم السين ففتح الكاف العاشر ، والفسكل (3) بكسر الفاء فسكون السين فكسر الكاف ، أو بضمهما كقنفذ الأخير.

وتظهر الفائدة فيما لو شرط للمجلي مالا ، وللمصلي أقل منه ، وهكذا إلى العاشر.

(ويشترط في الرمي معرفة الرشق (4) بكسر الراء وهو عدد الرمي الذي يتفقان عليه (كعشرين ، وعدد الإصابة (5)

______________________________________________________

(1) ككريم ، لأنه يلطم على وجهه بباطن الراحة ليلحق بأصحابه ، أو لأنه يلتطم بالسوابق إذا أراد الدخول معها.

(2) مصغرا مخففا ككميت ، ويجوز تشديد الكاف ، سمي به لسكون صاحبه إذا قيل لمن هذا؟

لأنه يجي ء في أواخر الخيل.

(3) يقال للعاشر وما يأتي بعده ، وقال الشارح في المسالك : (وقيل إن السكيت هو الفسكل ، وهو آخر فرس يجي ء في الرهان) انتهى.

(4) قد تقدم جواز المسابقة على النصل ، وهو يشمل السهم ، والسهم يستعمل للرمي ، فتصح المسابقة في الرمي والرماية ، والرمي مشروط بالعلم بستة أمور : الأول : الرشق ، والثاني : عدد الإصابة ، والثالث : صفة الإصابة ، والرابع : قدر المسافة ، والخامس : الغرض ، والسادس : السبق ، بالإضافة إلى تماثل جنس الآلة التي يتحقق بها الرمي.

أما الأول : وهو الرشق بالكسر ، وهو عدد الرمي ، أي عدد ما يرمي به من السهام ، فيقال : رمى رشقا ، أي رمى بسهامه التي يريد رميها كلها ، ومثاله : ما لو حصل الاتفاق على خمسة خمسة ، فكل خمسة يقال لها رشق ، وعن بعض أهل اللغة تخصيصه بما بين العشرين والثلاثين.

وأما الرشق بالفتح فهو مصدر فيقال : رشقه رشقا ، إذا رماه بالسهم ، واعتبار العلم بالرشق ، لأنه العمل المقصود والمقصود عليه ، إذ لو لم يعيّن الرشق لطلب المسبوق تعدد الرمي حتى تحصل الإصابة ، وقد يمتنع الآخر فيفضي إلى التنازع المعلوم من حكمة الشارع خلافه.

(5) هذا هو الشرط الثاني ، والمراد منه كخمس إصابات من عشرين رمية ، لأن استحقاق السبق بالإصابة لا بالرمي ، وبالإصابات يتبين حذق الرامي وجودة رمية فيعتبر العلم بها ، وعليه فلو عقدا على أن يكون المناضل هو الأكثر إصابة من غير بيان العدد من الإصابات

ص: 553

كعشرة منها (1) (وصفتها (2) من المارق (3) وهو الذي يخرج من الغرض نافذا ويقع من ورائه ، (والخاسق) (4) بالمعجمة والمهملة (5) ، وهو الذي يثقب الغرض ويقف فيه ، (والخازق) (6) بالمعجمة والزاي. وهو ما خدشه ولم يثقبه.

وقيل : ثقبه ولم يثبت فيه ، (والخاصل) (7) بالخاء المعجمة الصاد والمهملة ، وهو يطلق على القارع ، وهو ما أصاب الغرض ولم يؤثر فيه ، وعلى الخارق (8) ،

______________________________________________________

لم يصح للغرر المفضي إلى التنازع المعلوم من حكمة الشارع خلافه ، كالمسابقة على خيل إلى غير غاية.

(1) العشرة مثال لعدد الإصابة ، ومنها أي من العشرين ، فيجعل عدد الإصابة عشرة من عشرين رمية.

(2) هذا هو الشرط الثالث ، والمعنى صفة الإصابة ، وصفات الإصابة على أقسام ، ذكر العلامة في التحرير ست عشرة صفة ، وفي كتاب فقه اللغة تسعة عشر اسما ، ويقتصر في الفقه عادة على ستة أسماء منها وهي : المارق والخاسق والخازق والحابي والخاصر والخارم ، وسيأتي التعرض لمعناها.

وعلى كل فاشتراط العلم بصفة الإصابة ، لاختلاف الأغراض فيها ، واختلافها شدة وضعفا ، فقد يقدر بعضهم على بعضها أزيد من الآخر ، فيكون ترك التعيين غررا ، ومفضيا للتنازع.

وقيل : لا يشترط ، لأن عقد الرمي عند عدم ذكر صفة الإصابة محمول على الإطلاق أي مطلق الإصابة ، ولأن الإصابة كيفما وقعت هي المقصودة ، ولأصالة البراءة من التعيين مع حصول أصل الإصابة ، ومعه لا يكون غررا.

(3) هو الذي يخرج من الغرض نافذا ، فيكون قد مرق فيه ، ومنه المارقين في الدين صفة للخوارج.

(4) ما ثقب الغرض وثبت فيه.

(5) المعجمة للخاء والمهملة للسين.

(6) ما خدشه ولم يثبت فيه وهو للمحقق في الشرائع والعلامة في التحرير والقواعد ، وعن أهل اللغة ثقبه ولم يثبت فيه.

(7) هو القارع ، المصيب للغرض كيف كان كما في المسالك.

(8) أي ويطلق الخاصل على الخارق ، والخارق هو ما شقّ الغرض سواء سقط منه أم لا ، وسواء ثبت فيه أم لا ، وعن المحقق في الشرائع أن الخارق هو الخاسق ، وقد تقدم معناه.

ص: 554

وعلى الخاسق وقد عرفتهما (1) ، وعلى المصيب (2) له (3) كيف كان ، (وغيرها) من الأوصاف كالخاصر (4) وهو ما أصاب أحد جانبيه (5) ، والخارم (6) وهو الذي يخرم حاشيته ، والحابي (7) وهو الواقع دونه (8) ثم يحبو إليه مأخوذ من حبو الصبي ، ويقال (9) : على ما وقع بين يدي الغرض ثم وثب إليه فأصابه وهو المزدلف ، والقارع وهو الذي يصيبه بلا خدش.

ومقتضى اشتراطه (10) تعيين الصفة بطلان العقد بدونه (11) ، وهو أحد القولين ، لاختلاف النوع الموجب للغرر.

وقيل : يحمل على أخير ما ذكره (12) بمعناه الأخير. وهو الأقوى ، لأنه (13) القدر المشترك بين الجميع فيحمل الإطلاق عليه ، ولأصالة البراءة من وجوب

______________________________________________________

(1) لم يتقدم معنى الخارق ، إلا أن يكون مراده الخارق بالزاء.

(2) أي ويطلق الخاصل على المصيب للغرض كيفما كان.

(3) للغرض.

(4) مأخوذ من الخاصرة ، وهي في أحد جانبي الإنسان ، سمّي به لإصابته أحد جانبي الغرض.

(5) أي جانبي الغرض.

(6) ما يخرم حاشية الغرض.

(7) هو ما زلج وزلق على الأرض ثم أصاب الغرض ، بمعنى أنه يقع دون الهدف ثم يحبو إلى الغرض فيصيبه ، مأخوذ من حبو الصبي.

(8) دون الغرض.

(9) أي ويطلق الحابي على المزدلف ، والمزدلف هو الذي يضرب الأرض ثم يثب إلى الغرض ، والترادف ظاهر القواعد ، وغيره فرّق بينهما ، لأن الحابي يثب إلى الغرض بضعف بخلاف المزدلف فإنه بقوة.

(10) أي اشتراط المصنف.

(11) أي بدون التعيين.

(12) أي على الاسم الأخير الذي ذكره المصنف ، وهو الخاصل بمعناه الأخير ، وهو المصيب للغرض كيف كان.

(13) أي المصيب للفرض كيف كان.

ص: 555

التعيين ، ولأن اسم الإصابة واقع على الجميع فيكفي اشتراطه (1) ، ولا غرر حيث يعلم من الإطلاق الدلالة على المشترك.

(وقدر المسافة (2) إما بالمشاهدة ، أو بالتقدير كمائة ذراع ، لاختلاف الإصابة بالقرب والبعد ، (و) قدر (الغرض) (3) وهو ما يقصد إصابته من قرطاس (4) ، أو جلد ، أو غيرهما ، لاختلافه بالسعة والضيق.

ويشترط العلم بوضعه (5) من الهدف ، وهو ما يجعل فيه الغرض من تراب (6) ، وغيره ، لاختلافه (7) في الرفعة ، والانحطاط الموجب لاختلاف الإصابة ، (والسبق) (8) وهو العوض ، (وتماثل (9) جنس الآلة) أي نوعها الخاص

______________________________________________________

(1) أي اشتراط اسم الإصابة.

(2) هذا هو الشرط الرابع ، وقدر المسافة التي يرميان فيها ، وهي ما بين موقف الرامي والهدف ، لأن الإصابة تكثر مع قرب المسافة وتقل مع بعدها ، والأغراض تختلف باختلافها ، والتعيين يرفع الغرر ويكشف الحال.

والتعيين يتم بأمرين إما بالمشاهدة وإما بذكر المسافة ، وعليه فلو عيّنا مسافة لا يحتمل إصابتهما منها بطل ، لعدم الفائدة حينئذ.

(3) هذا هو الشرط الخامس ، فالغرض هو المقصود بالإصابة ، ويحصل العلم به بأمرين :

الأول : بموضعه من الهدف ، بارتفاعه وانخفاضه من الهدف.

الثاني : قدره في ضيقه وسعته من الهدف ، لأن الإصابة في الواسع أكثر منها في الضيق.

(4) من نشوية ، والمعنى أن الغرض هو القرطاس أو الجلد.

(5) بوضع الغرض من الهدف ، والهدف هو ما يجعل فيه الغرض.

(6) من نشوية ، متعلق بالهدف ، أي والهدف من تراب ونحوه الذي يجعل فيه الغرض من قرطاس ونحوه.

(7) أي لاختلاف الغرض ، وهذا تعليل لاشتراط العلم بوضع الغرض من الهدف.

(8) بالتحريك وهو العوض ، وهذا هو الشرط السادس ، ويشترط العلم بقدر السبق والعوض المبذول حذرا من الغرر في المعاملة ، كغيره من الأعواض.

(9) أي ويشترط التماثل في النوع ، والمراد من الجنس هنا النوع ، بل الصنف ، ولذا قال في المسالك : (فالمراد بتماثل جنس الآلة تماثل ما يتراميان به من القوس في الصنف ، كالعربي الخالص) انتهى.

ص: 556

كالقوس العربي ، أو المنسوب إلى وضع خاص ، لاختلاف الرمي باختلافها (لا شخصها (1) ، لعدم الفائدة بعد تعيين النوع ، ولأدائه إلى التضييق بعروض مانع من المعين يحوج إلى إبداله.

بل قيل : إنه لو عينه لم يتعين ، وجاز الإبدال ، وفسد الشرط ، وشمل إطلاق الآلة القوس ، والسهم ، وغيرهما (2). وقد ذكر جماعة (3) أنه لا يشترط تعيين السهم ، لعدم الاختلاف الفاحش الموجب لاختلاف الرمي ، بخلاف القوس (4).

وأنه لو لم يعين جنس الآلة (5) انصرف إلى الأغلب عادة ، لأنه جار مجرى التقييد لفظا ، فإن اضطربت (6) فسد العقد ، للغرر.

______________________________________________________

والدليل على اشتراط التماثل أن الرمي مختلف باختلاف أصناف الآلة ، فيجب ضبطه حذرا من الجهالة ، لأن اختلافها بمنزلة اختلاف الحيوان في السيف كالخيل والبقال.

وقيل : ولم يعرف قائله ، لا يشترط التعيين ولا يضرّ اختلاف الصنف ، فيجوز إطلاق العقد ، فإن كان هناك عرف فيحمل الإطلاق عليه ، لأن المعروف عرفا كالمشروط شرطا ، ومع اضطراب العرف وتعدده يفسد العقد.

(1) أي شخص الآلة : أي لا يشترط تعيين شخص الآلة ، بل عن المحقق الثاني كما في الرياض الإطباق عليه ، لعدم الفائدة في تعيين الشخص بعد تعيين الصنف ، ولأنه قد يعرض للشخص من المعين أحوال خفية يحوجه إلى الإبدال ، وقيل : ولم يعرف القائل أيضا ، أنه لو عيّنه لم يتعين ، كما لو عيّن المكيل في السلم فلا يتعين ، والمشهور على أنه مع الشرط يتعين وعلى قول غير المشهور فهل يفسد العقد بتعيينه وجهان.

الأول : الفساد كما عن العلامة في التذكرة ، لأنه شرط فاسد ، وشأن كل شرط فاسد أن يفسد العقد.

الثاني : عدم الفساد ، لأنه مع فساد الشرط يكون كالعدم ، بل يكون ذكره لغوا ، فهو كضمّ الحجر إلى جنب الإنسان ، وهو اختيار العلامة في القواعد وجماعة.

(2) كالنشاب والرمح.

(3) لم ينقل في كتب الخاصة هذا الخلاف ، كالجواهر والمسالك والرياض والمختلف.

(4) لأن أشخاصها مختلفة ، فيجب تعيين الصنف حينئذ.

(5) مال إليه في المسالك.

(6) أي العادة ، هذا وتماثل جنس الآلة لم يندرج في الشروط ، لأن التماثل مما يفتقر إليه العقد ، لا مما يجب أن يعلم بخلاف الستة السابقة فإنها مما يجب أن يعلم.

ص: 557

(ولا يشترط) (1)

______________________________________________________

(1) المبادرة والمحاطّة قسمان من الرمي ، أما المبادرة فهي أن يتفقا على رمي عدد معين كعشرين مثلا ، ومن بدر إلى إصابة عدد معين من العشرين كخمسة فقد ناضل وسابق صاحبه الذي لم يصب الخمسة ، وبعبارة أخرى أن يتفقا على إصابة خمسة من عشرين رمية ، فمن أصاب الخمسة قبل الآخر فهو الذي أحرز النضال وإن لم يكمل العشرين.

وأما المحاطّة ، بالتشديد ، أن يتفقا على عدد الرميات ، وهي عشرون ، وتطرح عدد الإصابات من كلا الجانبين ، ومن زاد فهو الذي ناضل واحرز السبق على الآخر ، وعليه فيجب إكمال العشرين.

إذا تقرر ذلك فتارة يشترط في العقد المبادرة وأخرى المحاطّة وثالثة الإطلاق.

فإذا اشترطت المبادرة في العقد ، والرشق عشرون والإصابة خمسة ، ثم رمى كل واحد منهما عشرة فأصاب كل منهما خمسة من العشرة ، فقد تساويا في الإصابة والرمي ، ولم يتحقق السبق ، ولا يجب الإكمال ، لأنه لو وجب رجاء السبق في الباقي لخرج عن وضع المبادرة إلى المحاطّة ، وهو خلاف المفروض.

ولو أصاب أحدهما خمسة في العشرة الأول ، والثاني أصاب أربعة ، فقد سبق صاحب الخمسة صاحبه ، ولو سئل إكمال العدد لم يجب ، وإلا لو وجب لخرج عن وضع المبادرة إلى المحاطّة.

ولو شرطت المحاطّة في العقد ، فرمى كل واحد منهما عشرة وأصاب كل واحد منهما خمسة ، تحاطّا خمسة بخمسة وأكملا الرشق إلى تمام العشرين ، لأنه يرجى لكل منهما السبق في الباقي.

نعم لو رمى أحدهما عددا كخمسة عشر فأصابها بتمامها ، والآخر أصاب منها خمسة ، فلا يجب الإكمال ، لأن الباقي خمسة فلو أصابها صاحب الأقل وأخطأها صاحب الأكثر لبقي صاحب الأكثر سابقا ، وعليه فلو طالب صاحب الأقل الإكمال حينئذ فلا يجب الإكمال على صاحب الأكثر.

ومنه يتبين أنه لو كان في الباقي فائدة للمسبوق بأن يحقق السبق على صاحبه ، أو التساوي معه ليمنعه من التفرد ، فيجب على السابق الإجابة عند طلب الإكمال.

أما لو كان العقد مطلقا ، فهل يحمل على المبادرة أو المحاطّة ، فيه خلاف بين الأصحاب من ناحيتين :

الأولى : هي يجب تعيين أحدهما في العقد أو لا ، ذهب العلامة في التذكرة إلى اشتراط تعيين أحدهما في العقد ، لأن حكم كل واحدة منهما مخالف للأخرى ، فإن أهمل العقد من الاشتراط بطل للغرر ، لأن الأغراض متفاوتة ، فمن الرماة من يكثر إصابته في الابتداء ويقلّ في الانتهاء فيفيده المبادرة ، ومنهم من يقلّ إصابته في الابتداء ويكثر في

ص: 558

تعيين (المبادرة) (1) وهي (2) اشتراط استحقاق العوض لمن بدر إلى إصابة عدد معين من مقدار رشق معين مع تساويهما (3) في الرشق ، كخمسة من عشرين ، (ولا المحاطة) (4) وهي (5) اشتراط استحقاقه (6) لمن خلص له من الإصابة عدد معلوم بعد مقابلة إصابات أحدهما بإصابات الآخر وطرح ما اشتركا فيه.

(ويحمل المطلق على المحاطة) ، لأن اشتراط السبق إنما يكون لإصابة معينة (7) من أصل العدد (8) المشترط في العقد (9) ، وذلك يقتضي إكمال العدد كله لتكون الإصابة المعينة منه (10) ، وبالمبادرة قد لا يفتقر إلى الإكمال (11) فإنهما إذا اشترطا رشق عشرين وإصابة خمسة فرمى كل واحد عشرة فأصاب أحدهما خمسة ، والآخر أربعة مثلا فقد نضله (12) صاحب الخمسة (13) ، ولا يجب عليه الإكمال (14)

______________________________________________________

الانتهاء فيفيده المحاطّة ، واستجوده الشارح في المسالك.

وذهب غيرهما إلى عدم الاشتراط ، لأصالة العدم مع انتفاء الدليل على الاشتراط.

الثانية : إذا صح الإطلاق فهل يحمل على المحاطّة أو المبادرة على قولين ، أشهرهما أنه يحمل على المحاطّة ، لأن اشتراط السبق في العقد إنما يكون في الإصابات المعيّنة من أصل العدد والرشق ، وهذا يقتضي وجوب إكمال العدد ، وهو معنى المحاطّة.

وقيل : يحمل الإطلاق على المبادرة ، لأنها الغالب في المناضلة.

(1) لأصالة عدم الاشتراط.

(2) أي المبادرة.

(3) أي تساوي المتراميين.

(4) أي ولا يشترط تعيين المحاطة في العقد ، لأصالة عدم الاشتراط.

(5) أي المحاطّة.

(6) أي استحقاق العوض.

(7) أي لإصابة عدد معين.

(8) أصل الرشق.

(9) عقد المسابقة.

(10) من أصل العدد.

(11) أي إكمال العدد.

(12) أي سبقه.

(13) على نحو المبادرة.

(14) أي لا يجب على السابق الإكمال ، وإلا لخرج عن كونه مبادرة إلى المحاطّة.

ص: 559

بخلاف ما لو شرطا المحاطة ، فإنهما يتحاطان أربعة بأربعة ويبقى لصاحب الخمسة واحد. ويجب الإكمال ، لاحتمال اختصاص كل واحد (1) بإصابة خمسة فيما يبقى.

وقيل : يحمل على المبادرة (2) ، لأنه (3) المتبادر من إطلاق السبق لمن أصاب عددا معينا ، وعدم وجوب الإكمال مشترك بينهما (4) ، فإنه (5) قد لا يجب الإكمال في المحاطة على بعض الوجوه ، كما إذا انتفت فائدته (6) ، للعلم باختصاص المصيب بالمشروط على كل تقدير (7) ، بأن رمى أحدهما في المثال خمسة عشر فأصابها ، ورماها (8) الآخر فأصاب خمسة فإذا تحاطا خمسة بخمسة بقي للآخر عشرة ، وغاية ما يتفق مع الإكمال أن يخطئ صاحب العشرة الخمسة ويصيبها الآخر فيبقى له (9) فضل خمسة وهي الشرط (10).

وما اختاره (11) المصنف أقوى ، لأنه (12) المتبادر ، وما ادعي منه (13) في المبادرة غير متبادر ، ووجوب الإكمال فيها (14) أغلب ، فتكثر الفائدة (15) التي

______________________________________________________

(1) أي كل واحد من المتراميين.

(2) لأنها الغالب في الرمي.

(3) أي البدار.

(4) بين المبادرة والمحاطّة ، أما عدم وجوب الإكمال في المبادرة فواضح ، وأما عدم وجوب الإكمال في المحاطّة فهو في ما لم يكن للمسبوق احتمال السبق في الباقي.

(5) أي الشأن والواقع.

(6) فائدة الإكمال.

(7) أكمل العدد أو لا.

(8) أي خمسة عشر.

(9) لصاحب العشرة.

(10) أي الخمسة هي الشرط ، هذا إذا شرط في المحاطّة أن يسبق أحدهما الآخر بخمسة بعد المحاطّة ، لأنه لا يجب ذكر عدد ، بل يكفي أن يسبق أحدهما الآخر ولو بواحدة بعد المحاطّة.

(11) من حمل الإطلاق على المحاطّة.

(12) أي ما اختاره المصنف من حمل الإطلاق على المحاطّة.

(13) من عقد السبق عند إطلاقه.

(14) في المحاطّة.

(15) وهي كثرة الرمي الموجبة للتمرن.

ص: 560

فی العوض

بسببها شرعت المعاملة ، ولو عيّنا أحدهما كان أولى.

(فإذا تمّ النضال) وهو المراماة. وتمامه بتحقق (1) الإصابة المشروطة لإحدهما (2) ، سواء أتم العدد أجمع (3) أم لا (4) (ملك الناضل) وهو الذي غلب الآخر (العوض) (5) ، سواء جعلناه (6) لازما كالإجارة أم جعالة (7).

أما الأول (8) فلأن العوض في الإجارة وإن كان (9) يملك بالعقد (10) إلا أنه (11)

______________________________________________________

(1) الباء للسببيّة.

(2) أي بتحقق الإصابة المشروطة في ضمن الرشق على نحو المبادرة أو المحاطّة لأحد المتراميين.

(3) كما في المحاطّة.

(4) كما في المبادرة.

(5) إذا تم النضال يملك صاحب الأكثر العوض بلا خلاف فيه ولا إشكال ، لأنه مقتضى العقد المحكوم بصحته شرعا.

(6) أي عقد المسابقة.

(7) إشارة إلى إشكال ، وهو : إن الشروع في الرمي ما لم تتحقق الإصابة المشروطة لا يوجب تملك العوض ، وهذا على خلاف الإجارة من أن العوض يتملك بالعقد فكيف ذهب بعضهم إلى أن عقد المسابقة إجارة ، وأن تحقق الإصابة المشروطة موجب لتملك العوض وإن لم يكمل العدد من الرشق وهذا على خلاف الجعالة من أن العوض يملك بتمام العمل ، فكيف ذهب بعضهم إلى جعل عقد المسابقة جعالة.

والتزاما بالإشكال وبغيره ذهب بعضهم ومنهم الشارح في المسالك إلى أن عقد المسابقة عقد مستقل برأسه وإن شابه الإجارة والجعالة ببعض أحكامهما.

(8) أي إذا كان لازما ، هذا واعلم أن الإشكال له شقان ، شق على جعل العقد إجارة وشق على جعله جعالة ، وأراد الشارح دفع الإشكال بشقه الأول ، وحاصل الدفع أن العوض في المسابقة للغالب ، ولا يعرف الغالب إلا بتحقق الإصابة ، فلذا لم يملك العوض بمجرد العقد ، والدفع عليل لأن العقد لو كان إجارة لوجب القول أن الغالب منهما يملك العوض بمجرد العقد ، وينكشف الغالب عند تحقق الإصابة.

(9) أي العوض.

(10) أي عقد الإجارة.

(11) أي العوض.

ص: 561

هنا (1) لمّا كان (2) للغالب (3) ، وهو (4) غير معلوم ، بل يمكن عدمه (5) أصلا (6) توقف الملك (7) على ظهوره (8) ، وجاز (9) كونه (10) لازما برأسه (11) يخالف الإجارة في هذا المعنى (12) ، وأما على الجعالة (13) فلأن المال إنما يملك فيها (14) بتمام العمل (15).

وجواز الرهن عليه (16) قبل ذلك (17) وضمانه (18) ،

______________________________________________________

(1) في المسابقة.

(2) أي العوض.

(3) من المتراميين.

(4) أي الغالب.

(5) عدم الغالب عند تساويهما.

(6) أي واقعا ، وفي هذه الصورة لو كان العقد إجارة والعوض يملك بالعقد كما هو مبنى الإشكال لكان عند التساوي ينكشف أن العوض لم يملك لواحد منهما.

(7) أي ملك العوض.

(8) أي ظهور الغالب ، وظهوره عند تحقق الإصابة ، فلذا كان تحقق الإصابة موجبا للتملك ، وقد عرفت ضعف هذا الرد.

(9) جواب ثان عن الإشكال بشقه الأول ، وهو الالتزام بكون المسابقة عقدا برأسه وإن شابه الإجارة ببعض أحكامها.

(10) أي كون السبق.

(11) أي عقدا مستقلا.

(12) من تملك العوض عند ظهور الغالب.

(13) دفع للإشكال بشقه الثاني المبني على كون السبق جعالة ، وحاصل الدفع أن العوض في الجعالة متوقف على تمام العمل ، وتمام العمل في السبق ليس الرشق بل تحقق الإصابة المعينة من الرشق ، وقد تحققت بحسب الفرض ، فلا خلاف بين عقد السبق والجعالة.

(14) في الجعالة.

(15) وهو الإصابة المعينة لا الرشق في عقد المسابقة.

(16) على العوض.

(17) قبل تمام العمل.

(18) عطف على الرهن ، هذا إشكال على كون العقد جعالة ، وحاصله أن العقد لو كان الجعالة فالعوض لا يثبت إلا بعد تمام العمل مع أنه يجوز الرهن والضمان على العوض قبل تمام

ص: 562

نظرا (1) إلى وجود السبب المملّك وهو العقد.

وهذا (2) يتم في الرهن ، أما في الضمان فيشكل (3) بأن مجرد السبب غير كاف (4) ، كيف ويمكن تخلفه (5) بعدم الإصابة ، فليس بتام (6).

وهذا (7) مما يرجح كونه (8) جعالة.

(وإذا نضل أحدهما صاحبه) بشي ء (فصالحه (9) على ترك النضل لم يصح) ،

______________________________________________________

العمل في عقد المسابقة ، وقد تقدم أن الرهن والضمان إنما هما على المال الثابت له في الذمة ، ولما جاز الرهن والضمان على العوض قبل تمام العمل في عقد المسابقة كشف عن كون العوض ثابتا للمناضل بسبب العقد.

(1) علة للجواز.

(2) جواب عن الإشكال المذكور وحاصله أن الإشكال المذكور وحاصله إن الإشكال يتم في الرهن ، وأما في الضمان فلا.

وفيه أن هذا تفكيك بين الضمان والرهن ، وهذا مخالف لما صرّح به الشارح في كتاب الضمان من عدم الفرق بينهما من ناحية المتعلق ، لأن الماتن قال هناك : والمال المضمون ما جاز أخذ الرهن عليه ، وقال الشارح : وهو المال الثابت في الذمة.

وإذا ثبت أن متعلق الرهن لا بدّ أن يكون ثابتا في الذمة فكيف حكم الشارح هنا بجواز الرهن على عوض المسابقة بمجرد العقد مع أنه لا يملكه المناضل ولا يثبت في ذمة الباذل إلا بعد تمامية العمل.

(3) أي جواز الضمان على العوض بمجرد العقد.

(4) أي غير كاف في ثبوت العوض حتى يصح ضمانه.

(5) أي تخلف سبب تملك العوض عند عدم الغلبة ، وذلك عند تساويهما ، وهو يأتي في الرهن عليه أيضا.

(6) أي الإشكال السابق من جواز ضمان العوض قبل تمام العمل ليس بتام ، وقد عرفت أن جواز الرهن عليه كذلك ليس بتام.

(7) أي حكم المصنف من تملك المناضل للعوض عند تمامية العمل.

(8) أي كون عقد السبق.

(9) بحيث قال المسبوق للسابق : اطرح الفضل بكذا من المال حتى يتساويا ، فعن المشهور عدم الجواز ، لمنافاته لغرض العقد ، وهو التسابق ، ولمخالفته للحكمة المسوّغة للعقد ، وهي الحضّ على التمرن ولا يكون إلا بأصل الفوز.

ص: 563

لأنه (1) مفوّت للغرض (2) من المناضلة ، أو مخالف لوضعها (3) (ولو ظهر استحقاق العوض (4)

______________________________________________________

وتوقف المحقق في الشرائع ، لأن المال هنا في الصلح على عمل محلّل فيندرج تحت عموم ( أَوْفُوا ) (1) ، والمنع لانحصار المقصود بالنضال بالحث على التمرن ، إذ يجوز النضال لكسب المال ، ولكونه شرطا سائغا فيندرج تحت عموم (المؤمنون عند شروطهم) (2).

(1) أي الصلح على ترك النضل.

(2) وهو التسابق وإبانة حذق الرامي وجودة رميه.

(3) أي وضع المناضلة ، لأنها شرعت لإظهار الغالب.

(4) لو فسد العقد قبل العمل بأن كان العوض خمرا أو مجهولا فعن الشيخ والمحقق والشهيد أنه لا شي ء للسابق ، فلا مسمى لفساد العقد ، ولا أجرة المثل لأن السابق لم يعمل للباذل ولم يعد نفع عمله على الباذل ، بل عمل لنفسه ، بخلاف العامل في الإجارة والجعالة الفاسدتين ، فالعامل يرجع إلى أجرة المثل ، لرجوع العمل للمستأجر والجاعل.

وعن العلامة والمحقق الثاني وجماعة أن السابق يرجع إلى أجرة المثل لأنه عقد استحق المسمى في صحيحه ، وما يضمن بصحيحه يضمن بفاسده ، ولا نسلم أن وجوب أجرة المثل في العقود الفاسدة لرجوع العمل إلى المستأجر والجاعل ، لأن العمل في المضاربة قد لا ينتفع بها المالك عند عدم الربح ، ومع ذلك يكون العمل مضمونا عليه لو تبين فساد العقد.

وفي دليل كل منهما نظر ، لأن الفرق بين العقود الفاسدة كالإجارة والجعالة التي حكم فيها بأجرة المثل وبين عقد المسابقة أن في الإجارة والجعالة قد أمر العامل بالعمل في قبال عوض ، فإن لم يسلم له العوض لفساد العقد ينتقل إلى أجرة المثل ، لاحترام عمله بعد الأمر به ،

وأما في المسابقة فلا أمر على السابق بالعمل ، لأن قول الباذل : سابقتك على أن من سبق منّا فله كذا ، ليس بأمر ، فإن لم يسلم له العوض لفساد العقد فعمله وإن كان محترما لكن لم يؤمر به حتى يضمنه الآمر بأجرة المثل ، ومنه تعرف ضعف كلا الدليلين ، وإن اقتضى ما ذكرناه عدم ثبوت أجرة المثل عند فساد عقد المسابقة.

ولو فسد العقد بعد إتمام العمل كما لو ظهر العوض المعيّن مستحقا للغير ، بحيث وقع العقد متزلزلا وهو غير باطل ، لأنه صحيح موقوف على إجازة مالك العوض ، فلو لم يجز

ص: 564


1- 1. سورة المائدة ، الآية : 1.
2- 2. الوسائل الباب - 20 - من أبواب المهور حديث 4.

المعين (1) في العقد (2) (وجب على الباذل مثله (3) أو قيمته) ، لأنهما أقرب إلى ما وقع التراضي عليه (4) من العوض الفاسد كالصداق إذا ظهر فساده (5)

ويشكل بأن استحقاق العوض (6) المعين يقتضي فساد المعاملة كنظائره (7) ، وذلك (8) يوجب الرجوع إلى أجرة المثل ، لا العوض الآخر (9)

______________________________________________________

المالك ، وكان ذلك منه بعد تمام العمل فقد فسد العقد ، فعن جماعة منهم المحقق في الشرائع بل قيل هو المشهور أنه يجب على الباذل مثل العوض أو قيمته ، لأن العقد لم يكن فاسدا من رأس ، وعليه فقد تشخص العوض عند انعقاد العقد ، فإذا طرأ الفساد على العقد لعدم إجازة مالك العوض وجب الرجوع إلى أقرب شي ء إلى العوض ، لأنه قد تشخص ، وأقرب شي ء إليه مثله إن كان مثليا وقيمته إن كان قيميّا ، كالصداق في المهر إذا ظهر استحقاقه للغير.

وقيل : يجب أجرة المثل هنا ، لأن العوض المسمى إذا فات وجب قيمة العمل المبذول ، وهذا يستدعي أجرة المثل ، وبالإضافة إلى أن المالك لو لم يجز انفسخ العقد وبطل من رأس ، لا من حين عدم الإجازة ، فيصير العوض المعيّن كالمعدوم ابتداء وتكون مسألتنا كالمسألة السابقة وقد حكم فيها بأجرة المثل.

(1) لأنه لو كان كليا فلا يبطل العقد ، لأنه يجب على الباذل دفع مصداق الكلي من جيبه إن لم يجز الغير في المصداق المدفوع.

(2) هذا إذا طرأ الفساد على العقد بعد تمام العمل ، وذلك فيما لو ظهر العوض المعين مستحقا للغير ولم يجز المالك ، وكان ذلك بعد إتمام العمل.

(3) مثل العوض.

(4) لأن العقد كان صحيحا قبل طريان الفساد ، وهو موجب لتشخص العوض.

(5) وأنه مستحق للغير.

(6) من باب إضافة المصدر لمفعوله ، أي استحقاق الغير للعوض.

(7) أي نظائر عوض المسابقة ، وهذه الأعواض لو ظهرت مستحقة للغير ولم يجز المالك فتفسد المعاملة من رأس ، لا من حين الفسخ وعليه فيرجع إلى أجرة المثل لو كان هناك أمر بالعمل ، وأما في مفروض مسألتنا فلا أمر بالعمل ، فيجب أن لا يثبت له شي ء من أجرة المثل كما لو كان العقد فاسدا قبل تمام العمل ، وعليه فحكم الشارح هنا بوجوب الرجوع إلى أجرة المثل ليس في محله.

(8) أي الفساد.

(9) وهو مثل العوض أو قيمته ، وهو الآخر لأنه يثبت عند تعذر العوض المسمى.

ص: 565

نعم لو زادت أجرة المثل عن مثل المعين ، أو قيمته اتجه سقوط الزائد ، لدخوله (1) على عدمه وهذا هو الأقوى. والمراد بأجرة المثل هنا (2) ما يبذل لذلك العمل الواقع من المستحق له (3) عادة ، فإن لم تستقر العادة على شي ء رجع إلى الصلح (4).

وربما قيل (5) : بأنه أجرة مثل الزمان الذي وقع العمل فيه ، نظرا إلى أن ذلك أجرة مثل الحر لو غصب تلك المدة. والأجود الأول (6).

______________________________________________________

(1) أي دخول السابق على عدم الزائد ، إذ أقدم على أن يسلم له العوض لا الزائد عليه.

(2) في عقد المسابقة والرماية ما يبذل بحسب العادة للسابق والناضل فيما سبق به أو ناضل بملاحظة مجموع عمله ، لا بخصوص ما زاد به على الآخر فقط.

(3) متعلق بقوله : (ما يبذل) والمعنى : ما يبذل الذي يستحق العمل للعامل في قبال عمله.

(4) لعدم العادة مع خيّرية الصلح.

(5) لم يعرف قائله.

(6) وهو أجرة مثل العمل ، لأن الحر لا يضمن لا عينا ولا قيمة.

ص: 566

کتاب الجعالة

اشارة

كتاب الجعالة

ص: 567

ص: 568

فی معناها و صیغتها

(كتاب الجعالة (1)

وهي لغة مال يجعل على فعل ، وشرعا (2) (صيغة ثمرتها (3) تحصيل المنفعة (4)

______________________________________________________

(1) بتثليث الجيم كما في المسالك والكسر أشهرها ، وأقتصر جماعة على الكسر فقط ، كما اقتصر آخرون على الكسر والفتح.

وهي على ما صرح به غير واحد كما في الجواهر اسم لما يجعل للإنسان على شي ء يفعله ، والمصدر الجعل بالفتح.

(2) لا حقيقة لها في الشرع غير ما في اللغة ، نعم لا تتحقق الجعالة إلا بإنشاء الالتزام بعوض على عمل محلّل مقصور.

وعلى كل فلا خلاف في مشروعيتها للإجماع على ذلك بين المسلمين مضافا إلى الكتاب والسنة ، أما الكتاب فقوله تعالى حكاية عن يوسف : ( وَلِمَنْ جٰاءَ بِهِ حِمْلُ بَعِيرٍ وَأَنَا بِهِ زَعِيمٌ ) (1) ، وأما السنة فأخبار.

منها : خبر عبد الله بن سنان قال : (سمعت أبي سأل أبا عبد الله عليه السلام وأنا أسمع فقال : ربما أمرنا الرجل فيشتري لنا الأرض والغلام والدار والجارية فنجعل له جعلا ، قال عليه السلام : لا بأس) (2).

(3) أي ثمرة العينة.

(4) للجاعل.

ص: 569


1- 1. سورة يوسف ، الآية : 27.
2- 2. الوسائل الباب - 4 - من أبواب الجعالة حديث 1.

بعوض مع عدم اشتراط العلم فيهما (1) أي في العمل والعوض ، كمن رد عبدي فله نصفه مع الجهالة به (2) وبمكانه (3) ، وبهذا (4) تتميز (5) عن الإجارة على تحصيل

______________________________________________________

(1) أي في العمل وفي العوض ، أما في العمل فلا يشترط العلم به بلا خلاف فيه إلا من ابن حمزة في الوسيلة ، لأن الغرض من مشروعية الجعالة تحصيل الأعمال المجهولة غالبا ، كردّ الآبق ولم يعلم مكانه ، وكذا ردّ الدابة ، فاغتفر الجهل في العمل لمسيس الحاجة إلى ذلك.

وعن ابن حمزة اشتراط اليقين ، وفيه : إنه مع الاشتراط المذكور لا يبقى مورد للجعالة إلا نادرا ، وهذا مخالف لحكمة تشريعها ، ومخالف للنصوص.

منها : خبر وهب بن وهب عن أبي عبد الله عليه السلام (سألته عن جعل الآبق والضالة فقال : لا بأس) (1) مع أن العمل في ردهما مجهول إذ لا يعلم مكانهما.

ثم إذا صحت الجعالة على المجهول فتصح على المعلوم بطريق أولى ، وما ذهب إليه بعض الشافعية من اشتراط الجهل بالعمل ، لأنه الثابت من شرعيتها ليس في محله ، وعلى ما تقدم فتصح الجعالة على المجهول كما لو قال : من ردّ عبدي فله كذا ، وتصح على المعلوم كما لو قال : من خاط ثوبي هذا فله كذا.

وأما العوض فعلى المشهور اشتراط العلم به ، لأنه يشترط العلم في عوض الإجارة فكذا في عوض الجعالة ، ولأنه لا حاجة إلى احتمال الجهالة في العوض بخلاف العمل ، ولأنه لا يكاد يرغب أحد في العمل إذا لم يعلم بالجعل فلا يحصل مقصود العقد ، وعلى اشتراط العلم فلا بدّ أن يكون العوض معلوما بالكيل أو بالوزن أو بالعدّ بحسب ما جرت به العادة في معرفته ، وعن بعضهم أنه يكفي في العلم المشاهدة.

وعن جماعة منهم العلامة في التذكرة والمحقق الثاني عدم اشتراط العلم في العوض ، لأن الجعالة لما بنيت على الجهالة في أحد العوضين الذي هو العمل فصار أمرها مبنيا على احتمال الغرر فلا يضرها جهالة العوض ، ولأنه كما تمسّ الحاجة إلى جهالة العمل قد تمسّ الحاجة إلى جهالة العوض ، بأن لا يريد الجاعل أن يبذل غير المجعول عليه فيقول : من يردّ عبدي فله نصفه.

(2) أي بالعبد فيلزم جهالة العوض.

(3) حال كونه آبقا فيلزم جهالة العمل ، وهو مثال لجهالة العمل والعوض معا.

(4) من عدم اشتراط العلم في العمل والعوض.

(5) أي الجعالة.

ص: 570


1- 1. الوسائل الباب - 1 - من أبواب الجعالة حديث 1. (فيه : عن علي بن جعفر عن أخيه أبي الحسن عليه السلام).

فی ما یجوز علیه

منفعة معينة (1) ، لأن التعيين (2) شرط في الإجارة ، وكذا عوضها (3). أما عدم اشتراط العلم بالعمل هنا فموضع وفاق (4) ، وأما العوض ففيه خلاف يأتي تحقيقه.

(ويجوز (5) على كل عمل محلل (6) مقصود (7) للعقلاء (غير واجب على العامل (8) فلا يصح على الأعمال المحرمة كالزنا ، ولا على ما لا غاية له معتدا بها عقلا كنزف ماء البئر (9) ، والذهاب ليلا إلى بعض المواضع الخطيرة ونحوهما مما يقصده العابثون. نعم لو كان الغرض به (10) التمرن على الشجاعة وإضعاف الوهم ونحوه من الأغراض المقصودة للعقلاء صح ، وكذا لا يصح على الواجب عليه (11) كالصلاة.

(ولا يفتقر إلى قبول (12)

______________________________________________________

(1) وعليه أن يزيد : بعوض معين.

(2) أي تعيين المنفعة.

(3) أي عوض الإجارة فيشترط تعيينه.

(4) وقد عرفت خلاف ابن حمزة فيه.

(5) تذكير الضمير باعتبار الجعل بالفتح ، لا باعتبار تأنيث الجعالة.

(6) أي مباح بالمعنى الأعم فيشمل المستحب والمكروه ، فلا يصح الجعل على المحرّم كالزنا وشرب الخمر ، لأنه محرم مع عدم العوض فمع العوض كذلك ، ولأن بذل العوض إزاء المحرم سنة وهو منهي عنه.

(7) أي مقصود في نظر العقلاء على وجه يخرج عن كونه سفها ، كما لو نقل ولو أمن ماء الفرات إلى دجلة

(8) لأنه لو كان واجبا فلا يجوز أخذ العوض عليه ، لأنه واجب عليه على كل حال شرعا ، ولحرمة أخذ الأجرة عن الواجبات.

(9) أي نزح مائة حيث لا غرض في النزح.

(10) بالذهاب.

(11) على العامل.

(12) اختلف الأصحاب في كون الجعالة من العقود أو الإيقاعات ، فعن العلامة في التذكرة مدعيا الإجماع والمحقق الثاني مدعيا الاتفاق على أنها من العقود الجائزة ، وعليه فتحتاج إلى القبول من العامل ، لكن لا يشترط فيه أن يكون قبولا لفظيا ، بل يكفي القبول الفعلي ، وهو الشروع في العمل مع الرضا الباطني بالإيجاب ، كما هو مقتضى القاعدة في العقود

ص: 571

لفظي (1) ، بل يكفي فعل مقتضى الاستدعاء به (2) (ولا إلى مخاطبة شخص معين (3) فلو قال : من رد عبدي ، أو خاط ثوبي) بصيغة العموم (فله كذا صح ، أو فله مال ، أو شي ء) (4) ، ونحوهما من العوض المجهول (صح ، إذ العلم بالعوض غير شرط في تحقق الجعالة وإنما هو (5) شرط في تشخصه ، وتعينه (6) فإن أراد) ذلك (التعيين فليذكر جنسه وقدره (7) ، وإلا) يذكره (8) ، أو ذكره ولم يعينه (ثبت بالرد (9) أجرة المثل).

ويشكل (10) بأن ثبوت أجرة المثل لا تقتضي صحة العقد ، بل

______________________________________________________

الجائزة ، إذ لا يشترط فيها ألفاظ مخصوصة في الإيجاب والقبول.

وعن جماعة أنها من الإيقاعات ، وهو المطابق لتعريفهم لها ، حيث جعلوها التزاما بعوض على عمل ، وهذا يكفي فيه الإيجاب ، ولأنه لا يشترط تعيين العامل في الإيجاب فلو قال : من ردّ عليّ عبدي فله كذا صح ، وإذا لم يكن العامل معيّنا فلا يتصور قبول.

(1) ظاهر المتن أنها من الإيقاعات فلا تحتاج إلى قبول لفظي ولا فعلي ، وظاهر الشرح عند ما قيّد القبول المنفي باللفظي أنها من العقود ، وتحتاج إلى القبول ولو فعلا.

(2) أي بالعوض والمعنى أن مقتضى الاستدعاء بالعوض هو العمل ، وهذا يكفي في قبول الجعالة.

(3) لا يشترط في الإيجاب أن يكون موجّها إلى شخص معين ، لأن الإيجاب في الجعالة هو كل ما يدل على الاذن بالعمل واستدعائه بالعوض ، فلا خلاف فيه ، ولا فرق حينئذ بين قول الجاعل : من ردّ ، وهو لم يخاطب معينا ، وبين قوله : إن رددت عليّ ، وقد خوطب به معين.

(4) مما يقتضي الجهل في العوض ، لما تقدم من عدم اشتراط العلم بالعوض كما هو مذهب غير المشهور.

(5) أي العلم بالعوض.

(6) أي تعين العوض ، لأنه مع عدم العلم لا يتعين العوض بجنسه وقدره.

(7) بحسب الكيل والوزن والعدّ ، وقد تقدم الكلام فيه.

(8) أي وإن لم يذكر العوض.

(9) أي برد العبد يثبت أجرة المثل ، وثبوت أجرة المثل بالرد عند عدم تعيين العوض بالجهالة موطن اتفاق بينهم ، لأن عمله محترم ولم يتبرع به فيثبت له أجرة المثل.

(10) إشكال من الشارح على الماتن ، حيث حكم الماتن بصحة الجعالة مع كون العلم بالعوض ليس بشرط ، وحكم عند عدم ذكر العوض تثبت أجرة المثل ، وهما حكمان متناقضان.

ص: 572

هي (1) ظاهرة في فساده (2) ، وإنما أوجبها (3) الأمر بعمل له أجرة عادة كما لو استدعاه ولم يعين عوضا ، إلا أن يقال : إن مثل ذلك (4) يعد جعالة أيضا فإنها (5) لا تنحصر في لفظ ، ويرشد إليه (6) اتفاقهم على الحكم (7) من غير تعرض للبطلان.

وفيه (8) : أن الجعالة مستلزمة لجعل شي ء ، فإذا لم يذكره (9) لا يتحقق مفهومها وإن ترتب عليها العوض (10)

وقيل (11) : إن كانت الجهالة (12) لا تمنع من التسليم لزم بالعمل العوض

______________________________________________________

لأن الحكم بأجرة المثل إنما يكون عند فساد العقد المتضمن للأمر بعمل ما ، فأقدم العامل بسبب الأمر فإن لم يسلم له العوض لفساد العقد ، وإن كان فساده لعدم ذكر العوض ، فيرجع إلى أجرة المثل لاحترام عمله.

ومع الحكم بأجرة المثل الكاشفة عن فساد العقد عند عدم العوض كيف يحكم بصحته عند عدم ذكر العوض ، مع أن عدم ذكر العوض موجب لفساد العقد الموجب لثبوت أجرة المثل.

(1) أي أجرة المثل.

(2) فساد العقد.

(3) أوجب أجرة المثل.

(4) أي مثل الأمر بعمل له أجرة عادة ، شروع في دفع الإشكال وحاصله أن الجعالة تتحقق بكل لفظ دال على الاذن بالفعل ، وهنا الأمر بالعمل الذي له أجرة عادة هو جعالة ، وإن ثبت فيها أجرة المثل ، وعليه فاجرة المثل هنا لا تدل على فساد العقد حتى يأتي الإشكال.

(5) أي الجعالة.

(6) إلى كون الأمر بالعمل الذي له أجرة هو جعالة.

(7) وهو لزوم ثبوت أجرة المثل مع عدم التعرض منهم لبطلان الجعالة.

(8) أي في دفع الإشكال ، وحاصله أن الجعالة قضاء لحق مفهومها تستلزم جعل شي ء ، وهو العوض ، فإذا لم يذكر بطل مفهومها ، وعليه فمع عدم ذكر العوض لا جعالة ، وثبوت أجرة المثل من باب فساد العقد وعليه يرجع الإشكال جذعا.

(9) للشي ء المجعول.

(10) أي وإن ترتب عليها عند الفساد أجرة المثل.

(11) وهو قول غير المشهور المتقدم من عدم اشتراط العلم بالعوض.

(12) أي الجهالة في العوض بحيث لا تمنع من تسليم المجعول عليه ، كما لو قال : من ردّ

ص: 573

المعين ، لا أجرة المثل كمن ردّ عبدي فله نصفه ، فرده من لا يعرفه (1) ولا بأس به (2). وعلى هذا (3) فيصح جعله (4) صبرة مشاهدة مجهولة المقدار ، وحصة من نماء شجر على عمله (5) ، وزرع كذلك (6) ، ونحوها.

والفرق بينه (7) ، وبين الشي ء والمال : مقولتيهما (8) على القليل ، والكثير المفضي إلى التنازع والتجاذب فلم يصح على هذا الوجه ، بخلاف ما لا يمنع من التسليم فإنه (9) أمر واحد لا يقبل الاختلاف ، ومسماه لتشخصه لا يقبل التعدد ، وقبوله (10) للاختلاف قيمة بالزيادة والنقصان قد قدم عليه العامل كيف كان. ويمكن التبرع به ، فإذا قدم على العوض الخاص (11) انتفى الغرر (12) ، لأنه معين في حد ذاته.

______________________________________________________

عبدي فله نصفه ، ونصف العبد غير معروف إلا للشخص الذي يعرف العبد ، فلو رده من لا يعرفه فالجهالة في العوض هنا لا تمنع من تسليم المجعول عليه.

(1) أي من لا يعرف العبد.

(2) للفارق بينه وبين جعل العوض مالا أو شيئا ولم يعيّن ، لأن نصف العبد متحقق في الخارج لا يفضي إلى التنازع ، وغير قابل للزيادة والنقصان ، بخلاف المال والشي ء ، فإنهما قابلان للزيادة والنقصان ، ومفضيان للتنازع.

(3) من القول بأن الجهالة بالعوض لا تمنع من التسليم فهو جائز.

(4) أي جعل العوض.

(5) متعلق بقوله (فيصح جعله) ، والمعنى فيصح جعل العوض بهذه المثابة على عمل العامل في الجعالة.

(6) أي مجهولة المقدار.

(7) بين العوض المجهول الذي لا يمنع من التسليم.

(8) أي مقولة الشي ء والمال ، والمقولة هي الصدق والانطباق.

(9) أي العوض المجهول الذي لا يمنع من التسليم.

(10) دفع دخل ، أما الدخل فهو أنه غير قابل للاختلاف والزيادة والنقصان بحسب الأجزاء والتشخص والمسمى ، إلا أنه قابل للاختلاف زيادة ونقيصة بحسب القيمة.

وأما الدفع فهو أن وحدته في نفسه موجبة لرفع الغرر في الجملة ، فيصح جعله عوضا ، والاختلاف في القيمة لا يضر مع عدم الغرر فيها ، على أنه قد يقدم العامل على العمل مع التبرع بهذا التفاوت في القيمة.

(11) وهو نصف العبد مثلا.

(12) في الجملة لا من كل وجه.

ص: 574

فی ما یشترط فی الجاعل

فی ما لو عیّن الجعالة لواحد

(ويشترط في الجاعل (1) الكمال) بالبلوغ ، والعقل ، (وعدم الحجر) لأنه باذل المال فيعتبر رفع الحجر عنه ، بخلاف العامل (2) فإنه يستحق الجعل وإن كان صبيا مميزا بغير إذن وليه ، وفي غير المميز ، والمجنون وجهان (3). من وقوع العمل المبذول عليه ، ومن عدم القصد.

(ولو عيّن الجعالة لواحد وردّ غيره (4) فهو متبرع) بالعمل (لا شي ء له) ، للمتبرع ، ولا للمعين (5) ، لعدم الفعل ، (ولو شارك المعين (6) فإن قصد التبرع عليه (7) فالجميع للمعين) ولوقوع الفعل بأجمعه له ، (وإلا) (8) يقصد التبرع عليه بأن أطلق ، أو قصد العمل لنفسه ، أو التبرع على المالك (فالنصف) للمعين (9) خاصة ، لحصوله (10) بفعلين : أحدهما مجعول له ، والآخر متبرع فيستحق النصف بناء على قسمة العوض على الرءوس (11).

______________________________________________________

(1) يشترط في الجاعل أهلية الاستئجار ، بلا خلاف فيه ، فيشترط فيه البلوغ والعقل لرفع القلم عن الصبي والمجنون ، ويشترط فيه عدم الحجر ، لأن المحجور عليه ممنوع من التصرف المالي.

(2) فلا يشترط فيه إلا إمكان تحصيل العمل ، فلو فعله الصبي أو المحجور عليه لاستحق العوض حينئذ.

(3) من وقوع العمل وقد حصل الغرض من الجعالة فيستحق العوض ، ومن كون فعله بلا قصد ، وعليه فهو متبرع ، والمتبرع لا شي ء له.

(4) فلا شي ء له ، بلا خلاف فيه ، لكونه متبرعا حينئذ ، لأن الجاعل لم يبذل له أجرة بخصوصه ، ولا لمن يشمله.

(5) في العقد لعدم فعله.

(6) أي شارك المتبرع المعين في الرد.

(7) أي فإن قصد المشارك بعمله التبرع على المعيّن كان جميع العوض للمعين لوقوع الفعل بأجمعه منه ، فنصفه منه والنصف الآخر بالتبرع عليه.

(8) أي وإن لم يقصد المشارك التبرع على العامل ، وهذا شامل ما لو أتى بالفعل مطلقا مع الغفلة عن قصد التبرع وما لو أتى بالفعل لنفسه ، أو متبرعا على المالك.

(9) أي للعامل الذي عيّن في الجعالة.

(10) أي حصول الرد المجعول عليه ، كرد الآبق مثلا.

(11) إذا كان العمل لا يقبل التفاوت بين العاملين.

ص: 575

والأقوى بسطه (1) على عملهما ، فيستحق المعين بنسبة عمله ، قصر عن النصف أم زاد. وهو خيرة المصنف في الدروس (2) ، ومثله (3) ما لو عمل معه المالك.

(ولا شي ء للمتبرع ، وتجوز الجعالة من الأجنبي (4) فيلزمه المال ، دون المالك إن لم يأمره به (5) ، ولو جعله من مال المالك بغير إذنه فهو فضولي (6) ، (ويجب عليه) أي على الجاعل مطلقا (7) (الجعل مع العمل المشروط (8) حيث يتعين (9) ، وإلا (10) فما ذكر بدله (11) (وهي جائزة (12) من طرف العامل مطلقا) قبل التلبس

______________________________________________________

(1) بسط العوض.

(2) لم يصرح في كتب الفقه بخلافه ، حيث حكموا أن الجعل بين المتعاملين موزع على قدر العمل على تقدير تفاوته ، وإلا فعلى الرءوس.

(3) أي ومثل مشاركة المتبرع للمعيّن ما لو عمل مع المعين المالك ، فالمعين له من العوض على نسبة عمله.

(4) لو تبرع أجنبي بالجعل وجب عليه الجعل عند الرد ، وإن لم يعد إليه نفع العمل ، بلا خلاف فيه ولا إشكال ، لأنه كما يقدم العقلاء على بذل أموالهم لعمل يعود إليهم نفعه كذلك يقدمون على بذل مال على عمل يعود نفعه إلى غيرهم ، فيندرج تحت عوم أدلة الجعالة.

ولا يلزم المالك لشي ء حينئذ ، لا للمتبرع لفرض تبرعه ، ولا للعامل لفرض أنه أقدم على العمل من غير إذن المالك.

(5) أي لم يأمر المالك الأجنبي بالجعل.

(6) متوقف على إجازة المالك ، فإن أجاز وإلا فيلزم الأجنبي بالدفع.

(7) سواء كان مالكا أم أجنبيا ، فيجب عليه الجعل حين تمام العمل ، إن كان العوض معينا.

(8) أي حين تمام العمل.

(9) أي الجعل.

(10) وإن لم يتعين العوض.

(11) قال الشارح في تعليقة له كما في الطبعة الحجرية : (أي بدل المعين من أجرة المثل ، والمعين شرعا كأجرة رد الآبق ، وما ألحق به على ما يأتي تفصيله إن شاء الله تعالى).

(12) الجعالة جائزة من الطرفين الجاعل والعامل ، سواء قلنا بكونها عقدا أم إيقاعا بلا خلاف فيه ، ومعنى الجواز تسلط الجانبين على فسخها قبل التلبس وبعده ، لأنها بمنزلة أمر للغير بعمل له أجرة عادة ، وعليه فلا يجب المضي فيه من الجانبين.

ص: 576

بالعمل وبعده ، فله الرجوع متى شاء ، ولا يستحق شيئا لما حصل منه من العمل قبل تمامه مطلقا (1).

(وأما الجاعل فجائزة) من طرفه (قبل التلبس) بالعمل ، (وأما بعده فجائزة بالنسبة إلى ما بقي من العمل) فإذا فسخ فيه (2) انتفى عنه (3) بنسبته (4) ، من العوض (أما الماضي (5) فعليه أجرته (6) وهذا في الحقيقة لا يخرج عن كونها (7)

______________________________________________________

فإن كان الفسخ قبل التلبس بالعمل فلا شي ء للعامل ، لعدم العمل بحسب الفرض فلا يقابل بشي ء من العوض ، سواء كان الفسخ من الجاعل أم من العامل.

وإن كان الفسخ بعد التلبس ، فإن كان من العامل فلا شي ء له ، لأن المالك لم يجعل له العوض إلا في مقابلة مجموع العمل من حيث المجموع ، فلا يستحق العامل على بعض العمل شيئا ، لأنه بفسخه أسقط حقه.

وإن كان الفسخ من الجاعل فعليه للعامل عوض ما عمل ، لأن العامل إنما عمل بعوض لم يسلم له ، ولا تقصير من قبله ، وعمله محترم قد صدر بأمر من المالك فلا بد أن يقابل بعوض.

ثم هل للعامل أجرة مثل ما عمل ، أو له من العوض المسمى في العقد بنسبة ما فعل ، قال في المسالك : وجهان أظهرهما الثاني ، لأن المسمى هو العوض الذي اتفقا عليه ، فيثبت له من المسمى بنسبة ما فعل ، ووجه الأول أن العقد قد بطل بالفسخ ، ولما كان عمله محترما فتثبت أجرة المثل.

هذا خلاصة الكلام في المسألة ، لكن بعضهم عبّر بما يوحي اللزوم من طرف الجاعل بعد التلبس بالعمل ، كظاهر الشرائع والمبسوط وغيرهما من أنه ليس للجاعل الفسخ بدون أجرة ، وأن الجعالة لازمة من طرف الجاعل دون العامل.

وفيه : إن لزومها من طرف الجاعل لم يدل عليه دليل خصوصا بعد استصحاب جوازها الثابت قبل التلبس إلى ما بعده ، نعم لو فسخ الجاعل فعليه الأجرة بخلاف العامل فلو فسخ فلا شي ء له.

(1) سواء عيّن الجعل أم لا.

(2) أي بعد التلبس.

(3) عن الجاعل.

(4) أي بنسبة ما بقي من العمل.

(5) من العمل.

(6) أي فعلى الجاعل أجرته.

(7) كون الجعالة.

ص: 577

جائزة من قبله (1) مطلقا (2) فإن المراد بالعقد الجائز ، أو الإيقاع ما يصح فسخه لمن جاز من طرفه ، وثبوت العوض لا ينافي جوازه كما أنها بعد تمام العمل يلزمها (3) جميع العوض ، مع أنها من العقود الجائزة ، وكذا الوكالة (4) بجعل بعد تمام العمل.

واستحقاق الجعل لا يخرجها (5) عن كونها عقدا جائزا ، فينبغي أن يقال : إنها (6) جائزة مطلقا (7) لكن إذا كان الفسخ من المالك ثبت للعامل بنسبة ما سبق من العمل إلى المسمى على الأقوى.

وقيل (8) : أجرة مثله.

وربما أشكل (9) ذلك (10) فيما لو كانت (11) على رد ضالة مثلا ثم فسخ وقد صارت بيده (12) ، فإنه لا يكاد يتحقق للفسخ معنى حينئذ ، إذ لا يجوز له تركها ، بل يجب تسليمها إلى المالك ، أو من يقوم مقامه فلا يتحقق (13) فائدة للفسخ حينئذ.

______________________________________________________

(1) من قبل الجاعل.

(2) قبل العمل وبعده.

(3) يلزم الجعالة.

(4) فيلزم جميع الجعل بعد تمام العمل ، واستحقاق العوض فيها لا يخرجها عن كونها عقدا جائزا.

(5) اي لا يخرج الوكالة.

(6) إن الجعالة.

(7) من قبل الطرفين ، قبل التلبس وبعده.

(8) قد أورده في المسالك وجها.

(9) وحاصله أنه على القول بجواز الفسخ للجاعل بعد التلبس بالعمل فلو وصلت الضالة أو الآبق إلى يد العامل وقيل إيصاله إلى المالك ، فلو أراد المالك الفسخ لما كان له معنى ، إذ لا يجوز للعامل تركها ، بل يجب تسليمها إلى المالك ، ومع التسليم يتم العمل ولا يتحقق الفسخ قبل تمام العمل.

(10) أي جواز الفسخ للجاعل بعد التلبس بالعمل.

(11) أي الجعالة.

(12) أي صارت الضالة بيد العامل.

(13) لأنه قد تم العمل.

ص: 578

فی ما لو رجع المالک فیها

ويمكن دفعه (1) بأن فائدة البطلان عدم سلامة جميع العوض له (2) على هذا التقدير ، بل يستحق لما سبق (3) بنسبته ، ويبقى له فيما بعد ذلك أجرة المثل على ما يعمله إلى أن يتسلمه المالك ، وهو (4) حفظه (5) عنده ، ونحوه ، إذ لا يجب عليه حينئذ رده على المالك ، بل تمكينه (6) منه أن كان قد علم بوصوله إلى يده ، وإن لم يعلم وجب إعلامه.

(ولو رجع) (7) المالك فيها (8) قبل العمل ، أو في أثنائه (ولم يعلم العامل رجوعه (9) حتى أكمل (10) العمل فله كمال الأجرة (11) ، ولو علم في الأثناء فله (12)

______________________________________________________

(1) وحاصل الدفع أن فائدة الفسخ حينئذ عدم وجوب السعي في إيصالها للمالك ، إذا الواجب على العامل إعلامه بها إن لم يكن عالما ، وأما بالنسبة للجاعل فلا يثبت عليه جميع الجعل ، بل عليه من الجعل بمقدار ما يعمل العامل إلى حين الفسخ ، وما بعد الفسخ لو عمل العامل من حفظ الدابة وعلفها فله أجرة المثل.

(2) للعامل.

(3) من العمل.

(4) أي ما يعمله العامل بعد الفسخ إلى حين التسلم من قبل المالك.

(5) أي حفظ الضال.

(6) أي يجب تمكينه.

(7) أي لو رجع المالك قبل إتمام العمل ، ولم يعمل العامل بذلك حتى أكمل العمل ، فيلزم على المالك تمام العوض كالوكيل إذا لم يعلم بالعزل ، فكما أن تصرف الوكيل نافذ فكذا العامل.

وأشكل على الحكم بعدم وجوب العوض على المالك بعد الفسخ ، وقياسه على الوكيل ليس في محله ، لأن مقتضى القواعد أن يحكم بأجرة المثل للعامل في قبال مجموع عمله ، لأنه أقدم على العوض ولم يسلم له ، وإما أن يحكم بأجرة العوض بنسبة عمله ما قبل الفسخ وبأجرة المثل لعمله فيما بعد الفسخ.

(8) في الجعالة.

(9) رجوع المالك.

(10) أي العامل.

(11) الأجرة المسماة.

(12) من الأجرة المسماة.

ص: 579

فی ما لو أوقع المالک صیغتین

بنسبة ما سلف قبل العلم ، وينبغي أن يراد بالعلم ما يثبت به (1) ذلك (2) شرعا (3) ليشمل السماع من المالك ، والشياع المفيد للعلم ، وخبر العدلين ، لا الواحد وإن حكم به (4) في عزل الوكالة بنص خاص (5).

(ولو أوقع المالك صيغتين) للجعالة مختلفتين (6) في مقدار العوض أو في بعض أوصافها (7) (عمل بالأخيرة إذا سمعهما) العامل ، لأن الجعالة جائزة ، والثانية رجوع عن الأولى ، سواء زادت (8) أم نقصت (وإلا) يسمعهما (9) (فالمعتبر)

______________________________________________________

(1) بالعلم.

(2) من رجوع المالك.

(3) ويثبت لرجوع المالك شرعا بالسماع من المالك ، وبالشياع المفيد للعلم ، أو الاطمئنان الذي هو علم عادي ، وبخبر العدلين ، لأنهما بينة ، ولا يثبت بخبر الواحد ، لأنه ليس ببينة بعد حصر الحجة في الموضوعات في البينة.

(4) أي بخبر الواحد.

(5) وهو صحيح هشام بن سالم عن أبي عبد الله عليه السلام ، وقد تقدم في باب الوكالة.

(6) بأن قال : من رد عبدي فله مائة درهم ، ثم قال : من ردّ عبدي فله خمسون ، فالجعالة جائزة ويصح فسخها قبل العمل وفي أثنائه وقد فسخ الأول بالثانية وعليه فإن كان فسخ الأولى قبل الشروع بالعمل كان عمل العامل على مقتضى الثانية ، وإن كان فسخ الأولى بعد الشروع فله من الأولى بنسبة ما عمل قبل فسخها بالثانية ، ومن الثانية بقية العوض ، كل ذلك بالنسبة.

هذا كله إذا سمع العامل الجعالتين ، وإلا فلو سمع إحداهما خاصة فالعبرة بما سمعه.

ويشكل بأن السماع إذا كان للثانية فلا إشكال ، وإن كان للأولى فعلى مبنى الماتن وجماعة كذلك ، ولكن قد تقدم الإشكال في ذلك ، وعليه فإن كان السماع للأول وقد فسخت قبل الشروع بالعمل ولم يعلم العامل حتى أكمل فله أجرة المثل ، وإن كان الفسخ في الأثناء فله من الأولى مقدار ما عمل من العوض بالنسبة ، لقدومه على المسمى ولم يسلم له ، وله من الثانية أجرة المثل لعدم قدومه على المسمى فيثبت له أجرة المثل.

(7) أي أوصاف الجعالة ، كما لو قال : من بنى لي بيتا طوله وعرضه عشرة أمتار فله كذا ، ثم قال : من بنى لي بيتا طوله وعرضه عشرون مترا فله نفس العوض السابق.

(8) أي سواء زادت الثانية عن الأولى أم نقصت.

(9) العامل ، والمراد عدم سماع إحداهما ، لا عدم سماعهما معا ، بقرينة قوله (فالمعتبر ما سمع).

ص: 580

فی استحقاق الجعل علی الرد

ما سمع) من الأولى والأخيرة ، ولو سمع الثانية بعد الشروع في العمل فله من الأولى بنسبة ما عمل (1) إلى الجميع ومن الثانية بنسبة الباقي (2).

(وإنما يستحق الجعل على الرد بتسليم المردود (3) إلى مالكه مع الإطلاق (4) أو التصريح بالجعل على إيصاله إلى يده (5) ، (فلو جاء به إلى باب منزل المالك فهرب فلا شي ء للعامل) ، لعدم إتمامه العمل الذي هو شرط الاستحقاق.

______________________________________________________

(1) أي ما عمل من العمل إلى جميع العمل من العوض المسمى.

(2) أي ما بقي من العمل إلى جميع العمل من عوض الثانية ، هذا وعلّق الشارح على هذا الموضع كما في الطبعة الحجرية بقوله : (هكذا ذكره جماعة من الأصحاب ، منهم المصنف في الدروس في مطلق فسخ المالك في الأثناء ، وكذلك العلامة في أكثر كتبه ، مع حكمه بأن فسخ المالك في الأثناء يوجب الرجوع إلى أجرة المثل ، وهذا لا يخلو من تناقض ، نعم حكم في التذكرة بالرجوع إلى أجرة المثل في الموضعين ، لأن الجعالة الثانية بمنزلة فسخ الأولى ، وهو متجه.

وإن كان القول باستحقاقه بالنسبة إلى المسمى أوجه ، لقدومها على ذلك ، خصوصا لو كانت أجرة المثل أزيد من المسمى ، نعم لو قيل بثبوت أقل الأمرين من أجرة المثل ونسبة المسمى كان وجها) انتهى كلامه زيد في علو مقامه.

(3) أي بتسليم المردود إلى يد المالك ، لأن إطلاق الرد في الجعالة عند ما قال الجاعل : (من ردّ علي عبدي فله كذا) منصرف إلى القبض والتسليم باليد ، وعليه فلو جاء به إلى البلد أو المنزل ولم يقبضه المالك ففرّ لم يستحق الجعل ، بلا خلاف فيه ولا إشكال كما في الجواهر ، لعدم قبضه ، لأنه لم يردّه إليه ، وكذا لو جعلت الجعالة على خياطة ثوب فخاطه وتلف قبل التسليم فلا يستحق أجرة.

ولا فرق في عدم التسليم بين فرار العبد وموته ، لاشتراكهما في المقتضي ، وهو صدق عدم الرد إلى المالك.

وعن فخر المحققين أنه بالموت يستحق الأجرة ، لأن الرد الممكن عادة قد حصل ، ورفع الموت عن العبد ليس داخلا تحت قدرة البشر بخلاف الفرار ، ومال إليه المحقق الثاني في جامعه والشارح هنا في روضته.

ولكنه ضعيف إذ لا يصدق عليه الرد ، والجعل قد جعل على الرد المخصوص ، ولذا ضعّفه في المسالك.

(4) مع إطلاق الرد في الجعالة حيث هو منصرف إلى التسليم باليد والقبض.

(5) أي إيصال الآبق إلى يد الجاعل.

ص: 581

ومثله (1) ما لو مات قبل وصوله إلى يده وإن كان بداره ، مع احتمال الاستحقاق هنا ، لأن المانع من قبل الله تعالى ، لا من قبل العامل ، ولو كان الجعل على إيصاله إلى البلد ، أو إلى منزل المالك استحق الجميع بالامتثال (2) ، (ولا يستحق (3) الأجرة إلا ببذل الجاعل (4) أي استدعائه الرد ، سواء كان مع بذل

______________________________________________________

(1) أي ومثل الهرب.

(2) ولو لم يصل إلى المالك.

(3) المالك إما أن يعيّن الجعل ويصفه بما يرفع الجهالة كقوله : من رد عبدي فله دينار ، أو يطلق العوض مع التعرض لذكره كقوله : من ردّ عبدي فله مال ، أو يستدعي الرد ويطلبه من غير تعرض للأجرة كقوله : من يردّ عليّ عبدي منكم ، أو لا يستدعي الرد ولا يطلبه ويعمل العامل له مطلوبه بأن يردّ عليه ضالته أو يخيط له ثوبه وعلى الأول يلزم المالك ما عيّن عند تمام العمل ، إذ لم يفعله العامل بنية التبرع ، وهذا مما لا خلاف فيه ولا إشكال.

وعلى الثاني تلزم أجرة المثل على المالك ، إما لكون العقد فاسدا لاشتراط العلم بالعوض ولم يتحقق ، وإما لكون العقد صحيحا ومع ذلك وقع اتفاقهم أنه يثبت بالرد أجرة المثل إلا في موضع واحد ، وهو رد العبد الآبق فهل تثبت أجرة المثل أم يثبت دينار إذا كان الرد من مصره ، على خلاف سيأتي إن شاء الله تعالى.

وعلى الثالث - لو استدعى الرد ولم يعيّن أجرة أبدا - فعن العلامة في القواعد والإرشاد والتحرير والمحقق في الشرائع ، وهو ظاهر اللمعة أنه لا شي ء للرادّ ، للأصل من براءة ذمة المالك من الأجرة عند الشك ، وطلبه للرد أعم من كونه بأجرة أو لا ، فلا يجب عليه شي ء ، فالعامل هنا متبرع حيث أقدم على العمل من غير بذل.

وأشكل عليه بمنع كون العامل متبرعا ، إلا إذا قصد التبرع منضم ، ويثبت له أجرة المثل ، لأن عمله صدر بأمر من المالك ولعمله أجر بحسب العادة ، فيثبت له أجرة المثل ، لقاعدة احترام عمل المسلم.

وعلى الرابع لا شي ء للعامل ، لأن المالك لم يأمر ولم يطلب الرد ، فيتعين التبرع على العامل لو عمل.

ومثله ما لو استدعى العمل مجانا كقوله : من ردّ عليّ عبدي وأجره على الله.

(4) ظاهر المتن أنه لا أجرة للعامل إلا مع البذل ، فلو استدعى المالك مع عدم البذل كما في الصورة الثالثة فلا شي ء للعامل.

إلا أن الشارح فسر البذل بالاستدعاء ، وهو تفسير على خلاف ظاهر البذل ليصحح مبنى المصنف.

ص: 582

عوض أم لا (1) (فلو رد بغيره (2) كان متبرعا) لا عوض له مطلقا (3) ، وكذا لو رد من لم يسمع الجعالة على قصد التبرع (4) ، أو بقصد يغاير ما بذله المالك (5) جنسا ، أو وصفا ، ولو رد بنية العوض مطلقا (6) وكان ممن يدخل في عموم الصيغة ، أو إطلاقها (7) ففي استحقاقه قولان (8) ،

______________________________________________________

(1) ليشمل الصورة الأولى والثانية والثالثة.

(2) أي بغير الاستدعاء كما في الصورة الرابعة ، هذا على تفسير الشارح ، أو رد بغير البذل كما في الصورة الثالثة والرابعة كما هو ظاهر اللمعة.

(3) أي لا عوض للعامل مطلقا ، أي قصد التبرع أو لا.

(4) أي مع قصد التبرع فلا شي ء له ، لأنه متبرع.

(5) أي رد مع قصد عوض مغاير لما بذله المالك ، والمغايرة إما جنسية بأن قصد الدرهم والمالك بذل الدينار ، وإما وصفية ، فلا شي ء للعامل ، لأن ما قصده العامل لم يلتزمه المالك حتى يثبت عليه ، والأصل براءة ذمته منه.

(6) أي ردّ العامل بنية العوض من غير تعيين شي ء خاص ليشمل ما بذله المالك.

(7) حتى تخرج الصيغة التي تخاطب شخصا معينا ، لأنه لو خاطب المالك شخصا معينا بقوله : (إن رددت عبدي فلك كذا) فردّه غيره مع نية العوض فلا شي ء له ، لأنه متبرع ، ولم يأمره المالك.

والفرق بين العموم والإطلاق هو : أن المالك لو قال : (من ردّ عبدي) فهو عموم ، ولو قال : (الردّ عليّ عبدي فله كذا) فهو إطلاق.

(8) ذهبت جماعة إلى أن غير السامع للجعالة لو فعل الرد بدون قصد التبرع فله الأجرة ، منهم العلامة في القواعد وولده في الإيضاح ، وفي الدروس أنه الأقرب ، لوجود المقتضي وعدم المانع.

أما المقتضي فهو عمل العامل بدون قصد التبرع ، بل بإذن الجاعل ، وهذا يقتضي ثبوت الأجرة لعمله.

وأما عدم المانع إذ لا يتوهم أنه مانع إلا عدم سماعه ، وهو ليس بمانع ، لأننا مع الشك في مانعيته فالأصل عدمه.

ولدليل ثان ، وهو صدور عمل من العامل مطابقا لجعل الجاعل فيستحق عوضها.

وذهبت جماعة إلى عدم ثبوت أجرة للعامل غير السامع ، وإن لم يقصد التبرع ، لأنه مع عدم علمه بالجعالة فكأنه أقدم على العمل من دون ثبوت جعل من المالك الجعل فلا شي ء له وإن لم يقصد التبرع.

ص: 583

منشأهما : فعله (1) متعلّق الجعل مطابقا لصدوره (2) من المالك على وجه يشمله (3) ، وأنه (4) عمل محترم لم يقصد به فاعله التبرع وقد وقع بإذن الجاعل فقد وجد المقتضي (5) ، والمانع ليس إلا عدم علمه (6) بصدور الجعل ، ومثله (7) يشك في مانعيته ، لعدم الدليل عليه (8) فيعمل المقتضي عمله ، ومن أنه (9) بالنسبة إلى اعتقاده متبرع ، إذ لا عبرة بقصده من دون جعل المالك ، وعدم سماعه (10) في قوة عدمه عنده (11).

وفصّل (12) ثالث ففرق بين من رد كذلك (13) عالما بأن العمل بدون الجعل

______________________________________________________

وفصّل المحقق الثاني في جامعه بين العامل الذي يجهل أن العمل بدون جعل تبرع وغيره.

أما الأول فلجهله يكون عمله غير متبرع به فيستحق على المالك الأجرة لاحترام عمله ، وأما الثاني فهو عالم بأن العمل بدون جعل تبرع ، فهو متبرع به ، لأنه أقدم على العمل مع علمه بعدم الجعل ، فهو متبرع لا شي ء له وإن قصد العوض.

(1) أي فعل العامل ، وهو دليل استحقاق العوض.

(2) أي صدور الجعل.

(3) يشمل فعل العامل.

(4) أي عمل العامل ، وهو دليل ثان على استحقاق العوض.

(5) للاستحقاق ، ويشكل على هذا الدليل أنه لم يثبت أنه المقتضي ، لأن الثابت أن عمله مع سماع الصيغة هو المقتضي ، وأما بدون السماع فالأصل براءة ذمة المالك من العوض.

(6) أي عدم علم العامل.

(7) أي ومثل عدم العلم يشك في مانعيته بناء على كون الجعالة إيقاعا ، أما لو كانت عقدا فهو مانع قطعا.

(8) على المانع.

(9) دليل عدم استحقاق العوض ، والمعنى من أن العامل.

(10) أي وعدم سماع العامل في قوة عدم الجعل من المالك ، فكأنه أقدم على عمل لا جعالة فيه ، فلا شي ء للعامل حينئذ.

(11) عند من ذهب إلى عدم الاستحقاق.

(12) وهو المحقق الثاني في جامعه.

(13) مع عدم سماع الجعالة وبنية العوض مطلقا.

ص: 584

مسائل

اشارة

فی ما لم یعیّن جعل

تبرع (1) وإن قصد العامل العوض ، وبين غيره (2) ، لأن الأول متبرع محضا ، بخلاف الثاني. واستقرب المصنف (3) الأول (4). والتفصيل متجه.

مسائل

(كلما لم يعيّن جعل (5) إما لتركه أصلا بأن استدعى الرد وأطلق (6) ، أو لذكره مبهما (7) كما سلف (8) (فأجرة المثل) لمن عمل مقتضاه (9) ، سامعا للصيغة غير متبرع بالعمل ، إلا أن يصرح بالاستدعاء مجانا (10) فلا شي ء.

وقيل : لا أجرة مع إطلاق الاستدعاء (11) ، والأول أجود. نعم لو كان العمل مما لا أجرة له عادة لقلته فلا شي ء للعامل (12) ، كمن أمر غيره بعمل (13) من غير أن يذكر له أجرة (إلا في رد الآبق من المصر) الذي فيه (14) مالكه إليه (15)

______________________________________________________

(1) فلا شي ء له.

(2) بحيث يجهل أن العمل بدون الجعل تبرع فيستحق الأجرة.

(3) في الدروس.

(4) وهو استحقاق العامل للعوض مطلقا.

(5) من قبل المالك.

(6) هذه هي الصورة الثالثة المتقدمة في شرحنا ، ومعنى الإطلاق أنه لم يعيّن الأجرة لا جملة.

ولا تفصيلا.

(7) هذه هي الصورة الثانية المتقدمة في شرحنا ، والمعنى لذكر المالك العوض مبهما ومجملا.

(8) عند قول المصنف (كمن ردّ عبدي فله مال أو شي ء).

(9) أي مقتضى الاستدعاء.

(10) كما في الصورة الرابعة المتقدمة في شرحنا.

(11) إشارة إلى الخلاف في الصورة الثانية ، وهو قول المحقق والعلامة والمصنف في اللمعة كما سبق.

(12) لأن الإطلاق محمول على العرف ، ولا أجرة لمثله عند العرف.

(13) في غير الجعالة.

(14) في المصر.

(15) أي رده مالك الآبق.

ص: 585

(فدينار (1) ، وفي رده من غيره) ، سواء كان من مصر آخر أم لا (أربعة دنانير) في المشهور ومستنده ضعيف.

ولو قيل بثبوت أجرة المثل فيه كغيره كان حسنا. والمراد بالدينار على القول به : الشرعي وهو المثقال الذي كانت قيمته عشرة دراهم.

(والبعير (2) كذا) أي كالآبق في الحكم المذكور ، ولا نص عليه بخصوصه ، وإنما ذكره الشيخان (3) وتبعهما عليه جماعة.

______________________________________________________

(1) مقتضى القاعدة أجرة المثل ، إلا أن المشهور حكم بثبوت دينار إن رده من مصره ، وإلا فأربعة دنانير اعتمادا على خبر مسمع بن عبد الملك عن أبي عبد الله عليه السلام (أن النبي صلى الله عليه وآله وسلم جعل في الآبق دينارا إن أخذ في مصره ، وإن أخذ في غير مصره فأربعة دنانير) (1).

وفي الرواية ضعف ففي سندها محمد بن الحسن بن شمون ، وهو غال وضّاع ، وكذلك عبد الله بن عبد الرحمن الأصم وحاله كذلك ، ولذا حملها الشيخ في المبسوط على الأفضل ، وتبعه الآبي والمقداد والشارح ، وإلا فالواجب أجرة المثل.

وذهب الكركي وفخر المحققين إلى أن الواجب أقل الأمرين من أجرة المثل والمقدّر شرعا جمعا بين الدليلين.

وعلى المقدّر شرعا لا فرق في الآبق بين الصغير والكبير والمسلم والكافر والصحيح والمعيب لإطلاق النص ، وكذا لا فرق في الآبق بين من كانت قيمته تساوي المقدّر شرعا أو لا ، وكذا لا فرق في غير مصره بين مصر آخر أو لا.

(2) ألحق المشهور تبعا للشيخ المفيد في المقنعة البعير بالعبد ، حيث قال المفيد في مقنعته : (إذا وجد الإنسان عبدا آبقا أو بعيرا شاردا فرده على صاحبه كان له على ذلك جعل ، وإن كان وجده في المصر فدينار قيمته عشرة دراهم جياد ، وإن كان وجده في غير المصر فأربعة دنانير ، قيمتها أربعون درهما جياد ، وبذلك ثبتت السنة عن النبي صلى الله عليه وآله وسلم) انتهى.

وهو يشعر بورود النص فيه ، ولم يقف عليه المحقق ولا العلامة كما هو ظاهر عباراتهم في الشرائع والقواعد ، وهذا ما يوجب الشك في الخروج عن قاعدة أجرة المثل ، لاحتمال أن يكون الإلحاق من باب القياس ، خصوصا حيث إنه حكم بالجعل مع عدم بذل عوض من قبل المالك ، وهو مشكل لما تقدم من عدم ثبوت شي ء للعامل حينئذ.

(3) المفيد والطوسي.

ص: 586


1- 1. التهذيب ج 6 ص 398 حديث 43.

فی ما لو بذل جعلا فرده جماعة

ويظهر من المفيد أن به رواية ، لأنه قال : بذلك ثبتت السنة ، وفي إلحاقه على تقدير ثبوت الحكم في الآبق إشكال (1). ويقوى الإشكال لو قصرت قيمتهما عن الدينار والأربعة. وينبغي حينئذ (2) أن يثبت على المالك أقل الأمرين من قيمته ، والمقدر شرعا ، ومبنى الرواية على الغالب من زيادة قيمته (3) عن ذلك كثيرا.

(ولو بذل جعلا) لمن رده واحدا كان (4) أم أكثر (فرده جماعة (5) استحقوه بينهم بالسوية (6) ولو كان العمل غير الرد من الأعمال التي يمكن وقوعها أجمع من كل واحد منهم كدخول داره مع الغرض الصحيح (7) فلكل ما عين.

______________________________________________________

(1) لأنه قياس من العبد إلى البعير.

(2) حين قصور قيمتهما عن الدينار والأربعة فينبغي إثبات أقل الأمرين من قيمة العبد والبعير والمقدّر شرعا لئلا يلزم المالك بزيادة عن ماله من أجل تحصيله.

(3) أي قيمة العبد الآبق.

(4) أي الرادّ.

(5) إذا بذل المالك جعلا على فعل فلا يخلو إما أن يكون الفعل قابلا للتعدد أولا.

وعلى الثاني فلو قال : من ردّ عبدي فله كذا ، والرد غير قابل للتعدد ، فمن رده فله الجعل ، سواء كان القائل واحدا أو جماعة ، وعلى فرض أنهم جماعة فلا يستحقون إلا العوض الواحد.

وعلى الأول كما لو قال : من دخل داري فله دينار ، والدخول قابل للتعدد ، فلو دخله جماعة استحق كل واحد منهم ذلك العوض ، لصدق الاسم وهو الدخول على كل واحد منهم ، بخلاف السابق إذ لا يصدق على كل واحد أنه رد الآبق ، بل الرد مستند إلى فعل الجماعة بما هم جماعة.

وعن العلامة في المختلف أنه لو قال : من دخل داري فله دينار ، وقد دخله جماعة استحق الجميع دينارا واحدا بالتساوي ، لأن الدينار الواحد هو المبذول ، وهو مردود ، لأن الجعل هو الدينار - قد بذل على الدخول ، وكل واحد منهم قد حقق الدخول.

نعم لو بذل جعلا متشخصا على مطلق الدخول كما لو قال : من دخل داري فله هذا الدينار ، فدخله جماعة استحق الجميع الدينار المتشخص بالسوية.

(6) لأن الفعل غير قابل للتعدد ، والتسوية مبنية على قسمة العوض على الرءوس ، وأما التقسيم على أساس العمل فيجب أن يكون الجعل بينهم كل بحسب عمله.

(7) أي الغرض الصحيح للدخول ، وإلا فمع عدم الغرض فيكون الجعل مبذولا على نحو السفه ، وهذا ما يوجب التحجير على الجاعل وهو ما يوجب بطلان الجعالة.

ص: 587

(ولو جعل لكل من الثلاثة جعلا مغايرا) للآخرين (1) كأن جعل لأحدهما دينارا ، وللآخر دينارين ، وللثالث ثلاثة (فردوه فلكل ثلث ما جعل له (2) ، ولو رده أحدهم فله ما عين له أجمع ، ولو رده اثنان منهم فلكل منهما نصف ما عين له ، (ولو لم يسم لبعضهم) جعلا مخصوصا (فله ثلث أجرة المثل) ولكل واحد من الآخرين ثلث ما عين له ، ولو رده من لم يسم له وأحدهما فله (3) نصف أجرة مثله ، وللآخر نصف ما سمي له ، وهكذا ، (ولو كانوا أزيد) من ثلاثة (فبالنسبة) (4) أي لو

______________________________________________________

(1) إذا جعل لكل واحد جعالة منفردة على عمل واحد ، فإما أن يساوي بينهم في الجعل ، وإما أن يخالف فيما بينهم ، وإما أن يعيّن للبعض ويطلق للبعض الآخر.

وعلى التقادير الثلاثة إما أن يكون الفعل المجعول عليه قابلا للاختلاف كخياطة الثوب ، وإما أن لا يقبل الاختلاف كردّ العبد.

إذا تقرر ذلك فإذا جاء أحدهم بالعمل فله جعله مع التعيين وإلا فأجرة المثل ، وإن اشتركوا في العمل وكان مما لا يختلف كرد العبد فلكل واحد بنسبة ما جعل له من مجموع العاملين ، فمثلا لو قال الأول : (إن رددت عبدي فلك عشرة دنانير) ، وقال للثاني : (إن رددت عبدي فلك خمسة عشر دينارا) وقال للثالث : (إن رددت عبدي فلك عشرون) ، فردّ الثلاثة العبد فيستحق الأول ثلث جعله ، وكذا الثاني والثالث.

وإن كان العمل مما يختلف فيكون لكل واحد بنسبة عمله من مجموع العمل ، فلو خاط الأول مثلا نصف الثوب والأخيران أكملا العمل ، استحق الأول نصف جعله والثاني ربعا وكذا الثالث.

هذا كله إن اختلف الجعل ، وأما إذا اتفق فنفس الحكم السابق من أنه لكل واحد بنسبة ما جعل له من مجموع العاملين إن لم يختلف العمل ، وإن اختلف فله بنسبة عمله من مجموع العمل.

وأما الفاعل الذي لم يعيّن له عوض خاص كأن يقول المالك : (إن رددت عبدي ، أو قال : إن خطت الثوب فعلي العوض) كان له تمام أجرة المثل لو فعل العمل بمفردة ، ومع المشاركة فعلى أساس ما تقدم من أجرة المثل.

(2) لأن العمل غير قابل للاختلاف في الفعل ، وقد اشتركوا فيه من الابتداء إلى الانتهاء ، فيكون لكل واحد بنسبة ما جعل له من مجموع العاملين.

(3) أي لمن لم يسمّ له.

(4) إلى مجموع العاملين.

ص: 588

فی ما لو اختلفا

ردوه أجمع فلكل واحد بنسبة عمله (1) إلى المجموع من أجرة المثل ، أو المسمى.

(ولو اختلفا في أصل الجعالة (2) بأن ادعى العامل الجعل وأنكره المالك وادعى التبرع (حلف المالك) ، لأصالة عدم الجعل ، (وكذا) يحلف المالك لو اختلفا (في تعيين الآبق) (3) مع اتفاقهما على الجعالة ، بأن قال الملك. إن المردود ليس هو المجعول وادعاه العامل ، لأصالة براءة ذمته (4) من المال الذي يدّعي العامل استحقاقه.

(ولو اختلفا في السعي (5) بأن قال المالك : حصل في يدك قبل الجعل) بفتح

______________________________________________________

(1) فلو كانوا أربعة وقد اشتركوا في الرد من الابتداء إلى الانتهاء كان لكل واحد ربع ما جعل له ، وإلا ربع أجرة المثل.

(2) بأن قال العامل : شارطتني وآمرتني بالعمل وجعلت لي جعلا معينا ، فقال المالك : لم أشارطك ولم آمرك ، كان القول قول المالك مع يمينه ، لأنه منكر ، إذ الأصل عدم الأمر وعدم الشرط ، والأصل عدم اشتغال ذمته بلا خلاف في ذلك ولا إشكال.

(3) بحيث جاء العامل بأحد الآبقين ، فقال المالك : لم أقصد هذا عند الجعالة وإنما قصدت الآخر ، فقال العامل : بل قصدت هذا كان القول قول المالك مع يمينه ، لأن العامل يدعي العوض على المالك بالنسبة لهذا الآبق ، والمالك ينكره ، والأصل عدم ثبوت العوض بلا خلاف فيه ولا إشكال أيضا.

وفي هذا الفرع قد اتفقا على أصل الجعالة مع اختلافهما في المجعول عليه ، وبهذا خالف الفرع السابق.

(4) أي ذمة المالك.

(5) بأن قال المالك : حصل العبد في يدك قبل حصول الجعالة فلا شي ء لك ، بناء على أنه إذا حصل الآبق بيد الفاعل قبل الجعالة فلا شي ء له ، ويجب عليه حينئذ إعلام المالك به ، لأن حصول الآبق بيد العامل لم يكن بدافع العوض بل يكون العامل متبرعا فلا شي ء له ، فقال العامل : بل حصل في يدي بعد حصول الجعالة فاستحق شيئا عليك. فالقول قول المالك مع يمينه ، لأنه منكر ، لأن العامل يدعي ثبوت العوض على المالك والمالك ينكره مع أصالة عدم اشتغال ذمته.

إن قلت : إذا شككنا في حصول الآبق قبل الجعالة أو بعدها فالأصل عدم حصوله قبل الجعالة وهذا ما يجعل العامل منكرا.

ص: 589

الجيم ، وقال الرّاد : بل بعده (حلف) المالك (أيضا ، للأصل) وهو براءة ذمته من حق الجعالة ، أو عدم تقدم الجعل على حصوله (1) في يده (2) ، وإن كان الأصل أيضا عدم تقدم وصوله إلى يده على الجعل ، إلا أنه بتعارض الأصلين لا يثبت في ذمة المالك شي ء (3) ، ومثله (4) ما لو قال المالك : حصل في يدك قبل علمك بالجعل ، أو من غير سعي (5) وإن كان (6) بعد صدوره.

(وفي قدر الجعل كذلك (7) يحلف المالك ، لأصالة براءته من الزائد ، ولأن

______________________________________________________

قلت : هو معارض بعدم تحقق الجعالة قبل حصوله بيد العامل ، وهذا ما يجعل المالك منكرا ، فيتعارض الأصلان ويتساقطان.

(1) أي حصول الآبق.

(2) أي يد العامل.

(3) لعدم اشتغال ذمته ، ومنه تعرف أن لا معنى لعطف (أو عدم تقدم الجعل على حصوله في يده) لأنه ساقط بالتعارض.

(4) أي ومثل الاختلاف في السعي الاختلاف في سماع العامل للجعالة قبل الحصول أو بعد الحصول ، وهذا مبني على أن العامل إذا ردّ ولم يسمع الجعالة فهو متبرع ولا شي ء له.

(5) من العامل فلا يستحق شيئا لعدم صدور عمل منه ، والجعل قد رتب على الرد المسبوق بالسعي.

(6) أي كان الحصول في يد العامل بعد صدور الجعل.

(7) لو اختلفا في قدر الجعل والعوض فيقدم قول المالك مع يمينه ، وقد وقع الخلاف في هذه المسألة ، وتحريرها ما لو قال المالك : بذلت خمسين ، فقال العامل : بل مائة ، مع اتفاقهما على الجنس والصفة.

والخلاف على خمسة أقوال :

القول الأول : للشيخ وجماعة أنه يحلف المالك ، ويثبت للعامل أجرة المثل ، أما تقديم قول المالك ، فلأن الاختلاف في فعله فيقدم قوله فيه مع اليمين ، ولأنه ينكر ما يدعيه العامل من الزائد.

وأما ثبوت أجرة المثل للعامل ، فلأن المالك بيمينه ينفي ما يدعيه العامل ، ولا يثبت بيمينه نفس دعواه ، لأن اليمين للإنكار ، وهو منكر لما يدعيه العامل ، وعليه فإذا انتفى ما يدعيه العامل ولم يثبت ما يدعيه المالك فتثبت أجرة المثل ، للاتفاق على وقوع عمل بعوض.

القول الثاني : إنه يحلف المالك ويثبت أقل الأمرين من أجرة المثل ومما يدعيه العامل ، أما حلفه فلما تقدم.

ص: 590

العامل مدّع للزيادة ، والمالك منكر (فيثبت للعامل) بيمين المالك (أقل الأمرين من أجرة المثل ، ومما ادعاه (1) ، لأن الأقل إن كان الأجرة فقد انتفى ما يدعيه العامل بيمين المالك (2) ، وإن كان ما يدعيه العامل (3) ، فلاعترافه بعدم استحقاقه للزائد ، وبراءة ذمة المالك منه (4) ، والحال أنهما معترفان بأن عمله بجعل في الجملة ، وأنه عمل محترم فتثبت له الأجرة (5) إن لم ينتف بعضها (6) بإنكاره (7) ، (إلا أن يزيد ما ادعاه المالك (8) عن أجرة المثل فتثبت الزيادة ، لاعترافه باستحقاق العامل إياها ، والعامل لا ينكرها.

(وقال) الشيخ نجيب الدين (ابن نما (9) رحمه الله : إذا حلف المالك على نفي

______________________________________________________

وأما ثبوت أقل الأمرين ، فلأن أجرة المثل إن كانت أقل مما يدعيه ، فقد انتفى ما يدعيه العامل بيمين المالك ، وإن كان ما يدعيه العامل أقل من أجرة المثل فلاعتراف العامل بعدم استحقاقه عما يزيد من أجرة المثل ، لأنه يدعي الأقل فكيف يثبت له الزائد.

وهذا ما اختاره العلامة في جملة من كتبه والمحقق في الشرائع ، وأما بقية الأقوال فسيأتي التعرض لها.

(1) أي العامل.

(2) وتثبت أجرة المثل وهي الأقل.

(3) هو الأقل ، فينتفي الزائد من أجرة المثل ، لاعترافه بعدم استحقاقه الزائد.

(4) من الزائد.

(5) أي تثبت للعامل أجرة المثل.

(6) بعض أجرة المثل.

(7) أي بإنكار العامل هذا البعض ، وذلك فيما لو كان الجعل أقل من أجرة المثل ، فهو بدعواه الجعل ينكر الزائد من أجرة المثل.

(8) وهذا هو القول الثالث ، أما حلف المالك وثبوت أقل الأمرين مما يدعيه العامل وأجرة المثل فقد تقدم ، وأما لو كان ما يدعيه المالك أزيد من أجرة المثل فالمالك عند ما ادعى بأزيد من أجرة المثل فهو معترف بثبوت الزائد في ذمته ، فيؤخذ الزائد منه بإقراره ، والعامل لا ينكر هذه الزيادة.

(9) وهو شيخ المحقق ، إنه يقدم قول المالك مع يمينه ويثبت ما يدعيه المالك لا أجرة المثل ولا الأقل منها ومما يدعيه العامل ، وهو القول الرابع ، ودليله أنهما متفقان على وقوع العقد ومتفقان على تشخيصه بأحد العوضين ، إما بحسب دعوى المالك وإما بحسب

ص: 591

ما ادعاه) العامل (ثبت ما ادعاه) هو ، لأصالة (1) عدم الزائد ، واتفاقهما (2) على العقد المشخص بالعوض المعين ، وانحصاره (3) في دعواهما ، فإذا حلف المالك على نفي ما ادعاه العامل ثبت مدّعاه ، لقضية الحصر (وهو قوي كمال الإجارة) إذا اختلفا في قدره (4).

وقيل (5) : يتحالفان ، لأن كلا منهما مدع ومدّعى عليه فلا ترجيح لأحدهما فيحلف كل منهما على نفي ما يدعيه الآخر ويثبت الأقل كما مر.

والتحقيق أن اختلافهما في القدر إن كان مجردا عن التسمية (6) بأن قال

______________________________________________________

دعوى العامل ، والعقد منحصر بينهما.

وإذا حلف المالك على ما يدعيه العامل فتنتفي دعوى العامل ويثبت أن العوض في العقد على حسب ما يدعيه المالك قضاء لحق الحصر ، وإليه ذهب الشهيد في الدروس أيضا.

وبهذا البيان يرتفع عنه إشكال المحقق وهو كيف يثبت ما يدعيه المالك باليمين الصادر منه ، مع أن يمين المالك لنفي ما يدعيه العامل لا لإثبات ما يدعيه الجاعل.

وفيه أنه بالحلف ينتفي ما يدعيه العامل ، وبالحصر - لأن العقد مردد بين قول العامل وقول المالك - يثبت ما يدعيه المالك.

(1) تعليل لحلف المالك.

(2) تعليل لثبوت ما يدعيه المالك.

(3) أي العقد.

(4) أي قدر مال الإجارة وقد تقدم في بابها.

(5) وهو القول الخامس وقد اختاره العلامة في القواعد ، ووجهه أن كلا منهما مدع ومنكر ، فلا ترجيح لأحدهما فيحلف كل منهما على نفي ما يدعيه الآخر ، ولأن العقد الذي يدعيه المالك متشخص بعوض ما ، وهو غير العقد المتشخص بعوض آخر بحسب دعوى العامل.

وأشكل عليه بأن العقد متفق عليه ، وإنما الخلاف في زيادة العوض ونقصانه بعد اتفاقهما على قدر منه ، فالعامل يدعي الزيادة عن الاتفاق والمالك ينكرها ، وأما قاعدة التحالف فهي عند عدم اجتماعهما على شي ء ، بل يكون كل منهما منكر لما يدعيه الآخر.

هذا من جهة ومن جهة أخرى ذهب العلامة إلى أنه بعد التحالف يثبت أقل الأمرين من أجرة المثل ومما يدعيه العامل ، إلا أن يدعي المالك زيادة عن أجرة المثل فتثبت الزيادة على ما سبق بيانه.

(6) أي تسمية العوض بقدر خاص.

ص: 592

العامل : إني أستحق مائة من جهة الجعل الفلاني (1) فأنكر المالك وادعى أنه خمسون ، فالقول قول المالك ، لأنه منكر محض والأصل براءته من الزائد ، كما يقدم قوله لو أنكر أصل الجعل. ولا يتوجه اليمين هنا من طرف العامل أصلا.

وإن قال : جعلت لي مائة (2) فقال المالك : بل خمسين ففيه الوجهان الماضيان في الإجارة (3).

والأقوى تقديم قول المالك أيضا (4) ، لاتفاقهما على صدور الفعل بعوض ، واختلافهما في مقداره خاصة ، فليس كل منهما مدعيا لما ينفيه الآخر.

وإن كان اختلافهما في جنس المجعول (5) مع اختلافه بالقيمة (6) فادعى المالك جعل شي ء معين يساوي خمسين ، وادعى العامل جعل غيره مما يساوي مائتين فالتحالف هنا متعين ، لأن كلا منهما يدعي ما ينكره الآخر ، إلا أن ذلك (7)

______________________________________________________

(1) ومن دون تحديد للجعل بأنه مائة.

(2) بأن اختلف في القدر مع تسمية العوض بقدر خاص.

(3) وهما تقديم قول المالك أو التحالف.

(4) كما في الفرع السابق الذي جرد عن تسمية العوض بقدر خاص ، وتقديم قول المالك في قبال التحالف ، وبتقديم قول المالك يثبت ما يدعيه لحصر العقد بين دعواهما على ما تقدم بيانه ، وهو الذي قواه في المسالك.

(5) بأن اختلفا في جنس الجعل فقال المالك : جعلت درهما ، فقال العامل : بل دينارا ، وفيه قولان :

القول الأول : وهو مختار الشيخ والمحقق وجماعة من تقديم قول المالك ، لأن القول قوله في أصل الجعل ، وكذا في قدره فيكون قوله مقدما في جنسه ، ولأن الاختلاف في فعله فيرجع إليه فيه.

القول الثاني : التحالف والرجوع إلى أجرة المثل ، لأن كلا منهما مدع ومنكر ، وهي ضابطة التحالف ، ومع حلفهما يرتفع الدرهم والدينار وتثبت أجرة المثل ، لاحترام عمل العامل بعد صدوره بإذن المالك.

(6) كأن ادعى المالك : إني جعلت العوض ثوبا ، فقال العامل : بل كتابا ، والقيمة مختلفة بين الثوب والكتاب.

(7) من كون كل منهما يدعي ما ينكره الآخر.

ص: 593

نشأ من اختلاف الجعل جنسا (1) ، أو وصفا (2) ، لا من اختلافه (3) قدرا ، وإذا فرض اختلاف الجنس فالقول بالتحالف أولى وإن تساويا قيمة (4). وإنما ذكرنا اختلاف الجنس في هذا القسم (5) ، لأن جماعة كالمحقق والعلامة شرّكوا بينه (6) وبين الاختلاف قدرا في الحكم (7) ، وليس بواضح (8).

ويبقى في القول بالتحالف مطلقا (9) إشكال آخر وهو (10) فيما إذا تساوت الأجرة وما يدعيه المالك ، أو زاد ما يدعيه (11) عنها (12) ، فإنه لا وجه لتحليف العامل بعد حلف المالك على نفي الزائد (13) الذي يدعيه العامل (14) ، لثبوت (15)

______________________________________________________

(1) كدعوى الدرهم من أحدهما والدينار من الآخر ، أو الثوب من أحدهما والكتاب من الآخر.

(2) كدعوى الثوب الفلاني من أحدهما ، والثوب الفلاني الآخر المختلف وصفا عن الآخر.

(3) أي اختلاف الجعل.

(4) بأن كانت قيمة الثوب تساوي قيمة الكتاب.

(5) وهو اختلافهما في قدر الجعل.

(6) بين الاختلاف في الجنس.

(7) متعلق بقوله (شرّكوا).

(8) لأن الاختلاف في الجنس ضابطة التحالف ، والاختلاف في القدر ضابطه اليمين على المنكر.

(9) سواء قيل بالتحالف في المختلفين جنسا فقط ، أو فيهما وفي الاختلاف قدرا.

(10) أي الإشكال ، وحاصله أنه على القول بالتحالف تثبت أجرة المثل ، فلو ساوت أجرة المثل ما يدعيه المالك فلا وجه لتحليف العامل على نفي ما يدعيه المالك ، وكذا لو زاد ما يدعيه المالك عن أجرة المثل فلا وجه لتحليف العامل أيضا ، فالمالك معترف بما يدعيه وإن كان أزيد من أجرة المثل فلا معنى لحلف العامل عليه ، نعم لو كانت أجرة المثل أزيد مما يدعيه المالك فالزيادة من أجرة المثل تنتفي بحلف العامل على نفيها.

(11) ما يدعيه المالك.

(12) عن أجرة المثل.

(13) متعلق بقوله (بعد حلف المالك).

(14) لأن العامل يدعي أزيد من أجرة المثل عند تساويها مع دعوى المالك ، ولأن العامل يدعي أزيد مما يدعيه المالك عند زيادة دعوى المالك عن أجرة المثل.

(15) تعليل لعدم الوجه لتحليف العامل.

ص: 594

ما حكم به من مدعى المالك (1) زائدا عن الأجرة ، أو مساويا باعترافه (2) فتكليف العامل باليمين حينئذ (3) لا وجه له ، لاعتراف المالك به (4) ، وإنما يتوجه (5) لو زادت أجرة المثل عما يدعيه (6) المالك فيتوقف إثبات الزائد من الأجرة عما يدّعيه على يمين المدعي وهو العامل (7).

______________________________________________________

(1) ومدعاه إما مساو لأجرة المثل وإما زائدا عنها ، فما ادعاه ثابت باعترافه.

(2) أي باعتراف المالك.

(3) أي حين التحالف لثبوت أجرة المثل.

(4) بمدعاه سواء زاد عن أجرة المثل أو ساواها.

(5) أي اليمين على العامل.

(6) أي عما يدعيه المالك.

(7) لأنه يدعي الأزيد من أجرة المثل وأزيد مما يدعيه المالك ، ويمينه باعتبار أنه منكر لما يدعيه المالك فإذا حلف انتفى ما يدعيه المالك ، وما ادعاه هو فمنتف بيمين المالك فتثبت أجرة المثل وإن كانت أزيد مما يدعيه المالك.

ص: 595

ص: 596

الفهرس

(کتاب الدن)

کتاب الدن.................................................................. 5

القرض....................................................................... 7

دين العبد................................................................... 43

(كتاب الرهن)

كتاب الرهن................................................................ 49

شروط الرهن................................................................ 65

شروط المتعاقدين............................................................. 77

شروط الحق................................................................. 80

شرط الوكالة في الرهن........................................................ 83

ابتياع الرهن................................................................. 87

التصرف في الرهن............................................................ 88

حكم الاستقلال بالاستيفاء................................................... 91

بيع الرهن من أحدهما......................................................... 92

لزوم الرهن وجوازه............................................................ 97

النماء المتجدد............................................................. 101

انتقال الرهانة للوارث........................................................ 101

ضمان المرتهن.............................................................. 103

ص: 597

لو اختلفا في الحق.......................................................... 105

(كتاب الحجر)

كتاب الحجر.............................................................. 113

أسباب الحجر............................................................. 116

أحكام الحجر.............................................................. 118

(كتاب الضمان)

كتاب الضمان............................................................ 133

شروط الضامن............................................................. 136

المال المضمون.............................................................. 148

الاختلاف في الضمان...................................................... 152

(كتاب الحوالة)

كتاب الحوالة.............................................................. 157

شروط الحوالة.............................................................. 160

أحكام الحوالة.............................................................. 164

(كتاب الكفالة)

كتاب الكفالة............................................................. 177

أحكام الكفالة............................................................. 180

(كتاب الصلح)

كتاب الصلح.............................................................. 197

شروط الصلح............................................................. 200

أحكام الصلح............................................................. 206

مسائل في الصلح........................................................... 210

(كتاب الشركة)

كتاب الشركة.............................................................. 229

ص: 598

سبب الشركة.............................................................. 233

المعتبر من الشركة........................................................... 234

أحكام الشركة............................................................. 240

الاختلاف في الشركة....................................................... 242

(كتاب المضاربة)

كتاب المضاربة............................................................. 249

أحكام المضاربة............................................................ 252

(كتاب الوديعة)

كتاب الوديعة............................................................. 273

عقد الوديعة............................................................... 276

حفظ الوديعة.............................................................. 280

ضمان الوديعة............................................................. 282

التنازع في الوديعة........................................................... 304

(كتاب العاريه)

کتاب العارة.............................................................. 307

شروط العارية.............................................................. 312

جواز العارية............................................................... 316

ضمان العارية.............................................................. 318

التنازع في العارية........................................................... 236

(كتاب المزارعة)

كتاب المزارعة.............................................................. 335

عقد المزارعة............................................................... 338

أحكام المزارعة............................................................. 342

الاختلاف في المزارعة....................................................... 352

ص: 599

(كتاب المساقاة)

كتاب المساقاة............................................................. 361

أحكام المساقاة............................................................. 374

(كتاب الإجارة)

كتاب الإجارة............................................................. 383

شروط الإجارة............................................................. 396

أحكام الإجارة............................................................. 400

مسائل في الإجارة.......................................................... 431

(كتاب الوكالة)

كتاب الوكالة.............................................................. 451

عقد الوكالة................................................................ 454

شروط الوكالة.............................................................. 470

التنازع في الوكالة........................................................... 489

(كتاب الشفعة)

كتاب الشفعة............................................................. 493

شروط الشفعه............................................................. 501

أحكام الشفعة............................................................. 508

فسخ الشفعة.............................................................. 517

التنازع في الشفعة........................................................... 530

(كتاب السبق والرماية)

كتاب السبق والرماية....................................................... 535

شروط السبق والرماية....................................................... 548

(كتاب الجعالة)

كتاب الجعالة.............................................................. 567

أحكام الجعالة............................................................. 576

مسائل الجعالة............................................................. 586

ص: 600

تعريف مرکز

بسم الله الرحمن الرحیم
جَاهِدُواْ بِأَمْوَالِكُمْ وَأَنفُسِكُمْ فِي سَبِيلِ اللّهِ ذَلِكُمْ خَيْرٌ لَّكُمْ إِن كُنتُمْ تَعْلَمُونَ
(التوبه : 41)
منذ عدة سنوات حتى الآن ، يقوم مركز القائمية لأبحاث الكمبيوتر بإنتاج برامج الهاتف المحمول والمكتبات الرقمية وتقديمها مجانًا. يحظى هذا المركز بشعبية كبيرة ويدعمه الهدايا والنذور والأوقاف وتخصيص النصيب المبارك للإمام علیه السلام. لمزيد من الخدمة ، يمكنك أيضًا الانضمام إلى الأشخاص الخيريين في المركز أينما كنت.
هل تعلم أن ليس كل مال يستحق أن ينفق على طريق أهل البيت عليهم السلام؟
ولن ينال كل شخص هذا النجاح؟
تهانينا لكم.
رقم البطاقة :
6104-3388-0008-7732
رقم حساب بنك ميلات:
9586839652
رقم حساب شيبا:
IR390120020000009586839652
المسمى: (معهد الغيمية لبحوث الحاسوب).
قم بإيداع مبالغ الهدية الخاصة بك.

عنوان المکتب المرکزي :
أصفهان، شارع عبد الرزاق، سوق حاج محمد جعفر آباده ای، زقاق الشهید محمد حسن التوکلی، الرقم 129، الطبقة الأولی.

عنوان الموقع : : www.ghbook.ir
البرید الالکتروني : Info@ghbook.ir
هاتف المکتب المرکزي 03134490125
هاتف المکتب في طهران 88318722 ـ 021
قسم البیع 09132000109شؤون المستخدمین 09132000109.